لغة البحر - مجموعة قصصية

Page 1



‫قصة قصيرة‪:‬‬ ‫لــــغـــة البـــحــــر‪..‬‬‫س ّرا فضحه‪ .‬وإن حال حائل بينه وبين الفضح يُصاب بالصداع في الرأس‪ .‬أما‬ ‫إذا اكتشف ِ‬ ‫س ّرا ليذيعه ويفشيه‪ ،‬يقتفي أثره‪ ،‬كعالم الحفريات !!أعرف أنه أول من يستيقظ وآخر من‬ ‫إذا لم يجد ِ‬ ‫ينام‪ .‬وأتعامل معه بالقول المأثور‪ :‬من عرفته ليس كمن تجهله‪ .‬وألني أعرفه حق المعرفة ‪،‬تهت به‬ ‫في الخضم األزرق‪ ،‬وأنا بين نشوة القول وعزف اإليقاع السمفوني المنبعث من توالي اندفاع‬ ‫المويجات على الشاطئ ‪:‬‬ ‫هي أنيس وحدتي‪ .‬هي شبابتي التي أعزف بها ألحان الحياة‪ .‬فتنساب ألحاني عذبة شجية‬‫‪،‬كشالالت تسحر العقل وتأسر الوجدان‪ .‬نصفها العلوي مرهف وشديد الحساسية‪ .‬ونصفها السفلي‬ ‫سر أسراري‪ .‬لها أفضي بمكنونات فؤادي‪ .‬وإليها أبوح بلوعاتي‬ ‫صلب وشديد العناد‪ .‬هي حوريتي‪ .‬و ِ‬ ‫ُ‬ ‫رقصت‬ ‫وأحزاني وأفراحي ومسراتي‪ .‬تمتلك حسا مرهفا يلتقط وقع الندى على محيا الورد‪ .‬وإذا‬ ‫تساير إيقاع رقصي برشاقة‪..‬‬ ‫أوقف تداعيات قولي‪ ،‬ليسأل‪:‬‬ ‫ ومن تكون هذه السعيدة بك و ِب َو َلهك ؟!‬‫وألستمر قليال في التمكن منه زدت في التيهان‪:‬‬ ‫ هي امرأة وليست امرأة‪ .‬هي كحورية البحر التي أحاطتها األساطير بهالة وجودية‪ .‬هي‬‫صلتي بالكون‪ ،‬وطالسم أسئلته‪ ،‬التي تبعث في(الحقيقة)مشاق (الرحيل ) إليها‪ ،‬ك(معنى)‪.‬فهل‬ ‫عرفتها؟‬ ‫ال لم أعرفها‪.‬‬‫ولن تعرفها‪.‬‬‫ثم أضفت‪:‬‬ ‫ألنك تجهل لغة البحر‪.‬‬‫ولـمّا شدّ رأسه‪ ،‬أدركت أن الرج بدأ‪ .‬فقلت لطفا به وبالصندوق الذي يعلو كتفيه‪:‬‬ ‫ال تذهب بعيدا‪ ،‬فهي أمامك‪.‬‬‫استغرب وهو يمسح الشاطئ الوحشي بعينيه روحة وجيئة‪ .‬ثم أضفت ألرده إلى مكان‬ ‫الجلسة‪:‬‬ ‫القصبة‪.‬‬‫عاد الهدوء إلى رأسه‪ ،‬فحملته ورأسه إلى ما يطيب له‪:‬‬ ‫و ما الجديد في عوالمك ؟‬‫قال متحمسا‪:‬‬ ‫عائشة‪.‬‬‫ما بها ؟‬‫ضبطتها ُمتلبِّسة‪.‬‬‫وبماذا تلب ْ‬‫َّست؟‬ ‫ْ‬ ‫لحقت بي ومدَّ ْت لي ماالً‪،‬‬ ‫جاءها العشيق فرمقتني وهي تفتح له باب منزلها‪ .‬بعد وقت وجيز‬‫ْ‬ ‫وطلبت مني أال أكشف المستور‪ .‬استحلفتني أقسمت على الكتاب‪ .‬لكن رأسي كاد أن ينفجر من شدة‬


‫الصداع‪ .‬صبرت وحاولت أن أغالب األلم‪ .‬ولمـّا وصل بي إلى ح ِدّه الذي ال يُطاق‪ ،‬لففت رأسي بقطع‬ ‫الليمون وشددتها عليه بمنديل‪ ،‬ثم ذهبت إليها قبيل الفجر طرقت بابها وسلَّمتها مالها‪ ،‬واعتذرت‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫هرولت قاصدا حارس العمارة ألبدأ به في نشر الخبر‪ .‬لحظتها شرع الدق في رأسي‬ ‫وعلى الفور‬ ‫يغادر وخف ألم الصداع‪.‬‬ ‫سم؟!‬ ‫والقَ َ‬‫أمري هلل‪ ،‬سأصوم ثالثة أيام‪.‬‬‫لقد غمزتني‪ ،‬وقالت‪ :‬هيت لك‪.‬‬‫من؟! عائشة؟!‬‫ال‪ ،‬القصبة‪.‬‬‫جذبتها برفق‪ ،‬ثم شرعت في لَ ِ ّم الخيط بواسطة الجمّاع‪ .‬كانت السمكة تتلوى داخل القعر وأنا‬ ‫أرقص‪ .‬لم يفهم باعث رقصي‪ ،‬فقلت‪:‬‬ ‫ ها هي‪.‬‬‫التفت يمنة ويسرة‪ ،‬ولمـّا مسح الشاطئ الوحشي بعينيه مرة أخرى‪ ،‬ولم ير شيئا سأل‪:‬‬ ‫ومن هي؟!‬‫ضحكت وأنا أطمئنه‪:‬‬ ‫سمكة‪.‬‬‫ثم أضفت‪:‬‬ ‫هل يمكنك أن تخمن أي نوع هذه السمكة؟‬‫وكيف لي أن أعرف؟!‬‫إذا تعلمت لغة البحر‪.‬‬‫كانت السمكة من صنف أسماك ذئب البحر‪ .‬استهواها العوم مع أمواج الشاطئ بحثا عن طعم‬ ‫حي‪ .‬وهذه المنطقة‪ ،‬بهذا الشاطئ الوحشي تكثر فيه هذه الفصيلة من السمك‪ .‬ومن جديد‪ ،‬تهت‬ ‫ب(الرفيق)في الخضم األزرق‪ ،‬وأنا بين نشوة القول وعزف اإليقاع السمفوني للموج‪:‬‬ ‫ إذا كنت مولعا بالصيد وال ترضى لنفسك أن تأكل الجيف من السمك المصطاد بالشباك‪،‬‬‫وتعشق الصيد النظيف في هذا االنتشار األزرق؛ فإن القصبة تصير كل عالمك‪ .‬إليها تنشَد‪ ،‬وبها‬ ‫تتحد‪ .‬و ُ‬ ‫عدّتُك إذا كنت صيادا ‪ :‬قصبة مثل هذه‪ .‬قفة كهذه‪ .‬والطعم حسب نوع السمك الذي تشتهيه‪.‬‬ ‫وخيط االستبدال إذا كنت تصيد في قعر صخري‪ .‬إضافة إلى صنارات مختلفة األنواع واألحجام‪ .‬وإياك‬ ‫أن تنسى أكلك والماء‪ .‬وها أنذا نسيت اليوم قارورة الماء‪ .‬وعلى ذكر الماء الذي نسيته ‪،‬ابتسم‬ ‫ليخبرني بأنه نسي هو أيضا ُ‬ ‫عدته‪:‬‬ ‫سكين وليمونة ومنديل لشد الرأس؟!‬‫قلت له قبل أن يستعرض هذه العناصر الحيوية في حياته‪ ،‬فضحك ولم يخجل !! ومن أين‬ ‫يأتيه الخجل؟! قلت في نفسي‪.‬‬ ‫وأضفت‪:‬‬ ‫فمن يصنعون العداوة وأسبابُها غائبة ألنها منعدمة‪ ،‬ال يخجلون‪ .‬ومثلهم كمثل الذين ال‬‫رموش لهم وعلى وجوههم لوحات معدنية‪ .‬اللهم نج الخلق منهم ومن سمهم الزعاف‪.‬‬ ‫تركته يالحق حركاتي كما لو احتل ظلي‪ ،‬وشرعت أ ْن ُ‬ ‫شد هجائية المتنبي في كافور‪ ،‬ثم‬ ‫رثائية أبي فراس التي فاه بها لما أدركه الموت بطعنة ابن أخته أبي المعالي‪..‬‬


‫ُ‬ ‫رفضت اقتراحه‪ ،‬وعللت‬ ‫وعن الماء الذي نسيته‪ ،‬اقترح أن يطلبه من خيمة منصوبة خلفنا‪.‬‬ ‫ذلك بأن الخيمة مغلقة‪ ،‬وال نعرف هل بها أحد أم ال أحد بها‪ .‬لكنه سرعان ما نطق صائحا كمن وجد‬ ‫شيئا ضاع منه في غفلة من أمره‪:‬‬ ‫أنظر‪.‬‬‫إلى ماذا ؟‬‫إلى الخيمة‪.‬‬‫ما بها؟‬‫ملتح وامرأة تلتحف خمارا أسود اللون‪.‬‬ ‫لقد فُتحت وخرج منها‬‫ٍ‬ ‫لن أنظر‪.‬‬‫أال تريد الماء؟‬‫ال أريد الماء‪ .‬أريد أن أفكر‪.‬‬‫فيما ذا تريد أن تفكر؟!‬‫في سياق وضعهما ال فيهما‪ .‬وفي هذا السؤال تحديدا‪(:‬هل يعبد اإلنسان ربه في البحر‪،‬أم‬‫يعبد البحر في ربه أم ال يعبد ربه وال البحر ؟ )‪.‬‬ ‫لم أفهم‪.‬‬‫ولن تفهم إال أذا تعلمت لغة البحر‪.‬‬‫وألحمله إلى وجع الرأس‪ ،‬قلت له‪:‬‬ ‫أال تكون المرأة الملتحفة هي عائشة التي ضبطتها متلبسة‪ ،‬وفضحتها ؟‬‫قام من الرمل ليقف قبالتي‪ .‬وهو يسأل باستغراب‪:‬‬ ‫وكيف افترضتَ أنها عائشة ؟!‬‫باالستدالل المنطقي‪ .‬هل تعرف االستدالل المنطقي ؟‬‫ال أعرفه‪.‬‬‫ولن تعرفه ما دمت تجهل لغة البحر‪ .‬ثم أضفت‪:‬‬‫شرك؟‬ ‫عائشة تعرف أنك فضحتها‪ ،‬وتعرف أنك هنا‪ ،‬فماذا تريدها أن تفعل لتتقي ّ‬‫سأل بجد‪:‬‬ ‫وكيف لي أن أتأكد؟‬‫أجبته حاسما‪:‬‬ ‫ال يمكن لك أن تتأكد‪ ،‬إال في حالة واحدة ‪ :‬إذا أزلتَ لحافها‪.‬‬‫قال يائسا‪:‬‬ ‫ال يمكن‪.‬‬‫طبعا ال يمكن‪.‬‬‫وماذا أصنع مع صداع الرأس؟‬‫عليك بهذه العُدّة التي يجب أال تفارقك ‪،‬ما دمت تفارق كنه هذه الزرقة ‪،‬التي تغمر امتداد‬‫النظر‪ .‬ومن قفتي أخرجت له ليمونة وسكينا ومنديال‪.‬‬ ‫ثم انخرطت في الضحك كاألبله)‪(...‬‬ ‫محمد الجاليدي‪-‬القنيطرة‪-‬المغرب‬



‫قصة‪:‬‬ ‫بداية المشوار‪..‬‬ ‫كطائر النورس الغطاس‪ ،‬حلق في فضاء الزرقة! وعلى حين غرة انطفأ بياضه! لم أعد‬ ‫أبصره‪ .‬ولم أعد أنعم بمجالسته‪ ،‬والتيه معه في أغوار الذاكرة‪ ،‬ألشم عبر صوته الرنان‪ ،‬تلك الرائحة‬ ‫التي يذكيها البارود المرفوق بالدخان‪ .‬أبكاني رحيله‪ .‬ولم يلطف بكائي لظى هذا الفراق المفاجئ‪.‬‬ ‫وفي أوج الشجن‪ ،‬أخذتني ورقة بيضاء‪ ،‬والبياض هو كل األلوان‪ .‬وأخذني قلم يخط بالسواد‪ ،‬والسواد‬ ‫هو الاللون‪ .‬وشرعت أمأل الحياد األبيض‪ ،‬بمشاعر السواد‪ .‬ولما انتهيت كانت الحصيلة نصا‪ .‬لم أكلف‬ ‫نفسي عناء البحث للنص عن عنوان‪ .‬ولم أكلف نفسي أيضا‪ ،‬عناء البحث للنص عن جنسه أو نوعه‪،‬‬ ‫وفق نظرية األدب‪ .‬فحالي مع الكتابة‪ ،‬هكذا كان‪ .‬المهم أن أصب حرقاتي على الورق‪ .‬واألهم من‬ ‫ذلك‪ ،‬أن أشم رائحة مشاعري‪ .‬إذا كانت كرائحة البحر‪ ،‬أحافظ على الورق‪ .‬وإذا لم تكن كرائحة البحر‪،‬‬ ‫أمزق الورق‪ .‬وهذا النص‪ ،‬كان بلون البحر وبرائحته‪ ،‬التي ألفتني‪ .‬لذلك كنت أقرأه‪ ،‬وأعيد قراءته‪،‬‬ ‫على مدى عدة أيام‪ .‬ال أتذكر كم عدد المرات التي قرأته فيها‪ .‬لكني أتذكر بأني عرضته على صديق‪،‬‬ ‫ليقرأه‪ .‬ولم أخف على نصي من صديقي‪ ،‬ولم أخف على صديقي من نصي؛ ألن صديقي كان‪ ،‬واليزال‬ ‫من طينة عشاق الحرف‪ .‬لم أسلمه النص إال بعد أن عثرت له عن عنوان يعكس محتواه‪ .‬والمحتوى‬ ‫يتعلق بقريبي الذي رحل‪ .‬وقريبي الذي انخطف فجأة كان من قدماء المحاربين في الجيش‬ ‫االستعماري الفرنسي‪ ،‬في حربها العالمية‪ .‬وألن هؤالء المغاربة كانوا أبطاال بدون مجد‪ ،‬اخترت‬ ‫العنوان الذي يشير لهم أجمعين‪ .‬وكان عنوان النص‪:‬‬ ‫"الكومْ باطا ُحمّان "‬‫)…(‬ ‫سي ادريس‪ ،‬قاص وروائي مغربي‪ .‬من أبناء مدينتي‪ .‬ومن صناع تاريخها في خطه‬ ‫ُجمع سكانها على اعتباره مفخرتهم‪ .‬به وبأمثاله تتشرف‪،‬‬ ‫اإلبداعي المكافح‪ ،‬ضد كل أشكال اإلتباع! ي ِ‬ ‫ويتشرف ناسها‪ ،‬لما قدم لها ولهم من جميل العطاء‪ .‬قيدوم القصة القصيرة بالمغرب‪ ،‬وممثل لها‬ ‫باسم البلد في المحافل الدولية‪ .‬حنون على أبناء هذا الفن التعبيري األدبي الراقي‪ ،‬ومتعاون معهم‬ ‫بسخاء‪ .‬مؤازر لهم أمام صعوباته البنائية‪ ،‬وكأني به يصنع جيل االستمرار اإلبداعي في فن القصة‪.‬‬ ‫لسي ادريس عصافيره في فك طالسم اإلبداع القصصي‪ .‬وأنا واحد منهم‪.‬‬ ‫)!!!(‬ ‫كنت منهمكا في كتابة مقاطع من سيرة غيرية‪ ،‬تتعلق بمعلمي األول قبل أرسطو‪ .‬فكتب سي‬ ‫ادريس معلقا‪:‬‬ ‫"أقرأ بمتعة كبيرة سيرة الصديق عبد القادر فارسي التي يكتبها الكاتب المبدع محمد‬‫الجاليدي‪ .‬صياغتك رائعة‪ .‬أنت مبدع كبير"‬ ‫)!!!(‬ ‫أجبته بكل صدق األرض‪:‬‬ ‫«‪-‬أشكرك أخي وصديقي ومعلمي (سي ادريس) من أعماق القلب على ما قلتم في حقي‪.‬‬ ‫وأعتز أيما اعتزاز بذلك‪ .‬وأعتبره تكليفا محفزا من معلمي كي أواصل مشواري في درب اإلبداع‬ ‫بهمة وعزم‪ .‬وطبقا لألصول أقول لكم ‪(:‬ال تعلو العين على الحاجب أبدا)‪ ،‬منكم تعلمنا ومنكم نستمد‬


‫العون كي نواصل على نهجكم وهدى عطاءاتكم ‪ ..‬ونأمل أن نكون عند حسن ظنكم‪ .‬تحياتي مقرونة‬ ‫بأريج المودة واالحترام والتقدير‪.‬‬ ‫)!!!(‬ ‫ورد على هذا الكالم بقوله‪:‬‬ ‫"ال أريد لألدب المغربي والعربي أن يحرم من موهبتك في الكتابة‪ .‬أنا أعي جيدا ما أقول‪.‬‬‫وفراستي ال تخطئ"‬ ‫)…(‬ ‫بقي النص الذي يحمل عنوان «الكومْ باطا ُحمّان» في حوزة سي ادريس‪ ،‬زهاء ثالثة شهور‪.‬‬ ‫لم نلتق خالل هذه المدة‪ ،‬ألن كال منا تاه في أحكام اليومي‪ .‬وخالل هذه المدة‪ ،‬نسيت النص‪ ،‬ونسيت‬ ‫المشورة والرأي فيه‪ .‬إلى أن سمعت خبر وفاة والدة سي ادريس‪ ،‬رحمها هللا‪ .‬فزرته ألعزيه‪،‬‬ ‫وأشاركه حزنه والمواساة ‪.‬وعندما هممت بتوديعه‪ ،‬خرج معي بعيدا عن الجمع‪ ،‬وفاجأني !!! أخرج‬ ‫الورقة من جيب سترته‪ ،‬وقال لي بالحرف‪:‬‬ ‫"هذا النص قصة قصيرة‪ ،‬جديرة بأن تُقرأ بالمغرب والعالم العربي"‬‫وبعد صمت قصير‪ ،‬وكأني به يفكر فيما يريد أن يضيف‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫«‪-‬اختر المنبر‪ ،‬وأنا أتكلف بنشر النص»‬ ‫حددت المنبر‪ ،‬ثم ودعته‪ ،‬على أمل اللقاء‪ .‬وبعد أسابيع قليلة‪ ،‬وجدت النص‪ ،‬على صفحة‬ ‫جريدة !!!كان صباح النشر‪ ،‬صباح فرح لم أعش مثله من قبل‪ .‬وهو فرح يعرفه جيدا‪ ،‬من عاشه مع‬ ‫أول عمل إبداعي يُنشر له‪.‬‬ ‫إنه شعور بال(أنا)ينفلت من ال(أنا)ليأخذ مكانه لدى ال(آخر)بمطلق ال(آخر)!!!هذا الفرح‬ ‫الصباحي‪ ،‬وبهذا المعنى المنفلت‪ ،‬حملني على الرحيل من شرق المدينة إلى غربها‪ ،‬بحثا عن سي‬ ‫ادريس ألشكره‪.‬‬ ‫وبمقهى(طارق)وجدته‪ .‬لم يترك لي الفرصة ألعبر له عن فرحتي‪ ،‬وأسوق له شكري‬ ‫وامتناني‪.‬‬ ‫قال‪ ،‬وأيضا بالحرف‪:‬‬ ‫"هل يوجد في العالم كاتب للقصة القصيرة‪ ،‬في رصيده اإلبداعي نص واحد ؟"‬‫قلت بجواب الواثق‪:‬‬ ‫"ال يوجد"‬‫قال بصوت فيه رنة األب‪:‬‬ ‫"تحمل مسؤوليتك"‬‫ثم تركني وراح!!!‬ ‫)…(‬ ‫ومن ذاك الصباح‪ ،‬تحرر العداد‪ ،‬لينطلق المشوار‪ ،‬مع الكتابة القصصية‪ ،‬بعد قصة‪:‬‬ ‫«‪-‬الكومْ باطا ُحمّان"‬ ‫)…(‬ ‫محمد الجاليدي‪-‬القنيطرة ‪-‬المغرب‬



‫قصة قصيرة‪:‬‬ ‫(الكومباطا) حمان‪. .‬‬‫الكالب (تنوح)والحمام(ينبح)‪َ .‬حــيُّــنا حُـفَر‪ .‬عددها يفوق عدد األطفال‪ .‬شجيرات َحـ ِيّـنا‬ ‫عارية شاحبة من شدة الظمإ‪ .‬منازل كثيرة اهترأت أخشابها‪ ،‬فأوشكت على السقوط‪ .‬هنا‬ ‫ُ‬ ‫الزمان رجلَـه‬ ‫يقطن(الكومباطا) حمان‪ .‬رجل تجاوز التسعـين وال زال يتكلم ويعشق الغناء‪ .‬رجل كـبَّل‬ ‫نـسجت خيو َ‬ ‫ْ‬ ‫طها أيـادي الجياع‪ ،‬بضواحي باريس‪ ،‬والزال الدم يسري في عروقه‪ .‬يمشي‬ ‫بحبال‪،‬‬ ‫منحنيا بخطى متثاقلة‪ ،‬متكئا على عصاه المعقوفة‪ .‬لكنه ال يبرح منزله إال مرة واحدة في آخر كل‬ ‫شهر‪ .‬عندما يقصد المصرف‪.‬‬ ‫ها هو ذا خارج والعصا المعقوفة في يده‪ .‬فجأة‪ ،‬تحولت العصا إلى فتاة فاتنة اسمها لينا‪.‬‬ ‫وتحول الشيخ إلى شاب وسيم ‪:‬عاشقان يتنزهان وسط الحطام على الحدود أأللمانية ‪ -‬الفرنسية)…(‬ ‫قالت لينا ‪:‬‬ ‫ ُحمّان ؟!‬‫قال ُحمّان‪:‬‬ ‫نعم ؟!‬‫أحبك‪.‬‬‫أنا أيضا أحبك‪.‬‬‫هل تنوي العودة إلى وطنك بعد الحرب؟!‬‫أجاب حمان بصوت فيه رنة حسم ‪:‬‬ ‫نعم ‪.‬‬‫سألت لينا ‪:‬‬ ‫وأنا؟!‬‫أجاب حمان‪:‬‬ ‫ سآخذك معي ‪.‬‬‫قالت لينا ‪:‬‬ ‫أتمنى أن تطول الحرب ‪.‬‬‫أال تخافي علي من الموت؟ !‬‫لن تموت‪. .‬لن تموت‪. .‬‬‫أجابت لينا !‬ ‫فغنت لها المغنية‪ ،‬لكن‪ ،‬فيما بعد‪« :‬مش حتنازل عنك أبدا مهما يكون»‪ ،‬نكاية به‪ ،‬كي يتذكر‬ ‫!‬ ‫شهق حمان فتحولت لينا إلى العصا المعقوفة‪ ،‬يقبض عليها الشيخ بحنان وعطف‪. .‬التفت‬ ‫يمنة ويسرة‪ ،‬فوجد نفسه أمام باب المصرف ينتظر دوره)…(‬ ‫ها هو ذا يغادر المصرف والعصا المعقوفة في يده‪ .‬فجأة‪ ،‬تحولت العصا إلى فتاة فاتنة تدعى‬ ‫عائشة‪ ،‬وتحول الشيخ إلى شاب وسيم ‪:‬عاشقان يتجوالن في الشوارع واألزقة الفارغة الصامتة‪،‬‬


‫يدا في يد‪ ،‬حتى تعبا‪ ،‬فجلسا ليستريحا‪ ،‬جنبا إلى جنب على كرسي من كراسي ساحة الشهداء‬ ‫الواسعة)…(‬ ‫قالت عائشة ‪:‬‬ ‫بماذا عدت إلي يا حبيبي؟!‬‫أجاب حمان‪:‬‬ ‫ عدت إليك بجسم يحمل آثار شظايا الرصاص‪ ،‬وخمسين درهما في الشهر مقابل الخدمة ‪.‬‬‫تنهدت الشجيرات العارية‪ .‬بكت العصافير الصغيرة‪ .‬أشتد(نواح)الكالب و(نباح) الحمام‪.‬‬ ‫ووقف حمان وعائشة للسير في اتجاه الحفر)…(‬ ‫فتحولت عائشة إلى العصا المعقوفة‪ ،‬يقبض عليها الشيخ بحنان و رفق‪.‬‬ ‫)…(‬

‫وتابع سيره وال زال يسير ‪.‬‬

‫محمد الجاليدي‪ /‬القنيطرة ‪ /‬المغرب‬



‫قصة قصيرة‪:‬‬ ‫الطفرة‪..‬‬ ‫سلم وقعد‪ ..‬نجمتُه لم تظهر بعد‪ ..‬موعد ظهورها لم يحن بعد‪ ..‬لكنه متأكد أنها ال تخالف‬ ‫وعدها‪ ..‬ألقى بقطع السكر في السواد القاتم‪ ،‬فهب نسيم رطب خفيف‪ ،‬من جهة البحر‪ ،‬ليلطف الحر‬ ‫المنبعث من السماء واألرض‪ ..‬شرب قليال من الفنجان‪ ،‬وأعاده إلى المائدة أمامه‪ ،‬ثم أشعل سيجارة‬ ‫وشرع يمتص دخانها وكأنه لم يدخن طول‬ ‫ُ‬ ‫الحظت جرحا في يده اليسرى‪ ،‬فسألتُه‪ - :‬كيف جُرحت يدُك؟! اضطرب ولم يجب‪..‬‬ ‫النهار‪..‬‬ ‫وتاه في األجواء‪ ..‬فه ُ‬ ‫مت أنها اآللة‪ ..‬يكرهها‪ ..‬تربطهما عالقة تضاد ميكانيكية ال تهمد‪ ..‬تغازله‬ ‫وتعتصر قلبه‪ ..‬وفي آخر كل ليلة تلفظه خائرا منهوكا‪ ،‬يجر رجليه الهتا خلف أنفاسه‪ ،‬فتحتويه‬ ‫المدينة بسكونها المبهم‪ ..‬يجلس قليال في المقهى ليُ َملّي العين بنظرة وابتسامة ! فنجمتُه تعيد‬ ‫الطمأنينة إلى قلبه‪ ..‬ومتى ظفر بتلك النظرة واالبتسامة منها‪ ،‬قام ليتجه نحو سرير نومه‪..‬‬ ‫ لماذا المجانين كثيرون؟!‬‫أجبته بهذا السؤال‪:‬‬ ‫ وهل كل ( عاقل ) عاقل بالفعل؟‬‫شرب من الفنجان ‪ ،‬ثم انغمس في السواد القاتم بداخله ‪ ،‬يفكر تارة ويتمتم تارة أخرى‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫وعدت ألتفحص جريدتي‪ ،‬ونجمتُه لم تظهر بعد‪ ،‬وموعد ظهورها لم يحن بعد‪،‬‬ ‫لكنه متأكد أنها ال تخالف وعدها‪ ..‬ولما فات موعد ظهورها‪ ،‬خرج عن صمته وسألني‪:‬‬ ‫ كم الساعة اآلن؟‬‫ أجبته ‪ :‬الحادية عشرة‪.‬‬‫ ألول مرة تخالف وعدها؟ !‬‫ُ‬ ‫ترددت كثيرا‪ ،‬قبل أن أمد‬ ‫قال ذلك‪ ،‬ثم تنهد‪ ،‬وعاد إلى الفنجان يتأمل السواد بداخله‪..‬‬ ‫يدي ألحركه‪ ..‬انتبه‪ ،‬فقلت‪:‬‬ ‫ فاطمة بمستشفى المدينة ‪.‬‬‫قال بنباهة من يكتشف خطأ محدثه‪:‬‬ ‫ لكن مستشفى المدينة ليس للمجانين؟ !‬‫نزل عليه الخبر كالصاعقة‪ ،‬حينما قلت‪:‬‬ ‫ لقد قررت سلطات المدينة أن تجمع كل المجانين في غرفة بالمستشفى مقابل تنظيفه‪..‬‬‫ُ‬ ‫أردفت ألهدئ من روعه‪:‬‬ ‫شرب من الفنجان ما تبقى فيه‪ ،‬وصورة فاطمة تحضره‪ ..‬ثم‬ ‫ يمكن أن تراها غدا األحد‪..‬‬‫وصباح الغد كان أمام بناية المستشفى‪ ..‬فُتح الباب‪ ،‬دخل‪ ،‬وسأل عن غرفة المجانين‪ ،‬ثم‬ ‫توجه نحوها مسرعا‪ ..‬ولما أوشك على الوصول‪ ،‬رأى لهيب النار يلتهم ما بداخلها‪ ،‬والدخان يتصاعد‬ ‫إلى األعلى! تملكه الرعب‪ ،‬فجرى نحو الباب يريد أن يفتحه‪ ،‬لكنه كان موصدا من الداخل! أيقن وقتها‬ ‫أن تكسير الباب هو الحل الوحيد‪ ،‬فكسره‪ ..‬خرج المجانين ومعهم فاطمة‪ ..‬كانوا جميعهم يضحكون!‬ ‫تقدم نحو فاطمة‪ ،‬وعيناه تبحث عن سر الحدث‪ ..‬سألها قائال‪:‬‬ ‫ ماذا وقع؟ !‬‫ أجابته ‪:‬‬‫‪ -‬نريد أجرا مقابل عرقنا ‪.‬‬


‫ضحك المجانين‪ ،‬فقاطعهم بصرختين‪ :‬األولى استخفافا ( بعقل العقالء) ‪ ،‬والثانية ليضع‬ ‫حدا فاصال بينه وبين حياته ( العاقلة)‪ .‬وفي تلك اللحظة بالذات‪ ،‬انقلب تصوره لعالقته باآللة‪ ،‬وانقلب‬ ‫معها صورةُ كل ش َْيءٍ في مداركه‪ ..‬وكانت فاطمة بين ذراعيه تتحسسه عن قرب‪ ،‬وتهمس‪:‬‬ ‫أحمد‪..‬‬‫محمد الجاليدي ‪-‬القنيطرة ‪(-‬المغرب)‬



‫قصة قصيرة‪:‬‬ ‫خلف الباب األثري‪..‬‬‫وهو يتجول في الشوارع الواسعة والممتدة وسط البنايات المتالحمة‪ ،‬أوقفته نخلة منتصبة‬ ‫في شموخ‪ - :‬مرحبا بالضيف في مدينة العقل‪ .‬قال‪ - :‬شكرا أيتها النخلة ! ومن سعفها هبط هدهد‬ ‫وحط على كتفه‪ .‬قالت النخلة‪ - :‬دع هذا الهدهد يصحبك في جولتك‪ ..‬كان‪ ،‬عندما غادر المقامات‬ ‫الرباطية في اتجاه المقامات الفاسية‪ ،‬قد ضل الطريق‪ .‬فقبل أن يصل إلى قرية وادي بهت‪ ،‬انزاح‬ ‫جهة اليسار‪ ،‬عبر طريق ثانوية إلى أن اعترض طريقه باب أثري مقوس‪ ،‬مكتوب عليه بخط مغربي‬ ‫‪:‬هنا مدينة العقل ‪..‬‬ ‫بدافع الفضول‪ ،‬تخطى عتبة الباب‪ ،‬فتسمر في مكانه شاردا مشدوها‪ :‬مدينة محاطة‬ ‫باألسوار‪ ،‬محصنة بالقالع‪ ،‬ومجالها األخضر أنيق ومنسجم ! تساءل‪ -:‬من أين لهذه المدينة بهذه‬ ‫األلفة والبساطة والغموض؟! قال الهدهد‪ :‬اكتسبت ذلك من تكوينها المرجاني الناتج عن ترسبات‬ ‫بركانية قديمة‪ ..‬دقت أجراس المدينة‪ ،‬فانطلق الناس في اتجاه واحد‪ ..‬سأل الهدهد مستغربا‪ - :‬ما بال‬ ‫الناس يقصدون وجهة واحدة؟! أجابه الهدهد‪ - :‬لقد حان وقت التحصيل العلمي والمعرفي‪- .‬وأين‬ ‫يقومون بذلك؟! ‪ -‬في ساحة موحا وحمو ‪. -‬وهل يمكن أن أزور هذه الساحة؟ ‪ -‬بكل سرور‪ ،‬لكن سر‬ ‫من هنا‪.‬‬ ‫في ساحة موحا وحمو‪ ،‬كان المواطنون والمواطنات‪ ،‬قد تفرقوا جماعات‪ ،‬وجلست كل‬ ‫جماعة على العشب األخضر تحت األشجار‪ .‬وجلس قبالة كل جماعة شيخ من شيوخ المدينة األجالء‪..‬‬ ‫سأل‪ - :‬من هذا الشيخ؟! أجاب الهدهد‪ - :‬صاحب كتاب المناظر ‪. -‬ومن ذاك؟! ‪ -‬صاحب كتاب الطب‬ ‫الروحاني‪..‬‬ ‫في تلك المدينة‪ ،‬فكر الضيف في اإلقامة الدائمة‪ ،‬فسأل الهدهد في األمر‪ ..‬أجابه الهدهد ‪:‬‬ ‫األمر بيد قاضي المدينة‪ ..‬كان القاضي جالسا أمام بناية محروسة بأشجار الصنوبر من كل الجهات‪..‬‬‫قال الضيف‪ - :‬جئتك يا سيدي القاضي أطلب حق المواطنة ‪.‬‬ ‫‬‫قال القاضي‪ -:‬في هذه المدينة ال يتمتع بحق المواطنة فيها إال من يطابق عقله عقلها ‪.‬‬ ‫‬‫قال الضيف‪ -:‬أظن أن عقلي يطابق تماما عقل مدينتكم ‪.‬‬ ‫‬‫قال القاضي‪ -:‬ما اسمك؟‬ ‫‬‫قال‪ -:‬عبيدة الرحمان بن أبي ضبيعة الثعلبي ‪.‬‬ ‫‬‫قال القاضي‪ -:‬ومن أين أتيت؟‬ ‫‬‫قال‪ -:‬من المقامات الرباطية ‪.‬‬ ‫‬‫وإلى أين كانت وجهتك؟‬ ‫‬‫إلى المقامات الفاسيية ‪.‬‬ ‫‬‫لماذا؟‬ ‫‬‫إلضفاء الرسمية‪ ،‬على صالة االستسقاء‪..‬‬ ‫‬‫قال القاضي باحترام وحنكة‪ -:‬مكانك هناك وليس هنا‪.‬‬ ‫‬‫وأشار بسبابة يده اليسرى خارج الباب األثري المقوس‪..‬‬ ‫محمد الجاليدي‪-‬القنيطرة‪-‬المغرب‬



‫قصة قصيرة‪:‬‬ ‫ ْحميدة‪..‬‬‫هيمن الظالم على الدرب ‪.‬ولما امتزج بكتل الضباب شاع عمى األلوان‪ .‬فدخل ْحميدة‬ ‫إلى المنزل ودلف توّ ا َ َ​َ إلى غرفته وأحكم إغالق الباب عليه ‪ ،‬كعادته كل ليلة ‪ .‬له موعد مقدس مع‬ ‫لوحته اإللكترونية ‪.‬فالجرعة الليلية لها نشوة مميزة‪ ،‬ألنها تنقله من التواصل العام واإلبحار‬ ‫العشوائي‪ ،‬إلى التواصل الخاص‪ .‬تبلورت لديه هذه القدسية لهذا الموعد الليلي‪ ،‬منذ أن فتح حسابه‬ ‫على الفايس العام الماضي‪ ،‬باسم مستعار وبدون صورة ‪ ،‬مدعيا أنه مهندس معماري … فجاءته‬ ‫على الفور ليلتئذ دعوة صداقة ‪ ،‬من شابة تركية فاتنة اسمها" ماكا كونان " ‪ .‬كانت فرحته عارمة‬ ‫حين وجد الدعوة ‪ ،‬وكانت الفرحة أشد لما بادرت إلى التواصل معه عبر الخاص ‪ .‬لم يكن مشكل‬ ‫اللغة عائقا ما دام سيدنا "غوغل" ‪-‬حفظه هللا ‪ -‬يتكفل بالترجمة الفورية من النص الهدف ‪ ،‬إلى‬ ‫اللغة المطلوبة…‬ ‫كانت بداية التواصل تعارفا‪ ،‬ثم تطور إلى تبادل المشاهد الطبيعية الخالبة في بلديهما‪.‬‬ ‫وبالقدر الذي نشطت به«ماكا»‪،‬وهي تمطره بصور عن جمال الجغرافيا الطبيعية التركية ‪ ،‬كان‬ ‫ْحميدة يقضي يومه في اإلبحار بحثا عن أجمل مشاهد الشواطئ واألنهار ومنابعها والمآثر التاريخية‬ ‫‪ ،‬المغربية ‪ ،‬ليرسلها إليها ‪ .‬سألته ذات ليلة ‪«- :‬هل زرت كل هذه المناطق الجميلة في بلدك ؟»رد‬ ‫عليها كاذبا ‪ «-:‬قمت برحلة طويلة من شاطئ الداخلة أقصى جنوب المغرب إلى شاطئ السعيدية‬ ‫أقصى شمال شرق المغرب ‪،‬مرورا بكل الشواطئ األخرى ‪ .‬وكان طول الرحلة ما يقارب ثالثة ألف‬ ‫كيلومتر‪ ،‬دامت شهرا كامال»‪ .‬لم يكن ْحميدة يجد صعوبة في ضبط المعطيات المرتبطة بالمغرب‪،‬‬ ‫مادامت اللوحة اإللكترونية تمده بالمعطى والمعلومة‪ ،‬شرط أن يحدد الطلب للشيخ " غوغل "‬ ‫مصاغا بدقة‪ .‬أما الحقيقة الواقعية‪ ،‬فهو الذي يعلمها‪ ،‬ويعلم علم اليقين أنه ال يعرف من شواطئ‬ ‫البالد و أنهارها سوى شاطئ واحد ونهر واحد‪ ،‬هما شاطئ المهدية ونهر سبو‪.‬‬ ‫ولم ال يكذب ؟ وقد تحول بالقدرة االفتراضية إلى مهندس ‪ ،‬ومالك لمسكن من مساكن‬ ‫المهدية المطلة على شاطئها الجميل ‪ ،‬وفي حوزته سيارة فاخرة من آخر طراز ‪ ،‬يتنقل بها من‬ ‫"مسكنه الشاطئي" إلى "أوراش عمله " ‪ ،‬ويجوب بها أرجاء البالد خالل العطل األسبوعية‪ ،‬وال‬ ‫ينقصه إال إكمال دينه بابنة الحالل التي قد تكون «ماكا» التركية ‪«-.‬دجاجة "ب"كامو ْنها» هكذا كان‬ ‫ْحميدة يفكر‪ ،‬مادام والدها الذي كان جنراال في الجيش التركي‪ ،‬اعتقل بسبب مشاركته في انقالب‬ ‫هر ْ‬ ‫هربَ ْت معها ثروة أبيها‬ ‫بت إلى السينغال ‪ّ ،‬‬ ‫عسكري فاشل‪ ،‬ومن المحتمل أن يُعدَم‪ ،‬و«ماكا» التي َ‬ ‫التي راكمها من الهبات األمريكية ‪..‬كما أخبرته‪.‬‬ ‫أم ْحميدة التي تشتغل منظفة بمعمل‪ ،‬عانت من احتجاج األبناء الثالثة بزعامة ْحميدة‪،‬‬ ‫من أجل تمكينهم من لوحتين إلكترونيتين وهاتف نقال‪ .‬فاضطرت مرغمة أن تلبي رغبتهم بالتناوب‬ ‫ْ‬ ‫شرت في البدء لوحة إلكترونية له‪ ،‬وبعد أن سددت ثمنها‪ ،‬شرت أخرى ألخته‬ ‫وباعتماد االقتراض‪.‬‬ ‫الكبرى عويشة‪ ،‬ثم هاتفا نقاال للصغير في مرحلة ثالثة‪ .‬واعتبرت ذلك ضريبة عصر ليس عصرها!‬ ‫وهي ترى هذه األدوات تنتشر بين الناس بسرعة مذهلة !! كما لو كانت "تسوناميا بحريا" آ ٍ‬ ‫ت إلى‬ ‫الدرب من بحار أوروبا أو الواليات المتحدة األمريكية أو اليابان…‬ ‫نسي ْحميدة صحن األكل الذي تركته له أمه في المطبخ قبل أن تغادر إلى العمل‪ .‬ألنه قرر‬ ‫في هذه الليلة أن يضيف جرعة للعالقة مع «ماكا» في اتجاه بلورة أفق نقلها من فضاء االفتراض‬ ‫إلى األرض‪ .‬لكنه احتار في اختيار طبيعة المدخل ‪ «-:‬هل يبدأ باإليحاء أم المباشرة ؟هل يطرح عليها‬


‫فكرة الزواج أم يؤسس لها بالحب ويؤجل الفكرة حتى يصنع لها منحى حميميا؟»‪ .‬وبعد الخروج من‬ ‫تيهان (هل)‪،‬قرر االنطالق وهو يردد لنفسه ‪«-:‬هللا المعين‪».‬‬ ‫كتب ْحميدة عبر "الميسنجر"‪«-:‬ماكا أطلب يدك للزواج‪».‬‬ ‫كتبت «ماكا»‪«-:‬فاجأتني عزيزي كمال هاني‪».‬‬ ‫كتب ْحميدة ‪«-:‬أنا جاد في طلبي‪».‬‬ ‫كتبت «ماكا»‪«-:‬كيف لي أن أوافق على طلب كهذا وأنا ال أتوفر حتى على صورة من‬ ‫صورك! فحسابك على "الفايس" لم تنشر فيه صورك الشخصية ولو مرة واحدة ! وعبر الخاص لم‬ ‫تمكنّي من ذلك وقد مضى على تواصلنا وصداقتنا الجميلة عاما كامال‪ .‬لم أفهم السبب ‪ ،‬لكنني تفهمت‬ ‫واحترمت‪ .‬أما أنا‪ ،‬وكما تعلم عزيزي كمال هاني ‪ ،‬فلم أبخل عليك بصوري ‪ .‬وكنت دوما أمدك بالجديد‬ ‫منها‪».‬‬ ‫كتب ْحميدة‪« :‬نقول في المغرب عن األمور التي في المتناول" ما بْعيدة غِيرْ ْز َحيْليگة "‪،‬‬ ‫سأرسل لك صوري بعد قليل‪ ،‬وآمل أن تعجبك»‪ .‬وقصده "أن أُعجبك"‬ ‫كتبت «ماكا»‪«-:‬وأنا في انتظارك‪».‬‬ ‫انخرط ْحميدة في العمل ‪.‬اختار صورة له واقفا‪ .‬ثم حمّلها إلى برنامج تعديل الصور‪ .‬أدخل‬ ‫صورة ممثل هوليودي‪ ،‬يرتدي لباسا أنيقا من ألبسة آخر صيحة في عالم "الموضة"‪ ،‬واستبدل رأس‬ ‫الممثل برأسه‪ ،‬وبعد أن غير خلفية الصورة األصل وعوضها بمشهد للبحر في لحظة الغسق‪ ،‬شرع‬ ‫يتأمل اإلخراج‪ .‬أضاف بعض الضوء فكانت الحصيلة مبهرة! وكانت الصورة ل"طوم كروز" ‪ -‬كما‬ ‫روى لي ْحميدة بعظمة لسانه ‪ ،‬إن لم تخنّي الذاكرة – ال يهم ‪ ،‬المهم ‪ -‬كما حكى ْحميدة‪-‬أنه بعد أن‬ ‫اقتنع باإلخراج لصورته كما يتمناها أن تكون في الفضاء األرضي ‪ ،‬أرسلها إلى «ماكا ‪» /‬الحلم ‪ ،‬في‬ ‫الفضاء األزرق‪.‬‬ ‫وفي اللحظة التي ضغط فيها على زر اإلرسال‪ ،‬تناهى إلى سمعه‪ ،‬صرخة قوية تالها نَ ٌ‬ ‫حيط‬ ‫في شكل بكاء محبوس في الصدر! ولم يكن مصدرهما لوحته اإللكترونية ‪،‬بل كان المصدر أرضيا !‬ ‫قام والهلع يغمره من الرأس إلى أخمص القدم! فوجد أخته عويشة طريحة على األرض‪ ،‬تنبعث من‬ ‫لوحتها اإللكترونية أغنية أم كلثوم وصوتها يصدح بمطولتها "أنا في انتظارك"‪ ،‬وصورته باللباس‬ ‫الهوليودي تمأل شاشة‬ ‫لوحتها اإللكترونية!!!!‬ ‫محمد الجاليدي‪/‬القنيطرة ‪( /‬المغرب )‬



‫قصة قصيرة‪:‬‬ ‫ لبيبة "المفخخة "‬‫(اليوم األول‪):‬‬ ‫يوم ربيعي‪ .‬شمس دافئة‪ .‬األرض فاضت بالخضرة‪ .‬االخضرار المنتشر تموجت مراتبه‪.‬‬ ‫المنزل موحش‪ .‬وأبو زيد الثعالبي يحتاج إلى األنس‪ .‬فكر في شراء دجاجة قوامها رشيق وألوانها‬ ‫متناغمة‪ .‬أبو زيد مولع بنغم الطبيعة‪ .‬وهو ما جعل مهارة الذكاء الطبيعي «نشطة» لديه‪ .‬وليبعد‬ ‫الكسل الذي يتنيه دوما عن تنفيذ أفكاره «النيرة»‪ ،‬أسرع إلى السوق‪ .‬ابتاع دجاجة بالمواصفات التي‬ ‫تخيلها‪ .‬وقضى يومه معها‪ :‬يمأل راحة يده باللّ َقط فتأتيه منقادة‪ .‬يهرب واللّقَ ُ‬ ‫ط في يده‪ ،‬تالحقه وهي‬ ‫ترفرف بجناحيها‪ .‬فسماها «لبيبة‪»..‬‬ ‫(اليوم الثاني‪):‬‬ ‫قام أبو زيد من نومه‪ .‬استرجع صحوه‪ .‬تذكر «لبيبة» واستغرب‪ .‬لم توقظه من النوم كما‬ ‫افترض !! ولما بحث عنها في أرجاء المنزل‪ ،‬لم يجدها‪ .‬خرج يبحث عنها في الجوار‪ .‬كانت «لبيبة»‬ ‫مع ديك الجيران ‪.‬استشاط غضبا‪ .‬حملها وعاد بها إلى المنزل‪ .‬ظل يؤنبها طوال اليوم‪ .‬ظن أنها لن‬ ‫تكرر فعلتها‪ .‬ولما نام قبلها‪ ،‬بدا لها البيت موحشا‪ ،‬فراحت تبحث عن األنس مع ديك الجيران‪..‬‬ ‫(اليوم الثالث‪) :‬‬ ‫حمل أبو زيد «لبيبة» إلى فَ ِقيه القرية‪ .‬عرض عليه النازلة طلبا لفتوى‪ .‬نصحه الفقيه أن‬ ‫يدعو لها بعد كل صالة‪ .‬فشرع أبو زيد في تعلم قواعد الصالة‪..‬‬ ‫(اليوم الرابع )‪:‬‬ ‫كررت «لبيبة» السلوك نفسه‪ .‬فقرر أبو زيد التوقف عن الصالة‪ .‬وراح ب «لبيبة »يبحث‬ ‫لها عن حل لدى مدرس الفلسفة بمدرسة القرية ‪.‬عرض عليه النازلة‪ ،‬و أخبره بفتوى الفقيه و نتيجة‬ ‫فتواه‪ .‬ربت مدرس الفلسفة على كتف أبي زيد‪ ،‬ثم قال له ‪:‬تأم ْل أحوال الكون‪ ،‬أو اقرأ ْتأمالت من‬ ‫تأمل الكون‪ .‬وإن فعلت ذلك برزانة العقل‪ ،‬ستهتدي إلى حل‪ .‬واجعل لتفكيرك العقالني هذه القاعدة‪-‬‬ ‫الحقيقة ثابتة في «لبيبة» والبحث عن هذه الحقيقة رحيل بالعقل للوصول إلى معناها‪ .‬عاد أبو‬ ‫زيد إلى البيت وقضى يومه يتأمل‪ .‬وقبل أن ينام ‪،‬ربط «لبيبة» بحبل‪ ،‬وأحكم إغالق الباب‪ ،‬ونام‪..‬‬ ‫(اليوم الخامس‪) :‬‬ ‫قام أبو زيد من النوم‪ .‬وقبل أن يسترد صحوه‪ ،‬راح يتفقد « لبيبة »‪ .‬لم يجدها‪ .‬ازداد غضبه‬ ‫حدة ‪.‬راح إلى ديك الجيران‪ ،‬وانهال عليه بكل أصناف الشتائم ‪ ،‬ثم أخذها وعاد‪ .‬وبعد تناوله طعام‬ ‫فطوره‪ ،‬حملها وراح بها إلى مدرس العلوم الطبيعية بمدرسة القرية ‪.‬عرض عليه النازلة‪ ،‬وأخبره‬ ‫بفتوى الفقيه ونتيجة فتواه‪ ،‬وبما أشار عليه به مدرس الفلسفة‪ ،‬وحكاية ربط « لبيبة »‪ .‬ربت مدرس‬ ‫العلوم الطبيعية على كتف أبي زيد‪ ،‬ثم قال له‪ :‬أشتر لها ديكا يؤنسها‪ .‬غضب أبو زيد من نفسه‪ ،‬ألن‬ ‫تأمله لم يصل به إلى هذا الحل‪ ،‬رغم حَمْ ِل عقله على ركوب خضم الفلسفة يوما كامال‪ .‬لذلك راح إلى‬ ‫السوق‪ ،‬ومنه اشترى ل«لبيبة» ديكا يتجاوز ديك الجيران عجرفة وجماال‪ .‬وقضى يومه يؤلف بين‬ ‫قلبيهما‪ ،‬إلى أن غالبه النوم فنام‪..‬‬ ‫( اليوم السادس‪) :‬‬ ‫قام أبو زيد من النوم قبل الموعد الذي اعتاده جسده‪ .‬فرح بذلك ألن الديك أكثر وأفاض في‬ ‫الصياح‪ .‬وعندما تفقد الديك و«لبيبة» وجد الديك في مكانه ولم يجد «لبيبة»‪ .‬فهرول إلى مسكن‬


‫الجيران‪ .‬وبدل أن ينهال على ديكهم بالشتائم‪ ،‬شرع يوزعها عليهم ويتهمهم بالتحريض‪ .‬ويتوعدهم‬ ‫برفع دعوى ضدهم‪ ،‬وهم في حالة من الذهول واالستغراب‪.‬‬ ‫حمل «لبيبة» وعاد بها إلى البيت‪ ،‬ثم انخرط في البكاء إلى حد النحيب‪..‬‬ ‫(اليوم السابع‪) :‬‬ ‫مر أبو زيد على مسكن الجيران‪ .‬حمل «لبيبة» وراح بها إلى عرافة القرية‪ .‬حكى النازلة‬ ‫ّ‬ ‫وما سببته له من سوء الحال‪ .‬خطت العرافة بالقلم ما ال يعلم على ورق صقيل‪ .‬وطلبت منه أن يغطي‬ ‫المكتوب بثوب‪ ،‬وأن يلف الثوب بخيط ‪،‬وأن يعلق الخيط في عنق الدجاجة‪ .‬ناول ابو زيد العرافة‬ ‫بضعة دراهم فطلبت المزيد ‪ ،‬فزاد‪ .‬وبالبيت نفذ التوجيهات بدقة‪ .‬ولما صحا على صياح الديك‪ ،‬وجد‬ ‫الديك والخيط والملفوف‪ ،‬ولم يجد «لبيبة» كالمعتاد‪..‬‬ ‫(اليوم الثامن‪):‬‬ ‫ترك أبو زيد «لبيبة» مع ديك الجيران‪ ،‬ليقيم الحجة عليهم‪ .‬وراح متسلال نحو بناية حاكم‬ ‫القرية‪ .‬استقبله‪ .‬أنصت له بحس قانوني مرهف‪ .‬ولما بحث في مجلد القانون الجنائي‪ ،‬قام من مقعده‬ ‫وربت على كتف أبي زيد‪ ،‬ثم قال له بنبرة جادة ‪ :‬ال يمكن أن أعرض هذه الشكوى على الضابطة‬ ‫القضائية‪ ،‬وأ ُع َّرض الناس للجزاء بسبب طيش دجاجة‪ .‬فعاد أبو زيد إلى مسكن الجيران وأخذ «لبيبة»‬ ‫وراح بها إلى بيته‪ .‬وظل طوال يومه يفكر في فكرة «الطيش» التي فاته االهتداء إليها‪ ،‬لوال حكمة‬ ‫الحاكم‪..‬‬ ‫( اليوم التاسع‪) :‬‬ ‫مر أبوزيد على مسكن الجيران‪ ،‬ثم حمل «لبيبة» وجاءني بها‪ .‬استعرض علي تفاصيل النازلة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫كان يحكي وعيناه تحملق في الحاسوب أمامي‪ .‬ثم ختم حكيه بطلب فحصها داخل هذا الكائن العجيب‪.‬‬ ‫أخذت منه الدجاجة‪ ،‬وأدخلتها إلى الحاسوب‪ ،‬وطلبت منه فحصها‪ .‬وعلى الفور أجابني‬ ‫الحاسوب‪ :‬الدجاجة في كامل وعيها وسالمة جسدها ودما ُ‬ ‫غها معافى‪ .‬أخرجت الدجاجة من الحاسوب‬ ‫وهي تضحك والحاسوب يضحك‪ .‬فأخذت دماغ أبي زيد الثعالبي وزرعته في الحاسوب‪ ،‬وعلى الفور‬ ‫اشتعلت عالمة نذير باألحمر‪ ،‬مكتوب تحتها‪ :‬اسحب هذا العجب العجاب ‪.‬وبدل أن أسحب العجب‬ ‫العجاب رقنت للحاسوب هذا السؤال‪ :‬ماذا في األمر يا خالي؟!فجاءني جوابه كاآلتي ‪ :‬كيف لدماغ‬ ‫تتعايش فيه كل أصناف التفكير التي أبدعتها البشرية‪ ،‬رغم تباين بنيتها ومنطلقاتها وتداعيات‬ ‫ركامها اإلنتاجي؛ ولم ينفجر منذ زمان؟! ثم أضاف إلى تحذيره الخطي‪ ،‬صفارة إنذار‪ .‬فهمت بأني‬ ‫مجبر على سحب دماغ إبي زيد الثعالبي من الحاسوب‪ ،‬كي يعود إليه الهدوء والتماسك واالنسجام‬ ‫الذي افتقده ‪.‬وقبل أن أضغط على زر السحب‪ ،‬كان حاسوبي قد انفجر !! لم أجد ما به أواسي نفسي‬ ‫على حاسوبي‪ ،‬إال القول‪ :‬المجد للدجاجة‪ ،‬واللعنة لدماغك يا أبا زيد الثعالبي‪ ..‬بئس اليوم الذي عرفتك‬ ‫فيه!!!‬ ‫محمد الجاليدي ‪ -‬القنيطرة ‪ -‬المغرب‬


‫الفهرس‬ ‫الصفحة‬

‫عنوان القصة‬

‫‪1‬‬

‫لغة البحر‬

‫‪4‬‬

‫بداية المشوار‬

‫‪8‬‬

‫" الكومباطا" حمان‬

‫‪11‬‬

‫الطفرة‬

‫‪14‬‬

‫خلف الباب األثري ذاك‬

‫‪16‬‬

‫"حميدة"‬

‫‪19‬‬

‫لبيبة " المفخخة"‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.