ودائما ليبيا أوال.. ً
حسن طاطاناكي
ودائما ليبيا أوال.. ً
ليبيا أوال ..ودائمًا تأليف :حسن طاطاناكي © جميع الحقوق محفوظة مجلة أسبوعية سياسية شاملة طبع في يونيو 2015 مطابع األهرام جمهورية مصر العربية المدير الفني وتصميم الغالف :سامح الكاشف اإلخراج الفني والتنفيذ :أحمد نجدي
المحتويات الحرب األهلية ليست صناعة ليبية!7................................
متى تصدر مذكرات القبض على القتلة؟! 15.....................
والمهجرون ليسوا مل ًفا لالستثمار السياسي 25.... النازحون ّ
حكومة «الوفاق الوطني» الفتة مخادعة! 33....................... األخطاء العشرة لإلخوان المسلمين في ليبيا 41................
هل يقبل الليبيون بحكم الكيانات اإلرهابية؟! 47............. الليبيون أمام سؤال التحرير! 53............................................
طرابلس على عتبة التحرير 59...............................................
المحاصصة السياسية تعني إلغاء سيادة الشعب 67........... بناء الدولة وإشكال ّيات ما بعد الحرب 75...........................
لماذا ال يفرض الشعب وجوده 81........................................
على المشهد السياسي؟! 81.................................................. الديكتاتورية تعود إلى ليبيا!!89............................................
االنقالب الثاني على الشعب 97...........................................
«دمي يقاتلني اآلن» 103............................................................ القضية الجنائية األولى 111......................................................
حتى ال ينهار الجدار األخير 117.............................................
ألغام ما بعد الحرب!! 123....................................................... الشعب يتّهم129...................................................................!..
مهمة وطنية عاجلة 135............................................................. ّ جريمة المحاصصة السياسية! 141.........................................
حوار جنيف ..والمغالطات الكبرى(((
الحرب الأهلية لي�ست �صناعة ليبية! هل اختلط األمر على األمم المتحدة فلم تعد تعرف كيف تصف األحداث الجارية في ليبيا اآلن؟
هل ضاعت الخريطة من المراقبين والمبعوثين الدوليين إلى درجة أنهم يصفون الحرب ضد اإلرهاب في ليبيا بأنها حرب أهلية؟
إن أشدّ ما يثير غيظي هو أن من يسمعون وصف الحرب األهلية سوف يتوقعون أن الليبيين مثل الهوتو والتوتسي!! حرب الهوتو والتوتسي في رواندا كانت حر ًبا أهلية مات
((( مجلة المستقل ،العدد األول 8 ،فبراير .2015 7
ذبحا بالمنجل ألنهم ينتمون فيها عشرات اآلالف من الناس ً إلى أكثر من عرق ..فهل الليبيون اآلن مثلهم؟! إن أخطر ما في وصف «الحرب األهلية الليبية» هو أنه يوحي بأن الليبيين ينقسمون إلى أعراق أو أديان مختلفة ،وأن هذه األعراق أو األديان أصبحت غير قادرة على التعايش، وأن الحرب بالتالي هي نتيجة منطقية للتركيبة الليبية اجتماع ًيا ودين ًيا ..باختصار :هذا الوصف الذي تحاول بعض األطراف الدولية تمريره هو من قبيل الوصف الظالم الذي يلوي عنق الحقائق وال صلة له بما يحدث اآلن في ليبيا.
إن الحقيقة التي ال مراء فيها هي أن ليبيا لم تعرف الحرب األهلية في تاريخها الحديث ،بل هي تشهد اآلن حر ًبا مصيرية ضد اإلرهاب .وبالرغم من اتساع دائرة الحرب ضد اإلرهاب إال أنها لم ـ ولن ـ تتحول إلى حرب أهلية ،ألن العوامل المكونة للحرب ضد اإلرهاب تختلف جذر ًيا عن العوامل ّ المكونة للحرب األهلية ..والذين يحاولون اآلن تسريب صفة «الحرب األهلية» يريدون في الحقيقة تمرير «أجندة» محدّ دة ليست في صالح ليبيا أو الليبيين. لقد بدأت الحرب ضد اإلرهاب في ليبيا منذ أن بدأت العصابات اإلرهابية والتشكيالت المس ّلحة التي يقودها 8
المتطرفون تأخذ مكانها في المشهد السياسي ،وكانت بداية دعما معركة الكرامة التي يقودها الجيش الليبي والتي تشهد ً كبيرا هي البداية الفعلية للمواجهة المسلحة. شعب ًيا ً
لقد اصطف الشعب الليبي بأسره (باستثناء المض ّللين منهم) وراء عملية الكرامة التي يقودها الجيش الليبي ضد فرق اإلرهاب وتشكيالته المس ّلحة ،سواء كانت هذه الفرق والتشكيالت ليبية أو وافدة ،ولم يعد هناك مجال لمداراة الحقيقة أو وصف ما يحدث بأكثر من ذلك ..إنها حرب ضد اإلرهاب حفا ًظا على ليبيا بالدرجة األولى ،وحفا ًظا على أمن المتوسط والعالم . وأخيرا حفا ًظا على أمن دول دول الجوار، ّ ً * * *
هناك فرق واضح إذن بين الحرب على اإلرهاب وبين الحرب األهلية .ففي العالم الحديث أصبح اإلرهاب ظاهرة أممية ،أما في الشرق األوسط تحديدً ا فإن اإلرهاب أصبح صفة لصيقة بالمتأسلمين المتطرفين الذين يتخذون اإلسالم غطاء لجرائمهم وما يرتكبونه من أعمال وحشية ال صلة لها بالعقيدة اإلسالمية .وإذا ركّزنا أكثر على ليبيا فإننا سنجد أن اإلخوان المسلمين هم رأس البالء ،وسبب الكوارث التي نعاني منها اآلن. 9
فالتشكيالت المسلحة من الدواعش أو القاعدة أو أنصار الشريعة (وهي تشكيالت وافدة أو مختلطة) لم تكن لتصمد وتستمر لوال أنها وجدت في االنقالبيين من اإلخوان حلي ًفا لها يزودها بغطاء سياسي ومالي . وفجر ليبيا وشورى الثوار وغيرها من الجماعات (وهي تشكيالت مسلحة تم تفريخها في ليبيا) لم تكن لتخرج إلى الوجود لوال دعم اإلخوان وتمويلهم والتمهيد لهم لكي يسيطروا. والتدخل الخارجي من قطر وتركيا والسودان ما كان له ليحدث لوال فتح الباب لهذه الدول من قبل اإلخوان الذين انقلبوا على الشرعية وأقاموا حكومة موازية ال شرعية لها.
وهكذا فإن النسخة الليبية من التنظيم الدولي لإلخوان المسلمين وجدت أن الوسيلة التي تحقق لها السيطرة على الحكم هي التحالف الميداني مع التشكيالت المسلحة وتكوين المزيد من التشكيالت لتعمل كأذرع عسكرية لها، أي فرض السيطرة بالقوة مثل أي انقالب عسكري. أمام هذا الوضع كانت حركة الكرامة التي قادها الجيش ملتحما بالشعب الذي طفح به الكيل من وجود الليبي ً اإلرهابيين وسعيهم من أجل السيطرة على ليبيا. * * *
ليبيا بلد ال توجد فيه عدّ ة أعراق متصارعة ..وإذا ما ذكرنا األمازيغ والتبو والطوارق ً مثل ،فهذه المكونات ليست جزءا من الصراع الدائر في ليبيا وهو الصراع الذي ال عالقة له باألسباب اإلثنية أو االجتماعية. وليبيا بلد ال أديان مختلفة وال طوائف فيه ،وإذا ما ذكرنا األباضية فإننا نعرف جيدً ا أن هذا المذهب أقرب إلى المالكية ،والمحصلة أنه ال يوجد في ليبيا مذاهب مختلفة ً وفضل عن لدين واحد ..فالليبيون جمي ًعا على دين واحد، ذلك فإنهم على مذهب واحد .والصراع الدائر ال عالقة له باألسباب المذهبية أو الطائفية.
وليبيا بلد ال اختالفات طبقية حا ّدة في بنيته االقتصادية، ألنها دولة ريع ّية منذ خمسينات القرن العشرين ،وتم ّثل ثروة النفط موردها الوحيد الذي لم يتم احتكاره ،وهو يغذي الموازنة العامة للدولة التي تقوم بإنفاقه على مرافقها .
أما افتراض أن الصراع هو بين أطراف ليبية متساوية، وال بد بالتالي من إجبارها عن طريق األمم المتحدة لكي تنخرط في حوار سياسي وتجلس م ًعا على طاولة أيضا نتيجة خاطئة ومتجن ّية ألنها المفاوضات ..فهو ً ببساطة تجعل الشعب الليبي ومجلس النواب الشرعي 11
والحكومة المنبثقة عنه في كفة ،بينما تجعل الجماعات اإلرهابية في الك ّفة الثانية!! هل يستقيم هذا الميزان أيتها األمم؟.
عندما ننظر إلى خارطة الحرب التي تدور في العراق اآلن نجد أنها حرب أهلية مدمرة استثمر فيها تنظيم داعش وجر البالد إلى حرب شاملة االختالف بين السنّة والشيعة ّ ال تكاد تنجو منها مدينة أو قرية ..ومع ذلك فإن األمم والمتحدة والعالم يتعامل مع هذه الحرب على أساس أنها حرب ضد اإلرهاب ،وليست حر ًبا أهلية. فلماذا ليبيا تحديدً ا ..لماذا يتم الترويج إلى أن الحرب التي يخوضها الليبيون وجيشهم ضد الجماعات اإلرهابية تصر األمم المتحدة على أنها حرب أهلية؟! ولمصلحة َمن ّ وبعض الدول الكبرى على إقامة حوار والتمهيد لظهور يسمى «حكومة وفاق وطني»؟ حوار بين َمن و َمن؟ ووفاق ما ّ مع َمن؟
أساس الحوار ال بد أن يستند على قاعدة صحيحة وغير ّ هشة ،فقد يكون الحوار بين جزئين من شعب واحد مختلفين عرق ًيا أو سياس ًيا ،وقد يكون الحوار بين إقليمين متنازعين، ولكن الحوار ال يكون أبدً ا بين شعب وعصابة إرهابية تريد 12
أن تسيطر على هذا الشعب ..هذا ما يريد حوار جنيف أن يفرضه على الليبيين اآلن. إن الحديث عن حوار ينتهي بحكومة وفاق وطني يضعنا أمام أسئلة مريرة ً فعل:
ـ هل الحكومة التوافقية تعني أن نساوي بين من د ّمر مطارات الدولة ونهب مرافقها السيادية ،وأحرق ورشفانة وشرع القتل والتهجير ..وبين من وبني وليد وأسر درنةّ ، سعى لبناء دولة مدنية ديمقراطية ودفع حياته ثمنًا لها؟ ـ هل الحكومة التوافقية تعني إسباغ صفة المجاهدين على القتلة (أمثال بادي وشعبان هدية وبلحاج وبن قمو وغيرهم)؟ ومساواة هؤالء بالشهداء األبرار أمثال عبدالفتاح يونس والمدني وعلي حدوث وبوحليقة وسلوى بوقعيقيص وعبد السالم المسماري؟
لقد انتقدت شعوب كثيرة سياسات األمم المتحدة ووصفتها في أكثر من حدث دولي بأنها تكيل بمكيالين ،أما بشأن ليبيا فإنها باإلضافة إلى ذلك تمارس قلب الحقائق عما يحدث على أنه حرب أهلية، وتقديم صورة ّ مشوشة ّ بالرغم من أن الجميع يعرفون أنها حرب ضد اإلرهاب. 13
لنفترض أن الهدف األخير ألي حوار هو الوصول إلى حكومة توافقية ،فماذا يعني ذلك؟
يقرها مجلس إنه يعني أن أي حكومة مقترحة يجب أن ّ النواب ً أول ،فالمجلس هو المم ّثل الشرعي الوحيد الذي تم انتخابه ،والمعترف به من قبل دول العالم ،ونزع الشرعية عن هذا المجلس خطوة سيادية ال يملكها إال الشعب الليبي وحده.
تتعرض اآلن لالحتالل من قبل أيها الليب ّيون إن بالدكم ّ التنظيم الدولي لإلخوان المسلمين ،الذي استعان باإلرهابيين من الداخل والخارج ،وإن حربكم اآلن هي حرب مصيرية إلنقاذ أنفسكم وأنقاذ بالدكم من مخ ّطط يريد أن ينهب وكرا مواردكم ،ويصادر مستقبلكم ،ويجعل من بلدكم ً مسارا واحدً ا لإلرهاب في العالم ..وليس أمامكم اآلن إال ً ال غير ،إما أن تصبحوا شع ًبا ً ذليل تتحكم فيه وتحكمه جماعات من ّ شذاذ اآلفاق من إخوان ودواعش وقاعدة وأنصار وغيرهم ...وإما أن تواصلوا حربكم المصيرية هذه لكي تقضوا على اإلرهاب بجميع أشكاله ،وتحرروا أنفسكم، وتبسطوا سيادتكم على كامل أرضكم ،وتبنوا دولة ديمقراطية آمنة تسودها المؤسسات وين ّظمها القانون ويحميها الجيش. 14
حتى ال يدخل الليبيون في دوامة الثأر واالنتقام(((
ّ
متى ت�صدر مذكرات القب�ض على القتلة؟! تمر بمرحلة انتقالية ـ تعرضت ليبيا ـ مثل كل الدول التي ّ ّ
إلى أوضاع من الفوضى والنزاعات السياسية ،وظهرت فيها
عدة مشاريع نظرية إلعادة البناء وترميم الموجود ،وبينما كان ويتلمسون طريقهم نحو الليبيون يمضون في مسار جديد ّ
مستقرة ،تستعيد كيانها ،وتسودها حرة، ّ بناء دولة ديمقراطية ّ تتسرب بينهم ظواهر المؤسسات وين ّظمها القانون ..بدأت ّ
جديدة لم يحتكوا بها من قبل ،حيث ظهرت في ليبيا جماعات وتشكيالت إرهابية مس ّلحة بعضها كان محل ًيا ،وبعضها كان وافدً ا ،وبعضها كان مختل ًطا.
((( مجلة المستقل ،العدد الثاني 15 ،فبراير .2015 15
الليبيون الذين كانت بالدهم تنتقل من مرحلة إلى أخرى لم ينتبهوا في البداية إلى الخطر المحدق بدولتهم ،واعتقدت األغلبية العظمى منهم أن هذه المكونات الجديدة سوف التنوع والقبول تكون جزءا من دولة ديمقراطية يسودها ّ َ شرط أن يلتزم الجميع بمبدأ باآلخر مهما كان اختالفه، الحرية والتعايش مع اآلخرين في ظل مناخ ديمقراطي سلمي. لم تكد السنة األولى بعد 2011تمضي ،حتى ظهرت ّ تحتل مكانًا وضوحا ،وبدأت صورة هذه المكونات أكثر ً
بارزا في المشهد السياسي الليبي ..كانت تتمثل في: ً
ـ اإلرهابيين والمطلوبين للعدالة الباحثين عن موطأ قدم لهم يحميهم من المالحقة.
ـ شذاذ اآلفاق والمرتزقة الباحثين عن حروب جديدة يعيشون عليها ويقتاتون منها.
ـ المهووسين بالسلطة ودعاة االستئثار واالحتكار الراغبين في السيطرة على الحكم.
ـ المراهقين سياس ًيا والفارغين من هواة الظهور اإلعالمي واالستعراض. 16
ـ المصابين بالنوستالجيا السياسية من المنادين بعودة النظام القديم.
هذه الظواهر نشأت مثل النبتة الطفيلية أو مثل الطحالب التي تؤذي غيرها ،فهي ليست قادرة على العيش بمفردها، وهي ال تترك النباتات الفارعة ذات األصل الثابت تنمو بشكل سليم.
بدأت الجماعات اإلرهابية باستثمار الفوضى ً أول ،فقامت بتأجيج الفتن والتشكيك في إمكانية البناء ،وكان معظمها يرفع شعارا مخاد ًعا هم اإلسالم السياسي ،الذي حظي في بداية ً األمر بقبول البعض ثم سرعان ما ّ تكشف وجهه الحقيقي، فهذه الجماعات ال تتخذ اإلسالم إال واجه ًة لها ،بينما هي تحتكم إلى قواعد دموية بشعة ال ترعى إالّ وال ذ ّمة ،وال تقيم وزنًا لإلسالم أو الم ُثل أو األخالق ..بل هي على استعداد ألن تنصب مشنقة أو تشعل محرقة لكل من يعارضها. مر الليبيون بتجارب مريرة وقاسية ،عانوا اآلن ..وبعد أن ّ األمرين ،فإنه يطرحون ـ وبقوة ـ ً سؤال ال بد من اإلجابة فيها ّ عليه :متى تتم محاكمة القتلة ،وإيقافهم أمام العدالة؟
إن صحائف االتهام كثيرة ،واألدلة قاطعة ،وما زال العالم يشاهد المجرمين وهم يواصلون تنفيذ مخططاتهم اإلجرامية: 17
1ـ المؤتمر المنحل متهم بتدمير الدولة والعبث بمقدراتها، وتمكين اإلرهابيين من احتالل العاصمة ،وتدمير بني وليد وقتل وأسر سكانها ،والسكوت عن تهجير سكان تاورغاء وتدمير مدينتهم ،والتعاون مع دول خارجية والسماح لها بالتدخل مثل قطر وتركيا والسودان.
2ـ جماعة اإلخوان المسلمين الليبيين ـ الذين هم جزء من التنظيم الدولي لإلخوان ـ متهمة باالنقالب على الشرعية والتآمر للسيطرة على الحكم في ليبيا، وتسهيل دخول أطياف من القاعدة وداعش وتشكيل فرق مسلحة غير شرعية وموازية للجيش الليبي. 3ـ فجر ليبيا متهمة بتدمير المطار العالمي وإعاثة الفساد في طرابلس ،وقصف ورشفانة وتهجير أهاليها، وإرهاب سكان المدن والقرى في المنطقة الغربية، ومحاولة السيطرة على الحكم بالقوة.
4ـ تنظيم أنصار الشريعة متهم بتنفيذ مخطط داعش للسيطرة على شرق ليبيا ،وتنظيم فرق اغتياالت طالت قادة الجيش الليبي ورموز مدنية أخرى. 5ـ طائفة شورى الثوار متهمة بالتواطؤ مع القاعدة وداعش واإلخوان للسيطرة على الحكم. 18
6ـ فلول القاعدة متهمة بالسيطرة على مدينة صبراته وتجيير البيئة االجتماعية الرخوة لمساندة فجر ليبيا واإلخوان.
إن جميع هذه التشكيالت مهما اختلفت أسماؤها قد اتحدت في مصلحة واحدة هي الوصول إلى حكم ليبيا عن طريق الدم وإشاعة الفوضى وإعاثة الفساد ،وقد تسبب تحالفها هذا في ارتكاب أبشع الجرائم واعتماد سياسة األرض المحروقة والتصفيات الجماعية المباشرة للسيطرة بقوة السالح على أكبر قدر من األرض الليبية حتى تكتسب ورقة رابحة الستخدامها في التفاوض أمام الشعب الليبي، ولكي تدعم موقفها أمام أنظار العالم. * * *
السؤال الذي ير ّدده الليبيون هو :لماذا لم يعمد مجلس النواب حتى اآلن إلى إصدار مذكرات القبض على هؤالء المجرمين؟
إننا ال نريد تبرير هذا التأخير ،ولكن هذا المجلس ـ باعتباره هو المم ّثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي ـ تشوب إجراءاته ومستويات أدائه بعض البطء وعدم الحسم ،ألنه استلم ترك ًة حول البالد إلى خراب ثقيلة من المؤتمر العام المنحل الذي ّ بفعل تواطئه وعدم وطنيته ونظرته القاصرة إلدارة الدولة. 19
ماذا على الليبيين أن يفعوا إذن؟ وكيف يدعمون شرعية مجلس النواب؟
إن األعمال العدوانية التي يقوم بها الخوارج والمرتزقة ومن تواطأ معهم في الداخل هي أعمال ذات صفة عسكرية، أي إنها ليست سياسية محضة ،ويجب بالتالي مواجهتها بردود من جنسها وطبيعتها ،فليبيا اآلن دولة في حالة طوارئ، الملحة ويجب أن يط ّبق فيها قانون الطوارئ ،والخطوة األولى ّ التي يجب اتخاذها هي أن يقوم مجلس النواب بإعادة تنظيم الجهاز القضائي للدولة ،وما يستتبعه ذلك من إجراءات جديدة تناسب حالة الطوارئ التي تعيشها البالد ،وعلى رأس ذلك االستعانة بكل من: ـ القضاة المدنيين المعروفين بنزاهتهم وشرفهم المهني. ـ وكالء النيابة.
ـ المحامين األفراد المستقلين.
ـ أعضاء الشرطة القضائية.
على أن تتم االستعانة بهم لتفعيل المحاكم العسكرية من خالل وزارة الدفاع ،وتحت إشراف مجلس النواب ،للنظر على وجه السرعة في القضايا الملحة وإصدار األحكام التي 20
تناسبها ،وال يجب أن ُيفهم من ذلك العودة إلى المحاكم االستثنائية أو اصطناع محكمة على غرار المحكمة الثورية سيئة الصيت ،بل العودة إلى اللوائح المن ّظمة لعمل المحكمة العسكرية ،بشكل علني ،أي بقضاة ووكالء نيابة ومحامين من الجيش الليبي ،مع االستعانة بقضاة ووكالء نيابة ومحامين ً مستقبل من القضاء المدني ..األمر الذي سيحمي البالد دوامة الثارات وعمليات االنتقام وتنفيذ من الدخول في ّ الجزاءات التي ينص عليها العرف االجتماعي. انضم دون إكراه إلى إحدى التشكيالت إن أي مدني ّ اإلرهابية المسلحة ،وأصبح جند ًيا في سراياها وكتائبها ،قد تورط أسقط عن نفسه تلقائ ًيا حقوقه المدن ّية ..وإن أي مدني ّ في عمل مس ّلح مضاد ،أو ساهم أو عاون اإلرهابيين على تنفيذ أعمالهم اإلجرامية ،أو قام بتنفيذ أوامرهم ـ عن وعي ومعرفة مسبقة ـ يكون قد صنّف نفسه بنفسه على الطرف المعادي للشعب الليبي ،وأصبح بذلك منقل ًبا على الشرعية، وخائنًا للدولة الليبية ،ويجب أن تتم محاكمته على الفور باستنفار جهاز القضاء المدني والعسكري الذي يجب أن يعمل في هذه المرحلة كجهاز واحد من أجهزة الدولة الليبية.
هذا هو المبدأ الذي يجب أن يتبناه الليبيون جمي ًعا ـ شع ًبا 21
ً وجيشا ـ وللتمهيد إلقرار هذا المبدأ يترتب على ومجلسا ً وزارة الدفاع أن تف ّعل اآلن المحكمة العسكرية التابعة لها، وأن تصدر بيانًا عا ًما تحدّ د فيه جميع الجرائم التي تقع تحت طائلة لوائحها القانونية ،سواء قام بها ون ّفذها على األرض الليبية عسكريون أو مدن ّيون ،من الليبيين أو من غيرهم.
مقتصرا في هذه المرحلة إن دور الجيش الليبي ليس ً على الجبهات العسكرية في قتاله ضد فلول اإلرهابيين والخوارج بل يمتد إلى أكثر من ذلك ..إنه يمتد إلى دعم عوامل االستقرار والمساهمة في البناء ،وحماية الشعب الذي التحم مع قواته المسلحة إلنقاذ ما يمكن إنقاذه ،وتخليص بالده من فلول اإلرهابيين وأطيافهم ،وتطهير البالد من ّ كل ما يعوق نهوضها واستقرارها وتقدّ مها. إن جهود جميع الوطنيين (مدنيين وعسكرين) يجب أن تنتقل من إنقاذ ما هو موجود في ليبيا إلى ترميم وجود الليبيين مر ببالدنا حتى اآلن هو أحد أكبر الكوارث أنفسهم ..فما ّ التي شهدتها دول العالم في العصر الحديث ،وإذا ما نظرنا إلى حجم هذه الكارثة سوف يصيبنا اليأس واإلحباط ،ومع ٍ مساو له في الحجم ذلك ـ وف ًقا لقاعدة لكل فعل رد فعل ومضاد في االتجاه ـ فإننا على ثقة كبيرة بأن الليبيين بقدر 22
ما كانوا ً لتحمل اآلالم وتك ّبد المعاناة فإنهم مقبلون أهل ّ على تأسيس مجتمعهم على أسس قويمة صلبة ،وبناء دولة ديمقراطية ال مكان فيها لالستبداد أو االستئثار أو االحتكار أو اإلقصاء.
23
24
المواطنون أحرار ال وصاية عليهم(((
والمهجرون النازحون ّ لي�سوا ً ملفا لال�ستثمار ال�سيا�سي جميع الحكومات التي توالت على ليبيا في تاريخها السياسي الحديث كانت تنظر إلى الليبيين على أنهم رعايا وليسوا مواطنين. الفرق بين الرعية والمواطنين أن الرع ّية ليس أمامها إال الطاعة والسكوت ..أما المواطنون فإن أمامهم أدوار إيجابية فاعلة ألنهم جزء أساسي ثابت من الدولة ،وبدون وجود هذه األدوار اإليجابية الفاعلة ال تنشأ الدولة ،بل ال توجد ً أصل.
((( مجلة المستقل ،العدد الثالث 22 ،فبراير .2015 25
إن الشعوب باقية ألنها أساس بناء الدول ،أما الحكومات فهي عابر مهما كان زمنها ً طويل. متغيرة ومؤقتة وزائلة ،ووجودها ٌ
يتمسك بها الليبيون جمي ًعا، هذه هي الحقيقة التي يجب أن ّ ويجب أن تفهمها النخبة من حكومات وأحزاب وقياديين في مختلف الكيانات السياسية ،دون أن تمارس هذه النخبة أي نوع من الوكالة أو الوصاية على المواطنين. ّ
مرت على ليبيا عقود طويلة كانت فيها الوصاية لقد ّ مفروضة على شعب بأسره ،ولم تكن بالدهم دول ًة مستقرة قادرة على النمو والتطور ..كانت تمر من تجربة فاشلة إلى تجربة أخرى أكثر ً فشل وهكذا ..لم ينتظم التعليم، يتحسن مستوى المؤسسة الصحية ،ولم تتطور البنية ولم ّ تطورا عمران ًيا (باستثناء التحتية ،ولم تشهد المدن والقرى ً بعض العمران في طرابلس ومصراتة) ..باختصار كانت ليبيا مجتم ًعا ريع ًيا يقتات على النفط ،دون أن يتم التفكير في تفعيل الموارد األخرى التي تمتلئ بها البالد.
ولكن أسوأ ما كان يحدث في ليبيا طوال هذه الفترة هو ما عرضت الناس البسطاء إلى االستغالل شهدته من ديكتاتورية ّ حرصا على الناس من الناس من طرف أفراد يدّ عون أنهم أكثر ً أنفسهم ،فهم بهذه الطريقة لم يسلبوهم حقوقهم فقط ،بل 26
قاصرا تجوز عليه الوالية مثل نظروا إليهم باعتبارهم شع ًبا ً األطفال الذين لم يبلغوا سن الرشد. هذه هي مصيبة الليبيين مع جميع القياديين في الماضي والحاضر.
«الموال» القديم عندما وها نحن نعود اآلن إلى نفس ّ ويصرحون على المأل نرى بعض القياديين وهم يحاضرون ّ وكأن الشعب الليبي قد منحهم وكالة مطلقة للحديث نياب ًة عنهم ،أو كأن الليبيين قد فوضوهم لتقرير مصيرهم ورسم مستقبل دولتهم. من هم الذين يم ّثلون هذا الدور اآلن؟ من هم الذين يستغ ّلون الليبيين ويريدون أن يعيدوهم إلى المربع األول؟ من هم الذين يتاجرون بقضية الشعب لمصلحتهم الخاصة؟ على رأس هؤالء فئتان تجمع بينهما المصلحة الواحدة حتى وإن اختلفت األساليب: ـ الفئة األولى هي بعض القيادات من النظام السابق التي وجدت في ملف الصراعات السياسية واالقتتال ورقة رابحة لجلب انتباه اآلخرين وتعاطفهم والسماح لهم بقيادتهم. 27
ـ الفئة الثانية هي األصوليين وقيادات التيار اإلسالمي تسوق من ورائه برنامجها ستارا ّ التي اتخذت من الدين ً السياسي ومشروعها للسيطرة على الحكم في ليبيا.
الفئة األولى تتاجر بأمن الليبيين واستقرارهم ،والفئة الثانية تتاجر بعقيدتهم ..وهم يشتركون جمي ًعا في التضليل وقلب الحقائق ،وها هم اآلن يستغ ّلون في الوقت نفسه ملف النازحين والمهجرين ويتخذون منه ذريعة لكي يصل صوتهم إلى الجميع، ّ بينما هم في واقع األمر يسعون إلى تمرير مشاريعهم وإثبات وجودهم من خالل مأساة اآلخرين ..إنهم يتاجرون بمعاناة الليبيين وآالمهم ،وهم على استعداد ألن ينكّلوا بالليبيين بال رحمة أو شفقة في سبيل الوصول إلى أهدافهم.
والمهجرين ..فإننا نقول إنهم ليسوا في أما بشأن النازحين ّ حاجة إلى من يمنحهم هبة أو صدقة ..إنهم يريدون استرداد ما تم انتزاعه منهم بقوة السالح والترهيب ..يريدون العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي صادرتها المليشيات ..يريدون استعادة بالدهم التي اختطفتها المليشيات ومن يدعمها من إخوان وغيرهم. والمهجرون أن يكونوا في ليبيا بكرامتهم، يريد النازحون ّ جوالين في البلدان الغريبة ..هذا هو وال يريدون أن يكونوا ّ 28
جوهر الموضوع ،فلماذا نلتف عليه؟ لماذا تتحدثون عن اإلمكانيات المادية الكفيلة بتسهيل بقائهم خارج البالد؟ لب الموضوع وهو عودتهم إلى ديارهم واستعادتهم وتتركون ّ لوجودهم باعتبارهم مواطنين وليسوا رعايا.
يجب على الحكومة الليبية التي تكتفي بتقديم الصدقات أن تخجل من نفسها ،وأن تبادر إلى وضع خطة بديلة تحافظ المهجرون بها على ماء وجهها أمام التاريخ وذلك بأن يعود ّ مكرمين طالما أنهم غير والنازحون إلى ديارهمّ ، معززين ّ مدانين قضائ ًيا بجريمة ما. نحن جمي ًعا نعرف بأنه ليس بين الليبيين في حدّ ذاتهم خالف غير قابل للحل ..ولكن مشكلتهم األولى تكمن ّ وصي عليهم ،وهؤالء الذين في من يتحدّ ث باسمهم وكأنه ّ يريدون الوصاية على الليبيين (سواء كانوا من قياديي النظام السابق أو األصوليين المتسترين بالدين والخوارج والمليشيات التي تتبعهم) هم فئة واحدة ذات هدف واحد، تبحث عن مصالح شخصية ومناصب تؤهلها الستعباد الشعب الليبي مرة ثانية. اتركوا ليبيا لليبيين ..واتركوا الليبيين لمشاكلهم وهم كفيلون بالخروج منها وتسويتها ،ألن هذا الشعب الذي 29
قادر على إعادة ترتيب اختبرته األزمنة بأسوأ الكوارث ٌ المعطيات والخروج من هذه التجربة أقوى مما كان.
إن أمام الليبيين اآلن مرحلة حاسمة ال بد من المرور بها إذا أرادوا الخروج من عنق الزجاجة الذي وضعهم فيه أدعياء الوصاية:
أوال :ال بد من جمع كافة األسلحة من الشوارع ،ووضع ضوابط قانونية صارمة لحيازة األسلحة والسماح باقتنائها، ويمكن في هذا الجانب االستفادة من اللوائح والتشريعات الموجودة في دول العالم.
ثان ًيا :ال بد من محاكمة كل من يطاله القانون لجريمة من جرائم الدم أو العرض أو المال العام .ألن ما يفصل بين الجميع هو القضاء النزيه ،وليس الرغبات الفردية ،ونستطيع القول أن الليبيين ـ جميع الليبيين ـ على استعداد ألن يقبلوا ويستوعبوا أبناءهم مهما كانت آراؤهم ،بشرط واحد هو أن ال يكونوا قد اقترفوا جر ًما يعاقب عليه القانون.
ثال ًثا :ال بد من رفع الوصاية عن المواطنين ،وتركهم يقومون بأدوارهم ،والقبول بهم كمواطنين عليهم أن يشاركوا في بناء دولتهم وتسييرها ،ال باعتبارهم رعي ًة عليها أن تقبل ّ كل ما يختاره لها اآلخرون. 30
أخيرا.. ً
نقول للذين يريدون المتاجرة بأمن الليبيين واستقراراهم: ً استغالل للوطن والمواطن ،كفاكم عب ًثا بمصائر الناس، كفاكم كفاكم ضحكًا على الشعب .لقد ش ّبت ليبيا عن الطوق ،وهي قادرة على أن تتبوأ المكانة التي تليق بها بين األمم.
أما الذين يتاجرون بعقيدة الناس ،فإننا نقول لهم :ال صلة لكم باإلسالم أيها الخوارج ..اإلسالم ديانتنا الوسط ّية السمحاء التي هدانا إليها الله سبحانه وتعالى ،وهو منكم براء ،والليبيون ليسوا في حاجة إليكم ليعرفوا ربهم ويعبدوه حق عبادته كما أمرهم. ّ
31
الليبيون قادرون على تجديد ثورتهم(((
حكومة «الوفاق الوطني» الفتة مخادعة! قائمة الشهداء في ليبيا تزدادا كل يومّ ، وكل من استشهد وتغمده برحمته في سبيل الوطن فإن الله في عليائه أكرمه ّ وأسكنه جنّة الخلد بين أبرار وصدّ يقين.
هؤالء الشهداء قدّ موا حياتهم ثمنًا للحرية .لم يرض أحد منهم أن يظل حبيس نظام استبدادي يبني وجوده على قدرته على اإلقصاء وتهميش المواطنين وسحق تطلعاتهم .لذلك ل ّبوا نداء الثورة وتقدّ موا وكلهم أمل في أن يبدّ ل الله بالدهم من حال إلى حال. تقدّ موا وهم ال يعرفون أحدً ا خارج ليبيا ،لم يكونوا
((( مجلة المستقل ،العدد الرابع 1 ،مارس .2015 33
يتحدثون باسم تنظيم أو حزب أو دولة أجنبية ،بل كانوا يتعمدوا شع ًبا انتفض بعد عقود من المرارة واأللم ..لم ّ المناورة السياسية ،وال اللعب على األماني ،بل أرادوا أن يحرروا بالدهم ..ثم يعودون أدراجهم يحرروا أنفسهم ،وأن ّ ّ إلى أسرهم وعائالتهم.
انتهت الثورة في ليبيا .وجاء وقت بناء الدولة ،كان على التكنوقراط الليبيين أن يقودوا المرحلة االنتقالية، أن يعيدوا ترتيب المعطيات ،وأن يضعوا الليبيين أمام خياراتهم االستراتيجية لكي يبدأ البناء على أسس سليمة وقو ّية.
اآلن يتساءل أهالي وأسر الشهداء من آباء وأمهات عن حقيقة ما حدث ويحدث! هل قدّ م أبناؤهم أنفسهم فدا ًء لما نراه اآلن؟
مرا وحيا ًة ملؤها إن أهالي الشهداء يعيشون اآلن واقع ًّ التعب ـ نفس ًيا وماد ًيا ـ لسببين: ً أول :ألنهم يتحسرون على اآلالف من أبنائهم الذين استشهدوا.
وثان ًيا :ألن تضحيات أبنائهم لم يتح ّقق منها شيء حتى اآلن. 34
إنهم يسألون :إلى متى؟ إلى متى يستمر مسلسل الفوضى؟ ضحى أبناؤهم بأرواحهم؟ ولماذا ّ
إننا عندما ننظر إلى خارطة المشهد الليبي فإننا يجب أن نبادر قبل كل شيء آخر إلى مساندة أسر الشهداء وأبنائهم متحررة وأهاليهم ..فلوال هؤالء الشهداء لما كانت ليبيا ّ ضحى بحياته من أجل تحرير البالد ،وها هي أبدً ا ..هم من ّ تحررت ،فماذا بعد؟ قد ّ
لقد دخل الشعب الليبي معرك ًة جديد ًة ليواجه فيها المتسلقين ومعدومي الضمير وشدّ اد اآلفاق الذين جاؤوا من كل حدب يمر من سيء إلى أسوأ. وصوب ،وأصبح الشأن العام ّ
وواضحا ،أما اآلن فإن األعداء كثر، كان عدو الليبيين مرئ ًيا ً وهم غير مرئيين ،مر ًة يتسترون باسم الدين ،وكأن الليبيين غير مسلمين ،ومر ًة يتسترون باسم القضاء ،وكأنه غير خاضع لتهديداته ،ومر ًة يتسترون باسم الثورة ،وكأنهم هم وحدهم من قام بهذه الثورة وليس الليبيين أنفسهم.
بدؤوا ينسجون مؤامرتهم على ليبيا من كل اتجاه، فتم االنقالب على الشرعية ،وتم استحداث جيش من المليشيات ،ثم تنصيب حكومة موازية ،في الوقت نفسه الذي كان فيه تنفيذ االغتياالت يجري في بنغازي ،ويتم 35
تهجير أهالي تاورغاء ،وقصف بني وليد ،وتشريد ورشفانة، وتأجيج الفتنة بين قبائل ومدن الجنوب ،واختطاف طرابلس ودرنة وصبراتة ،وأخونة زوارة ،ويتم اآلن تدعيشها. بعد كل هذه المصائب المتالحقة يقولون لنا تعالوا للحوار! أي حوار هذا؟!
إننا ال ولن نرضى بحوار مع القتلة وسفاكي الدماء الذين المحرمات وانتهكوا المقدسات الدينية واإلنسانية.. استباحوا ّ حوار مع َمن أيها العقالء؟ ٌ
إن «الحوار الوطني» هو مجرد الفتة مخادعة ُيقصد بها تمرير مسرحية دولية على ليبيا هدفها إعطاء الشرعية لمرتكبي الجرائم وتمكينهم من لعب دور سياسي .هذا هو الموقف ،وهذه هي الحقيقة التي ال يجرؤون على التصريح بها واإلفصاح عنها ،ألنهم ال يستطيعون كشف حقيقة الخوارج واإلرهابيين والقتلة والدواعش والقاعدة وفجر ليبيا واألنصار والمقاتلة واإلخوان ..هؤالء جمي ًعا كتلة واحدة تقف اآلن معادي ًة للشعب الليبي الذي يريد أن يبني دول ًة قوي ًة حباها الله بكل الموارد واإلمكانيات. فماذا إذا ّقررنا الموافقة على ما يسمى بالحوار مع هؤالء؟ يجرون الليبيين إلى تشكيل ما يسمى بحكومة سوف ّ 36
وستغض الدول الغربية الطرف في البداية «الوفاق الوطني»، ّ عن وجود الخوارج ومن يوالونهم من عناصر إرهابية في تلك الحكومة ،وتدريج ًيا سوف تتحول ليبيا إلى وكر من مسرحا مناس ًبا أوكار اإلرهاب في العالم ،وسيجد الخوارج ً لالمعان في ارتكاب جرائمهم ،ليس في ليبيا وحدها ،بل في دول الجوار ،وفي العالم. في المرحلة التالية ستستغل الدول الغربية جرائم هؤالء الخوارج وأعمالهم الالإنسانية الشنيعة لتقوم بتبرير التدخل الخارجي في ليبيا ،وإعادة استعمارها ،بحجة تخليص العالم من حكومة تحت سيطرة اإلرهابيين ،وبحجة إنقاذ شعب ليبيا المغلوب على أمره.
هذا ما يحدث اآلن في الكواليس الدولية إلدارة المشهد السياسي في ليبيا ،وهذا ما نريد من جميع الليبيين أن يكونوا واعين به ومنتبهين له .وإننا نلقي بالمسؤولية جراء ما يحدث اآلن في بالدنا على جميع من يتبوأ سدّ ة المسؤولية على واجهة المشهد العام ،بدءا من أعضاء مجلس النواب إلى أعضاء الحكومة المؤقتة إلى أعضاء المجتمع المدني إلى قيادات الجيش والشرطة إلى اإلعالميين إلى الكتّاب ..وإلى كل من يعنيه الشأن الليبي العام. 37
هدرا للبالد ونقول ألولئك المسؤولين :كفى ..كفى ً ووقتها وإمكانياتها ومستقبلها .وكفى تضيي ًعا لمكانتها بين أمم العالم. استهتارا بشعبكم ..لقد صبر المواطنون نقول لهم :كفى ً ً طويل على تهميشهم وعدم احترامهم ،وعندما الليبيون نارا طفح بهم الكيل قلبوا ظهر المجن ،وأشعلوا األرض ً تحت أقدام المستبدين.
ً وجهل ..ورحم الله امر ًأ عرف قدر نقول لهم :كفى ا ّدعا ًء نفسه ،فإذا لم تكونوا ً أهل للمسؤولية فلماذا تقحمون الليبيين ُشرد عائالتهم، في المزيد من المصائب ،ل ُيقتل أبناؤهم وت ّ ويضيع مستقبل أطفالهم.
نقول لهم :احفظوا للتاريخ كلمته وتراجعوا خطوةً ،ومن المهمة الوطنية التي ُأوكلت له كان منكم غير قادر على أداء ّ فلينسحب ،ولسوف يقدّ ره الليبيون ويكافئونه ويحترمون قراره. هذه هي رسالتنا لكم ..فال تجبروا الليبيين على اتخاذ موقف ٍ معاد منكم يساويكم بالخوارج واإلرهابيين.
أما إذا أصررتم على المضي في تأجيج الوضع العام 38
بتهاونكم وخذالنكم وقصور أدائكم وجهلكم بحقائق األمور فإن الليبيين جمي ًعا يقولون لكم: نحن أعطينا الشرعية ونحن من ننزعها.
نحن من قمنا بالثورة ونحن على استعداد لتجديدها.
نحن أهل الوطن ونحن نؤ ّمنه بدماء أبنائنا وبكل ما نملك.
أخيرا ..نقول للجميع :تضامنوا ..قفوا كت ًفا بكتف.. ً واعملوا يدً ا بيد ..إن علينا أن نق ّلص من حجم الكارثة المقبلة ،التي ـ ما لم يتم اتخاذ إجراءات حقيقية ـ فإنها سوف تكون أشدّ وطأ ًة من جميع الكوارث التي شهدتها بالدنا حتى اآلن.
39
الأخطاء الع�شرة للإخوان الم�سلمين في ليبيا(((
المجتمع الدولي ينظر إلى اإلخوان المسلمين والتيارات اإلسالموية األخرى بنظرة خاصة تختلف عن الليبيين، والمجتمعات العربية عمو ًما .فالمجتمع الدولي يرى أن اإلسالم المعتدل يتناسب تما ًما مع المجتمع الليبي المحافظ الذي يم ّثل فيه اإلسالم نسبة ،% 100كما أن الليبيين عبر تاريخهم لم يشهدوا نشأة وانتشار المتطرفين والمتشددين بينهم.
هذا صحيح من الناحية النظرية ،ولكن ما ال يقيم له مؤخرا اعتبارا هو أن التجربة الليبية أثبتت المجتمع الدولي ً ً أن اإلسالمويين بمختلف أطيافهم أصبحوا كتلة واحدة وسطي تحكمها مصلحة واحدة ،وال فرق في ذلك بين ّ ومتطرف. ّ
((( مجلة المستقل ،العدد الخامس 8 ،مارس .2015 41
فاإلخوان المسلمون ً مثل ـ والذين كان تنظيمهم الدولي يدعي الوسطية واالعتدال ـ لم يمانعوا على اإلطالق من متطرف جرى التحالف مع أنصار الشريعة ،وهي تنظيم ّ تصنيفه محل ًيا ودول ًيا على أنه تنظيم إرهابي يجب إيقافه والقضاء عليه. واإلخوان المسلمون تركوا الحبل على الغارب لرجال «الحسبة» الذين أعلنوا والءهم ألمير داعش ،وهم يجوبون اآلن شوارع طرابلس ويقيمون ما يعتقدون أنه حدود الله، بينما هي حدودهم هم ،وال عالقة لها بالحدود اإلسالمية التي ال بد لها من آلية واضحة معروفة عند الناس ،وال بد لمن ين ّفذها أن يستند إلى تكليف شرعي ،وإال اعتبر عمله انتهاكًا للحدود وإساء ًة للعقيدة اإلسالمية.
مهدوا ودعموا مليشيات فجر واإلخوان المسلمون ّ ليبيا التي سيطرت على طرابلس ود ّمرت مطارها العالمي، وهجرت العزل وهم بداخلها، وأحرقت بيوت المواطنين ّ ّ السكان ،وأنشأت سجونًا موازية للدولة وهي سجون غير خاضعة للقانون وتضم اآلن عشرات اآلالف من السجناء واألبرياء من مختلف األعمار من الرجال والنساء.
كان على اإلخوان المسلمين الذين قدّ موا أنفسهم في 42
البداية باعتبارهم حز ًبا سياس ًيا أن يلتزموا بالقواعد السياسية التي تفرض عليهم دخول المعترك االنتخابي والقبول بنتائجه دون اعتراض ،فماذا فعلوا؟
عندما فشل اإلخوان المسلمون في االنتخابات النيابية ،وخرجوا منها خاليي الوفاض ،قرروا أن ينقلبوا حركوا الدروع التي على الشرع ّية باستخدام ّ القوة ،وهنا ّ ذراعا عسكرية لهم ،وأعلنوا استمرار أرادوا أن تكون ً بمجرد أن انتخب عمل المؤتمر العام الذي انتهى فعل ًيا ّ للنواب ،ثم قاموا برعاية عملية قسورة التي الليبيون مجلسا ّ ً اجتاحت المطار العالمي وقامت بحرقه وتدميره على يد مليشيا فجر ليبيا ،وسيطروا بقوة السالح على المقرات اإلدارية الحكومية في العاصمة ،وفرضوا سلطتهم على وأخيرا لم يخفوا تحالفهم مع كل المصرف المركزي، ً من يعارض مجلس النواب الشرعي أو يحارب الجيش الليبي ..مهما كان هؤالء المتحالفين :قاعدة ،داعش، أنصار ..إلخ ،وذلك لغرض واحد فقط هو أن يسيطروا على الحكم في ليبيا. لقد مارس اإلخوان المسلمون في ليبيا أبشع أشكال المكيافيلة وعلى رأسها استغالل العقيدة والقيم اإلسالمية 43
الخالدة لتحقيق أهدافهم السياسية الزائلة ،وقد أوضحت التجربة القصيرة لهم في ليبيا عن أخطأ عشرة ارتكبها هذا التنظيم ،وهي أخطاء قاتلة بالنسبة لكل حزب سياسي: 1ـ استغالل العقيدة اإلسالمية لتكون أدا ًة في سبيل مصلحة سياسية ،وهذا إثم ديني وخطأ سياسي.
2ـ التفريط في المصلحة العليا للدولة الليبية في مقابل مكاسب حزبية.
3ـ عدم احترام إرادة الشعب الليبي من خالل عدم القبول بنتائج االنتخابات.
4ـ تكوين ودعم أجنحة عسكرية مس ّلحة األمر الذي يناقض سياسة العمل الحزبي.
ومجرم محرم ّ 5ـ التعامل سر ًيا مع دول أجنبية وهو أمر ّ دستور ًيا.
6ـ التحالف مع جماعات مصنّفة دول ًيا بأنها تنظيمات إرهابية. 7ـ تهديد أمن المنطقة وتعريض دول الجوار للخطر. 8ـ السرقة واالختالس من الميزانية العامة للدولة. 44
9ـ تشويه الكيانات السياسية الحزبية المناقضة لها والعمل على تدميرها.
10ـ التآمر على إقصاء أو قتل الفعاليات السياسية وقيادات المجتمع المدني التي ال تتفق معها.
بعبارة أخرى :لقد أتاح الشعب الليبي أمام اإلخوان المسلمين فرصة تاريخية للعمل السياسي بشرف ،وفسح وصحة طرحهم ،وكانت المجال أمامهم إلثبات جدّ يتهم ّ االحتماالت بالنسبة لهم متساوية مع غيرهم لعرض برنامجهم لبناء الدولة والتخطيط لمستقبلها المدني ..ولكنهم أبوا إال أن يستهينوا بإرادة هذا الشعب ،وسعوا من أجل السيطرة بالخديعة والتزوير تارة ،وباستخدام القوة تارة أخرى ،وعندما فشلت هذه األساليب قاموا باالنقالب رسم ًيا على الشرعية التي منحها المجتمع الدولي اعترافه وثقته.
اإلخوان اآلن يقفون دون سند في ليبيا ،فالمواطنون غاضبون جدً ا من عمليتهم االنقالبية على السلطة ألن هذه حق المواطنين في ممارسة السيادة؛ كما أن العملية ألغت ّ اإلخوان يقفون دون سند لهم في العالم ،باستثناء قطر وتركيا، ً طويل. يستمر دعمهما لإلخوان اللتان لن ّ بعبارة مختصرة :لقد حكم تنظيم اإلخوان على نفسه 45
بالخروج من الحياة السياسية في ليبيا ،ولسوف نشاهد في المدى القريب حظر هذا التنظيم ومنعه من العمل ،بل قرارا يصنّف فيه اإلخوان ربما سيصدر الليبيون دون تر ّدد ً المسلمين باعتبارهم جماعة إرهابي ًة يجب إيقافها وتفتيت كيانها ّ وحل الجمعيات المنبثقة عنها. الحرة اآلمنة ستكون بلدً ا يخلوا من تنظيم اإلخوان ليبيا ّ المسلمين والتنظيمات اإلرهابية المتحالفة معه.
46
الحل الوحيد في دعم الشرعية(((
هل يقبل الليبيون بحكم الكيانات الإرهابية؟! مسرحية الحوار أصبحت نو ًعا من الكوميديا السوداء، شر البل ّية ما يضحك. وإن ّ
إن كل يوم يمر يدفع الليبيون ثمنه من دمائهم ،وإن كل ساعة تمر تزداد فيها معاناة الليبيين أكثر من ذي قبل ،وتزداد آالمهم وهم يرون أعداءهم يستخدمون اسمهم ويجلسون على طاولة المفاوضات.
من أعطى هؤالء االنقالبيين الحق في الحديث باسم الليبيين؟ إنهم انقالبيون من صنيعة تنظيم اإلخوان المسلمين الذين
((( مجلة المستقل ،العدد السادس 15 ،مارس .2015 47
تغلغلوا في المجتمع باستخدام الخديعة وا ّدعاء الوسطية واالعتدال ،وعندما خسروا الجولة األولى في االنتخابات يتورعوا النيابية قاموا باالنقالب على اختيارات الناخبين ،ولم ّ عن ارتكاب جرائم القتل واالغتيال واالبتزاز واالختالس، تسوغها شريعة.. وبقية قائمة الجرائم التي ال يغفرها دين وال ّ فمن أعطى لهم الحق في الحديث عن الدولة الليبية وباسمها؟ على الطرف المقابل يجلس عدد من أعضاء مجلس يوجه سؤال آخرَ :من أعطاكم الحق النواب ،وإلى هؤالء ّ ّ في الجلوس مع االنقالبيين؟ أنتم تم ّثلون الشعب الليبي بحكم نتيجة االنتخاب ،ولكن الليبيين اختاروكم لكي يتم بناء سلطة تشريعية تنبثق عنها سلطة تنفيذية بمؤازرة السلطة القضائية .هذه فقط هي حدود صالحياتكم ،أما جلوسكم مع االنقالبيين للحديث عن مستقبل ليبيا والليبيين فهذه خيانة سياسي ال يملكه إال الشعب الذي حق لألمانة ،وتفريط في ّ ّ انتخبكم ،والذي يستطيع أن ينزع منكم صالحياتكم؟ إن الليبيين ينظرون إلى مجلس النواب باعتباره كيانًا َ منتخ ًبا انتخا ًبا ديمقراط ًيا ،وهو المؤسسة الوحيدة التي بإمكانها تمثيل ً تمثيل رسم ًيا ضمن الحدود التي يتم إعالم الشعب الليبي الشعب بها واستفتاؤه عليها. 48
أما أعضاء المجلس فهم شيء آخر غير المجلس نفسه، ألن بعضهم محكوم بأهوائه واختياراته الخاصة التي ال تصب في مصلحة الوطن ،وبعضهم متر ّدد بين االنتماء للشرعية أو االصطفاف مع التحالفات التي يختارها بنفسه دون مراعاة الختيارات ناخبيه ..وبعبارة أخرى فإن جميع ما يخالف محرم على المنتخبين ..هذه قاعدة اختيارات الناخبين يعتبر َّ أساسية في العمل الديمقراطي وال ُيسمح بتجاوزها ..وإذا ما تحول مجلس كان األعضاء على هذا النحو فإن النتيجة هي ّ النواب إلى مجلس مغ َّيب ال صلة له بإدارة الدولة وتسييرها. (المسمى إن ما يعمل من أجله المكلف بتوجيه الحوار اآلن ّ برناردينو ليون) هو الخروج بموافقة األطراف على «حكومة وفاق وطني» ،والطرح النظري لمثل هذه الحكومة ال يكون صائ ًبا إال عندما تكون األطراف المتحاورة على القدر نفسه من الحرص على بناء دولة ليبيا ،أما أن يجمع الحوار بين منتخبين باسم كيان شرعي وآخرين باسم كيان انقالبي فهذا تناقض غير مقبول ،وتمييع لجوهر األزمة في ليبيا ،وتضييع للحلول ،وعبث بمصير الشعب الليبي. إن أبسط ما يمكن أن ُيقال على الجلسات المتق ّطعة للحوار الذي يجري اآلن بضغط من أطراف دولية هو أنه حوار يتم 49
بمعزل عن الشعب الليبي ،صاحب المصلحة الحقيقية في كل ما يجري اآلن .فالليبيون ال عالقة لهم بالذهاب إلى طاولة الحوار التي ال يجلس عليها اآلن إال طرفان إثنان فقط: ـ الطرف األول (يدفعه الرغبة في الوصول إلى السلطة بأي ثمن كان) ويمثله األشخاص الذين تريد لهم دول معينة أن يكونوا جزءا من المشهد السياسي الليبي ،وعلى رأسهم تنظيم اإلخوان.
ـ الطرف الثاني (يدفعه الحرص على إنقاذ ما يمكن من بقايا الدولة الليبية) وهو مجلس النواب الذي ارتضى أن حاضرا حتى ال تنتهي جلسات الحوار بمخرجات يكون ً تصب في غير مصلحة ليبيا والليبيين.
قد ينجح برناردينو في استقطاب بعض األسماء من الطرف الثاني ،مدفو ًعا في ذلك بمصلحة شخصية تتم ّثل في إضافة بعض «اإلنجازات» إلى سيرته الذاتية ،ولو كان األمرين منذ سنوات ..نعم ،قد ذلك على حساب شعب يعاني ّ ينجح في إتمام المهمة المك ّلف بها ،ولكن الجميع يعرفون أن التهدئة التي قد تنتج عن هذا الحوار سوف تكون تهدئة مرحلي ًة مؤقتة ،وسوف تعود األمور إلى أسوأ مما كانت، لسببين رئيسيين: 50
ً أول :برناردينو (ومن معه من متابعين دوليين) يتحدث باسم األمم المتحدة ،ولكنه يع ّبر في الحقيقة عن رغبة عدد محدَّ د من الدول على رأسها الواليات المتحدة وبريطانيا ،وهو غير م ّطلع على حقيقة األزمة في ليبيا وتفاصيلها المتداخلة التي لم يفهمها حتى اآلن ،بدليل تصريحاته الكثيرة وهي عامة تمس واقع ما يحدث ..فهو يتحدّ ث عن جدً ا ،وال ّ شعارات فضفاضة مثل السالم والهدنة واالستقرار، دون أن يكون لكلماته عالقة بما يحدث ً فعل على األرض الليبية ..واألسوأ من كل ذلك أن برنامج الحوار بر ّمته ال يصب في واقع األمر سوى في مصلحة الدول المذكورة والتي تحاول تمرير مصلحتها عن بوابة طريق األمم المتحدة. ثان ًيا :الطرف الذي يدعمه برناردينو ـ بما يتوافق مع رغبات تلك الدول ـ هو طرف يعتبر جزءا من األزمة ،وتفاقمها واستمرارها ،وليس جزءا من الحل الذي يريده الليبيون ،وهذا الطرف الذي يم ّثله تنظيم اإلخوان المسلمين لم يلتزم بقواعد اللعبة الديمقراطية بشرف ونزاهة ،بل انقلب على الشرعية 51
عندما خسر جولته اإلنتخابية األولى ثم تحالف مع التنظيمات اإلرهابية وعلى رأسها أنصار الشريعة، تنظيما إرهاب ًيا جديدً ا اسمه فجر ليبيا . ثم صنع ً
ما ّ الحل إذن في ظل هذه الظروف المتداخلة والتي يعمد فيها رعاة الحوار إلى بث المزيد من الفتنة والشقاق بين الليبيين؟
إن الحل الوحيد بالطبع هو دعم الشرعية في صورتها المباشرة ،دون االلتفاف عليها ..وألن رغبة الشعب الليبي ّ تتلخص في القضاء على اإلرهاب وإعادة بناء دولة ديمقراطية مستقرة ،فإننا من هذا الجانب نستطيع القول بأن على األمم المتحدة ـ إذا أرادت ً فعل أن تنهي هذه األزمة ـ فعليها أن تعود إلى الشعب الليبي نفسه ،وعليها أن تفكّر في أكثر األساليب عما احترا ًما لهذا الشعب ،أي أن تقوم بإجراء استفتاء مباشر ّ إذا كان الليبيون يقبلون بالكيانات اإلرهابية التي تعمل تحت عباءة تنظيم اإلخوان ،وما أذا كانوا يوافقون على أن تكون هذه الكيانات جز ًءا من دولتهم ..على أن يكون هذا االستفتاء بحضور منظمات دول ّية ش ّفافة حريصة على إنهاء هذه األزمة وتمكين الشعب الليبي من الوصول إلى ّبر األمان دون أن يضطر إلى التضحية بالمزيد من دماء أبنائه. 52
الليبيون �أمام �س�ؤال التحرير!(((
تحرر الليبيون؟ هل ّ
إن سؤال التحرير ال يقبل إجابات متر ّددة ..وليس أمامنا اآلن إال أن نجيب بنعم أو بال ،مقتنعين أن اإلنسان ال يمكن متحرر ونصف مستعبد ،في الوقت نفسه، أن يكون نصف ّ حرا وذا سيادة على بعض كما أن الوطن ال يمكن أن يكون ًّ ّ محتل اإلرادة في البعض اآلخر. شؤونه ،وخاضع أو حرا أو ال تكون ..هذا هو سؤال التحرير. أن تكون ً
إننا إذا رأينا ما يقبع خلف األزمة الحالية في ليبيا من ٍ مآس كبيرة وكوارث متّصلة ومعاناة شديدة نجد أن حلم الليبيين حرة ذات سيادة ..قد أصبح يتالشى بفعل بدولة مستقلة ّ ((( مجلة المستقل ،العدد السابع 22 ،مارس .2015 53
تتعرض له البالد من مؤامرات يتم تدبيرها في الداخل ما ّ والخارج،
مرارا ـ هو أن يستعيد الشعب التحرير ـ كما نؤكّد ً حقوقه المسلوبة ،وأن يرى مطالبه المشروعة التي خرج من أجلها قد تحققت ،وعلى رأسها الحرية والعدالة االجتماعية والكرامة ،وأقول هنا «تح ّققت» ً فعل ،وليس على طريقة الدعاة السياسيين والمن ّ ظرين الذي تمتلئ أشداقهم وتُمطرنا ألسنتهم بهذه الكلمات التي أصبحت بال معنى في عقولهم.
كان الليبيون يحلمون أن يستعيدوا بالدهم بعد أن ضحوا على الشكل الذي رآه العالم أجمع ،وكانوا يأملون يوجهوها إلى التنمية أن يسيطروا على موارد بالدهم وأن ّ والبناء ،وأن يعيشوا في بلد يرتقي فيه مستوى الخدمات إلى المستقرة المتقدمة ،ولم يكن أفضل ما يمكن ،أسو ًة بالبلدان ّ شيء يمنعهم من ذلك ..اإلرادة كانت قو ّية ،والموارد تحت أقدامهم ،والناس خرجت من هيمنة الطغيان واالستئثار واالحتكار ..كانت كل المعطيات تشير في البداية إلى أن ليبيا ستصبح في زمن قياسي ً مثال يحتذى به بين جيرانها ...هذه باختصار كانت أحالم الليبيين المشروعة ،فما الذي حدث؟! 54
ويسرب عناصره، بين ظهراني الليبيين كان هناك من يتس ّلل ّ وإذا بهم يركبون موجة الثورة والتغيير ،ويعلنون دون مواربة أو خجل أنهم أحق بليبيا من الليبيين أنفسهم.
أول هؤالء وعلى رأس قائمتهم السوداء هم تنظيم اإلخوان المسلمين الذين اعتمدوا على ما يصل إليهم من دعم مادي وسياسي من دول وحكومات بعينها كانت تريد لهم أن يتولوا قيادة ليبيا إلى نقطة محدّ دة وهي أن يجعلوا منها بؤرة تلتقي فيها جميع التشكيالت واألطياف المتأسلمة التي تتستر بالدين بينما هي تعمل من أجل هدف سياسي محض.
لعب تنظيم اإلخوان على ورقة االنتخابات ،واستطاعوا في بداية األمر أن يخدعوا الشعب بدعاياتهم التي تستعير من الخطاب الديني ما يطمئن إليه الناس ،ولكن الناس لم يكونوا على قدر من السذاجة والغفلة كما توقع اإلخوان ،إذ في أول الجوالت االنتخابية إلفراز تشكيلة السلطة التشريعية في ليبيا سقط اإلخوان سقو ًطا مدو ًيا ولم يعودوا قادرين على تمرير خدعهم الماكرة ،وكما تقول العبارة المتداولة :تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت ،ولكنك ال تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت. قادرا على تمرير وتنفيذ أجنداته لم يعد تنظيم اإلخوان ً 55
السياسية باسم الدين ،وإذا كانت نجحت خطوتهم األولى قد نجحت بادئ األمر فألنهم دخلوا إلى المشهد السياسي وهم يستغلون حالة الفراغ التي حدثت بعد إعالن التحرير، واستطاعوا بذلك أن ينجحوا في إغراء واستقطاب بعض الشباب ..ولكنهم ـ عندما حصحص الحق ـ لم يجدوا يلتف حولهم ،باستثناء أولئك الذين التحقوا بهم ساب ًقا أحدً ا ّ إما بغسيل أدمغتهم ،وإما بتحفيز شهوة الطمع في نفوسهم.. وبعبارة أخرى :لم يعد خاف ًيا أن من يرتبطون اآلن باإلخوان هم إما من ذوي العقيدة الفاسدة أو من المرتزقة.
عندما انكشف ستار اإلخوان لم يجدوا سوى إعالن االنقالب على الشرعية ،ولكي يدعموا موقفهم كانت أقصر الطرق هي أن يفرضوا أنفسهم بقوة السالح والتحكم في أكبر نسبة من األرض تصل إليها أيديهم .هكذا بدؤوا تأسيس وتسليح أدواتهم وهي الدروع ،وعندما عجزت هذه عن تحقيق الدور المرسوم لها ،جمعوا من استطاعوا استقطابه جرت وشراءه وأطلقوا عليهم اسم فجر ليبيا وهي مليشيا ّ وخربت وأجبرت الويالت على ليبيا ،فنهبت وأحرقت ّ الناس على النزوح واللجوء في الداخل والخارج ،وأصبح مسرحا لعصابات هذه المليشيا ،ونجحوا لألسف غرب ليبيا ً 56
في تجنيد مدن بأكملها لكي تن ّفذ لهم مخططاتهم كمدينة مصراتة ،التي استغلوا بعض قياداتها في تجنيد شباب المدينة والدفع بهم في معارك االنقالب على الشرعية .كانوا شياطين إلى درجة أنهم عمدوا إلى إفساد القبائل بالتغلغل فيها ّ وبث عقيدتهم الفاسدة.
ولكي يدعم اإلخوان موقفهم في شرق ليبيا قاموا بالتحالف مهدوا لتس ّلل عناصر تنظيم الدولة مع أنصار الشريعة ،ثم ّ المسماة إسالمية (داعش) ،واستقبلوا عناصرها الوافدين من ّ كل مكان ،من اليمن ،والعراق ،وسوريا ،وتونس ،والجزائر، وتغاضوا عن جرائمهم في سرت ودرنة وصبراتة ،وطرابلس.
إن اإلخوان هم رأس كل هذه الفتن والكوارث ،ولقد أدرك مستقرة يعيش فيه الليبيون اآلن أن حلمهم بدولة ديمقراطية ّ المؤسسات ،وين ّظمها أحرارا ،دولة تُبنى على المواطنون ّ ً القانون ،وتسودها العدالة االجتماعية ،وتتبوأ المكانة التي تليق بها بين دول العالم ..هذا الحلم لن يكون إال على أنقاض يسمى اإلخوان المسلمين. ذلك التنظيم الذي ّ تحرر الليبيون ً فعل؟ ونعود إلى سؤال التحرير ..هل ّ
حر ونصف عبد في أكرر بأن اإلنسان ال يكون نصف ّ ّ الوقت نفسه .ولن نقدّ م هنا إجابة متر ّددة ،بل يجب علينا أن 57
نذهب مباشر ًة إلى عمق السؤال ،وأن نجيب :ما لم يتخ ّلص الليبيون من جميع الكيانات اإلرهابية التي تحتل بالدهم.. وما لم ينتزعوا دولتهم من مخالب اإلخوان وحلفائهم أحرارا ،وليس أمام الجميع اآلن المتأسلمين فهم ليسوا ً ً (جيشا وشع ًبا) إال اإلتحاد يدً ا بيد وكت ًفا بكتف إلى أن يتم تطهير الوطن من جميع هذه الشراذم اإلرهابية التي تقف ً حائل دون بناء واستقرار دولة ليبيا.
58
حتى ال تتكرر األخطاء(((
ّ
طرابل�س على عتبة التحرير طرابلس اآلن على عتبة التحرير ..هذا الحدث الذي ننتظره يذكّرنا بتجربة سابقة يجب أن نتوقف عنها لكي نستفيد من دروسها.
عندما وصلت ثورة الليبيين إلى يوم 2011 /8 /20كان تحررت ،وأنهم مقبلون على األهالي يعتقدون أن بالدهم قد ّ عصر جديد ال استبداد فيه وال ديكتاتورية وال طغيان.
كان الناس يعتقدون أنه بوجود المجلس االنتقالي سوف تنبثق حكومة مؤقتة من الليبيين قادرة على اإليفاء بجميع ما يريدونه ،وظنوا أن عصر الحرية قد بدأ بعد عقود من
((( مجلة المستقل ،العدد الثامن 29 ،مارس .2015 59
الكبت واإلقصاء واالستئثار بالسلطة والثروة ..ولكن في عدة أشهر بسيطة أصبحت تلك األحالم الوردية كوابيس مقرا للعصابات اإلرهابية التي مزعجة ،وأصبحت العاصمة ً يدعمها اإلخوان المسلمون ويتستّرون عليها.
تتكرر المأساة ..فطرابلس اآلن إنني أذكّركم حتى ال ّ على عتبة التحرير ..وأنا أدعو جميع الليبيين إلى االنتباه وأخذ الحيطة والحذر ،حتى ال يصابوا بخيبة أمل أخرى. تتحرر العاصمة سوف يخرج علينا أكثر من اسم وعندما ّ يدّ عي أنه البطل الذي قاد معركة التحرير األخيرة ،فكونوا على حذر منذ اآلن ...تحرير طرابلس هو جهد جماعي يقوم به الجيش الوطني ومن يسانده من المدنيين ..الفضل فيه لله ً أول ولجهود أبناء الوطن الشرفاء.
ستحررون حرركم ..ألنكم ّ ال تتركوا أحدً ا يدّ عي أنه ّ أنفسكم بوقوفكم مع جيشكم الوطني ومن يسانده من متطوعين مدنيين أبوا أن يروا بالدهم ترزح تحت وطأة اإلرهابيين الذين يستبيحونها دون أن يردعهم شيء.. ال وطن ،وال دين ،وال أخالق. ً (جيشا وشع ًبا) سوف تردعون الجماعات اإلرهابية أنتم وسوف تردون كيدها إلى نحرها ،فثقوا في قدرتكم على 60
اجتراح المستحيالت ،وتأكدوا أن النصر قريب ،وأن الخير خير وأبقى. الذي تم ّثلونه ٌ
أمامكم اآلن قواتكم المسلحة تتقدّ م لتستعيد وطنًا استباحه الخوارج والمعتدون ،وأمامكم شرطتكم التي ستستعيد أمن الشوارع ،وأمامكم أنفسكم لتعيدوا بناء مدينتكم كما حلمتم دائما أن تكون. ً
الجي�ش
الجيش الذي يواصل قيادة معركة التحرير سوف يتزايد عدد أفراده مع كل خطوة بخطوها ،ألن المدنيين يلتحقون به كل يوم وهم يرون بالدهم تخوض معركة حاسمة ضد اإلرهابيين (من الداخل) وشذاذ اآلفاق (من الخارج) بعد أن توحدوا لكي يسيطروا على ليبيا ..ولكن هيهات أن ينجحوا، ّ ألن ً مغوارا كالجيش الليبي ،وشع ًبا مقاو ًما كالشعب جيشا ً الليبي ،سوف يقطع الطريق على هؤالء الخوارج و ُيسكت صوتهم إلى األبد. ال�شرطة
إن شرطة طرابلس أدرى من الجميع بأمورها ،ويجب أن تعيد الشرطة تكوين نفسها واالنتظام في عملها بشكل مباشر 61
حتى تكون ً أهل إلدارة األمور األمنية في طرابلس وحماية المرافق السيادية والممتلكات الخاصة والعامة ،فالشرطة محضا ،وهي األقرب إلى لها طابع مدني وليس عسكر ًيا ً المواطنين ألنها بينهم وال تعيش في معسكرات أو ثكنات منفصلة ،أما الجيش فمهمته في هذه المرحلة هي تأمين مداخل ومخارج العاصمة ،حتى يقطع الطريق على تس ّلل اإلرهابيين. الأهالي
دائما ً والتحضر مثال للرقي ّ إن أهالي طرابلس كانوا ً مر تاريخنا الحديث والوطن ّية ،وكانت مدينتهم على ّ ملتقى لجميع األصوات والفعاليات السياسية الوطنية، ولم يسمح أهالي طرابلس ألحد أن يفرض هيمنته على العاصمة دون مقاومة مدن ّية او عسكرية ..هكذا ع ّلمنا دائما أب ّي ٌة على أعدائها بفضل وطن ّية التاريخ ..فطرابلس ً أهلها وعدم رضوخهم. تتحرر العاصمة. باألهالي ـ إذن ـ وبالجيش الليبي سوف ّ
أيضا ـ وبالشرطة سوف تستعيد العاصمة وباألهالي ـ ً أمنها. 62
هكذا سوف يكتمل تحرير العاصمة ،باشتراك الجيش والشرطة وأبناء الوطن الشرفاء ..ال فضل في ذلك لسين أو صاد فقط ،بل الجميع شركاء في هذا الوطن وانتصاراته.
ومن طرابلس ـ لكونها العاصمة والمدينة األكبر ـ سوف تبدأ إعادة بناء دولة ليبيا كما حلم بها الليبيون ..دول ٌة ديمقراطية آمنة مستقرة تقدّ س حقوق اإلنسان وتحترم المواثيق والعهود التي تكفل الحرية ..دول ٌة دعامتها األساسية هي المؤسسات المتكاملة ،وااللتزام بما يفرضه مفهوم المواطنة من حقوق وواجبات.
هذه باختصار هي الدولة التي يأمل الليبيون أن يعيدوا تأسيسها ،وهو األمل الذي ثاروا من أجله فقدموا التضحيات وبذلوا النفيس والغالي في سبيل تحقيقه ..استشهد من تغمده الله برحمته ،ونزح من نزح منهم ،أعاده استشهد منهمّ ، الله إلى دياره آمنًا ..ولكن الليبيين استيقظوا فجأة على زمرة من االنقالبيين الذين س ّفهوا اختيارات الشعب بعد انتخابات نزيهة شاهدها العالم أجمع ..شرذم ٌة من اإلخوان استطاعت أن تثير الفتنة وأن ّ تدق األسافين بين المدن والقبائل ،وأن تعلن حكومة تهيمن بها على طرابلس وما جاورها بدعم من دول أجنبية تهدف إلى السيطرة على موارد ليبيا ومستقبلها، 63
جر اآلخرين إلى حوار وهمي ال عالقة له ثم عمدت إلى ّ بالليبيين ،وال صلة له بالشرعية.
حول اإلخوان ثورة الليبيين إلى مط ّية لهم يسعون بها لقد ّ إلى السلطة ..لم تردعهم تضحيات الشهداء الذين ماتوا، ولم يحترموا تضحيات شعب بأكمله ،بل عمدوا إلى التحالف مع كل من يك ّن العداء للشعب الليبي ..تحالفوا مع أنصار الشريعة ،وتستّروا على داعش ،وسمحوا لفلول القاعدة وأخيرا قاموا بتشكيل أداة عسكر ّية لهم بالظهور والعمل.. ً اسمها «فجر ليبيا» لكي ُيحكموا السيطرة على طرابلس والمدن المجاورة لها. وهجروا لقد دمروا المرافق السيادية ،وقصفوا المدن، ّ السكان ،ونهبوا المال العام ،وأيقضوا الفتنة في البالد، ونشروا أوكار اإلرهاب ،وتآمروا مع الدول األجنبية ..هذا ما صنعه اإلخوان وحلفاؤهم بليبيا والليبيين ..وهذا هو السبب الرئيسي الذي دفع بالجيش إلى االنتفاض مجدّ ًدا لكي يخ ّلص البالد من معاناتها ،ولكي يفسح أمام الليبيين المجال إلعادة السيطرة على دولتهم وتفعيل مقدّ راتها وبناءها من جديد. وأكرر القول. ّ
64
إن طرابلس اآلن على عتبة التحرير ..فلتنتبهوا ولتأخذوا حذركم حتى ال تصابوا بخيبة أمل أخرى.
إن تحرير العاصمة هو ثمرة نضال األهالي وعدم صمتهم على وجود الخوارج واإلرهابيين بينهم ،فال تتركوا أحدً ا حرركم ..أنتم من سيؤ ّمن طرابلس ،وأنتم من يدّ عي أنه ّ سيخرج بها آمنة مستقرة من سيطرة اإلخوان وحلفائهم.. فاصبروا وصابروا ..إنما النصر صبر ساعة.
65
الغائبون عن حوار الطرشان(((
المحا�ص�صة ال�سيا�سية تعني �إلغاء �سيادة ال�شعب تم حشر األزمة الليبية في زاوية الحوار ،وكأن األزمة هي خالف سياسي بين أطراف متساوية ..أو ّ كأن األطراف المتحاورة اآلن برعاية األمم المتحدة تملك ً فعل الحق في أن تنوب عن جميع أبناء ليبيا ومواطنيها. إن المتحاورين يتحدثون باسم الدولة الليبية ..فمن ً وكيل عا ًما عن قرارات الليبيين السيادية لكي نصبهم ّ يتحدثوا باسم الشعب؟ ثم أين هو هذا الشعب الذي يتحدثون باسمه؟ وهؤالء المتحاورون دون غيرهم كانوا وراء مأساة قرابة نصف عدد سكان ليبيا ..الذين أصبحوا
((( مجلة المستقل ،العدد التاسع 5 ،أبريل .2015 67
ومشرد ..أما البقية الباقية التي مهجر ونازح وسجين بين ّ َّ تقع في نطاق سيطرتهم فإنها تلتزم الصمت خو ًفا على حياتها بعد أن سيطرت العصابات اإلرهابية على العاصمة وما جاورها غر ًبا. ماذا جرى لكي يعترف ممثل األمم المتحدة بهؤالء الذين ونصبوا أنفسهم وكالء عن ليبيا؟ انقلبوا على الشرعية ّ
لقد ذكرنا ساب ًقا أن ممثل األمم المتحدة ال يعي طبيعة األوضاع في ليبيا على حقيقتها ..وانه يمضي في المسار الخطأ عندما يعطي لإلخوان المسلمين «وزنًا سياس ًيا»، وكأن اإلخوان يع ّبرون ً ّ فعل عن آمال الليبيين وآالمهم،
ال عن تنظيمهم الدولي ..إن ما يحدث هو نوع من «الكوميديا السوداء» التي تضع الجالد متحد ًثا باسم الضح ّية!. ولكن ما يجهله برناردينو ليون يعرفه الليبيون حق المعرفة.
لقد حاول اإلخوان المسلمون ـ الذين يفرضون أنفسهم اآلن على أجندة الحوار ـ أن يستولوا على حكم ليبيا وأن يقيموا دولة ألعضائهم المشتتين في العالم بكل الطرق. التحول السياسي في ليبيا عندما وجدوا أن العالم يشاهد ّ 68
رضخوا لقواعد اللعبة االنتخابية فحققوا فيها بعض الحظ
ألنهم استطاعوا خديعة الناخبين بالحديث عن القيم الدينية وكأنهم أوصياء على الدين ،وعندما عرف الناخبون حقيقتهم أسقطوهم من اعتبارهم ففشلوا ً فشل ذري ًعا في االنتخابات التشريعية.
في المرحلة الثانية أبان اإلخوان عن وجههم الحقيقي
فقاموا باالنقالب على الشرعية ،ولكي يدافعوا عن انقالبهم بقوة السالح قاموا بإطالق تشكيالت مس ّلحة
مهدوا لخروج تشكيل أطلقوا عليها اسم الدروع ،ثم ّ مس ّلح آخر على أسس قبلية وجهوية اسمه «فجر ليبيا»، وأفسحوا أمامهم المجال ً قتل ونه ًبا وتخري ًبا ،ولكي يحكم
تنظيم اإلخوان المسلمين سيطرته سمح للتنظيمات اإلرهابية مثل داعش وفلول القاعدة بأن يتواجدوا في
أكثر من مدينة وقرية ليبية.
جرب تنظيم اإلخوان االنخراط في العمل السياسي لقد ّ
الليبي لفترة قصيرة جدً ا ،ولكن معظم تجربتهم في ليبيا ّ تتلخص في االنقالب على الشرعية وممارسة العنف.. وها هم اآلن ـ بدعم من دول محدّ دة مثل قطر وتركيا ـ 69
يجلسون على طاولة الحوار من أجل الوصول إلى «حكومة وفاق» يضمنون بها استمرارهم.
هذا هو ما حدث أيها البرناردينو ليون ..وهذا هو ما يسعى الليبيون أن تفهمه لكي ال تستمر في المسار الخطأ. إن حوار الطرشان الذي مازالت جلساته تعقد من حين إلى آخر ـ إضافة إلى الفهم الخاطئ لطبيعة األوضاع في ليبيا ـ كل ذلك سيؤدي إلى محاصصة سياس ّية قذرة تعتمد قبل كل شيء على إلغاء حق الليبيين في االختيار.. وكأنهم ال وجود لهم .فهل يعرف ممثل األمم المتحدة أنه بذلك ينطبق عليه القول الشائع« :أعطى من ال يملك لمن ال يستحق»؟
هذه هي الجريمة التي يقودنا إليها الحوار اآلن ..فال ليون يملك الحق في إفساح المجال لتنظيم اإلخوان لكي يسيطروا على ليبيا ويكونوا ً بديل عن الليبيين أنفسهم ..وال اإلخوان يستح ّقون أن يكونوا جزءا من الحياة السياسية في ليبيا ..هذه هي الحقيقة التي ال مراء فيها.
إننا قد نسأل أنفسنا عن موقف الشعب الليبي ..أين هو في ظل هذه الظروف الحالكة؟ لماذا ال يعلن عن موقفه ويؤجج النار تحت أقدام بكل قوة؟ لماذا لم يتظاهر ويعتصم ّ 70
العصابات اإلرهابية التي تسيطر على جزء من أرضه ،وتسعى إلى مصادرة مصيره إلى األبد؟
لقد قاوم الليبيون وبذلوا الغالي والنفيس من دمائهم وأبنائهم عندما كانت الحرب مباشرة بين جبهتين فقط: جبهة الطغيان وجبهة الحرية ،أما اآلن فإن هناك أكثر من جبهة يعتبر الكثير منها جبهات «مفتعلة» لتشتيت جهود الليبيين وإقحامهم في حرب استنزاف سياسية واجتماعية واقتصادية ..وهو مخ ّطط إخواني يتم تنفيذه باستغالل أصالة الليبيين وصدقهم.
إذا عدنا إلى الوراء ً قليل نجد أن الليبيين كانوا يعتقدون تحرروا من الطغيان واالستبداد متطلعين إبان الثورة أنهم ّ إلى بناء دولة جديدة على أسس قويمة ،أي أنهم لم يفكّروا آنذاك أن شرور الطغيان يمكن أن تأتي بأكثر من شكل وبأكثر من أسلوب.
كانت تجربتهم األولى هي مواجهة الطغيان في أكثر ووضوحا ،أما اآلن فإنهم يواجهون طغيانًا أشكاله بدائية ً أكثر قدرة على التخ ّفي والتل ّبس بألف شكل وشكل ..هذه المرة يواجه الليبيون طغاة من نوع جديد لم يعرفوهم في تاريخهم السياسي الحديث ..إنهم طغاة يتسترون باسم 71
الدين أحيانًا ،وباسم الديمقراطية أحيانًا أخرى ..وكلما خسر هؤالء الطغاة معركة من معاركهم استطاعوا أن يغيروا من وجوههم وأزيائهم ،وأن يخرجوا على الليبيين بخدعة جديدة ..وآخر هذه الخدع هي «حكومة التوافق» التي يسعى الحوار إلى إقناع العالم بها. فماذا تعني حكومة التوافق حرف ًيا؟
إنها تعني أن يرضخ الليبيون إلى محاصصة سياس ّية يتم فيها تقاسم السلطة مع األعداء ..نعم ،هذه هي النتيجة التي تلوح في األفق ..ما لم يكن لليبيين شأن آخر يفرضون فيه كلمتهم.
إذ هل ُيعقل أن يسمح الليبيون ألعدائهم من اإلخوان وصنيعتهم من التشكيالت المسلحة (سواء المصنّعة محل ًيا أو الوافدة) أن تحكمهم بأمر من ممثل األمم المتحدة؟ كيف س ُيحاكم اإلرهاب ّيون؟ و َمن سيقتص من مرتكبي الجرائم؟ ماذا عن دمار ٍ دولة بأكملها؟ و َمن س ُيدان على ما تم نهبه وتدميره؟ عما سبق ،وأن هل يعتقد أحدٌ من الليبيين أن التغاضي ّ 72
استمرار وجود تنظيم اإلخوان في المشهد العام ..سوف يح ّقق هدنة دائمة ،ويصل بالدولة الليبية إلى ّبر األمان؟
اإلجابة باختصار هي أن التاريخ السياسي الحديث قد دائما أن تنظيم اإلخوان هو رأس الشرور في كل مكان أثبت ً ُوجد فيه ،والنتيجة التي علينا أن نخلص إليها هي أن ليبيا حرة آمن ًة ما لم ينزاح عن كاهلها شرور اإلخوان.. لن تعيش ّ فوجودهم يعني تغييب الليبيين وجعلهم رع ّية بائسة في دولة إخوانية جائرة.
73
االستعداد للمرحلة القادمة(((
بناء الدولة و�إ�شكال ّيات ما بعد الحرب عندما ثار الليبيون على الطغيان لم يتو ّقعوا ألحد من المتطرفة والمتز ّمتة.. أبنائهم أن ينساق وراء التيارات ّ كانوا يخوضون حر ًبا من أجل استعادة بالدهم وإعادة بنائها ،وكانوا يقاتلون في جبهة واحدة ..متضامنين ومتحدين ،وبذلوا أثناء ذلك الغالي والنفيس من دمائهم تحررت ،وأن وأبنائهم .وعندما اعتقد الجميع أن البالد قد ّ المواطنين أصبحوا سادة أنفسهم ،وأن بإمكانهم اختيار يعوضون به ما فاتهم طوال عقود طويلة.. طريق ديمقراطي ّ عندما حدث ذلك اكتشفوا أنهم قد دخلوا ً مظلما نفقا ً ال يعرفون نهايته ،ورأوا عد ًدا من التنظيمات واألفراد ((( مجلة المستقل ،العدد العاشر 12 ،أبريل .2015 75
يقفزون إلى واجهة المشهد وهم يدّ عون أنهم أحق بليبيا من الليبيين أنفسهم.
حاول الليبيون أن يعتمدوا على األسلوب الديمقراطي الذي طالما حلموا به ،وعندما حان موعد االنتخابات التشريعية التي ستضع أمام الناس برلمانًا منتخ ًبا منهم ،اختار مجلسا متوازنًا غير جهوي أو مؤدلج. الناخبون ً
كان تنظيم اإلخوان الذي بسط سيطرته ساب ًقا على المؤتمر العام بعدد من الخدع والحيل قد مني في االنتخابات بهزيمة فادحة فأصبح يتح ّين الفرص للعودة إلى واجهة المشهد، واختار التوقيت المناسب ليعلن انقالبه على الشرعية ،وليلغي اختيار الليبيين وكأنه أحق من جميع الليبيين بالسيطرة على الحكم ،ولو بقوة السالح.
هكذا تحالف هذا التنظيم مع جميع المارقين الخارجين ومهد الطريق أمام تنظيمات إرهابية أخرى على الشرعية ،بل ّ وافدة جاءت من خارج ليبيا ،وفتح على الليبيين أكثر من جبهة، وبعد أن كانوا يقفون في حربهم السابقة ضد الطغيان في جبهة واحدة ،أصبح أمامهم عدة جبهات مشتعلة في نفس الوقت. إن الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع هي أن معظم الجبهات الحالية مفتعل ٌة وهي تندرج ضمن مخ ّطط اإلخوان 76
لتشتيت جهود الليبيين وإقحامهم في حرب استنزاف سياسية واجتماعية واقتصادية ،وليس هناك .
هناك جبهة واحدة حقيقية بين جميع هذه الجبهات وهي التي يقوم فيها الجيش بمحاربة اإلرهابيين والخارجين عن شرعية الدولة ،وهي حرب ستنتهي بكل تأكيد بانتصار الليبيين مستقرا. على أعدائهم ،وعودة ليبيا بلدً ا آمنًا ً
حرب الجيش الليبي ،ومن خلفه الشعب ،على اإلرهاب مستمرا ،وليس أمام هي حرب متواصلة ،وهي تحقق تقدّ ًما ً الليبيين إال أن يعدّ وا العدة لمستقبل يتخ ّلصون فيه من إشكاليات ما بعد الحرب دون أن يسمحوا لها بأن تترك أثرا قد ال ينتهي بسهولة إذا ما تم إهماله والسكوت عليه. فيهم ً فما هي هذه اإلشكاليات المتوقعة.
أثرا السنوات الحالية التي يعيشها الليبيون اآلن ستترك ً مر على ليبيا خالل ً واضحا دون شك على هذا الشعب ،فما ّ هذه السنوات قد ال تنتهي آثاره بسهولة ما لم يكن المواطنون متي ّقظين إلى الحلول التي يستطيعون بها معالجة ما سيطرأ تحوالت. على الحياة العامة من ّ إننا نتحدث عن الخروج من األزمة ،وتسوية األوضاع بأسرع 77
وقت ،ولكننا نهمل صورة المستقبل بما يحمله من تفاصيل تتو ّلد عن التفاعالت الحالية .وعلى رأس األولويات القادمة للشعب الليبي سوف نواجه عدة إشكاليات تقتضي من الجميع أن يتحلوا بالصبر والحكمة لمعالجتها .من هذه اإلشكاليات: 1ـ نبذ العنف بجميع أشكاله
يمضي الليبيون اآلن في طريق ال عودة عنه وهو محاربة اإلرهاب وتطهير البالد من أطياف اإلجرام وتشكيالته المسلحة مهما كان الثمن .والليبيون شعب مثابر وعنيد، منتصرا ،ولكن علينا أن نضع ويستطيع الخروج من حربه هذه ً أمام أعيننا قائمة من األولويات التي يجب أن نعالجها ً أول حتى ال ندخل في دوامة أخرى أثناء بناء الدولة وإعادة تأسيسها.
إن انتصار الشعب الليبي على أعدائه من الخوارج والمارقين يستوجب من جميع الفعاليات السياسية من كيانات وأحزاب وأفراد مستقلين ،أي جميع من تنطبق عليه شروط المشاركة في العملية السياسية ،أن يلتزموا بميثاق أي من األساليب ينص على عدم اللجوء إلى ٍّ شرف وطني ّ غير السلم ّية لممارسة العمل السياسي ،أو توجيه الناخبين بطرق غير ديمقراطية ،أو إقصاء الخصوم السياسيين بطريقة أخرى غير التنافس السلمي. 78
2ـ نبذا استغالل الدين سياس ًيا
لقد كان استغالل العقيدة اإلسالمية لتحقيق مآرب سياسية الغرض منها السيطرة على الحكم ،سم ًة بارزة ألكثر من حزب أنتجه تنظيم اإلخوان المسلمين في ليبياّ ، ولعل أول أسباب حالة الفوضى التي تعيشها البالد اآلن هي وجود األحزاب ستارا لما ترتكبه من أعمال والتنظيمات التي تتخذ الدين ً يقرها دين أو أخالق ،ألن التجربة أثبتت أنها إجرامية ال ّ األكثر قابلية لممارسة العنف واالعتماد على األساليب غير السلم ّية لتحقيق المكاسب.
من هنا يجب أن ُيحظر عمل األحزاب السياسية التي تتستّر وراء الدين أو تتخذه ذريعة النتهاك الحقوق ،وعلى األخص يتورع عن ممارسة الدّ جل والخداع تنظيم اإلخوان الذي لم ّ وإشاعة الفتنة واستخدام القوة ..ولكن جميع الليبيين اآلن قد اكتشفوا أالعيب هذا التنظيم ولن يسمحوا ألحد من اإلخوان أن يستمر في تضليلهم باسم الدين. 3ـ رأب الصدع االجتماعي
تمزقات اجتماعية كبرى تم ّثلت تعرض المجتمع إلى ّ لقد ّ في تهجير مدن بأكملها ،وقصف مدن أخرى ،وتأجيج الفتنة والصراع بين أكثر من مدينة ..وهذا مظهر آخر من مظاهر 79
الحرب األهلية الصامتة التي حدثت في ليبيا ،وعودة المجتمع الليبي إلى توا ّده وتراحمه مرهون برأب هذا الصدع الخطير في بنية المجتمع ،ولن يكون ذلك ممكنًا إال باالعتراف بحقوق اآلخرين من خالل تحكيم العقالء من القوم لنشر الهدوء وبسط الطمأنينة بين الناس ،وإقرار الحق ..وعودة عما جميع النازحين ّ والمهجرين إلى ديارهمـ ،وتعويضهم ّ تعرضوا له من ظروف مأساوية قاسية. ّ 4ـ العودة إلى الحياة النمط ّية
رابع هذه اإلشكاليات هو قدرة الليبيين على العودة إلى ما نعرفه بالحياة النمط ّية التي ال مفاجآت فيها ،وليست عرض ًة المستقرة للتحوالت غير المتوقعة ،وبعبارة أخرى :الحياة ّ سياس ًيا واقتصاد ًيا واجتماع ًيا.
ويترتّب على عودة الليبيين إلى حياة نمط ّية مستقرة تفعيل ما تم تعطيله من مؤسسات تعليمية وصحية وإدارية وقانونية ..إلخ .أي عودة الدولة بأكملها إلى حياة يسودها القانون وتغلب عليها مظاهر الحضارة والمدن ّية.
80
دعوة إلى التنسيق بين عناصر الدولة الثالثة(((
لماذا ال يفر�ض ال�شعب وجوده على الم�شهد ال�سيا�سي؟! تتساءلون عن موقف الليبيين كشعب ،أين هو؟ لماذا ال يفرض الليبيون وجودهم على المشهد السياسي الحالي؟ ما الذي جعلهم يتراجعون خطوة إلى الوراء يسمون أنفسهم نخ ًبا سياسية ليتركوا أولئك الذين ّ يتصرفون ً نيابة عنهم؟ ّ
الليبيون شعب واحد ،وهو كتلة اجتماعية متضامنة.. ال طبقات متناقضة ،ال طوائف متصارعة ،ال اختالفات عرقية حا ّدة ،فلماذا تبدو هذه النّخب التي تتحدث باسم الشعب ((( مجلة المستقل ،العدد الحادي عشر 19 ،أبريل .2015 81
مختلفة ومتناقضة وتسعى إلى افتعال التناقض والخالف حتى درجة الحرب؟
هذا نموذج من األسئلة التي يطرحها الكثيرون ،وإذا أردنا اإلجابة عن هذه األسئلة يجب أن نعيد التفكير في ما يحدث اآلن ً فعل.
يبدو الليبيون وكأنهم مترددون بين أكثر من طرف، والحقيقة أنه ال أحد منهم يوافق على وجود المليشيات التي تحولت إلى جماعات إرهابية محلية أو وافدة من الخارج.. ولكن الليبيين ال يعرفون حقيقة أن جميع المليشيات اإلرهابية إما هي من صنع تنظيم اإلخوان المسلمين أو برعايتهم ،ولهذا السبب نجد عد ًدا من الليبيين يتسامح مع وجود اإلخوان، كأنهم «إخوان» ً فعل ،أو كأنهم «مسلمين» كما يقولون.
عندما نتذكّر األحداث التي جرت مباشرة بعد 2011 نجد أن اإلخوان المسلمين ركّزوا جهودهم على األدوات اإلعالمية والعسكرية ،وبهذه األدوات فرضوا وجودهم السياسي في غرب البالد ،بعد االنقالب على الشرعية التي أنتجها اختيار الليبيين عبر انتخاب شاهده العالم بأسره.. والجميع يعرفون أحداث وتفاصيل هذا االنقالب. إن المواطنين الليبيين بدون استثناء يعترفون بالشرعية ، 82
ولكن عد ًدا منهم لم يكتشف حتى اآلن أبعاد المؤامرة التي ن ّفذها اإلخوان على الشرعية ،بل إن بعضهم يصدّ ق خديعة الدائرة الدستورية في المحكمة العليا ويعتقد أن مجلس النواب المنتخب قد فقد سنده الدستوري ،وأن المؤتمر العام المنتهي الصالحية ما زال ً فعل على قيد الحياة .وهي ظاهرة نجدها منتشرة هنا وهناك في جزء من طرابلس ومصراتة والزاوية ،أي في المنطقة التي يهيمن عليها تنظيم اإلخوان المسلمين ،ولكننا ال نجدها على اإلطالق في بقية أنحاء وربوع ومدن وقرى ليبيا ..ولهذه الظاهرة أكثر من سبب. أساسا بالوالء لإلخوان الذين استطاعوا فمصراتة تدين ً أيضا تشكيل مليشيا فجر ليبيا من هذه المدينة ،أما الزاوية فإنها ً بؤرة من بؤر اإلخوان منذ زمن بعيد ،فماذا عن طرابلس؟
تجمع سكاني وهي ال تختلف العاصمة كانت تعتبر أكبر ّ اآلن عن بنغازي أو غيرها من المدن الليبية بعد أن غادرتها نسبة كبيرة من سكانها باتجاه المدن والقرى الداخلية ،أو خارج ليبيا ،فثلث سكان ليبيا اآلن هم من النازحين أو المهجرين ،وغالبية هذه النسبة من سكان طرابلس وحدها.. ّ وفي ظل هذا المشهد نستطيع أن نعرف أن السبب المباشر لصمت طرابلس اآلن وعدم قدرة المواطنين الشرفاء على 83
االنتفاضة هو القمع المباشر الذي تمارسه المليشيات التابعة لإلخوان ،األمر الذي يضطر المواطنين الشرفاء إلى الهدوء ً قليل في انتظار ساعة الحسم.
هذا من ناحية ..فإذا عدنا إلى السؤال األساسي ..وتساءلنا: أين هو الشعب الليبي اآلن ولماذا ال يفرض وجوده على المشهد السياسي في بقية المدن والقرى؟
اإلجابة ـ بناء على ما تقدم من معطيات ـ هي أن المواطنين تعرضوا لنوع من التشتيت ،بل التغييب ،بفعل حجب قد ّ المعلومات عنهم ،وبفعل التضليل الذي تمارسه اآللة اإلعالمية لإلخوان المسلمين.
إن المواطن الليبي ـ في شخصه ـ غير مالم أبدً ا ،ألن المعلومات ال تقدّ م له بطريقة رسمية ومنتظمة ،عبر القنوات التي يؤمن بشرعيتها ،والتي تعتبر الناطق الرسمي باسم ليبيا.
المالم إذن هو مجلس النواب ً أول ،ألن هذا الكيان الشرعي يعتمد في سلوكه اإلعالمي على ما يسميه «سر ّية المعلومات» ..ولنا أن نتساءلَ :من يقنع المواطنين الليبيين بأن بعض اإلجراءات والقرارات التي يتم اتخاذها تشملها سر ّية المعلومات؟ 84
إننا إذا كنا نتحدث عن 200عضو برلماني ،يرافقهم في الحد األدنى 200من موظفين اإلداريين والخدمات العامة.. سر ّية نتحدّ ث هنا؟ فعن أي ّ
عدم إذاعة ونشر تفاصيل الجلسات البرلمانية بحجة الدواعي األمنية هي أشبه ما تكون بـ«خرافة أم بسيس» التي يعرفها الجميع ،ومن الواضح أن المعلومات ـ وكل ما يحدث من تفاصيل في الجلسات النيابية ـ يتم تسريبها لتصل إلى الطرف اآلخر قبل أن يعرفها الليبيون.
لقد أصبح من المؤكّد اآلن أن من يجهل حقيقة الموقف السياسي في ليبيا هم الليبيون أنفسهم ،أعني المواطنين الذين وضعوا ثقة كاملة في أعضاء مجلس النواب وهم يتوقعون يزودهم المجلس بتفاصيل ومستجدات ما يحث ً أول أن ّ بأول ،فإذا بهم ـ أي المواطنون ـ أصبحوا آخر من يعلم، أساسا. هذا إذا علموا ً
إن الليبيين عندما اختاروا أعضاء مجلس النواب كانوا يؤسسوا أهم عناصر بناء الدولة ..بحيث يصبح يريدون أن ّ المجلس هو المسؤول عن رسم السياسات العامة للدولة.. وعندما اختار المجلس الحكومة المؤقتة فإنه وضع بذلك أداة تنفيذية في خدمة الشعب ..أما عندما تمت إعادة تأسيس 85
ً مسؤول عن حماية الوطن.. الجيش الليبي فإنه أصبح بذلك هذه عناصر ثالثة تجعل سفينة الدولة قادرة على مقاومة األمواج العاتية ووصول الليبيين إلى بر األمان ..وهي ثالثة مهمة الستقرار وبناء دولة ليبيا. عناصر أساسية ّ هذا هو األساس ،وعلى هذه العناصر الثالثة أن تعمل بتنسيق متكامل بين بعضها البعض في جهد جماعي متضامن ..أما غياب التنسيق فإنه يؤدي إلى ضياع الكثير من الجهد المبذول.
عندما يكون مجلس النواب في وادي ..والحكومة في يتحرك في غياب التنسيق العام ،فإن وادي آخر ..والجيش ّ هذه العناصر تصبح ثالثة كيانات متجاورة ولكنها ليست أيضا متّحدة أو تع ّبر عن هدف واحد ..األمر الذي يعرقل ً تطورات ومستجدات تفاعل الشعب الليبي مع ما يحدث من ّ يجب أن تقدّ م له في حينها وعبر قناة رسمية واحدة متّفق عليها بين العناصر الثالثة :مجلس النواب ،والحكومة المؤقتة، والجيش الوطني.
البد لهذه العناصر الثالثة أن تعمل ككيان واحد ،هذا هو التفوق في جميع الميادين :التشريعي والتنفيذي ما يح ّقق ّ والعسكري ،وينعكس إيجا ًبا على جميع المستويات: 86
السياسي واالقتصادي واالجتماعي ،أما بغير تكامل الجهد الجماعي بين عناصر الدولة األساسية فإن الجهود المبذولة تصبح بال جدوى ،وتكون نتيجته تشتيت آراء المواطنين وتغييبهم عن المشهد السياسي العام.
87
المواطنون خارج المشهد السياسي(((
الديكتاتورية تعود �إلى ليبيا!! االنتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية هو انتقال من األقوال إلى األفعال ..ففي األنظمة الديكتاتورية يتم تجاهل مطالب الشعب الذي يقبل ما ُيقدَّ م له أو ُيفرض عليه دون أن يعترض ..أما في األنظمة الديمقراطية فإن الشعوب تبادر إلى المشاركة في جميع البرامج والخدمات التي يتم تنفيذها، وتمارس حق المتابعة والمراقبة على أداء الحكومة ..بل إن هذه الممارسة هي جزء أصيل من مفهوم المواطنة. ديمقراط ًيا كل فرد من أفراد المجتمع هو مواطن كامل السيادة ،أما في المجتمعات التي تتحكم فيها األنظمة ((( مجلة المستقل ،العدد الثاني عشر 3 ،مايو .205 89
مجرد رع ّية ال تملك إال الطاعة الديكتاتورية فإن المواطنين هم ّ تمسكوا بصفة المواطنين ،ألن الفرق والخضوع ،حتى إذا ّ دائما. الجوهري هو أن المواطن يبقى في دائرة المسؤولية ً
سمع صوتها ،ومن أجل نضال الشعوب من أجل أن ُي َ أن تكون سيد ًة على أرضها ،وتنتقل من دور الرعية إلى دور المواطن ّ يلخص لنا تقري ًبا تاريخ الثورات والتغييرات السياسية في العالم. حرا ..وما لم تتح ّقق حريته فإنه لقد ُولد اإلنسان ليكون ًّ لن يكون إنسانًا أبدً ا ..ألن الحرية هي شرط وجود اإلنسان. هذا هو مبدأ الديمقراطية التي تسعى من أجلها الشعوب في ثوراتها وانتفاضاتها ..وهذا هو جوهر الحياة الكريمة.
الثورات ال تقوم إال إذا شعرت الشعوب بأنها أصبحت وتم تحويلها وسلبت سيادتهاّ ، تفقد جزءا من إنسانيتهاُ ، مجرد أدوات لخدمة المستبدين والطغاة ..أي تم إلى ّ استعبادها وتحويلها إلى رع ّية عليها أن تقدّ م فروض الوالء دائما هي والطاعة ..ولقد كانت الثورات واالنتفاضات ً نقطة العودة إلى األصل ،إلى الحرية التي ُفطر عليها اإلنسان منذ أن ُولد. هذا هو السياق الذي ينتظم فيه تاريخ البشر ،وهذا هو 90
يفسر لنا ثورات الشعوب عبر التاريخ القديم المسار الذي ّ والحديث ..فهل سأل الليبيون أنفسهم :ماذا تح ّقق على األرض منذ أن قامت الثورة؟
لقد ثار الليبيون وانتفضوا ضد كل أشكال الطغيان والجبروت ،السياسي واالقتصادي والثقافي ..بل وضد أحرارا في دولة أيضا ..أرادوا أن يعيشوا الكبت النفسي ً ً يبادرون إلى بنائها بأنفسهم ويكونون مسؤولين عنها ،دون أن ّ يستغل شعبها لتمرير يسمحوا ألحد بأن يستأثر بمواردها ،أو رغباته وأجندته الغريبة ،أو يجعل من ليبيا مكانًا غري ًبا عنهم وهم يعيشون فيه ..لهذا ثار الليبيون وانتفضوا.
المقررة قاموا بعد مرحلة قصيرة انتهت فيها الفترة َّ للمجلس االنتقالي بتسليم السلطة إلى مؤتمر عام اعتقدوا أنه سيكون وف ًيا لهم ،كما كانوا أوفياء له ،دون أن يدروا بأن تسرب إليه المتستّرون باإلسالم السياسي، المؤتمر العام قد ّ وعلى رأسهم اإلخوان المسلمين ،وأنهم قد سيطروا على إدارة هذا المؤتمر تمهيدً ا للعودة إلى االستئثار والطغيان المرة. واالستبداد ،ولكن تحت غطاء الدين هذه ّ لقد انتهز الليبيون أول فرصة انتخابية لكي يعيدوا ترتيب أوضاعهم ،وفي هذه المرة نبذوا المتسترين باإلسالم الذين 91
ال ينفكّون يمارسون الدجل والتزوير والكذب على اآلخرين، وكانت النتيجة الماحقة ،وهي أن الناخبين لم يدلوا بأصواتهم إلى هؤالء ..كانت تلك ضربة قاضية ُو ّجهت لتنظيم اإلخوان المسلمين ومن حالفهم ،وانتخب الليبيون كيانًا تشريع ًيا هم جديدً ا هو مجلس النواب الذي سادت فيه أغلبية وطنية ال ّ لها إال خدمة الوطن والمواطن ،وليفرز هذا المجلس بعد ذلك حكومة تنفيذية ّ توخى فيها أن تكون خير أداة تنفيذية للسلطة التشريعية التي اختارها الليبيون. هذا ما حدث ..ولكن هل ن ّفذ المجلس وحكومته المؤقتة بعد ذلك مطالب الشعب؟
هذا سؤال ير ّدده المواطنون الليبيون وهم يراجعون هذه المراحل القصيرة من عمرهم السياسي الجديد ..إنه سؤال يبرره ،بعد أن الحظوا الحظوا أن النخبة ٌ مشروع تما ًما ،وله ما ّ السياسية التي تشكّلت تحت غطاء الشرعية تجاهلت تلك المطالب ولم تخرج بعد من سلوكيات أي نظام ديكتاتوري متخ ّلف ،خاصة وأن الكثيرين منهم يتصارعون اآلن ويكيلون االتهامات لبعضهم البعض.
تم انتخاب هؤالء ليقوموا بوضع الحواجز بينهم ـ هل ّ وبين الشعب الذي انتخبهم؟ 92
ـ هل تم انتخابهم ليصبحوا مجرد واجه ًة سياسية تلتفت إلى الخارج فقط دون أن تشعر بما يجري تحت أقدامها؟ ـ هل تم انتخابهم ليبحثوا عن مآرب وأغراض خاصة تحقق لهم المكاسب على حساب دماء الليبيين وأبنائهم البررة؟
ـ هل تم انتخابهم ليتسامحوا مع الخوارج والمجرمين والمنقلبين على الشرعية ويتغاضوا عن جرائمهم وما يرتكبونه من أفعال شنيعة في حق الشعب الليبي؟
ـ هل تم انتخابهم ليجلسوا في حوار ال معنى له مع أعداء الشعب الليبي بهدف المحاصصة السياسية وتقسيم غنائم السلطة ومنحها لرؤساء ورعاة المليشيات اإلرهابية؟ ـ أهذه هي الديمقراطية التي ناضل الليبيون من أجلها فقاموا بثورتهم وبذلوا كل ثمين وغالي من دمائهم وقوتهم ومكانتهم وبذلوا ما يستطيعون في سبيل أن مستقرا آمنًا؟ يروا بالدهم بلدً ا ديمقراط ًيا ً
أوجه هذا النداء لليبيين جمي ًعا: أمام كل هذه النقاطّ .. عليكم أن تسألوا أنفسكم ..هل نحن ٌ أهل للديمقراطية أم ال؟ إذا كان الليبيون أهال للديمقراطية ومسؤوليتها عليهم 93
أن يضعوا حدًّ ا لما يحدث اآلن من عبث سوف يؤدي إلى نتائج ال تحمد عقباها ،فعندما يكون المندوبون غير قادرين على إقناع المجتمع الدولي بحقيقة األوضاع في ليبيا ،فلن جمع في الحوار الذي يعقده نلوم المجتمع الدولي الذي ّ أطرا ًفا بعضها محسوب على الكيانات اإلرهابية ،ألنه ربما يجهل الواقع الليبي ،ولكن نلوم بالتأكيد أولئك المندوبين عما يحدث على الذين فشلوا في إيصال الصورة الحقيقية ّ أرض الواقع.
من هنا ..على الشعب أن يتّخذ أحد طريقين ال ثالث لهما:
ـ إما أن يغ ّير المندوبين الذين يتحدثون باسمه نياب ًة عنه.
ـ وإما أن يدعو ممثلي المجتمع الدولي ألن يقفوا على حقيقة األوضاع بأنفسهم وعلى أرض الواقع.
إن الدم يسيل ويهدر دون رحمة أو شفقة ،وأمام من ُيقتَل سجن لم يعد أحد ينتبه إلى أولئك المندوبين هجر أو ُي َ أو ُي َّ الذين يتصارعون في ما بينهم ويكيلون االتهامات لبعضهم البعض ..هذه هي حقيقة ما يحدث اآلن ،ومن واجب الليبيين ً وجيشا) وهم يواصلون ومجلسا ،وحكوم ًة، جمي ًعا (شع ًبا، ً يكرروا على أسماع حربهم ضد اإلرهابيين والخوارج أن ّ يسوق لها العالم أن ما يحدث في ليبيا ليس حر ًبا أهلية كما ّ 94
البعض ،بل هي حرب ضد اإلرهاب ،وعلى المجتمع الدولي الذي يريد أن ّ يتدخل في أسس بناء الدولة وشكلها السياسي أن يدعم الليبيين في حربهم ضد اإلرهابيين والخوارج القتلة قبل كل شيء آخر.
95
من يحجب المعلومات عن الليبيين؟!(((
االنقالب الثاني على ال�شعب هل تعرف الحكومة الليبية ماذا تفعل؟ هل هي ملتزمة بخارطة طريق محدّ دة تبدأ بتأكيد بتكيدبتأكيدإثبات الشرعية وتنتهي بتطهير البالد من اإلرهاب وتخليصها من معاناتها؟
هذا هو السؤال الذي يطرحه كل متابع لألحداث وتطوراتها النواب اآلن؟ أم أنهم اعتادوا على في ليبيا .فماذا يفعل السادة ّ الكراسي وأ ّبهة المناصب ،ولم يعودوا يتذكرون المهام التي أوكلت لهم من قبل الشعب الليبي؟
إن المواطنين الليبيين اآلن أمام عدة جبهات ،وهم يقفون ضد عصابات اإلرهاب والمليشيات الخارجة عن القانون،
(((مجلة المستقل ،العدد الثالث عشر 3 ،مايو .2015 97
وضد االنقالب على الشرعيةً .. فضل عن معاناتهم اليومية من أجل الحياة بكرامة وتوفير الحياة الكريمة ألبنائهم ومتابعة تعليمهم والسهر على سالمتهم ،فهل يشعر أعضاء المجلس بهذا؟!
نعرف أن الجبهات أصبحت متعدّ دة ..فلنعد إلى الخطوة األساسية في كل حرب مفتوحة كالحرب التي نعيشها اآلن.. إن أولى الخطوات هي ضرورة تنسيق الجهود وتضافر اإلمكانيات والتخطيط بشكل متزامن لتنفيذ خطوات ميدانية متقدمة تحرز المزيد من النجاحات دون أن تسمح بثغرة غير محسوبة في مسار المعركة ..أي باختصار: النظر إلى األحداث في صورة شاملة وعدم االقتصار على جزئية واحدة ..ومن المهم أثناء ذلك أن يكون المواطنون الليبيون على علم بكل هذه التفاصيل ،ألنهم يم ّثلون العمق االستراتيجي والسند المباشر للمجلس والحكومة المؤقتة والجيش الوطني.
هذه ضرورة تمليها األحداث وتطوراتها ..فأين مجلس النواب ،والحكومة المؤقتة ،والجيش الليبي ..من كل ذلك؟! نقول بكل وضوح :ليس أمام مجلس النواب اآلن إال أن يؤجل جميع الملفات التي ال تقود إلى إنهاء المعركة والقضاء ّ 98
على فلول الخوارج واإلرهابيين والخارجين عن الشرعية والقانون.
هذا هو المسار الذي يجب أن يعمل فيه المجلس ،وأن يوجه الحكومة وف ًقا له ..وما لم يتم اتخاذ هذا المسار فإن ّ لسان حال المواطنين جمي ًعا يقول لكم :إما أن تلتزموا شاغرا بما انتخبناكم من أجله ..وإما أن تتركوا المكان ً حرصا منكم وأكثر قدرة على توجيه د ّفة ليشغله من هو أكثر ً قادرا على إحراز النصر والسير بليبيا المعركة ً توجيها سليما ً نحو مصاف االستقرار والديمقراطية والبناء. تحمل المعاناة لقد أثبت الليبيون أنهم شعب قادر على ّ والوقوف في وجه الصعاب ،ولكن ـ أمام ما يحدث أمامهم اآلن ـ يبدو وكأنهم يفعلون ذلك بدون مساعدة فعلية من أحد .صحيح أنهم انتخبوا المجلس وقاموا بتزكية الحكومة المؤقتة وتضامنوا ماد ًيا ومعنو ًيا مع الجيش الوطني ،ولكنهم أصبحوا مغيبين عن األحداث بفعل حجب المعلومات التي على مجلس النواب والحكومة المؤقتة أن يضعاها أمام الشعب ً عما يحدث يتم تغييب الشعب ّ أول بأول .أما أن ّ على األرض فهو إقصاء له ،وتجاوز لسيادة الشعب الذي منح هؤالء ثقته وجعلهم واجهة سياسية له. 99
إن المعركة ليست بين مجلس النواب والحكومة المؤقتة من جهة وبين المؤتمر العام المنتهي الصالحية وحكومته التي يسميها «حكومة إنقاذ» من جهة أخرى ..بل المعركة أساسا هي بين الشعب الليبي من جهة والمنقلبين على ً الشرعية من جهة أخرى ،وما مجلس النواب إال الواجهة السياسية المنتخبة من قبل المواطنين الذين يملكون الشرعية لتغيير هذه الواجهة واستبدالها بأخرى متى أثبت المجلس أو الحكومة فشلهما في أداء المهام الدستورية والتنفيذية الموكلة لهما.
من هنا فإن عدم العودة إلى الشعب الليبي في جميع ً إخالل بحق القضايا السياسية واالقتصادية المصيرية يعتبر ال يملك أحدٌ تجاوزه أو عدم االلتزام به ،وهو انتهاك للميثاق الضمني بين الناخبين والمنتخبين.
وهكذا فأن يقوم أعضاء من مجلس النواب ـ ً مثل ـ بالجلوس على طاولة الحوار مع االنقالبيين الذين يمثلون تنظيم اإلخوان المسلمين والجماعات اإلرهابية المسلحة، دون الرجوع إلى الشعب ،يعتبر خيانة لألمانة التي أقسموا أمام المواطنين جمي ًعا بااللتزام بها. اختيارا بالنسبة لليبيين، إن الحرب على اإلرهاب لم تكن ً 100
بل كانت ضرورة ،ألن هذه الحرب تم ّثل سيادة ليبيا ،وهي لن تتوقف حتى ينتهي اإلرهاب ويتخ ّلص الوطن من الجماعات والتنظيمات اإلرهابية ومن يدعمها من أحزاب ويطهر البالد منهم إلى األبد. وكيانات سياسية.. ّ
لقد رأينا اآلن بعض أعضاء مجلس النواب يميلون إلى تمرير أجندة الحوار الذي يتواصل مسلسله برعاية األمم المتحدة دون أن يضعوا قيدً ا أو شر ًطا على المتحاورين وكأن الهدف األول واألخير هو الخروج من األزمة بأي طريقة كانت ،حتى ولو كان ذلك الموافقة على جميع مخرجات الحوار والقبول بنفوذ اإلخوان المسلمين (الذين يدعمون الجماعات اإلرهابية) ،وسيطرتهم على الحكم في ليبيا.
إن قاعدة (إذا جنحوا للسلم )..ال تنطبق على اإلطالق على من يد ّبر المكيدة ويضمر الخديعة دون أن يكون في قرارة نفسه قد اختار السلم واالستقرار ،بل أراد فرض حالة فينقض من جديد على سيادة من الهدنة وفك االشتباك ليعود ّ ويكرر مأساة االنقالب على الشرعية دون الدولة ومقدراتها ّ أن يهتم ً جراء ذلك من كثيرا لما يعانيه المواطنون ّ قليل أو ً آثار وخيمة. إن من يم ّثل الجماعات والتنظيمات اإلرهابية إذا جنح 101
للسلم ..فإن عليه أن يلتزم بالشرط األساسي للحوار وهو: إدانة اإلرهاب الذي انقلب على الشرعية ود ّمر المؤسسات العزل ..وبغير ذلك وهجر الناس ّ السيادية وهدّ م مرافق الدولة ّ فهو بعبارة أخرى يعدّ النقالبه الثاني على الشعب الليبي.
إن األطراف المتحاورة اآلن ال تملك شرعية عقد هذا الحوار (باستثناء رغبة األمم المتحدة في إقامته ظنًا منها أنه سينهي األزمة) ،واألساس هو العودة إلى الشعب الليبي الذي يعاني وحده من استمرار الصراع المسلح والتناحر على السلطة.
ً مجال للمساومة ،وهي ليست موضو ًعا سيادة ليبيا ليست للحوار ..أما «حوار الطرشان» الذي لم ينته بعد ،فإن نتائجه ال تعني سوى المتحاورين أنفسهم ،أي ببساطة ..ال عالقة له بالليبيين ،وإذا أراد أحد أن يحظى بقبول الشعب الليبي ـ وربما تزكيته ـ فإن أول ما عليه أن يفعله هو أن يلقي السالح يتحمل جريرة األخطاء والمآسي وأن يخضع للقانون وأن ّ التي تس ّبب فيها.
102
أشرس الحروب في التاريخ الليبي (((
«دمي يقاتلني الآن» «دمي يقاتلني اآلن» عبارة كان ير ّددها الشاعر الراحل الفزاني ،وكأنه كان يتن ّبأ بما سيحدث بعد وفاته .فحرب علي ّ الليبيين ضد اإلرهاب هي اآلن أشرس الحروب التي خاضها هذا الشعب النبيل ،ولكن نسب ًة من األعداء هم من الليبيين الذين يحملون السالح ضد أهاليهم وأبناء بلدهم ..هذه هي المرة التي يجب أن نفكّر فيها بهدوء. الحقيقة ّ
لقد كانت ليبيا في تاريخها السياسي الوسيط والحديث دائما للحروب التي افتعلها غير الليبيين ،بالرغم ً مسرحا ً تحملوا من أنها حروب ال صلة لليبيين بأسبابها ،إال أنهم ّ ((( مجلة المستقل ،العدد الرابع عشر 10 ،مايو .2015 103
األمرين بسببها ،وعانوا من وطأتها ،وقدموا في سبيل إنهائها ّ والتخ ّلص منها الغالبية العظمى من السكّان الذين استشهدوا على محرقة تلك الحروب.
لم يذهب الليبيون لكي يحتلوا أرض أحد ،ولم يخ ّططوا لمواجهة أعدائهم على أرض غير أرضهم ..ولكن تعرضت لمختلف صنوف االستعمار واالحتالل بالدهم ّ ومحاوالت االستيطان ،من اإلمبراطورية العثمانية ،إلى اإلمبراطورية الفاشستية ،إلى تمركز البريطانيين والفرنسيين واألمريكان في بؤر استراتيجية بعد الحرب العالمية الثانية.. أما اآلن فإن أشرس الحروب جميعها هي الحرب ضد اإلرهابيين الذين خرجوا دون سابق إنذار من بين ظهراني الليبيين أنفسهم. إن القول بأن جميع اإلرهابيين وافدون على التراب الليبي ليس ً صحيحا بأكمله ،فالعديد من العناصر اإلرهابية هم قول ً ً وأخيرا ليبيون وجدوا في الفراغ السياسي الذي حدث أول ً
بعد الثورة فرصة مناسبة لإلعالن عن انتماءاتهم الغريبة ،تار ًة باسم الدين ،وتارة باسم الجهو ّية القبلية أو المناطقية ،وتارة دائما هو الوصول باسم تنظيم من خارج ليبيا ...وكان الهدف ً إلى السلطة وحكم ليبيا على جثث الليبيين أنفسهم ،والتحكم 104
في مواردها الطبيعية الغن ّية واستغالل موقعها االستراتيجي وق ّلة عدد سكانها.
المنخرطون في مليشيا «فجر ليبيا» (وهي أداة مس ّلحة لتنظيم اإلخوان المسلمين) ولدوا وترعرعوا في مصراتة، والغالبية من مجلس شورى الثوار هم من بنغازي ،والنسخة الليبية من داعش هم أبناء درنة ،والنسخة الليبية من القاعدة أيضا من أبناء صبراتة وغيرها من المناطق غرب ليبيا.. هم ً إلى آخر القائمة .أما حلفاؤهم الذين وفدوا من اليمن والعراق وسوريا ومصر وتونس والجزائر ...فهم ق ّلة قليلة من الخوارج والرعاع والمهووسين والمرضى الذين ال شأن لها ،وسوف ّ بمجرد انتهاء تلك التنظيمات وح ّلها نهائ ًيا. ينتهون إلى األبد ّ
تكون بسبب لقد استغ ّلت هذه التنظيمات فرا ًغا سياس ًيا ّ المرحلة االنتقالية دون أن ينتبه الشعب إلى ذلك ،فبينما كان الليبيون منشغلين بتثبيت أسس البناء الجديد وما يتط ّلبه من ضرورات سياسية ودستورية كانت هذه التنظيمات تتغلغل وبؤرا في أوساطهم ّ وتتوزع على جغرافيا ليبيا لتبني جيو ًبا ً وخاليا نائمة. تحالفت جميعها مع تنظيم األخوان المسلمين الذي عمل كواجهة سياسية لإلرهاب تستطيع التعامل ـ ليس 105
أيضا مع الدول مع التنظيمات والمليشيات فقط ـ بل ً الداعمة لهذا التنظيم مثل قطر وتركيا ،وكذلك الواليات أقرتا ـ ضمن دعمهما االستراتيجي المتحدة وبريطانيا اللتان ّ للمسارات المتناقضة في الشرق األوسط ـ إمكانية التعامل مع تنظيم اإلخوان ،في مخ ّطط واضح لقيام هذا التنظيم وحلفائه بخوض المعارك نياب ًة عنهما. * * *
في ظل هذا الوضع المتداخل محل ًيا ودول ًيا ..ماذا على الليبيين اآلن أن يعملوا؟! ً أول :على المستوى الداخلي (الحرب ضد اإلرهاب)
1ـ عليهم (من خالل مجلس النواب) أن يقوموا بتعليق المتورطين في االنتماء الجنسية الليبية لدى جميع ّ للتنظيمات اإلرهابية أو االنخراط في أعمال العنف أو حمل السالح واستخدامه خارج اإلطار الشرعي الوحيد (الجيش والشرطة).
2ـ إحالة جميع العناصر اإلرهابية التي تصنّف نفسها باعتبارها «من القيادات» إلى المحاكمة الفور ّية بموجب مذكرات تصدر عن القضاء المؤ ّيد للشرعية، 106
وبتزكية من محكمة الجنايات الدولية وغيرها من المنظمات الدولية ـ بطلب من مجلس النواب ـ لمحاكمة الجناة والقصاص منهم أمام العالم.
أخيرا فإن الوضعية الناشئة عن هاتين الخطوتين سوف 3ـ ً تعطي الحق للدولة الليبية أمام العالم في اتخاذ ما تراه مناس ًبا من إجراءات لالنتهاء من األزمة الحالية وحسمها نهائ ًيا. ثان ًيا :على المستوى الخارجي (العالقات السياسية مع الدول) 1ـ يجب أن يقوم مجلس النواب بإعادة ترتيب صورة األوضاع المحلية بد ّقة ونزاهة ،ووضعها أمام جميع دول العالم من خالل األمم المتحدة.
2ـ بناء على الموقف من الصراع مع التنظيمات والمليشيات اإلرهابية يمكن تحديد طبيعة ونوعية ويتنوع ذلك العالقة السياسية بكل دولة على حدة، ّ من التحالف إلى القطيعة ،بحسب تكامل أو تناقض رؤية كل طرف إزاء ما يحدث في ليبيا. أخيرا فإن الوضعية الناشئة عن هاتين الخطوتين سوف 3ـ ً تعطي الحق للدولة الليبية في إعادة ترتيب مكانتها في 107
العالم وتحديد طبيعة ونوعية عالقتها الدبلوماسية مع الدول األخرى.
الحرب ضد اإلرهاب ـ مع ما يبذله الشعب الليبي من تضحيات جسام ،ومع ما يتم ّيز به من إصرار على الحسم ـ مما تتو ّقع المليشيات وحلفاؤها في سوف تنتهي بأسرع ّ الداخل والخارج ..ولكن المعركة الكبرى أمام ليبيا سوف تكون المعركة القادمة.
المعركة القادمة ستكون هي األشد ً ثقل واألطول زمنًا، ألنها معركة البناء واستعادة الذات الوطن ّية والنهوض بليبيا ومستقر ًة سياس ًيا ،وقادر ًة لكي تصبح دول ًة آمن ًة اجتماعيا، ّ على التقدّ م واإلنجاز والمنافسة اقتصاد ًيا.
لم تكن ليبيا أبدً ا منغلقة على نفسها فهي جزء من منظومة عربية وإفريقية وأوروبية متكاملة األجزاء ،ولن يسمح الليبيون لإلرهاب والدول الراعية له بأن يتم تحويل بالدهم إلى مجتمع متخ ّلف مغلق. ولم تكن ليبيا لترضى عن نفسها تحت حكم استبدادي شعاره االستئثار واإلقصاء ،لذلك خاضت إحدى أعنف الثورات في العالم ،لكي تستر ّد ح ّقها الطبيعي في الحرية والديمقراطية ،ولن يسمح الليبيون لإلرهاب والدول الراعية 108
له بأن يتم تحويل بالدهم إلى نظام حكم ديكتاتوري تحت واجهة اإلسالم السياسي أو تحت واجهة القبل ّية أو الجهوية السياسية.
ولم يكن اقتصاد ليبيا في يوم من األيام ليب ًيا صر ًفا ،فنحن جزء من منظومة عالمية نؤ ّثر فيها ونتأ ّثر بها ،ولن يسمح الليبيون بأن يقع اقتصاد بالدهم رهين ًة في يد اإلرهاب والدول الراعية له مهما كانت المشاق ،ومهما بلغت التضحيات.. ليبيا هي ليبيا ..وإن طال النضال.
109
أول» مؤسسة من أجل ضحايا اإلرهاب((( «العدالة ً
الق�ضية الجنائية الأولى كثيرا لكي ّ يتدخل القضاء المح ّلي والدولي انتظر الليبيون ً فيضع حدً ا للمأساة التي يعيشونها بسبب التنظيمات اإلرهابية الدخيلة على المجتمع الليبي ،ولكن ..ال حياة لمن تنادي.
انتظر المصابون واليتامى واألرامل وأولياء الدم والمتضررون والمكلومون والسجناء والمظلومون وشرد والنازحون ّ والمهجرون والذين ُسلبت ممتلكاتهم ّ أبناؤهم ولكن ..ال حياة لمن تنادي. المنظمات والمؤسسات الدولية لم ت ِ ُقدم على خطوة ّ تهتم بمأساة الليبيين أو ترغب عمل ّية واحدة تشير إلى أنها ّ ((( مجلة المستقل ،العدد الخامس عشر 17 ،مايو .2015 111
في استقرار وانتعاش وعودة الحياة إلى هذه البالد ،ال أحد عما يحدث في ليبيا وكأنها يدري :لماذا استشرى الصمت ّ ليست جزءا من العالم؟. المنظمات والمؤسسات المحل ّية تبدو وكأنها مغلوبة على أمرها ،وغير قادرة على فعل شيء ،فهي لم تقم بأكثر من اإلدانة واالستنكار وإصدار البيانات والخطب ،وكأن ما مجرد ظاهرة إعالمية يمكن الر ّد عليها يحدث في ليبيا هو ّ بالعمل اإلعالمي وحده؟.
أمام هذا الصمت والالجدوى بادرت نخبة من المواطنين الليبيين إلى إنشاء مؤسسة جديدة أطلق عليها اسم «مؤسسة العدالة ً أول» لتكون قادرة على المطالبة أمام العالم بإرساء العدالة وحماية الحقوق ووضع حدّ نهائي للمليشيات اإلرهابية والمرتزقة الذين يعيثون في األرض فسا ًدا.
الذين بادروا إلى القيام بهذه الخطوة يدركون جيدً ا أن تحرك قضية عملهم يجب أن ينتهي إلى مخرجات جديدة ّ حقوق اإلنسان ومقاومة اإلرهاب ،ويعرفون تما ًما أنهم مقبلون على «حرب قانونية» يجب أن يخوضوا غمارها منذ البداية ..إن القضية أكبر من أن نوجزها في كلمات بسيطة، ألنها قضية وطن بأسره ،ولكن ما يدفعنا إلى المضي قد ًما 112
في هذا الخيار هو إيماننا المطلق بأن األسباب التي كانت وراء إنشاء هذه المؤسسة هي أسباب وطن ّية ال يمكن إغفالها أو التغاضي عنها. لهذه األسباب ُولدت «مؤسسة العدالة ً أول».
ـ لكي ّ تغذي اإليمان بضرورة العمل على إقامة دولة مدنية تحتكم إلى القانون ،وتستلهم قيم الحق والعدالة ،وتلتزم بحقوق اإلنسان التي تلتقي حولها المنظومة األممية على اختالف توجهاتها السياسية ومشاربها القومية.
ـ لكي تدعم الجهود المضنية من أجل ترسيخ قيم الديمقراطية والحداثة ،وعودة ليبيا إلى مصاف الدول القادرة على النهوض والتنمية وبناء المستقبل.
ً سجل مو ّث ًقا ـ لكي تضع أمام للعالم ـ بكل وضوح ـ بالجرائم اإلرهابية واالنتهاكات الدامية التي ارتكبت في حق الليبيات والليبيين ،حتى ال يفلت مرتكبو هذه الفظائع من القصاص ،وحتى يقتص منهم كل ذي حق تقره الشرائع والقوانين. بما ّ
ـ لكي يتم إرساء بنية قانونية قو ّية ال تقبل التعطيل أو التأجيل ،بل تبادر إلى استنفار جميع المنظمات 113
والمؤسسات القانونية والقضائية والعدل ّية لكي تقف متراصا ضد جرائم اإلرهاب. ص ًفا واحدً ا ً
ـ لكي تكون عقب ًة كأداء في وجه اإلرهاب الذي يعتقد من ّفذوه أنهم سيفلتون من المسؤولية ،وحتى ال يفكّر أحد في ارتكاب عمليات إرهابية أو الخروج عن الشرعية، أو التحالف مع العصابات والمليشيات في الداخل أو في الخارج.
ـ لكي تكون سندً ا قو ًيا للوطنيين من المحامين والقضاة والحقوقيين والمثقفين واإلعالميين الذين يل ّبون نداء الوطن ويبذلون قصارى جهدهم حتى تستعيد ليبيا أمنها المفقود.
لهذه األسباب المباشرة قامت نخبة من أبناء الوطن بإقامة «مؤسسة العدالة ً أول» ،وهي النقاط التي تقف وراء مشروعيتها ضمن مسارين متكاملين ،هما:
األول :جوهر العدالة الذي ال يختلف عليه اثنان مهما كان اختالف القاعدة السياسية أو العرقية أو الثقافية أو الجغرافية. 114
الثاني :اآللية القضائية الكفيلة بتت ّبع جميع االنتهاكات والجرائم التي يقترفها اإلرهابيون والخارجون عن الشرعية والقانون.
وبعبارة أخرى ،فإن مرجعية هذه المؤسسة تستمد أصولها من المبادئ والمعايير السائدة في القانون الدولي ،وعلى رأسها وثيقة حقوق اإلنسان ،والقوانين الجنائية الدولية، والمواثيق اإلقليمية الحقوقية السارية ،واألنظمة والتشريعات المحلية الليبية الشبيهة.
لقد تم اختيار اسم «مؤسسة العدالة ً أول» ،ألن العدالة هي الفيصل الحقيقي بين الحق واإلرهاب ،بين الظلم والعدل، بين الجناة ور ّد االعتبار ،بين العدوان والقصاص ..أي بين يصطف مع الحياة واألمن والتقدّ م ..وبين من يعمل على من ّ وأد الحياة وإثارة االضطراب والدفع باآلخرين إلى مجاهل التخ ّلف والدون ّية واإلرهاب.
هذا هو ـ تقري ًبا ـ مجمل القواعد المن ّظمة لعمل «مؤسسة العدالة ً أول» ..على أنها لن تكون مؤسسة مؤقتة تنتهي بانتهاء أطياف اإلرهاب وتنظيماته وعصاباته من ليبيا ،بل دائما ،ألن حقوق اإلنسان ليست مؤقتة، سيستمر عملها ً وألن ضرورة األمن واألمان ليست مؤقتة ،وألن استمرار 115
أيضا سنّة الحياة بما تعنيه من تضامن وتوافق وهدوء هي ً شرط من شروط البقاء اإلنساني.
ختا ًما ..إن ّ كل من يؤمن بهذه القواعد المن ّظمة لعمل «مؤسسة العدالة ً وطني ينظر إلى األحداث أول» هو شخص ّ بعين المصلحة العامة للبالد ،وال يؤمن بالتش ّفي أو االنتقام، أو األخذ بالشبهة والظن ،أو اإلدانة على الهو ّية السياسية أو الجهوية. أعضاء هذه المؤسسة ـ ً أول وقبل كل شيء آخر ـ هم ليبيون وطن ّيون يؤمنون بأن المصالحة الوطنية تبقى فوق كل اعتبار ،وأنها وقاية ضمنية للدولة من مخاطر التفكّك واالنقسام ،كما يؤمنون بأن ثقافة القانون يجب أن تكون ً راسخا في المجتمع لكي تنجح فيه مبادرات أساسا بنيو ًيا ً العفو والتسامح والتضامن.
116
شيوخ وأعيان القبائل الليبية(((
حتى ال ينهار الجدار الأخير لقاءاتي السابقة مع شيوخ وأعيان القبائل أثبتت لي أنهم وحرصا على الوطن من القيادات والنخب السياسية أكثر وع ًيا ً الموجودة اآلن على الساحة .فشيوخ وأعيان القبائل يتعاملون تمر بها البالد وما يتع ّلق ـ إلى حد كبير ـ مع واقع األزمة التي ّ بها من قضايا راهنة باعتبارهم مسؤولين مسؤولية مباشرة عن جميع أبناء قبائلهم وعشائرهم الذين ينظرون لهم كآباء حريصين على مصلحة أبنائهم وأمنهم واستقرارهم. شيوخ القبائل وأعيانها ال يتحدثون باسم حزب أو تنظيم، وال ينطلقون في رؤيتهم للقضايا العامة من أيديولوجيا سياسية
((( مجلة المستقل ،العدد السادس عشر 24 ،مايو .2015 117
مع ّينة ..ولكنهم معن ّيون ً وأخيرا بالعمل على استتباب أول ً الهدوء بين القبائل ّ وحل خالفاتها والوصول بجميع المشاكل العالقة إلى وسط تنال رضا جميع األطراف ،وهم يتحركون في ذلك من واقعهم االجتماعي دون وصاية من أحد ،ودون تنفيذ ألي أجندة مهما كانت.
لهذه األسباب فإن إعادة الدور المفقود لهؤالء الشيوخ واألعيان هو الخطوة األولى التي يجب أن نبدأ بها إعادة ترتيب المعطيات واألولويات في ليبيا.
إننا ال نطالب بدور سياسي لشيوخ القبائل ،بقدر ما نقول أن المطلوب اآلن هو إفساح المجال لهم لكي يقوموا بالتصرف بما تمليه عليهم األعراف والتقاليد التي ال يختلف عليها اثنان من أبناء القبائل لضمان استتباب األمن والهدوء في جميع أنحاء ليبيا ،فمن يبقى خارج هذا اإلطار بالتالي سيكون تقض مضجع إما أحد أعضاء التنظيمات اإلرهابية التي ّ رافضا ومناوئًا لجهود استقرار البالد الليبيين اآلن ،أو يكون ً وأمنها. لقد أتاح لي لقائي بهم أثناء مؤتمر إشهار مؤسسة «العدالة ً المهم الذي يضطلعون به في أول» التأكيد على الدور الحيوي ّ ظل الظروف الحرجة التي تمر بها البالد اآلن ،فوجودهم على 118
أيضا لعودة القرار يمهد ً رأس المكونات االجتماعية الليبية ّ السياسي إلى الشعب الليبي من خالل آليات ديمقراطية متّفق عليها وغير قابلة للنقض من طرف فرد أو تنظيم أو غير ذلك.
في هذا المؤتمر كانت كلمتهم بهذا الخصوص واضحة جل ّية ،حيث عبروا عن التزامهم القطعي بانضمامهم شخص ًيا ـ ومن ورائهم أبناء قبائلهم ـ إلى الوقوف ص ًفا واحدً ا ضد مرتكبي الجرائم اإلرهابية أو انتهاك حقوق المدنيين. يقول النص الذي و ّقعوا عليه جمي ًعا بكل وضوح« :نحن الحاضرون في مؤتمر تدشين مؤسسة «العدالة ً أول» نيابة عن عموم القبائل قد قطعنا على أنفسنا أن نلتزم نحن وكافة أبناء قبائلنا بعدم ارتكاب جرائم ضد اإلنسانية أو جرائم حرب ضد المدنيين أو التشجيع عليها أو التواطؤ في ارتكابها».
إن العودة إلى القبيلة وتحكيم التقاليد واألعراف االجتماعية لضمان األمن واالستقرار بين المواطنين هو الخطوة األولى التي يجب علينا أن نفكر فيها بشكل جاد ألن هذه الخطوة هي الضمان الوحيد لنجاح الدعوات والمبادرات التي تسعى من أجل تنقية البالد وتطهيرها من ظاهرة اإلرهاب والجماعات اإلرهابية. عندما تكون القبائل الليبية متآلف ًة في ما بينها ،وعندما 119
تتفق على أن تتناسى أحقاد األمس وخالفات اليوم ،فإنها تحصن كياناتها االجتماعية ضد بذلك تكون قادرة على أن ّ االختراقات التي تستهدف التغرير بأبنائها واستقطابهم على يد جماعات اإلرهاب وتنظيماته.
إن حماية المجتمع من كارثة ظواهر اإلرهاب التي يقرها المجتمع تبدأ من القبائل ،وتجني ال يبيحها الدين وال ّ أيضا ،فالمجتمع الليبي رغم ا ّدعاءات الحداثة ثمارها القبائل ً والتمدّ ن يبقى حتى اآلن مجتم ًعا قبل ًيا عشائر ًيا ..وإلى القبائل يتعرض له المجتمع من يعود القول الفصل في جميع ما ّ أحداث.
أما النخب السياسية فإنها تتبع أهواءها ..وهي تدافع عن مصالح أحزابها وتنظيماتها وتحالفاتها ،وتجعل المجتمع والدولة بذلك في مرتبة متأخرة من اهتماماتها ،على العكس تما ًما من القبائل التي ربما ال تكون معن ّية بالقضايا السياسية واالستراتيجية ،وتحصر معظم اهتمامها بأبنائها ،ولكن المجتمع الليبي آخر األمر هو مجموع هذه القبائل والعشائر والعائالت ..فإذا عملت كل قبيلة على مستوى أبنائها واكتفت بتحصينهم وسالمتهم فإن المجتمع ككل يكون بذلك قد توصل إلى ضمان أمنه واستقراره وسالمته. ّ 120
هذه هي معادلة الدور القبلي بكل بساطة ..إننا ال ندعو دورا إلى االعتماد المطلق على القبيلة ،أو إلى إعطاء القبائل ً ال يتواءم مع تكوينها وبنيتها ،كما ال ندعو إلى إقحام الشيوخ واألعيان في خضم العمل السياسي العام ،ولكننا نقول للجميع :إن القبيلة هي الحصن االجتماعي الذي يجب أن يبقى صامدً ا ألنه آخر حصن يلجأ إليه األفراد إذا أرادوا ضمان أمنهم وحياتهم ..وبعبارة أخرى :بالنسبة لليبيين جمي ًعا تعتبر القبيلة هي «الجدار األخير» الذي ال يجب السماح بانهياره وتحولها إلى غابة بمعنى الكلمة. ألن ذلك يعني انهيار البالد ّ
121
الشباب ..مشكلة التوطين وضرورات التنمية(((
�ألغام ما بعد الحرب!! عندما يعود الجندي الشاب إلى مسقط رأسه ليبحث عن أسرته وأبيه وأمه وأخوته ..قد يتفاجأ بأن بيته مهجور ،وأن أسرته نزحت إلى مكان آخر ..وقد يجد بيته مهدّ ًما ..وسوف يكون بال دخل يعينه على بدء حياته من جديد ..إلى آخر هذه االحتماالت ،وسيكون على ذلك الجندي الشاب في كل األحوال أن يعيد بناء حياته من الصفر.
الشعب الليبي طلب من شبابه أن يصبحوا جنو ًدا ،وأن ضروسا ضد اإلرهاب ،فالتحقوا بصفوف يخوضوا حر ًبا ً وطني مقدّ س الجيش وقاموا ـ وما زالوا يقومون ـ بدور ّ ((( مجلة المستقل ،العدد السابع عشر 31 ،مايو .2015 123
لكي يحموا األسر والعائالت الليبية ،ولكي ينقذوا بالدهم من براثن اإلرهابيين الذين عاثوا في األرض فسا ًدا. ولقيامهم بهذه المهام القتالية فإن الجميع يقفون أمامهم ملحة ال بد من التفكير بكل إجالل وإكبار ،ولكننا أمام أسئلة ّ فيها والبحث عن إجابات واقع ّية ومجدية لها: ـ ماذا أعددنا للشباب في مرحلة ما بعد الحرب؟
ـ إذا عادوا إلى بيوتهم المهدّ مة ووجدوا أمامهم الفراغ والخراب ..ماذا سيحدث آنذاك؟ ـ كيف نعالج األضرار المادية والنفسية قدر اإلمكان؟
ـ كيف نجعل من شبابنا بعد هذه الحرب ركنًا أساس ًيا في إعادة البناء وتنمية البالد؟
هذه األسئلة ـ وغيرها ـ تن ّبه الجميع إلى ضرورة التفكير استباق ًيا وعلى مدى بعيد في مستقبل أبناء ليبيا ومدى قدرة الدولة على استيعابهم واحتضانهم بعد التجارب المريرة مروا بها نياب ًة عن الشعب بأسره. التي ّ إن ما أخشاه في واقع األمر هو أن يتم إهمال التفكير في هذه القضية ،وأن نتركها للمستجدات دون إعداد مسبق، مجرد احتمال إلى كارثة حقيقية. فتتحول بذلك من ّ 124
ما لم يتم االستعداد لهذه المرحلة ـ مرحلة ما بعد الحرب ـ فإننا قد نجد أن األوان قد فات للتفكير في هذه القضية ومعالجتها ،فماذا سيحدث آنذاك؟
سوف يتكرر السيناريو السابق وسوف يتم استنساخ حالة المليشيات مجد ًدا ،فأولئك الشباب الذين يقاتلون اآلن مع الجيش ضد الجماعات اإلرهابية ..يعودون وهم مس ّلحون دون عمل ،دون برنامج محدّ د الستيعابهم ،ودون أن يجدوا من يحتضنهم ويسعى من أجل تأمين مستقبلهم وتعويضهم ـ معنو ًيا وماد ًيا ـ عن سنوات من المعاناة وبذل الجهد في سبيل القضية الوطنية ،وعند ذلك سوف يواجه الجميع كارثة أخرى إذا لم يتم وضع برنامج متكامل المتصاص اآلثار السلبية لمرحلة ما بعد الحرب التي تحيط بهؤالء الشباب.
من هذا الجانب نقول أن الحل الوحيد لتدارك المرحلة المقبلة هي ضرورة إشراك هؤالء الشباب في برنامج التنمية والبناء منذ البداية ،أي علينا التفكير في أن المسار الصحيح الذي يستوعب هذه المشاكل المؤجلة هو المسار الذي تتزامن فيه معركة البناء مع معركة القضاء على اإلرهاب، وعلى الحكومة المؤقتة ،بإشراف مباشر من مجلس النواب، أن تبدأ منذ اآلن في وضع خطط تكاملية تجمع بين الجدوى 125
االقتصادية واالجتماعية ،أي بين إعادة البناء واستيعاب جميع الشباب الليبيين الذين شتتهم األزمة بين مقاتل في صفوف الجيش وبين نازح وشريد.
بهذه الطريقة االستباقية يكون الليبيون قد ضمنوا عودة أبنائهم واحتضانهم اجتماع ًيا ووظيف ًيا ،وضمنوا إنقاذهم من أن يكونوا عال ًة على مجتمعهم أو سب ًبا في إشكالية جديدة قد تؤدي إلى ما ال تحمد عقباه.
في األحياء المحررة في جميع المدن الليبية ينبغي أن تبدأ عملية البناء حتى يحس كل مواطن بأن هناك دولة ال تقف على األطالل بعد أن أصابها الخراب والدمار جراء المعارك والحروب المتتالية ،بل دولة تسعى الستعادة عافية الوطن، وهمتهم وتوجيههم إيجاب ًيا وتنهض به من جديد بسواعد أبنائه ّ ليكونوا هم أول من يساهم في بناء الوطن بعد أن تولوا مهمة حمايته والدفاع عنه وتطهيره من اإلرهاب.
وفي هذه األحياء المحررة سيكون من الضروري ترميم وإعادة مراكز الشرطة إلى عملها ،فمراكز الشرطة في المدن هي األداة التي تحمي المحيط المحلي للحي أو المدينة، مثلما أن الجيش هو األداة التي تحمي المحيط الوطني للبالد بأكملها. 126
أما األحياء التي تقع خارج إطار المدن الليبية فال ننسى أن الدور األول يقع على عاتق القبيلة ،فالقبيلة حاضنة اجتماعية تستطيع أن تحمي أبناءها وأن توفر لهم الوقاية من االستقطاب والتغرير الذي تمارسه جماعات المتطرفين واإلرهابيين تسربت إلى عمق المجتمع الليبي في ظل ما شهده من التي ّ فراغ سياسي وما عاناه من أزمات قاتلة .ال فرق في ذلك بين استقطاب الشباب وصغار السن للجريمة والخروج عن القانون ،وبين استقطابهم للتطرف واإلرهاب. إذن ..مثلما يواصل الشعب الليبي اآلن السير قد ًما لكي يرتّب شؤونه الداخلية وهو يخوض حربه األخيرة ضد اإلرهاب ويطهر بالده من فلول المرتزقة ووأصحاب والتطرف المقيت ّ ّ العقيدة الفاسدة ،فإنه يستطيع كذلك تأمين مستقبل أبنائه الذين سيخرجون منتصرين في هذه الحرب وذلك بالحفاظ عليهم من الوقوع في ّ فخ الفراغ أو الشعور بإنكار الجميل ،وتحصينهم من اآلثار السلبية لمرحلة ما بعد الحرب. أوجه هذه الكلمات إلى الجميع ..مواطنين لقد أردت أن ّ وساسة ،لكي يتداركوا المرحلة القادمة بشكل استباقي يتضمن رؤية استراتيجية مدروس ًة ومخ َّطط لها بعناية وحكمة ّ وحرص على المصلحة العامة لليبيا وشعبها وأبنائها. 127
بهذا الشكل يستطيع الليبيون أن يواصلوا تحرير أنفسهم، وتحرير بالدهم ،وضمان مستقبل شبابهم ..ال سبيل آخر للحفاظ على ذلك بدون التفكير في المستقبل. لقد قام الليبيون بالثورة ولكنهم لم يخ ّططوا لما بعدها، ً سؤال رئيس ًيا :وماذا أرادوا الحرية دون أن يسألوا أنفسهم بعد؟
ها أنتم اآلن أحرار ،ولكن المعارك تتوالى على ليبيا، والمرتزقة الوافدون عليكم بأفكار وعناصر وتنظيمات من الخارج قاموا بالتغرير بأبنائكم ،تدعمهم دول مثل قطر وتركيا لتحقيق مآربها الخاصة في شمال إفريقيا ،قطر تطمع في استغالل موقعكم االستراتيجي وثرواتكم الطائلة ،وتركيا تحلم أن تستعيد أمجاد اإلمبراطورية العثمانية الغازية.. فانظروا ما أنتم فاعلون!!!
128
المؤسسات السيادية تخرج عن المسار الديمقراطي(((
ال�شعب ي ّتهم!..
عندما انتخب الليبيون مجلس النواب ليم ّثل الجهاز التشريعي للدولة ،وعندما قام مجلس النواب بتكليف الحكومة المؤقتة لتم ّثل الجهاز التنفيذي للدولة ،وعندما بدأت إدارة الدولة على هذا األساس لم يكن في تصور أي من الجهازين نفسه عن المتابعة أو الليبيين أن يحجب ّ المساءلة أو االستجابة لمطالب الشعب ،فالخطوة األولى في الديمقراطية هي أن يكون الشعب هو األساس في العملية السياسية ،أما الخطوة األولى في الديكتاتورية فهي أن يحجب أدوارا المنتخبون والمك ّلفون أنفسهم عن الشعب ليمارسوا ً مجهولة أو غامضة ال يعرف عنها أحدٌ شي ًئا. ((( مجلة المستقل ،العدد الثامن عشر 7 ،يونيو .2015 129
ً طويل يبدو اآلن أنها الديمقراطية التي حلم الليبيون به خطيرا في هذه اآلونة عندما نرى المؤسسات تحو ًل تعاني ّ ً السيادية أول من يخرج عن المسار الديمقراطي الذي طالب به الشعب وضحى من أجله.
خيرا بتحققها على الديمقراطية التي استبشر الليبيون ً أرض الواقع بعد 2011أصبحوا اآلن يتشكّكون في إقامتها وتحقيقها على أرضهم بعد أن مارس عليهم مجلس النواب والحكومة المؤقتة نو ًعا من التغييب والتجهيل.. إننا ّ نحذر من مغبة االستهانة بمطالب الشعب ،وندعو إلى وضع صورة المشهد العام أمامه بكل تفاصيلها ،وعدم اتخاذ خطوات أو قرارات أو إجراءات تتصل بالشأن العام ما لم يكن قد أبدى عليها موافقته المسبقة ..وهذه القاعدة تتصل بالعديد من األحداث الماضية التي تمت دون أن يتم تمكين الشعب من إبداء موافقته عليها.
فالحوار ـ ً مثل ـ مع المؤتمر العام المنتهي الصالحية يقرره الليبيون، وحكومته المسماة بحكومة اإلنقاذ ،لم ّ ٍ أعضاء من المجلس في هذا الحوار ال يحظى بتزكية وتورط ّ الشعب. وهناك إجراءات أخرى كثيرة أقدمت عليها الحكومة 130
المؤقتة لم تقم معها باستشارة الليبيين أو طلب موافقتهم عليها ،وكأنهم في كوكب آخر.
إن الخطوة األولى نحو الديكتاتورية هي أن يقوم ممثلو يبررونها بالعمل على المصلحة الشعب باتخاذ خطوات معينة ّ العامة للشعب دون أن ينالوا الموافقة من الذين يم ّثلونهم، يخمنون ذلك ،ولكن الديمقراطية ليست تخمينًا ،وليست بل ّ امتيازا يمنحه اإلنسان لنفسه دون أن يقدّ مه له اآلخرون، ً األساس في الديمقراطية هو نيل الثقة من اآلخرين للتحدّ ث باسمهم وتحقيق مطالبهم ،أما بغير هذه الثقة فإن ذلك يعني التصرف بمعزل عنهم وتغييبهم واالستئثار بصالحية القرار ّ والتنفيذ ..وهذه أولى صفات الديكتاتورية .فالديمقراطية ً يقرره أول وأخيرا هي التزام المنتخبين والمك ّلفين بما ّ ً الناخبون ،دون استثناء ،ودون تجاوز لحدود الصالحيات الممنوحة لهم ديمقراط ًيا.
من هنا ..يجب على مجلس النواب والحكومة المؤقتة علما أن يلتزما بآل ّية واضحة وشفافة تحيط بها الشعب الليبي ً بما يتع ّلق بكل شؤونه ،وعلى األخص القرارات السيادية التي تًعلن باسمه ونيابة عنه. إن ما يح ّقق االستجابة التلقائية لجهود المجلس والحكومة 131
المؤقتة هو التزامهم بالسياق الديمقراطي الذي يمنحهم حق التصرف بالنيابة وال يكون ذلك إال باستيفاء النيابة شروطها ّ الديمقراطية التي تبدأ من االستفتاء إلى االستشارة إلى االنتخاب إلى غير ذلك من اإلجراءات الدستورية المتعارف عليها.
هذا هو المسار الذي يجنّب الجميع تهمة االستئثار أيضا على عدة واإلقصاء واالستبداد بالرأي ،وهو ما يجيب ً تساؤالت ير ّددها الليبيون اآلن: ـ كيف نتوقع للحرب على اإلرهاب أن تمضي قد ًما وأن تنتصر ليبيا من خالل الصمت على تجاوزات البعض إلرادة الناخبين ،حتى وإن كانت هذه اإلرادة قد صدرت من باب الحرص على المصلحة العامة ،ما لم يكن الشعب نفسه قد أبدى موافقته ومنح تزكيته لجميع الخطوات المنجزة؟.
ـ كيف نتوقع للدولة أن تستقر إذا كانت كل مؤسسة سيادية تغرد خارج السرب وتعتقد من مجلس وحكومة وجيش ّ األصح هو أن ينشأ تنسيق أنها تفعل الصواب؟ أليس ّ واضح شفاف بين هذه المؤسسات السيادية وأن تتم العودة مباشرة للشعب لكي يقوم بدعم وتغذية هذه الجهود معنويا وماديا؟ وحتى ال تكون ليبيا بؤرة دولية 132
لإلرهاب ،وهو األمر الذي ع ّبرت عنه مؤسسات دولية مؤخرا عندما اعتبرت ليبيا من بين الخمس دول المصنفة ً دول ًيا في إطار المخاطر اإلرهابية ذات األثر اإلقليمي.
ـ كيف نتوقع النجاح في تدشين معركة التنمية التي توقفت لعدة سنوات حتى اآلن؟ وال مبرر لهذا الجمود والتو ّقف، ٍ متواز مع معركة ألن معركة البناء يجب أن تمضي بشكل الحرب على اإلرهاب لضمان استيعاب الشباب وإعادة ترتيب المستقبل االقتصادي واالجتماعي في الوقت نفسه ،وحتى ننزع ليبيا من دائرة الفراغ األمني الذي يد ّمر البنية االجتماعية والبناء االقتصادي ،وهو األمر الذي مؤخرا الوكاالت ووسائل اإلعالم العالمية وهي تداولته ً تعلن في دورياتها ونشراتها وأخبارها بأن الفراغ األمني يد ّمر اقتصاد ليبيا ويهدم مستقبل شبابها.
ـ كيف يمكن ضمان تكاتف جميع أبناء ليبيا وانخراطهم جمي ًعا في جميع مراحل بناء الدولة منذ بدايتها وتحقيق عوامل االستقرار والمصالحة دون أن تتم االستعانة بالقبائل الليبية ..إننا ال نقول بأن القبائل بديل عن مؤسسات الدولة ،ولكننا نقول بأنها الحاضنة االجتماعية تؤهل هذه المؤسسات ألن تنشأ وتنمو في مناخ التي ّ 133
نصر على عدم إهمالها أو العمل صحي سليم ،ولهذا ّ بمعزل عنها ،وكأنها غير موجودة أو غير ذات أثر.
هذه ـ أيها السادة ـ بعض األولويات التي يجب اآلن على مجلس النواب والحكومة المؤقتة أن يبادرا إلى إعادة ترتيبها برؤية استراتيجية مستقبلية تبدأ اآلن ،وحتى ال يضع أحدٌ مجلس النواب أو الحكومة المؤقتة في موقف حرج ،فإن عليهم جمي ًعا أن يتوقفوا عن اتخاذ المزيد من الخطوات التي تؤدي إلى تغييب الشعب أو تجهيله أو العمل بمعزل عنه. عليهم أن يعودوا للتفكير في نقطة البداية ،وأن يقوموا بترميم مسارهم السياسي الذي تشوبه الكثير من المآخذ والفجوات. عليهم أن يؤمنوا أن صالحياتهم تنتهي عند عتبة الشعب الحق في منح الصالحيات أو سحبها. الذي يملك وحده ّ
عليهم أن يؤمنوا أن مواقعهم الحالية قد صادق عليها يجمد هذه الشعب في أول األمر ..ويستطيع الشعب أن ّ المواقع إذا أراد.
ـ الشعب يتّهم مؤسساته المنتخبة ..فما هي الخطوة القادمة؟ 134
جبهات متعدّ دة لمعركة واحدة)((((:
مهمة وطنية عاجلة ّ سيطرة داعش على سرت وتمدّ دها إلى الجفرة وبحثها عن مناطق نفوذ قريبة مع تفعيلها للجيوب الكامنة في المناطق المجاورة تجعل الجميع من ليبيين وغيرهم ينتبهون إلى حجم الكارثة التي تحيط بليبيا ،ودول الجوار، والعالم بأكمله.
إن فلول داعش والقاعدة والمقاتلة قد استغلوا حالة وكرا من أوكار ليؤسسوا ألنفسهم ً الفوضى السياسية في ليبيا ّ اإلرهاب في العالم ،تحت حماية بعض الحكومات التي تريد أن تمكّن هذه الجماعات اإلرهابية من إعادة تشكيل نفسها
((( مجلة المستقل ،العدد التاسع عشر 14 ،يونيو .2015 135
على أرض ليبيا ،واستخدامها قاعد ًة لها لالنطالق إلى الدول المجاورة في إفريقيا وأوروبا.
ولكن ً بدل من التصدّ ي لهذه الظاهرة التي تهدّ د الجميع، عمدت أطراف دولية إلى افتعال مشاريع أخرى الغرض منها تأجيج األزمات في ليبيا وإجهاض محاوالت الخروج بحلول مناسبة ،ومنها: ـ عدم تسليح الجيش الليبي الذي يأتمر بالممثل الشرعي الوحيد وهو مجلس النواب. ـ تسليط الضوء على الحوار الوهمي ،وإقحام أكبر عدد من السياسيين الليبيين فيه ،وتهديدهم في حالة االنسحاب منه.
لجر ليبيا ـ الدفع باتجاه المزيد من تأزيم الوضع القائم ّ إلى معادلة النفط والغذاء ،وتكرار تجربة العراق في شمال إفريقيا.
وأمام هذا المخطط الذي يستهدف القضاء نهائ ًيا على إمكانية بناء الدولة يتوجب على جميع الليبيين اآلن أن يطرحوا على أنفسهم األسئلة التالية: ـ من هو المستفيد من عدم تسليح الجيش الليبي؟ ومن يخشى تحقيق الجيش النتصار نهائي في معركته ضد 136
اإلرهاب؟ إنهم اإلرهابيون قط ًعا وحماتهم ورعاة تغلغلهم في المجتمع.
التمسك بالحوار الوهمي؟ إنهم ـ من المستفيد من ّ مهدوا اإلخوان المسلمون رعاة اإلرهابيين الذين ّ لهم الطريق للتغلغل في المجتمع الليبي ونشر جيوب اإلرهاب بمختلف مسمياتها.
متأزم؟ ـ من المستفيد من تأزيم الوضع القائم أكثر مما هو ّ إنهم الذين يعملون على تمكين اإلرهابيين من تثبيت موطأ قدمهم بقوة ،وذلك حتى يتم فرض الوصاية على ليبيا وبموافقة دولية ،والهدف النهائي هو إيصال البالد إلى القبول بمعادلة النفط مقابل الغذاء ،أي تكرار تجربة العراق التي أثبتت جدواها للدول الغازية حتى اآلن بالرغم من مأساة الشعب العراقي التي تحدث يوم ًيا وعلى مرأى ومسمع العالم أجمع.
بهذا الشكل ـ أيها السادة ـ تلتقي مصلحة الجماعات اإلرهابية مع مصلحة الدول التي تعرقل بناء الدولة الليبية وتثبيت كيانها الشرعي المنتخب ،ال للسيطرة على حكم ليبيا فحسب ،بل ولمصادرة النفط الذي يعدّ المصدر الوحيد الذي يغذي االقتصاد الليبي. 137
إن الموقف الصحيح للخروج من هذه الدائرة المفتعلة يتمثل في خطوات محدّ دة يجب اإلصرار على إنجازها والعمل على تفعيلها وإنجاحها ،وهي: ـ العمل على تسليح الجيش الليبي بكل اإلمكانيات المتاحة ،شاء من شاء وأبى من أبى ،وذلك حتى يتمكن من إنجاز انتصاره النهائي على فلول الجماعات اإلرهابية.
ـ قطع الطريق على محاولة تمييع القضية الليبية بتحويلها إلى حوار غير متكافئ ً أصل ،وعدم تطبيع العالقة مع رعاة اإلخوان وغيرهم ،وإيقاف مشاريعهم التدميرية.
ـ االنتباه إلى خطر تكرار تجربة العراق من خالل القبول التدريجي بمعادلة النفط والغذاء.
إن الخطوة الضرورية في هذا الوقت العصيب هي محاكمة مهد الطريق أمام الجماعات جميع من ساهم أو شارك أو ّ اإلرهابية ،وعلى رأسهم اإلخوان الذين انقلبوا على الشرعية ونصبوا أنفسهم بأنفسهم بعد أن عملوا على تكوين أذرع ّ عسكرية تتحالف مع فلول القاعدة وداعش والمقاتلة.
يحمل المسؤولية لجميع األطراف التي إن الشعب الليبي ّ 138
مهدت لهذه الجيوب اإلرهابية من ساهمت أو شاركت أو ّ االنتشار في مدن وقرى البالد ،سواء كانت هذه األطراف من الليبيين أو غيرهم ،وسواء كانوا من األفراد أو من الكيانات السياسية ،كالسفارات وبعض الحكومات ،وقد حان الوقت لرفع قضايا محدّ دة تدعمها الشواهد والقرائن واألدلة أمام الهيئات الدولية للقصاص من هؤالء العابثين بأمن ليبيا، والمسؤولين عن استخدامها كبؤرة للظواهر اإلرهابية التي تهدّ د أمن المنطقة والعالم ،وتسعى من أجل مصادرة مستقبل الليبيين جمي ًعا بفرض الوصاية عليهم والتحكم في ثرواتهم بحجة وضع حد لـ»الحرب األهلية» ،بينما نعرف جمي ًعا أن ما يحدث في ليبيا ال عالقة بأي شكل من األشكال بالحرب األهلية ،ألنه ً وأخيرا حرب على اإلرهاب يقوم بها أول ً الليبيون نيابة عن جيرانهم ونيابة عن العالم أجمع.
إن من ير ّدد اسطوانة «الحرب األهلية» إما أن يكون أعمى ال يستطيع رؤية ما يحدث أمامه وغير قادر على التفرقة بين أطراف النزاع ،وإما أنه يتبنى مخ ّطط الوصاية على ليبيا ومصادرة حقها في بناء دولة مدنية ديمقراطية ..ال توجد منطقة وسطى بين هذين الطرفين. ال يمكن ألحد أن يحجب الحقيقة ..والمعركة المصيرية 139
التي يخوضها الجيش ومن خلفه الشعب ضد اإلرهابيين أي كان أن يلتف عليها أو يق ّلل من أهميتها لن يستطيع ّ وضرورتها ..أو حتى أن يحصرها في الجاني العسكري الميداني فقط ،فالمعركة شاملة وتقتضي استنفار كافة ليتفرغ بعدها الشعب اإلمكانيات حتى ُيختصر زمنها، ّ لمشروع التنمية المستدامة الذي كان وما زال أحد مطالبه األساسية. أيها السادة..
إن الجبهات متعددة ـ عسكر ًيا وسياس ًيا وقانون ًيا ـ ولكن المعركة واحدة ،وال سبيل أمامنا إال التنسيق بين هذه الجبهات إلحراز النصر على جيوب اإلرهاب التي تتغذى من مصادر خارجية لدول تريد أن تفرض أجنداتها ومخططاتها ولو كان ذلك على جثث الليبيين جمي ًعا.
إن المعركة القانونية ال تقل أهمية عن المعركة العسكرية ٍ ظرف قياسي والمعركة السياسية ،وباإلمكان خوضها في توحد القانونيين ورجال القضاء والنشطاء الحقوقيين، متى ّ ّ وسخروا جل وقتهم وجهودهم للمهمة الوطنية العاجلة.
140
طط ليون في ليبيا((( مخ ّ
جريمة المحا�ص�صة ال�سيا�سية! التفاعالت التي أدت لها المسو ّدة الرابعة ،والردود عليها، كانت في مجملها متو ّقعة.
لقد نجح برناردينو ليون في تجاوز أكبر عقبة كانت أمامه وهي الرفض الشعبي لفكرة الحوار وآلياته واألعضاء المشاركين فيه ..تجاوز هذه العقبة بلعبة ماكرة انطلت على الجميع وهي «إغراق الجميع» في دوامة التفاصيل الصغيرة واالنهماك في مناقشتها ً بدل من أن يتجهوا إلى رفضها.
إذا تتبعنا مراحل الحوار ومسوداته سوف نكتشف هذه الحقيقة ..سوف نكتشف أن المبعوث األممي لكي يس ّلط ((( مجلة المستقل ،العدد العشرون 21 ،يونيو 2015 141
األضواء على مشروعه المشبوه عمد إلى إبداء استعداده إلعطاء كل طرف على حدة كل ما يريدّ ، ولعل هذا هو ما جعل ينجرون إلى الخديعة. أعضاء من مجلس النواب ّ
في خطوة تالية طرح أمامهم معطيات المحاصصة، بقاعدة بسيطة تقول« :لكي تحصلوا على ما تريدون ال بد أن تسمحوا لآلخرين بأن ينالوا شي ًئا بالمقابل» ،وفرح الجميع بهذه القاعدة الماكرة ،وكان كل طرف يعتقد أنه ،هو فقط، سيجر الطرف اآلخر إلى من يمسك خيوط اللعبة ،وأنه ّ الرضوخ لشروطه المسبقة .أما الشعب الليبي فهو ليس في حسبان أحد منهم.
ترسخت في الجولة الثالثة كانت فكرة المحاصصة قد ّ في أذهان المتحاورين ،وأصبح الفوز في السباق يتم ّثل في الحصول على الجزء األكبر من الغنيمة ،مع ضمانات من ليون نفسه بأن ينتهي الحوار إلى نتيجة ترضي الجميع. ً تفاعل ألن النتائج األولية بدأت الجولة الرابعة كانت أكثر تظهر ،وبعض األسماء بدأت تلوح في األفق المظلم.
اتفق الجميع على أن «مجلس الدولة» سيكون ذا طبيعة استشارية (فقط) ،وعليه في كل األحوال أن ينال تزكية مجلس النواب على كل قرار يتخذه ..أما المؤتمر العام الذي انتهت 142
واليته ،أي انتهى وجوده السياسي فعل ًيا ،فهو يضم أطيا ًفا عديدة ،ورغم أن اإلخوان يسيطرون على واجهة المؤتمر، فإن أعضاءه ليسوا جمي ًعا من اإلخوان ،فليكن المجلس إذن بنسبة ثلثين إلى ثلث ،ما الذي يضير مجلس النواب الذي سيكون المرجعية التشريعية الوحيدة التي تقبل أو ترفض قرارات مجلس الدولة .وهذا ـ آخر األمر ـ لن يجعل اإلخوان يفوزون بالنصيب األكبر ،حتى وإن كانت واجهة السباق ستنكشف عن اسمهم ً أول ،ألن ماراثون الحوار طويل جدً ا ولم ينته جزءه األول بعد ..وسوف يرضخ المتحاورون جمي ًعا لهذه السياسة الماكرة ،وكل طرف يعتقد بأنه الفائز األول ..وأن الطرف اآلخر هو الخاسر على المدى البعيد. إذا ّ تكشفت جلسات الحوار عن اعتماد هذه المسطرة.. سوف يبرز للجميع وبشكل مفاجئ أن «الطبيعة االستشارية» المتفق عليها للمجلس المقترح أصبحت في خبر كان.
هذا هو مخ ّطط ليون لتفعيل لقاء الفرقاء ..ولكنه لألسف نسي ـ أو أهمل ـ الالعب الرئيسي على المدى البعيد في كل تسوية سياسية يمكن أن تحدث في ليبيا ..إنه الشعب.
ً حلول الشعب الليبي ـ مثل أي شعب في العالم ـ ال يعرف وس ًطا ،وال تهمه المحاصصة عندما بتع ّلق األمر بالدولة. 143
قد توافق قبيلة ما ،أو مدينة ما ،على الرضوخ مؤقتًا لتسوية عامة ،يشترك الجميع في مزاياها ،ويتحمل الجميع عواقبها ،ولكن هذه القاعدة االجتماعية ال تسري عاد ًة سوى على القضايا الداخلية ذات األطراف المحدودة، كأن يكون خال ًفا بين قبيلتين أو بين تحالفين قبليين، أما على مستوى الشعب بأكمله ،بقبائله وتحالفاته القبلية ومدنه وقراه ..أي بعموم مواطنيه على مستوى الدولة ،فإن مختلف تما ًما. األمر ٌ إننا نتحدّ ث هنا عن (الشعب) ال عن كتل قبل ّية أو جهو ّية.. نتحدث (عن المواطنين) ال عن أبناء هذه القبيلة أو تلك.. نتحدّ ث عن مفهوم (المواطنة) ال عن مزايا اجتماعية تعتبر ح ًقا حصر ًيا لمجموعة دون أخرى. هذا هو الفرق أيها المتحاورون ..هذا هو الفرق بين أن يكون أحدكم ً ممثل لقبيلته أو حزبه أو مدينته ..وبين أن يكون ً ممثل للشعب بأسره.
لقد أثبت تفاعلكم مع جوالت الحوار الماراثوني أنكم تنظرون من زوايا ضيقة وغير قادرين على استيعاب المشهد يتحرك فيها شعب دولة ككل ،أو رؤية الصورة الكبرى التي ّ اسمها ليبيا. 144
أنتم تتحدثون بمنطق المحاصصة ،والشعب ينتظر ح ّ ال ً شامل.
أنتم تتحدثون بتأثير من مجموعات الضغط (القبلي، والجهوي ،والحزبي) ،والشعب ينتظر خروج الدولة بأسرها من أزمتها القاتلة.
أنتم تريدون الخروج من ماراثون ليون بقصب السبق، والشعب ينتظر خروج بالده من متاهتها.
145
صدر في هذه السلسلة 1ـ (قراءات في السلم والحرب) ،عبدالمنعم المحجوب.
2ـ (حبر المنفى) ،عمر الكدي.
3ـ (خاليا نائمة) ،محمود البوسيفي. 4ـ (أوراق تاريخية) ،مختار الجدال. 5ـ (ما وراء الحجاب) ،فتحي بن عيسى. 6ـ (منفى) ،ديوان شعر ـ عمر الكدي. 7ـ (مفهوم القوة في السياسة الدولية) ،خالد الحراري جو ْك) ،قصائد محكية بلهجة ليبية ،سالم العالم. 8ـ ( َعلى ّ 9ـ (موسوعة الجهل النسبي) ،مقاالت ،الصدِّ يق بودوارة. 10ـ (راهنية التأويل (-)2سؤال الكيان) ،عبد المنعم المحجوب.
11ـ (الدولة البيزنطية في ضوء إصداراتها القانونية) ،خيرية فرج َحفالِش.
12ـ (من الذاكرة) ،حسين نصيب المالكي.
13ـ (اليد الواحدة) ،عبدالباسط أبوبكر محمد. 14ـ (أصحاب المغيب) ،سالم الهنداوي. 15ـ (داعشلوجيا) ،عبدالواحد حركات أبوبكر. 16ـ (ديوان :صالح الشنطة) ،جمع وتحقيق /د .عمر غيث قرميل. 17ـ (زغاريد ودموع ..من حياة النجوع) ،فرج عبد الحميد المسماري. 18ـ (تفاحة البرلمان) ،عبد الرحمن سالمة. 19ـ (سطوة الكالب) ،عوض الشاعري. 20ـ (ديجالون) ،المختار الجدال.