الاعمال الشعرية العربية الكاملة

Page 1

1



‫أنور غن املوسوي‬

‫العامل الشعرية العربية الاكمةل‬


‫األعمال الشعرية العربية الكاملة‬ ‫أنور غين املوسوي‬ ‫دار اقواس للنشر‬ ‫الطبعة الثالثة ‪2020‬‬


‫المحتويات‬ ‫المحتويات ‪1............................... ................................‬‬ ‫املقدمة ‪3.................................... ................................‬‬ ‫اجلزء األول قصائد ‪ 2014‬و ما قبلها ‪5.........................................‬‬ ‫املوت و احلياة ‪6.......................... ................................‬‬ ‫حكاايت ‪52 ............................. ................................‬‬ ‫رسومات ‪96 ............................. ................................‬‬ ‫اجلزء الثاين قصائد ‪104 .............. ................................ 2015‬‬ ‫كتاابت النصف االول من ‪104 .................................... 2015‬‬ ‫التجريدية ‪105 ....................... ................................‬‬ ‫الكتابة احلرة ‪112 ..................... ................................‬‬ ‫التعبريية ‪132 ......................... ................................‬‬ ‫التقليلية ‪149 ......................... ................................‬‬ ‫كتاابت النصف الثاين من ‪157 .................................... 2015‬‬

‫‪1‬‬


‫اجلزء الثالث‪ :‬قصائد ‪219 ............. ................................ 2016‬‬ ‫التعبريية ‪219 ............................ ................................‬‬ ‫البوليفونية ‪230 .......................... ................................‬‬ ‫التبادلية ‪233 ............................ ................................‬‬ ‫التجريدية ‪236 ........................... ................................‬‬ ‫التجلياتية ‪247 ........................... ................................‬‬ ‫املستقلبية ‪251 ........................... ................................‬‬ ‫الفسيفسائية ‪254 ........................ ................................‬‬ ‫احلرة ‪257 ........................ ................................‬‬ ‫الكتابة ّ‬ ‫الكتابة املتموجة ‪293 ..................... ................................‬‬ ‫التعبريية القاموسية ‪296 ................... ................................‬‬ ‫العبارات ثالثية االبعاد ‪300 ............... ................................‬‬ ‫ميتاشعر ‪308 ............................ ................................‬‬ ‫التقليلية ‪312 ............................ ................................‬‬ ‫املؤلف ‪319 ................................. ................................‬‬

‫‪2‬‬


‫املقدمة‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم و احلمد هلل رب العاملني والصالة على‬ ‫خري خلقه حممد واله الطيبني‪.‬‬ ‫منذ أن اجتهت كليا للكتابة الشعرية ابللغة االجنليزية يف مطلع (‬ ‫‪ ) 2017‬و تركت الكتابة الشعرية ابللغة العربية كنت أفكر ان‬ ‫امجع كتاابيت الشعرية يف كتاب جامع جيمع اجملموعات الشعرية‬ ‫االربع ( لغات ‪ ،1‬لغات ‪ ،2‬لغات‪ ،3‬لغات‪ )4‬اليت كتبتها بنسخ‬ ‫هنائية بني الفرتة (‪ )2014-2016‬فكان هذا الكتاب جامعا ملا‬ ‫كتبته ابللغة العربية اصال و ليس مرتمجا عن اللغة االجنليزية‪ .‬و‬ ‫لقد قمت هنا جبمع النصوص من دون تغيري او تعديل و قسمته‬ ‫على ثالثة اجزاء‪:‬‬ ‫االول‪ :‬قصائد ‪ 2014‬و ما قبلها ‪.‬‬ ‫الثاين‪ :‬قصائد ‪.2015‬‬ ‫الثالث‪ :‬قصائد ‪.2016‬‬ ‫‪3‬‬


‫و مجيع هذه القصائد قد كتبت ابسلوب السرد التعبريي و ان‬ ‫مجيع مفاهيم و افكار و نظرايت و اسلوبيات السرد التعبريي قد‬ ‫بينته تفصيال يف كتايب " التعبري االديب" ابجزائه اخلمسة و غريه من‬ ‫الكتب‪.‬‬

‫‪4‬‬


‫اجلزء األول قصائد ‪ 2014‬و ما قبلها‬

‫املوت و احلياة (‪) 1997-2003‬‬ ‫حكاايت (‪)2014‬‬ ‫رسومات (‪)2003‬‬

‫‪5‬‬


‫املوت و احلياة‬

‫‪6‬‬


‫القسم االول ‪ :‬املوت‬ ‫الفصل األول‬

‫أانشيد الشتاء تغرق يف الضباب ‪ ،‬ترتك يف ذاكرة الشوارع نشوة‬ ‫‪،‬فأجتمد يف حلمي كشجرة‬ ‫ال تُنسى‪ .‬زواايه الباردة حتفل ابلصمت‬ ‫ّ‬

‫ٍ‬ ‫غاب قدمية ‪.‬‬ ‫*‬

‫الصوت ينحين ‪ ،‬يتالشى يف الفضاء العريض ‪ .‬ليس للكلمة إال‬ ‫أن تسقط يف الوحل ‪ .‬السفن البائسة خترتق أُذين ‪ .‬تلك األزاهري‬ ‫السرمدي ‪ّ ،‬تورثه األجيال و احللم ‪.‬‬ ‫تبتعد‪ ،‬تتقيّأ األمل‬ ‫ّ‬ ‫*‬ ‫حكاايت احلضارة تغرق يف احمليط ‪.‬قيل حىت مياه البحر ‪ ،‬مبا فيها‬ ‫من أساور و تواريخ قد إلتقمها الذابب يف حلظة آسارة ‪ ،‬فصارت‬ ‫معدته ينابيع دافئة ‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫*‬

‫قلب العامل يتقاعد كأرملة ‪ .‬ال مكان حللم اإلنسان ‪ .‬ال دفء و‬ ‫تعري ساقيها ‪،‬تنحين خجلة فما يف‬ ‫ال نشيد ‪ .‬سنابل القمح ّ‬ ‫رؤوسها سوى اهلواء الثقيل ‪ .‬أجل ‪ ،‬للمغيب ألف أغنية ‪ ،‬ال‬ ‫يعرف عنها الفالحون شيئا‪.‬‬ ‫*‬ ‫السنني ترجتف ‪ ،‬قد أكل قشرهتا األطفال ‪ ،‬فلم يبق لإلنسان‬ ‫فسحة تسع إبتسامته ‪ .‬كال ‪ ،‬من الكذب جداً إهتام اجلسد آباثم‬ ‫فحب القمر غري حمتاج لدم الطبيعة ‪.‬‬ ‫اإلنسانية ‪ّ ،‬‬ ‫*‬ ‫ليس يل أال أن أحتضر ‪ .‬و ليس للحضارة الغالية أال أن تسأم كل‬ ‫قطرة صفراء يف احمليط ‪ .‬للشمس إشراقة جتعل الشجر قصائد‬ ‫ساكنة ال تعرف شيئا عن اخللود ‪ .‬هكذا تكذب احلضارة ‪،‬‬ ‫‪8‬‬


‫تتكاثر يف أوردة غادرهتا االجراس ‪ ،‬تتمدد شارعا قدميا ‪ ،‬أثلجه‬ ‫قلّة السائرين ‪.‬‬ ‫*‬ ‫هناك االبتسامة ابردة ‪ .‬ترجتف كنعامة تكاثر رأسها حتت االرض ‪،‬‬ ‫يف أذنيها ينبت الشوك و اجلياع ‪ .‬الدماء متأل السواقي ‪ ،‬تلتهم‬ ‫عروق األشجار ‪ ،‬فيتالشى احللم كبقرة هزيلة ‪ .‬كال ‪ ،‬قلب‬ ‫الفالح ال يعرف الكذب ‪.‬‬ ‫*‬ ‫املدينة تسعل ‪ ،‬تتقيّأ اجلمال ‪ ،‬تصنع من لعب االطفال بنادق‬ ‫وأجساداً معتمة ‪ .‬النساء تستطيل ‪ ،‬تنتفخ ابلصوت ‪ .‬احلضارة‬ ‫تسعل ‪ ،‬تبتدع اتريخ الدموع ‪ ،‬كال اجلمال شيء اخر ‪.‬‬ ‫*‬ ‫كل شيء يدور بال رمحة ‪ ،‬حىت األزهار أصبحت شاحبة ‪،‬‬ ‫يتفجر‬ ‫األرصفة تتقيّأ املوتى ‪ ،‬خالاي رأسها تع ّفنت ‪ ،‬يف أحضاهنا ّ‬ ‫الشيطان كقنبلة – هناك و بربود – يقتل الشمس ‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫الفصل الثاين‬

‫عيناي ميلؤمها الرتاب ‪ .‬أُذاني خترتقهما احلضارة الناعسة ‪ .‬أكاد‬ ‫ال أعرف كيف يتاح هذا اهلواء لرئيت ‪.‬‬ ‫*‬ ‫السيول ما عادت تكفي لتضع ح ّداً هلذا العامل السقيم ‪ .‬جسده‬ ‫شاحب كعصاة ال حراك فيها ‪ ،‬ليس هناك سوى زحف جنوين حنو‬ ‫الظالم الرهيب ‪.‬‬ ‫*‬ ‫أجل ‪ ،‬ال ب ّد من املوت اجلديد ‪ .‬هكذا أخرج من خامتي شبحاً‬ ‫للسالم ‪ .‬أجلد ظهر اجملرة ابلصوت العتيد ‪.‬‬ ‫*‬

‫‪10‬‬


‫الوداين ختتنق ابلنمل ‪ ،‬تنطوي كمائدة للجياع ‪ ،‬تتك ّدس‬ ‫أجسادهم رمالً رخيصاً ‪ ،‬يردم شقوق الشيخوخة يف وجه احلضارة‬ ‫الغاربة ‪.‬‬ ‫*‬

‫اجملرة ‪ ،‬لكي ال يقال أ ّن اإلنسان ال‬ ‫أجل ‪ ،‬الفشل إرث هذه ّ‬ ‫يعرف شيئاً عن اخللود ‪ ،‬و لكي ال أ ّدعي أ ّن احلياة قد تقاعدت‬ ‫يف موسم البذار ‪ ،‬سأخرج بقرة هزيلة متأل األرض ابلنداء ‪ ،‬و ال‬ ‫تدع للمكان فرصة للرحيل ‪ ،‬هكذا تنشطر الكلمة ‪ ،‬كنجمة‬ ‫تسبح يف النهر ‪.‬‬ ‫*‬ ‫العامل يصغر ‪ ،‬عظامه تلتهمها الروائح الكريهة ‪ .‬كال الروح‬ ‫إبتسامة للجمال ‪ّ ،‬أما هذه احلضارة فما هي اال مدينة للموت ‪.‬‬ ‫*‬

‫‪11‬‬


‫العمر جداول قاسية ‪ ،‬متلؤها العصافري ابألُغنية ‪ ،‬تعلّم اإلنسان‬ ‫احلب و احلياة ‪ ،‬أان ال أنكر هبجة املدينة ‪ ،‬و ال أنسى ألواهنا‬ ‫ّ‬ ‫الزاهية على زجاج عدسيت لكن ما تراه من الدموع ‪ ،‬يكفي ألن‬ ‫يصمت اإلنسان قليالً ‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫زنبقة البحر حينما تبزغ أراها ‪ ،‬رغم أنين أانم على وسادة عمياء ‪.‬‬ ‫كم قد ح ّدثين القادمون عن الفضاءات البعيدة ‪ ،‬لكين دومنا‬ ‫وجع نسيت حكااييت و جلست يف الزاوية كعارف كبري ‪.‬‬ ‫*‬ ‫السنني ترجتف قد أكل قشرهتا األطفال ‪ .‬مل يبق لإلنسان فسحة‬ ‫تسع ابتسامته ‪ ،‬هؤالء اجلامثون قد جعلوا من الليل فاكهة غارقة‬ ‫يف النسيم ‪ ،‬لكنها ال تزال معتمة ‪.‬‬ ‫*‬ ‫‪12‬‬


‫التل عن أجماده العظيمة ‪ ،‬و عندما أنسى أسئلة‬ ‫عندما يتخلى ّ‬ ‫لطفوليت ‪ ،‬حينها ميكنك أن تتصور كم هي ضيّقة فضاءات رغبيت‬ ‫‪.‬‬

‫*‬ ‫القمح و الزهور رائدان عظيمان ‪ ،‬يصنعان من طرق املوت‬ ‫غاابت تسحر العيون ‪ .‬كيف السبيل ؟ و ما هنالك سوى طيور‬ ‫جتمدت منذ شتاء بعيد ‪.‬‬ ‫قد ّ‬ ‫*‬ ‫يطل من النافذة دون مق ّدمات جيدة ‪.‬‬ ‫هذا هو العامل اجلديد ‪ّ ،‬‬ ‫تتبعثر حكاايته السمراء بني أغصان الكرم ‪ ،‬كأجنحة بال وطن أو‬ ‫حنني ‪.‬عند الساقية هناك تنتظرين ابتسامة ريفية قلبها الداكن ال‬ ‫تغريت الزهور ‪ ،‬و ماء النهر أصبح‬ ‫يعرف العشق ‪ .‬أجل لقد ّ‬

‫هزيالّ ال يتسع إلنتظارات الكادحني ‪.‬‬ ‫*‬

‫‪13‬‬


‫ملن تقطف األزهار ؟ و ملن تشعل الشموع ؟ املوج حطّم كل‬ ‫فراشة تذوب يف حنينها اىل نسمات الغروب الساحرة ‪ .‬الطرق‬ ‫واهية تدور دومنا رجوع ‪ .‬أصابعي و نداءايت ال تكفي ألجد‬ ‫نقاط بداييت ‪.‬‬ ‫*‬ ‫قص‬ ‫الصمت يتوسع يف نسمات بشريت ‪ .‬يهذي كنوارس حبرية ّ‬ ‫املساء اجنحتها ‪ .‬فال مساء عالية و ال ساحل حبيب ‪ .‬سأختلّى‬ ‫عن فكرة اخللود و احلياة السعيدة ‪ .‬فهذا العامل ال يبق للبهجة‬ ‫ظالّ حينما يتحدث عن رغباته احلبيبة ‪.‬‬ ‫*‬ ‫بدااييت شاحبة ‪ .‬قد استنزف ثياهبا الشتاء ‪ .‬أصابعي تب ّخرت ‪،‬‬ ‫كل حضارة ‪،‬‬ ‫أطاح هبا احلطّابون كأغصان ختتبئ بني وريقاهتا ّ‬ ‫ال أح ّدث أبسرارها العظيمة ‪.‬‬ ‫*‬

‫‪14‬‬


‫كل محامة هتمس‬ ‫كل حكاية ممكنة و ّ‬ ‫إ ّن الطبيعة ابرعة يف إطالق ّ‬ ‫يف أُذين ‪ ،‬ختربين عن ذلك الطوفان الذي سرق أعشاش الطيور ‪،‬‬ ‫فلم يبق سوى بشريت الداكنة ‪ ،‬و عربة سحريّة حنو الضياع ‪.‬‬ ‫*‬ ‫رغم أ ّن الضفادع نقيّة ‪ ،‬أال أهنّا تعشق املياه اآلسنة ‪ .‬و رغم أ ّن‬ ‫تلون وجنيت املساء ‪ ،‬اال أنين ال أجد مسامعي ّتواقة‬ ‫هتافاهتا ّ‬ ‫لغنائها العظيم‬

‫*‬ ‫سأسقط يف البئر ‪ ،‬فلوحاهتا ختلو من األمساك و اللؤلؤ ‪،‬‬ ‫كل موت ‪ ،‬و إغتصاب للخليج ‪ .‬فينام جائعاً‬ ‫أجل الآللئ رسالة ّ‬ ‫على رصيفه الذهيب ‪.‬‬

‫*‬ ‫تلك املستنقعات املتم ّددة كعذارى و سط الظهرية فوق ظهري ‪،‬‬ ‫تلك األيدي ذات األصابع الطويلة جداً ـ تقطفين كأوراق اخلريف‬ ‫بكل و ّد ‪.‬‬ ‫‪15‬‬


‫بكل رقصة ساحرة ‪.‬‬ ‫مرحى أيّها اخلليج السعيد ‪ ،‬فالغروب ممتلئ ّ‬ ‫*‬

‫القدس تتثاءب ‪ ،‬تربز من بني أضالعها مجاجم الطفولة املسروفة‬ ‫‪،‬‬ ‫مرحى إبتسمي أيتها العواصم اجلليدية‪ ،‬إيتها العصور ‪ .‬الليل‬ ‫يسري على ذراعني من إسفلت ‪ ،‬و أان تلك احلجارة القدمية يف‬ ‫رحم االرض ‪ ،‬أُختم شجرياهتا بكل سعال مرير ‪ .‬أسناين لوحة‬ ‫مر‬ ‫للجمال ‪ ،‬و شفيت املتساقطة يف واحة الشوق حكاية ٍ‬ ‫شيخ ّ‬ ‫يوماً بقرييت ‪.‬‬ ‫*‬ ‫إقرتيب ‪ ،‬إقرتيب أيّتها األهازيج ‪ ،‬أيّتها األشالء اليت أعرفها ‪ ،‬ها‬ ‫أان أتوقّف كاملوت ‪ .‬عواصمي يلتهمها اجلراد ‪ ،‬و فمي يذيب كل‬ ‫قارب غريب ‪ .‬مرحى مرحى إبتسمي أيتها احلرية ‪.‬‬ ‫*‬ ‫‪16‬‬


‫تغين الضفادع‬ ‫كل شجرية ساكنة فوق أغصاهنا ّ‬ ‫لقد أهنت الظهرية ّ‬

‫اهلزيلة ‪ ,‬هكذا أخرج خريفيا كالشقوق اخلشنة فوق أيدي‬

‫الفالحني ‪.‬‬ ‫*‬

‫الفصل الرابع‬

‫ها أان أحيا ألرى العامل اجلديد ‪ ،‬ما عدت طفالً ‪ .‬يف فضاءات‬ ‫كل كوكب ينزف ابلسالح ‪ .‬هناك ‪ -‬يف العتمة ‪ -‬يعطي‬ ‫الغروب ّ‬

‫الربود أحفاده دروساً يف إشعال الطبيعة ‪.‬‬ ‫*‬

‫كل الرايح شاحبة ‪ .‬األسلحة ختنق ذاكريت ‪ ،‬تقتحم املكان ‪،‬‬ ‫أبدي للجياع ‪.‬‬ ‫توّزعين رسائل عشق ّ‬ ‫*‬

‫‪17‬‬


‫اجملرة ‪،‬‬ ‫األقالم ال ترغب بكتابة شيء ‪ ،‬فاجلمال هرب خارج ّ‬ ‫يبحث عن عاشقني جدد ‪ .‬العامل خيتبئ يف قارورة قدمية ‪ ،‬حىت‬ ‫االعياد ‪،‬‬ ‫ما عادت تطلق اهلواء اجلديد ‪.‬‬ ‫*‬ ‫أان ال أستغرب كل هذا االمل العريض‪ ،‬فقد تعلمت األسباب‬ ‫الكافية ‪.‬‬ ‫الرغبة جتعل من اجلمال مركبة ‪ ،‬ليس هلا اال ان تصطدم جبوانب‬ ‫الطريق فتحيا ‪.‬‬ ‫راينة كما جيب ‪ .‬أنت‬ ‫هناك ال جتد لألشجار ّ‬ ‫ظالً ‪ ،‬لقد كانت ّ‬ ‫تعرف ‪،‬‬ ‫قلب اإلنسان مدينة من اجلليد ‪ ،‬و ذاكرة توقد يف إعماقه الرعد‬ ‫و السحاب ‪.‬‬ ‫*‬

‫‪18‬‬


‫هناك تنكمش الشوارع ‪ ،‬تطفو يف مساء الصخب كمرضى‬ ‫تدوسهم األقدام ‪ .‬االطفال يتكاثرون يف اآلابر حبثاً عن أسطورة‬ ‫قدمية ‪ .‬حينها كنت طفال ‪ ،‬فاملاضي أطاللة عريضة يعلمين‬ ‫التخفي ‪ ,‬أذاني ثقيلتان كاجلبل ‪ ،‬ال جتد فيهما شيئا من الرحيق ‪.‬‬ ‫*‬ ‫مواسم اخلصب ما عادت متتلك ثياابً تستقبل هبا املطر ‪ ،‬لقد‬ ‫أي خلود تعرف‬ ‫أوصد الربد أبواب أفئدهتا ‪ ،‬مفاصلها هتذي ‪ّ ،‬‬ ‫عيون االنسان الوقحة ‪ .‬خري للتأريخ ان يسال األرصفة متاع‬ ‫سيل قد رمى به الربد اىل جانب عتيق ‪.‬‬ ‫*‬ ‫العامل مشس جائعة ‪ .‬كل ما جييده إشعال الفتيل فيغرق البحر يف‬ ‫الدموع ‪ .‬أجل ‪ ،‬ما زال السيل حيمل ذلك املعىن العظيم ‪ ،‬رغم‬ ‫أنين اصبحت مقتنعا أن اخلرافة تستطيع ان تسكن البيوت‬ ‫املريضة كمركبة حديثة ‪.‬‬ ‫*‬

‫‪19‬‬


‫تتصور غربة األرواح اليت تتعثّر يف‬ ‫كال ‪ ،‬أنت ال ميكنك ان ّ‬ ‫الطريق ‪ .‬البعد أيسر املكان ‪ ،‬و كما ترى ‪ ،‬ما هلذا االنسان اال‬ ‫احلكاايت الشاحبة ‪ .‬اان ال أستغرب كل ذلك الربود يف وجوه‬ ‫االشياء ‪ .‬أعضائي تنشطر كحبّات الرّز ‪ ،‬ختتبئ خلف ابتسامة‬ ‫الليل العريضة ‪ ،‬تتمدد كالوهم يف احلقول ‪ ،‬إهنا جذابة و فياضة‬ ‫‪ ،‬إهنا مبهرة ‪.‬‬ ‫*‬ ‫يف ذلك الفضاء العريض ‪ ،‬الذي ال أنسى ‪ ،‬ال يبقى لإلنسان‬ ‫قارب يسع أطفاالً خيرجون من الفرات ‪ ،‬جباههم السمر قد رسم‬ ‫النهر عليها كثباانً من الرمل الرفيع ‪ ،‬إنين أتذكرها كما جيب ‪.‬‬ ‫*‬ ‫ليس صعباً أن ينزل االنسان من السماء ‪ ،‬و ليس صعباً أن يقف‬ ‫كشجرة قدمية تنتظر البهجة و املوت ‪ .‬أصوات الليل تثخن‬ ‫شرايني االنسان ‪ ،‬فال يسري اخلجل اىل دمه ‪ .‬ها أان أرى‬ ‫الطائف تتكاثر يف املكان ‪ ،‬تدمي جبني النور الرفيع ‪ ،‬فتغرق‬ ‫اجملرة ابلعارفني ‪.‬‬ ‫‪20‬‬


‫الفصل اخلامس‬

‫الغروب يعبث برؤوس االطفال ‪ ،‬ينثرهم يف احلقل فراشات حاملة‬ ‫‪ ،‬فرتتدي األشجار قبّعاهتا الناعسة ‪ .‬توقفي ‪ ،‬توقفي ‪ ،‬أيّتها‬ ‫األقدام ‪.‬‬ ‫أيّتها التعاويذ امليّتة ‪ ،‬فروح االنسان ال حتيا دون صبية يلعبون يف‬ ‫الوحل ‪.‬‬

‫*‬ ‫جترين بنظراهتا ‪ ،‬خيمة قاصية أان ‪ ،‬و مناضل‬ ‫ال زالت االشياء ّ‬ ‫يفتخر بنفسه ‪ ،‬أجل أان الوحيد الذي يعرف معىن احلرب ‪ ،‬ألنّين‬ ‫أحت ّدث عنها بصدق ‪.‬‬ ‫*‬

‫‪21‬‬


‫تغري وجه املاء ‪ ،‬و كذلك احلرب ‪ ،‬تصنع من القلب‬ ‫العاصفة ّ‬

‫أبداي للعابرين فال يبقى للوداين سوى صدور‬ ‫اجلبلي عشقا ّ‬ ‫شمة و أصداء ‪.‬‬ ‫مه ّ‬ ‫*‬

‫احلرب لون قامت للفجر و غناء يسرق قداسة الدموع ‪ ،‬إهنّا حكاية‬ ‫كل ساحل مظلم ‪ .‬أجل ‪ ،‬العيد و‬ ‫مسراء ال تو ّدع أسرارها اال يف ّ‬

‫احلرب ‪ ،‬كالمهما يعزف حلن طيور مهاجرة ‪ ،‬قد انم بني أجنحتها‬

‫صوت الشمس الدافئ‪.‬‬ ‫*‬ ‫للحرب رقصة جهنميّة خبّأهتا يف جبيين منذ عهود ‪ ،‬بني أطالهلا‬ ‫سيقان أطفال عارية ‪ ،‬و فوق مياهها كل زورق يبحث عن شراع‬ ‫‪.‬‬ ‫أنت مل تكن حاضرا بداعة مشهدها االخري ‪.‬‬ ‫*‬ ‫‪22‬‬


‫تطن‬ ‫لقد عاد اجلنود ‪ ،‬لقد عاد اجلنود ‪ ،‬و عواصم أغنييت ّ‬ ‫كبعوضة حنيفة ‪ ،‬تبتلع الضجيج و األسئلة ‪ .‬لقد عاد اجلنود ‪،‬‬ ‫تئن كالثلج ‪ ،‬قبّعاهتم تتيه يف الطرقات ‪ ،‬كعذارى قبّل‬ ‫مفاصلهم ّ‬ ‫جباههن اخلريف ‪.‬‬ ‫*‬

‫ها أان امسع األساطري ‪ ،‬اليت تنزل من هناك ‪ ،‬هكذا سأعود و‬ ‫شفتاي مدينة غفت على أرصفتها تالل غيّـ َر مالحمها املساء ‪،‬‬ ‫تغوص يف رماهلا حكاايت جنود سعيدة ‪.‬‬ ‫*‬ ‫اجملرة كل‬ ‫هكذا أخرج من بني األدغال فجراً جديدا يهدي ّ‬ ‫شيخوخة تعرفها السنني ‪ ،‬هكذا أنزل اىل النهر بقرة تعشق النذور‬ ‫تغرد يف راسها الظالل الغاربة ‪.‬‬ ‫‪ّ ،‬‬

‫‪23‬‬


‫القسم الثاين ‪ :‬االرض‬

‫الفصل األول‬

‫يعجبين لون الفجر ‪ ،‬ميال رئيت أبنفاس الثائرين ‪،‬‬ ‫‪24‬‬


‫فأتالشى يف عشق احلريّة ‪ ،‬عندها ال يبقى للكلمة الصفراء فسحة‬ ‫على شفيت ‪.‬‬

‫*‬

‫عيناي أمحلهما فوق ظهري ‪ ،‬و يداي أصنع منهما قارابً يفيض‬ ‫ابلعائدين ‪ .‬إنتظري أيّتها االفياء ‪ ،‬أنتظري أيّتها الفصول فقليب ال‬ ‫يزال خ ّفاقا رغم هذا العامل اجلريح ‪.‬‬

‫*‬

‫إليك اي سيد الكونني ألف سالم من عاشق غريب ‪ ،‬و للفجر‬ ‫أغنية خضراء من يديك ابتساماهتا ‪ .‬إليك و شفتاي تذوابن يف‬ ‫قلب الزمن الرخامي ‪ ،‬هكذا يذكرين الفجر بكل دفء ‪.‬‬ ‫*‬

‫‪25‬‬


‫اهلم الكبري ‪ ،‬صويت متحجر وسط مدن تفيض ابلنجوم‬ ‫اي صاحب ّ‬ ‫وجنيت كسنابل ضائعة تبحث عن سائرين ‪.‬‬ ‫‪ ،‬تتيه انوارها فوق‬ ‫ّ‬

‫*‬ ‫اليك و انت شاطئ فسيح ‪ ،‬ما عادت تلك القلوب جتيد سفرا‬ ‫اليه ‪ .‬إهنّا االشراقة اليت تنتزع احلدود داخلي ‪،‬‬ ‫فال يبقى مين سوى صوت يتجاوز احلرية و املكان ‪.‬‬ ‫*‬ ‫يداك أرامها ‪ ،‬متسح عن جبيين غبار انتظار غريب ‪.‬‬ ‫ترفعين بداية تصافح أمطارها ‪ .‬فتعلن االرض بدابة موسم‬ ‫النماء ‪.‬‬ ‫*‬

‫‪26‬‬


‫أليك كل فراشة تتمدد فوق أزهار ذاكريت كآللئ حبرية انعسة ‪.‬‬ ‫تتفجر يف السماء و عيناك حتفظ هبجيت حينما‬ ‫كل ابتسامة‬ ‫ّ‬ ‫يكثر الغبار‪ ،‬أيّتها األرض اجلحود‪ ،‬اي عواصم اجلليد ‪ ،‬إنتظري ‪،‬‬ ‫إنتظري النصر ‪.‬‬

‫الفصل الثاين‬

‫سأنتهي يف عشق هذي األرض كفراشة مبهورة بني الغصون ‪،‬‬ ‫فوق رأسها اتج من السنن ‪ .‬هكذا أخرج من بني شقوقها حلما‬ ‫ذاب فوق شراعيه صياد قدمي ‪ ،‬تصافحين سنابل القمح ‪.‬‬ ‫*‬

‫‪27‬‬


‫جتمع حول انرها‬ ‫مفاصلي تغفو بني جفون املساء ‪ ،‬ألواهنا خيمة ّ‬ ‫فتية يضحكون متسح رؤوسهم أايدي الريح و املطر ‪.‬‬

‫*‬ ‫هكذا يتمدد املساء فوق رصيف ذاكريت ‪ ،‬يلثم شفاه األشجار ‪،‬‬ ‫كعاشق عاد قبل عام اىل الوطن ‪.‬‬ ‫*‬

‫تتجمد كالعنرب يف واحات هذي األرض ‪ ،‬إصابع الشمس‬ ‫إوّزايت ّ‬ ‫تعبث بشعري كل صباح ‪ ،‬توّزعين رسائل عشق آسرة ‪ ،‬فينام بني‬ ‫ضحكات سطورها أطفال قرييت ‪.‬‬ ‫*‬ ‫‪28‬‬


‫أجل ‪ ،‬مقاهي احللة تكفيين ‪ ،‬تصنع من أطرايف طائرة ورقية‬ ‫يلعب هبا صبية يف اجلامعني ‪ ،‬ـجل هكذا أتالشى ابقة وردة‬ ‫لعاشق أسطوري ‪ ،‬يف جيبه مدينة من الطيور و الشجر ‪ ،‬ينثرها‬ ‫فوق رؤوس الغابرين ألواان من خبور جديت ‪.‬‬ ‫*‬

‫هكذا اخرج فراشة واسعة العينني ‪ ،‬يتناثر فوق جناحيها صبية‬ ‫حاملون ‪ ،‬هتمس يف آذاهنم عصافري الصباح ‪( :.‬إ ّن القمر نزل‬ ‫البارحة عند الفرات ‪ ،‬و قبّل جباه الشوارع و الساكنني) ‪ ،‬أجل‬

‫هكذا يشرق الفرات و سط الظهرية خيلق السنني ‪ ،‬فتذوب على‬

‫ضفتيه أصوات الشيوخ النحاسية ( فرات مل تزل تراتيلنا خضراء‬ ‫يف السحر) ‪.‬‬ ‫*‬

‫‪29‬‬


‫فرات اي سيد الصخور ‪ ،‬حتت ثيابك ختتبئ كل طفلة اذهلها‬ ‫ضوء الرعد يف املساء ‪ ،‬و صوت ّامها يذوب ‪ ( :‬ا ّن الفرات‬ ‫سيشرب الرعود ) ‪ ،‬فتغفو الطفلة فيك اي فرات ‪ ،‬و اغفو‬ ‫كعارف يعيش يف مغارة يف القمر ‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫‪30‬‬


‫عراق ‪ ،‬قبلة احلرية على جبينك أنشودة توقض السائرين ‪ ،‬يف‬ ‫كربالء حزن اخللود و يف سامراء كل مشس واعدة ‪ ،‬و على دجلة‬ ‫ابب السماء العريض ‪ .‬أجل األرض جتدب دون دم أو دموع ‪.‬‬ ‫*‬

‫أجل ساذوب يف حبّك كاالعياد يف بلدي ‪ ،‬دومنا بطئ أو عبارة‬ ‫مؤجلة ‪ ،‬فاحلرية ال تعرف األانشيد احلاملة ‪ ،‬ال ب ّد من يد و ابتداء‬ ‫‪ .‬ال بد من حسني حييىي العامل الغريق ‪ .‬يشق قلب الزمن الرخامي‬ ‫‪ .‬يضرب يف الصخر حىت يشرق االمل الذي ال انسى تلفيت‬ ‫مبهورا فوق راحتيه ‪.‬‬ ‫*‬ ‫سانتهي يف حب دجلة و الفرات ‪ ،‬فكالمها يدان طاملا تالشيت‬ ‫يف عشقهما الرفيع ‪ .‬هي ذي بداييت حنو السماوات اليت اعرفها ‪،‬‬ ‫املليئة بكل دفء ‪ ،‬هي ذي حكااييت تتساقط كشالل يقبّل جباه‬

‫الثائرين ‪ .‬اجل هكذا اتعلم االنشودة احلمراء ‪ ،‬هكذا تبتسم‬ ‫السماء لعاشقيها ‪ ،‬و تشرق من هناك من يديك ‪.‬‬ ‫‪31‬‬


‫*‬

‫أجل االرض و املاء و اهلواء و السماء يل ‪ .‬من بغداد تشرق‬ ‫السنابل أبلف ضوء ‪ ،‬و من كربالء ألف دم الف يفور ‪ .‬فاتبعثر‬ ‫يف أزقّتها محامة غرقت وسط الظهرية يف الفرات ‪.‬‬ ‫*‬

‫اي سيد السحاب و املطر ‪ ،‬و كل حريّة محراء ال تعرف الذبول ‪،‬‬ ‫يشق انتظاهرها خجل عريض ‪ ،‬فتنتهي يف حنينها اليك عروسا‬

‫ذاب يف احالمها املوت و الزمن‪.‬‬ ‫*‬ ‫اي سيد احلرية احلمراء اي حسني ‪ ،‬يف جنانك يشرق العاشقون‬ ‫كشجريات ندية يلثم شفاهها الصباح ‪ .‬و بني كفيك ختتفي‬ ‫النجوم و االساطري كظل جليدي نزل ذات يوم مع املطر ‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫الفصل الرابع‬

‫الظل الشفيف تنحين االغنية ‪ ،‬تقبل االرصفة ‪ ،‬جتعل من‬ ‫يف ّ‬ ‫افئدة الشيوخ موانئء للذكرى و حروب ‪.‬‬ ‫*‬

‫اسطورية ذات‬ ‫شة ‪ ،‬تتناثر يف املكان ‪ ،‬كساحرة‬ ‫كلمايت تبحر ه ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل‬ ‫جمد بال حدود ‪ ،‬حينها ميكنك ان تتصور هناايهتا املؤملة ‪ ،‬رغم ّ‬ ‫ما ارى ‪ .‬ال بد اين سامتلك الشروح الكافية ‪ .‬ال بد اين ساخجل‬

‫كثريا و اعتذر لكل خنلة و خيمة قاصية ‪.‬‬ ‫*‬

‫‪33‬‬


‫يف املساء اجتمع جيشا اسطوراي الغرق يف احمليط ‪ ،‬عندها‬ ‫أهتم‬ ‫سأبتسم كراهب يعرف الكثري ‪ .‬سأخرج زنبقة شاحبة ال ّ‬ ‫ابلشمس و اخللود ‪.‬‬ ‫*‬

‫ثيايب تتبعثر يف املكان ‪ ،‬كبيوت قرية قدمية ‪ .‬اخليبة تتخلل أغنييت‬ ‫‪ ،‬القدس تسقط يف غيابة اجلب ‪ ،‬يوسف يبحث عن سيّارة جدد‬ ‫‪ ،‬هناك يف قرارة البئر سيشرق اجلمال ‪.‬‬

‫*‬

‫‪34‬‬


‫أين ال أعرف‬ ‫لقد تركت النجوم ااثرا فضيعة على حلمي ‪ .‬لوال ّ‬ ‫أين ال أفهم الكثري مما يتفجر يف‬ ‫شيئا عن اتريخ الشعوب ‪ ،‬لوال ّ‬ ‫راسي لكنت حتما و دون تردد ‪ ،‬صخرة برية تنبت ابلزهر ‪.‬‬ ‫*‬

‫سيناء تراتيل شائكة ‪ .‬ضفائرها نسمة تتيه فيها االمساك‪ .‬أبواهبا‬ ‫فتجمدت سيقاهنا كالصنوبر يف الشمال‬ ‫العالية قد سرقها النمل ‪ّ ،‬‬

‫‪.‬‬

‫*‬

‫قلب مكة قد ابيضت عينها من احلزن ‪ ،‬فلتايت الرمال القاسية ‪،‬‬ ‫تورث جبيين قطعة حلوى ‪ .‬احلرية ال تعرف الشفاه الباردة ‪ ،‬ال‬ ‫ب ّد من يد و ابتداء ‪.‬‬ ‫*‬ ‫‪35‬‬


‫االايم ختتبئ ‪ ،‬و رغم مضالهتا العريضة ‪ ،‬اال ا ّن املطر المس‬ ‫ّ‬ ‫بشريت الندية ‪ ،‬فخرجت فوق حقوهلا طحلبا عقيما و أعمى ‪ .‬منذ‬ ‫عصور و أان أحبر يف سواقي ذاكريت ‪ ،‬بقااي ذلك احلطام الرهيب ‪.‬‬ ‫*‬

‫الليل حياة مؤجلة ‪ ،‬و وعد اسطوري ابخللود ‪ ،‬تفيض القسوة من‬ ‫اذنيه ‪ ،‬الليل مدينة احللم ورغم اهنا شاحبة اال ان فيها زقاقا يسع‬ ‫اجلماهري ‪.‬‬ ‫القسم الثالث ‪ :‬احلياة‬

‫الفصل األول‬

‫‪36‬‬


‫سأذوب يف قصائدي كنعامة بلّل أحالمها املطر ‪ .‬سأتالشى يف‬ ‫فاحلب عامل غريب يتم ّدد فوق الطرقات ‪،‬‬ ‫شقوق هذه االرض ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يسرق رغبيت و ابتساميت اليافعة‪.‬‬

‫*‬

‫املسافات الواسعة يف ذاكريت قد مجّدها نزيف الشوارع و‬ ‫الساكنني ‪ .‬املركبات الباردة ال تعرف شيئا عن اجلمال ‪.‬‬ ‫*‬ ‫إنين أعرف أشياء ال أفهمها ‪ ،‬إقرتب ايّها الصوت ‪ ،‬امنحين‬ ‫فرصة كافية ‪ .‬لغيت تنشطر كأوصال شهيد مثخن ابجلراح ‪ ،‬الغربة‬ ‫أين أنتمي اىل اجيال قادمة ‪ ،‬فدماي قد خبّأهتما يف‬ ‫تقتلين ‪ ،‬أشعر ّ‬ ‫متحف قدمي ‪ ،‬رأسي خيرتق صخور االرض ‪ ،‬يتالشى يف سرعة‬

‫الكلمة ‪ ،‬كعاشق جير الضوء خلفه فال يكون ‪.‬‬ ‫*‬

‫‪37‬‬


‫حب‬ ‫للكلمة الف جناح ميلؤين ابخلوف ‪ .‬كيف السبيل ألن أرى ؟ ّ‬ ‫األرض ال يكفي ‪ ،‬ال ب ّد من اجملانية الكاملة‪ .‬أجل ‪ ،‬حينما يصبح‬ ‫للزمن جناح يرجتف ‪ ،‬و للمكان قدم متشي ‪ ،‬عندها سامجع‬ ‫أنفاسي ‪ ،‬كباقة ورد تبتسم للغد القريب ‪ .‬هنا تتجمد الكلمة‬ ‫حتتاج اىل شعر اخر ‪ ،‬اىل جسد يرجتف ‪.‬‬ ‫*‬

‫دمي رسالة ابردة ‪ .‬األشواك تتخللين ‪ .‬جراحي تتكاثر يف حقول‬ ‫اللغة كخيمة بدو قاسية ‪ .‬ما زلت أحفل ابلنقص ‪ .‬اللغة تبحث‬ ‫عن حبارة جدد ‪ ،‬كال ‪ ،‬الشمس ما عادت تكفي رمزا للحرية ‪.‬‬ ‫البعد يكبلين ‪ ،‬ما زلت ملتصقا ابالرض ‪ ،‬كلمايت تشعر ابلربد ‪،‬‬ ‫اطرايف تتجمد كقطارات يقطنها مسافرون من ثلج ‪ ،‬أنين حجل‬ ‫جدا ‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫*‬

‫بكل قسوة ممكنة ‪ .‬ها أان انتظر ‪ .‬فليأيت ‪ ،‬ليأيت‬ ‫ها أان اتغذى ّ‬ ‫للحب ذاكرة ال تعرف الدموع ‪ ،‬و املوت‬ ‫الزمن الذي ال أنسى ‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪ .‬ها أان اتعلم رغبة األشياء ‪ .‬وجه املاء مرآة كل معرفة ‪.‬‬

‫*‬

‫كظل حيطّم مملكة منل عظيمة ‪.‬‬ ‫هكذا يفرتس جسدي االرض ّ‬ ‫وحيد كاحلجارة أان ‪ ،‬احلجب تصنع من حنجريت مركبة ال تصلح‬ ‫لشيء ‪ ،‬لست نقيا كما جيب ‪ ،‬مفاصلي شبكة صيادين يف حبرية‬ ‫قتلها امللح صويت يتكاثر يف الرمل كصنم اسطوري يتخلل بشرة‬ ‫اجليل اجلديد ‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫*‬

‫املوج الصعب سأعرف رغبته ‪ .‬هبجة االزاهري سأعرفها ساصمت‬ ‫لعلي أتذ ّكر شيئا سأنتظر كشجرة أرز تفيض ابلعائدين‪.‬‬

‫*‬

‫ركبتاي أثقلهما الصدأ ‪ .‬جبيين يلتصق ابالرض الفرحة تتجاوزين‪.‬‬ ‫كم خيجلين هذا النقص ‪.‬أنين أهتيّأ مبا أمتلك إمنحين فرصة كاملة‬ ‫فأان سيل من االعتذار و النداء ‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫*‬

‫ها أان اتعلم األغنية‪ ،‬عيناي لن تسقط اثنية‪ ،‬يدي لن هتذي‪ .‬هذا‬ ‫عهد و احتفال ‪.‬‬

‫*‬ ‫اين أكثر نضجا‪ ،‬أسيل فوق الظالم كالندى ‪ .‬ال‬ ‫اآلن اشعر ّ‬ ‫اين‬ ‫حبجة ّ‬ ‫كل هذا ّ‬ ‫أترك انفذة للشمس لغيت تصفع وجه األرض‪ّ .‬‬ ‫عاشق للجمال ‪ ،‬و ابحث عظيم ‪.‬‬

‫*‬

‫‪41‬‬


‫ها اان اتساقط بصمت و غربة كاملة ‪ .‬كلمايت ترقد يف أكفان من‬ ‫الرايح و مالمح وجهي مؤجلة ‪ .‬لست مضطرا ان أرى القمر‬ ‫كالعاشقني ‪ ،‬فأان ال زلت أمسع أخبارا عن أانس ذابت يف‬ ‫أحالمهم مدن ابمسة ‪ .‬من هنا ‪ ،‬تعلّمت كيف أحبر هالال يعلن‬ ‫بداية الشهر اجلديد ‪.‬‬

‫الفصل الثاين‬

‫كلمات الرب امل هبيج ‪ ،‬اببه الواسعة ال تفتح اال ابحلب ‪ .‬اين‬ ‫اكاد اتالشى كالنعامة يف خجلي ‪ .‬ارى ااثر حبك على وجه الزمن‬ ‫ينابيع تفيض ابلثائرين ‪ ،‬يف اوانيك ينزل القمر كل مساء ‪ ،‬فيلعب‬ ‫به االطفال حىت تغفو عيوهنم ‪ ،‬بعيد كاحلجارة اان ال ماء و ال‬ ‫زهور ‪ .‬كلماتك كاألعياد تلبسين الثياب اجلديدة ‪.‬‬

‫‪42‬‬


‫*‬ ‫حينما يتصفحين قربك احلبيب ‪ ،‬ككتاب رث ‪ ،‬امتلئ رعبا ‪،‬‬ ‫هكذا هتبين احلياة الصادقة ‪.‬ـ االمل الوحيد ‪.‬‬ ‫*‬ ‫شكرا للربيع يعلمين ثورة احلياة يف اغصان اجلماهري اليابسة ‪،‬‬ ‫شعبان شهر املطر ميال االرض ابلعهد اجلديد‪ ،‬فيه تفتح االشراقة‬ ‫جفنيها ‪ ،‬لست وحيدا العامل يصغي ‪ ،‬يصرب يف الصخر حد‬ ‫القرار ‪ ،‬يشق بذر انتظاره ضياء يف رحم الكون ‪ ،‬فال ينتهي سرور‬ ‫االرص ‪ ،‬اجل يف كربالء نلتقي بال دموع ‪.‬‬ ‫*‬

‫الفصل الثالث‬

‫‪43‬‬


‫الندى يتجول يف الشوارع كالباعة و االطفال ‪ ،‬يقص عليهم كل‬ ‫حكاية مفرحة ‪ ،‬كل مساء خيرتق اورديت ‪ ،‬جيعل من ذاكريت‬ ‫عصافري تردد نشيدها القدمي ‪.‬‬ ‫*‬ ‫لغيت ليلة عيد ابردة ‪ ،‬دومنا خجل سكنت قلب الشمس ‪،‬‬ ‫تساقطت ورقا مصفرا دون عناء ‪ ،‬بتلقائية كاملة هكذا اراين سرااب‬ ‫امحل يف جييب حلوى و وعود ‪.‬‬ ‫*‬ ‫ساغوص يف اعماق االرض عسى ان جيدين هواة ينقبون ‪.‬‬ ‫ساصمت عسى ان تسمع الفوضى صويت ‪ .‬هكذا اتعلم كتابة‬ ‫التاريخ اجلديد ‪ ،‬حيث ال اعرف املاء اال خال جيفف دم اورديت ‪،‬‬ ‫يضع احلب يف جيبه ككمثرى مظلمة ‪ ،‬شيدت العصافري يف ثقوب‬ ‫عظامها اعشاشها االمنة ‪.‬‬ ‫*‬

‫‪44‬‬


‫اان اخر ما كنت احبث عنه ‪ ،‬ها قد تعلمت ان استدير بال حدود‬ ‫‪ ،‬مدينة اان بال منار يناطح السماء ‪ ،‬اجلس وسط التل ليس‬ ‫لشيء سوى اعتداء على الطبيعة ‪ .‬مرحى مرحى ايتها الكلمات‬ ‫البائسة ‪.‬‬

‫الفصل الرابع‬

‫لست ظال المتلك كل ذلك التاريخ العظيم ‪ .‬اطرايف تدفأ هبا‬ ‫احلطابون ‪ .‬اللغة اقفلت دكاكني هبجيت ‪ ،‬جعلت مين شبحا‬ ‫اسطوراي قد غادرته رغبة احلياة ‪.‬‬

‫‪45‬‬


‫*‬ ‫ها اان ارى اعشاش الطيور ‪ ،‬حتملها مركبات ال تنتهي ‪ ،‬اجل‬ ‫للطيور قلب عامر بكل حكاية حبيبة ‪.‬‬ ‫*‬ ‫اللغة مسامري صدئة ‪ ،‬ال تعرف شيئا عن احلضارة ‪ ،‬عيوهنا اوراق‬ ‫من املطر ‪ ،‬تصنع من قلقها عكازا متعبا قدماه غائراتن يف الوحل‬ ‫‪ .‬يف احضان هذه البهجة االسرة اكاد ال اميز وجه االرض عن‬ ‫اجزاء من كتفي اتبجح اهنا راقية ‪ .‬اجل ال بد اين سأمتلك‬ ‫كلمات البحر حينما احتدث عن االشراقة داخلي ‪.‬‬ ‫*‬ ‫فمي يتلفت وسط الكلمات ‪ .‬احلرية تتدفق من اذين كالنمل ‪.‬‬ ‫انين اتالشى يف سرعة الكلمة كعاشق جير الضوء خلفه فال يكون‬ ‫‪ .‬ما عدت قادرا على ان استحم يف الفرات ‪ ،‬ان اجد يف دمي‬ ‫مركبة احبر هبا حنو الشمس ‪.‬‬ ‫*‬

‫‪46‬‬


‫سأذوب يف املي كأنشودة فالح ينبت بني القمح ‪ .‬حقيبيت تفيض‬ ‫ابلسائرين ‪ ،‬ليس يل سوى ركبتني اتلمس هبما وجه االرض ‪ .‬ليس‬ ‫يل سوى شوك يلتهم مفاصلي ‪ ،‬ينثين حول حلمي كبائعة لنب‬ ‫ابرد يف صباحات الشتاء ‪.‬‬ ‫*‬ ‫هكذا اكون قد تعلمت الكثري ‪ .‬حينما يصبح الشعر اثرا ‪ ،‬و‬ ‫حينما تنكر الكلمات شاعرها‪ ،‬فاعلم انك تنظر اىل ليلة عرس‬ ‫تفيض ابجلفاف ‪ .‬اجل انك ترى ما ارى انه احتفال ‪ ،‬انه‬ ‫التلقائية الكاملة ‪ .‬اجل انك ترى ما ارى كل شيء يغين كل شيء‬ ‫يريد ‪.‬‬

‫الفصل اخلامس‬ ‫لست مضطرا ان اهذي كقصبة يصنع الظالم من راسها قبقااب‬ ‫ورداي لزابئن محامات احللة القدمية ‪ .‬ها اان اتفجر كينبوع ماء اسن‬ ‫‪ ،‬القلق يلتهم اصابعي ‪ ،‬يصنع من اغنييت ازمنة مثقلة ابلصدأ ـ‬ ‫هي اخر من يتحدث عن احلرية و اجلمال ‪.‬‬ ‫‪47‬‬


‫*‬ ‫صويت ليس حضاراي كما جيب ‪ ،‬ليس لشيء ‪ ،‬سوى ان كلمايت‬ ‫تتساقط بغرابة كاملة ‪ .‬املساء يفيض من اذين كقطار خيرتق حلم‬ ‫االشياء ‪ ،‬لكي اكون حضاراي كما جيب ‪ ،‬ال بد ان يذوب الظالم‬ ‫يف دمي ‪ ،‬و ان اصبح كالثراي بال امل بال رجوع ‪ .‬تبا مىت تنتهي‬ ‫هذه الفصول‪ ،‬فتبدا احلياة ‪.‬‬

‫الفصل السادس‬

‫اليك ايتها االهنار النازلة حنو اجلنوب ‪ ،‬حنو عامل يغرق ابلثلج ‪،‬‬ ‫انين الستغرب البتسامات الشتاء ‪ ،‬كيف اودعت يف حقائبك‬ ‫اسرارها ؟‬ ‫‪48‬‬


‫*‬ ‫انتظري انتظري ايتها الفصول ‪ ،‬فاقدام الزمن العريضة تتعثر بكل‬ ‫ابتسامة انعسة ‪ ،‬و كل وريقة قد احرق هناايهتا املطر ـ انين اراها و‬ ‫امسع نداءاهتا الشفيفة ‪.‬‬ ‫*‬ ‫ايتها النذور ‪ ،‬ايتها النذور ‪ ،‬اال تعثرين على املي احلزين ‪ ،‬على‬ ‫جسدي الغريب ‪ ،‬فها اان ذا شالل طويل من احلكاايت الداكنة ‪،‬‬ ‫رسائل الزمن اجلديد ‪ ،‬احلرية اجلديدة ‪.‬‬ ‫*‬ ‫اقرتيب اقرتيب ايتها االشالء اليت اعرفها ‪ ،‬ما عدت اجيد الغرق يف‬ ‫عشق احلرية ‪ ،‬ها اان اتوقف كالثلج ‪ ،‬عواصمي يلتهمها الغبار ‪،‬‬ ‫و فمي يغتصبه كل قارب غريب ‪ ،‬مرحى مرحى ابتسمي ايتها‬ ‫احلرية ‪.‬‬ ‫*‬

‫‪49‬‬


‫الفصل السابع‬

‫اان ارى هذه الساقية ‪ ،‬الين رايت ساقية قبلها اان احبر ابلوان يف‬ ‫فضاء هذه الورود ‪ ،‬الين عظامي آتكلت قبل عام ‪ ،‬و ازدهر‬ ‫الصدأ يف احالمها ‪.‬‬ ‫*‬ ‫اان امسع هذا الصوت ‪ ،‬الين مسعت صوات قبله ‪ .‬اان اتلمس وجه‬ ‫الشتاء ‪ ،‬الين صفعت جبني العنف داخلي ‪ ،‬كراهب نزل يف سلة‬ ‫مع املطر ‪.‬‬

‫*‬ ‫‪50‬‬


‫اان ا شم رائحة احلضارة امليتة ‪ ،‬الين مشمت رائحة احلرب قبلها ‪.‬‬ ‫اان امتلك عواصم اجلمال ‪ ،‬الن اصابعي حتتضن قلب االرض‬ ‫كجذور سدرة بيتنا القدمي ‪.‬‬ ‫*‬ ‫انت خترج من لون هذه الكلمة ‪ ،‬النك دخلت يف لون كلمة‬ ‫قبلها ‪ .‬انت تطارد حنني الفراشات النك كنت حاضرا بداعة‬ ‫الغروب ‪.‬‬ ‫*‬ ‫انت تعيش هذا العشق ‪ ،‬النك ولدت يف عشق قبله ‪ .‬انت تسري‬ ‫يف جمرة من االلوان ‪ ،‬و حولك البهجة يف ذهول‪ ،‬الن ركبتيك‬ ‫غابتان من قصب ‪ ،‬محلت اليها الرايح فالحا اسطوراي سقاها‬ ‫بدمعه الربيء ‪.‬‬ ‫*‬ ‫انت حينما تقوم يف الصباح ‪ ،‬اكذوبة انعسة اجلفون ‪ ،‬مرااي من‬ ‫القمح بقبعاهتا و ثياهبا املزخرفة ‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫*‬ ‫اان حجارة صماء ‪ ،‬تشرق يف حلظة سحرية ‪ ،‬لبلبل اهلزار يف‬ ‫حكاايت جديت الشتائية اآلسرة معانقا مهسات اللون و الشوق‬ ‫املتجمد يف رئيت كمقاتل عظيم ‪.‬‬

‫حكاايت‬

‫‪52‬‬


‫فصل ‪1‬‬ ‫يف هذا القلب ازدحم االرث العميق ‪ .‬هنا حيكي الصدق كل ما‬ ‫ميكن ‪ ،‬لطاملا دعوان الريح ان تتن ّفس ان تتعرف على وجوه‬ ‫اال زاهري ‪ ،‬انه الوعد ‪ ،‬حيث كل ما ال ميكن تصوره ‪ ،‬ابدا ليس‬ ‫ومها ‪ ،‬انه اجلمال النازل ابكرا يصافح الصبية يف الطرقات ‪.‬‬ ‫نعم حيث تتجلى ‪ ،‬حيث تتالشى مجيع تلك الوجوه الزائفة‬ ‫‪ ،‬ابدا ليست البشاعة حقيقة ‪ ،‬و لن تكون ‪ ،‬مهما حاولوا ‪ ،‬اال‬ ‫ترى اهنم دوما يف زوال ‪ ،‬لقد سرقوا ‪ ،‬قتلوا ‪ ،‬مل يرتكوا شيئا ‪.‬‬ ‫عجبا من اين هلم هذا القلب القاسي ‪ ،‬امل يعلموا ان املساءات‬ ‫دافئة ‪،‬و ان احلقول هلا نشيدها الرفيع ‪ ،‬كيف يكون كل هذا‬ ‫البعد ؟ اان ال افهم حقا ‪ ،‬اال تراها ‪ ،‬تنزل يف كل حلظة ‪ ،‬يداها‬ ‫انعمتان ‪ ،‬تزرع الرايحني ‪ ،‬كيف اذن يريدوهنا بشعة ؟ اميكن ملن‬ ‫يزرع الرايحني ان يكون بشعا؟ كيف هلم ان يكذبوا كل هذا‬ ‫الكذب ؟‬ ‫‪53‬‬


‫روح االنسان عامل مجيل ‪ ،‬مجيل جدا ‪ ،‬كم احببته و كم امنت به‬ ‫‪ ،‬اليس هي من تزرع الرايحني؟ اليست هي ؟‬ ‫اجل تقدم ‪ ،‬ايها املريد ‪ ،‬تعال حنوي حنو عامل ال يعرف‬ ‫الكذب ‪.‬‬

‫فصل ‪2‬‬ ‫عجبا هلذه الغيوم املتسارعة ‪ ،‬كل تلك االوراق اخربتنا الكثري و‬ ‫الكثري ‪ ،‬لقد تعلمنا و تعلمنا ‪ ،‬و يف مناسبات عدة ‪ ،‬اال اننا ال‬ ‫زلنا مهجيني نتلذذ بقهر االنسان ‪.‬‬ ‫اليس التواضع ابتسامة رائعة ‪ ،‬اليس الينابيع صافية دوما ‪ ،‬و‬ ‫املساءات احلنونة رقيقة دوما ‪ ،‬اذن كيف ميكنك ان تكون حجراي‬ ‫و ان تصفع وجه الزمن و املدنية ‪ ،‬و هتني و حتتقر ‪ ،‬ايها البدائي‬ ‫اي عبء على ثقافات الشعوب ‪ ،‬و زاوية عمياء تتباهى مبجموعة‬ ‫كبرية من املعلومات الرائعة اليت تكدست و مل تثمر بل مل تنبت‬ ‫شجرهتا اصال ‪ ،‬نعم يكفينا اانس احبوا املعرفة و ازهرت و امثرت‬ ‫يف قلوهبم ‪ ،‬يكفينا هؤالء ‪.‬‬ ‫‪54‬‬


‫فصل‪3‬‬

‫الوصااي ‪ ،‬املنارات ‪ ،‬احلقول احلمراء ‪ ،‬األصوات‪ ،‬ترسم على‬ ‫وجه الزمن يداً حديديّة ش ّفافة‪ ،‬و صادقة‪ ،‬حيث يرتنّح الفكر‪،‬‬

‫الطفولة تضحك‪ ،‬شيء ال ميكن تصوره ‪ ،‬و ال ميكن تصديقه ‪،‬‬

‫حىت الغاابت اليت مرران هبا ‪ ،‬و ذلك املنزل ‪ ،‬أجل و الضوء فوق‬ ‫اين أتذكر جدا ‪ ،‬و أيضا تلك القبّة اليت يف البحر‪ ،‬والربد ‪،‬‬ ‫اجلبل ّ‬ ‫تنس انطحة السحاب تلك ‪،‬‬ ‫نعم الربد‪ ،‬اي جلمال البحر ‪ ،‬و ال َ‬ ‫أيضا ‪ ،‬و حمطّة القطار ‪ ،‬عجباً كيف ال أكون عاشقا ‪ ،‬و كيف ال‬ ‫أرى كل هذه البهجة ‪ّ ،‬اهنم حياولون سرقة كل شيء ‪ ،‬لكنّين‬ ‫لست عاجزا ‪ ،‬انت تعرف ‪ ،‬حنن أانس غارقون يف العشق لذلك‬ ‫لن منوت ‪ ،‬حنن منشي منذ أزمان بعيدة من دون أرجل و ال‬ ‫تتصور‬ ‫أجنحة و فوق ذلك يرموان ابحلجارة ‪ ،‬عجبا اي للغباء كيف ّ‬ ‫أنّك تستطيع أن تُوقِف من ميشي دون أرجل أو جناح ‪ ،‬اصغي‬ ‫أنصت لعلك تعرف ‪ ،‬عجبا كم أحببت أن أحيا بسالم ‪ ،‬أال‬ ‫تتفق معي ؟ ‪ ،‬أذن ملاذا تنهمر من عينيك دموع التماسيح ‪ ،‬ملاذا‬ ‫أنت هكذا ‪ ،‬ملاذا ؟‬ ‫‪55‬‬


‫فصل ‪4‬‬

‫تتفجر كأسراب‬ ‫سأعود ‪ ،‬و ذلك األمل الذي ال أنسى ‪ .‬املياه ّ‬

‫الطيور ‪ ،‬كاخلفافيش ‪ ،‬ال مساء و ال جنوم ‪ ،‬ال شيء سوى أمل‬ ‫غريب ‪ ،‬دمع غريب ‪ ،‬موت غريب ‪.‬‬ ‫أجل حينما تبكي حقول العنرب ‪ ،‬و احلكاايت السوداء ‪ ،‬و تلك‬ ‫اللوحة الرائعة للفنان الغارق يف نفسه ‪ ،‬وحينما أصحو وسط‬ ‫الطوفان ال أفهم شيئا ‪ ،‬أدار بني االيدي ‪ ،‬لعبة خالدة كوجه‬ ‫الشمس ‪ ،‬و حينما أر ّدد أانشيد النصر ‪ ،‬و االبتسامات ‪ ،‬حينها‬ ‫تشرق وحديت احلزينة ‪.‬‬

‫‪56‬‬


‫فصل ‪5‬‬ ‫انه اجاد ان يكون مطلقا ‪ ،‬لطاملا احب ذلك ‪ ،‬حينما متر امام‬ ‫عينيه تلك االصوات يتلمسها ‪ ،‬من الغريب انه يعرفها بدقة ‪،‬‬ ‫بدقة كبرية ‪ ،‬اجل ميكنك ان تتصور‪ ،‬ميكنك ان ترى ‪.‬‬ ‫فعال صدقت ما عادت االدعاءات تنطلي علينا ‪ ،‬اجلمال ارث‬ ‫االنسانية الواسع ‪ ،‬اما هؤالء و اعين هؤالء قد غرقوا ‪ ،‬و كلنا‬ ‫يعلم اهنم يف عامل كسول من االكاذيب ‪ ،‬و االدعاءات ‪ ،‬اضف‬ ‫اىل ذلك اهنم منبوذون ‪.‬‬ ‫اي للسخرية ‪ ،‬ال احد يريدهم و ال ينصت هلم ‪ ،‬هؤالء و اعين‬ ‫هؤالء ‪ ،‬مساكني فعال ‪ ،‬شيدوا ألنفسهم سجنا ‪ ،‬سنوات و‬ ‫سنوات انفقوها و بعجل و بتواصل ألجل ان يغتالوا حريتهم اي‬ ‫للعمى اي للسخرية ‪ ،‬لقد شيدوا هلم كهفا مظلما ‪ ،‬اضافة اىل‬ ‫ذلك فهو بعيد ‪ ،‬و ليته يرى ‪.‬‬ ‫اجل صدقت ما عادت حكاايهتم تنطلي علينا ‪ ،‬ماذا يف‬ ‫جيوهبم ‪ ،‬جرب ‪ ،‬فالتجريب اساس العلمية املعاصرة ‪ ،‬جرب ‪،‬‬ ‫لن جتد سوى الطبقية ‪ ،‬و االوهام ‪ ،‬و طبعا العقد النفسية ‪ ،‬و‬ ‫‪57‬‬


‫احلقد املريض ‪ ،‬بصراحة بدأت اشك يف صدق نواايهم ‪ ،‬و بدأت‬ ‫اعلم اهنم ال يرون شيئا ‪ ،‬هؤالء ‪،‬و اعين هؤالء ‪ ،‬املساكني ‪.‬‬

‫فصل ‪6‬‬ ‫لطاملا كذبت علينا ‪،‬‬

‫لطاملا جمدت احلداثة الغابرة ‪ ،‬لكن اال‬

‫ترى كل تلك البشاعات ‪ ،‬اعتداءات ‪ ،‬اكاذيب ‪ ،‬استغالل‬ ‫‪ ،‬عبودية ‪ ،‬استباحات ‪ ،‬تزييف ‪.‬‬ ‫كال حنن االن احرار ‪ ،‬اجملرة كلها صارت تعرف احلقيقة ‪ ،‬لن‬ ‫ختدعنا اثنية ‪ ،‬لسنا ساذجني كما كنا ‪ .‬لقد تغريت االهنار و‬ ‫االشجار و االبتسامات ‪ ،‬ارادهتا صلبة و سعيها حنو احلرية ال‬ ‫رجعة فيه ‪.‬‬ ‫اجل عرفت االنسانية جتاوز الزمان و املكان ‪ ،‬عرفت الفن‬ ‫املبهر ‪ ،‬جواهر االشياء رأيناها ‪ ،‬اهنا تتجلى ‪ ،‬ال جمال للوهم‬ ‫بعد االن ‪ ،‬كل ما حدثتموان عنه من سحر ما عاد جيذبنا ‪ ،‬كل ما‬ ‫سطرمتوه من اساطري عرفنا اهنا خياالت و اكاذيب ‪ ،‬جمرد انطواء‬ ‫و فشل ذريع ‪.‬‬ ‫‪58‬‬


‫اجل ‪ ،‬الكل االن حيب بعلم ‪ ،‬و يكتب بعلم ‪ ،‬انه عصران‬ ‫‪ ،‬لن تسرقوه منا أبكاذيبكم ‪ ،‬و هذايانتكم السطحية ‪.‬‬ ‫اجل لن تكذبوا علينا اثنية ‪ ،‬ال ميكنكم ذلك ‪.‬لن جتروان اىل‬ ‫كهفكم ‪ ،‬و وحدتكم الفاشلة ‪،‬‬

‫لن جتروان ‪ ،‬لن توقفوا‬

‫البشرية ‪ ،‬نعم حنن نرى بوضوح‬

‫‪ ،‬نعم انه عصران ‪ ،‬لن‬

‫نعيش يف املاضي الذي تريدون ‪ ،‬الذي تعيشون فيه ‪ ،‬ابدا لن‬ ‫حيصل ذلك ‪.‬‬ ‫منذ والدتكم يف السجن ‪ ،‬عرفنا انكم ستموتون فيه ‪ ، ،‬ال‬ ‫احد يراكم ‪ ،‬ابقوا يف وحدتكم ‪ ،‬يكذب بعضكم على بعض ‪،‬‬ ‫ميجد بعضكم بعضا ‪ ،‬لكن اين انتم ‪ ،‬انتم يف عامل الالشيء ‪ ،‬انتم‬ ‫مساكني ‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫فصل ‪7‬‬ ‫ليتها امنحت ‪ ،‬ليتها تصري اكثر وضوحا ‪ ،‬دوما ضبابية ‪ ،‬ختدع ‪،‬‬ ‫تنشر كلمات احلب و السالم ‪ ،‬و يف قلبها الشر املقيم ‪ ،‬لكن‬ ‫العارفني ‪ -‬أبصواهتم الصادقة و ايديهم العميقة – يشقون‬ ‫اقنعتها ‪ ،‬حيطمون اساور الوهم ‪ ،‬فينتزعون االفعى ‪ ،‬املتلونة ‪،‬‬ ‫بقفازيها احلديديني ‪ ،‬و وجهها احلديدي ‪ ،‬و رقصتها احلديدية ‪.‬‬ ‫نعم ساصري هواء براي ‪ ،‬ادور بال تعب ‪ ،‬اخرتق مساماهتا ‪ ،‬و‬ ‫مجيع نوافذها الزجاجية ‪ ،‬و اتعلم حكاايهتا العميقة ‪ ،‬حتما اين‬ ‫سأنتصر ‪ ،‬انه وعد انه احتفال ‪.‬‬

‫فصل ‪8‬‬

‫‪60‬‬


‫اليس مجيال ان حتيا اىل زمن ميلؤك عشقا ‪ ،‬انين اصري اكثر‬ ‫شفافية ‪ ،‬انين متخم ‪ ،‬وابتسم ‪ ،‬هنا امن و طمأنينة ‪ ،‬تتجاوز كل‬ ‫شيء ‪.‬‬ ‫اال تشعر ان كثريا من تلك النجوم قد هبطت ‪ ،‬مل يبق سوى‬ ‫شيء قليل لكي يشرق ‪.‬‬ ‫نعم اعرف ذلك ‪ .‬و اعرف ايضا اهنا ابمسة ‪ ،‬االرواح العميقة ‪.‬‬ ‫اذن مد يدك صافح االعماق ‪ ،‬جتاوز البشاعة ‪ ،‬جتاوز الكسل‬ ‫الغريب ‪.‬‬ ‫نعم اين سأعمل بوصيتك انه حقيقة ‪ ،‬تصور لو اان جلسنا يف‬ ‫بيوتنا ‪ ،‬و ال نتكلم معهم ماذا سيكون املصري ‪ ،‬نعم املصري‬ ‫املصري ‪ ،‬لوال انه مسالة مصري ‪ ،‬ملا تكلمت معك ‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫فصل ‪9‬‬ ‫عيدها رؤوس اجلياع املرتبني ‪.‬‬ ‫الضوء خافت اان ال ارى بوضوح ‪ ،‬سأحدثك يف وقت اخر‪.‬‬ ‫قال ‪ -‬واهلواء العذب يداعب نظارته ‪ -‬امل اخربك عن الدهشة ؟‬ ‫هنا عينات كثرية تصلح الن نضعها يف احللقة القادمة ‪.‬‬ ‫اوه شيء جيد ‪ ،‬هل الصحراء قاحلة ؟‬ ‫نعم حىت ان هنا كثريا من النبااتت اليابسة و الطيور امليتة و‬ ‫اجلياع ‪ ،‬تعرف مل يبق منهم سوى اجللد و العظم ‪ ،‬كثريون قد‬ ‫ماتوا ‪.‬‬ ‫اوه يبدو انه سيكون عمال مدهشا ‪ ،‬لفد بذلت جهدا ‪ ،‬املدير‬ ‫سيسعد بذلك ‪.‬‬ ‫اجل لكن الطعام هنا ال يكفي ‪ ،‬بل ال يوجد هنا طعام اصال ‪،‬‬ ‫ما جلبناه معنا نفذ‬

‫‪62‬‬


‫اوه اذن ارجع سنعود اىل هناك مرة اخرى ‪.‬‬ ‫اجل فالناس هنا جباع و االرض قاحلة ‪.‬‬

‫فصل ‪10‬‬ ‫قال اجلسر ذو الطابقني النهارات صافية ‪.‬‬ ‫قال اجلسر ذو الثالث طوابق الغيم سببه الغربة ‪.‬‬ ‫قال اجلسر الصغري اي ذو الطابق الواحد اننا نسلم على املارة‬ ‫اننا حنب اهلدوء‪.‬‬ ‫احننت انطحة السحاب اليت رايتها يف مومباي ‪ ،‬على ساحل‬ ‫البحر ‪ ،‬تبسمت اهنا حكيمة كما قالوا ‪.‬‬ ‫و فجأة اهنمرت طائرات بال طيار اهنا زايرة تفقدية ‪.‬‬ ‫االحتاد االلكرتوين ايضا كان حاضرا ‪ ،‬الكل ينعم ابلدفء ‪.‬‬

‫‪63‬‬


‫اي للفرحة‪ ،‬اي للمكان املسكني ‪ ،‬املتالشي‪ .‬حتما كان االفق‬ ‫رائعا‪ ،‬و حتما اجملاالت و الرسومات عظيمة‪ ،‬لقد اقتحمت‬ ‫البسمة كل شيء ‪ ،‬كل هنار‪.‬‬

‫فصل ‪11‬‬ ‫قال له أجب ‪ ،‬الست كنت معهم؟ طبعا انت لك احلرية الكاملة‬ ‫يف اال جتيب‪ ،‬ألنك حمكوم عليك سلفا‪ ،‬لكن تذكر ‪ ،‬حنن نعرف‬ ‫كل شيء‪ .‬نعم حقوقك حمفوظة ‪ ،‬واكرر حنن نعرف كل شيء ‪،‬‬ ‫االماكن‪ ،‬املكاملات ‪ ،‬لدينا اقمار صناعية كما تعلم ‪ ،‬حنن نعمل‬ ‫جبد على حفظ أمن الناس ‪ ،‬و اسرارهم ‪.‬كل شيء يتم بسرية‬ ‫كاملة ‪ ،‬حنن امناء جدا ‪ .‬لذلك نعرف عنك كل شيء ‪.‬‬ ‫قال الرجل احلر احملكوم عليه سلفا ‪ :‬أم تقولوا اان يف زمن حقوق‬ ‫االنسان و اخلصوصيات احملرتمة ‪ .‬أمل ختربين انت ان هذا العامل‬

‫‪64‬‬


‫سيكون واحة هبجة‪ ،‬وان االقمار الصناعية و االنرتنت ليس‬ ‫للتجسس بل ألجل اخذ صور مجيلة للمجرة و كررت انه ليس‬ ‫للتنصت طبعا ‪ ,‬أمل يقولوا اننا سنحيا يف عوامل بيضاء ‪ ،‬أم يقولو‬ ‫ذلك ‪ ،‬اذن ملاذا كل هذه الغربة ‪ ،‬و كل هذه احلمرة ؟ اين تلك‬ ‫البياضات‪ ،‬رمبا نفذت االقمشة‪.‬‬ ‫قال بصوت مرتفع ‪ :‬ان يف اهلند و الصني ايدي عاملة رخيصة‪،‬‬ ‫اعمل هناك مصانعا لتنقية فكرك ‪ .‬كل هذه الرايضيات والفيزايء‬ ‫‪ ،‬كلها لديك لكن كل ذلك ال جيعلك ترى ‪ ،‬شيء غريب حقا ‪.‬‬

‫فصل ‪12‬‬ ‫لقد تراكمت السنني ‪ ،‬و ذلك العزف االعمى حيطم كل شيء ‪،‬‬ ‫القارورة العمياء ‪ ،‬الشالالت العمياء ‪.‬‬ ‫لطاملا شرب هذا الظالم سنيننا ‪.‬‬ ‫اال ترى اهنم ينزفون ؟ حبات القمح ال حتلم بشيء ‪ ،‬عجبا اال‬ ‫ترى ؟ ال شيء سوى النزيف اي للشعب املقهور‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫اين اردتك ان تعلم اين كلما هبت رايح خالبة ‪ ،‬و كلمات‬ ‫رأيت االبتسامات العميقة ‪ ،‬و اخليالء العميق ‪ ،‬و الالمباالة ‪ ،‬و‬ ‫االقدام اليت تسحق شراييين ‪ ،‬و تعبث بدمي ‪ ،‬كلما رأيت ذلك‬ ‫ايقنت انه اخلراب ‪ .‬اي للشعب الذي سرقوا ابتسامته ‪.‬‬

‫فصل ‪13‬‬ ‫لقد ذهبوا بعيدا ‪ ،‬مزقوا جسدي اخلالد ‪ ،‬مرحى مرحى للتمزيق‬ ‫اخلالد ‪ ،‬العبث اخلالد ‪ ،‬احلطام اخلالد ‪ ،‬مث اجيء بعد كل‬ ‫احلكاايت البهيجة ارش اانء الكرامة ابلبخور و التعاويذ ‪ ،‬و‬

‫‪66‬‬


‫ادعي اين كومة من االفتخارات ‪ ،‬من النعاس يف يوم شتائي ابهت‬ ‫‪ ،‬هكذا نتعلم احلكاايت البهيجة ‪.‬‬

‫فصل ‪14‬‬ ‫ما عاد كافيا صوت احلب الذي يكذب ‪ ،‬و صوت النبل الذي‬ ‫يكذب ‪ ،‬و صوت اهلمس احلنون الكاذب ‪ ،‬ما عاد صاحلا للحياة‬ ‫‪ ،‬لقد عرفت كل شيء ‪ ،‬اخربتين املساءات و ايدي احلطابني‬ ‫ابألسرار املمكنة ‪ ،‬ابالكاذيب املمكنة ‪ ،‬حينما اتعلم وجوه‬ ‫اخلديعة ‪ ،‬و اتعلم كيف اغوص يف قرارة اخللود بال امل ‪ ،‬و حينما‬ ‫اتقلب مسكة برية ذات اجنحة انعمة ‪ ،‬حينها يكون القمر بدرا ‪.‬‬

‫فصل ‪15‬‬ ‫‪67‬‬


‫لقد سالته فعال ؟ هل تعرف هذا الصوت ؟ فلم جيب جيل‬ ‫أبكمله‬ ‫اين سالته فعال ؟ من اين أييت هذا الضوء ؟ فلم جيب اتريخ‬ ‫أبكمله‬ ‫و سالته ايضا ‪ ،‬اما آن لك ان تتخلى عن عشقك للدماء ‪ ،‬عامل‬ ‫أبكمله‬ ‫و لقد سالته ‪ ،‬حينما مررت به يوما ‪ ،‬من اين الطريق ؟ فلم جيب‬ ‫كون ابكمله ‪.‬‬

‫‪68‬‬


‫فصل ‪16‬‬ ‫ايتها الفصول ‪ ،‬اليك وجوه غري مالحمها الغروب ‪.‬‬ ‫ايتها العذاابت ‪ ،‬ايتها العذاابت ‪ ،‬اليك كل شهقة وعنفوان ‪ .‬ما‬ ‫عادت يدي تتلمس النهارات ‪ ،‬و ال عادت النجوم الغريبة أتسر‬ ‫املكان ‪ .‬الست انت من اخربين عن النصر العظيم ؟ الست انت‬ ‫؟‬

‫‪69‬‬


‫فصل ‪17‬‬ ‫حينما عدت مل اجد تلك االهازيج ‪ ،‬و مل اجد حبرية االوزات‬ ‫الناعسة ‪ ،‬مرحى مرحى ابتسمي ايتها احلرية ‪.‬‬

‫فصل ‪18‬‬ ‫لقد مهست من هناك ‪.‬‬ ‫اين جتد حكايتك ؟ نعم الورود البنفسجية انعسة ‪ .‬ودروب‬ ‫العائدين و املرااي تفيض ابلتعاريف املمكنة ‪ ،‬ابحلرايت املمكنة ‪.‬‬ ‫لكن الطيور تعرف ‪ ،‬و االهنار االسطورية ايضا تعرف ‪.‬‬ ‫اجل ‪ ،‬ان تلك اللحظة اليت نعرفها حتتاج اىل ابتسامة و دفء ‪.‬‬ ‫‪70‬‬


‫فصل ‪19‬‬ ‫اال تستطيع ان تردد معي ‪ ،‬فانين ال زلت اغرق يف حبار الشوق ‪،‬‬ ‫و ادعي احلب السعيد ‪ ،‬انين ال زلت ادعي ‪ ،‬ال زلت اتشبث‬ ‫بقطاران الذي التقينا فيه ‪ ،‬مع انين اعلم ان الوان الظل ‪ ،‬و‬ ‫اصوات الرؤية ‪ ،‬ال تغفو اال جبانب ذلك الفضاء الفسيح ‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫فصل ‪20‬‬ ‫اهنم حيتفلون ‪ ،‬يقولون قد اكتفينا ‪ .‬وهذا شيء غريب ‪ ،‬ألننا‬ ‫نعلم ان تلك االايدي و االصوات و كل ما ميكن ان ينزل يف‬ ‫الصباح الباكر من تلك الشرفة ‪ ،‬ليس له اال ان مير على ابئع‬ ‫الزهور ‪.‬‬

‫فصل ‪21‬‬ ‫حينما تعلمنا الضحكات ‪ ،‬و حينما غقت اضواء القمر بني‬ ‫جفوننا ‪ ،‬و حينما تلمست وجه الصوت الغريب ‪ ،‬كانت‬ ‫املركبات متر بسرعة ابردة ‪.‬‬

‫‪72‬‬


‫عجبا ‪ ،‬كيف ميكننك ان اتصور ذلك ‪ ،‬و ان تعدد ما قالته‬ ‫الغمامة لك يوما ‪ ،‬و ما ال تفهم ‪ ،‬كيف ميكنك ذلك ؟‬

‫فصل ‪22‬‬

‫‪73‬‬


‫حنوي ايتها االالم الغريبة ‪ ،‬حنو املياه احلديدية ايتها التوهجات‬ ‫البنية ‪.‬‬ ‫حنو سيجارة ذلك الشيخ السرمدي ‪ ،‬املتلثم بيشماغه كل صباح‬ ‫‪.‬‬ ‫حنو الكؤوس الغارقة يف التسبيح و الصلوات‪.‬‬ ‫ايتها املسافات الرفيعة ‪ ،‬حنو الصدر املهشم املختصر للتواريخ ‪،‬‬ ‫و االفتخارات ‪.‬‬ ‫ايتها احلرايت ايتها االحتفاالت الكاملة ‪ ،‬حنو وريقات دافئة و‬ ‫عزف من السحاب و املطر ‪ .‬حنو كل العواصم اجلالسة يف حديقة‬ ‫فالح قد سافر بعد عصر النداءات و الثورات اجلليدية ‪.‬‬ ‫اتعرف كم هو مجيل ان تعمد اىل مجيع الطرقات فتصنع منها‬ ‫طائرة غري مألوفة تتكاثر كاملوت ‪ ،‬حنو جسد النهار و الشوارع و‬ ‫االقدام ‪.‬‬

‫‪74‬‬


‫فصل ‪23‬‬ ‫لطاملا سرت وحيدا متلفتا بني الكواكب البعيدة ‪ ،‬هناك االزهار‬ ‫بنية متيل قليال اىل الصفرة ‪ ،‬كنياق العرب القدامى ‪ ،‬عندما تنظر‬ ‫امامك ترى قالئد رائعة ‪ ،‬و ابتسامات مفقودة ‪ ،‬لن جتدها هنا‬ ‫مهما حاولت ‪ ،‬و لو ادرت راسك قليال ستجد مغارات و‬ ‫متاهات مظلمة خميفة ‪ ،‬لن جترأ على دخوهلا ‪ ،‬اضافة اىل اننا‬ ‫مشغولون جدا ابلزمن الذي حيصد انفاسنا ‪ ،‬فاحرتس و كن حذرا‬ ‫فان لكل قدم تضعها على ارض ذلك العامل اجلديد تكلف‬ ‫االنسانية حضارات كاملة ‪،‬فعال انه زمن مكثف خيتصر أبايمه‬ ‫السنني الطوال ‪ ،‬و الغريب ان صديقي أييت و خيطب خطبة‬ ‫عصماء ميجد فيها التاريخ و ال يرتك جماال للمكان ‪.‬‬

‫‪75‬‬


‫فصل ‪24‬‬ ‫الصخب الغريب يرتاقص كأشعة الشمس فوق ماء تتالعب به‬ ‫الرايح ‪ ،‬يستخرج من جوف املكان صرخات احتفالية بعيون‬ ‫حزينة ‪ ،‬انين ارى الشحوب الذي يعرتيها اين اشعر ابملها‬ ‫الصاخب الغريب ‪ ،‬خلف تلك الفضاءات اخلشبية احلمراء ‪،‬‬ ‫الصلدة جدا من االنتظار ‪ ،‬اين اراها تلك القطارات الناعسة ‪،‬‬ ‫خترتق فضاء سجنها الطويل ‪،‬أبجنحتها املسائية ‪ ،‬فتحيا االبتسامة‬ ‫املفقودة و هتدا تلك االرواح ‪ ،‬و يهدأ كل ذلك الصخب ‪ ،‬شيء‬ ‫غريب جدا اليس كذلك ‪.‬‬

‫‪76‬‬


‫فصل ‪25‬‬ ‫أال تتفق معي ‪ ،‬أ ّن تلك الصخرة امللونّة‪ ،‬اليت ألقتها أشجار‬ ‫السدر يف حفل مهيب ‪ ،‬كانت صامتة بعض الشيء ؟ ‪ ،‬أمل تر كم‬ ‫كانت تتميع ؟ أليس من الغريب لصخرة أن تكون بكل تلك‬ ‫الالمباالة ؟‬ ‫‪77‬‬


‫اي أخي حىت الغزالن ليست كذلك ‪ ،‬انّنا حنونون فعالً ‪ ،‬وال‬ ‫نريد ان نكسر قلب أحد ‪ ،‬الصداع غري مسموح به ‪ ،‬ألسنا‬ ‫سياسيني كبار و رواداً للحرية ؟ نعم كلنا حيب التسامح الذي‬ ‫يزين الفجر‪ ،‬حىت احلضارة الغريبة ليست سيئة يف كل مالحمها ‪،‬‬ ‫ففيها شالالت و رسوم تفيد كثرياً يف صنع الزجاج املنتشرة يف‬ ‫الطوابق الثالث من بناية احلريّة ‪.‬‬ ‫تعال و أنظر ‪ ،‬لنع ّد ّأايم العشق ‪ ،‬و الصدود ‪ ،‬آه مىت ينتهي‬ ‫أين سأمل من‬ ‫عصر الصدود؟ من السخافة جدا أن تتصور ّ‬ ‫العشق‪ ،‬مهما حالوا و مهما محلت تلك الشاحنات العابرة‬ ‫للقارات من زيف و حقد‪ .‬لقد أخربوين اهنم يعدون الع ّدة لقتل‬ ‫كل القوارب و مراتديها ‪ ،‬ألجل احداث هزات ارضية جتعلين‬ ‫أصمت ‪ ،‬إال انّه ليس مشرفا ابدا أن أجلس فوق التل و يدي‬ ‫تعبث ابلنصر و حلوى النسيم ‪ ،‬و أنت بعيد هكذا ‪ ،‬ليتك تفهم‬ ‫تكف عن االحبار حنو قدميك ‪ ،‬ارفع‬ ‫ملرة واحدة ‪ ،‬ليتك ّ‬ ‫ولو ّ‬ ‫رأسك قليال ‪ ،‬فان السماء مجيلة ‪ ،‬أنظر ايل‪.‬‬

‫‪78‬‬


‫فصل ‪26‬‬

‫مل يرتك ساحة عامة ‪ ،‬وال شجرة و ال زمنا رماداي اال و حتدث‬ ‫فيها عن اجمادان ‪ ،‬لطاملا قلت له ان يتحرر من العشق ‪ ،‬فانه ما‬ ‫عاد يرى‪ ،‬لقد اخربته يف ذلك املساء ‪ ،‬و كنت جادا فعال ان‬ ‫النهاايت الوردية من عبث الوعود الرباقة اليت ترتبع السخرية ‪،‬‬ ‫يف احلقيقة هو كان يعرف ‪ ،‬نعم اان ال انكر اين رايته يف اعياد‬ ‫كثرية يلبس ثيااب ملهمة ‪ ،‬لن اختلى عنه فاان اؤمن به ‪ ،‬اليس هو‬ ‫صنوي و اخي ‪ ،‬أ ليست هذه التماثيل تدور بال رمحة ‪ ،‬اجل‬ ‫عشقه املدمر املفروض جعله كالذاببة بال وزن ‪ ،‬و بال حراك ‪،‬‬ ‫تصور حىت مباراة الديكة غادرهتا نكهة احلرية ‪ ،‬شيء ملفت‬ ‫للنظر فعال ‪ ،‬قالوا ان االبواب القدمية اليت فشل املعماري االهبى‬ ‫يف اصالحها كانت سببا يف تدفق كل تلك املياه االسنة و‬ ‫‪79‬‬


‫العذاابت ‪ ،‬رمبا على ذلك املعماري ان يراجع اسس ثورته ‪ .‬فما‬ ‫نرى يف غليانه سوى الربيق‪.‬‬

‫فصل ‪27‬‬

‫االلوان ‪ ،‬االلوان ‪ ،‬االلوان ‪ ،‬االلوان ‪ ،‬حكاية و فضاء ‪ ،‬امل‬ ‫تسمع ؟ كيف لك ان تتعمق يف روح هذا الوحل و هذا الربود ؟‬ ‫أ كل هذه البهجة ألجل احلرب و القتل ؟ عجبا لكل هذا‬ ‫االتقان ‪ ،‬هلذه الصروح و الربوج و الكالم املنمق ‪ ،‬أ كل هذا‬ ‫ألجل احلرب و القتل ؟‬ ‫اه ايتها السماء احلنون ‪ ،‬اعمى اان ال استطيع ان ارى ‪ ،‬الرواء‬ ‫يدان انعمتات ‪.‬عندما استيقظ يف الصباح ‪ ،‬اصوات للموت ‪،‬‬ ‫عندما اشاهد االبتسامات‪ ،‬وجوه للموت ‪ ،‬املوت ‪ ،‬املوت ‪.‬‬ ‫‪80‬‬


‫عندما اتكلم عن احللم ‪ ،‬قطارات للموت خترتق اذين ‪.‬‬ ‫اه ايتها االسارير ‪ ،‬ايتها القصص الغاربة ‪ ،‬هذه طيور مبهجة ‪ ،‬و‬ ‫امساك ‪ ،‬و ازاهري ‪ ،‬ايها العامل الغريب ‪ ،‬مىت سأنتهي منك ‪ ،‬ليتين‬ ‫اعلم ‪.‬‬

‫فصل ‪28‬‬ ‫لعلها تريد ان تسالك شيئا ‪ ،‬انين ارى اطراف زواايها خجلة ‪،‬‬ ‫اوراق تتساقط هنا و هناك ‪ ،‬و ثلوج ‪ ،‬اهنا تفيض ابلثلوج ‪.‬‬ ‫لقد اخربهتم مجيعا اننا ال نرى هكذا شيء اال بواسطة االقمار‬ ‫االصطناعية او الشبكة العنكبوتية ‪ ،‬او االكثر من ذلك‪ ،‬اال ترى‬ ‫ان فمها يسع اجملرة ‪ ،‬و يدها تعبث بكل شيء‪ ،‬تعيد ترتيب‬ ‫التاريخ ‪ ،‬املهم ‪ ،‬ليس هذا موضوعنا سنتحدث يف ذلك الحقا‬ ‫‪ ،‬لنرجع حلديثنا ‪ ،‬نعم الثلوج تسرح شعرها‪ ،‬اي هلا من مدينة‬ ‫انعسة ‪ ،‬هذه ليست شيخوخة ‪ ،‬كيف وهي مل تبصر النور بعد‬

‫‪81‬‬


‫؟ و رغم ما قيل عن جمدها العظيم ‪ ،‬و االمسيات معسولة‬ ‫احللب ‪ ،‬عيناها ال زالت تتلفت ‪ ،‬تلك الطيور البنية تتيه‬ ‫كنفس بريئة يف مساءاهتا الصغرية ‪ ،‬عندما كنت طفال تذكرت ما‬ ‫حيصل االن‪ ،‬كانت االالم تنهمر كاملطر‪ ،‬و كانت هي مدفونة‬ ‫حتت الرتاب ‪ ،‬نعم و اي له من تراب ‪ ،‬انتظر قليال ‪ ،‬لعلها تريد‬ ‫تن ختربك شيئا ملاذا ال تصغي اال يهمك امر الرتاب الذي على‬ ‫وجهك ‪،‬من سيعرف ؟ من سيكتشف؟ ‪ ،‬اليس هلذا االمل هناية ؟‬ ‫عجبا ماذا ميكنك ان تصف؟ ‪،‬من سيجيد اعتناق تلك احلروف ‪،‬‬ ‫حكاية العدالة ‪ ،‬و املدن االمنة ‪ ،‬حىت الذائب تتخلى عن غربتها‬ ‫‪ ،‬و تنام الطرقات كتماثيل من ثلج ‪ ،‬ليتين احيا ألرى الزمن‬ ‫الرفيع‪ ،‬القارئ الرفبع ‪.‬‬

‫فصل ‪29‬‬ ‫حقول ترتدي الشتاء و سنابل بيضاء بصوت جهوري ‪،‬‬ ‫و يدك ‪ ،‬تلك ‪ ،‬تصافحين وسط الدهشة ‪ ،‬لقد انتهى القلق ‪،‬‬ ‫فيأيت الصوت ‪ ،‬التارخيي الرهيب ‪ ،‬أ هكذا تكون االمال ؟‬ ‫‪82‬‬


‫حينما نتذكر تلك املساحات املتموجة ‪ ،‬ميالان الضحك ‪ ،‬و‬ ‫احلنني ‪ ،‬نعم ان ذاكرتنا ملهمة ‪ ،‬فهي مليئة ابلنريان و الدموع ‪،‬‬ ‫رمبا ذلك سيجذب اصدقاءان يف ( بوتز ) و السيدة كريك *‪.‬‬ ‫فتنوي اجمليء اىل هنا ‪ ،‬و االحبار يف هذه الذاكرة ‪ ،‬و التزود من‬ ‫حبر االهلام هذا ‪ ،‬ومل ال ؟ ‪ ،‬فنحن ميكن ان نكون كتاب جيدين‬ ‫‪ ،‬و حبجوم استثنائية ‪،‬‬ ‫اليست هذه دماؤان تسيل بال حزن ؟‬ ‫السنا نقتل بدم ابرد و سط احتفاالت راس السنة ؟‬ ‫اجل ميكننا ان نكون كتاب جيدين ‪ ،‬نزرع القمح و نشرتي‬ ‫عكازا لتدفئة اخلريف ‪،‬‬ ‫لقد سئمت هؤالء التجار و اهل البضائع الرخيصة ‪،‬‬ ‫حيملون الينا عيوان فرحة ‪ ،‬اال متل من هذا االستعباد ؟ اما‬ ‫تشعر ابخلجل ؟‬ ‫املراة اليت ال جتيد الطبخ ال يرغب هبا اهل القرية ‪،‬‬ ‫و االكالت اجلاهزة ليست حال موفقا ‪،‬‬ ‫‪83‬‬


‫ليتك تصغي ‪ ،‬ال بد من احلرية ‪ ،‬ال بد من ابتداء ‪ ،‬و صرخة‬ ‫رفيعة توقظ النيام ‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫( بوتز) اي صفحة (‪ ) poets‬يف قوقل بلس للشعر ابللغة‬ ‫االنكليزية ‪ ،‬و سيد كريك (‪ ( R G Kirk‬املشرف على‬ ‫الصفحة ‪.‬‬

‫فصل ‪30‬‬ ‫بلدي ‪ ،‬خضراء انعسة على راحتيك الرباكني ‪.‬‬ ‫و اجلبال ‪ ،‬اجلبال ‪ ،‬اجلبال ‪ ،‬ليست وعرة كما يقولون ‪،‬‬ ‫يرتاكض هناك الصبية فوق الوداين ـ فوق بساط طائر طويل بني‬ ‫رؤوس اجلبال ‪.‬‬ ‫تصور حقول خضراء و ال زال اجلراد يعبث ببلدي ‪ ،‬يفصل‬ ‫الثياب ‪ ،‬يضحك ‪ ،‬وجوه شوهها الغروب ‪ ،‬وجوه الظالم االعمى‬

‫‪84‬‬


‫‪ ،‬انظر االساور تتدحرج حنو الساقية ‪ ،‬حنو النخيل ‪ ،‬حنو‬ ‫الفضاءات الداكنة ‪.‬‬ ‫اين ارى صورة ‪ ،‬نعم اهنا صورة ‪ ،‬او طائر ‪ ،‬او خيمة بدوية فوق‬ ‫رؤوس اجلبال ‪ ،‬ترعد فوق رؤوس اجلبال ‪ ،‬و يف ذلك اليوم‬ ‫العاصف يف ذلك االفق الداكن ‪ ،‬الشالالت الشالالت خترج‬ ‫رؤوسها خوفا من املطر ‪ ،‬تتلفت و ال هتتم بشيء ‪ ،‬تلك‬ ‫الشالالت ‪ ،‬تلك الشالالت ميلؤها الزهو ‪ ،‬تغرقين ‪ ،‬فينحي‬ ‫وجه املاء يتقوس يتعاىل مث يسقط بقوة ‪ ،‬ما من احد هنا سوى‬ ‫اجلبال و االشجار الداكنة ‪ ،‬و تلك الشالالت و‬

‫تلك‬

‫الفضاءات الباردة ‪ ،‬لقد اشرقت الشمس ‪ ،‬انين اشعر ابلدفء ‪.‬‬

‫فصل ‪31‬‬ ‫اليك ايهتا اخلالدة مجيع آلصروح و االبتسامات املمكنة‬ ‫و اانشيد املطر البهية اليك ‪ ،‬مرمي ‪ ،‬كل الفضاءات اليت طاملا‬ ‫عشقها العارفون كل يد بيضاء تشق قلب الزمن الرمادي حينما‬ ‫تفجرت‬

‫اسارير‬ ‫‪85‬‬

‫الصباحات‬


‫و‬

‫انزوى‬

‫الظل‬

‫يف‬

‫الغارق‬

‫الضباب‬

‫حينما تساقطت اقنعة الظالم اجلامث فوق صدر احلرية‬ ‫حينها‬ ‫وراحت‬ ‫انه‬ ‫ايتها‬

‫عرفت‬

‫ان‬

‫اجنحة‬ ‫املسيح‬

‫للشمس‬ ‫النور‬

‫عبد‬

‫االايم‬

‫هللا‬

‫الناصع‬

‫البهي‬

‫وجهها‬

‫تضاحك‬

‫اايمها‬

‫العامرة‬

‫يرسل‬

‫بشاراته‬

‫اخلالدة‬

‫ايتها‬

‫البامسة‬

‫االسارير‬

‫امحد سيهزم وجوه الزيف و العتمة بكل كلمة حب حتطم جبال‬ ‫الوهم‬

‫حيىي‬

‫اخلضرة‬

‫يف‬

‫ربوع‬

‫االرض‬

‫القاحلة‬

‫و يعلم املعمورة حكاايت احلكمة و النور ابلسالم ابلسالم‬ ‫ابلسالم‬

‫‪86‬‬


‫فصل ‪32‬‬ ‫هنر معلق جبدائل الفردوس (‪ )1‬خيتصر تواريخ هذي االرض انه‬ ‫املرآة الصافية اليت طاملا رات فيه احلرية و جهها نعم انه سيد‬ ‫املياه (‪ )3‬هنر يصنع عقول عاشقيه فتعانق اخللود و جيرى حبا يف‬ ‫شرايني ساكنيه (‪ )2‬و تتبسم على اببه وجوه الشفاء (‪)4‬‬ ‫جربائيل املقدس (‪ )5‬بيده العالية شق جدائله النقية و حكى قصة‬ ‫االبدية يف عينيه البامستني اي ترى هل رايت يف عمرك هنرا جيثم‬ ‫على ركبتيه فيحطم اوهام الغروبيني والنه يفيض حبا و معرفة‬ ‫حقدوا عليه و انبتوا يف جسده الطاهر كل سهم كئيب فسالت‬ ‫من مسامات بشرته كالكواكب السيارة انفاس الثائرين اي ترى هل‬ ‫رايت يف عمرك هنرا يسري يف قوافل املؤمنني (‪ )6‬يسكنه شيخ‬ ‫املاء (‪ )7‬و يفيض بكنز من ذهب (‪ )8‬حيصد القمح و جيلس‬ ‫حتت الظل يقص على االطفال اغنيات قدمية و يتعطر ابملسك‬ ‫‪87‬‬


‫كل ليلة (‪ )9‬فتتلون السماء بعبقه الرفيع وخيرب الزمن انه سيد‬ ‫النار و النور (‪ )10‬غري مكرتث ابلعمى املتوسد لذلك الغباء‬ ‫الغريب من انفاسه يتناثر التاريخ هنا و هناك و هناك حىت‬ ‫انك لن جتد بقعة على االرض اال و كان قلبها من صنع يديه‬ ‫الكرميتني اي ترى هكذا هنر ابدع قانون املدنية حبكاايته املوغلة يف‬ ‫النور و امليزوبوتوميا (‪ )11‬اليت اعلنت عرس اجملموعة الشمسية‬ ‫(‪ ) 12‬هنر يقف اخللق طوابري مبهورين امام اخلطوط العريضة‬ ‫اليت رمسها على وجه التاريخ وتنحين االايم امامه خبشوع اي ترى‬ ‫هل يقبلين هكذا هنر عاشقا بدائيا حيمل يف يديه حلمه املتصاغر‬ ‫الكؤود‬ ‫***‬ ‫‪-1‬‬

‫اشارة اىل خرب ان الفرات من اهنار اجلنة‬

‫‪-2‬‬

‫اشارة اىل خرب ان الفرات سيد املياه يف الدنيا و االخرة‬

‫‪-3‬‬

‫اشارة اىل خرب ان يف الفرات شفاء‬

‫‪-4‬‬

‫اشارة اىل خرب ان من شرب من الفرات صار حمبا‬

‫‪88‬‬


‫‪-5‬‬

‫اشارة اىل ان الفرات و دجلة و النيل قد شقها جربائيل‬

‫‪-6‬‬

‫اشارة اىل اخلرب الذي يقول ان هنر الفرات من النهرين‬ ‫املؤمنني‬

‫‪-7‬‬

‫اشارة اىل خرب ان ملكا ينزل كل ليلة يطرح املسك يف‬ ‫الفرات‬

‫‪-8‬‬

‫اشارة اىل اخلرب الذي يقول ان ملك املاء جتسد يف موجة‬ ‫من ماء الفرات‬

‫‪-9‬‬

‫اشارة اىل اخلرب الذي يقول ان الفرات ينحسر عن كنز‬ ‫من ذهب‬

‫‪-10‬‬

‫اشارة اىل خرب ان يف الفرات نور و انر‬

‫‪-11‬‬

‫بالد ما بني النهرين (‪) Mesopotamia‬‬

‫‪-12‬‬

‫اشارة اىل االحباث اليت دلت على ان اهل سومر قد‬ ‫عرفوا اجملموعة الشمسة و رمسوها ‪.‬‬

‫‪89‬‬


‫فصل ‪33‬‬

‫‪90‬‬


‫حينما خرجا مبكرا لصيد اجنم اخللود كانت ازاهري السوسن‬ ‫انعسة و اجلو ممطرا و ذلك العجوز الذي مرران به اايم الصبا‬ ‫الذي كان يتوسد الربد حدثهما و اشار أبصابعه الصلدة اىل عني‬ ‫الشمس و مها ‪ ،‬كعادهتما ال يلتفتان ‪ ،‬و كعاهتما كاان حنو‬ ‫قدميهما ينظران مىت يعلمان ان اخلوف لون من الوان احلب ؟ و‬ ‫ان البعد حكاية صادقة عن القرب الرفيع ؟ فحينما تتكاثر‬ ‫ضحكات الوهم و تغاريد الطحلب و حينما تغفو انفاس النور‬ ‫حينها يعلم اجلميع ان املوت قد اكل شهيق االرض و ان مجيع‬ ‫االخبار اليت نقلها البحارة مل تكن وفية ‪ .‬عجبا ‪ ،‬للمسري االعمى‬ ‫ايها التاريخ البين امل ختربمها ان احلقيقة هنا يف مدن كلمايت امل‬ ‫ختربمها ان بوابة اخللود هنا بني يدي امل ختربمها بذلك ؟‬

‫فصل ‪34‬‬ ‫‪91‬‬


‫العيد يتكئ على كرسيه الرفيع جيثم على ركبتني من ثلج ‪.‬‬ ‫يقص علينا مآثر االجداد البامسة يصافح ازقة مدين احلبيبة ‪ .‬اببل‬ ‫و طيبة و شرفيت النيل العظيم‪ .‬العيد وجه براق للفجر لطاملا ابدع‬ ‫معرفة السحر يف القلوب املتجمدة من يديه البامستني جرت تلك‬ ‫احلضارات البعيدة ‪ .‬اال ترى كل تلك املنارات و اصوات اخللود‬ ‫‪ .‬اال ترى خطواتنا الندبة تلك وازاهري السوسن و قصائد‬ ‫العاشقني يف قرييت تغرق يف احالمها يف حلظة اسرة ‪ .‬تودع يف‬ ‫الفجر انفاس الثائرين فأتساقط مطرا يضاحك الشتاء اجل ‪ ،‬كم‬ ‫كانت خطواتنا ندية لطاملا حدثتين عن هبجة الشرق اليت ال‬ ‫انسى عن حكاايت الفرات وسيناء و القدس اجلريح عن امل اوهن‬ ‫ركبيت التاريخ الرفيع لطاملا حدثتين بكل ذلك‬

‫‪92‬‬


‫فصل ‪35‬‬ ‫كم قد حدثتين املساءات الشفيفة اليت ال تنسى و وجوه الغد‬ ‫اليت التقيتها يف املراكب السومرية يف عصر ما قبل التاريخ‬ ‫املبحرة حنو الشمس كان وجهك الرفيع و صوتك الرفيع و املتنيب‬ ‫و السياب و رامبو (‪ )1‬و احللة و زهري الشيخ (‪ )2‬و جبار‬ ‫الكواز (‪ )3‬و بغداد و احسان الشماع (‪)4‬‬

‫و النجف و‬

‫السبزواري (‪ )5‬وانت حاضر دوما و البيت العراقي التونسي‬ ‫(‪ )6‬وعالء االديب (‪ )7‬و عيسى ابو راغب (‪ )8‬و‬ ‫ميكانزما اجلمال (‪ )9‬و مسرت دنكن (‪ )10‬و عهود الومض‬ ‫(ها اان اتعلم االغنية عيناي لن تسقط اثنية يدي لن هتذي‬ ‫هذا عهد و احتفال ‪ )11( ).‬و ذلك الضوء البين املتوسد‬ ‫حلقول لطاملا كنت اطري فراشة فوق مدهنا البامسة ( دوما هناك‬ ‫شيء يستحق الشكر )(‪ )12‬اجل دوما هناك شيء يستحق‬ ‫الشكر ‪.‬‬

‫‪93‬‬


‫هذا النص تعبري عن شكري لكل هؤالء و غريهم من كان هلم‬ ‫الفضل علي مبناسبة حلول السنة اجلديدة ‪.‬‬ ‫‪2014\12\31‬‬

‫املتنيب و السياب و رامبو ‪ :‬من أتثرت هبم يف كتابة الشعر‬ ‫زهري الشيخ ‪ :‬طبيب اختصاص جراحة عراقي من اببل معروف ‪،‬‬ ‫عايل الثقافة و االدبية وتدربت معه يف الطب قد شجعين كثري‬ ‫على الفكر و االدب ‪.‬‬ ‫جبار الكواز ‪ :‬شاعر و اديب عراقي معروف كان رئيسا الحتاد و‬ ‫كتاب اببل حينما كنت شااب صغري اتردد على االحتاد ‪ ،‬وهو‬ ‫اليوم رئيس لالحتاد ‪.‬‬ ‫احسان الشماع ‪ :‬طبيب اختصاص امراض كلى كان املشرف‬ ‫على البورد العراقي يف زمن دراسيت ‪.‬‬ ‫السبزواري ‪ :‬السيد علي السبزواري استاذي يف الفقه و االصول‬ ‫‪.‬‬ ‫‪94‬‬


‫البيت العراقي التونسي ‪ :‬هو البيت الثقايف العراقي التونسي‬ ‫املتخصص ابألدب و الثقافة وهو اول مؤسسة ادبية انتمي اليها‬ ‫‪.‬‬ ‫عالء اديب ‪ :‬شاعر و انقد عراقي فذ و صديق واخ وهو رئيس‬ ‫البيت الثقايف العراقي التونسي‬ ‫عيسى ابو راغب ‪ :‬شاعر و كاتب فلسطيين يف جملة اجملسرة‬ ‫االدبية الثقافية اليت نشرت شعر و مقاالت يل ‪.‬‬ ‫فكرة استثنائية عن الظاهرة اجلمالية و االستجابة اجلمالية اعمل‬ ‫عليها يف مقاالت نقدية ‪.‬‬ ‫مسرت دنكن ( ‪ ) mister Duncan‬صاحب سلسلة‬ ‫مسرت دنكن لتعلم االجنليزية املمتعة املعروفة على شكل فديو و‬ ‫اليت استفدت منها كثرا ‪.‬‬ ‫‪ -11‬مقطع مقتبس من قصيديت ( املوت و احلياة او ومضات )‬ ‫‪-12‬مقولة عالقة يف ذهين ال ادري اين قراهتا‪.‬‬

‫‪95‬‬


‫رسومات‬

‫‪96‬‬


‫القسم االول‬

‫افق احدب‪ ،‬فوق ظهره اعمدة سوداء صلدة ‪ ،‬امامها اانس‬ ‫جالسون ذوو اقدام واسعة ‪ ،‬تدوس اشالء مهشمة ‪.‬‬ ‫او ‪:‬‬ ‫القدس اغنية تغتصب حتت الشمس ‪ ،‬مرحى ‪ ،‬مرحى فلتبتسم‬ ‫االنسانية و ضمريها العظيم ‪.‬‬

‫بناية شاهقة ‪ ،‬امامها رجل اجوف طويل ‪ ،‬احدى قدميه تعلو سلة‬ ‫نفاايت قد جتمع فيها ثلثي سكان االرض ‪.‬‬ ‫او ‪:‬‬

‫‪97‬‬


‫هكذا يف العامل البعيد ‪ ،‬ينزل انسان من السماء ‪ ،‬و بقية االرض‬ ‫طحلب رخيص ‪ .‬كال ال جمال هناك للحب و اجلمال ‪.‬‬

‫حقل واسع من الزهور يتجاوز املشهد و االطار ‪ ،‬يف الزاوية‬ ‫البعيدة بئر تغرق يف الوحدة ‪ ،‬يتجمع يف قعرها املظلم اكوام من‬ ‫العظام و احللي ‪.‬‬ ‫او ‪:‬‬ ‫صدور الثائرين جنائن معلقة ابلعرش ‪ ،‬ختتبئ يف فجوات الزمن ‪،‬‬ ‫اتركة املكان لكل فناء هبيج ‪.‬‬

‫فضاء فضي ‪ ،‬خترتقه خطوط افقية من الالهناية ‪ ،‬تتجاوز طريف‬ ‫املشهد‬

‫‪ ،‬ال ترتك من املكان اال مربعات محراء متزامحة يف‬

‫اجلانب القريب ‪.‬‬ ‫او ‪:‬‬ ‫‪98‬‬


‫احلرية فراشة انعسة ‪ ،‬ال تعشق اال كل زهرة ابمسة‪ ،‬او كل موت‬ ‫ينثر حياة بال حدود ‪.‬‬

‫مساحات عريضة سوداء ‪ ،‬تنهض أبيد و ارجل حديدية ‪ ،‬قمتها‬ ‫املربعة صلدة جدا ‪.‬‬ ‫او ‪:‬‬ ‫احلضارة تنتفخ يف اهلواء الطلق ‪ ،‬تدنو من شالالت ذات‬ ‫ابتسامات عريضة ال تنجب ‪.‬‬

‫فضاء رملي واسع ‪ ،‬ذو حركة ملفتة ‪ ،‬تغطيه طبقة من الرايح‬ ‫الثقيلة ‪ ،‬هناك يف اجلانب البعيد ‪ ،‬اشالء متساقطة ‪ ،‬وهنا اعمدة‬ ‫ذات الوان صافية ‪.‬‬ ‫او ‪:‬‬ ‫سيكون لألصوات ابتهاج مل تر مثله من قبل ‪ ،‬حينما حتدث خيانة‬ ‫عظمي ‪.‬‬ ‫‪99‬‬


‫بناية واطئة ‪ ،‬يبزغ من جوانبها نتوءات مستطيلة ‪ ،‬فتبدو كتاج‬ ‫رث يتجمع فوق سطحه كثبان من القش ‪.‬‬ ‫او ‪:‬‬ ‫من احملزن اين اردد اغنيات قدمية ‪ ،‬هكذا هكذا تتوقف االنسانية‬ ‫‪ ،‬هكذا اان تتجمد ‪.‬‬ ‫القسم الثاين‬ ‫‪-1‬‬ ‫جنوم ضاحكة وعلى اجلانب االمين أبعلى للزاوية حركة كثيفة‬ ‫لنيازك بعيدة و هنا يف اجلناب القريب من املشهد موجة جمنونة‬ ‫داكنة‬ ‫او‬ ‫انكم ايها الغروبيون لن ختتصروا هذا الشعب‬

‫‪-2‬‬ ‫‪100‬‬


‫حقول شاحبة ‪ ،‬و يف االعلى مشس بعيون كثرية ابكية و هناك يف‬ ‫اجلانب‬

‫االمين‬

‫جرة‬

‫ريفية‬

‫جمروحة‬

‫و‬

‫دم‬

‫يسيل‬

‫االعياد و راس السنة و وحلمي املتجمد ال تكفي البتسم ‪.‬‬

‫***‬

‫‪-3‬‬ ‫صور دمار كبري التقطها مصور مواكب لألحداث و وزعها حسب‬ ‫التواريخ ‪ ،‬و عيون ابكية ألمهات و اطفال ‪ ،‬وهنا يف اجلانب‬ ‫االخر ذراع كبري اكرب من العامل تصد احقاد الظالم‬ ‫حينما ينشدون حلنهم االخري ‪ ،‬رمبا سيشعر أبمل رؤوس الداببيس‬ ‫على بشرته احلديدية ‪ ،‬من الغريب ان يعتقدوا اهنم قادرون على‬ ‫‪101‬‬


‫ان حيطموا‬

‫قلبه الفضي‬

‫هبذا الدمار الشنيع‪.‬‬

‫‪-4‬‬

‫شجريات برتقال وفالح مبالبسه الريفية ‪ ،‬يزيل االدغال ‪ ،‬وشاة‬ ‫صغرية جالسة تقضم العشب و تنظر اليه حبب‬ ‫او‬ ‫الصباحات الندية تضاحك فراشاهتا احلاملة و ضفائر البحرية‬ ‫املتأللئة تتمايل هبدوء جذاب معلنة هبجة احلياة‬ ‫‪-5‬‬

‫خطوط مسيكة مقوسة ‪ ،‬تتقاطع ابنتقائية ‪ ،‬تكون اشكال نصب‬ ‫طويل ‪ ،‬ثوار و سجناء و صرخات و ملك جامث وزير و عبودية‬ ‫طغيان واانس طائرون و حاملون ‪ ،‬و مغفلون ‪.‬‬ ‫او‬ ‫‪102‬‬


‫الظالم ال أيخذ منك شيء ‪ ،‬هو ال يستطيع ذلك ‪ ،‬انت من‬ ‫يعطيه‬

‫‪،‬‬

‫عصر‬

‫فيبزغ‬

‫الظالم‬

‫‪.‬‬

‫‪-6‬‬ ‫لوحة سوداء ‪،‬على طول وسطها خط من االشكال املستطيلة‬ ‫املتجاورة املتوترة املتموجة بيضاء من هذا اجلانب اىل هذا اجلانب‬ ‫و تتدخل معها مبوازاة هلا خط مماثل بلون امحر ‪.‬‬ ‫او‬ ‫احلياة اغنية للفجر و النعامات ‪ ،‬اهنا ترحتل وسط الظل ‪ ،‬و سط‬ ‫االمواج ‪ ،‬فال يبقى منها شيء سوى احلقيقة سوى احلب ‪.‬‬

‫‪103‬‬


‫اجلزء الثاين قصائد ‪2015‬‬ ‫كتاابت النصف االول من ‪2015‬‬

‫‪-1‬‬

‫التجريدية‬

‫‪-2‬‬

‫الكتابة احلرة‬

‫‪-3‬‬

‫التعبريية‬

‫‪-4‬‬

‫التقليلية‬

‫‪104‬‬


‫التجريدية‬

‫‪105‬‬


‫الشرفة‬

‫حنو الشرفة الناعسة ‪ ،‬حنو عيون الشتاء ‪ ،‬حيث يتساقط الشوق‬ ‫كاملساءات‪ ،‬يتخ ّفى خلف السكون ‪ ،‬خلف صوت الغيم ‪ ،‬يبين‬ ‫شا بطعم الذيول ‪.‬‬ ‫عّ‬

‫‪106‬‬


‫الظالل تلك الظالل ‪ ،‬ترنو حنو ابحة الصمت ‪،‬هناك خلف‬ ‫البين ‪ ،‬حيث أنفاس الصقيع تر ّدد غربة الفجر‪.‬‬ ‫ستارة الوهج ّ‬ ‫من تلك الزاوية ‪ ،‬تتصاعد أرواح الضباب اخلضراء ‪ ،‬مبتهجة‬ ‫ابلنسيم ‪.‬‬

‫‪107‬‬


‫( صباحات بنيّة )‬ ‫كل جسد متعب‪ ،‬يف‬ ‫أّيتها الصباحات البنية ‪ ،‬تعايل حنوي ‪ ،‬إليك ّ‬

‫هناايته شيء من الرحيق‪.‬‬

‫اليست املغارات وردية و صافية؟ امل تكن شعبا مرجانية تتهادى‬ ‫حنو فضاء واسع ؟ النرجس ‪ ،‬السماوات ‪ ،‬املطر ّبري ‪ ،‬أعوام‬ ‫من األسى القرنفلي‪.‬‬ ‫اي للحنني اي للحنني‪ .‬يرتاقص كجدول انعس‪ ،‬حيث القطط‬ ‫البنفسجية ترتّل صلواهتا االخرية‪ .‬الكون كان يقضاً و ّتواقا و‬ ‫اجملد يتعلّم الرؤية‪ .‬اه لسماءٌ ال تكاد تريد شيئا من البوح‪.‬‬

‫"أرواح فضية"‬

‫‪108‬‬


‫العذاابت ‪ ،‬العذاابت ‪ ،‬القضبان ‪ ،‬األصابع الصفراء ‪ ،‬العمى‬ ‫املرير‪.‬‬ ‫تعج ابللون املسروق ‪ ،‬بكل اللون ‪ .‬لكن‬ ‫التنهدات احلمراء ‪ّ ،‬‬ ‫هناك‪ ،‬خلف الضوء‪ ،‬أرواح برتاتيل اخلضرة الرباقة ‪ ،‬بقلوب‬ ‫فضيّة ‪ ،‬تتناثر حتت االمل بطعم‬ ‫كالقضبان ‪ ،‬كالعذاابت‪.‬‬

‫رقراق‪ .‬اجل احلرية براقة‬

‫اهنّا تصغي ‪ ،‬تلك االرواح الفضية‪ ،‬جتيد ع ّد أصوات الضوء ‪،‬‬ ‫تصنع منها واحة و جسرا‪ .‬هي ليست انعمة ‪ ،‬كما أ ّن هلا هديرا‬ ‫الظل ‪ ،‬تصنع مشسا و حكاية ‪ ،‬و تعيد‬ ‫بلون النخل‪ .‬تقف وسط ّ‬

‫كوكبا و نبةً‪.‬‬

‫املر‪ ،‬تتمايل ‪ ،‬تتأرجح ‪،‬تتعثر ابملياه‬ ‫إهنّا آسرة‪ ،‬و فرحة رغم األمل ّ‬ ‫الشقيّة ‪ ،‬حيث األمساك الورديّة تتقافز هنا و هناك ‪ ،‬أجل كان‬

‫النهر عاشقا‪.‬‬

‫مرحى ‪ ،‬مرحى اي للسعادة ‪ .‬اي للحربة‪.‬‬

‫‪109‬‬


‫( الواحة )‬

‫بني يدي الغروب جيلس األقحوان ‪ ،‬كمسافر على بساط اهلمس‬ ‫‪ ،‬يراقص النسيم ‪.‬‬ ‫مرآةً ورديّةً كان وجه املاء ‪ ،‬بعذوبة غريبة تداعبها أيدي الريح ‪.‬‬ ‫كالطفولة اللذيذة أهبرين لون الشمس ‪.‬‬

‫الرملي ‪،‬‬ ‫الرمال تعزف أحلاهنا املقرمشة ‪ ،‬و خيول البادية بعبقها‬ ‫ّ‬ ‫خترتق صوت الزمن احلامل ‪ .‬وهناك ‪ ،‬حنو الواحة ‪ ،‬حنو شجرة‬ ‫البلّوط ‪ ،‬صبيةٌ يلعبون ‪ ،‬و فراشات انعسة ‪ ،‬قد بلّل ثياهبا‬ ‫املساء ‪.‬‬ ‫اللماعة‬ ‫كم قد أسرتين ترانيم األغصان ‪ ،‬و أوراقها ذات العيون ّ‬ ‫‪ ،‬و الطيور ‪ ،‬أجل الطيور‬

‫أتسر املكان أبلواهنا الزاهية و سحرها األ ّخاذ ‪.‬‬ ‫ظل شجرة تنشد للنسيم ‪.‬‬ ‫آه كم ّ‬ ‫أحب رائحة الصيف ‪ ،‬و ّ‬ ‫‪110‬‬


‫( أمل )‬

‫آالمي زاهية ‪ ،‬كأعياد رأس السنة ‪ ،‬تذهب كل صباح اىل‬ ‫دراجة وكلباّ ‪ ،‬لعلها تصل اىل أبعد‬ ‫الد ّكان اجملاور لبلديت ‪ ،‬لتشرتي ّ‬ ‫نقطة من بشريت الناعسة ‪.‬‬

‫حينها كنت هناك فوق تلك الشجرة ‪ ،‬نعم تلك ‪ ،‬ذات األشواك‬ ‫املصفرة ‪ ،‬أم ّد يدي حنو سحابة واهية ‪ ،‬كنت حينها أبتسم ‪ ،‬اي‬ ‫ّ‬ ‫للغرابة ‪.‬‬

‫اجملرة حبثا عنك ‪ ،‬أيّها األمل العريض‬ ‫قدمي ‪ ،‬ومها جتوابن ّ‬ ‫لقد رأيت ّ‬ ‫مدور كحبّة عنب ‪ ،‬هناك أان و أنت و شجرة‬ ‫‪ .‬هناك يف زمن ّ‬ ‫السحري ‪ ،‬كنّا أغنية من‬ ‫البلّوط ‪ ،‬هنايةُ مؤكدة ‪ .‬نسافر بقاربنا‬ ‫ّ‬

‫املر ‪ ،‬أان و أنت‬ ‫ثلج ‪ ،‬كنّا بساطاّ فتّاان ‪ ،‬أان و أنت ‪ ،‬أيّها األمل ّ‬ ‫هبجةٌ ال تنطفئ ‪ .‬اي للسعادة ‪ ،‬اي لفرحيت التعسة ‪.‬‬ ‫‪111‬‬


‫الكتابة احلرة‬

‫‪112‬‬


‫شجرة الالزورد‬

‫أيتها النبتة الصخرية املغمورة يف تبغ الثلج ‪ ،‬اي شجرة الالزورد‬ ‫السريّة‬ ‫امللفوفة بشالالت جبال ماشو (‪ ، )1‬حيث الينابيع‬ ‫ّ‬ ‫للكون‪ ،‬و شهقة يف خافقي الشمس تعشق تراب بلدة مسراء بلّلها‬ ‫النسيم ‪.‬‬

‫‪113‬‬


‫تطل علينا جبناحك األبيض اي‬ ‫من هناك ‪ ،‬من‬ ‫َ‬ ‫روحك املورقة ‪ّ ،‬‬

‫عراق ‪ ،‬هتدي البسيطة حكاية نور‪ ،‬بلون شال صبيّة جتمع البلح‬ ‫من خنيالت بستاهنا الصغري‪.‬‬ ‫أان ال أستغرب أبدا تلك احلدقات ‪ ،‬و تلك املسافات اليت‬ ‫جتتازها ُرَكب احلفاة ‪ .‬أان ال أستغرب املوت و األمل و أبتسامات‬ ‫الزمن املتساقطة يف ابحتك كتماثيل من مشع ‪ ،‬و أغنيات خمملية‬ ‫لعاشق قد ذاب قبل عام يف وريقات املطر ‪.‬‬ ‫أجل ‪ ،‬هكذا ينحين جربوت األرض اليباب ‪ ،‬و هباؤها املبثوث‬ ‫يف الصدور اخلاوية ‪ ،‬حنو آاثر هبائك العتيد ‪ .‬حنو أغصان العقيق‬ ‫ضة ‪.‬‬ ‫األمحر و الرجل العقرب يسقيها مباء من ف ّ‬ ‫هكذا ترمسين عصفورا بنيّا ‪ ،‬متنحين قبلة حناسية ‪ ،‬فأحلّق غارقا‬ ‫فيك كمركبة فضائيّة رأت وجها جديدا للقمر ‪.‬‬ ‫أمل يعلمين صيفك األمسر قراءة الندى ؟ أمل تصفع وجهي رمالك‬ ‫الرباق ؟‬ ‫الساخنة ؟ أمل يغسل الفرات املق ّدس زوااي حلمي ّ‬ ‫مرا لقالدة الضوء ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فصرت سعفة و زاجال ‪ ،‬وصوات ّ‬

‫‪114‬‬


‫مستوحى من اشجار الالزورد و العقيق االمحر يف جبال ماشو‬ ‫اليت حيرسها رجال العقرب املذكورة يف اللوح التاسع من ملحمة‬ ‫جلجامش ‪.‬‬

‫‪115‬‬


‫البحرية‬

‫شى يف أزقّة املساء ‪ ،‬ميسح فوق رؤوس‬ ‫من هناك من طلل يتم ّ‬ ‫اجلذوع اخلاوية ‪،‬عيناه الكبرياتن حبرية جبع هتفهفها الريح ‪ ،‬لقد‬ ‫راينة ‪ ،‬كانت أغنية ‪.‬‬ ‫المست روحي عذوبةُ صوهتا اهلادر ‪ ،‬كانت ّ‬ ‫لقد قالت يل أ ّن الطرقات ‪ ،‬و الشبابيك ‪ ،‬و تلك الشجرة‬ ‫مؤجلة ‪ ،‬لقد ح ّدثتين هبمس ‪ ،‬أجل ‪ ،‬جزر‬ ‫املصفرة ‪ ، ،‬أساور ّ‬ ‫ّ‬ ‫الزمن متخمة ابلطيور ‪ ،‬كانت النوارس مبهجة ‪ ،‬من الغريب ان‬ ‫لوهنا األزرق ما عاد ينشد كالسابق ‪ .‬ما عدت أجيد السفر ّبرا ‪،‬‬ ‫ال أريد فرصة اثنية ‪ ،‬أيها الفضاء الفسيح خذين اليك ‪.‬‬

‫خذين اليك ‪ ،‬اي صديقي ‪ ،‬يداك انعمتان كالبحرية ‪ ،‬كاجلبنة ‪،‬‬ ‫بعيين هاتني‬ ‫أنت اي مرآة الفقراء ‪ ،‬و ألواهنم الزاهية ‪ ،‬لقد رأيتهم‬ ‫ّ‬ ‫‪116‬‬


‫يستحمون حتت الشمس ‪ ،‬نعم اي لقلبها القاسي ‪ ،‬اي‬ ‫‪ ،‬كانوا‬ ‫ّ‬ ‫لعينيها املغمضتني ‪ .‬تلك ‪ ،‬أايمنا الغارقة يف السكون ‪.‬‬

‫املرخيي‬ ‫صديقي ّ‬

‫فواحا ‪ ،‬كفتيات‬ ‫رايان و ّ‬ ‫حيايت بسيطة ‪ ،‬هي ليست عنباً شتائيا ‪ّ ،‬‬

‫معبد إنليل ‪ ،‬ا ّمنا حيايت مترة مسراء ‪ ،‬مليء قلبها ابلرمل ‪ّ ،‬اان‬

‫املرخيي ‪ ،‬مبركبة صنعت من‬ ‫اتذ ّكر جيدا حينما نزل هبا صديقي ّ‬ ‫‪117‬‬


‫خشب ابب انكيدو الشهري ‪ ،‬اليت أتى هبا الينا من غاايت األرز ‪.‬‬ ‫لقد أخربته ‪ ،‬انّين معجب ابلطريقة اليت بنيت هبا البيوت هناك ‪،‬‬ ‫اذ ال سقوف و ال أحقاد ‪.‬‬ ‫املرخييّون ليس مثلنا ‪ ،‬فقلوهبم معل ّقة ابلسماء ‪ ،‬حىت أ ّن صديقي‬ ‫اخربين عن أسالفه ‪ ،‬أ ّهنم احتلّوا الفردوس يوما ‪ ،‬و هنلوا من‬ ‫عسلها املضيء ‪ .‬كانوا خيرجون يف الصباح الباكر يبحثون عن‬ ‫عمال البناء يف ابب‬ ‫الدفء ‪ ،‬كفراشات شتائية تغفو بني يدي ّ‬ ‫املشهد و اجلامعني ‪.‬‬ ‫خالبة ‪ ،‬فمثال أتذ ّكر جيدا ذلك‬ ‫لقد كانت األوقات ساحرة و ّ‬ ‫املرخيي ابلوانه الزاهية ‪ ،‬كأنّك تنظر اىل حفل هندي‬ ‫الزقاق ّ‬ ‫مزخرف ‪ ،‬و ما لفت انتباهي أكثر ذلك الرجل اجلالس وسط‬ ‫ملونة األغصان ‪ ،‬و على رأسه قبّعة من ثلج ‪ ،‬حيكي‬ ‫أشجار ّ‬ ‫للصبية قصصا فردوسيّة ‪ ،‬حينها علمت أنّنا لسنا الوحيدين‬

‫أصحاب أتريخ وحضارة ‪ ،‬لقد سألت عن عمره فقيل أ ّن عمره‬

‫مليون سنة ‪ ،‬لك ّن الغريب انّه كان مفعما ابلشباب ‪ ،‬و سألت‬ ‫أيضا عن امسه ‪ ،‬فاجابين صديقي حينها ‪ ،‬لقد كان أمسه قريبا‬ ‫لكين نسيته اآلن ‪ ،‬أذ قد أدهشتين تلك‬ ‫من أمساء الصينيني ‪ّ ،‬‬ ‫‪118‬‬


‫اللحظات اليت جلسنا ‪ ،‬أان وهو ومجاعة من الشباب أصحاب‬ ‫املاليني سنة ‪ ،‬عند ابئع الرقّي ‪ ،‬كنّا نقهقه بصوت مرتفع ‪.‬‬

‫الفتاة‬

‫‪119‬‬


‫اي حلظّها السعيد‪ ،‬تلك السوسنة‪ ،‬كانت غارقة يف كتاب قدمي‬ ‫يتح ّدث عن جزر املرجان ‪ ،‬اليت رأهتا عيناي ‪ ،‬حيث العامل‬ ‫قش ‪ ،‬و يبتهج ‪ .‬كنت حينها أرى على‬ ‫األعمى ‪،‬يرتدي قبّعة من ّ‬ ‫جبهته آالم االنسانية ‪.‬‬

‫لقد رأت يف تلك الصفحات طغيان األرضيني ‪ ،‬مل يتعلّموا من‬ ‫صديقي فضاءات املرأة الرحبة ‪،‬هناك يف بلده املريّخ ‪ ،‬السماء‬ ‫تتدحرج كصبية يتدفؤون ابحلبّ ‪ ،‬يكرعون عبق الزهر الكوين‬ ‫آسر ملعان‬ ‫‪،‬عيوهنم من نسل خيول سليمان الساحرة ‪ ،‬أه كم هو ٌ‬

‫الرباقة‪ .‬هناك الطيور أكثر أمنا ‪ ،‬تضاحك احلقيقة بعيدة‬ ‫رموشها ّ‬ ‫عن زيف مدينيت وشحوهبا الليلي ‪ .‬أجل‪،‬حينما غادرت الظبيات‬

‫تصور كم‬ ‫ذلك الساحل‬ ‫الوردي ‪،‬كانت أجنحتها بنفسجيّة ‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫كنت مندهشا ؟‬ ‫لقد حدثين عن اإلميان ابملرأة ‪ ،‬عن البيوت العالية اليت تبنيها‬ ‫النساء هناك ‪ ،‬كأعشاش اللقلق حرة و عالية ‪ ،‬تفيض ابلفرصة‬ ‫تتوهج كأعياد رأس السنة ‪.‬‬ ‫النقية ‪ ،‬و عند املساء ‪ ،‬قال أهنّا ّ‬ ‫صدقت هنا أمل‬ ‫هتجي أحرف أمسي ‪ ،‬أجل‬ ‫ّ‬ ‫عندها ما عدت أجيد ّ‬ ‫االنسانية‪ ،‬هنا يقولون ‪ ،‬و أنّنا ّأمة جميدة ‪ ،‬أ ّن الوقاحة تعشعش‬ ‫‪120‬‬


‫يف أدمغة البعيدين ‪ ،‬إذن ملاذا صارت أرواح الصينينب أكثر صفاء‬ ‫و طمأنينية ؟ ‪ ،‬وتلك النوارس اليت حطّت على أرض القمر‪ ،‬و‬ ‫أخذت يل صورة مجيلة من املريّخ و اجملرات البعيدة ‪ ،‬كيف لثمت‬

‫جباههم و أعرضت عن وجوهنا العارفة؟‬

‫أه أيّتها املساءات ‪ ،‬أيّتها الفصول ‪ ،‬أيّتها احلجب الوامهة ‪ ،‬يف‬ ‫الرباقة ‪ ،‬تنزعني من‬ ‫ك ّفيك مدن شوهاء ‪ ،‬و أكاذيب السراب ّ‬

‫الوردي مفاتن اخلشوع ‪ ،‬تُعلّمي صوهتا حبّة الغرابن‬ ‫قلب الفتاة‬ ‫ّ‬ ‫السود ‪ ،‬كم بعيدة أنت ونداءاتك العليلة ‪ ،‬رّمبا سأعود يوم اىل‬ ‫ابلثراي اليت حت ّدثت عنها‬ ‫مدن الزعفران ‪ ،‬ابإلرث املق ّدس ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أكف من احلقيقة‪.‬‬ ‫السماء‪ ،‬فهي ال تغفو اال على ّ‬ ‫كل يوم‬ ‫آه كم هي بعيدة الرسومات و األانشيد اليت خترتق ذاكريت ّ‬

‫‪ ،‬كم أان غارق يف سجين الدامي املضحك ‪ ،‬ليتك رأيت لونه‬

‫الرقراق ‪ ،‬إنّه جذاب و كاذب و عدمي الضمري ‪ ،‬حيث يقتل‬ ‫صوت الزهر ليس لشيء اال أل ّن أاب هلب الزال يتح ّكم خبرافايت ‪،‬‬ ‫ك ّفه العريضة حتجب عين لون الشمس ‪ ،‬ال تعلّموهن الكتابة ‪،‬‬ ‫أبقوهن لوحات مزخرفة تزيّن البيوت العنكبوتية ‪ ،‬غارقات يف‬ ‫أيها الكاذب القبيح ‪ ،‬أيّها األعمى ما رأيتك‬ ‫الغياب املرير ‪ ،‬اال ّ‬ ‫‪121‬‬


‫يوما تلبس ثوب ضياء ‪ ،‬ما رأيتك يوما تنحين على زهرة تسقيها‬ ‫ماء ‪ ،‬مألت زواايك العتمة الدامية ‪ ،‬أاي من سبتك وحشية الظالم‬ ‫و ألسنة الزيف العظيم ‪.‬‬ ‫كن شجاعا ‪ ،‬هل ترى ذلك اجلدار؟ الذي ختتبئ خلفه مجيع‬ ‫الضبابيات و الرمادايت الغريبة‪ ،‬إضرب نَـ َفسك األعمى به ‪،‬‬ ‫لعل حقولك البيضاء تكشف عن‬ ‫لعل رئتاك تتعلّم هواء جديدا ‪ّ ،‬‬

‫األم‬ ‫ضي ‪،‬هناك حيث حت ّ‬ ‫قلبها الف ّ‬ ‫ط أسرار اخلليقة و الكتاب ّ‬

‫‪.‬هناك لن جتد حلكاايتك و بطوالتك ذكراً ‪.‬‬

‫أان من هناك ‪ ،‬أمحل على ظهري قربة من نور‪ ،‬تطري يب خيول من‬ ‫أيل ‪،‬‬ ‫ثلج‪ ،‬و يد حنونة تفيض ابألمل العريض ‪ .‬ليتك تصغي ّ‬ ‫ليتك ختلع عنك ثوب العبوديّة و قناعك البائس ‪ ،‬كن شجاعا ‪،‬‬ ‫تعال حنوي ‪ ،‬حنو صوت غريب ‪.‬‬

‫شة ‪ ،‬و عن الوجه اآلخر‬ ‫أخربك عن األوراق الزرقاء املتوح ّ‬ ‫للشمس ‪ ،‬كان شاحبا كسنابل القمح يف أرضك الغارقة يف‬ ‫الشيخوخة ‪ ،‬كم قد ح ّدثين األسالف عن األحالم و املستقبل‬ ‫السعيد ‪،‬اال أنّك أيّها اجلنس الظلوم ‪ ،‬الزلت اتئها بعيدا ‪ ،‬إقرتب‬

‫‪ ،‬كن حمبّا فهنا يف قليب ورد وضوء‪.‬‬

‫‪122‬‬


‫أيّها املرائي ‪ ،‬لقد علِمت السماء ماءك اآلسن ‪ ،‬فصرخت‬ ‫ألجل الفتاة ‪ ،‬وأنت هنا قابع كشجرة صنوبر بريّة ‪ ،‬تدير وجهك‬ ‫بكل لون ‪ ،‬أمل تعلم أ ّن الغصن‬ ‫بعيدا عن الدفء ‪ ،‬كاحلرابء ّ‬ ‫تتلون ّ‬ ‫األجرد اليابس الذي تتشبّث به قد أحرقته نسائم الصباح‪.‬‬

‫ليتين مل أكن ‪ ،‬ليتين كنت صبّارا مات من الظمأ ‪ ،‬من القهر‬ ‫يف صحراء قاحلة مل يزرها القطر منذ االالف السنني ‪ .‬فهذا العامل‬ ‫كل يوم‬ ‫املرائي مل يرتك يل شيئا ‪ ،‬لقد عشعش يف عقله الظالم ‪ّ ،‬‬ ‫ترتشف غيماته أروقة العتمة ‪ ،‬فكان مطرها بال حياة ‪ .‬الزرزور‬ ‫الذي رأيته عند النهر جييد بناء أسرة خري منهم ‪ ،‬لقد رأيته يكلّم‬ ‫زوجته احلبيبة بكل و ّد ‪ ،‬و يسأل بنته عما يدور يف خلدها من‬ ‫أحالم ‪ ،‬ليت هؤالء الغارقني ذوي األدمغة العريضة تعلّموا شيئا‬ ‫من ذلك الزرزور احلكيم ‪.‬‬ ‫أيّها البائس ذق مرارة نبتتك العقيمة ‪،‬ستتح ّدث العصافري املبثوثة‬

‫كالضوء يف أشجار السدر النقية عن بؤسك الغريب ‪ ،‬أمل تسمع‬

‫زقزقاهتا ؟ أمل تفهم ما تقول ؟ إهنّا ختربين أنّك عبء و أنّك جنس‬ ‫بكل سوء و تشكوك اىل اإلله القدير عسى أن‬ ‫تعيس ‪ ،‬ستذكرك ّ‬

‫‪123‬‬


‫تنتصف منك فتاة احلقل و الرغبة املكبوتة وحقيبة طفلة مألى‬ ‫شمتها ابلقهر ذات يوم‪.‬‬ ‫ابالحالم كنت قد ه ّ‬ ‫املر‬ ‫أيّها التعس ‪ ،‬اي حفيد جنيّات الشر ‪ ،‬أنظر اىل هذه الكأس ّ‬ ‫ة‪ ،‬كأس الضياع و األرضني املوحشة ‪ ،‬منها ش ِربت زواايك عنوان‬ ‫جمدها الزائف ‪ ،‬و يف بِركتها الطحلبية تعلّمت الغروب ‪ .‬أان ال‬ ‫أنسى حينما رأيت ّرسك يغرق يف مياهها االخطبوطية كصنم‬ ‫رمادي كاحل ‪ ،‬كان يذوب يف عامل من اإلسفلت ‪.‬مث ها أنت ذا‬ ‫مغربا ‪ ،‬إبسم‬ ‫خترج إلينا يف زمن املوت من القبور السفلية أشعثا ّ‬

‫تقص جدائل تلميذة خرجت اىل صفها ابمسة‪.‬‬ ‫السماء ّ‬

‫اال أيّها الصنم اإلسفليت ‪،‬اي وريث اليباب ‪ ،‬أبعد قناعك املزيّف‬ ‫املنمق ‪ ،‬إن كنت شهرت سيفك الصدئ‬ ‫عنها ‪ ،‬وجهك اآلخر ّ‬ ‫حماراب مطر السماء و الوصااي الغالية ‪ ،‬إبسم احلريّة ‪ ،‬تدعوا‬ ‫بكل اخلمر و دروس التيه و اخلواء‬ ‫أمساك الفرات ألن تنتفخ ّ‬ ‫نيب االنسانية املقدام ‪،‬أبعد أنفاسك الضحلة عن‬ ‫ّ‬ ‫الرباقة ‪ ،‬كأنك ّ‬ ‫قلبها الفردوسي ‪ ،‬دع حجاهبا املضيء يطري هبا اىل عوامل النور‪ ،‬انّه‬ ‫براقها الرفيع ‪ ،‬دعها تبحر حنو جزر احلقيقة و العشق األمسى ‪،‬‬

‫‪124‬‬


‫املشوه عن عينيها اجلميلتني ‪ ،‬فشجرة اللوز ال ميكن‬ ‫أبعد وجهك ّ‬ ‫أن تشعر ابلدفء بعيدا عن إيدي السماء احلنونة ‪.‬‬

‫النقي ‪ ،‬دعها جتوب كظبيات بيضاء‬ ‫دع املالئكة تصافح وجهها ّ‬ ‫يف حقول اجلنان العذبة ‪ ،‬ليتك رأيت الرايحني و حبّات العنب و‬ ‫فواحة تتطاير حوهلا يف حلقات رقيقة ال تعرف الذبول‬ ‫أانشيد نبتة ّ‬

‫‪.‬‬

‫أعين على ذلك الصوت املنّمق ‪ ،‬الغارق يف‬ ‫اي أيّها النقاء الكبري ّ‬ ‫التيه ‪ ، ،‬اي أيّها النقاء الكبري كن مشعة يف قلب الفتاة الصغرية ‪،‬‬ ‫لرتى وجه النور يف هذا العامل املرائي ‪.‬‬

‫‪125‬‬


‫العنرب‬

‫الكوثري على اجلانب األمين من‬ ‫الالهناية ‪ ،‬و ذلك النهر‬ ‫ّ‬ ‫الفردوس ‪ ،‬و الدرب املق ّدسة اليت إختضنت أقدام اهلجرة اىل‬ ‫طيبة ‪ ،‬و البيداء اليت حلّ فيها ركب احلسني ‪ ،‬و ُّ‬ ‫شق البحر‬ ‫يسميه العراقيون عنرباً‪.‬‬ ‫كل ذلك ّ‬ ‫الذي سار فيه موسى ‪ّ ،‬‬ ‫عصفور الغابة األصفر ذو البقع البيضاء الباهتة ‪ ،‬و زهرة‬ ‫اجلوري ‪ ،‬و بطوالت ثورة العشرين ‪ ،‬و قصائد‬ ‫الشمس ‪ ،‬و‬ ‫ّ‬ ‫‪126‬‬


‫املسورة كلها يسميها العراقيون‬ ‫املتنيب كلها و بويب ‪ ،‬و أوروك ّ‬ ‫عنرباً ‪.‬‬ ‫مرة يضعون على جبينه حبّة عنرب ‪ ،‬مث‬ ‫كل ما يراه العراقيون أول ّ‬ ‫ً‬

‫جتد له الطبيعة إمسا آخر ‪ّ ،‬إهنم يعشقون عطره األ ّخاذ ‪ ،‬يذوبون‬ ‫فيه اىل ما ال هناية ‪ ،‬غريبون عن هذه األرض البائسة ‪ ،‬ال‬ ‫يعرفون اال العطاء ‪ ،‬ال يزرعون و ال حيصدون و ال أيكلون غري‬ ‫الطيب ‪.‬‬ ‫طارت يب‬ ‫ظل شجرة هناك ‪ ،‬سرق ْتين ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ذات يوم جلست حتت ّ‬ ‫اىل موطنها األصلي ‪ ،‬اىل كوكب العنرب ‪ ،‬حيث القلوب البيضاء‬ ‫‪ ،‬هناك جدائل العروس و عطرها و مركبتها و خيوهلا حىت‬ ‫عجلتها ‪ ،‬حىت احملتفلون ‪ ،‬البيت ‪ ،‬احلقل ‪ ،‬عصافريه الرباقة ‪،‬‬ ‫املركبات احلديثة ‪ ،‬حىت حيطان املدارس و احلدائق العامة ‪ ،‬و‬ ‫مدرسو الصفوف االبتدائية كلّهم من العنرب األبيض ‪.‬‬ ‫هناك ال ترى شيئا اال وعليه آاثر البياض ‪ ،‬لديهم مائدة طوهلا‬ ‫مآت الكيلومرتات ‪ ،‬و مسرية مليونيه حيصدون هبا الصدأ و‬ ‫الظلمة فيشرقون كحقل مساوي ‪ .‬ليتك رأيتها مللئت دهشة و‬ ‫انبهارا ‪.‬‬ ‫‪127‬‬


‫رجاهلم و نساؤهم و صبيتهم و لعبهم سيل هادر من الشعر‬ ‫الكوين ‪ ،‬يف كوكب العنرب الكل شعراء ‪ ،‬حىت وليدهم يف ساعاته‬ ‫االوىل يقول الشعر ‪ ،‬لقد مررت مبقهى هلم ‪ ،‬فرأيت صورة طفل‬ ‫يف السادسة من عمره ‪ ،‬قلت ‪ ،‬من هذا ؟ قالوا هذا عنربٌ العظيم‬ ‫املتنيب‬ ‫‪ ،‬فسألت صديقي من هو هذا العظيم ؟ قال هذه صورة‬ ‫ّ‬ ‫وهو صغري ‪ ،‬إمسه احلقيقي (عنرب ) ‪ ،‬أال ترون أنكم تنادونه ( أاب‬

‫الطيب ) ؟‬

‫بنت الصباح‬

‫(ميتاشعر)‬

‫‪128‬‬


‫يعج‬ ‫لقد أخربتين الفصول ‪ ،‬أ ّن الشعر ورد ابسم ‪ ،‬كزفاف هندي ّ‬ ‫ابأللوان الزاهية ‪ ،‬ليتك رأيت عربة العريس املزخرفة ‪ ،‬و حصانه‬ ‫الغارق يف األلوان ‪ ،‬لقد كان احملتفلون حوله كأزاهري الصيف اليت‬ ‫حب ماسيّة مزخرفة‬ ‫رمستها طفلة حاملة ‪ ،‬وهي جتمع سالل ّ‬ ‫حتملها ظهر فرس من نسل الرباق املق ّدس ‪ ،‬و تبعث‬ ‫ابلذهب ‪ّ ،‬‬

‫هبا كل صباح حنو مشال البسيطة ‪ ،‬فتمتلئ أهنارها ابلنور الذهيب‬ ‫سر لروحه و حكاية من‬ ‫ّ‬ ‫اللماع ‪ ،‬رّمبا عني األنسان ال تراه ‪ ،‬النّه ّ‬

‫شجرة سيناء بداايهتا ‪.‬‬

‫أجل هكذا أخربتين الفصول احلكيمة ‪ ،‬أ ّن القصيدة بنت‬ ‫الصباح ‪ ،‬حينما يتن ّفس أذوب يف رئتيه كمقاتل قدمي ‪ ،‬أُحبر‬ ‫السريّة ‪.‬‬ ‫كالضوء حنو واحات الثلج ‪ ،‬هناك حيث الينابيع ّ‬ ‫لقد قالت يل ‪ :‬إ ّن القصيدة حكاية بريّة تغفو بني جفوهنا عصافري‬

‫امللونة ‪ ،‬كانت حينها الشمس انعسة ‪ ،‬و نبتة‬ ‫اجملرة ‪ ،‬و ببغاواهتا ّ‬ ‫ّ‬ ‫الباقالء ال تزال ذابلة من الربد ‪ ،‬ليتك مشمت روحها األرجوانية‬

‫الواثبة ‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪129‬‬


‫رحلة‬

‫حتما سيكون هلا احتفال ‪ ،‬و يكون هلا هنارات تلثم وجه احلقول ‪،‬‬ ‫و يكون هلا اسم ‪ ،‬تلك ‪ ،‬ضحكاتنا املؤجلة ‪.‬‬ ‫لقد أهدتين بلسما و زاي اسطوراي مل خيطر ببال احد ‪ ،‬حىت‬ ‫احملاربني القدامى و اجلالسني يف املقهى الشتوي ‪ ،‬اي لعظمة تلك‬ ‫البهجة ‪،‬اي أللواهنا احمللقة حنو جزر من بلور ‪.‬‬ ‫اتلمس العبري املتساقط يف االزقة النيلية من‬ ‫احياان كثرية اان ّ‬ ‫شى من دون عكاز و ال قبعة من‬ ‫الشمس ‪ ،‬حيث املساء يتم ّ‬ ‫القش ‪،‬عجبا اال ترى كثرة الفراشات يف اايمنا هذه ؟ اال ترى انين‬ ‫احب ان اخربك عن امور كثرية ‪،‬ألنين بدأت أشعر هبمسات‬ ‫الضوء‪.‬‬

‫‪130‬‬


‫سأحكي لك عن لون نسيته جدائل العروس الغارقة يف احلناء ‪ ،‬و‬ ‫عن زورق صنعه جدي قبل رحلته الكبرية حنو الربود الكوين ‪،‬اان مل‬ ‫اكن حينها افهم الكثري ‪،‬كنت حينها امحل يف يدي تفاحة محراء‬ ‫و كان قميصي خيتبئ حتت سعفات خنلة بيتنا القدمي ‪ ،‬آه ليتك‬ ‫رأيت النسيم ‪،‬ليتك رأيت ذلك‪.‬‬ ‫عجبا اي للغربة احلبيبة ‪،‬يرتمن يف زوااي املي طائر السنونو ‪،‬و هنر‬ ‫رقراق حيملين اىل مدينة الزنبق العائمة ‪ ،‬لقد رايتها هناك ‪،‬اعين‬ ‫الالهناية ‪ ،‬يف يدها اليمىن امساء اشجار الصنوبر و اخليزران‬ ‫‪،‬كانت تلمع ‪،‬و يف يدها االخرى رأيت روحا بيضاء ‪،‬بلون هلب‬ ‫مشعة خافت ‪،‬أظنها روحك انت اي صديقي‪.‬‬

‫‪131‬‬


‫التعبريية‬

‫‪132‬‬


‫ليلة ابردة‬

‫ِ‬ ‫يف إحدى الليايل الباردة ‪ ،‬ضيّ ِ‬ ‫فتاهت‬ ‫عت العربة قرطها ‪،‬‬ ‫الشواطئ ‪ ،‬و س ّك َاهنا األصليون ‪.‬‬ ‫كنت ضيفا ثقيال على ذلك البستاين الذي رأينه عند‬ ‫أان حينها ُ‬ ‫منحدر ِ‬ ‫ات الشمس ‪.‬‬ ‫لقد كانت ليلةً ابردة فعال ‪ ،‬عمرها يتجاوز ستة آالف سنة ‪ .‬إهنّا‬ ‫حتب السواد ‪ .‬أظنّك اآلن‬ ‫حتب ارتداء الثياب احلمراء ‪ ،‬و أيضا ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل هذه الدماء و هذا الظالم ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫عرفت تفسري ّ‬ ‫أجلب من بستان‬ ‫حاولت أن‬ ‫ُحب أن أخربك شيئا ‪ ،‬لقد‬ ‫اآلن أ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫حاولت فعال ‪،‬‬ ‫ذلك العجوز زهرةً و كوخا و ليلة جديدة ‪ ،‬لقد‬ ‫ُ‬ ‫اال أ ّن تلك الليلة الباردة كانت مسيكة ‪ ،‬وتغطّيها قشور صخرية ‪،‬‬ ‫مراً جداً ‪.‬‬ ‫مراً ‪ّ ،‬‬ ‫و األدهى من ذلك كله أ ّن قلبها كان ّ‬ ‫‪133‬‬


‫( النهر)‬ ‫ط على جسدي‬ ‫تسمع روح النهر و صوتَه‬ ‫أال‬ ‫الدافئ ؟ و هو خي ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫مقيم منذ آالف السنني فوق‬ ‫حكاايت اللو ّن ‪ ،‬بينما العطش ٌ‬

‫الغروب ‪ ،‬ليته مل يكن غروابً ‪ ،‬و مل‬ ‫حلمها‬ ‫ُ‬ ‫رموش اببل ‪ .‬لقد أهنك َ‬

‫تغين هناك ‪،‬‬ ‫يكن ذئبا ‪ ،‬فاملكاو يبين أعشاشه هناك ‪ ،‬والوانه ّ‬ ‫ط‬ ‫بعيدا عن أرضنا ‪ ،‬بينما البصرة تغرق يف النحيب ‪ ،‬آه اي ش ّ‬

‫العرب ‪ ،‬أيّها العاشق السماوي ‪ ،‬ذلك اجلنني االسود يف رحم‬ ‫األرض‪ ،‬جيلب الغرابن ‪ ،‬مع عقود من الدموع ‪.‬‬ ‫عجباً كم هي زاهية ألوان الفجر الذي سرقوه ‪ ،‬وكم أخربتين‬ ‫اجملرات البعيدة‬ ‫عروس النهر عن األصداف اليت محلها ج ّدي من ّ‬ ‫ظل شجرة أغرق يف النسيم ‪ ،‬كان‬ ‫‪ ،‬كنت حينها جالساً حتت ّ‬ ‫االحتفال حينها كبرياً ‪ ،‬والسيّدة ذات البشرة البيضاء‪ ،‬اليت‬

‫‪134‬‬


‫ترمم املزهرايت اليت‬ ‫جتاوزت السبعني ‪ ،‬ذات اخلمار األبيض ّ‬ ‫لعوب تتخ ّفى بني شطآن الفرات‪.‬‬ ‫أظافرها بسمةٌ ُ‬ ‫كسرت َ‬ ‫أيّها النهر احلبيب علّمين شهقة صباحيّة ‪ ،‬ونسمة برد ‪ ،‬علّمين‬ ‫الثراي عن‬ ‫وجهاً بنيّا يشبه خدود العراق ‪ ،‬أيّها النهر أمل ختربك ّ‬ ‫لكل‬ ‫شوقها البارد؟ فرسائل العشق حبّات رمل رخيص ‪ ،‬عجبا ّ‬ ‫هذا الصمت ‪ .‬حينها مل تكن قدماي تتمايالن كجدائل طفلة‬

‫كنت حاضراً هبجت‬ ‫عادت قبل عام من روضة األمل ‪َ ،‬‬ ‫ليتك َ‬ ‫حكاايهتم النبيلة و أسرار أيديهم الربيئة‬ ‫لقد قتلوين بقسوهتم املعهودة ‪ ،‬وعصبوا عني دجلة و رموا به يف‬ ‫الثلج ‪ .‬عشتار مل حتضر و ال ثورها اجملنّح ‪ .‬كنت حينها كالطري‬ ‫املذبوح يف جييب عمارة شاهقة تقطنها أشباح معتمة و أطفال‬ ‫غبار الصيف البارد ‪ ،‬ليتك‬ ‫يعلبون يف الزقاق ‪ ،‬قد كحل جبينَهم ُ‬

‫كنت حاضراً أيّها العامل األعمى ‪ ،‬فانك جتيد الرقص على جراح‬ ‫املتعبني ‪.‬‬

‫‪135‬‬


‫( راعي الغنم )‬

‫كم متنيّت ان أكون راعي ٍ‬ ‫ظل شجرة‬ ‫غنم ‪ ،‬أغر ُق دومنا ٍ‬ ‫رجوع يف ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ابرد يف ظهرية صيف لذيذة ‪ .‬هناك ‪ ،‬تصافحين حكاايت الفجر‬ ‫‪ ،‬اليت تعرفها ‪ .‬وحينما تبزغ الشمس أراها ‪ ،‬و أيضا ضحكات‬ ‫الغروب تلك الشطآن الزاهية ‪ .‬هناك ‪ ،‬حنو الصوت الشفيف ‪،‬‬ ‫عيناي ال تنتظر اال أغنيّات أبقار ج ّديت‪ .‬أجل ‪ ،‬حىت طني النهر له‬

‫أغنيته احملبّبة ‪ ،‬أجل هكذا ‪ ،‬بعيدا عنك ‪ ،‬أيتها املدينة البائسة‬ ‫‪ .‬اىل مىت أخربيين ؟ اىل مىت تبقني واقفة كابتساماتك الشاحبة ؟‬ ‫اىل مىت تبقني عجوزاً تفيض ابلغاربني ؟ ترتدين ثياب البشاعة‬ ‫مصاصو الدماء ‪ ،‬ال حيبّون أصابع الشمس ‪.‬‬ ‫امللونّة اوالدك ‪ّ ،‬‬ ‫ليتك تنظرين اىل املرآة ‪ .‬ايتها املدينة امليّتة ‪ ،‬مىت تفيقني ؟‬

‫‪136‬‬


‫إيل ‪ ،‬تعايل حنوي ‪ ،‬حنو صدري ‪ ،‬فهاهنا عامل غريب من‬ ‫تعايل ّ‬ ‫إيل أيّها الغروب السقيم ‪.‬‬ ‫إيل ‪ّ ،‬‬ ‫املياه العذبة و النشيد ‪ّ .‬‬

‫( الب ّقال )‬

‫اللماعة كفتاة سومريّة شاخمة تقطر عسالّ و صفاء‬ ‫برتقالتك ّ‬ ‫كشالالت‬ ‫ساحر عطرها األ ّخاذ ‪ .‬عنبك‬ ‫الشتائي رقراق وابرد ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫شرقي يذوب يف احلنني‬ ‫بيخال وهادئ جداً و هامس كشاعر‬ ‫ً‬ ‫ليتك رأيت قلبه الوهلان اببتسامات الصيف الساحرة عنبك‬

‫الشتائي الش ّفاف حكاية ال تنتهي يذ ّكرين ببيوت الفردوس الزاهية‬ ‫كظل شجرة يف حقول الفالحني القدامى حينها‬ ‫انّه ابرد الطعم ّ‬ ‫‪137‬‬


‫كان ج ّدي يتفقد سنابل القمح على فرسه البيضاء كان الوقت‬ ‫حينها عصرا وكنت أجلس بني عينيها كفراشة جنوبيّة تتوضأ‬ ‫الرباقة‬ ‫تلملم حاجياتك ّ‬ ‫كل صباح ابلفرات ‪.‬آه اهنّا قطرات املطر ُ‬

‫اببلي‬ ‫و جزمتك السوداء تداعب وجه االرض النديّةكأنّك جندي ّ‬ ‫عانق غاابت األرز بنب يديه تغفو حبّات البطيخ األمحر الشتائيّة‪.‬‬ ‫تقول ّأمي انّه رقّي مصري و القصص و احلكاايت يف هذا الشأن‬

‫تفوق اخليال لكنّها فعال هديّة اسكندرانية رائعة يف هذا اليوم‬ ‫الشتائي الباسم‪.‬‬

‫( القطار )‬

‫‪138‬‬


‫جاري العزيز‬ ‫إيل صويت و حقيبيت و َ‬ ‫أيّتها املدينة الناعسة أعيدي ّ‬

‫الرمادي أقدامي الفتيّة ‪ .‬أرحيي دمك‬ ‫طه َر طينها‬ ‫وساقية لطاملا ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوردي ذلك القطار الغارق يف أتريخ الدموع أما علميت أ ّن بريق‬ ‫ّ‬ ‫معدنه قد أراق دمي وعجالته غليظة القلب قد حطّمت أضالع‬ ‫الفقراء و سرقت حقول املاس النديّة انّه مل يرتك خلفه سوى‬ ‫أرملة تبكي و أطفال جوع و يرد‪ .‬أيّها القطار األعمى أما تبصر‬

‫درابً أخرى درب حمبّة بدل هذا الركام الفظيع إ ّن أش ّد ما يؤسفين‬

‫علمي متأخراً أ ّن أول جرمية كربى اقرتفها االنسان كان ذلك‬ ‫القطار التعيس ‪.‬‬

‫‪139‬‬


‫( ينابيع)‬

‫الربي يلعب عند هناية الزقاق‬ ‫منذ أعوام ابهتة ‪ ،‬منذ أن كان الورد ّ‬

‫الظل ‪ ،‬لقد‬ ‫‪ ،‬و يتسلّق خب ّفة ابهرة‬ ‫َ‬ ‫اجلبال اليت زارهتا عصافري ّ‬ ‫كمجرة‬ ‫تتعرف على وجهي ‪ ،‬كانت‬ ‫ّ‬ ‫رأيتها يف األمس جرداء ‪ ،‬مل ّ‬ ‫غادرها الثلج ‪ ،‬تتيه ينابيعها يف أوهام الكدرة و الضباب ‪.‬‬

‫اي للينابيع املسكينة ‪ ،‬لقد أرهقتها أغنيات ارجتافاهتا البنيّة ‪ ،‬اي‬ ‫كل هذا السهاد ؟ و السماء‬ ‫لقلبلها احملطّم ‪ ،‬كيف له أن ّ‬ ‫يتحمل ّ‬

‫شط شعرها كطائر ورشان يعبث أبحالم فالح قدمي ‪.‬‬ ‫ال تزال مت ّ‬ ‫آه أيتها الينابيع ‪ ،‬اي روح دجلة و املساءات ‪ ،‬عودي اىل صدري‬ ‫‪ ، ،‬تعلّمي من أملي شيئا من الصفاء ‪ ،‬هذي اانشيد الضوء ‪،‬‬ ‫ايل ‪ ،‬فههنا واحة‬ ‫خذي منها جدوال و قارورة ملح ‪ ،‬تعايل ‪ ،‬تعال ّ‬

‫غنّاء ‪ ،‬و رايحني ‪ ،‬و صخرة مساويّة كعنزة جدي تصنع من جدائل‬ ‫الشمس لبنا ‪ ،‬و خبورا ‪ ،‬و عصافري ‪.‬‬

‫‪140‬‬


‫سفر‬

‫سأغفو قليال فقلد أهدتين العصافري أنشودة الفجر اخلالدة ‪ .‬أجل‬ ‫أحب السفر كثريا ‪ ،‬بل ال أحبّه‬ ‫أحب زقزقة العصافري ‪ .‬أان ال ّ‬ ‫أان ّ‬ ‫مطلقا ‪ ،‬و اجلزر اليت حدثتين عنها جنوم الرباري ما عادت عيين‬ ‫تتألأل شوقا لرؤيتها ‪ ،‬فلقد مليء قليب حزان ‪.‬‬ ‫سأخرج مع الليلك املبلل بقطرات الندى اىل احلقل ابكرا ‪ ،‬أمجع‬ ‫حكاايت الظل ‪ ،‬فالشتاء شهر مر ‪ ،‬حيصد آخر حبّة ادخرهتا‬ ‫جديت لتدفّئ هبا األايم ‪.‬‬ ‫سأنظر اىل وجه الزمن بربود ‪ ،‬فكل ما رأيناه يف ساعات الصباح‬ ‫الندية هو بعض احلكاية ‪ ،‬هناك خلف الشبح األسطوري أغنية‬ ‫‪141‬‬


‫أيسرين احلنني اليها ‪ ،‬ال شيء هناك سوى أزاهري نور و وداين من‬ ‫هبجة ‪.‬‬ ‫شط شعر السعادة املخملية ‪،‬‬ ‫هناك فراشات الربيع بكل أنوثتها مت ّ‬ ‫و االضواء خافتة ‪ ،‬هناك خاف السفر احلبيب تنتظرين بداييت‬ ‫املؤجلة ‪.‬‬

‫إنتظار‬

‫األايم ‪ ،‬سالم لعينيك ‪،‬‬ ‫سالم إليك أيّها اإلنتظار املبثوث يف زنبقة ّ‬ ‫تتلمس زوااي الوجد يف زمن األيدي الباردة ‪ .‬أليس يل‬ ‫لقلوب ّ‬ ‫‪142‬‬


‫ألست‬ ‫الثراي ؟‬ ‫حفنة من قمح و زهرة ف ّ‬ ‫ُ‬ ‫ضية لطاملا ح ّدثتين عنها ّ‬ ‫ألست كل‬ ‫الصنوبري املم ّدد كموتى قدامى وسط الظهرية ؟‬ ‫ذلك‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫املر يف شفيت ألوان السواد ؟‬ ‫ذلك اإليغال ّ‬

‫أجل ‪ ،‬هكذا يبقى وجودي حلنا غريبا ‪ ،‬و تبقى أنت هبجة‬ ‫مؤجلة ‪ ،‬نعم من هناك من أمل تشظّى ‪ ،‬من متيّم يرنو أليك ‪،‬‬ ‫كنت بريقا ‪.‬‬ ‫يتلمس ألوان صوتك الشفيف ‪ ،‬من هناك ُ‬ ‫يعرفك ‪ّ ،‬‬ ‫آه لك أيّها البعد ‪ ،‬آه لنهر من شوق ‪ ،‬من بسمة راحلة ‪ .‬و‬ ‫األايم الباردة عناقيد وهم يف رحم البسيطة ‪ ،‬ال جتيد شيئا‬ ‫هذا ّ‬

‫سوى البحث عن الظمأ ‪ ،‬عن أشهر خاوية ‪ ،‬ليتها رأت حبّة صويت‬ ‫‪ ،‬فأان ذلك البلوط الساكن يف حلم الفردوس ‪ ،‬أان كل إرتعاش‬

‫أظن ذلك ‪.‬‬ ‫مر ‪ ،‬ال أظنّك سرتاه يف وقت قريب ‪.‬ال ّ‬ ‫انعس و ّ‬

‫دجلة القرمزي‬

‫‪143‬‬


‫الظل كهماسات القمح يف ساعات الفجر‬ ‫سأجوب زوااي ّ‬ ‫البين‬ ‫االوىل‪ ،‬سأنذر زورقي و جزري املتوهجة ‪ ،‬وقميص االفق ّ‬ ‫لغد هبيج ‪ ،‬سأهدي شواطئ دجلة أغنية ما مسع هبا قط ‪ ،‬أمحلها‬

‫فوق كتفي مع بقااي اخليزران ‪ ،‬و أكتب إمسي يف املوتى ابكراً أل ّن‬ ‫النهار ابت خميفاً ‪.‬‬ ‫التل‬ ‫لقد رأيت الشمس يف خيمتها القاصية ‪ ،‬أجلستين على ّ‬ ‫اين أحبرت بغرابة يف آليلء مهسها ‪.‬‬ ‫األبيض ‪،‬كنت مذهوال حىت ّ‬ ‫كانت زجاجية تنعم ابحلكمة ‪ .‬كانت تشبه اىل ح ّد بعيد‬ ‫السلحفاة املتوردة اليت أكل قشرهتا أطفال قرييت‪.‬‬ ‫لقد ح ّدثتين عن البيوت الفارهة اليت بناها القدامى يف أزقتها ‪.‬‬ ‫قالت يل ا ّن دجلة مل يعد بلونه الرباق ‪ ،‬لقد صار قرمزاي ‪ ،‬فتلك‬ ‫الزهور اليت سفحت على ضفيت سبايكر ‪ ،‬مألت روحه محرة ‪ ،‬اي‬ ‫للطهارة املغدروة ‪ ،‬اي للعامل املرائي‪.‬‬ ‫إقرتب إقرتب ‪ ،‬ايّها العامل املرائي ‪ ،‬فاان تلك الشهب املتساقطة‬

‫التهجي ‪،‬‬ ‫يف ابحات الفردوس ‪ ،‬من هنا بدأت الفراشات تعلم‬ ‫ّ‬ ‫من هنا يف سبايكر إرتدت االايم ثواب مسفوحا للحقيقة ‪ ،‬اآلن‬ ‫اظن اهنا ال تزال غارقة يف العمى ‪.‬‬ ‫أرين عيو َن الضباب ‪ ،‬ال ّ‬ ‫‪144‬‬


‫إقرتب ‪ ،‬إقرتب ‪ ،‬إمسع صوات ‪.‬‬

‫( محّى)‬

‫أيّتها النوارس البعيدة ‪ ،‬أيّها البحر املتالطم ‪ ،‬كيف اقتحمت‬ ‫زوااي حلمي و عواملي املغلقة ‪.‬‬ ‫احلمى الغريبة ‪ .‬يدي تذوب يف حرارهتا‬ ‫هذا اهلذاين ‪ .‬آه أيّتها ّ‬ ‫لمس‬ ‫اآلسرة ‪ .‬و أان من يقف هناك هبذا الصداع الرهيب ‪ .‬أتَ ّ‬

‫حرارة بشريت ‪ ،‬اهنّا تكاد تتالشى ‪ .‬زائرة رشيقة ‪ ،‬ال تعرف‬

‫اجملاملة ‪ ،‬جتلس على طاولة جفوين ‪ ،‬تعبث بعواصم تفكريي و‬ ‫خيااليت هتديين نوارس و حبراً مهجياً ال يسعين شيء ‪ ،‬العامل يصغر‬ ‫‪ ،‬يصري سريرا و ارجتافا قاهراً ‪ .‬أه أيّتها احلمى احلبيبة ‪ ،‬من أين‬

‫كل هذا العشق الغريب ؟ جسدي يفرتس‬ ‫كل هذا النقاء ؟ و ّ‬ ‫لك ّ‬ ‫‪145‬‬


‫قليب أبمله األعمى جسدي هذا صار اتبعا صغريا لألمرية اآلسرة‬ ‫‪ .‬وحينما أنظر اىل وجهك الباسم ‪ ،‬الغارق يف الكربايء ‪ ،‬أتذ ّكر‬ ‫حكاايت النور‪ ،‬اهنّا جند محيدة ‪ ،‬و خالص العليل ‪.‬‬

‫( سني ليقي اونيين)‬

‫لقد احببت الطني ‪ ،‬النه يذكرين بيديك العظيمتني ‪ ،‬و صرت‬ ‫احس ابلزهو ‪ ،‬حينما ارى اسرااب من الوافدين على اببك‬ ‫بالوعي ّ‬ ‫السر العظيم‪ .‬عجبا كم‬ ‫يطلبون شيئا من الرحيق ‪ ،‬وانت صاحب ّ‬

‫قد حتدثنا عن تالشي الزمان و املكان ‪ ،‬وها انت تعجنهما‬

‫إبصبعيك يف طينتك الندية و قصبتك املورقة دوما ‪ ،‬فكان لوحك‬ ‫هو الالهناية ‪ .‬تطل علينا حنن البدائيون يف عصرايتك البابلية‬ ‫الدافئة ‪ ،‬من شرفات اسوار اورك اليت تلمع ابلنحاس ‪ ،‬و يف‬

‫‪146‬‬


‫يديك قدح شاي عراقي عسلي كعيين مالك ميرح يف الربية مع‬ ‫ظبيات انكيدو ‪ .‬اجل اعرف ‪ ،‬انت تريده شااي قليل السكر ‪،‬‬ ‫ألنك انت احلكيم الذي خرب االمور و عرف االسرار ‪ ،‬يداك‬ ‫غلبتا الشيخوخة و املوت ‪ .‬اجل اعرف انت تنظر الينا و تبتسم‬ ‫‪ ،‬فانت ( هو الذي رأى )‬ ‫•‬

‫سني ليقي اونيين ‪ :‬الكاتب البابلي الذي نسخ ملحمة‬ ‫جلجامش ‪.‬‬

‫( العامل املرائي )‬

‫عرف احلقيقة ‪ ،‬و صار جيالس نداءات‬ ‫منذ أن رأهتا عيناه ‪َ ،‬‬ ‫حبب الشمس ‪ .‬حينها مل يكن هناك‬ ‫الزنبق و الصنوبر و يلهج ّ‬ ‫جوالة و شجرة ‪ .‬لقد‬ ‫ظل ‪ ،‬و مل تكن هناك مشس ‪ ،‬فقط مجاعات ّ‬ ‫ّ‬

‫عاد ذات يوم اىل األبدية ‪ ،‬حي ّدثها عن وجه مشرق ‪ ،‬هو يعرفه ‪.‬‬ ‫‪147‬‬


‫آه أيّتها البحار البعيدة ‪ ،‬إبعثي يل قاراب من حناس ‪ ،‬سأكون حينها‬

‫ألوح بيدي لفجر جديد ‪.‬‬ ‫عند الشاطئ ‪ّ ،‬‬

‫ليتها ر ِ‬ ‫أتك عيون املرائي الوقحة ‪ ،‬وهو يقتل آخر زنبقة عشقتها‬ ‫قلوب الدمع‪.‬‬ ‫مرة ‪ ،‬لكل طحلب رخيص‬ ‫يقف هناك فوق ّ‬ ‫املنصة ‪ ،‬يفتح بركة ّ‬ ‫‪ ،‬و بشاعة ي ّد ّعي أهنّا أحفاد الضوء ‪.‬‬ ‫ليتك رأيته وهو خيربين عند الفجر و يف الظهرية و يف املساء ‪ ،‬أ ّن‬ ‫َ‬ ‫بركته واحة غنّاء ‪ ،‬و أ ّن فيها أمساكا ملونة و أقواس قزح ‪ ،‬لقد‬ ‫كنز العرب القدمي ‪ ،‬و كثريُ من‬ ‫قال أ ّن يف جانبها الشرقي ّ‬ ‫املعتق الذي تركه الفراعنة قبل أن يسافروا حنو طيبة ‪.‬‬ ‫الذهب ّ‬ ‫آه منك أيّها املرائي ‪ ،‬اي من نزل الينا من مغارات الزيف ‪ ،‬اي من‬

‫تقتل أطفال قرييت ‪ ،‬و تذحبين كخروف رخيص ‪ ،‬مث أتيت و جتلس‬

‫التل و تقول ‪ :‬قال هللا و قالت السماء ‪ ،‬و أخربتين‬ ‫فوق ّ‬ ‫حورايت البحر و جنيّات الشعر ‪ .‬توّزع بطاقات الوهم و عناوين‬

‫السراب ‪ ،‬كأننا مل نشاهد أفالما هندية من قبل ‪،‬وال مدينة‬

‫سندابد اليت أنشاءها حبّارة على ظهر حوت عظيم ‪.‬‬ ‫‪148‬‬


‫آه أيّها الكون املرائي ‪ ،‬أما ترى العراق ‪ ،‬أما ترى أوراقك اخلرفة‬

‫ملون ابلزيف املرير ‪ ،‬و قتل ابرع للشمس ‪ .‬أال تعلم أنين‬ ‫‪ ،‬دم ّ‬

‫يغرد ‪،‬‬ ‫حينما أم ّد يدي حنو الفجر ‪ ،‬وعلى كتفي صوت و هنر ّ‬ ‫راينة من جبال نور‪ ،‬حينها‬ ‫حينها ستتدحرج احلقيقة صخرةً ّ‬ ‫ستحرقك أنفاسها الفضيّة و يلتهمك مالئكتها البارعون ‪.‬‬

‫التقليلية‬

‫‪149‬‬


‫أقنعة‬

‫أخربتين ّأمي أن أتسلّق اجلبل و حينما و صلت منتصف الطريق‬ ‫وجدت رجال يف كوخ و بني يديه أقنعة بشعة ‪ .‬قلت له ملَ أنت‬ ‫هنا ؟‬

‫قال ‪ :‬لقد طردين القبح من مدينتكم و هذا األقنعة‬

‫كل مجيل لريتديها فال يطرد منها مثلي ‪.‬‬ ‫ابعث هبا اىل ّ‬

‫‪150‬‬


‫ِ‬ ‫املر‬ ‫املركب ّ‬

‫أين وضعت حقيبيت و جدويل و بسميت املشرقة‬ ‫كلّ ما اتذ ّكره ّ‬ ‫عند تلك الصخرة اليت نسيت مكاهنا ‪.‬‬ ‫و كيف يل أن أتذ ّكرها مع كل هذا الدمار ؟‬ ‫املر ‪.‬‬ ‫ص ّدقين لو كان يل اخليار ‪ ،‬ألخرتت غري هذا املركب ّ‬ ‫‪151‬‬


‫( الوجه املفقود)‬

‫اهنا تقف هناك حتت تلك الشجرة مرتدية السواد تنادي ‪:‬‬ ‫ايل وجهي ‪ .‬أايمنا املسكينة‪.‬‬ ‫أعيدوا ّ‬ ‫‪152‬‬


‫اخلراب‬

‫لقد تراكمت السنني ‪ ،‬و ذلك العزف االعمى حيطم كل شيء ‪،‬‬ ‫القارورة‬

‫العمياء‬

‫‪،‬‬

‫الشالالت‬

‫العمياء‬

‫‪.‬‬

‫لطاملا شرب هذا الظالم سينيننا ‪ .‬اال ترى اهنم ينزفون ‪ ،‬حبات‬ ‫القمح ال حتلم بشيء ‪ ،‬عجبا اال ترى ؟ ال شيء سوى النزيف اي‬ ‫املقهور‪.‬‬

‫للشعب‬

‫اين اردتك ان تعلم اين كلما هبت رايح خالبة ‪ ،‬و كلمات رأيت‬ ‫االبتسامات العميقة ‪ ،‬و اخليالء العميق ‪ ،‬و الالمباالة ‪ ،‬و‬ ‫االقدام اليت تسحق شراييين ‪ ،‬و تعبث بدمي ‪ ،‬كلما رأيت ذلك‬ ‫ايقنت انه اخلراب ‪.‬‬

‫‪153‬‬


‫اي للشعب الذي سرقوا ابتسامته ‪.‬‬

‫( رماد )‬

‫اهلواء النقي حييي الرئة العطشى ‪ ،‬يرسم مقدمه البسمةَ على‬ ‫وجهها ‪ .‬اهلواء النقي ‪ ،‬كالرجل احلر ‪ ،‬اندر و غريب ‪ .‬ال شيء‬ ‫هنا سوى الرماد ‪.‬‬

‫‪154‬‬


‫(احلطب التعس )‬

‫هو جيلس هناك ‪ ،‬على كرسيّه يطالع يف كتاب عن احلريّة ‪ ،‬و‬ ‫ينعم بضوء انر حنن حطبها ‪ .‬يل لنا من حطب تعس ‪.‬‬

‫( الشعر)‬

‫‪155‬‬


‫تلمس يديك الباردتني و أحبر ببصرك‬ ‫سأعلّمك كتابة الشعر ‪ّ .‬‬ ‫حنو األعماق مث مت ‪ ،‬هكذا ببساطة شديدة و اعثر على مدينة‬ ‫ثلجيّة‪ .‬هناك أشعل انراً ‪ ،‬و تدفّأ قليالً مثّ أخرج رأسك من اخليمة‬

‫أنظر حولك جيداً ‪ ،‬سرتى ابتسامات الصبّار حينها تكون قد‬ ‫كتبت ّأول قصيدة لك إ ّن الشعر حلظة موت ‪.‬‬

‫( الشعلة )‬

‫مر كالشتاء ‪ ،‬يلعب يف الساقية املنسيّة ‪ .‬تلك الفضاءات‬ ‫حنيين ّ‬

‫املورقة النديّة ‪ ،‬أ ترينها؟ أان ابلكاد أمسع صوهتا ‪ ،‬ايّتها الشعلة‬ ‫العطشى ‪ ،‬تعايل ‪ ،‬فهنا واحة و خبور ‪ .‬أنفاسك الفضيّة أتسر‬ ‫متزق حلم الوطن ابلصدق ‪ ،‬و البكاء ‪.‬‬ ‫املكان ‪ّ ،‬‬

‫‪156‬‬


‫ايّتها الشعلة الغريبة ‪ ،‬اىل مىت أمحل مهّك الغريب ؟ صوتك‬ ‫الغريب ‪ ،‬حكايتك الغريبة ‪.‬‬

‫كتاابت النصف الثاين من ‪2015‬‬

‫ض ّي‬ ‫عامل ف ّ‬ ‫( قصيدة نثر بلغة جتريدية بوليفونية فسيفسائية )‬

‫‪157‬‬


‫أشعة الشمس و خيوط احلرير ‪ ،‬كان حي ّدثين‬ ‫كان ابرعاً يف مجع ّ‬

‫ضة ‪ ،‬اي للنقاء الغريب ‪ .‬لقد قال يل ‪ :‬إ ّن‬ ‫عن النهر و شجرة الف ّ‬ ‫الكلمة كالشمس ليس هلا اال أ ّن تكون نقية ‪ ،‬ليس هلا اال أ ّن‬ ‫تكون كما جيب ‪ ،‬بيضاء تفيض ابلسائرين ‪.‬‬ ‫قصة الفجر احلزين ‪ ،‬و تلك‬ ‫وسط ذلك السرور‪ ،‬حكى يل ّ‬

‫بيدي هاتني ‪ ،‬بينما تلك‬ ‫العيون املورقة ‪ ،‬لقد ملستُ رمو َشها ّ‬ ‫تغين بربود ‪ ،‬كم هي سعيدة أبقدامها احلافية ‪ ،‬لقد‬ ‫السحب ّ‬

‫مسعت صوهتا البعيد ‪ ،‬كل ما جتيده لون ابهت و أعمى ‪.‬‬ ‫ُ‬

‫الندي ‪ ،‬هي ليست من الظباء‬ ‫ضة طيبة كالعنرب‬ ‫قال يل إ ّن الف ّ‬ ‫ّ‬ ‫تتوهم ‪ ،‬فأجدادان الغالني ذوو االجنحة الطويلة أحضروها‬ ‫كما ّ‬ ‫من جزر بعيدة حينما نزلوا قبل املساء ‪ .‬قال وهو يبتسم ‪ :‬أان‬ ‫لكن تلك‬ ‫أتذ ّكر ذلك جيداً ‪ .‬كنت أعلم أنه ال يكذب أبدا ‪ّ .‬‬

‫‪158‬‬


‫العيون ما عادت ترى بريقه الفاتن ‪ ،‬مل تعد تستطيع أن ترفع‬ ‫طرفها حنو جنومه اخلضراء ‪.‬‬ ‫إلتفت‬ ‫أان مل أتكلم ‪ ،‬لكنّين يف واقع األمر أردت أن أساله شيئا ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫نطقت و قلت له‬ ‫إيل قائال ‪ :‬أين أجد صخرة و خبوراً ؟ حينها‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫لقد رأيتهم يصفعون وجه الزمن األعمى ‪ ،‬لقد رأيتهم ينثرون‬ ‫ضة يف األرض اليباب ‪ .‬ليتك رأيتها كانت ترتاقص مع الريح‬ ‫الف ّ‬ ‫يف وداين بللها املطر ‪ .‬أجل كم هو مبهج أن ترى السرور على‬ ‫جفون احلقول النديّة ‪ ،‬لقد كانت فضية كما جيب ‪ .‬بعد ذلك‬ ‫ضية ‪،‬‬ ‫ضي ‪ ،‬أرواح ف ّ‬ ‫أشرت حنو العمق و قلت له ‪ :‬هنا هنر ف ّ‬ ‫ُ‬ ‫ضي ‪ .‬لقد أذهلتُه فعالً حىت صار ير ّدد ‪ :‬اي هلذا العامل‬ ‫صوت ف ّ‬

‫ضي ‪ .‬و أخذ يرمق األفق كقارب وحيد عند الغروب ‪ ،‬كان‬ ‫الف ّ‬

‫يشعر بذلك بقوة ‪ .‬شيء غريب فعالً ‪.‬‬

‫الشجرة الصامتة‬

‫‪159‬‬


‫هناك ‪ ،‬و سط فوضى الرايح ‪ ،‬كانت الشجرة الصامتة حتكي‬ ‫حتب‬ ‫حتب ان ترى احلديقة نظيفة و ّ‬ ‫لنفسها قصة الصفاء ‪ ،‬اهنا ّ‬ ‫ان تغلق الشبابيك و الستائر ‪ ،‬فأوراقها املائلة للصفرة ساخنة ال‬ ‫تعرف اهلدوء ‪ ،‬تتطاير مع كل ريح ‪ ،‬انه امر متعب بال شك ‪.‬‬ ‫احلب‬ ‫حتب ان حتطّ على ذلك الغصن ابلذات ‪ّ ،‬‬ ‫كانت العصافري ّ‬ ‫شيء ال ميكن فهمه ‪ ،‬فتتساقط أوراقها و ريش العصافري‬ ‫املشاكسة ‪ ،‬انه امر متعب لتلك الشجرة املثقلة أبعباء الزمن ‪، ،‬‬ ‫فتضطر ان تنزل من اغصاهنا لتنظف احلديقة من االوراق و‬ ‫الريش ‪ ،‬ما خيلفه لعب العصافري و عبث الرايح ‪.‬‬ ‫ليتك رأيت أصابعها النحيفة ‪ ،‬و الفراشات الغارقة يف الزرقة ‪،‬‬ ‫كيف تبتهج بصوهتا احلنون ‪ ،‬لقد رأيتها متشي على املاء كالنسيم‬ ‫‪ ،‬كصويت الذي نسيته عند بدااييت املؤجلة ‪.‬‬ ‫هي ال حتب النوم ‪ ،‬رمبا كان ذلك وصية اجدادها الذين عاصروا‬ ‫نسور اجلبال ‪ ،‬لكنها كانت حتلم ‪ ،‬فاحللم ارث هذه اجملرة ‪ ،‬و‬ ‫كثريا ما تتذكر اجلدران اليت تصنعها االهنار النازلة من الشمال ‪،‬‬ ‫ألجل الصيف اجلاف ‪ ،‬تلك اجلدران بلوهنا البين املائل للسواد‬ ‫تشبه اىل ح ّد كبري وجه اغصاهنا يف زمن الشيخوخة املنهكة ‪.‬‬ ‫‪160‬‬


‫( الربكة اجلرحية )‬

‫قصيدة ثالثية االبعاد ( قصيدة متعددة االصوات ( بوليفونية‬ ‫تعبريية )*‬

‫املر يف كلمات غريبة ‪ ،‬ذلك‬ ‫ظل اان و مرآة شاحبة ‪ ،‬أنثر أمله ّ‬ ‫ّ‬ ‫النحيل الذي تدمي الصخور ركبتيه ‪ ،‬لقد اعتاد السري عليهما حنو‬ ‫الربكة اجلرحية ‪.‬‬

‫يف الطريق تلقاه األعمدة احلجرية القدمية ‪،‬‬

‫مروا من هناك ‪ ،‬و ايضا عن االرواح اليت مألت‬ ‫حت ّدثه عن الذين ّ‬

‫أعماق الربكة ابلنداء و األغنيات الشجيّة ‪ ،‬و عن صندوقها‬ ‫تدون جراحها ‪،‬‬ ‫اخلشيب ‪ ،‬الذي خترجه كل مساء و حبربها االمحر ّ‬ ‫ما فعلته أيدي أبنائها الغالني ‪.‬‬

‫لقد كان ذلك النحيل كثري االبتسام ‪ ،‬ال يهتّم كثريا للنزيف‬ ‫يتوسل عطف العامل الواسع‬ ‫اليومي من قلبه و ركبيه ‪ ،‬ال يريد أن ّ‬ ‫‪161‬‬


‫تطل من تلك التلّة على‬ ‫و ال كلماته احلماسية ‪ .‬ليتك تراه و انت ّ‬

‫كذب العيون الباردة ‪ ،‬تقول يف نفسك ‪ :‬اي لشعره األشعث ‪ ،‬اي‬

‫لثيابه الرثة ‪ ،‬ايها القارئ اي أان ‪ ،‬مىت ترى جراح ركبتيه و قلبه‬ ‫اليائس ؟‬

‫البوليفونية (‪ ) polyphonic‬مصطلح ابتكره ابختني يف‬ ‫االدب ‪ ،‬اساسا ملعاجلة العمل الروائي استقاه من فن املوسيقى ‪،‬‬ ‫التعمق جند‬ ‫و اساسها تعدد االصوات املتجلية يف النص ‪ .‬عند ّ‬ ‫ان للبوليفونية بعدين يف النص ‪ ،‬بعد رؤيوي و بعد اسلويب ‪ ،‬البعد‬ ‫الرؤيوي يدعو اىل حترير النص من رؤية املؤلف و سلطته فتتعدد‬ ‫الرؤى و االفكار و االيدولوجيات و تطرح بشكل حر و حيادي‬ ‫‪ ،‬اما البعد االسلويب فيتمثل بتعدد اساليب التعبري و الشخوص‬ ‫بل حىت االجناس االدبية يف النص الواحد ‪.‬‬ ‫من الواضح ان الفهم البوليفوين للنص مياشي عصر العوملة و ما‬ ‫بعد احلداثة و الدعوة اىل احلرايت الواسعة و الدميقراطيات‬ ‫‪162‬‬


‫الشعبية ‪ ،‬فيكون النص انعكاسا هلذا اجلو و الفكر السائد ‪ .‬و‬ ‫قد يعتقد ان االسلوب البوليفوين يتعارض مع التعبريية اليت تعكس‬ ‫الفهم العميق للمؤلف لالشياء و رؤيته املتميزة جتاه العامل ‪ ،‬وهذا‬ ‫ال يتناسب مع احليادية الرؤيوية و تعددها ‪ ،‬اال انه ميكن فهم‬ ‫الكتابة على مستويني مستوى بنائي و مستوى قصدي ‪ ،‬فتكون‬ ‫البوليفونية و تعدد االصوات و الرؤى يف مستوى البناء ‪ ،‬بينما‬ ‫تكون رؤية املؤلف اخلفية التعبريية يف مستوى القصد تتجسد‬ ‫بشكل عامل احيائي و رمزي لكلمات النص و بناءاته و رؤاه و‬ ‫اصواته املتعددة ‪.‬‬ ‫هذا و من الظاهر ان البوليفونية حتتاج اىل حد ما اىل السرد ‪،‬‬ ‫وهذا يعين انه يف الشعر يكون من خصائص السردية التعبريية‬ ‫لقصيدة ما بعد احلداثة ‪ ،‬و ال تناسب كثريا الشعر التصويري‬ ‫للقصيدة احلرة ‪.‬كما ان تعدد االصوات و الرؤى كما انه ميكن‬ ‫ان يتحقق بتعدد الشخوص و تعابريهم ‪ ،‬فانه ميكن ان يتحقق‬ ‫ابسلوب تداخل االصوات ‪ ،‬ابن تطرح رؤية الغري على لسان‬ ‫املتكلم او ان يعطى نعت يناسب رؤية االخر و ليس املتكلم ‪.‬‬ ‫فمثال يف قصيد املوت و احلياة الطويلة للدكتور انور غين‬ ‫املوسوي مقطع جاء فيه‬ ‫‪163‬‬


‫( ليس يل أال أن أحتضر ‪ .‬و ليس للحضارة الغالية أال أن تسأم‬ ‫كل قطرة صفراء يف احمليط ‪ .‬للشمس إشراقة جتعل الشجر قصائد‬ ‫ساكنة ال تعرف شيئا عن اخللود ‪ .‬هكذا تكذب احلضارة ‪،‬‬ ‫تتكاثر يف أوردة غادرهتا االجراس ‪،‬تتمدد شارعا قدميا ‪ ،‬أثلجه قلّة‬ ‫السائرين ‪).‬‬

‫بينما يكثر انور غين يف تلك القصيدة من وصف احلضارة‬ ‫ابمليتة و الغاربة جنده يصفها هنا ابلغالية ( و ليس للحضارة الغالية‬ ‫أال أن تسأم كل قطرة صفراء يف احمليط ‪).‬‬ ‫و ال ريب ان احلضارة ليست غالية عنده و امنا غالية عند االخر‬ ‫‪ ،‬و هبذا جتلى صوت االخر و رؤيته بكالم املتكلم و تعبريه وها‬ ‫تداخل صويت مت بشخصية واحدة ‪.‬‬ ‫مث يقول‬ ‫( للشمس إشراقة جتعل الشجر قصائد ساكنة ال تعرف شيئا عن‬ ‫اخللود ‪).‬يف النظر النوعي الذي تتبناه كل ذات حيب االشراق و‬ ‫النور ‪ ،‬و امنا هذه نظرة من ال يرغب ابلنور و احلرية اي انه‬ ‫‪164‬‬


‫صوت االخر اال انه جاء بلسان املؤلف ‪ ،‬و الذي يصرح بعد‬ ‫ذلك ان هذا القول هو قول احلضارة الكاذبة و مريديها ( هكذا‬ ‫تكذب احلضارة )‬ ‫وهنا يف نص ( الربكة اجلرحية ) ايضا يستخدم التداخل الصويت يف‬ ‫عبارة (ما فعلته أيدي أبنائها الغالني ‪ ) .‬اذ ال ريب ان النظرة‬ ‫النوعية و منها نظرة املؤلف اىل هؤالء االبناء الذين جيرحون امهم‬ ‫عرب بصفة ( الغالني ) وهذا يعكس‬ ‫اهنم قساة و خطاؤون ‪ ،‬لكنه ّ‬

‫حتن على أوالدها رغم قسوهتم و خطأهم ‪.‬‬ ‫نظرة الربكة األم اليت ّ‬ ‫و كذلك يف عبارة (ايها القارئ اي أان ‪ ،‬مىت ترى جراح ركبتيه و‬

‫قلبه اليائس ؟ ) فان الذات ال ترى نفسها هكذا و امنا هذا‬ ‫صوت االخر النوعي الذي يلوم ( اان ) املتكلم و القارئ ‪،‬‬ ‫جتل لرؤية االخر بلسان املتكلم وهذا تعدد صويت طرح‬ ‫فيكون ّ‬ ‫بشخصية واحدة فيكون تداخال صوتيا ‪.‬‬

‫‪165‬‬


‫البين )‬ ‫( القنفذ ّ‬

‫لت ‪ ،‬مل‬ ‫البين ‪ ،‬لقد ذُ ِه َ‬ ‫حينما رآين أخذ يبتسم ‪ ،‬ذلك القنفذ ّ‬ ‫أتوقّع منه هكذا وضوح ‪ ،‬فاألشياء البنيّة عميقة ‪.‬‬ ‫ضة ‪ ،‬قد ورثها من أجداده‬ ‫كان مسّاكاً ماهرا ‪ ،‬لديه شبكة من ف ّ‬ ‫كل ما يفعله ‪ ،‬أنه‬ ‫القدامى ‪ ،‬لكنّه أخربين أنّه ال ّ‬ ‫حيب السمك ‪ ،‬و ّ‬

‫ضة ‪ ،‬و يرميها اىل اجلانب اآلخر من النهر ‪،‬‬ ‫يصبغ األمساك ابلف ّ‬

‫حيب الشمس ‪ .‬لقد‬ ‫حيب الغروب و ّ‬ ‫حيث تغرب الشمس ‪ ،‬كان ّ‬ ‫أخربين أ ّن الشمس عند الغروب تصري قريبة من النهر ‪ ،‬فتلتقط‬

‫األمساك كما يفعل الدببة ‪.‬‬ ‫لقد أدخلين بيته العامر ‪ ،‬كان جحراً ‪ ،‬اي له من جحر ابرد ‪،‬‬ ‫الرتاب ِ‬ ‫رطب ‪ ،‬له جريان ودودون ‪ ،‬و انعمون كأوراق الليمون ‪،‬‬ ‫‪166‬‬


‫لقد أجلسين على طاولة قدمية مصنوعة من عظام اهلدهد ‪ ،‬كان‬ ‫جييد السحر ‪ ،‬إنه ساحر ماهر ‪ ،‬له زوجة و أطفال سحرة ‪ ،‬يف‬ ‫مين ‪ ،‬ألنين أرتدي ثياابً براقة ‪ ،‬قالوا يل كن بنيّاً‬ ‫البداية سخروا ّ‬ ‫حولوين اىل مسكة فّضية ذات جناحني رشيقني ‪،‬‬ ‫عميقا ‪ ،‬بعدها ّ‬ ‫مث رموا يب اىل الض ّفة األخرى ‪ ،‬حيث مغرب الشمس ‪ ،‬كنت‬ ‫مبتهجاً رغم أنين ال أحب السمك و ال الغروب ‪ .‬أجل لطاملا‬ ‫لكن مل خيطر ببايل يوما أين‬ ‫ُ‬ ‫حلمت أين أطري يف فضاء غريب ‪ْ ،‬‬ ‫ضية للشمس ‪.‬‬ ‫سأكون وجبة طعام ف ّ‬

‫‪167‬‬


‫كرنفال مشسي‬

‫قصيدة متعددة االصوات بوليفونية ‪ ،‬ثالثية االبعاد ‪.‬‬

‫حارة مستعرة كأزهارها النارية ‪ .‬لطاملا ح ّدثتين عن‬ ‫هنا القلوب ّ‬ ‫روحها الذائبة يف عشق الظهرية السمراء و عن احلرية النضرة و‬ ‫هي متشط شعرها الناري و سط هتافات اجلماهري امللتهبة ‪ ،‬حىت‬ ‫متر‬ ‫الفتيات هناك يف جزيرة الشمس ّ‬ ‫هلن الفتة وصوت ‪ .‬حينما ّ‬ ‫من ركنهن امللتهب تعرف انك يف جزيرة الشمس ‪ .‬على بعد‬ ‫‪168‬‬


‫امتار انرية من الطاولة امللتهبة اليت جنلس حوهلا كان هناك العب‬ ‫ماهر جذاب ‪ ،‬جييد اشعال احلرائق ‪ ،‬لذلك فهم يتهافتون عليه‬ ‫كاجلراد ‪.‬اي حلبّهم الكبري للنار و احلياة احملروقة ‪ .‬الغريب وان مل‬ ‫اين رأيت لسانه و يديه مشدودة حببال خفية اىل‬ ‫يكن غريبا جدا ّ‬ ‫كوكب الثلج ‪ ،‬حيث جمموعات ثلجية ضخمة ليس هلم شغل‬ ‫سوى حتريك هذا الالعب احلارق و اشعال احلرائق هنا ‪ .‬لقد‬ ‫رأيت دماءهم الباردة و قهقهاهتم املنتشية كلما اشتعل حريق يف‬ ‫جزيرتنا الشمسية ‪ .‬فجأءة رأيت من حويل من الشمسيني‬ ‫يهرولون مسرعني فرحني ‪ ،‬و األطفال ينادون ‪ :‬مرحى مرحى ‪،‬‬ ‫لقد حان موعد اشعال جديد ‪.‬‬

‫أصوات‬

‫أان فالح قدمي ‪ ،‬ال أرى صوريت اال على وجه املاء ‪ ،‬هناك يف‬ ‫ساقيتنا احلبيبة‪ .‬لقد كانت صغرية بقدر حلمي الربيء ‪ ،‬حتدثين‬ ‫عن وجه آخر للشمس ‪ ،‬حينها كنت طفال أذوب يف ألوان‬ ‫‪169‬‬


‫الفراشات ‪ ،‬و أعد اغصان الريح برفق ‪ .‬اي للصفاء الذي سرقوه‬ ‫‪ ،‬لقد أخذوا غصن زيتونتنا الناعم ‪ ،‬صنعوا منه قذيفة و موات ‪ ،‬مث‬ ‫أخربوين أنين جمرم خطري أزرع الزيتون ‪.‬‬ ‫أجل ‪ ،‬هكذا بال كلل سأر ّدد أغنيات الطيور ‪ ،‬انظر هل ترى يف‬ ‫حكاايهتا ومها؟ لن آبه لوجه العامل الوقح ‪ ،‬لقد مألوا الفضاء‬ ‫كذاب ‪ ،‬قالوا ‪ :‬لنا اقدام حناسية ‪ ،‬انظر هل ترى هناك شيئا غري‬ ‫اخلواء ؟ ‪ ،‬اي للمدنية العوراء ‪.‬‬ ‫مىت ستتعلم البسيطة صوت الزهر؟ ها أان امسعه يردد ‪ :‬لن جتد‬ ‫حر ‪ ،‬أعشق رائحة‬ ‫الريح املوحشة مكاان يف مسامايت ‪ ،‬فأان طائر ّ‬

‫أحب أن تلفح مشس الظهرية وجهي ‪ ،‬رمبا ألن أيب‬ ‫الطني و ّ‬ ‫زرعين مع حبّة قمح يف بستاننا الصغري ‪.‬‬

‫حب‬ ‫أمساء ّ‬

‫‪170‬‬


‫حنو شالالت تسبح بنشيد الفجر ‪ ،‬هناك عند تلة البسمة اليافعة‬ ‫أيت اشراقة اليانبيع ‪ ،‬كانت شجرة ‪ ،‬كانت هنرا ‪ ،‬كانت أغنية‬ ‫‪،‬ر َ‬ ‫وضعت يدها الناعمة فوق رأسي‬ ‫متر وسط ترانيم النسيم ‪ ،‬حينما َ‬ ‫ّ‬ ‫تالشيت كالفراغ ‪ ،‬دومنا رجوع ‪ ،‬مبتهجا هكذا كحكاايت أطفال‬ ‫الصباح ‪ .‬ألسيت طيور السنونو تنشد للشمس يف حنينها االليف‬ ‫‪ ،‬اليس ذلك اهلندي االمسر يعشق فيله احلنون ‪ ،‬الست ِ‬ ‫انت من‬ ‫جاء هبم اىل هنا ‪ ،‬اي حلظة الشروق ‪ .‬هذه الورود هنا و هناك ‪،‬‬ ‫أمساء حب‬ ‫حول بيتنا الصغري ‪ ،‬أترينها تتناثر مبتهجة هنا وهناك ‪َ ،‬‬

‫و مجال‪.‬‬

‫‪171‬‬


‫الظالم‬ ‫هذا أان ‪ ،‬وسط الرمال خيال كسيح ‪ ،‬و صوت بال نكهة ‪.‬‬ ‫أحبث يف حقلي عن كل نبتة مجيلة و مثرة اينعة ‪ ،‬ليس لشيء اال‬ ‫ألحرقها حبقدي الصحراوي و رغبة غريبة جاءت من بعيد ‪ ،‬هذا‬ ‫أان إرث حضارة عمياء أحبث عن احلقيقة ‪ ،‬ليس لشيء اال‬ ‫ألشوه عبريها و أدفنها حتت الرتاب ‪ .‬أطفايل ينتشرون كالنمل ‪،‬‬ ‫التل حيدثون عن السماء و‬ ‫يلبسون ثيااب بيضاء ‪ ،‬جيلسون فوق ّ‬ ‫تعريهم الريح ‪ ،‬ال جتد سوى‬ ‫العدل يف البسيطة ‪ ،‬و حينما ّ‬

‫مسوخاً و قلواب سوداء و أفواه تقطر ابلدماء ‪.‬‬

‫ايها الظالم املرير لقد سرقت ورديت ‪ .‬يف بغداد إيد من عمى‬ ‫شم القلب اجلريح و يف صنعاء دماء تسيل ‪ .‬فاين أجد دار‬ ‫هت ّ‬ ‫السالم و جنات عدن و خبور ‪ .‬يدك القاسية جاءت من هناك ‪،‬‬ ‫من حبار من ثلج ‪ ،‬و قلوب من صخر ‪ ،‬و ابتسامات شاحبة ‪.‬‬ ‫‪172‬‬


‫لقد أجادوا الدموع الكاذبة و الكلمات املنمقة ‪ ،‬لقد أجادوا‬ ‫قتلي وسط الظهرية ‪ .‬سرقوا دمشق ‪ ،‬و ضعوا مجاهلا الفتّان يف‬ ‫بكل برود اىل سرب موحل ‪ .‬كل ذلك‬ ‫حقيبة عمياء ‪ ،‬و رموها‬ ‫ّ‬

‫حبجة انين ثور جمنح و ان برج اببل مزق طبقة االوزون و انين‬

‫سبب سقوط أثنا ‪.‬‬

‫(العمياء )‬ ‫لغة املرااي و النص الفسيفسائي‬ ‫البدلة العمياء ‪ ،‬القبعة العمياء ‪ ،‬النداءات العمياء تلتهم املكان‬ ‫‪ ،‬تبين يف قلبه انشودة نصر سوداء ‪ ،‬لقد أسرت جداول قرييت ‪،‬‬ ‫مل يبق يف حلمها شيء من الرحيق ‪ .‬انظر اىل ذلك الوجه الكاحل‬ ‫‪ ،‬اي للحضارة التعسة تتعثر بكل شيء ‪ ،‬يداها سائبتان حتطم كل‬ ‫شيء ‪ ،‬الشوارع خاوية ‪ ،‬كأهنا خريف قدمي ‪ .‬ليتها تعي شيئا ‪،‬‬ ‫هذه احلضارة العمياء ‪ ،‬ليتها تتعلم أغنية أخرى ‪ ،‬العمى أيسر‬ ‫املكان ال يدع للبالبل صوات ‪ .‬لقد زرعت يف حديقيت كل شوكة و‬ ‫‪173‬‬


‫كل أمل فضيع ‪ ،‬لقد أهدتين حكاايت مرة ‪ ،‬أخربتين أين سفر‬ ‫مؤجل ‪ ،‬و أن الدفء شيء من السراب ‪ .‬اي للحضارة العمياء ‪.‬‬

‫·‬

‫لغة املرااي و النص الفسيفسائي‬

‫عنصر املشاهدة الواحد امامنا ‪ ،‬اذا اختلفت زاوية الرؤية اليه‬ ‫اختلف شكله ‪ ،‬هكذا هي املعاين و االحاسيس ‪ ،‬و لو اعتربان‬ ‫األلفظ نواقل للمعىن و االحساس ‪ ،‬و ان للتعبري زوااي ‪ ،‬فان‬ ‫طرح الفكرة ذاهتا برتاكيب لفظية خمتلفة ميكن من القول اننا نظران‬ ‫للشيء الواحد من زوااي متعددة ‪ ،‬و من هذه احليثية ميكن وصف‬ ‫النص ابنه متعدد الزوااي ‪ ،‬اال انه لو نظران اىل الرتاكيب فيما بينها‬ ‫فاان سنراها تركيبة فسيفسائية يكون كل تركيب بشكل مرآة لذاك‬

‫‪174‬‬


‫ميكن وصف هذه اللغة بلغة املرااي و وصف النص ابلنص‬ ‫الفسيفسائي ‪.‬‬ ‫ماذا تعين لغة املرااي كتعبري‬ ‫لغة املرااي تعبري مغاير للمألوف يف اللغة وعند اهلها ‪ ،‬حيث ان‬ ‫الراسخ يف اللغة و عند مستعمليها ان لكل نقطة معنوية تعبري‬ ‫لفظي واحد هو االكثر تشخيصا و تعبريا عنها ‪ ،‬ما تفعله لغة‬ ‫املرااي هو االنطالق من معىن واحد و بوحدات لفظية متعددة ‪،‬‬ ‫مبعىن اخر ان نص املرااي او الفسيفسائي يعين وحدة املعىن و‬ ‫تعدد اللفظ خبالف النص املفتوح الذي يكون بوحدة اللفظ و‬ ‫تعدد املعىن ‪ ،‬فيكون لدينا يف النص الفسيفسائي تناص داخل‬ ‫النص ‪ ،‬اي تناص بني وحدات النص نفسه و ليس بني نصوص‬ ‫خمتلفة ‪.‬‬ ‫فائدة لغة املرااي‬ ‫جتل اكرب للفكرة و املعىن‬ ‫حتقق لغة املرااي و النص الفيسفسائي ّ‬ ‫املقصود كما انه يرسخه و يعمقه يف نفس املتلقي ‪ .‬الفائدة الثانية‬

‫‪175‬‬


‫ان تعدد صور الفكرة حيقق احلركة ‪ ،‬لذلك يكون النص حركيا‬ ‫بدل سكونه وهي بذلك تشابه املستقبلية يف الرسم ‪.‬‬ ‫خماطر لغة املرااي‬ ‫نتيجة لتقليب الفكرة و طرحها يف اكثر من صورة ال بد من توفري‬ ‫عناصر االدهاش االقناع و االضافة ‪ ،‬و اال اصبح يف النص‬ ‫زايدات و ترهالت ‪ ،‬طبعا ميكن التغلب على ذلك بتنويع‬ ‫االسلوب ودرجة الرمزية و االنسيابية و ارجاع الوحدات‬ ‫الكالمية اىل نقطة واحدة ليكون يف الرتكيب املغاير اضافة ‪.‬‬ ‫فسسيفسائية نص ( العمياء ) ولغة املرااي فيه‬ ‫يف نص ( العمياء ) املتقدم ميكن متييز اربع وحدات تركيبية‬ ‫فقراتية‬ ‫‪ -1‬البدلة العمياء ‪ ،‬القبعة العمياء ‪ ،‬النداءات العمياء تلتهم‬ ‫املكان ‪ ،‬تبين يف قلبه انشودة نصر سوداء ‪ ،‬قد أسرت جداول‬ ‫قرييت ‪ ،‬مل يبق يف حلمها شيء من الرحيق ‪.‬‬

‫‪176‬‬


‫‪ -2‬انظر اىل ذلك الوجه الكاحل ‪ ،‬اي حلضارهتا التعسة تتعثر‬ ‫بكل شيء ‪ ،‬يداها سائبتان حتطم كل شيء مجيل ‪ ،‬الشوارع‬ ‫خاوية ‪ ،‬كأهنا خريف قدمي ‪.‬‬ ‫‪ -3‬ليتها تعي شيئا هذه احلضارة العمياء ‪ ،‬ليتها تتعلم اغنية‬ ‫اخرى ‪ ،‬العمى أيسر املكان ال يدع للبالبل صوات ‪.‬‬ ‫‪ -4‬لقد زرعت يف حديقيت كل شوكة و كل امل فضيع ‪ ،‬لقد‬ ‫اهدتين حكاايت مرة ‪ ،‬اخربتين اين سفر مؤجل ‪ ،‬وان الدفء‬ ‫شيء من السراب ‪ .‬اي للحضارة العمياء ‪.‬‬

‫لو الحظنا فان كل واحدة من هذه الفقرات او الوحدات‬ ‫الكالمية الرتكيبية املتقدمة تشري اىل فكرة واحدة و تنطلق من‬ ‫فكرة واحدة ‪،‬وهو ذم احلضارة املعاصرة و حالتها التعسة و ااثرها‬ ‫السيئة ‪ ،‬فلدينا تراكيب كالمية خمتلفة منطلقة من نقطة معنوية و‬ ‫فكرية واحدة ‪ ،‬اهنا تعمل على التأكيد و الرتسيخ ‪ ،‬و بذلك‬ ‫تتجلى الفكرة و تتجذر عميقا يف النفس ‪ ،‬كما ان الرتاكيب تلك‬ ‫ستكون بشكل مرااي خمتلفة لشيء واحدة ‪ ،‬و تكون وحدات‬ ‫‪177‬‬


‫تناص فيما بينها فيتحقق التناص يف داخل النص الواحد ‪،‬كما ان‬ ‫النظر اىل النص من خارج سيتحقق النص الفسيفسائي املرآيت ‪.‬‬

‫الرمال‬ ‫نص جتريدي‬

‫حينما عدت اىل يدي الناعسة و جدهتا حقوال برية تبحر يف‬ ‫تلوح للوهج القامت ‪ .‬اي للفجيعة‬ ‫اهلدوء كفراشات الربيع ‪ .‬كانت ّ‬

‫بعيين هاتني وهي تذوب يف طرقات بال‬ ‫‪ ،‬لقد رأيتها‬ ‫ّ‬ ‫عيين بال رمحة ‪ .‬هكذا تذوب كنجمة‬ ‫نكهة ‪ .‬كانت تذوب أمام ّ‬ ‫‪178‬‬


‫مسراء بلّلها املطر ‪ .‬اآلن بدأت أعرف كم هو ٍ‬ ‫قاس وجهك الودود‬ ‫ذو االبتسامة العريضة ‪.‬‬ ‫ط‬ ‫أيتها األايم الشاحبة ‪ ،‬وجهك الباسم‬ ‫ينسل من بني يدي كق ّ‬ ‫ّ‬ ‫ثقيل ‪ ،‬اي ألوراقه املتساقطة يف عمى أيسر املكان ‪ .‬أان ال أنكر‬ ‫هبجة األعياد اهلندية و ألواهنا الفرحة ‪ .‬أان ال أنكر عمق ًمن‬

‫صنع مصريه بيده ‪ .‬أان فقط أريد أن أقول شيئا ‪ :‬ما هكذا رأيت‬

‫الرايح احلنونة وهي حتملين حنو رمال بنيّة ‪ .‬حينها كنت طفالً‬

‫أغرق يف النسيم ‪.‬‬

‫سأعود مع العصافري أع ّد اشجار اخلريف ‪ ،‬ليتك تتذكر عطرها‬ ‫الندي ‪ ،‬و تلك الرمال ‪ ،‬ليتك تعلم ا ّن قلب اخلريف من رمل ‪،‬‬ ‫و أنه بساط سحري يعشق القمر ‪ .‬أتراك جتيد السري على ركيتني‬ ‫عاريتني ؟ أتراك جتيد لفظ االمساء الباسلة ؟ أمل تعلم أنين هنا‬ ‫منذ عصور ‪ ،‬منذ أن التقيت بك يف مرآة صدئة ‪ .‬اي للضوء‬ ‫الرباق ‪ ،‬اي للنقاء الذي حتدثين عنها اجلنيات الطيبة ‪.‬‬

‫‪179‬‬


‫التمر العظيم‬

‫كان الوقت فجرا – أنت تعرف يف الفجر يكون للنخل طعم‬ ‫آخر‬

‫مر للسراب ‪.‬‬ ‫‪ -‬حينها مل أميّز ألوان السعف عن وجه ّ‬

‫كانت السماء متطر ‪ ،‬املطر هنا يف مدينيت فقد عذريته ‪ ،‬ما عاد‬ ‫جذااب ‪ ،‬لقد أضاع بدلته اليت اشرتيتها له قبل الغروب ‪ .‬أنظر اىل‬ ‫يدي اهنا فارغة ‪ ،‬لقد وضعوا املطر يف سالل قاسية و أخذوه اىل‬ ‫هناك ‪ ،‬بعيدا عنا ‪ .‬أنظر اىل النخل ‪ ،‬هناك ما عاد بلونه الفتّان ‪،‬‬ ‫حتب التمر ‪ ،‬من منّا ال حيبه ‪ ،‬حنن‬ ‫حتب النخل مثلي ‪ ،‬و ّ‬ ‫أظنك ّ‬ ‫أبناء التمر ‪ ،‬اليوم أصبحنا حفاة ‪ ،‬حينما نتسامر خيربين صديقي‬ ‫يقول ‪ :‬كانت أمي حتكي لنا عن شيء امسه التمر ‪ ،‬يقال أنه أكرب‬ ‫من الشمس له عيون عسلية ‪ ،‬كان جيلس يف حدائقنا و يبتسم ‪،‬‬ ‫ليس الغريب انه جيلس هناك وهو بذلك احلجم العظيم ‪ ،‬الغريب‬ ‫ألمي العظيمة ‪.‬‬ ‫أ ّن أمي تقول أهنا كانت حتمله بني يديها ‪ ،‬اي ّ‬

‫‪180‬‬


‫العيد املسكني‬

‫دوما جيلس هناك ‪ ،‬على ذلك الغصن ابلذات ‪ ،‬ذلك العيد ذو‬ ‫الساقني الطويلتني ‪.‬له حذاء قدمي يذكرين ابلعصور الغابرة ‪،‬‬ ‫مسكني ذلك العيد ‪ ،‬مل يعد جييد االبتسام ‪ ،‬لقد رحل فمه مع‬ ‫الطيور ‪ ،‬حىت لونه الصاخب ‪ ،‬الذي مييل اىل ألوان قوس قزح قد‬ ‫أكلته األشواك ‪ ،‬و بنت شجرياهتا الصخرية على وجنتيه قالعها‬ ‫الشاهقة ‪ .‬اي ترى كيف يل بعد اليوم أن أرى عينيه العسليتني ؟‬ ‫حينما أنظر اىل أوالده بثياهبم الرثة و مركبته الصدئة ‪ ،‬أعلم انّه ما‬ ‫عاد قادرا على دفع اجيار شقته املتهالكة يف مبين األرواح املتعبة ‪.‬‬

‫‪181‬‬


‫الكأس‬

‫سأعود يوما ‪ ،‬أمشي فوق بساط البهجة كأروع حكاية للنجوم‬

‫البعيدة ‪ ،‬أطل من مر ٍ‬ ‫كبة براقة كلون الريح ‪ ،‬يف يدي مرااي ابمسة‬ ‫ّ‬ ‫و حديقة غنّاء ‪ .‬أال ترى ضحكات العنرب أتسر قلوب العاشقني‬

‫؟ أان أرى ذلك بوضوح ‪ .‬سأعود حتما ‪ ،‬و لوطين وجه ِ‬ ‫نضر‬ ‫بسام ‪ ،‬وللفرات عينان كحليتان و ثياب زاهية كاليت يرتديها‬ ‫ّ‬ ‫عريس هندي ‪ .‬أال تسمع الكرنفاالت اليت تسبح يف مياهه‬ ‫الصاخبة ؟ أان أمسع ذلك بقوة ‪ ،‬و أحس هبا قريبة مين ‪ ،‬أقرب‬ ‫من حرويف هذه ‪ .‬أجل سأعود ‪ ،‬و لشعيب أماس مضيئة و‬

‫هنارات رقيقة كحبات العنب ‪ ،‬لن جتد حينها أثراً هلذا الرماد ‪ ،‬وال‬ ‫املرة و القلوب احلجرية ‪ ،‬لقد ذهبت كلها تبحث‬ ‫هلذه الظالل ّ‬ ‫عن زوااي مظلمة تتنفس فيها بداايت غروهبا املفرح ‪ .‬حينها ‪ ،‬ال‬ ‫‪182‬‬


‫شيء سوى حكاايت الضوء البهيجة ‪ ،‬أال ترى الشمس عذبة‬ ‫كالنسيم ‪ ،‬جتلس كل يوم عند بداية ذلك الزقاق ؟ كان الوقت‬ ‫عصرا ‪ ،‬غريب أنك ال ترى ذلك ؟ أان ال أقول هذا ألنين واهم‬ ‫كبري ‪ ،‬أان أقول ذلك ألنين أراه ‪ ،‬أجل أان أراه بقوة ‪ ،‬ألننا‬ ‫شعب مظلوم ‪ ،‬شرب من كأس الصرب كثريا ‪.‬‬

‫املدينة‬ ‫قصيدة بوليفونية‬

‫املدينة كائن غريب ‪ ،‬كقبعات الصينيني القدامى تغطّي كل شيء‬ ‫الربي ‪ ،‬ال أتيت على شيء اال التهمته ‪ ،‬حىت‬ ‫‪ ،‬اهنا ذلك اجلراد ّ‬ ‫حليب اطفالنا و ابتساماهتم اليافعة ‪ ،‬هل تراها ابقت شيئا ؟ لقد‬ ‫جعلت من زهرة اخلليج امساكا وردية ميتة ‪ .‬اهنا أيجوج و مأجوج‬ ‫تلف كحل‬ ‫‪ ،‬لقد رأيتها تشرب ماء البحر يف حلظة آسرة ‪ّ .‬‬ ‫‪183‬‬


‫مر ‪ ،‬تضعه يف فوهة مدفع فرح ‪ ،‬و تصوبه حنو‬ ‫البوادي بورق ّ‬ ‫قلب صنعاء و بغداد ‪.‬‬ ‫املدينة قاسية ‪ ،‬كأشواك اشجار ايبسة ‪ ،‬ال ساحل هلا و ال ازهار ‪،‬‬ ‫قلبها احلديدي حنيف كشجرة املوز لكنه من ساللة افاعي‬ ‫الغاابت السوداء ‪ ،‬أتيت على حلم االنسان فتشقه نصيفني‬ ‫ط يف النوم و تستشهد‬ ‫‪،‬فال يظل له نكهة ‪ ،‬مث تدعى اهنا كانت تغ ّ‬ ‫بشخري ازيل ليمامات الغروب ‪.‬‬ ‫ليتين مل اعرفها و مل تعرفين ‪ .‬لقد مألت قليب قيحا ‪.‬‬

‫العامل املرائي‬ ‫االنسان دمعة فرح و جنني نور هلذه األرض ‪ .‬سقط من أعلي‬ ‫اجلبال يف ليلة مقمرة ليكون زهرة يف ساحة هذا الكون الفسيح ‪.‬‬ ‫رمبا عيونك ال ترى ذلك‪ .‬و رمبا ال ترى ايضا ا ّن اقنعة صحاريك‬ ‫من ثلج ‪ ،‬و ان ابتساماهتا الكاذبة ميتة ‪ .‬ايها العامل املرائي ‪ .‬انظر‬ ‫اىل سواقي آالمنا و أحالمنا ‪ ،‬اهنا تنهل من تلك الواحة اليت ال‬ ‫تعرف بقاايك عنها شيئا ‪.‬‬ ‫‪184‬‬


‫جلست فيها حتت تلك الشجرة ‪،‬‬ ‫علمت منذ اللحظة اليت‬ ‫لقد‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أيت كيف ا ّن السماء انشدت هنرا و‬ ‫منذ تلك اللحظة اليت ر ُ‬ ‫هضبة ‪ .‬أجل لقد علمت منذ تلك اللحظة ا ّن ظاللك ال جتيد‬ ‫عزفا ‪ ،‬و ا ّن لسانك كثبان رمل ‪.‬‬ ‫يكي فنا هذه السالل النقية ‪ ،‬يكفينا اان جنيد حكاايت الضوء ‪،‬‬ ‫كوة تطل على وجه براق‬ ‫و اان نتنفس العشق بعمق ‪ ،‬و اان منتلك ّ‬ ‫لغاابت األرز ‪ .‬و انت جتلس يف زاويتك املظلمة يف وهم ابهت‬

‫تلوح لزورق ‪ ،‬و مرآة ‪ ،‬و ما‬ ‫ال طعم له و ال رائحة ‪ّ .‬‬ ‫تظن انك ّ‬

‫يف أرضك سوى الطحلب و ال يف جبينك سوى العتمة ‪ .‬كم‬ ‫انت واهم و مسكني ايها العامل املرائي ‪.‬‬

‫‪185‬‬


‫( النساء )‬

‫الطرقات ذات القشور امللساء قد بعثرت أزهاري األرجوانية هنا‬ ‫و هناك ‪ .‬هكذا وجدته حي ّدث نفسه ‪ ،‬ذلك الغصن الذي قد‬ ‫التهم اليباس قلبه احلجري ‪ .‬لقد جلست حتت ظله أعد حقول‬ ‫الوهم اليت سرقت سنني عمر حاملة مكبلة أبسوار الضباب ‪.‬‬ ‫لقد كان حنوان فرغم يباسه املرير فقد تساقطت اوراقه فوق رأسي‬ ‫كثلوج أعياد امليالد ‪ ،‬لقد حدثين عن تلك السجون اليت تعصر‬ ‫قلب الفتاة اللماع ‪ .‬قال يل هكذا تركت النساء يف قريتنا حيملن‬ ‫على رؤوسهن غربة االايم و مياه البئر امللونة دومنا كلمة شكر ‪.‬‬ ‫الشيء الغريب انين ال زلت امتلك قدمني ابسلتني و ال زلت‬ ‫أرى كلمات ذوي الثياب الرباقة ‪ ،‬و جتار اجلسد ختفق كالزبد‬ ‫العايل‪ .‬اهنم يقولون ان العفة لوح مظلم و كهف قدمي ‪ ،‬لكنك‬ ‫ترى ‪ ،‬اهنا الوجه املبثوث يف عمق اخلليقة و الساكن يف قلب‬ ‫حبريات النور اليت نزلت يف سالل وردية ذات صباح ‪ .‬انك ترى‬ ‫‪186‬‬


‫بوضوح اهنا تعرف ‪ ،‬و لديها عني واسعة ‪ ،‬اهنم يريدوهنا ثيااب‬ ‫براقة لقلب رخيص ‪ .‬لكنها تعلم اهنا اغلى من ذلك و اهنا‬ ‫ليست جمرد صوت و ال جمرد صخرة على الطريق‬

‫‪ .‬نعم اان‬

‫مثلك أرى الوهم يف أفواه سرقت و حرفت االرث النقي ‪.‬‬ ‫يقصرون حلم املرأة ابسم السماء و ما يف جيبوهم سوى اخلواء‬ ‫‪ .‬لكين مسعت النور انه بريء من كل هذا ‪ ،‬ليتك تصغي يوما انه‬ ‫صوت صادق و حنون ‪.‬‬ ‫هكذا اسري وسط حقول الزمرد املتحجرة ‪ ،‬لقد ملئ قليب حزان‬ ‫اكف عن‬ ‫‪ ،‬مىت استطيع ان اشم نسيم اجملرة هبدوء ‪ ،‬و ان ّ‬ ‫الوقوف فوق تلة اخليبات ‪ .‬لقد سئمت صوت البعد ‪ ،‬ال بد من‬ ‫ابواب تبصر ‪ ،‬ألرى التاج فوق رأس امرأة و أرى حكماء‬ ‫البسيطة يتعلمون من عاملة عصرهم طرق احلقيقة و السالم ‪.‬‬

‫‪187‬‬


‫الينابيع السرية‬ ‫( الرمزية التعبريية)*‬

‫ألو َن رموش‬ ‫أحب القراءة و أجد املتعة يف أن ّ‬ ‫منذ الطفولة واان ّ‬ ‫أظن أنين قارئ ابرع ‪ ،‬أعرف ما‬ ‫الشمس بلون ساحر ‪ .‬كنت ّ‬

‫ختفي النجوم و الكائنات الضوئية اليت تقطن الكواكب البعيدة ‪.‬‬

‫كنت أذوب يف صفحات الفجر البامسة ‪ ،‬أضع أهنار املساء يف‬ ‫سلّة كبرية أوسع من البحر الذي رأيناها ذان يوم ‪ .‬إنين ممنت‬ ‫ل ذلك فعال ‪ ،‬فللبحار أنشودة مبهرة ‪ ،‬أجلس عند ابهبا كسمكة‬ ‫بدأت أشعر بعبق ينابيعها يتخلّل‬ ‫مل تتناول افطارها بعد ‪ .‬هكذا ُ‬ ‫مسامايت و ينفذ عميقا يف ذاكريت ‪ ،‬عيناها تزداد ملعاان مع كل‬ ‫فراشة أعثر عليها يف احلقول اهلادئة‪ .‬اي لروعة الفراشات‬ ‫املسكونة ابلثلج ‪ ،‬ترسم يل طرقاً أجتول فيها شبحاً منسياً ‪ .‬أان‬ ‫أرى ضوءها اخلافت و ينابيعها السرية ‪ ،‬هناك يف مكاهنا الغريب‬ ‫‪188‬‬


‫‪ .‬كانت بشرهتا فضيّة و طريّة كوجه القمر ‪ ،‬لقد قطعت يل وعداً‬ ‫أن تريين بواابهتا الناعسة ‪ ،‬لطاملا حدثتين عن النقاء الغريب ‪،‬‬

‫متر‬ ‫لكن كما ترى أان اآلن أجلس وسط الظالل أع ّد صورها اليت ّ‬ ‫عيين يف عامل فسيح من السراب ‪ .‬أجل أان هنا يف هذا‬ ‫أمام ّ‬ ‫اجلسد الصخري ال أقوى على احلراك ‪ ،‬كم أشعر ابلعجز ‪،‬‬ ‫شيء خمجل فعال ‪ ،‬مىت أعثر على جناح و ضوء ‪ ،‬مىت أجد‬ ‫النقاء الذي حدثتين عنها‪.‬‬

‫*الرمزية التعبريي هي الكتابة بطريقة املدرسة التعبريية ‪،‬ابن ينطلق‬ ‫كل شيء يف النص من داخل املؤلف و بواطنه و تصوراته ‪.‬‬ ‫التعبريات و الرؤى و شكل العامل و حمور الكالم كلها يتمركز على‬ ‫ما يف داخل املؤلف فال يرى القارء االشياء اال وفق ما يراه‬ ‫املؤلف ‪،‬ان التعبريية ابتداع جديد لالشياء اهنا طرح خالق و‬ ‫اضافة متميزة بفهم خاص و شكل خاص و صور واوضاع‬ ‫‪189‬‬


‫وعالقات خاص ومبتكرة بني االشياء ‪،‬ان الفردية الطاغية على‬ ‫الرؤية جتعل اجلو العام يف عامل كامل من االنزايح و اجملاز و الرمزية‬ ‫لذلك يكون من اجليد ان تتسم الكتابة التعبريية ابلوضوح و‬ ‫التداولية الهنا من دوهنما ستنتج النص املنغلق بسبب رمزيتها‬ ‫العالية ‪.‬‬

‫( ٍ‬ ‫أيد عالية )‬ ‫‪190‬‬


‫ٍ‬ ‫أيد تصافح املوت ‪ ،‬تقبّل الرمال ‪ ،‬تصفع وجه الظلمة ـ لينام‬ ‫طفل و حتلم فتاة‬

‫تقليلية‬

‫حلم القصيدة‬

‫‪191‬‬


‫‪-‬ميتاشعر‬

‫من هناك ‪،‬من الينابيع السرية للكون ‪ ،‬سني ليقي اونيين راى كل‬ ‫شيء ‪ ،‬و رات معه القصيدة شجرة الالزورد ‪ ،‬وهي ترفع راسها‬ ‫لرتى هباء جلجامش‪.‬‬ ‫و حنو االمل احلبيب ‪ ،‬و ابواب اجلنون جلس قيس عند تلك‬ ‫الصخرة الندية ‪،‬يسال ظبيات القاع عن لياله ‪،‬يف حلم للقصيدة‪.‬‬ ‫مث تعالت يداه ‪،‬ختطان على وجه الزمن حكاية عنفوان ‪،‬اخليل و‬ ‫الليل تعرفه ‪،‬و تلك البيداء املورقة ‪ ،‬لقد كان هلا يف حلم ايب‬ ‫الطيب حسنا بغري تطرية ‪ ،‬حبرف نفيس غريب‪.‬‬ ‫ومن سرير املطر اطل بويب ‪ ،‬يرسم على وجه القصيدة حكاية‬ ‫الفضاء الرحب ‪ ،‬فرتبعت يد السياب املنهكة حرية اللغة ‪ ،‬و‬ ‫صوهتا الباهر‪.‬‬ ‫اجل لقد صدمت و ذهلت و سقطت اىل االرض مغشيا عليها ‪،‬‬ ‫حينما انثال رامبو يف هذايانت ‪ ،‬و حقائق ابدية ‪ .‬مث جلست‬ ‫‪192‬‬


‫سلحفاهتا املغامرة وسط الطريق حتلم ابلكوخ الصغريالذي راه رسل‬ ‫ادسن يف الغابة‪.‬‬ ‫رمبا رايتها تغفو عند طوفان احلضارة الغاربة ‪ ،‬يف حكاايت املوت‬ ‫واحلياة ‪ ،‬هناك عند الشجرة الصامتة و القنفذ البين حلمت بوجه‬ ‫كما النسيم ‪.‬‬

‫( حياة )‬ ‫لغة جتريدية *‬

‫حياة هادئة‬

‫ذلك النهر رقيق كتفاحة ‪ ،‬تعيش حتت جناحيه املدينة هبدوء ‪ ،‬و‬ ‫ترتاقص اإلوزات فوق مائه كأغنيات الشمس ‪ .‬طيور احلقل‬ ‫‪193‬‬


‫تستحم فوق مراجيحه بكل هبجة ‪ .‬أوراق الشجر‬ ‫أبلواهنا الزاهية‬ ‫ّ‬ ‫الندي متأل املكان أبغنيات صباحية قد بللها النسيم ‪ .‬كم‬ ‫ّ‬

‫الظل يهب الربكة‬ ‫أدهشين اهلواء الف ّ‬ ‫ضي ‪ ،‬كان يتنقل بني أنفاس ّ‬ ‫أحالما بطعم اللؤلؤ ‪.‬‬

‫حياة صاخبة‬ ‫يئن كعصفورة صفراء أهنكها املطر ‪ .‬حيكي أملا ّبراقاً ذا‬ ‫الصدى ّ‬ ‫عينني واسعتني ختجل من نشيجهما غيوم مساء ابكية ‪ .‬لقد محل‬ ‫املر ‪.‬هنا فوق‬ ‫إيل شهقة خريفيّة معبأة ابملوت و احلنني ‪ ،‬اي للحنني ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذا النبض و يف مياه شرايينه البنفسجية تكون الوعود ‪ .‬هنا حتت‬

‫هذه اخليمة القاصية حكاايت عظيمة للرمال ‪.‬‬

‫اللغة التجريدية تعتمد على وظيفة نقل االحساس ( الداللة‬ ‫الشعورية للكالم ) أكثر من احلكاية و نقل املعىن ‪ ( ،‬الداللة‬ ‫املعنوية ) املعروفة‪.‬‬

‫‪194‬‬


‫زقزقة العصافري‬

‫سأغفو قليال ‪ ،‬فلقد أهدتين زقزقة العصافري انشودة الفجر اليانعة‬ ‫‪.‬‬ ‫أحب السفر كثريا ‪ ،‬بل ال أحبّه‬ ‫أان أحب زقزقة العصافري ‪ ،‬أان ال ّ‬ ‫اطالقا ‪ .‬و اجلزر اليت حدثتين عنها جنوم الربية ما عادت تتألأل‬ ‫عيين لرؤيتها ‪ .‬فلقد ملئ قليب حزان ‪.‬‬ ‫سأخرج مع الطيور املبللة بقطرات الندى اىل احلقل ابكرا ‪ ،‬امجع‬ ‫مر ‪،‬‬ ‫حكاايت الظل ‪ ،‬و ما نسيته الفراشات ‪ ،‬فالشتاء شهر ّ‬ ‫حيصد آخر حبة ا ّدخرهتا جديت لتدفّئ هبا االايم ‪.‬‬

‫‪195‬‬


‫شط شعرها السعادة ‪ ،‬خلف احالم خمملية ‪ ،‬و‬ ‫هناك فراشات مت ّ‬ ‫اضواء خافتة ‪ ،‬هناك خلف السفر احلبيب تنتظرين بداييت املؤجلة‬ ‫‪.‬‬

‫( عصري صيفي )‬ ‫قصيدة بوليفونية متعددة األصوات‬

‫مرة‬ ‫وطين يقف هناك حاسر الرأس كعصري صيفي ‪ ،‬وسط أرض ّ‬ ‫يزرع قمحا وصمتاً ‪ .‬يداه متعبتان ‪ ،‬أان أمسع صوته بوضوح ينشد‬ ‫وقربات احلقل أ ّن هنا عشبة و ماء ‪ .‬لكنك كما ترى ما‬ ‫للربيع ّ‬

‫من عشبة و ال ماء ‪ .‬العيون العظيمة ذات الرموش الطويلة كلها‬ ‫قد اصطفت كفرقة موسيقية ‪ ،‬أبفواه جذابة حبجم السنني الزاهية‬

‫‪ ،‬مل تبق من جسده أثراً ‪ ،‬اي لوطين املسكني‪.‬‬ ‫‪196‬‬


‫الظل خانته أعواد اخلشب ‪ ،‬و حينما نظر اىل‬ ‫حينما اتّكأ على ّ‬ ‫وجهه يف النهر ‪ ،‬غطّى مياهه جبلباب خشن كليلة شتاء ابردة ‪.‬‬ ‫حىت الطيور راحت تبتعد حاملة حقائبها على ظهرها فرحة‬ ‫كتالميذ ذاهبني اىل املدرسة ‪ .‬اي للغرابة ترتك غيوم القمح و‬ ‫تتساقط كفراشات حاملة بني يدي أرض تصنع من ريشها وسادة‬ ‫‪.‬‬ ‫شى مزهوا فوق‬ ‫عجبا هلذا العامل كيف أتقن سرقة دمي ‪ ،‬يتم ّ‬ ‫خشبة املسرح على أربعة أرجل ‪ ،‬ينادى بصوت جهوري رائع أ ّن‬ ‫العدل كوكب انعس وأ ّن‬

‫احلرية لوحة فريدة ملقاتل قدمي ‪.‬‬

‫ضة يف زواايها دموع الريح و أطفال‬ ‫خيربين أ ّن املساء حكاية غ ّ‬ ‫من ثلج ‪ .‬هكذا أقتل بربود ‪ ،‬رأسي حتت الرمل كنعامة الصيادين‬ ‫مرة مدهوشا‬ ‫السمر ‪ .‬أقف هناك كعصري صيفي وسط أرض ّ‬ ‫لرباعة اجلميع ‪.‬‬

‫( عمق )‬ ‫نص فسيفسائي جتريدي‬ ‫‪197‬‬


‫ٍ‬ ‫عاصف ال يصلين منه سوى اهلمس ‪،‬‬ ‫السكون جفن انعس هلواء‬ ‫كضجيج الشمس وصوت هليبها ‪ ،‬ال يصلين منه سوى نسمة‬ ‫ضوء ‪ ،‬اال تشعر بذلك ؟‬ ‫رحلت كمركبة غريبة حنو العمق ‪ ،‬حنو مرآة أرتين عاملا براقا‬ ‫لقد‬ ‫ُ‬ ‫جلنيات الربيع و فراشاته انعسة اجلفون ‪ ،‬كل هذا ما كان ليكون‬ ‫لوال صخب رهيب يرتبع أغصان حكااييت الباردة ‪.‬‬ ‫أنظر ايل ‪ ،‬أان أقف هناك كطائر قطيب ‪ ،‬ال أنتظر شيئا ‪ ،‬فلقد‬ ‫الندي‬ ‫اهدتين الرمال العاصفة وردة محراء ابمسة ‪ ،‬لقد مأل عبقها‬ ‫ّ‬ ‫مسامايت و زوااي روحي املسافرة ‪ .‬انظر ايل يدي ‪ ،‬اهنا حتتفل ‪،‬‬ ‫أان واثق انك تشعر بذلك ‪.‬‬ ‫هامش‬ ‫الفسسيفسائية ترتكز على الرتادف التعبريي ‪ ،‬اي جمموعة تعابري‬ ‫يف نص واحد متميز عن بعضها اال اهنا تنطلق من فكرة حمورية و‬ ‫تشابه تعبريي كبري ‪ ،‬حمققة حالة تشبه الرتادف اللظي و تكون‬ ‫تعابري النص و مجله و فقراته‬ ‫‪198‬‬

‫بشكل مرااي متجاورة تعكس‬


‫صورة عميقة و فكرة موحدة ‪ ،‬و تكون التعابري متجهة حنو تلك‬ ‫الفكرة و القضية و الصورة العميقة املوحدة كما تتجه ازهار‬ ‫الشمس حنوها يف كل حني ‪.‬‬ ‫و التجريدية ترتكز على استعمال اللغة و االلفاظ بشكل تعبريي‬ ‫غري معهود ‪ ،‬اي ليس ألجل نقل املعىن و توصيل الفكرة و‬ ‫احلكاية ‪ ،‬و امنا لنقل االحساس و الشعور ‪ ،‬و جعل املشاعر و‬ ‫االحاسيس هي ما يتجلى اباللفظ و ليس املعاين و املغزى ‪،‬‬ ‫كتكون االلفاظ و اجلمل كالوان اجملردة من دون تشكل حماكايت‬ ‫اي بشكل الوان يف لوحة جتريدية تعتمد يف اتثريها على االحساس‬ ‫و الشعور و ليس احملاكاة و املعىن ‪.‬ال مشكلة أبدا يف ان تصبح‬ ‫االفاظ و اجلمل هبذا املستوى من التجريد ‪ ،‬و لقد جنحت جتارب‬ ‫عاملية و جتارب يل خاصة يف ذلك ‪.‬‬ ‫هنا جتربة جديدة و معقدة ‪ ،‬وهي كيف ميكن حتقيق نص جتريد و‬ ‫االفاظ ال حتكي و ال تبني و امنا تنقل االحساس ‪ ،‬و يف ذات‬ ‫الوقت يكون فسيفسائيا ‪ ،‬وهو نص يعتمد على الرتادف التعبريي‬ ‫‪ .‬و اجلواب ميكن تبينه من خالل حقيقة‬

‫ان الرتادف‬

‫الفسيفسائي غري منحصر يف الرتادف املعنوي و الفكري و‬ ‫‪199‬‬


‫احلكائي ‪ ،‬كما ان التعبري األدب ال ينحصر بذلك بل لدينا‬ ‫التعبري التجريدي و الذي حيقق نظاما تعبرياي شعوالاي احساسيا‬ ‫كما حتقق اللغة احلكائية نظاما تعبرياي معنواي حكائيا ‪ .‬و كما ان‬ ‫الرتادف الفسيفسائي يكون بني التعبري املعربة عن فكرة و حكاية‬ ‫واحدة يف الرتادف املعنوي فاهنا تكون معربة عن احساس و شعور‬ ‫واحد يف الرتادف التجريدي ‪ ،‬فتكون لغة املرااي هنا مرااي‬ ‫الحساس و شعور واحدة يتجسد يف التعابري و يتجلى يف املرااي ‪.‬‬ ‫لو الحظنا النص اعاله ( عمق ) جند ان كل فقرة تنقل و جتسد‬ ‫احساسا و شعورا واضحا و جند ايضا ان االحاسيس و املشاعر‬ ‫اليت تتجسد يف الفقرات متقاربة و تنمتمي اىل جمال احساسي‬ ‫واحد ‪ .‬ان الفسيفسائية التجريدية تبني و بشكل صريح انه كما‬ ‫ان هناك حقوال داللية و معنوية يف اللغة فان فيها حقوال شعورية‬ ‫و احساسية ‪ .‬كما اننا سنكون امام وحدة نصية و ايقاعية و‬ ‫تناغمية جديدة و عميقة هي الوحدة االحساسية الشعورية كما‬ ‫هو ظاهر يف النص اعاله ‪.‬‬

‫‪200‬‬


‫قصائد تقليلية‬

‫(الطيور)‬ ‫روح الطيور انعمة هلا صوت بطعم البهارات اهلندية لكنها يف‬ ‫تغرد‪.‬‬ ‫الصياح تُلِبس‬ ‫الفجر ثوبه و أتتينا كمالئكة ّ‬ ‫َ‬

‫(اخلريف)‬ ‫عيين عصفورا ‪ .‬اخلريف عظيم‬ ‫الرمال حتتفل يف اخلريف تصنع من ّ‬

‫رمادي جدا‬ ‫هنا النه يشبه روح االنسان ‪ّ ،‬‬

‫‪201‬‬


‫*‬ ‫(االعياد)‬ ‫االعياد شجرة لوز تلعب يف احلقل مع الفراشات‪ ،‬تتطاير خب ّفة‬ ‫كأم‪.‬‬ ‫أحس أهنا تضمه ّ‬ ‫مع النسيم‪ .‬حينما تنحين على طفل ّ‬ ‫أين هي اآلن ؟‬

‫*‬ ‫(جندي)‬ ‫لقد عاد اجلنود‪،.‬يف خوذاهتم أحالم الصبااي‪ .‬األهازيج حتصد‬ ‫ارواحهم‪ .‬ابتسمي ايتها الثلوج‪ ،‬فاان جندي فتكت به روحك‬ ‫القاسية‬ ‫*‬ ‫مر )‬ ‫( عشب ّ‬

‫‪202‬‬


‫املر‪ .‬األبرايء حتصدهم النريان‬ ‫عاملنا غريب‪ ،‬نعشق فيها العشب ّ‬ ‫‪ .‬عرس بغداد صار دموعا و جنة عدن يباب ‪.‬‬ ‫*‬ ‫( وقفة )‬ ‫سأقف هناك وحيدا‪ ،‬أعلن الرباءة من مرااي الوحل‪ ،‬و حينما‬ ‫تسمع يب األفاعى‪ ،‬حينها أكون قد أكملت شرفيت اجلميلة و‬ ‫صرت ذاكرة قاتلة‪.‬‬

‫قصيدة من كلمة واحدة‬

‫جتريد‬

‫‪203‬‬


‫‪............‬‬ ‫هامش بقلم د أنور غين املوسوي‬

‫مع كون هكذا قصيدة ( أي قصيدة الكلمة الواحدة ) من‬ ‫النص املفتوح بال شك فانه ميكن رد قصيدة الكلمة الواحدة اىل‬ ‫اللغة التجريدية واليت تعتمد على نقل االحساس والشعور‬ ‫والتجربة االنسانية ابأللفاظ بدل االعتماد على الدالالت واملعاين‬ ‫واالفادة الكالمية ‪ .‬وعلى كل حال ميكن السؤال ما الفرق بني‬ ‫نص متكون من ست كلمات يولد زمخا دالليا وفكراي وشعوراي‬ ‫معينا وقصيدة متكونة من كلمة واحدة تتجاوز يف زمخها الرمزي‬ ‫والفكري والشعوري ما كان لذلك النص املكون من ست كلمات‬ ‫‪ (.‬أنور املوسوي ‪. )2015‬‬ ‫يف الويكيبيداي ا ّن آرام سوراين ) ‪(Aram Saroyan‬‬ ‫الشاعر و الروائي االمريكي املولود سنة ‪ 1943‬قد ارتبط امسه‬ ‫ابعماله التقليلية الكاملة ‪ ،‬و عمله الشهري قصيدة الكلمة‬ ‫‪204‬‬


‫الواحدة‬

‫يف ‪ ، 1965‬و ايضا قصيدة‬

‫( ‪) lighght‬‬

‫احلرف الواحدة حبرف ( ‪ ) m‬املكتوب ابربعة ارجل ‪ .‬و اليت‬ ‫دخلت يف مقياس غيتيش‬

‫كأقصر قصيدة يف العامل‬

‫( ‪. ) Wikipedia‬‬ ‫تقول اين دايل يف خريف ‪ ، 1965‬كتب شاعر عمره ‪ 22‬عاما‬ ‫امسه ارام سوراين سبعة حروف لتكون اكثر قصيدة مثرية للجدل‬ ‫عرب التأريخ ‪.‬ان كلمة (‪ ) lighght‬ابخلطأ امالئيا امنا هي‬ ‫عنصر مشاهدة و ليس قراءة ‪ ،‬فال توجد عملية قراءة هنا (‬ ‫‪. ) Ian Daly 200‬‬ ‫ا قول ان فكرة التقليلية الكاملة حىت تصل احلرف الواحدة حمققة‬ ‫لغاايت التقليلية و منتهاها بال شك ‪ ،‬اال ان جتميع حروف او‬ ‫حرف من دون االحالة على معىن او احساس منقول و عدم‬ ‫االعتماد على الوظيفة اللغوية للفظة فاهنا خترج عن كوهنا عمال‬ ‫ادبيا ‪ ،‬و تصبح شيئا بصراي لوحة او حنو ذلك ‪ .‬مبعىن آخر ان‬ ‫ارام سورايم مل يكتب قصيدة و امنا عمال بصراي سواء يف عمله‬ ‫) ‪ ) lighght‬او احلرف ) ‪ ) m‬ابالربعة ارجل ‪ .‬و مثل‬ ‫ذلك ما كان من تلوين و تغيري اشكال احلروف او وضع الكلمة‬ ‫‪205‬‬


‫وسط لوحة او رسم كلها لوحات و ليست قصائد الهنا ليست‬ ‫أداب فاالدب حييل على معىن و احساس منقول و هذا خبالف‬ ‫تلك االعمال فاهنا تبدع و توجد االحساس و ال تنقله و تعتمد‬ ‫على امور بصرية و ليس وظيفة اللغة ‪.‬‬ ‫ان العمل اللغوي مهما بلغ من التجريد فانه بنقل اىل القارئ‬ ‫االحساس املرتبط ابللغة و الرتاكمات و التجربة االنسانية‬ ‫املرتبطة ابلكلمات ‪ .‬بل ال بد من ان تنقل الكلمة االحساس و‬ ‫التجربة االنسانية ‪ ،‬مبعىن آخر ال ميكن ان تكون الكلمة قصيدة‬ ‫اال ان تكون ذات معىن ومعتمدة على الوظيفة اللغوية و ليس‬ ‫شيء آخر من العوامل البصرية ‪ .‬و خري مثال على قصيدة‬ ‫الكلمة الواحدة هي قصيدة ديفد آر سالفت ‪David R‬‬ ‫) ‪( ) Slavitt‬بال ّأم) ‪.‬‬ ‫‪One word poem‬‬ ‫‪David R Slavitt‬‬ ‫‪Motherless‬‬

‫‪206‬‬


‫يف تعليق ملنشور الكادميية الشعر االمرييكة‬

‫(‬

‫(‬

‫‪Academy of American Poets‬‬ ‫على قصيدة ديفيد سالفت هذه تبني الزخم الشعوري و‬ ‫الداليل لكلمة ( بال ّأم) (( ان فقدان االم امر صعب ومأساوي‪،‬‬

‫ورمبا ان هذه الكلمة هي اكثر الكلمات حزان وتعاسة لدى‬ ‫الشاعر واراد ان ينقل االحاسيس هبا اىل القارئ‪poets ( .‬‬

‫‪ . ) org‬من هنا يكون ظاهرا اعتبار اعتماد وظيفة اللفظة‬ ‫اللغوي يف حتقيق ادبية الكلمة و حتقيق نظام القصيدة لكي يصح‬ ‫ان توصف اهنا قصيدة من كلمة واحدة ‪.‬‬

‫قصائد من كلمة واحدة‬ ‫‪00000000000000000‬‬ ‫‪207‬‬


‫كن‬

‫‪000000000000000000‬‬

‫جتريد‬

‫‪000000000000000000‬‬

‫نثروشعر‬

‫‪0000000000000000000000‬‬ ‫أوروك‬ ‫‪208‬‬


‫‪00000000000000000000000‬‬

‫حلظة‬

‫‪0000000000000000000‬‬

‫صوت‬

‫‪000000000000000000‬‬

‫جتل‬ ‫ٍّ‬

‫‪209‬‬


‫‪000000000000000‬‬

‫نصوص تقليلية يف العيد‬

‫)‪(1‬‬ ‫لقد رايته يف ثياب رثة ‪ ،‬ذلك العيد الذي سرقوا ابتسامته‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬ ‫‪210‬‬


‫تصافحين يد العيد ‪ ،‬اي لربودهتا الشاحبة ‪ ،‬لقد مهس يف أذين ‪:‬‬ ‫أال‬

‫ترى‬

‫يراق‬

‫دمي‬

‫يف‬

‫الساقية‬

‫؟‬

‫)‪(3‬‬ ‫كنت اعد النجوم كحامل اسطوري ‪ ،‬انتظر وجه العيد ‪ ،‬و حينما‬ ‫أتى ادهشتين مرارة بكائه ‪ ،‬ليتك كنت حاضرا فداحة أمله ‪ ،‬كان‬ ‫أسري‬

‫املأجورة‪.‬‬

‫اخلفافيش‬

‫)‪(4‬‬ ‫لقد اجلسوه يف بركة مظلمة ‪ ،‬مع الطحالب الرخيصة ‪ ،‬لكي اراه‬ ‫ال بد أن امر يف ذلك النفق املعتم ‪ ،‬مسكني هو العيد يف بلدي‪.‬‬

‫هايكو جتريدي‬

‫‪211‬‬


‫‪ -1‬النص االول‬

‫الشجرة يف ضياع‬ ‫تسري بقدم واحدة‬ ‫ابتسامات احلروب‬

‫‪ -2‬النص الثاين‬ ‫جراحي زهور‬ ‫دمعة جذابة للربيع‬ ‫انياب احلضارة‬

‫* اهلايكو معروف شكال و مضموان ‪ ،‬وهو من اقدم الكتاابت‬ ‫التقليلية ‪ ،‬بتكونه من سبعة عشر مقطعا ابلياابنية يف ثالث سطور‬

‫‪212‬‬


‫( مخسة ‪ ،‬سبعة ‪ ،‬مخسة) و أبلفاظ بسيطة و مأخوذة من الطبيعة‬ ‫تعبريا عن مشاعر عميقة ‪ .‬و من الواضح ان هكذا قصيدة‬ ‫منوذجية متعذرة عربيا الختالف طبيعة اللغة ‪ ،‬لذلك ميكن‬ ‫احملافظة على ثالثة اسطر قصرية مع كون السطر الوسط اطوهلا ‪،‬‬ ‫و اعتماد تصوير شعري مكثف و تقليلي ‪.‬‬ ‫* التجريدية يف التعبري و اللغة هو استعما اللغة يف نقل االحساس‬ ‫و الشعور و ليس احلكاية ‪ ،‬فتتخلى االلفاظ عن وظيفة نقل‬ ‫املعىن اىل نقل االحساس املصاحب له كمركز للتعبري ‪ ،‬فريى‬ ‫القارئ االحاسيس و املشاعر املنقولة اكثر مما يرى املعاين ‪.‬‬

‫‪213‬‬


‫( وجدانيات )‬ ‫* لغة تقليلية‬ ‫(‪)1‬‬ ‫( الدفء )‬ ‫احلياة فارغة من دون حرارة قلب ‪ ،‬فاذا علّمك أهلك الربود‬ ‫‪،‬فتعلم أنت الدفء ‪.‬‬

‫(‪)2‬‬ ‫( القصيدة )‬ ‫هتزك القصيدة ‪ ،‬فاعلم أنك أمام ورقة ميتة ‪ ،‬وال تصدق ما‬ ‫أذا مل ّ‬

‫يقال عنها ‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪214‬‬


‫( غربة)‬ ‫يئن ‪ ،‬و صوت حبجم الصباح ‪،‬لعدت اىل غربيت‬ ‫لوال قلب ّ‬ ‫استنشق ما تبقى من الرحيق ‪.‬‬

‫(‪)4‬‬ ‫( سر )‬ ‫لقد عربت حبور الصوت بقارب من ريح ‪ ،‬تطلعت اىل احلقل‬ ‫ساعة انشاده أغنياته ‪،‬‬ ‫حينها صافحتين ارواح ال اح ّدث هبا ‪،‬كم اان ممنت لذلك‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫(عجز )‬ ‫مزدمحة هي شالالت الصيف ‪ ،‬اهلمت اضلعي خفقة ال تنسى‬ ‫‪،‬رطمت راسي أبحجارها ‪ ،‬انين اشعر ابلعجز ‪،‬ملاذا ريح الصبا‬ ‫اكثر وداعة و سلما ؟‬ ‫‪215‬‬


‫(‪)6‬‬ ‫( العيد املهاجر)‬

‫اهلم ننتظرك ‪.‬‬ ‫حنن هنا جنلس حتت غيوم ّ‬ ‫لقد مللنا الشرب من اهنار احلزن ‪.‬‬ ‫هنا شعب مهجور ‪.‬‬ ‫اتوسل اليك ‪ ،‬كفاك هجرا ‪.‬‬ ‫اان ّ‬ ‫(‪)7‬‬ ‫( حزن )‬ ‫كيف يل ان افرح بك ‪ ،‬و دمائي متأل السواقي كشالالت‬ ‫اسطورية‬ ‫لقد جتلببت ثوب احلزن ‪ ،‬منذ ان رأيت عيون بلدي ابكية ‪.‬‬

‫‪216‬‬


‫(‪)8‬‬ ‫(فسيفسائية )‬ ‫وجد صواتً ‪ ،‬فصار هنرا ‪.‬‬ ‫وجد ضوء ‪ ،‬فصار زهرة ‪.‬‬ ‫وجد أمالً ‪ ،‬فصار حكاية ‪.‬‬

‫( وهم )‬ ‫أرض اجدادان الغوايل تلة كبرية جتر ضفائر الشمس بعنف ‪.‬‬ ‫‪217‬‬


‫تصبغ وجنيت احلقل ابلسواد‬ ‫مث جتلس فوق حبار محراء ‪ ،‬و بكل سكينة تقول ‪ :‬ان الرب قد‬ ‫اخربين بذلك‬ ‫اي للوهم الكبري ‪.‬‬

‫‪218‬‬


‫اجلزء الثالث‪ :‬قصائد ‪2016‬‬

‫التعبريية‬

‫العصافري‬

‫‪219‬‬


‫كل تلك الغيوم و الظلمة‪ ،‬و رغم إختفاء البساطة خلف‬ ‫رغم ّ‬

‫أحب لون السماء‪ ،‬و أحب فضاءها الرحب‬ ‫األفق‪ ،‬فأان ال ُ‬ ‫زلت ّ‬

‫الذي يشعرك أبنّك ورقة خفيفة حتملها الريح‪ .‬السماء رغم لوهنا‬ ‫املتقلّب تعشق األشياء البسيطة‪ ،‬تنحين و هبدوء لتمسح على‬ ‫أحب صوت العصافري عند الفجر‪ ،‬إهنّا‬ ‫رأس عصفور مبلّل‪ .‬أان ّ‬

‫تعطي السماء نكهة منعشة‪ ،‬و جتعلك ترى نفسك أكثر وضوحاً‪.‬‬ ‫هكذا أردت دوما أن أعيش ببساطة‪ ،‬كورقة يف هنر‪ ،‬أمشي يف‬ ‫أزقة مدينيت يداعب أعماقي النسيم‪ .‬لقد بدأت أشعر ابمللل‪،‬‬

‫الضوضاء تسرق كل شيء‪ ،‬اي للمدينة اخلراب‪ .‬العصافريُ قليلة‬ ‫هذه االايم يف حيّنا‪ .‬كنت أحاول أن أزرع شجرة من ذلك النوع‬

‫الذي يزهر يف الشتاء‪ ،‬لكي ال تشعر العصافري ابلغربة‪ ،‬و مبعىن‬

‫أدق كي ال أشعر أان ابلغربة فوطين صار لونه غريباً‪ .‬لقد أخربتين‬ ‫القوارب اهلاربة‪ ،‬كانت هتمس‬ ‫العصافري أهنا ملّت اجللوس منتظرة‬ ‫َ‬

‫مثلك اي‬ ‫يف أذين‪ :‬إ ّن الرتبة هنا صار لوهنا أمحر كشفاه نيسان‪ .‬أان َ‬ ‫بدأت أستع ّد لكل احتمال‪ .‬نعم‪ ،‬العصافري ال تكذب‪،‬‬ ‫صديقي‬ ‫ُ‬ ‫إهنّا خملوقات جليدية غريبة و صادقة‪ ،‬يشعرك نشيدها ابلوفاء‪.‬‬ ‫القصيدة ُكتبت ابسلوب السرد التعبريي أي السرد املمانع للسرد‬ ‫و الذي منه تنبثق الغنائية و الشعر‪.‬‬ ‫‪220‬‬


‫أرواح رماديَّةٌ‬ ‫ٌ‬

‫منذ نعومة أظفاري وأان أحبث عن وجهي الذي سرقته احلروب‪ .‬أان‬ ‫عاما‬ ‫ابن احلرب‪ ،‬عُجنت ذاكريت برقصاهتا القاسية‪ .‬منذ أربعني ً‬

‫املر‪ ،‬وال أعرف شيئًا عن شالّالت‬ ‫وأان ال أستنشق إالّ الدُّخان َّ‬ ‫مؤجلةٌ‪ ،‬ال أعرف شيئا عن‬ ‫اقي حيايت َّ‬ ‫(دهتيان)*‪ .‬أان رجل عر ٌّ‬ ‫ملونةً وال‬ ‫ثوب أحالمي قصريٌ‪ ،‬ال أريد قبَّعةً َّ‬ ‫ب‪ُ ،‬‬ ‫اجلمال واحلُ ّ‬ ‫السحاب اليت رأيتها‬ ‫ساعةً مذهَّبةً‪ ،‬وال أريد أن‬ ‫أسكن انطحات َّ‬ ‫َ‬ ‫يعود ماءُ الفرات‬ ‫على ساحل البحر يف مومباي‪ .‬ك ُّل ما أريده أن َ‬ ‫نقيًّا بال ٍ‬ ‫اببل املُ َّ‬ ‫هشمة‪ .‬وأن‬ ‫تغادر‬ ‫دماء وأن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫القذائف أضالع َ‬ ‫عسوقة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الصباح‪ .‬ليتك‬ ‫أعيش بني ُوَريْقات الباقالّء ك ُد‬ ‫اتئهة تغازل َّ‬ ‫َ‬ ‫شتاء‪ ،‬ختربُه َّأهنا بنت هذه‬ ‫تقف ابسقةً أمام جحيم ال ِّ‬ ‫رأيتَها وهي ُ‬ ‫ٍ‬ ‫وجهها وسط‬ ‫تنام يف احلقل بال وجه‪ ،‬لقد سرقوا َ‬ ‫االرض‪ .‬إهنّا مثلي ُ‬ ‫الظَّهرية‪َّ .‬‬ ‫ضا‪ ،‬غريبان أان وهي وسط عيون‬ ‫الباقالء إبنةُ احلرب أي ً‬ ‫َّ‬ ‫الرماد‪ ،‬فصران‬ ‫أرواحا رماديَّةً‬ ‫الظالم الوقحة‪ ،‬ال جيمعُنا سوى َّ‬ ‫ً‬

‫طائرة‪.‬‬

‫‪221‬‬


‫الصني وأكرب شالّل يف‬ ‫شالل دهتيان أحد أمجل ّ‬ ‫الشالالت يف ّ‬ ‫الصني واآلخر يف فيتنام‬ ‫شرق آسيا‪ ،‬يقع نصفه يف ّ‬

‫إشراقة‬ ‫البئر عامل غريب‪ ،‬اعتادت السكون‪ ،‬حىت مياهها تعلمت‬ ‫الصمت‪ ،‬رمبا لكي تتمكن من أن ترى روح األرض فالسكون هو‬ ‫املركبة اليت متتطيها األرواح يف رحالهتا النقية‪ .‬أنظر اىل هذه‬ ‫املدينة مبركباهتا الضوضائية و صخبها اجلنوين حتملنا اىل مكان‬ ‫‪222‬‬


‫بعيد و أعمى‪ ،‬كيف ميكننا ان نرى؟ كيف ميكننا االحبار عميقا؟‬ ‫ال يكفي ماء اجلداول ألن نتذكر‪ ،‬و ال اخلضرة النظرة‪ ،‬ال ب ّد من‬ ‫العتمة و السكون‪ .‬هناك فقط ‪ -‬حيث الشمس العميقة و‬ ‫حيث الصخب العميق‪ -‬تضيء الروح فتكون اشراقتها‪.‬‬

‫نيسان‬ ‫سأنتهي عند أبواب املساء سنبلة عطشى‪ ،‬أجوب الوداين حبثا عن‬ ‫حلم كسيح‪ .‬شجرة لوز أان و هبجة مسروقة لعيد من سراب‪.‬‬ ‫أحنين بوجه الصباحات صوات من ثلج‪ ،‬أع ّد قرابني العصور من‬ ‫أرواح قرييت الربيئة‪.‬‬ ‫هكذا أعود شجرة صفراء هتمس يف أذن نيسان بكل برود‪.‬‬ ‫األطفال يف نيسان طائرات ورقية فوق السطوح‪ ،‬و أطفال قرييت‬ ‫يتمددون جثثا رمادية تسقي دماؤهم األرض اجلحود‪ .‬أيتها‬ ‫النهارات ‪ ،‬أيتها االصداء‪ ،‬اقرتيب‪ ،‬اقرتيب‪ ،‬فهنا جرح حبجم أانشيد‬

‫‪223‬‬


‫صماء على ضفاف الفرات ال تعرف‬ ‫اجملرة‪ .‬ليتين كنت صخرة ّ‬ ‫ّ‬ ‫غري النسيم‪.‬‬

‫مزامري‬ ‫على أعتاب السكون جتلس أحالمي الشاحبة‪ ،‬تر ّدد أغنياهتا‬ ‫القدمية‪ .‬مزمارها السحري ختيط بظالله ثواب لألايم‪ .‬و أان ذلك‬ ‫الشبح األسطوري‪ ،‬أقف هناك فوق رأسها أنتظر هجوع شالالت‬ ‫املوت‪ .‬أان أرى الصخر و الشجر‪ ،‬و أرى ايضا غربة قاتلة‪.‬‬ ‫عيناي من بلّور أزرق يتناثر يف مساء مكسور اجلناح‪ .‬إنين‬ ‫غريب‪ ،‬صويت القادم من األقاصي‪ ،‬يزحف بني االدغال على‬ ‫حب ‪ .‬أتلفت كحمامة اتئهة ‪ ،‬ال‬ ‫ركبتيه ‪ .‬دماؤه تسيل هنراً من ّ‬ ‫شيء هنا سوى اخلواء ‪ .‬لقد رحلت الطيور ‪ ،‬و مزامري االجداد‬ ‫سرقها الظالم ‪ .‬أان ذلك العامل التائه بال رمحة ‪ ،‬جيويب فارغة و‬ ‫ذاكريت حقول من ضياع ‪.‬‬ ‫‪224‬‬


‫اهلدهد‬

‫الغبار ‪ .‬غبار‬ ‫معتم هو الصباح ‪ ،‬و حينما أم ّد يدي يصفع وجهها ُ‬

‫كل هذا اجلفاف و الشالالت‬ ‫ّ‬ ‫جاف كروح االنسان ‪ .‬أ ليس غريبا ّ‬ ‫هلا صوت يوقظ املوتى الذين غادروا املدينة منذ عقود ‪.‬‬

‫كل هذا اجلفاف ؟ و الطيور مصنوعة من األغنية ‪.‬‬ ‫أ ليس غريبا ّ‬

‫اهلدهد مل يعد ميرح يف حديقتنا ‪ ،‬لقد غادر اىل عامل أكثر دفء و‬

‫حناان ‪ .‬اننّا صحراويون ‪ ،‬قلوبنا من الرمل فكيف للهدهد العارف‬ ‫ان يسكن بيننا ‪.‬‬ ‫ا ّن أكثر ما يشغلين و سط هذا الركام من القتل و الدماء هم‬ ‫روادهم و لس لديهم عظم‬ ‫السحرة املساكني ‪ ،‬كيف سيبهرون ّ‬ ‫هدهد ؟ لكنّنا مجيعا مبهورون ابلسحرة اجلدد ‪ّ ،‬اهنم يبهروننا‬ ‫بصناعة املوت و سرقة النسيم ‪ ،‬و قتل كل ابتسامتنا و كل‬ ‫هدهد أييت بسالل احلقيقة من األراضي البعيدة ‪.‬‬

‫‪225‬‬


‫اخلندق‬

‫ما زلت أرتدي القبعة اليت أهدتين إايها الفصول القرمزية ‪ ،‬و ما‬ ‫التل ال أحلم بغري الشمس ‪ ،‬كفراشة بلل‬ ‫زلت أجلس وسط ّ‬ ‫تعلمت السري و أان أحبث عن‬ ‫جناحها املطر ‪ .‬هكذا أان ‪ ،‬منذ أن‬ ‫ُ‬

‫ٍ‬ ‫وجه لوطين ‪ ،‬لقد سرقوه مراراً ‪ ،‬كأنه ليس هلذا العامل من شغل‬

‫سوى صنع سالل ذهبية من دمي ‪ .‬إهنم أخالقيون جداً حىت أ ّن‬ ‫عيوهنم الواسعة ال ترى استغااثت النهر الربيء ‪ .‬أجل ّإهنم‬ ‫وطنيون جدا حىت أ ّن هذه االرض احلنون ال تعرف وجوههم ‪.‬‬ ‫يتلونون مع الفصول ‪ ،‬أال تتفق معي أ ّن االشياء تتغري ألواهنا من‬ ‫ّ‬ ‫حني ألخر ؟ اخلندق و اىل وقت ليس ببعيد كان حكاية مق ّدسة‬ ‫‪226‬‬


‫‪ ،‬و اليوم خندقهم يقطع أوصايل ‪ .‬أان أعرفهم ‪ ،‬ليس ألين عارف‬ ‫كبري ‪ ،‬و إ ّمنا أل ّن أمساءهم هبجة الربيع وأل ّن وجوههم ندية ‪ ،‬لكن‬ ‫املر الذي يفرحهم أ ّن خلف املرااي أصابع ابردة و خلف‬ ‫الشيء ّ‬

‫الزهور قلوب قاتلة ‪ ،‬أان أعرفهم بصدق ‪ ،‬فهذا دمي يسيل وسط‬

‫ابتساماهتم و عناوين أخبارهم الشيّقة ‪.‬‬

‫عيد غريب‬ ‫العيد شيء رقيق جداً‪ ،‬تعلّمناه كما تعلمنا محل حقائبنا‪ .‬إنّه انعم‬ ‫كبشرة حلم صيفي يصنع منّا فراشات للربيع ‪ .‬كم كنت سعيداً‬ ‫حينما رأيت قلبه الدافئ‪ .‬لقد أهبرتين شالالته الوحيدة‪ ،‬كانت‬ ‫هادئة كضفرية فتاة تلعب يف حديقة من الزهور البيضاء‪ .‬ذلك‬ ‫تلمسنا ك ّفيه الناعستني‪ ،‬إنّين أراه‬ ‫العيد الذي ممران به يوماً‪ ،‬و ّ‬

‫بوضوح وهو يزرع حقله حبكاايت بلّلت جبينها قطرات املطر‪.‬‬ ‫ذلك العيد القادم من مدن بعيدة‪ .‬لقد رأيته مبعطفه احلريري‬ ‫يتلفت وسط الشارع كرجل غريب‪ ،‬حييي ابئع الزهور‪ .‬يسيل يف‬ ‫‪227‬‬


‫أوردتنا كرسالة عشق‪ ،‬فيطري بنا اىل جزر من ثلج‪ .‬كم كنت وامهاً‬ ‫حينما ظننت أنّه إوزة مهاجرة‪.‬‬

‫قصيدة حب‬ ‫بقوة ‪ ،‬فأان اختصار كوين لعشق ال يعرف‬ ‫احلب ّ‬ ‫سأكتب عن ّ‬ ‫عين يف املسارات ‪ ،‬اي‬ ‫مكانه اال الفلكيون اجلدد ‪ .‬اهنم يبحثون ّ‬

‫للغرابة كيف ميكنهم رؤييت و أان كوكب جليدي قد ذوبته الرايح ؟‬

‫منذ ذلك احلني و أان أتالشى يف هنر من الدموع‪ ،‬كل ما أجيده أين‬ ‫أنزل كل يوم من ينابيع شديدة الربيق حنو واد ضبايب ال يعرف‬ ‫شيئا عن احلكاايت ‪ .‬رسائلي ال تُقرأ ‪ ،‬و سنيين شيء ال ميكن‬ ‫كل شيء هنا‬ ‫ّ‬ ‫تصوره‪ ،‬اهنّا جمرد ذكرى من زمن األضواء املطفأة ‪ّ ،‬‬

‫يدور كعجلة اتئهة‪ ،‬و أان تلك الشجرة الغريبة ‪ ،‬أقف هناك و‬

‫على رأسي اتج من شوق ‪ ،‬أتطلّع اىل الطريق عسى أن أتيتَ ولو‬

‫لكل هذا الشوق ‪ ،‬أبكي ألنين‬ ‫بشكل غيمة‪ .‬انين أبكي كل يوم ّ‬ ‫أتيه يف عاملك الفسيح‪ .‬إنين أبكي بقوة ألنين سعيد جداً بك‪.‬‬ ‫‪228‬‬


‫جندي‬ ‫أيتها النهارات ‪ ،‬أيتها الطيور احلاملة‪ ،‬إنتظري انتظري ‪ ،‬فهذا قليب‬ ‫مر‪ ،‬و عيناه بقااي‬ ‫ال زال يتعثّر فوق السفوح‪ ،‬قدماه من ثلج ّ‬ ‫حبثت طويالً يف‬ ‫صوت حناسي يبحث عن شيء من النسيم‪ .‬لقد ُ‬ ‫حبثت يف لوين الرمادي‪ ،‬و‬ ‫كل مكان تصل اليه أصابعي القصرية ‪ُ ،‬‬ ‫حبثت أيضا يف عروقي اخلفية فلم أجد صورةً جلندي‪ .‬رمبا أنين‬ ‫ُ‬ ‫ملوث ح ّد العمى‪ .‬ال ب ّد ان أعثر على نقائي لكي أرى صورة‬ ‫حر‪ .‬انين آسف‬ ‫ذلك اجلندي الذي أعرفه‪ ،‬الذي يتوق ملوت ّ‬ ‫االن فعال ‪ ،‬ألنين مل أمتكن من ذلك ‪ ،‬فأان أعلم ا ّن للحياة‬ ‫كل يوم‬ ‫ابتسامة ال ميكن رؤيتها اال هبذا املوت‪ .‬أان أقف هنا ّ‬ ‫كطائر اجلزر البعيدة‪ .‬أقف غريباً أصغي لذلك الصوت؛ صوت‬ ‫كل يوم عسى‬ ‫قليب‪ .‬أجل أان اقف هنا أنتظر عودة روحي النقية؛ ّ‬ ‫أن أموت كجندي‪.‬‬

‫‪229‬‬


‫البوليفونية‬

‫‪230‬‬


‫األعمى‬

‫أان من هناك‪ ،‬من مدن الثلج‪ ،‬مسافر رملي‪ ،‬يف قليب صوت ماء‪.‬‬ ‫أتعثّر يف حبور حريى‪ ،‬ال تسرتيح إال عند كل شاطئ ينشد أغنيات‬ ‫قصة‬ ‫قدمية‪ .‬أان جمرد ذكرى جاءتنا من جهة بعيدة ‪ ،‬حتكي لنا ّ‬

‫الغياب‪ .‬إهنّا ما زالت تعيش يف أوراق مرتبة‪ ،‬و ما زالت تنظر يف‬

‫املرأة بغرابة‪ .‬كانت دوماً تقول يل أ ّن اهلباء شيء غريب يومهنا‬ ‫ابحلقيقة‪ ،‬إال أننا حينما خنلد اىل النوم نراه بوضوح‪ ،‬و نواجهه‬ ‫وجها لوجه‪ ،‬فيحكي لنا قصصه الباردة‪ .‬أال ترى هذا املكان‬ ‫ضيّتني يضيق على أنفاسنا‪ ،‬يصنع منها طابوراً طويالً من‬ ‫بيديه الف ّ‬

‫صخور حتلم بطرقات ابهتة‪ .‬و هذا الزمان كم هو شاحب و ُح ّر ‪،‬‬ ‫يتطاير من دون رجعة‪ ،‬إنّه يقهقه ساخراً من عيوننا اجلاحظة ‪ .‬أان‬

‫لست وامهاً كبرياً‪ ،‬لكنين أشعر ابلعمى لذلك جتدين أدور يف الغابة‬ ‫كل زهرة فريدة ال يراه سوى األعمى‪ ،‬و كلّما عثرت‬ ‫أحبث عن ّ‬ ‫‪231‬‬


‫على واحدة تقول يل ‪ :‬اي رجل الرمل ؛ أحياان لكي ترى بوضوح‪،‬‬ ‫عليك أن تكون أعمى‪ .‬إنين أمسع صوهتا و أراها بقليب ألنين رجل‬ ‫أعمى‪.‬‬

‫* البوليفونية ‪ :‬هي تعدد األصوات يف النص فال يطغى صوت‬ ‫املؤلف بل تظهر اصوات اخرى كشخصيات و كياانت يف النص‬ ‫هلا صوت و ارادة و رؤية ‪.‬‬

‫بستان كشمريي‬ ‫أيها السعداء ‪ ،‬إ ّن الشعر أصابع ضوء ‪ ،‬ينزل يف املساء كفالح‬ ‫قدمي ‪ ،‬عيناه من الالزورد ‪ .‬لقد أخربين أن للشمس ضفريتني‬ ‫طويلتني ‪ ،‬خترج مع الفجر إىل بستان جدها العامر ‪ ،‬إنه و إىل‬ ‫حد كبري يشبه جنائن كشمري األ ّخاذة ‪ .‬هناك الوجوه صافية ‪،‬‬ ‫‪232‬‬


‫تذ ّكرين ابألسالف ‪ .‬التفاح أبيض براق كاللؤلؤ ‪ ،‬ليتك رأيته وهو‬ ‫يتدثر بفرش من حرير ‪ ،‬ليتك رأيت أهنارها الرقيقة لقد كانت‬ ‫انعمة كقلوب البصريني ‪.‬‬ ‫حر ال‬ ‫لقد أوصاين أن أترك السواحل األرجوانية ‪ ،‬فالبحر طائر ّ‬ ‫يعيش يف هذا العامل الذليل ‪ .‬كان يتكلم هبدوء ‪ ،‬و أان أصغي ‪ ،‬مث‬ ‫غلبين البكاء ‪ ،‬لقد أخربين أ ّن العراق شقيق الشمس ‪ ،‬كان خرباً‬ ‫غريباً و مدهشاً ‪ .‬أين إذن بساتني أجدادان الغوايل ؟ و أين‬ ‫جنائن كشمري العامرة ؟‬

‫التبادلية‬

‫ظل كسيح‬ ‫سردية تعبريية ؛ لغة تبادلية‬

‫‪233‬‬


‫دمي الرخيص ‪ -‬وريث وريقات اخلريف املغربة – يدور حول‬ ‫اب مظلم ‪ ،‬فصارت شبحاً من‬ ‫نفسه ّ‬ ‫كقربة قد سرق بيضاهتا سر ٌ‬

‫كل يوم ‪ ،‬ببدلته‬ ‫ذكرى ال تعرف النسيم ‪ .‬إنّه جيلس أمامي ّ‬ ‫الكاحلة وهو يتنفس الصعداء ‪ ،‬لقد أعيته األسفار البعيدة ‪ ،‬و‬

‫جاء أخرياً ليسرتيح ‪ .‬عجباً كيف لعيد قد خطفت األحزان هبجته‬ ‫أن يسرتيح ‪ .‬لقد أخرجوا روحه شعرة شعرة فصار ابهتا ‪ .‬مياه‬ ‫الظل الكسيح ‪،‬‬ ‫هنره العذبة شربتها العيون الوقحة ‪ .‬و أان ذلك ّ‬ ‫أقف وسط احلكاايت النديّة زجاجاً شاحباً ال تعرف يده الوفاء ‪.،‬‬ ‫ليتين عدت اىل قرييت قبل موسم احلصاد ‪ ،‬ليتين تعلمت شيئا من‬ ‫دفء هذي األرض ‪ .‬فهنا وسط هذا القلب صحراء ابردة و‬

‫ٍ‬ ‫كل يوم ‪ .‬أجل هذا أان‬ ‫صخور من اسفلت ‪ ،‬أُقتَ ُل أمام عينيها ّ‬ ‫القش كسياسي عظيم ال‬ ‫وجهٌ قامت للصبح ‪ ،‬أَخرج من كومة‬ ‫ّ‬ ‫احلب و اخلجل ‪ .‬كل ما أجيده االختباء‬ ‫أعرف شيئا عن أساطري ّ‬

‫ط أليف خلف أوهامي ‪ ،‬خلف ربيع سرقت الشيخوخة بشرته‬ ‫كق ّ‬ ‫النظرة ‪ .‬هذا هو عاملي لوحة فاخرة من اخليبات ‪ ،‬و مدينة كبرية‬ ‫من الوعود ‪ .‬يبدو أنين ال أرى األشياء كما جيب ‪ .‬مبعىن آخر‬ ‫يبدو أنين عي ٌد ابئس و أعمى ‪.‬‬

‫‪234‬‬


‫اللغة التبادلية هي حالة تداخل االصوات و الرؤى و االرادات ‪،‬‬ ‫فيتلبّس املتكلم حال االخر و وضعه و يتلبّس االخر حال‬ ‫املكتلم و تطلعاته ‪ ،‬و دائما تكون هناك قرائن و اشارات للمراد‬ ‫اجل ّدي و الفعلي من الوصف و الوضع ‪ .‬و هنا يف هذا النص (‬ ‫االعمى ) يتلبس املتكلم حاالت و اوضاع االخر من جمتمع و‬ ‫افراد و توجهات و ارادات عاملية ‪ .‬ان تداخل االحوال و‬ ‫االصوات ينطلق من فكرة ( وحدة العامل ) كنظام أتثري ‪ ،‬فأي‬ ‫ضرر او خلل او نقص يصيب اي جهة يف العامل فانه يصيب ابقي‬ ‫اجزاء اباثره و أتثرياهتا ‪ .‬و كل اذى يصيب شعبا من الشعوب‬ ‫فان مردوده السليب االين و املستقبلي سيصيب مجيع شعوب‬ ‫االرض ‪ ،‬و حالة اخلراب اليت تصيب الدول املستضعفة يف هذا‬ ‫الوضع العاملي الظامل فان له مردودا سلبيا على الدور اليت تعمل‬ ‫على ذلك ‪ .‬و من هنا و كما بينا يف مقالنا ( من االمن الثومي اىل‬ ‫االمن العاملي ) ابن من اخلطأ تصور حتقيق أمن او مكاسب‬ ‫للدول الكربى على حساب الدول الصغرية و قهرها حبجة األمن‬ ‫القومي ‪ ،‬و ال بد من التحول حنو فكرة األمن العاملي ال ّن سلب‬ ‫أمن أية دولة هو سلب ألمن غريها فال أمن أبدا مع االخالل‬

‫‪235‬‬


‫أبمن الدول االخرى ‪ ،‬بل ال ب ّد من السعي أن تكون مجيع دول‬ ‫األرض و شعوهبا على مستوى مقبول من األمن ‪.‬‬

‫و يف قصيدة ( البحث عن اوروك ) يف فصل ( العبارات ثالثية‬ ‫االبعاد ) لغة تبادلية ايضا ‪.‬‬

‫التجريدية‬

‫‪236‬‬


‫اللغة التجريدية ‪ :‬اهتمام أقل ابملعىن و اهتمام اكرب مباوراء‬ ‫املفردات من زخم شعوري فيبىن النص من وحدات شعورية و‬ ‫ليس معنوية‪.‬‬ ‫ التجريدية شعور عميق ابالشياء و احتاد هبا و ادراكها بشكل‬‫خمتلف و ايصال ذلك كله اىل املتلقي فال يرى سوى الشعور ‪.‬‬

‫مدينة الزهور *‬

‫أان ‪ ،‬تلك احلكاية العابرة ‪ .‬أتنفس وجه املاء و أحنين بكل حب‬ ‫حنو أرصفيت الباردة ‪ ،‬فالغربة شجرة قرمزية متأل ذاكرهتا األشباح ‪.‬‬ ‫حينما تتساقط أغنيتها على كتفي – يف تلك الصحراء املظلمة –‬ ‫مر ‪ ،‬و أن املدينة الزهرية اليت مررت هبا يوما‬ ‫أعلم أن الرمل رفيق ّ‬

‫صنعتها قلوب قرمزية ساحرة ‪ .‬أجل اي صديقي ‪ ،‬هكذا أجدين‬ ‫‪237‬‬


‫غارقا يف ضفاف ألواهنا الناعسة ‪ ،‬أتلفت بني أغصاهنا صبيا نزل‬ ‫كانت األصوات ابهتة تتخفى خلف‬

‫ابكرا مع املطر ‪.‬‬

‫الشجريات كعروس ريفية حتلم هبمجية املساء ‪ .‬ليتك رأيت‬ ‫البحار‬ ‫األغصان الندية و هي تتمايل حول الطرقات ‪ ،‬و ذلك ّ‬

‫اهلندي جيوب بنا العوامل البعيدة ‪ .‬أان ال أنسى ابتساماهتا الصاخبة‬

‫و حبات العنب الشفيفة ‪.‬‬ ‫* مدينة الزهور ‪ :‬مدينة طبيعية صغرية كلها زهور تقع يف مدينة‬ ‫أمحد‬

‫أابد‬

‫يف‬

‫اهلند‬

‫صحراء‬

‫‪238‬‬

‫زرهتا‬

‫عام‬

‫‪2007‬‬


‫الرمال الداكنة هلا وجه كوجه الغروب ‪ّ ،‬براق و أعمى ‪ .‬ختتبئ‬ ‫خلف أوهامها كفراشة بنيّة ال تعرف شيئا عن الشمس ‪ ،‬توّزع‬ ‫أزهار املوت يف الطرقات ‪ ،‬عسى أن يعثر عليها سيارة جدد ‪.‬‬

‫أجل أنين صحراء قدمية ‪ ،‬تركين أساليف وحيدا وسط حكاايت‬ ‫مرا للتائهني ‪ ،‬و أنفاسه‬ ‫الليل ‪ ،‬اهلواء اجلاف أصنع منه لبنا ّ‬ ‫الربونزية اصنع منها هنرا من عسل كاذب ‪.‬‬ ‫التل ‪ ،‬أردد اغنيات‬ ‫أجل ‪ ،‬هكذا أان ‪ ،‬رمال حنسة ‪ ،‬أجلس فوق ّ‬ ‫قدمية ‪ .‬مرحى مرحى جلسد ش ّفاف ليس له صوت و ال أسم ‪،‬‬

‫اّنه أان ‪ ،‬رجل عريب أنبت وسط الصحراء بروحي املاحلة ‪،‬‬ ‫قميصي ال وجه له ‪ .‬أان تلك الصحراء املقيتة الكارهة لنفسها ‪،‬‬ ‫أقدامي سافرت مع املساء كنخلة أختمتها رائحة الدماء ‪ ،‬و‬ ‫ابغت أحالمها املطر ‪ ،‬فهي جتلس يف الزاوية‬ ‫حيايت مهملة كقطّة ْ‬ ‫منذ قرون تنتظر الفجر اجلديد ‪.‬‬

‫‪239‬‬


‫الصيف‬

‫غريب جدا هذا املساء ‪ ،‬يتطاير كاحللم ‪ ،‬يرتدي قبعته النارية و‬ ‫يعلم فتيان قرييت عشق الشمس ‪ .‬اهنم ينزلون بسرعة مذهلة ‪ ،‬أان‬ ‫ال أكاد أراهم ‪ .‬اهنم أبناء الشمس ‪ ،‬و الشمس شيء ال ميكن‬ ‫رؤيته ‪ .‬اهنم بطعم الصيف ‪ ،‬و انت تعلم ؛ الصيف ال يعرف‬ ‫النوم ‪ .‬انه شيء جمنون ال استطيع ان اراه ‪ .‬صدقت االشياء‬ ‫اجملنونة يصعب رؤيتها ‪ .‬حينها كنت أعيش حرا يف واد تقطنه‬ ‫اشباح متطايرة ‪ .‬كنت شيئا قدميا ال أرى الكلمات امللتهبة ‪.‬‬ ‫االشياء امللتهبة أيضا يصعب رؤيتها ‪ .‬أنت ال ميكنك أن تتصور‬ ‫وهج ذلك الوادي ‪ .‬أشجاره صفراء كحلمي ‪ .‬كانت صفراء جدا‬ ‫لكنين أراها بقليب ‪ .‬أجل حلم االنسان واد ملتهب ال يعرف عنه‬ ‫العاشقون شيئا ‪ .‬انه كشرفات أوروك النحاسية ‪ ،‬اليت شيدها‬ ‫احلكماء السبعة ‪ .‬أجل حلمي قدمي كأوروك لكنه ابرد ال يشبه‬ ‫الصيف ‪.‬‬

‫‪240‬‬


‫أشجار‬

‫هذه املدينة اجلحود ‪ ،‬تتكلم ببطء ‪ ،‬ليس حياء أل ّن ثياهبا قصرية‬ ‫‪ ،‬بل أل ّن حقيبتها قد أثقلتها الدماء ‪ .‬منذ أن رأيتها و أان ال زلت‬ ‫الربيّة‪،‬‬ ‫أبكي مبرارة ‪ .‬أبكي على أشجاري الغالية ‪ ،‬فاان رجل من ّ‬ ‫أعرف صوت احليواانت لكنين لست نقيّا مثلها ‪ .‬فالدببة ليست‬

‫خشنة و ال بنيّة بل هي ابلوانت رقيقة و وردية ‪ ،‬و البومة ليست‬ ‫ضي ترى به احلقيقة ‪ ،‬ليتك‬ ‫عمياء و ال حنسة ‪ ،‬بل هلا قلب ف ّ‬

‫تعلم كم هي ودودة ‪ ،‬كانت حت ّدثين عن قصص األسالف ‪ .‬أان‬ ‫االن بال جذور‪ ،‬و ال مأوى ‪ .‬كنت أسكن يف كوخ دافئ فوق‬ ‫شجرة ‪ ،‬كنت أضحك يف الصباح ‪ ،‬و كنت كثرياً ما اجلس‬ ‫‪241‬‬


‫ابنشراح عند بركة ما عدت أتذ ّكر امسها ‪ ،‬فلقد صفعتين هذه‬ ‫املدينة بيديها القاسيتني و أنستين كل شيء مجيل ‪ .‬لقد نسيت‬ ‫لوين و صويت ‪ .‬أان اآلن رجل أخرس بال لون و بال صوت و ال‬ ‫حكاية ‪ .‬أان اآلن رجل حزين جداً ال أعرف شيئاً عن الربيع و ال‬ ‫أتذ ّكر أشجاري احلبيبة ‪.‬‬

‫شيء عدمي‬

‫الرباق حيتضن االوزات الناعسة‪ ،‬يذهب هبن اىل شالالت‬ ‫املاء ّ‬ ‫تفيض دفء‪ .‬هناك حيث تقف الصخور الناعمة كعذارى‬ ‫شتائية حتمل سالل فاكهة ملونة‪ .‬اذا اردت ان تراين يوما‬ ‫فستجدين شبحا اطري فوق اجنحة الفراشات امحل يف جييب هنرا و‬ ‫فالحا و اغناما بنية ‪ .‬انين صوت املاء حينما ينزل يف زوااي‬

‫‪242‬‬


‫ااملدينة يطرق ابواب االحالم‪ ،‬فتشرق اضواء الشبابيك يف ليلة‬ ‫شتائية كأهنا عيد منسي قد عاد اىل بيته قبل املساء‪ .‬هكذا اان ‪،‬‬ ‫عاشق قدمي اجتمد يف بركة االنتظار‪ ،‬و بكل هبجة استقي من‬ ‫مائها كل حكاية تبعثرين يف الفضاء شبحا عذاب ال يرى‪ .‬هكذا اان‬ ‫ال أرى نفسي و ال اعرف مكاهنا ‪ ،‬و كل ما اتذكره اين اشعر‬ ‫ابلوان غريبة حتتضنين بكل حب ‪ ،‬لذلك فاان شيء ال ميوت ‪.‬‬ ‫اذا اردت ان تعثر علي فستجدين عند كل حلظة آسرة و عند‬ ‫صوت املاء و عند الشبابيك املضاءة و عند كل صخرة مترح‬ ‫قرهبا اغنام فالح قدمي ‪ ،‬و ايضا احبث عين عند ضحكات اطفال‬ ‫يلعبون يف الساقية‪ .‬ألين و بكل بساطة شيء عدمي‪.‬‬

‫رجل رملي‬

‫بشريت جافة كوجه اخلريف‪ ،‬ليس بسبب حرارة الصيف‪ ،‬و امنا‬ ‫أمر على‬ ‫ألنين فقدت آخر قطرة ماء من جسدي‪ .‬فأنين كل يوم ّ‬ ‫‪243‬‬


‫ابئع احلزن فأتربع اليه مبا لدي من دموع‪ .‬و أيضا هناك أسباب‬ ‫عثرت‬ ‫لكل هذا اجلفاف يف روحي؛ أمهها أنين شيء غريب‬ ‫ْ‬ ‫أخرى ّ‬

‫كنت‬ ‫عليه االايم مستلقياً فوق جزيرة خاسرة قد هجرها أهلها‪ُ .‬‬ ‫حينها كومة رمل‪ .‬و ليس هذا هو الشيء الغريب فعال‪ ،‬بل‬ ‫الغريب أنين حينها كنت أستطيع احلركة و مل أعلم أنين رجل‬ ‫رملي‪ ،‬لكن األن و أان أتكلم اليك؛ أشعر أين رجل من رمل ال‬ ‫أي شيء‪ .‬و أشعر أنين جاف جدا و مصنوع من املوت‪.‬‬ ‫أجيد ّ‬ ‫ضية‪ .‬إهنا ال‬ ‫أترى تلك السعادة‪ ،‬إهنا تلمع كلؤلؤة يف خيمة ف ّ‬ ‫رحل به املوت عن مدن اخلراب‪ ،‬لذلك فقليب‬ ‫ترضى اال بقلب َ‬ ‫هذا مليء ابلسعادة؛ و ذلك ألنين رجل ميت يتحدث إليك ‪.‬‬

‫‪244‬‬


‫شتاء‬ ‫(عمل جتليايت )*‬ ‫بقوة و كأنّه‬ ‫إنّه ف ّ‬ ‫ضي كحلمي ‪ ،‬هذا الشتاء الذي ُ‬ ‫بدأت أشعر به ّ‬ ‫غرقت أخرياً يف هنر انعم مصنوع من‬ ‫قصيدة هادئة‪ .‬رمبا ألنين‬ ‫ُ‬ ‫عثرت على حقل رطب يف زوااي‬ ‫ألوان ساحرة ‪ .‬و رمبا ألنين‬ ‫ُ‬ ‫حلمه املسائي فتيان حفاة مصنوعون من النسيم ‪ ،‬يتقافزون فوق‬ ‫أيت الغروب‬ ‫احلشائش كسناجب‬ ‫تتلفت بني االغصان ‪ .‬ليتك ر َ‬ ‫ُ‬ ‫يف عيوهنم البامسة‪ ،‬كانت تنشد أغنية شفافة كتلميذة ذهب هبا‬ ‫كنت حينها ورقة خضراء بلّلها‬ ‫الصباح اىل مدرستها القريبة‪ُ .‬‬ ‫املطر‪.‬‬

‫النص حماولة يف النص التجليايت وهو من ( الفن‬ ‫* هذا‬ ‫ّ‬ ‫التجليايت ) الذي حتدثت عنه قدميا (مقاالت يف فن التجلي يف‬ ‫موق ع كتاابت انور غين املوسوي ) ‪ ،‬وهو العمل العابر ملواد‬ ‫الفنون فيختلط الرسم ابملوسيقى ابلكتابة ابلسينما ‪ ،‬حيث‬ ‫‪245‬‬


‫يتشكل العمل يف حقيقة األمر من عناصر غري مادية ‪ ،‬بل من‬ ‫وحدات مجالية و شعورية ‪ ،‬و تكون االفكار و املعاين يف الكتابة‬ ‫مثال وسائط و وسائل البراز تلك املكوانت غري اللغوية املتجلية ‪.‬‬ ‫و يعتمد صدق النص على مقدار جتلي تلك العناصر االحساسية‬ ‫و اجلمالية و طغياهنا و استحواذها على املكان بدال من املعاين و‬ ‫االفكار فتكون االفكار و املعاين امورا اثنوية و هامشية ألجل‬ ‫جتلي تلك املكوانت وهو من فن التجريد كما ال خيفى ‪ .‬و لقد‬ ‫كانت لنا حماوالت يف هذا الصدد منها قصيدة ( الواحة ) ‪ ،‬اال‬ ‫انين أرى أ ّن هذا العمل هو انضجها من حيث جتلّي العناصر‬ ‫الشعورية و اجلمالية و طغياهنا و استحواذها على املكان و على‬ ‫القارئ ‪ .‬و تكمن صعوبة املعرفة بتحقيق العمل التجليايت لغاايته‬ ‫هو احلاجة اىل احليادية التامة يف القراءة من قبل املؤلف ‪ ،‬أي ان‬ ‫يتجرد املؤلف عن موقع مؤلفيته و يكون يف مقع القارئ الغريب‬ ‫عن النص ‪ ،‬وهذا عمل صعب ‪ ،‬و لرمبا يكون االستقراء طريقا‬ ‫آخر الختبار هذا العمل و جديته اال انه وسيلة غري متيسرة و‬ ‫غري حيادية يف هذا الزمن ‪.‬‬

‫‪246‬‬


‫التجلياتية‬ ‫صباح شتوي‬ ‫( التجلياتية )‬

‫صباح شتوي‬

‫‪247‬‬


‫انين و ابعتباري تلميذا مبتدائ أخرج كالعادة اىل بستان ج ّدي‬ ‫كحكاية مبللة‪ ،‬اال انين اآلن اصبحت رقيقا جدا كقشرة بصل‪،‬‬ ‫حىت أنين أستطيع رؤية تلك السمكة النائمة يف قاع حميط غريب‪،‬‬ ‫لقد صرت شفافا ال ميكن ألحد رؤييت‪ ،‬حىت أان وهذا شيء‬ ‫غريب لكنه دافئ‪ .‬أجل الدفء شيء مبهج‪ ،‬يذكرين يف هذا‬ ‫الصباح الشتوي مبفاصلي اليت تغين لعصفور أكاد أرى روحه‬ ‫تعلمت صوهتا يف الفرتة‬ ‫الشفافة بوضوح‪ .‬اهنا تشبه رحيا قد‬ ‫ُ‬ ‫االخرية‪ .‬انه شيء ساحر و كل ما ميكنين أن أخربك به أهنا مشرقة‬ ‫و ّبراقة تلمع كزهرة نرجس خرجت ّتواً من بركة انعسة‪ .‬أجل‬ ‫الربكة ليست مثلي ‪ ،‬اهنا مدللة ال تصحو ابكراً‪ ،‬لكنين أشعر هبا‬ ‫بقوة‪ .‬ماؤها شيء الذع كمرآة قدمية ال تكذب‪ ،‬انه ميزق بشريت‬ ‫مرا‪ ،‬ألنه و ببساطة‬ ‫اىل مدن صامتة‪ ،‬يزرعين يف الطرقات صقيعاً ّ‬

‫كعيين‪ ،‬لذلك – و ألنين تلميذ مبتدئ‪ -‬فكل ما يصلك مين‬ ‫ابرد ّ‬ ‫هو بقااي صوت يتعثر‪.‬‬

‫• الكتابة التجلياتية من الكتابة التجريبية اليت ليس هلا مرجعيات‬ ‫فلسفية واضحة ‪ ،‬لكن ما ادركه منها ان كل شيء يطلب‬ ‫‪248‬‬


‫التجلي‪ ،‬برغبته ابحلضور و التأثري ‪ ،‬فكل ما يف الكون يرغب يف‬ ‫احلضور و التأثري‪ ،‬و ميكن ان نقول ان هذه الغريزة املشرتكة بني‬ ‫مجيع املوجودات ‪ .‬لذلك فاللحظة الزمنية من وجودان هي حالة‬ ‫جتل لعدد ال متناه من االشياء ‪ ،‬و هذا هو سبب ثراء حلظات‬ ‫حياتنا البسيطة‪ .‬ال حيتاج االنسان اال اىل االصغاء للموجودات و‬ ‫ان ينتبه اىل كل شيء حوله يف كل حلظة‪ .‬هذا لشعور القوي‬ ‫ابالشياء يساعد كثريا على ادراك رغبة االشياء ابلتجلي او ادراك‬ ‫التجلي الفعلي ‪ .‬و من هنا ففي حالة الكتابة التجلياتية تتجه‬ ‫النفس او الكاتب اىل عامل اعمق من الشعور و االحساس ‪ ،‬انه‬ ‫يتجه اىل عامل الروح املليء ابلعالقات و احلقائق الالواعية و‬ ‫املعقدة ‪ .‬ان التجلياتية انعتاق كامل من سلطة الوعي و النفعية و‬ ‫التوصيلية‪ ،‬و احبار عميق جدا يف عامل اكثر حقيقية و اكثر نقاء‬ ‫اال انه اكثر تعقيدا و اقل وضوحا ‪ .‬و ألجل حتقيق الكتابة‬ ‫التجلياتية ال بد من توفري لغة و كتابة مناسبة هلا تتوافق مع البعد‬ ‫العميق املتجاوز للوعي ‪ .‬ان مجالية التجلياتية تكمن يف اهنا‬ ‫تتجاوز حالة افتعال اخليال و اجملاز‪ .‬و امنا هي تتكلم عن امور‬ ‫حقيقية اال انه ال ميكن الكالم عنها اال بلغة خيالية و جمازية‪ .‬فاذا‬ ‫كانت التعبريية شعورا ابلذات و التجريدية شعورا ابللغة مع فناء‬ ‫‪249‬‬


‫الذات‪ ،‬فان التجلياتية شعور ابالشياء و فناء للذات و اللغة‪ .‬و‬ ‫اذا مل ترتجم التجربة التجلياتية بلغة جتريدية فاهنا ستصبح تصوفا‬ ‫وهو وان كان شيئا متميزا اال انه ال يكون شيئا جديدا ككتابة‬ ‫فنية‪ .‬و ألن الكتابة هي انعكاس امني و صادق لالفكار فال بد‬ ‫من ادراك البعد التجليايت للغة كما يدرك البعد التجليايت لالفكار‬ ‫و هنا تكمن صعوبة التجلياتية ‪ ،‬الن توارد االفكارو انيثاهلا و‬ ‫هذاينية وسرايلية الكتابة ليس امرا صعبا ‪ ،‬امنا تكمن الصعوبة يف‬ ‫اللغة اليت جيب ان تكتب هبا فمن جهة احملاكاة الصادقة لعامل‬ ‫الروح فان عمق الروح و خفائها حيتاج اىل ادراك خاص‪ ،‬و من‬ ‫جهة اكتشاف البعد التجليايت للغة فان اللغة التجلياتية اكثر‬ ‫تعقيدا من الرمزية و اجملازية و هذا هو االمر الصعب لقلة التجربة‬ ‫فيه النه يتطلب احتاد وعي الكاتب مع وعي املوجودات و على‬ ‫قدر ذلك االحتاد ميكن التعبري عن رغبتها يف احلضور و الفاعلية‬ ‫وهو معين التجلي‪ .‬و تكمن امهية التجلياتية اهنا جتعل االنسان‬ ‫يدرك ثراء اللحظة الوجودية وهذا مصدر اهلام ال متناه للكاتب‬ ‫بسبب ال تناهي املوجودات اىل تتجلى او ترغب ان تتجلى يف‬ ‫تلك اللحظة الزمنية‪ .‬حبيث ميكن الكتابة عن اللحظة الواحدة‬ ‫بشكل ال متناه حسب قوة االدراك ابالشياء املتجلية او اليت‬ ‫‪250‬‬


‫ترغب يف التجلي يف تلك اللحظة ‪,‬كما ان هذا الشعور التجليايت‬ ‫حيقق السالم الداخلي لالنسان و السالم مع املوجودات ‪.‬‬ ‫درجات الكتابة‬ ‫التعبريية شعور ابالشياء و اللغة و الذات‬ ‫التجريدية شعور ابالشياء و اللغة و فناء الذات‬ ‫التجلياتية شعور ابالشياء و فناء للغة و الذات‬

‫املستقلبية‬

‫مسكة‬ ‫قصيدة نثر مستقبلية *‬

‫‪251‬‬


‫أظنين رأيت آاثرها الضبابية ‪ ،‬تلك السمكة القابعة يف القاع‬ ‫املظلم ‪ ،‬تتظاهر ابلقانعة الكاملة يف عامل صامت ‪ .‬إهنا كشعيب‬ ‫اجلريح ‪ ،‬جيري يف عروقها نسيم الفالحني و أتسر أفكارها مهجية‬ ‫حيل الغروب‬ ‫الربابرة السوداء ‪ .‬خترج ابكراً لتصطاد حلماً ‪ ،‬فال ّ‬ ‫ت الكلمات‬ ‫إال و حبة القمح تشاور ألرضها من بعيد ‪ .‬لقد نسيَ ْ‬

‫اجملرة ‪ ،‬و حينما‬ ‫و نسيَ ْ‬ ‫ت ثوهبا البهيج ‪ .‬يف رئتيها تتجمع أحالم ّ‬

‫احلب تتورد وجنتاها و تتقلب وسط مياه البحر فرتى‬ ‫ترتعش من ّ‬

‫شيئا من شبح الشمس ‪ ،‬و أان تلك القضبان الوامهة ‪ ،‬أحتطّم‬ ‫رث تلتهمه الرايح ‪ .‬هناك تتنفس وجه‬ ‫حتت قدميها كشراع ّ‬ ‫النهار و يلتمع قلب املاء فريتدي حلته الرباقة ‪ ،‬اي لعينيه‬ ‫الزرقاوين ‪ .‬إنين أراها حتكي لنا زمن الظالم الغابر ‪ ،‬و خترج من‬ ‫متاهات العتمة بصوت يتألأل ‪ .‬أجل اي صديقي إهنا تلك السمكة‬ ‫اليت تتبخرت فوق سطح البحر كعروس هندية رائعة األلوان ‪.‬إهنا‬ ‫هي فعالً ‪ ،‬تتقافز فوق املاء كفرحة عيد غارقة يف فرش النور ‪.‬‬ ‫املستقبلية مذهب فين يعتمد احلركة الواضحة و الشديدة داخل‬ ‫العمل الفين و ميكن جتسيدها كتابيا خبلق زمن و أتريخ داخل‬ ‫النص و تنقالت ظاهرة فيه ‪ ،‬و لقد كان الشاعر القدير عادل‬ ‫قاسم قد سبق وكتب هبذا االسلوب نصه ( سالمل البحر ) ‪ .‬يف‬ ‫‪252‬‬


‫قصيدة ( السمكة ) نرى مستوايت واضحة من القاموسية‬ ‫املفرداتية و الرتاكيب و الرؤية ‪ ،‬فمن القاع املظلم و الظن و‬ ‫البؤس اىل شيء من الشمس و تنفس احلرية و النهار و تشكل‬ ‫الصوت مث اىل كمال النور و احلياة املزدهية و التأللؤ ‪ .‬كما ان‬ ‫اللغة التبادلية حاضرة يف عبارة (و أان تلك القضبان الوامهة ‪،‬‬ ‫رث) فاهنا وان كانت بلسان امل ْتكلم‬ ‫أحتطم حتت قدميها كشراع ّ‬ ‫اال اهنا وصف للمجتمع و العامل ‪.‬‬ ‫رجل ميت‬ ‫قصيدة مستقبلية *‪.‬‬

‫أان لست شالال عظيما و ال ورقة ربيعية ‪ ،‬بل أان رجل ميت‬ ‫أزحف على األرض الشاحبة كنهر ثقيل و أتفجر بال رمحة كربكان‬ ‫مر يوما بسواحل‬ ‫كل شارع قد ّ‬ ‫صاخب ‪ .‬على ظهري أمحل ّ‬ ‫مومباي ‪ .‬من روحي الباهتة تعلّم البحر م ّده اجلامح ‪ .‬هكذا أان‬ ‫منذ أن عرفت املوت و أان أطري بال اجنحة ؛ يف جييب قطارات‬ ‫تشع كثياب الصينيني امللونة ‪.‬أنت‬ ‫غريبة‪ .‬اهنا تتلوى كاعصار ‪ ،‬و ّ‬ ‫‪253‬‬


‫ال ميكنك أن ترى وجهها املبهر ‪ ،‬ألنك لست ميتا مثلي ‪ .‬اهنا‬ ‫ترتاقص على البحر ‪ ،‬و تغطي و جهه ابلواهنا الساحرة ‪ .‬أان أراها‬ ‫كل يوم و أمسع شدوها ‪ ،‬ألنين رجل ميت ‪.‬‬

‫* املستقبلية هي جتسيد احلركة يف العمل الفين و املستقبلية يف‬ ‫الكتابة هو جتلي حركة املكوانت النصية داخله ‪.‬‬

‫الفسيفسائية‬

‫( أمل ابرد )‬ ‫إنين أقف هناك ‪ -‬حتت الزمن ‪ -‬أرتطم بكل صخرة على جانيب‬ ‫الطريق ‪ .‬حيايت مشس داكنة ‪ ،‬أتعب ركبتيها اخلواء ‪ ،‬و مألت‬ ‫جبينها جراحات ابردة ‪ .‬تنتظرين املرااي املهشمة ‪ ،‬تنثر جسدي‬ ‫يف الفضاء الرحب حرواب مقدسة ترتاقص سيقاهنا فوق عواصمي‬ ‫‪254‬‬


‫كأغصان الذرة الندية ‪ .‬هكذا أتساقط شالالً سندسياً ال جييد‬ ‫مت‬ ‫البكاء ‪ .‬أتالشى يف حنيين كمسافر من ثلج ‪ ،‬قد ه ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫أضالعه حكاايت العابرين‪.‬‬ ‫أجل هذا أان حلم أرض حنون ‪ ،‬حينما أحيا بكل عنف و حينما‬ ‫أغرق يف أملي ح ّد النخاع تلتهمين الظهرية القاسية ‪ ،‬و أعلم‬ ‫حينها أ ّن األرض احلبيبة تذرف دمعاً ابهتاً بلون الغروب ‪.‬‬

‫الفسيفسائية هي ان تتلون العبارة يف جانب منها بلون متقارب و‬ ‫يكون بينها مشرتك واضح غري الوحدة املوضوعية‬

‫تشرتك به‬

‫عرضيا افقيا و ليس طوليا و عموداي ‪ .‬فتكون كل عبارة مرآة‬ ‫لغريها يف النص ‪ ،‬و قد تكون تلك املرآتية معنوية فيكون لدينا‬ ‫تناص داخلي وهذه هي ( الفسيفسائية املعنوية )‪ ،‬و قد تكون‬ ‫شعورية فيكون لدينا بناء فسيفسائي شعوري وراء النص حيس و‬ ‫ينعكس بواسطة العبارات لكن ليس ابملعىن بل ابلزخم الشعوري‬ ‫وهذه هي ( الفسيفسائية التجريدية ) ‪ ،‬و قد تكون الفسيفسائية‬ ‫و املرآتية ابمور اخرى كأن تكون ابلفكرة و الرؤية فتكون لدينا (‬ ‫فسيفسائية تعبريية ) او تكون ابالسلوب فتكون لدينا (‬ ‫‪255‬‬


‫فسيفسائية اسلوبية ) و قد تكون املرآتية و االشرتاك ابلتأثريية‬ ‫اجلمالية و االهبارية فتكون لدينا ( فسيفسائية مجالية أتثريية )‬

‫إرث‬ ‫اي للخيبة ‪ ،‬بعد كل ذلك الدفء الذي غمرتين به شالالت‬ ‫كسيح للحرب ‪ .‬أان ؛ وريث‬ ‫الضوء ‪ ،‬ال أجدين سوى ظل‬ ‫ٍ‬ ‫الضحكات اخلضراء ‪ ،‬هذا قليب أنظر اليه ‪ ،‬هل ترى فيه شيئا‬ ‫سوى اجلفاف ؟ هذا أنيين خيرتقين كأقدام الغزاة اليت رمست وجهي‬ ‫الصدئ ‪ .‬أان تلك اجلثّة اليت تعصف هبا محى املوت‪ ،‬أستلقي‬ ‫غريباً وسط الطرق احلافية‪ ،‬ال يعرفين سوى الربد ‪ .‬روحي املظلمة‬ ‫صنعت‬ ‫ال أرى منها سوى هذا األنني ‪ ،‬ثيايب ّ‬ ‫مزقتها احلكاايت ‪َ ،‬‬

‫منها قيداً راثًّ يكبّل جزري الضائعة ‪ .‬هذا أان كتلة ميتة ال أحلم‬ ‫بشيء ‪ .‬أساليف أورثوين اجلنون ‪ .‬إنين ‪ -‬و بفضلهم ‪ -‬كومة بقااي‬

‫مظلمة‪ ،‬ميتطيين شبحها حصاانً أعمى ال أجيد سوى االرتطام‬ ‫بكل خنلة يسيل من مثراهتا عسل من نسيم ‪ .‬و أان ال أرى كل‬ ‫ّ‬ ‫‪256‬‬


‫ذلك البهاء ‪ ،‬ال أرى سوى حجر يدمي قدمي و جذع ٍ‬ ‫يشج‬ ‫قاس ّ‬ ‫رأسي‪ ،‬و حكاايت أجدادي الذين أخربوين مبا رأوا حينما غطّسوا‬ ‫رؤوسهم يف مياه كدرة ‪.‬‬

‫احلرة‬ ‫الكتابة ّ‬

‫االنشودة احلمراء ‪.‬‬

‫شط شعر‬ ‫املر بيديها الشفيفتني‪ .‬مت ّ‬ ‫لقد رأيتُها‪ ،‬وهي هت ّ‬ ‫شم الزمن ّ‬ ‫الفجر‪ ،‬و تضع قبلتها املضيئة فوق جباه السائرين‪ .‬من هناك من‬ ‫كربالء تشرق قطارات الندى‪ ،‬حتيي االرض املوات‪ .‬انين أرى‬ ‫زلت أتلفت‬ ‫ظالهلا تش ّق قلب الزمن الرخامي‪ ،‬تصنع منه أمال ال ُ‬ ‫مبهورا على راحتيه‪ .‬أجل هكذا أتعلّم األنشودة احلمراء‪ ،‬و هكذا‬ ‫‪257‬‬


‫كل زهرة ال تعرف‬ ‫تبتسم السماء لعاشقيها‪ ،‬تنثر فوق رؤوسهم ّ‬ ‫الذبول‪ .‬و أنت فوق سحاب القلوب اي سيّد احلريّة احلمراء اي‬

‫حسني‪ ،‬يشرق يف جنانك العاشقون كشجريات نديّة يلثم شفاهها‬

‫الصباح‪ .‬و بني كفيك ختتفي النجوم كصوت جليدي نزل ذات‬

‫يوم مع املطر‪.‬‬

‫الزهراء‬

‫منذ زمن بعيد و أان أنظم بل ّ​ّورات احلقيقة ‪ ،‬أصنع منها قالدة‬ ‫لإلنسانية ‪ .‬منذ زمن بعيد وأان أنشد تراتيل مساء صافية ‪ ،‬منذ زمن‬ ‫بعيد و أان نداء غريب و حلن غريب ‪.‬‬

‫‪258‬‬


‫حينها كانت زنبقةُ نور‪ ،‬و بسمة تنعش قلب الرمحة ‪ ،‬من عبق‬ ‫بتول ‪ ،‬مألت واحات املعرفة بضياء‬ ‫الفردوس طينتها ‪ ،‬زهراءٌ ٌ‬ ‫ضي غفت‬ ‫أ ّخاذ و أنشودة مطر ‪ .‬علياء ‪ ،‬حتت كسائها الف ّ‬ ‫الطيين ‪ ،‬تناثرت أسارير اخلليقة‬ ‫أسرار امللكوت ‪ ،‬و يف زوااي بيتها‬ ‫ّ‬

‫‪ .‬لقد رأيت البيت الطيين ‪ ،‬رأيته ذات مرة ببئره اليت تسقي‬

‫عطاشى احلقيقة ‪ ،‬كانت أحجاره من ايقوت جملّلة ابألنوار و‬ ‫السالم الكبري‪.‬‬ ‫أشم عبق‬ ‫ليتين كنت حبّة شعري حتت رحى ذلك البيت ‪ّ ،‬‬ ‫تتطهر روحي من‬ ‫القلوب املعلّقة ابلسماء السابعة ‪ ،‬عسى أن ّ‬ ‫الصدأ و املَُّرير ‪ .‬ليتين كنت طحينا يف كسرة خبز مألت عامل‬ ‫السائل و احملروم ‪ ،‬ثالثة أايم إختصرت أتريخ الكون ‪ ،‬ثالثة أايم‬ ‫فاضت ابلالهناية ‪ ،‬بفضاء عريض ‪.‬‬ ‫اي سيدة الكونني ‪ ،‬اي سيدة الرمحة الكبرية ‪ ،‬من ك ّفيك الكرميتني‬ ‫يولد الضياء ‪ ،‬و من وصاايك العليّة كانت ألف قصيدة نور ‪ ،‬و‬ ‫ألف ألف نداء‪.‬اي سيدة الينابيع الغارقة يف الضوء و النهارات‬ ‫العظيمة ‪ ،‬حنوك تتجه أانشيد الع ّفة و احلياء الرفيع ‪ ،‬و من‬ ‫خلف حجاابت الوقار ‪ ،‬كانت مشس تنري الطريق ‪ .‬من تلك‬ ‫‪259‬‬


‫الفواحة و‬ ‫الكوة من ذلك البيت الطيين ‪ ،‬خرجت الرايحني ّ‬ ‫ّ‬ ‫أرواح املعرفة البيضاء ‪ .‬كان عمر الكون مثانية عشر ربيعا ‪،‬‬ ‫يفيض ابلنور ‪ ،‬مثانية عشر ربيعا صمدت حكاايت احلقيقة فوق‬ ‫سطح األرض الكؤود قبل أن تغتاهلا أيدي اخلراب ‪ ،‬مثانية عشر‬ ‫كنت أنت ‪ ،‬و ليس غريك أيتها الروح املقدسة ‪.‬‬ ‫أعين‬ ‫ليتها رأتك عبون الزمن الناعسة ‪ ،‬أه أيّها النقاء الكبري ‪ّ ،‬‬ ‫ميرغ وجهي غبار‬ ‫عسى أن أكون حجارة على جانيب الطريق ‪ّ ،‬‬ ‫أقدام خيول املركبات الرفيعة ‪ ،‬علّين أحيا اىل زمن االنتظار‪ ،‬و‬ ‫لو كنبة صحراوية ايبسة تتنفس وهج احلقيقة و تنعم بنور‬ ‫متر يب‬ ‫الشموس البهية ‪ .‬هنا حيث القالع الفياضة ابألسارير ‪ّ ،‬‬ ‫ط‬ ‫الرباقة على أجنحة املالئكة ‪ ،‬لقد رأيتها حت ّ‬ ‫ضحكات الغد ّ‬

‫اي ‪،‬‬ ‫كاللقالق الكبرية ‪ ،‬تتم ّدد بني الفراتني ‪ ،‬على جبل آذر ّ‬ ‫يفيض ابخلضرة ‪ ،‬حيث الشجرة الزيتونية ‪ ،‬مشكا ة الصباح‬ ‫الربدي العائم يف فضاءات خالبة ‪ ،‬هناك تتطاير‬ ‫القاهر لليل ‪ .‬و‬ ‫ّ‬

‫اإلهلي يف قلوب معلقة ابلفردوس ‪ ،‬فتنبعث بني‬ ‫ترانيم العشق‬ ‫ّ‬ ‫خافقي رغبة للنداء ‪ ،‬أفيقي ايتها األرض الكؤود ‪.‬‬

‫‪260‬‬


‫أيّتها االنسانية الصماء ‪ ،‬أما آن لك أن تنظري اىل سفينة النجاة‬ ‫سئمت هبجتُك الغياب ‪ ،‬وجهك شاحب يرجتف ‪ ،‬مل‬ ‫‪ ،‬لقد‬ ‫ْ‬

‫تسعفه ثياب روما احلمراء ‪ ،‬و ستارة املسرح القرمزي ‪ ،‬جتوبني يف‬

‫الظل ‪ ،‬خلف قهقهات الزيف ‪،‬و خلف احلكاايت‬ ‫وداين ّ‬ ‫الباهتة‪ ،‬اي للوداعة القاتلة ‪ ،‬اي ألسنان احملبّة وهي ختطف أنفاس‬ ‫الزهر بعناوين ّبراقة ‪ ،‬ال حتمل رؤوسها سوى اخلواء‪.‬‬

‫أه أيتها األرض الكؤود ‪ ،‬مىت تك ّفني عن إحراق بيوت الفردوس‬ ‫؟ ‪ ،‬تغتالني بقع النور يف قميصك املظلم ؟أنظري اىل كفيّك ‪ ،‬اىل‬

‫حقول القمح السوداء احملرتقة ‪ ،‬اىل الغرابء اليت أتسر سطوح‬

‫البهجة ‪ ،‬تنعق بكل صوت مرير ‪ ،‬األهنار تيبّس قلبها ‪،‬‬ ‫األشجار جرداء يف موسم البِذار‪ ،‬األبقار هزيلة ‪ ،‬و األغنام ال تلد‬ ‫‪ ،‬ال زهر و ال عصافري تزقزق ‪ ،‬و الذهب األسود يف رمحك ‪،‬‬ ‫خرج إبنا عاقا أكل هبجتك و اندى على خفافيش الظالم‬ ‫الصفراء ‪ .‬اي لتعاستك املريرة ‪ .‬أيتها االرض الكؤود مىت ترين‬ ‫سفينة نوح ‪ ،‬مىت تتسلقني سلّم احلياة ‪ ،‬حنو الفجر حنو عامل فسيح‬ ‫‪.‬‬

‫‪261‬‬


‫لو أنّك تعلمت شيئا من حكمة الريح العائمة فوف ضفاف النهر‬ ‫األرجواين ‪ ،‬لو أنّك أخذت شيئا من أوراق احلقيقة املودعة يف‬ ‫قلب العصور ‪ ،‬لو أنّك رأيت أغصان شجرة السدر املقدسة ‪،‬‬ ‫كأم حنون ‪.‬‬ ‫وهي ّ‬ ‫تتدىل ّ‬ ‫آه منك أيتها األرض العرجاء ‪ ،‬أقدامك غارقة يف وحل الغروب ‪،‬‬ ‫متهرئ يغرق يف‬ ‫التمردات ّ‬ ‫الواثبة ‪ ،‬وعن قميص ّ‬ ‫ختربينين عن ّ‬ ‫الشحوب السخيف ‪ .‬و كأنين مل أكن أمتشى قرب جدول‬ ‫السنونو ‪ ،‬حيث األرانب و النعامات ‪ .‬ختربينين عن لون أخر‬ ‫‪.‬كنت حينها‬ ‫للشمس ‪ ،‬كأنين مل أكن حاضرا والدهتا البديعة‬ ‫ُ‬ ‫أسبّح للقدرة العظيمة ‪.‬‬ ‫أيتها العرجاء ‪ ،‬هنا يف هذا البيت الربيعي اململوء ابخلضرة و‬ ‫السوسن الكرمي ‪ ،‬هنا يف هذا البيت الذي رأته عيناك يوم أُعطيت‬

‫ِ‬ ‫نسيت كتبتك النازلة من قلب الفردوس‬ ‫كتاب األبدية ‪ ،‬لقد‬

‫ِ‬ ‫نسيت و كلمات السماء ‪،‬عجبا كيف مل تعد حتكي لك‬ ‫‪،‬لقد‬ ‫قصةَ النور ؟!! كيف‬ ‫اجلنيّات الصاحلة و ذلك الزقاق‬ ‫املتبجح ّ‬ ‫ّ‬ ‫أهنّا مل تعد جتيد احلقيقة ‪ ،‬و ال حكاايت احلياة ؟!!‬

‫‪262‬‬


‫سرية إبراهيم اخلليل عليه السالم‬

‫حينما نظر اىل الشمس رأى ‪ ،‬و حينما قابل القمر يف ساحات‬ ‫الفكر أيضا إستطاع أن يرى ‪ ،‬و حينما وطئت قدماه الرتاب و‬ ‫الرماد و عظام الراحلني إيضا رأى ‪ ،‬دخل يف هلب اجلاهلني‬ ‫مطمئنّاً ومتّكالً ‪ ،‬لقد أاثر إّستغراب املالئكة فاستحق أن يكون‬ ‫للعلي القدير ‪.‬‬ ‫خليالً ّ‬ ‫حينها صنع نورا‪ ،‬و بيديه بىن البيت العتيق ‪ ،‬هناك حيث هاجر‬ ‫تصنع أتريخ االنسان‪ .‬و إمساعيل حيفر زمزم للقادمني‪.‬‬ ‫لقد حطّم حلم الشيطان ‪،‬جعله جذاذاً ‪ ،‬من هناك من تلك‬ ‫تعرى مل يعد قادرا على خداع االنسان ‪.‬‬ ‫اللحظة إبليس ّ‬

‫‪263‬‬


‫الكل اليوم يعيش يف حببوحة عطائه ‪ ،‬إنّه العظيم الذي أانر‬ ‫ّ‬ ‫للبشرية طريق احلقيقة ‪ ،‬و أحىي شرائع أدم و نوح ‪ ،‬فكان‬ ‫اإلمام حبق ‪ .‬انه حافظ الشريعة و حاميها لسانه ما نطق بكذب و‬ ‫تتوهم سرااب ‪ ،‬على االستقامة عاش و مضى و سيّداً يف‬ ‫عينه مل ّ‬ ‫جنّة الفردوس يكون ‪ ،‬و على هنجه اىل يوم القيامة سادة النور و‬

‫ورثة الكتاب ‪.‬‬ ‫مبارك هو يف الدنيا و اآلخرة ‪ ،‬كثّـ َر القدير نسله ‪ ،‬ومن كان‬ ‫األنبياء و األوصياء ‪ ،‬و يف اآلخرة حيشر ّأمةً وحده إتّه العظيم ‪،‬‬ ‫إبراهيم اخلليل ‪.‬‬

‫‪264‬‬


‫سرية اخللود‬

‫آدم سيد اخللود ‪ ،‬يف البدء كان يف جنّة اخللد ‪ ،‬و ملا وسوس له‬ ‫حل الفناء يف جسده لكنّه بقي خالدا رغم حماوالت‬ ‫الشيطان ّ‬ ‫التطور ‪ ، .‬و سيكون آدم سيّد‬ ‫الشيطان مبحيه بنظرايت ّ‬

‫احلياة اآلخرة ‪.‬‬

‫القوي‬ ‫اخللود آسر ‪ ،‬إنّه اإلرث املفقود للبشريّة طلبه جلجامش‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،‬أراد أن يقهر الفناء ‪ ،‬و حينما وصل اىل العارف ‪،‬قال له‬ ‫السري ‪،‬‬ ‫إنّك ال تطيق ‪ ،‬فأحلّ جلجامش ‪ ،‬فدله على مكانه ّ‬ ‫وجد جلجامش العشبة الغريبة و يف الطريق سرق الثعبان خلود‬ ‫جلجامش ‪.‬‬ ‫مث طلبه نسر ‪ ،‬قائال اريد أن يكون يل متثال يعبد كما اليب يعوق‬ ‫لكن الرايح هشمته كقصبة ايبسة ‪.‬‬ ‫‪،‬فجعله من شجرة اخلالف ‪ّ ،‬‬ ‫‪265‬‬


‫أطل إطاللة‬ ‫و حينما ّ‬ ‫مترد املتنيب على لغة زمانه ‪ ،‬كان قد ّ‬ ‫السر ‪ ،‬و مثله السيّاب ‪ ،‬فطلبهما اخللود ‪ ،‬رّمبا ليس‬ ‫على ّ‬ ‫حيتل‬ ‫ابملستطاع تكرار ما حصل ‪ ،‬فالزمن بدأ يشيخ و الفناء ّ‬ ‫املكان ‪ ،‬لكن من اجليد أن يسعى اإلنسان ‪ .‬كما أ ّن هناك ما هو‬ ‫أكثر صدقا ‪ ،‬احلياة االخرى ؛ إرث آدم الثمني ‪.‬‬

‫شعبان شهر املطر‬

‫اىل سيّد الصرب االمام الظاهر الذي ال تراه القلوب الشاحبة‪.‬‬ ‫شعبان شهر املطر ‪ ،‬من كفيّه يفيض الضوء فيغسل وجه الزمن‬ ‫املر ‪ ،‬أ ّن ها هنا خالص بطعم اخللود ‪ .‬و ها هنا شعبان بلون‬ ‫ّ‬

‫األهنار النقيّة ‪ ،‬نبحر إليك فيه ‪ ،‬و الريح مركبنا الرفيع ‪ ،‬و‬ ‫هذه أحزاننا املتساقطة من جبال الثلج ‪ ،‬نعلم أهنّا أمام انظريك ‪.‬‬ ‫إنّنا نشعر بقلبك احلزين ‪ ،‬و رغم اجلراح و رغم الغدر و رغم‬ ‫القتل ‪ ،‬فإننا نلتقي هنا يف ابحتك احلنونة ‪ ،‬هنا يف شعبان نلتقي‬

‫بال دموع ‪.‬‬ ‫‪266‬‬


‫يتحمل السنني ‪ ،‬و الوجوه‬ ‫اي سيّد النور ‪ ،‬عجبت لقلبك كيف ّ‬ ‫اجلاحدة ‪ .‬عجبت لصربك كيف يوغل يف قلب األمل و يستخرج‬ ‫شرااب طيّبا للعاشقني ‪.‬‬ ‫أال يكفينا أنّك تنظر إلينا بعينك احلنونة و قلبك املعتصر أملا ‪،‬‬ ‫أال يكفينا أنّنا نشعر أبنفاسك بيننا ‪ ،‬تداري الطفل و الشيخ و‬ ‫الغريب ‪ .‬هذه األسفار و الطرقات و البعيدون عن أهلهم ‪ ،‬كلها‬ ‫حتدثّنا عنك ‪ ،‬و حنن نعلم أنك رفيق ودود ‪.‬‬ ‫إنّين حينما أحتدث عنك أشعر ابلزهو ‪ ،‬فاألمل الذي يفيض به‬ ‫ذكرك شيء خمتلف ‪ ،‬و احللم الذي حيمله أمسك شيء خمتلف ‪ ،‬و‬ ‫العلم الذي ندركه فيك شيء خمتلف ‪ ،‬و الصرب الذي رأيناه فيك‬ ‫شيء خمتلف ‪.‬‬ ‫عجبا لكل هذا الظهور ‪ ،‬و القلوب الشاحبة ال تراك ‪ ،‬و عجبا‬ ‫لكل هذا احلضور و االماكن الباردة تفتقدك ‪ ،‬لقد امتألان‬ ‫بوجودك ح ّد الذهول ‪ ،‬و صار الشوق يبكينا لش ّدة قربك ‪،‬‬

‫‪267‬‬


‫املتفرد أيّها الظاهر النقي ‪ .‬احلاضر الذي نذوب شوقا اليه‬ ‫إنّك ّ‬

‫‪.‬‬

‫التل أر ّدد أانشيد الصرب ‪ ،‬و الشوق ‪ ،‬و‬ ‫سأقف هناك ‪ ،‬فوق ّ‬ ‫أاندي على االايم ‪ ،‬اال تعايل تعلّمي من رجل الصرب ‪ ،‬ممن‬ ‫احلب من القرب ‪ ،‬تعايل تعلّمي‬ ‫حيجزه الرفق من البوح و مينعه ّ‬ ‫أيتها البشرية الضائعة كيف يكون الصرب و االشتياق ‪.‬‬ ‫سأقف هناك كشجرة حتاكي الريح ‪ ،‬و تناغم الشمس ‪ ،‬و تعلم‬ ‫الغيوم كيف يكون لون احلقيقة ‪ ،‬و تعلّم هذا العامل األعمى و‬ ‫القلوب املغربة ‪ ،‬كيف يكون صوت الطمأنينة البامسة ‪.‬‬ ‫سأقف هنا يف شعبان و سط القلوب امللهوف أر ّدد نشيد‬ ‫الشمس ‪ :‬شعبان شهر املطر ‪ ،‬ذات يوم سنلتقي فيه بال دموع ‪.‬‬

‫روح بيضاء‬

‫‪268‬‬


‫‪ ،‬و تكثر من‬

‫ّأمي شالل ضوء ‪ ،‬جتيد صناعة بيارق اخللود‬ ‫اللون األخضر ‪ ،‬رّمبا ألهنّا ابنة العنرب و النخيل ‪ ،‬و جتيد أيضا‬

‫املقدسة ‪ .‬هي كثرية‬ ‫تنور جدهتا‬ ‫ّ‬ ‫صناعة التنّور الطيين ‪ ،‬تقول إنّه ّ‬ ‫تبسمت ففاضت ربوع البسيطة أبلوان زاهية‬ ‫اإلبتسام ‪ ،‬ذات يوم ّ‬

‫و أهدتين عروسا بروح بيضاء ‪ ،‬رافقتين حكاايت الزمن العريضة‬ ‫املكحل ابلصفصاف ‪ ،‬و الرايح الداكنة ‪ ،‬و‬ ‫‪ ،‬املليئة ابملطر‬ ‫ّ‬ ‫حتملتها‬ ‫الكتب اليت مألت البيت و االنفاس و الليايل ّ‬ ‫املسهدة ‪ّ ،‬‬ ‫حتملت حكاايت احلياة و‬ ‫معي ‪ ،‬أجل ّإهنا املرأة الشرقيّة اليت ّ‬ ‫لوهنا الغريب ‪.‬‬

‫لقد إختصرت بكفيّها قصائد الدفء ‪ ،‬و قطفت من حقول‬ ‫اجملرة سنني عديدة ‪ ،‬حينها كانت‬ ‫الصرب سالل ّ‬ ‫حب ‪ ،‬تكفي ّ‬ ‫لألايم ‪ ،‬عميقة كالنعناع ‪ ،‬نظرت بعينيها اىل بعيد ‪،‬‬ ‫تصنع لوحة ّ‬ ‫فكانت هنا جدوال و نوارس كاليت رأيتها يف بوميب ‪.‬‬

‫إهنّا بنكهة الشرق الساحرة ‪ ،‬كعمق التواريخ تصنع بكفيّها‬ ‫عاملا متأله اخليام ‪ .‬تنادي على البهجة أبنَ ههنا واحة و ِدالل ‪،‬‬ ‫الوردي ال تفارق البيت الصغري ‪.‬‬ ‫فكانت القهوة بعبقها‬ ‫ّ‬

‫‪269‬‬


‫العريب)‬ ‫( ّ‬

‫رمال و‬ ‫ط النيل و الفرات ‪ ،‬فكانت هنا القلوب ٌ‬ ‫جربائيل خ ّ‬ ‫نسيم ‪ ،‬و كانت األغنيات ( ح ّفال معسولة احللب) (‪ ، )1‬و‬ ‫كانت الفراشات أسد و منر ‪.‬‬ ‫رغم الضباب ‪ ،‬نعم أان عريب ‪ ،‬و رغم احلزن و األمل العريض ‪،‬‬ ‫نعم أان عريب ‪ ،‬و رغم موت العامل األعمى ‪ ،‬فإ ّن يف زوااي أملي نورا‬ ‫خمبّأ و ترانيم تعرفها الفصول الشاحبة ‪.‬‬ ‫أزقة النجف رساالت معلّقة ابلفردوس ‪ ،‬و من طيبة محلنا أعباء‬ ‫اجملرة فكنّا القدس و كنّا قرابن العصور ‪ ،‬و من صحراء تونس‬ ‫ّ‬ ‫الرمادي الضوء ‪( ،‬يده يد أسد ‪ ،‬و ظفره‬ ‫أسود علّمنا الزمن‬ ‫ّ‬

‫نستل من قلب الزمن عبق اخليمة و زعفران‬ ‫خملب نسر)(‪، )2‬‬ ‫ّ‬ ‫املائدة ‪.‬‬ ‫أحببنا البحر ‪ ،‬فكانت األندلس ‪ ،‬و أحببنا عيون السحر‬ ‫ضي ‪،‬‬ ‫فكانت السند و خبارى و كابل ‪ ،‬لوال وردة يف ساحلنا الف ّ‬ ‫ملا عرفت جنوم روما حكاايت النور ‪.‬‬ ‫‪270‬‬


‫حينما أجلس وسط اخلليقة ‪ ،‬فأان ابن ابراهيم و امساعيل و عبد‬ ‫املطلب ‪ ،‬أييت ّأمة وحده ‪ ،‬عليه سيماء األنبياء (‪ . )3‬أيخذ صوته‬ ‫بيدي فأبصر ‪.‬‬

‫نعم أان عريب صحراوي كمكة و سيناء و رقراق كبغداد ‪ ،‬وجهي‬ ‫فردوسي حكاايت العشق و‬ ‫رسام أمسر ‪ ،‬ينهل من كأس‬ ‫كلوحة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ي ‪ ،‬ومن زواي‬ ‫مدن البلّور ‪ ،‬من أعماق السالم اسالمي حمم ّد ّ‬ ‫النور ثيايب و وأزهاري الزاهية ‪.‬‬

‫اجملرة ‪ ،‬أان وسط اخلليقة وصوت الشهود‬ ‫عريب كالكعبة وسط ّ‬ ‫أان ّ‬ ‫و ترانيم الراثء ‪ ،‬نعم أان األمل العريض ‪ ،‬و اجلرح املغدور ‪ ،‬نعم ا ّن‬ ‫لكين سأسري حافياً حىت أطرق‬ ‫السور ّ‬ ‫رث ‪ ،‬و الثياب ّ‬ ‫ممزقة ‪ّ ،‬‬

‫شمة ‪ ،‬وأضرب رأسي حبائط احلقيقة‬ ‫ابب الزمن األعمى بيدي امله ّ‬ ‫فأصحو ‪ ،‬فلقد سئمت دماء الوهم ‪ ،‬و شعارات اللصوص ابسم‬ ‫أمحد و السماء ‪ ،‬سأعمل من يدي واحة للطيور ‪ ،‬أعلّمها‬ ‫تتحرر من ثياب النزف الرباقة‬ ‫انشودة املطر و البكاء ‪ ،‬عسى أن ّ‬

‫‪ ،‬فهنا يف هذا القلب وجه الشمس و عشبة اخللود ‪ ،‬هنا يف هذا‬

‫عز‪ ،‬و نداء و أنتظار ‪.‬‬ ‫القلب ‪ ،‬بيت و أغنية ‪ ،‬حكاية ّ‬

‫‪271‬‬


‫من قصيدة ( السيف اصدق انباء من الكتب ) اليب متام‬ ‫ملحمة جلجامش اللوح السابع ترمجة د انور غين املوسوي‬ ‫حديث شريف يف عبد املطلب رضوان هللا تعاىل عليه ‪.‬‬

‫( العمالقة )‬

‫ط يف موطن أمان ‪ .‬الرمال هناك ‪ ،‬و العواصف‬ ‫عصفور رأى ‪ ،‬ح ّ‬ ‫حل‬ ‫قريبة ‪ ،‬اال أ ّن قلبه فاض ابألسكينة ‪ ،‬ال لشيء اال ألنّه ّ‬ ‫ضيفا على العمالقة ‪ ،‬على من ركلوا الزمن األعمى أبقدام من‬ ‫صخر ‪ .‬هم أبناء التمر ‪،‬‬

‫‪272‬‬


‫هم العراقيّون ‪ ،‬بشرتهم مسراء بلون األرض املق ّدسة ‪ ،‬قلوهبم‬ ‫كأهنم أبطال بدر ‪.‬‬ ‫معلّقة ابلفردوس ّ‬

‫(‬

‫)‬

‫سومريّون‬

‫جتاوز وجودهم‬ ‫رجال الضوء ‪ ،‬ينزلون من قلب الشمس كبارا َ‬ ‫كحمصة ال‬ ‫اجملرة ‪ ،‬ينظرون اىل االرض من هناك ‪ ،‬فتبدو صغرية ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪.‬‬ ‫السعيدة‬ ‫أك ّفهم‬ ‫راحة‬ ‫تسد‬ ‫ضيّة‬ ‫ّاهنم صرخة البالد ‪ ،‬من حتت أقدامهم تبزغ أنفاس اخللود الف ّ‬ ‫بكل الزهر ‪ ،‬يتحايلون لكشف وجه‬ ‫‪ ،‬طوابري طويلة كالنهر ‪ّ ،‬‬ ‫املوت‬

‫احلبيب‬

‫‪.‬‬

‫أيّها‬ ‫أقبل‬ ‫‪،‬‬ ‫املوت‬ ‫اي طفليت ال تبكي ‪ ،‬أان هنا ‪ ،‬أان العراق ‪ ،‬صدري لك وقاء ‪،‬‬ ‫هذا دمي يف قارورة النور ‪ ،‬أطرق ابب املوت ‪ ،‬أال مىت جتيب ؟‬

‫‪273‬‬


‫جنويب أمسر ‪،‬‬ ‫ط العرب ‪،‬‬ ‫اب طفليت ال حتزين ‪ ،‬أان هنا ‪ ،‬أان ش ّ‬ ‫ّ‬ ‫كلون طني سومر ‪،‬أملح كصقور صحراء العراق ‪.‬‬ ‫اي طفليت لن يصلك حقدهم ‪ ،‬سأطري بك كسحاابت غضب‬ ‫آشوري ‪ ،‬فأان ثور جمنّح ال يعرف املهادنة ‪.‬‬ ‫رب السماء هكذا ‪ ،‬ال أعرف اال احلق‬ ‫هذه هي طينيت ‪ ،‬خلقين ّ‬ ‫‪،‬‬

‫أسنان‬

‫فكرهتين‬

‫العدم‬

‫الشر‬ ‫ّ‬ ‫و الظالم‬

‫امللوثة‬ ‫‪.‬‬

‫سفن‬ ‫كرهت حضاريت‬ ‫ُ‬ ‫أجل ‪ ،‬هذه هي طينيت معجونة ببخور النقيّات الطيّبات ‪ ،‬اي طفلة‬ ‫تكريت ‪ ،‬ال تقلقي فأان هنا ‪ ،‬أان العراق ‪.‬‬

‫جراويّة أيب الكردي ‪ ،‬و سآتيهم‬ ‫سآتيهم من الشمال وعلى رأسي ّ‬ ‫من اجلنوب ‪ ،‬و على رأسي مشاغ احلضارات ‪ ،‬وسآتيهم من الغرب‬

‫و على رأسي غرتيت و العقال ‪ ،‬وسآتيهم من الشرق محماً بركانية‬ ‫مدن‬

‫من‬

‫‪.‬‬

‫الربتقال‬

‫اي طفلة تكريت ‪ ،‬ال حتزين ‪ ،‬ومتتعي بنسمات الصيف ‪ ،‬فأان هنا‬ ‫أمسر‬

‫يعشق‬

‫اانشيد‬

‫املوت‬

‫‪.‬‬

‫سومري‬ ‫ّ‬ ‫سنحصد أعواد الظالم ‪ ،‬كما حصد جلجامش غاابت األرز ‪،‬‬ ‫وسنقتل وحشيتهم ‪،‬كما قتل أنكيدو مخبااب الوحش ‪ ،‬اي طفليت‬ ‫‪274‬‬


‫تكريت ال تقلقي فصدري لك وقاء ‪ ،‬ألنّين أنت ‪ ،‬ألنّين العراق‬ ‫‪.‬‬

‫عنرب‬ ‫الكوثري على اجلانب األمين من‬ ‫الالهناية ‪ ،‬و ذلك النهر‬ ‫ّ‬ ‫الفردوس ‪ ،‬و الدرب املق ّدسة اليت إختضنت أقدام اهلجرة اىل‬ ‫طيبة ‪ ،‬و البيداء اليت حلّ فيها ركب احلسني ‪ ،‬و ش ّق البحر‬ ‫يسميه العراقيون طيباً ‪.‬‬ ‫كل ذلك ّ‬ ‫الذي سار فيه موسى ‪ّ ،‬‬ ‫عصفور الغابة األصفر ذو البقع البيضاء الباهتة ‪ ،‬و زهرة‬ ‫اجلوري ‪ ،‬و بطوالت ثورة العشرين ‪ ،‬و قصائد‬ ‫الشمس ‪ ،‬و‬ ‫ّ‬ ‫املسورة كلها يسميها العراقيون‬ ‫املتنيب كلها و بويب ‪ ،‬و أوروك ّ‬

‫عنرباً ‪.‬‬

‫مرة يضعون على جبينه حبّة رّز ‪ ،‬مث‬ ‫كل ما يراه العراقيون أول ّ‬ ‫ً‬ ‫جتد له الطبيعة إمسا آخر ‪ّ ،‬إهنم يعشقون عطره األ ّخاذ ‪ ،‬يذوبون‬ ‫فيه اىل ما ال هناية ‪ ،‬غريبون عن هذه األرض البائسة ‪ ،‬ال‬

‫‪275‬‬


‫يعرفون اال العطاء ‪ ،‬ال يزرعون و ال حيصدون و ال أيكلون اال‬ ‫طيبا ‪ ،‬لوانً نقيا أاتان مع الصباحات من قلب الفردوس ‪.‬‬ ‫طارت يب‬ ‫ظل شجرة هناك ‪ ،‬سرق ْتين ‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ذات يوم جلست حتت ّ‬ ‫اىل موطنها األصلي ‪ ،‬اىل كوكب العنرب ‪ ،‬حيث القلوب البيضاء‬ ‫‪ ،‬هناك جدائل العروس و عطرها و مركبتها و خيوهلا حىت‬ ‫عجلتها ‪ ،‬حىت احملتفلون ‪ ،‬البيت ‪ ،‬احلقل ‪ ،‬عصافريه الرباقة ‪،‬‬ ‫املركبات احلديثة ‪ ،‬حىت حيطان املدارس و احلدائق العامة ‪ ،‬و‬ ‫مدرسو الصفوف االبتدائية كلّهم من العنرب األبيض ‪.‬‬ ‫هناك ال ترى شيئا اال وعليه آاثر البياض ‪ ،‬لديهم مائدة طوهلا‬ ‫مآت الكيلومرتات ‪ ،‬و مسرية مليونيه حيصدون هبا الصدأ و‬ ‫الظلمة فيشرقون كحقل مساوي ‪ .‬ليتك رأيتها مللئت دهشة و‬ ‫انبهارا ‪.‬‬ ‫رجاهلم و نساؤهم و صبيتهم و لعبهم سيل هادر من الشعر‬ ‫الكوين ‪ ،‬يف كوكب العنرب الكل شعراء ‪ ،‬حىت وليدهم يف ساعاته‬ ‫االوىل يقول الشعر ‪ ،‬لقد مررت مبقهى هلم ‪ ،‬فرأيت صورة طفل‬ ‫يف السادسة من عمره ‪ ،‬قلت ‪ ،‬من هذا ؟ قالوا هذا عنربٌ العظيم‬ ‫املتنيب‬ ‫‪ ،‬فسألت صديقي من هو هذا العظيم ؟ قال هذه صورة‬ ‫ّ‬ ‫‪276‬‬


‫وهو صغري ‪ ،‬إمسه احلقيقي (عنرب ) ‪ ،‬أال ترون أنكم تنادونه ( أاب‬ ‫الطيب ) ؟‬

‫البريق‬

‫ح بيدي اىل جاران القدمي ‪ ،‬و هو جيمع العسل يف حقل‬ ‫ُلو ُ‬ ‫حينما أ ّ‬ ‫دوي‬ ‫الصفصاف ‪ ،‬و حوله حنالت ايفعة بعمر الورد ‪ ،‬تذوب يف ّ‬ ‫رقصاهتا كأغنيات األشباح الفضيّة اليت تقطن هالة زحل‬

‫البنفسجيّة حينها كنت أبتسم و كان الصفصاف أملساً كبشرة‬ ‫ِ‬ ‫البائسة قاصدا قطارات الصقيع ‪،‬‬ ‫ع قبل قليل حبيبته‬ ‫عاشق و ّد َ‬ ‫ذوب الثلج‬ ‫حنو السويد ‪ ،‬يطلب شيئا من رحيق املوت ‪ .‬لقد ّ‬ ‫كف اندلة‬ ‫قلبه وصار كاسفنجة مطبخ قدمي ‪ ،‬تعصرها بال رمحة ّ‬ ‫‪277‬‬


‫تورمت قدماه ‪ ،‬الصقيع أكل نشوهتا ‪ ،‬ليتك مل‬ ‫مطعم بدينة‪ .‬لقد ّ‬

‫حل به العطش ‪ ،‬اهنّا مل تر مشس العراق‬ ‫ترها كانت ذابلة كمسافر ّ‬

‫منذ عام ‪ ،‬أجل فنحن العراقيون أمساك الشمس ‪ ،‬ال نعرف العيش‬ ‫من دون هليبها اللذيذ ‪ ،‬و يصيبنا العطش ان غابت قبل األوان ‪.‬‬

‫نعم هكذا حنن العراقيون ننساب بني مسمات اجملد حبريّة كاملة ‪،‬‬ ‫خنرتق جسد التواريخ كشعاع ساحر ‪ ،‬نصفع وجه الزمن األعمى‬

‫حنرر زجاجة عينيه من‬ ‫و‬ ‫نستل من زواايه الظلمة و القبح ‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫الوهم ‪ ،‬و هناك فوق تالل صدره ننصب بريق عشق و نبين أور‬ ‫كل عصر ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اهلندي احلارق ‪ .‬حينما‬ ‫نعم هكذا حنن أنفاسنا فضيّة ‪ ،‬كالفلفل‬ ‫ّ‬ ‫نضحك ‪ ،‬كقصب اهلَور اهلادر ‪ ،‬نضحك بصوت مرتفع ‪ ،‬و‬ ‫حينما نبكي ‪ ،‬كأشجار عالية ‪ ،‬نبكي بصوت مرتفع أيضا ‪،‬‬

‫كأنّنا قصيدة نثر عاصفة ‪ ،‬صنعتها أانقة جلجامش وذراع‬ ‫انكيدو الربيّة ‪ ،‬يف يوم رملي يضاحك تباشري الصباح ‪ ،‬جيلس‬ ‫فوق أسوار أوروك يرقب الفجر الالمع ‪.‬‬ ‫أسطوري أيسر املكان ‪ ،‬أال‬ ‫أجل هكذا صوت الفجر كساحر‬ ‫ّ‬ ‫تستظل حتت‬ ‫ترى شالالت الضوء تفيض من كفيّه الناعستني ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪278‬‬


‫عتبات بِريغ ّأمي األخضر ‪ ،‬وهي متسح به وجه الزمن العليل ‪،‬‬ ‫متوردا ‪ ،‬حبكاايت‬ ‫حني أتكله األالم و اهلذايانت ‪ ،‬فيعود صحيحاً ّ‬ ‫أهنار الضوء وهم يقلّمون أغصان الظالم و اخلطيئة ‪ ،‬يصنعون‬

‫منها شجرة لرأس السنة ‪ ،‬فيجتمع الناس حوهلا يضحكون و‬ ‫تعلم الفصول و زوااي الزمن ا ّن الكعبة بسمة رقيقة و حكاية بريق‬ ‫للسالم ‪.‬‬

‫*بريغ ‪ :‬بكسر الباء ‪ ،‬هو اللهجة العراقية لبريق ‪.‬‬

‫اجلحيم‬

‫أفيقي أيتها األرض الكؤود ‪ ،‬تعلّمي من سالل اجلحيم املرتاقصة‬ ‫كأضواء بركة قرمزية فوق أشالء اليمن السعيد ‪ .‬أجلسي هناك‬ ‫روحك امليتة‬ ‫يف الزاوية ‪ ،‬حتت الشمس عسى أ ْن يغسل شعاعُها َ‬

‫‪279‬‬


‫‪ ،‬حيث الطائرات األسطوريّة اليت مل أرها من قبل ‪ ،‬ترسل نسائم‬ ‫املوت اىل ضحكات القات احلاملة ‪.‬‬

‫للحب الكبري ‪ ،‬مث أييت صديقي التعس ‪ ،‬يتح ّدث يل عن‬ ‫اي‬ ‫ّ‬ ‫الوجد الشفيف ‪ ،‬و كأنه ال يرى بيته احملرتق ‪ ،‬و ال جثته‬ ‫بين يف‬ ‫املتفحمة ‪ ،‬و ال يرى أخاه الصغري ينحر كخروف ّ‬ ‫الساحة العامة ‪ ،‬ليس لشيء اال أل ّن يف عينيه أثراً من حضارة‬ ‫غاربة ‪ .‬اال أيها لغافل التعس ‪ ،‬ال مكان ألغنيات الوجد يف زمن‬ ‫اجلحيم ؟ فمن هناك من قلبك املفتون كانت عاصفة و كان‬ ‫اجلحيم ‪ .‬انر محقاء قدمية أحرقت بقريت و عنزيت ‪ ،‬ألبستين ثوب‬ ‫املرار ‪ ،‬و أملاً عريضا يفيض ابخلسارات ‪.‬‬ ‫أيتها النار الرخيصة اي ذَنَب املدن الضاحكة ‪ ،‬مىت ترتكيين أغفو‬ ‫حرريين من‬ ‫هبدوء وسط حبّات البقل و أغصان التني االبيض ؟ ّ‬

‫سبايت الشتوي كضفدع بركة آسنة مررت هبا يوما يف صيف أ ّخاذ‬ ‫حرري‬ ‫‪ ،‬أيتها الدمى ‪ّ ،‬حرري مدن البحر من امللح املريض ‪ّ ،‬‬ ‫يدي و قهويت و مسكا صنعته األبدية الراقدة يف الرمل ‪.‬‬ ‫اي مدن اجلحيم ‪ ،‬اي فتيات املعبد األخري ‪ ،‬شوارعي تفيض‬ ‫لكل هذا الربود ‪ ،‬أيعقل أنك أتيت من‬ ‫ابألشالء ّ‬ ‫امللونة ‪ ،‬عجباً ّ‬ ‫‪280‬‬


‫جمرة الثلج ؟ حيث تُق ّدم الدماء يف أواين الذهب الكبرية ‪ ،‬و‬ ‫ّ‬ ‫اجلماجم البنيّة تتيه يف قدور من إسفلت ‪ ،‬مع شيء من البطاطا‬

‫و الكوكاكوال ‪ ،‬لقد رأيتها هناك ‪ ،‬يف عامل اجلحيم الثلجي ‪،‬‬

‫األقدام ال ترضى ابلسري اال على جسد اإلنسان و حلمه املقهور‬ ‫‪ ،‬اي لإلنسانية ‪ ،‬اي لألمن البنفسجي ‪ ،‬اي للشرعية الرفيعة‪.‬‬

‫( الفتاة )‬

‫اي حلظّها السعيد‪ ،‬تلك السوسنة‪ ،‬كانت غارقة يف كتاب قدمي‬ ‫يتح ّدث عن جزر املرجان ‪ ،‬اليت رأهتا عيناي ‪ ،‬حيث العامل‬

‫‪281‬‬


‫قش ‪ ،‬و يبتهج ‪ .‬كنت حينها أرى على‬ ‫األعمى ‪،‬يرتدي قبّعة من ّ‬ ‫جبهته آالم االنسانية ‪.‬‬

‫لقد رأت يف تلك الصفحات طغيان األرضيني ‪ ،‬مل يتعلّموا من‬ ‫صديقي فضاءات املرأة الرحبة ‪،‬هناك يف بلده املريّخ ‪ ،‬السماء‬ ‫تتدحرج كصبية يتدفؤون ابحلبّ ‪ ،‬يكرعون عبق الزهر الكوين‬ ‫آسر ملعان‬ ‫‪،‬عيوهنم من نسل خيول سليمان الساحرة ‪ ،‬أه كم هو ٌ‬

‫الرباقة‪ .‬هناك الطيور أكثر أمنا ‪ ،‬تضاحك احلقيقة بعيدة‬ ‫رموشها ّ‬ ‫عن زيف مدينيت وشحوهبا الليلي ‪ .‬أجل‪،‬حينما غادرت الظبيات‬

‫تصور كم‬ ‫ذلك الساحل‬ ‫الوردي ‪،‬كانت أجنحتها بنفسجيّة ‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫كنت مندهشا ؟‬ ‫لقد حدثين عن اإلميان ابملرأة ‪ ،‬عن البيوت العالية اليت تبنيها‬ ‫النساء هناك ‪ ،‬كأعشاش اللقلق حرة و عالية ‪ ،‬تفيض ابلفرصة‬ ‫تتوهج كأعياد رأس السنة ‪.‬‬ ‫النقية ‪ ،‬و عند املساء ‪ ،‬قال أهنّا ّ‬ ‫صدقت هنا أمل‬ ‫هتجي أحرف أمسي ‪ ،‬أجل‬ ‫ّ‬ ‫عندها ما عدت أجيد ّ‬ ‫االنسانية‪ ،‬هنا يقولون ‪ ،‬و أنّنا ّأمة جميدة ‪ ،‬أ ّن الوقاحة تعشعش‬

‫يف أدمغة البعيدين ‪ ،‬إذن ملاذا صارت أرواح الصينينب أكثر صفاء‬

‫و طمأنينية ؟ ‪ ،‬وتلك النوارس اليت حطّت على أرض القمر‪ ،‬و‬ ‫‪282‬‬


‫أخذت يل صورة مجيلة من املريّخ و اجملرات البعيدة ‪ ،‬كيف لثمت‬ ‫جباههم و أعرضت عن وجوهنا العارفة؟‬

‫أه أيّتها املساءات ‪ ،‬أيّتها الفصول ‪ ،‬أيّتها احلجب الوامهة ‪ ،‬يف‬ ‫الرباقة ‪ ،‬تنزعني من‬ ‫ك ّفيك مدن شوهاء ‪ ،‬و أكاذيب السراب ّ‬

‫الوردي مفاتن اخلشوع ‪ ،‬تُعلّمي صوهتا حبّة الغرابن‬ ‫قلب الفتاة‬ ‫ّ‬ ‫السود ‪ ،‬كم بعيدة أنت ونداءاتك العليلة ‪ ،‬رّمبا سأعود يوم اىل‬

‫ابلثراي اليت حت ّدثت عنها‬ ‫مدن الزعفران ‪ ،‬ابإلرث املق ّدس ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أكف من احلقيقة‪.‬‬ ‫السماء‪ ،‬فهي ال تغفو اال على ّ‬ ‫كل يوم‬ ‫آه كم هي بعيدة الرسومات و األانشيد اليت خترتق ذاكريت ّ‬

‫‪ ،‬كم أان غارق يف سجين الدامي املضحك ‪ ،‬ليتك رأيت لونه‬

‫الرقراق ‪ ،‬إنّه جذاب و كاذب و عدمي الضمري ‪ ،‬حيث يقتل‬ ‫صوت الزهر ليس لشيء اال أل ّن أاب هلب الزال يتح ّكم خبرافايت ‪،‬‬ ‫ك ّفه العريضة حتجب عين لون الشمس ‪ ،‬ال تعلّموهن الكتابة ‪،‬‬ ‫أبقوهن لوحات مزخرفة تزيّن البيوت العنكبوتية ‪ ،‬غارقات يف‬ ‫أيها الكاذب القبيح ‪ ،‬أيّها األعمى ما رأيتك‬ ‫الغياب املرير ‪ ،‬اال ّ‬ ‫يوما تلبس ثوب ضياء ‪ ،‬ما رأيتك يوما تنحين على زهرة تسقيها‬

‫‪283‬‬


‫ماء ‪ ،‬مألت زواايك العتمة الدامية ‪ ،‬أاي من سبتك وحشية الظالم‬ ‫و ألسنة الزيف العظيم ‪.‬‬ ‫كن شجاعا ‪ ،‬هل ترى ذلك اجلدار؟ الذي ختتبئ خلفه مجيع‬ ‫الضبابيات و الرمادايت الغريبة‪ ،‬إضرب نَـ َفسك األعمى به ‪،‬‬ ‫لعل حقولك البيضاء تكشف عن‬ ‫لعل رئتاك تتعلّم هواء جديدا ‪ّ ،‬‬

‫األم‬ ‫ضي ‪،‬هناك حيث حت ّ‬ ‫قلبها الف ّ‬ ‫ط أسرار اخلليقة و الكتاب ّ‬ ‫‪.‬هناك لن جتد حلكاايتك و بطوالتك ذكراً ‪.‬‬ ‫أان من هناك ‪ ،‬أمحل على ظهري قربة من نور‪ ،‬تطري يب خيول من‬ ‫أيل ‪،‬‬ ‫ثلج‪ ،‬و يد حنونة تفيض ابألمل العريض ‪ .‬ليتك تصغي ّ‬ ‫ليتك ختلع عنك ثوب العبوديّة و قناعك البائس ‪ ،‬كن شجاعا ‪،‬‬ ‫تعال حنوي ‪ ،‬حنو صوت غريب ‪.‬‬

‫شة ‪ ،‬و عن الوجه اآلخر‬ ‫أخربك عن األوراق الزرقاء املتوح ّ‬ ‫للشمس ‪ ،‬كان شاحبا كسنابل القمح يف أرضك الغارقة يف‬ ‫الشيخوخة ‪ ،‬كم قد ح ّدثين األسالف عن األحالم و املستقبل‬ ‫السعيد ‪،‬اال أنّك أيّها اجلنس الظلوم ‪ ،‬الزلت اتئها بعيدا ‪ ،‬إقرتب‬

‫‪ ،‬كن حمبّا فهنا يف قليب ورد وضوء‪.‬‬

‫‪284‬‬


‫أيّها املرائي ‪ ،‬لقد علِمت السماء ماءك اآلسن ‪ ،‬فصرخت‬ ‫ألجل الفتاة ‪ ،‬وأنت هنا قابع كشجرة صنوبر بريّة ‪ ،‬تدير وجهك‬ ‫بكل لون ‪ ،‬أمل تعلم أ ّن الغصن‬ ‫بعيدا عن الدفء ‪ ،‬كاحلرابء تت ّ‬ ‫لون ّ‬

‫األجرد اليابس الذي تتشبّث به قد أحرقته نسائم الصباح‪.‬‬

‫ليتين مل أكن ‪ ،‬ليتين كنت صبّارا مات من الظمأ ‪ ،‬من القهر‬ ‫يف صحراء قاحلة مل يزرها القطر منذ االالف السنني ‪ .‬فهذا العامل‬ ‫كل يوم‬ ‫املرائي مل يرتك يل شيئا ‪ ،‬لقد عشعش يف عقله الظالم ‪ّ ،‬‬ ‫ترتشف غيماته أروقة العتمة ‪ ،‬فكان مطرها بال حياة ‪ .‬الزرزور‬ ‫الذي رأيته عند النهر جييد بناء أسرة خري منهم ‪ ،‬لقد رأيته يكلّم‬ ‫زوجته احلبيبة بكل و ّد ‪ ،‬و يسأل بنته عما يدور يف خلدها من‬ ‫أحالم ‪ ،‬ليت هؤالء الغارقني ذوي األدمغة العريضة تعلّموا شيئا‬ ‫من ذلك الزرزور احلكيم ‪.‬‬ ‫أيّها البائس ذق مرارة نبتتك العقيمة ‪،‬ستتح ّدث العصافري املبثوثة‬

‫كالضوء يف أشجار السدر النقية عن بؤسك الغريب ‪ ،‬أمل تسمع‬

‫زقزقاهتا ؟ أمل تفهم ما تقول ؟ إهنّا ختربين أنّك عبء و أنّك جنس‬ ‫بكل سوء و تشكوك اىل اإلله القدير عسى أن‬ ‫تعيس ‪ ،‬ستذكرك ّ‬

‫‪285‬‬


‫تنتصف منك فتاة احلقل و الرغبة املكبوتة وحقيبة طفلة مألى‬ ‫شمتها ابلقهر ذات يوم‪.‬‬ ‫ابالحالم كنت قد ه ّ‬ ‫املر‬ ‫أيّها التعس ‪ ،‬اي حفيد جنيّات الشر ‪ ،‬أنظر اىل هذه الكأس ّ‬ ‫ة‪ ،‬كأس الضياع و األرضني املوحشة ‪ ،‬منها ش ِربت زواايك عنوان‬ ‫جمدها الزائف ‪ ،‬و يف بِركتها الطحلبية تعلّمت الغروب ‪ .‬أان ال‬ ‫أنسى حينما رأيت ّرسك يغرق يف مياهها االخطبوطية كصنم‬ ‫رمادي كاحل ‪ ،‬كان يذوب يف عامل من اإلسفلت ‪.‬مث ها أنت ذا‬ ‫مغربا ‪ ،‬إبسم‬ ‫خترج إلينا يف زمن املوت من القبور السفلية أشعثا ّ‬ ‫تقص جدائل تلميذة خرجت اىل صفها ابمسة‪.‬‬ ‫السماء ّ‬

‫اال أيّها الصنم اإلسفليت ‪،‬اي وريث اليباب ‪ ،‬أبعد قناعك املزيّف‬ ‫املنمق ‪ ،‬إن كنت شهرت سيفك الصدئ‬ ‫عنها ‪ ،‬وجهك اآلخر ّ‬ ‫حماراب مطر السماء و الوصااي الغالية ‪ ،‬إبسم احلريّة ‪ ،‬تدعوا‬ ‫بكل اخلمر و دروس التيه و اخلواء‬ ‫أمساك الفرات ألن تنتفخ ّ‬

‫نيب االنسانية املقدام ‪،‬أبعد أنفاسك الضحلة عن‬ ‫ّ‬ ‫الرباقة ‪ ،‬كأنك ّ‬ ‫قلبها الفردوسي ‪ ،‬دع حجاهبا املضيء يطري هبا اىل عوامل النور‪ ،‬انّه‬ ‫براقها الرفيع ‪ ،‬دعها تبحر حنو جزر احلقيقة و العشق األمسى ‪،‬‬

‫‪286‬‬


‫املشوه عن عينيها اجلميلتني ‪ ،‬فشجرة اللوز ال ميكن‬ ‫أبعد وجهك ّ‬ ‫أن تشعر ابلدفء بعيدا عن إيدي السماء احلنونة ‪.‬‬

‫النقي ‪ ،‬دعها جتوب كظبيات بيضاء‬ ‫دع املالئكة تصافح وجهها ّ‬ ‫يف حقول اجلنان العذبة ‪ ،‬ليتك رأيت الرايحني و حبّات العنب و‬ ‫فواحة تتطاير حوهلا يف حلقات رقيقة ال تعرف الذبول‬ ‫أانشيد نبتة ّ‬

‫‪.‬‬

‫أعين على ذلك الصوت املنّمق ‪ ،‬الغارق يف‬ ‫اي أيّها النقاء الكبري ّ‬

‫التيه ‪ ، ،‬اي أيّها النقاء الكبري كن مشعة يف قلب الفتاة الصغرية ‪،‬‬ ‫لرتى وجه النور يف هذا العامل املرائي ‪.‬‬

‫( ّأم األرض )‬

‫‪287‬‬


‫صخرة أان ‪ ،‬لن تنال جدائلي حكاايت السراب ‪ .‬حنو صدري‬ ‫املنفى ‪ ،‬تشرق‬ ‫وجهي‬ ‫شم ترنو نسائم الفجر ‪ .‬هنا ‪ ،‬من‬ ‫امله ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دوامة حزين تتيه أيدي‬ ‫لوحة للعودة ّ‬ ‫راينة كعنب اخلليل ‪ .‬هنا ‪ ،‬يف ّ‬ ‫الضياع ‪.‬‬

‫لطلما قتلوا صويت برماح ملونّة ‪ ،‬و أبابريق مسمومة مزخرفة ر ّشوا‬ ‫الصخري‬ ‫على أزهاري الذبول ‪ ،‬لكنّين أان القدس ‪ ،‬رسالة القدر‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،‬يف جييب جبال من األمل و الصرخة احلزينة ‪ .‬أجري كشالالت‬ ‫حب و حزن و كربايء ‪.‬‬ ‫قدمية ‪ ،‬تزرع يف قلب الصبية وداين ّ‬ ‫الوردي ‪ ،‬يطرق ابب اخللد ‪ُ ،‬حيضر الشمس زيتونةً من‬ ‫صويت‬ ‫ّ‬ ‫بيسان ‪ ،‬يقول للزمن األعمى ‪ ،‬هذي احلقيقة فمىت تشرتي عينا‬ ‫و ضمريا ؟ مىت أتخذ من يدي كومة نور لرتى بشاعة سكينتك‬ ‫متزق خاصريت اجلميلة ‪.‬‬ ‫اليت ّ‬ ‫إطع ّين‬ ‫مىت تفيق ؟ أيها الزمن الرمادي ‪ ،‬أيها اجلناح املريض ‪َ ،‬‬ ‫خبذالنك و ومهك العابر ‪ ،‬فأان من جنس مالئكة الفردوس ال‬ ‫أعرف املوت ‪.‬‬

‫‪288‬‬


‫الرباقة ‪ ،‬أنتظري حبّة صويت ‪ ،‬و عنفوان‬ ‫إنتظريين أيتها الطيور ّ‬ ‫فإين قد سئمت النحيب ‪ ،‬و من حويل أبناء أيب جتلببوا‬ ‫الناصرة ‪ّ ،‬‬ ‫مرا لطاملا أدهش عيون اجلفاء ‪.‬‬ ‫بشرًة ملساء ‪ ،‬و بروداً ّ‬ ‫اجلب ‪ ،‬قليب ّتورم من وجه الغياب ‪،‬‬ ‫لقد مللت األقامة يف غيابة ّ‬

‫هل من عني تعيين ‪ ،‬فأهنار البسيطة تعو ّدت أن تتسوق املياه من‬ ‫جفوين ‪ ،‬عجبا لكل هذا النكران ‪ ،‬و أان ّأم األرض ‪ ،‬مىت ما‬

‫ج ّفت أدمعي أصاب حكاايهتم العطش ‪ ،‬و راحوا يبحثون يف‬ ‫دفاتري عن مسلسل جديد ألملي العريض ‪.‬‬

‫( سني ليقي اونيين)‬

‫لقد احببت الطني ‪ ،‬النه يذكرين بيديك العظيمتني ‪،‬‬ ‫و صرت وبالوعي احس ابلزهو ‪ ،‬حينما ارى اسرااب من‬ ‫الوافدين على اببك يطلبون شيئا من الرحيق ‪ ،‬وانت صاحب‬

‫‪289‬‬


‫السر‬

‫‪.‬‬

‫العظيم‬

‫عجبا كم قد حتدثنا عن تالشي الزمان و املكان ‪ ،‬وها انت‬ ‫تعجنهما إبصبعيك يف طينتك الندية و قصبتك املورقة دوما ‪،‬‬ ‫فكان‬

‫لوحك‬

‫هو‬

‫الالهناية‬

‫‪.‬‬

‫تطل علينا حنن البدائيون يف عصرايتك البابلية الدافئة ‪ ،‬من‬ ‫شرفات اسوار اورك اليت تلمع كالنحاس ‪ ،‬و يف يديك قدح شاي‬ ‫عراقي عسلي كعيين مالك ميرح يف الربية مع ظبيات انكيدو ‪.‬‬ ‫اجل اعرف ‪ ،‬انت تريده شااي قليل السكر ‪ ،‬ألنك انت احلكيم‬ ‫الذي خرب االمور و عرف االسرار ‪ ،‬يداك غلبتا الشيخوخة و‬ ‫‪.‬‬

‫املوت‬

‫اجل اعرف انت تنظر الينا و تبتسم ‪ ،‬فانت ( هو الذي رأى‬ ‫)‬

‫سني ليقي اونيين ‪ :‬الكاتب البابلي الذي نسخ ملحمة جلجامش‬ ‫‪.‬‬

‫‪290‬‬


‫أمساء‬ ‫اليست االمساء آخر شيء اودعته فينا امنا االرض ؟ امل يكن‬ ‫املدى مثلي ‪ ،‬يئن؟‬ ‫صدقين لوال هذا القلب الصخري الب ّكاء ‪ ،‬ولوال صوت حبجم‬ ‫ابتسامة الصباح‬ ‫لعدت اىل الزعالن استنشق ما تبقى من الرحيق‬

‫‪...‬‬ ‫زهرة وسط سيل من الرمال املتموجة ‪ ،‬كاهنا راع قد غرق يف‬ ‫اخلليج‬ ‫تعد انفاس الشوق واحدا واحدا ‪ ،‬تلوذ بتوسالت الصفا و املروة‬ ‫‪291‬‬


‫مىت جتيء؟ مىت حتكي لنا حكاية النصر العظيم؟‬ ‫‪...‬‬ ‫لقد عربت ذات يوم بقارب من الرايح مجيع اشكال الصمت ‪،‬‬ ‫تطلعت اىل وجه احلقل ساعة انشاده اغنيانه احلبيبة ‪ ،‬حينها‬ ‫صافحتين ارواح املسافرين‬ ‫و اهدتين كنوز حبار االنوار ‪ ،‬كم اان ممنت لذلك‪.‬‬ ‫‪.........‬‬ ‫مزدمحة هي و براقة تلك الدرب اليت تنزل منها شالالت الصيف‬ ‫الوردية‬ ‫اهلمت اضلعي خفقة ال تنسى ‪،‬رطمت راسي البارد ابحجار من‬ ‫الصنوبر‬ ‫انين اشعر ابلعجز ملاذا اهل موميب اكثر وداعة و سلما؟‬ ‫‪..............‬‬

‫‪292‬‬


‫هامش‬ ‫الزعالن هنري صغري يف ريف مدبنة احللة ‪.‬‬ ‫حبار االنوار كتاب يف احلديث مشهور ‪.‬‬

‫الكتابة املتموجة‬

‫زايرة‬

‫‪293‬‬


‫لقد زرته ابكرا ‪ ،‬كانت السماء مورقة كعادهتا ‪ ،‬و الشهب ال تريد‬ ‫ان تتوقف ‪ ،‬ال تريد هلذا االنسان ان يفرح ‪ ،‬فالفرحة مركب‬ ‫صعب ‪ .‬حينما طرقت الباب خرجت نعامات أبذانب طويلة ‪،‬‬ ‫كانت ملونة و تضحك سرا ‪ .‬هناك ‪ ،‬عند االبواب ‪ ،‬يتربع‬ ‫االنسان بشيء من كرامته ‪ ،‬لكن و بكل صراحة – حينما و‬ ‫قفت حتت ظل تلك الشجرة ‪ -‬كنت أشعر ابلزهو ‪ .‬لقد َعلِم‬ ‫أنين اصحب معي فكرة مذهلة ‪ ،‬حىت االطفال يف الساحة‬ ‫االمامية علموا ذلك ‪ .‬و يف الواقع الكل يعلم اال بعض اجلزر‬ ‫ميزق الستار ‪،‬‬ ‫القابعة خلف الستار القدمي ‪ .‬كان إبمكانه ان ّ‬

‫فضي أعرفه جيدا حيمل زهورا و خبورا من‬ ‫لكن هنالك صوت ّ‬ ‫ب عطر مبهر ‪ ،‬و انه‬ ‫املستقبل خيربين عن االسرار ‪ ،‬خيربين ا ّن احلُ ّ‬ ‫رفيق االنسان الذي ال خيطئ ‪ .‬لقد اخربين عن شيء كجوهرة‬

‫البحر ال يدركه سوى حبّار عشق البحر منذ عصور ‪ .‬كان فاتنا و‬ ‫غريبا ‪ ،‬نعم الغرابة شيء مثني يف زمن أعمى ‪ .‬انه جيلس خلف‬

‫املطر ‪ ،‬هناك ‪ .‬لقد رأيته يفتح الباب ‪ ،‬مل استطع اال ان ألقي‬ ‫التحية عليه و أخربه عن النخلة و عن العوامل اليت تعوم خلف‬ ‫الكلمات ‪ .‬يف احلقيقة مل أجده مهتما ‪ ،‬كان مشغوال ابلنظر اىل‬

‫‪294‬‬


‫ايل قائال ‪ :‬اان ال أرى نفسي يف احالمكم ‪،‬‬ ‫املرآة ‪ ،‬مث التفت ّ‬ ‫سأرحل خارج اجملرة أحبث عن حبّارة جدد ‪.‬‬

‫صوت حزين‬ ‫بكل هدوء ‪ .‬يف جدوهلا‬ ‫قرييت صغرية كت ّفاحة تغفو يف املساء ّ‬ ‫الصغري الشوارع ابقات ٍ‬ ‫يعزفن‬ ‫وهم ابسلة ‪ .‬هناك ‪ ،‬النساء‬ ‫َ‬

‫التل ابنتظار العيد الذي سرقته الرايح ‪ .‬و‬ ‫الضوء ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫جيلسن وسط ّ‬ ‫ظل عاجز‬ ‫أان وريث سني ليقي ال أجيد شيئا سوى احلكاية ‪ ،‬إنّين ّ‬

‫أي سوق تباع الشموع ‪ .‬ليتك ترى‬ ‫و كسيح ‪ ،‬ليتين أعلم يف ّ‬ ‫األفق ‪ ،‬كان لونه وردايً و عطرا ‪ ،‬يفيض ابحللم ‪ ،‬نعم املرأة أكثر‬ ‫لكن حول خيمتها ظلمة حجرية ورثناها من‬ ‫حلما من شاعر ‪ْ ،‬‬ ‫أجدادان الغالني ‪.‬‬ ‫مغربة‬ ‫هناك يف قرييت ‪ ،‬ركام من عيون جاحدة ‪ ،‬و بقااي فكرة ّ‬

‫أحبرت يوماً يف قارب احلقيقة‬ ‫قش ال تنفع لشيء ‪ .‬لقد‬ ‫ُ‬ ‫ككومة ّ‬ ‫وجدت يف جزرها امساّ لتلك األصوات اليت تتبجح ابلتعاليم‬ ‫فما‬ ‫ُ‬ ‫وجدت تلك العيون الضبابية ‪ .‬عجبا كيف استطاعوا سرقة‬ ‫‪ ،‬و ال‬ ‫ُ‬ ‫‪295‬‬


‫إرثنا اجلميل ‪ ،‬لقد أخربتين اجلزر البيضاء أ ّن روح املرأة من ساللة‬ ‫الضوء و أ ّن حكاايهتا عالية ‪ ،‬بينما حنن نفيض ابملرااي اليت ال ترى‬ ‫سوى وصااي مزورة ‪ ،‬كم حنن غارقون يف العمى ‪ .‬هناك يف قرييت ‪،‬‬ ‫ال جتد أشجار الالزورد و الياقوت اليت أهبرت جلجامش ‪ ،‬بل‬ ‫مشوه كالليل املريض ‪.‬‬ ‫ستجد يدين غارقتني يف الثلج ‪ ،‬و صواتً ّ‬ ‫إنّين حزين جداّ ‪ ،‬أال ميكنك أن تشعر بذلك ‪.‬‬

‫التعبريية القاموسية‬

‫فالح‬ ‫إنين فالح قدمي‪ ،‬أعرف رائحة هذه األرض‪ ،‬وال أرى صوريت اال‬ ‫على وجه املاء‪ .‬أنبت بني البقل كفراشة تعشق الصباح‪ .‬تعال‬ ‫‪296‬‬


‫انظر اىل الفرات؛ انّه عذب وصاف ال يعرف حقدا‪ .‬لقد نزل‬ ‫اوي تغطّي وجهه‬ ‫الينا ذات صباح برداء ّ‬ ‫بين و عقال كفارس صحر ّ‬ ‫الرمال‪ .‬و أحدثك أيضا عن أوروك‪ ،‬هي ليست مدينة انعسة‪،‬‬ ‫فجدراهنا من النحاس و قد شيّد احلكماء السبعة أسسها‪ .‬تعال‬ ‫كفي‪ ،‬اهنما خشنتان جدا‪ ،‬كأهنما بشرة خنلة متطر عسالً‬ ‫انظر اىل ّ‬ ‫فوق رؤوس العنرب الشفيف‪ ،‬لذلك ليس غريباً أن جتد الظالم‬

‫جالساً هناك‪ ،‬يف تلك الزاوية ‪ ،‬بثوبه اجلليدي يقتل أطفالنا‪.‬‬

‫ازهار السحاب‬ ‫مهست من هناك ؛ اين جتد حكايتك ؟ االزهار البنفسجية‬ ‫اهنا َ‬ ‫انئمة ‪ ،‬و دروب املرااي تالحق االشجار البيضاء ‪ .‬الطيور و النهر‬ ‫االسطوري يعرف تلك اللحظة اليت حتتاج اىل ابتسامة و دفء ‪.‬‬

‫‪297‬‬


‫زلت اغرق يف شوق البحر ‪ .‬و ال زلت متعلقا بذلك القطار‬ ‫اان ال ُ‬ ‫حيث التقينا ابلظالل امللونة و تلك االصوات الناعسة جبانب‬ ‫الفضاء الواسع ‪.‬‬ ‫اهنم يقولون ا ّن الوان النهر و فراشات الصباح نزلت من تلك‬ ‫الشرفة ‪ .‬نعم حنن نعلم اهنا عليها ان تقبل عيون ابئع الزهور ‪.‬‬ ‫الظالل امللونة اخربتين حينما نتعلم الضحكة العميقة و حينما‬ ‫ينام القمر بني جفوننا ‪ ،‬يف ذلك الوقت سنعرف قبلة جديدة ‪ .‬و‬ ‫سنرى ازهار السحاب‪ .‬هل ميكنك ان تتصور تلك االزهار ؟‬ ‫هل ميكنك ان تتوقع ماذا ستخربان الغيوم ‪.‬‬ ‫إنفجار‬

‫الصوت األرجواين للحزن‪ ،‬ورغم ثوب املوت‬ ‫أان أراك رغم هذا ّ‬

‫الزاهي‪ ،‬فأان ما زلت استطيع أن أراك‪ .‬ال تقلق إنين أراك‪ ،‬على‬ ‫ّ‬

‫تتأمالن الوجه‬ ‫سريرك الوفري‪ ،‬حتلم ابلغد غري آبه ابملوت‪ ،‬وعيناك ّ‬

‫القبيح هلذا العامل األعمى‪ ،‬عامل ننت يفيض بشاعة‪ ،‬يسرق دمي‬

‫‪298‬‬


‫وأطفايل وفتياين اجلميلني‪ ،‬وحيرق بلديت‪ ،‬ومدرسيت وسياريت‬ ‫الصغرية ‪.‬‬ ‫أان أراك خترج من خاصرة االنفجار شيئًا ال ينكسر‪ ،‬شيئًا يذ ّكرين‬ ‫كل صباح أ ّن‬ ‫ابلقصب‪ ،‬يذ ّكرين جبدَّيت‪ .‬لقد اعتادت أن ختربين َّ‬ ‫وخنجرا جدي ًدا وحق ًدا جدي ًدا قد غرزوه يف‬ ‫انفجارا جدي ًدا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ضا عن األطفال وعن ال ِّدماء‪ ،‬وأان‬ ‫خاصرتك البهيّة‪ ،‬وختربين أي ً‬ ‫ابلصخب كشمس‬ ‫أعلم أنَّك وطن يفيض ابل ّدماء‪ ،‬ويفيض َّ‬ ‫الظّهرية وكشط احللة واإلوّزات فيه متأل النّفوس ابلضَّجيج‪.‬‬ ‫فأطرب لصوهتا العايل كفراشة صغرية ترى َّ‬ ‫الصباح َّ‬ ‫ألول وهلة‪ .‬مثّ‬ ‫شبح‬ ‫حبرا من عشق‪ ،‬فأان عاشق‬ ‫أسطوري‪ ،‬أان بقااي ٍ‬ ‫ٌّ‬ ‫أعود إليك ً‬ ‫خالد وحكاية منسيّ ٍة قد عادت إىل حديقة ج ِّدها ابمسةً قبل‬ ‫َّدي وردائي َّ‬ ‫توي املتهرئ أنفذ‬ ‫الش ّ‬ ‫املساء‪ .‬هكذا أعود بصميت الن ّ‬

‫املتفحمة وقليب ِ‬ ‫اىل بشريت املتفحمة وسيَّاريت ِ‬ ‫هنرا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املتفحم‪ ،‬فأجدك ً‬ ‫طويال جدًّا بعدد النجوم وبعدد الذين جاؤوان من حقول القمح‬ ‫ً‬

‫صنعت منها سفينتك الباهرة‪ ،‬الباهرة جدًّا‪.‬‬ ‫وبعدد اجلراح اليت‬ ‫َ‬

‫‪299‬‬


‫العبارات ثالثية االبعاد‬

‫( البحث عن أوروك )‬

‫لقد أخربتين املساءات الرمادية عن أحجيّة مق ّدسة جتلس بني‬ ‫األطفال تعلّمهم حكاايت الضوء ‪ .‬أان لست واثقاً من األهنار و‬ ‫‪300‬‬


‫الينابيع ‪ ،‬قال ذلك وهو غارق يف حريته وسط ذلك اجلمع‬ ‫األسطوري ‪.‬‬

‫قالوا بصوت فاخر ‪ :‬نعم هذه أيدينا تباركك ‪،‬‬

‫لتكن هنا أسوار حناسيّة ‪ ،‬و لتكن أوروك اثنية ‪.‬‬ ‫قصيت الباهرة ‪ .‬كان الوقت يع ّد‬ ‫هكذا حيكي اللّون احلالك ّ‬

‫أصابعه بشراهة كبرية ‪ .‬إنّين أراه ‪ ،‬هناك عند الزاوية خيتلي‬

‫أبحالمه العظيمة ‪ ،‬حي ّدثين عن لون آخر للغروب‪ .‬عجباً ‪ ،‬هذه‬ ‫أزقّة مدينيت اجلليدية ‪ ،‬تكرب كسيقان الصنوبر بال معىن ‪.‬‬ ‫الرباقة ‪ ،‬تعصف أبوصايل يف ليلة عيد ‪ ،‬متنحين‬ ‫اي هلذه الرايح ّ‬ ‫بكل عنف‪ .‬أان تلك الشجرة اللوزية القدمية ‪ .‬دمي يبتسم‬ ‫أغنيتها ّ‬ ‫يف الساقية ‪ ،‬كعصفور جييد لغة اخللود ‪ .‬أخرج رأسي من حتت‬

‫األرض فأرى اجملرة ‪ ،‬هناك حيث يلعب الفتية أبوهامهم اليابسة ‪.‬‬ ‫هل ترى اي صديقي ؟ ليتك ختربين أين ميكنين أن أعثر على‬ ‫حياة أخرى ‪.‬‬ ‫هذه زنبقة و أمنية و جسر أرجواين ‪ .‬ليس أمراً غريباً أن أكون‬ ‫أتلمس وجه األرض بكل هدوء ‪.‬‬ ‫شجرة ‪ .‬و ليس أمراً غريباً أن ّ‬

‫يعشعش يف رأسي سرب طويل من الطيور امللونة ‪ .‬إصغي جيداً ‪،‬‬ ‫أتصور مجاله األ ّخاذ ‪.‬‬ ‫اي لصوهتا‬ ‫الشجي ‪ .‬أان ال ميكنين أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪301‬‬


‫البين‬ ‫حسناً ‪ ،‬ليجلس املستمعون ‪ ،‬و لتكن قيامة احلقيقة ‪ .‬احلقل ّ‬ ‫ال يعرف الكذب ‪ ،‬و ذلك الرعد ما عاد يسرق قلوب الفتيات‬ ‫احلاملات ‪ .‬إننا شعب املاء ‪ ،‬ننمو يف قلب األرض الصخرية‬ ‫الالزود ‪ .‬شعرها من‬ ‫ضة نديّة قد عاد هبا الصيّادون من حبار ّ‬ ‫كف ّ‬ ‫أشعة الشمس ‪ .‬اي هلذا البهاء الغريب ‪.‬‬

‫هامش‬ ‫كمي )‬ ‫درجات جتلّي العناصر الفنية ( نقد ّ‬ ‫الكمي ‪،‬‬ ‫البحث يف درجات جتلّي العناصر الفنية هو من النقد ّ‬ ‫وهو مدخل اىل علم النقد ‪ ،‬و يعتمد على االستقراء و االحصاء‬ ‫‪ ،‬و تتبع جتلي العنصر املبحوث يف النص يف كل وحدة تعبريية و‬ ‫امهها ( االسنادات و اجلمل ) ومعتمد على املعارف العرفية و‬ ‫التجلي قد تكون ضعيفة ان كان‬ ‫الواقعية اجلليّة ‪ .‬و درجة‬ ‫ّ‬ ‫التجلي يف أقل من (‪ )30%‬من وحدات النص ‪ ،‬و متوسط‬ ‫(‪ )%-7-30‬و قوي (اكثر من ‪. )%70‬و يكون االسلوب‬ ‫طاغيا ان جتاوز (‪ ) 85%‬من وحدات النص ‪.‬‬ ‫‪302‬‬


‫اجلهة االوىل ‪ :‬االحصاء‪.‬‬ ‫النص مت ّكون من ( ‪ )5‬فقرات بـ (‪ ) 18‬سطراً ‪ ،‬و من (‪)21‬‬ ‫مجلة ‪ .‬و ما يقارب من (‪ ) 60‬إسناداً ‪ ،‬و (‪ )250‬كلمة ‪،‬‬ ‫موجهة ‪.‬‬ ‫(‪ ) 30‬كلمة منها مركزية و (‪ )50‬كلمة ّ‬

‫اجلهة الثانية ‪ :‬التجنيس‬ ‫درجة جتلّي شعر سردي ( سردية تعبريية ) ‪ ، )85%( :‬درجة‬ ‫جتلّي نثروشعرية ( اجلمل و الفقرات) ‪ ، )90%( :‬درجة جتلّي‬ ‫قصيدة نثر حرة ‪ ، )90% ( :‬درجة جتلي قصيدة نثر كتلة واحدة‬ ‫(صفر‪ ، )%‬درجة جتلّي شعر ايقاعي ‪ ( :‬صفر ‪ ، )%‬درجة‬ ‫جتلي شعرية صورية (‪ ( )50%‬الشعرية الصورية مع النثروشعرية‬ ‫حيقق اللغة املتموجة وهي من خصائص قصيدة النثر العربية ‪.‬‬ ‫درجة جتلّي القص ‪ ، )10% ( :‬درجة جتلّي الدراما‪، )20%( :‬‬ ‫درجة جتلّي اخلطابة ‪ ، )10%( :‬درجة جتلّي اخلاطرة ‪. )10%( :‬‬

‫‪303‬‬


‫درجة جتلّي النص املفتوح ‪ ، )50%( :‬درجة جتلّي النص احلر‬ ‫العابر لالجناس ‪. )30%( :‬‬ ‫اجلهة الثانية ‪ :‬مستوى ما قبل النص ( العوامل املاوراء نصية )‬ ‫درجة جتلّي العوامل الفكرية للمؤلف ‪ ، )85%( :‬درجة جتلّي‬ ‫العوامل النفسية ‪ ، )80%( :‬درجة جتلّي العوامل االجتماعية و‬ ‫االنسانية ‪ . )90%( :‬درجة جتلّي الرسالية (‪. )90%‬‬

‫اجلهة الثالثة ‪ :‬مستوى التقنيات النصية‬ ‫درجة جتلّي النثروشعرية ( الشعر الكامل يف النثر الكامل ‪ ،‬البناء‬ ‫اجلملي املتواصل ؛ اجلمل و الفقرات ) ‪ ، )90%( :‬درجة جتلّي‬ ‫السرد التعبريي ( الشعر السردي ) ‪ ، )85% ( :‬درجة جتلّي‬ ‫البوليفونية ( تعدد االصوات ) ‪ . )85%( :‬درجة جتلّي‬ ‫الفسيفسائية ( لغة املرااي ‪ ،‬العبارات املرتادفة )‪. )90%( :‬درجة‬ ‫جتلّي التجريدية ‪. )80%( :‬درجة جتلّي اللغة املتموجة ( وقعنة‬ ‫اخليال ) ‪ . ) % 95( :‬درجة جتلّي املستقبلية ( احلركة داخل‬ ‫النص ) ‪ . )70%( :‬درجة جتلّي التعبريية ‪)40%( :‬‬ ‫‪304‬‬

‫‪.‬درجة‬


‫جتلّي السرايلية ‪ . )20%( :‬درجة جتلّي الرتاكمية ( عبارات ثالثية‬ ‫االبعاد ) ‪ ( )20%( :‬ال ميكن للعبارة ثالثية االبعاد ان تتجاوز‬ ‫(‪ )30‬الن كل عبارة تراكمية حتتاج اىل عبارتني او اكثر قبلها ‪.‬‬ ‫درجة جتلّي التجسيدية ( اللغة الرامسة ) ‪ . )70%( :‬درجة جتلّي‬ ‫التبادلية ( تداخل االصوات ) ‪)20% ( :‬‬

‫مثال لغة تبادلية‬ ‫مثال (‪( )1‬خيتلي أبحالمه العظيمة ) من الواضح أ ّن وصف‬ ‫عظيمة ال يناسب صاحب تلك االحالم فهي على خالف املراد‬ ‫(اي احالم ابئسة ) ‪ .‬مثال (‪( )2‬دمي يبتسم يف الساقية ‪،‬‬ ‫كعصفور جييد لغة اخللود ) من الواضح ا ّن الدم يف الساقية‬ ‫مهدور رخيص و االنسب له ان يبكي ال يبتسم ‪ ،‬وان جييد لغة‬ ‫أتصور مجاله‬ ‫الفناء ال اخللود ‪ .‬مثال (‪( )3‬أان ال ميكنين أن ّ‬ ‫األ ّخاذ ‪ ) .‬بعد البيان املطلع و بيان صوهتا الشجي ‪ ،‬و أمر‬ ‫االخر ابالصغاء يكون غري مناسب عدم امكان املتكلم التصور ‪،‬‬ ‫بل املراد الغري املخاطب مبعىن ( انت ال ميكنك ) ‪ .‬و اللغة‬ ‫التبادلية ال ب ّد فيها من قرينة سياقية تكشف عن عدم ارادة ظاهر‬ ‫‪305‬‬


‫اجلملة و إرادة ما خيالفها او غريها واال كانت إخالال ابخلطاب و‬ ‫الرسال ‪.‬‬ ‫مثال العبارة ثالثية االبعاد‬ ‫تتحقق العبارة ثالثية االبعاد اليت تستحضر تراكم معريف نصي و‬ ‫افادات و رسائل مؤجلة و سابقة غري مكتملة فتجتمع كلها يف‬ ‫تلك العبارة ثالثية االبعاد ‪ .‬مثال (‪( )1‬لقد أخربتين املساءات‬ ‫الرمادية عن أحجيّة مق ّدسة جتلس بني األطفال تعلّمهم حكاايت‬

‫الضوء ) فهنا اربعة مقاطع ال تكتمل افادة و بياان اال عند عبارة (‬

‫تعلّمهم حكاايت الضوء ) حيث عند هذه العبارة يستحضر‬ ‫القارئ مجيع ما قرأه من مقاطع سابقة لفهم حدود و حقيقة ذلك‬ ‫نصي له أتريخ ‪.‬مثال (‪( )2‬عجباً ‪ ،‬هذه أزقّة‬ ‫النظام ككيان ّ‬

‫مدينيت اجلليدية ‪ ،‬تكرب كسيقان الصنوبر بال معىن ‪ ) .‬ان املقاطع‬ ‫انقصة دالليا ‪ ،‬و ال تكتمل افادهتا اال عند عبارة ( بال معىن )‬ ‫فيحضر عندها ابقي املاقطع و تتوضح دالالهتا ‪ .‬مثال (‪( )3‬إننا‬

‫ضة نديّة قد عاد‬ ‫شعب املاء ‪ ،‬ننمو يف قلب األرض الصخرية كف ّ‬ ‫الالزود ‪ .‬شعرها من أشعة الشمس ‪ .‬اي‬ ‫هبا الصيّادون من حبار ّ‬

‫هلذا البهاء الغريب ‪ ) .‬وهذا مثال منوذجي للعبارة ثالثية االبعاد و‬ ‫‪306‬‬


‫اللغة الرتاكمية حيث ان عبارة ( اي هلذا البهاء الغريب ) ال يفهم‬ ‫اال ابستحضار افادات و ما بينته املقاطع السابقة ‪ .‬ان العبارات‬ ‫ثالثية االبعاد من االستخدامات الفذة يف تعظيم طاقات اللغة‬ ‫التعبريية ‪.‬‬ ‫اجله ة الثالثة ‪ :‬مستوى ما بعد النص ؛ القراءة و االستجابة‬ ‫اجلمالية ‪.‬‬

‫درجة جتلّي االهبار ( العجز االجنازي جتاه النص ) ‪، )70%( :‬‬ ‫درجة جتلّي طيف االستجابة (سعة مساحة االستجابة و تنوع‬ ‫مناطقها الشعورية ‪، )70% ( :‬‬ ‫درجة جتلّي االستجابة الظاهرية‬

‫‪، )60% ( :‬‬

‫درجة جتلّي‬

‫االستجابة العميقة ‪ . )70% ( :‬درجة جتلّي التداولية ( اللغة‬ ‫القريبة) ‪ )40%( :‬من غري اجليد ان يتجاوز التوصيل و التداولية‬ ‫( ‪ )50%‬الن النص سيكون مباشرا ‪ ،‬و ال ان يقل عن (‬ ‫‪ )30%‬الن النص سيكون النص مغلقا ‪.‬‬

‫‪307‬‬


‫ميتاشعر‬

‫ورقة صامتة‬ ‫رقيق هو الصباح كقصيدة نثر غرقت يف عامل من الضباب ‪ .‬كيف‬ ‫الظل الكسيح ؟ أحبث عن‬ ‫تريدين اذن أن أراها‪ ،‬و أان ذلك ّ‬ ‫عيوين اليت غادرهتا البداايت ‪ .‬كلمايت وريثة األشباح املرهقة تتبعثر‬ ‫يف املكان كخيط رفيع جدا ‪ .‬و رقيت الصامتة ال تعلم أهنا صفراء‬ ‫جدا‪ ،‬و ال تعلم أهنا تسابق الريح كموت ساحر‪ .‬هكذا أان ‪،‬‬ ‫أعيش مع كلمايت املسكينة يف عامل من العمى ‪ .‬القارئ الذي أُثقله‬ ‫بندائي ال جيد قاراب يف بركة الضباب هذه ‪ .‬انه ال يعيش حكااييت‬ ‫لذلك فهو لون ميّت‪ .‬حىت صديقي الشاعر الذي يسابق الندى‬ ‫أيضا صار جيلس يف بركة الصمت مهموماً‪ .‬و أان ذلك املسكني ‪،‬‬ ‫يف أحيان كثرية استغرب أنين الزلت أتنفس ‪ .‬ليس فقط ألنين ال‬ ‫‪308‬‬


‫أرى ورقيت ‪ ،‬بل ألن كلمايت غريبة جدا اىل ح ّد أهنا سئمت البقاء‬ ‫بقريب ‪.‬‬

‫جزر الشعر‬

‫ميتا شعر ‪ ،‬فسيفسائية‬ ‫جزر الشعر البلّوريّة جتلس يف خيمتها هناك ‪ ،‬و على رقبة عنزهتا‬

‫ضاء ينري طريق السائرين ‪ .‬حينما تقرتب الظباء من‬ ‫فانوس و ّ‬ ‫السريّة جتد ماء احلياة فتعشق احللم ‪ .‬الشاعر و خبالف‬ ‫ينابيعها ّ‬ ‫مجيع خملوقات االرض ال حيتاج اىل مركبة امنا حيتاج اىل االحبار اىل‬

‫داخله البلّوري ‪ ،‬حيث الينابيع و حيث أزهار الشعر ‪.‬‬ ‫أوروك سيدة املسافات ‪ ،‬هل رأيت آجرها ‪ ،‬إنّه من النحاس‬ ‫اخلالص الذي ال يراه سوى حبارة مهرة ‪ .‬أان و أنت ايها الشاعر‬ ‫‪ ،‬سفينتنا من اخليزران و أنفاسنا من النحاس ‪ ،‬لقد رأيت‬

‫‪309‬‬


‫القصيدة تبحث عنك وسط الذهول ‪ .‬نعم إ ّن الشعر حلظة إحبار‬ ‫و ذهول ‪.‬‬

‫ِ‬ ‫مبدعا‬ ‫ش ً‬ ‫ع ْ‬ ‫شاعر األمهر فريد غامن)‬ ‫(إىل ال ّ‬ ‫ِ‬ ‫الرماد‪ ،‬صوتُك النُّحاسي ُّ‬ ‫يشق‬ ‫تنثر َ‬ ‫ش ً‬ ‫ع ْ‬ ‫الورد يف مدن ّ‬ ‫مبدعا‪ُ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ط فوق بيتِنا منذ عصور‪ .‬هكذا‬ ‫كنسيم‬ ‫وجهَ الظُّلمة‬ ‫فينيقي ح ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫والبحر و َّ‬ ‫ابحات أحلانِك‬ ‫غين‪ ،‬يتبهُ يف‬ ‫أج ُد النَّهر‬ ‫الشجر يُ ّ‬ ‫َ‬

‫لكل هذه األلوان واألمواج‬ ‫كمساف ٍر َ‬ ‫عاد مع املساء‪ .‬عجبًا ِّ‬ ‫تسكن كلماتِك وتُنادي‬ ‫للح ّرّايت اليت‬ ‫الغريبة‪ ،‬عجبًا لألعياد‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫االرض اليباب‪ .‬منذ أن رأيت‬ ‫ابألرض اليباب‪ ،‬أفيقي أيّـتُها‬ ‫ُ‬ ‫إشراقتك وأان ُّ‬ ‫أعد النُّجوم‪ ،‬أجل أان رجل ابرعٌ يف ع ّد النُّجوم‪،‬‬ ‫شالالتِك الرفيعة‪.‬‬ ‫إنّين أُصغي إىل هدير ّ‬

‫‪310‬‬


‫ض ٍي ُحيلّق قي ٍ‬ ‫ِ‬ ‫شر‬ ‫ش‬ ‫مساء رماديٍّة‪ ،‬يُب ِّ‬ ‫مبدعا‪ ،‬كطائ ٍر ف ّ ّ ُ‬ ‫ً‬ ‫فريد؛ ع ْ‬ ‫ابل َفجر اجلديد‪.‬‬

‫‪311‬‬


‫التقليلية‬

‫الشرفة‬

‫خلف الظالل ‪ ،‬ترعى احلكاية ‪ ،‬هناك يف عمق املعىن حيث‬ ‫تقطن الينابيع ‪ .‬يدي قصرية و عيين ال تبصر ‪ ،‬لكن روحي تبحر‬ ‫حنوها فرتاها حينما تنزل من شرفتها مع املساء‪.‬‬ ‫*‬ ‫حبث‬

‫‪312‬‬


‫شجرة بيتنا هترول حافية حتت الشمس ‪ ،‬تبحث عن صغارها ‪،‬‬ ‫عبثا حتاولني ‪ ،‬الشيء هنا سوى االشالء ‪.‬‬

‫( مرااي )‬

‫( تقليلية فسيفسائية )(‪)1‬‬

‫‪ -1‬لقاء‬ ‫هناك ‪ ،‬خلف املطر ‪ ،‬عند الينابيع السرية ‪ ،‬نلتقي ‪.‬‬ ‫‪ -2‬جتلّي‬ ‫روحك أراها بوضوح ‪ ،‬مشسا من الكلمات ‪ ،‬تعلمين نشيد‬ ‫الصباح ‪.‬‬ ‫‪ -3‬صوت‬

‫‪313‬‬


‫صوتك ‪ ،‬أييت من بعيد ‪ ،‬من االعماق ‪ ،‬ليتجلى صرخة على‬ ‫الورقة ‪.‬‬ ‫‪ -4‬يعقوب امحد يعقوب‬ ‫يف ايء كرمي و بناء فريد أج ُد سيين و ألف يعقوب ( ‪)2‬‬ ‫‪ -5‬عادل قاسم‬ ‫سالمل الزمن مركبتك ‪ ،‬فيحيا النص و يتحرك كشهاب من‬ ‫املستقبل (‪.)3‬‬ ‫‪ -6‬طريق‬ ‫فرحت هبا كطفل ّبري ‪ ،‬الطريق ‪.‬‬ ‫عثرت عليها‬ ‫حينما ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪ -7‬قصيدة‬ ‫ليتك تراين ‪ ،‬خلف الكلمات أنتظرك ‪ ،‬أان ‪ ،‬القصيدة ‪.‬‬ ‫‪ -8‬الشعر‬ ‫الشعر حكاية وطن ‪ ،‬انه عاصفة صادقة ‪.‬‬

‫‪314‬‬


‫‪ -9‬احلب‬ ‫احلب حكاية مؤجلة ‪ ،‬بداايهتا ( شعبان شهر املطر ميال االرض‬ ‫ّ‬ ‫ابلعهد اجلديد )(‪)4‬‬

‫هامش‬ ‫(‪ ) 1‬الفسيفسائية هي الرتادف يف العبارات ‪ ،‬أبن تكون خمتلفة يف‬ ‫الظاهر اال اهنا تنبع من منبع واحد و قضية واحدة و تقصد غاية‬ ‫واحدة فتحقق واحد قصدية و مصدرية غري الوحدة العضوية ‪ .‬و‬ ‫النص يتحدث عن الشعر و القصيدة فهو ميتاشعر ايضا ‪.‬‬

‫(‪ ) 2‬الياء ايء املضارعة و البناء بناء املاضي و السني سني‬ ‫املستقبل و االلف الف االمر ‪ ،‬و املتتبع السلوب هؤالء الشعراء‬ ‫( يعقوب امحد يعقوب و كرمي عبد هللا و فريد غامن) سيجد ان‬ ‫تلك الصيغ الزمنية هي البارزة يف كتاابهتم ‪.‬‬

‫‪315‬‬


‫(‪ ) 3‬اشارة اىل الكتابة املستقبلية و حركة النص عند الشاعر‬ ‫العراقي عادل قاسم ‪.‬‬ ‫(‪ )4‬مقطع من قصيدة طويلة للمؤلف عنواهنا ( املوت و احلياة)‬

‫اىل صديق‬ ‫اىل االخ الشاعر البارع كرمي عبد هللا‬ ‫رمبا تراين عابسا بوجه الظلمة و الضباب ‪ ،‬لكنين يف داخلي‬ ‫ابتسم ‪ .‬ال تقلق ؛ اننا ننتصر‪.‬‬ ‫عن نيسان‬ ‫نيسان أنشودة الثائرين ‪ ،‬تلون خضرتُه وجه احلقول فتبتسم ‪.‬‬

‫ميتاشعر‬ ‫لن تكون القصيدة قصيدة حىت تكون كالتنني انعمة امللمس‬ ‫لكنها قاتلة ‪.‬‬ ‫‪316‬‬


‫ثالث قصائد يف الصيف‬ ‫صيف أبيض‬ ‫ظل يف صحراء جاء هبا صيف‬ ‫صويت ُم ّر ‪ ،‬ألنّه يتيم ‪ .‬يبحث عن ّ‬ ‫أبيض يفيض ابلوهم ‪.‬‬

‫ضيف أصفر‬ ‫األشجار الشاحبة ‪ ،‬يف قلبها مدينة حزينة ‪ ،‬اهنا ما شيدته أايدي‬ ‫الصيف األصفر ‪.‬‬

‫صيف أمحر‬

‫السواقي حتتفل ‪ ،‬أته دمي الرخيض ‪ ،‬مرحى أيها الصيف األمحر ‪.‬‬

‫‪317‬‬


‫قصائد جتريدية تنبثق من اعماق االحتاد ابالشياء و رؤيتها يف‬ ‫عمقها جمردة من التشكل الظاهري ‪ ،‬بلغة تنقل االحساس و‬ ‫الشعور قبل التوصيل املعنوي ‪.‬‬

‫‪318‬‬


‫املؤلف‬

‫أنور غين املوسوي شاعر عراقي حائز على جوائز‪ ،‬ومرشح جلائزة‬ ‫البوشكارت ومؤلف ألكثر من مائة كتاب‪ .‬ولد عام ‪ 1973‬يف‬ ‫اببل‪ .‬ظهر امسه يف أكثر من مخسني جملة أدبية وعشرين خمتارات‬ ‫شعرية يف الوالايت املتحدة األمريكية واململكة املتحدة وآسيا‬ ‫وقد فاز ابلعديد من اجلوائز؛ منها "أفضل شاعر العامل يف عام‬ ‫‪ 2017‬من ‪ ."WNWU‬يف عام ‪ 2018‬مت ترشيحه جلائزة‬ ‫اديليد للشعر ويف عام ‪ 2019‬مت ترشيحه جلائزة ‪.Pushcart‬‬ ‫حصل على جائزة روك بيبلز األدبية‪ ،‬وجائزة ايسر عرفات الدولية‬ ‫للسالم‪ ،‬وجائزة أكادميية الروح املتحدة للكتاب للشعر يف عام‬ ‫‪ .2019‬أنور طبيب استشاري أمراض الكلى وطالب علوم‬ ‫دينية‪ ،‬ومؤلف ألكثر من مائة كتاب‪ .‬ثالثون منهم ابللغة اإلجنليزية‬ ‫مثل؛ "‪A Farmers Chant‬؛‬ ‫‪319‬‬

‫‪Inner Child‬‬


‫‪،Press 2019‬‬

‫"‪،" Color Whispers‬‬

‫‪and ،2019 ،AABAS Publishing House‬‬ ‫"‪ .2019 ،Just Fiction ،"Salty Tales‬وهو رئيس‬ ‫حترير جملة ‪ ).Arcs Prose Poetry‬يلقبه شعراء عراقيون‬ ‫ابملعلم ووصفته الناقدة اهلندية براغيا سومان ابلشاعر األسطورة‬ ‫ووصفته الشاعرة اهلندية جوترمااي اثكور بشاعر القرن‪.‬‬

‫‪320‬‬


321


322


323


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.