العدد 106

Page 1

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪( - ) 106‬‬

‫‪ 27 - 21‬مايو ‪)2013‬‬ ‫‪WWW.miadeen.com‬‬

‫‪)2012‬‬ ‫أكتوبر‪5 -‬‬ ‫العدد (‪) 77‬‬ ‫الثالثة ‪-‬العدد (‬ ‫السنة الثانية‬ ‫نوفمبر‪)2013‬‬ ‫‪ 20‬مايو‬ ‫‪- 14 30‬‬ ‫‪( - () -105‬‬

‫الثمن ‪:‬‬ ‫ديناردينار‬ ‫الثمن ‪:‬‬

‫اآلن ‪ ..‬ليبيا برميل بارود بعد أن كانت برميل نفط فحسب !‬


‫‪02‬‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫ميادين صحيفة ليبية‬ ‫تصدر عن شركة ميادين للنشر وإالعالن والتدريب‬

‫عنوان الصحيفة ‪ :‬بنغازي ‪ /‬ميدان السلفيوم‬ ‫خلف عمارة شركة ليبيا للتأمين ‪ -‬فندق‬ ‫مرحبا سابقا ‪ -‬الدور األول‬

‫‪afaitouri_55@yahoo.com‬‬ ‫‪afaitouri.55@gmail.com‬‬

‫رئيس التحرير‬ ‫أمحد الفيتو ري‬ ‫املدير العام‬ ‫فاطمةغندور‬ ‫مدير إداري وعالقات عامة‬ ‫خليل العرييب‬ ‫‪0619082250‬‬ ‫‪0925856779‬‬ ‫مراسلو ميادين‬ ‫احلسني املسوري ‪ /‬درنة‬ ‫سلوى العالقي‪ /‬الزاوية‬ ‫خدجية االنصاري ‪ /‬اوباري‬ ‫عائشة صوكو ‪ /‬سبها‬

‫إخراج وتنفيذ‬

‫حسني محزة بن عطية‬ ‫طباعة‬ ‫دار النور للطباعة‬

‫االفتتاحية يكتبها‬ ‫‪ :‬أحمد الفيتوري‬


‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫‪03‬‬


‫‪04‬‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬


‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫‪05‬‬


‫‪06‬‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬


‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫‪07‬‬


‫‪08‬‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬


‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫‪09‬‬


‫‪10‬‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫بو كليب يف دفرت‬ ‫الغياب‬

‫ضم���ن برنامج التعاون الثقايف بني مؤسس���ة دار اهلالل‬ ‫املصري���ة ووزارة الثقاف���ة واجملتم���ع املدن���ي مت التوقيع‬ ‫خالل شهر يناير املاضي على اصدار جمموعة قصصية‬ ‫بعنوان "خطوط صغ�ي�رة يف دفرت الغياب" للكاتب اللييب‬ ‫مجع���ة بو كلي���ب‪ ،‬اجملموع���ة تتضم���ن مقتطفات من‬ ‫س�ي�رة ذاتي���ة تس���جل جترب���ة الس���ارد وترص���د حاالته‬ ‫وتقلبات���ه‪ ،‬باحث���ة مالمح وطن حيمله ب�ي�ن جواحنه يف‬ ‫حي���اة املهج���ر‪ ،‬حيث يس���رد ويف حرفية ختيلي���ة عالية‬ ‫طقوس ومناخ احلياة اللندنية وجيمع شخوصا بعضها‬ ‫تنتم���ي إىل نفس املكان التقاها عرض���ا‪ ،‬وتعاطف مع ما‬ ‫تعاني���ه من وحدة وعزلة‪ ،‬وبعضها ممن يش�ت�رك معهم‬ ‫يف رحلة االغرتاب‪.‬‬ ‫تب���دأ اجملموع���ة مبقدمة للكاتب حمم���د الفقيه صاحل‪،‬‬ ‫بعنوان "عن الكتابة ونزيف الغربة" ثم تواترت القصص‬ ‫واليت كانت على الرتتي���ب‪" :‬احلديقة‪ ،‬العجوز والكلب‪،‬‬ ‫س���ؤال قديم دهش���ة جديدة‪ ،‬حمط���ة قط���ارات‪ ،‬أمنية‪،‬‬ ‫سؤال‪ ،‬متاهة‪ ،‬ذاك الصباح الربيعي‪ ،‬بعض من أمنية"‪،‬‬ ‫مجع���ة بوكلي���ب م���ن موالي���د طرابل���س ‪ ،1952‬ب���دأ‬ ‫الكتاب���ة والنش���ر يف منتص���ف الس���بعينيات م���ن القرن‬ ‫املاضي‪ .‬نش���ر قصصه ومقاالت���ه يف الصحف والدوريات‬ ‫الليبية والعربية‪ ،‬صدرت له جمموعة "حكايات من الرب‬ ‫اإلنكليزي"‪.‬‬

‫املقتطف الليبية تتوقف بعد”‪ ”11‬عاما من الصدور‬ ‫الثقايف‪ -‬خاص‬ ‫توقف���ت "املقتط���ف" كأول جمل���ة‬ ‫إلكرتوني���ة ليبي���ة‪ ،‬تص���در م���ن داخل‬ ‫ليبي���ا‪ ،‬ع���ن منش���ورات موق���ع بل���د‬ ‫الطيوب وقال رئيس التحرير الشاعر‬ ‫رامز النويص���ري‪ :‬كانت املقتطف يف‬ ‫البداي���ة نصف ش���هرية تعرض ألهم‬ ‫املناش���ط والربام���ج الثقافية وكانت‬ ‫مص���دراً للكثري م���ن الصحف احمللية‬ ‫والعربي���ة والعاملي���ة‪ ،‬قب���ل أن تتحول‬ ‫لش���هرية عندم���ا ب���دأت العم���ل خارج‬ ‫طرابل���س‪ .‬وبه���ذا التوق���ف س���جلت‬ ‫املقتط���ف " ‪"11‬عام���اً م���ن مس�ي�رتها‪.‬‬ ‫وأول ع���دد ص���در يف ‪15-11-2001‬‬ ‫‪ ،‬وأض���اف النويص���ري‪" :‬األس���باب‬ ‫الرئيس���ية لتوق���ف املقتط���ف ه���و‬ ‫احتياجه���ا جله���د إض���ايف‪ ،‬أجدن���ي ال‬ ‫أس���تطيع توف�ي�ره ب�ي�ن خدم���ة موقع‬ ‫بل���د الطي���وب‪ ،‬والعمل وم���ا حيتاجه‪،‬‬ ‫ومتطلب���ات العائلة‪ ،‬وثاني���اً هو نقص‬ ‫املواد املرسلة للمجلة"‪.‬‬ ‫إدارة اجملل���ة كان���ت تت���م بش���كل‬

‫ش���خصي‪ ،‬مبس���اعدة زوجته القاصة‬ ‫كرمي���ة الفاس���ي‪ ،‬وع���ن موقع���ه‬ ‫االلكرتون���ي املهت���م بالثقاف���ة الليبية‬ ‫"بلد الطيوب" ق���ال النويصري‪ :‬املوقع‬ ‫ي���دار بش���كل ش���خصي من ألف���ه إىل‬ ‫يائ���ه‪ ،‬ومل أتلق حتى الس���اعة أي دعم‬ ‫للموقع‪ ،‬بالرغم من كونه أول موقع‬ ‫لييب ثقايف من داخل ليبيا بدأ مسريته‬ ‫يف ‪ .22-9-2000‬وحقيق���ة كن���ت‬ ‫أحبث عن الدعم لتطوي���ر املوقع لكن‬

‫يف فقده بدأت بتعليم نفس���ي تقنيات‬ ‫جديدة ساعدتين على حتديثه بشكل‬ ‫كب�ي�ر‪ ،‬وأوض���ح النويص���ري ال���كل‬ ‫يتحدث ع���ن النش���ر اإللكرتوني‪ ،‬لكن‬ ‫هذا النش���ر اإللكرتون���ي حيتاج الكثري‬ ‫م���ن األدوات والدعم وه���و ماال يتوفر‬ ‫لن���ا حنن من نعمل بش���كل ش���خصي‪.‬‬ ‫ل���ذا ركزت أكث���ر على نش���ر الكتب‬ ‫إلكرتونياً‪.‬‬

‫قراء يسهرون الليل للحصول على رواية موراكامي‬ ‫الثقايف_رويرتز‬ ‫اصط���ف أكث���ر م���ن ‪ 100‬ش���خص‬ ‫عن���د منتصف اللي���ل أم���ام مكتبة يف‬ ‫طوكي���و متلهف�ي�ن عل���ى احلص���ول‬ ‫على أحدث روايات الياباني هاروكي‬ ‫موراكام���ي واليت طرحت باألس���واق‬ ‫حديث���اً‪ .‬وه���ذه أول رواي���ة يصدره���ا‬ ‫الكات���ب العامل���ي الش���هري من���ذ ثالث���ة‬ ‫أعوام وال���ذي تصدرت أعمال���ه قوائم‬ ‫الروايات األفضل مبيعاً على مس���توى‬ ‫العامل‪.‬‬ ‫وطبع الناش���ر ‪ 600‬ألف نس���خة من‬ ‫رواي���ة "الباه���ت وس���نوات الرتح���ال"‬ ‫ملواجهة الطلب من املعجبني الذين مل‬ ‫تتسرب هلم أي معلومات عن موضوع‬ ‫الكتاب أو قصته‪.‬‬ ‫ويتصدر موراكام���ي قوائم املراهنات‬ ‫بوصف���ه مرش���حاً قوياً جلائ���زة نوبل‬ ‫ل�ل�آداب‪ ،‬وعل���ى الغ�ل�اف اخلارج���ي‬

‫للرواية كت���ب"ذات يوم خاجلين هذا‬ ‫الش���عور وجلس���ت على مكتيب وبدأت‬

‫أكت���ب أول س���طور ه���ذه الرواي���ة"‪،‬‬ ‫وأضاف "ثم لنحو ستة أشهر واصلت‬ ‫كتابة هذه القصة من دون أن أعرف‬ ‫أي ش���يء عم���ا س���يحدث وأي نوع من‬ ‫الناس سيظهر ومدى طول القصة"‪.‬‬ ‫الرواية جاءت يف ثالثة جملدات تقع‬ ‫يف ‪ 370‬صفح���ة وتروي حكاية رجل‬ ‫يف السادس���ة والثالث�ي�ن م���ن عم���ره‬ ‫يدع���ى تس���وكورو تازاك���ي يعش���ق‬ ‫حمطات القطار‪.‬‬ ‫وانتظر املعجبون أمام مكتبة يف وسط‬ ‫طوكيو وابتهجوا عند منتصف الليل‬ ‫عن���د ط���رح الرواية وقض���وا الوقت يف‬ ‫التكهن بش���أن الرواي���ة واحتماالت ما‬ ‫كان موراكامي يفك���ر عندما كان‬ ‫يكتبها‪.‬‬


‫‪11‬‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫هل حنتفل بقراءة الكتب؟‬ ‫الثقايف‪ -‬خاص‬

‫صادف يوم ‪_23‬ابريل‬ ‫املاضي‪ ،‬اليوم العاملي للكتاب‬ ‫وحقوق املؤلف وأعلنت‬ ‫اليونسكو مدينة تايلندا‬ ‫عاصمة عاملية للكتاب للعام‬ ‫‪ ، 2013‬أليس هذا يدعو‬ ‫للتناقض والكاتب جيد‬ ‫صعوبة يف نشر كتبه‪،‬‬ ‫وجيابه املصادرة‪ ،‬الرقابة‪،‬‬ ‫ضعف مستوى الرتمجة من‬ ‫العربية إىل لغات أخرى‪.‬‬ ‫هناك من يرى ان هذا اليوم‬ ‫هو جمرد بروتوكول دولي‬ ‫فقط وال ميد للواقع املعاش‬ ‫بصلة‪ ،‬وآخر ينظر إليها‬ ‫كخطوة مجيلة‪ ،‬ويسأل‬ ‫ما حصة الرتمجة يف العامل‬ ‫العربي؟ هنا اعرتف أصحاب‬ ‫الشأن بأن الكتاب يعيش‬ ‫وضع سيئ‪ ،‬وسنردد شعار‬ ‫اليونسكو ليوم الكتاب العاملي”‬ ‫حنن حنتفل بقراءة الكتب”‬

‫املنظرين‬ ‫والقائمني‬ ‫على املشاهد‬ ‫الثقافية‬ ‫حيرصون على‬ ‫فرض رؤاهم‬ ‫املغلقة فيما‬ ‫الشارع ينتظر‬ ‫شيئًا خمتلفًا‬

‫حممد ميلود غرايف‬

‫صونيا خضر‬

‫الكات��ب خاس��ر‪ ،‬والكت��اب يفتق��د الق��ارئ_ الش��اعر‬ ‫والروائي حممد ميلود غرايف‬ ‫كل أعي���اد الثقافة يف الع���امل العربي من معارض‬ ‫الكتاب حتى اجلوائز الس���نوية مرورا باليوم العاملي‬ ‫للكتاب وحقوق املؤلف يش���وبها الكث�ي�ر من الزيف‬ ‫والتظاه���ر باالحتفال‪ .‬ال لش���يء ألن وضع الكتاب‬ ‫يف العامل العربي وضع مأس���اوي‪ :‬دور النشر أغلبها‬ ‫تفتق���د إىل االحرتافية يف العمل واح�ت�رام الكاتب‪،‬‬ ‫فأغلبها ال تتوفر على جلن���ة للقراءة مهمتها البث‬ ‫يف الكتب الصاحلة للنش���ر حبسب مقياس اجلودة‬ ‫ال غري‪ .‬هي جت���ري خلف الكاتب املش���هور من أجل‬ ‫الرب���ح حت���ى وإن اقرتح عليه���ا هذا األخ�ي�ر كتابا‬ ‫رديئ���ا مثلم���ا نالحظ���ه مع دور نش���ر كب�ي�رة‪ .‬ما‬ ‫معنى أن تطلب منك دار نش���ر ‪ 1200‬دوالرا لنشر‬ ‫كت���اب ال يتجاوز مائة صفح���ة؟ كما أنها تكذب‬ ‫عل���ى الكاتب كأن تقول له إنها توزع يف الكثري من‬ ‫البل���دان‪ ،‬يف حني هي ال توزع إطالقا‪ .‬أغلبها تنتظر‬ ‫معارض الكتاب كي تسوّق املنتوج‪ .‬ليس يف العامل‬ ‫العرب���ي وزارات للثقافة باملعن���ى احلقيقي للكلمة‬ ‫ملس���اعدة دور النش���ر على األقل يف توزي���ع الكتاب‪.‬‬ ‫ناهي���ك عن أن مث���ن الكت���اب يف ارتف���اع متزايد يف‬ ‫جمتمع ال يقرأ‪ .‬اخلاسر األكرب يف كل هذا ليس‬ ‫الكاتب نفس���ه ال���ذي يطب���ع مؤلفاته على حس���ابه‬ ‫اخل���اص‪ ،‬وإمنا القارئ وال ِكتاب معا‪ .‬األول حمروم‬ ‫م���ن ال ِكت���اب والثاني حم���روم من الق���ارئ‪ .‬خطوة‬ ‫اليونس���كو يف ختصيص يوم عاملي للكتاب وحقوق‬ ‫املؤلف خطوة مجيلة طبعا‪ .‬هدفها إعطاء بعد عاملي‬ ‫للكت���اب‪ ،‬وهنا تدخل الرتمجة كفاعل أساس���ي يف‬ ‫العملية‪ ،‬لكن ما حص���ة الرتمجة يف العامل العربي‬ ‫إىل لغ���ات أخرى؟ أين دور احت���ادات الكتاب وبيوت‬ ‫الش���عر ووزارات الثقاف���ة يف التعري���ف بإنتاجه���ا‬ ‫األدبي والفكري لدى القارئ األوروبي واألمريكي‬ ‫واآلس���يوي؟ احلديث عن الكت���اب إذن جيرنا حتما‬ ‫إىل احلدي���ث ع���ن الوض���ع السياس���ي واجملتمع���ي‬ ‫واألخالق���ي واالقتصادي طبعا‪ ،‬فن���درك أن جوهر‬ ‫األزمة بنيوي وشامل ملختلف القطاعات‪ .‬لكن حني‬ ‫نرى أن أموال الصاحل العام تهدر يف شؤون ال تعين‬ ‫املواطن�ي�ن بل حترمهم من حقوقهم األساس���ية يف‬ ‫العيش الكريم‪ ،‬فإننا ندرك أن غياب إرادة حقيقية‬ ‫يف النهوض بشكل عام ليس مرده إهمال اعتباطي‬ ‫لدى القائمني على الش���أن السياس���ي واالقتصادي‬ ‫مبج���ال الثقاف���ة وال ِكتاب وإمنا خمط���ط مقصود‬ ‫من أجل إبعاد القارئ العربي عن القراءة والتعليم‪.‬‬ ‫فجه���ل الش���عوب ه���و رأمس���ال الديكتاتوري���ات‬ ‫واألنظمة الفاسدة‪.‬‬ ‫حري��ة الكتاب��ة والتعبري قضي��ة الكات��ب يف أي مكان_‬ ‫الفنانة التشكيلية ملى حلام‬ ‫معرض الكتاب يقام إللقاء الضوء وتس���ليطه على‬ ‫املش���اكل والعقب���ات اليت تواجه األدي���ب‪ ،‬لتفاديها‪،‬‬ ‫والنج���اح بإم���داد أك�ب�ر ق���در ممك���ن للكت���اب من‬ ‫حرية الكتابة والتأليف والتعبري‪ ،‬وهناك منتديات‬ ‫أدبي���ة ومنابر تقام خصيصاً يف معارض الكتاب‪ ،‬أنا‬ ‫أجد أنه���ا فرصة لطرح األدباء هذه املش���اكل اليت‬

‫عبد الوهاب امللوح‬ ‫تواجههم من حظر أو مصادرة منش���ورات‪ ،‬وضعف‬ ‫حرك���ة الرتمج���ة أو ارتف���اع تكاليفه���ا‪ ..‬مع���رض‬ ‫الكتاب أو اليوم العاملي للكتاب فرصة لنشر الكتب‪،‬‬ ‫وإللقاء الضوء على مشاكل ُ‬ ‫كتاب آخرين ‪.‬‬ ‫س��تضعف الرتمج��ة إىل العربي��ة لضي��ق اخلي��ارات‬ ‫املطروحة_الشاعرة صونيا خضر‬ ‫أرى حال���ة عامة من الفوضى بش���أن ه���ذا املوضوع‬ ‫وضي���اع ب�ي�ن كت���ب ال جت���د طريقها إىل النش���ر‬ ‫وكت���ب متأل رف���وف أماكن البيع ال تغ���ري أحداً‬ ‫باقتنائه���ا‪ .‬يعود هذا إىل ال���ذوق العام الذي فرضت‬ ‫الوصاية علي���ه من قبل املنظري���ن والقائمني على‬ ‫املش���اهد الثقافي���ة الذي���ن حيرصون عل���ى فرض‬ ‫رؤاه���م العالق���ة يف افالكهم املغلقة فيما الش���ارع‬ ‫ينتظر شيئاً جديداً وخمتلفاً‪.‬‬ ‫وبن���ا ًء عل���ى م���ا ذك���ر أع�ل�اه س���تضعف امكانيات‬ ‫الرتمج���ة م���ن العربي���ة إىل لغ���ات أخ���رى لضي���ق‬ ‫اخلي���ارات املطروحة وعدم انس���جامها م���ع الذوق‬ ‫العاملي‪.‬‬ ‫الكت��اب العرب��ي الي��وم مير بأس��وأ مرحل��ة على مجيع‬ ‫االصعدة_ الشاعر عبد الوهاب امللوح‬ ‫رمب���ا إن معان���اة الكت���اب العرب���ي الي���وم لي���س يف‬ ‫املصادرة والرقابة وضعف مستوى الرتمجة يمُ كننا‬ ‫ان نتحدث عن هكذا مشاكل للكتاب العربي لو ان‬ ‫هناك ثقافة وهناك فعل ثقايف فاملتابع اليوم للشأن‬ ‫العربي يكتش���ف تغيي���ب الفعل الثق���ايف‪ ،‬لقد متت‬ ‫مص���ادرة الثقاف���ة ليس مبرس���وم حكوم���ي وليس‬ ‫بأمر من الس���لطة ولكن ضمن توج���ه عام انتجتها‬ ‫التح���والت السياس���ية االخ�ي�رة ما يُس���مى"الربيع‬ ‫العرب���ي" وم���ا يُس���مى"الثورات" ه���ذه االنتفاضات‬ ‫الش���عبية ال�ت�ي وق���ع الس���طو عليه���ا م���ن ط���رف‬ ‫االمريكان والغربيني عموم���ا وأتباعهم يف املنطقة‬ ‫فه���ل ميك���ن ان نتح���دث ع���ن ثقاف���ة اآلن يف ظ���ل‬ ‫اهلجمات ال�ت�ي يتعرض هلا الفك���ر املتحرر والفكر‬ ‫التنويري من طرف االس�ل�اميني الذين ال يؤمنون‬ ‫باإلبداع الفين‪ ،‬وأضاف امللوح‪ :‬الثقافة اليوم مهددة‬ ‫وه���ي مهددة من اكثر م���ن جهة‪ ،‬مهددة ممن هم‬ ‫يف الس���لطة الي���وم ألنه���م ال يؤمنون به���ا كواحد‬ ‫من س���بل االرتقاء اجملتمعي ومه���ددة من املثقفني‬ ‫الذين مازالوا يتعاملون مع الوضع كما يف السابق‬ ‫واغلبه���م يرى فيها برناجما ش���خصيا وليس فعال‬ ‫كوني���ا ومهددة م���ن اخلراج الذي وج���د الفرصة‬ ‫متاح���ة لتدمري اهلوي���ة الثقافي���ة العربي���ة وذلك‬ ‫بتحويلها إىل صراع طائفي سياسي فقط إذا كان‬ ‫هذا ش���أن الثقاف���ة عموما فماذا س���يكون االمر مع‬ ‫الكتاب الذي ه���و مكون من مكونات الثقافة عموما‬ ‫ومكون رئيس���ي‪ .‬وأوض���ح امللوح‪ :‬اعتق���د ان الكتاب‬ ‫العربي اليوم مير بأس���وأ مرحل���ة من مراحله على‬ ‫مجي���ع االصع���دة وع���وض ان حنتف���ل به���ذا اليوم‬ ‫العاملي للكتاب فال بد ان نفكر يف انقاذه ففي الوقت‬ ‫الذي تسجل فيه املواسم الثقافية اعدادا ال تخُ صى‬ ‫من االصدارات االبداعية جن���د ان عدد الكتب اليت‬ ‫تص���در يف الع���امل العربي ال يتج���اوز ‪ 1%‬من هذه‬ ‫االصدارات‪.‬‬

‫ملى حلام‬

‫هيثم حسني‬

‫�ي مغام��رة حيات ّي��ة‪ ،‬مرهقة‬ ‫الكتاب��ة يف الع��امل العرب� ّ‬ ‫ومكلفة_الناقد والروائي هيثم حسني‬ ‫ربمّ ���ا يك���ون احلديث عن حق���وق املؤ ّل���ف يف العامل‬ ‫العرب���ي نوعاً م���ن الرتف الذي مل يصب���ح باملتناول‬ ‫ّ‬ ‫بع���د للكات���ب‪ّ ،‬‬ ‫بأهم ّية القراءة‬ ‫ألن اجلهل الطاغ���ي ّ‬ ‫والكتابة‪ ،‬والنظر إليهما على أساس أ ّنهما من‬ ‫ال�ت�رف ال���ذي ميك���ن تأجيل���ه‪ ،‬ككمال ّي���ات وليس‬ ‫ضروريّ���ات احلي���اة وأساس��� ّياتها‪ ،‬يبق���ي الكاتب يف‬ ‫غرب���ة ع���ن واقع���ه‪ ،‬ويبقي���ه مغامراً يف االس���تمرار‬ ‫يف س���عيه إىل التنوير املنش���ود‪ ،‬وأضاف حس�ي�ن‪ :‬ال‬ ‫ّ‬ ‫ش���ك أ ّنه يس���تحيل حتقيق أيّة نهض���ة دون هذين‬ ‫ّ‬ ‫الفعل�ي�ن العظيمني‪ ،‬وألن الكتابة حلقة صغرية يف‬ ‫خاصاً‬ ‫دورة حيات ّية كربى‪ ،‬فإ ّنها تس���تلزم اهتماماً ّ‬ ‫املؤسس���ات‪ ،‬كي ال يبقى الكاتب غريباً‬ ‫بها من قبل ّ‬ ‫منعز ً‬ ‫ال‪ ،‬وال ّ‬ ‫شك كذلك ّ‬ ‫أي حديث عن ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫أي ربيع‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫مرجت���ى أو َمعيش يظل من باب املفارقة والتحايل‬ ‫يتم إقصاء الكتاب والكاتب‪ ،‬وحني‬ ‫على الذات‪ ،‬حني ّ‬ ‫َ‬ ‫يوض���ع الكات���ب يف ذي���ل س���ّلم األولويّ���ات‪ ،‬وكأ ّنه‬ ‫ميك���ن االس���تغناء عن���ه أو تأجي���ل االلتف���ات إلي���ه‪.‬‬ ‫وم���ن هنا يغدو احلديث عن حقوقه من باب التندّر‬ ‫والطرف���ة‪ ،‬وهذا م���ا يزيد األمل‪ ،‬وحي��� ّز يف النفس‪،‬‬ ‫يتحملون تكاليف نش���ر كتبهم‪،‬‬ ‫فمعظ���م الك ّت���اب ّ‬ ‫ً‬ ‫يتحملها‪ ،‬فإ ّنه ال جيين ش���يئا يكاد يُذكر‬ ‫وم���ن ال‬ ‫ّ‬ ‫منه���ا‪ ،‬أي ّ‬ ‫العرب���ي مغام���رة‬ ‫أن الكتاب���ة يف الع���امل‬ ‫ّ‬ ‫حيات ّية‪ ،‬مرهقة ومكلفة‪ ،‬وس���ط غي���اب أيّة رعاية‬ ‫مؤسسات ّية وتغ ّيب ّ‬ ‫حكومي منشود‪.‬‬ ‫أي دور‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وي���رى حس�ي�ن‪ :‬أن املفارق���ة أيض���اً تأتي م���ن رغبة‬ ‫مقصي‬ ‫مهمش‬ ‫االحتفال بيوم الكتاب وه���و غريب ّ‬ ‫ّ‬ ‫يف حي���اة الكثريين‪ ،‬وكأ ّنه مناس���بة لتأبني الكتاب‬ ‫ال االحتف���اء به‪ ،‬وذلك يف حبر االس���تخفاف بدوره‬ ‫ث���م تأت���ي الرقاب���ات املفروض���ة‪ ،‬س���واء‬ ‫وتأث�ي�ره‪ّ .‬‬ ‫السياس��� ّية أو االجتماع ّي���ة ال�ت�ي تبدو أش���رس من‬ ‫السياس ّية يف بعض األحيان لتزيد من بؤس الكاتب‬ ‫وحتاول س���لبه رأيه وتدفع حنو االغرتاب ّ‬ ‫املركب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حاص�ل�ا طبيع ّياً للقطيعة‬ ‫وتك���ون الرتمجة املغ ّيبة‬ ‫واالنقطاع احلاصلني الواقع ّيني‪.‬‬ ‫وحبسب حس�ي�ن‪ :‬الكاتب يبدو احللقة األضعف يف‬ ‫هذه املس���ألة‪ ،‬والتناقض الس���افر ال���ذي حيياه بني‬ ‫ما ينش���ده ويرنو إليه وما يالقي���ه ويعانيه يتجّلى‬ ‫يف إي�ل�ام ال ينقطع حني الرغبة ع���ن القراءة أ ّو ً‬ ‫ال‪،‬‬ ‫يتحمل‬ ‫وجهل قدر الكاتب وقيمت���ه تالياً‪ ،‬كما أ ّنه‬ ‫ّ‬ ‫الكثري من األعباء يف س���بيل نش���ر رس���الته‪ ،‬وبرغم‬ ‫ذل���ك فإ ّنه ال يطال���ب حبقوقه‪ ،‬وكأ ّن���ه "متواطئ"‬ ‫عل���ى نفس���ه مع التغيي���ب الواق���ع ج��� ّراء عقود من‬ ‫االس���تبداد والتخّل���ف والتهمي���ش‪ ،‬أل ّن���ه يع���ي ّ‬ ‫أن‬ ‫رس���الته أعظم من أن ختتصر يف كلمة أو منحة‪،‬‬ ‫ويؤمن ّ‬ ‫تؤس���س للغد‪ ،‬وأ ّنها ال ب ّد أن تنال‬ ‫أن الكتابة ّ‬ ‫حقوقه���ا ع�ب�ر التنوي���ر والتأث�ي�ر‪ ،‬وتك���ون احلقوق‬ ‫أم���ا املعنويّة فإ ّنها تكتس���ب‬ ‫املا ّديّ���ة ملغ ّي���ة تقريباً‪ّ ،‬‬ ‫بالرتاكم واإلصرار والدأب واملثابرة‪.‬‬


‫‪12‬‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫أناندا ديفي تكتب سريتها عن الرجال والكتابة والعائلة‬ ‫الثقايف‪ -‬خاص‬ ‫يقول ول��ت ويتمان "إن النظر إىل الكاتب‬ ‫ك��ق��ارئ أو إىل ال��ق��ارئ ك��ك��ات��ب‪ ،‬أو إىل‬ ‫الكتاب كإنسان أو إىل اإلن��س��ان ككتاب‪،‬‬ ‫أو إىل العامل كنص أو إىل النص كعامل‪،‬‬ ‫ك��ل ه���ذه األش���ي���اء ل��ي��س��ت س���وى أوص���اف‬ ‫خمتلفة لفن ال��ق��راءة‪ .‬وك��ت��اب " الرجال‬ ‫الذين حيادثونين" للروائية أناندا ديفي_‬ ‫ترمجة‪ :‬د‪.‬شربل داغر_ عن سلسلة إبداعات‬ ‫عاملية‪ ،‬الصادرة عن اجمللس الوطين للثقافة‬ ‫والفنون واآلداب_ الكويت_‪.2012‬‬ ‫شهرزاد اجلزيرة تروي لتنقذ حياتها‬ ‫الكتاب يقدم سرية ذاتية ممتعة ومدهشة‬ ‫يف مدح وحمبة الكتب وال ُكتاب‪ ،‬يف اخليط‬ ‫الفاصل‪ ،‬الواصل بني الكلمات واحلياة‪ ،‬بني‬ ‫الرغبة يف التحرر من كل ما يعيق الذات‬ ‫عن الكتابة‪ .‬وويقول املرتجم شربل داغر"‬ ‫أناندا ال تسرد أحياناً إال مبقدار ما تقرأ‪ ،‬وما‬ ‫جتد يف كلمات غريها من عزاء أو تفسري‪.‬‬ ‫هذا ما يفسر الشواهد واإلح��االت العديدة‬ ‫إىل ُ‬ ‫ك��ت��اب وك��ات��ب��ات م��ن ب�لاد وثقافات‬ ‫ولغات متباعدة‪ ،‬إنها مكتبتها اخلاصة‪ ،‬إنها‬ ‫مكتبتها اخل��اص��ة‪ ،‬ب��ل كتبها ال�تي تبقى‬

‫لصيقة س��ري��ره��ا‪ ،‬أو إىل جانب حاسوبها‬ ‫ال��ن��ق��ال‪ ،‬ك��ت��ب‪ ،‬ب��ل ُ‬ ‫ك��ت��اب مبثابة رف��اق‪،‬‬ ‫وع��ش��اق شرعيني‪ ،‬وأح��ب��ة يف وض��ح النهار‬ ‫كما يف عتمة الكتابة"‪.‬‬ ‫أناندا ديفي من مواليد العام ‪ ،1957‬من‬ ‫جزيرة موريس يف احمليط اهلندي‪ ،‬كان‬ ‫لكتاب "أل���ف ليلة وليلة" أث���ره الكبري يف‬ ‫نشأتها األدبية فقد قرأته وهي يف العاشرة‬ ‫م��ن ع��م��ره��ا وتبينت ف��ي��ه أن يف إم��ك��ان‬ ‫امل���رأة أن " تعيش م��ن أج��ل أن تكتب"‬ ‫م��ث��ل ش���ه���رزاد ال�ت�ي أن��ق��ذت حياتها‬ ‫بالقص " امتلكت حرية يف القول‬ ‫ّ‬ ‫مل تكن ألمي‪ ،‬حني أكتب أشعر‬ ‫بأن أجياال من النساء تقرأ ما‬ ‫أك��ت��ب��ه‪ ،‬إذ أك��ت��ب��ه‪ ،‬واق��ف��ة‬ ‫وراء كتفي"‪ ،‬وتقول عن هذا‬ ‫الكتاب " هذا الكتاب‪ ،‬صنعته من‬ ‫أجلهن"‪.‬‬ ‫من يقرأ الكتاب سيصنفه يف إطار كتابة‬ ‫السرية الذاتية لكاتبة تتحدث عن ذكرياتها‬ ‫مع الكتب اليت أثرت فيها ورواياتها وال ُكتاب‬ ‫الذين أثروا يف مسريتها االبداعية وكيف‬ ‫كانت تشعر وه��ي تقرأ لفرجينيا وولف‬

‫وت�������ون�������ي‬ ‫م���وري���س���ون‬ ‫وول������������ي������������م‬ ‫وإمي�����ي س��ي��زي��ر‬ ‫ف��ول��ك��ن��ر‬ ‫ف��ل��وب�ير وح��ي��ات��ه��ا‬ ‫وغ������وس������ت������اف‬ ‫ك��زوج��ة وأم وانفصاهلا ع��ن زوج��ه��ا بعد‬ ‫سنوات من احلياة املشرتكة وذكرياتها‬

‫ظلي”‪ ..‬حلسام الدين الثين‪:‬‬ ‫“حضرة السيّد ّ‬ ‫ّ‬ ‫سردي‪..‬‬ ‫فاحتة مشروع‬ ‫س ال ّسرد‬ ‫يتل ّب‬ ‫ص صوت فيرتاجع‬ ‫ّ‬ ‫لكل ن وص ّيته‪.‬‬ ‫ص‬ ‫ّ قليدّية‬ ‫فيهبه خ يفته الت‬ ‫ارد بوظ‬ ‫ال ّس‬ ‫جناة إدهان‬ ‫"حض���رة الس��� ّيد ظّل���ي" َّ‬ ‫مؤل���ف اخت���ار صاحبه‬ ‫الكات���ب اللييب حس���ام الدي���ن الث�ن�ي أن يعتربه‬ ‫أدبي‬ ‫جمموع���ة نصوص فال ينس���به إىل جنس ّ‬ ‫مع�ّي�نّ وهو م���ا يفتح ب���اب ال ّنظ���ر يف ال ّنصوص‬ ‫مجيع���ا وحماول���ة الوق���وف عل���ى خصائصه���ا‬ ‫األجناس ّية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ربر هذا ال ّتوصيف هو تقاطع األصوات‬ ‫لعل ما ي ّ‬ ‫���ردي‪ .‬وهو ما مينح َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫املؤلف‬ ‫س‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫واختالف‬ ‫ّ‬ ‫اس���تثنائ ّية‪ .‬إذن مل يكم���ن اخت�ل�اف "حض���رة‬ ‫الس��� ّيد ظّل���ي" يف حبثه عن قضاي���ا مل يطرحها‬ ‫غريه ّ‬ ‫عما يعيش���ه اجملتمع‬ ‫ألن القضايا ال خترج ّ‬ ‫وبال ّتال���ي س���تكون حاض���رة يف ّ‬ ‫كل م���ا يُكت���ب‬ ‫تقريب���ا وإن جم��� ّرد إمياء متى ا ّتص���ل األمر مبا‬ ‫ُس���مى "املس���كوت عن���ه" أو يف جع���ل ال ّنصوص‬ ‫ي ّ‬ ‫أدب���ي واض���ح املعامل ب���ل يف هذه‬ ‫جلن���س‬ ‫���ة‬ ‫وف ّي‬ ‫ّ‬ ‫الس���رديّة التيّ يُنش���ئ بها وحوهلا أحداثا‬ ‫العوامل‬ ‫ّ‬ ‫وشخص ّيات ال يشبه بعضها بعضا‪.‬‬ ‫اجملموع���ة بني َ‬ ‫ّ‬ ‫س���ردي خال���ص كما هو‬ ‫نفس‬ ‫نص "املعّلم" ونفس مس���كون بهاجس‬ ‫احل���ال يف ّ‬ ‫نص‬ ‫حالة بعيدا عن تنضي���د األحداث كما هو ّ‬

‫"منس���ابا خ���ارج ال ّزم���ن" ونفس مس���كون بعامل‬ ‫يب ّ‬ ‫يذك���ر حبكايا األس���اطري واخلرافات‬ ‫عجائ ّ‬ ‫نص يطول بال ّتداعي واالسرتجاع‬ ‫وبينها مجيعا ّ‬ ‫الصور دون‬ ‫(نص س���نفورتي الّلطيفة) فتتو ّل���د ّ‬ ‫ّ‬ ‫لاّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫نت‬ ‫ك‬ ‫أمشي‪.‬‬ ‫نت‬ ‫"ك‬ ‫زمة‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ذات‬ ‫عن‬ ‫خترج‬ ‫أن‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫كالقمر‪".‬‬ ‫ًا‬ ‫د‬ ‫َحي‬ ‫و‬ ‫نت‬ ‫وك‬ ‫يف‬ ‫ني‬ ‫متش‬ ‫ِ‬ ‫إن هذا َّ‬ ‫ّ‬ ‫املؤلف األقرب إىل "اجملموعة القصص ّية"‬ ‫مين���ح قارئه أكثر من متعة‪ :‬متع���ة الّلغة اليت‬ ‫اش���تغل عليها صاحبه���ا فجاءت س���اخرة أحيانا‬ ‫وحاملة فاتنة أحيانا أخرى تدعو إىل اس���تحضار‬ ‫خصائص ال ّتصوير ّ‬ ‫الش ّ‬ ‫السفر بني‬ ‫���عري ومتعة ّ‬ ‫األصوات إذ ّ‬ ‫السرد فيهبه‬ ‫س‬ ‫ب‬ ‫يتل‬ ‫صوت‬ ‫نص‬ ‫لكل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السارد بوظيفته ال ّتقليديّة‬ ‫يرتاجع‬ ‫خصوص ّيته‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مب���ا هو ناقل حدث أو حالة س���واء كان حمايدا‬ ‫أو عليما أو ح ّتى مشاركا ل ُينقل احلكي بصوت‬ ‫يتلّبس ّ‬ ‫الش���خص ّية عل���ى اخت�ل�اف وجوهها يف‬ ‫النص الواحد ودالالت حضورها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وإن كان���ت ملطا ِلع "حضرة الس��� ّيد ظّلي" متعة‬ ‫الس���فر يف هذه العوامل ّ‬ ‫فإن لل ّناقد متعة البحث‬ ‫ّ‬ ‫يف خصائ���ص ال ّنص���وص األجناس��� ّية من جهة‬ ‫ومواق���ف الكات���ب من قضاي���ا انس���ان ّية كثرية‬

‫م���ن جه���ة أخ���رى‪ .‬م���ن ه���ذه القضاي���ا م���ا هو‬ ‫ياس���ي‪ ،‬يعلن سطوة احلاكم‬ ‫الس‬ ‫لصيق بالواقع ّ‬ ‫ّ‬ ‫واخن���راط البع���ض يف تس���ليط عص���اه عل���ى‬ ‫اجتماعي ثق���ا ّ‬ ‫يف وربمّ ا‬ ‫ال��� ّرؤوس ومنها ما ه���و‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفكري يعلن مت ّزق الفرد (حتديدا‬ ‫نصله بالبعد‬ ‫ال ّذكر) بني قوانني اجلماعة وما يشعر به (وأد‬ ‫ّ‬ ‫نص شجرة األنثى) ومنها ما يالمس‬ ‫الطفلة يف ّ‬ ‫الواق���ع مالمس���ة طريفة في ّتخ���ذ احلرف (الم‬ ‫األل���ف) أو ّ‬ ‫الظل (حضرة الس��� ّيد ظّل���ي) ليفتح‬ ‫الس���رد عل���ى ثقاف���ة التم��� ّرد ال ّثابت���ة عند‬ ‫باب ّ‬ ‫البعض رغم تواط���ؤ احمليطني به‪ ..‬وتبقى أقرب‬ ‫ال ّنص���وص إىل احلك���ي مبفهوم���ه األوّل حكاية‬ ‫واحملكي‪..‬‬ ‫اجلدّة باستحضار تفاصيل املكان‬ ‫ّ‬ ‫جمموعة نصوص "حضرة الس��� ّيد ظّلي" َّ‬ ‫مولف‬ ‫طري���ف يعلن والدة َ‬ ‫ّ‬ ‫س���ردي جدي���د لعّله‬ ‫نفس‬ ‫الساحة‬ ‫إليه‬ ‫حتتاج‬ ‫أكرب‬ ‫يكون فاحتة مشروع‬ ‫ّ‬ ‫السرديّة‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫‪......................‬‬ ‫ناقدة تونسية‪2013/04/18 .‬‬

‫م��ع أول ي��وم هل��ا يف شقتها اجل��دي��دة بعد‬ ‫االن���ف���ص���ال‪ ،‬ت��ق��ول أن���ان���دا ع���ن ن��ف��س��ه��ا يف‬ ‫الكتابة" لطاملا أع���دت النظر يف كياني‪،‬‬ ‫مل��اذا أن��ا أم���رأة صامتة يف احل��ي��اة اليومية‪،‬‬ ‫بينما أنا يف الكتابة‪ ،‬أكتب من دون خشية‬ ‫من أي ك��ان"‪ .‬وع��ن رؤيتها لكلمة "رواي��ة‬ ‫ذاتية" تقول أناندا" أنا حذرة من استعمال‬ ‫هذه الكلمة"‪ ،‬وتضيف‪ :‬غري أن كل كتابة‬ ‫رمب��ا ال تعدو كونها غ�ير ذل��ك‪ ،‬متخفية‬ ‫يف ألف شكل وشكل‪ ،‬حتى حني نسعى إىل‬ ‫الكشف اجملنون عن أنفسنا فإننا حنوهلا إىل‬ ‫رواية‪ ،‬أو لعلنا نفهم ذات يوم أنه ليس من‬ ‫الضروري استعمال الشخصيات للعودة إىل‬ ‫أنفسنا‪ ،‬مهما بلغ تعداد ه��ذه الشخصيات‬ ‫فإنها كلها حتمل قسمات وجوهنا‪ ،‬إنها‬ ‫مدموغة من رأسها حتى أقدامها باحلرب‬ ‫الذي يؤلفنا‪.‬‬ ‫بعد أن أصبح العامل قرية عاملية صغرية‬ ‫أصبح بإمكان أناندا أن تتواصل مع ُ‬ ‫كتاب‬ ‫عديدين فتقول‪" :‬كنت أكتب قبل وجود‬ ‫الربيد االلكرتوني يف عزلة تامة‪ ،‬ال أحد‬ ‫كان يقرأ خمطوطات كتيب قبل إرساهلا‬ ‫ب��ال�بري��د إىل ال��ن��اش��ري��ن‪ ،‬اب���ت���داء م��ن ه��ذه‬ ‫اللحظة اليت اتيح لي فيها‪ ،‬بفضل الصلة‬ ‫هذه اجتياز املسافات‪ ،‬انتظمت مراسالتي مع‬ ‫كتاب كثريين‪ ،‬مؤقتني لألسف‪ ،‬مادام أن‬ ‫العامل االفرتاضي خيتفي بالسرعة نفسها‬ ‫اليت يظهر بها"‪.‬‬ ‫يف شقتها اجل��دي��دة ق���ررت إع���ادة ترتيب‬ ‫حياتها‪ ،‬وقتها‪ ،‬معرفة ما تريد وم��ا حتب‬ ‫وات��ف��ق��ت م��ع فرجينيا وول���ف يف كتابها‬ ‫"غ��رف��ة ل��ل��ذات" ع��ن��دم��ا كتبت "جي���ب أن‬ ‫تتوافر للمرأة األموال وغرفة خاصة بها إن‬ ‫كانت تطلب كتابة الروايات"‪.‬‬ ‫يف ه��ذا الكتاب تتحدث أناندا عن الرجال‬ ‫الذين رافقوها يف حياتها كزوجها وأبنائها‬ ‫وأصدقاء محيميني وتقول عنهم يف خامتة‬ ‫كتابها‪ ":‬كنت أود أن أق���ول إن ال��رج��ال‬ ‫ال��ذي��ن حي��ادث��ون�ني ش��ع��روا ب��دوره��م بهذا‬ ‫السحر‪ .‬كان هلذا أن يكون أمجل هدية يف‬ ‫عيد امليالد‪ .‬عيد امليالد ال يزال بعيدا‪ .‬هذه‬ ‫اهلدية تبقى ممكنة ولكن يتعني قبل ذلك‬ ‫اجتياز باب احلديد األمحر الذي مينعنا من‬ ‫ذلك"‪.‬‬


‫‪)2012‬‬ ‫‪ (26- )( 106‬ـ ‪-2‬‬ ‫العدد( ‪59-‬‬ ‫السنة‬ ‫يوليو‪)2013‬‬ ‫يونيو‪ /‬مايو‬ ‫‪27 - 21‬‬ ‫الثانيةالعدد‬ ‫الثالثة ‪-‬‬ ‫السنة‬

‫‪13‬‬


‫‪14‬‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫مقابلة (ميادين)‬ ‫س‪1‬ـ تتش � ّرف ميادي��ن بإج��راء حوار م��ع الروائي‬ ‫واملف ّك��ر اللي�بي إبراهيم الكوني ‪ .‬وقبل كل ش��يء‬ ‫فف��ي (اإلعرتاف��ات) نق��رأ‪" :‬س��أبدأ مبش��روع م��ا‬ ‫ق��ام به أح ٌد من قبل ولن يق��در على تكراره غريي‬ ‫فيم��ا بع��د ‪ "..‬إىل أن يق��ول ‪" :‬أغام��ر بالقول أنه‬ ‫لي��س هناك مثي � ٌل لي على قيد احلي��اة ‪ ،‬وهذا لن‬ ‫يع�ني أن�ني أفض��ل بالض��رورة ‪ ،‬بل إنين م��ن نو ٍع‬ ‫آخر فحس��ب" لعلّك��م تذ ّكرمت تقدي��م جان جاك‬ ‫رس��و نفس��ه يف مذ ّكراته ‪ ،‬حيث يقول ن ّقا ٌد ومنهم‬ ‫ّ‬ ‫خليفة التلّيس��ي أن ليس بإم��كان كتابة املذكرات‬ ‫‪ ،‬ألن اإلنس��ان الش��رقي جمب��و ٌل عل��ى الكتم��ان‬ ‫ولي��س كالغرب��ي املس��يحي ‪ ،‬ويذ ّك��ر غريه��م مبا‬ ‫كتب��ه الغزال��ي عن حمنته م��ن الش� ّ‬ ‫�ك واإلميان ‪.‬‬ ‫هل واجهتم هذه املس��ألة يف كتابتك��م للمذكرات‬ ‫؟ وه��ل م��ا كتبت��م يق��ع حت��ت اإلعرتاف��ات أم أنه‬ ‫ذو ٌذ ع��ن النفس ؟ أم غري ذل��ك باعتبارك روائي ًا ‪،‬‬ ‫والرواية حت��وي نوع ًا من الس�يرة الذاتية باملعنى‬ ‫الفلسفي للذات ؟‬ ‫ـ���ـ يُدهش�ن�ي اخللط الش���ائع ب�ي�ن اإلعرتافات‬ ‫واملذك���رات ‪ .‬والتليس���ي يف مالحظت���ه كان‬ ‫حكيم���اً عندما أش���ار إىل أن ه���ذا اجلنس من‬ ‫الفن هو للروح املس���يحية أنسب ‪ .‬أي أن العّلة‬ ‫ختم‬ ‫ذات ب ُْع��� ٍد دي�ن�ي ‪ .‬وال ُب ْع���د الدي�ن�ي دوم���اً ٌ‬ ‫عميق يف صميم تكوين اإلنس���ان النفسي ‪.‬أي‬ ‫أن اإلنسان املس���يحي عندما يُدلي باإلعرتاف‬ ‫القس���يس إنمّ ���ا مي���ارس الطقس‬ ‫يف حض���رة ّ‬ ‫ضرب من تلك‬ ‫اجملبول بروح الصفق���ة ‪ ،‬ألنه ٌ‬ ‫الص�ل�اة اليت قال عنه���ا "كانط" أ ّنه���ا أمنية‬ ‫للرب وليس���ت عبادة حقيق ّية ‪ .‬ملاذا ؟‬ ‫موجهة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألنه���ا إعال ٌء لش���أن احلرف ال���ذي يمُ يت على‬ ‫حس���اب الروح ال�ت�ي تحُ يي كما يعبرّ س���ادن‬ ‫الديانة املس���يحية القدّيس بولس يف وص ّيته‬ ‫الرائع���ة ‪ .‬ألن أي تطه�ي�ر للضم�ي�ر ميكن أن‬ ‫يتح ّقق باملهزلة اليت يدفع فيها اإلنسان ما ً‬ ‫ال‬ ‫مقابل الفوز ّ‬ ‫غفران يجُريه من قصاص‬ ‫بصك‬ ‫ٍ‬ ‫األبدي���ة َ‬ ‫املنتظرة‪ .‬ملاذا ؟ ألن التوبة احلقيقية‬ ‫جترب���ة أكثر من دموية قد ُت َ‬ ‫ش�ت�رى بنزيف‬ ‫ال���روح ‪ ،‬ولي���س بنزي���ف اجلي���ب ! ونزي���ف‬ ‫ال���روح هو تلك املعاناة اليت تمُ يت يف اإلنس���ان‬ ‫إنس���اناً ل ُتحيي يف اإلنس���ان إنس���اناً آخ���ر‪ .‬إنه‬ ‫ذل���ك البعث الذي ح ّققه القدّيس أوغس���طني‬ ‫املبث���وث يف "إعرتافاته" وال���ذي ّ‬ ‫أهله ألن يغدو‬ ‫قدّيساً‪ .‬وهلذا استهوتين "اعرتافات" أوغسطني‬ ‫لسبب‬ ‫روسو‬ ‫أكثر ّ‬ ‫مما استهوتين "اعرتافات" ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫بسيط وهو أني مل أجد اعرتافات يف اعرتافات‬ ‫روس���و ‪ ،‬ولك�ن�ي وج���دت ّ‬ ‫مذك���رات ‪ .‬جم��� ّرد‬ ‫ّ‬ ‫مذك���رات ترتجم س�ي�رة ال ختتل���ف كثرياً‬ ‫ّ‬ ‫أي م ّنا ‪ .‬أي أ ّنه���ا احتفا ٌء بالذاكرة‬ ‫عن س�ي�رة ٍّ‬ ‫قبل ف���وات األوان ‪ ،‬ألننا كثرياً ما ننس���ى أ ّننا‬ ‫مه���دّدون بفقدان ه���ذا الكنز كّلم���ا تقدّم بنا‬ ‫الزم���ن إىل أم���ام‪ .‬وهو ما ع�ّب�رّ ت عنه جتربة‬ ‫"كانط" الذي خسر املعركة مع هذا البعبع‬ ‫(الزمان) ألن فقدان الذاكرة أدركه قبل أن‬ ‫يدل���ي باعرتاف���ه برغم أن هذا اإلنس���ان كان‬ ‫العبقري���ة الوحيدة يف تاريخ العقل البش���ري‬ ‫ال���ذي اس���تطاع أن يُنج���ز أعظ���م وثيقة على‬

‫املسمى ذاكر ًة‬ ‫اإلطالق يف نش���اط هذا اللغز ّ‬ ‫من خالل "نقد العقل احملض" ‪.‬‬ ‫���ر ٌك اس���تطاع ماركي���ز أن ينجو من‬ ‫وه���و َش َ‬ ‫ش ّره فكتب س�ي�رته يف الوقت املناسب‪ .‬وها هو‬ ‫حييا اليوم بال ذاكرة مس���تعيداً سرية أبطال‬ ‫ملحمته "مائة عام م���ن العزلة" حيث يهاجم‬ ‫داء النس���يان س��� ّكان "ماكون���دو" كأ ّنه الوباء‬ ‫فصاروا يدوّنون كل شيء ليث ّبتوا مدوّناتهم‬ ‫على اجلدران لئلاّ ينس���وا أتفه األش���ياء كأن‬ ‫يفوته���م أن يأكلوا ً‬ ‫مث�ل�ا ‪ ،‬أو أن يغتس���لوا أو‬ ‫أن يقضوا حوائجهم ‪ .‬إنها أمثولة أس���طورية‬ ‫عن قيمة الذاك���رة ‪ ،‬بل ملحمة عن حقيقة‬ ‫ترتصدنا‬ ‫اإلنس���ان كذاكرة ‪ .‬وضياعها بل ّية ّ‬ ‫مجيعاً ‪ ،‬وليس لنا أن ّ‬ ‫نتأخر يف مواجهتها ‪ .‬وال‬ ‫حيلة تس���تطيع أن تجُرينا من‬ ‫أحسب بوجود ٍ‬ ‫هذا املصري الرتاجيدي س���وى مطاردة الزمان‬ ‫املفق���ود (عل���ى طريق���ة مارس���يل بروس���ت)‬ ‫واس���تجالء حقيق���ة املاض���ي يف خفاي���اه ‪ .‬هنا‬ ‫ينتصب الوجه اآلخر للعملة ‪ .‬هنا نتبينّ ال ُب ْعد‬ ‫الثاني للج���دوى من نزيف الذاكرة ‪.‬أنه ب ُْع ٌد‬ ‫ٌّ‬ ‫وج���ودي بامتي���از ‪ ،‬وهو أكثر ما يس���تهويين‬ ‫يف ه���ذه التجربة ‪ .‬ف���إذا كان اإلبداع الروائي‬ ‫ه���و نزيف روح ‪ ،‬فإن نزي���ف الذاكرة هو نو ٌع‬ ‫ضرب م���ن بعث املاضي ‪.‬‬ ‫من تأهي���ل املاضي ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫واملاض���ي هنا ليس جم��� ّرد زم���ان زال ‪ ،‬ولكنه‬ ‫تاريخ ‪ .‬أي جتربة تتك ّتم على جنني ‪ .‬واجلنني‬ ‫ٌ‬ ‫بطبيع���ة ذات ب ُْعد م���زدوَج ‪ :‬ب ُْع ٌد‬ ‫مس���كون‬ ‫هنا‬ ‫ٍ‬ ‫يب وآخ���ر ثقايف ب َ‬ ‫َعد أن نك���ون قد ح ّررناها‬ ‫غي ّ‬ ‫من ب ُْعدها الطبيعي ‪ ،‬ألنن���ا بهذا ال ُب ْعد األخري‬ ‫نذهب إىل املوت كما يعّلم التوحيدي ‪ .‬والبعد‬

‫ٌّ‬ ‫مع���ريف بالطبع ‪ ،‬ولك���ن ال ُب ْعد الغييب‬ ‫الثق���ايف‬ ‫رسالي س���واء أكانت هذه الرسالة ذات هوية‬ ‫دنيوي���ة ‪ ،‬أم أ ّنه���ا ذات س���ج ّية ميتافيزيائية ‪.‬‬ ‫واس���تجواب الزمن الضائع يس���تعري مس���وحاً‬ ‫دينية هلذا السبب ‪ .‬إنه طلب باملدلول الصويف‬ ‫يتضم���ن الت���وق إىل املث���ال فيجود‬ ‫‪ .‬والطل���ب‬ ‫ّ‬ ‫باملعنى الذي ينفي ع���ن املريد َز َل ً‬ ‫ال كامناً يف‬ ‫الض�ل�ال ‪ .‬أي أن الطلب حبث ‪ .‬والبحث مهدّد‬ ‫بالضالل ‪ .‬ولكن ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫شعري‬ ‫جمازي‬ ‫س‬ ‫الوجد ه َو ٌ‬ ‫ربر بالغاية ال بالسبيل ‪ .‬والغاية بالطبع هي‬ ‫مّ‬ ‫احلقيقة ‪ .‬وهلذا يُعل���ن حكيم الطاوية بأعلى‬ ‫"م ْن ع���رف احلقيق���ة يف الصباح ‪ ،‬يف‬ ‫ص���وت‪َ :‬‬ ‫املساء يستطيع أن ميوت!"‪.‬ولكن هل هذا كل‬ ‫شيء ؟ كلاّ ‪ ،‬بالطبع‪ .‬فاحلقيقة ال ُتنال بدون‬ ‫مكوس جس���يمة ‪ .‬وال ُع ْمل���ة الوحيدة املعتمدة‬ ‫ٍ‬ ‫يف نام���وس الصراط ه���ي‪ :‬احلري���ة ! أريد أن‬ ‫أعرتف بأننا نس���تجيب لنزيف الذاكرة ألننا‬ ‫نري���د أن ُنش���بع الظمأ إىل احلري���ة ‪ .‬احلرية‬ ‫حبقيقته���ا الوجودي���ة ال املفه���وم املبت���ذل‬ ‫املختزل يف ال ُب ْعد السياس���ي ‪ ،‬ولكن احلرية يف‬ ‫فضائه���ا الوجودي ‪ ،‬يف فضائها اللاّ نهائي ‪ .‬هل‬ ‫قل���ت ا ّلالنهائي؟ بلى ! احلرية حقيقية فقط‬ ‫يف هذا ال ُب ْعد املس���كون بش���بح اجلنون أو املوت‬ ‫‪ .‬وهلذا كان���ت احلرية ع�ب�ر األزمنة جتربة‬ ‫مميتة ‪ .‬وهي مميتة ألنها شرط ما ال حضور‬ ‫ل���ه يف الواق���ع (برغم أن البع���ض خيلط بينه‬ ‫وبني الواقع) ‪ ،‬وما ال ميكن التعبري عنه باللغة‬ ‫(حبرف اللغة حتديداً) ‪ ،‬وال س���لطان عليه ال‬ ‫للزم���ان وال للمكان ‪ ،‬وه���و‪ :‬احلقيقة ‪ .‬وليس‬ ‫كل من قطع يف السبيل شوطاً بعيداً إ ّ‬ ‫أمام ّ‬ ‫ال‬

‫أن يس���تنطق فحوى زمانه الضائع عن ش���بح‬ ‫هذا الطيف ‪ ،‬ألن البحث يف الزمن الضائع هنا‬ ‫يصري معاد ً‬ ‫ال ش���رع ّياً للتفتيش عن فردوسنا‬ ‫الضائع ‪ ،‬عن فردوسنا األبدي الضائع ‪ ،‬برغم‬ ‫أننا نبتذل قدسية املعنى عندما ال جند حيلة‬ ‫الس���تبدال العبارة باإلس���تعارة فننع���ت املبدأ‬ ‫املستخفي باسم‪ :‬احلقيقة ‪.‬‬ ‫فالس���رد الروائي حقق الوظيفة اإلس���تعارية‬ ‫للتعب�ي�ر ع���ن جترب���ة البح���ث ‪ .‬وه���ي هل���ذا‬ ‫الس���بب م�ت�ن ‪ .‬ولكن هل يش���في امل�ت�ن الغليل‬ ‫ً‬ ‫واقع ثقايف‬ ‫دوما ؟ قد يش���في املنت الغلي���ل يف ٍ‬ ‫كالواق���ع الثقايف يف الغ���رب (أوروبا وأمريكا‬ ‫حتدي���دا) ‪ ،‬ولكن املنت اإلس���تعاري لن يش���في‬ ‫ثقايف كواقعنا بس���بب‬ ‫واق���ع ٍّ‬ ‫غلي���ل املبدع يف ٍ‬ ‫ختّل���ف ال الكي���ف الثق���ايف وح���ده ‪ ،‬ولك���ن‬ ‫بس���بب غياب ال���روح النقدية أيض���اً ‪ .‬والروح‬ ‫النقدي���ة هن���ا ليس���ت باملعنى احل���ريف‪ ،‬ولكن‬ ‫باملفه���وم الكانطي‪ ،‬أي املعريف ؛ ألن النقد بهذا‬ ‫املفهوم ‪ ،‬موقف فلس���في ‪ .‬موقف فلس���في من‬ ‫املسمى‬ ‫الظاهرة الوجودية ‪ ،‬ومن موقع اللغز ّ‬ ‫إنس���اناً يف نط���اق ه���ذه الظاه���رة الوجودية ‪.‬‬ ‫إنه ببس���اطة واقع ثقايف م���ازال يعيش غياب‬ ‫الرؤيا الفلس���فية ‪ .‬وهي حمن���ة مل تكن لتم ّر‬ ‫دون عواق���ب ‪ّ .‬‬ ‫وعل أهم ه���ذه العواقب إغرتاب‬ ‫النص األدبي احلامل للواء الرؤية الفلس���فية‬ ‫ّ‬ ‫اغرتاباً كام ً‬ ‫ال أو ش���به كامل ‪ .‬واألمثلة على‬ ‫النص املكتوب‬ ‫ذلك كثرية مل يك���ن ضح ّيتها ّ‬ ‫بنزي���ف صاح���ب ه���ذا البي���ان وح���ده ‪ ،‬برغم‬ ‫ّ‬ ‫مع�ن�ي اآلن بق���در جتربيت ال�ت�ي وجدت‬ ‫أ ّن���ي‬ ‫ً‬ ‫اعرتافا يف النق���د األوروبّي واألمريكي وحتى‬


‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫وباألخص لق ّراء الصحف وهذا املبدأ‬ ‫قبل كل شيء جيب التنبيه ألني ال أكتب لقاري ٍء َع ُجول ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫َب لي عداوة الصحف ّيني أيض ًا ال يف الشرق العربي وحده ‪ ،‬ولكن يف الغرب أيض ًا‬ ‫هو ما َجل َ‬ ‫اليابان���ي ‪ ،‬يف ح�ي�ن مازالت أص���وات تعلو هنا‬ ‫وهن���اك مس���تنكرة بس���ذاجة خمجل���ة أن‬ ‫قبيلة ‪،‬‬ ‫يض ّي���ع‬ ‫ٌ‬ ‫كات���ب وقت���ه بالكتابة ع���ن ٍ‬ ‫س��� ّيما إذا كانت هذه القبيلة ال وجود هلا يف‬ ‫ٌ‬ ‫أصوات يرثى‬ ‫يقينهم كـ"الط���وارق" !! وهي‬ ‫هل���ا ألنها ال تفض���ح جهلها وحس���ب ‪ ،‬ولكنها‬ ‫تع�ّب�رّ عن عنصريّتها رغماً عنها ‪ .‬فكما يقول‬ ‫اجلنيد‪":‬ل���ون امل���اء من ل���ون اإلن���اء"‪ .‬وهؤالء‬ ‫يربهن���ون قب���ل كل ش���يء عل���ى جهله���م ال‬ ‫الن���ص الروائي ال���ذي مل يقرأوه‬ ‫مبضم���ون‬ ‫ّ‬ ‫يقيناً‬ ‫ّ‬ ‫جهل‬ ‫عن‬ ‫ون‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ألنهم‬ ‫ولكن‬ ‫وحسب‪،‬‬ ‫برّ‬ ‫ٍ‬ ‫مهني بأبس���ط أجبديّات ّ‬ ‫الفن الروائي الذي‬ ‫املرتجم‬ ‫يش�ت�رط أول ما يش�ت�رط ذلك املبدأ َ‬ ‫عما‬ ‫يف وصية تولس���توي الش���هرية‪" :‬أكتب ّ‬ ‫تعرف!" كما جيهلون طبيعة الروح العاملية‬ ‫اليت يتش���دّقون بها يف لغوهم اليومي دون أن‬ ‫يدروا أنها خرافة ما مل تلتزم بالواقع البيئي‬ ‫والثقايف والوج���ودي احملدّد بهويّة إنس���انية‬ ‫يس���مى يف نظري���ة األدب‬ ‫حم���دّدة‪ ،‬أي م���ا‬ ‫ّ‬ ‫ربر نفس���ها‬ ‫بـ"الروح احملّلية" ‪ .‬وهي روح لن ت ّ‬ ‫كمكان ذي مالمح حمدّدة ‪ ،‬وطينة مم ّيزة‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ،‬كسفارة معتمدة لدى عامل يزخر بالتن ّوع‬ ‫‪ ،‬ولك ّنه ال خيون قامساً مش�ت�ركاً أعظم هو‪:‬‬ ‫الطبيعة اإلنسانية الواحدة !‬ ‫ٌ‬ ‫إنس���ان‬ ‫حيزنين ‪ ،‬بل ويُدمي قليب ‪ ،‬أن جيرؤ‬ ‫ثم يُبيح‬ ‫يدّع���ي اإلنتماء إىل احلقل الثقايف ‪ّ ،‬‬ ‫لنفسه أن ينعت مؤ ّلفاتي بانهمامها يف تناول‬ ‫قبيلة ‪ ،‬تل���ك القبيلة العظيم���ة اليت حياول‬ ‫أمث���ال ه���ؤالء اجلهلة أن ّ‬ ‫حيط���وا من قدرها‬ ‫بلهجة حتقرييّة أنها "تارقية" على‬ ‫فيقولون‬ ‫ٍ‬ ‫طريق���ة عنصريّي املش���رق ‪ ،‬كأن الطوارق‬ ‫ليس���وا أناساً ‪ ،‬وليس���وا هويّة ثقافية عرقية ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أص�ل�ا ‪ ،‬فكيف إذا كانوا‬ ‫وطن‬ ‫أو ليس���وا أهل ٍ‬ ‫ه���م أه���ل الوط���ن األصل ّي�ي�ن ال الوافدي���ن‬ ‫أمث���ال هؤالء الذين تأب���ى عنصريّتهم إ ّ‬ ‫ال أن‬ ‫تنفيهم عن الواقع ال الوطين وحسب ‪ ،‬ولكن‬ ‫ع���ن الواقع اإلنس���اني أيضاً ‪ .‬وهو ما يكش���ف‬ ‫ال ع���ن جه���ل ه���ؤالء حبقيقة الوط���ن الذي‬ ‫يتش���دّقون باإلنتم���اء إلي���ه ‪ ،‬ولك���ن جهله���م‬ ‫بقوان�ي�ن األدب ال�ت�ي تقي���س عاملي���ة األدب‬ ‫مب���دى غوص هذا األدب يف روح احملّلي ؛ ألن‬ ‫الصحراء كطبيع���ة عارية قرينة للعدم مل‬ ‫تس���تضف يف ملكوتها‬ ‫تك���ن لتنتج أدب���اً لو مل‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫املس���مى إنس���انا ‪ .‬وكلما كان‬ ‫ذل���ك اللغ���ز‬ ‫ّ‬ ‫هذا اللغ���ز غن ّياً روح ّي���اً ‪ ،‬كّلما ه ّي���أ للمبدع‬ ‫���رص نبش كنوزه ليس���تخرج من أبعادها‬ ‫ُف َ‬ ‫املس���مى يف لغة‬ ‫اجملهول���ة الدرس اإلنس���اني‬ ‫ّ‬ ‫األدب ‪ :‬التحف���ة األدبي���ة ‪ .‬وه���ي مغام���رة ال‬ ‫تتح ّقق عاد ًة ب���دون مثن ‪ .‬واجلدل هو حجر‬ ‫الزاوي���ة يف هذا العراك ‪ .‬فالطلس���م يف اللغز‬ ‫ال يستس���لم بدون مهارة ‪ ،‬والكنز يس���تعصي‬ ‫ب���دون دهاء من ميس���ك باملع���ول ‪ .‬واملهارة إذا‬ ‫كان���ت تقني���ة ‪ ،‬فإن ده���اء املبدع ه���و نزيف‬ ‫كلغز هو هويّة إنسان ّية‬ ‫روح ‪ .‬واإلنسان هنا‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫مس���كون بطبيعة‬ ‫‪ ،‬ولي���س هوية قبل ّية ‪ ،‬ألنه‬ ‫إنس���انية ه���ي ذخريت���ه ‪ ،‬والقبيل���ة احلاملة‬ ‫للس���يماء احملّلية يف الصفقة جم��� ّرد ذريعة‬ ‫لتأكيد هذه الطبيعة اإلنسانية اليت تسكن‬

‫كلاًّ م ّنا ‪ .‬ال تس���كننا وحس���ب ‪ ،‬ولك ّننا نسعى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثري‬ ‫ب���كل حيلة كي نكتش���فها يف اآلخر ‪،‬‬ ‫‪ ،‬اجملهول ‪ّ ،‬‬ ‫املتع���دد األبعاد ‪ ،‬اجملبول بالغيوب‬ ‫‪ ،‬وبالعم���ق اللاّ حم���دود‪ .‬ه���ذه الرحل���ة هي‬ ‫مايس���مى يف نظرية األدب ب���ـ النمذجة ‪ .‬أي‬ ‫ّ‬ ‫حل���م ود ّم (حبضوره‬ ‫التعبري عن‬ ‫ٍ‬ ‫إنس���ان من ٍ‬ ‫يف جم���ال طبيعت���ه احملّلي���ة) م���ع أس���طرته‬ ‫كنموذج ليستعري هوية إنسانية ‪.‬‬ ‫ف���أن أعي���ش متنق ً‬ ‫ال بني عواص���م أوروبا من‬ ‫لثالث���ة‬ ‫أقص���ى ش���رقها إىل أقص���ى غربه���ا‬ ‫ٍ‬ ‫وأربع�ي�ن عام���اً دون أن أكتب حرف���اً روائياً‬ ‫واح���داً على هذه البلدان هو م���ا من ح ّقي أن‬ ‫ٌ‬ ‫بره���ان على ق ّوة اإلنتماء‬ ‫أفخ���ر به ‪ ،‬ألن هذا‬ ‫للهوي���ة الوطني���ة ‪ ،‬وانتص���ا ٌر ن���اد ٌر لقوانني‬ ‫ّ‬ ‫عامل يس���كننا‬ ‫األدب ال�ت�ي حتت���م الكتابة عن ٍ‬ ‫ال ع���ن الع���امل ال���ذي نس���كنه ‪ ،‬وبرغ���م ذلك‬ ‫فإن امللحم���ة القرمانل ّية يف أجزائها الس���تة‬ ‫الضخمة اليت ختت���زل ثالثة قرون كاملة‬ ‫املتوس���ط عموماً‬ ‫م���ن تاري���خ ليبيا ‪ ،‬ح���وض ّ‬ ‫ُ‬ ‫ألقي���ت به يف‬ ‫‪ ،‬كان���ت ق ّف���از التح���دّي الذي‬

‫وج���وه أولئك الذين يُش���يعون يف األوس���اط‬ ‫الثقافية العربية أن الكوني أسري الصحراء ‪.‬‬ ‫ويتعم���د أهل اجلهالة جتاهل رواية األجيال‬ ‫ّ‬ ‫ه���ذه اليت تعبرّ ع���ن مرحل���ة تارخي ّية ثريّة‬ ‫وجمهولة من تاريخ ه���ذا الوطن العريق يف‬ ‫زمن شاء له فيه النظام أن يغرتب ‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫دليل‬ ‫ٍ‬ ‫إم���ا اإلصرار على طمس‬ ‫أمرين ‪ّ :‬‬ ‫عل���ى أحد َ‬ ‫احلقيق���ة عل���ى طريق���ة النظ���ام يف طمس‬ ‫النج���وم ‪ ،‬أو العجز النات���ج عن عداوة أصيلة‬ ‫ض��� ّد جاللة الكتاب ‪ .‬وكالهم���ا وصمة عار‬ ‫يف جبني هؤالء ‪.‬‬ ‫وجعجعة أمثال هؤالء هي اليت تدينهم ‪ ،‬ألن‬ ‫الدليل على أحكامهم املس���بقة إنمّ ا يفضحه‬ ‫الن���ص املبثوث يف عش���رات األعمال الروائية‬ ‫ّ‬ ‫ال���ذي مل حي���دث أن وردت في���ه كلم���ة‬ ‫واح���دة ال عن هويّ���ة القبيلة ‪ ،‬وال عن إس���م‬ ‫القبيل���ة ‪ ،‬وال ع���ن هوية بط���ل روائي ينتمي‬ ‫بالس�ل�الة إىل هوي���ة قبيلة ‪ .‬ه���ذا إذا كانت‬ ‫األم���ة العريقة‬ ‫ح ّق���اً هي قبيل���ة أم أنها تلك ّ‬ ‫ذات التقالي���د الثقافي���ة األصيل���ة اليت روى‬

‫‪15‬‬ ‫ٌ‬ ‫وفريق‬ ‫ع���ن بطوالتها أبو التاري���خ هريودوت‬ ‫خ���ي اليونان القدمية والرومان‬ ‫آخر من مؤ ّر ّ‬ ‫األساطري اليت مل َت ِر ْد على املدى الصحراوي‬ ‫خارج كما َو َر َد عليها هؤالء‬ ‫ّ‬ ‫املسمى ليبيا من ٍ‬ ‫نبتة ثري ً‬ ‫ال ُبله���اء ‪ ،‬ولك ّنها نبتت يف الوط���ن ً‬ ‫ّة‬ ‫ط ّيب���ة بدليل أ ّنها تس���احمت م���ع كل املَِلل‬ ‫الدخيلة فآوتها بني ربوعها كما آو ْ‬ ‫َت أمثال‬ ‫هؤالء الذي���ن ينكرون عليه���ا هويّتها ولغتها‬ ‫ً‬ ‫تعص ٍب‬ ‫وثقافته���ا وح ّتى إمسها‬ ‫تلبي���ة لنداء ّ‬ ‫ّ‬ ‫عنصري يع ّرض هؤالء ال للمس���اءلة‬ ‫عرقي‬ ‫ٍّ‬ ‫األخالقية وحسب ولكن للمساءلة القانونية‬ ‫أيضاً هذه املساءلة القانونية املنصوص عنها‬ ‫يف ميثاق حمفل األمم حول حقوق األقّليات‬ ‫الثقافية ‪.‬‬ ‫س‪2‬ـ ُنش�ير إىل نش��ركم ّ‬ ‫مؤخ��راً للجزئ�ين األول‬ ‫والثان��ي م��ن مذ ّكراتك��م حت��ت عن��وان (عدوس‬ ‫الس � َرى) نستس��محكم ‪ :‬هل باإلم��كان أن ُتعطوا‬ ‫ُّ‬ ‫القاريء دوافعكم لنشرها يف مرحلة مازلتم فيها‬ ‫يف ق ّم��ة عطائك��م ‪ ،‬ألن الع��ادة ج��رت باختتام‬ ‫ال ُك ّتاب ش��غلهم اإلبداع��ي بكتاب��ة املذ ّكرات كما‬ ‫فعل الكولوميب ماركيز ؟‬ ‫ـ الواق���ع أ ّن���ي ت���ردّدت كث�ي�راً قب���ل القي���ام‬ ‫به���ذه املغامرة ‪ .‬وما وضعه���ا موضع التنفيذ‬ ‫ه���و انطالق تلك الش���رارة ال�ت�ي كانت دوماً‬ ‫ض���رورة لرتمج���ة الن ّي���ة إىل فعل ‪ .‬ش���رارة‬ ‫ّ‬ ‫أك���ن هل���م‬ ‫ق���دح زنده���ا ثالث���ة أصدق���اء‬ ‫إكب���اراً جمب���و ً‬ ‫حبب وهم‪ :‬ص�ل�اح فضل ‪،‬‬ ‫ال ّ‬ ‫وأدونيس ‪ ،‬وس���عيد الغامن���ي ‪ ،‬الذين كانوا‬ ‫حي ّفزونين يف كل م ّرة آتي فيها على س���رد‬ ‫إحدى الوقائع يف س�ي�رتي الدنيونية اليت مل‬ ‫أكن ّ‬ ‫ألظن يوماً أنها ميكن أن تتميز بش���يء‬ ‫إنس���ان يف ه���ذا العامل ‪ ،‬ولكن‬ ‫عن جتارب أي‬ ‫ٍ‬ ‫إمجاع فرس���ان فكر من هذا العي���ار النفيس‬ ‫أم���ا الصديق‬ ‫ش���جعين عل���ى اجملازفة‪ّ .‬‬ ‫هو ما ّ‬ ‫األكادميي املعروف عل���ي امحيدة فقد ظلّ‬ ‫يدفعين للقيام بهذا العمل دفعاً منذ س���نوات‬ ‫جي���ل انتمى إليه‬ ‫ليقين���ه بأن ش���هادتي على ٍ‬ ‫أيض���اً س���تكون وثيق���ة ال تارخيية وحس���ب‬ ‫ولكن معرف ّية أيض���اً كفيلة بأن تكون عوناً‬ ‫لألجي���ال الالحق���ة ال�ت�ي مل ت ِع���ش ال العهد‬ ‫امللك���ي وال الس���نوات األوىل حلركة ‪ 69‬وال‬ ‫رحلة‬ ‫إفادة يف ش���أن األم���م اليت عرب ُته���ا يف ٍ‬ ‫عدوس��� ّي ٍة ختت���زل نص���ف قرن م���ن الزمن‬ ‫وتش���مل موقف ش���اهد عيان ألحداث أخرى‬ ‫يف ع���امل ذاك الزم���ان ً‬ ‫بداية حبي���اة الفطرة‬ ‫ً‬ ‫ونهاية بقيام ثورة فرباير‬ ‫بالصحراء الكربى‬ ‫مروراً مبعايش���ة ذروة جم���د األمرباطورية‬ ‫الس���وفييتية واحل���رب األهلي���ة اللبناني���ة‬ ‫وقيام الثورة اإليرانية واندالع فتيل حركة‬ ‫التضام���ن يف بولن���دا ال�ت�ي أش���علت احلريق‬ ‫التهم منظومة املعس���كر اإلش�ت�راكي‬ ‫الذي َ‬ ‫ث���م االنهي���ار الرتاجي���دي لباب���ل األزمن���ة‬ ‫احلديث���ة (اإلحتاد الس���وفيييت) إىل املرحلة‬ ‫السويس���رية ال�ت�ي ش���هدت جترب���ة البع���ث‬ ‫الروح���ي لعاب���ر لي���ل الدنيا هذا؛ ه���ذا برغم‬ ‫خيب���ة أملي يف مذكرات أدب���اء كبار أمثال‬ ‫بابل���و ن�ي�رودا وماركيز ه���ذا إىل جانب عبد‬ ‫الرمحن بدوي على سبيل املثال ‪ .‬حيث تغيب‬ ‫روح التأويل الفلسفي ‪ .‬فرسالة الذاكرة يف‬ ‫نب���ش املاضي ليس���ت بهدف اس���تعادة الزمن‬ ‫الزائ���ل حرف���اً ‪ ،‬ولك���ن روح���اً ‪ .‬أي وج���وب‬ ‫اإلس���تنارة بالرؤيا ‪ ،‬ال الرؤي���ة ‪ .‬إنها اختزال‬ ‫رؤي���وي لتجرب���ة دنيوي���ة يلبيّ ن���داء الظمأ‬


‫‪16‬‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫ه��ذه ه��ي رس��الة األدب من��ذ األزل ‪ ،‬وعمقها هو م��ا اس��توجب اإلحتكام إىل‬ ‫األسطرة اليت كانت شرط ًا لإلبداع منذ أرسطو على املستوى النظري‬ ‫الذي يرتج���م الرؤيا يف الرواية ‪ :‬تلك الرواية‬ ‫اليت يقال أنها ن ّية خفية تسكن قيعان ال وعي‬ ‫كل خمل���وق بش���ري ليس���تودعها ب ْ‬ ‫َص َمت���ه‪.‬‬ ‫بصمة ممهورة حبرب هويته هو ال س���واه ‪ ،‬ألن‬ ‫إرادة أن حنيا تصاحبها إرادة أخرى هي إرادة‬ ‫اخللود ‪ .‬وال يس���تهوينا نيل الزمن الضائع إال‬ ‫ألنه الش���هادة (والش���هادة األخرية) على موت‬ ‫إنسان هو على قيد احلياة !‬ ‫ٍ‬ ‫س ‪ 3‬ـ هل ميكن أن تقدّموا للقاريء العجول قاريء‬ ‫خاص��ة مرحلة‬ ‫الصح��ف حملة عن ه��ذه املذ ّك��رات ّ‬ ‫التكوي��ن األول واملرتك��زات الرئيس��ية يف ه��ذا‬ ‫التكوين ؟‬ ‫ــ قبل كل شيء جيب التنبيه ألني ال أكتب‬ ‫وباألخص لق ّراء الصحف ‪.‬‬ ‫لقاري ٍء َع ُجول ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وهذا املبدأ ه���و ما َج َل َب لي عداوة الصحف ّيني‬ ‫أيض���اً ال يف الش���رق العرب���ي وح���ده ‪ ،‬ولك���ن‬ ‫يف الغ���رب أيض���اً‪ .‬وق���د دخلت يف مع���ارك مع‬ ‫حم��� ّرري كربي���ات الصح���ف األوروبّي���ة‬ ‫يف سويس���را وفرنس���ا وأملاني���ا ‪ ،‬وإيطالي���ا ‪،‬‬ ‫والنمس���ا ‪ ،‬وأمري���كا ‪ ،‬وأخ���رى م���ع فضائيات‬ ‫تلفزيوني���ة وإذاع���ات يف هذه البلدان بس���بب‬ ‫روح اإلس���تهانة اليت يتعام���ل بها الصحف ّيون‬ ‫مع ُ‬ ‫ك ّتاب الكتب ‪ ،‬ح ّتى ّ‬ ‫أن صحفية إيطالية‬ ‫ْ‬ ‫ا ّتصل���ت ب���ي م���راراً ألجيبها عن س���ؤال واحد‬ ‫الحت���ب الصحف ّي�ي�ن ؟" فأجبته���ا‬ ‫ه���و‪" :‬مل���اذا‬ ‫ّ‬ ‫ببس���اطة‪" :‬ألن الصحفي�ي�ن ال حي ّبون الكتب‬ ‫!" ‪ .‬بل���ى! أكث���ر م���ا أعج���ب له هو س���طح ّية‬ ‫الصحفي�ي�ن واس���تخفافهم بالكت���ب ‪ .‬فعالوة‬ ‫على كونهم ال يقرأون إ ّ‬ ‫ال أ ّنهم ال يس���تحون‬ ‫من مطاردة ُ‬ ‫ك ُّتاب الكت���ب ربمّ ا إروا ًء للظمأ‬ ‫اخلالد إىل الفض���ول ‪ ،‬وربمّ ا حبثاً عن أدعياء‬ ‫مناس���بني للع���ب دور النج���وم ‪ .‬والدلي���ل أن‬

‫ْ‬ ‫اس���تنكرت‬ ‫الصحفي���ة اإليطالية ما لبثت أن‬ ‫س���ؤالي فوجدت نفس���ي مضط ّراً أن أستفهم‬ ‫عما إذا كانت قد ْ‬ ‫قرأت لي أي كتاب‬ ‫بيق�ي�ن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫باإليطالية أو ّ‬ ‫بأي لغة أوروبّية أخرى تتقنها‬ ‫كلغة ثاني���ة إىل جانب لغته���ا األمّ‪ ،‬فأجابت‬ ‫س���ألت س���ؤا ً‬ ‫ُ‬ ‫ال صار بالنس���بة‬ ‫بالنفي ‪ .‬عندها‬ ‫لي تقليدياً يف العالقة م���ع الصحفيني‪" :‬عن‬ ‫أي شيء سوف نتحدّث إذا مل يكن املوضوع هو‬ ‫فحوى كتيب ؟ على أرفف املكتبات اإليطالية‬ ‫توجد ثالثة مؤ ّلفات لي بلغتك األ ّم ‪ ،‬ومثانية‬ ‫بلغتك الثانية الفرنس���ية ‪ ،‬وأحد عشر مؤ ّلفاً‬ ‫باألملاني���ة ‪ ،‬وس���بعة باإلجنليزي���ة إخل ‪ّ .‬‬ ‫فبأي‬ ‫ُّ‬ ‫يهمين ومل‬ ‫أم���ر مل ّ‬ ‫ح���ق أدل���ي بتصريح ع���ن ٍ‬ ‫ً‬ ‫يك���ن ليعني�ن�ي يوما ألنه يف نظ���ري عمل من‬ ‫أعجزه���م ّ‬ ‫أي عم���ل كمعبودتك���م األبدي���ة‬ ‫السياسة مث ً‬ ‫ال ؟" ‪ .‬فأهل الصحافة هم من لعب‬ ‫ض ّد الثقاف���ة دوراً ختريب ّياً م���ن خالل نزعة‬ ‫حنو أدّى إىل تسييس‬ ‫تس���ييس األش���ياء على ٍ‬ ‫الع���امل وابت���ذال احلي���اة الدنيوي���ة انتص���اراً‬ ‫جلن���ون يعبد املعلومة ال�ت�ي ال تعين يف الواقع‬ ‫ٍ‬ ‫أحداً ‪ .‬باملقابل تغرتب تلك احلقيقة اليت تنام‬ ‫ُج َد َم ْن يس���تهجن أن‬ ‫يف بط���ون الكت���ب ‪ .‬إذا و ِ‬ ‫تنام احلقيقة يف جوف الكتب فسوف نتسامح‬ ‫ونقول أ ّنها احلكمة اليت تنام يف بطون الكتب‪،‬‬

‫وهو ما ال يس���تطيع أن يُنك���ره أحد ‪ .‬فالقراءة‬ ‫قدس���ي ال‬ ‫طق���س‬ ‫ليس���ت تقني���ة ‪ ،‬ولك ّنه���ا‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫نس���ميه‬ ‫جتل‬ ‫ألنه‬ ‫؟‬ ‫خيتلف عن الصالة ‪ .‬ملاذا‬ ‫ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫تأم ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫يسميه األوائل تفكرا ‪ .‬واحلقيقة‬ ‫ّ‬ ‫ال كما ّ‬ ‫يسميه أساطني احلكمة‬ ‫ال وجود هلا خارج ما ّ‬ ‫املرتجم‬ ‫يف اليونان القدمي���ة‬ ‫ّ‬ ‫النقي" َ‬ ‫بـ"التأمل ّ‬ ‫صوف ّي���اً بـ"التجّلي" واخلاض���ع لتأويل هيجل‬ ‫تأم ٌ‬ ‫���ل" ‪ ،‬ألن ال وجود‬ ‫ث���م ّ‬ ‫يف معادل���ة "ت َو ّح��� ٌد ّ‬ ‫لتأم���ل حقيقي خارج العزل���ة ‪ .‬وهذا املبدأ مل‬ ‫ّ‬ ‫مي ّر ب���دون حصد قرابني ‪ .‬فالنزعة الس���ائدة‬ ‫ع���ن أعمال���ي يف الغ���رب األوروبّ���ي كم���ا يف‬ ‫ق���اس برغم أ ّنه عا ّم‬ ‫الش���رق العربي هو ٌ‬ ‫حكم ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وه���و ‪" :‬كات���ب األدب الصع���ب"‪ .‬وق���د اتصل‬ ‫دارس���ون ُ‬ ‫ك ُثر يريدون حتضري رس���ائل‬ ‫ب���ي ِ‬ ‫علمي���ة ع���ن األعم���ال الروائي���ة ‪ ،‬ولك ّنهم مل‬ ‫جي���دوا تش���جيعاً م���ن أس���اتذتهم املش���رفني‬ ‫على رس���ائلهم بدعوى أني أكتب أدباً صعباً‬ ‫‪ ،‬دون أن أدري أي���ن تكم���ن ه���ذه الصعوب���ة‬ ‫فعل ّي���اً ‪ ،‬ولك���ن الع���زاء أن هؤالء كان���وا أقّلية‬ ‫إذا قورن���وا بأغلبي���ة أخ���رى خاض���ت املغامرة‬ ‫بش���جاعة ‪ .‬وكان م���ن املنطق���ي أن أتس���اءل‬ ‫ّ‬ ‫فتذكرت س���نوات‬ ‫ع���ن حقيق���ة "الصعوب���ة"‬ ‫الدراس���ة مبعه���د غوركي لآلداب مبوس���كو‬ ‫كيف كان الزمالء الروس يصفون أعمالي‬

‫أح���د يقرأ مثل هذه الكتب هذه األيام !" ‪ .‬وقد‬ ‫ملس���ت صدق نبوءته عملياً بع���د ذلك التاريخ‬ ‫بأعوام كثرية يف س���نوات انتقالي للحياة يف‬ ‫ٍ‬ ‫���ح َرة" أيضاً‬ ‫"الس َ‬ ‫غ���رب أوروبّا يف ش���أن رواية ّ‬ ‫ال�ت�ي قال عنها أنه���ا لن ُتقرأ قب���ل مائة عام ‪.‬‬ ‫لتتك ّرر التجربة مع أصدقائي السويس���ريّني‬ ‫وكذل���ك األمل���ان ‪ .‬فف���ي جلس���ة عش���اء م���ع‬ ‫ْ‬ ‫سئلت السؤال‬ ‫مؤسس���ة نشر "لينوس"‬ ‫مديرة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ذاته ‪ .‬وعندما أجبت بأني أقرأ عمل شوبنهاور‬ ‫املرجع���ي املتع���دّد األج���زاء‪" :‬الع���امل كإرادة‬ ‫وتص��� ّور" اس���تنكرت امل���رأة بس���ؤال‪" :‬كي���ف‬ ‫تس���تطيع أن تق���رأ ش���وبنهاور ؟" ‪ّ .‬‬ ‫تذك���رت‬ ‫ً‬ ‫قائ�ل�ا بأ ّني‬ ‫جترب�ت�ي م���ع ج�ل�ال فابتس���مت‬ ‫ثم ما‬ ‫‪.‬‬ ‫كش���عر‬ ‫أق���رأه ال كفلس���فة ‪ ،‬ولك���ن‬ ‫ّ‬ ‫لب���ث أن تك��� ّرر ذل���ك تالياً يف ن���دوة أقيمت يف‬ ‫فرانكف���ورت منتصف التس���عينات عن إحدى‬ ‫أعمالي الروائية ‪ .‬وعند انتهاء الندوة تقدّمت‬ ‫م�ّن�يّ صحف ّي���ة أملان ّي���ة لتخربني ب���أن األملان‬ ‫م���ا ع���ادوا يق���رأون كل الفالس���فة الذي���ن‬ ‫ُ‬ ‫استش���هدت به���م يف مداخليت مث���ل كانط ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أو نيتش���ة ‪ ،‬أو فيخ ِت���ه ‪ ،‬أو ش���يلينج أو هيغل ‪.‬‬ ‫أَ‬ ‫ال يع�ن�ي هذا أن القراءة مت��� ّر مبحنة عاملية ‪،‬‬ ‫والكتاب مهدّد بالزوال س ّيما بعد صعود جنم‬ ‫ذلك اجلهاز الذي ميأل رؤوس���نا بقمامة غري‬ ‫معن ّيني بها هي املعلوم���ة ليوهمنا بأ ّنه يُهدي‬ ‫لن���ا ثقافة كانت من���ذ األزل رهين���ة معاناة‬ ‫تأمل ّية ؟ ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وم���ا يُقال ع���ن حمنة الق���راءة يص���دُق على‬ ‫الن���ص ال���ذي تطلب���ه م�ّن�يّ ‪ ،‬ألن‬ ‫تلخي���ص‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األفضل أال نقرأ الكتاب على اإلطالق من أن‬

‫ٌ‬ ‫تزييف للكتب ‪ ،‬ومن شاء أن يعرف احلقيقة‬ ‫اخلالصة أن تلخيص الكتب هو‬ ‫يضحي ‪ ،‬ألن الكتب كاحلسناء‬ ‫اليت تنام يف بطون الكتب فليس له إ ّال أن ّ‬ ‫اليت ال تهب نفسها ملعشو ٍق مل يهبها وقته‬

‫نقرأ ّ‬ ‫ملخصاً لكتاب‪ .‬التلخيص بدعة تغريب‬ ‫القصصي���ة املب ّك���رة بالصعوبة أيض���اً دون أن روح ختت���زل فكرة ‪ .‬وهو ما ع�ّب�رّ عنه فلوبري‬ ‫أعرتف باإلتهام أو أجد له س���نداً ‪ .‬ومل ينّبهين عندم���ا ُس���ئل ع���ن مضم���ون "م���دام بوفاري"‬ ‫إىل الس��� ّر س���وى صديقي املستش���رق األملاني فأج���اب ب���أن اجلواب يس���تدعي من���ه كتابة‬ ‫هارمتوت فيندريخ عندما قال لي تعليقاً على الرواية من جديد ‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫تزيي���ف‬ ‫إحدى رواياتي أنها صعبة وال تستجيب لروح اخلالص���ة أن تلخي���ص الكت���ب ه���و‬ ‫أناس عامل اليوم الذي ال يرى يف األدب سوى للكت���ب ‪ ،‬ومن ش���اء أن يع���رف احلقيقة اليت‬ ‫تس���لية ! وق���د اس���تف ّزني هذا ال���رأي ّ‬ ‫ألذكر تن���ام يف بطون الكتب فليس له إ ّ‬ ‫يضحي‬ ‫ال أن ّ‬ ‫ً‬ ‫الرج���ل بتقالي���د األدب األوروبّ���ي إمج���اال ‪ ، ،‬ألن الكتب كاحلس���ناء اليت ال تهب نفس���ها‬ ‫ً‬ ‫ملعش���وق مل يهبه���ا وقت���ه ‪ .‬وعلين���ا أ ّ‬ ‫يوم‬ ‫واألملاني حتديداً ‪ ،‬الذي مل يكن‬ ‫ال ننس���ى‬ ‫تسلية يف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫ة‬ ‫قاسي‬ ‫ة‬ ‫ورسال‬ ‫من األيام ‪ ،‬ولك ّنه رسالة ‪،‬‬ ‫أن الفض���ول إذا كان قصاص���ا غ ّربن���ا ع���ن‬ ‫ً‬ ‫‪ .‬فهل األدب الكالس���يكي جم ّرد تس���لية ؟ هذا الفردوس ّ‬ ‫معرفة !‬ ‫فإن الثمن كان‬ ‫يع�ن�ي أن كاتباً مثل جويس ل���ن يُك َت َب له أن س‪ 4‬ـ أث��ار الروائ��ي التش��يكي كوندي��را مس��ألة‬ ‫مس��اه البلدان الصغ�يرة وهو‬ ‫يُقرأ يف واقع اليوم ‪ ،‬وكذلك األمر بالنس���بة أن يك��ون املبدع ّ‬ ‫مم��ا ّ‬ ‫ألدب بروس���ت ‪ .‬والنبوءة القاسية أن ما يبقى التش��يكي ال��ذي يعلّق عل��ى رقبته ه��ذا اجلرس ‪.‬‬ ‫م���ن هذي���ن النموذجني هو اإلس���م وحس���ب ‪ .‬أنت اللي�بي ‪ ،‬و ُمعينك الروائي الصحراء الكربى ‪.‬‬ ‫فمنذ ثالثني عاماً كنت مع صديقي القديم ماذا يعين لك ذلك ؟‬ ‫جالل املاشطة يف جلس���ة باملركز اإلعالمي ــ يروق البع���ض أن يتغ ّنى بعب���ارة "مجال ّيات‬ ‫باخلارجية الس���وفيي ّتية ليس���تفهم ّ‬ ‫عما أقرأ امل���كان" حتى صارت هذه الرتنيم���ة يف واقعنا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بأني‬ ‫أجبته‬ ‫وقتها ‪ ،‬ومل يخُ ِف دهش���ته عندما‬ ‫ً‬ ‫الثقايف نش���ازا موسيقيا خاويا من املعنى ‪ .‬فال‬ ‫منش���غل يف إلته���ام أج���زاء ملحمة بروس���ت مجال للمكان س���وى ُحس���ن الظاهرة امل ّيت ما‬ ‫ْ‬ ‫"البح���ث عن الزم���ن الضائع" اليت‬ ‫تس���احمت مل يع���زف لنا حلناً آخر بعي���داً قريناً ملعزوفة‬ ‫بفع���ل‬ ‫بإصداره���ا‬ ‫األيديولوجي���ا فس���محت‬ ‫األف�ل�اك العليا اليت قال أفالطون أنها هي ما‬ ‫ّ‬ ‫اإلنفت���اح األخ�ي�ر ‪ .‬وق���د س���ألت الصديق عن‬ ‫ُ‬ ‫ثم جاء‬ ‫نغم‬ ‫موس���يقي أصيل ‪ّ .‬‬ ‫ٍّ‬ ‫يفتننا يف كل ٍ‬ ‫يزد أن ردّد كأ ّنه يبوح بنبوءة‪" :‬ال نيتشة ّ‬ ‫ليؤكدعليها يف "ميالد الرتاجيديا من‬ ‫السبب فلم ِ‬


‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫مسألة ما يتعلّق‬ ‫باألوطان اليت أثارها‬ ‫ري‬ ‫كونديرا فاملبدع كب ٌ‬ ‫حبجم األسئلة اليت‬ ‫يطرحها يف أدبه ال‬ ‫باإلنتماء إىل حجم‬ ‫بلده صغرياً كان أم‬ ‫كبرياً‬ ‫روح املوس���يقى" مستشهداً باعرتاف شيّللر يف‬ ‫جتربته الشعرية القائلة بأن الوحي الشعري‬ ‫موس���يقي نا ٍء ‪ .‬وهو‬ ‫كلحن‬ ‫يولد يف خم ّيلته‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫م���ا يلهمن���ا العالقة ب�ي�ن النب ّوة والش���عر ‪ ،‬أو‬ ‫ّ‬ ‫والف���ن عموماً ‪َ ،‬‬ ‫املربه���ن عنه من‬ ‫ب�ي�ن النب ّوة‬ ‫لاّ‬ ‫خ�ل�ال ع ّرافات معبد دلف���ى ال ئي ال جتري‬ ‫ألس���نتهن إ ّ‬ ‫ّ‬ ‫أما أهلي يف‬ ‫النبوءة على‬ ‫ال ِشعراً ‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫الصح���راء الكربى فيدلل���ون على صدق هذه‬ ‫املوضوعة بتأكيد ميالد النبوءة كمعزوفة‬ ‫مثيلة لص���وت النحلة عندم���ا يرقدون على‬ ‫أضرحة األس�ل�اف طلب���اً لوصية أو طمعاً يف‬ ‫غائ���ب طال انتظ���اره ‪ ،‬فال‬ ‫تل ّقي رس���الة من‬ ‫ٍ‬ ‫يتن��� ّزل اإلهلام يف قل���ب املُريد إ ّ‬ ‫ال يف الس���ياق‬ ‫املنصوص عنه يف النغمة املوسيق ّية ‪ .‬وأحسب‬ ‫أن ه���ذه مقدّم���ة ضروري���ة لفه���م حقيق���ة‬ ‫برمت���ه ‪ ،‬ال يف جم���ال‬ ‫اجلم���ال يف الوج���ود ّ‬ ‫الفن���ون وحده ‪ .‬وهو م���ا ّ‬ ‫يؤهلنا إلعادة النظر‬ ‫ملتبس كاملكان ‪ :‬املكان املس���تخدم‬ ‫مفهوم‬ ‫يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫روائي على سبيل املثال ‪ .‬وهو‬ ‫لعمل‬ ‫كمسرح‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ال يك���ون مكان���اً مجالي���اً ّ‬ ‫يس���توف‬ ‫حبق ما مل‬ ‫ِ‬ ‫ش���روط اإلس���تعارة املس���توجبة ّ‬ ‫م���كان‬ ‫ألي‬ ‫ٍ‬ ‫الروائي حتديداً ‪ .‬فال ُب َلهاء‬ ‫إبداع���ي ‪ ،‬وللمكان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وحده���م يتو ّقف���ون عن���د ح���دود الظاه���رة‬ ‫يف امل���كان ّ‬ ‫مكان‬ ‫ليتوهم���وا أ ّن���ي أكت���ب ع���ن ٍ‬ ‫كحرف م���كان ‪ ،‬أي كظاهرة هلا حضو ٌر يف‬ ‫يف كالصح���راء الكربى إمجا ً‬ ‫جم���ال جغرا ّ‬ ‫ال‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ،‬أو الصح���راء الليبي���ة حتدي���داً‪ .‬وه���و جهلٌ‬ ‫مخُ جل س���وف يرت ّتب عنه ٌ‬ ‫جهل أفظع عندما‬ ‫يعتقد أمثال هؤالء أن ِّ‬ ‫الظالل اليت تسرح يف‬ ‫هذا امل���كان ‪،‬ل ُتثقل كاه���ل األرض يف املكان ‪،‬‬ ‫هم هويّة ِعرق ّية حمدّدة ‪ ،‬أمازيغ ّية حتديداً ‪،‬‬ ‫ّات أخرى عرقية‬ ‫برغم أن ّ‬ ‫النص حيفل بهوي ٍ‬ ‫‪ ،‬وحيواني���ة ‪ ،‬ونباتي���ة ‪ ،‬ومجادي���ة ‪ ،‬وحت���ى‬ ‫هويّات روحي���ة ح ّققت معج���زة التح ّرر من‬ ‫ُقمقم اجلس���د لتس���كن اخللوة األبدية ‪ ،‬وهم‬ ‫العامة‬ ‫أمسيهم أهل اخلفاء ‪ ،‬ويل ّقبهم ّ‬ ‫الذين ّ‬ ‫ّ‬ ‫اجل���ن ‪ .‬وأري���د اآلن أن أُطمئ���ن أه���ل‬ ‫بإس���م‬ ‫اجلهال���ة (إن كان م���ا يتش���دّقون ب���ه جم ّرد‬ ‫جهال���ة ولي���س ش���روراً أس���وأ ألف م��� ّرة من‬ ‫اجلهال���ة) ب���أن الصح���راء اليت أكت���ب عنها‬ ‫ه���ي جم ّرد ُح ّجة وليس���ت م���كان ‪ .‬الصحراء‬ ‫هن���ا إس���تعارة ‪ ،‬وليس���ت موقع���اً جغرافي���اً له‬ ‫حض���و ٌر على خارط���ة الكرة األرضي���ة ‪ .‬إنها‬ ‫تلع���ب دوراً جمازياً مرادفاً للوج���ود ‪ :‬الوجود‬ ‫اإلنساني على كوكب األرض ‪ .‬وجو ٌد يبدو‬

‫‪17‬‬

‫لغزاً بقدر م���ا تبدو الصحراء لغزاً ‪ ،‬مس���كوناً ع���د ٌم ‪ .‬غياب املعنى تيه ‪ ،‬واحلياة يف الصحراء تكون جتربتنا األدبية والفلسفية والوجودية‬ ‫ٌ‬ ‫إنس���ان مرم���و ٌز له تي��� ٌه ‪ ،‬اهلويّ���ة اإلنس���انية كخالف���ة هلل يف بث���را ٍء يتوافق مع مدى عمق نزيف مثل هذه‬ ‫بلغ���ز آخ���ر هو اإلنس���ان ‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫الصحراوي األس���ئلة الوجودي���ة فينا ؛ هذه األس���ئلة اليت‬ ‫ّ‬ ‫بغموض األرض أحجية ‪ ،‬وهويّة الرتحال‬ ‫الوجودي‬ ‫الواقع‬ ‫هذا‬ ‫يس���كنون‬ ‫بقوم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫عالمة ه���ي الرديف الرمزي لرحلة البحث عن اهلل ‪ .‬مل تكتمل ما مل تت ّوج بس���ؤالني إثنني ‪ :‬س���ؤال‬ ‫بلث���ام صار هلم ب�ي�ن األمم‬ ‫عن���ه‬ ‫معبرَّ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الرب والظم���أ األبدي الذي هو قدر الصحراوي هو املوت ‪ ،‬وسؤال اإلميان بوجود اهلل !‬ ‫ال ختتل���ف عن العالم���ة اليت وضعه���ا ّ‬ ‫للس���لف قابيل لكي ال يقتل���ه ّ‬ ‫ه���ذه النزع���ة ه���ي م���ا ع�ّب�رّ ت عن���ه الس��� ّيدة‬ ‫وجده ظمأ اإلنسانية إىل احلقيقة ‪.‬‬ ‫كل َم ْن َ‬ ‫كما يرد يف سفر التكوين ‪ .‬وهلذا فأهل املكان وهذا ليس ّ‬ ‫كل ش���يء يف حزمة الرموز سواء زوم���رر صاحب���ة دار نش���ر "لين���وس" عندما‬ ‫ق���رأت خمطوطة "اجمل���وس" بع���د ترمجتها‬ ‫حج���ة ‪ .‬إس���تعارة للقبيلة اإلنس���انية على املستوى الوجودي أو الديين ‪.‬‬ ‫أيض���اً ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫كّله���ا ‪ ،‬وما أمازيغ الصح���راء ‪ ،‬أو طوارقها ‪ ،‬يق���ول النقد األجن�ب�ي ّ‬ ‫أن فضيل�ت�ي تكمن يف إىل األملاني���ة منذ أربعة عش���ر عام���ا لتتصل‬ ‫ً‬ ‫قائل���ة ‪" :‬هذه ليس���ت ملحم���ة الصحراء‬ ‫سوى ذريعة جمازيّة لتربير القبيلة األمشل هويّ�ت�ي ال�ت�ي اس���تطاعت أن تق���ود إىل األدب ب���ي‬ ‫وقت‬ ‫يف‬ ‫اإلنس���انية"‬ ‫ملحم���ة‬ ‫ه���ذه‬ ‫‪.‬‬ ‫الك�ب�رى‬ ‫قريب‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ،‬ألننا ال نستهدف إنساناً حمدّداً عندما نكتب واق���اً جغرافي���اً جديداً كان إىل ٍ‬ ‫وق���ت ٍ‬ ‫يف األدب عن هذا اإلنسان أوذاك ‪ ،‬ولكننا نعبرّ جمهو ً‬ ‫ال يف خارطة ّ‬ ‫فن الرواية وهو الصحراء س���بق احتف���اء النق���د األوروبّ���ي به���ذا العمل‬ ‫ّ‬ ‫يس���تحق يف العربية بدعوى‬ ‫عن النموذج الذي مي ّثله هذا اإلنس���ان يف هذا ‪ .‬وأحس���ب أنه نق ٌد مازال على جهله حبقيقة الذي مل جيد ما‬ ‫امل���كان ؛ نعبرّ عن الطبيعة يف اإلنس���ان ‪ .‬نعبرّ الصح���راء اجملازية يف ّ‬ ‫كل م���ا كتبت ‪ .‬وهو تل���ك التهمة اليت ترتج���م الصعوبة املزعومة‬ ‫ٌ‬ ‫جهل آخر يش���اركهم فيه العوا ّم الذين دأبوا ‪ ،‬برغم أن صدور ه���ذا العمل بالعربية كان‬ ‫ع���ن طبيع���ة اإلنس���ان يف ه���ذا اإلنس���ان ‪ .‬بل‬ ‫جل احل���دث الذي مل يكن ل َيع�ُب�رُ عبثاً‬ ‫سؤال صار بالتكرار تقليدياً يف ّ‬ ‫واقع مل‬ ‫يف‬ ‫طرح‬ ‫على‬ ‫نعبرّ عن طبيعة اإلنس���انية يف ه���ذا النموذج‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اإلنس���اني ‪ .‬وهو ما يعين أننا بالطبيعة كّلنا الن���دوات اليت ُن ّظمت عن أعمالي الروائية يف يش���هد بعد غياب َ‬ ‫س���د َنة معبد النقد العربي‬ ‫أن���اس مهما اختلفت طباعنا ‪ ،‬أو ألس���نتنا ‪ ،‬أو أوروبا وأمريكا وهو ‪" :‬كيف يستطيع روائي عام ‪ 1991‬كم���ا هو احلال اليوم فإذا بعميد‬

‫واق���ع أبعد ما يكون عن الصحراء‬ ‫ألوانن���ا ‪ ،‬أو مواهبن���ا ‪ ،‬أو أعراقن���ا ‪ .‬وغم���وض أن حييا يف ٍ‬ ‫ثم‬ ‫النفس البش���رية لغز مستعار من وحدة هذه كأوروبّ���ا طوال عقود وعق���ود من الزمن ّ‬ ‫ال يكت���ب إ ّ‬ ‫ُ‬ ‫وكنت‬ ‫ال عن ه���ذه الصح���راء ؟" ‪.‬‬ ‫الطبيعة اإلنسانية اليت تسكننا ‪.‬‬ ‫ه���ذه هي رس���الة األدب من���ذ األزل ‪ ،‬وعمقها دوم���اً أكاف���ح ك���ي اُفه���م ه���ؤالء أن حرف‬ ‫يهم هو ّ‬ ‫ظل‬ ‫هو ما اس���توجب اإلحتكام إىل األس���طرة اليت امل���كان ليس َه ّم املبدع ‪ ،‬ولك���ن ما ّ‬ ‫كان���ت ش���رطاً لإلب���داع من���ذ أرس���طو على املكان ‪ .‬ألننا لس���نا معن ّي�ي�ن يف الواقع بالرؤية‬ ‫املس���توى النظري ‪ ،‬كما كانت هوية األدب ‪ ،‬ولك���ن بالرؤيا ‪ .‬وكن���ت ومازلت ال ّ‬ ‫أمل من‬ ‫قبل أرس���طو ضمناً ‪ .‬وجلجامش ‪ ،‬أو اإللياذة ترديد وص ّية القدّيس بولس يف هذا الش���أن‪:‬‬ ‫‪ ،‬أو اإلني���اذة أك�ب�ر دلي���ل عل���ى ه���ذه الروح "حن���ن غري ناظرين إىل األش���ياء ال�ت�ي ُت َرى ‪،‬‬ ‫األسطورية اليت تس���كن األدب لتربهن على ولكن إىل األش���ياء اليت ال ُت َرى ؛ ألن األش���ياء‬ ‫أن األدب يف األس���اس أس���طرة ‪ .‬ف���إن خال���ف ال�ت�ي ُت���رى وقت ّية ‪ ،‬أما األش���ياء ال�ت�ي ال ُترى‬ ‫ه���ذا القانون فلن يك���ون أدباً ‪ .‬م���ن هنا كان بإبديّة"‪ .‬هذا يربهن للم��� ّرة األلف أن اإلبداع‬ ‫ً‬ ‫لواقع تراجيدي ال حضور له‬ ‫اإلحت���كام إىل ه���ذه الس���احة ض���رورة ألن���ه رص ٌد تراجيدي ٍ‬ ‫اس���تجابة ل���روح األحجي���ة ‪ .‬ل���روح اللغز يف يف امل���كان ‪ ،‬وال يف الظاهرة ‪ ،‬ولكنه يس���كن ما‬ ‫إنس���ان يتح��� ّرك يف متاه���ة صحراوية حبثاً‬ ‫أمسية‪ :‬ال ُب ْعد املفقود يف لغز الوجود !‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عن املعنى ‪ ،‬وعن اهلوية ‪ ،‬وعن حقيقة املوت ‪ :‬اخلالصة أننا معن ّيون بالصحراء اليت تسكننا‬ ‫وهمنا هو لغز اإلنسان الذي يسكننا ‪ .‬وسوف‬ ‫املوت عد ٌم ‪ ،‬والصحراء (باملفهوم الكالسيكي) ‪ّ ،‬‬

‫النق���د العربي ش���كري ع ّي���اد يتناوله من هذا‬ ‫اجلانب أيضاً يف الدراسات األربع اليت نشرها‬ ‫عن "اجملوس" على حلقات يف جمّلة "اهلالل"‬ ‫املصري���ة ‪ .‬قبل رحيله ‪ ،‬وقب���ل أن ترتجم إىل‬ ‫األملانية ليتناوهلا املف ّكر السويسري بدراسته‬ ‫اليت نش���رتها س���بع صحف سويس���رية بعدد‬ ‫وقت واحد إحتفا ًء بعمل‬ ‫األحد األسبوعي يف ٍ‬ ‫أدبي اس���تثنائي جدير جبائ���زة نوبل لآلداب‬ ‫كما اختتم دراسته ‪.‬‬ ‫فالنظ���رة الش���ائعة للصح���راء جمبول���ة‬ ‫باس���تهانة خف ّي���ة س��� ّيما يف عقلية اإلنس���ان‬ ‫الش���رقي الغري���ب ع���ن الثقاف���ة البيئي���ة ‪.‬‬ ‫يب ‪ ،‬ألننا‬ ‫فاملوقف من الطبيعة يف أوطاننا سل ّ‬ ‫ع���ن مفهوم مث���ل وح���دة الكائن���ات يف غياب‬ ‫‪ .‬وه���ي قضي���ة مطروح���ة يف كل الرواي���ات‬ ‫وق���ت مل تغ���دو فيه مش���كلة البيئة قضية‬ ‫يف ٍ‬ ‫الس���اعة حتى يف الغرب نفسه ‪ ،‬أي إىل تاريخ‬


‫‪18‬‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫سياسة مصادرة كتيب يف ليبيا فكانت ممنهجة ومطلقة ‪ .‬بدأت بـ”نقد ندوة‬ ‫الفكر الثوري” وانتهت “بالورم” كآخر كتاب صدر قبل زوال النظام وبلغ‬ ‫ا ُ‬ ‫خلبث بالسلطات أن تتظاهر بطبع أعمالي ضمن ّ‬ ‫خطة وزارة الثقافة‬ ‫نش���ر "نزيف احلجر" و "الترب" ألول م ّرة منذ‬ ‫ربع قرن مضى ‪ .‬فالصحراء بالنسبة ألجيال‬ ‫األزمنة احلديثة ليس���ت جما ً‬ ‫ال بيئياً مسكوناً‬ ‫بكائن���ات طبيعي���ة ‪ ،‬ولكنه يف مفه���وم اجليل‬ ‫ٍ‬ ‫فراغ ‪ .‬وكونه فراغ يعين أنه ُمباح ‪ .‬هذا برغم‬ ‫أن���ه يف الواقع ليس عاملاً‬ ‫مس���توف للش���روط‬ ‫ٍ‬ ‫البيئي���ة وحس���ب ‪ ،‬ولكنه جمتم���ع ‪ :‬جمتمع‬ ‫مم ّي���ز أيض���اً ‪ ،‬ألن���ه اجملتم���ع الوحي���د الذي‬ ‫تتح ّق���ق يف ربوع���ه أعجوبة متاهي اإلنس���ان‬ ‫نس���ميها وح���دة الكائنات ‪،‬‬ ‫بالطبيع���ة وال�ت�ي ّ‬ ‫كم���ا ال تتح ّقق يف اجملتمع العمراني املنغلق‬ ‫عل���ى نفس���ه ‪ .‬فف���ي الصح���راء فق���ط تلتئم‬ ‫الس���ماء ب���األرض يف طقس العش���ق احلميم‬ ‫والالحم���دود ‪ .‬يف األرض تتج���اور الكائن���ات‬ ‫كلها‪ :‬اإلنس���ان واحلي���وان ‪ ،‬النبات واجلماد ‪.‬‬ ‫الرياح واألرواح ‪ .‬وكّلهم يف فيوض الشمس‬ ‫وم ْن يس���مع أه���ل الصحراء وهم‬ ‫يس���بحون ‪َ .‬‬ ‫يتحدّث���ون عن أقرانهم من أهل اخلفاء (على‬ ‫تسامح‬ ‫سبيل املثال) بروح اليقني ‪ ،‬وبأرحيية‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫عفوي ‪ ،‬س���وف يدرك كم ه���و ُخ ُل ٌق نبيل أن‬ ‫يتحّل���ى اب���ن آدم بذل���ك الضرب م���ن اإلميان‬ ‫الذي جيعله يرى نفس���ه على األرض دخي ً‬ ‫ال‬ ‫‪ ،‬أو ضيف���اً عابراً ‪ ،‬باملقارن���ة مع تلك الكائنات‬ ‫يس���ميها أهل العمران أش���باحاً ‪،‬‬ ‫اخلف ّية اليت ّ‬ ‫حتى أنهم ينفون وجودها لتبقى يف خمياهلم‬ ‫جم ّرد خرافات !‬ ‫ناموس صح���راوي كان‬ ‫ه���ذه العقلية ه���ي‬ ‫ٌ‬ ‫ج���دل‬ ‫من���ذ األزل م���ع ال ُع���رف العمران���ي يف‬ ‫ٍ‬ ‫قديم ‪ ،‬ألنه وليد اإلنقس���ام الدرامي يف جسد‬ ‫اجلنس البشري يرجع جبذوره إىل األرومة‬ ‫األوىل ‪ :‬انقس���ام القبيل���ة اإلنس���انية إىل أهل‬ ‫رحيل يقابلهم يف اجلانب اآلخر أهل استقرار‬ ‫ٍ‬ ‫‪ .‬إنقس���ا ٌم كان م���ن نتيجت���ه اح�ت�راف املّل���ة‬ ‫احلرفة ‪.‬‬ ‫العمرانية لدين احلرف َ‬ ‫املرتجم يف ِ‬ ‫هذه احلرفة اليت مل يكن بوسع املّلة الراحلة‬ ‫أن حترتفها بس���بب حياة األس���فار ‪ .‬وملّا كان‬ ‫َ‬ ‫قدر اإلنس���ان أن يفعل بنفس���ه ش���يئاً يف دنيا‬ ‫امللل ‪ ،‬لذا كان من الطبيعي أن يبحث إنسان‬ ‫رحلة هي‬ ‫الرحيل عن دمية أخرى تس���ّليه يف ٍ‬ ‫باطل األباطيل يقين���اً ‪ ،‬ولكن امتيازها يكمن‬ ‫يف كونها جتربة حرية باملقارنة مع جتربة‬ ‫املّلة األخرى ‪ .‬وه���ي جتربة حرية ألنها نتاج‬ ‫الطبيع���ة األ ّم ‪ .‬واحل ّري���ة املعادي���ة للحرف���ة‬ ‫ً‬ ‫حرف���ة ‪ ،‬ولكنها تنتج نب���وء ًة ‪ .‬نبوءة‬ ‫ل���ن تنتج‬ ‫تب���دو بال ج���دوى يف حمي���ط تل���ك الطبيعة‬ ‫ً‬ ‫حرية ‪ ،‬ول���ذا ال ب ّد أن تنزل من‬ ‫ال�ت�ي تتن ّفس‬ ‫عرش���ها إىل حضي���ض اإلس���تقرار يف س���بيل‬ ‫تأكيد رس���التها كنبوءة ‪ .‬ولكن احلضيض‬ ‫األرض���ي ليس مضياف���اً يف ّ‬ ‫حق النب���وآت ‪ ،‬بل‬ ‫هو ُمع���ا ٍد بطبيعته ّ‬ ‫لكل م���ا يرفض اإلعرتاف‬ ‫بالظاه���رة دين ّي���اً فيبدأ نزاع ينته���ي بتغريب‬ ‫الضيف الدخيل ‪ ،‬فإن تصدّى فسوف يع ّرض‬ ‫نفس���ه لصن���وف ذل���ك اإلضطه���اد ال���ذي ال‬ ‫ينعك���س يف الع���داوة التقليدي���ة ب�ي�ن هاتني‬ ‫املّلت�ي�ن ‪ ،‬ولكنن���ا جن���ده مرتمجاً يف الش���كوى‬ ‫اخلالدة من استحالة تنفيذ الرؤيا السماوية‬

‫يف حضيض الواقع األرضي ‪.‬‬ ‫أما يف مس���ألة ما يتعّلق باألوطان اليت أثارها‬ ‫ّ‬ ‫ري حبجم األسئلة اليت‬ ‫كونديرا فاملبدع كب ٌ‬ ‫يطرحها يف أدب���ه ال باإلنتماء إىل حجم بلده‬ ‫صغرياً كان أم كبرياً ‪ .‬وقيمة هذه األس���ئلة‬ ‫هي اليت حت���دّد هويّته احلقيق ّي���ة ‪ .‬هي جواز‬ ‫سفره احلقيقي ‪ ،‬وليس جواز السفر املستعار‬ ‫من اهلوي���ة الوطنية ‪ .‬والدليل أن رائد اآلداب‬ ‫ينتم إىل أثينا‬ ‫يف كل األزمنة هومريوس مل ِ‬ ‫وال إىل اس���بارطة ‪ ،‬ولك ّن���ه باهلوية انتمى إىل‬ ‫أصغر قري���ة يف اليونان القدمي���ة مازالت يف‬ ‫ً‬ ‫جمهول���ة برغ���م تن���ازع كل مدن‬ ‫احلقيق���ة‬ ‫اليون���ان تالي���اً‬ ‫ً‬ ‫حماولة إثبات ش���رف إنتمائه‬ ‫ٌ‬ ‫دلي���ل آخ���ر مس���تعار م���ن األزمن���ة‬ ‫إليه���ا ‪.‬‬ ‫احلديثة ‪ .‬فأصغر أوطان العامل أجنب أكرب‬ ‫روائ ّيي القرن العشرين ‪ :‬الوطن هو ايسلندا ‪،‬‬ ‫الكسنيس !‬ ‫واملبدع هو‬ ‫ّ‬ ‫هوي���ة املبدع ‪ ،‬إذاً ‪ ،‬أدب���ه ‪ ،‬وليس هوية وطنه ‪.‬‬ ‫بل العكس هو الصحيح‪ :‬فكثرياً ما كان إسم‬ ‫الكات���ب هو هوي���ة الوط���ن ‪ .‬أال ّ‬ ‫تؤكد وصية‬ ‫أس�ل�افنا ه���ذا عندم���ا تق���ول‪" :‬ف���ارس حييي‬ ‫قبيلة ‪ ،‬لكن قبيلة ما حتيي فارس!" ؟‬ ‫س‪ 5‬ـ درس��ت يف اإلتحّ ��اد الس��وفييتيّ ‪ .‬ربط��ك‬ ‫البعض باملاركسية ‪ .‬ما حقيقة ذلك ؟‬ ‫ـ ال أنكر تعاطفي مع املاركس���ية يف جتربيت‬ ‫الدنيوي���ة يف ذل���ك الزم���ن ال���ذي كان في���ه‬ ‫ه���ذا الفك���ر ف���ارس العص���ر ال يف ارتباط���ه‬ ‫بالش���يوعية كنظ���ام سياس���ي ‪ ،‬ولك���ن ألنه‬

‫فك��� ٌر يس���اري ‪ .‬لق���د كان من���ذ نص���ف قرن‬ ‫ّ‬ ‫القش���ة اليت تعاطف معه���ا كل مريد عدالة‬ ‫قبل أن نكتش���ف غي���اب العدال���ة يف ّ‬ ‫نظام‬ ‫أي ٍ‬ ‫أرضي ‪ ،‬فكيف بالنظام السياس���ي ؟ واألنسب‬ ‫ّ‬ ‫أن أق���ول أن���ي كن���ت صاحب موق���ف نقدي‬ ‫ال م���ن الفكر املاركس���ي وحس���ب ‪ ،‬ولكن من‬ ‫الفكر اليساري إمجا ً‬ ‫تأملت يف اجلزء‬ ‫ال ‪ .‬وقد ّ‬ ‫���رى)‬ ‫األول من نزيف الذاكرة (عدوس ُّ‬ ‫الس َ‬ ‫عبارة س���يمون دي بوفوار القائل���ة بأن املبدع‬ ‫يف عصرن���ا ال مي���ك إ ّ‬ ‫ال أن يكون يس���ارياً ‪ ،‬وال‬ ‫أن���وي أن أك ّرر هن���ا تأويل���ي ذاك ‪ .‬يكفي أن‬ ‫أق���ول أن ال���روح اليس���ارية اس���تجابة ملوقف‬ ‫َم ْن ّ‬ ‫فض���ل أن يتخّلى عن العامل ليتف ّرج على‬ ‫املهزلة الدنيوية من وراء حجاب ‪ .‬وهو موقفٌ‬ ‫نق���دي بالطب���ع برغم كونه موقف مش���اهد‬ ‫‪ .‬أال حي ّثن���ا إم���ام احلكم���ة أفالط���ون عل���ى‬ ‫خي���ار مش���اهدة املس���رحية يف مقاب���ل موقف‬ ‫البهلوانات اليت تلعب دوراً يف املسرحية ؟ !‬ ‫س‪ 6‬ـ أن��ت مواط��ن سويس��ري ‪ .‬م��ا ال��ذي يش � ّكله‬ ‫هذا يف عاملك الس��ردي وكتاباتك الروائية ؟ وهل‬ ‫يساهم وجودك يف سويسرا يف ترمجتك مث ًال ؟‬ ‫ـ ال أرى أي عالقة بني املواطنة واإلبداع ‪ ،‬ألن‬ ‫وطن املبدع احلقيقي هو إبداعه كما أسلفنا‬ ‫‪ .‬وإبداعه هو ش���هادة حس���ن السرية والسلوك‬ ‫ّ‬ ‫املتحضر بسواها ‪ ،‬برغم‬ ‫اليت ال يعرتف العامل‬ ‫أنه���ا يف بل��� ٍد كليبيا ليس���ت ً‬ ‫تهمة وحس���ب ‪،‬‬ ‫حج���ة للني���ل م���ن املب���دع ‪ :‬النيل من‬ ‫ولك ّنه���ا ّ‬ ‫املبدع سياسياً وثقافياً وأخالقياً وشعبياً ‪ .‬وهو‬

‫ع���ا ٌر يف جبني أمم التخّل���ف قبل أن يكون عار‬ ‫األنظم���ة القائم���ة عل���ى أمره���ا ‪ .‬وإذا كنت‬ ‫ُ‬ ‫وعملت‬ ‫قد درس���ت يف اإلحت���اد الس���وفييتيّ ‪،‬‬ ‫يف بل��� ٍد كبولن���دا ‪ ،‬ثم انتهى ب���ي املطاف إىل‬ ‫سويس���را ‪ ،‬فإن���ي ال أمل���ك إ ّ‬ ‫ال أن أعرتف ّ‬ ‫لكل‬ ‫بل ٍد من تلك البل���دان بفضل ‪ :‬تعّلمت التقنية‬ ‫مبعهد غوركي مبوس���كو ألعبرّ عن امتناني‬ ‫ضح���ى كثرياً‬ ‫لذل���ك الش���عب العظيم الذي ّ‬ ‫ك���ي يعّل���م املع���ارف ألبن���اء عاملن���ا الثال���ث ‪،‬‬ ‫وكذل���ك إلتحّ ���اد الك ّت���اب الس���وفييت الذي‬ ‫علي‬ ‫جاد على ش���خصي مبنحة دراسية خبل ّ‬ ‫به���ا النظام يف بلدي ‪ ،‬برغ���م أنه مل يبخل بها‬ ‫ح ّتى على األغراب ! كما مل أندم على عملي‬ ‫ببولوني���ا ألنه���ا كانت بالنس���بة لي اجلحيم‬ ‫الذي على املرء أن يعربه كي يبعث يف نفسه‬ ‫أما سويسرا فقد جئتها ملداواة‬ ‫ميالده الثاني ‪ّ .‬‬ ‫جراح التجربة الدموية اليت عشتها يف بولندا‬ ‫اليت ترجع دمويّتها ال لبولندا ‪ ،‬ولكن لطبيعة‬ ‫العم���ل مع اإلدارة الليبية س��� ّيما إذا تولىّ أمر‬ ‫املؤسسة إنس���ان انتمى إىل مّلة املث ّقفني‬ ‫هذه ّ‬ ‫الفاشلني أمثال كامل املقهور أو املُخرب بشري‬ ‫اهلامشي ‪ :‬األخري كان مس���ئو ً‬ ‫ال عن مصادرة‬ ‫كل كت�ب�ي ال�ت�ي أعقب���ت "نقد ن���دوة الفكر‬ ‫الث���وري" (املصادَر منذ ع���ام ‪ 70‬م) إبّان تو ّليه‬ ‫دائ���رة املطبوعات ‪ ،‬واألول كان مس���ئو ً‬ ‫ال عن‬ ‫ُ‬ ‫قفل أبواب أول مطبوعة ثقافية عربية قمت‬ ‫بتأسيسها يف قلب املعس���كر الشيوعي ببولندا‬ ‫ال���وزر وأحياني من حيث ّ‬ ‫ظن‬ ‫‪ ،‬فح ّررني من ِ‬ ‫ّ‬ ‫أنه أماتين ‪ ،‬ألني مل أغسل يدي من العمل مع‬ ‫الليب ّيني ألستعيد عافييت الروحية والفكرية‬ ‫واجلس���دية إ ّ‬ ‫ال عندم���ا خلوت إىل نفس���ي يف‬ ‫مرتفع���ات فوروبيوف���ا مبوس���كو ب�ي�ن ‪1986‬‬ ‫و‪ 1993‬منقطع���اً ع���ن الع���امل وع���ن العائلة‬ ‫وعن ّ‬ ‫إنسي مستأنساً بالطبيعة‬ ‫كل‬ ‫خملوق ّ‬ ‫ٍ‬ ‫األ ّم وحده���ا ‪ّ .‬‬ ‫وعل أكرب دلي���ل على حضور‬ ‫نصي ال يف ش���خصي هو موقف‬ ‫حقيق�ت�ي يف ّ‬


‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫منذ عام ‪ 1965‬عندما كنت حم ّرراً جبريدة "ف ّزان" التابعة لوزارة الثقافة امللكية‬ ‫مبعاش يتقاضاه أي مواطن لييب حسب مؤ ّهالته العلمية وخربته الزمنية ؟ هذا‬ ‫ٍ‬ ‫الكل ثروة ‪ ،‬أم أنه يف كل األعراف جم ّرد ُق ْوت ؟ اليقني أنه ٌ‬ ‫املعاش الذي يتقاضاه ّ‬ ‫قوت‬ ‫ّ‬ ‫يطمئن إليها منذ‬ ‫النظام م���ن كتيب اليت مل‬ ‫حرق كت���اب "نقد ندوة الفك���ر الثوري" إىل‬ ‫آخ���ر يوم من حياة النظام ‪ ،‬ألنه يعي أن مبدأ‬ ‫احلرية ال���ذي يتخّل���ل كل مؤلفاتي س���وا ًء‬ ‫يف ب ُْع���ده الوجودي أو السياس���ي أو الغييب هو‬ ‫جي���ل دأب النظام على‬ ‫اخلط���ر األكرب على ٍ‬ ‫قت���ل أحالم���ه ‪ .‬هذه األحالم ال�ت�ي مل تكن يف‬ ‫كل األعراف سوى قتل صاحب احللم نفسه‬ ‫‪ ،‬ألن إنس���اناً بال حلم هو جس ٌد بال روح ! وهو‬ ‫املوضوع الذي كان حمور هديّيت إىل شهداء‬ ‫فرباير ‪" :‬فرسان األحالم القتيلة" ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كنت مرتجمَ ���اً إىل اللغة‬ ‫أما الرتمج���ة فقد‬ ‫ّ‬ ‫الروسية منذ عام ‪ ، 1973‬ومتوني القصصية‬ ‫مرتمجة بلغات اإلحتاد الس���وفييتيّ وش���رق‬ ‫أوروبّ���ا م���ع منتص���ف الس���بعين ّيات أيض���اً ‪،‬‬ ‫ويف بولن���دا من���ذ ع���ام ‪81‬م‪ ،‬وباإلجنليزي���ة‬ ‫ْ‬ ‫إعتمدت دور‬ ‫والرتكي���ة منذ عام ‪ ، 82‬وق���د‬ ‫النشر يف سويسرا ُخطط نشر أعمالي باللغة‬ ‫األملانية قبل وصولي إىل سويسرا ‪.‬‬ ‫�اركت أن��ا يف الن��دوة ال�تي كان��ت ح��ول‬ ‫س‪ 7‬ـ ش� ُ‬ ‫أعمال��ك الروائي��ة ال�تي أقامته��ا جامعة س��بها‬ ‫�ت ع��ن مص��ادرة كتب��ك من‬ ‫من��ذ س��نوات ‪ ،‬حتدّث� َ‬ ‫ِق َب��ل النظ��ام يف تل��ك الن��دوة ‪ ،‬ه��ذه الكت��ب مل‬ ‫تك��ن تذكرها ‪ :‬م��ا عالقتك مباضي��ك اإلبداعي‬ ‫والشخصي ؟‬ ‫ـ سياس���ة مص���ادرة كت�ب�ي يف ليبي���ا فكان���ت‬ ‫ممنهج���ة ومطلقة ‪ .‬بدأت بـ"نقد ندوة الفكر‬ ‫الثوري" وانتهت "بالورم" كآخر كتاب صدر‬ ‫قبل زوال النظام وبلغ ُ‬ ‫اخلبث بالس���لطات أن‬ ‫تتظاه���ر بطب���ع أعمالي ضمن ّ‬ ‫خط���ة وزارة‬ ‫الثقافة ‪ ،‬ولكنها حتج���ب الكتب املطبوعة يف‬ ‫ظلمات املخازن ‪ .‬وأصحاب مكتبات احلاضرة‬ ‫ش���هو ٌد على هذا اإلحتيال ألن الوزارة كانت‬ ‫ترفض طلباتهم بش���أن ش���راء الكتب يف ّ‬ ‫كل‬ ‫م��� ّرة حاول���وا فيه���ا اقتناءها بقص���د التوزيع‬ ‫َ‬ ‫مفارقة بع���د كل ه���ذا أن يأتي من‬ ‫‪ .‬ألي���س‬ ‫ّ‬ ‫يدّع���ي أن���ي يف هدنة م���ع النظام السياس���ي‬ ‫القائ���م ؟ هل ياترى ألنه���م ال يقرأون الكتب‬ ‫ألمر يف نفس‬ ‫‪ ،‬أم ألنه���م يقولون م���ا يقولون ٍ‬ ‫يعقوب ؟‬ ‫س‪ 8‬ـ ليب ّيت��ك يربطها البع��ض ببزوغك ككاتب‬ ‫وبعالقتك بالنظام السياس��ي ‪ .‬ه��ل هلذا أي أثر‬ ‫يف كون��ك الروائي إبراهيم الكون��ي ؟ وما حقيقة‬ ‫ذل��ك ؟ ومل��اذا هذا اللغ��ط حول ه��ذه العالقة ‪ ،‬وما‬ ‫دوافع الالغطني كما ترى ؟‬ ‫لغ���ط ؟ ه���ل هو ٌ‬‫لغ���ط أم ه���و هذي���ان ؟ هو‬ ‫هذي���ان ال يُثري إ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ال الغثيان ‪ ،‬حتى أني أش���عر‬ ‫هلؤالء بأش��� ّد اخلجل ‪ ،‬ألنه���م بهذيانهم إمنا‬ ‫يرتمج���ون ما بأنفس���هم ه���م ‪ ،‬فيحاولون أن‬ ‫يلصقوا ما بأنفس���هم باألغي���ار ظ ّناً منهم أن‬ ‫ه���ذا الزي���ف ميك���ن أن يع ّزيه���م يف حمنتهم‬ ‫األخالقية واملهنية ‪ :‬األخالقية هي ممارس���ة‬ ‫الكيد والكذب ‪ ،‬واملهنية هي تربير فشلهم يف‬ ‫العم���ل ‪ ،‬ألن "ل���ون املاء من ل���ون اإلناء" كما‬ ‫يعّلمنا ُ‬ ‫اجل َنيد ‪ .‬وها حنن نس���تحي هلم وهم‬ ‫ّ‬ ‫ال يس���تحون ‪ .‬ويب���دو ّ‬ ‫أن ترفع���ي عن النزول‬

‫إىل أحاضيضه���م ط���وال األع���وام املاضي���ة‬ ‫ش���جعهم فإذا بهم يتم���ادون إىل احل ّد‬ ‫هو ما ّ‬ ‫ال���ذي يع ّرضه���م للمس���اءلة القانون ّي���ة إىل‬ ‫جانب املس���اءلة األخالقي���ة ‪ .‬وها هم يتبارون‬ ‫يف التعب�ي�ر ع���ن جهله���م بأنفس���هم قب���ل أن‬ ‫يع�ّب�رّ وا بهذيانه���م ع���ن جهلهم مب���ا كتبت‬ ‫ومبا أكتب ؛ ولو عرفوا أنفس���هم كما جيب‬ ‫ألدركوا أن احلقيقة سوف تفضحهم ‪ ،‬ألنها‬ ‫يف حلفه���ا مع التاريخ س���وف تعرف طريقها‬ ‫ال أم آج ً‬ ‫إىل ال َع َلن عاج ً‬ ‫ال ‪ .‬ولكن التاريخ يأبى‬ ‫إّ‬ ‫ال أن يعي���د نفس���ه يف ّ‬ ‫كل م��� ّرة فيربهن���وا‬ ‫كما برهن رعاع الناصرة يوم تنازل املسيح‬ ‫لينزل ديارهم فس���خروا منه ورمجوه ليعلن‬ ‫لنيب يف وطنه"‬ ‫نبوءت���ه الدهرية ‪" :‬ال كرامة ٍّ‬ ‫ُضف ما كان جي���ب أن يضيف‬ ‫‪ ،‬ولكن���ه مل ي ِ‬ ‫لن�ب�ي يف زمن���ه أيضاً‬ ‫فيق���ول ‪" :‬وال كرام���ة ٍّ‬ ‫إىل جان���ب وطن���ه !" ‪ .‬وهي الس�ي�رة القدمية‬ ‫اجلديدة يف معاداة كل ما له قيمة حقيقية‬ ‫‪ .‬وه���ذا هو العزاء ‪ .‬فبل ّية م���ن ّ‬ ‫يتوهمون أنهم‬ ‫مث ّقفون يف بالدي هي اإلدّعاء ‪ .‬إنهم يريدون‬ ‫أن يكونوا أدب���اء ‪ ،‬ولكن دون مكوس ‪ .‬فأكثر‬ ‫من ثالثة أرباعهم ال يقرأون ‪ .‬ونصف الربع‬ ‫الباق���ي ال يق���رأ ما جي���ب أن يُق���رأ ‪ .‬وثالثة‬ ‫أرب���اع العش���رة يف املائ���ة الباقي���ة ال يق���رأون‬ ‫بأيّ���ة لغ���ة أجنبي���ة ‪ .‬وبرغ���م هذا يتش���دّقون‬ ‫ب���األدب وينتحلون���ه انتح���ا ً‬ ‫ال ظ ّن���اً منهم أنه‬ ‫قنا ٌع من ش���أنه أن يستنزل على الوجه سيماء‬ ‫الوجاهة ‪ .‬والوجاهة املزعومة يف نظرهم نو ٌع‬ ‫من حصانة ل���ذ ّر الرماد يف عيون البس���طاء ‪.‬‬ ‫لقب يصلح للتباهي‬ ‫فاألدب بالنسبة هلم هو ٌ‬ ‫كأنه املنصب ‪ ،‬وليس رس���الة حقيقية كما‬ ‫جي���ب أن يكون ‪ .‬ه���ذه النزعة هي اليت جلبت‬ ‫عل���ى الثقاف���ة الليبي���ة اللعنة اليت أس���قطت‬ ‫الوط���ن م���ن اخلارط���ة الثقافي���ة العربي���ة ‪،‬‬ ‫وألغ���ت وج���وده نهائي���اً من خارط���ة الثقافة‬ ‫العاملي���ة ‪ .‬ه���ؤالء ه���م املس���ئولون ع���ن جع���ل‬ ‫اهلوي���ة الليبية مرادفاً للجهل على املس���توى‬ ‫العرب���ي ‪ ،‬وغ ّربته���ا عل���ى املس���توى األممي ‪.‬‬ ‫ف���إذا أضفنا إىل ه���ذا اإلغرتاب املُه�ي�ن رذائل‬ ‫النظ���ام الس���ابق يف ّ‬ ‫الش���قي‬ ‫ح���ق هذا الوطن‬ ‫ّ‬ ‫مثل ممارسة اإلرهاب ‪ ،‬فإن اهلوية ال تكتفي‬ ‫بأن تغرتب ‪ ،‬ولك ّنها تس���تحيل ً‬ ‫تهمة حقيقية‬ ‫تس���توجب القصاص يف كل العامل ‪ ،‬وهو ما‬ ‫عانى منه ّ‬ ‫كل من محل يف جيبه هذه اهلوية‬ ‫خارج ليبيا طوال سنوات غيبوبتها تلك ‪ ،‬حتى‬ ‫أ ّن���ي مل أفه���م إ ّ‬ ‫ال اخرياً ماذا يع�ن�ي أن حيقق‬ ‫ّ‬ ‫املبدع إعرتافاً ‪ ،‬ويرتفع عن سفساف هذه امللة‬ ‫قامة أعل���ى من قاماته���م إ ّ‬ ‫الدع ّي���ة ً‬ ‫ال عندما‬ ‫اش���تكى لي صادق النيهوم مبرارة من أمرين‬ ‫‪ :‬ع���داوة زم�ل�اء القلم م���ن ناحي���ة ‪ ،‬وجناية‬ ‫اهلوي���ة م���ن ناحي���ة ثانية ‪ .‬حيص���د الصادق‬ ‫الر ْبع العربي‬ ‫عداوة الداخل ‪ ،‬وجي�ن�ي عداوة َّ‬ ‫بسبب ليب ّيته برغم أنه مل يفتح لنفسه نافذة‬ ‫خارج اللغة العربية بس���بب غياب ترمجة ّ‬ ‫أي‬ ‫عمل م���ن أعماله إىل أي لغة أجنبية ‪ .‬فكيف‬ ‫ٍ‬ ‫إذا جتاسر َم ْن فتح هذه النافذة ليقدّم للعامل‬

‫حقيقة هذا الوطن النبيل مب ّيناً وجهه اآلخر‬ ‫‪ ،‬اجمله���ول ‪ ،‬الذي مل يكتش���فه أحد قبل اليوم‬ ‫إىل احل��� ّد ال���ذي حتص���د فيه ه���ذه األعمال‬ ‫جل���ان علم ّية‬ ‫أربعة عش���ر جائزة دولية من‬ ‫ٍ‬ ‫(وليس���ت أهلي���ة) تش���رف عليه���ا حكوم���ات‬ ‫كش���هادات تربهن‬ ‫ال���دول ضمان���اً لنزاهتها‬ ‫ٍ‬ ‫النص ‪ ،‬وليس س���لطة املزاج ‪ ،‬أو‬ ‫على س���لطة ّ‬ ‫اجملاملة ‪ ،‬أو الكذب ؟‬ ‫هذه ه���ي جرمية هذا اإلنس���ان الذي تتكالب‬ ‫علي���ه نفوس الش��� ّر ال يف ليبيا وحدها ‪ ،‬ولكن‬ ‫يف الع���امل العرب���ي أيض���اً ‪ .‬ه���ذا الع���امل الذي‬ ‫ّ‬ ‫ظن أن���ه انتهى من بل ٍد إمسه ليبيا منذ عقود‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫طويل���ة ثقافيا أيض���ا كما انته���ى من أمره‬ ‫بش���بح لي���س من ه���ذا العامل‬ ‫سياس���ياً ‪ .‬ف���إذا‬ ‫ٍ‬ ‫خيرتق احلص���ار األبدي الظ���امل (واحلصار‬ ‫الدولي يف عقد التس���عينات أيضاً) املفروض‬ ‫وط���ن ال وج���ود ل���ه يف ال ُعرف الس���ائد‬ ‫عل���ى‬ ‫ٍ‬ ‫روائية يف ق���ا ّر ٍة كانت يف‬ ‫د‬ ‫لتقالي‬ ‫ليؤس���س‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مفهوم األجي���ال رديفاً للعدم وهي الصحراء‬ ‫خس���ر‬ ‫‪ .‬كي���ف ال ترتف���ع األصوات اليت تس َت ِ‬ ‫هذا الشبح يف وطن العدم هذا كما ص ّرحت‬ ‫عامل���ة الفلكل���ور الش���هرية د‪ .‬نبيل���ة ابراهي���م‬ ‫إلحدى وسائل اإلعالم ليصري "الشبح" هدفاً‬ ‫حل���راب احلقد من منتحل���ي األدب يف العامل‬ ‫ِ‬

‫‪19‬‬ ‫العرب���ي ال لش���يء إ ّ‬ ‫ال ألنه انتص���ر للحقيقة‬ ‫لوطن عا َنى من فنون التغريب‬ ‫ور ّد اإلعتب���ار‬ ‫ٍ‬ ‫ألجيال وأجيال ؟‬ ‫ٍ‬ ‫بدعم م���ن نظام ؟‬ ‫ه���ذا‬ ‫حيدث‬ ‫م���اذا أيض���اً ؟‬ ‫ٍ‬ ‫لنظام أعجزه‬ ‫ياهلا من نكتة ش ّريرة ! كيف‬ ‫ٍ‬ ‫أن يحُ ِّس���ن صورته يف العامل وهو الذي أنفق‬ ‫مبدع‬ ‫امللي���ارات على ذلك ‪ ،‬أن يُفل���ح يف صنع ٍ‬ ‫تارخي���ي‬ ‫وخص���م‬ ‫ع���دو بالفط���رة ‪،‬‬ ‫ه���و ل���ه ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫أضطه���ده منذ ع���ام ‪ 1969‬وص���ادر له كل‬ ‫كتبه منذ ذلك التاريخ إىل أن قضى النظام‬ ‫حنب���ه ؟ ّ‬ ‫فكل من عاصرن���ي من جيل الرعيل‬ ‫األول يذك���ر معرك�ت�ي م���ع زعي���م النظام‬ ‫يف املؤمت���ر الصحف���ي العامل���ي األول يف ‪69‬م‬ ‫‪ .‬وه���ي معرك���ة يف س���بيل اإلع�ت�راف بدور‬ ‫املث ّقفني الذي���ن ناصبهم النظ���ام العداء منذ‬ ‫تركة‬ ‫الب���دء ‪ ،‬متام���اً كما يفعل من ورث���وا ِ‬ ‫ه���ذا النظام الي���وم من ُمريدي الس���لطة وال‬ ‫أقول الثورة ‪ .‬لقد كان ٌ‬ ‫رجل مثل اخلويلدي‬ ‫احلميدي شجاعاً مبا يكفي عندما اعرتف لي‬ ‫يوم عرفين ع���ن قرب بأن ما فعله ش���خصي‬ ‫لليبي���ا أعظ���م ش���أناً م���ن أس���طورة إجنازات‬ ‫ً‬ ‫طوي�ل�ا ‪ ،‬ألن‬ ‫الث���ورة ال�ت�ي تغ ّنى به���ا النظام‬ ‫هذه اإلجنازات ح ّققها املال يف رأيه ‪ ،‬ولكن ما‬ ‫ح ّقق ُته لليبيا على املس���توى العربي والدولي‬ ‫ٌ‬ ‫اع�ت�راف مل ّ‬ ‫يؤكده‬ ‫ل���ن حيققه امل���ال ‪ .‬وه���و‬ ‫ترمجه َع َم ً‬ ‫ال ‪ .‬ألن‬ ‫إبن أبي منيار حرف���اً وإن‬ ‫َ‬ ‫موقفه مل يتبدّل حنوي فيعرتف بي كقيمة‬ ‫إّ‬ ‫ال بعد أن ش���هد لي العامل بهذه القيمة ‪ .‬وهو‬ ‫لي���س بالغب���اوة ‪ ،‬وال باجلن���ون ‪ ،‬الذي يدفعه‬ ‫معين أص ً‬ ‫ال‬ ‫لإلس���تمرار يف عداوة‬ ‫إنسان غري ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ال باملناص���ب ‪ ،‬وال بالس���لطة ‪ ،‬وال بالسياس���ة‬


‫‪20‬‬

‫‪- 21‬مايو‬ ‫‪27 - (21‬‬ ‫‪( - ) (106‬‬ ‫الثالثة ‪-‬‬ ‫‪)2013)2013‬‬ ‫‪ 27‬مايو‬ ‫‪- ) 106‬‬ ‫العدد‪( -‬العدد‬ ‫الثالثة‬ ‫السنة السنة‬

‫مل يستأنف‬ ‫صرف هذه إ ّال بعد‬ ‫تقدميي إلستقاليت‬ ‫التارخيية من الدولة‬ ‫عام ‪ 1989‬وذلك‬ ‫حتسب ًا منه للجوئي‬ ‫ّ‬ ‫لفلول املعارضة‬ ‫السياسية يف الغرب‬ ‫كم���ا اكتش���ف تالياً بع���د أن ع���رض على‬ ‫شخصي حقائب وزاريّة رفضتها باستنكار ‪.‬‬ ‫والش���هود على ذلك مازال���وا على قيد احلياة‬ ‫‪ .‬وق���د ص ّر ُ‬ ‫حت يف مقابل���ة مرجع ّية مع قناة‬ ‫اجلزي���رة الفضائي���ة به���ذه احلقيق���ة َع َلن���اً‬ ‫مستخدماً عن عمد تعبري "أرفض" ال كلمة‬ ‫"أعتذر" أمام مسعه وبصره دون أن يعرتض‬ ‫ُ‬ ‫أعلنت يف تلك املقابلة حرف ّياً إختاليف‬ ‫‪ .‬كما‬ ‫وق���ت مل يك���ن ليوجد يف‬ ‫مع���ه يف ال���رأي يف ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫خملوق واح��� ٌد جيرؤ عل���ى التصريح‬ ‫ليبي���ا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫بأم���ر كهذا ‪ ،‬مذكرا أيض���ا يف هذه املقابلة‬ ‫ٍ‬ ‫بأن���ه مل حي���اول يوم���اً أن جيعل�ن�ي أعتن���ق‬ ‫حيت���ج‬ ‫عل���ي آراءه ‪ .‬ومل‬ ‫ّ‬ ‫أف���كاره أو يف���رض ّ‬ ‫أيض���اً ‪ .‬هذه وثائق يف متن���اول اجلميع ‪ ،‬وال‬ ‫أس���وقها هن���ا إ ّ‬ ‫ال ألضع ح ّداً حلمالت أش���باح‬ ‫ال���زور وألدعي���اء البط���والت الكاذب���ة الذين‬ ‫حياولون أن يبنوا أجماداً على حساب ُش َرفاء‬ ‫ال حس���ابات هلم ال م���ع األنظمة اليت مضت‬ ‫وال م���ع األنظمة اليت تل���ت وال مع األنظمة‬ ‫ٌ‬ ‫موقف‬ ‫اليت ستلي ‪ .‬ألن الشجاعة احلقيقية‬ ‫ُزه���دي وال حس���ابات دنيوية هل���ا ‪ ،‬ويحُ زنين‬ ‫أن أضط��� ّر للدفاع عن نفس���ي أم���ام هجمة‬ ‫ُ‬ ‫ن���اس مل يق���رأوا كت�ب�ي اليت ترتاف���ع عنيّ‬ ‫أ ٍ‬ ‫أم���ام حمكم���ة األبديّ���ة ‪ :‬احلق���د س���يزول‬ ‫ُ‬ ‫س���تبطل ببطالن‬ ‫ب���زوال أصحاب���ه ‪ .‬واملنافع‬ ‫النص املبثوث يف‬ ‫أهواء ّ‬ ‫األم���ة الفانية ‪ .‬ولكن ّ‬ ‫كتاب س���وف يبقى ‪ .‬أضيف فأقول أن رأس‬ ‫النظ���ام كان يلتقي�ن�ي كم���ا يلتق���ي كل‬ ‫رم���وز ليبيا مبا يف ذلك األدب���اء برغم أنه مل‬

‫يُعامل�ن�ي يوماً إ ّ‬ ‫ال معامل���ة الن ّد للن ّد ‪ ،‬وكان‬ ‫يس���تقبلين باملراس���م ذاتها اليت يس���تقبل بها‬ ‫رؤس���اء الدول األجنبية ‪ ،‬ويس���مع منيّ ما مل‬ ‫يك���ن ليج���رؤ خملوق أن يُس���معه ل���ه ‪ ،‬ألنه‬ ‫مل حي���دث أن طلب���ت منه خدمة ش���خصية‬ ‫يوم���اً ‪ ،‬ولك���ن كنت يف كل امل��� ّرات املعدودة‬ ‫ال�ت�ي التقيته فيها على انف���راد أح ّثه على أن‬ ‫يفعل ما بالوسع خلري ليبيا والليب ّيني ً‬ ‫بداية‬ ‫ً‬ ‫ونهاية بالبيئة ال�ت�ي يقطنها هذا‬ ‫باإلنس���ان‬ ‫اإلنس���ان ‪ .‬يف ‪ 2009‬أيض���اً‬ ‫ُ‬ ‫أص���درت رواي���ة‬ ‫ضجة يف‬ ‫التحدّي ال�ت�ي إذا كانت قد أثارت ّ‬ ‫الوسط الثقايف العربي إ ّ‬ ‫ضجة‬ ‫ال أنها أثارت ّ‬ ‫يف الوس���ط السياس���ي ال يف الوس���ط الثقايف‬ ‫وهي ‪" :‬من أنت أيها املالك ؟" املك ّرسة ملشكلة‬ ‫هوية األقّليات ‪ ،‬اهلوي���ة األمازيغية بال ّذات ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫صودرت‬ ‫وكان أن ُص���ود َرت الرواية كم���ا‬ ‫كل أعمال���ي ال�ت�ي س���بقت وال�ت�ي حلق���ت‬ ‫‪ ،‬ولكن���ه مل ي ُلم�ن�ي ‪ ،‬ومل ي ّتخ���ذ أي إج���راء‬ ‫بش���أني برغم التقارير الكثيف���ة اليت تل ّقاها‬ ‫من السياس��� ّيني وحتى من أولئ���ك املث ّقفني‬ ‫الذي���ن دأبوا على التنظ�ي�ر للهوية العروبية‬ ‫ُ‬ ‫كن���ت مديناً له‬ ‫أله���ل مش���ال افريقيا ‪ .‬وإذا‬ ‫بش���يء ‪ ،‬فه���و أن���ه مل يُو ِدعين الس���جن ‪ ،‬ألن‬ ‫السجن هو املكان املناسب الوحيد ّ‬ ‫إنسان‬ ‫لكل‬ ‫ٍ‬ ‫نزي��� ٍه يف عاملنا كما أعل���ن ثورو ‪ ،‬وكما ردّد‬ ‫من بعده تولس���توي ‪ .‬فهل هذا كل ش���يء ؟‬ ‫كلاّ بالطب���ع ‪ .‬فلقد كتب���ت يف ع ّز طغيان‬ ‫القم���ع املق���ال الش���هري جبري���دة "أوي���ا" عن‬ ‫حقيقة اخلالف يف الرأي الذي مل يكن يوماً‬ ‫معارض���ة ‪ ،‬كم���ا أن املعارض���ة مل تكن يوماً‬ ‫ً‬ ‫ع���داوة ‪ .‬وهو املق���ال الذي احتف���ت به مواقع‬ ‫أما‬ ‫املعارض���ة األلكرتونية وتناقلت���ه مجيعاً ‪ّ .‬‬ ‫س���ليله س���يف فقد عرض على شخصي بل‬ ‫وأ ّ‬ ‫حل م���راراً طالباً منيّ تو ّلي رئاس���ة جملس‬ ‫إدارة ش���ركة الغد لإلع�ل�ام خلفاً للصديق‬ ‫ج���اد اهلل ع���زوز الطلح���ي ‪ ،‬ورفضت يف كل‬ ‫م ّرة ‪ ،‬ألن املناصب مل تكن لتعنيين يوماً ‪.‬‬ ‫فأي���ن الصفقة الدنيوية اليت يتش���دّقون بها‬ ‫إذاً ؟ هل هي الوظيفة اإلدارية اليت ش���غلتها‬ ‫من���ذ ع���ام ‪ 1965‬عندم���ا كن���ت حم��� ّرراً‬ ‫جبري���دة "ف��� ّزان" التابع���ة ل���وزارة الثقاف���ة‬ ‫مبع���اش يتقاض���اه أي مواطن لييب‬ ‫امللكي���ة‬ ‫ٍ‬ ‫حس���ب ّ‬ ‫مؤهالت���ه العلمية وخربت���ه الزمنية‬ ‫؟ ه���ذا املعاش الذي يتقاض���اه ّ‬ ‫الكل ثروة ‪ ،‬أم‬ ‫أن���ه يف كل األع���راف جم ّرد ُق ْ‬ ‫���وت ؟ اليقني‬ ‫أن���ه ٌ‬ ‫قوت ‪ ،‬ونفوس الس���وء وحدها حتاول أن‬ ‫أم���ا ريع كت�ب�ي وقيمة‬ ‫جتع���ل منه ث���رو ًة ‪ّ .‬‬ ‫جوائ���زي احمللي���ة والعربي���ة والدولية فهو‬

‫حق ال ّ‬ ‫ً‬ ‫ٌّ‬ ‫نزاه���ة عن ال ُقوت الذي أتقاضاه‬ ‫يقل‬ ‫نظام‬ ‫مقاب���ل املع���اش ‪ .‬فناموس ال���والء ألي ٍ‬ ‫سياسي يف العامل إنمّ ا يُقاس بتو ّلي املناصب‬ ‫ٍّ‬ ‫أما َم ْن تر ّفع عن‬ ‫السياس���ية يف هذا النظام ‪ّ .‬‬ ‫هذه املناصب (س��� ّيما إذا كان���ت قد ُعرضت‬ ‫ثم رفضها)‬ ‫عليه كم���ا هو احلال يف ش���أني ّ‬ ‫فذلك املوق���ف هو برهان النزاه���ة ‪ .‬ولكن ما‬ ‫حيدث عندن���ا هو العك���س ‪ :‬اإلحتفاء برموز‬ ‫النظام الس���ابق السياسية ‪ ،‬ومحُ اولة تشويه‬ ‫رم���وز الوطن اليت تن ّزه���ت عن هذه املناصب‬ ‫! أليس���ت هذه مفارقة ؟ فاإلنتهازيون الذين‬ ‫كان���وا باألم���س يتز ّلف���ون للنظ���ام تز ّل���ف‬ ‫العبي���د ه���م م���ن يحُ ���اول الي���وم أن يوهمن���ا‬ ‫نصبوا أنفسهم ال أبطا ً‬ ‫ال وحسب‬ ‫بالنزاهة ل ُي ّ‬ ‫ولكن ُقضا ًة يريدون مبسلكهم أن يستبدلوا‬ ‫بشعب آخر من املالئكة‬ ‫برمته‬ ‫الش���عب الليي ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ال وج���ود ل���ه يف الواق���ع ‪ .‬ه���ذا يذكرن���ي‬ ‫حبمل���ة كيدية على ماركيز ماأن س���طع‬ ‫جنم���ه يف مساء األدب ليبخلوا عليه بش���رب‬ ‫الش���امبانيا وأكل الكافي���ار فأجابه���م بأن���ه‬ ‫يش���رب الش���امبانيا وي���أكل الكافيار بفضل‬ ‫قلم���ه ‪ .‬ماركي���ز نفس���ه ال���ذي مل يثع�ّي�رّ ه‬ ‫أحد بصداقته احلميم���ة بأعتى ديكتاتور يف‬ ‫العصر احلديث (وهو كاس�ت�رو) بل إحتفى‬ ‫به العامل وال يزال ‪،‬ألن شرع العامل اإلعرتاف‬ ‫بالنص ال مبواقف الشخص !‬ ‫ّ‬ ‫أق���ول ه���ذا ال ألنفي ً‬ ‫تهمة ال أس���اس هلا من‬ ‫صح���ة ‪ ،‬ولكن ألكش���ف للش���رفاء حقيقة‬ ‫ّ‬ ‫ال���زور الذي يروّج ل���ه الفاش���لون ‪ .‬وال يعلم‬ ‫ه���ؤالء أن النظام كان ق���د أوقف دفع حتى‬

‫ه���ذا املع���اش ألم��� ٍد زاد عل���ى األربع س���نوات‬ ‫كاملة ‪ ،‬ومل يس���تأنف صرف ه���ذه إ ّ‬ ‫ال بعد‬ ‫تقدميي إلس���تقاليت التارخيي���ة من الدولة‬ ‫حتسباً منه للجوئي لفلول‬ ‫عام ‪ 1989‬وذلك ّ‬ ‫املعارضة السياسية يف الغرب ‪ ،‬برغم أني مل‬ ‫أفع���ل ما فعلت إ ّ‬ ‫ال للخالص من بل ّية العمل‬ ‫ومؤسس���اتها اجله ّنمية‬ ‫م���ع اإلدارة الليبي���ة ّ‬ ‫أما وجودي يف سويس���را منذ‬ ‫كاخلارجي���ة ‪ّ .‬‬ ‫صحية ‪ ،‬ومل‬ ‫أنه‬ ‫يعلم‬ ‫‪ 1993‬فالكل‬ ‫ألسباب ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ليتم أيضاً ل���وال كفاح صديقي النبيل‬ ‫يكن ّ‬ ‫لىّ‬ ‫أب���و زي���د عم���ر دوردة عندم���ا تو رئاس���ة‬ ‫جملس ال���وزراء يقيناً منه ب���أن على الدولة‬ ‫ال�ت�ي كانت س���بباً يف هذا امل���رض أن ُتصلح‬


‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫مكف���ول للجميع أخرى هو يف دخيلته���م ٌ‬ ‫أفس���دت ‪ ،‬والع�ل�اج ٌّ‬ ‫دخيل على حمفلهم‬ ‫حق‬ ‫ما‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫اخلف���ي جه�ل�ا منه���م ب���أن كل موظف���ي‬ ‫‪ ،‬ومل أك���ن الوحي���د ال���ذي ج���رى تعيين���ه‬ ‫ّ‬ ‫صح ّي���ة ‪ .‬ولكن الذين وزارات اخلارجي���ة يف العامل عناصر منتدبة‬ ‫خ���ارج البالد‬ ‫ألس���باب ّ‬ ‫ٍ‬ ‫املؤسس���ة العس���كرية أو اإلقتصادية أو‬ ‫م���ن‬ ‫ألس���باب‬ ‫يوفدون‬ ‫كان���وا‬ ‫اخل���ارج‬ ‫عمل���وا يف‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫عالج ّي���ة ‪ .‬وسويس���را بال���ذات ملواصلة عالج األمن ّي���ة أو الثقافي���ة ‪ ،‬ه���ذا برغم أن���ي أق َدم‬ ‫العامة وحس���ب ‪ ،‬ولكن‬ ‫كان ق���د ب���دأ عام ‪ . 88‬وقد اخ�ت�رت اإلقامة منه���م ال يف الوظيفة ّ‬ ‫يف الري���ف السويس���ري ‪ ،‬حتدي���داً ‪ ،‬منطق���ة يف اإلنتم���اء إىل اخلارجية أيضاً ‪ ،‬س��� ّيما وأن‬ ‫لس���بب يف عمل���ي كمستش���ار إعالم���ي ال يس���تدعي‬ ‫األل���ب اجمل���اورة للعاصمة "برين"‬ ‫ٍ‬ ‫باألص���ح ‪ ،‬ذل���ك‬ ‫األهمية وهو ‪ :‬جت ّن���ب اإلحتكاك مبن احلض���ور واإلنص���راف ‪ ،‬أو‬ ‫ّ‬ ‫غاي���ة ّ‬ ‫العبثي على مق ّر عمل ال عمل فيه إ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ّد‬ ‫د‬ ‫الرت‬ ‫ف���ي‬ ‫موظ‬ ‫م���ن‬ ‫ي���ة‬ ‫الصح‬ ‫�ت�ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫س���بب‬ ‫كان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫أمية ال حيسنون اللغة‬ ‫اخلارجي���ة الليبية الذي���ن مل يعاملوني يوما لعناصر دبلوماس��� ّية ّ‬ ‫إّ‬ ‫ال كع���د ّو س���واء يف وارس���و أو يف موس���كو العربية األ ّم ‪ ،‬فكيف باللغات األجنبية ؟ وهو‬ ‫ٌ‬ ‫أو يف الداخ���ل ّ‬ ‫كفي���ل باإلعتم���اد يف عمل الس���فارات‬ ‫ألن كل منت���دب م���ن جه���ات أم��� ٌر‬ ‫(ال�ت�ي هي مكاتب خدمات يف الواقع وليس���ت‬ ‫بس���فارات) عل���ى كف���اءات العمال���ة احملّلية‬ ‫املخ ّول���ة بإجن���از كل العم���ل وال وظيف���ة‬ ‫للعنصر الوطين املوفد إ ّ‬ ‫ال تذييل املراس�ل�ات‬ ‫املختصة (س���واء أكانت إدارية‬ ‫مع اجله���ات‬ ‫ّ‬ ‫أو مالي���ة أو قنصلي���ة) باإلمض���اء فحس���ب ‪.‬‬ ‫وبرغ���م ذلك ّ‬ ‫يظل احلض���ور واإلنصراف هو‬ ‫مقي���اس العم���ل ولي���س العمل نفس���ه ‪ ،‬ألن‬ ‫يهم يف ع���امل األقنعة ه���ذا ليس اجلوهر‬ ‫م���ا ّ‬ ‫‪ ،‬ولك���ن املظه���ر ‪ ،‬والتضحي���ة باملضم���ون يف‬ ‫سبيل إعالء راية الشكل هو الناموس السائد‬ ‫‪ .‬فكي���ف ال ي���رى أمث���ال ه���ؤالء يف اإلنس���ان‬ ‫املخالف ش���ذوذاً عن القاعدة ‪ ،‬بل عد ّواً برغم‬ ‫أن���ه هو بال ّذات ال س���واه من يش���هد له الواقع‬ ‫الثق���ايف واإلعالمي يف البلد األجنيب (س���واء‬ ‫يف روس���يا أو بولونيا أو سويس���را) باحلضور‬ ‫وط���ن جيهل أهل‬ ‫اإلس���تثنائي ليعل���ي ش���أن‬ ‫ٍ‬

‫ذل���ك البل���د وج���وده حت���ى عل���ى اخلارط���ة‬ ‫اجلغرافية ‪ .‬وبرغم ذلك ينتصر أهل البهتان‬ ‫ملن ّ‬ ‫يتبطلون يف س���فاراتنا باخلارج ويكتفون‬ ‫بالتظاه���ر بالعم���ل ‪ ،‬يف حني يس���تهدفون يف‬ ‫محالتهم اإلس���تثناء ليش���يعوا يف األوس���اط‬ ‫ش���رفية ووظائف حفنة‬ ‫الغب ّي���ة أن وظيفته َ‬ ‫األميني الذين تضيق بهم سفارات الوطن يف‬ ‫ّ‬ ‫اخل���ارج هي احلقيقية ‪ .‬فماذا ميكن أن تعين‬ ‫سياس���ة التضحية باجلوهر يف سبيل املظهر‬ ‫إن مل تك���ن تضحي���ة باحلقيق���ة يف س���بيل‬ ‫األكذوبة ؟‬ ‫ه���ل حيت���اج بع���د كل ه���ذا أن يرتاف���ع عن‬ ‫نفس���ه من يتولىّ الدفاع عن���ه حمفل كتب‬ ‫مك ّون من رقم سحري هو السبعة والسبعني‬ ‫ً‬ ‫مرتمج���ة لكل لغ���ات األم���م ‪ ،‬ترتاد‬ ‫مؤ ّلف���اً ‪،‬‬ ‫ح���رم املناه���ج يف ّ‬ ‫ج���ل جامعات الع���امل كما‬ ‫يف الس���وربون أو جامع���ة طوكيو ‪ ،‬أو جورج‬ ‫ت���اون وغريه���ا ‪ ،‬و ُتعتم���د كم���ادّة مرجع ّية‬ ‫للدراس���ات البحث ّية لنيل الدرج���ات العلم ّية‬ ‫ناهي���ك عن عدي���د اجلوائز الدول ّي���ة ؟ كلاّ‬ ‫ٌ‬ ‫أعمال أب���ت العناية اإلهلية‬ ‫‪ ،‬بالطب���ع ‪ .‬ه���ذه‬ ‫كل عناية ومن كل عدالة إالّ‬ ‫األعدل م���ن ّ‬ ‫أن ُتشهدني جمدها الكامن يف كالسيك ّيتها‬ ‫املرتمج���ة يف ح���رف اإلع�ت�راف به���ا ألكون‬ ‫ش���اهداً على الفاكه���ة اليت أنتجه���ا نزيفي‬ ‫مت ّو ً‬ ‫ج���ة بيقي�ن�ي بص���واب رس���اليت قب���ل أن‬ ‫تظلم الش���مس ‪ ،‬أو تبط���ل الطواحن ‪ ،‬وتغلق‬ ‫ّ‬ ‫األب���واب يف الس���وق ‪ ،‬وقبل أن تبطل الش���هوة‬ ‫‪ ،‬أو تنقص���ف البك���رة عن���د البئ���ر ‪ ،‬إيذان���اً‬ ‫بالذه���اب إىل البيت األب���دي ‪ ،‬فريجع الرتاب‬ ‫إىل األرض كما كان ‪ .‬سوف تبقى صحف‬ ‫حجة األجي���ال بعد غياب إبراهيم ‪،‬‬ ‫إبراهيم ّ‬ ‫ّ‬ ‫أش���رار‬ ‫وس���يظل املنت ه���رم التحدّي يف وجه‬ ‫ٍ‬ ‫محالت الزور اإلس���اءة ‪،‬‬ ‫كان���ت غايتهم من َ‬ ‫همهم احلقيقة يوماً !‬ ‫ومل يكن ّ‬ ‫ُ‬ ‫س‪ 9‬ـ أنت مواطن سويسري وتشيد بهذه املواطنة‬ ‫‪ .‬ملاذا سويسرا ؟‬ ‫ـ ال أس���تحي م���ن أن أع�ت�رف من���ذ الب���دء أن‬ ‫أوطانن���ا إذا كان���ت ح ّق���اً هي تل���ك األوطان‬ ‫ال�ت�ي تغمرنا بدفء ح ّبها ‪ ،‬وحتيطنا بصنوف‬ ‫الرعاي���ة بأجناس���ها ‪ ،‬وم���ن قب���ل خمتل���ف‬ ‫طوائ���ف أناس���ها ‪ ،‬ف���إن وط�ن�ي األوّل مل يعد‬ ‫ُ‬ ‫يوم من األيام‬ ‫ليبيا ‪ ،‬ومل يكنه هذا الوطن يف ٍ‬ ‫‪ ،‬ولكن���ه بال من���ازع ‪ :‬سويس���را ! دون أن يعين‬ ‫ه���ذا بالطب���ع أ ّن���ي مل أعش���ق ليبي���ا ‪ ،‬ألننا ال‬ ‫نعش���ق أوطاننا ألنها األمج���ل ‪ ،‬أو األنبل ‪ ،‬أو‬ ‫األعظم ش���أناً ‪ ،‬ولكن ببس���اطة ألنها أوطاننا‬ ‫اجملبولني بأنفاس���ها ‪ ،‬املعجونني من طينتها ‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫ال أستحي من أن أعرتف منذ البدء‬ ‫أن أوطاننا إذا كانت ح ّق ًا هي‬ ‫تلك األوطان اليت تغمرنا بدفء‬ ‫ح ّبها ‪ ،‬وحتيطنا بصنوف الرعاية‬ ‫بأجناسها ‪ ،‬ومن قبل خمتلف‬ ‫طوائف أناسها ‪ ،‬فإن وطين األ ّول‬ ‫مل يعد ليبيا ‪ ،‬ومل ي ُكنه هذا الوطن‬ ‫يوم من األيام ‪ ،‬ولكنه بال‬ ‫يف ٍ‬ ‫منازع ‪ :‬سويسرا ! دون أن يعين هذا‬ ‫بالطبع أ ّني مل أعشق ليبيا ‪ ،‬ألننا‬ ‫ال نعشق أوطاننا ألنها األمجل ‪ ،‬أو‬ ‫األنبل ‪ ،‬أو األعظم شأن ًا ش‬ ‫ولو مل يكن األمر كذلك ملا ّ‬ ‫س���خ ُ‬ ‫رت نزيفي‬ ‫الدم���وي ط���وال جتربة إغرتابي ع�ب�ر العامل‬ ‫كت���ب نال���ت إعرتاف‬ ‫ألصن���ع هلا جم���داً يف‬ ‫ٍ‬ ‫الس���م‬ ‫ه���ذا الع���امل ‪ .‬ولك���ن لإلضطهاد طعم‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،‬عندم���ا يس���تم ّر ه���ذا اإلضطهاد بع���د بلوغ‬ ‫غص ًة‬ ‫املُري���د م���ن العمر عت ّي���اً يغدو الوط���ن ّ‬ ‫يف القل���ب ‪ .‬فنح���ن ال خنت���ار أوطاننا ‪ ،‬ولكن‬ ‫أوطانن���ا هي اليت ختتارنا ‪ ،‬وسويس���را ّ‬ ‫ككل‬ ‫وطن نبي���ل هي اليت اختارت�ن�ي أخرياً لتكون‬ ‫ٍ‬ ‫ل���ي وطناً ‪ ،‬كما اختارت�ن�ي ليبيا يوماً لتكون‬ ‫ل���ي وطناً بش���هادة والدة ‪ .‬وحنن ال منلك إ ّ‬ ‫ال‬ ‫اقتص���ت م ّن���ا فدفعتنا إىل‬ ‫أن‬ ‫حن���ب أوطان���اً َّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫اغ�ت�راب ه���و خصلة ُرس���ل نب ّوة كم���ا تنيبء‬ ‫ٍ‬ ‫الكت���ب املقدّس���ة ‪ ،‬ولك ّنن���ا ال منل���ك إ ّ‬ ‫ال أن‬ ‫نصّل���ي إمتناناً لتل���ك األوطان ال�ت�ي أجارتنا‬ ‫يف حمن���ة إغرتابنا ‪ .‬وسويس���را بالنس���بة لي‬ ‫ُ‬ ‫ش���هدت في���ه ميالدي‬ ‫هي ه���ذا الوطن الذي‬ ‫الثاني فصارت لي مسقط رأس ال يف اهلويّة‬ ‫الرمسية وحس���ب ‪ ،‬ولكن يف اهلوية الروحية‬ ‫أيضاً ‪ .‬ف���إذا كان امليالد الثاني ٌ‬ ‫بعث للح ّرية‬


‫‪22‬‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫كانوا حي ّيونين أينما حللت ‪ ،‬ويه ّبون لنجدتي عند أبسط إمياء ‪ ،‬ويد ّللون لي ّ‬ ‫كل أم ٍر دنيوي بن ّية إنسا ٍن ال‬ ‫يتم ّنى ألخية اإلنسان إ ّال أن يكون له خادم ًا دون مقابل ‪ .‬إنهم ح ّق ًا من فئة أولئك املالئكة الذين بعث بهم‬ ‫الرب ليغسلوا قد َمي املسيح بعد أن رفض عرض إبليس يف اجلبل ‪ .‬لقد أشعرني السويسريون أنهم مالئكة‬ ‫ّ‬ ‫الوجودي الطويل يف صحراء هذا العامل‬ ‫رب السماوات واألرض بعث بهم ليمسحوا عنيّ وعثاء سفري‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وطن‬ ‫يف صمي���م ال���روح ‪ ،‬ف���إن احلض���ور يف ٍ‬ ‫كسويسرا هو حضو ٌر يف الفردوس املستعاد‬ ‫‪ .‬ويبدو أن هذا هو س���بب كفاح الربوفيسور‬ ‫األملاني املس���تميت يف س���بيل احلص���ول على‬ ‫اجلنس���ية السويس���رية منذ س���تة وعشرين‬ ‫عام���اً ‪ .‬وكان يفش���ل يف كل م��� ّرة ‪ ،‬ولك ّن���ه‬ ‫يص��� ّر عل���ى مع���اودة الك��� ّرة كل ع���ام ‪ .‬وقد‬ ‫ش���اهدته يف إح���دى الفاضائي���ات وهو يدلي‬ ‫بتصري���ح أث���ار إعجاب���ي عندما ق���ال أنه لن‬ ‫ٍ‬ ‫يعود إىل أملانيا مهما حدث ‪ ،‬وس���وف يبقى يف‬ ‫سويس���را إىل يوم املمات س���واء أنال اجلنسية‬ ‫أم مل ينلها ‪ .‬كان يعبرّ عن روح األملان الذين‬ ‫رأوا يف سويس���را دوماً معبود ًة ‪ .‬وكان يروق‬ ‫صديقي هارمت���وت فيندريخ أن يردّد وصية‬ ‫الرب‬ ‫جدّته القائلة بأن سويس���را ه���ي وطن ّ‬ ‫حتى أنه اختار اإلقامة يف سويسرا منذ عقود‬ ‫أيضاً برغ���م موقف أملانيا الرمسي الذي يكاد‬ ‫يكون معادياً لسويسرا خالفاً ّ‬ ‫لكل دول اجلوار‬ ‫يفس���ره البعض بالغرية من سويس���را‬ ‫ال���ذي ّ‬ ‫كف���ردوس مس���اوي عل���ى األرض ‪ .‬ومل‬ ‫أك���ن ألصدّق ً‬ ‫نزعة كه���ذه لو مل تفاجئين‬ ‫ً‬ ‫مبقال‬ ‫ا‬ ‫عام‬ ‫عش���ر‬ ‫ثالثة‬ ‫كاتب���ة أملانية منذ‬ ‫ٍ‬ ‫يف صحيف���ة "فرايت���اغ" الربليني���ة تتن���اول‬ ‫فيه���ا أعمال���ي الروائي���ة لتنته���ي إىل القول‬ ‫ب���أن دور سويس���را يكم���ن يف رعايتها لألدباء‬ ‫لك���ي ينتجوا هلا أدب���اً تفتقده كما حدث مع‬ ‫جتربيت ‪ .‬كان رأياً غريباً يف تأويل الس���خاء‬ ‫السويس���ري ل���ن أوافق عليه ب���دون حت ّفظ ‪.‬‬ ‫فتهيئة من���اخ إلبداع املبدع ال يكمن يف توفري‬ ‫احلواف���ز املادّي���ة بق���در م���ا يس���كن الرعاي���ة‬ ‫املعنوي���ة املرتجمَ ���ة يف األخالق السويس���رية‬ ‫األمة السويسرية اليت تبدو فريد ًة‬ ‫ويف روح ّ‬ ‫يف اإلحتفاظ بأنفس ما يف الطبيعة البشرية‬ ‫وه���و ‪ :‬روح الطفل ! ففي امل ّرة اليت ُ‬ ‫أدليت فيا‬ ‫بتصريح يف جريدة "ليرباس���يون" الفرنسية‬ ‫ٍ‬ ‫من���ذ س���نوات إحتف���ا ًء بص���دور "اجمل���وس"‬ ‫بالفرنس���ية متحدّثاً عن طبيعة هذا الشعب‬ ‫خصيصاً‬ ‫جواباً على س���ؤال الصحف���ي املوفد ّ‬ ‫ُ‬ ‫فوجئت‬ ‫إلج���راء املقابل���ة ألع�ّب�رّ ع���ن رأي���ي‬ ‫بالسويس���ريّني يتناقلون ال���رأي يف خمتلف‬ ‫حدث حقيقي ‪ ،‬ألن صحفاً‬ ‫األوس���اط كأنه ٌ‬ ‫تناقلته عن "ليرباس���يون" م���ن ضمنها "جون‬ ‫أفريك" على م���ا أذكر ف���ردّدوه واحتفوا به‬ ‫بعفويّتهم التقليدية وتباهوا به برغم أني مل‬ ‫أ ُق���ل يف ح ّقهم إ ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫أقل ما جيب أن يُقال ‪ .‬وهو‬ ‫أم ٌر تك ّرر عندما صدر كتاب "ملاذا سويس���را‬ ‫؟" الص���ادر عن الرئاس���ة السويس���رية حيث‬ ‫كنت أحد أهم إثنى عش���ر شخصية دولية‬ ‫اختارت اإلقام���ة يف سويس���را أُجريَت معهم‬ ‫مقاب�ل�ات مط ّولة عن حياته���م وانطباعاتهم‬ ‫عن طبيعة أهل البالد ‪.‬‬ ‫ويف ع���ام ‪ 1998‬كان���ت سويس���را ضي���ف‬ ‫الش���رف يف مع���رض فرانكف���ورت الدول���ي‬ ‫للكت���اب يف عي���ده اخلمس���يين ‪ ،‬أي اليوبي���ل‬ ‫ٌ‬ ‫مع���رض كما يعل���م اجلميع‬ ‫الذه�ب�ي وه���و‬

‫ُّ‬ ‫يع���د أكرب تظاه���رة ثقافي���ة مومسية على‬ ‫مس���توى العامل ‪ .‬وكان من املق ّرر أن يتك ّون‬ ‫الوف���د الرمس���ي م���ن أربع���ة أدب���اء وطن ّيني‬ ‫مي ّثل���ون القوم ّيات األربع الرئيس���ية يف وف ٍد‬ ‫يرتأس���ه رئي���س الدول���ة ‪ .‬ولك���ن األوس���اط‬ ‫الثقافية والش���عبية والسياس���ية أبت يف تلك‬ ‫امل ّرة إ ّ‬ ‫ً‬ ‫ال أن ختتارني ركناً‬ ‫خامس���ا يف الوفد‬ ‫لتمثيل اللغات األجنبية األخرى يف سويسرا‬ ‫حضور كثيف لكبار أدباء العامل‬ ‫‪ .‬هذا برغم‬ ‫ٍ‬ ‫يعيشون يف سويس���را كالروس والصين ّيني‬ ‫والفرنس���يني واإلسبان‬ ‫واألتراك واإلجنليز‬ ‫ّ‬ ‫واألمل���ان وم���ن ّ‬ ‫كل األجن���اس ‪ .‬وه���و م���ا مل‬ ‫حي���دث م���ن قب���ل برغ���م جنس��� ّييت الليب ّي���ة‬ ‫ال�ت�ي كان���ت ختض���ع حت���ى ذل���ك الوق���ت‬ ‫ثقايف ص���ارم ال يعلم الكثريون اليوم‬ ‫حلظر‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫أن���ه كان أق���وى يف الع���امل م���ن احلصارين‬ ‫السياس���ي واإلقتصادي بس���بب وباء اإلرهاب‬ ‫(بدلي���ل أن رواي���ة كـ"نزي���ف احلجر" ظّلت‬ ‫ً‬ ‫مرتمجة يف أمريكا‬ ‫حبيس���ة أدراج دور النشر‬ ‫ُف���رج عنها لرتى‬ ‫ط���وال عش���ر س���نوات ومل ي َ‬ ‫الن���ور باإلجنليزي���ة إ ّ‬ ‫ال يف ‪ 2001‬أي بع���د‬ ‫ثبوت ع���دم تو ّرط ليبيا يف أحداث س���بتمرب)‬ ‫‪ .‬فما الش���فيع يف هذا اإلس���تثناء يا ترى ؟ إنه‬ ‫النص هو الشهادة اليت ال‬ ‫النص !‪ّ .‬‬ ‫ببس���اطة ‪ّ :‬‬ ‫ّ‬ ‫املتحضر بس���واها ‪ ،‬ألنها تنفي‬ ‫يعرتف العامل‬ ‫هوية الش���خص ‪ ،‬بل وتنفي الش���خص ذاته ‪.‬‬

‫والنص هو‬ ‫أما عندنا فالش���خص هو املعبود ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ما ال وجود له ألننا ال نريد أن نكّلف أنفس���نا‬ ‫عن���اء أن نقرأ برغم أن أول حرف يف أجبديّة‬ ‫ديننا هو ‪" :‬إقرأ !" ‪.‬‬ ‫ال أري���د أن أُحص���ي أفض���ال سويس���را عل���ى‬ ‫ش���خصي س���وا ًء عل���ى مس���توى احلكومة أو‬ ‫املؤسس���ات الثقافية أو األس���اط‬ ‫األح���زاب أو ّ‬ ‫األكادميي���ة والصحفي���ة والش���عبية ‪ ،‬ألن‬ ‫أم��� ٌة تق���رأ ‪ ،‬وذات نزع���ة‬ ‫يف سويس���را تقي���م ّ‬ ‫ُ‬ ‫نقديّ���ة تقدّر قيمة ما تقرأ ‪ .‬لقد ملس���ت ذلك‬ ‫يف احلش���ود اليت تتزاحم يف كل م ّرة تنعقد‬ ‫فيه���ا ن���دوة حول أح���د مؤ ّلفاتي ‪ .‬ن���دوات إذا‬ ‫كانت ُتعقد بانتظام يف كل املدن األوروبية‬ ‫‪ ،‬بيد أنها يف سويس���را بلغت عشرات الندوات‬ ‫يف كل امل���دن الك�ب�رى ويف بع���ض الق���رى‬ ‫أيض���اً ‪ .‬يف ه���ذه الن���دوات احلافل���ة باجل���دل‬ ‫ّ‬ ‫الثري حول‬ ‫حول الشأن اإلنس���اني والنقاش‬ ‫أس���ئلة الوج���ود الك�ب�رى فقط اس���تطعت أن‬ ‫أس���تعيد ثقيت بنفس���ي وإمياني حبقيقة ما‬ ‫أكت���ب ‪ .‬مل ختدعين مراس���م التكريم ألنها‬ ‫باط���ل أباطيل ‪ ،‬ومل أخندع باإلحتفاء ‪ ،‬ولكن‬ ‫الب��� ّد أن أستس���لم جمل���د اإلنس���ان األخالقي‬ ‫كخصلة يف مس���لك اإلنس���ان السويس���ري‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫أطياف بطبيعتهم ‪ ،‬وما يدهش�ن�ي أن‬ ‫‪ .‬إنه���م‬ ‫ّ‬ ‫يب ‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫كأ‬ ‫األطياف‬ ‫هذه‬ ‫تعاملين‬ ‫ّ‬ ‫يب ‪ ،‬وإن‬ ‫بلى ! املبدع يف واقع هؤالء َ‬ ‫يعامل كن ّ‬

‫مل يكن نب ّياً فعلى ّ‬ ‫األقل قدّيس !‬ ‫كان���وا حي ّيون�ن�ي أينم���ا حلل���ت ‪ ،‬ويه ّب���ون‬ ‫لنجدت���ي عند أبس���ط إمي���اء ‪ ،‬ويد ّلل���ون لي‬ ‫ّ‬ ‫إنسان ال يتم ّنى ألخية‬ ‫أمر دنيوي بن ّية‬ ‫ٍ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫اإلنس���ان إال أن يك���ون له خادم���ا دون مقابل‬ ‫‪ .‬إنه���م ح ّق���اً من فئ���ة أولئك املالئك���ة الذين‬ ‫قدمي املسيح بعد أن‬ ‫الرب ليغسلوا َ‬ ‫بعث بهم ّ‬ ‫رفض عرض إبليس يف اجلبل ‪ .‬لقد أشعرني‬ ‫رب الس���ماوات‬ ‫السويس���ريون أنه���م مالئكة ّ‬ ‫واألرض بع���ث به���م ليمس���حوا ع�ّن�يّ وعثاء‬ ‫ّ‬ ‫الوج���ودي الطويل يف صح���راء هذا‬ ‫س���فري‬ ‫الع���امل ‪ ،‬وي���داووا نزيفي الس���خي الناتج عن‬ ‫طعنات الس���نني ‪ .‬فكي���ف ال أُجاهر باإلمتنان‬ ‫ملّل���ة املالئكة هذه مقابل موقف أولئك الذين‬ ‫يف�ت�رض املنطق أن يكونوا لي يف غربيت أه ً‬ ‫ال‬ ‫فيتجاهلون�ن�ي إىل هذا احل ّد الذي مل حيدث‬ ‫فيه يوماً أن تنازل���وا مرة فحضروا ندوة من‬ ‫بأسفار‬ ‫الندوات الكثرية اليت ُعقدت لإلحتفاء‬ ‫ٍ‬ ‫جمبولة بروح وطنهم ‪ ،‬كما مل يتنازلوا وال‬ ‫ٍ‬ ‫مرة أيضاً ّ‬ ‫فتفضلوا حبضور مراس���م تسلمي‬ ‫جلوائز دولية هي جوائز ليس���ت لش���خصي ‪،‬‬ ‫ولكنها يف نام���وس كل األمم جوائز جلناب‬ ‫الوطن املتمثل يف ش���خص سليل الوطن ‪ .‬مل‬ ‫حيدث هذا يف سويسرا فقط يف امل ّرات الثالث‬ ‫‪ ،‬كما مل حيدث يف باريس ثالث مرات أيضاً‬ ‫‪ ،‬ومرة يف إيطاليا ‪ ،‬ومرة أخرى يف أبي ظيب ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫موقف كهذا عداوة‬ ‫وأخرياً يف القاهرة ‪ .‬فهل‬ ‫ملؤل���ف مي ّث���ل يف مثل هذه املواق���ف وطناً من‬ ‫أناس مي ّثل���ون نظاماً ال وطناً ‪ ،‬أم عداوة‬ ‫قبل ٍ‬ ‫يف الواقع للوطن ؟‬ ‫فكي���ف يُراد منيّ‬ ‫بوط���ن ناصبين‬ ‫ث‬ ‫ب‬ ‫أتش���‬ ‫أن‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وطن أجارني من‬ ‫مقابل‬ ‫يف‬ ‫امله���د‬ ‫العداء منذ‬ ‫ٍ‬ ‫الوطن ‪ ،‬واستنزل على نفسي فيوض األمان‬ ‫ٌ‬ ‫‪ٌ :‬‬ ‫مغس���ول بأنف���اس أنفس ما يف الوجود‬ ‫أمان‬ ‫‪ :‬احلري���ة ؟ والدلي���ل ؟ الدليل ترتمجه لفتة‬ ‫تب���دو رمزية ‪ ،‬ولكنها عميق���ة الداللة ‪ :‬ففي‬ ‫اليوم املق ّرر الس���تالم جائ���زة الدولة الكربى‬ ‫ل�ل�آداب خرجت مع زوج�ت�ي إىل احلقول يف‬ ‫نزهة فجر كل يوم ‪ ،‬وعندما عدنا بعد مطلع‬ ‫الش���مس وجدنا ب���اب البي���ت مغم���وراً بباقة‬ ‫طازج���ة س���دّت املم ّر كّل���ه من فرط‬ ‫زه���ور‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫س���خاء حجمها حتى أننا اضطررنا لتوزيعها‬ ‫على س���بع مزهري���ات داخل البي���ت فهل هي‬ ‫من الس���فري اللييب بالعاصمة "برين" ؟ كلاّ‬ ‫بالطبع ‪ .‬الباقة األس���طورية تركها س���اعي‬ ‫الربيد بالباب بسبب غيابنا ‪ .‬وهي ُمرسلة من‬ ‫إحدى الشركات الدولية املخ ّولة مبثل هذه‬ ‫املناسبات ‪ .‬والراسل ليس سفري ليبيا املعتمد‬ ‫يف سويس���را ‪ ،‬ولك ّن���ه الس���فري السويس���ري‬ ‫ُ‬ ‫وج���دت بطاقة‬ ‫املعتم���د بليبي���ا ‪ .‬م���ع الباق���ة‬ ‫ُ‬ ‫قوط���ي أني���ق باألملانية‬ ‫خبط‬ ‫كتب عليه���ا ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫عبارة تقول ترمجتها ‪" :‬حنن فخورون بك !"‬ ‫‪ .‬السفري السويسري ال يعبرّ هنا عن شخصه‬ ‫‪ ،‬ولكن���ه يعبرّ عن إرادة الش���عب السويس���ري‬ ‫ال���ذي مي ّثله يف بل��� ٍد كليبيا ‪ ،‬كما الس���فري‬


‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫‪23‬‬

‫يبدو أن سبب هذا اجلهل املخجل هو انعدام وجود‬ ‫أي صلة بني الغرب والشرق ‪ ،‬بل بني العامل‬ ‫والشرق ‪ ،‬ال ليبيا وحدها‬

‫ربراً أخالقياً واحداً حلملته الغريبة ‪،‬‬ ‫اللي�ب�ي ال مي ّث���ل يف سويس���را نفس���ه ‪ ،‬ولكن س���اق م ّ‬ ‫ال ُع���رف قض���ى أن مي ّث���ل النظ���ام السياس���ي ولك ّنه بدأها بأكذوبة دراس�ت�ي على حساب‬ ‫الذي أوف���ده إىل اخلارج مبعوث���اً ‪ .‬وها هو ال الدول���ة يف روس���يا الس���وفيي ّتية ‪ ،‬ل ُينهيه���ا‬ ‫يكّلف نفس���ه عناء حضور مراس���م التسليم ‪ ،‬بأكاذي���ب أخ���رى ال عالق���ة هل���ا يف الواق���ع‬ ‫ً‬ ‫بل وال عناء إرس���ال بطاقة تهنئة‬ ‫مش���فوعة بش���خصي ‪ .‬وهكذا وجدت نفس���ي مع الزمن‬ ‫بباق���ة زهور كم���ا فعل الس���فري املقيم يف ما ضح ّية حلمالت حاقدة مس���عورة ‪ ،‬كاذبة ‪،‬‬ ‫وراء حب���ر ال���روم ‪ .‬ليس هذا وحس���ب ‪ ،‬ولكن أصابتين بالغثيان ال ألنها ميكن أن تنال من‬ ‫أهل وطين مل يُضاعفوا من محالتهم الظاملة َن ّص���ي أو صييت ‪ ،‬ولكن ألنه���ا أخجلتين أمام‬ ‫ض��� ّد م���ن ش��� ّرفهم يف احملاف���ل الدولي���ة إ ّ‬ ‫ال الع���امل الذي مل يفهم هذا الس��� ّر الذي جيعل‬ ‫بع���د تتوي���ج نضال���ي املميت يف س���بيل إعالء أه���ل بل��� ٍد م���ن البل���دان يعم���دون الخت�ل�اق‬ ‫إلنس���ان ّ‬ ‫كل ذنب���ه أنه‬ ‫موهوم���ة‬ ‫ش���أنهم وش���أن وطنه���م إن كان���وا وطن ّيني ش���خص ّية‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فع�ل�ا ‪ .‬وه���ا هو أح���د اجلبناء الذي���ن يكتبون ش ّرفهم يف أقس���ى جمال وأصعبه مناال وهو‬ ‫يف املواق���ع اإللكرتونية ّ‬ ‫يش���ن على ش���خصي اإلب���داع ‪ ،‬يف س���احة يهيمن عليها املس���تحيل‬ ‫هجوماً مس���عوراً حمش��� ّواً باألكاذيب حتت ألنه���ا الع���امل اخلاض���ع لقوان�ي�ن املنافس���ة‬ ‫إس���م مس���تعار هو "املخض���رم" ال���ذي أكثر األكث���ر صرام���ة يف املس���كونة ‪ ،‬ال لش���يء‬ ‫ٍ‬ ‫م���ا حزن�ن�ي أن يُق���ال لي أن���ه اإلنس���ان الذي إ ّ‬ ‫ال ألن التقني���ة األلكرتوني���ة أتاح���ت هلؤالء‬ ‫احرتمت���ه يوماً وهو فاضل املس���عودي ‪ .‬وليته فرص���ة الك���ذب إلحساس���هم بع���دم وج���ود قصاص بدعوى حرية التعبري اليت لن تعين‬ ‫وقت يرى فيه‬ ‫هنا س���وى "ح ّرية الكذب" ‪ .‬يف ٍ‬ ‫الع���امل كيف ُتع َب���د رموز األوط���ان األدبية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫رديفة للهوية القومية‬ ‫هوي���ة وطن ّي ًة‬ ‫لتكون‬ ‫‪ :‬إجنلرتا شكس���بري ‪ ،‬فرنس���ا بالزاك ‪ ،‬أمريكا‬ ‫فوكن���ر ‪ ،‬روس���يا دوستويفس���كي ‪ ،‬اهلن���د‬ ‫طاغ���ور ‪ ،‬كولومبيا ماركيز ‪ ،‬تش���يلي بابلو‬ ‫ن�ي�رودا ‪ ،‬أملانيا غوته ‪ ،‬مصر جنيب حمفوظ ‪،‬‬ ‫‪35‬ـ صدور رواية "فرس���ان األحالم القتيلة" عن دبي الثقافية (عدد شهر مايو ‪)2012‬‬ ‫سودان الطيب صاحل ‪ ،‬س���وريا أدونيس ‪ ..‬إخل‬ ‫والطبع���ة الثاني���ة عن دار اآلداب البريوتية (ش���هر يوليو ‪ ، )2012‬وه���ي أول عمل روائي‬ ‫‪ .‬لقد خلقت هذه الروح احلقديّة منيّ إنساناً‬ ‫أهم عمل إبداعي ُ‬ ‫كتب عن‬ ‫ع���ن الربي���ع العربي الذي قال عنه الن ّقاد يف الغرب أنه مازال ّ‬ ‫"الربيع العربي" حتى اآلن من حيث عمق التناول ‪.‬‬ ‫مل أعرفه يف نفس���ي ‪ ،‬وال وج���ود له يف الواقع‬ ‫‪36‬ـ املشاركة يف ندوة حول "الربيع العربي" يف اليبسيج األملانية إبريل ‪. 2012‬‬ ‫‪ .‬واملأس���اة أن الناس يصدّقون ما يقرأون ألن‬ ‫‪37‬ـ املشاركة يف مؤمتر األدب العاملي يف دوربان جبنوب إفريقيا يف مارس ‪. 2012‬‬ ‫األكذوب���ة عندما تتك ّرركم���ا يُقال تصبح‬ ‫‪38‬ـ املشاركة يف مؤمتر األدب العاملي يف مهرجان األدب العاملي مارس ‪. 2012‬‬ ‫يف حقيق���ة ‪ .‬إنها تلك املأس���اة ال�ت�ي عا َنى من‬ ‫‪39‬ـ ُمداخلة (الذاكرة األخالقية) يف مؤمتر امليثاق الوطين املنعقد يف مصراتة فرباير‬ ‫ويالتها الروائ���ي الصيين احلائز على جائزة‬ ‫‪. 2012‬‬ ‫نوب���ل لآلداب "مويان" وكانت س���بباً لدعوته‬ ‫ّ‬ ‫الدولي‬ ‫قطر‬ ‫مع���رض‬ ‫يف‬ ‫ّة)‬ ‫ي‬ ‫اهلو‬ ‫إغ�ت�راب‬ ‫ظل‬ ‫يف‬ ‫الروائي���ة‬ ‫(التجرب���ة‬ ‫حماض���رة‬ ‫‪40‬ـ‬ ‫ضج���ة يف الع���امل وه���ي وجوب‬ ‫ال�ت�ي أث���ارت ّ‬ ‫للكتاب ‪ .‬ديسمرب ‪. 2011‬‬ ‫إخضاع اإلنرتن���ت لرقاب���ة أخالق ّية صارمة‬ ‫‪.‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫يف‬ ‫بإيطاليا‬ ‫واآلداب‬ ‫الفنون‬ ‫مهرجان‬ ‫‪ 41‬املشاركة يف‬ ‫ً‬ ‫محاي���ة للحقيق���ة م���ن عبث األش���رار ‪ .‬وهو‬ ‫مارس‬ ‫يف‬ ‫املعرض‬ ‫م���ن‬ ‫ش���خصية‬ ‫بدعوة‬ ‫للكتاب‬ ‫ظيب‬ ‫أب���و‬ ‫مع���رض‬ ‫يف‬ ‫‪42‬ـ املش���اركة‬ ‫م���ا مل يكن ليحدث يف حال النش���ر الصحفي‬ ‫‪.‬‬ ‫الثقافة‬ ‫وزير‬ ‫برئاسة‬ ‫لييب‬ ‫وفد‬ ‫مبشاركة‬ ‫‪2012‬‬ ‫التقليدي ال���ذي يخُ ضع الفاع���ل للقصاص‬ ‫‪43‬ـ املشاركة يف مؤمتر األدب العاملي يف النمسا نوفمرب ‪. 2012‬‬ ‫حبرف القانون يف ح���ال غياب األد ّلة ‪ .‬وأجد‬ ‫مبناس���بة‬ ‫هولندا‬ ‫أمس�ت�ردام‬ ‫‪44‬ـ املش���اركة يف ن���دوة حول أعم���ال إبراهيم الكوني يف‬ ‫ً‬ ‫نفس���ي كضح ّي���ة مضط��� ّرا أن أوافقه على‬ ‫صدور "الترب" باللغة اهلولندية نوفمرب ‪. 2012‬‬ ‫ض���رورة اس���تحداث مثل ه���ذه الرقابة ‪ ،‬ألن‬ ‫‪.‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫نوفمرب‬ ‫للكتاب‬ ‫‪45‬ـ املشاركة يف معرض الشارقة الدولي‬ ‫عم�ل�ا ال أخالقياً يف ّ‬ ‫ً‬ ‫ظل غياب‬ ‫التقنية تغدو‬ ‫‪46‬ـ املش���اركة يف ن���دوة ن���ادي الس���يدات األجنبي���ات يف أبي ظيب حول أعم���ال الكوني‬ ‫خليفة اهلل يف اإلنسان وهو ‪ :‬الضمري !‬ ‫املرتمجة للغة اإلجنليزية ‪.‬‬ ‫ولك���ن تأبَ���ى األق���دار إ ّ‬ ‫ال أن حترم�ن�ي م���ن‬ ‫مارس‬ ‫العربي"‬ ‫"الربي���ع‬ ‫عن‬ ‫بروكس���ل‬ ‫يف‬ ‫العامل���ي‬ ‫األدب‬ ‫مهرج���ان‬ ‫‪47‬ـ املش���اركة يف‬ ‫الس���خي (سويس���را)‬ ‫حضوري يف هذا الوطن‬ ‫ّ‬ ‫‪. 2013‬‬ ‫الصحية اليت قادتين‬ ‫أيضاً ‪ .‬فها هي الظروف ّ‬ ‫احلوارات ‪:‬‬ ‫إىل سويسرا يوماً تأبى إ ّ‬ ‫ال أن تكون السبب يف‬ ‫‪2012‬‬ ‫مايو‬ ‫"بازلرسايتونغ"‬ ‫‪:‬‬ ‫السويسرية‬ ‫الصحف‬ ‫مع‬ ‫‪1‬ـ حوارات‬ ‫ّ‬ ‫ألحط‬ ‫خروج���ي اجلدي���د من ه���ذا الوط���ن‬ ‫‪2012‬‬ ‫أغسطس‬ ‫زايتونغ"‬ ‫"زوننتاغ‬ ‫صحيفة‬ ‫مع‬ ‫‪2‬ـ حوار‬ ‫الرحال يف وطن أس�ل�ايف القدم���اء (املل ّثمني)‬ ‫‪3‬ـ حوارات مع عدد من الصحف الصادرة يف جنوب إفريقيا مارس ‪2012‬‬ ‫اللي�ب�ي احلميم‬ ‫باألندل���س ‪ ،‬ألناجي حبري‬ ‫ّ‬ ‫‪4‬ـ املؤمت���ر الصحفي على هامش معرض أبي ظيب للكتاب مع وكاالت األنباء العاملية‬ ‫من رحاب شاطئه اآلخر ‪.‬‬ ‫والعربية‬ ‫ولك���ن هيه���ات ! فسويس���را ه���ي الف���ردوس‬ ‫"ليرباس���يون"‬ ‫صحيفة‬ ‫م���ع‬ ‫دبي‬ ‫العامل���ي‬ ‫األدب‬ ‫مؤمت���ر‬ ‫هام���ش‬ ‫عل���ى‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫مط���‬ ‫‪5‬ـ ح���وار‬ ‫ّ‬ ‫الذي ل���ن يُكتب لي أن أختّلى عنه لئلاّ يكون‬ ‫الفرنسية‬ ‫لي فردوس���اً مفقوداً ‪ ،‬ال ألن أوراقه الثبوت ّية‬ ‫‪6‬ـ عدّة حوارات مع عدّة ُص ُحف هولندية وبلجيكية نوفمرب ‪2012‬‬ ‫وثيق��� ٌة يف جييب ‪ ،‬ولك���ن ألن روحه هو ّي ٌة يف‬ ‫قليب !‬ ‫س‪ 10‬ـ م��ا ب�ين الروائ��ي والسياس��ة ‪ ،‬والرواية‬ ‫والسياس��ة أي��ن إبراهي��م الكون��ي من السياس��ة‬

‫؟ ومل��اذا دخل��ت املعرتك السياس��ي عقب م��ا ُعرف‬ ‫بالربيع العربي ‪ ،‬خاصة عرب اإلعالم ‪ .‬ما الدافع‬ ‫لتصرحياتك��م املثرية ؟ مل��اذا نراك تقف يف ّ‬ ‫صف‬ ‫أدونيس وهي��كل وعطوان من منتقدي هذا الربيع‬ ‫؟ ما الذي مل ُيفهم من تصرحياتك ؟‬ ‫مس���تنقع كالسياسة ! ال‬ ‫ــ ا ّللهم أجرني من‬ ‫ٍ‬ ‫أع���رف كيف اس���تطاع البع���ض أن خيتلقوا‬ ‫هذه الكذبة ‪ .‬وعداوتي هلذه اجل ّنية اجله ّنمية‬ ‫قدمية وتسري يف كل كتيب سواء الروائي‬ ‫منه���ا أو النظ���ري ‪ .‬هل تذك���رون األمثولة‬ ‫اليت وضعتها استش���هاداً لرواية "الدمية" عن‬ ‫احلكيم الصيين الذي تروي الطاويّة كيف‬ ‫عرض عليه إمرباطور ما حتت قّبة الس���ماء‬ ‫(وهو إسم الصني يف زمن ما قبل التاريخ) أن‬ ‫يتنازل له عن ُحكم اإلمرباطورية فاستمهله‬ ‫ث���م ذهب ورب���ط على ص���دره لوح‬ ‫احلكي���م ّ‬ ‫مفضالً‬ ‫حجر ثقيل لريمي بنفس���ه يف النهر ّ‬ ‫ٍ‬ ‫املوت على تو ّلي حكم إمرباطوريّة ! هذا يعين‬ ‫أن احلك���م ال يلي���ق إ ّ‬ ‫ال بعبد ‪ ،‬ألن من أعجزه‬ ‫لحُ‬ ‫أن حيك���م نفس���ه وح���ده يذه���ب ���اول أن‬ ‫حيكم العامل ‪ .‬ويبدو أن س���وء الفهم املؤس���ف‬ ‫ملوقفي من السياسة إنمّ ا يكمن يف اخلطاب ‪:‬‬ ‫فاألغلبية جتهل طبيعة هذا اخلطاب مبا يف‬ ‫أمة الصحف ّيني الذين ينقلون عنيّ هذه‬ ‫ذلك ّ‬ ‫التصرحي���ات باألس���لوب اخلط���أ ‪ .‬وهو خطأٌ‬ ‫ناجم عن ثقافة الصحف ّيني السطح ّية ال يف‬ ‫ٌ‬ ‫الع���امل العربي وح���ده ‪ ،‬ولكن يف الغرب أيضاً‬ ‫‪ .‬وهذا هو س��� ّر عزويف ع���ن حماورتهم الذي‬ ‫يعرفه صحف ّيو الغ���رب أكثر من صحف ّيي‬ ‫ّ‬ ‫إس���تعاري ‪ .‬واس���تعاري‬ ‫الع���رب ‪ .‬فخطاب���ي‬ ‫ألن���ي روائي ‪ .‬ولغة الرواية هي اإلس���تعارة ‪.‬‬ ‫تتضمن‬ ‫وأن تك���ون اللغة اس���تعارية يعين أن‬ ‫ّ‬ ‫ب ُْع َدي���ن إثن�ي�ن ‪ :‬فلس���في ووج���ودي ‪ .‬وه���ذا‬ ‫يعين منطقي���اً التضحية باملس���ّلمات والقفز‬ ‫إىل األعلى ملالمس���ة احل���دود القصوى اليت‬ ‫تس���كن فضاء اآلفاق ‪ .‬هنا حيدث سوء الفهم‬ ‫‪ .‬ف���أرذل م���ا ْ‬ ‫فعلت���ه السياس���ة ه���و تس���ييس‬ ‫األدب على حس���اب األس���طورة ال�ت�ي كانت‬ ‫منذ األزل روح األدب ‪ ،‬بل ش���رط األدب منذ‬ ‫تكتف‬ ‫وص ّية أرس���طو الذائعة الصي���ت ‪ .‬ومل ِ‬


‫‪24‬‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫لكل الذين حياولون تشويه هذا املوقف اليوم أ ّني أزهد الناس يف ّ‬ ‫أقول ّ‬ ‫كل ما‬ ‫يبدو يف نظر األغيار ذي قيمة ‪ .‬وكما مل أنافس أحداً يف السابق يف شيء ‪،‬‬ ‫فلهم أن يطمئ ّنوا ألني ال أنوي أن أنافسهم اليوم أيض ًا يف أي شيء‬ ‫السياس���ة به���ذه اخلطيئ���ة ‪ ،‬ولك ّنها س ّيس���ت‬ ‫العامل بأس���ره ‪ .‬والتس���ييس حب��� ّد ذاته كان‬ ‫يمُ كن أن يُغتفر لو مل يكن يف حقيقته تزييفاً‬ ‫ش���ر إستعارته السياس���ة من معبودتها‬ ‫‪ .‬وهو ٌّ‬ ‫األيديولوجيا ال�ت�ي ال أُبالغ إذا وصفتها بأنها‬ ‫ورم العص���ر احلدي���ث ‪ .‬ولك���ن السياس���ة يف‬ ‫حلفها مع األيديولوجي���ا تثنية ال تكتمل إن‬ ‫ركن‬ ‫مل تنت��� ِه إىل الصفق���ة الش��� ّريرة م���ع‬ ‫ٍ‬ ‫ثال���ث يف الس�ي�رة وه���و الس���لطة ليس���تقيم‬ ‫العه���د يف معادل���ة تق���ول أن األيديولوجي���ا‬ ‫تزوي���ر الواقع اإلنس���اني ‪ ،‬والسياس���ة حرفة‬ ‫من أعجزه أن حيرتف أي حرفة ‪ ،‬والس���لطة‬ ‫تتوي���ج لكليهما ألنها تل���ك اخلطيئة املعادية‬ ‫ٌ‬ ‫للحري���ة بالس���ليقة واملغتصب���ة لصالح ّيات‬ ‫رب السماوات واألرض ‪ .‬وأعتقد أن من يقرأ‬ ‫ّ‬ ‫أعمالي األدبية والفلسفية سوف يكتشف أنه‬ ‫إلياذة مو ّزعة على عشرات الكتب على مدى‬ ‫س���بعة وأربع�ي�ن عاماً م���ن الكتاب���ة ‪ ،‬وكّلها‬ ‫إدانة عميق���ة هلذا الثال���وث الرهيب ‪ .‬فكيف‬ ‫منصب يف‬ ‫أُ ّته���م باحرتاف السياس���ة أو قبول‬ ‫ٍ‬ ‫سلطة أو اعتناق أيديولوجيا حياول اجلهلة‬ ‫أن يلصقوه���ا ب���ي ط���وال عقو ٍد وعق���ود ؟ أال‬ ‫أبدو غريباً يف واقع بالدي اليت يص ّر أهلها أن‬ ‫يالحقوني بال ّتهم الظاملة واألحكام املس���بقة‬ ‫يف ّ‬ ‫ظ���ل ثالثة أنظمة خمتلف���ة حتى اآلن ؟‬ ‫ً‬ ‫ألست حم ّقا يف كتابة ّ‬ ‫ُ‬ ‫مذكرات الستجالء‬ ‫هذه الس�ي�رة ّ‬ ‫عل نزي���ف الذاك���رة يفلح يف‬ ‫تذكري املؤمنني ؟‬ ‫جهل‬ ‫ولكن ها هي األسئلة العبثية تكشف عن ٍ‬

‫ُمطبق مبجّلدين م���ن ّ‬ ‫املذكرات ّ‬ ‫كأن أهلي‬ ‫يف ليبي���ا مص ّرون على كفره���م باحلقيقة‬ ‫وع���دم اجلدوى يف كتابة املزامري ؟ وهو أم ٌر‬ ‫يربهن على تش��� ّبث الن���اس بضالهلم كأ ّنه‬ ‫ٌ‬ ‫دين من ّزل ‪ ،‬ومن العبث التشكيك يف يقينهم‬ ‫ه���ذا ال ألنه���م ال يق���درون ‪ ،‬ولك���ن ألنهم ال‬ ‫يريدون ‪ .‬والالإرادة هو املوقف األس���هل ألنه‬ ‫يجُ �ي�ر من تغيري ما بالنف���س الذي ّ‬ ‫حث عليه‬ ‫الكتاب الكريم ‪.‬‬ ‫أم���ا نزول���ي إىل حضي���ض السياس���ة ال���ذي‬ ‫ّ‬ ‫ي ّتهمين به البعض فباطل أباطيل ‪ .‬وموقفي‬ ‫م���ن الث���ورات العربي���ة خيتلف جذريّ���اً عن‬ ‫مواقف ال���روّاد الذين ذكرت ‪ .‬ومن يتابعون‬ ‫م���ا أكت���ب باللغ���ة العربي���ة أو باللغ���ات‬ ‫األجنبية طوال السنتني والنصف السالفتني‬ ‫جم���د البوعزيزي‬ ‫س���وف ي���درك أن ال أح���د ّ‬ ‫كرم���ز هلذه اإلنتفاضات كما فعلت ‪ .‬حتى‬ ‫أن���ي أطلقت عليه اإلس���م الذي ص���ار عنواناً‬ ‫ش���ائعاً يف الصحاف���ة الغربي���ة وهو"مس���يح‬ ‫هذا الزم���ان" ‪ .‬كما مل ُ‬ ‫عربي‬ ‫يط���ف‬ ‫ٌ‬ ‫كاتب ّ‬ ‫قا ّرات العامل األربع (أوروبا ـ أمريكا ـ إفريقيا‬ ‫ومتأم ً‬ ‫وموضحاً‬ ‫ـ آس���يا) ّ‬ ‫مبش���راً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫إستجابة‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لعش���رات الدع���وات الرمسي���ة ال�ت�ي تلقيتها‬ ‫م���ن خمتلف البل���دان ‪ ،‬كما فعل���ت ‪ ،‬حام ً‬ ‫ال‬ ‫الصحي���ة املزمنة على‬ ‫أيض���اً صليب ظرويف‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ظهري ‪ ،‬متحام ً‬ ‫ال على نفسي ‪ُ ،‬مستنزفا إىل‬ ‫لسقطت م ّيتاً‬ ‫ُ‬ ‫درجة لو صرخ يف أذني إنسان‬ ‫أم���ا املقابالت‬ ‫مع اإلعتذار ل���ـ كريكيغور ‪ّ .‬‬ ‫الصحفي���ة عل���ى هام���ش ه���ذه املناس���بات‬

‫الدولية فبالعش���رات إن مل يكن باملئات س ّيما‬ ‫إذا أضفن���ا عمليات نق���ل املقابلة الواحدة من‬ ‫صحيفة إىل أخرى ‪ .‬هذا إىل جانب املداخالت‬ ‫اإلذاعية املس���موع منه���ا واملرئي ‪ .‬وهي محلة‬ ‫مازال���ت ُتعت�ب�ر يف ه���ذه الق���ا ّرات مرجع ّي ًة ‪.‬‬ ‫ناهي���ك ع���ن املق���االت املنش���ورة يف كربيات‬ ‫الصح���ف األوروبّي���ة مث���ل الفرنس��� ّيتني ‪:‬‬ ‫"لومون���د" و"ليرباس���يون" أو السوس�ي�ريّتني‬ ‫‪" :‬لوت���ان" أو ‪" :‬نوي���ي زورخرزايتون���غ" ‪ ،‬أو‬ ‫الصحف األملانية أو النمساوية أو البولندية‬ ‫إخل ‪ .‬ولكن ليس ذنيب أن جيهل أهلي يف ليبيا‬ ‫م���ا فعلت م���ن أجلهم ال طمع���اً يف منصب أو‬ ‫طلب���اً لغنيم���ة ‪ ،‬أو حبثاً ع���ن ّ‬ ‫طام دنيا ‪،‬‬ ‫أي ُح ِ‬ ‫ولك���ن أدا ًء لواجب ‪ :‬أدا ًء لذل���ك الواجب الذي‬ ‫عّلمين معّلمي "كانط" أننا ال نأتي إىل هذه‬ ‫الدني���ا إ ّ‬ ‫مضحني يف س���بيل ذلك‬ ‫ال لتأديت���ه‬ ‫ّ‬ ‫بالسعادة ‪.‬‬ ‫ويب���دو أن س���بب ه���ذا اجله���ل املخج���ل ه���و‬ ‫انع���دام وج���ود أي صلة بني الغرب والش���رق‬ ‫‪ ،‬ب���ل بني العامل والش���رق ‪ ،‬ال ليبي���ا وحدها ‪.‬‬ ‫وهو ما اكتش���فته أخ�ي�راً وأحزن�ن�ي كثرياً‬ ‫كنص يف الغ���رب أقوى من‬ ‫‪ ،‬ألن حض���وري‬ ‫ٍّ‬ ‫حضوري يف بلدان الع���رب برغم أني أكتب‬ ‫باللغ���ة العربية ‪ .‬وهي حمن���ة أخرى ُتضاف‬ ‫ّ‬ ‫س���جل إغرتاب���ي الثخني واملوج���ع ‪ .‬وهي‬ ‫إىل‬ ‫قطيعة ‪ ،‬كما اكتش���فت ‪ ،‬ليس���ت إعالم ّية‬ ‫وحس���ب ‪ ،‬ولك ّنه���ا ثقافي���ة ‪ .‬ليس���ت ثقافي���ة‬ ‫وق���ت نمُ َ نيّ فيه‬ ‫فق���ط ‪ ،‬ولكنه���ا حضارية يف ٍ‬ ‫أنفس���نا بوجودنا يف العامل ووجود العامل فينا‬ ‫‪ ،‬ب���ل ووجودنا م���ع العامل يف العص���ر ‪ .‬ولكن‬ ‫هيه���ات ‪ ،‬ألن التجرب���ة برهن���ت أنن���ا خ���ارج‬ ‫الع���امل برغ���م الفضائ ّيات ووس���ائل اإلتصال‬ ‫واقع‬ ‫وهيمنة معب���ودة العصر‪ :‬التقنية ‪ .‬وهو ٌ‬ ‫الفعلي‬ ‫يس���تثري حزمة أس���ئلة حول موقعنا‬ ‫ّ‬ ‫من هذا العامل ‪.‬‬ ‫فكيف يُس���اء ب���ي ّ‬ ‫الظن إىل احل ّد ال���ذي أُّتهَم‬ ‫فيه بعداوة "الربيع العربي" بعد ّ‬ ‫كل النزيف‬ ‫ال���ذي دفعت���ه من أجل���ه ؟ والس��� ّر إنمّ ا يكمن‬ ‫يف اخلط���اب الفلس���في ال���ذي يتكّلم بلس���ان‬ ‫املفاهيم وليس بلغة احل���رف امل ّيت واملميت ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فالكل ُسيفاجأ إذا قلت أن كل اجلدل الدائر‬ ‫اآلن م���ردّه إىل اجلهل حبقيق���ة الثورة اليت‬ ‫انتهت بإس���قاط األنظمة كما تمُ لي طبيعة‬ ‫األشياء ‪ ،‬والفوضى اليت نشهدها منذ سقوط‬ ‫األنظم���ة ال عالق���ة هل���ا بالثورة ال�ت�ي أنهت‬ ‫مهمتها وغابت من الساحة ‪ ،‬ولكن ما نشهده‬ ‫ّ‬ ‫هو ش���بح الس���لطة اليت ُقلت فيه���ا منذ قليل‬ ‫م���ا مل يقل���ه ٌ‬ ‫مالك يف اخلمر ‪ .‬واألش���باح اليت‬ ‫نشاهدها على املس���رح منذ سقوط األنظمة‬ ‫ليس���وا ث ّواراً ‪ ،‬ولك ّنهم ُمريدو سلطة ‪ .‬وإرادة‬ ‫الس���لطة كما نعلم هي ظمأٌ يس���كن النفس‬ ‫اإلنس���انية عميقاً مثله مثل ا َ‬ ‫هل َوس بالتغيري‬ ‫الذي يتح ّق���ق بالثورة ‪ .‬فرس���الة الثورة هي‬ ‫إش���باع احلاجة الغيب ّية إىل التغيري ‪ .‬والثورة‬ ‫أما ما يتلو هذا‬ ‫تنتهي حبدوث ه���ذا التغيري ‪ّ .‬‬

‫اإلجن���از فهو ليس من ش���أن الث���ورة ‪ ،‬ولكنه‬ ‫ش���أن الس���لطة ‪ .‬س���لطة معادي���ة بطبيعته���ا‬ ‫لروح الثورة ‪ ،‬أي للحرية ‪ ،‬ألن غايتها األوىل‬ ‫تنظي���م جه���از الش���رطة ال���ذي حت���دّث عنه‬ ‫كامو عندما قال ‪" :‬كّلنا نبدأ بطلب العدالة‬ ‫‪ ،‬ولكنن���ا ننته���ي بتنظي���م جهاز للش���رطة" ‪.‬‬ ‫فرسالة الس���لطة كي ختتلي بالغنيمة هي‬ ‫القمع ‪ .‬وهلذا يبدو حضور الثورة رومانس���ياً‬

‫دوم���اً ألنه جتربة ح ّرية قبل أن تنتكس هذه‬ ‫احلرية بقيام السلطة ‪ .‬وهلذا فنحن ال حنيا‬ ‫احلرية إ ّ‬ ‫ال يف س�ي�رورة الثورة ‪ .‬أي الفسحة‬ ‫نظام‬ ‫الفاصلة ب�ي�ن إندالع الثورة إلس���قاط ٍ‬ ‫ّما ‪ ،‬وس���قوط ه���ذا النظام ‪ .‬إن���ه ٌ‬ ‫برزخ قصري‬ ‫العمر يروقين دائماً أن أش���ّبهه باملسافة اليت‬ ‫عل���ى س���يزيف أن يقطعه���ا م���ن موقع���ه يف‬ ‫اجلبل وب�ي�ن موق���ع الصخرة ال�ت�ي عليه أن‬ ‫يس���تعيدها يف احلضي���ض ‪ .‬ولك���ن اإلنس���ان‬ ‫يرف���ض اإلع�ت�راف به���ذه احلقيق���ة ألنه ال‬ ‫يريد أن يفقد اإلحساس باحل ّرية املبثوث يف‬ ‫حرف الث���ورة ال يف نتيجة الثورة ‪ .‬وما يزيد‬ ‫الوضع تراجيدي ً‬ ‫ّة هو قيام السلطة اجلديدة‬ ‫باس���تغالل أس���طورة الثورة أبش���ع استغالل‬ ‫تنص���ب الث���ورة بعبعاً إلره���اب كل‬ ‫عندم���ا ّ‬ ‫ً‬ ‫من خيالفها الرأي مس���تجرية بثور ٍة مل ي ُعد‬ ‫املوجه‬ ‫هل���ا وجود يف الواقع ‪ .‬وهلذا ف���إن النقد ّ‬ ‫ملمارسات الس���لطة اجلديدة يُعترب يف ُعرف‬ ‫واقع كهذا كفراً ‪ ،‬ألن التهمة دائماً جاهزة‬ ‫ٍ‬ ‫وهي ُمعاداة الثورة !‬ ‫واألس���وأ م���ن كل ش���يء ه���و النتيج���ة اليت‬ ‫ستؤدّي إليها هذه السياسة وهو ‪ :‬القمع !‬ ‫وجيلن���ا عاش ه���ذه التجربة حرف ّي���اً يف ّ‬ ‫ظل‬ ‫النظ���ام الس���ابق ‪ .‬أي أنه���ا سياس���ة س���وف‬ ‫تنتهي إىل إقامة س���لطة إس���تبدادية جديدة‬ ‫ل���ن ختتل���ف ع���ن الس���لطة اإلس���تبدادية‬ ‫منوذج‬ ‫الس���ابقة س���وى يف الش���كل ‪ .‬والعراق‬ ‫ٌ‬ ‫أمة ليس���ت ق���ادرة عل���ى قبول‬ ‫يربه���ن أ ّنن���ا ّ‬ ‫مبدأ الدميقراطية ‪ ،‬ألن ما نحُ س���نه بامتياز‬ ‫قومي‬ ‫هو‬ ‫التعصب بأجناس���ه ‪ .‬فم���ن ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫تعص ٍب ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫تعصب طائفي‬ ‫تعصب دي�ن�ي ‪ ،‬أو ّ‬ ‫عرق���ي إىل ّ‬ ‫ّ‬


‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫أعتقد أن الشراهة إىل السلطة اليت ملسها الث ّوار‬ ‫الشرفاء هي ما دفعهم للتش ّبث بالسالح إلجارة‬ ‫الثورة من هؤالء‬

‫‪ ،‬أو حت���ى َق َبل���ي ‪ .‬وه���ي ثقافة تش��� ّكل خطراً‬ ‫جسيماً على مستقبل أمم املنطقة ‪.‬‬ ‫ويش��� ّرفين أن أقف م���ن الس���لطة اجلديدة ‪،‬‬ ‫س���لطة على اإلطالق ‪ ،‬موقفاً نقد ّياً‬ ‫ومن ّ‬ ‫أي‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ،‬ألن الس���كوت على روح الغنيمة وعلى كل‬ ‫ٌ‬ ‫قب���ول بقيام نظام‬ ‫اخلطاي���ا يف ه���ذه املرحلة‬ ‫إس���تبدادي بدي���ل ‪ .‬وهو ما يع�ن�ي أن موقفي‬ ‫نبيل هو‬ ‫اس���تنكا ٌر ملا تفعله السياس���ة مبب���دأٍ ٍ‬ ‫تل���ك القيمة ال�ت�ي أبدعتها دماء ش���هداء هم‬ ‫ٌ‬ ‫فرس���ان انتقم���وا ألحالمه���م القتيل���ة ال يف‬ ‫نيل لغنيمة ‪.‬‬ ‫أو‬ ‫نفع‬ ‫ٍ‬ ‫سبيل ٍ‬ ‫وأق���ول ّ‬ ‫ل���كل الذي���ن حياول���ون تش���ويه ه���ذا‬ ‫املوقف اليوم أ ّني أزهد الناس يف ّ‬ ‫كل ما يبدو‬ ‫يف نظر األغي���ار ذي قيمة ‪ .‬وكما مل أنافس‬ ‫أحداً يف الس���ابق يف ش���يء ‪ ،‬فلهم أن يطمئ ّنوا‬ ‫ألني ال أنوي أن أنافس���هم الي���وم أيضاً يف أي‬ ‫شيء ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وعل ما س��� ُيدهش الشرفاء هو موقف النظام‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫اجلدي���د املع���ادي لش���خصي متبني���ا موق���ف‬ ‫النظ���ام الس���ابق منيّ حرف ّي���اً ‪ .‬فعن���د اندالع‬ ‫شرر الثورة يف يوم ‪ 17‬فرباير توافق وجودي‬ ‫ً‬ ‫تلبي���ة لدع���وة من معرض مس���قط‬ ‫ب ُعم���ان‬ ‫ُ‬ ‫أص���درت بياني‬ ‫الدول���ي للكت���اب ‪ .‬من هناك‬ ‫املؤيّ���د للثورة يف ي���وم حماضرتي املؤ ّرخة يف‬ ‫الثان���ي والعش���رين من الش���هر ذات���ه مت ّو ً‬ ‫جة‬ ‫بوقف���ة عل���ى أرواح الش���هداء ‪ .‬وعندما عدت‬ ‫إىل سويس���را بعد أيام ُ‬ ‫قاتلت وحيداً يف سبيل‬ ‫حترير إنتماء الس���فارة إىل النظام فقاومين‬ ‫ِضع���اف النف���وس بشراس���ة ‪ .‬وه���و م���ا كان‬ ‫متو ّقعاً ح ّتى أ ّن���ي مل أٌفلح يف حتقيق اهلدف‬ ‫إّ‬ ‫زميل لي من طرابلس كان‬ ‫ال عن���د وصول ٍ‬

‫ش���جاعاً مب���ا يكفي ك���ي يكون لي س���نداً يف‬ ‫ّ‬ ‫املس���تحق‬ ‫املهمة ‪ .‬فماذا كان القصاص‬ ‫هذه ّ‬ ‫على ه���ذا العمل ؟ اجل���واب س���يبدو مفارقة‬ ‫عبث ّي���ة ّ‬ ‫ب���كل املقاييس ‪ .‬فامللح���ق املالي الذي‬ ‫كان ق���د أوقف صرف معاش���ي منذ حلظة‬ ‫بوحي من النظام ‪ ،‬وهو نفس���ه‬ ‫صدور البيان‬ ‫ٍ‬ ‫الذي لع���ب دور البطولة يف رفض اإلعرتاف‬ ‫بالث���ورة مع زميله األمين ‪ ،‬وهو نفس���ه الذي‬ ‫قاد احلرب ض ّد ش���خصي بعد جن���اح الثورة‬ ‫ليوحي للس���فري اجلديد بإيق���اف هذا ال ُق ْوت‬ ‫ال���ذي كان ل���ي علقماً مري���راً عل���ى الدوام‬ ‫‪ُ .‬‬ ‫احلج���ة مضحكة وه���ي أ ّني ال‬ ‫واحل ّج���ة ؟ ّ‬ ‫أعم���ل بالس���فارة جمل��� ّرد أ ّن���ي ال أت���ردّد على‬ ‫السفارة ألحتس���ي القهوة أو أثرثر بالنمائم‬ ‫وأم���ارس الكي���د حت���ى نهاي���ة ال���دوام عل���ى‬ ‫طريقة ه���ؤالء ! ومل يكّلف الس���فري اجلديد‬ ‫نفس���ه عن���اء فه���م احلقيق���ة ال�ت�ي يعرفه���ا‬ ‫اجلميع وه���ي أن الس���فري احلقيقي للوطن‬ ‫هو اإلنس���ان الذي ش��� ّرف وطنه ‪ ،‬ال اإلنسان‬ ‫مارس فنون اإلساءة للوطن كما فعل‬ ‫الذي َ‬ ‫ّ‬ ‫جل أعضاء البعثات الدبلوماس��� ّية الليب ّية يف‬ ‫اخل���ارج طوال األعوام املاضية ‪ .‬وأس���وأ ما يف‬ ‫األم���ر أن ي ّتخذ رجل يدّعي احرتاف القانون‬ ‫كس���فري لليبي���ا اجلديدة يف سويس���را قراراً‬ ‫ال ميلك���ه دون الرج���وع إىل وزارة اخلارج ّية‬ ‫بالداخ���ل وال لرئاس���ة جملس ال���وزراء اليت‬ ‫صدر عنها قرار تعييين يف‬ ‫ً‬ ‫السابق مستغلاًّ غياب الدولة مرتمجا نزعة‬ ‫ربر ومس���تثمراً روح الفوضى‬ ‫اإلنتق���ام ا ّلالم ّ‬ ‫الشاملة اليت خلطت احلابل بالنابل يف البالد‬ ‫فغابت فيها أبسط أجبديّات العدالة اإلداريّة‬ ‫‪ ،‬فكيف بالعدالة السياس ّية ؟ وال يدري أمثال‬ ‫هؤالء أن التاريخ يُعيد نفس���ه ‪ ،‬وما فعلوه يف‬ ‫ح ّق���ي كان قد ج ّربه أمثاهلم يف ّ‬ ‫ظل النظام‬ ‫الس���ابق عندم���ا جل���أوا إىل اإلج���راء ذات���ه‬ ‫الشقي ألربعة‬ ‫ليس���تم ّر احلرمان من القوت‬ ‫ّ‬ ‫أع���وام كاملة كم���ا ح���دث يف الثمانينات ‪.‬‬ ‫فهل ُّ‬ ‫مت جوعاً ؟ لقد أرادوا لي املوت باألمس‬ ‫كما فعلوا اليوم ‪ ،‬وال يدرون أن ما فعلوه بي‬ ‫كان���ت العناية اإلهلي���ة تقلبه لي خالصاً يف‬ ‫كل م���رة ‪ .‬ولي���س هناك خ�ل�اص ميكن أن‬ ‫أرضي‬ ‫خملوق‬ ‫جتود به العناية اإلهلية على‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أعظم من ‪ ..‬احل ّرية !‬ ‫مع���اش ي َ‬ ‫ُعطى‬ ‫م���ن‬ ‫حبرمان‬ ‫فم���ا أس���عدني‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كأ ّنه ِهبة أو حس���نات ‪ ،‬وما أش���قاهم مجيعاً‬ ‫باغتنام م���ا هو أكرب ح ّتى م���ن املعاش ! ألن‬ ‫وصي���ة عل���ي اب���ن أب���ي طال���ب ال�ت�ي كانت‬ ‫ً‬ ‫متيم���ة تق���ول ‪" :‬لقد اس���تع ّنا على قضاء‬ ‫لي‬ ‫حوائجنا باإلستغناء عنها !" ‪.‬‬ ‫س‪ 11‬ـ ما عالق��ة إبراهيم الكوني بليبيا ما بعد‬ ‫الق ّذايف وبثورة فرباير وبالدولة الليب ّية احلالية‬ ‫تقول ح��ول موقفك من ثورة‬ ‫‪ ،‬وم��ا ر ّدك عل��ى ما ُي َّ‬ ‫شعبك ؟‬ ‫أقامت الدنيا ومل ُتقعدها‬ ‫ــ التصرحيات اليت َ‬ ‫هي مزوّرة حبرب الصح ّفيني الذين جيهلون‬

‫ال طبيع���ة اخلط���اب وحس���ب ‪ ،‬ولك���ن تاريخ‬ ‫الث���ورات أيض���اً ناهيك ع���ن رموز الث���ورات ‪.‬‬ ‫فالعب���ارة القائل���ة ‪" :‬ال جي�ن�ي مث���ار الثورات‬ ‫الس���فلة" كان���ت استش���هاداً‬ ‫َ‬ ‫س���وى أس���فل‬ ‫منسوباً لزعيم الثورة الفرنسية "روبسبيري"‬ ‫كثائ���ر وكش���اهد عي���ان عل���ى املنعط���ف‬ ‫اإلرهاب���ي ال���ذي س���ارت في���ه أعظ���م ثورات‬ ‫حك���م مل يكن ّ‬ ‫حبق‬ ‫األزمن���ة احلديث���ة ‪ .‬وهو ٌ‬ ‫م���ن قام بالث���ورة ‪ ،‬ولكن ّ‬ ‫حبق تلك الس���لطة‬ ‫اليت تس���تثمر دماء الش���هداء لتس���تولي على‬ ‫الغنيم���ة بإمسه���م ؛ ولي���س أد ّ‬ ‫َل عل���ى ه���ذا‬ ‫من إس���تهانة الس���لطات اليت تعقب الثورات‬ ‫بتضحيات الث ّوار الذين امتش���قوا السالح من‬ ‫بس���جناء الرأي‬ ‫جانب ‪ ،‬واإلس���تخفاف أيضاً ُ‬ ‫الذين دفعوا الثمن باهظاً إبّان هيمنة النظام‬ ‫كما ح���دث عندن���ا ؛ ألن الث��� ّوار احلقيقيني‬ ‫دوماً شرفاء إىل جانب حقيقتهم كشجعان‬ ‫‪ .‬ويحُ زنين أن تنقل وسائل اإلعالم األجنبية‬ ‫ً‬ ‫صحيح���ة ‪ ،‬يف ح�ي�ن خيف���ق م���ن‬ ‫آرائ���ي‬ ‫صحيحة يف ّ‬ ‫ً‬ ‫كل‬ ‫أخاطبهم بلغتهم يف نقلها‬ ‫م���رة أتنازل فيها عن يقيين املبدئي باإلبتعاد‬ ‫عن وسائل اإلعالم ح ّتى آمنت بأن التحريف‬ ‫لعنة ميتافيزيائي���ة تطاردني ‪ ،‬ربمّ ا قصاصاً‬ ‫ً‬ ‫متيمة وهو‬ ‫جزاء تنازل���ي عن مبدأ إتخّ ذت���ه‬ ‫الصمت ‪ .‬وقد إختلفت مع أدونيس يف مؤمتر‬ ‫األدب العاملي يف كوبنهاجن يف ش���أن ّ‬ ‫تدخل‬ ‫الناتو لدعم الثورة ‪ ،‬وقلت أنين لس���ت سعيداً‬ ‫أن ُتقص���ف بلدي من ّ‬ ‫أي ق��� ّوة أجنب ّية ولكن‬ ‫على اإلنس���ان ال���ذي أُ‬ ‫خبيث أن‬ ‫ب���ورم‬ ‫صيب‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫حيتم���ل ّ‬ ‫تدخل جراحي خطري للتخلص من‬ ‫ال���داء ‪ .‬وك ّر ُ‬ ‫رت ذلك يف أكثر من مناس���بة‬ ‫أخرى ‪ .‬وقد حاولت وس���ائل اإلعالم العربية‬ ‫أن تش���عل بيين وب�ي�ن أدونيس فتن���ة عندما‬ ‫نقلت تصرحياً ع���ن إختالفنا يف وجهة نظر‬ ‫حمرفاً ل ُتضيف أن ذلك حدث يف مؤمتر آخر‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫مل حيضره مع���ي أدونيس أصال وهو مؤمتر‬ ‫األدب العامل���ي يف جن���وب إفريقي���ا ‪ ،‬دوربان ‪،‬‬

‫‪25‬‬ ‫حتديداً ‪.‬‬ ‫وأعتق���د أن الش���راهة إىل الس���لطة ال�ت�ي‬ ‫ملس���ها الث ّوار الش���رفاء هي ما دفعهم للتشّبث‬ ‫بالس�ل�اح إلج���ارة الث���ورة من ه���ؤالء ‪ .‬ولكن‬ ‫طبيعة الدفاع اللئيمة الب ّد أن ختذهلم ‪ ،‬ألن‬ ‫املبالغ���ة يف الدف���اع عن النفس ه���و يف الواقع‬ ‫ع���دوان ‪ .‬والدفاع ع���ن النفس يف موقفهم هو‬ ‫دف���ا ٌع عن الث���ورة اليت ال ي���درون أنها لفظت‬ ‫أنفاس النزع األخري مبج ّرد سقوط النظام ‪.‬‬ ‫قدي���م ق���دم‬ ‫وم���ا حي���دث اآلن ه���و ص���را ٌع‬ ‫ٌ‬ ‫الثورات وهو ص���راع الدولة والثورة الذي مل‬ ‫ينت ِه يوم���اً يف صاحل ّ‬ ‫أي ث���ورة !‪ .‬والرتاجيديا‬ ‫ال�ت�ي ال جم���ال الجتنابه���ا إمن���ا تكم���ن هنا ‪.‬‬ ‫وم���ا األصوات ال�ت�ي ترتفع يف واق���ع الثورات‬ ‫ً‬ ‫منادية بـ"الثورة املستم ّرة" سوى أكرب دليل‬ ‫على ذل���ك ‪ .‬فهل يعين التنبي���ه إىل مثل هذه‬ ‫الطبيعة امللت َبسة للثورة عداء للثورة ؟‬ ‫ه���ل ميك���ن أن يُع���ادي الثورة اإلنس���ان الذي‬ ‫ُ‬ ‫كتب "فرسان األحالم القتيلة" الذي أع ُتبرِ‬ ‫يف الغ���رب أق���وى م�ت�ن روائ���ي ع���ن "الربيع‬ ‫العربي" ‪ ،‬كما اعترب هذا الغرب قبلها رواية‬ ‫ن���ص روائي تنّبأ به���ذا "الربيع‬ ‫"ال���ورم" أقوى ّ‬ ‫العرب���ي" ؟ أ َ‬ ‫ال ّ‬ ‫يدل هذا على جهلنا بأنفس���نا‬ ‫وإصرارن���ا على النيل من احلقيق���ة ظ ّناً مناّ‬ ‫بأ ّنن���ا إنمّ ا ُ‬ ‫ننال من اإلنس���ان الذي كانت له‬ ‫هذه احلقيقة ديناً وما تزال ؟‬ ‫لقد برهن فارس هذا املنت الروائي اإلنس���ان‬ ‫النبي���ل س���امل جحا عل���ى ال���روح األخالقية‬ ‫ال�ت�ي تصلح أن يكون فيها هو النموذج املثالي‬ ‫املش ّرف لكل ثورة حقيقية ‪ .‬لقد عّلق البطل‬ ‫على صدر الوطن وس���اماً تارخيياً يبدو معه‬ ‫ُ‬ ‫حاولت أن أعّلق���ه على صدره‬ ‫الوس���ام الذي‬ ‫بالرواي���ة متواضع���اً برغ���م قيمت���ه األدبي���ة‬ ‫والتارخيي���ة أيض���اً ‪ .‬فم���ن جي���رؤ أن يعادي‬ ‫ث���ورة كان هل���ا مثل ه���ذا اإلنس���ان منوذجاً‬ ‫اخت���زل يف ش���خصه أل���وف النم���اذج ‪ ،‬س���واء‬ ‫َم ْ‬ ‫���ن دفع احلي���اة مثناً ‪ ،‬أو م���ن بقي على قيد‬


‫‪26‬‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫تناولت فصو ًال سخ ّية من ملحمة هذه الشخص ّية الف ّذة يف مداخليت يوم‬ ‫لقد‬ ‫ُ‬ ‫إحتفاء املكتبة الوطن ّية ببنغازي املعن َو َنة بـ"أوليس الذي مل تنتظره بنيلوب"‬ ‫املنشورة بكتابي "وطين صحرا ٌء كربى"‬ ‫احلياة ؟ فالبطولة ليس���ت يف محل الس�ل�اح‬ ‫وح���ده ‪ ،‬ولك���ن يف الزه���د يف الفاكه���ة اليت‬ ‫تعقب انتصاراً حي ّققه الس�ل�اح ‪ .‬وها هو سامل‬ ‫جحا يحُ يي أحالم اجليل القتيلة مبس���لكه ‪،‬‬ ‫بنبل���ه ‪ ،‬بعفاف���ه ‪ ،‬ب ُزه���ده يف ّ‬ ‫كل ماله صلة‬ ‫حبط���ام الدني���ا ‪ ،‬بع���د أن أوق���ف نزيف هذه‬ ‫ُ‬ ‫األح�ل�ام بس�ل�احه ال���ذي ختّل���ى عن���ه ما أن‬ ‫ح ّقق اخلالص ألحالم أبناء اجليل ‪ .‬فتح ّية‬ ‫ل���ه على بطوالت���ه ‪ ،‬وحتية أخ���رى على روح‬ ‫التخّلي ‪ ،‬وحت ّية أقوى على آرائه اجلريئة يف‬ ‫واإلهلي ‪،‬‬ ‫مفه���وم العدالة بش��� ّقيها اإلنتقالي‬ ‫ّ‬ ‫ويف املصاحلة الوطن ّية ‪ ،‬ويف مفهوم النزاهة ‪،‬‬ ‫ويف العزل ‪ ،‬ويف ح ّبه لل ُعزلة ‪ ،‬وألم ّنا الكربى‬ ‫الطبيعة ‪ ،‬ألن هذه اخلصال هي من س���ج ّية‬ ‫إنس���ان إحتفظ (برغ���م كل البهتان ‪ ،‬وكل‬ ‫ٍ‬ ‫ال���زالزل ‪ ،‬وبرغ���م التحديق يف امل���وت) بروح‬ ‫الش���اعر ‪ ،‬وبذلك الكن���ز النفيس الذي أمساه‬ ‫احلكماء ‪ :‬روح الطفل ! ألن الشاعر بالفطرة‬ ‫ثائر ‪ ،‬والثائر باهلويّة شاعر ‪ ،‬ألنهما شريكان‬ ‫يف الت���وق إىل معب���ود ٍة خال���د ٍة واح���دة هي ‪:‬‬ ‫احلرية !‬ ‫ً‬ ‫�ب ص��ادق النيهوم ‪،‬‬ ‫�‬ ‫حت‬ ‫ا‬ ‫دائم‬ ‫�ت‬ ‫�‬ ‫كن‬ ‫�ت‬ ‫�‬ ‫أن‬ ‫س‪ 12‬ـ‬ ‫ّ‬ ‫وعلى عالقة به منذ بزغ كعلم لييب ‪ ،‬وقد رافقت‬ ‫جثمانه على مثواه األخ�ير والتقيتك يف بنغازي‬ ‫كنت ضيف ش��رف‬ ‫‪ ،‬ث��م كتبت م��ا كتبت عنه يوم َ‬ ‫يف الندوة اليت ّ‬ ‫نظمته��ا دار الكتب الوطنية زمن‬ ‫الش��ويهدي ‪ .‬م��ا عالقت��ك بالص��ادق النيه��وم ؟‬ ‫هل تس��تطيع أن تس��تعيد بعض � ًا م��ن وقائع هذه‬

‫العالقة على املستويني الشخصي والفكري ؟‬ ‫ٌ‬ ‫إنس���ان ليس من هذا العامل ‪ .‬وكان‬ ‫ــ صادق‬ ‫أنق���ى خل���ق اهلل قلب���اً ‪ ،‬وأنزهه���م مس���لكاً ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عالقة ‪ .‬لقد كان‬ ‫وأنبلهم خلقاً ‪ ،‬وأصدقهم‬ ‫أديب���اً باملفهوم�ي�ن املبثوث�ي�ن يف ه���ذه الكلمة‬ ‫العبقري���ة ‪ :‬أي األدب باملفه���وم األخالق���ي‬ ‫إىل جان���ب األدب كمفه���وم إبداعي ‪ .‬وكان‬ ‫بس���خرية فلس���ف ّية‬ ‫جمبولة‬ ‫مرحة‬ ‫روح‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ذو ٍ‬ ‫عميق���ة تحُ ي���ل اجللس���ة يف حضرت���ه ً‬ ‫متعة‬ ‫س���امية ألنها جمدوح ٌة دوم���اً‬ ‫مبعرفة ‪ .‬وهو‬ ‫ٍ‬ ‫يف حيات���ه الدنيوي���ة ‪ ،‬هل���ذا الس���بب ‪ ،‬طف���ل ‪.‬‬ ‫جمبولة بالرومانس��� ّية والشعر‬ ‫روح طفولة‬ ‫ٍ‬ ‫تس���عى بني الناس على قدم�ي�ن ‪ .‬فلم حيدث‬ ‫أن رأيت���ه يوماً غاضباً من���ذ عرفته يف مؤمتر‬ ‫األدباء األول ‪ 1968‬إبّان العهد امللكي إىل أن‬ ‫أودع ُته مثواه األخ�ي�ر يف بنغازي عام ‪1994‬‬ ‫م ‪ .‬وال أذك���ر أن ش���عاع الكنز الذي يس���كنه‬ ‫عميقاً‬ ‫واملرتجم يف بس���مته األبدية قد انطفأ‬ ‫َ‬ ‫يوم إلتقيته فيه ‪ .‬وهو املبدع الوحيد من‬ ‫يف أي ٍ‬ ‫مبدعي العامل ش���رقه وغربه الذين‬ ‫بني كل‬ ‫ّ‬ ‫عرفته���م ال���ذي ال خيون س���ج ّيته بدليل أنه‬ ‫يكت���ب كما يتح���دّث ‪ ،‬ويتحدّث كما يكتب‬ ‫‪ ،‬وحيي���ا كم���ا يكت���ب ‪ ،‬ويكتب كم���ا حييا ‪.‬‬ ‫حقيقي مم ّيز ‪ :‬إنه‬ ‫فطقس‬ ‫أم���ا الكتابة لديه‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫يكتب كأ ّنه يرس���م لوح���ة ‪ ،‬أو ينحت متثا ً‬ ‫ال‬ ‫‪ .‬فك���م م���رة اجتمعنا خ�ل�ال ه���ذا التاريخ يف‬ ‫طرابلس أو يف بريوت ‪ ،‬أو يف جنيف ‪ ،‬لينقش‬ ‫متون���ه يف حضوري ! كان يروقه أن يفيض‬

‫مستعار من السعادة‬ ‫مرح‬ ‫ٍ‬ ‫على املكان بذخرية ٍ‬ ‫األبديّ���ة ال�ت�ي تس���كنه دون أن يُفل���ت زم���ام‬ ‫فلس���فته يف التأويل والتحليل والتشكيك يف‬ ‫املس���ّلمات كما يليق ّ‬ ‫بكل فيلس���وف حقيقي‬ ‫الس���خي يف حض���رة اخللّ‬ ‫‪ .‬ولك���ن حض���وره‬ ‫ّ‬ ‫مل ي ُك���ن ليح���ول دون ت���ردّده ب�ي�ن اللحظ���ة‬ ‫ليس���جل مجلة‬ ‫واألخرى على حمراب املعبد ّ‬ ‫جدي���دة يف القراطي���س املنثورة عل���ى املائدة‬ ‫املوضوع���ة يف اجل���وار ‪ .‬وه���ي مراس���م ميكن‬ ‫الن���ص يف تلك‬ ‫أن تس���تمر إىل ح�ي�ن إجن���از‬ ‫ّ‬ ‫الفسيفس���اء اليت كانت ش���عرة مششون يف‬ ‫ّ‬ ‫كل متون���ه ‪ .‬وممارس���ة اإلب���داع عل���ى ه���ذا‬ ‫نيهوم���ي حب���ت ال خيل���و من‬ ‫ر‬ ‫إبت���كا‬ ‫النح���و‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫داللة فلسف ّية أيضاً ‪ .‬إنه زواج املت َع َتني ‪ :‬متعة‬ ‫نصبها أفالطون شرطاً للسعادة وهي‬ ‫روح ّية ّ‬ ‫التأمل اليت‬ ‫ومتعة ّ‬ ‫متعة جمالسة الصديق ‪ُ ،‬‬ ‫نصبها آنكس���اغور ش���رطاً حلضور احلقيقة‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫كفيل بتحقيق‬ ‫يف الوج���ود ‪ .‬وزواج القطبني‬ ‫َج ِديّة كانت دوماً‬ ‫احل ّرية يف ب ُْع ِد محيم ّي ٍة و ْ‬ ‫األمة الفانية يف ني���ل حقيقة الوجود ‪.‬‬ ‫حل���م ّ‬ ‫فاحل ّرية من الطبيعي أن تكون معبود ًة أوىل‬ ‫ٌ‬ ‫إنس���ان‬ ‫إنس���ان خبصال صادق ‪:‬‬ ‫يف نام���وس‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ذاق طع���م ال ُيت���م مبك���را ليتح ّول ه���ذا ال ُيتم‬ ‫ثم اغرتب‬ ‫يف الالوع���ي ي ُْتم���اً ب ُب ْع ٍد وج���ودي ‪ّ .‬‬ ‫مب ّكراً أيضاً فدفع مقاب���ل هذا اإلغرتاب مثناً‬ ‫اغرتاب أش��� ّر يوم‬ ‫ث���م ع���اش جترب���ة‬ ‫غالي���اً ‪ّ .‬‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫تأه���ب ليق���ول للعامل كلمت���ه ‪ ،‬ولكن العامل‬ ‫تن ّكر له ألن صوت���ه تزامن مع بداية إغرتاب‬

‫اهلوي���ة الوطن ّي���ة ال�ت�ي محله���ا كاحل ّية يف‬ ‫جيبه ط���وال جتواله املوج���ع ‪ .‬وعندما حاول‬ ‫أن يؤدّي واجباً حنو الوطن باإلسهام يف إنقاذ‬ ‫ما ميكن إنقاذه صارت له هذه احملاولة أيضاً‬ ‫وحج ً‬ ‫ً‬ ‫الغرتاب جدي ٍد ال يف أوس���اط‬ ‫���ة‬ ‫تهمة ّ‬ ‫ٍ‬ ‫األغراب وحس���ب هذه امل ّرة ‪ ،‬ولكن يف أوساط‬ ‫ذوي القربَ���ى أيضاً ‪ .‬فياهل���ا من ضح ّية هذه‬ ‫الضح ّي���ة املل ّفق���ة من ّ‬ ‫كل ه���ذه اإلغرتابات‬ ‫ّ‬ ‫املركبة !‬ ‫ه���ذا الصلي���ب ّ‬ ‫املرك���ب كان لكلين���ا هوي ً‬ ‫ّة‬ ‫إغرتابي‬ ‫صليب‬ ‫جانب‬ ‫إىل‬ ‫أخرى مش�ت�ركة‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫الش���خصي متث���ل يف‬ ‫آخ���ر عل���ى الصعي���د‬ ‫ّ‬ ‫ثقاف���ة‬ ‫م���ن‬ ‫بقرين���ة‬ ‫"خطيئ���ة اإلرتب���اط‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يس���مي ه���ذه التجربة‬ ‫كان‬ ‫خمتلفة" كما‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫اليت تب���دو رومانس��� ّية من ناحي���ة مجال ّية ‪،‬‬ ‫ولك ّنه���ا تراجيديّة م���ن ناحي���ة عمل ّية ‪.‬وقد‬ ‫صحح هذه اخلطيئة مع‬ ‫أسعدني أن أراه قد ّ‬ ‫ً‬ ‫بداية الثمانينات فتبدّى س���عيدا برفقة تلك‬ ‫القرين���ة الف ّذة ال�ت�ي ع ّوضت���ه احلرمان من‬ ‫الس���عادة يف كنف الدفء العائلي يف أعوامه‬ ‫األخ�ي�رة ‪ .‬إنه���ا أوديت النيه���وم اليت اعرتفت‬ ‫لي ي���وم ُفج َع ْ‬ ‫���ت فيه كم كان���ت تتم ّنى لو‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫خط���أ لكي ّ‬ ‫تتذكره‬ ‫اقرتف يف ح ّقها أبس���ط‬ ‫بع���د غيابه فيه��� ّون عليها فجيعته���ا فيه بعد‬ ‫وفات���ه ‪ّ .‬‬ ‫وعل امل��� ّرة الوحيدة ال�ت�ي رأيته فيها‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫مررت عليه يف جنيف قادماً من‬ ‫منفع�ل�ا يوم‬ ‫طرابلس يف طريقي إىل موسكو عام ‪1990‬‬ ‫ليوجه لي الس���ؤال التقلي���دي عن آخر أخبار‬ ‫ّ‬ ‫الوضع يف الوطن ‪ .‬وعندما أجب ُته بأن الزعيم‬ ‫يتحدّث عن مرحلة العش���رين سنة القادمة‬ ‫هب واقفاً‬ ‫يف مقابل العشرين سنة الس���الفة ّ‬ ‫ليحتج بأعلى صوت ‪" :‬هذا يعين أ ّنه ّ‬ ‫خيطط‬ ‫ّ‬ ‫لإلستحواذ على أعمار أبناءنا بعد أن استوىل‬ ‫على أعمارنا !" ‪.‬‬ ‫لق���د كان غيابه عن واقعن���ا الثقايف العربي‬ ‫خس���ار ًة جس���يمة م���ا لبث أه���ل البهت���ان أن‬ ‫احتف���وا بها كما حدث عن���د تزامن مصادرة‬ ‫كل كتب���ه يف بل��� ٍد يتباه���ى حب ّري���ة الرأي‬ ‫أما كتبه يف‬ ‫مثل لبنان مع إعالن نبأ وفاته ! ّ‬ ‫ب�ل�اده فكانت ضح ّية هذا املص�ي�ر منذ العهد‬ ‫امللك���ي مروراً بعه���د إغرتاب الوط���ن الكبري ‪.‬‬ ‫تناولت فصو ً‬ ‫ُ‬ ‫ال س���خ ّية من ملحمة هذه‬ ‫لقد‬ ‫ّ‬ ‫الش���خص ّية الف���ذة يف مداخليت ي���وم إحتفاء‬ ‫املكتب���ة الوطن ّية ببنغ���ازي املعن َو َنة بـ"أوليس‬ ‫ال���ذي مل تنتظ���ره بنيلوب" املنش���ورة بكتابي‬ ‫"وط�ن�ي صح���را ٌء ك�ب�رى" ‪ ،‬وكذل���ك يف‬ ‫اجلزئني الصادرين حتى اآلن من ّ‬ ‫املذكرات‬ ‫���رى" ‪ ،‬وكذلك الن ّية‬ ‫املعنون���ة بـ"عدوس ُّ‬ ‫الس َ‬ ‫يف اإلس���تمرار بتناول س�ي�رة الرجل باجلزء‬ ‫الثالث أيضاً ‪ .‬وهو ما ّ‬ ‫يدل على ثراء صادق ال‬ ‫على املس���تويني اإلبداعي والدنيوي وحسب ‪،‬‬ ‫ولك���ن على املس���تويني الروح���ي واألخالقي‬ ‫أيض���اً ‪ .‬ف���إىل جان���ب العمق الروح���ي حتّلى‬ ‫النيهوم خبصلة ن���ادرة يف هذا الزمان وهي ‪:‬‬ ‫التس���امح ‪ .‬التس���امح إزاء اآلخر إمجا ً‬ ‫ال ‪ ،‬آخر‬ ‫اهلوي���ة الثقافية حتديداً ‪ .‬ليس تس���احماً يف‬ ‫ٌ‬ ‫فضول‬ ‫العالقة مع هذا اآلخر وحسب ‪ ،‬ولكنه‬ ‫ملعرف���ة اآلخر ‪ .‬هذا الفضول الذي كان منذ‬ ‫األزل س��� ّر تقّب���ل اآلخ���ر ‪ .‬وال أنس���ى أن هذه‬ ‫النزعة كانت سبب تعارفنا عام ‪ 1968‬أثناء‬ ‫إنعقاد مؤمت���ر األدباء األول ال���ذي كان هو‬ ‫جنمه بامتي���از ‪ .‬فبعد إلقائ���ي حملاضرة عن‬ ‫فلكلور الطوارق تقدّم مين ل ُيح ّييين كعبرّ اً‬ ‫ع���ن رغبت���ه يف تعّلم لغة الط���وارق ‪ .‬ويف عام‬


‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫‪27‬‬

‫أوصي أهلي بوص ّية التاريخ البشري الذي برهن بعدم وجود إنسا ٍن واح ٍد‬ ‫كان سعيداً بانتقامه ‪ ،‬يف حني برهنت جتربة اإلنسانية باملقابل على‬ ‫حضور هذه السعادة يف ّ‬ ‫ظل التسامح‬ ‫‪ 1971‬حدّثين عن خطورة خطط الدولة يف‬ ‫توطني الق���وم ‪ ،‬وطلب منيّ أن أح ّذر أش���ياخ‬ ‫القبائ���ل من ه���ذا َّ‬ ‫���رك الذي س��� ُي َ‬ ‫فقدهم‬ ‫الش َ‬ ‫الر ّح���ل رأس مال‬ ‫أنب���ل مي���زة كانت ألم���م ُّ‬ ‫أما إس���تنكاره حملاولة النظام‬ ‫وهي احل ّرية ‪ّ .‬‬ ‫تعريب أمازيغ الشمال فيشهد بها آل الع ّزابي‬ ‫(بزوارة) الذين ربطتهم به عالقات إنس���انية‬ ‫محيم���ة اس���تم ّرت إىل ي���وم رحيل���ه ‪ .‬وه���ذا‬ ‫التعاط���ف املبدئ���ي ه���و ال���ذي غ��� ّذى موقفه‬ ‫الش���جاع يف تعي�ي�ن عناص���ر م���ن املعارض���ة‬ ‫الوطنية باخلارج مثل فاضل املسعودي بـ"دار‬ ‫املخت���ار" للنش���ر جبنيف قب���ل أن يلوذ هؤالء‬ ‫بالف���رار عن���د قي���ام النظ���ام بتصفي���ات عام‬ ‫‪ 1979‬اجلنون ّية ‪ .‬وهو ما ج ّر عليه س���خط‬ ‫اللج���ان الثوري���ة ال�ت�ي وضعت���ه يف قائم���ة‬ ‫املطلوب�ي�ن للتصفي���ة بدعوى إيوائ���ه ألعداء‬ ‫الث���ورة ‪ .‬وملّا كان النظام قد فقد الس���يطرة‬ ‫الفعلية على العناصر الظامئة لس���فك الد ّم‬ ‫فقد أوع���ز لصديق الصادق الس��� ّيد يوس���ف‬ ‫الدب���ري لك���ي يس���تدرجه إىل الداخ���ل قب���ل‬ ‫ح���دوث م���اال تحُ م���د عقب���اه ‪ .‬وق���د حدّث�ن�ي‬ ‫الصادق كيف رفض دعوة صديقه يوس���ف‬ ‫إحتجاج���اً عل���ى نزي���ف دم األبري���اء ‪ .‬ولكن‬ ‫يلح يف كل م��� ّرة ومل يصارحه‬ ‫الدب���ري عاد ّ‬ ‫حبقيقة الدع���وة إ ّ‬ ‫ال عندما أعلن ل���ه هاتفياً‬ ‫بأن تل���ك رغب���ة الزعيم حرصاً عل���ى حياته‬ ‫امله���دّدة من قب���ل عناصر مل يعد ق���ادراً على‬ ‫إيقافه���م عند حدّهم ‪ .‬وك���م آملين أن ينربي‬ ‫أولئك الذين أحس���ن هلم يف حمنة إغرتابهم‬ ‫بش���ن هج���وم ظ���امل عل���ى ش���خصه تش��� ّفياً‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مبمات���ه ‪ّ ،‬‬ ‫كأن امل���وت لي���س القصاص الذي‬ ‫ينتظرنا مجيعاً جزاء ميالدنا يف هذا الوجود !‬ ‫اخلالصة أن بل ّية إنس���ان كـ صادق النيهوم‬ ‫ه���و حض���وره يف الزم���ان اخلط���أ ‪ ،‬وال أق���ول‬ ‫امل���كان اخلطأ كما يتن���دّر الكثريون يف ليبيا‬ ‫ويف الع���امل العرب���ي ‪ .‬والزم���ان اخلط���أ ه���و‬ ‫ذل���ك الزمان ال���ذي يبصمنا بأخت���ام الضياع‬ ‫‪ .‬بل���ى لقد عش���ت م���ع النيه���وم زمن���اً ضائعاً‬ ‫ّ‬ ‫ب���كل املقايي���س ‪ ،‬يب���دو أش���رس ضياع���اً من‬ ‫فجرته‬ ‫الذي‬ ‫القرن‬ ‫مطل���ع‬ ‫أدباء‬ ‫جيل‬ ‫ضياع‬ ‫ّ‬ ‫غرت���رود س���تاين يف ب���رزخ ما ب�ي�ن احلربني‬ ‫ً‬ ‫عالم���ة م ّيزت أدب���اء ذاك‬ ‫العامل ّيت�ي�ن فص���ار‬ ‫الزمان أمثال همنجواي ‪ ،‬ورميارك ‪ ،‬و وولف‬ ‫‪ ،‬وفوكن���ر ‪ ،‬وباس���وس ‪ ،‬وميلل���ر ‪ ،‬وباون���د ‪،‬‬ ‫واملعّل���م األوّل توماس اس�ت�رنس إليوت ‪ .‬وإذا‬ ‫جيل هذه القافلة الرائدة بسبب‬ ‫كان ضياع ٍ‬ ‫ختلخل الق َيم الوجودية واإلنس���ان ّية الناجم‬ ‫عن جنون الظمأ إىل احلرب والدمار النفسي‬ ‫والروحي الناتج عنها ‪ ،‬فإن ضياع جيلنا كان‬ ‫بسبب صعود جنم إرادة السلطة اليت الب ّد أن‬ ‫تنتهي بتشييد كيان اإلستبداد وما يُصاحب‬ ‫هذه الس�ي�رورة من إماتة احللم ‪ :‬هذا احللم‬ ‫الذي هو هويّتنا حتى لو كان حلم يقظة ‪.‬‬ ‫وهرياقليط يعّلمنا بأ ّنن���ا إذا ك ّنا منلك عاملاً‬

‫واحداً بيقظتنا ‪ ،‬فإ ّننا باحللم ٌّ‬ ‫كل م ّنا ميلك‬ ‫كل م ّنا !‬ ‫عامله ‪ .‬لقد سرقت األشباح عامل ٍّ‬

‫ـ ه��ل تريد توجي��ه كلمة ألهل��ك يف ليبيا ولق ّراء‬ ‫ميادين خصوص ًا ؟‬ ‫ـ أوصي أهلي بوص ّية التاريخ البش���ري الذي‬ ‫إنس���ان واح ٍد كان سعيداً‬ ‫برهن بعدم وجود‬ ‫ٍ‬ ‫بانتقامه ‪ ،‬يف حني برهنت جتربة اإلنس���انية‬ ‫باملقاب���ل على حضور ه���ذه الس���عادة يف ّ‬ ‫ظل‬ ‫التسامح ‪ :‬هذا التسامح الذي سيستعري ب ُْعداً‬ ‫أث���رى عندما نرتمجه يف كلم���ة أخرى هي‬ ‫التعاي���ش ‪ .‬فنح���ن ال نس���تطيع أن نس���تبدل‬ ‫أمتن���ا م���ا مل نس���تبدل وطنن���ا ‪ ،‬وال ُنفلح يف‬ ‫ّ‬ ‫ض���ح بهويّتهن���ا ‪،‬‬ ‫اس���تبدال وطنن���ا م���ا مل ُن ِّ‬ ‫ضح���ي بهويّتن���ا م���ا مل نتن ّكر‬ ‫وال منل���ك أن ُن ّ‬ ‫لطبيعتن���ا اإلنس���انية ال�ت�ي ش��� ّرفتها العناية‬ ‫ْ‬ ‫نفخ���ت فيه���ا من أنفاس���ها‬ ‫اإلهلي���ة عندم���ا‬ ‫لتتم ّي���ز ع���ن احليوان���ات وبقي���ة الكائن���ات ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫تارخي���ي كان‬ ‫نزي���ف‬ ‫عش���ت صن���وف‬ ‫لق���د‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫في���ه ال��� ُك ّل يُقات���ل ال���كل عقب إنهي���ار أكرب‬ ‫إمرباطوريّ���ات األزمن���ة احلديث���ة وه���ي‬ ‫ٌ‬ ‫مرب ٌر ألنه‬ ‫اإلحت���اد الس���وفيييت ‪ .‬وهو‬ ‫نزي���ف َّ‬ ‫ردّة فع���ل منطقية إلس���تبدا ٍد إس���تم ّر قروناً‬ ‫ٌ‬ ‫وقروناً ألنه‬ ‫مجة عندما أدرك‬ ‫م���وروث عن امرباطورية أخرى أخرياً بعد أن سفح قرابني ّ‬ ‫إنتصر‬ ‫العقل‬ ‫ولكن‬ ‫‪.‬‬ ‫القيصرية‬ ‫هي روس���يا‬ ‫اجلميع أ ّنهم مجيعاً يف ّ‬ ‫ظل اإلستبداد كانوا‬

‫الس ّيد الكريم لو ّفني‬ ‫بعد التح ّية‬ ‫أسعدني كثرياً التع ّرف إىل شخصكم النبيل أخرياً بعد أن بلغين عنه من األغيار ٌ‬ ‫صيت‬ ‫وروح ترتجم جد ً‬ ‫ّية يف التعامل مع كل املس���ائل الثقافية والفكرية‬ ‫يش���هد له بالكفاءة ‪ٌ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ .‬وه���و أم��� ٌر ناد ٌر يف هذه األيام كم���ا علمتين التجربة الطويلة يف ه���ذا العامل إبتدا ًء من‬ ‫ً‬ ‫ونهاية بالغرب األوروبّي ومروراً بش���رق أوروبا الس���وفيي ّتية ووس���طها‬ ‫الع���امل العرب���ي‬ ‫الثقايف البولندي والسويس���ري ‪ ،‬آم ً‬ ‫ال أن يكون هذا بداية للتواصل مع ش���خصكم الكريم‬ ‫س���واء على املستوى الش���خصي أو يف ّ‬ ‫كل ما له عالقة بالشأن الثقايف س ّيما بعد ما ملسته‬ ‫أثن���اء لقاءن���ا العابر من فهمكم العميق لرس���الة األدب احلقيق ّية اليت تبدو مغرتبة هذه‬ ‫األيام بس���بب اهل��� َوس األيديولوجي من ناحي���ة ‪ ،‬وال َو َلع بالتقني���ة املعلوماتية اليت غ َزت‬ ‫ثان ‪ .‬راجياً تزويدي بالكتابني‬ ‫جانب ٍ‬ ‫الروح البشرية وغ ّيبت ال ُب ْعد املعريف يف املعلومة من ٍ‬ ‫لفضول هو طبيعة اإلنس���ان ‪ ،‬ولكن‬ ‫احلاوي�ي�ن لرؤيتكم التحليلي���ة عن أعمالي ال إروا ًء‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫لإلط�ل�اع على وجهة نظ���ر تبدو أصيلة ومم ّيزة يف س���يل النق���د ذي النزعة الصحفية‬ ‫الذي يُغرق وسائل اإلعالم يف هذه األيّام ‪ .‬وعنواني احلالي هو‬ ‫‪Salou (Tarragona) 43840‬‬ ‫‪Calle Pierre Vilar 19 B , 3-1‬‬ ‫‪Spain‬‬ ‫‪Ibrahim Al Koni‬‬ ‫ال بكم وسه ً‬ ‫إذا ق ّررمت زيارة إسبانيا فأه ً‬ ‫املتوسط سالو‬ ‫ال يف ديارنا يف ذ ّرة البحر ّ‬ ‫والسالم‬

‫إبراهيم الكوني‬

‫ضحاي���ا ‪ ،‬ولي���س للضحي���ة ّ‬ ‫ح���ق أن تقت���ل‬ ‫الضحي���ة ‪ ،‬ألن ال ُكفر الذي ال ي َ‬ ‫ُغتفر هو قتل‬ ‫الضحية للضحي���ة ‪ ،‬فتو ّقف النزيف وبدأت‬ ‫عش���رات بل مئات القوم ّيات تتعايش بعد أن‬ ‫إكتش���فت أيضاً أنها معجونة يف الواقع من‬ ‫طينة واحدة ‪ ،‬وضح ّية جللاّ ٍد واحد ‪ .‬فكيف‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫نتوه���م حن���ن الي���وم أنن���ا نس���تطيع أن نبين‬ ‫ألنفس���نا جمداً ‪ ،‬أوحن ّقق لوطننا النبيل بني‬ ‫األوطان شأناً ‪ ،‬بروح إنتقام برغم أننا مل ن ُكن‬ ‫أُممَ اً كما يف اإلمرباطورية السالفة الذكر‬ ‫‪ ،‬وال حتى ش���عباً باملفهوم التقليدي للشعب ‪،‬‬ ‫ولك ّنن���ا يف الواقع عائل���ة واحدة ّ‬ ‫مؤهلة ح ّتى‬ ‫ً‬ ‫يف حس���اب الع���دد أن تقط���ن ح ّي���اً واح���دا يف‬ ‫مدين���ة ّ‬ ‫مركب���ة من ع���دّة ُمدن كموس���كو‬ ‫ً‬ ‫مث�ل�ا ؟ وه���و م���ا ال يع�ن�ي بالطب���ع أن نجُري‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن���اس هم ل���ه عائلة من‬ ‫َم���ن أجرم يف ح���ق أ ٍ‬ ‫القص���اص ‪ ،‬ألن يف القصاص ال تكمن حياة‬ ‫العائل���ة وحس���ب ‪ ،‬ولك���ن بالقص���اص حييا‬ ‫املعين بالقصاص أيضاً ‪ .‬فالقصاص رس���الة‬ ‫العدال���ة ‪ :‬عدال���ة تحُ ّل���ق جبناح�ي�ن أحدهما‬ ‫أرض���ي‬ ‫ربوب���ي وه���و‪ :‬الضم�ي�ر ‪ ،‬وثانيهم���ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نصب أنفس���نا ُقضاةً‬ ‫وه���و‪ :‬القضاء ‪ّ .‬‬ ‫أم���ا أن ُن ّ‬ ‫بدل قضاء الدنيا وقض���اء الدِّين فذلك ليس‬ ‫عد ً‬ ‫ال ولكنه ظم���اٌ إىل الد ّم ‪ .‬وهيهات أن يرى‬ ‫ٌ‬ ‫السعادة إنسان ظامي ٌء إىل الد ّم ‪.‬‬ ‫فتس��احموا ُّأيه��ا الليبي��ون رمح � ًة بأنفس��كم ال‬ ‫رمح ًة بأعدائكم ‪ ،‬أو من ترون أنهم أعداء !‬

‫ّغت ؟‬ ‫فـهل بل ُ‬ ‫لهم فاشهد !‬ ‫ا ّل ّ‬


‫‪28‬‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫الروائي اللييب جماهد البوسيفي‬

‫فعلت املستحيل حتى ال اغادر ليبيا‬ ‫كل مكان به نوع من الوطن عليك‬ ‫ان تبحث عنه وتكتشفه وتنميه‬ ‫داخلك‬

‫الثقايف‪ -‬خاص‬ ‫تصوير‪:‬خريبرت فان درا‬ ‫يف الكتابة تصبح الذاكرة‬ ‫ملجأ احلكايات والوطن‬ ‫هو األمان واحلنني وخزة‬ ‫تصيبنا‪ ،‬يف ليبيا كان بداية‬ ‫التفتح املعريف أما املهجر‬ ‫فكان كالنافذة اليت عرب‬ ‫خالهلا العامل لتفسح اجملال‬ ‫لثقافات وصداقات وأمكنة‬ ‫جديدة‪ ،‬يف روايته األوىل‬ ‫“آزاتسي” مل يكن يدون‬ ‫سريته اخلاصة بقدر ما‬ ‫هي سرية للحياة اليت عاش‬ ‫تفاصيلها يف ليبيا وهولندا‬ ‫والدوحة‪.‬‬ ‫يف هذا احلوار حتدثت‬ ‫الكاتب جماهد البوسيفي‬ ‫عن أسئلة احلياة وعامل‬ ‫الرواية‪.‬‬

‫_ سؤال احلياة‪ ،‬سؤال املوت‪ ،‬سؤال الطفولة‪،‬‬ ‫سؤال الكتابة‪ .‬هذه االسئلة كيف جييب‬ ‫عليها جماهد البوسيفي من واقع موقفه‬ ‫الثقايف والوجودي؟‬ ‫_ لق���د وف���ر ل���ي العي���ش خ���ارج ج���ذوري‬ ‫االجتماعي���ة وبعي���دا ع���ن حب���ل مش���يميت‬ ‫اخل���اص فرص���ة لتأم���ل روحي عل���ى مهل‪،‬‬ ‫مل اص���ل الجوب���ة حامس���ة ولك�ن�ي وصل���ت‬ ‫لتوافق وراحة بال مع طفوليت اليت اعيش���ها‬ ‫بش���كل ما مع ول���دي متيم وزي���د وان حبذر‬ ‫حي���ث ال ارغ���ب يف تربيتهم���ا عل���ى مي���زان‬ ‫فقدان���ي الطفولي‪ ،‬أم���ا احلي���اة فاني اعض‬ ‫عل���ى ركبته���ا كما يق���ول العم���اري وانال‬ ‫منها ما اس���تطيع دون ضرر أو ضرار‪ ،‬واملوت‬ ‫هو الش���يء الوحيد الذي اتيقن يوما اثر يوم‬ ‫انه سرغري قابل للكشف‪ ،‬علينا ان نتذكره‪،‬‬ ‫فقط من اجل ان نعيش احلياة بشكل أفضل‬ ‫وان النكون نادمني يف تلك اللحظة الرهيبة‬ ‫اليت يطرق فيها بابنا‪..‬الكتابة هي كل هذا‪...‬‬ ‫_ يف املهجر "هولندا" شكلت مع الليبيني عمر‬ ‫الكدي وحممد ربيع والرسام العراقي قاسم‬ ‫الساعدي كيان ثقايف وإنساني‪ .‬كيف قاوم‬ ‫هذا الكيان قسوة الغربة؟‬ ‫_امجاال انا حذر قليال من استخدام كلمة‬ ‫غربة‪ ،‬ص���ادف ان اربعتنا انتقل���وا للحياة يف‬ ‫الغ���رب وه���م يف س���ن النضج والق���درة على‬

‫اخت���اذ الق���رارات‪ ،‬بالنس���بة ل���ي عاني���ت من‬ ‫حن�ي�ن قاس���ي يف االش���هر األوىل ولكن�ن�ي ال‬ ‫استطيع ان اصف ذلك بالغربة‪ ،‬كان هناك‬ ‫حال���ة من الفق���دان ألجواء محيم���ة يف تلك‬ ‫الف�ت�رة‪ ،‬ولك���ن الغربة تعب�ي�ر كان دائما له‬ ‫معنى مراوغ بالنسبة لي‪ ،‬ودون إدعاء لقدرة‬ ‫التحمل عندي جيب ان اكون صرحيا معك‬ ‫واقول انين مل اعان من قسوة الغربة على ما‬ ‫اذك���ر‪ ،‬ايض���ا حال���ة االربعة ال�ت�ي ذكرتي‬ ‫مل تك���ن مثالية ومتوحدة يف كيان انس���اني‬ ‫وثقايف دائم ‪ ،‬قاسم لعب دورا مهما يف بداية‬ ‫وصول���ي‪ ،‬وعندما جاء الك���دي هلولندا كان‬ ‫علي فيها ثالث سنوات وكنت قد‬ ‫قد مضى ّ‬ ‫تأقلمت مع االجواء‪ ،‬اس���تمرينا نلتقي بشكل‬ ‫منتظ���م كل ثالث���ة اس���ابيع وكان ذل���ك‬ ‫مهما لكلينا‪..‬أما حممد فقد اخذته مش���اغله‬ ‫يف طري���ق خمتلف بعض الش���يء ومل نلتق‬ ‫بش���كل حقيق���ي إال يف الدوح���ة اثن���اء حرب‬ ‫التحري���ر لنس���تأنف صداق���ة مجيل���ة كنا‬ ‫بدأنها يف طرابلس‪.‬‬ ‫_ قارئ هذه االلفية‪ .‬هل هو قادر على‬ ‫املشاركة يف نصك استنادا على القول" ان‬ ‫النص هو نزهة يقوم فيها املؤلف بوضع‬ ‫الكلمات ليأتي القارئ باملعنى"؟‬ ‫_عندم���ا اكتب افك���ر انين اكت���ب لقارئ‬ ‫واح���د – ليس عن���دي ص���ورة واضحة له –‬ ‫واحيان���ا كث�ي�رة يبدي أكثر من ش���خص‬ ‫مالحظة ح���ول مادة بذاتها كتبتها فأصاب‬

‫ببع���ض احل�ي�رة للحظ���ات ألن���ي اعتق���دت‬ ‫ان���ي كتبته���ا لذلك الق���ارئ الوحي���د الذي‬ ‫ينتظرن���ي ولي���س لع���دد اك�ب�ر‪ ،‬إذا فهمت‬ ‫سؤالك االحظ اننا ايضا – حنن الذين ندعي‬ ‫الكتاب���ة – نقص���د بان يكون هن���اك معنى ملا‬ ‫نكت���ب‪ ،‬لكن إذا اراد ذلك القارئ العزيز الذي‬ ‫سيشرتي كتابي أن يأتي باملعين فسأكون‬ ‫مس���رورا لذل���ك‪ ،‬فق���ط علين���ا ان الننس���ى‬ ‫– كلين���ا – ان ذل���ك املعن���ى خي���ص ذل���ك‬ ‫القارئ العزيز الذي اقتنى كتابي مش���كورا‪،‬‬ ‫شخصيا اهتم جدا بان يشاركين القارئ يف‬ ‫املعين املعين اخلاص به بعد ان اتشرف بفتح‬ ‫الباب امامه للوصول اليه‪..‬‬ ‫_برأيك هل سيعيش العربي يف أوروبا اليوم‬ ‫مرة أخرى اخلوف من صفة "عربي إرهابي"‬ ‫بعد احداث بوسطن االمريكية؟ خاصة وان‬ ‫هذا العربي مازال مل يتخلص من تهمة‬ ‫احداث احلادي عشر من سبتمرب؟‬ ‫_ رأين���ا ما حدث بعد تفجري بوس���طن قبل‬ ‫اي���ام‪ ،‬عندم���ا تس���ابق اعالمي���ون غربيون يف‬ ‫تلبي���س ه���ذا التفج�ي�ر االرهاب���ي للع���رب‪،‬‬ ‫ولي���س العرب فقط ‪..‬االس�ل�ام ايض���ا متهم‬ ‫رئيس���ي يف هذه االحداث ال�ت�ي احيت ثقافة‬ ‫ديني���ة قدمي���ة حت���ض عل���ى الك���ره ب���دل‬ ‫احملب���ة‪ ،‬لكن لنك���ن صرحاء‪ ،‬واقع املس���لمني‬ ‫خمزي الي���وم‪ ،‬يقودنا ائمة قرويون نش���روا‬ ‫الرع���ب الثقايف وامل���ادي يف الغرب والش���رق‬ ‫معا‪ ،‬وعمموا اجلهل عل���ى تابعيهم بطريقة‬


‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫ما حيدث يف ليبيا ميكن ان خُيرج اعماال سردية‬ ‫مفتوحة على اخليال وحتى السحر‬ ‫حمزن���ة‪ .‬س���وف نتخل���ص م���ن ذلك الوس���م‬ ‫الذي حل���ق بنا عندم���ا نتخلص م���ن ثقافتنا‬ ‫الصحراوية اليت هددنا بها مراكز احلضارة‬ ‫يف الغ���رب وابلغناه���م بكل وض���وح باننا نريد‬ ‫ان نرف���ع اعالمنا الس���وداء عل���ى قالعهم اليت‬ ‫قضوا العم���ر يف تش���ييدها‪..‬الغرب (الرمسي)‬ ‫توقف عن ارت���كاب االخطاء وتفرغ للعب على‬ ‫اخطاءنا املتوفرة يف كل ركن‪..‬‬ ‫_ ظهرت كتابات بعد الربيع العربي قيل انها‬ ‫استثمرت هامش احلرية يف بلدانها‪ ،‬ولكنك‬ ‫مل تكن حمتاج هذا اهلامش للكتابة‪ .‬ملاذا‬ ‫تأخرت يف إصدار روايتك؟‬ ‫_أخرن���ي ثالث���ة أس���باب‪ ،‬اوال الن���ص بذاته‬ ‫حيث انين اش���تغل عل���ى موضوع ط���ازج حلد‬ ‫عل���ي يف كل م���رة ان ابتعد قليال‬ ‫م���ا وكان ّ‬ ‫حتى اس���تطيع تبني العاطف���ي من املوضوعي‬ ‫يف العم���ل‪ ،‬ث���م انين انس���ان له مس���ئولياته يف‬ ‫احلي���اة‪ ،‬فأنا اق���وم صباحا مث���ل أي رب عائلة‬ ‫واذه���ب للعم���ل مث���ان س���اعات واع���ود للبيت‬ ‫لتفق���د أحوال ولدي مث���ل اي اب‪ ،‬ليس ورائي‬ ‫دول���ة وال ح���زب والمؤسس���ة‪ ،‬ومل احضى يف‬ ‫حيات���ي بذل���ك الش���يء اجلميل الذي يس���مى‬ ‫تفرغا للكتابة‪ ،‬ثم هناك ايضا مش���اكل فنية‬ ‫عدي���دة واجهتين‪ ،‬اعدت كتابة ثلثي الرواية‬ ‫حوالي س���تة م���رات اثنتان منها عل���ى الورق‪،‬‬ ‫وهن���اك فصول اخ���ذت مين حبث���ا خاصا عن‬ ‫كت���ب وافالم وس�ي�ر معين���ة‪ ،‬والي���وم عندما‬ ‫يكت���ب ع���ن العم���ل بأن هن���اك سالس���ة ما أو‬ ‫انتق���ال موفق ب�ي�ن زمن وزمن اش���عر ببعض‬ ‫الراحة النين بذلت جهدا لتغيري اللغة مرات‬ ‫عدة وحبثت دائما عن مفاتيح وأشكال تناسب‬ ‫مانويت ان اكتب عنه‪..‬‬ ‫_ من يعرف ان معنى " آزاتسي" هو مركز‬ ‫اللجوء يف هولندا يعتقد انك كتبت رواية تدور‬ ‫احداثها داخل هولندا فقط‪ ،‬رغم ان هذا البلد‬ ‫مل حيضر إال قليالً‪ ..‬بذلك هل ميكنين القول‬ ‫ان الرواية ليست سرية ذاتية جملاهد البوسيفي‬ ‫بقدر ماهي سرية لألمكنة والشخوص واألوطان؟‬ ‫_ ميكن���ك الق���ول بذل���ك وضم�ي�رك مرتاح‪،‬‬ ‫أع���رف ان كثريي���ن اآلن مش���غولني بإجي���اد‬ ‫تطبيق���ات واقعي���ة الش���خاص الرواي���ة‬ ‫واحداثه���ا‪ ،‬لكنين مضطر لتخييب مس���عاهم‬ ‫واخباره���م ان الرواي���ة لي���س هل���ا عالق���ة بي‬ ‫اال كون���ي كاتبه���ا‪ ،‬لطاملا قل���ت ان ماحيدث‬ ‫يف ليبي���ا ميك���ن ان يخُ ���رج اعم���اال س���ردية‬ ‫مفتوحة على اخليال وحتى الس���حر‪ ،‬وعندما‬ ‫عش���ت جتربة اللجوء رايت – بش���كل ما – ان‬ ‫ماحي���دث يف ذل���ك املرك���ز املل���يء بطال�ب�يء‬ ‫اللج���و ايضا ينطبق عليه نفس الش���يء‪ .‬علينا‬ ‫ان خنتار مواضيع كتبن���ا بناء على مقاييس‬ ‫فنية قاسية وليس عواطف بشرية زائلة‪....‬‬ ‫_ من منطقة "نسمة" يف اجلنوب اللييب إىل‬ ‫العاصمة طرابلس للدراسة والعمل‪ ،‬عشت‬ ‫حياة البدوي الرحال‪ .‬هل شكلت هذه التنقالت‬

‫دوافع الكتابة لديك؟ وهل مازالت حتتفظ‬ ‫بذكرياتك عن نسمة؟‬ ‫_اعتق���د ان األم���ر اس���واء م���ن ذل���ك‪ ،‬عندما‬ ‫تقول�ي�ن لي ليبي���ا الي���وم فان ماخيط���ر على‬ ‫بال���ي ه���و تل���ك القطع���ة م���ن األرض ال�ت�ي‬ ‫تبع���د عن نس���مة حبوال���ي عش���رة كليو مرت‬ ‫وامسه���ا (اللفي���ه) وه���ي عب���ارة ع���ن عرقوب‬ ‫ينتهي بق���رارة بها بعض اخلض���رة‪ ،‬إذا كان‬ ‫االمر باختياري فان�ن�ي أريد ان امضي الربيع‬ ‫هناك كل عام‪ ،‬عش���ت ايضا ف�ت�رة مهمة من‬

‫اعتقد اني كتبت‬ ‫لذلك القارئ‬ ‫الوحيد الذي‬ ‫ينتظرني وليس‬ ‫لعدد أكرب‬ ‫ليبيا حي���ث بالكاد حلقت على آخر ايام احرتم‬ ‫فيها البدوي املدينة وح���اول جهده ان يتأقلم‬ ‫مع ثقافتها قبل ان يهب علينا مفهوم البدونة‬ ‫مع سيطرة القذايف‪ ،‬ذلك الصدام خلف عندي‬ ‫احاسيس كثرية استقي منها بعض بضاعيت‪،‬‬ ‫أنا من جيل قاوم – خاصة عرب رابطة الكتاب‬ ‫وجمل���ة ال – بدونة املدين���ة وحكمها مبفهوم‬ ‫الفتح‪...‬وعموما إذا متعنيت يف كتابات الرواد‬ ‫مثل النيهوم والفاخري فستجدين ان التيمة‬ ‫األساس���ية هلما هو املفارقات والصدامات بني‬ ‫احلضر واملضر اللييب‪....‬‬ ‫_ هل مازالت تعيش قلق السنة األوىل من‬ ‫املهجر؟‬ ‫_م���ع االيام تع���ودت ان أعيش يف املكان الذي‬ ‫أنا فيه وكـأنه وطين‪ ،‬مفهوم املهجر بالنسبة‬

‫لي مفهوم ب���ه الكثري من الرومانس���ية‪ ،‬علينا‬ ‫ان نس���عى لنكون حمرتفني حتى يف مشاعرنا‬ ‫جت���اه امل���كان أحيان���ا‪ ...‬كل مكان ب���ه نوع من‬ ‫الوطن عليك ان تبحث عنه وتكتشفه وتنميه‬ ‫داخلك‪..‬‬ ‫_ هل ستعود لليبيا يوما خاصة بعد موت‬ ‫العقيد؟‬ ‫_ ال اعرف‪..‬بعد التحرير – وحتت احس���اس‬ ‫بالواج���ب – ق���ررت هدى أن تس���تثمر قرضنا‬ ‫املص���ريف يف قطع���ة ارض بليبي���ا لع���ل الوقت‬

‫يس���مح بتطوي���ر مش���روع الع���ودة‪ ،‬ولك���ن‬ ‫حت���ى اك���ون صرحي���ا الوط���ن بالنس���بة لي‬ ‫ه���و االم���ان والبيئة املناس���بة للعم���ل وتربية‬ ‫األوالد يف داخلي اش���ك يف ذلك لس���بب دفني‪،‬‬ ‫م���ن حيكم���ون ليبي���ا اآلن كان���وا يف أغلبهم‬ ‫يطاردون�ن�ي – وزمالئي – م���ن أجل ان نفتح‬ ‫امامهم وس���ائل االعالم للمشاركة يف موسم‬ ‫حرب التحرير كم���ا يفكرون‪..‬ومن جتربيت‬ ‫تعلم���ت ان الش���هود ينبغي دائم���ا ابعادهم عن‬ ‫املس���رح‪ ...‬ليبي���ا بالنس���بة ل���ي واجب إنس���اني‬ ‫عمي���ق ال���دالالت‪ ..‬وعندم���ا أج���د الفرص���ة‬ ‫املناسبة س���وف اش���ارك‪...‬امامي بعض الوقت‬ ‫على كل حال لتسديد قرضي ثم نرى‪..‬‬ ‫_ اعرف ان روايتك " آزاتسي" قد صدرت‬ ‫بداية عن دار مرييت املصرية‪ ..‬فماذا حدث‬ ‫بعد ذلك؟‬ ‫_الطبع���ة كانت س���يئة‪ ،‬لقد ب���دأت كتابة‬ ‫آزاتس���ي وأنا ش���اب ثم التقيت ه���دى واجنبنا‬ ‫علي ان‬ ‫طفل�ي�ن قب���ل ان أنهيها وكان صعب���ا ّ‬ ‫قبل بتلك الطبعة البائسة فنيا‪...‬‬ ‫_ اعتمدت يف روايتك على " الفالش باك" من‬ ‫احلاضر إىل املاضي حيث ليبيا اليت غادرتها‬ ‫يوما حاضرة‪ .‬هل عدت لتلك املرحلة أثناء‬ ‫الكتابة حبنني ما؟‬ ‫_ لقد فعلت املس���تحيل حت���ى ال اغادر ليبيا‪،‬‬ ‫ولكن عندما جاء الوقت غادرت بضمري مرتاح‬ ‫خفف عين فيما بعد مشاق احلنني وتداعياته‬ ‫حل���د كبري‪ ،‬احب ان اقول ان�ن�ي طوال حياتي‬

‫‪29‬‬ ‫يف هولندا ثم الدوحة بقيت على تواصل دائم‬ ‫م���ع اصدقائي املقربني‪ ،‬ولذا كنت بش���كل ما‬ ‫يف ليبي���ا اليت ختصين‪ ،‬مكانيا كنت بني وقت‬ ‫ووقت اصيب بلوثة من احلنني ملكان أو اكثر‬ ‫لي فيه حياة مجيلة ‪..‬ركابة س���يدي خليفة‬ ‫قرب جامع الش���يخة راضية مثال ‪..‬أو اللفيه‪..‬‬ ‫أو ليالي بنغازي حيث كنت دائما اشعر باني‬ ‫يف اجازة سياحية عندما ازورهذه املدينة ليس‬ ‫للبنية التحتية البائس���ة ولك���ن للقدر الكبري‬ ‫م���ن االم���ان والرحابة الذي احس���ه هن���اك‪...‬‬ ‫لكن بصفة عام���ة كان هاجس التحكم التام‬ ‫يف اللغة واملش���اعر هو من يقودني يف مسارب‬ ‫الكتابة‪...‬‬ ‫_ هل أهمية الرواية اليوم نابعة من كتابات‬ ‫أمساء روائية هامة‪ ،‬أم أن االنسان احلديث‬ ‫بعامله االفرتاضي الواسع مصاب حبنني لزمن‬ ‫احلكي؟‬ ‫_امسح���ي ل���ي ان اعطيك طبع�ت�ي اخلاصة‬

‫باخلصوص‪..‬لي���س هن���اك اآلن – اال ماندر–‬ ‫أمس���اء مهمة يف الرواية ولك���ن هناك روايات‬ ‫مهم���ة‪ ..‬الي���وم اج���د صعوب���ة حقيقي���ة يف‬ ‫اكم���ال قراءة رواية‪ ..‬املتعة تكاد تكون غائبة‬ ‫يف م���ا يكت���ب‪ ،‬علين���ا ان ال خنض���ع مل���ا يقوله‬ ‫االع�ل�ام يف اخلص���وص‪ ،‬ص�ب�ري موس���ى‪-‬‬ ‫مث�ل�ا ‪ -‬كت���ب عمل واح���د مجيل هو (فس���اد‬ ‫األمكن���ة) واقل منه حي���در حيدر الذي كتب‬ ‫فص���ل واحد يف حيات���ه مهم يف رواي���ة وليمة‬ ‫العش���اب البحر ال�ت�ي قامت عليه���ا الدنيا من‬ ‫س���نوات‪ ،‬أما الكوني فما كتبه بعد اخلس���وف‬ ‫والت�ب�ر ه���و رحل���ة ع���ذاب حقيقية بالنس���بة‬ ‫ل���ي‪ .‬كق���ارئ واآلن أن���ا مضط���ر للتوقف يف‬ ‫منتصف قراءة رواية الغابة النروجيية النين‬ ‫فق���دت االم���ل يف متعته���ا أو فه���م اهلدف من‬ ‫كل ه���ذه الصفحات‪..‬هذه طبعيت اخلاصة‪..‬أ‬ ‫ما بالنس���بة للزمن االفرتاضي فقدمي يف ماء‬ ‫ب���ارد‪..‬كل هذه االجن���ازات لن تلغ���ي الفاعل‬ ‫احلقيقي يف عملية الكتابة وهو الكاتب‪ ،‬هناك‬ ‫حاجة دائم���ة – وليس فقط حنني – للحكي‬ ‫ألنه طريق مضمون للوصول إىل فهم أفضل‬ ‫لزمنن���ا وهويتن���ا وتطلعاتنا على بس���اط من‬ ‫الكلم���ات املوحية‪..‬علينا فق���ط ان النفرط يف‬ ‫الف���ن اثناء الس���رد‪ ،‬وبق���در اس���تيعاب الكاتب‬ ‫لزمن���ه وحتدياته بقدر ماس���يكون موجودا يف‬ ‫في���ه‪ ،‬املنجز التكنلوجي يف صاحل املبدع وليس‬ ‫نقيض له‪..‬‬


‫‪30‬‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫َقِل ٌق‪..‬‬

‫برزخ‬

‫عمر عناز‬

‫عبد الباسط أبوبكر حممد‬ ‫بعيداً‬ ‫ُ‬ ‫حني يُكمل القلب خماوفه‬ ‫ُ‬ ‫الوقت يف شقوق املالمح‬ ‫ويتناث ُر‬ ‫وتغادري‬ ‫حيثما اكتملت خطوة‬ ‫زرع الصبح امتداداً لك‬ ‫بأنفاسك‬ ‫لقصيدتي متخم ٌة‬ ‫ِ‬ ‫عطرك‬ ‫قارورة‬ ‫بلهفيت معتق ٌة يف‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫فيك‬ ‫وقليب‬ ‫ممعن ِ‬ ‫ٌ‬ ‫وروحي متوجة بالنقائض!!‬ ‫‪.....................................‬‬ ‫‪.....................................‬‬ ‫ُ‬ ‫همسك‬ ‫أعلق روحي نافذ ًة على‬ ‫ِ‬ ‫فيك عناقيد املواعيد‬ ‫ُتزه ُر ِ‬ ‫أذهب يف الرجاء‬ ‫ُ‬ ‫يدي منزوعة احلواس‬ ‫ٌ‬ ‫والعقل ُمَّل ٌح يف احملاولة‬ ‫واملكان ٌ‬ ‫ُ‬ ‫مؤثث مبساحات االرتباك!!‬ ‫‪.....................................‬‬ ‫‪.....................................‬‬

‫ٌ‬ ‫قليل كان العم ُر‬ ‫أصابعك‬ ‫حني مرت‬ ‫ِ‬ ‫ري حينما انعقدت بغيابك األليم‬ ‫وكث ٌ‬ ‫بدونك‬ ‫هذيانه‬ ‫القلب‬ ‫أكمل‬ ‫حني‬ ‫ُم ٌر‬ ‫ِ‬ ‫عندما عربت العيون يف فراغك القاحل‬ ‫حينها تفتتت الرؤية‬ ‫الوقت تائهاً‬ ‫ُ‬ ‫ومر‬ ‫َّ‬ ‫عالمة فارقة!!‬ ‫بدون‬ ‫ٍ‬

‫صيدتي ُ‬ ‫كستنا َء َق َ‬ ‫األوىل‬ ‫أُر ّت ُب ِ‬ ‫اليت ُعنوا ُنها‪:‬‬ ‫" ال أَ ْع ِر ُف"‬ ‫َق ِل ٌق‪،‬‬ ‫وأشجا ُر األسى يف ُمهجيت تنمو‬ ‫تأس ُف‬ ‫فماء سقاتهن ُ‬ ‫وإذن‪..‬‬ ‫كل ُّ‬ ‫سأعلن أن َّ‬ ‫ُ‬ ‫ختل ٍق‬ ‫مل ينبثق من راح ّ‬ ‫يت‬ ‫مزي ُ‬ ‫َّف!‬ ‫الريح أنثى ُخ ْن ُتها‬ ‫سأقول‪ :‬إن َ‬ ‫ْ‬ ‫فمضت َتدو ُر على البال ِد‬ ‫ُ‬ ‫وتعصف‬ ‫ُ‬ ‫كس���رت ِجرا َرها هذي‬ ‫وأق���ول إن���ي ق���د‬ ‫السماء‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫نز ُف‬ ‫عام َت ِ‬ ‫فكل ٍ‬ ‫ُ‬ ‫احلقيقة قب َلهم‬ ‫وصلت إىل‬ ‫حتى‬ ‫ِ‬ ‫َحبواً‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وه ْم ساروا‪..‬‬ ‫ومل يتوقفوا‪.‬‬

‫قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة‬

‫يف غرفة التحقيق‬

‫رمضان عبداهلل بوخيط‬

‫كان جياه���د ك���ي يرفع جفون‬ ‫عينيه حمدق���ا يف ج���دار الغرفة‬ ‫اخلالي���ة من األكس���جني بفعل‬ ‫الرطوبة العالية‪.‬‬ ‫تكرر السؤال للمرة الثانية‪:‬‬ ‫_مارأيك يف البنية التحتية؟‪...‬‬ ‫ح���دق يف وجه احملقق املمصوص‬ ‫كثعب���ان جائ���ع‪ ،‬وح���رك فك���ه‬ ‫األسف جميبا‪:‬‬ ‫_ معدوم���ة‪ ...‬ال توج���د بني���ة‬ ‫حتتية وال فوقية!!!‬ ‫_س���نأتي عل���ى البني���ة الفوقية‬ ‫الحقا‪ ...‬أجبين على السؤال‪...‬‬ ‫_ ي���ا س���يدي البني���ة التحتي���ة‬ ‫ال يهت���م به���ا أح���د‪ ...‬فه���ي مث���ل‬ ‫الناس املهمش�ي�ن‪ ...‬مثل شوارعنا‬ ‫اخللفي���ة‪ ،‬منس���ية‪ ،‬االهتم���ام‬ ‫فق���ط منص���ب عل���ى امليادي���ن‬ ‫والش���وارع العريض���ة‪ ...‬أعم���دة‬ ‫الض���وء الباه���رة عل���ى اجلانب�ي�ن‬ ‫وأس�ل�اك اهلات���ف املس���تقيمة‬ ‫متواصلة والطري���ق يلمع كأنه‬ ‫مده���ون بالزي���ت‪ ،‬هن���اك حي���ث‬ ‫مترق س���يارات األكابر حديثي‬ ‫النعمة‪!!!...‬‬ ‫بان���ت عل���ى وج���ه احملق���ق خيبة‬ ‫األمل يف احلص���ول على إجابة‪...‬‬

‫رمى بالقلم ومزق الورقة للمرة‬ ‫الثانية‪ ...‬وحرج من الغرفة‪...‬‬ ‫سقطت جفونه من جديد لتطفئ‬ ‫ومي���ض عيني���ه‪ ...‬أخذت���ه س���نة‬ ‫من نع���اس لذيذ وهو مس�ت�رخي‬ ‫عل���ى املقعد احلش�ب�ي بعد ليلتني‬ ‫مل ي���ذق فيهم���ا الن���وم‪ ...‬داهم���ه‬ ‫حل���م‪ ...‬رأى أفعى جتوب ش���وارع‬ ‫املدينة‪ ...‬متت���ص عيون األطفال‬ ‫يف الش���وارع اخللفية وختتفي يف‬ ‫بالوعاته���ا املفتوحة أبدا‪ ...‬ش���اهد‬ ‫يف املي���دان أحده���م ين���زل م���ن‬ ‫سيارته املزينة بالرسوم واألعالم‬ ‫رافع���ا ي���ده عل���ى إذن���ه "بالنقال"‬ ‫قائ�ل�ا‪ _:‬نعم س���يدي كل ش���يء‬ ‫يس�ي�ر على م���ا ي���رام‪ ...‬الش���وارع‬ ‫نظيف���ة‪ ...‬امليادي���ن ترف���رف من‬ ‫فوقها األعالم واألضواء الكاشفة‬ ‫تبه���ر امل���ارة واحلش���ود جاه���زة‬ ‫لالنط�ل�اق عن���د س���اعة الصف���ر‬ ‫لالحتفال بعيدها!!!‬ ‫انتف���ض من عل���ى املقع���د‪ ...‬فتح‬ ‫عينيه‪ ...‬وج���د الرجل املمصوص‬ ‫يقف أمامه صارخا بوجهه‪:‬‬ ‫_ قمح���رك رجلي���ك واط���رد‬ ‫النعاس‪...‬‬ ‫وبلهجة مغايرة سأله‪ _:‬ما رأيك‬

‫بأسواق االنفتاح؟!!!‬ ‫حار يف اإلجاب���ة‪ ...‬صمت‪ ...‬كرر‬ ‫عليه السؤال بصورة أخرى‪...‬‬ ‫_ أقص���د ه���ذا النش���اط الفردي‬ ‫الذي ميث���ل حرية املس���تهلك يف‬ ‫اختيار ما يريد؟!!‬ ‫_ عظي���م‪ ...‬ه���ذا التن���وع يف‬ ‫العرض!!!‬ ‫_ ماذا تقصد؟‬ ‫_ أقص���د أن���ه اختص���ر املس���افة‬ ‫احلضاري���ة مبعرف���ة كل ه���ذه‬ ‫املعدات واملواد االستهالكية اليت‬ ‫تهم املواطن واملستهلك‪...‬‬ ‫_ مل أفهم بعد هذه اإلجابة‪...‬‬ ‫_ أقص���د أنه���ا نقل���ة حضاري���ة‬ ‫ملعرف���ة م���ا ي���دور حولن���ا‪ ...‬هذه‬ ‫النقل���ة وف���رت عل���ى املواط���ن‬ ‫املعان���اة باكتش���اف حاجت���ه‬ ‫بسهولة العرض‪...‬‬ ‫علق احملق���ق‪ _ :‬أجابة مراوغة‪...‬‬ ‫بل أظنها ساخرة‪...‬‬ ‫بص���وت خاف���ت علق اآلخ���ر‪ :‬هي‬ ‫يف الواق���ع إجاب���ة تالئ���م أف���كار‬ ‫أصحاب البنية الفوقية!!!‬ ‫أقف���ل احملضر وأش���ر بعب���ارة‪_ :‬‬ ‫يع���اد التحقي���ق معه م���رة أخرى‬ ‫غدا!!!‬


‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫‪31‬‬ ‫ُعوِدي َ‬ ‫اآلن‬

‫متاح‬ ‫هدى علي سالم‬ ‫مبتاح القادم‬ ‫قلق يلفح الشوارع‪..‬‬ ‫يرتكب النهار جميئه‬ ‫فتضوع األزقة بالتعب‬ ‫وبضجر العابرين‬ ‫ترتدي ساديتها‪.‬‬ ‫مبتاح اللحظة‬ ‫مدينة موبوءة‬ ‫باتساع الوقت‪ ...‬وضيق ذات اجليب‬ ‫فيها نقرتف االنتماء‬ ‫وفينا حترتف الالمباالة‪.‬‬ ‫مبتاح القلب‬ ‫وجه حاضر يغيب‬ ‫وحزن لناظره قريب‪.‬‬ ‫مبتاح الليل‬ ‫عشاق على باب القلب‬ ‫يرتبون السؤال‬ ‫ويبعثرون اخلجل‪.‬‬ ‫مبتاح القصيدة‬ ‫شعراء خذلتهم األجبدية‬ ‫ليل وسادته البكاء‬ ‫وجادته البقاء‪.‬‬ ‫مبتاح شاعر‬ ‫امرأة مل متنح ضوءها األخضر‬ ‫وقصيدة بعد مل تكرب‬ ‫وخيبة قليلها أكثر‪.‬‬

‫مبتاح الغد‬ ‫أنا وأنت‪...‬‬ ‫هل تنتظر أحداً؟!‬

‫مجعة الفاخري‬

‫ة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪ /‬قصة ‪/‬‬

‫احلديقة‬ ‫ب���دا حائري���ن‪ ،‬ومل يعرف���ا كي���ف يرتبان‬ ‫اخلامتة بشكل حضاري‪ ،‬أخريا قررا وضع‬ ‫حد لفرتة اخلطوبة اليت مل تدم سوى شهر‬ ‫واحد‪ ،‬يف ردهة فندق فئة محس جنوم‪.‬‬ ‫خل���ع خ���امت اخلطوبة من بنص���ره األمين‬ ‫ووضع���ه أمامه���ا بع���د أن احتس���ى فنجان‬ ‫قه���وة بدون س���كر‪ ،‬فيم���ا مل تلمس كوب‬ ‫عصري الربتقال‪.‬‬ ‫صدفة‪ ،‬وعل���ى أحد مقاع���د حديقة عامة‬ ‫ويف مساء خريفي‪ ،‬التقيا بعد أربعني عاما‪.‬‬ ‫تراكم���ت التجاعيد عل���ى رقبتها وظاهر‬ ‫كفيها‪ ،‬أما هو فقد نصف أس���نانه وتآكل‬ ‫النص���ف املتبق���ي ج���راء تدخ�ي�ن التب���غ‬ ‫واحتساء القهوة السوداء بدون سكر‪.‬‬ ‫أخربها أنه أجرى عملية على "الربوستاتا"‬ ‫ويعان���ي م���ن داء املفاص���ل‪ ،‬وأخربت���ه أنه���ا‬ ‫استأصلت أحد ثدييها وتعاني من القولون‪.‬‬ ‫سألته‪ :‬هل‪..‬؟‬ ‫وأنت؟‬ ‫أجاب‪ :‬كال‪ِ ،‬‬ ‫قالت‪ :‬وأنا أيضا‪ ...‬مل أتزوج‪.‬‬ ‫ش���عرا ب�ب�رود املس���اء‪ ،‬نهضا‪ ،‬س���ارا معا عرب‬ ‫مم���رات احلديق���ة املتعرج���ة كصديقني‬ ‫قدميني‪.‬‬

‫فتحي نصيب‬

‫ُي َل ِّط ُخ ُص ْب َح لهَ ْ َف ِت َنا الخْ ِ ُ‬ ‫الف‬ ‫وَيجَ ْ ُثو فيِ َمآ ِقي َنا اِ ْعترِ َ ُ‬ ‫اف‬ ‫اغ ُت ُنا َ‬ ‫كَأ َّن ُه و ْ‬ ‫َج ُه َم ْو ٍت‬ ‫ُي َب ِ‬ ‫بَ​َأ َّن الحْ ُ َّب آ َذ َن ُه ْان ِص َرافُ‬ ‫َ‬ ‫كَأ ِّني َع ْن ِك بحَ َّ ا ٌر َت َنا َءى‬ ‫الض َف ُ‬ ‫َع ِن ُّ‬ ‫آن َخا َن ْت ُه ِّ‬ ‫اف‬ ‫الش َط ِ‬ ‫ينْ ْ‬ ‫َ​َ‬ ‫كأ ِّني َتا ِئ ٌه َب َ ال َف َيافيِ‬ ‫ُي َز ْغ ِر ُد يف أَ َغا ِني ِه ْارتجِ َ ُ‬ ‫اف‬ ‫َات َّ‬ ‫َت َش َّر َد يف َس َراب ِ‬ ‫الت َجافيِ‬ ‫َو َت ْك ُذ ُب ُه َ‬ ‫األ َما ِن ُّي ْال ِع َج ُ‬ ‫اف‬ ‫يمَ ُّ‬ ‫ُد ِل َغ ْي َم ٍة َظ ْمَأى َي ِقي ًنا‬ ‫َف ُي ْم ِط ُر يف أَ َما ِني ِه الجْ َ َفافُ‬ ‫َ‬ ‫كَأ َّن ِك ِح َ‬ ‫ني تحَ ْ َت ِض ُن الحْ َ َنايَا‬ ‫يك ْان ِع َط ُ‬ ‫َه َوا َنا ِّ‬ ‫اف‬ ‫الط ْف َل ي ُْغ ِر ِ‬ ‫َ‬ ‫وح َس ْو َس َن ٍة تمَ َ َ‬ ‫اه ِت‬ ‫كَأ َّن ِك ُر ُ‬ ‫َاك َر َها ْاق ِت َط ُ‬ ‫ات ب َ‬ ‫َم َع َّ‬ ‫اف‬ ‫الن َس َم ِ‬ ‫كَأ َّنا ِح َ ْ‬ ‫َ‬ ‫اق‬ ‫ني َنف ُر ُغ من ِع َن ٍ‬ ‫اغ ُت لهَ ْ َف َن ْش َو ِت َنا الخْ ِ ُ‬ ‫الف‬ ‫ُي َب ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫اب ‪..‬‬ ‫كذ ٌ‬ ‫ِب َنا اختلفت َم َسافات ِ‬ ‫اآلن ؛ مل َي ُك ِن ْاخ ِت ُ‬ ‫َف ُعو ِدي َ‬ ‫الف ‪!..‬‬


‫‪32‬‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫االخ�ي�رة يف‬ ‫امللحق‬


‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫‪33‬‬


‫‪34‬‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬


‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫‪35‬‬


‫‪36‬‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬


‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫‪37‬‬


‫‪38‬‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫ميادين الفن‬ ‫خليل العرييب‬


‫ميادين الرياضة‬

‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬

‫أمحد بشون‬

‫كلمة العدد‬ ‫فتحي علي الساحلي‬

‫‪39‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪11‬‬


‫السنة الثالثة ‪ -‬العدد ( ‪ 27 - 21 ( - ) 106‬مايو ‪)2013‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.