قصة قصيرة: لــــغـــة البـــحــــر..س ّرا فضحه .وإن حال حائل بينه وبين الفضح يُصاب بالصداع في الرأس .أما إذا اكتشف ِ س ّرا ليذيعه ويفشيه ،يقتفي أثره ،كعالم الحفريات !!أعرف أنه أول من يستيقظ وآخر من إذا لم يجد ِ ينام .وأتعامل معه بالقول المأثور :من عرفته ليس كمن تجهله .وألني أعرفه حق المعرفة ،تهت به في الخضم األزرق ،وأنا بين نشوة القول وعزف اإليقاع السمفوني المنبعث من توالي اندفاع المويجات على الشاطئ : هي أنيس وحدتي .هي شبابتي التي أعزف بها ألحان الحياة .فتنساب ألحاني عذبة شجية،كشالالت تسحر العقل وتأسر الوجدان .نصفها العلوي مرهف وشديد الحساسية .ونصفها السفلي سر أسراري .لها أفضي بمكنونات فؤادي .وإليها أبوح بلوعاتي صلب وشديد العناد .هي حوريتي .و ِ ُ رقصت وأحزاني وأفراحي ومسراتي .تمتلك حسا مرهفا يلتقط وقع الندى على محيا الورد .وإذا تساير إيقاع رقصي برشاقة.. أوقف تداعيات قولي ،ليسأل: ومن تكون هذه السعيدة بك و ِب َو َلهك ؟!وألستمر قليال في التمكن منه زدت في التيهان: هي امرأة وليست امرأة .هي كحورية البحر التي أحاطتها األساطير بهالة وجودية .هيصلتي بالكون ،وطالسم أسئلته ،التي تبعث في(الحقيقة)مشاق (الرحيل ) إليها ،ك(معنى).فهل عرفتها؟ ال لم أعرفها.ولن تعرفها.ثم أضفت: ألنك تجهل لغة البحر.ولـمّا شدّ رأسه ،أدركت أن الرج بدأ .فقلت لطفا به وبالصندوق الذي يعلو كتفيه: ال تذهب بعيدا ،فهي أمامك.استغرب وهو يمسح الشاطئ الوحشي بعينيه روحة وجيئة .ثم أضفت ألرده إلى مكان الجلسة: القصبة.عاد الهدوء إلى رأسه ،فحملته ورأسه إلى ما يطيب له: و ما الجديد في عوالمك ؟قال متحمسا: عائشة.ما بها ؟ضبطتها ُمتلبِّسة.وبماذا تلب َّْست؟ ْ لحقت بي ومدَّ ْت لي ماالً، جاءها العشيق فرمقتني وهي تفتح له باب منزلها .بعد وقت وجيزْ وطلبت مني أال أكشف المستور .استحلفتني أقسمت على الكتاب .لكن رأسي كاد أن ينفجر من شدة
الصداع .صبرت وحاولت أن أغالب األلم .ولمـّا وصل بي إلى ح ِدّه الذي ال يُطاق ،لففت رأسي بقطع الليمون وشددتها عليه بمنديل ،ثم ذهبت إليها قبيل الفجر طرقت بابها وسلَّمتها مالها ،واعتذرت. ُ هرولت قاصدا حارس العمارة ألبدأ به في نشر الخبر .لحظتها شرع الدق في رأسي وعلى الفور يغادر وخف ألم الصداع. سم؟! والقَ َأمري هلل ،سأصوم ثالثة أيام.لقد غمزتني ،وقالت :هيت لك.من؟! عائشة؟!ال ،القصبة.جذبتها برفق ،ثم شرعت في لَ ِ ّم الخيط بواسطة الجمّاع .كانت السمكة تتلوى داخل القعر وأنا أرقص .لم يفهم باعث رقصي ،فقلت: ها هي.التفت يمنة ويسرة ،ولمـّا مسح الشاطئ الوحشي بعينيه مرة أخرى ،ولم ير شيئا سأل: ومن هي؟!ضحكت وأنا أطمئنه: سمكة.ثم أضفت: هل يمكنك أن تخمن أي نوع هذه السمكة؟وكيف لي أن أعرف؟!إذا تعلمت لغة البحر.كانت السمكة من صنف أسماك ذئب البحر .استهواها العوم مع أمواج الشاطئ بحثا عن طعم حي .وهذه المنطقة ،بهذا الشاطئ الوحشي تكثر فيه هذه الفصيلة من السمك .ومن جديد ،تهت ب(الرفيق)في الخضم األزرق ،وأنا بين نشوة القول وعزف اإليقاع السمفوني للموج: إذا كنت مولعا بالصيد وال ترضى لنفسك أن تأكل الجيف من السمك المصطاد بالشباك،وتعشق الصيد النظيف في هذا االنتشار األزرق؛ فإن القصبة تصير كل عالمك .إليها تنشَد ،وبها تتحد .و ُ عدّتُك إذا كنت صيادا :قصبة مثل هذه .قفة كهذه .والطعم حسب نوع السمك الذي تشتهيه. وخيط االستبدال إذا كنت تصيد في قعر صخري .إضافة إلى صنارات مختلفة األنواع واألحجام .وإياك أن تنسى أكلك والماء .وها أنذا نسيت اليوم قارورة الماء .وعلى ذكر الماء الذي نسيته ،ابتسم ليخبرني بأنه نسي هو أيضا ُ عدته: سكين وليمونة ومنديل لشد الرأس؟!قلت له قبل أن يستعرض هذه العناصر الحيوية في حياته ،فضحك ولم يخجل !! ومن أين يأتيه الخجل؟! قلت في نفسي. وأضفت: فمن يصنعون العداوة وأسبابُها غائبة ألنها منعدمة ،ال يخجلون .ومثلهم كمثل الذين الرموش لهم وعلى وجوههم لوحات معدنية .اللهم نج الخلق منهم ومن سمهم الزعاف. تركته يالحق حركاتي كما لو احتل ظلي ،وشرعت أ ْن ُ شد هجائية المتنبي في كافور ،ثم رثائية أبي فراس التي فاه بها لما أدركه الموت بطعنة ابن أخته أبي المعالي..
ُ رفضت اقتراحه ،وعللت وعن الماء الذي نسيته ،اقترح أن يطلبه من خيمة منصوبة خلفنا. ذلك بأن الخيمة مغلقة ،وال نعرف هل بها أحد أم ال أحد بها .لكنه سرعان ما نطق صائحا كمن وجد شيئا ضاع منه في غفلة من أمره: أنظر.إلى ماذا ؟إلى الخيمة.ما بها؟ملتح وامرأة تلتحف خمارا أسود اللون. لقد فُتحت وخرج منهاٍ لن أنظر.أال تريد الماء؟ال أريد الماء .أريد أن أفكر.فيما ذا تريد أن تفكر؟!في سياق وضعهما ال فيهما .وفي هذا السؤال تحديدا(:هل يعبد اإلنسان ربه في البحر،أميعبد البحر في ربه أم ال يعبد ربه وال البحر ؟ ). لم أفهم.ولن تفهم إال أذا تعلمت لغة البحر.وألحمله إلى وجع الرأس ،قلت له: أال تكون المرأة الملتحفة هي عائشة التي ضبطتها متلبسة ،وفضحتها ؟قام من الرمل ليقف قبالتي .وهو يسأل باستغراب: وكيف افترضتَ أنها عائشة ؟!باالستدالل المنطقي .هل تعرف االستدالل المنطقي ؟ال أعرفه.ولن تعرفه ما دمت تجهل لغة البحر .ثم أضفت:شرك؟ عائشة تعرف أنك فضحتها ،وتعرف أنك هنا ،فماذا تريدها أن تفعل لتتقي ّسأل بجد: وكيف لي أن أتأكد؟أجبته حاسما: ال يمكن لك أن تتأكد ،إال في حالة واحدة :إذا أزلتَ لحافها.قال يائسا: ال يمكن.طبعا ال يمكن.وماذا أصنع مع صداع الرأس؟عليك بهذه العُدّة التي يجب أال تفارقك ،ما دمت تفارق كنه هذه الزرقة ،التي تغمر امتدادالنظر .ومن قفتي أخرجت له ليمونة وسكينا ومنديال. ثم انخرطت في الضحك كاألبله)(... محمد الجاليدي-القنيطرة-المغرب
قصة: بداية المشوار.. كطائر النورس الغطاس ،حلق في فضاء الزرقة! وعلى حين غرة انطفأ بياضه! لم أعد أبصره .ولم أعد أنعم بمجالسته ،والتيه معه في أغوار الذاكرة ،ألشم عبر صوته الرنان ،تلك الرائحة التي يذكيها البارود المرفوق بالدخان .أبكاني رحيله .ولم يلطف بكائي لظى هذا الفراق المفاجئ. وفي أوج الشجن ،أخذتني ورقة بيضاء ،والبياض هو كل األلوان .وأخذني قلم يخط بالسواد ،والسواد هو الاللون .وشرعت أمأل الحياد األبيض ،بمشاعر السواد .ولما انتهيت كانت الحصيلة نصا .لم أكلف نفسي عناء البحث للنص عن عنوان .ولم أكلف نفسي أيضا ،عناء البحث للنص عن جنسه أو نوعه، وفق نظرية األدب .فحالي مع الكتابة ،هكذا كان .المهم أن أصب حرقاتي على الورق .واألهم من ذلك ،أن أشم رائحة مشاعري .إذا كانت كرائحة البحر ،أحافظ على الورق .وإذا لم تكن كرائحة البحر، أمزق الورق .وهذا النص ،كان بلون البحر وبرائحته ،التي ألفتني .لذلك كنت أقرأه ،وأعيد قراءته، على مدى عدة أيام .ال أتذكر كم عدد المرات التي قرأته فيها .لكني أتذكر بأني عرضته على صديق، ليقرأه .ولم أخف على نصي من صديقي ،ولم أخف على صديقي من نصي؛ ألن صديقي كان ،واليزال من طينة عشاق الحرف .لم أسلمه النص إال بعد أن عثرت له عن عنوان يعكس محتواه .والمحتوى يتعلق بقريبي الذي رحل .وقريبي الذي انخطف فجأة كان من قدماء المحاربين في الجيش االستعماري الفرنسي ،في حربها العالمية .وألن هؤالء المغاربة كانوا أبطاال بدون مجد ،اخترت العنوان الذي يشير لهم أجمعين .وكان عنوان النص: "الكومْ باطا ُحمّان ")…( سي ادريس ،قاص وروائي مغربي .من أبناء مدينتي .ومن صناع تاريخها في خطه ُجمع سكانها على اعتباره مفخرتهم .به وبأمثاله تتشرف، اإلبداعي المكافح ،ضد كل أشكال اإلتباع! ي ِ ويتشرف ناسها ،لما قدم لها ولهم من جميل العطاء .قيدوم القصة القصيرة بالمغرب ،وممثل لها باسم البلد في المحافل الدولية .حنون على أبناء هذا الفن التعبيري األدبي الراقي ،ومتعاون معهم بسخاء .مؤازر لهم أمام صعوباته البنائية ،وكأني به يصنع جيل االستمرار اإلبداعي في فن القصة. لسي ادريس عصافيره في فك طالسم اإلبداع القصصي .وأنا واحد منهم. )!!!( كنت منهمكا في كتابة مقاطع من سيرة غيرية ،تتعلق بمعلمي األول قبل أرسطو .فكتب سي ادريس معلقا: "أقرأ بمتعة كبيرة سيرة الصديق عبد القادر فارسي التي يكتبها الكاتب المبدع محمدالجاليدي .صياغتك رائعة .أنت مبدع كبير" )!!!( أجبته بكل صدق األرض: «-أشكرك أخي وصديقي ومعلمي (سي ادريس) من أعماق القلب على ما قلتم في حقي. وأعتز أيما اعتزاز بذلك .وأعتبره تكليفا محفزا من معلمي كي أواصل مشواري في درب اإلبداع بهمة وعزم .وطبقا لألصول أقول لكم (:ال تعلو العين على الحاجب أبدا) ،منكم تعلمنا ومنكم نستمد
العون كي نواصل على نهجكم وهدى عطاءاتكم ..ونأمل أن نكون عند حسن ظنكم .تحياتي مقرونة بأريج المودة واالحترام والتقدير. )!!!( ورد على هذا الكالم بقوله: "ال أريد لألدب المغربي والعربي أن يحرم من موهبتك في الكتابة .أنا أعي جيدا ما أقول.وفراستي ال تخطئ" )…( بقي النص الذي يحمل عنوان «الكومْ باطا ُحمّان» في حوزة سي ادريس ،زهاء ثالثة شهور. لم نلتق خالل هذه المدة ،ألن كال منا تاه في أحكام اليومي .وخالل هذه المدة ،نسيت النص ،ونسيت المشورة والرأي فيه .إلى أن سمعت خبر وفاة والدة سي ادريس ،رحمها هللا .فزرته ألعزيه، وأشاركه حزنه والمواساة .وعندما هممت بتوديعه ،خرج معي بعيدا عن الجمع ،وفاجأني !!! أخرج الورقة من جيب سترته ،وقال لي بالحرف: "هذا النص قصة قصيرة ،جديرة بأن تُقرأ بالمغرب والعالم العربي"وبعد صمت قصير ،وكأني به يفكر فيما يريد أن يضيف ،قال: «-اختر المنبر ،وأنا أتكلف بنشر النص» حددت المنبر ،ثم ودعته ،على أمل اللقاء .وبعد أسابيع قليلة ،وجدت النص ،على صفحة جريدة !!!كان صباح النشر ،صباح فرح لم أعش مثله من قبل .وهو فرح يعرفه جيدا ،من عاشه مع أول عمل إبداعي يُنشر له. إنه شعور بال(أنا)ينفلت من ال(أنا)ليأخذ مكانه لدى ال(آخر)بمطلق ال(آخر)!!!هذا الفرح الصباحي ،وبهذا المعنى المنفلت ،حملني على الرحيل من شرق المدينة إلى غربها ،بحثا عن سي ادريس ألشكره. وبمقهى(طارق)وجدته .لم يترك لي الفرصة ألعبر له عن فرحتي ،وأسوق له شكري وامتناني. قال ،وأيضا بالحرف: "هل يوجد في العالم كاتب للقصة القصيرة ،في رصيده اإلبداعي نص واحد ؟"قلت بجواب الواثق: "ال يوجد"قال بصوت فيه رنة األب: "تحمل مسؤوليتك"ثم تركني وراح!!! )…( ومن ذاك الصباح ،تحرر العداد ،لينطلق المشوار ،مع الكتابة القصصية ،بعد قصة: «-الكومْ باطا ُحمّان" )…( محمد الجاليدي-القنيطرة -المغرب
قصة قصيرة: (الكومباطا) حمان. .الكالب (تنوح)والحمام(ينبح)َ .حــيُّــنا حُـفَر .عددها يفوق عدد األطفال .شجيرات َحـ ِيّـنا عارية شاحبة من شدة الظمإ .منازل كثيرة اهترأت أخشابها ،فأوشكت على السقوط .هنا ُ الزمان رجلَـه يقطن(الكومباطا) حمان .رجل تجاوز التسعـين وال زال يتكلم ويعشق الغناء .رجل كـبَّل نـسجت خيو َ ْ طها أيـادي الجياع ،بضواحي باريس ،والزال الدم يسري في عروقه .يمشي بحبال، منحنيا بخطى متثاقلة ،متكئا على عصاه المعقوفة .لكنه ال يبرح منزله إال مرة واحدة في آخر كل شهر .عندما يقصد المصرف. ها هو ذا خارج والعصا المعقوفة في يده .فجأة ،تحولت العصا إلى فتاة فاتنة اسمها لينا. وتحول الشيخ إلى شاب وسيم :عاشقان يتنزهان وسط الحطام على الحدود أأللمانية -الفرنسية)…( قالت لينا : ُحمّان ؟!قال ُحمّان: نعم ؟!أحبك.أنا أيضا أحبك.هل تنوي العودة إلى وطنك بعد الحرب؟!أجاب حمان بصوت فيه رنة حسم : نعم .سألت لينا : وأنا؟!أجاب حمان: سآخذك معي .قالت لينا : أتمنى أن تطول الحرب .أال تخافي علي من الموت؟ !لن تموت. .لن تموت. .أجابت لينا ! فغنت لها المغنية ،لكن ،فيما بعد« :مش حتنازل عنك أبدا مهما يكون» ،نكاية به ،كي يتذكر ! شهق حمان فتحولت لينا إلى العصا المعقوفة ،يقبض عليها الشيخ بحنان وعطف. .التفت يمنة ويسرة ،فوجد نفسه أمام باب المصرف ينتظر دوره)…( ها هو ذا يغادر المصرف والعصا المعقوفة في يده .فجأة ،تحولت العصا إلى فتاة فاتنة تدعى عائشة ،وتحول الشيخ إلى شاب وسيم :عاشقان يتجوالن في الشوارع واألزقة الفارغة الصامتة،
يدا في يد ،حتى تعبا ،فجلسا ليستريحا ،جنبا إلى جنب على كرسي من كراسي ساحة الشهداء الواسعة)…( قالت عائشة : بماذا عدت إلي يا حبيبي؟!أجاب حمان: عدت إليك بجسم يحمل آثار شظايا الرصاص ،وخمسين درهما في الشهر مقابل الخدمة .تنهدت الشجيرات العارية .بكت العصافير الصغيرة .أشتد(نواح)الكالب و(نباح) الحمام. ووقف حمان وعائشة للسير في اتجاه الحفر)…( فتحولت عائشة إلى العصا المعقوفة ،يقبض عليها الشيخ بحنان و رفق. )…(
وتابع سيره وال زال يسير .
محمد الجاليدي /القنيطرة /المغرب
قصة قصيرة: الطفرة.. سلم وقعد ..نجمتُه لم تظهر بعد ..موعد ظهورها لم يحن بعد ..لكنه متأكد أنها ال تخالف وعدها ..ألقى بقطع السكر في السواد القاتم ،فهب نسيم رطب خفيف ،من جهة البحر ،ليلطف الحر المنبعث من السماء واألرض ..شرب قليال من الفنجان ،وأعاده إلى المائدة أمامه ،ثم أشعل سيجارة وشرع يمتص دخانها وكأنه لم يدخن طول ُ الحظت جرحا في يده اليسرى ،فسألتُه - :كيف جُرحت يدُك؟! اضطرب ولم يجب.. النهار.. وتاه في األجواء ..فه ُ مت أنها اآللة ..يكرهها ..تربطهما عالقة تضاد ميكانيكية ال تهمد ..تغازله وتعتصر قلبه ..وفي آخر كل ليلة تلفظه خائرا منهوكا ،يجر رجليه الهتا خلف أنفاسه ،فتحتويه المدينة بسكونها المبهم ..يجلس قليال في المقهى ليُ َملّي العين بنظرة وابتسامة ! فنجمتُه تعيد الطمأنينة إلى قلبه ..ومتى ظفر بتلك النظرة واالبتسامة منها ،قام ليتجه نحو سرير نومه.. لماذا المجانين كثيرون؟!أجبته بهذا السؤال: وهل كل ( عاقل ) عاقل بالفعل؟شرب من الفنجان ،ثم انغمس في السواد القاتم بداخله ،يفكر تارة ويتمتم تارة أخرى.. ُ وعدت ألتفحص جريدتي ،ونجمتُه لم تظهر بعد ،وموعد ظهورها لم يحن بعد، لكنه متأكد أنها ال تخالف وعدها ..ولما فات موعد ظهورها ،خرج عن صمته وسألني: كم الساعة اآلن؟ أجبته :الحادية عشرة. ألول مرة تخالف وعدها؟ !ُ ترددت كثيرا ،قبل أن أمد قال ذلك ،ثم تنهد ،وعاد إلى الفنجان يتأمل السواد بداخله.. يدي ألحركه ..انتبه ،فقلت: فاطمة بمستشفى المدينة .قال بنباهة من يكتشف خطأ محدثه: لكن مستشفى المدينة ليس للمجانين؟ !نزل عليه الخبر كالصاعقة ،حينما قلت: لقد قررت سلطات المدينة أن تجمع كل المجانين في غرفة بالمستشفى مقابل تنظيفه..ُ أردفت ألهدئ من روعه: شرب من الفنجان ما تبقى فيه ،وصورة فاطمة تحضره ..ثم يمكن أن تراها غدا األحد..وصباح الغد كان أمام بناية المستشفى ..فُتح الباب ،دخل ،وسأل عن غرفة المجانين ،ثم توجه نحوها مسرعا ..ولما أوشك على الوصول ،رأى لهيب النار يلتهم ما بداخلها ،والدخان يتصاعد إلى األعلى! تملكه الرعب ،فجرى نحو الباب يريد أن يفتحه ،لكنه كان موصدا من الداخل! أيقن وقتها أن تكسير الباب هو الحل الوحيد ،فكسره ..خرج المجانين ومعهم فاطمة ..كانوا جميعهم يضحكون! تقدم نحو فاطمة ،وعيناه تبحث عن سر الحدث ..سألها قائال: ماذا وقع؟ ! أجابته : -نريد أجرا مقابل عرقنا .
ضحك المجانين ،فقاطعهم بصرختين :األولى استخفافا ( بعقل العقالء) ،والثانية ليضع حدا فاصال بينه وبين حياته ( العاقلة) .وفي تلك اللحظة بالذات ،انقلب تصوره لعالقته باآللة ،وانقلب معها صورةُ كل ش َْيءٍ في مداركه ..وكانت فاطمة بين ذراعيه تتحسسه عن قرب ،وتهمس: أحمد..محمد الجاليدي -القنيطرة (-المغرب)
قصة قصيرة: خلف الباب األثري..وهو يتجول في الشوارع الواسعة والممتدة وسط البنايات المتالحمة ،أوقفته نخلة منتصبة في شموخ - :مرحبا بالضيف في مدينة العقل .قال - :شكرا أيتها النخلة ! ومن سعفها هبط هدهد وحط على كتفه .قالت النخلة - :دع هذا الهدهد يصحبك في جولتك ..كان ،عندما غادر المقامات الرباطية في اتجاه المقامات الفاسية ،قد ضل الطريق .فقبل أن يصل إلى قرية وادي بهت ،انزاح جهة اليسار ،عبر طريق ثانوية إلى أن اعترض طريقه باب أثري مقوس ،مكتوب عليه بخط مغربي :هنا مدينة العقل .. بدافع الفضول ،تخطى عتبة الباب ،فتسمر في مكانه شاردا مشدوها :مدينة محاطة باألسوار ،محصنة بالقالع ،ومجالها األخضر أنيق ومنسجم ! تساءل -:من أين لهذه المدينة بهذه األلفة والبساطة والغموض؟! قال الهدهد :اكتسبت ذلك من تكوينها المرجاني الناتج عن ترسبات بركانية قديمة ..دقت أجراس المدينة ،فانطلق الناس في اتجاه واحد ..سأل الهدهد مستغربا - :ما بال الناس يقصدون وجهة واحدة؟! أجابه الهدهد - :لقد حان وقت التحصيل العلمي والمعرفي- .وأين يقومون بذلك؟! -في ساحة موحا وحمو . -وهل يمكن أن أزور هذه الساحة؟ -بكل سرور ،لكن سر من هنا. في ساحة موحا وحمو ،كان المواطنون والمواطنات ،قد تفرقوا جماعات ،وجلست كل جماعة على العشب األخضر تحت األشجار .وجلس قبالة كل جماعة شيخ من شيوخ المدينة األجالء.. سأل - :من هذا الشيخ؟! أجاب الهدهد - :صاحب كتاب المناظر . -ومن ذاك؟! -صاحب كتاب الطب الروحاني.. في تلك المدينة ،فكر الضيف في اإلقامة الدائمة ،فسأل الهدهد في األمر ..أجابه الهدهد : األمر بيد قاضي المدينة ..كان القاضي جالسا أمام بناية محروسة بأشجار الصنوبر من كل الجهات..قال الضيف - :جئتك يا سيدي القاضي أطلب حق المواطنة . قال القاضي -:في هذه المدينة ال يتمتع بحق المواطنة فيها إال من يطابق عقله عقلها . قال الضيف -:أظن أن عقلي يطابق تماما عقل مدينتكم . قال القاضي -:ما اسمك؟ قال -:عبيدة الرحمان بن أبي ضبيعة الثعلبي . قال القاضي -:ومن أين أتيت؟ قال -:من المقامات الرباطية . وإلى أين كانت وجهتك؟ إلى المقامات الفاسيية . لماذا؟ إلضفاء الرسمية ،على صالة االستسقاء.. قال القاضي باحترام وحنكة -:مكانك هناك وليس هنا. وأشار بسبابة يده اليسرى خارج الباب األثري المقوس.. محمد الجاليدي-القنيطرة-المغرب
قصة قصيرة: ْحميدة..هيمن الظالم على الدرب .ولما امتزج بكتل الضباب شاع عمى األلوان .فدخل ْحميدة إلى المنزل ودلف توّ ا َ ََ إلى غرفته وأحكم إغالق الباب عليه ،كعادته كل ليلة .له موعد مقدس مع لوحته اإللكترونية .فالجرعة الليلية لها نشوة مميزة ،ألنها تنقله من التواصل العام واإلبحار العشوائي ،إلى التواصل الخاص .تبلورت لديه هذه القدسية لهذا الموعد الليلي ،منذ أن فتح حسابه على الفايس العام الماضي ،باسم مستعار وبدون صورة ،مدعيا أنه مهندس معماري … فجاءته على الفور ليلتئذ دعوة صداقة ،من شابة تركية فاتنة اسمها" ماكا كونان " .كانت فرحته عارمة حين وجد الدعوة ،وكانت الفرحة أشد لما بادرت إلى التواصل معه عبر الخاص .لم يكن مشكل اللغة عائقا ما دام سيدنا "غوغل" -حفظه هللا -يتكفل بالترجمة الفورية من النص الهدف ،إلى اللغة المطلوبة… كانت بداية التواصل تعارفا ،ثم تطور إلى تبادل المشاهد الطبيعية الخالبة في بلديهما. وبالقدر الذي نشطت به«ماكا»،وهي تمطره بصور عن جمال الجغرافيا الطبيعية التركية ،كان ْحميدة يقضي يومه في اإلبحار بحثا عن أجمل مشاهد الشواطئ واألنهار ومنابعها والمآثر التاريخية ،المغربية ،ليرسلها إليها .سألته ذات ليلة «- :هل زرت كل هذه المناطق الجميلة في بلدك ؟»رد عليها كاذبا «-:قمت برحلة طويلة من شاطئ الداخلة أقصى جنوب المغرب إلى شاطئ السعيدية أقصى شمال شرق المغرب ،مرورا بكل الشواطئ األخرى .وكان طول الرحلة ما يقارب ثالثة ألف كيلومتر ،دامت شهرا كامال» .لم يكن ْحميدة يجد صعوبة في ضبط المعطيات المرتبطة بالمغرب، مادامت اللوحة اإللكترونية تمده بالمعطى والمعلومة ،شرط أن يحدد الطلب للشيخ " غوغل " مصاغا بدقة .أما الحقيقة الواقعية ،فهو الذي يعلمها ،ويعلم علم اليقين أنه ال يعرف من شواطئ البالد و أنهارها سوى شاطئ واحد ونهر واحد ،هما شاطئ المهدية ونهر سبو. ولم ال يكذب ؟ وقد تحول بالقدرة االفتراضية إلى مهندس ،ومالك لمسكن من مساكن المهدية المطلة على شاطئها الجميل ،وفي حوزته سيارة فاخرة من آخر طراز ،يتنقل بها من "مسكنه الشاطئي" إلى "أوراش عمله " ،ويجوب بها أرجاء البالد خالل العطل األسبوعية ،وال ينقصه إال إكمال دينه بابنة الحالل التي قد تكون «ماكا» التركية «-.دجاجة "ب"كامو ْنها» هكذا كان ْحميدة يفكر ،مادام والدها الذي كان جنراال في الجيش التركي ،اعتقل بسبب مشاركته في انقالب هر ْ هربَ ْت معها ثروة أبيها بت إلى السينغال ّ ، عسكري فاشل ،ومن المحتمل أن يُعدَم ،و«ماكا» التي َ التي راكمها من الهبات األمريكية ..كما أخبرته. أم ْحميدة التي تشتغل منظفة بمعمل ،عانت من احتجاج األبناء الثالثة بزعامة ْحميدة، من أجل تمكينهم من لوحتين إلكترونيتين وهاتف نقال .فاضطرت مرغمة أن تلبي رغبتهم بالتناوب ْ شرت في البدء لوحة إلكترونية له ،وبعد أن سددت ثمنها ،شرت أخرى ألخته وباعتماد االقتراض. الكبرى عويشة ،ثم هاتفا نقاال للصغير في مرحلة ثالثة .واعتبرت ذلك ضريبة عصر ليس عصرها! وهي ترى هذه األدوات تنتشر بين الناس بسرعة مذهلة !! كما لو كانت "تسوناميا بحريا" آ ٍ ت إلى الدرب من بحار أوروبا أو الواليات المتحدة األمريكية أو اليابان… نسي ْحميدة صحن األكل الذي تركته له أمه في المطبخ قبل أن تغادر إلى العمل .ألنه قرر في هذه الليلة أن يضيف جرعة للعالقة مع «ماكا» في اتجاه بلورة أفق نقلها من فضاء االفتراض إلى األرض .لكنه احتار في اختيار طبيعة المدخل «-:هل يبدأ باإليحاء أم المباشرة ؟هل يطرح عليها
فكرة الزواج أم يؤسس لها بالحب ويؤجل الفكرة حتى يصنع لها منحى حميميا؟» .وبعد الخروج من تيهان (هل)،قرر االنطالق وهو يردد لنفسه «-:هللا المعين». كتب ْحميدة عبر "الميسنجر"«-:ماكا أطلب يدك للزواج». كتبت «ماكا»«-:فاجأتني عزيزي كمال هاني». كتب ْحميدة «-:أنا جاد في طلبي». كتبت «ماكا»«-:كيف لي أن أوافق على طلب كهذا وأنا ال أتوفر حتى على صورة من صورك! فحسابك على "الفايس" لم تنشر فيه صورك الشخصية ولو مرة واحدة ! وعبر الخاص لم تمكنّي من ذلك وقد مضى على تواصلنا وصداقتنا الجميلة عاما كامال .لم أفهم السبب ،لكنني تفهمت واحترمت .أما أنا ،وكما تعلم عزيزي كمال هاني ،فلم أبخل عليك بصوري .وكنت دوما أمدك بالجديد منها». كتب ْحميدة« :نقول في المغرب عن األمور التي في المتناول" ما بْعيدة غِيرْ ْز َحيْليگة "، سأرسل لك صوري بعد قليل ،وآمل أن تعجبك» .وقصده "أن أُعجبك" كتبت «ماكا»«-:وأنا في انتظارك». انخرط ْحميدة في العمل .اختار صورة له واقفا .ثم حمّلها إلى برنامج تعديل الصور .أدخل صورة ممثل هوليودي ،يرتدي لباسا أنيقا من ألبسة آخر صيحة في عالم "الموضة" ،واستبدل رأس الممثل برأسه ،وبعد أن غير خلفية الصورة األصل وعوضها بمشهد للبحر في لحظة الغسق ،شرع يتأمل اإلخراج .أضاف بعض الضوء فكانت الحصيلة مبهرة! وكانت الصورة ل"طوم كروز" -كما روى لي ْحميدة بعظمة لسانه ،إن لم تخنّي الذاكرة – ال يهم ،المهم -كما حكى ْحميدة-أنه بعد أن اقتنع باإلخراج لصورته كما يتمناها أن تكون في الفضاء األرضي ،أرسلها إلى «ماكا » /الحلم ،في الفضاء األزرق. وفي اللحظة التي ضغط فيها على زر اإلرسال ،تناهى إلى سمعه ،صرخة قوية تالها نَ ٌ حيط في شكل بكاء محبوس في الصدر! ولم يكن مصدرهما لوحته اإللكترونية ،بل كان المصدر أرضيا ! قام والهلع يغمره من الرأس إلى أخمص القدم! فوجد أخته عويشة طريحة على األرض ،تنبعث من لوحتها اإللكترونية أغنية أم كلثوم وصوتها يصدح بمطولتها "أنا في انتظارك" ،وصورته باللباس الهوليودي تمأل شاشة لوحتها اإللكترونية!!!! محمد الجاليدي/القنيطرة ( /المغرب )
قصة قصيرة: لبيبة "المفخخة "(اليوم األول): يوم ربيعي .شمس دافئة .األرض فاضت بالخضرة .االخضرار المنتشر تموجت مراتبه. المنزل موحش .وأبو زيد الثعالبي يحتاج إلى األنس .فكر في شراء دجاجة قوامها رشيق وألوانها متناغمة .أبو زيد مولع بنغم الطبيعة .وهو ما جعل مهارة الذكاء الطبيعي «نشطة» لديه .وليبعد الكسل الذي يتنيه دوما عن تنفيذ أفكاره «النيرة» ،أسرع إلى السوق .ابتاع دجاجة بالمواصفات التي تخيلها .وقضى يومه معها :يمأل راحة يده باللّ َقط فتأتيه منقادة .يهرب واللّقَ ُ ط في يده ،تالحقه وهي ترفرف بجناحيها .فسماها «لبيبة».. (اليوم الثاني): قام أبو زيد من نومه .استرجع صحوه .تذكر «لبيبة» واستغرب .لم توقظه من النوم كما افترض !! ولما بحث عنها في أرجاء المنزل ،لم يجدها .خرج يبحث عنها في الجوار .كانت «لبيبة» مع ديك الجيران .استشاط غضبا .حملها وعاد بها إلى المنزل .ظل يؤنبها طوال اليوم .ظن أنها لن تكرر فعلتها .ولما نام قبلها ،بدا لها البيت موحشا ،فراحت تبحث عن األنس مع ديك الجيران.. (اليوم الثالث) : حمل أبو زيد «لبيبة» إلى فَ ِقيه القرية .عرض عليه النازلة طلبا لفتوى .نصحه الفقيه أن يدعو لها بعد كل صالة .فشرع أبو زيد في تعلم قواعد الصالة.. (اليوم الرابع ): كررت «لبيبة» السلوك نفسه .فقرر أبو زيد التوقف عن الصالة .وراح ب «لبيبة »يبحث لها عن حل لدى مدرس الفلسفة بمدرسة القرية .عرض عليه النازلة ،و أخبره بفتوى الفقيه و نتيجة فتواه .ربت مدرس الفلسفة على كتف أبي زيد ،ثم قال له :تأم ْل أحوال الكون ،أو اقرأ ْتأمالت من تأمل الكون .وإن فعلت ذلك برزانة العقل ،ستهتدي إلى حل .واجعل لتفكيرك العقالني هذه القاعدة- الحقيقة ثابتة في «لبيبة» والبحث عن هذه الحقيقة رحيل بالعقل للوصول إلى معناها .عاد أبو زيد إلى البيت وقضى يومه يتأمل .وقبل أن ينام ،ربط «لبيبة» بحبل ،وأحكم إغالق الباب ،ونام.. (اليوم الخامس) : قام أبو زيد من النوم .وقبل أن يسترد صحوه ،راح يتفقد « لبيبة » .لم يجدها .ازداد غضبه حدة .راح إلى ديك الجيران ،وانهال عليه بكل أصناف الشتائم ،ثم أخذها وعاد .وبعد تناوله طعام فطوره ،حملها وراح بها إلى مدرس العلوم الطبيعية بمدرسة القرية .عرض عليه النازلة ،وأخبره بفتوى الفقيه ونتيجة فتواه ،وبما أشار عليه به مدرس الفلسفة ،وحكاية ربط « لبيبة » .ربت مدرس العلوم الطبيعية على كتف أبي زيد ،ثم قال له :أشتر لها ديكا يؤنسها .غضب أبو زيد من نفسه ،ألن تأمله لم يصل به إلى هذا الحل ،رغم حَمْ ِل عقله على ركوب خضم الفلسفة يوما كامال .لذلك راح إلى السوق ،ومنه اشترى ل«لبيبة» ديكا يتجاوز ديك الجيران عجرفة وجماال .وقضى يومه يؤلف بين قلبيهما ،إلى أن غالبه النوم فنام.. ( اليوم السادس) : قام أبو زيد من النوم قبل الموعد الذي اعتاده جسده .فرح بذلك ألن الديك أكثر وأفاض في الصياح .وعندما تفقد الديك و«لبيبة» وجد الديك في مكانه ولم يجد «لبيبة» .فهرول إلى مسكن
الجيران .وبدل أن ينهال على ديكهم بالشتائم ،شرع يوزعها عليهم ويتهمهم بالتحريض .ويتوعدهم برفع دعوى ضدهم ،وهم في حالة من الذهول واالستغراب. حمل «لبيبة» وعاد بها إلى البيت ،ثم انخرط في البكاء إلى حد النحيب.. (اليوم السابع) : مر أبو زيد على مسكن الجيران .حمل «لبيبة» وراح بها إلى عرافة القرية .حكى النازلة ّ وما سببته له من سوء الحال .خطت العرافة بالقلم ما ال يعلم على ورق صقيل .وطلبت منه أن يغطي المكتوب بثوب ،وأن يلف الثوب بخيط ،وأن يعلق الخيط في عنق الدجاجة .ناول ابو زيد العرافة بضعة دراهم فطلبت المزيد ،فزاد .وبالبيت نفذ التوجيهات بدقة .ولما صحا على صياح الديك ،وجد الديك والخيط والملفوف ،ولم يجد «لبيبة» كالمعتاد.. (اليوم الثامن): ترك أبو زيد «لبيبة» مع ديك الجيران ،ليقيم الحجة عليهم .وراح متسلال نحو بناية حاكم القرية .استقبله .أنصت له بحس قانوني مرهف .ولما بحث في مجلد القانون الجنائي ،قام من مقعده وربت على كتف أبي زيد ،ثم قال له بنبرة جادة :ال يمكن أن أعرض هذه الشكوى على الضابطة القضائية ،وأ ُع َّرض الناس للجزاء بسبب طيش دجاجة .فعاد أبو زيد إلى مسكن الجيران وأخذ «لبيبة» وراح بها إلى بيته .وظل طوال يومه يفكر في فكرة «الطيش» التي فاته االهتداء إليها ،لوال حكمة الحاكم.. ( اليوم التاسع) : مر أبوزيد على مسكن الجيران ،ثم حمل «لبيبة» وجاءني بها .استعرض علي تفاصيل النازلة. َّ كان يحكي وعيناه تحملق في الحاسوب أمامي .ثم ختم حكيه بطلب فحصها داخل هذا الكائن العجيب. أخذت منه الدجاجة ،وأدخلتها إلى الحاسوب ،وطلبت منه فحصها .وعلى الفور أجابني الحاسوب :الدجاجة في كامل وعيها وسالمة جسدها ودما ُ غها معافى .أخرجت الدجاجة من الحاسوب وهي تضحك والحاسوب يضحك .فأخذت دماغ أبي زيد الثعالبي وزرعته في الحاسوب ،وعلى الفور اشتعلت عالمة نذير باألحمر ،مكتوب تحتها :اسحب هذا العجب العجاب .وبدل أن أسحب العجب العجاب رقنت للحاسوب هذا السؤال :ماذا في األمر يا خالي؟!فجاءني جوابه كاآلتي :كيف لدماغ تتعايش فيه كل أصناف التفكير التي أبدعتها البشرية ،رغم تباين بنيتها ومنطلقاتها وتداعيات ركامها اإلنتاجي؛ ولم ينفجر منذ زمان؟! ثم أضاف إلى تحذيره الخطي ،صفارة إنذار .فهمت بأني مجبر على سحب دماغ إبي زيد الثعالبي من الحاسوب ،كي يعود إليه الهدوء والتماسك واالنسجام الذي افتقده .وقبل أن أضغط على زر السحب ،كان حاسوبي قد انفجر !! لم أجد ما به أواسي نفسي على حاسوبي ،إال القول :المجد للدجاجة ،واللعنة لدماغك يا أبا زيد الثعالبي ..بئس اليوم الذي عرفتك فيه!!! محمد الجاليدي -القنيطرة -المغرب
الفهرس الصفحة
عنوان القصة
1
لغة البحر
4
بداية المشوار
8
" الكومباطا" حمان
11
الطفرة
14
خلف الباب األثري ذاك
16
"حميدة"
19
لبيبة " المفخخة"