يوزع هذا الكتاب مجان ًا مع العدد ( )10من مجلة املستقل
راهنيّة التأويل
ســؤال الكيـان تأليف :عبد المنعم المحجوب الطبعة الثانية © جميع الحقوق محفوظة مجلة أسبوعية سياسية شاملة طبع في إبريل 2015 مطابع األهرام جمهورية مصر العربية المدير الفني وتصميم الغالف :سامح الكاشف اإلخراج الفني والتنفيذ :أحمد نجدي
المحتويات تقديم
....................................................................................
9
1ـ «ما» الكيان ..الترسيس شبه المتعالي للتخوم بين الوجود والحضور 17 .......................................................... ـ حاشية 29 .................................................................... 2ـ الكيان بوصفه إرادة 33 .................................................. 3ـ الكيان والتاريخ 45 ......................................................... 4ـ سوق الكيان 59 ..............................................................
خاتمة
...................................................................................
63
................................................................................
69
هوامش
في تجديد ذكرى الفارابي سع ًيا (بعبارته) إلى« :مدينة الجماع ّية ..مدينة األحرار» حيث «ال أحد أولى بالرئاسة من أحد».
تقديم ُ اإلمكان جز ًءا من استعادة أفالطون ّية كون ّية 1ـ إلى أي حدّ أصبح المدْ َونَات االجتماعية؟ وفي صيغة للمعرفة غير المدرجة في َ أخرى :إلى أي حدّ ـ ضدّ الممكنات الراديكالية ـ أصبح الكيان مفترض؟ نمط ًيا ومشدو ًدا إلى مثال قياسي َ ّ
ً بروتوكول أخالق ًيا للتغ ّير أصبح سائدً ا في العالم ثمة انطباع بأن
معزز بأدوات تعويم الخصوصيات الثقافية ،وتنميط وهو ّ االستجابة ،والتشريع للمستقبل الكوسموبوليتي ،وإنجازات
النص التش ّعبي واللغة الواحدة ،في مقابل اإلرادة وإثبات الذات، ومتر ّية العالقة باآلخر ،والشجاعة من أجل اإليثوس القومي،
والجهاد في سبيل الوجود ،وغيرها من تقاليد الثورة وتحقيق
الذات والبحث عن األفضل.
إن هذا البروتوكول العملي ال يستند إلى فلسفة قوية ،ولكنه 9
يتم ّيز ـ في مقابل ذلك ـ بقدرة وقابلية تشميل ّيت ْين تستطيعان
توظيف الفلسفة لصالح تسويغ أثره وما ينتج عنه من تواضعات
تنعكس ـ والبد ـ على مجمل النصوص ووسائط التفكير التي وتنمطها ،وتنتج ـ تتناوله بالبحث والتساؤل ،وتح ّفز االستجابات ّ
بالتواتر والتراكم ـ أمثلة متعالية وشبه متعالية.
لقد تضاءلت المراحل والفترات والعهود واألزمنة إلى الدرجة
قياسا بالنسبة لـ«اآلن» والـ«هنا» التي يمكن لنا أن نعدّ فيها التاريخ ً ً عابرا للسيرورات االجتماعية الدقيقة التي يضعها المؤرخ اختزال ً على رأس مقدّ مات بحثه.
إن العالم يجابه ْنزع الخصوصيات ال بافتقاده المتسارع للسمات أيضا. الثقافية التي تميز كل جزء منه ،فقط ،بل بتنميط إدراكنا للزمن ً
فوهة سوداء لمستقبل األزمنة االجتماعية آخذة في االنصهار في ّ
مرتدّ يحاكي مسار «البوميرانغ» اسمها التاريخ العام .لقد أشار الفصل بين التاريخ والتاريخ العام ،ويبدو أن فوكو إلى إشكالية ْ
هذه اإلشارة تتأكّد في أكثر من ح ّيز تاريخي ،وتتصل بأكثر من حقل من حقول التداول المعرفي .وقد يكون من المجدي في الفصول
القادمة إعادة طرح هذه اإلشكالية بالنسبة للعولمة التي تتبدى ً اختزال للسيرورات االجتماعية المنفصلة ،وبوصفها بوصفها
توضي ًعا جديدً ا للتاريخ الشامل.
10
2ـ ال يمكن إغفال السيرورات االجتماعية ونحن نقرأ التبدّ الت المحيطة بالكيان بأبعاده العديدة ،فمشهد الكيان في حد ذاته
ليس إال التبدّ ي الخارجي لهذه السيرورات ،وأي محاولة
لنزع فكرة وجوده عن فعلها المتواصل سوف توقعنا في
نموذجا شرك المثالية التاريخية .إننا نجد في هذا الفعل ً
للصيرورة ،للكينونة الراهنة ،لنقل للراهن ّية ،ذلك يعني
نموذجا تأويل ًيا لمحاوالتنا الدور ّية ونحن أيضا اعتمادنا ً ً
نقرأ وقتنا.
يفضل بعضنا وصفه بالمثالي ،أو حتى ذاتي ،وربما ّ هذا النموذج ٌّ
بالتح ّقق االجتماعي لأليدوس القومي ،لكن ذلك ال يحول دون المضي في التشديد الضروري على أن المثالية التاريخ ّية ،بقدر ّ
ما تنجح في تعميم تجريداتها ،بقدر ما تعزل الكيان عن راهن ّيته وفعل ّيته.
إننا في الحقيقة في حاجة إلى توطين المفهوم أكثر مما تعوزنا
الز ْد َوجة المعتادة في مفهمة الكيان ،لذا يرى الكاتب أن ّ توضيع هذه المسألة إنما تعود إلى أسباب تمهيدية وتوصيفية،
أكثر مما تقتضيها الضرورة الفكرية الجا ّدة ،وإني ألرجو
أن ينسحب هذا التنويه على مجمل ما سي ّطلع عليه القارئ 11
في الصفحات القادمة التي تعتمد على التوازن بين المفهمة والتوطين في رؤية الكيان.
مالحظة :هذه الرؤية قابلة في بعض انعطافات النّص إلى التل ّبس
بطابع الرؤيا ،ألجل أنها تمتح منها حافز التقدّ م إلى األمام ،دون
أن يسودها هذا الطابع ،كما آمل.
3ـ إذا عبرنا من سماء المفاهيم إلى مواطن تشكّلها ،علينا
هنا أن نفكّر ما إذا كانت الصيغ المتعدّ دة والمتراكمة
للعولمة سب ًبا في مثل هذا العبور الدّ ْوري .وربما علينا أن نستدعي التمفصالت التاريخية الكبرى لنقارن على
تكونات منفصلة: حواف المتوسط بين تاريخ ورؤى ثالثة ّ ّ
هلنيستية ،يهودية ـ مسيحية ،وإسالمية .إن مساراتها بقدر تأسسها على أنماط منفصلة من ما تبدو مستق ّلة في ّ
متماس ٌة ومشتركة «اإليثوس القومي التاريخي» ،بقدر ما هي ّ ٍ انعطاف متداخل في تحويل الكيان العالمي إلى حقل تتحول «الحكايات االعتبارات ومتّصل النهايات ،بحيث ّ
التأسيس ّية الكبرى» ـ كما يسميها جان فرانسوا ليوتار ـ ٍ «سرد» متواتر ،لتواجه فناءها الحتمي ضدّ إرادتها، إلى
وتعلن بالمحصلة انكفا َء الخطابات إلى وحدات خطابية َ واختزال الظاهرة في الحدث ،أي تنميط مرجع ّية ب ْين ّية، 12
التحوالت في العالم .وربما من هذه الجهة ينبغي علينا
أن نرتّب لنا موق ًعا جانب ًيا جديدً ا لقراءة ونقد األصوليات
الحديثة التي تتنازع العالم اآلن.
4ـ نحن إذن ـ في هذا الوقت ،مثلما في كل وقت آخر ـ مجبرون على الوقوف أمام كيف ّيات مفترضة لرؤية ومعالجة التبدالت التاريخية واستكناه ُس ّل ِمها العام ،بالرغم من أن القناعة تسكننا
بأن ال معيار مطل ًقا يمكن له أن ين ّظم قراءتنا.
إن السؤال األساس الذي يمكن لهذه القراءة أن تنبني عليه هو: إلى أي حدٍّ تتمكن هذه الـ«نحن» من مقاربة النموذج التداولي،
صحة أو المثال القياسي المفترض؟ وثمة سؤال مستبطن هنا :ما ّ
تمثيل أنفسنا كجزء من تاريخ النماذج التاريخية ،دون أن نتخلى عن ُعزلتنا المنهجية؟
لهذا السؤال جينولوجياه الخاصةً . أول ما المدى الذي نتمكّن
فيه من استخدام كلمة «نحن» ببساطة اإلشارة ،أي دون أن نلجأ
لمحدّ دات تعريفية من خارج مفهوم الـ«نحن» هذا؟ ثم ما المدى
المشترك بين ما ندعو له (أو ندّ عيه) من نماذج تاريخية وبين ما ب نجده أمامنا كنموذج وحيد ذي فرادة منهجية ،ولكنه سائدٌ متغ ّل ٌ
على جينولوجيا األفكار وتضاريس االبستمولوجيا وانفتاحات النص والمدْ َونات التأريخية؟
13
5ـ إن المفاهيم ليست الجزء الوحيد الذي تنتمي إليه األفكار، األفكار تصنعها األحداث ،الوقائع ،قابليات التبدّ ل من طور
إلى طور .أي أن األفكار هي صنيعة الزمن ،ال بحكم اشتراط الميقات ،ولكن بفعل تجاوزه ،أي باختراق جدار اللحظة التي
يسعى سياسيون ومفكرون إلى تأبيدها .إن كل فكرة هي نبوءة إذا تس ّلخت عن قاعدة حرق المراحل (هنا ـ اآلن)( ،التي تعتبر
تصورية أو منطقة أولى Scolaللتغيير) ،وذهبت باتجاه عتبة ّ
التكون «هنا» استكناه الما بعد ،أي بالمحافظة على فضاء ّ
لتمر إلى طوره الجديد ،التالي ،المحتدم وربما المجهول ،أي ّ
«و َب ْعدْ » .نحتكم إذن ـ في الفصول القادمة ـ إلى هذه المعادلة َ الثورية« :هنا ـ وبعد»)1(.
ََْ
ٍ تحتية من التفكير في الثورة نتوقف عند اعتبار أن 6ـ في طبقة التم ّثل األيديولوجي المدرسي ُيلزمنا بالمبدأ القديم المتمثل ٍ صوغه، في حرق المراحل ،وبقدر ما َن ْع َمدُ بإرادة إلى إعادة ْ برغبة تجاوزه ،بقدر ما نركن إلى إعطائه صيغة أخرى مختلفة، إنه استدعاء اضطراري؛ ألننا من الناحية العملية سوف نتوقف
باستمرار عند التنويعة الهامة التي أشاد بها ألتوسير في رصد األنظمة الفكرية ترصدر
التي ال مجال للبت بقطيعتها مع غيرها ،أو بانقطاعها عن السياق 14
الذي ُولدت فيه؛ الفارق بالطبع ـ بقدر ما هو أيديولوجي ـ هو
على نحو أوضح فارق تقني ذو صلة ببحث تبدّ الت نصف قرن من دراسة األمثلة :الفوضوية (الالسلطوية) ،الماركسية،
تلمس موت العولمة الليبرالية ،والرأسمالية؛ ثم على األخصّ : كمرحلة قادمة مازالت أجنتها تتخ ّلق وتتكون في جيوب طرف ّية في العالم.
7ـ نستلهم هنا أنساق التحوالت ،وتو ّطناتها المؤقتة في األشكال االجتماعية والتاريخية والثقافية ،واتصال هذه األنساق بماهية
وشروط الكيان ،ونستلهم مشهديته العامة كما تنعكس في وأخيرا األساطير التي ّ تغذي نصوص مختلف المراحل، ً
استمراره وتمنحه الجرأة على إعالن الفرادة والتم ّيز والجهاد ضد غيره من تبدّ يات الكيان ،ونخلص إلى الدفاع عن موضوعة
وتلح التحوالت على أسبابها ،أعني: قديمة تواصل حضورهاّ ،
التحول» ،التي نستطيع أن نقرأ صيغتها النبوئية في «ديمومة ّ
طاوي قديم ،وربما نجد تجريدها المضاد في شعار مبدأ ّ
«الثورة الدائمة» ،ولكنها باألساس ليست سوى صورة من صور «التدافع» ،هذا المفهوم كما و ّطنته المنظومة اإلسالمية ضمن أطياف تأويلية متعدّ دة.
إن هذا «التوليف» بين الخطابات على اختالف األزمنة واألمكنة 15
هو أحد آليات وأساليب قراءة التاريخ العام ،في محاولة الستكناه المجردة التحول ،الصيغة ما قد نتفق على تسميته هنا «أيدوس» ّ ّ لـ«الال ثبات» ،الذي ينتج من خالل تفاعالته االجتماعية والثقافية ً مستقل. ُرصد بوصفها كيانًا حضار ًة ت َ
16
()1
«ما» الكيان الترسيس شبه المتعالي للتخوم بين الوجود والحضور
«متى كانت المدينة كامل ًة تسقط منفعة هذا القول» ابن باجة ،تدبير المتوحد
1ـ إذا كنا سنفترض منظومة محدّ دة يصدر عنها مفهوم الكيان
سنقول أنه يصدر عن التشميل األيديولوجي التداولي لمجمل الفعاليات ،وما أنجزه تراكمها من مسارات وأنساق ُينظر إليها
بوصفها متواطئة ومتظافر ًة إلنتاج تاريخها الخاص .فالحديث
عن الكيان هو بقدر كبير حديث عن التاريخ ،أو باألحرى عن
نمط من أنماط تأويل التاريخ ،أي باستباق التسويغ في تداول ٍ لتعاقد عام عليها؛ إنه حديث عن معرفة التاريخ ،ال نتيج ًة
المتكونة الخصوصية ال عن المشترك اإلنساني ،عن األحق ّية ّ
كصورة أول ّية ال عن الحق ،عن مستوى من إعالء الذاتية بوصفها نف ًيا لآلخر ،ال عن مفهوم الذاتية بوصفها اكتشا ًفا قابل للتجدّ د يمنحها ديمومة الحضور في العالمً ، ً فضل عن
مجرد الوجود فيه.
19
دائما من عالقة الوجود بالحضور ليكون 2ـ يمكننا البدء ً في مكنتنا تحديد لحظة الكيان ،فالحضور شرط وجود
تصور كيان م ّيت إال بقدر ما ال نتصور الكيان ،وال يمكننا ّ قابلية حضوره ،أي عطالته ،على أننا نقول لحظة الكيان، ألن ما نستطيع موضعته على الدوام ليس سوى شكل
من أشكال الكيان ،ومظهر من مظاهر تح ّيناته .فما الذي يحضر؟ وما مدى راهن ّية هذين «الحدّ ين» يوجدُ ؟ وما الذي ُ
(الوجود والحضور) وهما متساويا اإلمكان؟ وهل
عالقتهما تضافر ّية ،أم أنهما ـ على العكس من ذلك ـ
يتأرجحان على طرفين نقيضين ،كلما ُص ّعد أحدهما في ٍ متعال ،كلما مورس خ ْف ٌض على التداول بوصفه شبه اآلخر مثل صنجتي ميزان ال تتزنان؟ وهل تحديد مفهوم الكيان ّ يظل غال ًبا على تحديد كيان الكيان ،بغض النظر
عن التبدالت التي تجعل من شكالنية الكيان معطى أول ًيا
ال يمكن تجاوزه لتحديد الكيان؟ وباختصار :ألسنا مقبلين
على اشتراع مفارقة جديدة كلما جئنا إلى هوية الكيان؟
وأننا وراء مفهوم الكيان نواجه على الدوام تلك التبدّ الت غير المرتقبة؟ ونتعامل معها وقد ح ّلت ً بديل عن كيان
مفترض ،يتراجع بدوره بينما ينجح شكل من أشكاله 20
فقط في الظهور كاختزال له؟ لكن أال يكون ذلك الشكل الوحيد من أشكال الكيان هو ـ آخر األمر ـ الحقيقة اليتيمة
لوجود الكيان نفسه ،وأن ما عداها إنما هو استيهام ينتج عن عمليات متّصلة من اإلعالء!
3ـ إن استباق التسويغ واألحقية ونفي حضور اآلخر في فهم الكيان هي «عمل ّيات» تصبح فيها الذات مرجعي َة ذاتِها ،فتُطابق بين األيدوس والعالم الذي يقع تذويته ،أي تتم موقعته من مبدأ الذات وضمن حدودها ،ال بفعل انتهاء العالم إلى الذات
بقوة وجودها في محيطه ،ولكن ٍ بفعل استيهامي يحيل حضوره
إلى وجودها.
احتياز ،أما الحضور في العالم فهو 4ـ الوجود في العالم ٌ ٌ تفعيل ،هو تحويل الحيوز الشخصية والجماعية إلى مجاالت مشتركة ،ربما كان امتياز تراث التنوير انه انتهى
إلى تذويت الح ّيز ،وتحويل الفضاء العام إلى امتداد طبيعي
للفضاء الذاتي غير الطبيعي ـ طالما أن الطبيعي هنا هو االجتماعي ،أي المتم ّيز باشتراكه ،ال بانطوائه أو إضماره أو فرادته ـ إال أن الصدمات التي بعثها نقد الحداثة وتراثها
التنويري ّ تكشفت عن النهايات «المقول ّية» (نهاية اإلنسان، 21
نهاية التاريخ ،نهاية األيديولوجيا )... ،والتي يمكن إحالتها
إلى صيغة من االكتمال تصطدم بها قدر ّية عصر التنوير،
بفعل التضاعف المعتمل في استبدال راهن ّية الوجود بصورة
الحضور.
إن اإلحراج المترتّب على التفكير في النهايات على هذا النحو تدعمه النُّقلة التليماطيقية التواصل ّية التي ب َّيأت الذات
حولت والموضوع ـ م ًعا ـ في مشهدية رقمية واحدة ،والتي ّ ِ ٍ ِ سيادة الطبيعة والكون، لوهم ومادة اإلنسان من صان ٍع إلى مرتهن لصورة هذه السيادة .من صورة مادية إلى مادة
ُص َورية.
5ـ كان تأكيد الحضور وتفعيل الوجود فعالية إنسانية أفق ّية؛
كان امتدا ًدا لمسار اكتشاف سطح األرض والهيمنة
عليه ،وهو مسار اخترعت فكرته وردة الرياح اليونانية،
وجعله الفينيقيون ممكنًا .وقد اكتمل هذا المسار في
ّ ومتوغ ًل في العالم القرن السابع عشر ،منطل ًقا من أوروبا
مضاع ًفا األيكومين القديم ،ومنتهكًا ُحجب التخوم كاش ًفا راسما أساطيرها ،فأعاد ترتيب أبعاد الفضاء اإلقليدي ً
للعالم عتبته ونهايته األوروبيتين ،وأسقط خرافة التطابق بين 22
موضوعا األيدوس القومي ومجاله الحيوي ،باعتبارهما ً
ً وشكل يعكسه .لقد شهد مسار اإلكتشاف والهيمنة اكتماله العملي في أواخر القرن التاسع عشر ،كما شهد اكتماله
محو ًل تلك العتبة المفهومي في أواخر القرن العشرين، ّ ومجسدً ا تلك النهاية في المقولة االستحواذية: إلى مركز، ّ
العولمة.
6ـ نتعامل في الواقع مع مشهد ّية الكيان ،نستدعي تبدّ يه الشكالني،
وخارج ّيته التي ليست سوى جلودنا ،بينما ّ نبث (نحن الذوات
المفردة والمونادات المؤقتة) في صورته إمالءات األيدوس ٍ متعال؛ ولكنه بقدر ليتحول بالتالي إلى وجود شبه القوميّ ، التحول فإنه يتوقف عن الحضور إال من خالل قابليته لهذا ّ هذه القابل ّية ،من هنا يكون التشكيك في الوجود مسألة متّسقة
تما ًما مع عطالة الحضور.
7ـ إن ما نتم ّثله في (وعن) الكيان هو ما نو ّد أن نحتفظ ألنفسنا به عنه ،لكن ذلك ليس كل الكيان ،إال إذا شئنا ٍ ً معرفة نستعين معرفة ،أو باألحرى استيهام نتوهم فيه أن ّ بها لدعم األيدوس القومي كما لو كان األيدوس وثنًا،
يستقر في معرفتنا (لغتنا) عنه تالوة مقدّ سة وكما لو كان ما ّ 23
في طقس إنشاء التطابق بين األيدوس والواقع .الكيان
إذن هو مجموع إحاالته التي يعتمد عليها لكي يوجد، وال يمكن ّ حل هذه القضية المتناقضة إال بالتفكير فيها كتغذية ارتجاعية للمفهوم الذي تصدر عنه فكرة الكيان.
ففكرة الكيان تتضاعف عبر عمليات متصلة من اإلعالء، ذلك يتحقق عبر تاريخ من التشميل األيديولوجي ـ عندما ً خاصة ـ ويتم تحويل يتع ّلق األمر باأليدوس القومي هذه الفكرة إلى مبدأ مؤسس للتصورات ،وهو تحويل
شبه ميتافيزيقي ،فتلك التصورات تنتهي بدورها إلى
أن تتحول إلى محفزات للواقع ،وموضوع للممارسة، ومحتوى للخطابات .هذا التحويل هو وحده الذي يشكّل امتيازا قو ًيا للكيان لكي ّ يحقق حضوره؛ وهو يتصل بكل ً
ممارسة إنسانية تقري ًبا .هكذا ،آخر األمر ،ليس الكيان سوى استثنا ُء ما ليس هو.
8ـ يحيل الكيان إلى الفاعلية ،ال الهوية .الفاعلية تح ّق ٌق وإرادة تح ّقق ،هي انتشار ال يتوقف عند اإلحداثيات الدالة على المجال فيصطنع له إحداثيات جديدة ليواصل تقدّ مه باكتشاف
واحتياز مناطق نفوذ جديدة ،وإن كانت وهم ّية ،ألنها آخر األمر تتشكّل وتتموضع فتمدّ حدود المجال وتمنحه ِس َع ًة .الفاعلية 24
إذن هي صنيعة العالقة والتقاطع واصطراع اإلرادات؛ الهوية رغب ُة تح ّق ٍق ال تُش َبع ،نقط ُة ارتكاز في إحداثيات المجالِ ،صل ٌة مفردة ال توجد خارج االرتباط الذي ينشأ من حركة الفاعلية، الهوية طفح يسبق الكيان)2(.
ٌ
قيمي عبر ـ ّ 9ـ يختبر الكيان عمليات متصلة من التجويز تجعله َ الحضور ،وغير خاضع لإلكراهات األخالقية والمنطقية ِ ِ وطرح تلك إرادة مصدر والجمالية ،ويصبح بين تح ّين وآخر َ اإلكراهات .هكذا يصير الخطأ والصواب ،الجمال والقبح، الخير والشر ،والتقابالت ـ الترابطات القيمية األخرى، ّ وتدل عليه .ويمكننا دالالته الما صدقية التي تصدر عنه
تق ّبل هذه العملية من التحويل واالستبدال باعتبارها جزءا من متوالية تواصلية ،وهي فعالية عبر ـ بشرية ال تصدر عن
طرف واحد ،إنها باختصار :توجيه الجميع للجميع؛ لكن ذلك ال يحدث دون أن يكون التم ّثل الجماعي عبر ـ القومي
للكيان هو المظ ّلة التي تحمي هذه الفعالية وتتيح لها أسباب االستمرار والتصاعد.
10ـ أشكال الكيان ،أو باألحرى الطرق التي بها يوجد ويظهر ،هي مجموع متداخل ،متّصل غال ًبا ،وغير محدّ د ً أصل ،ولكنه خاضع للتحيين بين نقلة وأخرى ،ومن هنا يمكن نسبته 25
إلى ظهور دون آخر ،وإلى وض ٍع دون غيره ،إذ ال يمكن
الحديث آخر األمر عن الكيان إال من مبدأ زمنيته وتاريخيته،
أي بالقدرة على تحيينه ورصد أحد أو بعض ظهوراته وتشكالته النسب ّية.
ٌ مجال ال يمكن االستحواذ عليه ،ولكن باإلمكان 11ـ الكيان امتالك رموزه وتوظيف دالالته.
ٌ مجال ال يمكن االستحواذ عليه ،ولكن باإلمكان 12ـ الكيان
تدميره بتدمير رموزه أو إضعافها ،توهينها ،تغيير مساراتها، أو استبدالها ،وإحالل رموز أخرى وتوطينها في األجزاء
المشكّلة للكيان.
13ـ ال يوجد كيان مكتمل ،الكيان هو «مجموع» أجزائه ،هذه
األجزاء ليست حوامل مادية فقط ،إذ بغير اإلحاالت
التي تصدر عنها وتمنحها هوياتها المفردة تصير تلك
ً عاطلة ،العطالة ليست عد ًما ،عطالة الفاعل ّية الحوامل
خمود وارتكاس ،ويمكن تمثيل صورتها المادية بالخلية النائمة ،فهي ح ّية بال فاعلية ،أي أنها توجد
دون أن تكون حاضرةً ،وفي غير هذا الوضع ،فإنها
ً إحداثية لتنتقل من التجاور إلى المشاكلة ،من تتح ّين 26
التماهي إلى تحقيق هويتها ،ومن تموقعها الصامت إلى انفالت أطرافها ومالمسة الجوار بح ًثا عن حدود جديدة ّ ويبث فيه االقتدار لها .ذلك ما يف ّعل وجود الكيان والحضور .لكن االستراتيجيات التي تندرج فيها وتتبعها
تلك األجزاء ليست نسق ّية ومنتظمة ،إن مسارها يشبه مسار زوبعة في صحراء تضرب الرمل وال شيء آخر،
فهي من هذا الجانب ال «تنجز» شي ًئا ،ولكن ما يعطي
للزوبعة شكلها المرئي ويصنع مشهديتها الضاربة ليس
سوى الرمل الساكن نفسه .كذلك هي أجزاء الكيان:
مسارا في غير اللحظات التي تهجع فيها فإنها تتبع ً
ال يمكن التنبوء به ،وقد يفضي بها إلى المزيد من البحث واالشتراع دون أن ّ تحقق هويتها ،ودون أن تنتقل من التجاور إلى المشاكلة ،فتعود إلى النقطة اإلحداثية
نفسها التي صدرت عنها ،وتغرق في صمتها؛ إال أنها تكون أثناء ذلك ال َف ْرد وال َع ْود قد تشكّلت .ال شيء أيضا يمكنه أن ُيثبت يمكنه أن يثبت غير ذلك ،ال شيء ً
دائما ،ولكنها غير ممكنة العكس .إنها ممكنة الوجود ً الحضور بقدر ٍ مواز .فما الذي تصنعه ال اتساق ّية األجزاء
هذه بالكيان؟ ربما ال شيء إذا كانت تلك األجزاء طرف ّية 27
بالنسبة إلى مجموعها ،أما ـ من جهة أخرى ،وإذا كان مسار وح ّيز ذلك ال َف ْرد وال َع ْود متّصل اإلحداثيات ـ فإن تصحر الكيان. ما ينبغي أن نتق ّبله هو ّ
14ـ صحراء الكيان ـ مع ذلك ـ تضمر حديقة قديمة.
28
حا�شية 1ـ اكتشاف الصحراء ـ لمن ال يعرفها ـ ( َمن يعرف الصحراء؟)، نهوض من يبدأ من الذات .ليست المشاهدة عنصره ،بل ٌ عارضا ،ال خريطة هناك العمق .واالكتشاف عادة يأتي ً عرضا .تلتزم ل َت َت ّبعها بقدر ما تُت َبع العالمات التي ُيتزود بها ً الصحراء الصمت ،تلك عا َدتُها ،الناس يب ّثون العالمات التي يعتقدون أنها تُفصح عنها .يستأنسون بهذا .لكن العالمات تمنح نفسها ،إذا ظهرت؛ تسقط من تلقاء نفسها بين أيدي الضاربين خب ًبا في الرمال .ال يمكن تلقينها ،ال يمكن تذكّرها، أو تحويلها إلى كلمات ،إذا تحولت إلى كلمات فإن ذلك يشي بوالدة نبي ،ولكن األنبياء اآلن يولدون بعد فوات األوان. لالكتشاف ُيبدأ من رغبة في وصول مكان ما ،ال نهائي، جوهري ،وغير مسبوق ،مكان مرصود لشخص ما (سـ) يضيء حياته بأسطورة خاصة ،مكان يصنعه النداء ً أول .هو 29
بالتوجه نحو اطالنطس الغارقة في ال أين من الصحراء أشبه ّ الكبرى .هنا هي اطالنطس الداخل .التع ّلق بها محوره الذات. ال كتب وال مخطوطات قديمة ّ تدل عليها .التع ّلق والعالقة في اللغة العربية من جذر واحد ،التعلق بالصحراء استعادة ٍ نسب مفقود ،استدعاء عالقة قرابة ،الصحراء فقط من يقوم بتوحيد السالالت.
2ـ بقايا عظام ،رسومات ألسماك ،أفراس نهر ،زرافات ،وعول، (أيضا ،طب ًعا) قواقع وحاد القرون ،فهود ،سالحف ،بشر ً كبيرة ،قواقع صغيرة ،حطام فخاريات ،رؤوس سهام ،نصال، هاونات ،مطاحن وأدوات حجرية أخرى ،متناثرة في الشساعة الالمتناهية للرمال ،وفي سفوح الهروج والجبال والهضاب واألمحال ..ولكن أين هي الصحراء؟
هذه شواهد ذاكرة أخرى بعيدة ،واحدة أو أكثر من الحضارات الالمسماة التي عبرت من هنا ،عناصر إلعادة بعث مشهد جارف، ُ تداخل أزمنة ،فوضى تاريخ لن يتصدى لكتابته أحد ،ألنه ،ببساطة
فادحة ،هو الال ـ تاريخ الفذ. 3ـ غبار ،غبار ٍ لغات لم تُكتب ولن تُقرأ .يصبح للبشر واألشجار ُ ٌ والماء والسماء لونًا واحدً ا .الغبار ،الجزء المرئي من الفناء.
الموت ،وإال فبما تخبر الصحراء عن نفسها؟ 30
النظر ،أينما ُيرى يكون هناك .النهار يشحذ السراب يسبق 4ـ ُ َ ِح َيله ،وبمشقة ُيعثر على عالمة ُت َطمئن ،الرمال تنثال كماء، الوحشة أقوى من السطوع ،والتيه أقرب.
5ـ عالمات الليل غير عالمات النهار ،القمر ممتلئ حتى ليكاد
يسقطّ ، قش المدارات المضيء ينير السبيل ،المسارب واضحة ،والرمل البارد أكثر تماسكًاِ ،س ْمتان متضامنان، ِس ْمت في األرضِ ،س ْمت في السماء .هذه إحدى ممارسات مرارا ،الرؤية أفضل ً ليل. الرؤيا التي يعاد انتاجها ً
6ـ يتزودون بالعالمات ليعبروا. ـ َمن َيعبر الصحراء؟
عبور حاسم. ـ يمكن أن نجتازها فقط ،الصحراء ذاتها ٌ
7ـ الصحراء هي الكون «السائل الذي ال حدود له» في حبة رمل. رمال في الصحراء هي فوتونات ضوء أعياها التجوال في
والشمس تسعى. مستقر لها. مدارات أزلية قبل أن تعثر على ُ ّ ف آدم ،كم من الشموس انطفأت .لكل آدم قصة خلق. إذا أ ْل ُ
ً ناسا وقرابين وحكايات إنليل متحول في دهور وميثيا ن ّظ ْ مت ً
وأرسلت شعراء واستثمرها كهنة ومستبدّ ون و َك َت َب ْت ومعمارا ْ ً ِ ليدون العالمة .التدوين الرقيم ّ شرائع .يا لجناية الكتابة .كُت َ ب ّ 31
ٍ وراثة .كيف لرقيم أن يورث عالمة تتبدّ ل؟ هو يث ّب ُت شر ُع ْ قارة .للعلم والعالمة جذر واحد .ربما للتذكير والعالمات غير ّ دائما بهذه االستحالة. ً
32
()2
الكيان بو�صفه � ً إرادة
1ـ ُيلفت النظر في تداول مفهوم الكيان أنه ال يتطابق مع شيء.
فأشدّ دعاة استعادة األمثلة التاريخية وأعتاهم نصر ًة إلعادة إحاللها في الواقع وتوطينها إنما يقومون بتم ّثل كيان مجرد .هذه العملية التجريدية ت ِ ُفقد الكيان أهم أسباب ّ حضوره.
الطرف المقابل لهؤالء هم الذين يطابقون بين الواقع في راهنيته وبين مفهوم الكيان .وهؤالء ال يقومون إال بتسطيح المفهوم
عما يسببه المفهوم من ليندرج في آلية برغمات ّية تداول ّية تغفل ّ إحراجات منطقية.
الطرفان من جهة معرفة الواقع وسيرورة التاريخ ال يختلفان
كثيرا ،بل يشتركان في السمة التي تجعل من تمثالتهما الفكرية ً محض منطقة رماد ّية ال يمكن لمفهوم الكيان أن يتو ّطنها دون
مكوناته ودون أن يعيد تشكيل نفسه ليستجيب أن ُيصاب في ّ لتم ّثل دون آخر .األول يريد للراهنية أن ترتدّ إلى أسبابها وعالتها 35
ً مجال مختل ًفا منقط ًعا عن هذه القديمة ،والثاني يريد لها أن تتب ّيأ
األسباب.
2ـ لعل أفضل توصيف فينومينولوجي للكيان هو أنه وعا ُء تصور كيان يعي (من وعاء) تبدّ ي الفاعلية ،إذ ال يمكن ّ قيمة صفر ّية ،قيمة مطلقة ،أو تصوره بفعال ّية محضة، ً محضا مجال تداول ًيا متعالية .كما ال يمكن تصوره يعي ً والتحول إلى مفر ًغا ـ بدعوى الراهن ّية ـ من قابل ّية التأويل ّ ّ
موضوع عبر ـ تاريخي ..نحن في حاجة دائمة إلى التأكيد
على التصعيد شبه المتعالي للكيان في مقابل حركتين من
الخفض أو السلب :األولى تستهدف الكينونة المحضة
المتعالية بشكل مطلق (التي يمثلها التيار األول ويمكننا أن نرى صداه يتردد بين طيف من األصوليين الجدد بمختلف
أطيافهم وظهوراتهم كما في الوطن العربي والهند والصين
ومفكري األقليات ،على السواء) ،والثانية تستهدف
التفريغ البرغماتي ،التداولي ،األداتي والتواصلي (كما يتبناه اإلصالحيون الليبراليون واإلصالحيون القوميون
واإلصالحيون الدينيون ،على السواء).
إن هذه النُّقلة في ترتيب فهم الكيان تعني أن راهنية
الكيان إنما هي قدرته على اعتواء شبه المتعاليات .إن 36
توسط بين المثال وإرادة المثال ،بين شبه المتعاليات هي ّ
األيدوس والطموح إليه ،ذلك يعني العملية االجتماعية
وسيرورة التاريخ المرفوقتين باإلحالة إلى فاعلية قومية عبر َ إمكانية االنتساب أيضا ما يمنحنا (كأفراد) التاريخ؛ ذلك ً وأخيرا ذلك ما يجعله ينخرط إلى الكيان ،وقدر َة تم ّثله؛ ً في مياومتنا فيساهم في تشكيل إراداتنا وتم ّثالتنا وقابلياتنا ويجعلنا نفهم صنع مصائرنا.
3ـ الكيان من جهة التأويل هذه هو ال حياد ّية الكينونة .هو الكينونة ُمت َّم َّثل ًة عبر التاريخ.
4ـ إن السؤال يتصل بالعالقة بين التم ّثل واإلرادة .نحن نزيح الرغبة ضمنًا ،وجزء من هذه اإلزاحة ينشأ عن التضمينات
الجارفة للدالالت المتوطنة في تداول الرغبة .السؤال ليس:
ماذا نريد؟ ولكنه :ماذا نستطيع أن نريد؟ ما الذي بإمكاننا الم َم ّيز أن الخطاب في اللغة أن نتم ّثله في هذه الرغبة .من ُ العربية عندما يتصل بالرغبة يتشكّل في صيغة تلقائية فنسأل:
ماذا تريد؟ ،أما عندما يتصل باإلرادة فإننا نسأل :ماذا ّقررت؟
لنتعرف إننا نضيف هذا المستوى في الخطاب أي (القرار) ّ
على اإلرادة ،ونضيف مستوى أدنى منه أي (اإلرادة) لنتعرف
على الرغبة .هذه عتبة ظاهراتية للتفكير في إحاالت الكيان 37
من خالل ثنائيتين هما الرغبة واإلرادة من جهة ،والرغبة والقرار من جهة أخرى.
التحول الذي 5ـ إن جزءا من التغ ّير (أو إعادة التشكّل بمعنى ّ يصيب الكيان ال بمعنى اإلصالح) يقتضي استبدال جميع التم ّثالت ،إلى الحدّ الذي تبدو فيه العملية االجتماعية كما للتو ،وأن ما ُيفصح عنه التاريخ وما ّ تدل لو أنها قد بدأت ّ عليه سيرورة المجتمعات لم يكن سوى إرهاص طويل المدى. 6ـ وطالما أننا ال ننشد وصف الكيان بالركون إلى تمظهراته، المتجسدة في األيدوس القومي ،بل نعمد إلى خاصة تلك ّ بحث مكوناته كمفهوم ً أول ،ثم شروط مأسسته ،وتحويله إلى وجود شبه متعال .فإننا نكون مقبلين على استدراج إحاالته من حيث هو مجال ترميز العالقات وشبكة القوى التي تنتظم فيه كفعالية وتحقق حضوره ً فضل عن وجوده.
7ـ لكن الكيان ليس مجرد مجموع إحاالته الضرورية والحاسمة، إنه فضاء اشتغال هذه اإلحاالت ومجال تبيئتها في اللغة والعمل ،في القيم والمواد ،وفي فكرة الزمن وفعل المياومة. ذلك ما يجعل الكيان إرادةً ،أكثر مما يكون تم ّث ًل.
مفردة ،هم أحداث كيان ّية .إن 8ـ األفراد ليسوا كيانات منفصلةَ ، 38
وجود األفراد بالنسبة إلى وجود الكيان هو كوجود الفاعلية
بالنسبة إلى وجود المجال ،ذلك يعني أن األفراد يع ّبرون بوجودهم عن ممكنات حضور الكيان .لكن الوجود الفردي
خفيف( .المعنى الذي استلهمه كونديرا :الكائن في وجو ٌد ٌ خ ّفته).
ْج َفر( )3كانط ومع ذلك األكثر 9ـ هذا الوجود ّ األخف من ُزن ُ ت ََم ْر ِئ ًيا منه ،ال ينطوي على ذات وموضوع ،بل على وحدة، ويقودنا هذا المثال الدال على استعصاء التخييل( ،ربما أيضا بق ّطة شرودنغر( )4الح ّية والميتة ،أو غير الح ّية نستعين ً وغير الميتة في آن واحد ،كمثال دال على استعصاء التعيين)،
إلى التفكير في واحد ّية أنطولوجية تم ّيز الكيان.
ٍ إرادة، ذات أو موضوع ،بل إرادةٌ ،ورغب ُة 10ـ ال يم ّيز كيانًا ما ٌ ثمة وحدات أساسية لمقايسة المثال ،ال يمكننا هنا اقتباس
اإلشارة إلى «جوهر» (الجوهر مرآة الكون بأسره ـ ليبنتز) ،أو
اقتباس اإلشارة إلى «موناد» ،أو «علة» ،ألن هذه االختزاالت
الكل ّيانية من طبيعة منغلقة وإضمارية ،وأقصى ما يمكن أن
تنتجه ـ في شكل فيض ـ هو صورتها الضد ،في حين أن ِ و«قابلية ـ فهم الكيان ال يتيح نفسه إال من خالل الكثرة كل ـ ٍ ِّ ذات» .كثرة وقابلية ال يعود بهما كيانًا «جوهر ًيا» ،بل 39
شبكة من المسارات وانعطافاتها ،من التقاطعات وتكوين (وإعادة تكوين) الحيوز والفضاءات؛ الوحدات األساسية هي نقاط مشغولة أو شاغرة (بالفعل أو في االنتظار) على هذه الشبكة بالذات .نحن إذن أمام جغرافيا مرنة أو فضاء لدن( ،)5وما نتحدث عنه هو حقول انعطاف متسارعة تترك دائما ترمقه في األفق وراءها التاريخ في كل مرة ،ولكنها ً الذي بدأ يغيب ،هناك الفوتونات التي ال تُرى ،ولكن ـ مع ذلك ـ ال يمكن التفكير فيها إال مضيئ ًة ،وال يمكن استدعاء تلتف ال على شيء حضورها إال بتلك الهاالت النّابضة التي ّ بل على ذاتها ،مخ ّلفة وراءها خطو ًطا ذنب ّية تتسارع في فراغ الذات ،وتتالشى تدريج ًيا ،ك ّلما عاينّا مسارها انعطفت. إنها موج ٌةِ ،ح َز ٌم في ٍ أيضا، تيار من الموجات ،ولكنها كتلة ً رصدُ مساراتها بقدر ما ينبغي إدراك مهما ْ كتلة صفر ّية .ليس ًّ حركة التراكز concentricityالتي تجعلها تنبض بانتظام، وإدراك طاقة الالتراكز eccentricityالتي تتيح لها االنفالت من سيطرة المركز ،منخرط ًة في تحارف وانزياح ضرورين الستمرار الكيان وانتشاره باقتراح المزيد من األهليليجات. ( )6ونستطيع التفكير في مثال الفوتونات بتصور انقسامها: إلى دوال (ال إلى جسوم) ،إلى ُلحيظات (ال إلى حيوز)، إلى إحاالت (ال إلى كلمات). 40
11ـ نستطيع في الوقت نفسه مقاربة الكثرة التي تحيلنا إليها مضاعفة التم ّثالت في مثال المدينة عند ليبنتز ،فـ«كل جوهر هو بمثابة عالم بأكمله ،هو مرآة لإلله ،أو للكون بأسره»
ولكن كل جوهر يع ّبر على طريقته «تقري ًبا كما تتراءى مدينة
بعينها لناظرها ،برؤى عديدة ،بحسب المواقع المختلفة،
التي يوجد فيها ،كذلك الوجود متعدّ د ،على نحو ما ،بمقدار
ما فيه من جواهر»)7(.
12ـ من هذا التَّح ُّيل التجريدي ربما ينهض سؤال هنا .لماذا
أقوم بدفع مفهوم الكيان إلى االنزالق في حقل انعطاف قادرا مرة أخرى ـ إذا افترضنا نهاية مجهول ،بحيث ال يكون ً والتكون من جديد لرحلته المجهولة ـ على لملمة أطرافه ّ باستعادة شكل من أشكاله القديمة؟ أرجئ التفكير في ذلك
لو أن الخطوات السابقة لم تفعل سوى الغياب في التجريد
وتجويز األمثلة ،لكنني أعتقد ـ ما زلت أعتقد ـ أن هذا التمثيل الفوتوني (مثلما نقول :تمثيل ضوئي) ُيحدث ق ْط ًعا عمود ًيا
في مصفوفة العالقات (شبكة الفاعليات المن ّظمة للحيوز
والفضاءات :الفردي ،االجتماعي ،الطبيعي ،التاريخي، الذي يأتي .. ،الخ) ،وهو قادر على «استحضار» اإلرادة
المتكونة ـ ال كاستيهام ـ بل كحافز للفعالية .إن الكيان ّ 41
ٍ متعال يلتقي فيه بوصفه إراد ًة يجعلنا نتو ّطن وس ًطا شبه
المثال بقابلية استدعائه ،ويلتقي فيه األيدوس بممكنات
تداوله ،ويلتقي فيه األصولي مع اإلصالحي ،أما التعبير عن
الكيان بوصفه وجو ًدا صلدً ا ال يشترط الحضور فإنه يقحم تصوراتنا في سياق حدّ ّية ال تقبل التفاعل ،وبالمحصلة
فإن مثل هذا السياق يصنع نهايته السريعة ،مثل هذا السياق
ينطفئ كجذوة في بركان من حمم الغضب التي صنعها بنفسه .إنه يموت بكبرياء ،ولكنه آخر األمر يموت.
13ـ ال يتع ّين الكيان في عدم الفاعلية .يترتّب على هذا «المبدأ» البسيط إلغاء مبدأ الشكالنية وإمكانات تبدّ ي الكيان .لكن
التع ّين هو جزء من شيئية الموضوعات ..الكيان تقاطع موضوعات المتناهية ،لذا هو ـ من هذه الجهة ـ ال موضوع وضوحا ٌ شكل تعدّ دي، له .إنه في أكثر مستويات التفكير فيه ً
منزوع الموضوع .علينا بالطبع أن نستثني الفاعلية ألنها ً شكل ،وهي وحدها ما يجعل حضوره وحدها ما يعطيه
مت ً ّصل بتاريخية وجوده ،أي بجذوره.
مجرد 14ـ كيف يمكن تصور كيان دون نُسغ و ُيخضور؟ سيكون ّ شبكة متل ّيفة ّ fibromata تنحل إلى خطوط منفصلة تسيطر
عليها مشاريع يائسة للحكم الذاتي وتبيئة العالم في نموذج 42
الذات ،ولن تكون هذه نهايتها ،ألن ّ كل ساحة وفسحة وثِنْ َية بدل أن تكون حقل تواصل سوف تتحول إلى ميدان حرب عشوائية تحترق فيه األطراف ،أما فكرة الكيان فإنها تغدو آنذاك متعالي ًة تسبح كما ال ُّطخرور على ارتفاع بعيد ،وال ّ ظل لها على األرض.
43
()3
الكيان والتاريخ
1ـ يحيل مفهوم الكيان إلى فاعلية محايثة تعتمد على تم ّثل األيدوس القومي وتوطين مثاله .إن هذه العملية التاريخية
الزدوجة القائمة بين المجال والفاعلية، تقوم بتوظيف ّ ً وحضورا. شكل وذلك ما يعطي الكيان بالمحصلة ً
2ـ بمحايثة الفعالية للكيان يكون «هو ما هو» ،بفعلها يتبدّ ى حاضرا ،وكما قد تنتفي حركتها وتخمد ،فإن ما علينا ً ٍ جسد ميت. أن نتق ّبله في صورة الكيان آنذاك هي فكر ُة فحركة الكيان هي الفاعلية ً حية ،هي عمل قوى شبكة
من الفاعليات مختلفة األصول واآلثار .وما يعطي حركة ً شكل ـ بالتالي ـ ليس الكيان ذاته ،بل العالقة التي الكيان تموضعه بالنسبة إلى كيان آخر؛ كالشمس التي نراها تتحرك بينما األرض هي التي تدور حولها ،لكن ذلك
أيضا ال يعني أن الشمس ثابتة ،طالما أن ثباتها ليس ً ما صرنا ندركه ،بل دوران األرض بنا. 47
3ـ يتضاعف إعالء فكرة الكيان عبر التاريخ ،ويتم تحويلها
مؤسس للتصورات .هذا ما يمكن أن ندعوه إلى مبدأ ّ
ميتافيزيقا الكيان .ولكن تلك التصورات قد تنتهي إلى أن تتحول بدورها إلى مح ّفزات للواقع ،وموضوع للممارسة،
ومحتوى للخطابات ،أي أنها تتشكّل آخر األمر كجزء من تاريخ ّية الكيان .هذه الموازنة تع ّبر عن إحراج فلسفي،
تصف العالقة بين تصورنا لماضي الكيان وبين أكثر مما ُ
ممكنات حضوره.
4ـ من الناحية التاريخية ال يمكن ْنزع الكيان عن مجاله ،سواء
كان هذا المجال واقع ًيا أو افتراض ًيا ،فالمجال أو «النهاية المحيطة» (بتعبير ابن رشد) ال يوجد في الماضي ،إنه داللة
الحضور التي يعلن بها الوجود عن نفسه ،تما ًما مثلما البد للزمن من مكان ،ألن الزمن آخر األمر ليس سوى إدراك
الحركة في المكان ،كذلك هي مسألة عالقة الحضور بالوجود ،وعالقة الكيان بالمجال ،فالحضور هو إدراك
للفاعلية التي تحايث الكيان ،كما أن الكيان هو إدراك ألبعاد المجال الذي يحتضن فاعلية الكيان وحضوره.
من هنا تصبح عبارة «الكيان التاريخي» عبارة بحد ّين عماذا نع ّبر هنا؟ أعن ِقدَ م الكيان وأصل ّية وجوده، متناقضينّ ، 48
أم عن حضور الفاعلية فيه؟ .إننا نستدعي في هذه العبارة حد ْين متعامدين لنجعل من أحدهما صفة لآلخر ،كما أننا نقوم في نفس الوقت باستبطان التناقض الذي يشيان به ،دون التفكير في إشكالية الوجود والحضور. ِ مكونات الكيان هو الذي ينفي حضور الكيان، 5ـ ليس قدم ّ بل انتفاء الفعالية التي تستطيع جعل هذه المكونات تواصل تغذيتها االرتجاعية للكيان.
يتكون تاريخ ًيا ،لكنه ليس من طبيعة تاريخية، إن الكيان ّ جوهرا دائما بافتراض أصل ّيته ،إننا نتصوره ً ذلك أننا نقوم ً التحول التحول؛ إذا جئنا إلى التاريخ اشترطنا (مونا ًدا) ال يقبل ّ ّ والسيرورة .الكيان من هذا الجانب في التأويل هو صيرورة تقاوم السيرورة. 6ـ كيان بدون تاريخ هو ٌ كيان ُغ ْفل .لكن كيانًا في التاريخ هو أيضا كذلك. ً
7ـ ال ينشأ كيان لذاته ،بل ألن األويكومين الذي يحيط به ويتق ّبل ّ مكتظ بعناصر ومقدمات جديدة وجوده وممكنات حضوره للتحول ،وألن فائض فعال ّية في العالم أصبح ممكنًا وال بدّ ّ من اعتوائه .وهو ال ينشأ من أجل ذاته وبها ،بل من أجل أن يوجد بين آخرين ،وتحديدً ا بين آخرين تنتهي أطراف 49
مجاالتهم إلى الفراغ ،وتالمس ُهدّ اب ّياتهم المجهول ،أو فكر ًة عنهٌ . للتحول ،سوف يقبل االندراج كيان هر ٌم سوف يمتثل ّ
واالمتصاص وإعادة التمثيل re-assimilationفي كيان جديد، وسوف يتقبل إعادة التشكّل وإن بعد مقاومة ،ألنه ما أن ُيدرك
ضرورة هذه العملية حتى يعيد توظيف مكوناته فيأخذ بالنتيجة ً شكل جديدً ا.
استخدمت الكلمة 8ـ لنأخذ مثال األويكومين اليوناني .لقد ُ للداللة على الجزء المعمور من األرض كما عرفه اإلغريق أيضا ومارسوه و َد ِربوا على التعامل معه ،لكنها استخدمت ً
لضرورة جغرافية للداللة على الجزء األفروآسيوي من العالم
القديم وهذا الجزء في جانب من معرفته بالنسبة للمؤرخين
أيضا .كان مخرط وغير محدّ د جغراف ًيا ،بل إنه غير إنساني ً غير ّ
اإلغريق يعبرون بالداللة األولى عن مجال فاعلية الكيان، ويعبرون بالداللة الثانية عن مجال فراغ الكيان وحاجته إلى
المزيد من اإلنفاق القومي .لكن هذا التناقض الشكلي ال يع ّبر
في الحالتين سوى عن ممكنات المجال بالنسبة للكيان،
وبعبارة أخرى :نحن تما ًما في قلب نظرية االستعمار والفراغ في أحد أكثر أشكالها بدائ ّي ًة.
إننا بإعادة بناء خريطة هيرودوت للعالم ( 450ق.م) نم ّيز لديه 50
ثالثة كيانات قار ّية ،هي آسيا ،أوروبا ،أفريقيا (كان اسمها ليبيا)،
إال أن الكلمة المعبرة عن الكيان اإلمبراطوري (أويكومين) لم
فضل توحد في استخدام واحد بين هذه األجزاء ،ولقد ّ تكن ّ اليونانيون أن يزاوجوا بين استخدامين متناقضين لنفس الكلمة
لهذا السبب بالذات :السيطرة على هذه األجزاء من جهة،
واستحالة أغرقتها من جهة أخرى.
لقد كان اإلغريق ـ كما كان الرومان ـ مهووسين بفكرة أن «أحقر المروع ،ولع ّلهم أدركوا أن األشياء» قد تفاجؤهم بظهورها ّ
كيانًا (أويكومينًا) مستل ًبا كان قاب ًعا خلف األطراف التي ُوصفت بالالإنسانية .لقد أفصح التاريخ فيما بعد عن صدق حدسهم ونبوءتهم
المتوسط عندما أصبح التمركز جنوب ًيا مع الدولة الكنعانية في ّ
(الفنيقيون) ،ثم شرق ًيا مع الدولة اإلسالمية (العرب) ،لكن جدل الكيانات هذا لم ُيغفل تلك الصفة (أحقر األشياء) فجعل اللغة العربية تخص العجم (اإلغريق والرومان) بصفة األعاجم ،حرف ًيا« :البهائم»، ّ
مثلما جعل كنعانيي شمال أفريقيا يصفونهم بـ«القاذورات» ..بعد
ذلك سوف يأتي الفارابي ليصف أوروبيي أقصى الشمال بأنهم
«بهائم إنس ّية» ،ألنهم لم يبلغوا مرحلة اإلنسان الكامل؛ وكان ذلك عممها اإلغريق أهم ر ّد اعتبار ثقافي على صفة «بربر» التي ّ تقري ًبا ّ
في كلمة barbarosوالرومان في كلمة .balbus 51
خريطة العالم وفقا لهيرودوت ( 450ق.م). 52
إالما يشير هذا المثال؟ إذا كان األويكومين ً مثال داالًّ ج ّيدً ا على العالقة بين الكيان والمجال (بين وجود الكيان وحضوره) فإن درسه المستخ َلص هو:
ـ إن الكيان ال يحقق حضوره إال من خالل مجال تاريخي جديد، بالتوسع. أي ّ ـ إن الكيان يصنع ضدّ ه ،موته ،نهايته ،انتفاءه ..بالسيطرة.
ـ إن الكيان الطرفي ال ُغ ْفل (الذي تتطابق فيه األ ّمة مع حدودها غير اآلمنة) ليس في منجأ من اندراجه في مجال فعالية كيان آخر ،أي :خضوعه للسيطرة.
لقد استخدمنا للتو ثالث كلمات ـ حدود للتعبير عن جدل الكيان في التاريخ :توسع ،سيطرة ،خضوع .إال أن العالقة بين هذه الحدود ليست نسق ّية كما يمكن أن نفترض للوهلة األولى؛ إن حضورا ،والسيطرة قد التوسع قد يمدّ مجال الكيان دون أن يصنع ً تعيد ترتيب أبعاد المجال دون أن تصنع كيانًا جديدً ا ،والخضوع قد يحيل مركزية الكيان إلى مجال الرتباطات األطراف وتأثيرها: القاري ،الدين ... ،الخ .إن التاريخ اللغة وآدابها ،اإلنتاج الزراعي ّ ً حلول لمعضلة الكيان ذلك أن المثال الذي يتطابق فيه ال يقترح التكوين السياسي مع التكوين االجتماعي لألمة( )8لم يتح ّقق إال نادرا ،وهو ـ حتى اآلن ـ ليس سوى رمز لتوهين وتائر االحتدام ً 53
القوة كأداة في العالم .التاريخ لم يقترح بعد سوى االعتماد على ّ
وحيدة مقنعة لتدعيم حدود الكيان ،بالسيطرة على األطراف
التي تكاد معالم الكيان تنصهر فيها ،أي بتحويل هذه األطراف
إلى احتياطي يمكن التضحية به دفا ًعا عن اإلحداثيات الدّ الة
على المجال الذي يحتضن فاعلية الكيان وحضوره ،بالرغم ٍ ٍ دائما من أن التقدّ م القومي نتيجة استحواذ ما ألمة أخرى كان ً ّ وضارا باإلنسانية؛ ولهذا السبب عاد ًة ما ّ يحل تم ّثل اإلرادة شرا ًّ ًّ ً بدل عن الفاعلية ،أي أن األمم المهدّ دة عادة ما تلجأ إلى سؤال
الهوية( )9عبر التاريخ ً بدل عن سؤال الكيان وممكناته في الواقع. 9ـ إن سؤال الهوية أصبح ظاهرة كون ّية ،بفعل عدم االستقرار
وأهم أسباب عدم االستقرار الذي يحتدم في العالم اآلن، ّ هذا هو اإلحالل المتواصل للدولة كبديل عن األمة ،وهذا اإلحالل يم ّثل أكثر أدوات العولمة فاعلي ًة ،وأكثرها تهديدً ا ـ
في نفس الوقت ـ لثنائية الوجود والحضور التي انبنت عليها التراثات األممية عبر التاريخ.
مكوناتها ،كصورة العرق أو مبدأ االنتماء لم تعد األمة (أو أحد ّ ً مثل) ،مرجع ّي ًة وحيدة لفكرة الكيان ،ولهذا السبب اتّخذ سؤال
محمل بدالالت متغ ّيرة، الهو ّية ذلك الطابع الكوني .هذا السؤال ّ
شأنه في ذلك شأن الوعي بالكيان كـ«كتلة ـ في ـ العالم» ،وهو كما 54
ألمحنا في طالعة الخطاب متّصل بتعويم الخصوصيات الثقافية، وتنميط االستجابة ،والتشريع للمستقبل الكوسموبوليتي ،وغيرها من مظاهر التشميل المعولم لالستهالك سواء االقتصادي أو الثقافي ،أو حتى االستهالك السياسي المتم ّثل في انتشار صورة أحادي الديمقراطية الليبرالية والوعي بحقوق اإلنسان من منظور ّ تم تعميمه وتصديره باعتباره المنظور الوحيد. ّ 10ـ لقد تخ ّلص التكوين السياسي لألمم عبر تجارب تاريخية طويلة من الخضوع للتكوين االجتماعي ،لكن المستقبل يشي ْ بأن ال بديل أمام الكيان القومي إال إعادة تفعيل عوامل التكوين االجتماعي للمحافظة على بقائه وللمنافحة عن أيضا .وهكذا فإن عوامل حدوده السياسية ،والثقافية ً التكوين االجتماعي التي كانت في ما مضى سب ًبا في فساد تتحول تدريج ًيا إلى وسيلة إلنقاذ التكوين السياسي ،سوف ّ الكيان والمحافظة عليه .الكيان ـ دون أن يهدأ ـ أمام ثالثة ملحة: تشريعات ّ ـ التشريع للوجود (التم ّثل وتوطين المتعالي).
ـ التشريع للحياة (التدبير والتنظيم االجتماعي).
ـ التشريع لالمتثال (عقيدة الرضوخ القومية).
متجسد ًة في 11ـ إعالء الكيان ،وتحويل النظمنة االجتماعية ّ 55
الدولة إلى مدْ َونة اسكاتولوجية تتم ّثل النهاية والمطاف األخير ..مسألة أخرى .هيغل الذي يمكن أن نبحث عنه
ابتدا ًء من القديس أوغسطين وابن النفيس ،جعل من بروسيا يتعذر اجتيازها ّ أخيرا ،ومن الم َلك ّية البروسية نهاي ًة ّ لكل كيانًا ً
عقل حر ،لقد أراد للكيان أن يتبدّ ى في تج ّليه األخير ،ربما تحققت رغبته بالنسبة إلى بروسيا التي كانت آنذاك مقبلة
على نهايتها.
12ـ في بطن الكيان يوجد انهدامه ،توسع ًّيا كان أم طرف ًّيا .الكيانات
التوسع ّية صنعت مجدً ا تاريخ ًيا موقوتًا ،أما الكيانات التي
تطابقت فيها األمة مع حدودها القومية فقد انتهت إلى انخراطها في كيان (أو كيانات) أكبر ،جميع األمثلة التاريخية
التي يمكن استدعاؤها هنا تشي بمبدأ واحد تشترك فيه
والعود الذي تصنعه األمم الفرد ْ الكيانات يع ّبر عن جدل ْ
بنفسها .إن األيام متداوالت ،العصر مظفور بين أطراف ت ِ َغلب وتُغ َلب ،لكنها جمي ًعا تبقى جز ًءا من سياق أشمل يع ّبر معظمنا عنه باسم التاريخ ،ويع ّبر عن نفسه باسم التداول.
لقد احتلت أوروبا أفريقيا في دورة تاريخية محددة بقوة السالح
وبالطمع في الموارد .اآلن ..أفريقيا مقبلة على احتالل أوروبا
بأدوات مختلفة ،هذه حقيقة الجدل بين الكيانات ،ال يمكن 56
مقاومة الدورة التاريخية القادمة إال بالعودة في التاريخ ،ال يمكن عكْس اتجاه البوصلة إال بجعل مجالها ينحرف ،وتلك مسألة
مستحيلة ،ال يمكن إعادة أقلمة وتوضيع الكيانات السياسية
القومية التاريخية لمصلحة قومية أو قار ّية جديدة ،ألن تلك الكيانات ـ ببساطة الجدل التاريخي ـ هي كيانات مندثرة .إن
ما ينهض في هذه الدورة التاريخية ـ والحديث ما زال عن أفريقيا ـ
هو تحالف يصنع ذاته من أطراف موؤودة في نوع من ر ّدة الفعل
التاريخية ستسود العالم.
استطراد :نعود إلى «أويكومين» ..لقد َغ َفت هذه الكلمة لقرون عديدة ،أي منذ أن تح ّطم الكيان االمبراطوي القديم( ،)10إال أنها
ُبعثت ثاني ًة (في ظل الكيان االمبراطوري الغربي الحديث) المقبل»، لتستخدم في الثقافة التنصير ّية الكاثوليكية بداللة «العالم ُ
المسوغ استخدام الكلمة للداللة أو «مملكة يسوع» ،ثم أصبح من ّ
عل «العالم المسيحي» ،أو «األجزاء المعمورة من األرض حيث تنتشر الديانة المسيحية» .أو للداللة على حركة التوحيد لجمع
يتم الكنائس المسيحية في كيان واحد .إال أن ّ œcumenism تفريغها دالل ًّيا ّ أيضا :حركة توحيد عالمية للديانات كل يوم لتعني ً
اإلبراهيمية :اليهودية ،المسيحية واإلسالم ،باالستفادة من التراث الروحي للشعوب التي تدين بها .وهو استخدام يفتقر إلى أدنى 57
معطيات فهم التاريخ ،خاصة إذا قمنا باستدعاء األمثلة التاريخية النموذجية من قبيل الحروب الصليبية ً مثل ،إال أن المسارات المستقبلية لهذا االستخدام قد تفصح عن تداول جديد غير معهود يرافع فيه أصحابه عن رؤية إنسانية جديدة .العولمة بطرحها األيديولوجي الحالي لن تكون ـ الختالف «إنسانيتها» ـ سب ًبا لمثل هذه الرؤية ،لكننا إذا تحدثنا عن «كيان في العالم» نستطيع تو ّقع صيغ أمم ّية تلتقي فيها الخطابات القومية ،ويكون خطاب مؤسسا فيها. التوحيد بين الديانات اإلبراهيمية مبدً أ ً
58
()4
�سوق الكيان
1ـ إذا فكّرنا في تداولي َة مفهوم الكيان يمكننا القول أن الكيان قابل لإلنتاج واالستهالك ،مثلما هو قابل إلعادة اإلنتاج،
وبعبارة أخرى :من الممكن تحويله إلى سلعة تمتثل لشروط السوق الرمزية .إن العملة الرائجة لهذه السوق هي التم ّثالت
أيضا .وضمن هذه الـ«عبر ـ العابرة لألزمنة ،واألمكنة ً
بشرية» Trans-humanismتنشأ تبادل ّية تعاقد ّية مبن ّية على رسم حدود الكيان ،واالعتراف بتخوم اآلخر.
اآلخر الح ّي َز الذي يدّ عي احتالله إال بقدر ما يستطيع 2ـ ال يشغر ُ «األنا» مضاهاته بدعوى مقابلة.
دائما .إن شيئ ّيته واستدعاء وجوده كموضوع شيئي ً 3ـ حضور اآلخر ٌّ ـ ال كذات ـ يجعل قيمته كإنسان متع ّلقة ومشروطة بحضوره كاستجابة ،ال كموقف .الفكرة العامة هنا أن كيان اآلخر مشروط بترويج بضاعته القابلة للتبادل المؤسس على تمرين التم ّثالت.
سلبي .إن تعيينه ال يتم إال باستدعاء َغ ْير ّيته وكونه 4ـ اآلخر مفهوم ّ 61
منفصل ً ً أصل ،أي أن نفيه هو أساس تح ّققه ،وبعبارة أخرى فإنه يحضر بسلب تح ّققه ممكنات التطابق والتشارك والتماثل ،في ُ مقابل إضفاء سمات التباين والتفاصل والتفاضل .ما يخ ّفف الس ْلب هو امتالك اآلخر شروط االستجابة من حدّ ة هذا َّ لمتطلبات التسويق .ينتسحب هذا التحديد على: ـ النقيض :كما في مثال العدو أو الخصم.
ـ الغريب :كما في مثال األجنبي.
ـ المختلف :كما في مثال الهامشي والغامض.
قارة ألنها هذه ثالثة أشكال نمط ّية لآلخر ،ولكنها أشكال غير ّ عرضة للتبدّ ل بمقتضى تفاعالت سوق الكيان.
5ـ ينجح تسويق الكيان بقدر ما ينجح الجحر الثقافي في إنتاج صورة أصلية غير مقتبسة أو مشتركة ،والمثال األنجع هنا هو تبئير متوسط التداول بين اللغة والسلعة. التم ّثالت القومية .الصورة هي ّ حضورا 6ـ على هذا النحو يكون حضور اآلخر بالنسبة إلى األنا ً وتحوله إلى واقع ،أي االعتراف بذات ّيته، صور ًّيا في األساس، ّ رهين بأنماط التواصل التي ـ وإن لم تل ِغ االنفصال ـ تعمل على تذويت المسافة التي يقع على طرفيها َم ْو ِق َعا الرؤية والتعيين.
عر ًضا ح ًيا ،ولكنه ليس متح ًفا للفعال ّية كذلك. 7ـ الكيان ليس ْ 62
خاتمـة
والقوة يكمن جوهر الضعف والتداعي. 1ـ في خطاب المكنة ّ قال عبدالله العروي« :إن التشديد على ضرورة تقوية الدولة باستمرار دليل على أنها ضعيفة باستمرار»؛ يمكننا استعارة هذا التوكيد ليتصل ال بالدولة وحدها ،ولكن بالكيان أجمعه .ذلك يعني أن الكيان الذي ال يظهر إال براديكاليته، صون خطابه واستشراف مستقبله، قد يكون األضعف في ْ من ذلك أن المؤسسة (السياسية ،االجتماعية ،الثقافية، متأصل االقتصادية) التي ال تعترف إال بخطاب واحد ّ في الزمان والمكان ،والتي ال تدرك عالقتها التكافلية بخصومها (المعارضة والمنافسة والعداوة) وتتبنى سحق خصومها دون إدراك حاجتها األساسية إلى الرجوع إليهم ،إنما هي مؤسسة تموت ..وبمعنى آخر( ،نستعير فيه حكمة الطاويين)« :ال بد للنظام من أعدائه ،إذا شاء أن يستمر» .هكذا يمكن للمناقشة الحرة التي شرعنا بها أن تمضي بين درس في الفكر السياسي ْ (كشف أساطير ِ وتصعيد الدولة الحديثة ،بدءا بفكرة المواطنة والدستور ٍ حدث ـ كالحرب ـ ليكون خطا ًبا كون ًيا ـ كالعولمة) وانتها ًء بدرس التصوف الشرقي (حكمة الطاويين القدامى الذين سار صوف ّيو العرب على طريقتهم ـ أعني اختزال التاريخ السياسي بخطاب مراقبيه الذين عاشوا على هامشه ،دون 65
أفجر أن يسمحوا له باإلفالت منهم)، ُ لست في الحقيقة ّ أسئلة دون عناء البحث عن إجاباتها ،ولكنني ـ بهذا القدر أو ذاك ـ أرتّب اجتهاداتي التي آمل من خاللها أن أكون بالتحرر قد قاربت حدً ا أدنى للقول واجتراح المناقشة ّ
من التمدْ رس ،وبرفض الركون إلى الحلول التلفيقية والمشاريع اإلصالحية المر ّقعة ،دونما حاجة إلى مواصلة التأكيد على أن هذا النص إنما ينهض من الحرية وحدها
كشرط ممكن الستمرار الخطاب وتواصله.
2ـ يمكننا النظر إلى المثال االستبدادي (المثال الشرقي ،أو األرثوذكسي ،أو حتى المتخ ّيل في كتابات الرحالة الغربيين
في آماد القرن التاسع عشر) ،كنموذج سردي مطلق ال منطقي له ،وال يمكن اعتماده للمقارنة ،إال «ما ـ صدق» َّ
التعرف على بالغة االستبداد بقدر ما تسمح به رغبتنا في ّ
المضاد الذي عانينا ونعاني منه لقرون عديدة على أيدي المفكرين الليبراليين «األحرار».
3ـ إن أولى أساطير الدولة الحديثة أنها غير قابلة للتبدّ ل من خارج السياقات المتعاقد عليها .هذه السياقات المتعاقد عليها هي باألساس سياقات ُمت ََم َّثلة ،أي أنها ليست وليدة
البيئة التاريخية واالجتماعية التي ننتمي إليها كذوات 66
فاعلة أو كالعبين اجتماعيين ندرك مساحة وفضاء خطابنا السياسي االجتماعي ،ونحتكم إلى معيار ّية منهجية أنتجتها
لنا تلك السياقات على نحو خاص لنعالج بها التباسات وارتباكات العالقات التي نتوسم أنها تن ّ ظمنا ،أو على
نتعرف على «نظامنا» األقل نتوخى من خالل اتباعنا لها أن ّ
الخاص الذي يصنع سياق العالقة بيننا كذوات اجتماعية مدركة إلحداثياتها التاريخية االجتماعية إزاء العالم.
4ـ للدولة كمفهوم سياسي اجتماعي رهابه الخاص، أتحدث هنا عن فوبيا ترافق تداول المفهوم ،وأتساءل نعم َم فكرة رهاب المفاهيم على ما إذا كان بإمكاننا أن ّ
غير هذا المفهوم! بهدف ْنزع توائمها السيامية عنها ،بدءا بالديمقراطية والليبيرالية ،الشورى والالسلطو ّية ،التوافق والمصالحة ..إلخ .و ُي ِ وهم) نتكاتف القراء أننا (أنا ُ درك ّ
لنخ ّلص أنفسنا على مدار الساعة من رهابات عدّ ةّ ، لعل
رهاب الدولة بثنائياتها. أشدّ ها ُ
5ـ بقدر ما يصدر الكيان عن التشميل األيديولوجي التداولي
لمجمل الفعاليات وما أنجزه تراكمها من مسارات وأنساق ُينظر
إليها بوصفها متواطئة ومتضافر ًة إلنتاج تاريخها الخاص ،بقدر ما يؤ ّدي هذا التشميل األيديولوجي التداولي إلى نهاية الكيان. 67
تنشأ أوهام الكيان عن تحويل الحضور إلى معيش ،ولكن قد ينتهي تفعيل إعالء عالقة المحايثة هذه بتسويغ أوهام الكيان.
ٍ ُ تجويز ،قابل ّي ٌة للتجدّ د ،ربما للنسيان ،وإحالة إمكان 6ـ الوهم األشياء إلى حاالت صفر ّية .بعد ذلك ـ طب ًعا ـ يجب مدُّ ها بقوة القطيعة.
68
هوام�ش ً اختزال مع ّب ًرا يتمثل في الظرف « َث َّم» الذي 1ـ تو ّفر لنا اللغة العربية يشير إلى المكان البعيد .إن « َث َّم» المكانية هذه تستخدم باستدعاء التحول والحركة في المكان (= الزمان) .العربية توجز لنا بدقة هذه ّ تتضمن االستئناف الزماني اإلحالة المكانية والزمانية في حرفين ،فهي ّ « ُث َّم» واإلشارة المكانية « َث ّم َة» ..يمكننا أن نصف « َث َّم» هذه باألداة الزمكانية ،كلما أردنا بحث مسألة التحول .إنه ٌ لفظ ينتمي إلى التفكير في المستقبل ،ومقتضيات تواصل السيروة.
والو ْجد .ربما أصل «ليس» العربية 2ـ الكيان هو حال األيس ،أي الكينونة ُ هي «ال أيس» .إذا تمظهر الكيان يمنحنا هوي ًة .الهوي ُة تضمر الكينونة، لنفكّر كذلك في identityأي الهو ّية ،لنفكر في idبمعنى « َط ْفح» السابقة على الكيان .entity
الزنْجفر الزنْجفر :كبريت الزئبق األحمر القرمزي .يقول كانط« :إذا كان ّ 3ـ ّ تارة ذا لون أحمر ،وتارة أسود ،تارة خفي ًفا ،وتارة ً ثقيل ،فلن تتاح الزنْجفر الثقيل مع تصور اللون فرصة لمخيلتي كيما تستقبل في الفكر ّ األحمر» .ما الفلسفة ،جيل دولوز.207 ، 69
4ـ أضفت مثال قطة شرودنغر ،كنموذج ذهني معروف على مبدأ الاليقين، عدت في ذلك إلى ذكرى المناضل الرفيق وجيه مطر الذي لم يكن مهجنة في مختبر شرودنغر« ،فال هم يرى في الحكام العرب إال قط ًطا ّ نسون». أحياء ف ُيسمعون ،وال هم أموات ف ُي َ 5ـ حول الجغرافيا المرنة والفضاء اللدن ،انظر« :ورثة اللوغوس»، الفصل الثالث.
6ـ يقول باشالر« :إننا ال نستطيع فصل الضويئة (الفوتون) عن شعاعها. الضويئة ،بكل بداهة ،هي نموذج يمثل الشيء ـ الحركة»( ،التفكير العلمي الجديد .)65 ،لقد طور أينشتين المفهوم الحديث للفوتون ( )γفي ،1917باسم كوانتم الضوء ،وبعد ذلك بعقد من الزمان انتشر اسم الفوتون على يد غلبرت لويسُ .يظهر الفوتون قابلي ًة لخاصية المادة واإلشعاع في نفس الوقت ،إال أن التعبير عنه بالجسيم ليس كافيا ،ألنه ٍ متناه في الصغر وال كتلة له ،فهو «جسيم طاقوي» يمكن ً تت ّبع آثاره فقط ،والفوتون حيادي الشحنة ،له نفس سرعة الضوء تكون الحقول الكهربائية والمغنطيسية، تقري ًبا ،وهو األساس في ّ ويكون اإلشعاع الضوئي المرئي (أشعة الشمس) وغير المرئي (أشعة ّ ٌ ودائما .وهو حامل للطاقة إكس .).. ،يمكن القول أنه يشغر كل مكان ً وال يتفاعل مع أي «شيء» آخر .ويمكن وصفه بالوسيط بين الحقول المغناطيسية أو بين التفاعالت الكهرومغناطيسية ،يضم كل متر مكعب من الفضاء 400مليون فوتون ،وتدخل التطبيقات الفوتونية اآلن في حواسيب الكوانتم.
7ـ ليبنتز ،مقال في ما بعد الطبيعة ،الفقرة ،IXترجمة د .البكاي ولد عبدالمالك. 8ـ تاريخ األمم يقدّ م لنا نماذج من تطابق التكوين السياسي مع التكوين 70
يستقر فيه الكيان على الزمن الذي أيضا أن ّ االجتماعي ،لكنّه يرينا ً ّ طويل ،إذ أن ّ ً قار يكون عاد ًة مهدّ د ضمن هذا النحو ال يدوم كل كيان ّ الداخلي أو التحول بفعل عوامل التدنّي جدلية ال َف ْرد وال َع ْود إلى ّ ّ التحول .ثباته االستعمار الخارجي ،يبدو أن الكيان ال معنى خارج ّ يعني موته.
9ـ من أمثلة سؤال الهو ّية التر ّدد الذي يلقي بظالله على النّخب الروس ّية إزاء الهوية األوراس ّية (نسبة إلى أوراسيا) ً مثل ،أو طرح الهوية األفراسية (نسبة إلى أفراسيا) بالنسبة إلى اليمن أو مصر في مثال آخر ،أو الهوية القومية بالنسبة للسودان ..وهكذا .وليس ذلك ّ أثرا من االنتماء بأقل ً إلى هو ّية إسالمية مفترضة بالنسبة لألفغان الذين لم تؤ ّثر فيهم عدّ ة أيضا في قرون من محاوالت اندماج األعراق في كيان واحد ،لنفكر ً الباسك والكاتاالن والشيشان والتيبت والتاميل ..إلى آخر ذلك من األمثلة وهي جدّ كثيرة.
10ـ كلما فكرنا في العالقة بين الديانة المسيحية واالمبراطورية الرومانية نجد أن كال منهما صنع نقيضه باحتضان اآلخر .تش ّظت اإلمبراطورية وغادرت المسيحية إهابها الشرقي إلى األبد.
71
من مؤلفات د .عبدالمنعم المحجوب � ً أول :درا�سات
ـ أصوات بابل. مقاربات جينالوجية في اللغة والحراك السوسيوثقافي األفروآسيوي،
وحديث عن المسارات الالنسق ّية للتآثر اللغوي ،مع قراءة جديدة
للغات العاربة .دار تانيت للنشر والدراسات ،ط.2014 ،1 ـ معجم تانيت.
معجم في الحضارة الليبية ـ الفينيقية في شمال إفريقيا وحوض
المتوسط وما يتصل بها من الحضارات المصرية واإلغريقية
الرومانية وممالك نوميديا وموريتانيا الطنجية وموريتانيا القيصرية
والصحراء الكبرى .دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط.2013 ،1 الوراق. ـ فتنة ّ
من تراث نقد الفكر الديني في القرن الثالث الهجري ،وهو أول
الوراق ويجمع شتات تراثه كتاب َّ يخصص ألبي عيسى محمد ّ 73
المبثوث في الكتب العربية القديمة .مركز ليبيا الوطن ،طرابلس،
ط2013 ،1
ـ كتاب التبو. أول كتاب يصدر باللغة العربية عن هوية التبو ،ولغتهم ،وتاريخهم المجهول ،دار تانيت للنشر والدراسات ،ط.2013 ،1
ـ رحلة حنّون. البحار حنون حول ما عرف باألرجاء طواف الملك القرطاجي ّ الليبوفينيقية وراء أعمدة هرقل ،وإعادة تدقيق كرونولوج ّية في تاريخ تأسيس قرطاج ،مع تذييل بأهم المدن الفينيقية في حوض
المتوسط .دار تانيت للنشر والدراسات ،ط.2012 ،1 ـ الكتاب األرجواني.
متفرقة في تاريخ قرطاج الثقافي .دار الفارابي ،بيروت، تأمالت ّ
ط.2010 ،1
التنوع اإلثني والثقافي في إفريقيا. ـ ممكنات الديمقراطية في ظل ّ بحث تم تقديمه للمؤتمر الدولي الذي عقد بأسمرة (أريتريا)، دار األصالة والمعاصرة ،طرابلس ،ط.2010 ،1
ـ كانط ..من أجل سالم أبدي ..مسودة فلسفية. 74
الترجمة الكاملة للمسودة الفلسفية لكانط ،مع تقديم وتعليقات وشروح ضافية .دار األصالة والمعاصرة ،طرابلس.2010 ،
ـ ما قبل اللغة ..الجذور السومرية للغة العربية واللغات األفروآسيوية.
وهما دام ألكثر من مائة سنة حول عزلة نظرية لغوية ّ تصحح ً اللغة السومرية ،مع نماذج تطبيقية وخالصات واستشراف. دار تانيت للنشر والدراسات ،ط .2008 ،1دار الكتب العلمية، بيروت ،ط.2013 ،2 ـ القصور الديمقراطي.
مناقشة حرة لمفاهيم :الحكم ،المواطنة ،والقرار السياسي، وحديث عن «الجهاز االنطباعي للعالم» .سلسلة كتاب فضاءات، طرابلس ،ط.2005 ،1
ـ ورثة اللوغوس.
الجزء األول من مشروع «راهنية التأويل» .المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب األخضر ،طرابلس.2004 ،
ـ ما وراء الغرب ..بصدد الذات واآلخر والثقافة.
مفهوم الغرب في ظالله الجغرافية والتاريخية والفلسفية والثقافية والسياسية .سلسلة كتاب فضاءات ،طرابلس.2003 ، 75
ـ الالدولة.
المنشأة العامة للنشر والتوزيع ،طرابلس ،ط.1987 ،1
ثان ًيا :ق�صائد
شع النبيذ. ـ كلما َّ
قصيدة صدرت طبعتها األولى سنة 2009عن دار تانيت بتونس.
ـ عزيف.
قصيدة صدرت طبعتها األولى سنة 2002عن دار تانيت بتونس. ـ كتاب الوهم.
قصيدة صدرت طبعتها األولى سنة 1998عن دار الملتقى ببيروت.
ً ثالثا� :إ�صدارات م�شتركة
ـ التحركات البشرية والهجرات اليمانية إلى الشام وشرق وشمال إفريقيا قبل اإلسالم وبعد ظهوره.
مع د .علي فهمي خشيم ،د .محمد علي مسعود ،وآخرين ،المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب األخضر ،طرابلس .جامعة محمد الخامس ،الرباط ،المغرب .مركز الدراسات االستراتيجية، دمشق ،ط.2001 ،1 76
ـ شعرية النظر.
مع الفنان التشكيلي علي الزويك ،مركز ليبيا الوطن ،طرابلس، ط.2013 ،1 راب ًعا :كتب �صدرت عنه
ـ متن التضاد ..جدل الظاهر والمضمر في كتاب الوهم .تأليف: محمد الزيات ،مجلس الثقافة العام.2008 ،
ـ عبدالمنعم المحجوب ..السومري األخير .تأليف :وليد الزريبي ،الشركة التونسية العامة للطباعة والنشر.2009 ،
77
صدر في هذه السلسلة 1ـ (قراءات في السلم والحرب) ،عبدالمنعم المحجوب. 2ـ (حبر المنفى) ،عمر الكدي.
3ـ (خاليا نائمة) ،محمود البوسيفي. 4ـ (أوراق تاريخية) ،مختار الجدال.
5ـ (ما وراء الحجاب) ،فتحي بن عيسى. 6ـ (منفى) ،ديوان شعر ـ عمر الكدي.
7ـ (مفهوم القوة في السياسة الدولية) ،خالد الحراري
جو ْك) ،قصائد محكية بلهجة ليبية ،سالم العالم. 8ـ ( َعلى ّ 9ـ (موسوعة الجهل النسبي) ،مقاالت ،الصدِّ يق بودوارة.