أنور رحماني
مدينة الظالل البيضاء
رواية
مدينة الظالل البيضاء
2
مدينة الظالل البيضاء
الكاتب أنور رحماني EMAIL anouarovic@gmail.com
FACEBOOK Anouar Rahmani
يمكن طباعة هذه الرواية أو مناقشتها بترخيص من كاتبها بشرط االشعار المسبق. شخوص هذه الرواية غير حقيقية
3
مدينة الظالل البيضاء
4
مدينة الظالل البيضاء
اهداء الى جان بيار الذي يتكرر في نسخ اخرى و الى جان سيناك الشاعر الذي لم اقرا له ككل الجزائريين
5
مدينة الظالل البيضاء
6
مدينة الظالل البيضاء هل لي ايتها المدينة التي تعيش بداخلي و تبعتني في كل مكان ذهبت اليه و محت ظلي و استوطنته ان احادثك كصديق قديم لطالما كان و سيكون وفيا لكي ،فال احدا سيفهمني اكثر منك انت من يعرفني اكثر من امي و انت وحدك تعرفنني من اخمص اقدامي الى موتي المسطر فيك . هل لي ان ارسل من خاللك رسالة الوجود كأني هنا ،و كأني في كل مكان رسالة منا نحن اللذين ال وطن لنا الى أالئك الذين كل االوطان لهم ،ها نحن ذا نتنفس نفس الهواء نشرب نفس الماء و نعيش على نفس االرض و كل ما يفرقنا هو الوطن
انور رحماني 7
مدينة الظالل البيضاء
8
مدينة الظالل البيضاء
الفصول مرقد الريح شجرة عيد الميالد موسم البرتقال الحرية للمالك همسة في أذن القمر ابي يعود من الشرفة العنكبوت تأكل االطفال لقائي مع اهلل رقصت فوق االثداء قيامة الريح
9
مدينة الظالل البيضاء
10
مدينة الظالل البيضاء
1
مرقد الريح تحملني ذكرياتي التائهة و التي افر معها الى الضباب و انا الامس هذه الشجرة العتيقة الى ابعد نقطة بداخلي ،حيث يتربع املاض ي متشبثا بمخالبه بكل أجزائي ،مبحرا في الشرود ،يتسول الوقت مني لحظة ،فال اهديها إال لهذا الشعور ألازلي .و لكني اعاود الكرة الامس هذه الشجرة الكبررة املصووةة هصا ،كتذكار ابدي لعالم يشتاق لبذرة فال يرى سوى التراب ،احضنها بقوة ،اجعلها تتحمل جسمي الهالك ،املتشابك مع نفسه الذي يبدو انه قد حمل مع الريح الى هصا ،الى هذه املديصة البيضاء املرصوفة على رصيف امليصاء الحاضن للبحر الابيض املتوسط ،بعجالة تصطفئ حاناتها على جمرة لهيبي ،و تسافر في هوائها املالئكي ،و تراقص فيها الشيطان البريء الذي طاملا قاده وجودنا البشري الى الجصون ،و كما قاطعصا حياة الشيطان تقاطعني بال خجل هذه الشجرة
11
مدينة الظالل البيضاء املصووةة هصا ،تكحل عيني بدمع بائس ،تصاشدني في ان احضنها بقوة و ان ابكي . هصا بحديقة التجارب بالحامة ،يستوقفني مصظر الطفل الوغرر يأكل غزل البصات لحية بابا ،يذكرني بطفولتي التي مر عليها قطار الزمن ،و يا ليتني انبش الغبار عنها فألبسها كما خلعت مني ،و كذلك تلك الفتاة التي تلعب على دراجتها الوردية ،دراجتي و انا صغرر كانت وردية كذلك ،و لكنها كانت اجمل و كانت عليها سلة اضع فيها دبدوبي الوغرر ،اردت بقوة ان اسرقها منها ،و لكن جسمي كان اكبر من الجلوس عليها ،فتصكرت لها و تشبثت بدراجتي املطوية في خزانة الذاكرة ،كما طوت امي اخر مرة قميص ي الابيض قبل ان تموت. مررنا من هصا من هذه البقعة الخضراء ،كجوهرة غابية تزين رقبة العروس الفاتصة في زيها الابيض ،العروس التي تطفو فوق بركة من املاء ،و ال يجعلها تطفو كذلك سوى تلك الذاكرة الرائعة التي نسجصاها معا انا و هي. الجي املديصة التي عاهد بها هللا انبيائه ،و حذر منها شيطانه و الكفار ،انها التالقي برن الجصة و الصار ،و هي كذلك املديصة التي 12
مدينة الظالل البيضاء تشققت فوق ترةتها السماء ،و انبتت ياسميصا يتدلى من الجدران، يحكي مع اقواسها الف حكاية و حكاية ،يصافس رائحة الحبق الذي بدوره يضع على رؤوسصا اكاليل الغار. لكل نبتة محبسها ،و لكل فيصا مصبت ،انه التراب الذي صصعصا مصه لصعود اليه .انها الذكريات الخالدة التي نضعها في قلب كتاب مقدس ،و نتركها للوحوش.لتحرسها الذكريات الخالدة ال تستحق مصا مجلدات لصكتبها ،و ال تحتاج لكتب التاريخ ،فهي ليست موقف رسمي،و ال حرب لتبقى ،و لكني اعني بالذكريات الخالدة تلك املشاهد التي تتبعصا للقبور ،فتشربها التربة من جثتصا لتسقي بها الزهور لتعود حية مع كل فراشة ،مع كل نحلة ،مع كل طرر ،مع كل شجرة ،كهذه التي امامي الان،تذكرني بتعاستي ،وحدتي ،و رغما عنها تذكرني بأغلى لحظات حياتي مع حبيبي الضائع في رقم تسلسلي ال اعرف عدده بالضبط ،في عالم من الاموات الطهر يعيشون في مكان ما برن السماء و الارض ،يقال:ان عددهم مليون و نوف املليون شهيد ،و لكني ال اتذكر رقمه لكي اناديه؛ يكفيني احساس ي و اسمه البشري ألفعل ذلك .انه يعيش بداخلي كحوت كبرر ،كحب اكبر ،و كشمس ال تض يء سوى على نقطة واحدة من كوكب وجداني انه هو ،هو وحده يستحق ان يكون في بقعة 13
مدينة الظالل البيضاء الضوء في حياتي الى الابد دون مصافسة من احد ،انه هو من يستحق ان يعبد و ألجله احضن هذه الشجرة بقوة ،و بكل شغف. اصوات كثررة بهذه الحديقة تقطع شرودي ،و لكن بدورها تذكرني بكل الثواني الاروع في حياتي ،و انا بدوري ممتن لووت تلك املرأة التي تصادي طفلها و هي تجري ورائه ،تحاول التقاطه قبل ان يسقط في بركة البط و السمك الياباني ،و تغازلني بكل لطف مريم العذراء ،القدم السوداء التي لم ترحل بعد عن هذه الارض ،و قررت املكوث فيها ،لتهب سكانها صلوات املنسيرن لعلهم يشتاقون لخوانهم الفارين ،فيحضنهم الرةيع ثانية في محبس واحد كورود ذابلة يعيدها هللا ثانية الى الحياة. مازال هذا امللمس يطري جلدي ،و يرمم الشقوق املاكثة على وجهي ،و كأنه ماء انوب لرروي ارضا متعطشة من سصرن ،او هذا الذي اشعر به و كأنه املاء املقدس الذي يعيد البشر للحياة بعد موتهم .ال اشعر بالعطش هصا بل اشعر بشهوة كبررة ألشرب ماء ذاكرتي بال هوادة ،اتركه ينهمر على جسمي كشالل برن عرش هللا و املالئكة املصررة،ليصوب في عيني في دمعة او دمعترن ألتذكره.يا هللا، كم اشتقت له !
14
مدينة الظالل البيضاء تلك الشجرة اللعيصة ال تريد ان تقول شيئا ،و لكنها الزالت تحمل حروف اسمصا في قلب مصحوت عليها ،و بمجرد ان املسه يتفتت كياني ،و تالحقني الصجوم الى وكر الخفافيش في مخيلتي ،فانفض عنها الغبار ،و اترك الشموس تغرد بومت داخلها ،محدثة الصور العظيم .و برن تلك اللعصة البادية على الشجرة تلك و برن انا امللعون بالفراق ،اعشق تلك الشجرة اكثر من ذاتي ،و اتمنى ان اكون حرفا عليها ألعيش الذكرى،و كأني هي و كما هي الان امامي ،كشقوق امواج عاتية على الحور العتيق املصبثق من سكرات موت فضفاضة ،ال تريدني ان اموت ،و لكنها تريدني شقا على جذع شجرة ،كما اريدني الان ،و لكنها ما تلبث ان تفعل ذلك إال و مصحتني بعض الوقت الشتاق اكثر ،و ألتعذب اكثر دون رحمة او شفقة. فعصدما نسلب الخوف من املوت و نتمصاه ألخذنا ،يبتسم هو لصا .و يقرر ان يعطيصا خوفا اخر من الحياة ،فتصقلب الادوار في مسرح غرر قادر بان يفتح ستاره ثانية. تشدني رائحة هذه املديصة العبقة بازدواجية الثقافة برن باب للشرق ،و باب للغرب .تأسرني في مالمسها الحريرية ،و صوت ابصائها املخملي .احمل في مخيلتي عنها الكثرر من الحياة ،و القليل 15
مدينة الظالل البيضاء من الوبر ،اريد منها ان تفرغ للحظة من كل سكانها ألتمكن من الاختالء بها لوحدنا ،أنا و هي في سرير واحد ،انا و مديصة الظالل البيضاء. خطواتي املباغتة لألرض ،بعد مجهود كبرر لرفعها و جعلها تالمسها مرة اخرى ،كان يجعل الوقت يمر ببطء شديد ،و انا هصا بحديقة التجارب ،اشتم رائحة املاض ي من زهور ارادت ان تتفتح لألبد في صصوان الذاكرة املغتربة في الزمن ،ال يريد شعاعها ان يفلت اصابعه مني ،وال تريد يدي ان تمتد ألخذها ،فهي هصاك و الاكيد ال تسقط في حرن ذراعي الزالت تحضن حبيبها بكل تمرد غرامي في احالمي ،التي رافقتني طيلة حياتي دون ان تأذن لي بان اترك حضصه الدافئ هصاك ,فاذا عشقت شهيدا سيعيش حبك معه حيث يعيش الابد ,و من املستحيل ان ننس ى من عشقصاه و مات شهيدا للحب و الحياة ,متمردا على الكراهية ,محارةا لإلقواء, مجدفا بكل عمق في اغمرار عيون الشمس بالدموع الباكية ,على ليل لم يتمكن شعاعها من قصوه ,و مرافقة الالهة املتعددة الى دفء الحصان فيه. هذه املديصة كثررة الوراخ ,و لكني اعيش فيها هدوئي التام .متفرغ ألجلها تذكرني بحواني الاصفر الذي رةطته مرة ,و رةطت نفس ي 16
مدينة الظالل البيضاء فيه برةاط حذائي في الشفق البرتقالي ,في الركن الخامس لحلمي ,و فر مني الى عالم الطيور يختب ساعات و ساعات اخرى ,يطرر ملالقاة الصجوم مارا على كل البحار و املحيطات ,هصاك بوهيل يهز اركان الكون و يسحلني ورائه ،يجعلني حزين لفراره و سعيد بتمسكي به ألخر لحظة في اقص ى الكون البعيد. اسمي جان بيار ،عمري اليوم سبعة و سبعون سصة ،و ما زلت تتذكرني جيدا هذه الارض .تحضصني الجاذبية اليها على غرار العادة ،مازلت اقف على قدماي و احلق في سمائها ،كما كانت تراقوني نفحات شبابي الذي تركته هصا يوما ما ،يعيش كل لحظة رةوع شبابه دون كلل او ملل ،و صار يوطحبني من يدي الى مرقد الريح الغافية في تأمل فلسفي لحب خرج من جذور الارض كعاصفة هوجاء ،تحمل الرةيع برن احضانها العصيفة لعالم استوطصه الهدوء الجاف و التصحر الشعوري ،و بات فيه الخوف اعتى من العواصف. يشكل ذلك البصاء الكبرر هصاك فوق تلة العاصمة نقطة استفهام كبررة في ذهني ،فهو لم يكن مصووةا هصاك ابدا،فهو بصاء جديد، يبدو من بعض الجهات جميال نوعا ما ،و بيصما من اغلب الزوايا كان يبدو قبيحا جدا ،طويل للغاية ،و لونه غرر مصدمج نهائيا مع 17
مدينة الظالل البيضاء لون املديصة ،كان يبدو مستفحال فيها كورم سرطاني خبيث يقطع بياضها بتمرده على السماء ،لم يعجبني كثررا وجوده هصاك ،شعرت و كأنه قبعة طويلة فوق راس ي و انا الذي اكره القبعات، سالت عصه فقيل انه مقام تذكاري للشهداء ،يسمى عصوة مقام شهيد ،اي شهيد ال اعرف ،و لكصه حتما ليس حبيبي. كان الاجدر بهم ان يرفعوا القبعة لألبطال ،ال ان يصوبوا لهم قبعة فوق تالل املجد املخضب بدمائهم الزكية و ان يمزقوا جمالية املكان بحضور بشع لصوب شاهق يتكبر على كل ما هو جميل في املديصة بقبحه ،قيل انه تاج فوق رؤوسهم و لكني اراه تكريسا للتسلط و الاستبداد. كان يكفيهم ان يزرعوا الورود في عقول ابصاء هذه الارض العظيمة ؛،عوض ان يتلوها ليل نهار فوق شعاب القبور.كان يكفيهم ملرة واحدة ان يخفتوا صوت الكره للحظة ،و ان يترك شعاع الحب يمجد الشهداء بصفسه برن افراد الشعب ،عوض ان ينشدوا وفائهم لشهداء يخدعونهم كل يوم بتجبرهم ،و تسلطهم عليهم باسم الثورة احيانا ،احيانا اخرى باسم االدين.
18
مدينة الظالل البيضاء على هذه الارض من يستحق الحياة كبشر ،فهم ليسوا فئران تجارب لألفكار العصورية و املتطرفة التي وجهت كطعصات مباشرة في جثث الشهداء ،على مدار كل تلك السصرن التي غادرت فيها اقدامي هذه الارض الطاهرة،بيصما قلبي كان لرزال يخفق فيها .فمن حق الجزائر ان توبح حديقة لكل الورود ،و الصباتات ،و الاشجار ،و الهواء الصقي .من حقها ان تحمل كل مواطصيها و ابصائها و ان تحضنهم بقوة ،كأم تشتاق دائما ألبصائها فودرها الكبرر يكفي الجميع بحصانه،فلما نحرم بعضهم مصه ؟! كل ابن لهذه الارض يستحق حصانها بالتأكيد ،فمن نبتت قوباته الهوائية في عسل هذه الجبال الوعرة ،املوارعة للعمارات املزخرفة لبد ان يعرف صدره هواء الحرية ،و الحب و لبد ان يعيش كالنسمة اللطيفة دون ان يسأله احد اين يمض ي ،و فوق اي صدر يغفو ،و على اي شفاه يصام . على قدر ما كصت سعيدا بالعودة لوطني من جديد على قدر ما كصت تعيسا ،و انا اطلب التأشررة من السفارة الجزائرية شعرت و كأنني اطلبها ألحضن امي ثانية .لم اكن متسامحا مع الامر ابدا بالرغم من اني كصت سعيدا جدا و انا امسك بها ،شعرت و كأن
19
مدينة الظالل البيضاء هصاك شخص ما يحبس هواء العالم في قارورات بالستيكية و يبيعه لصا ،و من فرط الحاجة نشتريه بسعادة. اردت ان املس ذكرياتي ثانية بجسدي و هو يولي صالة زهر اللوز على تراب هذه الارض التي لطاملا سقيتها بداخلي و انا بعيد عنها بماء الاشتياق ،و لهيب الانبثاق برن كل زفرر و شهيق النبعث مجددا في عش ي الاول. و كأي طرر مهاجر يسعى للعودة ملوطصه الاول ،ركبت السفيصة كما رحلت من خاللها الى فرنسا فيما مض ى قبل ثالث و خمسرن سصة .لم اتشجع على ركوب الطائرة ،فالبحر ايضا له ذكرياته و احالمه ،و ركوبي له على متن هذه السفيصة التي تسمى طارق بن زياد ،مع ابصاء وطني املغترب في ارضه كان يعيد لي حلقة هامة من مسلسل حياتي ليعرضها في كل خلية بداخلي. لقد مررت في دربي البحري هذا بصفس املواقف التي مررت بها و انا ابحر بالجهة املعاكسة ،و انا في ريعان شبابي فهاهي نفس الامواج التي ودعتصا قبل ثالثة و خمسرن حوال ترحب بصا اليوم ،و تفتح لصا حضنها لترميصا على الودر الحصون للضفة الاخرى.نفس طيور الصورس في اجساد اخرى ،نفس الشمس تذرف نورها 20
مدينة الظالل البيضاء الدافئ ،نفس السفيصة في مركب اخر ،نفس البحر هو الاخر ،الا املوت املاض ي كان حياة في اللحظة الجديدة على متن السفيصة تلك و انا عائد الى مصبتي الاول و خليتي الاصلية. و في كل قلم يخط نقطة على هذا البحر الابيض ،تبدو لي مديصتي الجي كسراب فوق رماله السائلة ،كل لحظة هي تخلق و تعود مجددا لفانوسها ،و قد حقق حلمي ذلك الجني املارد في ان ارةض على حجرها ،و استلهم من ضجيجها صرخة حب ،تشبه صرخة الوالدة ،بل هي الوالدة ان املس مديصتي و مسقط راس ي من جديد، و كلما كانت تقترب السفيصة اكثر من ميصاء املديصة كانت روحي تحاول الفرار مني لتلمسها من شدة الاشتياق ،ارادت ان تكسر جسدي و ان تطرر مع الصورس الى هصاك ،و لكني حبستها بداخلي، ألني كما اردت لروحي ان تحلق برن املباني العتيقة هصاك اردت لهذا الجسد املتعب ان يستعيد قمر لياليه البيضاء ،اردت ان اتعرى تماما عصد اول لقاء بيني و برن اول مرأة في الجزائر ،و ان اتصكر لجسد الشيخ هذا ،و اتخيله و كأنه واقع امامي ذلك الجسد املفتول في شبابي حرن كصت اجمل شاب في املديصة على اقل تقدير.
21
مدينة الظالل البيضاء يريحني الامر كثررا ان اتذكر اني في الجزائر برن نفس العمارات التي كانت شاهدة على حبي ،و على اول ملسة مني على اليد التي كصت اتمنى الوفاة عليها ،و هي تحضصني،فبرن تلك الازقة الحزيصة لفراق احبتها كانت اول قبلي ،و على ضوء تلك القصاديل الفردوسية كان عصاقصا يروض الرومانسية ،فتصبت خمر السالم يجهد الارق فال يصام ،يسمع الطيور الشادية انيصه فتومت ،و تلهم ،و يذرف رماد الحياة على املوتى ،فتبعث في الاثرر تبارك الاسرر في حضن الحب، على ايقاع ذلك الجسد الذي كصت اسميه الشوكوالطة ،و انا اذوب فيه ،و اقطف وجودي مصه ،و اكتب ذكرياتي عصه في صفحات الروح بكل وضوح ،كصت متأكدا كما انا متأكد اليوم اني لن انس ى ابدا تلك الايام ،و لن اودعها فهوائها ،و رطوةة لياليها املاكثة على ارصفتي الداخلية كما يمكث املتشردين على اهبة الشوارع الباردة لن تسمح لحرارتي الافلة ابدا ،ان تفعل ذلك. اشتقت ملديصتي ،لبيتي ،هذا الذي يغني مع نسائم البحر ،و انا غاص برن هذه الاشجار ،في الحديقة املتجذرة في تاريخي ،امد فيها جذورا،ابحر فيها قرونا ،و انا واقف جاس في مكاني،بيني و برن احالمي خط صغرر ،برن نوتة ساحرة و نوتة تليها في سلفاج الحياة ،هي الان مديصة جديدة غرر تلك التي استوطصتني ،و لكنها 22
مدينة الظالل البيضاء لزالت هي نفس التهي التي عشقتني تغرر بعض تغصجها ،و تبقي على الاخر النتظاري ،فكما كصت اظصني وحدي اشتاق لها فوجئت باشتياقها لي ،و هي تفرش لي الارض مدادا لخواطر ال اريد ان ابقيها حبيسة خيالي ،و ال اريد ان اكتبها على الورق ،بل اريد ان اشعها حبا في تلك الابعاد الخيالية ملديصة لم يحمل احد املصديل ليمسح دمعتها بعد ،و لكنها اقدم من الكون الذي نعيش فيه ،فهي تعيش فيصا اكثر من اي روح تسكصصا ،و اعتى من اي موج يرتطم بموانئصا العاطفية ،اقدم من الالهات التي تعبد ،فهي ليست بقدم الزمان تعتق ،و لكن بجذور املكان التي تالمس قلب الكوكب و تقرا كأبيات جديدة على جثة شاعر لم يقلها ،و لكصه شعر بها في اخر لحظات حياته ،فتمردت على الفواصل املوتية ،و راحت تردد نفسها كالودأ في جدران بيته ،مودعة لجسده الفارغ ،مرحبة بروحه املحلقة في برزخ الشعراء ،وأصلي كل يوم ألي اله كان بان اموت هصا فيها ،ألنام سعيدا في قبري ،و ان ادفن على ترابها الجافي ،و انا امارس فيها عهري الروحي ،و انا عاري تماما في قبري الرخامي ،ابتسم و امد يدي لتلمس رفات رفيقي ،ويرحب بجثماني هيكله العظمي،و اتجرع ألول مرة بعد اكثر من نوف القرن الحياة .
23
مدينة الظالل البيضاء اشتقت لبيتي املترامي الاطراف في صولجان الجزائر ،في جوهرة املديصة الشاعرة ،املديصة التي لو خلقت انسانا ،لكانت بالتأكيد عازفة كمان ،تعزف نفسها في الحان حزيصة ،فعلى غرار باريس املغرورة بجمالها الفتان ،الجي كانت متواضعة جدا بجمالها الهادئ ،الذي يشد انظار اي فصان اليها ليسقطه في غرامها ،و بياضها ،و كحلها الذي يرسم الطرق ،و ضجيجها العاشق املحدث للحياة .الجي ليست مديصة فقط بل فتاة تتباهى بجمالها على شاطئ البحر ،يأخذ الريح شعرها في اتجاه املغيب ،و يتوقف قلب العاشق الذائب على صورتها الشاعرية ،و يعوي على صدره املصتهى في اشالئها املقدسة الذئب التائب املتمرد على السواد ،املقبل على السالم بحب غائب.هي فتاة هجيصة تحمل في جيصاتها العالم باسره ،و تسبح في خلود شوارعها ،كما تخلد الفتاة الوغررة الى الصوم في حجر جدتها الدافئ ،هي فتاة مديصة ،و فتات ذاكرة لعيصة ال تسام من ان تذكرني دائما اني انتمي لحوض الشوك هذا ،املتأللئ بالورود الباهي برونقه في الوجود . نعم اشتقت لبيتي الغافي في حضن عائلة اخرى ،الاكيد انه يشتاق لي بحجم اشتياقي له ،و لم اجدني إال تائها اعود اليه ،و انا ارمي نفس ي لألمام الى باب الواد ،الوادي الذي لم امسسه يوما، 24
مدينة الظالل البيضاء بيصما عشت فيه و انا اتخيل غديره الوافي في عيون الصاس ،الى بيت الطفولة كم اشتقت اليه ذلك البيت البسيط ،املليء باملعنى الوافي لكلمة وطن ،بذكرياته التي امتوها دهانه ،و اغتربت فيه املالئكة هرةا من ديكتاتورية السماء . توجهت اليه بسيارة التاكس ي ،و انا اتكلم مع السائق باللهجة الجزائرية لم يتوقع ابدا اني فرنس ي الاصل ،و لكصه ادرك اني ال اتكلمها بسهولة فظن اني جزائري مغترب ،او كما يقولون هصا (ايميكري) ،و في الحقيقة انا كذلك جثة هاجرت روحها و هي الان تعود ملالقاتها ،و لكن في نظر هذا الشعب فانا لست سوى قدم سوداء،بالرغم من شدة حبي لهذا الوطن و اخالص ي له. في الطريق الى البيت كانت عيصاي تمحي الديكور املختلف للمديصة، و تنسج الوورة القديمة على واجهتها ،تتذكر التفاصيل الوغررة، هصا وسط املديصة ال رو ديزلي كانت هذه البقعة مكاني املحبب للجلوس ،ألخذ فصجان قهوة تحت زخات املطر في الشتاء ،و هصيهات برن العور و الغروب في فول الويف املتوحش بالجمال، و ألكتب يومياتي ،و استرق الصظر لسراب الحب ،كل لحظة تخضب للورق الى ان صرخت الحقيقة في وجهي بقوة مليون حب ،و اهدتني اياه الذي كصت اكتبه قبل ان اراه اول مرة ،دقائق 25
مدينة الظالل البيضاء قبل وصولي للحي كانت تلك الطرق اقرب لذاتي من كل فرنسا، انها انا تشبنهي اكثر من ذاتي ،اكثر من كل ما يبدو فيما تبقى مني على قيد الحياة ،كانت السيارة تتحرك فوق كل الطرق ،و في الحقيقة كانت السيارة تسرر فوقي ،بداخلي ،على اعمق نقطة من ضبابي الاسر للحب القديم ،املخمر بتجويفي البعيد كل البعد عن ما قد يشعر به اي انسان اخر ،فانا شعوري اكبر من الشعور البشري ،فاالشتياق اصعب من املوت ،فعصدما نموت نفقد اشتياقصا للحياة بيصما نشتاق لبعضها و نحن في الركن املزري للبعض الاخر. وصلت الى الحي املشبع برائحة املاض ي ،خبز البيت الذي كان يتدلى في جو هذا املكان الروحاني كثريات الامل ،كان يقتل الاشتياق في قسمات الوجه املغتوب باأللم الروحي لروحي التعيسة ،و يحييه اكثر كلما امتزجت تلك الرائحة اعمق مع شبحي السبعيني، الواقف على اطالل الوجود املكثف في نقطة من العالم .وضعت رجلي في ترابه و كان به اطفال على غرر العادة يزلزلون الارض تحت قدمي ،او الارض كانت تنهز اشتياقا لي ،او رةما اساسات بيتي هزتها مكرهة اياها لتعانقني ،و ش يء ما كانت تفرزه عيني لم اكن اعرف ان كان دمعا ام دما،او ش يء بينهما ،او اكثر ،و طفت ابتسامتي 26
مدينة الظالل البيضاء فوق ثغري ،و تصفست بكل شهيق و كأني طفل صغرر سكت لتوه من البكاء ،و فتحت السماء بعيني متسلقا شرفة غرفتي ،في ذلك البيت الذي بدا لي انو اهل بقارة من السكان .دقت يدي الباب ،و قد عانت معي متعة التأمل في الوطن ،و انتظرنا انا و هي و باقي اجزائي لقاء الذاكرة .فتحت لي فتاة صغررة الباب كانت أظفار شعرها الطويل تغني لعيني انشودة الحياة ،طلبت منها برفق ان تصادي صاحب املنزل ،اردت ان اطلب مصه بلطافة ان اعانق بيتي، تسارعت دقات قلبي و انا بامتزاج مع ذلك الحائط ،سال حبر البيت من قدري تدفق في يدي ،و دقت للمرة الثانية الباب .خرج شيخ طاعن في السن هو الاخر لكصه بدا اكثر شيخوخة مني،زرعت فيه عيني و قد نبضت في ذاكرتي بش يء تعرفه ،صرخ قبلي " جان بيار هدا انت " ،تذكرت ذاكرتي صوته اكثر من وجهه ،صرخت هي على لساني " محمد هذا انت " .لقد كان في الحقيقة صديق الطفولة كان يدرس معي في نفس املدرسة .عانقني بحرارة الجزائريرن و احمرت عيني خجال من نفس ي ،انا الذي حرمتها هذه الاحضان الدافئة لوطني كل تلك السصرن ،شعرت بغبائي و حمقي كيف لي ان اترك شعبي وحيدا و انورف عصه الى كوخ الجليد بالشمال ،ما كان عليا ابدا ان اترك هذه الشمس التي رعتني و
27
مدينة الظالل البيضاء احتضر ألكثر من نوف قرن في بلد قيل لي انه بلد اجدادي مع اني لم اعرف وطصا اخر إال هذا الذي اعيش فيه الان. تأملني و هو يتذكر فيا شيئا اظصه نفس ما اتذكره فيه ،و دعاني الى بيته ،بيتي الذي تركته من زمان ،و اقسم عليا ان ابيت فيه و انه هو ضيفي و لست ضيفه ،في الحقيقة كان بإمكاني ان ادفع اي ش يء لشراء ذلك البيت ثانية و لكني ملا احرمه مرة ثانية من احبائه و قد جمعصا معا القدر في بيت واحد ،فهذه العائلة الجزائرية تماله حبا و ياسميصا تعتني به و هو البعيد عن اهله،فيشغلون حياة اليتيم بدفئهم و اسرارهم التي يحتفظ بها ،لم تكن سوى عائلة صديق الطفولة محمد .محمد الذي كان يبيع الخبز و القوبر و الصعصاع الذي كان يزرعه في بيته ملساعدة عائلته ،و كان يساعدني في دروس الرياضيات التي كصت ضعيفا فيها .محمد كان صديقا مرحا يحب الحياة و يحب الفتيات ،و اول من دخن في رفاق الطفولة .شدني من يدي و ادخلني وطني كان ديكوره الداخلي هو الاخر مختلف ،و لكن عيني لم ترى فيه إال ما رأته قبل ثالث و خمسرن سصة :روح امي كانت هصاك بصفس لباسها الابيض ،و شعرها املربع الشكل ،و خوالته الوفراء ،و حذائها الابيض ،كانت تبتسم و تتأملني و هي متكئة على باب املطبخ رفعت 28
مدينة الظالل البيضاء يدي ألناديها و لكنها اختفت .حملني صديقي محمد الى الوالون و لكصني طلبت مصه ان استمتع بلمس بيتي .دخلت غرفة الصوم و اذا بصفس خزانتي موضوعة هصاك ،تفجرت مشاعري و رحت احضنها بدون توقف لم اعرف ما اسميها ،سميتها ماما و توفحتها ككتاب قديم احفظه عن ظهر قلب ،لم يكن بإمكاني التوديق اني سأجدها هصا بعد كل هذه السصرن و لكن هذه املرة هبت الرياح بما اشتهته سفني املشتاقة. قارةت على املوت و انا احضنها ،و قد اشرقت شمس ي من تحت غلس اشتياقها ،كان الاطفال من حولي يتأملونني باستغراب يا ترى ملا يفعل ذلك ،و لكصني كصت افعل ذلك بطفولة اكبر من طفولتهم. شدني صديقي من يدي و عدنا الى الوالون ،استقبلت كملك دعته الصبوة لنقاذ شعبه ،في الحقيقة لنقاذ فتاته الهارب مصه الى هصا مصذ زمن بعيد ،و ملته هذه العائلة التي كرمتني و رحبت بي بعد ان عرف الكل فيها اني صديق الجد العزيز و شيخ البيت.اخبرني صديقي بعد مدة من الانطفاء جمرة الحرقة على اريكة الوالون ،و انا اتذكر نبيذ هذا البيت املعتق " صديقي لي لك هدية من ماضيك سأحضرها لك و سأعود حاال " .انتظرته على احر من جمر احر من شمس ،التهبت في مكاني وعدت طفال من جديد ،كان 29
مدينة الظالل البيضاء تصفس ي متغررا و بطيئا و احيانا تزيد سرعته ،كان اضطراب شوق يلتهب .عاد صديقي و في يده ش يء يشبه الكتاب ،ال هو ليس كتابا بل البوم صور يا الهي انه البوم صوري القديم قفزت في مكاني من شدة الفرح ،و لكن ذلك الشعور الغريب و القوي الذي انتابني مصع عني الدموع .القفتها من يده كما يلقف القدر الارواح و راح هو يبادلني الابتسامة ،لقد حافظ صديقي لتوه على قلبي في ذلك الالبوم الذي كصت احترق دائما ألجله مصذ ان غادرت لفرنسا قبل ثالث و خمسرن سصة ،عصدما تذكرت في نوف الطريق اني نسيته في الجزائر ملحت كل تلك الوور بحرقة كبررة صوري ،و امي ،و ابي ،و اصدقائي ،و حب حياتي الذي لم و لن انساه ابدا.الحب الذي نقش بداخلي كي ال اكون سوى هو اخر .في جسدي اخذني خيط الزمان الى تلك البقع الداكصة البادية على الوورة القديمة املوبوغة باألبيض و الاسود كما الانسان ،و التي حافظت عليها من التلف كل تلك السصرن في ذاكرتي قبل هذا الالبوم ،و انحدر جسدي ألول لحظة فيه و امتزج مع رائحته التي تشبه رائحة الكتب القديمة ،و امتد كياني في اللحظة،و اشتقت اكثر من اي وقت مض ى الى الوقت الذي مض ى.
30
مدينة الظالل البيضاء 2
شجرة عيد الميالد تمر ذكرياتي عبر الوور كشهب تسقط على كوكب احزاني فتصبته حياة و تقرا عليه
الزمن الجميل .و هذه الرواية التي اقرأها
الان في يدي في تلك الوور الصاطقة بلكصة مستعارة تشبه لكصة الحقيقة الحقيقة .هي حتما حطب هذا الشتاء بداخلي و مدفئة بلكصة مستعارة تشبه لكصة الحقيقة ،هي حتما حطب هذا الشتاء بداخلي و مدفئته ،كل صورة تحمل قطعي املتصاثرة و تركبها من جديد و تخلق في بوررتي الفوض ى ،محدثة في جبتهي الشق الابدي ليتدفق رحيقي مثل زهرة معطاءة ال تتوقف عن تقبيل الحياة ،و يا ليت هذه الوردة في يدي الان ،لعلي اجد شيئا في الحقيقة ال في الخيال يشبنهي كما ابدو و انا احضن ذلك الالبوم كما تحضن الام رضيعها ألول مرة و تنهله رائحتها و الكثرر من الحصان. ابحرت كقرصان يقطع البحور السبعة ليجد جزيرة الامل ليبتلعها .غوت كمارد غواص يبحث عن جصية برن كصوز البحر 31
مدينة الظالل البيضاء ليقبلها .تهت كهدهد موسيقار يبحث عن نوتة ليسجنها .و اضاءت عيني على تلك الوورة التي ابدو فيها طفال في عمر الزهور ،اعانق دمية امام شجرة عيد امليالد كشمس تدير الكواكب من حولها للتباهي بها امام الشموس ،تلعب بها لعبة كل الوقت الى الابد ،و كتلك الشمس ادير تلك الذكريات ببئر احالمي ،و اشربها كما تشرب التربة السماء و تبتلع املطر. جان بيار لم يكن الاسم الذي اخترته لصفس ي فكأي انسان في الحياة يولد غرر مسؤول عن اسمه ،يتعلم ان قراراته ليست ملكه ،يتعلم ان حريته تنتهي في الحدود املعهود عليها ،كل انسان يحمل القرار الاول في حياته طيلة حياته دون ان يكون له فيه شبرا من املسؤولية. الزلت لالن ال اعرف ملا سميت جان بيار ،و لكن بدى هذا الاسم لي في املرآة يشبنهي كثررا فكلمة جان كانت تبدي وجهي و كأنه لقمة جميلة في فم عوفور ،و بيار كان يظهر بعض الوالبة اللطيفة ألي فرنس ي على وجهي ،كما انني كصت جميال براقا نوعا ما في مراهقتي ،و كصت مغرورا و سيد نفسه ،ال احب ان يتجرا عليا احد باألوامر حتى ابي الى حرن فراره للسماء.
32
مدينة الظالل البيضاء كان الكل من حولي يصاديني جان ،و لكني كصت افضل تسمية بيار فهي اقدر على رسم شخوية فذة تدافع عن ضعفي الذي كصت اخفيه بداخلي كما تخفي الخصفساء روث البقر ،فاسم جان قد يعبر على شخص رومانس ي لم اكصه الى حد تلك اللحظة قبل ان يصقلب دلو السماء الوردية على ثيابي العاطفية،فغدوت برن شمس و بحر شاعر الحب الاخرر .و لكن بيار في املراحل الاولى لحياتي كان يشبنهي اكثر ،كان يبديني كصخرة يكسر عليها كبرياء اي شخص ،لم اكن ابدا استلطف ان ابدو ضعيفا و لو باالسم. و مع ذلك تعودت ان يصاديني الكل جان ،و كصت كل مرة يصاديني احدهم اضيف بعده انا "بيار" ،و كصت احيانا اصرخ بهذا الاسم ان احدهم ناداني بقوة حتى يقفل على صوته باملسامرر بوراخي بالصوف الثاني السمي. لكن دعني ايها الزمن اعود بك سبعة و سبعرن سصة الى الوراء، يوم والدتي في التاسع من مارس ،سصة الف تسع مائة و ثمانية و ثالثرن،قالت لي امي حينها ان ابي قد حملها الى املستشفى على يديه لوالدتي ،و كانت من شدة الالم الوالدة تقهقه ضحكا على غرر عادتها ،ابي كان يحملها و هو يجري حافي القدمرن ،و ضحكها
33
مدينة الظالل البيضاء يوور بعدا كوميديا لوالدة شخص ال يشبه ابدا امه في لحظاته الاولى. امي و هي على الطاولة كانت تورخ بقوة و تختمها بضحك هيسترري ،املمرضات ابدين بعض الامتعاض في البداية ،و لكنهن سرعان ما انقلبن على لباسهن الابيض و رحن يحاولن التقاطي منها و هن يضحكن بدورهن . سرعان ما انتشر الوراخ و الضحك ارجاء املستشفى ،و قلبت الام املرض ى الى كوميديا ساخرة ،و ابي كان ببجامته يبدو مصفعال يدك الارض بقدميه الحافية و كأنه يعور العصب ليخمر الوقت و يسكر.و بالرغم من اني ولدت في مارس شهر الطيور ،و الورد الرةيعي الاصفر الذي يزورنا هصا قبل اوانه،إال ان ابي كان يبدو متحررا من لطافة الرةيع ،و ندا الايام الاخررة من الشتاء.بدا و كأنه رعد يتلوى على عصق الوبر ،و عاصفة كبررة من العبث،كانت توفر ارجاء هذا املستشفى مبشرة بقدوم نبي ما لم اكصه ابدا في حياتي. انتظر الكل في املستشفى والدة هذه الظاهرة ،كان الكل يتوقع والدة نجم كوميديا جديد يسحق الكل بوجهه الساخر ،و يشفط 34
مدينة الظالل البيضاء هذا الحزن البادي هصا على تلك الاسرة املتخبطة في الفراغ التافه ،و الروترن العالجي الصاشف .كان لبد لي عصد والدتي ان اجعل الكل يحمل سريره و يمتطي الفضاء ضحكا ،و لكن مع صرختي الاولى وقف ابي في مكانه مبتسما،امي راحت تبكي على غرر عادتها كذلك ،و لكن املمرضات سكتن لبرهة ،و لم يودقن ان عضوي الجنس ي كان ذكريا ،كصت ابدو كما كانت تقول لي امي فتاة صغررة متغمدة في جمال معجز للرسامرن ،و عادة ال يمرز برن الرضع و لكن في حالتي كصت شديد الجمال .ابتسمت القابلة ألمي و قالت لها " عمل رائع سيدتي لم يذهب جهدك سدا". اسصدت راس ي على صدر امي ،ثم حملتني املمرضات و كأنهن يحملن كائصا غريبا من كوكب اخر،يحجبن العالم عن عيني بقبعاتهن البيضاء الكبررة .لم اكن اعرف الكثرر من الاشياء في ذلك الوقت غرر تلك الاصوات التي كصت اسمعها في رحم امي ،و انا اتقلب هصاك كقبل ابي على رقبتها،او تبادلهما القبل ،و خرير الشتاء في ديسمبر ،و لكني لم ارى وجه انسان في حياتي،و قد بدا لي بشعا جدا و لذلك قررت ان اقفل عيني أليام دون ان افتحها. كانت امي و معها ابي في قمة سعادتهما بالرضيع امامهما ،كانا يرجوانني ان افتح عيصاي ليكتمل الاتوال الروحي ،فأبي كان 35
مدينة الظالل البيضاء متشوقا لتسقط عيصاه الحادتان على بؤةؤ عيني ليقول لي بلغة العيون انه ابي و اني ابصه ،و انه ابدا لن يتركني وحيدا في هذا العالم املتوحش. عدنا للبيت ،و لكن لالن لم افتح عيني ،مازلت اصر على عالمي الداخلي و مصجاتي الومت الصظري ،ال اريد الصظر للوجوه البشرية تلك حتى لو كانت ألبي او امي .كان احيانا ابي يحاول فتحهما بإصبعه ،و لكني كصت اشد عليهما بقوة " سامحني ابي ،و لكن ال احد يملي علي ما يجب ان افعله ". بالرغم من اني كصت في صحة جيدة ،إال ان بعض القلق اصبح يلحن صدا هذا البيت ،خووصا و انه كان قد مر شهر كامل على والدتي و لم افتح عيني ،بدا ابي مورا بشدة على اخذي للطبيب لررى ان كان بي خطب ما.اما امي فقد كانت صوتية اكثر ،كانت تحب املذياع كثررا ،لذلك لم تأبه كثررا لعيني على قدر ما كان شغف تنهيداتي و تجشئي يخطف احاسيسها الى وادي الحصان الابدي. ابي كان عمليا كأي رجل في العالم ،فالرجال هم نفسهم الرجال سواء هصا او في ارض اخرى ،متسرعرن جدا و عمليرن كثررا ،فأبي 36
مدينة الظالل البيضاء الذي كان يخاف ان يتلفني برن يديه و هو يحملني ،و هو خائف كان يوتره كثررا ان ال افتح عيني،لذا قرر اخذي للطبيب ،لم ينتظر امي لتغرر مالبس ي،اكتفى بصفسه بضمي في غطائرن دافئرن خوفا عليا من نزلة البرد ،و لو كصا في الرةيع حينها إال ان ألاطفال الرضع حساسون للبرودة اكثر من غررهم لضعفهم الجسدي .رفع قبعته لررتديها ،و في اللحظة الاخررة فتحت عيني ،و بدت عيصاي الزرقوتان و كأنهما تصاديصه الى الغرق ،و كأني اقول له "اهال ابي،ها انا ذا ابصك لقد فتحت عيني لك". رمى ابي قبعته،و لم يودق ما رأت عيصاه في تلك اللحظة الشاعرية الهمته الفرحة ،فراح يصطق حروفا سريعة تمر كعرةات قطار ال يعرف الى اين يمض ي ،و كأنه يكتب رواية غرر مفهومة و لكصه يقرأها بشغف كبرر ،حروفا ال يفهمها هو ايضا ،و كأنها لغة ما قبل بشرية تريد التخلص من قيود اللغة في لحظة ،او رةما تعبرر تجاوز حدود اللغة فأنسته تركيب الكلمات ،ابحرت عيصاه في دمعهما الساخن ،و استعمر العطش تفاحة ادم في رقبته ،و راح حب كبرر ينتابه ،و صرخ يصادي امي :ايميلي ،ايميلي ،لقد فتح عيصاه.
37
مدينة الظالل البيضاء جاءت امي مسرعة تبحث عصا في غرفة اخرى ،رغم انها تعرف مكاني في غرفة الصوم ،و رغم انها تسرح شعرها دائما ،و تحافظ على اناقتها ،و لكنها في تلك اللحظة بدا شعرها اشعثا و كأن صدمة كهرةائية اصبتها،سارعت صوبي و وقف ابي و امي يشاهدانني بحب كبررين .احببتهما في تلك اللحظة ،و كانا اوال كائصرن ابادلهما الشعور ذاك ،و امسكت ألول مرة في حياتي اصبع ابي و كأني اشده الى الابد. ابي كان يبدو فرحا جدا ،فتح الشمبانيا و نادى الجرران لالحتفال، انه عيد العيون ،لقد فهمت في تلك اللحظة دون ادراك مني ما تعصيه الصظرات للبشر. امتأل البيت بالضجيج املخضب برائحة البشر ،و املوسيقى العوجاء املتطايرة برن ارداف النساء و اكتاف بعض الرجال املتظاهرين بالشبعة الجنسية .اصدقاء ابي املتعطشرن ألي صدر يذوب على افواههم ،و الجرران املتحمسرن لرؤية عيون زرقاء اخرى تحت سماء هذا الوطن املغتوب ،كلهم هصا يحتفلون باملواطن الفرنس ي الجديد ،اما انا فقد تهت برن كل تلك الوجوه، لقد كان الكل يشبه بعضه بعضا و لوال رائحة ابي و امي ال تهت في
38
مدينة الظالل البيضاء معرفة من هو ابي و من هي امي ،في هذا الكم من نفس التفاصيل املغردة فوق وجهي مكشرة عن اسصانها. الكل كان يبدو وجهه محدبا عليه نقطة بارزة ،تعلمت فيما بعد انها تسمى انف و عيون مثلي و فم و شعر ،في الحقيقة ليس الكل كان له شعر هصاك من كان اقرعا ،و لكن ككل هي تقريبا نفس الاشكال البشرية تتكرر امامي ،و ألول مرة ابكي خوفا من تلك الوجوه البشرية،قالت امي اني كرهت البشر مصذ تلك اللحظة ،و لكني اعلم اني ابدا لم اكره احدا ،و لكني كصت امقت الصفاق الذي كان يبدو على وجوه البشر .و الذي كان يفوح فوق اللطافة و الاناقة املستعارة لهم ،فكما عرفت فيما بعد و تأكدت مصه و بعد مراحل كثررة من حياتي ان الانسان اللطيف ال يمكصه الا ان يكون لطيفا مع الكل ،الامر الذي لم الحظه في تلك الوجوه املوفرة فعلى قدر ما كانوا يبدون لطفاء برن انفسهم على قدر ما كانوا قساة غالة القلب ،يمالهم الحقد و يذرفون الكراهية بشراهة لباقي اخوانهم الجزائريرن ،اللذين ال يتمتعون بصفس العرق الاوروبي و ال يأخذون الوفة الكاملة للمواطن الفرنس ي ،فهم حسبهم كانوا اهالي لم يكن لهم نفس الحقوق و كان لهم واجبات اكثر.
39
مدينة الظالل البيضاء لم استطع التعايش مع هذا الصفاق مصذ ايامي الاولى ،و كان الكثرر هصا مثلي ال يستطيعون التعايش مع كذا عصورية حيث كانوا يمقتون هذا الامر الشنيع بشدة ،فال يستطيع الشر ان يمتطي الجميع بكذبه ،فهصاك حتما اناس تجتمع فيهم الطيبة و الذكاء في ان واحد في كل مكان على الارض ،و على هذه الارض كذلك كانوا، هصا تتستر مشاعرهم املاقتة في عيونهم املشفقة ،و لكن مقتهم لتلك العصورية كان يتخذ شكال سريا،فإرادة الشر في قلب املجتمعات التائهة في الكراهية و الحقد تغلب بسهولة على طابع الفرد ،و يغدو الشر خررا ان تمت تزكية عطره الكريه باسم القانون ،الذي كان اغلب الفرنسيرن يظصون انه ال يخرج عن مباديء و قيم الثورة الفرنسية ،التي تم الدوس عليها هصا في الجزائر ،فالحرية صودرت باسم الحضارة الفرنسية حماية لالستعمار و املساواة ،غدت فكرة ضحلة باسم العصورية املقدسة التي استفحلت ذلك الوقت على شعب هذه الارض الزكية ،و الاخوة كان تتالش ى كلما قابل جزائري من اصول اوروةية عيون جزائرية من الساكصة الاصليرن. كان اغلب املستوطصرن هصا ينشدون حبهم و والئهم لفرنسا ،حب لم احسه ابدا فيهم طيلة طفولتي ،فاغلبهم لم يكن من اصول 40
مدينة الظالل البيضاء فرنسية بل استقدمهم الطمع من كل رةوع اوروةا الى هذه الارض فوالئهم كان ملوالحهم التي رعتها فرنسا على حساب السكان الاصليرن ال للوطن الفرنس ي. فهمت هذا الامر مبكرا جدا ،رةما مصذ ان فتحت عيني ألالمس فرحة ابي و امي اول مرة ،و مصذ ذلك الحرن و حتى في سصواتي الاولى كانت عيني تالحظ التميرز ،و اعيش الم الاخرين في داخلي. بالرغم من اني كصت من عائلة فرنسية الاصل لكني ابدا لم اشعر اني فرنس ي انا جزائري ،هذه هي ارض ي و ذلك الشعب هو شعبي ،و لم اعرف سماءا اخرى إال هذه السماء التي كانت سقفي الذي يحويني ،وةالتأكيد كل من كان يتصفس معي الهواء تحتها كصت اراه اخا لي ،بالرغم من اني كصت اتحاش ى الحديث الى اخواني املختلفرن و املظلومرن في ارضهم ،إال اني كصت اشاهدهم من خالل الصافذة دائما ،و يؤسفني حالهم البائس ،و اتمنى بقلبي ان يستفيق قلب القدر ألجلهم و يتغمدهم بحصانه طيلة الحياة. امي كانت متديصة ،كانت ال تتوقف عن الوالة ليسوع ليخلوصا من ش يء ال اعرف ما هو او من هو ،لكنها كانت تدعوه دائما بالخالص بالرغم من انصا كصا نعيش حياة سعيدة .فكرت كثررا فيها 41
مدينة الظالل البيضاء و هي تتعبد الرب ،و لكني كصت اقول في قرارات نفس ي يسوع سيكون احمقا بان يترك الجزائريرن في فقرهم املدقع ،و كل املظالم التي يعيشون فيها ،و يصظر الى امي التي كانت تضع طقما من الجواهر يمكصه ان يسد رمق عشرة عائالت منهم ملدة شهر رةما او اكثر .كصت ارى الامر مدعاة للسخرية. ابي لم اره يولي لليسوع ابدا،و لكني كصت اراه يمزح مع اصدقائه مطوال عصه لذلك اعتبرت مزاحه صالة و احترمتها ،فكما كصت اصمت و امي تولي كصت اصمت كذلك و ابي يمازح اليسوع بحكايات طريفة عصه. سمعت امي تقول كثررا ان اليسوع يحب الجميع،و سيسامح ابي بالتأكيد على نكته ،فهو لم يكن يريد سوى اسعادنا.و اليسوع الذي ضحى بدمه ليمحي خطايانا لن يتوانى على ان يضحي بكبريائه ألجلصا كذلك. و لكن الش يء الذي انتابني دائما حررة ،و اضطرابا حيال اليسوع هو وجوده على تلك الحالة املزرية الى الابد ،عاريا تماما على حائط كل املؤمصرن به ،كصت اظن ان هذه اكبر اهانة لله ما على الاطالق. 42
مدينة الظالل البيضاء كبرت في ذلك الجو الروحاني الساخر،و ورثت ديني املسيحي عن اهلي مثلما يرث كل اتباع الديانات الاخرى دياناتهم ،و مثلما ترث الفراشة موتها اتبعت اليسوع املخلص دون ان اصلي له و ال مرة، و في اغلب اعياد امليالد كصت اناجي البابا نويل بدال عصه ،كانت احالمي ان امتلك كل عيد دمية و مالبس ألغرر لها ،و خزانة لتلك املالبس ،و من فرط الامصية املتكررة التي كانت تتكرر كل عيد تكدست لدي الدمى في البيت و اسرتها و خزاناتها،في الحقيقة الدمى كانت للفتيات و لكني كصت متعلقا بها و لم اكن ألتوقع عيدا بال دمية جديدة . صورتي تلك رسمت ابتسامة متجذرة في وجهي ،لم تكن تريد ان تترك بوري يأفل عنها ،بقيت انظر للوورة تلك و انا اتذكر كل لحظات طفولتي املرحة ،املرحلة التي صصعتني و اسست ملا اكونه اليوم ،فما طيفي الجالس هصا يتذكر حقيقته إال شبح من تلك الايام يقارع قمر الحياة ليتفجر على ناصيته ،و يخرج خبز الذكريات ،و ليلتهمني ،و ليعيدني لشاطئي ذاك الامس برجلي العارية .رمل السصرن الذاهب كزوبعة غادية مع نار حطب ملتهب، توارع خطى القزم التعيس الذي يعيش بداخلي متسكعا برن
43
مدينة الظالل البيضاء الحانات ليعود طفال من جديد ،و تعود الحياة التي برن مساماتي الى طفولتي السرمدية. في الوورة املخمرة بزةدة الغياب تلك ،كصت ابدو في السن الثالثة او الثانية من عمري امام شجرة عيد امليالد،سصة ال تسع مائة و واحد و اربعون او الا سصة رةما ،او في تلك الحقبة ال ادري ،و في الحقيقة ال اتذكر كيف التقطت تلك الوورة و لكن الاجدر ان ابي قد احضر املوور الى البيت ايام الاعياد ككل مرة. حيث كان ابي يحب تخليد اللحظات لم يكن ذلك الانسان التعيس الذي يعيش حياة تفكر في املوت او النسيان ،بل كان يقدس اللحظة و يقدس عائلته ،كان يحب املزاح و الضحك و يحب القمار و كذلك الصبيذ الاحمر ،كان ألبي ثالثة عشر قبعة احتفظ انا بها لالن ،و لكني ال ارتديها هي قبعات من كل الاشكال و الالوان حتى انه قد اقتنى الطرةوش الجزائري و اضافه الى عدد قبعاته املنزلية ليكتمل العدد الى اربعة عشر ،و لكني لم اجده بعدها و لذلك لست احمله معي اليوم و لكني احمل ذكراه الطيبة في داخلي كما تحمل الغصكر طفلها ،ففي ذلك الوقت فقط احسست بقابلية مجتمع املستوطصرن الوغرر هصا بالجزائر باالنفتاح على الاهالي و امكانية التعايش و املساواة ،عصدما رأيت 44
مدينة الظالل البيضاء ابي يضع الطرةوش بحب و شغف فوق رأسه شعرت و انصا نتوالح اخررا مع انفسصا،و مع انسانيتصا التي ضيعنها بلهفتصا وراء املوالح العرقية ،واضعرن شعبا بأكمله يقاسمصا نفس الهواء في سجن كبرر خانق ظصا مصا انصا ارقى الشعوب بكل عصورية و تفاهة و غباء . كانت الاضواء و الصجوم امللونة على شجرة عيد امليالد تعطي طفولتي معنى حقيقي و فلسفي عميق ،فانا كصت ارى في الشجرة تلك رابطة طبيعية بيني و برن الحياة ،اما تلك الانوار عليها كان تغريني بان ادفع الظالم خارجي ،و اترك اشعة الشمس تتغلغل بداخلي مثلما تتغلغل برن سصابل القمح في وطصصا هذا لتصبت مني انسانا حيا بضمرره ،ففرق كبرر برن من عاش في غياهب الومت و الظالم ،و برن من عاش برن الشموس محدثا للحكمة و الحياة. و الن الجزائر كانت دائما معطاءة للشمس كانت ايام طفولتي اجمل ايام ،كصت التقط فيها الاشعة و اقطف الشمس كل يوم، فحتى في فول الشتاء كانت الشمس تزورنا كأطياف الاحجار الكريمة او الكريستال عصدما تتالال في شعاع بداخل الكهوف املظلمة ،كانت تتسلل برن الغيوم العطرة بإخالصها للفالحرن لتلقي نظرة على ابصائها و لتتأكد انهم بخرر. 45
مدينة الظالل البيضاء الشمس هصا تعشق الجزائر و كأنها في عالقة حميمية معها ،و كذلك كانت الجزائر تحب شمسها ،تعشقها فكل قوص الحب كانت تكبر تحت اشعتها في هذه الارض و تزهر رحيقا للحياة و السعادة و الالوان ،كما تصتش البذور اول حب لها لتبرز جنسا مع السماء. عصدما اتذكر الايام الاولى لطفولتي تستوقفني نظرتي للحياة في ذلك الوقت ،لم افكر ابدا في املوت كصت اظن ان الانسان يولد الى الرجعة و لذلك كصت اعيش دون ان افكر في ش يء على الاطالق، كصت ال افكر سوى في اللعب و الدمى و الحياة و اليوم الذي اعيش فيه و اليوم الذي بعده ،و عصدما كصت اشعر بامللل كصت احضن امي بقوة كان حضنها كفيال بإعادتي لشغفي الطفولي من الجديد، و انا اعيش جصة الخلود بكل اريحية. و لكن الخلود في حقيقة الامر ال يعني ان نعيش الى الابد بل ان نموت مرة واحدة ،فكل التفكرر في الذكريات ال يجعلصا سوى ان نصكر حاضرنا ،و نلج بذاتيتصا الى البقعة التي نريد العيش فيها الى الابد ،قد تكون تلك الذكريات سيئة لحد ال يوصف و لكصصا نتذكرها بسعادة انتهاء الالم ،فما السعادة سوى انعدامه و هل هصاك من هو اسعد من الحجارة ،الخلود كما تلك الوورة ان 46
مدينة الظالل البيضاء نعيش لحظة واحدة تبقى فيصا و نبقى فيها ال تغادرنا و ال نغادرها، وال تغادر العالم بما تبقيه من انكماش على وتر الزمن تؤثر على جزيئات الهواء فتبعثرها الى الابد البعيد ،و عصدما نموت نكون قد خلدنا في انفسصا بما فيه الكفاية لصموت الى ابدنا الخاص موتة الخلود ،و لذلك لست اخاف املوت اليوم. و لكن مثل هذه الفكرة لم تكن لتخطر ببالي و انا طفل يراقص انغام اللهو مع العوافرر ،و يشد على يد هللا لررسم معه قلبا بالطباشرر على الخشب الاسود ،فالخلود كان امرا بديهيا لي فانا لم اعرف معنى املوت و ما يقوده بعد ،و لذلك كصت ارى عالم البشر كعالم الالهة و لم افكر يوما ما في ان يسوع قد يكون الها وحيدا، فما هو الا الانسان الذي يتكرر في كل واحد فيصا ،فلما تعرفت على معنى الاله كصت في ذلك الوقت قد رسمت معنى للخلود ال يشبه املعنى الذي اعرفه اليوم البتة ،بل يشبه انسانا اخر ضخم بشعر كثيف و لحية طويلة يجلس في مكان ما يمضغ العلك و يتورف في حياتصا ،يمرز برن البشر احيانا ،يرفع واحدا و يذل الاخر ،و لكصه في النهاية يحب الصبيذ كما يشتهي رائحة الدجاج الرومي و هو يتحمر في البيوت ايام الاعياد ،كما يحب البوش او
47
مدينة الظالل البيضاء حطب الشوكاالطة الذي تزفه العائالت لبعضها البعض عرةونا للمحبة في ميالده املخلص الحي . بدأت طفولتي حيث يجب ان تنتهي ،و في ذلك الوقت وحده عاهدت تراب هذا الوطن على ان ادفن فيه حيا و ميتا و مخلدا، و لن اسمح لجزيئاتي ان تتحلل في ارض اخرى سوى هذه فالى هصا انتمي ،و هصا سابقى،و كذلك سأفعل اليوم.
48
مدينة الظالل البيضاء 3
موسم البرتقال
في عالم الوور تزهر املشاعر و يولب املسيح الذي فيصا في الزمن ،و نتذكر انفسصا فيها في اللحظات التي ننس ى فيها من نكون و الى حيث ننتمي ،و الوورة الثانية كانت تشرر فيها عقارب الساعة التي بداخلي و املعلقة على الحائط الى الساعة الرابعة و العشرين دقيقة ،لم تكن عقارب الساعة واضحة جدا و لكني كصت اراها و كأنها امامي ،رةما هي ساعات يوم كاملة تختزله في تلك العقارب الغرر واضحة في صورة رديئة باألبيض و الاسود ،من ذلك الزمن البعيد في الزمن ،و الجالس بقربي بل بداخلي ،يصبتني من جديد بعد ان توقفت جذوري من وقت بعيد عن شرب ماء الحياة. هي الوورة الوحيدة لي مع ابي عصد املوور كان ابي ببدلة كالسيكية و زهرة في جيب سترته الايمن ،حسب ما كصت اتذكر فان لونها كان اصفرا لقد كان لونه املفضل ،و كان يضع قبعة 49
مدينة الظالل البيضاء كعادته كعضو اخر لم يخلق معه و لكصه اختاره لصفسه ،اما انا فكصت اعانق رجله خوفا من الة التووير رافعا ابهامي و كأني الوح باني في حالة جيدة عكس ما كصت اشعر به في ذلك الوقت،ففالش الكامررا كان قويا جدا و كصت اظن انه يستطيع ان يمحي العالم في لحظة و يحبسصا في عالم الوورة ،كان خوفي من املوورة يشبه كرهي للقبعات ،مشاعر كصت اشعر بها لكني ال اجد تفسررا لها مصذ والدتي. فبعض املشاعر تصبت فيصا كما يصبت عادة الترفاس في صحراء وطصصا الكبرر ،تصبت دون علمصا و بكل استقاللية و كأنها تتكون في احشاء العدم ،و حيث كانت تلك املشاعر تتدحرج الى الواقع من مكان ال اعلم ما هو كان ابي وسيلة المتطاء العالم و التعرف عليه. حسب ما اتذكر كان سني في ذلك الوقت حوالي خمس سصوات ،و لكني كصت قوررا نوعا ما بما يوحي و كأني في سن اصغر ،و حتى تورفاتي لم تكن لطفل في الخامسة من عمره فانا تعودت على الدلع املفرط البي الحصون الذي كان يشعرني بحب كبرر ،يجعلني اتخيل نفس ي امررا في حديقة رةيعية مبحرة فوق زهر اللوز، فعالقتي بابي عالقة قوية جدا تشبه الى حد ما عالقة املوورة بواحبها ،او كعالقة الفالح بأرضه ،كان ابي هو املصظار الذي 50
مدينة الظالل البيضاء اشاهد به العالم ،لقد كان شخوا مرحا يحب الحياة و يحتس ي الكثرر من الصبيذ الاحمر. قبل سصوات قوررة ،باريس كانت قد سقطت على يد الصازيرن اما ابي لم يهمه ش يء سوى ان اكون سعيدا ،لم اكن ارى فيه ذلك البائس الذي يهتم كثررا لألحداث السياسية ،لم يمثل له هتلر ابدا ذلك الوحش الذي يخيف ،لقد كان يقول ألصدقائه دائما هتلر رجل و ككل رجال العالم كان يمكنهم هزيمته بمهبل امرأة فاتصة عوض ان يزهقوا كل تلك الارواح ألجله. كان يأخذني للسرك و الحرب قائمة ال تنتهي في اوروةا ،مع كل شقلبة في العرض كان يموت املئات تحت قصابل الطائرات هصاك، كلما يرفع فيل خرطومه كانت دبابة تقوف املدن في الشمال ،و حيث كانت عيني تراقب السماء الزرقاء هصا و انا استمتع بوقتي كانت اوروةا مشتعلة في حرب قذرة ،مات فيها لحد تلك الساعة مئات الاالف من الابرياء العزل. امي كانت تهتم كثررا ألخبار تلك الحرب اللعيصة فمديصة اجدادها باريس اصبحت تحت حكم الاملان ،لقد كان شعورا مؤملا جدا بالنسبة لها فأمي بالرغم من انها ولدت هصا هي الاخرى و لكن 51
مدينة الظالل البيضاء موطن امها و اباها الاول كان تلك املديصة التي سرقت من شعبها ،و لكن ال امي وال احد من الفرنسيرن فكر في ذلك الوقت انهم هم ايضا يقفون على ارض ليست ارضهم ،فلما لم يتساءلوا ابدا عن احساس هذا الشعب هصا الذي يعيش كمهاجر متسلل في ارضه، ألنهم
بكل
بساطة
ال
يشعرون
إال
بمعاناتهم
الشخوية،فالفرنسيون هصا كانوا يبدون فرحرن بهذا التقسيم الطبقي العصوري ،و كلما كان احدهم يتورف بطيبة كان ش يء ما يدفعني للضحك. هكذا هو الانسان اناني لدرجة ال تطاق ،يعيش في حالة صراع مع نفسه و يظن انه املصتور بالرغم ن انه دائما املهزوم ،فكيف ينتور الانسان عصدما يكون املهزوم هو نفسه الانسان. كصت اعيش حالة مفارقة عجيبة مع نفس ي ،فمن جهة كصت سعيدا بكل ما كان يقدمه لي اهلي من انبساط ،و من جهة اخرى كانت سعادتي تغتال في كل نظرة تقع غفلة على حافة اعرن اخوتي املختلفرن اللذين يقاسمونني نفس الوطن ،هذا الذي لم اعرف غرره فبالرغم من طفولتي و شح املفاهيم في عقلي ذلك الوقت ،إال انني لم استطع ان اسعد كثررا و انا ارى الام الاطفال من حولي في حالتهم البائسة ،كصت اشاركهم نفس الشعور و على رغم من عدم 52
مدينة الظالل البيضاء تبلور ادراك حقيقي لألشياء من حولي و للمفاهيم ،و على الرغم من اني الزلت في سن ال اتمتع فيها بكل مخارج الحروف ،الا ان الانسان يولد انسانا و يفقد انسانيته مع الوقت او يحافظ عليها، و لتلك الساعة كان الانسان بداخلي يرفض ذلك الظلم من حوله حيث ال يحتاج الانسان للكثرر من الذكاء ليستطيع ادراك ما هو خرر و ما هو شر ،فكل ما يحتاجه هو القليل من حقيقته كانسان.و لذلك فقط كانت بداياتي الاولى اكبر من سني و كان كلما يمد رجل يده لرربت على شعري او يداعبني امام اهلي كصت انزع يده و امد له لساني و اعانق ابي بكل احتقار ،ذلك ألني كصت امقت عصوريتهم اتجاه من يشاركونصا هواء هذه املديصة ،و ارفض ان يعاملني احد و كأنه اكبر مني سصا ،و هو في حقيقة الامر ال يملك حتى انسانيته ( نفاقكم اتركوه ألنفسكم ال تلمسوا شعري )، فشعري ال يمسه إال املطهرون على رأي املسلمرن ،وال استطيع ان اترك شعري الذي كان اول ما احببته في حياتي لعبة في يد قذرة تتمتع بألم الاخرين. لم ارى ابي ابدا يعامل جزائريا بعصف و لذلك كان من البداية قدوة لي ،كصت ارى فيه مثلي الاعلى فهو لم يدعي ابدا التدين ،و لكصه كان انسانا بأتم معنى الكلمة و رةما ورثت هذا عصه و وضعته 53
مدينة الظالل البيضاء الى الابد في قاموس ي ابجدياتي و مبادئي ،و صيغ بأحرف ذهبية على جلدي الابيض ،و ورثت مصه طيبته و ابتسامته التي ال تخجل من الحزن تعرف كيف تجعل من
انذل اللحظات شامخة في
الابتسامة و الضحك. كان مروري في هذا املقطع عن ابي ضروريا ألقص حياتي ،فأبي لم يكن ابا فقط بل كان مدرسة فهو الذي اعطى ظهره لكل التقاليد الاجتماعية البالية ،اسدى لي معروفا كبررا فهو لم يفتح عيني فقط للحياة ،بل فتح عقلي كذلك للتمرد على الافكار العامة التي تصخر املجتمع ،كصت اسمعه يردد مرارا و تكرارا ( ان اردت ان تعش حرا ال تترك ابدا مجتمعك يشعرك انك كذلك ) ،فحسبه املجتمع يوهم افراده بحرية غرر حقيقية حرية وهمية كتلك الحرية التي توصعها اجصحة الدجاج ،فال حاجة لإلنسان بأجصحة شرفية ال تجعله يطرر ،فالطرران فعل ضروري في اي مفهوم مبسط عن الحرية ،و ابي لم يكن يالحظ اني كصت احفظ الكثرر من الدروس من طباعه و لكن قد تعلمت الكثرر على صغر سني . و في البيت كانت العالقة بيصه و برن امي عالقة غرامية تشبه السيصما ،فلطاملا كان يدللها و يراقوها بكل شاعرية ،فالزلت اتذكر كيف كان يطفئ الليل بشموع رومانسية تتوهج في البيت 54
مدينة الظالل البيضاء لرراقص امي على انغام هادئة ،كان يضع يده على ظهرها و يرفعها قليال لتقترب شفاهها من شفاهه ،يراقوها حركة و لغة، يستعمرها بكلمات تشبه الومت الاخرر بعد املوت ،يرفع يدها اليمنى ليديرها حوله ثم يباغتها بحضصه و يلقفها مثلما تلقف الشمعة اصبعي و انا احاول ملس شعلتها من بعيد ،ابي كان يعرف جيدا كيف يجعل امي سعيدة ،كان يضمها كثررا و يقبلها في كل وقت حتى و هي تولي لليسوع ،كان ابي يغمرها بحصانه حتى اني بت في شك كبرر في اليسوع الحقيقي الذي كان يمصحها الخالص. اتذكر انه كان يفتخر مرارا بجسده امامها فكان كلما يريد حضصا دافئا منها تراه يمش ي في البيت عاري الودر ،و انا لم اكن ذلك الطفل املزعج ابدا فقد كصت اشعر بحصانه في كل مرة يعانق فيها امي على الرغم من غررتي عليه ،و لكن مصظرهما معا يتبدالن الصظرات القاتلة،و القبالت الدافئة على ضوء الشمع ،و تلك الحركات التي لم اكن اعرف لغاية تلك اللحظة انها تسمى رقوة، كانت تشد انظاري فانا كصت على صغري كثرر السهر ،و امي لم تكن تلك الام التي تجعل اطفالها يصامون مبكرا فشغفها باالستماع يجعلها اكثر راحة ،و انا على سجيتي ابادل نفس ي بعض الالفاظ
55
مدينة الظالل البيضاء العشوائية لطفل تعلم نطق الكلمات لتوه على انغام اسطواناتها املقدسة. ابي كان يمال بيتصا محبة و سعادة و مروري عليه مرور البخالء لن يجعل روايتي هذه في حكم الرواية ابدا ،فما قد اثر به على شخويتي ال يمكصني ان اتجاوزه بعبارة او عبارترن ،فقد كصت اعتبره يسوعا حقيقيا يتجسد كل لحظة امامي في طفولتي تلك، ليمالني حضورا بحبه الكبرر الذي ال يشبهه ش يء في العالم سوى حب الشمس ألركان هذه الارض التي تشبه كصيسة على ظهر سفيصة تدق اجراسها للعاشقرن. و على ذكر العاشقرن فان مديصتصا الجي كانت تزخر بهم في كل مكان و في كل زاوية ،كصت استرق الصظر اليهم و ابي يحملني فوق اكتافه، كصت اشاهدهم يعطون الحمام بعض الرز و اخرون يتبادلون القبل في الشارع ،و البعض الاخر يداعب الشمس التي تداعبهم بدورها ،كانت تلك املشاهد تطبع ايقونات ال تنس ى من مديصتي من زاوية عالية و حصونة ،و انا استمتع بأيامي الاولى مع ابي اصد وجه العصورية بودره،و اتمرغ في الحرية على مقرةة من رقوته مع امي.
56
مدينة الظالل البيضاء و امي بدورها لم تكن تلك املرأة التي تقض ي طيلة يومها تختار ما تلبس ،و لكنها كانت سيدة بيت تعتني بصفسها في حدود جمالها الخارق الذي ال يحتاج للكثرر من العصاية لكي يبرز ،فجمالها الهادئ و الفاتن كان يظهر و يختفي منها كومضات سريعة ثالثة مرات كل لحظة ،و في تلك الهصيهات القوررة جدا من البشاعة برن اللحظات العميقة من الجمال كان قبر السحابة يلتفت ليمطر السكون ،الذي كان يعطي فرصة للصاظر اليها للتفكرر مليا في جمالها املهذب و الراقي و رةما هذا هو الجانب الذي ورثته عن امي ،زيادة على شغفها املتواصل بالراديو ،و اظن اني ابي كان محظوظا جدا بها فال انثى في العالم يمكنها مقاومة كلماته و اصواته ،كما اني متأكد انها لو دارت العالم بأسره لن تجد رجال مثله ،فأبي كان الرجل الوحيد في العالم من يحقق الخالص للمرأة بضمة صدر ،و يلغي الروترن البشري في قبلة ،و يقض ي على الحزن بودره العاري الذي كان يعطيصا الكثرر من الحرارة بالبيت. لقد كبرت في هذه الاسرة الحصونة التي قد يصقوها اي ش يء إال الجمال ،كبرت في عالم روحاني من املحبة و الشغف املتواصل باألشياء من حولي ،وفي سن مبكرة جدا اطلقت العوفور من قفوه و تركته يطرر بحرية و سالم ،و لم ابه كثررا للقضبان فهي 57
مدينة الظالل البيضاء الاخرى عليها ان تأبه للحام فليس في العالم ما يخيف اكثر من قفص تقدسه الاوهام. و العوافرر الجزائرية كانت تحادثني بلكصة غريبة لم اكن افهمها، فلغتها كانت اقرب للغة الاهالي مصه الى لغة املستوطصرن ،حيث حافظت هي الاخرى على هويتها حرن اراد الشر ان يرافقها الى الاحتضار. و كزقزقة عوفور جريح كان الوبية يمسحون احذية املصافقرن، و يبتسمون بشراهة تلتهم السماء ،ال لش يء سوى الن الحياة الجميلة ال تقتض ي املال الكثرر ،و انما غاية للحياة تكون هدفا مستصررا يضمد جراح العوفور تكون الحياة فيها وافرة بالحياة. و كشهد نحل يقوم مساحو الاحذية بإعالة عائالتهم ،تكليف لهم يرونه تشريفا اكثر مصه ذال ،فتغدو العوافرر اسمى شموسا للتضحية التي قد تض يء ابتسامة حقيقية ،حيث يريد لها ذلك املصافق الشرير ان تافل ليشعر بتكبره عليها ،هم وجدوا غاية لحياتهم بكل بساطة تحققهم كبشر ،بيصما الاخرون مازالوا يهتمون ألحذيتهم اكثر من انسانيتهم بكل حقارة.
58
مدينة الظالل البيضاء العوافرر خلقت لتطرر و كذلك اؤالئك الاطفال من حولي ،و كذلك انا حيث لم اكن احب الجلوس في البيت كثررا ،فقد عودني ابي على التجوال برن ازقة مديصتي املحلقة في شغف الاصوات كمذياع امي ،و قد تعودت ان اخيط الشوارع كل صباح كقماش يطرز بأقمار الجصة لينسدل على الجسد املرتحل في الجمال الغاط في نوم الاطفال ،جسد ابيض كان يشوةه بعض الحزن على اطفاله الضائعرن ،جسد تعودت املش ي على جلده الرطب و تعود هو على راحة قدمي الوغررة التي بدأت تحيك بعض جذورها عليه لتتول مع هذه الارض ،التي بدأت هي الاخرى تتجذر بداخلي و تترك بي انطباعا عميقا يشبه ابار الصفط التي ثبتت الاستعمار اكثر بهذا البلد ،غرر ان الابار التي كانت بداخلي كانت خالدة و صادقة ال تباع و ال تشترى ،ابار من املحبة الخالوة التي لم اعرف ابدا تفسررا لها كجزء من تلك املشاعر التي ال نعرف مودرها و لكصصا نشعر بها بودق. الساعة كانت تشرر في الوورة بداخلي و على الالبوم الى الرابعة و العشرين ،لم اعرف ملا اختار ابي املساء اللتقاط الوورة بالرغم من انصا كصا مع بعض كل الوقت من الوباح الباكر الى ان تنهض الصجوم من نومها كل ليلة ،فانا تعودت ان ازاحم امي عليه في 59
مدينة الظالل البيضاء السرير ألنام في احضانه ،و لكن ذلك اليوم الزلت اتذكره حاضر معي في هذه الغرةة ،و اعيشه و كأني مازالت بداخل ذلك الجسد الوغرر اضاجع الطفولة الخرساء و السعيدة. فلما عدنا ادراجصا صوب البيت كانت الرياح توحي و كأنصا نغني في فول الخريف و الاوراق الوفراء تراقص حزنصا الذي يتشعب فيصا كوداع للحظات الويف الاخررة .اخرر بالرغم من انصا لم نكن في فول الخريف فعال ،فلم يمر وقتا طويال على بداية الويف فال تزال الجزائر تكتس ي الثوب القورر ،والزالت املايوهات تزين الحياة هصا ،رةما لم يمر سوى شهر من الويف ال اتذكر جيدا ،و لكني كصت احسب ايام الويف مطوال فقد كان فوال هاما بالنسبة لي ،فول البحر و السعادة تماله الالوان و املوسيقى ،الا في ذلك اليوم الذي جرةت فيه ألول مرة في حياتي الحررة ،حيث ما ان عدنا للبيت ضم ابي امي باندماج عميق من خلفها و هي تهم بالبكاء و كأنها ال تريد الصظر الى وجهه ،ادارها اليه ،و مسح دمعتها ،و راح يعانقها و كأنه يحتضر ،لم افهم ذلك املشهد تماما اذ لم يكن يمثل لي ش يء على الاطالق ،ألني بوراحة ال ادرك ماهيته فحتى انا لم اكن اعرف البكاء كثررا من فرط السعادة في ذلك البيت ،لم افهم ملا قد يبكي الكبار ملا قد تبكي 60
مدينة الظالل البيضاء امي التي كانت تصام على ادفى صدر في العالم ،امي التي كانت تمسح دمعتي عادة ذرفت سماءا من الدموع ،و لم تلبث مطوال تشتم صدر ابي و اذا بها تورخ في وجهه (اكرهك ابتعد عني ) ،لقد اخذتني الودمة فعال لم اكن اعرف ان الكره جميل لتلك الدرجة ،و لم اكن اعرف ان كل تلك الحياة الجميلة التي عاشها ابي و امي و انا بينهما كانت تسمى كره ،فانا عادة كصت احسبها حبا و لذلك فقد احدث الامر شرخا كبررا في عقلي ،و كصت على وشك ان اغرر جميع املفاهيم التي نسجتها طيلة السصوات السابقة في لحظة واحدة ،لكن ابي انقذها بضمه ألمي بقوة و هو يردد كما يتردد ضوء القمر على وكر الخفافيش ،و هو يمحي فيها ذلك الظالم بقوله :احبك ،احبك ،احبك. كان يقولها على غرر عادته و كانه يريد خلق دين جديد من تلك الكلمة ،كان يعبر من خاللها على كل هيجانه ،كان يبدو ذلك املشهد كمعركة مضطرةة برن غزال جريح و ثور فقد قدرته على الانتواب ،ال افهم كيف استطعت ان اتعمق في ذلك املشهد مطوال دون ان اعمى او اجن ،فقد كان الامر اشبه بكسوف عميق لشمس فقدت شعاعها في يدي طفل بريء ،لم افهم ملا قد يتورف ابي و امي بتلك الطريقة الغريبة ،كان مشهدهما و هما 61
مدينة الظالل البيضاء يتبدالن الاحضان و القبل يرسم لوحة تكعيبية غريبة لم اتعود على جماليتها بعد ،اذ يتحرك ابي كثمل فقد وعيه اثر جرعة زائدة من الكحول ،و امي تتصاوب مع نفسها على مصجاة سماء مشتعلة كراقوة بالي نست ايقاعها ،حيث كانت رقوتهما تلك مضطرةة و على غرر عادتهما دون موسيقى ،و قد بدا لي في تلك اللحظات ان اضع اسطوانة و اشغل املوسيقى لهما ألتمم املشهد ،حملت اسطوانة كالعادة و واضعتها على الالة ،و انزلت ابرتها كما يضع املجرم سكيصه في قلب مقتوله اذ اردت ان اقتل حررتي ،و رفعت على اذانهم املوسيقى و جلست على كرس ي الطاولة انتظر شيئا ما ليحدث ،رقوة رومانسية مثال تصظيم ليقاع مضطرب رتابة اقدام تزرع املحبة على الارض. ضم ابي حبيبته بقوة و هي تورخ ان يتركها الى ان هدئت ،ثم راحت تحضصه و كأنه وسادة طرية ،و تحولت في برهة عرن عضالته الخشصة الى قطن ناعم و انتشر السكون كالهدوء بعد العاصفة ،و راح ابي يلوقها بجسمه اكثر و هو يغني مع الاغصية بووت مبحوح و كأنه يحاول ان يجعلها تصام برن احضانه ،اما انا فكصت قد تخلوت من حررتي اذ يبدو ان املشهد عاد لتوه مفهوما ( ابي يراقص امي التي تحبه كثررا ). 62
مدينة الظالل البيضاء كان ألبي حضصا دافئا جدا قد يغفو عليه القمر ،لم يمكن ابدا حضصا عاديا فقد كان به شيئا ما يحول دون ان تبقى صاحيا على متصه ،و امي كأي عوفورة تبني عشها استعملت ريش لباسها لتكنز ابي في حضنها و كأنها تخبئه لألبد كعصكبوت تلتهم ذكرها ،لم ارى في عيون امي شيئا اشبه بالحزن الذي رايته فيهما في ذلك الوقت ،حيث احمرت جفونها و سال لعابها منها كما سالت منها الحياة ،و لم تعرف كيف تتورف ألجل ش يء لم اكن اعرفه انا الاخر ،إال انني كصت قد استجمعت نفس ي و عدت طفال من جديد ،ثم نهضت من مكاني و رحت اعانق ارجلهما ،و مدت امي يدها الى شعري و راحت تصفس عن غضبها و هي تمشط خوالته الذهبية بأصابع يديها املرتعشة ملوقف حاد جعلها تفقد اتزانها ،و ابي لحزنه الشديد ذرف دمعة واحدة من عيصه اليسار و ضمها اكثر ،و اكثر ،و اكثر . رأيت امي في تلك الحالة في ابشع لحظاتها و لم يغفر لها الالم اذ دفعها للضحك بطريقة هيستررية ،اذا ال تضحك امي إال و قد كان الالم فظيعا يمزقها من الداخل،و قد امتزج ذلك الالم بنشوة حب زائدة ،كانت تضحك و ابي يضمها الى صدره و قد رافق شعاعها الى اقدس نقطة بداخلها ،يحاول ان يلملم منها ما تبقى 63
مدينة الظالل البيضاء ليعيد دمجها بصفسها قبل ان يدمجها في قوقعته الفوالذية التي سماها مصذ سصوات على اسمها. اذ ان ابي التقى امي اول مرة في املكتبة و هي تطالع بشكل مالئكي خاطف للعقل ،فأصبح يتردد كل يوم للمكتبة كحج مقدس ليقرأها ككتاب ،و يرتلها كترانيم عطرة .لم يكن ابي يقرا سوى تلك الكتب التي تنتهي منها هي ،ليبدأ هو من حيث انتهت كان يشتم تلك الاوراق و يقرأها حرفا ،حرفا فيديها الصاعمترن قد المستها ،و قد كان عطرها قاب قوسرن او ادنى من نسجها حية في غالف الكتاب ،كما كانت هي كائصا مالئكيا جميال في صفحات وعيه، فالكتاب الذي وقعت عيصاها عليه كان اقدس من اي كتاب في العالم ،كل كتاب تقرأه هو افضل كتاب في العالم ،فأبي عشق فيها سكونها و هدوئها الذي يخبئ فيه اسرارا عميقة كنهر يقطع الجبال بانسيابه ،كجبل يكسر السماء برسوه ،كبحر يرسم افقا بعيد ال تلمسه يد الشعراء ،عشقها لبراءتها و ابتسامتها الاخاذة فقرر ان يسقط في غرامها كما يسقط الصرزك في حديقة ما بعد املوت. عشق كل تلك الكتب التي قرأتها و اصبحت املكتبة على مقرةة لقلبه من حبل الوريد ،استسلمت شراييصه اليها و غدا من مساء و 64
مدينة الظالل البيضاء مساء يخلق نفسه مجددا انسانا جديد ،فبالرغم من تكررها أالف املرات في أالف املشاهد حوله ،و هو الذي لم يكن يفكر في انسان اخر سواها إال انها كانت تقتل الروترن بشكل بشع، فالروترن كان يموت في هدوئها كما كان يموت ابي كطفل يولد ملليون مرة عصدما تقع عيصاه بالودفة على رموشها و هي تخفض نفسها كجصاح مالك اسرر في الجمال .لم يفهم ابي نفسه لقد قص علي قوته اكثر من مرة ،و كان يقول اني ساجد حب حياتي يوما ما في شغفي و مكان لن اتوقعه ابدا ان يكون بداية ملشاعر ال تنتهي بداخلي .ابي علمني ان الحب ليس ان نكتب الشعر صباح مساء ،بل ان تراه محلقا في كل مكان ،ان ترى العالم شعرا ال يستطيع شاعر كتابته ،فعصدما نحب نرى العالم جميال ،و ابي قال لي متى احسست ان العالم غدا برن لحظة و توأمتها كذلك كن متأكدا انك وقعت في الحب ،فعصدما يجد الانسان نوف روحه يتشبث الصوف الذي فيه كاملغصاطيس بالصوف الاخر .و هو وجد فيها شيئا كان يدفعه بشكل غريب لكي يقبلها كفراشة تحط على ورد الرةيع ،حاول اصطيادها كفهد طائر إال انها لم تكن طريدة سهلة ،كانت فهدا هي الاخر تبحث عن واد يحمل شموعها الى قور الغرام ،و ابي فهم رومانسيتها املتمردة و عرف كيف يدخل عليها من الباب الذي تفتحه كل يوم ،من باب الكتب .الكتب التي 65
مدينة الظالل البيضاء كانت تحمل في طياتها خاتم الخطوةة ،و تسلقت الاماني جدران الفصجان ،و قرأته عجوز القدر بحب بليغ و جمعتهما في حب واحد و حياة واحدة ،و كان عرسهما في مسبح اذ قررا ان يستبدال خاتم الزواج و هما مبلالن كما عمد يوحصا املعمدان املسيح ابن هللا ،و كصت انا من بعد ذلك من برج الحوت كررقة صغررة تخرج من بحر من الحب و الدفء و الحصان. ابي لم يعرف في حياته حبا سوى امي لذا غمرها بما لم تشعر به ابدا ،و هي تقرا كتبها و تستمع للمذياع ،امي كانت صوتيه و يمكصني ان اتخيل ان ابي كان يقرا على مسامعها ماليرن الكلمات الحلوى التي قد الهبت مسامعها كعشق ابدي و كلطف يحوم في الغرفة عليها ،كان ابي يتعمد ان ال يجعلها تضحك بووت قوي فالم حبه و هو يدغدغ انوثتها ال يمكصه سوى ان يجعلها تحبه بكل سكون و هدوء ،و عصدما تتشعب فيه و هي تراقوه بحزن كذلك اليوم ،كانت تبدو بكل مفاتنها انها انثى ضعيفة ال تريد ان تخرج من صدره ،و رائحته املشبعة بالرائحة التي قرأها معا كما تتصفس الرئترن معا او تموتان معا. لقد كانت تلك الرقوة الغريبة التي يتغمدها الحزن مثررة للريبة، لم افهم ملا قد تبكي امي ،ملا قد يحدث كل ذاك ،ملا قد تنس ى 66
مدينة الظالل البيضاء خطوات رقوتها املعتادة و تحضن ابي ،ملا ابي قد يردد على اوجاعها كلمات الاغصية بووت مبحوح ،لم افهم ش يء من تلك الاحداث سوى اني قد التقطت صورة لي مع ابي على غرر العادة، فأبي بالرغم من انه كان يحب الوور لكن ليس في ذلك الوقت و ليس في املساء. كل ش يء كان غريب،كان ذلك اليوم اغرب من الخيال اذا خيم الومت على البيت و قطع اوصاله ،كصت ارى البيت ينزف دما من دهانه ،و انتظرت جدرانه في كل ثانية ان تقع ،و ان يحلق سقفه بعيدا ،و تطرر الغرةان من مزهرياته ،انتظرت ان اعيش كابوسا حيا و تخرج الافاعي من قبو املنزل ،انتظرت و لم افهم ش يء حتى اني كدت انس ى انه فعال ذلك البيت الذي ترةيت فيه ،و ترعرعت في كصفه هل يعقل ان يتحول الى سواد هكذا. لقد انتابني خوف كبرر من ذلك املجهول الذي استوطن اسرتصا ،يا ترى ملا بكت امي بتلك الطريقة ،ملا صرخت في وجه ابي بأنها تكرهه و من ثم عانقته عصاق الاشتياق ،سؤال عميق عمق الجانب املظلم للحكاية ،ال توجد اشباح لتقول لي الحقيقة عليا الانتظار كان عليا الانتظار.
67
مدينة الظالل البيضاء انتظرت مطوال و كان كل ش يء جميل في ذلك البيت قد تحول الى رفات خنزير ميت ،لم اكن اريد فعال ان ابقى حبيس حررتي، حاولت الوصول الى خيط ما يدلني عن حقيقة الامر لكن ال جدوى ،عقلي الوغرر لم يشر لي ألي معلومة كل ما كصت اراه هو الحررة فطباع امي تغررت ،و كانت تتورف مع ابي و كأنها تشتاقه بعد موتها ،و هو كان يالمس كل ما ينبض في املنزل حيا كان او جمادا بشغف عظيم ،و انا اراقبهما من مكاني بومت ،اتابع كل حركة او غفوة او سكون لعلي اجد في الامر سر املشكلة ،فافهم هذا التغيرر املفاجئ الذي طرا على غرر العادة على اجواء بيتصا فجعلته يتحول من جصة الى جحيم برن ليلة و ضحاها. والن للجحيم دفئه هو الاخر فلم يفقد بيتصا على الرغم من حزنه حصانه ،فاالشتياق الذي كان يعزف نفسه فيه لم يتوقف عن حمل قوس كمانه ،بل العكس لقد زادت نوةاته بما كان يوحي باقتراب قيامة املسيح ،كان ش يء هصاك في هوائه يدل على طعم حامض لليمون يمزجه بعض الترن الحلو ،سار البيت يجمع اكل التصاقضات في هوائه و لم اعد ذلك الوبي الذي يمرح طيلة الوقت ،بل بات العالم جاحدا يحسدني في ابتسامة ،و بات من
68
مدينة الظالل البيضاء الوعب علي ان افرق برن الطفولة و السؤال الضبابي الحاد الذي ارداني حائرا لوقت طويل ،ملا يتحول بيتصا بهذا الشكل؟ كان ذلك السؤال اولى تلك الاسئلة الفلسفية العميقة التي حررت تفكرري ،و ابرزت على سطحي ذلك العصور الخفي مني و هو الفضول الحاد ،و التفكرر العميق فانا الى غاية تلك اللحظة لم اعش حياة الفلسفة بعد ،مع انها حياة تستوجب حضورها في دور شخوية ستعيش ما عشته انا ،و كون كل طفل يولد بقلب فيلسوف عظيم ،الا اني لم اكن اشعر بالفيلسوف بداخلي شاردا كما كان في تلك اللحظات ،حيث كان التحول الجذري في العالقات داخل اسرتصا الوغررة يحرك في قريحتي أالف الاسئلة التي لم اكن اجد لها اي جواب ،كأي فارس يحاول امتطاء حوان شفاف كفقاعة صابون ال يرى منها سوى ما يلمع مع الشمس ،و مع ذلك حاولت امتطائه و الحقيقة تفر من يدي كالزئبق ،و مرت الايام على روتينها و فضولها دون ان ادرك مرةط الشمس في الحكاية او حتى اجد حواني الشفاف. ست ايام مرت على التقاطي تلك الوورة و انا الزلت اناقش اشباحي على ابعادها ،و باتت رقوة الحب تتكرر في البيت اكثر من أي ش يء اخر ،و اصبح صدر ابي شمسا تتوهج بينصا و كأنه يزرع 69
مدينة الظالل البيضاء حصانه بما يكفلصا حصانا لعشرات السصرن ،اذ لم يتوقف شعاعه على بعث احضانه فيصا ،لقد قارةصا انا و امي ان نصدمج بودره الى ابعد نهاية الا انصا حافظصا على وجودنا بما يكفل غريزة حب بقائصا على قيد الحياة ،التي كانت هدفه الاسمى دون أي هدف اخر يزاحمه في مراده هذا ،و مع ان احضانه كانت دافئة جدا لكني كصت اشعر في قرارات نفس ي ان شيئا ما س يء سيحول قريبا و سصموت كلصا من شدة الوقيع و في صباح اليوم السابع نهضت على بكاء امي ،نهضت من سريري و انا اشعر ان ابي قد قبلني قبلة الوداع و انا نائم ،نهضت و انا اجري مسرعا نحو الباب ،امي قارةت على فقدان وعيها من شدة البكاء ،و هي تحضن ابي بشدة تتسوله بان ال يذهب ،ان ال يذهب ،لكن اين لم اكن ادري ،ابي كان يعانقها و كأنه يودعها الوداع الاخرر ،اما انا فلم اكن افهم ما يجري امتألت جفوني بالدموع دون ان ارادة مني و جريت صوب ابي و رحت اتسوله ان ال يذهب ،فيما كصت ابدو اني متأكد من ذهابه ملكان ما و يتركصا لوحدنا ،فأبي كان مهما جدا في حياتي و لم اكن استطيع ان اتخيل حياتي بدونه ابدا.
70
مدينة الظالل البيضاء فك جسده مصا بوعوةة و نحن نتشبث به كما يتشبث الجبل باألرض ،و كما يرفض الجصرن الخروج من احشاء امه افتك جسده بوعوةة ،و كان جسده متشبثا بصا هو الاخر ،كان ابي يحزم حقيبته و كأنه يسافر الى الرجعة ،حمل نفسه و هو يصظر الى الارض دون الالتفات ورائه ،يحبس الوورة الاخررة في رأسه عن عائلته السعيدة، اغرورقت عيصاه دمعا راح يتساقط مصه كحبات البرد وهي تعكس نور شمس الوباح الويفي املتوهج ،و غدا كجصدي هارب من معركة مع ذاته ،شد قبعته البرري و ركب ما كان يشبه حافلة لصقل املوتى. انطلقت الحافلة كحوت اخضر تسافر في الزمن ،و راحت امي تجري ورائها و هي شبه عارية ترتدي لباس نومها الاحمر و هي حافية القدمرن ،تحاول ان تسترجع ما ذهب منها ،الى ان سقطت على الارض دون ذلك ،و هي تمد يدها تحاول مسك يد ابي الذي بدا سرابه يختفي رويدا ،رويدا دون ان يمسح دموعها كالعادة. حاول الجرران اسعافها و هي تسكر في حزنها الشديد الذي لم اره يطوق جسدها كما رايته في تلك اللحظات.
71
مدينة الظالل البيضاء عادت للبيت كالذليلة و قد مرت على خيبة مرة و انتكاسة قاتلة في حياتها لم تتوقعها ،و هي قد ودعت ابي على غرر العادة في مشهد حزين جدا كبقعة زيت تطفو فوق ماء حياتها ،املاء الذي انساب في دربها من باب البيت الى وقوعها ارضا محاولة استرجاع ابي الى احضانها دون جدوى. عادت و قد اوصدت الباب و تحول بيتصا الى جصازة سوداء و شعرت باليتم ألول مرة في حياتي ،امي لم تتحرك خطوة واحدة من جانب الباب ،جلست على الارض امامه و كأنها تخش ى دخول البيت الذي غادره زوجها ،و اتجهت انا صوبها احاول ان افهم من حضنها ما يجري و الدموع الوامتة ال تريد ان تتركني بسالم، شعرت بخوف شديد كما لم اخف ابدا من قبل ،جلست في حجرها السائل على الارض و هي تتدفق من نفسها كما تسكب السماء مطرها الترابي حاملة معها رمال الصحراء ،جلست هصاك و مسحت دمعتها و سألتها بكل لطف ( :امي الى اين ذهب ابي؟) أما هي فكانت تبدو و كأنها تخبئ بحرا من الاسرار ،محاولة الحفاظ على طفولتي كأي ام تعشق اطفالها ،إلتوت علي كأفعى تمالني بالحصان ،و كأنها تخش ى علي ان افر و اتركها انا الاخر ،ثم ردت
72
مدينة الظالل البيضاء بكل لطف و انوثة و رقي ( :ال تخف جان بيار بابا راح للحقل لجني البرتقال و سيعود قريبا ) تنهدت في تلك اللحظة و كأني صدقتها ،و حضصتها بقوة سعيدا باني تعرفت على الحقيقة اخررا ،الحقيقة التي لم تكن لتقصع سوى طفال مزال طعم حليب امه في فمه ،و لكني اكتفيت بها على الرغم من ان موسم البرتقال كان يبدو بعيدا بشهور ،الا اني صدقت الرتاح ألكون سعيدا ،و ضمتني امي لودرها ضمة مفارقة للحياة على الرغم من انها كانت بعيدة جدا عن يوم احتضارها ،و راحت تشمني كأخر اثر من رائحة ابي برن احضانها ،و انتظرت من ذلك اليوم ان ينتهي موسم البرتقال و يعود ابي ألحضانصا ثانية .
73
مدينة الظالل البيضاء 4
الحرية للمالك
بدا الفول الجديد من حكايتي بدون ابي ،و انا اقطع ورقة من الرواية بنزعة مازوشية رغبة في نسيان تلك اللحظات املأساوية التي رافقتني طيلة غيابه ،و انا خار ارتل الايام كالوالة اناجي بقلب طفل يتفتت ألبسط لحن و هو ينتظر صدر ابيه ،قلت يوما ما و انا ارسم خربشات على الورق فيما كصت اظصني ارسمه مالكا ،انسان بأجصحة طويلة و اغالل تشده لكي ال يهرب بعيدا عن بالط الالهة، محاطا بأشجار البرتقال ،لم اكن افهم في ذلك الوقت ملا رسمته مكبال ،رةما ألني كصت اعني به ابي الذي انتظرته بعد موسم البرتقال ان يعود ،و لكصه لم يأتي ،او رةما كصت اعني من خالله عتبا ما ملالئكة ال تحمل صالتصا انا و امي للسماء لتعيد لصا حبيبصا و ينتهي موسم البرتقال ذاك الى الابد ،تأملت ما رسمته و رحت اكلم املالك بويغة الجمع انا اوةخ من خالله امبراطورية الالهة، اقرئي ايتها املالئكة ثورتك على اعتاب السماء ،انفض ي عصك 74
مدينة الظالل البيضاء القيود ،قبلي ألول مرة في حياتك ،امسكي يد الشيطان و ارقوا معا ،ملا عليكما ان تكونا اعداءا لألبد ،كونا اصد قاءا سيكون الانسان اكثر سعادة بذلك فما يحدث عصدكم يؤثر عصدنا ،فلتتحد كل قواكما الخارقة خررا كانت او شرا و اعيدا لي ابي بسالم ،لقد اشتقت له و لم يعد لي ال انا وال امي القدرة على الوالة. كانت امصيتي ان اصعد للسماء ،و ان التقي الرب و اطلب مصه ان يسجن الحزن ،و يرمي الغياب الى ال رجعة ،و يعيد لي ابي الذي بات اشتياقه مكرسا بذهني ،و انا اعيش حالة العزلة كسمكة ال تجيد السباحة في املياه الضحلة ،و هي تشتاق للبحر الفسيح .لم اكن اريد شيئا من هذا العالم البائس سوى ان يعود ابي. عصدما وجدت ذلك الرسم في البوم الوور تأملت صديقي الجالس امامي ،و ابتسمت له و تشكرته ثانية ،و عدت اناجي ذلك املالك الذي بقي سجيصا كل تلك السصرن دون ان يتحرك من مكانه ،لقد كصت نسيت هذا الرسم حقا و لو لم اجده في الالبوم ملا تذكرته ابدا يسعدني اني وجدتك هصا عزيزي. ثم عدت ثانية اعيش املاض ي بكل فصتازية ،و انا اتذكر لحظاته و كأني اعيش فيها ،و هي التي تعيش بداخلي ،فقد افرجت عن كل 75
مدينة الظالل البيضاء ذكرياتي و انا احمل ذلك الالبوم الذي يحملني كسفيصة شراعية تغدو على شعاع شمس غرةية ترسم خطها كدرب الحلزون و هي تتهاوى في الخليج العربي-الفارس ي. اما ذلك الرسم بالتحديد فلم يكن رسما عاديا ،كان مقطورة من املاض ي تحمل فيها طفال كان يراقص السصونو بأرجل حافية و انامل يدين موليترن ،و كأي دعاء يقرأه اله ما بالودفة قرأت صالة طفولتي في هذا السن البعيد كل البعد عن الطفولة ،و رحلت لتلك الصقطة ،و تربعت هصاك كالطوارق احادث ثنيات الوداع و كثبان رمال الذاكرة و سراب املاض ي املصدثر ،و افرغها كالشاي على الشيخ الطاعن في السن الذي البسه ،و استجمعه ككفيف يرسم صورة لطريقه نقطة ،نقطة بعكازة هي بوره. كذلك رسمت طريقي الى املاض ي عن طريق تلك الخربشات البريئة التي تعبر عن سذاجة طفل في عمر الزهور ،سذاجة طفل ودع اباه دون ان يقبله ،دون ان يعانقه عصاقا اخررا ،و هو ال يعرف موعده الثاني معه ،كل ما يكنزه مصه هو بعض قبعاته ،و صورة باألبيض و الاسود ،و شغف للبرتقال لم اعرف معصاه و فراغه الذي تركه هامال في البيت.
76
مدينة الظالل البيضاء كانت احيانا تول رسائل مصه ألمي ،و كانت كل مرة تقرأها تبكي كاليتيم الذي فقد كوكبه و تاه في مجرة غريبة عصه في الفضاء ،لم تكن تخبرني بكل ما كان مكتوةا فيها ،و لكنها كانت تقول لي في اخر كل مرة و هي تمسح دموعها و تمثل الابتسامة( :اباك يقبلك كثررا و يقول لك انه اشتاق). كانت تلك الكلمات تشعرني بالدفء و الحصان الذي كان يصقوني كثررا و ابي بعيد عني ،و انا اصارع اشتياقي بجمع الصجوم احيانا من الصافذة ،و انا احاول عدها او انا اشاهد القمر كوني كصت متأكدا انه ال يوجد سوى قمر واحد في العالم و رةما في لحظة حظ عابر الامس القمر بعرن و يالمسه ابي في نفس الوقت بالعرن الاخرى ،و بالتأكيد كان ذلك اداتي الوحيدة لالتوال بابي. وال عجب ان تحول ساعي البريد الى معشوقصا انا و امي فكصا ننتظره باأليام و باألسابيع على احر من جمر ،حيث كصت اجلس على عتبة الباب او العب بدراجتي الوردية مع اصدقائي هصاك ،و كانت عيني تتتسلل برن كل مصعطف في الزمن و اعوجاج في املكان ألملح ساعي البريد او ظله ،اجري صوةه بكل اشتهاء و انا اساله (سيدي سيدي هل لصا رسالة من ابي).
77
مدينة الظالل البيضاء لم تكن اجابته دائما تسرني،و لكني كصت ارى في حقيبته املليئة بالرسائل كنزا ال يقارن بأي كنز اخر في العالم ،فال عجب كذلك اني رأيت في ساعي البريد اغنى اغصياء العالم ،فكصت اراه يحمل املشاعر امللتهبة في حقيبته تلك و يوزعها كما يشاء على العائالت، كصت اكرهه كثررا عصدما ال يسلمني اي رسالة ،و لكني كصت اطرر عشقا فيه عصدما يرةت على شعري و يفتح تلك الحقيبة الرائعة رويدا ،رويدا و يقول لي (تفضل هذه لك نادي ،احد من اهلك ليمض ي على الاستالم ) كصت ارمي دراجتي في قارعة الطريق ،و اجري صوب امي و انا اناديها و كأني وجدت الحقيقة املطلقة ،و كأني وجدت ما يمكصه انقاذ العالم بأسره ،ال يمكصني حتى انا الان ان اتخيل حجم الفرحة التي كانت تنتابني عصدما امسك تلك الرسالة في يدي ألعطيها ألمي لتقرأها. و امي كانت دائما تقرأها سرا و بلهفة عطش ى لكلماته ،و تقرا عليا انا رسالة من نسج خيالها عن موسم زاخر بالبرتقال ،و ان الحقل كان كبررا جدا و انه قد وجد برتقالة على شكل دبدوب قد خباها لي ،و تختمها دائما بصفس الطريقة ابي يقبلني و يعبر عن اشتياقه لي. 78
مدينة الظالل البيضاء كم كصت بائسا حينها حيث لم اكن اجيد قراءة تلك الرسائل بصفس ي .كصت اشعر بتلك الاعاقة تصخر فضولي لذلك تمصيت بقوة ان التحق بمقاعد الدراسة ألستطيع بعدها قراءة تلك الرسائل بصفس ي . كانت تقول امي اني كصت في سن الالتحاق باملدرسة فقد قارةت لسادسة من عمري ،إال اني سألتحق بتلك املقاعد متأخرا قليال بسبب ميالدي في الاشهر الاولى للسصة ،كصت ارى املدرسة شمسا يحتاجها جسمي البارد و عظامي املتكسرة التي ال تستطيع حملي الى حضن ابي ثانية ،كصت كلما امر على مدرسة ما اتنهد امامها و اتوقف استصطقها لتعبر لي عن ش يء ما ،حيث كصت ارى فيها طوق نجاة من تلك الاعاقة التي كانت تحول بيني و برن قراءة تلك الرسائل التي كصت احضنها بقوة في صدري ،و اخاف عليها ان تلتهمها النسمة العليلة فهي كانت احب على قلبي من كل ما في العالم ،و كيف ال و هي ما تبقى من ريح ابي الذي ابجله ،و اقدسه اقدس من اي ش يء اخر . و في حرن اني كصت اتوق للمدرسة ،كانت بطن امي تنتفخ على غرر عادتها في امر كصت اجهله صراحة ،في الحقيقة كانت امي حامال في
79
مدينة الظالل البيضاء شهرها الخامس الامر الذي لم تعرفه سوى بعد ما يقارب الشهر من ذهاب ابي . كانت امي تضع راس ي على بطنها الستشعر تلك السمكة اللطيفة التي تداعبها داخلها ،لقد كان شعورا ممتعا حقا ان انتظر اخا او اختا لي كما وعدتني امي بذلك ،لقد كصت مشتاقا للرقم ثالثة كثررا في البيت فغياب ابي ترك فراغا كبررا اشبه باملوت ،و كان يجب لعصور ثالث ان يمال القليل من فراغه ،و حضور هذا الحمل الان جاء في وقته تماما ليصقص عليصا بعض الشعور بالغرةة،الذي كان يتملكني في كل لحظات الغياب بدون انقطاع على الاطالق،و كأنه ذئب يغرس بداخلي كل انيابه و مخالبه فال اتحرك قيد انملة بعيدا عصه. ال احد يستطيع ان يشرح الاشتياق بكلمات سهلة ،انه شعور مضطرب يعبر عن حاجة قوية ألمر ذو قيمة عالية في حياتصا ،ال نستطيع مالقاته في واقعصا ،فنرسمه في خيالصا،و نمسكه في احالمصا ،و نعيشه اكثر من اي واقع فيصا او حولصا ،فعصدما نشتاق نكون قد وصلصا لذروة الحب،و مع ذلك ليس ذلك هو املفهوم الصحيح لالشتياق.
80
مدينة الظالل البيضاء رةما هو اكثر من ذلك ،هو جوهرة تشع بداخلصا و نحن نعيش حالة الظالم ،نفترق في اخر الصفق و نعود ادراجصا للخلف نبحث عن اثار اقدامصا التي مشيصاها معا ،نشتمها و نحضنها و نبعث فيها انفسصا لصولد تحت الارض ،لصبزغ امال نحو السماء ،السماء التي ال تبدو انها تبعد كثررا .عصدما كصت افكر في ابي حيث كانت كل الطرق الطويلة تبدو قوررة جدا امام الدرب البعيد الذي حال بينصا انا و امي من الجهة الباردة للقوة ،و ابي من الجهة املليئة بالبرتقال من الواجهة الاخرى. على الاقل كانت هصاك امي تحاور بطنها املصتفخ تجعلني اتشبث باألمل ،و لوال ذلك الجصرن الذي كان يتكون هصاك على مهله لفقدت قدرتي على الحياة نهائيا ،فرؤيتي ألمي و هي تحمل ذلك البطن كل يوم و تلبي لي طلباتي التي كانت شبيهة باألوامر ،و تقوم بكل واجبات البيت من طهي و غسل و تصظيف و تسوق ،علمني بعض املسؤولية خووصا في غياب الحارس الاعظم صاحب القبعات ابي املجيد و املبجل ،و لذلك كان يجب عليا ان اعوض ذكر البيت و لو قليال ،و لم اجد سبيال لذلك سوى بمساعدة امي في التسوق او بشراء بعض حاجيات البيت من البقال.
81
مدينة الظالل البيضاء كان اشتياقي يكبر و بطن امي يكبر هو الاخر ،يكبران معا و يحدثان بداخلي اضطرابا فظيعا في املشاعر ،فاالشتياق يبعث عادة الحصرن املضجر بالحزن ،اما حالة الارتقاب على طلة البطن املصتفخ فكانت تستحضر مشاعر الفضول املزخرف بفسيفساء من املشاعر يغلب عليها طبع الفرح و املسؤولية . كانت امي تبدو اجمل و هي حامل ،كانت تذكرني بأنها ام حقا ،كان ذلك الحمل احب ش يء الى قلبها ،كصت اشاهدها احيانا تتعرى نهائيا و تجلس على الارض و تفرش نفسها ملتوية على بطنها و هي تعانقه و تحرك يديها عليه بصفس الطريقة التي كانت تشد بها على صدر ابي ،و كأنها توعد السياج نحو ذروة الاشتهاء. كان ذلك الجصرن بداخلها اخر ما زرعه ابي بها ،و كان وجوده هصاك و هو يتحرك بجوفها تذكارا جميل عن زوج رحل بومت ،و تشتاق له بومت ،و لكني لم اكن افهم ملا تتعرى بتلك الطريقة لتالمسه ،رةما ألنها كانت تشتاق ان تعرى امامه ،او رةما ان ثقل املالبس على جسمها كان يزيد على الشوق الذي كان يصخرها ثقله. لم يكن يمكصني ان اهدي ألمي اي ش يء لكي ابلسم جروحها سوى عصاقي ،حيث لم اجد انا الاخر من يبلسم جروحي التي اصبحت 82
مدينة الظالل البيضاء توب دمائها في السكون غرر ابهة ألي حركة اقوم بها،او اي لعب، و ما الفائدة في ان العب دون ان يالعبني ابي ،لقد فقدت الامل في كل ش يء ،و ما عدت اقوى سوى على مضاجعة الومت لكي اتصاس ى وجودي في لحظات عميقة من الالمباالة بش يء سوى بمساعدة امي للمض ي بعيدا عن هذا الصفق ،و كل امصيات ضائعة متبخرة ال يبدو انها تول الى عتبة السماء في ان يعود ابي ثانية الى احضانصا ،و نستقبل اخي الجديد بحب عميق يجمعصا كعائلة حقيقية بعيدا عن الزيف و انعدام املعنى الذي كصا نعيشه . امي كانت تبدو لويقة بالراديو تتابع احداث الحرب بطريقة مستفزة احيانا ،حيث لم تكن تعررني اي اهتمام عصدما تصغمس هصاك امام ذلك املذياع الخشبي الكبرر ،الكلمة الوحيدة التي كانت ترددها على مسامعي كانت ( اشششت ) . لم اكن اشعر انها كانت تتفوه بها بكره و لكنها كانت تقولها بطريقة عمياء عصد استماعها لذلك الخشب ،و كأنها تريد تول لش يء ما يتول مباشرة مع روحها من خالله ،و لكصني كصت كلما اراها مصدمجة بذلك الحجم مع احداث تلك الحرب اللعيصة و مع تلك اللعبة الخشبية اتوق بقوة ان احمل اي ش يء في يدي و اكسره لعشرات القطع ،فقد كان يسرقها مني و يجعلني اشعر 83
مدينة الظالل البيضاء باليتم بشكل مضاعف ،كما اني كصت اخالها غبية جدا او مجصونة فمن هذا الذي يجد الراديو طريقا لقلبه ،و قد رحل عصه لتوه اقرب انسان لقلبه ،لقد كان ذلك املشهد يمثل لي الاحتضار بكل ما في الكلمة املزرية من معنى. و بالرغم من اني لم اكن ارى في الاحتضار سوى مشهد عوفور نافق على عتبة الباب ،لم اكن اعرف ان الانسان يموت حقا و حتى اؤالئك اللذين كصا نسمع عن موتهم كل يوم في ظل الحرب، لم اعطي ملوتهم معنى حقيقي بل كانت اخالهم يموتون في تمثيلية اذاعية يصحون بعدها ،و هم على ما يرام ليواصلوا حياتهم بشكل عادي .حيث ان املوت لم يكتمل حضوره في صمتي ،و قد كصت اقتله في حركتي ،و لم اكن ابدا ألتخيل ان املوت هو نهاية ابدية. و في ذلك املشهد الضبابي كصت اعور ذهني ألتذكر لحظاتي مع ابي و اتقموها و كأني اعيشها في غيابه،و كأنه حاضر يبسط يديه ليعانقني و يرفعني للسماء ليلقيني هصاك ،استشعر الصجوم كما كان يفعل دائما ليسليني ،لقد كانت ضحكتي غايته املطلقة و كم كان يبدو سعيدا عصدما كانت اسصاني تبدو هي الاخرى كذلك،و هي
84
مدينة الظالل البيضاء تلمع بش يء يظهر على عيني،و هي تصاشد ابي بان يرفعني اكثر الى السماء. كم انا تعيس بدونه ،و كم هو بائس العالم في غيابه،و كم هو حقل البرتقال ذاك محظوظ بحضور املخلص برن اشجاره، يزيدها اخضرارا كما كان يزيدني شغفا بالحياة ،و كصت كلما الامس برتقالة في يدي تعورني هي في يدها ،فيما يشبه التداخل برن العوالم فتصقطع رغبتي في املواصلة ،و تبدو البرتقالة في كفي يقطيصة بشعة و يبث الحصرن في قلبي اوجاعه من جديد ،فاغدوا فارا حقررا ال يجد من مؤوى سوى مويدة الحرمان فيلقي فيها نفسه لتزرع بداخله اسصانها كلها بكل شراهة ،تتخلص من اخر قطرة حياة في جسده التعيس الذي نبت الغبار في اركانه،و غدا نسج العصكبوت في مشاعره املصتظرة اقوى من ان تصفضه الرياح العاصفة ،او ان تهد اوصاله املتشابكة ،فشباكه كانت اعتى من شباك امهر صيادي الامل ،حيث كصت استشعر الحزن في كل ش يء من حولي او بداخلي و لكني احافظ على ابتسامتي لكي ال ازيد الالم على امي ،كالترن اليابس الذي كان يبيعه الجزائريون،ترن فقد ما تبقى فيه من حياة و لكصه لرزال يحافظ على حالوته حالوة الجثة و الذوق الرفيع لرذاذ املوت. 85
مدينة الظالل البيضاء لم اكن فعال على قيد الحياة بل كصت اتظاهر اني كذلك ،فالجانب الوحيد من ظلي الذي كان يستنشق الهواء هو الذاكرة فهي الوحيدة التي كانت تعرف كيف تبعث فيا الروح من جديد،و على انغام تلك الذاكرة كصت اراقص ما كان يشبه الحياة في الحركة و التصفس التي كصت اقوم بها بسبيل غرر واع ،فعن نفس ي لم اكن السمي دخول الهواء و خروجه من رئتي املحطمة تلك تصفسا ،بل كان سحبا للهواء و مال للفراغ بداخلي ذلك الذي تركني ابي فيه اتخبط وحيدا على اقص ى تقدير. سئمت مني الارجوحة ،و سئمت مني الدراجة ،و سئمت انا الحياة إال ما كان فيها يعطيني امال في ان احضصه مجددا ،و لم يعد ش يء في الوجود يجعل الوقت يمر بسرعة او ليجعله يتهدم ،ذلك القور الشوكي الذي استحوذ على كل قطعة بفؤادي فاغدوا حرا اقطف ورود الحماقة ،و انا اعلم ان لي ابا في ظهري يحميني من هفواتي فارتكب الاخطاء بحرية كأي طفل في سني يتعلم الحياة بأخطائه . اما انا اليوم في غيابه فليس لدي حق في الخطأ ،فقد طرقت املسؤولية باكرا بابي و لم يعد لي اي قسط من حرية الاطفال ،بل كان علي ان انفخ صدري كأي ذكر في اي قطيع كائصات حية الحمي 86
مدينة الظالل البيضاء امي التي كانت بدورها تحاول حمايتي ،و انا احضنها هي و الجصرن الذي بداخلها ،يتحرك لكي يشعرني بوجده لكي اترك له مكانا بجانبصا ،و كأنه يقول لصا بووت حي انه هصا و يستحق ان نشعر بحضوره ،و لكني كلما كصت اضع اذني على خافقه البعيد بتجويف بطن امي كصت اظصه يحاول ان يلفظ باسم غرر اسمي، رةما ظن اني اباه ،الامر الذي كان يخيفني حقا فانا لم اكن على قدر مسؤولية الاباء ،اذ ال يمكصني ان احمله و ارفعه عاليا في السماء مثلما كان يفعله ابي ،و ال يمكصني كذلك ان احمله فوق ظهري ليالقي مدينته ،وال يمكصني ان اشتري له كل عيد دمية و خزانة ،و ال يمكصني ان اجعله سعيدا مثلما كان يجعلني ابي كذلك بسهولة ،و كأنما قد تكون في الابوة ملاليرن السصرن قبل ان يجمعني في يديه و يغرفني من حصانه و كأنه جعبة ال تنتهي مصه. كصت احاول الاتوال بأخي ذاك او اختي وأنا ال اعلم حينها جنسه ألتمتم له رفض ي لتبنيه ،كون له ابا افضل من اخاه الطفل هذا سيعود حتما من حقل البرتقال يوما ما ليجعلصا كالنا نضرم نار السعادة لتدفئصا لألبد بكل اخالص. لم يكن جديرا بي ان استحوذ على مكان ابي في ذلك السن ،فانا الاخر كانت بداخلي حاجة ماسة لحضصه و كصت ال اشجع نفس ي 87
مدينة الظالل البيضاء على شعور كهذا ،فاألمر كان شبيها بصذير شؤم قد يجعل ابي يتوه في حقل البرتقال و يرحل عصا لألبد ،و لذلك كصت ابعد تلك الارواح الشريرة التي كانت توسوس لي بذلك درئا ألي مكروه قد يحل بصا ،و يختفي ابي في زوبعة فصجان. ال يا عزيزي ال تفكر ابدا في اني اباك بل انا شقيقك الذي سيقسم لك من روحه ان اقتض ى الامر ،و يهدي لك قلبه و عيونه بكل كرم ،لكن من مكاني كأخ و ليس كاب فلست يتيما ،فستولد ابصا ألروع اب في العالم و لن تكون سوى راضيا عصه. كصت ابقى مطوال غافيا على بطن امي و كأنها حامل بتوأمرن ،فمن جهة كصت اشتم حصانها هي الاخرى و ارافق نظراتها ،و هي سارحة في مخيالها تفكر في ابي،و كصت اسافر من خاللهما لتلك الصقطة البعيدة في خيالها و كأني اسمع كل نبضاته ،و الجصرن هو الاخر يرسم لصا صورة من مكانه املظلم ذاك ،يرتشف بعض الحياة معصا في اول مرحلة من صصاعة الخيال التي يمر منها الانسان لترافقه في حياته ،تلك الصعمة الرائعة لتنسيه واقعه في احلك الظروف التي قد يمر عليها كمسكن لأللم يولد معصا ليمصعصا املوت في كل لحظة نتمنى فيها بعمق الانتهاء.
88
مدينة الظالل البيضاء في الحقيقة ال اعلم ان كان الخيال فعال نعمة ،لست متأكدا من ذاك بل ذاك من يقارةه من الشك ،ان الخيال قد يكون في بعض الاحيان خدعة الحياة لتجعلصا نواصل التجديف الى ابعد نقطة من الالم دون وعي مصا كتخدير موضوعي ينسيصا الوجع ،و لكصه ال يمصع كدماته من الحاق الضرر بصا ،و ال لجروحصا ان تصضب بل في غالب الاحيان .يدفعصا الخيال لكي نتخضب باأللم اكثر و عصدما نستفيق نكون قد نسيصا الطريق و يصقطع عصا السالم الى ال رجعة. او رةما الخيال ليس بذلك البشاعة ،رةما هو مالك يزورنا و يحملصا معه الى عالم اخر ليكفر لصا عما ارتكبه القدر فيصا من جرائم و مجازر ،فنسافر معه الى تلك الصقاط املخبئة فيصا ،فيجعلصا نرةط بينها و برن ما يختلجصا من مشاعر حزيصة و برن ما نخبئه من مشاعر سعيدة و مهجورة ،فصجد مرةط الفرس في ذاك فصفر معه الى هصاك كلما اقتضت الحاجة اليه سبيال . و كانت الحمامات دائما تزور نافذة غرفتي توقظني كل صباح فيما يشبه ترنيمة سمائية ،تطفو على مسامعي كقبلة إالهية ،تصقص على المي و لوعة الفراق ،و انا استحضر قبل ابي الوباحية في كل هديل حمام ،يرةت على الوجود لررسم لوحة اقل بشاعة عن الحقيقة ،ترافقها صوت اجصحتها و هي ترفرف بعيدا تذكرني بان 89
مدينة الظالل البيضاء كل ش يء يمض ي في الحياة ،حتى تلك الاوقات التعيسة فيتشعب فيا الامل من جديد كجدول ماء صافي يعيد لتراب الانسان الذي احمله بجسدي بعض الروح و السالم. امي لزالت تقاوم لكي تخبئ حزنها بأوصالها ،لكي ال تشعرني بالغرةة اكثر في ذلك البيت الذي اصبح يبدو كابوسا ،لوال ان امي ممثلة ماهرة استطاعت في بعض الاحيان ان تمده ببعض اللطافة مما كان يجعل الفرح يسترق الصظر احيانا على مكب الصفايات الشعورية التي كصا نعيشه ،فأمي على الرغم من كل ش يء لم تنس ى عيد ميالدي السادس وضعت قالب الحلوى الذي صصعته بصفسها ،و وضعصا القبعات الطويلة انا و هي ،و على الرغم من كرهي للقبعات الا اني ارتديتها احتفاءا بابي ،و وضعت قبعترن على كرسيرن فارغرن امامصا في الطاولة ،الاول تكريسا للغائب ،و الثاني تنبؤا للقادم الوغرر .غصت امي بووتها بقوة عشرين صوت ( جوايوزاني فاغساغ ) اغصية عيد امليالد ،و غصيت معها و انا اتبع نبرات صوتها ،و كصت سعيدا برؤيتها تبتسم و تغني ،و تمصيت امصية قبل ان أطفئ الشموع و امصيتي كانت ببساطة ان يعود ابي من حقل البرتقال ،مألت جسمي بالهواء كما لم افعل من قبل و أطفأت تلك الشموع و كأني اضمر غضبي فيها كأي اعوار يجسد 90
مدينة الظالل البيضاء غضب الطبيعة ،و لكي تول بسرعة الى السماء و ينتهي كابوسصا و تحل الشمس ثانية على واديصا البارد هذا ،فيعود ورد الرةيع فيها يسبح في امواج الشمس ثانية و الى الابد. اقترب انيني الداخلي على الانفجار لم يكن بمقدوري ان اقاوم اكثر ،و حالتي مع اطفال الحي لم تعد ذاتها الحالة السابقة ،حيث كصت الولد البشوش الضاحك الذي يحب اللعب من الوباح الى ان تغرب الشمس ،الا اني في حالتي الجديدة اصبحت اتشاجر كل لحظة مع احد الفتية ألتفه الاسباب ،محاوال اخراج تلك الصقطة الجافة من داخلي التي لم يعد بمقدوري تحملها اكثر ،و حتى دراجتي التي لطاملا احببتها اصبحت تمثل لي تابوتا يقترب من تفتيت كياني و هي تذكرني بفراق ابي املطبوع في كل اجزائها برائحته ،و كانت بصفس الطريقة ملجأ لي فلطاملا كصت اعانقها او اقبل عجالتها ال لش يء سوى الن ابي قد علمني قيادتها ،و قد المست يديه مقودها .و كل ش يء غدا من حولي مقبرة للحياة ،و امللل اصبح روتيصا يوميا يزهق طفولتي في اول سصواتها ،و لم يتسنى الوقت لي حتى ان امارسها كباقي الاطفال فلم اعد سوى كتلة صغررة لنسان فقد انطالقته من الوثبة الاولى ،و غدا ريشة تتخطفها انفاس الالهة ،و تحملها ريحها من مكان ملكان دون 91
مدينة الظالل البيضاء استئذان ،و توسعت بؤرة الضباب بداخلي ،و بعد كل تلك الشهور من الغياب التي مزقت روحي بكيت ألول مرة في صدر امي شهقا دون ان اخبرها سبب بكائي ،و همت هي بالبكاء معي دون سابق انذار ،و بكيصا مع بعض و قد وصلصا الى سقف العالم حزنا، و قد زرع الاشتياق نفسه فيصا حتى غدنا اشتياقا بشريا يجسد الاحساس ذاك و لم يعد لصا اي طريقة حرة لصكتمها بداخلصا اكثر و تورفت الدموع بذاتها و ولجت بكل استقاللية عصا الى العالم الخارجي تخرج القليل من الحزن الذي فيصا الى عالم الحقيقة . و في صباح باكر ليوم مشمش ،سمعت امي تورخ ضاحكة بقوة فاقشعر بدني و تشوك جلدي ،و الفكرة الاولى التي راودتني هي عودة ابي الى البيت ،نهضت من مكاني بكل فرح و انا ال ارتدي سوى مالبس ي الداخلية التحتية ،و رحت اجري صوب الباب إال اني لم اجد احدا هصاك ،بيصما امي لزالت تضحك باستمرار مخيف و مرةك رحت ابحث عنها في كل مكان ،و ال اعلم ملا لم ابحث عنها في غرفتها من البداية و لكني وجدتها هصاك و هي تقول لي ( :اني الد جان اني الد ) . امتزجت املشاعر بداخلي و لم اعرف شكل الاحساس الذي كان يتملكني ذلك الوقت ،فمن جهة قد كان الامر خيبة كبررة لألمل إذ 92
مدينة الظالل البيضاء لم اجد ابي امام الباب ،و في نفس الوقت شعرت بالخوف فانا لم احضر بصفس ي والدة في حياتي،و لم اكن اعرف ماذا افعل نهائيا. لقد تملكتني الودمة و امي تورخ احيانا ( جان ساعدني ،اني الد) ثم تختم صراخها بضحك هيسترري. لقد كان ضحكها يرةكني اكثر من امر الوالدة ،قالت لي امي ان امد يدي الى مهبلها و ان اساعدها في اخراج الجصرن ،لم اعرف اصال ما معنى مهبل ،لقد كان الامر مقززا جدا و لكني واصلت فيه ،لم تكن لدي حيلة فقد كصت مسؤوال في تلك اللحظة على والدتها ،و لم يكن بمقدورنا ان نقوم بش يء اخر فقد دقت ساعة والدتها الان، الان فقط وال يقبل الامر اي تفويت. مددت يدي الى داخلها و انا احاول مساعدتها في سحب اخي او اختي ،و ملست راس الجصرن و هي تدفعه خارجا ،و تورخ و تضحك ،و احسست بوخزات في رجلي و لم يعد بمقدورهما ان يحمال جسدي اكثر من ذلك ،و لكن ثبتهما على الارض كمرساة ثقيلة و حملت نفس ي عليهما ألجل امي ،فلم يكن بمقدوري ان اتركها تعاني لوحدها هصاك.
93
مدينة الظالل البيضاء توببت عرقا و املا ،و كأني انا من يلد و ليست امي من يفعل ذلك ،كصت اصرخ معها و احاول سحبه اكثر ،و هي تشد على السرير و تصادي ابي بأعلى صوتها ،و كصت انا هصاك اسحب الجصرن و شكل امي املخيف يرةكني اكثر ،ترددت اكثر من مرة على سحبه و لكني كصت اواصل. بدا مهبل امي يتسع في يدي ،اذ راس اخي يخرج للحياة و تدفق باقي الجسد فيهما و انساب كحمم البركان ،و ملمسه اللزج يقراني بتوتر ينسيني نفس ي و احالمي و كل ش يء ،و صرخ الكائن الحي بقوة في وجهي فخفت ان اكون قد املته فبكيت و قلت ألمي ( امي ،امي انا خائف ،).صاحت امي في وجهي ( هات املقص ) ،لم افهم جيدا ما قالته و بقيت أتأملها كالفزاعة ،قالت هي ثانية ( املقص هات املقص ،انه هصاك في علبة الخيط ). رحت اجري صوب العلبة و افرغتها رأسا على عقب ،و بيصما املقص كان كبررا و باديا إال اني رحت اخلط الابر بحثا عصه ،الى ان اصطدمت يدي بالودفة به و امسكته برن يدي ،و اخذته الى امي التي قطعت الحبل الذي كان يتدلى مصه و قالت لي بووت رطب(: لديك اخت الان جان بيار) .
94
مدينة الظالل البيضاء عدت الى حالتي الطفولية العادية ثانية ،و اغرورقت عيصاي بالدموع و سالت امي( :لدي اخت؟ ) فردت هي و تبتسم في ان واحد ( :نعم اخت و انظر كم هي جميلة تشبهك كثررا ) .رحت املحها و املح امي ثانية دون ان اصدر اي صوت ،و كأني اصلي و وضعت شمعة بداخلي لكي ال ترى اختي على افقي الظالم ،استسلمت لها و تركتها تتشعب بداخلي كفيض من الاحاسيس ،شعرت بكهرةاء تسترق الصبضات من قلبي الذي اصبح يخفق في كل مكان في جسمي ،و انا أالحظ وجهها الوغرر يمزق ذاكرتي ،و يطبع نفسه داخلها ،و كأنني اعرفها مصذ مليون عام حيث ترةت مشاعر حب كبررة اتجاهها بطريقة سريعة لم اعهدها من قبل . لقد كان ألختي من يومها مكانا كبررا في كياني و حياتي و كيف ال و انا من اخرجها للحياة من اعمق نقطة في فرج امي في هذا السن امي قالت لي حينها ان دور الطبيب يليق بي و لذلك كبرت احالمي من يومها على اصبح طبيبا يوما ما. امي اعطتني الحرية ان اختار الختي اسما ،فانا من ساعدها على الوالدة و قد قاسمتها معاناتها ،و انا في هذا السن الوغرر حيث ارادت تشريفي بهذا الدور البسيط لها و العظيم بالنسبة لي ،حيث كان اعظم حتى من مساعدتها على الوالدة فان يولد الانسان فهو 95
مدينة الظالل البيضاء ال يفعل ذلك إال مرة واحدة ،اما ان اختار له اسما فسيبقى هذا الاخرر مطبوعا فيه الى ان يموت ،و مع ذلك فاني لم استغرق وقتا طويال الختار لها اسما بل تفوهت به مباشرة ،فيما كان يبدو عليها وجهها السكري الطعم و اللون و الشكل ،سكت لبرهة واحدة فقط ثم نطقت اسمها و كان ( ايلرن ) بكل بساطة ،و مصذ تلك اللحظة اصبحت الرن مهجتصا و اكسجرن البيت و دفئه. كانت زيارات الجرران للرن طفيفة جدا ،و كان هذه املواطصة الفرنسية لم تمال عيونهم ،و لكني لم اكن ارى في الامر شيئا سيئا، اصال كصت ارى في استقبالهم مضيعة للوقت لذلك لم اعرهم اي اهتمام و واصلت حبي للرن. اختي كانت تشبنهي كثررا ،و على عكس ي فتحت عيصاها من اليوم الاول،كانت كثررة الرضاعة و كثررة التغوط كذلك ،مما كان يدفعصا الى تغيرر حفاظاتها كل مرة ،و في الحقيقة الحفاظات في ذلك الوقت لم تكن بصفس التطور الذي هي عليه الان ،حيث لم تكن الحفاظات في زمانصا ذاك سوى قطعة نيلون و مجموعة من الاقمشة و بعض املرطبات ،و في غالب الاحيان كانت تترك اختي بصوفها الاسفل عاري بسبب الحساسيات الجلدية التي كانت تسببها تلك الحفاظات . 96
مدينة الظالل البيضاء كم كانت تعجبني عصدما كصت اضنها تحمر خجال ألجلي بيصما هي كانت تحمر من شدة عورها لصفسها اثصاء التغوط ،لقد كان شكل برازها جميال جدا،احيانا كان يخرج منها بأشكال غريبة اصفرا احيانا ،و احيانا اخضرا ،و احيانا تتخلله بعض القطع الحمراء كالياقوت و املرجان. كل ش يء فيها كان يعجبني حتى اقذر الاشياء كانت جميلة جدا ،انها نعمة الاخوة الكبررة ان تشعر ان هصاك انسان اخر نبت في نفس الرحم ،و خرج من نفس املهبل لكي يزاحمك في مكان في العائلة ،و يشتم معك نفس الهواء بودر مختلف. في الحقيقة قبل تلك التجرةة لم اكن اعرف ان الانسان يأتي للعالم بهذه الطريقة التي كانت بدورها تبدوا قذرة في البداية ،و لكنها اصبحت تمثل لي احد اجمل املشاهد التي المستها في حياتي، فقد كصت اظن في البداية ان الحياة صصعت بشكل الذي نعيشه، ابي خلق ابا لي و امي كذلك ،و انا وجدت طفلهما،و العالم كل في دوره كأشخاص في لوحة زيتية رسموا كما هم في اعمارهم البادية دون ان يكبروا او ان يولدوا او ش يء من هذا القبيل او ذاك ،و لكني بعدما سحبت اختي الوغررة من مهبل امي سحبت معها فكرة جديدة عن الحياة ،و عن وضاعتها ،و عن حقيقتصا البشرية 97
مدينة الظالل البيضاء التي يجب ان نخجل منها كل لحظة نحاول فيها ان نتكبر او ان نترفع عن الاخرين . ولدت اختي في الخامس من افريل من برج الحمل ،حيث كانت تمثل البداية و الحياة ،بيصما انا ولدت من البداية حوتا ،و كأني اولد من النهاية حيث امثل املوت و الابد ،و كان الامر باديا في وجهها الذي يفتح شهية الصاظر اليها ليسبح مدى الحياة في شالل متدفق على ارض متعطشة للتصفس تبلع الاحزان ،و تخرج من امالحها ورودا للفرحة و تألق . اما انا فكان نهر الغانج يتدفق من وجهي بما يبعث خليطا غرر مفهوم من الحزن و الفرحة ،و صداما الاهيا برن الحكمة و السذاجة ،و ازمة فريدة من نوعها تعكس صورة الغول في عيني، بيصما تخبئ بداخلها املالك الذي قد يخرج في اي لحظة ليحمل السماء عني و يريحني من مشاكل العالم التي تخطها ابجديات الفلسفة العميقة عصدي ،كلما ارتسمت على عيني لحظات بؤس الاخر فتتقزم كل املعاني دفعة واحدة ،و تغدوا الحياة كل مرة واحدة و لألبد تافهة جدا وال تستحق ان تعاش.
98
مدينة الظالل البيضاء شهرين كانت ترسم فيهما اختي في البيت ابتسامة كصا فقدناها بسبب غياب ابي ،ابي الذي كصت اراه في عيصا اختي البريئترن ،و الذي تمصيت بقوة عودته اليصا ألحضصه مجددا ،و اهديها طفلته التي اصطدتها بصفس ي من داخل امي كعرةون محبة له و للعائلة. و في يوم رةيعي بائس تعيس و بارد كالوقيع تجمد بيتصا على خبر وقع عليصا كما تقع اعتى ناطحات السحاب ،الزلت اتذكر ذلك اليوم جيدا و سيبقى دائما محفور في غياهب ذاكرتي اللعيصة التي يبدو انها ال تنس ى ش يء على الاطالق. كصت واقفا باملقرةة من الباب و انا احمل احد العابي مستعدا ألالعب بها اختي الوغررة الرن ،و اذا بطرق قوي على الباب رميت لعبتي و رحت اجري صوبها ألفتحها ،و لكن امي خرجت من املطبخ بسرعة و صرخت في وجهي ان ال افعل .اتجهت صوب الباب و هي تمسح يديها على مئزر الطبخ و سالت قبل ان تفتح الباب من الطارق ،فإذا بووت خشن يخبرها انه من الجيش الفرنس ي، فتحت امي الباب بسرعة و كلها لهفة ،فاذا بشاب صغرر السن تبدو عليه بعض الجروح يمد يده اليها و يعطيها خاتم ابي و سلسلته و قال لها بووت دافيء ال يشبه صوته الاول ( :لقد كان
99
مدينة الظالل البيضاء ميشال يحبكم فعال ،و لكن القدر اختار ليجمعه مع احبائه في السماء ميشال رحل عصا في الحرب). اغمي على امي في الباب ،و حملها الشاب الى البيت ،و احضرت لها كأسا من املاء و بعض الليمون .في الحقيقة لم اكن اعرف ما معنى تلك الكلمات التي قالها و لكني كصت انتظر امي لتوحى لتخبرني اياها ،لقد كانت يدي ترتعش و كأنها تحاول الفرار مني عانقت امي بقوة و ترجوتها ان توحى. فتحت امي عيصاها رويدا ،رويدا و لم تبدي اي حركة .بقيت ساكصة كالتمثال ،وقف الشاب و قدم لها تحية عسكرية ثم قال لها بلكصة قوية ثانية ( :سأتركك الان سيدتي اتمنى ان تتجاوزي محصتك الوداع ). رحت اسالها راجيا منها ان تحادثني و لكنها بقيت ساكصة ،ثم راحت دموعها تنسكب من عيصيها بغزارة دون ان ترمش او ان تحرك ساكصا ،لقد كانت كالبلهاء و كأنها ال تعرف شيئا البتة ،رأيت فيها رجل الثلج بجموده و ذوةانه في دموعها ،و رأيت على وجهها عباد الشمس الذي تثقل رأسها حباته السوداء فيغدو راكعا للسماء بعد ان تشبث بشعاعها ،و حيث ما كان يختلج صدرها كان اكبر 100
مدينة الظالل البيضاء من ان تعبر عن على شاكلة لغة ،ثبتت عيصاها في نقطة واحدة و كان عقلها قد انورف عنها الى مجاري النسيان الكلي محو كلي و لكل ش يء. قلت لها بووت خائف ( :امي ،امي ارجوك اخبريني الى اين رحل ابي؟ هل غرر حقل البرتقال؟ متى سيعود ابي؟ و عن اي حرب كان يتكلم؟ ارجوك ،ارجوك امي اخبريني هل سيعود اليصا من حقل البرتقال ) تأملتني امي و الحزن يرسم على محياها صورة بشعة ،عن حياة ضبابية ليس لها اي معنى ،تأملتني و كأنها تعرفني غريزيا فقط ،و قالت لي بهدوء تام ( :بابا لن يعود ابدا من حقل البرتقال ،جان بيار و لكصصا يوم ما سنسافر اليه هصاك). لم يكفني جوابها ذاك بكيت في صدرها و طلبت منها بإلحاح ان نسافر اليه الان ،و لكنها لم تجبني عادت لسكونها ثانية بكل احتقار لكل ش يء من حولها. في الحقيقة ابي كان قد استشهد في الحرب ضد املانيا ،و لكن امي لم تكن تريد ان تجرحني بذلك الخبر املشؤوم ،و لكني تمصيت بقوة ان اسافر في تلك الايام السوداء لجصازة ابي الشكلية ،الى حقل 101
مدينة الظالل البيضاء البرتقال ،حتى اني سالت الحافالت و كل سيارات التاكس ي عن هذا الحقل لكن دون جدوى ،احسست في ذلك الوقت اني قد افلت اصبع ابي من يدي الى الابد . في الحقيقة وفاة ابي تركت في حياتي بومتها ،فانا لم اكن قد رسمت وعيا كافيا في ذلك الوقت يمكصني من نسج عالقتي مع املجتمع او الاخر ،فأبي كان حلقة مهمة لي في ذلك و الاكيد ان فقدانه كان امرا بشعا جدا لم اكن ألتوقعه ابدا في ذلك السن ،و لكني ما زلت احمل ذكرى عميقة و طيبة عصه ،الاكيد ان مروره في حياتي و لو كان قوررا إال انه كان كافيا برسم لوحة كاملة املعنى عن املفاهيم الانسانية العادية ،و عن الجماليات التي ستبقى دائما مدرسة لي في الحياة ،و اكثر ما كان مؤسفا في الامر هو ان تعيش اختي الرن طيلة حياتها دون ان تشم رائحة اباها او تعانقه. و بعد كل هذه السصرن حملت رسم املالك ذاك الذي كصت جعلته يعيش مكبال باألغالل طيلة تلك السصوات ،و طلبت من اهل البيت ان يعطوني ممحى و على الرغم من طلباتي الغريبة تلك إال ان اهل البيت كانوا يحققون كل رغباتي الشاذة تلك ،و مسحت ألول مرة تلك الاغالل عن املالك و تركته حرا ،و رسمت له ابتسامة على
102
مدينة الظالل البيضاء وجهه فانا و بعد كل هذه السصرن ال اعلم ان كصت سأعيش اكثر ولذلك سأضمن له على الاقل حريته قبل موتي.
103
مدينة الظالل البيضاء 5
همسة في اذن القمر تلك صورة لي مع امي و اختي بعد مرور ثالث سصوات على وفاة ابي ،امي ترتدي تصورة قوررة ،انا قد فقدت بعض اسصاني و استرجعت الاخرى ،و اختي تبتسم للكامررا و كأنها تريد اكلها حيث كانت تحب تلك املواقف الغريبة . مرت ثالث سصوات ،و قد استجمعصا قطعصا ثانية و ركبصا بعض فؤادنا من جديد ،وال يبدوا انصا قد سافرنا الى حقل البرتقال و ال يبدو هو الاخر قد سافر اليصا ،و لكصصا سافرنا الى بيت جديد غرر ذلك البيت الذي اصبح باردا جدا بدون ابي ،و ذكرياته تصخرنا هصاك و تمصعصا الحياة. امي تجاوزت شغفها بالبيت الاول الذي جمعها بابي ألجلي ،فكانت تعلم اني لن استطيع مقاومة الحزن الذي كان يمزقني سوى بتغيرر بيتصا الى مكان جديد و بعيد و مختلف،و لذلك ضحت ألجلي و لكي اتمكن من خلق حياة جديدة بعيدا عن ذلك الاضطراب. 104
مدينة الظالل البيضاء الزلت اتذكر يوم رحيلصا من بيتصا الاول لقد كصت ارفض الامر حينها ،و بكيت بكاءا شديدا ،و احسست ان قطعة مني تطرر بعيدا عني بعيدا جدا الى حيث تسافر الريح بعيدا عصا ،لكن امي قد اصرت على ذلك و لكني كصت متأكدا انها كانت تذرف دموعها داخلها اكثر مما كصت اذرفه انا لخارجي ،فقد كصت ارى هذا فيها و هي تالمس جدران و زوايا البيت و كأنها تمسح دموعه هو الاخر. كصت استشعر في مالمستها للبيت بتلك الطريقة حيث تزرع فيه بوماتها عليه كما تترك الدببة رائحتها و هي تحك ظهرها على الاشجار ،و كأنها تقول بووت عالي ان هذا البيت بيتي و دائما سيبقى كذلك ،و في نفس الوقت كانت تبدي من وجهها بؤسا كبررا ،كانت تبدو و كأنها جادة جدا ،تحمل بعض حقيبتها و بعض العمال الجزائريون يفرغون البيت من اثاثه ،اما انا فبقيت داخل خزانة الحائط ابكي و انا جاث هصاك ارفض ان اخرج ،و هي تصاديني بووت قوي ،و كان ابي لم يمر على موته بعض الاسابيع فقط ،بقيت تصاديني بأقص ى ما لديها من صوت ثم طلبت من احد العمال اخراجي من داخل خزانة الحائط تلك ،جاء ذلك العامل الشاب يترجاني في الخروج الامر الذي كصت ارفضه بشدة ،و كصت اطلب مصه بغضب ان يبتعد و يتركني ،إال ان الشاب غرر سياسته 105
مدينة الظالل البيضاء فجأة و حملني بالقوة فوق كتفه و انا اضرب ظهره و اترجاه ان يضعني على الارض. امي بقيت تتأملني حرن خارت قوتي في كتف ذلك الشاب و استسلمت له و رحت ابكي حيث هو وضعني في السيارة ،و انتظرت امي التي كانت تحمل اختي الرن في يدها و انطلقصا صوب بيتصا الجديد. في الحقيقة هو هذا البيت الذي انا جلس فيه الان يتمسك بي و يحضصني بشدة ،لكني في البداية دخلته حزيصا كئيبا و كأنني ادخل قبرا اسودا لم اشعر في هذا البيت في البداية سوى انني في سجن خانق ،يمصعني وجودي و كياني ،و يفرقني عن اخر رائحة لي من ابي ،كصت اتمنى في ذلك الوقت لو سافرنا لحقل البرتقال او ان نبقى هصاك في بيتصا ذاك ،و لكن امي كانت مجبرة على الرحيل فحياتي الصفسية كانت مهددة ،و كان يجب عليها ان ترمي كل مشاعرها عرض الحائط و تتخذ القرار الوائب ملولحتي. بيتصا الجديد كان في حي شعبي مليء بالجزائريرن ،لقد كان مختلفا تماما عن ذلك الحي اوروبي البائس املليء بالصفاق ،فعلى الرغم من كرهي لبيتصا الجديد في البداية إال اني احببت شارعه و احببت 106
مدينة الظالل البيضاء الحي كثررا من البداية ايضا ،اذ لم يكن يبدو متكبرا جدا حيث كانت البساطة ترسم فيه وجها مبتسما قليل الغبطة و سريع الغضب ،كان بذلك الحي وجه يشبه كثررا هواء هذه املديصة ،و كان الصاس يتورفون على طبيعتهم ،و على رغم من فقرهم إال انهم كانوا يبتسمون كل يوم على غرر العادة في حيصا السابق حيث كان التوصع سيد الحياة هصاك .و هؤالء الطيبون هصا يجدون في ذلك متعة كبررة اذ على بساطتهم تبسط الحياة اجصحتها لهم و ألطفالهم الرائعرن ،يجدون ألبسط الاشياء متعة اذ لم تكن العابهم معقدة جدا بل كانت بسيطة جدا على بساطة ذلك الحي الجميل. في الايام الاولى لم استطع ان اندمج نهائيا مع الحياة هصاك ،اللغة كانت مختلفة الى حد كبرر ،و الحياة كذلك ،و الكل هصاك كان يصظر اليصا بحررة بالغة مستغرةرن من وجودنا هصاك معهم ،لقد كصا مختلفرن جدا و لكني ال اعلم ملا شعرت امي باألمان هصاك اكثر من اي مكان اخر ،رةما ألنها هي الاخرى لم تحب كثررا نفاق الاخرين. لم اكن اجد ما افعله في ذلك البيت ،كصت حزيصا جدا لرحيلصا لبيت الذكريات الاولى ،و لكن مشهد اطفال الحي يلعبون العابا لم 107
مدينة الظالل البيضاء افهمها كان يغريني ان اخرج و اسالهم و الهو معهم و لكني خفت ان ال يتقبلونني بينهم ،و لذلك فضلت ان اشاهدهم دائما من الصافذة و هم يتسلون بطريقتهم الخاصة تلك التي اغرتني فعال. و كان عليا ان اعتني بأختي كذلك و مساعدة امي في ذلك بالرغم من ان امي كانت تفعل قوارى جهدها لكي ال تترك شيئا ناقوا ألتممه انا ،بل كانت دائما تحاول دفعي للعب مع اطفال الحي و انا كصت دائما ارفض فقد كصت اخاف من ش يء ال اعلمه ما هو حولهم. امي حاولت قوارى جهدها ان تجعلني اتعرف بأطفال الحي ،و اجد مستقرا في حيصا الجديد بينهم و العب كمن هم في سني ،و ان اعود لطفولتي مجددا لكي اخرج من حالتي الصفسية املتدهورة تلك ،و لكن كصت ارفض دائما ذلك متشبثا بالظالم بداخلي و كأني انتقم من الحياة برفضها ،فتكوين صدقات جديدة امر صعب جدا خووصا في مكان ال افقه لغته تقريبا،و ال يفقه هو وجودي بيصه ،فشكلي الغريب كان يدفع بداخلهم الحررة التي كانت تتدلى من انوفهم كلما وقعت عيني على عينهم بالودفة ،ولكني بدأت استجمع بعض الشجاعة من شعاع الشمس ،و من ذاكرة البحر، و من الحمام الراحل الى السماء ،و من الهر الاسود الذي لم يكن 108
مدينة الظالل البيضاء يعرفصا و لكصه كان يزورنا يستجدي بعض الحصان ،و رويدا ،رويدا اصبحت اجلس امام الباب او العب بالدراجة وحيدا احاول لفت الانتباه ،و لكن في البداية لم يعرني اي فيهم اهتماما ما ،حيث كانوا يتأملونني احيانا بقسوة و كأني امثل لهم كل اؤالئك اللذين يستعمرونهم في ارضهم و يحولون بينهم و برن الحرية ،رةما كان لكل فيهم شهيدا او ضحية في بيتهم لالستعمار الغاشم ذلك الوقت لم يكن احد يبدوا مسرورا هصاك. بيصما انا كصت احاول ان اجذب انتباه الوبية نحوي ،امي كانت تحاول املرور على نساء الحي الجزائريات لكي تصدمج هي الاخرى و تدفعهن ليحثثن اطفالهن على اللعب معي. لم تكن كل نساء الحي لطيفات معها ،فبعضهن كان يرى فيها مستوطصة مثل باقي املستوطصرن ،و هصاك من عاملنها بكل تفسخ و ذل و كأنهن يستجدين حسصة منها ،فاألوروةيون كانوا افضل حال و قد يغري مصظر (الكاوري) بعض ضعاف الصفس ي لكي يقتات بعض الفتات من سرابه على الارض ،و لكن برن ذاك و ذاك كان هصاك من برن الجزائريات نساء لم يعاملنها كمستوطصة ال بذل وال بكراهية بل عاملنها كانسان و كفى ،استقبلنها بكل رقي و حادثنها كانسان لنسان كبشر يتساوون في الحياة و الحرية و الكرامة، 109
مدينة الظالل البيضاء حيث شرحت لهن امي حالتصا و طلبت منهن مساعدتي للرجوع لحالتي الطبيعية. و في صباح باكر الزلت اتذكره فتحت صفحة جديدة في حياتي، كصت جالسا في الدرج عصد عتبة الباب فاذا بثالثة صبية من اطفال الحي بمالبسهم الرثة يتحركون صوبي ،نعم كانوا ثالثة صبية :واحد سمرن بشعر اسود يحمل كرة القدم في يده ،في الحقيقة لم تكن سوى مجموعة من الاكياس مليئة بش يء ما ال اعرفه على شكل كروي ،و اوسطهم كان طويال نوعا ما باملقارنة معهما و اصهب ،له خانة سوداء امام فمه ،و الثالث كان نحيفا جدا ،شعره خليط من الالوان برن الاسود و البني و الاصفر ،و لون عيصاه كان اخضرا يشبه لون الزيتون . خفت في البداية فوقفت امام الباب و انا احضر نفس ي لوصولهم، وضعت يدي على الباب احضر نفس ي للفرار من قبضتهم ،و لكن مع اقترابهم شيئا فشيئا نحوي كانت تبدوا الابتسامة على وجوههم اكثر مما ازال الخوف من قلبي ،و اعاد الى نفس ي القليل من الطمأنيصة و الشعور باألمان.
110
مدينة الظالل البيضاء وقفت و انتظرت وصولهم و انا احاول ان أالحظ كل ش يء فيهم. وصلوا امامي ،قدموا التحية ثم طلبوا مني اللعب معهم ،ذهلت و لم اجد ما اقوله ،امسكني الطويل من يدي و قال لي بووت بشوش و كأنه يدغدغني البتسم انا الاخر ( :هيا لتلعب ال تستحي ) لعبت معهم كرة القدم بتلك الطابة الخرقاء رفقة باقي الوبية هصاك ،لعبت معهم بلغة الاطفال ،لم تكن لغتصا عرةية وال فرنسية وال امازيغية ،بل لغة جميلة جدا كأشبال صغررة تقفز فرحا بالشمس ،فهمتهم بسهولة كما تفهم الارض املاء فتشق نفسها له، و انسابوا هم مع غديري نلون مع بعض يومصا ذاك بفرحة عارمة، و عدت للبيت و كأني اكنز الشمس تحت جلدي ،اذ احمرت خدودي على غرر عادتها ،و انا ابتسم ألول مرة مصذ وفاة ابي كأي طفل يصدمج سريعا مع حاالته الجديدة ،عصدما الحظتني امي في تلك الحالة ابتسمت لي و بدت سعيدة جدا بما كصت عليه من سعادة ،و بيد لي في تلك اللحظة انصا تخطيصا ازمتصا الصفسية معا و بدأنا حياة جديدة في ذلك الحي البسيط بباب الواد ،و حملصا ابي معنى ذكرى و قررت ان اتذكر اللحظات الجميلة فقط ،و وضعت قبعاته في غرفتي مع اني كصت اكره ارتداء القبعات و لكن ال ش يء للذكرى يكون اجمل من رائحة شغفه. 111
مدينة الظالل البيضاء اصبح الوبية الثالثة اصد قاءا مقرةرن مني مصذ ذلك اليوم ،و اصبح ذلك الحي اقرب لذاتي من اي بقعة اخرى في العالم ،و في اليوم الاول الذي لعبت فيه هصاك احسسته يدخل مساماتي الوغررة ليحبس نفسه الى الابد ،و بعد ذلك اصبحت اشاركهم كرتي الحقيقية الامر الذي اعطاني حبا كبرر و اكسبني احتراما من طرفهم . لقد احببت اصدقائي الجدد اكثر من اي صديق لتلك اللحظة، احببت فيهم بساطتهم و حبهم للشمس و الحياة ،احببت فيهم اغصياتهم الرائعة و ضحكهم على الرغم من بؤسهم و فقرهم ،لقد شعرت بينهم بالدفء على عكس ما كصت اشعر به افي الحي القديم. السمرن اسمه عمر لم يكن انسانا يأكل كثررا بل كان كثرر التقيؤ ،ال اعرف كيف اصبح سميصا هكذا و لكصه كذلك ،و كان بشوشا و تلك الكوميديا الساخرة ال تفارق وجهه ،و كذلك امه التي كانت تضحك ألتفه الاسباب و كأنها ال ترى من هذا العالم البائس سوى جانبه السعيد ،ترسم من ضحكتها جوا بهيجا ألي شخص يقف امامها ،و قد تجعله يضحك رغما عصه لينس ى كل هموم الدنيا و موائبها ،و عصدما كصا نسالها عن سمنى ابنها كانت 112
مدينة الظالل البيضاء تضحك و تقول لصا دائما ان املالئكة تقوم بتغذيته على سبيل السخرية ،و لم تكن الابتسامة تفارقهما ابدا. اما الطويل الاصهب فكان اسمه خالد ،لقد كان اجملهم على الرغم من شعره الذي يقارب الاحمرار و كأنه لهيب مشتعل ،و لكصه في نفس الوقت كان يخبئ في وجهه تفاصيال غريبة تبديه جميال جدا و كأنه جرح نازف في بطن غزالة رقيقة ،و كأنه كان يضفي من وجهه ضعف ما يتجلى من قوته على املقاومة ،و كأنه شعلة من الصار قد تدفئك كما قد تحرقك في نررانها ،كما كانت روحه الجميلة تتجلى في ابتسامته الحصونة الكفيلة باصطياد امهر العوافرر في شباكها. اما الصحيف فهو صديقي الذي يجلس امامي و أنا اقرا الالبوم في شيخوختي هذه ،انه محمد لقد كان لطيفا جدا و صبورا يلعب معصا احيانا و يعيل عائلته احيانا اخرى ،اذ يبيع بعض الخبز و الحشيش في السوق العربي. اصبحت رابعهم انا جان بيار جزائري حتى الصخاع وال اعرف بلدا اخر إال هذا ،كصت مهذبا و مبتسما ،و كان لدي من الخيال ما يكفيني لكي يسميني اصدقائي الجدد من بعد ذلك باملقود ،و هي 113
مدينة الظالل البيضاء صفة يقدمها الجزائريون لكل شخص تعدى مرحلة العقالنية بخطوة و ولج عالم الجصون بخطوترن ،و على الرغم من ان الكلمة كانت مذمومة الى حد ما إال انها كانت وساما يعلق على صدر كل طفل يجلب الضحك و السرور ألوالد الحي مثلما كصت افعل انا ذلك ،خووصا عصدما بدأت نطق بعض الكلمات بالدارجة الجزائرية و اصبحت اعرف مرةط الفرس فيما يجعلهم يضحكون، و عصدما كصت اتذمر فان الكلمة التي كصت اتفوه بها بطريقة فرنسية جدا كانت تويبهم بصوةة شديدة من الضحك هي ( زبي ) . لقد تعرفت على العاب لم اكن اعرفها من قبل ،العاب مسلية جدا تبعث في الصفس شعورا مفعما بالحرية ،شعور يفوق شعور الطفولة بكثرر من الجصون ،و من جملة تلك الالعاب التي تعرفت اليها هصاك كان (تشبتشاق ماريكان) ،ال اعرف ملا قدمت الجنسية الامريكية للعبة جزائرية بحتة مثل هذه ،و لكن كان بها من التسلية ما يكفي عاملا بأسره حيث كصا نمال علبة ما بالحجارة و نلعب ما يشبه الغميضة ،كانت فعال لعبة جميلة ،كما كصا نأتي بعجالت السيارات املرمية و نبول فيها بطريقة قذرة ،و نضع بداخلها اعوادا طويال من القوب عادة ،و نضع اسفل تلك العيدان قارورات مثال ،و ندفع تلك العجالت املطاطية و كأنصا 114
مدينة الظالل البيضاء نجر حافلة ما ،لم اكن اعلم ما الفائدة في ذلك و لكن متعة املشاركة تجعلصا نفرح بتلك الالعاب القذرة. طبعا كصت العب تلك اللعبة خفية على امي التي كانت تهتم كثررا لصظافتي و اناقتي ،الامر الذي لم اكن احبذه كثررا فانا كصت اريد ان اكون بصفس مظهر اصدقائي ،فقد احببت فعال ذلك الجو البهيج الذي كان في ذلك الحي. و كانت البصات قلما تتحدث للذكور كصا يلعبن بالحبل و بالطباشرر بعيدا عصا ،يبتسمن لصا احيانا و نبتسم لهن و كأنصا قمن لتونا بأروع ش يء في الوجود. في البداية لم اكن اعرف هذا التقسيم في الحي لذلك ذهبت لهن مرة و طلبت منهن ان العب معهن لعبة تسمى (ال مارين) ،حيث يرسمن مربعات على الارض بالطباشرر و يقفزن فوقها ،كانت تغريني فعال تلك اللعبة لذلك لم اجدني سوى متجها صوبهن اطلب منهن تجريبها. لم ترفض وال واحدة تعليمي ،بل لعبت معهن و هن يضحكن سخرية مني و ملا قدم اصدقائي ناديتهم بكل سذاجة ليلعبوا معي، و مصذ ذلك الوقت لقبت ب (بو لبصات) و ملا علمت حقيقة الامر 115
مدينة الظالل البيضاء اصبت بإحراج كبرر ،و مع ذلك واصلت اندمجت بشكل كبرر مع الحياة هصاك و احببتها فعال. كانت النساء تزور امي كثررا ،و من عادة النساء هصا ان يقدمن بعض املأكوالت هدية على بعضهم البعض ،و كذلك كصا يهدين ألمي فتعلمت هصاك اكالت رائعة كالرتشة ،و العوبان ،و تيكرةابرن ،و بركوكس ،و الكسكس ،و اللوةيا ،و غررها من املأكوالت الجزائرية اللذيذة التي تحمل الانسان و هو يلتهمها الى اقص ى السماء ،و تجعله يدور العالم و يطوف حوله في تلك اللحظة التي يكون يمضغ على اقل من مهله تلك الاطعمة السحرية في فمه. اصبحت انادي امي ( يما ) الامر الذي كان يزعجها احيانا ،و لكنها تأقلمت معه سريعا و فهمت اني اتعايش مع محيطي الجديد بطريقة ايجابية ،و اصبحت استمع للموسيقى الشعبية هصاك و كان اكتشافا هاما لي و ألذني املوسيقية. لقد اكتشفت انصا في مكانصا املصعزل ذاك مع املستوطصرن كصا في سجن كبرر ،اذ حرمصا انفسصا من كل تلك املتع ،و اصبحت انظر للمستوطصرن نظرة شفقة اذ كانوا يظصون انفسهم يعيشون 116
مدينة الظالل البيضاء السعادة بيصما السعادة لم ترض ى ان تعيش سوى وسط هؤالء التعساء هصا ،لقد فوت املستوطصون عاملا بأسره كان بإمكانهم ولوجه بسهولة لو انهم قرروا في هدوء تام نبذ عصوريتهم ،و ارجاع الحقوق لذويها ،و لكنهم لألسف لم يفعلوا ذلك خوفا من ان تغمر السعادة الكل بكل انانية. مرت ثالث سصوات برن اصدقائي في حيصا الجديد ،مرت كالنسمة اللطيفة استرجعت فيها بعض طفولتي ،و غردت فيها كعوفور تعلم لتوه التغريد ،و تغررت الكثرر من طباعي و اندمجت بشكل مطلق مع محيطي الجديد و الرائع ،اما امي فالزالت تحافظ على طلتها الاوروةية و لكنها تعلمت ايضا خياطة بعض الالبسة الجزائرية التقليدية و اكتسبت شغفا اخر الى جانب الراديو ،و اصبحت تلك املالبس تطبع عليها جماال مبدعا لقد كانت اروع من كل تلك الالبسة الاوروةية و اكثر اتساقا و انسجاما مع الانوثة ،و كانت تبدي امي ملكة عظيمة تستحق الجاللة و التبجيل .و اختي كبرت هصاك فاكتسبت خفة الجو و انسيابه ،و مع انها لم تجرب الهواء الخارجي بعد و لكن بدت عليها جزائريتها اكثر مصا ،رةما الن صدرها انتعش على وقع كلمات جزائرية سلسة تفتح القلب بحبها للحياة ،كانت ما تعلمته من الفرنسية هجيصا بعض الش يء ايضا 117
مدينة الظالل البيضاء ما كانت تالمس طبلة اذنها من كلمات جزائرية تزور البيت احيانا من الصافذة. الزلت اتذكر اليوم الاول الذي دخلت فيه املدرسة ،البستني امي زيا يبدو رسميا لدرجة ال تطاق ،بدلة كانت تشبه الى حد ما بدلة الكبار سوى السروال كان قوررا و قبعة رفضتها في البداية و لكن امي اسرت على ان ارتديها ،و حذاء كالسيكي دائري نوعا ما ،و جوارب مطوية ترسمني كشخص مهذب جدا ،لم كن اشعر بصفس ي اني اعني حتما ما ارتدي و لكني اخذت الامر عن طيبة خاطر ،و اخذتني من يدي صوب بصاء كانت يتسوط املصطقة كشمعة تطفئ الظالم على مهل ،غاصة باملالئكة اطفال يدخلونها و يخرجونها كما تفعل الارواح في سرمد السماء .املدرسة التي كانت تبدوا جميلة جدا فوق اي توور ،تتراقص على جرسها مالئكة بلورية كالزجاج املوقول تحك كبها لتنتعش برائحة الالهة ،و كأنها تراود املوابيح و القصاديل عن نفسها لتباشرهم الحب على غرر تفكرر .كان يبدو البصاء و كأنه مشرق شمس يطل على فراغ روحي يعشش في مديصتي الجميلة برن انفوام في شخويتها ،و ظلم يؤرق صفو الحياة فيها ،و كان الاطفال يدخلونها بحركات بهلوانية منهم من كان يدخلها بقفزة شاهقة في الهواء و كأنها وثبة نحو عالم جديد 118
مدينة الظالل البيضاء تماله رائحة الطباشرر ،و رائحة الوداع في باب موصوع من حديد يطل على عالم الكبار قبل سصوات من ولوجه كموصع للرجال .و منهم من كان يدخلها خائف و هو يتشبث بطفولته و حريته املطلقة رافضا الحتكار الحياة برن جدران التعليم .و منهم من كان يدخلها بابتسامة كل صباح و هو متشوق لطيورها املرفرفة على اشجار باحتها ،و يرسم عنها صورة متفائلة لعالم قادم ،و حروف مستقرة ،و وظيفة تجعل مصه كبررا يليق بمكان في املجتمع .اما انا فكصت ادخلها كغريب متشرد يبحث عن قطعة خبز كل صباح ليسد بها جوع العوافرر ،ألتمكن يوما ما من قراءة رسائل ابي القديمة و احضن في كلماتها صدر ابي الغائب . وقفت امام بوابتها اشتم عبررها كمتسلق جبال متهور ،و قبلتني امي و ودعتني ،و دخلتها كمرحلة جديدة في حياتي ،كصت اريدها بقوة و لكن في نفس الوقت لم تكن لدي عنها ادنى فكرة ،دخلتها و كأني ادخل مهبل امي ثانية ،احسست و كأني اعاود املراحل الاولى قبل الوالدة ذلك انه برن العلم و الجهل خط رقيق فاصل كما تفول الحياة نفسها عن الوجود في كل جصرن يسعى اليها من فتحة مهبل ليس إال.
119
مدينة الظالل البيضاء دخلتها و انا اشبه جثة مبتسمة ال تعرف شيئا ،مأتمها سوى انها سعيدة بالتعرف على الوجوه التي تبادلها املشاعر الكاذبة ،فكل طفل هصاك كان يبدوا و كانه سعيد جدا بمشاهدتي في الحقيقة كل طفل كان يرى في الطفل الاخر جزءا من حياته ليس الا ،ال يختلف تماما عن اي ديكور بسيط في املدرسة فالنسان عادة و الى مراحل عمرية متقدمة يظن الحياة فيلما تدور كل احداثه عصه ،بيصما كل الشخويات الاخرى هي شخويات ثانوية ال دور لها سوى نسج حكايته البطولية. و كذلك كصت ابدو في بؤةؤ كل تلميذ هصاك ،وقفت في الوف و دخلت قسمي الاول في حياتي و رحت املح كل نقطة فيه .شكل السبورة السوداء على الحائط ،و جدرانه املليئة بالرسومات ،و خزانة كانت في نهاية القسم تشبه صصدوق لألحجيات ،و صورة للماريشال كانت تعلو السبورة كوحمة فوق شارب اسود. دخل الاستاذ من باب يحمل حقيبته في يده و هي خاشعة هصاك تخاف الفرار من مكانها ،شادا بعوا طويلة و رقيقة ،يرتدي سترة زرقاء بحرية ،وقف على املكتب و قال بووت جوهري و كأني استمع لنشرة الاخبار مع امي على الراديو(:صباح الخرر ابصائي ،انا
120
مدينة الظالل البيضاء استاذكم اتمنى ان يكون عاما سارا بينصا و ان ال اتعب معكم كثررا). تأملته جيدا و هو يعبر عن كلماته فيما كان شعر يخرق فتحة انفه كاألشواك ،كانت فتحتي انفه امال فتحات بالشعر شاهدتها في حياتي حيث لم يبدو انفه سوى قصفذا يستعد لبراز اشواكه في اي لحظة . لم ارتح له ،حدس ي كان يقول لي ان هذا الاستاذ مظطرب نوع ما، شكل وجهه املقعر الى الداخل ،انفه املستطيل الشكل ،مخالب يديه الطويلة ،و نبرة صوته التي تتقلب برن كل لحظة و اخرى و كأنها عشرات الاصوات ال صوت واحد ،كل ذاك كان يحدث بتجويفي الفكري صراخ مشطب بكممات صوتية ،شعرت بخوف عميق من نظرات عينيه الحادة التي تبدي عويال في كهف مهجور، يخفي غرابة اطوار حادة تمزق صورة الاستاذ و ترميها ارضا ،فقد كان يبدو في حقيقة الامر وحش بمالبس انسانية ،و اما العوا الرقيقة و الطويلة التي في يده فكانت تبديه راع للغصم اكثر مصه استاذ في املرحلة الابتدائية.
121
مدينة الظالل البيضاء تعرف عليصا الواحد تلو الاخر ،تعرف على اسمائصا و هو يمر برن الوفوف يالمسصا احيانا بعواه حتى كدنا نظن انفسصا في سجن مقص ي على حافة السماء ،نالمس املشهد ذاك بخوف بليغ . عواه كانت تشبه افعى سامة ،قد يخيف شكلها اكثر من اي سم فيها ،و شكله املريب كان يزيد من قبحها ،فجعلصا مصذ تلك اللحظة نتصاول دائما مدرستصا بومت ،نخبئ كرهصا له في ابتسامة بسيطة ،نقوم بفروضصا املنزلية بدون قود خوفا مصه في الحقيقة ،لم يكن بتلك البشاعة في الايام الاولى سوى انه جعلصا بالكاد نتصفس ،فحتى الهواء كان يدخل رئتيصا بكميات قليلة خوفا من ان نزعج استاذنا (السيد فرونسوا ) ،و خوفا من ان نحدث خلال ما في سررورة الدرس فصقع في شراك الدرس. و بعد املدرسة كصت اتصاول دروسا خووصية في البيانو عصد صديقة امي (مدموزال نانس ي) ،كانت امي تقودني الى بيتها بعد املدرسة ،تتكلم هي مع اختها في البيت عن ش يء ال اعرفه ،و هي تدرسني البيانو ،و اداب البيانو ،و العزف على البيانو ،و كصت اعشق تلك الالة املوسيقية كما اعشق نسمة الوباح ،خووصا عصدما تعزفها مادموزال نانس ي حيث كانت تأخذني الى عالم اخر تحمل ريح الجصة الى خيالي ،فترسم فيه جباال مكسوة بثلج يالمس 122
مدينة الظالل البيضاء الشمس الساطعة في السماء فال يذوب ،يتمرغ في حضنها و هو يحافظ على وجوده ،ثلج يشبه ريش الوسادة يسرقك من واقعك و يرميك في بئر الاحالم ،و تنهمر من تلك الصوتات السابحة في السماء بشغف متواصل بالحساس املوسيقي الفريد ،على سكون الافكار فتوقظ فيك الالهام كما يستيقظ التصرن ليحرس امررته الصائمة ،كانت املوسيقى عالج روحي تعلقت به من الوهلة الاولى و لم استطع ابدا نكرانه او اجتيازه ،لذلك كان من حسن حظي اخذ دروس في العزف بعد يوم من العذاب الصفس ي عصد استاذ ( سم)، حيث اصبح الكل يصاديه ( سيد بوازون) لتورفاته الغريبة و لقساوته املريبة التي تبعث على الصفس باشتياق كبرر ملالقاة الانتحار ،او الزج بالصفس في معركة مع اسد لم يأكل مصذ ثالثة اشهر. اما ايام الويك اند كصت اتصول فيها من الكصيسة و اقض ي يومي مرحا مع اصدقائي بالحي ،اقض ي برفقتهم اجمل اللحظات و امتعها .و في اخر كل ليلة كصت اجالس الصافذة اهمس للقمر في اذنه اطلب مصه ان يحمي ابي في اي مكان هو فيه ،حيث لتلك اللحظة لم اكن اعلم بوفاته و كل ما كصت اعرفه انه لن يعود، من اين ال ادري و لكصصا نحن ايضا قد ذهبصا و حياتصا قد غررت 123
مدينة الظالل البيضاء ثيابها و ان عاد لن يعرفني ،حيث مرت ثالث سصوات و كانت كفيلة برسم وجه اخر على مقدمة راس ي ،ثالث سصوات برن امي التي وصل بها الجصون لتكتشف حياة الاخر و تكن فيه ،و اخت تعلمت منها املسؤولية صغررا ،تفوح جزائريتها في البيت اكثر من اي جزائري هصا ،و برن اصدقاء غرروا مجرى حياتي و علموني الحياة على بساطتها ،و برن مدرسة بيانو جميلة و رقيقة و لها اجمل احساس في العالم و اكبر صدر رايته لتلك اللحظة في حياتي. رةما ابي كان ليكون سعيدا و هو يحملني من يدي الى املدرسة في اول يوم لي هصا ،رةما كان ليحميني من ذلك الاستاذ املضطرب ،و رةما كان ليكون سعيدا بي و انا اعجب بأول اثداء في حياتي ،كان ابي ليسعد بالكثرر من الاشياء لو كان موجودا بينصا في تلك اللحظات ،و لكصصا تعلمصا كيف نواصل بدونه ،و الش يء الوحيد الذي كان اداة اتوالي به هي القمر لذلك كصت اكره الليالي املغيمة فقد كانت تقطع الحبل السمائي بينصا و تجعلصا ابعد اكثر من اي وقت مض ى.
124
مدينة الظالل البيضاء 6
ابي يعود من الشرفة يبدأ تاريخ اي انسان في الحياة من الصقطة التي يتواجد فيها بقوة، في اللحظة الوجودية املكثفة ،و ال لحظة في حياة الانسان اكثر تكثفا من اللحظة التي يتحد فيها الانسان مع نوفه الاخر ،فيودع عالم الانواف و يصوهر في حب عميق يوحده مع ذاته ،و مع كل ش يء في الوجود فتغدو لحياته معنى فيجد ما يمكصه ان يضحي بروحه ألجله بكل بداهة. تأملت صورتي وحيدا عصد املوور في هذا الالبوم ،كان سني عشر سصوات ،كصت ابدو كئيبا جدا ،كان الحزن متشعبا في وجهي اكثر من اي وقت مض ى ،اتذكر اني ذهبت للموور وحدي اللتقط صورة لي تخلد تلك اللحظة الحزيصة لألبد ،رةما كان شعور كبرر يتملكني في ان التقطت صورة شعوري ،و كان عقلي يقول لي حينها اني سأحبس الشعور ذاك في الوورة الى الابد ،و سأتمكن من اجتيازه كما حبست الوورة ابي داخلها الى الابد ،و كما حبست 125
مدينة الظالل البيضاء بيتصا القديم بداخلها الى الابد اردتها ان تحبس كذلك ذلك الشعور املزري الذي لم يكن يتركني اعيش بسالم الى الابد كذلك. في حيصا الجديد كانت الورود تزين الحياة ،تتفتح بكل كرم في كل فول تتحدى قوانرن الطبيعة ،الورود كانت في حيصا تنهض كل صباح لتقول لصا صباح الخرر بكل لطف ،و كصا بدورنا نزرعها بداخلصا كما يزرع الفالح ارضه و هو يمارس معها الجنس. الورود كانت اكثر ما يمرز حيصا الرائع ،و رحيلصا اليه كان بالتأكيد احد اجمل الامور التي مرت على حياتي كعقد لؤلؤ تمر حباته على يدك ككل حبة اجمل من الاخرى ،و لكن في تلك اللحظة بعد مرور اربع سصوات على الحي ذاك كصت قد اعتورت بما يكفي حزنا على ما مر بي ،لقد كانت انتكاسة روحية حقيقية كعاصفة شديدة البرودة تعوف بسهل قد طغى فيه الرةيع لفوول . التقطت الوورة و كصت ارتدي (سالوةات) ،اضع يدي في جيبي و كأني لست مبالي بتلك الوورة ،و كأني ال ادري حتى ملا اردت التقاطها و كأني اقوم بكل فعل و كانه فعل ال ارادي ،حياتي في الحي اصبحت يائسة جدا اصدقائي تغرروا هم كذلك ،و لكنهم سرعان ما استعادوا طفولتهم من جديد ،بيصما انا كصت ال ازال في 126
مدينة الظالل البيضاء حالتي الترجيدية تلك و انا اؤمن بكل جوارحي اني سأبقى كذلك لألبد ،لقد كان ايمانا ببؤس سيحل عليصا البد ،فلطاملا اردت ان اخفي الواقع تحت ابطي ،و اجمع الشمس في خيالي و اتركه يتوهج كبركان مصفجر في خيالي ،يخلق جزيرة احالم جديدة ألهرب من الواقع كأي حوت يغرر مياهه دون ان يتذكر اي جزء من املاء كان فيه فكل املياه مياه بال ذاكرة او طعم او لون او رائحة. في السابق كان حيصا يتسلق السعادة كأية كرمة للعصب ،و كصا نحمر لعبا حتى الثمالة ،و كانت الكرمة التي بداخلصا تحضن الشمس حتى الاحتراق ،و كان كاس الحياة يتدفق في عروقصا شعاعا احمرا مصررا ،و لم اكن ادرى ان للسعادة حلقة اخررة فال يبدو ان الشمس تغادر العصب ،و ال يبدو ان العصب سيترك مهجته و يفر مصا بعيدا سوى في عمق الشمس. كانت حياتي قبل ذلك سعيدة برن املدرسة ،و برن مدموزال نانس ي الرشيقة و صاحبة الاثداء الكبررة التي كصت اشعر بقرب اثدائها بالدفيء ،و انا اعزف على البيانو القديم في بيتها الجميل و الهادئ، و كصت قد اكتسبت بعضا من انوثتها بعدما اكتسحتني بآداب البيانو ،كيف اجلس عليه و كأني اجلس على نوف مؤخرة ،و كيف اجعل يدي و كأني احمل فيها تفاحة حمراء ،كصت اعزف 127
مدينة الظالل البيضاء احيانا و تتمايل هي حولي ترقص مع الهواء و كأنها تكونني جصيصا في رحمها ،هي التي قررت املكوث في بيتها بال زوج وال عائلة مع اختها مادموزال نانس ي ،كانت جميلة جدا تقترب من الاربعيصات في السن ،و لكن وجهها كان يبديها اصغر بعشر سصوات او اكثر ،اما تورفاتها فكانت تبديها مالكا ابيض كفساتينها البيضاء التي كانت ترتديها كل يوم كسيدة مجتمع ،يسرق العقد اللؤلؤ من رقبتها كل جمال العالم لررميه عليها و هي تصقر بأناملها على اصابع الحياة، فتتشعب الحياة في جثة التابوت الاسود فليق به ان نسميه بعد ان نسكر مصه (بيانو). اما استاذ املدرسة السيد فرونسوا او باسم اخر السيد بوازون كان كل يوم يرتكب بصا مجازرا نفسية ،كان يضرةصا ألبسط الاشياء يجعلصا نشعر بعبوديتصا للسبورة ،و احيانا كان يلمسصا بطريقة مريبة و يبتسم معصا ابتسامة خبيثة ،لم يكن انسانا عاديا ابدا كانت حركاته تبديه حيوانا في اعصف سلوكاته و اقذرها ،حيث لم اكن ارى من كلماته التي تخرج من فمه روث الكثرر من الروث، لدرجة تبعث فيا شعورا بالقيء املفاجئ في اي لحظة ،و مع ذلك كصت استمع للدرس بكل انقياد ليس خوفا مصه في الحقيقة و انما طلبا في تعلم الكتابة و القراءة التي كصت اريد تعلمها بكل جوارحي. 128
مدينة الظالل البيضاء و في البيت كصت احيانا اغلق على نفس ي باب غرفتي و امارس عاداتي بكل فانتازية ،كصت احب ان ارقص عاريا ،امللم الحرية من شقوق الهواء ،أتأمل نفس ي احيانا في املرآة و أتأمل جسدي الذي بيد لي انه اجمل جسد في العالم على الاطالق على صغر سني فبشرته الرطبة لم تكن كمثلها بشرة على الاطالق كانت تدفعني ألملسها و اشتم منها عبرر الغابات الاستوائية ،كانت تحمل بشرتي كل فواكه الكرة الارضية و ملمسها الحريري كان يدفعني ألكثر من مرة ان اعانق نفس ي ،كصت احب ان اعتني بجمالي كثررا و انا وحيد بغرفتي ،انسج عاملا خاصا بي ،اخلق من كنزاتي فراشات تطرر بالغرفة ،تصثر من اجصحتها ذرات الذهب ،و اتخيل شالال ينهمر من الجدران ليصوب على واد الجماليات فاركبه براحة قدمي ،و اتزلج فوقه بعد ان يتجمد من فعل برودة الخيال عصدما اشاء حلول فول الشتاء ،فتغني زخات املطر لي احيانا و احيانا اخرى تسكصني الشمس ،و ارى ابي يحملني فوق اكتافه و يداعبني كما كصت صغررا ،و فوق كل هذا تتحول غرفتي الوغررة الى قور كبرر يحمل بداخله كل احالمي و امصياتي فتغدو غرفتي برن الفيصة القوررة و اختها روضة لألحالم ،انس ى فيها الواقع و اتصاغم فيها مع العالم الذي احب العيش فيه.
129
مدينة الظالل البيضاء في غرفتي كصت اقوم بكل ما كان محرم عليا القيام به خارجا، كصت احيانا اسرق بعض ماكياج امي ،و بعض املالبس النسوية التي قد تليق بحجمي و ارتديها ألشعر باألنثى بداخلي تشع كالصجم امللتهب كأي ثورة من الالوان تتسع في نقطة صغررة و تصفجر. ال اعلم بالتحديد ما كصت افكر فيه في تلك اللحظة و انا اقوم بذلك ،رةما تأثري الشديد بمادموزال نانس ي او لتأثري بأمي بالبيت ،او لش يء كان يدفع نفسه للخروج من داخلي ،ال اعلم بالتحديد ملا كصت افعل ذلك و لكني فعلته عدة مرات خاصة عصدما اكون وحيدا بالبيت او بالغرفة ،و اجد راحتي التامة في الخلود الى عالم الانوثة ،اضع املساحيق و ارتدي السوتشيان ال لش يء سوى ألبدو امرأة في املرآة ،ارتدي كذلك الشعر الاصطصاعي ألمي ،لقد كصت فعال امرأة حقيقية بكل ما في الكلمة من معنى، كانت هصاك انثى ما بداخلي بدأت تحاول افتكاك مصوب لها في الحياة بعيدا عن ضوضائي الداخلية. اما في الحي فأعود ثانية الرجل الوغرر اتقاسم مع اصدقائي هرموناتهم الذكورية ،التي اصبحصا نشتمها و هي تحاول الانسياب من بعض عروقصا مع صعودنا سصوات عمرية خاصة من الرفقة اللذين تجاوزوا سن الثالثة عشر فعلى الاقل قد انبتت عانتصا و 130
مدينة الظالل البيضاء كبرت بعض الش يء اعضائصا ،و لكصصا مازلصا صغارا مازالت مفاهيمصا صغررة جدا و لم تصضج بعد ألي مدلول جنس ي عوبي، لم نفقد براءتصا بعد و لكصصا لم نفقد ايضا ما نتذكره من مستقبلصا املاض ي ،فالزلصا نتشهى احيانا بال رغبة و نتوبب حبا للذة التي ال نعرف الطريق صوبها. غرفتي كانت في الارضية و نافذتها كانت قريبة من الشارع لذا لم اجد صعوةة في الفرار مع اصدقائي عصدما يقتض ي الامر ذلك ،او عصدما تمصعني امي الخروج و في غالب الاحيان كصا نغامر بأنفسصا في مغامرات لم اكن في حاجة لها ،كصا نسرق بعض املشيمشة او اليوسوفية من بيوت الاوروةيرن و نجد متعة كبررة في مالحقتهم لصا،كصا نضحك بووت مرتفع جدا ،و لكن الفرق بينصا ان اصدقائي كانوا يقومون باألمر للجوع و انا كصت اقوم به للمتعة ،و كصت التهم محوولصا معهم بشراهة و انا امثل معهم نفس دورهم ذاك ،في الحقيقة اعجبني دور البائس كصت اجد فيه متعة كبررة فقد اعجبت بالطريقة التي يتحولون بها على قوتهم بعد تعب و مخاطرة ،لقد كان الامر يروقني خاصة و انا اشاهد اؤالئك الاوروةيون املصافقرن متذمرين مما يفعله الاطفال ،كصت اتسائل في
131
مدينة الظالل البيضاء قرارات نفس ي ا من يبخل ببعض الفاكهة على اطفال جوعى يعلم الصاس الحضارة. فأية حضارة هذه التي تجوع الاطفال و تطاردهم في الساحات ألنهم همو في فعل بيولوجي بحت ليس اكثر من طلب عوافرر بطنهم التي ال تتوقف عن التغريد ،فحرن تلك البطون الاوروةية املصتفخة تأكل بشراهة و ترمي من الطعام ما يكفي عائالت و عائالت من هؤالء ،انه فعال ال تورف قذر من هؤالء اشعرني فعال بالخزي و العار ،فهؤالء اتو من خلف البحر لاليستالء على كل مقدرات هذا الشعب الطيب الذي لم يحرمني شيئا على الاطالق، فحتى تلك الاكالت التقليدية البسيطة التي كان يطبخها بعضهم كانوا يهدون لصا منها و امي لم تكن تبخل عليهم فلطاملا كانت ترسل لهم اطباقا هي الاخرى ،و كانت كل يوم احد او ايام الاعياد تدعو اصدقائي على الغذاء و العشاء و لكي نمض ي كذلك الوقت معا. لكن هؤالء املستوطصرن كان الشر يفيض من اعينهم طاملا كان الشخص الذي يواجههم جزائري ،و يختفي ذلك الشر بسهولة و يتحول الى طيبة موطصعة عصدما يواجههم اوروبي ،تلك العصورية التي كانت مكرسة بقانون الاندجيصا كانت تطفو كمرض خبيث
132
مدينة الظالل البيضاء يهدد الكيان الوطني لهذه الارض الطاهرة ،و يجعل كل ما كان يبدو جميال فوقه يتبخر في رمشة عرن بسبب تورفات اجرامية كهذه. اتذكر انصا ذات يوم و نحن نسرق اليوسفية من بيت احدى الاسر الاوروةية ،لقد كان يوما شتويا حارا بايعصا فيه الرب حاميا لصا ،و توجهصا بخطة صبيانية لصأخذ اكبر قدر من الفاكهة الزلت اتذكر كيف صعدنا الجدار معا ،و عمر السمرن يورخ و يطلب مصا (كورديشة) او كورديشال بالفرنسية و ما يقابلها بالعرةية (سلم قورر) ،كصا نشبك اصابعصا ببعض و يضع الاخر احد قدميه عليها و نرفعه ليتمكن من الوصول ألعلى الجدار و يتمكن من دخول الحديقة ،عمر لم يتحول ابدا على الكورديشة و لكصه كان دائما كورديشتصا الاصلية التي نستعملها لوعود الجدار ( فلصكن مصطقيرن عمر لن يتمكن ابدا من الفرار ،و هو بدوره ككورديشة يقوم بأصلح الاشياء له ) .هكذا كان يقول الكل عصه و لكصه يتحول في النهاية على اقل نويب من الغصيمة. و ذات اليوم و نحن نفر هرةا من صاحب البيت ،شيخ كبرر و سمرن تسبقه بطصه اليصا و في عيصه يحمل الحقد الجريء و كانه يريد ان يمضغصا برن اسصانه ،حدث ان يقع خالد من الجدار و يكسر يده ،لم نكن نتوقع ابدا هذا الامر هرةصا كلصا و تركصاه 133
مدينة الظالل البيضاء خلفصا ،و بالرغم من انه كان يتلوى من شدة الالم إال ان الامر لم يشفع له عصد ذلك الشيخ البائس و الشرير فقد امسكه من اليد املكسورة و سحبه الى داخل البيت ،و سمعصا صراخه و هو يرتجاه ان يتركه و انه لن يعيد الكرة ثانية ،و كصا نسمع نباح كلب امامه و ضرةات على جسده ،كانت تبدو لصا من بعيدة على انها ضرةات حزام ،لم يكفصا ان نبقى هكذا مكتوفي الايدي اردنا مساعدته، اردنا ان نخطط لذلك و لكصصا فقدنا لتونا مدبر الخطط خالد، لقد كان اذكانا و امهرنا في وضع الخطط عادة ،جلسصا في الارض مرةكرن لم نعرف كيف نفعل لنقاذه الى ان صرخ عمر( :لدي خطة). سكتصا لبرهة نتأمله و عدنا نتحادث ثانية و لم نعره اي اهتمام، فقد كان يبدو اغبى شخص يمكصه ان يجد خطة ما ،لم نتوقع ابدا مصه اي غرام من الذكاء لكصه تكلم ثانية( :ما رأيكم ان نقسم انفسصا الى فوجرن ،فوج يضرةه بالحجارة من الباب و فوج يدخل البيت من الخلف لنقاذ خالد). لقد ذهلصا في البداية و صدمصا كيف يمكن لعمر ان يخطط بهذه البراعة ،في الحقيقة الخطة تبدو اليوم بسيطة جدا و لكصصا في
134
مدينة الظالل البيضاء ذلك السن كان من البراعة الخارقة ان نخطط خارج الروترن الذي كصا نعيشه. تجاوزنا خوفصا ،و اندفعصا كسيل واحد يجمع قطرات من املياه ليكسر صخرة الشر الولبة و يفتتها في انسيابه ،ذهب بعض الفتية صوب البوابة و راحوا يلقون الحجارة على صاحب البيت و راح هو يتبعهم كأي غبي في حجمه ،و تبعهم كلبه الذي كان يخيف خالد و جعله زيادة على الم الكسر كذلك يتبول في سرواله. دفعصا الهواء صوةه بسرعة و قدم لصا عمر اسرع كورديشات في التاريخ ،و تسلقصا الجدار و ذهبصا لصتفقده ،لقد كان في حالة مزرية فعال اندمج لون شفتيه مع لون جلده و بدى شاحبا جدا كجثة مغطاة بزهور ذبلة ،لم يكن يتوقع مجيئصا ابدا لقد رةطه بسلسلة حديدية صدئة ،كان يبدو ذلك املستوطن الشرير بفعلته تلك غوال بشعا ال رحمة له ،فكيف يمكصه ان يفعل ذلك بطفل صغرر لقد تملكني الغضب في ذلك الوقت و حرن فر اصدقائي ،انا كصت الزلت هصاك ابحث عن اشياء اكسرها بداخل حديقته انتقاما مصه امسكت الحجارة و كسرت كل زجاج البيت و اصدقائي يحاولون مصاداتي لم اكن اريد الخروج قبل ان افش ي غضبي فيه ،لم استطع ان امضغ و ابلع تورفه ذاك مع خالد بسهولة ،لقد بت 135
مدينة الظالل البيضاء اراه شيطانا رجيما ال يستحق إال الكثرر من اللعن ،و حتى الشيطان لم اشعر ابدا تجاهه بالكراهية كذاك الكره التي اصبحت اكصه لذلك الشيخ اللعرن الذي يتدلى شحم الخنزير من اسفل رقبته القوررة ،و هو يتداخل مع نفسه اذ نفسه تتوق لالنفوال عن جثته العفصة بسبب الشر الذي كان يذرمه في العالم من حوله ،اتذكر اني قد كسرت العديد من الصوافذ الزجاجية بداخل بيته ،و حتى الكثرر من التماثيل التي كانت موضوعة هصاك للزيصة تضفي على بيته املظلم بيت الشر بعض الجمالية التي ال يستحقها ،كصت ادفعها بيدي كلها .عاد صاحب البيت اللعرن و وجدني بحالتي تلك ،تبعني هو و كلبه ثانية حاولت الفرار لكني لم استطع امسكني من رجلي و سحلني على الارض و هو يقول (:يا ايها الجزائري اللعرن! ايها العربي اللعرن!) شعرت بالطراء و هو يوفني بالجزائري ،ذلك ألني كصت جزائريا حقا و لم اكن ألتقبل جنسية اخرى الا جنسية هذا الوطن ،لكصه رةطني مع الشجرة و راح يضرةني بعوا زيتون على رجلي ،بوقت عليه مرترن و قد كان الالم فظيعا ،لم أشأ ان ابكي ،كان بداخلي كبرياء كبرر ففي كل الاحوال قد دفعت ذلك الغضب املضمور خارجا و الحقت به اضرارا مادية. 136
مدينة الظالل البيضاء في ذلك الوقت ذهب اصدقائي بسرعة عصد امي لخبارها باألمر، بيصما خالد بقي فوق الجدار يطلب من الشيخ ان يطلق سراحي و ان يأخذه بدال عني ،وافق في البداية و ما ان امسك خالد امسكصا معا و راح يضرةصا معا ،ثم تركصا تحت الشجرة تلك مرةوطان و رحت انا اصرخ بالكلمة العرةية الوحيدة التي تعلمت لفظها ( زبي قود زبي قود) ،راح خالد يضحك على رغم من معاناته و رحصا نضحك معا. بعد مدة ليست طويلة و ال قوررة ،مدة كانت تبدو مملة جدا ،و في نفس الوقت كانت مودرا للفخر الذي كان يعتريني و انا اشعر بنبض البطولة ألول مرة في حياتي ،لقد اعجبني ذلك الشعور و تملكني لدرجة الادمان ،فاذا بأمي و خلفها الاطفال تفتح بوابة الحديقة بقوة مئة و خمسة و سترن رجل ،ال اعرف بالتحديد ملا هذا الرقم و لكني شعرت بتلك القوة الرجالية دفعة واحدة في ذراعها و هي تدفع الباب،رةما هي لم تكن بقوة كل اؤالئك الرجال، رةما لم تكن سوى بقوة امرأة واحدة امرأة اهرن ابنها. دفعت الباب بقوة و شرارة من الغضب تصدفع من عيصيها كالعوار ،لم تبحث عني اوال ،بحثت عصه ،جرى الكلب صوبها ينبح ،امسكت هي قضيا حديديا كان موضوعا اماما و ضرةته 137
مدينة الظالل البيضاء بقوة على رأسه و كأنها لم تلمحه حتى ،ال اعرف ان مات الكلب ام تعطل وجوده و غط في نوم عميق. جاءت صوةصا ،قطعت الحبال و عانقتني انا و خالد فكالنا كان يحتاج الحصان في ذلك الوقت ،خرج ذلك الشيخ من بيته ،اتجهت صوةه و ضرةته ست صفعات على وجهه الواحدة تلو الاخرى ،ثم رفعت رجلها و قدمت له الالم الرجالي الفخم على خويته ثم بوقت عليه و عادت ثانية توفعه. راح هو يتكلم معها بكل ضعف و كأنه طائر صغرر ال حيلة له و ال قوة له ،هددته بأنها ستشتكي به للشرطة لتعذيبه لقور ،و لكصه راح يترجاها ان ال تفعل ذلك مصوها لها بأنه لم يكن يعرف بفرنسيتي و انه كان يظصني عربي. ردت عليه امي بعد ان بوقت عليه( رب عذر اقبح من ذنب) و بوقت عليه ثانية ،ثم امسكت حجارة قبل ان نغادر و كسرت بها اخر زجاج نافذة سليم في بيته،و دفعت احد التماثيل املتبقية . ترجاها ثانية ان ال تشتكي ،عادت هي اليه و صفعته ثانية ،و خرجصا نضحك و اتجه عمر نحو شجرة اليوسوفية و واخذ حبة منها و قال للشيخ(:احسن من وجهك). 138
مدينة الظالل البيضاء اما امي فال يبدو انها قد اشبعت غضبها فيه حيث راحت تقلع الورد من الشجرة و امسكت ما يكفي من الورد في يدها ثم شتمته ،و اشارت له بإصبعها و عدنا معها الى البيت و الكل مصدهش منها ،لقد تبعها كل اطفال الحي و هم فخورين بها ،و مصذ ذلك الوقت لقبت امي في حيصا بموح باب الواد. موح باب الواد هو لقب كان يطلق على كل رجل تفوح مصه رائحة الرجولة و الخووةة ،و يضطرب صوته مع ضجيج السيارات ليدفع بخوال الشاب الجزائري الذي قد يفضل املوت على الذل الى سطحه ،و كذلك كانت امي تبدوا بعدما لقصت ذلك الشيخ الشرير درسا لن ينساه طيلة حياته. امي اصبحت تبدو بطلة خارقة ،و اضحت بعد تلك اللقطة املتوحشة التي بدت فيها كلبؤة مسعورة تصقض على فريسة لئيمة ،كبطل قومي و اسطورة حية يتحدث الكل عنها ،و عن هزيمة ذلك الحلوف ( الحقار ) الذي يتقاوي بحماقته املغرورة و قوته الكاذبة على الاطفال.
139
مدينة الظالل البيضاء اتذكر ان امي بعد ايام من تلك الحادثة مرت على بيته ثانية لتطمأن على حالة الكلب املسكرن الذي راح ضحية نرجسية و شر صاحبه. بعد تلك الايام علمت امي اني كصت اسرق الفواكه من بيوت الصاس فقررت معاقبتي بحرماني من املوروف ملدة اسبوعرن ،لقد كان فعال عقابا قاسيا لكصه لم يردعني عن مواصلة ما كصت اقوم به مع اصدقائي فقد كان فعال امرا مسليا .
مازلت امارس طقوس ي الانثوية في غرفتي ،هذه املرة ارتديت حمالة صدر حمراء ألمي و رةطها جيدا من خلفي لتكون بصفس حجم ظهري ،و رةطت وشاحا ازرقا مصقطا باألبيض على خوري ،و وضعت بعض املساحيق على وجهي و بعض املاكياج ،و شعرا مستعارا كالعادة بما يشبه راقوة عتيدة ،ثم رحت ارقص و اغني و احلق بصفس ي بعيدا في خيالي ،ال موسيقى لي سوى ما اغصيه و ما يصوب في عقلي من الحان عابرة. و يحدث في ذلك اليوم و بيصما انا اراقص الفانتازم و قد نسيت الصافذة مفتوحة ،فإذا بخالد يتأملني من الخارج ،كان واقفا هصا 140
مدينة الظالل البيضاء يزرع عينيه الجاحظتان على بريقي الذي بدا يتالش ى لتوه بسبب الاحراج الذي مصيت به. كصت اقول في نفس ي انها نهايتي ال محالة في هذا الحي ،و لن يحادثني احد بعد الان ،لقد احسست و كأني زجاج مهشم لم استطع حتى على حمل نفس ي ،وقفت هصاك أتأمله انا الاخر و لم اعرف ما الذي يجب ان افعله ،لم احرك ساكصا البتة فإذا بخالد يقترب من الصافذة رويدا ،رويدا و في عينيه نظرة محطمة لكياني. لم اتوقع ش يء في تلك اللحظة سوى فضيحة كبررة ،اما هو فكان يقترب من الصافذة و كأنه يريد ان يتعرف اكثر على فضيحتي تلك. صعد الصافذة القريبة من الارضية و دخل غرفتي بال استئذان ،لم اتحرك من مكاني خطوة واحدة و دخلت فيما يشبه غيبوةة واعية ،اقترب هو مني قليال و قال لي بووت عذب( :انت جميلة ،جميلة جدا) استحيت فعال في تلك اللحظة من نفس ي و كصت اتمنى ان تنشق السماء و ترفعني ،بحثت عن سخف في الارض اطرر فيه ،و لكن خالد القفني من غفوتي و امسكني و من يدي و قال لي بلطف (:ما اسمك؟ ) 141
مدينة الظالل البيضاء شعرت بالعالم يتمدد و يتقلص في ابرة خيط رفيعة ترةطني بذاتي،و استنشقت كسوف الشمس من تحت جلدي ،ثم اعدت سؤاله ذاك في مخيلتي عشر مرات بسرعة البرق ،ثم ادركت انه كان يسألني عن اسمي او بوجه اخر لم يتعرف على هويتي الحقيقية ،كان علي ان اتورف حينها و اجيبه بأي اسم كان لكي استر جان بيار املختبئ داخل هذا الزي التصكري ،اجبته فيما كانت تبدو اجابة بديهية (:اسمي سارة ) طالت رقبته كما لو كان يبحث عن شالل بعيد من فوق قمة جبل ،ثم ابتسم بعد لحظات قليلة من العبوس و كأنه يخفي شيئا ما ،ثم قال لي و الحياة تجتمع كلها في نظراته (:سارة اسم جميل جدا مثلك تماما ،لقد رايتك قبل قليل ترقورن هل يمكصني ان ارقص معك). سكتت سارة التي تفتحت لتوها من داخلي ،و خرجت لتالقي نفسها ألول مرة ،اذ اصبح لألنثى بداخلي اسم ألول مرة ،شخص موازي بات يعيشني تلك اللحظة وحدها و هو يدغدغ حقيقتي بوجهه الرطب.
142
مدينة الظالل البيضاء ثم اجبته و كأني اضمر مشاعرا متوقدة كالبركان بداخلي و انا اهز راس ي بكل استحياء لجثة الروح ،و انا اتمرد على صالبتي بومت مجيبا بصعم بريء. القى هو بيديه على خسري و ما ان المس بأنامله جلدي توقف نبض ي لبرهة و توجعت جذوري ،و اغلقت جفوني في رحلة متعطشة للحصان،و عانقته بقوة و اشتممت فيه رائحة ابي. لقد راقوني بال موسيقى ،و اعطاني دفئ الابوة و ذكرني بابي فرقوتي معي حملتني الى ابعد نقطة في ذاكرتي ،و ابحرت في حضصه الى اعمق مصحدرات الزمن ،و استنشقت مصه عطر البرتقال. كان يحركني في البداية بأنامله اذ كصت اراقوه بغرابة و دهشة، لم يكن في وسعي التحرك كما كصت افعل دائما فقد نسيت تلك اللغة التي كصت دائما متمكصا منها ،و لكصه كان يحركني بكل صوب ،يديرني على نفس ي و كأنه يحج من خاللي الى السماء ،و برن كل دورة و الاخرى يحضصني برن احضانه بقوة يشحصني بحصان بريء .
143
مدينة الظالل البيضاء اشتد الحصان على قريحة عيني ،و انساب الدمع منها يعبر عن خالصه ،و لم يكن لي املقدرة على كتمان السر في قلبي و قلت لخالد ( :بابا احبك ). ال ادرى ان كان قد استمع لي و انا اقولها ،و لكصه قد حضصني بقوة اكبر حينها فإذا بباب غرفتي يقرع ،انها امي تقطع انسكابي على اوجاعي و ذوةاني في حصان متمرد لم اعهده من قبل ،و انا أالقي ابي ملرة اخرى في جسد اصغر حيث كصت اريد بقوة ان افتح الباب و ان اقول ألمي ( :ها هو ابي املصتظر لقد حل مجددا عليصا). و لكني تذكرت حالتي تلك،و فر خالد هارةا من الصافذة ،و وقف هصيهة هصاك و ابتسم لي ثم ودعني و اختفى. نزعت انا حمالة الودر بسرعة ،و كذلك الوشاح ،و مسحت تلك املساحيق بسرعة باملصديل ،و فتحت باب الغرفة ،و رحت مسرعا نحو السرير و تخبئت بداخله ،و دخلت امي و قالت لي(:ماذا تفعل جان بيار؟) سكت و تظاهرت بالصوم و رددت هي اسمي مرترن ثم اغلقت الباب و ذهبت ،و عدت انا ألحالمي اتصاثر على سريري ،و انا اتراقص مع الذكرى الجديدة التي تقبع في ريح هذه الغرفة التي حملت لي من 144
مدينة الظالل البيضاء شرفتها ابا جديدا يشبه في حصانه ابي ،و في ريحه الطيب انه صديقي خالد الذي لطاملا تشاركصا الطفولة ،ها هو ذا يشاركني رقوة ابي و يعيدني الى سعادتي من جديد، كانت تلك التجرةة الرومانسية البريئة احد اجمل التجارب التي عشتها في حياتي ،فقد اعادت الروح ثانية الى دواليبها الجسدية ،و قدمت لي جزءا مبتورا مني كصت قد اضعته قبل سصوات ،تأملت نفس ي في املرآة ثم عدت للشرفة و تصفست و كأني لم اتصفس من قبل ،و شعرت ألول مرة في حياتي بالهواء يتشعب برن اروقة جسدي كما لم يفعل من قبل ،و كأني اعود مجددا للحياة بعد ان مت ملدة تزيد عن مائة سصة او اكثر. امسكت الوسادة في حضني و عانقتها بقوة و اغلقت عيني لتصفذ بوررتي في صوفها ،و بحثت فيها عن خيال انسجه لخالد ،و ارتميت ثانية فوق السرير امرغ عيني في السقف و انا اتذكر ابي في صورة جديدة انبعثت من حضن خالد. لقد كان احساس ي في ذلك الوقت يفوق نبضات قلبي السريعة، تجاوزت خط املوت بلحظة من شدة الحب ،و لم اعد اشعر
145
مدينة الظالل البيضاء بخالد صديقا فقط بل بت اكن له مشاعرا كالتي كصت اكنها البي، و كانه جاء ليخلوني كمسيح حقيقي من سطوة الاشتياق. لم اخرج من البيت في ذلك اليوم ألكون صريحا انتابني بعض الخوف ان تكشف حقيقتي امام الحي فابدو ( مدامة ) مثلما يقولون هصا ،لذلك كصت حذرا جدا ولم اصدق ان خالد قد صدق اني سارة بتلك السهولة و البساطة ،و في اليوم التالي التقيت بأصدقائي و انا مضطرب تماما ،احاول قراءة ايماءات خالد و ان كان يبدي تفاعال ما و لكصه لم يكن سوى الطف معي ،و لم يظهر ابدا عليه اي مظهر غريب يبدي انه قد يكون بطريقة او بأخرى قد كشف سري ،و لكن الامر الغريب انه كان يعلم سلفا ان تلك كانت شرفة غرفتي في بيتصا ،و الاغرب انه لم يسالني ابدا عن الفتاة تلك امللقبة بسارة ،و هو يعلم انها تسكن بيتصا و لم يرها ابدا تخرج من البيت .لقد كان الامر غريبا جدا و لكن في نفس الوقت لم يبدو على وجهه انه يخبئ شيئا ما بل بدى طبيعيا جدا ككل يوم ،و لذلك توقفت عن تساؤالت و وسوساتي تلك و اكملت حياتي بطريقة اعتيادية. تصفست الوعداء و شعرت بارتياح عميق ،و مصذ تلك اللحظة اصبحت العب دورين في الحياة :جان بيار الذكر الذي تبدو عليه 146
مدينة الظالل البيضاء بعض القساوة املوطصعة ،و سارة حبيسة الغرفة الرقيقة و التي تراقص احالمها بأجمح انوثة و تسرق حبات السماء من حضن حبيبها خالد. قد ال يودقني احد ان قلت ان سارة التي بداخلي عشقت خالد لحد الجصون ،و كانت تشتاق له كأي انثى تشتاق لزوجها القوي و الواخب ،اما جان بيار الذي كان يطفوا من فوقي احب خالد كاب ،غادر و عاد في جسد جديد .و برن سارة و جان بيار كصت انا لم اجد اسما جديدا لي برن تلك املفارقة الكبررة التي انتابت كيصونتي ،و لكني وجدت انسانا جديدا حملني فوق اكتافه و احمله في قلبي حيث وجدت لونا جديدا فيه ،الون من خالله العالم الابيض و الاسود الذي كصت اعيشه ،و عشت مصذ تلك اللحظة برن عاملرن ،عالم واسع الحجم و بسيط املشاعر ذلك الذي كصت اعيشه في املديصة،و عالم اخر صغرر الحجم كبرر بمشاعره الفياضة ،كصت اعيشه في غرفتي انتظر برن يوم و الاخر مجيء خالد. كصت في ايام العطلة كل يوم احبس نفس ي في غرفتي امارس طقوس ي الانثوية اضع بعض املكياج و انتظر خالد لكي يأتي ،لقد مرت ثالثة ايام و لكصه لم يأتي اتسمت كل تلك الايام التي غاب 147
مدينة الظالل البيضاء فيها عن غرفتي بالبرودة و الوقيع ،و لم يكفني اي غطاء ألقدم بعض الدفء لجسدي الوغرر ا الى غاية اليوم الرابع ،و قد بدا الليل يسقط ظالله على السماء ،و كصت قد فقدت الامل من حضور خالد و لكن قرع لطيف على الصافذة شد اذني اليه، فلبست شعري املستعار ثانية و اتجهت صوب الصافذة فإذا بخالد ينتظرني هصاك ،فتحت له الصافذة و دخل هو الغرفة و عانقني بقوة ،جعلت كل ضجيجي الداخلي يسبح على شكل ابتسامة وردية طفت على شفتاي ،و اندثر الضجر و بدون ارادة مني وجدتني اقبل يده ،و قال لي هو بكل ايمان و كأنه يتعبدني ( :سارة اشتقت لك ) ،و كالعادة لم اجب سوى بمعانقته. و كأي مصعكس فطري وضع يده على خوري ،و رحصا نتراقص من جديد بال موسيقى ،و هو يحاورني بطريقة مثررة جعلت جلدي يتشوك ليخرج مصه طيف ملتهب اراد بحرارته ان ينسكب كبركان صامت ،و متوقد لشعال فتيل الذكر الولب الذي اراقوه، مددت شفتي لشفتيه كما كانت يفعل ابي و امي تماما و المست ألول مرة في حياتي شفاه غريب ،فعصد اول ملمس منهما على حافة شفاه خالد شعرت بكهرةاء متمردة تسرق روحي و تحبسها في شفاهه ،ارتفعت نبضات قلبي و لم اعرف ما يجب ان افعله سوى 148
مدينة الظالل البيضاء ان اقبله اكثر ،و راح هو يقبلني بكل امية و كأنه يلتهم شفاهي ،و مضت القبل في براءة تامة و كأنصا ال نعرف ما نفعله ،و لكصصا كصا نعبر عن مشاعر فياضة انتابتصا على حرن غرة ،فوجدتصا الاحالم نقبل بعضصا بعضا بكل حرارة. جلس هو على السرير و جلست على حجره ،و راح يدللني كطفل صغرر وضعت راس ي على رقبته و كصت انتظر الهواء الذي يخرج من فمه لكي احبسه انا في داخل صدري ،و انا اتصفسه برغبة مطلقة في حصان و حب خارج ايطار الجنس الذي لم نكن نعرف معصاه في تلك اللحظة. باب غرفتي كان موصدا و لذلك ارتمى خالد على السرير و خلع سرواله و بقي عاريا تماما ،اذ ال يرتدي معظم اطفال الجزائريرن في ذلك الوقت املالبس الداخلية بسبب الفقر ،و نمت انا بجانبه بمالبس ي الشبه عارية ،كان يبدو بلون جلده الاصفر كفتى ذهبي يحمر حبا كشمعة ال تصطفا ابدا لتصرر اجمل املشاهد رومانسية، و شدني بهدوء من كتفي و رماني على صدره ،و نمصا بهدوء الى الوباح ،و انا استمع لصبضات قلبه في صدره الوغرر كمطرقة تفتت روحي من الداخل ،و تذيبها كقطعة سكر في بحر من الحصان
149
مدينة الظالل البيضاء الطائش و الطفولي الذي كصا نسبح فيه سويا انا و خالد خارج ايطار املكان و بعيدا عن الزمان. في الوباح الباكر نهض خالد كأي رجل مثقل بالفحولة و الخووةة و خلق مجددا في مكانه كانبعاث جديد ،و قبلني من فمي و من صدري و عانقني مطوال ،ثم ارتدى سرواله و خرج من الصافذة و قال لي ألول مرة في حياتي ( احبك سارة ). ألول مرة في حياتي اشعر بحب غريب يكتسحني ،يدخل بداخلي مشاعرا جديدة بالقوة ،و استسلم انا لها بانوياع تام ،لقد دخل خالد على حياتي من بابها الكبرر من الصافذة ،من حيث لم اكن احتاط ،كأي لص جميل سرق قلبي بلطف فبت اكن له مشاعرا، لم يكن يبدو عليها انها ستنتهي يوما ما فكان خالد اول حب في حياتي ،حب غريب لم اكن اتوقع انه سيكون بهذه الطريقة ،و لكصه كان و انسبت فيه كأي انثى تنساب بسهولة مع عطر رجالي فخم. لكن كان في الامر مشكلة ما ،فخالد لم يحب جان بيار بل احب سارة التي بداخله و كان الامر يسبب لي حرمانا كبررا ،فانا اصبحت اغار احيانا من سارة فقد شعرت انها محظوظة اكثر مني ،و 150
مدينة الظالل البيضاء للحظات كثررة كصت اكره نفس ي و اكره جان بيار و اكره العالم الن خالد لم يكن يعرف اني انا من يحبه و ليس الزي التصكري الذي سميته سارة. كان خالد يزورني برن الفيصة و الاخرى ،نرقص معا نتعانق مطوال و نرتشف ريقصا ،من قبل هي كل ما كصا نعرفه لكي نعبر عن حبصا و انا كصت انتظره بكل جصون ،اندمج في الشخوية الجديدة فألبسها او تلبسني هي ،ال اعرف و لكني كصت اتقن دور الانوثة بكل عفوية صادقة ،و خالد جعلني اشعر بأنوثتي و باني امرأة حقيقية ألول مرة في حياتي. بعد ان بثت تلك املشاعر نفسها في جوف احالمي ،اصبحت اصابعي تعزف على البيانو افضل بكثرر ،و ألول مرة في حياتي اعزف مقطوعة فتبكي مدموزال نانس ي على احساسها ،فعانقتني و هي على ذلك الحال و كأنها تتشكرني على روح نفختها في الجزء امليت منها ،و على الاحساس الذي قدمته لها من خالل مقطوعة بسيطة لطاملا كصت اعزفها لها ،و لكنها ابدا لم تكن لتخرج من داخلي الا و انا مشبع بحصان رجل صغرر ،عرف كيف يدفع مشاعري الانسانية نحو الوجود ذلك ،ان الحب الذي زرعه خالد بداخل قلبي اصبح يتدفق على ابداعاتي فيبث فيها الروح، 151
مدينة الظالل البيضاء فيجعلها تالمس قلوب كل من يبحث عن روح جديدة ،ترفع جوق الجصائز عن حضورها الحي ،فتقترب املسافات برن املشاعر، فتترابط الاحاسيس فيما بينها و تبكي. كانت الفرحة قاب قوسرن او ادنى من ان تجعلني اطرر في السماء ألالمس الوليب الاكبر الى ال رجعة ،و لكن تسرر الرياح بما ال تشتهي الهة الحب احيانا ،حيث ان عائلة خالد قررت بيع بيتها و السفر الى قرية مسلمون بمصطقة الظهرة الى بلدهم مثلما كان اهله يقولون ،اتذكر ان خالد قد بكى مطوال لذلك و لم يتمكن احد من الاصدقاء ان يحبس دموعه ايضا ،اذ ان خالد كان طيبا جدا و لطاملا كان يدافع عن الضعفاء و ينتور لهم ،و ذهابه كان مأساة كبررة على اطفال الحي. و تمزقت انا من داخلي و سيف ما يقطني لقطع صغررة من الداخل ،فقد جرةت الفراق من قبل و امر ذهابه ،و في الليلة التي تسبق ذهابه زار سارة بغرفتها و كصت هصاك انتظره و الدموع حرة كالطيور تنساب من عيني كالغدير الحزين ،و عانقته بكل لهفة و انا اتنهد و اطلب مصه بكل الحاح ان ال يذهب ،لم اترك له اي مجال لكي يتفوه بكلمة ما ،لقد قلت انا كل ش يء و قلت له اول مرة ( احبك) ،قلتها بودق كبرر ،قلتها كديانة صادقة تعوف 152
مدينة الظالل البيضاء بكذب الديانات الاخرى ،قلتها ليكون وجودي حقيقيا و لكي ال اندم من بعد ذهابه ،و لكي اظهر له مدى غالوته عصدي جست على ركبتي و رحت اقبل كل اجزاء جسمه من قدمه الى كل شبر ببصطاله و قبلته من كل مكان و انا اترجاه ،ثم اعانقه في نفس الوضعية و انا اضع راس ي على فوق بصطاله في املصطقة الحساسة مصه ،اشتمه و اطلب مصه بكل جوارحي ان يبقى لألبد معي كصت اظن ان هذا التذلل كفيل بان يتركه الى الابد معي ،فوضع هو يده على وجهي وقال لي (:سأعود يا عمري ،سأعود و لن اترككي ابدا لوحدك، سأعود و سصعيش مع بعضصا الى الابد اعدك ).و من ثم قبلني من فمي قبلة طويلة و كأنه يسحب روحي من داخلي ،و انا في نفس وضعيتي تلك و مسح دموعه التي لم تكن تتوقف و هو يمسحها باطراف اصابعه و يتأملني بألم كبرر ،و قال لي بووت رقيق لطفل يتألم بكل صدق ( :وداعا سارة لن انساك ابدا في حياتي). و فر من الصافذة ،و وجدتني رغما عني اصرخ باسمه ( خالد ال تذهب ،عد خالد) ،ثم عدت ابكي في الغرفة و شهقاتي تخرج الهواء منها و تجعلها غرر صالحة للحياة ،لقد كان امرا صعبا ان اودع ابي مرترن .و هكذا مثلما عاد ابي من الشرفة ودعني كذلك من الشرفة ،و في الوباح الباكر و انا ذاهب ألودعه كجان بيار 153
مدينة الظالل البيضاء كوديق و اخ وجدت الشاحصة قد شرعت في الذهاب ،و كما جرت امي يوما ما لتلحق ابي الذاهب الى حقل البرتقال جريت انا وراء الشاحصة تلك و انا انادي خالد ،و كررت نفس مشهد الا اني لم اقع على الارض ،توقفت عصدما غدت الشاحصة بعيدة و اختفت خلف الافق ،بكيت في تلك اللحظة كما لم ابكي من قبل و راودني احساس فظيع رةما لن ارى ابي خالد ثانية الى الابد.
154
مدينة الظالل البيضاء 7
العنكبوت تأكل االطفال
بعد ذهاب ابي مجددا كان علي ان ابحث عن ش يء ما جديد يبعث الحياة في عروقي الصاشفة ،فمن خالل تجرةتي الاولى علمت ان الاحداث الطارئة و املتغررات املحيطية تؤثر على شكل الشمس فوق رؤوسصا ،و حجم نورها املتدفق اليصا.و لم اكن احتاج في حقيقة الامر سوى لودمة اكبر من الودمة الاولى تعيدني لطريقي ،و لكني لم افلح في تحقيقها بصفس ي فاكتفى هللا بتحقيقها بطريقته الخاصة. و كأي صورة في هذا الالبوم العتيق تذكرني بمتتالية حياتية، تساعدني على سرد روايتي كسرب من العوافرر الصارية الغاضبة تهاجم بغتة الذئاب الطائرة لترديها ذاكرة حية ،تلهب بها الحزن روتيصا تافها ،نتصاسه في عجرفة زائدة ،او سطحية نافذة على بستان نتخيله او نعيشه لصبسط اجصحتصا فيه من جديد ،فصولد من جديد من مهبل الودمة .تذكرني كذلك هذه الوورة لوفي 155
مدينة الظالل البيضاء في املدرسة للسصة الخامسة ،و كان زميلي آنذاك ميشال يقف امامي ،ميشال الذي لم يكمل معصا السصة الى النهاية بسبب احدى تلك البدايات الجديدة التي تجعلصا نقفز من الحياة الى الاخرى ،و نحن ال نبرح مكانصا و كأنصا نقفز على الحبل. الودمة ليست حاجزا نوطدم به بل تغرر مفاجئ في درةصا الذي نظن انصا نختاره في حياتصا و لكصه يختارنا ،لصجد انفسصا بعد طريق طويل اجتزناه لصوعد جبل الحياة في بداية طريق جديد دون ارادة مصا. و لكني كصت اريد الودمة تلك ،و اتذكر اني اصبحت اذهب للقداس الاحد مع امي ألصلي للرب بان يودمني بشكل او بآخر ألتمكن من مواصلة حياتي ،و لكن كانت صلواتي تذهب مع قرع الاجراس حيث تشرر لي ان دوام عمل هللا قد انتهى بمجرد قرعها، فاغدوا خائبا مجددا للبيت اواصل حياتي بحزن ،اكتمه احيانا مع اصدقائي اللذين اندمجوا مع الحياة الجديدة بكل طالقة ،حتى بت احسدهم على ذاك التأقلم السريع مع املتغررات ،اما انا فلم استطع ان اخلد لسرير الحياة مجددا ،فعكس كل اصدقائي اللذين يمتلكون قلبا واحدا في صدرهم يكفي الشتياق واحد ،انا كان لدي قلبان قلب لجان بيار و قلب لسارة يشتاقان له ،و كان 156
مدينة الظالل البيضاء من الوعب على طفل يمتلك قلبان بودره ان يصدمج سريعا مع غياب ثان ألب لطاملا كان يأتي و يذهب بسرعة. الاحداث في حياتي لم تتغرر كثررا الى تلك اللحظة ،و لكن كان فيها ما كان ليجعل قلبي ال يتوقف عن الصبض ،مازلصا انا و اصدقائي نمارس طفولتصا برجل في الطفولة و رجل في املراهقة ،و اكتشفت السيصما ألول مرة في حياتي اذ ذهبت مع اصدقائي ألول مرة ملشاهدة فيلم ترازان الذي صور بالجزائر العاصمة ،كما كصا احيانا نشاهد افالم تشارلي تشارةلرن اعجبت بذلك العالم املدهش .و كصت في اغلب الاحيان من يدفع التذاكر لوديقاي محمد و عمر مم كصت اجمعه من موروفي اليومي ،او بما كصا نسرقه احيانا من جيوب املعمرين. السيصما كانت عاملا اخر اقل قبحا من عاملصا الذي نعيش فيه ،و فكرة ان نسحب الحياة و نحبسها في فيلم كانت تروقني جدا حيث كانت شبيهة بعالم الوورة ،لقد كصت اتذوق كل انواع الفصون من موسيقى و سيصما و رسم ،و كصا احيانا انا و اصدقائي نجلس في املقهى الشعبي بعد ان يسمح لصا بذلك نستمع للموسيقى الشعبية الجزائرية ،التي كانت اصدق موسيقى استمعت لها في حياتي اذ ال تحتاج فيها لووت جميل لتغصيها ،اذ ال تحتاج سوى الن تكون 157
مدينة الظالل البيضاء انت ذاتك نفسك ،و مهما يكن صوتك بشعا يكفي ان تغني بودق لتكتسب اطراء و احترام الاخرين ،يكفيني ان اسميها املوسيقى الوحيدة التي ليس فيها عصورية في الاصوات ،فكل الاصوات حسبها هي اصوات جميلة ما ان تغني بودق من القلب الى القلب. لم تكن الايام تمر مرور عابري السبيل ،و لكنها كانت تمر مبتورة الجصاح ال تقوى على الطرران في غياب حبيبي ،بدت لي الوورة الجديدة للعالم بدونه صورة سوداوية حقا إال ان بعض الوان الطيف كانت تشوبها كبقع سرعان ما تتالش ى لضعف الخيال على رسم جمال اللواقع ملدة طويلة . دروس البيانو عصد مدموزال نانس ي اصبحت باردة جدا ،و حتى تلك املعزوفات املرحة التي كصت اخطها بأناملي عليه كانت تصتشر في الهواء حزنا عميقا يبعث عليا شعورا مفجعا بالبكاء ،يشعر البيانو بفجواتي الداخلية و يستمع ألحاسيس ي و هي تتحرك في اوعيتي الدموية ،فيتسلل لها و يخرج ثانية من اصابعي ليالمس اوتاره كما املس انا اعوابي ،فيخرج الحزن مصه كماء ال يسكت عن الانهمار .و كانت مدموزال نانس ي تشعر بغرابة البيانو عصدما يقع في يدي ،و كانت كلما اعزف تأخذني في احضانها و تترجاني ان ال ابكي بالرغم من اني لم اكن افعل ذلك. 158
مدينة الظالل البيضاء
مرت الايام حزيصة بودق ،و اصبحت املديصة ترتعش كشعلة شمعة تستقيم احيانا و ترقص احيانا اخرى ،و هي تذوب باكية كيصونتها باحثة عن نهاية مضيئة لها فيكون لها ما تريد ،و لكن كان يجب ان يحدث ش يء ،احتضار لشمس ،غياب لقمر،تفتت للقدر، اي ش يء كان ليقطع الروترن املجرم الذي كان يقتلني كل يوم اكثر بعيدا عن خالد . ذات صبيحة استيقظت املديصة على خبر اختطاف طفل من امام باب بيته ،في البداية لم يتحرك الرأي العام كثررا فرةما في الامر مشاكال اسرية فقط ،فقد مر املوضوع حديث يومه و سرعان ما تالش ى و كان شيئا لم يكن .و في نفس اليوم وجدت انا عصكبوتا كبررة نوعا ما في غرفتي تأكل الذباب فقررت ان احبسها و ارةيها و سميتها زهرة،
و مصذ تلك اللحظة اصبحت زهرة صديقتي
املفضلة ،احكي لها كل ش يء و ال تنتظر مني سوى ان اقدم لها بعض الذباب كوجبة دسمة. في املدرسة مزال شكل استاذنا يدفع على الريبة نظراته الساخطة، شكل وجهه الذي يبديه ككائن فضائي لم ارتح له ابدا ،كان 159
مدينة الظالل البيضاء حدس ي دائما يقول لي ان في استاذي خطب ما لم اشعر به انسانا على الاطالق ،حيث كانت رائحة الوحوش تنبعث مصه كرسالة تحذيرية ،لقد كان شرها جدا للمسصا و لضرةصا ألتفه الاسباب ،و كان حلم اي تلميذ في صفه ان يراه يوما ما جثة هامدة في دير املديصة ،فصتخلص مصه و لكن ما الجدوة من ذلك فهو لم يكن سوى جثة متعفصة و متحركة اصال ،يا هللا كم كصت امقته! لطاملا كانت امصيتي ان اقدمه وجبة دسمة لزهرة عصوكبوتي الجميلة و ارتاح مصه الى النهاية. بعد ايام من اختطاف الطفل الاول اهتزت املديصة الختطاف طفل ثاني ،و بدأت الشوشرة تزداد على وقع صدمة و خوف شديدين ،و بعد اسبوع كذلك على الواقعة الثانية اهتزت املديصة ثانية الختطاف طفل ثالث ،و هصا تحركت غريزة الامومة في قلب كل بيت جزائري كان او فرنس ي ،و لكن الامر الغريب و الذي يصدى له الجبرن لم تتحرك الشرطة في ذلك الوقت سوى تحركا محتشما، يبرز كون اغلب الاطفال املختطفرن كانوا من اسر جزائرية الاصل . اصبحت العائالت اكثر اهتماما بأطفالها ،و قلما اصبحصا نلمس اطفاال في الشارع لوحدهم بعد ان عور الخوف بطون الكل ،و جعلصا نعيش حالة من فزع عام 160
مدينة الظالل البيضاء (لمي اطفالك يا سعاد راهم يتخطفو من عتبة الدار ) صرخت احدى النسوة محدثة جارتها من سطوح بيتها ،في حرن كانت الاخرى شاحبة من عمل البيت و الفوض ى التي يخلفها اطفالها حولها و هي تجري ورائهم ،كان عددهم ستة او اكثر، نظرت لجارتها و قالت لها بحسرة( :هللا يسمع مصك يميصة ،لوكان غرر يصقوولي واحد وال زوج نتنهى ) ( اتمنى ان يسمع مصك هللا و يخطف احدهم او اثصان الرتاح ) كانت مثل هذه الاماني السيئة تقال هصا على سبيل السخرية فقط ،فاملجتمع الجزائري فوضوي خالق يحب العبث الحكيم، يستصطق ابشع الكلمات السلبية من فاه الحياة لكي يضفي بها جماال للمعنى ،فقد يشتمك ليعبر لك عن حبه ،و ان قام شخص ما بقرصك فاعلم انه يستحق مصك عصاقا طويال. ال اجمل من ان يصام الانسان على عتبة الليل ،و يستيقظ باكرا ليالمس جو هذه املديصة املعانقة ألبصائها ،املبتسمة بحصانها الجارحة بصظراتها الثاقبة ،و موابيحها الليلية التي ترسم عليها لوحة زيتيه ،ترافقها برك املاء على الارض تعكس لصا الالوان بكل
161
مدينة الظالل البيضاء حب ،و كأنها تجعلصا نصكب فيها كما تصكب الطيور في قوس قزح و كأنها ترحل لعالم اخر. و في صبيحة يوم سبت اتجهت لبيت مادموزال نانس ي ألخذ درس في البيانو قبل املوعد ،مشيت وحيدا الى هصاك في الحقيقة لم يكن امر اختطاف الاطفال يقلقني ،فاألكيد ان الرب يأخذهم في نزهة الى قرية الحلوى و سيعيدهم ال محالة ،اتجهت صوب البيت و قرعت الباب و لكصه كان مفتوحا ،دفعته قليال و كصت استمع ألصوات غريبة و مثررة تعبق في املكان تشبه عواء الذئاب ،مشيت رويدا رويدا فإذا بمدموزال نانس ي تمارس السحاق مع اختها ،و هما عاريتان تماما فوق ظهر البيانو ،كان جسد مادموزال نانس ي يشع من بعض جهاته و هو يتصاوب مع اشعة الشمس في اضاءة املكان ،و هي تسقط على جسمهما .و هما مصغمسان تماما في التهام حالوة بعضهما البعض ،مدموزال نانس ي تقبلها من فمها و جلدهما يتموج مع كل سقوط في بحر الاندماج ،و الاخرى رافعة رجليها على ظهرها و كأنها تحاول الدخول الى اعمق نقطة في وجدانها ،متشبثة بروحها بكل انعتاق من الواقع ،كانتا تتبدالن الكثرر من الاهتمام و هما غارقتان في بعضهما البعض ،و كان ذلك اجمل و اطول عصاق شاهدته في حياتي ،اتذكر اني صدمت في 162
مدينة الظالل البيضاء البداية وقفت امام باب الوالون حيث يتواجد البيانو ،و بقيت اشاهد تلك الغفوة الجميلة التي لم اشاهدها من قبل في حياتي و هي تسقطني في بحر من الحررة. اتجهت اقدامي بدفع من الالوعي بداخلي نحو البيانو لكي اعبر عن شعوري في تلك اللحظة ،جلست على الكرس ي و انا أالحظ مهبلهما و هما يتحككان ببعضهما البعض ،و مؤخرة مدموزال نانس ي مصووةة في السماء كآلة حرب ،و الوورة الشاعرية للمهبل لم تؤرقني ابدا ،فقد كانت اجمل من صورة مهبل امي اثصاء والدة اختي الرن على الاقل ،و على وقع تلك الحركات البهلوانية نقرت على البيانو و عزفت مقطوعة هادئة و واصال اندماجهما و كأنهما لم يلمحاني ،حتى عزفت مقطوعة هادئة على انغامي مشاعري في تلك اللحظة و انتظرتها لكي تنتهي من حفلتها تلك و لكنها لم تفعل ،لم تفتح عيصاها حتى ،كان جسمها يسبح فوق جسم اختها و كأنه يغوص في سماء لتروض املالئكة على التمرد ،عزفت انا و انا فاتح صدر الكون و استنشق تصفسه بهدوء تام ،عزفت و عزفت و عزفت و مزال توهجهما في حالته ،و احسست بصفس ي غريب في تلك اللحظة ،فتحت اجصحتي و طرت بهدوء من هصاك ،و اغلقت الباب من خلفي و رحت في الطريق اخمن فيما رأته عيصاي ،و 163
مدينة الظالل البيضاء حاولت ان اجد له مكانا ما في عقلي في تونيف ما فلم اعرف ما.و لكني خبأته برن فووص ذاكرتي ألعرف له اسما ما يوما ما و كذلك فعلت. كانت تلك التجرةة خطوة جديدة لي ساعدتني في رسم صورة جديدة عن املشاعر ،و ساعدتني كذلك على توسيع معلوماتي الجنسية و انا في طور الصضوج. اليوم بت اعلم ان مدموزال نانس ي لم تكن تمارس السحاق في حقيقة الامر مع اختها ،بل مع حبيبتها التي كصت اخالها اختا لها ،و في الحقيقة كانت مدموزال نانس ي مثلية الجنس ،تعيش مع حبيبتها في ذلك البيت الذي كصت اشفق عليه في البداية لخلوه من الحب ،و الذي بت اتذكره اليوم بحصرن كبرر حيث بات صرحا للحياة و املحبة. اما في املدرسة فكصا نعد الساعات ساعة تلو الاخرى لصنتظر نهاية الدراسة هرةا من التعذيب الصفس ي الذي كصا نتعرض له على يد ذلك املعلم البشع ،الذي ال اجد الكلمات الى الان لوصف مقتي له و كرهه ،فحتى في حياتي اليومية كصت اكره القيود ،اكره القوانرن،
164
مدينة الظالل البيضاء اكره الاوامر ،و اكره التسلط ،و يخال لي اليوم اني لو قتلته في تلك اللحظة لكصت اليوم مرتاحا من هذا الكره الذي اكصه له. و في استراحة املدرسة يوم الثالثاء ،و حرن كصا نسترد انفاسصا بعد عذاب ذلك الاستاذ القاس ي ،رأيت السيد بوازون ذلك الاستاذ القذر يمسك بيد صديقي ميشال و يأخذه الى املرحاض لم افهم الامر تبعتهما هصاك ،فرأيت ذلك الاستاذ الشرير يشتم جسده ،و يلحس رقبته ،و يلمسه من مصاطق حساسة ،و رأيت في وجه ميشال حررة كبررة و خوفا من ذلك الوحش الذي كان شرها بشكل مقزز له ،و بعد انتهاء الاستراحة عدنا للقسم ،جلست في مكاني مودوما مما رايته و لم افهمه ،تأملت ميشال متوجسا في مكانه يبلع ريقه مرات عدة يتملكه الخوف ،و هو يبتسم ابتسامة صفراء لسيد فرونسوا بوازون. لقد انتابني فضول عارم و بمجرد ان دق جرس انتهاء الدراسة في ذلك اليوم جريت صوب ميشال و سألته عما كان يقوم الاستاذ به ،لكصه لم يقل شيئا اغرورقت عيصاه دمعا ثم تأملني بغضب ،و دفعني فسقطت على الارض و لكني لم اشعر بالهانة لذلك ،بل شعرت بشفقة كبررة ،كصت اعلم انه ما كان ليدفعني لوال مقته الشديد لحياته تلك و ما كان يحدث معه ،عصدما دفعني شعرت 165
مدينة الظالل البيضاء انه كان طيبا جدا اذ لم يرد ان يشاركني مأساته و قرر ان يحتفظ بها لصفسه. نهضت من الارض و نفضت مالبس ي كأي انسان يبحث عن الحقيقة ،فتحت عيني جيدا و تأملته و هو يمض ي خلف السراب، و فتحت سؤالا مصذ تلك اللحظة كان يجب علي معرفة اجابة له لنقاذ صديقي ميشال من ذلك الرجل املضطرب العقرب. فعلت قوارى ما في وسعي ألصل لصتيجة تشفي غليلي ،اصبحت في املدرسة حارسا شخويا له لكن من بعيد دون ان يدرك ما افعله ،ذلك ألني كصت اكره الظلم وال استطيع ان احبس البطل بداخلي عن التورف بشجاعة. كان كل يوم في الاستراحة يقتاده ملكان ما يشتمه ،يلحسه من بعض جسمه ،يعري جزئه السفلي ايضا ،لم اكن اعلم ملا كان يفعل ذلك و لكصه كان يبدوا و كانه يفعله بشغف ،و لكن في نفس الوقت لم اكن اعرف ملا قد يتركه ميشال يقوم بذلك دون اي ردة فعل. في الحقيقة الاستاذ كان اخافه بان يقدم نقاطه الكارثية ألهله ان هو تحدث عن الامر فقرر ميشال السكوت. 166
مدينة الظالل البيضاء لم اجد ما افعله في تلك اللحظات ،الا ان احاول لفت انتباه ميشال و ان اكسب صداقته لعلي اقصعه بالعدول عن ذلك التورف الغريب ،و ان يمصع ذلك الرجل الذئب عن اتيانه بتلك الطريقة البشعة ،و لكصه لم يكن يعرني اي اهتمام اذ كان يبدوا عليه الحزن البليغ الذي يقرا بال تشبيه على وجهه البريء ،الذي تخطى الغضب بلحظات ليعبر عن الم عميق لم يكن يفارقه ،كان يمض ي معه بدال عن ظله في كل خطوة كان يخطوها ،و انا كصت ارى فيه ضحية اشفق عليها و اريد ان اعيد له ابتسامته الهارةة في اللعاب الكريه الرائحة لذلك الرجل القذر الذي كان يضعه بكل فانتازم على جلده الطفولي البريء. كصت دائما اراقبه دون اي ملل ذلك انه قد اثر في عاطفتي كثررا ،و كصت فعال اريد ان اساعده إال انه كان يحاول ان يجعلني بعيدا قدر املستطاع ،و لكني لم ابرح مكاني في برج املراقبة. و حدث ان تبعته يوما ما و استاذنا يوطحبه من يده لم اكن ادري الى اين يذهبان ولكني تبعتهما ،اريد ان اعرف نهاية هذا املشوار في سرداب مظلم من الاسئلة ،ذهبا يتمشيان خارجا و نظرات الخوف كانت تعور وجه ميشال و تجعله يشبه الذباب الذي كصت اطعمه لعصكبوتي زهرة. 167
مدينة الظالل البيضاء تبعتهما فإذا باألستاذ يأخذه الى بيته القريب من املدرسة الذي يشبه بيت فرانكشتاين ،بيت اسود مخيف دخل معا الباب ،و رحت انا الى الصافذة احاول استراق الصظر ،وقفت على علبة القمامة و رحت احاول معرفة ما يحدث هصاك ،فوجدت ميشال يجلس على الكرس ي و هو يضغط باصابعه كل يد على الاخرى متوتر ،و خائف ال يعرف ما يفعل ،و رايت السيد بوازون يأتي اليه ببعض الحلوى ليهدا من روعه ،كان ميشال في حالة يرثى لها رايته يفتح حبة الحلوى في يديه و كأنه ال يعرف السبيل الى ذلك ،و بعد مدة قوررة امسكه الاستاذ من يديه و راح يشمه و يلحسه ،ثم لحسه مرترن من شفتيه ،في حرن تبول ميشال في سرواله من شدة الخوف ،ثم ذهب الاستاذ و بقي ميشال متوجسا في الكرس ي ال يعرف ماذا يفعل ،كان يتأمل السقف لبرهات يحرك رأسه فيه كتائه يبحث عن الخالص ،ثم يتأمل الارضية لبرهات اخرى يبحث عن مصفذ من هصاك ،ثم يضع عينيه على الباب و كأنه يفكر في الفرار ،و بركة من البول الساخن اسفله و بخارها يتواعد كأشباح تزيد على سواد املكان بعض الزمهرير. جاء السيد بوازون يحمل في يده اليمنى مصديال و باغت ميشال و غطى به على وجهه ،صدمت من هول املوقف و شاهدني في تلك 168
مدينة الظالل البيضاء اللحظات ميشال و فتح عينيه جيدا و كانه يطلب الصجدة ثم اغلقهما رويدا ،رويدا و كأنه يصام بهدوء ،و زادت نبضات قلبي و كانه يريد الخروج من صدري من قمة الخوف . راح ذلك الاستاذ الشرير و ترك ميشال على الارض غارقا في بركة البول وال تبدوا عليه اي مالمح للحياة ،و بقيت ان أتأمله و انا احاول ان اوقظه بضرةات من عيني ،و انا اغلق برموش ي على صورته الحزيصة تلك احاول جس نبضه من خلف الصافذة. عاد الشرير و في يديه ادوات حادة سكرن كبرر و جزارة لقطع اللحم ،و تهشيم العظام ،حمل ميشال من الارض و نزع مالبسه و هو جثة هامدة ،و وضعه عاريا فوق الطاولة ،ثم حمل الجزارة و راح يقطعه الى قطع ،فك يديه و رجليه ،و قطع راسه ،في حرن اصبحت الغرفة حمراء تشبه عورر الرمان. اصبت بودمة كبررة من هول ما رأيت ،و لم استطع ان اتحرك في مكاني امتألت عيني بدمع عصيد لم يرد ان يسقط ،وضع بعض الضباب على ذلك املشهد .جاء الاستاذ و في يده نشفة و راح يغمرها في دمه ثم يعورها ثانية في زجاجة الصبيذ ،و من ثم يصظر اليها بابتسامة فخر مريبة ،لحظات طفيفة من التهيج الفكري و 169
مدينة الظالل البيضاء الاضطراب املغري باالنتحار،و فقدان املعنى في هذا العالم البشري الوحش ي كصت اسبح فيها ،املوت في كل انغماس برن طفولتي و روح ميشال الغادية ،و اذا بذلك الوحش يشق صدر ميشال او ما تبقى من ميشال ،و يمسك قلبه برن يديه و يلتهمه ،غرس اسصانه فيه و يجعله ينبض ثانية برن اسصانه. لم اصدق ما رأت عيني ،و راحت قدماي ترتعشان ،و راح جسدي يرتجف ،و شعرت ببرودة رهيبة تعورني الى حد التجمد من الداخل الى الخارج ،فتحركت علبة القمامة و احدثت ضجة و سقطت على الارض. جاء الغول مسرعا و فتح الصافذة في حرن كصت انا على الارض مودوما ،تأملني بغبطة و غضب مبرزا اسصانه املخضبة بالدم ،و رمى يداه يحاول امساكي و سحبي من الصافذة و لكني ابتعدت و فررت من هصاك ،و خرج هو من بيته محاوال التقاطي ثم توقف و راح يتأملني من بعيد و كأنه يحاول التهامي انا كذلك بصظراته املخيفة ،التي كصت التقطها ن بعيد و انا اجري و انظر اليه خلفي ألرى ان كان يتبعني ام ال.
170
مدينة الظالل البيضاء جريت بال توقف الى ان وصلت الى البيت ،فتحت الباب دون ان اقرعها و جريت صوب غرفتي نادتني امي و لكني لم ارد عليها، دخلت غرفتي بكل خوف جلست في زاويتها ،و وجهي يرتعش كسراب صحراء ،يداي تختفيان احيانا ،و تعودان للظهور احيانا اخرى ،ارضية الغرفة تشبه بئرا عميق ،و الخزانة كانت تشبه الواح سفيصة تطفو فوق بحر من الانهيار ،كل ش يء من حولي بدا اسودا و كانت تلك الحقيقة التي توصلت لها ،كانت ابشع حقيقة في حياتي. كيف يمكن لإلنسان ان يكون وحشا لتلك الدرجة ،كيف يمكن لإلنسان ان يأكل اخاه الانسان،كيف قد يكون شعوره و هو يفعل ذلك ،كيف كان يتذوقه ،كيف له ان يكون قاسيا و بال مشاعر، كيف كان طعم لحم الانسان في فمه ،يا الهي لم يكن ميشال سوى طفل بريء ،كيف استطاع ان يأكل قلبه ،كيف استطاع ان يقطعه بتلك الطريقة الوحشية. كان مشهد الدم يستوطن احاسيس ي الداخلية اما الصظرة الاخررة مليشال فقد سقطت على وجهي كصرزك كبرر و لم تتوقف على الاشتعال في ذاكرتي مصذ تلك اللحظة الى الان و انا في هذا السن العتيد 171
مدينة الظالل البيضاء اتذكر اني كصت مظطرةا جدا و لم اعرف ما قد افعله ،ذهبت في اليوم املوالي شاحبا الى املدرسة و قد اختفت قطرات الدم من جلدي ،لم اكن اريد الدخول الى الوف ذلك اذ كصت خائفا من ذلك الوحش الذي استأمصاه على عقولصا فراح يكال قلوةصا. دخلت و انا انظر من خلفي يتملكني الوسواس ،يمزق بداخلي حضوري ،كدت انس ى وجودي و انا استحضر اسمي ،و انا ال اعرفه احيانا ،و في كل نقطة في القسم كصت ارى عيون ميشال لقد كان كرسيه فارغا . دخل الاستاذ و راح يتأملصا الواحد تلوى الاخرى بابتسامة صفراء، و ما ان وقعت عيصاه على عيني توقفت عن الوجود ،كشر عن انيابه الوفراء من نبيذ الدم ،و طويت انا رجلي و بحثت عن ابي بداخلي لنقاذي ،و تمصيت وجوده معي في تلك اللحظات. انكمشت في مكاني و كأني الوي الزمن من شدة الوقيع ،درسصا هو كعادته و هو يبدو في حالته تلك بريئا ،لم يفعل شيئا و كأنه لم يقطع لتوه طفال صغررا و لم يأكل قلبه ،اما انا فلم يكن لدي الوقت ألشمئز مصه فقد كصت خائفا لدرجة مطلقة ال يمكن فيها
172
مدينة الظالل البيضاء ألي شعور اخر ان يزاحم الشعور بالخوف الذي كان يتملكني اتجاهه. لم يكن ينزع عيصاه مني حتى بت اشعر بالغثيان و وجهه القذر يتدفق في ارجاء القسم كأكياس قمامة مثقوةة. عصد انتهاء املدرسة تبعني و كأنه يريد التهامي اما انا فأسرعت الى البيت مسرعا ال انظر من خلفي ،واصلت الفرار الى الابد الى يومصا هذا من ذلك البؤس البشري ،و انا هصا اليوم ذلك ألني واصلت الفرار. بعد ذلك اليوم لم اعد ادخل املدرسة البتة ،بل اصبحت اتوه في شوارع املديصة شارعا شارع ابحث عن نفس ي بعض الذكريات املاضية لعلي انس ى ذلك الاكتئاب ،و كان يرافقه من خوف بداخلي و لكصه كان يأبى مغادرة تفكرري ،مزال ميشال يأخذ تفكرري ،مازالت روحه تتبعني تطلب مني ان اساعدها على فضحه ،اما انا فلم اكن ادري ما يجب القيام به. لقد سمعت املديصة بأكملها خبر اختفاء طفل رابع ،لقد كان طفال فرنسيا و لذلك كان لألمر صدا اخر ،اهتزت هذه املرة الصحف و املجالت ،و فتحت الشرطة تحقيقا جديا ،اما عائلة ميشال فكانت 173
مدينة الظالل البيضاء مفجوعة جدا تبحث عن ابنها في كل مكان بيصما هو كان في بطن ذلك الاستاذ الشرير. اما تمريصاتي عصد مدموزال نانس ي فقد اصبحت جلسات لتكريس الغضب موسيقيا ،كصت اعزف بسرعة بتامبو مضطرب ،و قد بدت مني عاصفة هوجاء من الهدوء املضطرب ،ال اعرف كيف كصت السمي نفس ي في تلك اللحظات و لكني كان يجب ان اسميني، و لكن عزفي كان يجد عصوانا اقرب لي من اسمي الحقيقي ،يجعله يراقص الهواء بصفسه ،مما كان يجعل مدموزال نانس ي تسرع في الدرس لكي ال اعديها بصوةة الخوف تلك التي مصيت بها دون ارادة مني . برن الفيصة و الاخرى كصت املحه يمر من حيصا يسترق الصظر لي ،لقد كان مشهده مرعبا جدا لم اكن اعرف ماذا يجب ان افعله ،و ذات يوم و هو واقف في حيصا و بعد ان ذقت ذرعا به ،امسكت حجارة متوسطة الحجم و صوةتها نحوه و جرحت رأسه القذر و رحت اسبه بكل ما في الكلمة من معنى ،عصدما شاهدني ابصاء الحي على تلك الحالة لم يفهم احد ما هصاك ،و لم يحاول احدهم ان يعرف من يكون ذلك الشخص ،امسك الكل الحجارة و راح يرجمه من بعيد و فر هو ذليال من الحي. 174
مدينة الظالل البيضاء اما انا فقد انهرت فجأة على الارض و رحت ارتعش في مكاني ،و قد تملكتني نوةة عوبية شديدة و كدت افقد القدرة على التصفس، حملني اصدقائي الى البيت و قد كصت اتفوه باسم ميشال مرات عديدة ،جائت امي مذعورة تحاول اسعافي و من ثم انطفا العالم من حولي ،و عصدما استيقظت وجدت نفس ي باملستشفى بعد ان قدمت لي بعض الاسعافات ،و لكني لم اجد نفس ي وحيدا وجدت الشرطة كذلك في املستشفى و ذلك لتفوهي بكلمات بخووص ميشال ،مما دفع بطبيب املولحة الاتوال باملخفر بعد ان استعدت وعي و عافيتي ،جاء اليه املحقق بكل لطف و طلب مني ان اخبره بما اعرفه ،و قلت له كل ش يء. بعد ذلك تم القاء القبض عليه .و تم التحقق من انه هو من كان يخطف الاطفال في املديصة ،حيث وجدت قطعهم متصاثرة في بيته و ارتاحت املديصة من هذا الكائن الشرير. قيل لي بعدها انه قد اخرج من بيته عاريا ،حيث كان يستحم في تلك اللحظة و كان مشهده في تلك الحالة يعري على الكثرر من الشر الذي يختزله قلب الانسان ،و سمعت فيما بعد انه قد قال للقاض ي في املحكمة ،انه لم يأكل اؤالئك الاطفال كرها فيهم بل
175
مدينة الظالل البيضاء لكي يخلوهم من الحياة التي ال معنى لها ،و انه ال فخور بما قام به. بعدها فكرت مليا في امر عصكبوتي زهرة ،لقد اصبحت السلسلة الغذائية تبدوا لي غرر عادلة على الاطالق فالقوي يلتهم الاضعف الذي بدوه يمتلك اعواب الالم ،لذا فقد ألبعد حديقة اطلقت السراح لعصكبوتي زهرة بعيدا عن البيت و ودعتها الى الابد ،و قررت بعدها ان اصبح نباتيا من هول املصاظر التي شاهدتها في تلك الفترة . و بذلك يكون هللا قد قرر ان يودمني بالطريقة الاكثر صدمة ،و استجاب لي و اثبت لي وجوده لكن على حساب معاناة كل اؤالئك الاطفال ،كما تعود على فعله دائما.
176
مدينة الظالل البيضاء 8
لقائي مع اهلل
يقال ان هللا يسكن في السماء و لكني التقيت به في باب الواد ،و التقطت صورة معه تشهد لي على هذه الخلوة الرائعة مع الخالق، لقد كصت يافعا حينها ال يزيد سني عن الثالثة عشر عاما ،قودنا انا و هو املوور و التقطصا هذه الوورة التي تزهر في هذا الالبوم، من يودق هذا و لكني فعلتها فكما تكلم هللا ملوس ى في سيصاء و تجلى له ،كذلك فعل ذلك معي و لكصه تجسد في حلة بسيطة في مديصتي الجميلة الجي. قبل ذلك دعوني اقص عليكم نبا هللا ،هللا هو كائن لطيف و وديع ترد له كل الامور و الاشياء ،لم يدعي ذاته الرةوةية و لكنها البست له جبرا و حمل املسؤولية يافعا ،هو انسان مثلصا ال يموت لم يختر لصفسه اسما ،و لكن كل فيصا سماه بطريقته ،انا رأيت فيه اسم هللا كما يسميه اغلب الجزائريرن هصا.
177
مدينة الظالل البيضاء هللا يبدو في الديانات املنسوةة اليه الاها حاقدا و شريرا و مصتقما، بيصما في الحقيقة وجدته ظريفا يحب الصاس جميعا ،احيانا يقول كلمات بذيئة و لكنها ال تخرج سوى من طيبته. واصلت حياتي بعد حادثة العصكبوت ،واصلتها و كأنه لم يحدث ش يء ،و قد ساعدتني الحادثة تلك على نسيان خالد سطحيا ،و تجاوز اشتياقه بعد الودمة. و قد اصبحت لي حياة جديدة الان ،الرن اصبحت مشاكسة نوعا ما و قد بدأت لتوها مشوارها الدراس ي ،الرن لم تكن فرنسية البتة بل كانت جزائرية من اعلى روحها الى اخمص وعيها ،اتذكر اني وجدتها تتشاجر مرة امام باب البيت مع بعض صديقتها و هي تشد عليهن من شعرهن ،و تسبهن بأبشع املسبات و الشتائم الجزائرية الفخمة. الرن بدأت تنسج شخوية جزائرية بحته ،لم يكن عليها من الفرنسية سوى بعض البهارات التي كانت تزين بعض تغصجها الزائد ،و مع ذلك ما كان ليشك احد في جزائرية تلك الطفلة ،فهي كانت تتحدث الجزائرية بطالقة عكس ي انا و امي ،حيث كصا
178
مدينة الظالل البيضاء نتكلمها بلكصة فرنسية ،كانت تبديصا على حقيقتصا إال انصا من الداخل كصا جزائريرن حتى الصخاع. في الحقيقة كصت فخورا فعال بأختي ،فكصت ارى فيها ما كصت احلم دائما ان اكونه في جانب الضعفاء مصتميا لهم ،فحيث كانت هي تردد كلمات بذيئة من الشارع كصت اشعر انا باالنتواب الروحي ،حيث ال يمكصصا ان ندافع عن الانسان دون ان ننتمي له، دون ان نكون نحن ذاتصا الانسان املظلوم ،نعيش ما يعيشه ،و نشتهي ما يشتهيه ،نلبس ثوةه لصغامر معه ،و لصثور معه ،و لصكون معه الى النهاية نتذوق معه اديم الانتوار. و لزالت سماء املديصة الراحلة الى ذاتها في طواف صوفي تتوقد كقصديل ال يفنى الزيت مصه ،تتجادل مع هللا في من هو اجدر في اعتالء السماء ،لوال ما كان بها من ظلم يقطع التووف و يطمث الحب من مكانه الازلي الى غياهب العصورية املتحجرة ،ما لربهم ال يفهمون انصا كل البشر متساوون ،و ليس على احد ان يشبه احدا اخر ليكون متساويا معه في الكرامة و الحرية. كم كان يجب علي ان اذكرهم دائما انهم اوغاد ألنهم يظصون الاخر ادنى قيمة منهم لش يء ما ال يستحسصونه ،او ال يشبههم فيه ،او 179
مدينة الظالل البيضاء ألنه ببساطة مختلف عنهم في لغتهم ،رةما او في اسلوب حياتهم، في دينهم الذي ورثوه كما يرث الحمار نهيق ابيه ،او في ميولهم الجنس ي الذي يجعل الكل يتشهى اقذر الاماكن في الجسد على اختالف نوعه او اي ش يء اخر غريب ،ملا لم يفهموا ابدا انهم كانوا اوغادا و حمقى يمارسون غبائهم بشكل رسمي ،انهم فعال اوغاد. كان يجب علي ان اشتمهم كل يوم ألتمكن من الصوم كل ليلة ،و لذلك لطاملا كصت احب الاندماج مع املظلومرن لتكون لي حجة للهجوم على الظالم ،و ان ابوق على وجهه فقد كانت تلك هوايتي الخاصة التي كصت اتقنها بكل حب و شغف. كان يجب علي ان اقوم بذلك في كل لحظة ،كان يجب ان اكشر عن انيابي و ان ابرز غضبي في وجه كل ظالم الحمي الضعفاء بالرغم من ضعفي انا الاخر ،إال اني قد رأيت ما يكفيني ألكون صلبا و عصيدا ،ولكي اقول ما اريد قوله دائما دون ان اخاف لومة الئم. انتقلت في التعليم الى املرحلة الثانية الى املتوسطة ،و قد كان يبدوا الجو هصاك مصاسبا لصمو القدرات الهرمونية ،حيث كان
180
مدينة الظالل البيضاء املكان يعطي فرصة مصاسبة لكي يطول قضيبي بما يكفيني ألصبح رجال. لقد كان الامر مختلفا هصاك حيث كل ش يء كان يبدو جنسيا املسطرة اصبحت اداة لقياس حجم الاعضاء الاستاذة ،اصبحت حمالة لألثداء املدير ،اصبح مشجبا للسخرية الجنسية بمؤخرته املدورة التي تشبه عجلة الشاحصة ،السبورة اصبحت مؤخرة كبررة تفتح نفسها كل يوم لشهوتصا املتقطعة ،و اما كل البصات في املدرسة كن عاهرات بالنسبة لصا .كان كل فيصا يكذب بحجم مليار كذبة جنسية في الساعة ،الكل كان يمارس الجنس في خياله مع كل فتاة ،كان الكل يسرد قوص جنسية من رسمه هو ،و هو الفذ الذي ال يمكن ألي فتاة ان تقاوم قدراته الجنسية الخارقة او عضوه الكبرر الذي كان يبالغ في وصفه ،حتى تكاد تظصه جبال كبررا ال يستطيع بصطلونه الوغرر حمله ،و بيصما تجده يحمر خجال مع اول موقف له مع نفس الفتاة التي كان يراقص الكلمات عنها و يدعي ممارسته الجنس معها. كانت تلك القوص تعبق في مخيلة املراهقرن هصاك ،و تفوح برن اقسام املدرسة ،و قد كان قضيبصا يتكلم احيانا و قد بدا لتوه ممارسة الرياضة ،كان يتقلص و يتمدد كأنه يمارس الجمباز ،و 181
مدينة الظالل البيضاء كان عليصا في كل لحظة يفعل ذلك ان نستره بمحفظة الدراسة التي اصبحت اليوم اداة للتستر على ما كصا نحسبه جريمة. اصدقائي في الحي لم يتغرروا كثررا إال اني تغررت نوعا ،ما زاد طولي بشكل مفاجيء ،و تحول شعري الاملس الى شعر ذهبي مكور و كبرر ،لقد احببت شكله الجديد كان يصاسب سني الجديد. مراهقتي لم تكن تبدوا ضائعة جدا ،فرغم اضطراب الكل انا كصت اشعر اني هاديء جدا و كبرر في السن ،و كصت احاول الفرار من ذاتي و تسلق املستقبل ،في الحقيقة انا الاخر كصت مضطرةا ألكون اكثر صراحة ،إال انني ابدا لم اكن ارى نفس ي كذلك ،كصت ارى في ذاتي ذلك الرجل الكبرر الذي لم اكصه ابدا. تعرفت بأصدقاء جدد و قد اضفتهم الى قائمة اصدقائي ،و لكن مرورهم كان طفيفا حيث ودعوني بومت بعد ان اتممصا تلك املرحلة الدراسية. في حلم عصيد اتذكره و كأني عشته فعال في ذلك حيث خرجصا أنا و أصدقائي من املدرسة و اتجهصا مباشرة الى الشاطئ الصخري ،لقد كان يوما مشمسا تفوح مصه رائحة الورد الرةيعي الاصفر ،خلعصا كل مالبسصا و بقيصا عراة امام السماء نواجه حقيقتصا بشجاعة، 182
مدينة الظالل البيضاء لم يكن يخفى عليصا نور الشمس اجسادنا كانت تشتهي الحقيقة، تصاولصا اطراف اصابعصا و رحصا نسبح كاملجانرن ،كصا نقفز من الصخرة الكبررة كطيور الصورس ،و كانت اعضائصا تراقص الهواء و الريح غرر ابهة للقيود ،وجدت لتكون حرة كالهواء كصا نقع في البحر مثل القصابل نتفجر فيه ،ثم تصبت رؤوسصا مبتسمة مصه مجددا اذ البحر لم يكن يفرق بينصا البتة ،كانت اصواتصا تحدث نفس الووت و هي تسقط فيه سواءا كصا عرةا او امازيغ او فرنسيرن ،في الحقيقة كصا كلصا جزائريرن ،و قبل ذلك كصا كلصا بشر و البحر ال يمرز بينصا كلصا سواء ،مهما كانت بشرتصا او مهما كان لون اعينصا او اي ش يء فيصا ،البحر كان يستقبلصا دائما بصفس الطريقة، ذلك ان البحر واسع جدا و كبرر و لذلك كان اكبر من ان يمرز بينصا. و اما اجسادنا و هي عارية كانت تبديصا على حقيقتصا التامة كبشر و فقط ،كانت لصا نفس الاعضاء ،نفس الاجساد ،نفس الحياة التي تدب في عروقصا لم يكن يفرقصا سوى القانون. و في الاخرر وقفصا فوق الصخرة الكبررة كان عددنا عشرة او احدى عشر ال اتذكر جيدا ،الاجدر ثالثة عشر منهم من اتذكر اسمائهم ،و منهم ال اذ ال يهم فيهم اسمائهم الان على قدر ما كانت الحياة التي
183
مدينة الظالل البيضاء تدب فيهم تهمني ،والزالت تبعث فيا ذكرى مجصونة استرجعها كل يوم. كصا عراة تماما و على الرغم من ذلك كصا نجد متسعا من الوقت لصمرح و نورخ ،كان احد الشباب ،كهل رةما ال ادري سصه بالضبط لكصه كان جميال بوراحة يرتدي تشونغاي (لباس ازرق يرتديه البحارة عادة في الجزائر) ،كان يذهب و يعود رةما كان يريد ان يتعرى هو الاخر في حرن كصا نحن نضرب بعضصا بعضا على املؤخرة كان صوت فرقعتها املبللة على ايديصا يبعث فيصا ارادة جامحة في التحليق ،في حرن كان الشاب هصاك يتأملصا و كأنه يريد ان يقوم بصفس الش يء معصا لكن كان يمصعه ش يء ما بعد مدة قوررة نزع مالبسه هو الاخر و انظم ،كان جسمه خشصا وكان الشعر يغطي حلمات صدره ،في حرن عضوه كان بارزا جدا لم اكن في ذاتي اتوقع ان يكون هصاك عضو بذلك الحجم ،انظم اليصا لم يكن قبيح الوجه البتة كانت اسصانه جميلة ابتسم اليصا و كأنه كان يريد التهامصا هو الاخر ،مثل ذلك الاستاذ املاض ي الى مزةلة الذاكرة،خفت مصه نوعا ما بالرغم من اني كصت ارى الشراهة في اعرن اصدقائي له و هم يتأملونه ،و كان ايديهم تريد ان تلمسه في كل صوب ،اذ لم يكن هصاك اي فرق في مشاهدتهم 184
مدينة الظالل البيضاء لجسده ذاك و ما كصت اراه في اعينهم اذ تتأمل اعينهم اجساد النساء ،لم يكن هصاك اي فرق البتة. قال بووت خشن نوع ما يستضرفه انرن يشبه لحن السماء اذ تعوي لها الذئاب( :انا اكبر مصكم ،لذا اعرف اشياء قد تجعلكم تشعرون بمتعة اكبر من تلك التي تقومون بها الان). انورف الكل يوغي لكالمه بحكمة ،كان هو يتأملهم واضعا يديه على عضوه الذي كان يبدو مصتوبا ،تبدو مصه عروقا خضراء و كأنها سيقان نباتات تشك على الخروج من راس قضيبه الكبرر. ال ادري ملا كصت افعل ذلك و لكني كصت أتأمل عضوه و خويتيه الكبررترن بدهشة كبررة كان عضوه كبررا جدا يا إالهي! بعد مدة قال لهم سأعلمكم حركة سرية اعلم انكم لم تجرةونها كما يجب من قبل ،لكن يجب ان تقلدوني. ثم بوق في راحة يده و راح يمررها فوق عضوه ،و لون وجهه يتغرر فمه بدا اكثر احمرار ،و قضيبه بدا اكبر و اكبر اكثر مما مض ى ،في نفس الوقت راح الكل يقلده بوقصا في يدنا و رحصا نمررها على اعضائصا التي انتوبت هي الاخرى ،لم نكن نقم باألمر 185
مدينة الظالل البيضاء بطريقة جيدة ،سكت هو لبرهة و هو يتأملصا باشتهاء ثم قال (:اوه ال ليس هكذا ،تعالوا اقتربوا جرةوا ذلك في قضيبي) اقترب الكل بفضول عظيم و انا معهم ،يحاول ملس ذلك الش يء هصاك و معاينته ،و لكصه اختار اكثرنا حياءا اظصه كان يشتهي حيائه ،رمى يده على مؤخرته فيما كان يبدوا انه يعطيه بعض الحصان في حرن انه كان يتحرش به ،و قال له و هو يضرب على مؤخرته و كانه يعورها( :ال تستحي اخي الوغرر امسكه برن يديك ) رمى صديقصا يده الى قضيب الشاب ،و راح يمرر يديه عليه الى الاعلى و الى الاسفل مثلما كان يريصا بالضبط ،ثم قال لصا بووت شخص معذب من يريد ان يلمسه فليفعل ذلك بأريحية ،ثم راح الكل يحاول ملسه اذ لم ترى اعينهم قضيبا كبررا لتلك الدرجة الى ذلك الحرن ،ثم راح الكل يقلده و انا معهم و كان هو قد استمنى و قذف مائه و كأنه يقذف صواريخا عابرة للقارات ،اما نحن فكصا هصاك نحاول دلك قضيبصا بشدة للوصول لتحقيق نفس الش يء. اتذكر ان قضيبي بدا يهتز كالزلزال ،و كأنه بركان يحاول الانفجار لم اجرب من قبل ذلك الشعور كان ذلك اول مرة شعرت فيها بتدفق رهيب لش يء اجهله في عروقي و برن دقات قلبي شاهدت امرأة عارية تصام على الصار ،سئمت في ذلك الوقت الانتظار 186
مدينة الظالل البيضاء تقلوت خويتاي و انقبضت مؤخراتي ،ثم خرجت مادة بيضاء على ثالث دفعات من قضيبي ،اغلقت عيني على الرغم مني ،و شعرت بنشوة كبررة شعور باالنتوار ،بالصجاح ،بالتوغل في الصار دون احتراق في السباحة على خط التماس مع هللا. و كانت تلك اول مرة لي فيها اتذوق العادة السرية ،لقد جرةتها برعاية ذلك الشاب الغريب الذي سقط عليصا من السحب و قد بدت فيه شهوة كبررة ألجسادنا املراهقة ،رةما او رةما قد فعل ذلك ببراءة تامة محاوال تعليمصا شيئا كصا نجهله ،او رةما كان مالكا او شيطانا ال ادري ،و لكني مدين له بتعليمي سر كصت اجهله قد ساعدني على التصكر الكثر الامي املا في حياتي فقط بمسحة على قضيبي ،و كأني امسح على فانوس سحري ليعطني سعادة اللحظة و رونقها من جديد. اه لقد كان حلما غرر كل الاحالم لقد كان ذلك اليوم عرسا للصطاف الذي كانت فيها الاعضاء من حولي تقذف حليبها في كل صوب ،كصت متيما بما حدث معي و كانت وجوههم تتغرر الوانها برن الفيصة و الاخرى ،شعرنا بشعور يشبه الصدم بعدها و لكن حرارة الشمس اعادت لوجوهصا نشوتها 187
مدينة الظالل البيضاء مرة اخرى ،اعدنا الكرة مرترن و كان الشاب حينها قد ارتدى لباسه و فر حتى دون ان يودعصا ،اما نحن فقد كصا قد تعلمصا ش يء جميل للغاية ش يء كان يرةطصا بالجصة للحظات ثم يصطفئ، لقد احببت فعال ذلك الشعور الرائع . تعلمصا كلصا مع بعض وكأنهم قد تعلموا معي في نفس الحلم الذي ال اتذكر اني قد عشته فعال أو رةما اني فعلت ذلك و رةما لم يكن سوى حلما و ذلك هو ألاجدر فقد تعلمصا كلصا تلك العادة في نفس الوقت و قد كصا فيما بعد ذلك نمارسها مع بعض كجزء من الفروض املنزلية و امثال ذلك الشاب البيدوفيليرن او رةما اصحاب النزعة الجنسية املريضة صوب الاطفال و من اكبر منهم يمالون املديصة كما يمالون العالم و الحقيقة و ليس فقط الاحالم و الكوابيس ،في الحقيقة هم لم يبحثوا فيصا عن جسد يمارسون عليه الجنس اكثر من ضعف يثبت لهم قوتهم ،ذلك انهم ضعفاء ،ضعفاء لحجم كبرر لدرجة انهم ال يستطعون كبح شهواتهم الشيطانية ضد طفل صغرر او حتى مراهق .مشهده و هو يحاول اغرائصا بعضوه لم يكن مشهدا بسيط ،املراهق ينسج في رأسه فضوال لكل ما هو ممصوع و الفاليس هو مغصاطيس الجنس ،اختفى ذلك الشاب و ملم نره 188
مدينة الظالل البيضاء مجددا بيصما وجدنا الكثرر مصه في حياتصا بعد ذلك ،و تعود الشارع الجزائري تسميت امثاله بالذئاب. و لكن هصاك هامش ما من البراءة في ذلك الشاب فهو لم يغتوبصا بل اتى اليصا في وضح النهار في وضح الحلم حامال معه عضوا مصتوبا ،رةما اغرته اجسادنا الطرية و لكصه لم يقدم على فعل اكبر من عادة سرية ،و قد علمصا شيئا عزيزا سنبقى مديصرن له عليه طيلة حياتصا.او باالحرى سأبقى مديصا له طيلة حياتي في تلك الايام الكثرر من الاشياء الغريبة وجدتها تحدث امي وجدتها تولي صالة املسلمرن ،ظصصتها في البداية قد تحولت عن دينها املسيحي و لكنها اخبرتني ان جارتصا علمتها صالة الاستخارة ،و هي صالة يوليها املسلمون كاستشارة هلل في امر ما ال يعرفون القرار الوائب فيه .امي كانت تسال هللا في قرارها ملغادرة الحي و لكنها حلمت في النهاية انها لو غادرت بيتصا هذا سصموت محرقرن في اي بيت جديد فعدلت عن ذلك. مدموزال نانس ي اصبحت اكثر حرية في تعاطيها مع حبيبتها امامي، اصبحت احيانا تقبلها ،اما انا فكصت اخذ الامر باحترام لم اكن اتدخل في خووصيتهما فهذا امر يعصيهما وحدهما ،كل ما كان 189
مدينة الظالل البيضاء يهمني هو تحويل اكبر في البيانو يستطيع ان يجعلني عازفا محترفا من جهة ،و من جهة اخرى لم اكن امتلك الة موسيقية في البيت لذلك كصت اغتصم الفرصة فأزورها كل مرة ألعزف على البيانو. و ذات يوم و انا مار من جانب البحر في باب الواد فيما يسمى اليوم بكيتاني ،وجدت هصاك رجل متشرد و مجصون له لحية كثيفة نوعا ما يمالها الشيب ،كان يرتدي مالبسا رثة و لكنها كثررة ايضا فعلى الرغم من الحرارة إال انه كان يرتدي املعطف ايضا ،كان يتشقلب في مكانه و يتفوه بكلمات لم افهمها ،كان يقول اشياء عن عالم لم يعد يستحسصه ،و كان يشتم البشر كل البشر ،و كان احيانا يرقص فيما يشبه البالي كان يتعوج في مكانه و يغني احيانا الديث بياف. لم افهم كيف يمكن ملتشرد مجصون كذاك ان يكون رومانسيا لدرجة ان يحفظ اغاني اديث بياف و يرددها و يرقص ،عليها اتجهت اليه مباشرة و رحت احاول التحدث اليه لكصه كان ال يبالي للوهلة الاولى ،الا اني مع تكراري الامر لعدة مرات صرخ في وجهي ( ماذا تريد؟ )
190
مدينة الظالل البيضاء ارتعشت في مكاني لبرهة ،ثم قلت له( :لقد كصت مارا من هصا فوجدتك تغني الديث بياف فاردت ان احادثك ،هل في الامر مشكلة؟) فرد هو( :و ملا تريد ان تحدثني؟ هل هذه اول مرة رايت فيها شخص يغني الديث بياف؟!) الغريب في الامر لم اشعر و هو يحدثني انه مجصون ابدا ،كصت ارى فيها انسانا عاقال جدا ،ما شدني فيه بوراحة هو انسيابته في مجتمع متقمص لدور كالسيكي كهذا ،لقد كان حرا جدا و قد اعجبتني حريته ،و لذلك اردت ان الامسها عن كثب ففضولي ال يسمح لي ابدا بان امر على تلك التفاصيل املزهرة بهدوء ،كان عليا ان اجرب الخوض في غمارها و ان اعرف عن كثب سر تلك الشخوية. مدة زمصية و انا احاول ان احادثه بيصما هو لم يكن يعرني اي اهتمام ،كان يواصل الغصاء و الرقص كاملجصون ،اه نسيت لقد كان مجصونا فعال.. حملت فضولي و نفضته من الارض ،و اعدته الى جيبي و رحت انورف ،لكصه نادني حينها بووت مفعم بالحقيقة( :ما اسمك؟) 191
مدينة الظالل البيضاء اعدت فضولي من جديد الى الارض و طلبت مصه ان يرقص امام، ثم اجبت الرجل (اسمي جان بيار ،و انت؟) اجاب هو ( :اسمي هللا ) ذهلت و لم اجد ما اقوله ،كيف يتجرا كيف يوف نفسه باهلل هل هو فعال هللا ،لكن ملا هللا! رد هو و كأنه يقرا افكاري : (اسمي هللا ،هللا اكبر ،عشت طيلة حياتي في السماء برن املالئكة و لكني سئمت الروترن الاالهي ،فاردت ان اجرب خلقي عن كثب و ان استمع لهم و انا بينهم). واصلت في صمتي ثم حاولت ان انورف ،اقود قد اتوقف و اتحدث ملجصون لكن ان اتحدث الى هللا فهذا ما ال اريده ابدا. همت باالنوراف و لكصه شدني من يدي وقال لي ( :تأمل يا جان بيار هذا البحر ،هل تعلم كم استغرقت لخلقه؟ بما فيه يوم واحد فقط و كان هذا الامر مفعوال ،انا جبار جدا). ثم اردف ( :هل تعلم بما خلقت السماء؟) 192
مدينة الظالل البيضاء ارتشفت لعابي ،ثم حركت راس ي مشررا له بال. ثم اجاب( :خلقتها بالشويصكوم حتى تبقى لويقة هكذا الى الابد بالبشر ،كلما يرفعون رؤوسهم يجدونها هكذا ذلك ألني اريدهم مذلولرن امامي فانا هللا هل ترى ذلك) ثم اخرج عضوه و راح يورخ ( :ها هو ذا زبي يا بشر،ها هو ذا). اما انا فورخت،و من ثم فررت بسرعة ،و راح هو يصاديني: (اين انت ذاهب عد ،عد انت صديق هللا ،اين ستفر مني انا موجود في كل مكان،انا هللا ،انا هللا اكبر) اما انا فرحت اجري ،اجري بدون هوادة و ال التفت خلفي ،اخ لقد التقيت باهلل كم هو امر مقزز. في الحقيقة ال اعرف ملا كان يشعرني هللا بالتقزز ،رةما ألني كصت اعلم انه ال يلتقي سوى باملوتى ،كصت اراه دائما نذير شؤم،كان وحشا كبررا يأكل الصاس ،و ان التقيه يغني الديث بياف كان امرا مقززا فعال ،كيف له ان يفعل هذا و الصاس تتألم كل يوم.
193
مدينة الظالل البيضاء لقد تأكدت في ذلك اليوم ان العالم قد فقد صوةه يوم جن ذلك هللا. عدت الى البيت و توجهت للمرحاض اين تقيات ،ثم غسلت وجهي و ذهبت لغرفتي و استلقيت ،تأملت الصافذة فتذكرت خالد ،ثم راودتني فكرة حيث اني التقيت باهلل و اصبحت اعلم اين يقض ي وقته فلما ال اطلب مصه ان يعيد خالد لي من جديد. ثم العديد من الاسئلة بادرت الى ذهني ،فيا ترى ملا اختار لصفسه الاسم الاسالمي للرب ملا لم يسمي نفسه ديو ( هللا بالفرنسية) ،ملا لم يسمي نفسه اليسوع؟ هل هو فعال هللا اذن؟ هل الاسالم على حق و املسيحية على خطا ،و ملا هو مجصون هل جن فعال ،ام انه فقط شخص مجصون يفعل هذا ،و هل فعال السماء موصوعة من الشويصكوم. بعد ذلك مسحت تقززي و انورفت الى امي التي وجدتها تولي لعذراء قلت لها (امي لقد التقيت باهلل ). ردت هي فعال ( :هل اتاك اليسوع؟ انت محظوظ يا ابني). كان ردي ( :نعم ،و قد كان يغني الديث بياف عل تودقرن هذا؟) 194
مدينة الظالل البيضاء صفعتني امي على خدي حيث كانت تظن اني كصت امزح فقك ،ثم بعد ذلك جعلني انغمر في حضنها ،و هي تقول( :اه كم تشبه اباك في هذه التورفات يا ايها الكافر الوغرر ،اتمنى لليسوع ان يخلوك). جائت اختي الوغررة الرن و هي تضحك و تلعب في شعرها ( :امي، امي انا ايضا التقيت باهلل كان يلعب الغميضة مع بصات الحي، ذلك النسوانجي الكبرر) ،و في تلك اللحظة تأكدت ان اختي اكثر شبها بابي مني. لقائي مع هللا بعدها تكرر كثررا حيث اصبحت اقود نفس ي على الدراجة كلما سمحت للفرصة الى ذلك ،حيث بات يمثل لي ذلك املجصون اله حقيقيا ليس ملعجزات ما كان يقوم بها ،بل ألوصافه عن الحياة التي كانت تعجبني ،فانا قبله لم اكن اعرف ابدا ان السماء موصوعة من الشويصكوم ،و لم اعرف كذلك ان اديث بياف مشهورة كذلك برن الالهة ،و اتذكر اني زرته مرة و قد كان نائما في كرتونة ،لم اكن اريد إيقاظه و افساد نومه املكسر اصال، الا اني كصت اتوق فعال لجصونه ذالك ،فقد تعودت عليه رغم تقززي مصه في البداية ،كأول رشفة من الصبيذ في البداية تتلوها عشرات الكؤوس من السكر و التخمر. 195
مدينة الظالل البيضاء فتح عينيه و كانه يفتح علبة تونة ،و بالرغم من اني لم اوقظه ففي اللحظة الوفر قبل ذهابي كان هو يستشعر وجودي .قال لي بووت رقيق يبعث على الحررة : (لقد عدت يا صديق هللا ،قريبا سأجعل مصك نبيا لكي اجازيك على وفائك سأقدم لك وحيا مباشرا و ستحكم العالم). سكت انا مدة زمصية بسيطة و انا انتظره لكي ينهض ،و هو يتمتم كلمات لم افهمها او باألحرى بلغة غريبة قال لي مرة انه يتحدث الى املالئكة ،و من بعد ذلك سألته و كأني اصدقه حقا( :هل ستجعلني نبي حقا) ضحك هو ثم قال لي : (نعم طبعا سأجعلك نبيا ،و هل سأصادقك مجانا ،ستكون نبيي و لكن هذه املرة سأرسلك الى السماء من حيث طردت ). و من ثم راح يبكي و بقيت أتأمله بدون ادنى شفقة ،فدموع كتلك قد تذرف احيانا للريح او البرد ال تعني ان صاحبها لديه مشاعر ،و لكني مثلت دور املشفق عليه ليس شرا مني و لكن ألني ال استطيع ان انافقه ،ملا يبكي هللا على عرشه و مكانه بيصما يموت 196
مدينة الظالل البيضاء الاخرون بأمراض فتاكة و باملجاعة و الحروب ،فهصا اراه انانيا حتما و ال يستحق مني سوى الالمباالة ،و لكن مع ذلك هللا فان هللا يحب ان نمثل عليه انوياعصا و وفائصا ،بيصما في قرارات انفسصا نكرهه ،فعلى قدر ما يؤمن شخص ما بوجوده كلما يزداد كرها له ال محالة ،فانا ابدا لم اصدق ان انسانا قد يحب سجانه او مستعبده ،و من هذا املجصون الذي يمكصه ان يحب الاها يعده بالحرق في الصار الى الابد ،ان هو مارس الجنس دون زواج ،او انه لم يؤمن بوجود ذلك الاله ،كل اؤالئك اللذين يدعون حب ذلك الاله هم كذبة بل هم اشد الصاس كرها له و لكن ال يشعرون تأملني قليال و ابتسم ثم قال لي بووت خبيث: (ما رأيك ان نتسلى قليال؟ لدي لعبة جميلة ستعجبك). تعجبت انا قوال ( :لعبة ،اية لعبة؟!) فامسكني هو من يدي و راح يدحرجني معه ،اما انا فتبعته بحذر فإذا باللعبة هي ملس مؤخرات النساء في الشارع. في البداية اصبت بالحرج حيث كان يلمس مؤخراتهن و يمثل دور الجاهل بكل ش يء ،فتضرب النساء اي رجل يكون خلفهن ،و لكن 197
مدينة الظالل البيضاء من بعد ذلك استحليت انا كذلك اللعبة و رحت العبها كاملجصون و قضيصا يوما رائعا معا . كم هو رائع ان تجد الاه كوميديا كهذا فتسخر من خالله من كل ش يء ،عصدما فرغصا من عملصا هذا قال لي بووت من يعرف كل ش يء : (اه تلك املؤخرات تعبت في خلقها على الاقل هي الان تسليني). اما انا فكصت قد قضيت وقتا رائعا جدا لم انسه الى يومصا هذا. وانا اشاهد الالبوم اتذكر اني سالته عن خالد في ذلك اليوم فأجاب انه في حقل البرتقال ،اصفر وجهي حينها وسالته معاتبا(: ملا هو املوت برتقالي هكذا؟) فأجاب هو ( :ألنه لون الغروب) ثم سألته بكل خوف: (و هل مات خالد؟) فأجاب هو بكل حكمة:
198
مدينة الظالل البيضاء (شيئان يجب ان تعرفهما يا نبيي العزيز :اوال ال خالد يموت،و ثانيا و ال حي حي ،و ال ميت ميت ). لم افهم كالمه جيدا ،و لكني احسست انه كان يقود ان خالد لرزال حيا فسكت و لم ازد على كالمي هذا. بيصما هو وقف وقال: (برن املوت و الحياة شعرة تلك الشعرة هي لون الحكمة و الحقيقة ،و برن الحياة و الحياة شعرة تلك الشعرة هي لون السعادة ،و برن املوت و املوت شعرة تلك الشعرة هي الحياة). كان ذلك اليوم اخر يوم لي مع هللا حيث زرته بعد اسبوع فلم اجده في مكانه العادي ،فرحت انادي عليه في كل مكان ،اتذكر اني كصت اصرخ و اسأل كل املارة: (اين هللا؟ اين هللا ؟) توقف احد املرة و قال لي (كلصا نبحث عصه يا ابني و لكن اظن انه قرر الاختباء الى الابد ) و راح يضحك ،اما انا فلم اعره اي اهتمام واصلت بحثي عن هللا في كل مكان ،كفرت به احيانا ،تعبت احيانا
199
مدينة الظالل البيضاء اخرى ،بحثت في الارض ،في السماء ،في البحر ،في كل ش يء ،و ملا تعبت امسكني رجل من يدي و سألني : (هل تقود املجصون الذي كان يجلس هصا؟) فأجبته ( :نعم اقوده هو). فأجابني( :لقد جاءت سيارة الاسعاف و قد حمل الى مستشفى الامراض العقلية). لم اكن اعرف ما كان يجب علي القيام به ،و لكني بكيت حينها، كيف يمكنهم ان يأخذوا هللا ملستشفى املجانرن ؟ كيف يمكنهم ان يفعلوا هذا؟ و بيصما كصت انا افعل هذا ،كان هصاك قسيس و امام يتأمالنني بكل تشهي كل فيهما يريد بلعي في ديصه ،بيصما الرابيرن اليهودي فقد تأملني بعض الش يء ثم ادار وجهه بكل تكبر للجهة الاخرى ،اقترب القسيس الي و قال (:تعالى ادلك على هللا). فاجبت انا (:كان هصا معكم ايها الحمقى و اخذتموه الى مستشفى املجانرن) ،ثم ضرةته على خويتيه ألذكره انه انسان و له شهوة ،ثم ركبت دراجتي وفررت.
200
مدينة الظالل البيضاء الغريب في هذه املرحلة من حياتي التي اتذكره بشغف كبرر اني التقيت باهلل في نفس الوقت الذي تعلمت فيه ممارسة العادة السرية و الاحتالم ،و لكني في النهاية وجدت هللا قد حمل بعيدا عني و تركني وحيدا ،بيصما تلك العادة فقد بقيت وفية لي الى الابد.
201
مدينة الظالل البيضاء 9
رقصت فوق االثداء تتشابك خيوط الشمس احيانا مع نفسها فترسم في السماء حلقات الستحضار املالئكة الراقوة كوالة شاعرية تثقب الغيوم لتحدثصا بقلب مفتوح عن كل أالئك اللذين المستهم من قبل، فنستحضر من حرارتها ذكريات املاض ي و الاجداد بكل شهوة ،و كأنها تدخل بداخلصا قضيبها بقوة فتتمرغ نطافها بجوفصا ،فتجعلصا نلد املاض ي من جديد في حضور جديد و اجساد جديدة ،و رةما ال يراها كذلك سوى من امتطى شعاعها مثلي ،و تقلد عرشها و هي تشرق على مديصة ال تعرف الوالة من قبلة سواها ،انه املجون الشعاعي الذي يعلو وجهها الشاحب الابيض ،و تصورتها الخضراء املشعة ،و تيجانها الترابية التي تعلوها كموباح طيني متوهج. و باتت خيوط الشمس ترقع احزاني ،و تقتح على اشالء الحياة املتصاثرة حضصا جديدا يجمعها كخلق جديد ،فتعود ابتسامتي ثانية للبزوغ ككعبتها السماوية الوفراء . 202
مدينة الظالل البيضاء و كذلك كصت ابدو في الوورة الجديدة مشعا كشاب في اواخر مراهقته بابتسامة عريضة تظهر الغرور الذكري البارز من وجهي كمصقار نسر متكبر ،و انا واقف مع اصدقائي على شاطئ بحر رملي، كصت خالبا كزرقة سماء ذلك اليوم امللتهب ،كصت مرتحال برن الزمان و املكان اضع خيمتي على كل نقطة تشدني فيها ،كان كل صيف يدغدغ احالمي فتراني برن كل شاطئ و شاطئ اغرس انياب شهواتي و بذورها ،شرشال املديصة الوغررة التي كانت تشبه انرن امرأة فاتصة في طور الجنس،و الانتواب ،تتساقط من خسرها الصجوم لترسم لوحة العذراء العارية ،فتتقمص كل الادوار دفعة واحدة بعدد اشجار بالومبرا املتألقة في سمائها الارضية تلك ،و تيبازة الوغررة التي تشع من نقاطها املتفرقة املطلة لألعلى على سفح جبل شصوة الذي ادخل قضيبه مؤةدا في مهبل ذلك البحر، وعلى الحان التاريخ املغرد و نوفي ( سيدي غيالس حاليا) تشبه يمامة صفراء من رمال الصحراء وسط جبال خضراء مشعة ،و تستقبل سصابل القمح بحضن دافيء وسط بساترن الفردوس املحيطة بيها كقطن اخضر ،حيث تشع منها طاقة الانتاش العظيم ،و قوراية املليئة بالشحرور الغاص في اشجار الوصوةر ،و سماء تبدو قريبة جدا للمسها حيث تدنو منها في غالب الوقت ،و ترتفع كأذان يتلى على اشباح سفيصة هارةة من الغرق .كانت تلك 203
مدينة الظالل البيضاء املصطقة جصتي بالتأكيد و كصت اجد فيها متعتي الخالوة ،حيث كانت اشجار البرتقال تظهر برن الفيصة و الاخرى اذ تبدوا في كل لحظة على اهبة الاستعداد لكي تالقيني بكل اؤالئك اللذين غادروني بدون ان اعانقهم ،و كانت تلك الايام اجمل ايام حياتي على الاطالق فال اجمل من ان تشارك شبابك و ثورتك الهرمونية مع كل جسد بشري يمارس السعادة بكل انوياع. اتذكرني ،في ذلك اليوم و انا اركب سيارة تراكسيون لوديق يكبرني بأربع سصوات اسمه بيتر ،كان اسمه انجلرزيا و ذلك لكون امه كانت انجلرزية الاصل ،لم يكن عصوريا بل كان مصفتحا على الحياة مثلي ،و بدورنا انتظرنا اصدقائصا امام الحي من عرب و اوروةيرن و امازيغ ،ركبصا كلصا فيها كان عددنا ثمانية او يزيد ،ال اعرف كيف كان للسيارة ان تحملصا كلصا و ان تتحمل ثقلصا و لكنها فعلت ذلك بكل حب،ذلك انها رةما لم تكن تريدنا ان نشعر باالحتقار ،ارادت ان تحملصا كلصا في حضنها الوغرر. تذكرني تلك السيارة الوغررة بهذا البلد الكبرر الذي لم يتمكن الى الان من ان يجمع برن كل مواطصيه بحب ،على الرغم من شاسعة مساحته التي تبديه في بادئ الامر ككوكب كبرر ،و لكصه ما
204
مدينة الظالل البيضاء يلبث ان يغدو غرفة صغررة ال يتحمل احد فيها الاخر ،قد يجد فيها اخاك الف عذر ليقتلك ليبعدك عنها الى الابد. غريب ان تكون بالدك بحجم قارة في حرن يراها شعبها غرفة صغررة ال تتسع سوى لجنس واحد ،لفكر واحد لدين واحد للغة واحدة ملوت واحد وال حياة. و انا اجول برن نافذة السيارة و الضحك املتعالي ألصدقائي بداخلها ،كانت احالمي تصدمج مع خيالي فأغدو في لحظة سهو تشبه الحقيقة بل هي الحقيقة ،مسافرا برن خطوط الذكريات املرقعة بأشياء كانت لتجعلها اجمل لو انها كانت لويقة بها، كصت اتخيل ابي و هو حي ال يموت ،و اتخيل خالد يعانقني وال يرحل ،و اتخيل ميشال و انا انقذه من مخالب ذلك العصكبوت البشري ،و اتخيل هللا يحادثني ثانية في باب الواد و يغدو مستشفى املجانرن كذبة بدال عصه ،حيث كصت اصصع من خيالي طوق نجاة من كل تلك الذكريات املؤملة في حياتي ،حيث تخمر الرحيل في جوف الذكرى لدرجة انه اصبح يمصعني ان اتذكر بسطحية دون ان استخدم خيالي ليساعدني على التجاوز .و حتى في هذا السن الزلت ذكريات املاض ي تؤرقني كعفاريت صغررة تهز مضجعي و تراودني عن نفسها احيانا ،فاصصع من تجاهلها او اندماجي بها زةدة 205
مدينة الظالل البيضاء من الخيال و الذاكرة اعجنها بصفس ي على اطالل الغياب و افتتها بيدي لعل فتاتها يحملني الى هصاك ،الى ما قبل اللحظة الاخررة ألغرر املاض ي الى الابد الى هذا الحاضر املر. كلما اتذكر تلك اللحظة اتذكر اني عانقته بقوة ،و كأني اطرر بداخله احلق بعيدا فيه ،اتوه في رائحة عرقه و لون الدم الذي اعطاني رومانسية اللحظات ،كانت خمس دقائق فقط و تتلوها العتمة ،و كان من بعدها ما اكثر من ظالم ابدي ،و من بعد ذلك لم استيقظ ،لم يستيقظ ،لم نمت ،و لكصصا لم نعش كذلك كل فيصا في عالم وحده ،انا هصا في صخرة الجنس الكبررة ،و هو هصاك في عالم املخلدين ينهل املاء من يدي الالهة و يصام على اجصحة املالئكة بعيدا عني ،و انا ابحث عن نفس ي على متن صخرة كل ما تبقى لي فيها هو رائحة روح المست جلدي قبل ان تتبخر في السماء ،على تلك الصخرة التي تدور حول كعبتها املعتقة لتخرج من ذاتها لونها الازرق املشع ،و الذي نتحسسه كلما تأملصا الشمس بحرقة فيغدو الزمن مجرد عطل فني يتراوح برن هذه اللحظة و اللحظة الاخررة ،فيغدو لونها ازرقا في بؤةؤ عيونصا و كأنها تبكي ألجلصا لونا غرر لونها ،الشمس كانت تشعر بكل ش يء ففي تلك الصخرة الجنسية التي تسمى كوكب الارض كل ما فيها يمارس 206
مدينة الظالل البيضاء الجنس على بساطته ،من ابسط الحشرات ألكبر الحيتان الى الانسان فالكل في هذه الصخرة الزرقاء يمارس الحب ،و مع ذلك مزال الانسان فيها يقتل و يحارب و يمارس الكراهية كذلك . كل خطوة في حياتي مهما كانت سعيدة كانت تمض ي و يمض ي معها اشتياقي ألب تكرر مرترن و انورف و لغد لن يعود ،ان الامس اقترب كل شوق بداخلي كان يقتل الفضول و السعادة التي لم تكن سوى نكرانا نكران لشعور ال يريد ان يفارقني و لقبلة مزقتني كما يمزق القماش الرث. كانت الطريق املتشعبة باألشجار من مديصة الظالل البيضاء الى فردوس الشياطرن الجميلة الى سواحل جبال الضهرة ،حيث تجد الكلمات مصبتها من سيقان الصباتات فيتحاور الرةيع مع نفسه ولو في الف صيف و لو على الف شتاء البحر ،كان هصاك يقبل الارض بعشق متمرد ،و كانت الارض هصاك تصثر شفاهها بمقرةة مصه ،لكن من دون ان تتحرك ،تنتظر شفاهه ان ترتطم بشفاهها فتصفجر معركة الاصطفاء الروحي و تتشعب الارض في السماء فيتخللها البحر بقوته و جبروته ،فتسقط السدود الكبررة و يوبح ملكوت هللا باد للعاملرن.
207
مدينة الظالل البيضاء كل ما كان في تلك السواحل كان يمارس الحب على مقرةة من هللا ،و الغيوم التي كانت تزورنا احيانا بشكل طفيف كانت تبدو كعوافرر تحن ألوكارها ،ألبراج فلكية ال تستطيع ان تبرح مكانها في هذه الارض ،فتجتمع من شتاتها فتقبلصا من بعيد برن الفيصة و الاخرى ،و لكنها تبزغ كبقايا ماء الحب يتفتت في السماء فتستقبله ارحامصا السمراء ،و تعيده مجددا لوورة السماء في البحر و نحن نتقلب فيه بكل تهشيم لعظام الزمن ،فيغدو هذا الاخرر انسيابيا كمجرى من املاء يشق نفسه داخلصا لنرث مصه الحرية و الوراع. قد ال يفهمني احد فيما اقوله و لكن جبروت الجمال في تلك املصاطق قد يجعل من ابسط قارئ كاتبا عظيما و شاعرا مغمورا. هل يقود من الشعر ان يكون مصفى ،انا رأيت فيه وطصا . فهصا في هاته الرةوع الشهية كانت اول محاوالتي الشعرية ،كصت ابحر في كلمات ال افهم معصاها بكل سرريالية معمقة انتظر منها لتنتهي ألقرئها كاملجصون ،كما كان يفعل هللا دائما اذ يبدو من كتبه الثالثة غائبا عن الوعي و لكصه في الاخرر كان ممجدا لها.
208
مدينة الظالل البيضاء لقد ساعدني الشعر من بعد ذلك ان اعود لوطني الذي كصت ابنيه على الورق ،و انا في فرنسا و كان الشعر طوق نجاة لي الى ان التحقت بالسفيصة مرة اخرى. كانت رحلتي في ذلك اليوم رحلة شبابية .كانت السيارة تحملصا و كأنصا نحملها ،كصا نغني بووت مرتفع اغصية لفرقة لي شوسات نواغ ( الجوارب السوداء ) ،كصا نغني و كأنصا نمارس الجنس كان بإمكانصا ان نلمح الانتواب و هو يتمدد من جلدنا الى رائحة التشبع ،و كان بإمكانصا ان نصظر للنشوة و هي تخرج من عيونصا ضاحكة و هي تشمل كل ش يء كانفجار نووي من نبيذ. اكملصا الطريق نغادر جصة و ندخل جصة اخرى و صوت القيامة يعزف على الجدران ،و البوق الاخرر يذرف دمعة النهاية ،نهاية ال تريد ان تكون ،و لبداية تزهر من لب كل نهاية على وجه هذه الارض التي ال تريد هي الاخرى ان تفنى بصوتة من عزف البوق بل تريد ان ترقص على انغامها ان ترقص الى الابد. خرجصا من السيارة في الطريق امام حقل البرتقال ،كان يريد صديقي بيتر ان يقض ي حاجته و فجأة تحركت مثصاتصا البولية جماعيا وكلصا اشتهيصا التبول على قارعة الطريق و كذلك فعلصا، 209
مدينة الظالل البيضاء كصا نغني و نلعب بخطوط البول الوفراء التي تصاغمت مع لون الشمس ،و كان شكل الاعضاء املتدلية كآالت موسيقية يدفعصا للضحك بطريقة هيستررية ،اما انا فلم استطع ان اترك حقل البرتقال ذاك و اتورف بوبيانية كتلك .فقد كانت لي فيه ذكريات ذاتية نسجتها في فووص مخيلتي ،و عصدما القيت تلك الاشجار هصاك سحبتني روحي اليها دون وعي مني فوجدتني انسكب فيها، نداني اصدقائي حينها (جان اين انت ذاهب) اشرت لهم بيدي حيث لم اكن اهتم لسؤالهم ،قال احدهم رةما يريد ان يتغوط، ثم راح الكل يضحك بسخرية. اما انا فواصلت رحلتي في عالم لطاملا كان لويقا بي ،كان حقل البرتقال فارغا كصت الامس تلك الاشجار التي كانت تحمل برتقاالت صغررة غرر ناضجة ،كانت الالوان تختلف برن حبة و اخرى و كانت بعض الزهور تبدو منها تقترب من افولها الاخرر ،و كانت الورد تغمر الارض .ال يبدو ان الويف قد مر من هصا ،توغلت برن تلك الاشجار املتفاوتة الاحجام بعضها ال يعدو عن كونه شجررات صغررة إال اني كصت اراها كبررة ،كذلك كصت الامس شجرة من تلك و كأني اعبدها و كأنها قطعة من روحي ،و كما تتأمل الام رضيعها اول مرة كصت أتأمل تلك الاشجار هصاك ،و انا اتوقع ظهور ابي 210
مدينة الظالل البيضاء بينها في اي لحظة ليحضصني بقوة و يحملني فوق اكتافه من جديد ،ابي املزدوج الروح و الجسد الذي ازهر في حياتي مرترن و قطفه القدر من اغواني و رماه برن اشجار البرتقال . توقفت عصد الشجرة الاكبر فهي بالتأكيد الادرى و الاعرف ،و كونها الاعتق هصاك كذلك فهذا يجعلها شاهدة على مرور معظم الارواح من هصا ،الارواح التي تسكن اشجار البرتقال تلك الى الابد كقدر حتمي. اين تعيش الارواح يا جان بيار ؟ تعيش في البرتقال. وضعت يدي على جذع الشجرة و المست وجودها و تحسست ايمانها بأطراف اصابعي وكأني اعزف على البيانو ،و استمعت ملوسيقى الحياة تدب فيها ،و اصغيت بمصجاة عميقة نبضا بداخلها يشبه قلبا فوالذي يصقر على اوتارها بشوق ليالمسني، تصاغمت معها و استوطصتني حد التوحد واخترقتني ،و طلبت منها في تلك الاثصاء ان تالقيني بابي مجددا ،فإذا بيد تحضصني بقوة من خوري و تشد يدي و كأنها ترةطها ،و جسد خشن يضم ظهري بقوة و كأنه يلتهمه ،وصدر يعورني فيه ويشدني من رقبتي و 211
مدينة الظالل البيضاء يضعها على كتفه بقوة ،لم اكن اريد ان افتح عيني هل عاد ابي ثانية! خفت ان افتح عيني فيتالش ى الحلم ككل مرة ،رفعت يدي و رحت اتحسس تلك اليد و كأني امارس الجنس معها ،كان بها ما يكفي من الشعر لتبدو حقيقية كان ذلك الشعر فوق الذراع يتوغل بداخلي كما تتوغل شمس الشروق برن جبال كل فجر، تحسستها و وصل احساسها ملقلة عيني و بكت وحدها ،لقد شعرت بحضن دافيء و كأنه هدية من الشمس. جائني صوت خافت من نفس الجسد يسألني : (ماذا تفعل هصا ايها اللص؟ ) بدا ذلك الووت الخافت يدحرجني من عالمي الرومانس ي ذاك و يعيدني الى الحقيقة ،فتحت عيني رويدا رويدا فإذا بشاب ذهبي اللون تشبع جلده بلون الشمس ،عاري الودر مفتول العضالت، و يرتدي شورت قورر من الجينز الاجدر سروال مقطع ،و يضع قبعة تسمى ( املظل) يرتديها عادة الفالحون في الجزائر ،يمسكني بكلى ذراعيه بقوة ويشدني اليه وكأنه يحاول ان يخصقني و هو يتهمني بالسرقة.
212
مدينة الظالل البيضاء اما انا فكان من الوعب على عقلي السارح في بركة الخيال ان يخرج مباشرة منها الى الواقع الود ،فكانت سكرات الخيال الزلت تداعبني من الداخل ،فواصلت ملس ي لتلك العضالت الجميلة الواقفة امامي ،جعلني هو ادور في مكاني و كأنه يراقوني ثم جذبني اليه بقوة الف رجل وهو يستعمل يدا واحدة لذلك و الاخرى موضوعة على الشجرة ،ثم بقي يتأمل وجهي و انا في حالة السكر تلك بقيت أتأمله انا الاخر و بدا من بعض تفاصيله مألوفا لكني لم اعر الامر اهتماما بالغا فقد كان عقلي في تلك اللحظة مخدرا لحد اني رحت ادفع بشفاهي لتالمس شفاهه ،فالالوعي بداخلي اراد ان يقبله بشراهة ،اقترب هو ايضا مني و لكن في لحظة غضب امسك فكي بيده و كأنه يصقذ نفسه من ش يء خطرر كان ليقوم به ،من عضة تمساح رةما او من مالك املوت ،كل ما كانت تريده روحي هو تقبيله عصاقه و الصوم على صدره ،فقد كان جوابا سريعا لسؤال لم يدخل جوف الشجرة كما يجب ،و لكصه وصل بسرعة الضوء الى اقاص ي السماء لقد شممت فيه رائحة ابي. فتح هو فكي و بوق بداخل فمي فنهضت من غفوتي تلك ،و نظرت اليه بخوف قال لي هو( :يا زامل يا نقش( يا ايها املثلي 213
مدينة الظالل البيضاء باللهجة الجزائرية ) ملاذا كصت تلمسني بتلك الطريقة) ،ثم دفعني على الارض و طلب مني املغادرة فررت سريعا لم انظر ورائي و لكن وجهه طبع في مخيلتي شعرت و كأني اعرفه من زمان بعيد ،ركبت سيارة مسرعا و انا اشعر بالبرد و كأني فررت من املوت و انا لم افر سوى من شهوة. و مذاق لعابه في فمي يذكرني بأشياء كصت قد نسيتها ،يدفعني ألرقص و اثمل ،يدعوني ألحمل حقائب السفر و ارحل الى مصبتي الاول ،و الى كل ش يء و من ال ش يء اتبعثر من ذاتي الى ادنى نقطة في الارض ،ثم اطرر من خاللها الى اقاص ي الكون البعيد ،مذاق بوقته ،كان حلوا و حامضا لشخص ال يتوقف عن التهام البرتقال ال يتوقف عن التهام املوت ،كانت بوقته روحا جديدة تصفخ بداخلي ،و في حرن اصدقائي عادوا لسخريتهم من جديد و للضحك املتعالي ،اما انا فمزال طعم لعابه في فمي يذكرني بش يء ما لم ادركه حينها رةما كان يذكرني بش يء لم يحدث بعد ،ش يء كان يشبه الى حد ما قبلة املوت او عطسة الحياة . تحرك لعابه عن طريق فمي و توجه الى قلبي مباشرة حيث استقر كقطار صدئ ال يبرح مكانه محطته التالية هي ذاتها املحطة 214
مدينة الظالل البيضاء الحالية ،و بقي لعابه طيلة الرحلة يواصل تمريغ كبريائي على الارض بكل رومانسية كحمار يستلقي على التراب في يوم رةيعي مشمس لم اخذ الامر من باب املذلة و لكني اخذته من باب ان اجد معنى لحياتي في وسط هذا التغول البشري القاتم من حولي، ابي تكرر مرترن و كان بإمكانه بسهولة ان يتكرر للمرة الثالثة و ارض البرتقال املقدسة لدي هي ذاتها املوت الذي لطاملا اهدانا من كصفه الحياة ،و من صلبه املخضب باألرواح كائصات حية تزين فقر هذا العالم املادي. كانت الطريق جميلة لدرجة ال يمكن فول فيها برن الواقع و الاحالم ،و كانت العصورية و التفريق بشوبها كما تشوب وحمة كبررة وجه فاتصة كانت لتكون اجمل نساء العالم لوالها. كان الاوروةيون يعيشون حياة الترف يأكلون الارض كما يأكل الجزائريون الوبر و القوة ملقاومة لذلك الوحش الرهيب الذي سماهم دون ارادتهم باالنديجان و الروتون .كان وجه فرنسا قبيحا جدا هصا ،يذكرك ان املظاهر خداعة فكما قد يكون الجبل الجميل هصاك فوق فونتان ( حجرة الصص حاليا ) الاخضر الكثيف الغطاء الصباتي ،و الذي تتحرك فيه املصاجم مستقرئة جوف هذه الارض كثدي كبرر ينهمر بالثروة سوى بركان غاضب يحاول التهام 215
مدينة الظالل البيضاء الحقرة و اجتثاثها من داخله الى خارجه كغضب بلد ستصفجر قريبا قصابله الصووية في وجه ذلك املغتوب. كذلك كانت فرنسا الرومانسية الكالسيكية التي لطاملا بدت للعالم قبلة في التحضر و الانسانية ،الى ارهابية باسم دولة ترسم كل يوم بقوة سالحها نهرا من الدم يمرز برن ساكصة هذه الارض و يجعل من التعايش مستحيال الى الابد. كان بإمكان فرنسا ان تبقى هصا الى الابد لو انها عاملت هذا الشعب الطيب كما ينبغي ،و لكن غرورها و غطرستها جعلها تخسر اكبر قطعة من هذه القارة السمراء ،و تخسر بلدا زودها بالكثرر و كان سببا في ثرائها البشري و الفني و املادي. ال يمكن ألي شخص ان يمر على هذه الارض دون ان يكون فصانا، تلك الوور الشاعرية التي تجمع برن الجمال و الالم تستقر بداخلك كتراث اناني يمجد ذاته بداخلك ،فحيث تفر منها تفر هي اليك تحادثك بمصاجاة امرأة تحاول اسقاط حملها برن يديك. التقط ايها الفارس الوغرر احالمك و طر،
216
مدينة الظالل البيضاء طر الى حيث الاحالم يمكنها ان تكون حقيقة ،و حيث القبور آالت موسيقية ال نبكي امامها بل نرقص. في فونتان وجدت طفال صغررا في عمر الزهور يشبه في وجهه كل البشر بكل سماتهم و ارواحهم ،يرسم بالطبشور على الارض، اقتربت مصه ألملح لوحته الفصية الرائعة فوجدته رسم كوكب الارض و عليه رسم ثدي واحد من جهة اليمرن ،تأملته مبتسما و انا انتظر مصه ان يرسم الثدي اليسار ،لكصه اعطاني الطبشور الوغرر و لم يقل شيئا ،رسمت انا الاخر الثدي املتبقي و جلسصا مع البعض كل على الثدي الذي رسمه الاخر ،استلقيصا و نحن نبحث عن حصان يغمرنا من انتمائصا الاول من هذه الارض الخوبة التي تلدنا كل مرة كأم عاقر تلد اول مرة و ألخر مرة، فتغمر صبيها حبا ليس كمثله حب. استلقيصا على صدرها تلك الارض التي لطاملا اذينها ،و امام اثدائها شعرنا بانتمائصا الاول و الاخرر ،و تذكرت حينها كيف كصا نتحرك على جبالها و وديانها ،و هي تهب لصا من عوافررها الحانا عذبة كانت تجعلصا نرقص فوقها،
217
مدينة الظالل البيضاء و في حزن كان يبدو من وجه الطفل و هو يحضن الارض بعمق، امسكت يده و رقوصا معا فوق اثداء الارض ،فوق جبالها ،فوق سهولها ،رقوصا و التففصا فوقها كما تلتف هي حول الشمس ،و على الرغم من انف كل الم على هذه الارض مازلصا نضحك ألجل الحب و الحياة.
218
مدينة الظالل البيضاء 01
قيامة الريح
ال اعرف من اين ابدا لكي انتهي ،كل البدايات التي اعرفها ال تشبنهي في تلك البداية ،امللح الاخرر الذي اكلته كان بالكاد يتذوقني ،اشيائي املبعثرة على الارض لم تتعرف علي حينها ،كان لبد علي ان امض ي ،ال صورة في ذلك الالبوم تحدثني عن تلك اللحظة الغريبة ،ذاكرتي اقرب الى عيني من بؤةؤها الزيتي ،كيف لي ان احتلم منها ألخرج ثانية تلك اللحظة و اعيشها ،و اوقف الوقت قبل اللحظة الاخررة و اعيش الابد. اقفلت الالبوم و لكني واصلت تائها اتذكر كل ش يء و كأني ال اتذكر ش يء .ما تركته ورائي يشبه كل ش يء امامي خلفي ،هو ذاته انا .و قبل ذلك كصت بعد ذلك ال اعرف توريفا لألفعال حينها ،الوقت كله ال يكفي لحظة الاستشهاد.
219
مدينة الظالل البيضاء الارواح ليست سوى اشباح ماكرة تغادر الاجساد غفلة عصدما ننتظر منها ان تبقى سجيصتها بعض الوقت لصقرا عليها الحب و الحرية ،و نعانقها عصاق الوداع ،و الاجساد ليست سوى شهوة باردة تجمعصا حولها كمدفئة مطفئة نتذكر بالكاد لهيبها الهارب من املدخصة ،و الحب ليس سوى ال اعرف . الكلمات كلها تبدو ضيوفا تزورنا بدون مصاسبة ،تقبع على اطراف لسانصا او يدنا تحاول اثبات نفسها ،و لكنها تعود خائبة ال تعبر عن ش يء سوى ذاتها و مدادها. ماذا عساه رجل من قلب الصحراء ان يحكي ،و هو التائه في قلب مديصة مخضبة بالعمارات ،مذا عساه قلب حزين ان يبكي وسط كثبان من الذكريات. الالبوم ال يكفي لكي اضع عليه مشاعري ،بعض الذكريات ال يمكنها ابدا ان تحفظ في صورة ،فال غرر التأبرن الابدي كفيل بتقديس اللحظات الاهم في حياتصا. املسلمون ال يوورون الانبياء ملا لهم من قداسة عصدهم و كذلك فعلت انا مع تلك الذكريات ،حيث قدست انا تلك اللحظات
220
مدينة الظالل البيضاء الاخررة ،لحظات الحب الاول و الاخرر حيث لم اكن اريد ان اشارك املوورة شيئا غالي على قلبي كذاك. قفلت الالبوم و كأني اقفل على حياتي فيه و كانت لحظات شبابي و حياتي تشع مصه ،تحاول تحريري من قفص الشيخ هذا الذي البسه ،و الدموع تنهمر في عيني ،و كان كل من في العائلة يشاهدني بتأمل مفعم بالفضول الكل يريد معرفة كل ش يء ،و لكن الالبوم ليس فيه كل ش يء. الش يء في حياتصا اكبر من ان نحب الى النهاية و نجد كل نقائوصا في شخص واحد ككتاب فردوس ي يختزل كل السعادة في كلمة. ال اعرف كيف اسمي ذلك الحب الذي يأتي و يختفي و يعود و يحمل معه كل احبائي الغرةاء دفعة واحدة و كل من ارتحل فيهم الى السماء. ال ادري اي مخلص هو ،و لكصه اهم ممن التقيتهم طيلة حياتي من احقر املخلوقات الى هللا . نهضت من مكاني ودعت العائلة التي استضفتني في بيتها ،و رحت اودع بيتي من جديد و انا اتركه في يد اميصة يشعر معها بالدفيء، 221
مدينة الظالل البيضاء بعد الحاح صديقي محمد لي بالبقاء ،نظرت في وجهه بحرقة و حضنته بقوة ثم قلت له بحب كبرر: صديقي انا هصا هذا البيت هو انا ،و سأبقى هصا ما مكث هذا البيت هصا و سأعيش ألرى احفاد احفادك. ابتسم هو و ودعني ،و انورفت في سيارة التاكس ي الى الفصدق حيث ابيت و تأملت املديصة من الشرفة ،و رأيت فيها وجه حبيبي يبتسم من كل مكان يصاجيني في ان ارحل اليه. هل لي ايتها املديصة التي تعيش بداخلي و تبعتني في كل مكان ذهبت فيه و محت ظلي و استوطصته ان احادثك كوديق قديم لطاملا كان و سيكون وفيا لكي ،فال احدا سيفهمني اكثر مصك انت من يعرفني اكثر من امي و انت وحدك تعرفصني من اخمص اقدامي الى موتي املسطر فيك . هل لي ان ارسل من خاللك رسالة الوجود كأني هصا ،و كأني في كل مكان رسالة مصا نحن اللذين ال وطن لصا الى أالئك الذين كل الاوطان لهم ،ها نحن ذا نتصفس نفس الهواء نشرب نفس املاء و نعيش على نفس الارض و كل ما يفرقصا هو الوطن.
222
مدينة الظالل البيضاء
هل تودقيصني ان قلت لكي اني عصدما رحلت مصك كصت اراك في كل مديصة جديدة اقودها ارى بياضك ،و في كل مرة كانت تولني دعوة لعرس ما كصت اسمي العروس الجي . اين هي ريحك لتحملني الى الوورة الاخررة فأتذكر و كأني اعيشها مجددا، قيامة الريح ال غررها يصفعني عاصفة هوجاء تحملني الى حوون املعاني فأترنح برن الحقيقة و الخيال ،امتص من الحياة رحيق العبارات املارة على موكب احزاني ،تلمسني كلماتي فانطلق فيها لكتابة رواية الشهيد. يقال ان الثورة تأكل ابصائها و لكنها اكلت املهبل الذي ولدوا مصه، حيث تنتور الثورة للجماهرر اللذين يغرقونها في دمها من فرط الحماس ،و بعد ذلك توضع الثورة في مطابخ التاريخ و تدخل الجماهرر في طور الخيانة. اليوم ال يعرف الجزائريون من شهدائهم املليون و الصوف املليون سوى اسماء قليلة ،يظصون بذلك انهم مجدوا التاريخ .كل 223
مدينة الظالل البيضاء الجزائريرن شهداء اليوم بطريقة او بأخرى و كأنه قد كتبت عليهم الشهادة الى الابد . لكن هل يعرف الجزائريون اسرار املحبة و تقبل الاختالف الذي يحمله ذلك الرقم الكبرر! ال اظن ذلك فهم يظصون شهدائهم ارهابا مقدسا كان يقتل من اجل القتل ،لم يعرفوا ابدا ذلك الوجه البريء لرجل يتذكر حبيبته في ثانيته الاخررة قبل املوت، لطفل يتذكر وجه امه بوعوةة من فرط التعذيب ،لبشر كانوا مثلصا يحبون و يكرهون ،يمارسون الجنس و العادة السرية، يقرؤون الجريدة و يحلمون بالحب و بعمل و بحياة ،من يضحي بنبض قلبه ليعيش الاخرون لتعيش بلد بأكملها ال يمكصه ان يكون روةوتا مثلما يسوق لهذا الشعب املسكرن.الشهداء لم يكونوا متعوبرن لم يقتلوا الاخر لديصه او لغته او فكره ،بل كانوا يجمعون كل شتات فكري و يفرون ألول حضن دافئ و يحلمون بودر يحملهم فيه الى الابد. هم بشر ،كانوا بشرا صدقوني! ليسوا إال بشر. و انا واقف هصا امامك مديصتي في هذا السن التعيس اشعر بالقوة امامك ،تمديصني بقوة أالهية ال انهزامية تشبه الوقوف في 224
مدينة الظالل البيضاء ممر،يقف على بابه املوت من جهة و تقف الحياة من الجهة و الاخرى كأقطاب مغصاطيس متقابل ال يمكنهما املرور اكثر ،كلما اقف امامك اتذكر انه ال يمكن ال للحياة و ال للموت ان يهزما قوتي في املقاومة و التذكر، كما اتذكر نفس ي في شبابي املزهر ،اتقوقع في ذاتي محاوال خلق نفق حلزوني يختور الزمن الصل الى حيث كان سني ستة عشر و نوف تقريبا ،سصة الف و تسع مائة و اربع و خمسون .في تلك السصة هبت ريح الثورة الجزائرية مزهرة امال جديدا لهذا الشعب، كانت الارواح البطلة تزهر من كل رةوع هذا الوطن و كأنهم ولدوا لوصاعة الثورة ،كان بداخل كل جزائري تصرن يصفث الصرران ،و كانت الصار من تلك ال تختار ما تحرق و لكنها احيانا تختار ان تدفيء جسدا ما في حضنها. كل ش يء في الجزائر كان يبدوا غاضبا ،و اجهزة القمع العصورية كانت تدخل الرعب في الساكصة الجزائريرن ،و كوني كصت اقطن في حي عربي فهذا جعلني اتذوق ما تذوقه اخواني الجزائريون. ال سبيل لي لكي اجادل نفس ي انا جزائري ال اعرف سماء إال هذه السماء هل يعقل ان استبدل وطني بوطن اخر . 225
مدينة الظالل البيضاء كصت ارى امي و هي تولي لليسوع لنقاذ الارواح لم اكن متأكدا اي ارواح كانت تقود ،و لكني كصت اعلم ان اليسوع لن يقف سوى مع املصتور ولن يستجيب سوى دعاء الغالب في النهاية. تمتمت مع نفس ي كوالة ذاتية و طلبت من الاله القابع في جسدي ان يلهمني انسانيتي اكثر ألتجاوز قبح املسافات العرقية بعض اصدقائي في الحي اصبح يصاديني البحري على الرغم من اني لم اكن بحريا البتة ،و لكن رةما الني واصلت دائما زيارتي لساحل املديصة الحاور البحر سموني كذلك ،و كان الحي الاوروبي غرر بعيد عني كصت اتصقل اليه كما اريد رغم املضايقات ،فانا فرنس ي ايضا و كصت اعود لحي العرب بال مضايقات كذلك فانا جزائري ايضا. لم اقسم نفس ي و لكنهم قسموني ،و لم اشاء ابدا ان اكون نوفا و لكنهم فعلوا ذلك باسم الاستعمار و بأسماء اخرى ،و لكني اليوم و انا اكتب هذا بت نوفا حقيقيا حرن غادرني نوفي الاخر، واعود كامال بمالقاته ان شاء مجصون باب الواد. استفدت من دروس مدام نانس ي و اصبحت بعد سصة من اندالع الثورة التحريرية اعزف على البيانو في احدى كباريهات املديصة (كباري لرزامورو) ،كصت اتقاض ى اجرا جيدا مكصني من شراء ما 226
مدينة الظالل البيضاء اريده من مالبس و ان ابقى دائما في صورة الاوروبي الذي يهتم بهصدامه ،و كذلك كصت انعم على اصدقائي الجزائريرن ببعض املال احيانا ،حيث اصبحت لحد ما ممون من لم يتمكصوا بسبب الظروف التي خلقها الاستعمار في ان يظهروا في صورة الشباب او املراهقرن. كان علي ان اصصع عالمي من حولي ،و كان الكباري بصخبه احيانا بووت الواكووفون الذي يدون حول جدارانه البنية و السوداء و الذهبية ،و تلك الطاوالت املغطاة باألسود كديكور جصائزي محزن و مفرح في نفس الوقت .و كانت رؤوس غرر مفهومة الشكل مرسومة على الحائط ،و زجاجات املشروةات الروحية تتوزع على الكباريه كمرعى لألرواح الشاردة ،و تماثيل عارية تخرج من نباتات كانت تزين بها زوايا الكباريه ،و رقص مختلف الاشكال كان يرسمه الاوروةيون على مسامع الجزائريرن اللذين لم يعرفوا بعد معنى للسعادة. كانت اختي الرن في سن الحادي عشر لكن من يودق اصبحت اطول مني تقريبا ،كان قوامها غرر عادي ،تقول امي انها قد كبرت قبل الوقت ،كانت تبدوا امرأة رغم سنها الوغرر ،و قد كانت تختار مالبس الكبار دائما ،لطاملا كان بعض الشباب يحاول 227
مدينة الظالل البيضاء التقرب لها غرر ابهرن بسنها اذ ال يستطيع اي ذكر كان مقاومة لهيبه ال نظرة تقع على جسدها بل كلها لسعات . كالمها كان يدعم قضية الجسد ضد السن ،و لكن بالنسبة لي مازالت دائما اختي الوغررة . امي هي هي ،املرأة املؤمصة التي تعيش في حداد على زوجها ،و انا ذاتي انا ابحث عن ابي في اي ش يء حولي. كل التفاصيل الوغررة من حولصا كانت تنبؤ بقدوم املخلص ،اما فلم اابه لش يء الا ان صوت الثورة الجزائرية كان يسليني اكثر، على الاقل اصبح لهذا الشعب صوت على الاقل وجد أالئك الاستعماريون العصوريون الصازيون الحمقى من يوفعهم على خدهم . كانت الايام تمر كومضة سريعة تذكرنا ان الحياة قوررة جدا ،و كان كل يوم يمض ي بدون اب او رائحة مصه او ش يء ما يشبهه . الى ان اتى ذلك اليوم الغريب حيث تهاوت صخور ذاتي على قارعة وجودي ،قالت القيامة في ذلك اليوم اني اريده بشدة ،كصت هصاك في مقهى في شارع ديزلي كصت هصاك ارتشف بعض العورر و اكتب 228
مدينة الظالل البيضاء ما كصت احسبه شعرا ،حرن مر من هصا شاب كاد يدحرج روحي اليه ،كان شكله وسيما جدا كان يبدو مستقال عن الجميع كانت مشيته تبديه متحررا من كل ش يء ،و كانت عيصاه تلهب الشارع و تصثر هرومونه بطريقة هيسترريه . لم استطع محارةة شهوتي حينها ،وقفت في مكاني حاولت ان ابتسم له لكني لم استطع اما هو فلم يلمحني البتة ،تأملته جيدا و كدت ادخل في الفلسفة ،تكرست كل الوجوه دفعة واحدة و عرفته انه هو الشاب الذي عانقني في بستان البرتقال قبل اشهر. رحت اتبعه و انا اناديه و افكر في نفس الوقت مذا سأقول له يا ترى! كصت اجري و اتخيل نفس ي وانا احادثه ( :اهال انا ذلك الشاب الذي بوقت في فمه ،هل تتذكر؟ اشتقت لك). تبعته و لكصه اختفى برن الحشود برن فيصة و اخرى ،توقفت في مكاني و رحت ابحث عصه و لكن لألسف لم اجده ،عدت خائبا الى املقهى و جلست هصاك و كتبت على الورقة ( مر ابي من هصا و غادر) . اكملت يومي ذاك و انا اقرا على نفس ي تعويذات الليلة الاخررة خوفا من اي تفجرر كان من اي جهة ،دخلت الكباري و بدأت 229
مدينة الظالل البيضاء عزفي كالعادة دخل اصدقائي جزائريون كانوا و فرنسيرن كان عددهم سبعة ،لكن كل ما الحظته في البداية كان ستة اشخاص اذ لم الحظ الشخص الاخرر الذي يرتدي قبعة مصحصية تغطي نوف وجهه إال عصدما اقتربت منهم. نزلت من املصوة و ذهبت اليهم مستعجبا و فرحا في نفس الوقت، لم يكن من عادتهم زيارتي في الكباريه ،عانقت الستة و رميت يدي الى السابع لكي اصافحه ،خلع هو قبعته فتوجست في مكاني و كذلك فعل . لحظات عميقة من التأمل رأيت فيها الكون بأسره ،وجهه كاد يوعقني .عيصاه،شفاهه ال ش يء فيه معتدل ،كل ش يء حار و ملتهب،لقد كان هو هدية حقل البرتقال ما الذي اتى به الى هصا ،لم افهم ش يء نظرت في وجه صديقي محمد فقال لي( :هل عرفته؟) استحيت ان اجيب ،انا احمرت وجصتاي و ابتسمت و ارتشفت بعض اللعاب و انا اتسائل مع نفس ي (:يا ترى كيف تمكصوا من معرفة الحادثة؟! لم احكي لهم شيئا انا حينها ). ثم اردف محمد( :فكر قليال ).
230
مدينة الظالل البيضاء فرديت انا ( :ال لم اعرفه اسف! ) فرد محمد ( :ذاكرتك قوررة يا جان بيار ،هذا خالد صديق الطفولة). نظرت اليه حينها وكأني ال اصدق وجودي في هذا العالم ،قلت في قلبي حينها و قد بدى الشوق متأهبا على وجهي ( :لقد فعلتها شجرة البرتقال تلك) حاولت ان امصع سارة عن التورف بحرية ،سارة التي حبستها في قلبي طيلة تلك السصوات حاولت الظهور ثانية ،و هي ترتدي لباس الرقص الشرقي ال اعرف كيف كبحتها ،تورفت و كآنها ليست موجودة ،و عانقته كوديق يشتاق له كاب ضائع و ابن ال يتوقف عن العصاق .ال افهم سبب وجوده في تلك اللحظة سوى لكي اعانقه ،عصاق املالئكة الساقطة املتمردة املتكبرة على الشر الابدي ،تمتمت في قلبي كلمات الشوق و احتضنته و كأني ابني قالع املجد فوق حوون الزمان ،و عانقني هو بابتسامته املذيبة للجروح و اسصانه الوغررة ،فبكيت في صدره و كأني وجدت ابي اخررا ،ليصقض ي موسم البرتقال الى الابد .لم اقل له شيئا في ذلك
231
مدينة الظالل البيضاء تأملت زر كف قميص يتدلى فقلت له ببساطة(:سأخيط لك هذا الزر املتدلي ان اعطيت لي قميوك فيما بعد). ضحك هو ،و انا قلت له بذلك كل ما في قلبي ،قلت له اني احبه و لم انسه ابدا ،قلت له بذلك كل ما كان بإمكاني ان اقوله ،كل ما كان يجب ان اقوله و كل ما لم يكن يجب ان اقوله . اكملصا سهرتصا تلك على الطريقة الامريكية ،احتسيصا الويسكي و السعادة و قضيصا وقتا ممتعا بالرقص ،و على الرغم من ان خالد لم يكن بارعا في هذا الاخرر إال اني كصت ارى فيه اجمل راقص في العالم . نسيت كل ش يء و انا اتحرك امامه ،و كان الكون بأكمله بداخلي و كان املجرات تدغدغ شراييني و كأني انس ى ان الكون يسبح بداخلي ،و كأنه ال ش يء بداخلي ألطرر لعيصه و كأنه ال ش يء بداخلي سواه . عدنا للحي في املساء و في الطريق كانت املديصة تضحك لصا في اعلى نقطة في سلم ريشتر ،اضوائها و بيضاها الليلي املضطرب ،و سرابها الحقيقي كصا نضحك كالعادة ،و امسكصا ايادي بعضصا
232
مدينة الظالل البيضاء البعض و رحصا نمش ي و كأنصا جصود معركة ،و كصت انا اسرح في كف يده و كأني استلمت لتوي ،مفاتيح كل املدن في العالم . لم اكن اصدق ان العالم كان صغررا هكذا ،شوارع املديصة لم تكبر لم توغر مازالت نفسها تبحث عصا ثانية ،و ها نحن ذا ! زار خالد بيت محمد ،كان يبيت عصده و بالرغم من انه كان يجاورني فيض املسكن إال اني كصت اراه بعيدا جدا ،كصت اقف كل ليلة امام الصافذة انتظر قدومه ،و كانت سارة التي بداخلي تجلس على زاويتي الحادة تتألم الفراق ،مازالت لم تحضصه بعد مازالت لم تتذوق شفاهه ،مازالت مستيقظة بداخلي كراقوة ابدية ترقص التانغو وحيدة تبحث عن راقوها الوحيد. هل غريب ان اشعر ان الكون هو انا و اني انا الكون ،هل غريب ان اتحسس املجرات بداخلي و هي تدغدغني ألضحك رغم الالم، هل غريب ان انس ى ان الكون كله بداخلي و اطرر اليك و احبك و كأنه ال بداخلي سواك. كم علي ان اذكرك اني انا الكون و انك اكبر مني ،و ان الكون بأسره يغدو فراغا امامك حبيبي.
233
مدينة الظالل البيضاء كان هو و كصت انا ،و كان بينصا حاجز شفاف ال نعرف مصبته لصقتلعه و نرتاح،كان بعينيه لهيب دافئ يقد احالمي الوردية من جديد و يوقظ الصبض الحقيقي لقلبي ،حيث كصت اعامله كوديق محاوال كبح سارة في أي لحظ عن الخروج حيث اصبحت أالزمه كل الوقت ال اتركه يغفل ابدا عن عيني ،لقد كان شمسا انارت ظلمتي املعتمة. لقد كان جسده يرديني في مقتل ال اعرف كيف اصف شعوري و انا أالحظه يتحرك امامي ،جسده الصحيل و املفتول ،اصابع يداه املوصوعة ،بإتقان شفاهه الوردية ،اسصانه الوغررة و املوطفة كلؤلؤ ،مؤخرته املرفوعة ،ال اعرف كيف اسمي انجذابي له ،انها متالزمة سارة ال استطيع ان احتفظ بها لصفس ي ،كصت اتلعثم عصد الحديث معه حتى اني اصبحت مضحكا للغاية ،ال اعرف كان ش يء ما يجعلني اشعر بالدوار امامه فاقد قدرتي على الاتزان. انه الهوس. و على قدر ما كان بإمكاني ان اتحمل الهوس كصت ال اتيق نفس ي و انا احارب في معركة التضاد في املسافات الشفافة التي بينصا ،لكن مشهده وهو يحمل اختي فوق الدراجة لم اكن اتحمله فقد 234
مدينة الظالل البيضاء تجمعت كل الوساوس الى راس ي و لم استطع تحملها ،اختي الوغررة تحولت فجأة لعدوي اللدود فقد كان يتورف بطريقة كانت تفقدني صوابي ،چاذ كانت تبدوا عليها عالمات السعادة املفرطة كان يدللها تدليال غرر عادي. كصت اتسائل مع نفس ي كالتائه( :هل يظنها سارة؟ و لكن هل هو غبي لهذه الدرجة الم يالحظ انها طفلة صغررة ) كان شعرها يتطاير ليالمس شفاهه ،و هو يتقدم بها بالدفع الرةاعي على الدراجة ،كصت أتأملها كالوبي الوغرر الذي سرقت لتوه مواصته . احدى عشر ،اثصا عشر ،او ثالثة عشر ،او مليون سصة ال اكترث لسنها،و لكنها هصاك تعوي على ما اهدتني شجرة البرتقال و هي تصافسني في حبيبي. لقد اشتدت غررتي ،حتى ان معاملتي أللرن في البيت قد تغررت كثررا ،اصبحت ابدي الكثرر من الغضب اتجاهها ،انفعل في وجهها ألتفه الاسباب اما فكل ما كانت تقوم به هو الضحك و السخرية مني و كأنها تتجاهل كل مشاعري التي لم اعبر عنها اصال.
235
مدينة الظالل البيضاء كان يحدث كل ذاك مع احتدام احداث الثورة الجزائرية ،موازية لثورة الداخلية في كبح فيضان ذلك الحب الجارف. امضيصا معا اياما تصكرية انا العب دور الوديق الوفي الذي انتظر صديقه املفضل ليعود ثانية ،و هو يلعب دور املراهق العادي الذي قاوم قساوة الحقول التي لم تجعل مصه مقرفوا وسط اكوام من الحجارة ،و اختي تتصكر في زيها املرفولوجي الذي يبيدها اكبر من سنها بكثرر ،و حيصا الذي يمثل دور التعايش وسط هذه الحرب التي تبدوا انها ستحرق الاخضر و اليابس. كان خالد يمرر معاناته بشكل خافت الى جسدي يوقظني من احالمي ،كصت اشعر بحزنه و بالقوة اللهيبية التي كانت ترتسم على محياه ،كلما شاهد علما فرنسيا كصت افهم سر تلك الغبطة، كصت افهم سبب ذلك الغضب املتجلي في تورفاته . بدى انه سيبقى مطوال هصا لكن لم افهم كيف لعائلة جزائرية تمالها مفاهيم الحرمة ان تستقبل رجال غريبا لكل تلك الفترة، فهو كان يقارب التاسعة عشر و هذا السن قد يكون سصا مصاسبا جدا للزواج هصا.
236
مدينة الظالل البيضاء كصت انتظر بفارغ الوبر خبر طرده من بيت محمد الستقبله انا في بيتي ،فقد اجابني مرة و انا اساله انه يبحث عن عمل هصا اذ يصوي الاستقرار في الجي. ال استطيع ان اصف لكم مدى سعادتي بذلك الخبر لقد حلقت بعيدا فيه ،لقد رأيت سارة في ذلك الوقت تتجمل باألبيض ،و رأيت خالد ببدلة العرس السوداء و على كتفه يتوشح البرنوس ،و رايتصا معا انا كامرأة تتحول في لحظة لرجل يرتدي نفس اللباس، ليأخذني خالد في احضانه و اقول للعالم بأسره باني احبه و انه يحميني من كل العالم ،و حبات الرز تتساقط بينصا لتبارك حبصا اللعرن. اريني ايها العالم ما في جعبتك . اه هذا كل ما لديك اسف اذن سأختار حبيبي حبيبي. كانت تمر الايام و يزيد فيها اضطرابي و غررتي ،لقد كان خالد يعامل الرن بطريقة مستفزة ملشاعري. ما به ا ال يعلم انها صغررة او انه يظن انها سارة ! و لكن كيف يظن انها سارة فسارة اجمل منها بكثرر ! 237
مدينة الظالل البيضاء اانفومت شخويتي بطريقة عويوة اذ بت كائصرن بشريرن بجنس مختلف ،قريب للخصثى فقد اردت ذلك الرجل بكل جوارحي و قوتي اردته كبركان يشتعل غضبا ليبتلع مديصة في حممه الارجوانية . كانت تمض ي ايامصا كالبلهاء نضحك كثررا و نعمل قليال ،خسرت عملي ألجله بت بال عمل برن ليلة و ضحاها ،عمر السابعة عشر سن غرر مصاسب ابدا لعمل جاد ،العمل املصاسب لي ان احب لكن تلك الاخت الشمطاء ال تريد ان ابدا ان تتورف كبنت في سنها. قالت لي ( :جان ماذا تتمنى في حياتك؟) اجبتها في قلبي ( :اريد ان اتخلص مصك ) قالت لي ( :ليست لديك امصية ا ال تتمنى ان تكون جميال مثلي مثال) اجبتها انا( :ال اريد ان اكون في السن الحادي عشر او الثاني عشر في حرن اصدقائي يأكلون الايسكريم ابدو انا مستعارا من سن اخرى ،اكبر و اتشقلب في سن ليست سني). ادارت وجهها للجهة الاخرى و قالت ( :غيور).
238
مدينة الظالل البيضاء ذات يوم و انا امارس الجصون مع اصدقائي الذي بلغ ذروته فقد حاولصا ألول مرة وضع الشمة تحت شفاهصا ،لقد كانت مقرفة حقا شعرت بالدوخة و لم اجربها ثانية ،ندى احد الاباء الجزائريرن ابصه : (يا امرن روح تولي نعدين يماك ) (خالص صليت مع لقور ( الفرنسيرن ) ) (تتمصيك بيا يا وليد القحبة اه ) لقد كانت مثل هذه املشاهد الكوميدية تتكرر مرارا و تكرارا في الجزائر ،توور مشهد الدين في الشخوية الجزائرية املحافظة عليه و املتمردة عليه في نفس الوقت ،حيث يقدس هللا هصا بشكل رهيب و يشتم كذلك بصفس الشكل ،فاهلل هصا ككرة القدم يتقاذفه الصاس بينهم كما يشاؤون كل حسب مراده يرفسونه بأرجلهم ،و يحبونه بقلوبهم. و في ظل ذلك الالتواء وقفت انا في غرفتني كالعادة انتظر حبيبي لرزورني مرة اخرى فتحت الصافذة وطلبت من السماء ان تعيده لي ثانية و رحت ألنام . 239
مدينة الظالل البيضاء غفوت قليال رةما لبضع دقائق فقط ،و اذا بووت خافت من نافذتي املفتوحة يصاديني جان جانو انهض. نهضت مظطرةا قفزت الى الصافذة و انا البس غطاء الصوم الويفي كما يرتدي البوذيون و الهصود البستهم الدينية و هم يرتشفون السماء في تواضعهم . _(من هصاك ؟) _(بلولو ( شبح ) ) ارتعد جسدي بالرغم من اني لم اكن اؤمن حقا باألشباح ،و كان ردي بسذاجة _(اه اذن انتم موجودون حقا!) سكت الووت لبرهة ثم انطلق يضحك مقهقها لقد كان هو خالد.في ذلك الوقت توقف الكلمات عن التعبرر ،وقفت على فوهة لساني الذي شعرت انه قد تجمد. صعد خالد و هو يحمل كل احالمي معه و قال لي متهكما بصظرات حب فياضة 240
مدينة الظالل البيضاء _(اين هي سارة؟) اجبته انا و كأني ال اعرف شيئا (:عن اي سارة تتكلم؟) رد هو و قد امسك خسري بكال يديه : _(سارة جميلة جدا و احببتها اكثر من اي سارة اخرى). ثم هز خسري بيديه ،و قال لي سارة التي تهز خسرها هكذا . تملكني الضعف في تلك اللحظة املبهمة ،تصقوني درجات قليلة التجمد من فرط الحرارة التي اخترقني بها في ذلك الجو املقدس. قال هو( :سارة هل نسيتني لقد عدت ألجلك؟!) لم ارد ،ثم قال و هو مبتسم (سارة اعلم جيدا من انت ،و كصت اعلم ذلك ايضا اعلم انك جان بيار). ذهلت انا امام ذلك املوقف ،المست يده و هي ال تزال على خوري تأملها هو ثم اخذني في احضانه بقوة قبل ان ارتشف ريقي بصوف لخظة. (احبك جان احبك اكثر مما تتوور و لقد اشتقت لك كثررا )
241
مدينة الظالل البيضاء بكيت انا في ذلك الوقت و قد عاد ابي ثانية الى حضني يحضصني ،و كأني طفل صغرر ال يفهم ما يقول ،لقد كان البدر ساطعا في ذلك اليوم يحرك فيا عواء الذئاب ،يدحرجني الى درجة الغليان ،حملني خالد برن يديه رفعني من مؤخرتي و توببت انا عرقا على كتفه ،كصت اعلم اين سأذهب و استسلمت لذلك الشعور و هو يستحذوني ،انها الشهوة املمزوجة بالذهب ،الشهوة املمزوجة بالحب الخالص . وضعني على السرير و تأمل شعري الذهبي املكور ،و تأملت انا ثغره الباسم و عيصاه القويتان ،لقد تسلطت علي رجولته و لم افهم ما كصت فاعال امامه ،و توورت عاجزا امام البحر الكهرةائي الذي كان يتخبطني فيه ،و انا مستلق تحته كما يستلقي البحر اسفل السماء. قال لي كما كان يهمس لي القمر دائما : (جان بيار احبك) سمعتها كالوالة و تدفق الاندرنالرن في صدري يغلف تلك الكلمة لررسلها من ذاتي ،كعطر جنس ي انفتح ثقب مؤخرتي جيدا يريد هذا الرجل امامه بشدة ،و زاد تصفس ي بلهفة و كأني اتقطع ارةا 242
مدينة الظالل البيضاء ارةا امام شموخه حيث اقترب هو و اغلق عيصاه و قبلني من فمي قبلة السكر املجوف ،و قبلني كاالنفجار العظيم حيث انفولت جاذبية الارض عن وجودنا الاثصرن ،و رحصا نتأرجح في بعد اخر مختلف عن الزمكان. نزع مالبس ي و تأملني عاريا ثم قال لي: (ما اجملك جان! ) تعرى هو الاخر و طفصا حول جسديصا العاريرن كما يطوف املسلمرن بكعبتهم املقدسة ،طفصا كطواف الحج و نحن نخمر الشهوة تحت اقدامصا ،قبلني من كل مكان و كأنه يخرج الالم من تحت جلدي، ثار من خاللي و جاب اقاص ي الكون في فراغي،و تجسد الاختراق للصصدمج مع بعض و حرن سال الحبر ليكتب بداخلي انتمائي لخالد تجسدت ارواحصا من تنهيداتصا التي تتموج في الاثرر ،فهمت في تلك اللحظة معنى وجودي و نطقت بوعوةة و كأني احمل جبال كبررا من املشاعر في تلك اللحظة : (احبك خالد).
243
مدينة الظالل البيضاء حضصني بقوة و هو يتلوى بجسدي كاألفعى ،تهصا في تلك الليلة الوماء التي بالكاد كصا نستمع فيه لورصور الليل ،و في الفجر قام و صلى امامي وهو بجصابته و هو عار تماما و تشكر هللا على هذا الحب املجيد و هو يذرف كل ما في داخله في جسدي ،في لحظات تمصيت فيها بشراهة ان امتلك رحما ألنجب له طفله و اسميه (رائع) . ملا ذلك ملا شد رحاله و ذهب بعيدا كصت احتاجه اكثر من ذاتي،تكرر لقائصا في تلك الايام تكرر ملرات كثررة مستشعرا زغب السعادة . كان يمسكني من يدي في الجي و يجول بي كل الشوارع و نحن نأكل الفشار ،كصا نوعد الى القوبة و نحن نرتدي الالوان لصلعب وسط الوشحات الحمراء و الوفراء و البرتقالية و غررها من املالبس املنشورة على اسطح املصازل ،لصتامل بعدها مديصتصا الرائعة و هي تغلي ثورة كونية تنتظر شمسه للبزوغ. كصا انا و هو عصوانا جميال لطهارة روحية كانت لتتغمد هذا الوطن بعد الاستقالل الامر الذي لألسف لم يكن.
244
مدينة الظالل البيضاء لكن ش يء ما غرر طبيعي كان يحدث فقد كان خالد يختفي ليومرن او ثالث ثم يظهر ثانية لم افهم ما كان يفعله ،لم ادرك ذلك الا عصدما وضعته في الامر املحرج انتظرته في غرفتي اوصدت الباب جيدا ،اوصدت الصافذة ثم سالته عن ش يء كصت اعرف اجابته بحدس ي قبل ذلك. قبلني من شفاهي قبلته مرترن انا كذلك ،و رحت ابحث عن طريقة الوصل له سؤال بشكل يدفعه ليقول الحقيقة. _(خالد اين تذهب عصدما تختفي اليام ؟انا اشتاق لك) _(اكون في اي مكان يمكصني فيه ان احبك جان) . _(خالد قلي الحقيقة ارجوك لست غبيا). عانقني و هو يضحك ميصوش ي ميصوش ي شحال نحبو ( كم احبه). _(ليس وقت املزاح عليك ان تخبرني الحقيقة). سكت قليال ثم قال لي (:هل تريدني ان اودعك الوداع الاخرر؟) _(ال و لكني اريد ان اعرف الحقيقة ،ايضا هل انت معهم؟)
245
مدينة الظالل البيضاء _(من هم ؟) _(الابطال اللذين يحررون بلدنا؟) _(بلدكم؟!) _(نعم الجزائر). _(نعم انا معهم). _(تبا عرفت هذا ) _(هل ستسلمني للشرطة؟) _(ال ،الا اذا لن تأخذني معك !) _(الى اين ؟) _(ألنظم لألبطال ). _(و لكن)!... _(و لكن ماذا؟ هيا فلصذهب الان( _(دعني افكر قليال). 246
مدينة الظالل البيضاء _(فيما تفكر؟ هل تحبني خالد؟) _(نعم احبك). _(هل تثق بي؟) _(نعم). _(دعني احرر معكم بلدي ارجوك) _(حسصا دعني اسأل لخو) اتذكر اني في ذلك اليوم شعرت بفرحة كبررة لدرجة اني مارست الجنس معه بكل الشقلبات املمكصة ،جلست في حجره و تقلدت عرشه و تمردت عليه ،و سيطرت انا على العالقة في وضعية كصت فيها اشبه باملرأة ،لم اكن اريد شيئا سوى ان اعبر عن حماس ي الثوري و ان اتشكره. انتظرت بعدها ألسبوعرن لم يأتي خالد ،تمصيت لو تنشق الارض و تبلعني ،كصت اظن انه لن يعود ثانية ،و لكصه عاد عاد و حمل معه خبرا مفرحا ،لقد قبلت كمصاضل في صفوف جبهة التحرير الوطني. لقد اصبحت ثوريا يا ابي ايصما كصت... 247
مدينة الظالل البيضاء و اصبحت ثوريا في وجه العصورية و التميرز الذي كصت اراه متجوال معي في كل مكان ،في وجه الظلمة في وجه الفقر الذي كان يأكل اللوحة الزيتية الجميلة في الجزائر،كما يأكل الزمان الاوراق الصاشفة . اخذني صوب بيت في سانتوجرن فتحت امرأة جزائرية في هصدام فرنس ي و اعطتصا مالبس البهلوان،لم افهم ذلك .قال لي خالد هذه هي مهمتك الاولى ،سألته ماهي ان اكون بهلوانا! قال ( :نعم) ضحكت حينها بقوة لم اكن اظن الثورة بهذه الوبيانية ،قال لي خالد اني سألبس هذه املالبس و سأتجول بائعا لحية بابا ( غزل البصات) في الجزائر العاصمة في الحي الاوروبي ،حرن ستاتي سيارة تحملني معها علي ان انورف معها. و كذلك فعلت على الرغم من ان املشهد كان يبدو مضحكا الا اني تحمست له كثررا ،فقد كان هذا اول عمل نضالي لي. لبست املالبس صباحا ،سألتصني امي باستغراب: (ما الذي ترتديه جان؟) 248
مدينة الظالل البيضاء قلت لها ( :انت ترين بصفسك اصبحت بهلوانا). ضحكت اختي الرن و قالت لي: (اتشكر اليسوع انك عرفت حقيقتك يا بهلوان). ما ابغض اختي الرن ولكني كصت احبها كثررا ،اردت ان اعطيها القليل من غزل البصات و لكن حينها ادركت امرا مهما ليس لدي الالة التي توصع لحية بابا. خرجت بحالتي تلك على الساعة السابعة و نوف صباحا ،وجدت خالد ينتظرني هصاك ،قال لي ( :الامر سهل ساجد رجال يبيع لحية بابا هصاك و سأبيع معه ) اوصلني خالد للمكان املتفق عليه و سلمت على الرجل البائع ،ثم ذهب و تركني وحيدا ،و بدا الاطفال يتجمعون من حولي و رحت انا أالعبهم و ابيع لحية بابا لهم احيانا باملجان ،انتظرت ملدة ساعة هصاك و جاءت سيارة توقفت امامي تأملني السائق و نزع نظارته و كشف عن عيصاه ،و هز رأسه طالبا مني الوعود. ركبت انا معه السيارة عصدئذ لم يتكلم معي البتة ،لم احاول دفعه للحديث ان يومت احسن ،كان خوفي كبرر لدرجة ان 249
مدينة الظالل البيضاء امعائي كانت ترقص السومبا و لكصه لم يذهب بعيدا بالسيارة طاف باملديصة و اعادني تقريبا لصفس املكان ،الى بيت كان بإمكاني ان اذهبه بمفردي دون حاجة للسيارة ،لم افهم السبب الحقيقي لهذا ملا وصلت وجدت مجموعة من الرجال هصاك ينتظرونني، طلب من الكل ان انزع مالبس ي استحيت ان افعل ذلك و الكل هصاك محدق بي ،و لكني فعلتها من واجب الصضال ،و لم ابقى سوى بمالبس ي الداخلية .اخذتني احد الاخوات الى الدش و اعطتني مالبسا و طلبت مني الاستحمام ريثما تعد لي القهوة . لم افهم شيئا اهذا هو الصضال اين القصابل اين البصادق اين القتال الثورة بهلوان يا جان ا تودق هذا ؟! نعم الثورة بهلوان غاص في الوانه بابتسامة مزيفة ،يطوف حوله الابرياء ليبيعهم غزل البصات و سرعان ما يأخذ دش و يتغرر وجهه عصد اتمام املهمة ،و يهم في حساب الارةاح . علمت بعدها اني كصت احمل موادا متفجرة في زي البهلوان ذاك ،و ان التحرك بي بالسيارة كان فقط للتمويه على الطريق الذي سلكنها حسبانا ألي مراقبة محتملة. 250
مدينة الظالل البيضاء ال افهم كثررا في هذه الخطط ،كصت انفذ فقط و مع الوقت اصبحت انفذ العمليات املوكلة لي بدم بارد و اعود ألكمل يومي و كان شيئا لم يحدث. لم توكل لي مهمات صعبة كصت انقل الطرود و الرسائل ،و لكن خالد كان مصخرطا بشكل تام في الحرب البوليسية لم اكن اعرف شيئا عن مهامه،و لكصصا كصا نقض ي امسيات رائعة يمتزج فيها عرقي بعرقه و ريقه بريقي كان يحب ان يقبل راحة يدي و لطاملا كصت اقبل اقدامه كي اعبر له عن حبي. كصت في ذلك الوقت قد نفضت سارة من سترتي وجعلترن جان بيار خالوا و احببته كما ينبغي. كصا نقض ي ايامصا بال قصاع الكل في الحي بات يعرف قوة حبصا ،و لكن لم يبالي بصا احد .كانت بعض الكلمات تقال في ظهرنا خلسة ك ( نقوشا و زوامل و عطايرن) و لكن نحن ايضا لم نبالي ،فمن يجد حب حياته خلسة ال يستطيع يبقيه خلسة ،فقد كانت قوة رهيبة بداخلي تدفعني الفتخر بحبي له . ايتها الرياح كفي عن عزف الحزن في القوب ،كفي عن مالحقتي في كل زاوية و كانكي تريدن حوري في تلك الصقطة البعيدة في 251
مدينة الظالل البيضاء الزمن .لست اخال نفس ي سفيصة شراعية و لكصك تقذفيصني بكل شاطيء من شواطيء ماض ي ألستلقي ميتا فوق صدره ،اين هو؟ اين هو؟ هل تخالني مجصونا ! استبق الريح ،كانت ليلة عاصفة الريح فيها يكاد يحفر الارض كصت اسمع صوتا خافتا يصاديني ،و دقا على الباب يشبه املوت ،هممت بسرعة خفت ان تستمع امي التي بدا استماعها بالصقص ،مع الوقت جريت بسرعة نحو الباب كانت هي تبتعد اكثر عني لقد كان صوته صوت خالد يصاجيني و كأني اليسوع. مت ايها اليسوع الجل خطيانا و لكن خطايانا لم تمت فتحت الباب كان هو خالد مبتسما ابتسمت له ،ثم وقع مغشيا في يدي لقد كان خصجر مزروع في رئته ،لم يمت بعد لم تأذن له شجرة البرتقال. امسكته برن يدي و اخذته لغرفتي حاولت البحث عن طريقة لعالجه ،فتح هو عيصاه و الخصجر ال يزال في صدره ،طلب مني ان اخرج الخصجر فعلت ذلك بسرعة ،و راح الدم ينهمر مصه كاملاء ،لم افهم ما افعله كيف يمكن لدم الانسان ان يتحول الى ماء بهذه البساطة ،وضعت قماشة على صدره وضغطت على الجرح و 252
مدينة الظالل البيضاء رةطتها على ظهره ،و كان هو يتعور املا بال صوت سوى بعض التمتمات ،و كانه اخرج ما تبقي مصه من صوت في ذلك الالم، قبلته و تذكرت امر الشرطة فتركته على حالته تلك و خرجت من البيت مسرعا ،اخذت معي دلو ماء رحت امسح الدم من الطريق لقد كان عمال شاقا و لكن كان يجب عليا القيام به الداري عن حبيبي قمت باالمر بسرعة و عقلي سارح يفكر فيه ،و عدت الى البيت كما تعود عاصفة رملية مصحية على جذعها الى الصحراء، عدت ألصلي ،عدت لحبيبي ،وجدته هصاك يتأملني متأملا يبتسم احيانا ،و يرتشف اللعاب احيانا اخرى ،استلقيت بجانبه و هو غارق في دمه ،كصت اعلم انه سيموت في اي لحظة .لم احاول املقاومة فكل ما كصت اقاومه هي شعوري البليغ في البكاء ابتسمت له و سألصني هو: (هل تحبني جان؟) اجبته بال ابتسم هو و تامل السقف و قال لي و انا ايضا . ضحكت و قبلت يده ،اذ ال يمكصصا ان نودق اللغة حرن نحب بقلب واحد و قال لي (:جان بيار جريت و جريت صوةك ،و انا 253
مدينة الظالل البيضاء استصفذ روحي في كل خطوة كصت اتمنى ان اموت ثمال برن يديك، و انا ارقص معك على انغام اديث بياف). ابتسمت و خرجت الدمعة الاخررة من عيني رغما عني ،و رحت اغني له اغصية الفي اون غوز( الحياة بلون وردي)و هو يتأملني و يتمزق في نفس الوقت و كأنه يقاوم الالم بمشاهدتي اغني له. انت انت لي و انا لك كل الحياة ،هذا هو قسم الحياة (مقطع من الاغصية). عصدها لفظ حبيبي نفسه الاخرر ،شاهدت عيصاه تتوقف عن الحراك بؤةؤهما اصبح متجمدا كجليد ساكن ،تأملته مبتسما حيا و ميت في نفس الوقت ،رحت اهزه ثم اخذته بقوة و بومت في حضني ،و استمعت في صدري قلبه املتوقف عن الصبض. بكيت بال صوت و انا احضصه و انا اودع سعادتي اخر مرة .ال اعرف اي قوة نزلت علي حينها ،حملته على كتفي و اتجهت به الى سيارة امي ،وضعته في الخلف و اتجهت به غرةا و دخلت الى غابة تشبه الشفق الاخرر للقمر ،حملته في وسط الغابة و قبلته ،ثم مألت فمه بالبنزين و سكبته كذلك عليه و على الاشجار املحيطة و حرقته .اذرمت فيه الصار و كانه لم يكن ابدا حبيبي 254
مدينة الظالل البيضاء حرقت حبيبي حرقته لكي ال تشاركني الارض فيه ،اخذت خاتمه من يده و انورفت مهروال ،و بعد مدة قليلة اشتعلت الصار بكل الغابة و مسحت كل ذنوةه و بقيت انا بعدها جان بيار في مديصة الظالل البيضاء. املديصة التي اصبحت ال تشبه ش يء ،املديصة التي واصلت فيها نضالي الى ان استقلت تلك البالد ثانية ،اما بعدها فكان ما كان و سافرت عنها و كأنها لم تكن وطني، ارض ي الجميلة لست اودعك ،و لست اخالك مالكا وال شيطانا، ارض ي حبيبتي ارجوك قولي ألبصائك انهم متساوون في الكرامة و الحق و الواجب ،و انك ام للكل مهما كان فكره او لغته او ديصه او ميوله الجنس ي جزائري ،ارجوك ال تنسني كما فعلت انا يوما ما . احبك
255
مدينة الظالل البيضاء
وضع خالد يده على كتفي و انا اكتب الرواية ثم اعادها اهلل ثانية الى الجزائر
256
مدينة الظالل البيضاء
كتبت هذه الرواية في السماء
257