turath_155

Page 1

‫جبل حفيت‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫حوت �ضخم ي�سبح‬ ‫يف �صحراء العني‬ ‫تراثية ثقافية منوعة ت�صدر عن نادي تــــــــــــــــراث الإمـارات العـدد ‪� 155‬سبتمرب ‪2012‬‬

‫الخطاب األنثوي‬ ‫يف املثل ال�شعبي العماين‬

‫النخلة‪..‬‬

‫ربيع املقيظ وجنة الرمل‬

‫مجلس العلوم ‪..‬‬

‫هل نحن يف منت�صف الإنقرا�ض‬ ‫ال�ساد�س !‬

‫ثقافةالخوف ‪..‬‬

‫جت ِّلياتها يف ال�شعر العربي‬

‫مع العدد‬ ‫كتاب‬ ‫الشهري‬

‫منتدى الشيخ زايد‬

‫يستعرض الفكر الوحدوي للقائد الرمز ‬



‫صوت من المستقبل‬ ‫إن اجليل اجلديد يجب أن يعرف كم قاسى اجليل الذي سبقه‪ ،‬ألن ذلك يزيده‬ ‫صالبة وصربًا وجهادًا ملواصلة املسرية التي بدأها اآلباء واألجداد‪ ،‬وهي‬ ‫املسرية التي جسدت يف النهاية األماين القومية بعد فرتة طويلة من‬ ‫املعاناة ضد التجزئة والتخلف واحلرمان‪.‬‬ ‫على شعبنا أال ينسى ماضيه وأسالفه‪ ،‬كيف عاشوا وعلى ماذا اعتمدوا يف‬ ‫حياتهم وكلما أحس الناس مباضيهم أكرث‪ ،‬وعرفوا تراثهم‪ ،‬أصبحوا أكرث‬ ‫اهتمامًا ببالدهم وأكرث استعدادًا للدفاع عنها‪.‬‬ ‫لقد ترك لنا األسالف من أجدادنا الكثري من الرتاث الشعبي الذي يحق لنا أن‬ ‫نفخر به ونحافظ عليه ونطوره ليبقى ذخرًا لهذا الوطن ولألجيال القادمة‪.‬‬ ‫البد من احلفاظ على تراثنا القدمي ألنه األصل واجلذور وعلينا أن نتمسك‬ ‫بأصولنا وجذورنا العميقة ‪.‬‬ ‫إن اإلملام بالرتاث ينري األفكار وينري طريق احلياة‪.‬‬ ‫إن أبناءنا عندما يستوعبون مسرية آبائهم وأجدادهم يستطيعون أن‬ ‫يعرفوا سبب النصر وبالتايل معرفة الطريق املؤدي إىل النصر‪.‬‬ ‫إن اإلملام بهذه احلقائق ال يتم إال عرب قراءة واستيعاب تاريخ آبائنا وأجدادنا‬ ‫على أرض الوطن‪ ،‬إن إمكانيات االطالع متوفرة اآلن لكل راغب من الشباب‪.‬‬ ‫زايد بن سلطان آل نهيان‬


‫محتويات العدد‬ ‫تراثية ثقافية منوعة‬ ‫ت�صدر عن‬ ‫مركز زايد للدرا�سات والبحوث‬ ‫بنادي تراث الإمارات‬

‫امل�شــرف العــام‬

‫حبيـب ال�صــايـغ‬ ‫اال�سـتـ�شـارة العـلـمـيــة‬

‫�أ‪ .‬د‪ .‬ح�سـن حمـمـد النابـودة‬ ‫�أ‪.‬د‪ .‬يحيى حممد حممـود‬ ‫�أ ‪ .‬حنفي جايل‬ ‫مدير التحرير‬

‫وليد عالء الدين‬ ‫هيئة التحرير‬

‫�شـم�سـة حـمـد الظاهـري‬ ‫فاطمة نايع املـنـ�صـوري‬ ‫حممــد �سعد النمـــر‬ ‫املـراجـعـة والـتـدقـيـق‬

‫د‪ .‬حمـمـد فـاتــح زغـل‬ ‫املديـر الفنـي‬

‫فــواز نـاظــم‬ ‫ر�س ــوم‬

‫حـ�سـن �إدلـبـي‬ ‫حممد بريم‬ ‫الإخراج والت�صميم‬

‫�إيـنـا�س درويـ�ش‬ ‫هـاتف‪00971 2 2223000 :‬‬ ‫فـاك�س‪00971 2 6651115 :‬‬ ‫�ص‪.‬ب‪� :‬أبو ظبي ‪27765‬‬

‫‪Email: turathmag1@gmail.com‬‬

‫مدير التحرير‬

‫‪waleedalaa@hotmail.com‬‬

‫�أبوظبي للإعالم ‪ -‬توزيع‬

‫الرقم املجاين‪8002220 :‬‬ ‫لالت�صال من اخلارج ‪00971 2 4145000 :‬‬ ‫فاك�س ‪00971 2 4145050 :‬‬ ‫‪distribution@admedia.ae‬‬

‫ق�ضية للنقا�ش‪ :‬نوا�صل حترى مالمح ح�ضور الرتاث يف املناهج التعليمية عربي ًا‪ ،‬يف احللقة‬ ‫‪30‬‬ ‫الأخرية من ملف املغرب‪ ،‬يرى مهتمون مغاربة �أن النخبة يف املغرب تعاملت مع الرتاث‬ ‫ال�شعبي باعتباره منتج العامة‪ ،‬يف املقابل كان هناك اهتمام هائل من طرف الإثنوغرافيني‬ ‫الفرن�سيني الذين جلبهم اال�ستعمار بكل مظاهر هذا الرتاث وجتلياته للإفادة منه يف احتالل‬ ‫العقل املغربي‪ .‬وخل�ص امل�شاركون يف التحقيق الذي �أعده عبد الرحيم اخل�صار �إىل �أن النتيجة‬ ‫كانت ل�صالح اال�ستعمار‪ ،‬بينما ظل الرتاث يف املغرب ال يحظى ب�أي اهتمام ال يف الربامج‬ ‫التعليمية‪ ،‬وال يف غريها‪.‬‬ ‫�ساحة احلوار‪� :‬إن حتديد العالقة بني الرتاث والإعالم ي�ستدعي حتديد الأبعاد املعرفية‬ ‫‪42‬‬ ‫التي ي�شملها هذا الرتاث‪ ،‬حتى ن�صل �إىل الطريقة ال�صحيحة لتناوله يف و�سائل الإعالم‪،‬‬ ‫فاجلهل هو ما يدفعنا �إىل الت�شويه �سواء املق�صود �أو غري املق�صود‪ ،‬بهذه الروح تتحدث الباحثة‬ ‫الإماراتية ناجية الكتبي عن نتائج ر�سالتها العلمية التي �أجرتها على الرتاث ال�شعبي يف املالحق‬ ‫الثقافية لل�صحف الإماراتية‪ ،‬حمللة وناقدة وم�ؤكدة �أهمية وجود ر�ؤية علمية وا�ضحة و�شاملة‬ ‫ومتكاملة للرتاث يف تدوينه وجمعه وعر�ضه ب�أ�شكال جديدة �إبداعية تتنا�سب مع الع�صر‪.‬‬ ‫وجه يف املر�آة‪ :‬رحل عن عاملنا ال�شهر قبل املا�ضي يف باري�س‪ ،‬الفيل�سوف العربي الرائد‬ ‫‪52‬‬ ‫�أنور عبد امللك‪ ،‬وهو �أول من انتقد اال�ست�شراق منذ عام ‪ 1963‬م‪ ،‬حني ن�شر مقا ًال بعنوان‬ ‫«اال�ست�شراق يف �أزمة» ربط فيه بني درا�سات بع�ض امل�ست�شرقني واال�ستعمار الذي كانت تلك‬ ‫الدرا�سات متهيد ًا له‪ ،‬يكتب لنا عنه الكاتب ال�صحفي �أ�سامه عفيفي وا�صف ًا �إياه ب�أنه كان‬ ‫م�شاك�سا من الوزن الثقيل‪ ،‬ودائم التغريد خارج ال�سرب‪ ،‬لأنه ي�ؤمن بقدرة الإبداع الإن�ساين على‬ ‫ً‬ ‫االبتكار والتجديد و�إعادة النظر يف الثوابت ونقدها بالعقل الذي هو �أجمل ما وهب اهلل للإن�سان‪.‬‬ ‫ارتياد الآفاق‪ :‬تعد يوميات الطبيب الإجنليزي ديفيد هاري�سون التي �سجلها خالل فرتة‬ ‫‪58‬‬ ‫�إقامته يف يف واحة العني يف بدايات ال�ستينيات من القرن الفائت �أثر ًا مهم ًا‪ ،‬لي�س فقط لأنها‬ ‫�شاهد على فرتة حتول هامة مرت بها دولة الإمارات واملنطقة‪ ،‬ولكن ملا فيها من طرافة‪ ,‬فقد‬ ‫كان مهتم ًا مبراقبة كائنات الطبيعة و�إجراء الدرا�سات والبحوث عليها‪ ،‬وقد ا�سكنه ال�شيخ زايد‪،‬‬ ‫رحمه اهلل يف مربعة العني ف�أقام فيها �أول معمل حتنيط‪ ،‬كما �أنه �صاحب ال�شيخ زايد يف عدة‬ ‫جوالت �صيد نادرة‪ ،‬منها جولة ال�صطياد اخلفافي�ش‪.‬‬ ‫املحكي �شعراً‪� :‬إن ال�شاعر الذي ُولد يف وجدان ال�شيخ زايد‪ ،‬جعله مميز ًا بني �أقرانه‪ ،‬و�أظهره‬ ‫‪72‬‬ ‫على �أترابه‪ ،‬فكانت نظرته �إىل كل �شيء يعتمرها الإح�سا�س املرهف الواعي الذي يعتني بكل‬ ‫التفا�صيل و�أدقها‪ ،‬فكان حا�ضر الذهن متوقده‪ ،‬مما جعله دائم ًا ذا ر�أي �سديد ال تفوته واردة وال‬ ‫�شاردة‪ .‬قراءة جديدة يف الرتاث ال�شعري لل�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬يقدمها‬ ‫الباحث الإماراتي �سرور خليفة الكعبي الذي يرى �أن ال�شيخ زايد ط ّور يف �أغرا�ض و�شكل الق�صيدة‬ ‫املحلية‪ ،‬ومزج الأ�صالة القدمية يف ال�شعر املحلي بروح الع�صر ‪.‬‬ ‫‪ 108‬قال الراوي‪� :‬إذا كانت معظم الأمثال ال�شعبية العمانية ذات خطاب ذكوري‪ ،‬فلماذا توجد‬ ‫�أمثال �صيغت خ�صي�ص ًا للمتلقي الأنثى؟ هذا هو ال�س�ؤال الذي تطرحه الدكتورة عائ�شة‬ ‫الدرمكي يف درا�ستها التي حتاول من خاللها الوقوف على احلكمة من �صياغة �أمثال �أنثوية يف‬ ‫خطاب يغلب عليه الطابع الذكوري من خالل قراءة مت�أنية يف جمموعة من الأمثال التي �صاغها‬ ‫املجتمع اللغوي يف عمان خلطاب الأنثى مع بيان خ�صائ�صها اللغوية والتوا�صلية‪.‬‬ ‫أيضاً‬ ‫القا�ص �سعيد الكفراوي يكتب عن ح�سن فتحي فيل�سوف عمارة الفقراء‪ ،‬والدكتور �سعيد‬ ‫يقطني ي�ستعر�ض اللحظات التاريخية الثالث يف امل�شروع احل�ضاري العربي‪ ،‬والدكتور‬ ‫معجب الزهراين يكتب عن هيمنة اجل�سد اجلماعي‪ ،‬والروائي جمال الغيطاين يتذكر مو�سوعة‬ ‫الأ�سدي احللبية يف منا�سبة الأحداث الع�صيبة التي متر بها حلب و�سوريا‪،‬‬


‫‪134‬‬

‫يا هال‬

‫ي‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ال‬

‫تراث زايد المتجدد‬

‫‪52‬‬

‫‪118‬‬

‫‪122‬‬

‫سعر النسخة‬

‫الإمارات العربية املتحدة ‪ 10‬دراهم ‪ -‬اململكة العربية ال�سعودية ‪ 10‬رياالت‬ ‫ الكويت دينار واحد ‪� -‬سلطنة عمان ‪ 800‬بي�سة ‪ -‬قطر ‪ 10‬رياالت ‪-‬‬‫مملكة البحرين دينار واحد ‪ -‬اليمن ‪ 200‬ريال ‪ -‬م�صر ‪ 5‬جنيهات ‪-‬‬ ‫ال�سودان ‪ 250‬جنيهاً ‪ -‬لبنان ‪ 5000‬لرية ‪� -‬سورية ‪ 100‬لرية ‪ -‬اململكة‬ ‫الإردنية الها�شمية ديناران ‪ -‬العراق‪ 2500 :‬دينار ‪ -‬فل�سطني ديناران ‪-‬‬ ‫اململكة املغربية ‪ 20‬درهماً ‪ -‬اجلماهريية الليبية ‪ 4‬دنانري ‪ -‬اجلمهورية‬ ‫التون�سية ديناران ‪ -‬بريطانيا ‪ 3‬جنيهات ‪� -‬سوي�سرا ‪ 7‬فرنكات ‪ -‬دول‬ ‫االحتاد الأوروبي ‪ 4‬يورو ‪ -‬الواليات املتحدة الأمريكية وكندا ‪ 5‬دوالرات‪.‬‬

‫واحد من �أ�سرار تقدم الأمم ونه�ضة احل�ضارات وا�ستقرارها هو �أنها‬ ‫حتفظ الف�ضل لأ�صحابه‪ ،‬وتن�سب الفعل لأربابه‪ .‬كما �أن منهجها �أن تعيد‬ ‫التذكري ب�أ�صحاب الف�ضل و�أرباب الفعل يف كل منا�سبة وموقف‪ ،‬تذكري ًا جاد ًا‬ ‫مو�ضوعي ًا ي�ستح�ضر تفا�صيل ف�ضلهم ومناقب �أعمالهم‪.‬‬ ‫وعادة الأمم املتح�ضرة �أنها‪ ،‬كلما �أنعم اهلل على الب�شر بجديد من و�سائل‬ ‫العلم‪ ،‬ك ّلفت من يدر�سون ويبحثون ويدققون يف �سري ه�ؤالء الكبار من‬ ‫�أ�صحاب الف�ضل و�أرباب العمل والعلم ‪،‬للوقوف على �أ�سرار نبوغهم وتفا�صيل‬ ‫جناحهم ومالمح عظمتهم‪ .‬ثم ي�ستعر�ضون نتائج ما تو�صلت �إليه الأبحاث‬ ‫والدرا�سات يف و�سائل التوا�صل املختلفة يف املجتمع‪ ،‬ويدجمون منه ما يحقق‬ ‫�أهدافهم وخططهم التنموية يف مناهج الدر�س والتعليم‪ ،‬في�ضمنون بذلك‬ ‫اندماج خال�صات املا�ضي الأ�صيل يف ر�ؤى و�أفكار �أوالدهم وهم طالعون نحو‬ ‫نور امل�ستقبل‪.‬‬ ‫ال يتوقف الأمر عند حدود االحتفاء �أو الرثاء ال�شكلي‪ ،‬بل �إنهم يعبرّ ون عن‬ ‫احتفائهم ورثائهم يف �صيغة عملية تدفع �إىل الأمام وت�س ّلم منجزات جيل‬ ‫�إىل اجليل الذي يليه‪ ،‬ول�سان حالهم يف ذلك يقول‪ :‬لو كان ه�ؤالء الكبار‬ ‫الذين نحتفي بهم على قيد احلياة‪ ،‬ملا ارت�ضوا بغري ذلك املنهج بدي ًال‪،‬‬ ‫ولذلك فقد ا�ستحقوا �أن يكونوا كبار ًا‪.‬‬ ‫هذا هو املنهج الذي جنح مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإعالم يف‬ ‫انتهاجه للمرة الثانية على التوايل‪ ،‬بتنظيمه فعاليات (منتدى ال�شيخ زايد)‬ ‫�إحيا ًء للذكرى الثامنة لرحيل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان‪ ،‬رحمه اهلل‪،‬‬ ‫التي ت�صادف الثامن ع�شر من �شهر رم�ضان الكرمي‪.‬‬ ‫وقد �أكد هذا املنهج و� ّأطره يف �إطاره ال�صحيح‪� ،‬سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد‬ ‫�آل نهيان‪ ،‬ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة‪ ،‬رئي�س مركز �سلطان بن زايد‬ ‫للثقافة والإعالم يف كلمة افتتاح املنتدى‪ ،‬حني �أكد �أن احلر�ص على �إحياء‬ ‫ذكرى والد اجلميع ال�شيخ زايد‪ ،‬طيب اهلل ثراه‪ ،‬ب�أ�سلوب �سنوي منتظم‪ ،‬ال‬ ‫ينبع فقط من باب الواجب‪ ،‬فزايد اخلري حقنا وواجبنا‪� ،‬إمنا ملا ي�ضيفه‬ ‫ا�ستح�ضار ال�شخ�صيات العظيمة وتدار�س �سريتها من قيمة عالية �إىل جممل‬ ‫الن�شاط الفكري والثقايف واالجتماعي واحل�ضاري اخل ّالق‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬مل يكن املنتدى جمرد احتفالية‪ ،‬بل منتدى علمي لنخبة من العلماء‬ ‫واملفكرين ا�ستعر�ضوا على مدار يومني اجلوانب املتفردة والر�ؤى التاريخية‬ ‫والفكر ال�سيا�سي والوحدوي والإن�ساين يف م�سرية الراحل الكبري‪ ،‬رحمه‬ ‫اهلل‪ ،‬لي�ستخل�صوا منها ما ميكن �أن ُي�ضاف �إىل م�سرية بناء هذا الوطن‪،‬‬ ‫و�أجمعوا على �أن جتربة الوحدة التي قادها زايد‪ ،‬ومنظومة املبادئ والقيم‬ ‫التي �أقرها يف بناء الدول و�إدارتها كانت �سابقة لزمانها‪ ،‬و�أن العامل الآن‬ ‫يتحرك يف حماولة منه لتحقيق بع�ض ما �أجنزته الإمارات يف هذا ال�صدد‪.‬‬ ‫كما �أو�صى املنتدى بت�أ�سي�س مركز علمي يحمل ا�سم ال�شيخ زايد‪ ،‬يعمل‬ ‫كم�ؤ�س�سة ُمتخ�ص�صة يف الدرا�سات الإن�سانية مبفهومها الأكادميي اجلديد‪،‬‬ ‫بهدف امل�ساهمة يف تطوير البحث العلمي ملختلف الدرا�سات ذات املنحى‬ ‫الإن�ساين الكوين تنظري ًا وممار�سة‪ ،‬وذلك تطبيق ًا ملنهج الراحل الكبري الذي‬ ‫جمع مبهارة نادرة بني التنظري والتطبيق‪.‬‬ ‫هكذا يكون احتفاء الأمم املتح�ضرة برموزها‪ .‬رحم اهلل الراحل الكبري‪.‬‬

‫االشتراكات‬

‫للأفراد داخل الدولة‪ »100« :‬درهم ‪ /‬للأفراد من خارج الدولة‪»150« :‬‬ ‫درهماً ‪ /‬للم�ؤ�س�سات داخل الدولة‪ »150« :‬درهماً ‪ /‬للم�ؤ�س�سات من‬ ‫خارج الدولة‪ »200« :‬درهم‪.‬‬

‫«تراث»‬


‫‪6‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫تحت رعاية سلطان بن زايد آل نهيان‬

‫املهرجان الرم�ضاين ال�سابع يختتم فعالياته يف �أبوظبي‬

‫ر�سالة معرفة وفن تنا�سب �أجواء ال�شهر الف�ضيل‬ ‫�أبوظبي‪ -‬خالد ملكاوي‬ ‫حممد رجب ال�سامرائي‬ ‫�إبراهيم �أبو احل�سن‬ ‫حتت رعاية �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل‬ ‫نهيان‪ ،‬ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة‬ ‫«حفظه اهلل»‪ ،‬رئي�س نادي تراث الإم��ارات‪،‬‬ ‫اختتمت على م�سرح كا�سر الأمواج يف �أبوظبي‬ ‫يف الع�شرين م��ن �شهر رم���ض��ان ال�ك��رمي‪،‬‬ ‫فعاليات املهرجان الرم�ضاين ال�سابع التي‬ ‫نظمها نادي تراث الإمارات ومركز �سلطان‬ ‫بن زايد للثقافة والإعالم‪.‬‬ ‫ت�ضمن املهرجان باقة من الفعاليات الفكرية‬ ‫والفنية التي تتنا�سب و�أجواء ال�شهر الف�ضيل‪،‬‬ ‫منها حما�ضرات ل�سماحة ال�شيخ حممد‬ ‫�أحمد حممد ح�سني مفتي القد�س والديار‬ ‫الفل�سطينية‪ ،‬و�سماحة ال�سيد علي الها�شمي‪،‬‬ ‫امل�ست�شار يف ديوان الرئا�سة‪ ،‬واملفكر الأ�ستاذ‬ ‫ال��دك �ت��ور حم�م��د ع�ب��د احل�ل�ي��م‪ ،‬وال��داع�ي��ة‬

‫ال��دك�ت��ورة ن��ادي��ة ع �م��ارة‪ ،‬وال��دك�ت��ور حممد‬ ‫با�سل الطائي‪� ،‬إ�ضافة لعدد من �أ�صحاب‬ ‫الف�ضيلة �ضيوف �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة‬ ‫بالتعاون مع الهيئة العامة لل�ش�ؤون الإ�سالمية‬ ‫والأوقاف يف �أبوظبي‪.‬‬ ‫ك�م��ا ��ض��م امل �ه��رج��ان ف�ع��ال�ي��ات امل�سابقة‬ ‫ال�سنوية لأف���ض��ل م��رت��ل ل �ل �ق��ر�آن الكرمي‬ ‫للذكور‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل فعاليات ال��دورة‬ ‫الأوىل من م�سابقة �أف�ضل مرتل للقر�آن‬

‫شهد المهرجان تدشين‬ ‫فعاليات مسابقة‬ ‫أفضل مرتل للقرآن‬ ‫الكريم اإلناث لتضاف‬ ‫إلى مسيرة مسابقة‬ ‫أفضل مرتل للذكور‬

‫ال�ك��رمي للمرتالت الإن���اث ال�ت��ي انطلقت‬ ‫هذا العام ت�شجيع ًا من �سمو رئي�س النادي‬ ‫واملركز للفتيات نحو حفظ وجتويد كتاب‬ ‫اهلل العظيم‪� .‬شهدت امل�سابقات تناف�س ًا بني‬ ‫‪ 37‬مت�سابق ًا من حفظة القر�آن الكرمي من‬ ‫فئتي ال�شباب والأ�شبال‪ ،‬مثلوا �إحدى ع�شرة‬ ‫دولة عربية و�إ�سالمية هي م�صر‪ ،‬والأردن‪،‬‬ ‫وال �ع��راق‪ ،‬وال�ي�م��ن‪ ،‬و��س��وري��ا‪ ،‬وال���س��ودان‪،‬‬ ‫وم ��ايل‪ ،‬وباك�ستان‪ ،‬وامل �غ��رب‪ ،‬و�أم��ري�ك��ا‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل دول��ة الإم� ��ارات امل�ضيفة‪،‬‬ ‫وتكونت جلنة التحكيم من الدكتور �إبراهيم‬ ‫اجلنابي رئي�س ًا‪ ،‬وع�ضوية كل من ف�ضيلة‬ ‫ال�شيخ حممد حممدي �سالم‪ ،‬والدكتور �أن�س‬ ‫حممد ق�صار‪.‬‬ ‫وت�ضمن الربنامج الفني للمهرجان عرو�ض ًا‬


‫جانب من عر�ض فرقة املالد‬

‫مازجت بني الرتاث املحلي والعربي قدمتها‬ ‫فرقتا الربدة املحلية «الإماراتية»‪ ،‬والربدة‬ ‫امل�صرية‪ ،‬وفرقة املالد الوطنية‪ ،‬وعرو�ض ًا‬ ‫للإن�شاد الديني لكل م��ن ف��رق��ة الإن�شاد‬ ‫الديني التون�سي وامل�غ��رب��ي‪ ،‬وف��رق��ة ال��دار‬ ‫الوطنية للإن�شاد الديني‪ .‬بالإ�ضافة �إىل حفل‬ ‫�إن�شادي غنائي للمن�شد وال�شاعر الإماراتي‬ ‫عبد اهلل الو�سمي‪.‬‬ ‫حظيت الفعاليات بح�ضور جماهريي الفت‪،‬‬ ‫كما ح�ضرها حبيب يو�سف ال�صايغ مدير‬ ‫عام مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإعالم‪،‬‬ ‫ع�ضو جمل�س �إدارة ن��ادي ت��راث الإم��ارات‪،‬‬ ‫وح�شد من املفكرين وامل�س�ؤولني والدعاة‬ ‫و�أهل العلم والإعالميني‪.‬‬ ‫وق��ال م��دي��ر ع��ام م��رك��ز �سلطان ب��ن زاي��د‬ ‫للثقافة والإعالم حبيب يو�سف ال�صايغ‪� :‬إن‬ ‫املركز ونادي تراث الإم��ارات وهما يقدمان‬ ‫برناجمهما امل���ش�ترك يف �شهر رم�ضان‪،‬‬ ‫يتذكران الإرث الديني للإمارات الذي كان‬ ‫يحر�ص عليه القائد الرمز املغفور له ال�شيخ‬ ‫زايد بن �سلطان �آل نهيان «طيب اهلل ثراه»‪،‬‬ ‫و�أ��ض��اف ال�صايغ ‪ :‬ما �أده�شني فع ًال �إىل‬ ‫جانب التجلي املبهر للم�شاركني يف فعاليات‬

‫عروض لفرقتي البردة‬ ‫اإلماراتية والمصرية‬ ‫وفرقة المالد الوطنية‬ ‫وإنشاد ديني وحفل‬ ‫للمنشد اإلماراتي‬ ‫الوسمي‬ ‫املهرجان من دع��اة ومفطرين وكذلك من‬ ‫فرق فنية هو هذا احل�ضور الالفت للجمهور‬ ‫من كل اجلن�سيات واالنتماءات‪ ،‬وهو ما يعني‬ ‫جناح جهودنا وو�صول ر�سالتنا التي تثبت‬ ‫�أ�صالة موروثنا‪.‬‬ ‫ورف� ��ع ال �� �ص��اي��غ‪� ،‬أ� �س �م��ى �آي � ��ات ال�ت�ه��اين‬ ‫والتربيكات ل�صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن‬ ‫زايد �آل نهيان‪ ،‬رئي�س الدولة‪ ،‬حفظه اهلل‪،‬‬ ‫و�صاحب ال�سمو ال�شيخ حممد بن را�شد �آل‬ ‫مكتوم‪ ،‬نائب رئي�س الدولة‪ ،‬حاكم دبي‪ ،‬رعاه‬ ‫اهلل‪ ،‬و�إىل �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل‬ ‫نهيان‪ ،‬ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة‪،‬‬ ‫رئي�س ال�ن��ادي وامل��رك��ز‪ ،‬و�إىل الفريق �أول‬ ‫�سمو ال�شيخ حممد بن زايد �آل نهيان‪ ،‬ويل‬ ‫عهد �أبوظبي‪ ،‬نائب القائد الأعلى للقوات‬

‫امل�سلحة‪ ،‬داعي ًا اهلل عز وجل �أن يعيد هذه‬ ‫الأيام املباركة على �أ�صحاب ال�سمو ال�شيوخ‬ ‫�أع�ضاء املجل�س الأع�ل��ى‪ ،‬حكام الإم��ارات‪،‬‬ ‫و�شعب الإم��ارات احلبيب‪ ،‬و�شعوب الأمتني‬ ‫العربية والإ�سالمية باخلري واليمن‪ ،‬و�أن‬ ‫يتقبل من اجلميع ال�صيام والقيام‪.‬‬ ‫وق��ال ال�صايغ �إن توجيهات �سمو رئي�س‬ ‫ال�ن��ادي‪ ،‬رئي�س املركز بتنظيم الفعاليات‬ ‫ب�صيغة م�شرتكة للعام الثاين للتوايل هذا‬ ‫العام‪� ،‬أثمرت برناجم ًا قوي ًا ومتنوع ًا‪ ،‬غطى‬ ‫اثنتني وع�شرين ليلة م��ن ل�ي��ايل ال�شهر‬ ‫ال�ف���ض�ي��ل‪ ،‬ح�ي��ث ت��وق�ف��ت ال�ف�ع��ال�ي��ات يف‬ ‫الأ�سبوع الأخري من ال�شهر ليتفرغ اجلميع‬ ‫للقيام والتهجد‪ ،‬ثم ا�ست�ؤنفت ثاين وثالث‬ ‫ليايل عيد الفطر املبارك بعر�ضني متتاليني‬ ‫مل�سرحية «�شكر ًا ماما» التي قدمتها فرقة‬ ‫ر�أ�س اخليمة امل�سرحية‪.‬‬ ‫وثمن ال�صايغ التعاون امل�شرتك بني نادي‬ ‫ت��راث الإم� ��ارات وم��رك��ز �سلطان ب��ن زاي��د‬ ‫للثقافة والإع �ل�ام‪ ،‬ق��ائ� ً‬ ‫لا �إن ف��رق العمل‬ ‫امل�شرتكة من اجلانبني بذلت �أق�صى جهد‬ ‫لو�ضع توجيهات �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد‬ ‫�آل نهيان‪ ،‬مو�ضع التنفيذ‪ ،‬و�إخراج �أي حدث‬


‫‪8‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫د‪ .‬نادية عمارة‬

‫�أو ن�شاط ب�شكل يليق با�سم و�سمعة املركز‬ ‫والنادي‪ ،‬وي�ضيف �إىل الأجواء الثقافية التي‬ ‫متلأ �سماء العا�صمة بالبهجة والألق‪.‬‬

‫الدين الق ّيم‬

‫يف حما�ضرة له حتت عنوان «الدين القيم»‪،‬‬ ‫�ضمن فعاليات املهرجان قال �سماحة ال�سيد‬ ‫علي بن ال�سيد عبدالرحمن �آل ها�شم م�ست�شار‬ ‫ال�ش�ؤون الق�ضائية والدينية ب��وزارة �ش�ؤون‬ ‫الرئا�سة‪ ،‬ع�ضو جممع البحوث الإ�سالمية‬ ‫بالأزهر ال�شريف �إن دولة الإم��ارات ا�ستنت‬ ‫تعظيم �شعائر ال�شهر ال�ك��رمي م��ن خالل‬ ‫املجال�س واملراكز العلمية‪ ،‬الفت ًا �إىل الدور‬ ‫الكبري الذي يقوم به مركز �سلطان بن زايد‬ ‫للثقافة والإعالم يف هذا ال�صدد‪.‬‬ ‫وا�ستعر�ض الها�شمي املعنى الكبري لعنوان‬ ‫امل�ح��ا��ض��رة «ال��دي��ن ال �ق �ي��م»‪ ،‬م���ش� ً‬ ‫يرا �إىل‬ ‫احلديث ال�شريف ل�ل�إم��ام البخاري الذي‬ ‫ي�سلط ال�ضوء على هذا املعنى وي�شرح جانب ًا‬ ‫مهم ًا من �أه��داف دين الإ�سالم ومعطياته‬ ‫الدينية واالجتماعية والإن�سانية‪ .‬حيث يقول‬ ‫ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم «مثل ما‬ ‫بعثني اهلل به من الهدى والعلم‪ ،‬كمثل الغيث‬ ‫الكثري‪� ،‬أ�صاب �أر�ض ًا‪ ،‬فكان منها نقية قبلت‬ ‫املاء‪ ،‬ف�أنبتت الكلأ والع�شب الكثري ‪ »...‬وقال‪:‬‬

‫امل�ست�شار علي الها�شمي‬

‫الإثم والعدوان ومع�صية الر�سول‪.‬‬ ‫ضم المهرجان برنامج‬ ‫و�أو�ضح الها�شمي �أن هذا الدين القيم يفر�ض‬ ‫محاضرات غني‬ ‫على الأمة امل�سلمة التي تنت�سب �إليه �أن تكون‬ ‫لمفكرين ودعاة من‬ ‫�أم��ه ترتفع فيها ن�سبة العلماء احلكماء‬ ‫مختلف أرجاء العالم‬ ‫احللماء الذين ال ي�ضرهم من �ضل ال�سبيل‪،‬‬ ‫العربي واإلسالمي‬ ‫وليكن همهم جتميع الأمة على وحدة الكلمة‬ ‫و�شرف الغاية ورفع راية التوحيد‪ ،‬وهي الأمة‬ ‫ً‬ ‫�ضرب النبي �صلى اهلل عليه و�سلم مثال ملا التي تتبع �أحكام الدين القيم وتقل فيها ن�سبة‬ ‫جاء به من «الدين القيم» ومن العلم النافع اجلهالء وال�سفهاء‪.‬‬ ‫بالغيث العام وباملطر الكثري الذي ي�أتي �إىل‬ ‫النا�س وهم يف �أ�شد احلاجة �إليه‪.‬‬ ‫�شهر اخلري والعبادة‬ ‫و�أ�ضاف‪ :‬هكذا العلم للعقول‪ ،‬كاملاء للأر�ض ويف حما�ضرته حتدث ف�ضيلة مفتي الديار‬ ‫الطيبة‪ ،‬و�إذا كان طلب العلم مفرو�ض ًا على املقد�سة يف فل�سطني‪ ،‬ال�شيخ حممد �أحمد‬ ‫كل �إن�سان بالغ عاقل يف كل مكان وزم��ان‪ ،‬ح�سني‪ ،‬عن ف�ضائل �شهر رم�ضان الكرمي‪،‬‬ ‫ف�ف��ي زم��ان �ن��ا ه ��ذا ال ��ذي نعي�شه‪� ،‬أوج ��ب الفت ًا �إىل ما يف ه��ذا ال�شهر الف�ضيل من‬ ‫و�أل� ��زم‪ ،‬لأن�ن��ا نعي�ش يف ع�صر ال تتناف�س بركة ف�ضل لأنه «وعاء الزمان» الذي تنزل‬ ‫فيه الأمم ب�سعة �أرا�ضيها‪ ،‬وال بكرثة عدد فيه ال �ق��ر�آن ال�ك��رمي على النبي الأم�ي�ن‪،‬‬ ‫�سكانها‪ ،‬و�إمن��ا تتناف�س فيه الأمم بتقدمها كتاب اهلل اخلالد‪ ،‬د�ستور الأمة الإ�سالمية‬ ‫العلمي يف ك��ل جم ��االت احل �ي��اة الدينية وهاديها‪.‬‬ ‫والزراعية وال�صناعية والع�سكرية والطبية وق��ال ح�سني �إن ال�ق��ر�آن الكرمي هو الذي‬ ‫والهند�سية واللغوية وع��دال��ة الت�شريع‪� ،‬أ�صلح هذه الأمة بعد �أن تقاتلت وتناحرت‬ ‫وغ�ير ذل��ك م��ن ال�ع�ل��وم ال�ت��ي �أ�صحابها القبائل العربية يف املا�ضي‪ ،‬كما حدث بني‬ ‫يبنون وال يهدمون‪� ،‬أ�صحابها ي�صلحون وال قبيلتي «داح�س» و«ال�غ�براء»‪ ،‬فجاء الدين‬ ‫يف�سدون‪� ،‬أ�صحابها يعمرون وال يخربون اجلديد ليخرجها من ال�ضاللة �إىل الإميان‬ ‫يبذلون العطاء لأمتهم والتقوى ال على ونور اليقني‪.‬‬


‫جانب من عرو�ض فرقة املالد‬

‫ال للت�شدد والتطرف‬

‫وقالت �إنه علينا ‪-‬من هذا املنطلق‪� -‬أن نلتزم العلم يهدي للإميان‬

‫مبد�أ الو�سطية واالعتدال يف جميع معامالتنا‬ ‫احلياتية من دون ا�ستثناء‪ ،‬م�ؤكدة �أن هذا‬ ‫كان م�سلك الر�سول الكرمي يف حياته وجميع‬ ‫معامالته مع ال�صحابة ومع زوجاته‪.‬‬ ‫و�أك��دت الدكتورة نادية عماره �أن الإ�سالم‬ ‫انت�شر بالر�ضا واالعتدال ولي�س بحد ال�سيف‪،‬‬ ‫لكنه حارب العقبات التي متنعه‪ ،‬من منطلق‬ ‫الآي �ت�ين الكرميتني «ال �إك���راه يف ال��دي��ن»‪،‬‬ ‫والأخرى «لكم دينكم ويل دين»‪.‬‬ ‫ون��ددت املحا�ضرة بالت�شدد والتطرف يف‬ ‫الدين واملعامالت‪ ،‬وقالت‪ :‬على امل�سلم �أن‬ ‫يكون «هين ًا لين ًا»‪ ،‬م�شرية �إىل �أن اختالف‬ ‫امل��ذاه��ب فيه رح�م��ة‪ ،‬وت�ساءلت‪ :‬طاملا �أن‬ ‫هناك �أكرث من ر�أي �سليم و�سديد يف الأمر‪،‬‬ ‫ف�ل�م��اذا يتع�صب البع�ض لآرائ��ه��م فقط‬ ‫ويحرموا �آراء الآخرين؟! مو�ضحة �أن الفروع‬ ‫التي حتتمل �أكرث من ر�أي ي�ستفيد منها كل‬ ‫فرد مبا يالئمه وال حرج يف ذلك‪.‬‬

‫ويف حما�ضرة لها بعنوان «الإ� �س�لام دين‬ ‫الو�سطية واالعتدال» ركزت الدكتورة نادية‬ ‫ع �م��اره‪� ،‬أ��س�ت��اذة ال��درا� �س��ات الإ�سالمية‪،‬‬ ‫على املعاين اجلليلة للإ�سالم دين و�سطية‬ ‫واالعتدال‪ ،‬م�ستعر�ضة مظاهر الو�سطية يف‬ ‫كل من‪ :‬و�سطية االعتقاد وو�سطية العبادات‬ ‫وال�شعائر‪ ،‬وو�سطية الأخ�ل�اق والت�شريع‪.‬‬ ‫و�أ�ضافت �أن مفهوم الو�سطية يعني العدل‬ ‫واال�ستقامة واخل�ير والأم��ان‪ ،‬الفتة �إىل �أن‬ ‫الإ�سالم اتخذ يف جميع عباداته ومعامالته‬ ‫ويف كافة ما دعا �إليه من ف�ضائل ومكارم موقف ًا‬ ‫�سمح ًا و�سط ًا بعيد ًا عن التعنت والتزمت‪،‬‬ ‫ك�م��ا ه��و بعيد ع��ن التق�صري والت�سيب‪،‬‬ ‫فهو دي��ن اع�ت��دال وق�سط وع��دل ويدعو يف‬ ‫كافة جماالته �إىل االلتزام التام بالتعاليم‬ ‫ال�شرعية والتقاليد ال�صحيحة املرعية دون‬ ‫ت�شدد �أو ت�سيب �أو �إهمال‪ ،‬مو�ضحة يف هذا‬ ‫ال�صدد �أن املبالغة واملغاالة يف �أداء العبادات‬ ‫والعمل‪ ،‬والت�سويف والتق�صري يف القيام بكل‬ ‫ذلك مذموم ومرفو�ض‪.‬‬ ‫وقالت ع�م��ارة‪� ،‬إن �سنة اهلل يف عباده هي مازج المهرجان بين‬ ‫التي�سري ولي�س الع�سر‪ ،‬الفتة �إىل �أن ر�سالة التراث المحلي والعربي‬ ‫الإ��س�لام م��ؤداه��ا �أن ي�سري‬ ‫الكون يف ي�سر في محاولة للتعريف‬ ‫و�سال�سة‪ ،‬لأن اهلل ال يكلف نف�س ًا �إال و�سعها‪،‬‬

‫بفسيفساء التراث‬ ‫اإلسالمي الغنية‬

‫يف حما�ضرته حتت عنوان «العلم يهدي‬ ‫للإميان»‪ ،‬قال الدكتور حممد با�سل الطائي‬ ‫�إن الإميان بالغيب هو �أهم م�سائل الإميان‪،‬‬ ‫مبين ًا �أن الإمي��ان بالغيب عق ًال �أمر �صعب‪،‬‬ ‫لأنّ الغيب هو الالمعقول‪ ،‬و�إ ّال مل يكن غيب ًا‪،‬‬ ‫ولهذا ف�إن �أف�ضل �سبيل للإميان بالغيب هو‬ ‫الت�سليم بالغيب ونكون بذلك م�سلمني‪.‬‬ ‫و�أ�شار الطائي �إىل �أن الإميان يحقق ر�سوخ‬ ‫الإ�سالم يف قلب امل�ؤمن‪ ،‬لكنه �أمر �صعب فال‬ ‫�أحد من الذين اختطفهم املوت رجع �إلينا‬ ‫و�أخربنا بوجود حياة �أخرى‪ ،‬لأنّ ك ّل الذين‬ ‫يذهبون ال ي�ع��ودون‪ .‬وم��ن الناحية العلمية‬ ‫كانت علومنا الطبية واحلياتية �إىل عهد‬ ‫قريب تقول لنا‪� :‬إن الإن�سان عبارة عن ماكينة‬ ‫بيولوجية و�إن �أحا�سي�س الإن�سان وم�شاعره‬ ‫لي�ست �إال جملة تفاعالت كيميائية‪ ،‬و�إن هذا‬ ‫الإن�سان ما هو �إال كائن حيواين متطور‪.‬‬ ‫وتطرق الطائي �إىل اكت�شاف العلماء مع مطلع‬ ‫القرن الع�شرين للظواهر اجلديدة التي ال‬ ‫ي�ستطيع العلم التقليدي تف�سريها وتقع يف‬ ‫ال��ذرات واجلزيئات‪ ،‬وبذلك مت اكت�شاف‬ ‫فيزياء جديدة ج��اءت بوجهني‪« :‬نظرية‬ ‫الكوانتم»‪ ،‬التي و�ضعها‪ ‬الدامناركي نيلز‬ ‫ُبور‪ ،‬والأملاين هيزنربغ‪ ،‬والنم�ساوي �شرود‬


‫‪10‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫حما�رضة مفتي القد�س والديار الفل�سطينية‬

‫جن��ر‪ ،‬و«النظرية الن�سبية» لأين�شتاين‪،‬‬ ‫مبين ًا ه��ذا الفهم وتلك النظريات التي‬ ‫جاءت ب�صورة جديدة للعامل‪ ،‬و�أ�سقطت‬ ‫حتمية «البا�س» التي نفى فيها وجود اهلل‬ ‫�سبحانه وتعاىل‪ ،‬وعو�ض ًا عنها تب َني �أن‬ ‫قوانني العامل احتمالية‪.‬‬ ‫وت�ع��رق الطائي بنوع م��ن التف�صيل �إىل‬ ‫نظرية «الكوانتم» التي ك�شفت عن ترابط‬ ‫وك�ّل�اّ ن�ي��ة ه��ذا ال�ع��امل‪ ،‬و�أث�ب�ت��ت �أن جميع‬ ‫�أج��زاء الكون مرتابطة ببع�ضها البع�ض‪،‬‬ ‫ح �ت��ى �أن ال � ��ذرات ال �ت��ي يف �أج���س��ام�ن��ا‬ ‫م�تراب �ط��ة م��ع ال �ن �ج��وم ال �ت��ي ت�ب�ع��د عنا‬ ‫ماليني ال�سنني ال�ضوئية‪ ،‬ثم حتدث عن‬ ‫ت�أثري الوعي الإن�ساين‪ ،‬من خالل جتارب‬ ‫�أجريت يف خمتربات جامعات عاملية مثل‬ ‫هارفرد و�ستانفرد على احلالة التي ُت�سمى‬ ‫« ُقرب املوت»‪.‬‬ ‫واختتم الطائي حما�ضرته بذكر ك�شوفات‬ ‫الدكتور مايكل بري�سنجر بكندا والدكتور‬ ‫روج� ��ر ن�ي�ل���س��ون يف ال ��والي ��ات امل�ت�ح��دة‬ ‫الأمريكية يف ت��راب��ط ال��وع��ي الإن���س��اين‪،‬‬

‫وت���أث�ي�ر ال��وع��ي ال��ف��ردي واجل �م��اع��ي يف‬ ‫الأ�شياء احلية واجلامدة‪ ،‬والتي خل�صت‬ ‫�إىل الإ�شارة �إىل حقيقة الوعي الإن�ساين‬ ‫املتحقق خارج اجل�سد‪ ،‬كا�شفة �أن الوعي‬ ‫الإن�ساين لي�س حالة ذاتية �شخ�صية بل هو‬ ‫�أبعد من ذلك وله امتداد خارجي‪ ،‬و�أن‬ ‫العامل من حولنا ي�ؤكد با�ستمرار �صحة‬ ‫التوجه الإمي��اين الذي يقود �إىل �أن لهذا‬ ‫الكون خالق ًا عظيم ًا حكيم ًا يهيمن عليه‪،‬‬ ‫ويكون فيه الإن�سان عن�صر ًا مهم ًا ومميز ًا‪.‬‬

‫ندوة للمجويل والعربي‬

‫وت�ضمنت فعاليات املهرجان ن��دوة دينية‬ ‫جمعت العاملني الكبريين الدكتور �شكري‬ ‫ح�سن املجويل �إمام وخطيب املركز الثقايف‬

‫الإ�سالمي باململكة املتحدة و�أ�ستاذ الفقه‬ ‫و�أ�صوله والتف�سري يف �أكادميية لندن املفتوحة‪،‬‬ ‫وال�شيخ ناجي را��ش��د ح�سن علي العربي‪،‬‬ ‫الأ�ستاذ امل�ساعد بجامعة البحرين‪ ،‬ومدر�س‬ ‫ال�شرعيات باملعهد الديني بالبحرين‪ ،‬حتدثا‬ ‫خاللها عن « �أخالق ال�صائم «‪.‬‬ ‫رك��ز ال�ضيفان على �أهمية دور ال��دي��ن يف‬ ‫حياة الفرد‪ ،‬و�أهمية العالقة بني العبد وربه‪،‬‬ ‫وا�ستعر�ضا كيفية التخلق بالأخالق القلبية‪،‬‬ ‫و�أك��دا على �أهمية االلتزام ب�أخالق ال�صوم‬ ‫و�أهمية التوبة يف �شهر رم�ضان‪ ،‬و�ضرورة‬ ‫التما�سك الأ��س��ري‪ ،‬كما حتدثا عن فر�ص‬ ‫التقرب �إىل اهلل ب�صالح الأع �م��ال وك�ثرة‬ ‫الذكر واال�ستغفار يف �شهر رم�ضان الكرمي‪.‬‬

‫عرو�ض للربدة واملالد‬

‫��ض�م��ن ال�ب�رن��ام��ج ال �ف �ن��ي ل�ل�م�ه��رج��ان‪،‬‬ ‫مسرحية «شكر ًا ماما»‬ ‫ا�ست�ضاف م�سرح �أبوظبي �أم�سية «املالد»‬ ‫لفرقة رأس الخيمة‬ ‫املولد النبوي ال�شريف التي قدمتها الفرقة‬ ‫المسرحية تختتم‬ ‫المهرجان بعروضها ثاني الوطنية‪ ‬للفنون ال�شعبية «البرُ دة» التابعة‬ ‫لوزارة الثقافة وال�شباب وتنمية املجتمع‪.‬‬

‫وثالث أيام عيد الفطر‬ ‫المبارك‬


‫حما�رضة للعاملني املجويل والعربي‬

‫ق��دم��ت ال �ف��رق��ة ال��ت��ي ي �� �ش��رف عليها الفن الإماراتي يت�ألق‬

‫عبيد العلي خ�لال الأم�سية جمموعتني‬ ‫للمالد‪ ،‬الذي ي ��روي ��س�يرة امل�صطفى‬ ‫حممد عليه ال�صالة وال�سالم من والدته‬ ‫�إىل مبعثه ر� �س��و ًال وه��ادي�� ًا للإن�سانية‬ ‫جمعاء‪ ،‬ت�ضمنت املجموعة الأوىل امل�سماة‬ ‫«ال �ب�رزجن� ��ي» ذك � ��ر ًا ل �� �س�يرة و��ش�م��ائ��ل‬ ‫وف�ضائل النبي الأك��رم حممد �صلى اهلل‬ ‫عليه و��س�ل��م‪ ،‬مب�صاحبة ال��دف��وف‪� .‬أم��ا‬ ‫املجموعة الثانية للمالد فهي «ال�سماع»‪،‬‬ ‫وه��و الأداء اخل��ا���ص ب��الأف��راح وقدمت‬ ‫فيه الفرقة �أنا�شيد للتغني بو�صف مكانة‬ ‫الكعبة امل���ش��رف��ة‪ ،‬و�أن��ا��ش�ي��د م��ن دي��وان‬ ‫البو�صريي والبرُ دة وديوان الربعي‪.‬‬ ‫كما ا�شتمل العر�ض على لوحة فنية تراثية‬ ‫دينية لفن املالد التقليدي‪ ،‬قدمها املن�شد‬ ‫الرئي�س للفرقة �أحمد العلي مب�صاحبة‬ ‫الر ِديدَ ة‪ ،‬وبالأداء احلركي‪ ،‬كما‬ ‫‪ 22‬من ِ‬ ‫كان يقدم يف املا�ضي يف الدولة‪ ،‬باالعتماد‬ ‫على حركة ال�شخو�ص بعيد ًا عن امل�ؤثرات م�شاركات عربية‬ ‫ويف �إطار امل�شاركات العربية يف املهرجان‬ ‫ال�صوتية واملو�سيقية‪ .‬‬

‫كما قدم املن�شد وال�شاعر الإماراتي عبد‬ ‫اهلل الو�سمي حف ًال غنائي ًا �إن�شادي ًا مميز ًا‬ ‫م��ن امل� ��وروث ال�شعبي امل�ح�ل��ي‪ ،‬يف ليلة‬ ‫ا�ستثنائية من ليايل املهرجان الرم�ضاين‬ ‫ال �� �س��اب��ع‪ ،‬ج�م�ع��ت �أم���س�ي��ة ال��و��س�م��ي ما‬ ‫ب�ي�ن االب��ت��ه��االت والأغ� �ن� �ي ��ات ال��وط�ن�ي��ة‬ ‫واالجتماعية‪ .‬حيث �أن�شد الو�سمي ‪10‬‬ ‫�أغنيات من �ألبومه اجلديد لعام ‪2012‬‬ ‫منها‪ :‬املكتوب‪ ،‬يا ليت‪ ،‬الظامل‪ ،‬املعاين‪،‬‬ ‫راحة البال‪ ،‬البداوة‪ ،‬فوق النجم‪ ،‬وباب‬ ‫الرجاء‪� ،‬شارك يف كتابة كلمات الأغنيات‬ ‫�إىل جانب الو�سمي عدد من ال�شعراء من‬ ‫بينهم‪� :‬أحمد الها�شمي‪ ،‬وتامر �شبيب‪،‬‬ ‫و��س�ع�ي��د ال�ك�ع�ب��ي‪ ،‬وع �ب��د اهلل ال���ّ�ش�ح��ي‪،‬‬ ‫وق��ا��س��م الغريبي‪ ،‬ويف تلحينها وت��وزي��ع‬ ‫مو�سيقاها ح�سني الها�شمي‪ ،‬وعبد اهلل‬ ‫ال�شحي‪ ،‬و�إبراهيم حممد‪.‬‬

‫الرم�ضاين‪ ،‬ا�ست�ضاف م�سرح �أبوظبي‬ ‫ع��ر��ض� ًا مم�ي��ز ًا لفرقة ا�ستوديو م�سرح‬ ‫الإبداع الفني التابع ملركز �صندوق التنمية‬ ‫الثقافية بالقاهرة‪ ،‬وه��و �أداء لق�صيدة‬ ‫«ال �ب�ردة» ل�ل�إم��ام ��ش��رف ال��دي��ن حممد‬ ‫البو�صريي‪ ،‬وهي �إحدى �أ�شهر الق�صائد‬ ‫التي قيلت يف مدح الر�سول حممد �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم‪ ،‬وو�صف �شمائله الذكية‪.‬‬ ‫بد�أ عر�ض ُب��ردة البو�صريي باالفتتاحية‬ ‫على �صوت ك��ورال الفرقة للآية الكرمية‬ ‫من �سورة الأح��زاب‪�« :‬إِنَّ هَّ َ‬ ‫الل َو َملاَ ِئ َك َت ُه‬ ‫ُي َ�صلُّونَ َع َلى ال َّن ِب ِّي َيا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا‬ ‫َ�صلُّوا َع َل ْي ِه َو َ�س ِّل ُموا ت َْ�س ِليم ًا»‪ ،‬ثم بد�أوا يف‬ ‫�إن�شاد مطلع ق�صيدة الربدة‪ .‬بعدها قدم‬ ‫�أع�ضاء الفرقة‪ ،‬التي ت�ضم ‪ 25‬من�شد ًا‬ ‫و�أرب �ع��ة ع��ازف�ين‪� ،‬ستة مقاطع �إن�شاديه‬ ‫ف��ردي��ة وج�م��اع�ي��ة‪ ،‬م��ن �أق���س��ام ق�صيدة‬ ‫الربدة الع�شرة الرئي�سة‪ ،‬التي اختاروها‬ ‫م��ن �أبياتها البالغة ‪ 162‬بيت ًا‪ ،‬متيزت‬ ‫بالأحلان العذبة ال�شجية للملحن عماد‬ ‫الر�شيدي‬


‫‪12‬‬

‫الشهر‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫يف الذكرى الثامنة لرحيل القائد امل�ؤ�س�س‬

‫جمل�س «تراث» الرم�ضاين‬ ‫يدعو لتوثيق تراث ال�شيخ زايد الأدبي‬ ‫�أبوظبي ‪ -‬حممد النمر‬

‫قال ال�شاعر حبيب ال�صايغ‪ ،‬مدير عام مركز‬ ‫�سلطان بن زايد للثقافة والإع�لام‪ ،‬امل�شرف‬ ‫العام على جملة ت��راث �إن ال�تراث ال�شعري‬ ‫للراحل الكبري ال�شيخ زاي��د بن �سلطان �آل‬ ‫نهيان رحمه اهلل‪ ، ،‬يعد قيمه كربى من قيم‬ ‫ت��راث دول��ة الإم� ��ارات‪ ،‬وم �ف��ردة مهمة من‬ ‫مفرداتها‪.‬‬ ‫ودعا ال�صايغ‪ ،‬يف م�ستهل املجل�س الرم�ضاين‬ ‫الذي نظمته جملة تراث‪ ،‬برعاية �سمو ال�شيخ‬ ‫�سلطان ب��ن زاي��د �آل نهيان ممثل �صاحب‬ ‫ال�سمو رئي�س الدولة «حفظه اهلل» رئي�س نادي‬ ‫تراث الإمارات‪ ،‬جمي َع امل�ؤ�س�سات الثقافية يف‬ ‫الدولة �إىل التعاون على توثيق تراث الراحل‬ ‫العظيم مبا يليق بهذا الإرث الأدبي الراقي‪.‬‬ ‫و�أكد ال�صايغ يف املجل�س الذي نظمته املجلة‬ ‫يف ذك��رى م��رور ثمانية �أع ��وام على رحيل‬ ‫القائد امل�ؤ�س�س‪� ،‬ضرورة �أن تتناقل �أجيال‬ ‫الإمارات تراث ال�شيخ زايد‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬مبا‬ ‫يف ذلك �أقواله و�أفعاله و�أ�شعاره‪ ،‬حتى تظل‬

‫�شعلة زايد م�ضيئة يف قلوب الأجيال القادمة‪ .‬والأديبة �شيخة اجلابري‪.‬‬ ‫ولفت ال�صايغ �إىل �أن الكثريين من �شعراء‬ ‫النبطي والف�صيح تتلمذوا على طريقة ال�شيخ دنيا ما �أحلى وطرها‬ ‫زايد رحمه اهلل‪ ،‬ومنهجه يف النظر يف الأمور‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬ا�ستهل ال�شاعر حمدان الدرعي‬ ‫وت�شربوا منه �سال�سة اللغة واحلر�ص على امل�ج�ل����س ب ��إل �ق��اء خم �ت��ارات م��ن �أ��ش�ع��ار‬ ‫رقي و�سالمة وجزالة املعاين مهما تنوعت الراحل الكبري‪ ،‬مع عزف على �آلة العود‪،‬‬ ‫الأغرا�ض �سواء يف الغزل �أو احلب �أو الفخر افتتحها بق�صيدة حتمل عنوان «دنيا ما‬ ‫�أحلى وطرها»‪ ،‬تقول كلماتها‪:‬‬ ‫بالوطن‪� ،‬أو يف ن�صح ال�شباب‪.‬‬ ‫� �ش��ارك يف امل�ج�ل����س ن�خ�ب��ة م��ن ال���ش�ع��راء دنيـا حمـال وطـرها فيهـا زهـت االنـوار‬ ‫كثـراخليـرو�شجرهاوتـوفـرتاالثمـار‬ ‫والباحثني واملثقفني‪ ،‬واملهتمني بالتجربة‬ ‫ال�شعرية للراحل العظيم‪ ،‬منهم ال�شعراء يا هـا ال�سعد وغمرها مــن والـي االقـدار‬ ‫را�شد ��ش��رار‪ ،‬وحمد بن �سويقات‪ ،‬و�سعيد‬ ‫عـم البـر وبحـرها وفا�ضت بهـا االنهـار‬ ‫دري الفالحي‪ ،‬وحممد عبد اهلل نور الدين‪ ،‬تتوافــدالقطــرهاعالـممــنالـزوار‬ ‫تتف�سـح يف �شجـرها وورودهــا واالزهـار‬ ‫الصايغ‪ :‬التراث األدبي فيهـااملهـامكرثهاوريومهـاواالمهــار‬ ‫يا �سعـد اللي نظـرها وحتـف بها اال�سـرار‬ ‫للشيخ زايد قيمه كبرى‬ ‫نحمـد لـذي �صورها ووهـب لهـا االخيار‬ ‫من قيم تراث دولة‬ ‫وعظمهـافـي قدرها بيــاه واعتبـ ــار‬

‫اإلمارات ومفردة مهمة‬ ‫من مفرداتها‬


‫يف مداخلته‪ ،‬قال ال�شاعر �سعيد بن �أحمد‬ ‫بن دري الفالحي «ق��در ما نفخر ب�سرد‬ ‫�سرية زاي��د‪ ،‬ق��در ما ن�ست�شعر يف قلوبنا‬ ‫احلزن على فراقه»‪ ،‬الفت ًا �إىل �أن زايد يف‬ ‫قلوب �أبنائه قائد و�شاعر انزرعت حمبته‬ ‫يف قلوبهم‪ ،‬ال �سيما قلب كل من عا�ش على‬ ‫�أر�ض الإمارات‪.‬‬ ‫و�أك ��د الفالحي �أن ال�شيخ زاي ��د‪ ،‬رحمه‬ ‫اهلل‪ ،‬ال�شاعر قد ولج �إىل ال�شعر باحلكمة‬ ‫والإح�سا�س‪ ،‬م�شري ًا �إىل �أن �شعره كان نابع ًا‬ ‫عن موقف يف جميع جوانب احلياة‪ ،‬وا�ضاف‪:‬‬ ‫«كان‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬عندما يقع موقف طريف‬ ‫�أو رجويل �أو غريه يف جمل�سه‪ ،‬جند املبادرة‬ ‫منه ببيت من ال�شعر االرجتايل‪ ،‬يعك�س مدى‬ ‫قدرته وقوته يف قول ال�شعر»‪.‬‬ ‫وقال الفالحي �إن زايد كان يحب ال�شعراء‬ ‫وي�ستقبلهم وي�ستمع �إىل ق�صائدهم‪،‬‬ ‫وي�صحح لهم يف ق�صائدهم‪ ،‬يف حال وجود‬ ‫ك�سر �أو خلل يف القافية‪ ،‬من دون �أن ي�ستوقف‬ ‫ال�شاعر‪ ،‬بل ي�صححها له ب��أن يعطيه بيت ًا‬ ‫بنف�س القافية والوزن‪ ،‬و�أحيان ًا يطرح عليه‬ ‫بيت �شعر‪ ،‬قائ ًال �إن هذا املعنى �أف�ضل كي‬ ‫ال ُي�شعر ال�شاعر ب�أنه خد�ش يف معنى البيت‬ ‫الذي قاله‪.‬‬ ‫وا�ستح�ضر الفالحي املوقف الذي دفعه �إىل‬ ‫كتابة ق�صيدة له حتمل عنوان «نظرتك»‪،‬‬ ‫مهداة �إىل ال�شيخ زايد‪ ،‬فقال‪�« :‬إن ال�شيخ‬ ‫زايد رحمه اهلل كان حري�ص ًا على متابعة‬ ‫امل�شاريع التي تهم املواطنني‪ ،‬وكان يذهب‬ ‫بنف�سه وي�ت��اب��ع ��س�ير ال�ع�م��ل ل�ي��ل ن�ه��ار»‪،‬‬ ‫و�أ��ض��اف‪« :‬يف �إح��دى جوالته‪ ،‬كنت �أ�سري‬ ‫من خلفه و�أ�ستمع ل�سلطان بن هالل يقول‬ ‫لل�شيخ زاي��د «نظرتك ه��ذي ط��ال عمرك‬ ‫هي التي تلبي حاجة النا�س»‪ ،‬ولفتت هذه‬ ‫الكلمة انتباهي و�أعجبتني‪ ،‬فقلت لل�شيخ‬ ‫زايد‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬عندي ق�صيده �أريد �أن‬

‫ال�شاعر را�شد �رشار م�شاركا ً يف املجل�س‬

‫ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان �شخ�صية‬ ‫�ألقيها عليك‪ ،‬وقلت‪:‬‬ ‫و��ض�ع��ت ب�صمه ال مي�ك��ن �أن مت�ح��ى من‬ ‫ن��ظ��رت��ك ت�����ض��م��ن ح��اج��ة ال��ن��ا���س‬ ‫وت�������ك�������م�������ل احل�����������اج�����������ات وت�������زي�������د القلوب»‪ ،‬م��ؤك��د ًة على �أن اجلميع تتلمذ‬ ‫على ي��ده‪ ،‬فهو املدر�سة الأوىل لل�شعر يف‬ ‫ي�������ازاي�������د ب����ال����ف����ك����ر واح���������س����ا�����س‬ ‫وي���������ا م�������ن �أف���������ك���������اره دامي ت���ف���ي���د الإم���ارات‪ ،‬مو�ضح ًة �أن زاي��د ك�شاعر له‬ ‫مميزات فينة كثرية‪.‬‬ ‫ف�������ض���ل���ك ع���ل���ي���ن���ا م����ال����ه ق���ي���ا����س‬ ‫واخل�������ي������ر ع���������م ب��������������دون حت�����دي�����د‬ ‫الدم العربي �أغلى‬ ‫ج���ه���دك ع��ظ��ي��م ي��ح��ط��م ال��ي��ا���س‬ ‫وامل���������س����ت����ح����ي����ل ي���������ص��ي�ر ف���ال���ل���ي���د ال��دك�ت��ور ري��ا���ض نع�سان �آغ ��ا‪ ،‬امل�ست�شار‬ ‫مبركز زاي��د للثقافة والإع �ل�ام‪ ،‬ا�ستهل‬ ‫ع امل�����س��ت��ح��ي��ل ي���ج���ي���ك ن���وم���ا����س‬ ‫ً‬ ‫وي�������ه�������ون ل�������ك وب����ف����ع����ل����ك ي�������ش���ي���د مداخلته م�شريا �إىل �أن �أجمل بيت �شعر‬ ‫قاله ال�شيخ زايد طيب اهلل ثراه كان «النفط‬ ‫جل����ب����ال ت�����ش��ه��د ل����ك ول��ط��ع��ا���س‬ ‫ب�����ان�����ك و�����ص����ل����ت ال�����ل�����ي ل������ه ت���ري���د ال�ع��رب��ي لي�س �أغ�ل��ى م��ن ال��دم ال�ع��رب��ي»‪،‬‬ ‫وهي املقولة التي عرب بها القائد امل�ؤ�س�س‬ ‫ق�����ي�����ادت�����ك ن���رف���ع���ب���ه���ا ال�����را������س‬ ‫زاي������������د وال ح��������د ف������وق������ك ي����زي����د عن موقفه العروبي خالل حرب �أكتوبر‪،‬‬ ‫م�شري ًا �إىل �أن قراءة مت�أنية ل�سرية حياة‬ ‫ويف م��داخ�ل��ة ل�ه��ا‪ ،‬ق��ال��ت الأدي �ب��ة �شيخة زاي��د‪ ،‬بو�صفه �أح��د ق��ادة ال��دول العربية‪،‬‬ ‫اجلابري‪�« :‬إن املغفور له ب�إذن اهلل تعاىل تثبت ا�ستحقاقه اللقب الذي �أطلقه عليه‬ ‫العرب عن جدارة وهو «حكيم العرب»‪.‬‬ ‫و�أو� �ض��ح �آغ��ا �أن ال�شيخ زاي��د رحمه اهلل‬ ‫بيت الشعر في‬ ‫تخرج يف مدار�س عديدة‪� ،‬أولها مدر�سة‬ ‫ً‬ ‫ال��ق��ر�آن ال �ك��رمي‪ ،‬م���ش�يرا �إىل �أن زاي��د‬ ‫أبوظبي سوف يتابع‬ ‫استكمال مهمة جمع حفظ العديد من �سور القر�آن الكرمي يف‬ ‫طفولته‪ ،‬كما �أنه تعلم من معلم الب�شرية‬ ‫وتوثيق التراث األدبي‬ ‫حممد �صلى اهلل عليه و�سلم‪ ،‬م�ؤكد ًا على‬

‫والشعري للراحل‬ ‫الكبير‬


‫‪14‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫الشهر‬

‫نور الدين‪ :‬بين يدي‬ ‫اليوم ‪ 150‬قصيدة‬ ‫�أن زايد كان ال يكتب ال�شعر من �أجل ال�شعر‬ ‫وحده‪ ،‬بل كان يريد �أن يعزز للأمة هويتها للقائد المؤسس‬ ‫من خالل ال�شعر‪ ،‬الذي يتدفق‪ ،‬م�ؤكد ًا �أن نصفها لم يُنشر‬

‫ال�شيخ زايد عندما كان يكتب ال�شعر كان‬ ‫ين�سى �أنه القائد‪ ،‬وي�صري جنم ًا يف كوكبة‬ ‫�شعراء الإمارات‪.‬‬ ‫ثم �ألقى ال�شاعر را�شد �شرار ق�صيدته يف‬ ‫رثاء الراحل العظيم‪ ،‬والتي حملت عنوان‬ ‫«ما مت يا بوخليفة»‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫مامت يا بو خليفة ال ح�شا ما مت‬ ‫دامي تعي�ش ب��خ��وايف ق��ل��وب خفاقه‬ ‫لو كان خ ّيم على �صوت املحبة ال�صمت‬ ‫ال�����ش��اه��د اهلل ب����دم ال�����ش��ع��ب دف��اق��ه‬ ‫�شعب تعلم على يديك الوفا وال�سمت‬ ‫ت��ع��ي�����ش يف داخل����ه وت���ن���ام ب��اح��داق��ه‬

‫�أعقبه ال�شاعر حمد بن �سوقات الذي �ألقى‬ ‫عدة ق�صائد يف مديح ورثاء الراحل الكبري‪،‬‬ ‫منها ق�صيدة كان قد �أهداها لل�شيخ زايد بن‬ ‫�سلطان �آل نهيان رحمه اهلل يف حياته عندما‬ ‫كان يف منطقة الوثبة‪ ،‬يقول فيها‪:‬‬ ‫���س��م��ا امل��ج��د وال���ت���اري���خ والنهـ ـ ــا‬ ‫ب���زاي���د ع��ل��ى ك���ل ���ش��ه��م وم��ف�����ض��ايل‬ ‫�شيخ اذا �ضاقت �صدور املجال�س‬ ‫و�أب������دى ب���ر�أي���ه اي���دول���ه ب��االك��م��ايل‬ ‫�شيخ ي��ق��ول احل���ق م��ن مفهومه‬ ‫وي����ق����ول ح����ق وال ع���ل���ي���ه ا����ش���ك���ايل‬ ‫���ش��ي��خ ع���ط���اه اهلل ف���ه���م وه��ي��ب��ه‬ ‫ول����ل����خ��ي�ر �����س����ب����اق يف ك�����ل ح��ال��ـ��ـ��ـ��ي‬ ‫كما قر�أ ق�صيدة بعنوان «كيف ا�شكرك»‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫ك����ي����ف ا�����ش����ك����رك ي�����اب�����و خ��ل��ي��ف��ه‬ ‫وان�������ت�������ه ع�����ل����� ّي�����ه م���������ض����ف����ي ال�����ي�����ود ويختتمها ب�أبيات يدعو فيها لل�شيخ زايد‬ ‫ويطالب �سامع �صوته ب��ال��دع��اء للراحل‬ ‫ي��������ا ظ������� ّل�������ة اخل��������اي��������ف وري�����ف�����ه‬ ‫ج������������������ازاك ع������ن������ي ف������������رد م����ع����ب����ود الكبري‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫ي���ا ���س��ام��ع ���ص��وت��ي ادع�����و ل��زاي��د‬ ‫ت��ب�����ص��ر ع���ل���ى اي����دي����ك ال��ك��ف��ي��ف��ه‬ ‫وادع����و ل��زاي��د ع��� ّد م��ا ه��� ّل ال��ه�لايل‬ ‫وت����������ب����������دّل الأح����������������������زان ب���������س����ع����ود‬ ‫وادعو له على كل فر�ض و�سنه ‬ ‫م���ف���ن���ود يف ال����ن����ا�����س ال�����ش��ري��ف��ه‬ ‫وادع���و ل��ه على ك��ل م��ا ان��ه�� ّل ه ّمايل‬ ‫وال�����ل�����ي �����ش����رات����ك ������ص�����دق م���ف���ن���ود‬ ‫هذا و�صلى اهلل على هادي الب�شر‬ ‫����ش���ف���ي���ع���ن���ا ي��������وم ال�����ع�����ب�����اد اذه��������ايل‬ ‫وينهيها ب�أبيات‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫ف���ي���ك ال�����ش��ع��ر م����ن ط���ي���ب ك��ي��ف��ه‬ ‫�����ط�����م ا������س�����دود �شعر زايد حافظ للرتاث‬ ‫ف���� ّي���������ض و����س���ي���ل���ه ح ّ‬ ‫يف مداخلته‪ ،‬قال ال�شاعر والباحث حممد‬ ‫وان ه����ب����ت ال���ن�������س���م���ه م���ري���ف���ه‬ ‫�������س������ ّري������ت������ه������ا وال����������ع����������امل ارق������������ود‬ ‫حت����م����ل ل������ك �أب��������ي��������اتٍ خ��ف��ي��ف��ه‬ ‫الفالحي ‪ :‬زايد كان‬ ‫ف����ي����ه����ا ال����ث����ن����ا ب����ال���������ش����ك����ر م���ع���ق���ود يحب الشعراء‬ ‫و��������س���ل���ام جل�����ل�����ك ب�������و خ���ل���ي���ف���ه‬ ‫ي�����ف�����وح ب������ه م�������س���ك وده���������ن وع������ود ويستقبلهم ويستمع‬

‫إلى قصائدهم‬ ‫ويصحح لهم بلطف‬

‫نور الدين‪« :‬متر ال�سنة الثامنة على رحيل‬ ‫ال�شيخ زاي��د‪ ،‬وال زل��ت �أمتنى �أن �أرى كل‬ ‫ق�صائد ال�شيخ زاي��د ب�ين دف�ت��ي دي��وان»‬ ‫م�شري ًا �إىل �أن �آخر ديوان كان ل�سموه ُن�شر‬ ‫يف بداية الت�سعينيات واحتوي ع��دد ًا يقل‬ ‫عن ‪ 70‬ق�صيدة‪ ،‬وق��ال‪« :‬ب�ين ي��دي اليوم‬ ‫‪ 150‬ق�صيدة للراحل الكبري»‪ ،‬و�أ�ضاف‪:‬‬ ‫«و�أنا �أجزم �أن عدد هذه الكنوز ال�شعرية‬ ‫�أكرث‪ ،‬و�أمتنى �أن �أجد الدعم الكايف لإجناز‬ ‫هذا العمل‪ ،‬بعد �إجنازي للدرا�سة الوحيدة‬ ‫يف �شعر ال�شيخ زايد طيب اهلل ثراه»‪.‬‬ ‫وع��ن �شعر ال�شيخ زاي��د ودوره يف حفظ‬ ‫الرتاث‪ ،‬قال نور الدين‪�« :‬إن جتربة ال�شيخ‬ ‫زاي��د ال�شعرية بتنوع ن�صو�صها‪ ،‬تركز‬ ‫على ت��راث ال�شعر ال�شعبي يف االم��ارات‪،‬‬ ‫بدء ًا من املدر�سة التقليدية التي انتهجها‬ ‫املاجدي بن ظاهر واب��ن عتيج وغريهم‪،‬‬ ‫فنجد على �سبيل املثال ظواهر كثرية يف‬ ‫املدر�سة التقليدية منها البدء بالتحية‪،‬‬ ‫وهبوب الن�سيم‪ ،‬والدعاء لهطول الغيث �أو‬ ‫�إر�سال املندوب»‪� ،‬إال �أن ال�شيخ – والكالم‬ ‫ل�ن��ور ال��دي��ن‪ -‬يجمع ك��ل ذل��ك يف قالب‬ ‫ق�صيدة واحدة‪ ،‬فيبد�أ بالتحية‪ ،‬وبد ًال من‬ ‫�أن يحيي �شخ�ص ًا جنده يخاطب الن�سيم‬ ‫بالتحية‪.‬‬ ‫ح�����ي ب���ن�������س���ي���م ال���������ش����رق مل���ري���ف‬ ‫يل ن���ف���ح���ت���ه ن����رج���������س وم�������ش���م���وم‬ ‫رح���ب���ت ب����ه وا����ص���ب���ح���ت يف ك��ي��ف‬ ‫م�������ن�������ي وزال���������������������ت ك�����������ل ل�����ه�����م�����وم‬ ‫و�أ��ض��اف ن��ور ال��دي��ن‪« :‬م��رة �أخ��رى جنده‬ ‫ي�ستمد احليوية واحل��رك��ة م��ن الن�سيم‪،‬‬ ‫وبد ًال من �أن ير�سل مندوبه راكب ًا املطية‪،‬‬ ‫جنده ير�سل الن�سيم‪ ،‬والن�سيم هنا نقطة‬ ‫و� �ص��ل ب�ين ال �� �ص��ورة اجل��زئ�ي��ة ال�سابقة‬ ‫والتالية»‪ ،‬يقول‪:‬‬


‫ال�صايغ متداخال ً يف النقا�ش‬

‫ب���ن�������ش���دك يل م����ري����ت ي�����ا ري����ف‬ ‫داره ع���������س����ى ت����ك����ف����ى م������ن ال����ل����وم‬ ‫ه�����ات اخل��ب��ر م����ن دون ت��ك��ل��ي��ف‬ ‫ي�������ا امل�����ط�����ل�����ع�����ي ب������اخل���ب��ر م�����ل�����زوم‬ ‫ع����ن ���ص��اح��ب��ي ع�����ذب امل���راه���ي���ف‬ ‫�������ش������ره ي��������������داري ر������س�����م�����ة ال�����ل�����وم‬ ‫وجت ��اور ه��ذه ال�صور اجلزئية ع��ادة ما‬ ‫ي�شكل على خلفية ال��وح��دة املو�ضوعية‬ ‫�صورة كلية رائعة‪ ،‬فبعد و�صول الن�سيم‬ ‫لإلقاء التحية على املحبوب ُي�سهب �شاعرنا‬ ‫يف و�صف املحبوب ‪:‬‬ ‫ي�����زي�����ن يل ف����ي����ه ال���ت���وا����ص���ي���ف‬ ‫رمي رع�����������ى م������ن������ب������وت حل���������زوم‬ ‫ع��ي�ن ال���و����ض���ي���ح���ي يف م��ك��اف��ي��ف‬ ‫ل�����������وال ل������ب������ا�������س ال��������������دل وخ������ت������وم‬ ‫ل��ه م��ن ح�سن ي��و���س��ف توا�صيف‬ ‫وان ������ص�����د زاد حم�����ب�����ه ه����م����وم‬ ‫�������ش������روات م�����ن م��������روا م��ن��اك��ي��ف‬ ‫رب������ع������ه و��������ص�������ار ب�������ح�������وزة ال�����ق�����وم‬ ‫والهموم هنا نقطة ات�صال مع الهموم يف‬ ‫البيت الثاين لإكمال الأ�سباب التي هيجت‬ ‫قريحة ال�شاعر‪ ،‬وال تزيل ه��ذه الهموم �إال‬

‫ولكن ال�شاعر ميزج هذه ال�صور التقليدية‬ ‫يف � �ص��ور كلية متنا�سقة يف الق�صيدة‬ ‫برباعة �شعراء املدر�سة الواقعية‪ ،‬وي�ضيف‬ ‫�إليها قدر ًا كبري ًا من الإح�سا�س‪ ،‬كما درج‬ ‫عليه �شعراء املدر�سة ال�شعورية‪ ،‬فيقدم‬ ‫لنا جتربة �شعرية متفردة يحافظ فيها‬ ‫على تراث االمارات مبدار�سه املتنوعة‪.‬‬ ‫وي�ق��ول ن��ور ال��دي��ن‪ :‬ف�لا عجب �أن يختم‬ ‫��ش��اع��رن��ا‪ ،‬رح�م��ه اهلل‪ ،‬الق�صيدة بهذه‬ ‫الأبيات‪:‬‬ ‫عودة املحبوب بالدراما ال�شعرية التي يحققها ع���������س����ى ان ب��������رق ب��������ات رف���ي���ف‬ ‫م�������زن�������ه ك�����������س�����ى مل�����غ�����ي�����ب ب�����������ردوم‬ ‫ال�شاعر يف الق�صيدة‪ ،‬وه��ي م��ن مميزات‬ ‫املدر�سة ال�شعورية �أو الرومان�سية التي �أ�س�سها و����س���م���ي ي�������س���وق���ه ب�������ارد ال���ري���ف‬ ‫�شعراء االمارات بعد املدر�سة التقليدية‪.‬‬ ‫ب�����������ه م���������رع���������د دن������������������ان وغ�������ي�������وم‬ ‫وان ع����اد ل���ه يف ر����ض���اه ت�����ش��ري��ف‬ ‫ف����رح����ة م���ع���ي���د م�����ن ع���ق���ب ����ص���وم وتبادل ح�ضور املجل�س قراءة �أبيات �شعرية‬ ‫مل�����ح�����ب يل ل��������ه ق�����ل�����ب ه����زي����ف‬ ‫كتبها الراحل العظيم قبيل رحيله‪ ،‬و�سرد‬ ‫و����ص���اب ال��غ�����ض��ي م���دق���وق ل��و���ش��وم ب�ع����ض احل��ا� �ض��ري��ن ب�ع���ض� ًا م��ن م��واق�ف��ه‬ ‫ال�شعرية‪ ،‬و�أل�ق��ى ال�شعراء خم�ت��ارات من‬ ‫وي�سهب يف ذل��ك ب�أ�صوات طائر الورقي دواوينهم وق�صائدهم ودرا�ساتهم حول‬ ‫ً‬ ‫واحلمام وهي كذلك‪ ،‬وفقا لنور الدين‪ ،‬جت��رب��ة ال�شيخ زاي ��د ال�شعرية وناق�شوا‬ ‫من ظواهر املدر�سة التقليدية‪:‬‬ ‫�سبل جمع وتوثيق تراثه ال�شعري‪ ،‬وكيفية‬ ‫وي�����������ش�����وق�����ه ل�����ع�����اي�����ة ال�������ص���ي���ف‬ ‫املحافظة عليه ونقله �إىل الأجيال اجلديدة‪.‬‬ ‫ورق�������������ي ت�����ع�����ل�����ت را��������������س م�����زم�����وم‬ ‫و�أثنى احل�ضور على مبادرة مركز �سلطان‬ ‫����������ن م����ن����ي����ف‪.‬‬ ‫�������م يف ف ٍ‬ ‫وح�������م�������ائ ٍ‬ ‫بن زايد للثقافة والإعالم ب�إنتاج الديوان‬ ‫ت�������وق�������ظ ال������ع�������������ش������اق م ال�������ن�������وم‪.‬‬ ‫ال�صوتي لأ�شعار زايد‪ ،‬ويف نهاية املجل�س‬ ‫وان زارين ل���ه يف ال���ك���رى طيف‬ ‫�أ�������س������ع������د ول���������و يف حل�����ظ�����ة ح����ل����وم �أع �ل��ن ال���ش��اع��ر حبيب ي��و��س��ف ال�صايغ‬ ‫مدير عام مركز �سلطان بن زايد للثقافة‬ ‫والإعالم‪ ،‬ع�ضو جمل�س �إدارة نادي تراث‬ ‫آغا‪ :‬أجمل بيت شعر‬ ‫الإم� � ��ارات‪ ،‬امل �� �ش��رف ال �ع��ام ع�ل��ى جملة‬ ‫قاله الشيخ زايد طيب‬ ‫«تراث»‪� ،‬أن بيت ال�شعر يف �أبوظبي �سوف‬ ‫يتابع ا�ستكمال مهمة جمع وتوثيق الرتاث‬ ‫اهلل ثراه كان «النفط‬ ‫العربي ليس أغلى من الأدبي وال�شعري للراحل الكبري‬

‫الدم العربي»‬


‫ ‬

‫عبق‬ ‫عبق‬

‫‪16‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫ ‬

‫حسن‬ ‫فتحي‪..‬‬ ‫فيلسوف‬ ‫عمارة‬ ‫الفقراء‬

‫�أم�ضيت عمري �أع�شق العمارة‪ ،‬وانتهيت وهو الفن من ت�صوير ومو�سيقى وفلك‪.‬‬ ‫و�أن��ا �أخو�ض يف �شوارع امل��دن العريقة‪،‬‬ ‫الغنية بعمائرها‪ ،‬ب ��أن �أ�صبحت �أح��د �إطاللة حل�سن فتحي‬ ‫امل�أ�سورين بذلك الفن و�أ�صحابه‪ ،‬وكنت هل كان ح�سن فتحي ‪-‬مهند�س الفقراء‬ ‫دائم ًا ما �أج��وب �شوارع وح��ارات املدن – من الذين �أ�ضافوا خليال العمارة‬ ‫ب�ح�ث� ًا ع��ن ت�ل��ك ال�ع�م��ائ��ر‪ ،‬والتل�ص�ص �إ�ضافة مهمة‪ ،‬وجديدة‪ ،‬ثم م�ضى؟!‬ ‫�أت�ساءل‪ ،‬وق��د التقيت بالرجل يف �آخر‬ ‫عليها وهي غافيه بالليل!‪.‬‬ ‫ع�شت ط��ول عمري �أق��ر�أ الع�صور على �أي��ام��ه‪ ،‬مقيما يف درب ال�ل�ب��ان��ة‪ ،‬بحي‬ ‫واجهات الأبنية العريقة و�أتعرف على ال��درب الأح �م��ر‪ ،‬بالقلعة‪ ،‬يف بيت من‬ ‫�أح� ��وال ال �ن��ا���س م��ن ط�ل��ة امل �ب��اين على بيوت املماليك‪ ،‬يطل عليك بقدمه‪ ،‬كما‬ ‫الب�شر‪ ،‬واع�ت�برت العمائر مثل الكتب تطل عليه قلعة �صالح الدين بجربوتها‪،‬‬ ‫وعلوها‪ ،‬ومتيزه بفن العمارة الإ�سالمية‬ ‫حافظة لأ�سرار الب�شر‪ ،‬و�أحوالهم‪.‬‬ ‫و امل� �ع� �م ��اري يف ك ��ل �أح� ��وال� ��ه‪ ،‬ف �ن��ان التي ع�شقها ح�سن فتحي‪ ،‬طوال عمره‪.‬‬ ‫وف �ي �ل �� �س��وف‪ ،‬لأن� ��ه ل �ك��ي ي�ن�ج��ز ر�ؤي �ت��ه يف ه��ذا املقام الف�سيح‪� ،‬سمعته يقول‪:‬‬ ‫الهند�سية بت�صميم ما يده�ش‪ ،‬يعتمد «عندما انتقل العرب ملرحلة اال�ستقرار‪،‬‬ ‫على مفهومه ملعنى احل�ضارة‪ ،‬وعنا�صر بادروا ب�إ�سقاط فل�سفتهم يف ا�ستعارات‬ ‫من تواريخ �سالفة‪ ،‬ت�ساعده على �إجناز معمارية تعك�س ر�ؤيتهم للكون‪ ،‬وهكذا‬ ‫ظ�ه��رت ال�سماء كقبة تدعمها �أرب�ع��ة‬ ‫ر�ؤيته الفنية‪.‬‬ ‫وامل� �ع� �م ��اري اجل� �ي ��د‪ ،‬ي �ت �م �ت��ع مب��وه�ب��ة �أعمدة»‪.‬‬ ‫ا��س�ت�ث�ن��ائ�ي��ة‪ ،‬ح�ي��ث وه �ب��ه اهلل اخل�ي��ال وه �ك��ذا ان�شغل ح�سن فتحي بنظرية‬ ‫اخل�صب‪ ،‬نتاج تطور ح�ضارة االن�سان‪ ،‬ال�ق�ب��ة وع�لاق�ت�ه��ا ب��ال�ف���ض��اء‪ ،‬وم��ن ثم‬ ‫ال �ت��ي م�ن�ح��ت امل �ع �م��اري ن �ف��اذ ال��ر�ؤي��ة عالقة الإن�سان بالكون‪ ،‬وقال «�أن تكون‬ ‫لإق��ام��ة الأبنية‪ ،‬والعمائر‪ ،‬وامل�ساجد‪ ،‬مقيم ًا يف بيتك فيما ت�ت��أم��ل يف نف�س‬ ‫وال��ك��ت��درائ��ي��ات‪ ،‬وم �ت��اح��ف ال �ف �ن��ون‪ ،‬اللحظة م�شاهدة ال�سماء عرب فتحات‬ ‫وت�شكيل الفراغ يف ر�ؤى عبقرية‪ ،‬هذا �صممها مهند�س»‪ ،‬م�ستعري ًا خطوات‬ ‫�سعيد الكفراوي امل �ع �م��اري ه��و ال� ��ذي ام �ت �ل��ك امل�ع��رف��ة �أجن��زه��ا �أج�� ��داده‪ ،‬ل�ه��و �إجن� ��از طيب‬ ‫والعلوم الإن�سانية‪ ،‬مثل‪ :‬الريا�ضيات‪ ،‬لراحة الإن�سان‪.‬‬ ‫والعلوم والتكنولوجيا‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬وعلم دفعته هذه الطريقة يف الإن�شاء للنظر‬ ‫النف�س‪ ،‬وال�سيا�سة‪ ،‬والفل�سفة‪ ،‬والعلوم يف �أحوال الفقراء يف العامل‪.‬‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وبالطبع �أه��م العنا�صر وك� ��ان دائ� �م� � ًا ي� ��ردد �أن ه �ن��اك ‪800‬‬


‫مليون ن�سمة من فقراء العامل الثالث‬ ‫حمكوم عليهم باملوت املبكر ب�سبب من‬ ‫�سوء ال�سكن‪ ،‬ه ��ؤالء هو زبائني‪� ،‬إنني‬ ‫كمهند�س طاملا �أعطاين اهلل القدرة و‬ ‫الو�سيلة لإراحة النا�س ف�إن اهلل لن يغفر‬ ‫يل مطلق ًا �أن �أرفع احلرارة داخل البيت‬ ‫‪ 17‬درجة مئوية متعمد ًا‪.‬‬ ‫من ذلك الرجل الذي �أده�شنا؟!‬ ‫ح�سن فتحي‪ ،‬ه��و معماري م��ن م�صر‪،‬‬ ‫رجل ي�سعد بالعمار‪ ،‬ومن جن�س �أ�سهم يف‬ ‫البناء ب�إقامة املقابر امل�سماة بالأهرام‪،‬‬ ‫م�أوى للروح وخلودها‪.‬‬ ‫ولد العام ‪1900‬م‪ ،‬وح�صل على �شهادة‪،‬‬ ‫يف مناخ كانت م�صر فيه تتغري‪ ،‬وكانت‬ ‫�سيطرة الثقافة الغربية على مهند�سي‬ ‫هذا الوقت ت�سطر �أفكارهم‪ ،‬وت�صورهم‪.‬‬ ‫وترجع �أهمية ح�سن فتحي �إىل �أنه عانى‬ ‫م��ن �سيطرة تلك الثقافة‪ ،‬وعمل على‬ ‫اخل��روج منها ب�إيجاد طرائق من بيئته‬ ‫تخدم نظريته يف فن البناء‪ ،‬حتى عرث‬ ‫على نظرية القباب‪.‬‬ ‫ح�صل على دب�ل��وم��ه الأول يف ‪1926‬م‬ ‫من جامعة امللك ف�ؤاد الأول‪ .‬ثم ا�شتغل‬ ‫مهند�س ًا ب��ال�ب�ل��دي��ات‪ ،‬وم��در� �س � ًا بكلية‬ ‫ال �ف �ن��ون اجل �م �ي �ل��ة‪ ،‬وخ� �ب�ي�ر ًا مبنظمة‬ ‫الأمم امل�ت�ح��دة لإع ��ادة ال�لاج�ئ�ين عام‬ ‫‪1950‬م‪ .‬كما اختري كخبري يف م�ؤ�س�سة‬ ‫دوك�سادي�س للت�صميم والإن���ش��اء‪ .‬كما‬ ‫ع�م��ل خ �ب�ير ًا مب�ن�ظ�م��ة الأمم امل�ت�ح��دة‬ ‫يف م���ش��روع التنمية باململكة العربية‬

‫ال���س�ع��ودي��ة وع�ين خ �ب�ير ًا مبعهد �أوالي‬ ‫ا�ستيفن�سون‪.‬‬ ‫كما ق � ّدره ال�ع��امل على امل�ستوى املحلي‬ ‫ف � ُم �ن��ح ج ��ائ ��زة ال ��دول ��ة ال�ت���ش�ج�ي�ع�ي��ة‬ ‫والتقديرية وو�سام الفنون من م�صر‪.‬‬ ‫وح �� �ص��ل ع �ل��ى ج ��ائ ��زة �أغ � ��ا خ� ��ان يف‬ ‫ال �ع �م��ارة‪ ،‬وج��ائ��زة ن��وب��ل البديلة التي‬ ‫يقدمها الربملان ال�سويدي وعلى غريها‬ ‫من اجلوائز العاملية‪.‬‬

‫فل�سفة القباب‬

‫ك��ان الأ� �س��ا���س العلمي لنظرية ح�سن‬ ‫فتحي هو بناء البيوت من الطوب اللنب‬ ‫«مادته اخلام من البيئة ال�صحراوية‪،‬‬ ‫املخلوطة ببع�ض م��واد البيئة نف�سها»‬ ‫ذل��ك امل �� �ش��روع ال ��ذي ن �ف��ذه كمهند�س‬ ‫ال يهتم بح�ساباته العلمية يف املتانة‬ ‫والت�صميم فقط‪ ،‬لكنه �أ�ضاف �إليها من‬ ‫�إب��داع��ه واكت�شافاته الكثري‪ ،‬م�ستفيد ًا‬ ‫من تراث �أمته املعماري يف �إقامة بيت‬ ‫على الطراز العربي ال�شعبي‪ ،‬الذي كان‬ ‫ي�صفه دائم ًا بقوله‪« :‬كنت �أود �أن �أمد‬ ‫ج�سر ًا على الفجوة التي تف�صل املعمار‬ ‫ال�شعبي‪ ،‬عن معمار املهند�س التقليدي‪،‬‬ ‫و�أن �أوف� ��ر ��ص�ل��ة م��رئ �ي��ة‪ ،‬ب�ي�ن ه��ذي��ن‬ ‫املعمارين يف �شكل مالمح م�شرتكة»‪.‬‬ ‫لقد ظل ح�سن فتحي طوال عمره‪ ،‬ينظر‬ ‫�إىل ا��س�ت�خ��دام امل ��واد ع��ال�ي��ة التقنية‪،‬‬ ‫بحذر‪ ،‬مثل جبال اخلر�سانة‪ ،‬و احلوائط‬ ‫الزجاجية‪ ،‬جري ًا وراء التحديث‪ ،‬الذي‬

‫يف احلقيقة �ضد البيئة‪ ،‬ومعطياتها‪.‬‬ ‫من هنا جاءت نظرية ح�سن فتحي عن‬ ‫القباب‪ .‬قبل اكت�شافه لتلك الفل�سفة‪.‬‬ ‫ك��ان��ت جت��ذب��ه ط ��رق ال �ب �ن��اء ال�ق��دمي��ة‬ ‫بالطوب اللنب‪ ،‬وبعد درا�ساته النظرية‬ ‫والعملية لهذا النوع من البناء‪ ،‬تو�صل‬ ‫�إىل قوة ومتانة هذه اخلامة‪ ،‬ولقد عمل‬ ‫على �أمن��اط قدمية من البناء ما تزال‬ ‫قائمة منذ ‪� 2500‬سنه‪ ،‬مثل خم��ازن‬ ‫قمح «الرام�سيوم » الفرعوين مبدينة‬ ‫الأق �� �ص��ر‪ ،‬اك�ت���ش��ف يف ه��ذه الطريقة‬ ‫اال�ستمرارية واملداومة ومقاومة الزوال‪.‬‬ ‫لقد قابلته م�شكلة ظالم البيوت وذلك‬ ‫ال�ع�ف��ن املع�ش�ش فيها ف �ع��رف �أن ه��ذا‬ ‫يحدث ب�سبب جهل الفالحني يف �إقامة‬ ‫�سقوف بيوتهم‪.‬‬ ‫لذلك حل ح�سن فتحي م�شكلة ال�سقف‬ ‫ب�إقامة القبو املنحنى‪ ،‬وبالتايل امتنعت‬ ‫ك��ل ج �ه��ود ال���ش��د واالن �ح �ن��اء وال�ق����ص‪،‬‬ ‫واق �ت �� �ص��رت ع �ل��ى ج �ه��ود ال �� �ض �غ��ط يف‬ ‫ال�سقف‪.‬‬ ‫لقد نفذ نظريته يف الهند واملك�سيك‪،‬‬ ‫وغريها‪ ،‬و�أقام يف م�صر قرية «باري�س»‬ ‫بالوادي اجلديد‪ ،‬و�أق��ام قرية «القرنه»‬ ‫ب��الأق �� �ص��ر‪ ،‬وان �ت �� �ش��رت ن �ظ��ري �ت��ه عرب‬ ‫ال�� ��وادي‪ ،‬يف ال �ف �ي��وم‪ ،‬وع �ل��ى ��س��واح��ل‬ ‫البحر‪ ،‬وبيوت يقيمها الفنانون‪ ،‬م�أوى‬ ‫واقامة للعمل‪ ،‬هرب ًا من ح�ضارة احلديد‬ ‫وال �� �ص �ل��ب والإ� �س �م �ن��ت‪ ،‬و� �ش��دة هجري‬ ‫نظريات البناء احلديثة‬


‫المرصد‬ ‫‪18‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫�أو�صى ب�إن�شاء م�ؤ�س�سة للدرا�سات الإن�سانية حتمل ا�سمه‬

‫منتدى الشيخ زايد يستعرض‬ ‫الفكر الوحدوي للقائد الرمز‬ ‫�أبوظبي ‪ -‬حممد النمر‬

‫حتت رعاية �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة‪،‬‬ ‫رئي�س مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإعالم‪ ،‬احت�ضن م�سرح �أبوظبي على مدار يومني‪،‬‬ ‫فعاليات الدورة الثانية من منتدى ال�شيخ زايد‪ ،‬الذي نظمه ال�شهر الفائت مركز �سلطان بن‬ ‫زايد للثقافة والإعالم‪ ،‬بالتعاون مع وزارة الثقافة وال�شباب وتنمية املجتمع‪� ،‬إحيا ًء للذكرى‬ ‫الثامنة لرحيل القائد امل�ؤ�س�س ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان‪ ،‬طيب اهلل ثراه‪.‬‬


‫�شارك يف �أعمال املنتدى الذي حمل عنوان‬ ‫«زايد و�شعب الإمارات» نخبة من املفكرين‬ ‫واملثقفني الإماراتيني والعرب‪ ،‬ا�ستعر�ضوا‬ ‫اجل��وان��ب امل �ت �ف��ردة وال� ��ر�ؤى التاريخية‬ ‫والفكر ال�سيا�سي وال��وح��دوي والإن�ساين‬ ‫يف م�سرية ال��راح��ل ال�ك�ب�ير‪ ،‬رح�م��ه اهلل‪.‬‬ ‫وذل��ك يف ح�ضور ك��ل م��ن حبيب يو�سف‬ ‫ال�صايغ امل��دي��ر ال�ع��ام ملركز �سلطان بن‬ ‫زاي��د للثقافة والإع�لام‪ ،‬وعبداهلل حممد‬ ‫امل �ح�يرب��ي امل��دي��ر ال�ت�ن�ف�ي��ذي ل�ل�خ��دم��ات‬ ‫امل�ساندة بالإنابة يف نادي تراث الإمارات‪،‬‬ ‫والدكتور �سليمان اجلا�سم مدير جامعة‬ ‫زاي��د‪ ،‬وح�شد م��ن الإع�لام�ي�ين‪ ،‬وجمهور‬ ‫كبري من املواطنني واجلاليات املقيمة يف‬ ‫الدولة‪.‬‬ ‫�شارك يف �أعمال اجلل�سة الأوىل للمنتدى‬ ‫ك��ل م��ن حممد ب��ن عي�سى وزي��ر ال�ش�ؤون‬ ‫اخل��ارج�ي��ة الأ��س�ب��ق يف اململكة املغربية‪،‬‬ ‫�أم�ين عام منتدى �أ�صيلة الثقايف‪ ،‬وجاك‬ ‫� �ض �ي��وف م��دي��ر ع���ام م�ن�ظ�م��ة الأغ ��ذي ��ة‬ ‫والزراعة ل�ل�أمم املتحدة‪ ،‬و�أحمد �شبيب‬ ‫ال�ظ��اه��ري م��دي��ر ع��ام م�ؤ�س�سة زاي��د بن‬ ‫�سلطان ل�ل�أع�م��ال اخل�يري��ة والإن�سانية‪.‬‬ ‫و�أدار اجلل�سة عي�سى امليل ‪،‬م��دي��ر قناة‬ ‫�أبوظبي الإم��ارات‪ ،‬كما �شارك يف �أعمال‬ ‫ال �ي��وم الأول ك�ل��وف�ي����س م�ق���ص��ود �سفري‬ ‫اجل��ام�ع��ة ال�ع��رب�ي��ة يف وا��ش�ن�ط��ن‪ ،‬بكلمة‬ ‫�ألقاها نيابة عنه مدير عام مركز �سلطان‬ ‫بن زاي��د للثقافة والإع�لام‪ ،‬نظر ًا لغياب‬ ‫مق�صود ب�سبب وعكة �صحية مفاجئة �أملت‬ ‫به‪ .‬بينما �شارك يف اجلل�سة اخلتامية‪ ،‬يف‬ ‫اليوم الثاين من �أعمال املنتدى‪ ،‬كل من‬ ‫رجل الأعمال حممد عبداجلليل الفهيم‪،‬‬ ‫والدكتورة فاطمة ال�صايغ �أ�ستاذة التاريخ‬ ‫يف ج��ام�ع��ة الإم � ��ارات‪ ،‬وال��دك �ت��ورة م��رمي‬ ‫�سلطان لوتاه �أ�ستاذة العلوم ال�سيا�سية‬ ‫امل �� �س��اع��دة يف ك�ل�ي��ة ال �ع �ل��وم الإن���س��ان�ي��ة‬ ‫واالجتماعية يف جامعة الإم��ارات‪ ،‬و�أدار‬ ‫اجل�ل���س��ة ال��دك �ت��ور ري��ا���ض ن�ع���س��ان �آغ��ا‬ ‫امل���س�ت���ش��ار يف م��رك��ز ��س�ل�ط��ان ب��ن زاي��د‬ ‫للثقافة والإعالم‪.‬‬

‫جاك �ضيوف‬

‫حبيب الصايغ‪:‬‬ ‫إحياء ذكرى زايد‬ ‫تضيف قيمة عالية‬ ‫إلى الحوار الفكري‬ ‫والحضاري الخالّق‬ ‫زايد خال�صة �أ�سمائنا‬ ‫وعناويننا‬

‫يف بداية فعاليات املنتدى‪ ،‬نقل مدير عام‬ ‫مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإع�لام‬ ‫حبيب يو�سف ال�صايغ‪ ،‬حتيات �سمو ال�شيخ‬ ‫�سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب‬ ‫ال�سمو رئي�س الدولة رئي�س مركز �سلطان‬ ‫بن زايد للثقافة والإع�لام �إىل امل�شاركني‬ ‫يف املنتدى واحل�ضور ال�ك��رمي‪ ،‬الفت ًا �إىل‬ ‫�أن حر�ص �سموه على �إحياء ذك��رى والد‬ ‫اجل�م�ي��ع ال�شيخ زاي ��د‪ ،‬ط�ي��ب اهلل ث��راه‪،‬‬ ‫ب�أ�سلوب �سنوي منتظم‪ ،‬ال ينبع فقط من‬

‫الفهيم‪:‬‬ ‫زايد هو المهندس‬ ‫الذي رسم معالم‬ ‫الدولة الحديثة التي‬ ‫نعيشها اآلن‬

‫حممد الفهيم‬

‫باب الواجب‪ ،‬فزايد اخلري حقنا وواجبنا‪،‬‬ ‫�إمن��ا ملا ي�ضيفه ا�ستح�ضار ال�شخ�صيات‬ ‫ال�ع�ظ�ي�م��ة وت ��دار� ��س ��س�يرت�ه��ا م��ن قيمة‬ ‫عالية �إىل جممل الن�شاط الفكري الثقايف‬ ‫واالجتماعي واحل�ضاري اخل ّالق‪ ،‬متمني ًا‬ ‫جناح �أعمال املنتدى وحتقيق �أهدافه‪.‬‬ ‫وق��ال ال�صايغ‪« :‬ال نن�سى ال�شيخ زاي��د‪،‬‬ ‫حتى نتذكره الليلة»‪ ،‬الفت ًا �إىل �أن عالقة‬ ‫زايد مع �شعبه كانت عالقة مثالية وخا�صة‬ ‫جد ًا‪ ،‬و�أ�ضاف‪« :‬ال�شيخ زايد‪ ،‬وهذا معنى‬ ‫حقيقي ال جم��ازي‪ ،‬ه��و ال��زم��ن احلقيقي‬ ‫لكل مواطن �إماراتي‪ ،‬ال�شيخ زايد ن�سيج‬ ‫�أعمارنا‪ ،‬وخال�صة �أ�سمائنا وعناويننا‪،‬‬ ‫ول��ذل��ك ف ��إنّ غيابه بعد ك��ل ه��ذه ال�سنني‬ ‫ال ي���ص��دق‪ ،‬ف��زاي��د ح��ي بيننا مب��ا �أ�سهم‬ ‫وتف�ضل‪ ،‬ومبا ق ّدم و�أجزَ ل»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫و�أ� �ش��ار ال���ص��اي��غ �إىل �أن اح�ت�ف��اء مركز‬ ‫�سلطان بن زايد للثقافة والإعالم بالتعاون‬ ‫مع وزارة الثقافة وال�شباب وتنمية املجتمع‬ ‫بالذكرى الثامنة لغياب القائد الرمز‪،‬‬ ‫والدنا و�شيخنا وحكيم العرب‪ ،‬هو قيام‬ ‫ببع�ض ال��واج��ب جت��اه املجتمع وال��وط��ن‪،‬‬ ‫وخ�صو�ص ًا جت��اه الأج �ي��ال الطالعة التي‬ ‫تعي�ش ع�ل��ى ح ��� ّ�س زاي ��د وت�ت�ل�م����س نهجه‬ ‫القومي يف الأداء الوطني املتميز ل�صاحب‬


‫المرصد‬ ‫‪20‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زاي��د �آل نهيان‬ ‫رئي�س الدولة «حفظه اهلل»‪ ،‬فهو من �أكمل‬ ‫م�شوار النه�ضة ب��اق�ت��دار‪ ،‬وق��اد �سفينة‬ ‫الوطن �إىل �ضفاف الأم��ان واال�ستقرار‪،‬‬ ‫و�سط حميط م�شاك�س �أحيان ًا‪ ،‬م�ستفيد ًا‬ ‫من جتربته الطويلة والعميقة مع والده‪،‬‬ ‫وم�ضيف ًا �إىل ذلك ما يتالءم مع التغريات‬ ‫وامل���س�ت�ج��دات وط��ارح � ًا ب��ذل��ك الأمن ��وذج‬ ‫الأمثل للحكم الر�شيد‪ .‬‬ ‫و�أ�ضاف‪« :‬هي حلقات من العطاء تتواىل‬ ‫وال تنقطع‪ ،‬وت�شري دائم ًا �إىل جهة الإجناز‬ ‫وال��و� �ص��ول‪ ،‬ف�م��ن الطبيعي �أن يقابلها‬ ‫�شعبنا ب�آيات الثناء والعرفان‪ ،‬وباملزيد‬ ‫م��ن ال ��والء واالن �ت �م��اء»‪ ،‬م���ش�ير ًا �إىل �أن‬ ‫ذل��ك ي �ح��دث يف دول ��ة الإم � ��ارات ب�شكل‬ ‫تلقائي نظر ًا لعالقة تاريخية بني القائد‬ ‫وال�شعب‪ ،‬واحلاكم واملحكوم‪ ،‬ما ي�سهم‬ ‫قطع ًا يف تعزيز هُ ويتنا حُ‬ ‫ولمتنا الوطنية‪،‬‬ ‫ويف تقوية ودعم مكت�سباتنا‪ ،‬ويف مقدمتها‬ ‫احت��اد الإم���ارات العربية امل�ت�ح��دة‪ ،‬وهو‬ ‫ثمرة ما غر�س زايد اخلري‪ ،‬فعلينا مهمة‬ ‫�إمن��ائ�ه��ا بكل م��ا �أوت�ي�ن��ا م��ن طاقة العلم‬ ‫والعمل والإخال�ص‪.‬‬ ‫ ‬ ‫فكر زايد ‬ ‫ع�ب�ر امل �� �ش��ارك��ون يف ال� �ي ��وم الأول من‬ ‫املنتدى عن �أهمية تخليد ذك��رى القائد‬ ‫امل�ؤ�س�س ال�شيخ زايد وف��ا ًء لقائد عظيم‪،‬‬ ‫وا�ستح�ضار ًا لدوره يف تعزيز مكانة دولة‬ ‫الإمارات‪ ،‬وجهوده يف دعم وتعزيز العمل‬ ‫الوحدوي والت�ضامن العربي والإ�سالمي‬ ‫يف العامل �أجمع‪.‬‬ ‫وق��ال املفكر كلوفي�س مق�صود يف الكلمة‬ ‫ال �ت��ي ق ��ر�أه ��ا ن �ي��اب��ة ع �ن��ه م��دي��ر م��رك��ز‬ ‫�سلطان بن زاي��د للثقافة والإع�ل�ام‪�« :‬إن‬ ‫ال�شيخ زايد �أراد وحدة الإمارات كخطوة‬ ‫منوذجية �أولية باجتاه الوحدة ال�شاملة‬ ‫ال�ت��ي راودت �أح�ل�ام �أج �ي��ال ع��دي��دة‪ ،‬وال‬ ‫تزال �أم ًال مطلوب ًا ومرغوب ًا»‪.‬‬ ‫ولفت مق�صود �إىل �أن �أهمية النموذج‬ ‫الذي حققه ال�شيخ زايد يف هذا االجتاه‪،‬‬

‫حممد بن عي�سى‬

‫�أحمد �شبيب الظاهري‬

‫الظاهري‪:‬‬ ‫البد من تدريس فترة‬ ‫حكم زايد في المناهج‬ ‫الدراسية كنموذج في‬ ‫كيفية بناء وتطوير‬ ‫الدول‬

‫عي�سى �أن ال�شيخ زايد ترك �إرث� ًا و�سج ًال‬ ‫�إن���س��ان�ي� ًا وح���ض��اري� ًا و��ض�ع��ه يف م�صاف‬ ‫رواد الإن�سانية الكبار‪ ،‬ينبغي ا�ستح�ضاره‬ ‫وا� �س �ت �ل �ه��ام��ه خ��ا� �ص��ة يف ه ��ذه الأزم��ن��ة‬ ‫ال�صعبة‪ ،‬احلافلة ب��الأزم��ات والتوترات‬ ‫وال�صراعات‪ ،‬داعي ًا �إىل ت�أ�سي�س مركز‬ ‫�أو معهد ُي�ع�ن��ى ب��ال��درا� �س��ات الإن�سانية‬ ‫يحمل ا�سم ال�شيخ زايد‪ ،‬يكون من �ش�أنه‬ ‫امل�ساهمة يف تطوير البحث العلمي ملختلف‬ ‫الدرا�سات ذات املنحى الإن�ساين الكوين‬ ‫تنظري ًا وممار�سة‪.‬‬ ‫و�أك��د بن عي�سى �أننا �سوف نخلد ذكرى‬ ‫و� �س�يرة زاي ��د ون��زع �ت��ه الإن���س��ان�ي��ة ونبل‬ ‫مقا�صده و�أعماله‪ ،‬ب�إقامة م�ؤ�س�سة علمية‬ ‫ُمتخ�ص�صة يف ال��درا� �س��ات الإن���س��ان�ي��ة‬ ‫مب�ف�ه��وم�ه��ا الأك� ��ادمي� ��ي اجل ��دي ��د‪ ،‬على‬ ‫غ��رار م�ؤ�س�سات مماثلة قائمة يف بع�ض‬ ‫اجلامعات الأمريكية الكربى‪ ،‬م�شري ًا �إىل‬ ‫�أن امل�ؤ�س�سة املُقرتحة �ستكون الأوىل من‬ ‫نوعها يف منطقة ال�شرق الأو�سط‪ ،‬وامل�ؤمل‬ ‫�أن ت�ك��ون ه��ذه امل��ؤ��س���س��ة ف���ض��اء للت�أمل‬ ‫وال�ب�ح��ث لتثمني ج�ه��د ال��راح��ل الكبري‪،‬‬ ‫ليكون داف �ع � ًا وم�شجع ًا يف جم��ال العمل‬ ‫الإن�ساين ون�شر قيمه‪.‬‬ ‫كما دعا بن عي�سى �إىل �إن�شاء مركز زايد‬

‫تكمن يف كونه بو�صلة ملن اعتقدوا �أن هذا‬ ‫امل�شروع م�ستحيل‪ .‬و�أ�ضاف مق�صود ‪ :‬يف‬ ‫عهد زاي��د ك��ان دفء االحت�ضان �سائد ًا‬ ‫وحكمة الإدارة م�ستوحاة من عمق ال�شعور‬ ‫بامل�س�ؤولية‪ ،‬فقد كان الراحل متوا�ضع ًا يف‬ ‫الوقت الذي كان ي�ساهم يف �صناعة تاريخ‬ ‫العرب احلديث‪.‬‬

‫�إرث زايد الإن�ساين‬

‫يف كلمته‪� ،‬أك��د وزي��ر ال�ش�ؤون اخلارجية‬ ‫الأ� �س �ب��ق يف اململكة امل�غ��رب�ي��ة حم�م��د بن‬

‫بن عيسى ‪:‬‬ ‫استحضار فكر زايد‬ ‫ضرورة في هذه األزمنة‬ ‫العربية الصعبة‬ ‫الحافلة بالصراعات‬


‫للمو�سيقى يف عامل الإ�سالم‪ ،‬يكون مقره‬ ‫مدينة العني‪ ،‬تلك البقعة التي انطلق منها‬ ‫ال�شيخ زاي��د‪ ،‬حام ًال �أف�ك��ار ًا وت�صورات‪،‬‬ ‫ا�ستطاع بجهده ود�أ ِب � ِه و�إرادت�� ِه‪ ،‬تنزيلها‬ ‫على �أر�ض الواقع‪.‬‬

‫�أعطني زراعة �أعطيك ح�ضارة‬

‫يف م��داخ �ل �ت��ه‪� ،‬أك ��د م��دي��ر ع ��ام منظمة‬ ‫الأغذية والزراعة يف الأمم املتحدة جاك‬ ‫��ض�ي��وف‪� ،‬أن املنظمة ال��دول�ي��ة للأغذية‬ ‫والزراعة «الفاو» حظيت بدعم كبري من‬ ‫الراحل‪ ،‬الفت ًا �إىل �أن هذا الدعم الزال‬ ‫م�ستمر ًا بتوجيهات �صاحب ال�سمو ال�شيخ‬ ‫خليفة بن زاي��د �آل نهيان رئي�س الدولة‬ ‫«حفظه اهلل»‪.‬‬ ‫وقال �ضيوف �إن نهج الراحل الكبري ارتكز‬ ‫على خم�سة حماور �أ�سا�سية هي‪ :‬الإميان‬ ‫بالإرادة‪ ،‬والر�ؤية الثاقبة‪ ،‬وح�شد املوارد‪،‬‬ ‫ال� �س �ي �م��ا ال �ب �� �ش��ري��ة م �ن �ه��ا‪ ،‬وا� �س �ت �خ��دام‬ ‫التكنولوجيا‪ ،‬والإ��ص��رار والإمي��ان باهلل‪،‬‬ ‫وكلها طرق ت��ؤدي �إىل النجاح‪ ،‬و�أ�ضاف‪:‬‬ ‫كنت حمظوظ ًا ك��وين تعاملت يف مرحلة‬ ‫مع زايد رحمه اهلل‪ ،‬وا�ستفدت كثري ًا من‬ ‫�أف�ك��اره ومقرتحاته‪ ،‬فمنذ نحو ع�شرين‬ ‫عام ًا كانت ب�صماته وا�ضحة يف دعم عمل‬ ‫املنظمة �إقليمي ًا وعربي ًا لإميانه العميق‬ ‫ب�أهمية ال��زراع��ة‪ ،‬حتى ح��از على جوائز‬ ‫عاملية يف هذا املجال‪ ،‬فقد كان زايد من‬ ‫الدعاة ال�ستخدام التكنولوجيا يف و�سائل‬ ‫ال��زراع��ة امل�خ�ت�ل�ف��ة‪ ،‬وه ��ذا م��ا طبقه يف‬ ‫دولة الإمارات فا�ستخدم ثروة النفط يف‬ ‫تطوير بالده و�أ�صبحت �صحراء الإمارات‬ ‫واحة خ�ضراء بف�ضل جهوده‪.‬‬

‫عزمية القائد القوية‬

‫�أم��ا مدير عام م�ؤ�س�سة زاي��د بن �سلطان‬ ‫للأعمال اخلريية والإن�سانية �أحمد �شبيب‬ ‫الظاهري فا�ستعر�ض خالل مداخلته يف‬ ‫املنتدى اجلوانب الإن�سانية يف �شخ�صية‬ ‫الراحل ال�شيخ زاي��د بن �سلطان‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫مرمي لوتاه‬

‫فاطمة ال�صايغ‬

‫فاطمة الصايغ‪:‬‬ ‫خلق وطن يحتضن‬ ‫المواطن ومواطن‬ ‫يشعر باالنتماء لوطنه‬ ‫لب فلسفة زايد‬ ‫هي ّ‬

‫جمل�س التعاون اخلليجي‪ .‬وق��ال‪ :‬ما لبث‬ ‫�أن توىل زم��ام رئا�سة الدولة حتى كانت‬ ‫�أياديه البي�ضاء متتد �شما ًال وجنوب ًا و�شرق ًا‬ ‫وغ��رب � ًا‪ ،‬ك ��أن��ه �سحابة خ�ير ا�ستمطرت‬ ‫اخل�ير وال �ن �م��اء‪ .‬وا��س�ت�ع��ر���ض ال�ظ��اه��ري‬ ‫م�شاريع زايد يف مناهل �شتى عرب الدائرة‬ ‫اخلا�صة ومكتب الرئا�سة‪ ،‬ومن جمل�سه‬ ‫ومن خالل �أفراد‪ ،‬وال�سفارات يف اخلارج‪،‬‬ ‫حتى باتت ال حتدها حدود‪ ،‬ويف جماالت‬ ‫خمتلفة ومع بناء اجل�سم الهيكلي للدولة‬ ‫وتنظيم �إدارتها‪ ،‬وقيام م�ؤ�س�ساتها‪ ،‬فقد‬ ‫جمع كافة �أعماله اخلريية والإن�سانية يف‬ ‫بوتقة واح��دة �إمي��ان� ًا بالعمل امل�ؤ�س�ساتي‬ ‫ال�شامل الذي يقوم على التنظيم وتكثيف‬ ‫اجلهود من وجهة �إدارية عملية تقوم على‬ ‫الأدلة والقوانني‪ ،‬وذلك وفق ا�سرتاتيجية‬ ‫وا�ضحة املعامل‪ ،‬و�أهدافه النبيلة‪.‬‬

‫لقد جعل زاي��د رحمه اهلل ن�صب عينيه‬ ‫الأه� � ��داف ال �ن �ب �ي �ل��ة و� �س �ع��ى لتحقيقها‬ ‫ب�إخال�صه الد�ؤوب‪ ،‬واهتمامه ال�شخ�صي‪،‬‬ ‫ف��ج��اءت � �س�يرت��ه ق���ص��ة ك �ف��اح للعزمية‬ ‫ال �ق��وي��ة‪ ،‬امل �م �ت��زج��ة ب��امل�ح�ب��ة وال �ع �ط��اء‪،‬‬ ‫لي�صبح املثل الأعلى يف الريادة والقيادة‪،‬‬ ‫لأ�سلوب التغيري والتطوير يف بناء وتنمية‬ ‫املجتمعات‪ .‬ودعا الظاهري �إىل �أن تدر�س‬ ‫ف�ترة حكم زاي��د يف امل�ن��اه��ج الدرا�سية‬ ‫يف بناء اال�سرتاتيجيات يف قيام ال��دول‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا بعد التجربة الناجحة التي‬ ‫قادها يف قيام االحتاد �أو ًال ثم الدعوة �إىل‬

‫لوتاه‪:‬‬ ‫أدرك زايد منذ البداية‬ ‫أن اإلمارات جزء ال يتجزأ‬ ‫من محيطها اإلقليمي‬ ‫العربي واإلسالمي‬

‫فل�سطني يف قلب زايد‬

‫يف خ �ت��ام ف�ع��ال�ي��ات ال �ي��وم الأول ��ش��ارك‬ ‫احل �� �ض��ور مب��داخ�لات �ه��م‪ ،‬و�أث��ن��ى مفتى‬ ‫ال �ق��د���س وال��دي��ار الفل�سطينية ف�ضيلة‬ ‫ال�شيخ حممد �أحمد ح�سني‪ ،‬على مكارم‬ ‫ال��راح��ل ال�شيخ زاي��د و�أي��ادي��ه البي�ضاء‬ ‫يف فل�سطني الفت ًا �إىل ت�برع ال�شيخ زايد‬


‫المرصد‬ ‫‪22‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫زاي ��د للثقافة والإع �ل�ام ب�ه��دف تر�سيخ‬ ‫هُ وية اب��ن الإم ��ارات‪ ،‬مو�ضح ًا �أنّ هناك‬ ‫م�س�ؤولية على عاتق اجلميع هي احلفاظ‬ ‫على هذه الأ�س�س واملبادئ التي �أر�ساها‬ ‫ال�شيخ زايد‪ ،‬وقال عزاءنا يف رحيله الر�ؤى‬ ‫ال���س��دي��دة لأب �ن��اء ال�شيخ زاي��د وال�ق�ي��ادة‬ ‫احلكيمة ل�صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن‬ ‫زايد �آل نهيان رئي�س الدولة حفظه اهلل‪.‬‬

‫الراحل ال�شيخ زايد طيب اهلل ثراه يف بناء‬ ‫دولة الإمارات يف خمتلف مرافق احلياة‪،‬‬ ‫ب��دء ًا من مراحل التعليم الأوىل وانتها ًء‬ ‫ببناء املدن احلديثة واملتطورة يف �أرجاء‬ ‫الدولة تتقدمهم العا�صمة �أبوظبي‪ .‬وقال‬ ‫الفهيم مرجت ًال حديثه وذكرياته �إنّ �أول‬ ‫در�س تعلمه من القائد الراحل هو �أ ّال يح ّد‬ ‫من �أفكاره وكالمه بخطاب مكتوب‪ ،‬حتى‬ ‫ويح�س به‬ ‫يقول ما يريد و ُيعرب مبا ي�شعر‬ ‫ّ‬ ‫من تعابري‪ ،‬وقال‪ :‬تعلمت منذ ذلك الوقت‬ ‫يف ع��ام ‪1968‬م احل��دي��ث م�ب��ا��ش��رة من‬ ‫القلب و�إىل القلب‪.‬‬ ‫�رب‬ ‫و�أ�� �ض ��اف ال�ف�ه�ي��م �أن زاي ��د ل�ي����س ُم � ًّ‬ ‫�وج��ه لإن���س��ان الإم ��ارات‬ ‫فح�سب ب��ل ه��و ُم� ِّ‬ ‫يف كل مراحل حياته‪ ،‬الفت ًا �إىل �أن �شعب‬ ‫الإم � ��ارات م��ر مب��راح��ل �صعبة وع�سرية‬ ‫كان الفقر عنوانها‪ ،‬وكانوا ي�سكنون بيوت ًا‬ ‫م��ن ال �ط�ين‪ ،‬و��س�ع��ف ال�ن�خ�ي��ل‪ ،‬وال توجد‬ ‫غ�ير م��در��س��ة واح ��دة التحقنا بها ب��دون‬ ‫ر�سمي �أو �أحذية و ُك ّنا �سُ عداء بذلك‪.‬‬ ‫زي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وعر�ض الفيهم �صورة له ولزمالئه الطلبة‬ ‫تعود �إىل عام ‪1958‬م‪ ،‬قائ ًال �إنها تعرب عن‬ ‫احلالة االجتماعية واالقت�صادية للأهايل‬ ‫يف ذل���ك ال ��وق ��ت‪ ،‬وق � ��ال‪� :‬إن ال�ن�ه���ض��ة‬ ‫احل�ق�ي�ق�ي��ة لأب��وظ �ب��ي وال �ت �ط��ور انطلقت‬ ‫ع��ام ‪1966‬م‪ ،‬عندما ت��وىل القائد زاي��د‬ ‫اخلري ُحكم �إم��ارة �أبوظبي‪ ،‬وب��د�أ التغيري‬ ‫وح ّبه‬ ‫وا��ض�ح� ًا وجلي ًا ب�إخال�صه ووف��ائ��ه ُ‬ ‫للوطن يف البناء والإع �م��ار‪ ،‬فكان رحمه‬ ‫اهلل هو املهند�س الذي ر�سم معامل الدولة‬ ‫احل��دي�ث��ة ال �ت��ي نعي�شها الآن‪ ،‬ف�ق��د ك��ان‬ ‫ب�سيط ًا متوا�ضع ًا كرمي ًا �سخي ًا مع �أبناء‬ ‫�شعبه‪ ،‬وحري�ص ًا على متابعة م�شروعات‬ ‫الإعمار يف املدينة بنف�سه خطوة بخطوة‬ ‫ويوم ًا بيوم‪.‬‬

‫لإع� ��ادة ب �ن��اء خم�ي��م ج�ن�ين ال ��ذي دم��ره‬ ‫امل�ستعمر �أكرث من مرة‪ ،‬حتى ارتبط با�سم‬ ‫ال��راح��ل زاي��د ال��ذي �أع ��اد ال�ب�ن��اء و�أع��اد‬ ‫الب�سمة جلميع الفل�سطينيني والطم�أنينة‬ ‫�إىل قلوبهم‪.‬‬

‫من القلب و�إىل القلب‬

‫االهتمام باملر�أة وحقوقها‬

‫التفرق‬ ‫رجل الوحدة يف زمن‬ ‫ّ‬

‫�شهدت فعاليات اليوم الثاين من �أعمال‬ ‫املنتدى مناق�شات هامة ح��ول اجلوانب‬ ‫امل �ت �ف��ردة وال� � ��ر�ؤى ال �ت��اري �خ �ي��ة وال�ف�ك��ر‬ ‫ال�سيا�سي وال��وح��دوي والإن �� �س��اين ال��ذي‬ ‫ات�سمت ب��ه م�سرية ال��راح��ل ال�شيخ زاي��د‬ ‫رحمه اهلل‪.‬‬ ‫�شارك يف اجلل�سة اخلتامية كل من رجل‬ ‫الأع �م��ال الإم ��ارات ��ي حم�م��د عبداجلليل‬ ‫ال�ف�ه�ي��م‪ ،‬و�أ� �س �ت��اذة ال �ت��اري��خ يف جامعة‬ ‫الإم�� ��ارات ال��دك �ت��ورة ف��اط�م��ة ال���ص��اي��غ‪،‬‬ ‫و�أ�ستاذة العلوم ال�سيا�سية امل�ساعدة يف‬ ‫كلية العلوم الإن�سانية واالجتماعية يف‬ ‫جامعة الإم��ارات الدكتورة مرمي �سلطان‬ ‫لوتاه‪ ،‬و�أدار اجلل�سة امل�ست�شار يف مركز‬ ‫�سلطان بن زايد للثقافة والإعالم الدكتور‬ ‫ريا�ض نع�سان �آغ��ا‪ .‬ق��ال �أغ��ا يف افتتاحه‬ ‫للجل�سة‪� :‬إن الراحل ال�شيخ زايد �أحد قادة‬ ‫الأم��ة العظماء عرب تاريخها‪ ،‬تخرج من‬ ‫مدر�سة الإ�سالم العظيم‪ ،‬وميتلك جميع‬ ‫م�ق��وم��ات ال �ق �ي��ادة وال �ن �ج��اح‪ ،‬ب ��د�أ ُحلمه‬ ‫الكبري بتوحيد القبائل واخت�صر مراحل‬ ‫تطور الدولة يف عقود قليلة‪ ،‬فقد كان «رجل‬ ‫الوحدة يف زمن التف ّرق وال�شتات»‪ ،‬الذي‬ ‫م� ّرت به ال��دول العربية يف ال�سبعينيات‪،‬‬ ‫حني انهارت وقتها جميع �أح�لام الوحدة‬ ‫العربية بعدد من الدول‪ ،‬فيما حقق ال�شيخ‬ ‫زايد حلم بناء وحدة الإم��ارات‪ .‬و�أ�ضاف‬ ‫�إن النه�ضة التي قادها زاي��د و�سبق بها‬ ‫غريه هي بناء الإن�سان قبل العمران‪ ،‬و�س ّر‬ ‫اال�ستقرار يف احلكم ه��و ال�ت��وازن ولي�س‬ ‫ال �ق��وة‪ ،‬كما �أن االح�ت�ف��اظ بال ُهوية �أه��م‬ ‫جذعي‬ ‫م�ب��د�أ �أم�سك ب��ه زاي��د م��ن خ�لال‬ ‫ّ‬ ‫الرتاث والثقافة والفكر الذي يج�سدهما‬ ‫ن��ادي ت��راث الإم��ارات ومركز �سلطان بن‬

‫ريا�ض نع�سان �آغا‬

‫آغا ‪:‬‬

‫زايد أحد قادة األمة‬ ‫العظماء تخرج في‬ ‫مدرسة اإلسالم العظيم‬ ‫وامتلك جميع مقومات‬ ‫القيادة والنجاح‬

‫ب ��دوره ق��دم حم�م��د ع�ب��داجل�ل�ي��ل الفهيم‬ ‫� �س��رد ًا ت��اري�خ�ي� ًا ت�صاحبه � �ص��ور قدمية‬ ‫يرجع تاريخها �إىل مطلع اخلم�سينيات‬ ‫من القرن املا�ضي‪ ،‬حتدث خالله عن فكر‬

‫�أو��ض�ح��ت ال��دك�ت��ورة فاطمة ال�صايغ من‬ ‫خالل الورقة البحثية التي قدمتها خالل‬ ‫املنتدى الر�ؤية التاريخية مل�سرية ال�شيخ‬ ‫زايد‪ ،‬وركزت على اهتمامه بدور املر�أة يف‬


‫ضيوف‪:‬‬

‫جمتمع الإم��ارات والآف��اق العري�ضة التي‬ ‫فتحها لها‪ ،‬م�شري ًة �إىل فل�سفة زاي��د يف‬ ‫الرتكيز على حتقيق العدالة االجتماعية‬ ‫للنا�س من رف��ا ٍه اجتماعي وتوفري فر�ص‬ ‫وح��ك��م ع� ��ادل ر� �ش �ي��د وااله �ت �م��ام‬ ‫ع �م��ل ُ‬ ‫باملواطن من دون متييز‪ ،‬م�ؤكد ًة على �أن‬ ‫زاي��د ك��ان مدرك ًا �أن��ه ب��دون تلك العدالة‬ ‫االجتماعية لن يتوفر الأم��ن واال�ستقرار‬ ‫للوطن واملواطن‪.‬‬ ‫و�أ�ضافت ال�صايغ �أن فل�سفة زايد تتلخ�ص‬ ‫يف و�ضع كافة املوارد خللق وطن يحت�ضن‬ ‫املواطن‪ ،‬ومواطن ي�شعر باالنتماء لوطن‪،‬‬ ‫ه��ذه املُعادلة هي ما قامت على �أ�سا�سه‬ ‫فل�سفة الربيع العربي احل��ايل بعد عقود‬ ‫من و�ضع زاي��د لفل�سفته‪ ،‬م�شري ًة �إىل �أن‬ ‫االنتفا�ضات ال�شعبية العربية جعلتنا نفكر‬ ‫جمدد ًا يف فل�سفة ال�شيخ زايد التي طبقّها‬ ‫ف�سبق بها الآخ��ري��ن وطبقها قبل عقود‬ ‫وث�ب��ت جن��اح�ه��ا‪ .‬وحللت ال�صايغ وجهة‬ ‫نظر ال�شيخ زايد على امل�ستويني اخلليجي‬ ‫وال�ع��رب��ي‪ ،‬م ��ؤك��د ًة على �أن��ه خليجي ًا كان‬ ‫م��درك � ًا �أنّ م���ص�ير �أه ��ل اخل�ل�ي��ج واح��د‬ ‫لأنّ تاريخهم واح��د و�أح�لام�ه��م واح��دة‬ ‫والأخطار املُحدقة بهم واحدة‪ ،‬لذا فعلى‬ ‫الرغم من �أنه نا�صر قيام جمل�س التعاون‬ ‫اخلليجي الذي انبثق من �أبوظبي‪� ،‬إ ّال �أنه‬ ‫كان مع الوحدة اخلليجية الكربى‪ ،‬هذه‬ ‫ال��وح��دة ال�ت��ي �أث�ب�ت��ت الأح���داث العربية‬ ‫الأخرية مدى �أهمية وجودها‪� ،‬أما عربي ًا‬ ‫فكان زاي��د اخل�ير رج�ل ًا قومي ًا �آم��ن ب��أنّ‬ ‫م�صري العرب واحد‪ ،‬ودعا القادة العرب‬ ‫�إىل نبذ ال�شقاق بينهم وال�ترك�ي��ز على‬ ‫بناء الأوط��ان ورفاهية ال�شعوب وحتقيق‬ ‫امل�صالح العليا للأوطان وال�شعوب لأنها‬ ‫ه��ي ال�ب��اق�ي��ة‪ ،‬فعلى ال��رغ��م م��ن مقوالت‬ ‫زايد الكثرية يف هذا ال�ش�أن �إ ّال �أنّ القليل‬ ‫من القادة العرب ا�ستمعوا بدقة �إىل ما‬ ‫يقوله هذا الرجل احلكيم‪.‬‬ ‫ولفتت ال�صايغ �إىل �أن زاي��د رحمه اهلل‬ ‫اهتم باملر�أة اهتمام ًا اجتماعي ًا وثقافي ًا‬ ‫و�سيا�سي ًا‪� ،‬إميان ًا منه بدورها يف النهو�ض‬

‫اإليمان باهلل واإلرادة‬ ‫واإلصرار والرؤية‬ ‫الثاقبة وحشد الموارد‬ ‫واستخدام التكنولوجيا‬ ‫أبرز محاور نهج زايد‬ ‫ب��امل �ج �ت �م��ع‪ ،‬ف��ج��اء مت �ك�ين امل� � ��ر�أة على‬ ‫ر�أ���س �أول��وي��ات��ه خلدمة جمتمع الإم��ارات‬ ‫وال �ن �ه��و���ض ب ��ه‪ ،‬وك� ��ان ال ي ��دع منا�سبة‬ ‫مت� ُر من دون الت�أكيد على دور امل��ر�أة يف‬ ‫املجتمع باعتبارها ن�صف املجتمع‪ ،‬و�أنّ‬ ‫املجتمع لن يتقدم �إذا ظ ّل ن�صفه ُم ّ‬ ‫عط ًال‪.‬‬

‫الإن�سان حمور عملية التنمية‬

‫ق��دم��ت ال��دك �ت��ورة م ��رمي ��س�ل�ط��ان ل��وت��اه‬ ‫ورقتها البحثية التي عر�ضت من خاللها‬ ‫الفكر ال�سيا�سي للراحل ال�شيخ زايد طيب‬ ‫اهلل ث ��راه م��ن منطلق م�ف�ه��وم التنمية‪،‬‬ ‫وا�ستعر�ضت عدة حماور يف ر�ؤية القائد‬ ‫التنموية التي جتاوزت التنمية مبفهومها‬ ‫امل��ادي لتج�سد جتربة تنموية �إن�سانية‪،‬‬ ‫الفت ًة �إىل �أن قناعة ال�شيخ زايد وال�شيخ‬ ‫را�شد التقت على �أن و�ضع التجزئة هو‬ ‫و��ض��ع ط��ارئ على املنطقة‪ ،‬و�أن الأ��ص��ل‬ ‫فيها ه��و ال��وح��دة ت��اري�خ�ي� ًا واج�ت�م��اع�ي� ًا‬ ‫وثقافي ًا و�سيا�سي ًا‪ ،‬والو�ضع القائم وهو‬ ‫ا�ستمرار الكيانات ال�سيا�سية يف حالة‬ ‫ال �ت �ج��زئ��ة‪ ،‬م �� �س ��أل��ة ت �ت �ع��ار���ض م��ع �أم��ن‬ ‫املنطقة وقدرتها على �إح��داث التنمية‪،‬‬ ‫لذلك التقت الإرادت� ��ان‪ ،‬وك��ان التقارب‬ ‫ال�سيا�سي بينهما �أ�سا�س ًا للوحدة‪ ،‬ثم مت‬ ‫ا�ستقطاب واج �ت��ذاب الإم ��ارات الأخ��رى‬ ‫للدولة االحتادية‪.‬‬ ‫و�أ��ض��اف��ت ل��وت��اه �أن �إرادة التغيري التي‬ ‫امتلكها زايد و�إميانه بالفكرة الفيدرالية‬ ‫وم��ا تقود �إليه من خري لأب�ن��اء الإم��ارات‬ ‫ك��ان��ت �أق ��وى م��ن ك��ل امل �خ��اوف‪ ،‬وق ��ادرة‬ ‫على الدفع باالجتاه ال��ذي يريده وي�ؤمن‬ ‫ب�أف�ضليته‪ ،‬ولذلك حر�ص �سموه على �أن‬ ‫تكون ال�صيغة الفيدرالية �صيغة جاذبة‬ ‫وم�شجعة لك ّل الإم ��ارات على االن�ضمام‬ ‫ُ‬

‫للكيان االحتادي خا�صة‪ ،‬م�ستعر�ض ًة البعد‬ ‫الإن�ساين والقومي للتنمية‪ ،‬من خالل بعد‬ ‫نظر القيادة ال�سيا�سية يف دولة الإمارات‬ ‫التي جعلها تهتدي لالهتمام بامل�ؤ�شرات‬ ‫الإن�سانية والرتكيز على الإن�سان كمحور‬ ‫لعملية التنمية التي ينبغي �أن ت�سخر كل‬ ‫جوانبها‪ ،‬بغر�ض �إ�سعاده ورفاهيته‪ ،‬بدء ًا‬ ‫من التعليم وجعله جماني ًا و�إلزامي ًا يف كل‬ ‫مراحله لكل فئات املجتمع ن�سا ًء ورجا ًال‬ ‫�صغار ًا وكبار ًا‪ ،‬مرور ًا باالهتمام بالرعاية‬ ‫ال���ص�ح�ي��ة واالج �ت �م��اع �ي��ة ال �ت��ي �شملت‬ ‫اجل�م�ي��ع‪� ،‬إ� �ض��اف � ًة �إىل االه�ت�م��ام بتوزيع‬ ‫الرثوة ب�شكل عادل‪ ،‬وتوزيع عوائد النظام‬ ‫املادية واملعنوية‪.‬‬ ‫وذك��رت لوتاه �أن زاي��د �أدرك منذ بداية‬ ‫ت�أ�سي�س الدولة �أن الإمارات جزء ال يتجز�أ‬ ‫من حميطها الإقليمي العربي والإ�سالمي‪،‬‬ ‫و�أن التنمية والأم��ن ال ميكن حتقيقهما‬ ‫بعيد ًا عن حتقيق التنمية والأمن القومي‬ ‫العربي والإ�سالمي �إذا �أمكن ذلك‪ ،‬و�أن‬ ‫م�شاريعه ‪-‬رحمه اهلل‪ -‬التنموية امتدت‬ ‫لتعم كل �أقطار الوطن العربي من املحيط‬ ‫�إىل اخلليج‪ ،‬بل وجت��اوز عطا�ؤه التنموي‬ ‫ت �ل��ك احل� ��دود ل �ي �ك��ون ع �ط��ا ًء �إ� �س�لام �ي � ًا‬ ‫و�إن�ساني ًا �أو�سع‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل �أنه �أدرك �أن‬ ‫مرتكز الأمن واال�ستقرار والتنمية يف � ّأي‬ ‫جمتمع يتمثل �أ�سا�س ًا يف جت�سري العالقة‬ ‫بني احلاكم واملحكوم‪.‬‬ ‫وخل�صت ل��وت��اه �إىل �أن ق�ن��اع��ة و�إمي ��ان‬ ‫القائد زاي��د ب�ضرورة التغيري والإ�صالح‬ ‫وال�ق��درة على �إح��داث��ه بال�شكل املنا�سب‬ ‫وال��وق��ت امل�ن��ا��س��ب‪ ،‬وال�ق�ن��اع��ة ب��ال��وح��دة‬ ‫باعتبارها للأمن والتنمية فلي�س هناك‬ ‫م �ك��ان ل �ل��دول ال���ص�غ�يرة يف ع��امل يتجه‬ ‫نحو التكتل‪ ،‬م��ع االعتماد على العالقة‬ ‫التعاونية بني احلاكم واملحكوم ك�أ�سا�س‬ ‫للأمن واال�ستقرار‪ ،‬والتوجيهات التعاونية‬ ‫و�إر� �س��اء ثقافة ال�سالم وقيمه ك�أ�سا�س‬ ‫للوحدة والتما�سك االجتماعي وال�سيا�سي‬ ‫يف ال��داخ��ل ول�ب�ن��اء ع�لاق��ات �أك�ث�ر �أم�ن� ًا‬ ‫وا�ستقرار ًا على امل�ستوى اخلارجي‬


‫المرصد‬ ‫‪24‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫الك�سوة ال�رشيفة‬

‫يزيد عمرها عن ‪ 244‬عام ًا‬

‫أبوظبي تستضيف‬ ‫آخر كسوة عثمانية للكعبة‬ ‫�أبوظبي – تراث‬ ‫ا�ست�ضاف فندق ق�صر الإمارات يف �أبوظبي ال�شهر الفائت معر�ض «ك�سوة الكعبة» الذي عر�ض‬ ‫الن�سخة الأ�صلية من �آخر ك�سوة عثمانية للكعبة‪.‬‬ ‫يبلغ عمر الك�سوة التاريخية التي كانت قد غطت يوماً باب الكعبة ‪ 244‬عاماً‪ ،‬حيث تعود �إىل عام‬ ‫‪1181‬هـ «‪1768 - 1767‬م»‪.‬‬ ‫وحتظى الك�سوة التي �ضمها املعر�ض ب�أهمية تاريخية باعتبارها �آخر ك�سوة فخمة ملونة ذات‬ ‫ت�صميم فاخر تعود لعهد ال�سالطني العثمانيني‪ ،‬حيث مت ا�ستبدالها الحقا بنمط �أكرث حمافظة‪.‬‬


‫وت�شتمل الك�سوة على �ستارة باب الكعبة‬ ‫امل�صنوعة من احلرير الطبيعي اخلال�ص‪،‬‬ ‫ويبلغ ارتفاعها �سبعة �أمتار ون�صف املرت‬ ‫وبعر�ض �أربعة �أمتار‪ ،‬مكتوب عليها �آيات‬ ‫ق��ر�آن �ي��ة وزخ� ��ارف �إ� �س�لام �ي��ة‪ ،‬وم �ط��رزة‬ ‫ت�ط��ري��ز ًا ب ��ارز ًا مغطى ب��أ��س�لاك الف�ضة‬ ‫املطلية بالذهب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫و�ضم املعر�ض جم�سما مت ت�صميمه ب�شكل‬ ‫يطابق الكعبة امل�شرفة‪ ،‬يو�ضح هيكلها‬ ‫اخل��ارج��ي وت���ص�م�ي�م�ه��ا ال��داخ �ل��ي‪ ،‬كما‬ ‫ت�ضمن �صور ًا فوتوغرافية نادرة للكعبة‪.‬‬

‫تاريخ الك�سوة‬

‫اختلف امل�ؤرخون حول �أول من قام بك�سوة‬ ‫الكعبة امل�شرفة‪ ،‬فقيل �إن �أول من ك�ساها‬ ‫هو نبي اهلل �إ�سماعيل عليه ال�سالم‪ ،‬وقيل‬ ‫�إن �أول م��ن ك�ساها ه��و ع��دن��ان ب��ن �أد‪،‬‬ ‫حفيد نبي اهلل �إ�سماعيل‪ ،‬بعدما خاف �أن‬ ‫يدر�س احلرم فو�ضع �أن�صابه‪ ،‬فكان �أول‬ ‫من و�ضعها و�أول من ك�سا الكعبة‪ ،‬ويذهب‬ ‫البع�ض �إىل �أن �أول م��ن ك�ساها ه��و تبع‬ ‫�أبي كرب �أ�سعد ملك حمري �سنة ‪ 220‬قبل‬ ‫الهجرة‪.‬‬ ‫ك��ان��ت �أول ك�سوة �إ�سالمية للكعبة عام‬ ‫‪ 9‬ه�ـ‪ ،‬بعد �أن فتح امل�سلمون مكة‪ ،‬وك�سا‬ ‫النبي ‪� -‬صلى اهلل عليه و�سلم ‪ -‬الكعبة‬ ‫م��رة واح ��دة يف ح�ج��ة ال� ��وداع‪ ،‬بالثياب‬ ‫اليمنية و�أقر �أن يتحمل بيت مال امل�سلمني‬ ‫نفقتها ‪.‬‬ ‫ويف ع �ه��د اخل �ل �ي �ف��ة ع �م��ر ب��ن اخل �ط��اب‬ ‫�أ�صبحت الكعبة تك�سى بالقما�ش امل�صري‬ ‫امل�ع��روف بالقباطي وه��ي �أث��واب بي�ضاء‬ ‫رق�ي�ق��ة ك��ان��ت ت�صنع يف م���ص��ر مبدينة‬ ‫الفيوم‪.‬‬ ‫ومل تك�س الكعبة يف علي بن �أب��ي طالب‪،‬‬ ‫ويف عهد معاوية بن �أب��ي �سفيان ك�سيت‬ ‫الكعبة ك�سوتني يف العام‪ ،‬ك�سوة «الديباج»‬ ‫يف يوم عا�شوراء‪ ،‬وك�سوة «القباطي» يف‬ ‫�آخر �شهر رم�ضان ا�ستعداد ًا لعيد الفطر‪.‬‬ ‫مل حت��ظ ك�سوة الكعبة باهتمام خلفاء‬ ‫الدولة العبا�سية يف بداية عهد الت�أ�سي�س‪،‬‬

‫ضم المعرض‬ ‫آخر كسوة فخمة‬ ‫ملونة ذات‬ ‫تصميم فاخر تعود‬ ‫لعهد السالطين‬ ‫العثمانيين‬ ‫نظر ًا لكرثة القالقل واال�ضطرابات داخل‬ ‫الدولة‪ ،‬وعندما توىل املهدي اخلالفة قام‬ ‫بك�ساء الكعبة امل�شرفة ك�سوة جديدة‪ ،‬بعد‬ ‫�أن قام بتجريدها مما اجتمع عليها من‬ ‫ك�سوة‪.‬‬ ‫وبلغ اهتمام خلفاء بني العبا�س بك�سوة‬ ‫الكعبة ��ش��أن� ًا ك�ب�ير ًا‪ ،‬فكانت ت�صنع من‬ ‫�أج� ��ود �أن � ��واع احل ��ري ��ر‪ ،‬و�أم� ��ر اخل�ل�ي�ف��ة‬ ‫امل�أمون �أن تك�سى ثالث م��رات كل �سنة‪،‬‬ ‫يف الرتوية‪ ،‬و�أول رجب‪ ،‬وعيد الفطر‪.‬‬

‫م�صر وك�سوة الكعبة‬

‫منذ الع�صر الفاطمي حر�ص حكام م�صر‬ ‫على �إر� �س��ال ك�سوة الكعبة يف ك��ل ع��ام‪،‬‬ ‫ومت �ي��زت ال�ك���س��وات الفاطمية بطابعها‬ ‫الغريب‪ ،‬فخليفتهم الثاين العزيز باهلل‬ ‫ك�سا الكعبة يف عام بك�سوة بي�ضاء اللون‪،‬‬ ‫ويف ع �ه��د احل��اك��م ب���أم��ر اهلل ذك ��ر بن‬ ‫�إيا�س �أن جماعة من العربان وثبوا على‬ ‫ك�سوة الكعبة وانتهبوها‪ ،‬فك�سيت الكعبة‬ ‫يف تلك ال�سنة بنوع من القما�ش ُي�سمى‬ ‫«ال�شنفا�ص الأبي�ض»‪.‬‬ ‫ظ �ل��ت ال�ك�ع�ب��ة ت�ك���س��ى م��ن م���ص��ر ط��وال‬ ‫الع�صر اململوكي با�ستثناء �سنوات قليلة‪،‬‬ ‫حيث ت�شبث املماليك مبا اعتربوه حقهم‬ ‫يف ك�سوة الكعبة راف�ضني �أن ينال �أحد‬ ‫غريهم هذا ال�شرف‪.‬‬

‫تشتمل الكسوة على‬ ‫ستارة باب الكعبة‬ ‫المصنوعة من الحرير‬ ‫الطبيعي الخالص‬ ‫ويبلغ ارتفاعها ‪7.5‬‬ ‫متر وبعرض ‪ 4‬أمتار‬

‫يف العام التايل للفتح العثماين ويف يوم‬ ‫االث��ن�ي�ن ‪ 12‬م��ن رم �� �ض��ان ع��ر���ض وايل‬ ‫م�صر ك�سوة الكعبة امل�شرفة‪ ،‬وق��د بالغ‬ ‫يف زرك �� �ش��ة ب��رق��ع ال �ك �� �س��وة وملحقاتها‬ ‫على خالف املعتاد‪ ،‬و�أقيم احتفال كبري‬ ‫بالقلعة من �أجل هذه املنا�سبة‪.‬‬ ‫و�أث �ن��اء �إق��ام��ة ال�سلطان �سليم الأول يف‬ ‫م�صر اهتم ب�إعداد ك�سوة الكعبة وبالغ يف‬ ‫زرك�شتها‪ ،‬و�أق��ر وقف ال�سلطان ال�صالح‬ ‫�إ�سماعيل ب��ن ق�لاوون عليها‪ ،‬وق��د زاده‬ ‫ال�سلطان �سليمان ال�ق��ان��وين ح�ين وقف‬ ‫�سبع قرى �أخرى عليها‪.‬‬ ‫وبعد ع�صر ال�سلطان �سليمان القانوين‬ ‫ك ��ان ك��ل ��س�ل�ط��ان ي �ت��وىل ع��ر���ش ال��دول��ة‬ ‫العثمانية ي�ق��وم ب ��إه��داء ك�سوة جديدة‬ ‫للكعبة امل���ش��رف��ة‪ ،‬وف���ض�ل ًا ع��ن الك�سوة‬ ‫املهداة من ال�سالطني ظلت ك�سوة الكعبة‬ ‫تر�سل بانتظام من م�صر ب�صورة �سنوية‬ ‫يحملها �أم�ير احل��ج معه يف قافلة احلج‬ ‫امل�صري‪.‬‬ ‫ويف �أعقاب احلملة الفرن�سية على م�صر‪،‬‬ ‫التزم نابليون بونابرت ب��إع��داد وجتهيز‬ ‫جميع ل��وازم احل��ج‪ ،‬ف�أمر ب��إع��داد ك�سوة‬ ‫الكعبة و�صناعتها يف بيت م�صطفى بك‬ ‫�أمري احلج بد ًال من ق�صر يو�سف بالقلعة‪،‬‬ ‫كما كتب �إىل ال�شريف غالب بن م�ساعد‬ ‫�أم�ير مكة حلماية امل��وك��ب واحلجيج من‬ ‫اع��ت��داءات ال �ع��رب��ان وااله �ت �م��ام ب��راح��ة‬ ‫احلجيج و�أمنهم‪.‬‬ ‫وعندما توىل حممد علي با�شا حكم م�صر‬ ‫قام مبوا�صلة �إر�سال ك�سوة للكعبة‪� ،‬إىل �أن‬ ‫حدث �صدام بني الوهابيني يف الأرا�ضي‬ ‫احل� �ج ��ازي ��ة وق��اف��ل��ة احل� ��ج امل �� �ص��ري��ة‪،‬‬ ‫فتوقفت م�صر عن �إر�سال الك�سوة ل�ست‬ ‫�سنوات حتى ا�ستقرت الأمور‪.‬‬ ‫وك��ان��ت ك �� �س��وة ال�ك�ع�ب��ة ق��د ان �ت �ه��ى �أم��ر‬ ‫�صناعتها �إىل دار ك�سوة الكعبة امل�شرفة‬ ‫يف ح��ي «اخل��رن �ف ����ش» ب��ال �ق��اه��رة‪ ،‬بعد‬ ‫�أن ط��اف��ت ب ��أم��اك��ن ك �ث�يرة ن��ال��ت �شرف‬ ‫�صناعتها م�ث��ل دم �ي��اط والإ��س�ك�ن��دري��ة‪،‬‬ ‫والقلعة وامل�شهد احل�سيني‬


‫المرصد‬ ‫‪26‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫�ضم ن�سخ ًا نادرة من امل�صحف ال�شريف‬

‫معرض لمخطوطات‬ ‫القرآن الكريم عبر العصور‬ ‫دبي‪ -‬حممد النمر‬ ‫احت�ضن مركز برجمان للت�سوق يف دبي فعاليات املعر�ض الذي نظمه‪ ،‬ال�شهر الفائت‪ ،‬مركز‬ ‫جمعة املاجد للثقافة والرتاث‪ ،‬حتت عنوان «خمطوطات القر�آن الكرمي عرب الع�صور»‪.‬‬ ‫�ضم املعر�ض الذي ا�ستمر ثالثة �أ�سابيع‪� ،‬ستة ع�شر �أمنوذجاً نادراً من خمطوطات القر�آن‬ ‫الكرمي‪ ،‬ا�ستعر�ضت مراحل تطور كتابة امل�صحف ال�شريف‪ ،‬و�أنواع اخلطوط والزخارف التي‬ ‫عرفتها مراحل كتابة القر�آن بدءاً من اخلط الكويف القدمي‪ ،‬مروراً بخط الن�سخ واخلطوط‬ ‫امل�شرقية‪ ،‬و�صو ًال �إىل ع�صر الفخامة والزخرفة‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل اخلطوط املغربية الإ�سالمية‪.‬‬


‫م��ن ن���س��خ ال� �ق ��ر�آن ال �ك��رمي امل �� �ش��ارك��ة يف‬ ‫املعر�ض‪ ،‬ن�سخة فار�سية خزائنية مذهبة‪،‬‬ ‫ُكتبت قبل ‪� 300‬سنة‪ ،‬ون�سخة تركية قدمت‬ ‫للأمري قورقوت بن بايزيد بن حممد خان‪،‬‬ ‫و�أخرى موقوفة على مكتبة غازي خ�سروا يف‬ ‫�سراييفو بالبو�سنة قبل حوايل ‪� 200‬سنة‪.‬‬ ‫وم�صحف «ابن البواب» �أبو احل�سن علي بن‬ ‫هالل‪ ،‬وهي الن�سخة القر�آنية التي ُن�سخت يف‬ ‫بغداد على يد خطاطي الإ�سالم يف الع�صور‬ ‫الو�سطى‪ ،‬وي��رج��ع ت��اري��خ ن�سخها �إىل عام‬ ‫‪391‬هـ‪� ،‬إ�ضافة �إىل ن�سخ من القر�آن الكرمي‬ ‫مكتوبة ب�أ�شكال هند�سية‪.‬‬

‫ن�سخة م�ؤطرة‬

‫كما ��ش��ارك امل��رك��ز بن�سخة م��ؤط��رة ب�إطار‬ ‫مذهب احتوت ال��ورق��ة الأوىل على زخرفة‬ ‫نباتية جميلة مع كتابة باللون الأبي�ض لأ�سماء‬ ‫ال�سور‪ ،‬كتبت �سنة ‪ 1052‬هـ‪ .‬ون�سخة مغربية‬ ‫كتبت يف القرن الرابع ع�شر الهجري ب�أمر‬ ‫م��ن احل��اج ال�شريف ب�لا الكناوي الغباري‬ ‫بخط احلاج عبد القادر يف ‪ 132‬ورقة‪.‬‬ ‫ت�ضمن املعر�ض كذلك جمموعة من لوحات‬ ‫م�ستوحاة من العلوم املتعلقة بالقر�آن الكرمي‪،‬‬ ‫مثل لوحة �أربعني حديث ًا يف ف�ضائل القر�آن‬ ‫الكرمي وغريها‪.‬‬ ‫وقال نائب مدير العالقات العامة والإعالم‬ ‫يف مركز جمعة املاجد �أنور الظاهري �إن هذه‬ ‫امل�شاركة جاءت يف �إطار االحتفال مبنا�سبة‬ ‫�شهر رم �� �ض��ان ال ��ذي �أن� ��زل ف�ي��ه ال �ق��ر�آن‪،‬‬ ‫ومواكبة لفرحة امل�سلمني بكتاب اهلل العزيز‪،‬‬ ‫و�إقبا ًال عليه يف هذا ال�شهر الف�ضيل‪ ،‬وتعريف ًا‬ ‫للجمهور باجلهود التي بذلها ُن ّ�ساخ القر�آن يف‬ ‫زخرفته وتزيينه‪.‬‬ ‫وق��ال الظاهري �إن تدوين ال �ق��ر�آن الكرمي‬ ‫مر مبراحل خمتلفة‪ ،‬م�شري ًا �إىل اختالف‬ ‫املخت�صني ح��ول البدايات‪ ،‬م�شري ًا �إىل �أن‬ ‫م�صحف �أمري امل�ؤمنني ذي النورين عثمان‬ ‫بن عفان ثالث اخللفاء الرا�شدين واحد من‬ ‫�أوائل الن�سخ املخطوطة املعروفة‪.‬‬ ‫و�أ�� �ض ��اف �أن ه ��ذا امل���ص�ح��ف ن���س�خ��ة من‬ ‫امل�صاحف ال�ستة التي مت ن�سخها ب�أمر عثمان‬

‫ضم المعرض نسخة‬ ‫فارسية مذهبة ُ‬ ‫كتبت‬ ‫قبل ‪ 300‬سنة وأخرى‬ ‫من مكتبة غازي خسرو‬ ‫في سراييفو ُ‬ ‫كتبت‬ ‫قبل حوالي ‪ 200‬سنة‬ ‫ر�ضي اهلل عنه‪ ،‬الذي �أر�سل �أربع ًة منها �إىل‬ ‫الأم�صار‪ ،‬وبقي م�صحفان منها يف املدينة‪.‬‬ ‫و�أو� �ض��ح ال �ظ��اه��ري �أن ه��ذه الن�سخة من‬ ‫امل�صحف ال�شريف‪ ،‬ظلت حمفوظة يف خزانة‬ ‫الكتب باملدر�سة الفا�ضلية التي بناها القا�ضي‬ ‫الفا�ضل عبد الرحيم البي�ساين الع�سقالين‬ ‫يف الع�صر الأيوبي‪ ،‬ثم نقلها ال�سلطان امللك‬ ‫الأ��ش��رف �أب��و الن�صر قن�صوه ال�غ��وري �آخر‬ ‫�سالطني ال��دول��ة اململوكية �إىل القبة التي‬ ‫�أن�ش�أها جتاه مدر�سته داخل باب زويلة‪ ،‬ونقل‬ ‫�إليها �أي�ض ًا الآث��ار النبوية‪ ،‬وعمل لها جلدة‬ ‫خا�صة بها‪َ ،‬‬ ‫نق�ش عليها �أنها ُعملت بعد كتابة‬

‫تضمن المعرض‬ ‫مجموعة لوحات فنية‬ ‫مستوحاة من العلوم‬ ‫المتعلقة بالقرآن‬ ‫الكريم تُظهر تطور‬ ‫فنون الخط العربي‬

‫امل�صحف العثماين بثمامنائة و�أربعة و�سبعني‬ ‫ع��ام� ًا‪� ،‬أي �أنها عملت ع��ام ‪ 909‬ه�ـ‪ ،‬وظلت‬ ‫الن�سخة حمفوظة ملدة ثالثة قرون‪.‬‬

‫تطور ن�سخ القر�آن‬

‫وا�شار نائب مدير العالقات العامة والإعالم‬ ‫يف مركز جمعة املاجد �أن��ور الظاهري‪� ،‬إىل‬ ‫�أن عملية ن�سخ ال�ق��ر�آن تطورت من جمرد‬ ‫ن�سخه للحفظ والتداول‪ ،‬ف�أ�صبح الن�سخ فن ًا‬ ‫له مهاراته ومدار�سه‪ ،‬وله معايريه الفنية‪،‬‬ ‫م ��ؤك��د ًا �أن الن�ساخني راح ��وا ي�ستخدمون‬ ‫مهاراتهم يف تذويق املخطوطة بالزخارف‬ ‫املختلفة‪ ،‬النباتية والهند�سية التجريدية‪ ،‬وما‬ ‫�أن �أهل القرن الرابع ع�شر واخلام�س ع�شر‬ ‫الهجريني كان فن اخلط العربي قد ت�شكل‬ ‫وا��س�ت��وى‪ ،‬و�أ�صبح فن ًا ل��ه رواده وعالماته‬ ‫و�أ�صبح علم ًا وفن ًا يحتاج �إىل املوهبة واملهارة‬ ‫العالية‪.‬‬ ‫وقال الظاهري �إن جهود اخلطاطني العرب‬ ‫وامل�سلمني �أ�سهمت يف تطوير عمليات الن�سخ‪،‬‬ ‫خا�صة يف تركيا و�إي ��ران‪ ،‬فقد ك��ان له�ؤالء‬ ‫�إ�سهاماتهم املهمة يف ه��ذا امل �ج��ال‪ ،‬حيث‬ ‫ا�ستخدموا �أ�ساليب وم�ضامني ج��دي��دة يف‬ ‫تطوير فن اخلط العربي‪ ،‬وتقدمي ت�صورات‬ ‫جديدة لن�سخ املخطوطات القر�آنية ب�صورة‬ ‫خا�صة‪ ،‬م�شري ًا �إىل �أن ع��دد املخطوطات‬ ‫القر�آنية يف دول �آ�سيا الو�سطى عموم ًا ُيعد‬ ‫الآن بالآالف‬


‫‪28‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫الكالم المباح‬

‫الكالم المباح‬

‫زايد والمتنبي في‬ ‫مجلس تراث‬ ‫حنفي جايل‬


‫يف �سعيها لت�أ�صيل كل ما يتعلق برتاث الإمارات‪� ،‬أقامت تراث جمل�سها‬ ‫الرم�ضاين ال�سنوي لهذا العام حتت عنوان الرتاث يف �شعر زايد‪،‬‬ ‫وا�ست�ضافت فيه عدد ًا من كبار ال�شعراء والنقاد والدار�سني والباحثني‬ ‫املواطنني الذين اقرتبوا من القائد امل�ؤ�س�س املغفور له ب�إذن اهلل تعاىل ال�شيخ‬ ‫زايد بن �سلطان �آل نهيان‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬ومن الذين �شهدوا حلظات مولد‬ ‫بع�ض ق�صائده ومن الذين ا�شتغلوا على هذه الق�صائد بالدر�س وبالبحث‪،‬‬ ‫ليديل كل منهم بدلوه عن مو�ضوع املجل�س‪ ،‬وليتك�شف املزيد من اجلوانب‬ ‫يف هذا امللمح الفريد يف �شخ�صية قائد وزعيم مل ت�شغله م�س�ؤولياته املتعددة‬ ‫واملت�شعبة عن االهتمام بالرتاث والتم�سك به قو ًال وعم ًال‪.‬‬ ‫وقد �أجمع الكل على اخل�صال احلميدة التي متتع بها املغفور له ال�شيخ‬ ‫زايد بن �سلطان‪ ،‬طيب اهلل ثراه‪ ،‬وعلى �أنه كان �شديد االهتمام بالرتاث‪،‬‬ ‫وقد انعك�س ذلك يف الكثري من الق�صائد التي نظمها‪ ،‬والتي تناولت كثري ًا‬ ‫من الأغرا�ض وحفلت بالكثري من احلكم والن�صائح واحلث على التم�سك‬ ‫بالقيم الإيجابية والعمل بها‪ ،‬وجاء كل ذلك يف �ألفاظ راقية و�أ�سلوب �سهل‬ ‫ممتنع‪ ،‬ما يدل على �أنه‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬كان �شاعر ًا بالفطرة‪ ،‬مطبوع ًا ولي�س‬ ‫م�صنوع ًا‪ ،‬وعلى �أن مو�ضوع الرتاث كان را�سخ ًا يف ذهن زايد‪ ،‬ومتمركز ًا‬ ‫يف ب�ؤرة �شعوره‪ ،‬ميار�سه يف جميع الأوقات وبالتلقائية نف�سها التي ينظم بها‬ ‫ق�صائده يف جميع املنا�سبات‪.‬‬ ‫لكن املفاج�أة‪ ،‬على الأقل بالن�سبة يل ولغريي ممن مل يعرفوا ذلك‪� ،‬أن‬ ‫املغفور له ال�شيخ زايد رحمه اهلل‪ ،‬كان مولع ًا ب�أبي الطيب املتنبي‪ ،‬حافظ ًا‬ ‫�أو يكاد لديوانه بالكامل‪ ،‬كثري اال�ست�شهاد ب�أبياته وفق ًا لطبيعة املوقف الذي‬ ‫يتطلبه ذلك‪ ،‬وما �أكرث املواقف التي حدثت بينه وبني �أقرانه‪ ،‬وبينه وبني‬ ‫�أبنائه‪ ،‬وبينه وبني امل�س�ؤولني‪ ،‬وحتى بينه وبني �أفراد حرا�سته‪ ،‬الذين كان‬ ‫يعتربهم �أبناءه و�إخوانه‪ ،‬ب�شهاداتهم �أنف�سهم‪ ،‬و�أنه‪ ،‬غفر اهلل‪ ،‬كان حري�ص ًا‬ ‫على الوقوف على معاين كل كلمة وكل بيت‪ ،‬والوقوف عند كل �صورة �شعرية‬ ‫مو�ضح ًا �أو م�ستف�سر ًا ومتدار�س ًا بالغتها وجمالها اللفظي واملعنوي‪.‬‬ ‫وقد ذكر ال�شاعر �سعيد بن دري الفالحي‪ ،‬وكان من الدائرة القريبة املقربة‬ ‫من املغفور له ب�إذن ربه ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان‪ ،‬طيب اهلل ثراه‬ ‫موقف ًا فريد ًا كان �شاهد عيان عليه‪ ،‬عندما �أمر زايد‪ ،‬رحمه اهلل وجعل‬ ‫اجلنة مثواه �أحد الأ�شخا�ص املعروفني بعلمهم وثقافتهم �أن يقر�أ عليه بع�ض‬ ‫ق�صائد من ديوان املتنبي‪ ،‬وحدث �أن ذلك ال�شخ�ص �أخط�أ يف مو�ضع ما من‬ ‫�إحدى الق�صائد‪ ،‬رمبا لهيبته املوقف‪ ،‬ف�إذا بال�شيخ زايد‪ ،‬طيب اهلل ثراه‪،‬‬ ‫ي�صحح له البيت �أو الأبيات التي وقع اخلط�أ يف قراءتها‪ ،‬ثم مي�ضي مكم ًال‬ ‫من ذاكرته تالوة بقيتها‪.‬‬ ‫ثم توالت امل�شاهد التي رواها احلا�ضرون عن م�آثر الرجل‪ ،‬وحبه لل�شعر‪،‬‬ ‫وت�شجيعه لل�شعراء‪ ،‬وبخا�صة املبتدئني واملتميزين منهم‪ ،‬وعن طريقته‬ ‫املتميزة يف ذلك‪ ،‬والتي حتبب الواحد منهم يف االجتهاد وحتثه على‬ ‫التجويد‪ ،‬وال ت�شعره باحلرج مما يكون قد وقع يف ق�صيدته من خلل‪،‬‬ ‫حيث كان‪ ،‬رحمه اهلل يقول ل�صاحب الق�صيدة‪ :‬هذا البيت جميل‪� ،‬أو هذه‬ ‫ال�صورة جيدة‪ ،‬لكن لو قلت كذا بد ًال عن كذا لكان البيت �أجمل ولكانت‬ ‫ال�صورة �أف�ضل‪ ،‬وهذه طريقة الكبار‪ ،‬وطريقة املربني املتمكنني‪ ،‬الذين ال‬ ‫يكتفون بنقد الآخرين ملجرد النقد‪� ،‬أو لبيان �أنهم كبار‪� ،‬أو حلاجة يف نف�س‬ ‫يعقوب‪ ،‬والدليل �أنه ميلك البديل‪ ،‬والبديل الأجمل والأف�ضل‪ ،‬وهي الطريقة‬ ‫التي كما �أ�سلفت حتبب ال�شعراء يف ال�شعر‪ ،‬ما جعلهم يحبون الرجل فوق‬ ‫حبهم له كقائد وزعيم‪ ،‬وجعلتهم ي�ستجيبون لن�صحه عن اقتناع ويتقدمون‬ ‫ويرتفعون يف �شعرهم‪.‬‬

‫وقد طرح �شاعر الإمارات الكبري را�شد �شرار على احلا�ضرين �س�ؤالآ طريف ًا‬ ‫عن ت�أثري ال�شعر يف طريقة تفكري وحكم وقيادة زايد‪ ،‬وانربى احلا�ضرون‬ ‫يف الإجابة وراح كل واحد منهم ي�ضيف درة �إىل عقد جتليات وت�أثري ال�شعر‬ ‫يف حياة الرجل‪ ،‬وكان �أهمها‪ ،‬من جهة نظري‪ ،‬هو ما حتلى به املغفور له‬ ‫ال�شيخ زايد‪ ،‬رحمه اهلل وغفر له‪ ،‬من حكمة‪ ،‬تلك احلكمة التي �صبغت‬ ‫كل �أقواله وكل �أفعاله وكل مواقفة‪ ،‬حتى بات معروف ًا بحكيم العرب‪ ،‬وهنا‬ ‫ات�ضح الرابط ما بني ما ذكره احلا�ضرون من �إعجاب زايد باملتنبي وحفظه‬ ‫لأ�شعاره واال�ست�شهاد بها واحلر�ص على جمع �شروحها وتف�سرياتها‪ ،‬وبني‬ ‫احلكمة التي متيز بها‪ ،‬والتي �شهد له بها اجلميع‪.‬‬ ‫فمن املعروف �أن �أبا الطيب املتنبي‪ ،‬قد �أ�صبح بعد �سنوات قليلة من والدته‬ ‫يف العام الثالث بعد املائة الثالثة من الهجرة من �أهم �شعراء العرب‬ ‫و�أحد مفاخرهم الأدبية‪ ،‬وقيل �إنه نظم �أول ق�صيدة له وهو يف التا�سعة‬ ‫من عمره‪ ،‬وقد طرق �أبو الطيب املتنبي �أغرا�ض ًا من ال�شعر‪ ،‬منها املديح‬ ‫وو�صف املعارك‪ ،‬ولكن �أجمع امل�ؤرحون والنقاد على �أن �أف�ضل �شعره كان يف‬ ‫احلكمة والفل�سفة‪ ،‬وكم من �أبيات قالها قبل �أكرث من اثني ع�شرة قرن ًا من‬ ‫الزمان‪ ،‬وال تزال �صاحلة لال�ست�شهاد بها يف هذين املجالني‪ ،‬ومن منا ال‬ ‫يذكر ق�صيدته ال�شهرية التي منها الأبيات بالغة الفل�سفة واحلكمة ‪:‬‬ ‫ومراد النفو�س �أ�صغر من �أن نتعــادى فيها و�أن نتف ــانى‬ ‫غري �أن الفتى يالقي املن ــايا كاحلات وال يالقي الهـوانـا‬ ‫ولو �أن احليـ ـ ــاة تبقى حلـي لعــددنا �أ�ضلنا ال�شجع ــانــا‬ ‫و�إذا لـم يكن من املــوت بــد فمن العجز �أن متوت جبانا‬ ‫�إن هذه الأبيات تو�ضح ب�شكل كبري مدى اجتماع الفل�سفة واحلكمة‬ ‫وامتزاجهما يف �شعر املتنبي‪ ،‬وتو�ضح يف الوقت نف�سه ما حتلى به املغفور له‬ ‫ب�إذن اهلل تعاىل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان‪ ،‬طيب اهلل ثراه من �أخالق‬ ‫وما اجتمع له من �صفات‪ ،‬فقد كان‪ ،‬رحمه اهلل مت�ساحم ًا مع العدو قبل‬ ‫ال�صديق‪ ،‬و�أبي ًا ال يقبل الدنية وال يبيت على ال�ضيم وال ير�ضاه لل�صغري قبل‬ ‫الكبري‪ ،‬ومل متنعه ال�شجاعة من �أن يكون حكيم ًا‪ ،‬ومل تثنه احلكمة عن �أن‬ ‫يكون �شجاع ًا‪ ،‬وهذه بع�ض من ال�صفات‪ ،‬ولي�ست كلها التي حتلى بها الرجل‬ ‫وطبعت �شخ�صيته‪ ،‬وحكمت ت�صرفاته‪.‬‬ ‫ومن املعروف �أن احلكمة والفل�سفة �صنوان‪ ،‬وقرينان‪ ،‬وقلما اجتمعا‬ ‫ل�شخ�ص‪ ،‬ومن املعروف كذلك �أن احلكمة يف حد ذاتها هبة من الواهب‪،‬‬ ‫�سبحانه وتعاىل‪ ،‬ي�ؤتيهامن ي�شاء‪ .‬قال تعاىل ي�ؤتي احلكمة من ي�شاء‪ ،‬ومن‬ ‫ي�ؤت احلكمة فقد �أوتي خري ًا كثري ًا‪ .‬ولكن يف تقديري �أن الرجل مل يكتف‬ ‫بالقدر الذي وهبه اهلل له من حكمة فقط وهو كبري‪ ،‬ومل يركن �إليه‪ ،‬بل راح‬ ‫يعمل على تثقيف نف�سه‪ ،‬وتزويدها مبوارد احلكمة‪ ،‬ومنها ال�شعر الذي هو‬ ‫ديوان العرب‪ ،‬وتاريخهم و�سجل �أحداثهم مبا فيها من عرب وعظات‪ ،‬ف�أنتج‬ ‫ذلك املزيد من احلكمة واملزيد من ال�شعر‪.‬‬ ‫وقد بات جلي ًا �أن الإن�سان هو ذكرى يف املقام الأول‪ ،‬و�أنه يرحل وتبقى‬ ‫ذكراه‪ ،‬وقد كان زايد‪ ،‬رحمه اهلل وجعل اجلنة مثواه لكل من عرفوه قامة‬ ‫ومث ًال ملا يجب �أن يكون عليه القادة‪ ،‬و�ستظل ذكراه باقية تنطق باحلكمة‬ ‫وبالفل�سفة وبحلو ال�شمائل‪ ،‬و�سنظل ن�سرتجع �شعر زايد ون�ستعيد ما فيه‬ ‫من احلكمة والفل�سفة‪ ،‬ويبقى �أن �أ�ضم �صوتي ملا دعا �إليه ال�شاعر حبيب‬ ‫ال�صايغ من �ضرورة العمل على جمع ما مل يجمع من الرتاث ال�شعري للقائد‬ ‫امل�ؤ�س�س ليبقى �شاهد ًا على ما كان عليه الرجل ولت�ستنري الأجيال املقبلة مبا‬ ‫فيها من مالمح ل�سرية عطرة وم�سرية مظفرة‬


‫قضية للنقاش‬ ‫‪30‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫ازدرته النخبة باعتباره منتج العامة!‬ ‫مثقفون مغاربة‪:‬‬

‫التراثالشعبي‬

‫ال يحظى بأي اهتمام‪..‬‬ ‫ال في التعليم ‪..‬‬ ‫وال في غيره‬

‫تغييب التراث في برامج التعليم بالمغرب «‪»2-2‬‬


‫الرباط‪ -‬عبد الرحيم اخل�صار‬ ‫املغرب �أر�ض �شا�سعة تنامت على �صدرها منذ الأزل ت�ضاري�س احل�ضارة والتاريخ وتعاقبت عليها‬ ‫احل�ضارات خملفة تراثاً مادياً ومعنوياً مذه ً‬ ‫ال على �صعيدي الكم والكيف‪.‬‬ ‫ولكن �إىل �أي مدى �أمكن للمغاربة االفادة من هذا الرتاث الكبري؟ �س�ؤال تكمن �إجابته يف حترى مالح‬ ‫ح�ضور هذا الرتاث يف املناهج التعليمية‪ ،‬فما تقييم اخلرباء والباحثني لهذا الوجود املفرت�ض للرتاث‬ ‫كاف للقيام بوظائفه التثقيفية والتوعوية وبناء الهوية وجتذير االنتماء؟‬ ‫يف مناهج التعليم‪ ،‬وهل هو ٍ‬ ‫وغريها من ت�سا�ؤالت �سعينا يف احللقة ال�سابقة �إىل تقدمي مقاربات لأجوبتها مع عدد من اخلرباء‬ ‫واملثقفني املغاربة من املعنيني بالق�ضية يف �شقيها الرتبوي التعليمي والرتاث‪ ،‬ويف هذه احللقة ن�ستكمل‬ ‫ا�ستجالء مالمح ال�صورة‪.‬‬ ‫ازدراء الرتاث ال�شعبي‬

‫الدكتور ح�سن بحراوي‪ ،‬مدير فريق البحث يف‬ ‫الإثنوغرافيا واملوروث الثقايف بجامعة حممد‬ ‫اخلام�س‪ ،‬يرى �أنه من امل�ؤ�سف االعرتاف ب�أن‬ ‫الرتاث ال يحظى ب�أي اهتمام‪ ،‬ال يف الربامج‬ ‫التعليمية وال يف غريها‪ ،‬وب��أن��ه بالرغم من‬ ‫امل �ن��اداة املتوا�صلة م��ن ل��دن بع�ض النخب‬ ‫املغربية‪ ،‬خا�صة منهم �أ�ساتذة اجلامعة‪ ،‬الذين‬ ‫ظلوا منذ ن�صف قرن يطالبون ب�إحداث كر�سي‬ ‫للثقافة ال�شعبية يكون على عاتقه االعتناء‬ ‫ب�ه��ذا ال�ق�ط��اع م��ن ذاك��رت�ن��ا وينه�ض مبهام‬ ‫�صيانته واملحافظة عليه‪ ،‬وال �أح��د ا�ستجاب‬ ‫لهذا املطلب‪ ،‬بل �أكرث من ذلك ن�شهد نوع ًا من‬ ‫الإمعان يف �إدارة الظهر لهذا املوروث والزج به‬ ‫يف جماهل الن�سيان املميتة لكل �إنتاج ذهني �أو‬ ‫�إبداع �إن�ساين‪.‬‬

‫قراءة يف �أ�سباب الإعرا�ض‬

‫وي�ضيف ب �ح��راوي‪� :‬إذا بحثنا يف الأ�سباب‬ ‫العميقة لهذا الإعرا�ض �أمكننا �أن نقف على‬ ‫بع�ض احلقائق املذهلة ال�ت��ي حت رّ�ّي� العقل‬ ‫وتبلبل الوجدان �أبرزها �أن �أع�ضاء احلركة‬ ‫الوطنية‪ -‬وه��و امل�صطلح ال��ذي نطلقه يف‬ ‫املغرب على النخبة املثقفة التي قادت املعركة‬ ‫من �أجل اال�ستقالل عن اال�ستعمار الفرن�سي‬ ‫«‪ -»1956 - 1912‬قد نظروا بازدراء للرتاث‬

‫ال�شعبي لوقوعه يف نظرهم يف دائرة ما تنتجه‬ ‫العامة وال�سوقة من �أفراد ال�شعب وهو بالتايل‬ ‫يعب‬ ‫ال ي�ستحق �أي اهتمام �أو عناية لأن��ه رّ‬ ‫باللغة العا ّمية عن الواقع الفا�سد للطبقات‬ ‫االجتماعية الدنيا‪ ،‬وهو واقع اال�ستعمار بكل‬ ‫ت�أكيد‪ ،‬ولذلك فهو يتعار�ض مع الروح العربية‬ ‫القومية والعقيدة الإ�سالمية ل�صدوره عن‬ ‫ممن ال ي�ؤخذ بر�أيهم‬ ‫تلك الفئة من «الأم ّيني» ّ‬ ‫�أو ُيعت ّد بفكرهم‪.‬‬ ‫وي�شري ب�ح��راوي �إىل ا�ستثناءات ‪�-‬أق��ل من‬ ‫القليلة‪� -‬ضمن هذه النخبة نظر �أ�صحابها‬ ‫�إىل هذا الرتاث ببع�ض الر�أفة و�أحيانا ب�شيء‬ ‫من التثمني مثل العالمة املختار ال�سو�سي‬ ‫الذي جعل للرتاث الأمازيغي مكانة خا�صة‬ ‫�ضمن م�ؤلفاته املو�سوعية العديدة مثل كتاب‬ ‫«املع�سول»‪ ،‬والأ�ستاذ حممد الفا�سي الذي‬ ‫كر�س الق�سط الأول من حياته جلمع وتدوين‬ ‫احلكاية ال�شعبية ولغناء الن�ساء الفطري‬ ‫مبدينته فا�س‪ ،‬وق�ضى الق�سط الأك�بر من‬

‫حسن بحراوي‪:‬‬ ‫نشهد نوع ًا من‬ ‫اإلمعان في إدارة‬ ‫الظهر للموروث‬ ‫والزج به في مجاهل‬ ‫النسيان المميتة‬

‫عمره املديد يف االهتمام بفن امللحون الذي‬ ‫احتفى بجمعه ودرا�سته يف مو�سوعته الهائلة‬ ‫امل���س�م��اة «امل�ع�ل�م��ة» ال �ت��ي � �ص��درت يف ع��دة‬ ‫جم�ل��دات ع��ن من�شورات �أك��ادمي�ي��ة اململكة‬ ‫املغربية ب�أوامر �شخ�صية من العاهل الراحل‬ ‫احل�سن الثاين‪.‬‬ ‫وي�شري بحراوي �إىل �أن الو�ضع قد تغري قليال‬ ‫بعد ا�ستقالل املغرب‪� ،‬إذ حتت ت�أثري �أ�ساتذة‬ ‫امل�شرق من �أمثال عبد العزيز الأهواين وعبد‬ ‫احلميد يون�س �سوف يتجه بع�ض الباحثني �إىل‬ ‫تناول هذا الرتاث على نحو �أكادميي وينالون‬ ‫عنه �أعلى ال�شهادات كما فعل الأ�ستاذ عبا�س‬ ‫اجل�ي�راري يف �أط��روح �ت��ه ع��ن ف��ن ق�صيدة‬ ‫امللحون والأ�ستاذ حممد بن�شريفة يف عمله‬ ‫املتحفي حول �أزجال العوام بالأندل�س‪.‬‬

‫اهتمام فرن�سي‬

‫ي�ستكمل بحراوي حديثه‪ :‬الطريف �أنه �أمام‬ ‫هذا التجاهل الغريب و�شبه ال�شامل الذي‬ ‫ن��اب ال�ت�راث ال�شعبي امل�غ��رب��ي م��ن ط��رف‬ ‫النخبة الوطنية‪ :‬ك��ان هناك اهتمام هائل‬ ‫من طرف الإثنوغرافيني الفرن�سيني الذين‬ ‫جلبهم اال�ستعمار بكل مظاهر هذا الرتاث‬ ‫مب��ا فيه م��ن ت�ع�ب�يرات �شفوية كاحلكايات‬ ‫والأم� �ث ��ال وامل�� ��رددات والأل� �غ ��از‪ ،‬وطقو�س‬ ‫احتفالية‪ ،‬مما تع ّود املغاربة القيام بها خالل‬


‫قضية للنقاش‬ ‫‪32‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫د‪ .‬ابو القا�سم ال�شربي‬

‫د‪ .‬حممد الدريج‬

‫الأعياد الدينية كعا�شوراء وعيد املولد وعيد‬ ‫الأ�ضحى‪ ،‬و�أ�شكال تزيينية وت�صويرية ك�أنواع‬ ‫الزخرفة والز ّليج والو�شم واحللي‪�...‬إلخ‪.‬‬ ‫وي�صف بحراوي �سبب هذا االهتمام الذي‬ ‫و�صفه بغري املنتظر وال املتوقع م��ن ه ��ؤالء‬ ‫الباحثني الفرن�سيني ب�أنه غاية يف الطرافة‬ ‫�أي�ض ًا‪ ،‬ذلك �أن جتربة اال�ستعمار الفرن�سي‬ ‫للجزائر منذ ‪ 1830‬كان قد لقنهم در�س ًا لن‬ ‫ين�سوه‪ ،‬وه��و �أن احتالل الأر���ض با�ستعمال‬ ‫القوة الع�سكرية وال�سيطرة االقت�صادية ال‬ ‫يكفي وح��ده لرتكيع �أم��ة �أو ك�سب �ضمريها‬ ‫و�شراء هدنتها‪ ،‬و�أنه البد لتحقيق ذلك من‬ ‫التغلغل يف وعيها والتعرف على تقاليدها‬ ‫وعوائدها وخا�صة التمكن من معتقداتها‬ ‫املعلنة كالدين و�أمناط املعتقدات‪ ،‬وامل�ضمرة‬ ‫كالأ�ساطري واخلرافات التي ت�أهل متخ ّيلها‪.‬‬ ‫ول��ذل��ك ا�ستقر ر�أي ده��اة اال�ستعمار وهم‬ ‫ي���س�ت�ع��دون الح��ت�ل�ال امل��غ��رب ع �ل��ى ال �ب��دء‬ ‫با�ستك�شاف ما مييز املغاربة من �أنواع التفكري‬ ‫و�ألوان التدبري وما ينتجونه من تعابري �شعبية‬

‫د عبد الرحمان بلو�ش‬

‫محمد الدريج‪:‬‬ ‫السؤال ال ينبغي أن‬ ‫يُطرح حول الحضور‬ ‫الكمي للتراث في‬ ‫مناهج التعليم‪ ،‬بل‬ ‫على الحضور الكيفي‬ ‫والنوعي‬ ‫�شفوية وفنية �أو ما يعي�شون على �إيقاعه من‬ ‫معتقدات �سحرية وت�صورات طوباوية‪.‬‬ ‫ي�ستنتج الدكتور ح�سن بحراوي �أن التجربة‬ ‫النوعية العري�ضة التي خا�ضها الباحثون‬ ‫الفرن�سيون يف املغرب‪ ،‬خالل فرتة احلماية‬ ‫«‪ ،»1956 - 1912‬تفيدنا يف تكوين فكرة‬ ‫عن الأهمية اال�ستثنائية التي يكت�سيها جمع‬ ‫وتوثيق ال�تراث ال�شعبي ب�أنواعه التعبريية‬ ‫املختلفة «حكايات‪� ،‬أم�ث��ال‪ ،‬غناء‪ ،‬طقو�س‬ ‫احتفالية‪�...‬إلخ» يف فهم العقلية واالق�تراب‬ ‫منها والإن�صات �إىل نب�ضها يف كل الأحوال‬

‫الرتبية على قيمة الرتاث‬ ‫على الرتبية �أن تتوفق يف جعل الطفل يعي قيمة تراثه ويقدره‪ ،‬باعتبار هذا‬ ‫ال�ت�راث حلقة من حلقات تطور الإن�سانية‪ ،‬و�أن تك�سب الطفل ح�ساً نقدياً‬ ‫قادراً على متثل ما هو �إيجابي وبناء من الرتاث‪ ،‬حتى ي�ستنري به يف حا�ضره‬ ‫ويهتدي به يف امل�ستقبل‪ .‬كما �أن على الرتبية �أن تك�سب الطفل كيف يحرتم‬ ‫تراث الآخرين وجتاربهم ومعارفهم‪ ،‬فاخلربات الإن�سانية تتكامل لت�شكل �إطاراً‬ ‫عاماً للإن�سان‪.‬‬ ‫�إن القدوة واملمار�سات الفعلية وال�سليمة من خالل اخل�برات اليومية داخل‬ ‫الأ�سرة �أو يف املدر�سة �أو يف احلياة املجتمعية العامة‪ ،‬والتي تعتمد ا�ستيحاء‬ ‫الرتاث كف�ضاء حي ومتطور‪ ،‬لهي �أف�ضل معلم يعلم الطفل �أ�سلوب الت�شبث‬ ‫برتاثه وتاريخه الغني والزاخر ويب�صره ب�إن�سانيته وكينونته املمتدة يف التاريخ‪.‬‬ ‫د‪ .‬حممد الدريج‬

‫د‪ .‬ح�سن بحراواي‬

‫التي تتقلب فيها‪ ،‬ونحن عندما ننظر �إىل‬ ‫ذلك الرتاكم الزاخر الذي خلفوه مطبوعا يف‬ ‫من�شورات «معهد الدرا�سات العليا املغربية»‬ ‫�أو على �صفحات جملة «ه�سبريي�س» ال منلك‬ ‫�إال تثمني اجلهود التي بذلت يف �سياق �أعمال‬ ‫التنقيب والتدوين والفح�ص ملوروثنا الثقايف‬ ‫والفني ذي الطابع ال�شفوي والب�صري‪ ،‬والذي‬ ‫ال يحتاج منا �سوى �أن نعيد ق��راءت��ه بعيون‬ ‫نقدية فاح�صة تخ ّل�صه مما �شابه من غمز‬ ‫خفي يف العرق �أو املعتقد ومن ت�أويل منحرف‬ ‫لوجه خدمة مقا�صد اال�ستعمار التي ال تخفى‬ ‫على كل ذي فكر و�صاحب وعي‪.‬‬

‫تقاع�س الباحثني الوطنيني‬

‫ي�ضيف ب �ح��راوي‪ :‬ل�ل�أ��س��ف ف� ��إن الباحثني‬ ‫ال��وط�ن�ي�ين‪ ،‬كما ذك��رن��ا‪ ،‬ق��د تقاع�سوا عن‬ ‫موا�صلة املجهود ال��ذي د�شنه الفرن�سيون‬ ‫بل �إنهم مل يعريوه حتى ما هو جدير به من‬ ‫عناية واهتمام ل�سابق موقفهم من كل ما‬ ‫له �صلة باال�ستعمار و�إجن��ازات��ه‪ ،‬والنتيجة‬ ‫ه��ي �أن�ن��ا ال �ي��وم‪ ،‬وعلى مبعدة ن�صف قرن‬ ‫من رحيل هذا اال�ستعمار‪ ،‬مازلنا نوجد يف‬ ‫ما ي�شبه نقطة البداية فيما يخ�ص العناية‬ ‫برتاثنا ال�شعبي و�إحالله املكان الالئق به‪.‬‬ ‫فال يوجد يف اجلامعة املغربية كر�سي خا�ص‬ ‫ب��الأدب ال�شعبي �أو ب��امل��وروث الإثنوغرايف‪،‬‬ ‫ولي�ست ه�ن��اك جهة �أو م��رك��ز يعنى بجمع‬ ‫متونه و�أر�شفته‪ ،‬و�إذا �أ�ضفنا �إىل ذلك حجم‬ ‫التهديد الذي يحيق بذلك الرتاث بت�أثري من‬ ‫الإه�م��ال ومزيد التجاهل وخا�صة بطغيان‬ ‫و�سائل الإعالم والرتفيه احلديثة التي دفعت‬ ‫�إىل اخللفية بكل �أ�شكال املمار�سات الرتاثية‬


‫�أمكننا �أن نك ّون فكرة عن حجم املهام التي‬ ‫تنتظرنا �إذا ما �أردن��ا �صيانة وحماية هذا‬ ‫الرتاث لن�ضعه حتت �أعني نا�شئتنا للنظر �إليه‬ ‫واالعتبار مبا يت�ضمنه من حكم ومغازٍ ‪.‬‬

‫جهود لإعادة االعتبار للرتاث‬

‫وعن الدور املبا�شر الذي يقوم به د‪ .‬بحراوي‬ ‫وفريق البحث بجامعة حممد اخلام�س جلعل‬ ‫ال�تراث حا�ضر ًا يف املناهج التعليمية يقول‬ ‫‪ :‬ولأج ��ل معاجلة ه��ذه الو�ضعية‪ ،‬و�إي�ق��اف‬ ‫النزيف ال��ذي يتعر�ض له موروثنا ال�شعبي‬ ‫قمنا قبل �سنوات قليلة يف كلية الآداب التابعة‬ ‫جلامعة حممد اخلام�س بالرباط ب�إن�شاء‬ ‫فريق للبحث �أطلقنا عليه ا�سم «فريق البحث‬ ‫يف الإثنوغرافيا وامل��وروث الثقايف» وجعلنا‬ ‫ن�شاطه يت�سع ت��دري�ج�ي� ًا لي�شمل بالعناية‬ ‫العلمية الكافية هذا الرتاكم املتبقي لنا من‬ ‫موروثنا ال�شعبي بق�صد �إع��ادة االعتبار له‬ ‫و�إحالله املكان الالئق يف البحث اجلامعي‬ ‫كما يف احلياة اليومية‪ ،‬وكذلك �إعمال النظر‬ ‫النقدي يف ذلك الرتاكم الهائل الذي خ ّلفه‬ ‫الباحثون الإثنوغرافيون الفرن�سيون خا�صة‬ ‫عرب من�شوراتهم «الوثائق الرببرية واملغربية‪،‬‬ ‫جملة هي�سبريي�س‪ ،‬الكتب املطبوعة وهي‬ ‫قرابة املائتني» بروح نقدية ور�ؤي��ة تطهريية‬ ‫تخ ّل�صه من الت�أويالت املغر�ضة والأحكام‬ ‫الق ْبلية املرتبطة بالهاج�س اال�ستعمار‪ .‬وكلنا‬ ‫�أم��ل �أن نفلح يف حتفيز امل�شتغلني ال�شباب‬ ‫بامل�سائل الرتاثية على موا�صلة توثيق و�صيانة‬ ‫موروثهم ال�شعبي بنوعيه ال�شفوي والب�صري‪،‬‬ ‫مبا يحفظ ذاك��رة �أمتنا وي�ؤكد على هويتها‬ ‫العربية والإ�سالمية‪.‬‬

‫الرتاث وتربية الأطفال‬

‫اخل�ب�ير ال�ترب��وي ال��دك�ت��ور حممد ال��دري��ج‪،‬‬ ‫رئي�س املناظرة املتو�سطية للطفولة‪ ،‬و�أحد‬ ‫ك �ب��ار امل�ت�خ���ص���ص�ين يف ت �ط��وي��ر امل�ن��اه��ج‬ ‫التعليمية باملغرب‪ ،‬ي�ؤكد على �أن ال�س�ؤال‬ ‫ال ينبغي �أن ُي�ط��رح ح��ول احل�ضور الكمي‪،‬‬ ‫فح�سب‪ ،‬للرتاث يف مناهج التعليم‪ ،‬بل على‬

‫مدر�سة بن يو�سف ‪ -‬مراك�ش‬

‫أبوالقاسم الشبري‪:‬‬ ‫معرفة ودراسة الماضي‬ ‫واالهتمام بالتراث‬ ‫ليست ترف ًا فكريا أو‬ ‫ديماغوجيا سياسية‬ ‫أو إيديولوجيا رجعية‬ ‫احل�ضور الكيفي وال�ن��وع��ي‪ ،‬فالأ�سا�س من‬ ‫توظيف الرتاث يف الدر�س الرتبوي يجب �أن‬ ‫يكون خدمة �أه��داف حم��ددة يف �إط��ار ن�سق‬ ‫�شمويل يهدف �إىل تكوين �شخ�صية عربية‬ ‫�أ�صيلة من جهة ومتفتحة من جهة �أخرى‪.‬‬ ‫ويرى �أن الرتاث موجود وحا�ضر با�ستمرار‬ ‫يف حياتنا اليومية ويف ممار�ساتنا الرتبوية‪،‬‬ ‫وك��ذا يف مناهجنا التعليمية‪ ،‬ل��ذل��ك ف ��إن‬ ‫ال���س��ؤال الأه��م ه��و ع��ن طبيعة الإج ��راءات‬ ‫امل �ت �خ��ذة جل�ع��ل ال �ت�راث ي�ح�ظ��ى بالعناية‬ ‫الالزمة يف تربية الأطفال‪ ،‬وعن مدى جناعة‬ ‫الطرائق املتبعة لتجذير الطفل يف ح�ضارته‬ ‫الإ�سالمية يف نف�س الآن وانخراطه يف بناء‬

‫�صرح احل�ضارة الإن�سانية ‪.‬‬ ‫يحاول الدريج �أن ي�ؤ�صل للعالقة بني التعليم‬ ‫وال �ت��راث ح�ين ي �ق��ول‪� :‬إن م��ا��ض�ي�ن��ا مليء‬ ‫ب��امل�ف��اخ��ر‪ ،‬وال �ب��اح��ث يف �أ��س����س احل���ض��ارة‬ ‫الإن�سانية احلالية يجد ب�شهادة التاريخ‬ ‫وب�شهادة اجلميع‪� ،‬أن�ن��ا قدمنا للإن�سانية‬ ‫ر�سالة فكرية وعلمية وح�ضارية جد هامة؛‬ ‫فعلماء الإ�سالم هم اللذين ابتدعوا مناهج‬ ‫البحث العلمي التجريبي وعنهم اقتب�سته‬ ‫احل�ضارة احلديثة‪ ،‬فكان منطلق ًا ملا ي�شهده‬ ‫العامل من ث��ورة علمية وتكنولوجية‪ .‬فكيف‬ ‫ميكن للمربي �إذن‪� ،‬أن ينقل �إىل الطفل هذه‬ ‫ال�صورة االيجابية عن ما�ضيه وكيف ميكنه‬ ‫�أن يف�سر هذه احللقة املفقودة يف تاريخه‪،‬‬ ‫خا�صة �إذا ك��ان ه��ذا الطفل يفتح عينيه‬ ‫بانبهار �شديد على الثقافات الأخرى؟‬ ‫ي�ضيف ال��دري��ج‪� :‬إننا يف حاجة �إىل تن�شئة‬ ‫الطفل على �إح�سا�س يجعله يعتد ويفخر‬ ‫مبا�ضيه‪ ،‬ويجعل م��ا يت�ضمنه م��ن جوانب‬ ‫م�شرقة �سند ًا ق��وي� ًا يف الإح�سا�س بوجوده‬ ‫وذاته يف قلب احل�ضارة الإن�سانية املعا�صرة‪،‬‬ ‫�شديد الثقة يف �إمكانياته العقلية والوجدانية‪.‬‬


‫قضية للنقاش‬ ‫‪34‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫مدر�سة بن يو�سف ‪ -‬مراك�ش‬

‫وي��رى �أن االهتمام بثقافة الطفل يف عاملنا‬ ‫العربي والإ�سالمي �أحد ال�ضرورات امللحة‪،‬‬ ‫نتيجة م��ا ي��واج�ه��ه يف وقتنا احل��ا��ض��ر من‬ ‫حتديات و�ضغوط ومن غزو ثقايف و�إعالمي‬ ‫نتيجة التغريات ال�سريعة التي حتيط بنا من‬ ‫كل جانب ‪.‬‬ ‫وي�ضيف‪� :‬إن عملية التن�شئة ه��ي الو�سيلة‬ ‫الأ��س��ا���س التي ت�ك� ّون �شخ�صية الطفل‪� ،‬إذ‬ ‫عن طريقها ي�ستطيع هذا الأخ�ير �أن يتمثل‬ ‫قيم جمتمعه واحل�ف��اظ عليها‪ ،‬و�إذا كانت‬ ‫الأ� �س��رة وامل��در��س��ة امل�ؤ�س�ستني الرتبويتني‬ ‫الأوليتني يف تطبيع الطفل وتن�شئته ف�إن دور‬ ‫املربني �أباء كانوا �أو معلمني‪ ،‬هو دور �أ�سا�سي‬ ‫وخطري يف اكت�ساب الطفل قيم ًا �أ�سا�سية‬ ‫و�أ�صيلة‪ ،‬جتعله يت�شبث بدينه احلنيف وبلغته‬ ‫الوطنية ومبا�ضيه التاريخي‪ ،‬ال��ذي ي�ستمد‬ ‫منه العربة والفائدة‪ ،‬للحفاظ على هويته‬ ‫وخ�صو�صيته الثقافية‪ .‬فالرتبية اليوم عملية‬ ‫واعية تتخذها خمتلف الأمم وال�شعوب لبناء‬ ‫كيانها وحتديد هويتها‪ .‬و�شعوبنا الإ�سالمية‬ ‫والعربية مطالبة ال�ي��وم – وه��ي يف �إط��ار‬

‫حتدٍّ ومواجهة ملختلف التيارات التي ت�سعى‬ ‫�إىل امل�س ب�شخ�صيتها– �أن تعمل على ربط‬ ‫العمل الرتبوي بامل�ستوى املن�شود من العناية‬ ‫بثقافتنا وتراثنا احل�ضاري وتقدميه ب�شكل‬ ‫ممنهج وم�لائ��م حتى ي�ستفيد منه الطفل‬ ‫ويعمق خربته وينمي ج�سمه ووعيه باالنتماء‬ ‫الديني والقومي والوطني‪.‬‬

‫�أهمية تدري�س الرتاث‬

‫وعن �أهمية تدري�س الرتاث يقول الدكتور‬ ‫حممد ال��دري��ج‪� :‬إن ثقافة الطفل ال تكون‬ ‫ثقافة ايجابية وب �ن��اءة م��ا مل تعمل على‬ ‫تكوين امل��واط��ن ال�صالح ذي ال�شخ�صية‬ ‫املتكاملة‪ ،‬القادر على ا�ستيعاب اخلربات‬

‫تغييب ملفات التراث‬ ‫الثقافي عن المناهج‬ ‫التعليمية تهديد‬ ‫للهوية الوطنية‬ ‫وللشخصية الجمعية‬ ‫في تعددها ووحدتها‬

‫الإن�سانية العامة وحتديد انتمائه التاريخي‬ ‫واملجتمعي لل�شعور بهويته‪ ،‬ولكي يتم ذلك‬ ‫الب ��د م��ن �أن ت�سعى الأه � ��داف ال�ترب��وي��ة‬ ‫امل�سطرة يف املناهج الدرا�سية‪� ،‬إىل رفع‬ ‫درجة الوعي لدى املتعلمني وتنمية ن�شاطهم‬ ‫الذاتي و�إك�سابهم اجتاهات �إيجابية نحو‬ ‫ذواتهم ونحو ما�ضيهم املجتمعي وتاريخهم‬ ‫احل�ضاري ‪.‬‬ ‫ول �� �ض �م��ان ذل ��ك ي ��رى ال ��دري ��ج � �ض��رورة‬ ‫مراعاة املناهج الرتبوية و�أ�ساليب ت�أليف‬ ‫وع ��ر� ��ض ال �ث �ق��اف��ة امل��وج �ه��ة لل��أط �ف��ال‪،‬‬ ‫ل�ل�أ��ص��ول امل�ستمدة م��ن تاريخنا وتراثنا‬ ‫احل �� �ض��اري‪ .‬وي ��ؤك��د ع�ل��ى �أه�م�ي��ة تن�سيق‬ ‫اجل �ه��ود ب�ين الأ� �س��رة وامل��در� �س��ة وو��س��ائ��ل‬ ‫الإعالم باعتبارها و�سائل تربوية تثقيفية‪،‬‬ ‫حتى ت�شكل �إط��ار ًا من�سجم ًا يوجه الطفل‬ ‫نحو االعتزاز برتاثه والعمل على �إغنائه‬ ‫م�ستقب ًال‪ .‬و�إنتاج مناذج وو�سائل تعليمية‬ ‫ت�ساعد املربي يف تو�ضيح مفاهيم الرتاث‪،‬‬ ‫وت�ضمني الكتب امل��در��س�ي��ة ن�صو�ص ًا من‬ ‫ال�تراث يتم انتقا�ؤها وتوظيفها مبراعاة‬ ‫احلقائق العلمية احلديثة‪ .‬كذلك �إدراج‬ ‫ح�ص�ص ح��ول ال�ت�راث يف ب��رام��ج تكوين‬ ‫املدر�سني واملن�شطني وامل�ؤطرين الرتبويني‬ ‫ب�شكل ع��ام‪ .‬وق �ي��ام اجل��ام�ع��ات واملعاهد‬ ‫العليا بالدرا�سات والبحوث حول الرتاث‬ ‫وحول ثقافة الطفل لتي�سري احلقائق حول‬ ‫�إمكانيات الدمج والتوظيف ‪.‬وعقد ندوات‬ ‫و�أيام درا�سية حول ثقافة الطفل مبختلف‬ ‫�أ�شكالها وح��ول م��دى م��ا ينبغي �أن ميثله‬ ‫الرتاث فيها‪ .‬بالإ�ضافة �إىل دعوة املبدعني‬ ‫م��ن ال�ك� َت��اب وال�ف�ن��ان�ين ‪� �-‬س��واء يف جمال‬ ‫الق�صة �أو امل�سرح �أو الر�سوم املتحركة �أو‬ ‫الأنا�شيد وغريها‪ -‬لدرا�سة �أف�ضل �أ�ساليب‬ ‫تعليم ال�تراث وتوظيفه التوظيف ال�سليم‬ ‫يف �إبداعاتهم ‪� .‬إىل جانب �إقامة معار�ض‬ ‫ومتاحف للرتاث يف خمتلف جماالت احلياة‬ ‫ودرا�سة �إمكانية توظيفها يف تربية الأطفال‬ ‫وتثقيفهم م��ن خ�لال ال�برام��ج امل�ؤ�س�سية‬ ‫املنظمة �أو يف �إطار الأن�شطة املوازية‪.‬‬


‫املقررات املدر�سية تخطىء ب�ش�أن بقايا مدينة وليلي الأثرية‬

‫ا�ستلهام الرتاث يف التعليم‬

‫الدكتور �أبو القا�سم ال�شربي‪ ،‬رئي�س جمعية‬ ‫خريجي املعهد الوطني لعلوم الآثار والرتاث‬ ‫بالرباط وع�ضو اللجنة الوطنية للمجل�س‬ ‫العاملي للمباين التاريخية‪ ،‬يعترب املنظومة‬ ‫التعليمية ركيزة �أ�سا�سية �ضمن عنا�صر‬ ‫قيا�س تقدم الدول �أو تخلفها‪ .‬وكل منظومة‬ ‫تعليمية لي�ست فقط �سلة م��ن املعلومات‬ ‫ال�ت��ي نح�شو ب�ه��ا ع�ق��ول ال�ت�لام�ي��ذ ب��ل هي‬ ‫مناهج علمية ومقومات يجب �أن ت�صبو �إىل‬ ‫ا�ستفزاز وا�ستنفار امللكات الذاتية للبحث‬ ‫والتنقيب‪ ،‬وروح املبادرة لدى املتعلمني مبا‬ ‫يجعلهم يتملكون مفاتيح التح�صيل العلمي‬ ‫ال�شامل والثقافة العامة واالن�ف�ت��اح على‬ ‫الفكر العاملي‪.‬‬ ‫من هذا املنطلق يعترب ال�شربي �أن ح�ضور‬ ‫ال�تراث يف مناهج التعليم باملغرب كما يف‬ ‫غريه من البلدان ال يعني بال�ضرورة تدري�س‬ ‫ك��ل م �ك��ون��ات ال �ت�راث امل� ��ادي وال�ل�ام��ادي‬ ‫مبختلف حقبه وع�صوره و�إمن��ا على الأق��ل‬

‫المقررات المدرسية‬ ‫المغربية مليئة‬ ‫بمغالطات تاريخية‬ ‫وأثرية ألن واضعيها‬ ‫يعتمدون على دراسات‬ ‫تجاوزتها األبحاث‬ ‫والدراسات اليوم‬ ‫ت �ق��دمي �أه���م م �ك��ون��ات ه ��ذا ال �ت�راث على‬ ‫وج�ه�ه��ا احل�ق�ي�ق��ي‪ ،‬وه ��ذا م��ع الأ� �س��ف ما‬ ‫ال جن��ده يف املنظومة التعليمية باملغرب‬ ‫بال�شكل امل�ط�ل��وب‪ .‬ف��امل �ق��ررات املدر�سية‬ ‫امل�ع�ت�م��دة ب��امل �غ��رب م�ن��ذ اال� �س �ت �ق�لال �إىل‬ ‫ال�ي��وم مت��ر م��رور ال �ك��رام على م��ا تتناوله‬ ‫من مقومات تراثنا الوطني‪ ،‬على هزالة‬ ‫ما تذكره من هذا ال�تراث �إىل درج��ة �أنك‬ ‫حت�س وك�أن تراث املغرب يختزل يف م�سجد‬ ‫الكتبية و�صومعة ح�سان وتاريخ الأدار�سة‬ ‫وامل��وح��دي��ن‪ .‬ال�ت�راث ال�ث�ق��ايف امل�غ��رب��ي هو‬

‫معمار واختطاط مدن وعلوم وفنون تعبريية‬ ‫ولغات وع��ادات وتقاليد وحرف و�صناعات‬ ‫وف�ك��ر و�إب� ��داع و�أمن���اط ع�ي����ش‪ ،‬ول�ك��ل ه��ذه‬ ‫الأ�شكال مميزات ومقومات من منطقة �إىل‬ ‫�أخرى ومن حقبة تاريخية �إىل عهود �أخر‪.‬‬ ‫وق��د عجزت املنظومة التعليمية باملغرب‬ ‫منذ �أزي��د من خم�سني �سنة عن ا�ستلهام‬ ‫هذا الرتاث وتقدميه �إىل �أبناء ال�شعب مبا‬ ‫ير�سخ هويتهم ويربز عمق ح�ضارة بلدهم‬ ‫و�إ�سهامها يف تطوير احل�ضارة الب�شرية‪.‬‬

‫مغالطات تاريخية و�أثرية‬

‫الأخ� �ط ��ر يف ال �ت �ع �ل �ي��م ب��امل��غ��رب‪ -‬ح�سب‬ ‫ال�شربي‪ -‬هو �أن امل�ق��ررات املدر�سية مليئة‬ ‫مبغالطات تاريخية و�أث��ري��ة لأن وا�ضعيها‬ ‫يعتمدون على درا��س��ات �أجن��ز �أغلبها �إب��ان‬ ‫الفرتة اال�ستعمارية وقد جتاوزتها الأبحاث‬ ‫والدرا�سات اليوم‪ .‬وي�ضيف‪ :‬عيب �أن تقول‬ ‫كل هذه املقررات �إن موقع «وليلي» الأث��ري‬ ‫روماين الأ�صل والبناء‪ .‬واحلقيقة �أن وليلي‬


‫قضية للنقاش‬ ‫‪36‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫«فولوبيلي�س» ب�أ�صلها الأم��ازي�غ��ي «�أوليلي»‬ ‫مدينة مغربية �شيدت زمن املماليك الأمازيغ‬ ‫عهود ًا قبل احتالل الرومان للجزء ال�شمايل‬ ‫م��ن امل �غ��رب‪ ،‬وك��ذل��ك ح��ال م��واق��ع رومانية‬ ‫�أخ ��رى ه��ي مغربية املن�ش�أ مثل «بانا�صا»‬ ‫و«ت��ام��ودا» و«تامو�سيدا» و«زل�ي��ل» و«طنجة»‬ ‫و«�سبتة»‪ ،‬وغريها كثري بينما تن�سب مقرراتنا‬ ‫ن�ش�أتها �إىل الرومان‪ .‬ولنف�س ال�سبب تن�سب‬ ‫مقرراتنا املدر�سية واجلامعية ت�أ�سي�س مدينة‬ ‫فا�س العريقة �إىل املوىل �إدري�س الثاين بينما‬ ‫م�ؤ�س�سها احلقيقي هو وال��ده �إدري�س الأول‪.‬‬ ‫ولذلك �أي�ض ًا يكاد ال يعرف املغاربة �شيئ ًا عن‬ ‫مغربية مدينة �سبتة التي ترزح حتت االحتالل‬ ‫الإ�سباين‪ ،‬بينما حتبل مقرراتنا املدر�سية‬ ‫ب�ت��اري��خ �أورب� ��ا و�أم��ري �ك��ا وع �ه��ود الفنيقيني‬ ‫والرومان وت�سكت عن العهود الأمازيغية من‬ ‫تاريخ املغرب و�شمال �إفريقيا التي عا�صرت‬ ‫احل �� �ض��ارات ال�ب��اب�ل�ي��ة والإغ��ري �ق �ي��ة‪ ،‬قبل‬ ‫الرومانية‪.‬‬

‫غالف جريدة منار املغربية‪-‬عام‪1957‬‬

‫من المؤسف االعتراف تراث معماري وح�ضري زمن احتاللهم للمغرب‬ ‫�أو ل�شواطئه‪ ،‬مثلما تتحدث هذه املقررات عن‬ ‫بأن التراث ال يحظى‬ ‫جتاهل االمتدادت‬ ‫خملفات الرومان ومبغالطات فجة‪.‬‬ ‫يوا�صل ال�شربي مالحظاته‪ :‬ولذلك ال تذكر بأي اهتمام ال في‬ ‫والنتيجة ح�سب رئي�س جمعية خريجي املعهد‬ ‫مقرراتنا االم �ت��داد الإف��ري�ق��ي والأندل�سي البرامج التعليمية وال‬ ‫الوطني لعلوم الآث��ار وال�تراث‪ ،‬وتبع ًا لغياب‬ ‫للمغرب ح�ي��ث �أب���دع و�أم��ت��ع‪ ،‬ك�م��ا ال‬ ‫ك��ل ه��ذه احلقائق ع��ن مناهجنا التعليمية‬ ‫تثمن في غيرها‬ ‫برقة‬ ‫إىل‬ ‫توحيد املغرب الكبري من مراك�ش �‬ ‫و�إعالمنا الوطني‪ ،‬هي ما نعانيه �أحيان ًا من‬ ‫زم��ن املرابطني واملوحدين وف�ترة من عهد هويتهم الأم��ازي �غ �ي��ة وال�ع��رب�ي��ة والإف��ري�ق�ي��ة بع�ض النعرات والتوترات الداخلية‪.‬‬ ‫بني مرين‪ .‬وال غرابة �إذن �أن يجهل املغاربة‬ ‫والأورب�ي��ة والإ�سالمية واليهودية التي �شكلت‬ ‫�إ�سهامات العلماء املغاربة يف العلوم البحتة كلها جمتمعة ال�شخ�صية املغربية ومنحتها االهتمام بالرتاث لي�س ترف ًا‬ ‫وعلوم الدين والعلوم االجتماعية والإبداعات متيزها وتفردها وغناها‪ .‬ونحن ال نرى عيب ًا �إن معرفة ودرا�سة املا�ضي واالهتمام بالرتاث‬ ‫الفكرية والأدبية والفنية مبختلف تالوينها‪ .‬يف �أن تتناول مقرراتنا املدر�سية م��ا خلفه لي�ست ترف ًا فكري ًا �أو دمياغوجيا �سيا�سية �أو‬ ‫ول��ذل��ك ال ن�ستغرب جهل امل�غ��ارب��ة مبكونات الربتغاليون وبعدهم الفرن�سيون والإ�سبان من �إيديولوجيا رجعية‪ ،‬بل �إن ذلك من مقومات‬ ‫بناء امل�ستقبل؛ لأن الغد ال يبنى من فراغ مثلما‬ ‫الرتاث والوحدة الوطنية‬ ‫�أن �أي علم من العلوم ال ين�ش�أ من �صفر‪ ،‬بل كل‬ ‫�إن تغييب ملفات ال�تراث الثقايف عن املناهج التعليمية يف املغرب ‪-‬كما يف اخرتاع علمي جديد هو ا�ستيعاب وجتاوز ملا‬ ‫غ�يره من البلدان‪ -‬هو تهديد للهوية الوطنية ولل�شخ�صية اجلمعية يف �سبقه من اخرتاع‪ .‬وال�شعوب والأمم ال تتطور‬ ‫تعددها ووحدتها بالن�سبة لأي بلد‪ .‬ال��ذاك��رة اجلمعية والهوية وال�سيادة بتجاهل ما�ضيها وتراثها لأن معرفة ما�ضيها‬ ‫والوحدة الوطنية ال تبنى وال ت�ستمر بالإعالم الر�سمي‪ ،‬وقد عرفنا كثرياً وتراثها هما ما مينحانها الوحدة التي عليها‬ ‫م��ن ال�ب�ل��دان انفجرت وان�شطرت لأن�ه��ا بنت وحدتها الوطنية فقط على يتوقف ك��ل �شيء وبغيابها يغيب ك��ل �شيء‬ ‫�أبواقها الإعالمية الر�سمية وجتاهلت مناهجها التعليمية وتغافلت عنوة با�ستثناء التفرقة والتخلف اللذان يزهران‬ ‫كلما ت�شتت ال�شعب الواحد وتطاحن‪.‬‬ ‫عن تثقيف �أبناء �شعبها ثقافة حقيقية ور�صينة‪.‬‬

‫د‪� .‬أبو القا�سم ال�شربي‬


‫وي��ن��ادي ال��دك �ت��ور �أب ��و ال�ق��ا��س��م ال���ش�بري‬ ‫بتدري�س �أب �ن��اء ال�شعب ال�ت��اري��خ املغربي‬ ‫احلقيقي والرتاث املغربي مبختلف مكوناته‬ ‫وتعابريه وجتلياته املادية والالمادية منذ‬ ‫عهود ما قبل التاريخ �إىل اليوم‪ ،‬وي�ضيف‪:‬‬ ‫علينا �أن نقوم بذلك من دون �أن يعني ذلك‬ ‫حتويل املدر�سة املغربية �إىل معهد للرتاث‪.‬‬ ‫فالدرا�سة ما قبل اجلامعية باملغرب متتد‬ ‫على �إثنتى ع�شرة �سنة‪ ،‬وميكن ا�ستغالل‬ ‫هذه ال�سنوات يف مترير منهجي وتراكمي‬ ‫ملكونات الرتاث املغربي من معمار وتعمري‬ ‫ومو�سيقى وفنون فرجوية و�إنتاجات فكرية‬ ‫وعلمية و�إبداعات حرفية و�صناعية ولغات‬ ‫وطنية وحملية وم��ا �إىل ذل��ك مم��ا ي�شكل‬ ‫الثقافة مبعناها الأنرتبولوجي‪ .‬لذلك يجب‬ ‫على وا�ضعي املناهج وال�برام��ج التعليمية‬ ‫وامل�ق��ررات املدر�سية �أن ُي�شركوا الفاعلني‬ ‫امل ��ؤ� �س �� �س��ات �ي�ين واجل �م �ع��وي�ين وال �ب��اح �ث�ين‬ ‫واملفكرين واملثقفني يف �صياغة مناهجهم‬ ‫وب��راجم�ه��م وم �ق��ررات �ه��م‪ .‬ك�م��ا ي�ج��ب على‬ ‫املناهج التعليمية دم��ج ور� �ش��ات ميدانية‬ ‫ول� �ق ��اءات م��ع ب��اح �ث�ين وم �ف �ك��ري��ن �ضمن‬ ‫املنظومة الرتبوية للبالد‪ .‬وغني عن الذكر‬ ‫�أن املغرب يتوفر على باحثني �أكفاء ي�ضعون‬ ‫�أنف�سهم يف خ��دم��ة ب�ل��ده��م �إذا م��ا ن��ودي‬ ‫عليهم‪ .‬كما �أن امل�غ��رب يتوفر على معهد‬ ‫متخ�ص�ص يف علوم الآثار والرتاث وم�سالك‬ ‫ت��راث�ي��ة ب��أغ�ل��ب اجل��ام �ع��ات وم�ع��اه��د عليا‬ ‫متخ�ص�صة يف الفنون‪ ،‬ووجب على القيمني‬ ‫ع�ل��ى � �ش ��ؤون ال�ترب�ي��ة وال�ت�ك��وي��ن التن�سيق‬ ‫م��ع ه�� ��ؤالء ال �ب��اح �ث�ين وت �ل��ك امل ��ؤ� �س �� �س��ات‬ ‫املتخ�ص�صة يف � �ش ��ؤون ال�ت�راث وال�ف�ن��ون‬ ‫لإخ� ��راج ب��رام��ج تعليمية تليق بح�ضارة‬ ‫املغرب وبطاقاته احلية وق��واه التي جتتهد‬ ‫ل�صناعة م�ستقبل �أف�ضل‪.‬‬

‫ت�سا�ؤالت عن ر�ؤية ا�سرتاتيجية‬

‫الدكتور عبد الرحمان بلو�ش‪ ،‬نائب مدير‬ ‫مركز الدرا�سات والأبحاث التنموية والثقافية‬ ‫«�شي�شاوة»‪ ،‬وع�ضو املكتب الوطني للجمعية‬ ‫املغربية للبحث والتبادل الثقايف‪ ،‬وم�ؤطر‬

‫عجزت المنظومة‬ ‫التعليمية بالمغرب منذ‬ ‫أزيد من خمسين سنة‬ ‫عن استلهام التراث‬ ‫وتقديمه إلى أبناء‬ ‫الشعب‬ ‫ال��دورات التكوينية يف املعهد امللكي للثقافة‬ ‫الأمازيغية ب�شراكة مع وزارة الرتبية والتعليم‪،‬‬ ‫يرى �أنه غري جمد يف بلد مثل املغرب‪ ،‬حيث‬ ‫تتفاعل يف تعاي�ش م�ستمر �أمن ��اط ثقافية‬ ‫خمتلفة‪ ،‬التعامل م��ع ال�ت�راث يف امل��دار���س‬ ‫واملعاهد مبنظور اخ�ت��زايل‪ .‬وي�ستهل بلو�ش‬ ‫مداخلته بطرح العديد من الأ�سئلة‪� ،‬أبرزها‪:‬‬ ‫ه��ل يتوفر امل�غ��رب على ر�ؤي ��ة ا�سرتاتيجية‬ ‫للرتاث الوطني‪ ،‬ي�ستمد منها قطاع التعليم‬ ‫مقاربة �شمولية للتعريف به وتطوير وظائفه‬ ‫الأ�سا�سية بهدف ا�ستثماره يف تر�سيخ قيم‬ ‫التعاي�ش والتفاهم؟ و�إىل �أي حد ا�ستطاعت‬ ‫املنظومة الوطنية للرتبية والتكوين يف املغرب‬ ‫جت��اوز النظرة النمطية �إىل ال�ت�راث التي‬ ‫ظلت لعقود حبي�سة الزاوية الظاهرة للمعمار‬ ‫والتحف التذكارية والأهازيج ال�شعبية وما‬ ‫�إىل ذلك من ال�سلع ال�سياحية على ح�ساب‬ ‫التوغل يف �أع�م��اق القيم املغربية الأ�صيلة‬ ‫باحلفاظ على املقومات احل�ضارية‪ ،‬واللغوية‬ ‫والثقافية الوطنية‪ ،‬عرب الربامج واملناهج‬ ‫الدرا�سية الهادفة �إىل تكوين النا�شئة ب�شكل‬ ‫ي�ؤمن �أوا�صر ارتباط الإن�سان برتاثه؟‬

‫مكون الأمازيغية يف التعليم‬

‫ويف معر�ض �إجابته على ه��ذه الت�سا�ؤالت‪،‬‬ ‫التي يقر ب�صعوبة ح�سمها‪ ،‬ي�ضرب الدكتور‬ ‫عبد ال��رح�م��ان بلو�ش م�ث��ا ًال برحلة �إدم��اج‬ ‫مكون اللغة الأمازيغية يف التعليم باملغرب‬ ‫منذ اال�ستقالل‪ ،‬والتي مرت مبحطات ثالث‪،‬‬ ‫الأوىل يف ال�ف�ترة م��ن نوفمرب ‪� 1956‬إىل‬ ‫�أغ�سط�س ‪ ،1994‬حيث كان البعد الأمازيغي‬ ‫غائب ًا يف اخ�ت�ي��ارات ال��دول��ة ويف مقاربتها‬ ‫ملواجهة الإ�شكاالت اللغوية والثقافية للطفل‬ ‫امل �غ��رب��ي‪ ،‬مم��ا �أدى �إىل ت��ده��ور و�ضعية‬ ‫الأم��ازي �غ �ي��ة ‪-‬ل �غ��ة وث �ق��اف��ة‪ -‬ت��ده��ور ًا ب��ات‬ ‫يهدد وج��وده��ا‪ .‬الأم��ر ال��ذي نبه �إليه امللك‬ ‫من الرتاث املغربي‬


‫قضية للنقاش‬ ‫‪38‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫�شف�شاون مدينة زرقاء تتنف�س التاريخ‬

‫احل�سن الثاين يف خطابه عام ‪ 1994‬داعي ًا‬ ‫�إىل تدري�س الأمازيغية يف �إط��ار ما �شهدته‬ ‫تلك ال�ف�ترة م��ن حم��اوالت �إ��ص�لاح النظام‬ ‫التعليمي الذي عانى من �أزمة الهوية‪ .‬وهي‬ ‫الدعوة التي ا�ستهلت املحطة الثانية التي‬ ‫ا�ستمرت حتى يوليو‪ ،2001‬و�شهدت جمموعة‬ ‫م��ن امل� �ب ��ادرات تع ّلقت مبرجعية تدري�س‬ ‫الأمازيغية‪ ،‬وهي و�إن ظلت جمرد تعبري عن‬ ‫النوايا‪ ،‬كما يراها الدكتور بلو�ش‪� ،‬إال �أن‬ ‫هذه املرحلة – يف رايه‪� -‬شك ّلت قطيعة مع‬ ‫املرحلة ال�سابقة وقادت �إىل املحطة الثالثة‬ ‫التي �سميها مبرحلة امل�صاحلة مع الذات‬ ‫وال�ت��ي ت�ب��د�أ م��ن ‪ 30‬يوليو‪ 2001‬وم��ا زال��ت‬ ‫م�ستمرة �إىل اليوم‪ ،‬وي�ضيف‪ :‬عرفت هذه‬ ‫املرحلة ال�شروع يف �إدم��اج الأمازيغية يف‬ ‫الن�سق ال�ترب��وي‪ ،‬مبوجب اتفاقية �شراكة‬ ‫بني املعهد امللكي للثقافة الأمازيغية ووزارة‬ ‫الرتبية الوطنية والتعليم العايل وتكوين‬

‫الباحثون الوطنيون‬ ‫تقاعسوا عن مواصلة‬ ‫المجهود الذي دشنه‬ ‫الفرنسيون ولم يعيروه‬ ‫ما هو جدير به من‬ ‫عناية لسابق موقفهم‬ ‫من كل ما له صلة‬ ‫باالستعمار وإنجازاته‬ ‫الأط��ر والبحث العلمي‪ ،‬لتتوج يف �سبتمرب‬ ‫‪ 2011‬ب��د��س�ترة الأم��ازي�غ�ي��ة كلغة ر�سمية‬ ‫للبالد �إىل ج��ان��ب اللغة ال�ع��رب�ي��ة‪ .‬ويعلق‬ ‫بلو�ش‪ :‬تلكم كانت �أهم املحطات الرئي�سة‬ ‫لإدم��اج مكون الأمازيغية يف التعليم‪ ،‬الفت ًا‬ ‫�إىل �أن �أهمية ا�ستح�ضارها يف هذا املجال‬ ‫هو �أن انفتاح املدر�سة املغربية على املكونات‬

‫نتاج م�شرتك‬ ‫�إن ما ي�صطلح عليه اليوم بالرتاث يف املغرب هو نتاج م�شرتك ملكونات من�صهرة‪،‬‬ ‫�ساهمت دون تف�ضيل‪ ،‬منذ �آالف ال�سنني يف �إبداع ممتلكاتها املادية والرمزية ويف‬ ‫ابتكار �آليات تدبريها‪ ،‬بالقدر الذي حافظت على كينونتها وتوارثها‪ ،‬وعليه‪ ،‬ف�إن‬ ‫مكونات الثقافة املغربية جمتمعة تعترب مفتاحاً �ضرورياً مل�ساءلة الرتاث بهذه‬ ‫البالد من �أجل فهمه وتثمني ا�ستثماره‪.‬‬ ‫د‪ .‬عبد الرحمان بلو�ش‬

‫الثقافية للمجتمع وعلى هويته العريقة‪،‬‬ ‫ال��ذي ك��ان غ��ائ�ب� ًا يف �أدب�ي��ات�ه��ا لأزي ��د من‬ ‫�أربعة عقود‪ ،‬انتقل على التوايل من العدم‬ ‫�إىل نوايا متقا�سمة بني خمتلف الفاعلني‬ ‫يف احلقلني ال�سيا�سي وامل��دين يف املغرب‬ ‫الر�سمي‪ ،‬ثم �إىل �إرادة خا�ضعة للتجريب يف‬ ‫نظام تعليمي تعددت �أ�سباب علله‪.‬‬ ‫ويف معر�ض تقييمه للتجربة يرى الدكتور‬ ‫عبد ال��رح�م��ان بلو�ش �أن جم��رد ال�شروع‬ ‫يف �إدم��اج الأمازيغية مبا حتمله من ثقافة‬ ‫وت��راث يف الن�سق الرتبوي املغربي يعد يف‬ ‫حد ذاته �إجناز ًا كبري ًا‪ ،‬الفت ًا �إىل التحوالت‬ ‫اجلذرية التي خلقها احل��دث يف املدر�سة‬ ‫املغربية من جهة‪ ،‬و�إىل حجم الرتاكمات‬ ‫الديداكتيكية وال�ترب��وي��ة ال�ت��ي �أف��رزت�ه��ا‬ ‫التجربة‪ .‬وي�ضيف‪ :‬لكن املالحظ �أن واقع‬ ‫هذا الإدم��اج ال يرتقي �إىل م�ستوى النوايا‬ ‫والطموح‪� ،‬إذ �سرعان ما ا�صطدمت حمولة‬ ‫هذا امل�شروع الوطني بعراقيل على م�ستوى‬ ‫التفعيل‪ ،‬وه��ي ك�ث�يرة وم�ت�ع��ددة و�إن كان‬ ‫�أبرزها �ضعف تكوين الأطر املعنية بتدري�س‬ ‫اللغة الأم��ازي�غ�ي��ة‪ ،‬وغ�ي��اب الأم��ازي�غ�ي��ة يف‬ ‫�أن�شطة التفتح والدعم ويف الربامج اجلهوية؛‬ ‫بالإ�ضافة �إىل االقت�صار على اعتماد التطوع‬ ‫يف تدري�س الأمازيغية بدل التكوين الأ�سا�سي‬ ‫للمدر�سني؛ وعدم مالءمة معمار امل�ؤ�س�سات‬ ‫التعليمية ومرافقها للخ�صو�صية املعمارية‬ ‫املحلية‪ ،‬وغياب الطابع امل�ؤ�س�ساتي للبحث‬ ‫ال�ع�ل�م��ي ح ��ول ال �ت�راث الأم��ازي��غ��ي داخ��ل‬ ‫امل�ؤ�س�سات اجلامعية‪.‬‬ ‫ويخل�ص ال�ب��اح��ث عبد ال��رح�م��ان بلو�ش‬ ‫�إىل �أن املغرب ال ميتلك يف الوقت الراهن‬ ‫�إ�سرتاتيجية مل���ش��روع م��ن ه��ذا احلجم‪،‬‬ ‫وي�ضيف‪� :‬إن التعليم يف املغرب مل يتمكن‬ ‫ب �ع��د م��ن ت�ط�ب�ي��ق الإج � � ��راءات امل �ح��ددة‬ ‫ب�صورة تعتمد مبد�أ القرب واالنفتاح على‬ ‫خمزونه الرتاثي‪ ،‬م�ؤكد ًا �أن هذه الو�ضعية‬ ‫هي من دفع بامل�شرع املغربي �إىل اقرتاح‬ ‫�إمكانيات ج��دي��دة يف الد�ستور احل��ايل‪،‬‬ ‫ب�ت�ن���ص�ي���ص��ه ع �ل��ى د� �س�ترة الأم��ازي �غ �ي��ة‬ ‫و�إن�شاء املجل�س الأعلى للثقافة واللغات‬


‫التراث حاضر في المقررات‪ ..‬لكن‬ ‫وفق مبدأ القطيعة‬ ‫ي�صبح الرتاث ي�صبح فاع ً‬ ‫ال يف اللحظة الراهنة للأمم حني‬ ‫يح�ضر يف الوعي باعتباره ا�سرتاتيجية تفكري و�سلوك ثقايف‬ ‫معقلن‪ ،‬وي�سمح بخلق ت�صور مو�ضوعي حول تاريخ الذات‬ ‫ومكوناتها‪ ،‬ويتحول عن�صراً �سلبياً حني تتم جتزئته واختزاله‬ ‫يف بعده الفولكلوري من �أجل �ضخ ال�سياحة‪� ،‬أو منا�سباتي‬ ‫ي�ستميل الوجدان �أكرث من العقل‪ ،‬يف �سبيل مترير �صور‬ ‫وقوالب جاهزة‪.‬‬ ‫د‪ .‬زهور كرام‬

‫جامعة ابن طفيل‬

‫وحاجة الأمم لرتاثها حاجة ح�ضارية بامتياز‪،‬‬ ‫�شريطة �أن تتم عقلنة تدبري هذا الرتاث جلعله‬ ‫وظيفي ًا يف حا�ضر وم�ستقبل الذات‪.‬‬ ‫لهذا فالر�ؤية الوظيفية للرتاث هي م�س�ألة خيار‬ ‫�سيا�سي وطني قبل كل �شيء‪ ،‬ثم هي �إج��راء‬ ‫ثقايف و�أ�سلوب تعليمي ومنظور اجتماعي‪ .‬وحني‬ ‫تلتقي ه��ذه اخل�ي��ارات ب�شكل علمي وعقالين‬ ‫ي�صبح الرتاث �شريك ًا وظيفي ًا يف احلا�ضر‪.‬‬ ‫�إن التفكري يف ع�لاق��ة ال�ت�راث بالتعليم يف‬ ‫التجربة العربية هو تفكري يف طبيعة مفهومنا‬ ‫للرتاث‪ .‬لأن و�ضعية املفهوم هي التي حتدد‬ ‫طبيعة ت�صريف ال�ت�راث وت��دب�يره ��س��واء يف‬ ‫التعليم �أو الثقافة �أو ال�سيا�سة‪.‬‬ ‫وبالنظر �إىل خمتلف املفاهيم التي �أحاطت‬ ‫بالرتاث‪� ،‬سنجدها مفاهيم م�شبعة ب�أحكام‬ ‫قيمة‪ ،‬وم��وزع��ة ب�ين توجهات �إيديولوجية‪،‬‬ ‫مما جعل ال�تراث حا�ضر ًا بطرق جتزيئية‬ ‫ح�سب طبيعة م�ستعمليه‪ .‬كما ح�ضر رديف ًا‬ ‫للما�ضي يف مقابل احل��داث��ة‪ .‬ونتيجة لهذه‬ ‫الو�ضعية املفهومية بقي ال�ت�راث خا�ضعا‬ ‫للتوجهني ال�ت�ج��زي�ئ��ي «م �ف �ه��وم القطيعة»‬ ‫والثنائي«ما�ضي‪ /‬حداثي»‪.‬‬

‫انعك�س ه��ذا امل�ف�ه��وم على طبيعة الت�صور‬ ‫البيداغوجي للرتاث يف املنظومة التعليمية‪،‬‬ ‫وبالأخ�ص يف اجلامعة‪ .‬وبا�ستثناء التجارب‬ ‫ال �ف��ردي��ة لبع�ض الباحثني ال��ذي��ن ي�ط��ورون‬ ‫اال�شتغال العلمي بالرتاث من خالل علم حتليل‬ ‫اخلطاب‪ ،‬ف��إن ال�تراث حا�ضر يف املقررات‪،‬‬ ‫وذل��ك وف��ق مبد�أ القطيعة ال��ذي يجعله غري‬ ‫وظيفي؛ لكونه عبارة عن جزر منف�صلة عن‬ ‫بع�ضها‪� ،‬إىل جانب غياب الت�صور التاريخي‬ ‫واملنهجي ل�ل�تراث لكي يكون � �س ��ؤا ًال معرفي ًا‬ ‫وعلمي ًا وف��ق ح��اج�ي��ات احل��ا��ض��ر‪ ،‬وعالقته‬ ‫باجليل اجلديد‪.‬‬ ‫ميكننا ر�صد بع�ض التحوالت التي تخ�ص �شكل‬ ‫ح�ضور ال�تراث يف الدر�س اجلامعي والبحث‬

‫محاوالت الحضور‬ ‫العلمي األكاديمي‬ ‫تبقى متواضعة إذا‬ ‫لم تستفد من الدرس‬ ‫الفكري والنقدي‬ ‫الذي يقترح مقاربة‬ ‫جدية مع التراث‬

‫العلمي باجلامعة املغربية‪ ،‬خا�صة مع بداية‬ ‫م�شروع الإ�صالح اجلامعي من خالل انفتاح‬ ‫الدر�س اجلامعي على تكوينات جديدة ت�ستفيد‬ ‫م��ن علم حتليل اخل�ط��اب وثقافة الو�سائط‬ ‫التكنولوجية اجل��دي��دة‪ ،‬ك�م��ا ت �ط��ور حتليل‬ ‫خطاب الثقافة ال�شعبية وال�شفهية مبختلف‬ ‫تنويعاتها‪ ،‬واال�شتغال بال�سرود الرتاثية مبناهج‬ ‫حديثة يف عالقة مع �أ�سئلة ال�سرد احلديث‪،‬‬ ‫ورقمنة ال�تراث‪� ،‬إ�ضافة �إىل تخ�ص�صات يف‬ ‫املا�سرت ووح��دات الدكتوراه والتي تعمل على‬ ‫تكوين جيل من باحثني متخ�ص�صني يف الرتاث‬ ‫ب ��أدوات ومناهج علمية حديثة جتعل الرتاث‬ ‫ن�سق ًا م�ستمر ًا يف التفكري واملعرفة والوعي من‬ ‫خالل وظيفته يف احلا�ضر‪.‬‬ ‫�إال �أن هذه املحاوالت تبقى متوا�ضعة �إذا مل‬ ‫ي�ستفد العلمي الأكادميي من الدر�س الفكري‬ ‫وال �ن �ق��دي ال ��ذي ي �ق�ترح م�ق��ارب��ة ج��دي��ة مع‬ ‫الرتاث‪ ،‬كما جند يف طروحات فكرية مغربية‬ ‫خا�صة مع النقاد حممد مفتاح وعبد الفتاح‬ ‫كليطو و�سعيد يقطني الذين يقدمون ت�صور ًا‬ ‫متطور ًا للتعامل مع الرتاث باعتباره خطاب ًا‬ ‫وظيفي ًا يف الق�ضايا املعا�صرة‬


‫‪40‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫مدارات‬ ‫اآلفاق‬ ‫ارتياد‬ ‫مدارات‬

‫المشروع الحضاري العربي‬ ‫ث�ل�اث حل �ظ��ات ت��اري�خ�ي��ة ه��ام��ة ميزت‬ ‫امل�شروع احل�ضاري العربي يف الع�صر‬ ‫احلديث وه��و ي�سعى �إىل ت�شكيل ذات��ه‪.‬‬ ‫ك��ل حل�ظ��ات ه��ذا امل �� �ش��روع ت��ول��دت عن‬ ‫دواع خارجية مو�ضوعية ودوافع داخلية‬ ‫ذاتية‪ .‬لكن هذا امل�شروع ال يزال يرتطم‬ ‫ب�ع�ق�ب��ات وع��راق �ي��ل حت ��ول دون حتققه‬ ‫ودون حتوله واقعي ًا‪ .‬واملق�صود بالتحول‬ ‫ال��واق�ع��ي ان�خ��راط ال�ع��رب الإي�ج��اب��ي يف‬ ‫الع�صر‪ ،‬واالرتقاء �إىل م�ستوى �أعلى من‬ ‫التفاعل املثمر معه‪ ،‬والفعل فيه‪.‬‬ ‫ك��ان��ت اللحظة الأوىل م��ع م��ا ع��رف يف‬ ‫ع�صرنا احلديث بـ«النه�ضة» حني قدم‬ ‫اال� �س �ت �ع �م��ار ب�خ�ي�ل��ه ورج �ل��ه وم�ع��رف�ت��ه‪،‬‬ ‫فكانت «ال���ص��دم��ة» احل���ض��اري��ة الأوىل‬ ‫ال �ت��ي ا�ست�شعر ف�ي�ه��ا ال �ع��رب موقعهم‬ ‫احل�ق�ي�ق��ي يف ال �ع��امل ع��ن ط��ري��ق ر�ؤي ��ة‬ ‫ال��ذات من خالل الآخ��ر‪ .‬فتولد ال�شعور‬ ‫ب�ـ«ال�ت��أخ��ر»‪ .‬وك��ان ال���س��ؤال الرتاجيدي‬ ‫‪ :‬مل��اذا ت�أخر امل�سلمون وتقدم غريهم؟‬ ‫وك��ان��ت ان �ط�لاق��ة امل �� �ش��روع احل���ض��اري‬ ‫وال �ث �ق��ايف الأول ح�ين ع�م��ل اال�ستعمار‬ ‫على �إدخ��ال بنيات حديثة على امل�ستوى‬ ‫االق �ت �� �ص��ادي واالج �ت �م��اع��ي وال �ث �ق��ايف‬ ‫وال �� �س �ي��ا� �س��ي‪ .‬جت� ��اورت ه ��ذه ال�ب�ن�ي��ات‬

‫امل�ستحدثة مع التقليدية‪ .‬وتركز امل�شروع‬ ‫الثقايف على قاعدة �إع��ادة ا�ستك�شاف‬ ‫ال� ��ذات ال �ت��اري �خ �ي��ة ل�ت�ح���ص�ين ال ��ذات‬ ‫الواقعية �ضد الغرب‪ ،‬فكان الت�صادم‬ ‫بني بنيتني واقعيتني ع�صرية وتقليدية‪،‬‬ ‫وبنية فكرية تقليدية تعمل على حت�صني‬ ‫ذات�ه��ا واالن �غ�لاق على نف�سها‪ ،‬و�أخ��رى‬ ‫حتاول �أن تكون ع�صرية‪ ،‬فكان احلجز‬ ‫وان�سداد الأفق‪.‬‬ ‫وك��ان��ت ال �ل �ح �ظ��ة ال �ث��ان �ي��ة ب �ع��د خ��روج‬ ‫اال� �س �ت �ع �م��ار‪ ،‬وت �� �ش �ك��ل«ال��دول»ال �ع��رب �ي��ة‬ ‫احلديثة و«امل�ستقلة»‪ .‬حدث هذا‪ُ ،‬بعيد‬ ‫انتهاء احلرب الثانية‪ ،‬حيث �صارت الهوة‬ ‫مت�سعة بني ال�شرق اال�شرتاكي والغرب‬ ‫الر�أ�سمايل‪ .‬تو ّلد يف هذه اللحظة‪ ،‬على‬ ‫امل�ستوى ال�سيا�سي‪ ،‬م�شروع ال��وح��دة‪،‬‬

‫االستعمار كان الصدمة‬ ‫الحضارية األولى التي‬ ‫استشعر فيها العرب‬ ‫موقعهم الحقيقي‬ ‫في العالم عن طريق‬ ‫رؤية الذات من خالل‬ ‫اآلخر وكان سؤالها‬ ‫المركزي لماذا تأخرنا؟‬

‫وكان االنحياز �إىل ال�شرق �ضد الغرب‪:‬‬ ‫�أي التحرر من الآخر «الغرب» عن طريق‬ ‫االت�صال بـ«�آخر» �آخ��ر «ال�شرق»‪ .‬وكان‬ ‫ال�صراع العربي ـ «الإ�سرائيلي» حمك‬ ‫هذه الرغبة يف التحرر‪ .‬وكانت الهزمية‬ ‫‪.‬‬ ‫كانت الهزمية �صدمة ثانية ال تختلف‬ ‫ع��ن ن�ظ�يرت�ه��ا الأوىل‪ .‬وك ��ان ال �� �س ��ؤال‬ ‫املركزي «ملاذا انهزمنا؟»‪ .‬وجاء امل�شروع‬ ‫احل�ضاري الثاين‪ ،‬حماولة �أخرى لإعادة‬ ‫ا�ستك�شاف ال���ذات ال�ت��اري�خ�ي��ة‪ ،‬ولكن‬ ‫م��ن زاوي� ��ة �أخ� ��رى تلتقي م��ع امل���ش��روع‬ ‫«ال�شرقي»‪� .‬إن الذات التاريخية التي مت‬ ‫ترهينها يف املرحلة الأوىل والتي هيمن‬ ‫فيها امل�شروع ال�سلفي «الأفغاين‪ ،‬حممد‬ ‫ع �ب��ده‪ ،‬ر��ش�ي��د ر� �ض��ا‪� ،‬أح �م��د �أم �ي�ن‪»...‬‬ ‫ج �ع �ل��ت ر�ؤي �ت �ن��ا �أح ��ادي ��ة �إىل ال�ت�راث‬ ‫ال�ع��رب��ي الإ� �س�لام��ي‪� .‬أم��ا اال�ستك�شاف‬ ‫هذه امل��رة‪ ،‬فيلتفت �إىل جانب �آخ��ر من‬ ‫الذات نف�سها‪� :‬إنها الذات التي ت�ؤ�س�س‬ ‫لـ«العقل»‪ .‬فكانت امل�شروعات اجلديدة‬ ‫لقراءة ال�تراث منظور ًا �إليه من زاوي��ة‬ ‫م��ادي��ة «الطيب تيزيني‪ ،‬ح�سني م��روة‪،‬‬ ‫اجلابري‪ »...‬فقدمت «الذات» اجلديدة‬ ‫بدي ًال عن القدمية‪ ،‬ولكن �إىل جانبها‪.‬‬


‫�سعيد يقطني‬

‫وبتنا بذلك �أمام ذات «�أخرى»‪.‬‬ ‫وحدث �أن انهار جدار ال�شرق والغرب‪،‬‬ ‫ف��ان �ت �ه��ى امل �� �ش��روع ال��ث��اين �إىل ط��ري��ق‬ ‫م�����س��دود‪ ،‬وت��راج��ع��ت ك ��ل ال �� �ش �ع��ارات‬ ‫ال��وح��دوي��ة وال�ت�ح��رري��ة‪ ،‬وب ��د�أت تتغيب‬ ‫مالمح الذات املادية‪ ،‬كما بد�أت ت�ضعف‬ ‫مالمح الذات املثالية‪ ،‬و�إن ظل االهتمام‬ ‫بهما م�ستمر ًا وم�ت��وا��ص�ل ًا‪ ،‬ولكن لي�س‬ ‫باملقدار الذي كان‪ ،‬لأنه بد�أ يتخذ �شيات‬ ‫جديدة‪ ،‬حتاول تر�شيح ذات �أخرى‪.‬‬ ‫بد�أت تتبلور وتطفو مالمح حلظة ثالثة‬ ‫و«م�شروع» �آخ��ر يف الت�سعينيات‪ .‬يلتقي‬ ‫هذا امل�شروع مع �سابقيه بحث ًا عن ذات‬ ‫تاريخية معينة‪ .‬جاء البحث‪ ،‬هذه املرة‪،‬‬ ‫لي�س يف توا�ؤم معني مع الع�صر«الأ�صالة‬ ‫و‪� /‬أو املعا�صرة» ‪� ،‬أو يف تال�ؤم مع الع�صر‬ ‫«ال��ذي ين�شد التحرر م��ن الر�أ�سمال»‪،‬‬ ‫ول�ك��ن يف ط�لاق ت��ام م��ع الع�صر ال��ذي‬ ‫�صار يوجهه القطب الواحد‪ .‬ينبني هذا‬ ‫التوجه على قاعدة «�صراع احل�ضارات»‪.‬‬ ‫ف �ك��ان��ت ردة ال �ف �ع��ل �أق� ��وى مم��ا ك��ان��ت‬ ‫عليه يف ح�ق��ب �أخ� ��رى‪ .‬ك��ان��ت ت��راج�ع� ًا‬ ‫عن اللحظتني ال�سابقتني لأنها ت�شرتط‬ ‫البحث عن ال��ذات التاريخية بتطبيقها‬ ‫واقعي ًا على النحو الذي كانت عليه �إبان‬

‫الهزيمة من «إسرائيل»‬ ‫كانت الصدمة الثانية‬ ‫وسؤالها المركزي‬ ‫لماذا انهزمنا؟‪ ..‬بعدها‬ ‫صار الوجود العربي‬ ‫اإلسالمي مستهدف ًا‬ ‫تحت مقولة الصراع‬ ‫الحضاري‪ ،‬فكان السؤال‬ ‫الثالث المركزي‪ :‬لماذا‬ ‫استُهدفنا؟‬ ‫حقبة ال��وح��ي‪ .‬ف�برز مفهوم «اجل�ه��اد»‬ ‫الذي �أُجج بدعم من الغرب الر�أ�سمايل‬ ‫لدحر ال�شرق اال�شرتاكي يف �أفغان�ستان‪.‬‬ ‫�صار الوجود العربي الإ�سالمي م�ستهدف ًا‬ ‫على ال�صعيد العاملي حتت �أث��ر «مقولة‬ ‫ال �� �ص��راع احل �� �ض��اري»‪ .‬ف �ك��ان ال���س��ؤال‬ ‫الثالث امل��رك��زي‪« :‬مل��اذا ا�ستهدفنا؟»‪.‬‬ ‫وتولد امل�شروع الثالث منربي ًا للت�صدي‬ ‫ل �ه��ذا اال� �س �ت �ه��داف ب���إع�ل�ان ال �� �ص��راع‬ ‫احل�ضاري مقولة لتف�سري عالقة الذات‬ ‫التاريخية ـ الواقعية بالآخر‪.‬‬ ‫كان اال�ستهداف قوي ًا وموجه ًا حيث �صار‬ ‫العامل مبوجبه يتمف�صل �إىل ح�ضارتني‪:‬‬

‫ح�ضارة تن�شد االنفتاح واالندماج وب�سط‬ ‫هيمنتها‪ ،‬و�أخ ��رى ت��رم��ي �إىل حت�صني‬ ‫ال ��ذات �ضد الآخ ��ر‪ .‬ف�ك��ان ال��رد عنيف ًا‬ ‫ي�ؤكد ج��زء منه ال�صراع‪ ،‬و�آخ��ر‪ ،‬ي�ؤكد‬ ‫احلوار ويدعو �إىل الت�سامح‪.‬‬ ‫ولدت هذه اللحظات الثالث مب�شاريعها‬ ‫الثالثة ثالثة مناذج بوا�سطتها مت تقدمي‬ ‫ه��ذا امل�شروع �أو ذاك‪ :‬الفقيه ـ املثقف‬ ‫ـ ال��داع�ي��ة‪ .‬يف ك��ل ه��ذه اللحظات ومن‬ ‫خالل النماذج الثالثة كان ت�أويل الذات‬ ‫وال �ع��امل يت�أ�س�س ع�ل��ى رد ال�ف�ع��ل جت��اه‬ ‫م��ا ي�ج��ري واق�ع�ي��ا‪ .‬لكن الغائب الأك�بر‬ ‫يف ك��ل ه��ذه امل�شاريع ه��و ال��واق��ع ذات��ه‪،‬‬ ‫لأن النظر الفكري وال�سيا�سي العربي‬ ‫توجه �إىل �أ�سئلة كربى حول «الذات» يف‬ ‫التاريخ‪ ،‬ويف عالقتها بالآخر‪ ،‬ولكنه مل‬ ‫يت�شكل ح��ول ال��واق��ع يف ح��د ذات��ه‪ ،‬وهو‬ ‫يتطور‪ .‬لكل ذلك كان الفكر العربي رد‬ ‫فعل‪ ،‬ومل يكن فعال‪ .‬ال ي ��ؤدي رد الفعل‬ ‫�إال �إىل الإيديولوجيا‪� ،‬أي �إىل الت�أويل‪.‬‬ ‫الفهم‪،‬‬ ‫بينما ي�ستوجب النظ ُر يف الواقع‬ ‫َ‬ ‫وهو نتاج العلم الذي ي��ؤدي �إىل الفعل‪.‬‬ ‫جاء الربيع العربي لي�ضعنا �أمام الواقع‬ ‫احلقيقي‪ .‬ف�ب��أي م���ش��روع ج��دي��د ميكن‬ ‫ت�أ�سي�س فهم جديد للذات؟‬


‫ساحة الحوار‬ ‫‪42‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫حذرت من اختزاله يف «زي» و«رق�صة»‬

‫ناجية الكتبي ‪:‬‬

‫التراث الشعبي في الصحافة المحلية‬ ‫في حاجة إلى إعادة نظر‬


‫حاورها‪ -‬وليد عالء الدين‬ ‫«الرتاث ال�شعبي يف املالحق الثقافية لل�صحف الإماراتية» هو عنوان‬ ‫الأطروحة التي نالت بها الباحثة الإماراتية ناجية البادي الكتبي درجة‬ ‫املاج�ستري يف االت�صال من كلية الدرا�سات العليا يف جامعة ال�شارقة‬ ‫هذاالعام‪ .‬وهي درا�سة حتليلية �أجرتها الباحثة على �أحد �أبرز املالحق‬ ‫الثقافية يف ال�صحافة املحلية‪ ،‬كنموذج‪.‬‬ ‫«�إن حتديد العالقة ب�ين ال�ت�راث والإع�ل�ام‬ ‫ي�ستدعي حتديد الأبعاد املعرفية التي ي�شملها‬ ‫ه ��ذا ال �ت��راث‪ ،‬ح �ت��ى ن���ص��ل �إىل الطريقة‬ ‫ال�صحيحة لتناوله يف و�سائل الإعالم‪ ،‬فاجلهل‬ ‫هو ما يدفعنا �إىل الت�شويه �سواء املق�صود �أو‬ ‫غري املق�صود»‪ ،‬بهذه الكلمات ا�ستهلت الكتبي‬ ‫حديثها معنا‪ ،‬م�ؤكدة �أهمية وجود ر�ؤية علمية‬ ‫وا��ض�ح��ة ل��دى امل���ش��رف�ين ع�ل��ى امل��و��ض��وع��ات‬ ‫الرتاثية يف ال�صحافة املحلية‪.‬‬ ‫وقالت ‪�« :‬إن درا�سات الإع�لام وال�تراث ت�ؤكد‬ ‫الدور الكبري الذي ميكنها �أن تقوم به و�سائل‬ ‫الإع�ل�ام يف ن�شر ال�تراث وحتى يف حفظه‪،‬‬ ‫ل��ذل��ك يجب على جميع ال��و��س��ائ��ل املرئية‬ ‫وامل�سموعة واملطبوعة ا ّت �ب��اع ا�سرتاتيجية‬ ‫دقيقة ت�سعى من خاللها �إىل التعريف برتاث‬ ‫الوطن واملحافظة عليه»‪.‬‬ ‫و�أكدت يف حوارنا التايل معها‪� ،‬أن اختيارها‬ ‫ملو�ضوعة ال�تراث ال�شعبي يف ال�صحافة نابع‬ ‫من الأهمية العلمية واالجتماعية والثقافية‬ ‫التي يحظى بها‪ ،‬كونه حائط ال�صد الأهم يف‬ ‫معركة احلفاظ على اخل�صو�صية الثقافية‬ ‫التي يديرها كل جمتمع وك��ل �أم��ة ت�ست�شعر‬ ‫خطورة املوقف العاملي الراهن ال�ساعي �إىل‬ ‫تذويب احل�ضارات ل�صالح ح�ضارة واحدة‪.‬‬ ‫وتكت�سب الدرا�سة التي قدمتها الكتبي �أهميتها‬ ‫اخلا�صة م��ن كونها ت�سعى �إىل فتح الباب‬ ‫نحو جهود علمية ومنهجية لتحليل اخلطاب‬ ‫الإعالمي فيما يتعلق بالرتاث‪ ،‬وبالتايل التعرف‬ ‫�إىل الأطر التي من خاللها يتم تقدمي الرتاث‬ ‫ال�شعبي للنا�س‪ ،‬وهو �أمر ي�ؤ�س�س لقواعد قيا�س‬

‫علمية ال�ستخال�ص م�ؤ�شرات �أداء ي�سرت�شد‬ ‫بها القائمون على �أمر الرتاث من جهة لر�سم‬ ‫�سيا�ساتهم وو�ضع اخلطط وال�برام��ج‪ .‬ومن‬ ‫جهة �أخرى ت�ساعد تلك الدرا�سة التي ت�ستطلع‬ ‫طبيعة ت�أطري ال�صحافة ملو�ضوع ال�تراث يف‬ ‫و��ض��ع معايري مهنية وحت��ري��ري��ة من�ضبطة‬ ‫ي�سرت�شد بها القائم باالت�صال «ال�صحفي» يف‬ ‫تناوله ملو�ضوعات الرتاث‪.‬‬ ‫وهو منهج من �ش�أنه‪� -‬إذا مت تطبيقه بجدية‬ ‫�سواء يف و�سائل الإعالم �أو اجلهات العاملة يف‬ ‫الرتاث – �أن يخلق التناغم والتنا�سق املن�شود‬ ‫بني مفا�صل املنظومة كاملة‪ ،‬مبا ي�ضمن‪ ،‬لي�س‬ ‫فقط نتائج �أف�ضل ‪ ،‬بل الأهم من ذلك ي�ضمن‬ ‫نتائج خمطط لها ومدرو�سة م�سبق ًا‪.‬‬ ‫وفيما يلي احلوار‪:‬‬ ‫ما الذي دفعك �إىل اختيار الرتاث ال�شعبي‬ ‫كمادة لبحثك يف جمال االت�صال؟‬ ‫�إن اختياري ملو�ضوع «ال�ت�راث ال�شعبي» يف‬

‫لوحتان للفنان الإماراتي �أحمد الأن�صاري‬

‫غياب الصحفي‬ ‫ملحق �صحيفة اخلليج‪ ،‬مل مُ ْت ِل ِه ج َّدته وندرة‬ ‫المواطن والكتّاب‬ ‫ال��درا��س��ات التي تناولته من خ�لال معاجلة‬ ‫المتخصصين أثّر في‬ ‫ال�صحف له فح�سب‪ ،‬بل فر�ضته �أي�ض ًا جمموعة‬ ‫مستوى الكتابات‬ ‫من االعتبارات التي متنحه الأهمية العلمية‬ ‫المتعلقة بالتراث فغلب واالجتماعية والثقافية‪ ،‬فقد تزايد االهتمام‬ ‫عليها األسلوب السردي ب��ال�تراث ال�شعبي على ال�صعيدين العاملي‬ ‫وامل�ح�ل��ي‪ ،‬حيث تناف�ست الكثري م��ن ال��دول‬ ‫وافتقرت للتحليالت‬ ‫والأمم على ت�سجيل وتوثيق تراثها يف منظمة‬ ‫الفكرية العميقة‬ ‫اليون�سكو العاملية‪ ،‬وذلك من �أجل احلفاظ على‬ ‫والنقدية ولم تعبر عن‬ ‫اخل�صو�صية الثقافية لكل جمتمع و�أمة‪ .‬ومما‬ ‫وجهة نظر الكاتب ولم‬ ‫تعط تحليالت للظواهر‬


‫ساحة الحوار‬ ‫‪44‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫�أبوظبي قدمياَ‪� -‬صورة ينبغي �أن تتذكرها الأجيال اجلديدة‬

‫ال �شك فيه �أن بحثنا يف هذا املو�ضوع �سوف‬ ‫ي�ساعدنا على فهم الت�صورات التي يحملها‬ ‫القائمون باالت�صال يف ال�صحف الإماراتية‬ ‫ملفهوم الرتاث ال�شعبي الذي ندرك جميع ًا �أنه‬ ‫يت�ضمن حق ًال مادي ًا ورمزي ًا �شا�سع ًا ويف غاية‬ ‫التعقيد‪ .‬من هنا ف�إن هذا البحث يلبي احلاجة‬ ‫االجتماعية واملعرفية الهادفة �إىل فهم الغاية‬ ‫من الكتابة يف الرتاث‪ ،‬وذلك من خالل معرفة‬ ‫توجهات الكتّاب املهتمني بالرتاث‪ ،‬وبالتايل‬ ‫ّ‬ ‫ت�شخي�ص هذه الر�ؤية ‪.‬‬ ‫وما �أهم النتائج التي تو�صلت �إليها خالل‬ ‫مراجعتك الدرا�سات ال�سابقة التي تناولت‬ ‫مو�ضوع الرتاث ال�شعبي والإعالم؟‬ ‫بداية‪ ،‬هناك ندرة يف الدرا�سات التي تناولت‬ ‫بالتحليل العالقة بني الرتاث ال�شعبي والإعالم‬ ‫�سواء املرئي‪ ،‬وامل�سموع �أو املطبوع‪� .‬إال �أن هذه‬ ‫الدرا�سات –على ندرتها‪ -‬دعت �إىل �ضرورة‬ ‫االهتمام ب��ال�تراث ال�شعبي‪ ،‬حيث اعتربته‬ ‫�أه���م راف���د م��ن رواف� ��د ال�ث�ق��اف��ة ال��وط�ن�ي��ة‪.‬‬

‫التراث الشفاهي في‬ ‫دولة اإلمارات والخليج‬ ‫تحديد ًا يكاد يختصر في‬ ‫الشعر النبطي‬ ‫وا� �ش��ارت �إىل ق�صور يف االه�ت�م��ام بالرتاث‬ ‫ال�شعبي‪� ،‬سواء كان على م�ستوى الأف��راد �أو‬ ‫امل�ؤ�س�سات‪ ،‬و�أرجعت �أ�سبابه �إىل االفتقار �إىل‬ ‫منهجية البحث و�ضعف الإمكانيات وغياب‬ ‫اال�سرتاتيجيات الثقافية‪ .‬كما اعتربت �أن‬ ‫الفهم العلمي الدقيق للرتاث ال�شعبي بجوانبه‬ ‫وعنا�صره املتعددة واملتنوعة ال يتم �إال من خالل‬ ‫معاجلته من منظور رم��زي بحت‪ ،‬فالثقافة‬ ‫ال�شعبية هي ن�سيج من رموز حاكها و�صاغها‬ ‫الإن�سان يف عالقته اليومية بالبيئة املحلية‬ ‫التي يعي�ش فيها‪ .‬كذلك ك�شفت الدرا�سات عن‬ ‫وجود جهل لدى القائمني على �إعداد الربامج‬ ‫الرتاثية بالقيم واملعاين الرمزية التي متثلها‬

‫الأ�شكال الرتاثية مما �أدى �إىل وجود خلل كبري‬ ‫يف الإنتاج‪ .‬ودعت �إىل �ضرورة توظيف الرتاث‬ ‫ال�شعبي يف جماالت عدة يف حياتنا كالعمارة‬ ‫والفنون والإب��داع مع مراعاة �إظهاره ب�صورة‬ ‫�إبداعية مبتكرة‪ .‬و�ضرورة �إج��راء امل�سوحات‬ ‫ال�شاملة والدرا�سات امليدانية من �أجل توثيق‬ ‫مادة الرتاث ال�شعبي مع الرتكيز على تدريب‬ ‫الكوادر العاملة يف هذا املجال‪ .‬و�أو�صت معظم‬ ‫تلك الدرا�سات ب�إدخال مادة الرتاث ال�شعبي‬ ‫يف مناهج الرتبية والتعليم وكليات الإع�لام‬ ‫واع ب�أهمية تراثه‪،‬‬ ‫يف اجلامعة‪ ،‬لتخريج جيل ٍ‬ ‫قادر على �أن يعك�س ال�صورة اجلميلة للرتاث‬ ‫ال�شعبي ب�أ�شكال �إبداعية‪.‬‬ ‫وم��ا الإ�شكالية الرئي�سة ال�ت��ي اتخذتها‬ ‫�أ�سا�ساً لبحثك ؟‬ ‫لدي قناعة ب�أن الرتاث هو مر�آة ال�شعوب‪ ،‬وهو‬ ‫يحمل بني طياته الأ�شياء امللمو�سة واملوروثات‬ ‫الفكرية املتج�سدة يف الرتاث املعنوي بجميع‬ ‫�أ�شكاله‪ ،‬والرتاث ال�شعبي الإماراتي ما هو �إال‬


‫جزء من الرتاث العاملي ولكن بطابع مييزه عن‬ ‫غريه‪.‬‬ ‫وقد �أظهرت الدرا�سات ال�سابقة‪ ،‬كما �أ�شرت‬ ‫من قليل‪� ،‬أن غياب ال��ر�ؤي��ة العلمية للرتاث‬ ‫ال�شعبي م��ن ق�ب��ل ال�ق��ائ�م�ين ع�ل��ى ال�برام��ج‬ ‫الرتاثية يف التلفزيون‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل اختالف‬ ‫الإيديولوجيات وال�سيا�سات املهنية والتحريرية‬ ‫التي تتبناها و�سائل الإعالم قد �ساهم وللأ�سف‬ ‫ال�شديد يف ر�سم �صورة مغلوطة عن مفهوم‬ ‫الرتاث ال�شعبي‪ ،‬وذلك عن طريق اختزاله يف‬ ‫زي تقليدي �أو رق�صة �شعبية‪ .‬تتبلور م�شكلة‬ ‫البحث يف درا��س��ة العوامل وامل ��ؤث��رات التي‬ ‫تتدخل يف ت�أطري ال�صحافة ملو�ضوع الرتاث‪،‬‬ ‫وذل ��ك م��ن خ�ل�ال درا� �س��ة امل�ع��اي�ير املهنية‬ ‫والتحريرية للقائم باالت�صال «ال�صحفي»‪،‬‬ ‫وم��ن ثم حتليل اخلطاب الإع�لام��ي للتعرف‬ ‫�إىل الأطر التي مت من خاللها تقدمي الرتاث‬ ‫ال�شعبي‪.‬‬ ‫ومل � ��اذا ق���ص��رت��ي ال��درا� �س��ة ع�ل��ى امل�لاح��ق‬ ‫الثقافية‪ ،‬رغم �أن احلديث عن الرتاث غري‬ ‫مقت�صر عليها؟‬ ‫املالحق الثقافية يف ال�صحف املحلية تعترب‬ ‫الواجهة التي يتم من خاللها التعريف بثقافة‬ ‫وت ��راث �شعب م��ا‪ ،‬وه��ي بذلك �أف�ضل عينة‬ ‫للبحث العلمي واملنهجي‪ ،‬وما ن�ستخل�صه عنها‬ ‫ي�ساعدنا يف معرفة ما �إذا كانت ال�صحافة‬ ‫املحلية تعاين امل�شكلة ذاتها‪.‬‬ ‫وم ��ا الأ� �س �ئ �ل��ة ال �ت��ي ط��رح�ت�ي�ه��ا كباحثة‬ ‫و�صو ًال �إىل ما تريدين؟‬ ‫ك��ان ��س��ؤايل الأول ع��ن الأط��ر التي تتبناها‬ ‫املالحق الثقافية يف تقدميها للرتاث ال�شعبي‪،‬‬ ‫ف�أنا م�شغولة مبعرفة �إىل �أي مدى ت�أثرت الأطر‬ ‫التي مت توظيفها يف الكتابة عن الرتاث ال�شعبي‬ ‫يف املالحق الرتاثية ب�سمات واجتاهات القائم‬ ‫باالت�صال فيها‪ ،‬وكيف كيف مت��ت معاجلة‬ ‫امل��و��ض��وع��ات ال�تراث�ي��ة م��ن ح�ي��ث‪ :‬الأ��ش�ك��ال‬ ‫ال�صحفية‪ ،‬ال�ع�ن��اوي��ن الرئي�سة‪ ،‬الكلمات‬ ‫املحورية‪ ،‬وما ميثله ذلك من دالالت‪ .‬كذلك‬ ‫ت�ساءلت عن مدى ت�أثري امل�صادر التي يعتمد‬

‫ال�صيد من املهن الرئي�سة التي عا�ش عليها النا�س يف الإمارات‬

‫عليها ال�صحفيون يف الكتابة يف م�ضمون‬ ‫الرتاث‪.‬‬ ‫ه��ذا ب��الإ� �ض��اف��ة �إىل ح���ص��ر وحت�ل�ي��ل �أه��م‬ ‫امل��و� �ض��وع��ات ال�ت�راث��ي��ة ال �ت��ي رك���ز عليها‬ ‫ال�صحفيون يف تناولهم ملو�ضوع الرتاث ال�شعبي‬ ‫للوقوف ملعرفة هل عك�ست معاجلة مو�ضوع‬ ‫الرتاث ال�شعبي يف املالحق الثقافية مدى فهم‬ ‫ال�صحافة املحلية ملعنى الرتاث ال�شعبي‪.‬‬ ‫ما املثري الذي ميكنك �أن حتدثينا عنه يف‬ ‫ذلك؟‬ ‫لفتني خالل البحث عن امل�صادر التي يعتمد‬

‫توظيف التراث‬ ‫في األعمال الفنية‬ ‫واألدبية وتطويره‬ ‫بأشكال إبداعية تالئم‬ ‫العصر أفضل الحلول‬ ‫المطروحة من أجل‬ ‫الحفاظ عليه‬

‫عليها الكتاب يف تناولهم ملو�ضوع ال�تراث‬ ‫ال�شعبي‪� ،‬أن املراجع ح�صلت على �أعلى ن�سبة‪،‬‬ ‫و�صلت �إىل ‪ ،% 42.9‬تلتها ن�سبة االعتماد‬ ‫على ال�شعراء والكتّاب بن�سب ‪ % 25‬ومن ثم‬ ‫املالحظة اخلا�صة ‪ ،% 21.4‬ومل يعتمد الكتّاب‬ ‫على الوثائق التاريخية املحلية وال الأجنبية‪،‬‬ ‫ويف ه��ذا ق�صور كبري ب�شكل ع��ام‪ ،‬ويف حالة‬ ‫الإمارات ب�صفة خا�صة‪.‬‬ ‫م ��ن �أي � ��ن ت �ن �ب��ع اخل �� �ص��و� �ص �ي��ة يف ح��ال��ة‬ ‫الإمارات يف هذه النقطة حتديداً؟‬ ‫لأن تراث الإم��ارات تراث �شفوي‪ ،‬وقد اعتمد‬ ‫الباحثون يف تاريخ وتراث الإمارات على هذه‬ ‫الوثائق للح�صول على املعلومات عن تاريخ‬ ‫وتراث املنطقة‪ ،‬فقد درج امللحقون ال�سيا�سيون‬ ‫يف تلك الفرتة على ت�سجيل مالحظاتهم عن‬ ‫عادات وتقاليد املجتمع وتوثيق الوقائع املحلية‪،‬‬ ‫فمثل هذه امل�صادر ال ميكن جتاهلها يف الكتابة‬ ‫عن الرتاث‪.‬‬ ‫�إن اعتماد الكتاب الكبري على ا�ستطالعات‬


‫ساحة الحوار‬ ‫‪46‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫�آراء ال�شعراء والأدب ��اء والتي و�صلت �إىل ما‬ ‫ن�سبته ‪ % 25‬وجاءت على طريقة عر�ض للآراء‬ ‫واالنطباعات فقط دون املناق�شة �أو �إبداء الر�أي‬ ‫ال يحقق العمق املطلوب يف تناول �أي ق�ضية‬ ‫ما‪ ،‬وقد يكون عدم الإمل��ام بالرتاث هو �أي�ض ًا‬ ‫من �أحد الأ�سباب التي دعت الكتّاب �إىل اتّباع‬ ‫ه��ذا الأ�سلوب يف ال�ط��رح‪ .‬وه��و �أم��ر يدفعني‬ ‫�إىل التوقف عند نقطة عدم وجود �صحافيني‬ ‫متخ�ص�ص يف الرتاث يف ال�صحافة الثقافية!‬ ‫ه��ل اقت�صر بحثك ع�ل��ى ال�ت�راث املحلي‬ ‫لدولة الإمارات‪� ،‬أم �أنك ان�شغلت بالعالقة بني‬ ‫ال�صحافة والرتاث كمفهوم عام؟‬ ‫اختيار العينة ك��ان على �أ�سا�س املو�ضوعات‬ ‫ال�تراث �ي��ة يف دول���ة الإم � � ��ارات‪ ،‬وا�ستبعدت‬ ‫املو�ضوعات الرتاثية الأخ ��رى التي تناولت‬ ‫ال�ت�راث العربي ب�شكل ع��ام‪ ،‬و��س��وف تده�ش‬ ‫عندما تعرف �أنه على الرغم من ذلك الفرز‪،‬‬ ‫كانت ن�سبة الكتابات عن الإم ��ارات العربية‬ ‫املتحدة ‪ % 96.4‬تلتها منطقة اخلليج العربي‬ ‫بن�سبة ‪ % 17.9‬ثم املنطقة العربية بن�سبة ‪14.3‬‬ ‫‪ ،%‬وهي واح��دة من �أب��رز �إ�شارات الدرا�سة‪ ،‬هل تظل ال�صناعات اليدوية �صامدة �أمام الزمن؟‬ ‫لأن وجود مناطق من اخلليج العربي واملنطقة‬ ‫يف ذلك للمو�ضوعات التي تتم تغطيتها ح�سب ال�شعبي يف ن�صو�صها كالرواية وال�شعر والق�صة‬ ‫العربية يف العينة اخلا�صة ب�تراث الإم��ارات‬ ‫وغريها‪ ،‬و‪ % 25.9‬خ�ص�صت لل�شعر النبطي‪،‬‬ ‫صال عما يجاوره املنا�سبات و�أماكن تواجدها‪.‬‬ ‫ت�أكيد على �أن تراثنا لي�س منف� ً‬ ‫وه��ي ن�سبة كبرية �إذا ما قورنت بغريها من‬ ‫من ت��راث ال�شعوب العربية واخلليجية‪ ،‬و�أنه‬ ‫ال بد من وج��ود ذلك امل�شرتك من املوروثات احتفالية و�أجندة غري من�ضبطة �أق�سام الأدب ال�شعبي‪.‬‬ ‫ولكن هل تظهر وتراجع املو�ضوعات الرتاثية �إن ن�سبة ‪ % 63‬ل�ل��أدب ال�شعبي تنبئ عن‬ ‫ال�شعبية فيما بينها‪.‬‬ ‫ال�سيا�سة املتبعة لل�صحيفة وميلها �إىل تغطية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫�أي�ضا وفقا لأجندة املنا�سبات؟‬ ‫وم ��اذا ع��ن م�ستويات االه�ت�م��ام ب��ال�تراث ت�أتي املو�ضوعات اخلا�صة بالأدب ال�شعبي يف املو�ضوعات اخلا�صة بالأدب �سواء كان نبطي ًا‬ ‫املحلي هل حتظى جميع التنوعات باالهتمام مقدمة مو�ضوعات الرتاث املعنوي‪ ،‬حيث بلغت �أو ف�صيح ًا‪ ،‬كما �أن ال�صحفيني وبع�ض الكتّاب‬ ‫‪ % 29.6 ،% 63‬منها تناولت الأ�شكال اجلديدة املتعاونني هم من ال�شعراء والأدب��اء‪ ،‬وهذا له‬ ‫الكايف؟‬ ‫�أثر كبري يف اختيارهم لطبيعة املادة‪.‬‬ ‫مل تراع الكتابات ال�صحفية التنوع اجلغرايف يف الأدب احل��دي��ث وال �ت��ي وظ �ف��ت امل ��وروث‬ ‫ج��اءت بعد الأدب ال�شعبي املو�ضوعات التي‬ ‫وتعدد البيئات يف دولة الإم��ارات‪ ،‬فقد جاءت‬ ‫تناولت ال�ع��ادات والتقاليد بن�سبة ‪،% 22.2‬‬ ‫الكتابات يف �أغلبها عن الإمارات ب�صفة عامة‪،‬‬ ‫فلم جند فيها تلك اخل�صو�صية التي تتميز بها المناسبات واألحداث‬ ‫وهي ن�سبة �ضئيلة ج��د ًا مقارنة ب�أهمية ذلك‬ ‫الفرع‪ ،‬فالكتابة يف مو�ضوع العادات والتقاليد‬ ‫الإمارات ال�سبع ببيئاتها والتي تنق�سم �إىل �أربع والملتقيات مرجعية‬ ‫تعد و�سيلة للتعريف بال�شعوب وتراثها‪ ،‬وميكننا‬ ‫بيئات‪� :‬صحراوية و�ساحلية وجبلية و�سهلية‪ ،‬مهمة للكتابة عن‬ ‫�أن ن�ساهم يف احلفاظ على املوروث من خالل‬ ‫هذا التنوع الذي �أك�سبها تراث ًا غني ًا ومتنوع ًا‪ ،‬التراث في الصحافة‬ ‫تعريف الأجيال بالعادات والتقاليد احلميدة يف‬ ‫ويظهر لنا �أي�ض ًا من الكتابات الرتكيز على‬ ‫يعكس‬ ‫مما‬ ‫المحلية‬ ‫املا�ضي وحثهم على التم�سك بها‪.‬‬ ‫بع�ض الإم��ارات و�إغفال �أخرى‪ ،‬ويعود ال�سبب‬

‫موسمية معالجة مثل‬ ‫هذه الموضوعات‬


‫املالحظ �أن الكتابات ال�صحفية قد �أهملت‬ ‫جانبني مهمني و�أ�سا�سيني من الرتاث ال�شفوي‪،‬‬ ‫وهما الفنون ال�شعبية واملعتقدات ال�شعبية‪،‬‬ ‫وت�ك�م��ن �أه �م �ي��ة ه��ذي��ن ال�ف��رع�ين يف �أنهما‬ ‫يعك�سان مظاهر احلياة واجلوانب الثقافية‬ ‫واالجتماعية واالقت�صادية للمجتمع‪.‬‬

‫املعنوي يفوق املادي‬

‫هناك فكرة �شائعة‪ ،‬م��ؤداه��ا �أن االهتمام‬ ‫ب��ال�ت�راث امل� ��ادي ي �ف��وق االه �ت �م��ام ب��ال�تراث‬ ‫املعنوي‪ ،‬ف ��إىل �أي حد وجدتي ه��ذه الفكرة‬ ‫متحققة يف درا�ستك؟‬

‫القوالب الصحفية‬ ‫التقليدية قاصرة عن‬ ‫تقديم التراث وهناك‬ ‫ندرة في المقابالت‬ ‫التي تعتبر مصدر ًا مهم ًا‬ ‫من مصادر تناول التراث‬ ‫الشفهي‬ ‫على عك�س‬ ‫فقط م��ن امل��و��ض��وع��ات بال�صحيفة متعلقة‬ ‫ب��ال�تراث امل ��ادي ط��وال ع��ام ‪ ، 2011‬بواقع‬ ‫مو�ضوع واح��د من «‪ »28‬مو�ضوع ًا يف الرتاث‬ ‫ال�شعبي ب�صفة عامة‪ ،‬وهي ن�سبة ال تذكر �إذا ما‬ ‫قورنت باملو�ضوعات الرتاثية اخلا�صة بالرتاث‬ ‫املعنوي التي بلغت ن�سبتها ‪.% 96.4‬‬

‫ن�صيب الألعاب ال�شعبية يف الإعالم �ضئيل‬

‫ما هو �شائع‪ ،‬كانت ن�سبة ‪% 3.57‬‬

‫�إن االهتمام بالكتابة ال�صحفية عن الرتاث يف‬ ‫جانبه املادي يجب �أ ّال تقل �أهمية عن اجلانب‬ ‫املعنوي‪ ،‬فالرتاث املادي هو جزء من الرتاث‬ ‫احل�ضاري لكل �أم��ة‪ ،‬فهو نتاج لرتاكمات من‬ ‫املمار�سات الإن�سانية ان��دث��ر بع�ضها وظهر‬ ‫بع�ضها الآخ���ر ع�ل��ى �شكل ��ش��واه��د �أث��ري��ة‪،‬‬ ‫فاملباين التاريخية واملواقع الأثرية التي نراها‬ ‫�أمامنا اليوم تعترب ثروة وطنية يجب حمايتها‬ ‫والتعريف بها‪.‬‬ ‫ومب تف�سرين ذلك الغياب؟‬ ‫حقيقة ال �أع��رف ما هي الأ�سباب التي دعت‬ ‫ال�صحيفة لتجاهل مو�ضوع بهذه الأهمية‪ ،‬رمبا‬ ‫يكون ت�أكيد ًا الرتباط الكتابة يف ال�صحافة‬ ‫ب�أجندة الفعاليات واملنا�سبات‪ ،‬وهو ت�أكيد على‬ ‫ما حتدثنا عنه من مو�سمية تناول املو�ضوعات‬ ‫الرتاثية‪ ،‬ورمبا يكون لتوجهات الكتّاب �أنف�سهم‬ ‫ت�أثري يف اختيار املو�ضوعات‪� .‬إال �أنه مو�ضوع يف‬ ‫حاجة �إىل �إعادة تنظيم‪.‬‬ ‫خ�ص�صت ج��زء ًا من درا�ستك لو�ضع قائمة‬ ‫بالكلمات املفتاحية‪ ،‬كما و�صفتيها‪ ،‬ما �أبرز‬ ‫تلك الكلمات‪ ،‬وما الدالالت التي حتملها؟‬ ‫�أبرز الكلمات املفتاحية كانت ال�شعر النبطي‪،‬‬ ‫�إذ تكررت «‪ »216‬م��رة‪ ،‬ويف اجلهة الأخ��رى‬ ‫ت�ك��ررت كلمة «ال�شعر الف�صيح» «‪ »36‬مرة‬ ‫فقط‪ ،‬وتكررت كلمة "التاريخ ال�شفهي «‪»40‬‬ ‫مرة‪� ،‬أما الرتاث ال�شفهي فتكررت «‪ ،»22‬وبلغ‬ ‫تكرار كلمة احلداثة «‪ »13‬م��رة‪ ،‬ويف املقابل‬ ‫ع��دد الأ��ص��ال��ة «‪ ،»8‬بلغ ت�ك��رار الهوية «‪»27‬‬ ‫مرة‪� ،‬أما اخل�صو�صية «‪ »15‬مرة‪ ،‬تكررت كلمة‬ ‫«الذاكرة» «‪ »33‬وهو عدد تقريبي لتكرر كلمة‬ ‫«الرواة» «‪ »34‬مرة‪.‬‬ ‫�أم��ا عن الداللة‪ ،‬ف�إنني �أعتقد �أن ارتفاع‬ ‫ن���س�ب��ة ال���ش�ع��ر ال �ن �ب �ط��ي‪ ،‬ه��و دل �ي��ل على‬ ‫�أن ال�ت�راث ال�شفاهي يف دول��ة الإم ��ارات‬ ‫واخلليج حتديد ًا يكاد يخت�صر يف ال�شعر‪،‬‬ ‫والنبطي منه حتديد ًا‪ ،‬ملا له من دور كبري‬ ‫يف ت�شكيل الذاكرة اجلماعية ويف الربط‬ ‫بني الأج �ي��ال‪ ،‬ولقد ب��د�أ ي�أخذ مكانته يف‬ ‫�أ�شكال التوا�صل احلديثة عرب الر�سائل‬ ‫الن�صية الق�صرية يف الهاتف‪ ،‬وعرب مواقع‬


‫ساحة الحوار‬ ‫‪48‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫برج املرقاب يف �أبوظبي‪ :‬تراجع االهتمام الإعالمي بالرتاث املادي‬

‫الإن�ترن��ت و�شبكات التوا�صل االجتماعية‬ ‫كالفي�سبوك وتويرت‪.‬‬ ‫بخالف االحتفالية‪ ،‬ما االنطباع الغالب‬ ‫على الكتابات يف الرتاث ؟‬ ‫هناك ح�س ب ��أن احلفاظ على ال�تراث مهمة‬ ‫�صعبة‪ ،‬وق�ضية ح�سا�سة‪ ،‬لذلك كرث احلديث‬ ‫عن مقرتحات من �أجل احلفاظ على الرتاث‪،‬‬ ‫ولقد �أجريت �إح�صاء لأكرث احللول املقرتحة‬ ‫من �أج��ل احلفاظ على ال�تراث طرح ًا وهي‪:‬‬ ‫توظيف ال�تراث يف الأع�م��ال الفنية والأدبية‬ ‫وتطويره ب�أ�شكال �إب��داع�ي��ة تالئم الع�صر‪،‬‬ ‫فعلى �سبيل املثال‪ ،‬يف مو�ضوع «�أزم��ة الرتاث‬ ‫يف الق�صة الق�صرية» كتبت �شيخة اخلاطري‬ ‫عن حم��اوالت التجديد التي قام بها الكتّاب‬ ‫الإم��ارات�ي��ون يف الأدب الإم��ارات��ي وتوظيفهم‬ ‫ل�ل�تراث يف كتاباتهم ت�ق��ول‪�« :‬إن امل�ح��اوالت‬ ‫التي ق��ام بها الكتّاب الإم��ارات�ي��ون يف املنجز‬ ‫الق�ص�صي �أ�سهمت يف �إي�ج��اد من��وذج الفت‬ ‫يف حتديث ال�تراث ومنحه دالالت معا�صرة‪،‬‬ ‫فالرتاث يف هذه احلالة مادة �سردية ت�ستخدم‬ ‫مل�صلحة ال��واق��ع احلا�ضر ون�ق��ده وحم��اورت��ه‬ ‫ولي�ست الغاية اال�ستغراق يف املا�ضي �أو االرحتال‬ ‫عن احلا�ضر»«�شيخة اخلاطري‪.»10/2011،‬‬

‫في نظرتنا ودراستنا‬ ‫لموروثنا الشعبي‬ ‫يجب علينا أن نبتعد عن‬ ‫العاطفة المشحونة‬ ‫بالحنين إلى الماضي‬ ‫والتي تدفعنا للثناء‬ ‫والشكل على حساب‬ ‫الفكر‬ ‫ويف مو�ضوع «امل��وروث ال�شعبي م��ر�آة املا�ضي‬ ‫واحلا�ضر» ي�ؤكد ال�شاعر خالد ال�ضنحاين‬ ‫� �ض��رورة ال��رب��ط ب�ين ال �ت�راث واحل��داث��ة يف‬ ‫الكتابات الأدبية فيقول« �إن امل��وروث هو ملح‬ ‫الكتابة الأدب �ي��ة بالن�سبة لكثري م��ن الكتاب‬ ‫الإماراتيني وال بد من ح�ضور هذا النوع من‬ ‫الكتابات يف النتاج العربي احلديث لتكون‬ ‫ه �ن��اك حلقة و� �ص��ل ب�ين الأج� �ي ��ال ال�ق��ادم��ة‬ ‫وموروثها مبا يتوافق مع متطلبات ع�صرها‬ ‫احلديث»«اخلليج الثقايف‪.»1/2011 ،‬‬ ‫وت�ؤكد الروائية �سارة اجلروان �ضرورة توظيف‬ ‫الأ�سطورة يف الكتابات الأدب�ي��ة فتقول‪�« :‬إن‬ ‫توظيف الأ�سطورة يف الن�صو�ص الأدبية يتطلب‬

‫�صهر ًا للمعلومة احلكائية ودجمها باملخيال‬ ‫الفكري‪ ،‬وبالتايل طرحها �أدب ًا مت�سق ًا يحاكي‬ ‫ال��واق��ع ب�أ�شكال قابلة للتعاطي مع مفهومها‬ ‫ون�سقها الذي ي�ؤثر �إيجابي ًا يف املجتمع»«اخلليج‬ ‫الثقايف‪.»1/2011 ،‬‬ ‫ويف م��و��ض��وع «امل � ��وروث ال�شعبي يف ال�شعر‬ ‫الإم��ارات��ي احل��دي��ث» ي�ؤكد ال�شاعر عبداهلل‬ ‫ال�سبب على ه��ذه النقطة فيقول‪« :‬وال�شاعر‬ ‫يدخل الرتاث يف لعبتني الأوىل لفظية والثانية‬ ‫معنوية ال ليكون الع��ب �سريك و�إمن��ا ليبدع‬ ‫ر�ؤية عميقة لفهم الرتاث وتوظيفه لأن اللفظة‬ ‫عندما تتماهى مع الدالالت احل�سية واملعنوية‬ ‫ت�شكل قفزة نوعية يف الت�أثر يف املتلقي وتتجاوز‬ ‫الإده ��ا� ��ش �إىل ال�ب�ح��ث ع��ن ت�شظيات ه��ذا‬ ‫الرتاث" «�إبراهيم اليو�سف‪.»5/2011 ،‬‬

‫غياب ال�صحفي املواطن‬

‫ننتقل �إىل �أبرز ما تو�صل �إليه بحثك من‬ ‫نتائج‪ ،‬وحتليلك لها؟‬ ‫�أظهرت النتائج �أن �سيا�سة ال�صحيفة واجتاهها‬ ‫ي�ؤثران يف الأطر املتبناة من قبلها يف معاجلة‬ ‫م��و� �ض��وع ال �ت��راث‪ ،‬ف�ق��د �شكلت املنا�سبات‬ ‫والأحداث وامللتقيات مرجعية مهمة للكتابة عن‬ ‫الرتاث يف امللحق الثقايف يف ال�صحيفة‪ ،‬وهذا‬ ‫يعك�س مو�سمية معاجلة مثل هذه املو�ضوعات‪،‬‬ ‫كما �إن��ه ال توجد �سيا�سة حتريرية متبعة من‬ ‫قبل القائمني على امللحق الثقايف تهتم ب�ش�ؤون‬ ‫ال�ت�راث وم�ع��اجل��ة مو�ضوعاته‪ ،‬وي ��ؤك��د هذا‬ ‫�أي���ض� ًا ت��واري��خ ن�شر املو�ضوعات حيث جند‬ ‫�أنها قد اهتمت بتغطية امللتقيات ال�شعرية‬ ‫ومهرجانات ال�شعر وال�ن��دوات الرتاثية‪ ،‬و�أن‬ ‫املقاالت والتحقيقات قد جاءت م�صاحبة لهذه‬ ‫التغطيات يف الأغلب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫م��ن �ضمن م��ا تو�صلت �إل�ي��ه �أي�ضا �أن غياب‬ ‫ال�صحفي امل��واط��ن وع���دم وج���ود ال�ك� ّت��اب‬ ‫املتخ�ص�صني يف ال �ت�راث ال�شعبي بجميع‬ ‫�أنواعه املعنوي وامل��ادي‪ ،‬واعتماد ال�صحيفة‬ ‫ع�ل��ى حم��رري �ه��ا غ�ير املتخ�ص�صني ب�شكل‬ ‫�أ�سا�سي يف الكتابة يف مو�ضوع الرتاث كان له‬ ‫�أث��ر كبري يف الكتابات ال�صحفية‪ ،‬حيث غلب‬ ‫عليها الأ�سلوب ال�سردي وافتقرت للتحليالت‬


‫الفكرية العميقة والنقدية‪ ،‬وقد ظهر ذلك يف‬ ‫تناول التقارير التي جاءت يف �أغلبها �إخبارية‪،‬‬ ‫�أم��ا التحقيقات فقد وظفت امل ��واد الأدب�ي��ة‬ ‫واملراجع وا�ستطالعات الر�أي ومقوالت الكتاب‬ ‫وال�شعراء‪ ،‬ولكنها مل تعرب ع��ن وجهة نظر‬ ‫الكاتب ومل تعط حتليالت للظواهر‪.‬‬

‫منطية وعدم تخ�ص�ص‬

‫على م�ستوى ال�شكل‪ ،‬كيف ت�صفني قدرة‬ ‫القوالب ال�سائدة على معاجلة مو�ضوعات‬ ‫الرتاث؟‬ ‫ب��روز بع�ض الأ��ش�ك��ال ال�صحفية كالتقرير‬ ‫والتحقيق وامل �ق��ال وغ �ي��اب �أ� �ش �ك��ال مهمة‬ ‫كاملقابلة ال�ت��ي تعترب م �� �ص��در ًا م�ه�م� ًا من‬ ‫م�صادر تناول ال�تراث ال�شفهي‪ ،‬حيث تتيح‬ ‫لنا احل�صول على املعلومات والأخبار ممن‬ ‫عا�صروا تلك الفرتة من تاريخ الإمارات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ول �ق��د ات �ب��ع ال�صحفيون من �ط � ًا واح� ��دا يف‬ ‫�صياغة ال�ع�ن��اوي��ن‪ ،‬ح�ي��ث ج ��اءت جميعها‬ ‫طويلة ومتفرعة مغرقة �أحيان ًا يف ا�ستخدام‬ ‫الكلمات املجازية‪� ،‬أما عن الكلمات املفتاحية‬ ‫وق��د ب��رزت كلمات كـ «الهوية»‪« ،‬الأ�صالة»‪،‬‬ ‫«العوملة»‪« ،‬احلداثة»‪ ،‬وهي �إ�شارة من وجهة‬ ‫نظر الكتّاب �إىل �أن الرتاث يعاين �أزمة يف ظل‬ ‫متغريات العوملة و�أن التم�سك بالرتاث ال�شعبي‬ ‫و�إحيائه من �ش�أنه تعزيز الهوية ومواجهة هذه‬ ‫الأزمة‪ ،‬وقد وجدت يف الكتابات ما يدعو �إىل‬ ‫�ضرورة توظيف الرتاث ال�شعبي يف الأ�شكال‬ ‫الأدبية احلداثية‪ ،‬ولقد �أك��دت هذه النقطة‬ ‫احللول املقرتحة التي اقرتحها الكتّاب من‬ ‫�أجل احلفاظ على الرتاث ال�شعبي‪ .‬بالإ�ضافة‬ ‫�إىل ما �أ�شرنا �إليه �سابق ًا من عدم التنوع يف‬ ‫امل�صادر‪ ،‬واعتماد الكتابات على املراجع‬ ‫وعلى �آراء ال�شعراء والأدب ��اء دون مناق�شة‬ ‫�أو �إبداء للر�أي‪ ،‬مما �أثر يف �أ�سلوب معاجلة‬ ‫املو�ضوعات الرتاثية فابتعدت عن التحليل‬ ‫وال �ن �ق��د‪ .‬ك��ذل��ك ه�ن��اك طغيان لالهتمام‬ ‫بجانب ال�تراث املعنوي على جانب ال�تراث‬ ‫امل��ادي‪ ،‬حيث بلغت ن�سبة تناولها ‪ 96%‬من‬ ‫جمموع املو�ضوعات الرتاثية للعام ‪،2011‬‬ ‫واحتلت مو�ضوعات الأدب ال�شعبي الن�صيب‬

‫هذه الأ�صابع املاهرة‪ ..‬ملن تنقل خربتها؟‬

‫الأك�بر فيها‪ ،‬وال��ذي ك��ان من �أه��م �أ�سبابها‬ ‫التناول املو�سمي للمو�ضوعات الرتاثية‪.‬‬ ‫وب�صورة عامة مل يعك�س امللحق الثقايف الواقع‬ ‫الفعلي لرتاث الإم��ارات الذي يتميز بالتنوع‬ ‫والرثاء‪ ،‬فقد غابت مو�ضوعات كثرية ومهمة‬ ‫يف الكتابات ال�صحفية يف كل من اجلانب‬ ‫الرتاثي املعنوي واملادي ‪.‬‬ ‫وب �� �ص �ف��ة ع��ام��ة ي�لاح��ظ ��ض�ع��ف ال �ت �ن��اول‬ ‫واملعاجلة ال�صحفية ملو�ضوعات الرتاث ب�شكل‬ ‫عام‪ ،‬حيث ال توجد �صفحات متخ�ص�صة �أو‬ ‫زوايا خا�صة ملتابعة كل ما هو جديد يف هذا‬ ‫املجال‪.‬‬ ‫ك�ي��ف تلخ�صني ان�ط�ب��اع��ات��ك ح��ول تلك‬ ‫الدرا�سة؟‬ ‫ال ميكننا �أن نهدم كل ما بنيناه يف ما�ضينا‪ ،‬بل‬ ‫علينا �أن نبني عليه ونعيد ت�شكيله‪ ،‬وال يت�أتى‬ ‫ذل��ك �إال عن طريق �إع��ادة توظيف املا�ضي‬

‫على المؤسسات‬ ‫المعنية بالتراث االبتعاد‬ ‫عن النمطية ‪ ..‬فالتراث‬ ‫أكبر من نصب خيمة‬ ‫أو تقديم عرض لرقصة‬ ‫شعبية‬

‫ب�إطالق اخليال و�إعمال العقل الب�شري ذي‬ ‫الطاقات الإبداعية الرهيبة‪� .‬إن املوروثات‬ ‫ال�شعبية التي ت�ستطيع �أن تتكيف مع تغيريات‬ ‫البيئة هي ما �سيكتب لها البقاء واال�ستمرار‪،‬‬ ‫لأنها �ستجد لنف�سها �أ�شكا ًال �إبداعية جديدة‬ ‫حتظى بقبول املجتمع‪.‬‬ ‫يف نظرتنا ودرا�ستنا ملوروثنا ال�شعبي يجب‬ ‫علينا �أن نبتعد ع��ن ال�ع��اط�ف��ة امل�شحونة‬ ‫باحلنني �إىل املا�ضي والتي تدفعنا للثناء على‬ ‫ال�شكل على ح�ساب الفكر‪ ،‬وال يتم ذلك �إال‬ ‫باملراجعة وتقييم لكل ما هو �صالح‪.‬‬ ‫علينا �أن ن��درك �أن م�س�ؤولية �صون وحماية‬ ‫الرتاث م�س�ؤولية جماعية‪ ،‬تبد�أ بالفرد �أو ًال‬ ‫والذي تقع عليه م�س�ؤولية التعرف �إىل تراثه‬ ‫لإظهاره بال�صورة امل�شرفة يف جميع املحافل‬ ‫داخل الدولة وخارجها‪.‬‬ ‫�أما الدور الذي يجب �أن تقوم به امل�ؤ�س�سات‬ ‫املعنية بالرتاث فهو االبتعاد �أو ًال عن النمطية‬ ‫يف تعاملها مع ال�ت�راث‪ ،‬ف��ال�تراث �أك�بر من‬ ‫ن�صب خيمة �أو تقدمي عر�ض لرق�صة �شعبية‪،‬‬ ‫علينا �أن ن�ضع اال�سرتاتيجيات التي تقدم‬ ‫ر�ؤية علمية وا�ضحة و�شاملة ومتكاملة للرتاث‬ ‫فتقوم على تدوينه وجمعه وعر�ضه ب�أ�شكال‬ ‫جديدة �إبداعية تتنا�سب مع الع�صر‬


‫‪50‬‬

‫بدائع الزهور‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫موسوعة‬ ‫األسدي‬ ‫الحلبية‬

‫جمال الغيطاين‬

‫يف الأحداث الكربى �أعود �إىل ما يخ�صني منها‪ ،‬ما عرفته �شخ�صي ًا‪� ،‬أو ما‬ ‫قر�أته‪.‬‬ ‫مع ا�ستمرار بحر الدم يف واحدة من �أجمل و�أعرق مدن العامل «حلب»‪� ،‬أعي�ش‬ ‫ذلك مرة �أخرى‪.‬‬ ‫لكل مدينة من يحمل �أ�سرارها‪ ،‬من يقدر على ف�ض مغاليقها‪ ،‬من يجتهد‬ ‫لي�صون تفا�صيلها اليومية التي يطويها الن�سيان‪ ،‬عاداتها و�أ�سرارها التي‬ ‫تتغري مع توايل الأزمنة‪ ،‬وحل�سن حظي �أنني تعرفت �إىل بع�ض ه�ؤالء‪ ،‬الذين‬ ‫�سعوا يف زمن مغاير‪ ،‬بعيد عن زمني‪ .‬و�أولئك الذين �أ�سعدين احلظ بلقائهم‪.‬‬ ‫من القاهرة‪ ،‬املقريزي يف الع�صر اململوكي‪ .‬ومن دم�شق ابن ع�ساكر‪ ،‬ومن‬ ‫بغداد اخلطيب‪ ،‬ومن غرناطة ل�سان الدين بن اخلطيب‪.‬‬ ‫�أما حلب فمن الذين �صانوا بع�ض ًا من �أ�سرارها يف املا�ضي كمال الدين بن‬ ‫العدمي‪ .‬ويف القرن الع�شرين عرفت �شخ�صني‪� ،‬أحدهما م�ضى عام واحد‬ ‫و�سبعني بعد �أن �أودعنا مو�سوعة نفي�سة‪ ،‬نادرة‪ ،‬مدخلها �إىل الواقع اللغة‪،‬‬ ‫�أعني «مو�سوعة حلب»‪ ،‬خلري الدين الأ�سدي‪� ،‬أما الآخر ف�أطال اهلل عمره‪،‬‬ ‫�صحبني يف رحلته احللبية‪ .‬ور�أيت فيه �سالفة من كل الذين ذكرتهم‪� ،‬أعني‬ ‫ال�صديق حممد قجة‪ ،‬رئي�س جمعية العاديات‪.‬‬ ‫منذ عودتي �إىل القاهرة مل �أكف عن مطالعة مو�سوعة حلب للأ�سدي‪ ،‬وال‬ ‫�أظن �أنني اطلعت على مثيل لها يف النرث العربي‪� ،‬إنها لي�ست مو�سوعة للمكان‪،‬‬ ‫لكنها يف اللغة‪ ،‬اللغة كما ينطقها النا�س ولي�ست كما وردت يف املعاجم‪� .‬أي ال‬ ‫يورد امل�صدر الثالثي للفظ‪� .‬إمنا يورده كما ينطقه النا�س يف حلب بالتحديد‪،‬‬ ‫يرتب الألفاظ طبق ًا حلروف املعجم‪ .‬و�سواء كان اللفظ ا�سم ًا لعلم �أو ملكان �أو‬ ‫حلادثة جدت �أو �صفة‪ ،‬ف�إنه يورد �سائر ما يتعلق به‪ .‬لي�س يف العربية فقط‪،‬‬ ‫�إمنا يف اللغات الأخرى‪� ،‬شرقية �أو غربية‪ ،‬قدمية �أو معا�صرة‪.‬‬ ‫يك�شف الأ� �س��دي ع��ن معرفة مو�سوعية باللغات‪ ،‬الآرام �ي��ة‪ ،‬ال�سومرية‪،‬‬ ‫الأرمينية‪ ،‬العربية‪ ،‬الفرن�سية‪ ،‬الإيطالية‪ ،‬الأملانية‪ ،‬وبالطبع العربية‪ .‬ومن‬ ‫خالل اللفظ ينفذ �إىل العادات اليومية والتقاليد‪ ،‬ويذكر الأمثال واحلكم‪،‬‬ ‫والت�شبيهات‪ ،‬والتهكمات‪ ،‬وال�شتائم‪ ،‬والكنايات والتوريات‪ ،‬واملعتقدات‬ ‫واخلرافات والأ�شعار واملواويل والأغنيات والألغاز‪ ،‬وطرق املزاح والنوادر‬ ‫ومناغاة الأم�ه��ات لأطفالهن‪ ،‬حتى اجلمل التي ينطق بها جمانني حلب‬ ‫يلتقطها وي�سجلها وي�ح��اول �شرحها‪ ،‬كذلك ن��داءات الباعة وتعبرياتهم‬ ‫احلديثة‪ ،‬والنوادر التي يتناقلها النا�س وم�صطلحات احلرفيني والأ�سواق‪.‬‬ ‫�إذا كانت اللغة هي املعادل ملفردات احلياة‪ ،‬ف�إن الأ�سدي يوثق احلياه من‬ ‫خالل اللغة يف هذه املو�سوعة الفريدة‪ ،‬ولأورد �أمثا ًال على طريقته‪.‬‬ ‫من حرف الألف‪ ،‬وحتت عنوان «�أبو را�شد»‪:‬‬ ‫من جمانني حلب املعتقد فيهم يف مطلع القرن الع�شرين‪ ،‬كان ينادي يف الأ�سواق‪:‬‬ ‫تنبيه يا جماعة! ما ل�سلطان عبد احلميد «في�سود ال�سكوت»‪ ،‬اللي عندو مرا‬ ‫كوي�سة اهلل يخلي لو يا ها واللي عن عندو مرا ب�شعة حَاَل�شو ه ّوه وياها‪.‬‬


‫بدائع الزهور‬ ‫وحتت عنوان «�أبو غنوج» جند مو�ضوع ًا �آخر‪:‬‬ ‫�أبو غنوج‪ ،‬و�سموه �أي�ض ًا املتبل واملخ�شخ�ش‪ ،‬و�سمته ال�شام‬ ‫ببغنوج‪ .‬كما �سمته الأرمنية بابا غنوج وعلى نازيك‪ ،‬نعم‪،‬‬ ‫بابا غنوج �أطلقوه على الطعام التايل‪ :‬الباجنان‪ ،‬ال �سيما‬ ‫ال �ت��اديف‪ ،‬ي�شوى بالفرن ث��م يق�شر ث��م ي��دق بجرن حجري‬ ‫بدقماق خ�شبي‪ ،‬وي��دق وي��دق �إىل �أن ينماع امن�ي��اع اللنب‬ ‫الغليظ‪ .‬وطبيعي �أنه بلطمات الدق يهرب من بط�ش الدقماق‬ ‫الئ ��ذ ًا ب��اجل��وان��ب‪ ،‬الأم ��ر الطبيعي الب�سيط و ّل��د يف خيال‬ ‫م�سميه الفنان �أنه يغنج غنج الن�ساء‪ .‬ول�سان حالهن‪ ،‬بهذا‬ ‫الدالل‪ ،‬يقول‪ :‬ما بدَ ي وبدَ ي‪ .‬ف�سماه �أبو غنوج‪ ،‬و�أبو مبعنى‬ ‫ذو‪ .‬و�صاغ من الغنج على وزن ف ّعول ال��دال على التلطيف‬ ‫ك� ّأ�سوم مبعنى �أ�سماء‪� ،‬أي الأ�سماء اللطيفة‪� .‬أما وقد انتهينا‬ ‫من الدق والغنج اللطيف‪ ،‬وجاء دور من ي�صحبه يف �سفره‬ ‫�إىل احللقوم‪ ،‬ها هو ذا احلام�ض‪ ،‬ال �سيما حام�ض ع�صري‬ ‫الرمان‪ ،‬ثم ها هو ذا ي�صحبه ذائب الثوم‪ .‬ثم ها هي كواكب‬ ‫الزيت تتكوكب يف قافلة �سريه �إىل احللقوم‪ .‬كما يذر عليه‬ ‫الكمون وم �ف��روم البقدون�س‪ ،‬ون�سيت �أن �أق��ول وي�صحبه‬ ‫الطحينة ملن يرغب فيها‪.‬‬ ‫ومي�ضي الأ��س��دي يف و�صف �أب��وغ�ن��وج �أو بابا غنوج و�صف ًا‬ ‫دقيق ًا‪ ،‬خا�ص ًة عند انزالقه عرب احللقوم‪ ،‬ويبدو �أن توقفه‬ ‫الطويل �أمام �أنواع الطعام احللبية ال�شهية‪ ،‬واملطبخ احللبي‬ ‫م��ن �أ�شهر مطاعم الدنيا‪ ،‬يبدو �أن ذل��ك نتيجة حرمان‪،‬‬ ‫يقول حممد كمال يف مقدمة املو�سوعة �أن��ه عا�ش يف فقر‬ ‫وع��وز‪ ،‬لي�س له من مورد يرتزق به فينفق منه على طعامه‬ ‫وع�لاج��ه و�إغ �ن��اء مكتبته ��س��وى م��ا ك��ان يتقاطر م��ن مهنة‬ ‫التعليم والأح��ادي��ث الإذاع �ي��ة م��ن �أج��ر‪ ،‬وم��ا �أك�ثر م��ا كان‬ ‫يجف ذلك امل��ورد‪ ،‬ومع ذلك ما كانت لتفارق وجهه ب�سمة‬ ‫الر�ضى والت�سليم‪ ،‬وقد ترك �آثار ًا �أخرى غري املو�سوعة منها‬ ‫«البيان والبديع»‪ ،‬طبع عام ‪1936‬م‪ ،‬و«ع��روج �أبي العالء»‪،‬‬ ‫طبع ‪1940‬م‪ ،‬و«قواعد الكتابة العربية»‪ ،‬و«حلب‪ ..‬اجلانب‬ ‫اللغوي من الكلمة»‪ ،‬و«�أغ��اين القبة»‪ ،‬و«�أحياء حلب»‪ ،‬وقد‬ ‫ترك املو�سوعة ذاتها خمطوطة‪ ،‬ومل تطبع �إال بعد وفاته‪� ،‬أي‬ ‫�أنه �أنفق هذا اجلهد الهائل بدون انتظار عائد‪ ،‬ومل يرها‬ ‫مطبوعة‪ ،‬وعندما دفعت �أ�سرته باملو�سوعة �إىل جامعة حلب‬ ‫لطبعها �أهدت املخطوط �إىل اجلامعة مع التنازل عن جميع‬ ‫احلقوق‪ ،‬وهكذا خرجت يف �سبعة �أجزاء مطبوعة ب�شكل جيد‬ ‫ومدققة‪ ،‬عدت جزء واحد مل يطبع‪ ،‬وال يعرف �أحد م�صريه‪،‬‬

‫وي�ضم الألفاظ والعبارات النابية التي ينطقها �أهل حلب‪،‬‬ ‫ويبدو �أن الأ�سرة قد حجبته‪.‬‬ ‫�أعود لأقتطف بع�ض �أمثلة من املو�سوعة‪ .‬وحتت «�آمني» نقر�أ‬ ‫ما يعك�س ثقافة الأ�سدي املو�سوعية‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫من العربية‪ ،‬ا�سم فعل مبعنى‪ :‬ا�ستجب‪ .‬وت�ستعمل يف كنائ�س‬ ‫اليهود والن�صارى‪ ،‬وثمة مذهب �أن �أ�صلها «�آم��ون»‪ ،‬املعبود‬ ‫امل�صري الذي �أعاد عبادته توت عنخ �آمون‪ ،‬على �أن الرتجمة‬ ‫ال�سبعينية يف اليونانية ترجمتها مبا مفاده‪ :‬ليكن �أو لي�صر‪،‬‬ ‫ويف �شفاء الغليل‪ ،‬قيل �إنه لي�س بعربي‪ .‬لأن وزن فعيل لي�س‬ ‫من كالمهم‪.‬‬ ‫و�أ�صل لفظها يف العربية‪� :‬آمني وعلى هذا لفظها العام‪ ،‬ما‬ ‫خال ال�سريانية فتقول‪� :‬أمني‪ ،‬ومن �أمثالهم‪ :‬بدعي على ولدي‬ ‫وبدعي عاللي يقول �آمني‪« ،‬نالحظ �أن املثل �شائع يف م�صر»‪،‬‬ ‫ومن كناياتهم‪� :‬آم�ين فرق الدعا‪ ،‬وال ال�ضالني �آم�ين‪ ،‬ومن‬ ‫نوادرهم‪:‬‬ ‫كان ال�شيخ حممد اجلزماتي يعظ النا�س يف اجلامع الكبري‪،‬‬ ‫ويف وعظه يف رم�ضان كان ينهي در�سه بذكر بع�ض امل�آكل‪،‬‬ ‫ليتخذ بع�ضها ال�سامعون‪� .‬أ�سمعه وا�سمع النا�س حوله‪:‬‬ ‫ال�شيخ‪ :‬بامني‪ ،‬حم�شي قرع‬ ‫النا�س‪� :‬آمني «ظن ًا منهم �أنه يدعو»‬ ‫ال�شيخ‪ :‬باجنان حم�شي وجنبو حم�ص‬ ‫النا�س‪� :‬آمني‬ ‫ال�شيخ‪ :‬ع�ش البلبل وجنبو بقالوة‬ ‫النا�س ‪� :‬آم�ين « وه��م مي�سحون على �أوجههم و�صدروهم‬ ‫وبع�ضهم ي�أخذ املال»‬ ‫لكم متنيت �أن �أورد املو�سوعة كلها �أو �أمثلة عديدة منها‪،‬‬ ‫لكنني �أكتفي ب�إيراد هذه النماذج القليلة للإيحاء مبا ت�ضمه‬ ‫ه��ذه املو�سوعة الفريدة‪ ،‬و�إذا ك��ان الأ��س��دي قد ق��ام بهذا‬ ‫اجلهد الهائل الذي �أنفق فيه عمر ًا لتوثيق تفا�صيل احلياة‬ ‫يف حلب من خالل اللغة‪ ،‬فهناك �أن�شطة ومنظمات �أهلية‬ ‫ت�أ�س�ست للحفاظ على تراث املدينة‪ ،‬لعل �أ�شهرها و�أهمها‬ ‫جمعية العاديات‪ ،‬والتي متار�س دور ًا ن�شط ًا م�ستق ًال منذ‬ ‫الع�شرينيات‪.‬‬ ‫كثري من املعامل القدمية دمرت خالل احلرب الأهلية التي‬ ‫مل �أت�صور حدوثها يوم ًا يف حلب‪ ،‬ولكن هذه املو�سوعة حتفظ‬ ‫مظاهر احلياه كلها من خالل اللغة ومفرداتها‬


‫وجه في المرآة‬ ‫‪52‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫داعية ك�سر احتكار العلم والفكر‬

‫أنور عبد الملك‪..‬‬

‫هوية الفلسفة وفلسفة الهوية‬ ‫�أ�سامة عفيفي‬ ‫وهل للف�سلفة هوية؟! �ألي�ست الفل�سفة كما علمتنا الأكادمييات العريقة عابرة للزمان واملكان؟!‬ ‫�ألي�ست هي املعنية بو�ضع النظريات الكلية التي تهدي العقل �إىل حتقيق قيم احلق واخلري واجلمال‬ ‫بغ�ض النظر عن انتماء هذا العقل �إىل ال�شرق �أو الغرب؟!‬


‫�ألي�ست هي املعنية بالعام وامل�شرتك العقلي‬ ‫الإن�ساين وو�ضع �أن�ساق املعرفة وقوانني‬ ‫الفكر للب�شرية �أ ًّيا كان لونهم �أو جن�سهم‬ ‫�أو لغتهم؟!‬ ‫�أل�ي���س��ت امل�ث��ال�ي��ة «م�ث��ال�ي��ة» يف ك��ل ع�صر‬ ‫ومكان؟! واملادية «مادية» يف كل الأحوال؟!‬ ‫و�أخ ًريا �ألي�س تق�سيم الفل�سفة والعقل �إىل‬ ‫�شرقى وغ��رب��ى ن��وع م��ن العن�صرية التي‬ ‫�أدان�ت�ه��ا فل�سفة ع�صر التنوير يف القرن‬ ‫التا�سع ع�شر؟!‬ ‫�أع��رف �أن ه��ذا ال�س�ؤال �شائك‪ ،‬و�أرع��ن‪،‬‬ ‫وم���ش��اك����س والب���د �أن ي �ث�ير ع��ا��ص�ف��ة من‬ ‫االح �ت �ج��اج‪ ،‬يف زم ��ن ي�ت�ج��ه ف�ي��ه «ال�ع�ق��ل‬ ‫ال �ع��رب��ى» �إىل م��واك�ب��ة ال�ع��ومل��ة وت�أ�سي�س‬ ‫«حداثة جديدة» ت�سعى لإنتاج «امل�ستهلك‬ ‫ال�صالح» �أو ما ت�سميه �أدب�ي��ات احلداثة‬ ‫ب�ـ«امل��واط��ن ال�ع��امل��ي» ال��ذي ي��أك��ل وي�شرب‬ ‫ويلب�س ويفكر بنف�س النمط ال��ذي تنتجه‬ ‫«امل�ؤ�س�سات عابرة اجلن�سية» وتخطط له‬ ‫«م�ؤ�س�سات العوملة الثقافية» التي ت�سعى‬ ‫لإنتاج ن�سق ثقايف �إن�ساين واح��د‪ ..‬ير�سم‬ ‫�شكل ومالمح الوجدان والوعى الإن�ساين‬ ‫حتت �شعار «حقوق الإن�سان» وتفعيل الأداء‬ ‫الدميقراطي يف بلدان العامل الذي �أ�صبح‬ ‫بف�ضل «ث��ورة االت �� �ص��االت» جم��رد «قرية‬ ‫�صغرية»!‬ ‫ولكن‪ ..‬هذا ال�س�ؤال امل�شاك�س ال�سابح �ضد‬ ‫التيار هو املدخل الوحيد املالئم للدخول‬ ‫�إىل عامل الفيل�سوف العربي الرائد �أنور‬ ‫عبد امللك الذي رحل عن عاملنا ال�شهر قبل‬ ‫املا�ضي يف باري�س بعد معاناة ع�صيبة مع‬ ‫املر�ض اللعني‪.‬‬ ‫م�شاك�سا من الوزن‬ ‫فلقد كان الرجل نف�سه‬ ‫ً‬ ‫الثقيل ودائم التغريد خارج ال�سرب‪ ،‬ودائم‬ ‫اخلروج عن الأمناط والنظريات والقوالب‬ ‫التقليدية ال���س��ائ��دة‪ ..‬يرف�ض م��ا ُي�س َّمى‬ ‫بامل�سلمات والبديهيات‪ ،‬لأنه ي�ؤمن بقدرة‬ ‫الإب��داع الإن�ساين على االبتكار والتجديد‬ ‫و�إع��ادة النظر يف الثوابت ونقدها بالعقل‬ ‫الذي هو �أجمل ما وهب اهلل للإن�سان‪.‬‬ ‫ول �ق��د وه��ب ال��رج��ل ق�ل�م��ه وع�ق�ل��ه وف�ك��ره‬

‫مشروع عبد الملك‬ ‫محاولة لرفض التبعية‬ ‫الفكرية وعدم‬ ‫االستسالم للعنصرية‬ ‫الغربية التي حولت‬ ‫مفكري العالم الثالث‬ ‫إلى مجرد «قردة»‬ ‫تحاكى التقدم والحداثة‬ ‫الغربيَّين وال تصنعهما‬ ‫ل�ل�ت�م��رد ال��دائ��م ع �ل��ى ك��ل م��ا ه��و منطي‬ ‫وتقليدي يف الفكر والعلم‪.‬‬ ‫بل لقد ك��ان دائ��م التمرد على ما ُي�س َّمى‬ ‫بالتخ�ص�ص العلمي الدقيق لأن��ه ي�ؤمن‬ ‫ب��ال�ن�ظ��رة ال�شمولية للمعرفة «ال�ع��اب��رة‬ ‫للتخ�ص�صات الدقيقة»؛ فجاءت �إ�سهاماته‬ ‫يف علم االجتماع‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬وعلم االجتماع‬ ‫ال�سيا�سي‪ ،‬وبحوث احل�ضارة والفل�سفة‪،‬‬ ‫وع �ل��وم ال�سيا�سة واالق �ت �� �ص��اد متداخلة‬ ‫متجادلة لين�سج منها فل�سفتة «املغايرة»‪،‬‬ ‫ونظريته امل�ستقلة للعامل لي�ؤ�س�س من‬ ‫خاللها «نظريته الفل�سفية» املرتكزة على‬ ‫�ضرورة درا�سة «الظاهرة احل�ضارية» يف‬ ‫حراكها اجل��ديل التاريخي «م��ن املا�ضي‬ ‫�إىل احلا�ضر �إىل امل�ستقبل» وتفاعلها مع‬ ‫اجلغرافيا والهوية الثقافية ُم��رك� ًّزا على‬ ‫دور الإن�سان الإب��داع��ي يف �صنع التاريخ‬ ‫ل�ي��ؤ��س����س فل�سفة «امل �� �ش��روع احل���ض��اري»‬ ‫املغاير للنظرة الغربية التي ر�سخها الفكر‬ ‫الغربي العن�صري ال��ذي ظ��ل منذ ن�شوء‬ ‫الظاهرة اال�ستعمارية ينظر �إىل ال�شعوب‬ ‫غ�ير الأوروب �ي��ة ن�ظ��رة متعالية عن�صرية‬ ‫ت��رى �أنها «�شعوب بربرية» ي�سعى الغرب‬ ‫«امل�ت�ح���ض��ر» �إىل «حت��دي�ث�ه��ا» ونقلها من‬ ‫«الرببرية» �إىل «احل�ضارة»‪.‬‬ ‫فرق بعن�صرية‬ ‫وفق الن�سق الأوروبى الذي ُي ِّ‬ ‫�شديدة بني «املتح�ضر» و»الآخ��ر» � ّأي بني‬ ‫«الأوروبي» و«غري الأوروبي» على حد تعبري‬ ‫د‪� .‬أنور عبد امللك‪.‬‬ ‫ل��ذا فلقد واج��ه ب�ق��وة «ال�ن�ظ��رة الدونية»‬ ‫للحداثيني العرب الذين ي�ؤمنون بنظرية‬ ‫«زرع احلداثة الغربية» يف الرتبة العربية‬

‫كطريق وحيد للتقدم‪ ..‬وهو االجتاه الذي‬ ‫ه �ج��اه ال���ش��اع��ر ال �ع��راق��ي ال�ك�ب�ير مظفر‬ ‫ال �ن��واب بقوله «لب�س العمامة زي� ًف��ا على‬ ‫القبعة»‪.‬‬ ‫فم�شروع �أن��ور عبد امللك �إذن هو حماولة‬ ‫لك�شف هذا امل�سخ‪ ،‬ورف�ض التبعية الفكرية‬ ‫وع��دم اال�ست�سالم «للعن�صرية الغربية»‬ ‫ال�ت��ي ح��ول��ت مفكري ال�ع��امل ال�ث��ال��ث �إىل‬ ‫جم��رد «ق ��ردة» حتاكى التقدم واحل��داث��ة‬ ‫الغرب َّيني وال ت�صنعهما‪ ..‬فهو ي�ؤكد هذا‬ ‫املعنى ق��ائ�ًل�اً ‪�« :‬أن��ه بالرغم م��ن التحدي‬ ‫احل���ض��اري ال��ذي تواجهه الأم��ة العربية‬ ‫ت�ستمر ال��دع��وة �إىل التم�سك باملفاهيم‬ ‫وال �ن �ظ��ري��ات والأط ��روح ��ات ال �ت��ي تتدفق‬ ‫علينا م��ن دائ��رة الإم�بري��ال�ي��ة والهيمنة‪،‬‬ ‫�أفال تهدف �إىل التحديث واللحاق بركب‬ ‫احل�ضارة؟! �أل�سنا كلنا من �سكان القرية‬ ‫الواحدة؟! ملاذا �إذن جنتهد و ُن ْبدِ ع ونخرتق‬ ‫ال�ضباب و ُن ِّ�صر على ال��ري��ادة؟! مل��اذا ال‬ ‫نر�ضى بالتبعية؟!‬ ‫ه��ذه الأف�ك��ار يقولون �أنها مالزمة لو�ضع‬ ‫عاملي م�ستقر هو نهاية امل�ط��اف‪ ..‬نهاية‬ ‫ال �ت��اري��خ بحيث ال ي��وج��د خ �ي��ار م�غ��اي��ر‪..‬‬ ‫لكن ال�ب�ن��اء املُ�صطنع املُ�� �ش � َّوه ب��د�أ يهتز‬ ‫بف�ضل حركات التحرر والثورات والرف�ض‬ ‫املتزايد لهيمنة املركز الواحد‪ ..‬حتى من‬ ‫الدول املتقدمة التابعة له‪ ..‬باب االجتهاد‬ ‫والإبداع مفتوح �إذن على م�صراعيه»‬ ‫ه��ذه هي الركيزة التي ينطلق منها �أن��ور‬ ‫عبد امللك لإثبات �أن «الفكر العاملي» لي�س‬ ‫«فك ًرا واح��دً ا» و«الفل�سفة العاملية» لي�ست‬ ‫«فل�سفة واحدة» و«احل�ضارة» لي�ست ً‬ ‫منطا‬ ‫واحدً ا‪� ،‬إمنا هي �أفكار وفل�سفات وح�ضارات‬ ‫ولكل ح�ضارة فكرها وفل�سفتها وثقافتها‬ ‫وهويتها التي تتطور بفعل الإبداع الإن�سانى‬ ‫لأبنائها‪ ،‬واخل��روج م��ن دائ��رة االغ�تراب‬ ‫والتبعية «للمركزية الغربية» التي فر�ضها‬ ‫اال��س�ت�ع�م��ار‪ ،‬وحت���اول ف��ر��ض�ه��ا «ال�ع��ومل��ة»‬ ‫لتحقيق م�صلحة «امل��رك��ز املهيمن»؛ عرب‬ ‫اجليو�ش قد ًميا‪ ،‬وع�بر م�ؤ�س�سات العوملة‬ ‫و�آل �ي��ات ال�سوق احل��ر ح��دي� ًث��ا‪� ..‬إن��ه يرى‬


‫وجه في المرآة‬ ‫‪54‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫�أن دور املفكر احل��ر يف ال��وط��ن العربي‬ ‫هو ك�سر احتكار الفل�سفة والعلم‪ ،‬ويرى‬ ‫� ً‬ ‫أي�ضا �أن م�شروع العوملة الذي يهدف �إىل‬ ‫�إنتاج «امل�ستهلك ال�صالح» هو م�شروع �ضد‬ ‫الإن�سانية فتنمية النزعة اال�ستهالكية‬ ‫تهدد الب�شرية بالإبادة لأنها تحُ ِّول الإن�سان‬ ‫«متلق خامل»‬ ‫من «م�ب��دع» و«م �ق��اوم» �إىل‬ ‫ِ‬ ‫و«م�ستهلك ك�سول»‪ ،‬لأنها ت�سلب الإن�سان‬ ‫تق�سم العامل �إىل‬ ‫�إن�سانيته ف�ضلاً عن �أنها ِّ‬ ‫«منتج مهيمن»يف ال�شمال‪ ،‬و«م�ستهلك‬ ‫تابع» يف اجلنوب‪ ،‬واملهيمن ي�سلب �إن�سانية‬ ‫التابع مهما ك��ان بريق �شعارات «حقوق‬ ‫الإن�سان» واحلقوق الدميقراطية‪ ..‬فهذا‬ ‫ال�بري��ق ال��زائ��ف جم��رد غ�ط��اء ال�ستمرار‬ ‫الهيمنة و�إ�شعال احل��روب ال�صغرية التي‬ ‫تفتت العامل �إىل دوي�لات طائفية واثنية‬ ‫وعرقية ل ُي�س ِّهل �إدارة �أم��وره��ا وكنوزها‬ ‫وثرواتها ل�صالح ماكينة العوملة ال�شرهة‬ ‫ليتدفق الإنتاج النمطي املركزي مع تزايد‬ ‫امل�ستهلكني الك�ساىل من التابعني‪.‬‬ ‫�صحيح �أننا نطالب بالدميقراطية وحقوق‬ ‫الإن�سان كحق �إن�سانى مكت�سب‪ ،‬لكن ما‬ ‫يطرحه الغرب م�شروط باتباع «�سيا�سة‬

‫واجه بقوة النظرة‬ ‫الدونية للحداثيين‬ ‫العرب الذين يؤمنون‬ ‫بنظرية زرع الحداثة‬ ‫الغربية في التربة‬ ‫العربية كطريق وحيد‬ ‫للتقدم‬ ‫ح�سن �سري و�سلوك» التابعني لدول املركز!‬ ‫نخل�ص من ذلك كله �إىل �أن �أنور عبد امللك‬ ‫�أ��س����س م���ش��روع��ه ال�ف�ك��رى ع�ل��ى حم��وري��ن‬ ‫مهمني‪ ،‬الأول‪ :‬ك�سر احتكار العلم واملعرفة‬ ‫والفكر ورف�ض «املركزية الفكرية»‪ ،‬التي‬ ‫يروج لها الغرب حتت �شعر «العلم والفكر‬ ‫ال وطن لهما»‪.‬‬ ‫والآخ��ر‪� :‬إن الفكر الإن�سانى متعدد بتعدد‬ ‫احل�ضارات ويختلف «بنيو ًيا» من مكان �إىل‬ ‫مكان ت�ش ِّكله يف كل مكان الهوية والثقافة‬ ‫وامل��وروث واجلغرافيا والإب ��داع الإن�ساين‬ ‫احلر‪.‬‬ ‫ه��ذان املحوران فتحا �أم��ام الرجل �أب��واب‬ ‫احل��ري��ة يف ال�ت�ف�ك�ير واالج �ت �ه��اد العقلي‬ ‫والإب ��داع احل��ر‪� ،‬أو ه��ي امل�ب��ادئ التي ظل‬ ‫ي �ن��ادي ب �ه��ا ط���وال م���س�يرت��ه ال �ف �ك��ري��ة‪..‬‬

‫�أنور عبد امللك‬ ‫ول��د �أن��ور عبد امللك‪ ،‬ال��ذي يعد من �أب��رز املفكرين امل�صريني وال�ع��رب يف العقود‬ ‫الأخ�يرة‪ ،‬بالقاهرة يف �أكتوبر عام ‪1924‬م‪ ،‬در�س الفل�سفة يف جامعة عني �شم�س‪،‬‬ ‫م�صر‪ ،‬ثم ح�صل على الدكتوراه يف علم االجتماع من جامعة «ال�سوربون» بباري�س‪،‬‬ ‫وعمل يف املركز القومي للبحوث مب�صر‪ .‬كما كان حما�ضراً زائراً يف عدة جامعات‬ ‫عربية و�أجنبية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل �أن��ه ك��ان ع�ضواً يف ع��دة هيئات وجمعيات علمية‬ ‫و�أك��ادمي�ي��ة عربية ودول�ي��ة‪��.‬ص��در كتابه الأول ع��ام ‪1957‬م بعنوان «م��دخ��ل �إىل‬ ‫الفل�سفة»‪ ،‬كما �أ�صدر «اجلي�ش واحلركة الوطنية»‪« ،‬املجتمع امل�صري واجلي�ش‬ ‫‪« ،»1970 - 1952‬ال�ف�ك��ر ال�ع��رب��ي يف معركة النه�ضة»‪« ،‬نه�ضة م���ص��ر»‪« ،‬ري��ح‬ ‫ال�شرق»‪« ،‬مفاتيح ا�سرتاتيجية جديدة للتنمية»‪« ،‬تغيري العامل»‪«،‬ال�صني يف عيون‬ ‫امل�صريني»‪« ،‬الثقافة والفكر»‪ ،‬و«املواطنة هي احلل»‪.‬هو �أول من انتقد اال�ست�شراق‬ ‫منذ ع��ام ‪ 1963‬م‪ ،‬حني ن�شر مقا ًال بعنوان «اال�ست�شراق يف �أزم��ة» رب��ط فيه بني‬ ‫درا�سات بع�ض امل�ست�شرقني واال�ستعمار الذي كانت تلك الدرا�سات متهيداً له‪ .‬كما‬ ‫قام مبراجعة بع�ض املفاهيم الليربالية واملارك�سية الغربية التي تتعلق بالدولة‬ ‫والأمة والقومية وغريها‪.‬ح�صل �أنور عبد امللك على امليدالية الذهبية من �أكادميية‬ ‫نا�صر الع�سكرية يف م�صر ع��ام ‪1976‬م‪ ،‬جائزة ال�صداقة الفرن�سية العربية عام‬ ‫‪1970‬م‪ .‬وجائزة الدولة التقديرية يف م�صر‪ ،‬يف العلوم االجتماعية يف عام ‪1990‬م‪.‬‬

‫وا�ستطاع من خ�لال تفعيله لها �أن ي�ضع‬ ‫م�لام��ح ت �� �ص��وره ل �ل �م �� �ش��روع احل �� �ض��اري‬ ‫العربي‪ ..‬يف مواجهة التحديات احل�ضارية‬ ‫التي تواجه الأمة‪ ..‬مفن ًّدا وحمللاً وناقدً ا‬ ‫مل�شاريع النه�ضة ال�سابقة التي بد�أت على‬ ‫�أر���ض ال��وط��ن العربى منذ نهاية القرن‬ ‫التا�سع ع�شر‪ ..‬فهو ينتقد م�شروع «زرع‬ ‫احل��داث��ة» وا��س�ت�يراد احل���ض��ارة ال��ذي له‬ ‫روج ل��ه قطاع كبري م��ن املفكرين العرب‬ ‫الغربي‬ ‫حتت دع��وى �أن «الإن�ت��اج الفكري‬ ‫ّ‬ ‫احل��داث��ي» م�ل� ٌ�ك للب�شرية يف ك��ل م�ك��ان‪..‬‬ ‫وال حرج من اقتبا�سه �أو �إعادة زراعته يف‬ ‫جمتمعاتنا‪ ..‬ولقد �أو�ضح �أن��ور عبد امللك‬ ‫– كما �أ�سلفنا – تهافت ه��ذا امل�شروع‬ ‫«ال�ت��اب��ع» لأن لي�س ك��ل م��ا ه��و �صحيح يف‬ ‫�صحيحا يف جمتمع �آخر‪ ،‬لأن‬ ‫جمتمع يكون‬ ‫ً‬ ‫التكوين الثقايف والبناء الق َّيمي يختلف‬ ‫من جمتمع �إىل جمتمع ومن ح�ضارة �إىل‬ ‫�أخرى‪.‬‬ ‫كذلك انتقد الرجل ال��دع��وات الإحيائية‬ ‫التي انطلقت م��ن �إع ��ادة �إن�ت��اج «ال�تراث‬ ‫ال �ف �ك��رى» امل� ��وروث دون ن�ق��ده �أو حتليله‬ ‫و�إعادة النظر يف ظروف ن�ش�أته التاريخية‬ ‫والب�شرية‪ .‬لأن م��ا ك��ان يعتربه �أ�سالفنا‬ ‫«علم» يف املا�ضي‪� ،‬أثبتت التجارب �أنه لي�س‬ ‫علم ًيا مع تطور العلوم وتوايل االكت�شافات‪،‬‬ ‫وم��ا ك��ان � �س��ائ��دً ا م��ن ق�ي��م يف ع�صر من‬ ‫الع�صور‪ ..‬تغري وتبدل و�ش َّكل غريه الإن�سان‬ ‫املعا�صر يف ج��دل��ه ال�ت��اري�خ��ي م��ع ال��واق��ع‬ ‫مبتغرياته‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫�أي���ض� ًا وق��ف م��وق�ف��ا خمتلفا م��ن م�شروع‬ ‫«الأ� �ص��ال��ة وامل �ع��ا� �ص��رة» ال ��ذي ُط� � ِ�رح يف‬ ‫ال�سبعينيات والثمانينيات حلل الإ�شكالية‬ ‫احل���ض��اري��ة‪ ،‬م ��ؤك��دً ا �أن ه�ن��اك تناق�ض ًا‬ ‫يف بنية امل�ق��ول��ة نف�سها ال �ت��ي جت�م��ع بني‬ ‫ن �ق �ي �� �ض�ين‪ ،‬واحل � ��ل ل �ي ����س ب��االن �ت �ق��ائ �ي��ة‬ ‫وامل�صاحلة ال�شكلية بني ما هو موروث وما‬ ‫هو جديد لأن‪" :‬التناق�ض احلقيقي الكامن‬ ‫ً‬ ‫تناق�ضا بني الأ�صالة‬ ‫يف هذه املقولة لي�س‬ ‫والتجديد‪ ،‬ولي�س بني ال�تراث والتحديث‪،‬‬ ‫ول�ك�ن��ه ب�ين الأ� �ص��ال��ة ال�سلفية وال�ت�راث‬


‫اجلامد من ناحية‪ ،‬وبني الأ�صالة القومية‬ ‫اخللاَّ قة والرتاث كباعث للإبداع الفكري‬ ‫والثقايف الذاتي‪.‬‬ ‫�أى ب�ين امل��وق��ف امل�ستقل امل�سئول الرائد‬ ‫م��ن التاريخ وب�ين امل��وق��ف التابع املنهزم‬ ‫الهام�شي من التاريخ نف�سه‪ ، ..‬لأن امل�شروع‬ ‫احل�ضاري العربي يف ر�أي��ه البد �أن يجمع‬ ‫ب�ين اخل�صو�صية ال�ت��اري�خ�ي��ة‪ ،‬وحت��دي��ات‬ ‫املرحلة الآنية والر�ؤية امل�ستقبلية‪.‬‬ ‫فالتبعية عنده �إذن لي�ست فقط «تبعية»‬ ‫ل�ل�آخ��ر‪ ،‬ول�ك�ن�ه��ا �أي �� ً��ض��ا تبعية «للجمود‬ ‫امل��ا��ض��وي»‪ ..‬واحل��ل يف الإب ��داع الإن�ساين‬ ‫اجلديل بني ما كان وما هو كائن وما ينبغي‬ ‫�أن يكون‪ ،‬إ�ن��ه احل��ل الثوري ال��ذي اهتدى‬ ‫ل��ه‪� ،‬أي �أن ��ه ق ��درة الإن �� �س��ان ع�ل��ى ه�ضم‬ ‫هويته ومالحمها العامة والبناء عليها وفق‬ ‫متطلبات �أبناء الأمة و�آمالهم و�أحالمهم‬ ‫–الآن‪ -‬لر�سم معامل م�ستقبلهم الوطني‬ ‫املتحرر من قيود «التبعية» �سواء للأمناط‬ ‫اجلاهزة «املا�ضوية» �أو الأمن��اط «املُعل َّبة»‬ ‫الواردة من املراكز الغربية الفكرية‪.‬‬ ‫امل�شروع احل�ضاري العربي عند �أنور عبد‬ ‫امللك يف «م�شروعه الفل�سفي» يتميز �إذن‬ ‫ب��أن��ه م�شروع �إب��داع��ي‪ ،‬والإب ��داع عنده ال‬ ‫ينح�صر‪ ،‬كما يعتقد البع�ض يف «الفنون‬ ‫والآداب» ولكنه الإب ��داع «كفعل �إن�ساين»‬ ‫يف خمتلف م�ن��اح��ي احل �ي��اة االجتماعية‬ ‫واالقت�صادية وال�سيا�سية والفكرية‪.‬‬ ‫ف �ن �ح��ن ع �ل��ى ح ��د ت �ع �ب�يره �أم � ��ام ق��ال�ب�ين‬ ‫«ال �ق��ال��ب ال���ش��رق��ي احل �� �ض��اري» و«ق��ال��ب‬ ‫ال�غ��رب احل���ض��اري»‪ ،‬واختيارنا ال ب��د �أن‬ ‫يكون ل�ل�أول �أي «قالبنا» وهويتنا «ب�شرط‬ ‫�أن جتمع نظرتنا له بني �أط��راف الزمان‬ ‫و�أطراف امل�سرية الزمنية ملجتماعتنا منذ‬ ‫تكونها وحتى م�ستقبلها املرموق»‬ ‫وهنا يكمن دور الإبداع الإن�ساين يف درا�سة‬ ‫ون�ق��د وتطوير ه��ذا القالب وف��ق الع�صر‬ ‫ووفق �آمال امل�ستقبل ب�شرط �أن ت�شمل ب�شكل‬ ‫«تكوينى» جميع نواحى �أنواع الإبداع‪.‬‬ ‫ب�ح�ي��ث ي�ع�م��ل امل �� �ش��روع احل �� �ض��ارى على‬ ‫�إدراك امل�سببات والعوامل التي �صاغت‬

‫سمى‬ ‫رفض ما ي ُ َّ‬ ‫بالبديهيات مؤمن ًا بقدرة‬ ‫اإلبداع اإلنساني على‬ ‫االبتكار والتجديد وإعادة‬ ‫النظر في الثوابت‬ ‫ونقدها بالعقل الذي‬ ‫هو أجمل ما وهب اهلل‬ ‫لإلنسان‬ ‫والت� ��زال ت���ص��وغ م�ف�ه��وم ال �ع��امل يف نظر‬ ‫«جمتمعنا» من الناحية «اجليو ‪ -‬ثقافية»‪،‬‬ ‫لأن مفهوم العامل –يف ر�أي��ه‪ -‬يت�شكل يف‬ ‫الأ�سا�س من �إدراك حقيقة املكان بالن�سبة‬ ‫ل�ل��دوائ��ر املحيطة ويف بع�ض الأح �ي��ان يف‬ ‫�إدراك «عبقرية املكان» و�إدراك العالقة‬ ‫ب�ين الإط� ��ار اجل �غ��رايف – ال �ت��اري �خ��ي يف‬ ‫دائ��ري �ت��ه ال��داخ�ل�ي��ة امل�ح�ل�ي��ة واخل��ارج�ي��ة‬ ‫«اجليو‪�-‬سيا�سية» بالدوائر املحيطة التي‬ ‫منها ي�ت�ك��ون ال �ع��امل‪ ،‬وه��و ت���ص��ور مغاير‬ ‫يتغري ح�سب الأنظمة الفكرية والدينية‬ ‫والفل�سفية التي ت�سودها من مرحلة �إىل‬ ‫م��رح�ل��ة‪ ،‬ف�ه��ذا الت�صور ت�غ�َّيرَرَّ م��ن م�صر‬ ‫الفرعونية عنه يف م�صر البطلمية عنه يف‬ ‫الإ�سالمية «مثلاً »‪.‬‬ ‫لزاما ‪ -‬يف ر�أي��ه – �أن ي�أخذ‬ ‫لذا ي�صبح ً‬ ‫امل�شروع احل�ضاري هذه العنا�صر التكوينية‬ ‫يف االعتبار لكى ي�ستطيع �صياغتها �إطا ًرا‬ ‫اً‬ ‫اً‬ ‫ومقبول لإن�سان الغد يف جمتمعنا‪..‬‬ ‫معقول‬ ‫و�إذا حللناها و�أع��دن��ا �صياغتها ب�شكل‬ ‫علمي وعقالين �سنحدد‪-‬كما يقول‪�ُ -‬س َّلم‬ ‫القيم املعياري الذي �سوف يحدد �أ�سلوب‬ ‫التعامل داخل جمتمعنا وبالتايل �سنعرف‬ ‫م��اذا �سنغيرِّ ‪ ،‬وما هو التغيري املطلوب يف‬ ‫حدود و�إمكانيات تعبئة الطاقات الب�شرية‬ ‫وامل��ادي��ة‪ ،‬وكيفية �إع ��ادة ت�شكيل املا�ضي‬

‫كان دائم التمرد على‬ ‫سمى بالتخصص‬ ‫ما ي ُ َّ‬ ‫العلمي الدقيق‬ ‫ألنه يؤمن بالنظرة‬ ‫الشمولية للمعرفة‬ ‫العابرة للتخصصات‬ ‫الدقيقة‬

‫واحلا�ضر ملالئمة حت��د َّي��ات الع�صر وفق‬ ‫�سمات احلياة الفكرية والروحية املتميزة‬ ‫لوطننا العربي منبع ال��دي��ان��ات وخا�صة‬ ‫التوحيد‪ ..‬وم�صدر الفل�سفات الأوىل التي‬ ‫منها ت�ش َّكلت فل�سفة اليونان ‪ .‬هذا املجتمع‬ ‫الذي �ش َّكل القالب التكويني املرموق لفنون‬ ‫النحت والعمارة والت�صوير واملو�سيقى‪،‬‬ ‫وف ��وق ه��ذا وذاك ال�ك�ت��اب��ة ال�ت��ي ات�سمت‬ ‫كلها بعمق النظرة �إىل ما يتعدى الر�ؤية‬ ‫املبا�شرة‪ ..‬هذا الطابع ال�شامل الذي ل َّون‬ ‫�إ�سهامات ال�شرق العربي منذ �أقدم الأزمنة‬ ‫حتى اليوم ينبغي – يف نظره – �أن يلعب‬ ‫دو ًرا مركز ًيا يف ت�شكيل امل�شروع احل�ضاري‬ ‫امل�ستقبلي للأمة‪ ..‬مع الو�ضع يف االعتبار‬ ‫�أن هذا امل�شروع ال بد �أن يعتمد على �أداة‬ ‫�إن�سانية ت ُِّثمن الإبداع وتفتح �آفاق احلرية‬ ‫�أم��ام��ه مع تفعيل دور ال��دول��ة احلديث يف‬ ‫جم��ال االق�ت���ص��اد وال�ث�ق��اف��ة يف ُبعدهما‬ ‫االجتماعي‪� ..‬أى ال بد �أن يت�سم امل�شروع‬ ‫احل�ضاري بقدرة هائلة على تعبئة طاقات‬ ‫اال�ستمرارية احل�ضارية عرب التاريخ‪.‬‬ ‫ب�شكل عام ير�سم املفكر الراحل �أنور عبد‬ ‫امللك مالمح «م��در��س��ة فل�سفية» جديدة‬ ‫قائمة على ا�ستيعاب اخل�صو�صية وتعظيم‬ ‫دور الإبداع الإن�ساين واجلدل الإيجابي مع‬ ‫نجز العاملي احل�ضاري ل�صنع «م�شروع‬ ‫املُ ِ‬ ‫ح �� �ض��اري» ي�ت���س��ق م��ع ه��وي�ت�ن��ا وثقافتنا‬ ‫ومكاننا ومكانتنا من العامل‪.‬‬ ‫ورغم �إجنازه هذا‪ ..‬ورغم جهوده العلمية‬ ‫ال��رائ��دة يف جم��ال «اال��س�ت�ق�لال الفكري‬ ‫والفل�سفي» م��ازال «م�شروعه» بعيد ًا عن‬ ‫ال��در���س الفل�سفي امل �ت ��أين م��ن الباحثني‬ ‫ال�ع��رب‪ ،‬بل مل يكتب عن �إجن��ازه ه��ذا �إال‬ ‫بعد رحيله‪ ،‬و�أغلب ما ُك ِت َب ومن بينها هذه‬ ‫املقالة‪ ..‬كتابات عامة حت��اول �أن ت�صف‬ ‫امل�شروع وتعر�ضه ال �أن حتلله �أو تدر�سه‬ ‫درا�سة علمية عميقة‪ ..‬لكنها بداية �أعتقد‬ ‫�أنها �ستفتح الأبواب �أمام الباحثني العرب‬ ‫للنظر من جديد يف �إجناز الرجل الفكري‬ ‫ال ��ذي �سيظل ع�لام��ة ب ��ارزة ع�ل��ى طريق‬ ‫النه�ضة العربية القادمة‬


‫إرهاصة‬ ‫‪56‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫في مديح الناجيات‬ ‫قبل �أن �ألتقيها‪ ،‬كنت قد قر�أت لها عدة �أعمال‪ ،‬و�ص ّنفتها‬ ‫واحدة �ضمن قلة من الكاتبات �أ�سميهن « الناجيات»‪ ،‬لأنهن‬ ‫جنون بكتاباتهن النقية من �أ�سر ماكينات الرتجمة الغربية‬ ‫املربجمة اللتقاط كل رواي��ة وكل دي��وان وكل مقالة تكتبها‬ ‫ام��ر�أة عربية تغازل فيها ال�صور النمطية عن العرب يف‬ ‫�أعني الغرب‪ ،‬تلك ال�صور اخلارجة من بني �صفحات �ألف‬ ‫ليلة وليلة بجواريها وغلمانها وحيل ن�سائها املقموعات من‬ ‫�أجل البقاء على قيد احلياة‪.‬‬ ‫هي‪ ،‬بالن�سبة يل‪ ،‬واحدة من ه�ؤالء الناجيات‪ ،‬اللواتي جنون‬ ‫وليد عالء الدين ب�إبداعاتهن من تلك املحرقة التي يتوهج بفعلها اال�سم‬ ‫النا�س يف مناماتهم‪،‬‬ ‫وينهمر من و�سائل الإعالم حتى يزور َ‬ ‫ثم يكت�شف‪ ،‬من ُقدّر له �أن يقر�أ‪� ،‬أن الأمر مل يكن ي�ستحق‬ ‫حتى عناء �شراء الكتاب‪.‬‬ ‫هي‪ ،‬بالن�سبة يل‪ ،‬واحدة من ه�ؤالء الناجيات‪ ،‬لأنها متلك ما‬ ‫تقوله‪ ،‬وتقوله بلغة متلكها‪ ،‬رائقة عذبة ولها روح‪.‬‬ ‫وه��ي‪ ،‬واح��دة م��ن ه ��ؤالء الناجيات‪ ،‬لأن �شهرتها لي�ست‬ ‫�صنيعة حمرقة الرتجمة‪� ،‬إمنا هي �شهرة ت�أ�س�ست بهدوء‬ ‫وعلى مهل على �أعناق جناحات مرتاكمة‪� ،‬شهرة م�شفوعة‬ ‫بتاريخ من الفعل احلقيقي‪.‬‬ ‫كانت فاحتة دخ��ويل �إىل عاملها‪ ،‬م�صادفة طريفة‪ ،‬ففي‬ ‫عام ‪1997‬م‪ ،‬كنت �أخترب الطريان للمرة الأوىل‪ ،‬وبعد‬ ‫�أن انتهت امل�ضيفة من ا�ستعرا�ض �إر�شادات الأمان‪ ،‬وجهتنا‬ ‫�إىل �إمكانية احل�صول على املزيد من املعلومات يف اجليب‬ ‫اخللفي للمقعد املقابل‪.‬‬ ‫بف�ضول الطائر املبتدئ‪ ،‬مددت يدي متلم�س ًا‪ ،‬مل �أجد بطاق ًة‬ ‫للأمان‪� ،‬إمنا وجدت رواية‪ ،‬كانت م�ؤن�ستي ف�أن�ستني طرياين‬ ‫الأول‪ ،‬وحملتني على منت لغة ناب�ضة‪ ،‬ميتزج فيها الأ�سطوري‬ ‫بالتاريخي باملتخيل‪ ،‬خلطة �أ�سعدتني‪ ،‬و�أث��ارت يف ذهني‬

‫ت�سا�ؤالت عدة حول حدود الكتابة يف الروايات التي ت�ستلهم‬ ‫التاريخ‪ ،‬و�إىل �أي حد ميكنها الت�أثري على ت�صورنا للتاريخ‪.‬‬ ‫كان ظني �أن لغ ًة راقية كتلك من �ش�أنها �أن تعلق يف �أرواحنا‬ ‫كالعطر‪ ،‬فت�صبح م�صدر ًا لتاريخنا‪ ،‬بينما ت�سقط لغة‬ ‫التاريخ بجفافها‪ ،‬والكارثة �أن ذل��ك كله �سوف يتم على‬ ‫ح�ساب املعلومة واحلقيقة؟‪.‬‬ ‫ه��ذا ال���س��ؤال‪ ،‬ال��ذي ان��زرع يف ذهني و�أن��ا �أت�صفح رواي��ة‬ ‫«تقا�سيم احلياة‪� ،‬شجرة الفهود» للروائية الأردنية �سميحة‬ ‫خري�س‪ ،‬هو ال�س�ؤال نف�سه ال��ذي افتتحت به ح��واري معها‬ ‫عندما �أ�سعدين احلظ ب�أن تكون �ضيفتي يف برنامج تواقيع‬ ‫يف �أبوظبي‪.‬‬ ‫ورغم �أن الأ�سئلة عادة ال تبقى هي نف�سها بعد مرور ال�سنني‪،‬‬ ‫�إال �أنني كنت راغب ًا يف �أن يظل هذا ال�س�ؤال –حتديد ًا‪-‬‬ ‫ال�س�ؤال ذاته الذي نبت يف ذهني قبل ‪15‬عام ًا‪.‬‬ ‫كانت خري�س‪ ،‬التي مل �ألتق بها من قبل‪ ،‬تتداخل يف خميلتي‬ ‫ب�شخو�ص رواي��ات�ه��ا‪ ،‬كما يتداخل عندي ك��ل كاتب �أحبه‬ ‫ب�شخو�ص رواياته �أو ب�أطياف ما قر�أته له من �أعمال‪ ،‬كنت‬ ‫�أراها خارجة من ذلك الن�سيج االجتماعي الناب�ض باحلياة‬ ‫الذي مترره يف كتاباتها‪ ،‬وتلك ال�صراعات ال�صغرية التي‬ ‫ت�سربها فيه لتمنحه �إن�سانيته وال�صراعات املريرة التي تنزع‬ ‫عنه كينونته‪.‬‬ ‫بعيد ًا عن كل �صورها يف و�سائل الإعالم‪ ،‬كنت �أرى �سميحة‬ ‫خري�س خارجة من متون كتبها‪ ،‬حتى تلك اللحظة التي‬ ‫�صافحتني فيها بب�سمة �أمومية حنون‪ ،‬و�أخ��ذت مكانها يف‬ ‫املقعد املقابل على املن�صة‪ ،‬كنت �أخاطب تلك امل��ر�أة التي‬ ‫�صنعتُها يف خميلتي من كلمات هي كتبتها‪ ،‬ام��ر�أة تختلط‬ ‫فيها الأ�سطورة بالتاريخ باملتخيل‪ ،‬امر�أة ت�صنع ق�ص�ص ًا من‬ ‫تلك النوعية التي تبقى يف الذاكرة‪.‬‬


‫حتدثت خري�س عن دور الروائي الذي يختلف عن دور امل�ؤرخ‪،‬‬ ‫ف�إذا كان الأول يتكئ على التاريخي لي�صنع روايته‪ ،‬ف�إن الأخري‬ ‫باحث عن رواي��ات التاريخ يقتفي �آثارها ويتتبع خطاها‪ ،‬ومل‬ ‫ت�شاركني خماويف من انعكا�س ظالل الرواية على التاريخ‪ ،‬حتى‬ ‫لو متتعت بكل مقومات الإغواء‪ ،‬ففي ظنها �أن الرواية تظل عم ًال‬ ‫�إبداعي ًا يدخل فيه القارئ بهذا الوعي‪ ،‬ولكننا اتفقنا على �أن‬ ‫�إطالق ا�سم «رواية تاريخية» على هذا النوع من الروايات الذي‬ ‫ي�ستلهم ق�ص�ص التاريخ هو خط�أ نقدي‪ ،‬فالرواية تبقى رواية‬ ‫طاملا �أن هدفها �إبداعي‪ ،‬و�أن م�صطلح الرواية التاريخية ي�صلح‬ ‫�أن ُيطلق على الروايات التي ت�ستهدف بالفعل تقدمي التاريخ‬ ‫مبعاجلة فنية من دون تغيري يف املعلومات واحلقائق‪.‬‬ ‫كانت خري�س تتحدث بعفوية الأمهات‪ ،‬ولباقة �سيدات املجتمع‪،‬‬ ‫وهي يف مظهرها كذلك جتمع بني الأمرين‪� ،‬أنيقة يف غري تكلف‪،‬‬ ‫ي�شع من عينيها دفء لطيف‪ ،‬ي��زداد عندما يكون احلديث‬ ‫موجه ًا �إىل ابنتها التي كانت �ضمن احل�ضور‪ .‬مل يقلقها �س�ؤال‬ ‫ومل تتنازل عن هدوئها يف �إجابة‪ ،‬موزعة نظراتها واهتمامها‬ ‫على احل�ضور الذين كان معظمهم من اجلن�س اللطيف‪.‬‬ ‫�أهدتني الروائية �سميحة خري�س كتابها الأخ�ير «على جناح‬ ‫طائر‪� -‬سرية املدائن»‪ ،‬قر�أته فيما بعد و�أ�ضاء يل م�ساحات عن‬ ‫�سر كونها واحدة من «الناجيات»‪ ،‬هي و�إن مل ت�سمه �سرية ذاتية‪،‬‬ ‫�إال �أنها تتبعت فيه‪ ،‬بلغتها الواثقة‪ ،‬منابع ت�شكلها على امل�ستوى‬ ‫ال�شخ�صي والإب��داع��ي‪ ،‬ور��ص��دت تفا�صيل رحلتها املرتبطة‬ ‫ب�شكل وثيق ب�سرية العديد م��ن امل��دن العربية‪ ،‬حيث ق�ضت‬ ‫حياتها بالفعل «على جناح طائر» متنقلة بني العديد من الدول‬ ‫العربية‪ ،‬حيث در�ست وعملت وعا�شت وتزوجت وكونت �صداقات‬ ‫وذك��ري��ات‪ُ ،‬ول��دت وعا�شت طفولتها املبكرة يف ع ّمان الأردن‪،‬‬ ‫وانتقلت للعي�ش يف الدوحة‪ ،‬بعدها اخلرطوم التي عادت �إليها‬ ‫بعد ذلك زوجة لأحد �أبناء ال�سودان‪ ،‬ثم �أبوظبي‪ ،‬ثم الأردن‪،‬‬ ‫ومل تغفل ر�صد تفا�صيل عالقتها بالقاهرة والإ�سكندرية ودم�شق‬ ‫وال�سويداء والرقة‪ ،‬وتون�س وطرابل�س وبريوت لتجعل من كتابها‬ ‫�شهادة �أدبية واعية على فرتة من �أدق فرتات التحول العربي‪،‬‬ ‫متيزت باجلمع بني معرفة بال�شارع العربي وبالنخب من �أعالم‬ ‫الثقافة وال�سيا�سة والفن بحكم عملها يف ال�صحافة وبحكم‬ ‫دائرة عالقات �أ�سرتها املنتمية �إىل ال�سلك الدبلوما�سي‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪58‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫ين�شر هذا الباب بالتعاون‬ ‫مع املركز العربي للأدب‬ ‫اجلغرايف «ارتياد الآفاق»‬ ‫ �أبوظبي ‪ -‬لندن ‪،‬الذي يرعاه‬‫ال�شاعر والباحث الإماراتي‬ ‫حممد �أحمد ال�سويدي ‪.‬‬

‫جبل حفيت كما ر�آه هاري�سون «حوت �ضخم ي�سبح يف ال�صحراء»‬


‫�أ�سكنه زايد باملربعة و�أقام بها معم ًال للتحنيط‬

‫طبيب انجليزي‬ ‫في واحة العين ‪1960‬‬

‫راقب كائنات الطبيعة ود ّون مذكرات عنها‬ ‫�شم�سه حمد الظاهري‬ ‫اهتم بع�ض هواة علم تاريخ الطبيعة من الأوروبيني بزيارة دولة الإمارات العربية املتحدة‪ ،‬يف الوقت‬ ‫الذي كانت ت�سمى فيه بال�ساحل املت�صالح‪ ،‬مع نهاية احلرب العاملية الثانية وبداية انفتاح هذه املنطقة‬ ‫تدريجياً على العامل اخلارجي‪ ،‬وكان من بينهم طبيب وها ٍو يهتم بجمع مناذج لف�صائل و�أنواع خمتلفة‬ ‫من الثدييات ال�صغرية‪ ،‬ويتقن فن حتنيطها وحتويلها �إىل مناذج �صاحلة للحفظ وللبحث العلمي وهو‬ ‫يف �سن مبكرة‪ ،‬ال يتجاوز العا�شرة من عمره‪ ،‬يدعى بديفد هاري�سون ‪ ،David Harrison‬ومما زاد من‬ ‫اهتمامه بدرا�سة عمليات حتنيط احليوان �أن والده الدكتور جيم�س ‪ James‬و�أخاه جفري ‪ Jeffery‬كان‬ ‫لديهما االهتمام ذاته ولكن يف جمال الطيور‪.‬‬ ‫امتداد ًا لبحوث والده و�أخيه‪ ،‬قام هاري�سون تبد�أ حكاية هاري�سون مع واحات العني؟‬ ‫بجمع وحتنيط ف�صائل م��ن ط�ي��ور ال�شرق‬ ‫الأو�سط‪ ،‬ال�سيما و�أن العمليتني ال تختلفان من العراق �إىل واحات العني‬ ‫كثري ًا يف طبيعة العمل الذي يقوم به‪ ،‬وال يف يروي هاري�سون تفا�صيل احلكاية التي وقعت‬ ‫الإع ��دادات الأول�ي��ة للحفظ‪ ،‬ط��ائ��ر ًا ك��ان �أو معه يف ب��داي��ات العقد ال�ساد�س م��ن القرن‬ ‫حيوان ًا من احليوانات الثديية‪.‬‬ ‫املا�ضي‪ ،‬حيث يقول‪« :‬كنت قد �سمعت عن‬ ‫ويف بداية اخلم�سينيات من القرن املا�ضي‪ ،‬جمموعة واح��ات تتكون م��ن ع��دة ق��رى تقع‬ ‫�سنحت ل �ه��ار� �س��ون ف��ر��ص��ة زي� ��ارة منطقة يف عمق ال�صحراء للمناطق الداخلية من‬ ‫ال�ساحل املت�صالح الن�ضمامه �إىل الق�سم ال�ساحل املت�صالح‪ ،‬على بعد مائة ميل من‬ ‫ال�ط�ب��ي ل���س�لاح اجل ��و امل�ل�ك��ي ال�بري �ط��اين‪ ،‬مدينة ال�شارقة الواقعة على اخلليج العربي‪،‬‬ ‫وبدافع تقدمي خدمات طبية لأفراد ع�سكريني ومتتد �أرا�ضي هذه الواحات ب�سهول ح�صوية‬ ‫ينتمون لقوة �ساحل عمان التي ت�أ�س�ست وقتئذ �إىل غرب جبال عمان على الطرف ال�شمال‬ ‫لأ�سباب �أهمها احلفاظ على الأم��ن داخل ال�شرقي للربع اخلايل‪ ،‬وتتبع بع�ض هذه القرى‬ ‫املنطقة‪ ،‬ومعاجلة املر�ضى من �سكان املناطق حاكم �أبوظبي‪ ،‬ال�شيخ �شخبوط بن �سلطان‪،‬‬ ‫النائية والقبائل البدوية‪ ،‬والأهم دعم الوجود ال��ذي ي�شرف عليها نيابة عنه واملقيم فيها‬ ‫الربيطاين يف ال�ساحل املت�صالح‪ .‬فمن �أين ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان‪ ،‬وتتبع بع�ضها‬

‫الآخر �سلطان ُعمان»‪.‬‬ ‫يف الوقت ال��ذي زار فيه هاري�سون املنطقة‪،‬‬ ‫كانت تعرف بواحة الربميي‪ ،‬وكانت ما تزال‬ ‫جمموعة من القرى‪ ،‬وكما �أ�شار الطبيب‪ ،‬كان‬ ‫بع�ضها يتبع حاكم �أبوظبي‪ ،‬والبع�ض الآخر‬ ‫يتبع �سلطان عمان‪ ،‬وبعد ذلك مت تق�سيم هذه‬ ‫القرى فحملت ا�سمني‪ ،‬قرى عمان حملت ا�سم‬ ‫الربميي‪ ،‬وقرى �أبوظبي اتخذت «العني» ا�سم ًا‬ ‫لها ن�سبة �إىل �إحدى القرى التابعة لأبوظبي‪.‬‬ ‫يف �أغ�سط�س ع��ام ‪1953‬م‪ ،‬وبعد �أن انتهت‬ ‫ف�ترة خدمة هاري�سون الطبية يف ال�ع��راق‪،‬‬ ‫ح ّلق متجه ًا نحو اجلنوب �إىل �شبه اجلزيرة‬ ‫العربية‪ ،‬ليحل حمل الطبيب ‪John Marshal‬‬ ‫ال� ��ذي ان�ت�ه��ت ف�ت�رة خ��دم�ت��ه ه��و الآخ� ��ر يف‬ ‫واحات العني‪ ،‬وكانت الفرتة املقرتحة لإقامة‬ ‫هاري�سون �شهرين فقط «�أغ�سط�س و�سبتمرب»‪.‬‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪60‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫�صورة حديثة للمربعة يف العني‬

‫م�شاهدات من اجلو‬

‫ع�بر هاري�سون ج��زي��رة البحرين على منت‬ ‫طائرة هبطت به يف مطار ال�شارقة‪ ،‬الواقعة‬ ‫يف ال�ساحل املت�صالح‪� ،‬أبرز ما لفت انتباهه‬ ‫وهو يحلق فوق مياه اخلليج العربي ال�ضحلة‬ ‫كان كرثة انت�شار املراكب ال�شراعية املثلثة‪.‬‬ ‫من مطار ال�شارقة اجته هاري�سون �إىل منطقة‬ ‫ال��واح��ات م�ت��وغ�ل ًا يف الأرا�� �ض ��ي الداخلية‬ ‫لل�ساحل املت�صالح وكتب ق��ائ�ل ًا‪�« :‬أت ��اح يل‬ ‫الطريق فر�صة التعرف على طبيعة املنطقة‬ ‫من الناحية اجلغرافية‪ ،‬و�شاهدت الكثبان‬ ‫ال��رم�ل�ي��ة ال �ت��ي ب��دت ع�ل��ى �شكل منحنيات‬ ‫متنا�سقة ت��زداد تدريجي ًا يف االرت�ف��اع كلما‬ ‫اجت�ه�ن��ا ن�ح��و ال��داخ��ل‪ ،‬وي �ت��درج ل��ون�ه��ا بني‬ ‫الأب�ي����ض ال�لام��ع والأح �م��ر ال�ط��اب��وق��ي‪� .‬أم��ا‬ ‫الغطاء النباتي يف املناطق ال�ساحلية فبدا‬ ‫على �شكل جم�م��وع��ات كثيفة م��ن �أ�شجار‬ ‫النخيل املتناثرة يف املنطقة‪ .‬و�شاهدت يف‬ ‫الأم��اك��ن غ�ير امل ��أه��ول��ة بال�سكان خطوطا‬

‫مل�سارات قوافل الإب��ل من واح��ات العني �إىل‬ ‫م�سقط و��ص�ح��ار‪ ،‬وم��ن ه�ن��اك �إىل امل��وان��ئ‬ ‫الرئي�سية لل�ساحل املت�صالح‪� ،‬أبوظبي ودبي‬ ‫وال�شارقة»‪.‬‬ ‫بخالف ذلك‪ ،‬بدت ال�صحراء لهاري�سون وهو‬ ‫يحلق يف ال�سماء‪ ،‬خالية متام ًا من �أي مظهر‬ ‫م��ن مظاهر احل�ي��اة‪ ،‬وت�ساءل قائ ًال‪«:‬كيف‬ ‫ميكن للكائنات احل�ي��ة �أن تبقى على قيد‬

‫هاريسون‪ :‬كان الشيخ‬ ‫زايد رج ً‬ ‫ال عالي الهمة‬ ‫نشيط ًا وذا عزم‬ ‫وتصميم‪ ،‬وكانت‬ ‫مالمحه جميلة وهو‬ ‫رجل ملتح بالكامل‪ ،‬له‬ ‫صفات الصبر ومكارم‬ ‫األخالق ويجمع في‬ ‫أسلوبه بين الحكمة‬ ‫والطبع المرح‬

‫احلياة يف ظل انعدام الظل يف مركزه وعند‬ ‫االرتفاع ال�شديد لدرجات احلرارة!!»‬

‫و�صفه جلبل حفيت‬

‫ثم على مبعدة‪ ،‬تبدت لناظريه على الأف��ق‬ ‫كتلة �ضخمة طويلة كانت جلبل حفيت‪ .‬ر�أى‬ ‫هاري�سون حتتها عدد ًا من ريا�ض نخيل كثيفة‬ ‫وحولها قرى متمايزة قال عنها‪« :‬بدت مظاهر‬ ‫االه�ت�م��ام على ه��ذه ال �ق��رى وا��ض�ح��ة؛ فكل‬ ‫قرية حتر�سها قلعة على طراز قالع الع�صور‬ ‫الو�سطى! وهذه املجموعة الرائعة من القرى‬ ‫تقع على �سهل يف اجلانب الغربي من نطاق‬ ‫عمان ال�شرقي‪ ،‬وتعترب الكتلة ال�ضخمة جلبل‬ ‫حفيت هي املعلم البارز يف املنطقة وهو ي�شبه‬ ‫يف مظهره ظهر احلوت ال�ضخم وك�أنه ي�سبح‬ ‫يف ال�صحراء‪ ،‬وجلبل حفيت �أهمية بالن�سبة‬ ‫لهذه القرى فهو يعد كم�صد للرياح ال�شديدة‬ ‫وال�ع��وال��ق الرتابية خ�لال هبوب العوا�صف‬ ‫الرملية»‪.‬‬


‫�صورة للطابق الثالث من املربعة‬

‫نظام الأفالج‬

‫غ�ير �أن هناك م��ا ج��ذب ع�ين الطبيب وهو‬ ‫حم�ل��ق يف ال���س�م��اء‪� ،‬شكل ن �ظ��ام وهند�سة‬ ‫«الأف�ل�اج» يف املنطقة‪ ،‬فقد الح��ظ خطوط ًا‬ ‫جميلة ملجموعة من الآب��ار حفرت على �شكل‬ ‫دوائر يف خط م�ستقيم‪ ،‬وارتبطت مع بع�ضها‬ ‫بع�ض ًا بوا�سطة نفق م��ن امل�ي��اه ينحدر �إىل‬ ‫الأ�سفل كلما ابتعد عن البئر الأم‪ .‬ولكن بعد‬ ‫�أن توغل هاري�سون �أكرث بني واح��ات النخيل‬ ‫ا�ستطاع �أن يو�ضح هند�ستها ب�شكل �أدق بعد‬ ‫�أن �شاهدها عن قرب‪ ،‬فهذه الأفالج‪ ،‬ح�سب‬ ‫تعبري الطبيب‪ ،‬يجب �أن تكون درجة انحدار‬ ‫قاع القناة قليلة لتجعل املياه اجلارية متو�سطة‬ ‫ال�سرعة‪ ،‬و«ال�شريعة»‪ ،‬وهو املكان الذي يظهر‬ ‫عنده الفلج فوق �سطح الأر�ض‪ ،‬ترتبط بقناة‬ ‫�سطحية م��ع م�ك��ان ال ��زرع على �شكل قناة‬ ‫حجرية تتفرع منها قنوات ت�سمى "العوامد"‬ ‫وه��ي �سواقي �صغرية مهمتها اي�صال املياه‬ ‫�إىل كل �شجرة �أو نخلة‪ .‬يقول الطبيب‪« :‬مل‬

‫راقب هاريسون أسراب‬ ‫الخفافيش على طرف‬ ‫واحة العين واستطاع‬ ‫أن يحصل على أندر‬ ‫أنواعها وأكثرها أهمية‬ ‫بالنسبة له‬ ‫�أتوقع �أن تده�شني هذه املياه التي تدعى حملي ًا‬ ‫با�سم الأفالج»‪.‬‬

‫يف ح�ضرة زايد‬

‫بلغ هاري�سون �أخ�ير ًا منطقة الواحات ووجد‬ ‫يف ا�ستقباله الطبيب الذي �سوف يحل مكانه‪،‬‬ ‫ج��ون م��ار��ش��ال ‪ ،John Marshal‬وبرفقته‬ ‫امليجور بيرت ماكدونالد‪ ،‬القائد الع�سكري‬ ‫التابع لقوة �ساحل عمان‪ ،‬والذي قدّم حينئذ‬ ‫خدمات ع�سكرية جليلة يف هذه املنطقة ولفرتة‬

‫طويلة‪ .‬ويف م�ساء اليوم نف�سه التقى بال�شيخ‬ ‫زايد بن �سلطان �آل نهيان الذي مل يفت�أ �أن رحب‬ ‫ب�إقامة الطبيب بينهم‪ ،‬بل و�أبدى له احرتام ًا‬ ‫مطلق ًا وقدم له احلماية وكرم ال�ضيافة‪ ،‬ف�شعر‬ ‫هاري�سون يف نف�سه بحظوة كبرية حل�ضوره‬ ‫�أمام هذا ال�شيخ‪ ،‬كما �أعجب بال�شخ�صية التي‬ ‫ميتلكها ال�شيخ زاي��د وكتب عنه قائ ًال‪« :‬كان‬ ‫رج ًال عايل الهمة ن�شيط ًا وذا عزم وت�صميم‪،‬‬ ‫وكانت مالحمه جميلة وهو رجل ملتح بالكامل‪،‬‬ ‫له �صفات ال�صرب ومكارم الأخالق ويجمع يف‬ ‫�أ�سلوبه بني احلكمة والطبع املرح»‪.‬‬

‫الإقامة يف املربعة‬

‫وجه ال�شيخ زايد لهاري�سون دعوة للإقامة يف‬ ‫«املربعة» مع القائد بيرت‪ .‬وقد درج �سكان هذه‬ ‫املنطقة على ت�سمية البناء الع�سكري املربع‬ ‫�أو امل�ستطيل با�سم املربعة‪ ،‬وهي عبارة عن‬ ‫وح��دات ع�سكرية �أو منازل للحاكم �أو نقاط‬ ‫مراقبة م ��زودة بو�سائل دفاعية كاملزاغل‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪62‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫الفلج يف العني وحوله الريا�ض كما و�صفها هاري�سون يف مذكراته‬

‫وفتحات البنادق‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يو�ضح هاري�سون التخطيط والعنا�صر املعمارية‬ ‫للمربعة ق��ائ�ل ًا‪« :‬ه��و ح�صن كبري مبني من‬ ‫احلجر‪ ،‬ويتكون من ثالثة طوابق بارتفاع ‪60‬‬ ‫قدم ًا‪ُ ،‬يعرف حملي ًا باملربعة‪ .‬ويتميز ب�سماكة‬ ‫ج ��داره ليبعد ع��ن قاطنيه ارت �ف��اع درج��ات‬ ‫ح��رارة الطق�س يف اخل��ارج‪ ،‬وت�سمح نوافذه‬ ‫مبرور تيارات هوائية ب�سيطة تعمل على تربيد‬ ‫جو املربعة من الداخل»‪ .‬ويتابع حديثة قائ ًال‪:‬‬ ‫«كنا ن�ضع على هذه النوافذ جرة نحفظ فيها‬ ‫م��اء لل�شرب‪ ،‬وع��ادة م��ا تكون تلك اجل��رة‬ ‫م�صنوعة من الطني ال��ذي من خوا�صه �أن‬ ‫يجعل املاء بارد ًا ن�سبي ًا‪ .‬ولقد تقا�سمت مع‬ ‫بيرت الغرفتني العلويتني –يف الطابق الثاين‪،‬‬ ‫�أما الطابق الثالث فيتكون من �صالة جلو�س‬ ‫ومكتب وغرفة نوم ومعمل خا�ص‪ ،‬ا�ستعملته‬ ‫يف حت���ض�ير ال�ع�ي�ن��ات احل �ي��وان �ي��ة مت�ه�ي��د ًا‬ ‫حلفظها‪ ،‬وك��ان يهتم بخدمتنا يف املربعة‬ ‫رج��ل م��رح يدعى �سعيد‪ ،‬يعد لنا الطعام‬ ‫ويقوم بحرا�سة املكان»‪.‬‬ ‫ويبدو وا�ضح ًا �أن هاري�سون كان يجد �صعوبة‬ ‫يف الو�صول �إىل �سطح املربعة حيث يقول‪:‬‬ ‫«ول�ك��ي ت�صل �إىل ال�سطح العلوي للمربعة‪،‬‬ ‫يتوجب عليك خلع ح��ذائ��ك وت�سلق ج��ذوع‬ ‫النخيل املمتدة من فتحة حم�صورة يف زاوية‬ ‫على �سقف الطابق الأخري‪ ،‬ولكن املنظر املطل‬ ‫ال��ذي �ست�شاهده رائ��ع ج��د ًا فهو ميتد على‬ ‫حميط واح��ة العني وق��رى الربميي مب�سافة‬ ‫تقدر مبيل ون�صف عن قرية حما�سا»‪.‬‬

‫عزيزة و�سوزان‬

‫فلج العني‬

‫و�إذا ك��ان و��ص��ف الطبيب للمربعة ممتع ًا‬ ‫و�شيق ًا‪ ،‬ف�إن و�صفه للقاطنني فيها �أكرث ت�شويق ًا‬ ‫يقول‪�«:‬شاركتنا املبنى قطة لونها �أبي�ض يف‬ ‫�أ�سود‪� ،‬أطلقنا عليها ا�سم «عزيزة»‪ ،‬وبالرغم‬ ‫من �أنها هزيلة البنية ولها �سيقان طويلة‪ ،‬ف�إنها‬ ‫تتحلى ب�صفات املكر‪ .‬وقد وجدت يف البداية‬ ‫�صعوبة يف �أن مت�سك العينات احليوانية التي‬ ‫كنت �أح�ت�ف��ظ بها وه��ي ع �ب��ارة ع��ن ف�ئ��ران‪،‬‬ ‫ف��أخ��ذت تلهث وتقفز ف��وق الطاولة حماولة‬ ‫للإم�ساك بها‪ ،‬ولكن تع ّلمت ب�شكل تدريجي �أن‬


‫هاري�سون خالل رحلته بالعراق ‪1953‬‬

‫احد افالج العني‬

‫القطة ال�صبورة تكافئ بقطعة نية من حلم جمع مناذج من حيوانات العني‬

‫واقتنا�صها ك�إطالق الر�صا�ص وعمل الفخاخ‬ ‫و�إع� ��داد احل�ف��ر وغ�ير ذل ��ك‪ ،‬وا��س�ت�ط��اع �أن‬ ‫يح�صل على ع��دة عينات بغري تلك الطرق‬ ‫�أي�ض ًا حيث يقول‪« :‬كان �سكان واحات العني‬ ‫يظهرون امتنانهم ملا �أقدمه لهم من خدمات‬ ‫طبية‪ ،‬وذل��ك بجلبهم يل عينات حيوانية‪،‬‬ ‫فقد علموا �أن لدي اهتمام ًا كبري ًا يف جمعها‪،‬‬ ‫وكان بع�ضهم ي�أْتيني وهو مم�سك بطرف ثوبه‬ ‫ب�إحكام كي ال تفلت منه العينة التي يحملها‬ ‫وهي تتلوى داخل ثوبه‪ ،‬وما �أن يك�شف عنها‬ ‫جند �أنها لف�أر �أو جربوع �صحراوي �صغري‪،‬‬ ‫وبهذه الطريقة متكنت من احل�صول على‬ ‫�صنوف عدة من حيوانات املنطقة»‪.‬‬

‫خفا�ش عند الع�شاء»‪.‬‬ ‫كما كانت لديهم يف املربعة غزالة �صغرية‪ ،‬يف‬ ‫عمر ال�ستة �أ�شهر تقريب ًا تدعى «�سوزان»يقول‬ ‫عنها الطبيب‪« :‬كانت ت�سلينا يف املبنى‪ ،‬وكانت‬ ‫تتحرك بحركة ناعمة جد ًا ولديها قرون تنمو‬ ‫ب�أطراف �صغرية‪� ،‬أما لونها فجميل جد ًا مع‬ ‫خطوط دقيقة بر�ؤو�س �سوداء‪ ،‬ول��ون بطنها‬ ‫�أبي�ض كبيا�ض الثلج وب�شكل وا�ضح �أكرث من‬ ‫غزالن �شمال العراق‪ .‬كانت «�سوزان» لعوبة‬ ‫تثب ب�شكل �سريع وتتنقل بني طوابق املربعة‬ ‫�إىل �أعلى و�إىل �أ�سفل‪ ،‬كنا ن�ستمتع مب�شاهدتها‬ ‫وهي تلعب مع «عزيزة» يف امل�ساء بنوع من لعب‬ ‫اخلفاء‪ .‬تختبئ «عزيزة» وراء قطع الأث��اث‬ ‫ثم تقفز خارج ًة على الغزالة التي حتاول �أن‬ ‫تهاجمها مندفعة بعيد ًا لالختباء مرة �أخرى‪،‬‬ ‫وكنا نطعمها البازالء والبطاط�س والأنانا�س‬ ‫واخل��وخ واخلبز املحلي وكانت تتلذذ كثري ًا‬ ‫عند �شربها للقهوة �أو ال�شاي»‪.‬‬

‫�إن الف�ضول ال�ف�ط��ري يف معرفة م��ا لي�س‬ ‫معروف ًا‪ ،‬والرغبة امللحة يف اال�ستك�شاف التي‬ ‫لي�ست �أمر ًا نادر ًا يف نفو�س االجنليز‪ ،‬كانا من‬ ‫الدوافع الرئي�سة لرحلة الطبيب �إىل واحات‬ ‫ال �ع�ين‪ ،‬فما �أن ينهي مهامه الطبية حتى‬ ‫يخرج يف جوالت ميدانية بني �أرجاء املنطقة‬ ‫يف �صحبة امليجور بيرت‪ ،‬مما م ّكنه من ر�ؤية‬ ‫ف�صائل ن��ادرة لأن��واع خمتلفة من حيوانات‬ ‫املنطقة‪ .‬لقد كان الطبيب م�صمم ًا �أن يجمع‬ ‫ما يف املنطقة من حياة فطرية‪ ،‬وكانت لديه‬ ‫دراية تامة بالطرق املختلفة ل�صيد احليوانات‬

‫لجبل حفيت أهمية‬ ‫بالنسبة للقرى‬ ‫المجاورة فهو يعمل‬ ‫كمصد للرياح الشديدة‬ ‫والعوالق الترابية‬ ‫خالل هبوب العواصف‬ ‫الرملية‬

‫مراقبة وجمع الطيور‬

‫راق ��ب الطبيب ال�ط�ي��ور املقيمة وامل�ت�رددة‬ ‫والعابرة على ه��ذه املنطقة‪ ،‬ور�صد �أنواع ًا‬ ‫خمتلفة كالبلبل الأ�صفر الذي يعد من الطيور‬ ‫احلذرة التي ي�صعب االقرتاب منها‪ ،‬وبالرغم‬ ‫من �أن البلبل الأ�صفر ال ي�شاهَ د دائم ًا‪ ،‬متكن‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪64‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫نوافذ املربعة من اخلارج‬

‫هاري�سون من �أن يح�صل على ع ّينة منه‪ ،‬يقول‬ ‫عنه‪«:‬يختلف هذا البلبل عن البلبل العراقي‬ ‫ببقع بي�ضاء على الوجنتني‪ ،‬ولون ظهره بني‬ ‫وذي�ل��ه منتفخ حم��دب ل��ون��ه �أ�صفر ليموين‪،‬‬ ‫وبالت�أكيد يعد هذا الطائر من الأنواع التي قلما‬ ‫متكن م�شاهدتها يف هذه املنطقة»‪.‬‬ ‫وبالرغم من املعلومات القليلة التي حتدث‬ ‫عنها الطبيب ح��ول بع�ض �أن��واع الطيور‪� ،‬إال‬ ‫�أنها تعطي ول��و فكرة ب�سيطة عن ما جمعه‬ ‫وما �شاهده يف تلك املنطقة‪ .‬كذلك ا�ستطاع‬ ‫هاري�سون �أن ي�شاهد الطائر �صائد الذباب‬ ‫الأرق��ط‪ ،‬وطيور احلمام‪ ،‬والطيور ال�صغرية‪،‬‬ ‫و�أع�شا�ش الع�صافري‪ .‬كما متكن من ر�ؤي��ة‬ ‫ط��ائ��ر �آك��ل النحل الأخ���ض��ر �صغري احلجم‬ ‫الذي قال عنه‪� « :‬شكله جذاب فقد متيز بلون‬ ‫حنجرة زرقاء المعة ولون ظهر �أخ�ضر»‪.‬‬

‫�أع�شا�ش البوم‬

‫وج��د هاري�سون �أن��ه من املمكن ر�صد وتتبع‬ ‫طيور وحيوانات املنطقة الليلية‪ ،‬ولكن الأمر‬ ‫يحتاج �إىل مزيد من العنت واملثابرة‪ ،‬فخالل‬ ‫جوالته امل�سائية �شبه اليومية ر�صد �أن��واع� ًا‬ ‫خمتلفة من الطيور‪ ،‬وفوجئ ب�أع�شا�ش كثرية‬ ‫لطائر ال �ب��وم‪ ،‬وكتب عنه ق��ائ�ل ًا‪«:‬يف �أوائ��ل‬ ‫�شهر �سبتمرب ويف الوقت الذي كنا نرتقب فيه‬ ‫طريان حيوان اخلفا�ش ده�شت و�أنا �أرى عينني‬

‫نوافذ املربعة من الداخل‬

‫المعتني تقرتبان مني قادمة من �أعلى وهي‬ ‫تهبط من على جذع �شجرة مك�سورة ومغمورة‬ ‫يف ال��رم��ل‪ ،‬وف �ج ��أة ��ص��رخ ذل��ك ال���ش��يء يف‬ ‫وجهي و�أنا حمدق م�صدق ومكذب ومنده�ش‪.‬‬ ‫ووج ��دت ب��ال�ق��رب م��ن ه�ن��اك ب��وم��ة �صغرية‬ ‫�ضئيلة بال حراك ي�ستحيل �أن تراها عيناك‬ ‫ب�سبب ري�شها املخطط باللون الأ�سود الباهت‬ ‫الذي امتزج مع لون جذع ال�شجرة اخل�شبي‪،‬‬ ‫ول��و مل حت��دق بعينيها ال�صفراء الالمعة ملا‬ ‫متكنت من ر�ؤيتها‪ .‬ووجدت �أنها بومة الأ�شجار‬ ‫‪ Scops Owl‬ومن املعتقد �أنها حديثة التواجد‬ ‫ن�سبي ًا يف عمان»‪ .‬وقد ا�شار الطبيب �إىل �أن‬ ‫ال�شيخ زاي��د بن �سلطان قد �أر�سل له الحق ًا‬ ‫بعد عودته �إىل بريطانيا عينة �أخرى من نوع‬ ‫خمتلف لطائر البوم‪.‬‬

‫التدوين الأول لطائر ال�سبد‬

‫ومن الطيور الليلية التي �شاهدها هاري�سون‬

‫ولكي تصل إلى‬ ‫السطح العلوي‬ ‫للمربعة عليك خلع‬ ‫حذائك وتسلق جذوع‬ ‫النخيل الممتدة من‬ ‫فتحة محصورة في‬ ‫زاوية على سقف‬ ‫الطابق األخير‬

‫�أي�ض ًا طائر «ال�سبد» ‪ Nightjar‬وه��و من‬ ‫الطيور املقيمة يف ال�صحراء ومياثلها يف‬ ‫اللون‪ .‬ق��ال عنه الطبيب‪«:‬له ري�ش رم��ادي‬ ‫منقط‪ ،‬ولأن منقاره �صغري ج��د ًا‪ ،‬عندما‬ ‫يتثاءب يفتح ف��اه ب�شكل كبري يده�ش من‬ ‫يراه‪ ،‬ويعد هذا التدوين الأول لطائر ال�سبد‬ ‫يف اجل��زي��رة ال �ع��رب �ي��ة»‪ .‬ث��م ي�ت��اب��ع حديثه‬ ‫عن الطيور التي تن�شط لي ًال‪ ،‬يتحدث عن‬ ‫طائر «ال�صرد» ال��ذي متكن من احل�صول‬ ‫على عينة منه رغم �صعوبة الإم�ساك بهذا‬ ‫الطائر‪ ،‬وذك��ر �أن هناك نوعني من طيور‬ ‫ال�صرد نوع ينت�شر بني النباتات ال�صحراوية‬ ‫ال�شوكية حجمه كبري وي�أتي باللون الرمادي‬ ‫وعيناه مقلمة بخطوط وا�ضحة‪� ،‬أما النوع‬ ‫الآخ� ��ر ف�ي�ع��رف ب��ال���ص��رد �أح �م��ر ال�ظ�ه��ر‪،‬‬ ‫وهو من الطيور التي قلما تتواجد يف هذه‬ ‫املنطقة‪.‬‬ ‫ووجد الطبيب �أي�ض ًا �أن «قربة ال�صحراء»‬ ‫ذات ال�صدر الوردي ت�ستوطن هذه املنطقة‪،‬‬ ‫وه��ي ط �ي��ور ��ص�غ�يرة يت�شابه ل��ون ري�شها‬ ‫م��ع ل��ون رم ��ال ال �� �ص �ح��راء‪ ،‬وت�ب�ن��ي ع�شها‬ ‫ف��وق ال�صخور �أو ف��وق جتمعات الأع�شاب‬ ‫ال�صحراوية‪ ،‬وتتواجد يف الوديان ال�صخرية‬ ‫ويف منحدرات اجلبال واملنحدرات الع�شبية‪.‬‬ ‫كما ر��ص��د يف املنطقة ت��واج��د ط��ائ��ر ال��دج‬ ‫‪ Thrush‬ال ��ذي ي �ن��در م�شاهدته يف �شبه‬ ‫اجلزيرة العربية‪.‬‬


‫فتحة ال�سطح‬

‫الزواحف واحل�شرات‬

‫حتدث هاري�سون ب�شكل عام‪ ،‬عن الزواحف‬ ‫واحل�شرات يف منطقة الواحات‪ ،‬م�شري ًا �إىل‬ ‫�أن ع��دد ًا م��ن الثعابني وال�ع�ق��ارب ال ت�سبب‬ ‫لدغتها � �ض��رر ًا على الإن �� �س��ان‪ ،‬كتلك التي‬ ‫ت�ستوطن البلدان اال�ستوائية‪ ،‬و�أن �آثارها‬ ‫ميكن �أن تعالج عرب احلقن فقط‪ .‬كما ي�سجل‬ ‫�ضمن مالحظاته عن احل�شرات ملحوظته‬ ‫التالية‪« :‬يرى البع�ض �أن البلدان اال�ستوائية‬ ‫ت�ستوطنها وبكرثة الزواحف واحل�شرات ذات‬ ‫الل�سعة �أو اللدغة املميتة‪ ،‬وبالت�أكيد هذا غري‬ ‫�صحيح فال وجود لها يف املناطق العربية»‪.‬‬ ‫ما �أورده هاري�سون عن احل�شرات انح�صر‬ ‫يف الدبابري الكبرية ذات الأج�سام البنية‬ ‫املحمرة وذات الأجنحة ال�شفافة‪ ،‬والعناكب‬ ‫املعروفة بـ «جمل العقرب»‪.Camel Spiders‬‬ ‫مع �إ��ش��ارة منه �إىل �أن احل�شرات التي تعد‬ ‫ل�سعاتها خطرية ال وجود لها يف هذه املنطقة‪،‬‬ ‫و�إن وجدت فغالب ًا ما تكون خمتبئة كالبعو�ض‬ ‫ال�صغري‪ ،‬وذبابة الرمل التي تن�شر املالريا‬ ‫وت�سبب مبا يعرف بحمى ذباب الرمل‪.‬‬

‫الطهر العربي والغزالن‬

‫كان هاري�سون ي�أمل يف ر�ؤي��ة حيوان الطهر‬ ‫ال �ع��رب��ي‪ ،‬ال ��ذي ي�ستوطن دول ��ة الإم� ��ارات‬ ‫و�سلطنة عمان ويتحرك ب�سهولة فوق اجلبال‬

‫املكان الذي كان هاري�سون ي�ضع فيه �صندوق التجفيف بعيدا ً عن احل�رشات‬

‫الكتلة الضخمة لجبل‬ ‫حفيت هي المعلم‬ ‫البارز في المنطقة وهو‬ ‫يشبه في مظهره ظهر‬ ‫الحوت الضخم وكأنه‬ ‫يسبح في الصحراء‬ ‫ال�صخرية �شديدة االنحدار‪ ،‬وهو حيوان �شبيه‬ ‫باملاعز يخ�شى انقرا�ضه وال يزال بالإمكان‬ ‫العثور عليه يف جبال الفجرية العالية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وال بد �أن الطبيب ب��ذل جهد ًا كبريا خالل‬ ‫ج��والت��ه امل�ي��دان�ي��ة يف غ��رب ج �ب��ال احلجر‬ ‫ليتمكن من ر�ؤيته‪ ،‬كما ا�ستقى معلومات عن‬ ‫الطهر العربي من الذين �سبقوه يف اكت�شاف‬ ‫احلياة البيئية يف املنطقة‪ ،‬قال عنه‪«:‬هو نوع‬ ‫م��ن امل��اع��ز ال�بري يعرف ب��وج��وده يف نطاق‬ ‫عمان فقط‪ ،‬جلب انتباه العامل �إليه الدكتور‬ ‫جاياكار‪ ،‬وكان ثي�سجر �أول �شخ�ص ي�سجل‬ ‫وجوده يف منطقة جبل حفيت التي اتيح له‬ ‫ق�ضاء ب�ضعة �أيام فيها عندما �شاهده فوق‬ ‫اجلبل‪ ،‬ورغم �أن الأمل م�ستحيل يف �إمكانية‬ ‫احل�صول على عينة منه غري �أنني متكنت‬ ‫من ذلك»‪.‬‬ ‫واجلدير بالذكر �أن جاياكار كان �ضابط ًا يف‬ ‫اجلي�ش الهندي وك��ان مقيم ًا يف م�سقط بني‬

‫عامي ‪ 1885‬و‪� .1891‬أما ثي�سجر فهو رحالة‬ ‫بريطاين ب��د�أ رحلته عام ‪1945‬م �إىل الربع‬ ‫اخلايل بدعم من وحدة مكافحة اجلراد يف‬ ‫ال�شرق الأو�سط وانتهى منها عام ‪1955‬م‪،‬‬ ‫وق��د �أخ��ذت��ه رحلته عرب �إم��ارة �أبوظبي من‬ ‫خالل واحة ليوا �إىل واحات العني‪ .‬ويف العني‬ ‫قام مبرافقة ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان‬ ‫يف العديد من رحالت ال�صيد‪.‬‬

‫غزالن اجلنوب‬

‫وب�ين ال�سهول والأودي ��ة متكن هاري�سون من‬ ‫م�شاهدة �أنواع خمتلفة من الغزالن وهي تعدو‬ ‫وتثب يف املنطقة‪ ،‬وذك��ر �أن غ��زالن جنوب‬ ‫اجلزيرة العربية �أجمل بكثري من تلك التي‬ ‫تعي�ش يف �شمال العراق يف اللون ويف احلركة‪،‬‬ ‫ويقول عنها‪«:‬حتى ال�صياد الذي ميتلك �أدوات‬ ‫�صيد حديثة لن يتمكن من ا�صطيادها‪ ،‬ولكن‬ ‫ال�غ��زالن التي تعي�ش يف ال�سهول املنب�سطة‬ ‫حركتها بطيئة وميكن حتى �إم�ساكها باليد‪،‬‬ ‫واحلقيقة �أنني �سعدت عندما �أ�صدر �سلطان‬ ‫م�سقط قوانني حتد من ال�صيد اجلائر لها‪،‬‬ ‫وذلك خوف ًا عليها وعلى ثدييات �شبه اجلزيرة‬ ‫العربية من االنقرا�ض»‪.‬‬ ‫ويف ذلك الإقليم �شاهد �أي�ض ًا حيوان يرك�ض ًا‬ ‫يف املناطق املك�شوفة لي ًال عندما �سلط عليه‬ ‫ال�ضوء الأمامي لل�سيارة‪ ،‬كان كبري احلجم ذا‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪66‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫من اخلفافي�ش التي ر�صدها هاري�سون يف املنطقة‬

‫خفا�ش الفاكهة‪-‬هاري�سون‬

‫اخلفا�ش‬

‫مناذج لعينات حيوانية جمعها هاري�سون‬

‫لون برتقايل داكن م�صفر وذيل طويل وبطن‬ ‫�أبي�ض كبيا�ض الثلج ومك�سو بفراء حريري‬ ‫طويل‪� ،‬أما قدماه فقد كانتا مغطاتني ب�شعر‬ ‫�أبي�ض ق�صري وله عينان �سوداوان المعتان‪،‬‬ ‫يتحرك بخفة ور�شاقة وب�شكل �سريع ومذهل‬ ‫بحيث يقوم بقفزات والتفافات بهلوانية‬ ‫ه��رب� ًا م��ن ك��ل ��ش��يء ��ض��ار‪ ،‬ف��وج��د �أن��ه نوع‬ ‫من أ�ن��واع اجلرابيع ن��ادرة التواجد يف هذا‬

‫الإقليم‪ ،‬غري �أنه �شاهد نوع ًا �آخر من هذا‬ ‫احل�ي��وان ي�ستوطن املنطقة وميكن متييزه‬ ‫ب�سهولة ع��ن ال���س��اب��ق ي �ع��رف ب �ـ «ج��رب��وع»‬ ‫«‪ »Baluchistan‬وهو �صغري احلجم ولونه‬ ‫�أكرث قتامة من ذلك اجلربوع‪ ،‬وذيله طويل‬ ‫وب ��دون �شعر ويعي�ش يف اجل�ح��ور الرملية‬ ‫ال�صغرية‪.‬‬

‫كان لدى هاري�سون اهتمام كبري بر�صد �صنوف‬ ‫من حيوان اخلفا�ش بل وكان مولع ًا بجمعها‪،‬‬ ‫وكان موقن ًا �أنها تقطن بني واحات العني لتوفر‬ ‫الظروف البيئية املالئمة ملعي�شتها‪ ،‬يقول‪« :‬كان‬ ‫لدي �شعور ًا ب�أن هناك اهتمام ًا كبري ًا بحيوان‬ ‫ّ‬ ‫اخلفا�ش يف هذه املنطقة‪ ،‬ولأحتقق من ذلك‬ ‫بادرت بطرح �س�ؤال عنها على ال�شيخ زايد بن‬ ‫�سلطان الذي �أكد يل �أنها تعي�ش هنا وب�أ�سراب‬ ‫كبرية جد ًا‪".‬‬ ‫ويف ج��ول��ة ا�ستطالعية يف امل�ن�ط�ق��ة راف��ق‬ ‫الطبيب ال�شيخ زايد بن �سلطان وقت الغ�سق‪،‬‬ ‫و�شاهد على ط��رف واح��ة العني �أ�سراب ًا من‬ ‫حيوان اخلفا�ش وا�ستطاع �أن يح�صل على‬ ‫�أن��در �أنواعها و�أك�ثره��ا �أهمية بالن�سبة له‪.‬‬ ‫يقول عن تلك اجلولة اال�ستطالعية‪" :‬مل �أر‬ ‫مثل هذا التجمع الكبري حليوان اخلفا�ش يف‬ ‫مكان واح��دة من قبل‪ .‬احرتت يف �أي واحدة‬ ‫�أ�صطاد بالبندقية التي كنت �أحملها‪ ،‬بل وكيف‬ ‫�أ�صطاد و�أنا حمرج من جتمهر رجال املنطقة‬ ‫الذين كانوا ينظرون وينتظرون بحما�س ر�ؤية‬ ‫الطبيب وهو ي�صطاد اخلفا�ش! ولكن الذي‬ ‫�أنقذ املوقف خروج خفا�ش كبري حملق ًا فوق‬ ‫ر�ؤو��س�ن��ا ب�أجنحته الطويلة باعث ًا �صرير ًا‬ ‫عالي ًا‪ ،‬وانتهى امل�شهد باختفائه خلف تلة‬ ‫قابعة ب�ج��وار ب�ساتني النخيل‪ ،‬غ�ير �أنهم‬


‫خفا�ش عاري البطن‬

‫تعجبوا عندما ا�صطدت خفا�ش ًا م��ن �أول‬ ‫طلقة‪ ،‬ووج��دت��ه من الأن��واع الغريبة بع�ض‬ ‫ال�شيء بالن�سبة �إ ّ‬ ‫يل‪ ،‬حملته �إىل ال�شيخ زايد‬ ‫ليتمكن من ر�ؤيته عن قرب»‪.‬‬ ‫وي �� �ص��ف ه��اري�����س��ون ح ��رك ��ة اخل�ف��اف�ي����ش‬ ‫ق��ائ�ل ًا‪«:‬ت �ب��د�أ اخلفافي�ش يف واح ��ات العني‬ ‫يف التحرك على �شكل جمموعات متعاقبة‬ ‫م��ن فتحات الأف�ل�اج قبل الغ�سق‪ ،‬وتتحرك‬ ‫ب�سرعة ك �ب�يرة حملقة ب�ع�ي��د ًا ف��وق ال�ت�لال‬ ‫الرملية باجتاه ب�ساتني الواحات للبحث عن‬ ‫الغذاء»‪ .‬وعن �صفاتها و�أنواعها يذكر الطبيب‬ ‫�أن خفافي�ش ه��ذه املنطقة تعود �إىل معظم‬ ‫�أح��د �أك�ث�ر ال�ع��ائ�لات انت�شار ًا يف بريطانيا‬ ‫وه ��ي ‪ ،Vesperlilionidae‬وق ��د �شاهد‬ ‫خفا�ش رينوبوما�سكتيلوم ‪Rhinopomas‬‬ ‫‪ muscatellum‬ف�أري الذنب وهي تظهر وقت‬ ‫الغروب من ال�صحراء باجتاه ال�سل�سلة اجلبلية‬ ‫املمتدة على حافة جبل حفيت باحثة عن مالذ‬ ‫يف بع�ض الكهوف �أو ال�شقوق اجلبلية‪.‬‬ ‫وب�شكل ع��ام وج��د �أن يف منطقة ال��واح��ات‬ ‫الرتبتني الفرعيتني للخفافي�ش �آكلة الفواكه‬ ‫«اخلفافي�ش الكبرية» وهي ت�ضم عائلة واحدة‬ ‫فقط‪ ،‬و�آخ��رى �آكلة للح�شرات «اخلفافي�ش‬ ‫ال�صغرية» وك��ان��ت �أك�ثر اخلفافي�ش الآكلة‬ ‫للح�شرات �شيوع ًا ه��و اخل�ف��ا���ش ذو الذيل‬ ‫ال� �ف� ��أري ‪Rhinopoma muscatellum‬‬

‫غزالة هاري�سون‬

‫تن�شط لي ًال تعي�ش يف �أ�سراب وتتجمع ب�أعداد‬ ‫كبرية ‪ .‬ووجد �أي�ض ًا �أن هناك �أنواع ًا �أخرى‬ ‫تعي�ش يف هذه املنطقة منها‪ :‬اخلفا�ش الفار�سي‬ ‫ذو ورقة الأنف املثلثة ‪Persian Leaf-nosed‬‬ ‫وخفا�ش ‪ Pipistrellus kuhli‬وخفا�ش ف�أري‬ ‫الذنب نوع ‪ Mouse –tailed Bat‬وغريها من‬ ‫الأنواع‪.‬‬ ‫ا�ستطاع هار�سون �أن يح�صل على عدة عينات‬ ‫ملختلف �أنواع حيوانات املنطقة‪ ،‬ولكن واجهته‬ ‫بع�ض ال�صعوبات يف عملية حت�ضريه للعينة‬ ‫متهيد ًا لتحنيطها‪ ،‬ف��الأم��ر يتطلب معم ًال‬ ‫جمهز ًا بكامل معدات التحنيط‪.‬‬

‫معمل حتنيــــط‬

‫وخفا�ش القبور ع��اري البطن ‪ Taphozpus‬ا�ستطاع هاري�سون �أن يجهز معم ًال متوا�ضع ًا‬ ‫‪ ،nudiventris‬ثم اخلفا�ش ذو الأنف الورقي لتح�ضري العينات احليوانية داخ��ل املربعة‪،‬‬ ‫‪ . Asellia tridens‬وتلك الأنواع الثالثة التي يقول عن ذل��ك‪� «:‬إن عملية التحنيط تتطلب‬ ‫�سلخ جلد احليوان وحتتاج �أي�ض ًا �إىل �إن��ارة‬ ‫كافية غري تلك التي نعتمد عليها وهو م�صباح‬ ‫دهشت وأنا أرى عينين‬ ‫ال �ب��اراف�ين‪ ،‬ل��ذل��ك ا��ض�ط��ررت �إىل حت�ضري‬ ‫المعتين تقتربان‬ ‫العينات معتمد ًا على �أ�شعة ال�شم�س‪ ،‬ويف درجة‬ ‫مني قادمة من أعلى‬ ‫حرارة مرتفعة جد ًا لأتخل�ص من ذلك النوع‬ ‫وهي تهبط من على‬ ‫من امل�صابيح‪ ،‬وبالت�أكيد كانت القطة «عزيزة»‬ ‫ت�ستمتع �أك�ثر مني بعملية ال�سلخ لأنها كانت‬ ‫جذع شجرة مكسورة‬ ‫جتد طعام ًا تتلذذ به»‪.‬‬ ‫ومغمورة في الرمل‬ ‫وج��د هاري�سون يف ب��داي��ة الأم ��ر �صعوبة يف‬

‫وفجأة صرخ ذلك‬ ‫الشيء في وجهي‬


‫ارتياد اآلفاق‬ ‫‪68‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫هاري�سون‪� :‬شاهدت يف الأماكن غري امل�أهولة بال�سكان خطوطا ً مل�سارات قوافل الإبل من واحات العني �إىل م�سقط و�صحار‬

‫�صورة من مذكرات هاري�سون ل�سكان واحات العني‬

‫حت�ضري العينة متهيد ًا لتحنيطها‪ ،‬فهو يفاج�أ‬ ‫ب�أن معامل جلدها تتغري �أو تفقد �ألوانها بعد‬ ‫جتفيفها وحفظها كنماذج لأغرا�ض البحث‬ ‫والدرا�سة‪ ،‬وخا�صة حيوان اخلفا�ش الذي يفقد‬ ‫جلده بع�ض خ�صائ�صه املهمة بعد حفظه‪،‬‬ ‫وال ميكن درا��س��ة �أغ�شية ال�ط�يران الرقيقة‬ ‫يف جلده‪ ،‬لأنها ال تتحمل عملية التخفيف‪.‬‬ ‫و�أغلب اخلفافي�ش التي ا�ستطاع �أن يجمعها‬ ‫من واح��ات العني كانت �سمينة ج��د ًا خا�صة‬ ‫عند منطقة ال��ذي��ل‪ ،‬وتقني ًا يعترب ت��رك �أية‬

‫نقطة دهون يف العينة م�ضر ًا لعملية حتنيط‬ ‫العينة لأن الدهون �سوف تت�سرب من خالل‬ ‫اجللد و�ستظهر عالمات تلوث عليه‪ ،‬مما كان‬ ‫ي�ضطر هاري�سون �أن يبقى م�ستيقظ ًا طوال‬ ‫الليل لتح�ضريها‪ .‬غري �أنه ا�ستطاع �أن يبتكر‬ ‫و�سيلة �أخرى لتهيئة جلد احليوان‪ ،‬وقال عن‬ ‫ذلك‪«:‬كنت بطيئ ًا بع�ض ال�شيء يف عملية تهيئة‬ ‫العينات من الثدييات ال�صغرية‪ ،‬وال يجب �أن‬ ‫ت�أخذ �أكرث من ع�شرين دقيقة‪ ،‬لذا يف�ضل �أن‬ ‫يكون عدد العينات املراد حت�ضريها قليلة يف‬

‫الوقت الواحد‪ ،‬ووج��دت �أ�سلوب�أً �أكرث فاعلية‬ ‫حلفظ العينة �إىل اليوم التايل من دون �أن‬ ‫ينف�صل الفراء �أو �أن ين�سلخ اجللد عند التعامل‬ ‫معها‪ ،‬وذل��ك بحقن جتاويف اجل�سم بحقن‬ ‫�صغرية حتت اجللد حتتوي على كحول»‪.‬‬ ‫كما ا�ستخدم هاري�سون طريقة التحنيط‬ ‫بالتجفيف وي �� �ش��رح ذل ��ك يف ق��ول��ه‪«:‬ك�ن��ت‬ ‫ا�ستخدم م��ادة الزرنيخ يف التح�ضري لعملية‬ ‫حتنيط الأج�سام امليتة‪ ،‬وتعترب ه��ذه امل��ادة‬ ‫من املواد اخلطرة جد ًا‪ ،‬غري �أنها تعرف بقوة‬ ‫فعاليتها يف حفظ عينات احليوانات ال�صغرية‬ ‫والكبرية �أي�ض ًا‪ .‬ولكن يجب توخي احلذر عند‬ ‫التعامل مع هذا النوع من ال�سوائل لأنه يعد‬ ‫من العقاقري ال�سامة‪ .‬ولقد �ساعد االرتفاع‬ ‫ال�شديد لدرجات احل��رارة يف املنطقة كثري ًا‬ ‫على جتفيف العينات احليوانية لدرجة �أنها‬ ‫جت��ف يف �أق��ل م��ن ‪� 48‬ساعة‪ .‬وب��ذل��ك ميكن‬ ‫�أن تُنقل وب�شكل �سريع من �صندوق التجفيف‬ ‫�إىل ال�صفيحة يف الأع �ل��ى لتكون يف م�أمن‬ ‫من احل�شرات وخا�صة النمل‪ ،‬و�إذا ما تركنا‬ ‫العينة مك�شوفة فحتم ًا �ستتعر�ض ملهاجمة‬ ‫الذباب الذي �سيتلفها هو الآخ��ر؛ فالبد من‬ ‫من و�ضعها يف �صندوق به �أل��واح من اخل�شب‬ ‫ومغطى بخطوط من الفلني؛ لتدب�س العينات‬ ‫ال�صغرية عليها وب�شكل مرتكز �إىل �أن جتف‪،‬‬ ‫ثم نغطي ال�صندوق بقطعة من ال�شا�ش لإبعاد‬ ‫الذباب عنه‪ ،‬ون�ضعه يف مكان مرتفع بعيد ًا عن‬ ‫�سلوكيات التطفل للنمل»‪.‬‬


‫النخيل يجعل من العني واحة غناء‬

‫تلويحة الوداع‬

‫ت��ده��ورت �صحة الطبيب هاري�سون ب�سبب‬ ‫االرت �ف��اع ال�شديد ل��درج��ات احل ��رارة خالل‬ ‫�أ�شهر ال�صيف‪ ،‬فغادر منطقة الواحات متجه ًا‬ ‫�إىل ال �ع��راق‪ ،‬وغ ��ادر زم�ي�ل��ة ب�ي�تر املنطقة‬ ‫للظروف نف�سها ولق�ضاء �إج��ازة ق�صرية‪.‬‬ ‫ي�ق��ول ه��اري���س��ون‪«:‬ع�ن��دم��ا ل��وح�ن��ا م��ودع�ين‬ ‫امل��رب�ع��ة‪ ،‬ونحن يف ال�سيارة‪ ،‬اعتقد كالنا‬ ‫�أن��ه لن ي��رى املكان ثانية» ‪� .‬إال �أن الطبيب‬ ‫هاري�سون ع��اد لق�ضاء ف�ترة خدمة �أخ��رى‪،‬‬

‫كان بعض سكان واحة‬ ‫العين يأْتيني وهو‬ ‫ممسك بطرف ثوبه‬ ‫بإحكام كي ال تفلت‬ ‫منه العينة التي يحملها‬ ‫وهي تتلوى داخل ثوبه‬ ‫وما أن يكشف عنها‬ ‫نجد أنها لفأر أو جربوع‬ ‫صحراوي صغير‬

‫وكانت له كذلك جوالت ا�ستك�شافية ر�صدت‬ ‫حيوانات برية �أخرى‪.‬‬ ‫كانت غاية الطبيب من التوجه �إىل واحات‬ ‫العني هي درا�سة الثدييات الربية يف املنطقة‪،‬‬ ‫وق��د وج��د تنوع ًا الف�ت� ًا يف ثدييات املنطقة‬ ‫رغم ق�سوة الطبيعة يف ذلك الوقت‪ ،‬و�أده�شه‬ ‫ق��درة تلك الأن ��واع على الت�أقلم م��ع احلياة‬ ‫ال���ص�ح��راوي��ة‪ .‬وال �شك يف �أن م��ا ق��ام به‬ ‫هاري�سون من حتنيط حليوانات واحات العني‬ ‫وحفظ معظمها يف مبنى يف اململكة املتحدة‬ ‫يعرف مبتحف هاري�سون‪ ،‬يف مناذج متقنة‬ ‫التحنيط مع متثيل لبيئاتها الأ�صلية‪ ،‬ي�ؤدي‬ ‫�إىل دع��م الثقافة وانت�شار ال��وع��ي‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال‬ ‫عما ت�ؤديه هذه النماذج من خدمات جليلة‬ ‫للبحث والباحثني‪.‬‬ ‫مل ت�سعف الذاكرة هاري�سون ليعطينا معلومات‬ ‫�أكرث عن تلك الرحلة‪� ،‬إال �أن ما قدمه كفيل‬ ‫ب�أن نتذكره بامتنان‪.‬‬ ‫يرت�أ�س هاري�سون حالي ًا جمل�س �إدارة متحف‬ ‫هاري�سون للحيوان يف كنت باململكة املتحدة‪،‬‬ ‫ال��ذي ت�أ�س�س على يد وال��ده الدكتور جيم�س‬ ‫ه��اري���س��ون و�أخ �ي��ه ج�ف��ري ع��ام ‪ ،1930‬وهو‬ ‫ع�ضو عريق يف جمل�س جمعية املحافظة على‬ ‫احليوان‪.‬‬ ‫وقد زار الطبيب هاري�سون عدة بلدان يف ال�شرق‬ ‫الأو�سط‪ ،‬وعمل م�ست�شار ًا لدى حكومة ُعمان‬ ‫ل�ش�ؤون التاريخ الطبيعي و�أ�سهم يف العديد من‬ ‫الإ�صدارات الثقافية والعلمية املتخ�ص�صة‬


‫حكايات الشعوب‬ ‫ارتياد اآلفاق‬ ‫من‬ ‫‪70‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫لمحات من األساطير األسترالية‬ ‫علي كنعان‬ ‫جماعات من النا�س يعي�شون يف كنف الطبيعة عي�شة بدائية ب�سيطة‪ ،‬وهم يعتمدون بالفطرة على حوا�سهم‬ ‫وقواهم الذاتية يف املالحظة من �أجل البقاء وا�ستمرار احلياة واكت�ساب اخلربة وتوفري ال�سالمة والقوت‬ ‫والأمان‪� .‬أولئك هم �سكان �أ�سرتاليا الأ�صليون املعروفون با�سم �أبوريجني‪.‬‬ ‫وكما هي �أح��وال كل جماعة بدائية‪� ،‬أخذت من تلك احلكايات والأ�ساطري‪:‬‬ ‫تن�ش�أ لديهم وتت�شكل ح�ك��اي��ات و�أ��س��اط�ير‬ ‫وخرافات حول مظاهر الطبيعة وكائناتها من مغامرة يونيارا‬ ‫حولهم‪ ،‬وهم يعللون من خالل هذه الأ�ساطري يونيارا فتى مغامر من �إحدى القبائل‪ ،‬فكر �أن‬ ‫�أ� �ص��ول احل �ي��وان��ات ب ��أن��واع �ه��ا م��ن وح��و���ش يقوم برحلة طويلة �إىل مغرب ال�شم�س‪ ،‬وقد‬ ‫و�أ�سماك وطيور وزواحف وح�شرات‪ ،‬ويتابعون �أخ�بر قومه �أن��ه ما�ض ولن يقف حتى ي�صل‬ ‫حتوالت هذه املخلوقات يف املظهر وال�سلوك‪� .‬إىل بيت بيامي‪ ،‬روح الكون العظمى‪ .‬حمل‬ ‫ورمبا بدت هذه احلكايات غرائبية �أو خوارق الفتى عدة ال�سفر وال�صيد من حراب وفخاخ‬ ‫مفاجئة ملن مل يطلع من قبل على حياة ال�سكان و�شبكة �سمك وعيدان لإ�شعال النار‪ .‬وكما‬ ‫الأ�صليني وتراثهم ال�شعبي يف تلك القارة وقد ن��رى يف ع��امل احلكاية‪ ،‬مر الفتى مبخاطر‬ ‫ك��ان��وا‪ ،‬على اخ�ت�لاف القبائل الأ�سرتالية‪ ،‬و�أه ��وال ع��دي��دة جت��اوزه��ا ب�ج��ر�أة و�سالمة‪.‬‬ ‫يعتقدون بهذه الأ�ساطري وتوارثوها جي ًال بعد وكانت �أ�سراب البعو�ض من �أق�سى ما واجه يف‬ ‫جيل حتى بقيت �إىل يومنا‪ ،‬و�إن كان هذا بني طريقه‪ ،‬لكنه اتقى �أذاها ب�أن �صنع من حلاء‬ ‫القلة الباقية من �أبناء �أولئك القبائل‪.‬‬ ‫ال�شجر معطف ًا وغطى ر�أ�سه بقناع حتى جنا‬ ‫�إن احلياة البدائية حمكومة بالفطرة والب�ساطة من ل�سعاتها املزعجة‪ ،‬فخلع معطفه وقناعه‬ ‫والرباءة‪ ،‬وكث ً‬ ‫ريا ما تختلط الأمور بني الإن�سان وتركهما ‪-‬حتى يعود‪ -‬يف بركة �صغرية من‬ ‫واحليوان وت��زول احلواجز والتمايزات‪ .‬و�إذا املاء ليحافظ على طراوتهما‪ .‬ثم تابع طريقه‬ ‫اختارت بع�ض احلكايات �أن يكون البطل فيها حتى و�صل �إىل م�ستنقع ي�ستحيل عبوره‪ .‬غرز‬ ‫هو احليوان ولي�س الإن�سان‪ ،‬فما علينا �إال �أن ع�صاه يف طرفه فغا�صت يف وحله الدبق ومل‬ ‫نتذكر �أهمية احليوان وحتى النبات يف حياة ينتزعها �إال مب�شقة بالغة‪.‬‬ ‫الإن���س��ان على م��ر الع�صور‪ ،‬ويكفي هنا �أن جل�س ي�سرتيح و�سرعان ما غلبه النوم ومل‬ ‫ن�ضرب مث ًال بالإبل واخليل واحلمام والقمح ي�ستيقظ حتى �ساعة مت�أخرة من اليوم التايل‪.‬‬ ‫والنخيل و�سائر الأ��ش�ج��ار امل�ث�م��رة‪ .‬م��ا زال حني �صحا كانت ال�شم�س تغو�ص خلف اجلبال‬ ‫الإن�سان يعي�ش مع ه��ذه النعم وي�ستفيد من يف الطرف الأق�صى من امل�ستنقع‪ ،‬و�شعر ب�أن‬ ‫منتوجاتها وخدماتها و�سيظل كذلك‪ .‬و�إذا وهجها الوردي يومئ �إليه‪ ،‬فاندفع راك�ض ًا على‬ ‫ا�سرتجعنا ق�ص�ص التاريخ احلي نكت�شف كم ال�ضفة حتى وجد �شجرة مرمية �شكلت بطولها‬ ‫من اخليول واجل�م��ال وحتى الكالب �أنقذت ج�سر َا لعبور امل�ستنقع من مو�ضع �ضيق‪ ،‬ثم‬ ‫�صاحبها من ه�لاك مداهم‪ ،‬وك��ان احليوان ت�سلق التالل املجاورة حتى بلغ �سفوح اجلبال‪.‬‬ ‫هو البطل ن�ستقي من �سلوكه ومنطقه الدر�س وهناك وجد نف�سه و�سط طبيعة �ساحرة تعد‬ ‫والعربة‪ .‬ونقتطف يف ما يلي‪ ،‬باخت�صار‪ ،‬ملحات‬

‫من بالد العجائب‪ ،‬ت�ضيئها �شم�س ال تغيب‬ ‫�أبد ًا‪ .‬ور�أى �ألعاب ًا من جميع الأنواع‪ ،‬وحيوانات‬ ‫مل ي�شاهد لها مثي ًال من قبل مترح يف الأرجاء‪،‬‬ ‫وك��ان اجل��و حاف ًال ب�أغاريد الطيور واملكان‬ ‫يعبق ب�أريج الأزه��ار‪ ،‬وكانت الأ�شجار كلها‬ ‫خ�ضراء نا�ضرة وهي متيل نحو كهف كبري يف‬ ‫جانب اجلبل‪ .‬و�أمامه كان جدول ماء يتدفق‬ ‫ف��وق ال�صخور‪� ،‬ساكب ًا مياهه الف�ضية يف‬ ‫بحرية ي�سبح فيها �أ�سراب من البط والبجع‪،‬‬ ‫وتنحني الأ�شجار لتغم�س �أطراف �أغ�صانها‬ ‫يف مائها ال�صايف‪ .‬بادر الفتى و�ألقى بنف�سه‬ ‫يف البحرية ليزيل عن بدنه الغبار والعرق‬ ‫بعد رحلة م�ضنية‪ .‬كان املاء منع�ش ًا ومن�شط ًا‪،‬‬ ‫وك��ان يونيارا قد ترك �أ�سلحته على ال�ضفة‬ ‫وج ��رى �إىل ال�ك�ه��ف‪ .‬و�أم� ��ام ب��واب�ت��ه كانت‬ ‫بياالبوراغان ابنة بيامي‪ ،‬تعد طعامها �شواء‬ ‫على النار‪ .‬رحبت به وقالت �إنها كانت تنتظر‬ ‫و�صوله‪ ،‬وناولته قطعة حلم �أ�سكت بها جوعه‪.‬‬ ‫�س�ألته عن رحلته ف�أخربها �أنها كانت رحلة‬ ‫طويلة و�شاقة‪ ،‬لكن كل م�شقة تهون �أمام �أمله‬ ‫بر�ؤية "الروح العظمى"‪ .‬قالت له ب�إعجاب‪:‬‬ ‫�إن �شهور ًا قمرية كثرية قد مرت قبل �أن ترى‬ ‫فتى �شجاعا مثله غامر باملجيء لريى بيامي‬ ‫الذي كان نائم ًا داخل الكهف‪ ،‬وقد �سمحت له‬ ‫�أن يدخل ليلقي على بيامي نظرة من بعيد‪،‬‬ ‫ولكن ال يحق له �أن يوقظه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫دخل يونيارا الكهف فر�أى كائنا ب�صورة �إن�سان‬ ‫هائل احلجم‪ ،‬م�ستلقي ًا على �سرير من الأ�شجار‬ ‫امل�ضغوطة‪ ،‬وق��د ر�سمت على ج�سمه �أ�شكال‬ ‫غام�ضة ب�ألوان طينية بي�ضاء و�صفراء‪ .‬متنى‬


‫الفتى �أن يتكلم مع بيامي‪ ،‬ولكن الفتاة حذرته‬ ‫قائلة ب�أن وقت املغادرة قد حان‪.‬‬ ‫ك��ان طريق ال�ع��ودة �إىل ب�لاده �أ��س��رع و�أ�سهل‬ ‫بكثري من رحلة الذهاب‪ .‬وحني و�صل �أراد �أن‬ ‫يجمع النا�س حوله ليخربهم بكل ما جرى له‬ ‫وما ر�أى‪ .‬ولكن الفتى مل يدرك �أن الوقت الذي‬ ‫غي من‬ ‫�أم�ضاه يف ح�ضرة بيامي املقد�س قد رّ‬ ‫طبيعته‪ .‬وخ�لال وق��ت ق�صري م��ات وانتقلت‬ ‫روح��ه مبا�شرة �إىل ال��روح العظمى يف عامل‬ ‫اخللود‪ ،‬من دون �أن يعاين �أحزان العبور‪.‬‬ ‫هذه احلقيقة مل يعرفها �شعب يونيارا‪ ،‬وكل‬ ‫ما عرفوه �أنهم لن يجدوا بعد ذل��ك اليوم‬ ‫رج� ً‬ ‫لا م��ن بينهم ي�ج��ر�ؤ �أن يغامر بال�سفر‬ ‫مرة ثانية �إىل مغرب ال�شم�س لريى بيامي‪،‬‬ ‫روح الكون العظمى‪ .‬وتبدو احلكمة من هذه‬ ‫الأ�سطورة وا�ضحة‪ :‬مهما بلغ الإن�سان من‬ ‫القوة وال�شجاعة والفهم‪ ،‬ف ��إن هناك قوة‬ ‫عظمى خفية ال يقوى على �إدراكها‪.‬‬

‫القمر ال�سمكة‬

‫تقول احلكاية‪� :‬ضاقت ال��زوج��ات بطلبات‬ ‫رج��ال�ه��ن الق�ساة والأع��ب��اء املنزلية التي‬ ‫يتحملنها‪ ،‬ف�ض ًال عن متاعب احلمل وتربية‬ ‫الأطفال‪ ،‬ف�أزمعن الهرب والتواري بعيد ًا عن‬ ‫عامل الرجال و�سطوتهم الظاملة‪ .‬ومل تلبث �أن‬ ‫قادت �إحداهن رفيقاتها �إىل �شاطئ امل�ضيق‬ ‫ال�ف��ا��ص��ل ب�ين اجل��زي��رة و ال�ب�ر الرئي�سي‪،‬‬ ‫وانطلقن �سباحة نحو اجلزيرة‪.‬‬ ‫كانت بهجتهن غ��ام��رة ح�ين و�صلن �ساحل‬ ‫اجلزيرة و�ألقني ب�أنف�سن على رمالها‪� .‬س�ألت‬ ‫الكبرية‪ :‬ماذا �سن�أكل هنا؟ وبعد الت�شاور‪،‬‬ ‫انطلقت كل واحدة يف جهة بحث ًا عن جذور‬ ‫وبقول وفاكهة �أو �صيد‪ ،‬ثم رجعن مبا تي�سر‬ ‫لهن م��ن خ�ي�رات‪ .‬ك��ان يف اجل��زي��رة بحرية‬ ‫�صغرية وق��د ملحت ال�شابة �سمكة مت��رح يف‬ ‫مائها‪ ،‬فوثبت نحوها واحل��رب��ة يف يدها‪.‬‬ ‫�أم���س�ك��ت ط��رف ال���ص�خ��رة ب�ي��د وان�ت�ظ��رت‬ ‫ع��ودة ال�سمكة‪ ،‬ومل تكد تظهر �أمامها حتى‬ ‫�شكتها باحلربة ونادت رفيقاتها مل�ساعدتها‪،‬‬ ‫و�سرعان ما جاءتها النجدة و�أخرجن ال�سمكة‬ ‫لتكون وجبة د�سمة‪� ،‬إىل جانب ما حو�شن من‬

‫يف فلكه �شاهد ًا على ذلك‪.‬‬

‫ال�سلحفاة وحدبة الظهر‬

‫�أع�شاب وبقول‪.‬‬ ‫جمعن حطب ًا و�أ�شعلن النار حتى توهجت‬ ‫اجلمرات وو�ضعن ال�سمكة فوقها‪ ،‬ثم ان�شغلن‬ ‫ب�إعداد املائدة بعيد ًا عن هموم الرجال‪ .‬ومع‬ ‫اقرتاب امل�ساء حان موعد الع�شاء‪ ،‬فتوجهت‬ ‫�إح��داه��ن لإح���ض��ار ال�سمكة فلم جتدها‪.‬‬ ‫وهب اجلميع يبحثن عنها وتبعن �أثرها على‬ ‫الرمل �إىل جذع �شجرة عالية فر�أين ال�سمكة‬ ‫تزحف �صاعدة‪ .‬حاولت �صاحبة احلربة �أن‬ ‫تتعلق ب�أغ�صان ال�شجرة وتلحق ب�صيدها‪،‬‬ ‫لكن الكبرية ن�صحتها بالرتيث لأن ال�سمكة‬ ‫حني ت�صل طرف الفروع ال�صغرية لن تقوى‬ ‫على حملها و�ست�سقط‪ .‬لكن ال�سمكة جتاوزت‬ ‫ال�شجرة �سابحة يف اجلو وتابعت �صعودها‬ ‫وقد حتولت �إىل لون ف�ضي دائ��ري‪ .‬وعادت‬ ‫ال�صديقات لق�ضاء ليلتهن حول النار‪.‬‬ ‫ويف اليوم التايل تناولن طعامهن وانتظرن‬ ‫ظهور ال�سمكة ليال‪ ،‬فبدا �شكلها الف�ضي وقد‬ ‫ت�آكل من �أحد �أطرافه‪ ،‬وهكذا كل ليلة كانت‬ ‫الدائرة تت�ضاءل حتى �صارت خيط ًا منحني ًا‬ ‫كالهالل مل يلبث �أن اختفى‪ .‬وتلك كانت‬ ‫�أ�سطورة القمر‪ /‬ال�سمكة‪.‬‬ ‫مل ت�ستطع الن�سوة الهاربات احتمال حياة‬ ‫العزلة يف اجل��زي��رة ف�سبحن ع��ائ��دات �إىل‬ ‫�أزواجهن وا�ستئناف �أ�شغالهن املنزلية كما‬ ‫كانت من قبل‪ .‬وكن يت�أملن تغري �أطوار القمر‬ ‫ويتذكرن مغامرتهن‪ .‬وهكذا ت�ستمر احلياة‬ ‫ف�لا غنى للن�ساء ع��ن �أزواج �ه��ن‪ ،‬وال غنى‬ ‫للرجال عن رفيقات حياتهم‪ ..‬ويظل القمر‬

‫كان ذكر ال�سلحفاة ملحاح ًا يف طلباته حتى‬ ‫�شعرت قرينته بال�ضيق ورف�ضت اال�ستجابة‬ ‫له‪ ،‬وهذا ما �أثار غ�ضبه فحمل الع�صا وراح‬ ‫يجلدها ع�ل��ى ظ�ه��ره��ا بق�سوة ح�ت��ى ت��ورم‬ ‫وان �ت �ف��خ‪ ،‬ف�ه��رب��ت م�ن��ه وغ��ا��ص��ت يف البحر‬ ‫لتداوي جراحها وقد �صار لها حدبة‪ .‬وبعد‬ ‫�شفاء اجل��راح �سعت لتغطية تلك احلدبة‬ ‫واتقاء �شرا�سة زوجها ف�شكلت قوقعة �صلبة‬ ‫حتمي بها ظهرها وتخفي ر�أ�سها و�أطرافها‬ ‫فيها‪ ،‬لتحمي نف�سها من كل �أذى �أو خطر‬ ‫حمتمل‪ .‬وهكذا ميكن �أن ي�ستفيد املخلوق من‬ ‫م�صائبه‪.‬‬

‫الكنغر اجلدة‬

‫تقول احلكاية �إن امر�أة كانت تعاين من ق�سوة‬ ‫معاملة زوجها ف�لاذت بالفرار �إىل الغابة‬ ‫لتعي�ش وحدها ح��رة يف �أح�ضان الطبيعة‪.‬‬ ‫بحث الرجل عنها طويال فلم يفلح يف العثور‬ ‫عليها‪ .‬وك��ان الب��د �أن يتوجه �إىل الغابة‪،‬‬ ‫لكن املر�أة الذكية ا�ستطاعت �أن تخفي �آثار‬ ‫خطاها ومل ت�ترك وراءه ��ا �أي عالمة تدل‬ ‫على الدرب الذي �سلكته‪ .‬ويبدو �أنها �شعرت‬ ‫بالأمان بعد حني فلم تعد حذرة يف طريقة‬ ‫عي�شها‪ ،‬وخا�صة ب�إ�شعال ال�ن��ار‪ .‬وح�ين ملح‬ ‫الرجل وهج النار لي ًال والدخان نهار ًا‪� ،‬أدرك‬ ‫�أن زوجته هناك فتوجه نحوها‪ ،‬و�سرعان ما‬ ‫ملحته وهو يقرتب فبادرت �إىل الهرب وهو‬ ‫يطاردها حتى اختب�أت وراء ج��ذع �شجرة‬ ‫حمطمة فاحت�ضنته حمتمية به‪ .‬وحني اقرتب‬ ‫الزوج منها تذكرت رقية �سحرية ف�ألقتها على‬ ‫اجلذع‪ ،‬و�سرعان ما انطلق بها قافز ًا ب�سرعة‬ ‫وهي مت�شبثة به حتى غابت وراء التالل‪ .‬ومع‬ ‫الأيام �صار اجلذع كي�س ًا ملت�صق ًا بج�سمها‪،‬‬ ‫ث��م ط��ال��ت ال�ق��دم��ان وق���ص��رت ال��ذراع��ان‪.‬‬ ‫وهكذا حتولت امل��ر�أة الهاربة �إىل كنغر‪ .‬وال‬ ‫ين�سى �أبناء تلك القارة �أن اجلدة الأوىل لهذا‬ ‫احليوان اجلميل كانت امر�أة من الب�شر‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪72‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬


‫املحكي�شعرا ً‬ ‫ملف ال�شعر ال�شعبي‬

‫ط ّور في أغراض وشكل القصيدة‬

‫قراءة في تراث الشيخ زايد الشعري‬ ‫�سرور خليفة الكعبي‬

‫ورث ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان‪ ،‬رحمه اهلل‪� ،‬شاعريته من �إرث ح�ضاري عظيم‪ ،‬عا�ش يف كيانه و�سرى يف عروقه‪ ،‬وعمر‬ ‫وجدانه بح�س مرهف م ّكنه من ركوب خيول الفكر ون�سائم الأدب‪ ،‬ف�أ�صبح قادر ًا على �أن ير�سم يف لون ال�صحارى الأ�صفر‬ ‫الباهت‪ ،‬حبات املطر ورق�صات الورد و�شق�شقات الطري‪ ،‬ومتكن من امتطاء ليلها البهيم و�سمائها املنمقة بالنجوم‪� ،‬سارح ًا‬ ‫بخياله يف ف�ضاء اهلل الرحب البديع‪ ،‬متفكر ًا يف خلق اهلل‪ ،‬معرب ًا عن عظمة اخللق واخلالق‪ ،‬ممتلئ ًا بالع�شق لل�صحراء‪.‬‬

‫لإر�سال ق�صائدكم‪ ،‬م�شاركاتكم ومالحظاتكم‪:‬‬

‫الربيد الإلكرتوين‪turathmag1@gmail.com :‬‬ ‫الفاك�س‪009712 6582282 :‬‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪74‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫�إن ال�شاعر ال��ذي ول��د يف وج��دان ال�شيخ‬ ‫زاي��د‪ ،‬جعله مميز ًا بني �أق��ران��ه‪ ،‬و�أظهره‬ ‫على �أترابه‪ ،‬فكانت نظرته �إىل كل �شيء‬ ‫يعتمرها الإح�سا�س املرهف الواعي الذي‬ ‫يعتني بكل التفا�صيل و�أدقها‪ ،‬فكان حا�ضر‬ ‫الذهن متوقده‪ ،‬مما جعله دائما ذا ر�أي‬ ‫�سديد ال تفوته واردة وال �شاردة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وال�شيخ زاي��د مل يكن ��ش��اع��را فح�سب‪،‬‬ ‫�إمنا هو رائد من الرواد الكبار يف ال�شعر‬ ‫امل�ح�ل��ي‪ ،‬وه��و م��ن ك�ب��ار م�ت��ذوق��ي ال�شعر‬ ‫ونقاده البارعني‪ ،‬له ذائقة خا�صة تلتقط‬ ‫ال�شعر اجل�ي��د‪ ،‬وق��د ُع��رف عنه –رحمه‬ ‫اهلل‪� -‬شغفه الكبري لال�ستماع لل�شعراء‬ ‫ومناق�شته لهم يف ق�صائدهم التي يلقونها‬ ‫عليه فيما حتوي من معان و�صور‪ ،‬وقدرة‬ ‫على الرد يف نف�س الوقت ارجتا ًال على ما‬ ‫يعجبه منها وتنزل من نف�سه منزلة عالية‪.‬‬ ‫وي�ت�م�ي��ز ��ش�ع��ر ال���ش�ي��خ زاي� ��د بالتم�سك‬ ‫ب��الأ��ص��ال��ة ال�ق��دمي��ة يف ال�شعر املحلي‪،‬‬ ‫مم��زوج � ًا ب��روح الع�صر بطريقة تُعجز‬

‫مو�سيقى وحبكة وجزالة يف املعنى و�سهولة‬ ‫لم يخل شعر الشيخ‬ ‫يف الألفاظ‪� ،‬إ�ضافة �إىل احتوائها على كثري‬ ‫زايد من الحماسة لكنه‬ ‫من الو�صايا واحلكم واملواعظ‪� ،‬إال �أن الكثري‬ ‫اختلف من حيث أنه ال‬ ‫من ق�صائده التي نظمها يف بداية �شبابه قد‬ ‫يطلب الحرب بل يدعو‬ ‫اندثرت ب�سبب عدم حفظها‪ ،‬والتي ال �شك‬ ‫إلى السلم‬ ‫لو �أنها بقيت‪ ،‬لكانت �أكرب ت�سجيل للوقائع‬ ‫التي دارت يف تلك ال�سنني‪ ،‬وكانت منوذج ًا‬ ‫الكثريين‪ ،‬مما يبني قوة و�أ�صالة موهبته‪ ،‬يحتذى به وي�ثري مكتبة ال�شعر املحلي يف‬ ‫كما ت�شد ال�صور البالغية والفنون اللغوية منطقة اخلليج العربي ب�أ�سره‪.‬‬ ‫التي ي�ستخدمها امل�ستمعني ل�شعره‪ ،‬حيث‬ ‫متتزج يف �شعره النزعة الكال�سيكية املحلية احلما�سة يف �شعر ال�شيخ زايد‬ ‫لل�شعر‪ ،‬واحلداثة اللغوية واملعاين وطرق مل يختلف ال�شعر املحلي عن ال�شعر العربي‬ ‫ا�ستخدام املح�سنات البديعية التي تزيد القدمي من حيث الأغ��را���ض بالرغم من‬ ‫روعة احلكم والأمثال واملواعظ‪ ،‬روعة البناء اختالف اللغة امل�ستخدمة‪ ،‬فال�شعر املحلي‬ ‫وال�سبك‪ ،‬فهو ال ي�ستخدم �إال الكلمات املحلية ي�ستعمل اللهجة التي ول��دت من الأ�صل‪،‬‬ ‫ال�سهلة اجلميلة اجلزلة املعاين‪ ،‬ذات الوقع فكانت الكلمات املحلية التي ي�ستخدمها‬ ‫املو�سيقي ال�شجي يف الآذان والقلوب‪.‬‬ ‫ال�شعراء ال تقل وقع ًا يف النف�س البدوية‪،‬‬ ‫وبالرغم من انت�شار العديد من الق�صائد فكانت متلك نف�س القوة املحركة للحما�س‬ ‫ال �ت��ي كتبها ال�شيخ زاي ��د وال �ت��ي وج��دت ال �ع��ارم وال��دع��وة للتقاين واحل�م��ا���س يف‬ ‫�أ�صدا ًء كبرية يف اخلليج العربي ملا لها من �صفوف النا�س‪.‬‬


‫و�شعر ال�شيخ زايد مل يخل من احلما�سة‪،‬‬ ‫ولكنه اختلف من حيث �أنه ال يطلب احلرب‬ ‫بقدر ما يطلب ال�سلم‪ ،‬فهو ال ميكن �أن‬ ‫يحارب عربي �أبد ًا‪ ،‬فكلهم يف عينيه �أخوة‪،‬‬ ‫وعليهم التكاتف من �أج��ل الغد الأف�ضل‬ ‫ولي�س التناحر‪ ،‬وهو يف هذا املوقف وك�أنه‬ ‫يتمثل ق��ول �أب��و الطيب املتنبي يف حرب‬ ‫�سيف الدولة و بني كالب‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫وك� �ي � َ�ف َي� � ِت� � ُم ب �ـ ��أ�� ُ�س� َ�ك يف �أن ��ا� � ٍ�س‬ ‫�اب‬ ‫ُت �ـ �� �ص � ُي �ب � ُه � ُم ف �ي � ِ�ؤل �ـ � ُم� َ�ك ال �ـ � ُم �� �ص� ُ‬ ‫ت� �ـ� � َر َّف� �ـ ��ق �أ ُي� �ـ� �ه ��ا املَ� � � ��وىل ع�ل�ي�ه��م‬ ‫�اب‬ ‫ف� � �ـ� � ��إ َن ال� �ـ ��رف� �ـ� � َق ب� ��اجل� ��اين ع �ت �ـ� ُ‬ ‫و كقول احل��ارث بن وعلة يف رث��اء �أخيه‬ ‫الذي قتله قومه‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ق��وم��ي ه� � ُم َق �ت �ل��وا �أم �ـ �ي � َم �أخ �ـ��ي‬ ‫ل �ئ ��ن َرم � �ي � ��تُ ي �� �ص �ي � ُب �ـ �ن��ي ��س�ه�م��ي‬ ‫�وت لأع� �ف� �ـ ��و َن ج �ل�ل ً‬ ‫ف �لَ �ئ��ن َع � �ف� � ُ‬ ‫ا‬ ‫�وت لأوهِ � � �َن � � نَ َ‬ ‫ولأن �� �س� �ط � ُ‬ ‫�َ ع�ظ�م��ي‬ ‫وال�شيخ زايد يرى �أن احلما�سة يجب �أن‬ ‫توجه لبناء الوطن والعمل على �إخراجه‬ ‫م��ن امل�ح��ن ال�ت��ي حت��وط��ه م��ن ك��ل اجت��اه‪،‬‬ ‫وذل ��ك ال ي�ك��ون ب��ال�ق�ت��ال‪ ،‬ول�ك��ن بتغيري‬ ‫املفاهيم البالية التي جتر املجتمع �إىل‬ ‫اخل�ل��ف‪ ،‬و �إت�ب��اع الأ�ساليب احلديثة يف‬ ‫التطور نحو الأف���ض��ل‪ ،‬ول��ن ي�ك��ون ذلك‬ ‫�إال ب��االرت�ق��اء واملحافظة على ال�ع��ادات‬ ‫والتقاليد العربية الأ�صيلة التي حت�ض‬ ‫ع �ل��ى ك ��رم الأخ �ل��اق وال��ك��رم وال��ر�أف��ة‬ ‫والتكافل االجتماعي واجل��د وامل�ث��اب��رة‬ ‫لتحقيق الآم��ال املن�شودة والتي ال يكون‬ ‫احل�صول عليها �إال بالإيثار والإخال�ص‬ ‫يف النية‪:‬‬ ‫ال�شهــــم وال�ق�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��رم لــــــه �شاين‬ ‫عنــــــــد لــــــي م�ث�ل��ه مـــــــــــــن دوره‬ ‫لـــــي عمـــــــــلهم يف ال�ب�ل��د ب��اين‬ ‫باحـتــــــــــرام وجـــــــــــــد م�شهوره‬

‫لم يكن زايد شاعر ًا‬ ‫فحسب إنما رائد من رواد‬ ‫الشعر المحلي الكبار‬ ‫ومن متذوقي الشعر‬ ‫ونقاده البارعين‬ ‫لـــــي م�ســـــاعيهم ب��االح���س��اين‬ ‫يف الع�شـــــــاير مـــــالهـــــــــــــا ج��وره‬ ‫بيــــــن �إن�ســـــــــان وان�ســـــــــــاين‬ ‫ك��م زاحـــــــوا مـــن الكــــــــــدر ثـــوره‬ ‫وال�شاعر هنا ميجد ال�شهامة احلقة التي‬ ‫يجب �أن يتحلى بها الرجال‪ ،‬والتي البد‬ ‫�أن تكون من املبادئ التي ال يجب التخلي‬ ‫عنها �أب��د ًا حتت �أي ظرف من الظروف‪،‬‬ ‫ف�صاحب ال�شهامة واللبيب الذكي الذي‬ ‫يعرف واج�ب��ه يعزز وي�ك��رم م��ن قبل من‬ ‫ه��و مثله ويف مثل مكانته‪ ،‬فهم الذين‬ ‫يعملون ل�صالح ال��وط��ن‪ ،‬و�أعمالهم تلك‬ ‫ب ّينه ووا�ضحة وي�شري �إىل احرتامهم للعمل‬ ‫وتقدي�سهم له يف خدمة الوطن‪ ،‬كما �أن‬ ‫م�ساعيهم بني النا�س والع�شائر‪ ،‬لإ�صالح‬ ‫ذات البني والتوفيق بينهم حول امل�شاكل‪،‬‬ ‫تكون حم�م��ودة م��ن قبل ال��رب والنا�س‪،‬‬ ‫ويجب �أن ت�ق��در‪ ،‬فكانت مل�ساعيهم بني‬ ‫النا�س الأث��ر اجلليل يف تهدئة النفو�س‬ ‫واخلواطر‪:‬‬ ‫يـــــــــــــا ذا ال�شبـــــــــــــاب البـــــانـــــــي‬ ‫ب �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ادر وق �ـ �ـ �ـ �ـ��م ب�ج�ه�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ود‬ ‫�أوال تقــــــــــــــــــــــلد الدلـــــــــــهانـــي‬ ‫ل �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي م �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ا وراه �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��م ف�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ود‬ ‫وتــــــــــــــرى الـــــــــردي والــــــداين‬ ‫يف ��س�ع�ي�ه�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��م م�ن�ق�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ود‬ ‫�ش ّمــــــــــــر الــــــــــــــوقت �إن زانــــــي‬ ‫واع�م�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ل ��ش�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��را جل �ـ �ـ �ـ��دود‬ ‫وع�ســــــــى �شبـــــــــاب �أوطـــــانـــــي‬ ‫يح�ضــــــــــــــى امب�ج�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��د او فـــود‬

‫البالغة والتماثيل الرائعة والت�شبيهات‬ ‫الفريدة‪� ،‬إال �أنها من ال�شعر احلما�سي‬ ‫ال��ذي ينتهجه ال�شيخ زاي��د يف دف��ع �أبناء‬ ‫بلده للتكاتف والعمل املتناغم ملا فيه �صالح‬ ‫الوطن واملواطن‪ ،‬وهو فيها يدعو الركيزة‬ ‫الأهم يف عملية البناء وهي فئة ال�شباب‪،‬‬ ‫التي يطلب منها التحلي بال�صفات النبيلة‪،‬‬ ‫و�أن تعمل بجد و اجتهاد وتتم�سك بالأخالق‬ ‫وال�شيم التي ال ُيحرتم الإن�سان �إال �إذا‬ ‫مت�سك بها وع��رف��ت ع�ن��ه‪ ،‬ول��ن ي�ستطيع‬ ‫�أن ي��درك امل�ع��ايل �إال �إذا قا�سى التعب‪،‬‬ ‫فيطلب من جيل ال�شباب عدم تقليد من ال‬ ‫يرجى منه فائدة كالتقليد الأعمى لل�شباب‬ ‫الغربي الذي ال ميت حل�ضارتنا ب�شيء‪،‬‬ ‫فلن يزيدوا ال�شباب �إال �ضياع ًا‪.‬‬ ‫وي�ط�ل��ب ال�شيخ زاي ��د م��ن ال���ش�ب��اب �أن‬ ‫ي�شمروا ع��ن �سواعدهم و�أن يعملوا ما‬ ‫ي�ستطيعون خل��دم��ة ب�لاده��م و�أم�ت�ه��م‬ ‫ودينهم‪ ،‬متام ًا كما فعل �أج��داده��م من‬ ‫وبالرغم من احتواء هذه الأبيات للحكم قبل‪ ،‬ويتمنى لهم �أن ي�ستطيعوا �أن يحققوا‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪76‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫حبا اهلل زايد بحكمة‬ ‫شهدت لها الجزيرة‬ ‫الإجنازات التي متكن �أولئك الأجداد من العربية وسكانها منذ‬ ‫حتقيقها واملجد العظيم‪ ،‬ومبا يحقق لهم‬ ‫فجر شبابه وانعكست‬ ‫جني الفوائد اجلمة‪.‬‬ ‫في شعره كما في‬ ‫احلكمة واملوعظة يف �شعر زايد إنجازاته‬

‫ل�ق��د ك��ان��ت احل�ك�م��ة م�ن��ذ �أن خ�ل��ق اهلل‬ ‫الإن���س��ان و�أن��زل��ه يف الأر� ��ض ه��ي �أرف��ع‬ ‫�رف مي�ك��ن �أن ي�صيبه الإن �� �س��ان يف‬ ‫� �ش� ٍ‬ ‫حياته‪ ،‬وهي لي�ست باملوروثة �أو امل�أخوذة‬ ‫ع�ن��وة‪� ،‬إمن��ا ه��ي هبة م��ن اهلل �سبحانه‬ ‫وتعايل يهبها ملن ي�شاء من عبادة‪ ،‬وتكون‬ ‫فيمن وهبه اهلل العقل الر�شيد وال��ر�أي‬ ‫ال�سديد‪ ،‬وهي ال تقت�صر على التجارب‬ ‫ال�شخ�صية لإن�سان بعينه‪ ،‬ولكنها جممل‬ ‫ال�ت�ج��ارب الإن�سانية التي اطلع عليها‬ ‫واخ�ت�بره��ا‪� ،‬إ��ض��اف��ة �إىل الإمل ��ام ب��أم��ور‬ ‫ومتطلبات احلياة‪ ،‬يقول اهلل عز وجل‬ ‫يف كتابه ال�ك��رمي‪« :‬يؤيت الحكمة مـن‬ ‫يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أويت‬ ‫خرياً كثرياً وما ي ّذكر إال أولوا األلباب»‬ ‫«البقرة‪ »269،‬وقد �أكرب الإن�سان البدوي‬ ‫يف اجلزيرة العربية‪ ،‬احلكم َة واحلكماء‪،‬‬ ‫ورف��ع منزلتهم ك�م��ا رف�ع�ه��م امل �ل��وك يف‬ ‫ك��ل م �ك��ان م��ن ال �ع��امل و�أدن ��وه ��م منهم‬ ‫لال�ستفادة من خربتهم وجتاربهم فيما‬ ‫ي�صلح ال��دن�ي��ا وال��دي��ن و�أم���ور الرعية‬ ‫ال�ت��ي يحكمونها‪ ،‬وك ��ان ال�ع��رب��ي ينظر‬ ‫�إىل احل�ك�م��اء �أن �ه��م اخل�ير امل �ن��زل �إىل‬ ‫الأرا� �ض��ي التي ي�ت��واج��دون فيها خا�صة‬ ‫و�أن العرب ب�شكل ع��ام لديهم التقدير‬ ‫ال�ف�ط��ري للحكمة‪ ،‬وذل ��ك مل��ا ميتلكون‬ ‫من الفكر ال�صايف والروح الطليقة التي‬ ‫مكنتهم على الدوام �أن يكونوا حا�ضري‬ ‫الذهن متقدي الفكر‪.‬‬ ‫ولقد حبا اهلل �سبحانه وت�ع��ايل ال�شيخ‬ ‫زاي� ��د ب�ح�ك�م��ة � �ش �ه��دت ل �ه��ا اجل��زي��رة‬ ‫ال�ع��رب�ي��ة و��س�ك��ان�ه��ا م�ن��ذ ف�ج��ر �شبابه‪،‬‬ ‫فكان ي�شار �إليه بالبنان ملا متتع به من‬

‫الو�شاة‪ ،‬الأم��ر ال��ذي �سي�ؤدي �إىل جتنبه‬ ‫كافة امل�شكالت والآالم‪ ،‬واحلياة ب�سالم‬ ‫ورفق‪:‬‬ ‫ال ت �ـ �ـ �ـ �ح��ط � �س �ـ �ـ �ـ �ـ��دك ف�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��وق��ي‬ ‫خللـــــــوقي‬ ‫ت �ـ �ت �ن �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��اول �ـ �ـ �ـ �ـ��ه ال �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��و� �ش �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��اه‬ ‫ق�ب��ول ع��ام ل��دى ال�ن��ا���س‪ ،‬ومل��ا جبل عليه ت �ك �ف��ا ج �م �ي �ـ �ـ �ـ �ـ��ع ال �ع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��وق��ي‬ ‫من �إدراك وا�سع وخربة كبرية يف �أطباع‬ ‫برفـــــوقي‬ ‫النا�س وميولهم‪� ،‬إ�ضافة �إىل �إملامه الكبري‬ ‫وت���س�ل�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��م و ت�ب�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ق��ى اوي �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��اه‬ ‫ب��الأح�ك��ام والأع���راف القبلية والدينية‪،‬‬ ‫و�أ�صول الدين واحلديث وال�شريعة‪ ،‬كما وق��د ا�ستعمل ال�شيخ زاي��د يف ق�صائده‬ ‫كانت �شخ�صيته املحبة لل�سالم و�سعيه ال�شعرية التورية والإخ �ف��اء والتلميح يف‬ ‫الد�ؤوب للم ال�شمل قد �أك�سبته امل�صداقية‪� ،‬إبداء املواعظ واحلكم‪ ،‬وذلك لكي ال ي�شق‬ ‫يف حني �أن جتربته الطويلة قد �أك�سبته على نف�س من ي�سمعها �أو �أن تكون قا�سية‬ ‫اخل�برة وال��دراي��ة التي توج بهما احلكمة عليه‪ ،‬حيث تقت�ضي احلكمة تقومي الأفعال‬ ‫التي وهبه �إياها اخلالق عز وجل‪.‬‬ ‫ولي�س ت�شنيعها والت�شهري ب�صاحبها وجعله‬ ‫َ‬ ‫ولأن مكارم الأخالق والتم�سك بالعادات حكاية يتناقلها الرواة‪:‬‬ ‫العربية والإ�سالمية الأ�صيلة هي التي يـــا بـــــو �شهـــــــاب العـــــــــــــــــــــادة‬ ‫ت�ضمن ال�س�ؤدد واملكانة العالية للفرد يف‬ ‫ع �ن �ه �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ا ال ت�خ�ـ�ت�ـ�ل�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ف‬ ‫جمتمعه وبيئته و�أمته‪ ،‬ف�إن ال�شيخ زايد خــــــــــــــــــذ القنـــــــــــ�ص بالتــــــادة‬ ‫يحر�ص على دعوة �إن�سان بالده للحر�ص‬ ‫ال ت �ت �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��وزا ال �ك �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ل��ف‬ ‫على الأخ�ل�اق احلميدة التي �ستو�صله وحــــــــــــده مهـــــــــــــب زيــــــــادة‬ ‫�إىل قلوب النا�س الذين �سيحبونه بال‬ ‫اح �ب �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ارة واع �ت �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��رف‬ ‫�شك‪ ،‬ومتنحه املكانة الالئقة به �سواء‬ ‫كان �شيخ ًا كبري ًا �أم �شاب ًا �صغري ًا‪:‬‬ ‫ويف ه��ذه الأب��ي��ات يطلب ال���ش�ي��خ زاي��د‬ ‫مـــــــا يحتــــــــــــرم الن�ســـــــــــــــاين‬ ‫م��ن ذل��ك ال�شخ�ص االل �ت��زام بالعادات‬ ‫�إال ب �خ �� �ص �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ال ال�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ود والتقاليد وم��ا درج عليه الأه��ل‪ ،‬وع��دم‬ ‫�إن كـــــان مــــــــــن ال�شبــــــــــاين‬ ‫التفريط بها �أو تغيريها‪ ،‬كما يطلب منه‬ ‫و �إال ك �ه �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ل م �ع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��دود �أن يكون مت�أني ًا يف �أفعاله‪ ،‬كما يفعل يف‬ ‫ال�شهــــــــــــــــم لـــــــــــــه ميــــزاين‬ ‫القن�ص وال�صيد ال��ذي يتطلب ال�ت��أين‬ ‫ح �� �ش �م �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ة و ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��در ع�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ود وال�صرب الكثري‪ ،‬و�إال ف�ستكون العواقب‬ ‫وخيمة و�سوف يالقي الكثري من امل�شاكل‬ ‫وي� ��ورد ال���ش�ي��خ زاي���د م��ن ف�ي����ض خربته والتعب‪ ،‬لذا ف�إن عليه �أن ي�ضع عينيه على‬ ‫الإن�سانية در�س ًا لل�شباب يف التعامل وفيما م�س�ألة واحدة‪ ،‬م�شبه ًا الأمر ب�صيد طري‬ ‫يتعلق ب �� �ض��رورة �صيانة الأ�� �س ��رار التي احلباري‪ ،‬وهو نوع من الطيور يقن�صها‬ ‫ب�إمكانها �إحلاق ال�ضرر ب�صاحبها‪ ،‬ف�أوىل ال �ع��رب ب��ا��س�ت�خ��دام ال���ص�ق��ور وحت�ت��اج‬ ‫به �أن يحفظها �سر ًا بعيد ًا عن معرفة �أي للكثري من ال�صرب والت�ؤدة واجللد حتى‬ ‫خم�ل��وق حتى ال يتم تناقلها ع��ن طريق يتمكنوا من �صيدها‪.‬‬


‫وم��ن ح�ك��م وم��واع��ظ ال�شيح زاي ��د �أن‬ ‫الإن�سان العاقل يجب �أن ال ين�ساق وراء‬ ‫الأوه� ��ام ويجعلها ت�سيطر على حياته‬ ‫�أو همته‪ ،‬فال يفعل ذلك �إال قليل العقل‬ ‫واخل�ب�رة ال��ذي ميني النف�س ب��الأم��اين‬ ‫التي ال تكون �إال كال�سراب يف ال�صحراء‪،‬‬ ‫و�سيكت�شف يف النهاية وبعد ط��ول عناء‬ ‫�أنه كان على خط�أ كبري و�سيندم على ما‬ ‫�أق��دم عليه‪ ،‬يف حني �أن العاقل يجب �أن‬ ‫يح�سب لكل خطواته قبل �أن يخطوها �أو‬ ‫يكلف النف�س بالتعب واملخاطر‪ ،‬مما ال‬ ‫يعر�ضه لأي مما يتعر�ض له قليل اخلربة‬

‫من م�صاعب وتعب‪ ،‬فهو ي�ستطيع تلم�س مـــــــا يبـــــــــــده �صــــــوع و اهــــــــوايل‬ ‫يفهـــم الـــــــواقع مــــن ي�شـــــــوفه‬ ‫الواقع من املعطيات التي يدر�سها �أو ًال‬ ‫قبل الإقدام على �أي �شيء‪:‬‬ ‫وين�صح ال�شيخ زايد كل من يطلب الن�صح‬ ‫الـغ�شيـــــــم �إيتـــــــــــــــابع الــــــــــــاليل‬ ‫يق�صـــــده و يــواجـــــــــه اح���س��وف��ه �أن يتيقن م��ن ق��درة مقدمني الن�صائح‬ ‫على وزن الأمور مبيزانها ال�صحيح‪ ،‬وعن‬ ‫و اخلبـــــــــــري �إيجــــــــــــ�س لـــــــــحوايل‬ ‫قبـــــــل ال يـعنـــى لهــــــا بلــــــــوفه جتربة كافية‪ ،‬ت�ؤهلهم لإ�سداء الن�صيحة‬ ‫للغري‪ ،‬فبع�ض ه�ؤالء النا�س لي�ست لديهم‬ ‫الذهنية التي متكنهم من الن�صح‪ ،‬فهم‬ ‫زايد كان مترفع ًا عن‬ ‫يلقون بالن�صائح دون دراي��ة وي�صورون‬ ‫مدح نفسه والتفاخر‬ ‫ال �� �س��راب وك ��أن��ه حقيقة‪ ،‬وح�ت��ى الأم ��ور‬ ‫بمآثره الشخصية بينما‬ ‫الوا�ضحة املعامل والف�سيحة يف املجال‪،‬‬

‫افتخر على الدوام‬ ‫بوطنه ومواطنيه‬


‫المحكي شعر ًا‬

‫‪78‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫زايد كان مترفع ًا عن مدح‬ ‫نفسه والتفاخر بمآثره‬ ‫يريدون يف نهاية الأمر‪:‬‬ ‫ف�إنهم ال يرونها على حقيقتها �أو يرونها الشخصية بينما افتخر‬ ‫�إح� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��ذر ال ت �� �ش �ت �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ط‬ ‫ناق�صة املعامل‪ ،‬فهم ال ميلكون القدرة على على الدوام بوطنه‬ ‫تنــــــــــدم‬ ‫التمييز �أو �إ�سداء الن�صائح وينظرون �إىل‬ ‫ومواطنيه‬ ‫ي ��ا ك� ��ان ت�ب�غ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ي ال �� �ش��ي تن�ضـيه‬ ‫كل الأمور من زاوية واحدة �ضيقة‪:‬‬ ‫ـــا�س �شحيحـــة‬ ‫ترى يف النا�س �أجن ٍ‬ ‫اتخيــــــل لــك غ��دي� ٍ�ر مــن �سرابي‬ ‫�إي�شوفــــون الأمــــور اللـــي ف�سيحة‬ ‫ين حــــــولها �ضــــــاق الرحابي‬ ‫ب�ع� ٍ‬

‫�أما يف احلب والغزل فيقدم ال�شيخ زايد‬ ‫يف �شعره �أجمل معاين احلكمة يف التعامل‬ ‫م��ع امل�ح�ب��وب وت�ق��وي��ة �أوا� �ص��ر العالقات‬ ‫ال�سامية بني املحبني‪ ،‬مبا ي�سهل االلتقاء‬ ‫ب�ي�ن�ه�م��ا مب��ا حت �ك��م ب��ه ��ش��ري�ع��ة ال��دن�ي��ا‬ ‫والدين‪ ،‬فتلك العالقات يجب �أن ت�صان‬ ‫و�أن يتبع كال احلبيبني �أف�ضل �أ�سلوب يف‬ ‫تعامله مع الآخ��ر‪ ،‬فهو يجب �أن ال يعمل‬ ‫الع�صبية و قلة الأف��ق يف احل��ب‪ ،‬فذلك‬ ‫ي���ؤدي �إىل اخ�ت�لال يف التفاهم و�سرعة‬ ‫تف�شي امل�شاكل وت�أزمها‪ ،‬ف��إذا كان يريد‬ ‫الو�صل عليه �أو ًال �أن ال ي�ستعجل �أو يكون ذا‬ ‫طبع وخلق �ضيقني‪.‬‬ ‫وي��ؤك��د ال�شيخ زاي��د على �أن كثريين من‬ ‫النا�س كانوا م�ستعجلني ولكنهم مل ي�صلوا‬ ‫�إىل مبتغاهم وق��د �أدى ع��دم حتليهم‬ ‫ب��ال���ص�بر �إىل ن�ح��ول�ه��م مم��ا الق���وه من‬ ‫اجلوى دون ج��دوى‪ ،‬فالعجلة ال ت��ؤدى �إال‬ ‫ل�سوء الفهم وخ�سارة احلبيب الذي كان‬ ‫يوده‪ ،‬فال يوجد �أي حل �إذا كان يريد �أن‬ ‫ي�صل ملحبوبته �سوى بالت�أين وع��دم دفع‬ ‫املحبوب يف اجتاهات خمططة م�سبق ًا‪،‬‬ ‫لأن احل��ب احلقيقي وال �� �ص��ادق امل�ت��وج‬ ‫ب��ال���ص�بر وال �� �ص��دق وامل��ع��اين الأ��ص�ي�ل��ة‬ ‫واملعاملة النزيهة ال�شريفة‪ ،‬الب��د و�أن‬ ‫ي�صل �إىل النهاية التي يريدها احلبيبان‬ ‫من التالقي والأل�ف��ة واملحبة امل�ستمرة‪،‬‬ ‫فال�صابرون ال بد و�أن يح�صلوا على ما‬

‫وي�ستمر ال�شيخ زاي ��د يف ب��ث الن�صائح‬ ‫واحل�ك�م��ة م��ن واق ��ع جتربته الطويلة يف‬ ‫احلياة التي خربها وعرف خمابئها واخترب‬ ‫ظ��روف�ه��ا و�أح��وال �ه��ا‪ ،‬وه��و ين�صح الرجل‬ ‫باملحاولة واالجتهاد واملثابرة‪ ،‬وعدم ترك‬ ‫�أي جهد ميكنه القيام ب��ه للو�صول �إىل‬ ‫غايته‪ ،‬حتى و�إن كانت الطريق التي ي�سلكها‬ ‫الإن�سان وعرة وغري معبدة الطرق وال�سبل‪،‬‬ ‫ولكن باملحاولة و االجتهاد ال بد و�أن ي�صل‪،‬‬ ‫ولكن عليه بال�صرب والتحلي به‪ ،‬رغم �أن‬ ‫ال�صرب �صعب ال يقوى عليه كل النا�س‪ ،‬فهو‬ ‫م ٌر كالعلق �أو العلقم الذي ال ت�ستطيع حتى‬ ‫اجلمال �أن ت�ست�سيغه وميطنه �أن يق�ضي‬ ‫عليها‪ ،‬ولكن على الإن�سان �أي�ض ًا �أن ال يفني‬ ‫نف�سه يف طلب امل�ستحيل فهو �إن عجز عن‬ ‫حتقيق مراده يف املرة الأوىل‪ ،‬يجب عليه �أن‬ ‫يعود عن ذلك ال�سبيل ليبحث له عن طريق‬ ‫�آخر يكون فيه متحكم ًا يف ظروفه‪ ،‬وقادر ًا‬ ‫على تخطي امل�صاعب التي فيه وعلى �أر�ضية‬ ‫تكون الغلبة فيها ل��ه‪ ،‬وهنا يتبدى جمال‬ ‫الت�شبيه و�أ�صالة اللغة امل�ستعملة وت�أثري البيئة‬ ‫على ال�شاعر‪:‬‬ ‫حـــــاول بحيــــــلك و لــــو ترقـــــــــــــــا‬ ‫يف وع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ر �� �ص� �ع ��بٍ ب�ل��ا ط ��روق ��ي‬ ‫وال�صــــــرب مــــــــرٍ �شــــــرا العلقـــــــــا‬ ‫مــــــــــا ي �ـ �ـ �ـ��وازا ط�ـ�ي�ـ�َّ�ح النـــــــــــوقي استعمل زايد غرض‬ ‫الحماسة في اتجاه جديد‬ ‫لـــي فحمــــــت ارجــــع وال ترقـــــا‬ ‫ق�ـ�ـ�ـ�ـ��ر يف �أر� � � ٍ��ض ب�ه�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ا ت�ف�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��وق��ي من أجل بناء الوطن‬

‫ي � � � ��ا ك� � �ـ� � �ـ � ��م واح � � �ـ � � �ـ � � �ـ� � ��د ق� �ب� �ل ��ك‬ ‫�آزم‬ ‫يركـــــ�ض وال ي��و��ص��ل يل يبغيه‬ ‫وم� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��ن احل� � �م � ��اق � ��ة ج �� �س �م��ه‬ ‫انحم‬ ‫و امــن العليا مــــا تقب�ض �أيـــــــديه‬ ‫وم �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ�ت�را ال� �ع� �ي� �ـ� �ـ ��ل ي �ت �ع �ـ �ـ �ـ �ـ��و���ض‬ ‫الهم‬ ‫و يخ�سر �صــــديجــه يل حـــواليه‬ ‫ب� � � ��و� � � � �ص � � � �ي� � � ��ك ك� � � � � ��ان� � � � � ��ك رج � � � ��ل‬ ‫تعلم‬ ‫ات�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��أن يف �أم�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ر بتعنــــــيه‬ ‫�إع� �م� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��ل ب � �ط � �ي� ��ب وزي � � ��ن‬ ‫و افهم‬ ‫و مـتـرا العــــــدل يعدل براعيه‬ ‫�إ�� �ص� �ب� �ـ� �ـ� �ـ ��ر وم� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ�ت�ر ال� ��� �ص�ب�ر‬ ‫ي�سهم‬ ‫يف اجلـــــزل ي��وم ان��ك تــــــوافيه‬ ‫�� �س� �ـ� �ـ� �ـ ��ر ب � �ح � �ت � �ـ � �ـ � �ـ� ��رام وع� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��ال ��ج‬ ‫الهم‬ ‫والغيـــر هــــذا مـــــــــا تواحيهاملدح‬ ‫وال� �ف� �خ ��ر يف � �ش �ع��ر ال �� �ش �ي��ع زاي� ��د‬

‫ل�ق��د ك ��ان � �ش �ع��راء ال �ع��رب ي�ت�ف��اخ��رون‬ ‫ب�أنف�سهم وما قاموا به من �أفعال �أرادوا‬ ‫تخليدها على م��دى الأزم���ان على �أن‬ ‫تذكر كما يحبون هم ولي�س كما يريد‬ ‫ال�ن��ا���س �أن ي��ذك��روه��ا ل�ه��م‪ ،‬فال�شاعر‬ ‫ال �ع��رب��ي � �س��واء يف اجل��اه �ل �ي��ة �أو بعد‬ ‫الإ� �س�لام ك��ان كثري االع �ت��زاز بقومه‪،‬‬ ‫وب�أفعاله التي يرى �أنها ال ي��روم عليها‬ ‫�أح��د � �س��واه‪ ،‬ويتجلى ذل��ك يف ق��ول �أب��و‬ ‫الطيب املتنبي ‪:‬‬ ‫زوحمت‬ ‫وإخراجه من المحن التي �أنا �صخر ُة الوادي �إذا ما ِ‬

‫تحوطه من كل اتجاه‬


‫و�إذا ن �ط �ق��تُ ف ��إن �ـ �ن��ي اجل� � ��وزا ُء‬ ‫و�إن َخفيتُ على الغـب ُـي فعاذ ٌ ر‬ ‫�أن ال ت�� �ـ� ��راين م� �ق� �ـ� �ل� � ٌة ع��م��ي��ا ُء‬ ‫وهو يف هذين البيتني متثل نف�سه ب�صخرة‬ ‫الوادي القا�سية التي تقاوم جريان الأودية‬ ‫وال تتزحزح من مكانها‪ ،‬فهو يرى نف�سه‬ ‫يف �شدتها‪ ،‬ويف علو املنزلة فهو كاجلوزاء‪،‬‬ ‫و�إذا خفي هذا عن الأغبياء ف�أنا �أعذرهم‬ ‫فهم ال يروين لأنهم عميان ‪�.‬إال �أن ال�شيخ‬ ‫زايد كان مرتفع ًا عن مدح نف�سه والتفاخر‬ ‫حا�ص لوجد �أنها‬ ‫مب�آثره‪ ،‬التي لو �أح�صاها ٍ‬ ‫تفوق ما عملته �أمم ب�أ�سرها‪ ،‬ولكان �أحق‬ ‫النا�س بالفخر ط��وال ال�سنني القادمة‪،‬‬ ‫�إال �أن��ه ك��ان ف �خ��ور ًا على ال ��دوام بوطنه‬ ‫ومواطنيه الذين عملوا معه ي��د ُا بيد يف‬ ‫ب�ن��اء ه��ذه ال��دول��ة التي �أ�صبحت يف وقت‬ ‫قيا�سي من عمر ال�شعوب‪ ،‬يف م�صاف الدول‬ ‫الكربى الغنية‪ ،‬و�أبهرت العامل ب�إجنازاتها‬ ‫ال�ك�ب�يرة � �س��واء ع�ل��ى امل���س�ت��وى امل�ح�ل��ي �أو‬ ‫الإقليمي �أو ال��دويل‪ ،‬ويف �شتى املجاالت‪،‬‬ ‫فكانت ت�ستحق �أن يفخر بها الإن�سان بعد �إن‬ ‫ا�ستطاعت بف�ضل من اهلل وم ّنته �أن تتحول‬ ‫بجهود رجالها املخل�صني من �صحراء قاحلة‬ ‫مرتام وارف الظالل‪،‬‬ ‫موح�شة‪� ،‬إىل ب�ستان ٍ‬ ‫فكان حق ًا لل�شيخ زايد �أن يفخر بها و�أن ميدح‬ ‫الرجال الذين وقفوا �إىل جانبه ونا�صروه‬ ‫وعاونوه لتحقيق ذلك احللم الكبري ‪.‬‬ ‫ويوجد هناك العديد من الرجال الذين ال‬ ‫ميكن ح�صرهم ممن �أي��دوه ون�صروه يف‬ ‫م�سريته‪ ،‬وكان ممتن ًا لهم فيما قدموه من‬ ‫دعم للوطن واحلركة التنموية التي قادها‪،‬‬ ‫ولكن نختار �أحد �أ�شهر من تبادل ال�شعر و‬ ‫امل�شاكاة مع ال�شيخ زايد‪ ،‬وهو معايل الدكتور‬ ‫مانع بن �سعيد العتيبة‪ ،‬الذي نهل من مدر�سة‬ ‫ال�شيخ زايد ال�شعرية ف�أ�صبح مبا ميلكه من‬ ‫موهبة و�أفق وا�سع وخيال عذب �شجي‪ ،‬واحد‬ ‫من �أبرز �شعراء اجلزيرة العربية‪.‬‬ ‫ويف هذه الأبيات يت�ضح الفخار الذي ي�شعر‬

‫به ال�شيخ زاي��د جت��اه الدكتور مانع الذي‬ ‫ي�ستطيع �أن يوازن �أبيات ال�شعر ملا يتمتع به‬ ‫من رجاحة عقل وح�ضور الذهن وانفتاح‬ ‫الأف��ق‪ ،‬ولي�س له مثيل بني �أقرانه يف نف�س‬ ‫ال�شاعر‪ ،‬وهو بالإ�ضافة �إىل نيله ل�شهادة‬ ‫علمية كبرية متحدث لبق يعرف كيف يختار‬

‫�أحاديثه التي ت�سر اخلاطر‬ ‫يــــــــــوم مــــــــانع غــــري ال�صوره‬ ‫وازن الأب �ي �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات واجل�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ل��ي‬ ‫نظـــرة لــــه هــــــــــوب مق�صـــوره ‬ ‫�شـــــــاعرٍ مــا لــــــه متـاثيـــــــلي‬ ‫ ‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪80‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫يف حب الوطن والفخر به ق�صيدة «دنيا‬ ‫حمال وطرها» التي يقول مطلعها‪:‬‬ ‫دنيـــــــــــا حمــــــــــال وطــــــــــــــــرها‬ ‫ فيـــــــــــها زه�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ت الن�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��وار‬ ‫كثــــــــر اخلــــري و �شجــــــــرها ‬ ‫و تــــــــــــــــــــــوفرت لثمــــــــــار‬ ‫ ‬ ‫يـــــا ال�سعـــــــــــــــد و غمــــــــــــرها‬ ‫م�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ن وال�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ي الأق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��دار‬ ‫عــــــــــم الــــــرب و بحــــــــــــــــــرها‬ ‫و فـــــــــا�ضت بهــــــا لأنــــــــهار‬ ‫ ‬

‫‪2012‬‬

‫ ‬ ‫نــايــلٍ ميـــــــــــزة او دكتــــــــــوره‬ ‫او يف ج �ـ �ـ �ـ �ـ��واب��ه دوم م� ��ا مي�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ل��ي‬ ‫ويحظى الدكتور مانع باملكانة العالية من‬ ‫نف�س ال�شيخ زايد ملا يتمتع به من �صفات‬ ‫� ّأهلته وق ّدمته على غ�يره‪ ،‬في�صرح له‬ ‫ب�أنه خليله وحبيبه ال��ذي يراعيه على‬ ‫ال��دوام‪ ،‬فهو من يت�سلى باحلديث معه‬ ‫ويبثه ما بنف�سه وين�شرح له �صدره ‪:‬‬ ‫او مرحــــبا مليـــــــــون باخل ّلـي ‬ ‫ال�غ���ض�ـ�ـ��ي ال �ل��ي ل��ه �أن �ـ �ـ��ا �آداري‬ ‫ ‬ ‫لـــي حديثــــه �إليــــــــه �إي�سلـّـــي ‬ ‫او مـن �أ��ش��وف��ه ات��زول لكداري‬ ‫ ‬ ‫هــــــــــــو دوا للنــف�س مــــــالعــ ّلي ‬ ‫ه�ـ�ـ��و ح�ي�ـ��ات��ي و ج�ن�ـ�ت��ي ون �ـ��اري‬ ‫ ‬

‫ومي �ث��ل ال���ش�ي��خ زاي ��د ال���ص��دي��ق ال��ويف‬ ‫ال ��ذي ي���س��أل ع��ن �صديقه �إذا توقف‬ ‫ع��ن زي ��ارت ��ه ل �ف�ترة دون ��س�ب��ب فهو‬ ‫ي �ف �خ��ر ب �� �ص��داق �ت��ه وي �ح��اف��ظ عليها‬ ‫يف ك ��ل ال � �ظ� ��روف‪ ،‬وي �ح �� �س��ب �أن ما‬ ‫مينعه الب��د و�أن يكون �أم��ر ًا عظيم ًا ‪:‬‬ ‫ن�شـــــــــــــدت عنــــــك ابـــــــــــــزودي ‬ ‫وا��س�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ال ك�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ف احلــــــــــال‬ ‫ ‬ ‫قــــالوا مهــــــــــب ميهـــــــــــــــــــودي ‬ ‫�إال �شغـــــــــــــيل البــــــــــــــال‬ ‫ ‬ ‫�أم��ا الفخر بالوطن فقد ق��ال ال�شيخ زايد‬ ‫الكثري م��ن الق�صائد يف ال��وط��ن ودع��ا له‬ ‫بالغوث من ال�سماء باملطر واحلياة الرغدة‬ ‫الكرمية ال�ت��ي يتمناها ل��ه وللنا�س‪ ،‬فهو‬ ‫م�صدر فخره و�أ�صل عزه ومنبع منبته‪ ،‬ومن‬ ‫�أجمل الق�صائد التي تغني بها ال�شيخ زايد‬

‫كما حظيت منطقة القوع مبدح ال�شيخ‬ ‫زاي��د مل��ا تتمتع ب��ه م��ن مكانة خا�صة يف‬ ‫نف�سه ‪:‬‬ ‫القــــــــــــــوع مــــــــــــن لـــــــــــــــوطاين‬ ‫م���ش�ه�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ورة ب��اح�ت�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��اد‬ ‫معـــــــــــــــدن زين �أوغـــــــــــــــــواين‬ ‫او نخبــــــــة �أق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��روم �أي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��واد‬ ‫لـــــي تكـــــــــرم ال�ضيفـــــــــــاين‬ ‫ �أو ت�ضــــــــفي اب �ـ��دون انكـــــاد‬ ‫و ذك �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��راه��م م�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ن زم ��اين‬ ‫م �ع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��روف م �ـ �ـ �ـ��ع ل �ع �ب �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��اد‬ ‫يفتخـــــــــر ابهـــــــم لن�ســـــــــــاين‬ ‫ و مي � � � ��اري ال �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��رواد‬ ‫فالقوع جزء ال يتجز�أ من الوطن مهما‬ ‫كان بعيد ًا عن املدن‪ ،‬وهي م�شهورة بكل‬ ‫ت�أكيد منذ القدم فالنا�س الذين يعي�شون‬ ‫فيها يتمتعون ب�أح�سن الأخالق الكرمية‬ ‫وال��رف�ي�ع��ة‪ ،‬وه��م يتميزون بال�شجاعة‬ ‫والنبل والكرم‪ ،‬الأمر الذي عرف عنهم‬ ‫منذ ق��دمي ال��زم��ان‪ ،‬مما يجعل �إن�سان‬ ‫البالد ي�شعر بالفخر من فعل �صنيعهم‬ ‫املحمود بني النا�س ويفاخر بهم ‪.‬‬


‫زايد بن �سلطان �آل نهيان‬

‫ك � � � � � � � ��ل ال � � � � � � � � � �ع� � � � � � � � � ��واق ات� � � � � �ه � � � � ��وين‬ ‫غ � � � �ي� � � ��ر �أع� � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واق ال � � � � ��رم � � � � ��د‬ ‫ي� � � � � � � � � ��ا واغ� � � � � � � � � � � �ف � � � � � � � � � � � ْ�ن ع � � � � �ي� � � � ��وين‬ ‫وال� � � � � � � � � �ع � � � � � � � � ��اي � � � � � � � � ��ر م � � � � � � � � � ��ا ب� � � � � � ��رد‬ ‫ع� � � � � � �ل� � � � � � �ي � � � � � ��ك ي� � � � � ��امل � � � � � �ظ � � � � � �ن� � � � � ��وين‬ ‫يل م � � � � �ث � � � � �ي � � � � �ل� � � � ��ك م � � � � � � � � � ��ا ح � � ��د‬ ‫ن�ص �شعري ين�شر للمرة الأوىل‬


‫المحكي شعر ًا‬ ‫‪82‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫زايد الحلم‬ ‫�سرور خليفة �سامل الكعبي‬

‫قصيدة في رثاء‬ ‫صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان « طيب اهلل ثراه »‬

‫�ارح�ـ��ة م��رك��ب �شعـوري غر َقـ ّنـه لعربات‬ ‫ال�ب� َ‬

‫و ا�سرحن دمعات عيني و ع الرثى َ�سون ثرى‬

‫حتى الن�صخ مني تقطـع جـنى �أعاين ل�سكرات‬

‫وال من العـامل درى بـي و القمر عني �سرى‬

‫لـى ذك��رت اللي مكانـه ف احل�شا ثابت ثبات‬

‫حبـه و �أنا ياهل ر�ضعته ويف م�شيبي ما �أندرى‬

‫حبـه �سكن كامل كياين وا�ستوى روحن وذات‬

‫بـه حتديت املفـاخر ب�س �إذا ا�سمه انطـرى‬

‫كنت لـي عيني ت�شوفـه تختلط عندي اجلهات‬

‫وين مـا تنظر عيونـي �صورة ال�شخ�صه ترى‬

‫ال ت�سال �إن كنت جتهـل لـي و�صوفه كامالت‬

‫لـي ع��ن العليا تعـال و م اخلجل ردت ورى‬

‫و لـي نعـى الناعي ب�صوته ارحتل زايد و مات‬

‫كلهـا ال�ـ��دن�ي��ا تباكت م ال�ق��در و ال�ل��ي جرى‬

‫راح ل�ـ��ي ير َعـىاليتـامى ول�ـ��ي ي��وا��س��ي ملهات‬

‫ولـي ي�ـ��داوي م��ن تك�سر فـي حياته م��ا برى‬

‫راح ل�ـ��ي يعطـي امل��واط �ـ��ن امل �ـ��زارع و ال�ه�ب��ات‬

‫و لـي على ال َعليـا يحثـه عهد تاريخن جرى‬


‫راح لـي يعطـي املواطـن امل�ـ��زارع و الهباتراح‬

‫و لـي على ال َعليـا يحثـه عهد تاريخن جرى‬

‫زاي � �ـ� ��د ل �ـ ��ي ع �ط �ـ��ان��ا ال� �ب� �ي ��وت ال �ف �ـ ��اره ��ات‬

‫مـن بعد عيـ�شه حميـلة نتبعـه الل ال�سرى‬

‫راح يل عطاها البنت �شعلة للدروب املظلمات‬

‫و�أ�صبحت تخـدم وطنهـا و ال�شواهد تنطرى‬

‫حتى الـوح�ش زايد رفقهن و �أ�صبحن به �آمنات‬

‫فـي حياته الرمي �صارت ال تذير و ف الذرى‬

‫و احلمام اللـي تغنـن ع الغ�صون العـاليات‬

‫�ضنـتـي ت��دع��ى ل��زاي�ـ��د م الأم �ـ��ان ال�ل��ي ت��رى‬

‫مـا مدحته فـي حياته و ال رثيته ف املمـات‬

‫ل��ن ب��أف�ـ�ع�ـ��ال��ه ت�ع�ـ��دى ك��ل ت��وا��ص�ي��ف ال �ـ��ورى‬

‫ك��ل افـعاله ت�سـامت و اع�ج��زت ك��ل ال�صفات‬

‫�أر�ض �صحرانا زرعها و املا م ال�صخرة جرى‬

‫هـو بنا دول�ـ��ة قـويه فـي �صحاري ممحالت‬

‫و �أ�صبحت ابفعـل ج�ه��ده ع�ـ��ام��رة بـما ترى‬

‫للعـرب دار الكرامـة فـي �شديد املع�ضالت‬

‫��ض��د ك��ل طـاغـي جت�ب�ر �أو حتكـم و اف�تري‬ ‫زاي �ـ ��دن ب��اق�ـ��ي خم� َّل �ـ��د م�ـ��ا ب�ق��ى ظ��ل و ذرى‬

‫هـو ترك فينا خليفـة لـي حمل نف�س ال�صفات‬

‫ل�ـ��ي ع�ل��ى �إي�ـ��دي�ن�ـ��ه تعلم ال�ـ��وط��ن دم و ي��رى‬

‫ثـم ت��رك فينا حممـد هـو �سنـد ف النايبات‬

‫�صادقـن و النا�س ت�شهد هوب كالمن مفرتى‬

‫ثـم ترك فينا عيالـه هـم �صقـور جمرن�سات‬

‫ل�ـ��ي ذك��ر واح �ـ��د ابفعله ج��ن زاي �ـ��د ينطرى‬

‫زايـدن حمـد �شراتـه فـي الع�صور ال�سابقات‬

‫ال و ال مثلـه فع�صرنـا ابن�شـوفـه �أو ن��رى‬

‫ب�ـ��دن�ـ��ي م ال��وق�ـ��ت الزم � �ص��رت م�ن��ه م�ـ��ا �أب��ات‬

‫و فـي ظالم احلزن �شفته بني �شويف و الكرى‬

‫رفعـت �إيـدي و انتخيتـه ثيبني قبل الفوات‬

‫�إب�ت���س�ـ��م و ق�ـ��ال زاي �ـ��د ع ال�ف�ع��ل دامي �ضرى‬

‫ويل وعيت ال�صبح قامي من عقب وقت ال�سبات‬

‫ري��ت زايـدنا �سبقنـى مـد م��ن حت��ت ال�ثرى‬

‫ي�ـ��ا اهلل �أن �ـ��ي دع�ي�ـ�ت�ـ��ك ب�ح�ـ��ق �آي ال ��ذاري ��ات‬

‫و ب �ك��ل �آي �ـ��ة ف �ـ��ي ك �ت��اب��ك ي �ـ��ا �إل �ه �ـ��ي ت�ن�ق��رى‬

‫تـرحـمـه رح�ـ�م�ـ��ة عميمة م��ا ت�خ�ل��ي �سيئات‬

‫و الكـرمي �إن الف مكـرم بالكرامة ينكرى‬

‫مـا ��ص��دق م��ن ق�ـ��ال زاي�ـ��د ارحت��ل عنا وفـات‬


‫‪84‬‬

‫هنا ‪ ..‬وهناك‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫بحث ًا عن ج ّدات الكتابة‬ ‫يف ع�شرينيات القرن الع�شرين‪ ،‬كانت فريجينيا وول��ف ت�أ�سف‬ ‫لغياب «ج��دات الكتابة» عن جيلها والأج �ي��ال التي �سبقتها من‬ ‫الكاتبات‪ .‬فالكاتبة ترتبى على كال�سيكيات الأدب‪ ،‬التي كتبها‬ ‫الرجال‪� .‬صحيح �أننا تعلمنا منهم لكنهم يف العموم ع�بروا عن‬ ‫ر�ؤيتهم للعامل‪ ،‬كرجال‪.‬‬ ‫�أما ن�صف احلقيقة الآخر‪ ،‬ن�صف الر�ؤية‪ ،‬العني الثانية‪ ،‬فكانت‬ ‫غ��ائ�ب��ة‪ .‬الآن‪ ،‬يف ب��داي��ات الأل �ف �ي��ة‪ ،‬تنعم ال�ك��ات�ب��ات ب �ج��دات يف‬ ‫عامل الأدب والفكر والكتابة مثل فريجينيا وولف وقوت القلوب‬ ‫الدمردا�شية و�سيمون دو بوفوار ولطيفة الزيات‪.‬مل نكن لنتمتع‬ ‫بهذا القدر من احلرية بدون ه�ؤالء اجلدات‪.‬‬ ‫يف كتابها «غرفة تخ�ص املرء وحده» « ‪ »1928‬ت�ؤكد فريجينيا وولف‬ ‫�أن على الكاتبة �أن حتقق دخال يخ�صها كي تتمكن من الكتابة‪ .‬كم‬ ‫تبدو لنا هذه اجلملة عادية وبديهية اليوم! لكنها مل تكن كذلك يف‬ ‫بدايات القرن الع�شرين‪ .‬تت�أمل وولف بع�ض الأ�سباب االقت�صادية‬ ‫واالجتماعية والثقافية وراء غياب امل��ر�أة عن عامل الكتابة حتى‬ ‫وقت مت�أخر من تاريخ الإن�سانية‪ :‬القرن التا�سع ع�شر‪ .‬لقد كانت‬ ‫امل��ر�أة حتى ذل��ك التاريخ تابعة ال متلك زم��ام �أم��ره��ا‪ ،‬فهي �إما‬ ‫تعتمد يف عي�شها على �أب �أو زوج �أو عائلة‪ ،‬وبالتايل فهي ال حتتكم‬ ‫على �إرادتها كاملة‪� ،‬أو امر�أة فقرية تعمل يف الوظائف الدنيا‪ ،‬بال‬ ‫�أمل يف الرتقي‪.‬‬ ‫ويف احلالتني ال متلك امل��ر�أة �آل�ي��ات ال��دخ��ول �إىل ع��امل الكتابة‪.‬‬ ‫الكتاب هو مقال طويل عن «الن�ساء والكتابة»‪ ،‬مو�ضوع �صعب‬ ‫ق��اد فريجينيا وول��ف �إىل حماولة فهم �أ�سباب ت�أخر الن�ساء يف‬ ‫الدخول �إىل عامل الكتابة الذي ظل حكرا �شبه كامل على الكتاب‬ ‫ال��رج��ال حتى القرن التا�سع ع�شر‪ .‬تت�ساءل عن ال�ظ��روف التي‬ ‫عا�شتها الن�ساء يف ع�صر امللكة �إليزابيث الأوىل‪ ،‬على �سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬فحالت بينها وبني كتابة �صفحة واح��دة يف ذلك الع�صر‬

‫الذهبي للأدب الإجنليزي‪ .‬فالع�صر الذي �شهد �أعمال �شيك�سبري‬ ‫وبن جون�سون مل ي�شهد كتابا واحدا كتبته امر�أة‪ .‬وتر�صد وولف‬ ‫املفارقة‪ :‬يف ذل��ك الع�صر كانت امل��ر�أة حا�ضرة بقوة يف الأدب‬ ‫ومقهورة يف الواقع‪ .‬فاملر�أة تظهر يف �أدب الع�صر الإليزابيثي يف‬ ‫«�أدوار البطولة والدهاء والل�ؤم والبهاء واخل�سة‪ ،‬متناهية اجلمال‬ ‫ومتناهية القبح‪ ،‬يف عظمة الرجال‪ ،‬بل �أن بع�ض الكتاب ي�ضعها‬ ‫يف مرتبة �أعظم» لكن كتب التاريخ تخربنا �أ�شياء �أخرى‪ ،‬فاملر�أة‬ ‫وقتها كانت بالكاد تقر�أ ونادرا ما ت�ستطيع التهجي وكانت ملكا‬ ‫لزوجها‪ .‬وك��ان �ضرب الزوجات «حقا معرتفا به للرجال‪ ،‬وكان‬ ‫ميار�س بال حتفظ وال خجل يف جميع الطبقات على اختالفها‪....‬‬ ‫وكانت االبنة التي ترف�ض الزواج من رجل اختاره �أبواها حُتب�س‬ ‫و ُت�ضرب وتُعامل بعنف‪ ،‬دون �أن يكون يف ذلك �أي �شعور ي�صدم‬ ‫الر�أي العام»‪.‬‬ ‫ك��ان��ت الهيمنة امل�ط�ل�ق��ة ل�ل�أن���س��اق االق�ت���ص��ادي��ة واالج�ت�م��اع�ي��ة‬ ‫والثقافية العامة التي �أكدت على دونية الن�ساء‪ .‬غا�صت فريجينيا‬ ‫وولف يف كتب التاريخ ردحا من الزمن وعادت با�ستخال�ص مفاده‬ ‫�أن «الن�ساء حتى القرن التا�سع ع�شر مل ي�شجعن �أن ي�صبحن‬ ‫فنانات‪ ،‬بل على العك�س‪ ،‬كان ي�ستهان بهن وتلقى على م�سامعهن‬ ‫املحا�ضرات ويحر�ضن على ت��رك االن�شغال بالفنون‪ .‬الب��د و�أن‬ ‫ذهن املر�أة كان يقع حتت �ضغوط هائلة»‪.‬‬ ‫�أعود بخيايل �إىل ذلك الوقت و�أت�صور الطريق املحفوف بالقهر‬ ‫الذي كان على �أي كاتبة �أن تخطوه‪ .‬البد �أن بع�ض الن�ساء حاولن‬ ‫وان�ت�ه��ت حم��اوالت�ه��ن بالف�شل‪� .‬صحيح‪ ،‬فكيف الم ��ر�أة ال متلك‬ ‫قرارها �أن تكتب؟ كيف لإن�سان ال ميلك قوته �أن يكتب؟ تقول‬ ‫وولف �أن �أي ام��ر�أة موهوبة يف القرن ال�ساد�س ع�شر هي امر�أة‬ ‫تعي�سة ميزقها ال�صراع �ضد نف�سها و�ضد ظروف حياتها‪� ،‬أي �أن‬ ‫كل ما يعتمل يف كيانها يقف يف و�ضع النقي�ض للحالة الذهنية‬


‫د‪� .‬سحر املوجي‬

‫التي يحتاجها الكاتب«ة» ليقدم على خلق �إبداعي‪ ،‬تلك احلالة من‬ ‫احلرية التي ت�سمح ب�إطالق �سراح الأفكار‪.‬‬ ‫حتكي فريجينيا وولف عن «الهدية ال�صغرية العزيزة» التي تركتها‬ ‫لها عمتها‪ :‬خم�سمائة جنيه �إ�سرتليني يف ال�ع��ام‪ ،‬وع��ن النقلة‬ ‫الكبرية التي حدثت لها منذ �أن عرفت �أن لها دخال م�ضمونا و�أن‬ ‫لي�س با�ستطاعة �أحد �أن ي�سلبها هذا املال‪.‬‬ ‫لقد تغري مزاجها‪ ،‬وبعد �أن كانت ت�ضطر ملداهنة البع�ض‪� ،‬أو‬ ‫جماملة البع�ض الآخر‪� ،‬أ�صبحت �سيدة نف�سها‪ .‬تقول «لقد توفر‬ ‫يل امل�سكن وامل�أكل وامللب�س �إىل الأبد‪ .‬وبذا انتهى اجلهد الرتيب‬ ‫والعمل ال�شاق‪ ،‬و�أي�ضا انتفت الكراهية وامل��رارة‪ .‬الآن ل�ست يف‬ ‫حاجة �إىل كراهية �أي رجل‪ ،‬فما من رجل ي�ستطيع �إيذائي‪ ،‬كما‬ ‫�أنني ل�ست يف حاجة �إىل مداهنة رجل‪ ،‬فما من رجل لديه ما مين‬ ‫علي به»‪ .‬وتغري موقفها جتاه الرجال‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مل تعد ترى �أن بالإمكان لوم طبقة �أو جن�س �أو جمموعة من النا�س‬ ‫عما يفعلون‪ ،‬لأنهم نتاج ق�صور يف النظام التعليمي وما يربيه‬ ‫يف النا�س‪ ،‬كما �أنهم �ضحايا ل�شهوة التملك واال�ستحواذ على‬ ‫ما ميلكه الآخرون‪� ،‬إن ه�ؤالء هم من يبد�أون احلروب وي�صنعون‬ ‫الأ�سلحة والغازات ال�سامة‪ .‬وتال حماوالتها للفهم �شعور بال�شفقة‬ ‫والت�سامح‪ ،‬دام لفرتة ثم تال�شى‪ ،‬وج��اء االنعتاق الأك�بر‪ :‬حرية‬ ‫التفكر يف الأ�شياء كما هي‪.‬‬ ‫ملاذا �أتذكر فريجينيا وولف الآن؟‬ ‫يف احلقيقة �أنا �أتذكرها كثريا‪� .‬أحاول تتبع خيوط امل�شكلة التي‬ ‫تعر�ضت لها‪ ،‬و�أرى ظاللها يف حياتنا اليوم‪ ،‬يف بدايات القرن‬ ‫ال��واح��د والع�شرين‪ .‬فبالرغم من �أن الن�ساء قد قطعن �شوطا‬ ‫طويال نحو «حرية التفكر» خالل القرن الع�شرين‪� ،‬إال �أن �أخريات‬ ‫ال زلن يع�شن نف�س الظروف البائ�سة للمر�أة املوهوبة التي عا�شت‬ ‫يف القرن ال�ساد�س ع�شر‪ :‬احتياج مايل يحول بيتها وبني ا�ستقالل‬

‫قرارها‪� ،‬أمن��اط ثقافية تذكرنا بو�ضعية �أدن��ى للن�ساء �أو تقنن من‬ ‫وجودهن يف املجال العام‪� ،‬أفكار �سائدة ت�ؤكد على تناق�ض منوذج‬ ‫الأم والزوجة مع منوذج املر�أة العاملة‪ /‬الكاتبة‪ /‬الفنانة‪ /‬املتحققة‪،‬‬ ‫ك�أن لي�س هناك من �سبيل �إال االختيار‪� :‬إما هذا و�إما ذاك!‬ ‫ولكن من امل�ؤكد �أنه يف خالل الأرب��ع وثمانني عاما التي تف�صلنا‬ ‫عن ن�شر «غرفة تخ�ص املرء وحده»‪ ،‬حدثت طفرة نوعية لوجود‬ ‫الن�ساء يف ع��امل الكتابة‪ .‬تزايد ع��دد الكاتبات‪ ،‬خ�ضن معارك‬ ‫فكرية وطرقن �أبوابا فنية عدة‪ ،‬وكان نتيجة هذا الن�ضال امل�ستمر‬ ‫�أن فتحن ب�ضعة نوافذ على اجلزء املعتم من جتربة الإن�سان‪.‬‬ ‫‪ 28‬مار�س ‪ ،1941‬فريجينيا وولف تقطع احلقول من بيتها «مونك�س‬ ‫هاو�س» يف «رودم��ل» مبقاطعة «�سا�سك�س»‪� ،‬إنها تعرف وجهتها‬ ‫جيدا‪� :‬شاطئ نهر «�أو�س»‪.‬‬ ‫ت�صل �إىل هناك‪ ،‬تنحني نحو الأر�ض وحتمل حجرا‪ ،‬ت�ضع احلجر‬ ‫يف جيب معطفها وتلقي بنف�سها يف املياه‪� .‬أتخيل حلظة الي�أ�س‬ ‫القامتة التي �أو�صلتها �إىل هناك‪ ،‬و�أحاول �أن �أت�صور �صراعها مع‬ ‫ما �أ�سمته «اجلنون» منذ �أن كانت يف الثالثة ع�شر من عمرها‪:‬‬ ‫الأ�صوات والهالو�س التي تعلو �أحيانا وتخفت يف �أحيان �أخرى‪ ،‬ويف‬ ‫علوها تفقد فريجينيا قدرتها على الأكل والنوم والرتكيز‪ ،‬ت�ضيع‬ ‫منها ال�سيطرة على الكلمات‪ .‬لقد قررت الكاتبة الإجنليزية �أن‬ ‫تهرب من مر�ض «الهو�س االكتئابي»‪ ،‬انهزمت �إرادتها ومل يعد‬ ‫ب�إمكانها حتمل املزيد‪.‬‬ ‫ماتت فريجينيا وولف بعد �أن تركت لزوجها ر�سالة متتزج فيها‬ ‫املحبة والأ� �س��ى على م��ا �سببته ل��ه م��ن �آالم‪ ،‬وت��رك��ت ل�ن��ا‪ ،‬نحن‬ ‫الكاتبات يف خمتلف ال�ث�ق��اف��ات‪� ،‬إرث��ا �ساهم يف ت�شكيل وعينا‬ ‫باحلياة‪.‬‬ ‫ب�إمكاين اليوم �أن �أ�سعد لأن لدي جدات يف عامل الكتابة و�أتذكر‬ ‫�إحداهن مبحبة وامتنان‬

‫هنا ‪..‬وهناك‬


‫عربية‬ ‫ألسنةاآلفاق‬ ‫ارتياد‬ ‫‪86‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫ي�شهد �صراع ًا على هويته‬

‫الزجل‬ ‫اللبناني ‪..‬‬

‫عالمة اجتماعية‬ ‫في طريقها للزوال‬ ‫بريوت ‪ -‬حممد احلجريي‬ ‫منذ ت�شكيل �أول «جوقة زجلية» عرفها لبنان‪ ،‬عام ‪1928‬م‪ ،‬مببادرة من �أ�سعد اخلوري الفغايل امللقب بـ«�شحرور‬ ‫الوادي» وهو اال�سم نف�سه الذي حملته الفرقة‪ ،‬انتقل ال�شعر الزجلي «املنربي»‪� ،‬أو فن القول يف لبنان من املنا�سبة‬ ‫والهواية �إىل االحرتاف‪ ،‬وقد �ضمت تلك اجلوقة يف بدايتها �إىل جانب الفغايل‪ ،‬ال�شعراء �أمني �أيوب‪ ،‬يو�سف‬ ‫عبداهلل الكحالة‪ ،‬اليا�س القهوجي‪ ،‬ثم ان�ضم �إليها �شعراء �آخرون‪ ،‬ثبتوا فيها و�أبدعوا‪ ،‬منهم ال�شاعر علي احلاج‪،‬‬ ‫الذي توىل رئا�سة اجلوقة بعد غياب ال�شحرور‪ ،‬وال�شعراء �أني�س روحانا‪ ،‬طانيو�س عبده‪ ،‬واميل رزق اهلل‪ ،‬وكانت‬ ‫هذه اجلوقة هي نواة الزجل وت�أ�سي�س اجلوقات‪ ،‬ومعها و�صل ال�شعر اللبناين �إىل م�صر‪ ،‬وبعد ذلك انت�شرت‬ ‫اجلوقات يف كل لبنان و�أ�شهرها جوقة بلبل الأرز‪ ،‬جوقة كروان الوادي‪ ،‬جوقة زغلول كفر�شيما‪ ،‬جوقة ن�سر املزرعة‪،‬‬ ‫وغريها الكثري حتى بلغ عدد اجلوقات وفقاً ملا �أورده ال�شاعر روبري خوري يف كتابه «الزجل اللبناين‪ ،‬منابر‬ ‫و�أعالم» �أكرث من ‪ 85‬جوقة‪ .‬بالإ�ضافة �إىل اجلوقات الزجلية يف املهجر و�أبرزها جوقة يف ا�سرتاليا برئا�سة يعقوب‬ ‫حنا‪ ،‬و�أخرى يف ا�سرتاليا اي�ضاً با�سم بالبل املهجر‪ ،‬وثالثة يف كندا ا�سمها جوقة املهاجر‪.‬‬


‫عندما كانت الأي��ام �شفهية‪ :‬ال تلفزيون‪،‬‬ ‫وال فيديو‪� ،‬أو حتى رادي��و‪ ،‬مل يكن للنا�س‬ ‫م��ن �سلوى يتجهون �إل�ي�ه��ا غ�ير احلفالت‬ ‫الزجلية‪ ،‬وحتى بعد �أن ات�سعت ال��دائ��رة‬ ‫املرئية وامل�سموعة‪ ،‬ظل الزجل على رونقه‬ ‫وجناحه يف املهرجانات‪ ،‬واملباريات التي‬ ‫كانت تقام �سنوي ًا‪ ،‬ويح�ضرها الآالف‪ ،‬وقد‬ ‫�شارك فيها �أق�ط��اب الزجل �أم�ث��ال جوقة‬ ‫خليل روك��ز‪ ،‬جوقة زغلول الدامور‪ ،‬جوقة‬ ‫حممد امل�صطفى‪ ،‬وجوقة القلعة‪ .‬ثم �أتت‬ ‫فو�ضى احلرب اللبنانية «‪،»1990 – 1975‬‬ ‫ف��ان�ح���س��ر ال��زج��ل �إىل ب�ع����ض احل �ف�لات‬ ‫ال�صغرية يف القرى اجلبلية‪.‬‬ ‫وي��ذك��ر روب�ي�ر خ ��وري يف ك�ت��اب��ه «ال��زج��ل‬ ‫اللبناين منابر و�أعالم» ع�شرات اجلوقات‬ ‫الزجلية يف ت��اري��خ لبنان املعا�صر‪ ،‬وهي‬ ‫تعرب عن مدى ح�ضور هذا الفن يف املناطق‬ ‫اجلبلية يف لبنان‪.‬‬

‫�صراع على الهوية‬

‫من يراجع الكتابات الت�أريخية التوثيقية‬ ‫لفن الزجل يف لبنان‪ ،‬يالحظ �أن هناك‬ ‫ما ي�شبه ال�صراع على هوية ه��ذا الفن‪،‬‬ ‫فهل هو عروبي �أم �سرياين �أم ماروين �أم‬ ‫جبلي �أم لبناين �أم �أندل�سي �أم بغدادي؟ كل‬ ‫كاتب ي�ؤرخ للزجل بح�سب هواه ال�سيا�سي‬ ‫و�أحيان ًا الطائفي واملناطقي «املنطقة التي‬ ‫ينتمي �إليها كل باحث»‪.‬‬ ‫ُيرجع ُ‬ ‫بع�ض الدار�سني الزجل �إىل اجلاهل ّية‬ ‫ً‬ ‫الأُوىل يوم كان احلداء �شائعا على ظهور‬ ‫الإب� ��ل‪ .‬وي ��رى بع�ضهم الآخ ��ر �أنّ عنرتة‬ ‫واملُهلهل نف�سهما نظما زج� ً‬ ‫لا‪ .‬واملعروف‬ ‫بح�سب الباحث يف ال��زج��ل ج��ورج احل��اج‬ ‫�أنّ العرب «يف الأندل�س عرفوا هذا النوع‬ ‫من ال�شعر‪ ،‬فنظموه وكتبوا فيه الدواوين؛‬ ‫زجاليهم ابن قزمان»‪ .‬وراح هذا‬ ‫و�أ�شهر َّ‬ ‫�زج��ل مي � ّد ج ��ذوره يف خمتلف البلدان‬ ‫ال� َ‬ ‫وزج ُله‬ ‫زجالوه َ‬ ‫العرب ّية حتى �أ�صبح لك ّل بلد ّ‬ ‫ُ‬ ‫املم ّيز عن غريه‪ .‬فظهر الزجل امل�صري‪،‬‬ ‫طي»‪،‬‬ ‫والتون�سي‪،‬‬ ‫واخلليجي «املعروف بالن َب ّ‬ ‫ّ‬ ‫كما ُيع َرف يف لبنان بال�شعر اللبنا ّ‬ ‫ين‪ .‬بينما‬

‫أقدم ما نملك من‬ ‫الزجل المدون قصيدة‬ ‫لسلمان الشلوحي‬ ‫تعود الى العام‬ ‫‪ 1300‬م وهي من نوع‬ ‫الشروقي‬ ‫يرى الق�سي�س عي�سى الهزاز والبطريرك‬ ‫يو�سف العاقوري و�سواهم �أن الزجل يف‬ ‫لبنان انتقل مع انتقال املوارنة من اللغة‬ ‫ال�سريانية �إىل اللغة العربية‪.‬‬

‫من اخل�صو�صية �إىل العمومية‬

‫الذي امتاز به اللبنان ّيون عن �سواهم يف‬ ‫خا�صة‬ ‫هذا امل�ضمار هو �أ ّنهم َك ّونوا فرق ًا ّ‬ ‫زجالني؛‬ ‫للزجل جتمع بني �أع�ضائها �أربعة ّ‬ ‫ويكون رئي�س اجلوقة �أقدمهم و�أكرثهم‬ ‫ُ�شهر ًة وخرب ًة يف القَول واالرجتال‪ .‬وهكذا‬ ‫خرجوا بهذا ال�شعر من ح ّيز اخل�صو�ص ّية‪،‬‬ ‫�أي خ�صو�ص ّية املنا�سبات الفرد ّية‪ ،‬على‬ ‫م�ستوى ال�شاعر �أو ال�غ��ر���ض‪� ،‬إىل ح ّيز‬ ‫العموم ّية التي تت ُ‬ ‫ّخذ من املنرب �ساح ًا لها‬ ‫يف ك � ّل مدينة وق��ري��ة ود� �س �ك��رة‪ .‬وهناك‬ ‫�صراع على هوية الزجل اللبناين نف�سه‪،‬‬ ‫يقول الباحث خليل �أحمد خليل يف كتاب‬ ‫ال�شعر ال�شعبي اللبناين ال�صادر عن دار‬ ‫الطليعة‪�« :‬إن الزجل عربي �أ�ص ًال‪ ،‬بع�ضه‬ ‫م��ن ب�غ��داد وبع�ضه م��ن قرطبة‪ ،‬والزجل‬ ‫اللبناين م�شتق من هذا الزجل العربي»‪،‬‬ ‫وعلى غرار خليل‪ ،‬يعترب ال�شاعر الزجلي‬ ‫�أ� �س �ع��د �سعيد يف ك�ت��اب��ه «�أ���ص��ل ال��زج��ل‬ ‫وف�صله»‪ ،‬ال�صادر عن ال��دار اجلامعية‪،‬‬ ‫�أن «لبنان الزجلي لي�س ذا وج��ه عربي‬ ‫كما اخرتعها بع�ض ال�سيا�سيني‪ ،‬الزجل‬ ‫يف لبنان عربي الوجه والقلب والل�سان‪،‬‬ ‫عربي ال�تراث»‪ .‬ويذكر �أ�سعد �سعيد ب�أن‬ ‫للزجل تاريخ ًا ميتد �إىل ‪� 1500‬سنة نق ًال‬

‫يرى أنيس فريحة أن‬ ‫الزجل عالمة من‬ ‫العالمات االجتماعية‬ ‫اللبنانية الذاهبة في‬ ‫طريق الزوال‬

‫ع��ن فا�ضل �سعيد عقل‪ ،‬وي��رى �أن «ر ّدة»‬ ‫ال��زج��ل ق��د ت�صبح ق��و ًال م ��أث��ور ًا و�شاهد ًا‬ ‫على التاريخ‪ ،‬بل قد ت�صبح يف حد ذاتها‬ ‫تاريخ ًا‪ ،‬ويت�ساءل‪ :‬من يف لبنان ال يتذكر‬ ‫قول الأمري فخر الدين املعني يف رده على �آل‬ ‫�سيفا الذين عريوه بق�صر قامته‪:‬‬ ‫نحنا زغار ولكن بالفعال كبار‬ ‫وانتو خ�شب حور ونحنا للخ�شب من�شار‬ ‫ك��ذل��ك‪َ ،‬م��ن ِم��ن اللبنانيني‪ ،‬واجلنوبيني‬ ‫خ�صو�ص ًا‪ ،‬ال يتذكر احلداء اجلنوبي ال�شهري‬ ‫واملعروف باحلورية‪:‬‬ ‫ب�شكوف خرب دولتك‬ ‫�سلطاننا عبد اللطيف‬ ‫ولكن �أق��دم م��ا منلك م��ن ال��زج��ل امل��دون‪،‬‬ ‫ق�صيدة ل�سلمان ال�شلوحي «�أو الأ�شلوحي»‬ ‫وال �ت��ي ي�ق��در �أ��س�ع��د �أن �ه��ا ت�ع��ود �إىل العام‬ ‫‪ 1300‬م‪ .‬وه��ي من ن��وع ال�شروقي‪ ،‬وال��ذي‬ ‫ن��راه م��زده��ر ًا يف مطلع ال�ق��رن الع�شرين‬ ‫م��ع � �ش �ع��راء م�ث��ل ال��زح �ل��ي ي��و��س��ف ح��امت‪،‬‬ ‫واجلنوبي من بلدة �شحور حممد حممود‬ ‫الزين‪ .‬وق�صيدة الأ�شلوحي‪ ،‬ق�صيدة رثاء‬ ‫لطرابل�س وتفجع على م�صريها بعد فتحها‬ ‫وطرد الفرجنة منها‪:‬‬ ‫يا حزن قلبي وما يخلى من احزاين‬ ‫والقلب من احلزن �شاعل نريان‬ ‫وامل�لاح��ظ �أن الزجل يطغى عليه العن�صر‬ ‫ال��ذك��وري‪ ،‬ون���ادر ًا م��ا جن��د ام ��ر�أة «ق��وال��ة»‬ ‫و�صاحبة قول و«رد ّيات» تناف�سية �أو ظريفة يف‬ ‫هذا الفن‪.‬‬


‫ألسنة عربية‬ ‫‪88‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫�أنواع و�أوزان الزجل‬

‫وي�ستخدم مبجال الغزل مثل ق�صيدة ياريت‬ ‫خلليل روكز‪:‬‬ ‫يا ريت عندي و�آخ لو فيي‬ ‫عا قد حبك جبلك هدية‬ ‫كنت بهديكي �صبا الوردات‬ ‫و�أحالم �آمايل الطفولية‬

‫للزجل �أنواع كثرية‪ ،‬فهو كوردة تفرعت منها‬ ‫�أغ�صانها‪ ،‬ففي كل غ�صن طعم ولون ورائحة‬ ‫زك�ي��ة‪ ،‬وه��ذا ح��ال ال��زج��ل فمنه‪« :‬املعنى»‪،‬‬ ‫و«املو�شح» و«القرادي»‪ ،‬و«املوال»‪ ،‬و«العتابا»‪،‬‬ ‫ولهذا ال�شعر �أوزان��ه التي تلتقي مع بع�ض‬ ‫�أوزان ال�شعر الف�صيح‪ ،‬ف ��وزن الب�سيط‬ ‫ُي�ستخدم يف «ال�شروقي» و«املوال»‪ ،‬وي�ستخدم وزن املعنّى‬ ‫الوافر يف «الق�صيد» و«العتابا»‪ ،‬وي�ستخدم وه ��و ع�ل��ى وزن ال��رج��ز ب��ال���ش�ع��ر ال�ع��رب��ي‪،‬‬ ‫وي���س�ت�خ��دم ب�شكل �أ��س��ا��س��ي يف احل� ��وارات‬ ‫بحر الرجز لـ«املعنى»‪.‬‬ ‫الزجلية‪ ،‬مث ًال ردة اليا�س خليل مبعركة حبو‪:‬‬ ‫يا حبذا ترحل يا ادوار بعجل‬ ‫وزن الق�صيد‬ ‫وهو على وزن البحر الوافر بال�شعر العربي تلحق �أبو الطيب عمملكة الأجل‬ ‫«م �ف��اع �ل�تن م�ف��اع�ل�تن ف �ع��ول��ن»‪ ،‬وه ��و وزن �أخطل �صغري بال مذلة �أو خجل‬ ‫الأغنية ال�شعبية املعروفة «�سكابا يا دموع �سيطر عمملكة الف�صيح املرجتل‬ ‫العني �سكابا»‪ ،‬ومن املهم �أن تعرف احلرف‬ ‫وي�ستخدم يف م��وا��ض�ي��ع ال �غ��زل م�ث� ً‬ ‫لا ردة‬ ‫ال�ساكن هنا واحلرف امل�شدد وهو الأهم يف‬ ‫نظم الزجل‪ ،‬وي�ستخدم الق�صيد كمقدمة مو�سى زغيب‪:‬‬ ‫للمعركة الزجلية �أو للحفلة الزجلية ‪ ،‬مث ًال مبوا�سم التفاح قلتال تعي‬ ‫ق�صيد مو�سى زغيب يف معركة امل�شرف يبد�أ لب�ست ق�صري وعالقطف راحت معي‬ ‫واتطاولت عالغ�صن قلت بتوقعي‬ ‫كالتايل‪:‬‬ ‫جابت ال�س ّلم قلت ال تت�سرعي‬ ‫عالمو الليل ما بيفجر ظالمو‬ ‫ولرب املوهبة بي�ضرب �سالمو‬ ‫وزن القرادي‬ ‫ويلف الليل ويجبلو عمامي‬ ‫�أ�سهل الأوزان‪ ،‬وغالب ًا ما تكون الردة فيه‬ ‫ويدرز هالنجوم على كمامو‬ ‫مرجتلة ووزن �ه��ا �سماعي وتفعيلة واح��دة‬ ‫تتكرر‪ ،‬ي�ستخدم يف امل �ح��اورات الزجلية‬ ‫وي�ستخدم �أي�ض ًا كختام للمعركة الزجلية‪،‬‬ ‫العار�ضة حيث يبد�أ ال�شاعر بـ«ردّه» وتكرر‬ ‫مث ًال ق�صيدة زين �شعيب يف ختام حماورته‬ ‫جوقة الرتديد ال�شطرين الأخريين بعد كل‬ ‫مع �أني�س الفغايل مبعركة بيت مري‪:‬‬ ‫ردة قرادي تالية‪ ،‬مث ًال‪:‬‬ ‫يا ح ّكام املع ّنى حاكموين‬ ‫ردة زين �شعيب يف معركة فقر‪:‬‬ ‫�أنا جمرم �إذا ما بتعرفوين‬ ‫عواميد القلعة املالوا‬ ‫�أنا جمرم لأين ر�ضيت جال�س‬ ‫تا املايل ي�سند حالو‬ ‫اللي كانوا ياكلوا ف�ضلت �صحوين‬ ‫و كل �شاعر من هال�شعار‬

‫انتقل الزجل في‬ ‫لبنان من الهواية‬ ‫إلى االحتراف على يد‬ ‫أسعد الخوري الفغالي‬ ‫الملقب بـ «شحرور‬ ‫الوادي» عام ‪1928‬م‬

‫ْبو ّقف عامود قبالو‬ ‫ن�سور بوا�شق و زغاليل‬ ‫نحن وين و �أنتو وين‬ ‫كل جيل بيلعب مع جيل‬ ‫ونحنا منلعب باجليلني‬ ‫وملا رماح ال�سمر متيل‬


‫والزين بيطعن بالزين‬ ‫ال تودّويل �سميح خليل‬ ‫ودّويل �سميح وخالو‬

‫املو�شح‬

‫يت�ألف كل بيت من �شطرين خمتلفي الوز‪،‬‬ ‫ال ي�ستخدم هذا املو�شح �إال للغزل حيث يبد�أ‬ ‫ال�شاعر بردة تكرر جوقة الرتديد ال�شطرين‬ ‫الأخ�يري��ن منها بعد كل ردة مو�شح تالية‪،‬‬ ‫غالبا ما يقال املو�شح يف احلفالت‪ ،‬مث ًال ردة‬ ‫زين �شعيب‪:‬‬ ‫يا �سمرا ملّا اجلندي‬ ‫يعتاز �سالح‬ ‫قوليلو تكرم عندي‬ ‫عينني مالح‬ ‫بقلبي الع ّنة عالع ّنة‬ ‫وين عطفك وين‬ ‫و�ساعة هجرانك ع ّني‬ ‫ب�شهر و�شهرين‬ ‫وان كان م�ش رح بتحني‬ ‫عجروع الزين‬ ‫برجع �آدم عاجلنة‬ ‫ياكل تفاح‬

‫ال�شروقي‬

‫من �أ�صعب الأوزان‪ ،‬ون�سمع جوقة الرتديد‬ ‫تعطي نغمة طويلة بعد كل بيتني من ق�صيدة‬ ‫ال�شروقي‪ ،‬وي�ستخدم �أغلب الأحيان يف ختام‬ ‫احلفالت واملعارك‪ ،‬مث ًال ق�صيدة ال�شروقي‬ ‫لزغلول الدامور يف نهاية معركة فقر‪:‬‬ ‫وقف يا مو�سى بكفي م�شارعة وجدال‬ ‫منك تان�سمع �سخافة �شعر ما جينا‬ ‫ابنك بي�سوى �ألف منك بهيك جمال‬ ‫مرن�ضى بابنك لكن فيك ما ر�ضينا‬

‫ظرفاء الزجل‬

‫�أ�صدر ال�شاعر اللبناين ج��وزف �أب��ي �ضاهر‬ ‫«مو�سوعة الزجل اللبناين ‪� -‬شعراء ظرفاء»‪،‬‬ ‫وتولت «ال�شركة العاملية للمو�سوعات» ن�شرها‬ ‫يف �ستة �أجزاء‪ ،‬وقدم لها حتت عنوان «الدعابة‬

‫بول�س �سالمة‬

‫جربان خليل جربان‬

‫ُ‬ ‫البعض الزجل‬ ‫يُرجع‬ ‫إلى الجاهليّة يوم‬ ‫كان الحداء شائع ًا‬ ‫على ظهور اإلبل‬ ‫أن عنترة‬ ‫ويرى آخرون ّ‬ ‫مهلهل نظما زج ً‬ ‫ال‬ ‫وال ُ‬

‫وال���س��ؤال ال��ذي يطرح نف�سه هنا ه��و مل��اذا‬ ‫اخلوف من الزجل املاجن املكتوب؟! يف حني‬ ‫�أن النكت املاجنة والفاح�شة باتت منت�شرة‬ ‫بقوة على �شا�شات التلفزة اللبنانية خ�صو�ص ًا‬ ‫يف الربامج الكوميدية والرتفيهية؟‬ ‫الالفت �أن الإباحية م��وج��ودة عند غالبية‬ ‫ال�شعراء الزجالني يف لبنان‪ ،‬ولعل �أبرزهم‬ ‫«اميل مبارك» الذي �أ�صدر منذ ن�صف قرن‬ ‫كتيب ًا بعنوان «و�سع الكف» يت�ضمن «قرادية»‬ ‫معظمها ال يقال علن ًا‪ .‬وقد ن�شر الكتاب يومها‬ ‫من دون ذكر م�ؤلفه‪ ،‬اختار منه «�أبي �ضاهر»‬ ‫م��ا ميكن �أن ي��درج يف مو�سوعته‪ ،‬و�أغ�ف��ل‬ ‫الكثري‪ ،‬الأم��ر نف�سه ين�سحب على بع�ض ما‬ ‫قاله الوزير وال�سيا�سي «اميل حلود»‪ ،‬الذي قال‬ ‫زج ًال ماجن ًا و�سوقي ًا ب�أحد ال�سيا�سيني ب�سبب‬ ‫�إهماله الطريق امل��ؤدي اىل م�سقط ر�أ�سه يف‬ ‫البقاع‪ ،‬وكذلك الأمر ما نظمه يو�سف �شرابية‪،‬‬ ‫واخل� ��وري ي��و��س��ف ع��ون وغ�يره�م��ا‪.‬وت�ب��دو‬ ‫جم��ون�ي��ات ظ��رف��اء ال��زج��ل خفيفة وردي�ئ��ة‬ ‫و�سطحية م�ق��ارن��ة بالن�صو�ص ال�تراث�ي��ة‬ ‫القدمية خ�صو�ص ًا �أ�شعار �أب��و نوا�س وابن‬ ‫حكيمة وابن الرومي وابن احلجاج �صاحب‬ ‫كتاب «درة التاج»‪.‬‬ ‫ي �ق��دم �أب ��ي ��ض��اه��ر ل�ك��ل ��ش��اع��ر ن �ب��ذة عن‬ ‫� �س�يرت��ه‪ ،‬ودوره‪ ،‬ون �ت��اج��ه‪ ،‬وم �ق��دم��ة لكل‬ ‫ق�صيدة تو�ضح املنا�سبة والزمن الذي قيلت‬ ‫فيه‪ ،‬وقد اعتمد يف تن�سيق هذه املو�سوعة‬ ‫على الت�سل�سل الزمني‪� ،‬أي تاريخ ال��والدة‬ ‫ول�ي����س الت�سل�سل الأب� �ج ��دي‪ ،‬لأن �شعراء‬ ‫القرن ال�سابع ع�شر كتبوا ب�أ�سلوب يختلف‬

‫ف�ضيلة دميوقراطية»‪ ،‬على اعتبار �أن احلوارات‬ ‫الزجلية‪ ،‬هي مدخل �إىل �أدب احلياة‪.‬‬ ‫ت�ضم املو�سوعة ما ي�شبه الأنطولوجيا لزجالني‬ ‫من منت�صف القرن ال�سابع ع�شر �إىل اليوم‪،‬‬ ‫من خمتلف الأطياف والفئات االجتماعية‬ ‫وال�سيا�سية اللبنانية‪ ،‬وكل الزجليات الظريفة‬ ‫التي اختارها �أبي �ضاهر مرتبطة ب�أمكنة‪،‬‬ ‫ومنا�سبات و�أعالم‪ ،‬و�شعراء وم�شاهري‪ .‬ثمة‬ ‫�أ�سماء المعة ومعروفة يرد ذكرها‪ ،‬و�أخرى‬ ‫مغمورة �أو غري معروفة مع بع�ض املتفرقات‬ ‫من هنا وهناك‪.‬‬ ‫اجته جوزف �أبي �ضاهر �إىل توثيق الطرافة‬ ‫ال��زج�ل�ي��ة‪ ،‬لأن �ه��ا ع�م��وم� ًا غ�ير م�ن���ش��ورة يف‬ ‫دواوي��ن ال�شعراء‪ ،‬وهي تقال يف املنا�سبات‬ ‫اخلا�صة‪ ،‬و�أحيان ًا كثرية تقال هم�س ًا لأن فيها‬ ‫بع�ض الدعابة الإباحية واملاجنة وال�ساخطة‬ ‫التي ال تزال ترتدد على الأل�سن برغم مرور‬ ‫عقود على قولها‪ ،‬واختار �صاحب «ال�شعراء‬ ‫الظرفاء» ما ميكن ن�شره‪� ،‬إذ �أن هناك الكثري‬ ‫مما ال يجوز �أو ال ي�سمح ب�أن يطبع يف كتاب‬ ‫ب�سبب الرقابة الر�سمية والذاتية‪.‬‬


‫ألسنة عربية‬ ‫‪90‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫لوالك؟ ما انحط وما انهان‬ ‫يا اله‪ ،‬ويا �شيطان‬ ‫انت القفل واملفتاح‬

‫‪2012‬‬

‫توفيق يو�سف عواد‬

‫عا�صي الرحباين‬

‫عا�صي وفريوز‬

‫متام ًا عن الأ�سلوب الذي نراه اليوم لناحية يهاجم فيها «عبدة الدوالر»‪:‬‬ ‫ال�سبك‪� ،‬أو اللغة ال�شعرية‪.‬‬ ‫يا �أخ�ضر ويا بو جناح‬ ‫يا �سالح املا عندو �سالح‬ ‫لوالك ما كان يف الدنيا‬ ‫زجل �شعراء املهجر‬ ‫ال�ب��ارز �أن ك��ل �شعراء املهجر كتبوا ال�شعر ال عمران‪ ،‬وال �إ�صالح‬ ‫ال��زج �ل��ي م�ث��ل ال��رح��ال��ة �أم�ي�ن ال��ري �ح��اين‪ ،‬لوالك؟ ما ارتقى ان�سان‬ ‫والأدي �ب��ان ج�بران خليل ج�بران وميخائيل‬ ‫نعيمة‪ ،‬وال�شاعر �إيليا �أبو ما�ضي‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫�أعالم من الأدب العربي اللبناين �أمثال بول�س امتاز اللبنانيّون عن‬ ‫�سالمة‪ ،‬توفيق يو�سف عواد‪ ،‬اليا�س �أبو �شبكة‪،‬‬ ‫�شفيق املعلوف‪ ،‬وم��ارون عبود‪ ،‬ف��ؤاد كنعان‪ ،‬سواهم في الزجل‬ ‫خاصة‬ ‫وخليل ح ��اوي‪ .‬وين�شر �أب��ي �ضاهر زجلية بتكوين فرق‬ ‫ّ‬ ‫لل�شاعر �أب��و ما�ضي كتبها يف الأربعينيات مكونة من أربعة‬

‫جالين‬ ‫ز ّ‬

‫ثمة �أ�سماء لبنانية لها ن�صو�صها يف مو�سوعة‬ ‫�أبي �ضاهر كتبت الزجل وا�شتهرت يف جمال‬ ‫�آخر غري هذا الفن ال�شعبي‪ ،‬فـ«فيلمون وهبي»‬ ‫ق��ال ال��زج��ل لكن �شهرته يف الأحل ��ان التي‬ ‫قدمها ف�يروز‪ ،‬وقد و�صف بـ«�شيخ امللحنني»‪،‬‬ ‫وهو خبز الفن واحلياة وملحهما‪ ،‬وله الكثري‬ ‫من الق�ص�ص و«النهفات»‪ ،‬ومنها �أن فريوز‬ ‫عندما �سمعت «ي��ا دارة دوري فينا» قالت‬ ‫لعا�صي‪« :‬ريتك تقربين �شو حلوي هالغنية ما‬ ‫بقى ي�صري �أحلى من هيك»‪ ،‬فر ّد عا�صي قائ ًال‪:‬‬ ‫«هيدي ّ‬ ‫حلنها القرد «فيلمون»م�ش �أنا»‪.‬‬ ‫وهناك وليم ح�سواين الذي عرف بالزجل‪،‬‬ ‫وكان له �صالونه ال�شعري‪ ،‬ولكن �شهرته كانت‬ ‫يف التمثيل يف دور «ال�شاوي�ش» مع الرحابنة‪،‬‬ ‫يقول من�صور الرحباين‪« :‬ل�ست �أدري �إذا كان‬ ‫وليم ح�سواين قد جاء من ال�شعر �إىل امل�سرح‪،‬‬ ‫�أم �أنه انتقل من امل�سرح �إىل ال�شعر!»‪.‬‬ ‫م��ن دون �أن نن�سى م��ن الأ� �س �م��اء عا�صي‬ ‫الرحباين الفنان الكبري ال��ذي ق��دم الكثري‬ ‫من الأغنيات والأحل��ان لفريوز ومع ذلك له‬ ‫بع�ض الزجليات‪ ،‬ومثله الفنان ن�صري �شم�س‬ ‫الدين والكوميدي جنيب حنك�ش �أو ال�سيا�سي‬ ‫ال��رئ�ي����س �أي���وب ث��اب��ت‪ ،‬رئ�ي����س اجلمهورية‬ ‫اللبنانية‪ ،‬ال��ذي كتب دي ��وان «ال� ��ودي»‪� ،‬أي‬ ‫الوادي ال�صغري‪ ،‬وغريه‪.‬‬

‫زجل حكام لبنان‬

‫مل يكن �أي��وب ثابت �أول حاكم لبناين يع�شق‬ ‫ال�شعر ويكتبه‪� .‬سبقه الأمري فخر الدين املعني‬ ‫الثاين والأم�ير ب�شري ال�شهابي‪ ،‬وكذلك نعوم‬ ‫لبكي وكان رئي�س ًا للمجل�س التمثيلي الأول‪.‬‬ ‫ومم��ا ورد ح��ول �أي ��وب ث��اب��ت يف املو�سوعة‪:‬‬ ‫يف �أم�يرك��ا �أ��س����س �أي ��وب ث��اب��ت م��ع العديد‬ ‫من املهاجرين «رابطة �سوريا ـ جبل لبنان‬ ‫للتحرير»‪ ،‬وانتخب رئي�س ًا ل�ه��ا‪ ،‬وك��ان بني‬ ‫�أع �� �ض��ائ �ه��ا‪ :‬ج �ب�ران خ�ل�ي��ل ج�ب��ران‪� ،‬أم�ي�ن‬ ‫الريحاين وميخائيل نعيمه‪ .‬هدفها حترير‬


‫�سوريا من احلكم العثماين والتمتع بكيان‬ ‫م�ستقل يف ج�ب��ل ل�ب�ن��ان‪ ،‬يف �إط ��ار ح��دوده‬ ‫القدمية‪ ،‬حتت احلماية الفرن�سية‪ .‬ويف هذه‬ ‫املرحلة ا�ضطر �إىل رهن �ساعته الذهبية غري‬ ‫مرة يف نيويورك ل�سد الرمق ولإر�سال برقيات‬ ‫�إىل ر�ؤ�ساء عديدين لإ�سماع �صوت لبنان‪.‬‬ ‫عاد �أيوب ثابت �إىل لبنان وانغم�س يف العمل‬ ‫ال�سيا�سي‪ ،‬ث��م اخ�ت�ير رئي�س ًا للجمهورية‬ ‫يف ال �ف�ترة االنتقالية ال�ت��ي �سبقت �إع�لان‬ ‫ا��س�ت�ق�لال ل�ب�ن��ان «م��ن ‪� 18‬آذار ‪/‬م��ار���س‬ ‫�إىل ‪ 21‬مت��وز‪/‬ي��ول�ي��و ‪ .»1943‬بعد انتهاء‬ ‫تكليفه بالرئا�سة‪ ،‬عاد �إىل بلدته بحمدون‪،‬‬ ‫ون�صب خيمة يف كرم له يف منطقة �أ�سماها‬ ‫«الودي» وان�صرف �إىل كتابة ال�شعر الزجلي‬ ‫بالعامية‪ ،‬علم ًا ب��أن��ه �أجن��ز �أول كتاب له‬ ‫‪« 1908‬عربه وذك��رى» و�أه��داه �إىل الدكتور‬ ‫حنا توفيق بك نائب �أدرنه بتقدمي جاء فيه‪:‬‬ ‫موالي‪� ،‬ألفيتك من بني نواب الأمة �أقربهم‬ ‫�إىل قلبي‪ .‬وكان �أيوب ثابت يف �شبابه قد ن�شر‬ ‫كتابات يف «املقطم» امل�صرية و«ا ألح��وال»‬ ‫و«الوطن» يف بريوت‪ ،‬وبني ق�صائده الأوىل‬ ‫واحدة مطلعها‪:‬‬ ‫خلق النا�س يف احلقوق �سواء‬ ‫فتقوى قوم و�سادوا البقية‬ ‫زعموا ان امللك �آتٍ اليهم‬ ‫بد َء بد ٍء من �سلطة علوية‬ ‫�أم��ا «ال ��ودي» فهي ق�صيدة زجلية طويلة‪،‬‬ ‫ف��ري��دة يف �صياغتها ويف م�ضمونها‪ ،‬وقد‬ ‫ح� ّم�ل�ه��ا ذك��ري��ات م��ا��ض�ي��ه وروح ال�ق��ري��ة‬ ‫اللبنانية القدمية‪.‬‬

‫ابن ال�ساحل ال يقول زج ًال!‬

‫بقي ال�شعر الزجلي حم�صور ًا بجغرافيا اجلبل‬ ‫اللبناين‪ ،‬ذلك لأن ابن ال�ساحل ال يقول زج ًال‪،‬‬ ‫هذا معروف‪ ،‬ابن ال�ساحل له عالقة �أكرث مع‬ ‫التجارة‪ ،‬والأغنيات الكال�سيكية التقليدية‪،‬‬ ‫واب� ��ن اجل �ب��ل ي�ه�ت��م ب��ال��دب �ك��ة‪ ،‬وال�ف�ل�ك�ل��ور‪،‬‬ ‫والأغ ��اين ال�شعبية‪ ،‬ه��ذا يعود �إىل مناخات‬ ‫اجلبل وت�ضاري�سه‪ ،‬ويبدو �أنّ «م�س�ألة االعتداد‬ ‫لت �إىل ظاهرة»‬ ‫اجلبلي �أو‬ ‫باملن�ش�إ‬ ‫ّ‬ ‫القروي حت ّو ْ‬ ‫ّ‬

‫خليل حاوي‬

‫زغلول الدامور‬

‫بح�سب الناقدة خالدة �سعيد‪ ،‬حتى كثرُ َ التلميح‬ ‫وو�صلت �إىل امل�ساجالت الزجل ّية حول‬ ‫حولها‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫زجل �ض ّمت‬ ‫«البريوتي»‬ ‫و«اجلبلي»‪ ،‬ففي جل�س ِة ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�شعرا َء ال�شعبيني عمر الزعني و�أ�سعد �سابا‬ ‫وعبد اجلليل وهبي و�أ�سعد ال�سبعلي‪ ،‬دارت‬ ‫معرك ٌة زجل ّية‪ ،‬وجرى احلوا ُر الآتي بني �سابا‬ ‫مم ِّث ًال ابنَ اجلبل‪ ،‬والزع ّني مم ِّث ًال ابنَ بريوت‪:‬‬ ‫ابن �سابا‪:‬‬ ‫�أوعى يغ ّرك �سكوتي‬ ‫بته ّز ال�صخْ ر بيوتي‬ ‫هات الليلة �شو عندكْ‬ ‫بتحكي بريوتي‬ ‫يللي ْ‬

‫لو كنت ح�صان‪.‬‬ ‫لو كنت ح�صان يف بيت �سر�سق‬ ‫باكل ف�ستق باكل بندق‬ ‫ما كنت ب�سرق زي الزعران‬ ‫لو كنت ح�صان‬ ‫من �سوء ّ‬ ‫حظي خملوق �إن�سان‬ ‫يف جبل لبنان ذليل مُهان‬ ‫جوعان هفيان حايف عريان‬ ‫�آه يا ريتني ح�صان‪.‬‬

‫الزع ّني‪:‬‬ ‫لو عندك بال�ضيعة توتْ‬ ‫وكالمك ك ُّله مثبوتْ‬ ‫ما كنت تركتِ ال�ضيعة‬ ‫وجيتْ �سكنتْ يف بريوت!‬ ‫مل يعرف الزعني كزجال‪ ،‬بل ك�شاعر �شعبي‬ ‫ل��ه م��واق �ف��ه ال�ن�ق��دي��ة يف م�ع�ظ��م ق�صائده‬ ‫و�سجن ب�سبب �أق��وال��ه‪ ،‬ففي �إح��دى امل��رات‬ ‫�سخر من الواقع املزري ملحدودي الدخل يف‬ ‫لبنان‪ ،‬ورفاهية اخليل يف �إ�سطبالت الطبقة‬ ‫اللبنانية املي�سورة التي كان بع�ض �أفرادها‬ ‫م��ن ه ��واة تربية خ�ي��ول ال���س�ب��اق‪ .‬ي�ق��ول يف‬ ‫�أغنيته «لو كنت ح�صان»‪:‬‬ ‫لو كنت ح�صان �شو َع بايل‬ ‫�أبو زيد خايل را�سي عايل‬ ‫من اله ّم خايل عاي�ش �سلطان‬

‫�أث ��ارت الأغنية �ضيق ال��وزي��ر ال��راح��ل هرني‬ ‫فرعون‪ ،‬فتقدّم ب�شكوى من كاتبها الذي ُ�سجن‬ ‫ثالثة �أ�شهر يف �سجن الرمل‪ ،‬كما يروي فاروق‬ ‫اجلمال يف كتابه «حكاية �شعب»‪ .‬و�شاعر بريوت‬ ‫مل يكن يحلم ب�أن ميتطي احل�صان‪ ،‬بل مت ّنى �أن‬ ‫يكون ح�صان ًا يف �إ�سطبالت فرعون يف ميدان‬ ‫ال�سباق‪ ،‬ويف و�صفه امل�شهد ال�سيا�سي يقول‪:‬‬ ‫من القنطاري �إىل ر�أ�س النبع‬ ‫ا�شتغل ّ‬ ‫ال�سف ا�شتغل البلع‬ ‫ن�ستطيع �أن نقول �إن معظم كتابات عمر الزعني‬ ‫قائمة على الظرافة والدعابة والنقد القا�سي‪،‬‬ ‫فقد تعر�ض للمالحقة من االنتداب الفرن�سي‬ ‫ومن ال�سلطة اللبنانية ب�سبب �أق��وال��ه‪ ،‬والحق ًا‬ ‫عمد بع�ض الفنانني �إىل قر�صنة بع�ض ق�صائده‬ ‫وحتويرها خ�صو�ص ًا �أغنية «عندك بحرية»‬ ‫لوديع ال�صايف‪ .‬هذا غي�ض من في�ض عن ظرفاء‬ ‫ال��زج��ل‪ ،‬ال��ذي ي��رى �أني�س فريحة �أن��ه عالمة‬ ‫من العالمات االجتماعية اللبنانية الذاهبة يف‬ ‫طريق الزوال‬


‫‪92‬‬

‫جماليات‬

‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫هيمنة‬ ‫الجسد‬ ‫الجماعي‬

‫معجب الزهراين‬

‫تت�صل الفنون اجلميلة كلها ب�أع�ضاء اجل�سد الب�شري‪ ،‬لكن‬ ‫فنون الرق�ص تظل هي فن اجل�سد بامتياز‪.‬‬ ‫وه��ي ه�ك��ذا لأن الإن���س��ان ب��د�أ ي�ستعمل ج�سده لأداء العمل‬ ‫الإجنازي الذي ي�ؤمن له حاجاته الفطرية‪ ،‬مثله مثل الكائنات‬ ‫احلية الأخرى‪ .‬ثم انتقل يف حقبة تطورية الحقة �إىل ا�ستعمال‬ ‫اجل�سد ذاته لإ�شباع حاجات رمزية – روحية متيزه عن عامل‬ ‫احليوان ‪.‬‬ ‫ه�ك��ذا يتمو�ضع اال�ستعمال اجل�م��ايل واال�ستعمال التعبدي‬ ‫يف الرتبة ذاتها فكالهما من امل�ؤ�شرات القوية على ت�أن�سن‬ ‫هذا الكائن الذي ظل وعيه بذاته وبالعامل من حوله يتطور‬ ‫بانتظام ‪.‬‬ ‫هكذا ي�صح �أن نقول ب�أن الإن�سان كائن جمايل بالفطرة بقدر‬ ‫ما هو كائن عاقل ناطق بالفطرة‪.‬وال يعني مفهوم «الفطرة»‬ ‫هنا �أن الب�شر بد�أوا حياتهم بالر�سم والرق�ص والغناء والعزف‬ ‫على الآالت املو�سيقية بقدر ما يعني �أن الإن�سان با�شر الفنون‬ ‫يف مرحلة مبكرة من تاريخ ت�أن�سنه لأنه مهي�أ بيولوجي ًا لهذه‬

‫يتموضع االستعمال الجمالي‬ ‫واالستعمال التعبدي في الرتبة‬ ‫ذاتها‪ ،‬فكالهما من المؤشرات‬ ‫القوية على تأنسن الكائن‬ ‫ّ‬ ‫ظل وعيه بذاته وبالعالم‬ ‫الذي‬ ‫من حوله يتطور بانتظام‬


‫جماليات‬ ‫الفن كله ثقافة خفيفة مرنة‬ ‫ممتعة‪ ،‬محايثة لحياة اإلنسان‬ ‫منذ أن سكن الكهوف وال غرابة‬ ‫أن تنتشر وتستهوي األفراد‬ ‫والجماعات في عصر التقنيات‬ ‫االتصالية التفاعلية‬ ‫الأن�شطة كما هو مهي�أ للكالم ‪.‬‬ ‫وهناك معطيات كثرية ت��دل على �أن اال�ستعماالت اجلمالية‬ ‫للج�سد ت�ؤمن حاجات نف�سية ‪ -‬ذهنية ال غنى للإن�سان عنها ‪.‬‬ ‫فاملنظور الأنرثوبولوجي يفيد ب�أن املمار�سات اجلمالية تتولد‬ ‫عن م�شاعر لعبية حرة مرحة ن�شاهد بع�ض جتلياتها حتى يف‬ ‫عامل احليوان الذي ما �إن ي�ؤ ّمن �ضروريات احلياة حتى ي�ؤدي‬ ‫حركات �إيقاعية �أو يتغنى ب�أ�صوات منتظمة دالة على �إح�سا�سه‬ ‫بالغبطة واالطمئنان ‪.‬‬ ‫ومن املنظور التاريخي ال ي�ستطيع �أحد ن�سبة الن�شاط اجلمايل‬ ‫ملجتمع حم��دد �أو ل�شخ�ص بعينه‪ ،‬بينما يعرف الباحثون �أن‬ ‫ُم ِّ‬ ‫د�شني املعتقدات الكربى‪ ،‬كالهندو�سية والبوذية والكتابية‪،‬‬ ‫�أ��ش�خ��ا���ص م�ع��روف��ون ب�أ�سمائهم و��س�يره��م وت��واري��خ ميالهم‬ ‫وموتهم مثلهم مثل امللوك والأم��راء الذين �شيدوا ما عرف‬ ‫الح�ق��ا ب�ـ «ال��دول��ة» ال�ت��ي متثل بنية تاريخية م�ت�ج��اوزة لبنى‬ ‫الع�شرية والقبيلة ما قبل التاريخيتني مبعنى ما‪.‬‬ ‫�أم��ا م��ن املنظور الواقعي الإم�بري�ق��ي‪ ،‬فهناك ظ��اه��رة كونية‬ ‫دال��ة بحد ذاتها على �أن للتجربة اجلمالية �أ�صالة ال ميكن‬ ‫�سربها‪ ،‬وجاذبية ال ميكن مقاومتها‪ ،‬فالع�صر احلديث ي�شهد‬ ‫انح�سار ًا منتظم ًا للنظريات الفل�سفية واملعتقدات الدينية‬

‫والإيديولوجيات ال�سيا�سية‪ ،‬فيما ي�شتد ت�أثري الفنون اجلميلة‬ ‫وميتد يف كل اجتاه ‪.‬‬ ‫ول��و زال��ت �أو خ� ّف��ت م�ظ��اه��ر الإك� ��راه ال�ت��ي تبا�شرها بع�ض‬ ‫ال�سلطات الر�سمية التقليدية ل��زاد ت�أثري الفنون اجلمالية‬ ‫وحتولت �إىل عامل تقارب وتفاهم �أ�سا�سي بني الب�شر‪ ،‬وخا�صة‬ ‫يف �أو�ساط ال�شباب الذين ع��ادة ما ي�ستهويهم كل جديد يف‬ ‫املو�سيقى والأف�ل�ام والرق�صات والأغ ��اين‪ ،‬كما يف الأل�ع��اب‬ ‫والأزياء والأطعمة ‪.‬‬ ‫فالفن كله ثقافة خفيفة مرنة ممتعة‪ ،‬حمايثة حلياة الإن�سان‬ ‫منذ �أن �سكن الكهوف وبا�شر لقط الثمرات و�صيد احليوانات‬ ‫يف الرب والبحر واجلو‪ ،‬وال غرابة �أن تنت�شر وت�ستهوي الأفراد‬ ‫واجل�م��اع��ات يف ع�صر التقنيات االت�صالية التفاعلية التي‬ ‫�أف��رزت جيال جديد ًا يف�ضل ال�سكنى يف ف�ضاءات واقعية �أو‬ ‫افرتا�ضية واحدة ‪.‬‬ ‫بعد هذا يحق لنا �أن نطل على مفارقة تاريخية قد تك�شف عن‬ ‫�أزمة ثقافية ‪ -‬ح�ضارية يعانيها الإن�سان العربي �أكرث من غريه‬ ‫وتعانيها املر�أة �أكرث من الرجل‪ .‬فمع تنوع التجارب اجلمالية‬ ‫وغناها يف ثقافاتنا ال�شعبية التقليدية‪� ،‬إال �أن الدولة احلديثة‬ ‫تبدي توج�س ًا قوي ًا من الفنون عموم ًا‪ ،‬وقد متار�س قمع ًا مبا�شر ًا‬ ‫لفنون احلركة ب�شكل خا�ص‪.‬‬ ‫ولتفهم ه��ذه امل�ف��ارق��ة علينا �أن ن��ذ ّك��ر مب��ا ي�سعى اخلطاب‬ ‫الر�سمي �إىل حموه �أو تهمي�شه ‪ .‬فتحرر اجل�سد الفردي من‬ ‫هيمنة اجل�سد اجلماعي‪ ،‬هو البداية اجلدية لتحرر الكائن‬ ‫ذات��ه م��ن قمع ال�سلطة ال�سائدة كما ي��ذه��ب �إل�ي��ه م�صطفى‬ ‫حجازي وغريه من الباحثني‬


‫مجلس العلوم‬ ‫‪94‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫ب�إمكان العلم �أن يكون مده�ش ًا ‪ ..‬وحمبط ًا كذلك‬

‫حقائق العلم الصادمة‬ ‫د‪�.‬سمري عالء الدين‬

‫�أخ�صائي جراحة القلب وال�صدر مب�ست�شفى دبي‬

‫ب�إمكان العلم �أن يكون مده�شاً و�أن ي�ساعد فى �إزالة بع�ض الغمو�ض عن �أ�سرار العامل من‬ ‫حولنا‪ ،‬ولكن فى كثري من الأحيان‪ ،‬تكون بع�ض االكت�شافات العلمية الكربى حمبطة‬ ‫و�أحياناً �صادمة‪ .‬فيما يلى بع�ض هذه احلقائق ال�صادمة‪.‬‬ ‫مازالت اجلراثيم تنت�صر علينا‬

‫�ساعدت امل�ضادات احليوية واللقحات على‬ ‫احلفاظ على ماليني الأرواح التي كانت فى‬ ‫عداد املوتى مت�أثرة بالفريو�سات واجلراثيم‪.‬‬ ‫ولكن ماتزال بع�ض هذه اجلراثيم تطور نف�سها‬

‫ب�سرعة تفوق كثري ًا �سرعة مكافحتنا لها‪.‬‬ ‫فمث ًال ف�يرو���س الأن �ف �ل��وان��زا يتطور ويتغري‬ ‫ب�سرعة‪ ،‬حتى �أن لقاح هذا العام ال ي�ستطيع‬ ‫�أن مينع الإ� �ص��اب��ة بنف�س ال�ف�يرو���س العام‬ ‫املقبل‪ .‬كما ينت�شر �أحيان ًا فى بع�ض امل�شايف‬ ‫نوع من البكترييا العنقودية التي فى �إمكانها‬

‫ملاذا جمل�س العلوم؟‬ ‫ال�س�ؤال الكبري الذي واجهنا ونحن نخطط ل�صفحات «جمل�س العلوم» كان يتعلق‬ ‫بطبيعة الرابط الذي يجب �أن ينتبه �إليه القراء بني جملة حتمل ا�سم «تراث» مبا‬ ‫يُحيل �إليه من ِقدَم وعتاقة‪ ،‬وبني م�ستحدثات العلوم الطبيعية‪.‬‬ ‫ويف احلقيقة ف��إن ك�شف ه��ذا التناق�ض الزائف ك��ان �أب��رز �أ�سباب حتم�سنا لهذه‬ ‫الزاوية‪ ،‬لأنه ي�صب يف �صميم ما ن�سعى �إليه من �إعادة تعبئة م�صطلح «الرتاث»‬ ‫مبعانيه احلقيقية‪ ،‬با�ستح�ضار معناه ال�شامل والوا�سع ال��ذي ي�ضم كل منجز‬ ‫ح�ضاري من �ش�أنه الت�أثري يف الإن�سان؛ كل فعل‪ ،‬و�أداة‪ ،‬وفكرة مهما كانت ب�ساطتها‪،‬‬ ‫كان لها �أثرها على حياة النا�س‪ ،‬الفارق الذي يعتد به يكمن يف الأث��ر ولي�س يف‬ ‫التعقيد‪ ،‬فكم م��ن �أف �ك��ار ب�سيطة �صنعت حت��والت عظيمة‪ ،‬وت ��راث احل�ضارة‬ ‫الإ�سالمية زاخر بالعديد من تلك الأفكار التي اعتقد �أهلها يف وقتها �أنها ب�سيطة‪،‬‬ ‫�إىل �أن تبناها الغرب مبنهج �إدارة يقي�س الأ�شياء ب�آثارها‪ ،‬فكانت فاحتة لتحوالت‬ ‫يعي�ش العامل على �آثارها حتى يومنا هذا‪.‬قناعتنا التي ننطلق من خاللها‪ ،‬هي‬ ‫�أن الإجناز العاملي يف العلوم الطبيعية مل يكن �أبداً حكراً على الغرب‪ ،‬وهو �أمر له‬ ‫دالالته القاطعة يف املا�ضي‪ ،‬حينما كانت احل�ضارة الإ�سالمية هي الرائد للتقدم‬ ‫العلمي‪ ،‬كما �أن احلقيقة التي يجب �أن ال نغفل عنها هي �أن الغرب يف ع�صرنا‬ ‫الراهن ال يحتكر التقدم العلمي وي�ستفيد منه �إال من خالل �إدارة فاعلة‪ ،‬بينما‬ ‫الإبداع ال جن�سية له‪ .‬انطالقاً من هذه القناعة‪ ،‬ف�إن جمل�س العلوم‪ ،‬هي �صفحات‬ ‫ُتعنى بتج�سري تلك امل�سافة الفا�صلة التي �أخفقنا نحن العرب يف جت�سريها‪ ،‬تلك‬ ‫امل�سافة ال�صغرية جداً‪ ،‬اخلطرية للغاية بني النظرية والتطبيق‪.‬‬

‫�أن جتعل جرح ًا متناهي ًا فى ال�صغر كارثة‬ ‫طبية قد تودى بحياة املري�ض‪.‬‬ ‫كما ي�ستمر ظهور الأمرا�ض اجلديدة الناجتة‬ ‫عن هجوم اجلراثيم من احليوان �إىل االن�سان‬ ‫مثل االيبوال من القرود و انفلوانزا الطيور‬ ‫و�أنفلوانزا اخلنازير‪.‬‬ ‫حتى مر�ض الدرن«ال�سل» ال��ذي ق�ضى على‬ ‫املاليني فى القرن املا�ضى يعود الآن بقوة‬ ‫جزئي ًا ب�سبب ظهور �سالالت جديدة مقاومة‬ ‫لكثري من الأدوية املتاحة‪� .‬إذن حتى فى القرن‬ ‫احل ��ادي والع�شرين ميكن �أن مي��وت امل��رء‬ ‫ب�سبب تناول بع�ض الطعام‪.‬‬

‫هل نحن يف منت�صف الإنقرا�ض‬ ‫ال�ساد�س؟‬

‫حدد علماء احلفريات خم�سة �أزمنة فى تاريخ‬ ‫ال�ع��امل حدثت فيها لأ�سباب خمتلفة «مثل‬ ‫ارتطام �أجرام �سماوية بالأر�ض‪ ،‬انفجارات‬ ‫ب��رك��ان �ي��ة‪�،‬أو ت �غ�يرات مناخية» انقرا�ضات‬ ‫عظمى �أدت �إىل اختفاء كثري �أو كل �أن��واع‬ ‫احلياة من على وجه الأر�ض‪.‬‬ ‫الآن‪ ،‬وطبق ًا لآراء الكثري من علماء الطبيعة‪،‬‬ ‫نحن فى منت�صف �ساد�س هذه الإنقرا�ضات‬ ‫ال �ت��ي ك���ان م ��ن �أوائ� � ��ل ال �� �ض �ح��اي��ا ح �ي��وان‬ ‫«امل�ستودون» وهو حيوان بائد �شبيه بالفيل‪.‬‬


‫خ�لال ان�ت�ق��ال اجلن�س الب�شري م��ن ق��ارة‬ ‫ل �ق��ارة �أخ ��رى ب ��د�أت احل �ي��وان��ات ال�ضخمة‬ ‫فى الإخ�ت�ف��اء‪ .‬مثل �إختفاء امل�ستودون من‬ ‫�أمريكا ال�شمالية والكاجنارو ال�ضخم من‬ ‫ا�سرتاليا والفيل القزم من �أوروبا‪ .‬بالإ�ضافة‬ ‫ل�ه��ذه الأ� �س �ب��اب ال�ت��ي �أدت للموجة الأوىل‬ ‫م��ن االن �ق��را���ض‪ ،‬ف� ��إن الإن �� �س��ان الع�صرى‬ ‫ي�ساعد عليه الآن ب�صيد احليوانات املهددة‬ ‫ب��الإن �ق��را���ض‪ ،‬ت��دم�ير مواطنها الطبيعية‪،‬‬ ‫وا�ستقدام ال���س�لاالت امل�ع��ادي��ة لها‪ ،‬ون�شر‬ ‫الأمرا�ض بغري ق�صد‪.‬‬

‫الأطعمة الطيبة ‪ ..‬قاتلة!‬

‫منذ عام ‪ 1948‬يجرى فرامينجهام درا�سة‬ ‫�ضمت �أك�ثر من ‪ 5000‬مواطن من قاطنى‬ ‫مدينة فرامينجهام فى ما�سي�شوتي�س‪ ،‬وهي‬ ‫درا��س��ة طويلة الأم��د ع��ن ع��وام��ل اخلطورة‬ ‫التي ت� ��ؤدي للإ�صابة مبر�ض القلب‪ .‬هذه‬ ‫الدرا�سة ت�ضم الآن �أحفاد املتطوعني الأوائل‪.‬‬ ‫�أو�ضحت هذه الدرا�سة وغريها �أن خطورة‬ ‫حدوث �أمرا�ض القلب واجللطات الدماغية‬ ‫وداء ال�سكرى وبع�ض �أن��واع االورام اخلبيثة‬ ‫والأم��را���ض الأخ��رى مرتبط طردي ًا بتناول‬ ‫الأغذية ذات الطعم الذيذ‪.‬‬ ‫حلم اال�ستيك‪ ،‬والبطاطا املقلية اململحة‪،‬‬ ‫و�أطباق البي�ض املقلي اللذيذة‪ ،‬واحللويات‬ ‫بالكرمية املخفوقة‪ ،‬كل ذلك ات�ضح �أنه قاتل‪.‬‬ ‫بالت�أكيد هناك بع�ض الأطعمة اللذيذة �صحية‬ ‫مثل املك�سرات والتوت والبازالء‪.‬‬ ‫ك��ان منطقي ًا ع�بر الع�صور التي ك��ان فيها‬ ‫�أج ��دادن ��ا ي �ع��ان��ون م��ن نق�ص ف��ى الطعام‬ ‫ويبحثون عن فري�سة ل�صيدها �أن يلتهموا‬ ‫الكثري من الد�سم وامللح‪ .‬مل يعد ذلك مربر ًا‬ ‫متام ًا الآن فى ع�صر اجللو�س �أمام �شا�شات‬ ‫الكمبيوتر واحلياة الراكدة فى املكاتب‪.‬‬

‫‪E=mc²‬‬

‫النسخة األخيرة من‬ ‫الجينوم البشرى أكدت‬ ‫أننا نمتلك ربع ما كنا‬ ‫نعتقد من جينات‬ ‫املعادالت عبقرية وجما ًال‪ ،‬ولكنها �أي�ضا من‬ ‫�أك�ثره��ا �إث ��ارة للرعب‪� .‬إن ال�ق��وة املو�ضحة‬ ‫ب��امل �ع��ادل��ة ت�ك�م��ن ف��ى ال� �ـ «‪� »C2‬أو �سرعة‬ ‫ال�ضوء «والتي ت�ساوي ‪ 186,282‬مي ًال فى‬ ‫الثانية» م�ضروب ًا يف نف�سه‪� ،‬أي �سيكون الناجت‬ ‫‪. 34,700,983,524‬‬ ‫عندما يكون ه��ذا ال��رق��م الهائل ه��و عامل‬ ‫ال���ض��رب‪ ،‬ف��أن��ت ال حت�ت��اج �إىل وزن لإن�ت��اج‬ ‫ط��اق��ة‪ .‬فمثقال متناه يف اخلفة م��ن معدن‬ ‫البلوتونيوم كاف جد ًا لتدمري مدينة ب�أ�سرها‪.‬‬

‫الكون غري املتخيل‬

‫كل الأ�شياء التي تخطر على بالنا عندما‬ ‫نفكر يف ال �ك��ون «م�ث��ل ال �ك��واك��ب‪ ،‬النجوم‪،‬‬ ‫املجرات‪ ،‬الثقوب املظلمة‪ ،‬الغبار الكوين» ال‬

‫الطاقة ت�ساوي حا�صل �ضرب الكتلة يف مربع المعرفة حضور ما كان‬ ‫�سرعة ال�ضوء‪ ،‬تلك معادلة العامل �‬ ‫أين�شنت غائب ًا عن الذاكر ولهذا‬ ‫ال�شهرية للطاقة‪� .‬إن�ه��ا بالت�أكيد م��ن �أك�ثر‬ ‫كان ضدها اإلنكار وضد‬ ‫العلم الجهل‬

‫متثل �إال �أربعة باملائة فقط مما هو موجود‬ ‫هناك ف�ع� ً‬ ‫لا‪ .‬الن�سبة الباقية م��ن مكونات‬ ‫الكون تندرج حتت ق�سمني‪ :‬الأول هو الظالم‬ ‫�أو املادة املظلمة �أو الكتلة غري معلومة الهوية‬ ‫والتي تك ّون ما ن�سبته ‪ 23‬باملائة من الكون‪.‬‬ ‫�أما الق�سم الثاين فهو الطاقة املظلمة والتي‬ ‫متثل ‪ 73‬باملائة تقريب ًا من الكون‪.‬‬ ‫بينما ميتلك العلماء بع�ض الأف�ك��ار املبدئية‬ ‫والتي الت��زال يف ط��ور النظريات عن امل��ادة‬ ‫املظلمة‪ ،‬تبقى الطاقة املظلمة مبهمة املاهية‬ ‫مت��ام� ًا بالن�سبة للعلماء‪ .‬حيث �ص ّنف عامل‬ ‫الكونيات الربوفي�سور مايكل ترنر بجامعة‬ ‫�شيكاجو الطاقة املظلمة على �أنها «اللغز الأكرث‬ ‫غمو�ض ًا وعمق ًا فى جماالت العلم قاطبة»‪.‬‬ ‫�إن اجلهد العلمي املبذول حلل هذا اللغز قد‬ ‫جعل جي ًال كام ًال من علماء الفلك يعيدون‬ ‫درا�سة علوم الفيزياء والفلك من جديد لعلهم‬ ‫يحققون ن�صر ًا علمي ًا ال يقل �أهمية بل ويتفوق‬ ‫على الك�شف العلمي الذي حققة جاليليو فى‬ ‫ليلة من ليايل اخلريف مبدينة بادوفا‪.‬‬ ‫ولكن ما هو م�ؤكد لعلماء الكونيات �أن العامل‬ ‫بف�ضل هذه القطع املظلمة �آخذ فى التمدد‪،‬‬ ‫ولي�س التمدد فقط‪ ،‬ولكن التمدد املت�سارع‪،‬‬ ‫وال��ذي ي��ؤدى يف النهاية �إىل �أن كل مكونات‬ ‫هذا الكون �سوف تتباعد عن بع�ضها البع�ض‪،‬‬ ‫�أى �أن الكون �سينتهي بارد ًا ومقفر ًا‬


‫مجلس العلوم‬ ‫‪96‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫العودة بعقارب ال�شيخوخة �إىل الوراء‬

‫اكتشافات علمية‬ ‫قد تغير الحياة لألفضل‬

‫هناك الكثري من االكت�شافات العلمية يف الآونة االخرية‪ ،‬الكثري منا مبهر حقاً‪ ،‬و لكن القليل منها يكت�سب‬ ‫�أهمية خا�صة من كونه قد يغري حياة الإن�سان �إىل الأف�ضل يف فرتة وجيزة‪.‬‬ ‫التاىل من االخرتاعات قد ي�ساعد على �شفاء �أمرا�ض ورمبا ي�ساعد الإن�سان على العودة بالوراء بعقرب �ساعة‬ ‫ال�شيخوخة‪.‬بع�ض نتائج هذه الأبحاث قد ن�ستفيد منها قريباً وبع�ضها قد ننتظر طوي ً‬ ‫ال حتى نرى ثمراته‪.‬‬ ‫�إعادة برجمة خاليا اجللد‬

‫اخل�ل�اي��ا اجل��ذع �ي��ة اجل�ن�ي�ن�ي��ة ه��ي خ�لاي��ا‬ ‫م�ستمدة من اجلنني يف مراحلة املبكرة «عمر‬ ‫‪� 4‬إىل ‪� 5‬أيام» حيث يتكون اجلنني وقتها من‬ ‫‪� 50‬إىل ‪ 150‬خلية‪ .‬عزل هذه الكتلة اخللوية‬ ‫من اجلنني يقود �إىل اتالف الأجنة الب�شرية‬ ‫املخ�صبة مم��ا يثري ق�ضايا �أخ�لاق �ي��ة‪� .‬إن‬ ‫اخلاليا اجلذعية اجلنينية املحفزة ق��ادرة‬ ‫على التمايز �إىل جميع �أن��واع خاليا اجل�سم‬ ‫ال�ب��ال��غ ع��دده��ا ‪ 220‬ن��وع � ًا‪ .‬ب��الإ��ض��اف��ة �إىل‬ ‫�أن اخلاليا اجلذعية اجلنينية ق��ادرة على‬ ‫التكاثر بنف�سها �إىل ما النهاية‪ .‬هذا ي�سمح‬ ‫بتوظيف اخلاليا اجلذعية اجلنينية ك�أدوات‬ ‫مفيدة لكل من الأبحاث والطب التجديدي‪.‬‬ ‫مت اقرتاح العالج باخلاليا اجلذعية اجلنينية‬ ‫ال�ستبدال الأن�سجة بعد الإ�صابة باملر�ض مثل‬ ‫ال�سرطان والباركن�سون‪.‬‬ ‫يف ع ��ام ‪ 2007‬اك�ت���ش��ف ال�ع�ل�م��اء بجامعة‬ ‫ك��ال�ف��ورن�ي��ا ب�ل��و���س اجنلي�س �أن ب�إمكانهم‬ ‫ب��رجم��ة خ�لاي��ا اجل�ل��د ح�ت��ى تت�صرف مثل‬ ‫اخلاليا اجلذعية التي ت�ؤخذ من الأجنة‪ .‬كان‬ ‫هذا اكت�شاف ًا مذه ًال خا�صة و�أن ا�ستخدام‬ ‫اخلاليا من الأجنة يواجه �إعرتا�ض ًا لأ�سباب‬ ‫دينية‪ .‬ك��ان من امل��ؤم��ل �أن يكون ا�ستخدام‬ ‫هذه الطريقة �أف�ضل من ا�ستخدام اخلاليا‬

‫رغم تقدم العلوم‬ ‫تبقى الطاقة المظلمة‬ ‫اللغز األكثر غموض ًا‬ ‫وعمق ًا فى مجاالت‬ ‫العلم قاطبة‬ ‫اجلذعية اجلنينية وذل��ك لوفرتها و�إمكان‬ ‫توظيفها يف القيام ب��دور العديد من �أن��واع‬ ‫اخلاليا لعالج العديد من الأمرا�ض‪.‬‬ ‫ولكن يف عام ‪ 2009‬بدا يف الأفق ما قد يعيق‬ ‫ه��ذا الأم��ل‪ ،‬فقد اكت�شف العلماء �أن خاليا‬ ‫اجل�ل��د امل �ع��اد برجمتها متتلك خ�صائ�ص‬ ‫وراثية تختلف عن اخلاليا اجلذعية اجلنينية‬ ‫ومل ي�ستطع العلماء يف وقتها حتديد هل هذا‬ ‫ميثل عيب ًا ام ميزة ؟ و يف عام ‪ 2011‬حدث‬ ‫�شىء �آخر هدد النجاح‪ ،‬حيث �أوردت درا�سة‬ ‫�أخ� ��رى ُن �� �ش��رت يف جم�ل��ة الطبيعة ح��دوث‬ ‫رف����ض خل�لاي��ا اجل�ل��د امل�ع��اد برجمتها عند‬ ‫ا�ستخدامها يف �أج�سام الفئران!‬ ‫حديث ًا‪ ،‬و يف مار�س ‪ ،2012‬وح�سب درا�سة‬

‫طبق ًا آلراء الكثير من‬ ‫علماء الطبيعة نحن‬ ‫فى منتصف سادس‬ ‫اإلنقراضات العظمى‬

‫ُن�شرت يف دورية علم اخللية مت التعرف على‬ ‫عالمات يف اخللية من خاللها ميكن التنبوء‬ ‫بنوع الربوتني ال��ذي تكونه اخللية يف عملية‬ ‫تكوين الأن�سجة‪ .‬ه��ذا الك�شف ميثل نقطة‬ ‫انطالق قوية ج��د ًا يف توظيف خاليا اجللد‬ ‫املعاد برجمتها لأن ذلك يعني �أن يف مقدور‬ ‫الباحثني اختيار اخلوا�ص التي يريدونها فقط‬ ‫والتي �سوف تقود اخلاليا املربجمة لت�أدية‬ ‫الوظائف املطلوبة منها فقط‪ .‬ه��ذا ب��دوره‬ ‫ميكن ا�ستخدامه مث ًال يف عالج اجلروح ويف‬ ‫تطوير �صناعة العقاقري الطبية‪.‬‬

‫تيلومريات �أطول ‪ ...‬عمر �أطول!‬

‫اكت�شف العلماء التيلوميرتات عام ‪،2007‬‬ ‫وهي �أج�سام تغطي �أطراف الكرومو�سومات‬ ‫من اجلانبني‪ ،‬ويبدو �أن لها عالقة بطول‬ ‫عمر الكائن احلي‪ .‬عام ‪ 2010‬اكت�شف علماء‬ ‫جامعة هارفارد �أنه كلما كانت التلوميرتات‬ ‫�أط��ول عند الفئران كلما تراجعت مظاهر‬ ‫التقدم يف العمر‪.‬‬ ‫مع �أن املعلوم عن التلوميرتات يف االن�سان‬ ‫قليل جد ًا ولكن الأمل يحدو العلماء للتو�صل‬ ‫يف يوم ما �إىل «حبة التلوميرتات» التي �سوف‬ ‫تعيد مظاهر ال�شيخوخة �إىل الوراء‪ .‬و�إىل �أن‬ ‫يتم التو�صل �إىل هذه احلبة‪ ،‬من املحتمل �أن‬


‫نتوفى جميع ًا من ال�شيخوخة يف انتظارها‪ ،‬العلماء بصدد تطوير‬ ‫�ألي�س كذلك جترى الأمور؟‬ ‫حبة للعمر الطويل‬ ‫ولكن قد نتوفى جميع ًا‬ ‫خلية بكتريية م�صنعة قادرة‬ ‫من الشيخوخة في‬ ‫على التكاثر‬ ‫انتظارها‬

‫ا��س�ت�ط��اع ب��اح�ث��و معهد ج��ى ك��ري��ج فينرت‪،‬‬ ‫ولأول مرة عام ‪ 2010‬ت�صنيع �أول بكترييا‬ ‫�صناعية مائة باملائة‪ ،‬والتي ميكنها التكاثر‬ ‫واالنق�سام‪ .‬هذا الإكت�شاف من املمكن �أن‬ ‫ي�ساعد الإن���س��ان ب��أك�ثر م��ن طريقة‪ .‬ي�أمل‬ ‫الباحثون �أن ي�ساعد ذل��ك يف عمل الكثري‬ ‫من املنتجات املفيدة مثل ال��وق��ود احليوى‬

‫�أو ال �ل �ق��اح��ات ال �ط �ب �ي��ة�أو ح �ت��ى منتجات‬ ‫الطعام‪ .‬دعنا فقط نتمنى �أن ُي�ستخدم هذا‬ ‫االكت�شاف خلري الب�شرية و لي�س العك�س!‬

‫الن�سخة الأخرية من اجلينوم الب�شرى‬

‫تو�صلت اجلمعية الدولية لرتتيب خريطة‬

‫يف الفرق بني العلم واملعرفة‬

‫�صمامات للقلب من خاليا النخاع‬

‫جاء العلم عند العرب مبعنى املعرفة‪ ،‬كما جاءت املعرفة مبعنى العلم‪ ،‬وت�ضمن كل‬ ‫لفظ منهما معنى الآخر‪ ،‬لإ�شرتاكهما يف كونهما م�سبوقني باجلهل ‪.‬‬ ‫و�أعلم ما يف اليوم والأم�س قبله‬

‫اجلينات الب�شرية «اجلينوم الب�شرى» �إىل‬ ‫ن�سخة كاملة و�شبه نهائية جلميع جينات‬ ‫اجل�ن����س ال �ب �� �ش��رى‪ ،‬وال �ت��ي ن���ش��رت مبجلة‬ ‫الطبيعة عام ‪ .2010‬توقع العلماء يف بداية‬ ‫البحث �أن يفوق عدد اجلينات الب�شرية ‪100‬‬ ‫�أل��ف جني‪ .‬ولكن مع اكتمال العمل تال�شت‬ ‫هذه التوقعات‪ ،‬فقد ثبت �أننا منتلك ربع هذا‬ ‫العدد فقط‪ .‬لدينا ما بني ‪� 20‬ألف و ‪� 25‬ألف‬ ‫جني فقط ‪ .‬يتوقع العلماء والباحثون �أن هذه‬ ‫املعرفة الأعمق والأدق للجينات الإن�سانية‬ ‫قد ي�ساعد يف التو�صل لعالج �أمرا�ض مثل‬ ‫ال�سرطان والزهامير‪.‬‬

‫لكنني عن علم ما يف غد عم‬

‫و�أو�ضح �أبو هالل الع�سكري يف «الفروق اللغوية» الفرق بني العلم واملعرفة‪ ،‬فقال‬ ‫«�إن املعرفة �أخ�ص من العلم لأنها علم بعني ال�شيء مف�ص ً‬ ‫ال عما �سواه‪ ،‬والعلم يكون‬ ‫جممال ومف�ص ً‬ ‫ال»‪ .‬ويف املقاب�سات للتوحيدي �أن املعرفة �أخ�ص باملح�سو�سات واملعاين‬ ‫اجلزئية و�أن العلم �أخ�ص باملعقوالت‪ ،‬واملعاين الكلية‪ .‬وج��اء يف تاج العرو�س ويف‬ ‫الب�صائر �أن املعرفة �إدراك ال�شئ بتفكر وتدبر لأثره‪ ،‬وهي �أخ�ص من العلم والفرق‬ ‫بينها وبني العلم من وجوه‪ ،‬لفظاً ومعنى‪� ،‬أما اللفظ ففعل املعرفة يقع على مفعول‬ ‫واح��د‪ ،‬وفعل العلم يقت�ضي مفعولني‪ ،‬و�إذا وقع على مفعول كان مبعنى املعرفة‪،‬‬ ‫و�أما من جهة املعنى فمن وجوه �أحدها �أن املعرفة تتعلق بذات ال�شئ‪ ،‬والعلم يتعلق‬ ‫ب�أحواله‪ ،‬والثاين �أن املعرفة يف الغالب تكون ملا غاب عن القلب بعد �إدراكه ف�إذا �أدركه‬ ‫قيل عرفه بخالف العلم فاملعرفة ن�سبة الذكر النف�سي وهو ح�ضور ما كان غائباً عن‬ ‫الذاكر ولهذا كان �ضدها االنكار و�ضد العلم اجلهل والثالث �أن املعرفة علم لعني‬ ‫ال عما �سواه بخالف العلم فانه قد يتعلق بال�شئ جمم ً‬ ‫ال�شئ مف�ص ً‬ ‫ال‪.‬‬

‫متكن ف��ري��ق بحث ب��ري�ط��اين ب�ق�ي��ادة �سري‬ ‫جم ��دى ي �ع �ق��وب‪ ،‬م��ن تخليق ��ص�م��ام قلب‬ ‫ب�إ�ستخدام خاليا النخاع العظمي اجلذعية‪،‬‬ ‫وذلك كما ُن�شر يف اجلارديان عام ‪.2007‬‬ ‫ولأن هذا التخليق مت ب�إ�ستخدام خاليا من‬ ‫املري�ض نف�سه الذي �سوف يتم تركيب هذا‬ ‫ال���ص�م��ام ل��ه‪ ،‬ف� ��إن خم��اط��ر ل�ف��ظ اجل�سم‬ ‫لل�صمام املخلق بعد اجلراحة تكون �أقل‪.‬‬ ‫�أث�ب�ت��ت ال�ع��دي��د م��ن ال��درا� �س��ات املتعاقبة‬ ‫وغ�يره��ا م��ن ال�ب�ح��وث ذات ال�صلة جناح‬ ‫الفكرة مما يعطي �أمال �أن يكون با�ستطاعة‬ ‫ال �ع �ل �م��اء يف امل���س�ت�ق�ب��ل ال �ق��ري��ب تخليق‬ ‫�صمامات ورمبا قلوب ًا كاملة ت�ساعد مر�ضى‬ ‫القلب وتعطي لهم �أم ًال يف حياة �أف�ضل‬


‫‪98‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫سيمياء‬

‫المالبس‬ ‫عالمات‬ ‫بصرية‬

‫عائ�شة الدرمكي‬ ‫‏‪aishaaldarmaki@hotmail.com‬‬

‫عرب ال�سيميائيات �أخذ‬ ‫التوا�صل غري اللغوي قيمته‬ ‫يف القنوات التوا�صلية‬ ‫املجتمعية‪� ،‬إذ مت االعتماد‬ ‫على درا�سة �أن�ساق توا�صلية‬ ‫متعددة ك�إ�شارات املرور‬ ‫والإمياءات وا�ستعماالت‬ ‫اجل�سد اال�ستعارية والرموز‬ ‫والإمارات وغريها‪.‬‬

‫وقد كان الرافد الأ�سا�س يف درا�سة هذه‬ ‫الأن�ساق هو ما ّ‬ ‫ب�شر به «دو�سو�سري» من علم‬ ‫عام �سيهتم ب�أنظمة العالمات يف احلياة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬فدرا�سة الإ�شارات وعالمات‬ ‫املرور «بيري غريو» واملطبخ واللبا�س ون�سق‬ ‫املو�ضة «روالن بارت» واحلركات الكينيزية‬ ‫«�سابري»‪ ،‬اعتمدت جميعها م�صطلحات‬ ‫ل�سانية‪ ،‬حيث اعتمدت مع «ب��اري» على‬ ‫الثنائيات الل�سانية ال�سو�سريية «الكالم‪/‬‬ ‫الل�سان‪ ،‬التوزيع‪ /‬اال�ستبدال‪ ،‬العام ‪/‬‬ ‫اخل��ا���ص»‪ ،‬وم��ع «�سابري» على احلركات‬ ‫ال�صغرى التي تقابل الفونيمات واحلركات‬ ‫املركبة التي تقابل املونيمات‪� ،‬أي إ�ب��داع‬ ‫نحو للحركة على غ��رار نحو اللغة‪ ،‬ولأن‬ ‫كل تلك الأن�ساق اللغوية هي يف �أ�سا�سها‬ ‫متثل هُ وية جمتمعية خا�صة كما هو حال‬ ‫الأن���س��اق اللغوية مت��ام� ًا �أو ل��رمب��ا �أك�ثر‬ ‫انفتاح ًا من ناحية الداللة‪ ،‬ف�إنها ت�شغل‬ ‫حيز ًا كبري ًا من الدرا�سة والتحليل‪ .‬و�إذا‬ ‫ك َّنا قد حتدثنا يف املقال ال�سابق عن �إحدى‬ ‫هذه الأن�ساق وهي «الأن�ساق الب�صرية»‬ ‫ف�إننا يف هذا املثال �سنتحدث عن نوع �آخر‬ ‫ميثل عالمات مهمة من الناحية التوا�صلية‬ ‫وهو ن�سق «املالب�س» �أو «الأزياء» التي متيز‬ ‫كل جمتمع على حدة‪ ،‬و�سنحاول �أن نف�صل‬ ‫فيه بالقدر الذي ي�سمح به هذا املقال‪.‬‬ ‫ال مي�ك��ن تفكيك وحت�ل�ي��ل م��و��ض��وع��ات‬ ‫امل�لاب ����س �إ َّال �إذا ُف��هِ �م��ت ب��اع�ت�ب��اره��ا‬ ‫مو�ضوعات توا�ضعية وا�صطناعية‪ ،‬توا�ضع‬ ‫عليها جمتمع ما يف حقبة تاريخية معينة‬ ‫ثم �أ�صبحت متكررة عرب حقب الحقة حتى‬ ‫بات ال ُيعرف لها ُمن�شئ �أول‪ .‬ومع ت�أكيد‬ ‫�أنها عالمات توا�ضعية و�أنها تقوم على‬ ‫�سنن اجتماعية متاثلية �إ َّال �أنها �إىل حد بعيد‬ ‫غري معللة‪ ،‬فال ميكن تف�سري �شكل الكثري‬ ‫من املالب�س �إ َّال ب�إرجاعها �إىل �أ�سباب‬ ‫دينية �أو اجتماعية عامة‪ ،‬و�أما التفا�صيل‬ ‫فقد ال نتمكن من تعليلها �أو تف�سريها‪ ،‬غري‬

‫�أننا ميكن �أن ن�ؤولها �إىل دالالت متعددة‪.‬‬ ‫وعلى ذلك ميكن عقد عالقة دائرية بني‬ ‫التماثلي والالمعلل «االعتباطي»؛ بحيث‬ ‫يكون هناك اجت��اه م��زدوج ومتكامل �إىل‬ ‫تطبيع الالمعلل‪ ،‬وتثقيف املعلل‪.‬‬ ‫ت�شكل امل�لاب����س ع�لام��ات ل�ه��ا دالالت �ه��ا‬ ‫الرمزية كونها �شفرات ت�ستوقف املتلقي‬ ‫وت�ؤثر فيه ويقوم بتفكيكها والتو�صل من‬ ‫خاللها �إىل جمموعة من الت�أويالت‪ ،‬وهذا‬ ‫ما ذه��ب �إليه «روالن ب��ارت» يف «�أ�س�س‬ ‫ال�سيميولوجيا» عندما ر�أى �أن للمالب�س‬ ‫�إ�ضافة �إىل اجلانب النفعي‪ -‬منظومة‬‫�إ�شارية �أي�ض ًا «لغة» فهي تعني �شيئ ًا ما‬ ‫منفردة �أو مركبة‪ ،‬وعلى �سبيل املثال فلون‬ ‫كل لبا�س له داللته ومعناه‪ ،‬وكل قطعة منه‬ ‫مركبة مع �أخرى لها دالاللتها �أي�ض ًا‪ ،‬ولعلنا‬ ‫هنا �سنتحدث عن جتربة روالن بارت ب�شكل‬ ‫خا�ص كونه �أول من در�س املالب�س والأزياء‬ ‫واملو�ضة خالل �أطروحته التي قدمها يف‬ ‫«الرتميز اللغوي لنظام املو�ضة والأزياء»‪،‬‬ ‫فهو يعتقد �أن �إدراك الن�سقية ال�سيميائية‬ ‫للمالب�س يعتمد ال��وع��ي بخ�صو�صية‬ ‫مت�ظ�ه��رات�ه��ا‪ ،‬ف�ب�ين م�ظ�ه��ره��ا املكتوب‬ ‫«ال��و��ص��ف الل�ساين للبا�س» ومظهرها‬ ‫التقني «اللبا�س ال��واق�ع��ي» �أو الأي�ق��وين‬ ‫«اللبا�س امل�صور» تتوىل «املحوالت» و�صل‬ ‫هذه املظاهر املتباينة‪ ،‬وتقدمي �صورة كلية‬ ‫لهذا الن�سق عرب التحول من مظهر لآخر‪،‬‬ ‫�إذ ت�أخذ هذه املحوالت تارة �شكل ت�صميم‬ ‫�أمنوذجي ي�سمح بتحويل اللبا�س الواقعي‬ ‫�إىل لبا�س مكتوب‪� ،‬أو �شكل «ع��ائ��دات»‬ ‫حتيل متعلم اخلياطة مث ًال �إىل االنتقال‬ ‫من اللبا�س املكتوب �إىل اللبا�س امل�صور‪.‬‬ ‫تفرت�ض الطبيعة املركبة للعالمة امللب�سية‬ ‫لدى بارت‪ ،‬وجود تركيب ي�سمح مبالئمة‬ ‫وحداتها داخ��ل التباينات املقطعية بني‬ ‫ال��دال وامل��دل��ول؛ تركيب متليه عليه تلك‬ ‫التحوالت التي تقيمها الكتلة امل�ستعملة‬


‫سيمياء‬

‫كال�شركة املنتجة مث ًال‪ ،‬وذلك على خالف بع�ض الأحداث‬ ‫ال�سيميائية التي ت�ستمد تركيبها من جمموع القيم التي‬ ‫يحددها ن�سقها القار‪� .‬إن هذه اخلا�صية جتعل من العالمة‬ ‫امللب�سية عالمة اعتباطية كغريها من العالمات املنتجة‬ ‫داخل الثقافة‪ ،‬وال ينفي االعتباط عنها بع�ض �أوجه التعليل‬ ‫التجان�سي �أو اجلوهري يف بع�ض الأحيان؛ �إذ ي�ستطيع هذا‬ ‫الأخري حتديد الطاقة الداللية للملب�س �ضمن �سريورة داللية‬ ‫تتخذ التغاير «مفتوح‪/‬مغلق» منطلق ًا للداللة الذي ي�ستمد من‬ ‫املو�سوعة املجتمعية والثقافية اخلا�صة بكل عالمة‪.‬‬ ‫�إننا �أمام ن�سق من �أن�ساق التوا�صل غري الل�ساين �ستوجب علينا‬ ‫�أن نعرف من خالله هل اجل�سد الذي يقف �أمامنا مث ًال رجل‬ ‫�أم امر�أة ؟ متدين �أم ال ؟ منفتح �أم متحفظ ؟ فتي �أم �شيخ؟‬ ‫وغريها من تلك الت�سا�ؤالت التي ت�ؤ�س�سها يف الأ�صل هُ وية هذا‬ ‫اجل�سد �إن كان عربي ًا �أم �أجنبي ًا على �سبيل املثال‪� .‬إن مركزية‬ ‫اجل�سد يف مثل هذه التجربة الفنية الب�صرية هي التي حتثنا‬ ‫على املواجهة بني جمموعة من الت�صورات الفينومينولوجية‬ ‫والفل�سفية وال�سيميائية للج�سد ق�صد حتديد هذا املفهوم‬ ‫�أيديولوجي ًا‪ ،‬والبحث عن �سند اجتماعي �أو ديني ميكن من‬ ‫خالله بناء قواعد �إجرائية يف طريقة التوا�صل الأن�سب التي‬ ‫ميكن من خاللها التوا�صل مع ذلك اجل�سد الذي يرتدي تلك‬ ‫املالب�س‪ ،‬اللذان ي�شكالن «ال��ذات»‪� .‬إن امل�شكل الذي يطرح‬ ‫هنا يتعلق بحدود و�إمكانات ر�ؤية الذات «الهو» و�إدراكها من‬ ‫ِقبل الرائي �إ َّال �أن املظهر الفيزيقي قد ال يدخل يف الأفق‬ ‫امللمو�س للر�ؤية الفعلية للذات مبعني �أن الت�أويل الذي قد‬ ‫تك ِّونه ال��ذات الرائية عن الذات«الهو» قد ال يكون مطابق ًا‬ ‫متام ًا ملا هي عليه ثقافي ًا‪ ،‬وكلما كانت الذات الرائية تعرف‬ ‫هُ وية ال��ذات «الآخ��ر» كلما كان الت�أويل أ�ق��رب �إىل ال�صدق‬ ‫فلكل ثقافة منطها املخ�صو�ص يف تداول الرموز امللب�سية‪� ،‬إذ‬ ‫جند �أن املالب�س تختلف بال�ضرورة بح�سب املوقف والتحديد‬ ‫اجلن�سي والطبقة والتعامل والتن�شئة االجتماعية‪ ،‬لذلك فلكي‬ ‫ت�ؤدي املالب�س دورها بو�صفها عالمات ينبغي �أن يراعى فيها‬ ‫هذا االختالف‪.‬‬ ‫وعلى ذلك ف�إن املالب�س متثل هُ وية لي�س للفرد فح�سب بل‬ ‫للمجتمعات �أي�ض ًا ذل��ك لأنها عالمة من العالمات ذات‬ ‫الدالالت املفتوحة معرفي ًا وثقافي ًا؛ فهي دليل على عاداتها‬ ‫وتقاليدها وثقافتها وح�ضارتها وحالتها االقت�صادية‪ ،‬وهي‬ ‫جزء من الرتاث الثابت واملتغري على مر الع�صور والأزمنة؛‬ ‫هو ثابت يف هُ ويته العامة ومتغري من حيث خ�صو�صية كل‬

‫ع�صر ‪ .‬ولذلك تبقى الأزي��اء ناب�ضة بالتمظهرات الثقافية‬ ‫التي متيز جمتمع ًا عن �آخر‪ ،‬بل متيز اجلماعات ال�صغرية‬ ‫التي تعي�ش �ضمن تلك املجتمعات‪.‬‬ ‫يف الع�صر احلديث عندما بد�أت املجتمعات باالنفتاح على‬ ‫الآخر والأخذ منه �أ�صبحت املالب�س ذات طابع متغاير من‬ ‫ناحية �أنها بد�أت يف التقارب‪ ،‬فعلى الرغم من التمايز الكبري‬ ‫بني مالب�س احلقب التاريخية ال�سابقة على تعاقبها �سواء‬ ‫�أكان ذلك عربي ًا �أم غربي ًا �إ َّال �أن هذا التمايز لن جنده الآن‬ ‫�إ َّال �إذا ما �شاهدنا م�سرحية �أو دراما تلفزيونية �أو فيلم ًا تعود‬ ‫�أحداثه �إىل تلك احلقب التاريخية‪� ،‬أو قد جنده يف عر�ض‬ ‫�أزياء تقليدية‪ .‬غري �أن بع�ض املجتمعات التي حتاول �أن تت�شبث‬ ‫ببع�ض هذا التمايز وتع ِّول عليه لإثبات هُ ويتها املجتمعية‬ ‫ا�ستطاعت �إىل حد ما �أن ت�صنع لها حد �أدنى من هذا الت�شبث‬ ‫وهو ال ُهوية العامة‪ ،‬فلو �أخذنا جمتمعات اخلليج مثا ًال على‬ ‫ذلك ف�إن لب�س الرجال للثوب �أو الد�شدا�شة الرجالية مث ًال هو‬ ‫هوية عامة �إ َّال �أن املحافظة على الثوب بخ�صائ�صه ال�سابقة‬ ‫�أ�صبح غري موجود �إىل حد ما‪ ،‬ويختلف ذلك من دولة �إىل‬ ‫�أخرى �أو من منطقة �إىل �أخرى �ضمن هذه الدول‪ ،‬وكذلك‬ ‫لب�س املر�أة للعباءة‪� .‬إ َّال �أنه �أي�ض ًا يجب �أن ال نن�سى �أن لي�س‬ ‫كل رجل يلب�س الثوب اخلليجي هو خليجي بال�ضرورة وال كل‬ ‫امر�أة تلب�س العباءة خليجية بال�ضرورة ! كما لي�س كل من ال‬ ‫يرتدي الثوب الرجايل �أو العباءة الن�سائية هو لي�س خليجي ًا‬ ‫�سيما �إن كان يعي�ش يف هذه الرقعة اجلغرافية‪ .‬وال�سبب‬ ‫يف ذلك يعود �إىل احل�ضارة واالنفتاح على الآخ��ر‪ .‬وعليه‬ ‫ف�إن املالب�س بو�صفها عالمات ذات �شفرات متباينة ف�إنها‬ ‫�أ�صبحت معقدة يف الع�صر احلايل ب�سب ذلك االنفتاح الكبري‬ ‫�إ َّال �أنها ال ميكن �أن تتخلى �أن هُ ويتها الذاتية واملجتمعية فهي‬ ‫ال�شفرة التي من خاللها ُيولج �إىل الذات الب�شرية لتحقيق‬ ‫قدر �أكرب من �إيجابية التوا�صل‪.‬‬ ‫وعلى ال��رغ��م م��ن �أن�ن��ا ق��د ال جن��د اهتمام ًا م��ن القدماء‬ ‫باملالب�س يف الرتاث العربي تدوين ًا �أو تعريف ًا �أو و�صف ًا بال�شكل‬ ‫املطلوب �إ َّال ملام ًا �أو عر�ض ًا �أو �إجما ًال كما يف معجمات فقه‬ ‫اللغة‪� ،‬إ َّال �أنه يف الع�صر احلديث هناك الكثري من الدرا�سات‬ ‫التي تقوم على درا�سة وحتليل هذا الن�سق املهم من �أن�ساق‬ ‫التوا�صل غري اللغوي بو�صفه ي�شكل هُ وية ذاتية وجمتمعية ال‬ ‫ميكن جتاوزها‬


‫اآلفاقالشعر‬ ‫ارتيادحضرة‬ ‫في‬ ‫‪100‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫جت ِّليات ثقافة اخلوف يف ال�شعر العربي‬

‫مديح المحترفين السياسي‬ ‫د‪ .‬عبد املجيد زراقط‬ ‫تبحث هذه الدرا�سة يف جتليات ثقافة اخلوف من «ال�سلطان»‪ ،‬يف ال�شعر العربي القدمي‪ ،‬يف الع�صر‬ ‫الأموي‪ ،‬واملق�صود بـ«جتليات» ثقافة «اخلوف»‪ ،‬هنا‪ ،‬دور اخلوف من ال�سلطان يف توجيه ال�شعر وت�ش ُّكله‪.‬‬ ‫يعود اختيار الع�صر الأموي �إىل �سبب �أ�سا�سي‪ ،‬وهو �أن هذا الع�صر عرف قيام �أ َّول دولة عربية مركزية‪،‬‬ ‫مار�ست «�سلطانها»‪ ،‬وعملت على توظيف ال�شعر يف خدمة قيام هذا ال�سلطان وبقائه‪ ،‬و�صوغ ر�ؤيته‪/‬‬ ‫م�شروعيته �شعراً متميزاً‪ ،‬ون�شرها بغية �إقناع املتلقني بها وت�شكيل ر�أي عام م�ؤ ِّيد لها‪.‬‬


‫ِّ‬ ‫وال�سلطان‬ ‫ال�شعر ُّ‬

‫ميكن للباحث �أن يتبني بي�سر عالقة وطيدة‬ ‫بني �أمرين‪� :‬أولهما طبيعة «ال�سلطان» الأموي‬ ‫وحاجته �إىل �أن يقنع النا�س ب�ـ «ح � ٍّ�ق» ل��ه يف‬ ‫اخلالفة‪ ،‬وثانيهما دور ال�شعر الفاعل يف ذلك‬ ‫الع�صر‪ ،‬ويف �سبيل بيان الأم��ر الأول نقر�أ ما‬ ‫يقوله فلهوزن يف هذا ال�صدد‪:‬‬ ‫وكان من ال�سخرية بفكرة احلكومة التيوقراطية‬ ‫�أن يظهر الأمويون ممثليها الأعلني‪ ،‬فهم كانوا‬ ‫مغت�صبني‪ ،‬وظلوا كذلك‪ ،‬ومل يكونوا ي�ستندون �إال‬ ‫�إىل ق َّوتهم اخلا�صة‪� ،‬إىل ق َّوة �أهل ال�شام‪ ،‬ولكن‬ ‫قوتهم مل ت�ستطع قط �أن ت�صري حق ًا �شرعي ًا‪،‬‬ ‫«فلهوزن‪ ،‬تاريخ الدولة العربية‪ ،‬جلنة الت�أليف‬ ‫والن�شر‪� ،1958 ،‬ص ‪ .»60‬ويف �سبيل بيان الأمر‬ ‫الثاين‪ ،‬نقر�أ ما يقوله �أب��و الدهمان‪ ،‬وي�ؤكده‬ ‫اجلاحظ ك�أنه حقيقة را�سخة‪« ،‬اب��ن ر�شيق‪،‬‬ ‫العمدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار اجليل‪:»1/65 ،1972 ،‬‬

‫ول����ل���������ش����ع����ـ����راء �أل�������س���ن���ـ���ة ح����ـ����داد‬ ‫ع����ل����ى ال�������ع�������ورات م���ـ���وف���ي���ة دل��ي��ـ��ل��ه‬ ‫وم���ن ع��ق��ل ال��ك��ري��ـ��م �إذا ات��ق��اه��م‬ ‫وداراه�����������ـ�����������م م����������ـ����������داراة ج���ـ���م���ي���ل���ه‬ ‫�إذا و�����ض����ع����وا م���ك���ـ���اوي���ه���م ع��ل��ي��ه‬ ‫و�إن ك�����ذب�����وا ف���ل���ي�������س ل����ه����م ح��ي��ل��ه‬ ‫ومن الأبيات التي ت�ؤكد فاعلية ال�شعر و�شدة‬ ‫ت�أثريه نذكر‪ ،‬على �سبيل املثال‪ :‬قال حممد بن‬ ‫زياد‪:‬‬

‫��س��ب ي���و ُّد ال��ـ��م��رء ل��و م���ات قبله‬ ‫و� ٍّ‬ ‫ك�����ص��دع ال�����ص��ف��ا ف�� ّل��ق��ت��ه ب��ال��ـ��م��ع��اول‬ ‫وقال طرفة بن العبد‪:‬‬

‫ر�أي���ت القوافـي ي َّتلجن موالـجاً‬ ‫ت�����ض��اي��ق ع��ن��ه��ا �أن ت���ولجّ���ه���ا الإب�����ر‬

‫وبغية �أن ي�صري «االغت�صاب» بـ«الق َّوة» ح َّق ًا‬ ‫�شرع َّي ًا‪ ،‬ا�ستخدم مم ِّثلو ال�سلطان هذه القوة‪/‬‬ ‫ال�شعراء‪«،‬الأل�سنة احلداد»‪ ،‬و«املكاوي»‪ ،‬التي‬ ‫لي�س من حيلة لر ِّد ت�أثريها‪ ،‬وجعلوهم ينطقون‬ ‫ب�أن طاعة اخلليفة – الإمام واجبة �إىل درجة‬ ‫العبادة‪ ،‬و�أن ت�صرفاته مهما كانت َّ‬ ‫�شاذة‬ ‫وظ��امل��ة �أم��ر �إل �ه��ي‪/‬وق��در مر�سوم ال ميكن‬ ‫تغيريه‪ ،‬ه��ذا ما ك��ان يقوله ال�سلطان‪�« :‬إن‬ ‫اهلل جعل خالفته منه باملو�ضع الذي جعلها‬ ‫ف�س ِّلموا و�أط�ي�ع��وا»‪«،‬ال�ط�بري‪ ،‬تاريخ الأمم‬ ‫وامل�ل��وك‪ ،‬املطبعة احل�سية مب�صر‪،»8/80 ،‬‬ ‫وينظمه ال�شاعر‪:‬‬

‫و�إ َّن �أم���ي��ر ال���ـ���م����ؤم���ن�ي�ن وف��ع��ل��ه‬ ‫ك���ال��� َّده���ر‪ ،‬ال ع����ار مب���ا ف��ع��ل ال��� َّده ِ���ر‬ ‫���س��ل��ي��م��ان ال���ـ���م���ب���ارك ق���د علمتم‬ ‫ه���ـ���و امل����ه����دي ق����د و�����ض����ح ال َّ�����س��ب��ي��ل‬

‫توظيف ُّ‬ ‫ال�شعراء‪ /‬دور اخلوف‬

‫وال�س�ؤال ال��ذي يطرح هنا‪ ،‬ه��و‪ :‬كيف مت َّكن‬ ‫«ال�سلطان» من توظيف ال�شعراء الذين كان‬ ‫لهم هذا الدور الف َّعال يف املجتمع العربي يف‬ ‫تلك الآونة؟‬ ‫يف الإجابة عن هذا ال�س�ؤال‪ ،‬ن�ستقرئ بع�ض‬ ‫الوقائع يف ما ي�أتي‪:‬‬ ‫‪ - 1‬ا��س�ت��ول��ت ال� � َّدول ��ة ع�ل��ى اخل� ��راج ال��ذي‬ ‫يرتفع من الأر���ض والنا�س‪ ...،‬وكانت تو ّزعه‬ ‫�أعطيات ت�ستطيع �أن متنحها باملقدار‪ ،‬و�إىل‬ ‫امل��دى‪ ،‬اللذين ت�شا�ؤهما وكانت ت�ستطيع �أن‬ ‫متنعها �أي�ض ًا‪« ،‬فلهوزن‪ ،‬م‪�.‬س‪ .»2/42 ،.‬وكان‬ ‫احلرمان من العطاء يعني املوت من منظور‬ ‫من ُي ْح َرم منه‪ .‬ي�صرح جرير‪:‬‬

‫مَن ْعتَ عطائي‪ ،‬يا ابن �سعد‪،‬و�إمنا‬ ‫���س��ب��ق��ت �إ َّ‬ ‫يل امل���������وت‪ ،‬وه������و ق��ري��ب‬

‫إن َف ْق َد التجربة‬ ‫وقال الأخطل‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫حتى �أقروا‪ ،‬وهم مني على م�ض�ض‬ ‫الشخصيَّة الفرديَّة‬ ‫وال����ق����ـ����ول ي���ن���ف���ذ م���ـ���ا ت���ن���ف���ذ الإب������� ُر جعل تجربة الشاعر‬ ‫وج��ـ��رح ال�سيـف تدمـله فيبـرى‬ ‫نوع ًا من البحث عن‬ ‫وي��ب��ق��ى ال����ده���� َر م����ا ج�����رح ال��ل��� ُ‬ ‫��س��ان‬ ‫شكل يصب فيه‬ ‫معاني المديح‬

‫وجاء عبيداهلل بن قي�س الرقيات �إىل عبداهلل‬ ‫ب��ن جعفر بعد �أن ُمنح الأم� ��ان‪ ،‬وح��رم من‬ ‫العطاء‪ ،‬يقول‪« :‬ما نفعني �أم��اين‪ ،‬تُركت حي ًا‬ ‫كميت‪ ،‬ال �آخذ مع النا�س عطا ًء �أب��د ًا!»‪�« ،‬أبو‬ ‫الفرج الأ�صفهاين‪ ،‬الأغ��اين‪ ،‬ط‪ .‬دار الكتب‪،‬‬ ‫‪.» 5/79‬‬ ‫‪ - 2‬حب�س وايل ال��ع��راق‪ ،‬خ��ال��د الق�سري‪،‬‬ ‫ال �ف��رزدق‪ ،‬فخاف �أن يكون م�صريه م�صري‬ ‫م�ساجني ه��ذا ال���وايل ال��ذي��ن ك��ان��ت ترمى‬ ‫مب�ص‬ ‫بحجة �أ َّنهم انتحروا ِّ‬ ‫جثثهم من ال�سجن َّ‬ ‫خوامتهم ال�سامة‪ .‬ف�أ�شهد احلا�ضرين على �أنه‬ ‫ال يحمل خامت ًا‪ ،‬وا�ستنجد القي�س َّية‪.‬‬ ‫ويف ال�سجن يهز�أ به �سجني‪ ،‬ويقول له‪� :‬إن بني‬ ‫جما�شع «ع�شرية الفرزدق» �أذ ُّل و�ألأم‪ ،‬لأ َّنهم‬ ‫مل ي�ستطيعوا �أن مينعوا �شرطي ًا من �أن ي�سوق‬ ‫�شاعرهم و�سيدهم �إىل ال�سجن‪« ،‬حممد بن‬ ‫��س� ّ‬ ‫لام اجلمحي‪ ،‬طبقات فحول ال�شعراء‪،‬‬ ‫بريوت‪ ،‬دار النه�ضة‪� ،‬ص ‪.» 78‬‬ ‫«ال�سباع �أهون‬ ‫ِّد‪:‬‬ ‫ويروى �أن الفرزدق كان يرد‬ ‫ِّ‬ ‫من زي��اد»‪« ،‬ال�ط�بري‪ ،‬تاريخ الأمم وامللوك‪،‬‬ ‫املطبعة احل�سنية م�صر‪ ،»51/127 ،‬ويق�صد‬ ‫زياد بن �أبيه وايل العراق‪.‬‬ ‫‪ - 3‬روى ابن �س ّالم‪« :‬ووفد احلجاج على عبد‬ ‫امل�ل��ك‪ ...‬ف��أه��دى �إليه ج��ري��ر ًا»‪« ،‬حم َّمد من‬ ‫�س ّالم اجلمحي‪ ،‬م‪�.‬س‪� ،.‬ص ‪.»100‬‬ ‫وك��ان ه��ذا ال���وايل‪� ،‬أي احل�ج��اج‪،‬ق��د و�صف‬ ‫�شاعره الأث�ير ب�أنه «ج��رو ه��را���ش»‪� .‬أم��ا عبد‬ ‫امل �ل��ك‪ ،‬ف�خ��اط��ب الأخ �ط��ل ع�ن��دم��ا �أغ�ضبه‬ ‫ج��ري��ر‪�...«:‬أن��ت �شاعرنا وم��ادح�ن��ا‪ ،‬اركبه‪،‬‬ ‫فرمى رداءه‪ ،‬و�ألقى قمي�صه على منكبه وو�ضع‬ ‫ي��ده على عنقه»‪« ،‬ال�ق��ايل‪ ،‬الأم ��ايل‪ ،‬مطبعة‬ ‫بوالق مب�صر‪ ،‬ذيل الأمايل‪� ،‬ص ‪.»43‬‬ ‫‪ - 4‬مل يفارق جرير ال�شام قبل �أن يفوز بجائزة‬ ‫عبد امللك لأنَّ عدم فوزه بها‪ ،‬كما قال‪ ،‬يعني‬ ‫�إ�سقاطه �إىل �آخ��ر الدهر‪« .‬الأغ��اين‪ ،‬م‪�.‬س‪،‬‬ ‫‪.»5/369‬‬ ‫تفيد هذه الوقائع ما ي�أتي‪� :‬أو ًال �أن ال�سلطان‬ ‫كان املتح ِّكم الوحيد بالإنتاج وتوزيعه‪ ،‬و�أن‬ ‫احلرمان من «العطاء» كان يعني �آن��ذاك «�أن‬ ‫يرتك املرء حي ًا كميت»‪ .‬فكان ال�شاعر يخاف‬ ‫من �أن يرتك هكذا‪ .‬وثاني ًا‪� ،‬أن �شرط َّي ًا كان‬


‫في حضرة الشعر‬ ‫‪102‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪�...‬س�أ�شكر �أن رددت علي ري�شي‬ ‫و�أن��������ب��������تَّ ال��������ق��������وادم يف ج���ن���اح���ي‪.‬‬

‫‪2012‬‬

‫ق�رص املنية �أحد الق�صور الأموية اخلم�سة املعروفة بـق�صور ال�صحراء‬

‫ي�سوق �شاعر ًا كبري ًا مثل الفرزدق‪ ،‬وكان هذا‬ ‫يخاف على حياته وح ِّريته‪ .‬وثالث ًا �أنَّ َّ‬ ‫ال�شاعر‬ ‫كان‪ ،‬وهو ُمطيع‪ُ ،‬يذ ُّل ف ُيهدى ك�أ َّنه �شي ٌء ُيقتنى‪،‬‬ ‫ويو�صف ب�أنه «ج��رو ه��را���ش»‪ ،‬و�إن اعرت�ض‬ ‫« ُي��رك��ب»‪ ،‬وراب�ع� ًا �أن ال�شاعر ك��ان يخاف �أن‬ ‫«ي�سقط» �إن ُمنعت عنه اجلوائز‪.‬‬ ‫ويف هذا جميعه خوف من «ال�سلطان»‪ ،‬على‬ ‫احلياة واحلرية والرزق والكرامة واملكانة‪،...‬‬ ‫وقد �أثمر هذا اخلوف نوع ًا من ال�شعر ميكن �أن‬ ‫ن�سميه «مديح املحرتفني ال�سيا�سي»‪.‬‬ ‫ما ي�شغل حمرتف املديح ال�سيا�سي‪ ،‬عبرَّ عنه‬ ‫الفرزدق عندما خاطب اخلليفة‪ ،‬وا�صف ًا ت�أثري‬ ‫�سجن وايل العراق له‪:‬‬

‫و�إن �أ�ستطع منك ال��دن�� َّو ف�إنني‬ ‫�����س�����أدن����و ب�����أ�����ش��ل�اء الأ������س��ي��ر امل��ق�� ّي��د‬

‫فالق�ضية التي ت�شغل ال�ف��رزدق هي القرب‬ ‫من اخلليفة و«الدنو»‪ ،‬وقد كرر هذه اللفظة‪،‬‬ ‫ثم �إ َّن��ه ي�شك يف �أن يكون با�ستطاعته ذلك‪،‬‬ ‫و�إن فعل فهو «�آت ب�أ�شالء»‪ ،‬يح�سب �أ َّنه َّ‬ ‫تقطع‬ ‫وانتهى‪ ،‬وعلى اخلليفة �أن يعيد �صياغته من‬ ‫جديد‪ ،‬وفاق ًا ملا يريده‪ ،‬وكيفما ي�شاء والد ُّنو‬ ‫منه‪� ،‬أو القرب منه‪ ،‬هو الذي يحقق هذا‪.‬‬ ‫ال�شاعر‪ ،‬هنا‪ ،‬يعاين من و�ضعه �إزاء ال�سلطان‪،‬‬ ‫وقد �أجاد التعبري عن هذا الو�ضع‪ ،‬فالقرب‬ ‫منه هو مبعنى ال�سري يف ركابه‪ /‬وهذا القرب‬ ‫هو ما يعيد له حياته العادية و�إال فهو منته‪.‬‬

‫إن َف ْق َد التجربة‬ ‫َّ‬ ‫الشخصيَّة الفرديَّة جعل‬ ‫تجربة الشاعر نوع ًا من‬ ‫البحث عن شكل يصب‬ ‫فيه معاني المديح‬ ‫وق ��د مت�ث��ل ه ��ذا ال �ق��رب اح�ت�راف� � ًا للمديح‬ ‫ال�سيا�سي‪ ،‬خوف ًا من نحو �أ َّول‪ ،‬وطمع ًا من نحو‬ ‫ثان‪ ،‬وهذا ما يقوله الفرزدق بو�ضوح‪:‬‬ ‫«نكون مع الواحد منهم ما كان اهلل معه‪ ،‬ف�إذا‬ ‫تخ َّلى عنه انقلبنا عنه»‪« ،‬وال ُّدنيا مطلوبة‪،‬‬ ‫وهي يف �أيدي بني �أمية»‪« ،‬الأغاين‪21/393 ،‬‬ ‫و‪.»399‬‬

‫جت ِّليات ثقافة اخلوف �شعر ًا‬

‫َّ‬ ‫والطمع �شكل من �أ�شكال اخل��وف‪ ،‬اخلوف‬ ‫من فقد جوائز ال�سلطان وامل��وق��ع واملكانة‪.‬‬ ‫واالحرتاف‪ ،‬هنا‪ ،‬يعني توظيف ال�شاعر قدراته‬ ‫ال�شعرية يف خدمة ال�سلطان القائم‪« :‬من كان‬ ‫اهلل معه»‪ ،‬من دون �أي اهتمام مببد�أ‪ ،‬ومن‬ ‫دون �أن يكون له موقف خا�ص‪ ،‬وخوف ًا من فقد‬ ‫الدنيا املطلوبة‪ :‬وجود ًا وحرية ورزق ًا وكرامة‬ ‫وم �ك��ان��ة‪ ...‬وث � ��روة‪ ...‬وك ��ان ال���ش�ع��راء يعون‬ ‫و�ضعهم وطبيعة العالقة التي تقوم بينهم وبني‬ ‫ال�سلطان‪ ،‬فنقر�أ جلرير قوله‪« ،‬ديوان جرير‪،‬‬ ‫بريوت‪ :‬دار �صادر‪� ،‬ص ‪:»76‬‬

‫االح�ت�راف‪ ،‬هنا‪ ،‬يعني �أن يقوم ال�سلطان بـ‬ ‫«رد ري�ش الطائر‪ ،‬و�إنبات القوادم يف جناحه»‪.‬‬ ‫واال�ستعارة تعني‪ ،‬هنا‪� ،‬أن الطائر هو ال�شاعر‪،‬‬ ‫وهل من طائر من دون ري�ش!؟ وم��اذا يكون‬ ‫َّ‬ ‫الطائر من دون ري�ش؟! و�إذ يفعل ال�سلطان‬ ‫ذلك‪ ،‬يطري الطائر‪ -‬ال�شاعر‪ ،‬مغ ِّرد ًا بال�شكر‪،‬‬ ‫وبهذا يفقد ال�شاعر جتربته ال�شخ�صية‪ ،‬ذاته‪،‬‬ ‫ويرتهن لل�سلطان‪ ،‬فيفقد قدرته على �إب��داع‬ ‫�شكل جديد للق�صيدة‪ ،‬وي�ستعري ال�شكل الرائج‪،‬‬ ‫وه��و �شكل الق�صيدة اجلاهلية لي�صب فيه‬ ‫معاين املديح‪ ،‬لأن هذا ال�شكل ي�ضمن ل�شعره‬ ‫ما يريد منه‪ ،‬وهو الذيوع واالنت�شار والت�أثري يف‬ ‫الر�أي العام والإ�سهام يف ت�شكيله‪ ،‬لأن �أ�صحاب‬ ‫ه��ذا ال���ر�أي ك��ان��وا يقبلون على ه��ذا ال�شعر‬ ‫لأ�سباب ك�ث�يرة‪ ،‬منها‪ :‬ك��ان تراثهم الوحيد‬ ‫ال��ذي ا�ست ُْخدم يف ت�أ�سي�س العلوم َّ‬ ‫ال�شرع َّية‬ ‫وعلوم العربية وال� َّت��أدي��ب‪ :‬الرتبية والتعليم‪.‬‬ ‫وهكذا �أفلت الأم��ر من يد ال�شاعر املحرتف‪،‬‬ ‫ف�صار مرتهن ًا لل�سلطان م��ن حيث املعاين‪،‬‬ ‫وللر�أي العام من حيث ال�شكل ال�شعري‪� .‬إنَّ‬ ‫َف ْقدَ التجربة ال�شخ�ص َّية الفرد َّية‪ ،‬واملق�صود‬ ‫بها «الوجد» امل�ش ِّكل للغة ال�شعرية جعل جتربة‬ ‫ال�شاعر نوع ًا من البحث عن �شكل ي�صب فيه‬ ‫ال�شاعر معاين املديح‪ ،‬وهذا ما ميكن �أن نفهمه‬ ‫من ال�شهادتني الآتيتني‪:‬‬ ‫يقول ال�ف��رزدق يف و�صف �شعر عمر بن �أبي‬ ‫ربيعة‪« :‬ه��ذا‪ ،‬واهلل الذي �أرادت��ه‪� -‬أو طلبته‪-‬‬ ‫ال�شعراء ف�أخط�أته وبكت الديار»‪ ،‬ويقول جرير‬ ‫يف و�صف ال�شعر نف�سه‪�«:‬إن هذا الذي كنا ندور‬ ‫عليه ف�أخط�أناه‪ ،‬و�أ�صابه هذا القر�شي»‪« ،‬ديوان‬ ‫جرير‪� ،‬ص ‪ 106‬و‪.»116‬‬ ‫�إن جتربة ال�شاعر املحرتف‪ ،‬كما تفيد هاتان‬ ‫ال�شهادتان‪ ،‬تتمثل يف �أن يريد ال�شاعر �شك ًال‬ ‫�شعري ًا‪�/‬أو يطلبه �أو يدور عليه‪�/‬أو يبحث عنه‪،‬‬ ‫على اختالف التعابري‪ .‬وهذه التجربة ذهنية‬ ‫�إرادي��ة‪ ،‬تبينِّ ال�شاعران �أ َّنهما عندما َم َ�ضيا‬ ‫ُّ‬ ‫القر�شي‪،‬‬ ‫فيها‪� ،‬أخط�آ درب ال�شعر‪ ،‬و�أ�صابه‬ ‫�أي عمر بن ابي ربيعة‪ ،‬الذي �صدر عن جتربته‬


‫ال�شخ�صية‪ ،‬ف�أبدع �شك ًال جديد ًا من �أ�شكال‬ ‫الق�صيدة العربية‪.‬‬

‫وحدة تكاملية حمورها املمدوح‬

‫ك��ان ال�شاعر امل�ح�ترف ي�ج� ِّود �شعره‪ ،‬يجود‬ ‫املقدِّمات‪ ،‬ويج ّود ال َّنظم يف كث ٍري من �أ�شياء‬ ‫حياته‪ .‬يقول جرير متحدِّث ًا عن «�إجن��ازات»‬ ‫خالد الق�سري‪:‬‬

‫ل��ق��د ك����ا َن يف �أَ ْن����ه����ار ِدج��ل��ة نعم ٌة‬ ‫وخ����ط����ـ����و ُة ج���ـ��� ٍّد ل��ل��خ��ل��ي��ف��ة � َ���ص���اع���دِ‬ ‫ج����� َرتْ ل���ك �أن���ه���ا ٌر ب��ي��م ٍ��ن و�أ���س��ع��د‬ ‫َ‬ ‫�إىل َج�� َّن�� ٍة يف �صح�صحان الأ َج���ال���دِ‬ ‫�ل�ا م��ب��ارك��اً‬ ‫�ْت� �أع���ن���اب���ـ���اًون���خ ً‬ ‫ُي��� ْن��� ِب نْ‬ ‫و�أن�����ق�����ا َء ب���ـ��� ٍّر يف ُج������رون ا َ‬ ‫حل��� َ��ص��ائ��دِ‬

‫غري �أن��ه يكتفي بهذا‪ ،‬وال يكمل و�صفه لهذه‬ ‫الأن�ه��ار واجل�ن��ات املمتلئة خ�ضرة وح�ب� ًا‪ ،‬بل‬ ‫مير بها هذا املرور العابر‪ِّ ،‬‬ ‫ويوظفها يف بيان‬ ‫�إجنازات املمدوح‪ .‬وهذه ميزة من مزايا �شعر‬ ‫املديح العربي تتكرر فيه‪ ،‬وميكن القول‪:‬‬ ‫�إن ه��ذا الو�صف ك��ان و�سيلة لإع�ظ��ام �ش�أن‬ ‫امل �م��دوح‪ ،‬ف�ك��ان ال�شاعر يكتفي مب��ا يخدم‬ ‫غر�ضه وي�ساعد على �أداء مه َّمته‪ ،‬من دون �أن‬ ‫يهتم ب�أ�شياء عامله وق�ضايا حياته ال�شخ�ص َّية‪،‬‬ ‫فهذه مل تكن غايته وهدفه‪.‬‬ ‫�ضمن ه��ذا الإط��ار ك��ان ال�شاعر مير م��روراً‬ ‫ع��اب��ر ًا بكثري م��ن الأم� ��ور ال�ت��ي ن��راه��ا نحن‬ ‫�أ�سا�سية‪� .‬إنها طبيعة ال�شعر هذا‪ ،‬فهو تعبري‬ ‫عن موقف ال�سلطان‪ ،‬جميع الأجزاء يجب �أن‬ ‫ت�ستخدم‪ ،‬ب�شكل متكامل‪ ،‬خلدمة هذا املوقف‪.‬‬ ‫وه��ذا ال ينفي �أن يكون للبيت معناه اخلا�ص‬ ‫امل�ستقل‪ ،‬كما �أنه ال ينفي ت�ش ُّكل هذا البيت مع‬ ‫الأبيات الأخرى ليك ِّون الق�صيدة ذات الوحدة‬ ‫التكاملية‪ .‬وهنا �أي�ض ًا نلم�س �أثر املديح يف تطور‬ ‫ال�شعر العربي‪� ،‬إذ ارتهن ال�شعر ل�شخ�صية‬ ‫املمدوح‪ ،‬وللدفاع عن ق�ضايا الدولة الأ�سا�سية‪،‬‬ ‫و�صار تناول �أي مو�ضوع �آخ��ر يخ�ضع ملقدار‬ ‫خدمته للمو�ضوع الأ�سا�سي‪ .‬وهذا ما الحظه‬ ‫د‪.‬دروي�ش اجلندي عندما حت َّدث عن و�صف‬ ‫البحرتي لربكة املتوكل‪ ،‬وعن و�صف املتنبي‬

‫ف�سيف�ساء من ق�رص ه�شام بن عبد امللك‬

‫خليمة �سيف الدولة؛ وهو يف حديثه هذا‪ ،‬يتبينَّ‬ ‫�أثر املحرتفني على تطور ال�شعر العربي‪:‬‬ ‫«‪ ...‬لكن هذه الأو�صاف جميعها قد غ�ض من‬ ‫قيمتها �أنها جاءت تابعة غري م�ستقلة‪ ،‬ولي�س‬ ‫من �شك يف �أن ق�ضبان ق�صيدة امل��دح التي‬ ‫حتيط بها قد حالت بني ال�شاعر وبني توفية‬ ‫املو�ضوع الو�صفي حقه من الو�صف من ناحية‪،‬‬ ‫ومن ناحية �أخرى كان الداعي الربط باملو�ضوع‬ ‫الأ�صلي وهو املديح ي�شغل بال ال�شاعر‪ ،‬ويفر�ض‬ ‫عليه توجيه دفة الو�صف توجيه ًا خا�ص ًا ميكن‬ ‫من هذا الربط ومن �أداء الواجب الذي فر�ضه‬ ‫على نف�سه من �إط��راء ال�سيد امل�م��دوح‪ .‬و�إذا‬ ‫ب��دا لك ذل��ك لون ًا من التجديد جزئي‪ ،‬فهو‬ ‫جتديد حمدود يف �إطار الق�صيدة املدحية‪،»...‬‬ ‫«دروي ����ش اجل �ن��دي‪ ،‬ظ��اه��رة التك�سب‪ ،‬دار‬ ‫املعارف مب�صر‪� ،1970 ،‬ص ‪» 79‬‬ ‫ويعلق د‪ .‬حممد مندور على ر�أي اجلرجاين‬ ‫ال ��ذي �أب� ��داه‪ ،‬بعد �أن وازن ب�ين ق�صيدتي‬ ‫البحرتي واملتنبي يف و�صف الأ��س��د‪ ،‬بقوله‪:‬‬ ‫«ولقد جاء �أ�سا�س املقارنة عند اجلرجاين‪،‬‬ ‫يف ما يبدو لنا‪ ،‬م�سرف ال�ضيق‪ ،‬فهو ال ينظر‬ ‫�إىل الق�صيدتني �إال من ناحية املمدوح‪ ،‬وبلوغ‬

‫ضمن إطار االرتهان‬ ‫للمديح كان الشاعر يمر‬ ‫مرور ًا عابر ًا بكثير من‬ ‫األمور التي نراها نحن‬ ‫أساسية‬

‫ال�شاعر يف ذلك �إىل ما يريد �أو عدم بلوغه‪،‬‬ ‫و�أ َّم��ا النقد الف ِّني‪ ،‬نقد ِّ‬ ‫ال�شعر لذاته وما فيه‬ ‫من جمال الو�صف ودقته وقوته‪ ،‬فذلك ما مل‬ ‫يلتفت �إليه وال متهل يف مناق�شته»‪« ،‬حممد‬ ‫مندور‪ ،‬النقد املنهجي عند العرب‪ ،‬القاهرة‪:‬‬ ‫دار نه�ضة م�صر‪� ،‬ص ‪.»281‬‬ ‫و�أق��ول‪� :‬إن كانت هذه هي نظرة اجلرجاين‪،‬‬ ‫وه��ي نظرة تكونت بت�أثري م��ن واق��ع ال�شعر‬ ‫العربي‪ ،‬فكيف تكون نظرة �أنا�س لي�سوا على‬ ‫م�ستوى هذا الناقد الكبري‪� ،‬سواء من حيث‬ ‫الثقافة‪� ،‬أم من حيث النزاهة والتجرد!؟ �أم‬ ‫كيف تكون نظرة املمدوح لل�شاعر الذي جاء‬ ‫مي��دح��ه!؟‪ .‬وه�ك��ذا حت َّكمت ق�صيدة امل��دح‪،‬‬ ‫و�صارت قالب ًا و�شك ًال‪ ،‬و�إن ك��ان من جتديد‬ ‫ففي �إط��اره��ا‪ .‬ورمب��ا ك��ان م��ن املفيد‪ ،‬هنا‪،‬‬ ‫�أن �أذك ��ر تعليق ًا ل�ـ د‪ .‬م�ن��دور على حماولة‬ ‫�أب��ي نوا�س التجديد‪ ...« :‬ثم �إنَّ حماولته مل‬ ‫تنجح‪� ...‬أم��ا مدائحه‪ ،‬فقد قالها على منط‬ ‫املدائح التقليدية من بكاء الديار �إىل و�صف‬ ‫الرحلة‪« ،»...‬مندور‪ ،‬م‪�.‬س‪� ،‬ص ‪� »51‬أبو نوا�س‬ ‫الذي ثار على تقاليد الق�صيدة العربية ثورته‬ ‫امل�شهورة مل ي�ستطع الإفالت من �أ�سارها! �ألي�س‬ ‫لهذا �سبب �أ�سا�سي ما كان مبقدور ابن هانئ‬ ‫جت��اوزه‪ ،‬وهو الذي جتاوز التقاليد والعادات‬ ‫والأخ �ل��اق يف ك�ث�ير م��ن ��ش�ع��ره ويف جممل‬ ‫�سلوكه!؟ ولعل يف خ�ضوع الراف�ض‪ ،‬يف مو�ضوع‬ ‫بعينه‪ ،‬ما يف�سر هذا اخل�ضوع‪ ،‬فال�شاعر �صار‬


‫في حضرة الشعر‬ ‫‪104‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫جم ً‬ ‫ربا على �سلوك طريق يو�صل �إىل الق�صر‪،‬‬ ‫وما كان ال�شاعر لي�ستطيع احتمال �أن يرف�ض‬ ‫�شعره من قبل �سيد الق�صر‪ .‬وال ينبغي �أن نن�سى‬ ‫�أن هذا التقليد قد �أر�سيت �أ�س�سه �أيام �أر�سيت‬ ‫�أ�س�س الق�صر‪ ،‬وما كان �أبو نوا�س �إال مثا ًال على‬ ‫ر�ضوخ ال�شاعر مهما كان متم ِّرد ًا‪ .‬ول�ست �أزعم‬ ‫�أنَّ �شعر املديح‪ ،‬يف الع�صر الأموي‪ ،‬و�إن احتذى‬ ‫�شكل ِّ‬ ‫ال�شعر اجلاهلي‪ ،‬ك��ان ن�سخة عن هذا‬ ‫ً‬ ‫ال�شعر‪ ،‬فاحل ُّق �أنَّ فروقا كبرية تف�صل بينهما‪.‬‬ ‫ال��واق��ع �أنَّ حت� � ُّو ًال ح��دث يف �أواخ� ��ر الع�صر‬ ‫اجلاهلي بفعل بداية متركز ال�ث�روة‪ ،‬ما كان‬ ‫يدفع بال�شاعر �إىل حيث م�صدر الغيث اجلديد‪،‬‬ ‫وقد ا�ستمر هذا التحول بعد �أن و�صل الأمويون‬ ‫«ال�سادة»‪،‬‬ ‫�إىل احلكم مكملني طريق �سيطرة ّ‬ ‫وقد جدَّت �أمور �أحكمت قب�ضتهم تتلخ�ص مبا‬ ‫زعموه لأنف�سهم من حق �إلهي يف احلكم‪ ،‬وبتلك‬ ‫ال�سيطرة املالية على م�صادر الرزق من غنائم‬ ‫ويفء و�صدقات‪ ...‬مل تو ّزع كما �شرع اهلل‪ ،‬ا�ستمر‬ ‫ه��ذا التحول ومن��ا يف الع�صر الأم� ��وي‪ ،‬ولعل‬ ‫احلطيئة كان �أول من �أدرك طبيعة هذا التح ُّول‬ ‫وخري من خربه؛ وذلك حني م ّيز بني االجتاهني‪،‬‬ ‫وحدد الفرق بينهما‪.‬‬ ‫ق��ارن احلطيئة بني زه�ير بن �أب��ي �سلمى وبني‬ ‫النابغة‪ ،‬وع ّلق على اجت��اه هذا الأخ�ير بقوله‪:‬‬ ‫«ولكن ال�ضراعة �أف�سدته كما �أف�سدت جرو ًال‬ ‫يعني نف�سه‪ .‬واهلل ل��وال الطمع لكنت �أ�شعر‬ ‫املا�ضني‪� ،‬أما الباقون فال �شك يف �أين �أ�شعرهم»‪.‬‬ ‫مي ّيز احلطيئة بني ما�ضني وباقني‪ ،‬وي��رى �أن‬ ‫الطمع مينعه من الو�صول �إىل مرتبة املا�ضني‪،‬‬ ‫كما يرى �أنَّ ال�ضراعة �أف�سدت �شعر النابغة‪،‬‬ ‫�أم��ا الباقون فهو �أ�شعرهم‪ ،‬وهنا ي�أخذ قوله‬ ‫الآخر مكانته‪�« :‬أ�شعر النا�س هذا –م�شري ًا �إىل‬ ‫ل�سانه‪� -‬إذا طمع»‪� .‬إذ مييز احلطيئة بني نوعني‬ ‫من ال�شعراء‪ :‬املا�ضون الذين تف�سد ال�ضراعة‬ ‫�شعرهم‪ ،‬والباقون الذين يرفع َّ‬ ‫الطمع �شعرهم‬ ‫�إىل �أعلى مرتبة‪.‬‬

‫احترف معظم شعراء‬ ‫العصر األموي وبخاصة‬ ‫الكبار منهم المديح‬ ‫السياسي فك َّونوا واقع ًا‬ ‫شعري ًا سائد ًا استقى‬ ‫النقاد من نماذجه‬ ‫مقاييسهم للشعر الجيد‬ ‫مقايي�س ال�شعر اجليد ‬ ‫احرتف معظم �شعراء الع�صر الأموي‪ ،‬وبخا�صة‬ ‫الكبار منهم‪ ،‬املديح ال�سيا�سي‪ ،‬فك َّونوا واقع ًا‬ ‫�شعري ًا ��س��ائ��د ًا‪ ،‬ا�ستقى النقاد م��ن مناذجه‬ ‫مقايي�سهم لل�شعر اجليد‪ ،‬وه��ذا ما ميكن �أن‬ ‫نب ّينه يف اخلرب الآتي‪:‬‬ ‫«ج��اء رج��ل �إىل يون�س‪ ،‬فقال ل��ه‪ :‬م��ن �أ�شعر‬ ‫الثالثة؟ فقال‪ :‬الأخطل؛ قال‪ :‬ع َّمن تروي هذا؟‬ ‫ق��ال‪ :‬عن عي�سى بن عمرو واب��ن ا�سحق و�أب��ي‬ ‫عمرو بن العالء وعنب�سة الفيل وميمون الأقرن‬ ‫الذين ما�شوا الكالم وطرقوه‪ ...‬قال‪ :‬وب�أي �شيء‬ ‫ف�ضلوه؟ قال‪� :‬إنه كان �أكرثهم عدد طوال جياد‬ ‫لي�س فيها �سقط وال فح�ش‪ ،‬و�أ�شدهم تهذيب ًا‬ ‫ل�شعره»‪« ،‬الأغ� ��اين‪ ،‬م‪���.‬س‪ .» 8/283 ،‬تتم َّثل‬ ‫مقايي�س ال�شعر اجليد‪ ،‬ل��دى م� ِّؤ�س�سي علوم‬ ‫العربية ووا�ضعي طرقها وقواعدها يف طول‬ ‫الق�صيدة‪ ،‬وجودتها‪ ،‬وتهذيبها‪ ،‬وخل ِّوها من‬ ‫ال�سقط والفح�ش‪ ،‬وكرثة الق�صائد‪.‬‬ ‫وال�شاعر امل�ح�ترف ك��ان ي�ج� ِّود �شعره ويفخر‬ ‫بذلك؛ �إذ �إن �صوغ املعاين وتوليدها وجتويدها‬ ‫هو ما بقي له جما ًال للتف ُّرد بعد �أن فقد جتربته‪،‬‬ ‫�أي الوجد امل�ش ِّكل للغة ال�شعرية‪.‬‬

‫اخلروج من اخلوف‬

‫يق ِّرر ال�ف��رزدق‪ ،‬يف �إح��دى ق�صائده املدحية‪،‬‬ ‫�أنَّ ابن عبد امللك �سليمان‪ ،‬املرت ِّبع �سعيد ًا على‬ ‫العر�ش‪ ،‬هو«املهدي» الذي تنتظرون‪ .‬رمبا كانت‬ ‫هذه «تق َّية» من الفرزدق ال��ذي يعدُّه بع�ضهم‬

‫�صعود ا�ضطراري‬ ‫كان يخامر الفرزدق �إح�سا�س بالظلم الذي كان يعاين منه معظم �أفراد‬ ‫ال�شعب‪ ،‬ولعله كان �إح�سا�ساً قوياً م�ؤ ِّرقاً لكرثة ما تردَّد يف �شعره‪ ،‬غري‬ ‫�أنه كان يدرك �أ َّن تب ِّني هذا املو�ضوع ال يجدي ال على ال�صعيد الفردي‬ ‫وال على ال�صعيد االجتماعي‪ ،‬فكان االهتمام يرتد فردياً‪� :‬أن ي�صعد هو‪.‬‬

‫�شيعي املذهب‪ ،‬ولكن من يخربه بذلك!؟ اهلل؟‬ ‫الدنيا املطلوبة؟ �أم م�صدر وح��ي ح � َّل حم َّل‬ ‫�شيطان ال�شعر‪ ،‬وغدا �شيطان ال�شعر اجلديد!؟‬ ‫�إ َّنه‪ ،‬كما يقول الفرزدق‪« :‬نداه‪ ،‬فب ّلغيني كفي�ض‬ ‫البحر ح�ين ع�لا و� �س��اال»‪ .‬وه �ك��ذا غ��دا «ن��دا‬ ‫اخلليفة»‪« ،‬في�ض» َّ‬ ‫ال�شاعر‪ ،...‬وحيث تعلو �أمواج‬ ‫البحر ويغرق اخلليفة َّ‬ ‫ال�شاعر بالفي�ض‪ ،‬ي�شاركه‬ ‫انتظاره لأمر اهلل‪ ،‬وعندما يح ُّق اهلل احلقائق‪،‬‬ ‫كما ي � َّدع��ون‪ ،‬يلهج َّ‬ ‫ال�شاعر ب�شكره‪ ،‬وبدعوة‬ ‫النا�س لت�أييد هذا الآتي من الغيب "ب�إرادة منه‬ ‫تعاىل"‪ ،‬لإنقاذ النا�س من كابو�س مقيت‪ ،‬من‬ ‫ديوان الفرزدق‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار �صادر‪:2/99 ،‬‬

‫نظرتـك م��ا ان��ت��ظ��ـ��رت اهلل حـتـى‬ ‫ك���ف���ـ���اك امل���اح���ـ���ل���ي���ـ���ن ب�����ك ال���ـ���م���ح���اال‬ ‫نـظرت ب���إذن��ـ��ك ال����دوالت عـندي‪،‬‬ ‫وق��ل��ت ع�سـى ال����ذي ن�����ص��ب الـجباال‬ ‫ي��ـ��م��ـ��ل��ك��ه خ���ـ���زائ���ـ���ن ك���ـ���ل �أر���������ض‪،‬‬ ‫ول����ـ����م �أك ي���ائ�������س���ـ���اً م���ـ���ن �أن ت����داال‬ ‫يجرب «ال �ن��داء» َّ‬ ‫ال�شاعر ويغرقه‪ ،‬فيحت�شم‬ ‫ويتقي ويتب َّنى‪ ...‬ال��خ‪ .‬ويرت�سم �س�ؤال‪� :‬أمل‬ ‫تكن لهذا �آثاره؟‪« ،‬يرى د‪.‬دروي�ش اجلندي �أن‬ ‫الق�صيدة املدحية �أدت �إىل �ضغط عنيف على‬ ‫نف�س ال�شاعر املكت�سب‪ ،‬و�إىل كبت مل�شاعره‬ ‫وع��واط �ف��ه‪ ،‬م��ا �أدى �إىل الفخر واحلكمة‬ ‫والت�أمل يف احلياة‪ .‬ظاهر التك�سب‪ ،‬م‪�.‬س‪،‬‬ ‫�ص ‪ »140‬بلى‪ ،‬ورمبا كان الفرزدق خري مثال‬ ‫يتحدث عنه‪ ،‬عندما يراد التعرف على �أثر‬ ‫َّ‬ ‫بال�شعر ّ‬ ‫حت ُّكم ال�سلطان ّ‬ ‫وال�شعراء‪.‬‬ ‫كان يخامر الفرزدق �إح�سا�س بالظلم الذي‬ ‫كان يعاين منه معظم �أف��راد ال�شعب‪ ،‬ولعله‬ ‫ك��ان �إح�سا�س ًا قوي ًا م ��ؤ ِّرق � ًا لكرثة ما ت��ر َّدد‬ ‫يف �شعره‪ ،‬غري �أنه كان يدرك �أنَّ تب ِّني هذا‬ ‫املو�ضوع ال يجدي ال على ال�صعيد الفردي‬ ‫وال على ال�صعيد االجتماعي‪ ،‬فكان االهتمام‬ ‫يرتد فردي ًا‪� :‬أن ي�صعد هو‪.‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل هذا‪ ،‬كان ال�شاعر الكبري مقت َلع ًا‬ ‫من معاناته‪ ،‬مفرو�ض ًا عليه �أن ي�سلك دروب ًا‬ ‫قد ال متت ب�أية �صلة �إىل طرقه احلقيقية‬ ‫التي ميكن �أن تو�صله �إىل توازنه مع العامل‪،‬‬


‫يف بالط �أحد ق�صور الأمويني يف القرن الثاين ع�رش يف قرطبة‬

‫ومع نف�سه‪ ،‬و�سبق �أن ذكرت �أنه كان على‬ ‫�شاعر املدح ان يتبنى مواقف حمددة‪ ،‬و�أن‬ ‫ي�صوغ �سيا�سة جاهزة و�أن يجهد لتقريبها‬ ‫من حيث النا�س‪.‬‬ ‫والواقع �أنَّ هذه الأمور‪ ،‬لوال العوامل الفاعلة‪:‬‬ ‫اخلوف من فقد احلياة واحل ّرية والعطاء‪،‬‬ ‫واملكانة املادية واالجتماعية وال�سيا�سية‪ ،‬ما‬ ‫كانت من الأمور التي يجتهد يف خدمتها‪ ،‬فهو‬ ‫�أعرابي معت ٌّد بنف�سه وبقومه يريد مكانة له‬ ‫ولهم‪ ،‬وميلك موقف ًا �سيا�سي ًا قبلي ًا‪ ،‬ويرغب‬ ‫يف �أن يفلت من القيود املفرو�ضة‪ ،‬ويرف�ض كل‬ ‫ما يقف يف وجه نزواته‪ ،‬يرى الظلم حميط ًا‬ ‫به‪ ،‬يتململ يف هذا الأ�سار من القيود‪ ،‬ويريد‬ ‫�أن ينفلت‪ ،‬غري �أن هذا دونه عقبات‪ .‬مل يكن‬ ‫م�سلم ًا �إال ب�شهادة �أن ال �إله �إال اهلل‪ .‬ميار�س‬ ‫الكثري من املخالفات‪ ،‬ي��زين‪ ،‬يقذف �ألف‬ ‫حم�صنة‪ ،‬يتحدى الوالة‪ ،‬يرى احلرام طيب ًا‪،‬‬ ‫ي�سرق ال�شعر‪ ،‬يهجو اخل�ل�ي�ف��ة‪ ...‬ولكنه‪،‬‬ ‫وعلى الرغم من هذا‪ ،‬يعاين؛ �إذ �إنه يرغم‬ ‫وير�ضخ‪ .‬يف كل مرة يتمرد وير�ضخ ويح�س‪،‬‬ ‫وه��و يتمرد‪� ،‬أن��ه �سري�ضخ عندما يرف�ض‪،‬‬ ‫ويرى احلل‪� ،‬أو يرتاءى له‪ ،‬يف الال�شعور‪� ،‬أن‬ ‫احلل هو يف �أن يعود من حيث �أتى‪...‬‬ ‫�إ َّنها �أزم��ة �شاعر �أراد �أن يح ِّقق ذات��ه‪ ،‬و�أن‬

‫يعبرِّ عن معاناته‪� ،‬شاعر غري مقتنع ب�أن ما‬ ‫يقوم به ميثل ق�ضية حياته‪ ،‬فيتمرد ويقمع‪،‬‬ ‫و�إن هي �إال �أزم��ة معظم �شعراء امل��دح‪ ،‬و�إن‬ ‫كانت تبدو �شديدة الو�ضوح عند الفرزدق‪.‬‬ ‫وم��ن الأ�سباب امل��ؤدي��ة �أي�ض ًا �إىل ه��ذا‪� ،‬أن‬ ‫املجتمع كان حديث العهد بالتنظيم وحتديد‬ ‫القيود على حرية الفرد‪.‬‬ ‫وجرير مل يكن �أقل معاناة من هذه الأزمة‪،‬‬ ‫غري �أ َّن��ه‪� ،‬إ�ضافة �إىل و�ضعه اخلا�ص «طبع‬ ‫بال�سباب الذي‬ ‫و�أ�سرة» قد نفَّ�س عن معاناته ُّ‬ ‫�شاركه فيه الفرزدق‪ ،‬و�إن مل يتف َّوق فيه مثله‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫يف�سر تفاقم ظاهرة الهجاء‬ ‫ولعل هذا الواقع ِّ‬ ‫املقذع يف الع�صر الأم��وي‪ .‬ورمب��ا كان هذا‬ ‫الو�ضع من الأ�سباب التي هي�أت يف ال�شعراء‬ ‫ذلك الإقبال على ال�سباب وال�شتيمة ب�أقبح‬ ‫الأل�ف��اظ‪ ،‬وك�أ َّنهم بهذا كانوا يعربون عما‬ ‫يجي�ش يف �صدورهم من كبت ولو ب�شكل ال‬

‫أفلت األمر من يد‬ ‫الشاعر المحترف فصار‬ ‫مرتهن ًا للسلطان من‬ ‫حيث المعاني وللرأي‬ ‫العام من حيث الشكل‬ ‫الشعري‬

‫واع‪� .‬إنهم‪� ،‬إذ يفعلون هذا‪� ،‬إمنا كانوا يقذفون‬ ‫هذا املجتمع بلعناتهم‪ ،‬ويودون لو يخرجون‬ ‫على كل ما فيه من قيود‪ ،‬ولكنهم خرجوا يف‬ ‫امليدان املتاح لهم يف جمال اخلروج‪.‬‬

‫تهمي�ش الآخر‬

‫�ساد مديح املحرتفني ال�سيا�سي وهجا�ؤهم‪،‬‬ ‫فغدا ال�شاعر الآخر يف الهام�ش‪� ،‬إذ بقي عمر‬ ‫بن �أب��ي ربيعة يهذي �إىل �أن �أن�شد ق�صيدة‬ ‫«�أمن �آل نعم �أنت غاد فمبكر» التي يعار�ض‬ ‫فيها مطولة امرئ القي�س‪ .‬وبقي حريث بن‬ ‫ع�ن��اب‪ ،‬كما يقول �صاحب الأغ ��اين‪« ،‬لي�س‬ ‫مبذكور يف ُّ‬ ‫ال�شعراء لأنه كان بدوي ًا مق ًّال غري‬ ‫مت�صدٍّ ِّ‬ ‫مدح وال هجاء وال‬ ‫بال�شعر للنا�س يف ٍ‬ ‫يخ�صه»‪ .‬فال�شاعر ‪،‬‬ ‫يعدو يف ال�شعر �أمر ما ُّ‬ ‫يف نظر �أب��ي الفرج ومعظم ال��رواة والنقاد‬ ‫�آنذاك‪ ،‬هو من ميدح ويهجو ويعدو يف ال�شعر‬ ‫�أم��ر ما يخ�صه‪ ،‬وق��د ك��ان لهذا ال��واق��ع �أثر‬ ‫حا�سم يف تطور ال�شعر العربي‪ ،‬وق��د كان‬ ‫للخوف م��ن ال�سلطان‪ ،‬كما م��ر ب�ن��ا‪ ،‬دور‬ ‫�أ�سا�سي يف تكون هذا الواقع الذي حاول كثري‬ ‫من ال�شعراء والنقاد �أن يخرجوا منه وعليه‪،‬‬ ‫ويبدعوا اجلديد‬


‫حكايات من الذاكرة‬ ‫‪106‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫أربع حكايات ساخنة‬ ‫ه�شام علي‬

‫املطربة جناة ال�صغرية بطلة �أغنية «ال‪ ..‬تكذبي»‪ ،‬وعبد احلليم حافظ الفتى املدلل للحقبة النا�صرية‪،‬‬ ‫و�أم كلثوم‪ ..‬بخيلة‪ ،‬وجيهان ال�سادات كانت حتارب �أم كلثوم!! �أربع حكايات �ساخنة يتم تداولها يف الو�سط‬ ‫ال�صحفي الفني يف العامل العربي‪ ،‬ويتم توريثها للأجيال اجلديدة‪.‬‬ ‫�أثناء ت�أبني الفنانة الكبرية وردة اجلزائرية يف القاهرة‪ ،‬انتهزت فر�صة لقائي مع الإعالمي الكبري وجدي‬ ‫احلكيم‪ ،‬وطلبت منه �أن ي�صدق على هذه احلكايات �أو ينفيها للتاريخ‪ ،‬ولي�س بحثاً عن �إثارة �صحفية‪.‬‬ ‫عندما بد�أ التعاون الفني بني املطربة جناة‬ ‫ال�صغرية وال�شاعر ن��زار قباين يف ق�صيدة‬ ‫«�أيظن»‪ ،‬دخل ال�شاعر الكبري كامل ال�شناوي‬ ‫يف �أزم��ة نف�سية ح��ادة وح��ال��ة م��ن االكتئاب‬ ‫ال�شديد‪ ،‬وانطوى على نف�سه يف بيته ال يكلم‬ ‫�أح ��د ًا وال يلتقي �أ��ص��دق��اءه‪ ،‬خ�صو�ص ًا و�أن‬ ‫الأغ�ن�ي��ة بلغة �أه��ل ال�ف��ن «ك�سرت الدنيا»‪،‬‬ ‫ودخ �ل��ت بال�شاعر ن ��زار ق�ب��اين ك��ل بيت يف‬ ‫م�صر وال��وط��ن العربي‪ ،‬بعد �أن ت��واف��ر لها‬ ‫�أهم عن�صرين لنجاح �أي عمل غنائي يف هذا‬ ‫الزمن وهما‪ :‬حلن عبد ال��وه��اب‪ ،‬وماكينة‬ ‫دعاية عبد الوهاب اخلا�صة من �أ�صدقائه‬ ‫ال�صحفيني ور�ؤ�ساء التحرير وكتاب الأعمدة‬ ‫ومقدمي الربامج الإذاعية‪.‬‬

‫�أكذوبة «ال تكذبي»‬

‫ه�ن��ا ت��دخ�ل��ت ق��ائ�ل ً�ا‪ :‬وم ��ا ع�لاق��ة ك��ل ه��ذا‬ ‫بق�صة «ال‪ ..‬تكذبي»؟‪ ،‬رد من دون ترتيب‬ ‫لأف�ك��اره‪ :‬الكاتب ال�صحفي م�صطفي �أمني‬ ‫هو �صانع �سيناريو«ال‪ ..‬تكذبي» انتقام ًا من‬ ‫جن��اة ال���ص�غ�يرة‪ ،‬حل���س��اب �صديقه كامل‬ ‫ال �� �ش �ن��اوي‪ ،‬ال ��ذي ع��ا���ش ف �ع�ل ًا وه��م خيانة‬ ‫جناة له فني ًا‪ ،‬ولي�س عاطفي ًا كما روج خيال‬ ‫البع�ض‪ ،‬ورغ ��م �أن احل�ك��اي��ة ال ت�خ��رج عن‬ ‫كونها �شائعة �صحفية‪� ،‬إال �أنها �أ�صبحت مثار‬ ‫حديث ليل القاهرة‪ ،‬وموائد النميمة‪ ،‬الكل‬

‫يحكيها بطريقته وي�ضيف لها �أح��داث � ًا من‬ ‫خياله و�شهود ًا للواقعة‪ ،‬لدرجة �أن الق�صة‬ ‫�ساهمت يف خ��روج ق�صيدتني م��ن �أه��م ما‬ ‫غنى عبد احلليم حافظ وهما‪« :‬ل�ست وحدك»‬ ‫و«حبيبها»‪ .‬والأغنيتان حلنهما عبد الوهاب‬ ‫حتى ي�صالح �صديقه احلميم كامل ال�شناوي‪.‬‬

‫حليم املظلوم‬

‫�أن يغني حليم للثورة امل�صرية‪ ،‬و�أن يتغنى‬ ‫ب ��إجن��ازات �ه��ا‪ ،‬ف�ه��ذا طبيعي ف�ه��و اب��ن ه��ذه‬ ‫املرحلة امل�ضيئة يف تاريخ م�صر‪� ،‬أن تنجح‬ ‫�أغانيه الوطنية وي��ردده��ا اجلمهور العربي‬ ‫م��ن امل�ح�ي��ط �إىل اخل �ل �ي��ج‪ ،‬ه ��ذا لأن ��ه ك��ان‬ ‫�صادق ًا وم�صدق ًا لكل كلمة ي�شدوا بها‪ ،‬م�ؤمن ًا‬ ‫بثورته منحاز ًا ل�شعبه وجمهوره‪ ،‬لكن الكذب‬ ‫واالفرتاء �أن يقال �إنه ح�صل من النظام على‬ ‫م�ساحة �أكرب من غريه‪ ،‬حتى يقال �إنه لقب‬ ‫بـ«الفتى املدلل» واحلقيقة �أن َمنْ �صنع هذا‬ ‫اللقب هم خ�صومه بعد رحيله‪.‬‬ ‫لو كان الفتى املدللـ فع ًال‪ ،‬فلماذا كان لزام ًا‬ ‫عليه وقبل �أي رحلة عالج ي�سافر فيها �إىل‬ ‫اخلارج‪� ،‬أن يح�صل على ترخي�ص امل�صنفات‬ ‫الفنية لل�سماح له بال�سفر مثل �أي «راق�صة»!‬ ‫مع العلم �أن هذا الت�صريح مت ا�ستثناء ال�سيدة‬ ‫�أم كلثوم منه والأ�ستاذ عبد الوهاب‪ .‬هل تعلم‬ ‫�أن �صالح ن�صر رئي�س جهاز املخابرات يف‬

‫ذل��ك الوقت �أ��ص��در �أم��ر ا�ستدعاء «حلليم»‬ ‫�أ�شبه ب��أم��ر اعتقال! لكن حليم ف��وت عليه‬ ‫الفر�صة بذكائه عندما �سرب «اخلرب» لكبار‬ ‫ال�صحفيني يف الوطن العربي وتناقلت اخلرب‬ ‫وك��االت الأن �ب��اء‪ .‬ه��ل تعلم م��ن ال��ذي �أنقذه‬ ‫من �صالح ن�صر؟ امل�شري عبد احلكيم عامر‬ ‫ولي�س الرئي�س عبد النا�صر‪ ..‬عبد احلليم‬ ‫ا�سرتد اعتباره احلقيقي يف ع�صر الرئي�س‬ ‫ال�سادات الذي منحه جواز �سفر دبلوما�سي ًا‬ ‫و�أ��ص��در تعليمات �أن يرافقه فريق طبي يف‬ ‫�أي رحلة عالج ي�سافر �إليها! هل تكفيك هذه‬ ‫الإجابة؟ ‪ .‬نعم‪ ،‬تكفيني‪.‬‬

‫�أم «�إ�سرائيل»‬

‫الكاتب الكبري م�صطفي �أمني الذي ارتبط مع‬ ‫�أم كلثوم ب�صداقة عمر قال يف كتابه «م�سائل‬ ‫�شخ�صية»‪ :‬كانت م�صر كلها تقول �إن �أم‬ ‫كلثوم بخيلة �شحيحة‪ ،‬يف الوقت الذي كانت‬ ‫تدفع فيه يف اخلفاء مرتبات �شهرية لع�شرات‬ ‫الأ�سر‪ ،‬وتعترب هذا من الأ�سرار احلربية التي‬ ‫ال يجوز �إف�شا�ؤها حتى لأق��رب املقربني لها‪،‬‬ ‫وكم من مهند�سني و�أطباء وق�ضاة �ساعدتهم‬ ‫حتى و�صلوا �إيل منا�صب مرموقة‪ .‬وحدث مرة‬ ‫�أن جاءين �أحد �أفراد فرقة �أم كلثوم وقال يل‪:‬‬ ‫�أنا �أعرف �أنك �صديق «ال�ست»‪ ،‬فهل ير�ضيك‬ ‫�أن �أذهب �إليها �صباح اليوم و�أقول لها �إنني‬


‫عبد احلليم ي�صافح �أم كلثوم يف ح�ضور م�صطفى �أمني‬

‫�أريد �أن �أقرت�ض منها خم�سة جنيهات‪ ،‬لأن‬ ‫لي�س يف بيتي قر�ش واح��د لإط�ع��ام زوجتي‬ ‫و�أوالدي‪ ،‬و�إذا ب�أم كلثوم ترف�ض �أن تقر�ضني‬ ‫اجلنيهات اخلم�سة‪ ،‬مع �أنني �أعمل يف فرقتها‬ ‫منذ ‪ 15‬عام ًا؟!‬ ‫وهالني موقف «�أم كلثوم» املخزي وا�ستنكرته‪،‬‬ ‫وبعد خروج املو�سيقي طلبتها على التليفون‬ ‫و�س�ألتها‪ :‬هل �صحيح �أنك رف�ضت �أن تقر�ضي‬ ‫فالن ًا خم�سة جنيهات؟‬ ‫قالت‪ :‬نعم رف�ضت؟‬ ‫قلت‪ :‬وهل فعلت ذلك بعد �أن قال لك �إن لي�س‬ ‫يف بيته قر�ش واحد؟!‬ ‫قالت‪ :‬نعم‪ .‬ف�س�ألتها معاتب ًا‪ :‬كيف تفعلني‬ ‫ذلك يا �أم كلثوم؟‬ ‫قالت‪ :‬لأنني امر�أة بخيلة!‬ ‫قلت‪� :‬أن��ا �أع��رف العك�س و�أع ��رف �أن �أه��م‬ ‫�صفاتك الوفاء ملن عمل معك!‬ ‫ق��ال��ت‪� :‬أن��ت ال تعرفني‪ .‬ق�ل��ت‪ :‬ب��ل �أع��رف��ك‬ ‫مت��ام� ًا‪� .‬ضحكت �أم كلثوم وق��ال��ت‪� :‬س�أقول‬ ‫لك احلقيقة ب�شرط �أال تقولها ملخلوق‪� ،‬إن‬ ‫م�صلحتي �أن يقول عني النا�س �إنني بخيلة‬ ‫حتى يبتعد عني الن�صابون والأفاقون‪ ،‬فهذا‬ ‫املو�سيقي علمت �أنه كان ي�سهر يف بيت فريد‬ ‫الأطر�ش بالأم�س يلعب القمار‪ ،‬وخ�سر على‬ ‫مائدة القمار ‪ 300‬جنيه‪ ،‬ف ��أردت �أن �أ�ؤدب��ه‬ ‫ليعرف ذل لعب القمار ورف�ضت �أن �أعطيه‬

‫اجلنيهات اخلم�سة‪ ،‬وبعد خروجه ات�صلت‬ ‫بزوجته تليفوني ًا و�أخربتها �أنني �س�أر�سل لها‬ ‫مع �سائقي ‪ 50‬جنيه ًا‪ ،‬ب�شرط �أال تخرب زوجها‬ ‫وت�ترك��ه يتعذب حتى ي�ع��رف م ��رارة عقاب‬ ‫العب القمار!‬ ‫وكان املو�سيقي يحكي لكل من يقابله ق�صة‬ ‫بخل «�أم كلثوم» و�أم كلثوم فرحة و�سعيدة‬ ‫ب�إنت�شار ق�صة بخلها‪ ،‬حتى �أن بع�ض النا�س‬ ‫�أطلق عليها �أم «�إ�سرائيل» ال �أم كلثوم‪.‬‬ ‫وكانت �إذا �سمعت عن فنانة مري�ضة �أ�سرعت‬ ‫�إليها ونقلتها �إىل امل�ست�شفى و�أنذرتها ب�أنها‬ ‫�إذا تكلمت ف�إنها �ستقاطعها �إىل الأبد!‬ ‫و�سكتت من تعلم وتكلمت من ال تعلم‪ ،‬وكانت‬ ‫�أم كلثوم تقول‪� :‬إن الذين يتحدثون عن بخلي‬ ‫يدافعون عني‪ ،‬يبنون حويل �سور ًا عالي ًا ي�صد‬ ‫الن�صابني والأفاقني والطامعني!‬

‫جيهان و�أم كلثوم‬

‫ال�سيدة جيهان ال�سادات نف�سها ردت على‬ ‫�شائعة غ�ضبها م��ن �أم كلثوم يف �أك�ثر من‬ ‫مقابلة �صحفية وتلفزيونية قائلة‪ :‬كل ما قيل‬ ‫يف هذا ال�ش�أن لي�س �صحيح ًا على الإطالق‪،‬‬ ‫�أم كلثوم مل تنعت ال�سادات ‏«ب�أبي الأن��وار»‬ ‫ومل �أغ�ضب من ذلك كما قيل‪ ،‬وعلى الرغم‬ ‫من مرور ال�سنني ف�أنا ال �أ�ستطيع �أن �أخفي‬ ‫ده�شتي م��ن ق ��درة البع�ض ع�ل��ى الفربكة‬

‫واخ �ت�لاق ال���ش��ائ�ع��ات‪ ،‬ف ��أن��ا �أع �ل��م �أن هذه‬ ‫ال�شائعة حتديد ًا من‏«‏طبخ‏» �سامي �شرف‏‪.‬‏‬ ‫ملحوظة‪�« :‬سامي �شرف ه��و �أح��د خ�صوم‬ ‫الرئي�س ال�سادات‪ ،‬فهو َمنْ قام بتدبري هذا‬ ‫الأم��ر و�أح �ك��م ت��دب�يره ا�ستناد ًا �إىل مكانة‬ ‫�أم كلثوم الفنية و�شهرتها وجماهرييتها‬ ‫الطاغية‪ ،‬حتى تكون ال�شائعة م�ؤثرة وحتقق‬ ‫الغر�ض‪ ،‬وت�ستقر يف ج��وف الزمن وه��و ما‬ ‫حدث بالفعل»‪.‬‬ ‫وحقيقة الأم��ر �أن �أم كلثوم كانت �صديقة‬ ‫عزيزة‪ ،‬اعتادت �أن تزورين يف بداية �سنوات‬ ‫زواجي يف منزلنا بالرو�ضة حني كان ال�سادات‬ ‫رئي�س ًا للإذاعة وكنا نقطن بالدور اخلام�س‬ ‫ومل يكن ب��ال�ع�م��ارة م�صعد ًا فكانت ت�أتي‬ ‫يوم ًا بعد يوم تقريب ًا‏‪ ،‬جتل�س معي ونتجاذب‬ ‫�أط��راف احلديث وكانت ام��ر�أة ذكية جد ًا‏‪،‬‬ ‫فر�ضت موهبتها واح�ترام�ه��ا لذاتها على‬ ‫اجلميع‏ ‏‪ ،‬ام��ر�أة ع�صامية ارتبطت بالنخبة‬ ‫املثقفة وارتقت بثقافتها وكانت متتلك من‬ ‫احل�صافة و�آداب ال�سلوك ما مينعها من رفع‬ ‫التكلفة بينها وبني النا�س‏‪.‬‏ كنت �أح�ضر بع�ض‬ ‫حفالتها ال�شهرية و�أحب كل �أغانيها وكثري ًا‬ ‫ما كنا نلتقي يف م�آدب جماعية يف منزل �سيد‬ ‫مرعي بالهرم‪ ،‬ف�أنا �أحبها جد ًا‏‪ ،‬وكنت من‬ ‫القالئل الذين ي�ترددون عليها يف مر�ضها‬ ‫الأخري قبل وفاتها‏‬


‫اآلفاق‬ ‫ارتيادالراوي‬ ‫قال‬ ‫‪108‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬


‫يعك�س كينونة املر�أة داخل املجتمع‬

‫الخطاب األنثوي في المثل‬ ‫الشعبي العماني‬

‫حضور مقالي ومقامي له وظائفه‬ ‫د‪.‬عائ�شة الدرمكي‬

‫�إن الثقافة ال�شعبية هي املوروث الثقايف الذي ترثه الأجيال الالحقة عن الأجيال ال�سابقة على‬ ‫�شكل مادي �أو روحي رمزي‪ ،‬وهي تلك الثقافة احلية املتداولة يومياً غري اخلا�ضعة لقوانني‬ ‫وقواعد مكتوبة �أو مدونة حيث العفوية وال�شفوية والب�ساطة‪.‬‬ ‫ولقد تعددت املقاربات والبحوث التي جتعل من «مفهوم الثقافة ال�شعبية» حموراً للتفاعالت‬ ‫الب�شرية داخل املجتمعات؛ �إذ ظهر ما ي�سمى بـ «الأدب ال�شعبي» �أو «الأدب ال�شفوي» والذي ميثل‬ ‫املقاربة الأدبية التي تختزل الثقافة ال�شعبية حتت هذا اال�صطالح‪ ،‬ولقد �ضمت هذه املقاربة املثل‬ ‫واحلكاية واللغز وغريها من الفنون الن�صية التي �أنتجتها الثقافة ال�شعبية‪ ،‬كما ظهرت املقاربات‬ ‫التاريخية التي ُتعنى بر�صد املواقف ال�شعبية جتاه الأحداث التاريخية وال�سيا�سية‪ .‬وهناك‬ ‫املقاربات الأنرثوبولوجية والإثنوغرافية التي ت�سعى �إىل و�صف الثقافة كونها تعبرياً عن عقلية‬ ‫ب�شرية معينة‪ .‬وهناك كذلك مقاربات جغرافية ونف�سية وعلمية وتربوية‪.‬‬ ‫�إن تعدد ه��ذه املقاربات التي عنت بدرا�سة‬ ‫الثقافة ال�شعبية لدليل على تنوع مادة الثقافة‬ ‫ال�شعبية وت�شعبها وتعقدها بت�شعب وتعقد‬ ‫ال�سلوك الب�شري والإنتاج احلي املتطور الذي‬ ‫تفرزه املجتمعات اللغوية باختالف موروثها‬ ‫احل�ضاري واالجتماعي والديني‪ ،‬ومما ال�شك‬ ‫فيه �أن كل هذه املقاربات والتعريفات قد �أثرت‬ ‫مفهوم الثقافة ال�شعبية وطورت جمالها‪ ،‬غري‬ ‫�أن هذه املقاربات – كلها �أو معظمها‪ -‬طغى‬ ‫عليها البعد االنطباعي واملعياري بالإ�ضافة‬ ‫�إىل تداخل البحث العلمي املح�ض بالأبعاد‬

‫الإيديولوجية وال�سيا�سية‪ ،‬ولعل �إهمال البعد‬ ‫الت ى االنطباعية والواقعية التي طبعت هذا‬ ‫النوع من الأبحاث‪.‬‬ ‫وم �ف �ه��وم «ال �ت��وا� �ص��ل ال���ش�ع�ب��ي» ي�ح�ي��ل على‬ ‫الظواهر التوا�صلية التي تنبني على نية التبادل‬ ‫الرمزي يف �إط��ار ف�ضاءات �شعبية وانطالق ًا‬ ‫من الت�صور ال�شعبي لعملية التوا�صل الل�ساين‬ ‫واالج�ت�م��اع��ي‪ ،‬ف�م��ادة التوا�صل ال�شعبي هي‬ ‫تلك الأن���س��اق اللغوية التي ت�شكل مو�ضوع ًا‬ ‫لل�سانيات وال�سو�سيول�سانيات والتداوليات‬ ‫كالنكت‪ ،‬والأم�ث��ال‪ ،‬واحلكايات‪ ،‬والأنا�شيد‪،‬‬

‫على �أنها قد تكون �أن�ساق ًا غري لغوية كالإمياء‪،‬‬ ‫وال��رق ����ص‪ ،‬واحل� �ن ��اء‪ ،‬وال �ل �ب��ا���س‪ ،‬وال�ف�ن��ون‬ ‫ال�شعبية واملو�سيقى‪ ،‬وهناك الأن�ساق ال�شمية‬ ‫التي متثلها العطور والروائح بح�سب العادات‬ ‫الدينية والطقو�س التوا�صلية التقليدية‪ ،‬وروائح‬ ‫الأطعمة‪ .‬والأن�ساق الذوقية كالطبخ‪ ،‬ورمزية‬ ‫امل���أك��والت‪ ،‬ورم��زي��ة اخل �� �ض��راوات والفواكه‬ ‫واللحوم وامل�شروبات‪ ،‬وطقو�س الأكل وال�شرب‪،‬‬ ‫والأن�ساق اللم�سية كالتحية‪ ،‬والقبلة‪ ،‬والعراك‪،‬‬ ‫والطب‪ .‬ولقد ذه��ب كثري من الدار�سني �إىل‬ ‫�أن هذه الدوال الن�سقية تدل وتتوا�صل بطريقة‬


‫قال الراوي‬ ‫‪110‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫مبا�شرة وغري مبا�شرة من خالل انتقالها من‬ ‫الباث �إىل املتلقي ب��دالالت وا�ضحة حمددة‬ ‫�أو دالالت رمزية تتغري بتغري املقام ال�سياقي‬ ‫واملقايل‪ ،‬بل تتغري بتغري الباث واملتلقي �ضمن‬ ‫�سياقات لغوية �أو اجتماعية متغرية‪.‬‬

‫املثل ال�شعبي بو�صفه مقاربة‬ ‫�أدبية‬

‫�إن املثل ال�شعبي بو�صفه �أحد املقاربات الأدبية‬ ‫التي تن�ضوي حتت ا�صطالح «الأدب ال�شعبي»‬ ‫يت�صل بعمق املعرفة ال�شعبية ومدارج تلقيها من‬ ‫جيل �إىل �آخر‪ ،‬لأنه «دليل على مناهل الفطنة‬ ‫التي خفي �أثرها‪ ،‬وظهر �أقلها‪ ،‬وبطن �أكرثها‪،‬‬ ‫وم��ن ح��ام ح��ول حماها ورام قطف جناها‪،‬‬ ‫علم �أن دون الو�صول �إليها خرط القتاد»‪� -‬أبو‬ ‫الف�ضل �أحمد بن حممد الني�سابوري امليداين‪.‬‬ ‫جممع الأمثال‪ ،‬ج‪ ، 1‬ط‪ . 2‬دار مكتبة احلياة‪،‬‬ ‫بريوت‪ ،‬د‪.‬ت‪� ،‬ص ‪.10‬‬ ‫واملثل ال�شعبي م�س�ؤول عن ترتيب �أول��وي��ات‬

‫القيم االجتماعية وطرائق التفكري التي تظهر‬ ‫على �شكل تراكمات تاريخية وموروثات ثقافية؛‬ ‫�إذ ال يتوقف ت�أثري املثل على البعد الإن�ساين‬ ‫واالجتماعي اللغوي ال��ذي يك ِّون ال�شخ�صية‬ ‫ال�ف��ردي��ة‪ ،‬ب��ل يتعدى ه��ذا �إىل ت��أث�ير جمعي‬ ‫مبا�شر‪« ،‬وذلك لأن املخيال ال�شعبي ميثل مر�آة‬ ‫احلراك االجتماعي والثقايف على اعتبار �أنه‬ ‫قائم على ت�صفية التجربة الإن�سانية من خالل‬ ‫من��اذج لغوية �أك�ثره��ا ب ��روز ًا ه��ي الأم �ث��ال»‪-‬‬ ‫اخل �ط��اب ال �ث �ق��ايف‪ ،‬جم�ل��ة دوري� ��ة حمكمة‪،‬‬ ‫ت�صدرها جمعية اللهجات والرتاث ال�شعبي يف‬ ‫جامعة امللك �سعود بالريا�ض‪ ،‬العدد الثاين‪،‬‬ ‫خريف ‪1428‬هـ ـ ‪2007‬م ‪� .‬ص‪.84‬‬

‫في أغلب األمثال‬ ‫الشعبية العمانية‬ ‫يكون الخطاب ذكوري ًا‬ ‫على اعتبار أنها الصيغة‬ ‫اللغوية الصالحة‬ ‫للتواصل مع الذكر‬

‫ومما ال �شك فيه �أن املثل ُوجد قبل �أن يوجد‬ ‫م�صطلح «املثل» وبالتايل ُو ِج��د يف اللغة قبل‬ ‫اال�صطالح‪ .‬ففي اللغة هو امل�ساواة وال�شبه‪ .‬فـ‬ ‫«املِثل‪ِّ :‬‬ ‫و�شبه َ‬ ‫و�شبه‪...‬‬ ‫ال�شبه‪ .‬يقال ِمثل َوم َثل ِ‬ ‫و�إذا قيل هو ِم ْثله على الإطالق فمعناه �أنه ي�س ُّد‬ ‫م�س َّده‪ ،‬و�إذا قيل‪ :‬هو ِم ْثله يف كذا فهو م�سا ٍو له‬ ‫يف جه ٍة دون جهة» ‪ -‬مرت�ضى الزبيدي‪ .‬تاج‬ ‫العرو�س من جواهر القامو�س‪ ،‬حتقيق علي‬ ‫�شريي‪ ،‬ج‪ .15‬دار الفكر‪ .‬بريوت‪1414 .‬هـ‬ ‫ـ ‪1994‬م‪ .‬مادة مثل ‪ -‬لذلك ُا�صطلح على‬ ‫«ال�شيء ال��ذي ُي�ضرب ل�شيء مث ًال فيجعل‬ ‫ِم �ث �ل��ه» ‪� -‬أب ��و ال�ف���ض��ل ج �م��ال ال��دي��ن اب��ن‬ ‫منظور‪ ،‬ل�سان ال�ع��رب‪ ،‬ج‪ .14‬دار �صادر‪،‬‬ ‫بريوت‪ ،‬ب‪ ،‬ت‪ .‬مادة مثل‪.‬‬ ‫�إن امل�ث��ل ه��و �أ��س�ل��وب تعبريي �أ�شبه ب��امل��ر�آة‬ ‫ال�صادقة حلياة املجتمعات الثقافية والوجدانية‬ ‫والنف�سية‪ ،‬لأنه يحكي واقع اجلوانب املتعددة يف‬ ‫حياة املجتمعات‪ ،‬وي�صور �أ�سلوبها يف التفكري‪،‬‬ ‫وتفاعلها مع الأحداث وا�ستجابته للم�ؤثرات يف‬


‫�سلوكها االجتماعي املعتاد؛ ذلك لأنه «عبارة‬ ‫موجزة ي�ستح�سنها النا�س �شك ًال وم�ضمون ًا فيما‬ ‫ال�سلف دون تغيري‪،‬‬ ‫بينهم‪ ،‬ويتناقلها اخللف عن َّ‬ ‫متمثلني بها‪ ،‬غالب ًا‪ ،‬يف ح��االت م�شابهة ملا‬ ‫ُ�ض ِرب لها ا َملثل �أ�ص ًال‪ ،‬و�إن ُجهل هذا الأ�صل»‪-‬‬ ‫�إميل بديع يعقوب‪ ،‬مو�سوعة �أمثال العرب‪ ،‬ج‪.1‬‬ ‫دار اجليل‪ ،‬بريوت‪1415 ،‬هـ ـ ‪1995‬م ‪� .‬ص ‪.21‬‬ ‫ولقد حظي املثل ال�شعبي بدرا�سات وا�سعة‬ ‫على عك�س فنون الأدب ال�شعبي الأخ��رى‪،‬‬ ‫ورمبا يعود ذلك �إىل اخل�صائ�ص واملميزات‬ ‫التي ي�ست�أثر بها هذا الفن الأدب��ي عن باقي‬ ‫ال�ف�ن��ون الأدب��ي��ة ال�شعبية‪ ،‬ك�م��ا ي �ع��ود �إىل‬ ‫انت�شاره الوا�سع يف اللهجات العربية احلديثة‬ ‫وا�ستمرار ت�أثريه عرب الأجيال‪.‬‬

‫اخلطاب الأنثوي يف املثل ال�شعبي‬ ‫العماين‬

‫�إن املثل ال�شعبي ميثل ج��زء ًا مهم ًا من تراث‬ ‫الثقافة ال�شعبية لتعبريه البليغ عن التجارب‬ ‫املختزنة للمجتمع عرب الع�صور والتي تعرب‬ ‫عن بنية املجتمع وثقافته‪ ،‬فهو ال��ذي يعك�س‬ ‫الرتاث الثقايف واالجتماعي لتلك ال�شعوب‪،‬‬ ‫ولكيفية التوا�صل فيما بينهم‪ .‬بل لقد جل�أ‬ ‫الإن�سان للأمثال لتنظيم ه��ذا التوا�صل‬ ‫وجلعله �أكرث ي�سر ًا ملا يتميز به املثل بطابع‬ ‫قيمي تعليمي اجتماعي‪.‬‬ ‫وامل�ث��ل ال�شعبي العماين كغريه م��ن الأم�ث��ال‬ ‫ال�شعبية‪ .‬جملة ق�صرية بليغة ج��اءت تعبري ًا‬ ‫عن جتربة حمددة‪ ،‬و�شاع ا�ستعمالها مبنا�سبة‬ ‫وق ��وع جت ��ارب �أو م��واق��ف مم��اث�ل��ة للتجربة‬ ‫الأ�صلية‪ .‬غري �أن الكثري من ه��ذه التجارب‬ ‫اختفت ق�صتها الأ�صيلة التي وقعت يف نطاقها‬ ‫ال�سياقي‪ ،‬وا�ستمر املثل املعرب عنها يف التداول‪.‬‬ ‫يف حني �أن بع�ض ق�ص�ص وتفا�صيل بع�ض هذه‬ ‫الأمثال متداولة حتى اليوم‪ ،‬وحتى لو مل تكن‬ ‫ه��ذه التفا�صيل حقيقية للق�صة �أو للتجربة‬ ‫و�ضعت ون�ضجت وتداولها النا�س‬ ‫الأوىل‪ ،‬لكنها ِ‬ ‫لتالئم هذه التجربة‪� .‬إذ ال ميكن �أن نن�سب‬ ‫باث حمدد‪،‬‬ ‫الأمثال‪� ،‬أو ق�ص�ص ن�ش�أتها‪� ،‬إىل ٍ‬ ‫لأن اجلماعة اللغوية التي تداولتها �أو ما زالت‬

‫قلة التدوين والحصر من‬ ‫التحديات التي تواجه‬ ‫دراسة األمثال الشعبية‬ ‫العمانية كما هو الحال‬ ‫في باقي الموروثات‬ ‫الشعبية الشفوية‬ ‫تتداولها تدخلت يف �صياغة تفا�صيلها فجعلتها‬ ‫مالئمة لتجربة م��ا قابلة للبقاء وال��ذي��وع‬ ‫واالنت�شار‪ ،‬وهذه �سمة عامة للأمثال ال�شعبية‬ ‫العمانية‪ ،‬حيث ال توجد حادثة خا�صة حقيقية‬ ‫وقعت فيها ورمب��ا يعود ذل��ك �إىل ك��ون هذه‬ ‫الأمثال حتمل طابع العمومية ال�صاحلة لكل‬ ‫الأزمان‪.‬‬ ‫و�إذا ما انتقلنا �إىل اخلطاب الأنثوي يف املثل‬ ‫ال�شعبي العماين وجدنا �أن��ه ذل��ك اخلطاب‬ ‫الذي ُيبث يف �صيغ لغوية �أنثوية‪ ،‬على اعتبار‬ ‫�أن الباث املن�شئ لهذا اخلطاب الل�ساين غري‬ ‫م�ع��روف‪ ،‬ف ��إن مما يثري الت�سا�ؤل هو �أن يف‬ ‫غالب الأمثال ال�شعبية العمانية يكون اخلطاب‬ ‫ذكوري ًا على اعتبار �أنها ال�صيغة اللغوية‬ ‫ال�صاحلة للتوا�صل مع الذكر والأنثى‪،‬‬ ‫و�إذا كان الأمر كذلك فلماذا توجد �أمثال‬ ‫�صيغت خ�صي�ص ًا للمتلقي الأنثى؟ ثم هل‬ ‫هي �صاحلة للمتلقي الذكر؟ و�إن كانت‬ ‫الإجابة بال‪ ،‬فعلينا �أن نعود �إىل ال�س�ؤال‬ ‫الأول ما احلكمة من هذه ال�صياغة‬ ‫ومل��اذا اخل�ط��اب ال��ذك��وري عام‬ ‫واخل� �ط ��اب الأن� �ث ��وي خ��ا���ص؟‬ ‫ث��م م��ا اخل�صائ�ص املقالية‬ ‫واملقامية لهذا اخلطاب؟ وما‬ ‫وظائفه التوا�صلية؟‬ ‫ولكي جنيب على مثل هذه‬ ‫الأط� ��روح� ��ات الب� ��د من‬ ‫عر�ض لبع�ض هذه الأمثال‬ ‫ال ��ذي �صاغها املجتمع‬

‫اللغوي خلطاب الأن�ث��ى‪ ،‬وبيان خ�صائ�صها‬ ‫اللغوية والتوا�صلية‪.‬‬ ‫اخل�صائ�ص اللغوية للر�سالة «منت املثل»‬ ‫ت�شكل الر�سالة هنا املحور اللغوي الذي يقع‬ ‫على عاتقه م�س�ؤولية ا�ستقبال املتلقي وفهمه‬ ‫ملا �أراد الباث �إي�صاله �إليه‪ ،‬وميكن �أن ن�صف‬ ‫هذه الر�سالة للخطاب الأنثوي يف املثل ال�شعبي‬ ‫العماين كالآتي‪:‬‬

‫�أو ًال‪ -‬ال�سياق املقايل‬

‫�أو البنية ال�شكلية والرتكيبية‪ ،‬فهو ع��ادة ما‬ ‫يكون مادة ق�صرية‪ ،‬ذات كلمات ب�سيطة‪ ،‬ففي‬ ‫الغالب هي ما بني كلمتني �أو ثالث كـ «�شايبه‬ ‫ومقنبه» «مقنبه‪ُ :‬نقلت جم��از ًا للداللة على‬ ‫العنو�سة»‪«،‬لع�شار مادِّر» «لع�شار‪ :‬هي احلامل‬ ‫وهو لفظ خا�ص باحليوان‪ ،‬ال ُيطلق على حمل‬ ‫املر�أة»‪« ،‬العط�شانه كا�سره احلوظ» «احلوظ ‪:‬‬


‫قال الراوي‬ ‫‪112‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫هو «احلو�ض» ب�إبدال الظاء من ال�ضاد»‪.‬‬ ‫وتعد اال�سمية �صفة �أخرى من �صفات الر�سالة‬ ‫يف اخلطاب الأنثوي يف املثل ال�شعبي العماين‪،‬‬ ‫�إذ ج��اءت �أغلب الأم�ث��ال جم ًال ا�سمية‪ ،‬وقد‬ ‫ب��د�أت يف غالبها با�سم املو�صول «ب��و» مبعنى‬ ‫الذي «ا�سم مو�صول مبعنى الذي»‪ ،‬كـ «بو �أمها‬ ‫يف ال��دار فعايلها ك�ب��ار»‪ ،‬و«ب��و حتتها كعل ما‬ ‫ت�شب» و كعل نقل جمازي ًا للداللة على املولود‬ ‫‪ ،‬و« ب��و ت��دور بحبها يطحنولها ي��اه» ‪ ،‬و«ب��و‬ ‫فجيبها ‪ ..‬ي�سرت عيبها» ‪ ،‬و«بو يربيها فثبانه‬ ‫تلدغه فل�سانه»‪ .‬كما جاءت الأمثال يف غالبها‬ ‫مكونة من املو�صوف وو�صف حاله وما يرتتب‬ ‫عليه وقد ميثل ذلك الأمثال ‪« :‬العط�شانه ما‬ ‫ي�شا�شالها»واملق�صود بها مناداتها للطعام‪ ،‬وهو‬ ‫لفظ خا�ص باحليوان‪ ،‬و«الغرقانه ما تبايل‬ ‫َّ‬ ‫فط�ش» والط�ش هو املاء املتطاير �إثر ا�ضطرابه ‪،‬‬ ‫و«احلرمه �شاورها وخالفها»‪ ،‬و«احلرمه النكده‬ ‫والأر���ض العنده واحلبل بو عقده متعوذ منهم‬ ‫الر�سول»‪ ،‬و«احلرمه بلور�س والنخله ب َّدر�س»‬ ‫والور�س نوع من النباتات العطرية ت�ستعمله‬ ‫الن�ساء لإ�ضفاء رائحة طيبة على �شعورهن‪،‬‬ ‫و الدر�س هو حظرية احليوان‪ ،‬واملق�صود هنا‬ ‫ال�سماد ب�إطالق الكل و�إرادة اجلزء ‪ ،‬و«حكي‬

‫كـ«الن�سا مقربات الن�سب» «الأ� �ص��ل الن�ساء‬ ‫بحذف الهمزة للتخفيف»‪ ،‬و«ال�سباله فعني �أمها‬ ‫غزال» «ال�سباله‪ :‬هي �أنثى القرد»‪ ،‬و«احلرمة‬ ‫حيلها فل�سانها» ‪ ،‬و«احل��ره ت�ساق من ذيلها»‪،‬‬ ‫و«احلرمي حمرمات العقل»‪.‬‬

‫ما الحكمة من صياغة‬ ‫أمثال شعبية خصيص ًا‬ ‫للمتلقي األنثى ولماذا‬ ‫الخطاب الذكوري عام‬ ‫والخطاب األنثوي خاص؟ الفعل وفاعله‬ ‫خلوات »�أي الأخوات»‪ ..‬فلخلوات «جمع ِخلوة»»‪،‬‬ ‫و«زعالنه ع�شاها وتنعج عنه» �أي تطرد عنه كل‬ ‫من يحاول االقرتاب منه خ�شية �أكله‪.‬‬ ‫كما �أن م��ادة الر�سالة للخطاب الأن �ث��وي يف‬ ‫املثل ال�شعبي العماين تتكون ع��ادة من جزء‬ ‫�إىل جزءين‪ ،‬وقد ت�أتي الأج��زاء يف ال�سياقات‬ ‫املقالية الآتية‪:‬‬

‫فعل ال�شرط وجوابه‬

‫ولقد ب��د�أت يف غالبها بالفعل امل�ضارع‪ ،‬ولعل‬ ‫ذلك يعود �إىل ما يتميز به الفعل امل�ضارع من‬ ‫اال�ستمرارية والتجدد‪ ،‬يف حني جاء بع�ضها‬ ‫الآخر مبتدئ ًا بالفعل الأمر ملا له من خا�صية‬ ‫االلتما�س والفعل الآين ال��ذي ميثل الطلب كـ‬ ‫«هني الن�سا بالن�سا» ‪ ،‬و«تاكل مال الزوج وتدعي‬ ‫للمطلق» ‪ ،‬و«تودِّر«ترتك» بنها وتربي غبنها» ‪،‬‬ ‫و«�إدور على بنها «ابنها» وبنها فثبانها» «ثبانها‪:‬‬ ‫الأ�صل ثيابها‪ ،‬بالقلب املكاين» ‪.‬‬

‫وه ��و م��ن احل� ��االت القليلة ال �ت��ي ي ��رد فيها املقابلة بني جملتني‬ ‫اخلطاب الأنثوي كـ «�إذا غلب�ش حب�ش كيليه»‬ ‫«غلب�ش حب�ش‪ :‬من �أ�صل «غلبك حبك»‪ ،‬وقد‬ ‫�أُبدلت ال�شني من كاف املخاطب املفرد الأنثى‬ ‫«الك�شك�شة»‪.‬‬

‫املبتد�أ وخربه‬

‫وهو من ال�شائع اال�ستعمال يف اخلطاب الأنثوي‬

‫متثل ك��ل جملة منهما ح��ال��ة خا�صة ت�ضاد‬ ‫الأخرى من مثل‪«:‬وحده «واحدة» تن�سب ووحده‬ ‫ت�سف»‪ ،‬و«ال��وح��ده عمار والثنتني دم ��ار»‪ ،‬و«‬ ‫وهني «الأ�صل «�أي��ن» بقلب الهمزة ها ًء» يحنب‬ ‫ي�ط�بن«�أي ي�صلحن»‪ ...‬وه�ين يكرهن يقلعن‬ ‫العيون» ‪ ،‬و«جال�سه يف الك َّله‪ .‬وح�سها ورا احلله»‪.‬‬


‫الت�شبيه‬

‫وعلى كرثة حاالت الت�شبيه يف الأمثال ال�شعبية‬ ‫العمانية العامة‪� ،‬إ َّال �أنه يف اخلطاب الأنثوي‬ ‫قليل– بالن�سبة للأمثال ال�شعبية التي ح�صلت‬ ‫عليها ‪ -‬وميكن التمثيل له بـ « تالجي» من مادة‬ ‫«جلج» وتدل على اال�ضطراب» كما بو باغيه‬ ‫تربي «�أي تلد»»‪.‬‬

‫النداء‬

‫وهو كما الت�شبيه يف وجوده يف اخلطاب الأنثوي‬ ‫من حيث القلة‪ ،‬من مثل «خطفي «املق�صود‬ ‫املرور» يا حره ‪ ..‬ما علي�ش مظره «من ال�ضرر‪،‬‬ ‫ب�إبدال الظاء من ال�ضاد»»‪.‬‬

‫الكلية‬

‫وه��ي تلك الأم�ث��ال ال�شعبية املخاطبة لأنثى‬ ‫والتي تبد�أ ب�صيغة «كل» من مثل‪« :‬كل خايبه‬ ‫ولها بخت» �أي حظ ون�صيب‪ ،‬و «كل عاجزه ولها‬ ‫بخت»‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬ال�سياق املقامي‬

‫�إن ال�سياقات املقامية ال�ت��ي ظ�ه��رت فيها‬ ‫الأمثال ال�شعبية العمانية التي تخاطب الأنثى‬ ‫بو�صفها متلقي ًا للر�سالة اللغوية واالجتماعية‬ ‫التي يحملها املثل تتميز مبيزتني رئي�ستني‪،‬‬

‫�أو ًال‪�� ،‬س�ي��اق �أن �ث��وي خ��ا���ص‪ ،‬يحمل طابع ًا‬ ‫اجتماعي ًا وثقافي ًا خا�ص ًا باملر�أة‪ ،‬ذلك لأنه‬ ‫يح�صر الر�سالة بحياة امل��ر�أة من الناحية‬ ‫االج�ت�م��اع�ي��ة ف�ف��ي ر��س��ال��ة «ال��وح��ده عمار‬ ‫والثنتني دم��ار» ح�صر لكون امل��ر�أة الواحدة‬ ‫«ال��زوج��ة» تن�شغل بعمار حياتها الزوجية‬ ‫يف ح�ين �أن��ه �إذا م��ا اجتمعت زوج�ت��ان ف��إن‬ ‫ان�شغالهما ببع�ضهما ومكائدهما قد ت�ؤدي‬ ‫�إىل دمار احلياة الزوجية‪ ،‬وهو �سياق مقامي‬ ‫خا�ص جد ًا تكون فيه املر�أة من دون الرجل‬ ‫على اعتبار الدين وال ُعرف‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪� ،‬سياق مقامي عام‪ ،‬فقد يكون املثل الذي‬ ‫ي َّكون الر�سالة ذا خطاب �أنثوي يف �سياقه‬ ‫املقايل‪� ،‬إ َّال �أنه من ناحية املقام يكون عام ًا‬ ‫للذكر كما هو للأنثى‪ ،‬ف�إذا ما �أخذنا الر�سالة‬ ‫«بنت ال�صايغ ت�شتهي ال�صوغ ‪ ..‬وبنت الن�ساج‬

‫تُ ْ‬ ‫ظ ِهر بعض األمثال‬ ‫األنثى بوصفها كائن ًا‬ ‫مقاب ً‬ ‫ال للذكر يحرص‬ ‫األخير على الحذر منه‬ ‫وأخذ الحيطة الشعورية‬ ‫أو الفعلية‬

‫عريانه» وجدنا �أنها ر�سالة تخاطب الأنثى‬ ‫خا�صة يف �شكلها ال�ع��ام غ�ير �أن�ه��ا تُ�ضرب‬ ‫للموقف ال�سياقي الذي ميثل عجز الإن�سان‬ ‫عن تلبية و�سد حاجته على الرغم من كونه‬ ‫ق��ادر ًا بل متخ�ص�ص ًا يف تلبية هذه احلاجة‬ ‫للآخرين‪ .‬والباث هنا يف هذا ال�سياق املقامي‬ ‫�أطلق الر�سالة ب�صيغة الأنثى مع �أنه �أراد بها‬ ‫املخاطبني جميع ًا «الذكر والأن�ث��ى»‪ ،‬ولرمبا‬ ‫ُيعزى ذلك �إىل رغبة املجتمع يف دمج الأنثى‬ ‫و�إ�شراكها يف �إنتاج الن�ص الأدب��ي ال�شعبي‬ ‫من ناحية‪ ،‬و�إىل كون الأنثى هنا متثل قمة‬ ‫احلاجة يف ا�شتهائها لل�صوغ «الذهب» وهي‬ ‫حاجة خا�صة باملر�أة من دون الرجل‪ ،‬وتظهر‬ ‫هذه القمة االحتياجية يف اجلزء الثاين حيث‬ ‫حاجة «بنت الن�ساج» للمالب�س‪ ،‬وهي حاجة‬ ‫قد ال ت�ؤدي معناها �أو دالالتها �إذا ما كانت‬ ‫ب�صيغة املذكر‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬الوظائف التوا�صلية‬

‫يبدو �أن الوظائف التوا�صلية التي �أراده��ا‬ ‫املجتمع بو�صفه باث ًا للر�سائل اللغوية «الأمثال»‬ ‫والتي وجهها للأنثى ب�شكل خا�ص هي وظائف‬ ‫متنوعة ومتعددة‪ ،‬ومن هذه الوظائف‪:‬‬


‫قال الراوي‬ ‫‪114‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫الوظيفةالت�شبيهية‬

‫‪2012‬‬

‫وهي الوظيفة التي ت�شبه ح��ا ًال بحال �أو تقوم‬ ‫بعقد مقابلة ب�ين حالني الأول واق��ع والآخ��ر‬ ‫ُمفرت�ض �أو متخيل‪ ،‬ومتثله الر�سائل‪« :‬وحده‬ ‫تن�سب ووح��ده ت�سف»‪ ،‬و«ه�ين يحنب يطنب‪...‬‬ ‫وهني يكرهن يقلعن العيون»‪ ،‬و«جال�سه يف الك َّله‬ ‫‪ ..‬وح�سها ورا احلله»‪.‬‬

‫خ�صائ�ص عامة‬

‫من �أعمال الفنانة العمانية رابحة حممود‬

‫وه��ي الوظيفة ال�ت��ي ت�برز العاطفة لدى‬ ‫الوظيفة الإخبارية‬ ‫وهي وظيفة تغلب على ُجل الأمثال ال�شعبية املتلقي م��ن م�ث��ل‪«:‬زع�لان��ه ع�شاها وتنعج‬ ‫املخاطبة للأنثى م��ن مثل‪��« :‬ش��وران��ه وما عنه»‪ ،‬و«اخلنف�سانه فعني �أمها غزال»‪.‬‬ ‫قانعه بعمرها»‪�« ،‬شايبه ومقنبه»‪ ،‬و«�سمنها الوظيفة الو�صفية‬ ‫تر�س ق��رون�ه��ا»‪ ،‬و«علي�ش خم�سه وكب�ش�ش وه��ي تلك الوظيفة التي تقوم بو�صف احلال‬ ‫م�سوق»‪.‬‬ ‫بخم�سه وطلعي ُّ‬ ‫بالن�سبة للباث �أو املتلقي‪ ،‬ومتثله الر�سائل‪:‬‬

‫الوظيفة التنبيهية‬ ‫«العط�شانه كا�سره احل��وظ» ‪ ،‬و«عجوز وما ِّنه‬ ‫حيث تقوم الر�سالة بالتنبيه �إىل احلدث من‬ ‫�إبولتها» ‪ ،‬و«حبلها على غاربها وبلي�س طار بها»‪.‬‬ ‫الناحية الداللية التي تدل عليها الر�سالة‬ ‫«امل �ث��ل» وال �ت��ي ُي�ف�تر���ض �أن يتو�صل �إليها‬ ‫املتلقي بعد تلقيه هذه الر�سالة يف �سياقها حضور األنثى في األمثال‬ ‫و�ضعت ل��ه وقيلت ف�ي��ه‪ ،‬ومت�ث��ل مثل الشعبية العمانية‬ ‫ال��ذي ِ‬ ‫هذه الوظيفة الر�سائل‪«:‬احلرمه �شاورها في سياقها المقالي‬ ‫وخالفها»‪ ،‬و«احلرمه النكده والأر�ض العنده والمقامي يؤكد‬ ‫واحل�ب��ل ب��و عقده متعوذ منهم الر�سول»‪ ،‬حضورها على المستوى‬ ‫و«لع�شار«�أي احلامل» ما �إدِّر»‪.‬‬ ‫الوظيفة الت�أثريية العاطفية‬

‫الثقافي واالجتماعي‬ ‫والحضاري على مدى‬ ‫الحقب التاريخية‬

‫وقد امتاز اخلطاب الأنثوي يف الأمثال ال�شعبية‬ ‫العمانية بخ�صائ�ص ع��دة من ناحية البنية‬ ‫اللغوية وال�سياقية املقالية واملقامية‪ ،‬من هذه‬ ‫املميزات‪ :‬واقعيتها؛ فهي متتاز بواقعيتها التي‬ ‫الم�ست احلياة االجتماعية والثقافية للأنثى‬ ‫العمانية‪ .‬وبالغتها؛ فقد ام �ت��ازت ب�إيجاز‬ ‫اللفظ وتركيزه‪ ،‬وب�إ�صابة املعنى ودقته و ُبعد‬ ‫مغزاه االجتماعي والثقايف‪ .‬ومو�سيقاها؛ فقد‬ ‫متيزت ه��ذه الأم�ث��ال بالر�شاقة اللفظية‪� ،‬إذ‬ ‫جند َ‬ ‫اجل ْر�س املو�سيقي والتناغم بني الألفاظ‬ ‫والتنا�سق بني اجلمل‪ ،‬والتجان�س بني الأ�صوات‪،‬‬ ‫واجل�م��ل وال�تراك�ي��ب‪ ،‬ولقد ج��اءت مو�سيقى‬ ‫ال�سجع والفا�صل‪� ،‬أو من‬ ‫هذه الأمثال �إما على ْ‬ ‫اختيارها للأ�صوات املتجان�سة �ضمن الكلمات‪،‬‬ ‫والكلمات املتوافقة �ضمن اجل�م��ل‪ ،‬ث��م �أنها‬ ‫مت ّيزت بالتوازن �سيما عندما ينق�سم املثل �إىل‬ ‫�شطرين متوازنني يجعل للجمل �إيقاع ًا منا�سب ًا‬ ‫ال�سجع‪ .‬و�أغرا�ضها؛‬ ‫يزيد من جمالية ذلك ْ‬ ‫حيث تعك�س ب�صدق‪ ،‬م�شاعر املجتمع اللغوي‬ ‫واالجتماعي‪ ،‬و�أحا�سي�سه‪ ،‬وتفكريه‪ ،‬وفل�سفته‪،‬‬ ‫وحكمته‪ ،‬نحو الأنثى العماين‪ ،‬وم��ن خاللها‬ ‫ن�ستك�شف �آراءه وموقفه منها ونظرته �إليها‪،‬‬ ‫وتف�سريه لثقافتها‪ ،‬فقد جاءت الأمثال مالم�سة‬ ‫حلياة الأنثى يف عالقتها باملجتمع والطبيعة‬ ‫واحل �ي��اة‪ ،‬وا��ص�ف��ة ل�ه��ذه ال�ع�لاق��ات املتنوعة‬ ‫بو�صفها فاعلة فيها متفاعلة م��ع ك��ل تلك‬ ‫املتغريات‪ .‬وجتربتها؛ فقد مت َّيز املثل ال�شعبي‬ ‫العماين املخاطب للأنثى بربوز التجربة‪ ،‬والتي‬ ‫تبد�أ فردية‪ ،‬وتنتهي فردية يف ظاهرها �إال �أنها‬ ‫جتربة متكررة وم�شرتكة‪ ،‬ولنتائجها تقييم‬ ‫م�شرتك‪ ،‬اتفق عليه املجتمع اللغوي االجتماعي‬


‫عامة‪ ،‬ولقد مت ّيزت الأمثال ال�شعبية املخاطبة‬ ‫للأنثى بح�شمة املق�صد من ناحية‪ ،‬فقد ابتعدت‬ ‫ع ّما يج ِّرح م�شاعر الأنثى‪ ،‬على الرغم من �أن‬ ‫بع�ضها يظهر يف جو مليء بالفكاهة والظرف‪،‬‬ ‫يف حني ت ُْظهِ ر بع�ض الأمثال الأنثى بو�صفها‬ ‫كائن ًا مقاب ًال للذكر يحر�ص الثاين على احلذر‬ ‫منه و�أخ��ذ احليطة ال�شعورية �أو الفعلية على‬ ‫الرغم من �أن مثل هذه الأمثال تقال يف �سياق‬ ‫مقامي ع��ام؛ فقد تقال يف مواقف م�شابهة‬ ‫ملواقف �سياقية خا�صة بالأنثى �أو عامة‪.‬‬

‫ح�ضور الأنثى وغياب الذكر‬

‫�إن ح�ضور الأنثى يف الأمثال ال�شعبية العمانية‬ ‫يف �سياقها املقايل واملقامي‪ ،‬يف مقابل عدم‬ ‫وجود ح�ضور ذكوري على امل�ستوى املقايل –‬ ‫على اعتبار �أن ال�صيغة الذكورية عامة للأنثى‬ ‫كما هي للذكر – و�إمنا يتمركز ح�ضور الذكر‬ ‫يف ال�سياق املقامي ال��ذي مييزه �سياق املقام‬ ‫ال��ذي يطلق فيه امل�ث��ل‪ ،‬يعترب ه��ذا احل�ضور‬ ‫ب�صمة ي�ضعها املجتمع اللغوي – ب�صرف‬ ‫النظر عن مو�ضوع الر�سائل – ت�ؤكد ح�ضور‬ ‫الأن �ث��ى على امل�ستوى الثقايف واالجتماعي‬ ‫واحل�ضاري ال��ذي م َّر به تطور املجتمع على‬ ‫مدى احلقب التاريخية‪.‬‬ ‫�إن من التحديات التي تواجه درا�سة الأمثال‬ ‫ال�شعبية العمانية – كما هو احل��ال يف باقي‬

‫املوروثات ال�شعبية ال�شفوية – هو قلة التدوين‬ ‫واحل�صر‪ ،‬و�أن مما يقع بني �أيدينا من �أمثال‬ ‫�شعبية قد ال متثل ب�شكل علمي دقيق مادة كافية‬ ‫ملثل هذه الدرا�سات التخ�ص�صية التي تطمح‬ ‫�إىل وجود نتائج بحثية دقيقة‪ ،‬فعلى الباحث‬ ‫الراغب يف درا�سة وحتليل الن�صو�ص الأدبية‬ ‫ال�شفاهية القيام بجمعها �أو ًال بو�صفه جامع ًا‬ ‫ميداني ًا لهذه املادة‪ ،‬حتى يت�سنى له القيام مبثل‬ ‫هذه الدرا�سات على الرغم من �أن هذا اجلمع‬ ‫قد ي�شوبه الكثري من التعميم والو�صفية العامة‬ ‫التي تركز على ظاهرة �أدبية �أو لغوية بعينها يف‬ ‫منطقة واحدة �أو اثنتني �أو حتى ظاهرة لغوية‬ ‫عامة فيعمد ‪ -‬واحلالة هذه ‪� -‬إىل جتميع ما‬ ‫تي�سر له من مادة من هنا وهناك‪.‬‬

‫المثل الشعبي‬ ‫المخاطب لألنثى‬ ‫مجال مهم من الناحية‬ ‫الثقافية واالجتماعية‬ ‫واألدبية التي تنعكس‬ ‫على كينونة األنثى‬ ‫داخل المجتمع اللغوي‬ ‫االجتماعي وكينونة‬ ‫الثقافة الشعبية لهذا‬ ‫المجتمع‬

‫لذا فلكي نقوم مبثل هذه الدرا�سات املو�سعة‬ ‫والتي ت�سهم يف �إث��راء ه��ذا امل��وروث ال�شعبي‬ ‫الأدب��ي الثقايف‪ ،‬الب��د من ا��ش�تراك الهيئات‬ ‫الوطنية واحلكومية بالإ�ضافة �إىل اجلمعيات‬ ‫الأهلية وامل�ؤ�س�سات العلمية املتخ�ص�صة يف‬ ‫ال�سلطنة لتفرز قنوات للتوا�صل بينها ق�صد‬ ‫جتميع وحفظ هذا امل��وروث الأدب��ي‪ ،‬ولت�شجع‬ ‫الباحثني للبحث العلمي يف مكوناته وعنا�صره‬ ‫احليوية‪ ،‬وتطوير مناهج درا�سته وتثمينه‪،‬‬ ‫وب��ذل كل ما من �ش�أنه للتعريف به وتو�صيله‬ ‫للأجيال اجلديدة‪ ،‬كونه من املكا�سب الثقافية‬ ‫التي ال ميكن التفريط فيها‪ ،‬كما �أنها م�س�ؤولية‬ ‫وطنية و�إن�سانية ‏‪ .‬فهناك ع�شرات الآالف من‬ ‫الأم�ث��ال ال�شعبية العمانية املتداولة التي مل‬ ‫حتظ بالدرا�سة بل حتى بالتدوين‪ ،‬فحركة‬ ‫التدوين وجمع الرتاث املروي يف ال�سلطنة ما‬ ‫زالت طف ًال يحبو مل يبلغ احللم‪ ،‬فما مت �إنتاجه‬ ‫من ِقبل الأفراد �أو امل�ؤ�س�سات ال ميثل الرتاث‬ ‫الثقايف ال�شعبي املتداول وال حتى ن�صفه‪.‬‬ ‫و�أخ�ير ًا‪ ،‬يبدو �أننا بحاجة اليوم �إىل التفكري‬ ‫يف اال�ستفادة من معطيات الدرا�سات اللغوية‪،‬‬ ‫ال�ت��ي تهتم بالتوا�صل الب�شري‪ ،‬و�أع �ن��ي به‬ ‫«التحليل» الذي يعتمد على م�ستويات الو�صف‬ ‫العلمي‪ ،‬لأن��ه ي�ستند �إىل مكا�سب املعرفة‬ ‫اللغوية والبالغية والفل�سفية‪ ،‬وعلى درا�سات‬ ‫علمية يف جمال العلوم الإن�سانية مما يجعل‬ ‫املقاربة التداولية تت�سم بطابع التو�سع والرثاء‬ ‫وال�شمولية‪ ،‬لأن من �ش�أن املقاربات �أن ت�شمل‬ ‫حتليل الظواهر امل �ج��اورة للغة‪ ،‬اب�ت��داء من‬ ‫ال�سياق املرجعي واملقامي‪ ،‬وانتها ًء باملعطيات‬ ‫الثقافية واالجتماعية والنف�سية ‏‪.‬‬ ‫يبقى مو�ضوع اخلطاب الأنثوي يف املثل ال�شعبي‬ ‫العماين مو�ضع ًا يحتاج �إىل كثري من التعمق‬ ‫يف التحليل امل�ق��ايل واملقامي ب��ل وال�ت��داويل‬ ‫وال�سيميائي‪ ،‬الذي ال يت�سنى لنا يف مقام كهذا‬ ‫�أن نتناوله بكثري من التف�صيل والتف�سري‪،‬‬ ‫فاملثل ال�شعبي املخاطب للأنثى هو جمال مهم‬ ‫من الناحية الثقافية واالجتماعية والأدبية‬ ‫التي تنعك�س على كينونة الأنثى داخل املجتمع‬ ‫اللغوي االجتماعي‪ ،‬وكينونة الثقافة ال�شعبية‬ ‫لهذا املجتمع‬


‫حوار‬ ‫‪116‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫الأمني العام مل�ؤ�س�سة «�أ�صيلة» الثقافية‬

‫محمد بن عيسى‪:‬‬ ‫الثقافة عنصر ضروري‬ ‫في تنمية الشعوب ونهضتها‬ ‫حوار ‪� -‬شاكر نوري‬ ‫مل يكن �أحد يتوقع �أن تنه�ض ـ مدينة �صغرية من�سية مثل �أ�صيلة‪ ،‬كانت تغفو على �إيقاعات �أمواج‬ ‫كتفي رجل واحد‪ ،‬هو حممد بن عي�سى‪.‬‬ ‫املحيط الأطل�سي‪ ،‬وت�صحو على �صيحات ال�صيادين ـ ـ على ّ‬ ‫بد�أ مو�سم �أ�صيلة م�شروعاً ذاتياً �صرفاً‪ ،‬وبعد �أن وقف بدعائمه ونال اعرتاف العامل‪ ،‬بد�أ يكافح‬ ‫منذ �سنوات من �أجل �أن ي�سقط عنه هذه الذاتية‪ ،‬و�أن يجعل منها م�ؤ�س�سة من �أجل �أن ت�صبح‬ ‫الثقافة والفنون �شرايني جتري يف ج�سد املدينة‪ ،‬دون �أجندة م�ؤقتة‪.‬‬


‫بعيد ًا ع��ن ح�صول حممد ب��ن عي�سى على‬ ‫جائزة ال�شيخ زايد للكتاب ك�أف�ضل �شخ�صية‬ ‫ثقافية يف عام ‪ ،2008‬وعن من�صبيه كوزير‬ ‫للثقافة وللخارجية يف بلده‪ ،‬ف�إنه ابن �أ�صيلة‬ ‫والأب الروحي ملو�سمها الذي ا�ستمر منذ عام‬ ‫‪ 1978‬و�إىل الوقت احلا�ضر بنجاح منقطع‬ ‫النظري‪.‬حممد بن عي�سى‪ ،‬م ّولد للأفكار‪ ،‬فهو‬ ‫�أول من ربط بني املدينة والتنمية من خالل‬ ‫م��وارد �أبنائها‪ .‬مل يتمكن من مفارقتها حتى‬ ‫عندما كان بعيد ًا عنها‪ ،‬لأن حياته جمبولة‬ ‫ب�تراب�ه��ا‪ ،‬ن��وع م��ن الع�شق ال�صويف ملدينته‪،‬‬ ‫يغيرّ يف خرائطها اجلغرافية والروحية لكي‬ ‫ت�صبح �أك�ثر مالءمة للع�صر ال��ذي نعي�شه‪.‬‬ ‫عندما ت�أمل يف جدرانها قبل ثالثة عقود‪ ،‬ر�آها‬ ‫ملونة‪ ،‬فجمع �أبناءها ور�ساميها وطلب منهم‬ ‫�أن ّ‬ ‫ي�شغلوا خميلتهم لر�سم جدرانها‪ ،‬لكي‬ ‫تعانق خميلتهم اللونية قر�ص ال�شم�س‪ .‬فكانت‬ ‫ب�صمات الر�سامني تتجول يف �أزق��ة املدينة‬ ‫و�أحيائها العميقة‪.‬‬ ‫وال يزال ع�شرات الر�سامني من جميع �أنحاء‬ ‫العامل ي�ؤمون �أ�صيلة‪ ،‬ويرتكون يف مرا�سمها‬ ‫وور�شها لوحاتهم التي بلغت نحو ‪ 1000‬لوحة‬ ‫لتكون نواة ملتحف يعتزم ت�أ�سي�سه قريب ًا‪ .‬مثل‬ ‫ت�صب يف تغذية‬ ‫هذه الأفكار ال تتوقف‪ ،‬وكلها ّ‬ ‫قلب املدينة‪ ،‬التي ال روح لها دون مو�سمها‬ ‫الثقايف وعمدة مدينتها املت ّوج من قبل مثقفي‬ ‫العامل‪� .‬أ�صيلة حمظوظة بابنها البار‪ ،‬الذي‬ ‫�أجن�ب�ت��ه يف ع��ام ‪ ،1937‬ف�ك��م م��ن الأب �ن��اء‬ ‫خمل�صون ملدنهم؟!‬ ‫يف منا�سبة اخ�ت�ت��ام مو�سم �أ�صيلة ال �ـ ‪34‬‬ ‫م�ؤخر ًا‪ ،‬كان لنا معه هذا احلوار‪:‬‬ ‫بعد ‪ 34‬عاماً على مو�سم �أ�صيلة الثقايف ما‬ ‫االجناز الأهم الذي تراها حققته؟‬ ‫ا�ستطاع مو�سم �أ�صيلة �أن ي�صبح مرجع ًا ثقافيا‬ ‫وتنموي ًا‪ ،‬لي�س على امل�ستوى املحلي فح�سب‪ ،‬بل‬ ‫على امل�ستوى الدويل‪ ،‬لأننا �أ�شركنا يف فعالياته‬ ‫املختلفة‪ ،‬املفكرين واملثقفني والأدباء الأجانب‪،‬‬ ‫وخا�صة م��ن �أوروب���ا باعتبار �أن ا�سبانيا ال‬ ‫تبعد �سوى ‪ 16‬كيلومرت ًا من �شواطئنا‪ .‬هذه‬ ‫امل�ساهمات دفعت �إىل تطوير �آليات مقاربة‬

‫ق�ضايا املغرب و�إر�ساء �أ�س�س ح��وار وتوا�صل‬ ‫كوين بني خمتلف النخب ال�سيا�سية والثقافية‬ ‫واالقت�صادية يف ال�شمال واجلنوب‪.‬‬ ‫بعد ه��ذه ال�سنوات الأرب��ع والثالثني‪ ،‬ميكن‬ ‫ال �ق��ول �إن �ن��ا ا�ستطعنا �أن نحقق ج ��زءا من‬ ‫الأحالم لت�صبح �أ�صيلة مرجع ًا ثقافي ًا وتنموي ًا‬ ‫خا�صة يف ج�ن��وب ال �ع��امل‪ ٬‬ور�أ� ��س ج�سر يف‬ ‫التوا�صل ب�ين النخب واملفكرين واملبدعني‬ ‫وال�سيا�سيني يف ال�ع��امل‪ .‬وال بد من الإ��ش��ارة‬ ‫�إىل الدور التنموي املركزي الذي ا�ضطلعت‬ ‫به امل�ؤ�س�سة على �أ�سا�س ال�شعار الذي رفعته‬

‫�إ�سهام نادر‬ ‫ع��ل��ى ال��رغ��م م��ن �إم��ك��ان��ي��ات مدينة‬ ‫�أ�صيلة املتوا�ضعة‪ ،‬التي كانت تفتقر‬ ‫�إىل كل البنى التحتية‪ .‬جنح حممد‬ ‫بن عي�سى يف جعلها ملتقى للمبدعني‬ ‫وامل����ف����ك����ري����ن ال�����ع�����رب والأف�������ارق�������ة‬ ‫والغربيني‪ ،‬لت�صبح �أول قرية عربية‬ ‫ب�سيطة ت��ت��ح��ول �إىل من����وذج مبدع‬ ‫للقرية العاملية يف الع�صر احلديث‪.‬‬ ‫من ال يعرف م�شروع �أ�صيلة يتخيل‬ ‫�أن وراءها م�ؤ�س�سات حكومية كبرية‬ ‫لكنها لي�ست كذلك‪ ،‬بل انبثقت عن‬ ‫جمعية �أهلية مدنية‪ ،‬قادها حممد‬ ‫ب��ن عي�سى‪ ،‬ليجعل منها م�شروعاً‬ ‫دائماً بدميومة احلياة‪ ،‬طاملا تنجب‬ ‫املدينة من �أجيال‪.‬‬

‫منذ الت�أ�سي�س‪ ٬‬واملتمثل يف «الثقافة من‬ ‫�أجل التنمية»‪� ٬‬إذ لي�ست الثقافة �سلعة‪ ٬‬بل‬ ‫هي املمار�سات اليومية يف خمتلف قطاعات‬ ‫احل� �ي ��اة‪ ٬‬وع �ن �� �ص��ر ًا � �ض��روري��ا يف تنمية‬ ‫ال�شعوب ونه�ضتها‪.‬‬ ‫ي��رى البع�ض يف هذ �أب��رز ما ميز مو�سم‬ ‫�أ�صيلة عن غريه من املهرجانات ال�صيفية؟‬ ‫مو�سم �أ�صيلة هو م�شروع ثقايف ولي�س مهرجانا‬ ‫�أو مو�سم ًا فقط‪ ،‬منذ انطلق �سنة ‪ ،1978‬كان‬ ‫�أول ملتقى من نوعه ُينظم يف املغرب‪ .‬كان‬ ‫هدفه وال زال‪� ،‬أن نلتقي نحن يف اجلنوب مع‬ ‫النخب يف عامل ال�شمال‪ ،‬بد�أنا بالفن الت�شكيلي‬ ‫ث��م فتحنا امل �ج��ال �إىل العلماء واملفكرين‬ ‫والباحثني يف �إط��ار م�ؤ�س�سة �أطلقنا عليها‬ ‫"جامعة املعتمد بن عباد ال�صيفية"‪.‬‬ ‫مبعنى �آخر‪� ،‬أ�صيلة لي�ست مهرجان ًا ترفيهي ًا‬ ‫باملعنى املتعارف عليه يف املهرجانات الأخرى‪،‬‬ ‫بل هو ثقايف املنحى يف الدرجة الأوىل‪.‬‬ ‫مو�سم �أ�صيلة يتجدد كل عام مبو�ضوعات‬ ‫هامة‪ ،‬كيف تختارون حماور الندوات؟‬ ‫ن�ح��ن ن�سعى �إىل �إغ��ن��اء ب��رن��ام��ج ك��ل ع��ام‬ ‫مبجموعة من الأن�شطة الفكر ّية وال�سيا�س ّية‬ ‫والفن ّية اجل��دي��دة واملختلفة ع��ن الأع ��وام‬ ‫ال���س��اب�ق��ة‪ ،‬وذل ��ك م��ن ب ��اب ال �ت �ن � ّوع‪ ،‬وه��ي‬ ‫مو�ضوعات جديدة ال تزال تبحث عن احللول‬


‫حوار‬ ‫‪118‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫زوار معر�ض «�آفاق متقاطعة» �ضمن مهرجان �أ�صيلة‬

‫والإجابات يف عاملنا العربي‪.‬‬ ‫وال يقت�صر مو�سم �أ�صيلة على الندوات واملحاور‬ ‫الفكرية بل يتعداه �إىل خمتلف �أنواع الفنون‪� .‬إن‬ ‫مو�سم �أ�صيلة يركز على الن�شاطات والفعاليات‬ ‫ذات امل�ضمون الثقايف‪ ،‬من �أم�سيات �شعر ّية‬ ‫وندوات فكرية و�سهرات فنية وتد�شني معار�ض‬ ‫الفنون الت�شكيل ّية من �أج��ل تفعيل وتن�شيط‬ ‫املدينة التي �أ�صبحت الثقافة �إح ��دى �أه��م‬ ‫مواردها‪.‬‬ ‫كيف �ساهمت مدينة �صغرية مثل �أ�صيلة‬ ‫يف هكذا تفاعل؟‬ ‫�إن ه ��ذه امل��دي �ن��ة ��س��اه�م��ت يف خ�ل��ق توجه‬ ‫املر�سخ لقيم احل��وار والتفاعل‬ ‫االن�ف�ت��اح‪ّ ٬‬‬ ‫والتوا�صل مع الآخر‪ ٬‬م�ستثمرة بذلك النهج‬ ‫ال��و��س�ط��ي وامل �ع �ت��دل ال ��ذي مي � ّي��ز امل �غ��رب‪٬‬‬ ‫ومن خالل ذلك �أقامت م�ؤ�س�سات و�أطلقت‬ ‫مبادرات لإب��راز �سبل االعتماد على الذات‬ ‫وع �ل��ى الإم �ك��ان �ي��ات امل �ت��وف��رة ل��دي�ن��ا رغ��م‬ ‫توا�ضعها‪ ،‬وال نن�سى دور الرعاية امللكية‬ ‫ال�سامية لهذا امل���ش��روع حيث ل��وال الدعم‬ ‫امل��ادي واملعنوي والت�شجيع الذي لقيناه من‬ ‫جاللة امللك حممد ال�ساد�س منذ كان وليا‬ ‫للعهد و�إىل اليوم ما كان لهذا امل�شروع �أن‬ ‫يحالفه النجاح‪.‬‬

‫الثقافة تتجاوز اآلداب‬ ‫والفنون لتشمل التربية‬ ‫والتعليم والمعرفة‬ ‫والعناية بالقدرات‬ ‫اإلبداعية لدى اإلنسان‬ ‫وما مالمح الإ�سرتاتيجية التي ينتهجها‬ ‫م�شروع �أ�صيلة كما �أ�سميتموه؟‬ ‫�إن بناء هذا امل�شروع ارتكز منذ البداية على‬ ‫� �ض��رورة �أن جنعل م��ن ه��ذه املدينة منارة‬ ‫ت�ضيء ف�ضاءات العامل الآخر بالقدرات التي‬ ‫يتوفر عليها عامل اجلنوب يف الفنون الت�شكيلية‬ ‫والآداب والفكر واالقت�صاد والعمارة‪ ٬‬عالوة‬ ‫على تر�سيخنا ل�ضرورة التعامل مع الآخ��ر‬ ‫والتفاعل معه يف فرتة �سادت فيها الدعوة �إىل‬ ‫مقاطعة ال�شمال اال�ستعماري االمربيايل‪ ،‬وهو‬ ‫التوجه الذي عار�ضته على الدوام على اعتبار‬ ‫�أن القطيعة ال متني روح احلوار والتفاهم‪.‬‬ ‫و�إ�سرتاتيجية �أ�صيلة التي يرتكز على �أ�سا�سها‬ ‫نهو�ض وانطالق م�شروع م�ؤ�س�سة منتدى �أ�صيلة‬ ‫هو تر�سيخ وتعميق ج�سور التوا�صل مع الآخر‪٬‬‬ ‫منذ نهاية ال�سبعينيات من القرن املا�ضي‪٬‬‬

‫التي مت ّيزت باحلرب ال�ب��اردة واال�ستقطاب‬ ‫الإيديولوجي احلاد‪.‬‬ ‫هل كان اجلمع بني تنمية املدينة والثقافة‬ ‫يف برنامج واحد جديداً يف ذلك الوقت؟‬ ‫عندما �أ�س�سنا ه��ذا امل�شروع الثقايف‪ ،‬منذ‬ ‫البداية‪ ،‬كان لدينا هاج�سان يتمثالن يف كيفية‬ ‫توفري امل��وارد لتنمية مدينتنا‪ ،‬التي كانت يف‬ ‫حالة متدهورة ��س��واء على م�ستوى بنياتها‬ ‫التحتية �أو نوعية احلياة والبيئة �إىل غري ذلك‪٬‬‬ ‫ثم فكرنا بكيفية �إق��ام��ة �أر�ضية للتالقي مع‬ ‫الأخر؟ بعد م�ضي �أكرث من ثالثني �سنة �أم�ضيتها‬ ‫خارج الوطن يف الدرا�سة والعمل يف املنظمات‬ ‫الدولية‪ ،‬وعودتي �إىل املغرب‪ ،‬حلمت ب�إن�شاء‬ ‫مكان يلتقي فيه �أهل اجلنوب مع �أهل ال�شمال‪،‬‬ ‫وك�سر قاعدة جلوء اجلنوب �إىل ال�شمال‪ ،‬طالب ًا‬ ‫جندته‪ .‬مل تلق الفكرة يف البداية كل القبول‬ ‫بالنظر �إىل تخوف الفاعلني على م�ستوى املدينة‬ ‫من عدم القدرة على حتقيقه‪.‬‬ ‫هل ميكن �أن تع ّرف لنا حدود الثقافة من‬ ‫وجهة نظرك؟‬ ‫�إن الثقافة يف نظرنا ت�أخذ �أب �ع��اد ًا �شمولية‬ ‫تتجاوز الآداب والفنون لت�شمل الرتبية والتعليم‬


‫واملعرفة والعناية بالقدرات الإبداعية لدى‬ ‫الإن���س��ان‪ ،‬وق��د مت��ت ترجمة �أه��داف�ن��ا على‬ ‫م�ستوى مدينة �أ�صيلة من خالل �صقل مواهب‬ ‫الطفل وتوفري �سبل توظيف قدراته يف ور�شات‬ ‫الإبداع مثل ور�شات الر�سم وال�صباغة للطفل‬ ‫التي تقام طيلة ال�سنة وتنظيم ور�شة خا�ص‬ ‫بكتابة الطفل يف الرواية �أو ال�شعر �أو الق�صة‬ ‫ث�لاث م��رات يف ال�سنة‪ ٬‬ب��إ��ش��راف �أ�ساتذة‬ ‫جامعيني متخ�ص�صني‪ .‬هذه العناية املتعلقة‬ ‫برت�سيخ هذا املفهوم ال�شامل للثقافة يف بعدها‬ ‫التنموي �شملت �أي�ضا هيكلة البنيات التحتية‬ ‫من و�سائل االت�صاالت وبناء مركز احل�سن‬ ‫ال�ث��اين للملتقيات ال��دول�ي��ة و�إ� �ص�لاح ق�صر‬ ‫الثقافة وبرج القمرة‪ ٬‬وت�شييد مكتبة الأمري‬ ‫بندر بن �سلطان‪.‬‬ ‫وم��ا طبيعة ال��دور ال��ذي تقوم به جامعة‬ ‫امل��ع��ت��م��د ب���ن ع���ب���اد‪ ،‬وم�����اذا ع���ن ن����دوة «م��ي��اه‬ ‫املتو�سط‪� :‬أزم���ة ال�شمال وح���راك اجلنوب»‬ ‫التي نظمتها اجلامعة �أخرياً؟‬ ‫طرحت جامعة املعتمد ابن عباد ال�صيفية ‪4‬‬ ‫ن��دوات هامة‪ ،‬من �ضمنها هذه الندوة‪ ،‬التي‬ ‫�أعتربها �أ�سا�سية ملنطقتنا‪ ،‬حيث �شارك فيها‬ ‫املفكرون وال�سا�سة العرب والغربيون جنب ًا �إىل‬ ‫جنب‪� .‬أغلب املداخالت ذهبت �إىل تو�ضيح‬ ‫�إمكانات �إجناح حوار ال�شمال اجلنوب حيث‬ ‫ت�شهد دول �أوروبا �أزمة اقت�صادية حادة‪ ،‬فيما‬ ‫ت�شهد دول االحتاد املغاربي احلراك ال�سيا�سي‬ ‫يف �إطار موجة الربيع العربي‪ .‬ومن املعروف �أن‬ ‫البحر الأبي�ض املتو�سط‪ ،‬كان وال يزال ج�سرا‬ ‫لعبور الثقافات والتجارب وتالقحها‪ .‬ال بد‬ ‫من �أن تعي بلدان �أوروب��ا �ضرورة التغيريات‬ ‫اجلوهرية التي طر�أت على املجتمع املغاربي‬ ‫التي يتطلب منها تغيري �سيا�ستها جتاه هذه‬ ‫البلدان‪ .‬كما يجب خلق ف�ضاء �إن�ساين لهذا‬ ‫احلوار يقوم على �إيجاد قيم م�شرتكة بينهما‪.‬‬ ‫�أخذت املر�أة والدميقراطية حجماً هاماً يف‬ ‫ندوات املو�سم؟‬ ‫هذا �صحيح‪� ،‬إن ندوة «املر�أة والدميقراطية‬ ‫يف العامل العربي» جاءت ا�ستجابة للأحداث‬

‫�شوارع �أ�صيلة حتولت �إىل معر�ض مفتوح‬

‫ساهمت مدينة أصيلة‬ ‫في استثمار النهج‬ ‫الوسطي المميّز‬ ‫للمغرب في تكريس‬ ‫قيم الحوار والتفاعل‬ ‫والتواصل مع اآلخر‬ ‫الطارئة يف املجتمع العربي �إذ �إن م�ؤ�شرات‬ ‫ما بعد الربيع العربي‪ ،‬مت ّيزت مب�شاركة‬ ‫قوية للمر�أة العربية‪ .‬وال بد من النهو�ض‬ ‫مب�شاركة امل��ر�أة يف اتخاذ ق��رارات تدعم‬ ‫دور امل��ر�أة يف �صياغة احلياة االجتماعية‬ ‫والفكرية والثقافية يف العامل العربي‪ .‬وال‬ ‫ميكن �أن يتحقق ذل��ك �إال ب��والدة املجتمع‬ ‫امل��دين وع�م��ل �آل�ي��ات��ه ال�ت��ي م��ن �ش�أنها �أن‬ ‫جتعل املر�أة يف جوهر قراراتها ومبادراتها‬ ‫الأ�سا�سية‪.‬‬

‫ت��ط��رق املو�سم �إىل مو�ضوع ه��ام ه��و دور‬ ‫النخب الثقافية يف �أفق بناء االحتاد املغاربي؟‬ ‫�أين يكمن دور هذه النخب؟‬ ‫كان مو�ضوع هذه الندوة من �أهم ندواتنا هذا‬ ‫العام؛ �إذ حان الوقت لكي يكون للنخب دور‬ ‫حا�سم يف الت�أثري على الأحداث وعلى القرار‬ ‫ال�سيا�سي‪ ٬‬لأن ال�سيا�سيني ينفردون بهذه‬ ‫القرارات منذ عقود خلت‪ .‬وهذا يتطلب توعية‬ ‫كاملة بهذا الدور احليوي للنخب الثقافية التي‬ ‫مت تهم�شيها بعيد ًا عن �صناعة القرار العربي‪.‬‬ ‫�إن م�شاركة هذه النخب يف القرار ال�سيا�سي‬ ‫من �ش�أنه �أن يحقق مكا�سب هامة للمجتمع‪،‬‬ ‫ال �أن يبقى وحيد اجلانب‪ ،‬خا�صة و�إن الدول‬ ‫املغاربية متر الآن مبرحلة فارقة �أ�صبح التغيري‬ ‫�سمة من �سماتها الأ�سا�سية‪ .‬كما �أن الأجيال‬ ‫اجلديدة تلح كثري ًا على م�شاركة النخب‪ ،‬التي‬ ‫ت�شكل هي جزء ًا منه‬


‫نافذة على التراث‬ ‫‪120‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫«خري من ت�سعى به قدم»‪ ،‬وطبيعي �أن يجد من‬ ‫يعرت�ض عليه خا�صة يف ح�ضور الأمري‪ .‬ويبدو‬ ‫�أن املتنبي كان قد �أعد العدة لهذا االعرتا�ض‬ ‫املنطقي املتوقع ف�أرجع تفوقه على العاملني �إىل‬ ‫قدرته الأدبية ح�صر ًا حني يقول بعد البيت‬ ‫ال�سابق مبا�شرة‪:‬‬

‫‪2012‬‬

‫وفيات‬ ‫األعالم‬ ‫«‪»2‬‬

‫�أمين بكر‬

‫يف املقال ال�سابق تناولنا موت بديع الزمان‬ ‫الهمذاين «‪ 394 - 354‬هـ» وما حيك حوله من‬ ‫�أن بديع الزمان �أ�صابته غيبوبة‪ ،‬وظن �أهله �أنه‬ ‫قد مات فدفنوه حيا‪ .‬وكيف �أنه ملا ا�ستيقظ‬ ‫ونظر حوله فوجد نف�سه يف القرب م��ات من‬ ‫ه��ول ال�صدمة‪ .‬وغلب علينا الظن ب���أن مثل‬ ‫َ‬ ‫هذه املرويات عن موت الأعالم هي من باب �أنا الذي نظ َر الأع َمى �إىل �أدَبي‬ ‫ردة الفعل الثقافية على �شخ�ص املبدع �أو على‬ ‫و�أ� �س �م �ع��تْ ك �ل �م��ات��ي م ��ن ب ��ه ��ص�م� ُم‬ ‫�إبداعه‪� .‬أو لعلها �أن تكون ت�أويال لبع�ض �أدبه �أو �أن��ا ُم م��ل َء جفوين عن َ�شوا ِردِها‬ ‫م�صداقا له‪ .‬ويف املقال احلايل نتناول ق�صة‬ ‫و َي��� ْ�س�ه��ر اخل �ل��ق ج � ّراه��ا ويخت�ص ُم‬ ‫طريفة �أخرى دارت حول موت �شاعر العربية‬ ‫الأ�شهر «�أبو الطيب املتنبي»‪.‬‬ ‫اع��ت��داد املتنبي ب�شعره �أو ًال وبفرو�سيته‬ ‫و�أخالقه ثاني ًا منحه طاقة‪ ،‬جتلت يف �شعره‪،‬‬ ‫املتنبي‪ :‬هل قتل بيتُ ال�شعر‬ ‫من الفخار واجل��ر�أة على اخل�صوم‪ .‬وذلك‬ ‫�صاحبه؟‬ ‫ما جعله ال يقف عند حد �إذا خا�صم‪.‬‬ ‫يف حياة املتنبي «‪ 354 - 301‬هـ» حمطات رئي�سة ولعل موت املتنبي �أن يكون نتيجة مبا�شرة‬ ‫احتدم فيها ال�صراع حوله ومعه؛ �أه��م هذه العتداده الزائد بذاته‪ ،‬ما جعله ال ي�شعر ب�أي‬ ‫املحطات كان يف حلب مع �أمريها �سيف الدولة تهديد من كائن من كان على وجه الب�سيطة‪.‬‬ ‫احلمداين‪ ،‬ثم يف م�صر مع كافور الإخ�شيدي يروى عن موته �أنه يف طريق عودته من لدن‬ ‫و�أخ��ي�را م��ع اب��ن العميد وع�ضد ال��دول��ة يف ع�ضد الدولة يف �شرياز نزل بلدة «وا�سط»‬ ‫فار�س‪ .‬عا�ش املتنبي يف حلب حلم البطولة عند �صديقه �أبي ن�صر اجلبلي‪ .‬ومما يروى‬ ‫يف �شخ�ص �سيف الدولة‪ ،‬ونال من املكانة ما �أن فاتك الأ�سدي «قاتل املتنبي» كان قد نزل‬ ‫مل يتمتع به �أحد لدى �أمري حلب مبن يف ذلك ب�أبي ن�صر هذا قبل و�صول املتنبي‪ ،‬و�أخذ‬ ‫اب��ن عمه ال�شاعر «�أب���و ف��را���س احل��م��داين»‪ .‬ي�س�أل ع��ن �أخ��ب��اره مظهر ًا ال�شر‪ ،‬ويحكي‬ ‫ك��ان املتنبي م�شهور ًا بالكربياء ال��ذي ي�صل الدكتور طه ح�سني كيف �أن �أبا ن�صر حاول‬ ‫حد ال�صلف �أحيان ًا‪ .‬ولعل هذا الكربياء هو �أن يثني فاتك عن نيته جت��اه املتنبي لكنه‬ ‫ما دعاه �أن ي�ضع �شرطني لوفادته على �سيف ف�شل يف ذلك «طه ح�سني‪ ،‬مع املتنبي‪ ،‬دار‬ ‫الدولة من البداية‪ :‬ال�شرط الأول �أال يكلفه املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪/13‬د‪.‬ت‪� «،‬ص ‪.»375‬‬ ‫�سيف الدولة تقبيل الأر�ض بني يديه‪ ،‬والثاين ولعل ال�سبب يف هذا العداء �أن املتنبي كان‬ ‫�أال يقول ال�شعر واقف ًا على عادة ال�شعراء �أمام ق��د ه��ج��ا اب���ن �أخ���ت ف��ات��ك وا���س��م��ه «�ضبة‬ ‫الأمراء وامللوك‪ .‬زرعت موافقة �سيف الدولة القرمطي» �أثناء نزوله بالكوفة‪ ،‬وهو ما دعا‬ ‫على �شرطي املتنبي ب��ذرة ال��غ�يرة يف قلوب فاتك لل�سعى وراء املتنبي ث���أر ًا لعر�ض ابن‬ ‫اخلا�صة املقربني من الأم�ي�ر‪ ،‬ك�أبي فرا�س �أخته‪ .‬وتقول املرويات �إن �أبا ن�صر اجلبلي‬ ‫احلمداين واب��ن خالويه النحوي وغريهما‪ .‬ح��اول �إقناع املتنبي باتخاذ حرا�سة له يف‬ ‫افتخر املتنبي بقدراته كثري ًا‪ ،‬وكانت موهبته طريقه �إىل ب��غ��داد‪ ،‬لكن الأخ�ير مل يقبل‪،‬‬ ‫ال�شعرية هي مركز فخره‪ ،‬تليها فرو�سيته متح�صن ًا بثقته ال�شديدة يف مكانته ويف‬ ‫التي اكت�سب جل مهاراتها خالل فرتة �إقامته فرو�سيته‪ .‬ق�صة موت املتنبي �إذن تبد�أ من‬ ‫مع �سيف الدولة‪ .‬و�صل اعتداد املتنبي بنف�سه قلب فخاره واع��ت��داده املبالغ فيهما بذاته‬ ‫حدود ًا تفوق احتمال من يختلف معه حتديد ًا‪ ،‬وق��درات��ه‪ .‬هناك م��ن يذهب �إىل �أن فاتك‬ ‫حتى لقد ادعى املتنبي �أمام �سيف الدولة �أنه رمبا دفعه الطمع يف �أموال املتنبي الكثرية‪،‬‬


‫التي يعلم اجلميع �أن��ه ي�سافر بها جميعا‬ ‫�أينما ذهب‪� ،‬أو لعل كافور الإخ�شيدي هو من‬ ‫ت�آمر مع فاتك‪ .‬بل �إن البع�ض يذهب �إىل �أن‬ ‫�سيف الدولة نف�سه رمبا يكون هو من �أر�سل‬ ‫يف طلب ر�أ���س املتنبي بعد �أن ب��د�أ املتنبي‬ ‫التعري�ض به يف بع�ض ق�صائده‪ ،‬ومنها قوله‬ ‫يف مدح ابن العميد‪:‬‬

‫�راب �أين بعدها‬ ‫م��ن م�ب�ل� ُغ الأع � � َ‬ ‫الي�س والإ�سكنـــــــدرا‬ ‫جال�ستُ ر ِْ�س َط َ‬ ‫ومللتُ نح َر عِ �شارها ف�أ�ضافني‬ ‫َ‬ ‫من ينح ُر ال�ب��د َر ال َن َ�ضار ملن قرى‬

‫يقول الدكتور طه ح�سني تعليق ًا على هذه‬ ‫الأبيات �إن‪« :‬الأعراب هنا هم �سيف الدولة‬ ‫و�أ�صحابه يف �شمال ال�شام» «م��ع املتنبي‪/‬‬ ‫‪ .»364‬ولعل هذا �أن يكون دافع ًا ل�سيف الدولة‬ ‫كي ير�سل يف طلب املتنبي خ�شية �أن ي�صل‬ ‫بهجائه �إىل ما ي�شبه كافورياته ال�شهرية‪.‬‬ ‫�أراد كثريون �إذن املوت للمتنبي طبق ًا لل�سرد‬ ‫ال�شيق ال��ذي حيك حول حياته‪ ،‬وهنا ت�أتي‬ ‫حادثة موته لتمثل ختام ًا درام��ي�� ًا منا�سب ًا‬ ‫لهذه الروايات املثرية التي ت�صف خ�صومات‬ ‫املتنبي ومعاركه‪.‬‬ ‫ُي��ح��ك��ى �أن ف��ات��ك الأ���س��دي ه��اج��م املتنبي‬ ‫ب�سبعني رج�لا ومل يكن م��ع املتنبي �سوى‬ ‫�أبنائه وغلمانه‪ ،‬ف��دار بني الطرفني قتال‬ ‫كاد �أن ينتهي بهزمية املتنبي وقتله‪ ،‬فحاول‬ ‫املتنبي ال��ف��رار م��ن امل��ع��رك��ة‪ ،‬ف����إذا ب���أح��د‬ ‫غلمانه ي�صرخ فيه‪� ،‬أتهرب و�أنت القائل‪:‬‬

‫اخلي ُل واللي ُل والبيدا ُء تعرفني‬ ‫وال�سيف والرم ُح والق َ‬ ‫ُ‬ ‫ا�س والقل ُم‬ ‫ِرط ُ‬

‫ويف رواية �أخرى ‪:‬‬

‫وال�ضرب والطعن والقرطا�س والقلم‬

‫فيعود املتنبي للمعركة مطلقا جملة حتتاجها‬ ‫احلبكة ال�سردية لت�صل �إىل ذروتها‪ ،‬حني‬ ‫قال للغالم‪« :‬قتلتني قتلك اهلل»‪ ،‬ثم ينتهي‬ ‫امل�شهد ال�سردي مبوت املتنبي على يد فاتك‬ ‫الأ�سدي‪ .‬وهكذا ين�صب اللوم التاريخي على‬

‫بيت ال�شعر؛ ليقول امل�ؤرخون الذين �أخذوا‬ ‫الق�صة على عالتها �إن��ه «البيت ال��ذي قتل‬ ‫�صاحبه»‪ .‬ويبدو لنا �أنه البيت الذي احتاجه‬ ‫امل�شهد ال�سردي اخليايل‪ ،‬لي�شعل ما عرفته‬ ‫الثقافة عن املتنبي من عظيم فخار بذاته‬ ‫واع��ت��داد بكلمته وبفرو�سيته‪� .‬إن��ه��ا نهاية‬ ‫درامية خيالية حلياة �صاخبة احتاجت‪ ،‬كي‬ ‫يكتمل ت�شويقها‪ ،‬مل�شهد ختامي يلعب بيت‬ ‫املتنبي ال�شهري دور البطولة ف��ي��ه‪ ،‬فتمت‬ ‫�صياغة م�شهد ال نعرف على وجه التحديد‪:‬‬ ‫من ال��ذي نقله لنا �إذا ك��ان كل �أبطاله قد‬ ‫قتلوا فيه؟‬ ‫�إن حماولة املتنبي الهرب يف ذاتها متثل ما‬ ‫ي�شبه املوقف ال�ساخر من فخره ال�شخ�صي‬ ‫املبالغ فيه‪ ،‬وخ�صو�ص ًا ما يت�صل ب�شجاعته‬ ‫وق��درت��ه على ال�ضرب وال��ط��ع��ان‪ ،‬ث��م تركز‬ ‫عودته بعد ذلك على ما عرف عنه من �أنه‬ ‫و ٌّ‬ ‫يف ال ي��خ��ون و�أن���ه مل ي��ك��ذب ق��ط‪ ،‬وه��و ما‬ ‫�أرادت الثقافة يف ه��ذه الق�صة �أن تطبقه‬ ‫ع��ل��ى ���ش��ع��ره‪ ،‬ف��ه��و ويف لكلمته ���ص��ادق يف‬ ‫التزامه بها و�إن كان الثمن موته‪.‬‬ ‫الق�صة �إذن �أق���رب ل���ذروة ���س��ردي��ة‪ ،‬متثل‬

‫ختام ًا حلياة ال�شاعر ال�صاخبة التي �صنعت‬ ‫م�ساحة ت�أويل وا�سعة يف الثقافة العربية‪.‬‬ ‫و�أح�����س��ب �أن ب���إم��ك��ان��ن��ا ا���س��ت��ج�لاء ال�صور‬ ‫الثقافية التي كانت �سائدة ع��ن كثري من‬ ‫الأع��ل�ام يف ت��راث��ن��ا �أث��ن��اء ح��ي��وات��ه��م‪ ،‬عرب‬ ‫حتليل الق�ص�ص التي حيكت عن موتهم‪.‬‬ ‫من القامو�س‪:‬‬ ‫‪ ...‬ال�ضرب‪ :‬اخلفيف من املطر‪ .‬وال�ضرب‪:‬‬ ‫الرجل اخلفيف اللحم‪ .‬قال طرفة‪:‬‬ ‫�أن��ا الرجل ال�ضرب ال��ذي تعرفونه خ�شا�ش‬ ‫كر�أ�س احلية املتوقد‬ ‫وال�ضرب‪ :‬ال�صيغة وال�صنف من الأ�شياء‪...‬‬ ‫وم�ضرب ال�سيف �أي�ضا‪ :‬نحو م��ن �شرب من‬ ‫طرفه‪« .‬ال�صحاح‪ ،‬ج‪� ،1‬ص ‪»169 - 168‬‬ ‫َط�� َع�� َن�� ُه بالرمح‪َ .‬‬ ‫ْ‬ ‫وط�� َع��نَ يف ال�سن َيط ُعنُ‬ ‫بال�ضم َط ْع ًنا‪َ .‬‬ ‫وط َعنَ فيه بالقول َي ْط ُعن �أي�ض ًا‬ ‫َط ْع ًنا َ‬ ‫وط َع َنا ًنا «ال�صحاح‪ ،‬ج‪� ،6‬ص ‪»2157‬‬ ‫«ال�صحاح‪ :‬ت��اج اللغة و�صحاح العربية‪،‬‬ ‫لإ�سماعيل بن حماد اجلوهري‪ ،‬حتقيق‪� :‬أحمد‬ ‫عبد الغفور عطار‪ ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫ط‪»1990 /4‬‬


‫دراسةاآلفاق‬ ‫ارتياد‬ ‫‪122‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫احلب يف الرتاث الإ�سالمي‬

‫تالقيات الرؤيا‬ ‫بين‬ ‫ابن حزم‬ ‫والغزل العذري‬ ‫د‪ .‬عالء اجلابري‬ ‫كثرياً ما ت�ضيق نظرة امللتفتني للرتاث‬ ‫العربي ومعاجلته لق�ضايا امل�شاعر الإن�سانية؛‬ ‫فيتوقفون‪-‬رمبا مغر�ضني‪� -‬أمام بع�ض مالمح‬ ‫الق�سوة التي ت�سم – �أحياناً‪ -‬بع�ض املواقف‬ ‫البهي‪ .‬ي�صدرون ت�صديق‬ ‫امل�شهورة يف الرتاث‬ ‫ّ‬ ‫عمر بن اخلطاب على كلمة «�إمنا يبكي على‬ ‫احلب الن�ساء»‪� ،‬أو بيت جرير الذي يبدو فيه‬ ‫ممهداً لرثاء زوجته‪ ،‬ومقدماً «بيان حالة» قبل‬ ‫الرثاء امل�ستحق لها‪:‬‬ ‫لوال احلياء لهاجني ا�ستعبار‬

‫ولزرت قربك واحلبيب ُيزار‬


‫واملو�ضوعية تقت�ضي �أن نقر مبا يحفل به‬ ‫الرتاث من م�ؤلفات عدة‪ ،‬تتحدث عن احلب‬ ‫بو�صفه �شعور ًا �إن�ساني ًا نبي ًال‪ ،‬وب�شري ًا‪ ،‬يحتل‬ ‫قيمة ومكانة متميزة يف النف�س الب�شرية‪،‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬مل يتجاهله الدين الإ�سالمي‪ ،‬ومل‬ ‫يحرمه‪ ،‬ف�شهدت املكتبة العربية م�ؤلفات‬ ‫ع��دة‪ ،‬ي�برز منها «م���ص��ارع الع�شاق» البن‬ ‫ال �� �س � َراج‪ ،‬و«رو� �ض��ة املحبني» «الب��ن القيم‬ ‫اجلوزية»‪ ،‬و«ذم الهوى» للجوزي‪ ،‬و«دي��وان‬ ‫ال�صبابة» البن �أبى عجلة التلم�ساين‪.‬‬ ‫وب��رغ��م ه��ذه امل��ؤل�ف��ات ال�ع��دي��دة واملختلفة‬ ‫امل�شارب واملقا�صد جند كثري ًا من الهجمات‬ ‫ال�شر�سة التي حتيط بالإ�سالم وعلماء الدين‬ ‫وترميهم بتجاهل امل�شاعر الإن�سانية‪� ،‬أو‬ ‫اجلفاف يف التعامل معها‪.‬‬ ‫�إن ال�ت�راث الإ� �س�لام��ي العظيم ك �ث� ً‬ ‫يرا ما‬ ‫يقذفونه باجلمود �أو الإغراق يف �أمور بعيدة‬ ‫عن حياة الب�شر‪ ،‬وين�سون م�ؤلفات تت�صل‬ ‫باحلب وال�ضحك وال�ط��ب ‪� .........‬إل��خ‪،‬‬ ‫جرى ذكرها على �أقالم فقهاء وعلماء دين‪،‬‬ ‫وهذه ال�سطور حني تتحدث عن احلب ف�إنها‬ ‫كانت تود الإعرا�ض عن امل�ؤلفات الأدبية �شعر ًا‬ ‫�أو نرث ًا‪ ،‬و�أن تقت�صر على معاجلة فقيه كبري‬ ‫لتلمح مو�ضوعية الفقهاء يف التعامل مع هذا‬ ‫الأم��ر وع��دم جتاهله‪ ،‬غري �أننا �آثرنا الإمل��اح‬ ‫�إىل تالقيات بني ر�ؤي��ة "ابن حزم" الفقيه‬ ‫الأندل�سي الأ�شهر‪ ،‬من جهة‪ ،‬وبني املفردات‬ ‫الأ�سا�سية التي يدور حولها الغزل العذري‪.‬‬ ‫ولي�س همنا �أن ن��رف��ع دع��وى «��س��رق��ة» بني‬ ‫اب��ن ح��زم‪ ،‬وال�غ��زل ال�ع��ذري ال�سابق عليه‪،‬‬ ‫ذائع ال�صيت؛ فالوقوع على هذه التالقيات‬ ‫ُيع ّد �أم��ر ًا �إن�ساني ًا بامتياز‪ ،‬رمبا يقع فيه‪-‬‬ ‫�أو عليه‪ -‬م��ن يكتب م��ن وجهة نظر تقدّر‬ ‫العاطفة الإن�سانية ال�سامية‪ ،‬وتثمن قيمتها‪،‬‬ ‫وجت�ع�ل�ه��ا غ ��اي ��ة‪�-‬إىل ح��د م ��ا‪ -‬ع��و���ض �أن‬ ‫تكون و�سيلة مل��آرب �أخ��رى متتهن العواطف‬ ‫و�صاحبها‪.‬‬ ‫�إن ال�ن�ظ��رة الأخ�لاق �ي��ة داف ��ع �أ��س��ا��س��ي يف‬ ‫تقارب املنظور بني الغزل العذري و�آراء ابن‬ ‫حزم يف كتابيه اللذين �سنعر�ض لهما‪ ،‬ورمبا‬ ‫لو توقف غرينا مع �آراء علماء دين �آخرين‪،‬‬

‫انحبا�س م�ؤلفات الفقهاء يف امل�ساجد فقد‬ ‫كتبوا يف مو�ضوعات ح�سا�سة‪ ،‬مثل احلب‪.‬‬

‫ابن حزم وم�ؤلفاته‬

‫�أو علماء �أخ�لاق‪� ،‬أو فال�سفة مثاليني فلن‬ ‫يعدو الأم��ر وق��وع تقاربات؛ مبا هو مو�ضوع‬ ‫�أ�سا�سي يدخل يف �صلب الفطرة «فطرة اهلل‬ ‫التي فطر النا�س عليها» «الروم ‪.» 30 :‬‬

‫احلب املقموع‬

‫وال ريب �أن وح��دة املدخل ت�ؤ�شر لتقارب‬ ‫م��ا‪ ،‬ب�سبب م��ن وح��دة امل�شكاة‪ ،‬غ�ير �أن‬ ‫اخ�ت�لاف املنحى ب�ين التنظيم املنطقي‬ ‫يف م�ؤلفي اب��ن ح��زم‪ ،‬وهيمنة العاطفة‬ ‫وجم��اف��اة امل�ن�ط��ق يف ال�ع�م��ل الإب��داع��ي‬ ‫عموم ًا‪ ،‬ويف الغزل ال�ع��ذري القائم على‬ ‫ت��أم��ل ال��ذات والعاطفة واملحبوبة‪ ،‬حتى‬ ‫�سمي بـ«احلب املقموع» كما يرى يو�سف‬ ‫اليو�سف‪ ،‬يجعل االخ�ت�لاف وارد ًا ب�شكل‬ ‫كبري‪� .‬إننا نرى التقارب من باب «و�ضع‬ ‫احلافر على احلافر»‪ ،‬كما كان �أ�صحاب‬ ‫فكرة ال�سرقات املباحثية يقولون قدمي ًا‪،‬‬ ‫وال نرى االختالف حا�ضر ًا لدرجة التنافر‬ ‫التي ت�شي بانعدام التالقي‪.‬‬ ‫�إن ه��ذه ال���س�ط��ور ت �ق��ول ��ص��راح��ة بعدم‬

‫كثير ًا ما يقذفون التراث‬ ‫اإلسالمي بالجمود‬ ‫وينسون مؤلفات‬ ‫تتصل بالحب والضحك‬ ‫والطب وغيرها‬

‫ول��د �أب��و حممد علي بن �سعيد بن ح��زم يف‬ ‫قرطبة «رم�ضان ‪ 384‬من الهجرة – ‪ 7‬نوفمرب‬ ‫‪ 994‬من امليالد» وتعددت م�ؤلفاته ويربز منها‬ ‫«الأخالق وال�سري يف مداواة النفو�س» و«طوق‬ ‫احلمامة يف الألفة والإالف» و«الف�صل يف امللل‬ ‫والأهواء والنحل» و «املحلي» ف�ض ًال عن بع�ض‬ ‫الر�سائل مثل «نقط العرو�سة» و«ف�ضائل �أهل‬ ‫الأن��دل����س» و«التخلي�ص ل��وج��وه التخلي�ص»‬ ‫والقائمة طويلة‪.‬‬ ‫و�إذا حاولنا قراءة م�س�ألة احلب يف م�ؤلفاته‬ ‫جنده يف كتاب ان�صرف لها متام ًا وهو «طوق‬ ‫احل�م��ام��ة» وخ�ص�ص ف�ص ًال يف «الأخ�ل�اق‬ ‫وال�سري يف م ��داواة النفو�س» ويف الكتاب‬ ‫الثاين جنده يهتم ب�شكل �أكرب باحلب الإلهي‬ ‫من دون �سائر �أن��واع احلب فيقول‪« :‬بحثت‬ ‫عن �سبيل مو�صلة على احلقيقة �إىل طرد‬ ‫الهم‪ ..‬فلم �أجدها �إال التوجه �إىل اهلل عز‬ ‫وجل بالعمل للآخرة »‪ -‬ابن حزم‪ :‬الأخالق‬ ‫وال�سري يف مداواة النفو�س‪ ،‬حتقيق وتقدمي‬ ‫وتعليق د‪ .‬الطاهر �أحمد مكي‪ ،‬دار املعارف‪،‬‬ ‫ط ‪� 1992 ،2‬ص ‪.90‬‬ ‫جند يف الكتاب ح�ضور ًا طاغي ًا للأ�سلوب‬ ‫املنطقي «م�ق��دم��ة‪ -‬نتيجة» م��ن مثل قوله‬ ‫«اق�ن��ع مب��ا ع�ن��دك‪ ،‬يقنع ب��ك م��ن ع�ن��دك»‪،‬‬ ‫وقوله «�إذا ارتفعت الغرية ف�أيقن بارتفاع‬ ‫املحبة»‪ .‬وتطفر حكمة ال�شيوخ على ل�سانه‪.‬‬ ‫فينظر ملحبة الن�ساء نظرة املت�أمل ال��ذي‬ ‫ذهب انخداعه باملظاهر فيقول‪«:‬كنا نظن‬ ‫�أن الع�شق يف ذوات احلركة من الن�ساء �أكرث‬ ‫فوجدنا الأمر بخالف ذلك وهو يف ال�ساكنة‬ ‫احلركات �أكرث مامل يكون هذا ال�سكون بله ًا»‪.‬‬ ‫�إن نربة ابن حزم متغرية هنا عما �سرناه يف‬ ‫«طوق احلمامة»‪ ،‬رمبا الختالف املو�ضوع بني‬ ‫الكتابني‪ ،‬ف�ض ًال عن عامل الزمن‪ ،‬وطغيان‬ ‫احلكمة التي و�سمت حديثه يف «الأخ�ل�اق‬ ‫وال�سري»‪.‬‬


‫دراسة‬ ‫‪124‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫متثال ابن حزم يف �إ�شبيلية ‪� -‬إ�سبانيا‬

‫خطة ومنهجية‬

‫يف «ط ��وق احل �م��ام��ة»‪ ،‬ي�ت�ح��دث اب ��ن ح��زم‬ ‫مبنهجية رائعة يف تقدمة كتابه فيبني خطته‬ ‫القائمة على ثالثني باب ًا ان�صرفت تعالج‬ ‫ثالث م�سائل �أ�سا�سية حول احلب «�أ�صوله‬ ‫– �أعرا�ضه – الآفات الداخلة عليه»؛ فريى‬ ‫يف ماهية احلب ات�صا ًال بني �أجزاء النفو�س‬ ‫املق�سومة يف هذه اخلليقة يف �أ�صل عن�صرها‬ ‫الرفيع وي�ستعني بقول ابن عبا�س «هذا قتيل‬ ‫ال�ه��وى ال عقل وال ق ��ود»‪ ،‬اب��ن ح��زم‪ :‬طوق‬ ‫احلمامة يف الأل�ف��ة والآالف‪� ،‬ضبط ن�صه‬ ‫وحرر هوام�شه‪ :‬د ‪ .‬الطاهر �أحمد مكي دار‬ ‫امل �ع��ارف‪ ،‬ط‪��� ،1993 ،5‬ص ‪ ،21‬وي��رى �أن��ه‬ ‫كلما كرثت الأ�شباه زادت املجان�سة مت�أثر ًا‬ ‫بقول النبي عليه ال�سالم «الأرواح جنود‬ ‫جمندة‪ ،‬ما تعارف منها ائتلف‪ ،‬وما تناكر‬ ‫منها اختلف»‪ ،‬رواه البخاري «ج‪� 1‬ص ‪»117‬‬ ‫وم�سلم «رقم ‪ » 4773‬وجاء يف �سنن ابي داود‬ ‫«رق��م ‪ »4194‬وم�سند �أحمد «رق��م ‪،7594‬‬ ‫رق��م ‪ .»10404‬ي�ب��دو اب��ن ح��زم واق�ع�ي� ًا يف‬ ‫معاجلة مو�ضوع احلب الرومان�سي بطبيعته‪،‬‬

‫ف�يرف ����ض م �� �س ��أل��ة احل ��ب يف ال �ن��وم وي��رى‬ ‫�أن احل��ب بالو�صف «بنيان ه��ار على غري‬ ‫�أ�سا�س»‪ ،‬طوق احلمامة‪� :‬ص ‪ ، 38‬واحلب من‬ ‫نظرة واح��دة �سريع ال��زوال‪ ،‬وي��رى مبنطق‬ ‫حمكم «وهكذا يف جميع الأ�شياء �أ�سرعها‬ ‫منو ًا �أ�سرعها فناء»‪ ،‬ولذلك جنده يلح على‬ ‫وجوب الر�ؤية واالت�صال واملرا�سلة‪ -‬يف �إطار‬ ‫�شرعي‪ -‬بعيد ًا عن «احلرام»‪ ،‬كما يرى؛ لكي‬ ‫ي��دوم احل��ب ويت�صل‪ .‬ويعار�ض م��ا درج��ت‬ ‫عليه العادة من زوال احلب مع زيادة الو�صل‬ ‫واط���راده‪ ،‬وي��رى ذل��ك ال�ك�لام «هجني من‬ ‫القول‪� ،‬إمن��ا ذل��ك لأه��ل امللل‪ ،‬بل كلما زاد‬ ‫و�ص ًال زاد ات�صا ًال»‪ ،‬ثم يو�ضح يف مو�ضع �آخر‬ ‫من الكتاب نف�سه‪ ،‬فيقول‪« :‬و�إن كان �سلوه عن‬ ‫ملل فلي�س حبه حقيقة‪ ،‬واملت�سم به �صاحب‬ ‫دعوى زائفة‪ ،‬و�إمنا هو �صاحب لذة‪ ،‬ومبادرة‬

‫يتضح في ثنايا حديث‬ ‫ابن حزم خلفيته الدينية‬ ‫األساس فنجد حضور ًا‬ ‫بهي ًا لألحاديث الشريفة‬ ‫واآليات القرآنية‬

‫�شهوة»‪ ،‬ويف الإط��ار ذاته يحر�ص ابن حزم‬ ‫على توجيه النظر‪� ،‬صوب ا�ستمرار احلب‪،‬‬ ‫والأخذ ب�أ�سباب ذلك‪ ،‬فيتحدث عن الوا�شي‬ ‫والتحذير منه‪ ،‬والكذاب والتنفري من فعله‬ ‫وي�ن�ق��ل ع��ن بع�ض احل �ك �م��اء‪�:‬آخ م��ن �شئت‬ ‫واجتنب ثالثة‪ :‬الأحمق ف�إنه يريد �أن ينفعك‬ ‫في�ضرك‪ ،‬وامللول ف�إنه �أوثق ما تكون به لطول‬ ‫ال�صحبة وت�أكدها فيخذلك‪ ،‬والكذاب ف�إنه‬ ‫يجني عليك‪ ،‬وحتذير ابن حزم من الكذب‬ ‫دائم �أبدا؛ ورمبا كان لتواجده يف زمن الفنت‬ ‫�أث��ره يف نظرة ال�ك��ذاب ف�ض ًال بالطبع عن‬ ‫خلفيته الدينية الرائعة التي ترى �أن امل�سلم‬ ‫قد ي��زين وق��د ي�سرق ولكنه ال يكذب �أب��د ًا‪،‬‬ ‫فالكذب لديه كما يقول يف «الأخالق وال�سري»‬ ‫�أ�شد من الكفر؛ لأنه كذب على اهلل والنا�س‪،‬‬ ‫�أما الكفر فهو كذب على اهلل‪ ،‬وافرتاء عليه‪.‬‬ ‫يت�ضح يف ثنايا ح��دي��ث اب��ن ح��زم خلفيته‬ ‫ال��دي�ن�ي��ة الأ� �س��ا���س‪ ،‬فنجد ح �� �ض��ور ًا بهي ًا‬ ‫ل�ل�أح��ادي��ث ال�شريفة والآي� ��ات ال�ق��ر�آن�ي��ة‪،‬‬ ‫وح�ك��م ال�صحابة ف�ض ًال ع��ن ق�ي��ام وجهة‬ ‫النظر ذاتها على �أ�سا�س ديني‪� ،‬أو احلكم‬ ‫بالقبول والرف�ض �أو توجيه الن�صح وامتداد‬ ‫الأمر �إىل �إخفاء �أ�سماء �أ�صحاب الق�ص�ص‬ ‫التي ي�سردها �سرت ًا لهم فيكني عن �أ�سماء‬ ‫�أ�صحابها حتى ما كان منها مت�ص ًال بنف�سه‬ ‫ه��و كما �أن��ه يفرد بابني للتعفف يف «ط��وق‬ ‫احلمامة»‪ .‬وثمة ملمح رائع للمنهجية التي‬ ‫نتحدث عنها؛ �إذ يقوم كل باب على معاجلة‬ ‫الباب بالتف�صيل؛ فيم�ضي بدء ًا من حماولة‬ ‫التعريف ويعار�ض بع�ض مظان حقيقته ثم‬ ‫يديل بر�أيه يف املو�ضوع مع�ضد ًا ر�أيه بالقر�آن‬ ‫واحلديث وال�شعر والق�ص�ص‪.‬‬ ‫مل ي�ترك اب��ن ح��زم نظرة املبالغة �صوب‬ ‫احل��ب بفعل حما�سة ال�شباب حيث كتب‬ ‫الطوق يف �سن باكرة فتجاوز املو�ضوعية‬ ‫ال �ت��ي حت��دث �ن��ا ع�ن�ه��ا م��ن ق �ب��ل يف بع�ض‬ ‫املواطن فرناه يقول عن الفراق «وما من‬ ‫�شيء م��ن دواه��ي الدنيا يعدل االف�تراق‬ ‫ول��و �سالت الأرواح به ف�ض ًال عن الدموع‬ ‫ك��ان قلي ًال و�سمع بع�ض احلكماء قائ ًال‬ ‫يقول‪ :‬ال�ف��راق �أخ��و امل��وت فقال بل املوت‬


‫�أخ��و ال �ف��راق»‪ ،‬ط��وق احلمامة‪� :‬ص ‪،117‬‬ ‫�إذ احلق �أن احلب يف الإ�سالم يقوم على‬ ‫الو�سطية واالع �ت��دال بعيد ًا ع��ن املبالغة‬ ‫�أخ��ذا بو�صية ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه‬ ‫و�سلم القائل‪�« :‬أح�ب��ب حبيبك هون ًا ما‪،‬‬ ‫ع�سى �أن يكون بغي�ضك يوم ًا ما‪ ،‬و�أبغ�ض‬ ‫بغي�ضك هون ًا ما‪ ،‬ع�سى �أن يكون حبيبك‬ ‫يوما م ًا»‪ ،‬رواه البخاري يف الأدب املفرد‪،‬‬ ‫ورواه �أبو داود والرتمذي وابن ماجه عن‬ ‫�أبي هريرة‪ ،‬ورمبا كانت حما�سة ال�شباب‬ ‫�سبب ًا؛ حيث كتب ال�ط��وق يف �سن باكرة‬ ‫ولكنه بعد ذلك يقول يف «االخالق وال�سري»‬ ‫ال ت�ب��ذل نف�سك �إال فيما ه��و �أغ�ل��ى منها‬ ‫ولي�س ذلك ال يف ذات اهلل عز وجل ليجعل‬ ‫احلب الإلهي فوق �سواه‪ .‬‬ ‫لقد كان من الطبيعي �أن يكتب ابن حزم‬ ‫احلب و�أن جند اهتمام ًا بهذا امل�ؤلف املهم‬ ‫على الرغم من ان�صراف كثري من الباحثني‬ ‫يف احلب �صوب م�ؤلفات �أخري‪ .‬لقد حتم�ست‬ ‫ال�سطور ال�سابقة مل�ؤلفات ابن حزم انطالق ًا‬ ‫من نفي اجلمود عن الفقهاء وحر�ص ًا على‬ ‫�إب��راز منهجية الكتاب التي جت��اوزت مثالب‬ ‫م��و��ض��وع��ات �أخ� ��رى كال�ضحك م �ث� ً‬ ‫لا فهو‬ ‫يحظى مب�ؤلفات عديدة يف تراثنا لأهميتهم‬ ‫وك�ثرة ن��وادر امل�ضحكني على نحو ما جنده‬ ‫يف «امل�ستطرف» �أو «ال�ب�خ�لاء» �أو «العقد‬ ‫ال�ف��ري��د»يف بع�ض �أب��واب��ه‪ ،‬ولكنها ال تقدم‬ ‫منهجيه كاملة ملعاجلة امل�س�ألة وهو ما ن�أمل‬ ‫�أن نحاول البحث فيه الحق ًا‪.‬‬

‫الغزل العذري‬

‫��س��ري�ع� ًا‪� ،‬سن�شري �إىل �أب ��رز الف �ت��ات الغزل‬ ‫ال�ع��ذري ال��ذي ن�ش�أ خ�لال الع�صر الأم��وي‪،‬‬ ‫مرتبط ًا بقبيلة «بني عذرة» البدوية‪ ،‬متجاور ًا‬ ‫مع الغزل ال�صريح الذي اجتاح منطقة «جند»‬ ‫احل�ضرية‪� .‬أ��ص�ح��اب التف�سري االجتماعي‬ ‫للأدب يك�سبون هذه اجلولة‪.‬‬ ‫ي��دور ال�غ��زل ال �ع��ذري ح��ول امل�ع��ان��اة ووح��دة‬ ‫املحبوبة‪ ،‬و�صعوبة الو�صل‪ ،‬واملعاناة يف احلب‪،‬‬ ‫ودور الوا�شني‪ ،‬وغريها من مقوالت �أ�سا�سية‬ ‫ي��دور حولها الغزل ال�ع��ذري‪ .‬ولأن�ه��ا معلومة‬

‫طابع بريد يحمل �صورة ابن حزم‬

‫وم�ع��روف��ة‪ ،‬وم�ط��روح��ة يف ال�ط��ري��ق‪ ،‬ف�سنمر والو�صل‪:‬‬

‫عليها �سريع ًا متناولني بع�ض الأب�ي��ات التي وما�أن�سمنالأ�شياءال�أن�سىقولها‬ ‫تتقي معانيها مع �أفكار ابن حزم ال�سابقة‪.‬‬ ‫وق��د قربت ن�ضوي‪� :‬أم�صر تريد؟‬ ‫فمن املعاناة‪:‬‬ ‫وال قولها لوال العيون التي ترى‬ ‫�أق�ضي نهاري باحلديث وباملنى‬ ‫ل���زرت���ك ف����اع����ذرين‪ .‬ف���دت���ك ج���دود‬ ‫ويجمعني والهـ ــم بالل ــيل جامع‬ ‫لقد ر�سخت يف القلب منك مودة‬ ‫ورمب��ا يبدو التقاء وا�ضح بني هذه العينة‬ ‫كما ر�سخت يف الراحتني الأ�صابع الب�سيطة م��ن م �ق��والت ال �غ��زل ال �ع��ذري‬

‫الوا�شون‪:‬‬

‫ل��ق��د الم��ن��ي فيها �أخ ذو ق��راب��ة‬ ‫ح��ب��ي��ب �إل���ي���ه يف ن�����ص��ح��ي ور����ش���دي‬ ‫وم��ا زاده���ا ال��وا���ش��ون �إال كرامة‬ ‫ع���ل ّ���ي‪ ،‬وم����ا زال�����ت م���ودت���ه���ا ع��ن��دي‬

‫والنظرة ودورها‪:‬‬

‫ه���ل احل����ب �إال ع��ب�رة ث���م زف���رة‬ ‫وح��� ّر ع��ل��ى الأح�����ش��اء ل��ي�����س ل��ه ب��رد‬ ‫قد قلت للقلب ال لبناك فاعرتف‬ ‫واق�ض اللبانة ما ق�ضيت وان�صرف‬ ‫قد كنت �أحلف جاهداً ال �أفارقها‬ ‫� ٍأف ل���ك�ث�رة ذاك ال��ق��ي��ل واحل��ل��ف‬

‫يبدو ابن حزم واقعي ًا في‬ ‫معالجة موضوع الحب‬ ‫الرومانسي فيرفض‬ ‫مسألة الحب في النوم‬ ‫والحب بالوصف‬

‫و�أفكاره‪ ،‬وبني �أفكار «ابن حزم» ال�سابقة‪.‬‬ ‫والخ� �ت�ل�اف ط��ري �ق��ة حت �ل �ي��ل ال �ع��اط �ف��ة‪،‬‬ ‫وخ�صو�صية الإب��داع ال��ذي ال ميكن �سحب‬ ‫التفكري املنطقي ال�صارم عليه‪ ،‬فاختلفا‬ ‫يف بع�ض املواطن‪� .‬أ�ضرب مثال بـ«احلب يف‬ ‫النوم» التي رف�ضها ابن حزم رف�ض ًا قاطع ًا‪،‬‬ ‫و�أف��ا���ض فيها ال �غ��زل ال �ع��ذري‪ .‬اختالف‬ ‫ال�ت��وج��ه ب�ين تغليب امل�ن�ط��ق ع�ن��د الفقيه‬ ‫الأندل�سي‪ ،‬وبني االجنراف للعاطفة وو�ضع‬ ‫العقل يف حالة �سكون عند الإبداع‪.‬‬ ‫فيقول‪:‬‬ ‫و�إين لأهوى النوم يف غري حينه‬

‫ل������ع������ل ل�������ق�������اء يف امل��������ن��������ام ي����ك����ون‬ ‫حت��دث��ن��ي الأح��ل��ام �أين �أراك����م‬ ‫ف����ي����ا ل����ي����ت �أح�����ل�����ام امل������ن������ام ي��ق�ين‬ ‫و�أن ف������ؤادي ال ي��ل�ين �إىل ه��وى‬ ‫����س���واك و�إن ق���ال���وا «ب���ل���ى ���س��ي��ل�ين»‬


‫استطالع‬ ‫‪126‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫نوافذ �أهل ال�ساحل على العامل‬

‫بنادر المحيط الهندي‬

‫تجارة وأسفار صنعت التاريخ‬

‫لوحة ل�سفينة ا�شتهرت بالتجارة على �سواحل زجنبار‬


‫فاطمة م�سعود املن�صوري‬ ‫ترانيم البحر بكل مفرداتها وتناق�ضاتها بكل عذاباتها و�أفراحها بكل �آالمها وق�سوتها �شكلت جزءاً‬ ‫مهماً من الن�سيج االجتماعي واالقت�صادي لعرب اخلليج يف فرتة تاريخية �سابقة‪ ،‬وعلى الرغم من‬ ‫زوال �صورها اليوم �إال �أن �آثارها ال زالت خمتزلة يف املخيلة اخلليجية �سواء يف �شكل �أدب وق�ص�ص‬ ‫وروايات �شفاهية و�أغان وق�صائد �شعرية جميلة �صاغها الإبداع اخلليجي‪ ،‬فال �أبلغ وال �أم ّر مما قاله‬ ‫ال�شاعر الكويتي حممد الفايز يف مذكرات بحار‪ ،‬عندما ت�ساءل الفايز بل�سان غائ�ص «ال�شعر العربي‬ ‫احلديث يف منطقة اخلليج‪ ،‬الر�شيد بو �شعري‪�،‬ص‪ »83-84‬؟ قائ ً‬ ‫ال‪:‬‬

‫�أرك���ب���ت م��ث��ل��ي «ال���ب���وم» و «ال�����س��ن��ب��وك» و «ال�����ش��وع��ي» ال��ك��ب�ير؟‬ ‫�أرف����ع����ت �أ����ش���رع���ة �أم������ام ال���ري���ح يف ال��ل��ي��ل ال�����ض��ري��ر؟‬ ‫ر؟‬ ‫ه�����������ل ذق��������������ت زادي يف امل�������������������س���������اء ع�������ل�������ى ح�������������ص���ي�� ْ‬ ‫من نخلة ماتت وما مات العذاب بقلبي الدامي الك�سري‬

‫الأ�سفار البحرية نافذة�أهل‬ ‫ال�ساحل‬

‫نعم �إنها معاناة البحر و�آالمه وق�سوته؛ ولكن‬ ‫�ش ّكل البحر على اجلانب الآخ��ر �أفق ًا رحب ًا‬ ‫ل�سكان اخلليج خا�صة فيما يتعلق بجانب‬ ‫ال�صيد والغو�ص على الل�ؤل�ؤ والأ�سفار البحرية‬ ‫التي كانت بحق نافذة �أهل ال�ساحل الوحيدة‬ ‫ح��ول ال�ع��امل يف وق��ت عزلت فيه ال�صحراء‬ ‫املنطقة عن العامل‪ .‬فقد �أت��اح لهم االت�صال‬ ‫ال �ب �ح��ري ع�بر الأ� �س �ف��ار ف��ر��ص��ة االت���ص��ال‬ ‫بالعديد من الدول الإقليمية املجاورة و�إقامة‬ ‫عالقات جتارية معها‪� ،‬أ�سهمت يف رفد احلياة‬ ‫االقت�صادية واالجتماعية والثقافية ل�سكان‬ ‫اخلليج مبقومات احلياة عرب عملية ت�أثري‬ ‫وت�أثر متبادلة‪ .‬الأمر الذي انعك�س كذلك على‬ ‫ظهور وتطور موانئ اخلليج حتى �أ�صبحت‬ ‫ت�شكل حلقة و�صل مهمة ما بني موانئ املحيط‬ ‫الهندي ب�شقيها الآ�سيوي والأفريقي وما بني‬ ‫موانئ �شمال البحر املتو�سط‪ .‬فربزت موانئ‬ ‫الكويت والبحرين والقطيف‪ ،‬وموانئ عمان‬ ‫كميناء م�سقط و�صور ومطرح وميناء ر�أ�س‬ ‫اخليمة وخورفكان ودبي وال�شارقة وعجمان‬ ‫و�أم القيوين و�أبوظبي وميناء الب�صرة‪.‬‬

‫بنادر ال�ساحل املت�صالح‬ ‫برزت موانئ ال�ساحل املت�صالح كموانئ مهمة‬ ‫يف منطقة اخلليج خا�صة �أنها �شكلت حلقة‬ ‫و�صل ما بني موانئ البحرين والكويت واملوانئ‬ ‫الهندية والأفريقية‪ .‬فربزت موانئ �أبوظبي‬ ‫ودب ��ي وال���ش��ارق��ة وع�ج�م��ان ور�أ�� ��س اخليمة‬ ‫و�أم القيوين والفجرية وخ��ورف�ك��ان‪ ،‬وتقول‬ ‫�إحدى الروايات ال�شفاهية �إنه كان يعمل يف‬ ‫موانئ الإمارات يف الن�صف الأول من القرن‬ ‫الع�شرين حوايل ‪� 250‬إىل ‪� 300‬سفينة وكانت‬ ‫كلها خم�ص�صة للأ�سفار البعيدة �إىل جانب‬ ‫الأ�ساطيل الأخرى من ال�سفن ال�صغرية التي‬ ‫كانت تنتقل بني موانئ اخلليج‪ .‬وكان يطلق‬ ‫على ا�سم البوم «�أح��د �أن��واع ال�سفن الكبرية‬

‫الساحل المتصالح‬ ‫ّ‬ ‫شكل أمة بحرية‬ ‫بالمعنى الحقيقي‬ ‫للكلمة حيث امتلك‬ ‫ساح ً‬ ‫ال يمتد ألكثر من‬ ‫‪ 800‬كم وعدد ًا كبير ًا من‬ ‫الجزر في الخليج العربي‬ ‫وبحر العرب وخليج عمان‬

‫املخ�ص�صة للأ�سفار البعيدة» «ب��وم ح ّمال»‬ ‫حيث كانت الأب��وام الكبرية تنقل ما يعادل‬ ‫‪�350‬أو ‪� 400‬أو ‪ 600‬طن وال�سفن املتو�سطة‬ ‫تنقل م��ا ي�ق��ارب ‪� 180‬إىل ‪ 200‬ط��ن وع��ادة‬ ‫م��ا تعمل ت�ل��ك ال�سفن ب�ين م��وان��ئ اخلليج‬ ‫العربي «الإم��ارات يف ذاكرة �أبنائها‪ ،‬احلياة‬ ‫االقت�صادية‪� ،‬ص ‪.»177 - 176‬‬ ‫وق��د ا�شتهرت ال�ع��دي��د م��ن ال �ع��ائ�لات على‬ ‫ط��ول ال�ساحل املت�صالح يف جم��ال الأ�سفار‬ ‫البحرية‪ ،‬فقد حفظت ال��رواي��ات ال�شفهية‬ ‫�أ�سماء العديد من النواخذة و�أ�صحاب ال�سفن‬ ‫امل�شهورين الذين توجهوا للبحر وبخا�صة‬ ‫للأ�سفار البحرية منذ بداية �شبابهم وق�ضوا‬ ‫جل حياتهم مع البحر واملالحة زمن ًا قد يطول‬ ‫على ن�صف قرن ومل يبعدهم عنه �سوى املنية‬ ‫�أو الكرب ومن ثم التغريات االقت�صادية التي‬ ‫طر�أت على جمتمع الإمارات خا�صة مع تدفق‬ ‫الرثوة النفطية يف �ستينيات القرن املن�صرم‪.‬‬

‫دور احلرب العاملية الثانية‬

‫ت�ضافرت جمموعة كبرية من العوامل يف دفع‬ ‫�أبناء املنطقة للتجارة اخلارجية البحرية‪،‬‬ ‫ول�ع��ل �أه�م�ه��ا طبيعة ال�ع�لاق��ة ال�ق��وي��ة التي‬


‫استطالع‬ ‫‪128‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫ال�ساحل‪ ،‬حيث انقطعت املواد الغذائية وحل‬ ‫اجل��وع والفقر مما دف��ع النا�س �إىل التوجه‬ ‫نحو الأ�سفار اخلارجية ك�أحد احللول املنا�سبة‬ ‫ل �ل �خ��روج م��ن ه ��ذه الأزم� ��ة ال �ت��ي ا�ستمرت‬ ‫تداعياتها قرابة الثمانية �أعوام «الإمارات يف‬ ‫ذاكرة �أبنائها‪ ،‬احلياة االقت�صادية‪� ،‬ص‪.»168‬‬

‫‪2012‬‬

‫خط �سري الرحالت البحرية‬

‫جانب من بندر ممبا�سا القدمي‬

‫رب�ط��ت الإن �� �س��ان اخلليجي بالبحر لدرجة‬ ‫ي�صعب و�صف تلك العالقة �أو تفكيكها �إىل‬ ‫مفردات‪ ،‬فاخلليجي ابن بيئته وميثل البحر‬ ‫البيئة الرئي�سية املهمة يف معطيات اجلغرافيا‬ ‫اخلليجية فعالقته �إذ ًا قدمية ق��دم وج��وده‬ ‫يف املنطقة‪� ،‬أم��ا بالن�سبة لإم��ارات ال�ساحل‬ ‫املت�صالح فال نبالغ �إذا قلنا �أن ال�ساحل �شكل‬ ‫�أمة بحرية باملعنى احلقيقي للكلمة فالإمارات‬ ‫متتلك �ساح ًال ميتد �أكرث من ‪ 800‬كم وعدد ًا‬ ‫ك�ب� ً‬ ‫يرا م��ن اجل��زر يف اخلليج العربي وبحر‬ ‫العرب وخليج عمان‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل التقاليد‬ ‫العريقة التي ميتلكها �أهل ال�ساحل يف الإبحار‬ ‫وامل�لاح��ة وب�ن��اء ال�سفن والغو�ص والتجارة‬ ‫البحرية فهم بحق �أح�ف��اد امل�لاح �أحمد بن‬ ‫ماجد‪ ،‬فلذلك ال غرو �أن يتجه �أبناء ال�ساحل‬ ‫للتجارة البحرية وي�سجلوا تاريخ م�شرف يف‬

‫تلك التجارة‪ « .‬خور فكان يف ذاكرة الزمان‪،‬‬ ‫حممد بن عبود النقبي‪� ،‬ص‪.»183‬‬ ‫�إال �أن كثري ًا من ال��رواي��ات ال�شفاهية تعزو‬ ‫�أح��د �أ�سباب التوجه نحو الأ�سفار والتجارة‬ ‫اخلارجية خا�صة يف الن�صف الأول من القرن‬ ‫الع�شرين؛ �إىل �أحداث احلرب العاملية الثانية‬ ‫فقد كانت نتائج تلك احلرب �سيئة على �أهايل‬

‫كثير من الروايات‬ ‫الشفاهية تعزو أحد‬ ‫أسباب التوجه نحو‬ ‫األسفار والتجارة‬ ‫الخارجية خاصة في‬ ‫النصف األول من القرن‬ ‫العشرين إلى أحداث‬ ‫الحرب العالمية الثانية‬

‫تتعدد �أن��واع ال��رح�لات البحرية‪ ،‬وك��ان لكل‬ ‫رحلة مو�سمها‪ ،‬وتنق�سم الرحالت �إىل ق�سمني‪،‬‬ ‫�إحداهما داخلية و�أخ��رى خارجية‪ ،‬ويق�صد‬ ‫ب��ال��رح�لات ال��داخ�ل�ي��ة تلك ال�ت��ي ت�ك��ون بني‬ ‫املوانئ اخلليجية كالكويت وعمان والبحرين‬ ‫والب�صرة‪� ،‬أم��ا ال��رح�لات اخلارجية فتكون‬ ‫للهند �أو ل�سواحل �أفريقيا‪ ،‬وع��ادة ما يبد�أ‬ ‫مو�سم الأ�سفار يف �شهر �أغ�سط�س وي�ستمر حتى‬ ‫مايو‪ .‬وقد ورد �سري تلك الرحالت البحرية‬ ‫قبل �أن ن�سمعها من الروايات ال�شفهية املحلية‪،‬‬ ‫يف العديد من امل�صادر التاريخية الإ�سالمية‪،‬‬ ‫فقد ذكرها �سليمان التاجر وامل�سعودي يف‬ ‫كتابه مروج الذهب‪ ،‬حيث قال‪�« :‬إن �أ�شجار‬ ‫ال�ن��ارجن والليمون من ثمار الهند اخلا�صة‬ ‫نقلها التجار من الهند �إىل عمان �أو ًال‪ ،‬ومنها‬ ‫�إىل الب�صرة وال�شام وبقية اجلهات يف جزيرة‬ ‫العرب»‪« ،‬الوجود الهندي يف اخلليج العربي‪،‬‬ ‫نورة القا�سمي‪� ،‬ص‪ .»19‬ويتفق معظم الرواة‬ ‫ال��ذي��ن خا�ضوا غمار الأ��س�ف��ار البحرية يف‬ ‫منطقة ال�ساحل املت�صالح على اخلطوط‬ ‫البحرية التالية «الإمارات يف ذاكرة �أبنائها‪،‬‬ ‫احلياة االقت�صادية»‪:‬‬ ‫تبد�أ الرحلة بالتوجه �إىل الباطنة يف عمان‬ ‫حيث يتم �شراء احلطب‪� ،‬أو الليمون املجفف‬ ‫�أو اجلا�شع «ال�سمك املجفف»‪ ،‬ويتم التوجه به‬ ‫�إىل ميناء البحرين �أو ميناء الكويت لبيعه يف‬ ‫تلك املوانئ‪.‬‬ ‫ي�ستفاد من تلك الأم��وال التي ح�صل عليها‬ ‫التجار من ج��راء بيع املنتجات العمانية يف‬ ‫موانئ الكويت والبحرين‪ ،‬يف ا�ستكمال الرحلة‬ ‫�إىل ميناء الب�صرة‪ ،‬وذل��ك ل�شراء و�شحن‬ ‫التمور من مينائها‪ ،‬فقد ا�شتهرت الب�صرة‬ ‫ب�إنتاج التمور الفاخرة حتى �سرى يف الأمثال‬


‫مدخل خور ممبا�سا‬

‫ال�شعبية مث ٌل دارج عادة ما يردده كبار ال�سن‬ ‫دائم ًا مفاده قولهم‪� « :‬إللي ما �شاف الب�صرة‬ ‫مات من احل�سرة»‪.‬‬ ‫يتم �شحن التمور من الب�صرة والتوجه بها‬ ‫�إىل موانئ الهند مثل ميناء كرات�شي وبومبي‬ ‫حيث يتم �إف ��راغ �شحنات ال�ت�م��ور يف تلك‬ ‫املوانئ وذلك بعد االتفاق م�سبق ًا على بيعها‬ ‫ب�سعر معني‪.‬‬ ‫ي�ت��م ال�ت��وج��ه �إىل م�ي�ن��اء «م�ن�ك�ل��ور» وذل��ك‬ ‫ل�شحن م��ادة الكربييل «القرميد‪ ،‬ن��وع من‬ ‫�أنواع الأحجار »‪ ،‬ويتم التوجه به �إىل موانئ‬ ‫�أفريقيا وبالتحديد �إىل منطقة ممبا�سة يف‬ ‫كينيا ال�ي��وم‪ ،‬ويتم �إف��راغ تلك احل�م��والت‪،‬‬ ‫حيث يعترب ذلك امليناء �سوق ًا مهمة ل�شراء‬ ‫هذا النوع من الأحجار‪.‬‬ ‫ث��م يتم التوجه ب�سفنهم خالية �إىل ميناء‬

‫زنجبار كانت نقطة‬ ‫التقاء جميع ثقافات‬ ‫المحيط الهندي‬ ‫كالعربية والفارسية‬ ‫والهندية واألفريقية‬

‫�أم��ا �إذا كانت الرحلة �ستتجه ب�شكل مبا�شر‬ ‫�إىل �أفريقيا‪ ،‬فهذه رواية �شفهية ي�صف فيها‬ ‫الراوي �أحد الطرق التي توجهت �إىل �أفريقيا‪،‬‬ ‫تنطلق الرحلة من ميناء دب��ي لتتوقف �أو ًال‬ ‫يف ميناء �سحم يف الباطنة العمانية‪ ،‬ثم يف‬ ‫ميناء م�سقط وب�ع��د ذل��ك يف م��رب��اط قرب‬ ‫ظفار‪ ،‬وتتزود باحتياجاتها من املياه العذبة‬ ‫والأح �ط��اب وبع�ض �أن ��واع املنتجات املحلية‬ ‫من الب�ضائع والتمور‪ ،‬وتوا�صل ال�سري �إىل‬ ‫ميناء �سوقطرة وهكذا حتى زجنبار التي يتم‬ ‫الو�صول �إليها بعد خم�سة وع�شرين يوم ًا من‬ ‫انطالق الرحلة‪.‬‬

‫زجن �ب��ار وبالتحديد �إىل خ��ور ي�سمى خور‬ ‫�سومربغيه؛ حيث يتم �شحن خ�شب اجلندل‬ ‫من تلك املنطقة ويتم التوجه به �إىل موانئ‬ ‫اخل�ل�ي��ج ك��ال�ك��وي��ت �أو ال�ب�ح��ري��ن �أو م��وان��ئ‬ ‫ال�ساحل املت�صالح‪ ،‬حيث يعترب هذا النوع من‬ ‫الأخ�شاب مهم ًا ج��د ًا يف عملية البناء‪ ،‬كما موانئ ال�ساحل الهندي الغربي‬ ‫يتم توزيعه و�إعادة ت�صديره �إىل بع�ض املوانئ ت�ع��ود ع�لاق��ة �أه ��ل ال�ساحل ب�شكل خا�ص‪،‬‬ ‫واخلليجيني وال�ع��رب ب�شكل ع��ام مع موانئ‬ ‫املجاورة مثل ال�سعودية و�إيران‪.‬‬


‫استطالع‬ ‫‪130‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫البنادر الواقعة على �ساحل الهند الغربي‬

‫بنادر ال�ساحل الأفريقي ال�رشقي‬

‫ال�ساحل الهندي �إىل فرتة متقدمة من الزمان‪ ،‬امل��وان��ئ‪ ،‬ميناء بومباي وك��وج��رات ومنكلور‬ ‫فكثري من امل�صادر التاريخية املتقدمة ت�ؤكد وكاليكوت‪.‬‬ ‫على �أن العرب قبل الإ�سالم كانوا ي�أتون �إىل ميناء « بومبي»‬ ‫�سواحل الهند‪ ،‬وخا�صة �إىل ميناء «كوجرات» يقع ميناء بومباي على ال�ساحل الغربي للهند‪،‬‬ ‫حيث ا�شتهرت هذه املدينة ب�أقم�شتها الرقيقة ويعترب املدخل الرئي�سي للهند منذ وقت طويل‪.‬‬ ‫التي ك��ان يحملها التجار ال�ع��رب �إىل بالد �ش ّكل ميناء بومبي نقطة التقاء �أ�سا�سية بني‬ ‫ال�شام وب�لاد ال��روم‪ .‬وقد و�صف العديد من العالقات التجارية الهندية اخلليجية‪ ،‬فقد‬ ‫اجلغرافيني امل�سلمني رح�ل�ات ال�ع��رب �إىل �شكل امليناء الرئي�سي لتوجه �أبناء املنطقة‬ ‫موانئ الهند يف م�ؤلفاتهم ال�شهرية‪« .‬الوجود للهند خا�صة بالن�سبة لتجار الل�ؤل�ؤ حيث كان‬ ‫الهندي يف اخلليج العربي‪ ،‬ن��ورة القا�سمي‪ ،‬يلتقي جتار الل�ؤل�ؤ الأغنياء من جميع �إمارات‬ ‫اخلليج يف بومبي يف كل ع��ام‪ .‬ومل تقت�صر‬ ‫�ص‪.»24‬‬ ‫وتعترب رحالت �أهل اخلليج التجارية مع الهند بومبي فقط على كونها وجهة جتارية بل تعدت‬ ‫ج��زء ًا من رح�لات العرب‪ ،‬وي�صعب حتديد ذلك فكانت مق�صد ًا للدرا�سة حيث ا�شتهرت‬ ‫متى بد�أت هذه العالقات التي بد�أت بال�شكل العديد من اجلامعات الإ�سالمية هناك وكان‬ ‫التجاري ثم ما لبثت �أن حتولت �إىل عالقات‬ ‫ثقافية واجتماعية‪ .‬فكانت �سفن �أهل ال�ساحل شكلت ممباسة جزء ًا‬ ‫تبحر يف حركة �أ�سفار م�ستمرة يف كل عام مهم ًا من تاريخ اإلرث‬ ‫تنقل الل�ؤل�ؤ والتمور والأ�سماك املجففة وتعود العماني في أفريقيا حيث‬ ‫بالأخ�شاب واملالب�س والأغ��ذي��ة‪ .‬فا�شتهرت تمكن العمانيون من طرد‬ ‫العديد من املوانئ الهندية عند بحارة �أهايل البرتغاليين من أراضيها‬ ‫اخلليج وال�ساحل وكان من �أهم تلك البنادر �أو‬

‫وإقامة والية عمانية فيها‬ ‫منذ عام ‪1698‬‬

‫من �أهمها جامعة عليكرة‪ ،‬كما �شكلت نقطة‬ ‫التقاء للتجار اخلليجيني باملثقفني واملفكرين‬ ‫ال�ع��رب الأم��ر ال��ذي فتح للخليجيني قنوات‬ ‫ثقافية وفكرية �ساهمت يف تطور ال�ساحة‬ ‫اخلليجية ب��الأف�ك��ار التنويرية والتحررية‪.‬‬ ‫«الوجود الهندي يف اخلليج العربي ‪- 1820‬‬ ‫‪ ،1947‬نورة القا�سمي»‪.‬‬ ‫وقد اختزل �أحد مواطني ال�ساحل املت�صالح‬ ‫وهو ال�سيد �إبراهيم املدفع – رحمه اهلل –‬ ‫والذي يعترب من رواد الأدب والثقافة يف دولة‬ ‫الإمارات‪ ،‬بع�ض ًا من مالمح الوجود العربي يف‬ ‫بومبي بق�صيدة جميلة عام ‪« .1927‬رجال يف‬ ‫تاريخ الإمارات‪ ،‬ج‪ ،2‬عبد اهلل الطابور»‪.‬‬ ‫مببي يا مرتع الغزالن من قدم‬ ‫وملتقى كل حمبوب ون�شوان‬ ‫مببي يا من لها يف القلب منتج ع‬ ‫وذكريات بها التاريخ ملآن‬ ‫مببي يا من غدا للنا�س جمتمع اً‬ ‫ي�ؤمها كل ملهوف وعط�شان‬ ‫مررت يف «كي وراي» هائماً قلقاً‬ ‫وكنت �أ�سال عن ربع وخالن‬


‫جانب من ميناء زجنبار التي مثلت يف يوم من الأيام عا�صمة الإمرباطورية العمانية يف �رشق �أفريقيا‬

‫ ‬ ‫هذي منازلهم �أيام عزلتهم‬ ‫بها ق�ضوا وطراً فيها لهم �شان‬ ‫كم قد �أعانوا فقرياً جاء ملتم�ساً ‬ ‫وكم �أغاثوا �سقيماً وهو عريان‬ ‫وكم لهم من هبات يرجتون بها ‬ ‫وجه الإله وجنات ور�ضوان‬ ‫كانت جمال�سهم بالأم�س عامرة ‬ ‫من نخبة القوم �أ�صحاب و�إخوان‬

‫خورميان وبراول‬

‫يعترب ميناء خورميان وبراول‪� ،‬أو كما ي�سمى‬ ‫يف اللهجة املحلية الإماراتية با�سم «ب��راوة»‬ ‫م��ن �أه��م م��وان��ئ والي��ة ك��وج��رات ال�ساحلية‬ ‫الغربية الهندية‪ ،‬وقد ا�شتهر هذان امليناءان‬ ‫قدمي ًا بكرثة وج��ود ال��د ّالل�ين‪ ،‬وكانت فائدة‬ ‫هذين امليناءين بالن�سبة لتجار اخلليج �أنهما‬ ‫كان يتم فيهما بيع التمور التي يجلبها التجار‬ ‫اخلليجيون من الب�صرة‪ ،‬وكانت تتم عملية‬ ‫البيع عن طريق �إر�سال برقية �إىل بع�ض جتار‬ ‫هذين امليناءين الذين يتم التعامل معهم‬ ‫وذلك لت�أمني بيع التمور بال�سعر الذي يريده‬ ‫التجار اخلليجيون‪ ،‬ويف حالة املوافقة على‬

‫انقسمت الرحالت البحرية‬ ‫إلى داخلية بين الموانئ‬ ‫الخليجية كالكويت‬ ‫وعمان والبحرين والبصرة‬ ‫وخارجية للهند أو لسواحل‬ ‫أفريقيا‬ ‫ال�سعر يتم بيع التمور قبل �أن ي�صل التجار‬ ‫اخلليجيون �إىل املنطقة‪« .‬الإمارات يف ذاكرة‬ ‫�أبنائها‪ ،‬عبد اهلل عبد الرحمن»‪.‬‬

‫خور منكلور‬

‫يعترب ميناء منكلور واح��د ًا من �أهم املوانئ‬ ‫ال�ه�ن��دي��ة ال �ت��ي ق���ص��ده��ا �أه���ل اخل�ل�ي��ج يف‬ ‫ال�سابق‪ ،‬حيث ا�شتهر امليناء ب�إنتاج حجر‬ ‫ال�ك�بري�ي��ل «ال �ق��رم �ي��د» وه��و ن��وع م��ن �أن ��واع‬ ‫الطابوق امل�ستخدمة يف البناء‪ ،‬فقد كانت‬ ‫تق�صده ال�سفن اخلليجية ل�شراء هذا احلجر‬ ‫وت�صديره للموانئ الأفريقية لتتم عملية بيعه‬ ‫يف تلك امل��وان��ئ‪� �«.‬ص��ور م��ن م��وان��ئ اخلليج‬ ‫واملحيط الهندي‪ ،‬د‪ .‬يعقوب يو�سف حجي»‪.‬‬

‫كاليكوت‬

‫يقع ميناء كاليكوت يف جنوب غرب الهند‪،‬‬ ‫على �ساحل ملبار كما كان ي�سمى يف ال�سابق‪،‬‬ ‫وحالي ًا ُيعرف بكريال‪ .‬تعود عالقات العرب‬ ‫بهذا امليناء على وجه التحديد �إىل فرتات‬ ‫طويلة من الزمن حيث �شهد موجة هجرات‬ ‫م�ستمرة وا�ستيطان ًا من قبل العرب‪ ،‬خا�صة‬ ‫ع��رب اجلنوب «عمان والإم ��ارات واليمن»‪،‬‬ ‫وهناك يف الواقع عدة �أ�سباب دفعت العرب‬ ‫�إىل الهجرة ولعل �أهمها طبيعة موقع كاليكوت‬ ‫فهي متثل �أقرب نقطة هبوط يف �شبه القارة‬ ‫الهندية الغنية مبواردها الطبيعية‪.‬‬ ‫ا�شتهرت كاليكوت بتوفر التوابل والأقم�شة‬ ‫وخ�شب ال�ساج الفاخر‪� ،‬أو التيك باللغة‬ ‫االجنليزية‪ ،‬والذي دخل يف �صناعة ال�سفن‬ ‫وبناء املنازل‪ ،‬فكانت �سفن اخلليج و�أهل‬ ‫ال�ساحل ت�ؤم هذا امليناء ل�شحن هذا النوع‬ ‫من الأخ�شاب‪ ،‬حتى �أواخر ال�ستينيات من‬ ‫القرن الع�شرين وذلك عندما منعت الهند‬ ‫ت�صدير هذا النوع من الأخ�شاب‪ .‬ت�صف‬ ‫ال��رواي��ات ال�شفهية و�ضع ميناء كاليكوت‬


‫استطالع‬ ‫‪132‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫بندر الموه ال�صغري يتبع اليوم دولة كينيا‬

‫ع�ل��ى ��س��اح��ل م�ل�ب��ار‪ :‬ب�ع��د �أن ك��ان مينا ًء‬ ‫مزدحم ًا بال�سفن اخلليجية �أ�صبح اليوم‬ ‫مينا ًء �شبه مهجور بعد �أن توقف العرب‬ ‫عن التجارة البحرية مع هذا امليناء �إىل‬ ‫حد �شيوع القول ب�أن عرب اخلليج واليمن‬ ‫وع�م��ان ه��م ال��ذي��ن �أح �ي��وا كاليكوت وهم‬ ‫الذين �أماتوها بعد �أن توقفوا عن ال�سفر‬ ‫�إليها»‪�« .‬صور من موانئ اخلليج واملحيط‬ ‫الهندي‪ ،‬د‪ .‬يعقوب حجي»‪.‬‬

‫موانئ ال�سواحل الأفريقية‬ ‫ال�شرقية‬

‫يعود الف�ضل يف �إقامة العالقات التجارية‬ ‫واالجتماعية بني مدن اخلليج و�سواحل �شرق‬ ‫افريقيا �إىل العمانيني‪ ،‬الذين متكنوا يف عهد‬ ‫ال�سيد �سعيد بن �سلطان «‪ ،»1856 - 1806‬يف‬ ‫مد نفوذ حكمهم �إىل �سواحل �شرق �أفريقيا‬ ‫وت�أ�سي�س حا�ضرة خليجية عربية يف تلك‬

‫الرقعة الأفريقية‪ .‬لعب الوجود العماين يف‬ ‫تلك البنادر الأفريقية مثل ممبا�سا وزجنبار‬ ‫والم��وه دور ًا يف ت�شجيع ال�سفن اخلليجية يف‬ ‫خو�ض غمار التجارة البحرية مع افريقيا‪.‬‬ ‫فتوجهت �سفن ال�ساحل املت�صالح و�سفن‬ ‫الكويت والبحرين وع��دن �إىل تلك املوانئ‪،‬‬ ‫ويذكر ذل��ك ال�سيد �سامل ال�سويدي ‪-‬ال��ذي‬ ‫ق�ضى جل حياته يف زجنبار‪ -‬ويقول‪«:‬لقد‬ ‫كانت ع��روب��ة زجن�ب��ار جت��ذب �إليها ال�سفن‬ ‫ال�ت�ج��اري��ة لأه ��ايل اخلليج ال�ع��رب��ي بن�سبة‬ ‫تزيد عن رح�لات تلك ال�سفن �إىل الهند �أو‬ ‫باك�ستان وايران �أو غريها من الدول واملوانئ‬ ‫غري العربية‪« »..‬الإمارات يف ذاكرة �أبنائها‪،‬‬ ‫احلياة االقت�صادية»‪.‬‬ ‫�شكلت التجارة العمود الرئي�سي يف �إقامة‬ ‫العالقات العربية الأفريقية يف تلك الفرتة‪،‬‬ ‫وخا�صة جت��ارة الت�صدير واال�سترياد التي‬ ‫ارتبطت كل واح��دة منها ب��الأخ��رى‪ ،‬فكانت‬

‫�سفن ال���س��اح��ل امل�ت���ص��ال��ح ت��ذه��ب حمملة‬ ‫مبجموعة معينة من ال�سلع مثل الزل «ال�سجاد‬ ‫ال�ع�ج�م��ي»‪ ،‬وال �ع��وال «الأ� �س �م��اك املجففة»‪،‬‬ ‫وترجع بالب�ضائع الزجنبارية مثل �أخ�شاب‬ ‫اجلندل والتوابل واملاجنو وال�سكر وال�شاي‬ ‫وغ�يره��ا ال�ع��دي��د م��ن ال�ب���ض��ائ��ع‪�« .‬إم� ��ارات‬ ‫ال�ساحل املت�صالح ‪� ،1900-1971‬شم�سة حمد‬ ‫الظاهري» ومن �أهم تلك املوانئ ميناء الموه‬ ‫وممبا�سا وزجنبار ودولتا الروفيجي‪.‬‬

‫ميناء الموه‬

‫ميناء الم��وه �أح��د البنادر ال�صغرية الواقعة‬ ‫على �ساحل �شرق �أفريقيا وهو يتبع اليوم دولة‬ ‫كينيا‪ ،‬كانت ال�سفن اخلليجية تق�صد هذا‬ ‫امليناء �أثناء طريقها �إىل زجنبار‪ ،‬فتتوقف‬ ‫فيه لتفرغ ما لديها من ب�ضائع وت�شحن �أعمدة‬ ‫الكندل وال�شاي وال�سكر‪ ،‬ويذكر �أحد الرواة‪،‬‬ ‫وهو ال�سيد حممد بن حميد الب�سطي‪ ،‬ميناء‬ ‫الموه يف �إحدى رواياته فيقول‪ ":‬كنا يف رحلة‬


‫جتارية وكانت الرحلة تق�صد زجنبار‪� ،‬إال �إننا‬ ‫حني بلغنا ميناء المو ال�صغري التابع لكينيا‬ ‫حالت الرياح من دون �إمتام الرحلة فعادت‬ ‫ال�سفينة ال�شراعية من ميناء الم��و حمملة‬ ‫بالأخ�شاب وال�شاي وال�سكر ولكن بكميات‬ ‫قليلة" «الإم��ارات يف ذاكرة �أبنائها‪ ،‬احلياة‬ ‫االقت�صادية»‪ .‬كما تذكر م�صادر تاريخية‬ ‫�أخ ��رى �أن ب�ل��دة الم��وه ت�شبه يف تخطيطها‬ ‫وبنائها بلدات اخلليج العربي القدمية حيث‬ ‫الأزقة وال�شوارع ال�ضيقة التي تقود �إىل البحر‬ ‫مبا�شرة «�صور من موانئ اخلليج واملحيط‬ ‫الهندي‪ ،‬د‪ .‬يعقوب يو�سف احلجي»‪.‬‬

‫ميناء ممبا�سة‬

‫متثل ممبا�سة اليوم ثاين �أكرب مدينة يف كينيا‬ ‫بعد العا�صمة نريوبي ومينائها الرئي�سي‪،‬‬ ‫�شكلت ممبا�سة جزء ًا مهم ًا من تاريخ الإرث‬ ‫العماين يف �أفريقيا حيث متكن العمانيون‬ ‫من ط��رد الربتغاليني من �أرا�ضيها و�إقامة‬ ‫والية عمانية فيها منذ عام ‪ ،1698‬ثم انتقلت‬ ‫للربتغاليني مرة �أخرى وعادت للعمانيني يف‬ ‫عام ‪« 1746‬ويكيبيديا العربية»‪ ،‬وا�ستمرت‬ ‫حتت احلكم العماين حتى ع��ام ‪ 1963‬وهو‬ ‫العام التي ان�ضمت فيه ر�سمي ًا لدولة كينيا‪.‬‬

‫ميناء زجنبار‬

‫زجن�ب��ار‪ ،‬يعني ا�سمها بالعربية «�أر���ض‬ ‫ال� ��زجن»‪� ،‬أو ج��زي��رة الأح�ل��ام ك�م��ا ك��ان‬ ‫يطلق عليها الآباء والأجداد وذلك لروعة‬ ‫م�ن��اظ��ره��ا وغ �ن��ى طبيعتها ب��اخل�يرات‪،‬‬ ‫ات�خ��ذ منها ال�سيد �سعيد ب��ن �سلطان «‬ ‫‪ »1856 - 1806‬عا�صمة لإمرباطوريته‬ ‫ال�ت��ي �أ�س�سها يف ��ش��رق �أف��ري�ق�ي��ا‪ ،‬وذل��ك‬ ‫لتوافر املقومات الأ�سا�سية فيها كاملوقع‬ ‫اجلغرايف املتميز واملناخ املعتدل‪ ،‬وكان هو‬ ‫�أول من �أدخ��ل القرنفل �إليها من جزيرة‬ ‫موري�شيو�س وال�ت��ي ا�شتهرت ب��ه زجنبار‬ ‫فيما بعد‪� .‬أ�صبحت زجنبار بعد الربنامج‬ ‫الإ�صالحي االقت�صادي الذي �أدخله عليها‬ ‫ال�سيد �سعيد بن �سلطان من �أهم موانئ‬ ‫افريقيا و�شكلت بالتايل مركز ًا رئي�سي ًا‬ ‫حلركة اال�سترياد والت�صدير يف ال�شرق‬

‫�أعمدة اجلندل على �ساحل الموه‬

‫الأف��ري�ق��ي «�إم� ��ارات ال�ساحل املت�صالح‬ ‫‪� ،1971 - 1900‬شم�سة حمد الظاهري»‬ ‫كما �أ�صبحت نقطة التقاء جميع ثقافات‬ ‫امل�ح�ي��ط ال�ه�ن��دي كالعربية والفار�سية‬ ‫والهندية والأفريقية و�شكل هذا التمازج‬ ‫روح احل�ضارة الزجنبارية التي انفردت‬ ‫به عن غريها من املوانئ واجلزر‪.‬‬

‫دلتا الروفيجي‬

‫تقع هذه الدلتا يف جنوب زجنبار وتنبع �أهميتها‬ ‫يف كونها كانت ت�شكل امل�صدر الأ�سا�سي ل�شجر‬ ‫املنكروف الذي اعتمدت عليه املوانئ الأفريقية‬

‫بلدة الموه تشبه في‬ ‫تخطيطها وبنائها بلدات‬ ‫الخليج العربي القديمة‬ ‫حيث األزقة والشوارع‬ ‫الضيقة التي تقود إلى‬ ‫البحر مباشرة‬

‫ك�أهم �سلعة ت�ستوردها منها دول اخلليج‪.‬‬ ‫�إن احلديث عن هذه املوانئ التي و�صلت �إليها‬ ‫�سفن ال�ساحل املت�صالح يف ال�سابق �إمن��ا هو‬ ‫حديث ع��ن ت��اري��خ يحمل ب�ين طياته جوهر‬ ‫ال�ع�لاق��ات اخلليجية الهندية‪-‬واخلليجية‬ ‫االف��ري�ق�ي��ة ال�ت��ي و�صلت يف ي��وم م��ن الأي ��ام‬ ‫لدرجة التو�أمة‪ .‬فيمكن ا�ستح�ضار هذا التاريخ‬ ‫امل�شرتك ما بني الطرفني يف زي��ادة التعاون‬ ‫والتن�سيق ما بني الدول اليوم‪ ،‬فالزالت غابات‬ ‫ك�يرال و�أ� �س��واق بومباي جتتذب اخلليجيني‪،‬‬ ‫والزال���ت رائ�ح��ة القرنفل يف الأف ��ق تداعب‬ ‫الأنوف‪ ،‬والزال احلنني ي�سوق البع�ض �إىل جزر‬ ‫الأحالم مرة �أخرى‪ ،‬وكما قال نيل�سون مانديال‬ ‫حول طبيعة العالقات التاريخية ما بني دول‬ ‫التعاون اخلليجي و�أفريقيا‪«:‬كم هي عميقة‬ ‫وقدمية تلك الو�شائج من املودة واملحبة بيننا‬ ‫والتي ن�ستطيع �أن نن�سج منها اليوم عالقات‬ ‫احلا�ضر»‬


‫روزنامة‬ ‫‪134‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬


‫نادر ًا ما يخلو منها منزل‬

‫النخلة‬

‫في اإلمارات‪..‬‬

‫ربيع المقيظ وجنة الرمل‬ ‫عبد اجلليل ال�سعد‬ ‫النخلة �شجرة مباركة وعظيمة دون جدال �أو تفكري‪ ،‬وهى هوية اجلزيرة‬ ‫العربية وعالمتها الفارقة‪ ،‬يحت�ضنها العربي عندما تلوح له من بعيد و�سط‬ ‫عذابات ال�صحراء املحرقة‪ ،‬فيلج�أ �إليها كظل ومرف�أ وحبيبة‪.‬‬ ‫لذا لي�س غريباً �أن تكون العالقة بني تلك ال�شجرة والإن�سان خمتلفة عن كل عالقة‬ ‫له ب�شجرة �أخرى‪ ،‬فقد �أفردت لها كافة احل�ضارات الإن�سانية الكثري من �صفحات‬ ‫الذكر والتنويه والو�صف‪ ،‬ملا تتمتع به من مزايا وخ�صال قلما تتوفر يف �شجرة �أخرى‬ ‫بيولوجية كانت �أم روحية وتعبريية‪.‬‬

‫م���ن ه� ��ذا امل��ن��ط��ل��ق‪ ،‬ول��ك��ون��ه��ا «وردة‬ ‫ال�صحراء»‪ ،‬فقد حظيت باهتمام بالغ من‬ ‫املغفور له �صاحب ال�سمو ال�شيخ زايد بن‬ ‫�سلطان �آل نهيان‪ ،‬رحمه اهلل‪ ،‬الذي �أنزلها‬ ‫املو�ضع الالئق بها من التكرمي‪ ،‬مبا يليق‬ ‫مبكانتها الدينية والتاريخية‪ ،‬واع�تراف� ًا‬ ‫بف�ضلها الكبري على مواطني الدولة‪ ،‬فقد‬ ‫كانت غذاءهم وغطاءهم خالل م�سريتهم‬ ‫ال�صعبة قبل اكت�شاف النفط وتدفق اخلري‬ ‫على الدولة‪ ،‬و�سار على ال��درب نف�سه من‬ ‫االهتمام �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفه بن‬ ‫زايد �آل نهيان‪ ،‬رئي�س الدولة‪ ،‬حفظه اهلل‬ ‫ورعاه‪ ،‬يف حب ورعاية النخلة‪.‬‬ ‫النخلة هوية اجلزيرة العربية‪ ،‬ورمز املدى‬

‫وامل�ساحة فيها‪ ،‬رفيقة البدوي واحل�ضري‬ ‫وراك � ْ�ب امل��اء‪ ،‬وه��ي تلوح لهم يف البنادر‬ ‫وق� ��رب ال �� �ش��واط��ئ‪ ،‬يف رح �ل�ات الإي� ��اب‬ ‫وال�ل�ق��اءات‪ ،‬واحلكايات‪ ،‬و ُق َبل الأطفال‪،‬‬ ‫ورائحة الأم�ه��ات و ِف��را���ش البيت امل�ضمخ‬ ‫بامل�شموم وفرحة العودة‪.‬‬ ‫والنخلة عالمة فارقة‪ ،‬ودليل مكان و�شبه‬ ‫ازدِ هار يف نِطاق غر�سها وهالتها اخل�ضراء‪،‬‬

‫يتهادى الناس في‬ ‫اإلمارات الفسائل‬ ‫المسماة بنت النخلة‪،‬‬ ‫و«الرواكيب» وهي فروخ‬ ‫النخلة التي تنبت في‬ ‫الخاصرة‪ ،‬كهدايا ثمينة‬

‫كعرو�س ٍ مم�شطة باخل�ضار يف �سرابات‬ ‫ال��رم��ل وم�ت��اه��ات امل �ك��ان‪ ،‬والنخلة دع��وة‬ ‫مفتوحة ملجموعة حم�سو�سات وملمو�سات‬ ‫الن�سيج ال�ب���ش��ري احلميمي يف منحها‬ ‫الظل وال�غ��ذاء وامل�سكن والهوية‪ ،‬و كانت‬ ‫دوم� ًا �سواد ال�صفحات البي�ضاء لل�شعراء‬ ‫والع�شاق واملتيمني بالوطن واحلبيبة‪ ،‬كما‬ ‫كانت – النخلة – متثل الغواية نحو ظل‬ ‫وارف وقيلولة ممتعة وم� ��أوى لكثري من‬ ‫�أ�سرار الرمل؛ كحروب احلب والبغ�ضاء‬ ‫ون�ضاالت الع�شق وك�شوفات البواطن من‬ ‫القبليات والقرابات‪ ،‬وهم�س البادية علي‬ ‫موارد املاء و�آبار الود والنجوى ‪.‬‬ ‫تعترب ت��واري��خ ن�ضوج ثمار النخلة تبا�شري‬


‫روزنامة‬ ‫‪136‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫�أو ب�شارات يتداولها النا�س يف «تفاريح»‬ ‫احلديث و�أح ��داث ال�سرور‪ ،‬وه��ي مواعيد‬ ‫ت�ب��د�أ م��ن �شهر مايو وحتي �شهر �أكتوبر‪،‬‬ ‫عدا بع�ض الأن��واع التي تت�أخر حتي �شهر‬ ‫نوفمرب مثل الهاليل الأخ�ضر ذو الثمرة‬ ‫�سيئة الطعم‪ ،‬ويتحدث النا�س عن تبا�شري‬ ‫ال��رط��ب ب�ق��د��س�ي��ة خ��ا� �ص��ة‪ ،‬ك�م��ن ي�ق��ول‬ ‫«ب�شرت نخلتنا» �أو «بتب�شر نخلتنا عقب‬ ‫�أ�سبوعني»‪.‬‬ ‫ويحتفل النا�س بتب�شري الرطب بداية من‬ ‫مراحل الن�ضج الأويل وهي «احلبابوك»‪،‬‬ ‫وال��ذي تقطفه الأمهات وت�ضعه يف خيط‬ ‫وتلب�سه ابنتها كعقد حتي ي�صبح لونه‬ ‫بني ت�أكله الفتاه‪ ،‬وهو طق�س يبني فرحة‬ ‫االنتظار وجائزة اللقاء‪.‬‬

‫تعتبر تواريخ نضوج‬ ‫ثمار النخلة تباشير‬ ‫أو بشارات يتداولها‬ ‫الناس في تفاريح‬ ‫الحديث وأحداث‬ ‫السرور‬ ‫تعلم النا�س يف الإم��ارات مراقبة النخلة‬ ‫ومل����س ث�م��اره��ا و��ش��م طلعها‪ ،‬وه��ي ع��ادة‬ ‫خا�صة تبني �شكل الرتابط اجلنيني بني‬ ‫طلع النخلة وثمارها‪ ،‬وهي ع��ادة قدمية‬ ‫حت �ت��اج ال �ك �ث�ير م��ن ال ��دراي ��ة واخل�ب�رة‬ ‫واملعرفة واحلب ‪.‬‬

‫مو�سم الرطب‬ ‫مو�سم الرطب يف الإمارات يبد�أ خالل �شهر يونيو من كل عام‪ ،‬وتتعاقب �أ�صناف‬ ‫الرطب‪ ،‬وفقاً ل�شهور القيظ الثالثة الأوىل‪� ،‬إذ يبد�أ املو�سم مع ن�ضوج رطب‬ ‫«نغال»‪ ،‬و«مزناي»‪ ،‬و«ج�ش جعفر»‪ ،‬وهي ثالثة �أ�صناف معروفة‪ ،‬بينما ت�صل‬ ‫�أ�صناف �أخرى �إىل مرحلة الن�ضج واحل�صاد خالل �شهر «يوليو»‪ ،‬وهي «اللولو»‪،‬‬ ‫و«اخل�ن�ي��زي» و«اجل�ب��ري»‪ ،‬و«ال�برح��ي»‪ ،‬و«اخل�لا���ص»‪ ،‬وي�سدل ال�ستار على‬ ‫املو�سم يف �أغ�سط�س‪ ،‬مع ن�ضوج «اخل�صاب» و«الهاليل»‪ ،‬ولكل من �أنواع الرطب‬ ‫املعروفة يف الإمارات نكهة ومذاق ي�ستطيع متييزها اخلرباء واملزارعون‪.‬‬

‫ت�شعبت منافع النخلة �ضمن عالقتها‬ ‫ب��الإن �� �س��ان يف الإم� � ��ارات‪ ،‬ك �غ��ذاء حيث‬ ‫ي��ؤك��ل ب�سرها ورطبها ومت��ره��ا ودب�سها‬ ‫التي تعترب من �أولويات �أكالت ال�ضيافة‬ ‫للإن�سان يف الإم���ارات‪ ،‬وكحلوى‪ ،‬حيث‬ ‫ت�صنع منها جمموعة كبرية من احللويات‬ ‫�أبدعتها اليد املحلية �أو التقطت فكرتها‬ ‫من اجلوار‪ ،‬ك�أكلة «الرجنينا» وهي طبق‬ ‫اي� ��راين‪ ،‬وط �ب��ق ال ��رز امل�ح�م��ر وامل�سمى‬ ‫�أحيانا «الربنيو�ش»‪.‬‬ ‫ي�ستخدم ل�ي��ف النخيل امل�ستخرج من‬ ‫�أ�سفل كرب النخيل ل�صنع احلبال التي‬ ‫اع�ت�م��ده��ا الإن �� �س��ان يف تثبيت عري�شه‬ ‫وق��ارب��ه وجل��م ح�صانه وج�م�ل��ه كحبال‬ ‫قوية ومتينه ال تت�أثر �أو ت�ضعف مع املاء‬ ‫�أو ال�شم�س �أو ظروف وتقلبات الأجواء ‪.‬‬ ‫ب��رع��ت امل� ��ر�أة يف الإم�� ��ارات يف جتديل‬ ‫اخلو�ص وت�سفيفه «ال�سفافة» لكثري من‬ ‫الأدوات املنزلية مثل «اجل �ب��ه‪ ،‬املهفة‪،‬‬ ‫ال�سمة‪ ،‬ال�سرود‪ ،‬القفة‪ ،‬امل�بردة‪ ،‬امل�شب‬ ‫‪ .... ،‬ال��خ» وجل��ذع النخلة منافع كثرية‬ ‫منها ا�ستخدام «دعون» النخلة يف �أعمدة‬ ‫البيوت «العر�شان»‪ ،‬ومنها خرجت مهنة‬ ‫«زفانة الدعون»‪ ،‬و�صنعت املر�أة القحفية‬ ‫لإبنها ولونت اخلو�ص مبجموعة كبرية من‬ ‫الألوان ا�ستخرجتها من الطبيعة يف �إبداع‬ ‫بدائي مثري «لونت الأحمر بق�شر الرمان‪،‬‬ ‫والأزرق بالنيله‪ ،‬والأ�صفر بالكركم»‪.‬‬ ‫العديد م��ن م��زاي��ا وف��وائ��د النخلة التي‬ ‫ال تعد وال حت�صي فيما �شملته من خري‬ ‫ورخ ��اء ومنفعة ال زال��ت م�ستمرة حتي‬ ‫يومنا هذا‪ ،‬وكنتيجة طبيعية تكونت عالقة‬ ‫نادرة بني الإن�سان والنخلة يف الإمارات‪،‬‬ ‫وهي لي�ست مرتكزة علي الغذاء وامل�سكن‬ ‫وح��رف �ي��ات ال���س�ع��ف‪ ،‬ب��ل ه��ي �إرث �شبه‬ ‫ب�شري وجد منذ �آالف ال�سنني وتعزز مبا‬ ‫كتب عن النخلة يف القر�آن‪ ،‬ويف احلديث‬ ‫«�أك��رم��وا عمتكم النخلة»‪ ،‬وه��ي مواثيق‬ ‫بني الإن�سان وخالقة ال تنف�صم وتعززها‬ ‫التجربة والثوابت يف خري النخلة‪ ،‬فنادر ًا‬ ‫ما يوجد منزل يف الإمارات بدون نخلة �أو‬


‫اكرث كما تتكاثر النخيل يف كافة مناطق‬ ‫الإمارات كمزارع وعزب مما ولد عالقة‬ ‫ولغة انعك�ست يف جممل ظواهر ت�شري �إىل‬ ‫حميمية العالقة ب�ين الإن���س��ان والنخلة‬ ‫على �أر�ض الإمارات‪ ،‬منها مث ًال ما جرى‬ ‫عليه العرف من ت�أنيث �أ�سماء بع�ض �أنواع‬ ‫النخيل املعروفة‪ ،‬وهو �إ�شارة �إىل التدليل‬ ‫واحلميمية‪ ،‬مثل اخل�لا���ص واخل�صاب‬ ‫واللولو‪ ،‬و�أنواع �أخرى‪ ،‬فت�صبح «خ�صابه»‬ ‫و«لولوه» و«خال�صه»‪ ،‬وهكذا علي جممل‬ ‫الأ� �ص �ن��اف‪ ،‬بينما ال��ذك��ور م��ن النخيل‬ ‫فت�سمي فحو ًال وال ت�ؤنث‪ ،‬ففحل الفاطمي‬ ‫ي�سمي الفاطمي وال ي�ؤنث‪.‬‬

‫�أ�صائل النخيل‬

‫يف �إ�� �ش ��ارة �إىل م ��دى ارت� �ب ��اط ال�ن��ا���س‬ ‫ب�أ�صنافهم م��ن النخيل وث �م��اره‪ ،‬يطلق‬ ‫�أهل الإم��ارات ا�سم «ج�ش» �أو «ق�ش» علي‬ ‫النخيل غ�ير الأ�صيلة‪� ،‬أي تلك التي مت‬ ‫ا�ستنباتها بوا�سطة بذرة زرعها �شخ�ص‬ ‫ما ف�سميت با�سمه‪� ،‬أو �أح�ضرت من منطقة‬ ‫فحملت ا�سمها‪ ،‬مثل «ج�ش ال�سعودية »‪،‬‬ ‫و«ج����ش حممد ح�سن» وغ�يره�م��ا‪ ،‬وعلى‬ ‫الرغم من �أن بع�ض ه��ذه الأ�صناف قد‬ ‫يكون حلو ًا يف طعمه وجيد ًا يف �إنتاجه يف‬ ‫م��زارع التجارب‪� ،‬إال �أنها تبقى �أ�صناف ًا‬ ‫غري مقبولة جمتمعي ًا‪ ،‬وتندر زراعتها �أو‬ ‫ا�ستعمال منتوجها‪ ،‬لعالقتها بالأ�صول‬ ‫والأن�����س��اب‪ ،‬ف�ح�ك��م اجل� ��ودة ه�ن��ا حكم‬ ‫جمتمعي يخ�ضع العتبارات تلك العالقة‬ ‫احل�م�ي�م�ي��ة ال �ت��ي ت��رب��ط ب�ي�ن الإن �� �س��ان‬ ‫والنخلة‪ .‬كذلك ال مييل �أه��ل الإم��ارات‬ ‫كثري ًا للنخيل املنتج بطريقة الأن�سجة يف‬ ‫�أوروب��ا �أو يف املختربات املحلية‪ ،‬ل�شعور‬ ‫خا�ص بعدم �أ�صالتها‪ ،‬حتى و�إن �أثبت‬ ‫العلم جودتها ومقاومتها للأمرا�ض ‪.‬‬ ‫وم��ن ب��اب الإ� �ش��ارات على تلك العالقة‬ ‫كذلك‪� ،‬أن النخيل يف الإم��ارات ال زالت‬ ‫يف �أح��ي��ان ك �ث�يرة‪ُ ،‬ت �ع��ال��ج ب��ال��و��ص�ف��ات‬ ‫ال�شعبية التي عرفها �إن�سان الإمارات منذ‬ ‫القدم‪ ،‬باملواد والأ�ساليب نف�سها‪ ،‬والتي‬

‫تعلم الناس في‬ ‫اإلمارات مراقبة النخلة‬ ‫ولمس ثمارها وشم‬ ‫طلعها بخبرة ومعرفة‬ ‫وحب‬ ‫ثبتت كفاءة بع�ضها يف مكافحة الآف��ات‬ ‫والأمرا�ض احلديثة‪.‬‬ ‫ي�ت�ه��ادى ال�ن��ا���س يف الإم� ��ارات الف�سائل‬ ‫امل�سماة بنت النخلة‪ ،‬و«الرواكيب» وهي‬ ‫ف��روخ النخلة التي تنبت يف اخلا�صرة‪،‬‬ ‫كهدايا ثمينة‪.‬‬ ‫�إن�سان الإم��ارات‪ ،‬وحتي اليوم يبد أ� يومه‬ ‫بالتمر وال��رط��ب‪ ،‬كت�أكيد على �أ�صالة‬

‫ال �ع�لاق��ة ��ش�ب��ه اجل�ن�ي�ن�ي��ة ال �ت��ي تربطه‬ ‫بالنخلة‪ ،‬واع�ت�راف � ًا منه بخريها عليه‬ ‫وعلى ن�سله‪.‬‬ ‫يعترب م�ن�ت��وج النخلة دالل ��ة مهمة علي‬ ‫الكرم وال�سخاء يف ا إلم��ارات علي كافة‬ ‫امل �� �س �ت��وي��ات‪ ،‬وه �ن��اك �أن� ��واع ك �ث�يرة من‬ ‫النخيل ُت ��زرع يف امل� ��زارع ف�ق��ط لتوزيع‬ ‫منتوجها علي الأهل والأقارب والأ�صدقاء‪،‬‬ ‫ويتم تقدميها م�شفوعة بالعبارة املحببة‪:‬‬ ‫«هذي من نخلتنا»‪ ،‬وذلك لت�أكيد القرابة‬ ‫واحل� ��ب ب �ي �ن��ه وب�ي�ن ال �ن �خ �ل��ة ‪ .‬ظ��واه��ر‬ ‫و�أحا�سي�س وع�لاق��ات كثرية ربطت بني‬ ‫النخلة والإن�سان يف الإم ��ارات‪ ،‬ال ميكن‬ ‫تف�سري الكثري منها �سوي باحتاد احلياة‬ ‫واملوت للنخلة والإن�سان مع ًا‪ ،‬والتي تعترب‬ ‫من معجزات اخللق والإبداع الإلهي‬


‫اآلفاق‬ ‫تشكيل‬ ‫ارتياد‬ ‫‪138‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫رائد االنطباعية ال�سورية‬

‫نصير شورى ‪..‬‬ ‫شاعر األلوان‬ ‫والفرح‬ ‫رندة العقباين‬ ‫لعبت الظروف االجتماعية‬ ‫واالقت�صادية وال�سيا�سية يف �سوريا يف‬ ‫الربع الأول وما قبل من القرن الع�شرين‬ ‫دوراً يف ت�أخري ظهور اللوحة الفنية‬ ‫واقت�صرت على بع�ض التجارب والر�سوم‬ ‫التزيينية املنفذة على ال�سقوف واجلدران‬ ‫والأبواب من قبل احلرفيني‪ ،‬وعلى‬ ‫الرغم من ذلك متكن بع�ض الفنانني من‬ ‫االطالع على الفن الغربي عن طريق �إيفاد‬ ‫بع�ض الأ�سر لأبنائها للدرا�سة يف اخلارج‬ ‫وما حملوه من منجزات عمرانية وفنية‬ ‫والذي �أ�سهم يف ظهور اللوحة الت�شكيلية‬ ‫ال�سورية‪ ،‬التي اجتهت تار ًة �إىل القيم‬ ‫املتوارثة وتار ًة �أخرى �إىل الثقافة الغربية‪،‬‬ ‫ويف منت�صف الثالثينيات ن�شط عدد من الهواة‬ ‫يف فنون الر�سم والت�صوير و�أ�صبحو فيما بعد‬ ‫رواد احلركة الفنية يف املنطقة‪.‬‬


‫ويعترب ن�صري �شورى من �أبرز ه�ؤالء الفنانني‬ ‫حيث توزعت جتربته على عدة مراحل مليئة‬ ‫بالبحث والتميز‪ ،‬تطرق من خاللها لثالث‬ ‫م��دار���س فنية ه��ي ال��واق�ع�ي��ة واالنطباعية‬ ‫والتجريدية ‪.‬‬ ‫وال يخفى اعتماده يف �أعماله على اللون‪ ،‬حيث‬ ‫كان يختار الألوان لي�س لت�أثريها الت�صويري‬ ‫فح�سب‪ ،‬ب��ل مل��ا حتويه م��ن معاين فل�سفية‪،‬‬ ‫وذل ��ك م��ن خ�لال تنظيم الأل� ��وان بطريقة‬ ‫معينة على �سطح اللوحة لت�شكل مع غريها‬ ‫م��ن العنا�صر‪ ،‬كال�شكل وامل �ك��ان والإي �ق��اع‪،‬‬

‫تعبري ًا متنا�سق ًا ومتما�سك ًا للو�صول �إىل‬ ‫الغاية املرجوة‪ ،‬كما اجته �إىل ت�أليف لوحته‬ ‫و�صياغتها من خالل �إ�ضافة عن�صر جديد �أو‬ ‫حذف �أجزاء �أخرى منها والبحث يف جماليات‬ ‫الأل��وان واالرتعا�شات اللونية التي تتو�سطها‪،‬‬ ‫والتب�سيط الذي قد ال ي�صل حدود التجريد‪،‬‬ ‫�أما الطبيعة فكانت بيته ومر�سمه الذي يلج�أ‬

‫كان يختار األلوان ليس‬ ‫لتأثيرها التصويري‬ ‫فحسب بل لما تحويه‬ ‫من معاني فلسفية‬

‫�إليه‪ ،‬وامل�صدر الأول للإثارة الب�صرية ك�أنقى‬ ‫و�أف�ضل ما ميكن �أن يوجد من تنوع‪ ،‬كما كان‬ ‫ال�ضوء بالن�سبة له و�سيط ًا للإلهام‪ ،‬حيث جعل‬ ‫العالقة ب�ين ال�شكل وال�ل��ون عالقة جدلية‪.‬‬ ‫يقول �شورى‪�« :‬أن��ا �أرى الإن�سان مقطع ًا من‬ ‫الطبيعة‪ ،‬ويف ح��واري من خ�لال اللوحة مع‬ ‫الطبيعة‪ ،‬قد �أ�ضيف �شجرة غري موجودة وقد‬ ‫�أ�ستعي�ض عنها ب�إن�سان �أو حيوان»‪.‬‬ ‫�أم��ا االنطباعية لديه فكانت تخلق �أ�شكا ًال‬ ‫حرة للذات‪ ،‬وتقدم يف الوقت نف�سه ت�أوي ًال‬ ‫�أك �ث�ر ح�ي��وي��ة و�أق � ��رب ��ش�ب�ه� ًا ب��ال��واق��ع من‬


‫تشكيل‬ ‫‪140‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫ال�صوراملو�ضوعية ال�ت��ي ي�صنعها الفنان‬ ‫ال��واق�ع��ي ع�ن��ه‪ ،‬وع�ل��ى العك�س م��ن عقالنية‬ ‫الواقعي فنحن نح�صل على املتع احل�سية يف‬ ‫انطباعيته‪ ،‬فك�أنها تعبري عقالين لل�ضوء بلغة‬ ‫اللون اخلال�ص‪ ،‬ف�أوجد نهج ًا علمي ًا يعتمد‬ ‫على امل�ساحات اللونية ال�صغرية ويخلق نوع ًا‬ ‫من التوازن بني هذه العنا�صر ون�سبها‪ ،‬وفق ًا‬ ‫لقوانني الت�ضاد والتدرج والإ�شعاع‪ ،‬وبعدها‬ ‫انتقل �إىل الت�أليف بني الأل��وان املتنا�سقة يف‬ ‫الفراغات النا�شئة عن ا�ستعمال اخلطوط‬ ‫امل�ستقيمة واملنحنية معرب ًا عن الفكرة يف‬ ‫�أق�صى طرقها ويف �أب�سط �صورها‪.‬‬ ‫ولإلقاء نظرة �أعمق قلي ًال عن جتربة �شورى‬ ‫البد من درا�ستها مبراحلها املختلفة بالتدريج‬ ‫بدء ًا من الطفوله‪.‬‬

‫طفولته‬

‫رافقت طفولة ن�صري �شورى حكاية فنية كربت‬ ‫معه بني �أ�شجار ال�صف�صاف‪ ،‬وترعرعت بني‬ ‫�أح�ضان الطبيعة يف عامله ال�سحري ال��ذي‬ ‫ن�سجه من �ألوان ال�شم�س وانعكا�ساتها على كل‬ ‫ما حوله من الأ�شياء‪ ،‬يف املكان الذي انطبع يف‬ ‫ذاكرته منذ �صغره وهو بيته يف حي املهاجرين‬ ‫بدم�شق‪ ،‬ثم تعلم الر�سم على يد الفنان عبد‬ ‫احلميد عبد ربه يف املرحلة االبتدائية ومن‬ ‫ثم الفنان جورج خوري يف املرحلة االعدادية‬ ‫ال��ذي �شجعه على املتابعة‪ ،‬حيث كان جورج‬ ‫خ��وري م��ن رواد ال�ف��ن ال���س��وري‪ ،‬وق��د ت�أثر‬ ‫باالنطباعية �أثناء درا�سته الفن الت�شكيلي‬ ‫يف باري�س‪ ،‬وهكذا تعرف ن�صري �شورى على‬ ‫االنطباعية وع�ل��ى مفاهيم التعبري الفني‬ ‫باللون‪ ،‬وعلى الرغم من معار�ضة �أ�سرته والتي‬ ‫كانت تطمح �أن يكون طبيب ًا �أو �صيدالني ًا‪ ،‬وهي‬ ‫الفروع املرموقة التي كان يحتذى بها يف تلك‬ ‫الفرتة‪ ،‬بد�أت مرحلة احل�سم يف حياته‪ ،‬والتي‬ ‫قرر فيها �أن ي�صبح الت�شكيل عامله احلقيقي‬ ‫ال��ذي �سيكمل ب��ه حتى النهاية‪ ،‬ففي عام‬ ‫‪�� 1936‬ش��ارك ��ش��ورى لأول م��رة يف معر�ض‬ ‫جماعي بدم�شق‪ ،‬وك ��ان معر�ضه ال�ف��ردي‬ ‫الأول عام ‪ 1938‬والذي كان تار َة يقرتب من‬ ‫االنطباعية حني يغو�ص مع �ألوانه وري�شته يف‬

‫خ�ضم الطبيعة‪ ،‬و�أخ��رى يبتعد عنها لي�ؤكد‬ ‫على الواقعية يف وجوه الأ�شخا�ص وتفا�صيل‬ ‫التكوينات الب�شرية‪.‬‬ ‫يف عام ‪� 1939‬سافر �شورى �إىل �إيطاليا لدرا�سة‬ ‫الفن يف �أكادميية الفنون اجلميلة يف روما‪،‬‬ ‫غري �أن ظروف احلرب العاملية الثانية منعته‬ ‫من متابعة الدرا�سة هناك‪ ،‬فعاد �إىل دم�شق‬ ‫ليم�ضي عدة �أعوام يف بحثه اخلا�ص‪ ،‬ومن ثم‬ ‫قرر متابعة درا�سته الفنية يف القاهرة حيث‬

‫كان الضوء بالنسبة‬ ‫له وسيط ًا لإللهام‬ ‫حيث جعل العالقة بين‬ ‫الشكل واللون عالقة‬ ‫جدلية‬

‫تعرف على جتارب الفنانني العرب والأجانب‬ ‫ويف مقدمتهم الفنان يو�سف كامل الذي كان‬ ‫من رواد الفن يف م�صر والذي �أثر يف �شورى‬ ‫من خالل ر�سم امل�شاهد الطبيعية واالعتماد‬ ‫على اللون وتدرجاته يف بناء العمل الفني‪،‬‬ ‫هذا بالإ�ضافة �إىل الدرا�سة الأكادميية التي‬ ‫�شكلت �أ�سا�س ًا متين ًا وداعم ًا النطالقته باجتاه‬ ‫الأ�ساليب املتنوعة يف جتربته الفنية‪ ،‬فرنى �أن‬ ‫لوحته «غالم بائ�س» تلح على حماكاة احلالة‬ ‫النف�سية لل�شاب الذي بدا عليه التعب والفقر‬ ‫�أك�ثر م��ن التوقف عند مالحمه اخلارجية‬ ‫وح��ده��ا‪ ،‬فهي ب��ذل��ك تعك�س قيم ًا تعبريية‬ ‫تك�شف عن واقعه االجتماعي امل�أ�ساوي‪ ،‬وعن‬


‫معاناته التي حتاكي الواقعية عنده‪ ،‬وهذا ما‬ ‫نالحظه �أي�ض ًا يف لوحته «قروية» المر�أة ريفية‬ ‫�شاردة غارقة يف تفكريها وجرتّها الفارغة‬ ‫بجانبها ف��وق �أر� ��ض ج ��رداء ال حتمل �سوى‬ ‫ال�صخور والغ�صون الياب�سة‪ ،‬و�أي�ض ًا «ذات‬ ‫الو�شاح الأحمر‪ -‬العراء‪� -‬شتاء‪-‬الجئة»‪ ،‬على‬ ‫خالف ما نراه يف واقعية الرواد الأوائل والتي‬ ‫متحورت يف �إطار «الت�سجيلية» فقط ‪.‬‬

‫االنطباعية‬

‫مل تكن هذه املرحلة �أقل �أهمية من املرحلة‬ ‫الواقعية التعبريية التي م � ّر فيها �شورى‪،‬‬ ‫بالرغم من التفاوت ما بني امل�أ�ساة والتعابري‬ ‫الرمزية‪ ،‬وب�ين االنطباعات التي جت�سدها‬ ‫ه��ذه املرحلة يف �أع�م��ال��ه وال�ت��ي تك�شف لنا‬ ‫اجل��ان��ب امل �ل��يء بالبهجة وال��ف��رح‪� ،‬إال �أن‬ ‫االنطباعية تبقى امل��در��س��ة الأك�ث�ر ت��أث�ير ًا‬ ‫عليه‪ ،‬ففي اخلم�سينيات م��ن ه��ذه املرحلة‬ ‫�سافر �شورى �إىل فرن�سا و�إيطاليا وبولونيا‬ ‫و�أملانيا الدميقراطية‪ ،‬وبحث يف االجتاهات‬ ‫الفنية‪ ،‬و�أ�سهم يف تطوير موهبته ورفدها‬ ‫باملعلومات واخل�ب�رات املنهجية والثقافية‪،‬‬ ‫فت�أثر من جانب باالنطباعية الفرن�سية التي‬ ‫اهتمت باللون والنور وت�أثرياتهما املختلفة‬ ‫وبالطبيعة ال�سورية وحملية ال�شم�س فيها‬ ‫من جانب �آخ��ر‪ ،‬فكانت لأل��وان��ه انطباعات‬ ‫م�ت�م�ي��زة حت �م��ل خ�صو�صية امل �ك��ان ال��ذي‬ ‫تر�سخ يف ذاكرته منذ الطفولة‪ ،‬حيث قدمها‬ ‫ب�شفافية و�شاعرية تُغني لوحته بتدرجات‬ ‫و�إيقاعات طبيعية ممزوجة بتفا�صيل ال�ضوء‬ ‫وذروة اللون التي تكاد يف �أجزاء منها ت�صل‬ ‫�إىل مرحلة التال�شي والغمو�ض‪ ،‬كما ت�أثر‬ ‫بتجربة الفنان مي�شيل كر�شه الذي كان على‬ ‫�صراع مع الفنانني الواقعيني‪ ،‬من بينهم عبد‬ ‫الوهاب �أبو ال�سعود من حيث توجهات اللوحة‬ ‫الفنية‪ ،‬ويعترب ك ٌل من �شورى وكر�شه من �أبرز‬ ‫الفنانني امل�ساهمني بظهور تيار االنطباعية‬ ‫ال�سورية‪ ،‬حيث كانا مالزمني للطبيعة التي‬ ‫�أ�شبعت هواج�سهما ب�ألوانها املتبدلة عرب‬ ‫الف�صول‪ ،‬وكانا على لقاء معها يف جوالتهما‬ ‫التي يقومان بها بني احل�ين والآخ��ر للبحث‬

‫تأثر بيوسف كامل‬ ‫في رسم المشاهد‬ ‫الطبيعية واالعتماد‬ ‫على اللون وتدرجاته‬ ‫في بناء العمل الفني‬ ‫ع��ن ال��وه��ج ال �ل��وين االن�ط�ب��اع��ي وت�ب��دالت��ه‪،‬‬ ‫وبهذا يكونان من �أوائ��ل املحدثني للتحوالت‬ ‫الثقافية الت�شكيلية من ال�صياغة الواقعية‬ ‫�إىل الأداء االنطباعي‪ ،‬ومن الت�أطري الزمني‬ ‫الت�سجيلي �إىل الف�سحة الف�ضائية اللونية‬ ‫للوحة‪ ،‬لتتقابل مع ال��ر�ؤى املتحررة لفنانني‬

‫معا�صرين لهم �أمثال «حممود حماد» و«عبد‬ ‫العزيزن�شواتي» و«�صالح النا�شف» و«عدنان‬ ‫جبا�صيني»وغريهم‪ .‬وكانت تولد �أعمالهم‬ ‫الفنية وتتم اللقاءات واحل��وارات يف �صالون‬ ‫«ف�يرون�ي��ز» بدم�شق و�سط �أج ��واء م�شحونة‬ ‫بالطاقة واحليوية واالندفاع تتخللها جوالتهم‬ ‫للر�سم يف الطبيعة مبا�شرة ب�ين ب�ساتني‬ ‫الغوطة واملهاجرين والبحث عن احلقائق‬ ‫التي تتبلورمن خاللها جتاربهم‪ ،‬وعن هذا‬ ‫يقول ن�صري‪�«:‬أنا �أق��رب �إىل االنطباعية من‬ ‫حيث حتليل اللون و�أنا ال �أر�سم كما ير�سم كلود‬ ‫مونيه زعيم االنطباعية»‪ .‬ويف هذا ما يدل على‬ ‫االختالف يف �أ�سلوبه حيث كان ل�شفافية �ألوانه‬


‫تشكيل‬ ‫‪142‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬

‫واجلمال اللوين الذي يعترب جزء ًا �أ�سا�سي ًا من‬ ‫تكوينه‪ ،‬ويبدو ذلك وا�ضح ًا يف لوحاته «منزل‬ ‫ريفي ‪ -‬نزهة يف ال�شتاء‪ -‬منظر طبيعي ‪»...‬‬ ‫حيث توجد حالة من الألفة ما بني الأ�شخا�ص‬ ‫والعنا�صر ون �ق��اوة ال�ل��ون وت��درج��ه‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إىل ال��رق��ة يف الأ��ش�ك��ال م��ن خ�لال �سحبات‬ ‫الفر�شاة املتقاربة‪ ،‬وبهذا جند ب�أن �شورى يف‬ ‫هذه املرحلة حاول �إغفال املو�ضوع وتركيزه‬ ‫على جانب ال�شكل وال�ل��ون واحل��رك��ة اللونية‬ ‫وعلى عاملي الإ�ضاءة واجلو‪ ،‬ونقل �إح�سا�سه‬ ‫للم�شاهد من خالل اللون والت�أثري‪ ،‬ومن خالل‬ ‫املالم�س والتقنية املتبعة يف العمل املعتمدة‬ ‫على امل�ساحات اللونية وانعكا�س ال�ضوء وعدم‬ ‫و�ضوح التفا�صيل وال�شفافية التي ت�صل �إىل‬ ‫حد الإ�شباع يف اللون �أحيان ًا‪ ،‬فتجده يقول يف‬ ‫جملة احلياة الت�شكيلية‪« :‬يف البداية كنت �أق ّلد‬ ‫الطبيعة ب�ألوانها و�أ�شكالها‪ ،‬وحتول النقل �إىل‬ ‫تفاعل وج��دل‪ ،‬عرفت �أ�شياء كثرية دفعتني‬ ‫لأحذف و�أ�ضيف و�أخل�ص‪ ،‬و�أبحث يف منطق‬ ‫العالقات اللونية املتبدلة والتي ت�ؤكد خ�صب‬ ‫الطبيعة»‪.‬‬

‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫التجريدية‬

‫وتناغمها فارق وا�ضح بينها وبني ت�ضاد الألوان‬ ‫و�سماكتها عند االنطباعيني الفرن�سيني‪ ،‬ولكنه‬ ‫ك�أي فنان انطباعي ي�ستمد االيحاءات ال�ضوئية‬ ‫واال�شعاعات التي تتخللها الأمواج الأثريية فوق‬ ‫ال�سطوح امل�شعة ليج�سدها يف لوحته بلحظات‬ ‫خاطفة للمرحلة الزمنية التي تعك�سها‪� ،‬أو‬ ‫يخزنها يف خميلته ليعود وينرثها بتناغم‬ ‫وتوهج �ضوئي على �سطح لوحته م�ستمد ًا من‬ ‫ذاكرته الأ�ضواء الهاربة يف �شعور ب�صري لتلك‬ ‫احلالة‪ ،‬ويقدم بذلك الر�ؤية املتجددة للوحة‬ ‫بان�سجام متناغم و�إح�سا�س جمايل له ت�أثريه‬

‫على املتلقي ملا فيه من متعة و�إ�شراق ًا لوني ًا‬ ‫مفعم ًا بال�سعادة و�صياغة خا�صة لعالقات‬ ‫الأ�شكال من حيث التوزيع والتنا�سق اللوين‪.‬‬ ‫وكانت معاجلته للأ�شخا�ص واملناظر متتاز‬ ‫بالدقة التي ال تخلو من العفوية ورهافة احل�س‬

‫مزج محلية الشمس‬ ‫السورية باالنطباعية‬ ‫الفرنسية التي‬ ‫اهتمت باللون والنور‬ ‫وتأثيراتهما المختلفة‬

‫لعل �أهم الأ�سباب التي دفعت ب�شورى لالنتقال‬ ‫�إىل جتربته اجلديدة‪ ،‬هو حبه الدائم للبحث‬ ‫ولإ�ضافة مالمح جديدة للطبيعة �أكرث حترر ًا‬ ‫و�شاعرية من �سابقتها‪ ،‬فعندما �أراد �شورى‬ ‫�أن يتوجه �إىل التجريد يف فنه فذلك لأن��ه‬ ‫ك��ان ي��درك متام ًا �أن هناك موا�ضيع �أخ��رى‬ ‫تنتظره ليرتك ب�صمته الفنية عليها يف �أعمال‬ ‫يج�سدها خالل م�سرية حياته الفنية والتي كان‬ ‫�أهمها حبه الدائم للإ�ضافة واحلذف‪ ،‬وذلك‬ ‫من خالل حذف الكثري من التفا�صيل لت�صل‬ ‫الأ�شكال �إىل �سطوح لونية وم�ساحات ممتدة‬ ‫للطبيعة‪ ،‬معتمد ًا على م��ا ع�ب��أه يف خميلته‬ ‫من جماليات للريف ال�سوري وعلى خمزونه‬ ‫الب�صري و�شاعريته املغناة‪ ،‬مكتفي ًا يف معاجلة‬ ‫موا�ضيعه التجريدية داخ��ل مر�سمه‪ ،‬ليطلق‬ ‫العنان لأبحاثه وخلربته الطويلة يف تخيل‬ ‫ال�ل��وح��ة وال�ب�ح��ث ع��ن ال�ع�لاق��ات الت�شكيلية‬ ‫واللونية للكتل والفراغ و�إيجاد رواب��ط متينة‬


‫لتما�سك الأجزاء‪ ،‬و�إغناء امل�ساحات بال�سطوح‬ ‫املتباينة يف ملم�سها والت�أكيد على الت�ضاد‬ ‫والتناغم ما بني الأ�شكال وامل�ساحات‪ ،‬وذلك‬ ‫من خالل الإ�سكت�شات التي كان يعتمدها قبل‬ ‫البدء يف توزيع عمله على اللوحة‪ ،‬كما �أدخل‬ ‫الأ��ش�ك��ال الهند�سية ع�بر ت��داخ�لات حركية‬ ‫لونية خا�صة‪ ،‬فكان يعتمد يف ه��ذه املرحلة‬ ‫على جتربة عقالنية بعيدة عن االنفعاالت‬ ‫وع��ن التلقائية التي امتزجت بها مرحلته‬ ‫االنطباعية‪ ،‬فيقول‪« :‬العقالنية حقيقة ثابتة‬ ‫تتحكم بعملي»‪.‬‬

‫الواقعية اجلديدة‬

‫رمبا تكون اللوحة يف هذه املرحلة قد توجت‬ ‫الفن الذي �أبدعه ن�صري �شورى عرب جتربته‬ ‫الطويلة؛ فهي خال�صة م��ا تو�صل �إل�ي��ه من‬ ‫اكت�شافات وجتدد ومزيج من اخليال والت�أليف‬

‫على نحو جديد م��ن خ�لال ق�صا�صات من‬ ‫�أوراق الطبيعة امللونة و�إعادة بنائها على نحو‬ ‫جديد فيه م��ن االن�سجام وال�ت��آل��ف وال�ثراء‬ ‫ال�ل��وين الطبيعي ال��ذي �أغ�ن��ى بها جتربته‪،‬‬ ‫�أم��ا ال�شخو�ص فكانت ج��زء ًا من امل�ساحات‬ ‫الت�شكيلية ويعرب عنها من خالل امل�ساحات‬ ‫اللونية حمقق ًا ت��وازن��ا لوني ًا وت�شكيلي ًا مع‬ ‫العنا�صر الأخرى من اللوحة لي�صبح الإن�سان‬ ‫جزء ًا من الطبيعة وحمور ًا يتقاطع مع املحاور‬ ‫الأخرى ليخلق عم ًال متما�سك ًا وواقعية جديدة‬ ‫قادرة على �أن تكون �أقرب �إىل امل�شاهد و�أكرث‬ ‫جمالية تنبع من ح�سا�سيته الداخلية ور�سالته‬ ‫ال�ت��ي ك��ر���س لها ح�ي��ات��ه‪ ،‬وه��ي ن�شر البهجة‬ ‫وال �ف��رح ع�بر ه��ذه الأل� ��وان املتناغمة وه��ذه‬ ‫للواقع‪ ،‬لي�صل �إىل ذروة ما قدمه يف عامل ال�شاعرية التي تطبعت بها �أعماله يف جميع‬ ‫الطبيعة ويف تفا�صيلها ال�صغرية التي برزت مراحله‪ ،‬ولهذا �أطلق عليه خليل �صفية لقب‬ ‫يف هذه املرحلة‪ ،‬لت�ضفي ر�ؤية جديدة للواقع «�شاعر الألوان والفرح»‬


‫الكتب‬ ‫سوق اآلفاق‬ ‫ارتياد‬ ‫‪144‬‬ ‫الـعــــدد‬ ‫‪155‬‬ ‫�سبتمرب‬

‫‪2012‬‬

‫منها «كركوز وعيواظ»‬

‫الظواهر المسرحية العربية األولى‬ ‫مفيد جنم‬ ‫لعل ال�س�ؤال الذي يطرح نف�سه بداية حول عالقة العرب بامل�سرح‪ ،‬هل عرف العرب ظاهرة من‬ ‫ظواهر امل�سرح �أ�سهمت يف التمهيد لن�ش�أته عربياً �أم هو فن وفد �إلينا كالرواية والفن الت�شكيلي من‬ ‫الثقافةالغربية؟‬ ‫�إن �أهمية الإجابة على هذا ال�س�ؤال ال تكمن يف اعتبار امل�سرح ظاهرة غري طارئة على الثقافة‬ ‫العربية وح�سب‪ ،‬بل يف الك�شف عن تنوع و�إبداع تلك الثقافة قدمياً عرب تلك الظواهر االحتفالية‬ ‫التي مهّدت لظهور امل�سرح‪ ،‬خا�صة و�أن الثقافة العربية مل تكن �آنذاك معزولة عن حميطها‬ ‫الثقايف‪� ،‬إذ �أثرت فيها وت�أثرت بها يف الآن ذاته‪.‬‬ ‫م�صر عام ‪ 1799‬التي تعرف العرب من خاللها‬ ‫على امل�سرح ب�شكله احلديث تعرف ًا كام ًال‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إىل ما قامت به مدار�س الإر�ساليات من دور‬ ‫م�ساند عرب التمثيالت التي كانت تقدمها يف‬ ‫نهايةالعامالدرا�سي‪.‬‬ ‫لقد �شكلت الظواهر امل�سرحية الأوىل عند‬ ‫ال�ع��رب ن��وع� ًا م��ن الأ��ش�ك��ال ال�شعبية الفنية‬ ‫التي �سبقت ظهور امل�سرح كثري ًا‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫ي�ستدعي من الباحث �أن يعر�ض ب�شكل موجز‬ ‫لكل �شكل م��ن تلك الأ� �ش �ك��ال ال�شعبية ويف‬ ‫مقدمتها ظاهرة احلكواتي التي انت�شرت يف‬ ‫ع�صور االنحطاط و�أوائ��ل ع�صر النه�ضة بعد‬ ‫انت�شار املقاهي العامة‪ ،‬حيث كانوا يتولون �سرد‬ ‫ال�سري ال�شعبية بنوع من اخلطابة واحلركات‬ ‫التمثيلية‪ .‬لكن ظهور الرائي �أ�سهم يف تراجع‬ ‫تلك الظاهرة التي حتولت �إىل نوع من الفلكلور‬ ‫املقام يف بع�ض املقاهي الدم�شقية القدمية‪.‬‬

‫يف كتابه «م�سرح عربي قدمي ‪ -‬كركوز» الذي �أن �شاهده وا�ستطاع �أن يح�صل على بع�ض‬ ‫�صدر يف طبعته الأوىل ع��ام ‪ ،1964‬يحاول ن�صو�صه التي عر�ضت على م�سرح خيال الظل‬ ‫القا�ص والكاتب ع��ادل �أب��و �شنب �أن يتق�صى العربي منذ ‪ 800‬عام‪.‬‬ ‫ظاهرة من ظواهر الفن ال�شعبي الأ�صيل التي‬ ‫ا�شتهرت با�سم م�سرح خيال الظل �أو «كراكوز» �أ�شكال �سبقت امل�سرح‬ ‫و«ع�ي��واظ» ال��ذي �شهد ازده��اره �أثناء مرحلة يعود �أبو �شنب �إىل درا�سة �أ�سباب غياب امل�سرح‬ ‫احلكم العثماين يف ال�شرق الإ�سالمي‪.‬‬ ‫عند العرب على خالف اليونانيني‪ ،‬فريى �أن امليل‬ ‫ينطلق الكاتب يف بحثه من اعتبار �أن بدايات الفطري عند العرب اجلاهليني لتج�سيد املعاين‬ ‫امل�سرح مل تتجاوز كونها لون ًا من �ألوان التقليد يف �صور قد ان�صب على ال�شعر وروايته و�إلقائه‬ ‫واالحتفال‪ ،‬الأمر الذي يجعل جميع النزعات وعلى االحتفاالت الدينية‪ ،‬حيث لعبت الظروف‬ ‫االحتفالية هي �ضرب من �ضروب التمثيل الذي البيئية دور ًا مهم ًا على هذا امل�ستوى‪ .‬ولعل غياب‬ ‫عرفته جميع الأمم‪ ،‬والتي �أ�سهمت يف تطور الرتجمةعندالعربامل�سلمنيللم�سرحالإغريقي‬ ‫التمثيل وظهوره كفن م�ستقل ذي �شخ�صية‪ ،‬لأ�سباب دينية قد �أ�سهم يف ت�أخر ظهور امل�سرح‬ ‫لكن �أمم ًا قد ا�ستطاعت �أن تطور تلك الظواهر عندهم‪� ،‬إىل �أن كانت احلملة الفرن�سية على‬ ‫يف حني �أن �أمم ًا �أخرى مل تتمكن من ذلك‪ ،‬كما‬ ‫هو احلال بالن�سبة للعرب‪.‬‬ ‫ويربر اختياره لظاهرة خيال الظل عند العرب غياب ترجمة العرب‬ ‫م��ن دون غ�يره��ا م��ن ال �ظ��واه��ر االحتفالية المسلمين للمسرح‬ ‫الأخرى من خالل اعتبارها الظاهرة الأن�ضج اإلغريقي ألسباب دينية قراقو�ش والقراقوز‬ ‫وهناك ظاهرة القراقوز التي تق�صى الباحث‬ ‫يف تلك الظواهر والأكمل والأق��رب �إىل �شكل أسهم في تأخر ظهور‬ ‫الأملاين معناها فوجد �أنها حمرفة بفعل اللغة‬ ‫امل�سرح املعا�صر‪� ،‬إ�ضافة �إىل ع�شقه له بعد‬

‫المسرح عندهم‬


‫الرتكية عن كلمة قراقو�ش‪� ،‬إذ �أن بداياته‬ ‫كانت تقوم على التندر ب�أفعال تلك ال�شخ�صية‬ ‫و�سلوكها‪ ،‬خا�صة و�أن ظهوره كان يف م�صر‪ ،‬يف‬ ‫حني عرفت بالد ال�شام باملقابل م�سرح خيال‬ ‫الظل امل�سمى كركوز ‪� .‬إن ظاهرة القراقوز‬ ‫التي كان ي�ؤدى دورها التمثيلي بوا�سطة دمى‬ ‫خ�شبية �أو من ج�ص تتحرك بوا�سطة خيوط‬ ‫ت�شد من �أ�سفل من�صة التمثيل تعترب قريبة جد ًا‬ ‫من م�سرح العرائ�س الذي عرفته بلدان �أوروبا‬ ‫ال�شرقية ‪� .‬أم��ا م�سرح خيال الظل فقد كان‬ ‫م�صدره وفق ما يقوله الدار�سون هو الهند لكنه‬ ‫انتقل �إىل بالد ال�شام من خالل ال�صينيني‬ ‫ونظر ًا ل�شيوعه الكبري يف البالد العربية فقد‬ ‫حتدث عن انت�شاره كل من املقريزي والأب�شيهي‬ ‫يف امل�ستطرف‪ .‬ومن خالل العرب انت�شر يف‬ ‫تركيا و�أنحاء االمرباطورية العثمانية‪ .‬وقد‬ ‫بقي هذا ال�شكل من امل�سرح معروف ًا يف بالد‬ ‫ال�شام حتى فرتة قريبة‪.‬‬

‫م�سرح خيال الظل‬

‫يعنى الكاتب باحلديث عن خيال الظل على‬ ‫عك�س الظواهر االحتفالية الأخ��رى‪ ،‬انطالق ًا‬ ‫من كون امل�سرحيات التي كان يقدمها ت�ستحق‬ ‫الوقوف عندها‪ ،‬على خالف الظواهر الأخرى‪،‬‬ ‫�إذ �شكلت حماولة عربية لكتابة امل�سرحية التي‬ ‫ك��ان قوامها �شخو�ص ًا م�صنوعة م��ن اجللد‬ ‫امل�ضغوط �أو الورق املقوى‪ ،‬وكان م�ضمون تلك‬ ‫امل�سرحيات م�ستمد ًا من احلياة االجتماعية‬ ‫وال�سيا�سية واالقت�صادية للنا�س‪.‬‬ ‫ونظر ًا لت�أخر االهتمام بجمع تلك الن�صو�ص‬ ‫ف�إن عدد الن�صو�ص التي �سجلت مل يتجاوز‬ ‫الع�شرين ن�ص ًا‪ ،‬وم��ن الغرابة �أن م��ن قام‬ ‫بجمعها وتدوينها هم امل�ست�شرقون الأجانب‪،.‬‬ ‫حيث ي��رج��ع ت��اري��خ �أق ��دم ن�ص �إىل القرن‬ ‫الثاين ع�شر امليالدي‪.‬‬ ‫�إن احتكار �أ�صحاب هذه املهنة لها وتوريثها‬ ‫لأوالدهممنبعدهمجعلمعرفةكتبةن�صو�صه‬ ‫و�أع�لام��ه جمهويل الهوية با�ستثناء طبيب‬ ‫العيون وال�شاعر امل�صري ابن دانيال وابنه‪.‬‬ ‫مل تكن وظيفة هذا امل�سرح للت�سلية وح�سب‬ ‫بل جتاوزتها �إىل التعر�ض للحياة ال�سيا�سية‬

‫ب���ص��راح��ة ح�ت��ى ع�ن��د ان�ت���ش��اره يف ال�ع��امل‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬ال�سيما يف العهد الفاطمي الذي‬ ‫لعب دور ًا �سيا�سي ًا وديني ًا على �صعيد الرتويج‬ ‫للدعوة الفاطمية‪ ،‬وحني �شاهده �صالح الدين‬ ‫الأيوبي بعد زوال الدولة الفاطمية �أعجب‬ ‫به ‪ ،‬يف حني ا�ستخدمه احلكام الآخ��رون يف‬ ‫�إلهاء ال�شعب عن ق�ضاياه احلقيقية‪ .‬لقد كان‬ ‫�أكرث ما تعر�ض له هذا امل�سرح هو الق�ضايا‬ ‫االجتماعية وحياة ال�شعب ‪ .‬ويعر�ض الباحث‬ ‫لعدد من تلك امل�سرحيات باعتبارها متثل‬ ‫منوذج ًا مل�سرح خيال الظل القدمي مثل ف�صل‬ ‫احلمام وبابه عجيب وغريب‪.‬‬

‫التكنيك امل�سرحي يف خيال الظل‬

‫يف اجل��زء الأخ�ير من الكتاب يقدم الباحث‬ ‫عر�ض ًا للتكنيك امل�سرحي امل�ستخدم يف تلك‬ ‫امل�سرحيات‪ ،‬ويف مقدمتها ف�صل احلمام الذي‬ ‫يالحظ فيه توزيع احل��وار على ال�شخ�صيات‬ ‫توزيع ًا ج�ي��د ًا‪ ،‬حيث تعرب ك��ل �شخ�صية من‬ ‫�شخ�صيات العمل عن �أفكارها وم�شاعرها‬ ‫ب�صورة �صحيحة‪ ،‬وتن�سجم مع تطور الن�ص‬ ‫نحو الغاية املن�شودة‪ ،‬يف حني تتميز جمل احلوار‬ ‫بالق�صر واالبتعاد عن املنولوج املطول الذي‬ ‫كان �شائع ًا يف امل�سرح الرومنتيكي الأول الذي‬ ‫عرفه العرب‪� ،‬إ�ضافة �إىل ا�ستخدامها اللهجة‬ ‫الأ�صيلة‪ ،‬لكنها باملقابل تبتعد عن االهتمام‬

‫شكلت الظواهر‬ ‫المسرحية األولى عند‬ ‫العرب نوع ًا من األشكال‬ ‫الشعبية الفنية التي‬ ‫سبقت ظهور المسرح‬

‫بعن�صري الزمان واملكان كما هو احل��ال يف‬ ‫م�سرح الالمعقول‪� ،‬إىل جانب ح�شر الأحداث‬ ‫وال�شخ�صيات اجلانبية بكرثة يف �سياق العمل‬ ‫وذلك ب�سبب الرتكيب غري املعقول للحوادث‪،‬‬ ‫وما تتفتق عنه خميلة امل�ؤلف‪.‬‬ ‫�أما بالن�سبة لعنا�صر الت�أثري يف تلك الأعمال‬ ‫فهي تكمن يف الأح��داث وحركتها املتالحقة‬ ‫�إىل جانب تباين ال�شخ�صيات ومواقفها من‬ ‫الأحداث و�شحن اجلمل والكلمات مبرتادفات‬ ‫لفظية �أو با�ستماالت رائجة‪ .‬ومما يخل�ص �إليه‬ ‫من درا�سة تلك الأعمال �أن توزيع الأدوار فيها‬ ‫مل يكن اعتباطي ًا و�إمنا نابع ًا من درا�سة نف�سية‬ ‫لطبيعة كل �شخ�صية ومن ي�شبهها يف احلياة‬ ‫العامة‪ .‬كذلك ا�ستخدم اب��ن دان�ي��ال ال�شعر‬ ‫والنرث امل�سجع �إىل جانب اللغة الف�صيحة يف‬ ‫م�سرحيات �أخرى‪.‬‬ ‫ويف اخل�ت��ام يتناول �أث��ر امل�سرح و�أث��ر رواده‬ ‫خ�لال ف�ترة ثمانية ق��رون هي زم��ن انت�شاره‬ ‫يف ك��ل ال�ب�لاد العربية‪ ،‬حيث كانت تعر�ض‬ ‫�أع �م��ال ال�شحادين والإف��رجن��ي والأف �ي��وين‬ ‫واحلمام والهرة‪ .‬و�إذا كان رواد خيال الظل‬ ‫يف القرون الأوىل كانوا من ال�صفوة ف�إن رواده‬ ‫قد �أ�صبحوا �أي�ض ًا من العامة ‪ ،‬ويرى الباحث‬ ‫�أن هذا االنحدار قد �أ�سهم يف تراجع م�ستوى‬ ‫هذا امل�سرح رغبة يف �إر�ضاء هذا اجلمهور‪� ،‬إذ‬ ‫جرى ح�شو الن�ص امل�سرحي بحوادث ومواقف‬ ‫وكلمات مالت نحو البذاءة ‪ ،‬لكنه يف القرون‬ ‫الأخرية كان متنوع ًا و�إن كان الطابع املرذول‬ ‫فيه ه��و الأ��س��ا���س‪ ،‬ففي م�صر وب�لاد ال�شام‬ ‫وتون�س ا�شتقت م�ضامني هذه امل�سرحيات لفرتة‬ ‫طويلة من مو�ضوعات اجلن�س‪ ،‬وقد �أدى انفعال‬ ‫اجلمهور ال�ساذج بهذا امل�ستوى �إىل انخفا�ض‬ ‫�سوية العمل امل�سرحي من حيث امل�ضمون‪،‬‬ ‫م��ا ي��دل على العالقة اجلدلية ب�ين امل�سرح‬ ‫واجلمهور نتيجة ت�أثر كل منهما بالآخر‪ ،‬ثم‬ ‫يعر�ض لأهم ال�شخ�صيات التي عرفت يف هذا‬ ‫امل�سرح يف بالد ال�شام مثل �شخ�صيات كركوز‬ ‫وعيوا�ض وقريطم واملدلل وميمون وميمونة‬ ‫وبكري م�صطفى وخم��زوم لكن �شخ�صيتي‬ ‫كركوز وعيوا�ض كانتا هما الأهم فيها‬


‫كالم أخير‬

‫حبيب ال�صايغ‬

‫زمن الكتابة‬ ‫يف الزمن القدمي ن�سبي ًا‪ ،‬اجلميل مطلق ًا‪ ،‬كانت‬ ‫النا�س تكتب‪ ،‬وكان العناق اليومي بني الأ�صابع‬ ‫والأقالم حا�ضر ًا ح�ضوره املتناغم من �أ�سرار‬ ‫القلوب‪ .‬لي�ست ر�سائل الغرام وحدها‪ ،‬ولكن‬ ‫الر�سائل العادية‪ ،‬واملكاتيب‪ ،‬بع�ضها للتجارة‪،‬‬ ‫بع�ضها لطلب م�صلحة �أو منفعة‪ ،‬وبع�ضها‬ ‫ملجرد ال�سالم‪ ،‬حيث نهديكم �أطيب حتية‪،‬‬ ‫ون�سلم على الأوالد جميع ًا‪ ،‬ومن طرفنا اجلميع‬ ‫فرد ًا فرد ًا يهدونكم وافر ال�سالم‪ ،‬وال�سالم‪.‬‬ ‫ذاك زمن الكتابة بامتياز ولي�س �سواه‪ ،‬فاليوم‬ ‫الأقالم من�سية يف الأدراج واجليوب‪ ،‬والإنرتنت‬ ‫يتقدم يف درجات ال�سباق‪.‬‬ ‫لي�س هجاء‪ ،‬ف�أدوات الع�صر ت�ستحق املديح‪،‬‬ ‫بل هي ت�ستحق الغزل �أي�ض ًا‪ ،‬لكننا يف بع�ض‬ ‫جوانب حياتنا‪ ،‬ومنها غفلتنا عن �أنف�سنا‬ ‫وذواتنا �إىل هذا احلد‪ ،‬ن�ستحق الرثاء‪.‬‬ ‫وهذه لي�ست دعوة �إىل رومان�سية فجة‪ ،‬حيث‬ ‫ر�سائل احلب مر�سومة بالقلوب احلمراء‪،‬‬ ‫ومر�شو�شة مباء الورد‪ ،‬و�إمنا هي دعوة �إىل‬

‫ملاذا ال أجرؤ‬ ‫ولو مرة واحدة‬ ‫ِ‬ ‫اسمك يف القصيدة‬ ‫أن أقول‬ ‫حتى تكتمل؟‬

‫املزيد من حتقيق �إن�سانية الإن�سان‪ ،‬حيث‬ ‫يت�صرف بطريقة تلقائية‪ ،‬متم�سك ًا بالقلم‬ ‫التقليدي‪ ،‬كما يتم�سك بـ "املوبايل" الذي‬ ‫كاد ي�صبح ع�ضو ًا من �أع�ضائنا‪ ،‬وجز ًء من‬ ‫�أج�سادنا‪.‬‬ ‫الكتابة قبل الإنرتنت وبعده فن‪ ،‬والكتابة فن‬ ‫منذ الع�صر احلجري والكتابة على الأحجار‬ ‫والأقمار‪ .‬الكتابة فن هادئ لكنه م�شاغب‪،‬‬ ‫وفن يناق�ض نف�سه‪ ،‬متنق ًال بني لون ولون‪،‬‬ ‫وغ�صن وغ�صن‪ ،‬لكنه ال ين�سى �أن يقوم بواجبه‬ ‫الب�سيط‪� :‬إي�صال الكلمات الب�سيطة والعزف‬ ‫على �أوتار الوجدان‪.‬‬ ‫هل ولىً زمن الكتابة؟‬ ‫بهذا املعنى نعم‪ ،‬ويف الذاكرة احلية ذلك‬ ‫املواطن اجلميل الب�سيط‪ ،‬وهو يتوك�أ على دكة‬ ‫يف ال�سوق‪ ،‬فيما كاتب الر�سائل الب�سيطة‪،‬‬ ‫وهذه مهنته‪ ،‬ين�صت ب�شغف‪ ،‬ويكتب بذوق‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بغ�ض النظر عن الأخطاء الإمالئية‪ ،‬فوحدها‬ ‫مل تكن ب�سيطة‪.‬‬


‫من �إ�صـدارات‬ ‫مركز سلطان بن زايد للثقافة واإلعالم‬


‫يصدر كل شهر ويوزع مجاناً مع مجلة تراث‬

‫العدد المقبل‬ ‫ثمرات ناضجات‬ ‫من جنان الشعر العربي‬

‫يــــة‬

‫هــد‬ ‫مع‬

‫جملة‬

‫تراث‬

‫للدكتور عايدي علي جمعة‬

‫(‪)7‬‬

‫ل‬

‫ع‬

‫غي‬ ‫ال ِ‬ ‫جي ُه الب َ آنِي َّ ْة‬ ‫ل َّتو ِ‬ ‫ال ُقرْ‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ءا ِ‬ ‫ِقرَا َ‬ ‫لِل‬

‫�شــهر‬

‫جمـلة‬

‫تراث‬

‫تاب‬

‫(‪)6‬‬

‫الك‬ ‫لكرمي‬ ‫ا‬ ‫ا‬ ‫نه يف قراآنه ره يف‬ ‫ك�‬ ‫اهلل �سبحا لتي�سري ذ تيعاب‬ ‫ه؛‬ ‫�س‬ ‫مة‬ ‫�ه ق�راءات� معانيه وا ةً من‬ ‫ر‬ ‫ج�‬ ‫كب‬ ‫اأو از يف ت�س�ي م بها ك� ياتها‪،‬‬ ‫‪ ،‬والإيج س لاهتما ت من روا ها كلٌّ‬ ‫�‬ ‫ب‬ ‫تثبُّ‬ ‫مه‪ ،‬وق َّي بنقلها وال جاج لها اأو للغ�ي‬ ‫منها ا‬ ‫والحت‬ ‫�ا‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫عت�سد‬ ‫فاتخذ‬ ‫لماء ُ جيهها‬ ‫ما ُعن�ا بت� ومنزعه؛ جة ملذهبه‪ ،‬وا رجيح‬ ‫هه‬ ‫ت‬ ‫ك �سب ُم َّتج عدته اأو ح حكام اأو يف ج�هها‬ ‫ح‬ ‫قا‬ ‫ب ه ًدا على �ستنباط الأ كلم ببع�س و وكانت‬ ‫ا‬ ‫ه‪،‬‬ ‫ملت‬ ‫يف‬ ‫�سا فقيه‬ ‫وت� َّ�سل ا ذهب غري للغ�ي‬ ‫حليل ا‬ ‫بها ال ى اآخر‪ ،‬يف رد م‬ ‫هي الت‬ ‫حكم عل‬ ‫أو‬ ‫ا‬ ‫به‬ ‫ت مذه ىل ذلك‬ ‫ت�جيه‬ ‫يف اإثبا‬ ‫عا اإ‬ ‫ال‬ ‫يلتهم جمي ً �سرها‪ .‬جتاهات يف انيها‪،‬‬ ‫�س‬ ‫مع‬ ‫و لنح�ي لعنا ل هذه ال لبحث يف �ة على‬ ‫�‬ ‫ا‬ ‫وا زغ من خ �ان ُيعني با ي��ة امل �رتت �ب جلزري‬ ‫غ�‬ ‫ك�‬ ‫وب جت��اهٌ اآخ �ر � ��ه ال�ب�ا جعلها ابن ا وج ًها‬ ‫ها‬ ‫ج‬ ‫)‬ ‫ا � ُّم���س الأو افها‪ ،‬حتى ت ‪911‬ه� لكرمي‪.‬‬ ‫بيق‬ ‫�ل‬ ‫(‬ ‫�ا���س‬ ‫وت ايرها واخت ال�سي�طي يف القراآن ا ي بثَّها‬ ‫اغي‬ ‫لت‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫تغ ت‪832‬ه�) از الباغ الباغية ا راءات‬ ‫لب طبيق‬ ‫الإعج ظ�اهر ههم للق‬ ‫(‬ ‫لت‬ ‫ا‬ ‫ية)‪،‬‬ ‫ف على‬ ‫ن وج�ه تتبع ال‬ ‫ت�جي‬ ‫البديعدرا�سة‬ ‫م ذا الكتاب ي يف معر�س ا؛ ثم ال�ق� وبيان‬ ‫ربية‪ :‬مدخل‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ه‬ ‫)‪ ،‬و(‬ ‫ه ما ُء ال�سلف ها‪ ،‬ور�سد اأو حتليله اأثرها‬ ‫ية‬ ‫ت‬ ‫ها‬ ‫عل‬ ‫ري‬ ‫ربية)‪.‬‬ ‫ت�اترة وغ لإ�سارة اإلي خلال�س اأو حركة‬ ‫اغي ا �سب يف‬ ‫م يف ا‬ ‫امل‬ ‫طرائقه حث الب ها املنا‬ ‫م�قع‬ ‫يف الب‬ ‫اأثرها تقع بذلك ديدها‪.‬‬ ‫ه؛ حتى غة وجت‬ ‫ب ل البا‬ ‫ت أا�سي‬

‫صدر ضمن سلسلة كتاب تراث‪:‬‬

‫ا‬

‫سترا‬

‫يجي‬ ‫ت‬

‫ة ال‬

‫تأوي‬ ‫ل ال‬ ‫لي‬ ‫ـدال‬ ‫ه‬

‫د‪.‬‬

‫يثم �س‬ ‫رحان‬ ‫رات‬

‫�شدا‬ ‫إا ‪2 0 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫�أحمد‬

‫�سعد‬

‫حممد‬

‫�سعد‬

‫اليمن ‪ ،1929‬انطباعات ومشاهدات البعثة السوفيتية‬ ‫األملانية السينامئية‪ ،‬ترجمة د‪ .‬سعيد دبعي‬ ‫تعدد الرواية يف الشعر الجاهيل‪ ،‬د‪ .‬أمين بكر‬ ‫ذاكرة الطني‪ ،‬شواهد من الرتاث املعامري والعسكري‬ ‫يف مدينة العني‪ ،‬د‪ .‬محمد فاتح صالح زعل‬ ‫حكمة األجداد يف تراث مجتمع اإلمارات‪،‬‬ ‫دراسة سوسيولوجية يف األمثال الشعبية‪ ،‬د‪ .‬أحمد محمود الخليل‬ ‫تأريخ القدامى للشعر إىل نهاية القرن الرابع‬ ‫مدونة املرزباين أمنوذجاً ‪ ،‬د‪ .‬محمد حبيبي‬ ‫اسرتاتيجية التأويل الداليل عند املعتزلة‬ ‫الدكتور هيثم رسحان‬ ‫التوجيه البالغي للقراءات القرآنية‪ ،‬د‪ .‬أحمد سعد محمد سعد‬ ‫رسائل البرشى يف السياحة بأملانيا وسويرسا عام ‪ ،1889‬حسن توفيق العدل‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.