أوراق تاريخية

Page 1


‫أوراق تاريخية‬ ‫‪1‬‬


2


‫أوراق تاريخية‬ ‫بحوث ومقاالت ي التاريخ اللي‬

‫مختار ّ‬ ‫الجدال‬

‫كتاب املستقل )‪(4‬‬ ‫‪3‬‬


‫أوراق تاريخية‬ ‫بحوث ومقاالت ي التاريخ اللي‬ ‫تأليف‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫مختار الجدال‬ ‫**‬ ‫الطبعة ٔالاو ى‬ ‫ف ﺮاير – ‪2015‬‬ ‫جميع الحقوق محفوظة‬ ‫**‬ ‫كتاب املستقل‬ ‫مجلة أسبوعية سياسية شاملة‬

‫‪4‬‬


‫مقدمة‬ ‫ً‬ ‫إن الباحث التاري ي ي ي تماما أن ثمة فرق ب ّ ن ما يم كتابة التاريخ‬ ‫عن كتابة ٔالاعمدة ي الصحف اليومية‪ .‬والذي يختار ٔالاو ى ال مناص له‬ ‫من ٕالاذعان لصرامة البحث العلم ‪ ،‬وما يقتضيه من موضوعية‪،‬‬ ‫وحيادية‪ ،‬وتوثيق‪ ،‬فالبحث العلم ال يحتمل املنهجية العابرة ال ال‬ ‫تخدم البحث العلم وال التاريخ‪ ،‬وال كات ا ي ء‪.‬‬ ‫الكتابة التاريخية لو لم تتمتع بمصداقية الرواية التاريخية لألحداث‬ ‫ال تسرد ع ﺮها وتبتعد عن التكرار غ ﺮ امل ﺮر لألحداث‪ ،‬تكون تلك‬ ‫الكتابة بعيدة عن الواقع الذي عايشته تلك الوقائع التاريخية ال بصدد‬ ‫التحدث ع ا‪.‬‬ ‫البد وان ترافق ذلك مصداقية تاريخية دون شطب أو حذف أو انحياز‬ ‫لف ﺮة معينة من صفحات التاريخ اللي امل ي باألحداث وان تدون ٔالاحداث‬ ‫التاريخية لتتمكن ٔالاجيال املختلفة من ٕالاطالع وٕالاملام بتاريخ هذا البلد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فاإلطالع ع ى تاريخ ٕالاباء ؤالاجداد بعيدا عن التح غ ﺮ امل ﺮر لف ﺮة‬ ‫زمنية بعي ا وشطب ف ﺮات أخرى من تاريخنا وإهمالها والقفز فوقها دون‬ ‫النظر إل ا مهما كانت ٔالاسباب أو يراها البعض مظلمة أو سيئة عندها‬ ‫نفقد مصداقية كتابة التاريخ‪.‬‬ ‫والنظر إ ى تاريخنا ي جميع ف ﺮاته ومن جميع جوانبه يحتاج منا إ ى‬ ‫‪5‬‬


‫التأمل فيه بمصداقية دون انحياز وهذا يمنحنا الثقة ي اقتحام‬ ‫ً‬ ‫املستقبل دون خوف منه انطالقا من محاولة إصالح ما وقع فيه غ ﺮنا من‬ ‫أخطاء‪.‬‬ ‫فهذا البلد الذي شهد عصور مختلفة خالل ف ﺮات التاريخ وشهد‬ ‫حضارات مختلفة حري بناء أن ندعو لكتابة تاريخه بمصداقية وأن يكتب‬ ‫بأقالم أبنائه ال ان يكتبه آخرون فمعظم صفحات تاريخنا كتبت بأقالم‬ ‫ً‬ ‫غ ﺮ ليبية وال ا م أحد هنا بعدم املصداقية ولكن تاريخ البلدان دائما‬ ‫يكتبه أبنا ا املخلص ن‪.‬‬ ‫وتعج بالدنا بالكث ﺮ من املؤرخ ن ٔالاكفاء الذين ينتظر م م هذا الوطن‬ ‫املساهمة ي كتابة تاريخه وبجميع ف ﺮاته التاريخية املوغلة ي القدم ولكن‬ ‫هذا يتأتى بتوفر أدوات البحث التاري ي ‪.‬‬ ‫فالتاريخ ال يصنع نفسه بنفسه وال يكتب تاريخ حياته بخط يدﻩ ولكن‬ ‫ً‬ ‫يكتبه رجال عظام ويصنعه رجال أعظم‪ ،‬والتاريخ ال يملك قلما وقرطاسا‬ ‫وال يحفظ كلمات وال أشعار ولكن الذين يمسكون باألقالم والصحف هم‬ ‫الرجال الذين يصنعون التاريخ ويكتبونه بعظيم أعمالهم أو خبيث‬ ‫أفعالهم نعم ما يسطرون أو بئس ما يفعلون‪.‬‬ ‫والتاريخ هو وحدﻩ الشاهد ع ى ما يصنعه الرجال‪ ..‬وهو الذي يحفظ‬ ‫كل ٔالاسرار وال ﺊ يفوته أو يغيب عنه أو يعوقه أو يوقف تدفق تيارﻩ‬ ‫الجارف الذي ال يعرف إال كلمت ن الحق والحقيقة‪.‬‬ ‫فالتاريخ ال يعرف الريا أو الزيف والتملق أو النفاق‪ ،‬ففي س ﺮته‬ ‫ومسارﻩ وخطواته الواثقة مانع وحازم ال راد لكلماته وال م هنا من هو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صانع التاريخ ملكا كان أو سلطانا أو داعية أو هاديا أو مرشدا جالسا ع ى‬ ‫ً‬ ‫كرﺳ السلطة أو راعيا للغنم ال يملك من حال الدنيا إال عصاته وأغنامه‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫والتاريخ ال يفرق ب ن أحد م م إال بما قدم وبما أضاف وبما ترك من‬ ‫بصمات خ ﺮ أو علم ينتفع به أو تراث تفخر به ٕالانسانية كلها من بعدﻩ‬ ‫وما أعظم س ﺮ ٔالابطال الذين يتباها م التاريخ ويتحدث ع م‬ ‫وما أجمل وما أعظم أن يكون البطل واحد منا يعاني مثلنا ويتألم‬ ‫ويأكل لقمة عيشه ويحلم ويفرح بالقليل وير بما قسم له ي هذﻩ‬ ‫الغابة ال نعيش ف ا يفرح مرة ويتمزق مرات‪ ،‬وعندما يجد الجد ينتفض‬ ‫ً‬ ‫ويتحرك ويخرج إ ى الدنيا بوصفه واحدا من صناع التاريخ‪.‬‬

‫‪7‬‬


8


‫موقف صحيفة الحقيقة الليبية‬ ‫من الحرب العربية ٕالاسرائيلية عام ‪1967‬‬ ‫صدر ي ليبيا العديد من الصحف ي بداية ستينيات القرن العشرين‪،‬‬ ‫ع ﺮت تلك الصحف عن آراء وتوجهات كتا ا ومحرر ا ي معارضة‬ ‫الحكومة‪.‬‬ ‫وكانت صحيفة الحقيقة ال صدرت بمدينة بنغازي صحيفة أهلية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أصدر ا عائلة الهوني‪ ،‬انتهجت نهجا وطنيا وقوميا مما أكس ا شعبية‬ ‫كب ﺮة من القراء واملتتبع ن‪ ،‬حيث استقطبت عدد من الكتاب‪ ،‬وكان‬ ‫للصحيفة مواقف واضحة من القضايا ذات البعد الوط )املح ي(‬ ‫والقومي‪.‬‬ ‫وبالنظر إ ى تلك الف ﺮة ال حدثت ف ا الحرب العربية ٕالاسرائيلية عام‬ ‫‪ ،1967‬وبرزت ف ا الصحف كوسيلة إعالم تنقل أخبار املعارك معتمدة‬ ‫ع ى مراسل ا وما تقوم به من تحليل لألوضاع ال تجري ي دول تربطها‬ ‫مع ليبيا حدود جغرافية‪.‬‬ ‫تمتعت صحيفة الحقيقة باهتمام أوساط املثقف ن واملهتم ن ي ليبيا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خاصة وإن الصحيفة كانت تنتهج نهجا مؤيدا للقضية الفلسطينية‬ ‫ً‬ ‫ومعاديا للدول الغربية ال دعمت إسرائيل وتحتفظ بقواعد عسكرية‬ ‫‪9‬‬


‫ع ى ٔالارا الليبية‪.‬‬ ‫وقع اختيار الباحث ع ى هذا املوضوع ألنه جدير بالدراسة‪ ،‬حيث إنه‬ ‫لم تتصدى له أي دراسة علمية محددة سلطت الضوء ع ى دور‬ ‫الصحافة ي مرحلة تعد من أخطر املراحل ال تعرض لها تاريخ العرب‬ ‫املعاصر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫اعتمد الباحث ي إعداد هذا البحث ع ى املنهج التاري ي‪ ،‬محلال‬ ‫مواقف الصحيفة واتجاها ا‪ .‬وقد تضمن البحث باإلضافة إ ى هذﻩ‬ ‫ً‬ ‫املقدمة‪ ،‬تمهيدا سلط الضوء ع ى تاريخ الصحافة الليبية وبدايا ا‪.‬‬ ‫ومبحث تناول تأسيس الصحيفة ومواقفها من القضية الفلسطينية‬ ‫وكيف تناولت أخبار الحرب العربية ٕالاسرائيلية عام ‪.1967‬‬ ‫استخدم الباحث ي هذا البحت أعداد من صحيفة الحقيقة خالل‬ ‫الف ﺮة وال وقعت ب ن يدي واملثبت قائم ا ي اية هذﻩ البحث‪ ،‬كما‬ ‫ً‬ ‫استفاد كث ﺮا من كتاب زيت القناديل ملؤلفه سالم حس ن الكب الذي‬ ‫صدر عام ‪ 2006‬عن دار الفضيل وهو عبارة عن س ﺮة ملدير تحرير‬ ‫الحقيقة رشاد البش ﺮ الهوني ونصوصه ومقاالته ال نشرت بالحقيقة ي‬ ‫أوقات مختلفة‪.‬‬ ‫تمهيد‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫الليبية تاريخ طويل وعريق‪ ،‬ففي العهد العثماني‬ ‫للتجربة الصحفية‬ ‫الثاني صدرت عام ‪1866‬م أول صحيفة أطلق عل ا "طرابلس الغرب"‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مكونة من ورقت ن‪ٔ ،‬الاو ى باللغة‬ ‫العربية والثانية باللغة ال ﺮكية)‪.(1‬‬ ‫ّ‬ ‫الخاصة‪،‬‬ ‫و ي يونيو ‪1897‬م‪ ،‬صدرت صحيفة "ال ﺮ ي" ّأول الصحف‬ ‫و ي ال شغل الشيخ َ‬ ‫مح ّمد البوص ﺮي منصب رئاسة تحريرها وإدار ا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫كامال‪ّ ،‬‬ ‫ثم توقفت‬ ‫ٔالاسبوعية ي الصدور عاما‬ ‫واستمرت هذﻩ الصحيفة‬ ‫‪10‬‬


‫لتعود من جديد ي عام ‪1908‬م بعد إعالن الدستور العثماني)‪ ،(2‬حيث‬ ‫رفعت القيود عن إصدار الصحف ومنحها حرية الكلمة‪ ،‬صدر ي الوالية‬ ‫ً‬ ‫العديد من الصحف الوطنية‪ ،‬ال احتضنت أقالما مثقفة تاقت إ ى‬ ‫البوح بمكنونا ا‪ ،‬وكان من أبرز همومها التعليم وال ﺮبية‪ ،‬فأفردت لهما‬ ‫صفحات الصدارة وتناول ما ٔالاقالم ي ش الزوايا)‪.(3‬‬ ‫جاءت مرحلة الاستعمار ٕالايطا ي ‪1911‬م‪ ،‬فتوقفت كافة الصحف‬ ‫وحلت محلها مجموعة من الصحف ٕالايطالية ح عام ‪1919‬م‪ ،‬حينما‬ ‫ّ‬ ‫تم التوصل إ ي اتفاقات هدنة‪ ،‬سواني بن يادم ي طرابلس وتالﻩ اتفاق‬ ‫هذين الاتفاق ن استعاد املجتمع بعض‬ ‫"الرجمة" ي برقة*‪ ،‬وبمقت‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والصحافية وصدرت مجموعة‬ ‫التعليمية‬ ‫أنفاسه نسبيا‪ ،‬فنشطت الحركة‬ ‫من الصحف م ا‪" ،‬اللواء الطرابلﺴ ‪ ،‬الرقيب‪ ،‬الوطن‪ ،‬البالغ ")‪.(4‬‬ ‫اثر تو ي الحزب الفاشس الحكم ي إيطاليا عام ‪1922‬م‪ ،‬انتكست‬ ‫ّ‬ ‫ٔالاوضاع ي البالد‪ ،‬حيث منع الفاشيون الصحف ال ّ‬ ‫وطنية‪ ،‬ولم ي ﺮكوا إال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عددا قليال م ا ليكون لسان حالهم وانشأوا صحفا جديدة لخدمة‬ ‫أهدافهم)‪.(5‬‬ ‫واستمرت سيطرة ٕالايطالي ن ع ى الصحافة ح هزيم م ي الحرب‬ ‫العاملية الثانية ع ى يد الحلفاء عام ‪1943‬م وانسحا م من البالد‪ ،‬ومع‬ ‫بداية مرحلة حكم ٕالادارة ٕالانجل ية‪ ،‬تأسست صحف ومجالت‪ ،‬أسهمت‬ ‫ً‬ ‫ي الدفاع عن القضية الوطنية ونشطت ي خدمة املجتمع وكان لها تأث ﺮا‬ ‫ً‬ ‫مجديا ي الحياة الصحفية والثقافية)‪.(6‬‬ ‫منذ الاستقالل ي ديسم ﺮ ‪1951‬م‪ ،‬أصبحت ليبيا دولة ملكية‪ ،‬امللك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ف ا هو املصدر الرئيﺴ للقيادة السياسية‪ ،‬إ ى جانب كونه زعيما روحيا‬ ‫للحركة السنوسية الدينية ويستمد سلطته الشرعية من الوالء التقليدي‬ ‫‪11‬‬


‫للحركة ومن نشاطه الدبلوماﺳ خالل الحرب العاملية الثانية‪ ،‬ال نتج‬ ‫ع ا الاع ﺮاف به كأم ﺮ ع ى املناطق البدوية ي إقليم برقة مركز انتشار‬ ‫ً‬ ‫وقوة الحركة السنوسية وتم القبول به مؤقتا ألسباب سياسية ي املدن‬ ‫ً‬ ‫الكب ﺮة ال كانت أك ﺮ تأثرا بالتيارات القومية)‪.(7‬‬ ‫وكغ ﺮها من دول العالم الثالث أرتبطت نشأة الصحافة ي ليبيا بنمو‬ ‫النخبة الوطنية أو الطالئع ال تصدرت لقيادة الحركة الوطنية وال‬ ‫تبلور نشاطها ي شكل تنظيمات حزبية وكانت بمثابة تجسيد الكتمال‬ ‫الحركات الوطنية من الناحية التنظيمية وقدر ا ع ى مواجهة السلطات‬ ‫)‪(8‬‬ ‫الاستعمارية بأجهز ا السياسية‬ ‫ومثلما شاع ي بلدان الشرق ٔالاوسط نمط من ٔالاحزاب لم يزد عن‬ ‫كونه جماعات من داخل النخبة املسيطرة يربطه الوالء لقائد محدد‬ ‫ويكفي مرسوم حكومي للقضاء عليه)‪ (9‬وهو ما حدث ي ليبيا غداة أول‬ ‫انتخابات أجريت عام ‪1952‬م حيث تم الغاء ٔالاحزاب‪.‬‬ ‫ساد الفراغ ي التعب ﺮ السياﺳ والثقا ي املح ي ي البالد ح أصبح‬ ‫ظاهرة عامة وساد الفقر والتخلف وشرع ي بناء مؤسسات الدولة‬ ‫ً‬ ‫ووجدت ليبيا الدولة املستقلة حديثا نفسها مرة أخرى تحكم من قبل‬ ‫القوى الغربية بصورة أو بأخرى‪ ،‬ذلك أن الدول الغربية الثالثة ال‬ ‫نجحت ي الوصول إ ى عقد إتفاقيات عسكرية وسياسية وإقتصادية مع‬ ‫ّ‬ ‫الحكومة الليبية سمحت بموج ا بقاء تواجد كل من بريطانيا‪ ،‬فرنسا‬ ‫ّ‬ ‫وأمريكا ع ى ال ﺮاب اللي )‪.(10‬‬ ‫ّأما ي امليدان الاجتما ي فقد كانت الصورة قاتمة‪ ،‬ففي سنة ‪1952‬م‬ ‫جرت دراسة ي ليبيا من قبل هيئة ٔالامم املتحدة تضمنت العبارة التالية‬ ‫ّ‬ ‫" إن ليبيا تعت ﺮ مثاال للفقر املدقع‪ ،‬فمعظم السكان الليبي ن كانوا‬ ‫‪12‬‬


‫يعيشون ع ى جزء صغ ﺮ من املناطق املزروعة املقدرة ب‪ %1‬من املساحة‬ ‫ٕالاجمالية)‪.(11‬‬ ‫ً‬ ‫التعليم الابتدائي نشأ ليبيا من قبل بعض الرواد الذين كانت لهم‬ ‫ً‬ ‫مساهمة فعالة ي نشأته والتعليم ٕالاعدادي والثانوي كان مصريا ي‬ ‫مناهجه ومعلميه‪ ،‬أما الجامعة الليبية فقد ضمت ي نشأ ا ٔالاو ى‬ ‫خالصة كبار ٔالاساتذة من الجامعات املصرية)‪.(12‬‬ ‫فجرت أحداث العدوان الثالثي ع ى مصر عام ‪1956‬م ٔالاوضاع‬ ‫الداخلية ي ليبيا‪ ،‬وعمت البالد فو عارمة وقامت مظاهرات تع ﺮ عن‬ ‫الغليان الشع ي بعض املناطق من ليبيا‪ ،‬رافق ذلك تحول مصر إ ى‬ ‫الاتجاﻩ القومي العربي‪ ،‬كان للصحافة املصرية دورها البارز ي مواكبة‬ ‫الحركة السياسية والتعب ﺮ ع ا وتصل إ ى ليبيا كتابات كبار كتا ا وكان‬ ‫ً‬ ‫ٕالاقبال عل ا كب ﺮا ومن أبرز معالم ثقافة العصر وأو ى املحطات ال‬ ‫يتوقف عندها الطالب واملثقف ن من أبناء البالد)‪.(13‬‬ ‫وحول تدهور ٔالاوضاع بليبيا ي هذﻩ الف ﺮة‪ ،‬فإن البعض يرجع سبب‬ ‫ذلك إ ى أن الحكومة الليبية لم تقف موقفا مشرفا ضد هذا العدوان‪،‬‬ ‫بل أننا نجد الحكومة املصرية قد وجهت أصابع الا ام إ ى الحكومة‬ ‫الليبية بأ ا فتحت قاعدة خلفية للهجمات ع ى مصر‪ ،‬ب ﺮكها أراض ا‬ ‫مفتوحة للقواعد العسكرية)‪.(14‬‬ ‫مع اكتشاف النفط ونتيجة للتحوالت ال شهدها الاقتصاد اللي ‪،‬‬ ‫الذي أحدث تغي ﺮات جوهرية ي البنية الاجتماعية‪ ،‬كما أدى إ ى توسع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الفرص التعليمية‪ ،‬مما أحدث تقدما واضحا ومؤثرا‪ ،‬حيث برزت فئات ي‬ ‫املجتمع لها طموحات ومطالب جديدة‪ ،‬لك ا ي نفس الوقت أدت إ ى‬ ‫زيادة عمق التناقضات الاجتماعية)‪.(15‬‬ ‫‪13‬‬


‫أنتج التعليم وعودة املهاجرين والاختالط بمجتمعات أخرى نخبة‬ ‫متعلمة‪ ،‬كما خلقت صناعة النفط طبقة عمالية أحست بالغربة لتدخل‬ ‫الحكومة ي نشاطها النقابي‪ ،‬وانتشر هذا ٕالاحساس والشعور‪ ،‬ب ن الطلبة‬ ‫ً‬ ‫وأفراد القوات املسلحة وخرج جيال إ ى الحياة الاجتماعية والسياسية‬ ‫ً‬ ‫)‪(16‬‬ ‫متحمسا للقيام بدورﻩ ي املجتمع‬ ‫وظهر بعض املثقف ن الذين لم يتجاوزوا حدود الكتابة أو الخطابة إ ى‬ ‫العمل التنظيم الحزبي‪ ،‬برغم انتماءا م السياسية ال يظهرو ا ك ﺮف‬ ‫فكري‪ ،‬و مفاتيح للجدل و الحوار ولم تر ى إ ى منهج يستدعيه صراع‬ ‫طبقي بمكوناته ٕالانتاجية الرأسمالية‪.‬‬ ‫تأسيس صحيفة الحقيقة‪:‬‬ ‫خالل الف ﺮة ال تنحصر ب ن عامي ‪ 1952‬و‪1972‬م‪ ،‬صدرت ي ليبيا‬ ‫‪ 25‬صحيفة مستقلة باللغة العربية وعشر صحف باللغت ن ٕالانجل ية‬ ‫وٕالايطالية ويمكن إرجاع هذا ال ايد ي عدد الصحف‪ ،‬إ ى اكتشاف‬ ‫النفط الذي أدى إ ى زيادة ٕالانفاق الحكومي‪ ،‬السيما ي مجال التعليم‬ ‫ونتج عن ذلك‪ ،‬زيادة عدد املتعلم ن مما ساعد ع ى نمو الصحف)‪.(17‬‬ ‫ولقد سيطرت الحكومة ع ى الصحافة من خالل املساعدة املالية‪،‬‬ ‫ال كانت تقدم ي شكل قروض واش ﺮاكات وإعالنات وإعانات مالية‬ ‫مباشرة‪ ،‬كذلك لجأت إ ى مصادرة الصحف ال تنتقد سياسا ا وإ ى‬ ‫عدم منح تراخيص إلصدار الصحف ومحاكمة مالكي ومحرري هذﻩ‬ ‫الصحف وعرقلة طباع ا ي املطابع الحكومية )‪.(18‬‬ ‫ي هذا املناخ السياﺳ والاقتصادي والاجتما ي والثقا ي‪ ،‬أسس‬ ‫َ‬ ‫مح ّمد البش ﺮ الهوني* صحيفة الحقيقة* ي ‪ 7‬مارس ‪1964‬م‪ ،‬أسبوعية‬ ‫ً‬ ‫أول ٔالامر‪ ،‬ثم أصبح شقيقه رشاد الهوني* شريكا ي ملكي ا و مدير لتحرير‬ ‫‪14‬‬


‫ً‬ ‫الصحيفة اعتبارا من ‪ 7‬مارس ‪1966‬م‪ ،‬عندها تطورت الصحيفة‪،‬‬ ‫فامتلكت مطبعة خاصة انتقلت إل ا‪ ،‬وشرعت ي الصدور اليومي‪ ،‬وقد‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫شكل هذا التطور مدرسة جديدة ي الصحافة الليبية‪ ،‬إخراجا وأسلوبا‬ ‫وفكرة‪ ،‬استندت إ ى واقع املدرسة التقليدية ي الصحافة الليبية‬ ‫ّ‬ ‫وطورته)‪ (19‬كما اش رت بأسلو ا الساخر ي تناول‬ ‫واستفادت منه‬ ‫الحكومة والتعريف بمساؤها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫برزت مدرسة الحقيقة بكتا ا وقرا ا‪ ،‬الذين خلقت معهم تواصال‬ ‫ً‬ ‫واضحا‪ ،‬وأصبحت القراءة بفضلها عادة يومية)‪ ،(20‬لتتحول إ ى مؤسسة‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫صحفية ح مطلع عام ‪1972‬م‪ ،‬عندما أصدرت محكمة الشعب حكما‬ ‫بإيقاف الصحيفة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لقد مثل جيل كتاب الحقيقة بانتما م لتيار التجديد والتطور ي‬ ‫ٔالاسلوب‪ ،‬والعمل الصحفي‪ ،‬خصوصية شهد ا الصحيفة طوال ف ﺮة‬ ‫صدورها‪ ،‬وبصمت ٔالافق الثقا ي ببصمات مهمة ظلت تأث ﺮا ا لدى‬ ‫الكث ﺮين واستفادوا م ا‪ ،‬وكان إلنتشارها الدور الكب ﺮ ي الحياة الثقافية‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫عموما‪ ،‬وظلت إمتدادا رائعا لجهود وطنية سابقة أداها جملة من الرجال‬ ‫املخلص ن املؤسس ن ملهنة الصحافة ي ليبيا‪.‬‬ ‫وقد صدر عن الصحيفة ي عامها الرابع يومية باللغة الانجل ية تحت‬ ‫اسم ذي ليبيان تايمز أواخر عام ‪ 1967‬وتو ى رشاد الهوني رئاسة تحريرها‪.‬‬ ‫كتب ي صحيفة الحقيقة بعض ﱠ‬ ‫ّ‬ ‫الليبي ن القالئل الذين‬ ‫الكتاب‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الوطنية‪ ،‬والدعوة إ ى بناء‬ ‫حاولوا‪ ،‬ومنذ وقت مبكر جدا‪ ،‬تعميق مفهوم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الليبية‪ ،‬وتأصيل القيم املم ة لها وهدف من وراء هذا‬ ‫الشخصية‬ ‫التوجه‪ ،‬تعزيز قيم الانتماء إ ى الوطن‪ ،‬حيث لم يكن هدفهم من وراء‬ ‫ّ‬ ‫العربي وٕالاسالمي أو بقصد الدعوة إ ى‬ ‫ذلك‪ ،‬عزل ليبيا عن املحيط‬ ‫‪15‬‬


‫ً‬ ‫الانعزال ّية أو الانسالخ عن العروبة وٕالاسالم‪ ،‬بل كان يرى بأن مزيدا من‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املحلية‪ ،‬تع املزيد من‬ ‫العاملية)‪.(21‬‬ ‫لم تقتصر أقالم املثقف ن ع ى بث آراءهم ومق ﺮحا م ع ى الاهتمام‬ ‫بالتعليم باإلصالح والنقد‪ ،‬بل حفلت صفحات الصحف بعشرات املقاالت‬ ‫والقصائد ي ش أنواع ٓالاداب‪ ،‬وكان املشتغلون بالصحافة من شريحة‬ ‫مم ة‪ ،‬وقد كان م م علماء وشعراء وساسة لهم اح ﺮامهم وتقديرهم ي‬ ‫املجتمع‪ ،‬كان من أبرزهم‪ ،‬الصادق الن وم* الذي نشر العديد من‬ ‫املقاالت والدراسات بالصحيفة‪.‬‬ ‫املوقف من القضية الفلسطينية‪:‬‬ ‫لم يختلف خطاب الصحيفة عن خطاب با ي الصحف الليبية‬ ‫الحكومية ؤالاهلية فقد كان الاتجاﻩ العام لتوجهات الصحف ينصب‬ ‫حول الدعوة لدعم القضية الفلسطينية‪.‬‬ ‫بمناسبة خطاب العرش أشادت الصحيفة بسياسات الحكومة‬ ‫الخارجية ع ى أساس استقاللية التفك ﺮ والاتجاﻩ ودعم قضايا التحرر‬ ‫والسالم ومساندة الجامعة العربية وٕالايمان بقضية فلسط ن وضرورة‬ ‫تخليص هذا الجزء من الوطن العربي املغتصب من الاحتالل)‪.(22‬‬ ‫وح ن تذكر الصحيفة بالفخر والاع از الجيش اللي ويؤيد ما أولته‬ ‫الحكومة من عناية ليكون ي مستوى الوطن الحر و ي مستوى املسئولية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫امللقاة ع ى عاتقه وطالبت بأن يكون مدربا ع ى أحسن ٔالاساليب مزودا‬ ‫ً‬ ‫بأحدث ٔالاسلحة مدعما بخ ﺮة شباب الوطن‪.‬‬ ‫وملعالجة ٔالاوضاع الداخلية ي البالد‪ ،‬اهتمت الحقيقة بكافة‬ ‫ً‬ ‫املؤتمرات ال أقيمت ي املدن الليبية تأييدا للقضية الفلسطينية‬ ‫)‪(23‬‬ ‫بمناسبة مرور ثمانية عشرة عاما ع ى احتالل فلسط ن عام ‪1948‬م‬ ‫‪16‬‬


‫ون ت السكان إ ى موضوع استغالل التجار واملرابون للمحنة ورفع أسعار‬ ‫املواد الغذائية بسبب الحرب‪ ،‬حيث الحظت إقبالهم ع ى شراء املواد‬ ‫الغذائية ٔالامر الذي سبب الارتفاع ي ٔالاسعار)‪.(24‬‬ ‫دعت الصحيفة إ ى ضرورة الوقوف مع الشعب الفلسطي واعت ﺮت‬ ‫ً‬ ‫املعركة معركة مص ﺮ مش ﺮك‪ ،‬ففي مقال ‪ -‬نشرته ردا ع ى قيام املجلس‬ ‫الصهيوني ٔالامريكي بدعوة الرئيس ٔالامريكي جونسون إ ى تأكيد تعهدات‬ ‫أمريكا بمساعدة إسرائيل‪ -‬كتبت " بدون أي تحفظات ودون الحاجة إ ى‬ ‫كث ﺮ من التفس ﺮ تمت ئ مشاعر الشعب اللي وحكومته بكل حماس‬ ‫القضايا العربية وتزخر بكل نبض تواق إ ى يوم املعركة الذي يعيد إ ى‬ ‫الفلسطي ديارﻩ وإ ى ٔالامة العربية أرضها")‪.(25‬‬ ‫أما موضوع القواعد ٔالاجنبية فقد راقبت الصحيفة تصريحات كبار‬ ‫املسئول ن ونشرت كل ما يتعلق بموضوع القواعد ون ت إ ى مراقب ا‬ ‫واتخاذ كافة الخطوات الالزمة لتحييدها ومنع استخدامها ملساعدة‬ ‫إسرائيل أو الاعتداء ع ى أي بلد عربي)‪ (26‬وطالبت بإعادة النظر ي موضوع‬ ‫القواعد ٔالاجنبية والعالقات مع أمريكا وبريطانيا ون ت إ ى حقيقة ال‬ ‫يمكن إنكارها متمثلة ي استحالة القضاء ع ى إسرائيل ما دامت بريطانيا‬ ‫وأمريكا تملكان مرافق عسكرية فعالة ي املنطقة)‪.(27‬‬ ‫نقلت صحيفة الحقيقة أخبارها ال سبقت املعركة من وسائل‬ ‫ٕالاعالم املصرية ٕالاذاعية والصحافية‪ ،‬واعت ﺮت استعداد العرب للمعركة‬ ‫قد بعث ارتعاشة املوت ي أوصال الدولة الع ﺮية ال اعت ﺮ ا وصمة عار‬ ‫ي جب ن القرن العشرين)‪.(28‬‬ ‫و ي إطار تحف الحماسة القومية داخل أوساط املجتمع اللي ‪،‬‬ ‫تحدثت الصحيفة بأنه باإلضافة إ ى روابط العروبة والقومية ال تجمعنا‬ ‫‪17‬‬


‫بفلسط ن‪ ،‬وجود نسب قوي ب ن ليبيا وفلسط ن منذ أربع ٓالاف سنة )‪.(29‬‬ ‫وعقب الحرب أصيبت الحقيقة بالخيبة ال أصابت املواطن العربي‬ ‫وكانت الحقيقة واضحة ي فضح ما حدث لألمة العربية بدون تحفظ‬ ‫واعت ﺮت رجال ٔالاعالم الذين أتبعوا سلوك بائس لتلميع ٔالاوضاع املزرية‬ ‫لألمة العربية ي هزيم ا واعت ﺮت قصيدة هوامش ع ى دف ﺮ النكسة*‬ ‫هتاف من ٔالاعماق ضد الواقع العربي‪.‬‬ ‫وكتب الصادق الن وم بعد معركة ‪ 5‬يونيه يلوم العالم الذي أحتفل‬ ‫بسقوط مدينة القدس‪" ،‬عندما رقص القساوسة عراة ي الشوارع ودقت‬ ‫نواقيس الكنائس وتعرت أوروبا البدائية تحمل صلبا ا وأيقونة‬ ‫العذراء")‪.(30‬‬ ‫وتوقع الكاتب إن أمريكا وبريطانيا ي ال خسرت الحرب‪ ،‬فإسرائيل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قد تكون حققت نصرا عسكريا ي أرض العرب تحت حماية فعالة من‬ ‫بريطانيا وأمريكا ال عملت ضد مصالحهما ي الوطن العربي‪ ،‬الذي يقع‬ ‫وسط الطريق بي ما وب ن معظم أصدقا ما وأعدا ما ي الشرق ٔالاوسط‬ ‫وتستطيع بوسائل املقاطعة السلمية وحدها أن تلحق باقتصاديا ما‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ضررا ائيا ال شفاء منه )‪.(31‬‬ ‫وكتب رشاد الهوني‪ ،‬عن أوروبا ال يتم التعامل معها وينفق عل ا‬ ‫ببذخ وتس لك منتجا ا ي " الك و افت‪ ،‬الزالت ح هذا اليوم تف ﺮك‬ ‫ٔالاخبار الكاذبة وتزيف اللقطات املشوهة وتواصل ي إصرار وعزم رسال ا‬ ‫ي تشويه وجودنا‪ ،‬واملواطن العربي ي الدول العربية ال يعرف عن هذا‬ ‫النشاط املعادي له شيئا" )‪.(32‬‬ ‫ومن واجب ٕالاعالم ي هذﻩ الف ﺮة بالذات " أن ينقل أكاذيب أوروبا‬ ‫للمواطن الذي يصيبه التشويه ح يمكنه أن يربي حصيلة من الحقد‪،‬‬ ‫‪18‬‬


‫ليواجه أعداءﻩ ومن حق املواطن أن يعرف ما يقال عنه وما يناله من‬ ‫تشويه وما يواجهه من عداء‪ ،‬أما أن يظل معزوال عن نشاط أعدائه فهذا‬ ‫هو تكرار الخطأ الذي بدأنا به عالج قضيتنا والذي انتﻬ بنا إ ي‬ ‫النكسة")‪.(33‬‬ ‫لقد تجمع العالم حول إسرائيل وانفض من حول العرب بعد العدوان‬ ‫وعندما توقفت املعركة‪ ،‬بسبب الدعاية الصهيونية املنظمة ال منعت‬ ‫عن العرب‪ ،‬ح املبادرات ٕالانسانية ال تقدم للمهزوم ي الحروب‪،‬‬ ‫حيث لم تصل للبلدان العربية معاونه واحدة من أي دوله واعت ﺮت إن‬ ‫الدعاية العربية للقضية كانت مواجهة للداخل طيلة عشرون عاما)‪.(34‬‬ ‫خاتمة‪:‬‬ ‫هكذا نجد إن صحيفة الحقيقة‪ ،‬قد ولدت ي وسط ثقا ي عانى من‬ ‫ويالت الاستعمار ٔالاجن الذي سيطر ع ى ٔالارض الليبية‪ ،‬ثم تقلص ذلك‬ ‫الاستعمار العسكري إ ي قواعد واستعمار اقتصادي لشركات النفط ال‬ ‫سيطرت ع ى املقدرات الاقتصادية‪.‬‬ ‫و ي وسط ثقا ي متنوع الاتجاهات الفكرية والسياسية‪ ،‬قادم من‬ ‫بيئات مختلفة و ي مناخ سياﺳ مضطرب نتيجة تلك التنوعات‪ ،‬فكانت‬ ‫هناك سيطرت القيادات القبلية والدينية ع ى السلطة وظهور جماعات‬ ‫تنادي بالقومية وأخرى تحمل أيدلوجيات مختلفة‪ ،‬فظهرت الحقيقة‬ ‫ليبية الاتجاﻩ‪ ،‬همها الوحيد مصلحة ليبيا الوطن والدولة والشعب الذي‬ ‫ينتم لهذﻩ الرقعة ال يطلق عل ا ليبيا وقد تعاملت الحقيقة مع حرب‬ ‫العرب ضد إسرائيل لتعكس وجهة نظر املثقف ن الليبي ن حول ٕالاعداد‬ ‫للحرب والحرب وما وصلت إليه نتيج ا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وقد نهجت الصحيفة نهجا مستقال بعد هزيمة يونيه وان ﺮى كتا ا ي‬ ‫‪19‬‬


‫تحليل أسباب الهزيمة‪ٔ ،‬الامر الذي جعلها تتعرض إليقاف صدورها‬ ‫ٔالاسبو ي بقرار من وزير ٔالاعالم آنذاك الذي أمر بوقف طباعة الصحيفة‬ ‫بمطابع الحكومة‪.‬‬ ‫انتقدت الصحيفة موقف الحكومة الضعيف‪ ،‬مما جعلها ي موقف ال‬ ‫تحسد عليه‪ ،‬أمام تأمر ٔالاصدقاء ؤالاعداء وأستغله ممن يقفون خلف‬ ‫بعض الشعارات‪.‬‬ ‫***‬

‫هوامش‪:‬‬ ‫‪ -1‬عبدالعزيز سعيد الصوي ي‪ ،‬بدايات الصحافة الليبية‪ ،‬الدار الجماه ﺮية للنشر‬ ‫والتوزيع وٕالاعالن‪ ،‬مصراته‪ -‬ليبيا‪ ،‬ص ‪. 61‬‬ ‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.117‬‬ ‫‪ -3‬محمد الكوني بالحاج‪ ،‬التحديث العثماني ي والية طرابلس الغرب‪ ،‬منشورات‬ ‫جامعة السابع من ابريل‪ ،‬ص ‪.77‬‬ ‫* تم توقيع صلح بن يادم ي ‪ 21‬ابريل ‪ 1919‬واتفاق الرجمة ي‪ 25‬أكتوبر ‪،1920‬‬ ‫للمزيد انظر‪ ،‬محمد فؤاد شكري‪ ،‬ميالد دولة ليبيا الحديثة‪ ،‬مطبعة الاعتماد‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،1957 ،‬ص‪.556-524‬‬ ‫‪ -4‬محمود َ‬ ‫ّ‬ ‫مح ّمد الناكوع‪ ،‬الصحافة ٔالادبية ي ليبيا‪ ،‬تاريخ حافل من النجاح‬ ‫ّ‬ ‫اللندنية الصادرة بتاريخ ‪ 29‬يونيه ‪2006‬م‪.‬‬ ‫وٕالاخفاق‪ ،‬صحيفة القدس‬ ‫‪ -5‬عبدالعزيز سعيد الصوي ي‪ ،‬بدايات الصحافة الليبية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.210‬‬ ‫‪ -6‬ع ي مصطفى املصراتي‪ ،‬صحافة ليبيا ي نصف قرن‪ ،‬الدار الجماه ﺮية للنشر‬ ‫ً‬ ‫والتوزيع‪ ،‬مصراته – ليبيا‪2000 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،256‬وينظر أيضا‪ ،‬أحمد القالل – سنوات‬ ‫الحرب و ٕالادارة العسكرية ال ﺮيطانية ى برقة‪ – 2003 -‬ص ‪.165‬‬ ‫‪ -7‬محمد زا ي املغ ﺮبي‪ ،‬الدولة واملجتمع املدني ي ليبيا‪ ،‬إصدارات عراج ن‪،2006 ،‬‬ ‫ص‪.25‬‬ ‫‪ -8‬عواطف عبدالرحمن‪ ،‬قضايا التبعية ٕالاعالمية والثقافية ي العالم الثالث‪ ،‬سلسلة‬ ‫‪20‬‬


‫عالم املعرفة‪ ،‬املجلس الوط للثقافة والفنون وٓالاداب‪ ،78‬الكويت‪ ،‬ص ‪.15‬‬ ‫‪ -9‬عواطف عبدالرحمن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.103‬‬ ‫‪ -10‬مصطفى فوزي السراج‪ ،‬ذكريات وخواطر‪ ،‬مركز جهاد الليبي ن للدراسات‬ ‫التاريخية‪ ،‬طرابلس‪ ،2005 ،‬ص ‪.439-438‬‬ ‫‪ -11‬مصطفى أحمد بن حليم‪ ،‬صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياﺳ ‪ ،‬مطابع‬ ‫ٔالاهرام التجارية‪ ،‬مصر‪1992 ،‬م‪ ،‬ص‪.155-154‬‬ ‫‪ -12‬الهادي مصطفى أبولقمة‪ ،‬لقاء أجراﻩ الباحث‪ ،‬بتاريخ ‪.2009/9/24‬‬ ‫‪ -13‬سالم الكب ‪ ،‬زيت القناديل‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.99‬‬ ‫‪ -14‬مصطفي أحمد بن حليم‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.479-478‬‬ ‫‪ -15‬محمد زا ي املغ ﺮبي‪ ،‬الدولة واملجتمع املدني ي ليبيا‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.26‬‬ ‫‪ -16‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.27‬‬ ‫‪ -17‬محمد زا ي املغ ﺮبي‪ ،‬املجتمع املدني والتحول الديمقراطي ي ليبيا‪ ،‬موقع منتدى‬ ‫ليبيا للتنمية البشرية والسياسية‪ 14 ،‬ف ﺮاير ‪.www.libyaforum.org ،2004‬‬ ‫‪ -18‬محمد زا ي املغ ﺮبي‪ ،‬املرجع نفسه‪.‬‬ ‫* محمد بش ﺮ الهوني‪ :‬صحفي لي أسس صحيفة الحقيقة مع شقيقه رشاد ي ‪7‬‬ ‫مارس‪ /‬آذار ‪1964‬م‪ ،‬وكانت الحقيقة ح اية ف ﺮاير ‪1966‬م مملوكة له وحدﻩ‪ ،‬ثم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أصبح رشاد شريكا ي ملكي ا اعتبارا من ‪ 7‬مارس ‪1966‬م‪.‬‬ ‫* ي سنة ‪ ،1919‬أثناء ف ﺮة ٕالاحتالل ٕالايطا ي‪ ،‬صدرت ي مدينة بنغازي أول صحيفة‪،‬‬ ‫حملت أسم الحقيقة وكانت تطبع ي مطبعة أنشئت لهذا الغرض بشارع زوارﻩ‪ ،‬وظلت‬ ‫ً‬ ‫تصدر أسبوعيا ملدة أربع سنوات تقريبا‪ ،‬وبتحرير جان أولم يعاونه بعض أبناء‬ ‫املدينة‪ ،‬وقد نشرت بعض أخبارها ومقاال ا بالعامية‪ ،‬مراعاة ملستوى ثقافة الناس‬ ‫السائدة‪ ،‬أسماء ٔالاسطى‪ ،‬الصحافة الليبية‪ ..‬دراسة حصرية تحليلية وببليوغرافيا‬ ‫‪2003 – 1866‬م‪ ،‬إصدارات مجلس الثقافة العام‪ ،‬ص‪.119‬‬ ‫* رشاد بش ﺮ الهوني‪ :‬ولد ي طنطا بمصر يوم ‪ 31‬ديسم ﺮ ‪1937‬م‪ .‬عمل بإذاعة بنغازي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الليبية مسجال لكلية الاقتصاد والتجارة‪.‬‬ ‫الاتحادية‪ ،‬والجامعة‬ ‫ومصلحة املطبوعات‬ ‫فازت ّأول قصصه )ٔالارض( ال نشرها ي أواخر الخمسينيات بجائرة أدبية رفيعة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الصحفية وإدارة العمل الصحفي‪ ،‬نشر‬ ‫كتب رشاد الهوني الشعر‪ ،‬والقصة‪ ،‬واملقالة‬ ‫‪21‬‬


‫ّ‬ ‫صحفية‪ ،‬وقصص قص ﺮة‪ ،‬وشعر ي جريدة‬ ‫رشاد الهوني معظم إنتاجه من مقاالت‬ ‫الحقيقة‪ ،‬وحرر بابه ٔالاسبو ي )من يوم ليوم(‪ ،‬باإلضافة إ ى منصب مدير تحرير‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الصحيفة الذي شغله ح مطلع عام ‪1972‬م‪ .‬أصدرت )محكمة الشعب( حكما‬ ‫بإيقاف الصحيفة وغادر البالد ي عام ‪1973‬م‪ ،‬وبقى ي منفاﻩ ح عام ‪1988‬م‪ .‬تنقل‬ ‫خالل هذﻩ ٔالاعوام ب ن ب ﺮوت‬ ‫ولندن والقاهرة‪ ،‬وأسس ي لندن صحيفة " العرب"‪ ،‬ومجلة " الغد "‪ ،‬وأصدر‬ ‫بالتعاون مع صديقه الكاتب‪ :‬الصادق الن وم عن دار الشورى سلسلة " مكتبة ي كل‬ ‫بيت " تضمنت‪ :‬وطننا‪ ،‬عاملنا‪ ،‬صحراؤنا‪ ،‬أطفالنا‪ ،‬وطعامنا‪.‬‬ ‫تو ي رشاد الهوني يوم السبت املوافق ‪ 2‬أكتوبر ‪1993‬م ودفن بمق ﺮة الهواري جنوب‬ ‫مدينة بنغازي‪ ،‬ملزيد من املعلومات والتفاصيل راجع‪ ،‬سالم حس ن الكب ‪ ،‬زيت‬ ‫القناديل‪ ،‬رشاد الهوني‪ ،‬س ﺮة ونصوص‪ ،‬دار ومكتبة الفضيل‪2006 ،‬م‪ .‬ص ‪ 15‬وما‬ ‫بعدها‬ ‫‪ -19‬سالم حس ن الكب ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪36.‬‬ ‫‪ -20‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪37.‬‬ ‫‪ -21‬افتتاحية الحقيقة ي عددها ٔالاول بتاريخ ‪ 07‬مارس ‪.1964‬‬ ‫* الصادق رجب الن وم‪ :‬ولد ي مدينة بنغازي عام ‪ .1937‬درس جميع مراحل التعليم‬ ‫ا إ ى أن انتقل إ ي الجامعة الليبية‪ ،‬وتحديدا بكلية ٓالاداب وال ﺮبية ‪ -‬قسم اللغة‬ ‫العربية‪ ،‬وتخرج م ا عام ‪ 1961‬وكان ينشر املقاالت ي جريدة بنغازي ب ن عامي ‪-1958‬‬ ‫ً‬ ‫‪ 1959‬ومن ثم ُع ن معيدا ي كلية ٓالاداب‪.‬‬ ‫ﱠ‬ ‫أعد أطروحة الدكتوراﻩ ي " ٔالاديان املقارنة" بإشراف الدكتورة بنت الشاطئ جامعة‬ ‫القاهرة‪ ،‬وانتقل بعدها إ ى أملانيا‪ ،‬وأتم أطروحته ي جامعة ميونيخ بإشراف مجموعة‬ ‫من املستشرق ن ٔالاملان‪ ،‬ونال الدكتوراﻩ بامتياز‪ .‬تابع دراسته ي جامعة أريزونا ي‬ ‫الواليات املتحدة ٔالامريكية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫تو ي ي جنيف يوم ‪ 15‬نوفم ﺮ ‪ 1994‬ودفن بمسقط رأسه مدينة بنغازي يوم ‪20‬‬ ‫نوفم ﺮ ‪ ،1994‬كتب لصحيفة الحقيقة مع بداية الصدور اليومي‪.‬‬ ‫‪ -22‬افتتاحية الحقيقة‪ ،‬العدد‪ ،463‬السنة الرابعة‪ 6 ،‬مايو ‪1967‬م‪.‬‬ ‫‪ -23‬الحقيقة‪ ،‬العدد ‪ ،472‬بتاريخ ‪ 16‬مايو ‪.1967‬‬ ‫‪22‬‬


‫‪ -24‬افتتاحية الحقيقة‪ ،‬العدد ‪ ،481‬السنة الرابعة‪ 27 ،‬مايو ‪.1967‬‬ ‫‪ -25‬الحقيقة‪ ،‬العدد ‪ ،478‬بتاريخ ‪ 23‬مايو ‪.1967‬‬ ‫‪-26‬الحقيقة‪ ،‬العدد ‪ ،489‬بتاريخ ‪ 5‬يونيه ‪.1967‬‬ ‫‪ -27‬الحقيقة العدد ‪ ،512‬بتاريخ ‪ 20‬يوليو ‪.1967‬‬ ‫‪ -28‬سالم الكب ‪ ،‬زيت القناديل‪ ،‬رشاد الهوني‪ -‬س ﺮة ونصوص‪ ،‬املرجع السابق‪.447 ،‬‬ ‫‪ -29‬الحقيقة‪ ،‬العدد‪ ،472‬بتاريخ ‪ 16‬مايو ‪ ،1967‬ص‪.6‬‬ ‫* ‪ -‬هوامش ع ى دف ﺮ النكسة‪ ،‬قصيدة للشاعر نزار قباني‪.‬‬ ‫‪ -30‬سالم الكب ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.377‬‬ ‫‪ -31‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.378‬‬ ‫‪ -32‬نفسه‪ ،‬ص‪.378‬‬ ‫‪ -33‬مقال للكاتب رشاد الهوني بعنوان " بصاق ع ى طريق النصر" ‪ 1967‬أنظر سالم‬ ‫الكب ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.420‬‬ ‫‪ -34‬مقال للكاتب رشاد الهوني‪ ،‬بعنوان " من كان يصدق هذا " ‪ 1967‬ينظر سالم‬ ‫الكب املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.369‬‬ ‫املصادر واملراجع‬ ‫‪ -1‬أحمد القالل – سنوات الحرب و ٕالادارة العسكرية ال ﺮيطانية ى برقة‪.2003 -‬‬ ‫‪ -2‬الهادي مصطفى أبولقمة‪ ،‬لقاء أجراﻩ الباحث‪ ،‬بتاريخ ‪.2009/9/24‬‬ ‫‪ -3‬أسماء ٔالاسطى‪ ،‬الصحافة الليبية‪ ..‬دراسة حصرية تحليلية وببليوغرافيا ‪– 1866‬‬ ‫‪2003‬م‪ ،‬إصدارات مجلس الثقافة العام‪.‬‬ ‫‪ -4‬سالم حس ن الكب ‪ ،‬زيت القناديل‪ ،‬رشاد الهوني‪ -‬س ﺮة ونصوص‪ ،‬دار ومكتبة‬ ‫الفضيل‪2006 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -5‬عبدالعزيز سعيد الصوي ي‪ ،‬بدايات الصحافة الليبية‪ ،‬الدار الجماه ﺮية للنشر‬ ‫والتوزيع وٕالاعالن‪ ،‬مصراته‪ -‬ليبيا‪.‬‬ ‫‪ -6‬عواطف عبدالرحمن‪ ،‬قضايا التبعية ٕالاعالمية والثقافية ي العالم الثالث‪ ،‬سلسلة‬ ‫عالم املعرفة‪ ،‬املجلس الوط للثقافة والفنون وٓالاداب‪ ،78‬الكويت‪.‬‬ ‫‪ -7‬ع ي مصطفى املصراتي‪ ،‬صحافة ليبيا ي نصف قرن‪ ،‬الدار الجماه ﺮية للنشر‬ ‫‪23‬‬


‫والتوزيع‪ ،‬مصراته – ليبيا‪2000 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -8‬محمد الكوني بالحاج‪ ،‬التحديث العثماني ي والية طرابلس الغرب‪ ،‬منشورات‬ ‫جامعة السابع من ابريل‪.‬‬ ‫‪ -9‬محمود َ‬ ‫ّ‬ ‫مح ّمد الناكوع‪ ،‬الصحافة ٔالادبية ي ليبيا‪ ،‬تاريخ حافل من النجاح‬ ‫ّ‬ ‫اللندنية الصادرة بتاريخ ‪ 29‬يونيه ‪2006‬م‪.‬‬ ‫وٕالاخفاق‪ ،‬صحيفة القدس‬ ‫‪ -10‬محمد زا ي املغ ﺮبي‪ ،‬املجتمع املدني والتحول الديمقراطي ي ليبيا‪ ،‬موقع منتدى‬ ‫ليبيا للتنمية البشرية والسياسية‪ 14 ،‬ف ﺮاير ‪.www.libyaforum.org ،2004‬‬ ‫‪ -11‬محمد زا ي املغ ﺮبي‪ ،‬الدولة واملجتمع املدني ي ليبيا‪ ،‬إصدارات عراج ن‪.2006 ،‬‬ ‫‪ -12‬محمد فؤاد شكري‪ ،‬ميالد دولة ليبيا الحديثة‪ ،‬مطبعة الاعتماد‪ ،‬القاهرة‪.1957 ،‬‬ ‫‪ -13‬مصطفى أحمد بن حليم‪ ،‬صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياﺳ ‪ ،‬مطابع‬ ‫ٔالاهرام التجارية‪ ،‬مصر‪1992 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -14‬مصطفى فوزي السراج‪ ،‬ذكريات وخواطر‪ ،‬مركز جهاد الليبي ن للدراسات‬ ‫التاريخية‪ ،‬طرابلس‪.2005 ،‬‬ ‫‪ -15‬الحقيقة ي عددها ٔالاول‪ ،‬السنة ٔالاو ى‪ 07 ،‬مارس ‪.1964‬‬ ‫‪ -16‬الحقيقة‪ ،‬العدد ‪ ،463‬السنة الرابعة‪ ،‬بتاريخ ‪ 6‬مايو ‪.1967‬‬ ‫‪ -17‬الحقيقة‪ ،‬العدد ‪ ،472‬السنة الرابعة‪ ،‬بتاريخ ‪ 16‬مايو ‪.1967‬‬ ‫‪ -18‬الحقيقة‪ ،‬العدد ‪ ،478‬السنة الرابعة‪ ،‬بتاريخ ‪ 23‬مايو ‪.1967‬‬ ‫‪ -19‬الحقيقة‪ ،‬العدد ‪ ،481‬السنة الرابعة‪ ،‬بتاريخ ‪ 27‬مايو ‪.1967‬‬ ‫‪-20‬الحقيقة‪ ،‬العدد ‪ ،489‬السنة الرابعة‪ ،‬بتاريخ ‪ 05‬يونيه ‪.1967‬‬ ‫‪ -21‬الحقيقة العدد ‪ ،512‬السنة الرابعة‪ ،‬بتاريخ ‪ 20‬يوليو ‪.1967‬‬

‫‪24‬‬


‫تنظيم تجارة القوافل‬ ‫بوالية طرابلس الغرب‬ ‫تمهيد‪:‬‬ ‫تشكلت شبكات عديدة للمواصالت‪ ،‬وأسست مراكز تجارية ي‬ ‫الصحراء‪ ،‬و ي البلدان الواقعة فيما وراء الصحراء تستقبل منتجات بالد‬ ‫السودان‪ ،‬وتعيد تصديرها إ ى املدن املطلة ع ي البحر املتوسط‪ ،‬وال‬ ‫بدورها تصدر تلك املنتجات‪ ،‬وتستقبل املنتجات ٔالاوربية املوجهة‬ ‫الس الك الصحراء‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ونظرا ملوقع والية طرابلس الغرب الجغرا ي املناسب‪ ،‬توفرت عدة‬ ‫عوامل ساعدت ع ى تذليل الصعوبات أمام القوافل العابرة للصحراء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فساحل البحر الابيض املتوسط عند خليج السدرة يعرج كث ﺮا إ ى‬ ‫ً‬ ‫الداخل مقربا املسافة ب ن سواحله)‪ (1‬والبالد ٕالافريقية الواقعة فيما وراء‬ ‫الصحراء‪ ،‬كما أن الواحات وٓالابار املنتشرة ع ى طول الطرق املؤدية إ ى‬ ‫الجنوب‪ ،‬ساعدت ع ى ربط طر ي الصحراء الشما ي والجنوبي‪ ،‬وسهل‬ ‫قطع املسافة إ ى وسط القارة ٕالافريقية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وقد كان لهذﻩ الطرق دورا كب ﺮا ومم ا ي الربط ب ن املدن الصحراوية‬ ‫واملناطق الساحلية‪ ،‬مما جعلها مزدهرة لف ﺮات طويلة‪ ،‬وأدت إ ى انتعاش‬ ‫‪25‬‬


‫الحياة ي الواحات‪ ،‬واملدن الصحراوية ال كانت تتوقف عندها القوافل‬ ‫للراحة و ال ود باملؤن من أسواقها‪ ،‬واستبدال الجمال املتعبة بأخرى‬ ‫قادرة ع ى استكمال املسافة ونقل ٔالاحمال ؤالاغراض ب ن املناطق‪ (2).‬وقد‬ ‫تضطر القافلة للمكوث ي مكان ما مدة طويلة لسبب من ٔالاسباب‪،‬‬ ‫كمرض قائدها أو بعض رجالها‪ ،‬أو التأخ ﺮ ي وصول البضائع املراد نقلها‪،‬‬ ‫أو ركود سوق البيع لبعض السلع‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وطرق القوافل ال تخ ﺮق الصحراء التس ﺮ دائما ي خط مستقيم‪،‬‬ ‫بل ي خاضعة للحاجة إ ى التعريج ع ى نقاط املياﻩ واملرور بالواحات‪ ،‬كما‬ ‫تلتوى بسبب الظروف الطبوغرافية لتدور بالجبال وتتجنب الوديان)‪.(3‬‬ ‫وتقع الطرق الصحراوية تحت ضرورة الترحم مثل نقص املياﻩ وتشابه‬ ‫الصحراوية و ى غ ﺮ قابلة للتغ ﺮ أو‬ ‫املساحات الشاسعة من ٔالارا‬ ‫التقص ﺮ‪ ،‬ويستدل ع ى تتبع ٔالاثر ي بعض ٔالاحيان بتل صغ ﺮ أو شج ﺮة‬ ‫وحيدة أو كومة من ٔالاحجار ي الصحراء‪ ،‬وم حاد املسافر عن ذلك ٔالاثر‬ ‫أو فاته أن يلحظه‪ ،‬فقد يتيه ويظل الطريق‪ ،‬ومع ذلك املوت املحقق)‪.(4‬‬ ‫وقد يكون نضوب ماء بﺌﺮ أو كساد تجارة سوق ما ع ى طريق القافلة‬ ‫معناﻩ ضرورة التحول عن تلك الطريق‪ ،‬ؤالامر كذلك م أختل ٔالامن‪،‬‬ ‫وأصبحت القوافل تواجه خطر ال ب والسلب والاعتداء ع ى حياة‬ ‫التجار‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ويوفر مرشدوا القوافل مصدرا للعلف ع ى الطرق املقفرة‪ ،‬ال ال أثر‬ ‫ا ألي نبات‪ ،‬وذلك ب ﺮكهم كمية من العلف ي كل محطة يقفون عندها‬ ‫ح يتس لهم ال ود ا عند العودة‪ ،‬إذ ال يجرؤ أحد ع ى النيل م ا‬ ‫ع ى اعتبار أ ا من املحرمة ع ى غ ﺮ أهلها‪ ،‬وكانت تخبأ بعناية ح يعاد‬ ‫استغاللها من قبل أصحا ا الذين يعرفون وحدهم أماك ا‪ ،‬وهو ليس‬ ‫‪26‬‬


‫ُ‬ ‫باألمر الغريب السيما إذا عرف أن الكث ﺮ من ٓالابار يلجأ إ ى طمس معاملها‪،‬‬ ‫ح تظل ي مأمن من استغاللها من قبل الغ ﺮ)‪.(5‬‬ ‫وملا كانت بعض الطرق مش ﺮكة الاتجاﻩ‪ ،‬فإن بعض القوافل املتجهة‬ ‫إ ى مركز ما‪ ،‬تش ﺮك مع غ ﺮها من القوافل املتجهة إ ى مراكز أخرى ى‬ ‫مسافات تزيد عن مس ﺮة تلك القافلة أو تنقص‪ ،‬وقد تلتقي بقوافل أخرى‬ ‫لتنظم إل ا‪ ،‬أو لتسلك مرحلة معينة من الطريق فقط‪ ،‬أو تلتقي لغرض‬ ‫التبادل التجاري ي بعض مراكز التوقف للراحة أو استبدال الجمال‪،‬‬ ‫ويكون اللقاء ي مراكز معروفة وأوقات محددة معروفة لدى مس ﺮي‬ ‫القوافل‪ ،‬ح يضمنوا اللقاء ويتم تبادل البضائع املعدة للبيع)‪.(6‬‬ ‫تنظيم القوافل التجارية‪:‬‬ ‫كان تنظيم القوافل التجارية العابرة للصحراء ي العادة يقوم به‬ ‫التجار واملواطنون‪ ،‬حيث اش رت بعض البيوت التجارية)‪ (7‬ي تنسيق‬ ‫تسي ﺮ القوافل التجارية ونقل سلعها وبضائعها إ ى أماكن تصريفها‪ ،‬ويتم‬ ‫الاتفاق ع ى ٔالامور الخاصة بالقوافل فيما ب ن املواطن ن والتجار وتلك‬ ‫البيوت‪ ،‬بعقد الصفقات التجارية وتنظيم القوافل)‪.(8‬‬ ‫وتوكل قيادة القافلة إ ى شخص متمرس بأصول التجارة وعبور‬ ‫الصحراء ولديه الخ ﺮة الكافية‪ ،‬ويش ﺮط ي قائد القافلة املشرف‪ ،‬أن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يكون صاحب أمالك أو عقارات لتكون رهنا أو ضمانا للبضائع ال يؤتمن‬ ‫عل ا‪ ،‬ويلقب قائد القافلة بـ"شيخ القافلة" )‪ (9‬أو "قافلة با " )باللغة‬ ‫ال ﺮكية()‪ ،(10‬وتكون له كافة الصالحيات أثناء الرحلة‪ ،‬و ي مراكز تواجد‬ ‫القافلة ى ٔالاسواق‪ ،‬وقد أعفت القوان ن ؤالاعراف العثمانية قادة‬ ‫ً‬ ‫القوافل من دفع الضرائب تشجيعا لهذﻩ الشريحة من املجتمع )‪.(11‬‬ ‫وكان التجار يش ﺮكون ى تنظيم القوافل باملال الالزم والبضائع‪،‬‬ ‫‪27‬‬


‫ويوكلون مهمة الاشراف ع ى القافلة التجارية لشخص مسلم يثقون فيه‪،‬‬ ‫وعادة ماكان ألصحاب البضائع واملؤسسات التجارية عربية أو ودية‬ ‫وكالء تجاريون ومكاتب فرعية ي أسواق الواحات الليبية الداخلية أو‬ ‫اسواق ماوراء الصحراء )‪.(11‬‬ ‫ً‬ ‫وملا كانت معظم البضائع املتجهة من أسواق طرابلس جنوبا تخضع‬ ‫لنظام املقايضة‪ ،‬فإن املشرف ن ع ى القوافل التجارية كانوا يحددون لها‬ ‫ً‬ ‫أسعار أع ى من أسعارها ى طرابلس‪ ،‬تحسبا ملواجهة التكاليف الاضافية‬ ‫مثل أجرة النقل والضرائب‪ ،‬ومخاطر الطريق‪ ،‬وكانت ٔالارباح بعد التسويق‬ ‫تقسم مناصفة ب ن التجار أصحاب البضائع‪ ،‬وب ن املشرف ن عل ا)‪.(13‬‬ ‫وكان قسم من التجار يسافر مع القافلة‪ ،‬أما الباقون فيسلمون‬ ‫بضائعهم إ ى وكال م تحت إشراف رئيس القافلة‪ ،‬ويتم تسجيل البضائع‬ ‫ي سجالت خاصة ويكتب ى السجالت نوع البضاعة وعددها‬ ‫وراسمالها)‪ ،(14‬وتوضع بضاعة كل تاجر ى "عديلة")‪ (15‬خاصة به يوضع‬ ‫بداخلها ورقة يكتب ف ا ماتحتويه العديلة)‪ (16‬و ى مطابقة ملا تم تسجيله‬ ‫ى سجل البضائع العام‪ ،‬وإذا حدث أى خالف بالنقص أو بالزيادة تراجع‬ ‫ً‬ ‫السجالت املوجودة عند مرس ي البضائع تحسبا لحل هذا الخالف‪.‬‬ ‫ونورد هنا نموذج من ٔالاوراق ال توضع ى العديلة واملطابقة ملا ي‬ ‫السجالت التجارية الخاصة "الحمد هلل قائمة العدل املباركة انشاء ﷲ‪،‬‬ ‫و ى لع ي بن الحاج محمد بن رشيد داخل ف ا اثنان وتسعون ورق حرير‬ ‫)‪(19‬‬ ‫أحمر ومقطع)‪ (17‬خام‪ ،‬وخرواط)‪ (18‬ذرع نصف قنطار وثالثة كواغط‬ ‫أسماوي)‪ (20‬قطف)‪ ،(21‬وثالثة كواغط ري)‪ ،(22‬وخمسة صناديق ملاع‪ ،‬وربط‬ ‫أبار ف ا عشرون ألف وتسعة آالف روانداد)‪ (23‬وزوج كواغط‪ ،‬وأربعة عشر‬ ‫شكاك)‪(24‬خرز سماوى‪ ،‬والحفيظ ﷲ" أواسط ربيع الثاني ‪1281‬ه ‪1862‬‬ ‫‪28‬‬


‫بل ٔالابار ف ا خمسة وعشرون الف أبارى صح من كاتبه عفى ﷲ عنه‬ ‫أم ن خرجنا منه نصف قنطار خرز زر ي‪ ،‬صح من كاتبه عفى ﷲ عنه‬ ‫أم ن‪ ،‬وزودنا ف ا نصف قنطار خرز ري‪ ،‬صح من كاتبه عفى ﷲ عنه‬ ‫أم ن")‪.(25‬‬ ‫و ي ورقة أخرى‪:‬‬ ‫"الحمد هلل‪ ،‬بيان ما ى العدله‪ ،‬و ى لعمنا سيدى محمد الصغ ﺮ بن‬ ‫الحاج محمد الث محمد محمد الصغ ﺮ بن الحاج حيدا‪ ،‬م ا مائت ن‬ ‫ربط حرير‪ ،‬مع عشرين قالب سكر‪ ،‬مع تسعة برانس ملف كبار ألوان‪،‬‬ ‫مع سبعة ألف مرجاني رقيق مع شالف‪ ،‬طه يس والحفيظ ﷲ‪ ،‬أواخر‬ ‫رجب ‪ 1281‬ه ‪.(26) 1862‬‬ ‫وهكذ فان تنظيم القافلة وإستالم البضائع‪ ،‬كان يمر بمجموعة من‬ ‫الاجراءات من تسليم واستالم وعدد للبضائع‪ ،‬وإذا ماوقع أى خطأ ى‬ ‫التسجيل أو ى العدد فيتم استدراك ذلك من قبل الكاتب نفسه مثل‬ ‫ماورد ى الوثيقة ٔالاو ي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وقد كان مألوفا أن تكون تجارة القوافل ب ن أيدى التجار‬ ‫ً‬ ‫الغدامسي ن‪ ،‬حيث انتقل بعضهم إ ى مدينة طرابلس‪ ،‬وأسسوا بيوتا‬ ‫تجارية اش رت بعالقا ا التجارية الواسعة باملناطق الصحراوية‬ ‫وماورا ا‪ ،‬لزمن طويل‪ ،‬ولكن ى العقود ٔالاخ ﺮة انخرط ى مجال التجارة‬ ‫ً‬ ‫عددا من أهل طرابلس املقيم ن ا من العرب وال ود وكان لهم ممثلون‬ ‫ووكالء يقومون بالعمل ى غدامس وغات ومرزق و ى بعض املراكز ى‬ ‫السودان)‪ (27‬وحدث تعاون ب ن البيوت الطرابلسية والغدامسية‪ ،‬وبعضهم‬ ‫كان له ارتباط مع البيوتات ال ودية ي طرابلس‪ ،‬وم ا‪ :‬بيت أربيب‪،‬‬ ‫وحنونه ال تستورد البضائع الاوربية‪ ،‬بالتعاون مع شركات ى مالطا‬ ‫‪29‬‬


‫وليفرنو بايطاليا)‪.(28‬‬ ‫ً‬ ‫وكان كبار تجار طرابلس يمتلكون بيوتا تجارية‪ ،‬تعمل لحسا م‬ ‫الخاص وتس ﺮ قوافل خاصة ا‪ ،‬ومن ب ن هوالء التجار أفراد من‬ ‫الجاليات ٔالاوربية وال ودية مثل قافلة "راخه بن نسيم"‪ ،‬وقافلة مسالته‬ ‫ال تؤجر لل ودى "معتوق املالطي" املشهور بالدباش‪ ،‬وهذﻩ القوافل‬ ‫كانت تتعامل مع بالد السودان الغربي)‪.(29‬‬ ‫وكانت من املهام ٔالاساسية للبيت التجاري‪ :‬تحديد الربح والخسارة بعد‬ ‫ً‬ ‫عودة القافلة‪ ،‬علما بأن قادة القوافل كانوا ي ربون من تحمل مسؤولية‬ ‫الخسارة الناجمة عن ظروف غ ﺮ طبيعية‪ ،‬أى ى حالة السلب والسطو أو‬ ‫ً‬ ‫الحرب‪ ،‬ولكن قائد القافلة يعت ﺮ مسؤوال عن البضائع ال كان يستلمها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫من تجار أخرين لحسا م ألنه أصبح مكلفا برد قيم ا نقدا أو مقايضة مع‬ ‫أرباحها‪ ،‬وذلك بعد خصم أتعابه ويالحظ أن القوافل التجارية الكب ﺮة كان‬ ‫ينظم إل ا بعض ٔالاشخاص أصحاب ٔالاموال القليلة ليتمتعوا بحماي ا‪،‬‬ ‫وهم يخضعون الرشادات قائد القافلة )‪.(30‬‬ ‫ّأما حجم القافلة وعدد جمالها‪ ،‬قد يختلف من قافلة إ ى أخرى‪،‬‬ ‫فهناك قوافل متوسطة الحجم يتجاوز عدد جمالها مائة جمل‪ ،‬وقوافل‬ ‫كب ﺮة ي ﺮاوح عدد جمالها ب ن ألف ن وثالثة ٓالاف جمل‪ ،‬ففي عام ‪1873‬‬ ‫ً‬ ‫بلغ عدد جمال إحدى القوافل ستة عشرألف جمال وكان من املألوف أن‬ ‫ً‬ ‫أك ﺮ القوافل حجما ى تلك املتجهة ألداء فريضة الحج)‪.(31‬‬ ‫أما أجور النقل فﻬ باهضة‪ ،‬ويتفق بشأ ا قبل انطالق القافلة‪ ،‬وقد‬ ‫نقل بوريمان)‪ (32‬صورة عن العقبات ال واجهته عند إنضمامه للقافلة‬ ‫ال اصطح ا واملتجهة من جالو ا ى مرزق ى ‪ 28‬أبريل ‪ 1862‬حيث أورد‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫"لم يكن تأم ن الجمال للرحلة أمرا سهال بسبب املبالغة ى أجرة‬ ‫‪30‬‬


‫النقل ال كانت باهضة وبالرغم من ٕالاتفاق مع "املجابرة" أصحاب‬ ‫الجمال ع ى أسعار النقل وتحرير عقد بيننا ودفع نصف قيمة ٔالاجرة‬ ‫ً‬ ‫مقدما‪ ،‬فإ م لم يل موا بالعقد ولم يستطيع محرر العقد إلزامهم بما تم‬ ‫ٕالاتفاق عليه")‪.(33‬‬ ‫وعن أسعار تأج ﺮ الجمال ى الرحالت‪ ،‬فإن أجرة الجمل الواحد من‬ ‫ً‬ ‫طرابلس ا ى غات يدفع ‪ 15‬محبوب)‪ (34‬ومن غات إ ى طرابلس ‪ 15‬رياال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫غاتيا)‪ (35‬ومن غات إ ى غدامس من ‪ 9‬إ ى ‪ 11‬رياال غاتيا‪ ،‬ومن غات إ ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مرزق من ‪ 5‬إ ى ‪ 6‬رياال غاتيا‪ ،‬ومن غات إ ى كانو يدفع عن الحمل البالغ‬ ‫وزنه ‪ 2.5‬قنطار ‪ 32.5‬بوط ﺮ‪ ،‬أو عن القنطار الواحد من ‪ 50.000‬إ ى‬ ‫‪" 55.000‬كاورى")‪ (36‬تدفع ى كانو‪ ،‬ومن غدامس إ ى غات يدفع عن حمل‬ ‫الجمل البالغ ‪ 3.5‬قنطار‪ ،‬من ‪ 2.5‬إ ى ‪ 3‬محبوب‪ ،‬ومن غدامس إ ى توات‬ ‫يدفع عن حمل واحد مبلغ ‪ 24‬بوخمسة‪ ،‬و أما من طرابلس إ ى غدامس‬ ‫فيدفع من ‪ 7‬إ ى ‪ 8‬محبوب)‪ (37‬وحمولة الجمل ى املسافات البعيدة‬ ‫تحسب ع ى أساس ‪ 150‬كيلو غرام)‪.(38‬‬ ‫وكان أها ي والية طرابلس الغرب يسيطرون ع ى طرق النقل ع ﺮ‬ ‫أراض م السيما املتجهة من الشمال إ ى الجنوب والعكس‪ ،‬كال حسب‬ ‫منطقته‪ ،‬حيث يسيطر عربان الشاطئ ع ى قوافل تجارة الصحراء إ ى‬ ‫مرزق وغات وم ا إ ى برنو وكانو‪ ،‬ويح ﺮف أغل م مهنة الجمالة ويتولون‬ ‫نقل البضائع ب ن طرابلس ومراكز تجارة الصحراء‪ ،‬بإستثناء طريق‬ ‫غدامس فيتو ى "املقارحة" هذﻩ املهمة )‪ (39‬ويتو ى عرب ورفلة السيطرة‬ ‫ع ى طريق القوافل املتجهة ا ى سوكنة ثم مرزق‪ ،‬أما املجابرة فيسيطرون‬ ‫ع ى طريق بنغازي واداى ع ﺮ جالو واوجلة والكفرة‪ ،‬أما الطريق ب ن غات‬ ‫وبالد السودان فتقوم قبائل "كيل تن الكوم" بتأج ﺮ الجمال‪ ،‬بينما التؤجر‬ ‫‪31‬‬


‫ى العادة الجمال إ ى برنو‪ ،‬لبعد املسافة والن التجار ٔالاغنياء يمتلكون‬ ‫ً‬ ‫جماال خاصة م )‪.(40‬‬ ‫وقبل وصول القافلة إ ى أحد ٔالاسواق الكب ﺮة‪ ،‬يتم إبالغ نبأ وصولها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وذلك بايفاد شخص يمتطى جوادا أو مهريا سريعا‪ ،‬والهدف من ذلك‬ ‫إعطاء مهلة لتجار ذلك السوق ل ﺮتيب بضائعهم وسلعهم وتجه ما‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يرغبون ى تسويقه نقدا أو مقايضة‪ ،‬وغالبا ماتمكث القافلة ى السوق‬ ‫مدة يحددها قائد القافلة تتناسب مع حجمها وما تحمله من بضائع‪ ،‬وما‬ ‫ً‬ ‫تتطلع إليه من تعامل تجارى بيعا أو شراء)‪.(41‬‬ ‫وتستقبل القافلة لدى وصولها إ ى املدن أو املراكز العمرانية باالفراح‬ ‫والدعوات بسالمة الوصول‪ ،‬بعد إجتياز تلك املسافات الطويلة ع ﺮ‬ ‫الصحراء ال الحدود لها‪ ،‬وتس ﺮ الجمال ببطء مثقلة ماتحمله من‬ ‫بضائع)‪.(42‬‬ ‫ّ‬ ‫وتودع القافلة عند مغادر ا للمدن أو املراكز العمرانية ي الصحراء‬ ‫بالدعوات بسفر ميمون ووصول سالم‪ ،‬ويصاحب القافلة عدد كب ﺮ من‬ ‫السكان إ ى مسافات محدودة‪ ،‬وبرقصات جيادهم وإطالق ٔالاع ﺮة النارية‬ ‫ً‬ ‫من بنادقهم)‪ (43‬تحية وداع واظهارا للشعور الطيب نحو أفراد القافلة‪.‬‬ ‫أما قوافل الحجاج وعند اق ﺮا ا من املدن واملراكز العمرانية‪ ،‬يستعد‬ ‫الحجاج بطبولهم ويرفعون ٔالاعالم الخضراء‪ ،‬ويستقبلها السكان بال ليل‬ ‫ً‬ ‫وزغاريد النسوة وترقص الخيول وتقفز طربا ح تدخل املدينة)‪.(44‬‬ ‫أهم وسائل املواصالت‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أوجد ظهور الجمل‪ ،‬كوسيلة للمواصالت‪ ،‬فرصا مثالية لتعم ﺮ‬ ‫الصحراء واستغالل مواردها الطبيعية وجعلها منطقة عبور للتجارة ب ن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫البحر املتوسط وادغال افريقيا‪ ،‬فالجمل كان عامال مهما ي تحس ن‬ ‫‪32‬‬


‫الظروف املعيشية والاتصال والتبادل التجارى والثقا ي والاجتما ي ب ن‬ ‫مختلف أطراف الصحراء‪ ،‬وبدون هذا الحيوان ٔالاليف‪ ،‬كان من املحتم‬ ‫أن تظل الواحات مغلقة ع ى نفسها وسط الصحراء‪ ،‬محرومة من كل‬ ‫اتصال خار ي‪ ،‬لذلك تتوقف حياة أهل الصحراء ع ى هذا الحيوان الذى‬ ‫الحركة والعيش لهم بدونه‪ ،‬وحياة الجمل ى ٔالاخرى متوقفة ع ى‬ ‫ٔالانسان فهو الذى يع به ويرعاﻩ ويسقيه ويوجهه إ ى املر ى وأماكن‬ ‫العشب ى مختلف املواسم‪ ،‬ويمكن القول بأن ٔالابل ال تستعمل ى‬ ‫قطع الطرق الصحراوية باتت ت ى املصطلحات املستعملة ى مخاطب ا ي‬ ‫مختلف املناسبات كح ا ع ى السرعة أوالوقوف أوالجلوس وما إ ى‬ ‫ذلك)‪.(45‬‬ ‫وقد أنتشر الجمل ي أفريقيا عن طريق باب املندب إ ى الحبشة وم ا‬ ‫إ ى مصر ع ﺮ ر النيل‪ ،‬وم ا إ ى برقة وفزان‪ ،‬ثم أنتشر حينما ظهرت‬ ‫أهميته ٔالاقتصادية والعسكرية يوم طلب القائد الروماني "رومانوس" من‬ ‫أهل "لبدة" سنة ‪ 393‬أن يوفروا له أربعة آالف جمل لكي تساهم ي نقل‬ ‫املؤنة ا ى جيشه)‪.(46‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كان الجمل يمثل موردا اقتصاديا مهما للرجل الصحراوي‪ ،‬فهو كما‬ ‫ً‬ ‫أشار القرآن الكريم ينتفع بل ن الناقة‪ ،‬ويلبس ثيابا مصنوعة من وبر‬ ‫ٔالابل‪ ،‬ويستعمل الجمل ى نقل ٔالامتعة ومختلف أنواع البضائع وللركوب‪،‬‬ ‫و ى عالقات التبادل التجاري بصفة خاصة‪ ،‬وبفضل التطور أصبح من‬ ‫املمكن نقل البضائع واملنتجات ب ن أية منطقة وأخرى ي الصحراء‬ ‫نفسها‪ ،‬وب ن الصحراء واملناطق الواقعة ع ى حوافها)‪.(47‬‬ ‫وتس ﺮ ٕالابل صابرة التك ﺮث باملصاعب وتقلبات الطبيعة‪ ،‬وتنظر ملن‬ ‫حولها نظرة هادئة تصو ا يمنة ويسرة وكأ ا تلقى بنظرها الفلسفي هذا‬ ‫‪33‬‬


‫ً‬ ‫عل م درسا ي التجلد والقناعة والص ﺮ وتحمل مشاق أسفار الصحراء‪،‬‬ ‫فﻬ تس ﺮ بثبات وبطء‪ ،‬ى الظروف العادية‪ ،‬فيمكن للراكب أن يأكل‬ ‫ويقرأ ويكتب بل وينام ع ى ظهر جمله الا ى حاالت الصعود والهبوط‬ ‫فتتحول إ ى كائنات تفقد م ة الثبات والهدوء‪ ،‬ويحل الخطر محل‬ ‫الوداعة ؤالامان)‪.(48‬‬ ‫وتعد ٕالابل من الحيوانات ال ال دأ بالها بالوقوف ى مكان أو البقاء‬ ‫ى منطقة محددة‪ ،‬ح مع اف ﺮاض توفر العلف املحبب لد ا‪ ،‬إذ ستظل‬ ‫تسرح من مكان ألخر وألميال عديدة بعد فك عقالها‪ ،‬وتخليصها مما يعلق‬ ‫ا من طفيليات ظاهرة وهو مايواظب أصحا ا ع ى القيام به بعد‬ ‫الوصول إ ى أي بﺌﺮ)‪.(49‬‬ ‫وكانت لوالية طرابلس ثروة كب ﺮة من ٕالابل‪ ،‬ى سنة ‪ 1903‬أك ﺮ من‬ ‫‪ 300‬ألف رأس من ٕالابل‪ ،‬دون أن نضع ى الحساب الدواب ال يمتلكها‬ ‫التوارق)‪ (50‬الذين يعيشون ي املناطق الصحراوية و ى خارج نطاق الرقابة‬ ‫الحكومية")‪ ،(51‬ولإلبل خصال عدة تجعلها أفضل الحيوانات املستخدمة‬ ‫ي النقل ع ﺮ الصحراء وم ا)‪:(52‬‬ ‫‪ -1‬أن الجمل يص ﺮ ع ى العطش أليام عدة تصل إ ى سبعة أو ثمانية‬ ‫أيام‪.‬‬ ‫‪ -2‬تستطيع ٕالابل العودة إ ى املكان الذى آلفته بدون دليل أو حادي‪.‬‬ ‫كما تستعمل حيوانات أخرى ترافق القوافل ولكن باعداد محدودة‬ ‫ومن هذﻩ الحيوانات‪ ،‬الخيل والحم ﺮ)‪.(53‬‬ ‫زاد القوافل التجارية‪:‬‬ ‫ً‬ ‫كان زاد رجال القوافل يتكون عادة من مواد جافة مهيأة سلفا كدقيق‬ ‫القمح والشع ﺮ‪ ،‬والكسكﺴ ‪ ،‬والبصل الجاف‪ ،‬وشحم الضان‪ ،‬وزيت‬ ‫‪34‬‬


‫الزيتون‪ ،‬والزبدة والخ اليابس‪ ،‬واللحم املجفف "القديد" وكذلك‬ ‫ً‬ ‫الدشيشة ويحمل املسافر مع القوافل طعاما يسم الزميطة وهذﻩ ٔالاكلة‬ ‫تتضح اهمي ا ح ن يندر الوقود أو املاء ويعز الوقت‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وعندما يشرع املسافر ى رحلته‪ ،‬يحمل مقدارا من الدقيق والكسكﺴ‬ ‫والبصل وشحم الضأن والزيت والزبد‪ ،‬والوجبة العادية ى العصيدة)‪.(54‬‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫وح ن يعز الحطب‪ ،‬فإن نفايات الجمال تصبح بديال طيبا وتعطي نارا‬ ‫متوهجة وتصنع حفرة صغ ﺮة ويوضع ا ثالث حجرات تحمل الوعاء‬ ‫ً‬ ‫النحاﺳ ‪ ،‬ويعد الكسكﺴ أو البازين‪ ،‬وح ن تعز النار فإن قليال من‬ ‫الزميطة يضاف ال ا قليل من ماء وزيت يمكن أن تكون وجبة شهية)‪.(55‬‬ ‫ويتكون طعام العشاء ي بعض ٔالاوقات من التمر والل ن‪ ،‬كما تجمع‬ ‫"الكمأة" وتشرح وتجفف وتستعمل كغذاء جيد لرجال القوافل)‪.(56‬‬ ‫وكان املاء يحمل ى العادة ع ى ظهور الجمال‪ ،‬ويحمل الجمل الواحد‬ ‫ستة قرب)‪ (57‬تتد ى كل ثالثة م ا ي ناحية‪ ،‬وتزن القربة و ى مألى حوا ى‬ ‫ً‬ ‫خمس ن رطال‪ ،‬وح ن تتوقع القافلة أال تجد ماء ألربعة أو خمسة أيام فإن‬ ‫قربة ماء تضاف ا ى حمولة الجمل)‪.(58‬‬ ‫حماية القوافل التجارية‪:‬‬ ‫كانت القوافل التجارية تتعرض ملشاكل عديدة أهمها تلك الناجمة‬ ‫عن ٕالاضطرابات السياسية وعمليات السلب وال ب ال تقوم ا‬ ‫ً‬ ‫جماعات أو قبائل إتخذت من هذﻩ العمليات مصدرا للرزق‪ ،‬وم م بعض‬ ‫البدو الرحل والتوارق امللثم ن‪ ،‬والشعانبة‪ ،‬والتبو‪ .‬وأوالد سليمان‪ ،‬الذين‬ ‫ً‬ ‫ينتشرون جماعات ع ى طول الطريق إ ى إقليم برنو)‪ ،(59‬وكث ﺮا ما تعرضت‬ ‫بعض القوافل التجارية للهالك‪ ،‬وفقدان ٔالاموال ناهيك عن املتاعب‬ ‫ؤالاهوال‪ ،‬وقد عانت الحركة التجارية من الاضطرابات والقالقل ال‬ ‫‪35‬‬


‫سبب ا لها هذﻩ الجماعات‪.‬‬ ‫وقد تعرضت بعض القوافل للسلب وال ب‪ ،‬فتذكر وثيقة‪ ،‬أن شعانبة‬ ‫الكيعه من أرض توات التقوا بقافلة ى الكريب قادمة من طرابلس‪،‬‬ ‫وقتلوا أربعة اشخاص من الزنتان‪ ،‬وجرحوا اثن ن واخذوا م م أربعة عشر‬ ‫ً‬ ‫بع ﺮا‪ ،‬ولك م تركوا أبل الغدامسية والبالغ عددها ستون بع ﺮ)‪ ،(45‬وتقول‬ ‫وثيقة أخرى‪ ،‬أن شخص من هقار يد ى محمد بن ابراهيم أخ ﺮ عن‬ ‫خمسة عشر مهري من أهل أزجر غار عل م هقار ى حوا ى مائ مهري‬ ‫ووثيقة أخرى تقول‪ :‬بإن الاشقياء من ورغمة غاروا ع ى غدامس ح‬ ‫ً‬ ‫وصلوا "الحيوط" ى ثمان ن فارسا بقيادة شخص يد ى سالم زنقاح وقد‬ ‫ً‬ ‫استولوا ع ى اثن ن وثالث ن بع ﺮا من وراء السور‪ ،‬كما استولوا ع ى سبعة‬ ‫من العبيد ب ن ذكور وإناث)‪.(60‬‬ ‫و ي احدى الوثائق‪ ،‬يشكو أها ى مدينة غدامس من عدم وجود حكام‬ ‫رسمي ن ا م الناس وينفذون الاحكام‪ ،‬كما يشكون من عدم وجود‬ ‫جندرمة يحفظون الراحة وعدد الجندرمة ى غدامس ثالثة أشخاص‬ ‫فقط‪ ،‬وهم من الجبل الغربى‪ ،‬و يعملون أمور التليق‪ ،‬وبدون أمر‬ ‫الحكومة‪ ،‬ويطلبون الاهتمام بامورهم وحل مشاكلهم)‪.(61‬‬ ‫ووثيقة أخرى تحتوى تقرير يطلب فيه مقدمه تشكيل ضابطة هجانه‪،‬‬ ‫لحفظ ٔالامن وتنفيذ مطالب الدولة ى منطقة فزان ال يبدو أن ٔالامن‬ ‫ف ا غ ﺮمستتب)‪.(62‬‬ ‫وبتاريخ ‪ 3‬شوال ‪1329‬ه وجه قائم مقام الزاوية برقية ا ى قائد‬ ‫الجندرمة تحمل رقم ‪ ،169/280‬يعلمه بأن عدد الجندرمة املوجودين‬ ‫لديه ليس بالعدد الكا ى لتأم ن السكينة‪ ،‬واليكفى ح لجمع ٔالابل‪ ،‬وأن‬ ‫ً‬ ‫لديه خمسة وعشرين جنديا وهذا العدد اليكفى الداء واجب الحراسة)‪.(63‬‬ ‫‪36‬‬


‫كما تش ﺮ وثيقة أخرى يأمر الحاكم ال ﺮكي ف ا بتطبيق نظام املرور‪،‬‬ ‫القا يمنع تنقل ٔالافراد ى انحاء الوالية أو خروجهم م ا بدون تذكرة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مرور)‪ ،(64‬أيضا ال يخفى دور عبء الطبيعة ع ى القوافل التجارية بشرا‬ ‫ً‬ ‫وحيوانا نتيجة لشح املياﻩ‪ ،‬وزحف الرمال ى بعض املناطق‪ ،‬وهو أمر‬ ‫يتطلب ضرورة وجود دليل وقائد حاذق للتغلب ع ى مشاكل الطبيعة‬ ‫وٕالانسان‪.‬‬ ‫ومن الاجراءات ال تنظم حماية القوافل التجارية )‪.(65‬‬ ‫‪ -1‬تسليح رجال القافلة باألسلحة الالزمة لصد العدوان وارغام‬ ‫املعتدين بدفع تعويض عما أحدثوﻩ من خسارة أو ضرر‪.‬‬ ‫‪ -2‬تجنيد رجال أشداء محارب ن ذوى إنتماءات قبلية مختلفة ملرافقة‬ ‫القافلة وحماي ا‪.‬‬ ‫‪ -3‬الحرص ع ى أن تكون ٔالاسواق واملراكز التجارية مفتوحة أمام‬ ‫القوافل التجارية وتعاملها‪ ،‬بإعطاء ضرائب نقدية أو عينية لزعماء‬ ‫القبائل من أصحاب النفوذ‪.‬‬ ‫‪ -4‬تكليف بعض العائالت ومشائخ القبائل الصحراوية‪ ،‬بمهمة تنظيم‬ ‫بعض الجماعات املوالية لها لحراسة القوافل التجارية والدفاع ع ا ح‬ ‫تضمن سالمة الوصول‪ ،‬و ى املقابل تتو ى هذﻩ القوافل دفع منح‬ ‫وامتيازات ماليه لهؤالء الزعماء املعني ن‪.‬‬ ‫‪ -5‬تعي ن ادالء مخلص ن‪ ،‬أهل دراية واسعة بمسالك الطرق‪ ،‬واماكن‬ ‫ً‬ ‫تواجد املياﻩ فضال عن تفادى مناطق العصابات‪ ،‬وقطاع الطرق‪ ،‬ومعرفة‬ ‫كيفية كسر شوك م‪.‬‬ ‫وقد كانت القوافل الذاهبة إ ى بالد ماوراء الصحراء‪ ،‬تلتقي لغرض‬ ‫ٔالامن من أخطار الطريق‪ ،‬وعندما تأزمت أوضاع طرابلس الغرب خارج‬ ‫‪37‬‬


‫ٔالايالة وداخلها اضطرت القوافل إ ى الس ﺮ تحت إشراف وضمان الحكومة‬ ‫القائمة ف ا آنذاك‪ ،‬ح ال تتعرض للخطر)‪.(66‬‬ ‫وحسمت الحكومة املوقف‪ ،‬بأن خصصت العساكر لحماية القوافل‪،‬‬ ‫وكان الباشا نفسه يوافق ع ى منح بيانات رسمية كتعريفة إدارية ورسمية‬ ‫للقافلة تعتمد أثناء الطريق‪ ،‬وقد تحمل رسائل من الباشا مباشرة إ ى‬ ‫الحاكم املتعامل معه ح يضمن هو بدورﻩ سالمة وأمن هذﻩ التجارة‬ ‫وسبلها‪ ،‬أو يتم إبرام إتفاق ب ن تجار البلدان ؤالاقطار املجاورة‪ ،‬وقد‬ ‫يتعدى ٔالامر إ ى رفع ٔالاها ى دعواهم إ ى السلطان العثمانى‪ ،‬عن طريق‬ ‫السلم الادارى املعروف انذاك‪ ،‬ليوافق ع ى الشكوى‪ ،‬وتبلغ إ ى السلطان‬ ‫لينظر ٔالامر)‪.(67‬‬ ‫وكانت ٕالادارة العثمانية ى طرابلس الغرب تفرض مقابل توف ﺮ ٔالامن‬ ‫ً‬ ‫لتجارة القوافل شروطا وإجراءات ومبالغ مالية‪ ،‬م ا منحة الجند الحارس‬ ‫وضرائب تجارية أخرى‪ ،‬وكان ٔالاها ى يؤدون هذﻩ الضرائب وبا ى التكاليف‬ ‫ً‬ ‫دون تردد ح ولو أضرت ببعضهم‪ ،‬وكانت تتحمل ذلك فضا‬ ‫للمشكالت)‪.(68‬‬ ‫وقد حرصت سلطات العهد العثماني الثاني ع ى توطيد عالقا ا‬ ‫ً‬ ‫بحكام املناطق الصحراوية وماورا ا‪ ،‬وذلك تأمينا لطرق القوافل التجارية‬ ‫ً‬ ‫ودعما للعالقات الاقتصادية ب ن الوالية وتلك الجهات‪ ،‬وهذا تؤيدﻩ وثيقة‬ ‫تفيد أن وا ي والية طرابلس الغرب‪ ،‬أحمد راسم ‪ 1896-1882‬بادر ب نئة‬ ‫ً‬ ‫هاشم بن عمر الكانم بتوليه الحكم ى برنو مبديا له دوام الود‬ ‫والصداقة والتعاون الذي يكفل تأم ن طرق القوافل وازدهار التبادل‬ ‫التجاري ب ن الطرف ن)‪.(69‬‬ ‫وكشفت وثيقة أخرى عن مدى رغبة حكام املناطق الصحراوية ى‬ ‫‪38‬‬


‫توف ﺮ أمن الطريق وحماية املسافرين‪ ،‬ح ولو كانوا من الرحالة‬ ‫واملستكشف ن املسيح ن و ى هذا الخصوص أكد الشيخ عمر الكانم‬ ‫سلطان برنو ى رسالة وجهها له السلطان محمد الشريف سلطان واداى‬ ‫بشأن الال ام بحماية الرحالة "ناختيجال" وفق منطق قواعد شرعنا‬ ‫الطاهر ومراعاة عهد الذمي)‪.(70‬‬ ‫بعد عام ‪ 1842‬عند اية انتفاضة عبدالجليل‪ ،‬خيم الهدوء النس‬ ‫ع ى أغلب الواحات ي الدواخل‪ ،‬مما ساعد ع ى توف ﺮ إمكانية مرور‬ ‫القوافل‪ ،‬بمناطق والية طرابلس الغرب‪ ،‬ووجدت التجارة طريقها إ ى‬ ‫املناطق الداخلية‪ ،‬بعد أن كانت منحصرة ي ذلك الوقت باملناطق‬ ‫الساحلية)‪.(71‬‬ ‫و ى سنة ‪ 1851‬أنشئت بطرابلس املحكمة التجارية املختلطة‪ ،‬ويختار‬ ‫ثالثة من قضا ا من ٔالاوربي ن املقيم ن بطرابلس بواسطة قناصلهم‪،‬‬ ‫وعدد مماثل من القضاة العرب‪ ،‬ويراسها "شيخ البلد")‪.(72‬‬ ‫وح ن صدر قانون التجارة سنة ‪ 1860‬نص الفصل الثاني منه ع ى‬ ‫إنشاء املحاكم التجارية)‪ (73‬ي مراكز الواليات‪ ،‬وتتكون كل محكمة من‬ ‫مجلس ن أحدهما للنظر ي الدعاوى ال تتعلق باألمور التجارية ال ﺮية‪،‬‬ ‫والثاني بأمور التجارة البحرية‪ ،‬ويتألف كل مجلس من رئيس وعضوين‬ ‫دائم ن‪ ،‬وأربعة أعضاء مؤقت ن ولكل م م صوت واحد‪ ،‬ويع ن الرئيس‬ ‫ؤالاعضاء الدائمون من قبل السلطان العثماني‪ ،‬أما ٔالاعضاء املؤقتون‬ ‫فينتخ م التجار ي املنطقة ال توجد ف ا املحكمة‪.‬‬ ‫وكانت هذﻩ املحاكم تنظر ي ال اعات ال تنشأ ب ن التجار من جراء‬ ‫)‪(74‬‬ ‫املعامالت التجارية‪ ،‬من عقود وديون وبيع وشراء وتعهدات وص ﺮفة‬ ‫وتصدر قرارا ا بأغلبية ٔالاصوات‪ ،‬وتجرى املحاكمات ف ا بصورة علنية أو‬ ‫‪39‬‬


‫سرية وتكون أحكامها قطعية وغ ﺮ قابلة لالستئناف ي الاحكام ال اليزيد‬ ‫قيمة الحكم ف ا عن خمسة آالف قرش‪ ،‬أما مازاد ع ى هذا املبلغ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فيكون الحكم قابال لالستئناف لدى محكمة الاستئناف التجارية العليا ي‬ ‫العاصمة العثمانية)‪.(75‬‬ ‫الخاتمة‪:‬‬ ‫وهكذا نجد ان حركة التجارة وطرق نقلها ي الوالية قد خضع‬ ‫ملجموعة من النظم ال وفرت سبل نجاحها وممارس ا وقد كان لهذا‬ ‫الاهتمام والتنظيم أثرﻩ ي زيادة حجم التعامل مع املناطق الافريقة فيما‬ ‫وراء الصحراء وكذلك دول اوربا ع ى الشاطئ الشما ي من املتوسط‪ ،‬كما‬ ‫كان لهذﻩ التجارة اثرها السل ع ى الوالية بحيث لفت ازدهار التجارة‬ ‫انظار الدول الاستعمارية ال ركزت أهتمامها ع ى الوالية وتجار ا‪.‬‬ ‫***‬ ‫الهوامش‪:‬‬ ‫‪ -1‬أحمد الياس حس ن "طرق التجارة "‪ ،‬الصحراء الك ﺮى‪ ،‬مركز جهاد الليبي ن‬ ‫للدراسات التاريخية‪ ،‬طرابلس‪ ،1979 ،‬ص‪211.‬‬ ‫‪ -2‬أحمد سعيد الفيتوري‪ ،‬ليبيا وتجارة القوافل‪ٕ ،‬الادارة العامة لآلثار‪ ،‬طرابلس‪،‬‬ ‫‪ ،1972‬ص‪16.‬‬ ‫‪ -3‬اسماعيل العربي‪ ،‬الصحراء الك ﺮى وشواط ا‪ ،‬املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪،‬‬ ‫‪ ،1983‬ص‪60.‬‬ ‫‪ -4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪61.- 60‬‬ ‫‪ -5‬جيمس ريتشاردسن‪ ،‬ترحال ي الصحراء‪ ،‬ت‪ .‬الهادي مصطفي ابولقمة‪ ،‬منشورات‬ ‫جامعة قاريونس‪ ،‬بنغازي ‪ ،1993‬ص‪401.‬‬ ‫‪ - 6‬خديجة باع ى الشريف‪) ،‬طريقة تقويم القوافل الغدامسية للسلع والبضائع(‪،‬‬ ‫مجلة البحوث التاريخية‪ ،‬مركزجهادالليبي ن للدراسات التاريخية‪ ،‬السنة العاشرة‪،‬‬ ‫‪40‬‬


‫العدد ٔالاول‪ ،‬طرابلس‪ ،‬يناير‪1988‬م‪ ،‬ص‪.99-98‬‬ ‫‪ -7‬من البيوت التجارية ي مدينة طرابلس‪ ،‬بيت عائلة " قنابة "ال كانت ع ى عالقة‬ ‫بمدينة " زندر "‪ ،‬و ي مدينة غدامس بيت "الث " الذى كان له فرع ي طرابلس وآخر ي‬ ‫تمبكتو‪ ،‬و ي مدينة غات‪ ،‬بيت تجارى يمتلكه الحاج محمد الاسود الذى يقيم والدﻩ‬ ‫ي طرابلس‪ ،‬وله سبعة أبناء يزاولون التجارة ي بالد السودان ينظر‪:‬‬ ‫‪،Calico Caravans The Tripoli- Kano Trade After1880 ،Marion Johnson‬‬ ‫‪I(1976)P.110 ،Vol.XVII ،Jaurnal of African History‬‬ ‫‪ -8‬تيس ﺮ بن موﺳ ‪ ،‬املجتمع العربي اللي ي العهد العثماني الثاني‪ ،‬الدار العربية‬ ‫للكتاب‪ ،‬ليبيا تونس‪ ،1988 ،‬ص‪164.‬‬ ‫‪ -9‬أنتوني ج‪ .‬كاكيا‪ ،‬ليبيا خالل الاحتالل العثماني الثاني ‪ ،1911 -1835‬مكتبة‬ ‫الفرجاني‪ ،‬طرابلس‪1975 ،‬م‪ ،‬ص‪137.‬‬ ‫‪ -10‬تيس ﺮ بن موﺳ ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪164.‬‬ ‫‪ -11‬عقيل محمد ال ﺮبار‪ ،‬دراسات ي تاريخ ليبيا الحديث‪ ،‬منشورات ‪ ،ELGA‬مالطا‪،‬‬ ‫‪1996‬ص‪57.‬‬ ‫‪-12‬أنتوني‪.‬ج‪ .‬كاكيا‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪137.‬‬ ‫‪ -13‬أنتوني‪.‬ج‪ .‬كاكيا‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪138.‬‬ ‫‪-14‬خديجة باع ى الشريف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪104.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫‪ -15‬العديلة‪ :‬حمل أو حمولة – مفردها ِع ْد ُل‪ :‬نصف الحمل‪ ،‬وصيغة الجمع‪ :‬أعدال‪،‬‬ ‫ينظر‪ :‬الطاهر أحمد الزاوى‪ ،‬مختار القاموس‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬ليبيا –تونس‪،‬‬ ‫‪1980‬م‪ ،‬ص‪410.‬‬ ‫‪-16‬بش ﺮقاسم يوشع‪ ،‬وثائق غدامس‪ ،‬مركز جهاد الليبي ن للدراسات التاريخية‪،‬‬ ‫طرابلس‪ ،1995 ،‬ص‪.292‬‬ ‫‪ -17‬مقطع‪ :‬وحدة قياس قماش‪.‬‬ ‫‪ -18‬خرواط‪ :‬حقيبة قماشية طويلة توضع ا البضائع‪.‬‬ ‫‪ -19‬كواغط‪ :‬جمع كاغط والكاغط ورق مقوى تحفظ به ٔالاشياء‪.‬‬ ‫‪ -20‬سماوي‪ :‬لون قريب من ٔالازرق‪.‬‬ ‫‪ -21‬قطف‪ :‬نوع من القماش‪.‬‬ ‫‪41‬‬


‫‪ -22‬ري‪ :‬نوع من القماش‪.‬‬ ‫‪ -23‬راونداد‪ :‬أو غ ﺮ معروف العدد‪.‬‬ ‫‪ -24‬شكاك‪ :‬جمع شك و ي كلمة عامية تدل ع ى العدد‪.‬‬ ‫‪-25‬بش ﺮ قاسم يوشع‪ ،‬وثائق غدامس‪ ،‬ص‪292.‬‬ ‫‪ -26‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪292.‬‬ ‫‪-27‬سلفاتور بونو‪ ) ،‬تجارة طرابلس ع ﺮ الصحراء ي العقد ٔالاول من القرن العشرين(‬ ‫مجلة البحوث التاريخية‪ ،‬مركز جهاد الليبي ن للدراسات التاريخية‪ ،‬السنة الثالثة‪،‬‬ ‫العدد ٔالاول‪ ،‬طرابلس‪1981 ،‬م‪ ،‬ص‪84.‬‬ ‫‪-28‬رجب نص ﺮالابيض‪ ،‬مدينة مرزق وتجارة القوافل الصحراوية خالل القرن التاسع‬ ‫عشر‪ ،‬منشورات مركز جهاد الليبي ن للدراسات التاريخية‪ ،‬طرابلس‪ ،1998 ،‬ص‪213‬‬ ‫‪ -29‬خليفة محمد الاحول‪ ،‬الجالية ال ودية بوالية طرابلس الغرب من ‪1864‬م ‪-‬‬ ‫‪1911‬م‪ ،‬رسالة ماجست ﺮ غ ﺮ منشورة‪ ،‬كلية ال ﺮبية‪ ،‬جامعة الفاتح _ طرابلس‪،‬‬ ‫‪1985‬م‪ ،‬ص ‪275.‬‬ ‫‪-30‬رجب نص ﺮالابيض‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪232.‬‬ ‫‪-31‬تيس ﺮ بن موﺳ ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪164‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ -32‬مورت بوريمان‪ :‬قام برحلة انطالقا من بنغازي‪ ،‬عام ‪1862‬م‪ ،‬باحثا عن الرحالة‬ ‫الاملاني "فوغل" ووصل ا ى مرزق‪ ،‬ووصل ا ى واداى وفشل ي محاولته الاو ى‪ ،‬ثم عاود‬ ‫املحاولة مرة أخرى ولكنه لقى نفس مص ﺮ فوغل‪ .‬للمزيد ينظر‪ :‬انتونى‪.‬ج‪ .‬كاكيا‪ ،‬املرجع‬ ‫السابق‪ ،‬ص‪169.‬‬ ‫‪Voyages et Explorions 1860-1863 ،Beurmann Karl Moritz von -33‬‬ ‫‪.St.Illide1973‬‬ ‫‪ -34‬املحبوب‪ :‬عملة ذهبية ضر ت ى عهد السلطان سليم ٔالاول "‪926-918‬ه ‪/‬‬ ‫‪ "1520-1512‬وأطلق عل ا زر محبوب "أى الذهب املحبوب" وظل هذا النوع من‬ ‫ً‬ ‫النقود يتداول بديال للدنان ﺮ العربية وسجل عليه أسماء سالط ن آل عثمان منذ عهد‬ ‫سليم‪ ..‬وقد شاع استعمال هذا النوع من النقود ي كل الواليات العربية ال استو ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عل ا العثمانيون وكانت قيمته تساوي ‪ 37.5‬قرشا صاغا‪ :‬للمزيد انظر عبدالرحمن‬ ‫فهم محمد‪ ،‬النقود العربية ماض ا وحاضرها "‪ ،‬املؤسسة املصرية العامة للتأليف‬ ‫‪42‬‬


‫وال ﺮجمة والطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،1964 ،‬ص‪117.-116‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫‪ - 35‬الريال الغاتي يساوي ‪ 2.4‬ماركا املانيا‪.‬‬ ‫‪- 36‬كاورى‪ :‬نقود نسبت ا ى كاور‪ 1 ،‬اس ﺮلي يساوي ‪ 14000‬كاوري‪ ،‬للمزيد انظر‪:‬‬ ‫مصطفي عبدﷲ بعيو‪ ،‬املختار ي مراجع تاريخ ليبيا‪ ،‬ج‪ ،2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪213.‬‬ ‫‪-37‬عماد غانم‪ ،‬الدواخل الليبية ي مجموعة دراسات الرحالة الاملاني غوتلوب اولف‬ ‫كراوزﻩ‪ ،‬منشورات مركز جهاد الليب ن للدراسات التاريخية‪ ،‬طرابلس‪ ،1998 ،‬ص‪131.‬‬ ‫‪-38‬املرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬ ‫‪ -39‬جون ليون‪ ،‬من طرابلس ا ى فزان‪ ،‬ترجمة مصطفي جودة‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪،‬‬ ‫ليبيا تونس‪ ،1976‬ص ‪55.‬‬ ‫‪ -40‬عماد غانم‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪131.‬‬ ‫‪ -41‬رجب نص ﺮالابيض‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪232.‬‬ ‫‪ -42‬احمد صد ي الدجاني‪ ،‬ليبيا قبيل الاحتالل الايطا ي‪ ،‬املطبعة الفنية الحديثة‪،‬‬ ‫القاهرة‪ ،1971 ،‬ص‪265.‬‬ ‫‪ -43‬مابل لومس تود‪ ،‬أسرار طرابلس‪ ،‬مكتبة الفرجاني‪ ،‬طرابلس‪ ،1968 ،‬ص‪154.‬‬ ‫‪ -44‬فريدريك هورنمان‪ ،‬رحلتان ع ﺮ ليبيا‪ ،‬مكتبة الفرجاني‪ ،‬طرابلس‪،1974 ،‬‬ ‫ص‪106.-105‬‬ ‫‪ -45‬جيمس ريتشاردسن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪300.‬‬ ‫‪ -46‬يوسف أبوشنب‪ٕ ،‬الابل ي دنيا العرب‪ ،‬تنفيذ دار الوسيم للخدمات الطباعية‪،‬‬ ‫دمشق‪ ،1992 ،‬ص‪18‬‬ ‫‪ -47‬اسماعيل العربي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪44.‬‬ ‫‪-48‬جيمس ريتشاردسن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪299.‬‬ ‫‪ -49‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪282.‬‬ ‫‪ -50‬يمتلك التوارق نوع من ٔالابل تسم املهاري‪ ،‬وهو اسرع من الجمل العادي‪ ،‬وأرجله‬ ‫اطول‪ ،‬ويقطع مسافة اليوم ي وقت اسرع من الجمل العادي‪ ،‬فعندما يولد املهارى‬ ‫ً‬ ‫يظل جاثما ع ى الارض مدة من الزمن قد تكون اسبوع أو ثمانية ايام أو تسعة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فيسم عندها ) اسبو ي أو ثموني‪ ،‬أو تسو ي( وعدد الايام ال يبقها املهارى باركا ع ى‬ ‫الارض يستطيع قطعها ي يوم واحد‪ .‬سعيد املصري الزوي‪ ،‬مقابلة مع الباحث بتاريخ‪:‬‬ ‫‪43‬‬


‫‪ ،2002 :10 :20‬بمدينة اجدابيا‪.‬‬ ‫‪ -51‬فرانسيشكوكورو‪ ،‬ليبيا أثناء العهد العثماني الثاني‪ ،‬تعريب خليفه محمد‬ ‫التليﺴ ‪ ،‬املنشأة العامة للنشر والتوزيع والاعالن‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ط‪ ،1984 ،2‬ص‪115.‬‬ ‫‪ -52‬صادق مؤيد العظم‪ ،‬رحلة ي الصحراء الك ﺮى بأفريقيا‪ ،‬ترجمه عن العثمانية‬ ‫عبدالكريم أبوشويرب‪ ،‬مركز جهاد الليبي ن للدراسات التاريخية‪ ،‬طرابلس‪ ،1998 ،‬ص‬ ‫‪93.‬‬ ‫‪ -53‬سعيد املصري الزوي‪ ،‬مقابلة مع الباحث‪ ،‬بتاريخ ‪ ،2002 :10 :20‬اجدابيا‪.‬‬ ‫‪-54‬فريدريك هورنمان‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪29.‬‬ ‫‪-55‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪74.‬‬ ‫‪-56‬جون فرنسيس ليون‪ ،‬من طرابلس ا ى فزان‪ 1822-1818 ،‬ترجمة مصطفي جودة‪،‬‬ ‫الدار العربية للكتاب‪ ،‬ليبيا تونس‪ ،1976 ،‬ص‪72.‬‬ ‫‪-57‬محمد سعيد القشاط‪ ،‬التوارق عرب الصحراء الك ﺮى‪ ،‬مطابع اديتار‪ ،‬ايطاليا‪،‬‬ ‫ط‪2‬ن‪1989‬م‪ ،‬ص‪76.‬‬ ‫‪-58‬جيمس ريتشاردسن‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪518.‬‬ ‫‪-59‬بش ﺮقاسم يوشع‪ ،‬وثائق غدامس‪ ،‬وثيقة رقم ‪ ،32‬بتاريخ‪ 10‬ذو القعدة ‪1298‬ه‬ ‫‪ ،1880‬ص‪101.‬‬ ‫‪-60‬املرجع نفسه‪ ،‬وثيقة رقم ‪) ،43‬د‪.‬ت( ص ‪120.‬‬ ‫‪-61‬بش ﺮ قاسم يوشع‪ ،‬وثائق غدامس‪ ،...‬وثيقة رقم ‪) ،29‬د‪.‬ت(ص ‪96.-95‬‬ ‫‪ -62‬دار املحفوظات التاريخية‪ ،‬طرابلس‪ ،‬وال س ﺮمز لها الحقا ب )د‪ .‬م‪ .‬ت‪.‬ط (‪) ،‬‬ ‫ملف ٔالامن ( وثيقة رقم ‪/51‬م‪1.‬‬ ‫‪)-63‬د‪ .‬م‪ .‬ت‪ .‬ط(‪ ) ،‬ملف ٔالامن ( وثيقة غ ﺮ مصنفة‪.‬‬ ‫‪)-64‬د‪ .‬م‪ .‬ت‪ .‬ط (‪ ) ،‬ملف ٔالامن ( وثيقة غ ﺮ مصنفة‪.‬‬ ‫‪)-65‬د‪ .‬م‪ .‬ت‪ .‬ط(‪ ) ،‬ملف ٔالامن ( وثيقة غ ﺮ مصنفة‪.‬‬ ‫‪ -66‬رجب نص ﺮالابيض‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪237.‬‬ ‫‪ -67‬خديجة باع ى الشريف‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪101.-99‬‬ ‫‪ -68‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪101.‬‬ ‫‪-69‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪102.‬‬ ‫‪44‬‬


‫‪ -70‬أحمد صد ى الدجاني‪ ،‬وثائق تاريخ ليبياالحديث‪ ،‬الوثائق العثمانية‪-1881 ،‬‬ ‫‪ ،1911‬ترجمة عبدالسالم أدهم‪ ،‬دار صادر‪ ،‬ب ﺮوت‪ ،1974 ،‬ص‪50.‬‬ ‫‪-71‬رجب نص ﺮ الابيض‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪239.‬‬ ‫‪ -72‬إتورى روﺳ ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪375.‬‬ ‫‪ -73‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪377.‬‬ ‫‪-74‬حسن الفقية حسن‪ ،‬اليوميات الليبية‪ ،‬تحقيق محمد الاسطى وعمار جحيدر‪،‬‬ ‫ج‪ ،1‬منشورات مركز جهاد الليبي ن للدراسات التاريخية‪ ،‬طرابلس ‪ ،1984‬ص ‪-350‬‬ ‫‪351.‬‬ ‫‪ -75‬كامل ع ي الويبه‪ ،‬الادارة العثمانية ي والية طرابلس الغرب )‪ 1911-1842‬رسالة‬ ‫ماجست ﺮ غ ﺮ منشورة‪ ،‬اتحاد املؤرخ ن العرب‪ ،‬معهد التاريخ العربي وال ﺮاث العلم‬ ‫للدراسات العليا‪ ،‬بغداد ‪ ،2002‬ص‪77.‬‬ ‫‪-76‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.78‬‬

‫‪45‬‬


46


‫الطرق الصوفية و مقاومة ٕالاستعمار‬ ‫مقدمة‪:‬‬ ‫يعت ﺮ النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين‬ ‫ف ﺮة من أعنف ف ﺮات التسابق املحموم ب ن الدول الاستعمارية ٔالاوربية‪،‬‬ ‫من أجل السيطرة ع ى الوطن العربي‪ ،‬فتحولت املنطقة العربية إ ى‬ ‫ً‬ ‫مسرح للصراع الاستعماري‪ ،‬خصوصا وإن الدولة العثمانية ال كانت‬ ‫تسيطر ع ى معظم ٔالارا العربية‪ ،‬قد أصا ا الضعف وال ﺮهل ولم تعد‬ ‫قادرة ع ى حماية شعوب املنطقة‪.‬‬ ‫تحت هذﻩ الظروف و ي خضم الصراع ونتيجة الفراغ ي القيادة‪،‬‬ ‫احتلت الطرق الصوفية مكان الصدارة ي مواجهة القوى الاستعمارية‬ ‫ال كان هدفها السيطرة ع ى تركة الدولة العثمانية‪.‬‬ ‫ومثلما كان للصوفية دور كب ﺮ ي انتشار ٕالاسالم‪ ،‬الذي نشروﻩ فكرا‬ ‫وسلوكا‪ ،‬بالقدوة الحسنة ال أقاموها ب ن الناس‪ ،‬وحاولوا نشر العدل‬ ‫وحرضوا عليه وقاوموا الظلم‪ ،‬وساووا ب ن الظلم والكفر‪ ،‬قاوموا‬ ‫الاستعمار الذي ربطوا بينه وب ن الكفر والظلم‪ ،‬وألجل ذلك تعلقت قلوب‬ ‫ً‬ ‫أتباعهم بمحب م‪ ،‬إال أن البعض رأى إن بعضا م م كانوا مصانع ن‬ ‫لالستعمار وصنايع له‪ ،‬وتأتي س ﺮ أئمة الصوفية لتحكي عن مالحم‬ ‫املقاومة والرفض أك ﺮ مما تروي مظاهر الخضوع والخنوع‪.‬‬ ‫‪47‬‬


‫احتلت الطرق الصوفية موقعا مهم ي تاريخنا العربي وٕالاسالمي ي‬ ‫مقاومة العدوان‪ ،‬فالصوفيون هم الذين قاوموا الاستعمار الصلي‬ ‫الايطا ي والفرنﺴ وٕالانجل ي‪ ،‬لقد كان شيوخ الصوفية من وراء حشد‬ ‫املريدين وتحريضهم ع ى قتال الصليبي ن ي حط ن و ي دمياط و ي‬ ‫املنصورة وقتال التتار ي ع ن جالوت)‪ ،(1‬و ي السودان والصومال وليبيا‪.‬‬ ‫غ ﺮ إن ي هذﻩ الورقة سوف أحاول تسليط الضوء ع ى بعض‬ ‫الطرق الصوفية ال كان لها دور ي مقاومة الاستعمار خاصة ي منطقة‬ ‫أفريقيا العربية‪ ،‬حيث كان لبعض الطرق الصوفية – القادرية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والسنوسية واملهدية والتيجانية ‪ -‬دورا كب ﺮا ي قيادة املقاومة من خالل‬ ‫ٔالاتباع واملريدين وتأث ﺮهم ي العامة‪.‬‬ ‫لم يقتصر دور الزوايا الصوفية ع ى تحفيظ القران ودراسة الفقه‬ ‫وتالوة ٔالاوراد‪ ،‬بل تحولت ي مواجهة املستعمر إ ى مقر ومأوى للمجاهدين‬ ‫ي لون من معي ا القوة املعنوية ال أعان م ع ى آدا دورهم الجهادي‪،‬‬ ‫فكان رؤساء ومشايخ وأتباع الزوايا ي الطالئع ٔالاو ى ملواجهة العدوان )‪.(2‬‬ ‫تباين موقف الطرق الصوفية من الجهاد ومقاومة الاستعمار‪ ،‬فساد‬ ‫التذبذب والاضطراب فيما بي ا‪ ،‬فالطريقة التيجانية* – حالة الجزائر‪-‬‬ ‫أعلنت الجهاد ضد الاستعمار الفرنﺴ ‪ ،‬ثم سرعان ما تخلت عن هذا‬ ‫الدور وهادنت الفرنسي ن)‪.(3‬‬ ‫الحركة املهدية ي السودان – ي ٔالاصل قادرية* ‪ -‬أشعلت ثورة بقيادة‬ ‫محمد أحمد عبدﷲ عام ‪ 1881‬للتخلص من الحكم ال ﺮكي املصري و ي‬ ‫أول ثورة إسالمية ي تاريخ الحركة الوطنية السودانية‪ ،‬عندما اشتبكت‬ ‫مع القوات املصرية ي ‪ 12‬أغسطس ‪1881‬م* ‪ -‬فيما عرف‪ -‬بمعركة جزيرة‬ ‫آبا وال ع ى أثرها لقب زعيم الحركة "باملهدي" وعندما وصل النفوذ‬ ‫‪48‬‬


‫الانجل ي للسودان ي أعقاب احتالل مصر عام ‪ 1882‬م‪ ،‬كانت الحركة‬ ‫املهدية قد ثبتت أقدامها وأصبح أتباعها نحو ‪ 4000‬مقاتل‪ ،‬توالت‬ ‫انتصارات الحركة املهدية ي عدة مواجهات مع القوات املصرية خالل‬ ‫عامي ‪1882-1881‬م هذﻩ املعارك أدت إ ى انتشار الحركة املهدية ي أنحاء‬ ‫السودان)‪.(4‬‬ ‫ي نوفم ﺮ ‪1883‬م كانت معركة شيكان ال عجلت بعزل حامية‬ ‫الخرطوم وبحر الغزال‪ ،‬حاولت بريطانيا التدخل ملساندة القوات املصرية‪،‬‬ ‫قاد الحملة الج ﺮال غوردن إلنقاذ تلك القوات ولكنه م زيمة ولقي‬ ‫مصرعه ي ‪ 26‬يناير ‪1885‬م ودخل املهدي إ ى مدينة الخرطوم ال جعلها‬ ‫عاصمة دولته‪ ،‬ح تو ي ي يونيو ‪1885‬م )‪.(5‬‬ ‫تو ى أمر الحركة نائبه عبدﷲ التعاي الذي أكمل الصراع مع‬ ‫القوات الانجل ية واملصرية بقيادة كتش ﺮ ح مصرعه عام ‪1898‬م أدى‬ ‫مقتله ال يار حكومة الحركة املهدية ي السودان أمام تطور أسلحة‬ ‫املستعمر)‪.(6‬‬ ‫ي ليبيا كانت الحركة السنوسية* قد ظهرت ي منتصف القرن التاسع‬ ‫عشر بقيادة محمد بن ع ى السنوﺳ ثم خلفه ابنه محمد املهدي‪ ،‬الذي‬ ‫دفعه التوسع ٔالاوربي خاصة الفرنﺴ ي تشاد واس دافه للزوايا‬ ‫السنوسية‪ ،‬ببداية التدريب العسكري وشراء السالح ملواجهته‪ ،‬فباشر‬ ‫معهد الجغبوب والزوايا ي تدريب القبائل ع ى حمل السالح والرماية)‪.(7‬‬ ‫ً‬ ‫كان هدفه من مواجهة الفرنسي ن منعهم من التوغل شماال و ديد‬ ‫مركز الحركة ي الكفرة والجغبوب‪ ،‬ي عام ‪ 1890‬كان بحوزة السنوسي ن‬ ‫‪ 600‬بندقية و ي عام ‪1899‬م‬ ‫حاول أحمد الشريف السنوﺳ – الذي ظهر كقائد للحركة بعد وفاة‬ ‫‪49‬‬


‫عمه محمد املهدي‪ -‬حاول شراء السالح من مصر وكنوع من التقرب‬ ‫الايطا ي للسنوسية واستغالل الصراع الفرنﺴ السنوﺳ قام السف ﺮ‬ ‫ٕالايطا ي ي مصر بإهداء بعض ٔالاسلحة ال احمد الشريف عام ‪.(8)1905‬‬ ‫وعندما بدأ التمهيد الايطا ي للغزو‪ ،‬أطلق شيخ الطريقة السنوسية‬ ‫حملة توعية قام ا ضد الغزو القادم لألمة من قبل ٔالاوروبي ن‪ ،‬وتنظيم‬ ‫الزوايا‪ ،‬وتعبئة ٔالانصار؛ بغرس الثقة ي دي م وعقيد م والثقة بقياد م‪.‬‬ ‫وحدت الطريقة السنوسية جهودها مع السلطة العثمانية ي مواجهة‬ ‫العدوان الايطا ي وجرت العديد من املعارك املش ﺮكة‪ ،‬خاصة ي شرق‬ ‫ليبيا خالل سنة ‪ 1912‬ال ي اي ا وقعت اتفاقية أو ‪ ،‬سحبت ع ى‬ ‫أثرها القوات والضباط ٔالاتراك‪.‬‬ ‫قامت الطريقة السنوسية ي منطقة الجبل ٔالاخضر بتنظيم حركة‬ ‫ٔالادوار وأدت زوايا الحركة الدور املنوط ا ي التعبئة والتوجيه املعنوي‬ ‫وقيادة معارك الجهاد – حالة أحمد الشريف – عمر املختار – يوسف‬ ‫بورحيل وغ ﺮهم –)‪.(9‬‬ ‫ي الصومال اش رت العديد من الطرق الصوفية أبرزها الطريقة‬ ‫القادرية)‪ (10‬ؤالاحمدية)‪ (11‬والصالحية)‪ ،(12‬وأقدمها الطريقة القادرية ال‬ ‫وصلت الصومال ي القرن السادس عشر‪.‬‬ ‫انتشرت الطريقة القادرية ي أنحاء الصومال مستخدمة وجوﻩ الحياة‬ ‫مثل التجارة والتعليم وال ﺮبية‪ ،‬وكان نفوذها الكب ﺮ قد تزامن مع مطلع‬ ‫القرن العشرين حيث برز لها رواد جدد ومن ب ن أتباع القادرية ظهرت‬ ‫الصالحية‪.‬‬ ‫)‪(13‬‬ ‫أعلن محمد عبدﷲ حس ن شيخ الطريقة الصالحية‪ ،‬ثورته ال‬ ‫ناصرها وأيدها الشعب الصوما ي بأكمله وكان اعتمادﻩ ع ى ٔالاسلحة‬ ‫‪50‬‬


‫التقليدية القليلة من سيوف ورماح وأسلحة نارية عتيقة من البنادق‪،‬‬ ‫ومن الواضح إن هذا الشيخ الثائر كان يتمتع بثقافة ومعرفة وإملام بما‬ ‫يجري ي الوطن العربي والعالم ٕالاسالمي بشكل عام‪ .‬ويتضح ذلك ي‬ ‫ٔالاسلوب الذي اتبعه الست اض الشعب الصوما ي وتحريضه ضد‬ ‫املستعمر ٔالاجن ودفعه لي ض ويثور ضدﻩ‪.‬‬ ‫فقد بدأ بطبع بيانات ومنشورات ورسائل‪ ،‬يقوم بإرسالها وتوزيعها‬ ‫ع ى زعماء القبائل واملشايخ والفقهاء ؤالاعيان الصومالي ن‪ .‬كما كان يقوم‬ ‫بتوزيعها لعامة الشعب الصوما ي‪ .‬و ي كل ذلك كان يحث الجميع ملقاومة‬ ‫الاستعمار ٔالاجن ‪.‬‬ ‫ي تلك البيانات كان يضرب املثل بمقاومة ٔالام ﺮ عبدالكريم الخطابي‬ ‫ضد فرنسا ومقاومة السنوسي ن ضد ايطاليا ي طرابلس الغرب وبرقة‪.‬‬ ‫وثورة سلطان باشا ٔالاطرش ي الديار الشامية ضد فرنسا ويش ﺮ ي‬ ‫رسائله وبياناته لثورة ٔالامام محمد أحمد املهدي ي السودان ضد‬ ‫الانجل )‪.(14‬‬ ‫ي سنة ‪1906‬م أف شيخ الطريقة الصالحية محمد صالح – وهو‬ ‫املقيم ي مكة آنذاك – أعلن خروج الشيخ محمد عبدﷲ حسن ع ى‬ ‫تعاليم الطريقة الصالحية ووصفه بأنه أصبح مارقا وخارجا عن‬ ‫ٕالاسالم)‪ (15‬استفاد الاستعمار الانجل ي من هذﻩ الفتوى‪ ،‬حيث كانوا‬ ‫دفون لتنف ﺮ الشعب الصوما ي وأبعادﻩ عن الثورة وعن قائدها ملعرف م‬ ‫بتمسك الشعب الصوما ي بمقاومة الاحتالل الانجل ي وٕالايطا ي‬ ‫والفرنﺴ ‪.‬‬ ‫وقد تو ي الشيخ محمد عبدﷲ حسن الذي أطلق عليه مهدي‬ ‫الصومال ي عام ‪1921‬م دون أن يتمكن من تحقيق الهدف ؤالامل الذي‬ ‫‪51‬‬


‫ثار وعاش من اجله وهو تحرير بالدﻩ من الاستعمار)‪.(16‬‬ ‫من خالل البحث ي الطرق الصوفية السابقة نالحظ‪:‬‬ ‫‪ -1‬إن الطرق الصوفية ال ظهرت ي الوطن العربي خاصة واجهت‬ ‫الاستعمار ٔالاوربي كافة ولم تتأخر أي م ا ي التحريض ع ى املواجهة‬ ‫والدعوة لها ي سبيل حماية الدين‪.‬‬ ‫‪ -2‬مصطلح النصر أو الاستشهاد سيطر ع ى كل قيادات الحركات‬ ‫الصوفية ي مواجهة الغزو الاستعماري وتقدم قياد ا الصفوف‪.‬‬ ‫‪ -3‬أدت الطرق الصوفية ي عصر الاستعمار سد الفراغ الذي كان‬ ‫ً‬ ‫سائدا نتيجة الجهل املنتشر ب ن العامة ومارست تلك الطرق السياج‬ ‫الذي يحم م من ٔالافكار الثقافية الغربية ال حاولت اخ ﺮاق الصرح‬ ‫العقائدي‪.‬‬ ‫‪ -4‬مثل خطاب املقاومة )الجهاد( ‪ -‬الذي مارسته الطرق الصوفية –‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مثل لدى الشعوب العربية الاسالمية عامال أساسيا ي التعبئة الجماعية‬ ‫من أجل البناء والتجديد وتجاوز قابلية الاستعمار وثقافته)‪.(17‬‬ ‫‪ -5‬اتضح من خالل البحث بأن الطرق الصوفية ليست فقط ما‬ ‫ينصرف إليه الذهن ألول وهلة الزهد والعزلة والتقشف والعزوف عن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مطالب الدنيا‪ ،‬بل كانت عنصرا فاعال وايجابيا ي إدارة دفة الحياة‪.‬‬ ‫‪ -6‬شهدت الطرق الصوفية صراع ب ن زعاما ا نتيجة تدخل القوى‬ ‫الاستعمارية مثلما حدث ب ن شيخ الطريقة الصالحية املقيم ي مكة‬ ‫وقائدها امليداني‪.‬‬ ‫‪ -7‬يتضح املام شيوخ الطرق الصوفية بما كان يجري حولهم من‬ ‫أحداث ي عصرهم و ي بلدان مختلفة من العالم ٕالاسالمي‪.‬‬ ‫***‬ ‫‪52‬‬


‫الهوامش‪:‬‬

‫‪ -1‬قمر الدين محمد فضل ﷲ‪ ،‬التواصل العربي اللي السوداني والبعد التاري ي‬ ‫والسياﺳ للهوية السودانية‪ ،‬التواصل الحضاري اللي السوداني ع ﺮ العصور‪،‬‬ ‫تحرير‪ ،‬محمود أحمد الديك‪ ،‬منشورات مركز جهاد الليبي ن‪.‬‬ ‫‪ -2‬انظر تاريخ الشيخ أحمد الدرديري شيخ الطريقة الخلوتية وتاريخ الشيخ عبدﷲ‬ ‫الشرقاوي شيخ الطريقة الشاذلية وتاريخ الشيخ السادات والشيخ عمر مكرم والشيخ‬ ‫أحمد بن السنباطي وكل هؤالء صوفيون من مصر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ -3‬محمود أحمد الديك‪ ،‬أثر الدين ي حركة الجهاد ي إفريقيا" ليبيا نموذجا" مجلة‬ ‫الجامعة ٔالاسمرية‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬السنة الثالثة‪ ،2006 ،‬ص‪.226‬‬ ‫* الطريقة التيجانية‪ :‬تنسب الطريقة إ ى مؤسسها أحمد بن محمد التيجاني الذي ولد‬ ‫عام ‪ 1737‬ميالدية املوافق ‪1150‬هجرية بقرية ع ن ما ال كانت ع ى قدر كب ﺮ من‬ ‫ٔالاهمية العلمية‪ ،‬ذات بيئة مفعمة بالعلم والورع باعتبارها مركزا للمعرفة والوالية‬ ‫والصالح منذ تأسيسها‪ .‬نشأ ب ن أبويه الصالح ن نشأة صالحة‪ ،‬انتقل أحمد التيجاني‬ ‫إ ى بلد ٔالابيض ي ناحية الصحراء حيث زاوية الشيخ الصديقي الشه ﺮ سيدي عبد‬ ‫القادر بن محمد ٔالابيض املعروف بسيدي الشيخ‪ .‬فاختارها م ال وقرارا وانقطع ف ا‬ ‫للعبادة والتدريس وٕالافادة ملدة خمس سنوات‪ ،‬ثم ارتحل إ ى تلمسان‪ ،‬مدينة الجدار‪،‬‬ ‫ثم غادرها عام ‪ 1772‬ميالدية‪.‬‬ ‫* الطريقة القادرية ي أحد الطرق الصوفية‪ ،‬تنتسب إ ى عبد القادر الجيالني )‪ 471‬ه‬ ‫ ‪561‬ه(‪ ،‬وينتشر أتباعها اليوم ي بالد الشام و العراق و مصر وشرق أفريقيا‪ .‬وقد كان‬‫لرجالها ٔالاثر الكب ﺮ ي نشر ٕالاسالم ي قارة أفريقيا و آسيا‪ ،‬و ي الوقوف ي وجه املد‬ ‫ٔالاوروبي‪.‬‬ ‫‪ -4‬وقفت الطريقة التيجانية إ ى جانب الاستعمار الفرنﺴ ي الجزائر وحاربت ٔالام ﺮ‬ ‫عبدالقادر الجزائري للمزيد ينظر‪ ،‬مجلة ٔالافكار‪ ،‬مجلة علمية ثقافية أصدر ا‬ ‫الجمعية الليبية ال ﺮكية للصداقة والثقافة‪ ،‬العدد ‪ 20‬السنة الرابعة يناير‪،1959‬‬ ‫ص‪.9‬‬ ‫* يذكر الطوير ي بحثه املنشور بندوة التواصل ص‪ ،342‬إن املعركة ٔالاو ى كانت ي ‪12‬‬ ‫‪53‬‬


‫أغسطس ‪ 1882‬والثانية ي ‪ 9‬ديسم ﺮ ‪ 1881‬وهذا ربما يكون خطأ مطب ي أو إنه غ ﺮ‬ ‫مقصود‪ .‬الدراسات التاريخية‪ ،2006 ،‬ص‪362.‬‬ ‫‪ -5‬أحمد اليأس حس ن‪ ،‬دور الصوفية ي املجتمعات ٔالافريقية جنوب الصحراء ‪-15‬‬ ‫‪ " 19‬السودان أنموذج" مجلة الجامعة ٔالاسمرية‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬السنة الثالثة‪،‬‬ ‫‪ ،2006‬ص‪323-320‬‬ ‫‪-6‬محمد أمحمد الطوير‪ ،‬أضواء ع ى دور الحركة الصوفية ي مقاومة الغزو ٔالاوربي‬ ‫ع ى ليبيا والسودان‪ ،‬التواصل الحضاري اللي السوداني ع ﺮ العصور‪ ،‬املرجع‬ ‫السابق‪ ،‬ص‪.343‬‬ ‫ُ‬ ‫* أسسها الشيخ محمد بن ع ي السنوﺳ )‪1859 1787‬م( الذي ولد ي مستغانم‬ ‫بالجزائر‪ ،‬ونشأ ي بيت علم ُوت ً‬ ‫قى‪ .‬وعندما بلغ سن الرشد تابع دراسته ي جامعة‬ ‫مسجد القروي ن باملغرب‪ ،‬ثم أخذ يجول ي البالد العربية فزار تونس وليبيا ومصر‬ ‫والحجاز واليمن ثم رجع إ ى مكة وأسس ف ا أول زاوية ملا ُع ِرف فيما بعد بالطريقة‬ ‫السنوسية‪ .‬وله نحو أربع ن كتابا ورسالة م ا‪ :‬الدرر السنية ي أخبار الساللة‬ ‫ٕالادريسية وإيقاظ الوسنان ي العمل بالحديث والقرآن‪.‬‬ ‫‪ -7‬أحمد صد ي الدجاني‪ ،‬الحركة السنوسية نشأ ا ونموها ي القرن التاسع عشر‪،‬‬ ‫دار لبنان للطباعة والنشر‪1967 ،‬م‪ ،‬ص ‪ 195‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ --8‬أحمد صد ي الدجاني‪ ،‬الحركة السنوسية نشأ ا ونموها‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‬ ‫‪195.‬‬ ‫‪ -9‬محمد فؤاد شكري‪ ،‬السنوسية دين ودولة‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬القاهرة ‪1948‬م‪.‬‬ ‫‪ -10‬أول من أدخل الطريقة القادرية ي الصومال هو الشريف ابوبكر عبدﷲ‬ ‫العيدروس املتو ى )‪ (1503‬ونشرها ي هرر ح أصبحت الطريقة الرسمية املعتمدة‬ ‫لدى أمرا ا وساهمت الحركة التجارية ب ن الصومال والجزيرة العربية إ ى انتشارها‪.‬‬ ‫‪ -11‬تنتسب الطريقة ٔالاحمدية إ ى الشيخ أحمد بن إدريس الفاﺳ ‪1837 – 1760‬‬ ‫وكان الشيخ أحمد الفاﺳ دف إ ى إنعاش الطريقة الصوفية وكانت جهودﻩ موجهة‬ ‫إ ى أفريقيا ي الدرجة ٔالاو ي وأرسل الشيخ أحمد بن إدريس دعاة إ ى منطقة قرن‬ ‫أفريقيا عام ‪1817‬م وأرسل الشيخ عبدالرحمن إ ى الصومال‪ .‬وينتشر أتباع الطريقة‬ ‫ٔالاحمدية ي جنوب الصومال ومن العلماء الذين قاموا بنشرها ي الصومال الشيخ‬ ‫‪54‬‬


‫حسن معلم ع ي م م‪ 1917‬ي مركا ويعت ﺮ الشيخ ع ي م أبرز من نشر الطريقة‬ ‫ٔالاحمدية ي الصومال‪.‬‬ ‫‪ - 12‬فرع من الطريقة املعروفة ي الصومال باسم الطريقة ٔالاحمدية ويسم مؤسس‬ ‫الطريقة الصالحية الشيخ محمد بن صالح تو ي سنة ‪1918‬م اش رت الطريقة‬ ‫بالنشاط الدي وبالدور البارز حيث شاركت بفاعلية ي الكفاح الصوما ي ضد‬ ‫الاستعمار ودخلت ي أول مرة بواسطة الشيخ محمد جوليد )ت‪ (1918‬الذي أسس‬ ‫قرية بصرة قرب مدينة جوهر‪ ،‬ومن روادها الشيخ ع ي ن ﺮوبي الذي أسس جماعة‬ ‫قرب مدينة بارط ﺮﻩ ونشر الطريقة ع ي ضفاف ر جوبا‪.‬‬ ‫‪ -13‬السيد محمد عبدﷲ حسن‪ ،‬ولد عام ‪1856‬م ي قرية فوب فردوت‪ ،‬كان وراء‬ ‫انتشار الطريقة الصالحية ي أرجاء الصومال‪ ،‬وبلغ أتباع الطريقة الصالحية ال كان‬ ‫يقودها البطل ما يقارب ‪ 5000‬نفرا معهم أسرهم وأوالدهم‪ ،‬وكانت معهم عد م‬ ‫وخيولهم وحم ﺮ وماشي م من ٔالابقار ؤالاغنام وٕالابل‪ ،‬وكانوا يعيشون ي البوادي‪،‬‬ ‫وذلك وسط عام ‪1899‬م‪.‬‬ ‫‪ -14‬فاديه عبدالعزيز القطعاني‪ ،‬دور الطريقة الصالحية ي مقاومة الاستعمار الغربي‬ ‫ي الصومال‪ ،‬مجلة الجامعة ٔالاسمرية‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬السنة الثالثة‪،2006 ،‬‬ ‫ص‪260.‬‬ ‫‪ -15‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪262.‬‬ ‫‪ -16‬فاديه عبدالعزيز القطعاني‪ ،‬دور الطريقة الصالحية ي مقاومة الاستعمار الغربي‬ ‫ي الصومال‪ ،‬مجلة الجامعة ٔالاسمرية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪264.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ -17‬محمود احمد الديك‪ ،‬أثر الدين ي حركة الجهاد ي إفريقيا" ليبيا نموذجا" مجلة‬ ‫الجامعة ٔالاسمرية املرجع السابق‪ ،‬ص‪.231‬‬

‫‪55‬‬


56


‫املرابطية ي مجتمع طرابلس الغرب‬ ‫ي العهد القرمان ي ‪1835 -1711‬م‬ ‫مقدمة‪:‬‬ ‫يحاول البحث تسليط الضوء ع ى ٔالاولياء والصالح ن واملرابطية ي‬ ‫مجتمع طرابلس الغرب‪ ،‬وعالق م مع الوالة ي عهد الدولة القرمانلية‬ ‫)‪1835 -1711‬م( وسياسة القرمانلي ن تجاههم‪.‬‬ ‫إن البحث ي هذا املوضوع‪ ،‬ومحاولة ٕالاجابة ع ى إشكالية ٔالاهمية‬ ‫ال تمتع ا ٔالاولياء والصالح ن‪ ،‬والقوة ال يستمدو ا للسيطرة ع ى‬ ‫املجتمع‪ ،‬واستغالل ذلك من قبل القرمانليون لتوطيد حكمهم ي طرابلس‬ ‫الغرب‪ ،‬وملعالجة هذﻩ ٕالاشكاليات من الضرورة ٕالاجابة ع ى التساؤالت‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫ أثر الثقافة الصوفية ع ى مجتمع طرابلس الغرب ؟ وما هو الدور‬‫الذي يتمتع به الفقهاء ي مجتمع طرابلس الغرب ؟ وكيف كان أثر ٔالاولياء‬ ‫والصالح ن ي بلورة عقيدة املجتمع الصوفية ؟ وما ي الثقافة الدينية‬ ‫ال كانت تسيطر ع ى ٔالاسرة القرمانلية؟ وما دور فقهاء الصوفية ي‬ ‫التعجيل با يار الدولة القرمانلية؟‬ ‫تم استخدام مجموعة من املصادر ال تناولت بشكل أو بآخر هذا‬ ‫املوضوع‪ ،‬السيما املعاصرة م ا للف ﺮة القرمانلية‪ ،‬وأهمها‪- :‬‬ ‫)*(‬

‫‪57‬‬


‫كتاب التذكار فيمن ملك طرابلس ومن كان ا من ٔالاخيار‪ ،‬للمؤرخ‪:‬‬ ‫أبوعبدﷲ محمد بن خليل بن غلبون الطرابلﺴ ‪ ،‬ويعد الكتاب من‬ ‫املصادر ٔالاساسية ال أرخت لف ﺮة حكم القرمانلي ن‪.‬‬ ‫والكتاب عبارة عن رصد للعالقة ب ن املجتمع والسلطة خالل القرن‬ ‫الثامن عشر‪ .‬حيث نقل لنا ما توفر له ي زمنه من أخبار ومعلومات وما‬ ‫ُ‬ ‫أمكنه ٕالاطالع عليه وما وصله ممن سبقه‪ ،‬وقد ألف الكتاب بناء ع ى‬ ‫طلب الوا ي أحمد باشا القرمان ي من الشيخ محمد بن خليل بن غلبون‪،‬‬ ‫تأليف تاريخ مدينة طرابلس يكون شرحا لقصيدة أحمد بن عبدالدائم‬ ‫ٔالانصاري‪ ،‬فقام ابن غلبون بذلك وسم تاريخه ) التذكار فيمن ملك‬ ‫طرابلس ومن كان ا من ٔالاخيار(‪ ،‬وتناول فيه ٔالاحداث ال مرت ا‬ ‫طرابلس الغرب ب ن الفتح ٕالاسالمي وح ثالثينات القرن الثامن عشر‪،‬‬ ‫وكان آخر عام ذكرﻩ ي تاريخه هو عام ‪1732‬م وضم الكتاب أيضا ترجمة‬ ‫للعديد من الشخصيات العلمية ؤالادبية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كان سبب تأليف الكتاب هو أن وزيرا مغربيا مر بطرابلس حاجا حوا ي‬ ‫عام ‪ 1289‬ي والية يوسف بن طاهر ال ﺮبو ي الذي تو ى الحكم بعد وفاة‬ ‫محمد بن عيﺴ الهنتاتي سنة )‪ 684‬ه( ‪1285‬م و ي الف ﺮة ال اضطربت‬ ‫ا ٔالاحوال بتونس وأستبد ي طرابلس‪.‬‬ ‫" كان ي لسانه فصل ك ﺮ امتحانه والتعرض له بسببه‪ ،‬حيث أو‬ ‫بعض الوشاة‪ ،‬ذوي الغايات‪ ،‬به للوا ي أحمد باشا القرمان ي‪ ،‬باني الجامع‬ ‫املعروف بطرابلس‪ ،‬بان الجامع مب من مال حرام وع ى أرض مغتصبة‪،‬‬ ‫فأمر أحمد باشا بقتله فقتل شهيدا")‪.(1‬‬ ‫ويأتي كتابا املؤرخ أحمد النائب ٔالانصاري‪ :‬امل ل العذب ي تاريخ‬ ‫طرابلس الغرب؛ و نفحات النسرين والريحان فيمن كان ي طرابلس من‬ ‫‪58‬‬


‫ٔالاعيان‪ ،‬ي ٔالاهمية لقرب مؤلفهما من ف ﺮة الحكم القرمان ي‪ ،‬كما إن‬ ‫الكتاب ن يؤرخان لحكام طرابلس الغرب ومشايخها خالل الف ﺮة املعنية‬ ‫بالبحث‪.‬‬ ‫وجاء كتاب شارل ف ﺮو‪ ،‬الحوليات الليبية منذ الفتح العربي ح‬ ‫الغزو ٕالايطا ي ليقدم وجهة النظر الغربية عن ٕالايالة القرمانلية ‪.‬‬ ‫الثقافة الدينية السائدة وتأث ﺮها ع ى مجتمع ٕالايالة‪:‬‬‫تأثرت الثقافة الدينية ي مجتمع الدولة العثمانية منذ تأسيسها ي‬ ‫مطلع القرن الرابع عشر امليالدي كإحدى إمارات التخوم‪ ،‬حيث كانت‬ ‫العالقة ب ن الحاكم واملحكوم ن تجري ي إطار من البداوة‪ ،‬وحيث استند‬ ‫ً‬ ‫السالط ن ٔالاوائل ع ى ٕالاسالم الصو ي متمثال ي عدد من املتصوفة‬ ‫والدراويش* الذين سيطرت أفكارهم وأرا م ع ى املنطقة)‪.(2‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وقد مثلت الطرق الصوفية والاعتقادات الشعبية عنصرا رئيسيا ي‬ ‫حياة املجتمع العثماني و ي تفك ﺮ النخبة املثقفة العثمانية‪ ،‬ففي بواك ﺮ‬ ‫تكوين الدولة استندت السلطة الحاكمة ع ى الفكر ٕالاسالمي الصو ي‬ ‫وع ى عدد من الشيوخ والدراويش وفقهاء املتصوفة )‪ ،(3‬فتبوأ مشايخ‬ ‫الطرق والفقهاء مكانة رفيعة‪ ،‬وتمتعوا بشعبية كب ﺮة؛ حيث هيمنت‬ ‫طرقهم الصوفية ع ى الحياة الروحية وسط املجتمع العثماني‪ٔ ،‬الامر الذي‬ ‫جعل السالط ن يحاولون احتواءهم بال ﺮغيب أو ال ﺮهيب‪.‬‬ ‫فتقلد العديد من أتباع تلك الطرق بعض املناصب الدينية ي الدولة‬ ‫ً‬ ‫العثمانية‪ ،‬فضال عن تقريب السالط ن والوالة لهم‪ ،‬ومثال ع ى ذلك‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سيطرة شيوخ الطريقة البكتاشية)*( ال كان لها دورا كب ﺮا ي انتشار‬ ‫ٕالاسالم ب ن السكان املسيحي ن ي البلقان ع ى جنود ٕالانكشارية)‪ ،(4‬حيث‬ ‫بارك شيوخ هذﻩ الطريقة فرقة الجيش الجديدة )يكيجري( فهم الذين‬ ‫‪59‬‬


‫أطلقوا عل م أسم هذﻩ الفرقة‪ ،‬وإيمانا بكراما م دعوا لهم بالخ ﺮ‬ ‫والظفر)‪.(5‬‬ ‫ومع توسع الدولة العثمانية انتشرت الطرق الصوفية ي واليا ا‪ ،‬و‬ ‫أستغل ٔالاتراك ٔالافكار السياسية والدينية السائدة ي البلدان ال‬ ‫أصبحت جزء من الدولة العثمانية ي تثبيت أقدامهم هناك‪ ،‬حيث‬ ‫ً‬ ‫أصبحت قاعدة ألم ﺮاطوري م فضال عما كانت تعاني مناطقه من ضعف‬ ‫وانحطاط )‪.(6‬‬ ‫و طرابلس الغرب ال أصبحت تحت الحكم العثماني املباشر منذ‬ ‫عام‪1551‬م‪ ،‬وح عام ‪1711‬م عندما أستطاع أحد أبناء الكولوغلية*‬ ‫ويد ى أحمد باشا القرمان ي)‪ (7‬السيطرة ع ى مقاليد الحكم ي طرابلس‬ ‫ً‬ ‫مرسيا دعائم دولة بحكم وراثي شبه مستقل عن الدولة العثمانية‪،‬‬ ‫واستمر ٔالامر هكذا ح عودة الحكم العثماني املباشر عام ‪ 1835‬م‪.‬‬ ‫ي العهد العثماني ٔالاول ظهر ي مجتمع طرابلس الغرب فئة تكونت‬ ‫من مجموعات واسعة‪ ،‬من الشرفاء واملتصوفة والعلماء والخطباء‬ ‫واملفتي ن وغ ﺮهم ممن يملكون رأسمال ثقا ي يعتمدون ي معاشهم عليه‪.‬‬ ‫وتنقسم هذﻩ املجموعات إ ى فئت ن الفئة ٔالاو ى ملكت ثروة املعرفة‬ ‫و ي مقدم ا يأتي ٔالاشراف الذين يعود نس م إ ى آل البيت‪ ،‬وهم يملكون‬ ‫ً‬ ‫ثروة متجددة ال تنضب‪ ،‬حيث خول لهم الشرف حقوقا واسعة لدى‬ ‫الحاكم والسكان)‪.(8‬‬ ‫والفئة الثانية ملكت ال ﺮوة الروحية وم م ٔالاولياء املتصوفون‬ ‫واملرابطون والقائم ن ع ى الزوايا* وشيوخها وكتبة التعاويذ ؤالاحجبة‬ ‫وقراء الكف وضاربوا خط الرمل والتقازة‪ ،‬ويكتسبون رموزهم من خالل‬ ‫الكرامات ال أضفت عل م نوع من القدسية وكلما تعددت أرتفع مقام‬ ‫‪60‬‬


‫الو ي أو املرابط ونال م لة عالية لدى الجميع )‪.(9‬‬ ‫تم عهد ٕالايالة القرمانلية باهتمام ملحوظ‪ ،‬بالفقهاء ؤالاولياء‬ ‫والصالح ن‪ ،‬وتقري م والتودد إل م‪ ،‬فقد ك ﺮ الاعتقاد باألولياء‬ ‫والصالح ن الستغالل نفوذهم ي تدخل هؤالء ي الكث ﺮ من ٔالاحيان‬ ‫لحماية الناس والدفاع ع م بجرأة‪ ،‬وبحكم كو م مؤثرين عند الحكام‬ ‫وب ن عامة الناس)‪ (10‬و ي دئة بعض الانتفاضات والثورات وإقرار السلم‬ ‫الاجتما ي‪.‬‬ ‫لذا نما نفوذ املرابطية وأصحاب الطرق الصوفية‪ ،‬ب ن طبقات‬ ‫ً‬ ‫املجتمع‪ ،‬السيما ي ٔالارياف وأطراف املدن)*(‪ ،‬وكث ﺮا ما استخدمهم الوالة‬ ‫القرمانليون لفض ال اعات ب ن القبائل‪ ،‬وحل الكث ﺮ من املشاكل‬ ‫ً‬ ‫وتحريض العامة للدفاع ع م‪ .‬وباملقابل كث ﺮا ما تخوف رجال الدولة من‬ ‫غض م إذا ما أزعجوهم بسياسا م‪ ،‬لذلك كان الكث ﺮ م م يعفى من‬ ‫الضرائب‪ ،‬وزوايا املرابطية حم ال تدخل تحت نفوذ الدولة ال ل ء إال‬ ‫لكو ا تحت إدار م‪ ،‬وكث ﺮا ما تمتنع الرعية عن الاستكانة والاطمئنان‬ ‫لحاكم أو وا ي ح يتبينوا موقفة من الزوايا واملرابطية)‪.(11‬‬ ‫وكلمة مرابط جاءت من الرباط أو املرابطة ع ى الثغور ي أطراف‬ ‫الدولة ٕالاسالمية‪ ،‬ويرجع تاريخ تأسيس أول رباط ي طرابلس الغرب سنة‬ ‫)‪180‬ه ‪796‬م ( إ ى أم ﺮ أفريقية هرثمة بن أع ن الهاشم )‪.(12‬‬ ‫وتواصل بناء الرباطات ع ى هيئة سلسلة متقاربة تمتد من طرابلس‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫غربا إ ى ٕالاسكندرية شرقا‪ (13) ،‬ومن سواحل املتوسط إ ى املحيط‬ ‫ً‬ ‫ٔالاطلﺴ مخ ﺮقة الصحراء الك ﺮى لتقدم كافة الخدمات للقوافل التجارية‬ ‫ي الصحراء وكذلك للقبائل الرحل‪ ،‬وال ال يفصل بي ا إال بضع‬ ‫كيلوم ﺮات‪ ،‬واستمرت ع ى حالها مأهولة باملجاهدين املرابط ن واملتصوفة‬ ‫‪61‬‬


‫من الزهاد تؤدي واج ا الحربي‪ ،‬ومع قدوم ٔالاتراك العثماني ن إ ى طرابلس‬ ‫الغرب‪ (14) ،‬تولوا املهام ال كانت منوطة بالرباطات‪ ،‬فتحولت إ ى زوايا‬ ‫لتؤدي دور التعليم ي املنطقة)‪ ،(15‬وساهمت هذﻩ الزوايا بدور كب ﺮ ي‬ ‫استقطاب املزيد من السكان الرحل لالستقرار ا بصورة دائمة مما‬ ‫أهلهم لالنضمام إ ى املجتمع املستقر)‪.(16‬‬ ‫وللمرابط ن ‪ -‬أو املرابطية ‪ -‬بصمات ع ى أرض طرابلس الغرب‪ ،‬فقبور‬ ‫الصالح ن م م أصبحت أضرحة أولياء‪ ،‬وحولها تكونت تكتالت سكانية‬ ‫أدت إ ى استيطا م بصفة دائمة‪ ،‬وقامت حولهم املدن والقرى‪ ،‬كما‬ ‫سميت بعض املدن بأسماء ساكن ا من املرابطة ؤالاولياء والصالح ن‪،‬‬ ‫مثل مدينة بنغازي نسبة إ ى سيدي غازي)‪ (17‬وتكونت مدينة زلي ن ع ى‬ ‫ضريح سيدي عبدالسالم ٔالاسمر)‪ (18‬ومدينة العجيالت ع ى ضريح سيدي‬ ‫محمد حركات ) أبوعجيلة()‪ (19‬ومدينة الزاوية الغربية)‪ (20‬ال سميت‬ ‫نسبة إ ى زاوية أوالد سنان‪ ،‬ولك ﺮة ما ا من زوايا‪ ،‬وقامت مدينة‬ ‫ً‬ ‫البيضاء)‪ (21‬ع ى الزاوية السنوسية بالجبل ٔالاخضر‪ ،‬وكث ﺮا ما كانت هذﻩ‬ ‫ٔالاضرحة واملزارات تعج بالدراويش وباملستج ﺮين ا مما يتعرضون إليه‬ ‫من أهوال)‪.(22‬‬ ‫وتذكر اليوميات الليبية الكث ﺮ من الحوادث ال استجار ا العامة‬ ‫ً‬ ‫بأضرحة املرابطية ؤالاولياء هروبا من السلطة ومالحق ا لهم ع ى جرائم‬ ‫اق ﺮفوها‪ ،‬خاصة ضري ي سيدي املارغ وسيدي الصيد)‪.(23‬‬ ‫والجدير باملالحظة إن جميع ٔالاضرحة واملقامات تحتوي ع ى نفس‬ ‫املحتويات‪ ،‬وال تختلف ي البناء أو ي موجودا ا‪ ،‬فالبناء تتوسطه قبة‪،‬‬ ‫وداخل البناء ق ﺮ الو ي أو املرابط والق ﺮ يوضع فوقه صندوق مغطى‬ ‫بقماش أخضر مرسوم عليه نجمة وهالل)‪.(24‬‬ ‫‪62‬‬


‫ويلتقي حول تلك املقامات رجال الطرق الصوفية‪ ،‬أما الدراويش‬ ‫فيؤدون خدمات عديدة ملقام الو ي الصالح ويستأثرون بما يقدمه‬ ‫املعتقدون الزائرون من صدقات وهبات‪.‬‬ ‫آلفت القبائل البدوية خالل القرون الوسطى رؤية علماء الدين‬ ‫والفقهاء‪ ،‬وكان للتدين والزهد ومعرفة القراءة والكتابة وٕالاتيان‬ ‫ً‬ ‫باملعجزات‪ ،‬أثرا كب ﺮ ي تكوين عقيدة البسطاء الذين ارتبطت لد م تلك‬ ‫املعرفة بالتبحر ي الدين والعلم‪ ،‬والرجل العالم ي اعتقادهم هو من‬ ‫يشفي أبنا م من ٔالامراض بكتابة ٔالاحجبة والتمائم‪ ،‬ويص ي م صالة‬ ‫الاستسقاء‪ ،‬في ل املطر‪ ،‬ويعلمهم القراءة والكتابة وحفظ القرآن‬ ‫الكريم‪ ،‬ويقوم بدور الحكم ي حل منازعا م‪ .‬لذا تبوءا املرابطية ؤالاولياء‬ ‫)‪(25‬‬ ‫مكانة رفيعة وسط املجتمع البدوي‬ ‫وبلغ من تأث ﺮ املرابطية ؤالاولياء والدراويش ي املجتمع اللي إ ى درجة‬ ‫الاعتقاد ف م بأ م يستطيعون مساعد م ي قضاء حوائجهم‪ ،‬ف ﺮاهم‬ ‫يت ﺮكون بق ﺮ الو ي ويتوددون إليه‪ ،‬ويصل اعتقاد البسطاء إ ى تقبيل‬ ‫الضريح‪ ،‬لتحقيق مطال م وتيس ﺮ أمورهم ي ٔالابناء وكسب الرزق‪ ،‬ونيل‬ ‫ال ﺮكة)‪ .(26‬وتوجد بطرابلس العديد من املزارات ال اختفت بسبب تداول‬ ‫الحكام ع ى املدينة)‪.(27‬‬ ‫ً‬ ‫وشاع ب ن العامة تسمية أبنا م بأسماء املرابط ن وفاءا م م بالنذور‬ ‫ال قطعوها ع ى أنفسهم حينما دعوا عند مرقد املرابط باالستجابة‬ ‫لحوائجهم‪ ،‬سواء كان ذلك بشفاء مرضاهم أو إنجاب الذكور وحماي م‬ ‫من املوت أو إرجاعهم بعد غيبة طويلة‪ .‬ومن أسماء الصالح ن واملرابط ن‬ ‫الشائعة ي طرابلس الغرب‪ ،‬وال أصبحت ألقاب لعدد من العائالت‪،‬‬ ‫املرابط‪ ،‬الشريف‪ ،‬الدرويش‪ ،‬املجذوب‪ ،‬العيساوي‪ ،‬املدني‪ ،‬الدوكا ي‪،‬‬ ‫‪63‬‬


‫ابوعجيلة‪ ،‬الفيتوري‪ ،‬املحجوب‪ ،‬الزروق‪ ،‬الشي ي‪ٔ ،‬الاسمر‪ … ،‬الخ)‪.(28‬‬ ‫وينقل لنا أحد الرحالة الذي مر بطرابلس الغرب عام ‪1819‬م ما‬ ‫شاهدﻩ خالل الاحتفال حيث يقول" استمرت الاحتفاالت ثالثة أيام‪،‬‬ ‫بمراسم همجية‪ ،‬وحماس من املشارك ن الهبه املرابط الكب ﺮ‪ ،‬ويس ﺮ‬ ‫املخبولون ي املوكب‪ ،‬وترى نظرات الدهشة ي عيو م‪ ،‬وخالل س ﺮهم‬ ‫يواك م الحراس والتابعون")‪.(29‬‬ ‫ويواصل الرحالة مشاهداته عندما أراد أن يصبح مرابط فيقول"‬ ‫أرسلت ي طلب أحد أك ﺮ املرابط ن شهرة بحجة رغب ي أن أصبح‬ ‫صاحبنا يقوم بالطقوس ويتمتم‪ ،‬وب ن الح ن وٓالاخر‬ ‫مرابط‪ ،‬وم‬ ‫يبصق ع ى يدي ويرش بفمه ماء الورد ع ى وجﻬ ‪ ،‬ثم صب املاء ي‬ ‫قنينة‪ ،‬وأمرني بان اشر ا ي يوم محدد")‪.(30‬‬ ‫وشهدت ي منتصف القرن التاسع عشر‪ ،‬بعض الزوايا والطرق‬ ‫الصوفية أنحراف بعض أتباعها عن دورهم الذي تكونت من أجله تلك‬ ‫الزاوية أو الطريقة لتتحول إ ى أماكن للشعودة وارتكاب بعض ٔالاعمال‬ ‫الغريبة عن ٕالاسالم الطر ي نفسه)‪.(31‬‬ ‫الوالة القرمانليون واملرابطية‪:‬‬ ‫بالغ الوالة القرمانليون ي تعظيم العلماء املرابطية وإكرامهم وفرضوا‬ ‫لهم ي العطاء‪ ،‬وتشريفهم وإعفا م من الضرائب‪ ،‬ح نرى الوا ي أحمد‬ ‫ً‬ ‫باشا القرمان ي‪ ،‬تم كث ﺮا بتقري م إليه‪ ،‬وأهتم بزيارة ٔالاولياء وقبور‬ ‫املرابط ن‪ ،‬إ ى حد إنه خاطب عماله ي املدن باح ﺮامهم ومن الذ م)‪،(32‬‬ ‫ورا ى جانب الدين فزاد الاهتمام بتحصيل العلم وسافر عدد من الطالب‬ ‫لتلقي العلم ي مختلف البلدان)‪ (33‬م م الشيخ أبوعبدﷲ محمد بن‬ ‫مصطفى املاعزي)‪(34‬؛ والشيخ أبي عبدﷲ محمد بن العربي)‪ (35‬الذي مدح‬ ‫‪64‬‬


‫الوا ي أحمد باشا القرمان ي بقوله‪:‬‬ ‫نجي ــب‪ ،‬حس ــيب‪ ،‬ع ــا ي الق ــدر‪ ،‬أروع‬

‫أدي ـ ـ ـ ــب‪ ،‬أري ـ ـ ـ ــب‪ ،‬فاض ـ ـ ـ ــل‪ ،‬متعف ـ ـ ـ ــف‬ ‫أق ـ ـ ـ ــول ألص ـ ـ ـ ــحابي عل ـ ـ ـ ــيكم بأحم ـ ـ ـ ــد‬

‫أف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد فج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد بالحي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد املن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوع‬ ‫ً‬ ‫وأبكـ ـ ـ ـ ـ ــى جريـ ـ ـ ـ ـ ــا بالشكاسـ ـ ـ ـ ـ ــة مولـ ـ ـ ـ ـ ــع‬

‫فكمأضـحكاملحـزون)مـن نقـش اسـمه(‬

‫وقد طلب ابن غلبون)‪ (36‬التدخل عندما مثل ب ن يدي الوا ي أحمد‬ ‫باشا بعد أن خاطبه عامل مصراتة بغلظة بقوله‪:‬‬ ‫س ـ ــيدي نص ـ ــرة الض ـ ــعيف وغ ـ ــوث‬ ‫للفق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ﺮ إذا الظل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالﻩ‬ ‫كيف يخ العناء من يخشاﻩ‬ ‫أحم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد بيت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك املك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرم ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــز‬ ‫م ـ ـ ـ ــن ن ـ ـ ـ ــوال وأن تكف ـ ـ ـ ــوا ع ـ ـ ـ ــداﻩ‬ ‫يرت ـ ـ ـ ـ ــى نص ـ ـ ـ ـ ـرة وغرفـ ـ ـ ـ ــة فضـ ـ ـ ـ ــل‬ ‫ً‬ ‫)‪(37‬‬ ‫من ـ ــه دوم ـ ــا ب ـ ــدعوة م ـ ــا نس ـ ــاﻩ‬ ‫خ ـ ـ ــادم العل ـ ـ ــم ـ ـ ــي جن ـ ـ ــاب ٔالام ـ ـ ــﺮ‬ ‫ونتيجة ٔالامطار ال هطلت بغزارة وأهلكت املوا ‪ ،‬وخربت البيوت‬ ‫وهدمت زاوية ابن غلبون بمصراتة‪ ،‬قام أحمد باشا بإعادة بنا ا‪ ،‬وبناء‬ ‫مسجد محمود خازن دار)*(‪ ،‬كما أعاد بناء زاوية أبي الحسن ع ي بن‬ ‫الصادق بساحل آل حامد)‪ (38‬ويذكر إن أوقاف أحمد الزروق)‪ (39‬كانت قد‬ ‫تقاسمها القائمون عل ا فأعادها وأهتم ا)‪ ،(40‬وقام ببناء زاوية املاعزي‬ ‫ً‬ ‫باملنشية‪ ،‬وأيضا ببناء أوقاف بمدينة طرابلس يذهب ريعها للمساجد‬ ‫والزوايا)‪ (41‬كما قام ببناء جامع بجانب مقام سيدي املارغ الذي كان‬ ‫يوسف باشا يح ﺮمه ويقدسه)‪.(42‬‬ ‫ونجح أحمد باشا ي استمالة املرابط سيدي الصيد)‪ (43‬إ ى جانبه‬ ‫ليقنع أرملة خليل بك ٔالارناؤطي ال استجارت بحرمة مزارﻩ‪ ،‬بعد أن‬ ‫عجزت عن رد أحمد باشا الذي كان يالحقها لي وجها بعد مقتل زوجها‪،‬‬ ‫‪65‬‬


‫والذي تعت ﺮﻩ املحرض ع ى ذلك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ونظرا ملا يتمتع به هذا املرابط من حضوة وقبول لدى العامة نجح ي‬ ‫ً‬ ‫إقناعها بالزواج من أحمد باشا مدعيا بأنه قد استقرا النجوم ال أنبأته‬ ‫بأ ا ستصبح زوجة داي طرابلس وإ ا ستنجب منه ذرية من ٔالامراء‪.‬‬ ‫ً‬ ‫و ي املقابل كان سيدي الصيد نفسه هدفا لشهوات أحمد باشا‬ ‫عندما طلبه أن يرسل معه أبنته الجميلة إ ى القلعة‪ ،‬ع ى أن يغدق عليه‬ ‫من ٔالاموال والهدايا ما لم يرﻩ من قبل‪ ،‬غ ﺮ إن سيدي الصيد جعل أبنته‬ ‫)‪(44‬‬ ‫تتجرع السم وأرسلها إليه وعند وصولها فارقت الحياة‬ ‫و ي عهد الداي ع ي باشا القرمان ي )‪1207 -1167‬ه‪1792 -1753 /‬م(‬ ‫لجاء إ ى املرابطية من أوالد أبوسيف لحل ال اع ب ن قبائل أوالد سليمان‬ ‫والفرجان عام ‪1767‬م‪ ،‬والذي عجز عن التدخل لحله باستخدام قوته‬ ‫العسكرية)‪ ،(45‬وطلب تدخل سيدي الصيد عند وقوع نزاع عنيف ب ن‬ ‫رمضان أغا ٔالادغم حاكم مصراته والشيخ سيف النصر )‪ ،(46‬والذي وفق‬ ‫ي التدخل وحل ال اع‪.‬‬ ‫ويذكر الرحالة الورثيالني‪ ،‬إن ع ي باشا القرمان ي كان يتقرب إ ى‬ ‫ٔالاولياء والصالح ن و تم باملرابط ن وشيوخ الزوايا)‪.(47‬‬ ‫و ي سنة ‪1795‬م خرج أحمد بك لناحية تاجوراء لزيارة ٔالاولياء‬ ‫كاملعتاد فانتفضت ٔالاها ي بتحريض من شقيقه يوسف فهرب إ ى مصراتة‬ ‫وم ا إ ى مالطا ثم عاد إ ى درنة فيما بعد)‪.(48‬‬ ‫واضطر يوسف باشا )‪1249 -1211‬ه ‪1833 -1796 /‬م( أن يقحم‬ ‫املرابطية للفصل ي نزاع وقع ي منطقة الجبل الغربي سنة ‪1828‬م‪،‬‬ ‫والتدخل ل دئة الناس ملا لهم من اح ﺮام وسلطان رو ي لد م‪ ،‬فما كان‬ ‫منه إال أن طلب من شيوخ قبيلة أوالد بوسيف املرابط ن التدخل ل دئة‬ ‫‪66‬‬


‫الناس ملا لهم من حضوة وسلطان رو ي عندهم‪ ،‬ولحل املشكلة ال أدت‬ ‫ي ال اية إ ى حقن دماء العباد وإنقاذ البالد من الدمار الفساد‪ ،‬ولو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مؤقتا‪ ،‬بتعي ن غومة بن خليفة املحمودي شيخا ع ى الجبل وقبيلة‬ ‫املحاميد )بيت النوير( بعد مقتل أخيه بالقاسم‪ ،‬وأعطاﻩ كافة الصالحيات‬ ‫ي التصرف باسم الوا ي ي هذﻩ املنطقة)‪.(49‬‬ ‫وأراد يوسف باشا أن تكون له حضوة عند كبار العلماء وشيوخ‬ ‫الطرق الصوفية‪ ،‬العتقادﻩ بقوة هؤالء الرجال واتقاء شرهم‪ ،‬وممن‬ ‫اتصل م يوسف باشا من أعالم الصوفية السيد محمد ظافر املدني‪،‬‬ ‫صاحب الطريقة املدنية)‪ ،(50‬املعروفة عندما رأى فيه الهيبة والاستقامة‪،‬‬ ‫فقربه يوسف باشا إليه بعد استقبال كريم حافل‪ ،‬وأبدى ال امه الكامل‬ ‫باعتقادات الشيخ‪ ،‬مما أوغر صدور نظرائه من علماء وشيوخ البالط‬ ‫الذين سرعان ما قلبوا يوسف باشا عليه)‪.(51‬‬ ‫وقال ألحد خواصه‪ " :‬إن يوسف باشا لن يفلح بعد ٓالان‪ ،‬فإن شجرته‬ ‫انقلعت من عروقها‪ .‬وعلق ع ى هذﻩ الحادثة أحمد النائب ي امل ل‬ ‫العذب‪ ،‬فكتب يقول‪ :‬وقد كان ٔالامر كما ذكر‪ ،‬ففي أقرب وقت اختل‬ ‫نظامه وقامت عليه القيامة‪ ،‬وندم ولم تنفعه الندامة"‪.‬‬ ‫وفرض يوسف باشا ع ى سكان املنشية ضريبة بعد أن كانوا معفي ن‬ ‫م ا‪ ،‬وعندما رفضوا أستد ى املشائخ وطلب م م إقناع السكان‪ ،‬غ ﺮ أن‬ ‫املشائخ توجهوا إ ى ضريح سيدي الصيد‪ ،‬واستجاروا به‪ ،‬فعلم الباشا‬ ‫ً‬ ‫بذلك ونظرا ملكانة هذا املرابط تراجع عن مطالب م بتلك الضريبة)‪،(52‬‬ ‫وأعطى عهد باألمان إ ى بعض املرابط ن ومنع التدخل ي حرما م‪ ،‬أو‬ ‫ان اكها‪ ،‬أو مضايقة من كان ا إال بقصد الزيارة وطلب صالح الدعوات‬ ‫)‪.(53‬‬ ‫‪67‬‬


‫كان من ب ن مصروفات يوسف باشا ال كانت سببا ي عجزﻩ املا ي ما‬ ‫كان يتكرم به من ٔالاموال للمرابطية ؤالاولياء الصالح ن الذي كان يرى‬ ‫إنه من املفيد الاحتفاظ بتأييدهم ومبارك م له)‪.(54‬‬ ‫وعندما تو ى ع ى باشا)‪1251 -1249‬ه‪1835 -1833 /‬م( السلطة كتب‬ ‫ً‬ ‫خطابا موجها إ ى سكان ٕالايالة يطال م فيه الخضوع لسلطتة‪ ،‬وإنه ع ى‬ ‫استعداد لالجتماع م ي إحدى الزوايا ال يختارو ا للتصالح فيما‬ ‫بي م )‪.(55‬‬ ‫الخالصة‪:‬‬ ‫من هنا يتضح لنا عمق انتشار الثقافة الصوفية والدروشة وسط‬ ‫مجتمع إيالة طرابلس الغرب‪ ،‬من خالل تأثر املجتمع بما كان للرباطات‬ ‫من دور ي الدفاع عن حم ٕالاسالم تلك الرباطات ال تحولت مع مرور‬ ‫ً‬ ‫الزمن إ ى زوايا لتعليم القرآن الكريم‪ ،‬ونظرا لظهور أولئك ٔالاولياء‬ ‫والصالح ن والدراويش من تلك الزوايا ال تتمتع بقدسية ي ثقافة‬ ‫مجتمع إيالة طرابلس الغرب‪ ،‬ودعو م للناس بالزهد ي الحياة والاقتناع‬ ‫باملوجود‪ٔ ،‬الامر الذي تناغم هذا مع متطلبات الوالة ي إبقاء الحال ع ى ما‬ ‫هو عليه وعدم التفك ﺮ ي التطور أو إدخال طرق وأفكار جديدة لتطوير‬ ‫واقع الحياة‪ٔ ،‬الامر الذي أستغله الوالة العثماني ن‪ ،‬ثم والة العهد‬ ‫القرمان ي ي توطيد أركان حكمهم ي كث ﺮ من ٔالاحيان‪ ،‬و ي استقرار‬ ‫ٔالاوضاع باإليالة‪ ،‬باستخدامهم لحل ال اعات ب ن القبائل‪ ،‬وحل الكث ﺮ من‬ ‫املشاكل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ويمكن القول إن تأث ﺮ أولئك املرابطية ال يزال قائما ح وقتنا‬ ‫الحاضر بالرغم انتشار العلم وثقدم املجتمع‪ ،‬فتأث ﺮهم ي ليبيا‪ ،‬يظهر من‬ ‫‪68‬‬


‫خالل أسماء املدن وبعض ٔالاحياء السكانية‪ ،‬والشوارع‪.‬‬ ‫الهوامش‪.‬‬

‫* أشتق أسم املرابط – املرابطون‪ ،‬املرابطية – من الرباط‪ ،‬ي ذلك اختلف املؤرخون‬ ‫والنحاة فيما تعنيه كلمة "املرابط ن" مع إجماعهم واتفاقهم ع ى مرجعية التسمية ي‬ ‫الكتاب والسنة وقدسي ا ٕالاسالمية وما لها من وقار وإجالل ي تاريخ املغرب‬ ‫ٕالاسالمي‪.‬و ي القرآن الكريم جاء ذكر املرابطون والرباط ي ٓالاية الكريمة ال تحث‬ ‫ع ى الرباط ملا فيه من أجر عظيم ي قوله تعا ى‪ :‬يأ ا الذين أمنوا اص ﺮوا وصابروا‬ ‫ورابطوا واتقوا ﷲ لعلكم تفلحون)سورة آل عمران ٓالاية ‪ ،(200‬و ي ٓالاية‪ :‬وأعدوا لهم‬ ‫ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل)سورة ٔالانفال ٓالاية ‪ ،(60‬أي جماعات الخيل‪،‬‬ ‫داللة ع ى القوة ي ذلك العصر‪.‬وقد تعدد مع وأصل كلمة "رباط"‪ ،‬والرباط‪ :‬معسكر‬ ‫صغ ﺮ محصن انتشر ع ى حدود الدولة ٕالاسالمية وع ى طرق القوافل الصحراوية‬ ‫أن ﺊ لتأم ن الحدود‪ ،‬وتحول مع مرور الوقت إ ى سكن للفقهاء والغرباء والعلماء‪،‬‬ ‫يحمل ي الشرق أسم )الخانقاﻩ( الفارسية ٔالاصل‪ ،‬للمزيد ينظر‪ ،‬ن‪.‬إ‪.‬بروش ن‪ ،‬تاريخ‬ ‫ليبيا من اية القرن التاسع عشر ح عام ‪1969‬م‪ ،‬منشورات مركز جهاد الليبي ن‬ ‫ً‬ ‫للدراسات التاريخية‪ ،‬سلسلة الدراسات امل ﺮجمة‪2005 ،11‬م‪ ،‬ص‪ 42‬؛ وينظر أيضا‪:‬‬ ‫محمد الكوني بالحاج‪ ،‬التعليم ي مدينة طرابلس الغرب ي العهد العثماني الثاني‪،‬‬ ‫مركز جهاد الليبي ن للدراسات التاريخية‪2000 ،‬م‪ ،‬ص‪ 28‬وما بعدها‪.‬‬ ‫* الفقهاء‪ :‬فقيه العلم بال ء‪ .‬وفهمه‪ .‬والفطنة‪ .‬وغلب ع ى علم الدين لشرفه‪ .‬وفقه‬ ‫ً‬ ‫فهو فقيه‪ .‬وتفقهه – فهمه‪ .‬وفقهه تفق ا – علمه‪ ،‬وهو مصطلح يطلق ع ى رجال‬ ‫الدين املسلم ن‪ ،‬للمزيد الطاهر أحمد الزاوي‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪،‬‬ ‫‪1981‬م ص‪.482‬‬ ‫* الدراويش‪ :‬مفردها درويش‪ ،‬وهو الفق ﺮ الزاهد ي الصوفية‪ ،‬للمزيد القاموس‬ ‫املحيط‪ ،‬القاموس الغ ‪. http: //lexicons.sakhr.com/SearchResults.aspx ،‬‬ ‫‪ -1‬أحمد النائب ٔالانصاري‪ ،‬نفحات النسرين والريحان فيمن كان ي طرابلس من‬ ‫ٔالاعيان‪ ،‬دار الفرجاني للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪1994 ،‬م‪ ،‬ص‪143.‬‬ ‫‪ -2‬احمد بشار اوجاق‪ ،‬الحياة الدينية والفكرية‪ ،‬الدولة العثمانية تاريخ وحضارة‪،‬‬ ‫‪69‬‬


‫إكمال الدين إحسان أوغ ي‪ ،‬ترجمة صالح سعداوى‪ ،‬املجلد الثاني‪ ،‬استانبول‪،‬‬ ‫‪1999‬م‪ ،‬ص‪157.‬‬ ‫‪ -3‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.169‬‬ ‫* البكتاشية‪ ،‬مؤسسها حا ي بكتاش‪ ،‬بعد أن دشن مراحل والد ا ٔالاو ى إبدال موﺳ‬ ‫أحد دراويش الحيدرية ) القلندرية(‪ ،‬والطريقة البكتاشية طريقة صوفية علوية مليئة‬ ‫بالهرطقات والانحرافات ترجع إ ى)القرن ‪8‬ه( القرن الرابع عشر ميالدي ‪ ،‬ولكن‬ ‫سيطرت عل ا الدولة ي إطار "ٕالاسالم داخل املؤسسات‪ ،‬وارتبطت هذﻩ الطريقة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ارتباطا وثيقا بالقصر وبالتا ي باالنكشارية‪ ،‬للمزيد ينظر‪ ،‬أكمال الدين أحسان أوغ ى‪،‬‬ ‫تاريخ الدولة العثمانية تاريخ وحضارة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪ 178‬وما بعدها؛ والسائح‬ ‫ع ي حس ن‪ ،‬ملحات من تاريخ التصوف وتاريخه‪ ،‬منشورات كلية الدعوة ٕالاسالمية‪،‬‬ ‫ط‪ ،1997 ،2‬ص‪322‬؛ و زكريا سليمان بيومي‪ ،‬الطرق الصوفية ب ن الساسة‬ ‫والسياسة ي مصر املعاصرة )‪ ،(1983-1903‬مصر‪1990 ،‬م‪ ،‬ص ‪41.-39‬‬ ‫‪ -4‬خليل اينالجيك‪ ،‬تاريخ الدولة العثمانية من النشؤ إ ى الانحدار‪ ،‬ترجمة‪ ،‬محمد‬ ‫ٔالارناؤوط‪ ،‬دار املدار ٕالاسالمي‪ ،‬ب ﺮوت لبنان‪2002 ،‬م‪ ،‬ص‪.297‬‬ ‫‪ -5‬أحمد النائب ٔالانصاري‪ ،‬امل ل العذب ي تاريخ طرابلس الغرب‪ ،‬مكتبة الفرجاني‪،‬‬ ‫طرابلس الغرب‪ ،‬ليبيا‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص ‪334.‬‬ ‫‪ -6‬عزيز سامح ال ﺮ‪ٔ ،‬الاتراك العثمانيون ي إفريقيا الشمالية‪ ،‬ترجمة‪ ،‬محمود ع ي‬ ‫عامر‪ ،‬دار ال ضة العربية‪ ،‬ب ﺮوت‪ ،‬لبنان‪1989 ،‬م‪ ،‬ص‪.108‬‬ ‫* الكولوغلية‪ ،‬ومفردها كرغ ي‪ .‬و ي تسمية تركية وتع ابن الجندي أو العسكري‪ ،‬أي‬ ‫ن محصلة الزواج الشر ي ب ن العساكر الانكشارية الوافدين من مناطق مختلفة من‬ ‫الدولة العثمانية‪ ،‬أوربية كانت أو أسيوية‪ ،‬والنساء املحليات العربيات أو ال ﺮبريات‪ ،‬أو‬ ‫الجواري أو السبايا املسيحيات ٔالاصل‪ ،‬للمزيد ينظر‪ ،‬انريكو دي أغسطي ‪ ،‬سكان‬ ‫ليبيا ]طرابلس[‪ ،‬تعريب خليفة التليﺴ ‪ ،‬دار العربية للكتاب‪ ،‬ليبيا‪1978 ،‬م‪ ،.‬ص ‪43.‬‬ ‫‪ -7‬القرمان ي‪ ،‬قدم جد القرمانلي ن – الذي كان مجرد نوتي بحار من مواليد مدينة‬ ‫قرمان باألناضول ‪ -‬إ ى طرابلس ي زمن والية درغوت باشا ‪1565-1553‬م‪ ،‬وكشأن‬ ‫ً‬ ‫غ ﺮﻩ من املغامرين ٔالاتراك تملك بستانا بضاحية املنشية بطرابلس واستقر فيه‪،‬‬ ‫وتزوج من إحدى النساء العربيات‪ ،‬وتوارثت ساللة ذلك البحار من أب إ ى ابن اسم‬ ‫‪70‬‬


‫جدهم امللقب بالقرمان ي‪ ،‬واستمروا ي مصاهرة العرب‪ ،‬وام ج دمهم م‪ ،‬وبعد‬ ‫ً‬ ‫م قرن من الزمان أصبح لهم من أصلهم ال ﺮكي إال اللقب فقط‪ ،‬ونظرا الرتباطهم‬ ‫بوشائج املصاهرة مع الطرابلسي ن‪ ،‬جعل أهل البالد ينظرون إل م ع ى أ م من أصل‬ ‫عربي‪ ،‬وقد تبوأ العديد م م مناصب مرموقة أثناء العهد العثماني ٔالاول‪ ،‬وتحصل‬ ‫يوسف القرمان ي ع ى منصب أرفع وهو" باش – أغا" لجميع فرسان الساحل‬ ‫واملنشية‪ ،‬ثم خلفه ابنه أحمد الذي أصبح مؤسس ٔالاسرة القرمانلية‪ .‬للمزيد ينظر‪،‬‬ ‫عمر ع ى ابن إسماعيل‪ ،‬ا يار ٔالاسرة القرمانلية ي ليبيا ‪1835-1795‬م‪ ،‬مكتبة‬ ‫الفرجاني طرابلس‪1966 ،‬م‪ ،‬ص‪ 32‬وما بعدها‪.‬‬ ‫* الزوايا‪ ،‬ي عبارة عن مساجد ومدارس ومساكن للعامل ن ومأوى للفقراء والسابلة‪،‬‬ ‫وكذلك مخازن للمؤن والسلع‪ .‬وأصبحت الزاوية أهم رك ة لقوة الحركة الصوفية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وانتشارها وصقل أتباعها صقال روحانيا منهجيا وحركيا‪ ،‬وأحيانا عسكريا جادا‪ .‬وهذا‬ ‫كله يصب ي نفس املفهوم‪ ،‬أي الرباط‪ ،‬وذلك لسد الثغور والذود عن بيضة ٕالاسالم‪،‬‬ ‫و الانتساب إ ى أهل الدين وخاصته أن كان ذلك عن طريق عالقة الدم‪ ،‬مثل‬ ‫انتسا م لذرية العلوي ن أو الصحابة‪ ،‬أو ٔالاولياء الصالح ن من املسلم ن العباد‬ ‫ً‬ ‫الزهاد‪ ،‬أو كان ذلك بارتباطهم بتحالفات ووالءات مع غ ﺮهم من القبائل ٔالاك ﺮ حجما‬ ‫ً‬ ‫وشأنا‪ ،‬أحمد صد ي الدجاني‪ ،‬الحركة السنوسية نشأ ا و نمؤها ي القرن ‪19‬م‪،‬‬ ‫الناشر غ ﺮ معروف‪ ،‬مصر‪1988 ،‬م‪.‬ص‪.240‬‬ ‫‪ -8‬عيﺴ رمضان القبالوي‪ ،‬بدايات التخلف ي الوطن العربي‪ ،‬أمثلة تطبيقية من‬ ‫ليبيا‪ ،‬منشورات مركز جهاد الليبي ن للدراسات التاريخية‪2005 ،‬م‪ ،‬ص ‪371‬‬ ‫‪ -9‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.371‬‬ ‫* ال يمكن للقوة أو القانون من السيطرة أو إخضاع القبائل البدوية‪ ،‬لذلك كان من‬ ‫الصعب تحقيق نفوذ الدولة العثمانية ي مضارب القبائل ال كانت تتمتع بأك ﺮ قوة‬ ‫من مراكز املدن‪ ،‬فلم تكن قبائل البدو تخ الدولة فهم ال يحتاجون لدوائر‬ ‫الحكومة‪ ،‬وبالتا ي استخدمت الدولة العثمانية رجال الدين لالتصال بتلك القبائل‬ ‫لح ا ع ى اح ﺮام الدولة وتحصيل الضرائب‪.‬‬ ‫‪ -10‬أحمد النائب ٔالانصاري‪ ،‬امل ل العذب ي تاريخ طرابلس الغرب‪ ،‬املرجع السابق‪،‬‬ ‫ص ‪255.‬‬ ‫‪71‬‬


‫‪ -11‬ع ي حس ن النمر‪ ،‬ابن غلبون وكتابه التذكار‪ ،‬دراسة مقارنة ي تاريخ ليبيا‬ ‫الحديث‪ ،‬منشورات مركز جهاد الليبي ن للدراسات التاريخية‪ ،2008 ،‬ص ‪440.‬‬ ‫‪ -12‬الطاهر أحمد الزاوي ‪ -‬معجم البلدان الليبية‪ ،‬مكتبة النور‪ ،‬طرابلس‪ -‬ليبيا‪،‬‬ ‫‪1968‬م‪ ،‬ص ‪.57 ،53‬‬ ‫‪ -13‬تيس ﺮ بن موﺳ ‪ ،‬املجتمع العربي اللي ي العهد العثماني الثاني‪ ،‬الدار العربية‬ ‫للكتاب‪ ،‬ليبيا‪ -‬تونس‪1988 ،‬م‪ ،‬ص ‪.78‬‬ ‫‪ -14‬صالح املزي ‪ ،‬ليبيا منذ الفتح ح الخالفة الفاطمية‪ ،‬جامعة قاريونس‪ ،‬ليبيا‪،‬‬ ‫‪1994‬م‪ ،‬ص ‪257.-256‬‬ ‫‪ -15‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.257‬‬ ‫‪ -16‬تيس ﺮ بن موﺳ ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪79.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ -17‬ب غازي‪ ،‬كانت قديما تد ي ) برنيق (‪ ،‬ثم أستوط ا رجل صالح يعرف بسيدي‬ ‫غازي سنة ‪1450‬م‪ ،‬وتو ي ا ودفن بمق ﺮة سيدي خريبيش‪ ،‬وسميت بأسمه‪ ،‬للمزيد‬ ‫ينظر‪ ،‬الطاهر أحمد الزاوي‪ ،‬معجم البلدان الليبية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪64.‬‬ ‫‪ -18‬عبد السالم ٔالاسمر أشهر أعالم الصوفية ي ليبيا‪ ،‬ولد الشيخ عام‬ ‫‪880)1475‬ه(م وتو ي عام ‪981) 1573‬ه(م‪ ،‬ويوجد بمدينة زلي ن‪ ،‬ولقب ٔالاسمر‬ ‫اكتسبه من السمر ي التفكر ي آيات ﷲ تعا ى‪ ،‬وإ ى اسمه )عبد السالم( تنسب‬ ‫الطريقة السالمية‪ ،‬قطع الشيخ رحلة طويلة مضنية ي طلب التحصيل العلم‬ ‫والبحث ي العلوم ٕالاسالمية‪ ،‬ل خاللها من زاد املعرفة‪ ،‬والتقى بكبار العلماء وجاب‬ ‫ً‬ ‫عمرﻩ كله ي طلب العلم‪ ،‬وتحفيظ القرآن الكريم‪،‬‬ ‫كث ﺮا من املدن الليبية‪ ،‬وق‬ ‫وتدريس العلوم ٕالاسالمية‪ ،‬والتأليف وهو الذي كان السبب ٔالاول ي شهرة العديد من‬ ‫الصالح ن وإجازة العلماء ي ليبيا‪ ،‬وقد أوردت قصيدته )السلسلة الذهبية( ذكر‬ ‫بعضهم‪ ،‬للمزيد ينظر‪ ،‬أحمد النائب ٔالانصاري‪ ،‬امل ل العذب ي تاريخ طرابلس‬ ‫الغرب‪ ،‬ص‪222‬؛ تيس ﺮ بن موﺳ ‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.87-86‬‬ ‫‪ -19‬العجيالت‪ :‬جاء ذكر املنطقة ي كتاب معجم البلدان الليبية باسم ) أبي عجيلة (‬ ‫يقول الطاهر الزاوي‪" ،‬هو بلد كب ﺮ غرب الزاوية بنحو ‪ 35‬كيلو م ﺮ‪ ،‬ويوجد به و ي‬ ‫أسمه ) أمحمد حركات (‪ ،‬ولقبه أبو عجيلة ع ى صيغة تصغ ﺮ ٔالان من العجول‪ ،‬تو ي‬ ‫سنة ‪789‬ه ‪1387‬م‪ ،‬ويذكر إ ا مركز حكومي به أرا خصبة كث ﺮة ومدارس و ضة‬ ‫‪72‬‬


‫ثقافية"‪ ،‬للمزيد‪ ،‬ينظر‪ ،‬الطاهر أحمد الزاوي‪ ،‬معجم البلدان الليبية‪ ،‬املرجع السابق‪،‬‬ ‫ص‪17.‬‬ ‫‪ -20‬الزاوية الغربية‪ ،‬توجد ا العديد من الزوايا‪ ،‬مثل زاوية أوالد سهيل‪ ،‬وزاوية أوالد‬ ‫سنان للمزيد أنظر‪ ،‬أحمد النائب ٔالانصاري‪ ،‬نفحات النسرين والريحان فيمن كان ي‬ ‫طرابلس من ٔالاعيان‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪ 167‬كذلك ينظر‪ ،‬الطاهر أحمد الزاوي‪،‬‬ ‫معجم البلدان الليبية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪151.-150‬‬ ‫‪ -21‬البيضاء‪ ،‬تأسست ع ى زاوية السنوسية ٔالاو ى‪ ،‬كان املكان يعرف بدنقرة‪ ،‬وسميت‬ ‫البيضاء أل ا كانت البناء ٔالابيض الوحيد ي منطقة شاسعة من ٕالاقليم وظلت‬ ‫املنطقة تعرف بالزاوية البيضاء إ ى أن غلب عل ا أسم البيضاء‪ ،‬بعد الحرب العاملية‬ ‫الثانية‪ ،‬للمزيد ينظر‪ ،‬الطاهر أحمد الزاوي‪ ،‬معجم البلدان الليبية‪ ،‬املرجع السابق‪،‬‬ ‫ص‪73.‬‬ ‫‪ -22‬شارل ف ﺮو‪ ،‬الحوليات الليبية منذ الفتح العربي ح الغزو ٕالايطا ي ترجمة محمد‬ ‫الوا ي‪ ،‬منشورات جامعة قاريونس‪ ،‬ليبيا‪ ،‬ط‪1994 ،3‬م‪ ،‬ص‪36.‬‬ ‫‪ -23‬عمار جحيدر‪ ،‬اليوميات الليبية‪ ،‬الجزء ٔالاول‪ ،‬مركز جهاد الليبي ن للدراسات‬ ‫التاريخية‪ ،‬طرابلس‪ ،2001 ،‬اليومية رقم‪.1511 -1331 -586 :‬‬ ‫‪ -24‬عبدالجليل الطاهر‪ ،‬املجتمع اللي ‪ ،‬دراسات اجتماعية وأن ﺮوبولوجية‪،‬‬ ‫منشورات مكتبة صيدا‪-‬ب ﺮوت ‪1969‬م‪ ،‬ص‪169.-168‬‬ ‫‪ -25‬عبدالجليل الطاهر‪ ،‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪308.‬‬ ‫‪ -26‬نفسه‪ ،‬ص‪183.‬‬ ‫‪ -27‬ع ى فهم خشيم‪ ،‬الحاجية من ثالثة رحالت ي البالد الليبية‪ ،‬دار مكتبة الفكر‪،‬‬ ‫طرابلس‪ ،1974 ،‬ص‪144.‬‬ ‫‪ -28‬فرج عبدالعزيز نجم‪ ،‬القبيلة وٕالاسالم والدولة‪ ،‬مكتبة الدعوة باألزهر‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪ ،2005‬ص ‪148.‬‬ ‫‪ -29‬جون فرنسيس ليون‪ ،‬من طرابلس إ ى فزان‪ ،1818‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬ليبيا –‬ ‫تونس‪1976 ،‬م‪ ،‬ص ‪14.‬‬ ‫‪ -30‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪15.‬‬ ‫‪ -31‬سالم الابيض‪ ،‬مجتمع القبيلة‪ ،‬البناء الاجتما ي وتحوالته ي تونس‪ ،‬دراسة ي‬ ‫‪73‬‬


‫قبيلة عكارة‪ ،‬املطبعة املغاربية للطباعة والنشر‪2006 ،‬م‪ ،‬ص‪240.‬‬ ‫‪ -32‬أبوعبدﷲ محمد بن خليل غلبون الطرابلﺴ ‪ ،‬تاريخ طرابلس الغرب املسم‬ ‫التذكار فيمن ملك طرابلس ومن كان ا من ٔالاخيار‪ ،‬تحقيق الطاهر أحمد الزاوي‪،‬‬ ‫املطبعة السلفية‪ ،‬القاهرة‪1349 ،‬ه )‪1930‬م(‪ ،‬ص‪199.‬‬ ‫‪ -33‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪201.‬‬ ‫‪ -34‬أبوعبدﷲ محمد بن مصطفى املاعزي‪ ،‬أحد أبناء قبائل الكورغلية‪ ،‬سافر إ ى‬ ‫مصر وتفقه ي علم النحو‪ ،‬وعلم الكالم‪ ،‬والحديث والتفس ﺮ‪ ،‬والتقى بمكة الشيخ‬ ‫أكرم الهندي‪ ،‬والشيخ أبا الحسن السندي‪ ،‬مؤسس زاوية املاعزي باملنشية ي عهد‬ ‫أحمد باشا القرمان ي للمزيد ينظر‪ ،‬أبوعبدﷲ محمد بن خليل غلبون الطرابلﺴ ‪،‬‬ ‫املصدر السابق‪ ،‬ص‪.202‬‬ ‫‪ -35‬الشيخ محمد بن العربي ولد بمدينة طرابلس ونشأ ا تلقى تعلمه عن أفاضل‬ ‫املدينة ثم أرتحل إ ى مصر وتلقى ف ا علوم زمانه‪ ،‬للمزيد ينظر أحمد النائب‬ ‫ٔالانصاري‪ ،‬امل ل العذب‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪ ،307‬وأبو عبدﷲ محمد بن خليل‬ ‫غلبون الطرابلﺴ ‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪205.‬‬ ‫‪ -36‬ابن غلبون‪ ،‬هو أبي عبدﷲ محمد بن خليل بن أحمد بن عبدالرحمن بن غلبون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الطرابلﺴ ‪ ،‬من علماء طرابلس’ فق ا فاضال واسع العلم مؤلفا صوفيا واعظا‪ ،‬من‬ ‫القائل ن بالحق‪ ،‬ألف التذكار فيمن ملك طرابلس من ٔالاخيار‪ ،‬للمزيد ينظر‪ ،‬أحمد‬ ‫النائب ٔالانصاري‪ ،‬نفحات النسرين والريحان فيمن كان ي طرابلس من ٔالاعيان‪،‬‬ ‫املصدر السابق‪ ،‬ص‪143.‬‬ ‫‪ -37‬أبوعبدﷲ محمد بن خليل غلبون الطرابلﺴ ‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪208‬‬ ‫* محمود خازندار‪ ،‬علجا من علوج ٔالاتراك أسلم وحسن إسالمه وب املص ى سنة‬ ‫‪1091‬ه‪1680 -‬م‪ ،‬ومسجد سليمان داي املعروف بصفر داي يقع غربي الزندانة‬ ‫الك ﺮى بحومة اوألد نوير‪ ،‬ومسجد قصر أحمد بمصراتة‪ ،‬للمزيد ينظر‪ ،‬الطاهر أحمد‬ ‫الزاوي‪ ،‬معجم البلدان الليبية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪76.‬‬ ‫‪ -38‬أبوعبدﷲ محمد بن خليل غلبون الطرابلﺴ ‪ ،‬املصدر نفسه‪.173 ،‬‬ ‫ً‬ ‫‪-39‬احمد الزروق‪ ،‬ولد ي محرم سنة ‪846‬ه ‪1442‬م وأسمه كامال‪ ،‬شهاب الدين‬ ‫أبوالعباس أحمد بن أحمد بن محمد بن عيﺴ ال ﺮنﺴ الفاﺳ ولقب زروق ورثه عن‬ ‫‪74‬‬


‫جدﻩ الذي كان أزرق العين ن‪ ،‬له زاوية تعرف بزاوية الزروق بمصراته‪ ،‬للمزيد ينظر‪،‬‬ ‫ع ي فهم خشيم‪ ،‬أحمد زروق والزروقية‪ ،‬دراسة حياة وفكر ومذهب وطريقة‪ ،‬املنشأة‬ ‫ً‬ ‫الشعبية للنشر والتوزيع وٕالاعالن‪ ،‬ط‪1980 ،2‬م‪ ،‬ص‪ 21‬وما بعدها‪ ،‬ينظر أيضا‪،‬‬ ‫الطاهر أحمد الزاوي‪ ،‬أعالم ليبيا‪ ،‬مؤسسة الفرجاني‪ ،‬طرابلس‪ -‬ليبيا‪ ،‬ط‪1971 ،2‬م‪،‬‬ ‫ص ‪.84-83‬‬ ‫‪ -40‬أبوعبدﷲ محمد بن خليل غلبون الطرابلﺴ ‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.202‬‬ ‫‪-41‬نفسه‪ ،‬ص‪210.‬‬ ‫‪ -42‬سيدي أحمد املارغ ‪ ،‬يوجد ضريحه بساحل طرابلس‪ ،‬وقد تمتع هذا الضريح‬ ‫باح ﺮام يوسف باشا وتقديسه‪ ،‬ح أصبح مالذ للفارين من السلطة‪ ،‬للمزيد ينظر‪،‬‬ ‫اليوميات الليبية‪ ،‬ص ‪. 340‬‬ ‫‪-43‬املرابط سيدي الصيد‪ ،‬هو محمد الصيد اليحياوي‪ ،‬تو ي سنة ‪1050‬ه ‪ 1640‬م‪،‬‬ ‫له عدة كرامات‪ ،‬وله خلف من بعدﻩ‪ ،‬له مقام يزار بالهنش ﺮ قرب مدينة طرابلس‪،‬‬ ‫وتمتع مقامه بحرم آمن وكان مالذ للفارين‪ ،‬للمزيد ينظر‪ ،‬أحمد النائب ٔالانصاري‪،‬‬ ‫امل ل العذب ي تاريخ طرابلس الغرب‪ ، ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪ 252-251‬؛ و حسن‬ ‫الفقيه حسن‪ ،‬اليوميات الليبية‪ ،‬مركز جهاد الليبي ن للدراسات التاريخية‪ ،‬ص‪540.‬‬ ‫‪ -44‬شارل ف ﺮو‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪303-302‬‬ ‫‪ -45‬شارل ف ﺮو‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪324‬‬ ‫‪ -46‬نفسه‪ ،‬ص ‪331.‬‬ ‫‪ -47‬ناصرالدين سعيدوني‪ ،‬ليبيا كما وصفها رحالة جزائري‪ ،‬مجلة البحوث التاريخية‪،‬‬ ‫مركز جهاد الليبي ن للدراسات التاريخية‪ ،‬العدد ٔالاول السنة الرابعة‪ ،‬يناير ‪1982‬م‪،‬‬ ‫ص‪.119‬‬ ‫‪ -48‬أحمد النائب ٔالانصاري‪ ،‬امل ل العذب‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪328.‬‬ ‫‪ -49‬أتوري روﺳ ‪ ،‬املصدر نفسه ص ‪399.‬‬ ‫‪ -50‬املدنية‪ :‬نسبة إ ى السيد محمد بن حسن بن حمزة بن ظافر املدني‪ ،‬ولد باملدينة‬ ‫املنورة سنة )‪1194‬ه(‪1780‬م‪ ،‬وتو ي ودفن بمدينة مصراتة سنة)‪1263‬ه( ‪1846‬م‪.‬‬ ‫ومازالت ذريته من صلبه تقيم بمدينة مصراتة حول زاويته الشه ﺮة‪ .‬والشيخ أك ﺮ‬ ‫مؤسﺴ الطرق الصوفية ُعرف بمواجهته الحكام‪ ،‬وخاصة يوسف باشا القرمان ي‪،‬‬ ‫‪75‬‬


‫للمزبد ينظر‪ :‬الطاهر أحمد الزاوي‪ .‬أعالم ليبيا‪ .‬املرجع السابق‪ .‬ص ‪.361 -360‬‬ ‫‪ -51‬أحمد النائب ٔالانصاري‪ ،‬امل ل العذب‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪371.-370‬‬ ‫‪ -52‬شارل ف ﺮو‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪423.‬‬ ‫‪ -53‬عمر ع ي بن إسماعيل‪ ،‬سقوط الدولة القرمانلية ي ليبيا ‪ 1835-1795‬م‪ ،‬رسالة‬ ‫ماجست ﺮ غ ﺮ منشورة‪ ،‬كلية ٓالاداب‪ ،‬جامعة ع ن شمس‪ ،‬القاهرة‪1966 ،‬م‪ ،‬ص‪418.‬‬ ‫‪ -54‬شارل ف ﺮو‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪415.‬‬ ‫‪ -55‬نفسه‪ ،‬ص ‪.426‬‬

‫‪76‬‬


‫جامع املجابرة)*( ودورﻩ‬ ‫ي املشهد ٕالاجتما ي والسياﺳ والثقا ي‬ ‫يتوسط جامع املجابرة قرية القصبات بمدينة مسالته* ال ورد‬ ‫ذكرها ي املصادر الرومانية باسم مسفي )‪ (Misfe‬و ي محطة ع ى الطريق‬ ‫الرومانية ب ن لبدة الك ﺮى )‪ (Leptis Magna‬وترهونه)‪ ،(1‬كما إن املدينة‬ ‫اكتسبت خالل ف ﺮات من التاريخ أهمية خاصة حيث تحولت ي بعض‬ ‫السنوات إ ى محطة هامة لقوافل الحجيج كلما تأزمت ٔالاوضاع ع ى‬ ‫الطريق الساح ي املحاذي للبحر املتوسط‪.‬‬ ‫تش ر املدينة بقلع ا ال تعرف بالقصبة ويرجح بعض املؤرخ ن إ ى‬ ‫إ ا بنيت من قبل ٔالاسبان ي القرن السادس عشر غ ﺮ إن أغلب املصادر‬ ‫ال تش ﺮ إ ى قيام ٔالاسبان ببناء أي قالع خارج سور مدينة طرابلس "‬ ‫الحصار")‪ ،(2‬ي الوقت الذي تؤكد فيه إن أعداد كب ﺮة من سكا ا انتقلوا‬ ‫لإلقامة بمسالته منذ وصول القوات الاسبانية)‪ (3‬ويتضح ذلك من خالل‬ ‫الاطالع ع ى إحصائيات سكان مسالته الوافدين إل ا من أماكن‬ ‫مختلفة)‪.(4‬‬ ‫تش ر مدينة مسالته بك ﺮة زوايا تحفيظ القران الكريم غ ﺮ إن أشهر‬ ‫وأقدم هذﻩ الزوايا زاوية سيدي الدوكا ي ال أسسها الشيخ عبد ﷲ‬ ‫‪77‬‬


‫الدوكا ي بقرية زعفران وال طلب ف ا العلم بعض املشائخ املعروف ن ي‬ ‫املشهد الثقا ي الدي ي ليبيا‪ ،‬مثل الشيخ أحمد زروق* والشيخ عبد‬ ‫السالم ٔالاسمر* الذي تتلمذ ع ى الشيخ عبد الواحد بن محمد الدوكا ي*‪.‬‬ ‫وتحتوي مسالته ع ى العديد من مقامات ٔالاولياء والصالح ن ورد‬ ‫ذكرهم ي كتاب ٕالاشارات لبعض ما بطرابلس الغرب من املزارات ملؤلفه‬ ‫عبدالسالم بن عثمان الفيتوري‪ ،‬وقد عدد املؤلف الكث ﺮ من مناقب‬ ‫وكرامات أولئك ٔالاولياء)‪.(5‬‬ ‫لم يع ﺮ الباحث ع ى تاريخ محدد إلنشاء الجامع إال أنه كان قد تعرض‬ ‫للسقوط بعد أن حل باملنطقة وباء قاتل ذهب ضحيته أعداد كب ﺮة من‬ ‫سكان املدينة بحيث أصبح بعد سقوطه يقال " ال ي عقبه الوباء كمله‬ ‫جامع املجابرة"‪.‬‬ ‫ومن يطلع ع ى تاريخ ٔالاوبئة الفتاكة ال أصيبت ا البالد وأودت‬ ‫بحياة الكث ﺮ من البشر يجد إن أخطرها كان الطاعون الذي أنتشر عام‬ ‫‪1785‬م وعاد بعد مئة عام ي اية القرن التاسع عشر)‪.(6‬‬ ‫ً‬ ‫كما أصيبت البالد بالعديد من ٔالاوبئة ٔالاخرى وال تعت ﺮ أشد فتكا‬ ‫من الطاعون و ي ف ﺮات مختلفة من التاريخ الحديث‪ ،‬غ ﺮ إنه من الثابت‬ ‫إن أحد ٔالامراض الفتاكة قد أصيب به سكان منطقة مسالته وتالﻩ وقوع‬ ‫الجامع ع ى املصل ن وفقدت املنطقة نتيجة ذلك العديد من سكان‬ ‫املنطقة‪.‬‬ ‫لعل املتمعن ي قراءة الاسم الذي أطلق ع ى الجامع " املجابرة " يضع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تساؤال رئيسيا ملاذا سم ذا الاسم ؟ فقبيلة ي املجابرة أحدى القبائل‬ ‫ال تسكن واحة جالوا وقد اش رت هذﻩ القبيلة بام ا ا تجارة القوافل‬ ‫ب ن املركز العمرانية ي الصحراء الك ﺮى واملدن الساحلية ع ى البحر‬ ‫‪78‬‬


‫املتوسط‪.‬‬ ‫وبما أن مسالته محطة مهمة ع ى طريق قوافل الحج الشما ي و ي‬ ‫املدينة ال تزخر بالعديد من الزوايا واملقامات فال يستبعد الباحث‪ ،‬قيام‬ ‫بعض من تجار املجابرة ببناء هذا الصرح الدي ع ى طريق الحجيج‬ ‫يرتادﻩ الحجاج والتجار واملسافرين لالس ﺮاحة وتأدية الواجبات الدينية‪.‬‬ ‫وقد ذكر ٔالاستاذ أحمد الدجاني ي كتابه "طرابلس الغرب ي العهد‬ ‫العثماني" أن املجابرة هم وسيلة نقل وتبادل التجارة ب ن السودان وتشاد‬ ‫ي الجنوب و أوروبا ي الشمال ومصر ي الشرق وشمال أفريقيا ي‬ ‫الغرب)‪.(7‬‬ ‫الباروني* يعلن نفسه وا ي وقومندان الوالية‪:‬‬ ‫وقعت الدولة العثمانية اتفاقية أو لوزان مع إيطاليا وغادر الوا ي‬ ‫العثماني املكلف من قبل السلطان العثماني ي طرابلس الغرب‪ ،‬ووقع‬ ‫الاختيار ع ى املجاهد سليمان الباروني ليعي ن وا ي وقومندان الوالية‪.‬‬ ‫أختار سليمان الباروني مدينة مسالته وبالتحديد جامع املجابرة ا‬ ‫ليعلن عن توليه السلطة ي والية طرابلس الغرب وإعالن دولة طرابلس‬ ‫الغرب وصك عملة عرفت " بالبارونيات " وقاد حركات الجهاد باملنطقة‬ ‫الغربية من ليبيا أو ما يعرف بوالية طرابلس الغرب)‪.(8‬‬ ‫و ي عام ‪1916‬م اختارها سليمان الباروني لعقد اجتماع املصالحة‬ ‫الذي عقد لحل مشكلة الصراع وتم فيه توقيع الصلح وال ادن ب ن‬ ‫ترهونة ومصراته برعاية سليمان الباروني بصفته وا ي وقومندان الوالية‪.‬‬ ‫الجمهورية الطرابلسية‪:‬‬ ‫عندما وصل خ ﺮ هزيمة الدولة العثمانية عن طريق الالسلكي ا ى‬ ‫مصراته و بالتا ي توقف دعم السلطان العثماني للمجاهدين الليبي ن ضد‬ ‫‪79‬‬


‫الاحتالل الايطا ي وع ى اثر الاجتماع الذي ضم املجاهد رمضان السويح ي‬ ‫والشيخ سليمان باشا الباروني ؤالام ﺮ عثمان فؤاد ممثل الخالفة‬ ‫الاسالمية العثمانية ومناقشة ٔالامر الذي وصل من الحكومة العثمانية‬ ‫والذي كان يتضمن مغادرة ٔالام ﺮ عثمان باشا ومن معه من الضباط‬ ‫العثماني ن تنفيدا لشروط معاهدة "مندروس" و ارسال غواصة لنقل‬ ‫ٔالام ﺮ)‪.(9‬‬ ‫وملا كان رمضان السويح ي مؤسس حكومة مصراته ال أثبتت نجاح‬ ‫ى إدارة وتصريف شؤون الحرب والسلم منذ ‪ 5‬أغسطس ‪ 1915‬وبالتا ي‬ ‫كانت فكرة إنشاء كيان يضم الوطن بالكامل وسد الفراغ الذي سيحدث‬ ‫نتيجة تخ ي الدولة العثمانية عن مواصلة الدعم للمجاهدين‪ ،‬تم الاتفاق‬ ‫ع ى عقد اجتماع بمدينة مسالته فوجهت الدعوة ا ى مؤتمر عام يحضرﻩ‬ ‫كل زعماء واعيان طرابلس الغرب‪.‬‬ ‫عقد الاجتماع التاري ي يوم ‪ 16‬نوفم ﺮ ‪ 1918‬بمدينة مسالته بجامع‬ ‫املجابرة وتم الاتفاق ع ى إعالن الاستقالل من جانب واحد اى دون‬ ‫الرجوع ا ى الدولة املحتلة إيطالية وإعالن الجمهورية الطرابلسية)‪.(10‬‬ ‫وتم انتخاب مجلس رئاﺳ تكون من الشيخ سليمان الباروني‪ ،‬الشيخ‬ ‫احمد بك املريض‪ ،‬املجاهد رمضان السويح ي و املجاهد عبد الن بالخ ﺮ‬ ‫وتم انتخاب مجلس شورى الجمهورية من أربعة وعشرون عضوا ممثل ن‬ ‫كافة مناطق الجمهورية الطرابلسية وتم اختيار رئيس ن لهذا املجلس‬ ‫الشيخ سوف املحمودي والشيخ يح الباروني)‪.(11‬‬ ‫كما تم انتخاب مجلس شر ي من أربع علماء وهم الشيخ عمر‬ ‫امليساوى الشيخ الزروق بوخريص‪ ،‬الشيخ محمد ٕالامام‪ ،‬السيخ مختار‬ ‫الشكشوكى كما تم اختيار اللواء عبد القادر الغناى من الزاوية الغربية‬ ‫‪80‬‬


‫قائدا عام للجيش وتم اختيار الهادي كعبار رئيسا لديوان املالية‪.‬‬ ‫تكون مجلس شورى الجمهورية من كل من‪ :‬الشيخ عبد الصمد‬ ‫النعاس‪ ،‬عضوا‪ ،‬من ترهونة‪ .‬الحاج مفتاح ال ﺮكي‪ ،‬عضوا‪ ،‬من مسالته‪.‬‬ ‫الشيخ ع ى بن رحاب‪ ،‬عضوا من فماطة‪ ،‬الحاج محمد بن خليفة‪ ،‬عضوا‬ ‫من الساحل‪ ،‬عبدالسالم الجدايم ‪ ،‬عضوا من زلي ن‪ ،‬الحاج ع ي‬ ‫املنقوش‪ ،‬عضوا من مصراتة‪ ،‬محمد املنتصر‪ ،‬عضوا عن سرت‪ ،‬مفتاح‬ ‫التايب‪ ،‬عضوا من ورفله‪ .‬السيد محمد بن بش ﺮ‪ ،‬عضوا أوالد أبي سيف‪،‬‬ ‫عبد الرحمن بركان‪ ،‬عضوا من مرزق فزان‪ ،‬محمد بن أحمد الفايدي‪،‬‬ ‫عضوا من الشاطئ‪ ،‬الشيخ الحبيب عز الدين‪ ،‬عضوا من غدامس‪،‬‬ ‫إبراهيم أبي ٔالاحباس‪ ،‬عضوا من الجبل‪ ،‬الحاج محمد فكي ‪ ،‬عضوا من‬ ‫الرجبان‪ ،‬الشيخ أحمد البدوي‪ ،‬عضوا من الزنتان‪ ،‬سالم ال ﺮشو ‪،‬‬ ‫عضوا من يفرن‪ ،‬الشيخ شطيبة‪ ،‬عضوا غريان‪ ،‬ع ي بن تنتوش‪ ،‬عضوا‬ ‫من ورشفانة‪ ،‬عبد الرحمن شالبي‪ ،‬عضوا من الزاوية‪ ،‬ع ي شالبي‪،‬‬ ‫عضوا النوا ي ٔالاربعة‪ ،‬عبيدة املحجوبي‪ ،‬عضوا عن صرمان‬ ‫والعجيالت)‪.(12‬‬ ‫وقبل أن ينصرف الحاضرون من املسجد أقسم جميعا يم ن الوالء‬ ‫وٕالاخالص للجمهورية‪ ،‬وتأكيدا لليم ن وضعوا أيد م ع ى املصحف‬ ‫الشريف‪ .‬وهذا نص اليم ن‪" :‬أقسم باهلل العظيم قابضا بيدي ع ى هذا‬ ‫القرآن الكريم أن أجعل نفﺴ وما ي فداء لوط وحكوم الجمهورية‬ ‫الطرابلسية‪ ،‬وأن أكون لعدوها عدوا ولصديقها صديقا‪ ،‬ولقانو ا الشر ي‬ ‫مطيعا")‪.(13‬‬ ‫ثم اصدر مجلس الجمهورية البيان التا ي " ى تمام الساعة الرابعة‬ ‫والنصف من يوم السبت املبارك الثالث عشر شهر صفر ‪1337‬ه املوافق‬ ‫‪81‬‬


‫‪16‬نوفم ﺮ ‪ 1918‬قررت ٔالامة الطرابلسية تتويج استقاللها بإعالن حكوم ا‬ ‫الجمهورية باتفاق آراء علما ا وأعيا ا ورؤساء املجاهدين املح ﺮم ن‬ ‫الذين اجتمعوا من كل أنحاء البالد‪.‬‬ ‫إن ٔالامة الطرابلسية تعت ﺮ نفسها حائزة الستقاللها الذي اكتسبته‬ ‫بدماء أبنا ا وقو ا منذ سبع سني ن‪ ،‬وسعيدة بالوصول ا ى هذﻩ الغاية‬ ‫ال ى اشرف ما تصل إل ا ٔالامم‪ ،‬وت أبنا ا بتمام نجاحها واتحادهم‬ ‫ع ى الثبات التام ى الدفاع عن وط م وحكوم م الجمهورية الجديدة"‬ ‫والتوفيق بيد ﷲ تعا ى وحدﻩ)‪.(14‬‬ ‫حزب املؤتمر الوط ‪:‬‬ ‫بدأ واضحا لليبي ن أنه هناك اتجاﻩ من قبل الدول الك ﺮى املنتصرة ى‬ ‫الحرب ع ى فرض وصاية دولية من خالل ٔالامم املتحدة ثم تبلور هذا‬ ‫الاتجاﻩ ا ى تقسيم الوصايا ب ن بريطانيا وفرنسا وإيطاليا بوجهها الجديد‬ ‫بعد سقوط الحكم الفاشس كنتيجة للحرب العاملية الثانية‪ .‬ثم تتطور‬ ‫الصراع من أجل الوصاية ع ى ليبيا وشمل دوال أخرى تطمح ى الوصاية‬ ‫أيضا ع ى ليبيا مثل مصر والاتحاد السوفي ) آنذاك( والواليات املتحدة‬ ‫كما هناك رأيا بوصاية الجامعة العربية ع ى ليبيا)‪.(15‬‬ ‫وأمام هذا التنافس الشديد ب ن كل هذا ٔالاطراف جعل من املستحيل‬ ‫ى الوصول ا ى أتفاق يحسم مسألة الوصايا ع ى ليبيا ومن أجل ذلك‬ ‫تمت أحالة املسألة الليبية من قبل ٔالاربع الكبار الواليات املتحدة‬ ‫وبريطانيا والاتحاد السوفي وفرنسا ى سبتم ﺮ ‪ 1948‬ع ى ٔالامم املتحدة‬ ‫وبدأت مناقشة املسألة الليبية ى أبريل ‪ ،1949‬ولم يغب عن الليبي ن‬ ‫أهمية هذا الصراع ولذلك عزموا ع ى أن يكونوا قريبا من الحدث وقد‬ ‫حضروا تلك الدورة بوفدين أحدهما يمثل برقة ووفد آخر يمثل‬ ‫‪82‬‬


‫طرابلس)‪.(16‬‬ ‫و ى هذﻩ ٔالاثناء ظهر مشروع بيفن سفورزا وهو أتفاق سرى كان قد‬ ‫جرى ب ن وزير خارجية بريطانيا أرنست بيفن ووزير خارجية ايطاليا كارلو‬ ‫سفورزا وفيه تم الاتفاق ب ن الدولت ن ى أن ليبيا تحصل ع ى استقاللها‬ ‫بعد عشر سنوات ع ى أن توضع أقاليم ليبيا الثالث خالل هذﻩ الف ﺮة‬ ‫تحت وصاية دولية تتو ى بريطانيا الوصاية ع ى برقة وتتو ى ايطاليا‬ ‫بموج ا أدارة طرابلس وتتو ى فرنسا أدارة فزان‪ .‬وقدم املشروع لألمم‬ ‫املتحدة للتصويت عليه أمام الجمعية العامة ى ‪ 17‬مايو ‪ 1949‬ولتمرريه‬ ‫كان يتطلب موافقة ثل ٔالاعضاء الحاضرين وعددهم ‪ 58‬دولة‪ .‬وهنا‬ ‫تجلت أهمية وجود الليبي ن ى قلب الحدث ومراقب م وتفاعلهم مع‬ ‫التطورات السريعة والصفقات امل ﺮمة ى أروقة ٔالامم املتحدة)‪.(17‬‬ ‫وبداء الليبيون ى ممارسة اللعبة السياسية ع ى املستوى الدو ي‬ ‫بحذق بعد أن أيقنوا أنه يجب عل م تفويت الفرصة ع ى اى مشروع‬ ‫جديد وأن يستبقوا الحدث ويضعوا املجتمع الدو ي أمام واقع جديد‬ ‫تحددﻩ ٕالارادة الوطنية‪.‬‬ ‫ي هذﻩ ٔالاثناء وجه املرحوم بش ﺮ السعداوي الدعوة لزعماء منطقة‬ ‫طرابلس لعقد اجتماع بمدينة مسالته ح يتحول الشعور الوط الذي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫غمر البالد إ ى شكال سياسيا ولتصبح الشعارات ال صارت ع ى كل‬ ‫لسان لتوثق ي هذا الاجتماع يحضرﻩ زعماء مختلف املناطق‪ ،‬ووقع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اختيارﻩ ع ى جامع املجابرة مقرا لعقد املؤتمر تيمنا ذﻩ املدينة وهذا‬ ‫املسجد لتوحيد الكلمة)‪.(18‬‬ ‫وعقد الاجتماع ي ‪1949 :08 :21‬م وأستمر ثالثة أيام وسط حماسة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أها ي مسالته الذين رأوا ي املؤتمر شرفا كب ﺮا لهم باستضافة وجهاء‬ ‫‪83‬‬


‫البالد ي هذا الاجتماع السياﺳ التاري ي‪.‬‬ ‫أستقبل املرحوم بش ﺮ السعداوي خالل أيام إنعقاد املؤتمر زعماء‬ ‫املنطقة ووفود وشخصيات جاءت من مختلف املدن ؤالارياف والبادية‬ ‫ال وفدت إ ى مدينة مسالته معلنة تأييدها للمؤتمر ومبادئه )‪.(19‬‬ ‫الخالصة‪:‬‬ ‫من خالل ما سبق يتأكد أهمية منطقة مسالته وموقعها الجغرا ي‬ ‫الذي يتوسط الجزء الغربي من ليبيا وإمكانيا ا املادية والروحية ال‬ ‫توفرت لها‪ ،‬فيبدو إن الحالة الاقتصادية لسكا ا ٔالامر الذي جعل من‬ ‫استضافة زعماء البالد عام ‪1918‬م وكذلك الفعاليات السياسية ووفود‬ ‫ُ‬ ‫املناطق عام ‪1949‬م أمرا ي متناول املنطقة‪.‬‬ ‫كما إن وجود زاوية الدوكا ي ال درس ا أغلب رموز الثقافة الدينية‬ ‫باملناطق املجاورة منح املدينة إمكانيات دينية روحية وقدسية لم تتوفر ي‬ ‫مدينة أخرى‪.‬‬ ‫باإلضافة إ ى ذلك كانت مسالته ي ف ﺮات من تاريخ الجهاد ضد‬ ‫ٕالاحتالل ٕالايطا ي تمثل عاصمة الجهاد ي غرب ليبيا خاصة عندما‬ ‫أتخذها املجاهد رمضان السويح ي مقر القيادة العسكرية لحركة الجهاد‪.‬‬ ‫ شهد جامع املغاربة خطبة سليمان الباروني ال أعلن ف ا توليه أمر‬‫الوالية وقومندا ا‪.‬‬ ‫ أحتضن جامع املجابرة مفاوضات الصلح ي ال اع ب ن منطق‬‫ترهونة ومصراته عام ‪ 1916‬برعاية سليمان الباروني‪.‬‬ ‫ شهدت مسالته تأسيس الجمهورية الطرابلسية ال أعلنت ف ا ي‬‫‪ 16‬نوفم ﺮ سنة ‪ 1918‬م بجامع املجابرة‬ ‫ كما شهدت املنطقة انعقاد مؤتمر الزعامات الوطنية ى جامع‬‫‪84‬‬


‫املجابرة بتاريخ ‪1949 :08 :21‬م تيمنا باملكان الذي أسست فيه الجمهورية‬ ‫الطرابلسية ي نوفم ﺮ سنة ‪ .1918‬وهناك تقرر دمج الهيئة مع ٔالاحزاب‬ ‫الطرابلسية الخمسة‪ ،‬تحت اسم املؤتمر الوط برئاسة بش ﺮ السعداوي‪.‬‬ ‫الهوامش‪:‬‬

‫* املجابرة‪ :‬قبيلة ليبية تنتم للجبارنة السعادى يعود أصلهم ا ى حمد بن ج ﺮيل بن‬ ‫برغوث بن ذئاب وسعدة‪ ،‬كانت هذﻩ القبيلة تقيم ي برقة ثم انتقلت منذ قرن ن ا ى‬ ‫مناطق جالو واوجلة والكفرة ي شرق ليبيا للمزيد ينظر‪ ،‬محمد عبدالرازق مناع‪،‬‬ ‫ٔالانساب العربية ي ليبيا‪ ،‬ص‪.154‬‬ ‫* مسالته‪ :‬أصل تسمية مدينة مسالته محل خالف و هناك عدة آراء حوله م ا أن‬ ‫الاسم هو تحريف لكلمة مسالت )جمع مسلة( إذ تحتوي املنطقة ع ى قرابة ‪ 22‬قصبة‬ ‫وهو بناء عمودي يشبه املسلة إ ى حد ما‪ .‬وترجح أقوال أخرى أن الاسم له عالقة‬ ‫بكون املدينة مركز مهم لزراعة أشجار الزيتون فكلمة مسالته باللغة ال ﺮبرية ي اسم‬ ‫ألحد أنواع الزيتون‪ .‬وتقول آراء أخرى بأن أصل الاسم من السلت أي سلت الزيتون‬ ‫وامليم ي بداية الكلمة ي اختصار "أم" التعريف ي العربية الحم ﺮية ال تقابل أل‬ ‫التعريف ي اللغة العربية‪.‬‬ ‫‪ -1‬لبدة الك ﺮى‪ :‬مدينة من مدن الشمال ٔالافريقي السابقة‪ ،‬وتقع ع ى ساحل البحر‬ ‫املتوسط عند مصب وادي لبدﻩ الذي يكون مرفأ طبيعيا ع ى بعد ‪ 3‬كيلوم ﺮات شر ي‬ ‫مدينة الخمس‪ ،‬ال تبعد ‪ 120‬كم شرق مدينة طرابلس‪ ،‬املدينة كانت من أبرز مدن‬ ‫الشمال ٕالافريقي ي عصر ٕالام ﺮاطورية الرومانية و ي مصنفة من قبل اليونسكو‬ ‫ضمن قائمة مواقع ال ﺮاث العالم ي ليبيا منذ العام ‪. ar.wikipedia.org/wiki.1982‬‬ ‫* ترهونة مدينة تقع إ ى الجنوب الشر ي من مدينة طرابلس بمسافة ‪ 88‬كم‪ ،‬وتبدأ‬ ‫حدودها الجغرافية من منطقة "وادي فم ملغة" غربا إ ى "بركات " الواقعة جغرافيا ي‬ ‫غرب مسالته ال تحد ترهونة شرقا‪ .‬ثم من "سوق الجمعة"املصابحة" شماال إ ى‬ ‫وادى "أوكرﻩ املزاوغة ومرغنه" الذي يحد ب وليد جنوبا‪ .‬تتبع مدينة ترهونة شعبية‬ ‫ترهونة ومسالتة سابقا وشعبية املرقب حاليا‪ .‬وترتفع عن مستوى سطح البحر ‪398‬‬ ‫‪85‬‬


‫م ﺮ‪. ar.wikipedia.org/wiki .‬‬ ‫‪ -2‬حسن الفقيه حسن‪ ،‬اليوميات الليبية‪ ،‬تحقيق‪ ،‬محمد ٔالاسطى وعمار جحيدر‪،‬‬ ‫مركز جهاد الليبي ن للدراسات التاريخية‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ج‪2001 ،1‬م‪ ،‬ص‪119.‬‬ ‫‪ -3‬احتل ٔالاسبان طرابلس سنة )‪1510‬م( وظلوا يحكمو ا ح سنة )‪1530‬م( عندما‬ ‫منحها شارل الخامس إم ﺮاطور ٕالام ﺮاطورية الرومانية لفرسان القديس يوحنا الذين‬ ‫صاروا يعرفون ي ذلك الوقت بفرسان مالطا‪ ،‬ابن غلبون‪ ،‬التذكار‪ ،‬ط‪،1967 ،2‬‬ ‫مكتبة النور طرابلس‪ ،‬ص‪136-104‬‬ ‫‪ -4‬ه ﺮيكو دي أغسطي ‪ ،‬سكان ليبيا‪ ،‬ترجمة خليفة التليﺴ ‪ ،‬ج‪ ،1‬الدار العربية‬ ‫للكتاب‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ص ‪.155‬‬ ‫ّ‬ ‫* أحمد زروق‪ :‬أحمد بن أحمد بن محمد بن عيﺴ ال ﺮنﺴ الفاﺳ املعروف بزروق‬ ‫ً‬ ‫)‪ 846‬ه ‪ 899 -‬ه( ولد بفاس باملغرب سنة ‪ 846‬ه‪ ،‬مات أبوﻩ وهو رضيع فنشأ يتيما‬ ‫ُ‬ ‫وتو ى جدﻩ ألمه تربيته‪ ،‬وكانت أمه تعرف بالزهد والتقوى والصالح‪ّ .‬زروق هو لقب‬ ‫جدﻩ الذي كان بعينه زرقة‪ ،‬فقالوا‪ّ :‬زروق ومن ثم أطلقت ع ى ذريته من بعدﻩ‪ ،‬كان‬ ‫مالكي املذهب حيث قرأ رسالة ابن أبي زيد الق ﺮواني ي فقه املالكية ع ى الشيخ عبد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ﷲ الفخار وع ى السبطي بحثا وتحقيقا‪ ،‬وكان محبا للتصوف فأخذ الطريقة ع ى يد‬ ‫ّ‬ ‫املسلك عبد ﷲ املكي وأخذ عن محمد بن القاسم القوري وغ ﺮﻩ‪ .‬وتو ي بمدينة‬ ‫الشيخ ِ‬ ‫مصراتة سنة ‪ 899‬ه‪ .‬للمزيد ينظر محمد عبد القادر نصار‪ ،‬دارة الكرزة للنشر‬ ‫والتوزيع‪ ،‬مصر الجديدة‪ ،‬الطبعة ٔالاو ى ‪2007‬‬ ‫‪ -5‬عبدالسالم بن عثمان الفيتوري‪ ،‬كتاب ٕالاشارات لبعض ما بطرابلس الغرب من‬ ‫املزارات‪ ،‬مطبعة النجاح‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ص‪.106‬‬ ‫ّ‬ ‫* عبد السالم ٔالاسمر بن سليم الفيتوري ٕالادريﺴ الحس ‪ .‬يعد من أهم علماء ودعاة‬ ‫ٕالاسالم ي القرن العاشر الهجري فهو من فقهاء املالكية وعالم ي العقيدة ومن أبرز‬ ‫مشائخ ال ﺮبية والسلوك ع ى منهج أئمة التصوف‪ .‬وأحد أهم ركائز الحركة العلمية‬ ‫والدعوية ي املغرب ٕالاسالم‪ّ .‬‬ ‫تضمن منهجه الدعوي وٕالاصال ي الاهتمام بمختلف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫طبقات املجتمع ولم ينحصر ي الطبقة املتعلمة‪ٔ ،‬الامر الذي جعله قائدا روحيا‬ ‫وبمثابة حجر زاوية لرسوخ ٕالاسالم ي املغرب ٕالاسالمي‪ ،‬وبعد م خمسة قرون ع ى‬ ‫وفاته فإن أثرﻩ ال يزال واضحا ومؤثرا ع ى الصعيدين العلم والاجتما ي للمزيد‬ ‫‪86‬‬


‫ينظر‪ ،‬القطب ٔالانوار عبد السالم ٔالاسمر ‪ /‬الشيخ ٔالاستاذ أحمد القطعاني‪.‬‬ ‫* عبد الواحد محمد الدوكا ي‪ ،‬من فقهاء املالكية‪ ،‬ومن أبرزهم باملغرب ٕالاسالمي ي‬ ‫القرن العاشر الهجري‪ ..‬انتفع بعلمه الكث ﺮون خاصة ي ليبيا وتونس‪ ،‬وكان ً‬ ‫مفتيا ع ى‬ ‫ً‬ ‫ساعيا‬ ‫املذاهب ٔالاربعة‪ ،‬ولم يكتف بالعلوم الشرعية‪ ،‬بل سلك أيضا منهج التصوف‪،‬‬ ‫بذلك إ ى العمل بوصية ٕالامام مالك الداعية إ ى الجمع ب ن التصوف والفقه‪ ،‬وكان‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫شديدا ع ى املمارسات الخاطئة لبعض املتصوفة‪ ،‬من رفاقه العالمة املالكي أحمد‬ ‫زروق‪ ،‬ومن أبرز تالمذته عبد السالم ٔالاسمر‪ ،‬وال تزال زاويته بمدينة مسالته بغرب‬ ‫ليبيا بعد قرابة خمسة قرون من وفاة الدوكا ي تعمل ع ى تدريس القرآن والعلوم‬ ‫ٕالاسالمية للمزيد ينظر دار ٕالايمان‪ :‬التصوف الصحيح‪ ،‬من أعالم التصوف‪.‬‬ ‫‪ -6‬شارل ف ﺮو‪ ،‬الحوليات الليبية‪ ،‬ترجمة عبدالكريم الوا ي‪ ،‬املنشأة العامة للنشر‬ ‫والتوزيع وٕالاعالن‪ ،‬ط‪ ،2‬طرابلس‪1983 ،‬م‪ ،‬ص ‪459.‬‬ ‫‪ -7‬أحمد صد ي الدجاني‪ ،‬طرابلس الغرب ي أواخر العهد العثماني الثاني ‪-1882‬‬ ‫‪1911‬م‪ ،‬املطبعة الفنية الحديثة‪ ،‬القاهرة‪1971 ،‬م ‪.‬‬ ‫* سليمان باشا الباروني ولد سنة ‪ 1287‬ه‪1870/‬م ي مدينة جادو "فساطو" بليبيا‪،‬‬ ‫حارب ٕالايطالي ن وكان من أهم السياسي ن الليبي ن ي تلك الف ﺮة حيث كان عضوا ي‬ ‫مجلس املبعوثان العثماني "مجلس النواب" وتحصل ع ى رتبة البكوية وكانت له عدة‬ ‫مبادرات ي ليبيا م ا طباعة عملة سماها البارونية وتأسيس جمهورية ي منطقة‬ ‫طرابلس تحت اسم الجمهورية الطرابلسية‪ .‬كما أسس املدرسة البارونية بمدينة يفرن‬ ‫وأسس بمصر عام ‪ 1906‬م "مطبعة ٔالازهار البارونية" و ي عام ‪ 1908‬م أصدر جريدته‬ ‫ال أسماها "ٔالاسد ٕالاسالمي" رجع إ ى ليبيا وقاد معارك الجهاد ضد الغزو الايطا ي من‬ ‫ً‬ ‫الف ﺮة ‪1911‬م ح ‪1916‬م ح ن ع ن واليا ع ى ليبيا ة تحصل من السلطان العثماني‬ ‫ع ى البشوية‪ .‬اع ل العمل السياﺳ سنة ‪1919‬م بعد اع ﺮاف إيطاليا املزيف‬ ‫بالحكومة الوطنية الليبية‪.‬و ي عام ‪1922‬م أج ﺮته السلطات ٕالايطالية ع ى مغادرة‬ ‫طرابلس ح ن قاوم محاولة بعض الليبي ن اللجوء إ ى الاستسالم ورفض صلح بن ادم‬ ‫وأصر ع ى مواصلة الجهاد‪ .‬فتنقل ب ن تركيا وفرنسا محاوال العودة إ ى أرض الوطن‬ ‫ولكنه منع‪ ،‬واستقر به املقام ي سلطنة عمان سنة ‪ 1924‬حيث عمل مستشارا" لدى‬ ‫ٕالامام محمد بن عبد ﷲ الخلي ي إمام ُعمان وظل ا ح وفاته عام ‪1940‬م ي الهند‬ ‫‪87‬‬


‫أثناء رحلة عالجية من مرض املاالريا‪.‬‬ ‫‪ -8‬مصطفى ع ي هويدي‪ ،‬الجمهورية الطرابلسية‪ ،‬مركز جهاد الليبي ن للدراسات‬ ‫التاريخية‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ص‪75.‬‬ ‫‪ -9‬مصطفى ع ي هويدي‪ ،‬املرجع السابق‪.‬‬ ‫‪ -10‬مصطفى فوزي السراج‪ ،‬ذكريات وخواطر‪ ،‬مركز جهاد الليبي ن للدراسات‬ ‫التاريخية‪ ،‬طرابلس‪ ،2005 ،‬ص ‪361. -360‬‬ ‫‪ -11‬الطاهر أحمد الزاوي‪ ،‬جهاد ٔالابطال ي طرابلس الغرب‪ ،‬دار الفتح‪ ،‬ب ﺮوت‪ ،‬ط‪،3‬‬ ‫‪1973‬م‪ ،‬ص‪325.‬‬ ‫‪ -12‬محمد فؤاد شكري‪ ،‬ميالد دولة ليبيا الحديثة‪ ،‬مطبعة ٕالاعتماد‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫‪1957‬م‪ ،‬ص‪522.‬‬ ‫‪ -13‬محمد فؤاد شكري‪ ، ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪529.‬‬ ‫‪ -14‬مصطفى ع ي هويدي‪ ،‬املرجع السابق‪.‬‬ ‫‪ -15‬محمد فؤاد شكري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪1024.‬‬ ‫‪ -16‬مصطفى فوزي السراج‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪360.‬‬ ‫‪ -17‬مصطفى فوزي السراج‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪361.‬‬ ‫‪ -18‬مصطفى فوزي السراج‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬ ‫‪ -19‬مصطفى فوزي السراج‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.361‬‬ ‫املصادر واملراجع‪.‬‬ ‫‪ -1‬ابن غلبون‪ ،‬التذكار‪ ،‬ط‪ ،1967 ،2‬مكتبة النور طرابلس‪ ،‬ص‪136-104‬‬ ‫‪ -2‬أحمد القطعاني‪ ،‬القطب ٔالانوار عبد السالم ٔالاسمر ‪ /‬الشيخ ٔالاستاذ أحمد‬ ‫القطعاني‪.‬‬ ‫‪ -3‬أحمد صد ي الدجاني‪ ،‬طرابلس الغرب ي أواخر العهد العثماني الثاني ‪-1882‬‬ ‫‪1911‬م‪ ،‬املطبعة الفنية الحديثة‪ ،‬القاهرة‪1971 ،‬م ‪.‬‬ ‫‪ -4‬الطاهر أحمد الزاوي‪ ،‬جهاد ٔالابطال ي طرابلس الغرب‪ ،‬دار الفتح‪ ،‬ب ﺮوت‪ ،‬ط‪،3‬‬ ‫‪1973‬م‪ ،‬ص‪325.‬‬ ‫‪ -5‬حسن الفقيه حسن‪ ،‬اليوميات الليبية‪ ،‬تحقيق‪ ،‬محمد ٔالاسطى وعمار جحيدر‪،‬‬ ‫مركز جهاد الليبي ن للدراسات التاريخية‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ج‪2001 ،1‬م‪.‬‬ ‫‪88‬‬


‫‪ -6‬شارل ف ﺮو‪ ،‬الحوليات الليبية‪ ،‬ترجمة عبدالكريم الوا ي‪ ،‬املنشأة العامة للنشر‬ ‫والتوزيع وٕالاعالن‪ ،‬ط‪ ،2‬طرابلس‪1983 ،‬م‪ ،‬ص ‪459.‬‬ ‫‪ -7‬عبدالسالم بن عثمان الفيتوري‪ ،‬كتاب ٕالاشارات لبعض ما بطرابلس الغرب من‬ ‫املزارات‪ ،‬مطبعة النجاح‪ ،‬طرابلس‪.‬‬ ‫‪ -8‬محمد عبد القادر نصار‪ ،‬دارة الكرزة للنشر والتوزيع‪ ،‬مصر الجديدة‪ ،‬الطبعة‬ ‫ٔالاو ى ‪2007‬‬ ‫‪ -9‬محمد عبدالرازق مناع‪ٔ ،‬الانساب العربية ي ليبيا‪ ،‬شركة مطابع املختار للطباعة‬ ‫والنشر‪ ،‬ط‪ٕ ،2‬الاسكندرية‪1991 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -10‬مصطفى فوزي السراج‪ ،‬ذكريات وخواطر‪ ،‬مركز جهاد الليبي ن للدراسات‬ ‫التاريخية‪ ،‬طرابلس‪2005. ،‬‬ ‫‪ -11‬مصطفى ع ي هويدي‪ ،‬الجمهورية الطرابلسية‪ ،‬مركز جهاد الليبي ن للدراسات‬ ‫التاريخية‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ص‪75.‬‬ ‫‪ -12‬ه ﺮيكو دي أغسطي ‪ ،‬سكان ليبيا‪ ،‬ترجمة خليفة التليﺴ ‪ ،‬ج‪ ،1‬الدار العربية‬ ‫للكتاب‪ ،‬طرابلس‪.‬‬ ‫‪. http: //ar.wikipedia.org/wiki -13‬‬ ‫‪. http: //ar.wikipedia.org/wiki -14‬‬

‫‪89‬‬


90


‫الخمس وتأث ﺮها ي تكوين‬ ‫شخصية الزعيم بش ﺮ السعداوي‬ ‫‪1911 – 1884‬م‬ ‫كان للنضال السياﺳ دورا كب ﺮا ي التعريف بقضايا ليبيا لدى‬ ‫ٔالاوساط العربية والدولية خالل ف ﺮات نضال الشعب اللي ضد‬ ‫الاستعمار وذلك من خالل اللجان والهيئات ال شكلها الليبيون ي‬ ‫الداخل والخارج‪ ،‬فقد ساهم رجال السياسة ي فضح أساليب الاستعمار‬ ‫أمام الراى العام العربي والدو ي‪ ،‬بعقد الندوات واملؤتمرات فضال عن‬ ‫ذلك الكتابة ي الصحف واملجالت للتعريف بقضي م ٔالامر الذي اكسب‬ ‫القضية تأييدا كب ﺮا ع ى مختلف الصعد‪.‬‬ ‫تتناول هذﻩ الورقة مرحلة من تاريخ ليبيا الحديث ع ﺮ البحث ي تاريخ‬ ‫شخصية املناضل بش ﺮ السعداوي الذي تو ى مهمة كاتب تحريرات‬ ‫الخمس* خالل عام ‪1909-1908‬م و ي أول وظيفة يكلف ا وبدايات‬ ‫التكوين السياﺳ لهذﻩ الشخصية‪ ،‬ال كان لها دور مهم ي تاريخ ليبيا‬ ‫السياﺳ فيما بعد‪.‬‬ ‫يعد بش ﺮ إبراهيم السعداوي )‪ (1957-1884‬أحد ابرز رجال السياسة‬ ‫الذين بذلوا كل ما ي وسعهم ي سبيل ليبيا‪ ،‬إذ تقلد العديد من املناصب‬ ‫‪91‬‬


‫ٕالادارية املختلفة ي أواخر العهد العثماني الثاني وكانت له مواقف واضحة‬ ‫من سياسة التغلغل الايطا ي السلم ي البالد‪ ،‬كما شارك ي املرحلة‬ ‫ٔالاو ى للجهاد السيما ي معركة املرقب عام ‪1912‬م‪.‬‬ ‫تحاول هذﻩ الورقة تسليط الضوء ع ى دور مدينة الخمس ي تكوين‬ ‫شخصية الزعيم بش ﺮ السعداوي السياﺳ واملثقف*الذي ولد باملدينة‬ ‫وتلقى تعليمه ا ثم ع ن للعمل ي دوائر الدولة العثمانية ي عديد‬ ‫املناصب ٕالادارية‪.‬‬ ‫ولد عام ‪1884‬م‪ ،‬حفظ القرآن الكريم ثم التحق باملدرسة الرشدية‬ ‫باملدينة)‪ ،(1‬وكان من الطالب املتفوق ن ف ا وتخرج م ا عام ‪ ،1904‬عينته‬ ‫ً‬ ‫الحكومة العثمانية كاتب تحريرات‪ ،‬فمفتشا ع ى ٔالاعشار ودوائر النفوس‪،‬‬ ‫ً‬ ‫و ى عام ‪ ،1908‬ع ن كاتبا أوال ملجلس ٕالادارة بالخمس‪ ،‬ارتقى بعدها ي‬ ‫ً‬ ‫الوظائف ٕالادارية فتم تعيينه مديرا للتحريرات ي مدينة طرابلس عام‬ ‫ً‬ ‫‪ ،1909‬ثم ع ن ي عهد متصرف الخمس شفيق بك قائمقاما لساحل‬ ‫ٔالاحامد قرب الخمس)‪ (2‬بعد أن عرف ي السعداوي زعامته الواضحة ي‬ ‫قومه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مما ال شك فيه أن للبيئة أثرا هاما ي تكوين شخصية كل فرد من‬ ‫أفراد املجتمع ونموﻩ‪ ،‬فباإلضافة إ ى الفطرة والوراثة واملحيط الاجتما ي‬ ‫والثقافة‪ ،‬يأتي دور البيئة بما ف ا من تأث ﺮات سياسية واقتصادية‬ ‫وثقافية أو طبيعية ّ‬ ‫تطبع الشخصية بطابع متم ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫كان للتنوع البيﺌ املحيط بمدينة الخمس دورا ي تكوين شخصية‬ ‫بش ﺮ السعداوي‪ ،‬فساحل البحر وقمة املرقب وعبق التاريخ ي مدينة لبدﻩ‬ ‫العظيمة‪ ،‬و شجرتي الزيتون والنخل‪ ،‬اجتمعت لتشكل الدافع لديه‬ ‫للتفك ﺮ فيما حوله‪ ،‬فجميعها تحفز ع ى التفك ﺮ وصقل املوهبة‪.‬‬ ‫‪92‬‬


‫بداية التكوين الثقا ي كان ع ﺮ ٓالارث الذي تركه جدﻩ إبراهيم ‪-‬‬ ‫القا بمحكمة الخمس ‪ٕ -‬الارث الذي تمثل ي مكتبة زاخرة بكتب الدين‬ ‫ً‬ ‫ؤالادب والعلوم ٔالاخرى‪ ،‬وصار وهو شابا ي مقتبل العمر وبفضل هذﻩ‬ ‫ال ﺮوة العلمية كث ﺮ الاطالع‪ ،‬حيث بحث ي الفقه املالكي وكتب التفس ﺮ‬ ‫وعلم التوحيد والنحو‪ ،‬وقرأ ي غزوات الن )صلعم(‪ ،‬وقرأ كتاب " مروج‬ ‫الذهب " للمسعودي‪ ،‬وزاد ولوعه وحبه بالقراءة وصار إقباله ع ى‬ ‫ً‬ ‫املطالعة ي ٔالادب والتاريخ ملحوظا‪ ،‬وأك ﺮ املثابرة عل ا‪ .‬و ى املرحلة ٔالاو ى‬ ‫من حياته طالع مقاالت صحفية لجريدتي " املؤيد" و" اللواء " املصريت ن‪،‬‬ ‫وقد تأثر أيضا بكتاب عبدالرحمن الكواك ‪ ،‬طبائع الاستبداد ومصارع‬ ‫الاستعباد‪ ،‬وكان تأث ﺮﻩ ي أنه يوافقه ي كراهيته لالستبداد‪ ،‬كان ينظم‬ ‫الشعر واش ﺮك ي عدد من الصحف العربية وال ﺮكية‪ ،‬وكان يسهر الليا ي‬ ‫ي قراء ا‪ ،‬ومن الصحف ال ﺮكية ال اش ﺮك ف ا‪" ،‬صباح"‪" ،‬إقدام"‪،‬‬ ‫"طن ن"‪" ،‬تصوير أفكار"‪" ،‬حريت" وغ ﺮها‪.‬‬ ‫ومن الصحف العربية‪ٕ" ،‬الاقبال" الب ﺮوتية"‪" ،‬الاتحاد العثماني"‪،‬‬ ‫"املفيد"‪" ،‬العهد"‪" ،‬املقتبس"‪" ،‬الحضارة"‪" ،‬القبس"‪" ،‬املؤيد"‪" ،‬املنار"‪،‬‬ ‫"اللواء"‪ ،‬و ى من صحف الشام ومصر‪ ،‬فضال عن الصحف املحلية مثل‪:‬‬ ‫" ال ﺮ ي"‪" ،‬املرصاد"‪ " ،‬الكشاف"‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أظهر السعداوي تفوقا ي دراسته الرشدية وكان ملعلم املدرسة حقي‬ ‫ً‬ ‫شيناس* آنذاك دورا ي صقل موهبته وتفوقه‪ ،‬مما جعله ي ا ي عام ن‬ ‫ونصف‪ ،‬وقد اهتمام معلمه حقي كب ﺮ بالسعداوي ورفاقه بمدينة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الخمس ال شهدت آنذاك حراكا ثقافيا‪.‬‬ ‫رافق ذلك مالزمته للشيخ حسن الشاعر* الذي نشأت بي ما صالت‬ ‫ود وصداقة متينة‪ ،‬كان لها دور مم ي حياته‪ ،‬فقد تعلم منه الص ﺮ‬ ‫‪93‬‬


‫ً‬ ‫والهدوء والوداعة وحسن املعشر)‪ ،(3‬فنشاء السعداوي متدينا ولكنه‬ ‫ً‬ ‫مثقفا ثقافة حديثة)‪.(4‬‬ ‫عززت قراءته الشعور بالعزة الاسالمية ون ته إ ى ميادين الفكر خاصة‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫تلك القراءات ال تناولت الوطن والقومية وٕالاسالم وحملته فكرا يقظا‬ ‫للمحافظة ع ى الوطن‪ ،‬وتبلور لديه الشعور بالقومية الوطنية ي الحدود‬ ‫ال فرضها النظام السياﺳ القائم ي واليات الدولة العثمانية‪ ،‬تفتح‬ ‫ذهنه إ ى آفاق جديدة ي العلم واملعرفة وتاقت نفسه إ ى فهم أسباب‬ ‫التقدم ٕالاجتما ي الذي يمكن أن ير ى به العالم ٕالاسالمي وي ض‬ ‫بفضله)‪.(5‬‬ ‫شهدت الف ﺮة إعادة إقرار الدستور عام ‪ 1908‬فرصة مهمة ي ميدان‬ ‫التحديث‪ ،‬إذ أسهم ي خلق وسط جديد‪ ،‬تفاعل مع دعوات ٕالاصالح‬ ‫والتحديث ال أطلق ا النخبة املثقفة‪ ،‬ال طرحت وجهات نظر متباينة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حول مسألة التحديث سعيا نحو تقدم املجتمع عموما وكان السعداوي‬ ‫ضمن تلك النخبة ال نادت باإلصالح العثماني‪ ،‬حيث أقام جمعية سرية‬ ‫بمدينة الخمس رفقة صديقه عبدالرحمن الزقل ي وبعض من أصدقا م‬ ‫املقرب ن‪ ،‬وذلك للمناداة باإلصالح ٕالاداري ) الالمركزي( والخالفة العربية‬ ‫)‪(6‬‬ ‫وسياسة الاتحادي ن‬ ‫كان بش ﺮ السعداوي مثل غ ﺮﻩ من املثقف ن الذين اعتقدوا إن صدور‬ ‫ً‬ ‫الدستور العثماني ينﻬ عهدا من الكبت والحجر ع ى الحريات‪ ،‬فسارعوا‬ ‫إ ى املطالبة بطرد بعض املوظف ن ٔالاتراك الذين عرفوا بالكسل وٕالاهمال‪.‬‬ ‫ونشر مقال ي جريدة الكشاف)‪ (7‬ال كانت تصدر بمدينة طرابلس‪ ،‬ناقش‬ ‫فيه مساوئ الاستمرار ي إجراء التحقيقات واملحاكمات باللغة ال ﺮكية‪،‬‬ ‫لشعورﻩ بوقوع تحريف ي صور الوقائع أثناء ال ﺮجمة )‪.(8‬‬ ‫‪94‬‬


‫شارك السعداوي ي الاحتفاالت ال أقيمت بمناسبة إعالن الدستور‬ ‫وأرتجل قصيدة قال ف ا‪:‬‬ ‫بش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراكم لق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد زال الك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدر‬ ‫فلتـ ــنعمن نفوسـ ــكم فـ ــاليوم قـ ــد‬ ‫باالتح ـ ـ ـ ـ ــاد واملس ـ ـ ـ ـ ــاواة أبش ـ ـ ـ ـ ــروا‬ ‫وغ ـ ــدا بدس ـ ــتور أس ـ ــاس حكمن ـ ــا‬

‫والــدهر عــن وجــه العدالــة قــد ســفر‬ ‫ضــاءت شــموس املجــد مــن فلــق الغــرر‬ ‫فلق ـ ــد س ـ ــنا ٕالاس ـ ــالم وان ـ ــدثر الك ـ ــدر‬ ‫م ـ ــن بع ـ ــد م ـ ــا ق ـ ــد ك ـ ــان ك ـ ـ م ـ ــدخر‬

‫ي هذﻩ ٔالاثناء وصل إ ى الخمس ٔالاستاذ توفيق سلهب)‪ (9‬الذي شغل‬ ‫منصب رئيس أول محكمة ابتدائية نظامية بمدينة الخمس‪ ،‬وهو من‬ ‫الشخصيات ال كان لها تأث ﺮ سياﺳ عميق ع ى شخصية بش ﺮ‬ ‫السعداوي السياسية‪.‬‬ ‫فاستبداد الاتحادي ن بالسلطة وظهور فكرة املركزية بدعوة التغلب‬ ‫ع ى فكرة انفصال بعض الواليات وتغليب العنصر ال ﺮكي ع ى با ي أجناس‬ ‫الشعوب ال تتكون‬ ‫م ا الدولة العثمانية بما ي ذلك الشعوب العربية‪ ،‬جعل من‬ ‫السعداوي يعيد التفك ﺮ ي موضوع دولة الخالفة‪.‬‬ ‫لقد تنبه السعداوي إ ى خطر أطماع إيطاليا ي طرابلس الغرب عن‬ ‫طريق املتصرف العثماني رشيد بك وهو طبيب شركﺴ ومن كبار‬ ‫الاتحادي ن الذي وضح أخطار فتح فرع لبنك روما وإن مهمة هذا البنك‬ ‫الحقيقية نشر الدعاية ٕالايطالية والتجسس ع ى أحول البالد‪.‬‬ ‫وكتب السعداوي ورفاقه إ ى النواب ي ال ﺮملان العثماني ي ٔالاستانة‬ ‫‪95‬‬


‫ين ون عن متصرفية الخمس‪ ،‬عندما وصلت البعثة ٕالايطالية ال رأسها‬ ‫الكونت سفورزا وقابله بش ﺮ السعداوي فضح خالل املقابلة الغرض الذي‬ ‫جاءات من أجله البعثة‪ ،‬فاجأت توقعات السعداوي الكونت سفورزا‬ ‫الذي حاول تلطيف الجو)‪.(10‬‬ ‫ولكن قام السعداوي أثناء وجود البعثة ٕالايطالية بعقد أول مؤتمر‬ ‫عرفته البالد للبحث ي قضية ٔالاطماع ٕالايطالية وتنبيه ٔالامة إ ى خطر‬ ‫الغزو ٕالايطا ي‪ ،‬وتحريضهم ع ى الاستعداد للجهاد‪ ،‬قرر املشاركون ي‬ ‫املؤتمر منع التعامل مع بنك روما وعدم بيع ٔالارا لهذا البنك ومقاطعة‬ ‫السفينة ٕالايطالية التابعة للبنك وال تصل إ ى الخمس كل شهر‬ ‫واستبدالها بسفينة عثمانية‪.‬‬ ‫وكان من أهم قرارات املؤتمر مطالبة السلطات العثمانية بإصدار‬ ‫مرسوم بتجنيد الطرابلسي ن بسرعة واستبقاء ٔالاسلحة عند ٔالاها ي‬ ‫ومقاطعة املدارس ٕالايطالية ال كانت أحداها بمدينة الخمس)‪.(11‬‬ ‫شارك بش ﺮ السعداوي ي الدفاع عن تراب الوطن خالل الف ﺮة ال‬ ‫سبقت توقيع معاهدة أو عام ‪ 1912‬م‪ ،‬فالخمس كانت من املواقع‬ ‫الهامة ع ى الساحل اللي ال بادر ٕالايطالي ن باحتاللها منذ املراحل‬ ‫ٔالاو ى للغزو ولك ا عجزت عن ذلك أول ٔالامر‪ ،‬فبالرغم من وصول السفن‬ ‫ً‬ ‫الحربية ي يوم ‪ 20‬سبتم ﺮ ‪ 1911‬إال إن حصارا أستمر إ ى ‪ 21‬أكتوبر بعد‬ ‫أن قصفت الساحل ع ى ف ﺮات متقطعة )‪.(12‬‬ ‫كان السعداوي ي تلك ٓالاونة مكلف بمهمة قائمقام ) ساحل آل‬ ‫ً‬ ‫حامد( وقد أتخذ منه مركزا له يرسل منه الدعوة إ ى القبائل ويح م ع ى‬ ‫الجهاد‪ ،‬واحتشدت أعداد كب ﺮة من املجاهدين عند الساحل‪ ،‬وأرسل‬ ‫املجاهدون برقية إ ى الدولة العثمانية يحتجون ع ى العدوان ٕالايطا ي‪،‬‬ ‫‪96‬‬


‫ً‬ ‫ويؤكدون بحقهم ي الدفاع‪ ،‬بعد أن تلقوا إنذارا من القوات ٕالايطالية‬ ‫الغازية)‪.(13‬‬ ‫قاد حركة املقاومة بداية ٔالامر ي الخمس خليل بك الذي قاد القوات‬ ‫العثمانية واملجاهدين وتحصنوا ي املرقب ولكن تلك القوات لم تستطيع‬ ‫ً‬ ‫الصمود طويال بعد أن حاولوا الدفاع من هجوم ٕالايطالي ن ي أواخر يناير‬ ‫‪ 1912‬واستمرت مقاوم م ح ‪ 28‬ف ﺮاير‪ ،‬عاد املجاهدون للهجوم ع ى‬ ‫القوات ٕالايطالية ي املرقب ي ‪ 12‬يونيه عندما اقتحموا تحصينات‬ ‫ٕالايطالي ن وكبدوا العدو خسائر فادحة)‪.(14‬‬ ‫ي ‪ 26‬يونيه أرسل بش ﺮ السعداوي رسالة إ ى شقيقة نوري يصف‬ ‫ف ا أحدى املعارك ال أشتبك ف ا املجاهدين مع القوات ٕالايطالية وقد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وصف ف ا املعركة وصفا دقيقا‪.‬‬ ‫وفو ئ املجاهدون ي الخمس بقرار تركيا إبرام الصلح عندما وصل‬ ‫رسول يحمل فرمان موقع من محمد رشاد موجه إ ى سكان طرابلس‬ ‫وبرقة‪ ،‬يبلغهم فيه استحالة ارسال املساعدات بعد قيام إيطاليا‬ ‫بالسيطرة ع ى مدن السواحل‪.‬‬ ‫وألسبابه الخاصة قرر السعداوي الهجرة إ ى استانبول رفقة شقيقة‬ ‫نوري بعد أن أقنعه بذلك ي نوفم ﺮ ‪1912‬م‪ ،‬ساهم ي املهجر ي الدفاع‬ ‫عن قضية بالدﻩ استمرت ح عودته عام ‪1918‬م‪.‬‬ ‫الخاتمة‪:‬‬ ‫من ذلك نخلص إ ى ٔالاتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬ولد بش ﺮ السعداوي ي مدينة الخمس ال أستنشق أول نسمة‬ ‫هواء م ا وتعلم ف ا أو ي خطواته‪ ،‬عاش ف ا سنوات طفولته ٔالاو ى ب ن‬ ‫‪97‬‬


‫رفاقه ي الكتاب وتعلم القران الكريم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ -2‬كان واضحا تأث ﺮ البيئة ال تشكلت من البحر والجبل وٓالاثار‬ ‫والزيتون والنخيل وال قل ما تجدها مجتمعة ي بيئة ما‪.‬‬ ‫‪ -3‬كانت مدينة الخمس البيئة ال تكون ف ا بش ﺮ السعداوي املثقف‬ ‫والسياﺳ واملجاهد‪.‬‬ ‫‪ -4‬التقى ف ا بالشخصيات املهمة ي شبابه وال كان لها ٔالاثر الكب ﺮ‬ ‫ي تشكيل شخصيته فيما بعد‪.‬‬ ‫‪ -5‬درس ي املدرسة الرشدية بالخمس وتعلم ف ا فنون الكتابة‬ ‫واللغة‪.‬‬ ‫‪ -6‬ي الخمس كانت خطواته ٔالاو ى ي مجال الوظيفة الحكومية‬ ‫ً‬ ‫العثمانية كاتب تحريرات‪ ،‬فمفتشا ع ى ٔالاعشار ودوائر النفوس‪ ،‬و ى عام‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ ،1908‬ع ن كاتبا أوال ملجلس ٕالادارة بالخمس‪ ،‬ومديرا للتحريرات‪.‬‬ ‫***‬ ‫الهوامش ‪:‬‬ ‫* تقع مدينة الخمس شرق مدينة طرابلس بحوا ي ‪ 120‬كم‪ ،‬و ي مدينه تاريخيه يرجع‬ ‫تأسيسها للعهد الفينيقي أو قبل ذلك‪ ،‬وقد قام الرومان بتطوير مدينة لبدﻩ التاريخية‬ ‫ح صارت عاصمة لشمال أفريقيا ي عهد ٕالام ﺮاطور سبتيموس سيف ﺮوس‪ .‬أما‬ ‫مدينه الخمس الحديثة ف ﺮجح إ ا تأسست منذ ‪ 400‬سنه تقريبا وذلك ي العهد‬ ‫ال ﺮكي‪ ،‬ويدل ع ى ذلك وجود بعض املعالم ي املدينة ال لم دم‪.‬‬ ‫* دأب دارسو التاريخ الثقا ي لطرابلس الغرب ع ى الدمج ب ن فئت ن مختلفت ن‬ ‫ً‬ ‫مضمونا‪ ،‬وهما املثقف العصري واملثقف التقليدي‪ ،‬و ي ذلك عدم الوضوح ووضع‬ ‫ً‬ ‫ٔالامور ي غ ﺮ نصا ا‪ ،‬فع ى سبيل املثال ال يصح أن نصف معلما ً◌ ي مدرسة ما ع ى‬ ‫أنه مثقف ملجرد أنه يقوم بالعملية التعليمية‪ ،‬وينسحب هذا ٔالامر ع ى فئات عديدة‬ ‫من املجتمع كاألطباء واملحام ن وغ ﺮهم‪ ،‬فاملثقف إذن هو ذلك الشخص الذي وصل‬ ‫‪98‬‬


‫ً‬ ‫إ ى درجة من ٕالادراك والانفتاح جعلته يختار تخصصا ويتبلور لديه موقف خاص من‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫املجتمع والدولة‪ ،‬ووفقا لذلك فإن كل مثقف هو بالضرورة ينب ي أن يكون متعلما ً◌‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لكن ليس كل متعلم هو بالضرورة مثقفا‪.‬‬ ‫‪ -1‬تأسست املدارس الرشدية ي عهد الوا ي أحمد عزت باشا ‪ ،1860 -1857‬فكانت‬ ‫واحدﻩ ي طرابلس وأخرى ي بنغازي حيث يلتحق الطالب باملدارس الرشدية بعد‬ ‫إتمام املرحلة الابتدائية‪ ،‬وكانت املدارس الرشدية عسكرية ي بداي ا وتابعة للقيادة‬ ‫العسكرية ي مركز الوالية وكان معلموها من ضباط حامية الوالية‪ .‬أما طلب ا‬ ‫ً‬ ‫فيقيمون بالقسم الداخ ي‪ ،‬ويمنحون الكتب وٕالاقامة مجانا‪ .‬ثم أن ﺊ قسم آخر‬ ‫للطلبة الخارج ن حيث كان ع ى الطالب إن يقيم مع ذويه أو احد أقاربه‪.‬‬ ‫إما منهج الدراسة ي املدرسة الرشدية فهو مقسم ع ى أربع سنوات دراسية وال يوجد‬ ‫اختالف يذكر ب ن منهج التعليم ي املدارس الرشدية املدنية والعسكرية فالشعبتان‬ ‫يدرسان نفس املنهج مع إضافة بعض مواد التدريب العسكرية‪ .‬واملنهج يشمل ع ى‬ ‫نحو عربي‪ ،‬قواعد فارﺳ ‪ ،‬إمالء تركي‪ ،‬اللغة الفرنسية‪ ،‬تاريخ إسالمي‪ ،‬حساب‪،‬‬ ‫الرسم‪ ،‬جغرافيا‪ ،‬أصول مسك الدفاتر‪ ،‬مختصر الهندسة‪ ،‬نحو تركي‪ ،‬أدب‪ ،‬دين‪،‬‬ ‫حسن خط تركي‪ ،‬حسن خط فرنﺴ ‪ .‬محمد الكوني بالحاج‪ ،‬التعليم ي والية طرابلس‬ ‫الغرب ي العهد العثماني الثاني‪ ،‬مركز جهاد الليبي ن للدراسات التاريخية‪1999 ،‬م‪،‬‬ ‫ص‪46.‬‬ ‫‪ -2‬محمد فؤاد شكري‪ ،‬ميالد دولة ليبيا الحديثة‪ ،‬ج‪ ،1‬مطبعة الاعتماد‪ ،‬القاهرة‬ ‫‪1957‬م‪ ،‬ص ‪399‬ومابعدها‪.‬‬ ‫* حقي شيناس‪ ،‬معلم تركي أنتدب للتدريس باملدرسة الرشدية بالخمس ي بواك ﺮ‬ ‫ً‬ ‫القرن العشرين‪ ،‬كان مثقفا وهو من مدينة )ريزﻩ( ي إقليم ) الزستان( ع ى ساحل‬ ‫البحر ٔالاسود الجنوبي‪ ،‬التحق بعضوية جمعية لنشر العلم ي واليات الدولة‬ ‫العثمانية‪ ،‬يتق العديد من اللغات ٔالاجنبية مثل الفرنسية وٕالانجل ية ؤالاملانية‬ ‫والعربية تخرج من دار املعلم ن ثم درس بمدرسة الحقوق باألستانة‪ ،‬كان يؤمن‬ ‫بضرورة تنشئة أك ﺮ عدد من التالميذ لخدمة الدولة العثمانية‪ ،‬للمزيد أنظر‪ ،‬محمد‬ ‫فؤاد شكري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.398‬‬ ‫* حسن الشاعر‪ ،‬من دم ور ي البح ﺮة بمصر‪ ،‬كان ممن يحفظون القرآن بالقراءات‬ ‫‪99‬‬


‫السبع‪ ،‬وصل إ ى الخمس عام ‪1898‬م وأقام ي ضيافة آل السعداوي ح تو ي عام‬ ‫ً‬ ‫‪1911‬م‪ ،‬كان الشيخ راوية وأديبا رافقه بش ﺮ كث ﺮا وتعلم منه‪ ،‬للمزيد أنظر محمد فؤاد‬ ‫شكري املرجع السابق‪ ،‬ص‪.399‬‬ ‫‪ -3‬محمد فؤاد شكري‪ ،‬ميالد دولة ليبيا الحديثة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪400.‬‬ ‫‪ -4‬وصف هشام شرابي فئة رجال الدين ي الوطن العربي بالفئة املغلقة‪ ،‬راجع هشام‬ ‫شرابي‪ ،‬املثقفون العرب والغرب‪ ،‬دار ال ار للنشر‪ ،‬ب ﺮوت‪ ،1971 ،‬ص ‪26.‬‬ ‫‪ -5‬الطاهر أحمد الزاوي‪ ،‬أعالم ليبيا‪ ،‬مكتبة الفرجاني‪ ،‬طرابلس‪ ،1961 ،‬ص ‪.112‬‬ ‫‪ -6‬محمد فؤاد شكري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 388‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪ -7‬جريدة الكشاف‪ ،‬صدرت عام ‪1908‬م أسسها محمد بك النائب ٔالانصاري و ي‬ ‫جريدة أسبوعية تصدر كل يوم أربعاء باللغة العربية ع ى عكس ما كان ينوي مؤسسها‬ ‫من إ ا ستكون يومية مصورة بعدة لغات‪ ،‬أستطاع أن يسخرها لخدمة أهل البالد‬ ‫وساهمت ي أثراء الحركة الثقافية‪ ،‬للمزيد ينظر‪ ،‬عبدالعزيز سعيد الصوي ي‪ ،‬بدايات‬ ‫الصحافة الليبية ‪1922-1866‬م‪ ،‬الدار الجماه ﺮية للنشر والتوزيع وٕالاعالن‪ ،‬مصراته‪،‬‬ ‫‪1989‬م‪ ،‬ص ‪135.‬‬ ‫‪ -8‬محمد فؤاد شكري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪388‬‬ ‫‪ -9‬توفيق سلهب‪ ،‬سوري ترجع أصوله إ ى مدينة طرابلس الشام‪ ،‬كان من دعاة‬ ‫ٕالاصالح العثماني ومتأثر بأفكار الصحافة السورية ي تلك الف ﺮة‪.‬‬ ‫‪ -10‬محمد فؤاد شكري‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪428.‬‬ ‫‪ -11‬محمد فؤاد شكري‪ ،‬السنوسية دين ودولة‪ ،‬دار الفكر املصري‪ ،1948 ،‬ص‪122.‬‬ ‫‪ -12‬خليفة التليﺴ ‪ ،‬معجم معارك الجهاد‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬ب ﺮوت‪ ،1973 ،‬ص‪223.‬‬ ‫‪ -13‬محمد فؤاد شكري‪ ،‬ميالد دولة ليبيا الحديثة‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪431.‬‬ ‫‪ -14‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.432‬‬

‫املصادر واملراجع‪:‬‬

‫‪ -1‬الطاهر أحمد الزاوي‪ ،‬أعالم ليبيا‪ ،‬مكتبة الفرجاني‪ ،‬طرابلس‪1961. ،‬‬ ‫‪ -2‬محمد الكوني بالحاج‪ ،‬التعليم ي والية طرابلس الغرب ي العهد العثماني الثاني‪،‬‬ ‫مركز جهاد الليبي ن للدراسات التاريخية‪1999 ،‬م‪.‬‬ ‫‪100‬‬


‫‪ -3‬محمد فؤاد شكري‪ ،‬ميالد دولة ليبيا الحديثة‪ ،‬ج‪ ،1‬مطبعة الاعتماد‪ ،‬القاهرة‬ ‫‪1957‬م‬ ‫‪ -4‬محمد فؤاد شكري‪ ،‬السنوسية دين ودولة‪ ،‬دار الفكر املصري‪1948. ،‬‬ ‫‪ -5‬خليفة محمد التليﺴ ‪ ،‬معجم معارك الجهاد‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬ب ﺮوت‪ ،1973 ،‬ص‬ ‫‪223.‬‬ ‫‪ -6‬وصف هشام شرابي فئة رجال الدين ي الوطن العربي بالفئة املغلقة‪ ،‬راجع هشام‬ ‫شرابي‪ ،‬املثقفون العرب والغرب‪ ،‬دار ال ار للنشر‪ ،‬ب ﺮوت‪1971 ،‬‬ ‫‪ -7‬عبدالعزيز سعيد الصوي ي‪ ،‬بدايات الصحافة الليبية ‪1922-1866‬م‪ ،‬الدار‬ ‫الجماه ﺮية للنشر والتوزيع وٕالاعالن‪ ،‬مصراته‪1989 ،‬م‬

‫‪101‬‬


102


‫بش ﺮ السعداوي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كاتبا ومخرجا مسرحيا‬ ‫ُعرف املسرح ي ليبيا منذ أقدم العصور‪ ،‬فاملسارح ٔالاثرية املوجودة‬ ‫ً‬ ‫حاليا ي أغلب املدن ٔالاثرية القديمة‪ ،‬كص ﺮاتة‪ ،‬ولبدة‪ ،‬وقورينا‪ ،‬أك ﺮ‬ ‫دليل ع ى ازدهار املسرح‪ .‬وتأثر املجتمع اللي بوجود تلك املسارح‪.‬‬ ‫ودخل املسرح إ ى البالد ي العصر الحديث خاصة خالل حكم الدولة‬ ‫العثمانية ع ﺮ نوعان من ٔالاعمال ٔالادبية‪ ،‬أولهما عملية التمثيل ع ى‬ ‫خشبة املسرح‪ ،‬والثاني النص املسر ي نفسه‪ ،‬كما وجد إ ى جانب ذلك‬ ‫فن" القراقوز"‪ ،‬وهو من ٔالاعمال الاستعراضية‪.‬‬ ‫وكانت الفرق الفنية واملسرحية سواء املحلية‪ ،‬أو القادمة من الخارج‬ ‫ًّ‬ ‫تقدم‬ ‫فنا ع ى مسرح تم إنشاؤﻩ ي عهد الوا ي عثمان باشا الساقز ي )‬ ‫‪ (1672 – 1650‬عام ‪ 1654‬الذي يقع بشارع سوق ال ﺮك رقم ‪ ،122‬وله‬ ‫مدخل آخر بسوق الحرير رقم ‪ ،26‬وتتسع قاعته لحوا ي ‪ 500‬كرﺳ ‪،‬‬ ‫وشرفة‪ ،‬وبه مدرج يسع ‪ 300‬كرﺳ ‪.‬‬ ‫إ ى جانب ذلك يوجد مسرح " أمبوراخ " الكائن بزنقة الحمري قرب‬ ‫مدرسة عثمان باشا بمحلة باب البحر‪ ،‬وكذلك مسرح سوق ال ﺮك بزنقة‬ ‫م ران الذي قدمت فيه فرقة طرب بتاريخ ‪ 1908 03 05‬قادمة من‬ ‫‪103‬‬


‫ٕالاسكندرية عن طريق البحر أغلب عروضها الفنية الغنائية‪ ،‬وعرفت ي‬ ‫ٔالاوساط الفنية بطرابلس باسم فرقة املطربة ) ط ﺮﻩ (‪ ،‬وكانت تقيم‬ ‫حفال ا ي فندق " القرق " بسوق ال ﺮك وراء مصنع البارود القديم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ويكون حضورها ي املدينة موسما للغناء‪ ،‬وإقامة الحفالت الفنية‪.‬‬ ‫انضم إل ا بعض الشبان املهتم ن بالفن بطرابلس ملساعد ا ع ى‬ ‫ً‬ ‫املسرح‪ ،‬حيث بقيت هذﻩ الفرقة مدة طويلة بطرابلس والقت إقباال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫شديدا‪ ،‬وسمح لها أيضا بإحياء حفالت ٔالاعراس‪ ،‬وقد حفظ ع ا كث ﺮ من‬ ‫ٔالادوار ؤالاغاني ال كانت ترددها‪ ،‬فأصبحوا هم بدورهم يرددو ا ي‬ ‫الاحتفاالت الفنية بعد سفر الفرقة‪.‬‬ ‫و ِقدمت عام ‪ 1908‬فرقة من مصر للتمثيل برئاسة سليمان القردا ي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وقامت بجولة مسرحية ي الوالية ّ‬ ‫وقدمت عروضا مسرحية ي الفضاءات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وتضامنا مع مقاطع البوسنة والهرسك ال قامت الدولة النمساوية‬ ‫بضمها إل ا‪ ،‬قام العمال بميناء طرابلس البحري باإلضراب‪ ،‬وعدم تفريغ‬ ‫البواخر النمساوية الراسية بامليناء‪ ،‬ومقاطعة بضائعها‪ ،‬و ي اثر ذلك‬ ‫قامت فرقة التمثيل العربي بطرابلس ال كانت برئاسة املحامي محمد‬ ‫قدري رئيس تحرير صحيفة " تعميم حريت "‪ ،‬بعرض مسرحية ) شهداء‬ ‫الحرية (‪ ،‬وقدمت مداخيل عرض هذﻩ املسرحية لتغطية أجور العمال‬ ‫ً‬ ‫بامليناء‪ ،‬وتعويضا لألضرار املادية ال لحقت العمال نتيجة توقفهم عن‬ ‫العمل‪.‬‬ ‫أما رواية صالح الدين‪ ،‬ورواية ) حمدان ( ال تمثل شهامة العرب ي‬ ‫َ َ‬ ‫أبﻬ مناظرها فق ْد ت ﱠم عرضها من إحدى الفرق املصرية ال زارت الوالية‪،‬‬ ‫ورواية "وطن" قامت بعرضها الفرقة املسرحية بطرابلس بمناسبة قدوم‬ ‫ّ‬ ‫الطرادة الحربية الدنماركية ) هايمدان ( للوالية‪ ،‬وكان ع ى مت ا ٔالام ﺮ )‬ ‫‪104‬‬


‫ً‬ ‫أوسل ( من العائلة املالكة للدنمارك‪ ،‬إكراما لهؤالء الضيوف‪ ،‬وحضرها‬ ‫جمع من القناصل ٔالاجانب‪ ،‬وأعضاء الحكومة‪ ،‬وجمع غف ﺮ من ٔالاها ي‪،‬‬ ‫وقبل رفع الستارة تقدم املحامي محمد قدري‬ ‫بخطبة رحب ف ا‬ ‫ٍ‬ ‫بالضيوف‪ ،‬ووضح ي خطابه استعداد املسلم ن للر ي العق ي‪ ،‬وأ م‬ ‫أقرب الشعوب إ ى حسن املعاملة‪ ،‬وأبعد ٔالامم عن التعصب ٔالاعم ‪ ،‬وأن‬ ‫كل ما يرم م به أعداؤهم من ٔالاوصاف الذميمة إنما كان من تأث ﺮات‬ ‫إدارة الاستبداد‪ ،‬إذ كانت التقارير الكاذبة ال اية لها‪ ،‬وكان ٕالانسان ال‬ ‫يأمن ع ى نفسه وماله لحظة‪.‬‬ ‫وبعدها جرى رفع الستارة‪ ،‬وتمثيل الرواية فأجاد املمثلون‪ ،‬ونالوا‬ ‫استحسان الحاضرين‪ ،‬وإعجا م‪ ،‬وكان من ضمن فصول املسرحية‬ ‫ً‬ ‫فداء ي سبيل نيل‬ ‫فاجعة انتحار أحد املسجون ن حيث قدم نفسه‬ ‫الحرية‪.‬‬ ‫زار مدينة طرابلس عدد من أبرز الفنان ن العرب‪ ،‬وأغلب هؤالء‬ ‫الفنان ن كانوا ي الطليعة‪ ،‬أو القمة من حيث املقام الذي كانوا يمثلونه ي‬ ‫عالم املوسيقى والطرب‪ ،‬وفن التمثيل‪ ،‬والغناء العربي‪ ،‬وقوبل هؤالء بما‬ ‫يستحقونه من الحفاوة والتكريم من جميع ٔالاها ي‪ ،‬وأقام لهم بعض هواة‬ ‫ً‬ ‫احتفاء بزيار م‪.‬‬ ‫الفن ؤالادباء‪ ،‬الوالئم والحفالت‬ ‫ً‬ ‫تناول أحد املثقف ن ي صحيفة " ال ﺮ ي " مقاال عن املسرح أو فن‬ ‫التشخيص كما يسميه نقاد تلك الف ﺮة‪ ،‬أظهر فيه الكاتب سعة إطالعه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ومعرفة بتاريخ املسرح ونشأته من لدن اليوناني ن‪ ،‬وقدم لقرائه عرضا‬ ‫ً‬ ‫تاريخيا أجمل فيه أطوار نمو الحركة املسرحية‪ ،‬ثم تعرض لهيكل‬ ‫املسرحية‪ ،‬وتصاعد عقدة الصراع أو ما يسميه التشوق املتدرج‪ ،‬إ ى غ ﺮ‬ ‫ذلك من ٔالاصول الفنية للبناء املسر ي‪ ،‬وبالرغم من هذا العرض الجميل‬ ‫‪105‬‬


‫فإن الكاتب يسجل لنا بكل أمانة بأن هذا الفن" غ ﺮ موجود ي قطرنا إال‬ ‫ً‬ ‫نادرا‪ ،‬ولم يكن له شأن عندنا بسبب استعمال اللغة ٔالاجنبية"‪ ،‬لكن‬ ‫مهمة شبيبتنا الذين جاهدوا لكسر أبواب املحافظة ع ى العادات كيفما‬ ‫تكون وقد توفقوا ي استعماله باللغة العربية وأن طالعه يبشرنا بنتائجه‬ ‫املادية ؤالادبية‪.‬‬ ‫إن تمثيل الروايات ع ى املسارح أعظم درس ترتقي به ٔالامة إ ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أوج الكمال‪ ،‬ويكفي شاهدا ع ى ذلك إصالح الشعب ٕالانكل ي تماما بما‬ ‫كتبه ) شكسب ﺮ( من الروايات‪ ،‬إذ به تتج ى التأمالت‪ ،‬وتظهر الفضيلة‬ ‫عن الرذيلة أمام مرأى الع ن‪.‬‬ ‫وإ ى جانب املسرح ظهرت الخيالة "السينما" ي الوالية عام ‪ 1910‬عند‬ ‫إنشاء دور عرض بدائية بسيطة بواسطة بعض ٔالاجانب‪ ،‬حيث تعرض‬ ‫بعض ٔالاشرطة ٔالاجنبية الصامتة املستوردة‪ ،‬وكان ذلك بعد اخ ﺮاع‬ ‫وظهور الخيالة ي العالم بسنوات قالئل‪ ،‬ولعل أول دار عرض ) سينما‬ ‫توغراف ( كانت بباب البحر بمدينة طرابلس باملدينة القديمة‪ ،‬وقام‬ ‫ٕالايطاليون دمها‪ ،‬وإزال ا فور احتاللهم للوالية عام ‪1911‬م‪.‬‬ ‫غ ﺮ إن ٕالايطالي ن أنشاؤا عدد من الفرق الفنية املسرحية ال كانت‬ ‫تقدم عروضها باللغة ٕالايطالية وأنظم إل ا بعض الشباب الليبي ن من‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وعيا ّ‬ ‫فنيا موجودا بمدينة طرابلس وبعض املدن الليبية‬ ‫خالل ذلك ً كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٔالاخرى‪ ،‬وإن ملكات ومواهب وتذوقا للفنون كان ظاهرا وموجودا‪.‬‬ ‫وإ ى جانب أحمد قنابة وابراهيم الاسطى عمر ومحمد عبدالهادي رواد‬ ‫املسرح اللي ومقدمة الرعيل ٔالاول من رجاالت املسرح ي ليبيا نجد كاتب‬ ‫ً‬ ‫ومخرج مسرحيا عرف قيمة ودور املسرح فاستغلة أستغالال أمثل ي‬ ‫التوعية وٕالارشاد‪.‬‬ ‫‪106‬‬


‫مسرحية ضة ٕالاسالم‬ ‫تعت ﺮ مسرحية ضة ٕالاسالم أول مسرحية للكاتب والسياﺳ املجاهد‬ ‫اللي بش ﺮ السعداوي ال ألفها وأخرجها وعرضت عام ‪ 1916‬م بمدينة‬ ‫ينبع البحر باململكة العربية السعودية حيث تذكر املصادر التاريخية قصة‬ ‫املسرحية ال قصد م ا مؤلفها إيصال فكرة أن يكف سكان ينبع البحر‬ ‫البالغ عددهم حوا ي الخمس ن ألف نسمة والواقعة ع ى طريق الحج إ ى‬ ‫مكة أن يكفوا عن ال ﺮصد للحجاج والاعتداء عل م بسل م وقتلهم وقطع‬ ‫طريقهم إ ى الحج وقصد م ا تعريف الحجازي ن بأن هناك أقوام آخرين‬ ‫من العرب واملسلم ن لهم تاريخ ولهم أمان م القومية وقع أك ﺮهم تحت‬ ‫تأث ﺮ الحكم ٔالاجن وفقدوا حري م‪.‬‬ ‫أخرج بش ﺮ السعداوي مسرحيته وأش ﺮك ي تمثيلها مع تالميذ مدرسة‬ ‫ينبع البحر جماعة من قوات الدرك الشامي ن والذين لم يكن التمثيل‬ ‫غريبا عل م واستغرقت املسرحية ثالث ساعات وقد د ي لحضور العرض‬ ‫ٔالاول مشايخ البدو ي املنطقة وبلغ عدد الحضور حوا ي مائتان وخمس ن‪.‬‬ ‫بدأت املسرحية برفع الستارة عن الفصل ٔالاول وظهر ع ى املسرح نفر‬ ‫من البدو يتباحثون فيما بي م ي رسم خطة لل ﺮبص بالحجاج خالل‬ ‫موسم الحج املقبل وسل م واقتسام الغنائم والطريقة ال يتم ا ذلك‬ ‫ويمر م أحد تالميذ املدرسة ولكن البدو يستمرون ي نقاشهم فال يسع‬ ‫التلميذ إال أن يطيل الاستماع إ ى ما يقولون ليعرف الغرض من‬ ‫اجتماعهم ومباحثا م وعندما يتعرف ع ى غرضهم ال ي ﺮدد ي أن ي اهم‬ ‫عن التآمر ع ى حجاج بيت ﷲ الحرام ألن ذلك فعل ال يأتيه مسلم يعرف‬ ‫حقيقة دينه‪ .‬ويتأثر املتآمرون بما يسديه لهم التلميذ من نصائح ويطلبون‬ ‫منه املزيد ولكنه عليه أن ينصرف الستذكار دروسه فيعدهم بالعودة‬ ‫‪107‬‬


‫إل م‪..‬‬ ‫وترفع الستارة عن الفصل الثاني من املسرحية ويعود التلميذ إ ى‬ ‫جماعة البدو ليتم حديثه معهم فيتحدث إل م والكل ينصتون ونجد إن‬ ‫الكالم قد أنتقل من مجرد النصح وٕالارشاد إ ى عقد مقارنة ب ن الحال‬ ‫الذي عليه الحجازيون آنذاك أي هؤالء البدو املتآمرين أنفسهم من حيث‬ ‫إ م محررون من كل سيطرة أجنبية عل م فال نفوذ لحكومة غ ﺮ إسالمية‬ ‫تن ع م م حريا م وت ددهم ي عقائدهم وب ن ما يعانيه غ ﺮهم من‬ ‫ً‬ ‫الشعوب العربية وٕالاسالمية ال يرون أقواما م م يحضرون للحج كل‬ ‫موسم من ذل الاستعباد والرضوخ للمستعمر ومن هؤالء أهل الهند‬ ‫والبلقان ومصر وطرابلس وتونس والجزائر‪...‬‬ ‫ً‬ ‫ويريد املتآمرون أن يعرفوا شيئا عن هذﻩ ٔالامم ال أدركوا إن ثمة‬ ‫روابط متينة تربطهم ا بالرغم من إ م غرباء ع م ولم يجدوا أية‬ ‫غضاضة ي الاعتداء عل م لسل م وقتلهم تلك ي روابط ٕالاخاء‬ ‫ٕالاسالمي‪.‬‬ ‫ثم يأتي الفصل الثالث حيث كان موسم الحج قد حل ف ﺮى نفس‬ ‫املتآمرين قد كفوا عن قطع الطريق ع ى حجاج بيت ﷲ ثم استطاعوا‬ ‫بمعونة التلميذ الذي أثمر إرشادﻩ لهم أن يدعوا لعقد مؤتمر يضم ممثل ن‬ ‫ً‬ ‫عن ٔالاقوام الذين سمعوا م وعرفوا شيئا ع م وأرادوا ٓالان أن‬ ‫ً‬ ‫يستوثقوا مما عرفوﻩ من هؤالء املمثل ن أنفسهم‪ ،‬فينعقد املؤتمر فعال‬ ‫ويقف كل مندوب أو عضو من أعضاء هذا املؤتمر ليشرح حال بالدﻩ‬ ‫فالطرابلﺴ يقول إنه إنما جاء من ميدان القتال الن أهل طرابلس الغرب‬ ‫لم يلقوا السالح بعد بل ال يزالون يجاهدون ضد املستعمر ٕالايطا ي ويتكلم‬ ‫التونﺴ والجزائري عن الاستعمار الفرنﺴ ي بالدهم ويتبع هؤالء بقية‬ ‫‪108‬‬


‫املندوب ن ح إذا جاء دور املصري تكلم عن احتالل ٕالانجل لبالدﻩ ثم‬ ‫أنشد قصيدة حافظ إبراهيم ال كانت قد نشرت عام ‪ 1902‬تحت‬ ‫عنوان ) حسرة ع ى فائت ( وال يقول مطلعها‪.‬‬ ‫ل ــم يب ـ َـق ـ ﺊ م ــن ال ــدنيا بأي ــدينا‬

‫إال بقيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة دمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي مآقين ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬

‫و ـ ـ ـ ــي يم ـ ـ ـ ـ ن العـ ـ ـ ــال كنـ ـ ـ ــا رياحينـ ـ ـ ــا‬ ‫كنـا قـالدة جيــد الـدهر فانفرطــت‬ ‫وهكذا كانت مسرحية ضة ٕالاسالم‪.‬‬ ‫***‬ ‫الهوامش‪:‬‬

‫* لعبة القراقوز كانت منتشرة ي آسيا ي القرن السابع عشر بدأت بخيال الظل‪،‬‬ ‫وتطور الظل بما يعرف عند العثماني ن بالقراقوز‪ ،‬وهذﻩ اللعبة تمتاز عن خيال الظل‬ ‫بأن الشخوص الالعبة‪ ،‬أو املحركة ي من الدمى يحركها الالعب خلف الستار ) وأول‬ ‫من اخ ﺮع لعبة القراقوز درويش قدم من بالد العجم ي عهد السلطان أورخان‬ ‫)‪ (1329‬اسم الشيخ )كش ﺮي( املدفون ي مدين بريوس‪ ،‬مع قراقوز ي لغة‬ ‫العثماني ن )أسود الع ن(‪ ،‬وإليه تنسب اللعبة ألنه الشخصية الرئيسة ف ا‪ ،‬ال‬ ‫ً‬ ‫تتلوها شخصية )حا ي وان(‪ ،‬وعادة يغ بال ﺮكية‪ ،‬أو العربية‪ ،‬وأحيانا باللهجة‬ ‫املحلية‪ ،‬عرفته الوالية عن طريق الفن ال ﺮكي‪ ،‬وبخاصة ي شهر رمضان‪ ،‬فكان يعرض‬ ‫بمحل ي سوق ال ﺮك باملدينة القديمة بطرابلس‪ ،‬ملزيد من التفصيل انظر‪ :‬ع ي‬ ‫مصطفى املصراتي‪ ،‬الصالت ب ن ليبيا وتركيا التاريخية‪.‬‬ ‫ مابل تود‪ ،‬أسرار طرابلس‬‫ محمد الكوني الحاج‪ .‬التحديث ي والية طرابلس الغرب‬‫ رواية وطن تأليف نامق كمال ) ‪ ( 1888 1840‬ولد ي عائلة أرستقراطية تو ى إدارة‬‫تحرير " تصوير أفكار " بعد هجرة صاح ا إبراهيم شناﺳ عام ‪ 1865‬إ ى فرنسا‪ ،‬هاجر‬ ‫هو كذلك إ ى أوروبا بعد تطبيق الخناق عليه‪ ،‬وع ى املجلة عام ‪ ،1867‬وتنقل ما ب ن‬ ‫العواصم ٔالاوروبية لندن باريس فيينا ثالث سنوات‪ ،‬ينشر ي الجرائد املعارضة‪،‬‬ ‫‪109‬‬


‫ويدرس القانون والاقتصاد‪ ،‬وي ﺮجم لل ﺮكية بعض املؤلفات الفرنسية‪ ،‬عاد إ ى‬ ‫استانبول عام ‪ ،1871‬وواصل نشاطه السابق ثم عرض مسرحية بعنوان " وطن "‬ ‫ً‬ ‫وال كانت سببا ي اعتقاله‪ ،‬ونفيه إ ى ق ﺮص مدة ثالث سنوات ) ‪ (1876 1873‬عاد‬ ‫إ ى استانبول‪ ،‬وساهم ي صياغة دستور عام ‪ ،1876‬ولكن كان من نتائج انقالب‬ ‫السلطان عبدالحميد الثاني ع ى الدستور امتحان هذا الف من جديد فق بقية‬ ‫حياته إما ي الاعتقال‪ ،‬أو النفي‪ ،‬ألف روايات تاريخية‪ ،‬وترجم بعض كتابات روسو‪،‬‬ ‫ومنتسكيو‪ ،‬وبالكون‪ ،‬وفولت ﺮ‪ ،‬وكدروسيه إ ى اللغة ال ﺮكية‪.‬‬ ‫ " ال ﺮ ي "‪ ،‬العدد ‪ 11 ) ،86‬ذي القعدة ‪ 1326‬ه( ‪.1908‬‬‫ ع ى الرا ي‪ ،‬تاريخ املسرح ي الوطن العربي‬‫ يعد بش ﺮ إبراهيم السعداوى )‪ (1957-1884‬أحد ابرز رجال السياسة الذين بذلوا‬‫كل ما ي وسعهم ي سبيل ليبيا‪ ،‬إذ تقلد العديد من املناصب ٕالادارية املختلفة ي‬ ‫أواخر العهد العثماني الثاني وكانت له مواقف واضحة من سياسة التغلغل الايطا ى‬ ‫السلم ي البالد‪ ،‬كما شارك ي املرحلة ٔالاو ى للجهاد السيما ي معركة املرقب عام‬ ‫‪ ،1912‬ثم خرج من الوالية ا ى استانبول بعد عقد معاهدة او لوزان ب ن الحكومة‬ ‫ال ﺮكية والحكومة الايطالية ي ‪ 10‬اكتوبر ‪ ،1912‬حيث عينته الحكومة العثمانية‬ ‫قائمقام ي منطقة طرابزون ب ﺮكيا‪ ،‬ثم قائمقام ي ينبع بالحجاز‪ ،‬وشهد ا ثورة‬ ‫الشريف حس ن عام ‪.1916‬ثم ع ن قائمقام ي اوآخر الحرب العاملية ٔالاو ى ي قضاء‬ ‫جزين بلبنان‪ .‬ثم عاد إ ى ليبيا عام ‪ .1922‬ليقوم بمهمة حل بعض ال اعات ب ن بعض‬ ‫القبائل وتسوية الخالفات لتوحيد الجهود ي مواجهة العدو الايطا ي‪ .‬ثم شارك مؤتمر‬ ‫سرت مندوبا عن " هئية الاصالح " ي والية طرابلس الغرب لدى حكومة أجدابيا‪.‬‬ ‫و ى عام ‪ .1924‬هاجر بش ﺮ السعداوى إ ى بالد الشام ليساهم ي تأسيس اللجنة‬ ‫الطرابلسية ال ﺮقاوية للدفاع عن طرابلس وبرقة ثم أصبح رئيسا لها عام ‪1928‬‬ ‫واستمر ح عام ‪ .1936‬كان له خالل هذﻩ املرحلة نشاطا متم ا تمثل ي حضورﻩ‬ ‫املؤتمر الاسالمى ي القدس عام ‪ .1931‬حيث عرض فيه قضية ليبيا ع ى املؤتمرين‪.‬‬ ‫ونظرا ملا يتمتع به بش ﺮ السعداوى من حنكة وسياسة تم استدعائه من قبل امللك‬ ‫عبد العزيز أل سعود ليكون مستشارا له واستمر ي عمله ي السعودية ح عام‬ ‫‪ 1943‬وعندما هزمت ايطاليا ي الحرب العاملية الثانية عاد السعداوى ليبدأ نشاطه‬ ‫‪110‬‬


‫من اجل املطالبة بأستقالل ليبيا و ى عام ‪ 1947‬أسس " هيئة تحرير ليبيا" ي القاهرة‬ ‫وحظي بدعم من الجامعة العربية وعاد ي عام ‪ 1949‬إ ى ارض الوطن للمساهمة ي‬ ‫الوقوف مع أبناء وطنه ضد املخططات الاستعمارية ال تدعوا لتقسيم ليبيا فأسس‬ ‫" املؤتمر الوط " الذى كان يع ﺮ عن رغبة الشعب اللي ي وحدة بالدﻩ‪.‬‬ ‫وبعد حصول ليبيا ع ى استقاللها شارك السعداوى ي انتخابات عام ‪ 1952‬كرئيس‬ ‫ً‬ ‫لحزب املؤتمر الوط ‪ ،‬ونظرا ملا كان يتمتع به السعداوى من دعم شع نتيجة الرائه‬ ‫ً‬ ‫الوطنية الوحدوية نفي ا ى مصر وظل منفيا ح وفاته عام ‪ 1957‬وتم اعادة رفاته ا ى‬ ‫أرض الوطن بعد عام ‪.1969‬‬ ‫ محمد فؤاد شكري‪ ،‬ميالد دولة ليبيا الحديثة‬‫‪ -‬محمد فؤاد شكري‪ ،‬ميالد دولة ليبيا الحديثة‬

‫‪111‬‬


112


‫الطرق الصوفية ي مقاومة ٕالاستعمار‬ ‫ً‬ ‫الطريقة السنوسية أنموذجا‬ ‫مقدمة‪:‬‬ ‫يعت ﺮ النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين‬ ‫ف ﺮة من أعنف ف ﺮات التسابق املحموم ب ن الدول الاستعمارية ٔالاوربية‪،‬‬ ‫من أجل السيطرة ع ى الوطن العربي‪ ،‬فتحولت املنطقة العربية إ ى‬ ‫ً‬ ‫مسرح للصراع الاستعماري‪ ،‬خصوصا وإن الدولة العثمانية ال كانت‬ ‫تسيطر ع ى معظم ٔالارا العربية‪ ،‬قد أصا ا نوع من الضعف بسبب‬ ‫اتساع رقع ا وٕالاخفاقات السياسية والعسكرية ال منيت ا وظهور‬ ‫بعض الحركات الانفصالية ي بعض الواليات العثمانية والعديد من‬ ‫ٔالاسباب ٔالاخرى)‪.(1‬‬ ‫و ي ظل هذﻩ الظروف‪ ،‬احتلت الطرق الصوفية مرتبة متقدمة ي‬ ‫مواجهة القوى الاستعمارية ال كان هدفها السيطرة ع ى تركة الدولة‬ ‫العثمانية‪.‬‬ ‫ومثلما كان للصوفية دور كب ﺮ ي نشر ٕالاسالم‪ ،‬الذي نشروﻩ فكرا‬ ‫وسلوكا‪ ،‬بالقدوة الحسنة ال أقاموها ب ن الناس‪ ،‬بنشرهم للعدل‬ ‫والتحريض عليه ومقاومة الظلم والكفر‪ ،‬وربطهم ب ن الاستعمار وب ن‬ ‫‪113‬‬


‫الكفر والظلم‪ ،‬ألجل ذلك تعلقت قلوب أتباعهم ومريد م بمحب م وتأتي‬ ‫س ﺮ أئمة الصوفية لتحكي عن مالحم املقاومة والرفض أك ﺮ مما تروي‬ ‫مظاهر الخضوع والخنوع‪.‬‬ ‫غ ﺮ إن ي هذﻩ الورقة ال ينطلق موضوعها من خالل فرضية تقول‬ ‫" إن الحركة السنوسية كطريقة صوفية كان لها دور ي مقاومة‬ ‫الاستعمار الفرنﺴ ي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء‪ ،‬كما كان لها دور‬ ‫ي مقاومة الغزو ٕالايطا ي لوالية طرابلس الغرب وبرقة"‪.‬‬ ‫ولتجيب ع ى إشكالية تتلخص ي كيف كانت مواجهة الطريقة‬ ‫السنوسية لالستعمار الفرنﺴ ي جنوب الصحراء؟ ثم ما الدور الذي قام‬ ‫به أتباع هذﻩ الطريقة ي مواجهة الغزو الايطا ي لليبيا ؟‬ ‫لم يقتصر دور الزوايا الصوفية ع ى تحفيظ القران ودراسة الفقه‬ ‫وتالوة ٔالاوراد‪ ،‬بل تحولت ي مواجهة املستعمر إ ى مقر ومأوى للمجاهدين‬ ‫ي لون من معي ا القوة املعنوية ال أعان م ع ى آدا دورهم الجهادي‪،‬‬ ‫فكان رؤساء ومشايخ وأتباع الزوايا ي الطالئع ٔالاو ى ملواجهة العدوان )‪.(2‬‬ ‫الطريقة السنوسية ومقاومة الاستعمار‪:‬‬ ‫أسس الطريقة الشيخ محمد بن ع ي السنوﺳ )‪1859 1787‬م( الذي‬ ‫ُولد ي مستغانم بالجزائر‪ ،‬ونشأ ي بيت علم ُوت ً‬ ‫قى‪ .‬وعندما بلغ سن الرشد‬ ‫تابع دراسته ي جامعة مسجد القروي ن باملغرب‪ ،‬ثم أخذ يجول ي البالد‬ ‫العربية فزار تونس وليبيا ومصر والحجاز واليمن ثم رجع إ ى مكة وأسس‬ ‫ف ا أول زاوية ملا ُع ِرف فيما بعد بالطريقة السنوسية‪ .‬وله نحو أربع ن‬ ‫كتابا ورسالة م ا‪ :‬الدرر السنية ي أخبار الساللة ٕالادريسية وإيقاظ‬ ‫الوسنان ي العمل بالحديث والقرآن)‪.(3‬‬ ‫خلفه ي مشيخة الطريقة ابنه الشيخ محمد املهدي السنوﺳ )‪1844‬‬ ‫‪114‬‬


‫ً‬ ‫ ‪1902‬م()‪ (4‬وعمرﻩ اثنا عشر عاما‪ .‬وبعد وفاته تو ى ابن أخيه الشيخ‬‫أحمد الشريف السنوﺳ )‪1933-1873‬م()‪ (5‬الذي شارك ي مقاومة الغزو‬ ‫ٕالايطا ي لطرابلس الغرب خالل املرحلة ٔالاو ى)‪.(6‬‬ ‫توجست السلطات العثمانية الخوف أول ٔالامر من الطريقة‬ ‫السنوسية وانتشارها ب ن الناس ي منطقة الجبل ٔالاخضر‪ ،‬خاصة عندما‬ ‫أنشئت الطريقة أول زواياها ي مرحل ا ٔالاو ى وعندما شعر شيخ الطريقة‬ ‫بالخطر أنتقل إ ى واحة الجغوب " ليع ل مواطن الحكومات ولتكون له‬ ‫حرية العمل ي تطبيق أفكارﻩ")‪ .(7‬وعند وفاة مؤسس الطريقة وتو ي محمد‬ ‫املهدي نقل مركز الدعوة إ ى واحة الكفرة ي ابريل ‪1895‬م لعدة أسباب‬ ‫أهمها‪ ،‬عمارة تلك ٔالاماكن من الصحراء والاق ﺮاب من السودان والابتعاد‬ ‫عن املأمورين الذين ينقبون ويتحرون عن السالح ي الزوايا )‪.(8‬‬ ‫كان مؤسس الطريقة السنوسية يرى ي ضعف دولة الخالفة‬ ‫العثمانية وعدم تمك ا من الدفاع عن الجزائر وإتاح ا الفرصة إلقامة‬ ‫حكومة مستبدة ي مصر‪ ،‬لذا أصبح ‪ -‬ي رأيه ‪ -‬الحاجة ملحة إ ى وجود‬ ‫مصلح ن يقومون بالدعوة إ ى الدين القويم‪ ،‬كما يرى إن تشتت كلمة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫املسلم ن وتفرقهم شيعا وأحزابا‪ ،‬ثم ركو م إ ى الاستبداد ي الرأي‬ ‫وتفضيل أنواع الحكومات املطلقة‪ ،‬خمول علماء املسلم ن وتقاعدهم‬ ‫وتقاعد حكوما م عن نشر التعليم ب ن جميع الطبقات وتعلم الصنائع‬ ‫وتعميمها لسد حاجات الناس‪ ،‬والتدرب ع ى استعمال السالح وتحبيب‬ ‫الفروسية لقلوب العامة)‪.(9‬‬ ‫باملقابل فأن الحكومة العثمانية قررت أن تكسب السنوﺳ لصفها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫خصوصا بعد أن قدم للقبائل خدماته ي مجال الدعوة‪ ،‬والتعليم‪،‬‬ ‫وٕالارشاد‪ ،‬وعالج ظاهرة خروج القبائل عن الدولة‪ ،‬فكانت القبائل تقبل‬ ‫‪115‬‬


‫نصائحه ويطيعون العثماني ن ً‬ ‫بناء ع ى توج اته‪ ،‬لذلك تركت الدولة‬ ‫الدواخل ي يد الطريقة السنوسية‪ ،‬وبدأت الطريقة تق ﺮب من سياسة‬ ‫ً‬ ‫الخالفة العثمانية وقام السنوﺳ بإرسال مندوبا عن الطريقة السنوسية‬ ‫إ ى استانبول وقام ذﻩ املهمة الشيخ عبدالرحيم املحبوب شيخ زاوية‬ ‫بنغازي حيث قابل السلطان عبداملجيد وحصل منه ع ى "فرمان" عام‬ ‫‪1856‬م يعفى أمالك الزوايا من الضرائب ويسمح لها بجباية ٔالاموال من‬ ‫أتباعها‪ ،‬فعالقة السنوﺳ بالدولة كانت طيبة وحسنة طول إقامته ٔالاو ى‬ ‫ي برقة‪ .‬ثم سافر الشيخ أبو القاسم العيساوي من طرابلس إ ى استانبول‬ ‫وحصل ع ى "فرمان" آخر من السلطان عبدالعزيز يؤكد الفرمان ٔالاول‪،‬‬ ‫وآتى به إ ى حاكم طرابلس)‪.(10‬‬ ‫غضت الدولة العثمانية الطرف عن الطريقة السنوسية‪ ،‬سواء عن‬ ‫طريق باشاوا ا ي والية طرابلس‪ ،‬أو السالط ن العثماني ن ي استانبول‪،‬‬ ‫فقد استطاع أن يغ ﺮ من وجهة نظر الدولة العثمانية تجاﻩ دعوته‪ ،‬وقد‬ ‫نظر السنوﺳ إ ى دولة الخالفة‪ ،‬كواقع موجود ال تسمح الظروف بتغي ﺮﻩ‪،‬‬ ‫بل كان من الصواب العمل ع ى الحفاظ عليه وعدم الاصطدام به‪ ،‬لذلك‬ ‫جعل عالقته ا طيبة‪ .‬أما الدولة العثمانية فكانت ترى ي الحركة بعض‬ ‫الفوائد استطاعت تحقيقها‪ ،‬كما أن الحكام العثماني ن اقتنعوا أن‬ ‫السنوﺳ لم يكن يطمع ي الخالفة وقد حرص السلطان عبدالحميد ع ى‬ ‫ً )‪(11‬‬ ‫ً‬ ‫تقوية الحركة السنوسية ودعمها ماديا‪ ،‬ومعنويا ‪.‬‬ ‫أستقر املهدي ي واحة الكفرة وأخذ يرسل البعثات الاستكشافية ي‬ ‫الصحراء‪ ،‬ويشرف ع ى حفر ٓالابار‪ ،‬وتفقد الطرق املوصلة ا ى وسط‬ ‫السودان الغربي‪ ،‬وكانت تلك الاستعدادات تجري ي جو من الكتمان‬ ‫‪116‬‬


‫الشديد‪ ،‬ثم أنتقل ا ى زاوية قرو‪ ،‬ليشرف بنفسه ع ى تنظيم املقاومة‪،‬‬ ‫ملواجهة القوات الفرنسية الزاحفة نحو بح ﺮة تشاد)‪.(12‬‬ ‫كانت فرنسا تراقب تحركات الحركة السنوسية‪ ،‬وتستعد ملعركة‬ ‫ً‬ ‫فاصلة معها‪ ،‬وخصوصا بعد أن استطاعت القضاء ع ى مملكة رابح بن‬ ‫الزب ﺮ وهزمته ي معركة لختة ثم قتله ي عام ‪1900‬م وخضعت لهم‬ ‫سلطنته وباتوا ددون كانم وكان محمد املهدي قد أرسل محمد ال ﺮاني‬ ‫ً‬ ‫ا ى كانم فب زاوية ي ب ﺮ العال ي‪ ،‬وأخذ يجمع جيوشا من قبائل التبو‪،‬‬ ‫والتوارق وأوالد سليمان‪ ،‬والزوية‪ ،‬واملجابرة ملواجهة الزحف الفرنﺴ )‪.(13‬‬ ‫حيث مهد الفرنسي ن ملواجهة السنوسي ن بحرب دعائية مركزة ي‬ ‫جرائدهم قصد تأليب الرأي العام ٔالاوربي ضد السنوسية‪ ،‬زاعم ن‬ ‫معادا ا للنصرانية ومقاوم ا للتبش ﺮ الصلي واعت ﺮوا الطريقة بأ ا‬ ‫تشكل خطر ع ى وجودهم ي شمال أفريقيا)‪.(14‬‬ ‫تقدم الفرنسيون نحو كانم ي حملة مجهزة باألسلحة واملعدات‬ ‫الحديثة‪ ،‬واستعد السنوسيون ملالقا م فوضعوا حامية كب ﺮة ي بﺌﺮ‬ ‫عال ي‪ ،‬واشتبكت الحملة ي معركة أتباع الحركة السنوسية‪ ،‬وكان النصر‬ ‫حليف املدافع ن برئاسة الشيخ محمد ال ﺮاني الساعدي)‪.(15‬‬ ‫فارتدت الحملة الفرنسية خائبة بعد أن تركت املوتى والجر ى‬ ‫واملعدات ي ميدان املعركة‪ ،‬كما استشهد عدد غ ﺮ قليل من بي م‪،‬‬ ‫الشيخ عبدﷲ بن موﺳ فريطيس‪ ،‬ووصل الخ ﺮ ا ى محمد املهدي‪،‬‬ ‫فأرسل نجدة ملعاونة املجاهدين واستأنف الفرنسيون زحفهم مرة أخرى‪،‬‬ ‫وكان عدد شهداء املعركة الثانية مائة شهيد‪ ،‬من بي م كل من الشيوخ؛‬ ‫غيث سيف النصر)‪ ،(16‬ابوبكر قويط ن‪ ،‬يونس بدر‪ ،‬السنوﺳ خ ﺮﷲ‬ ‫وشقيقه عبدﷲ‪.‬‬ ‫‪117‬‬


‫ي اليوم التا ي من هذﻩ املعركة زحف الفرنسيون بعدد كب ﺮ من‬ ‫الجيش تعززﻩ قوات احتياطية‪ ،‬فاشتبكت مع املجاهدين ي معركة نتج‬ ‫ع ا انسحاب املجاهدين‪ ،‬واحتالل القوات املعادية ملركز بﺌﺮ عال ي‪ ،‬و ي‬ ‫هذﻩ ٔالاثناء وصلت نجدة من املجاهدين يقودها محمد عقيلة‪ ،‬واشتبكت‬ ‫بالقوات الفرنسية خارج بﺌﺮ عال ي وكانت معركة دامية‪ ،‬فر عدد قليل من‬ ‫الفرنسي ن ا ى بﺌﺮ عال ي ثم قرر القائد السنوﺳ مالحق م‪ ،‬حاول بعض‬ ‫املجاهدين إقناعه بال ﺮيث‪ ،‬غ ﺮ انه صمم ع ى تحرير منطقة بﺌﺮ عال ي من‬ ‫القوات الفرنسية أو أن يموت هناك‪ ،‬وتم الهجوم بروح جهادية عالية‪،‬‬ ‫واستشهد قائد القوات السنوسية‪ ،‬واضطر املجاهدون تحت وابل‬ ‫الرصاص لالنسحاب‪ ،‬ي هذﻩ ٔالاثناء وصل خ ﺮ وفاة محمد املهدي وتو ي‬ ‫قيادة الحركة السنوسية ابن أخيه احمد الشريف)‪.(17‬‬ ‫استمر احمد الشريف ع ى نهج شيخ الحركة السنوسية‪ ،‬فواصل‬ ‫الجهاد ضد الاستعمار الفرنﺴ ‪ ،‬ونشر الدعوة الاسالمية ي منطقة‬ ‫السودان ٔالاوسط‪ ،‬واتخذ من الكفرة عاصمة للحركة السنوسية وأناب‬ ‫عنه محمد الس إلدارة أمور الجهاد‪ ،‬وشرع ي تشكيل ج ة إسالمية‪،‬‬ ‫ضد الغزو الفرنﺴ الزاحف من جنوب تشاد ا ى شرقها وشمالها‪ ،‬فقام‬ ‫باالتصال بسلطان واداي "داود مرة" سنة ‪1903‬م‪ ،‬وأقنعه بسحب‬ ‫اع ﺮاف واداي بالحماية الفرنسية ع ى كانم‪ ،‬وباقرمي واستجاب السلطان‬ ‫داود لذلك وسحب اع ﺮافه بالحماية الفرنسية)‪ ،(18‬واتصل بالسلطان ع ى‬ ‫دينار "سلطان دارفور" الذي أعلن توحيد جهود املسلم ن ضد الغزو‬ ‫الصلي ٔالاوروبي‪ ،‬رأى احمد الشريف أن التوسع الفرنﺴ ي الصحراء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٔالافريقية يعت ﺮ ديدا مباشرا لحركته الاسالمية‪ ،‬ولتجارة القوافل ال‬ ‫كانت تدعم بمردودا ا الاقتصادية نظام الزوايا السنوسية ي تلك‬ ‫‪118‬‬


‫املناطق)‪.(19‬‬ ‫كان الصراع ب ن فرنسا والحركة السنوسية ي تشاد ع ى أشدﻩ‪ ،‬وتم‬ ‫السنوسيون ي جهادهم بقدر م ع ى الكر والفر‪ ،‬وكانت قبائل الصحراء‪،‬‬ ‫والقبائل الليبية تتمحور حول قيادة الحركة السنوسية‪ ،‬وبدأت قبائل‬ ‫ً‬ ‫توارق النيجر تتجه شرقا لاللتحاق‪ ،‬بحركة الجهاد‪ ،‬ولم تقع ي النيجر أي‬ ‫حوادث تذكر ح بداية عام ‪1903‬م عندما بدأ الفرنسيون يزحفون نحو‬ ‫الشمال‪ ،‬واندلعت املعارك ال كان خلفها أتباع الحركة السنوسية‪ ،‬وكان‬ ‫من أشهر قادة الحركة السنوسية‪ ،‬محمد كاوصن)‪ (20‬ومحمد عبدﷲ‬ ‫الس )‪ (21‬وعمر املختار)‪ (22‬الذي شارك ي الجهاد ضد الفرنسي ن ي تشاد‪،‬‬ ‫ثم قاد حركة الجهاد ضد الغزو الايطا ي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إن جهود الحركة السنوسية كانت أك ﺮ وضوحا وأعمق أثرا ي س ﺮ‬ ‫الجهاد ضد إيطاليا ي برقة‪ ،‬فعندما وصل ٔالاسطول الايطا ي‪ ،‬وباشر ي‬ ‫قصف املدن الليبية الساحلية‪ ،‬جمع احمد الشريف‪ ،‬الشيوخ والعلماء‬ ‫بالزوايا السنوسية‪ ،‬وعرض عل م ٔالامر واستشارهم‪ ،‬وشعر بوجود رأي‬ ‫ً‬ ‫يتجه نحو عدم مواجهة ٕالايطالي ن نظرا لعدم التكافؤ ي القوة معهم‪ ،‬غ ﺮ‬ ‫أن أحمد الشريف قال لهم "وﷲ نحار م ولو وحدي بعصاتي هذﻩ")‪،(23‬‬ ‫كانت قوة ٕالايمان تحرك احمد الشريف‪ ،‬نحو الجهاد ولذلك رفض‬ ‫الخنوع والاستسالم للمحتل مهما كانت قوته‪ ،‬ووصلت أوامر احمد‬ ‫الشريف ا ى رؤساء الزوايا والشيوخ‪ ،‬ؤالاعيان التابع ن للحركة ي‬ ‫طرابلس وما حولها‪ ،‬يأمرهم بأن ال ي اونوا وأن يستميتوا ي قتال العدو‬ ‫املهاجم ومن هؤالء‪ ،‬مصطفى احمد الهوني شيخ زاوية هون‪ ،‬حامد بركات‬ ‫الشريف شيخ زاوية سوكنه‪ ،‬محمد ع ي ٔالاشهب شيخ زاوية "واو" فزان‪،‬‬ ‫عبدﷲ الس شيخ زاوية مزدة‪ ،‬عبدالوهاب العيساوي شيخ زاوية‬ ‫‪119‬‬


‫طرابلس‪ ،‬محمد ع ي بن الشفيع شيخ زاوية سرت‪ ،‬كما كتب ا ى زعماء‬ ‫القبائل يح م ع ى الالتحاق بالجهاد)‪.(24‬‬ ‫ب ن عامي ‪1924‬م‪1925 ،‬م كانت منطقة الجبل ٔالاخضر قد شهدت‬ ‫مناوشات عدة ومعارك دامية‪ ،‬ووسع املجاهدون نشاطهم العسكري ي‬ ‫املنطقة وظهر عمر املختار كقائد بارع يتقن أساليب الحرب ويتمتع بنفوذ‬ ‫كب ﺮ ب ن القبائل وأخذ أبناء القبائل ينضمون ا ى صفوف املجاهدين‬ ‫وبادرت القبائل بإمداد املجاهدين بما يحتاجون من مؤن وعتاد وأسلحة‪،‬‬ ‫وكان لقبائل العبيد‪ ،‬وال ﺮاعصة‪ ،‬والحاسة والدرسة والعواق ﺮ وأوالد‬ ‫الشيخ والعوامة‪ ،‬والشهيبات واملنفى واملسام ﺮ أك ﺮ نصيب ي حركة‬ ‫الجهاد‪.‬‬ ‫وكان املعسكر الذي يتواجد فيه عمر املختار هو مركز الرئاسة العامة‬ ‫ومقر القائد العام وهو النواة ٔالاو ى وحجر ٔالاساس ملعسكرات الجبل‬ ‫ٔالاخضر‪ ،‬حيث كان عمر املختار يلقب بنائب الوكيل العام‪ ،‬أما السيد‬ ‫يوسف بورحيل فيعرف بوكيل النائب وهكذا فقد تم تنظيم الجهاز الذي‬ ‫يشرف ع ى هذﻩ املنطقة الواسعة وال تشمل منطقة الجبل ٔالاخضر‪،‬‬ ‫بتشكيل املحاكم الشرعية والصلحية وإدارة مالية املحاسبة‪ ،‬ؤالارزاق‬ ‫وجباية الزكاة الشرعية والخمس من الغنائم واستمر التعاون ب ن‬ ‫معسكرات املنطقة وفروعها وأخذت تقوم بمقاومة العدو وشن الغارات‬ ‫ً‬ ‫عليه ي معاقله؛ كما كانت تتصدى لزحفه عل ا‪ ،‬فتهجم حينا‪ ،‬وتنسحب‬ ‫ً‬ ‫حينا آخر حسب ظروف الحرب)‪(25‬وكانت القبائل تتعاون مع قائد حركة‬ ‫الجهاد‪ ،‬فتمدﻩ بالرجال واملؤن واملعلومات‬ ‫كان زعماء القبائل التابعة للحركة السنوسية يجمعون ٔالاعشار والزكاة‬ ‫ويقدمو ا إ ى حركة الجهاد بالرغم من وجود الكث ﺮ م م تحت السلطات‬ ‫‪120‬‬


‫ً‬ ‫ٕالايطالية‪ ،‬وخصوصا من كان ي املدن كبنغازي‪ ،‬واملرج‪ ،‬ودرنة‪ ،‬وط ﺮق‬ ‫وغ ﺮها‪ ،‬وكانت وسائل مد املجاهدين بأموال الزكاة ؤالاعشار تتم ي غاية‬ ‫السرية‪ ،‬حيث عجزت املخابرات ٕالايطالية عن اكتشاف اللجان الخاصة‬ ‫بالدعم املا ي للمجاهدين‪ ،‬ومن وقع ي أيدي السلطات ٕالايطالية كانت‬ ‫ً ً‬ ‫عقوبته ٕالاعدام وكانت الغنائم تمثل مصدرا مهما لتمويل حركة الجهاد ي‬ ‫ف ﺮة عمر املختار‪ ،‬ومعظم الغنائم تم الحصول عل ا ي املعارك ال تمكن‬ ‫ف ا املجاهدون من هزيمة ٕالايطالي ن مثل معركة الرحيبة ي مارس‬ ‫)‪(26‬‬ ‫‪1927‬م‬ ‫استحدثت الطريقة السنوسية نظام ٔالادوار‪ ،‬حيث يتم تكليف أفراد‬ ‫القبائل بتوزيع العمل فيما بي م‪ ،‬فتخرج مجموعة للقتال ويكلف آخرين‬ ‫بواجبات الزراعة والر ي وتوف ﺮ التموين وتم نظام ٔالادوار باآلتي‪- :‬‬ ‫‪ -1‬يل م كل دور بتوف ﺮ التموين الالزم ألفرادﻩ‪ ،‬فهم باإلضافة إ ى‬ ‫اش ﺮاكهم ي الجهاد يشكلون عش ﺮة م ﺮابطة‪ ،‬كما يوجد بالدور أشخاص‬ ‫مكلفون بجباية الزكاة وجمع ٔالاعشار‪.‬‬ ‫‪ -2‬يقوم كل دور بتعويض الشهداء من املقاتل ن بآخرين من قبائلهم‬ ‫ً‬ ‫وهكذا ال يتأثر الدور كث ﺮا لفقد الشهداء‪ ،‬فبعد كل معركة يتم حصر‬ ‫الشهداء وإ ى أي القبائل ينتمون ثم يرسل إ ى كل قبيلة العدد الذي يجب‬ ‫أن تعوضه عن شهدا ا‪ ،‬وإذا لم تجد العدد املطلوب تدفع لقيادة الجهاد‬ ‫مقابل ما ي عن كل شهيد‪.‬‬ ‫‪ -3‬تتبارى مجموعات القبائل ي تقديم البطوالت والتضحيات ح ال‬ ‫تكون موضع سخرية أمام بقية القبائل‪ ،‬وكان املجاهد اللي يغضب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫غضبا شديدا ويحزن إذا فاته الاش ﺮاك ي إحدى املعارك أو تخلف ع ا‬ ‫ً‬ ‫لسبب من ٔالاسباب‪ ،‬فالعامل الدي كان مؤثرا ب ن أفراد القبائل‪.‬‬ ‫‪121‬‬


‫‪ -4‬ع ى كل دور توف ﺮ الحماية الالزمة لذويه عن طريق الدوريات‪،‬‬ ‫والرباطات ال تراقب تحركات القوات ٕالايطالية أو أية تحركات غ ﺮ عادية‬ ‫ملعرف م بمسالك املنطقة ودرو ا وأماكن املياﻩ ا‪ ،‬فعندما يحل الدور‬ ‫بمنطقة ما يضع دورية ي كل اتجاﻩ ل ﺮاقب وضع القوات ٕالايطالية ي‬ ‫ً‬ ‫تلك املنطقة وتغطى أخبار تحركا ا للمجاهدين أوال بأول ح يكونوا ع ى‬ ‫علم باتجاﻩ وتحركات العدو‪ ،‬وح ن يلتقي أفراد الدورية باألعداء يطلقون‬ ‫ثالث أطالقات التنبيه وعند سماع تلك ٕالاطالقات يستعد الجميع ملالقاة‬ ‫ٔالاعداء ي الجهة ال سمع م ا اطالق الرصاص‪.‬‬ ‫كما تقوم دوريات أخرى تعرف باسم "الرباط" بمراقبة ٕالايطالي ن ي‬ ‫مراكزهم ال يحتلو ا للحصول ع ى معلومات عن تحركا م عن طريق‬ ‫ً‬ ‫ٔالاها ي املوجودين داخل تلك املدن‪ ،‬وكث ﺮا ما يتعرض بعض هؤالء ٔالاها ي‬ ‫بسبب تعاو م مع املجاهدين لعقوبة ٕالاعدام‪ ،‬كما حدث مع سليمان بن‬ ‫سعيد العر ي الذي أدانته املحاكم ٕالايطالية بالتعاون مع املجاهدين‬ ‫ً‬ ‫وحكمت عليه باإلعدام‪ ،‬فأعدم شنقا)‪.(27‬‬ ‫كان نظام ٔالادوار يقوم ع ى أساس قب ي ويعت ﺮ الدور وحدة عسكرية‬ ‫وإدارية‪ ،‬واجتماعية يرأسها قائمقام‪ ،‬وتتمثل فيه السلطة ٕالادارية‬ ‫والعسكرية يساعدﻩ "قائد" أو أك ﺮ حسب حجم الدور والقبائل املنضوية‬ ‫تحته‪.‬‬ ‫وقد استخدم عمر املختار النظام العسكري العثماني‪ ،‬فباإلضافة إ ى‬ ‫القائمقام هناك الرتب ٓالاتية‪ - :‬بكبا ‪ -‬يوزبا ‪ -‬مالزم أول ‪ -‬مالزم‬ ‫ثاني ‪ -‬كوجك ضابط "ضابط صغ ﺮ" باش شاوش ‪ -‬شاوش ‪ -‬أمبا ‪.‬‬ ‫وكانت ال ﺮقيات تتم ع ى أسس ميدانية بناء ع ى ما يقدمه الشخص‬ ‫من أعمال وبطوالت ي ميادين املعارك واملواقف الدقيقة‪ ،‬إذ يرفع إ ى‬ ‫‪122‬‬


‫عمر املختار تقرير من الرئيس املباشر بشرح الحالة ال استحق عل ا‬ ‫املع ال ﺮقية‪ ،‬ويصدر بذلك أمر كتابي من عمر املختار ع ى بقية‬ ‫املجاهدين)‪.(28‬‬ ‫وكان هناك مجلس أع ى يرأسه عمر املختار يتكون من‪ :‬يوسف‬ ‫بورحيل‪ ،‬حس ن الجويفي‪ ،‬الفضيل بوعمر‪ ،‬محمد السركﺴ ‪ ،‬موﺳ‬ ‫غيضان‪ ،‬محمد مازق‪ ،‬محمد العلواني‪ ،‬جربوع سويكر‪ ،‬قطيط الحاﺳ ‪،‬‬ ‫رواق درمان و ي حالة غياب عمر املختار يرأس املجلس يوسف‬ ‫بورحيل)‪.(29‬‬ ‫وكان لكل من ٔالادوار مجلس يتكون من مشائخ القبائل وأعيا ا من‬ ‫املعروف ن بالحكمة وسداد الرأي‪ :‬ومهمة هذا املجلس استشارية وهو ي‬ ‫حالة انعقاد دائم ملواجهة الطوارئ والاسهام ي حل املشاكل ال قد‬ ‫تحدث بالدور)‪.(30‬‬ ‫لقد شهد قرسياني لعمر املختار بأنه قائد عسكري له القدرة ع ى‬ ‫تغي ﺮ خططه وتطوير أساليبه القتالية مع ما يتم مع املراحل ال‬ ‫يخوضها ح أن عدوﻩ اع ﺮف بذلك فقال‪" :‬بالرغم من أبعاد النواجع‬ ‫والسكان الخاضع ن لحكمنا يستمر عمر املختار ي املقاومة بشدة ويالحق‬ ‫قواتنا ي كل مكان"‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وقال أيضا‪" :‬عمر املختار قبل كل ء لن يسلم أبدا الن طريقته ي‬ ‫القتال ليست كالقادة ٓالاخرين فهو بطل ي إفساد الخطط وسرعت‬ ‫التنقل بحيث ال يمكن تحديد موقعه لتسديد الضربات له ولجنودﻩ‪...،‬‬ ‫عمر املختار يكافح‪ ...‬ا ى أبعد حد لدرجة العجز ثم يغ ﺮ خطته ويس ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫دائما للحصول ع ى أي تقدم مهما كان ضئيال بحيث يتمكن من رفع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ﷲ أمرا كان مفعوال وهنا‬ ‫الروح العسكرية ماديا ومعنويا ح يق‬ ‫‪123‬‬


‫يسلم امرﻩ هلل كمسلم مخلص لدينه")‪.(31‬‬ ‫وصف الفرنسيون أتباع الحركة السنوسية بأ م أشد صالبة من‬ ‫الحجر الصلد‪ .‬واستدل العالمة محمد رشيد رضا ع ى صدق الطريقة‬ ‫السنوسية بما كانت تقوم به فرنسا من عداوة ومحاربة لهذﻩ الطريقة ا ى‬ ‫الصوفية ال أقضت مضاجعها‪ ،‬ولم تكتم فرنسا رغب ا ي القضاء ع ى‬ ‫شيخ السنوسية واستئصال قوته‪.‬‬ ‫وامتدح محمد رشيد رضا)‪ (32‬هذﻩ الطريقة بقوله‪" :‬استطاعت دولة‬ ‫فرنسا إفساد بأس جميع الطرائق املتصوفة ي افريقية واستمالة‬ ‫شيوخها بالرشوة إال الطريقة السنوسية" خاصة ي مرحلة املواجهة ب ن‬ ‫الفرنسي ن والسنوسي ن ي تشاد‪.‬‬ ‫الخاتمة‪:‬‬ ‫يتضح البعد الجهادي عند شيوخ الطريقة السنوسية‪ ،‬خالل الحملة‬ ‫الاستعمارية الفرنسية ع ى السودان ٔالاوسط ي تشاد والغزو ٕالايطا ي‬ ‫لليبيا‪ ،‬خاصة ي منطقة الجبل ٔالاخضر‪ ،‬حيث اشرفوا ع ى تنظيم‬ ‫مواجهة املستعمر من خالل تنظيم الزوايا‪ ،‬وتعبئة ٔالانصار؛ بغرس الثقة‬ ‫ي دي م وعقيد م والثقة بقياد م‪.‬‬ ‫ويتضح ذلك من خالل ٓالاتي‪:‬‬ ‫ إن الطريقة السنوسية لم تكن طريقة عبادة فحسب وإنما ساهمت‬‫بقدر كب ﺮ ي مواجهة الاستعمار الفرنﺴ وٕالايطا ي ي منطقة الشمال‬ ‫ٔالافريقي‪.‬‬ ‫ ساهمت ي تنظيم حركة الجهاد ضد الغزو الايطا ي ع ى ليبيا خاصة‬‫ي منطقة الجبل ٔالاخضر‪.‬‬ ‫ أشرفت الطريقة السنوسية من خالل شيوخها ع ى حركة الجهاد‬‫‪124‬‬


‫فجمعت ٔالاتباع واملريدين وقامت بتدري م وتموي م‪.‬‬ ‫ خاض شيوخ الطريقة خاصة أحمد الشريف وعمر املختار معارك‬‫ضارية ضد الاحتالل الايطا ي ي منطقة الجبل ٔالاخضر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ كون عمر املختار جيشا من املجاهدين وأتباع الطريقة السنوسية‬‫ونظمه وفق ٔالادوار ومنحه رتب عسكرية منظمه استقاها من النظام‬ ‫العسكري العثماني‪.‬‬ ‫***‬ ‫الهوامش‪:‬‬

‫‪ -1‬انظر الدولة العثمانية تاريخ وحضارة‪ ،‬إشراف وتقديم إكمال الدين أحسان أوغ ي‪،‬‬ ‫املجلد الثاني‪ ،‬استانبول ‪ ،1999‬ص‪ 436‬وما بعدها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ -2‬محمود أحمد الديك‪ ،‬أثر الدين ي حركة الجهاد ي إفريقيا" ليبيا نموذجا" مجلة‬ ‫الجامعة ٔالاسمرية‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬السنة الثالثة‪ ،2006 ،‬ص‪226.‬‬ ‫‪ -3‬احمد صد ي الدجاني‪ ،‬الحركة السنوسية نشأ ا ونموها ي القرن التاسع عشر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫دار لبنان للطباعة والنشر‪ ،‬ب ﺮوت لبنان‪ .1967 ،‬وانظر أيضا‪ ،‬محمد فؤاد شكري‪،‬‬ ‫السنوسية دين ودولة‪ ،‬دار الفكر العربي‪1948 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -4‬هو محمد املهدي بن محمد بن ع ي السنوﺳ ولد ي بلدة ) مسه( بالجبل ٔالاخضر‬ ‫ي ليبيا‪ ،‬بالقرب من زاوية البيضاء‪ ،‬ي شهر ذي القعدة عام ‪1260‬ه‪ ،‬املوافق نوفم ﺮ‬ ‫‪1844‬م‪ ،‬أحمد صد ي الدجاني‪ ،‬الحركة السنوسية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪169.‬‬ ‫‪ -5‬أحمد الشريف‪ ،‬ولد بواحة الجغبوب سنة ‪1873‬م‪ ،‬أنكب منذ طفولته ع ى‬ ‫القراءة والتحصيل‪ ،‬وحفظ القرآن الكريم ي سن مبكرة‪ ،‬تربى رحمه ﷲ ي حجر‬ ‫والدﻩ محمد الشريف وحينما بلغ السادسة من عمرﻩ دخل تحت كنف عمه محمد‬ ‫املهدي‪ ،‬فأهتم ب ﺮبيته‪ ،‬واشرف عمه ع ى تعلميه وتحفيظه للقرآن الكريم‪ ،‬للمزيد‬ ‫انظر‪ :‬أعالم ليبيا‪ ،‬الطاهر الزاوي‪ ،‬ص‪51.‬‬ ‫‪ -6‬مصطفي هويدي‪ ،‬الحركة الوطنية شرق ليبيا‪،‬‬ ‫‪ -7‬محمد فؤاد شكري‪ ،‬السنوسية دين ودولة‪ ،‬ص ‪26‬‬ ‫‪125‬‬


‫‪ -8‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.17‬‬ ‫‪ -9‬احمد صد ي الدجاني‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪216‬‬ ‫‪ -10‬السابق‪ ،‬ص ‪111.‬‬ ‫‪ -11‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.228 ،225‬‬ ‫‪ -12‬نفسه‪ ،‬ص‪229.‬‬ ‫‪ -13‬ال ﺮاني الساعدي‪ :‬هو من كبار العلماء املتفقه ن ي الشريعة‪ ،‬من قبيلة زوية‬ ‫أسس زاوية شر ي السلوم‪ ،‬بمصر عرفت باسمه إ ى ٓالان سيدي ال ﺮاني ثم انتقل إ ى‬ ‫الجنوب‪ ،‬حيث قاد الجهاد ي الصحراء الك ﺮى‪ ،‬ضد الغزو الفرنﺴ ‪ ،‬ومن كبار قادة‬ ‫املجاهدين ي مناطق كانم وشمال تشاد‪ ،‬دخل إ ى الصحراء الك ﺮى من الكفرة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جهاديا ألحق بالفرنسي ن ّ‬ ‫عدة هزائم‪ ،‬اع ﺮف الفرنسيون له‬ ‫واستطاع أن يقوم بدورا‬ ‫بال ﺮاعة‪ ،‬وإجادة التنظيم‪ ،‬واستطاع أن يصدهم ي )ع ن كلك(‪ ،‬ال تو ى تنظيم‬ ‫املجاهدين ا‪ ،‬واستشهد عام ‪1907‬م ي معاركه ضد فرنسا‪ ،‬انظر‪ :‬جهاد الليبي ن‬ ‫ضد فرنسا‪ ،‬ص‪..223 ،222‬‬ ‫‪ -14‬غيث عبدالجليل سيف النصر‪ :‬هو شيخ قبيلة أوالد سليمان الليبية واملتواجدة‬ ‫ي منطقة كانم‪ ،‬اصطدم مع الفرنسي ن ساعة وصولهم للمنطقة ‪1899‬م‪ ،‬ونشبت‬ ‫بينه وبي م معارك طاحنة‪ ،‬قاد غيث الجهاد ّ‬ ‫ضد الفرنسي ن‪ ،‬وحطم التقدم الفرنﺴ‬ ‫ي بﺌﺮ العال ي ي معركة ‪1899/11/22‬م‪ ،‬وهزم القوة الزاحفة‪ ،‬كما نشبت معركة‬ ‫أخرى يوم ‪ 4‬يناير ‪1900‬م بقيادة غيث ضد الفرنسي ن‪ ،‬انظر‪ :‬جهاد الليبي ن ضد‬ ‫فرنسا‪ ،‬ص‪226‬‬ ‫‪-15‬انظر‪ :‬محمد فؤاد شكري‪ ،‬السنوسية دين ودولة‪ ،‬ص‪.73‬‬ ‫‪ -16‬أحمد الدجاني‪ ،‬الحركة السنوسية‪ ،‬ص‪112.‬‬ ‫‪ -17‬محمد فؤاد شكري‪ ،‬السنوسية دين ودولة‪102. ،‬‬ ‫‪-18‬انظر‪ :‬العالقات الليبية التشادية‪ ،‬سعيد عبدالرحمن‪ ،‬مركز دراسات الجهاد‪،‬‬ ‫‪1983‬م‪ ،‬ص‪ -19 .86‬مصطفي هويدي‪ ،‬الحركة الوطنية شرق ليبيا‪ ،‬ص‪.23‬‬ ‫‪ -20‬محمد كاوصن‪ :‬ولد ي بلدة )مرقو( عام ‪ ،1880‬ينتم ا ى قبيلة )إيكزكزن( إحدى‬ ‫القبائل الشريفة ي سلطنة والليمدان وإل ا تنتﻬ رئاس ا‪ ،‬قاد حركة الجهاد ضد‬ ‫ً‬ ‫فرنسا ي النيجر ي الحرب العاملية ٔالاو ى وأب ى ً‬ ‫بالء عظيما‪ ،‬وقد عاش أحداث الجهاد‬ ‫‪126‬‬


‫منذ اصطدام توارق شمال النيجر ضد فرنسا عام ‪1901‬م‪ ،‬وهاجر ضمن قبائل‬ ‫التوارق نحو الشرق‪ ،‬حيث استقر )بقورو( وانضم للطريقة السنوسية وكان ضمن‬ ‫املجاهدين ي هجومهم ع ى )وشنكال( ي نوفم ﺮ ي ع ن )كلك(‪ ،‬وكان من ضمن‬ ‫املستول ن ع ى املوقع الفرنﺴ التابع لسرية الهجانة ي كانم بقيادة املالزم )موتوت(‪.‬‬ ‫‪-21‬محمد عبدﷲ الس ‪ :‬من قيادات الحركة السنوسية ال قادت حركة الجهاد ضد‬ ‫فرنسا ي تشاد ولد بمزدة سنة ‪1268‬ه املوافق ‪1851‬م‪ ،‬من أسرة تنتم للعباس بن‬ ‫عبداملطلب‪ ،‬جاء جدها ٔالاول من املدينة املنورة ونزل بواد قرب بلدة سنار بالسودان‪،‬‬ ‫فسم الوادي باسمه ) وادي مدني (‪ .‬انتقل والدﻩ إ ى مكة حيث درس الفقه وعلوم‬ ‫الدين ع ى يد الشيخ أحمد بن إدريس حيث التقى هناك بالشيخ محمد بن ع ي‬ ‫السنوﺳ ‪ ،‬والذي عاد برفقته إ ى ليبيا واش ﺮكا ي تأسيس الزوايا لتعليم القرآن‪،‬‬ ‫وعلوم الدين‪ ،‬حيث شرع الشيخ السنوﺳ بتكوين زواياﻩ بالجبل ٔالاخضر‪ ،‬و ي‬ ‫املناطق الشرقية من ليبيا‪ ،‬وبدأ الشيخ عبدﷲ الس ي تأسيس زواياﻩ ي غرب ليبيا‬ ‫حيث أسس زوايا ي غدامس‪ ،‬ومزدة‪ ،‬والحرابة‪ ،‬ومصراته وغ ﺮها‪.‬‬ ‫وملا تو ي الشيخ عبدﷲ سنة ‪1296‬ه تو ى ابنه إدارة الزوايا وتأسيس زوايا أخرى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حيث أسس زاوية غريان‪ ،‬والقلعة‪ ،‬والعمامرة‪ ،‬والرحيبات وكان رجال مباركا س ى إ ى‬ ‫إخماد الكث ﺮ من الف ن ب ن القبائل‪ ،‬وعندما عاد شقيقه عبدالسالم من الكفرة بعد‬ ‫أن أنﻬ تحصيله العلم ‪ ،‬ف ﺮك له أمر الزوايا وذهب إ ى الكفرة ملالقاة الشيخ محمد‬ ‫املهدي السنوﺳ والاش ﺮاك ي مواجهة الفرنسي ن ي تشاد‪.‬‬ ‫‪ -22‬عمر املختار‪ :‬ولد الشيخ الشهيد سنة ‪1862‬م بقرية ج ور بمنطقة دفنة بشرق‬ ‫البطنان القريبة من الحدود املصرية‪ .‬وتربى تربية البدو ي مضارب قبيلة ) املنفه(‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وقبيلته هذﻩ من قبائل املرابط ن املعروفة تاريخيا برباطها ع ى ثغور دار ٕالاسالم‬ ‫وحمايته تو ي والدﻩ وهو صغ ﺮ السن حيث وافته املنية عندما كان ي طريقه إ ى مكة‬ ‫املكرمة بصحبة زوجته‪ ،‬فكفله الشيخ حمد الغرياني الذي رباﻩ ي ظل تعاليم الطريقة‬ ‫السنوسية‪.‬‬ ‫‪ -23‬الفوائد الجليلة ي تاريخ العائلة السنوسية‪ ،‬عبدالقادر بن امللك بن ع ي‪ ،‬مطبعة‬ ‫دار الجزائر العربية‪ ،‬دمشق‪ ،‬عام ‪1956‬م‪.23/1.‬‬ ‫‪ -24‬برقة العربية أمس واليوم‪ ،‬محمد الطيب ٔالاشهب‪ ،‬مطبعة الهواري‪ ،‬شارع محمد‬ ‫‪127‬‬


‫ع ي‪ ،‬مصر‪ ،.‬ص‪.292‬‬ ‫‪ -25‬محمد الطيب ٔالاشهب‪ ،‬عمر املختار‪ ،‬سلسلة أبطال الجهاد والسياسة ي ليبيا‪،‬‬ ‫ص‪.6‬‬ ‫‪ -26‬عمر املختار‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.70‬‬ ‫‪ -27‬عمر املختار نشأته وجهادﻩ من ‪1862‬م ا ى ‪1931‬م دراسات ي حركة الجهاد‬ ‫اللي ‪ ،‬أعمال الندوة العلمية ال عقدها مركز دراسة جهاد الليبي ن ضد الغزو‬ ‫الايطا ي بمناسبة الذكرى الخمس ن الستشهاد عمر املختار‪ ،‬إشراف الدكتور عقيل‬ ‫محمد ال ﺮبار‪ ،‬كلية ٓالاداب وال ﺮبية‪ -‬جامعة قاريونس‪ ،.‬ص‪.83 ،82‬‬ ‫‪ -28‬عمر املختار نشأته وحياته‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.105‬‬ ‫‪ -29‬محمد ٔالاشهب‪ ،‬برقة العربية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.425‬‬ ‫‪ -30‬رود لفو غراسياني‪ ،‬برقة الهادئة‪ ،‬ترجمة إبراهيم سالم بن عامر‪ ،‬دار مكتبة‬ ‫ٔالاندلس‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬يناير ‪1980‬م‪ ،‬ص‪.102‬‬ ‫‪ -31‬خليفة محمد التليﺴ ‪ ،‬معجم معارك الجهاد ي ليبيا ‪1911‬م‪1931-‬م‪ ،‬ط‪ ،3‬دار‬ ‫الثقافة‪ ،‬ب ﺮوت‪1973 ،‬م‪ ،‬ص‪.79‬‬ ‫‪ -32‬محمد رشيد بن ع ي رضا ولد سنة ‪ 1865‬ي قرية "القلمون بلبنان"‪ ،‬و ي قرية‬ ‫تقع ع ى شاطئ البحر املتوسط وتبعد عن طرابلس الشام بنحو ثالثة أميال‪ ،‬وتو ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بمصر ي ‪ 22‬أغسطس ‪1935‬م‪ ،‬يعت ﺮ مفكرا إسالميا من رواد ٕالاصالح ٕالاسالمي الذين‬ ‫ظهروا مطلع القرن العشرين‪ .‬وباإلضافة إ ى ذلك‪ ،‬كان صحفيا وكاتبا وأديبا لغويا‪ .‬هو‬ ‫أحد تالميذ الشيخ محمد عبدﻩ‪ .‬أسس مجلة املنار ع ى نمط مجلة "العروة الوثقى"‬ ‫ال أسسها ٕالامام محمد عبدﻩ‪ ،‬ويعت ﺮ ٔالامام املجدد حسن البنا أك ﺮ من تأثر بالشيخ‬ ‫رشيد رضا‪.‬‬

‫املصادر واملراجع‪:‬‬

‫‪ -1‬احمد صد ي الدجاني‪ ،‬الحركة السنوسية نشأ ا ونموها ي القرن التاسع عشر‪،‬‬ ‫دار لبنان للطباعة والنشر‪ ،‬ب ﺮوت لبنان‪.1967 ،‬‬ ‫‪ -2‬الطاهر الزاوي‪ ،‬أعالم ليبيا‪ ،‬مطبعة الفرجاني‪ ،‬ط‪ ،2‬طرابلس‪1971 ،‬م‪.‬‬ ‫‪128‬‬


‫‪ -3‬خليفة محمد التليﺴ ‪ ،‬معجم معارك الجهاد ي ليبيا ‪1911‬م‪1931-‬م‪ ،‬ط‪ ،3‬دار‬ ‫الثقافة‪ ،‬ب ﺮوت‪1973 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -4‬سعيد عبدالرحمن الحنديري‪ ،‬العالقات الليبية التشادية‪ ،‬منشورات مركز‬ ‫دراسات جهاد الليبي ن ضد الغزو الايطا ي‪1983 ،‬م‬ ‫‪ -5‬عبدالقادر بن امللك بن ع ي‪ ،‬الفوائد الجليلة ي تاريخ العائلة السنوسية‪ ، ،‬مطبعة‬ ‫دار الجزائر العربية‪ ،‬دمشق‪ ،‬عام ‪.1956‬‬ ‫‪ -6‬عقيل محمد ال ﺮبار‪ ،‬عمر املختار نشأته وجهادﻩ من ‪1862‬م ا ى ‪1931‬م دراسات ي‬ ‫حركة الجهاد اللي ‪ ،‬أعمال الندوة العلمية ال عقدها مركز دراسة جهاد الليبي ن‬ ‫ضد الغزو الايطا ي بمناسبة الذكرى الخمس ن الستشهاد عمر املختار‪ ،‬كلية ٓالاداب‬ ‫وال ﺮبية‪ -‬جامعة قاريونس‪.‬‬ ‫‪ -7‬رودلفو غراسياني‪ ،‬برقة الهادئة‪ ،‬ترجمة إبراهيم سالم بن عامر‪ ،‬دار مكتبة‬ ‫ٔالاندلس‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬يناير ‪1980‬م‪.‬‬ ‫‪ -8‬محمد الطيب ٔالاشهب‪ ،‬برقة العربية أمس واليوم‪ ، ،‬مطبعة الهواري‪ ،‬شارع محمد‬ ‫ع ي‪ ،‬مصر‪..‬‬ ‫‪ -9‬محمد الطيب ٔالاشهب‪ ،‬عمر املختار‪ ،‬سلسلة أبطال الجهاد والسياسة ي ليبيا‪.‬‬ ‫‪ -10‬محمد سعيد القشاط‪ ،‬جهاد الليبي ن ضد فرنسا ي الصحراء الك ﺮى‪1988 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -11‬محمد فؤاد شكري‪ ،‬السنوسية دين ودولة‪ ،‬دار الفكر العربي‪1948 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -12‬مصطفي ع ي هويدي‪ ،‬الحركة الوطنية ي شرق ليبيا‪ ، ،‬منشورات مركز دراسات‬ ‫جهاد الليبي ن ضد الغزو الايطا ي‪ ،‬طرابلس‪1988 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -13‬مجلة الجامعة ٔالاسمرية‪ ،‬العدد السادس‪ ،‬السنة الثالثة‪.2006 ،‬‬

‫‪129‬‬


130


‫العالقة ب ن غدامس و تمبكتو*‬

‫ً‬ ‫الرحالة الانجل ي ألكسندر لينج نموذجا‬ ‫قتل الرحالة الاسكتلندي الرائد الكسندر جوردون لينج* عام ‪1826‬م‬ ‫ي ظروف غامضة بالقرب من تمبكتو‪ ،‬املدينة ال كان ينظر إل ا ع ى‬ ‫إ ا مدينة ثرية وذات معمار عظيم‪ ،‬غ ﺮ إن مقتل لينج بدل تلك الصورة‬ ‫ال ُرسمت ع ا لدى املكتشف ن الانجل ع ى ٔالاقل‪.‬‬ ‫ولكن قبل أن يصل هذا الرحالة إ ى تمبكتو كان ي غدامس ال‬ ‫ً‬ ‫وصلها من طرابلس الغرب مجهزا بحماية من الباشا وقنصل انجل ﺮا ف ا‬ ‫السيد ورانجتون* الذي تزوج لينج من ابنته‪ ،‬وبعد زواجه بيوم ن غادر‬ ‫إ ى غدامس ال وصلها بعد أن ع ﺮ طريق طويل ‪ -‬عن طريق الشاطئ ‪-‬‬ ‫ً‬ ‫مبتعدا عما كان يجري من صراع بمنطقة جبل نفوسة‪ ،‬ويصف الرحالة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مدينة غدامس وصفا دقيقا‪.‬‬ ‫نحن لسنا بصدد البحث ي موضوع وصفه ملدينة غدامس‪ ،‬أو تقديم‬ ‫استئناف ضد حكم صدر ي حق وزير خارجية طرابلس الغرب آنذاك‬ ‫السيد حسونة الدغيس* الذي أ مه القنصل الانجل ي وارنجتون‬ ‫بالعمل لصالح قنصل فرنسا روسو* للحصول ع ى وثائق الرحالة‬ ‫الانجل ي‪ ،‬علما بأن الرحالة ٔالاملاني بارث الذي كشف لنا فيما بعد عن‬ ‫‪131‬‬


‫ظروف مقتل لينج‪ ،‬كما أمدنا لي بمعلومات عن النتيجة ال آلت إل ا‬ ‫أوراق الرحالة الانجل ي‪ ،‬وهذﻩ الورقة تجيب ع ى السؤال التا ي‪ :‬ملاذا‬ ‫عاد إ ى مدينة غدامس ليع ﺮ م ا إ ى تمبكتو؟‪.‬‬ ‫ولإلجابة ع ى السؤال البد من أن نعرف إن مدينة غدامس تقع ع ى‬ ‫ً‬ ‫الحافة الغربية للحمادة الحمراء‪ ،‬فﻬ أق مدن الواحات الليبية ُبعدا‬ ‫من ناحية الغرب‪ ،‬وأقصاها ي اتجاﻩ الشمال وتلتقي عندها الحدود‬ ‫الليبية التونسية والجزائرية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ونظرا ألهمية موقعها جعلت البعض يطلق عل ا اسم "بوابة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الصحراء")‪ (1‬فﻬ املع ﺮ املفضل للقادم من الصحراء قديما وحديثا و ى‬ ‫ً‬ ‫املحطة الرئيسية ألها ي املدن الساحلية‪ ،‬استعدادا للتوغل ي الصحراء‬ ‫ً‬ ‫الك ﺮى واجتيازها باتجاﻩ الجنوب سعيا وراء التجارة واملغامرة‪.‬‬ ‫وتدل ٓالاثار املوجودة بالواحة ع ى تعاقب الحضارات ع ى املوقع‬ ‫ً‬ ‫الحا ي للمدينة من ف ﺮة ما قبل التاريخ "الجرمنت" مرورا بالعهد الروماني‪،‬‬ ‫و ى العصور الوسطى‪ ،‬أصبحت غدامس مثل بقية مدن شمال أفريقيا‬ ‫ضمن الدولة العربية ٕالاسالمية ي منتصف القرن السابع امليالدي ثم‬ ‫تحت نفوذ الدولة العثمانية)‪.(2‬‬ ‫وغدامس كانت تد ى عند الرومان سيداموس "‪ "Cydamus‬وقد ع ﺮ‬ ‫املنقبون ف ا ع ى نقوش يونانية والتينية‪ ،‬تش ﺮ إ ى أن الرومان كانوا‬ ‫يحتفظون بحامية عسكرية ف ا‪ ،‬وكذلك تدل ٔالانقاض وٓالاثار ع ى أن‬ ‫غدامس كانت قاعدة للنفوذ القرطا ي)‪ (3‬وقبل الفتح ٕالاسالمي كانت‬ ‫ً‬ ‫غدامس‪ ،‬سجونا للكاهنة* ال كانت تحكم أفريقيا الشمالية)‪.(4‬‬ ‫بدأت الرحلة إ ى تمبكتو عن طريق ب وليد وم ا إ ى الشاطئ‬ ‫والدوران إ ى غدامس و ي البوابة ال انطلقت م ا الرحلة إ ى تمبكتو‪،‬‬ ‫‪132‬‬


‫رافق الرحالة الشيخ باباني* وهو نائب يوسف باشا ي غدامس وهذا يع‬ ‫إن الباشا قد أوكل إ ى نائبة مرافقة وحماية الرحالة وتذليل الصعاب‬ ‫ح يصل إ ى تمبكتو‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يرافقهم أيضا محمد أبوغوله وهو الشخص املسؤل عن كل ما يتعلق‬ ‫بالرحلة والذي لم تعجب ممارساته لينج خالل الرحلة إ ى غدامس‪ ،‬حيث‬ ‫مالبث أن سرحه بعد وصولهم بحجة تخفيض حجم القافلة وعاد‬ ‫بوغولة إ ى طرابلس يرافقه ثالثة من سائقي الجمال‪.‬‬ ‫غادر الرحالة غدامس ي قافلة تكونت من ست جمال‪ ،‬يرافقه الشيخ‬ ‫باباني وشخص آخر يد ى حطيطه ي صباح الثامن عشر من أكتوبر‬ ‫‪ ،1825‬وصلت القافلة إ ى ع ن صالح ي الثالث عشر من ديسم ﺮ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫واستقبله حشد كب ﺮ من سكان ع ن صالح‪ ،‬الذين وجهوا إليه سيال من‬ ‫ٔالاسئلة عما وصلهم عنه من غدامس من حكايات سبقته إ ى هناك)‪.(5‬‬ ‫فشكله ٔالابيض وبندقيته الحديثة ال تطلق رصاص بدون الزناد‬ ‫ّ‬ ‫املصون‪ ،‬سبقت شهر ا وصولة إ ى ع ن صالح والنار ال يطلقها ي‬ ‫السماء وال تشتعل ي املاء‪ ،‬كل ذلك كان من ثقافة العصر ال تم ا‬ ‫العامة وسط الصحراء وال نقل ا قوافلهم من غدامس ورغم بعد‬ ‫املسافة فأن القوافل التجارية كانت تحمل ٔالاخبار بالسرعة ذا ا ال‬ ‫تقطعها تلك القوافل‪.‬‬ ‫ً ً‬ ‫وصل الرحالة إ ي تمبكتو وأستقبل استقباال وديا من جانب زعما ا‬ ‫ً‬ ‫ومكث ا عدة أسابيع وتعرف تماما ع ى املدينة‪ ،‬ي ظل توفر ٔالامن ولكنه‬ ‫عندما قرر أن يغادر املدينة إ ى كبارى تعرض له قطاع الطرق‪.‬‬ ‫عندما وصل خ ﺮ مقتل الرحالة اتصل وارنجتون بيوسف باشا وطلب‬ ‫منه استدعاء الغدامسية املقيم ن بطرابلس‪ ،‬فوجدوا خمسة أشخاص‬ ‫‪133‬‬


‫فقط اقتحموا بي م وسجلوا ما كان يوجد ا من أشياء‪ ،‬وصادروا ما‬ ‫وجدوا من نقود وتركوا با ي البضاعة وأودعوهم السجن‪ ،‬ثم أطلق‬ ‫سراحهم من قبل شيخ البالد بعد أن قاموا بدفع مبلغ ما ي ضمان‪،‬‬ ‫واستقبلهم الدغيس ي بيته)‪.(6‬‬ ‫أرسل الباشا الشيخ ع ي املجراب إ ى غدامس للتحقيق وتق‬ ‫الحقائق وعاد بعد أن أحضر معه كل من الشيخ القا والحاج محمد‬ ‫الث والحض ﺮي ومجموعة أخرى من أهل غدامس‪ ،‬حيث أستقبلهم‬ ‫الباشا وأع ﺮف الحض ﺮي أمام الباشا بأنه سلم أوراق الرحالة إ ى حسونة‬ ‫الدغيس‪ ،‬حضر التحقيق الشيخ أحمد أبوطبل والشيخ بن غلبون ومحمد‬ ‫بن العالم‪.‬‬ ‫ومحمد الوا أرسل ي مارس ‪ 1827‬رسالة إ ى الباشا يعلمه بمقتل‬ ‫لينج ي تمبكتو من قبل قبائل الفالن* عندما عرف بوجودﻩ ف ا‪ ،‬وأوراقه‬ ‫ً‬ ‫حرقت بعد مقتله خوفا من السحر‪ ،‬ولكن تجار مدينة غدامس وقاض ا‬ ‫أدلوا بشهاد م أمام باشا طرابلس والقنصل ورانجتون بأن تلك ٔالاوراق‬ ‫ً‬ ‫قد وصلت فعال ليد وزير خارجية الباشا بالرغم من العالقة التجارية‬ ‫الوطيدة ال كانت تربط عائلة الدغيس بغدامس‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ونظرا للعالقات املم ة ال كانت تربط حسونة الدغيس مع تجار من‬ ‫غدامس‪ٔ ،‬الامر الذي جعله يتعرض لال ام ليس من قبل ورانجتون‬ ‫ً‬ ‫فحسب بل كان هدفا لوزير مالية الباشا محمد بيت املال الذي لم ي ﺮك‬ ‫مناسبة للنيل منه لدى الباشا‪.‬‬ ‫من ذلك كله يتضح أهمية غدامس كقاعدة حضارية تنطلق م ا‬ ‫الرحالت إ ى إفريقيا كما نتب ن العالقة الثقافية ال ربطت غدامس‬ ‫باملناطق ٔالافريقية فيما وراء الصحراء فيما يخص تبادل ٔالاخبار‬ ‫‪134‬‬


‫واملعلومات‪.‬‬ ‫تمبكتو‪ ،‬تقع مدينة تمبكتو ي الشمال الشر ي من جمهورية النيجر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الحالية وقد أعطاها موقعها مركزا حيويا واس ﺮاتيجيا ذا أهمية بالغة ي‬ ‫املجال ن الاقتصادي والحضاري‪ ،‬و ي ملتقي طرق القوافل‪ ،‬كانت تعرف‬ ‫بمدينة الرمال الفضية "العجيبة" و ى نقطة وصل ب ن شمال أفريقيا‬ ‫وأفريقيا فيما وراء الصحراء‪.‬‬ ‫وكلمة تمبكتو ي تحريف لكلمة من أصل طار ي‪ :‬ت ن بكتو تع موقع‬ ‫بكتو " حيث كان رجال الطوارق ي ﺮكون أمتع م الثقيلة ي حراسة امرأة‬ ‫عجوز اسمها " بكتو " وبعد أن كانت عبارة عن مخيم متواضع تحولت إ ى‬ ‫قرية لتصبح ي بداية القرن الخامس عشر امليالدي مدينة يسك ا ٓالاف‬ ‫من البشر‪.‬‬ ‫ويعود تاريخ تأسيسها إ ى القرن الخامس الهجري ‪1080‬م وقد شهدت‬ ‫انتشار ٕالاسالم ب ن القبائل الوثنية‪ ،‬بعد أن وفدت ع ى املدينة جماعات‬ ‫من تجار طرابلس والقاهرة وفأس والق ﺮوان‪.‬‬ ‫وقد بنيت منازل تمبكتو عند تأسيسها من أكواخ وعشش مسقوفة‬ ‫بحشائش الصحراء‪ ،‬وما لبثت أن اتسع عمرا ا وتحسنت منازلها ال‬ ‫أصبحت محاطة بأسوار ‪ ،‬ثم ب ا جامع سنكرى الذي تحول بعد ذلك‬ ‫إ ى جامعة للدراسة والبحوث العلمية لطالب العلم من كل بقاع شمال‬ ‫ووسط أفريقيا‪.‬‬ ‫وينقسم سكان تمبكتو إ ى قسم ن‪ :‬سكان الشمال‪ ،‬وهم رجال‬ ‫القوافل والرعاة‪ ،‬وأصلهم من العرب والطوارق‪ ،‬أما القسم الثاني فهم‬ ‫السكان ٔالاصلي ن وينتمون ألصل "سنغاى" وتمثل الزراعة والتجارة‬ ‫والصناعة اليدوية جل نشاطهم وقد ارتبطت عادات أها ي تمبكتو‪ ،‬من‬ ‫‪135‬‬


‫حيث الفن املعماري والتقاليد ٔالاخرى بالشمال ٕالافريقي‪ ،‬فكانت بيو م‬ ‫بنفس الطراز املعماري‪ ،‬وكذلك املساجد واملحالت التجارية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وقد أدت التجارة دورا هاما ي ازدهار املدينة اقتصاديا وحضاريا‪،‬‬ ‫تتوافد عل ا الناس من كل حدب وصوب‪ ،‬وخاصة من الشمال ٕالافريقي‬ ‫ً‬ ‫ع ﺮ الصحراء الك ﺮى ال لم تكن حاجزا لتدفق مظاهر الحضارة ب ن‬ ‫شمال القارة وجنو ا وغر ا‪ ،‬بل كانت املؤثرات الثقافية والفكرية تتسرب‬ ‫من الشمال العربي إ ى البلدان ٔالافريقية فيما وراء الصحراء ومن بي ا‬ ‫ً‬ ‫تمبكتو ال ازدهرت ثقافيا متأثرة بالتيارات الفكرية والحضارية الوافدة‬ ‫إل ا)‪ ،(7‬وبرز ف ا طائفة من العلماء ٔالاجالء أمثال القا محمود كعت‬ ‫صاحب تاريخ الفتاش‪ ،‬الذي يفخر بأنه من مواليد مدينة تمبكتو‪ ،‬وكان‬ ‫اتصال مدينة طرابلس الغرب بعاصمة الصحراء الك ﺮى تمبكتو يتم عن‬ ‫طريق مدينة غدامس حيث كانت القوافل التجارية تتخذ طريقها انطالقا‬ ‫من طرابلس إ ى غدامس وم ا إ ى ع ن صالح وتوات بالجنوب الجزائري ثم‬ ‫ً‬ ‫إ ى تمبكتو‪ ،‬ويصل املدينة من مختلف الجهات سنويا ماب ن ‪ 50‬إ ى ‪60‬‬ ‫ألف جمل وانخفض هذا الرقم إ ى ‪ 14‬ألف جمل ي اية القرن التاسع‬ ‫عشر بعد احتالل فرنسا للمنطقة عام ‪1900‬م‪ ،‬ثم انخفض هذا العدد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تدريجيا ح كاد ينقطع ائيا ي بداية القرن العشرين‪.‬‬ ‫***‬ ‫هوامش‪:‬‬ ‫‪ -1‬للمزيد ينظر‪ ،‬محمد عبدالرحمن سواملية‪ ،‬تمبكتو جوهرة تغمرها الرمال‪ ،‬مطبعة‬ ‫املتوسط‪ ،‬ب ﺮوت – ‪1986‬م‪ ،‬ص‪ ،47‬والهادي امل ﺮوك الدا ي‪ ،‬مملكة ما ي ٕالاسالمية‪،‬‬ ‫مطابع الوحدة العربية‪ ،‬الزاوية‪ ،‬ط‪1999 ،2‬م‪ ،‬ص‪95.‬‬ ‫‪ -2‬إسماعيل العربي‪ ،‬الصحراء الك ﺮى‪ ،‬ص‪.136‬‬ ‫‪136‬‬


‫‪ -3‬جيمس رتشارد سن‪ ،‬ترحال ي الصحراء‪ ،‬ص‪.273‬‬ ‫‪ -4‬منصور محمد البابور‪ ،‬غدامس التحضر والقاعدة الاقتصادية‪ ،‬منشورات جامعة‬ ‫قاريونس‪ ،‬بنغازي‪1995 ،‬م‪ ،‬ص ‪.30‬‬ ‫* الكاهنة‪ :‬امرأة بربرية ذات صول وسلطان ع ى ال ﺮبر يقال لها داهية بنت ماتيه بن‬ ‫تيغان ملكة جبال أوراس‪ ،‬اح ﺮفت السحر والكهانة و ى من قبيلة جراوة – من زناته‬ ‫– القبيلة املشهورة‪.‬للمزيد من التفصيل ينظر‪ ،‬ادوارد ريا‪ ،‬املغرب العربي ي القرن‬ ‫التاسع عشر‪ ،‬ترجمة‪ ،‬مصطفي محمد جودة‪ ،‬مراجعة عثمان الكعاك‪ ،‬طرابلس‪ ،‬دار‬ ‫مكتبة الفكر‪1968 ،‬م‪ ،.‬ص ‪88.‬‬ ‫‪-5‬ابراهيم ابوالقاسم‪ )) ،‬التجارة ب ن غدامس وتونس ى القرن التاسع عشر((‪ ،‬املجلة‬ ‫التاريخية العربية للدراسات العثمانية‪ ،‬منشورات التميم للبحث العلم واملعلومات‪،‬‬ ‫تونس‪ ،‬العدد ‪ 21‬سبتم ﺮ ‪2000‬م ص‪.17‬‬ ‫* ولد الكسندر جوردون لينج ي السابع والعشرين من ديسم ﺮ عام ‪ ،1794‬أس ل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حياته مديرا ملدرسة ي مدينة نيوكاسل‪ ،‬ثم عاد ليعمل مساعدا البيه ي أدن ﺮة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫التحق عام ‪ 1811‬بالجيش متطوعا‪ ،‬ثم سافر مع الجيش إ ى بربادوس حيث كان‬ ‫يعمل خاله ج ﺮيل جوردون عقيد ي الجيش‪ ،‬وهو الذي أمن له رتبة مالزم ي سالح‬ ‫املدفعية‪ ،‬أنتقل بعد سنت ن إ ى لواء جزر الهند الغربية‪ ،‬وتوجه إ ى جمايكا ولكنه‬ ‫أصبح غ ﺮ صالح للجيش عندما أصيب ي كبدﻩ فرجع إ ى بيته بنصف راتب‪ ،‬ولكن‬ ‫ر ي إ ى رتبة مالزم أول عام ‪ 1919‬وأعيد للخدمه مع لوائه ي س ﺮاليون‪.‬‬ ‫ً‬ ‫* جورج هانمر ورانجتون‪ ،‬تو ى مهام قنصل انجل ﺮا بطرابلس عام ‪ ،1814‬لعب دورا‬ ‫ً‬ ‫بارزا ي توجيه دفة السياسة ي والية طرابلس الغرب وأن يفرض نفسه ع ى يوسف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫باشا‪ ،‬كان ﺳ ﺊ الطبع مشاكس مياال إ ى حب الظهور وفخامة املظهر كان متحمسا‬ ‫لجعل طرابلس قاعدة ملشروع الكشف الجغرا ي ي أفريقيا الوسطى‪ ،‬ربطته عالقة‬ ‫مم ة مع محمد بيت املال وزير مالية الباشا‪ ،‬وكانت عالقته بروسو قنصل فرنسا‬ ‫قلقة إ ى حد كب ﺮ بسبب ا لتنافس السياﺳ ب ن انجل ﺮا وفرنسا رغبة م ما ي التفوق‬ ‫والاستحواذ ع ى يوسف باشا للمزيد ينظر‪ ،‬عمار جحيدر‪ ،‬اليوميات الليبية‪ ،‬ج‪،1‬‬ ‫مركز جهاد الليبي ن للدراسات التاريخية‪ ،2001 ،‬ص‪. 269‬‬ ‫* حسونة الدغيس‪ .‬ولد بطرابلس الغرب‪ ،‬تعلم ع ى يد الشيخ أحمد بن أبي طبل )‬ ‫‪137‬‬


‫الطبو ي ( سافر إ ى أوربا وأطلع ع ى ثقاف ا وأتقن اللغة الفرنسية وأطلع ع ى خفايا‬ ‫السياسة وخ ﺮ طبيع ا ح عد الشخصية ٔالاو ى ال حاولت أن تنقل لنا صورة‬ ‫جديدة عن الغرب ي الربع ٔالاول من القرن التاسع عشر ي أقرب إ ى الحقيقة‬ ‫ً‬ ‫ومخالفة تماما ملا قدمه ٓالاخرون‪ ،‬وصف بأنه أعجوبة من الفهم والثقافة واملدنية‪،‬‬ ‫جعله إسماعيل كما ي ع ى رأس حزب ٔالاها ي ي طرابلس الغرب بالرغم من أصوله‬ ‫ال ﺮكية ي مقابل حزب الكراغلة الذي كان ي ﺮأسه محمد بيت املال‪ ،‬غادر إ ى تونس‬ ‫ع ى ظهر باخرة أمريكية بعد ا امه بتسليم أوراق الرحالة الانجل ي إ ى قنصل فرنسا‬ ‫ثم إ ى فاس وم ا إ ى لندن ليعرض شكايته ع ى مجلس العموم ال ﺮيطاني ي بالدﻩ‬ ‫ً‬ ‫ولكنه لم يجد أذنا صاغية‪ ،‬وأعتقد أنه تجاوز واقعه الشخ ف ﺮجم كتاب يبحث‬ ‫ي الحقوق املدنية من الفرنسية إ ى العربية‪ .‬وعندما تعرضت الجزائر لالحتالل‬ ‫الفرنﺴ تعاون مع حمدان خوجه الجزائري ي الدفاع عن القضية الجزائرية وترجم‬ ‫كتاب املرآة الذي ألفه خوجه من العربية إ ى الفرنسية لكي يتمكن الفرنسي ن من‬ ‫الاطالع عليه‪ ،‬غادر إ ى استانبول عندما عادت طرابلس إ ى الحكم العثماني املباشر‬ ‫حيث رأس تحرير جريدة تقويم الوقائع ال كانت تصدر باللغة الفرنسية كما قدم‬ ‫عدة تقارير سياسية عن أوضاع واتجاهات السياسة ٔالاوربية‪ ،‬حمل حسونة الدغيس‬ ‫ً‬ ‫آنذاك أفكارا إنسانية تعارضت مع أفكار ٓالاخرين خاصة ي شأن تجارة الرقيق ع ﺮ‬ ‫والية طرابلس إ ى أوروبا وقد أتضح ذلك عندما حط به الرحال ي باريس ال أصدر‬ ‫ا مؤلفة )كراسة ي تجارة الرقيق بأفريقيا( ال ترجمت عام ‪1822‬م إ ى ٕالانجل ية‪،‬‬ ‫بعد أن عكف ع ى تأليفها بالفرنسية ي فرنسا‪ ،‬ليكون أول كاتب لي ‪ُ ،‬يصدر كتابا‬ ‫مدونا بلغة أجنبية ي عقر أوروبا‪ .‬وقد ع ﺮ ي هذا الكتاب عن معارضته الشديدة‬ ‫للعبودية الرائجة ي أفريقيا عموما وبلدﻩ خصوصا‪ ،‬مقرا ي ذات الوقت بصعوبة‬ ‫مقاوم ا‪ ،‬فضال عن إلغا ا‪ ،‬ذلك لتعقد الوضع الاجتما ي والثقا ي املنبثقة ع ما‪.‬‬ ‫وخالصة رأيه ي التخلص من العبودية‪ ،‬يكمن ي تأييد الحشد من ٔالامم ٔالاوروبية ؛‬ ‫إليقاع نوع من الضغط ع ى الحكومات ال ﺮبرية ي املنطقة‪ ،‬توازيا مع توسيع التجارة‬ ‫مع هذﻩ الدول لرفع الوفرة الاقتصادية‪ ،‬وفتح قنوات التفاوض مع القراصنة‪،‬‬ ‫ومنحهم مكافآت مجزية ي مقابل التخ ي عن أعمال القرصنة‪.‬‬ ‫‪ -6‬رحلة ورسائل الكسندر جوردون لينج‪ ،‬نقله للعربية‪ ،‬دار الفرجاني‪ ،‬طرابلس ليبيا‪،‬‬ ‫‪138‬‬


‫‪ ،1974‬ص‪338.‬‬ ‫‪ -7‬عمار جحيدر‪ ،‬اليوميات الليبية‪ ،‬ص‪414-413‬‬ ‫* الفالن‪ ،‬مجموعة من القبائل ٔالافريقية انتشرت بصورة كب ﺮة ومكثفة ع ى امتداد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إقليم السافانا من املحيط ٔالاطلﺴ غربا إ ى أثيوبيا ع ى سواحل البحر ٔالاحمر شرقا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومن منطقة شبه الصحراء شماال إ ى املنطقة الاستوائية جنوبا وتتجمع مجموعات‬ ‫من هذﻩ القبائل ي حوض السنغال وغامبيا والنيجر وموريتانيا وغينيا وس ﺮاليون‬ ‫وما ي وبوركينا فاسو وبن ن ونيج ﺮيا وتشاد‪ ،‬وعرفت قبائل الفوالن بعدة تسميات ففي‬ ‫املصادر العربية ذكروا‪ ،‬الفوالني‪ ،‬فاللة‪ ،‬فل‪ ،‬فالنة‪ ،‬أما املصادر الانجل ية فقد‬ ‫ذكر م‪ ،‬فوالتي‪ ،‬وجاء ذكرهم باملصادر الفرنسية‪ ،‬بول للمزيد ينظر الهادي امل ﺮوك‬ ‫الدا ي‪ ،‬قبائل الفالن‪ ،‬الشركة العامة للورق والطباعة‪ ،2003 ،‬ص‪ 7‬وما بعدها كما‬ ‫ينظر ٔالام ن أبومنقة محمد‪ ،‬صوتيات لغات الشعوب ٕالاسالمية ي أفريقيا‪ ،‬منشورات‬ ‫املنظمة ٕالاسالمية لل ﺮبية والعلوم والثقافة – أسيسيكو‪ ،1999 ،‬ص‪ 18‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪139‬‬


140


‫قراءة ي كتاب‪:‬‬

‫"الجذور الاجتماعية للدولة الحديثة ي ليبيا"‬ ‫للدكتور املولدي ٔالاحمر‬ ‫الكتاب ي ٔالاصل عبارة عن أطروحة دكتوراﻩ دولة قدمت لكلية‬ ‫العلوم ٕالانسانية والاجتماعية‪ ،‬قسم علم الاجتماع بالجامعة التونسية‪،‬‬ ‫وأج ت سنة ‪ 2008‬م بأشراف الدكتور عبدالوهاب بوحديبة‪ ،‬وطبع‬ ‫ضمن سلسلة أطروحات الدكتوراﻩ من قبل مركز دراسات الوحدة‬ ‫العربية – ب ﺮوت‪ ،‬وحمل رقم ‪.78‬‬ ‫احتوى ع ى ‪ 462‬صفحة وقسم الكتاب إ ى مقدمة وتسع فصول‬ ‫وخاتمة وألحق بثبت للمصادر واملراجع ال عاد إل ا املؤلف تنوعت ب ن‬ ‫عربية وأجنبية كتبت بلغات مختلفة م ا الفرنسية والانجل ية‬ ‫والايطالية‪.‬‬ ‫ي الفصل ٔالاول تناول املدخل النظري لدراسته والفرضية الرئيسية‬ ‫واملفاهيم ٔالاساسية‪ ،‬كما ناقش مشاكل البحث‪.‬‬ ‫أما الفصل الثاني الذي عنونه ليبيا ي القرن التاسع عشر وبداية‬ ‫القرن العشرين خصصه لدراسة السكان ومواردهم وأنشط م ي‬ ‫"القرصنة والغصب" والرموز الثقافية والسياسية‪.‬‬ ‫‪141‬‬


‫الفصل الثالث عرض فيه املجموعة الزعامية البدوية املحاربة‪ ،‬تكلم‬ ‫عن املجموعة وتكوينا ا ومعضل ا السيوسولجية وخص عبدالجليل‬ ‫سيف النصر وغومة املحمودي‪.‬‬ ‫ي الفصل الرابع تناول العنصر الطر ي ي التاريخ الاجتما ي والسياﺳ‬ ‫املغاربي املجموعة الزعامية الدينية الطرقية وخص السنوسية وزعام ا‬ ‫ل ﺮقة ومركزي ا واملجموعات البدوية‪.‬‬ ‫الفصل الخامس أفردﻩ للزعامة العسكرية الب ﺮوقراطية الحضرية‪،‬‬ ‫تشكيل الدولة القرمانلية ومؤسسا ا وأزم ا والحرب ٔالاهلية بي ا‬ ‫واملجموعات البدوية و اية الدولة‪.‬‬ ‫أما الفصل السادس تناول فيه ٕالاصالحات العثمانية والبناء الزعامي‬ ‫للظاهرة السياسية‪ ،‬الفرد واملجموعة واملؤسسات الجديدة‪ ،‬الزعامة‬ ‫والسلطة الب ﺮوقراطية وبناء املجموعة السياسية الحضرية‪.‬‬ ‫الفصل السابع خصصه لدراسة مرحلة الاحتالل الايطا ي‪ ،‬مقاومة‬ ‫املحتل والتحالفات الطرابلسية والدفاع عن الزعامة‪ ،‬كما تناول تحوالت‬ ‫الزعامة الطرقية ي برقة" تحول السنوسية من مشيخة إ ى إمارة"‪.‬‬ ‫ي الفصل الثامن ناقش احتكار إنتاج الزعامة و اية املجموعة‬ ‫املحاربة والبناء الزعامي للمجموعة السياسية الحزبية‪ ،‬دولة الاستقالل‬ ‫وفرصة تحديث النسق السياﺳ الزعامي‪.‬‬ ‫ي الفصل ٔالاخ ﺮ وهو التاسع حاول املقارنة بالحالة املغربية ي شخص‬ ‫السلطان الشريف ٔالامام وامللك وتشكل الدولة املغربية الحديثة‪.‬‬ ‫ملخص فرضية الكتاب‪:‬‬ ‫تتلخص الفرضية الرئيسية‪ ،‬ال حاول الكاتب مناقش ا‪ ،‬وال تقوم‬ ‫ع ى فكرة مفادها أن نشأة ما يسم "الدولة الحديثة" ي ليبيا خالل‬ ‫‪142‬‬


‫القرن التاسع عشر والنصف ٔالاول من القرن العشرين‪ ،‬جرت وفق ما‬ ‫كان يحدث من تغ ّ ﺮات ي الشروط الاجتماعية املادية م ا والذهنية ال‬ ‫يرتبط ا الفاعلون الاجتماعيون و يبنون ع ى أساسها املجموعات‬ ‫السياسية ال يمارسون من خاللها نشاطهم السياﺳ بمختلف أبعادﻩ‪.‬‬ ‫وهذا يع أنه بقدر ما تتوسع و تتغ ﺮ شروط صناعة املجموعة السياسية‬ ‫ال ي عماد الفعل السياﺳ ‪ ،‬يحدث توسع و تغ ﺮ ي بنية الظاهرة‬ ‫السياسية بحد ذا ا‪ ،‬و بالتا ي ي بلورة ما نسميه عناصر الحداثة‬ ‫السياسية‪.‬‬ ‫يخلص الكاتب ا ى أن الظاهرة السياسية ي بناء زعامي‪ ،‬ويقصد‬ ‫بذلك أن تشكل املجموعات‪ ،‬ال ي عماد النشاط السياﺳ ‪ ،‬يجري‬ ‫ً‬ ‫غالبا وفق مبادئ تقوم ع ى بروز الزعيم‪ ،‬الذي يعمل بدورﻩ ع ى تمت ن‬ ‫العالقة بمجموعة ٔالاتباع ؤالاحالف والزبائن واملغلوب ن ال يقودها‪ .‬ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الحالة املغاربية‪ ،‬عموما والليبية خصوصا‪ ،‬تنافس ع ى بناء الظاهرة‬ ‫السياسية ثالثة أصناف من الزعامات‪ :‬الزعامة البدوية املحاربة‪،‬‬ ‫والزعامة الدينية الطرقية ي البادية‪ ،‬والزعامة العسكرية الب ﺮوقراطية ي‬ ‫املدينة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يرى املؤلف إن موضوع الحداثة السياسية موضوع معقد جدا‪..‬‬ ‫وهناك العديد من املفاهيم واملداخل للموضوع‪.‬هناك مفهوم املؤرخ ن‬ ‫ومفهوم رجال القانون ومفهوم علماء الاجتماع ومفهوم علماء السياسة‬ ‫ومفهوم هذين ٔالاخ ﺮين متقارب ن‪.‬‬ ‫بالنسبة للمؤرخ ن ٔالاوربي ن يرون إن الحداثة السياسية ي أوربا‬ ‫ظهرت مع قيام الدولة الحديثة ال يعتقدون أ ا بدأت ي التبلور تقريبا‬ ‫منذ القرني ن الثاني والثالث عشر ميالدي‪ ،‬واستمرت ي التطور ح‬ ‫‪143‬‬


‫الثورات السياسية ي العصر الحديث‪.‬‬ ‫املؤرخون ي املغرب العربي‪ ،‬والتونسي ن ع ى وجه التحديد‪ ،‬يعتقدون‬ ‫إن الحداثة السياسية بدأت ي تونس و ليبيا و الجزائر منذ م ئ‬ ‫العثمانيون حيث قاموا ببناء دولة ثابتة و أوقفوا س ﺮورة التاريخ وفق‬ ‫املنظور الخلدوني‪ ..‬لقد قلب العثمانيون املعادلة ع ى املستوى العسكري‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عندما استخدموا البارود وأدخلوا أشياء جديدة فتكونت شيئا فشيئا‬ ‫نواة ب ﺮوقراطية ارتكزت عل ا الدولة‪.‬‬ ‫أما من املفهوم القانوني تتبلور الحداثة السياسية عندما تنشأ قوان ن‬ ‫تنظم العالقات السياسية‪ ،‬فيتحول الفرد بموج ا من ساكن أو رعية إ ى‬ ‫مواطن شريك ي إدارة الشؤون العامة و لديه الوسائل القانونية‪ ،‬أي‬ ‫السلمية‪ ،‬ال تسمح له بمراقبة الكيفية ال تدار ا هذﻩ العملية‪ ،‬طبقا‬ ‫ملرجعيات متفق عل ا‪ ،‬م ا أسبقية مصالح املجموعة املتمثلة ي الشعب‬ ‫ع ى مصالح الفرد‪.‬‬ ‫من وجهة النظر السيوسولجية يرى املؤلف إ ا تحاول أن تجمع ب ن‬ ‫هذﻩ العناصر‪ ،‬أل ا ال ترى القانون واملجتمع والاقتصاد ع ى أ م يمثلون‬ ‫فضاءات متوازية‪ .‬و من ثم فﻬ ال تستطيع أن تتحدث عن الحداثة‬ ‫السياسية دون ٕالاقرار بوجود عالقة جديدة ب ن الحاكم واملحكوم‪ ،‬ف ا‬ ‫تحرر من الروابط الضيقة ال تدار عادة من خاللها العالقات‬ ‫الجماعية‪ ،‬املبنية ع ى القرابة و الج ﺮة و الصحبة و مختلف الانتماءات‬ ‫املحلية‪ ،‬و ف ا توجه أخال ي و قانوني نحو إعطاء التغ ﺮات الاجتماعية‬ ‫املتولدة عن ٔالانشطة الاقتصادية و الثقافية الجديدة حضها ي بناء‬ ‫املرجعيات السياسية‪ .‬لذلك عندما تفكر بشكل حداثي فأنك تغ ﺮ من‬ ‫ً‬ ‫مفهومك لآلخر‪ٓ .‬الاخر الذي لم يعد من وجهة النظر السياسية أخا أو جارا‬ ‫‪144‬‬


‫أو صديقا أو زبونا‪ ،‬بل ٓالاخر الشريك السياﺳ والتقسيم الاجتما ي للعمل‬ ‫ً‬ ‫ي العصر الحديث غ ﺮ من عالقات ٕالانتاج وفتح مجاال لألفراد كي يتحرروا‬ ‫من عالقا م التقليدية ع ى مستوى الكسب والرزق‪ .‬وغ ﺮ من الشروط‬ ‫ٔالاولية للروابط الاجتماعية‪ .‬فأصبحت لديك مساحات أوسع للحركة و‬ ‫النشاط‪ ،‬فع ى سبيل املثال لم تعد حماية النفس و ٔالامالك و غ ﺮ ذلك‬ ‫تجري ي إطار اللحمة أو العرش أو الزاوية‪ .‬و إنما ي إطار الدولة املبنية‬ ‫ع ى فكرة السيادة و الشرعية‪ ،‬عندما يصبح ٔالافراد ي حماية الدولة‬ ‫وليس ي حماية مجموعات تعمل بمفهوم " أنا وأ ي ع ى ابن عم ‪ .‬وأنا‬ ‫وأبن عم ع ى الغريب تتآكل املرجعيات الضيقة‪ .‬يصبح هناك دولة‪،‬‬ ‫وهناك أفراد شركاء ي إدارة الشؤون العامة وفق قوان ن ووثائق من نوع‬ ‫الدستور‪ ،‬تنظم هذﻩ العمليات وتثبت مقومات اللعبة بحيث يمكن التنبؤ‬ ‫بسلوك ٓالاخرين‪ ،‬املواطن ن الشركاء وعند ذلك يمكنك أن تخطط‬ ‫للمستقبل متحررا من الال يق ن السياﺳ ودون خوف‪.‬‬ ‫واملفهوم املركزي هو املجموعة السياسية وكيف تتشكل املجموعات‬ ‫ويرى إنه من خالل قراءته للتاريخ اللي انتﻬ إ ى استنتاج مفادﻩ أن‬ ‫هناك ثالثة نماذج من بناء املجموعة السياسية ي ليبيا‪..‬‬ ‫فأما أن تكون بدوية محاربة وكمثال ع ى ذلك‪ ،‬غومة املحمودي و‬ ‫عبدالجليل سف النصر‪ .‬لقد تخطت شهر م ٔالافق و بنوا ع ى املستوى‬ ‫املح ي أحالفا تجاوزت املجموعة الضيقة‪ ،‬تجاوزت املحاميد وأوالد‬ ‫سليمان ولكن السؤال كيف تحولت هذﻩ العائالت ي ٔالاصل إ ى‬ ‫مجموعات منتجة للزعماء وكيف توسعت عالقا ا ؟ ما ي شرعي ا؟ يرى‬ ‫إ ا مسألة ي غاية التعقيد ولكن باختصار أن املجموعة البدوية املحاربة‬ ‫لد ا صعوبات كب ﺮة‪ ،‬بسبب تركيب ا الاجتماعية و مرجعيا ا الثقافية‪ ،‬ي‬ ‫‪145‬‬


‫بناء نظرية للدولة قائمة ع ى أسس ثابتة‪.‬‬ ‫النموذج الزعامي الثاني تمثله املجموعة العسكرية الب ﺮوقراطية‬ ‫الحضرية ال مثل ا تاريخيا املجموعة القرمانلية‪ .‬فهذﻩ املجموعة تشكلت‬ ‫من عسكري ن و نواة ب ﺮوقراطية‪ ،‬ولك م سياسيا كانوا يتصرفون بشكل‬ ‫يشبه إ ى حد كب ﺮ البدو‪ ،‬فهم لم يجدوا حال سلميا النتقال السلطة من‬ ‫ً‬ ‫جيل إ ى جيل‪ ،‬ولم يكونوا قادرين اقتصاديا ع ى اخ ﺮاق النسيج‬ ‫الاجتما ي والوصول إ ى املوارد بطرق سلمية تقوم ع ى شرعية محددة‪.‬‬ ‫لقد كانت الدولة تقوم بافتكاك ٔالارزاق مثلما تقوم بذلك املجموعات‬ ‫البدوية‪ ،‬و الوثائق ال تصف ذلك ي متناول الجميع‪...‬لكن هذا ال يمكن‬ ‫أن يحدث وفق مفهوم املواطنة ورؤية ٓالاخر بمنظور الحداثة السياسية‬ ‫بأن يكون لك شركاء سياسيون و أن تكون قوان ن العمل‬ ‫الذي يق‬ ‫السياﺳ معلومة ومستقلة عن مصالح ٔالافراد‪.‬‬ ‫أما النموذج الثالث هو نموذج املجموعة الزعامية الطرقية و قد‬ ‫جسدته تجريبيا السنوسية‪ .‬ومن خصائص الزعامة الطرقية أ ا تقوم‬ ‫ع ى مشيخة الطريقة و ال ﺮكة وهما رأس مال ال يمكن لألتباع التشكيك‬ ‫ف ما و ال يمكن منافسة الزعيم عل ما‪ .‬و من ثم فإن هذﻩ الزعامة قد‬ ‫اخ ﺮقت النسيج الاجتما ي دون عنف و أسست للهرمية الاجتماعية و‬ ‫السياسية‪.‬‬ ‫ولكن السنوسية دخلت القرن العشرين و ي خارج مفهوم الحداثة‪،‬‬ ‫لذلك فإ ا عندما انخرطت ي مقاومة الاستعمار لم يكن لزعما ا مفهوم‬ ‫الوطن بمحتواﻩ الحديث‪ .‬لقد كانوا يتصرفون كسنوسي ن‪ ،‬أي كمسلم ن‬ ‫طرقي ن رأوا أن من واج م الدفاع عن ٔالارض و العرض و الدين‪ .‬لكن‬ ‫خصائصهم السوسيولوجية ساعد م من خالل تعاملهم مع الانجل و‬ ‫‪146‬‬


‫ٕالايطالي ن ع ى التأقلم مع السياق السياﺳ الجديد و اكتساب بعض‬ ‫عناصر الحداثة‪ ،‬ع ﺮ ع ا بوضوح إدريس السنوﺳ ي رسالته الشه ﺮة إ ى‬ ‫أحمد الشريف قبيل مغادرته البالد‪.‬‬ ‫مفهوم الوطن عند الليبي ن كان ضعيفا و هذا ليس ألن الليبي ن لم‬ ‫يدافعوا عن بالدهم ضد الاحتالل ٕالايطا ي‪ ،‬بل إ م و الجزائري ن أك ﺮ من‬ ‫دفع الغا ي و النفيس ي سبيل ذلك‪ ،‬ولكن ألن تاريخهم الاجتما ي و‬ ‫استمرار الحضور العثماني املباشر ي بالدهم ح ف ﺮة متأخرة نسبيا‬ ‫شوش عندهم فكرة الوطن‪ ،‬فدافعوا عن بالدهم بشكل مشتت مما زاد‬ ‫من دراما تاريخهم النضا ي‪ .‬ولم تبدأ هذﻩ الفكرة بالتبلور الحقيقي ي‬ ‫ٔالاذهان و ي السلوك وبشكل عم ي إال مع حركة التحرير ي ٔالاربعينيات‪.‬‬ ‫ويرى إنه يجب التفريق ب ن حركة املقاومة ضد الغزو ٕالايطا ي و حركة‬ ‫املقاومة ال تبلورت بعيد الحرب العاملية الثانية‪ ،‬فكل ء مختلف‪:‬‬ ‫السياق املح ي و الدو ي‪ٔ ،‬الادوات‪ٔ ،‬الافق السياﺳ ‪ .‬ي الف ﺮة ٔالاو ى كان‬ ‫النضال دفاعا عن النفس أك ﺮ منه بناء لوطن‪ ،‬أما ي الف ﺮة الثانية فقد‬ ‫كان الرهان هو بناء ما ع ﺮ عنه بعد ذلك القويري‪ ،‬املفكر املتم ‪ ،‬بعبارة‬ ‫"مع الكيان"‪ .‬وكمثال ع ى ذلك موقف بش ﺮ السعداوي – الذي كانت‬ ‫تجربته تشبه إ ى حد ما تجربة بعض زعماء املغرب و تونس ومصر‪ -‬من‬ ‫مسألة القبول بإدريس السنوﺳ ملكا ع ى ليبيا‪ :‬من الناحية الشخصية‬ ‫لم يكن السعداوي يحب إدريس السنوﺳ و ربما أنه كان يفكر ي نفسه‬ ‫أيضا‪ ،‬و لكن من الناحية السياسية تصرف كسياﺳ حديث يمتلك‬ ‫مفهوم الوطن‪ ،‬وفكر بمبدأ أن مصلحة الوطن ي ٔالاو ى‪ ،‬والوطن عندﻩ‬ ‫كان كل ليبيا‪.‬‬ ‫إن ظهور الجمهورية الطرابلسية كان حدثا تاريخيا مهما‪ ،‬لكن ال‬ ‫‪147‬‬


‫يمكن أن يكون لجمهورية أربعة رؤساء متساوين ي املسؤولية و‬ ‫الصالحيات هذا مستحيل‪ ،‬بل أن هناك م م من كان ال يعرف مع‬ ‫ً‬ ‫الجمهورية أساسا‪ ،‬باستثناء فرحات الزاوي ألنه درس الحقوق ي فرنسا‬ ‫و ربما سليمان الباروني بسبب خ ﺮته ي مجلس املبعوثان‪ ،‬لم يكن أحد‬ ‫يفهم الفكرة و خلفيا ا‪ .‬فبعد إعالن الجمهورية بقرابة ثالث سنوات‬ ‫فقط هلك أحد أعضا ا و هو رمضان السويح ي ي محاولة إقصاء عضو‬ ‫آخر ف ا هو عبد الن بن خ ﺮ ألسباب تتعلق بانخراطهما املغرق ي‬ ‫املشاكل املحلية‪ ،‬بينما مفهوم الوطن يحرر السياسيون من ذلك ‪.‬‬ ‫عبدالقادر الغناي قائد جيش الجمهورية قال إ م ال يفهمون مع‬ ‫الجمهورية‪ ،‬كان ال بد من وجود إرث فكري مح ي أو اطالع جيد ع ى أفكار‬ ‫من هذا القبيل‪.‬‬ ‫ي اية الحرب العاملية الثانية ظهرت مجموعات سياسية‪ ،‬تلك‬ ‫املجموعات كانت وطنيه وكانت تريد تحرير البالد وكل الجهود ال بذلت‬ ‫ي طرابلس أو برقة كانت من أجل تحرير الوطن‪ ،‬ليس هناك أي شك ي‬ ‫هذﻩ القضية‪ ،‬ولكن الليبي ن الذين أسسوا ٔالاحزاب لم يتجاوزوا املبدأ‬ ‫الزعامي ي التجربة السياسية‪..‬‬ ‫ً‬ ‫والبناء الزعامي هو الذي يكون فيه الزعيم منفلتا من أدوات املراقبة‬ ‫السياسية بحيث يستطيع اتخاذ املواقف دون الرجوع الفع ي للمؤسسة‪...‬‬ ‫وهؤالء القادة تصرفوا كما لو إ م نقلوا املجموعة البدوية املحاربة أو‬ ‫املجموعة الطرقية إ ى ٕالاطار الحزبي‪ .‬لذلك صعب تكوين أحزاب لها إشهار‬ ‫كب ﺮ وتظم عددا كب ﺮا من ٔالاتباع‪ .‬كان الواحد م ا ينسلخ من ٓالاخر أل م‬ ‫لم يقبلوا بالهرمية ي القيادة كما لم يقبلوا أيضا بمبدأ الديمقراطية‬ ‫داخل ٔالاحزاب‪ ،‬وهذا عطل عمل حركة التحرير‪.‬‬ ‫‪148‬‬


‫ح السنوﺳ عندما وصل إ ى السلطة – وح قبل ذلك ي برقة‪-‬‬ ‫أعاد تشكيل املجموعة باملفهوم التقليدي وأوقف ٔالاحزاب ومنع ٓالاخرين ‪-‬‬ ‫خاصة الذين رفضوا الاندماج ي منظومته‪ -‬من النشاط‪ .‬لم يمنحهم أي‬ ‫فرصة ومنع املجتمع من إنتاج الطاقات السياسية املستقلة عن إرادته و‬ ‫رؤيته لألشياء‪.‬‬ ‫نقد الكتاب‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫حلل الكتاب ي مجمله الجذور السياسية للسلطة ي ليبيا خالل‬ ‫الف ﺮة موضوع الدراسة‪.‬‬ ‫ولكن املؤلف وقع ي بعض ٔالاخطاء خاصة عندما أعت ﺮ القرصنة‬ ‫والغصب من نشاطات املجتمع اللي ومورد رئيﺴ للسكان فال أعتقد إن‬ ‫ً‬ ‫الليبي ن اش ﺮكوا جميعا ي هذا النشاط‪.‬‬ ‫الفصل الثالث تناول املجموعة الزعامية البدوية املحاربة‪ ،‬وتكوينا ا‬ ‫ومعضل ا السيوسولجية وخص عبدالجليل سيف النصر وغومة‬ ‫املحمودي‪ ،‬وال أعتقد إن هؤالء كانت لهم مشكلة نفسيه قاد م إ ى‬ ‫معاداة الدولة العثمانية أو القرمانلية‪.‬‬ ‫الفصل الخامس أفردﻩ للزعامة العسكرية الب ﺮوقراطية الحضرية‪،‬‬ ‫الدولة القرمانلية ومؤسسا ا وأزم ا والحرب ٔالاهلية بي ا واملجموعات‬ ‫البدوية و اية الدولة‪ ،‬فالصراع ب ن الجانب ن لم يرق إ ى املعارضة لنظام‬ ‫الحكم وإنما كان يخص موضوع دفع الضرائب من عدمه‪.‬‬ ‫الفصل السابع خصصه لدراسة مرحلة الاحتالل الايطا ي‪ ،‬مقاومة‬ ‫املحتل والتحالفات الطرابلسية والدفاع عن الزعامة‪ ،‬كما تناول تحوالت‬ ‫الزعامة الطرقية ي برقة" تحول السنوسية من مشيخة إ ى إمارة "‬ ‫املجتمع اللي تكوينه قب ي خالل ف ﺮة الدراسة‪ .‬وال ﺮكيب القب ي يعتمد‬ ‫‪149‬‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫أساسا ع ى الصراع ع ى املاء والكالء وهناك أساسا من لم يعرف إن‬ ‫إيطاليا كانت غازية‪.‬‬ ‫ي الفصل الثامن ناقش احتكار إنتاج الزعامة و اية املجموعة‬ ‫املحاربة والبناء الزعامي للمجموعة السياسية الحزبية‪ ،‬دولة الاستقالل‬ ‫وفرصة تحديث النسق السياﺳ الزعامي‪.‬‬ ‫ي الفصل ٔالاخ ﺮ وهو التاسع حاول املقارنة بالحالة املغربية ي شخص‬ ‫السلطان الشريف ٔالامام وامللك وتشكل الدولة املغربية الحديثة‪ ،‬أعتقد‬ ‫إن ٔالامر مختلف ي الحالة الليبية‪ ،‬فالدولة العثمانية سمحت امش من‬ ‫الثقافة ي اية القرن التاسع عشر استفاد منه بعض من أفراد املجتمع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خاصة أبناء العشائر فتكونت طبقة واعية سياسيا وثقافيا ي من قاد‬ ‫حركة النضال ضد الاحتالل السياﺳ ‪.‬‬ ‫الكتاب ي مجمله يضيف الجديد للمكتبة الليبية والعربية‪.‬‬

‫‪150‬‬


‫قراءة ي كتاب ال ﺮاث والحداثة‬ ‫للدكتور محمد عابد الجابري‬ ‫يحتوي الكتاب ع ى مقدمة وثالث أقسام‪ ،‬أوضح املؤلف ي مقدمته‬ ‫بأن الكتاب عبارة عن مجموعة من الدراسات واملناقشات‪ ،‬أنجزت ي‬ ‫أوقات متباعدة وتناولت موضوعات مختلفة ولك ا تدور حول مسألة‬ ‫رئيسية واحدة ي مسألة املنهج والرؤية ي الدراسات ال ﺮاثية وقد تم‬ ‫ترتيب املواضيع ع ى أساس نوع العالقة فيما بي ا‪ ،‬يقع الكتاب ي ‪376‬‬ ‫صفحة وصدرت الطبعة ٔالاو ى ال ب ن يدينا سنة ‪1991‬م عن املركز‬ ‫الثقا ي العربي‪ ،‬ب ﺮوت‪.‬‬ ‫مع اية ستينيات القرن العشرين ّ‬ ‫تحررت معظم البالد العربية من‬ ‫العربية ال كان‬ ‫سيطرة الاستعمار‪ ،‬بعد أن تم إجالءﻩ عن ٔالارا‬ ‫يسيطر عل ا‪ ،‬لكنه ترك أثارﻩ باقية داخل بعض املجتمعات‪ ،‬متمثلة ي‬ ‫أفكار املدنية الغربية ال أ رت أبصارهم وأخذت اهتماما م‪ ،‬فصاغ م‬ ‫بصياغ ا وطبع م بطابعها وحمل م ع ى التنكر إ ى أصولهم ومباد م‬ ‫وحضار م وترا م‪ ،‬فجهل البعض م م ماض م وغفلوا عن مباد م‬ ‫وأصبحت قلو م خواء من أصول الدين وحقيقته ودعوته‪ ،‬مما فتح‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الباب مشرعا أمام بعض الحركات والظواهر‪ ،‬ال ظهرت لسد فراغا ي‬ ‫‪151‬‬


‫الفكر كان له تأث ﺮﻩ السل ع ى املجتمع العربي عامة‪.‬‬ ‫مارست هزيمة العرب ي حرب عام ‪ 1967‬ع ى مسار الفكر العربي‬ ‫التعمق ي جذور وبيئات بواك ﺮ ال ضة العربية وبالتا ي جذور املثقف ن‬ ‫العرب وتأث ﺮ ذلك ع ى فكرهم الذي يعتقد إنه كان له الدور الكب ﺮ ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تكوين الفكر العربي ي التاريخ املعاصر‪ ،‬وهو ما يعتقد أيضا إنه كان سببا‬ ‫ً‬ ‫مباشرا وراء ما تعرض له العرب من هزائم متكررة‪.‬‬ ‫إن الو ي بالهزيمة ليس مجرد و ي فكري أو نظري‪ ،‬وإنما هو إحساس‬ ‫شخ ناتج عن واقع تحقق الهزيمة ي املمارسة الشخصية للحياة‪.‬‬ ‫يحاول الكاتب تقديم إطارا فكريا ملعالجة الواقع الاجتما ي والتاري ي‬ ‫معالجة نقدية للتاريخ الذي يعتقد إنه تكون من مجموعة من ٔالاساط ﺮ‬ ‫والحكايات عندما كان املجتمع الضعيف بحاجة إ ى تاريخ أمجاد‬ ‫وبطوالت‪ ،‬وإلخراج املجتمع العربي من حاضرﻩ الذي يعيشه‪.‬‬ ‫ومن أهم ما واجهته املجتمعات العربية ٕالاسالمية‪ ،‬مشكلة التوفيق‬ ‫ب ن الدين ومتطلبات الفكر والحياة املعاصرين‪.‬‬ ‫من هنا برزت مقولتان هما ال ﺮاث والحداثة أو ٔالاصالة واملعاصرة‪،‬‬ ‫فال ﺮاث هو كل ما هو حاضر فينا أو معنا من املا ‪ ،‬سواء ماضينا أم‬ ‫ما غ ﺮنا‪ ،‬سواء القريب منه أم البعيد‪.‬‬ ‫أما مصطلح الحداثة‪ ،‬فله جذر متأصل ي تراثنا اللغوي‪ ،‬فابن‬ ‫منظور ي لسان العرب يقول‪ :‬حدث‪ :‬الحديث‪ :‬نقيض القديم والحدوث‪:‬‬ ‫ً‬ ‫نقيض القدامة‪ ..‬فهو ُمحدث وحديث وحدث ال ء يحدث‪ :‬حدوثا‬ ‫وحداثة‪ ،‬ورجل حدث السن وحدي ا‪ :‬ب ّ ن الحداثة والحدوثة و ي قاموس‬ ‫املنجد ي اللغة‪ ،‬الحداثة من ٔالامر‪ :‬أوله وابتداؤﻩ‪.‬‬ ‫أما ي املفهوم الحا ي فإن الحداثة تع ‪ :‬حركة اجتماعية تستفيد من‬ ‫‪152‬‬


‫املوروث ٕالايجابي كله وتحاول توظيفه ي دينامكية مستمرة لتطوير‬ ‫املجتمع بكل فئاته وطبقاته وقواﻩ الاقتصادية والاجتماعية والثقافية‬ ‫والسياسية وٕالادارية والعسكرية وغ ﺮها‪.‬‬ ‫فمفهوم الحداثة أو التحديث الشمو ي للمجتمع يحمل ي طياته‬ ‫ً‬ ‫التجديد الدائم انطالقا من العناصر ٕالايجابية والفاعلة ي املجتمع‬ ‫ً‬ ‫نفسه‪ ،‬لذا ال يمكن للحداثة أن تكون تقليدا أو استعارة من الغ ﺮ‪ ،‬لك ا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫و ي الوقت نفسه ال يمكن أن تكون انغالقا ع ى الذات ورفضا لآلخر تحت‬ ‫ستار الحفاظ ع ى نقاوة الهوية ؤالاصالة‪،‬‬ ‫ف ﺮزت إ ى الوجود ثالثة تيارات ي مع ﺮك الصراع ب ن ال ﺮاث‬ ‫والحداثة‪:‬‬ ‫ التيار املتمسك بال ﺮاث‪ :‬اعتقد هذا التيار بأنه باإلمكان العيش ي‬‫إطار التقليد الضيق املوروث عن السلف‪ ،‬بغلق ٔالابواب ي وجه أمواج‬ ‫الحضارة الغربية وثقاف ا املندفعة ي كل اتجاﻩ‪ ،‬وهو ما يجعلهم يعيشون‬ ‫الحاضر بعقلية املا ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ التيار املتغرب‪ :‬خيل إ ى أصحابه أن ٔالازمة قابلة للحل من خالل‬‫قبول الحضارة الغربية بجميع أبعادها ومتطلبا ا ومستلزما ا بما ي ذلك‬ ‫ُ‬ ‫ثقافة الحداثة ال تختصر بتحقيق التقدم والتحرر ع ﺮ التنكر لكل‬ ‫ماض م و قطع الصلة به‪ ،‬و ي هذا السياق اعتقدوا بأن ال ﺮاث عقبة‬ ‫ً‬ ‫كأداء يجب تجاوزها لك م عجزوا عمليا عن أداء دور يذكر أمام الواقع‬ ‫املاثل ي املجتمع ولم يتمكنوا ي أي وقت من الحصول ع ى موطئ قدم‬ ‫ي مجتمع ي ي ال ﺮاث ويأنس به ويحافظ عليه وهذا جعلهم يعيشون‬ ‫أغراب ي املجتمع املحيط م‪.‬‬ ‫ التيار ٕالاصال ي‪ :‬وهم القلة القليلة الذين يضعون ٔالامور موضعها‬‫‪153‬‬


‫ويعرفون م ة املدنية الغربية وسبقها وتقدمها ي مجاالت العلم املادي وما‬ ‫عليه‪ ،‬فهم يرون بأع ن نافذة أن الحضارة الغربية إذا كان لها سبقها ي‬ ‫العلوم املادية فليس ٔالامر كذلك ي العلوم ٕالانسانية‪ ،‬فلقد جهلت هذﻩ‬ ‫الحضارة ٕالانسان والجانب الرو ي فيه‪ ،‬ولم تستطع أن تقدم إليه ما‬ ‫يسعدﻩ‪ ،‬فقد فرضت عليه الطابع املنظومي ع ى كل ء ي حياته مما‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫أفقدﻩ خصوصيته ككائن حر‪ ،‬ولم تقدم إليه ما يزيدﻩ إال ضياعا وح ﺮة‬ ‫ً‬ ‫وتأخرا ي م ان ٕالانسانية‪ ،‬وهكذا فاملدنية الغربية ال تؤخذ بكل ما ف ا‬ ‫فﻬ ليست ع ى حق ي كل ما تدعو إليه‪..‬‬ ‫لقد اتسم منهج التيار ٕالاصال ي بالدعوة إ ى املفاعلة واملزاوجة ب ن‬ ‫ً‬ ‫رؤى ٕالاسالم العامة وواقع الحياة املعاصرة ح ال يبقى ٕالانسان غريبا‬ ‫عن نفسه وفطرته ال ترفعها مفاهيم ٕالاسالم القيمة‪ ،‬كما ال يعيش‬ ‫ً‬ ‫املسلم غربة حقيقية عن عصرﻩ فينغمس كليا ي ثقافات العصر‬ ‫املختلفة‪.‬‬ ‫إن منهج هذا التيار يدعو إ ى الاستفادة من منجزات العصر املتنوعة‬ ‫ال تنسجم وحركة ٕالاسالم ي الحياة ع ى اعتبار أن ٕالاسالم مشروع‬ ‫حضاري مستقل يقبل بكل صحيح ويرفض كل انحراف‪.‬‬ ‫وانطلق هذا التيار ٕالاصال ي ي عمله وفق مبدأين‪:‬‬ ‫ٔالاول‪ :‬هو العودة إ ى الذات وإحياء الهوية الثقافية التاريخية‬ ‫وٕالاسالمية لألمة العربية‪.‬‬ ‫الثاني‪ :‬التعامل ٕالايجابي مع معطيات التمدن البشري و ي الوقت ذاته‬ ‫اتخاذ الحيطة والحذر ي مقابل نزعة الغرب التوسعية وتوجهه‬ ‫الاستعماري وانحرافه الفكري والاجتما ي‪.‬‬ ‫يرى الجابري أن الدارس ن لل ﺮاث‪ ،‬الجدد و القدامى‪ ،‬قد تعاطوا معه‬ ‫‪154‬‬


‫بصورة جزئية يغيب ف ا ال ﺮابط املعر ي الذي يعطي وحدة البنية‬ ‫املعرفية لل ﺮاث ٕالاسالمي‪ ،‬ففرقوا ب ن أنواع الفلسفات السائدة داخل‬ ‫املجتمع‪ ،‬من يوناني وهندي وفارﺳ وغ ﺮﻩ‪ٔ ،‬الامر الذي أدى إ ى تفكيك‬ ‫وحدة الفكر الفلسفي العربي إ ى أجزاء متناثرة ولم يقفوا عند هذا الحد‬ ‫بل وصلوا إ ى حد تفكيك وحدة املعارف الفلسفية والتفريق ب ن الفقه‬ ‫وعلم الكالم ؤالاصول‪ ،‬مع العلم أن العالم ي ذلك الزمان كان يجمع ي‬ ‫ذاته جميع املعارف الرائجة آنذاك‪ ،‬فهو الفقيه و ٔالاصو ي واملتكلم‪ ،‬لهذا‬ ‫فدراسة ال ﺮاث العربي ما زالت تخضع لهذﻩ الرؤية الجزئية العازلة الال‬ ‫علمية‪ ،‬فما زلنا ننظر إ ى الفقه والفلسفة والنحو ؤالادب والحديث‬ ‫ً‬ ‫والتفس ﺮ بوصفها علوما لكل م ا كيانه املستقل تمام الاستقالل‪.‬‬ ‫ومن خالل هذﻩ النظرة املوجزة يتب ن أن الجابري يحث ع ى وحدة‬ ‫الب الفكرية لل ﺮاث العربي ٕالاسالمي والذي تكون الشمولية نتيجته‬ ‫الحتمية وهو يحاول است اض البعد املعر ي ي الثقافة ٕالاسالمية‬ ‫وتحريكه‪.‬‬ ‫وهذا يستلزم تحديد طبيعة ال ﺮاث الذي يجب أن نتعامل معه‪،‬‬ ‫وكذلك طريقة إنتاجه‪ ،‬لذلك كانت ٓالالة املنتجة لل ﺮاث ي املحرك‬ ‫الحقيقي له و ي الفاعل الذي استطاع أن يب ٔالاسس املعرفية داخل‬ ‫الثقافة ٕالاسالمية‪.‬‬ ‫حدد الجابري البعد الشمو ي لل ﺮاث ٕالاسالمي ثم بنية العقل العربي‬ ‫وتكوين العقل العربي‪ ،‬ليستنطق ٓالاليات املنتجة لل ﺮاث ومن ثم تجاوزها‬ ‫إ ى العمل من أجل إيجاد ٓالاليات املنتجة لألفكار ال ٔالافكار نفسها‪ ،‬حيث‬ ‫نالحظ أن الجابري م ب ن أداة الفكر و ي مجموعة من املبادئ واملفاهيم‬ ‫ال تؤسس للفكر‪ ،‬وب ن محتوى الفكر و ي مضام ن هذا الفكر‪ ،‬وهكذا‬ ‫‪155‬‬


‫يتضح أنه حاول أن يؤسس نظرة إ ى العقل العربي بوصفه أداة لإلنتاج‬ ‫النظري‪ ،‬صنع ا ثقافة معينة لها خصوصي ا ي الثقافة العربية‪.‬‬ ‫أراد الجابري الخوض ي غمار ال ﺮاث ليحدد معامله و التفاعالت‬ ‫الثقافية و الفكرية املتمثلة ي املادة التاريخية وكذلك ٓالاليات املنتجة لها‪،‬‬ ‫من أجل إعادة البناء الحضاري بآليات أصلية أنتج ا الثقافة العربية و‬ ‫ٕالاسالمية نفسها‪ ،‬وذلك من أجل الوصول إ ى نتائج سليمة‪ ،‬تكون داعية‬ ‫إلعادة الو ي الثقا ي داخل حقل العقل العربي‪ ،‬و إخراجه من ٔالازمة‬ ‫الحضارية ال يعيش ف ا‪ ،‬والاعتماد ع ى مجموعة من ٓالاليات من أجل‬ ‫قراءة ال ﺮاث‪ ،‬تتمثل ي آلية تخصيص العقل والتعامل العق ي مع ال ﺮاث‪،‬‬ ‫والال ام إ ى حد أق بالبعد العق ي العلم ي قراءة معطيات ال ﺮاث‪.‬‬ ‫يرى الجابري أنه عند استعمال عبارة العقل العربي ال تستعمل من‬ ‫منظور علم يتب النظرة العلمية املعاصرة للعقل و ال ام التصور‬ ‫العلم ي أق مراتبه‪ ،‬فالحضور العق ي كان من ب ن ٓالاليات ال حاول‬ ‫ا الجابري استنطاق ال ﺮاث وتحريك خباياﻩ املعرفية‪ .‬و آلية املقابلة أي‬ ‫الداللة ع ى وجود شيئ ن وجبت املقارنة بي ما‪ ،‬تقابل شيئ ن متوافق ن‬ ‫ي ما بي ما‪ ،‬وتسم هذﻩ املطابقة‪ ،‬أما مقابلة ال ء بما يخالفه تسم‬ ‫املعارضة‪ ،‬ثم آلية التقسيم و ي إحداث تقسيم لألنظمة املعرفية داخل‬ ‫ال ﺮاث‪ ،‬وتحديد املجال الخاص لكل م ا‪ ،‬وتتمثل هذﻩ ٔالانظمة ي ال ﺮهان‬ ‫أي التفك ﺮ العق ي والفلسفي فالبيان يع علم الكالم ويتناول الفقه‪،‬‬ ‫ٔالاصول و العرفان أي التفك ﺮ العرفاني ذو الطبيعة الصوفية و آلية‬ ‫املماثلة‪.‬‬ ‫دعا إليجاد آلية مستقلة لها وجود من صميم ال ﺮاث ٕالاسالمي‪ ،‬وذلك‬ ‫من أجل دراسته‪ ،‬كما أستخدم وسائل ذات أبعاد عقالنية‪ ،‬مثل آلية‬ ‫‪156‬‬


‫القطيعة املعرفية‪ ،‬وكذلك مجموعة وسائل إيديولوجية‪.‬‬ ‫وحدد ما يقصدﻩ بمع "العقل" باعتبارﻩ أداة ٕالانتاج النظري أو‬ ‫منظومة القواعد للنشاط الذه املستخلصة من ثقافة خاصة‪ ،‬وهو يرى‬ ‫أن العقل العربي قد تكون ووضعت أسسه ٔالاو ي وال ائية واملستمرة‬ ‫خالل "عصر التدوين" منذ أواخر الدولة ٔالاموية‪ ،‬وهو العصر الذي تم فيه‬ ‫جمع ٔالاحاديث النبوية‪ ،‬ووضع تفاس ﺮ القرآن‪ ،‬وما تال ذلك من بدء كتابة‬ ‫التاريخ ٕالاسالمي‪ ،‬وأسس علم النحو‪ ،‬وقواعد الفقه‪ ،‬وعلم الكالم‪،‬‬ ‫وتشكيل املذاهب والفرق ٕالاسالمية‪ ،‬فهو نقطة البداية لتكوين النظام‬ ‫املعر ي للثقافة العربية فيه اكتمل التكوين‪ ،‬ولم يتغ ﺮ منذ ذلك الوقت‬ ‫ومازال سائدا ي ثقافتنا ح اليوم‪ ،‬وهو ٕالاطار املرج ي للعقل العربي‪،‬‬ ‫وع ى هذا فأن بنية الثقافة العربية ذات زمن واحد‪ ،‬زمن راكد يعيشه‬ ‫ٕالانسان العربي اليوم مثلما عاشه أجدادﻩ ي القرون املاضية‪.‬‬ ‫ويصنف العلوم العربية ي ثالث مجموعات‪- :‬‬ ‫ي ‪ -‬علوم البيان‪ :‬من نحو‪ ،‬وفقه‪ ،‬وكالم‪ ،‬وبالغة‪ ،‬ويطلق عل ا أسم‬ ‫"املعقول الدي "‪.‬‬ ‫ علوم العرفان‪ :‬ال تضم التصوف‪ ،‬والفكر الشي ي والتفس ﺮ‬‫الباط للقرآن‪ ،‬والفلسفة ٕالاشرافية‪ ،‬والسحر والتنجيم‪ ،‬ويطلق عل ا‬ ‫أسم " أالمعقول العق ي"‪.‬‬ ‫ علوم ال ﺮهان‪ :‬ال تضم املنطق والطبيعة والرياضيات وامليتاف يقا‪،‬‬‫ويطلق عل ا أسم "املعقول العق ي"‪.‬‬ ‫وقد آثار قضيت ن‪ٔ :‬الاو ي ي‪ :‬ملاذا انتﻬ ٓالامر بالعقل البياني العربي إ ى‬ ‫هذﻩ الوضعية‪ ،‬لقد فسر الجابري أن ذلك يرجع الحتقار التجربة فالعقل‬ ‫البياني العربي لم يكن يقبل بطبيعته بالتجربة‪ ،‬واكتفى بالنصوص‬ ‫‪157‬‬


‫يستنبط م ا القواعد ؤالاحكام‪ ،‬وتوقفت العلوم العربية ٕالاسالمية ألن‬ ‫البحث ف ا كان دف خدمة الدين ولم يكن درسا للطبيعة واكتشاف‬ ‫قواني ا‪ ،‬فوفقا للنصوص كانت الطبيعة معطى إلﻬ مس ﺮة بفعل خالقها‬ ‫وال دخل لإلنسان ي ص ﺮور ا وال ضرورة ملعرفة قواني ا‪ ،‬وهكذا انتﻬ‬ ‫كل ء ي مرحلة التدوين‪ ،‬وانغلقت الدائرة وأصبحت الحركة ف ا‬ ‫تكرس التكرار ي تفس ﺮ قوان ن الطبيعة‪ ،‬فصار الزمن ف ا زمنا مكررا‬ ‫معادا‪.‬‬ ‫القضية الثانية‪ :‬أن تقن ن العقل العربي لم يأت نتيجة لتطور‬ ‫منتجاته‪ ،‬أو من خالل العمل الاجتما ي املنتج‪ ،‬ألن الازدهار الحضاري‬ ‫العربي تحقق بفعل الاقتصاد الري ي‪ ،‬أما فيما يتعلق بعلوم ال ﺮهان‪،‬‬ ‫فأ ا كانت مرتبطة بالنسق ٔالارسطي‪ ،‬الذي يقوم ع ى مركزية ٔالارض‬ ‫وثبا ا ودوران الكواكب حولها‪ ،‬والذي تحول إ ى منظومة ميتاف يقية‪،‬‬ ‫وما كان يمكن الخروج عل ا إال بكسرها كما تم ي أوروبا من خالل ثورة‬ ‫العلم الحديث‪ ،‬وهذا لم يحدث ولم يكن من املمكن أن يحدث ي الثقافة‬ ‫العربية ٕالاسالمية بسبب تأث ﺮ الخليفة وأم ﺮ املؤمن ن ونزع م الدينية ال‬ ‫أدت إ ى تكف ﺮ بعض علماء الطبيعة‪.‬‬ ‫و ي علم الفقه يكون الاهتمام منصبا بشكل أساﺳ ع ى اللفظ‪،‬‬ ‫ونفس ٔالامر داخل علوم الكالم فالحوار الذي دار حول مشكلة خلق‬ ‫القرآن تبلور حول الفصل ب ن معاني ٔالالفاظ باعتبارها حروفا تلفظ‬ ‫باللسان‪ ،‬وب ن معاني هذﻩ ٔالالفاظ‪ ،‬ويخلص إ ى أنه لم يكن هناك اهتمام‬ ‫بعالقة اللغة بالفكر وال أي اهتمام بدور اللغة ي عملية التفك ﺮ‪ ،‬كان‬ ‫ذلك بسبب انشغال العقل العربي بالنصوص وليس بالوقائع‪.‬‬ ‫ي الثقافة العربية لم يتم الاع ﺮاف ا بنفس الصورة‪ ،‬ألن السلطة‬ ‫‪158‬‬


‫املرجعية الدينية لم تكن ي حاجة إل ا‪ ،‬حيث كان لها عقلها البياني‬ ‫الخاص ا‪ ،‬ورغم تقدم العرب ي عديد من العلوم كالفلك والرياضيات‬ ‫والكيمياء‪ ،‬إال أن الهدف ٔالاساﺳ لكل ذلك كان لخدمة الدين أو لتحقيق‬ ‫بعض التصورات العملية‪ ،‬فالتقدم ي علوم الفلك كان دف تحديد‬ ‫مواعيد الصالة واتجاﻩ القبلة‪ ،‬والتقدم ي الرياضيات كان دف لضبط‬ ‫عملية تقسيم املواريث‪ ..‬وهكذا‪ ،‬وكانت اغلب املمارسات التجريبية ي‬ ‫الكيمياء دف تحويل املعادن البخسة إ ى املعدن الثم ن‪ ،‬أو الحصول‬ ‫ع ى ماء الحياة‪ ،‬فلم يتم تفعيل هذا التقدم العلم ي تحس ن مستوى‬ ‫الحرف ولم يستثمر ي ترقية الصناعات‪ ،‬حيث أن النشاط التجاري كان‬ ‫هو العمل ٔالاساﺳ للعرب‪ ،‬ولم يدخل العلم ي صراع مع الدين كما‬ ‫حدث ي أوروبا‪ ،‬حيث توقف العلم العربي أمام سطوة الثقافة الدينية‬ ‫ال كانت ترى أن كل ما تم اكتشافه من حقائق علمية وما سيتم‬ ‫اكتشافه ي املستقبل موجود داخل النص‪ ،‬وهكذا لم يساهم التقدم‬ ‫العلم العربي ي تكوين بنية العقل العربي‪ ،‬فلم يكن الصراع ي الثقافة‬ ‫العربية ٕالاسالمية من أجل هدم تصور للكون وبناء تصور آخر‪ ،‬وإنما كان‬ ‫الصراع ي العالم العربي صراعا أيديولوجيا سياسيا بصورة مباشرة‪.‬‬ ‫يرى الجابري أن خيالنا الاجتما ي العربي هو الصرح الخيا ي املحمل‬ ‫برأس مالنا من املآثر والبطوالت وأنواع املعاناة‪ ،‬الصرح الذي يسكنه عدد‬ ‫كب ﺮ من رموز املا مثل امرئ القيس وحاتم الطائي وعمر بن الخطاب‬ ‫وخالد بن الوليد وهارون الرشيد وألف ليلة وليلة وصالح الدين ؤالاولياء‬ ‫الصالح ن وأبي زيد الهال ي وجمال عبد الناصر‪ ،‬إضافة إ ى رموز الحاضر‬ ‫مثل املارد العربي والغد املنشود‪.‬‬ ‫وهكذا يمكن تلمس أن العقل السياﺳ كممارسة وكايدولوجيا‪ ،‬يجد‬ ‫‪159‬‬


‫مرجعيته ي الخيال الاجتما ي وليس ي النظام املعر ي‪ ،‬فهذا املخيال هو‬ ‫مجال اكتساب القناعات الذي تسود فيه حاالت ٔالايمان والاعتقاد‪ ،‬وهو‬ ‫الذي يعطى لاليدولوجيا السياسية ي ف ﺮة تاريخية بني ا الالشعورية‪.‬‬ ‫و ي إطار املقارنة ب ن التطورات السياسية ي أوروبا‪ ،‬حيث قامت دولة‬ ‫املؤسسات ال تستمد شرعي ا من إرادة الشعب وتع ﺮ عن املصلحة‬ ‫العامة نتيجة عملية تاريخية أسفرت عن ظهور مجال جديد هو املجال‬ ‫السياﺳ نجد استمرار دولة الطاغية ومصلحة القبيلة وجمود الحراك‬ ‫السياﺳ هو السائد ي املجتمعات العربية‪.‬‬ ‫وملزيد من الوضوح يش ﺮ الجابري إ ى أن ما يم النظام الرأسما ي أنه‬ ‫يجعل املجتمع الذي يقوم فيه ينقسم انقساما واضحا إ ى بنيت ن‪ :‬بنية‬ ‫تحتية تمثل القاعدة الاقتصادية ال تشكل الصناعة عمودها الفقري‪،‬‬ ‫وبنية فوقية قوامها أجهزة الدولة ومؤسسا ا وٕالايديولوجية املرتبطة ا‪.‬‬ ‫أما املجتمعات ال لم تتطور ٔالاوضاع ف ا إ ى مرحلة الرأسمالية‪،‬‬ ‫فﻬ ال تعرف التمايز ب ن البنيت ن‪ ،‬بل الغالب ف ا هو تداخل عناصرها‬ ‫بصورة تجعل املجتمع برمته عبارة عن بنية كلية واحدة‪ ،‬إ ا السمة ال‬ ‫تم مجتمعات ما قبل الرأسمالية‪.‬‬ ‫يرى الجابري أن هذا الفارق يستحق التوقف عندﻩ وتوضيحه‪ ،‬ليس‬ ‫بسبب أن املجتمع العربي القديم والحديث ينتم إ ى هذا النوع من‬ ‫املجتمعات‪ ،‬بل أيضا ألن طرح العالقة ب ن الفكر والواقع سيبقى طرحا‬ ‫غ ﺮ مفيد إذا لم يكن قائما ع ى تصور واضح لوضعية املجتمع‪.‬‬ ‫ويرى الجابري أن العودة البن خلدون تفيدنا ي فهم الواقع حيث أنه‬ ‫قدم ثالثة مفاهيم‪ ،‬ي السلوك العشائري‪ ،‬التطرف الدي ‪ ،‬والاقتصاد‬ ‫الري ي‪ ،‬وظفها ي قراءته للتجربة الحضارية العربية ٕالاسالمية ي عهدﻩ‪،‬‬ ‫‪160‬‬


‫لتوظيفها توظيفا جديدا يستجيب ملشاغلنا الفكرية املعاصرة‪ ،‬ويمكن‬ ‫صياغة هذﻩ املفاهيم أو املحددات لقراءة التاريخ السياﺳ العربي‬ ‫بواسط ا‪ :‬القبيلة‪ ،‬الغنيمة‪ ،‬العقيدة‪.‬‬ ‫فالقبيلة‪ :‬طريقة ي الحكم أو السلوك السياﺳ أو الاجتما ي يعتمد‬ ‫ع ى ذوى القربى‪ ،‬بدل الاعتماد‪ ،‬ع ى ذوى الخ ﺮة واملقدرة ممن يتمتعون‬ ‫بثقة الناس أو يكون لهم تمثيل سياﺳ نتاج انتخابات ديمقراطية حرة‪،‬‬ ‫ليس املقصود مجرد قرابة الدم‪ ،‬بل القرابات ذات الشحنة العصبية مثل‬ ‫الانتماء ملدينة أو جهة أو طائفة أو حزب‪.‬‬ ‫والغنيمة‪ ،‬ال تقوم بدور العامل الاقتصادي ي املجتمعات ال‬ ‫تعتمد ع ى الخراج والريع وليس ع ى العالقات ٕالانتاجية‪ ،‬واملقصود هنا‬ ‫جميع ما كانت الدولة ي ٕالاسالم تأخذﻩ من املسلم ن وغ ﺮهم كجباية‪،‬‬ ‫من يء ‪ -‬غنائم الغزو والحروب‪ ،‬وجزية ‪ -‬ما يفرض ع ى غ ﺮ املسلم ن من‬ ‫ضرائب وخراج ‪ -‬الضرائب املفروضة ع ى ٔالارض املفتوحة‪ ،‬فالغنيمة ما‬ ‫يفرضه الغالب ع ى املغلوب من إتاوات وضرائب دائمة أو مؤقتة‪ ،‬سواء‬ ‫كان الغالب أم ﺮا أم قبيلة أم دولة‪.‬‬ ‫أما العقيدة فليس املقصود ا مضمونا معينا ع ى شكل دين مو ى أو‬ ‫أيديولوجيا‪ ،‬وإنما مفعول ع ى صعيد الاعتقاد والتمذهب‪ ،‬أنه املنطق‬ ‫الذي يحرك الجماعة ليس ع ى أسس معرفية‪ ،‬بل ع ى رموز تؤسس‬ ‫ٕالايمان والاعتقاد‪ ،‬فاإلنسان يؤمن بمعزل عن الاستدالل وعن اتخاذ‬ ‫القرار وقد يتساهل فيما يخص املعرفة ولكنه ال يقبل أن تمس عقيدته‪،‬‬ ‫قد يض ى بحياته من أجل معتقدﻩ ولكنه ال يستشهد من أجل إقامة‬ ‫الدليل ع ى صحة قضية معرفية‪ ،‬وهذا ناتج عن تأث ﺮ رموز الدين‬ ‫املتمسكة بال ﺮاث‪.‬‬ ‫‪161‬‬


‫املهم ي كل عقيدة‪ ،‬ليس ما تقررﻩ من حقائق ومعرفة‪ ،‬بل قو ا‬ ‫وقدر ا ع ى تحريك ٔالافراد والجماعات وتأط ﺮهم داخل القبيلة الروحية‬ ‫من هنا الارتباط العضوي ب ن العقيدة وب ن الفعل الاجتما ي والسياﺳ ‪.‬‬ ‫"القبيلة" و"الغنيمة" و"العقيدة" مفاهيم حكمت العقل السياﺳ‬ ‫العربي ي املا ومازالت تحكمه بصورة أو بأخرى ي الحاضر‪ ،‬والنتيجة‬ ‫إحباطات ونكسات فتحت الباب لعودة املكبوت‪ ،‬وهكذا عادت العشائرية‬ ‫والطائفية والتطرف الدي والعقائدي لتسود الساحة العربية‪ ،‬ليجعل‬ ‫حاضرنا مشا ا ملاضينا‪ ،‬فأصبحت "القبيلة" محركا للسياسة‪ ،‬و"الريع"‬ ‫جوهر الاقتصاد‪ ،‬و"العقيدة" دافعا للفعل وت ﺮيرا للقمع‪.‬‬ ‫ويخلص الجابري من هذا الاستعراض الذي يعت ﺮ تتويجا ملشروعه‬ ‫النقدي للعقل العربي إ ى تحديد املطلوب ي ٓالاتي‪:‬‬ ‫‪ -1‬أن تتحول "القبيلة" ي مجتمعنا إ ى ال قبيلة‪ :‬إ ى تنظيم مدني‬ ‫سياﺳ اجتما ي‪ ،‬من خالل بناء مجتمع التمايز يكون فيه واضح‪.‬‬ ‫‪ -2‬استبدال "الغنيمة" إ ى اقتصاد "ضريبة" أي تحويل الاقتصاد‬ ‫الري ي إ ى اقتصاد إنتا ي‪.‬‬ ‫‪ -3‬أن تتحول "العقيدة" إ ى مجرد رأي‪ ،‬فبدال من التفك ﺮ املذه‬ ‫الطائفي املتعصب الذي يد ي امتالك الحقيقة‪ ،‬يجب فسح املجال لحرية‬ ‫التفك ﺮ والاختالف والتحرر من سلطة الجماعة املغلقة‪ ،‬وبالتا ي التعامل‬ ‫بعقل اج ادي نقدي‪.‬‬ ‫إن بقاء الواقع السياﺳ العربي ع ى ما هو عليه من ال ﺮكيب أو‬ ‫دخوله مرحلة الهرم ليس أمرا حتميا‪ ،‬فاإلصالح ممكن دوما‪ ،‬ألن الشؤون‬ ‫ٕالانسانية إرادية فاإلصالح مسألة أرادة‪ ،‬بل مسألة وجود أو عدم وجود‬ ‫قرار سياﺳ ‪.‬‬ ‫‪162‬‬


‫حول الهوية‬ ‫مدخل كتاب "صراع الهوية ب ن ٔالانا وٓالاخر "‬ ‫ملؤلفه‪ :‬سالم الحداد‬ ‫ً‬ ‫سوف أحاول ي هذﻩ القراءة أن أرسم خطوطا ال تبدو عريضة‪ ،‬ولك ا‬ ‫واضحة حول الهوية وهو املدخل الذي اتخذﻩ مؤلف الكتاب‪ :‬سالم‬ ‫الحداد والذي عنونه "صراع الهوية ب ن ٔالانا وٓالاخر"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فالهوية تعرف‪ :‬ع ى أ ا مجموعة من ٔالافكار متعددة الجوانب تربط‬ ‫ٔالافراد والجماعات فيما بي ا‪ ،‬بمكونات ثابتة وتتكون من البيئة والتاريخ‬ ‫املش ﺮك والدين والثقافة والقيم والتقاليد‪.‬‬ ‫والهوية ظاهرة إنسانية مالزمة للكائن البشري‪ ،‬ولدالل ا البد من‬ ‫التمي ب ن َ‬ ‫الهوية) بفتح الهاء( ُ‬ ‫والهوية )بضم الهاء( فاألو ى من هوى وي‬ ‫وتع السقوط‪ ،‬و ي البﺌﺮ العميقة‪ ،‬أما الثانية فليست مشتقة من فعل‪،‬‬ ‫بل تعود إ ى الجذر "هو" و ي مصطلح حديث نسبيا وقد أخذ دالالت‬ ‫عدة‪ ،‬أك ﺮها داللة هو ما نسميه "بطاقة تعريف الهوية" ال تعرف بأهم‬ ‫سمات الشخصية من حيث الاسم والوالدة واملهنة والجنسية وع ى‬ ‫املستوى اللغوي تع "الحقيقة املطلقة املشتملة ع ى الحقائق " وهو‬ ‫تعريف أقرب إ ى املعاني الصوفية‪.‬أما " ي ٔالادبيات املعاصرة‪ :‬مطابقة‬ ‫‪163‬‬


‫ال ء لنفسه أو ملثله‪ ،‬و ي حقيقة ال ء ‪ -‬أو الشخص ‪ -‬املطلقة‬ ‫املشتملة ع ى صفاته الجوهرية ال تم ﻩ عن غ ﺮﻩ وتسم أيضا وحدة‬ ‫الذات "واستنادا إ ى هذا التعريف فإن هوية أي أمة تع السمات‬ ‫الجوهرية أو القواسم املش ﺮكة ال تتمايز ا عن غ ﺮها من ٔالامم‪.‬‬ ‫وتأسيسا ع ى هذﻩ املقاربة‪ ،‬تع ّ ﺮ الهوية عن خاصية املطابقة أي‬ ‫مطابقة ال ء لنفسه أو ملثيله‪ ،‬وبالتا ي فالهوية الثقافية ألي شعب ي‬ ‫القدر الثابت والجوهري واملش ﺮك من السمات والقسمات العامة ال‬ ‫تم حضارته عن غ ﺮها من الحضارات‪.‬‬ ‫ومن الخطاء أن نتصور شعبا بدون هوية‪ ،‬فقد أثبتت الدراسات‬ ‫السوسيولوجية من أن لكل جماعة أو أمة مجموعة من الخصائص‬ ‫واملم ات الاجتماعية والنفسية واملعيشية والتاريخية املتماثلة ال تع ّ ﺮ‬ ‫عن كيان ينصهر فيه قوم منسجمون ومتشا ون بتأث ﺮ هذﻩ الخصائص‬ ‫وامل ات ال تجمعهم‪.‬‬ ‫فالشعور القومي ذاته‪ ،‬هو عبارة عن إحساس ٕالانسان بالهوية‬ ‫والانتماء‪ ،‬وإحساسه بأنه ليس مجرد فرد نكرة‪ ،‬وإنما يش ﺮك مع عدد‬ ‫كب ﺮ من أفراد الجماعة ي عدد من املعطيات واملكونات ؤالاهداف‪،‬‬ ‫وينتم إ ى ثقافة مركبة من جملة من املعاي ﺮ والرموز والصور‪ .‬و ي حالة‬ ‫انعدام شعور الفرد ويته نتيجة عوامل داخلية وخارجية‪ ،‬يتولد لديه ما‬ ‫يمكن أن تسميه بأزمة الهوية ال تفرز بدورها أزمة و ي‪ ،‬تؤدي إ ى ضياع‬ ‫الهوية ائيا‪ ،‬فينتﻬ بذلك وجودﻩ‪.‬‬ ‫وتتجسد مقومات الهوية ي عنصرين ع ى ٔالاقل‪ :‬هما اللغة والثقافة‪،‬‬ ‫فاللغة ي مخزون ثقا ي ومعر ي ألية مجموعة بشرية‪ ،‬و ي أداة تواصل‬ ‫ب ن أفرادها‪ ،‬وكما كانت اللغة العربية لغة املوروث الحضاري لألمة‬ ‫‪164‬‬


‫العربية ع ﺮ مس ﺮ ا يجب أن تكون اللغة ال ا تلج عالم الحداثة‪ ،‬فأهم‬ ‫ٕالابداعات ي العالم تمت باللغات الوطنية لغة الاستبطان املعر ي‬ ‫والتمثل الحضاري‪.‬‬ ‫أما الثقافة فﻬ جملة ما اكتسبته أي مجموعة من البشر ع ﺮ تاريخها‬ ‫الطويل من عادات وقيم وما ترسب ي نفوس أفرادها من أحاسيس‪،‬‬ ‫وتشمل الفنون والفلسفة وٓالاداب‪ ،‬وأهم مكون للثقافة هو الدين ملا له‬ ‫من سلطة ع ى الفكر والشعور‪.‬وقد لعب ٕالاسالم بالنسبة لألمة العربية‬ ‫دورا سياسيا وحضاريا بل إنه كان سبب وجودها وتحررها ووحد ا‪.‬‬ ‫فعند ب وغ شمس ٕالاسالم خرجت ٔالامة العربية من الوجود بالقوة‬ ‫إ ى الوجود بالفعل من مجتمع القبيلة إ ى مجتمع الدولة ال أخذت ع ى‬ ‫عاتقها فتح ٔالامصار العربية وتوحيدها‪ ،‬وكانت الرسالة املحمدية منطلقا‬ ‫لتأسيس حضارة جديدة كيفت رؤية ٔالاجيال وسلوكها‪ .‬وانطالقا من هذا‬ ‫الرصيد الحضاري بكل أبعادﻩ فإن ٕالاسالم بالنسبة للعربي وإن كان غ ﺮ‬ ‫مسلم مسيحيا أو ملحدا ظاهرة مالزمة لوجودﻩ ولشخصيته وليست قيمة‬ ‫إضافية كما هو الحال بالنسبة للفرس وال ﺮك ؤالافغان‪ ،‬لذا ال سبيل‬ ‫للفصل ب ن ٕالاسالم والعروبة‪.‬‬ ‫إن التمسك بالهوية يطرح عدة إشكاالت كانت محل جدل حول‬ ‫ماهي ا ومقوما ا ووظيف ا‪ .‬وقد اخ الها مؤلف الكتاب ي هذﻩ‬ ‫التساؤالت‪ :‬هل الهوية ثابتة أو متحولة ؟ثم هل ي عامل دفع إ ى ٔالامام أم‬ ‫شد إ ى الوراء ؟ فما الثابت واملتحول ي الهوية ؟ هل ي قيد ي الزمان‬ ‫يكبل ٔالاجيال؟ هل ي عنصر جامد تتعطل دونه الحركة ؟ هل ي قطب‬ ‫يراوح مكانه وتدور ٔالامة ي مسارﻩ الدائري ؟ أم أ ا حركة وتغ ّ ﺮ ي الزمان‬ ‫ي اتجاﻩ التطور حيث تس ﺮ حركة التاريخ ؟‬ ‫‪165‬‬


‫يمكن تقسيم املوجودات ي الكون إ ى نوع ن‪:‬‬ ‫موجودات طبيعية ثابتة‪ :‬و ي ال قامت ُبني ا ع ى التوازن وحرص‬ ‫ٕالانسان ع ى حماي ا وتوظيفها لخدمته والاستفادة م ا دون أن يخل ذا‬ ‫التوازن‪ ،‬ونرى العديد من الكوارث الطبيعية مثل الزالزل والفيضانات‬ ‫ال بدأت تضرب الكرة ٔالارضية بعنف و دد الوجود ٕالانساني خاصة إذا‬ ‫صدقت تنبؤات العلماء بذوبان الثلوج القطبية ال ستغمر العديد من‬ ‫املناطق ٓالاهلة‪ .‬كل ذلك سيكون نتيجة اختالل عناصر الطبيعة بعد أن‬ ‫تعاظمت درجة التلوث ال سب ا ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الفحم‬ ‫املتصاعد ي الجو نتيجة عملية الاح ﺮاق‪ .‬فالطبيعة حينئذ قامت ع ى‬ ‫ثبات التوازن‪.‬لكن املوجودات املتعلقة بفعل ٕالانسان متحولة بل متطورة‬ ‫بتطورﻩ‪.‬‬ ‫موجودات متحولة و ي ال صنعها ٕالانسان بما ي ذلك املعارف من‬ ‫علوم وفلسفة وقيم ونظم سياسية ومنظمات وتنظيمات ومؤسسات‪،‬‬ ‫ح يحفظ وجودﻩ‪ ،‬ويطور حياته‪ ،‬والهوية توهم بالثبات‪ ،‬ولك ا ي‬ ‫الحقيقة متحولة ومتطورة ي اتجاﻩ تحرير ٕالانسان من كل أشكال‬ ‫الاستعباد السياسية والاقتصادية والاجتماعية‪ ،‬حيث أنه محكوم عليه‬ ‫بأن يس ﺮ ي اتجاﻩ التاريخ‪ .‬وتقوم حركة الهوية ع ى التناقض ب ن ما هو‬ ‫كائن وما يجب أن يكون‪ ،‬ب ن املوجود واملنشود‪ .‬وكل تناقض البد أن يولد‬ ‫صراعا وكل صراع البد أن يفرز تحوال غالبا ما يكون ي صالح ٕالانسان‪.‬‬ ‫تختلف معرفة ٔالانا باآلخر باختالف الحوار فيما بي ما فقد يكون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حوارا هادئا أداته الكلمة الهادفة واملسئولة وقد يكون حوارا ساخنا‬ ‫أدواته الحديد والنار ونتيجة كل حوار حتمية ومعروفة‪.‬‬ ‫إن نقد الذات ومحاسب ا يمكن لنا أن نمتلك املعرفة بذاتنا وباآلخر‬ ‫‪166‬‬


‫ومن خالل املعرفة النقدية الحاصلة نكتسب الثقة بأنفسنا وبغيا ا‬ ‫ستعبدنا الغرور ويعمينا الزهو ولن نكون قادرين ع ى مجا ة ٓالاخر‪.‬‬ ‫ومعرفتنا باآلخر ي مجملها انطباعية أمالها إحساس متناقض ب ن‬ ‫العداوة والان ار‪ ،‬أما معرفة ٓالاخر بناء فﻬ معقلنة أمل ا غاية نفعية‬ ‫رسمت ضمن أهداف اس ﺮاتيجيه‪ ،‬فالشعور بالعداوة مع ٓالاخر تمازجت‬ ‫فيه العواطف الدينية والوطنية والقومية والحضارية وتراوح ب ن الشعور‬ ‫باالع از وٕالاحساس بالظلم وقد عرفنا الغرب‪ ،‬أما قوة غالبة لنا أو‬ ‫ً‬ ‫مغلوبة إلينا ونادرا ما ندرك أسباب هذﻩ الغلبة‪ ،‬فالشعور العدائي عطل‬ ‫بص ﺮتنا ولم نتب ن سر قوة الغرب ال تكمن ي سمو ٕالانسان ونزوله‬ ‫امل لة الجديرة به‪.‬‬ ‫ونبه املؤلف إ ى إن الخطر الكب ﺮ ي سياسة ٕالاقصاء والهيمنة‬ ‫والتعسف‪ ،‬فالهوية العربية ٕالاسالمية ليست مجرد انتماء للما بل ي‬ ‫تأسيس للمستقبل للمحافظة ع ى النسيج الاجتما ي باح ﺮام الذات‬ ‫البشرية بكل مقومات الذات دون ٕالانقاص من الوحدة ال ﺮابية وأهمية‬ ‫العروبة وٕالاسالم‪.‬‬ ‫وقد تسأل املؤلف ي اية هذا الفصل عن عالقتنا باآلخر هل ي‬ ‫عالقة تواصل أم عالقة قطعية ؟‬ ‫من خالل ذلك ثبت أن‪:‬‬ ‫ الهوية تتغ ﺮ حسب حركة التاريخ و ي اتجاﻩ التطور و ي ليست ثابتة بل‬‫متحولة ومتحركة ومتطور‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ التحول ي الهوية ال يكون معزوال عن التفاعالت الداخلية والتأث ﺮات‬‫الخارجية ي حياة كل مجتمع‪.‬‬ ‫ الدين والقومية عنصران متالزمان ي تكوين الهوية‪ ،‬فالبعد القومي‬‫‪167‬‬


‫لإلنسان ال يمكن أن مش الجانب الرو ي‪ ،‬وباملقابل ليس للدين وسيلة‬ ‫الن يحل محل البعد القومي‪.‬‬ ‫ معرفة ٓالاخر عن قرب ومعاملته باملثل وبالشكل الذي عرفنا به وسيلة‬‫فاعلة للحفاظ ع ى الهوية‪.‬‬

‫‪168‬‬


‫أو‪ٕ ..‬الاضراب‬

‫ناو – شرماك‬

‫ي الثامن من مارس من سنة ‪ 1908‬خرجت ٓالاالف من النساء‬ ‫العامالت ي مصانع النسيج للتظاهر ي شوارع مدينة نيويورك وهن‬ ‫يحملن قطعا من الخ اليابس وباقات من الورود ي خطوة رمزية لها‬ ‫دالل ا واخ ﺮن لحرك ن الاحتجاجية تلك شعار "خ وورود"‪ .‬طالبت‬ ‫املس ﺮة بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل ٔالاطفال ومنح النساء حق‬ ‫الاق ﺮاع‪.‬‬ ‫شكلت ُمظاهرات الخ والورود بداية تشكل حركة نسوية متحمسة‬ ‫داخل الواليات املتحدة خصوصا بعد انضمام نساء من الطبقة‬ ‫املتوسطة إ ى موجة املطالبة باملساواة وٕالانصاف رفعن شعارات تطالب‬ ‫بالحقوق السياسية وع ى رأسها الحق ي الانتخاب‪ ،‬وكان اسم تلك‬ ‫الحركة )سوفراجيستس( وتعود جذورها النضالية إ ى ف ﺮات النضال ضد‬ ‫العبودية من أجل ان اع حق ٔالامريكي ن السود ي الحرية والانعتاق من‬ ‫العبودية‪.‬‬ ‫وبدأ الاحتفال بالثامن من مارس كيوم املرأة ٔالامريكية تخليدا لخروج‬ ‫مظاهرات نيويورك سنة ‪ 1909‬وقد ساهمت النساء ٔالامريكيات ي دفع‬ ‫الدول ٔالاوربية إ ى تخصيص الثامن من مارس كيوم للمرأة وذلك ي‬ ‫مؤتمر كوب اغن بالدانمارك الذي استضاف مندوبات من سبعة عشر‬ ‫‪169‬‬


‫دولة وقد تب اق ﺮاح الوفد ٔالامريكي بتخصيص يوم واحد ي السنة‬ ‫لالحتفال باملرأة ع ى الصعيد العالم بعد نجاح التجربة داخل الواليات‬ ‫املتحدة‪.‬‬ ‫غ ﺮ أن تخصيص يوم الثامن من مارس كعيد عالم للمرأة لم يتم إال‬ ‫بعد ذلك بسنوات طويلة حيث لم توافق منظمة ٔالامم املتحدة ع ى تب‬ ‫تلك املناسبة إال سنة ‪ 1977‬عندما أصدرت املنظمة الدولية قرارا يدعو‬ ‫دول العالم إ ى اعتماد الثامن من مارس لالحتفال بيوم املرأة العالم ‪.‬‬ ‫لو إن نساء مرزق توفرت لهم التغطية ٕالاعالمية لكان من املمكن أن‬ ‫تحتفل النساء ي العالم قبل ذلك بكث ﺮ فاإلضراب عن العمل كان من‬ ‫العادات السائدة ب ن نساء مرزق ي بداية القرن العشرين كسالح للدفاع‬ ‫ً‬ ‫عن حقوقهن وشرفهن ويسم ٕالاضراب عندهم ناو أو شرماك نظرا‬ ‫لسيطرة النساء ع ى السوق ي مرزق‪.‬‬ ‫فإذا عامل رجل امرأة معاملة تمس من شرفها أو أي من حقوقها يقوم‬ ‫جميع نساء السوق بالتوقف عن العمل ي الحال وذلك احتجاجا ع ى‬ ‫ذلك ً ويعقدن اجتماع من فورهم عند الرئيسة "الشيخة" ويعتصمن‬ ‫عندها ح يرد إل ا حقها باعتذار املﺴ إل ا‪.‬‬ ‫ففي ٔالامكنة ال يلتقي ف ا النساء والرجال ي ٔالاسواق أو ع ى موارد‬ ‫ً‬ ‫املياﻩ قد يحدث وإن يعامل رجل امرأة ترى ف ا تحق ﺮا أو إهانة فتقوم‬ ‫املرأة بإطالق زغروتة طويلة وتتجه إ ى شيخة النساء عندها تقوم الشيخة‬ ‫ً‬ ‫بدعوة النساء وفق زغروتة أيضا ولك ا مم ة‪.‬‬ ‫تستجيب النساء املنتميات للطبقة الثانية واملوجودات ي السوق‬ ‫للنداء ويجتمعن حول الشيخة ساعات تمتد ي بعض ٔالاحيان إ ى يوم‬ ‫كامل أو يوم ن يقضي ا ي الغناء وإطالق ٔالاناشيد الخاصة بالناو‬ ‫‪170‬‬


‫"ٕالاضراب" ويمتنعن عن ٔالاكل‪.‬‬ ‫عندما يتوقف العمل ي السوق والبيوت والبسات ن يتضرر اقتصاد‬ ‫ً‬ ‫مرزق الذي يعتمد أساسا ع ى التجارة ال تمارسها النساء فقد يتعرض‬ ‫السكان للجوع وهنا يبادر الرجال للتوسط لحل ٔالازمة و ي كث ﺮ ٔالاحيان‬ ‫تتدخل الحكومة‪.‬‬ ‫يتم تكليف وكيل للمد ي عليه ويدخل ي مفاوضات مع شيخة النساء‬ ‫وتفرض غرامة ع ى املد ى عليه وتقدر هذﻩ الغرامة حسب حالته املادية‬ ‫وليس بقيمة الجرم الذي قام به فيدفع املد ى عليه املبلغ املحكوم به‬ ‫فتش ﺮي الشيخة باذلك املبلغ بعض العطور والزيت لدهن الشعر وتوزعه‬ ‫ع ى النساء ترضية لهن وتدعوهن ملباشرة عملهن‪.‬‬ ‫أما الرجال الذين يقومون بالوساطة ي حل هذﻩ املنازعات ويح ﺮمون‬ ‫رأي النساء تصبح لهم مكانة كب ﺮة عندهن فيوصفو م أوالد النأو‪.‬‬ ‫يتحدث عبدالقادر جامي* عن حادثه وقعت حيث إن أحد وجهاء‬ ‫ً‬ ‫مرزق أهان امرأة من قرية "حﺴ حجيل" إحدى ضوا ي مرزق وعقابا‬ ‫ع ى تجاسرﻩ اجتمعت نساء القرية وأنزلوﻩ من دابته وجردوﻩ من ثيابه‬ ‫وأوثقوا يديه ورجليه ودخلوا به املدينة وهو عريان وقد تأثر بعد ذلك‬ ‫ً‬ ‫واحتجب ي بيته خجال ملدة عدة أشهر‪.‬‬ ‫***‬ ‫الهوامش‪:‬‬

‫ً‬ ‫* كانت البداية لالحتفال بيوم املرأة العالم ي سنة ‪1857‬م تخليدا لخروج آالف من‬ ‫النساء لالحتجاج ي شوارع مدينة نيويورك ع ى الظروف الال إنسانية ال كانت تعاني‬ ‫م ا النساء العامالت و يج ﺮن ع ى العمل تح ا ونجحت املرأة ي دفع املسئول ن‬ ‫السياسي ن إ ى طرح مشكلة املرأة العاملة وتم تشكيل أول نقابة نسائية لعامالت‬ ‫‪171‬‬


‫النسيج ي أمريكا بعد سنت ن من تلك املس ﺮة الاحتجاجية‪.‬‬ ‫* عبدالقادر جامي‪ :‬عبد القادر جامي ‪ 1949 –1878‬م‪ ،‬ضابط تركي من ٔالاحرار‬ ‫املثقف ن‪ ،‬كان منفيا ي صحراء فزان و عمل ي سلك ٕالادارة ي غات و مرزق و‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫طرابلس أربعة عشر عاما‪ .‬عام ‪ 1908‬انتخب نائبا عن فزان ي مجلس املبعوثات‬ ‫العثماني‪ ،‬قام برحلة من طرابلس إ ي مرزق و الصحراء الك ﺮى و وضعها عام ‪ 1906‬ي‬ ‫كتاب بعنوان )من طرابلس الغرب إ ي الصحراء الك ﺮى( صدر هذا الكتاب عن دار‬ ‫املصراتي‪ ،‬عام ‪1974‬‬ ‫عبد القادر جامى الذى قطع الطريق من طرابلس إ ى مرزق وغات اك ﺮ من مرة وأقام‬ ‫ى مرزق و ى غات كقائد‬ ‫لحامي ا سنوات فهو ليس من الرحالة العابرين لقد سافر إ ى فزان ى رحلته الاو ى‬ ‫سنة ‪1906‬م وبقى متنقال ماب ن غات ومرزق وغ ﺮهما من واحات فزان إ ى مابعد‬ ‫ً‬ ‫الاحتالل الايطإ ى لطرابلس اى ح أوائل ‪1912‬م‪ .‬وهو يعطينا وصفا ً كامال ملدينة‬ ‫مرزق والحياة ف ا ى السنوات الاو ى من هذا القرن‪.‬‬ ‫* ي عام ‪ 1909‬أضرمت الن ﺮان ي أجساد ‪ 72‬عاملة من النسوة من قبل مالك مصنع‬ ‫نسيج نتيجة إضرا ن عن العمل حيث أحرق بالكامل مع العامالت اللواتي شكلن‬ ‫إضرابا‪.‬‬

‫‪172‬‬


‫جريدة »أبوقشة« الهزلية‬ ‫تجسيد لحرية إصدار الصحافة‬

‫قبل قرن من الزمان تجسدت حرية الصحافة ي ليبيا بإصدار جريدة‬ ‫أبوقشة ال أصدرها الصحفي التونﺴ ٔالاصل محمد الهاشم املكي‬ ‫وكانت الجريدة هزلية ناقدة لنظام الحكم ال ﺮكي أنذاك‪.‬‬ ‫ولد محمد الهاشم بن عثمان بن أبى القاسم بن مكي الزبيدي‬ ‫بمدينة توزر التونسية عام ‪ ،1881‬نشأ وترعرع ي بيت من بيوتات العلم‬ ‫واملعرفة‪ ،‬فوالدﻩ كان من علماء جامع الزيتونة‪ ،‬و ى بيته مكتبة حوت‬ ‫أمهات الكتب ي ش صنوف املعرفة وما يشبع م الصغ ﺮ الذي فو‬ ‫نفسه إ ى ٕالاطالع ومعرفة ما حوت هذﻩ الكتب من الخبايا‪ ،‬و ى تونس‬ ‫العاصمة أكمل حفظ القرآن الكريم‪ ،‬وتلقى دراسة العلوم الحديثة‬ ‫بمعهد ابن خلدون )الجمعية الخلدونية( وارتقى ي سلم التعليم ح نال‬ ‫‪173‬‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫شهادة ي الهندسة التطبيقية فأصبح عاملا ملما بجوانب من املعرفة‬ ‫النظرية والتطبيقية‪ ،‬وتعلم اللغة الفرنسية ليطل م ا ع ى زاوية ٓالاداب‬ ‫ٔالاوربية‪ ،‬هذﻩ الروافد مجتمعة كونت ٔالاديب الساخر الجاد الذي كان‬ ‫ً‬ ‫يتقد حماسا ً◌ لصنع ء ألمته‪ ،‬فأسس ي تونس مجلة "ٕالاسالم" عام‬ ‫‪ ،1908‬غ ﺮ أن السلطات الفرنسية ي تونس سرعان ما أوقف ا إثر صدور‬ ‫عددها ٔالاول‪ ،‬لكن ذلك لم يثنه عن عزمه الصحفي فأصدر صحيفة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ساخرة اختار لها اسما ممعنا ً◌ ي السخرية‪ ،‬هو "أبوقشة " عام ‪،1908‬‬ ‫ال تع القرد باللهجة الشعبية ي تونس‪ ،‬فهذﻩ التسمية تدل ع ى مراد‬ ‫صاح ا من حيث السخرية‪ ،‬غ ﺮ أن السلطات الفرنسية أوقفت‬ ‫الصحيفة‪ ،‬فغادر تونس واتجه إ ى طرابلس الغرب‪ ،‬وأعاد إصدار‬ ‫الصحيفة‪ ،‬وم ا كانت له صوالت وجوالت‪ ،‬وصراع مع نظرائه‬ ‫الصحفي ن‪ ،‬وبعد الغزو ٕالايطا ي للوالية عام ‪ ،1911‬خرج من الوالية‬ ‫ً‬ ‫واستقر به املقام ي جزيرة " جاوﻩ " باندونيسيا‪ ،‬وعمل بالتدريس حينا ً◌‪،‬‬ ‫ثم أصدر جريدة عربية هناك تد ى " بورو بودرو " أشبع ا رغبته‬ ‫الصحفية‪ ،‬ولم يتوقف عند هذا الحد‪ ،‬فأسس مدرسة لتعليم اللغة‬ ‫العربية وأدى ا رسالة سامية تجاﻩ قومه ودينه‪.‬‬ ‫وللمكي أسلوب رص ن إذا كان جادا‪ ،‬لكنه كان يطعم مقاالته ب ء‬ ‫من العامية‪ ،‬وهو يجيد فن الغمز واللمز‪ ،‬مما ين ﺊ عن شخصية‬ ‫مستفزة‪ ،‬ميالة إ ى الجدل واملنافسة ي أحيان كث ﺮة‪ ،‬وقد نجح ي بناء‬ ‫قاعدة شعبية تؤيدﻩ ي معاركه ٔالادبية وغ ﺮ ٔالادبية‪.‬‬ ‫وهكذا قدر ملحمد الهاشم املكي أن يق حياته ب ن ٔالاسفار‪ ،‬وعمل‬ ‫ع ى متون الرواحل يحمل قلم الصحفي‪ ،‬وروح ٔالاديب ح وفاته ي‬ ‫املهجر ي اندونيسيا عام ‪.1944‬‬ ‫‪174‬‬


‫ْ‬ ‫من التاريخ‬ ‫السيد كاروفلو* حاكم جزيرة اوستيكا‬ ‫تظل الرحلة إ ى املنفى مليئة باألسرار والطالسم‪ ،‬ال البد لها من أن‬ ‫تتكشف يوم وسيظل املنفى قضية معلقة ي أعناق ٔالاجيال من‬ ‫الايطالي ن والليبي ن للوصول إ ى الكشف ال ائي عن هذﻩ املأساة بكل‬ ‫ً‬ ‫جوان ا‪ ،‬فاإلنسانية ليس لها وطن مع ن تنمو به وإنما ي موجودة دائما‬ ‫ي صور الرحمة ووط ا قلوب بعض البشر الذين ينسون أنفسهم ويؤدون‬ ‫واج م ٕالانساني ح ع ى حساب أوطا م وشعو م‪.‬‬ ‫علينا أيضا أن نستعيد املشهد ي أرض املنفى ي تلك الجزر املهجورة‬ ‫و الخالية من السكان ومن ب ن تلك الجزر أوستيكا ي سيشيليا وال‬ ‫كانت تد ى استيودس ذكرى للمنفي ن من قرطاجة الذين تم نف م ي‬ ‫القرن الرابع قبل امليالد ليموتوا جوعا وأطلق عل ا الرومان اوستيكا‬ ‫ومعناها الالتي ٔالارض املحروقة لك ﺮة ٔالاحجار السوداء عل ا‪.‬‬ ‫فبالرغم من التودد الذي أبداﻩ ٕالايطاليون إ ى الليبي ن‪ ،‬ومخاطب م‬ ‫باسم الدين‪ ،‬والتأكيد ع ى اح ﺮامهم الشرائع والتقاليد الدينية‪،‬‬ ‫ومحافظ م ع ى الحقوق والحريات الشخصية واملدنية‪ ،‬والتلويح باآلمال‬ ‫العريضة ال تعقدها إيطاليا ملستقبل ليبيا ي ظل ض ا‪ ،‬والنعيم الذي‬ ‫‪175‬‬


‫ينتظر الليبي ن ي كنف السيادة ٕالايطالية‪ ،‬إ ى غ ﺮ ذلك من وسائل‬ ‫الخداع والوعود الكاذبة‪ ..‬ففي الوقت الذي كان قائد الحملة يصدر هذﻩ‬ ‫التصريحات كان جنودﻩ يرتكبون أبشع املذابح‪ ،‬ويق ﺮفون أفظع الجرائم‬ ‫ضد أها ي البالد من املواطن ن العزل‪.‬‬

‫وثيقة رقم ‪42‬‬

‫نقل م سفن غ ﺮ معدة أصال لنقل البشر وبال م ﺮر أو جرم اق ﺮفوﻩ‬ ‫وقامت بتكديسهم ي قاع السفن فوق بعضهم البعض دون اح ﺮام‬ ‫لكرامة ٕالانسان ومات العديد م م ي عرض البحر قبل الوصول إ ى‬ ‫الجزر النائية واملهجورة وقام الجنود بإلقاء جثث املوتى ي البحر دون‬ ‫تسجيل أسما م أو معرفة هويا م‪.‬‬ ‫وتنقل لنا كالوديا موفا الباحثة ٕالايطالية صورة مأسوية عن النظرة‬ ‫ٕالايطالية تجاﻩ املنفي ن الليبي ن من خالل تقرير ّ‬ ‫قدمه املسئولون ي أحد‬ ‫‪176‬‬


‫املعتقالت لرئيسهم بقولهم‪ :‬إن لدينا جمهرة تضم نحو ‪ 1500‬متوحش‪،‬‬ ‫أك ﺮ من كو م بشرا ع ى الدوام متوجس ن كاذب ن مستعدين للخيانة‪،‬‬ ‫إ م دائما قذرون تنبعث م م رائحة نتنة‪.‬‬ ‫غ ﺮ إن عديد املنفي ن كتبوا عن إيطالي ن ليسوا من نفس الجنس‬ ‫الذي كان ينظر للعرب نظرة عداء وتوجس بل حملوا ي قلو م الرحمة‬ ‫والشفقة من خالل معامل م الحسنة للمنفي ن ي جزيرة اوستيكا‪ ،‬ففي‬ ‫مايو ‪ 1916‬كتب املنفيون الليبي ن رسالة شكر وتقدير للسيد كاروفلو ملا‬ ‫أبداﻩ معهم من معاملة لطيفة وبذل الجهد ي توف ﺮ ما استطاع أن‬ ‫يحصل عليه من ملبس ومأكل ومسكن وفرش وغطاء)‪(1‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ووقوفه املستمر معهم ليال و ارا وجدارته ي التآلف ب ن العنصرين‬ ‫ٕالايطا ي والعربي ومعرفته لطبائعهم ووصل م ٔالامر ملخاطبة وا ي بال ﺮمو‬ ‫للمطالبة بمكافئته ع ي هذﻩ الخدمة ٕالانسانية وإبقاءﻩ ي عمله املكلف به‬ ‫عندما أشيع بأن الحكومة قد عزلته بسبب املنافع الشخصية لبعض‬ ‫الذين يستهجنون صنيعه للعرب‪.‬‬ ‫مما جعلهم يعيشون ي بحبوحة العيش والراحة وتحسن أحوالهم عما‬ ‫كانوا عليه ي جزيرة بونزﻩ ويرجعون فضل ذلك لإليطا ي كاروفلو مدير‬ ‫الجزيرة وما ينقصهم إال العودة ألرض الوطن العزيز‪.‬‬ ‫***‬ ‫هوامش‬ ‫‪ -1‬وثيقة رقم ‪ 42‬كن كتاب رسائل املنفي ن مركز جهاد الليبي ن للدراسات التاريخية‪.‬‬ ‫‪ -2‬وثيقة رقم ‪ 43‬كن كتاب رسائل املنفي ن مركز جهاد الليبي ن للدراسات التاريخية‪.‬‬

‫‪177‬‬


178


‫هل يمكن تزوير التاريخ؟!‬ ‫ً‬ ‫ﱠ‬ ‫قدم الدكتور "قاسم عبدﻩ قاسم" بحثا يناقش فيه مشكلة تزوير‬ ‫التاريخ‪ ،‬وتحت عنوان‪ :‬هل يمكن تزوير التاريخ؟ يرى الباحث أن هذا‬ ‫السؤال ّ‬ ‫بحد ذاته ُي ِث ﺮ العديد من ٔالاسئلة حول املقصود بالتاريخ‪ ،‬ثم ُيب ِّ ن‬ ‫ِ‬ ‫أن هناك ثالثة مستويات ملع مصطلح التاريخ‪ ،‬و ي‪:‬‬ ‫ﱠ‬ ‫ُ‬ ‫ٔالاول‪ :‬الداللة ع ى ُم ْج َمل النشاط ٕالانساني ي املا برمته‪.‬‬ ‫ً‬ ‫والثاني‪ :‬النظر إ ى التاريخ باعتبارﻩ سجال للحوادث ي تتابعها الزم ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ونظاما در ً‬ ‫ً‬ ‫والثالث‪ :‬اعتبار التاريخ ً‬ ‫تعليميا‪ ،‬و ي هذا املستوى‬ ‫اسيا و‬ ‫علما‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫املؤرخ‪ ،‬أي محاولة وصف املا‬ ‫يصبح التاريخ مصطلحا دالا ع ى حرفة ِ‬ ‫وتفس ﺮﻩ من خالل قراءة ٔالاحداث التاريخية وإعادة قراء ا مرات ومرات‬ ‫لخدمة الحاضر واستشراف املستقبل‪ ،‬ومن َث ّم يرى الباحث أن هنا َي ُ‬ ‫كمن‬ ‫ً‬ ‫ما يسميه البعض "تزوير التاريخ" ُويب ِّ ن أن ال وير ال يكون‬ ‫تزويرا‬ ‫ُ ّ‬ ‫لألحداث‪ ،‬وإنما هو قراءة منحازة لهذﻩ ٔالاحداث؛ تركز ع ى بعضها و ُ ْ ِمل‬ ‫شأن البعض ٓالاخر‪ ،‬ويش ﺮ إ ى أن القراءة املنحازة للتاريخ ال يمكن‬ ‫اعتبارها من أنماط الدراسة التاريخية؛ فالدراسة بطبيع ا بحث عن‬ ‫َ‬ ‫الحقيقة‪ ،‬والبحث عن الحقيقة يع ُ‬ ‫الب ْع َد عن الانحياز والهوى‪ ،‬ومن ث ﱠم‬ ‫فإن جميع عمليات ال وير ال عرفها التاريخ كانت ذات أغراض سياسية‬ ‫منحازة‪.‬‬ ‫‪179‬‬


‫إن كلمة "التاريخ" ال تحمل مع اصطالحيا محددا اتفق عليه‬ ‫املتخصصون‪ ،‬كما أ ا ال تحمل مع لغويا واحدا يمكن أن يتصورﻩ‬ ‫الفكر عند سماعها‪ ،‬فع ى مستوى اللغة قد تع كلمة "التاريخ" تعريف‬ ‫الوقت‪ ،‬أو إ ا قد تع عملية مرور الزمن وما حصل فيه من أحداث‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وقد تع أيضا لحظة فارقة ي الزمن بسبب أهمي ا‪.‬‬ ‫فالدراسة التاريخية باتت معقدﻩ ومركبه بدرجة تكاد يصعب معها‬ ‫محاولة الوصول ا ى مصطلح يحظى باملوافقة من الجميع‪ ،‬فهناك من يرى‬ ‫إن التاريخ سجل للما ‪ ،‬ولكن دراسة التاريخ ليست ي دراسة املا‬ ‫بحد ذاته‪ ،‬وإنما تنصب ع ى دراسة مس ﺮة ٕالانسان ي هذا املا ‪ ،‬ويع‬ ‫هذا اعتبار "التاريخ" سجال للما من حيث ارتباطه باإلنسان‪.‬‬ ‫وإذا نظرنا ا ى محاوالت تعريف كلمة "التاريخ" ال ساقها املؤرخون‬ ‫وفالسفة التاريخ ي كل ٔالازمنة و ي جميع الثقافات وجدنا اتفاقا ع ى أن‬ ‫تطور مس ﺮة البشر ي املا هو موضوع التاريخ‪ ،‬ولكن هذا الاتفاق ذاته‬ ‫يخلق مشكالت أخرى‪ ،‬إذ إن هناك ثالثة مستويات ملع مصطلح‬ ‫التاريخ‪ ،‬وهذﻩ املستويات يمكن تلخيصها ع ى النحو التا ي‪:‬‬ ‫ يغلب ع ى استخدام هذا املصطلح مع الداللة ع ى مجمل‬‫النشاط ٕالانساني ي املا برمته‪ ،‬وهذا املستوى ال يدل إال ع ى عملية‬ ‫التتابع الزم لوجود ٕالانسان ع ى سطح هذا الكوكب ونشاطه وأحواله‬ ‫ي أثناء ذلك‪ ،‬وهنا يص ﺮ كل فعل إنساني تاريخيا بالضرورة ويع هذا‬ ‫املستوى أن "التاريخ" يشبه را يتدفق من املنبع ا ى املصب حامال كل‬ ‫التفاصيل‪ ،‬ومن املؤكد أن التاريخ‪ ،‬عند هذا املستوى من املع‬ ‫الاصطال ي‪ ،‬ال يمكن تزويرﻩ بأي حال من ٔالاحوال‪ ،‬ذلك أن ٔالاحداث‪،‬‬ ‫كب ﺮها وصغ ﺮها قد وقعت بالفعل وصارت تاريخا ي ذمة املا ‪ ،‬بحيث‬ ‫‪180‬‬


‫ال يمكن اعتاد ا والعبث ا‪.‬‬ ‫ أما الاستخدام الثاني ملصطلح "التاريخ" وهو أك ﺮ شيوعا من‬‫الاستخدام ٔالاول‪ ،‬فهو ذلك الذي ينظر ا ى التاريخ باعتبارﻩ سجال‬ ‫للحوادث ي تتابعها الزم ‪ ،‬وليس باعتبار أنه الحوادث نفسها‪ ،‬كما ي‬ ‫الحال ي الاستخدام ٔالاول وهذا املستوى الثاني ينطوي ي الواقع ع ى‬ ‫مستوي ن فرعي ن‪:‬‬ ‫أ‪ -‬التاريخ من حيث هدفه‪ :‬محاولة معرفة كل ما فعله ٕالانسان ي‬ ‫ً‬ ‫وكل ٔالافكار ال أنتجها العقل ٕالانساني حول نشاطه‪ :‬ت ﺮيرا أو‬ ‫املا‬ ‫تفس ﺮا‪ ،‬ورصدا أو دراسة‪.‬‬ ‫وهنا أيضا ال يمكن أن تصل يد املزورين‪ ،‬فالرغبة ي املعرفة تتناقص‬ ‫تناقصا واضحا وموضوعيا مع الدوافع ا ى ال وير‪.‬‬ ‫ب‪ -‬التاريخ من حيث موضوعه‪ :‬يمكن اعتبارﻩ سجال لألحداث ال‬ ‫وقعت داخل إطار الو ي ٕالانساني منذ بداية الوجود ٕالانساني‪ ،‬واكتسبت‬ ‫بعدا حضاريا بسبب صيغ ا الجماعية‪ ،‬و ي هذا الصدد أيضا يبقى‬ ‫ال وير بعيدا عن سجل الحوادث التاريخية‪.‬‬ ‫‪ -3‬وهناك استخدام ثالث ملصطلح "التاريخ" باعتبارﻩ علما‪ ،‬ونظاما‬ ‫دراسيا وتعليميا‪ ،‬وهنا يصبح "التاريخ" مصطلحا دالا ع ى حرفة املؤرخ‪،‬‬ ‫أي محاولة وصف املا وتفس ﺮﻩ من خالل قراءة ٔالاحداث التاريخية‪،‬‬ ‫وإعادة قراء ا مرات ومرات لخدمة الحاضر واستشراف املستقبل‪.‬‬ ‫هنا يقع ما يسميه البعض "تزوير" التاريخ‪ ،‬ومن املهم أن نالحظ هنا‬ ‫إن "ال وير" ال يكون تزويرا لألحداث‪ ،‬وإنما هو قراءة "منحازة" لهذﻩ‬ ‫ٔالاحداث تركز ع ى بعضها و مل شأن البعض ٔالاخر‪ ،‬ذلك أن الحوادث‬ ‫التاريخية تقع مرة واحدة‪ ،‬ولكن تتم قراء ا عدة مرات ي ما يسميه‬ ‫‪181‬‬


‫البعض كتابة التاريخ والواقع أ ا قراءة وليست كتابة‪ ،‬فإذا كان املقصود‬ ‫تسجيل أحداث التاريخ‪ ،‬فإن ذلك أيضا يحدث مرة واحدة عندما يقع‬ ‫الحدث‪ ،‬أو تحدث الظاهرة التاريخية وتسجل من خالل روايات معاصرة‬ ‫وشهود العيان‪ ،‬أو من الوثائق العامة والخاصة‪ ،‬أو باالستعانة باآلثار‪ .‬وما‬ ‫ا ى ذلك من املصادر التاريخية ولكن محاولة اس ﺮداد الحدث من ذمة‬ ‫املا تتم من خالل قراءة هذﻩ املصادر‪ ،‬وهو ما يع ي التحليل ٔالاخ ﺮ‬ ‫إعادة قراءة التاريخ ال كتابته‪ ،‬فالكتابة التاريخية ليست عملية إنشائية‬ ‫إبداعية‪ ،‬وإنما ي ي الواقع قراءة تتم مرة بعد املرة تلبية الحتياجات‬ ‫الحاضر‪ ،‬و ي هذﻩ القراءة قد يحدث ما يسميه البعض "تزوير" التاريخ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ثم ُيركز ع ى القراءة ال ودية املنحازة للتاريخ‪ُ ،‬ويب ِّ ن أ ا ذات غرض‬ ‫سياﺳ منذ بداي ا‪ ،‬وطوال عمر الحركة الصهيونية‪ ،‬كما كانت دف إ ى‬ ‫ت ﺮير قيام الدولة ال ودية ع ى أرض شعب آخر هو الشعب الفلسطي ‪.‬‬ ‫ويرى الباحث أن النموذج الصهيوني املنحاز ليس هو النموذج‬ ‫الوحيد؛ فهناك سوابق تاريخية كث ﺮة ي استخدام التاريخ بقصد الدعاية‬ ‫ْ‬ ‫السياسية‪ُ .‬ويث ِبت الباحث أنه من الصعب تزوير الرواية التاريخية أو‬ ‫القصة التاريخية أو ﱠ‬ ‫الس ْرد التاري ي ذاته من خالل القراءة املنحازة ال ال‬ ‫َْ‬ ‫ّ‬ ‫الجادة‪.‬‬ ‫تل َبث أن ت اوى أمام القراءة‬ ‫ّ‬ ‫يعرج الباحث ع ى التفرقة ب ن نوع ن من الوثائق العامة وهما‪:‬‬ ‫ثم ِ‬ ‫الوثيقة القانونية‪ :‬ويقصد ا ﱠ‬ ‫كل نص مكتوب أو ُم َد ّون يشتمل ع ى‬ ‫َ‬ ‫ﱡ‬ ‫تصرف قانوني أو واقعة قانونية ت ّم تدوينه لحفظ حق من الحقوق أو‬ ‫إلثبات حالة من الحاالت‪.‬‬ ‫والوثيقة ٕالادارية‪ :‬ويقصد ا املكاتبات ؤالاوامر والتقارير الناتجة عن‬ ‫العمل اليومي ملؤسسات املجتمع‪ ،‬سواء كانت مؤسسات حكومية أو‬ ‫‪182‬‬


‫ّ‬ ‫أهلية‪ .‬ويركز ع ى أن أخطر قراءة أيديولوجية منحازة للتاريخ عامة تتم‬ ‫ٓالان ي أوساط عديدة داخل الواليات املتحدة ٔالامريكية تقوم ع ى فكرة‬ ‫عد "برنارد لويس" هو الذي ّ‬ ‫صدام الحضا ات‪ُ ،‬وي ّ‬ ‫قدم الصورة الصادمة‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫عن ٕالاسالم واملسلم ن ي كتابه »ٔالاصول ٕالاسالمية« الذي كان ي أص ِله‬ ‫ً ُْ‬ ‫ُ‬ ‫صورة ُم ﱠنقحة تحت عنوان‬ ‫محاضرة أل ِق َيت سنة ‪1990‬م‪ ،‬ثم نشرت ي‬ ‫ٍ‬ ‫»جذور الهياج ٕالاسالمي«‪ ،‬و ي قراءة أيديولوجية منحازة ليست ناجمة‬ ‫عن ندرة املعلومات أو نقص التمي ‪ ،‬وإنما ي ُ‬ ‫وقصد‬ ‫دافع سياﺳ‬ ‫نتاج‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لتاريخ‬ ‫تزويرا للتاريخ‪ ،‬بل اختالقا‬ ‫أيديولو ي‪ ،‬وهذا ما يعت ﺮﻩ الباحث ليس‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫لم ُيوجد قط‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫و ي اية البحث يؤكد الباحث أن تزوير التاريخ مستحيل‪ ،‬أما‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫القراءات املنحازة فﻬ ليست تاريخا‪ ،‬وإنما ي تزييف للو ي وٕالادراك‪...‬‬

‫‪183‬‬


184


‫حوار مع أ‪ .‬د‪ .‬الهادي مصطفى أبولقمة‬ ‫ولد بمدينة الزاوية الغربية ودرس ا سنوات دراسته ي املرحلة‬ ‫الابتدائية وٕالاعدادية ونال الثانوية من مدرسة طرابلس الثانوية أوفد إ ى‬ ‫مصر لدراسة القانون‪ ،‬ولكن القدر أرد غ ﺮ ذلك فدرس الجغرافيا‪ ،‬أوفد‬ ‫إ ى انجل ﺮا ونال املاجست ﺮ من جامعة درم وعاد إ ى أرض الوطن ليجد‬ ‫رئيس الجامعة الليبية ي انتظارﻩ ليعينه عضو هيأة تدريس بالجامعة‬ ‫الليبية الفتية آنذاك ثم مالبث أن عاد من جديد إ ى رحاب جامعة درم‬ ‫الذي منحته الدكتوراﻩ و ي زمن قياﺳ وألول مرة ي تاريخ الجامعة عاد‬ ‫إ ى ليبيا ليمارس مهامه كعضو لهيأة التدريس بالجامعة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عمل وكيال للجامعة الليبية ما ب ن عامي ‪1973 -1969‬م ثم شغل‬ ‫ً‬ ‫منصب رئيسا لجامعة بنغازي بعد انقسامها عن طرابلس ح سنة ‪1976‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ف و ي تلك ٔالاثناء كان أيضا رئيسا للجنة ٕالادارية للمدينة الجامعية‬ ‫الجديدة ببنغازي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عمل مستشا ًا للهيئة القومية للبحث العلم ّ‬ ‫لعدة سنوات وعضوا‬ ‫ر‬ ‫باللجنة ٕالادارية ملصلحة املساحة وأمينا ملركز البحوث والدراسات العليا‬ ‫ً‬ ‫بجامعة السابع من إبريل وهو ٓالان منسقا للدراسات العليا بقسم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الجغرافيا بجامعة السابع من أبريل‪ ،‬وكذلك رئيسا فخريا للجمعية‬ ‫الجغرافية الليبية‪.‬‬ ‫‪185‬‬


‫أشرف ع ى عشرين رسالة ماجست ﺮ ورسالة دكتوراﻩ واحدة‪ ،‬كما‬ ‫عمل بالتدريس بمعهد الدراسات العربية التابع للجامعة العربية بالقاهرة‬ ‫خالل سنة )‪1974 /1973‬ف‪.‬‬ ‫املث ﺮ ي هذا الرجل إنه ح ٓالان وبالرغم من تقدمه ي السن يدخل‬ ‫مكتبة عند الساعة السابعة صباحا وقبل الجميع ويغادرﻩ بعد الجميع‪.‬‬ ‫ ي البداية نرحب بك ع ى صفحات صحيفة قورينا ونحب أن‬‫نتعرف ع ى شخصية ٔالاستاذ الدكتور الهادي أبولقمة من خالل‬ ‫مرحلة الطفولة ومرحلة الدراسة ٔالاو ى؟‬ ‫ ولدت عام ‪1934‬م بالزاوية ي أسرة تم بتحصيل العلم فوالدي‬‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كان متعلم تعليما دينيا وأ ي محمد كان معلما للغة ٕالانجل ية فكان الجو‬ ‫ٔالاسري مهيئا للحث ع ى طلب العلم ومتابعته‪.‬‬ ‫درست الابتدائية بمدرسة الزاوية ٕالايطالية عندما تم فتح فرع ي‬ ‫املدرسة للتعليم باللغة العربية بعد أن كانت املدرسة لاليطالي ن فقط‬ ‫وتحصلت ع ى الشهادة الابتدائية عام ‪1947‬ف الدفعة الثانية وقد‬ ‫شهدت هذﻩ املرحلة بدايات تكوين ثقاف املتأثرة بما كان يدور ي سوق‬ ‫الزاوية الذي كان يشهد املظاهرات ضد ٕالانجل والتململ الذي عرفه‬ ‫املجتمع تلك الف ﺮة من موضوع استبدال الاستعمار الايطا ي باالنجل ي‬ ‫وكث ﺮا ما تابعت هذﻩ املظاهرات خاصة أيام ٔالاسواق بمدينة الزاوية‬ ‫الغربية )الاثن ن والخميس(‪.‬‬ ‫ أين كانت مرحلة الدراسة الثانوية وكيف؟‬‫ التحقت بدراسة شهادة الثقافة العامة عندما فتحت مدرسة الزاوية‬‫الثانوية وكنا حريص ن ع ى تعلم كل ﺊ وشغوف ن للتعلم وهذا يرجع إ ى‬ ‫الواقع الذي كان يحرك فينا شعور وإحساس بأننا ي حاجة إ ى التعليم‬ ‫‪186‬‬


‫ي وجود ٕالايطالي ن الذين نراهم يسيطرون ع ى املحالت ونرى الجنود‬ ‫ٕالايطالي ن وهم يرتادون هذﻩ املحالت ومنظر السيارات الايطالية ثم‬ ‫الانجل ية و ي تجوب الشوارع‪.‬‬ ‫كذلك كانت ممارسات ٕالانجل رغم ما يدعونه من ديمقراطية إال إ م‬ ‫ً‬ ‫يعملون دائما إ ى جانب مصالحهم وقد شهدت ذلك خالل الثورة ضد‬ ‫ال ود فاالنجل كانوا يبحثون عن م ﺮر لتهج ﺮ ال ود إ ى فلسط ن‪ .‬وهنا‬ ‫أقول بأنه لم تكن هناك نظرة معادية لل ود ي املجتمع ولكن ٕالانجل‬ ‫افتعلوا تلك الثورة ال قتل ف ا عدد كب ﺮ من الجانب ن‪.‬‬ ‫فكانت هناك روح التحدي وأن الوطن بحاجة إ ى كفاءات متعلمة‬ ‫وبدأ يتحرك فينا هذا الشعور خاصة ي مرحلة الدراسة الثانوية وربما لم‬ ‫يكن عددنا كب ﺮ ولكن املدرسة كانت الوحيدة ي غرب طرابلس وتضم‬ ‫طالب من مختلف املناطق الغربية أي إ ا تضم النخبة املتعلمة‪.‬‬ ‫درست السنة ٔالاو ى الثانوي بالزاوية ثم انتقلت الستكمال دراس ي‬ ‫السنة الثانية والثالثة والرابعة الثانوي بمدرسة طرابلس الثانوية لعدم‬ ‫وجود العدد الكا ي من الطالب لفتح فصول بمدرسة الزاوية وهناك‬ ‫تكونت عندي فكرة أخرى ع ى مجتمع املدينة وكانت أقامتنا بالقسم‬ ‫الداخ ي‪.‬‬ ‫كان مدير املدرسة الثانوية آنذاك ٔالاستاذ الفاضل عبدﷲ الشريف‬ ‫ودرست ع ى أساتذة أجالء أكن لهم كل الاح ﺮام والتقدير وكان لهم‬ ‫دورهم الكب ﺮ ي تنمية قدراتي مثل ٔالاستاذ القدير املرحوم محمد مسعود‬ ‫فشيكه ي مادة التاريخ واملرحوم الهادي عرفة والشيخ الطاهر سبيطة‬ ‫ؤالاستاذ بش ﺮ الطوي ؤالاستاذ الطاهر البش وكان من رفاق الدراسة ي‬ ‫هذﻩ املرحلة عبدالحكيم البش املحامي ومحمد البش وعبدالسالم‬ ‫‪187‬‬


‫أرحومة وجمعه الاربش والصادق ابوعرقوب هؤالء كانوا زمالئي من‬ ‫الزاوية أما ي طرابلس فكونت صداقات مع زمالء الدراسة وكان من بي م‬ ‫ع ي بيالة وسليمان قرادة من الجبل الغربي وكامل املقهور وإبراهيم‬ ‫الغويل وبش ﺮ النجار‪.‬‬ ‫ً‬ ‫و ي اية املرحلة الثانوية )شهادة الثقافة العامة( كان لزاما علينا أن‬ ‫نجري الامتحان ال ائي ي مدينة بنغازي بوالية برقة أمام لجنة الامتحانات‬ ‫ً‬ ‫مكلفة من مصر حيث إن املناهج آنذاك مطابقة تماما ملا كان يدرس‬ ‫باملدارس املصرية والتقينا هناك بطالب من مختلف أنحاء ليبيا كانت‬ ‫ً‬ ‫الامتحانات وٕالاقامة بمدرسة ٔالام ﺮ كنا أربع ن طالبا تقريبا وتكونت لنا‬ ‫صداقات مع مختلف الطالب الذي التقيناهم‪.‬‬ ‫وجدنا بنغازي و ي متأثرة بما جرى فوقها من معارك خالل الحرب‬ ‫ً‬ ‫العاملية الثانية وكان لهذا أيضا تأث ﺮ علينا وشعور بمعاناة املجتمع اللي‬ ‫وأن الحرب كانت شاملة وأثرت ع ى البالد بكاملها‪.‬‬ ‫أقام طالب بنغازي حفل تعارف لطالب طرابلس والزاوية ومصراته‬ ‫ودرنة وتعرفت ع ى عدد من الطالب الذين التقي م كان من بي م‬ ‫املرحوم أحمد أبورحيل املحامي واملهندس حسن الشاعري وعبداملو ى‬ ‫دغمان واملحامي رجب املاجري وعدد آخر من شخصيات املجتمع فيما‬ ‫بعد ال تحضرني أسما م‪.‬‬ ‫ ماذا عن مرحلة الدراسة الجامعية؟‬‫ انقضت الامتحانات وبعد حصو ي ع ى التوج ية سافرت إ ى إيطاليا‬‫للدراسة بجامعة نابو ي وأجريت أمتحان القبول وقبلت لدراسة القانون‬ ‫ً‬ ‫غ ﺮ إن الدولة الليبية أصدرت قرارا بإيفادنا للدراسة بجامعة القاهرة‬ ‫وأخ ﺮني والدي بضرورة العودة لاللتحاق بالدراسة بالقاهرة بعد أن تأكد‬ ‫‪188‬‬


‫بتوجيﻬ لدراسة القانون ففضلت العودة والسفر إ ى مصر لدراسة‬ ‫القانون ي دولة عربية ع ى ٔالاقل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وسافرت إ ى مصر وكانت صدمة ي عندما وجدت أسم موجها لكلية‬ ‫ً‬ ‫ٓالاداب وليس الحقوق وهذا طبعا تم بتدخل من أحد ٔالاشخاص الذي لم‬ ‫يكن يرغب أن أدرس الحقوق ألمر ي نفسه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تأثرت كث ﺮا وغضبت ولم ألتحق بالدراسة وأصبحت أطوي شوارع‬ ‫ً‬ ‫القاهرة مدة سبعة أشهر تقريبا ح قبل الامتحانات ال ائية بشهر‪،‬‬ ‫عندها التحقت بمقاعد الدراسة بناء ع ى نصائح أصدقائي واخ ﺮت قسم‬ ‫الجغرافيا ألني وجدته ٔالاقرب مليو ي وقد ساعدت الجامعة عن ف ﺮة‬ ‫غيابي وتفوقت ع ى زمالئي واستمرت السنوات ٔالاربع وحصلت ع ى‬ ‫الليسانس عام ‪1957‬م‪.‬‬ ‫كان زمالئي من الطلبة الليبي ن الذين التحقوا بقسم الجغرافيا‬ ‫املرحوم د‪ .‬مختار بورو‪ ،‬الذي تو ى منصب "محافظ طرابلس" بعد قيام‬ ‫الثورة و د‪ .‬محمود الخوجة‪ ..‬أما الطالب الليبي ن ي جامعة القاهرة فكان‬ ‫ً‬ ‫عددهم كب ﺮا وكان من بي م عبد الحكيم البش )درس حقوق( وعبد‬ ‫السالم رحومة )درس معهد معلم ن( وجمعة ٔالاربش )هندسة( واملرحوم‬ ‫ع ي وريث‪.‬‬ ‫ي مصر ومع وصولنا كانت الثورة ف ا حديثة العهد وتكونت لدينا‬ ‫ثقافة أخرى تختلف عما كنا نعيشه ي ليبيا فبدأت تؤثر فينا ٔالافكار‬ ‫القومية من خالل الصحف وٕالاذاعة وأصدقاء الدراسة من املصري ن‪.‬‬ ‫وكان للقائنا بأعضاء مجلس قيادة الثورة املصرية والرئيس جمال‬ ‫عبدالناصر ع ى مائدة ٕالافطار بنادي الضباط ي أول رمضان لنا ي‬ ‫القاهرة بالغ ٔالاثر وتكون لدينا شعور بأننا ي دائرة اهتمام القيادة‬ ‫‪189‬‬


‫املصرية باعتبارنا أول بعثة لطلبة ليبي ن موفدين من قبل الحكومة‬ ‫الليبية بعد الاستقالل‪.‬‬ ‫ودرست ي جامعة القاهرة خالل دراس الجامعية ع ى يد أساتذة‬ ‫أجالء كان من بي م د‪ .‬جمال حمدان ود‪ .‬إبراهيم رزقانة‪.‬‬ ‫عدت إ ى ليبيا عام ‪1957‬م أحمل شهادة الليسانس ي الجغرافيا‬ ‫وأحمل معها أفكار ي القومية العربية وأحمل ثقافة اكتسب ا من خالل‬ ‫إقام ي القاهرة وهذا ما أنطبق ع ى بقية الزمالء ي تلك الف ﺮة‪.‬‬ ‫وبمجرد عودتنا قررت الحكومة الليبية إيفادنا الستكمال دراستنا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حيث نظرت إلينا الحكومة يومها ع ى إننا شباب يحمل فكرا قوميا أو‬ ‫بعض ٔالافكار ٔالاخرى وعملت ع ى إقصائنا وذلك بتعجيل إيفادنا للدراسة‬ ‫بالخارج خاصة وإن العالقة مع مصر قد ساءت بعد أحداث العدوان‬ ‫الثالثي ع ى مصر حيث تفجرت ٔالاوضاع الداخلية ي ليبيا‪ ،‬ووصل ٔالامر‬ ‫إ ى درجة أن عمت البالد فو عارمة وقامت مظاهرات تع ﺮ عن الغليان‬ ‫الشع ي بعض املناطق من ليبيا‪.‬‬ ‫وحول تدهور ٔالاوضاع بليبيا ي هذﻩ الف ﺮة‪ ،‬فإن البعض يذكر ويرجع‬ ‫سبب ذلك إ ى أن الحكومة الليبية لم تقف موقفا مشرفا ضد هذا‬ ‫العدوان‪ ،‬بل أننا نجد الحكومة املصرية كانت قد وجهت أصابع الا ام إ ى‬ ‫الحكومة الليبية بأ ا كانت قد فتحت قاعدة خلفية للهجمات ع ى مصر‪،‬‬ ‫وذلك ب ﺮك أراض ا مفتوحة للقواعد العسكرية ال ﺮيطانية‪.‬‬ ‫فان يت إ ى بريطانيا وتحديدا بجامعة دارم إلكمال دراس بالجغرافيا‬ ‫كان ذلك ي نفس السنة ال تخرجنا ف ا )‪ 57‬و‪ (58‬وما حصل م ي من‬ ‫إحباط ي بداية إلتحا ي بجامعة القاهرة ّ‬ ‫تحول إ ى دافع وحافز عند‬ ‫دراس العليا أل ا مرحلة جديدة‪.‬‬ ‫‪190‬‬


‫ويوم سفري التقيت أحد الضباط الانجل بالصدفة ي مقﻬ يديرﻩ‬ ‫إيطا ي بمدينة الزاوية وأخ ﺮني بأن زوجته مسافرة ع ى نفس الطائرة‬ ‫ً‬ ‫مساء اليوم وفعال التقيت زوجة الضابط الانجل ي مع صديقا ا ع ى‬ ‫الطائرة وعندما دخلت الطائرة أجواء لندن واق ﺮبت من الهبوط وشاهدنا‬ ‫من الجو ٔالاضواء صرخت أحدى صديقات تلك الزوجة – الحمد هلل‬ ‫عودة إ ى الحضارة – شعرت هنا باألهانة وكانت أول صدمة نفسية من‬ ‫العالم الغربي الذي سألجه‪.‬‬ ‫ ومرحلة الدراسة ي انجل ﺮا ؟‬‫ي لندن وأنا الشاب الريفي الذي عاش ي أسرة بمنطقة زراعية وتأثر‬ ‫ً‬ ‫بأفكار القومية ي القاهرة وكيف سيواجه املجتمع الغربي شاعرا بأهانة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اللقاء ٔالاول مع هذﻩ املدينة‪ ،‬عملت جهدا خارقا للعادة‪ ..‬إن صحت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫العبارة‪..‬وأ يت رسالة املاجست ﺮ خالل سنت ن فقط‪ ..‬كان زمنا ً◌ قياسيا‬ ‫ب ن زمالئي ٕالانجل وحصلت ع ى الدرجة العلمية ي يوليو ‪ 1960‬م وكان‬ ‫ً‬ ‫زميالي مختار بورو ومحمود الخوجة أيضا يدرسان بنفس الجامعة‪ ،‬وقد‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫سافرنا أيضا ع ى م ن طائرة واحدة إال أ ما تأخرا بعض الوقت إلتمام‬ ‫رسالت ما‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تقرر أن ندرس املاجست ﺮ بجامعة دارم ونظرا للتكوين الجيد للغة‬ ‫ً‬ ‫الانجل ية ي مرحل الدراسة املختلفة لم نحتاج كث ﺮا إ ى دراسة اللغة كان‬ ‫ً‬ ‫رئيس القسم ي الجامعة يعمل باإلضافة إ ى عمله مستشارا للملكة‬ ‫للشؤون الليبية وقد لفت انتباهه إ ى إن لغ جيدة وأفضل الجميع‬ ‫وأستغرب بأن من الريف وأتقن الانجل ية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ونصح أنه بإمكاني صقل لغ قليال من خالل عالق بالشارع‬ ‫الانجل ي إذ إنه هذا ما كان ينقص حسب اعتقادﻩ وتم تعي ن السيد د‪.‬‬ ‫‪191‬‬


‫كالرك كمشرف للدراسة وهذا ينسب إليه أول مؤلف عن جغرافيا‬ ‫السكان‪.‬‬ ‫واخ ﺮت موضوع دراسة الجغرافيا البشرية بالشريط الساح ي اللي‬ ‫وكانت حدود الدراسة منطقة غرب طرابلس وتتبعت هذا الشريط خطوة‬ ‫ً‬ ‫خطوة س ﺮا ٔالاقدام لدراسة جغرافية املنطقة حيث قمت بنقد ٔالاوضاع‬ ‫القائمة آنذاك ي محاولة إلصالح الوضع القائم إ ى ٔالافضل ي مختلف‬ ‫نوا ي الحياة التعليم والصحة والزراعة والطرق وأوصيت بإنشاء مصفاة‬ ‫ً‬ ‫النفط الحالية ونصحت بانشاءها ي املوقع املقامة عليه نظرا لحاجة‬ ‫املنطقة بالرغم من إن ليبيا كانت حديثة العهد باكتشاف النفط‪.‬‬ ‫ معيد بالجامعة الليبية؟‬‫ أ يت دراسة املاجست ﺮ وعدت إ ى ليبيا عام ‪1960‬م وبمجرد عودتي‬‫زارني الشيخ عبدالجواد الفريطيس رئيس الجامعة الليبية ي بي بمدينة‬ ‫ً‬ ‫الزاوية وتناول م ي طعام الغذاء وطلب م رسميا الالتحاق للعمل‬ ‫بالجامعة ع ى وظيفة معيد للعام الجام ي ‪ 61/60‬بمرتب قدرﻩ ‪ 63‬جنيه‪.‬‬ ‫كان عميد كلية ٓالاداب أ‪.‬د نصرالدين ٔالاسد وهو فلسطي تو ى فيما‬ ‫بعد وزير التعليم العا ي ي اململكة ٔالاردنية وكان من زمالئي أعضاء هيأة‬ ‫التدريس املرحوم د‪ .‬عمر التومي الشيباني ود‪ .‬محمد إبراهيم حسن ود‪.‬‬ ‫عبدالعزيز طريح شرف‪.‬‬ ‫وجدت الجامعة تحت تأث ﺮ روح القومية العربية وأفكار عبدالناصر‬ ‫وأغلب الطالب من خارج مدينة بنغازي ومقيم ن بالقسم الداخ ي وبقيت‬ ‫ملدة سنت ن )‪ّ (1962 -1960‬‬ ‫أدرس الطلبة و ي هذﻩ ٔالاثناء كنت ع ى‬ ‫اتصال بجامعة دارم‪ ،‬وكانت الجامعة تقدر ي جهدي‪ ..‬وبالتا ي بمجرد‬ ‫ُ‬ ‫تقدمي لدراسة الدكتوراﻩ قبلت‪.‬‬ ‫‪192‬‬


‫فقد قررت أن يكون موضوع أطروح‬ ‫لم أترك الوقت يم‬ ‫للدكتوراﻩ ي جغرافية املدن عن مدينة بنغازي وقمت خالل تلك الف ﺮة‬ ‫بإجراء الدراسة الحقلية للمدينة من أعمال التصوير لشوارع املدينة‬ ‫ومبان ا وٕالاحصاء واملسح الكامل وكل ما توقعت أن احتاج إليه‬ ‫الستكمال متطلبات ٔالاطروحة‪.‬‬ ‫وعند زيارة ٔالاستاذ كالرك املشرف ي رسالة املاجست ﺮ إ ى الجامعة‬ ‫الليبية نصح بإيفادي إ ى دراسة الدكتوراﻩ ووافقت الجامعة ع ى إيفادي‬ ‫إ ى نفس الجامعة وتحت أشراف ٔالاستاذ نفسه‪.‬‬ ‫وكما حدث ي املاجست ﺮ حصل ي الدكتوراﻩ "فالحد ٔالادنى ثالثة‬ ‫سنوات للدكتوراﻩ وأنا أتمم ا خالل سنت ن فقط‪ ..‬كان ذلك يحتاج إ ى‬ ‫إذن خاص من الجامعة ي مثل هذﻩ الحاالت‪ ،‬كان الاج اد وسيل‬ ‫وناقشت ي يوليو ‪1964‬م هذا لم يكن يسمح به إال بإذن خاص من‬ ‫مجلس الجامعة‪.‬‬ ‫عدت من بريطانيا وجدت رئيس الجامعة وقد أصبح ٔالاستاذ عبداملو ى‬ ‫دغمان ووجدت الجامعة تشكل قلعة كب ﺮة للقومي ن العرب املتأثرين‬ ‫بفكر عبدالناصر وحكومة ليبيا آنذاك كانت تعت ﺮ الجامعة مؤسسة مهمة‬ ‫ل ضة املجتمع‪.‬‬ ‫أغلب أعضاء هيأة التدريس من مصر وهناك بعض ٔالاساتذة الزائرين‬ ‫كانوا يأتوا من أر ى الجامعات ٔالاوربية إللقاء املحاضرات املختلفة‪.‬‬ ‫كانت الجامعة تعج بمجموعة كب ﺮة من الطلبة الذين أصبحوا‬ ‫متم ين فيما بعد و من بي م محمود شمام و رجب الحصادي ورجب‬ ‫بودبوس والصادق الن وم ‪.‬‬ ‫ ما ي املناصب ال تقلد ا بعد عودتك؟‬‫‪193‬‬


‫ً‬ ‫ لم أقبل أي منصب إداري ي الجامعة ألني أعت ﺮ نفﺴ أكاديميا‪،‬‬‫وبعد قيام الثورة ي ليبيا عام ‪ 1969‬م كلف املرحوم الدكتور عمر التومي‬ ‫الشيباني برئاسة الجامعة الليبية وتم تكليفي بمهمة وكيل الجامعة وكان‬ ‫من اختصا ٔالاشراف ع ى املدينة الجامعية الجديدة ال وقع عقدها‬ ‫ي السنة ال سبقت الثورة‪ ،‬وتابعت عملية البناء من بداية ٕالانشاء ح‬ ‫استلمته ي عام ‪1976‬م ووصلت تكلفة إنشاءﻩ عشرين مليون دينار‪،‬‬ ‫وكانت الجامعة ٔالاو ى ي شمال إفريقيا والشرق ٔالاوسط‪.‬و ي نفس العام‬ ‫تركت العمل ٕالاداري وتفرغت للعمل ٔالاكاديم ‪.‬‬ ‫ قمت ب ﺮجمة عدد كب ﺮ من املؤلفات حول ليبيا كيف ترى ال ﺮجمة ؟‬‫لك لم أكن أعرف إن لغات العالم ٔالاخرى تحتوي كم هائل من‬ ‫املعلومات ال كتبت عن تراث وتاريخ ليبيا‪ ،‬فقمت ب ﺮجمة كل ما وقع ب ن‬ ‫يدي أثناء دراس وما رأيت به فائدة لآلخرين‪ ،‬وأعت ﺮ كل كتاب الفته أو‬ ‫ً‬ ‫قمت ب ﺮجمته وكائنه مولودا جديد ي عائل ‪ ،‬ولكل كتاب قصة ي حياتي‪.‬‬ ‫والحقيقة أمرض عندما ال أقراء كتاب أو أقوم ب ﺮجمته وكانت القراءة‬ ‫جزء من حياتي اليومية ‪.‬‬ ‫ كيف ترى مشكلة املياﻩ ي ليبيا؟‬‫ املياﻩ ي ليبيا مشكلة كب ﺮة ولبدا لنا من أن نب حياتنا ع ى أساس‬‫عدم توفر املياﻩ بالكميات ال يمكننا من خاللها أن نكون مجتمع زرا ي‬ ‫إال ي حدود إمكانيات بسيطة‪ ،‬كان الليبي ن قد أقاموا زراعة بسيطة‬ ‫تعتمد ع ى املياﻩ السطحية ال ألف الناس تعويض نقص مياهها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بتعميقها أحيانا أو إيقاف السحب م ا لبعض الوقت انتظارا لعودة‬ ‫املنسوب إ ى سابق مستواﻩ ومن ثمة إعادة الكرة ح يتم ري مزروعا م‬ ‫من بعض الخضر والبقوليات إ ى جانب بعض محاصيل العلف أو عن‬ ‫‪194‬‬


‫طرق استغالل مياﻩ العيون املحدودة العدد واملبع ﺮة التوزيع ي زراعة‬ ‫محاصيل مشا ة مع الفارق ي حجم املساحة‪.‬‬ ‫وهذا املوضوع كشفت حقيقته منذ بداية الاستيطان الزرا ي‬ ‫الاستعماري الايطا ي فقد و ى الايطالي ن بأن ليبيا لم تكن كما تصوروا‬ ‫أي من املمكن إقامة زراعة مروية واسعة وقد اختاروا املناطق ال كانت‬ ‫ا كميات من املياﻩ الارتوازية مثل طمينة بمصراتة وأقاموا عل ا زراعة‬ ‫بطريقة ت ﺮيد املياﻩ‪.‬‬ ‫أما بالنسبة للمياﻩ ي الطبقات القريبة فهذﻩ تم است افها بعد وصول‬ ‫الكهرباء وال كانت كسيف ذو حدين وقيام املواطيني ن بإقامة مزارع غ ﺮ‬ ‫منظمة ي املناطق الرعوية خصوصا سهل الجفارة‪ ،‬الذي يعتمد حوضه‬ ‫ع ى تجميع املياﻩ من كميات ٔالامطار ال تسقط خالل فصل الشتاء و ي‬ ‫أيضا كميات بسيطة وال تكفي لتعويض الكمية املست فة‪.‬‬ ‫وهذا ما يحدث ٓالان ي منطقة الجبل ٔالاخضر سيعرضه لخطر بيﺌ‬ ‫قادم حيث يتم است اف كميات املياﻩ بحفر آبار ارتوازية واستخراج املياﻩ‬ ‫لزراعة كميات محدودة من الخضروات‪ .‬وينطبق هذا ع ى الواحات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫طبعا باإلضافة إ ى إنه ي كل املدن الليبية يتم تعويض املياﻩ‬ ‫السطحية بمياﻩ املجاري لعدم وضع حلول ملشكلة الصرف الص ي وهذا‬ ‫خطر يواجه سكان املدن وسيظهر خطرﻩ ع ى املجتمع خالل ٔالاجيال‬ ‫القادمة‪.‬‬ ‫بالنسبة لل ر الصنا ي وبما إنه مخزون املياﻩ ال يتم استغاللها غ ﺮ‬ ‫متجدد وهذا املخزون قابل للنضوب وهناك بعض ٓالابار مستوى الهبوط‬ ‫ً‬ ‫السنوي ف ا كب ﺮ جدا ولبدا من النظر للموضوع بشكل اس ﺮاتي ي وماذا‬ ‫سن ﺮك لألجيال القادمة ؟ ويمكن إقامة زراعة محدودة ع ى مياﻩ ال ر و ي‬ ‫‪195‬‬


‫ً‬ ‫ٔالاماكن املؤهلة زراعيا والخصبة لكي يتم أنتاج وف ﺮ ي ضو اس الك مياﻩ‬ ‫مق ن‪.‬‬ ‫كان من املمكن استخدام مياﻩ ال ر ي تنمية مناطق الجنوب ولكن‬ ‫ٓالان حدث العكس سي ﺮك سكان الجنوب مناطقهم متتبع ن املياﻩ ي‬ ‫الشمال وهذا سيحدث خلل ي السكان فراغ ي الجنوب وتضخم سكاني‬ ‫ي الشمال ع ى حساب ٔالارض ال كنا نتصور إ ا صالحة للزراعة‪.‬‬ ‫وكان من املمكن توف ﺮ املياﻩ لسكان الشمال بإنتاج مياﻩ التحلية وهو‬ ‫ما تم العودة إليه ٓالان وإنشاء العديد من محطات التحلية ع ى طول‬ ‫الساحل‪.‬‬ ‫ كيف تقيم الجغرافي ن الليبي ن من ناحية ٕالانتاج العلمي؟‬‫ً‬ ‫د‪ .‬سعد القزيري من أفضل الجغرافي ن الليبي ن إنتاجا علميا ‪.‬‬ ‫ ما املؤلفات ال قمت ب ﺮجم ا؟‬‫وقدم ي قائمة باملؤلفات ال ترجمها‪:‬‬ ‫‪ -1‬أخبار الحملة العسكرية ٔالاو ى‪ 1968 :‬ف‪.‬‬ ‫‪ -2‬بنغازي ع ﺮ العصور )باللغة ٕالانجل ية(‪ 1985 ،72 ،68 :‬ف‪.‬‬ ‫‪ -3‬دراسات ليبية "الجزء ٔالاول" ‪1968‬ف‪ :‬ثالث طبعات‪.‬‬ ‫‪ -4‬مشروع الاستيطان ال ودي ي برقة‪ 1975 :‬ف مكتبة قورينا‪.‬‬ ‫‪ -5‬خريطة الطرق ي ليبيا‪ 1976 :‬ف‪ ،‬الشركة العامة للنشر والتوزيع‬ ‫)عدة طبعات(‪ ..‬و ي أول خريطة للطرق ي ليبيا‪.‬‬ ‫‪ -6‬من بالد العالم‪ :‬بداية السبعينات‪.‬‬ ‫‪ -7‬مدينة طرابلس بمدخل ا الغربي والشر ي‪1980 :‬ف‪ ،‬املنشأة‬ ‫الشعبية للتوزيع وٕالاعالن‪.‬‬ ‫‪ -8‬السلفيوم ال ﺮوة املفقودة‪ 1985 :‬ف‪ ،‬منشورات جامعة قاريونس‪.‬‬ ‫‪196‬‬


‫‪ٔ -9‬الاطلس التعليم ‪1985 :‬ف‪ ،‬أمانة التعليم‪.‬‬ ‫‪ -10‬تجارة الذهب وسكان املغرب الكب ﺮ‪1988 :‬ف‪ ،‬منشورات جامعة‬ ‫قاريونس‪.‬‬ ‫‪ -11‬منظمة ٔالاوبك‪ 1991 :‬ف‪.‬‬ ‫‪ -12‬أزهار من قورينا‪1992 :‬ف‪ ،‬منشورات جامعة قاريونس‪.‬‬ ‫‪ -13‬الانفجار السكاني‪ 1993 :‬ف‪ ،‬منشورات جامعة ‪ 7‬إبريل‪.‬‬ ‫‪ -14‬ترحال ي الصحراء‪ 1993 :‬ف‪ ،‬منشورات جامعة قاريونس‪.‬‬ ‫‪ -15‬مدخل إ ى الصحراء‪ 1993 :‬ف‪ ،‬منشورات جامعة قاريونس‪.‬‬ ‫‪ -16‬الجغرافيا البحرية‪1994 :‬ف‪ ،‬عدة طبعات )مقرر جام ي(‪.‬‬ ‫‪ -17‬الجماه ﺮية دراسة ي الجغرافيا‪ 1995 :‬ف‪ ،‬الدار الجماه ﺮية‪.‬‬ ‫‪ٔ -18‬الاخوان بيت والساحل اللي ‪1996 :‬ف‪ ،‬منشورات جامعة‬ ‫قاريونس‪.‬‬ ‫‪ -19‬الساحل اللي ‪1997 :‬ف‪.‬‬ ‫‪ -20‬دراسات ليبية )الجزء الثاني(‪ 1998 :‬ف‪.‬‬ ‫‪ -21‬الاستيطان ٕالايطا ي ي ليبيا‪ :‬التسعينات‪ ،‬مركز جهاد الليبي ن‪.‬‬ ‫‪ -22‬مصطلحات ونصوص جغرافية‪2002 :‬ف‪ ،‬دار شموع الثقافة‪.‬‬ ‫***‬ ‫)*( نشر هذا الحوار بجريدة قورينا ‪2008‬م‬

‫‪197‬‬


‫املحتويات‬ ‫مقدمة‬ ‫‪ 1‬موقف صحيفة الحقيقة الليبية‬ ‫من الحرب العربية ٕالاسرائيلية عام ‪.......................... 1967‬‬ ‫‪ 2‬تنظيم تجارة القوافل بوالية طرابلس الغرب ‪.......................‬‬ ‫‪ 3‬الطرق الصوفية و مقاومة ٕالاستعمار ‪..................................‬‬ ‫‪ 4‬املرابطية ي مجتمع طرابلس الغرب‬ ‫ي العهد القرمان ي ‪1835 -1711‬م ‪.......................................‬‬ ‫‪ -5‬جامع املجابرة‬ ‫ودورﻩ ي املشهد ٕالاجتما ي والسياﺳ والثقا ي ‪...................‬‬ ‫‪ -6‬الخمس وتأث ﺮها ي تكوين شخصية الزعيم‬ ‫بش ﺮ السعداوي )‪1911 – 1884‬م( ‪......................................‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ -7‬بش ﺮ السعداوي كاتبا ومخرجا مسرحيا ‪...............................‬‬ ‫‪ -8‬الطرق الصوفية ي مقاومة ٕالاستعمار‬ ‫ً‬ ‫الطريقة السنوسية أنموذجا ‪................................................‬‬ ‫‪ -9‬العالقة ب ن غدامس و تمبكتو‬ ‫ً‬ ‫الرحالة الانجل ي ألكسندر لينج نموذجا ‪............................‬‬ ‫‪ -10‬قراءة ي كتاب ‪:‬‬ ‫الجذور الاجتماعية للدولة الحديثة ي ليبيا‬ ‫للدكتور املولدي ٔالاحمر ‪........................................................‬‬ ‫‪198‬‬

‫‪5‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪47‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪91‬‬ ‫‪103‬‬ ‫‪113‬‬ ‫‪131‬‬

‫‪141‬‬


‫‪-11‬‬ ‫‪-12‬‬

‫‪-13‬‬ ‫‪-14‬‬ ‫‪-15‬‬ ‫‪-16‬‬ ‫‪-17‬‬

‫قراءة ي كتاب ال ﺮاث والحداثة‬ ‫للدكتور محمد عابد الجابري ‪...............................................‬‬ ‫حول الهوية‬ ‫مدخل كتاب "صراع الهوية ب ن ٔالانا وٓالاخر "‬ ‫ملؤلفه‪ :‬سالم الحداد ‪.............................................................‬‬ ‫ناو – شرماك أو‪ٕ ..‬الاضراب ‪...............................................‬‬ ‫جريدة »أبوقشة« الهزلية‬ ‫تجسيد لحرية إصدار الصحافة ‪...........................................‬‬ ‫ْ‬ ‫من التاريخ‪ ..‬السيد كاروفلو حاكم جزيرة اوستيكا ‪...............‬‬ ‫هل يمكن تزوير التاريخ؟! ‪.....................................................‬‬ ‫حوار مع أ‪ .‬د‪ .‬الهادي مصطفى أبولقمة ‪................................‬‬

‫‪199‬‬

‫‪151‬‬

‫‪163‬‬ ‫‪169‬‬ ‫‪173‬‬ ‫‪175‬‬ ‫‪179‬‬ ‫‪185‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.