السنة الثالثة -العدد ( ( - ) 106
27 - 21مايو )2013 WWW.miadeen.com
)2012 أكتوبر5 - العدد () 77 الثالثة -العدد ( السنة الثانية نوفمبر)2013 20مايو - 14 30 ( - () -105
الثمن : ديناردينار الثمن :
اآلن ..ليبيا برميل بارود بعد أن كانت برميل نفط فحسب !
02
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
ميادين صحيفة ليبية تصدر عن شركة ميادين للنشر وإالعالن والتدريب
عنوان الصحيفة :بنغازي /ميدان السلفيوم خلف عمارة شركة ليبيا للتأمين -فندق مرحبا سابقا -الدور األول
afaitouri_55@yahoo.com afaitouri.55@gmail.com
رئيس التحرير أمحد الفيتو ري املدير العام فاطمةغندور مدير إداري وعالقات عامة خليل العرييب 0619082250 0925856779 مراسلو ميادين احلسني املسوري /درنة سلوى العالقي /الزاوية خدجية االنصاري /اوباري عائشة صوكو /سبها
إخراج وتنفيذ
حسني محزة بن عطية طباعة دار النور للطباعة
االفتتاحية يكتبها :أحمد الفيتوري
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
03
04
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
05
06
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
07
08
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
09
10
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
بو كليب يف دفرت الغياب
ضم���ن برنامج التعاون الثقايف بني مؤسس���ة دار اهلالل املصري���ة ووزارة الثقاف���ة واجملتم���ع املدن���ي مت التوقيع خالل شهر يناير املاضي على اصدار جمموعة قصصية بعنوان "خطوط صغ�ي�رة يف دفرت الغياب" للكاتب اللييب مجع���ة بو كلي���ب ،اجملموع���ة تتضم���ن مقتطفات من س�ي�رة ذاتي���ة تس���جل جترب���ة الس���ارد وترص���د حاالته وتقلبات���ه ،باحث���ة مالمح وطن حيمله ب�ي�ن جواحنه يف حي���اة املهج���ر ،حيث يس���رد ويف حرفية ختيلي���ة عالية طقوس ومناخ احلياة اللندنية وجيمع شخوصا بعضها تنتم���ي إىل نفس املكان التقاها عرض���ا ،وتعاطف مع ما تعاني���ه من وحدة وعزلة ،وبعضها ممن يش�ت�رك معهم يف رحلة االغرتاب. تب���دأ اجملموع���ة مبقدمة للكاتب حمم���د الفقيه صاحل، بعنوان "عن الكتابة ونزيف الغربة" ثم تواترت القصص واليت كانت على الرتتي���ب" :احلديقة ،العجوز والكلب، س���ؤال قديم دهش���ة جديدة ،حمط���ة قط���ارات ،أمنية، سؤال ،متاهة ،ذاك الصباح الربيعي ،بعض من أمنية"، مجع���ة بوكلي���ب م���ن موالي���د طرابل���س ،1952ب���دأ الكتاب���ة والنش���ر يف منتص���ف الس���بعينيات م���ن القرن املاضي .نش���ر قصصه ومقاالت���ه يف الصحف والدوريات الليبية والعربية ،صدرت له جمموعة "حكايات من الرب اإلنكليزي".
املقتطف الليبية تتوقف بعد” ”11عاما من الصدور الثقايف -خاص توقف���ت "املقتط���ف" كأول جمل���ة إلكرتوني���ة ليبي���ة ،تص���در م���ن داخل ليبي���ا ،ع���ن منش���ورات موق���ع بل���د الطيوب وقال رئيس التحرير الشاعر رامز النويص���ري :كانت املقتطف يف البداي���ة نصف ش���هرية تعرض ألهم املناش���ط والربام���ج الثقافية وكانت مص���دراً للكثري م���ن الصحف احمللية والعربي���ة والعاملي���ة ،قب���ل أن تتحول لش���هرية عندم���ا ب���دأت العم���ل خارج طرابل���س .وبه���ذا التوق���ف س���جلت املقتط���ف " "11عام���اً م���ن مس�ي�رتها. وأول ع���دد ص���در يف 15-11-2001 ،وأض���اف النويص���ري" :األس���باب الرئيس���ية لتوق���ف املقتط���ف ه���و احتياجه���ا جله���د إض���ايف ،أجدن���ي ال أس���تطيع توف�ي�ره ب�ي�ن خدم���ة موقع بل���د الطي���وب ،والعمل وم���ا حيتاجه، ومتطلب���ات العائلة ،وثاني���اً هو نقص املواد املرسلة للمجلة". إدارة اجملل���ة كان���ت تت���م بش���كل
ش���خصي ،مبس���اعدة زوجته القاصة كرمي���ة الفاس���ي ،وع���ن موقع���ه االلكرتون���ي املهت���م بالثقاف���ة الليبية "بلد الطيوب" ق���ال النويصري :املوقع ي���دار بش���كل ش���خصي من ألف���ه إىل يائ���ه ،ومل أتلق حتى الس���اعة أي دعم للموقع ،بالرغم من كونه أول موقع لييب ثقايف من داخل ليبيا بدأ مسريته يف .22-9-2000وحقيق���ة كن���ت أحبث عن الدعم لتطوي���ر املوقع لكن
يف فقده بدأت بتعليم نفس���ي تقنيات جديدة ساعدتين على حتديثه بشكل كب�ي�ر ،وأوض���ح النويص���ري ال���كل يتحدث ع���ن النش���ر اإللكرتوني ،لكن هذا النش���ر اإللكرتون���ي حيتاج الكثري م���ن األدوات والدعم وه���و ماال يتوفر لن���ا حنن من نعمل بش���كل ش���خصي. ل���ذا ركزت أكث���ر على نش���ر الكتب إلكرتونياً.
قراء يسهرون الليل للحصول على رواية موراكامي الثقايف_رويرتز اصط���ف أكث���ر م���ن 100ش���خص عن���د منتصف اللي���ل أم���ام مكتبة يف طوكي���و متلهف�ي�ن عل���ى احلص���ول على أحدث روايات الياباني هاروكي موراكام���ي واليت طرحت باألس���واق حديث���اً .وه���ذه أول رواي���ة يصدره���ا الكات���ب العامل���ي الش���هري من���ذ ثالث���ة أعوام وال���ذي تصدرت أعمال���ه قوائم الروايات األفضل مبيعاً على مس���توى العامل. وطبع الناش���ر 600ألف نس���خة من رواي���ة "الباه���ت وس���نوات الرتح���ال" ملواجهة الطلب من املعجبني الذين مل تتسرب هلم أي معلومات عن موضوع الكتاب أو قصته. ويتصدر موراكام���ي قوائم املراهنات بوصف���ه مرش���حاً قوياً جلائ���زة نوبل ل�ل�آداب ،وعل���ى الغ�ل�اف اخلارج���ي
للرواية كت���ب"ذات يوم خاجلين هذا الش���عور وجلس���ت على مكتيب وبدأت
أكت���ب أول س���طور ه���ذه الرواي���ة"، وأضاف "ثم لنحو ستة أشهر واصلت كتابة هذه القصة من دون أن أعرف أي ش���يء عم���ا س���يحدث وأي نوع من الناس سيظهر ومدى طول القصة". الرواية جاءت يف ثالثة جملدات تقع يف 370صفح���ة وتروي حكاية رجل يف السادس���ة والثالث�ي�ن م���ن عم���ره يدع���ى تس���وكورو تازاك���ي يعش���ق حمطات القطار. وانتظر املعجبون أمام مكتبة يف وسط طوكيو وابتهجوا عند منتصف الليل عن���د ط���رح الرواية وقض���وا الوقت يف التكهن بش���أن الرواي���ة واحتماالت ما كان موراكامي يفك���ر عندما كان يكتبها.
11
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
هل حنتفل بقراءة الكتب؟ الثقايف -خاص
صادف يوم _23ابريل املاضي ،اليوم العاملي للكتاب وحقوق املؤلف وأعلنت اليونسكو مدينة تايلندا عاصمة عاملية للكتاب للعام ، 2013أليس هذا يدعو للتناقض والكاتب جيد صعوبة يف نشر كتبه، وجيابه املصادرة ،الرقابة، ضعف مستوى الرتمجة من العربية إىل لغات أخرى. هناك من يرى ان هذا اليوم هو جمرد بروتوكول دولي فقط وال ميد للواقع املعاش بصلة ،وآخر ينظر إليها كخطوة مجيلة ،ويسأل ما حصة الرتمجة يف العامل العربي؟ هنا اعرتف أصحاب الشأن بأن الكتاب يعيش وضع سيئ ،وسنردد شعار اليونسكو ليوم الكتاب العاملي” حنن حنتفل بقراءة الكتب”
املنظرين والقائمني على املشاهد الثقافية حيرصون على فرض رؤاهم املغلقة فيما الشارع ينتظر شيئًا خمتلفًا
حممد ميلود غرايف
صونيا خضر
الكات��ب خاس��ر ،والكت��اب يفتق��د الق��ارئ_ الش��اعر والروائي حممد ميلود غرايف كل أعي���اد الثقافة يف الع���امل العربي من معارض الكتاب حتى اجلوائز الس���نوية مرورا باليوم العاملي للكتاب وحقوق املؤلف يش���وبها الكث�ي�ر من الزيف والتظاه���ر باالحتفال .ال لش���يء ألن وضع الكتاب يف العامل العربي وضع مأس���اوي :دور النشر أغلبها تفتق���د إىل االحرتافية يف العمل واح�ت�رام الكاتب، فأغلبها ال تتوفر على جلن���ة للقراءة مهمتها البث يف الكتب الصاحلة للنش���ر حبسب مقياس اجلودة ال غري .هي جت���ري خلف الكاتب املش���هور من أجل الرب���ح حت���ى وإن اقرتح عليه���ا هذا األخ�ي�ر كتابا رديئ���ا مثلم���ا نالحظ���ه مع دور نش���ر كب�ي�رة .ما معنى أن تطلب منك دار نش���ر 1200دوالرا لنشر كت���اب ال يتجاوز مائة صفح���ة؟ كما أنها تكذب عل���ى الكاتب كأن تقول له إنها توزع يف الكثري من البل���دان ،يف حني هي ال توزع إطالقا .أغلبها تنتظر معارض الكتاب كي تسوّق املنتوج .ليس يف العامل العرب���ي وزارات للثقافة باملعن���ى احلقيقي للكلمة ملس���اعدة دور النش���ر على األقل يف توزي���ع الكتاب. ناهي���ك عن أن مث���ن الكت���اب يف ارتف���اع متزايد يف جمتمع ال يقرأ .اخلاسر األكرب يف كل هذا ليس الكاتب نفس���ه ال���ذي يطب���ع مؤلفاته على حس���ابه اخل���اص ،وإمنا القارئ وال ِكتاب معا .األول حمروم م���ن ال ِكت���اب والثاني حم���روم من الق���ارئ .خطوة اليونس���كو يف ختصيص يوم عاملي للكتاب وحقوق املؤلف خطوة مجيلة طبعا .هدفها إعطاء بعد عاملي للكت���اب ،وهنا تدخل الرتمجة كفاعل أساس���ي يف العملية ،لكن ما حص���ة الرتمجة يف العامل العربي إىل لغ���ات أخرى؟ أين دور احت���ادات الكتاب وبيوت الش���عر ووزارات الثقاف���ة يف التعري���ف بإنتاجه���ا األدبي والفكري لدى القارئ األوروبي واألمريكي واآلس���يوي؟ احلديث عن الكت���اب إذن جيرنا حتما إىل احلدي���ث ع���ن الوض���ع السياس���ي واجملتمع���ي واألخالق���ي واالقتصادي طبعا ،فن���درك أن جوهر األزمة بنيوي وشامل ملختلف القطاعات .لكن حني نرى أن أموال الصاحل العام تهدر يف شؤون ال تعين املواطن�ي�ن بل حترمهم من حقوقهم األساس���ية يف العيش الكريم ،فإننا ندرك أن غياب إرادة حقيقية يف النهوض بشكل عام ليس مرده إهمال اعتباطي لدى القائمني على الش���أن السياس���ي واالقتصادي مبج���ال الثقاف���ة وال ِكتاب وإمنا خمط���ط مقصود من أجل إبعاد القارئ العربي عن القراءة والتعليم. فجه���ل الش���عوب ه���و رأمس���ال الديكتاتوري���ات واألنظمة الفاسدة. حري��ة الكتاب��ة والتعبري قضي��ة الكات��ب يف أي مكان_ الفنانة التشكيلية ملى حلام معرض الكتاب يقام إللقاء الضوء وتس���ليطه على املش���اكل والعقب���ات اليت تواجه األدي���ب ،لتفاديها، والنج���اح بإم���داد أك�ب�ر ق���در ممك���ن للكت���اب من حرية الكتابة والتأليف والتعبري ،وهناك منتديات أدبي���ة ومنابر تقام خصيصاً يف معارض الكتاب ،أنا أجد أنه���ا فرصة لطرح األدباء هذه املش���اكل اليت
عبد الوهاب امللوح تواجههم من حظر أو مصادرة منش���ورات ،وضعف حرك���ة الرتمج���ة أو ارتف���اع تكاليفه���ا ..مع���رض الكتاب أو اليوم العاملي للكتاب فرصة لنشر الكتب، وإللقاء الضوء على مشاكل ُ كتاب آخرين . س��تضعف الرتمج��ة إىل العربي��ة لضي��ق اخلي��ارات املطروحة_الشاعرة صونيا خضر أرى حال���ة عامة من الفوضى بش���أن ه���ذا املوضوع وضي���اع ب�ي�ن كت���ب ال جت���د طريقها إىل النش���ر وكت���ب متأل رف���وف أماكن البيع ال تغ���ري أحداً باقتنائه���ا .يعود هذا إىل ال���ذوق العام الذي فرضت الوصاية علي���ه من قبل املنظري���ن والقائمني على املش���اهد الثقافي���ة الذي���ن حيرصون عل���ى فرض رؤاه���م العالق���ة يف افالكهم املغلقة فيما الش���ارع ينتظر شيئاً جديداً وخمتلفاً. وبن���ا ًء عل���ى م���ا ذك���ر أع�ل�اه س���تضعف امكانيات الرتمج���ة م���ن العربي���ة إىل لغ���ات أخ���رى لضي���ق اخلي���ارات املطروحة وعدم انس���جامها م���ع الذوق العاملي. الكت��اب العرب��ي الي��وم مير بأس��وأ مرحل��ة على مجيع االصعدة_ الشاعر عبد الوهاب امللوح رمب���ا إن معان���اة الكت���اب العرب���ي الي���وم لي���س يف املصادرة والرقابة وضعف مستوى الرتمجة يمُ كننا ان نتحدث عن هكذا مشاكل للكتاب العربي لو ان هناك ثقافة وهناك فعل ثقايف فاملتابع اليوم للشأن العربي يكتش���ف تغيي���ب الفعل الثق���ايف ،لقد متت مص���ادرة الثقاف���ة ليس مبرس���وم حكوم���ي وليس بأمر من الس���لطة ولكن ضمن توج���ه عام انتجتها التح���والت السياس���ية االخ�ي�رة ما يُس���مى"الربيع العرب���ي" وم���ا يُس���مى"الثورات" ه���ذه االنتفاضات الش���عبية ال�ت�ي وق���ع الس���طو عليه���ا م���ن ط���رف االمريكان والغربيني عموم���ا وأتباعهم يف املنطقة فه���ل ميك���ن ان نتح���دث ع���ن ثقاف���ة اآلن يف ظ���ل اهلجمات ال�ت�ي يتعرض هلا الفك���ر املتحرر والفكر التنويري من طرف االس�ل�اميني الذين ال يؤمنون باإلبداع الفين ،وأضاف امللوح :الثقافة اليوم مهددة وه���ي مهددة من اكثر م���ن جهة ،مهددة ممن هم يف الس���لطة الي���وم ألنه���م ال يؤمنون به���ا كواحد من س���بل االرتقاء اجملتمعي ومه���ددة من املثقفني الذين مازالوا يتعاملون مع الوضع كما يف السابق واغلبه���م يرى فيها برناجما ش���خصيا وليس فعال كوني���ا ومهددة م���ن اخلراج الذي وج���د الفرصة متاح���ة لتدمري اهلوي���ة الثقافي���ة العربي���ة وذلك بتحويلها إىل صراع طائفي سياسي فقط إذا كان هذا ش���أن الثقاف���ة عموما فماذا س���يكون االمر مع الكتاب الذي ه���و مكون من مكونات الثقافة عموما ومكون رئيس���ي .وأوض���ح امللوح :اعتق���د ان الكتاب العربي اليوم مير بأس���وأ مرحل���ة من مراحله على مجي���ع االصع���دة وع���وض ان حنتف���ل به���ذا اليوم العاملي للكتاب فال بد ان نفكر يف انقاذه ففي الوقت الذي تسجل فيه املواسم الثقافية اعدادا ال تخُ صى من االصدارات االبداعية جن���د ان عدد الكتب اليت تص���در يف الع���امل العربي ال يتج���اوز 1%من هذه االصدارات.
ملى حلام
هيثم حسني
�ي مغام��رة حيات ّي��ة ،مرهقة الكتاب��ة يف الع��امل العرب� ّ ومكلفة_الناقد والروائي هيثم حسني ربمّ ���ا يك���ون احلديث عن حق���وق املؤ ّل���ف يف العامل العرب���ي نوعاً م���ن الرتف الذي مل يصب���ح باملتناول ّ بع���د للكات���بّ ، بأهم ّية القراءة ألن اجلهل الطاغ���ي ّ والكتابة ،والنظر إليهما على أساس أ ّنهما من ال�ت�رف ال���ذي ميك���ن تأجيل���ه ،ككمال ّي���ات وليس ضروريّ���ات احلي���اة وأساس��� ّياتها ،يبق���ي الكاتب يف غرب���ة ع���ن واقع���ه ،ويبقي���ه مغامراً يف االس���تمرار يف س���عيه إىل التنوير املنش���ود ،وأضاف حس�ي�ن :ال ّ ش���ك أ ّنه يس���تحيل حتقيق أيّة نهض���ة دون هذين ّ الفعل�ي�ن العظيمني ،وألن الكتابة حلقة صغرية يف خاصاً دورة حيات ّية كربى ،فإ ّنها تس���تلزم اهتماماً ّ املؤسس���ات ،كي ال يبقى الكاتب غريباً بها من قبل ّ منعز ً ال ،وال ّ شك كذلك ّ أي حديث عن ّ أن ّ أي ربيع ّ َ مرجت���ى أو َمعيش يظل من باب املفارقة والتحايل يتم إقصاء الكتاب والكاتب ،وحني على الذات ،حني ّ َ يوض���ع الكات���ب يف ذي���ل س���ّلم األولويّ���ات ،وكأ ّنه ميك���ن االس���تغناء عن���ه أو تأجي���ل االلتف���ات إلي���ه. وم���ن هنا يغدو احلديث عن حقوقه من باب التندّر والطرف���ة ،وهذا م���ا يزيد األمل ،وحي��� ّز يف النفس، يتحملون تكاليف نش���ر كتبهم، فمعظ���م الك ّت���اب ّ ً يتحملها ،فإ ّنه ال جيين ش���يئا يكاد يُذكر وم���ن ال ّ منه���ا ،أي ّ العرب���ي مغام���رة أن الكتاب���ة يف الع���امل ّ حيات ّية ،مرهقة ومكلفة ،وس���ط غي���اب أيّة رعاية مؤسسات ّية وتغ ّيب ّ حكومي منشود. أي دور ّ ّ وي���رى حس�ي�ن :أن املفارق���ة أيض���اً تأتي م���ن رغبة مقصي مهمش االحتفال بيوم الكتاب وه���و غريب ّ ّ يف حي���اة الكثريين ،وكأ ّنه مناس���بة لتأبني الكتاب ال االحتف���اء به ،وذلك يف حبر االس���تخفاف بدوره ث���م تأت���ي الرقاب���ات املفروض���ة ،س���واء وتأث�ي�رهّ . السياس��� ّية أو االجتماع ّي���ة ال�ت�ي تبدو أش���رس من السياس ّية يف بعض األحيان لتزيد من بؤس الكاتب وحتاول س���لبه رأيه وتدفع حنو االغرتاب ّ املركب. ً حاص�ل�ا طبيع ّياً للقطيعة وتك���ون الرتمجة املغ ّيبة واالنقطاع احلاصلني الواقع ّيني. وحبسب حس�ي�ن :الكاتب يبدو احللقة األضعف يف هذه املس���ألة ،والتناقض الس���افر ال���ذي حيياه بني ما ينش���ده ويرنو إليه وما يالقي���ه ويعانيه يتجّلى يف إي�ل�ام ال ينقطع حني الرغبة ع���ن القراءة أ ّو ً ال، يتحمل وجهل قدر الكاتب وقيمت���ه تالياً ،كما أ ّنه ّ الكثري من األعباء يف س���بيل نش���ر رس���الته ،وبرغم ذل���ك فإ ّنه ال يطال���ب حبقوقه ،وكأ ّن���ه "متواطئ" عل���ى نفس���ه مع التغيي���ب الواق���ع ج��� ّراء عقود من االس���تبداد والتخّل���ف والتهمي���ش ،أل ّن���ه يع���ي ّ أن رس���الته أعظم من أن ختتصر يف كلمة أو منحة، ويؤمن ّ تؤس���س للغد ،وأ ّنها ال ب ّد أن تنال أن الكتابة ّ حقوقه���ا ع�ب�ر التنوي���ر والتأث�ي�ر ،وتك���ون احلقوق أم���ا املعنويّة فإ ّنها تكتس���ب املا ّديّ���ة ملغ ّي���ة تقريباًّ ، بالرتاكم واإلصرار والدأب واملثابرة.
12
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
أناندا ديفي تكتب سريتها عن الرجال والكتابة والعائلة الثقايف -خاص يقول ول��ت ويتمان "إن النظر إىل الكاتب ك��ق��ارئ أو إىل ال��ق��ارئ ك��ك��ات��ب ،أو إىل الكتاب كإنسان أو إىل اإلن��س��ان ككتاب، أو إىل العامل كنص أو إىل النص كعامل، ك��ل ه���ذه األش���ي���اء ل��ي��س��ت س���وى أوص���اف خمتلفة لفن ال��ق��راءة .وك��ت��اب " الرجال الذين حيادثونين" للروائية أناندا ديفي_ ترمجة :د.شربل داغر_ عن سلسلة إبداعات عاملية ،الصادرة عن اجمللس الوطين للثقافة والفنون واآلداب_ الكويت_.2012 شهرزاد اجلزيرة تروي لتنقذ حياتها الكتاب يقدم سرية ذاتية ممتعة ومدهشة يف مدح وحمبة الكتب وال ُكتاب ،يف اخليط الفاصل ،الواصل بني الكلمات واحلياة ،بني الرغبة يف التحرر من كل ما يعيق الذات عن الكتابة .وويقول املرتجم شربل داغر" أناندا ال تسرد أحياناً إال مبقدار ما تقرأ ،وما جتد يف كلمات غريها من عزاء أو تفسري. هذا ما يفسر الشواهد واإلح��االت العديدة إىل ُ ك��ت��اب وك��ات��ب��ات م��ن ب�لاد وثقافات ولغات متباعدة ،إنها مكتبتها اخلاصة ،إنها مكتبتها اخل��اص��ة ،ب��ل كتبها ال�تي تبقى
لصيقة س��ري��ره��ا ،أو إىل جانب حاسوبها ال��ن��ق��ال ،ك��ت��ب ،ب��ل ُ ك��ت��اب مبثابة رف��اق، وع��ش��اق شرعيني ،وأح��ب��ة يف وض��ح النهار كما يف عتمة الكتابة". أناندا ديفي من مواليد العام ،1957من جزيرة موريس يف احمليط اهلندي ،كان لكتاب "أل���ف ليلة وليلة" أث���ره الكبري يف نشأتها األدبية فقد قرأته وهي يف العاشرة م��ن ع��م��ره��ا وتبينت ف��ي��ه أن يف إم��ك��ان امل���رأة أن " تعيش م��ن أج��ل أن تكتب" م��ث��ل ش���ه���رزاد ال�ت�ي أن��ق��ذت حياتها بالقص " امتلكت حرية يف القول ّ مل تكن ألمي ،حني أكتب أشعر بأن أجياال من النساء تقرأ ما أك��ت��ب��ه ،إذ أك��ت��ب��ه ،واق��ف��ة وراء كتفي" ،وتقول عن هذا الكتاب " هذا الكتاب ،صنعته من أجلهن". من يقرأ الكتاب سيصنفه يف إطار كتابة السرية الذاتية لكاتبة تتحدث عن ذكرياتها مع الكتب اليت أثرت فيها ورواياتها وال ُكتاب الذين أثروا يف مسريتها االبداعية وكيف كانت تشعر وه��ي تقرأ لفرجينيا وولف
وت�������ون�������ي م���وري���س���ون وول������������ي������������م وإمي�����ي س��ي��زي��ر ف��ول��ك��ن��ر ف��ل��وب�ير وح��ي��ات��ه��ا وغ������وس������ت������اف ك��زوج��ة وأم وانفصاهلا ع��ن زوج��ه��ا بعد سنوات من احلياة املشرتكة وذكرياتها
ظلي” ..حلسام الدين الثين: “حضرة السيّد ّ ّ سردي.. فاحتة مشروع س ال ّسرد يتل ّب ص صوت فيرتاجع ّ لكل ن وص ّيته. ص ّ قليدّية فيهبه خ يفته الت ارد بوظ ال ّس جناة إدهان "حض���رة الس��� ّيد ظّل���ي" َّ مؤل���ف اخت���ار صاحبه الكات���ب اللييب حس���ام الدي���ن الث�ن�ي أن يعتربه أدبي جمموع���ة نصوص فال ينس���به إىل جنس ّ مع�ّي�نّ وهو م���ا يفتح ب���اب ال ّنظ���ر يف ال ّنصوص مجيع���ا وحماول���ة الوق���وف عل���ى خصائصه���ا األجناس ّية. ّ ربر هذا ال ّتوصيف هو تقاطع األصوات لعل ما ي ّ ���ردي .وهو ما مينح َّ َ ّ الس ّ املؤلف س ف ن ال واختالف ّ اس���تثنائ ّية .إذن مل يكم���ن اخت�ل�اف "حض���رة الس��� ّيد ظّل���ي" يف حبثه عن قضاي���ا مل يطرحها غريه ّ عما يعيش���ه اجملتمع ألن القضايا ال خترج ّ وبال ّتال���ي س���تكون حاض���رة يف ّ كل م���ا يُكت���ب تقريب���ا وإن جم��� ّرد إمياء متى ا ّتص���ل األمر مبا ُس���مى "املس���كوت عن���ه" أو يف جع���ل ال ّنصوص ي ّ أدب���ي واض���ح املعامل ب���ل يف هذه جلن���س ���ة وف ّي ّ الس���رديّة التيّ يُنش���ئ بها وحوهلا أحداثا العوامل ّ وشخص ّيات ال يشبه بعضها بعضا. اجملموع���ة بني َ ّ س���ردي خال���ص كما هو نفس نص "املعّلم" ونفس مس���كون بهاجس احل���ال يف ّ نص حالة بعيدا عن تنضي���د األحداث كما هو ّ
"منس���ابا خ���ارج ال ّزم���ن" ونفس مس���كون بعامل يب ّ يذك���ر حبكايا األس���اطري واخلرافات عجائ ّ نص يطول بال ّتداعي واالسرتجاع وبينها مجيعا ّ الصور دون (نص س���نفورتي الّلطيفة) فتتو ّل���د ّ ّ لاّ ُ ُ ُ نت ك أمشي. نت "ك زمة ل ا ذات عن خترج أن ِ َّ ُ َ ُ كالقمر". ًا د َحي و نت وك يف ني متش ِ إن هذا َّ ّ املؤلف األقرب إىل "اجملموعة القصص ّية" مين���ح قارئه أكثر من متعة :متع���ة الّلغة اليت اش���تغل عليها صاحبه���ا فجاءت س���اخرة أحيانا وحاملة فاتنة أحيانا أخرى تدعو إىل اس���تحضار خصائص ال ّتصوير ّ الش ّ السفر بني ���عري ومتعة ّ األصوات إذ ّ السرد فيهبه س ب يتل صوت نص لكل ّ ّ ّ السارد بوظيفته ال ّتقليديّة يرتاجع خصوص ّيته. ّ مب���ا هو ناقل حدث أو حالة س���واء كان حمايدا أو عليما أو ح ّتى مشاركا ل ُينقل احلكي بصوت يتلّبس ّ الش���خص ّية عل���ى اخت�ل�اف وجوهها يف النص الواحد ودالالت حضورها. ّ وإن كان���ت ملطا ِلع "حضرة الس��� ّيد ظّلي" متعة الس���فر يف هذه العوامل ّ فإن لل ّناقد متعة البحث ّ يف خصائ���ص ال ّنص���وص األجناس��� ّية من جهة ومواق���ف الكات���ب من قضاي���ا انس���ان ّية كثرية
م���ن جه���ة أخ���رى .م���ن ه���ذه القضاي���ا م���ا هو ياس���ي ،يعلن سطوة احلاكم الس لصيق بالواقع ّ ّ واخن���راط البع���ض يف تس���ليط عص���اه عل���ى اجتماعي ثق���ا ّ يف وربمّ ا ال��� ّرؤوس ومنها ما ه���و ّ ّ الفكري يعلن مت ّزق الفرد (حتديدا نصله بالبعد ال ّذكر) بني قوانني اجلماعة وما يشعر به (وأد ّ نص شجرة األنثى) ومنها ما يالمس الطفلة يف ّ الواق���ع مالمس���ة طريفة في ّتخ���ذ احلرف (الم األل���ف) أو ّ الظل (حضرة الس��� ّيد ظّل���ي) ليفتح الس���رد عل���ى ثقاف���ة التم��� ّرد ال ّثابت���ة عند باب ّ البعض رغم تواط���ؤ احمليطني به ..وتبقى أقرب ال ّنص���وص إىل احلك���ي مبفهوم���ه األوّل حكاية واحملكي.. اجلدّة باستحضار تفاصيل املكان ّ جمموعة نصوص "حضرة الس��� ّيد ظّلي" َّ مولف طري���ف يعلن والدة َ ّ س���ردي جدي���د لعّله نفس الساحة إليه حتتاج أكرب يكون فاحتة مشروع ّ السرديّة.. ّ ...................... ناقدة تونسية2013/04/18 .
م��ع أول ي��وم هل��ا يف شقتها اجل��دي��دة بعد االن���ف���ص���ال ،ت��ق��ول أن���ان���دا ع���ن ن��ف��س��ه��ا يف الكتابة" لطاملا أع���دت النظر يف كياني، مل��اذا أن��ا أم���رأة صامتة يف احل��ي��اة اليومية، بينما أنا يف الكتابة ،أكتب من دون خشية من أي ك��ان" .وع��ن رؤيتها لكلمة "رواي��ة ذاتية" تقول أناندا" أنا حذرة من استعمال هذه الكلمة" ،وتضيف :غري أن كل كتابة رمب��ا ال تعدو كونها غ�ير ذل��ك ،متخفية يف ألف شكل وشكل ،حتى حني نسعى إىل الكشف اجملنون عن أنفسنا فإننا حنوهلا إىل رواية ،أو لعلنا نفهم ذات يوم أنه ليس من الضروري استعمال الشخصيات للعودة إىل أنفسنا ،مهما بلغ تعداد ه��ذه الشخصيات فإنها كلها حتمل قسمات وجوهنا ،إنها مدموغة من رأسها حتى أقدامها باحلرب الذي يؤلفنا. بعد أن أصبح العامل قرية عاملية صغرية أصبح بإمكان أناندا أن تتواصل مع ُ كتاب عديدين فتقول" :كنت أكتب قبل وجود الربيد االلكرتوني يف عزلة تامة ،ال أحد كان يقرأ خمطوطات كتيب قبل إرساهلا ب��ال�بري��د إىل ال��ن��اش��ري��ن ،اب���ت���داء م��ن ه��ذه اللحظة اليت اتيح لي فيها ،بفضل الصلة هذه اجتياز املسافات ،انتظمت مراسالتي مع كتاب كثريين ،مؤقتني لألسف ،مادام أن العامل االفرتاضي خيتفي بالسرعة نفسها اليت يظهر بها". يف شقتها اجل��دي��دة ق���ررت إع���ادة ترتيب حياتها ،وقتها ،معرفة ما تريد وم��ا حتب وات��ف��ق��ت م��ع فرجينيا وول���ف يف كتابها "غ��رف��ة ل��ل��ذات" ع��ن��دم��ا كتبت "جي���ب أن تتوافر للمرأة األموال وغرفة خاصة بها إن كانت تطلب كتابة الروايات". يف ه��ذا الكتاب تتحدث أناندا عن الرجال الذين رافقوها يف حياتها كزوجها وأبنائها وأصدقاء محيميني وتقول عنهم يف خامتة كتابها ":كنت أود أن أق���ول إن ال��رج��ال ال��ذي��ن حي��ادث��ون�ني ش��ع��روا ب��دوره��م بهذا السحر .كان هلذا أن يكون أمجل هدية يف عيد امليالد .عيد امليالد ال يزال بعيدا .هذه اهلدية تبقى ممكنة ولكن يتعني قبل ذلك اجتياز باب احلديد األمحر الذي مينعنا من ذلك".
)2012 (26- )( 106ـ -2 العدد( 59- السنة يوليو)2013 يونيو /مايو 27 - 21 الثانيةالعدد الثالثة - السنة
13
14
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
مقابلة (ميادين) س1ـ تتش � ّرف ميادي��ن بإج��راء حوار م��ع الروائي واملف ّك��ر اللي�بي إبراهيم الكوني .وقبل كل ش��يء فف��ي (اإلعرتاف��ات) نق��رأ" :س��أبدأ مبش��روع م��ا ق��ام به أح ٌد من قبل ولن يق��در على تكراره غريي فيم��ا بع��د "..إىل أن يق��ول " :أغام��ر بالقول أنه لي��س هناك مثي � ٌل لي على قيد احلي��اة ،وهذا لن يع�ني أن�ني أفض��ل بالض��رورة ،بل إنين م��ن نو ٍع آخر فحس��ب" لعلّك��م تذ ّكرمت تقدي��م جان جاك رس��و نفس��ه يف مذ ّكراته ،حيث يقول ن ّقا ٌد ومنهم ّ خليفة التلّيس��ي أن ليس بإم��كان كتابة املذكرات ،ألن اإلنس��ان الش��رقي جمب��و ٌل عل��ى الكتم��ان ولي��س كالغرب��ي املس��يحي ،ويذ ّك��ر غريه��م مبا كتب��ه الغزال��ي عن حمنته م��ن الش� ّ �ك واإلميان . هل واجهتم هذه املس��ألة يف كتابتك��م للمذكرات ؟ وه��ل م��ا كتبت��م يق��ع حت��ت اإلعرتاف��ات أم أنه ذو ٌذ ع��ن النفس ؟ أم غري ذل��ك باعتبارك روائي ًا ، والرواية حت��وي نوع ًا من الس�يرة الذاتية باملعنى الفلسفي للذات ؟ ـ���ـ يُدهش�ن�ي اخللط الش���ائع ب�ي�ن اإلعرتافات واملذك���رات .والتليس���ي يف مالحظت���ه كان حكيم���اً عندما أش���ار إىل أن ه���ذا اجلنس من الفن هو للروح املس���يحية أنسب .أي أن العّلة ختم ذات ب ُْع��� ٍد دي�ن�ي .وال ُب ْع���د الدي�ن�ي دوم���اً ٌ عميق يف صميم تكوين اإلنس���ان النفسي .أي أن اإلنسان املس���يحي عندما يُدلي باإلعرتاف القس���يس إنمّ ���ا مي���ارس الطقس يف حض���رة ّ ضرب من تلك اجملبول بروح الصفق���ة ،ألنه ٌ الص�ل�اة اليت قال عنه���ا "كانط" أ ّنه���ا أمنية للرب وليس���ت عبادة حقيق ّية .ملاذا ؟ موجهة ّ ّ ألنه���ا إعال ٌء لش���أن احلرف ال���ذي يمُ يت على حس���اب الروح ال�ت�ي تحُ يي كما يعبرّ س���ادن الديانة املس���يحية القدّيس بولس يف وص ّيته الرائع���ة .ألن أي تطه�ي�ر للضم�ي�ر ميكن أن يتح ّقق باملهزلة اليت يدفع فيها اإلنسان ما ً ال مقابل الفوز ّ غفران يجُريه من قصاص بصك ٍ األبدي���ة َ املنتظرة .ملاذا ؟ ألن التوبة احلقيقية جترب���ة أكثر من دموية قد ُت َ ش�ت�رى بنزيف ال���روح ،ولي���س بنزي���ف اجلي���ب ! ونزي���ف ال���روح هو تلك املعاناة اليت تمُ يت يف اإلنس���ان إنس���اناً ل ُتحيي يف اإلنس���ان إنس���اناً آخ���ر .إنه ذل���ك البعث الذي ح ّققه القدّيس أوغس���طني املبث���وث يف "إعرتافاته" وال���ذي ّ أهله ألن يغدو قدّيساً .وهلذا استهوتين "اعرتافات" أوغسطني لسبب روسو أكثر ّ مما استهوتين "اعرتافات" ّ ٍ ّ بسيط وهو أني مل أجد اعرتافات يف اعرتافات روس���و ،ولك�ن�ي وج���دت ّ مذك���رات .جم��� ّرد ّ مذك���رات ترتجم س�ي�رة ال ختتل���ف كثرياً ّ أي م ّنا .أي أ ّنه���ا احتفا ٌء بالذاكرة عن س�ي�رة ٍّ قبل ف���وات األوان ،ألننا كثرياً ما ننس���ى أ ّننا مه���دّدون بفقدان ه���ذا الكنز كّلم���ا تقدّم بنا الزم���ن إىل أم���ام .وهو ما ع�ّب�رّ ت عنه جتربة "كانط" الذي خسر املعركة مع هذا البعبع (الزمان) ألن فقدان الذاكرة أدركه قبل أن يدل���ي باعرتاف���ه برغم أن هذا اإلنس���ان كان العبقري���ة الوحيدة يف تاريخ العقل البش���ري ال���ذي اس���تطاع أن يُنج���ز أعظ���م وثيقة على
املسمى ذاكر ًة اإلطالق يف نش���اط هذا اللغز ّ من خالل "نقد العقل احملض" . ���ر ٌك اس���تطاع ماركي���ز أن ينجو من وه���و َش َ ش ّره فكتب س�ي�رته يف الوقت املناسب .وها هو حييا اليوم بال ذاكرة مس���تعيداً سرية أبطال ملحمته "مائة عام م���ن العزلة" حيث يهاجم داء النس���يان س��� ّكان "ماكون���دو" كأ ّنه الوباء فصاروا يدوّنون كل شيء ليث ّبتوا مدوّناتهم على اجلدران لئلاّ ينس���وا أتفه األش���ياء كأن يفوته���م أن يأكلوا ً مث�ل�ا ،أو أن يغتس���لوا أو أن يقضوا حوائجهم .إنها أمثولة أس���طورية عن قيمة الذاك���رة ،بل ملحمة عن حقيقة ترتصدنا اإلنس���ان كذاكرة .وضياعها بل ّية ّ مجيعاً ،وليس لنا أن ّ نتأخر يف مواجهتها .وال حيلة تس���تطيع أن تجُرينا من أحسب بوجود ٍ هذا املصري الرتاجيدي س���وى مطاردة الزمان املفق���ود (عل���ى طريق���ة مارس���يل بروس���ت) واس���تجالء حقيق���ة املاض���ي يف خفاي���اه .هنا ينتصب الوجه اآلخر للعملة .هنا نتبينّ ال ُب ْعد الثاني للج���دوى من نزيف الذاكرة .أنه ب ُْع ٌد ٌّ وج���ودي بامتي���از ،وهو أكثر ما يس���تهويين يف ه���ذه التجربة .ف���إذا كان اإلبداع الروائي ه���و نزيف روح ،فإن نزي���ف الذاكرة هو نو ٌع ضرب م���ن بعث املاضي . من تأهي���ل املاضي ، ٌ واملاض���ي هنا ليس جم��� ّرد زم���ان زال ،ولكنه تاريخ .أي جتربة تتك ّتم على جنني .واجلنني ٌ بطبيع���ة ذات ب ُْعد م���زدوَج :ب ُْع ٌد مس���كون هنا ٍ يب وآخ���ر ثقايف ب َ َعد أن نك���ون قد ح ّررناها غي ّ من ب ُْعدها الطبيعي ،ألنن���ا بهذا ال ُب ْعد األخري نذهب إىل املوت كما يعّلم التوحيدي .والبعد
ٌّ مع���ريف بالطبع ،ولك���ن ال ُب ْعد الغييب الثق���ايف رسالي س���واء أكانت هذه الرسالة ذات هوية دنيوي���ة ،أم أ ّنه���ا ذات س���ج ّية ميتافيزيائية . واس���تجواب الزمن الضائع يس���تعري مس���وحاً دينية هلذا السبب .إنه طلب باملدلول الصويف يتضم���ن الت���وق إىل املث���ال فيجود .والطل���ب ّ باملعنى الذي ينفي ع���ن املريد َز َل ً ال كامناً يف الض�ل�ال .أي أن الطلب حبث .والبحث مهدّد بالضالل .ولكن ْ ّ ّ شعري جمازي س الوجد ه َو ٌ ربر بالغاية ال بالسبيل .والغاية بالطبع هي مّ احلقيقة .وهلذا يُعل���ن حكيم الطاوية بأعلى "م ْن ع���رف احلقيق���ة يف الصباح ،يف ص���وتَ : املساء يستطيع أن ميوت!".ولكن هل هذا كل شيء ؟ كلاّ ،بالطبع .فاحلقيقة ال ُتنال بدون مكوس جس���يمة .وال ُع ْمل���ة الوحيدة املعتمدة ٍ يف نام���وس الصراط ه���ي :احلري���ة ! أريد أن أعرتف بأننا نس���تجيب لنزيف الذاكرة ألننا نري���د أن ُنش���بع الظمأ إىل احلري���ة .احلرية حبقيقته���ا الوجودي���ة ال املفه���وم املبت���ذل املختزل يف ال ُب ْعد السياس���ي ،ولكن احلرية يف فضائه���ا الوجودي ،يف فضائها اللاّ نهائي .هل قل���ت ا ّلالنهائي؟ بلى ! احلرية حقيقية فقط يف هذا ال ُب ْعد املس���كون بش���بح اجلنون أو املوت .وهلذا كان���ت احلرية ع�ب�ر األزمنة جتربة مميتة .وهي مميتة ألنها شرط ما ال حضور ل���ه يف الواق���ع (برغم أن البع���ض خيلط بينه وبني الواقع) ،وما ال ميكن التعبري عنه باللغة (حبرف اللغة حتديداً) ،وال س���لطان عليه ال للزم���ان وال للمكان ،وه���و :احلقيقة .وليس كل من قطع يف السبيل شوطاً بعيداً إ ّ أمام ّ ال
أن يس���تنطق فحوى زمانه الضائع عن ش���بح هذا الطيف ،ألن البحث يف الزمن الضائع هنا يصري معاد ً ال ش���رع ّياً للتفتيش عن فردوسنا الضائع ،عن فردوسنا األبدي الضائع ،برغم أننا نبتذل قدسية املعنى عندما ال جند حيلة الس���تبدال العبارة باإلس���تعارة فننع���ت املبدأ املستخفي باسم :احلقيقة . فالس���رد الروائي حقق الوظيفة اإلس���تعارية للتعب�ي�ر ع���ن جترب���ة البح���ث .وه���ي هل���ذا الس���بب م�ت�ن .ولكن هل يش���في امل�ت�ن الغليل ً واقع ثقايف دوما ؟ قد يش���في املنت الغلي���ل يف ٍ كالواق���ع الثقايف يف الغ���رب (أوروبا وأمريكا حتدي���دا) ،ولكن املنت اإلس���تعاري لن يش���في ثقايف كواقعنا بس���بب واق���ع ٍّ غلي���ل املبدع يف ٍ ختّل���ف ال الكي���ف الثق���ايف وح���ده ،ولك���ن بس���بب غياب ال���روح النقدية أيض���اً .والروح النقدي���ة هن���ا ليس���ت باملعنى احل���ريف ،ولكن باملفه���وم الكانطي ،أي املعريف ؛ ألن النقد بهذا املفهوم ،موقف فلس���في .موقف فلس���في من املسمى الظاهرة الوجودية ،ومن موقع اللغز ّ إنس���اناً يف نط���اق ه���ذه الظاه���رة الوجودية . إنه ببس���اطة واقع ثقايف م���ازال يعيش غياب الرؤيا الفلس���فية .وهي حمن���ة مل تكن لتم ّر دون عواق���ب ّ . وعل أهم ه���ذه العواقب إغرتاب النص األدبي احلامل للواء الرؤية الفلس���فية ّ اغرتاباً كام ً ال أو ش���به كامل .واألمثلة على النص املكتوب ذلك كثرية مل يك���ن ضح ّيتها ّ بنزي���ف صاح���ب ه���ذا البي���ان وح���ده ،برغم ّ مع�ن�ي اآلن بق���در جتربيت ال�ت�ي وجدت أ ّن���ي ً اعرتافا يف النق���د األوروبّي واألمريكي وحتى
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
وباألخص لق ّراء الصحف وهذا املبدأ قبل كل شيء جيب التنبيه ألني ال أكتب لقاري ٍء َع ُجول ، ّ َب لي عداوة الصحف ّيني أيض ًا ال يف الشرق العربي وحده ،ولكن يف الغرب أيض ًا هو ما َجل َ اليابان���ي ،يف ح�ي�ن مازالت أص���وات تعلو هنا وهن���اك مس���تنكرة بس���ذاجة خمجل���ة أن قبيلة ، يض ّي���ع ٌ كات���ب وقت���ه بالكتابة ع���ن ٍ س��� ّيما إذا كانت هذه القبيلة ال وجود هلا يف ٌ أصوات يرثى يقينهم كـ"الط���وارق" !! وهي هل���ا ألنها ال تفض���ح جهلها وحس���ب ،ولكنها تع�ّب�رّ عن عنصريّتها رغماً عنها .فكما يقول اجلنيد":ل���ون امل���اء من ل���ون اإلن���اء" .وهؤالء يربهن���ون قب���ل كل ش���يء عل���ى جهله���م ال الن���ص الروائي ال���ذي مل يقرأوه مبضم���ون ّ يقيناً ّ جهل عن ون ع ي ألنهم ولكن وحسب، برّ ٍ مهني بأبس���ط أجبديّات ّ الفن الروائي الذي املرتجم يش�ت�رط أول ما يش�ت�رط ذلك املبدأ َ عما يف وصية تولس���توي الش���هرية" :أكتب ّ تعرف!" كما جيهلون طبيعة الروح العاملية اليت يتش���دّقون بها يف لغوهم اليومي دون أن يدروا أنها خرافة ما مل تلتزم بالواقع البيئي والثقايف والوج���ودي احملدّد بهويّة إنس���انية يس���مى يف نظري���ة األدب حم���دّدة ،أي م���ا ّ ربر نفس���ها بـ"الروح احملّلية" .وهي روح لن ت ّ كمكان ذي مالمح حمدّدة ،وطينة مم ّيزة ٍ ،كسفارة معتمدة لدى عامل يزخر بالتن ّوع ،ولك ّنه ال خيون قامساً مش�ت�ركاً أعظم هو: الطبيعة اإلنسانية الواحدة ! ٌ إنس���ان حيزنين ،بل ويُدمي قليب ،أن جيرؤ ثم يُبيح يدّع���ي اإلنتماء إىل احلقل الثقايف ّ ، لنفسه أن ينعت مؤ ّلفاتي بانهمامها يف تناول قبيلة ،تل���ك القبيلة العظيم���ة اليت حياول أمث���ال ه���ؤالء اجلهلة أن ّ حيط���وا من قدرها بلهجة حتقرييّة أنها "تارقية" على فيقولون ٍ طريق���ة عنصريّي املش���رق ،كأن الطوارق ليس���وا أناساً ،وليس���وا هويّة ثقافية عرقية ، ً أص�ل�ا ،فكيف إذا كانوا وطن أو ليس���وا أهل ٍ ه���م أه���ل الوط���ن األصل ّي�ي�ن ال الوافدي���ن أمث���ال هؤالء الذين تأب���ى عنصريّتهم إ ّ ال أن تنفيهم عن الواقع ال الوطين وحسب ،ولكن ع���ن الواقع اإلنس���اني أيضاً .وهو ما يكش���ف ال ع���ن جه���ل ه���ؤالء حبقيقة الوط���ن الذي يتش���دّقون باإلنتم���اء إلي���ه ،ولك���ن جهله���م بقوان�ي�ن األدب ال�ت�ي تقي���س عاملي���ة األدب مب���دى غوص هذا األدب يف روح احملّلي ؛ ألن الصحراء كطبيع���ة عارية قرينة للعدم مل تس���تضف يف ملكوتها تك���ن لتنتج أدب���اً لو مل ِ ّ ً املس���مى إنس���انا .وكلما كان ذل���ك اللغ���ز ّ هذا اللغ���ز غن ّياً روح ّي���اً ،كّلما ه ّي���أ للمبدع ���رص نبش كنوزه ليس���تخرج من أبعادها ُف َ املس���مى يف لغة اجملهول���ة الدرس اإلنس���اني ّ األدب :التحف���ة األدبي���ة .وه���ي مغام���رة ال تتح ّقق عاد ًة ب���دون مثن .واجلدل هو حجر الزاوي���ة يف هذا العراك .فالطلس���م يف اللغز ال يستس���لم بدون مهارة ،والكنز يس���تعصي ب���دون دهاء من ميس���ك باملع���ول .واملهارة إذا كان���ت تقني���ة ،فإن ده���اء املبدع ه���و نزيف كلغز هو هويّة إنسان ّية روح .واإلنسان هنا ٍ ٌ مس���كون بطبيعة ،ولي���س هوية قبل ّية ،ألنه إنس���انية ه���ي ذخريت���ه ،والقبيل���ة احلاملة للس���يماء احملّلية يف الصفقة جم��� ّرد ذريعة لتأكيد هذه الطبيعة اإلنسانية اليت تسكن
كلاًّ م ّنا .ال تس���كننا وحس���ب ،ولك ّننا نسعى ّ ّ الثري ب���كل حيلة كي نكتش���فها يف اآلخر ، ،اجملهول ّ ، املتع���دد األبعاد ،اجملبول بالغيوب ،وبالعم���ق اللاّ حم���دود .ه���ذه الرحل���ة هي مايس���مى يف نظرية األدب ب���ـ النمذجة .أي ّ حل���م ود ّم (حبضوره التعبري عن ٍ إنس���ان من ٍ يف جم���ال طبيعت���ه احملّلي���ة) م���ع أس���طرته كنموذج ليستعري هوية إنسانية . ف���أن أعي���ش متنق ً ال بني عواص���م أوروبا من لثالث���ة أقص���ى ش���رقها إىل أقص���ى غربه���ا ٍ وأربع�ي�ن عام���اً دون أن أكتب حرف���اً روائياً واح���داً على هذه البلدان هو م���ا من ح ّقي أن ٌ بره���ان على ق ّوة اإلنتماء أفخ���ر به ،ألن هذا للهوي���ة الوطني���ة ،وانتص���ا ٌر ن���اد ٌر لقوانني ّ عامل يس���كننا األدب ال�ت�ي حتت���م الكتابة عن ٍ ال ع���ن الع���امل ال���ذي نس���كنه ،وبرغ���م ذلك فإن امللحم���ة القرمانل ّية يف أجزائها الس���تة الضخمة اليت ختت���زل ثالثة قرون كاملة املتوس���ط عموماً م���ن تاري���خ ليبيا ،ح���وض ّ ُ ألقي���ت به يف ،كان���ت ق ّف���از التح���دّي الذي
وج���وه أولئك الذين يُش���يعون يف األوس���اط الثقافية العربية أن الكوني أسري الصحراء . ويتعم���د أهل اجلهالة جتاهل رواية األجيال ّ ه���ذه اليت تعبرّ ع���ن مرحل���ة تارخي ّية ثريّة وجمهولة من تاريخ ه���ذا الوطن العريق يف زمن شاء له فيه النظام أن يغرتب ،وهو ٌ دليل ٍ إم���ا اإلصرار على طمس أمرين ّ : عل���ى أحد َ احلقيق���ة عل���ى طريق���ة النظ���ام يف طمس النج���وم ،أو العجز النات���ج عن عداوة أصيلة ض��� ّد جاللة الكتاب .وكالهم���ا وصمة عار يف جبني هؤالء . وجعجعة أمثال هؤالء هي اليت تدينهم ،ألن الدليل على أحكامهم املس���بقة إنمّ ا يفضحه الن���ص املبثوث يف عش���رات األعمال الروائية ّ ال���ذي مل حي���دث أن وردت في���ه كلم���ة واح���دة ال عن هويّ���ة القبيلة ،وال عن إس���م القبيل���ة ،وال ع���ن هوية بط���ل روائي ينتمي بالس�ل�الة إىل هوي���ة قبيلة .ه���ذا إذا كانت األم���ة العريقة ح ّق���اً هي قبيل���ة أم أنها تلك ّ ذات التقالي���د الثقافي���ة األصيل���ة اليت روى
15 ٌ وفريق ع���ن بطوالتها أبو التاري���خ هريودوت خ���ي اليونان القدمية والرومان آخر من مؤ ّر ّ األساطري اليت مل َت ِر ْد على املدى الصحراوي خارج كما َو َر َد عليها هؤالء ّ املسمى ليبيا من ٍ نبتة ثري ً ال ُبله���اء ،ولك ّنها نبتت يف الوط���ن ً ّة ط ّيب���ة بدليل أ ّنها تس���احمت م���ع كل املَِلل الدخيلة فآوتها بني ربوعها كما آو ْ َت أمثال هؤالء الذي���ن ينكرون عليه���ا هويّتها ولغتها ً تعص ٍب وثقافته���ا وح ّتى إمسها تلبي���ة لنداء ّ ّ عنصري يع ّرض هؤالء ال للمس���اءلة عرقي ٍّ األخالقية وحسب ولكن للمساءلة القانونية أيضاً هذه املساءلة القانونية املنصوص عنها يف ميثاق حمفل األمم حول حقوق األقّليات الثقافية . س2ـ ُنش�ير إىل نش��ركم ّ مؤخ��راً للجزئ�ين األول والثان��ي م��ن مذ ّكراتك��م حت��ت عن��وان (عدوس الس � َرى) نستس��محكم :هل باإلم��كان أن ُتعطوا ُّ القاريء دوافعكم لنشرها يف مرحلة مازلتم فيها يف ق ّم��ة عطائك��م ،ألن الع��ادة ج��رت باختتام ال ُك ّتاب ش��غلهم اإلبداع��ي بكتاب��ة املذ ّكرات كما فعل الكولوميب ماركيز ؟ ـ الواق���ع أ ّن���ي ت���ردّدت كث�ي�راً قب���ل القي���ام به���ذه املغامرة .وما وضعه���ا موضع التنفيذ ه���و انطالق تلك الش���رارة ال�ت�ي كانت دوماً ض���رورة لرتمج���ة الن ّي���ة إىل فعل .ش���رارة ّ أك���ن هل���م ق���دح زنده���ا ثالث���ة أصدق���اء إكب���اراً جمب���و ً حبب وهم :ص�ل�اح فضل ، ال ّ وأدونيس ،وس���عيد الغامن���ي ،الذين كانوا حي ّفزونين يف كل م ّرة آتي فيها على س���رد إحدى الوقائع يف س�ي�رتي الدنيونية اليت مل أكن ّ ألظن يوماً أنها ميكن أن تتميز بش���يء إنس���ان يف ه���ذا العامل ،ولكن عن جتارب أي ٍ إمجاع فرس���ان فكر من هذا العي���ار النفيس أم���ا الصديق ش���جعين عل���ى اجملازفةّ . هو ما ّ األكادميي املعروف عل���ي امحيدة فقد ظلّ يدفعين للقيام بهذا العمل دفعاً منذ س���نوات جي���ل انتمى إليه ليقين���ه بأن ش���هادتي على ٍ أيض���اً س���تكون وثيق���ة ال تارخيية وحس���ب ولكن معرف ّية أيض���اً كفيلة بأن تكون عوناً لألجي���ال الالحق���ة ال�ت�ي مل ت ِع���ش ال العهد امللك���ي وال الس���نوات األوىل حلركة 69وال رحلة إفادة يف ش���أن األم���م اليت عرب ُته���ا يف ٍ عدوس��� ّي ٍة ختت���زل نص���ف قرن م���ن الزمن وتش���مل موقف ش���اهد عيان ألحداث أخرى يف ع���امل ذاك الزم���ان ً بداية حبي���اة الفطرة ً ونهاية بقيام ثورة فرباير بالصحراء الكربى مروراً مبعايش���ة ذروة جم���د األمرباطورية الس���وفييتية واحل���رب األهلي���ة اللبناني���ة وقيام الثورة اإليرانية واندالع فتيل حركة التضام���ن يف بولن���دا ال�ت�ي أش���علت احلريق التهم منظومة املعس���كر اإلش�ت�راكي الذي َ ث���م االنهي���ار الرتاجي���دي لباب���ل األزمن���ة احلديث���ة (اإلحتاد الس���وفيييت) إىل املرحلة السويس���رية ال�ت�ي ش���هدت جترب���ة البع���ث الروح���ي لعاب���ر لي���ل الدنيا هذا؛ ه���ذا برغم خيب���ة أملي يف مذكرات أدب���اء كبار أمثال بابل���و ن�ي�رودا وماركيز ه���ذا إىل جانب عبد الرمحن بدوي على سبيل املثال .حيث تغيب روح التأويل الفلسفي .فرسالة الذاكرة يف نب���ش املاضي ليس���ت بهدف اس���تعادة الزمن الزائ���ل حرف���اً ،ولك���ن روح���اً .أي وج���وب اإلس���تنارة بالرؤيا ،ال الرؤي���ة .إنها اختزال رؤي���وي لتجرب���ة دنيوي���ة يلبيّ ن���داء الظمأ
16
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
ه��ذه ه��ي رس��الة األدب من��ذ األزل ،وعمقها هو م��ا اس��توجب اإلحتكام إىل األسطرة اليت كانت شرط ًا لإلبداع منذ أرسطو على املستوى النظري الذي يرتج���م الرؤيا يف الرواية :تلك الرواية اليت يقال أنها ن ّية خفية تسكن قيعان ال وعي كل خمل���وق بش���ري ليس���تودعها ب ْ َص َمت���ه. بصمة ممهورة حبرب هويته هو ال س���واه ،ألن إرادة أن حنيا تصاحبها إرادة أخرى هي إرادة اخللود .وال يس���تهوينا نيل الزمن الضائع إال ألنه الش���هادة (والش���هادة األخرية) على موت إنسان هو على قيد احلياة ! ٍ س 3ـ هل ميكن أن تقدّموا للقاريء العجول قاريء خاص��ة مرحلة الصح��ف حملة عن ه��ذه املذ ّك��رات ّ التكوي��ن األول واملرتك��زات الرئيس��ية يف ه��ذا التكوين ؟ ــ قبل كل شيء جيب التنبيه ألني ال أكتب وباألخص لق ّراء الصحف . لقاري ٍء َع ُجول ، ّ وهذا املبدأ ه���و ما َج َل َب لي عداوة الصحف ّيني أيض���اً ال يف الش���رق العرب���ي وح���ده ،ولك���ن يف الغ���رب أيض���اً .وق���د دخلت يف مع���ارك مع حم��� ّرري كربي���ات الصح���ف األوروبّي���ة يف سويس���را وفرنس���ا وأملاني���ا ،وإيطالي���ا ، والنمس���ا ،وأمري���كا ،وأخ���رى م���ع فضائيات تلفزيوني���ة وإذاع���ات يف هذه البلدان بس���بب روح اإلس���تهانة اليت يتعام���ل بها الصحف ّيون مع ُ ك ّتاب الكتب ،ح ّتى ّ أن صحفية إيطالية ْ ا ّتصل���ت ب���ي م���راراً ألجيبها عن س���ؤال واحد الحت���ب الصحف ّي�ي�ن ؟" فأجبته���ا ه���و" :مل���اذا ّ ببس���اطة" :ألن الصحفي�ي�ن ال حي ّبون الكتب !" .بل���ى! أكث���ر م���ا أعج���ب له هو س���طح ّية الصحفي�ي�ن واس���تخفافهم بالكت���ب .فعالوة على كونهم ال يقرأون إ ّ ال أ ّنهم ال يس���تحون من مطاردة ُ ك ُّتاب الكت���ب ربمّ ا إروا ًء للظمأ اخلالد إىل الفض���ول ،وربمّ ا حبثاً عن أدعياء مناس���بني للع���ب دور النج���وم .والدلي���ل أن
ْ اس���تنكرت الصحفي���ة اإليطالية ما لبثت أن س���ؤالي فوجدت نفس���ي مضط ّراً أن أستفهم عما إذا كانت قد ْ قرأت لي أي كتاب بيق�ي�ن ّ ٍ باإليطالية أو ّ بأي لغة أوروبّية أخرى تتقنها كلغة ثاني���ة إىل جانب لغته���ا األمّ ،فأجابت س���ألت س���ؤا ً ُ ال صار بالنس���بة بالنفي .عندها لي تقليدياً يف العالقة م���ع الصحفيني" :عن أي شيء سوف نتحدّث إذا مل يكن املوضوع هو فحوى كتيب ؟ على أرفف املكتبات اإليطالية توجد ثالثة مؤ ّلفات لي بلغتك األ ّم ،ومثانية بلغتك الثانية الفرنس���ية ،وأحد عشر مؤ ّلفاً باألملاني���ة ،وس���بعة باإلجنليزي���ة إخل ّ . فبأي ُّ يهمين ومل أم���ر مل ّ ح���ق أدل���ي بتصريح ع���ن ٍ ً يك���ن ليعني�ن�ي يوما ألنه يف نظ���ري عمل من أعجزه���م ّ أي عم���ل كمعبودتك���م األبدي���ة السياسة مث ً ال ؟" .فأهل الصحافة هم من لعب ض ّد الثقاف���ة دوراً ختريب ّياً م���ن خالل نزعة حنو أدّى إىل تسييس تس���ييس األش���ياء على ٍ الع���امل وابت���ذال احلي���اة الدنيوي���ة انتص���اراً جلن���ون يعبد املعلومة ال�ت�ي ال تعين يف الواقع ٍ أحداً .باملقابل تغرتب تلك احلقيقة اليت تنام ُج َد َم ْن يس���تهجن أن يف بط���ون الكت���ب .إذا و ِ تنام احلقيقة يف جوف الكتب فسوف نتسامح ونقول أ ّنها احلكمة اليت تنام يف بطون الكتب،
وهو ما ال يس���تطيع أن يُنك���ره أحد .فالقراءة قدس���ي ال طق���س ليس���ت تقني���ة ،ولك ّنه���ا ٌ ّ نس���ميه جتل ألنه ؟ خيتلف عن الصالة .ملاذا ٍّ ّ تأم ً ّ ً يسميه األوائل تفكرا .واحلقيقة ّ ال كما ّ يسميه أساطني احلكمة ال وجود هلا خارج ما ّ املرتجم يف اليونان القدمي���ة ّ النقي" َ بـ"التأمل ّ صوف ّي���اً بـ"التجّلي" واخلاض���ع لتأويل هيجل تأم ٌ ���ل" ،ألن ال وجود ث���م ّ يف معادل���ة "ت َو ّح��� ٌد ّ لتأم���ل حقيقي خارج العزل���ة .وهذا املبدأ مل ّ مي ّر ب���دون حصد قرابني .فالنزعة الس���ائدة ع���ن أعمال���ي يف الغ���رب األوروبّ���ي كم���ا يف ق���اس برغم أ ّنه عا ّم الش���رق العربي هو ٌ حكم ٍ ّ وه���و " :كات���ب األدب الصع���ب" .وق���د اتصل دارس���ون ُ ك ُثر يريدون حتضري رس���ائل ب���ي ِ علمي���ة ع���ن األعم���ال الروائي���ة ،ولك ّنهم مل جي���دوا تش���جيعاً م���ن أس���اتذتهم املش���رفني على رس���ائلهم بدعوى أني أكتب أدباً صعباً ،دون أن أدري أي���ن تكم���ن ه���ذه الصعوب���ة فعل ّي���اً ،ولك���ن الع���زاء أن هؤالء كان���وا أقّلية إذا قورن���وا بأغلبي���ة أخ���رى خاض���ت املغامرة بش���جاعة .وكان م���ن املنطق���ي أن أتس���اءل ّ فتذكرت س���نوات ع���ن حقيق���ة "الصعوب���ة" الدراس���ة مبعه���د غوركي لآلداب مبوس���كو كيف كان الزمالء الروس يصفون أعمالي
أح���د يقرأ مثل هذه الكتب هذه األيام !" .وقد ملس���ت صدق نبوءته عملياً بع���د ذلك التاريخ بأعوام كثرية يف س���نوات انتقالي للحياة يف ٍ ���ح َرة" أيضاً "الس َ غ���رب أوروبّا يف ش���أن رواية ّ ال�ت�ي قال عنها أنه���ا لن ُتقرأ قب���ل مائة عام . لتتك ّرر التجربة مع أصدقائي السويس���ريّني وكذل���ك األمل���ان .فف���ي جلس���ة عش���اء م���ع ْ سئلت السؤال مؤسس���ة نشر "لينوس" مديرة ّ ّ ذاته .وعندما أجبت بأني أقرأ عمل شوبنهاور املرجع���ي املتع���دّد األج���زاء" :الع���امل كإرادة وتص��� ّور" اس���تنكرت امل���رأة بس���ؤال" :كي���ف تس���تطيع أن تق���رأ ش���وبنهاور ؟" ّ . تذك���رت ً قائ�ل�ا بأ ّني جترب�ت�ي م���ع ج�ل�ال فابتس���مت ثم ما . كش���عر أق���رأه ال كفلس���فة ،ولك���ن ّ لب���ث أن تك��� ّرر ذل���ك تالياً يف ن���دوة أقيمت يف فرانكف���ورت منتصف التس���عينات عن إحدى أعمالي الروائية .وعند انتهاء الندوة تقدّمت م�ّن�يّ صحف ّي���ة أملان ّي���ة لتخربني ب���أن األملان م���ا ع���ادوا يق���رأون كل الفالس���فة الذي���ن ُ استش���هدت به���م يف مداخليت مث���ل كانط ، ّ أو نيتش���ة ،أو فيخ ِت���ه ،أو ش���يلينج أو هيغل . أَ ال يع�ن�ي هذا أن القراءة مت��� ّر مبحنة عاملية ، والكتاب مهدّد بالزوال س ّيما بعد صعود جنم ذلك اجلهاز الذي ميأل رؤوس���نا بقمامة غري معن ّيني بها هي املعلوم���ة ليوهمنا بأ ّنه يُهدي لن���ا ثقافة كانت من���ذ األزل رهين���ة معاناة تأمل ّية ؟ . ّ وم���ا يُقال ع���ن حمنة الق���راءة يص���دُق على الن���ص ال���ذي تطلب���ه م�ّن�يّ ،ألن تلخي���ص ّ ّ األفضل أال نقرأ الكتاب على اإلطالق من أن
ٌ تزييف للكتب ،ومن شاء أن يعرف احلقيقة اخلالصة أن تلخيص الكتب هو يضحي ،ألن الكتب كاحلسناء اليت تنام يف بطون الكتب فليس له إ ّال أن ّ اليت ال تهب نفسها ملعشو ٍق مل يهبها وقته
نقرأ ّ ملخصاً لكتاب .التلخيص بدعة تغريب القصصي���ة املب ّك���رة بالصعوبة أيض���اً دون أن روح ختت���زل فكرة .وهو ما ع�ّب�رّ عنه فلوبري أعرتف باإلتهام أو أجد له س���نداً .ومل ينّبهين عندم���ا ُس���ئل ع���ن مضم���ون "م���دام بوفاري" إىل الس��� ّر س���وى صديقي املستش���رق األملاني فأج���اب ب���أن اجلواب يس���تدعي من���ه كتابة هارمتوت فيندريخ عندما قال لي تعليقاً على الرواية من جديد . ٌ تزيي���ف إحدى رواياتي أنها صعبة وال تستجيب لروح اخلالص���ة أن تلخي���ص الكت���ب ه���و أناس عامل اليوم الذي ال يرى يف األدب سوى للكت���ب ،ومن ش���اء أن يع���رف احلقيقة اليت تس���لية ! وق���د اس���تف ّزني هذا ال���رأي ّ ألذكر تن���ام يف بطون الكتب فليس له إ ّ يضحي ال أن ّ ً الرج���ل بتقالي���د األدب األوروبّ���ي إمج���اال ، ،ألن الكتب كاحلس���ناء اليت ال تهب نفس���ها ً ملعش���وق مل يهبه���ا وقت���ه .وعلين���ا أ ّ يوم واألملاني حتديداً ،الذي مل يكن ال ننس���ى تسلية يف ٍ ٍ ً ٌ ٌ ً ّ ا د ج ة قاسي ة ورسال من األيام ،ولك ّنه رسالة ، أن الفض���ول إذا كان قصاص���ا غ ّربن���ا ع���ن ً .فهل األدب الكالس���يكي جم ّرد تس���لية ؟ هذا الفردوس ّ معرفة ! فإن الثمن كان يع�ن�ي أن كاتباً مثل جويس ل���ن يُك َت َب له أن س 4ـ أث��ار الروائ��ي التش��يكي كوندي��را مس��ألة مس��اه البلدان الصغ�يرة وهو يُقرأ يف واقع اليوم ،وكذلك األمر بالنس���بة أن يك��ون املبدع ّ مم��ا ّ ألدب بروس���ت .والنبوءة القاسية أن ما يبقى التش��يكي ال��ذي يعلّق عل��ى رقبته ه��ذا اجلرس . م���ن هذي���ن النموذجني هو اإلس���م وحس���ب .أنت اللي�بي ،و ُمعينك الروائي الصحراء الكربى . فمنذ ثالثني عاماً كنت مع صديقي القديم ماذا يعين لك ذلك ؟ جالل املاشطة يف جلس���ة باملركز اإلعالمي ــ يروق البع���ض أن يتغ ّنى بعب���ارة "مجال ّيات باخلارجية الس���وفيي ّتية ليس���تفهم ّ عما أقرأ امل���كان" حتى صارت هذه الرتنيم���ة يف واقعنا ً ً بأني أجبته وقتها ،ومل يخُ ِف دهش���ته عندما ً الثقايف نش���ازا موسيقيا خاويا من املعنى .فال منش���غل يف إلته���ام أج���زاء ملحمة بروس���ت مجال للمكان س���وى ُحس���ن الظاهرة امل ّيت ما ْ "البح���ث عن الزم���ن الضائع" اليت تس���احمت مل يع���زف لنا حلناً آخر بعي���داً قريناً ملعزوفة بفع���ل بإصداره���ا األيديولوجي���ا فس���محت األف�ل�اك العليا اليت قال أفالطون أنها هي ما ّ اإلنفت���اح األخ�ي�ر .وق���د س���ألت الصديق عن ُ ثم جاء نغم موس���يقي أصيل ّ . ٍّ يفتننا يف كل ٍ يزد أن ردّد كأ ّنه يبوح بنبوءة" :ال نيتشة ّ ليؤكدعليها يف "ميالد الرتاجيديا من السبب فلم ِ
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
مسألة ما يتعلّق باألوطان اليت أثارها ري كونديرا فاملبدع كب ٌ حبجم األسئلة اليت يطرحها يف أدبه ال باإلنتماء إىل حجم بلده صغرياً كان أم كبرياً روح املوس���يقى" مستشهداً باعرتاف شيّللر يف جتربته الشعرية القائلة بأن الوحي الشعري موس���يقي نا ٍء .وهو كلحن يولد يف خم ّيلته ٍّ ٍ م���ا يلهمن���ا العالقة ب�ي�ن النب ّوة والش���عر ،أو ّ والف���ن عموماً َ ، املربه���ن عنه من ب�ي�ن النب ّوة لاّ خ�ل�ال ع ّرافات معبد دلف���ى ال ئي ال جتري ألس���نتهن إ ّ ّ أما أهلي يف النبوءة على ال ِشعراً ّ . ّ الصح���راء الكربى فيدلل���ون على صدق هذه املوضوعة بتأكيد ميالد النبوءة كمعزوفة مثيلة لص���وت النحلة عندم���ا يرقدون على أضرحة األس�ل�اف طلب���اً لوصية أو طمعاً يف غائ���ب طال انتظ���اره ،فال تل ّقي رس���الة من ٍ يتن��� ّزل اإلهلام يف قل���ب املُريد إ ّ ال يف الس���ياق املنصوص عنه يف النغمة املوسيق ّية .وأحسب أن ه���ذه مقدّم���ة ضروري���ة لفه���م حقيق���ة برمت���ه ،ال يف جم���ال اجلم���ال يف الوج���ود ّ الفن���ون وحده .وهو م���ا ّ يؤهلنا إلعادة النظر ملتبس كاملكان :املكان املس���تخدم مفهوم يف ٍ ٍ روائي على سبيل املثال .وهو لعمل كمسرح ٍ ٍّ ٍ ال يك���ون مكان���اً مجالي���اً ّ يس���توف حبق ما مل ِ ش���روط اإلس���تعارة املس���توجبة ّ م���كان ألي ٍ الروائي حتديداً .فال ُب َلهاء إبداع���ي ،وللمكان ّ ّ وحده���م يتو ّقف���ون عن���د ح���دود الظاه���رة يف امل���كان ّ مكان ليتوهم���وا أ ّن���ي أكت���ب ع���ن ٍ كحرف م���كان ،أي كظاهرة هلا حضو ٌر يف يف كالصح���راء الكربى إمجا ً جم���ال جغرا ّ ال ٍ ،أو الصح���راء الليبي���ة حتدي���داً .وه���و جهلٌ مخُ جل س���وف يرت ّتب عنه ٌ جهل أفظع عندما يعتقد أمثال هؤالء أن ِّ الظالل اليت تسرح يف هذا امل���كان ،ل ُتثقل كاه���ل األرض يف املكان ، هم هويّة ِعرق ّية حمدّدة ،أمازيغ ّية حتديداً ، ّات أخرى عرقية برغم أن ّ النص حيفل بهوي ٍ ،وحيواني���ة ،ونباتي���ة ،ومجادي���ة ،وحت���ى هويّات روحي���ة ح ّققت معج���زة التح ّرر من ُقمقم اجلس���د لتس���كن اخللوة األبدية ،وهم العامة أمسيهم أهل اخلفاء ،ويل ّقبهم ّ الذين ّ ّ اجل���ن .وأري���د اآلن أن أُطمئ���ن أه���ل بإس���م اجلهال���ة (إن كان م���ا يتش���دّقون ب���ه جم ّرد جهال���ة ولي���س ش���روراً أس���وأ ألف م��� ّرة من اجلهال���ة) ب���أن الصح���راء اليت أكت���ب عنها ه���ي جم ّرد ُح ّجة وليس���ت م���كان .الصحراء هن���ا إس���تعارة ،وليس���ت موقع���اً جغرافي���اً له حض���و ٌر على خارط���ة الكرة األرضي���ة .إنها تلع���ب دوراً جمازياً مرادفاً للوج���ود :الوجود اإلنساني على كوكب األرض .وجو ٌد يبدو
17
لغزاً بقدر م���ا تبدو الصحراء لغزاً ،مس���كوناً ع���د ٌم .غياب املعنى تيه ،واحلياة يف الصحراء تكون جتربتنا األدبية والفلسفية والوجودية ٌ إنس���ان مرم���و ٌز له تي��� ٌه ،اهلويّ���ة اإلنس���انية كخالف���ة هلل يف بث���را ٍء يتوافق مع مدى عمق نزيف مثل هذه بلغ���ز آخ���ر هو اإلنس���ان : ٍ الصحراوي األس���ئلة الوجودي���ة فينا ؛ هذه األس���ئلة اليت ّ بغموض األرض أحجية ،وهويّة الرتحال الوجودي الواقع هذا يس���كنون بقوم ٍ ٍ ً عالمة ه���ي الرديف الرمزي لرحلة البحث عن اهلل .مل تكتمل ما مل تت ّوج بس���ؤالني إثنني :س���ؤال بلث���ام صار هلم ب�ي�ن األمم عن���ه معبرَّ ٍ ٍ الرب والظم���أ األبدي الذي هو قدر الصحراوي هو املوت ،وسؤال اإلميان بوجود اهلل ! ال ختتل���ف عن العالم���ة اليت وضعه���ا ّ للس���لف قابيل لكي ال يقتل���ه ّ ه���ذه النزع���ة ه���ي م���ا ع�ّب�رّ ت عن���ه الس��� ّيدة وجده ظمأ اإلنسانية إىل احلقيقة . كل َم ْن َ كما يرد يف سفر التكوين .وهلذا فأهل املكان وهذا ليس ّ كل ش���يء يف حزمة الرموز سواء زوم���رر صاحب���ة دار نش���ر "لين���وس" عندما ق���رأت خمطوطة "اجمل���وس" بع���د ترمجتها حج���ة .إس���تعارة للقبيلة اإلنس���انية على املستوى الوجودي أو الديين . أيض���اً ّ ً ّ كّله���ا ،وما أمازيغ الصح���راء ،أو طوارقها ،يق���ول النقد األجن�ب�ي ّ أن فضيل�ت�ي تكمن يف إىل األملاني���ة منذ أربعة عش���ر عام���ا لتتصل ً قائل���ة " :هذه ليس���ت ملحم���ة الصحراء سوى ذريعة جمازيّة لتربير القبيلة األمشل هويّ�ت�ي ال�ت�ي اس���تطاعت أن تق���ود إىل األدب ب���ي وقت يف اإلنس���انية" ملحم���ة ه���ذه . الك�ب�رى قريب ٍ ،ألننا ال نستهدف إنساناً حمدّداً عندما نكتب واق���اً جغرافي���اً جديداً كان إىل ٍ وق���ت ٍ يف األدب عن هذا اإلنسان أوذاك ،ولكننا نعبرّ جمهو ً ال يف خارطة ّ فن الرواية وهو الصحراء س���بق احتف���اء النق���د األوروبّ���ي به���ذا العمل ّ يس���تحق يف العربية بدعوى عن النموذج الذي مي ّثله هذا اإلنس���ان يف هذا .وأحس���ب أنه نق ٌد مازال على جهله حبقيقة الذي مل جيد ما امل���كان ؛ نعبرّ عن الطبيعة يف اإلنس���ان .نعبرّ الصح���راء اجملازية يف ّ كل م���ا كتبت .وهو تل���ك التهمة اليت ترتج���م الصعوبة املزعومة ٌ جهل آخر يش���اركهم فيه العوا ّم الذين دأبوا ،برغم أن صدور ه���ذا العمل بالعربية كان ع���ن طبيع���ة اإلنس���ان يف ه���ذا اإلنس���ان .بل جل احل���دث الذي مل يكن ل َيع�ُب�رُ عبثاً سؤال صار بالتكرار تقليدياً يف ّ واقع مل يف طرح على نعبرّ عن طبيعة اإلنس���انية يف ه���ذا النموذج ٍ ٍ اإلنس���اني .وهو ما يعين أننا بالطبيعة كّلنا الن���دوات اليت ُن ّظمت عن أعمالي الروائية يف يش���هد بعد غياب َ س���د َنة معبد النقد العربي أن���اس مهما اختلفت طباعنا ،أو ألس���نتنا ،أو أوروبا وأمريكا وهو " :كيف يستطيع روائي عام 1991كم���ا هو احلال اليوم فإذا بعميد
واق���ع أبعد ما يكون عن الصحراء ألوانن���ا ،أو مواهبن���ا ،أو أعراقن���ا .وغم���وض أن حييا يف ٍ ثم النفس البش���رية لغز مستعار من وحدة هذه كأوروبّ���ا طوال عقود وعق���ود من الزمن ّ ال يكت���ب إ ّ ُ وكنت ال عن ه���ذه الصح���راء ؟" . الطبيعة اإلنسانية اليت تسكننا . ه���ذه هي رس���الة األدب من���ذ األزل ،وعمقها دوم���اً أكاف���ح ك���ي اُفه���م ه���ؤالء أن حرف يهم هو ّ ظل هو ما اس���توجب اإلحتكام إىل األس���طرة اليت امل���كان ليس َه ّم املبدع ،ولك���ن ما ّ كان���ت ش���رطاً لإلب���داع من���ذ أرس���طو على املكان .ألننا لس���نا معن ّي�ي�ن يف الواقع بالرؤية املس���توى النظري ،كما كانت هوية األدب ،ولك���ن بالرؤيا .وكن���ت ومازلت ال ّ أمل من قبل أرس���طو ضمناً .وجلجامش ،أو اإللياذة ترديد وص ّية القدّيس بولس يف هذا الش���أن: ،أو اإلني���اذة أك�ب�ر دلي���ل عل���ى ه���ذه الروح "حن���ن غري ناظرين إىل األش���ياء ال�ت�ي ُت َرى ، األسطورية اليت تس���كن األدب لتربهن على ولكن إىل األش���ياء اليت ال ُت َرى ؛ ألن األش���ياء أن األدب يف األس���اس أس���طرة .ف���إن خال���ف ال�ت�ي ُت���رى وقت ّية ،أما األش���ياء ال�ت�ي ال ُترى ه���ذا القانون فلن يك���ون أدباً .م���ن هنا كان بإبديّة" .هذا يربهن للم��� ّرة األلف أن اإلبداع ً لواقع تراجيدي ال حضور له اإلحت���كام إىل ه���ذه الس���احة ض���رورة ألن���ه رص ٌد تراجيدي ٍ اس���تجابة ل���روح األحجي���ة .ل���روح اللغز يف يف امل���كان ،وال يف الظاهرة ،ولكنه يس���كن ما إنس���ان يتح��� ّرك يف متاه���ة صحراوية حبثاً أمسية :ال ُب ْعد املفقود يف لغز الوجود ! ّ ٍ عن املعنى ،وعن اهلوية ،وعن حقيقة املوت :اخلالصة أننا معن ّيون بالصحراء اليت تسكننا وهمنا هو لغز اإلنسان الذي يسكننا .وسوف املوت عد ٌم ،والصحراء (باملفهوم الكالسيكي) ّ ،
النق���د العربي ش���كري ع ّي���اد يتناوله من هذا اجلانب أيضاً يف الدراسات األربع اليت نشرها عن "اجملوس" على حلقات يف جمّلة "اهلالل" املصري���ة .قبل رحيله ،وقب���ل أن ترتجم إىل األملانية ليتناوهلا املف ّكر السويسري بدراسته اليت نش���رتها س���بع صحف سويس���رية بعدد وقت واحد إحتفا ًء بعمل األحد األسبوعي يف ٍ أدبي اس���تثنائي جدير جبائ���زة نوبل لآلداب كما اختتم دراسته . فالنظ���رة الش���ائعة للصح���راء جمبول���ة باس���تهانة خف ّي���ة س��� ّيما يف عقلية اإلنس���ان الش���رقي الغري���ب ع���ن الثقاف���ة البيئي���ة . يب ،ألننا فاملوقف من الطبيعة يف أوطاننا سل ّ ع���ن مفهوم مث���ل وح���دة الكائن���ات يف غياب .وه���ي قضي���ة مطروح���ة يف كل الرواي���ات وق���ت مل تغ���دو فيه مش���كلة البيئة قضية يف ٍ الس���اعة حتى يف الغرب نفسه ،أي إىل تاريخ
18
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
سياسة مصادرة كتيب يف ليبيا فكانت ممنهجة ومطلقة .بدأت بـ”نقد ندوة الفكر الثوري” وانتهت “بالورم” كآخر كتاب صدر قبل زوال النظام وبلغ ا ُ خلبث بالسلطات أن تتظاهر بطبع أعمالي ضمن ّ خطة وزارة الثقافة نش���ر "نزيف احلجر" و "الترب" ألول م ّرة منذ ربع قرن مضى .فالصحراء بالنسبة ألجيال األزمنة احلديثة ليس���ت جما ً ال بيئياً مسكوناً بكائن���ات طبيعي���ة ،ولكنه يف مفه���وم اجليل ٍ فراغ .وكونه فراغ يعين أنه ُمباح .هذا برغم أن���ه يف الواقع ليس عاملاً مس���توف للش���روط ٍ البيئي���ة وحس���ب ،ولكنه جمتم���ع :جمتمع مم ّي���ز أيض���اً ،ألن���ه اجملتم���ع الوحي���د الذي تتح ّق���ق يف ربوع���ه أعجوبة متاهي اإلنس���ان نس���ميها وح���دة الكائنات ، بالطبيع���ة وال�ت�ي ّ كم���ا ال تتح ّقق يف اجملتمع العمراني املنغلق عل���ى نفس���ه .فف���ي الصح���راء فق���ط تلتئم الس���ماء ب���األرض يف طقس العش���ق احلميم والالحم���دود .يف األرض تتج���اور الكائن���ات كلها :اإلنس���ان واحلي���وان ،النبات واجلماد . الرياح واألرواح .وكّلهم يف فيوض الشمس وم ْن يس���مع أه���ل الصحراء وهم يس���بحون َ . يتحدّث���ون عن أقرانهم من أهل اخلفاء (على تسامح سبيل املثال) بروح اليقني ،وبأرحيية ٍ ّ عفوي ،س���وف يدرك كم ه���و ُخ ُل ٌق نبيل أن يتحّل���ى اب���ن آدم بذل���ك الضرب م���ن اإلميان الذي جيعله يرى نفس���ه على األرض دخي ً ال ،أو ضيف���اً عابراً ،باملقارن���ة مع تلك الكائنات يس���ميها أهل العمران أش���باحاً ، اخلف ّية اليت ّ حتى أنهم ينفون وجودها لتبقى يف خمياهلم جم ّرد خرافات ! ناموس صح���راوي كان ه���ذه العقلية ه���ي ٌ ج���دل من���ذ األزل م���ع ال ُع���رف العمران���ي يف ٍ قديم ،ألنه وليد اإلنقس���ام الدرامي يف جسد اجلنس البشري يرجع جبذوره إىل األرومة األوىل :انقس���ام القبيل���ة اإلنس���انية إىل أهل رحيل يقابلهم يف اجلانب اآلخر أهل استقرار ٍ .إنقس���ا ٌم كان م���ن نتيجت���ه اح�ت�راف املّل���ة احلرفة . العمرانية لدين احلرف َ املرتجم يف ِ هذه احلرفة اليت مل يكن بوسع املّلة الراحلة أن حترتفها بس���بب حياة األس���فار .وملّا كان َ قدر اإلنس���ان أن يفعل بنفس���ه ش���يئاً يف دنيا امللل ،لذا كان من الطبيعي أن يبحث إنسان رحلة هي الرحيل عن دمية أخرى تس���ّليه يف ٍ باطل األباطيل يقين���اً ،ولكن امتيازها يكمن يف كونها جتربة حرية باملقارنة مع جتربة املّلة األخرى .وه���ي جتربة حرية ألنها نتاج الطبيع���ة األ ّم .واحل ّري���ة املعادي���ة للحرف���ة ً حرف���ة ،ولكنها تنتج نب���وء ًة .نبوءة ل���ن تنتج تب���دو بال ج���دوى يف حمي���ط تل���ك الطبيعة ً حرية ،ول���ذا ال ب ّد أن تنزل من ال�ت�ي تتن ّفس عرش���ها إىل حضي���ض اإلس���تقرار يف س���بيل تأكيد رس���التها كنبوءة .ولكن احلضيض األرض���ي ليس مضياف���اً يف ّ حق النب���وآت ،بل هو ُمع���ا ٍد بطبيعته ّ لكل م���ا يرفض اإلعرتاف بالظاه���رة دين ّي���اً فيبدأ نزاع ينته���ي بتغريب الضيف الدخيل ،فإن تصدّى فسوف يع ّرض نفس���ه لصن���وف ذل���ك اإلضطه���اد ال���ذي ال ينعك���س يف الع���داوة التقليدي���ة ب�ي�ن هاتني املّلت�ي�ن ،ولكنن���ا جن���ده مرتمجاً يف الش���كوى اخلالدة من استحالة تنفيذ الرؤيا السماوية
يف حضيض الواقع األرضي . أما يف مس���ألة ما يتعّلق باألوطان اليت أثارها ّ ري حبجم األسئلة اليت كونديرا فاملبدع كب ٌ يطرحها يف أدب���ه ال باإلنتماء إىل حجم بلده صغرياً كان أم كبرياً .وقيمة هذه األس���ئلة هي اليت حت���دّد هويّته احلقيق ّي���ة .هي جواز سفره احلقيقي ،وليس جواز السفر املستعار من اهلوي���ة الوطنية .والدليل أن رائد اآلداب ينتم إىل أثينا يف كل األزمنة هومريوس مل ِ وال إىل اس���بارطة ،ولك ّن���ه باهلوية انتمى إىل أصغر قري���ة يف اليونان القدمي���ة مازالت يف ً جمهول���ة برغ���م تن���ازع كل مدن احلقيق���ة اليون���ان تالي���اً ً حماولة إثبات ش���رف إنتمائه ٌ دلي���ل آخ���ر مس���تعار م���ن األزمن���ة إليه���ا . احلديثة .فأصغر أوطان العامل أجنب أكرب روائ ّيي القرن العشرين :الوطن هو ايسلندا ، الكسنيس ! واملبدع هو ّ هوي���ة املبدع ،إذاً ،أدب���ه ،وليس هوية وطنه . بل العكس هو الصحيح :فكثرياً ما كان إسم الكات���ب هو هوي���ة الوط���ن .أال ّ تؤكد وصية أس�ل�افنا ه���ذا عندم���ا تق���ول" :ف���ارس حييي قبيلة ،لكن قبيلة ما حتيي فارس!" ؟ س 5ـ درس��ت يف اإلتحّ ��اد الس��وفييتيّ .ربط��ك البعض باملاركسية .ما حقيقة ذلك ؟ ـ ال أنكر تعاطفي مع املاركس���ية يف جتربيت الدنيوي���ة يف ذل���ك الزم���ن ال���ذي كان في���ه ه���ذا الفك���ر ف���ارس العص���ر ال يف ارتباط���ه بالش���يوعية كنظ���ام سياس���ي ،ولك���ن ألنه
فك��� ٌر يس���اري .لق���د كان من���ذ نص���ف قرن ّ القش���ة اليت تعاطف معه���ا كل مريد عدالة قبل أن نكتش���ف غي���اب العدال���ة يف ّ نظام أي ٍ أرضي ،فكيف بالنظام السياس���ي ؟ واألنسب ّ أن أق���ول أن���ي كن���ت صاحب موق���ف نقدي ال م���ن الفكر املاركس���ي وحس���ب ،ولكن من الفكر اليساري إمجا ً تأملت يف اجلزء ال .وقد ّ ���رى) األول من نزيف الذاكرة (عدوس ُّ الس َ عبارة س���يمون دي بوفوار القائل���ة بأن املبدع يف عصرن���ا ال مي���ك إ ّ ال أن يكون يس���ارياً ،وال أن���وي أن أك ّرر هن���ا تأويل���ي ذاك .يكفي أن أق���ول أن ال���روح اليس���ارية اس���تجابة ملوقف َم ْن ّ فض���ل أن يتخّلى عن العامل ليتف ّرج على املهزلة الدنيوية من وراء حجاب .وهو موقفٌ نق���دي بالطب���ع برغم كونه موقف مش���اهد .أال حي ّثن���ا إم���ام احلكم���ة أفالط���ون عل���ى خي���ار مش���اهدة املس���رحية يف مقاب���ل موقف البهلوانات اليت تلعب دوراً يف املسرحية ؟ ! س 6ـ أن��ت مواط��ن سويس��ري .م��ا ال��ذي يش � ّكله هذا يف عاملك الس��ردي وكتاباتك الروائية ؟ وهل يساهم وجودك يف سويسرا يف ترمجتك مث ًال ؟ ـ ال أرى أي عالقة بني املواطنة واإلبداع ،ألن وطن املبدع احلقيقي هو إبداعه كما أسلفنا .وإبداعه هو ش���هادة حس���ن السرية والسلوك ّ املتحضر بسواها ،برغم اليت ال يعرتف العامل أنه���ا يف بل��� ٍد كليبيا ليس���ت ً تهمة وحس���ب ، حج���ة للني���ل م���ن املب���دع :النيل من ولك ّنه���ا ّ املبدع سياسياً وثقافياً وأخالقياً وشعبياً .وهو
ع���ا ٌر يف جبني أمم التخّل���ف قبل أن يكون عار األنظم���ة القائم���ة عل���ى أمره���ا .وإذا كنت ُ وعملت قد درس���ت يف اإلحت���اد الس���وفييتيّ ، يف بل��� ٍد كبولن���دا ،ثم انتهى ب���ي املطاف إىل سويس���را ،فإن���ي ال أمل���ك إ ّ ال أن أعرتف ّ لكل بل ٍد من تلك البل���دان بفضل :تعّلمت التقنية مبعهد غوركي مبوس���كو ألعبرّ عن امتناني ضح���ى كثرياً لذل���ك الش���عب العظيم الذي ّ ك���ي يعّل���م املع���ارف ألبن���اء عاملن���ا الثال���ث ، وكذل���ك إلتحّ ���اد الك ّت���اب الس���وفييت الذي علي جاد على ش���خصي مبنحة دراسية خبل ّ به���ا النظام يف بلدي ،برغ���م أنه مل يبخل بها ح ّتى على األغراب ! كما مل أندم على عملي ببولوني���ا ألنه���ا كانت بالنس���بة لي اجلحيم الذي على املرء أن يعربه كي يبعث يف نفسه أما سويسرا فقد جئتها ملداواة ميالده الثاني ّ . جراح التجربة الدموية اليت عشتها يف بولندا اليت ترجع دمويّتها ال لبولندا ،ولكن لطبيعة العم���ل مع اإلدارة الليبية س��� ّيما إذا تولىّ أمر املؤسسة إنس���ان انتمى إىل مّلة املث ّقفني هذه ّ الفاشلني أمثال كامل املقهور أو املُخرب بشري اهلامشي :األخري كان مس���ئو ً ال عن مصادرة كل كت�ب�ي ال�ت�ي أعقب���ت "نقد ن���دوة الفكر الث���وري" (املصادَر منذ ع���ام 70م) إبّان تو ّليه دائ���رة املطبوعات ،واألول كان مس���ئو ً ال عن ُ قفل أبواب أول مطبوعة ثقافية عربية قمت بتأسيسها يف قلب املعس���كر الشيوعي ببولندا ال���وزر وأحياني من حيث ّ ظن ،فح ّررني من ِ ّ أنه أماتين ،ألني مل أغسل يدي من العمل مع الليب ّيني ألستعيد عافييت الروحية والفكرية واجلس���دية إ ّ ال عندم���ا خلوت إىل نفس���ي يف مرتفع���ات فوروبيوف���ا مبوس���كو ب�ي�ن 1986 و 1993منقطع���اً ع���ن الع���امل وع���ن العائلة وعن ّ إنسي مستأنساً بالطبيعة كل خملوق ّ ٍ األ ّم وحده���ا ّ . وعل أكرب دلي���ل على حضور نصي ال يف ش���خصي هو موقف حقيق�ت�ي يف ّ
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
منذ عام 1965عندما كنت حم ّرراً جبريدة "ف ّزان" التابعة لوزارة الثقافة امللكية مبعاش يتقاضاه أي مواطن لييب حسب مؤ ّهالته العلمية وخربته الزمنية ؟ هذا ٍ الكل ثروة ،أم أنه يف كل األعراف جم ّرد ُق ْوت ؟ اليقني أنه ٌ املعاش الذي يتقاضاه ّ قوت ّ يطمئن إليها منذ النظام م���ن كتيب اليت مل حرق كت���اب "نقد ندوة الفك���ر الثوري" إىل آخ���ر يوم من حياة النظام ،ألنه يعي أن مبدأ احلرية ال���ذي يتخّل���ل كل مؤلفاتي س���وا ًء يف ب ُْع���ده الوجودي أو السياس���ي أو الغييب هو جي���ل دأب النظام على اخلط���ر األكرب على ٍ قت���ل أحالم���ه .هذه األحالم ال�ت�ي مل تكن يف كل األعراف سوى قتل صاحب احللم نفسه ،ألن إنس���اناً بال حلم هو جس ٌد بال روح ! وهو املوضوع الذي كان حمور هديّيت إىل شهداء فرباير " :فرسان األحالم القتيلة" . ُ كنت مرتجمَ ���اً إىل اللغة أما الرتمج���ة فقد ّ الروسية منذ عام ، 1973ومتوني القصصية مرتمجة بلغات اإلحتاد الس���وفييتيّ وش���رق أوروبّ���ا م���ع منتص���ف الس���بعين ّيات أيض���اً ، ويف بولن���دا من���ذ ع���ام 81م ،وباإلجنليزي���ة ْ إعتمدت دور والرتكي���ة منذ عام ، 82وق���د النشر يف سويسرا ُخطط نشر أعمالي باللغة األملانية قبل وصولي إىل سويسرا . �اركت أن��ا يف الن��دوة ال�تي كان��ت ح��ول س 7ـ ش� ُ أعمال��ك الروائي��ة ال�تي أقامته��ا جامعة س��بها �ت ع��ن مص��ادرة كتب��ك من من��ذ س��نوات ،حتدّث� َ ِق َب��ل النظ��ام يف تل��ك الن��دوة ،ه��ذه الكت��ب مل تك��ن تذكرها :م��ا عالقتك مباضي��ك اإلبداعي والشخصي ؟ ـ سياس���ة مص���ادرة كت�ب�ي يف ليبي���ا فكان���ت ممنهج���ة ومطلقة .بدأت بـ"نقد ندوة الفكر الثوري" وانتهت "بالورم" كآخر كتاب صدر قبل زوال النظام وبلغ ُ اخلبث بالس���لطات أن تتظاه���ر بطب���ع أعمالي ضمن ّ خط���ة وزارة الثقافة ،ولكنها حتج���ب الكتب املطبوعة يف ظلمات املخازن .وأصحاب مكتبات احلاضرة ش���هو ٌد على هذا اإلحتيال ألن الوزارة كانت ترفض طلباتهم بش���أن ش���راء الكتب يف ّ كل م��� ّرة حاول���وا فيه���ا اقتناءها بقص���د التوزيع َ مفارقة بع���د كل ه���ذا أن يأتي من .ألي���س ّ يدّع���ي أن���ي يف هدنة م���ع النظام السياس���ي القائ���م ؟ هل ياترى ألنه���م ال يقرأون الكتب ألمر يف نفس ،أم ألنه���م يقولون م���ا يقولون ٍ يعقوب ؟ س 8ـ ليب ّيت��ك يربطها البع��ض ببزوغك ككاتب وبعالقتك بالنظام السياس��ي .ه��ل هلذا أي أثر يف كون��ك الروائي إبراهيم الكون��ي ؟ وما حقيقة ذل��ك ؟ ومل��اذا هذا اللغ��ط حول ه��ذه العالقة ،وما دوافع الالغطني كما ترى ؟ لغ���ط ؟ ه���ل هو ٌلغ���ط أم ه���و هذي���ان ؟ هو هذي���ان ال يُثري إ ّ ٌ ال الغثيان ،حتى أني أش���عر هلؤالء بأش��� ّد اخلجل ،ألنه���م بهذيانهم إمنا يرتمج���ون ما بأنفس���هم ه���م ،فيحاولون أن يلصقوا ما بأنفس���هم باألغي���ار ظ ّناً منهم أن ه���ذا الزي���ف ميك���ن أن يع ّزيه���م يف حمنتهم األخالقية واملهنية :األخالقية هي ممارس���ة الكيد والكذب ،واملهنية هي تربير فشلهم يف العم���ل ،ألن "ل���ون املاء من ل���ون اإلناء" كما يعّلمنا ُ اجل َنيد .وها حنن نس���تحي هلم وهم ّ ال يس���تحون .ويب���دو ّ أن ترفع���ي عن النزول
إىل أحاضيضه���م ط���وال األع���وام املاضي���ة ش���جعهم فإذا بهم يتم���ادون إىل احل ّد هو ما ّ ال���ذي يع ّرضه���م للمس���اءلة القانون ّي���ة إىل جانب املس���اءلة األخالقي���ة .وها هم يتبارون يف التعب�ي�ر ع���ن جهله���م بأنفس���هم قب���ل أن يع�ّب�رّ وا بهذيانه���م ع���ن جهلهم مب���ا كتبت ومبا أكتب ؛ ولو عرفوا أنفس���هم كما جيب ألدركوا أن احلقيقة سوف تفضحهم ،ألنها يف حلفه���ا مع التاريخ س���وف تعرف طريقها ال أم آج ً إىل ال َع َلن عاج ً ال .ولكن التاريخ يأبى إّ ال أن يعي���د نفس���ه يف ّ كل م��� ّرة فيربهن���وا كما برهن رعاع الناصرة يوم تنازل املسيح لينزل ديارهم فس���خروا منه ورمجوه ليعلن لنيب يف وطنه" نبوءت���ه الدهرية " :ال كرامة ٍّ ُضف ما كان جي���ب أن يضيف ،ولكن���ه مل ي ِ لن�ب�ي يف زمن���ه أيضاً فيق���ول " :وال كرام���ة ٍّ إىل جان���ب وطن���ه !" .وهي الس�ي�رة القدمية اجلديدة يف معاداة كل ما له قيمة حقيقية .وه���ذا هو العزاء .فبل ّية م���ن ّ يتوهمون أنهم مث ّقفون يف بالدي هي اإلدّعاء .إنهم يريدون أن يكونوا أدب���اء ،ولكن دون مكوس .فأكثر من ثالثة أرباعهم ال يقرأون .ونصف الربع الباق���ي ال يق���رأ ما جي���ب أن يُق���رأ .وثالثة أرب���اع العش���رة يف املائ���ة الباقي���ة ال يق���رأون بأيّ���ة لغ���ة أجنبي���ة .وبرغ���م هذا يتش���دّقون ب���األدب وينتحلون���ه انتح���ا ً ال ظ ّن���اً منهم أنه قنا ٌع من ش���أنه أن يستنزل على الوجه سيماء الوجاهة .والوجاهة املزعومة يف نظرهم نو ٌع من حصانة ل���ذ ّر الرماد يف عيون البس���طاء . لقب يصلح للتباهي فاألدب بالنسبة هلم هو ٌ كأنه املنصب ،وليس رس���الة حقيقية كما جي���ب أن يكون .ه���ذه النزعة هي اليت جلبت عل���ى الثقاف���ة الليبي���ة اللعنة اليت أس���قطت الوط���ن م���ن اخلارط���ة الثقافي���ة العربي���ة ، وألغ���ت وج���وده نهائي���اً من خارط���ة الثقافة العاملي���ة .ه���ؤالء ه���م املس���ئولون ع���ن جع���ل اهلوي���ة الليبية مرادفاً للجهل على املس���توى العرب���ي ،وغ ّربته���ا عل���ى املس���توى األممي . ف���إذا أضفنا إىل ه���ذا اإلغرتاب املُه�ي�ن رذائل النظ���ام الس���ابق يف ّ الش���قي ح���ق هذا الوطن ّ مثل ممارسة اإلرهاب ،فإن اهلوية ال تكتفي بأن تغرتب ،ولك ّنها تس���تحيل ً تهمة حقيقية تس���توجب القصاص يف كل العامل ،وهو ما عانى منه ّ كل من محل يف جيبه هذه اهلوية خارج ليبيا طوال سنوات غيبوبتها تلك ،حتى أ ّن���ي مل أفه���م إ ّ ال اخرياً ماذا يع�ن�ي أن حيقق ّ املبدع إعرتافاً ،ويرتفع عن سفساف هذه امللة قامة أعل���ى من قاماته���م إ ّ الدع ّي���ة ً ال عندما اش���تكى لي صادق النيهوم مبرارة من أمرين :ع���داوة زم�ل�اء القلم م���ن ناحي���ة ،وجناية اهلوي���ة م���ن ناحي���ة ثانية .حيص���د الصادق الر ْبع العربي عداوة الداخل ،وجي�ن�ي عداوة َّ بسبب ليب ّيته برغم أنه مل يفتح لنفسه نافذة خارج اللغة العربية بس���بب غياب ترمجة ّ أي عمل م���ن أعماله إىل أي لغة أجنبية .فكيف ٍ إذا جتاسر َم ْن فتح هذه النافذة ليقدّم للعامل
حقيقة هذا الوطن النبيل مب ّيناً وجهه اآلخر ،اجمله���ول ،الذي مل يكتش���فه أحد قبل اليوم إىل احل��� ّد ال���ذي حتص���د فيه ه���ذه األعمال جل���ان علم ّية أربعة عش���ر جائزة دولية من ٍ (وليس���ت أهلي���ة) تش���رف عليه���ا حكوم���ات كش���هادات تربهن ال���دول ضمان���اً لنزاهتها ٍ النص ،وليس س���لطة املزاج ،أو على س���لطة ّ اجملاملة ،أو الكذب ؟ هذه ه���ي جرمية هذا اإلنس���ان الذي تتكالب علي���ه نفوس الش��� ّر ال يف ليبيا وحدها ،ولكن يف الع���امل العرب���ي أيض���اً .ه���ذا الع���امل الذي ّ ظن أن���ه انتهى من بل ٍد إمسه ليبيا منذ عقود ً ً طويل���ة ثقافيا أيض���ا كما انته���ى من أمره بش���بح لي���س من ه���ذا العامل سياس���ياً .ف���إذا ٍ خيرتق احلص���ار األبدي الظ���امل (واحلصار الدولي يف عقد التس���عينات أيضاً) املفروض وط���ن ال وج���ود ل���ه يف ال ُعرف الس���ائد عل���ى ٍ روائية يف ق���ا ّر ٍة كانت يف د لتقالي ليؤس���س ٍ ٍ مفهوم األجي���ال رديفاً للعدم وهي الصحراء خس���ر .كي���ف ال ترتف���ع األصوات اليت تس َت ِ هذا الشبح يف وطن العدم هذا كما ص ّرحت عامل���ة الفلكل���ور الش���هرية د .نبيل���ة ابراهي���م إلحدى وسائل اإلعالم ليصري "الشبح" هدفاً حل���راب احلقد من منتحل���ي األدب يف العامل ِ
19 العرب���ي ال لش���يء إ ّ ال ألنه انتص���ر للحقيقة لوطن عا َنى من فنون التغريب ور ّد اإلعتب���ار ٍ ألجيال وأجيال ؟ ٍ بدعم م���ن نظام ؟ ه���ذا حيدث م���اذا أيض���اً ؟ ٍ لنظام أعجزه ياهلا من نكتة ش ّريرة ! كيف ٍ أن يحُ ِّس���ن صورته يف العامل وهو الذي أنفق مبدع امللي���ارات على ذلك ،أن يُفل���ح يف صنع ٍ تارخي���ي وخص���م ع���دو بالفط���رة ، ه���و ل���ه ٌّ ٌ ّ أضطه���ده منذ ع���ام 1969وص���ادر له كل كتبه منذ ذلك التاريخ إىل أن قضى النظام حنب���ه ؟ ّ فكل من عاصرن���ي من جيل الرعيل األول يذك���ر معرك�ت�ي م���ع زعي���م النظام يف املؤمت���ر الصحف���ي العامل���ي األول يف 69م .وه���ي معرك���ة يف س���بيل اإلع�ت�راف بدور املث ّقفني الذي���ن ناصبهم النظ���ام العداء منذ تركة الب���دء ،متام���اً كما يفعل من ورث���وا ِ ه���ذا النظام الي���وم من ُمريدي الس���لطة وال أقول الثورة .لقد كان ٌ رجل مثل اخلويلدي احلميدي شجاعاً مبا يكفي عندما اعرتف لي يوم عرفين ع���ن قرب بأن ما فعله ش���خصي لليبي���ا أعظ���م ش���أناً م���ن أس���طورة إجنازات ً طوي�ل�ا ،ألن الث���ورة ال�ت�ي تغ ّنى به���ا النظام هذه اإلجنازات ح ّققها املال يف رأيه ،ولكن ما ح ّقق ُته لليبيا على املس���توى العربي والدولي ٌ اع�ت�راف مل ّ يؤكده ل���ن حيققه امل���ال .وه���و ترمجه َع َم ً ال .ألن إبن أبي منيار حرف���اً وإن َ موقفه مل يتبدّل حنوي فيعرتف بي كقيمة إّ ال بعد أن ش���هد لي العامل بهذه القيمة .وهو لي���س بالغب���اوة ،وال باجلن���ون ،الذي يدفعه معين أص ً ال لإلس���تمرار يف عداوة إنسان غري ٍّ ٍ ال باملناص���ب ،وال بالس���لطة ،وال بالسياس���ة
20
- 21مايو 27 - (21 ( - ) (106 الثالثة - )2013)2013 27مايو - ) 106 العدد( -العدد الثالثة السنة السنة
مل يستأنف صرف هذه إ ّال بعد تقدميي إلستقاليت التارخيية من الدولة عام 1989وذلك حتسب ًا منه للجوئي ّ لفلول املعارضة السياسية يف الغرب كم���ا اكتش���ف تالياً بع���د أن ع���رض على شخصي حقائب وزاريّة رفضتها باستنكار . والش���هود على ذلك مازال���وا على قيد احلياة .وق���د ص ّر ُ حت يف مقابل���ة مرجع ّية مع قناة اجلزي���رة الفضائي���ة به���ذه احلقيق���ة َع َلن���اً مستخدماً عن عمد تعبري "أرفض" ال كلمة "أعتذر" أمام مسعه وبصره دون أن يعرتض ُ أعلنت يف تلك املقابلة حرف ّياً إختاليف .كما وق���ت مل يك���ن ليوجد يف مع���ه يف ال���رأي يف ٍ ٌ خملوق واح��� ٌد جيرؤ عل���ى التصريح ليبي���ا ً ً ّ بأم���ر كهذا ،مذكرا أيض���ا يف هذه املقابلة ٍ بأن���ه مل حي���اول يوم���اً أن جيعل�ن�ي أعتن���ق حيت���ج عل���ي آراءه .ومل ّ أف���كاره أو يف���رض ّ أيض���اً .هذه وثائق يف متن���اول اجلميع ،وال أس���وقها هن���ا إ ّ ال ألضع ح ّداً حلمالت أش���باح ال���زور وألدعي���اء البط���والت الكاذب���ة الذين حياولون أن يبنوا أجماداً على حساب ُش َرفاء ال حس���ابات هلم ال م���ع األنظمة اليت مضت وال م���ع األنظمة اليت تل���ت وال مع األنظمة ٌ موقف اليت ستلي .ألن الشجاعة احلقيقية ُزه���دي وال حس���ابات دنيوية هل���ا ،ويحُ زنين أن أضط��� ّر للدفاع عن نفس���ي أم���ام هجمة ُ ن���اس مل يق���رأوا كت�ب�ي اليت ترتاف���ع عنيّ أ ٍ أم���ام حمكم���ة األبديّ���ة :احلق���د س���يزول ُ س���تبطل ببطالن ب���زوال أصحاب���ه .واملنافع النص املبثوث يف أهواء ّ األم���ة الفانية .ولكن ّ كتاب س���وف يبقى .أضيف فأقول أن رأس النظ���ام كان يلتقي�ن�ي كم���ا يلتق���ي كل رم���وز ليبيا مبا يف ذلك األدب���اء برغم أنه مل
يُعامل�ن�ي يوماً إ ّ ال معامل���ة الن ّد للن ّد ،وكان يس���تقبلين باملراس���م ذاتها اليت يس���تقبل بها رؤس���اء الدول األجنبية ،ويس���مع منيّ ما مل يك���ن ليج���رؤ خملوق أن يُس���معه ل���ه ،ألنه مل حي���دث أن طلب���ت منه خدمة ش���خصية يوم���اً ،ولك���ن كنت يف كل امل��� ّرات املعدودة ال�ت�ي التقيته فيها على انف���راد أح ّثه على أن يفعل ما بالوسع خلري ليبيا والليب ّيني ً بداية ً ونهاية بالبيئة ال�ت�ي يقطنها هذا باإلنس���ان اإلنس���ان .يف 2009أيض���اً ُ أص���درت رواي���ة ضجة يف التحدّي ال�ت�ي إذا كانت قد أثارت ّ الوسط الثقايف العربي إ ّ ضجة ال أنها أثارت ّ يف الوس���ط السياس���ي ال يف الوس���ط الثقايف وهي " :من أنت أيها املالك ؟" املك ّرسة ملشكلة هوية األقّليات ،اهلوي���ة األمازيغية بال ّذات . ْ صودرت وكان أن ُص���ود َرت الرواية كم���ا كل أعمال���ي ال�ت�ي س���بقت وال�ت�ي حلق���ت ،ولكن���ه مل ي ُلم�ن�ي ،ومل ي ّتخ���ذ أي إج���راء بش���أني برغم التقارير الكثيف���ة اليت تل ّقاها من السياس��� ّيني وحتى من أولئ���ك املث ّقفني الذي���ن دأبوا على التنظ�ي�ر للهوية العروبية ُ كن���ت مديناً له أله���ل مش���ال افريقيا .وإذا بش���يء ،فه���و أن���ه مل يُو ِدعين الس���جن ،ألن السجن هو املكان املناسب الوحيد ّ إنسان لكل ٍ نزي��� ٍه يف عاملنا كما أعل���ن ثورو ،وكما ردّد من بعده تولس���توي .فهل هذا كل ش���يء ؟ كلاّ بالطب���ع .فلقد كتب���ت يف ع ّز طغيان القم���ع املق���ال الش���هري جبري���دة "أوي���ا" عن حقيقة اخلالف يف الرأي الذي مل يكن يوماً معارض���ة ،كم���ا أن املعارض���ة مل تكن يوماً ً ع���داوة .وهو املق���ال الذي احتف���ت به مواقع أما املعارض���ة األلكرتونية وتناقلت���ه مجيعاً ّ . س���ليله س���يف فقد عرض على شخصي بل وأ ّ حل م���راراً طالباً منيّ تو ّلي رئاس���ة جملس إدارة ش���ركة الغد لإلع�ل�ام خلفاً للصديق ج���اد اهلل ع���زوز الطلح���ي ،ورفضت يف كل م ّرة ،ألن املناصب مل تكن لتعنيين يوماً . فأي���ن الصفقة الدنيوية اليت يتش���دّقون بها إذاً ؟ هل هي الوظيفة اإلدارية اليت ش���غلتها من���ذ ع���ام 1965عندم���ا كن���ت حم��� ّرراً جبري���دة "ف��� ّزان" التابع���ة ل���وزارة الثقاف���ة مبع���اش يتقاض���اه أي مواطن لييب امللكي���ة ٍ حس���ب ّ مؤهالت���ه العلمية وخربت���ه الزمنية ؟ ه���ذا املعاش الذي يتقاض���اه ّ الكل ثروة ،أم أن���ه يف كل األع���راف جم ّرد ُق ْ ���وت ؟ اليقني أن���ه ٌ قوت ،ونفوس الس���وء وحدها حتاول أن أم���ا ريع كت�ب�ي وقيمة جتع���ل منه ث���رو ًة ّ . جوائ���زي احمللي���ة والعربي���ة والدولية فهو
حق ال ّ ً ٌّ نزاه���ة عن ال ُقوت الذي أتقاضاه يقل نظام مقاب���ل املع���اش .فناموس ال���والء ألي ٍ سياسي يف العامل إنمّ ا يُقاس بتو ّلي املناصب ٍّ أما َم ْن تر ّفع عن السياس���ية يف هذا النظام ّ . هذه املناصب (س��� ّيما إذا كان���ت قد ُعرضت ثم رفضها) عليه كم���ا هو احلال يف ش���أني ّ فذلك املوق���ف هو برهان النزاه���ة .ولكن ما حيدث عندن���ا هو العك���س :اإلحتفاء برموز النظام الس���ابق السياسية ،ومحُ اولة تشويه رم���وز الوطن اليت تن ّزه���ت عن هذه املناصب ! أليس���ت هذه مفارقة ؟ فاإلنتهازيون الذين كان���وا باألم���س يتز ّلف���ون للنظ���ام تز ّل���ف العبي���د ه���م م���ن يحُ ���اول الي���وم أن يوهمن���ا نصبوا أنفسهم ال أبطا ً ال وحسب بالنزاهة ل ُي ّ ولكن ُقضا ًة يريدون مبسلكهم أن يستبدلوا بشعب آخر من املالئكة برمته الش���عب الليي ّ ٍ ّ ال وج���ود ل���ه يف الواق���ع .ه���ذا يذكرن���ي حبمل���ة كيدية على ماركيز ماأن س���طع جنم���ه يف مساء األدب ليبخلوا عليه بش���رب الش���امبانيا وأكل الكافي���ار فأجابه���م بأن���ه يش���رب الش���امبانيا وي���أكل الكافيار بفضل قلم���ه .ماركي���ز نفس���ه ال���ذي مل يثع�ّي�رّ ه أحد بصداقته احلميم���ة بأعتى ديكتاتور يف العصر احلديث (وهو كاس�ت�رو) بل إحتفى به العامل وال يزال ،ألن شرع العامل اإلعرتاف بالنص ال مبواقف الشخص ! ّ أق���ول ه���ذا ال ألنفي ً تهمة ال أس���اس هلا من صح���ة ،ولكن ألكش���ف للش���رفاء حقيقة ّ ال���زور الذي يروّج ل���ه الفاش���لون .وال يعلم ه���ؤالء أن النظام كان ق���د أوقف دفع حتى
ه���ذا املع���اش ألم��� ٍد زاد عل���ى األربع س���نوات كاملة ،ومل يس���تأنف صرف ه���ذه إ ّ ال بعد تقدميي إلس���تقاليت التارخيي���ة من الدولة حتسباً منه للجوئي لفلول عام 1989وذلك ّ املعارضة السياسية يف الغرب ،برغم أني مل أفع���ل ما فعلت إ ّ ال للخالص من بل ّية العمل ومؤسس���اتها اجله ّنمية م���ع اإلدارة الليبي���ة ّ أما وجودي يف سويس���را منذ كاخلارجي���ة ّ . صحية ،ومل أنه يعلم 1993فالكل ألسباب ّ ٍ ليتم أيضاً ل���وال كفاح صديقي النبيل يكن ّ لىّ أب���و زي���د عم���ر دوردة عندم���ا تو رئاس���ة جملس ال���وزراء يقيناً منه ب���أن على الدولة ال�ت�ي كانت س���بباً يف هذا امل���رض أن ُتصلح
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
ْ ٌ مكف���ول للجميع أخرى هو يف دخيلته���م ٌ أفس���دت ،والع�ل�اج ٌّ دخيل على حمفلهم حق ما ّ ً اخلف���ي جه�ل�ا منه���م ب���أن كل موظف���ي ،ومل أك���ن الوحي���د ال���ذي ج���رى تعيين���ه ّ صح ّي���ة .ولكن الذين وزارات اخلارجي���ة يف العامل عناصر منتدبة خ���ارج البالد ألس���باب ّ ٍ املؤسس���ة العس���كرية أو اإلقتصادية أو م���ن ألس���باب يوفدون كان���وا اخل���ارج عمل���وا يف ّ ْ عالج ّي���ة .وسويس���را بال���ذات ملواصلة عالج األمن ّي���ة أو الثقافي���ة ،ه���ذا برغم أن���ي أق َدم العامة وحس���ب ،ولكن كان ق���د ب���دأ عام . 88وقد اخ�ت�رت اإلقامة منه���م ال يف الوظيفة ّ يف الري���ف السويس���ري ،حتدي���داً ،منطق���ة يف اإلنتم���اء إىل اخلارجية أيضاً ،س��� ّيما وأن لس���بب يف عمل���ي كمستش���ار إعالم���ي ال يس���تدعي األل���ب اجمل���اورة للعاصمة "برين" ٍ باألص���ح ،ذل���ك األهمية وهو :جت ّن���ب اإلحتكاك مبن احلض���ور واإلنص���راف ،أو ّ غاي���ة ّ العبثي على مق ّر عمل ال عمل فيه إ ّ ّ ّ ال ّد د الرت ف���ي موظ م���ن ي���ة الصح �ت�ي ل ع س���بب كان ّ ّ ً أمية ال حيسنون اللغة اخلارجي���ة الليبية الذي���ن مل يعاملوني يوما لعناصر دبلوماس��� ّية ّ إّ ال كع���د ّو س���واء يف وارس���و أو يف موس���كو العربية األ ّم ،فكيف باللغات األجنبية ؟ وهو ٌ أو يف الداخ���ل ّ كفي���ل باإلعتم���اد يف عمل الس���فارات ألن كل منت���دب م���ن جه���ات أم��� ٌر (ال�ت�ي هي مكاتب خدمات يف الواقع وليس���ت بس���فارات) عل���ى كف���اءات العمال���ة احملّلية املخ ّول���ة بإجن���از كل العم���ل وال وظيف���ة للعنصر الوطين املوفد إ ّ ال تذييل املراس�ل�ات املختصة (س���واء أكانت إدارية مع اجله���ات ّ أو مالي���ة أو قنصلي���ة) باإلمض���اء فحس���ب . وبرغ���م ذلك ّ يظل احلض���ور واإلنصراف هو مقي���اس العم���ل ولي���س العمل نفس���ه ،ألن يهم يف ع���امل األقنعة ه���ذا ليس اجلوهر م���ا ّ ،ولك���ن املظه���ر ،والتضحي���ة باملضم���ون يف سبيل إعالء راية الشكل هو الناموس السائد .فكي���ف ال ي���رى أمث���ال ه���ؤالء يف اإلنس���ان املخالف ش���ذوذاً عن القاعدة ،بل عد ّواً برغم أن���ه هو بال ّذات ال س���واه من يش���هد له الواقع الثق���ايف واإلعالمي يف البلد األجنيب (س���واء يف روس���يا أو بولونيا أو سويس���را) باحلضور وط���ن جيهل أهل اإلس���تثنائي ليعل���ي ش���أن ٍ
ذل���ك البل���د وج���وده حت���ى عل���ى اخلارط���ة اجلغرافية .وبرغم ذلك ينتصر أهل البهتان ملن ّ يتبطلون يف س���فاراتنا باخلارج ويكتفون بالتظاه���ر بالعم���ل ،يف حني يس���تهدفون يف محالتهم اإلس���تثناء ليش���يعوا يف األوس���اط ش���رفية ووظائف حفنة الغب ّي���ة أن وظيفته َ األميني الذين تضيق بهم سفارات الوطن يف ّ اخل���ارج هي احلقيقية .فماذا ميكن أن تعين سياس���ة التضحية باجلوهر يف سبيل املظهر إن مل تك���ن تضحي���ة باحلقيق���ة يف س���بيل األكذوبة ؟ ه���ل حيت���اج بع���د كل ه���ذا أن يرتاف���ع عن نفس���ه من يتولىّ الدفاع عن���ه حمفل كتب مك ّون من رقم سحري هو السبعة والسبعني ً مرتمج���ة لكل لغ���ات األم���م ،ترتاد مؤ ّلف���اً ، ح���رم املناه���ج يف ّ ج���ل جامعات الع���امل كما يف الس���وربون أو جامع���ة طوكيو ،أو جورج ت���اون وغريه���ا ،و ُتعتم���د كم���ادّة مرجع ّية للدراس���ات البحث ّية لنيل الدرج���ات العلم ّية ناهي���ك عن عدي���د اجلوائز الدول ّي���ة ؟ كلاّ ٌ أعمال أب���ت العناية اإلهلية ،بالطب���ع .ه���ذه كل عناية ومن كل عدالة إالّ األعدل م���ن ّ أن ُتشهدني جمدها الكامن يف كالسيك ّيتها املرتمج���ة يف ح���رف اإلع�ت�راف به���ا ألكون ش���اهداً على الفاكه���ة اليت أنتجه���ا نزيفي مت ّو ً ج���ة بيقي�ن�ي بص���واب رس���اليت قب���ل أن تظلم الش���مس ،أو تبط���ل الطواحن ،وتغلق ّ األب���واب يف الس���وق ،وقبل أن تبطل الش���هوة ،أو تنقص���ف البك���رة عن���د البئ���ر ،إيذان���اً بالذه���اب إىل البيت األب���دي ،فريجع الرتاب إىل األرض كما كان .سوف تبقى صحف حجة األجي���ال بعد غياب إبراهيم ، إبراهيم ّ ّ أش���رار وس���يظل املنت ه���رم التحدّي يف وجه ٍ محالت الزور اإلس���اءة ، كان���ت غايتهم من َ همهم احلقيقة يوماً ! ومل يكن ّ ُ س 9ـ أنت مواطن سويسري وتشيد بهذه املواطنة .ملاذا سويسرا ؟ ـ ال أس���تحي م���ن أن أع�ت�رف من���ذ الب���دء أن أوطانن���ا إذا كان���ت ح ّق���اً هي تل���ك األوطان ال�ت�ي تغمرنا بدفء ح ّبها ،وحتيطنا بصنوف الرعاي���ة بأجناس���ها ،وم���ن قب���ل خمتل���ف طوائ���ف أناس���ها ،ف���إن وط�ن�ي األوّل مل يعد ُ يوم من األيام ليبيا ،ومل يكنه هذا الوطن يف ٍ ،ولكن���ه بال من���ازع :سويس���را ! دون أن يعين ه���ذا بالطب���ع أ ّن���ي مل أعش���ق ليبي���ا ،ألننا ال نعش���ق أوطاننا ألنها األمج���ل ،أو األنبل ،أو األعظم ش���أناً ،ولكن ببس���اطة ألنها أوطاننا اجملبولني بأنفاس���ها ،املعجونني من طينتها .
21 ال أستحي من أن أعرتف منذ البدء أن أوطاننا إذا كانت ح ّق ًا هي تلك األوطان اليت تغمرنا بدفء ح ّبها ،وحتيطنا بصنوف الرعاية بأجناسها ،ومن قبل خمتلف طوائف أناسها ،فإن وطين األ ّول مل يعد ليبيا ،ومل ي ُكنه هذا الوطن يوم من األيام ،ولكنه بال يف ٍ منازع :سويسرا ! دون أن يعين هذا بالطبع أ ّني مل أعشق ليبيا ،ألننا ال نعشق أوطاننا ألنها األمجل ،أو األنبل ،أو األعظم شأن ًا ش ولو مل يكن األمر كذلك ملا ّ س���خ ُ رت نزيفي الدم���وي ط���وال جتربة إغرتابي ع�ب�ر العامل كت���ب نال���ت إعرتاف ألصن���ع هلا جم���داً يف ٍ الس���م ه���ذا الع���امل .ولك���ن لإلضطهاد طعم ّ ،عندم���ا يس���تم ّر ه���ذا اإلضطهاد بع���د بلوغ غص ًة املُري���د م���ن العمر عت ّي���اً يغدو الوط���ن ّ يف القل���ب .فنح���ن ال خنت���ار أوطاننا ،ولكن أوطانن���ا هي اليت ختتارنا ،وسويس���را ّ ككل وطن نبي���ل هي اليت اختارت�ن�ي أخرياً لتكون ٍ ل���ي وطناً ،كما اختارت�ن�ي ليبيا يوماً لتكون ل���ي وطناً بش���هادة والدة .وحنن ال منلك إ ّ ال اقتص���ت م ّن���ا فدفعتنا إىل أن حن���ب أوطان���اً َّ ّ ُ اغ�ت�راب ه���و خصلة ُرس���ل نب ّوة كم���ا تنيبء ٍ الكت���ب املقدّس���ة ،ولك ّنن���ا ال منل���ك إ ّ ال أن نصّل���ي إمتناناً لتل���ك األوطان ال�ت�ي أجارتنا يف حمن���ة إغرتابنا .وسويس���را بالنس���بة لي ُ ش���هدت في���ه ميالدي هي ه���ذا الوطن الذي الثاني فصارت لي مسقط رأس ال يف اهلويّة الرمسية وحس���ب ،ولكن يف اهلوية الروحية أيضاً .ف���إذا كان امليالد الثاني ٌ بعث للح ّرية
22
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
كانوا حي ّيونين أينما حللت ،ويه ّبون لنجدتي عند أبسط إمياء ،ويد ّللون لي ّ كل أم ٍر دنيوي بن ّية إنسا ٍن ال يتم ّنى ألخية اإلنسان إ ّال أن يكون له خادم ًا دون مقابل .إنهم ح ّق ًا من فئة أولئك املالئكة الذين بعث بهم الرب ليغسلوا قد َمي املسيح بعد أن رفض عرض إبليس يف اجلبل .لقد أشعرني السويسريون أنهم مالئكة ّ الوجودي الطويل يف صحراء هذا العامل رب السماوات واألرض بعث بهم ليمسحوا عنيّ وعثاء سفري ّ ّ وطن يف صمي���م ال���روح ،ف���إن احلض���ور يف ٍ كسويسرا هو حضو ٌر يف الفردوس املستعاد .ويبدو أن هذا هو س���بب كفاح الربوفيسور األملاني املس���تميت يف س���بيل احلص���ول على اجلنس���ية السويس���رية منذ س���تة وعشرين عام���اً .وكان يفش���ل يف كل م��� ّرة ،ولك ّن���ه يص��� ّر عل���ى مع���اودة الك��� ّرة كل ع���ام .وقد ش���اهدته يف إح���دى الفاضائي���ات وهو يدلي بتصري���ح أث���ار إعجاب���ي عندما ق���ال أنه لن ٍ يعود إىل أملانيا مهما حدث ،وس���وف يبقى يف سويس���را إىل يوم املمات س���واء أنال اجلنسية أم مل ينلها .كان يعبرّ عن روح األملان الذين رأوا يف سويس���را دوماً معبود ًة .وكان يروق صديقي هارمت���وت فيندريخ أن يردّد وصية الرب جدّته القائلة بأن سويس���را ه���ي وطن ّ حتى أنه اختار اإلقامة يف سويسرا منذ عقود أيضاً برغ���م موقف أملانيا الرمسي الذي يكاد يكون معادياً لسويسرا خالفاً ّ لكل دول اجلوار يفس���ره البعض بالغرية من سويس���را ال���ذي ّ كف���ردوس مس���اوي عل���ى األرض .ومل أك���ن ألصدّق ً نزعة كه���ذه لو مل تفاجئين ً مبقال ا عام عش���ر ثالثة كاتب���ة أملانية منذ ٍ يف صحيف���ة "فرايت���اغ" الربليني���ة تتن���اول فيه���ا أعمال���ي الروائي���ة لتنته���ي إىل القول ب���أن دور سويس���را يكم���ن يف رعايتها لألدباء لك���ي ينتجوا هلا أدب���اً تفتقده كما حدث مع جتربيت .كان رأياً غريباً يف تأويل الس���خاء السويس���ري ل���ن أوافق عليه ب���دون حت ّفظ . فتهيئة من���اخ إلبداع املبدع ال يكمن يف توفري احلواف���ز املادّي���ة بق���در م���ا يس���كن الرعاي���ة املعنوي���ة املرتجمَ ���ة يف األخالق السويس���رية األمة السويسرية اليت تبدو فريد ًة ويف روح ّ يف اإلحتفاظ بأنفس ما يف الطبيعة البشرية وه���و :روح الطفل ! ففي امل ّرة اليت ُ أدليت فيا بتصريح يف جريدة "ليرباس���يون" الفرنسية ٍ من���ذ س���نوات إحتف���ا ًء بص���دور "اجمل���وس" بالفرنس���ية متحدّثاً عن طبيعة هذا الشعب خصيصاً جواباً على س���ؤال الصحف���ي املوفد ّ ُ فوجئت إلج���راء املقابل���ة ألع�ّب�رّ ع���ن رأي���ي بالسويس���ريّني يتناقلون ال���رأي يف خمتلف حدث حقيقي ،ألن صحفاً األوس���اط كأنه ٌ تناقلته عن "ليرباس���يون" م���ن ضمنها "جون أفريك" على م���ا أذكر ف���ردّدوه واحتفوا به بعفويّتهم التقليدية وتباهوا به برغم أني مل أ ُق���ل يف ح ّقهم إ ّ ال ّ أقل ما جيب أن يُقال .وهو أم ٌر تك ّرر عندما صدر كتاب "ملاذا سويس���را ؟" الص���ادر عن الرئاس���ة السويس���رية حيث كنت أحد أهم إثنى عش���ر شخصية دولية اختارت اإلقام���ة يف سويس���را أُجريَت معهم مقاب�ل�ات مط ّولة عن حياته���م وانطباعاتهم عن طبيعة أهل البالد . ويف ع���ام 1998كان���ت سويس���را ضي���ف الش���رف يف مع���رض فرانكف���ورت الدول���ي للكت���اب يف عي���ده اخلمس���يين ،أي اليوبي���ل ٌ مع���رض كما يعل���م اجلميع الذه�ب�ي وه���و
ُّ يع���د أكرب تظاه���رة ثقافي���ة مومسية على مس���توى العامل .وكان من املق ّرر أن يتك ّون الوف���د الرمس���ي م���ن أربع���ة أدب���اء وطن ّيني مي ّثل���ون القوم ّيات األربع الرئيس���ية يف وف ٍد يرتأس���ه رئي���س الدول���ة .ولك���ن األوس���اط الثقافية والش���عبية والسياس���ية أبت يف تلك امل ّرة إ ّ ً ال أن ختتارني ركناً خامس���ا يف الوفد لتمثيل اللغات األجنبية األخرى يف سويسرا حضور كثيف لكبار أدباء العامل .هذا برغم ٍ يعيشون يف سويس���را كالروس والصين ّيني والفرنس���يني واإلسبان واألتراك واإلجنليز ّ واألمل���ان وم���ن ّ كل األجن���اس .وه���و م���ا مل حي���دث م���ن قب���ل برغ���م جنس��� ّييت الليب ّي���ة ال�ت�ي كان���ت ختض���ع حت���ى ذل���ك الوق���ت ثقايف ص���ارم ال يعلم الكثريون اليوم حلظر ٍّ ٍ أن���ه كان أق���وى يف الع���امل م���ن احلصارين السياس���ي واإلقتصادي بس���بب وباء اإلرهاب (بدلي���ل أن رواي���ة كـ"نزي���ف احلجر" ظّلت ً مرتمجة يف أمريكا حبيس���ة أدراج دور النشر ُف���رج عنها لرتى ط���وال عش���ر س���نوات ومل ي َ الن���ور باإلجنليزي���ة إ ّ ال يف 2001أي بع���د ثبوت ع���دم تو ّرط ليبيا يف أحداث س���بتمرب) .فما الش���فيع يف هذا اإلس���تثناء يا ترى ؟ إنه النص هو الشهادة اليت ال النص !ّ . ببس���اطة ّ : ّ املتحضر بس���واها ،ألنها تنفي يعرتف العامل هوية الش���خص ،بل وتنفي الش���خص ذاته .
والنص هو أما عندنا فالش���خص هو املعبود ، ّ ّ ما ال وجود له ألننا ال نريد أن نكّلف أنفس���نا عن���اء أن نقرأ برغم أن أول حرف يف أجبديّة ديننا هو " :إقرأ !" . ال أري���د أن أُحص���ي أفض���ال سويس���را عل���ى ش���خصي س���وا ًء عل���ى مس���توى احلكومة أو املؤسس���ات الثقافية أو األس���اط األح���زاب أو ّ األكادميي���ة والصحفي���ة والش���عبية ،ألن أم��� ٌة تق���رأ ،وذات نزع���ة يف سويس���را تقي���م ّ ُ نقديّ���ة تقدّر قيمة ما تقرأ .لقد ملس���ت ذلك يف احلش���ود اليت تتزاحم يف كل م ّرة تنعقد فيه���ا ن���دوة حول أح���د مؤ ّلفاتي .ن���دوات إذا كانت ُتعقد بانتظام يف كل املدن األوروبية ،بيد أنها يف سويس���را بلغت عشرات الندوات يف كل امل���دن الك�ب�رى ويف بع���ض الق���رى أيض���اً .يف ه���ذه الن���دوات احلافل���ة باجل���دل ّ الثري حول حول الشأن اإلنس���اني والنقاش أس���ئلة الوج���ود الك�ب�رى فقط اس���تطعت أن أس���تعيد ثقيت بنفس���ي وإمياني حبقيقة ما أكت���ب .مل ختدعين مراس���م التكريم ألنها باط���ل أباطيل ،ومل أخندع باإلحتفاء ،ولكن الب��� ّد أن أستس���لم جمل���د اإلنس���ان األخالقي كخصلة يف مس���لك اإلنس���ان السويس���ري ٍ ٌ أطياف بطبيعتهم ،وما يدهش�ن�ي أن .إنه���م ّ يب . ن ي ن كأ األطياف هذه تعاملين ّ يب ،وإن بلى ! املبدع يف واقع هؤالء َ يعامل كن ّ
مل يكن نب ّياً فعلى ّ األقل قدّيس ! كان���وا حي ّيون�ن�ي أينم���ا حلل���ت ،ويه ّب���ون لنجدت���ي عند أبس���ط إمي���اء ،ويد ّلل���ون لي ّ إنسان ال يتم ّنى ألخية أمر دنيوي بن ّية ٍ كل ٍ ّ ً اإلنس���ان إال أن يك���ون له خادم���ا دون مقابل .إنه���م ح ّق���اً من فئ���ة أولئك املالئك���ة الذين قدمي املسيح بعد أن الرب ليغسلوا َ بعث بهم ّ رفض عرض إبليس يف اجلبل .لقد أشعرني رب الس���ماوات السويس���ريون أنه���م مالئكة ّ واألرض بع���ث به���م ليمس���حوا ع�ّن�يّ وعثاء ّ الوج���ودي الطويل يف صح���راء هذا س���فري الع���امل ،وي���داووا نزيفي الس���خي الناتج عن طعنات الس���نني .فكي���ف ال أُجاهر باإلمتنان ملّل���ة املالئكة هذه مقابل موقف أولئك الذين يف�ت�رض املنطق أن يكونوا لي يف غربيت أه ً ال فيتجاهلون�ن�ي إىل هذا احل ّد الذي مل حيدث فيه يوماً أن تنازل���وا مرة فحضروا ندوة من بأسفار الندوات الكثرية اليت ُعقدت لإلحتفاء ٍ جمبولة بروح وطنهم ،كما مل يتنازلوا وال ٍ مرة أيضاً ّ فتفضلوا حبضور مراس���م تسلمي جلوائز دولية هي جوائز ليس���ت لش���خصي ، ولكنها يف نام���وس كل األمم جوائز جلناب الوطن املتمثل يف ش���خص سليل الوطن .مل حيدث هذا يف سويسرا فقط يف امل ّرات الثالث ،كما مل حيدث يف باريس ثالث مرات أيضاً ،ومرة يف إيطاليا ،ومرة أخرى يف أبي ظيب ، ٌ موقف كهذا عداوة وأخرياً يف القاهرة .فهل ملؤل���ف مي ّث���ل يف مثل هذه املواق���ف وطناً من أناس مي ّثل���ون نظاماً ال وطناً ،أم عداوة قبل ٍ يف الواقع للوطن ؟ فكي���ف يُراد منيّ بوط���ن ناصبين ث ب أتش��� أن ّ ٍ وطن أجارني من مقابل يف امله���د العداء منذ ٍ الوطن ،واستنزل على نفسي فيوض األمان ٌ ٌ : مغس���ول بأنف���اس أنفس ما يف الوجود أمان :احلري���ة ؟ والدلي���ل ؟ الدليل ترتمجه لفتة تب���دو رمزية ،ولكنها عميق���ة الداللة :ففي اليوم املق ّرر الس���تالم جائ���زة الدولة الكربى ل�ل�آداب خرجت مع زوج�ت�ي إىل احلقول يف نزهة فجر كل يوم ،وعندما عدنا بعد مطلع الش���مس وجدنا ب���اب البي���ت مغم���وراً بباقة طازج���ة س���دّت املم ّر كّل���ه من فرط زه���ور ٍ ٍ ّ ّ س���خاء حجمها حتى أننا اضطررنا لتوزيعها على س���بع مزهري���ات داخل البي���ت فهل هي من الس���فري اللييب بالعاصمة "برين" ؟ كلاّ بالطبع .الباقة األس���طورية تركها س���اعي الربيد بالباب بسبب غيابنا .وهي ُمرسلة من إحدى الشركات الدولية املخ ّولة مبثل هذه املناسبات .والراسل ليس سفري ليبيا املعتمد يف سويس���را ،ولك ّن���ه الس���فري السويس���ري ُ وج���دت بطاقة املعتم���د بليبي���ا .م���ع الباق���ة ُ قوط���ي أني���ق باألملانية خبط كتب عليه���ا ٍّ ّ عبارة تقول ترمجتها " :حنن فخورون بك !" .السفري السويسري ال يعبرّ هنا عن شخصه ،ولكن���ه يعبرّ عن إرادة الش���عب السويس���ري ال���ذي مي ّثله يف بل��� ٍد كليبيا ،كما الس���فري
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
23
يبدو أن سبب هذا اجلهل املخجل هو انعدام وجود أي صلة بني الغرب والشرق ،بل بني العامل والشرق ،ال ليبيا وحدها
ربراً أخالقياً واحداً حلملته الغريبة ، اللي�ب�ي ال مي ّث���ل يف سويس���را نفس���ه ،ولكن س���اق م ّ ال ُع���رف قض���ى أن مي ّث���ل النظ���ام السياس���ي ولك ّنه بدأها بأكذوبة دراس�ت�ي على حساب الذي أوف���ده إىل اخلارج مبعوث���اً .وها هو ال الدول���ة يف روس���يا الس���وفيي ّتية ،ل ُينهيه���ا يكّلف نفس���ه عناء حضور مراس���م التسليم ،بأكاذي���ب أخ���رى ال عالق���ة هل���ا يف الواق���ع ً بل وال عناء إرس���ال بطاقة تهنئة مش���فوعة بش���خصي .وهكذا وجدت نفس���ي مع الزمن بباق���ة زهور كم���ا فعل الس���فري املقيم يف ما ضح ّية حلمالت حاقدة مس���عورة ،كاذبة ، وراء حب���ر ال���روم .ليس هذا وحس���ب ،ولكن أصابتين بالغثيان ال ألنها ميكن أن تنال من أهل وطين مل يُضاعفوا من محالتهم الظاملة َن ّص���ي أو صييت ،ولكن ألنه���ا أخجلتين أمام ض��� ّد م���ن ش��� ّرفهم يف احملاف���ل الدولي���ة إ ّ ال الع���امل الذي مل يفهم هذا الس��� ّر الذي جيعل بع���د تتوي���ج نضال���ي املميت يف س���بيل إعالء أه���ل بل��� ٍد م���ن البل���دان يعم���دون الخت�ل�اق إلنس���ان ّ كل ذنب���ه أنه موهوم���ة ش���أنهم وش���أن وطنه���م إن كان���وا وطن ّيني ش���خص ّية ٍ ٍ ً ً فع�ل�ا .وه���ا هو أح���د اجلبناء الذي���ن يكتبون ش ّرفهم يف أقس���ى جمال وأصعبه مناال وهو يف املواق���ع اإللكرتونية ّ يش���ن على ش���خصي اإلب���داع ،يف س���احة يهيمن عليها املس���تحيل هجوماً مس���عوراً حمش��� ّواً باألكاذيب حتت ألنه���ا الع���امل اخلاض���ع لقوان�ي�ن املنافس���ة إس���م مس���تعار هو "املخض���رم" ال���ذي أكثر األكث���ر صرام���ة يف املس���كونة ،ال لش���يء ٍ م���ا حزن�ن�ي أن يُق���ال لي أن���ه اإلنس���ان الذي إ ّ ال ألن التقني���ة األلكرتوني���ة أتاح���ت هلؤالء احرتمت���ه يوماً وهو فاضل املس���عودي .وليته فرص���ة الك���ذب إلحساس���هم بع���دم وج���ود قصاص بدعوى حرية التعبري اليت لن تعين وقت يرى فيه هنا س���وى "ح ّرية الكذب" .يف ٍ الع���امل كيف ُتع َب���د رموز األوط���ان األدبية ً ً رديفة للهوية القومية هوي���ة وطن ّي ًة لتكون :إجنلرتا شكس���بري ،فرنس���ا بالزاك ،أمريكا فوكن���ر ،روس���يا دوستويفس���كي ،اهلن���د طاغ���ور ،كولومبيا ماركيز ،تش���يلي بابلو ن�ي�رودا ،أملانيا غوته ،مصر جنيب حمفوظ ، 35ـ صدور رواية "فرس���ان األحالم القتيلة" عن دبي الثقافية (عدد شهر مايو )2012 سودان الطيب صاحل ،س���وريا أدونيس ..إخل والطبع���ة الثاني���ة عن دار اآلداب البريوتية (ش���هر يوليو ، )2012وه���ي أول عمل روائي .لقد خلقت هذه الروح احلقديّة منيّ إنساناً أهم عمل إبداعي ُ كتب عن ع���ن الربي���ع العربي الذي قال عنه الن ّقاد يف الغرب أنه مازال ّ "الربيع العربي" حتى اآلن من حيث عمق التناول . مل أعرفه يف نفس���ي ،وال وج���ود له يف الواقع 36ـ املشاركة يف ندوة حول "الربيع العربي" يف اليبسيج األملانية إبريل . 2012 .واملأس���اة أن الناس يصدّقون ما يقرأون ألن 37ـ املشاركة يف مؤمتر األدب العاملي يف دوربان جبنوب إفريقيا يف مارس . 2012 األكذوب���ة عندما تتك ّرركم���ا يُقال تصبح 38ـ املشاركة يف مؤمتر األدب العاملي يف مهرجان األدب العاملي مارس . 2012 يف حقيق���ة .إنها تلك املأس���اة ال�ت�ي عا َنى من 39ـ ُمداخلة (الذاكرة األخالقية) يف مؤمتر امليثاق الوطين املنعقد يف مصراتة فرباير ويالتها الروائ���ي الصيين احلائز على جائزة . 2012 نوب���ل لآلداب "مويان" وكانت س���بباً لدعوته ّ الدولي قطر مع���رض يف ّة) ي اهلو إغ�ت�راب ظل يف الروائي���ة (التجرب���ة حماض���رة 40ـ ضج���ة يف الع���امل وه���ي وجوب ال�ت�ي أث���ارت ّ للكتاب .ديسمرب . 2011 إخضاع اإلنرتن���ت لرقاب���ة أخالق ّية صارمة . 2012 يف بإيطاليا واآلداب الفنون مهرجان 41املشاركة يف ً محاي���ة للحقيق���ة م���ن عبث األش���رار .وهو مارس يف املعرض م���ن ش���خصية بدعوة للكتاب ظيب أب���و مع���رض يف 42ـ املش���اركة م���ا مل يكن ليحدث يف حال النش���ر الصحفي . الثقافة وزير برئاسة لييب وفد مبشاركة 2012 التقليدي ال���ذي يخُ ضع الفاع���ل للقصاص 43ـ املشاركة يف مؤمتر األدب العاملي يف النمسا نوفمرب . 2012 حبرف القانون يف ح���ال غياب األد ّلة .وأجد مبناس���بة هولندا أمس�ت�ردام 44ـ املش���اركة يف ن���دوة حول أعم���ال إبراهيم الكوني يف ً نفس���ي كضح ّي���ة مضط��� ّرا أن أوافقه على صدور "الترب" باللغة اهلولندية نوفمرب . 2012 ض���رورة اس���تحداث مثل ه���ذه الرقابة ،ألن . 2012 نوفمرب للكتاب 45ـ املشاركة يف معرض الشارقة الدولي عم�ل�ا ال أخالقياً يف ّ ً ظل غياب التقنية تغدو 46ـ املش���اركة يف ن���دوة ن���ادي الس���يدات األجنبي���ات يف أبي ظيب حول أعم���ال الكوني خليفة اهلل يف اإلنسان وهو :الضمري ! املرتمجة للغة اإلجنليزية . ولك���ن تأبَ���ى األق���دار إ ّ ال أن حترم�ن�ي م���ن مارس العربي" "الربي���ع عن بروكس���ل يف العامل���ي األدب مهرج���ان 47ـ املش���اركة يف الس���خي (سويس���را) حضوري يف هذا الوطن ّ . 2013 الصحية اليت قادتين أيضاً .فها هي الظروف ّ احلوارات : إىل سويسرا يوماً تأبى إ ّ ال أن تكون السبب يف 2012 مايو "بازلرسايتونغ" : السويسرية الصحف مع 1ـ حوارات ّ ألحط خروج���ي اجلدي���د من ه���ذا الوط���ن 2012 أغسطس زايتونغ" "زوننتاغ صحيفة مع 2ـ حوار الرحال يف وطن أس�ل�ايف القدم���اء (املل ّثمني) 3ـ حوارات مع عدد من الصحف الصادرة يف جنوب إفريقيا مارس 2012 اللي�ب�ي احلميم باألندل���س ،ألناجي حبري ّ 4ـ املؤمت���ر الصحفي على هامش معرض أبي ظيب للكتاب مع وكاالت األنباء العاملية من رحاب شاطئه اآلخر . والعربية ولك���ن هيه���ات ! فسويس���را ه���ي الف���ردوس "ليرباس���يون" صحيفة م���ع دبي العامل���ي األدب مؤمت���ر هام���ش عل���ى ل و مط��� 5ـ ح���وار ّ الذي ل���ن يُكتب لي أن أختّلى عنه لئلاّ يكون الفرنسية لي فردوس���اً مفقوداً ،ال ألن أوراقه الثبوت ّية 6ـ عدّة حوارات مع عدّة ُص ُحف هولندية وبلجيكية نوفمرب 2012 وثيق��� ٌة يف جييب ،ولك���ن ألن روحه هو ّي ٌة يف قليب ! س 10ـ م��ا ب�ين الروائ��ي والسياس��ة ،والرواية والسياس��ة أي��ن إبراهي��م الكون��ي من السياس��ة
؟ ومل��اذا دخل��ت املعرتك السياس��ي عقب م��ا ُعرف بالربيع العربي ،خاصة عرب اإلعالم .ما الدافع لتصرحياتك��م املثرية ؟ مل��اذا نراك تقف يف ّ صف أدونيس وهي��كل وعطوان من منتقدي هذا الربيع ؟ ما الذي مل ُيفهم من تصرحياتك ؟ مس���تنقع كالسياسة ! ال ــ ا ّللهم أجرني من ٍ أع���رف كيف اس���تطاع البع���ض أن خيتلقوا هذه الكذبة .وعداوتي هلذه اجل ّنية اجله ّنمية قدمية وتسري يف كل كتيب سواء الروائي منه���ا أو النظ���ري .هل تذك���رون األمثولة اليت وضعتها استش���هاداً لرواية "الدمية" عن احلكيم الصيين الذي تروي الطاويّة كيف عرض عليه إمرباطور ما حتت قّبة الس���ماء (وهو إسم الصني يف زمن ما قبل التاريخ) أن يتنازل له عن ُحكم اإلمرباطورية فاستمهله ث���م ذهب ورب���ط على ص���دره لوح احلكي���م ّ مفضالً حجر ثقيل لريمي بنفس���ه يف النهر ّ ٍ املوت على تو ّلي حكم إمرباطوريّة ! هذا يعين أن احلك���م ال يلي���ق إ ّ ال بعبد ،ألن من أعجزه لحُ أن حيك���م نفس���ه وح���ده يذه���ب ���اول أن حيكم العامل .ويبدو أن س���وء الفهم املؤس���ف ملوقفي من السياسة إنمّ ا يكمن يف اخلطاب : فاألغلبية جتهل طبيعة هذا اخلطاب مبا يف أمة الصحف ّيني الذين ينقلون عنيّ هذه ذلك ّ التصرحي���ات باألس���لوب اخلط���أ .وهو خطأٌ ناجم عن ثقافة الصحف ّيني السطح ّية ال يف ٌ الع���امل العربي وح���ده ،ولكن يف الغرب أيضاً .وهذا هو س��� ّر عزويف ع���ن حماورتهم الذي يعرفه صحف ّيو الغ���رب أكثر من صحف ّيي ّ إس���تعاري .واس���تعاري الع���رب .فخطاب���ي ألن���ي روائي .ولغة الرواية هي اإلس���تعارة . تتضمن وأن تك���ون اللغة اس���تعارية يعين أن ّ ب ُْع َدي���ن إثن�ي�ن :فلس���في ووج���ودي .وه���ذا يعين منطقي���اً التضحية باملس���ّلمات والقفز إىل األعلى ملالمس���ة احل���دود القصوى اليت تس���كن فضاء اآلفاق .هنا حيدث سوء الفهم .ف���أرذل م���ا ْ فعلت���ه السياس���ة ه���و تس���ييس األدب على حس���اب األس���طورة ال�ت�ي كانت منذ األزل روح األدب ،بل ش���رط األدب منذ تكتف وص ّية أرس���طو الذائعة الصي���ت .ومل ِ
24
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
لكل الذين حياولون تشويه هذا املوقف اليوم أ ّني أزهد الناس يف ّ أقول ّ كل ما يبدو يف نظر األغيار ذي قيمة .وكما مل أنافس أحداً يف السابق يف شيء ، فلهم أن يطمئ ّنوا ألني ال أنوي أن أنافسهم اليوم أيض ًا يف أي شيء السياس���ة به���ذه اخلطيئ���ة ،ولك ّنها س ّيس���ت العامل بأس���ره .والتس���ييس حب��� ّد ذاته كان يمُ كن أن يُغتفر لو مل يكن يف حقيقته تزييفاً ش���ر إستعارته السياس���ة من معبودتها .وهو ٌّ األيديولوجيا ال�ت�ي ال أُبالغ إذا وصفتها بأنها ورم العص���ر احلدي���ث .ولك���ن السياس���ة يف حلفها مع األيديولوجي���ا تثنية ال تكتمل إن ركن مل تنت��� ِه إىل الصفق���ة الش��� ّريرة م���ع ٍ ثال���ث يف الس�ي�رة وه���و الس���لطة ليس���تقيم العه���د يف معادل���ة تق���ول أن األيديولوجي���ا تزوي���ر الواقع اإلنس���اني ،والسياس���ة حرفة من أعجزه أن حيرتف أي حرفة ،والس���لطة تتوي���ج لكليهما ألنها تل���ك اخلطيئة املعادية ٌ للحري���ة بالس���ليقة واملغتصب���ة لصالح ّيات رب السماوات واألرض .وأعتقد أن من يقرأ ّ أعمالي األدبية والفلسفية سوف يكتشف أنه إلياذة مو ّزعة على عشرات الكتب على مدى س���بعة وأربع�ي�ن عاماً م���ن الكتاب���ة ،وكّلها إدانة عميق���ة هلذا الثال���وث الرهيب .فكيف منصب يف أُ ّته���م باحرتاف السياس���ة أو قبول ٍ سلطة أو اعتناق أيديولوجيا حياول اجلهلة أن يلصقوه���ا ب���ي ط���وال عقو ٍد وعق���ود ؟ أال أبدو غريباً يف واقع بالدي اليت يص ّر أهلها أن يالحقوني بال ّتهم الظاملة واألحكام املس���بقة يف ّ ظ���ل ثالثة أنظمة خمتلف���ة حتى اآلن ؟ ً ألست حم ّقا يف كتابة ّ ُ مذكرات الستجالء هذه الس�ي�رة ّ عل نزي���ف الذاك���رة يفلح يف تذكري املؤمنني ؟ جهل ولكن ها هي األسئلة العبثية تكشف عن ٍ
ُمطبق مبجّلدين م���ن ّ املذكرات ّ كأن أهلي يف ليبي���ا مص ّرون على كفره���م باحلقيقة وع���دم اجلدوى يف كتابة املزامري ؟ وهو أم ٌر يربهن على تش��� ّبث الن���اس بضالهلم كأ ّنه ٌ دين من ّزل ،ومن العبث التشكيك يف يقينهم ه���ذا ال ألنه���م ال يق���درون ،ولك���ن ألنهم ال يريدون .والالإرادة هو املوقف األس���هل ألنه يجُ �ي�ر من تغيري ما بالنف���س الذي ّ حث عليه الكتاب الكريم . أم���ا نزول���ي إىل حضي���ض السياس���ة ال���ذي ّ ي ّتهمين به البعض فباطل أباطيل .وموقفي م���ن الث���ورات العربي���ة خيتلف جذريّ���اً عن مواقف ال���روّاد الذين ذكرت .ومن يتابعون م���ا أكت���ب باللغ���ة العربي���ة أو باللغ���ات األجنبية طوال السنتني والنصف السالفتني جم���د البوعزيزي س���وف ي���درك أن ال أح���د ّ كرم���ز هلذه اإلنتفاضات كما فعلت .حتى أن���ي أطلقت عليه اإلس���م الذي ص���ار عنواناً ش���ائعاً يف الصحاف���ة الغربي���ة وهو"مس���يح هذا الزم���ان" .كما مل ُ عربي يط���ف ٌ كاتب ّ قا ّرات العامل األربع (أوروبا ـ أمريكا ـ إفريقيا ومتأم ً وموضحاً ـ آس���يا) ّ مبش���راً ّ ً إستجابة ال ّ ّ لعش���رات الدع���وات الرمسي���ة ال�ت�ي تلقيتها م���ن خمتلف البل���دان ،كما فعل���ت ،حام ً ال الصحي���ة املزمنة على أيض���اً صليب ظرويف ّ ً ظهري ،متحام ً ال على نفسي ُ ،مستنزفا إىل لسقطت م ّيتاً ُ درجة لو صرخ يف أذني إنسان أم���ا املقابالت مع اإلعتذار ل���ـ كريكيغور ّ . الصحفي���ة عل���ى هام���ش ه���ذه املناس���بات
الدولية فبالعش���رات إن مل يكن باملئات س ّيما إذا أضفن���ا عمليات نق���ل املقابلة الواحدة من صحيفة إىل أخرى .هذا إىل جانب املداخالت اإلذاعية املس���موع منه���ا واملرئي .وهي محلة مازال���ت ُتعت�ب�ر يف ه���ذه الق���ا ّرات مرجع ّي ًة . ناهي���ك ع���ن املق���االت املنش���ورة يف كربيات الصح���ف األوروبّي���ة مث���ل الفرنس��� ّيتني : "لومون���د" و"ليرباس���يون" أو السوس�ي�ريّتني " :لوت���ان" أو " :نوي���ي زورخرزايتون���غ" ،أو الصحف األملانية أو النمساوية أو البولندية إخل .ولكن ليس ذنيب أن جيهل أهلي يف ليبيا م���ا فعلت م���ن أجلهم ال طمع���اً يف منصب أو طلب���اً لغنيم���ة ،أو حبثاً ع���ن ّ طام دنيا ، أي ُح ِ ولك���ن أدا ًء لواجب :أدا ًء لذل���ك الواجب الذي عّلمين معّلمي "كانط" أننا ال نأتي إىل هذه الدني���ا إ ّ مضحني يف س���بيل ذلك ال لتأديت���ه ّ بالسعادة . ويب���دو أن س���بب ه���ذا اجله���ل املخج���ل ه���و انع���دام وج���ود أي صلة بني الغرب والش���رق ،ب���ل بني العامل والش���رق ،ال ليبي���ا وحدها . وهو ما اكتش���فته أخ�ي�راً وأحزن�ن�ي كثرياً كنص يف الغ���رب أقوى من ،ألن حض���وري ٍّ حضوري يف بلدان الع���رب برغم أني أكتب باللغ���ة العربية .وهي حمن���ة أخرى ُتضاف ّ س���جل إغرتاب���ي الثخني واملوج���ع .وهي إىل قطيعة ،كما اكتش���فت ،ليس���ت إعالم ّية وحس���ب ،ولك ّنه���ا ثقافي���ة .ليس���ت ثقافي���ة وق���ت نمُ َ نيّ فيه فق���ط ،ولكنه���ا حضارية يف ٍ أنفس���نا بوجودنا يف العامل ووجود العامل فينا ،ب���ل ووجودنا م���ع العامل يف العص���ر .ولكن هيه���ات ،ألن التجرب���ة برهن���ت أنن���ا خ���ارج الع���امل برغ���م الفضائ ّيات ووس���ائل اإلتصال واقع وهيمنة معب���ودة العصر :التقنية .وهو ٌ الفعلي يس���تثري حزمة أس���ئلة حول موقعنا ّ من هذا العامل . فكيف يُس���اء ب���ي ّ الظن إىل احل ّد ال���ذي أُّتهَم فيه بعداوة "الربيع العربي" بعد ّ كل النزيف ال���ذي دفعت���ه من أجل���ه ؟ والس��� ّر إنمّ ا يكمن يف اخلط���اب الفلس���في ال���ذي يتكّلم بلس���ان املفاهيم وليس بلغة احل���رف امل ّيت واملميت . ّ فالكل ُسيفاجأ إذا قلت أن كل اجلدل الدائر اآلن م���ردّه إىل اجلهل حبقيق���ة الثورة اليت انتهت بإس���قاط األنظمة كما تمُ لي طبيعة األشياء ،والفوضى اليت نشهدها منذ سقوط األنظم���ة ال عالق���ة هل���ا بالثورة ال�ت�ي أنهت مهمتها وغابت من الساحة ،ولكن ما نشهده ّ هو ش���بح الس���لطة اليت ُقلت فيه���ا منذ قليل م���ا مل يقل���ه ٌ مالك يف اخلمر .واألش���باح اليت نشاهدها على املس���رح منذ سقوط األنظمة ليس���وا ث ّواراً ،ولك ّنهم ُمريدو سلطة .وإرادة الس���لطة كما نعلم هي ظمأٌ يس���كن النفس اإلنس���انية عميقاً مثله مثل ا َ هل َوس بالتغيري الذي يتح ّق���ق بالثورة .فرس���الة الثورة هي إش���باع احلاجة الغيب ّية إىل التغيري .والثورة أما ما يتلو هذا تنتهي حبدوث ه���ذا التغيري ّ .
اإلجن���از فهو ليس من ش���أن الث���ورة ،ولكنه ش���أن الس���لطة .س���لطة معادي���ة بطبيعته���ا لروح الثورة ،أي للحرية ،ألن غايتها األوىل تنظي���م جه���از الش���رطة ال���ذي حت���دّث عنه كامو عندما قال " :كّلنا نبدأ بطلب العدالة ،ولكنن���ا ننته���ي بتنظي���م جهاز للش���رطة" . فرسالة الس���لطة كي ختتلي بالغنيمة هي القمع .وهلذا يبدو حضور الثورة رومانس���ياً
دوم���اً ألنه جتربة ح ّرية قبل أن تنتكس هذه احلرية بقيام السلطة .وهلذا فنحن ال حنيا احلرية إ ّ ال يف س�ي�رورة الثورة .أي الفسحة نظام الفاصلة ب�ي�ن إندالع الثورة إلس���قاط ٍ ّما ،وس���قوط ه���ذا النظام .إن���ه ٌ برزخ قصري العمر يروقين دائماً أن أش���ّبهه باملسافة اليت عل���ى س���يزيف أن يقطعه���ا م���ن موقع���ه يف اجلبل وب�ي�ن موق���ع الصخرة ال�ت�ي عليه أن يس���تعيدها يف احلضي���ض .ولك���ن اإلنس���ان يرف���ض اإلع�ت�راف به���ذه احلقيق���ة ألنه ال يريد أن يفقد اإلحساس باحل ّرية املبثوث يف حرف الث���ورة ال يف نتيجة الثورة .وما يزيد الوضع تراجيدي ً ّة هو قيام السلطة اجلديدة باس���تغالل أس���طورة الثورة أبش���ع استغالل تنص���ب الث���ورة بعبعاً إلره���اب كل عندم���ا ّ ً من خيالفها الرأي مس���تجرية بثور ٍة مل ي ُعد املوجه هل���ا وجود يف الواقع .وهلذا ف���إن النقد ّ ملمارسات الس���لطة اجلديدة يُعترب يف ُعرف واقع كهذا كفراً ،ألن التهمة دائماً جاهزة ٍ وهي ُمعاداة الثورة ! واألس���وأ م���ن كل ش���يء ه���و النتيج���ة اليت ستؤدّي إليها هذه السياسة وهو :القمع ! وجيلن���ا عاش ه���ذه التجربة حرف ّي���اً يف ّ ظل النظ���ام الس���ابق .أي أنه���ا سياس���ة س���وف تنتهي إىل إقامة س���لطة إس���تبدادية جديدة ل���ن ختتل���ف ع���ن الس���لطة اإلس���تبدادية منوذج الس���ابقة س���وى يف الش���كل .والعراق ٌ أمة ليس���ت ق���ادرة عل���ى قبول يربه���ن أ ّنن���ا ّ مبدأ الدميقراطية ،ألن ما نحُ س���نه بامتياز قومي هو التعصب بأجناس���ه .فم���ن ُّ ُّ تعص ٍب ٍّ ّ تعصب طائفي تعصب دي�ن�ي ،أو ّ عرق���ي إىل ّ ّ
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
أعتقد أن الشراهة إىل السلطة اليت ملسها الث ّوار الشرفاء هي ما دفعهم للتش ّبث بالسالح إلجارة الثورة من هؤالء
،أو حت���ى َق َبل���ي .وه���ي ثقافة تش��� ّكل خطراً جسيماً على مستقبل أمم املنطقة . ويش��� ّرفين أن أقف م���ن الس���لطة اجلديدة ، س���لطة على اإلطالق ،موقفاً نقد ّياً ومن ّ أي ٍ ،ألن الس���كوت على روح الغنيمة وعلى كل ٌ قب���ول بقيام نظام اخلطاي���ا يف ه���ذه املرحلة إس���تبدادي بدي���ل .وهو ما يع�ن�ي أن موقفي نبيل هو اس���تنكا ٌر ملا تفعله السياس���ة مبب���دأٍ ٍ تل���ك القيمة ال�ت�ي أبدعتها دماء ش���هداء هم ٌ فرس���ان انتقم���وا ألحالمه���م القتيل���ة ال يف نيل لغنيمة . أو نفع ٍ سبيل ٍ وأق���ول ّ ل���كل الذي���ن حياول���ون تش���ويه ه���ذا املوقف اليوم أ ّني أزهد الناس يف ّ كل ما يبدو يف نظر األغي���ار ذي قيمة .وكما مل أنافس أحداً يف الس���ابق يف ش���يء ،فلهم أن يطمئ ّنوا ألني ال أنوي أن أنافس���هم الي���وم أيضاً يف أي شيء . ّ وعل ما س��� ُيدهش الشرفاء هو موقف النظام ً ُ ّ اجلدي���د املع���ادي لش���خصي متبني���ا موق���ف النظ���ام الس���ابق منيّ حرف ّي���اً .فعن���د اندالع شرر الثورة يف يوم 17فرباير توافق وجودي ً تلبي���ة لدع���وة من معرض مس���قط ب ُعم���ان ُ أص���درت بياني الدول���ي للكت���اب .من هناك املؤيّ���د للثورة يف ي���وم حماضرتي املؤ ّرخة يف الثان���ي والعش���رين من الش���هر ذات���ه مت ّو ً جة بوقف���ة عل���ى أرواح الش���هداء .وعندما عدت إىل سويس���را بعد أيام ُ قاتلت وحيداً يف سبيل حترير إنتماء الس���فارة إىل النظام فقاومين ِضع���اف النف���وس بشراس���ة .وه���و م���ا كان متو ّقعاً ح ّتى أ ّن���ي مل أٌفلح يف حتقيق اهلدف إّ زميل لي من طرابلس كان ال عن���د وصول ٍ
ش���جاعاً مب���ا يكفي ك���ي يكون لي س���نداً يف ّ املس���تحق املهمة .فماذا كان القصاص هذه ّ على ه���ذا العمل ؟ اجل���واب س���يبدو مفارقة عبث ّي���ة ّ ب���كل املقاييس .فامللح���ق املالي الذي كان ق���د أوقف صرف معاش���ي منذ حلظة بوحي من النظام ،وهو نفس���ه صدور البيان ٍ الذي لع���ب دور البطولة يف رفض اإلعرتاف بالث���ورة مع زميله األمين ،وهو نفس���ه الذي قاد احلرب ض ّد ش���خصي بعد جن���اح الثورة ليوحي للس���فري اجلديد بإيق���اف هذا ال ُق ْوت ال���ذي كان ل���ي علقماً مري���راً عل���ى الدوام ُ . احلج���ة مضحكة وه���ي أ ّني ال واحل ّج���ة ؟ ّ أعم���ل بالس���فارة جمل��� ّرد أ ّن���ي ال أت���ردّد على السفارة ألحتس���ي القهوة أو أثرثر بالنمائم وأم���ارس الكي���د حت���ى نهاي���ة ال���دوام عل���ى طريقة ه���ؤالء ! ومل يكّلف الس���فري اجلديد نفس���ه عن���اء فه���م احلقيق���ة ال�ت�ي يعرفه���ا اجلميع وه���ي أن الس���فري احلقيقي للوطن هو اإلنس���ان الذي ش��� ّرف وطنه ،ال اإلنسان مارس فنون اإلساءة للوطن كما فعل الذي َ ّ جل أعضاء البعثات الدبلوماس��� ّية الليب ّية يف اخل���ارج طوال األعوام املاضية .وأس���وأ ما يف األم���ر أن ي ّتخذ رجل يدّعي احرتاف القانون كس���فري لليبي���ا اجلديدة يف سويس���را قراراً ال ميلك���ه دون الرج���وع إىل وزارة اخلارج ّية بالداخ���ل وال لرئاس���ة جملس ال���وزراء اليت صدر عنها قرار تعييين يف ً السابق مستغلاًّ غياب الدولة مرتمجا نزعة ربر ومس���تثمراً روح الفوضى اإلنتق���ام ا ّلالم ّ الشاملة اليت خلطت احلابل بالنابل يف البالد فغابت فيها أبسط أجبديّات العدالة اإلداريّة ،فكيف بالعدالة السياس ّية ؟ وال يدري أمثال هؤالء أن التاريخ يُعيد نفس���ه ،وما فعلوه يف ح ّق���ي كان قد ج ّربه أمثاهلم يف ّ ظل النظام الس���ابق عندم���ا جل���أوا إىل اإلج���راء ذات���ه الشقي ألربعة ليس���تم ّر احلرمان من القوت ّ أع���وام كاملة كم���ا ح���دث يف الثمانينات . فهل ُّ مت جوعاً ؟ لقد أرادوا لي املوت باألمس كما فعلوا اليوم ،وال يدرون أن ما فعلوه بي كان���ت العناية اإلهلي���ة تقلبه لي خالصاً يف كل م���رة .ولي���س هناك خ�ل�اص ميكن أن أرضي خملوق جتود به العناية اإلهلية على ّ ٍ أعظم من ..احل ّرية ! مع���اش ي َ ُعطى م���ن حبرمان فم���ا أس���عدني ٍ ٍ كأ ّنه ِهبة أو حس���نات ،وما أش���قاهم مجيعاً باغتنام م���ا هو أكرب ح ّتى م���ن املعاش ! ألن وصي���ة عل���ي اب���ن أب���ي طال���ب ال�ت�ي كانت ً متيم���ة تق���ول " :لقد اس���تع ّنا على قضاء لي حوائجنا باإلستغناء عنها !" . س 11ـ ما عالق��ة إبراهيم الكوني بليبيا ما بعد الق ّذايف وبثورة فرباير وبالدولة الليب ّية احلالية تقول ح��ول موقفك من ثورة ،وم��ا ر ّدك عل��ى ما ُي َّ شعبك ؟ أقامت الدنيا ومل ُتقعدها ــ التصرحيات اليت َ هي مزوّرة حبرب الصح ّفيني الذين جيهلون
ال طبيع���ة اخلط���اب وحس���ب ،ولك���ن تاريخ الث���ورات أيض���اً ناهيك ع���ن رموز الث���ورات . فالعب���ارة القائل���ة " :ال جي�ن�ي مث���ار الثورات الس���فلة" كان���ت استش���هاداً َ س���وى أس���فل منسوباً لزعيم الثورة الفرنسية "روبسبيري" كثائ���ر وكش���اهد عي���ان عل���ى املنعط���ف اإلرهاب���ي ال���ذي س���ارت في���ه أعظ���م ثورات حك���م مل يكن ّ حبق األزمن���ة احلديث���ة .وهو ٌ م���ن قام بالث���ورة ،ولكن ّ حبق تلك الس���لطة اليت تس���تثمر دماء الش���هداء لتس���تولي على الغنيم���ة بإمسه���م ؛ ولي���س أد ّ َل عل���ى ه���ذا من إس���تهانة الس���لطات اليت تعقب الثورات بتضحيات الث ّوار الذين امتش���قوا السالح من بس���جناء الرأي جانب ،واإلس���تخفاف أيضاً ُ الذين دفعوا الثمن باهظاً إبّان هيمنة النظام كما ح���دث عندن���ا ؛ ألن الث��� ّوار احلقيقيني دوماً شرفاء إىل جانب حقيقتهم كشجعان .ويحُ زنين أن تنقل وسائل اإلعالم األجنبية ً صحيح���ة ،يف ح�ي�ن خيف���ق م���ن آرائ���ي صحيحة يف ّ ً كل أخاطبهم بلغتهم يف نقلها م���رة أتنازل فيها عن يقيين املبدئي باإلبتعاد عن وسائل اإلعالم ح ّتى آمنت بأن التحريف لعنة ميتافيزيائي���ة تطاردني ،ربمّ ا قصاصاً ً متيمة وهو جزاء تنازل���ي عن مبدأ إتخّ ذت���ه الصمت .وقد إختلفت مع أدونيس يف مؤمتر األدب العاملي يف كوبنهاجن يف ش���أن ّ تدخل الناتو لدعم الثورة ،وقلت أنين لس���ت سعيداً أن ُتقص���ف بلدي من ّ أي ق��� ّوة أجنب ّية ولكن على اإلنس���ان ال���ذي أُ خبيث أن ب���ورم صيب َ ٍ ٍ ّ حيتم���ل ّ تدخل جراحي خطري للتخلص من ال���داء .وك ّر ُ رت ذلك يف أكثر من مناس���بة أخرى .وقد حاولت وس���ائل اإلعالم العربية أن تش���عل بيين وب�ي�ن أدونيس فتن���ة عندما نقلت تصرحياً ع���ن إختالفنا يف وجهة نظر حمرفاً ل ُتضيف أن ذلك حدث يف مؤمتر آخر َّ ً مل حيضره مع���ي أدونيس أصال وهو مؤمتر األدب العامل���ي يف جن���وب إفريقي���ا ،دوربان ،
25 حتديداً . وأعتق���د أن الش���راهة إىل الس���لطة ال�ت�ي ملس���ها الث ّوار الش���رفاء هي ما دفعهم للتشّبث بالس�ل�اح إلج���ارة الث���ورة من ه���ؤالء .ولكن طبيعة الدفاع اللئيمة الب ّد أن ختذهلم ،ألن املبالغ���ة يف الدف���اع عن النفس ه���و يف الواقع ع���دوان .والدفاع ع���ن النفس يف موقفهم هو دف���ا ٌع عن الث���ورة اليت ال ي���درون أنها لفظت أنفاس النزع األخري مبج ّرد سقوط النظام . قدي���م ق���دم وم���ا حي���دث اآلن ه���و ص���را ٌع ٌ الثورات وهو ص���راع الدولة والثورة الذي مل ينت ِه يوم���اً يف صاحل ّ أي ث���ورة ! .والرتاجيديا ال�ت�ي ال جم���ال الجتنابه���ا إمن���ا تكم���ن هنا . وم���ا األصوات ال�ت�ي ترتفع يف واق���ع الثورات ً منادية بـ"الثورة املستم ّرة" سوى أكرب دليل على ذل���ك .فهل يعين التنبي���ه إىل مثل هذه الطبيعة امللت َبسة للثورة عداء للثورة ؟ ه���ل ميك���ن أن يُع���ادي الثورة اإلنس���ان الذي ُ كتب "فرسان األحالم القتيلة" الذي أع ُتبرِ يف الغ���رب أق���وى م�ت�ن روائ���ي ع���ن "الربيع العربي" ،كما اعترب هذا الغرب قبلها رواية ن���ص روائي تنّبأ به���ذا "الربيع "ال���ورم" أقوى ّ العرب���ي" ؟ أ َ ال ّ يدل هذا على جهلنا بأنفس���نا وإصرارن���ا على النيل من احلقيق���ة ظ ّناً مناّ بأ ّنن���ا إنمّ ا ُ ننال من اإلنس���ان الذي كانت له هذه احلقيقة ديناً وما تزال ؟ لقد برهن فارس هذا املنت الروائي اإلنس���ان النبي���ل س���امل جحا عل���ى ال���روح األخالقية ال�ت�ي تصلح أن يكون فيها هو النموذج املثالي املش ّرف لكل ثورة حقيقية .لقد عّلق البطل على صدر الوطن وس���اماً تارخيياً يبدو معه ُ حاولت أن أعّلق���ه على صدره الوس���ام الذي بالرواي���ة متواضع���اً برغ���م قيمت���ه األدبي���ة والتارخيي���ة أيض���اً .فم���ن جي���رؤ أن يعادي ث���ورة كان هل���ا مثل ه���ذا اإلنس���ان منوذجاً اخت���زل يف ش���خصه أل���وف النم���اذج ،س���واء َم ْ ���ن دفع احلي���اة مثناً ،أو م���ن بقي على قيد
26
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
تناولت فصو ًال سخ ّية من ملحمة هذه الشخص ّية الف ّذة يف مداخليت يوم لقد ُ إحتفاء املكتبة الوطن ّية ببنغازي املعن َو َنة بـ"أوليس الذي مل تنتظره بنيلوب" املنشورة بكتابي "وطين صحرا ٌء كربى" احلياة ؟ فالبطولة ليس���ت يف محل الس�ل�اح وح���ده ،ولك���ن يف الزه���د يف الفاكه���ة اليت تعقب انتصاراً حي ّققه الس�ل�اح .وها هو سامل جحا يحُ يي أحالم اجليل القتيلة مبس���لكه ، بنبل���ه ،بعفاف���ه ،ب ُزه���ده يف ّ كل ماله صلة حبط���ام الدني���ا ،بع���د أن أوق���ف نزيف هذه ُ األح�ل�ام بس�ل�احه ال���ذي ختّل���ى عن���ه ما أن ح ّقق اخلالص ألحالم أبناء اجليل .فتح ّية ل���ه على بطوالت���ه ،وحتية أخ���رى على روح التخّلي ،وحت ّية أقوى على آرائه اجلريئة يف واإلهلي ، مفه���وم العدالة بش��� ّقيها اإلنتقالي ّ ويف املصاحلة الوطن ّية ،ويف مفهوم النزاهة ، ويف العزل ،ويف ح ّبه لل ُعزلة ،وألم ّنا الكربى الطبيعة ،ألن هذه اخلصال هي من س���ج ّية إنس���ان إحتفظ (برغ���م كل البهتان ،وكل ٍ ال���زالزل ،وبرغ���م التحديق يف امل���وت) بروح الش���اعر ،وبذلك الكن���ز النفيس الذي أمساه احلكماء :روح الطفل ! ألن الشاعر بالفطرة ثائر ،والثائر باهلويّة شاعر ،ألنهما شريكان يف الت���وق إىل معب���ود ٍة خال���د ٍة واح���دة هي : احلرية ! ً �ب ص��ادق النيهوم ، � حت ا دائم �ت � كن �ت � أن س 12ـ ّ وعلى عالقة به منذ بزغ كعلم لييب ،وقد رافقت جثمانه على مثواه األخ�ير والتقيتك يف بنغازي كنت ضيف ش��رف ،ث��م كتبت م��ا كتبت عنه يوم َ يف الندوة اليت ّ نظمته��ا دار الكتب الوطنية زمن الش��ويهدي .م��ا عالقت��ك بالص��ادق النيه��وم ؟ هل تس��تطيع أن تس��تعيد بعض � ًا م��ن وقائع هذه
العالقة على املستويني الشخصي والفكري ؟ ٌ إنس���ان ليس من هذا العامل .وكان ــ صادق أنق���ى خل���ق اهلل قلب���اً ،وأنزهه���م مس���لكاً ، ً عالقة .لقد كان وأنبلهم خلقاً ،وأصدقهم أديب���اً باملفهوم�ي�ن املبثوث�ي�ن يف ه���ذه الكلمة العبقري���ة :أي األدب باملفه���وم األخالق���ي إىل جان���ب األدب كمفه���وم إبداعي .وكان بس���خرية فلس���ف ّية جمبولة مرحة روح ٍ ٍ ٍ ذو ٍ عميق���ة تحُ ي���ل اجللس���ة يف حضرت���ه ً متعة س���امية ألنها جمدوح ٌة دوم���اً مبعرفة .وهو ٍ يف حيات���ه الدنيوي���ة ،هل���ذا الس���بب ،طف���ل . جمبولة بالرومانس��� ّية والشعر روح طفولة ٍ تس���عى بني الناس على قدم�ي�ن .فلم حيدث أن رأيت���ه يوماً غاضباً من���ذ عرفته يف مؤمتر األدباء األول 1968إبّان العهد امللكي إىل أن أودع ُته مثواه األخ�ي�ر يف بنغازي عام 1994 م .وال أذك���ر أن ش���عاع الكنز الذي يس���كنه عميقاً واملرتجم يف بس���مته األبدية قد انطفأ َ يوم إلتقيته فيه .وهو املبدع الوحيد من يف أي ٍ مبدعي العامل ش���رقه وغربه الذين بني كل ّ عرفته���م ال���ذي ال خيون س���ج ّيته بدليل أنه يكت���ب كما يتح���دّث ،ويتحدّث كما يكتب ،وحيي���ا كم���ا يكت���ب ،ويكتب كم���ا حييا . حقيقي مم ّيز :إنه فطقس أم���ا الكتابة لديه ّ ٌ ّ يكتب كأ ّنه يرس���م لوح���ة ،أو ينحت متثا ً ال .فك���م م���رة اجتمعنا خ�ل�ال ه���ذا التاريخ يف طرابلس أو يف بريوت ،أو يف جنيف ،لينقش متون���ه يف حضوري ! كان يروقه أن يفيض
مستعار من السعادة مرح ٍ على املكان بذخرية ٍ األبديّ���ة ال�ت�ي تس���كنه دون أن يُفل���ت زم���ام فلس���فته يف التأويل والتحليل والتشكيك يف املس���ّلمات كما يليق ّ بكل فيلس���وف حقيقي الس���خي يف حض���رة اخللّ .ولك���ن حض���وره ّ مل ي ُك���ن ليح���ول دون ت���ردّده ب�ي�ن اللحظ���ة ليس���جل مجلة واألخرى على حمراب املعبد ّ جدي���دة يف القراطي���س املنثورة عل���ى املائدة املوضوع���ة يف اجل���وار .وه���ي مراس���م ميكن الن���ص يف تلك أن تس���تمر إىل ح�ي�ن إجن���از ّ الفسيفس���اء اليت كانت ش���عرة مششون يف ّ كل متون���ه .وممارس���ة اإلب���داع عل���ى ه���ذا نيهوم���ي حب���ت ال خيل���و من ر إبت���كا النح���و ٌ ٌّ داللة فلسف ّية أيضاً .إنه زواج املت َع َتني :متعة نصبها أفالطون شرطاً للسعادة وهي روح ّية ّ التأمل اليت ومتعة ّ متعة جمالسة الصديق ُ ، نصبها آنكس���اغور ش���رطاً حلضور احلقيقة ّ ٌ كفيل بتحقيق يف الوج���ود .وزواج القطبني َج ِديّة كانت دوماً احل ّرية يف ب ُْع ِد محيم ّي ٍة و ْ األمة الفانية يف ني���ل حقيقة الوجود . حل���م ّ فاحل ّرية من الطبيعي أن تكون معبود ًة أوىل ٌ إنس���ان إنس���ان خبصال صادق : يف نام���وس ٍ ْ ْ ّ ً ذاق طع���م ال ُيت���م مبك���را ليتح ّول ه���ذا ال ُيتم ثم اغرتب يف الالوع���ي ي ُْتم���اً ب ُب ْع ٍد وج���ودي ّ . مب ّكراً أيضاً فدفع مقاب���ل هذا اإلغرتاب مثناً اغرتاب أش��� ّر يوم ث���م ع���اش جترب���ة غالي���اً ّ . ٍ ّ تأه���ب ليق���ول للعامل كلمت���ه ،ولكن العامل تن ّكر له ألن صوت���ه تزامن مع بداية إغرتاب
اهلوي���ة الوطن ّي���ة ال�ت�ي محله���ا كاحل ّية يف جيبه ط���وال جتواله املوج���ع .وعندما حاول أن يؤدّي واجباً حنو الوطن باإلسهام يف إنقاذ ما ميكن إنقاذه صارت له هذه احملاولة أيضاً وحج ً ً الغرتاب جدي ٍد ال يف أوس���اط ���ة تهمة ّ ٍ األغراب وحس���ب هذه امل ّرة ،ولكن يف أوساط ذوي القربَ���ى أيضاً .فياهل���ا من ضح ّية هذه الضح ّي���ة املل ّفق���ة من ّ كل ه���ذه اإلغرتابات ّ املركبة ! ه���ذا الصلي���ب ّ املرك���ب كان لكلين���ا هوي ً ّة إغرتابي صليب جانب إىل أخرى مش�ت�ركة ٍّ ٍ ّ الش���خصي متث���ل يف آخ���ر عل���ى الصعي���د ّ ثقاف���ة م���ن بقرين���ة "خطيئ���ة اإلرتب���اط ٍ ٍ يس���مي ه���ذه التجربة كان خمتلفة" كما ّ ً اليت تب���دو رومانس��� ّية من ناحي���ة مجال ّية ، ولك ّنه���ا تراجيديّة م���ن ناحي���ة عمل ّية .وقد صحح هذه اخلطيئة مع أسعدني أن أراه قد ّ ً بداية الثمانينات فتبدّى س���عيدا برفقة تلك القرين���ة الف ّذة ال�ت�ي ع ّوضت���ه احلرمان من الس���عادة يف كنف الدفء العائلي يف أعوامه األخ�ي�رة .إنه���ا أوديت النيه���وم اليت اعرتفت لي ي���وم ُفج َع ْ ���ت فيه كم كان���ت تتم ّنى لو ِ ً خط���أ لكي ّ تتذكره اقرتف يف ح ّقها أبس���ط بع���د غيابه فيه��� ّون عليها فجيعته���ا فيه بعد وفات���ه ّ . وعل امل��� ّرة الوحيدة ال�ت�ي رأيته فيها ً ُ مررت عليه يف جنيف قادماً من منفع�ل�ا يوم طرابلس يف طريقي إىل موسكو عام 1990 ليوجه لي الس���ؤال التقلي���دي عن آخر أخبار ّ الوضع يف الوطن .وعندما أجب ُته بأن الزعيم يتحدّث عن مرحلة العش���رين سنة القادمة هب واقفاً يف مقابل العشرين سنة الس���الفة ّ ليحتج بأعلى صوت " :هذا يعين أ ّنه ّ خيطط ّ لإلستحواذ على أعمار أبناءنا بعد أن استوىل على أعمارنا !" . لق���د كان غيابه عن واقعن���ا الثقايف العربي خس���ار ًة جس���يمة م���ا لبث أه���ل البهت���ان أن احتف���وا بها كما حدث عن���د تزامن مصادرة كل كتب���ه يف بل��� ٍد يتباه���ى حب ّري���ة الرأي أما كتبه يف مثل لبنان مع إعالن نبأ وفاته ! ّ ب�ل�اده فكانت ضح ّية هذا املص�ي�ر منذ العهد امللك���ي مروراً بعه���د إغرتاب الوط���ن الكبري . تناولت فصو ً ُ ال س���خ ّية من ملحمة هذه لقد ّ الش���خص ّية الف���ذة يف مداخليت ي���وم إحتفاء املكتب���ة الوطن ّية ببنغ���ازي املعن َو َنة بـ"أوليس ال���ذي مل تنتظ���ره بنيلوب" املنش���ورة بكتابي "وط�ن�ي صح���را ٌء ك�ب�رى" ،وكذل���ك يف اجلزئني الصادرين حتى اآلن من ّ املذكرات ���رى" ،وكذلك الن ّية املعنون���ة بـ"عدوس ُّ الس َ يف اإلس���تمرار بتناول س�ي�رة الرجل باجلزء الثالث أيضاً .وهو ما ّ يدل على ثراء صادق ال على املس���تويني اإلبداعي والدنيوي وحسب ، ولك���ن على املس���تويني الروح���ي واألخالقي أيض���اً .ف���إىل جان���ب العمق الروح���ي حتّلى النيهوم خبصلة ن���ادرة يف هذا الزمان وهي : التس���امح .التس���امح إزاء اآلخر إمجا ً ال ،آخر اهلوي���ة الثقافية حتديداً .ليس تس���احماً يف ٌ فضول العالقة مع هذا اآلخر وحسب ،ولكنه ملعرف���ة اآلخر .هذا الفضول الذي كان منذ األزل س��� ّر تقّب���ل اآلخ���ر .وال أنس���ى أن هذه النزعة كانت سبب تعارفنا عام 1968أثناء إنعقاد مؤمت���ر األدباء األول ال���ذي كان هو جنمه بامتي���از .فبعد إلقائ���ي حملاضرة عن فلكلور الطوارق تقدّم مين ل ُيح ّييين كعبرّ اً ع���ن رغبت���ه يف تعّلم لغة الط���وارق .ويف عام
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
27
أوصي أهلي بوص ّية التاريخ البشري الذي برهن بعدم وجود إنسا ٍن واح ٍد كان سعيداً بانتقامه ،يف حني برهنت جتربة اإلنسانية باملقابل على حضور هذه السعادة يف ّ ظل التسامح 1971حدّثين عن خطورة خطط الدولة يف توطني الق���وم ،وطلب منيّ أن أح ّذر أش���ياخ القبائ���ل من ه���ذا َّ ���رك الذي س��� ُي َ فقدهم الش َ الر ّح���ل رأس مال أنب���ل مي���زة كانت ألم���م ُّ أما إس���تنكاره حملاولة النظام وهي احل ّرية ّ . تعريب أمازيغ الشمال فيشهد بها آل الع ّزابي (بزوارة) الذين ربطتهم به عالقات إنس���انية محيم���ة اس���تم ّرت إىل ي���وم رحيل���ه .وه���ذا التعاط���ف املبدئ���ي ه���و ال���ذي غ��� ّذى موقفه الش���جاع يف تعي�ي�ن عناص���ر م���ن املعارض���ة الوطنية باخلارج مثل فاضل املسعودي بـ"دار املخت���ار" للنش���ر جبنيف قب���ل أن يلوذ هؤالء بالف���رار عن���د قي���ام النظ���ام بتصفي���ات عام 1979اجلنون ّية .وهو ما ج ّر عليه س���خط اللج���ان الثوري���ة ال�ت�ي وضعت���ه يف قائم���ة املطلوب�ي�ن للتصفي���ة بدعوى إيوائ���ه ألعداء الث���ورة .وملّا كان النظام قد فقد الس���يطرة الفعلية على العناصر الظامئة لس���فك الد ّم فقد أوع���ز لصديق الصادق الس��� ّيد يوس���ف الدب���ري لك���ي يس���تدرجه إىل الداخ���ل قب���ل ح���دوث م���اال تحُ م���د عقب���اه .وق���د حدّث�ن�ي الصادق كيف رفض دعوة صديقه يوس���ف إحتجاج���اً عل���ى نزي���ف دم األبري���اء .ولكن يلح يف كل م��� ّرة ومل يصارحه الدب���ري عاد ّ حبقيقة الدع���وة إ ّ ال عندما أعلن ل���ه هاتفياً بأن تل���ك رغب���ة الزعيم حرصاً عل���ى حياته امله���دّدة من قب���ل عناصر مل يعد ق���ادراً على إيقافه���م عند حدّهم .وك���م آملين أن ينربي أولئك الذين أحس���ن هلم يف حمنة إغرتابهم بش���ن هج���وم ظ���امل عل���ى ش���خصه تش��� ّفياً ّ ٍ ٍ مبمات���ه ّ ، كأن امل���وت لي���س القصاص الذي ينتظرنا مجيعاً جزاء ميالدنا يف هذا الوجود ! اخلالصة أن بل ّية إنس���ان كـ صادق النيهوم ه���و حض���وره يف الزم���ان اخلط���أ ،وال أق���ول امل���كان اخلطأ كما يتن���دّر الكثريون يف ليبيا ويف الع���امل العرب���ي .والزم���ان اخلط���أ ه���و ذل���ك الزمان ال���ذي يبصمنا بأخت���ام الضياع .بل���ى لقد عش���ت م���ع النيه���وم زمن���اً ضائعاً ّ ب���كل املقايي���س ،يب���دو أش���رس ضياع���اً من فجرته الذي القرن مطل���ع أدباء جيل ضياع ّ غرت���رود س���تاين يف ب���رزخ ما ب�ي�ن احلربني ً عالم���ة م ّيزت أدب���اء ذاك العامل ّيت�ي�ن فص���ار الزمان أمثال همنجواي ،ورميارك ،و وولف ،وفوكن���ر ،وباس���وس ،وميلل���ر ،وباون���د ، واملعّل���م األوّل توماس اس�ت�رنس إليوت .وإذا جيل هذه القافلة الرائدة بسبب كان ضياع ٍ ختلخل الق َيم الوجودية واإلنس���ان ّية الناجم عن جنون الظمأ إىل احلرب والدمار النفسي والروحي الناتج عنها ،فإن ضياع جيلنا كان بسبب صعود جنم إرادة السلطة اليت الب ّد أن تنتهي بتشييد كيان اإلستبداد وما يُصاحب هذه الس�ي�رورة من إماتة احللم :هذا احللم الذي هو هويّتنا حتى لو كان حلم يقظة . وهرياقليط يعّلمنا بأ ّنن���ا إذا ك ّنا منلك عاملاً
واحداً بيقظتنا ،فإ ّننا باحللم ٌّ كل م ّنا ميلك كل م ّنا ! عامله .لقد سرقت األشباح عامل ٍّ
ـ ه��ل تريد توجي��ه كلمة ألهل��ك يف ليبيا ولق ّراء ميادين خصوص ًا ؟ ـ أوصي أهلي بوص ّية التاريخ البش���ري الذي إنس���ان واح ٍد كان سعيداً برهن بعدم وجود ٍ بانتقامه ،يف حني برهنت جتربة اإلنس���انية باملقاب���ل على حضور ه���ذه الس���عادة يف ّ ظل التسامح :هذا التسامح الذي سيستعري ب ُْعداً أث���رى عندما نرتمجه يف كلم���ة أخرى هي التعاي���ش .فنح���ن ال نس���تطيع أن نس���تبدل أمتن���ا م���ا مل نس���تبدل وطنن���ا ،وال ُنفلح يف ّ ض���ح بهويّتهن���ا ، اس���تبدال وطنن���ا م���ا مل ُن ِّ ضح���ي بهويّتن���ا م���ا مل نتن ّكر وال منل���ك أن ُن ّ لطبيعتن���ا اإلنس���انية ال�ت�ي ش��� ّرفتها العناية ْ نفخ���ت فيه���ا من أنفاس���ها اإلهلي���ة عندم���ا لتتم ّي���ز ع���ن احليوان���ات وبقي���ة الكائن���ات . ُ تارخي���ي كان نزي���ف عش���ت صن���وف لق���د ٍ ٍّ ّ ُ في���ه ال��� ُك ّل يُقات���ل ال���كل عقب إنهي���ار أكرب إمرباطوريّ���ات األزمن���ة احلديث���ة وه���ي ٌ مرب ٌر ألنه اإلحت���اد الس���وفيييت .وهو نزي���ف َّ ردّة فع���ل منطقية إلس���تبدا ٍد إس���تم ّر قروناً ٌ وقروناً ألنه مجة عندما أدرك م���وروث عن امرباطورية أخرى أخرياً بعد أن سفح قرابني ّ إنتصر العقل ولكن . القيصرية هي روس���يا اجلميع أ ّنهم مجيعاً يف ّ ظل اإلستبداد كانوا
الس ّيد الكريم لو ّفني بعد التح ّية أسعدني كثرياً التع ّرف إىل شخصكم النبيل أخرياً بعد أن بلغين عنه من األغيار ٌ صيت وروح ترتجم جد ً ّية يف التعامل مع كل املس���ائل الثقافية والفكرية يش���هد له بالكفاءة ٌ ، ّ .وه���و أم��� ٌر ناد ٌر يف هذه األيام كم���ا علمتين التجربة الطويلة يف ه���ذا العامل إبتدا ًء من ً ونهاية بالغرب األوروبّي ومروراً بش���رق أوروبا الس���وفيي ّتية ووس���طها الع���امل العرب���ي الثقايف البولندي والسويس���ري ،آم ً ال أن يكون هذا بداية للتواصل مع ش���خصكم الكريم س���واء على املستوى الش���خصي أو يف ّ كل ما له عالقة بالشأن الثقايف س ّيما بعد ما ملسته أثن���اء لقاءن���ا العابر من فهمكم العميق لرس���الة األدب احلقيق ّية اليت تبدو مغرتبة هذه األيام بس���بب اهل��� َوس األيديولوجي من ناحي���ة ،وال َو َلع بالتقني���ة املعلوماتية اليت غ َزت ثان .راجياً تزويدي بالكتابني جانب ٍ الروح البشرية وغ ّيبت ال ُب ْعد املعريف يف املعلومة من ٍ لفضول هو طبيعة اإلنس���ان ،ولكن احلاوي�ي�ن لرؤيتكم التحليلي���ة عن أعمالي ال إروا ًء ٍ ّ لإلط�ل�اع على وجهة نظ���ر تبدو أصيلة ومم ّيزة يف س���يل النق���د ذي النزعة الصحفية الذي يُغرق وسائل اإلعالم يف هذه األيّام .وعنواني احلالي هو Salou (Tarragona) 43840 Calle Pierre Vilar 19 B , 3-1 Spain Ibrahim Al Koni ال بكم وسه ً إذا ق ّررمت زيارة إسبانيا فأه ً املتوسط سالو ال يف ديارنا يف ذ ّرة البحر ّ والسالم
إبراهيم الكوني
ضحاي���ا ،ولي���س للضحي���ة ّ ح���ق أن تقت���ل الضحي���ة ،ألن ال ُكفر الذي ال ي َ ُغتفر هو قتل الضحية للضحي���ة ،فتو ّقف النزيف وبدأت عش���رات بل مئات القوم ّيات تتعايش بعد أن إكتش���فت أيضاً أنها معجونة يف الواقع من طينة واحدة ،وضح ّية جللاّ ٍد واحد .فكيف ٍ ّ نتوه���م حن���ن الي���وم أنن���ا نس���تطيع أن نبين ألنفس���نا جمداً ،أوحن ّقق لوطننا النبيل بني األوطان شأناً ،بروح إنتقام برغم أننا مل ن ُكن أُممَ اً كما يف اإلمرباطورية السالفة الذكر ،وال حتى ش���عباً باملفهوم التقليدي للشعب ، ولك ّنن���ا يف الواقع عائل���ة واحدة ّ مؤهلة ح ّتى ً يف حس���اب الع���دد أن تقط���ن ح ّي���اً واح���دا يف مدين���ة ّ مركب���ة من ع���دّة ُمدن كموس���كو ً مث�ل�ا ؟ وه���و م���ا ال يع�ن�ي بالطب���ع أن نجُري ْ ُ ّ ن���اس هم ل���ه عائلة من َم���ن أجرم يف ح���ق أ ٍ القص���اص ،ألن يف القصاص ال تكمن حياة العائل���ة وحس���ب ،ولك���ن بالقص���اص حييا املعين بالقصاص أيضاً .فالقصاص رس���الة العدال���ة :عدال���ة تحُ ّل���ق جبناح�ي�ن أحدهما أرض���ي ربوب���ي وه���و :الضم�ي�ر ،وثانيهم���ا ّ ّ نصب أنفس���نا ُقضاةً وه���و :القضاء ّ . أم���ا أن ُن ّ بدل قضاء الدنيا وقض���اء الدِّين فذلك ليس عد ً ال ولكنه ظم���اٌ إىل الد ّم .وهيهات أن يرى ٌ السعادة إنسان ظامي ٌء إىل الد ّم . فتس��احموا ُّأيه��ا الليبي��ون رمح � ًة بأنفس��كم ال رمح ًة بأعدائكم ،أو من ترون أنهم أعداء !
ّغت ؟ فـهل بل ُ لهم فاشهد ! ا ّل ّ
28
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
الروائي اللييب جماهد البوسيفي
فعلت املستحيل حتى ال اغادر ليبيا كل مكان به نوع من الوطن عليك ان تبحث عنه وتكتشفه وتنميه داخلك
الثقايف -خاص تصوير:خريبرت فان درا يف الكتابة تصبح الذاكرة ملجأ احلكايات والوطن هو األمان واحلنني وخزة تصيبنا ،يف ليبيا كان بداية التفتح املعريف أما املهجر فكان كالنافذة اليت عرب خالهلا العامل لتفسح اجملال لثقافات وصداقات وأمكنة جديدة ،يف روايته األوىل “آزاتسي” مل يكن يدون سريته اخلاصة بقدر ما هي سرية للحياة اليت عاش تفاصيلها يف ليبيا وهولندا والدوحة. يف هذا احلوار حتدثت الكاتب جماهد البوسيفي عن أسئلة احلياة وعامل الرواية.
_ سؤال احلياة ،سؤال املوت ،سؤال الطفولة، سؤال الكتابة .هذه االسئلة كيف جييب عليها جماهد البوسيفي من واقع موقفه الثقايف والوجودي؟ _ لق���د وف���ر ل���ي العي���ش خ���ارج ج���ذوري االجتماعي���ة وبعي���دا ع���ن حب���ل مش���يميت اخل���اص فرص���ة لتأم���ل روحي عل���ى مهل، مل اص���ل الجوب���ة حامس���ة ولك�ن�ي وصل���ت لتوافق وراحة بال مع طفوليت اليت اعيش���ها بش���كل ما مع ول���دي متيم وزي���د وان حبذر حي���ث ال ارغ���ب يف تربيتهم���ا عل���ى مي���زان فقدان���ي الطفولي ،أم���ا احلي���اة فاني اعض عل���ى ركبته���ا كما يق���ول العم���اري وانال منها ما اس���تطيع دون ضرر أو ضرار ،واملوت هو الش���يء الوحيد الذي اتيقن يوما اثر يوم انه سرغري قابل للكشف ،علينا ان نتذكره، فقط من اجل ان نعيش احلياة بشكل أفضل وان النكون نادمني يف تلك اللحظة الرهيبة اليت يطرق فيها بابنا..الكتابة هي كل هذا... _ يف املهجر "هولندا" شكلت مع الليبيني عمر الكدي وحممد ربيع والرسام العراقي قاسم الساعدي كيان ثقايف وإنساني .كيف قاوم هذا الكيان قسوة الغربة؟ _امجاال انا حذر قليال من استخدام كلمة غربة ،ص���ادف ان اربعتنا انتقل���وا للحياة يف الغ���رب وه���م يف س���ن النضج والق���درة على
اخت���اذ الق���رارات ،بالنس���بة ل���ي عاني���ت من حن�ي�ن قاس���ي يف االش���هر األوىل ولكن�ن�ي ال استطيع ان اصف ذلك بالغربة ،كان هناك حال���ة من الفق���دان ألجواء محيم���ة يف تلك الف�ت�رة ،ولك���ن الغربة تعب�ي�ر كان دائما له معنى مراوغ بالنسبة لي ،ودون إدعاء لقدرة التحمل عندي جيب ان اكون صرحيا معك واقول انين مل اعان من قسوة الغربة على ما اذك���ر ،ايض���ا حال���ة االربعة ال�ت�ي ذكرتي مل تك���ن مثالية ومتوحدة يف كيان انس���اني وثقايف دائم ،قاسم لعب دورا مهما يف بداية وصول���ي ،وعندما جاء الك���دي هلولندا كان علي فيها ثالث سنوات وكنت قد قد مضى ّ تأقلمت مع االجواء ،اس���تمرينا نلتقي بشكل منتظ���م كل ثالث���ة اس���ابيع وكان ذل���ك مهما لكلينا..أما حممد فقد اخذته مش���اغله يف طري���ق خمتلف بعض الش���يء ومل نلتق بش���كل حقيق���ي إال يف الدوح���ة اثن���اء حرب التحري���ر لنس���تأنف صداق���ة مجيل���ة كنا بدأنها يف طرابلس. _ قارئ هذه االلفية .هل هو قادر على املشاركة يف نصك استنادا على القول" ان النص هو نزهة يقوم فيها املؤلف بوضع الكلمات ليأتي القارئ باملعنى"؟ _عندم���ا اكتب افك���ر انين اكت���ب لقارئ واح���د – ليس عن���دي ص���ورة واضحة له – واحيان���ا كث�ي�رة يبدي أكثر من ش���خص مالحظة ح���ول مادة بذاتها كتبتها فأصاب
ببع���ض احل�ي�رة للحظ���ات ألن���ي اعتق���دت ان���ي كتبته���ا لذلك الق���ارئ الوحي���د الذي ينتظرن���ي ولي���س لع���دد اك�ب�ر ،إذا فهمت سؤالك االحظ اننا ايضا – حنن الذين ندعي الكتاب���ة – نقص���د بان يكون هن���اك معنى ملا نكت���ب ،لكن إذا اراد ذلك القارئ العزيز الذي سيشرتي كتابي أن يأتي باملعين فسأكون مس���رورا لذل���ك ،فق���ط علين���ا ان الننس���ى – كلين���ا – ان ذل���ك املعن���ى خي���ص ذل���ك القارئ العزيز الذي اقتنى كتابي مش���كورا، شخصيا اهتم جدا بان يشاركين القارئ يف املعين املعين اخلاص به بعد ان اتشرف بفتح الباب امامه للوصول اليه.. _برأيك هل سيعيش العربي يف أوروبا اليوم مرة أخرى اخلوف من صفة "عربي إرهابي" بعد احداث بوسطن االمريكية؟ خاصة وان هذا العربي مازال مل يتخلص من تهمة احداث احلادي عشر من سبتمرب؟ _ رأين���ا ما حدث بعد تفجري بوس���طن قبل اي���ام ،عندم���ا تس���ابق اعالمي���ون غربيون يف تلبي���س ه���ذا التفج�ي�ر االرهاب���ي للع���رب، ولي���س العرب فقط ..االس�ل�ام ايض���ا متهم رئيس���ي يف هذه االحداث ال�ت�ي احيت ثقافة ديني���ة قدمي���ة حت���ض عل���ى الك���ره ب���دل احملب���ة ،لكن لنك���ن صرحاء ،واقع املس���لمني خمزي الي���وم ،يقودنا ائمة قرويون نش���روا الرع���ب الثقايف وامل���ادي يف الغرب والش���رق معا ،وعمموا اجلهل عل���ى تابعيهم بطريقة
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
ما حيدث يف ليبيا ميكن ان خُيرج اعماال سردية مفتوحة على اخليال وحتى السحر حمزن���ة .س���وف نتخل���ص م���ن ذلك الوس���م الذي حل���ق بنا عندم���ا نتخلص م���ن ثقافتنا الصحراوية اليت هددنا بها مراكز احلضارة يف الغ���رب وابلغناه���م بكل وض���وح باننا نريد ان نرف���ع اعالمنا الس���وداء عل���ى قالعهم اليت قضوا العم���ر يف تش���ييدها..الغرب (الرمسي) توقف عن ارت���كاب االخطاء وتفرغ للعب على اخطاءنا املتوفرة يف كل ركن.. _ ظهرت كتابات بعد الربيع العربي قيل انها استثمرت هامش احلرية يف بلدانها ،ولكنك مل تكن حمتاج هذا اهلامش للكتابة .ملاذا تأخرت يف إصدار روايتك؟ _أخرن���ي ثالث���ة أس���باب ،اوال الن���ص بذاته حيث انين اش���تغل عل���ى موضوع ط���ازج حلد عل���ي يف كل م���رة ان ابتعد قليال م���ا وكان ّ حتى اس���تطيع تبني العاطف���ي من املوضوعي يف العم���ل ،ث���م انين انس���ان له مس���ئولياته يف احلي���اة ،فأنا اق���وم صباحا مث���ل أي رب عائلة واذه���ب للعم���ل مث���ان س���اعات واع���ود للبيت لتفق���د أحوال ولدي مث���ل اي اب ،ليس ورائي دول���ة وال ح���زب والمؤسس���ة ،ومل احضى يف حيات���ي بذل���ك الش���يء اجلميل الذي يس���مى تفرغا للكتابة ،ثم هناك ايضا مش���اكل فنية عدي���دة واجهتين ،اعدت كتابة ثلثي الرواية حوالي س���تة م���رات اثنتان منها عل���ى الورق، وهن���اك فصول اخ���ذت مين حبث���ا خاصا عن كت���ب وافالم وس�ي�ر معين���ة ،والي���وم عندما يكت���ب ع���ن العم���ل بأن هن���اك سالس���ة ما أو انتق���ال موفق ب�ي�ن زمن وزمن اش���عر ببعض الراحة النين بذلت جهدا لتغيري اللغة مرات عدة وحبثت دائما عن مفاتيح وأشكال تناسب مانويت ان اكتب عنه.. _ من يعرف ان معنى " آزاتسي" هو مركز اللجوء يف هولندا يعتقد انك كتبت رواية تدور احداثها داخل هولندا فقط ،رغم ان هذا البلد مل حيضر إال قليالً ..بذلك هل ميكنين القول ان الرواية ليست سرية ذاتية جملاهد البوسيفي بقدر ماهي سرية لألمكنة والشخوص واألوطان؟ _ ميكن���ك الق���ول بذل���ك وضم�ي�رك مرتاح، أع���رف ان كثريي���ن اآلن مش���غولني بإجي���اد تطبيق���ات واقعي���ة الش���خاص الرواي���ة واحداثه���ا ،لكنين مضطر لتخييب مس���عاهم واخباره���م ان الرواي���ة لي���س هل���ا عالق���ة بي اال كون���ي كاتبه���ا ،لطاملا قل���ت ان ماحيدث يف ليبي���ا ميك���ن ان يخُ ���رج اعم���اال س���ردية مفتوحة على اخليال وحتى الس���حر ،وعندما عش���ت جتربة اللجوء رايت – بش���كل ما – ان ماحي���دث يف ذل���ك املرك���ز املل���يء بطال�ب�يء اللج���و ايضا ينطبق عليه نفس الش���يء .علينا ان خنتار مواضيع كتبن���ا بناء على مقاييس فنية قاسية وليس عواطف بشرية زائلة.... _ من منطقة "نسمة" يف اجلنوب اللييب إىل العاصمة طرابلس للدراسة والعمل ،عشت حياة البدوي الرحال .هل شكلت هذه التنقالت
دوافع الكتابة لديك؟ وهل مازالت حتتفظ بذكرياتك عن نسمة؟ _اعتق���د ان األم���ر اس���واء م���ن ذل���ك ،عندما تقول�ي�ن لي ليبي���ا الي���وم فان ماخيط���ر على بال���ي ه���و تل���ك القطع���ة م���ن األرض ال�ت�ي تبع���د عن نس���مة حبوال���ي عش���رة كليو مرت وامسه���ا (اللفي���ه) وه���ي عب���ارة ع���ن عرقوب ينتهي بق���رارة بها بعض اخلض���رة ،إذا كان االمر باختياري فان�ن�ي أريد ان امضي الربيع هناك كل عام ،عش���ت ايضا ف�ت�رة مهمة من
اعتقد اني كتبت لذلك القارئ الوحيد الذي ينتظرني وليس لعدد أكرب ليبيا حي���ث بالكاد حلقت على آخر ايام احرتم فيها البدوي املدينة وح���اول جهده ان يتأقلم مع ثقافتها قبل ان يهب علينا مفهوم البدونة مع سيطرة القذايف ،ذلك الصدام خلف عندي احاسيس كثرية استقي منها بعض بضاعيت، أنا من جيل قاوم – خاصة عرب رابطة الكتاب وجمل���ة ال – بدونة املدين���ة وحكمها مبفهوم الفتح...وعموما إذا متعنيت يف كتابات الرواد مثل النيهوم والفاخري فستجدين ان التيمة األساس���ية هلما هو املفارقات والصدامات بني احلضر واملضر اللييب.... _ هل مازالت تعيش قلق السنة األوىل من املهجر؟ _م���ع االيام تع���ودت ان أعيش يف املكان الذي أنا فيه وكـأنه وطين ،مفهوم املهجر بالنسبة
لي مفهوم ب���ه الكثري من الرومانس���ية ،علينا ان نس���عى لنكون حمرتفني حتى يف مشاعرنا جت���اه امل���كان أحيان���ا ...كل مكان ب���ه نوع من الوطن عليك ان تبحث عنه وتكتشفه وتنميه داخلك.. _ هل ستعود لليبيا يوما خاصة بعد موت العقيد؟ _ ال اعرف..بعد التحرير – وحتت احس���اس بالواج���ب – ق���ررت هدى أن تس���تثمر قرضنا املص���ريف يف قطع���ة ارض بليبي���ا لع���ل الوقت
يس���مح بتطوي���ر مش���روع الع���ودة ،ولك���ن حت���ى اك���ون صرحي���ا الوط���ن بالنس���بة لي ه���و االم���ان والبيئة املناس���بة للعم���ل وتربية األوالد يف داخلي اش���ك يف ذلك لس���بب دفني، م���ن حيكم���ون ليبي���ا اآلن كان���وا يف أغلبهم يطاردون�ن�ي – وزمالئي – م���ن أجل ان نفتح امامهم وس���ائل االعالم للمشاركة يف موسم حرب التحرير كم���ا يفكرون..ومن جتربيت تعلم���ت ان الش���هود ينبغي دائم���ا ابعادهم عن املس���رح ...ليبي���ا بالنس���بة ل���ي واجب إنس���اني عمي���ق ال���دالالت ..وعندم���ا أج���د الفرص���ة املناسبة س���وف اش���ارك...امامي بعض الوقت على كل حال لتسديد قرضي ثم نرى.. _ اعرف ان روايتك " آزاتسي" قد صدرت بداية عن دار مرييت املصرية ..فماذا حدث بعد ذلك؟ _الطبع���ة كانت س���يئة ،لقد ب���دأت كتابة آزاتس���ي وأنا ش���اب ثم التقيت ه���دى واجنبنا علي ان طفل�ي�ن قب���ل ان أنهيها وكان صعب���ا ّ قبل بتلك الطبعة البائسة فنيا... _ اعتمدت يف روايتك على " الفالش باك" من احلاضر إىل املاضي حيث ليبيا اليت غادرتها يوما حاضرة .هل عدت لتلك املرحلة أثناء الكتابة حبنني ما؟ _ لقد فعلت املس���تحيل حت���ى ال اغادر ليبيا، ولكن عندما جاء الوقت غادرت بضمري مرتاح خفف عين فيما بعد مشاق احلنني وتداعياته حل���د كبري ،احب ان اقول ان�ن�ي طوال حياتي
29 يف هولندا ثم الدوحة بقيت على تواصل دائم م���ع اصدقائي املقربني ،ولذا كنت بش���كل ما يف ليبي���ا اليت ختصين ،مكانيا كنت بني وقت ووقت اصيب بلوثة من احلنني ملكان أو اكثر لي فيه حياة مجيلة ..ركابة س���يدي خليفة قرب جامع الش���يخة راضية مثال ..أو اللفيه.. أو ليالي بنغازي حيث كنت دائما اشعر باني يف اجازة سياحية عندما ازورهذه املدينة ليس للبنية التحتية البائس���ة ولك���ن للقدر الكبري م���ن االم���ان والرحابة الذي احس���ه هن���اك... لكن بصفة عام���ة كان هاجس التحكم التام يف اللغة واملش���اعر هو من يقودني يف مسارب الكتابة... _ هل أهمية الرواية اليوم نابعة من كتابات أمساء روائية هامة ،أم أن االنسان احلديث بعامله االفرتاضي الواسع مصاب حبنني لزمن احلكي؟ _امسح���ي ل���ي ان اعطيك طبع�ت�ي اخلاصة
باخلصوص..لي���س هن���اك اآلن – اال ماندر– أمس���اء مهمة يف الرواية ولك���ن هناك روايات مهم���ة ..الي���وم اج���د صعوب���ة حقيقي���ة يف اكم���ال قراءة رواية ..املتعة تكاد تكون غائبة يف م���ا يكت���ب ،علين���ا ان ال خنض���ع مل���ا يقوله االع�ل�ام يف اخلص���وص ،ص�ب�ري موس���ى- مث�ل�ا -كت���ب عمل واح���د مجيل هو (فس���اد األمكن���ة) واقل منه حي���در حيدر الذي كتب فص���ل واحد يف حيات���ه مهم يف رواي���ة وليمة العش���اب البحر ال�ت�ي قامت عليه���ا الدنيا من س���نوات ،أما الكوني فما كتبه بعد اخلس���وف والت�ب�ر ه���و رحل���ة ع���ذاب حقيقية بالنس���بة ل���ي .كق���ارئ واآلن أن���ا مضط���ر للتوقف يف منتصف قراءة رواية الغابة النروجيية النين فق���دت االم���ل يف متعته���ا أو فه���م اهلدف من كل ه���ذه الصفحات..هذه طبعيت اخلاصة..أ ما بالنس���بة للزمن االفرتاضي فقدمي يف ماء ب���ارد..كل هذه االجن���ازات لن تلغ���ي الفاعل احلقيقي يف عملية الكتابة وهو الكاتب ،هناك حاجة دائم���ة – وليس فقط حنني – للحكي ألنه طريق مضمون للوصول إىل فهم أفضل لزمنن���ا وهويتن���ا وتطلعاتنا على بس���اط من الكلم���ات املوحية..علينا فق���ط ان النفرط يف الف���ن اثناء الس���رد ،وبق���در اس���تيعاب الكاتب لزمن���ه وحتدياته بقدر ماس���يكون موجودا يف في���ه ،املنجز التكنلوجي يف صاحل املبدع وليس نقيض له..
30
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
َقِل ٌق..
برزخ
عمر عناز
عبد الباسط أبوبكر حممد بعيداً ُ حني يُكمل القلب خماوفه ُ الوقت يف شقوق املالمح ويتناث ُر وتغادري حيثما اكتملت خطوة زرع الصبح امتداداً لك بأنفاسك لقصيدتي متخم ٌة ِ عطرك قارورة بلهفيت معتق ٌة يف ِ ٌ فيك وقليب ممعن ِ ٌ وروحي متوجة بالنقائض!! ..................................... ..................................... ُ همسك أعلق روحي نافذ ًة على ِ فيك عناقيد املواعيد ُتزه ُر ِ أذهب يف الرجاء ُ يدي منزوعة احلواس ٌ والعقل ُمَّل ٌح يف احملاولة واملكان ٌ ُ مؤثث مبساحات االرتباك!! ..................................... .....................................
ٌ قليل كان العم ُر أصابعك حني مرت ِ ري حينما انعقدت بغيابك األليم وكث ٌ بدونك هذيانه القلب أكمل حني ُم ٌر ِ عندما عربت العيون يف فراغك القاحل حينها تفتتت الرؤية الوقت تائهاً ُ ومر َّ عالمة فارقة!! بدون ٍ
صيدتي ُ كستنا َء َق َ األوىل أُر ّت ُب ِ اليت ُعنوا ُنها: " ال أَ ْع ِر ُف" َق ِل ٌق، وأشجا ُر األسى يف ُمهجيت تنمو تأس ُف فماء سقاتهن ُ وإذن.. كل ُّ سأعلن أن َّ ُ ختل ٍق مل ينبثق من راح ّ يت مزي ُ َّف! الريح أنثى ُخ ْن ُتها سأقول :إن َ ْ فمضت َتدو ُر على البال ِد ُ وتعصف ُ كس���رت ِجرا َرها هذي وأق���ول إن���ي ق���د السماء، َّ نز ُف عام َت ِ فكل ٍ ُ احلقيقة قب َلهم وصلت إىل حتى ِ َحبواً، ُ وه ْم ساروا.. ومل يتوقفوا.
قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة
يف غرفة التحقيق
رمضان عبداهلل بوخيط
كان جياه���د ك���ي يرفع جفون عينيه حمدق���ا يف ج���دار الغرفة اخلالي���ة من األكس���جني بفعل الرطوبة العالية. تكرر السؤال للمرة الثانية: _مارأيك يف البنية التحتية؟... ح���دق يف وجه احملقق املمصوص كثعب���ان جائ���ع ،وح���رك فك���ه األسف جميبا: _ معدوم���ة ...ال توج���د بني���ة حتتية وال فوقية!!! _س���نأتي عل���ى البني���ة الفوقية الحقا ...أجبين على السؤال... _ ي���ا س���يدي البني���ة التحتي���ة ال يهت���م به���ا أح���د ...فه���ي مث���ل الناس املهمش�ي�ن ...مثل شوارعنا اخللفي���ة ،منس���ية ،االهتم���ام فق���ط منص���ب عل���ى امليادي���ن والش���وارع العريض���ة ...أعم���دة الض���وء الباه���رة عل���ى اجلانب�ي�ن وأس�ل�اك اهلات���ف املس���تقيمة متواصلة والطري���ق يلمع كأنه مده���ون بالزي���ت ،هن���اك حي���ث مترق س���يارات األكابر حديثي النعمة!!!... بان���ت عل���ى وج���ه احملق���ق خيبة األمل يف احلص���ول على إجابة...
رمى بالقلم ومزق الورقة للمرة الثانية ...وحرج من الغرفة... سقطت جفونه من جديد لتطفئ ومي���ض عيني���ه ...أخذت���ه س���نة من نع���اس لذيذ وهو مس�ت�رخي عل���ى املقعد احلش�ب�ي بعد ليلتني مل ي���ذق فيهم���ا الن���وم ...داهم���ه حل���م ...رأى أفعى جتوب ش���وارع املدينة ...متت���ص عيون األطفال يف الش���وارع اخللفية وختتفي يف بالوعاته���ا املفتوحة أبدا ...ش���اهد يف املي���دان أحده���م ين���زل م���ن سيارته املزينة بالرسوم واألعالم رافع���ا ي���ده عل���ى إذن���ه "بالنقال" قائ�ل�ا _:نعم س���يدي كل ش���يء يس�ي�ر على م���ا ي���رام ...الش���وارع نظيف���ة ...امليادي���ن ترف���رف من فوقها األعالم واألضواء الكاشفة تبه���ر امل���ارة واحلش���ود جاه���زة لالنط�ل�اق عن���د س���اعة الصف���ر لالحتفال بعيدها!!! انتف���ض من عل���ى املقع���د ...فتح عينيه ...وج���د الرجل املمصوص يقف أمامه صارخا بوجهه: _ قمح���رك رجلي���ك واط���رد النعاس... وبلهجة مغايرة سأله _:ما رأيك
بأسواق االنفتاح؟!!! حار يف اإلجاب���ة ...صمت ...كرر عليه السؤال بصورة أخرى... _ أقص���د ه���ذا النش���اط الفردي الذي ميث���ل حرية املس���تهلك يف اختيار ما يريد؟!! _ عظي���م ...ه���ذا التن���وع يف العرض!!! _ ماذا تقصد؟ _ أقص���د أن���ه اختص���ر املس���افة احلضاري���ة مبعرف���ة كل ه���ذه املعدات واملواد االستهالكية اليت تهم املواطن واملستهلك... _ مل أفهم بعد هذه اإلجابة... _ أقص���د أنه���ا نقل���ة حضاري���ة ملعرف���ة م���ا ي���دور حولن���ا ...هذه النقل���ة وف���رت عل���ى املواط���ن املعان���اة باكتش���اف حاجت���ه بسهولة العرض... علق احملق���ق _ :أجابة مراوغة... بل أظنها ساخرة... بص���وت خاف���ت علق اآلخ���ر :هي يف الواق���ع إجاب���ة تالئ���م أف���كار أصحاب البنية الفوقية!!! أقف���ل احملضر وأش���ر بعب���ارة_ : يع���اد التحقي���ق معه م���رة أخرى غدا!!!
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
31 ُعوِدي َ اآلن
متاح هدى علي سالم مبتاح القادم قلق يلفح الشوارع.. يرتكب النهار جميئه فتضوع األزقة بالتعب وبضجر العابرين ترتدي ساديتها. مبتاح اللحظة مدينة موبوءة باتساع الوقت ...وضيق ذات اجليب فيها نقرتف االنتماء وفينا حترتف الالمباالة. مبتاح القلب وجه حاضر يغيب وحزن لناظره قريب. مبتاح الليل عشاق على باب القلب يرتبون السؤال ويبعثرون اخلجل. مبتاح القصيدة شعراء خذلتهم األجبدية ليل وسادته البكاء وجادته البقاء. مبتاح شاعر امرأة مل متنح ضوءها األخضر وقصيدة بعد مل تكرب وخيبة قليلها أكثر.
مبتاح الغد أنا وأنت... هل تنتظر أحداً؟!
مجعة الفاخري
ة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /قصة /
احلديقة ب���دا حائري���ن ،ومل يعرف���ا كي���ف يرتبان اخلامتة بشكل حضاري ،أخريا قررا وضع حد لفرتة اخلطوبة اليت مل تدم سوى شهر واحد ،يف ردهة فندق فئة محس جنوم. خل���ع خ���امت اخلطوبة من بنص���ره األمين ووضع���ه أمامه���ا بع���د أن احتس���ى فنجان قه���وة بدون س���كر ،فيم���ا مل تلمس كوب عصري الربتقال. صدفة ،وعل���ى أحد مقاع���د حديقة عامة ويف مساء خريفي ،التقيا بعد أربعني عاما. تراكم���ت التجاعيد عل���ى رقبتها وظاهر كفيها ،أما هو فقد نصف أس���نانه وتآكل النص���ف املتبق���ي ج���راء تدخ�ي�ن التب���غ واحتساء القهوة السوداء بدون سكر. أخربها أنه أجرى عملية على "الربوستاتا" ويعان���ي م���ن داء املفاص���ل ،وأخربت���ه أنه���ا استأصلت أحد ثدييها وتعاني من القولون. سألته :هل..؟ وأنت؟ أجاب :كالِ ، قالت :وأنا أيضا ...مل أتزوج. ش���عرا ب�ب�رود املس���اء ،نهضا ،س���ارا معا عرب مم���رات احلديق���ة املتعرج���ة كصديقني قدميني.
فتحي نصيب
ُي َل ِّط ُخ ُص ْب َح لهَ ْ َف ِت َنا الخْ ِ ُ الف وَيجَ ْ ُثو فيِ َمآ ِقي َنا اِ ْعترِ َ ُ اف اغ ُت ُنا َ كَأ َّن ُه و ْ َج ُه َم ْو ٍت ُي َب ِ بََأ َّن الحْ ُ َّب آ َذ َن ُه ْان ِص َرافُ َ كَأ ِّني َع ْن ِك بحَ َّ ا ٌر َت َنا َءى الض َف ُ َع ِن ُّ آن َخا َن ْت ُه ِّ اف الش َط ِ ينْ ْ ََ كأ ِّني َتا ِئ ٌه َب َ ال َف َيافيِ ُي َز ْغ ِر ُد يف أَ َغا ِني ِه ْارتجِ َ ُ اف َات َّ َت َش َّر َد يف َس َراب ِ الت َجافيِ َو َت ْك ُذ ُب ُه َ األ َما ِن ُّي ْال ِع َج ُ اف يمَ ُّ ُد ِل َغ ْي َم ٍة َظ ْمَأى َي ِقي ًنا َف ُي ْم ِط ُر يف أَ َما ِني ِه الجْ َ َفافُ َ كَأ َّن ِك ِح َ ني تحَ ْ َت ِض ُن الحْ َ َنايَا يك ْان ِع َط ُ َه َوا َنا ِّ اف الط ْف َل ي ُْغ ِر ِ َ وح َس ْو َس َن ٍة تمَ َ َ اه ِت كَأ َّن ِك ُر ُ َاك َر َها ْاق ِت َط ُ ات ب َ َم َع َّ اف الن َس َم ِ كَأ َّنا ِح َ ْ َ اق ني َنف ُر ُغ من ِع َن ٍ اغ ُت لهَ ْ َف َن ْش َو ِت َنا الخْ ِ ُ الف ُي َب ِ ْ ْ َ َ َ َ َ ٌ اب .. كذ ٌ ِب َنا اختلفت َم َسافات ِ اآلن ؛ مل َي ُك ِن ْاخ ِت ُ َف ُعو ِدي َ الف !..
32
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
االخ�ي�رة يف امللحق
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
33
34
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
35
36
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
37
38
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
ميادين الفن خليل العرييب
ميادين الرياضة
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013
أمحد بشون
كلمة العدد فتحي علي الساحلي
39 23 11
السنة الثالثة -العدد ( 27 - 21 ( - ) 106مايو )2013