سؤال الكيان

Page 1

‫يوزع هذا الكتاب مجان ًا‬ ‫مع العدد ( ‪ )10‬من مجلة املستقل‬





‫راهنيّة التأويل‬

‫ســؤال الكيـان‬ ‫تأليف‪ :‬عبد المنعم المحجوب‬ ‫الطبعة الثانية‬ ‫© جميع الحقوق محفوظة‬ ‫مجلة‬ ‫أسبوعية سياسية شاملة‬ ‫طبع في إبريل ‪2015‬‬ ‫مطابع األهرام‬ ‫جمهورية مصر العربية‬ ‫المدير الفني وتصميم الغالف‪ :‬سامح الكاشف‬ ‫اإلخراج الفني والتنفيذ‪ :‬أحمد نجدي‬


‫المحتويات‬ ‫تقديم‬

‫‪....................................................................................‬‬

‫‪9‬‬

‫‪ 1‬ـ «ما» الكيان‪ ..‬الترسيس شبه المتعالي للتخوم بين‬ ‫الوجود والحضور ‪17 ..........................................................‬‬ ‫ـ حاشية ‪29 ....................................................................‬‬ ‫‪ 2‬ـ الكيان بوصفه إرادة ‪33 ..................................................‬‬ ‫‪ 3‬ـ الكيان والتاريخ ‪45 .........................................................‬‬ ‫‪ 4‬ـ سوق الكيان ‪59 ..............................................................‬‬

‫خاتمة‬

‫‪...................................................................................‬‬

‫‪63‬‬

‫‪................................................................................‬‬

‫‪69‬‬

‫هوامش‬



‫في تجديد ذكرى الفارابي‬ ‫سع ًيا (بعبارته) إلى‪« :‬مدينة الجماع ّية‪ ..‬مدينة األحرار»‬ ‫حيث «ال أحد أولى بالرئاسة من أحد»‪.‬‬



‫تقديم‬ ‫ُ‬ ‫اإلمكان جز ًءا من استعادة أفالطون ّية كون ّية‬ ‫‪ 1‬ـ إلى أي حدّ أصبح‬ ‫المدْ َونَات االجتماعية؟ وفي صيغة‬ ‫للمعرفة غير المدرجة في َ‬ ‫أخرى‪ :‬إلى أي حدّ ـ ضدّ الممكنات الراديكالية ـ أصبح الكيان‬ ‫مفترض؟‬ ‫نمط ًيا ومشدو ًدا إلى مثال‬ ‫قياسي َ‬ ‫ّ‬

‫ً‬ ‫بروتوكول أخالق ًيا للتغ ّير أصبح سائدً ا في العالم‬ ‫ثمة انطباع بأن‬

‫معزز بأدوات تعويم الخصوصيات الثقافية‪ ،‬وتنميط‬ ‫وهو ّ‬ ‫االستجابة‪ ،‬والتشريع للمستقبل الكوسموبوليتي‪ ،‬وإنجازات‬

‫النص التش ّعبي واللغة الواحدة‪ ،‬في مقابل اإلرادة وإثبات الذات‪،‬‬ ‫ومتر ّية العالقة باآلخر‪ ،‬والشجاعة من أجل اإليثوس القومي‪،‬‬

‫والجهاد في سبيل الوجود‪ ،‬وغيرها من تقاليد الثورة وتحقيق‬

‫الذات والبحث عن األفضل‪.‬‬

‫إن هذا البروتوكول العملي ال يستند إلى فلسفة قوية‪ ،‬ولكنه‬ ‫‪9‬‬


‫يتم ّيز ـ في مقابل ذلك ـ بقدرة وقابلية تشميل ّيت ْين تستطيعان‬

‫توظيف الفلسفة لصالح تسويغ أثره وما ينتج عنه من تواضعات‬

‫تنعكس ـ والبد ـ على مجمل النصوص ووسائط التفكير التي‬ ‫وتنمطها‪ ،‬وتنتج ـ‬ ‫تتناوله بالبحث والتساؤل‪ ،‬وتح ّفز االستجابات ّ‬

‫بالتواتر والتراكم ـ أمثلة متعالية وشبه متعالية‪.‬‬

‫لقد تضاءلت المراحل والفترات والعهود واألزمنة إلى الدرجة‬

‫قياسا بالنسبة لـ«اآلن» والـ«هنا»‬ ‫التي يمكن لنا أن نعدّ فيها التاريخ ً‬ ‫ً‬ ‫عابرا للسيرورات االجتماعية الدقيقة التي يضعها المؤرخ‬ ‫اختزال ً‬ ‫على رأس مقدّ مات بحثه‪.‬‬

‫إن العالم يجابه ْنزع الخصوصيات ال بافتقاده المتسارع للسمات‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫الثقافية التي تميز كل جزء منه‪ ،‬فقط‪ ،‬بل بتنميط إدراكنا للزمن ً‬

‫فوهة سوداء لمستقبل‬ ‫األزمنة االجتماعية آخذة في االنصهار في ّ‬

‫مرتدّ يحاكي مسار «البوميرانغ» اسمها التاريخ العام‪ .‬لقد أشار‬ ‫الفصل بين التاريخ والتاريخ العام‪ ،‬ويبدو أن‬ ‫فوكو إلى إشكالية ْ‬

‫هذه اإلشارة تتأكّد في أكثر من ح ّيز تاريخي‪ ،‬وتتصل بأكثر من حقل‬ ‫من حقول التداول المعرفي‪ .‬وقد يكون من المجدي في الفصول‬

‫القادمة إعادة طرح هذه اإلشكالية بالنسبة للعولمة التي تتبدى‬ ‫ً‬ ‫اختزال للسيرورات االجتماعية المنفصلة‪ ،‬وبوصفها‬ ‫بوصفها‬

‫توضي ًعا جديدً ا للتاريخ الشامل‪.‬‬

‫‪10‬‬


‫‪ 2‬ـ ال يمكن إغفال السيرورات االجتماعية ونحن نقرأ التبدّ الت‬ ‫المحيطة بالكيان بأبعاده العديدة‪ ،‬فمشهد الكيان في حد ذاته‬

‫ليس إال التبدّ ي الخارجي لهذه السيرورات‪ ،‬وأي محاولة‬

‫لنزع فكرة وجوده عن فعلها المتواصل سوف توقعنا في‬

‫نموذجا‬ ‫شرك المثالية التاريخية‪ .‬إننا نجد في هذا الفعل‬ ‫ً‬

‫للصيرورة‪ ،‬للكينونة الراهنة‪ ،‬لنقل للراهن ّية‪ ،‬ذلك يعني‬

‫نموذجا تأويل ًيا لمحاوالتنا الدور ّية ونحن‬ ‫أيضا اعتمادنا‬ ‫ً‬ ‫ً‬

‫نقرأ وقتنا‪.‬‬

‫يفضل بعضنا وصفه بالمثالي‪ ،‬أو حتى‬ ‫ذاتي‪ ،‬وربما ّ‬ ‫هذا النموذج ٌّ‬

‫بالتح ّقق االجتماعي لأليدوس القومي‪ ،‬لكن ذلك ال يحول دون‬ ‫المضي في التشديد الضروري على أن المثالية التاريخ ّية‪ ،‬بقدر‬ ‫ّ‬

‫ما تنجح في تعميم تجريداتها‪ ،‬بقدر ما تعزل الكيان عن راهن ّيته‬ ‫وفعل ّيته‪.‬‬

‫إننا في الحقيقة في حاجة إلى توطين المفهوم أكثر مما تعوزنا‬

‫الز ْد َوجة المعتادة في‬ ‫مفهمة الكيان‪ ،‬لذا يرى الكاتب أن ّ‬ ‫توضيع هذه المسألة إنما تعود إلى أسباب تمهيدية وتوصيفية‪،‬‬

‫أكثر مما تقتضيها الضرورة الفكرية الجا ّدة‪ ،‬وإني ألرجو‬

‫أن ينسحب هذا التنويه على مجمل ما سي ّطلع عليه القارئ‬ ‫‪11‬‬


‫في الصفحات القادمة التي تعتمد على التوازن بين المفهمة‬ ‫والتوطين في رؤية الكيان‪.‬‬

‫مالحظة‪ :‬هذه الرؤية قابلة في بعض انعطافات النّص إلى التل ّبس‬

‫بطابع الرؤيا‪ ،‬ألجل أنها تمتح منها حافز التقدّ م إلى األمام‪ ،‬دون‬

‫أن يسودها هذا الطابع‪ ،‬كما آمل‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ إذا عبرنا من سماء المفاهيم إلى مواطن تشكّلها‪ ،‬علينا‬

‫هنا أن نفكّر ما إذا كانت الصيغ المتعدّ دة والمتراكمة‬

‫للعولمة سب ًبا في مثل هذا العبور الدّ ْوري‪ .‬وربما علينا‬ ‫أن نستدعي التمفصالت التاريخية الكبرى لنقارن على‬

‫تكونات منفصلة‪:‬‬ ‫حواف‬ ‫المتوسط بين تاريخ ورؤى ثالثة ّ‬ ‫ّ‬

‫هلنيستية‪ ،‬يهودية ـ مسيحية‪ ،‬وإسالمية‪ .‬إن مساراتها بقدر‬ ‫تأسسها على أنماط منفصلة من‬ ‫ما تبدو مستق ّلة في ّ‬

‫متماس ٌة ومشتركة‬ ‫«اإليثوس القومي التاريخي»‪ ،‬بقدر ما هي‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫انعطاف متداخل‬ ‫في تحويل الكيان العالمي إلى حقل‬ ‫تتحول «الحكايات‬ ‫االعتبارات ومتّصل النهايات‪ ،‬بحيث‬ ‫ّ‬

‫التأسيس ّية الكبرى» ـ كما يسميها جان فرانسوا ليوتار ـ‬ ‫ٍ‬ ‫«سرد» متواتر‪ ،‬لتواجه فناءها الحتمي ضدّ إرادتها‪،‬‬ ‫إلى‬

‫وتعلن بالمحصلة انكفا َء الخطابات إلى وحدات خطابية‬ ‫َ‬ ‫واختزال الظاهرة في الحدث‪ ،‬أي تنميط مرجع ّية‬ ‫ب ْين ّية‪،‬‬ ‫‪12‬‬


‫التحوالت في العالم‪ .‬وربما من هذه الجهة ينبغي علينا‬

‫أن نرتّب لنا موق ًعا جانب ًيا جديدً ا لقراءة ونقد األصوليات‬

‫الحديثة التي تتنازع العالم اآلن‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ نحن إذن ـ في هذا الوقت‪ ،‬مثلما في كل وقت آخر ـ مجبرون‬ ‫على الوقوف أمام كيف ّيات مفترضة لرؤية ومعالجة التبدالت‬ ‫التاريخية واستكناه ُس ّل ِمها العام‪ ،‬بالرغم من أن القناعة تسكننا‬

‫بأن ال معيار مطل ًقا يمكن له أن ين ّظم قراءتنا‪.‬‬

‫إن السؤال األساس الذي يمكن لهذه القراءة أن تنبني عليه هو‪:‬‬ ‫إلى أي حدٍّ تتمكن هذه الـ«نحن» من مقاربة النموذج التداولي‪،‬‬

‫صحة‬ ‫أو المثال القياسي المفترض؟ وثمة سؤال مستبطن هنا‪ :‬ما ّ‬

‫تمثيل أنفسنا كجزء من تاريخ النماذج التاريخية‪ ،‬دون أن نتخلى‬ ‫عن ُعزلتنا المنهجية؟‬

‫لهذا السؤال جينولوجياه الخاصة‪ً .‬‬ ‫أول ما المدى الذي نتمكّن‬

‫فيه من استخدام كلمة «نحن» ببساطة اإلشارة‪ ،‬أي دون أن نلجأ‬

‫لمحدّ دات تعريفية من خارج مفهوم الـ«نحن» هذا؟ ثم ما المدى‬

‫المشترك بين ما ندعو له (أو ندّ عيه) من نماذج تاريخية وبين ما‬ ‫ب‬ ‫نجده أمامنا كنموذج وحيد ذي فرادة منهجية‪ ،‬ولكنه سائدٌ متغ ّل ٌ‬

‫على جينولوجيا األفكار وتضاريس االبستمولوجيا وانفتاحات‬ ‫النص والمدْ َونات التأريخية؟‬

‫‪13‬‬


‫‪ 5‬ـ إن المفاهيم ليست الجزء الوحيد الذي تنتمي إليه األفكار‪،‬‬ ‫األفكار تصنعها األحداث‪ ،‬الوقائع‪ ،‬قابليات التبدّ ل من طور‬

‫إلى طور‪ .‬أي أن األفكار هي صنيعة الزمن‪ ،‬ال بحكم اشتراط‬ ‫الميقات‪ ،‬ولكن بفعل تجاوزه‪ ،‬أي باختراق جدار اللحظة التي‬

‫يسعى سياسيون ومفكرون إلى تأبيدها‪ .‬إن كل فكرة هي نبوءة‬ ‫إذا تس ّلخت عن قاعدة حرق المراحل (هنا ـ اآلن)‪( ،‬التي تعتبر‬

‫تصورية أو منطقة أولى ‪ Scola‬للتغيير)‪ ،‬وذهبت باتجاه‬ ‫عتبة ّ‬

‫التكون «هنا»‬ ‫استكناه الما بعد‪ ،‬أي بالمحافظة على فضاء‬ ‫ّ‬

‫لتمر إلى طوره الجديد‪ ،‬التالي‪ ،‬المحتدم وربما المجهول‪ ،‬أي‬ ‫ّ‬

‫«و َب ْعدْ »‪ .‬نحتكم إذن ـ في الفصول القادمة ـ إلى هذه المعادلة‬ ‫َ‬ ‫الثورية‪« :‬هنا ـ وبعد»‪)1(.‬‬

‫َ​َْ‬

‫ٍ‬ ‫تحتية من التفكير في الثورة نتوقف عند اعتبار أن‬ ‫‪ 6‬ـ في طبقة‬ ‫التم ّثل األيديولوجي المدرسي ُيلزمنا بالمبدأ القديم المتمثل‬ ‫ٍ‬ ‫صوغه‪،‬‬ ‫في حرق المراحل‪ ،‬وبقدر ما َن ْع َمدُ بإرادة إلى إعادة ْ‬ ‫برغبة تجاوزه‪ ،‬بقدر ما نركن إلى إعطائه صيغة أخرى مختلفة‪،‬‬ ‫إنه استدعاء اضطراري؛ ألننا من الناحية العملية سوف نتوقف‬

‫باستمرار عند التنويعة الهامة التي أشاد بها ألتوسير في رصد‬ ‫األنظمة الفكرية ترصدر‬

‫التي ال مجال للبت بقطيعتها مع غيرها‪ ،‬أو بانقطاعها عن السياق‬ ‫‪14‬‬


‫الذي ُولدت فيه؛ الفارق بالطبع ـ بقدر ما هو أيديولوجي ـ هو‬

‫على نحو أوضح فارق تقني ذو صلة ببحث تبدّ الت نصف‬ ‫قرن من دراسة األمثلة‪ :‬الفوضوية (الالسلطوية)‪ ،‬الماركسية‪،‬‬

‫تلمس موت العولمة‬ ‫الليبرالية‪ ،‬والرأسمالية؛ ثم على األخص‪ّ :‬‬ ‫كمرحلة قادمة مازالت أجنتها تتخ ّلق وتتكون في جيوب طرف ّية‬ ‫في العالم‪.‬‬

‫‪ 7‬ـ نستلهم هنا أنساق التحوالت‪ ،‬وتو ّطناتها المؤقتة في األشكال‬ ‫االجتماعية والتاريخية والثقافية‪ ،‬واتصال هذه األنساق بماهية‬

‫وشروط الكيان‪ ،‬ونستلهم مشهديته العامة كما تنعكس في‬ ‫وأخيرا األساطير التي ّ‬ ‫تغذي‬ ‫نصوص مختلف المراحل‪،‬‬ ‫ً‬

‫استمراره وتمنحه الجرأة على إعالن الفرادة والتم ّيز والجهاد‬ ‫ضد غيره من تبدّ يات الكيان‪ ،‬ونخلص إلى الدفاع عن موضوعة‬

‫وتلح التحوالت على أسبابها‪ ،‬أعني‪:‬‬ ‫قديمة تواصل حضورها‪ّ ،‬‬

‫التحول»‪ ،‬التي نستطيع أن نقرأ صيغتها النبوئية في‬ ‫«ديمومة‬ ‫ّ‬

‫طاوي قديم‪ ،‬وربما نجد تجريدها المضاد في شعار‬ ‫مبدأ‬ ‫ّ‬

‫«الثورة الدائمة»‪ ،‬ولكنها باألساس ليست سوى صورة من‬ ‫صور «التدافع»‪ ،‬هذا المفهوم كما و ّطنته المنظومة اإلسالمية‬ ‫ضمن أطياف تأويلية متعدّ دة‪.‬‬

‫إن هذا «التوليف» بين الخطابات على اختالف األزمنة واألمكنة‬ ‫‪15‬‬


‫هو أحد آليات وأساليب قراءة التاريخ العام‪ ،‬في محاولة الستكناه‬ ‫المجردة‬ ‫التحول‪ ،‬الصيغة‬ ‫ما قد نتفق على تسميته هنا «أيدوس»‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لـ«الال ثبات»‪ ،‬الذي ينتج من خالل تفاعالته االجتماعية والثقافية‬ ‫ً‬ ‫مستقل‪.‬‬ ‫ُرصد بوصفها كيانًا‬ ‫حضار ًة ت َ‬

‫‪16‬‬


‫(‪)1‬‬

‫«ما» الكيان‬ ‫الترسيس شبه المتعالي للتخوم بين الوجود والحضور‬



‫«متى كانت المدينة كامل ًة تسقط منفعة هذا القول»‬ ‫ابن باجة‪ ،‬تدبير المتوحد‬

‫‪ 1‬ـ إذا كنا سنفترض منظومة محدّ دة يصدر عنها مفهوم الكيان‬

‫سنقول أنه يصدر عن التشميل األيديولوجي التداولي لمجمل‬ ‫الفعاليات‪ ،‬وما أنجزه تراكمها من مسارات وأنساق ُينظر إليها‬

‫بوصفها متواطئة ومتظافر ًة إلنتاج تاريخها الخاص‪ .‬فالحديث‬

‫عن الكيان هو بقدر كبير حديث عن التاريخ‪ ،‬أو باألحرى عن‬

‫نمط من أنماط تأويل التاريخ‪ ،‬أي باستباق التسويغ في تداول‬ ‫ٍ‬ ‫لتعاقد عام عليها؛ إنه حديث عن‬ ‫معرفة التاريخ‪ ،‬ال نتيج ًة‬

‫المتكونة‬ ‫الخصوصية ال عن المشترك اإلنساني‪ ،‬عن األحق ّية‬ ‫ّ‬

‫كصورة أول ّية ال عن الحق‪ ،‬عن مستوى من إعالء الذاتية‬ ‫بوصفها نف ًيا لآلخر‪ ،‬ال عن مفهوم الذاتية بوصفها اكتشا ًفا‬ ‫قابل للتجدّ د يمنحها ديمومة الحضور في العالم‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫فضل عن‬

‫مجرد الوجود فيه‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫دائما من عالقة الوجود بالحضور ليكون‬ ‫‪ 2‬ـ يمكننا البدء ً‬ ‫في مكنتنا تحديد لحظة الكيان‪ ،‬فالحضور شرط وجود‬

‫تصور كيان م ّيت إال بقدر ما ال نتصور‬ ‫الكيان‪ ،‬وال يمكننا ّ‬ ‫قابلية حضوره‪ ،‬أي عطالته‪ ،‬على أننا نقول لحظة الكيان‪،‬‬ ‫ألن ما نستطيع موضعته على الدوام ليس سوى شكل‬

‫من أشكال الكيان‪ ،‬ومظهر من مظاهر تح ّيناته‪ .‬فما الذي‬ ‫يحضر؟ وما مدى راهن ّية هذين «الحدّ ين»‬ ‫يوجدُ ؟ وما الذي‬ ‫ُ‬

‫(الوجود والحضور) وهما متساويا اإلمكان؟ وهل‬

‫عالقتهما تضافر ّية‪ ،‬أم أنهما ـ على العكس من ذلك ـ‬

‫يتأرجحان على طرفين نقيضين‪ ،‬كلما ُص ّعد أحدهما في‬ ‫ٍ‬ ‫متعال‪ ،‬كلما مورس خ ْف ٌض على‬ ‫التداول بوصفه شبه‬ ‫اآلخر مثل صنجتي ميزان ال تتزنان؟ وهل تحديد مفهوم‬ ‫الكيان ّ‬ ‫يظل غال ًبا على تحديد كيان الكيان‪ ،‬بغض النظر‬

‫عن التبدالت التي تجعل من شكالنية الكيان معطى أول ًيا‬

‫ال يمكن تجاوزه لتحديد الكيان؟ وباختصار‪ :‬ألسنا مقبلين‬

‫على اشتراع مفارقة جديدة كلما جئنا إلى هوية الكيان؟‬

‫وأننا وراء مفهوم الكيان نواجه على الدوام تلك التبدّ الت‬ ‫غير المرتقبة؟ ونتعامل معها وقد ح ّلت ً‬ ‫بديل عن كيان‬

‫مفترض‪ ،‬يتراجع بدوره بينما ينجح شكل من أشكاله‬ ‫‪20‬‬


‫فقط في الظهور كاختزال له؟ لكن أال يكون ذلك الشكل‬ ‫الوحيد من أشكال الكيان هو ـ آخر األمر ـ الحقيقة اليتيمة‬

‫لوجود الكيان نفسه‪ ،‬وأن ما عداها إنما هو استيهام ينتج‬ ‫عن عمليات متّصلة من اإلعالء!‬

‫‪ 3‬ـ إن استباق التسويغ واألحقية ونفي حضور اآلخر في فهم‬ ‫الكيان هي «عمل ّيات» تصبح فيها الذات مرجعي َة ذاتِها‪ ،‬فتُطابق‬ ‫بين األيدوس والعالم الذي يقع تذويته‪ ،‬أي تتم موقعته من‬ ‫مبدأ الذات وضمن حدودها‪ ،‬ال بفعل انتهاء العالم إلى الذات‬

‫بقوة وجودها في محيطه‪ ،‬ولكن ٍ‬ ‫بفعل استيهامي يحيل حضوره‬

‫إلى وجودها‪.‬‬

‫احتياز‪ ،‬أما الحضور في العالم فهو‬ ‫‪ 4‬ـ الوجود في العالم‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫تفعيل‪ ،‬هو تحويل الحيوز الشخصية والجماعية إلى‬ ‫مجاالت مشتركة‪ ،‬ربما كان امتياز تراث التنوير انه انتهى‬

‫إلى تذويت الح ّيز‪ ،‬وتحويل الفضاء العام إلى امتداد طبيعي‬

‫للفضاء الذاتي غير الطبيعي ـ طالما أن الطبيعي هنا هو‬ ‫االجتماعي‪ ،‬أي المتم ّيز باشتراكه‪ ،‬ال بانطوائه أو إضماره‬ ‫أو فرادته ـ إال أن الصدمات التي بعثها نقد الحداثة وتراثها‬

‫التنويري ّ‬ ‫تكشفت عن النهايات «المقول ّية» (نهاية اإلنسان‪،‬‬ ‫‪21‬‬


‫نهاية التاريخ‪ ،‬نهاية األيديولوجيا‪ )... ،‬والتي يمكن إحالتها‬

‫إلى صيغة من االكتمال تصطدم بها قدر ّية عصر التنوير‪،‬‬

‫بفعل التضاعف المعتمل في استبدال راهن ّية الوجود بصورة‬

‫الحضور‪.‬‬

‫إن اإلحراج المترتّب على التفكير في النهايات على هذا‬ ‫النحو تدعمه النُّقلة التليماطيقية التواصل ّية التي ب َّيأت الذات‬

‫حولت‬ ‫والموضوع ـ م ًعا ـ في مشهدية رقمية واحدة‪ ،‬والتي ّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫سيادة الطبيعة والكون‪،‬‬ ‫لوهم‬ ‫ومادة‬ ‫اإلنسان من صان ٍع‬ ‫إلى مرتهن لصورة هذه السيادة‪ .‬من صورة مادية إلى مادة‬

‫ُص َورية‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ كان تأكيد الحضور وتفعيل الوجود فعالية إنسانية أفق ّية؛‬

‫كان امتدا ًدا لمسار اكتشاف سطح األرض والهيمنة‬

‫عليه‪ ،‬وهو مسار اخترعت فكرته وردة الرياح اليونانية‪،‬‬

‫وجعله الفينيقيون ممكنًا‪ .‬وقد اكتمل هذا المسار في‬

‫ّ‬ ‫ومتوغ ًل في العالم‬ ‫القرن السابع عشر‪ ،‬منطل ًقا من أوروبا‬

‫مضاع ًفا األيكومين القديم‪ ،‬ومنتهكًا ُحجب التخوم كاش ًفا‬ ‫راسما‬ ‫أساطيرها‪ ،‬فأعاد ترتيب أبعاد الفضاء اإلقليدي‬ ‫ً‬

‫للعالم عتبته ونهايته األوروبيتين‪ ،‬وأسقط خرافة التطابق بين‬ ‫‪22‬‬


‫موضوعا‬ ‫األيدوس القومي ومجاله الحيوي‪ ،‬باعتبارهما‬ ‫ً‬

‫ً‬ ‫وشكل يعكسه‪ .‬لقد شهد مسار اإلكتشاف والهيمنة اكتماله‬ ‫العملي في أواخر القرن التاسع عشر‪ ،‬كما شهد اكتماله‬

‫محو ًل تلك العتبة‬ ‫المفهومي في أواخر القرن العشرين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ومجسدً ا تلك النهاية في المقولة االستحواذية‪:‬‬ ‫إلى مركز‪،‬‬ ‫ّ‬

‫العولمة‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ نتعامل في الواقع مع مشهد ّية الكيان‪ ،‬نستدعي تبدّ يه الشكالني‪،‬‬

‫وخارج ّيته التي ليست سوى جلودنا‪ ،‬بينما ّ‬ ‫نبث (نحن الذوات‬

‫المفردة والمونادات المؤقتة) في صورته إمالءات األيدوس‬ ‫ٍ‬ ‫متعال؛ ولكنه بقدر‬ ‫ليتحول بالتالي إلى وجود شبه‬ ‫القومي‪ّ ،‬‬ ‫التحول فإنه يتوقف عن الحضور إال من خالل‬ ‫قابليته لهذا‬ ‫ّ‬ ‫هذه القابل ّية‪ ،‬من هنا يكون التشكيك في الوجود مسألة متّسقة‬

‫تما ًما مع عطالة الحضور‪.‬‬

‫‪ 7‬ـ إن ما نتم ّثله في (وعن) الكيان هو ما نو ّد أن نحتفظ‬ ‫ألنفسنا به عنه‪ ،‬لكن ذلك ليس كل الكيان‪ ،‬إال إذا شئنا‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫معرفة نستعين‬ ‫معرفة‪ ،‬أو باألحرى استيهام‬ ‫نتوهم فيه‬ ‫أن ّ‬ ‫بها لدعم األيدوس القومي كما لو كان األيدوس وثنًا‪،‬‬

‫يستقر في معرفتنا (لغتنا) عنه تالوة مقدّ سة‬ ‫وكما لو كان ما‬ ‫ّ‬ ‫‪23‬‬


‫في طقس إنشاء التطابق بين األيدوس والواقع‪ .‬الكيان‬

‫إذن هو مجموع إحاالته التي يعتمد عليها لكي يوجد‪،‬‬ ‫وال يمكن ّ‬ ‫حل هذه القضية المتناقضة إال بالتفكير فيها‬ ‫كتغذية ارتجاعية للمفهوم الذي تصدر عنه فكرة الكيان‪.‬‬

‫ففكرة الكيان تتضاعف عبر عمليات متصلة من اإلعالء‪،‬‬ ‫ذلك يتحقق عبر تاريخ من التشميل األيديولوجي ـ عندما‬ ‫ً‬ ‫خاصة ـ ويتم تحويل‬ ‫يتع ّلق األمر باأليدوس القومي‬ ‫هذه الفكرة إلى مبدأ مؤسس للتصورات‪ ،‬وهو تحويل‬

‫شبه ميتافيزيقي‪ ،‬فتلك التصورات تنتهي بدورها إلى‬

‫أن تتحول إلى محفزات للواقع‪ ،‬وموضوع للممارسة‪،‬‬ ‫ومحتوى للخطابات‪ .‬هذا التحويل هو وحده الذي يشكّل‬ ‫امتيازا قو ًيا للكيان لكي ّ‬ ‫يحقق حضوره؛ وهو يتصل بكل‬ ‫ً‬

‫ممارسة إنسانية تقري ًبا‪ .‬هكذا‪ ،‬آخر األمر‪ ،‬ليس الكيان‬ ‫سوى استثنا ُء ما ليس هو‪.‬‬

‫‪ 8‬ـ يحيل الكيان إلى الفاعلية‪ ،‬ال الهوية‪ .‬الفاعلية تح ّق ٌق وإرادة‬ ‫تح ّقق‪ ،‬هي انتشار ال يتوقف عند اإلحداثيات الدالة على‬ ‫المجال فيصطنع له إحداثيات جديدة ليواصل تقدّ مه باكتشاف‬

‫واحتياز مناطق نفوذ جديدة‪ ،‬وإن كانت وهم ّية‪ ،‬ألنها آخر األمر‬ ‫تتشكّل وتتموضع فتمدّ حدود المجال وتمنحه ِس َع ًة‪ .‬الفاعلية‬ ‫‪24‬‬


‫إذن هي صنيعة العالقة والتقاطع واصطراع اإلرادات؛ الهوية‬ ‫رغب ُة تح ّق ٍق ال تُش َبع‪ ،‬نقط ُة ارتكاز في إحداثيات المجال‪ِ ،‬صل ٌة‬ ‫مفردة ال توجد خارج االرتباط الذي ينشأ من حركة الفاعلية‪،‬‬ ‫الهوية طفح يسبق الكيان‪)2(.‬‬

‫ٌ‬

‫قيمي‬ ‫عبر ـ ّ‬ ‫‪ 9‬ـ يختبر الكيان عمليات متصلة من التجويز تجعله َ‬ ‫الحضور‪ ،‬وغير خاضع لإلكراهات األخالقية والمنطقية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وطرح تلك‬ ‫إرادة‬ ‫مصدر‬ ‫والجمالية‪ ،‬ويصبح بين تح ّين وآخر‬ ‫َ‬ ‫اإلكراهات‪ .‬هكذا يصير الخطأ والصواب‪ ،‬الجمال والقبح‪،‬‬ ‫الخير والشر‪ ،‬والتقابالت ـ الترابطات القيمية األخرى‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وتدل عليه‪ .‬ويمكننا‬ ‫دالالته الما صدقية التي تصدر عنه‬

‫تق ّبل هذه العملية من التحويل واالستبدال باعتبارها جزءا‬ ‫من متوالية تواصلية‪ ،‬وهي فعالية عبر ـ بشرية ال تصدر عن‬

‫طرف واحد‪ ،‬إنها باختصار‪ :‬توجيه الجميع للجميع؛ لكن‬ ‫ذلك ال يحدث دون أن يكون التم ّثل الجماعي عبر ـ القومي‬

‫للكيان هو المظ ّلة التي تحمي هذه الفعالية وتتيح لها أسباب‬ ‫االستمرار والتصاعد‪.‬‬

‫‪ 10‬ـ أشكال الكيان‪ ،‬أو باألحرى الطرق التي بها يوجد ويظهر‪ ،‬هي‬ ‫مجموع متداخل‪ ،‬متّصل غال ًبا‪ ،‬وغير محدّ د ً‬ ‫أصل‪ ،‬ولكنه‬ ‫خاضع للتحيين بين نقلة وأخرى‪ ،‬ومن هنا يمكن نسبته‬ ‫‪25‬‬


‫إلى ظهور دون آخر‪ ،‬وإلى وض ٍع دون غيره‪ ،‬إذ ال يمكن‬

‫الحديث آخر األمر عن الكيان إال من مبدأ زمنيته وتاريخيته‪،‬‬

‫أي بالقدرة على تحيينه ورصد أحد أو بعض ظهوراته‬ ‫وتشكالته النسب ّية‪.‬‬

‫ٌ‬ ‫مجال ال يمكن االستحواذ عليه‪ ،‬ولكن باإلمكان‬ ‫‪ 11‬ـ الكيان‬ ‫امتالك رموزه وتوظيف دالالته‪.‬‬

‫ٌ‬ ‫مجال ال يمكن االستحواذ عليه‪ ،‬ولكن باإلمكان‬ ‫‪ 12‬ـ الكيان‬

‫تدميره بتدمير رموزه أو إضعافها‪ ،‬توهينها‪ ،‬تغيير مساراتها‪،‬‬ ‫أو استبدالها‪ ،‬وإحالل رموز أخرى وتوطينها في األجزاء‬

‫المشكّلة للكيان‪.‬‬

‫‪ 13‬ـ ال يوجد كيان مكتمل‪ ،‬الكيان هو «مجموع» أجزائه‪ ،‬هذه‬

‫األجزاء ليست حوامل مادية فقط‪ ،‬إذ بغير اإلحاالت‬

‫التي تصدر عنها وتمنحها هوياتها المفردة تصير تلك‬

‫ً‬ ‫عاطلة‪ ،‬العطالة ليست عد ًما‪ ،‬عطالة الفاعل ّية‬ ‫الحوامل‬

‫خمود وارتكاس‪ ،‬ويمكن تمثيل صورتها المادية‬ ‫بالخلية النائمة‪ ،‬فهي ح ّية بال فاعلية‪ ،‬أي أنها توجد‬

‫دون أن تكون حاضرةً‪ ،‬وفي غير هذا الوضع‪ ،‬فإنها‬

‫ً‬ ‫إحداثية لتنتقل من التجاور إلى المشاكلة‪ ،‬من‬ ‫تتح ّين‬ ‫‪26‬‬


‫التماهي إلى تحقيق هويتها‪ ،‬ومن تموقعها الصامت إلى‬ ‫انفالت أطرافها ومالمسة الجوار بح ًثا عن حدود جديدة‬ ‫ّ‬ ‫ويبث فيه االقتدار‬ ‫لها‪ .‬ذلك ما يف ّعل وجود الكيان‬ ‫والحضور‪ .‬لكن االستراتيجيات التي تندرج فيها وتتبعها‬

‫تلك األجزاء ليست نسق ّية ومنتظمة‪ ،‬إن مسارها يشبه‬ ‫مسار زوبعة في صحراء تضرب الرمل وال شيء آخر‪،‬‬

‫فهي من هذا الجانب ال «تنجز» شي ًئا‪ ،‬ولكن ما يعطي‬

‫للزوبعة شكلها المرئي ويصنع مشهديتها الضاربة ليس‬

‫سوى الرمل الساكن نفسه‪ .‬كذلك هي أجزاء الكيان‪:‬‬

‫مسارا‬ ‫في غير اللحظات التي تهجع فيها فإنها تتبع‬ ‫ً‬

‫ال يمكن التنبوء به‪ ،‬وقد يفضي بها إلى المزيد من البحث‬ ‫واالشتراع دون أن ّ‬ ‫تحقق هويتها‪ ،‬ودون أن تنتقل من‬ ‫التجاور إلى المشاكلة‪ ،‬فتعود إلى النقطة اإلحداثية‬

‫نفسها التي صدرت عنها‪ ،‬وتغرق في صمتها؛ إال أنها‬ ‫تكون أثناء ذلك ال َف ْرد وال َع ْود قد تشكّلت‪ .‬ال شيء‬ ‫أيضا يمكنه أن ُيثبت‬ ‫يمكنه أن يثبت غير ذلك‪ ،‬ال شيء ً‬

‫دائما‪ ،‬ولكنها غير ممكنة‬ ‫العكس‪ .‬إنها ممكنة الوجود ً‬ ‫الحضور بقدر ٍ‬ ‫مواز‪ .‬فما الذي تصنعه ال اتساق ّية األجزاء‬

‫هذه بالكيان؟ ربما ال شيء إذا كانت تلك األجزاء طرف ّية‬ ‫‪27‬‬


‫بالنسبة إلى مجموعها‪ ،‬أما ـ من جهة أخرى‪ ،‬وإذا كان‬ ‫مسار وح ّيز ذلك ال َف ْرد وال َع ْود متّصل اإلحداثيات ـ فإن‬ ‫تصحر الكيان‪.‬‬ ‫ما ينبغي أن نتق ّبله هو‬ ‫ّ‬

‫‪ 14‬ـ صحراء الكيان ـ مع ذلك ـ تضمر حديقة قديمة‪.‬‬

‫‪28‬‬


‫حا�شية‬ ‫‪ 1‬ـ اكتشاف الصحراء ـ لمن ال يعرفها ـ ( َمن يعرف الصحراء؟)‪،‬‬ ‫نهوض من‬ ‫يبدأ من الذات‪ .‬ليست المشاهدة عنصره‪ ،‬بل‬ ‫ٌ‬ ‫عارضا‪ ،‬ال خريطة هناك‬ ‫العمق‪ .‬واالكتشاف عادة يأتي‬ ‫ً‬ ‫عرضا‪ .‬تلتزم‬ ‫ل َت َت ّبعها بقدر ما تُت َبع العالمات التي ُيتزود بها ً‬ ‫الصحراء الصمت‪ ،‬تلك عا َدتُها‪ ،‬الناس يب ّثون العالمات التي‬ ‫يعتقدون أنها تُفصح عنها‪ .‬يستأنسون بهذا‪ .‬لكن العالمات‬ ‫تمنح نفسها‪ ،‬إذا ظهرت؛ تسقط من تلقاء نفسها بين أيدي‬ ‫الضاربين خب ًبا في الرمال‪ .‬ال يمكن تلقينها‪ ،‬ال يمكن تذكّرها‪،‬‬ ‫أو تحويلها إلى كلمات‪ ،‬إذا تحولت إلى كلمات فإن ذلك يشي‬ ‫بوالدة نبي‪ ،‬ولكن األنبياء اآلن يولدون بعد فوات األوان‪.‬‬ ‫لالكتشاف ُيبدأ من رغبة في وصول مكان ما‪ ،‬ال نهائي‪،‬‬ ‫جوهري‪ ،‬وغير مسبوق‪ ،‬مكان مرصود لشخص ما (سـ)‬ ‫يضيء حياته بأسطورة خاصة‪ ،‬مكان يصنعه النداء ً‬ ‫أول‪ .‬هو‬ ‫‪29‬‬


‫بالتوجه نحو اطالنطس الغارقة في ال أين من الصحراء‬ ‫أشبه‬ ‫ّ‬ ‫الكبرى‪ .‬هنا هي اطالنطس الداخل‪ .‬التع ّلق بها محوره الذات‪.‬‬ ‫ال كتب وال مخطوطات قديمة ّ‬ ‫تدل عليها‪ .‬التع ّلق والعالقة‬ ‫في اللغة العربية من جذر واحد‪ ،‬التعلق بالصحراء استعادة‬ ‫ٍ‬ ‫نسب مفقود‪ ،‬استدعاء عالقة قرابة‪ ،‬الصحراء فقط من يقوم‬ ‫بتوحيد السالالت‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ بقايا عظام‪ ،‬رسومات ألسماك‪ ،‬أفراس نهر‪ ،‬زرافات‪ ،‬وعول‪،‬‬ ‫(أيضا‪ ،‬طب ًعا) قواقع‬ ‫وحاد القرون‪ ،‬فهود‪ ،‬سالحف‪ ،‬بشر ً‬ ‫كبيرة‪ ،‬قواقع صغيرة‪ ،‬حطام فخاريات‪ ،‬رؤوس سهام‪ ،‬نصال‪،‬‬ ‫هاونات‪ ،‬مطاحن وأدوات حجرية أخرى‪ ،‬متناثرة في الشساعة‬ ‫الالمتناهية للرمال‪ ،‬وفي سفوح الهروج والجبال والهضاب‬ ‫واألمحال‪ ..‬ولكن أين هي الصحراء؟‬

‫هذه شواهد ذاكرة أخرى بعيدة‪ ،‬واحدة أو أكثر من الحضارات‬ ‫الالمسماة التي عبرت من هنا‪ ،‬عناصر إلعادة بعث مشهد جارف‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تداخل أزمنة‪ ،‬فوضى تاريخ لن يتصدى لكتابته أحد‪ ،‬ألنه‪ ،‬ببساطة‬

‫فادحة‪ ،‬هو الال ـ تاريخ الفذ‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ غبار‪ ،‬غبار ٍ‬ ‫لغات لم تُكتب ولن تُقرأ‪ .‬يصبح للبشر واألشجار‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫والماء والسماء لونًا واحدً ا‪ .‬الغبار‪ ،‬الجزء المرئي من الفناء‪.‬‬

‫الموت‪ ،‬وإال فبما تخبر الصحراء عن نفسها؟‬ ‫‪30‬‬


‫النظر‪ ،‬أينما ُيرى يكون هناك‪ .‬النهار يشحذ‬ ‫السراب يسبق‬ ‫‪4‬ـ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِح َيله‪ ،‬وبمشقة ُيعثر على عالمة ُت َطمئن‪ ،‬الرمال تنثال كماء‪،‬‬ ‫الوحشة أقوى من السطوع‪ ،‬والتيه أقرب‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ عالمات الليل غير عالمات النهار‪ ،‬القمر ممتلئ حتى ليكاد‬

‫يسقط‪ّ ،‬‬ ‫قش المدارات المضيء ينير السبيل‪ ،‬المسارب‬ ‫واضحة‪ ،‬والرمل البارد أكثر تماسكًا‪ِ ،‬س ْمتان متضامنان‪،‬‬ ‫ِس ْمت في األرض‪ِ ،‬س ْمت في السماء‪ .‬هذه إحدى ممارسات‬ ‫مرارا‪ ،‬الرؤية أفضل ً‬ ‫ليل‪.‬‬ ‫الرؤيا التي يعاد انتاجها ً‬

‫‪ 6‬ـ يتزودون بالعالمات ليعبروا‪.‬‬ ‫ـ َمن َيعبر الصحراء؟‬

‫عبور حاسم‪.‬‬ ‫ـ يمكن أن نجتازها فقط‪ ،‬الصحراء ذاتها ٌ‬

‫‪ 7‬ـ الصحراء هي الكون «السائل الذي ال حدود له» في حبة رمل‪.‬‬ ‫رمال في الصحراء هي فوتونات ضوء أعياها التجوال في‬

‫والشمس تسعى‪.‬‬ ‫مستقر لها‪.‬‬ ‫مدارات أزلية قبل أن تعثر على‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ف آدم‪ ،‬كم من الشموس انطفأت‪ .‬لكل آدم قصة خلق‪.‬‬ ‫إذا أ ْل ُ‬

‫ً‬ ‫ناسا وقرابين وحكايات‬ ‫إنليل‬ ‫متحول في دهور وميثيا ن ّظ ْ‬ ‫مت ً‬

‫وأرسلت شعراء واستثمرها كهنة ومستبدّ ون و َك َت َب ْت‬ ‫ومعمارا‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ليدون العالمة‪ .‬التدوين‬ ‫الرقيم ّ‬ ‫شرائع‪ .‬يا لجناية الكتابة‪ .‬كُت َ‬ ‫ب ّ‬ ‫‪31‬‬


‫ٍ‬ ‫وراثة‪ .‬كيف لرقيم أن يورث عالمة تتبدّ ل؟ هو يث ّب ُت‬ ‫شر ُع‬ ‫ْ‬ ‫قارة‪ .‬للعلم والعالمة جذر واحد‪ .‬ربما للتذكير‬ ‫والعالمات غير ّ‬ ‫دائما بهذه االستحالة‪.‬‬ ‫ً‬

‫‪32‬‬


‫(‪)2‬‬

‫الكيان بو�صفه � ً‬ ‫إرادة‬



‫‪ 1‬ـ ُيلفت النظر في تداول مفهوم الكيان أنه ال يتطابق مع شيء‪.‬‬

‫فأشدّ دعاة استعادة األمثلة التاريخية وأعتاهم نصر ًة إلعادة‬ ‫إحاللها في الواقع وتوطينها إنما يقومون بتم ّثل كيان‬ ‫مجرد‪ .‬هذه العملية التجريدية ت ِ‬ ‫ُفقد الكيان أهم أسباب‬ ‫ّ‬ ‫حضوره‪.‬‬

‫الطرف المقابل لهؤالء هم الذين يطابقون بين الواقع في راهنيته‬ ‫وبين مفهوم الكيان‪ .‬وهؤالء ال يقومون إال بتسطيح المفهوم‬

‫عما يسببه المفهوم من‬ ‫ليندرج في آلية برغمات ّية تداول ّية تغفل ّ‬ ‫إحراجات منطقية‪.‬‬

‫الطرفان من جهة معرفة الواقع وسيرورة التاريخ ال يختلفان‬

‫كثيرا‪ ،‬بل يشتركان في السمة التي تجعل من تمثالتهما الفكرية‬ ‫ً‬ ‫محض منطقة رماد ّية ال يمكن لمفهوم الكيان أن يتو ّطنها دون‬

‫مكوناته ودون أن يعيد تشكيل نفسه ليستجيب‬ ‫أن ُيصاب في ّ‬ ‫لتم ّثل دون آخر‪ .‬األول يريد للراهنية أن ترتدّ إلى أسبابها وعالتها‬ ‫‪35‬‬


‫ً‬ ‫مجال مختل ًفا منقط ًعا عن هذه‬ ‫القديمة‪ ،‬والثاني يريد لها أن تتب ّيأ‬

‫األسباب‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ لعل أفضل توصيف فينومينولوجي للكيان هو أنه وعا ُء‬ ‫تصور كيان يعي (من وعاء)‬ ‫تبدّ ي الفاعلية‪ ،‬إذ ال يمكن‬ ‫ّ‬ ‫قيمة صفر ّية‪ ،‬قيمة مطلقة‪ ،‬أو تصوره بفعال ّية محضة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫محضا‬ ‫مجال تداول ًيا‬ ‫متعالية‪ .‬كما ال يمكن تصوره يعي‬ ‫ً‬ ‫والتحول إلى‬ ‫مفر ًغا ـ بدعوى الراهن ّية ـ من قابل ّية التأويل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫موضوع عبر ـ تاريخي‪ ..‬نحن في حاجة دائمة إلى التأكيد‬

‫على التصعيد شبه المتعالي للكيان في مقابل حركتين من‬

‫الخفض أو السلب‪ :‬األولى تستهدف الكينونة المحضة‬

‫المتعالية بشكل مطلق (التي يمثلها التيار األول ويمكننا أن‬ ‫نرى صداه يتردد بين طيف من األصوليين الجدد بمختلف‬

‫أطيافهم وظهوراتهم كما في الوطن العربي والهند والصين‬

‫ومفكري األقليات‪ ،‬على السواء)‪ ،‬والثانية تستهدف‬

‫التفريغ البرغماتي‪ ،‬التداولي‪ ،‬األداتي والتواصلي (كما‬ ‫يتبناه اإلصالحيون الليبراليون واإلصالحيون القوميون‬

‫واإلصالحيون الدينيون‪ ،‬على السواء)‪.‬‬

‫إن هذه النُّقلة في ترتيب فهم الكيان تعني أن راهنية‬

‫الكيان إنما هي قدرته على اعتواء شبه المتعاليات‪ .‬إن‬ ‫‪36‬‬


‫توسط بين المثال وإرادة المثال‪ ،‬بين‬ ‫شبه المتعاليات هي ّ‬

‫األيدوس والطموح إليه‪ ،‬ذلك يعني العملية االجتماعية‬

‫وسيرورة التاريخ المرفوقتين باإلحالة إلى فاعلية قومية عبر‬ ‫َ‬ ‫إمكانية االنتساب‬ ‫أيضا ما يمنحنا (كأفراد)‬ ‫التاريخ؛ ذلك ً‬ ‫وأخيرا ذلك ما يجعله ينخرط‬ ‫إلى الكيان‪ ،‬وقدر َة تم ّثله؛‬ ‫ً‬ ‫في مياومتنا فيساهم في تشكيل إراداتنا وتم ّثالتنا وقابلياتنا‬ ‫ويجعلنا نفهم صنع مصائرنا‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ الكيان من جهة التأويل هذه هو ال حياد ّية الكينونة‪ .‬هو الكينونة‬ ‫ُمت َّم َّثل ًة عبر التاريخ‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ إن السؤال يتصل بالعالقة بين التم ّثل واإلرادة‪ .‬نحن نزيح‬ ‫الرغبة ضمنًا‪ ،‬وجزء من هذه اإلزاحة ينشأ عن التضمينات‬

‫الجارفة للدالالت المتوطنة في تداول الرغبة‪ .‬السؤال ليس‪:‬‬

‫ماذا نريد؟ ولكنه‪ :‬ماذا نستطيع أن نريد؟ ما الذي بإمكاننا‬ ‫الم َم ّيز أن الخطاب في اللغة‬ ‫أن نتم ّثله في هذه الرغبة‪ .‬من ُ‬ ‫العربية عندما يتصل بالرغبة يتشكّل في صيغة تلقائية فنسأل‪:‬‬

‫ماذا تريد؟‪ ،‬أما عندما يتصل باإلرادة فإننا نسأل‪ :‬ماذا ّقررت؟‬

‫لنتعرف‬ ‫إننا نضيف هذا المستوى في الخطاب أي (القرار) ّ‬

‫على اإلرادة‪ ،‬ونضيف مستوى أدنى منه أي (اإلرادة) لنتعرف‬

‫على الرغبة‪ .‬هذه عتبة ظاهراتية للتفكير في إحاالت الكيان‬ ‫‪37‬‬


‫من خالل ثنائيتين هما الرغبة واإلرادة من جهة‪ ،‬والرغبة‬ ‫والقرار من جهة أخرى‪.‬‬

‫التحول الذي‬ ‫‪ 5‬ـ إن جزءا من التغ ّير (أو إعادة التشكّل بمعنى‬ ‫ّ‬ ‫يصيب الكيان ال بمعنى اإلصالح) يقتضي استبدال جميع‬ ‫التم ّثالت‪ ،‬إلى الحدّ الذي تبدو فيه العملية االجتماعية كما‬ ‫للتو‪ ،‬وأن ما ُيفصح عنه التاريخ وما ّ‬ ‫تدل‬ ‫لو أنها قد بدأت ّ‬ ‫عليه سيرورة المجتمعات لم يكن سوى إرهاص طويل‬ ‫المدى‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ وطالما أننا ال ننشد وصف الكيان بالركون إلى تمظهراته‪،‬‬ ‫المتجسدة في األيدوس القومي‪ ،‬بل نعمد إلى‬ ‫خاصة تلك‬ ‫ّ‬ ‫بحث مكوناته كمفهوم ً‬ ‫أول‪ ،‬ثم شروط مأسسته‪ ،‬وتحويله إلى‬ ‫وجود شبه متعال‪ .‬فإننا نكون مقبلين على استدراج إحاالته‬ ‫من حيث هو مجال ترميز العالقات وشبكة القوى التي تنتظم‬ ‫فيه كفعالية وتحقق حضوره ً‬ ‫فضل عن وجوده‪.‬‬

‫‪ 7‬ـ لكن الكيان ليس مجرد مجموع إحاالته الضرورية والحاسمة‪،‬‬ ‫إنه فضاء اشتغال هذه اإلحاالت ومجال تبيئتها في اللغة‬ ‫والعمل‪ ،‬في القيم والمواد‪ ،‬وفي فكرة الزمن وفعل المياومة‪.‬‬ ‫ذلك ما يجعل الكيان إرادةً‪ ،‬أكثر مما يكون تم ّث ًل‪.‬‬

‫مفردة‪ ،‬هم أحداث كيان ّية‪ .‬إن‬ ‫‪ 8‬ـ األفراد ليسوا كيانات منفصلة‪َ ،‬‬ ‫‪38‬‬


‫وجود األفراد بالنسبة إلى وجود الكيان هو كوجود الفاعلية‬

‫بالنسبة إلى وجود المجال‪ ،‬ذلك يعني أن األفراد يع ّبرون‬ ‫بوجودهم عن ممكنات حضور الكيان‪ .‬لكن الوجود الفردي‬

‫خفيف‪( .‬المعنى الذي استلهمه كونديرا‪ :‬الكائن في‬ ‫وجو ٌد‬ ‫ٌ‬ ‫خ ّفته)‪.‬‬

‫ْج َفر(‪ )3‬كانط ومع ذلك األكثر‬ ‫‪ 9‬ـ هذا الوجود‬ ‫ّ‬ ‫األخف من ُزن ُ‬ ‫ت َ​َم ْر ِئ ًيا منه‪ ،‬ال ينطوي على ذات وموضوع‪ ،‬بل على وحدة‪،‬‬ ‫ويقودنا هذا المثال الدال على استعصاء التخييل‪( ،‬ربما‬ ‫أيضا بق ّطة شرودنغر(‪ )4‬الح ّية والميتة‪ ،‬أو غير الح ّية‬ ‫نستعين ً‬ ‫وغير الميتة في آن واحد‪ ،‬كمثال دال على استعصاء التعيين)‪،‬‬

‫إلى التفكير في واحد ّية أنطولوجية تم ّيز الكيان‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫إرادة‪،‬‬ ‫ذات أو موضوع‪ ،‬بل إرادةٌ‪ ،‬ورغب ُة‬ ‫‪ 10‬ـ ال يم ّيز كيانًا ما ٌ‬ ‫ثمة وحدات أساسية لمقايسة المثال‪ ،‬ال يمكننا هنا اقتباس‬

‫اإلشارة إلى «جوهر» (الجوهر مرآة الكون بأسره ـ ليبنتز)‪ ،‬أو‬

‫اقتباس اإلشارة إلى «موناد»‪ ،‬أو «علة»‪ ،‬ألن هذه االختزاالت‬

‫الكل ّيانية من طبيعة منغلقة وإضمارية‪ ،‬وأقصى ما يمكن أن‬

‫تنتجه ـ في شكل فيض ـ هو صورتها الضد‪ ،‬في حين أن‬ ‫ِ‬ ‫و«قابلية ـ‬ ‫فهم الكيان ال يتيح نفسه إال من خالل الكثرة‬ ‫كل ـ ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ذات»‪ .‬كثرة وقابلية ال يعود بهما كيانًا «جوهر ًيا»‪ ،‬بل‬ ‫‪39‬‬


‫شبكة من المسارات وانعطافاتها‪ ،‬من التقاطعات وتكوين‬ ‫(وإعادة تكوين) الحيوز والفضاءات؛ الوحدات األساسية‬ ‫هي نقاط مشغولة أو شاغرة (بالفعل أو في االنتظار) على‬ ‫هذه الشبكة بالذات‪ .‬نحن إذن أمام جغرافيا مرنة أو فضاء‬ ‫لدن(‪ ،)5‬وما نتحدث عنه هو حقول انعطاف متسارعة تترك‬ ‫دائما ترمقه في األفق‬ ‫وراءها التاريخ في كل مرة‪ ،‬ولكنها ً‬ ‫الذي بدأ يغيب‪ ،‬هناك الفوتونات التي ال تُرى‪ ،‬ولكن ـ مع‬ ‫ذلك ـ ال يمكن التفكير فيها إال مضيئ ًة‪ ،‬وال يمكن استدعاء‬ ‫تلتف ال على شيء‬ ‫حضورها إال بتلك الهاالت النّابضة التي ّ‬ ‫بل على ذاتها‪ ،‬مخ ّلفة وراءها خطو ًطا ذنب ّية تتسارع في فراغ‬ ‫الذات‪ ،‬وتتالشى تدريج ًيا‪ ،‬ك ّلما عاينّا مسارها انعطفت‪.‬‬ ‫إنها موج ٌة‪ِ ،‬ح َز ٌم في ٍ‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫تيار من الموجات‪ ،‬ولكنها كتلة ً‬ ‫رصدُ مساراتها بقدر ما ينبغي إدراك‬ ‫مهما ْ‬ ‫كتلة صفر ّية‪ .‬ليس ًّ‬ ‫حركة التراكز ‪ concentricity‬التي تجعلها تنبض بانتظام‪،‬‬ ‫وإدراك طاقة الالتراكز ‪ eccentricity‬التي تتيح لها االنفالت‬ ‫من سيطرة المركز‪ ،‬منخرط ًة في تحارف وانزياح ضرورين‬ ‫الستمرار الكيان وانتشاره باقتراح المزيد من األهليليجات‪.‬‬ ‫(‪ )6‬ونستطيع التفكير في مثال الفوتونات بتصور انقسامها‪:‬‬ ‫إلى دوال (ال إلى جسوم)‪ ،‬إلى ُلحيظات (ال إلى حيوز)‪،‬‬ ‫إلى إحاالت (ال إلى كلمات)‪.‬‬ ‫‪40‬‬


‫‪ 11‬ـ نستطيع في الوقت نفسه مقاربة الكثرة التي تحيلنا إليها‬ ‫مضاعفة التم ّثالت في مثال المدينة عند ليبنتز‪ ،‬فـ«كل جوهر‬ ‫هو بمثابة عالم بأكمله‪ ،‬هو مرآة لإلله‪ ،‬أو للكون بأسره»‬

‫ولكن كل جوهر يع ّبر على طريقته «تقري ًبا كما تتراءى مدينة‬

‫بعينها لناظرها‪ ،‬برؤى عديدة‪ ،‬بحسب المواقع المختلفة‪،‬‬

‫التي يوجد فيها‪ ،‬كذلك الوجود متعدّ د‪ ،‬على نحو ما‪ ،‬بمقدار‬

‫ما فيه من جواهر»‪)7(.‬‬

‫‪ 12‬ـ من هذا التَّح ُّيل التجريدي ربما ينهض سؤال هنا‪ .‬لماذا‬

‫أقوم بدفع مفهوم الكيان إلى االنزالق في حقل انعطاف‬ ‫قادرا مرة أخرى ـ إذا افترضنا نهاية‬ ‫مجهول‪ ،‬بحيث ال يكون ً‬ ‫والتكون من جديد‬ ‫لرحلته المجهولة ـ على لملمة أطرافه‬ ‫ّ‬ ‫باستعادة شكل من أشكاله القديمة؟ أرجئ التفكير في ذلك‬

‫لو أن الخطوات السابقة لم تفعل سوى الغياب في التجريد‬

‫وتجويز األمثلة‪ ،‬لكنني أعتقد ـ ما زلت أعتقد ـ أن هذا التمثيل‬ ‫الفوتوني (مثلما نقول‪ :‬تمثيل ضوئي) ُيحدث ق ْط ًعا عمود ًيا‬

‫في مصفوفة العالقات (شبكة الفاعليات المن ّظمة للحيوز‬

‫والفضاءات‪ :‬الفردي‪ ،‬االجتماعي‪ ،‬الطبيعي‪ ،‬التاريخي‪،‬‬ ‫الذي يأتي‪ .. ،‬الخ)‪ ،‬وهو قادر على «استحضار» اإلرادة‬

‫المتكونة ـ ال كاستيهام ـ بل كحافز للفعالية‪ .‬إن الكيان‬ ‫ّ‬ ‫‪41‬‬


‫ٍ‬ ‫متعال يلتقي فيه‬ ‫بوصفه إراد ًة يجعلنا نتو ّطن وس ًطا شبه‬

‫المثال بقابلية استدعائه‪ ،‬ويلتقي فيه األيدوس بممكنات‬

‫تداوله‪ ،‬ويلتقي فيه األصولي مع اإلصالحي‪ ،‬أما التعبير عن‬

‫الكيان بوصفه وجو ًدا صلدً ا ال يشترط الحضور فإنه يقحم‬ ‫تصوراتنا في سياق حدّ ّية ال تقبل التفاعل‪ ،‬وبالمحصلة‬

‫فإن مثل هذا السياق يصنع نهايته السريعة‪ ،‬مثل هذا السياق‬

‫ينطفئ كجذوة في بركان من حمم الغضب التي صنعها‬ ‫بنفسه‪ .‬إنه يموت بكبرياء‪ ،‬ولكنه آخر األمر يموت‪.‬‬

‫‪ 13‬ـ ال يتع ّين الكيان في عدم الفاعلية‪ .‬يترتّب على هذا «المبدأ»‬ ‫البسيط إلغاء مبدأ الشكالنية وإمكانات تبدّ ي الكيان‪ .‬لكن‬

‫التع ّين هو جزء من شيئية الموضوعات‪ ..‬الكيان تقاطع‬ ‫موضوعات المتناهية‪ ،‬لذا هو ـ من هذه الجهة ـ ال موضوع‬ ‫وضوحا ٌ‬ ‫شكل تعدّ دي‪،‬‬ ‫له‪ .‬إنه في أكثر مستويات التفكير فيه‬ ‫ً‬

‫منزوع الموضوع‪ .‬علينا بالطبع أن نستثني الفاعلية ألنها‬ ‫ً‬ ‫شكل‪ ،‬وهي وحدها ما يجعل حضوره‬ ‫وحدها ما يعطيه‬

‫مت ً‬ ‫ّصل بتاريخية وجوده‪ ،‬أي بجذوره‪.‬‬

‫مجرد‬ ‫‪ 14‬ـ كيف يمكن تصور كيان دون نُسغ و ُيخضور؟ سيكون ّ‬ ‫شبكة متل ّيفة ‪ّ fibromata‬‬ ‫تنحل إلى خطوط منفصلة تسيطر‬

‫عليها مشاريع يائسة للحكم الذاتي وتبيئة العالم في نموذج‬ ‫‪42‬‬


‫الذات‪ ،‬ولن تكون هذه نهايتها‪ ،‬ألن ّ‬ ‫كل ساحة وفسحة وثِنْ َية‬ ‫بدل أن تكون حقل تواصل سوف تتحول إلى ميدان حرب‬ ‫عشوائية تحترق فيه األطراف‪ ،‬أما فكرة الكيان فإنها تغدو‬ ‫آنذاك متعالي ًة تسبح كما ال ُّطخرور على ارتفاع بعيد‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬ ‫ظل لها على األرض‪.‬‬

‫‪43‬‬



‫(‪)3‬‬

‫الكيان والتاريخ‬



‫‪ 1‬ـ يحيل مفهوم الكيان إلى فاعلية محايثة تعتمد على تم ّثل‬ ‫األيدوس القومي وتوطين مثاله‪ .‬إن هذه العملية التاريخية‬

‫الزدوجة القائمة بين المجال والفاعلية‪،‬‬ ‫تقوم بتوظيف ّ‬ ‫ً‬ ‫وحضورا‪.‬‬ ‫شكل‬ ‫وذلك ما يعطي الكيان بالمحصلة‬ ‫ً‬

‫‪ 2‬ـ بمحايثة الفعالية للكيان يكون «هو ما هو»‪ ،‬بفعلها يتبدّ ى‬ ‫حاضرا‪ ،‬وكما قد تنتفي حركتها وتخمد‪ ،‬فإن ما علينا‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫جسد ميت‪.‬‬ ‫أن نتق ّبله في صورة الكيان آنذاك هي فكر ُة‬ ‫فحركة الكيان هي الفاعلية ً‬ ‫حية‪ ،‬هي عمل قوى شبكة‬

‫من الفاعليات مختلفة األصول واآلثار‪ .‬وما يعطي حركة‬ ‫ً‬ ‫شكل ـ بالتالي ـ ليس الكيان ذاته‪ ،‬بل العالقة التي‬ ‫الكيان‬ ‫تموضعه بالنسبة إلى كيان آخر؛ كالشمس التي نراها‬ ‫تتحرك بينما األرض هي التي تدور حولها‪ ،‬لكن ذلك‬

‫أيضا ال يعني أن الشمس ثابتة‪ ،‬طالما أن ثباتها ليس‬ ‫ً‬ ‫ما صرنا ندركه‪ ،‬بل دوران األرض بنا‪.‬‬ ‫‪47‬‬


‫‪ 3‬ـ يتضاعف إعالء فكرة الكيان عبر التاريخ‪ ،‬ويتم تحويلها‬

‫مؤسس للتصورات‪ .‬هذا ما يمكن أن ندعوه‬ ‫إلى مبدأ ّ‬

‫ميتافيزيقا الكيان‪ .‬ولكن تلك التصورات قد تنتهي إلى أن‬ ‫تتحول بدورها إلى مح ّفزات للواقع‪ ،‬وموضوع للممارسة‪،‬‬

‫ومحتوى للخطابات‪ ،‬أي أنها تتشكّل آخر األمر كجزء من‬ ‫تاريخ ّية الكيان‪ .‬هذه الموازنة تع ّبر عن إحراج فلسفي‪،‬‬

‫تصف العالقة بين تصورنا لماضي الكيان وبين‬ ‫أكثر مما‬ ‫ُ‬

‫ممكنات حضوره‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ من الناحية التاريخية ال يمكن ْنزع الكيان عن مجاله‪ ،‬سواء‬

‫كان هذا المجال واقع ًيا أو افتراض ًيا‪ ،‬فالمجال أو «النهاية‬ ‫المحيطة» (بتعبير ابن رشد) ال يوجد في الماضي‪ ،‬إنه داللة‬

‫الحضور التي يعلن بها الوجود عن نفسه‪ ،‬تما ًما مثلما البد‬ ‫للزمن من مكان‪ ،‬ألن الزمن آخر األمر ليس سوى إدراك‬

‫الحركة في المكان‪ ،‬كذلك هي مسألة عالقة الحضور‬ ‫بالوجود‪ ،‬وعالقة الكيان بالمجال‪ ،‬فالحضور هو إدراك‬

‫للفاعلية التي تحايث الكيان‪ ،‬كما أن الكيان هو إدراك ألبعاد‬ ‫المجال الذي يحتضن فاعلية الكيان وحضوره‪.‬‬

‫من هنا تصبح عبارة «الكيان التاريخي» عبارة بحد ّين‬ ‫عماذا نع ّبر هنا؟ أعن ِقدَ م الكيان وأصل ّية وجوده‪،‬‬ ‫متناقضين‪ّ ،‬‬ ‫‪48‬‬


‫أم عن حضور الفاعلية فيه؟‪ .‬إننا نستدعي في هذه العبارة حد ْين‬ ‫متعامدين لنجعل من أحدهما صفة لآلخر‪ ،‬كما أننا نقوم في‬ ‫نفس الوقت باستبطان التناقض الذي يشيان به‪ ،‬دون التفكير‬ ‫في إشكالية الوجود والحضور‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫مكونات الكيان هو الذي ينفي حضور الكيان‪،‬‬ ‫‪ 5‬ـ ليس قدم ّ‬ ‫بل انتفاء الفعالية التي تستطيع جعل هذه المكونات تواصل‬ ‫تغذيتها االرتجاعية للكيان‪.‬‬

‫يتكون تاريخ ًيا‪ ،‬لكنه ليس من طبيعة تاريخية‪،‬‬ ‫إن الكيان‬ ‫ّ‬ ‫جوهرا‬ ‫دائما بافتراض أصل ّيته‪ ،‬إننا نتصوره‬ ‫ً‬ ‫ذلك أننا نقوم ً‬ ‫التحول‬ ‫التحول؛ إذا جئنا إلى التاريخ اشترطنا‬ ‫(مونا ًدا) ال يقبل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والسيرورة‪ .‬الكيان من هذا الجانب في التأويل هو صيرورة‬ ‫تقاوم السيرورة‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ كيان بدون تاريخ هو ٌ‬ ‫كيان ُغ ْفل‪ .‬لكن كيانًا في التاريخ هو‬ ‫أيضا كذلك‪.‬‬ ‫ً‬

‫‪ 7‬ـ ال ينشأ كيان لذاته‪ ،‬بل ألن األويكومين الذي يحيط به ويتق ّبل‬ ‫ّ‬ ‫مكتظ بعناصر ومقدمات جديدة‬ ‫وجوده وممكنات حضوره‬ ‫للتحول‪ ،‬وألن فائض فعال ّية في العالم أصبح ممكنًا وال بدّ‬ ‫ّ‬ ‫من اعتوائه‪ .‬وهو ال ينشأ من أجل ذاته وبها‪ ،‬بل من أجل‬ ‫أن يوجد بين آخرين‪ ،‬وتحديدً ا بين آخرين تنتهي أطراف‬ ‫‪49‬‬


‫مجاالتهم إلى الفراغ‪ ،‬وتالمس ُهدّ اب ّياتهم المجهول‪ ،‬أو فكر ًة‬ ‫عنه‪ٌ .‬‬ ‫للتحول‪ ،‬سوف يقبل االندراج‬ ‫كيان هر ٌم سوف يمتثل‬ ‫ّ‬

‫واالمتصاص وإعادة التمثيل ‪ re-assimilation‬في كيان جديد‪،‬‬ ‫وسوف يتقبل إعادة التشكّل وإن بعد مقاومة‪ ،‬ألنه ما أن ُيدرك‬

‫ضرورة هذه العملية حتى يعيد توظيف مكوناته فيأخذ بالنتيجة‬ ‫ً‬ ‫شكل جديدً ا‪.‬‬

‫استخدمت الكلمة‬ ‫‪ 8‬ـ لنأخذ مثال األويكومين اليوناني‪ .‬لقد ُ‬ ‫للداللة على الجزء المعمور من األرض كما عرفه اإلغريق‬ ‫أيضا‬ ‫ومارسوه و َد ِربوا على التعامل معه‪ ،‬لكنها استخدمت ً‬

‫لضرورة جغرافية للداللة على الجزء األفروآسيوي من العالم‬

‫القديم وهذا الجزء في جانب من معرفته بالنسبة للمؤرخين‬

‫أيضا‪ .‬كان‬ ‫مخرط وغير محدّ د جغراف ًيا‪ ،‬بل إنه غير إنساني ً‬ ‫غير ّ‬

‫اإلغريق يعبرون بالداللة األولى عن مجال فاعلية الكيان‪،‬‬ ‫ويعبرون بالداللة الثانية عن مجال فراغ الكيان وحاجته إلى‬

‫المزيد من اإلنفاق القومي‪ .‬لكن هذا التناقض الشكلي ال يع ّبر‬

‫في الحالتين سوى عن ممكنات المجال بالنسبة للكيان‪،‬‬

‫وبعبارة أخرى‪ :‬نحن تما ًما في قلب نظرية االستعمار والفراغ‬ ‫في أحد أكثر أشكالها بدائ ّي ًة‪.‬‬

‫إننا بإعادة بناء خريطة هيرودوت للعالم (‪ 450‬ق‪.‬م) نم ّيز لديه‬ ‫‪50‬‬


‫ثالثة كيانات قار ّية‪ ،‬هي آسيا‪ ،‬أوروبا‪ ،‬أفريقيا (كان اسمها ليبيا)‪،‬‬

‫إال أن الكلمة المعبرة عن الكيان اإلمبراطوري (أويكومين) لم‬

‫فضل‬ ‫توحد في استخدام واحد بين هذه األجزاء‪ ،‬ولقد ّ‬ ‫تكن ّ‬ ‫اليونانيون أن يزاوجوا بين استخدامين متناقضين لنفس الكلمة‬

‫لهذا السبب بالذات‪ :‬السيطرة على هذه األجزاء من جهة‪،‬‬

‫واستحالة أغرقتها من جهة أخرى‪.‬‬

‫لقد كان اإلغريق ـ كما كان الرومان ـ مهووسين بفكرة أن «أحقر‬ ‫المروع‪ ،‬ولع ّلهم أدركوا أن‬ ‫األشياء» قد تفاجؤهم بظهورها‬ ‫ّ‬

‫كيانًا (أويكومينًا) مستل ًبا كان قاب ًعا خلف األطراف التي ُوصفت‬ ‫بالالإنسانية‪ .‬لقد أفصح التاريخ فيما بعد عن صدق حدسهم ونبوءتهم‬

‫المتوسط‬ ‫عندما أصبح التمركز جنوب ًيا مع الدولة الكنعانية في‬ ‫ّ‬

‫(الفنيقيون)‪ ،‬ثم شرق ًيا مع الدولة اإلسالمية (العرب)‪ ،‬لكن جدل‬ ‫الكيانات هذا لم ُيغفل تلك الصفة (أحقر األشياء) فجعل اللغة العربية‬ ‫تخص العجم (اإلغريق والرومان) بصفة األعاجم‪ ،‬حرف ًيا‪« :‬البهائم»‪،‬‬ ‫ّ‬

‫مثلما جعل كنعانيي شمال أفريقيا يصفونهم بـ«القاذورات»‪ ..‬بعد‬

‫ذلك سوف يأتي الفارابي ليصف أوروبيي أقصى الشمال بأنهم‬

‫«بهائم إنس ّية»‪ ،‬ألنهم لم يبلغوا مرحلة اإلنسان الكامل؛ وكان ذلك‬ ‫عممها اإلغريق‬ ‫أهم ر ّد اعتبار ثقافي على صفة «بربر» التي ّ‬ ‫تقري ًبا ّ‬

‫في كلمة ‪ barbaros‬والرومان في كلمة ‪.balbus‬‬ ‫‪51‬‬


‫خريطة العالم وفقا لهيرودوت (‪ 450‬ق‪.‬م‪).‬‬ ‫‪52‬‬


‫إالما يشير هذا المثال؟ إذا كان األويكومين ً‬ ‫مثال داالًّ ج ّيدً ا على‬ ‫العالقة بين الكيان والمجال (بين وجود الكيان وحضوره) فإن‬ ‫درسه المستخ َلص هو‪:‬‬

‫ـ إن الكيان ال يحقق حضوره إال من خالل مجال تاريخي جديد‪،‬‬ ‫بالتوسع‪.‬‬ ‫أي‬ ‫ّ‬ ‫ـ إن الكيان يصنع ضدّ ه‪ ،‬موته‪ ،‬نهايته‪ ،‬انتفاءه‪ ..‬بالسيطرة‪.‬‬

‫ـ إن الكيان الطرفي ال ُغ ْفل (الذي تتطابق فيه األ ّمة مع حدودها‬ ‫غير اآلمنة) ليس في منجأ من اندراجه في مجال فعالية كيان‬ ‫آخر‪ ،‬أي‪ :‬خضوعه للسيطرة‪.‬‬

‫لقد استخدمنا للتو ثالث كلمات ـ حدود للتعبير عن جدل الكيان‬ ‫في التاريخ‪ :‬توسع‪ ،‬سيطرة‪ ،‬خضوع‪ .‬إال أن العالقة بين هذه‬ ‫الحدود ليست نسق ّية كما يمكن أن نفترض للوهلة األولى؛ إن‬ ‫حضورا‪ ،‬والسيطرة قد‬ ‫التوسع قد يمدّ مجال الكيان دون أن يصنع‬ ‫ً‬ ‫تعيد ترتيب أبعاد المجال دون أن تصنع كيانًا جديدً ا‪ ،‬والخضوع‬ ‫قد يحيل مركزية الكيان إلى مجال الرتباطات األطراف وتأثيرها‪:‬‬ ‫القاري‪ ،‬الدين‪ ... ،‬الخ‪ .‬إن التاريخ‬ ‫اللغة وآدابها‪ ،‬اإلنتاج الزراعي‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫حلول لمعضلة الكيان ذلك أن المثال الذي يتطابق فيه‬ ‫ال يقترح‬ ‫التكوين السياسي مع التكوين االجتماعي لألمة(‪ )8‬لم يتح ّقق إال‬ ‫نادرا‪ ،‬وهو ـ حتى اآلن ـ ليس سوى رمز لتوهين وتائر االحتدام‬ ‫ً‬ ‫‪53‬‬


‫القوة كأداة‬ ‫في العالم‪ .‬التاريخ لم يقترح بعد سوى االعتماد على ّ‬

‫وحيدة مقنعة لتدعيم حدود الكيان‪ ،‬بالسيطرة على األطراف‬

‫التي تكاد معالم الكيان تنصهر فيها‪ ،‬أي بتحويل هذه األطراف‬

‫إلى احتياطي يمكن التضحية به دفا ًعا عن اإلحداثيات الدّ الة‬

‫على المجال الذي يحتضن فاعلية الكيان وحضوره‪ ،‬بالرغم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫دائما‬ ‫من أن التقدّ م‬ ‫القومي نتيجة استحواذ ما ألمة أخرى كان ً‬ ‫ّ‬ ‫وضارا باإلنسانية؛ ولهذا السبب عاد ًة ما ّ‬ ‫يحل تم ّثل اإلرادة‬ ‫شرا‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫بدل عن الفاعلية‪ ،‬أي أن األمم المهدّ دة عادة ما تلجأ إلى سؤال‬

‫الهوية(‪ )9‬عبر التاريخ ً‬ ‫بدل عن سؤال الكيان وممكناته في الواقع‪.‬‬ ‫‪ 9‬ـ إن سؤال الهوية أصبح ظاهرة كون ّية‪ ،‬بفعل عدم االستقرار‬

‫وأهم أسباب عدم االستقرار‬ ‫الذي يحتدم في العالم اآلن‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫هذا هو اإلحالل المتواصل للدولة كبديل عن األمة‪ ،‬وهذا‬ ‫اإلحالل يم ّثل أكثر أدوات العولمة فاعلي ًة‪ ،‬وأكثرها تهديدً ا ـ‬

‫في نفس الوقت ـ لثنائية الوجود والحضور التي انبنت عليها‬ ‫التراثات األممية عبر التاريخ‪.‬‬

‫مكوناتها‪ ،‬كصورة العرق أو مبدأ االنتماء‬ ‫لم تعد األمة (أو أحد ّ‬ ‫ً‬ ‫مثل)‪ ،‬مرجع ّي ًة وحيدة لفكرة الكيان‪ ،‬ولهذا السبب اتّخذ سؤال‬

‫محمل بدالالت متغ ّيرة‪،‬‬ ‫الهو ّية ذلك الطابع الكوني‪ .‬هذا السؤال ّ‬

‫شأنه في ذلك شأن الوعي بالكيان كـ«كتلة ـ في ـ العالم»‪ ،‬وهو كما‬ ‫‪54‬‬


‫ألمحنا في طالعة الخطاب متّصل بتعويم الخصوصيات الثقافية‪،‬‬ ‫وتنميط االستجابة‪ ،‬والتشريع للمستقبل الكوسموبوليتي‪ ،‬وغيرها‬ ‫من مظاهر التشميل المعولم لالستهالك سواء االقتصادي أو‬ ‫الثقافي‪ ،‬أو حتى االستهالك السياسي المتم ّثل في انتشار صورة‬ ‫أحادي‬ ‫الديمقراطية الليبرالية والوعي بحقوق اإلنسان من منظور‬ ‫ّ‬ ‫تم تعميمه وتصديره باعتباره المنظور الوحيد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ 10‬ـ لقد تخ ّلص التكوين السياسي لألمم عبر تجارب تاريخية‬ ‫طويلة من الخضوع للتكوين االجتماعي‪ ،‬لكن المستقبل‬ ‫يشي ْ‬ ‫بأن ال بديل أمام الكيان القومي إال إعادة تفعيل عوامل‬ ‫التكوين االجتماعي للمحافظة على بقائه وللمنافحة عن‬ ‫أيضا‪ .‬وهكذا فإن عوامل‬ ‫حدوده السياسية‪ ،‬والثقافية ً‬ ‫التكوين االجتماعي التي كانت في ما مضى سب ًبا في فساد‬ ‫تتحول تدريج ًيا إلى وسيلة إلنقاذ‬ ‫التكوين السياسي‪ ،‬سوف ّ‬ ‫الكيان والمحافظة عليه‪ .‬الكيان ـ دون أن يهدأ ـ أمام ثالثة‬ ‫ملحة‪:‬‬ ‫تشريعات ّ‬ ‫ـ التشريع للوجود (التم ّثل وتوطين المتعالي)‪.‬‬

‫ـ التشريع للحياة (التدبير والتنظيم االجتماعي)‪.‬‬

‫ـ التشريع لالمتثال (عقيدة الرضوخ القومية)‪.‬‬

‫متجسد ًة في‬ ‫‪ 11‬ـ إعالء الكيان‪ ،‬وتحويل النظمنة االجتماعية‬ ‫ّ‬ ‫‪55‬‬


‫الدولة إلى مدْ َونة اسكاتولوجية تتم ّثل النهاية والمطاف‬ ‫األخير‪ ..‬مسألة أخرى‪ .‬هيغل الذي يمكن أن نبحث عنه‬

‫ابتدا ًء من القديس أوغسطين وابن النفيس‪ ،‬جعل من بروسيا‬ ‫يتعذر اجتيازها ّ‬ ‫أخيرا‪ ،‬ومن الم َلك ّية البروسية نهاي ًة ّ‬ ‫لكل‬ ‫كيانًا ً‬

‫عقل حر‪ ،‬لقد أراد للكيان أن يتبدّ ى في تج ّليه األخير‪ ،‬ربما‬ ‫تحققت رغبته بالنسبة إلى بروسيا التي كانت آنذاك مقبلة‬

‫على نهايتها‪.‬‬

‫‪ 12‬ـ في بطن الكيان يوجد انهدامه‪ ،‬توسع ًّيا كان أم طرف ًّيا‪ .‬الكيانات‬

‫التوسع ّية صنعت مجدً ا تاريخ ًيا موقوتًا‪ ،‬أما الكيانات التي‬

‫تطابقت فيها األمة مع حدودها القومية فقد انتهت إلى‬ ‫انخراطها في كيان (أو كيانات) أكبر‪ ،‬جميع األمثلة التاريخية‬

‫التي يمكن استدعاؤها هنا تشي بمبدأ واحد تشترك فيه‬

‫والعود الذي تصنعه األمم‬ ‫الفرد‬ ‫ْ‬ ‫الكيانات يع ّبر عن جدل ْ‬

‫بنفسها‪ .‬إن األيام متداوالت‪ ،‬العصر مظفور بين أطراف‬ ‫ت ِ‬ ‫َغلب وتُغ َلب‪ ،‬لكنها جمي ًعا تبقى جز ًءا من سياق أشمل يع ّبر‬ ‫معظمنا عنه باسم التاريخ‪ ،‬ويع ّبر عن نفسه باسم التداول‪.‬‬

‫لقد احتلت أوروبا أفريقيا في دورة تاريخية محددة بقوة السالح‬

‫وبالطمع في الموارد‪ .‬اآلن‪ ..‬أفريقيا مقبلة على احتالل أوروبا‬

‫بأدوات مختلفة‪ ،‬هذه حقيقة الجدل بين الكيانات‪ ،‬ال يمكن‬ ‫‪56‬‬


‫مقاومة الدورة التاريخية القادمة إال بالعودة في التاريخ‪ ،‬ال يمكن‬ ‫عكْس اتجاه البوصلة إال بجعل مجالها ينحرف‪ ،‬وتلك مسألة‬

‫مستحيلة‪ ،‬ال يمكن إعادة أقلمة وتوضيع الكيانات السياسية‬

‫القومية التاريخية لمصلحة قومية أو قار ّية جديدة‪ ،‬ألن تلك‬ ‫الكيانات ـ ببساطة الجدل التاريخي ـ هي كيانات مندثرة‪ .‬إن‬

‫ما ينهض في هذه الدورة التاريخية ـ والحديث ما زال عن أفريقيا ـ‬

‫هو تحالف يصنع ذاته من أطراف موؤودة في نوع من ر ّدة الفعل‬

‫التاريخية ستسود العالم‪.‬‬

‫استطراد‪ :‬نعود إلى «أويكومين»‪ ..‬لقد َغ َفت هذه الكلمة لقرون‬ ‫عديدة‪ ،‬أي منذ أن تح ّطم الكيان االمبراطوي القديم(‪ ،)10‬إال أنها‬

‫ُبعثت ثاني ًة (في ظل الكيان االمبراطوري الغربي الحديث)‬ ‫المقبل»‪،‬‬ ‫لتستخدم في الثقافة التنصير ّية الكاثوليكية بداللة «العالم ُ‬

‫المسوغ استخدام الكلمة للداللة‬ ‫أو «مملكة يسوع»‪ ،‬ثم أصبح من‬ ‫ّ‬

‫عل «العالم المسيحي»‪ ،‬أو «األجزاء المعمورة من األرض حيث‬ ‫تنتشر الديانة المسيحية»‪ .‬أو للداللة على حركة التوحيد لجمع‬

‫يتم‬ ‫الكنائس المسيحية في كيان واحد‪ .‬إال أن ‪ّ œcumenism‬‬ ‫تفريغها دالل ًّيا ّ‬ ‫أيضا‪ :‬حركة توحيد عالمية للديانات‬ ‫كل يوم لتعني ً‬

‫اإلبراهيمية‪ :‬اليهودية‪ ،‬المسيحية واإلسالم‪ ،‬باالستفادة من التراث‬ ‫الروحي للشعوب التي تدين بها‪ .‬وهو استخدام يفتقر إلى أدنى‬ ‫‪57‬‬


‫معطيات فهم التاريخ‪ ،‬خاصة إذا قمنا باستدعاء األمثلة التاريخية‬ ‫النموذجية من قبيل الحروب الصليبية ً‬ ‫مثل‪ ،‬إال أن المسارات‬ ‫المستقبلية لهذا االستخدام قد تفصح عن تداول جديد غير معهود‬ ‫يرافع فيه أصحابه عن رؤية إنسانية جديدة‪ .‬العولمة بطرحها‬ ‫األيديولوجي الحالي لن تكون ـ الختالف «إنسانيتها» ـ سب ًبا‬ ‫لمثل هذه الرؤية‪ ،‬لكننا إذا تحدثنا عن «كيان في العالم» نستطيع‬ ‫تو ّقع صيغ أمم ّية تلتقي فيها الخطابات القومية‪ ،‬ويكون خطاب‬ ‫مؤسسا فيها‪.‬‬ ‫التوحيد بين الديانات اإلبراهيمية مبدً أ‬ ‫ً‬

‫‪58‬‬


‫(‪)4‬‬

‫�سوق الكيان‬



‫‪ 1‬ـ إذا فكّرنا في تداولي َة مفهوم الكيان يمكننا القول أن الكيان‬ ‫قابل لإلنتاج واالستهالك‪ ،‬مثلما هو قابل إلعادة اإلنتاج‪،‬‬

‫وبعبارة أخرى‪ :‬من الممكن تحويله إلى سلعة تمتثل لشروط‬ ‫السوق الرمزية‪ .‬إن العملة الرائجة لهذه السوق هي التم ّثالت‬

‫أيضا‪ .‬وضمن هذه الـ«عبر ـ‬ ‫العابرة لألزمنة‪ ،‬واألمكنة ً‬

‫بشرية» ‪ Trans-humanism‬تنشأ تبادل ّية تعاقد ّية مبن ّية على‬ ‫رسم حدود الكيان‪ ،‬واالعتراف بتخوم اآلخر‪.‬‬

‫اآلخر الح ّي َز الذي يدّ عي احتالله إال بقدر ما يستطيع‬ ‫‪ 2‬ـ ال يشغر‬ ‫ُ‬ ‫«األنا» مضاهاته بدعوى مقابلة‪.‬‬

‫دائما‪ .‬إن شيئ ّيته واستدعاء وجوده كموضوع‬ ‫شيئي ً‬ ‫‪ 3‬ـ حضور اآلخر ٌّ‬ ‫ـ ال كذات ـ يجعل قيمته كإنسان متع ّلقة ومشروطة بحضوره‬ ‫كاستجابة‪ ،‬ال كموقف‪ .‬الفكرة العامة هنا أن كيان اآلخر مشروط‬ ‫بترويج بضاعته القابلة للتبادل المؤسس على تمرين التم ّثالت‪.‬‬

‫سلبي‪ .‬إن تعيينه ال يتم إال باستدعاء َغ ْير ّيته وكونه‬ ‫‪ 4‬ـ اآلخر مفهوم‬ ‫ّ‬ ‫‪61‬‬


‫منفصل ً‬ ‫ً‬ ‫أصل‪ ،‬أي أن نفيه هو أساس تح ّققه‪ ،‬وبعبارة أخرى فإنه‬ ‫يحضر بسلب تح ّققه ممكنات التطابق والتشارك والتماثل‪ ،‬في‬ ‫ُ‬ ‫مقابل إضفاء سمات التباين والتفاصل والتفاضل‪ .‬ما يخ ّفف‬ ‫الس ْلب هو امتالك اآلخر شروط االستجابة‬ ‫من حدّ ة هذا َّ‬ ‫لمتطلبات التسويق‪ .‬ينتسحب هذا التحديد على‪:‬‬ ‫ـ النقيض‪ :‬كما في مثال العدو أو الخصم‪.‬‬

‫ـ الغريب‪ :‬كما في مثال األجنبي‪.‬‬

‫ـ المختلف‪ :‬كما في مثال الهامشي والغامض‪.‬‬

‫قارة ألنها‬ ‫هذه ثالثة أشكال نمط ّية لآلخر‪ ،‬ولكنها أشكال غير ّ‬ ‫عرضة للتبدّ ل بمقتضى تفاعالت سوق الكيان‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ ينجح تسويق الكيان بقدر ما ينجح الجحر الثقافي في إنتاج‬ ‫صورة أصلية غير مقتبسة أو مشتركة‪ ،‬والمثال األنجع هنا هو تبئير‬ ‫متوسط التداول بين اللغة والسلعة‪.‬‬ ‫التم ّثالت القومية‪ .‬الصورة هي ّ‬ ‫حضورا‬ ‫‪ 6‬ـ على هذا النحو يكون حضور اآلخر بالنسبة إلى األنا‬ ‫ً‬ ‫وتحوله إلى واقع‪ ،‬أي االعتراف بذات ّيته‪،‬‬ ‫صور ًّيا في األساس‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫رهين بأنماط التواصل التي ـ وإن لم تل ِغ االنفصال ـ تعمل على‬ ‫تذويت المسافة التي يقع على طرفيها َم ْو ِق َعا الرؤية والتعيين‪.‬‬

‫عر ًضا ح ًيا‪ ،‬ولكنه ليس متح ًفا للفعال ّية كذلك‪.‬‬ ‫‪ 7‬ـ الكيان ليس ْ‬ ‫‪62‬‬


‫خاتمـة‬



‫والقوة يكمن جوهر الضعف والتداعي‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ في خطاب المكنة‬ ‫ّ‬ ‫قال عبدالله العروي‪« :‬إن التشديد على ضرورة تقوية الدولة‬ ‫باستمرار دليل على أنها ضعيفة باستمرار»؛ يمكننا استعارة‬ ‫هذا التوكيد ليتصل ال بالدولة وحدها‪ ،‬ولكن بالكيان‬ ‫أجمعه‪ .‬ذلك يعني أن الكيان الذي ال يظهر إال براديكاليته‪،‬‬ ‫صون خطابه واستشراف مستقبله‪،‬‬ ‫قد يكون األضعف في ْ‬ ‫من ذلك أن المؤسسة (السياسية‪ ،‬االجتماعية‪ ،‬الثقافية‪،‬‬ ‫متأصل‬ ‫االقتصادية) التي ال تعترف إال بخطاب واحد‬ ‫ّ‬ ‫في الزمان والمكان‪ ،‬والتي ال تدرك عالقتها التكافلية‬ ‫بخصومها (المعارضة والمنافسة والعداوة) وتتبنى سحق‬ ‫خصومها دون إدراك حاجتها األساسية إلى الرجوع‬ ‫إليهم‪ ،‬إنما هي مؤسسة تموت‪ ..‬وبمعنى آخر‪( ،‬نستعير‬ ‫فيه حكمة الطاويين)‪« :‬ال بد للنظام من أعدائه‪ ،‬إذا شاء‬ ‫أن يستمر»‪ .‬هكذا يمكن للمناقشة الحرة التي شرعنا بها‬ ‫أن تمضي بين درس في الفكر السياسي ْ‬ ‫(كشف أساطير‬ ‫ِ‬ ‫وتصعيد‬ ‫الدولة الحديثة‪ ،‬بدءا بفكرة المواطنة والدستور‬ ‫ٍ‬ ‫حدث ـ كالحرب ـ ليكون خطا ًبا كون ًيا ـ كالعولمة) وانتها ًء‬ ‫بدرس التصوف الشرقي (حكمة الطاويين القدامى الذين‬ ‫سار صوف ّيو العرب على طريقتهم ـ أعني اختزال التاريخ‬ ‫السياسي بخطاب مراقبيه الذين عاشوا على هامشه‪ ،‬دون‬ ‫‪65‬‬


‫أفجر‬ ‫أن يسمحوا له باإلفالت منهم)‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫لست في الحقيقة ّ‬ ‫أسئلة دون عناء البحث عن إجاباتها‪ ،‬ولكنني ـ بهذا القدر‬ ‫أو ذاك ـ أرتّب اجتهاداتي التي آمل من خاللها أن أكون‬ ‫بالتحرر‬ ‫قد قاربت حدً ا أدنى للقول واجتراح المناقشة‬ ‫ّ‬

‫من التمدْ رس‪ ،‬وبرفض الركون إلى الحلول التلفيقية‬ ‫والمشاريع اإلصالحية المر ّقعة‪ ،‬دونما حاجة إلى مواصلة‬ ‫التأكيد على أن هذا النص إنما ينهض من الحرية وحدها‬

‫كشرط ممكن الستمرار الخطاب وتواصله‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ يمكننا النظر إلى المثال االستبدادي (المثال الشرقي‪ ،‬أو‬ ‫األرثوذكسي‪ ،‬أو حتى المتخ ّيل في كتابات الرحالة الغربيين‬

‫في آماد القرن التاسع عشر)‪ ،‬كنموذج سردي مطلق ال‬ ‫منطقي له‪ ،‬وال يمكن اعتماده للمقارنة‪ ،‬إال‬ ‫«ما ـ صدق»‬ ‫َّ‬

‫التعرف على بالغة االستبداد‬ ‫بقدر ما تسمح به رغبتنا في ّ‬

‫المضاد الذي عانينا ونعاني منه لقرون عديدة على أيدي‬ ‫المفكرين الليبراليين «األحرار»‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ إن أولى أساطير الدولة الحديثة أنها غير قابلة للتبدّ ل من‬ ‫خارج السياقات المتعاقد عليها‪ .‬هذه السياقات المتعاقد‬ ‫عليها هي باألساس سياقات ُمت َ​َم َّثلة‪ ،‬أي أنها ليست وليدة‬

‫البيئة التاريخية واالجتماعية التي ننتمي إليها كذوات‬ ‫‪66‬‬


‫فاعلة أو كالعبين اجتماعيين ندرك مساحة وفضاء خطابنا‬ ‫السياسي االجتماعي‪ ،‬ونحتكم إلى معيار ّية منهجية أنتجتها‬

‫لنا تلك السياقات على نحو خاص لنعالج بها التباسات‬ ‫وارتباكات العالقات التي نتوسم أنها تن ّ‬ ‫ظمنا‪ ،‬أو على‬

‫نتعرف على «نظامنا»‬ ‫األقل نتوخى من خالل اتباعنا لها أن ّ‬

‫الخاص الذي يصنع سياق العالقة بيننا كذوات اجتماعية‬ ‫مدركة إلحداثياتها التاريخية االجتماعية إزاء العالم‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ للدولة كمفهوم سياسي اجتماعي رهابه الخاص‪،‬‬ ‫أتحدث هنا عن فوبيا ترافق تداول المفهوم‪ ،‬وأتساءل‬ ‫نعم َم فكرة رهاب المفاهيم على‬ ‫ما إذا كان بإمكاننا أن ّ‬

‫غير هذا المفهوم! بهدف ْنزع توائمها السيامية عنها‪ ،‬بدءا‬ ‫بالديمقراطية والليبيرالية‪ ،‬الشورى والالسلطو ّية‪ ،‬التوافق‬ ‫والمصالحة‪ ..‬إلخ‪ .‬و ُي ِ‬ ‫وهم) نتكاتف‬ ‫القراء أننا (أنا ُ‬ ‫درك ّ‬

‫لنخ ّلص أنفسنا على مدار الساعة من رهابات عدّ ة‪ّ ،‬‬ ‫لعل‬

‫رهاب الدولة بثنائياتها‪.‬‬ ‫أشدّ ها‬ ‫ُ‬

‫‪ 5‬ـ بقدر ما يصدر الكيان عن التشميل األيديولوجي التداولي‬

‫لمجمل الفعاليات وما أنجزه تراكمها من مسارات وأنساق ُينظر‬

‫إليها بوصفها متواطئة ومتضافر ًة إلنتاج تاريخها الخاص‪ ،‬بقدر‬ ‫ما يؤ ّدي هذا التشميل األيديولوجي التداولي إلى نهاية الكيان‪.‬‬ ‫‪67‬‬


‫تنشأ أوهام الكيان عن تحويل الحضور إلى معيش‪ ،‬ولكن قد‬ ‫ينتهي تفعيل إعالء عالقة المحايثة هذه بتسويغ أوهام الكيان‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫تجويز‪ ،‬قابل ّي ٌة للتجدّ د‪ ،‬ربما للنسيان‪ ،‬وإحالة‬ ‫إمكان‬ ‫‪ 6‬ـ الوهم‬ ‫األشياء إلى حاالت صفر ّية‪ .‬بعد ذلك ـ طب ًعا ـ يجب مدُّ ها‬ ‫بقوة القطيعة‪.‬‬

‫‪68‬‬


‫هوام�ش‬ ‫ً‬ ‫اختزال مع ّب ًرا يتمثل في الظرف « َث َّم» الذي‬ ‫‪ 1‬ـ تو ّفر لنا اللغة العربية‬ ‫يشير إلى المكان البعيد‪ .‬إن « َث َّم» المكانية هذه تستخدم باستدعاء‬ ‫التحول والحركة في المكان (= الزمان)‪ .‬العربية توجز لنا بدقة هذه‬ ‫ّ‬ ‫تتضمن االستئناف الزماني‬ ‫اإلحالة المكانية والزمانية في حرفين‪ ،‬فهي‬ ‫ّ‬ ‫« ُث َّم» واإلشارة المكانية « َث ّم َة»‪ ..‬يمكننا أن نصف « َث َّم» هذه باألداة‬ ‫الزمكانية‪ ،‬كلما أردنا بحث مسألة التحول‪ .‬إنه ٌ‬ ‫لفظ ينتمي إلى التفكير‬ ‫في المستقبل‪ ،‬ومقتضيات تواصل السيروة‪.‬‬

‫والو ْجد‪ .‬ربما أصل «ليس» العربية‬ ‫‪ 2‬ـ الكيان هو حال األيس‪ ،‬أي الكينونة ُ‬ ‫هي «ال أيس»‪ .‬إذا تمظهر الكيان يمنحنا هوي ًة‪ .‬الهوي ُة تضمر الكينونة‪،‬‬ ‫لنفكّر كذلك في ‪ identity‬أي الهو ّية‪ ،‬لنفكر في ‪ id‬بمعنى « َط ْفح»‬ ‫السابقة على الكيان ‪.entity‬‬

‫الزنْجفر‬ ‫الزنْجفر‪ :‬كبريت الزئبق األحمر القرمزي‪ .‬يقول كانط‪« :‬إذا كان ّ‬ ‫‪3‬ـ ّ‬ ‫تارة ذا لون أحمر‪ ،‬وتارة أسود‪ ،‬تارة خفي ًفا‪ ،‬وتارة ً‬ ‫ثقيل‪ ،‬فلن تتاح‬ ‫الزنْجفر الثقيل مع تصور اللون‬ ‫فرصة لمخيلتي كيما تستقبل في الفكر ّ‬ ‫األحمر»‪ .‬ما الفلسفة‪ ،‬جيل دولوز‪.207 ،‬‬ ‫‪69‬‬


‫‪ 4‬ـ أضفت مثال قطة شرودنغر‪ ،‬كنموذج ذهني معروف على مبدأ الاليقين‪،‬‬ ‫عدت في ذلك إلى ذكرى المناضل الرفيق وجيه مطر الذي لم يكن‬ ‫مهجنة في مختبر شرودنغر‪« ،‬فال هم‬ ‫يرى في الحكام العرب إال قط ًطا ّ‬ ‫نسون»‪.‬‬ ‫أحياء ف ُيسمعون‪ ،‬وال هم أموات ف ُي َ‬ ‫‪ 5‬ـ حول الجغرافيا المرنة والفضاء اللدن‪ ،‬انظر‪« :‬ورثة اللوغوس»‪،‬‬ ‫الفصل الثالث‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ يقول باشالر‪« :‬إننا ال نستطيع فصل الضويئة (الفوتون) عن شعاعها‪.‬‬ ‫الضويئة‪ ،‬بكل بداهة‪ ،‬هي نموذج يمثل الشيء ـ الحركة»‪( ،‬التفكير‬ ‫العلمي الجديد‪ .)65 ،‬لقد طور أينشتين المفهوم الحديث للفوتون‬ ‫(‪ )γ‬في ‪ ،1917‬باسم كوانتم الضوء‪ ،‬وبعد ذلك بعقد من الزمان انتشر‬ ‫اسم الفوتون على يد غلبرت لويس‪ُ .‬يظهر الفوتون قابلي ًة لخاصية‬ ‫المادة واإلشعاع في نفس الوقت‪ ،‬إال أن التعبير عنه بالجسيم ليس‬ ‫كافيا‪ ،‬ألنه ٍ‬ ‫متناه في الصغر وال كتلة له‪ ،‬فهو «جسيم طاقوي» يمكن‬ ‫ً‬ ‫تت ّبع آثاره فقط‪ ،‬والفوتون حيادي الشحنة‪ ،‬له نفس سرعة الضوء‬ ‫تكون الحقول الكهربائية والمغنطيسية‪،‬‬ ‫تقري ًبا‪ ،‬وهو األساس في ّ‬ ‫ويكون اإلشعاع الضوئي المرئي (أشعة الشمس) وغير المرئي (أشعة‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ودائما‪ .‬وهو حامل للطاقة‬ ‫إكس‪ .).. ،‬يمكن القول أنه يشغر كل مكان‬ ‫ً‬ ‫وال يتفاعل مع أي «شيء» آخر‪ .‬ويمكن وصفه بالوسيط بين الحقول‬ ‫المغناطيسية أو بين التفاعالت الكهرومغناطيسية‪ ،‬يضم كل متر مكعب‬ ‫من الفضاء ‪ 400‬مليون فوتون‪ ،‬وتدخل التطبيقات الفوتونية اآلن في‬ ‫حواسيب الكوانتم‪.‬‬

‫‪ 7‬ـ ليبنتز‪ ،‬مقال في ما بعد الطبيعة‪ ،‬الفقرة ‪ ،IX‬ترجمة د‪ .‬البكاي ولد‬ ‫عبدالمالك‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ تاريخ األمم يقدّ م لنا نماذج من تطابق التكوين السياسي مع التكوين‬ ‫‪70‬‬


‫يستقر فيه الكيان على‬ ‫الزمن الذي‬ ‫أيضا أن ّ‬ ‫االجتماعي‪ ،‬لكنّه يرينا ً‬ ‫ّ‬ ‫طويل‪ ،‬إذ أن ّ‬ ‫ً‬ ‫قار يكون عاد ًة مهدّ د ضمن‬ ‫هذا النحو ال يدوم‬ ‫كل كيان ّ‬ ‫الداخلي أو‬ ‫التحول بفعل عوامل التدنّي‬ ‫جدلية ال َف ْرد وال َع ْود إلى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التحول‪ .‬ثباته‬ ‫االستعمار الخارجي‪ ،‬يبدو أن الكيان ال معنى خارج‬ ‫ّ‬ ‫يعني موته‪.‬‬

‫‪ 9‬ـ من أمثلة سؤال الهو ّية التر ّدد الذي يلقي بظالله على النّخب الروس ّية‬ ‫إزاء الهوية األوراس ّية (نسبة إلى أوراسيا) ً‬ ‫مثل‪ ،‬أو طرح الهوية األفراسية‬ ‫(نسبة إلى أفراسيا) بالنسبة إلى اليمن أو مصر في مثال آخر‪ ،‬أو الهوية‬ ‫القومية بالنسبة للسودان‪ ..‬وهكذا‪ .‬وليس ذلك ّ‬ ‫أثرا من االنتماء‬ ‫بأقل ً‬ ‫إلى هو ّية إسالمية مفترضة بالنسبة لألفغان الذين لم تؤ ّثر فيهم عدّ ة‬ ‫أيضا في‬ ‫قرون من محاوالت اندماج األعراق في كيان واحد‪ ،‬لنفكر ً‬ ‫الباسك والكاتاالن والشيشان والتيبت والتاميل‪ ..‬إلى آخر ذلك من‬ ‫األمثلة وهي جدّ كثيرة‪.‬‬

‫‪ 10‬ـ كلما فكرنا في العالقة بين الديانة المسيحية واالمبراطورية الرومانية‬ ‫نجد أن كال منهما صنع نقيضه باحتضان اآلخر‪ .‬تش ّظت اإلمبراطورية‬ ‫وغادرت المسيحية إهابها الشرقي إلى األبد‪.‬‬

‫‪71‬‬



‫من مؤلفات د‪ .‬عبدالمنعم المحجوب‬ ‫� ً‬ ‫أول‪ :‬درا�سات‬

‫ـ أصوات بابل‪.‬‬ ‫مقاربات جينالوجية في اللغة والحراك السوسيوثقافي األفروآسيوي‪،‬‬

‫وحديث عن المسارات الالنسق ّية للتآثر اللغوي‪ ،‬مع قراءة جديدة‬

‫للغات العاربة‪ .‬دار تانيت للنشر والدراسات‪ ،‬ط‪.2014 ،1‬‬ ‫ـ معجم تانيت‪.‬‬

‫معجم في الحضارة الليبية ـ الفينيقية في شمال إفريقيا وحوض‬

‫المتوسط وما يتصل بها من الحضارات المصرية واإلغريقية‬

‫الرومانية وممالك نوميديا وموريتانيا الطنجية وموريتانيا القيصرية‬

‫والصحراء الكبرى‪ .‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.2013 ،1‬‬ ‫الوراق‪.‬‬ ‫ـ فتنة ّ‬

‫من تراث نقد الفكر الديني في القرن الثالث الهجري‪ ،‬وهو أول‬

‫الوراق ويجمع شتات تراثه‬ ‫كتاب َّ‬ ‫يخصص ألبي عيسى محمد ّ‬ ‫‪73‬‬


‫المبثوث في الكتب العربية القديمة‪ .‬مركز ليبيا الوطن‪ ،‬طرابلس‪،‬‬

‫ط‪2013 ،1‬‬

‫ـ كتاب التبو‪.‬‬ ‫أول كتاب يصدر باللغة العربية عن هوية التبو‪ ،‬ولغتهم‪ ،‬وتاريخهم‬ ‫المجهول‪ ،‬دار تانيت للنشر والدراسات‪ ،‬ط‪.2013 ،1‬‬

‫ـ رحلة حنّون‪.‬‬ ‫البحار حنون حول ما عرف باألرجاء‬ ‫طواف الملك القرطاجي ّ‬ ‫الليبوفينيقية وراء أعمدة هرقل‪ ،‬وإعادة تدقيق كرونولوج ّية في‬ ‫تاريخ تأسيس قرطاج‪ ،‬مع تذييل بأهم المدن الفينيقية في حوض‬

‫المتوسط‪ .‬دار تانيت للنشر والدراسات‪ ،‬ط‪.2012 ،1‬‬ ‫ـ الكتاب األرجواني‪.‬‬

‫متفرقة في تاريخ قرطاج الثقافي‪ .‬دار الفارابي‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫تأمالت ّ‬

‫ط‪.2010 ،1‬‬

‫التنوع اإلثني والثقافي في إفريقيا‪.‬‬ ‫ـ ممكنات الديمقراطية في ظل ّ‬ ‫بحث تم تقديمه للمؤتمر الدولي الذي عقد بأسمرة (أريتريا)‪،‬‬ ‫دار األصالة والمعاصرة‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ط‪.2010 ،1‬‬

‫ـ كانط‪ ..‬من أجل سالم أبدي‪ ..‬مسودة فلسفية‪.‬‬ ‫‪74‬‬


‫الترجمة الكاملة للمسودة الفلسفية لكانط‪ ،‬مع تقديم وتعليقات‬ ‫وشروح ضافية‪ .‬دار األصالة والمعاصرة‪ ،‬طرابلس‪.2010 ،‬‬

‫ـ ما قبل اللغة ‪ ..‬الجذور السومرية للغة العربية واللغات‬ ‫األفروآسيوية‪.‬‬

‫وهما دام ألكثر من مائة سنة حول عزلة‬ ‫نظرية لغوية‬ ‫ّ‬ ‫تصحح ً‬ ‫اللغة السومرية‪ ،‬مع نماذج تطبيقية وخالصات واستشراف‪.‬‬ ‫دار تانيت للنشر والدراسات‪ ،‬ط‪ .2008 ،1‬دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫بيروت‪ ،‬ط‪.2013 ،2‬‬ ‫ـ القصور الديمقراطي‪.‬‬

‫مناقشة حرة لمفاهيم‪ :‬الحكم‪ ،‬المواطنة‪ ،‬والقرار السياسي‪،‬‬ ‫وحديث عن «الجهاز االنطباعي للعالم»‪ .‬سلسلة كتاب فضاءات‪،‬‬ ‫طرابلس‪ ،‬ط‪.2005 ،1‬‬

‫ـ ورثة اللوغوس‪.‬‬

‫الجزء األول من مشروع «راهنية التأويل»‪ .‬المركز العالمي‬ ‫لدراسات وأبحاث الكتاب األخضر‪ ،‬طرابلس‪.2004 ،‬‬

‫ـ ما وراء الغرب‪ ..‬بصدد الذات واآلخر والثقافة‪.‬‬

‫مفهوم الغرب في ظالله الجغرافية والتاريخية والفلسفية والثقافية‬ ‫والسياسية‪ .‬سلسلة كتاب فضاءات‪ ،‬طرابلس‪.2003 ،‬‬ ‫‪75‬‬


‫ـ الالدولة‪.‬‬

‫المنشأة العامة للنشر والتوزيع‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ط‪.1987 ،1‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬ق�صائد‬

‫شع النبيذ‪.‬‬ ‫ـ كلما َّ‬

‫قصيدة صدرت طبعتها األولى سنة ‪ 2009‬عن دار تانيت بتونس‪.‬‬

‫ـ عزيف‪.‬‬

‫قصيدة صدرت طبعتها األولى سنة ‪ 2002‬عن دار تانيت بتونس‪.‬‬ ‫ـ كتاب الوهم‪.‬‬

‫قصيدة صدرت طبعتها األولى سنة ‪ 1998‬عن دار الملتقى ببيروت‪.‬‬

‫ً‬ ‫ثالثا‪� :‬إ�صدارات م�شتركة‬

‫ـ التحركات البشرية والهجرات اليمانية إلى الشام وشرق وشمال‬ ‫إفريقيا قبل اإلسالم وبعد ظهوره‪.‬‬

‫مع د‪ .‬علي فهمي خشيم‪ ،‬د‪ .‬محمد علي مسعود‪ ،‬وآخرين‪ ،‬المركز‬ ‫العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب األخضر‪ ،‬طرابلس‪ .‬جامعة‬ ‫محمد الخامس‪ ،‬الرباط‪ ،‬المغرب‪ .‬مركز الدراسات االستراتيجية‪،‬‬ ‫دمشق‪ ،‬ط‪.2001 ،1‬‬ ‫‪76‬‬


‫ـ شعرية النظر‪.‬‬

‫مع الفنان التشكيلي علي الزويك‪ ،‬مركز ليبيا الوطن‪ ،‬طرابلس‪،‬‬ ‫ط‪.2013 ،1‬‬ ‫راب ًعا‪ :‬كتب �صدرت عنه‬

‫ـ متن التضاد‪ ..‬جدل الظاهر والمضمر في كتاب الوهم‪ .‬تأليف‪:‬‬ ‫محمد الزيات‪ ،‬مجلس الثقافة العام‪.2008 ،‬‬

‫ـ عبدالمنعم المحجوب‪ ..‬السومري األخير‪ .‬تأليف‪ :‬وليد‬ ‫الزريبي‪ ،‬الشركة التونسية العامة للطباعة والنشر‪.2009 ،‬‬

‫‪77‬‬



‫صدر في هذه السلسلة‬ ‫‪ 1‬ـ (قراءات في السلم والحرب)‪ ،‬عبدالمنعم المحجوب‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ (حبر المنفى)‪ ،‬عمر الكدي‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ (خاليا نائمة)‪ ،‬محمود البوسيفي‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ (أوراق تاريخية)‪ ،‬مختار الجدال‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ (ما وراء الحجاب)‪ ،‬فتحي بن عيسى‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ (منفى)‪ ،‬ديوان شعر ـ عمر الكدي‪.‬‬

‫‪ 7‬ـ (مفهوم القوة في السياسة الدولية)‪ ،‬خالد الحراري‬

‫جو ْك)‪ ،‬قصائد محكية بلهجة ليبية‪ ،‬سالم العالم‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ ( َعلى ّ‬ ‫‪ 9‬ـ (موسوعة الجهل النسبي)‪ ،‬مقاالت‪ ،‬الصدِّ يق بودوارة‪.‬‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.