جبل حفيت.. ٌ حوت �ضخم ي�سبح يف �صحراء العني تراثية ثقافية منوعة ت�صدر عن نادي تــــــــــــــــراث الإمـارات العـدد � 155سبتمرب 2012
الخطاب األنثوي يف املثل ال�شعبي العماين
النخلة..
ربيع املقيظ وجنة الرمل
مجلس العلوم ..
هل نحن يف منت�صف الإنقرا�ض ال�ساد�س !
ثقافةالخوف ..
جت ِّلياتها يف ال�شعر العربي
مع العدد كتاب الشهري
منتدى الشيخ زايد
يستعرض الفكر الوحدوي للقائد الرمز
صوت من المستقبل إن اجليل اجلديد يجب أن يعرف كم قاسى اجليل الذي سبقه ،ألن ذلك يزيده صالبة وصربًا وجهادًا ملواصلة املسرية التي بدأها اآلباء واألجداد ،وهي املسرية التي جسدت يف النهاية األماين القومية بعد فرتة طويلة من املعاناة ضد التجزئة والتخلف واحلرمان. على شعبنا أال ينسى ماضيه وأسالفه ،كيف عاشوا وعلى ماذا اعتمدوا يف حياتهم وكلما أحس الناس مباضيهم أكرث ،وعرفوا تراثهم ،أصبحوا أكرث اهتمامًا ببالدهم وأكرث استعدادًا للدفاع عنها. لقد ترك لنا األسالف من أجدادنا الكثري من الرتاث الشعبي الذي يحق لنا أن نفخر به ونحافظ عليه ونطوره ليبقى ذخرًا لهذا الوطن ولألجيال القادمة. البد من احلفاظ على تراثنا القدمي ألنه األصل واجلذور وعلينا أن نتمسك بأصولنا وجذورنا العميقة . إن اإلملام بالرتاث ينري األفكار وينري طريق احلياة. إن أبناءنا عندما يستوعبون مسرية آبائهم وأجدادهم يستطيعون أن يعرفوا سبب النصر وبالتايل معرفة الطريق املؤدي إىل النصر. إن اإلملام بهذه احلقائق ال يتم إال عرب قراءة واستيعاب تاريخ آبائنا وأجدادنا على أرض الوطن ،إن إمكانيات االطالع متوفرة اآلن لكل راغب من الشباب. زايد بن سلطان آل نهيان
محتويات العدد تراثية ثقافية منوعة ت�صدر عن مركز زايد للدرا�سات والبحوث بنادي تراث الإمارات
امل�شــرف العــام
حبيـب ال�صــايـغ اال�سـتـ�شـارة العـلـمـيــة
�أ .د .ح�سـن حمـمـد النابـودة �أ.د .يحيى حممد حممـود �أ .حنفي جايل مدير التحرير
وليد عالء الدين هيئة التحرير
�شـم�سـة حـمـد الظاهـري فاطمة نايع املـنـ�صـوري حممــد �سعد النمـــر املـراجـعـة والـتـدقـيـق
د .حمـمـد فـاتــح زغـل املديـر الفنـي
فــواز نـاظــم ر�س ــوم
حـ�سـن �إدلـبـي حممد بريم الإخراج والت�صميم
�إيـنـا�س درويـ�ش هـاتف00971 2 2223000 : فـاك�س00971 2 6651115 : �ص.ب� :أبو ظبي 27765
Email: turathmag1@gmail.com
مدير التحرير
waleedalaa@hotmail.com
�أبوظبي للإعالم -توزيع
الرقم املجاين8002220 : لالت�صال من اخلارج 00971 2 4145000 : فاك�س 00971 2 4145050 : distribution@admedia.ae
ق�ضية للنقا�ش :نوا�صل حترى مالمح ح�ضور الرتاث يف املناهج التعليمية عربي ًا ،يف احللقة 30 الأخرية من ملف املغرب ،يرى مهتمون مغاربة �أن النخبة يف املغرب تعاملت مع الرتاث ال�شعبي باعتباره منتج العامة ،يف املقابل كان هناك اهتمام هائل من طرف الإثنوغرافيني الفرن�سيني الذين جلبهم اال�ستعمار بكل مظاهر هذا الرتاث وجتلياته للإفادة منه يف احتالل العقل املغربي .وخل�ص امل�شاركون يف التحقيق الذي �أعده عبد الرحيم اخل�صار �إىل �أن النتيجة كانت ل�صالح اال�ستعمار ،بينما ظل الرتاث يف املغرب ال يحظى ب�أي اهتمام ال يف الربامج التعليمية ،وال يف غريها. �ساحة احلوار� :إن حتديد العالقة بني الرتاث والإعالم ي�ستدعي حتديد الأبعاد املعرفية 42 التي ي�شملها هذا الرتاث ،حتى ن�صل �إىل الطريقة ال�صحيحة لتناوله يف و�سائل الإعالم، فاجلهل هو ما يدفعنا �إىل الت�شويه �سواء املق�صود �أو غري املق�صود ،بهذه الروح تتحدث الباحثة الإماراتية ناجية الكتبي عن نتائج ر�سالتها العلمية التي �أجرتها على الرتاث ال�شعبي يف املالحق الثقافية لل�صحف الإماراتية ،حمللة وناقدة وم�ؤكدة �أهمية وجود ر�ؤية علمية وا�ضحة و�شاملة ومتكاملة للرتاث يف تدوينه وجمعه وعر�ضه ب�أ�شكال جديدة �إبداعية تتنا�سب مع الع�صر. وجه يف املر�آة :رحل عن عاملنا ال�شهر قبل املا�ضي يف باري�س ،الفيل�سوف العربي الرائد 52 �أنور عبد امللك ،وهو �أول من انتقد اال�ست�شراق منذ عام 1963م ،حني ن�شر مقا ًال بعنوان «اال�ست�شراق يف �أزمة» ربط فيه بني درا�سات بع�ض امل�ست�شرقني واال�ستعمار الذي كانت تلك الدرا�سات متهيد ًا له ،يكتب لنا عنه الكاتب ال�صحفي �أ�سامه عفيفي وا�صف ًا �إياه ب�أنه كان م�شاك�سا من الوزن الثقيل ،ودائم التغريد خارج ال�سرب ،لأنه ي�ؤمن بقدرة الإبداع الإن�ساين على ً االبتكار والتجديد و�إعادة النظر يف الثوابت ونقدها بالعقل الذي هو �أجمل ما وهب اهلل للإن�سان. ارتياد الآفاق :تعد يوميات الطبيب الإجنليزي ديفيد هاري�سون التي �سجلها خالل فرتة 58 �إقامته يف يف واحة العني يف بدايات ال�ستينيات من القرن الفائت �أثر ًا مهم ًا ،لي�س فقط لأنها �شاهد على فرتة حتول هامة مرت بها دولة الإمارات واملنطقة ،ولكن ملا فيها من طرافة ,فقد كان مهتم ًا مبراقبة كائنات الطبيعة و�إجراء الدرا�سات والبحوث عليها ،وقد ا�سكنه ال�شيخ زايد، رحمه اهلل يف مربعة العني ف�أقام فيها �أول معمل حتنيط ،كما �أنه �صاحب ال�شيخ زايد يف عدة جوالت �صيد نادرة ،منها جولة ال�صطياد اخلفافي�ش. املحكي �شعراً� :إن ال�شاعر الذي ُولد يف وجدان ال�شيخ زايد ،جعله مميز ًا بني �أقرانه ،و�أظهره 72 على �أترابه ،فكانت نظرته �إىل كل �شيء يعتمرها الإح�سا�س املرهف الواعي الذي يعتني بكل التفا�صيل و�أدقها ،فكان حا�ضر الذهن متوقده ،مما جعله دائم ًا ذا ر�أي �سديد ال تفوته واردة وال �شاردة .قراءة جديدة يف الرتاث ال�شعري لل�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان ،رحمه اهلل ،يقدمها الباحث الإماراتي �سرور خليفة الكعبي الذي يرى �أن ال�شيخ زايد ط ّور يف �أغرا�ض و�شكل الق�صيدة املحلية ،ومزج الأ�صالة القدمية يف ال�شعر املحلي بروح الع�صر . 108قال الراوي� :إذا كانت معظم الأمثال ال�شعبية العمانية ذات خطاب ذكوري ،فلماذا توجد �أمثال �صيغت خ�صي�ص ًا للمتلقي الأنثى؟ هذا هو ال�س�ؤال الذي تطرحه الدكتورة عائ�شة الدرمكي يف درا�ستها التي حتاول من خاللها الوقوف على احلكمة من �صياغة �أمثال �أنثوية يف خطاب يغلب عليه الطابع الذكوري من خالل قراءة مت�أنية يف جمموعة من الأمثال التي �صاغها املجتمع اللغوي يف عمان خلطاب الأنثى مع بيان خ�صائ�صها اللغوية والتوا�صلية. أيضاً القا�ص �سعيد الكفراوي يكتب عن ح�سن فتحي فيل�سوف عمارة الفقراء ،والدكتور �سعيد يقطني ي�ستعر�ض اللحظات التاريخية الثالث يف امل�شروع احل�ضاري العربي ،والدكتور معجب الزهراين يكتب عن هيمنة اجل�سد اجلماعي ،والروائي جمال الغيطاين يتذكر مو�سوعة الأ�سدي احللبية يف منا�سبة الأحداث الع�صيبة التي متر بها حلب و�سوريا،
134
يا هال
ي ا ه ال
تراث زايد المتجدد
52
118
122
سعر النسخة
الإمارات العربية املتحدة 10دراهم -اململكة العربية ال�سعودية 10رياالت الكويت دينار واحد � -سلطنة عمان 800بي�سة -قطر 10رياالت -مملكة البحرين دينار واحد -اليمن 200ريال -م�صر 5جنيهات - ال�سودان 250جنيهاً -لبنان 5000لرية � -سورية 100لرية -اململكة الإردنية الها�شمية ديناران -العراق 2500 :دينار -فل�سطني ديناران - اململكة املغربية 20درهماً -اجلماهريية الليبية 4دنانري -اجلمهورية التون�سية ديناران -بريطانيا 3جنيهات � -سوي�سرا 7فرنكات -دول االحتاد الأوروبي 4يورو -الواليات املتحدة الأمريكية وكندا 5دوالرات.
واحد من �أ�سرار تقدم الأمم ونه�ضة احل�ضارات وا�ستقرارها هو �أنها حتفظ الف�ضل لأ�صحابه ،وتن�سب الفعل لأربابه .كما �أن منهجها �أن تعيد التذكري ب�أ�صحاب الف�ضل و�أرباب الفعل يف كل منا�سبة وموقف ،تذكري ًا جاد ًا مو�ضوعي ًا ي�ستح�ضر تفا�صيل ف�ضلهم ومناقب �أعمالهم. وعادة الأمم املتح�ضرة �أنها ،كلما �أنعم اهلل على الب�شر بجديد من و�سائل العلم ،ك ّلفت من يدر�سون ويبحثون ويدققون يف �سري ه�ؤالء الكبار من �أ�صحاب الف�ضل و�أرباب العمل والعلم ،للوقوف على �أ�سرار نبوغهم وتفا�صيل جناحهم ومالمح عظمتهم .ثم ي�ستعر�ضون نتائج ما تو�صلت �إليه الأبحاث والدرا�سات يف و�سائل التوا�صل املختلفة يف املجتمع ،ويدجمون منه ما يحقق �أهدافهم وخططهم التنموية يف مناهج الدر�س والتعليم ،في�ضمنون بذلك اندماج خال�صات املا�ضي الأ�صيل يف ر�ؤى و�أفكار �أوالدهم وهم طالعون نحو نور امل�ستقبل. ال يتوقف الأمر عند حدود االحتفاء �أو الرثاء ال�شكلي ،بل �إنهم يعبرّ ون عن احتفائهم ورثائهم يف �صيغة عملية تدفع �إىل الأمام وت�س ّلم منجزات جيل �إىل اجليل الذي يليه ،ول�سان حالهم يف ذلك يقول :لو كان ه�ؤالء الكبار الذين نحتفي بهم على قيد احلياة ،ملا ارت�ضوا بغري ذلك املنهج بدي ًال، ولذلك فقد ا�ستحقوا �أن يكونوا كبار ًا. هذا هو املنهج الذي جنح مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإعالم يف انتهاجه للمرة الثانية على التوايل ،بتنظيمه فعاليات (منتدى ال�شيخ زايد) �إحيا ًء للذكرى الثامنة لرحيل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان ،رحمه اهلل، التي ت�صادف الثامن ع�شر من �شهر رم�ضان الكرمي. وقد �أكد هذا املنهج و� ّأطره يف �إطاره ال�صحيح� ،سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ،ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة ،رئي�س مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإعالم يف كلمة افتتاح املنتدى ،حني �أكد �أن احلر�ص على �إحياء ذكرى والد اجلميع ال�شيخ زايد ،طيب اهلل ثراه ،ب�أ�سلوب �سنوي منتظم ،ال ينبع فقط من باب الواجب ،فزايد اخلري حقنا وواجبنا� ،إمنا ملا ي�ضيفه ا�ستح�ضار ال�شخ�صيات العظيمة وتدار�س �سريتها من قيمة عالية �إىل جممل الن�شاط الفكري والثقايف واالجتماعي واحل�ضاري اخل ّالق. لذلك ،مل يكن املنتدى جمرد احتفالية ،بل منتدى علمي لنخبة من العلماء واملفكرين ا�ستعر�ضوا على مدار يومني اجلوانب املتفردة والر�ؤى التاريخية والفكر ال�سيا�سي والوحدوي والإن�ساين يف م�سرية الراحل الكبري ،رحمه اهلل ،لي�ستخل�صوا منها ما ميكن �أن ُي�ضاف �إىل م�سرية بناء هذا الوطن، و�أجمعوا على �أن جتربة الوحدة التي قادها زايد ،ومنظومة املبادئ والقيم التي �أقرها يف بناء الدول و�إدارتها كانت �سابقة لزمانها ،و�أن العامل الآن يتحرك يف حماولة منه لتحقيق بع�ض ما �أجنزته الإمارات يف هذا ال�صدد. كما �أو�صى املنتدى بت�أ�سي�س مركز علمي يحمل ا�سم ال�شيخ زايد ،يعمل كم�ؤ�س�سة ُمتخ�ص�صة يف الدرا�سات الإن�سانية مبفهومها الأكادميي اجلديد، بهدف امل�ساهمة يف تطوير البحث العلمي ملختلف الدرا�سات ذات املنحى الإن�ساين الكوين تنظري ًا وممار�سة ،وذلك تطبيق ًا ملنهج الراحل الكبري الذي جمع مبهارة نادرة بني التنظري والتطبيق. هكذا يكون احتفاء الأمم املتح�ضرة برموزها .رحم اهلل الراحل الكبري.
االشتراكات
للأفراد داخل الدولة »100« :درهم /للأفراد من خارج الدولة»150« : درهماً /للم�ؤ�س�سات داخل الدولة »150« :درهماً /للم�ؤ�س�سات من خارج الدولة »200« :درهم.
«تراث»
6
الشهر
الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
تحت رعاية سلطان بن زايد آل نهيان
املهرجان الرم�ضاين ال�سابع يختتم فعالياته يف �أبوظبي
ر�سالة معرفة وفن تنا�سب �أجواء ال�شهر الف�ضيل �أبوظبي -خالد ملكاوي حممد رجب ال�سامرائي �إبراهيم �أبو احل�سن حتت رعاية �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ،ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة «حفظه اهلل» ،رئي�س نادي تراث الإم��ارات، اختتمت على م�سرح كا�سر الأمواج يف �أبوظبي يف الع�شرين م��ن �شهر رم���ض��ان ال�ك��رمي، فعاليات املهرجان الرم�ضاين ال�سابع التي نظمها نادي تراث الإمارات ومركز �سلطان بن زايد للثقافة والإعالم. ت�ضمن املهرجان باقة من الفعاليات الفكرية والفنية التي تتنا�سب و�أجواء ال�شهر الف�ضيل، منها حما�ضرات ل�سماحة ال�شيخ حممد �أحمد حممد ح�سني مفتي القد�س والديار الفل�سطينية ،و�سماحة ال�سيد علي الها�شمي، امل�ست�شار يف ديوان الرئا�سة ،واملفكر الأ�ستاذ ال��دك �ت��ور حم�م��د ع�ب��د احل�ل�ي��م ،وال��داع�ي��ة
ال��دك�ت��ورة ن��ادي��ة ع �م��ارة ،وال��دك�ت��ور حممد با�سل الطائي� ،إ�ضافة لعدد من �أ�صحاب الف�ضيلة �ضيوف �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة بالتعاون مع الهيئة العامة لل�ش�ؤون الإ�سالمية والأوقاف يف �أبوظبي. ك�م��ا ��ض��م امل �ه��رج��ان ف�ع��ال�ي��ات امل�سابقة ال�سنوية لأف���ض��ل م��رت��ل ل �ل �ق��ر�آن الكرمي للذكور ،بالإ�ضافة �إىل فعاليات ال��دورة الأوىل من م�سابقة �أف�ضل مرتل للقر�آن
شهد المهرجان تدشين فعاليات مسابقة أفضل مرتل للقرآن الكريم اإلناث لتضاف إلى مسيرة مسابقة أفضل مرتل للذكور
ال�ك��رمي للمرتالت الإن���اث ال�ت��ي انطلقت هذا العام ت�شجيع ًا من �سمو رئي�س النادي واملركز للفتيات نحو حفظ وجتويد كتاب اهلل العظيم� .شهدت امل�سابقات تناف�س ًا بني 37مت�سابق ًا من حفظة القر�آن الكرمي من فئتي ال�شباب والأ�شبال ،مثلوا �إحدى ع�شرة دولة عربية و�إ�سالمية هي م�صر ،والأردن، وال �ع��راق ،وال�ي�م��ن ،و��س��وري��ا ،وال���س��ودان، وم ��ايل ،وباك�ستان ،وامل �غ��رب ،و�أم��ري�ك��ا، بالإ�ضافة �إىل دول��ة الإم� ��ارات امل�ضيفة، وتكونت جلنة التحكيم من الدكتور �إبراهيم اجلنابي رئي�س ًا ،وع�ضوية كل من ف�ضيلة ال�شيخ حممد حممدي �سالم ،والدكتور �أن�س حممد ق�صار. وت�ضمن الربنامج الفني للمهرجان عرو�ض ًا
جانب من عر�ض فرقة املالد
مازجت بني الرتاث املحلي والعربي قدمتها فرقتا الربدة املحلية «الإماراتية» ،والربدة امل�صرية ،وفرقة املالد الوطنية ،وعرو�ض ًا للإن�شاد الديني لكل م��ن ف��رق��ة الإن�شاد الديني التون�سي وامل�غ��رب��ي ،وف��رق��ة ال��دار الوطنية للإن�شاد الديني .بالإ�ضافة �إىل حفل �إن�شادي غنائي للمن�شد وال�شاعر الإماراتي عبد اهلل الو�سمي. حظيت الفعاليات بح�ضور جماهريي الفت، كما ح�ضرها حبيب يو�سف ال�صايغ مدير عام مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإعالم، ع�ضو جمل�س �إدارة ن��ادي ت��راث الإم��ارات، وح�شد من املفكرين وامل�س�ؤولني والدعاة و�أهل العلم والإعالميني. وق��ال م��دي��ر ع��ام م��رك��ز �سلطان ب��ن زاي��د للثقافة والإعالم حبيب يو�سف ال�صايغ� :إن املركز ونادي تراث الإم��ارات وهما يقدمان برناجمهما امل���ش�ترك يف �شهر رم�ضان، يتذكران الإرث الديني للإمارات الذي كان يحر�ص عليه القائد الرمز املغفور له ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان «طيب اهلل ثراه»، و�أ��ض��اف ال�صايغ :ما �أده�شني فع ًال �إىل جانب التجلي املبهر للم�شاركني يف فعاليات
عروض لفرقتي البردة اإلماراتية والمصرية وفرقة المالد الوطنية وإنشاد ديني وحفل للمنشد اإلماراتي الوسمي املهرجان من دع��اة ومفطرين وكذلك من فرق فنية هو هذا احل�ضور الالفت للجمهور من كل اجلن�سيات واالنتماءات ،وهو ما يعني جناح جهودنا وو�صول ر�سالتنا التي تثبت �أ�صالة موروثنا. ورف� ��ع ال �� �ص��اي��غ� ،أ� �س �م��ى �آي � ��ات ال�ت�ه��اين والتربيكات ل�صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان ،رئي�س الدولة ،حفظه اهلل، و�صاحب ال�سمو ال�شيخ حممد بن را�شد �آل مكتوم ،نائب رئي�س الدولة ،حاكم دبي ،رعاه اهلل ،و�إىل �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ،ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة، رئي�س ال�ن��ادي وامل��رك��ز ،و�إىل الفريق �أول �سمو ال�شيخ حممد بن زايد �آل نهيان ،ويل عهد �أبوظبي ،نائب القائد الأعلى للقوات
امل�سلحة ،داعي ًا اهلل عز وجل �أن يعيد هذه الأيام املباركة على �أ�صحاب ال�سمو ال�شيوخ �أع�ضاء املجل�س الأع�ل��ى ،حكام الإم��ارات، و�شعب الإم��ارات احلبيب ،و�شعوب الأمتني العربية والإ�سالمية باخلري واليمن ،و�أن يتقبل من اجلميع ال�صيام والقيام. وق��ال ال�صايغ �إن توجيهات �سمو رئي�س ال�ن��ادي ،رئي�س املركز بتنظيم الفعاليات ب�صيغة م�شرتكة للعام الثاين للتوايل هذا العام� ،أثمرت برناجم ًا قوي ًا ومتنوع ًا ،غطى اثنتني وع�شرين ليلة م��ن ل�ي��ايل ال�شهر ال�ف���ض�ي��ل ،ح�ي��ث ت��وق�ف��ت ال�ف�ع��ال�ي��ات يف الأ�سبوع الأخري من ال�شهر ليتفرغ اجلميع للقيام والتهجد ،ثم ا�ست�ؤنفت ثاين وثالث ليايل عيد الفطر املبارك بعر�ضني متتاليني مل�سرحية «�شكر ًا ماما» التي قدمتها فرقة ر�أ�س اخليمة امل�سرحية. وثمن ال�صايغ التعاون امل�شرتك بني نادي ت��راث الإم� ��ارات وم��رك��ز �سلطان ب��ن زاي��د للثقافة والإع �ل�ام ،ق��ائ� ً لا �إن ف��رق العمل امل�شرتكة من اجلانبني بذلت �أق�صى جهد لو�ضع توجيهات �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ،مو�ضع التنفيذ ،و�إخراج �أي حدث
8
الشهر
الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
د .نادية عمارة
�أو ن�شاط ب�شكل يليق با�سم و�سمعة املركز والنادي ،وي�ضيف �إىل الأجواء الثقافية التي متلأ �سماء العا�صمة بالبهجة والألق.
الدين الق ّيم
يف حما�ضرة له حتت عنوان «الدين القيم»، �ضمن فعاليات املهرجان قال �سماحة ال�سيد علي بن ال�سيد عبدالرحمن �آل ها�شم م�ست�شار ال�ش�ؤون الق�ضائية والدينية ب��وزارة �ش�ؤون الرئا�سة ،ع�ضو جممع البحوث الإ�سالمية بالأزهر ال�شريف �إن دولة الإم��ارات ا�ستنت تعظيم �شعائر ال�شهر ال�ك��رمي م��ن خالل املجال�س واملراكز العلمية ،الفت ًا �إىل الدور الكبري الذي يقوم به مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإعالم يف هذا ال�صدد. وا�ستعر�ض الها�شمي املعنى الكبري لعنوان امل�ح��ا��ض��رة «ال��دي��ن ال �ق �ي��م» ،م���ش� ً يرا �إىل احلديث ال�شريف ل�ل�إم��ام البخاري الذي ي�سلط ال�ضوء على هذا املعنى وي�شرح جانب ًا مهم ًا من �أه��داف دين الإ�سالم ومعطياته الدينية واالجتماعية والإن�سانية .حيث يقول ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم «مثل ما بعثني اهلل به من الهدى والعلم ،كمثل الغيث الكثري� ،أ�صاب �أر�ض ًا ،فكان منها نقية قبلت املاء ،ف�أنبتت الكلأ والع�شب الكثري »...وقال:
امل�ست�شار علي الها�شمي
الإثم والعدوان ومع�صية الر�سول. ضم المهرجان برنامج و�أو�ضح الها�شمي �أن هذا الدين القيم يفر�ض محاضرات غني على الأمة امل�سلمة التي تنت�سب �إليه �أن تكون لمفكرين ودعاة من �أم��ه ترتفع فيها ن�سبة العلماء احلكماء مختلف أرجاء العالم احللماء الذين ال ي�ضرهم من �ضل ال�سبيل، العربي واإلسالمي وليكن همهم جتميع الأمة على وحدة الكلمة و�شرف الغاية ورفع راية التوحيد ،وهي الأمة ً �ضرب النبي �صلى اهلل عليه و�سلم مثال ملا التي تتبع �أحكام الدين القيم وتقل فيها ن�سبة جاء به من «الدين القيم» ومن العلم النافع اجلهالء وال�سفهاء. بالغيث العام وباملطر الكثري الذي ي�أتي �إىل النا�س وهم يف �أ�شد احلاجة �إليه. �شهر اخلري والعبادة و�أ�ضاف :هكذا العلم للعقول ،كاملاء للأر�ض ويف حما�ضرته حتدث ف�ضيلة مفتي الديار الطيبة ،و�إذا كان طلب العلم مفرو�ض ًا على املقد�سة يف فل�سطني ،ال�شيخ حممد �أحمد كل �إن�سان بالغ عاقل يف كل مكان وزم��ان ،ح�سني ،عن ف�ضائل �شهر رم�ضان الكرمي، ف�ف��ي زم��ان �ن��ا ه ��ذا ال ��ذي نعي�شه� ،أوج ��ب الفت ًا �إىل ما يف ه��ذا ال�شهر الف�ضيل من و�أل� ��زم ،لأن�ن��ا نعي�ش يف ع�صر ال تتناف�س بركة ف�ضل لأنه «وعاء الزمان» الذي تنزل فيه الأمم ب�سعة �أرا�ضيها ،وال بكرثة عدد فيه ال �ق��ر�آن ال�ك��رمي على النبي الأم�ي�ن، �سكانها ،و�إمن��ا تتناف�س فيه الأمم بتقدمها كتاب اهلل اخلالد ،د�ستور الأمة الإ�سالمية العلمي يف ك��ل جم ��االت احل �ي��اة الدينية وهاديها. والزراعية وال�صناعية والع�سكرية والطبية وق��ال ح�سني �إن ال�ق��ر�آن الكرمي هو الذي والهند�سية واللغوية وع��دال��ة الت�شريع� ،أ�صلح هذه الأمة بعد �أن تقاتلت وتناحرت وغ�ير ذل��ك م��ن ال�ع�ل��وم ال�ت��ي �أ�صحابها القبائل العربية يف املا�ضي ،كما حدث بني يبنون وال يهدمون� ،أ�صحابها ي�صلحون وال قبيلتي «داح�س» و«ال�غ�براء» ،فجاء الدين يف�سدون� ،أ�صحابها يعمرون وال يخربون اجلديد ليخرجها من ال�ضاللة �إىل الإميان يبذلون العطاء لأمتهم والتقوى ال على ونور اليقني.
جانب من عرو�ض فرقة املالد
ال للت�شدد والتطرف
وقالت �إنه علينا -من هذا املنطلق� -أن نلتزم العلم يهدي للإميان
مبد�أ الو�سطية واالعتدال يف جميع معامالتنا احلياتية من دون ا�ستثناء ،م�ؤكدة �أن هذا كان م�سلك الر�سول الكرمي يف حياته وجميع معامالته مع ال�صحابة ومع زوجاته. و�أك��دت الدكتورة نادية عماره �أن الإ�سالم انت�شر بالر�ضا واالعتدال ولي�س بحد ال�سيف، لكنه حارب العقبات التي متنعه ،من منطلق الآي �ت�ين الكرميتني «ال �إك���راه يف ال��دي��ن»، والأخرى «لكم دينكم ويل دين». ون��ددت املحا�ضرة بالت�شدد والتطرف يف الدين واملعامالت ،وقالت :على امل�سلم �أن يكون «هين ًا لين ًا» ،م�شرية �إىل �أن اختالف امل��ذاه��ب فيه رح�م��ة ،وت�ساءلت :طاملا �أن هناك �أكرث من ر�أي �سليم و�سديد يف الأمر، ف�ل�م��اذا يتع�صب البع�ض لآرائ��ه��م فقط ويحرموا �آراء الآخرين؟! مو�ضحة �أن الفروع التي حتتمل �أكرث من ر�أي ي�ستفيد منها كل فرد مبا يالئمه وال حرج يف ذلك.
ويف حما�ضرة لها بعنوان «الإ� �س�لام دين الو�سطية واالعتدال» ركزت الدكتورة نادية ع �م��اره� ،أ��س�ت��اذة ال��درا� �س��ات الإ�سالمية، على املعاين اجلليلة للإ�سالم دين و�سطية واالعتدال ،م�ستعر�ضة مظاهر الو�سطية يف كل من :و�سطية االعتقاد وو�سطية العبادات وال�شعائر ،وو�سطية الأخ�ل�اق والت�شريع. و�أ�ضافت �أن مفهوم الو�سطية يعني العدل واال�ستقامة واخل�ير والأم��ان ،الفتة �إىل �أن الإ�سالم اتخذ يف جميع عباداته ومعامالته ويف كافة ما دعا �إليه من ف�ضائل ومكارم موقف ًا �سمح ًا و�سط ًا بعيد ًا عن التعنت والتزمت، ك�م��ا ه��و بعيد ع��ن التق�صري والت�سيب، فهو دي��ن اع�ت��دال وق�سط وع��دل ويدعو يف كافة جماالته �إىل االلتزام التام بالتعاليم ال�شرعية والتقاليد ال�صحيحة املرعية دون ت�شدد �أو ت�سيب �أو �إهمال ،مو�ضحة يف هذا ال�صدد �أن املبالغة واملغاالة يف �أداء العبادات والعمل ،والت�سويف والتق�صري يف القيام بكل ذلك مذموم ومرفو�ض. وقالت ع�م��ارة� ،إن �سنة اهلل يف عباده هي مازج المهرجان بين التي�سري ولي�س الع�سر ،الفتة �إىل �أن ر�سالة التراث المحلي والعربي الإ��س�لام م��ؤداه��ا �أن ي�سري الكون يف ي�سر في محاولة للتعريف و�سال�سة ،لأن اهلل ال يكلف نف�س ًا �إال و�سعها،
بفسيفساء التراث اإلسالمي الغنية
يف حما�ضرته حتت عنوان «العلم يهدي للإميان» ،قال الدكتور حممد با�سل الطائي �إن الإميان بالغيب هو �أهم م�سائل الإميان، مبين ًا �أن الإمي��ان بالغيب عق ًال �أمر �صعب، لأنّ الغيب هو الالمعقول ،و�إ ّال مل يكن غيب ًا، ولهذا ف�إن �أف�ضل �سبيل للإميان بالغيب هو الت�سليم بالغيب ونكون بذلك م�سلمني. و�أ�شار الطائي �إىل �أن الإميان يحقق ر�سوخ الإ�سالم يف قلب امل�ؤمن ،لكنه �أمر �صعب فال �أحد من الذين اختطفهم املوت رجع �إلينا و�أخربنا بوجود حياة �أخرى ،لأنّ ك ّل الذين يذهبون ال ي�ع��ودون .وم��ن الناحية العلمية كانت علومنا الطبية واحلياتية �إىل عهد قريب تقول لنا� :إن الإن�سان عبارة عن ماكينة بيولوجية و�إن �أحا�سي�س الإن�سان وم�شاعره لي�ست �إال جملة تفاعالت كيميائية ،و�إن هذا الإن�سان ما هو �إال كائن حيواين متطور. وتطرق الطائي �إىل اكت�شاف العلماء مع مطلع القرن الع�شرين للظواهر اجلديدة التي ال ي�ستطيع العلم التقليدي تف�سريها وتقع يف ال��ذرات واجلزيئات ،وبذلك مت اكت�شاف فيزياء جديدة ج��اءت بوجهني« :نظرية الكوانتم» ،التي و�ضعها الدامناركي نيلز ُبور ،والأملاين هيزنربغ ،والنم�ساوي �شرود
10
الشهر
الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
حما�رضة مفتي القد�س والديار الفل�سطينية
جن��ر ،و«النظرية الن�سبية» لأين�شتاين، مبين ًا ه��ذا الفهم وتلك النظريات التي جاءت ب�صورة جديدة للعامل ،و�أ�سقطت حتمية «البا�س» التي نفى فيها وجود اهلل �سبحانه وتعاىل ،وعو�ض ًا عنها تب َني �أن قوانني العامل احتمالية. وت�ع��رق الطائي بنوع م��ن التف�صيل �إىل نظرية «الكوانتم» التي ك�شفت عن ترابط وك�ّل�اّ ن�ي��ة ه��ذا ال�ع��امل ،و�أث�ب�ت��ت �أن جميع �أج��زاء الكون مرتابطة ببع�ضها البع�ض، ح �ت��ى �أن ال � ��ذرات ال �ت��ي يف �أج���س��ام�ن��ا م�تراب �ط��ة م��ع ال �ن �ج��وم ال �ت��ي ت�ب�ع��د عنا ماليني ال�سنني ال�ضوئية ،ثم حتدث عن ت�أثري الوعي الإن�ساين ،من خالل جتارب �أجريت يف خمتربات جامعات عاملية مثل هارفرد و�ستانفرد على احلالة التي ُت�سمى « ُقرب املوت». واختتم الطائي حما�ضرته بذكر ك�شوفات الدكتور مايكل بري�سنجر بكندا والدكتور روج� ��ر ن�ي�ل���س��ون يف ال ��والي ��ات امل�ت�ح��دة الأمريكية يف ت��راب��ط ال��وع��ي الإن���س��اين،
وت���أث�ي�ر ال��وع��ي ال��ف��ردي واجل �م��اع��ي يف الأ�شياء احلية واجلامدة ،والتي خل�صت �إىل الإ�شارة �إىل حقيقة الوعي الإن�ساين املتحقق خارج اجل�سد ،كا�شفة �أن الوعي الإن�ساين لي�س حالة ذاتية �شخ�صية بل هو �أبعد من ذلك وله امتداد خارجي ،و�أن العامل من حولنا ي�ؤكد با�ستمرار �صحة التوجه الإمي��اين الذي يقود �إىل �أن لهذا الكون خالق ًا عظيم ًا حكيم ًا يهيمن عليه، ويكون فيه الإن�سان عن�صر ًا مهم ًا ومميز ًا.
ندوة للمجويل والعربي
وت�ضمنت فعاليات املهرجان ن��دوة دينية جمعت العاملني الكبريين الدكتور �شكري ح�سن املجويل �إمام وخطيب املركز الثقايف
الإ�سالمي باململكة املتحدة و�أ�ستاذ الفقه و�أ�صوله والتف�سري يف �أكادميية لندن املفتوحة، وال�شيخ ناجي را��ش��د ح�سن علي العربي، الأ�ستاذ امل�ساعد بجامعة البحرين ،ومدر�س ال�شرعيات باملعهد الديني بالبحرين ،حتدثا خاللها عن « �أخالق ال�صائم «. رك��ز ال�ضيفان على �أهمية دور ال��دي��ن يف حياة الفرد ،و�أهمية العالقة بني العبد وربه، وا�ستعر�ضا كيفية التخلق بالأخالق القلبية، و�أك��دا على �أهمية االلتزام ب�أخالق ال�صوم و�أهمية التوبة يف �شهر رم�ضان ،و�ضرورة التما�سك الأ��س��ري ،كما حتدثا عن فر�ص التقرب �إىل اهلل ب�صالح الأع �م��ال وك�ثرة الذكر واال�ستغفار يف �شهر رم�ضان الكرمي.
عرو�ض للربدة واملالد
��ض�م��ن ال�ب�رن��ام��ج ال �ف �ن��ي ل�ل�م�ه��رج��ان، مسرحية «شكر ًا ماما» ا�ست�ضاف م�سرح �أبوظبي �أم�سية «املالد» لفرقة رأس الخيمة املولد النبوي ال�شريف التي قدمتها الفرقة المسرحية تختتم المهرجان بعروضها ثاني الوطنية للفنون ال�شعبية «البرُ دة» التابعة لوزارة الثقافة وال�شباب وتنمية املجتمع.
وثالث أيام عيد الفطر المبارك
حما�رضة للعاملني املجويل والعربي
ق��دم��ت ال �ف��رق��ة ال��ت��ي ي �� �ش��رف عليها الفن الإماراتي يت�ألق
عبيد العلي خ�لال الأم�سية جمموعتني للمالد ،الذي ي ��روي ��س�يرة امل�صطفى حممد عليه ال�صالة وال�سالم من والدته �إىل مبعثه ر� �س��و ًال وه��ادي�� ًا للإن�سانية جمعاء ،ت�ضمنت املجموعة الأوىل امل�سماة «ال �ب�رزجن� ��ي» ذك � ��ر ًا ل �� �س�يرة و��ش�م��ائ��ل وف�ضائل النبي الأك��رم حممد �صلى اهلل عليه و��س�ل��م ،مب�صاحبة ال��دف��وف� .أم��ا املجموعة الثانية للمالد فهي «ال�سماع»، وه��و الأداء اخل��ا���ص ب��الأف��راح وقدمت فيه الفرقة �أنا�شيد للتغني بو�صف مكانة الكعبة امل���ش��رف��ة ،و�أن��ا��ش�ي��د م��ن دي��وان البو�صريي والبرُ دة وديوان الربعي. كما ا�شتمل العر�ض على لوحة فنية تراثية دينية لفن املالد التقليدي ،قدمها املن�شد الرئي�س للفرقة �أحمد العلي مب�صاحبة الر ِديدَ ة ،وبالأداء احلركي ،كما 22من ِ كان يقدم يف املا�ضي يف الدولة ،باالعتماد على حركة ال�شخو�ص بعيد ًا عن امل�ؤثرات م�شاركات عربية ويف �إطار امل�شاركات العربية يف املهرجان ال�صوتية واملو�سيقية .
كما قدم املن�شد وال�شاعر الإماراتي عبد اهلل الو�سمي حف ًال غنائي ًا �إن�شادي ًا مميز ًا م��ن امل� ��وروث ال�شعبي امل�ح�ل��ي ،يف ليلة ا�ستثنائية من ليايل املهرجان الرم�ضاين ال �� �س��اب��ع ،ج�م�ع��ت �أم���س�ي��ة ال��و��س�م��ي ما ب�ي�ن االب��ت��ه��االت والأغ� �ن� �ي ��ات ال��وط�ن�ي��ة واالجتماعية .حيث �أن�شد الو�سمي 10 �أغنيات من �ألبومه اجلديد لعام 2012 منها :املكتوب ،يا ليت ،الظامل ،املعاين، راحة البال ،البداوة ،فوق النجم ،وباب الرجاء� ،شارك يف كتابة كلمات الأغنيات �إىل جانب الو�سمي عدد من ال�شعراء من بينهم� :أحمد الها�شمي ،وتامر �شبيب، و��س�ع�ي��د ال�ك�ع�ب��ي ،وع �ب��د اهلل ال���ّ�ش�ح��ي، وق��ا��س��م الغريبي ،ويف تلحينها وت��وزي��ع مو�سيقاها ح�سني الها�شمي ،وعبد اهلل ال�شحي ،و�إبراهيم حممد.
الرم�ضاين ،ا�ست�ضاف م�سرح �أبوظبي ع��ر��ض� ًا مم�ي��ز ًا لفرقة ا�ستوديو م�سرح الإبداع الفني التابع ملركز �صندوق التنمية الثقافية بالقاهرة ،وه��و �أداء لق�صيدة «ال �ب�ردة» ل�ل�إم��ام ��ش��رف ال��دي��ن حممد البو�صريي ،وهي �إحدى �أ�شهر الق�صائد التي قيلت يف مدح الر�سول حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ،وو�صف �شمائله الذكية. بد�أ عر�ض ُب��ردة البو�صريي باالفتتاحية على �صوت ك��ورال الفرقة للآية الكرمية من �سورة الأح��زاب�« :إِنَّ هَّ َ الل َو َملاَ ِئ َك َت ُه ُي َ�صلُّونَ َع َلى ال َّن ِب ِّي َيا �أَ ُّي َها ا َّل ِذينَ � َآم ُنوا َ�صلُّوا َع َل ْي ِه َو َ�س ِّل ُموا ت َْ�س ِليم ًا» ،ثم بد�أوا يف �إن�شاد مطلع ق�صيدة الربدة .بعدها قدم �أع�ضاء الفرقة ،التي ت�ضم 25من�شد ًا و�أرب �ع��ة ع��ازف�ين� ،ستة مقاطع �إن�شاديه ف��ردي��ة وج�م��اع�ي��ة ،م��ن �أق���س��ام ق�صيدة الربدة الع�شرة الرئي�سة ،التي اختاروها م��ن �أبياتها البالغة 162بيت ًا ،متيزت بالأحلان العذبة ال�شجية للملحن عماد الر�شيدي
12
الشهر
الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
يف الذكرى الثامنة لرحيل القائد امل�ؤ�س�س
جمل�س «تراث» الرم�ضاين يدعو لتوثيق تراث ال�شيخ زايد الأدبي �أبوظبي -حممد النمر
قال ال�شاعر حبيب ال�صايغ ،مدير عام مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإع�لام ،امل�شرف العام على جملة ت��راث �إن ال�تراث ال�شعري للراحل الكبري ال�شيخ زاي��د بن �سلطان �آل نهيان رحمه اهلل ، ،يعد قيمه كربى من قيم ت��راث دول��ة الإم� ��ارات ،وم �ف��ردة مهمة من مفرداتها. ودعا ال�صايغ ،يف م�ستهل املجل�س الرم�ضاين الذي نظمته جملة تراث ،برعاية �سمو ال�شيخ �سلطان ب��ن زاي��د �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة «حفظه اهلل» رئي�س نادي تراث الإمارات ،جمي َع امل�ؤ�س�سات الثقافية يف الدولة �إىل التعاون على توثيق تراث الراحل العظيم مبا يليق بهذا الإرث الأدبي الراقي. و�أكد ال�صايغ يف املجل�س الذي نظمته املجلة يف ذك��رى م��رور ثمانية �أع ��وام على رحيل القائد امل�ؤ�س�س� ،ضرورة �أن تتناقل �أجيال الإمارات تراث ال�شيخ زايد ،رحمه اهلل ،مبا يف ذلك �أقواله و�أفعاله و�أ�شعاره ،حتى تظل
�شعلة زايد م�ضيئة يف قلوب الأجيال القادمة .والأديبة �شيخة اجلابري. ولفت ال�صايغ �إىل �أن الكثريين من �شعراء النبطي والف�صيح تتلمذوا على طريقة ال�شيخ دنيا ما �أحلى وطرها زايد رحمه اهلل ،ومنهجه يف النظر يف الأمور ،بعد ذلك ،ا�ستهل ال�شاعر حمدان الدرعي وت�شربوا منه �سال�سة اللغة واحلر�ص على امل�ج�ل����س ب ��إل �ق��اء خم �ت��ارات م��ن �أ��ش�ع��ار رقي و�سالمة وجزالة املعاين مهما تنوعت الراحل الكبري ،مع عزف على �آلة العود، الأغرا�ض �سواء يف الغزل �أو احلب �أو الفخر افتتحها بق�صيدة حتمل عنوان «دنيا ما �أحلى وطرها» ،تقول كلماتها: بالوطن� ،أو يف ن�صح ال�شباب. � �ش��ارك يف امل�ج�ل����س ن�خ�ب��ة م��ن ال���ش�ع��راء دنيـا حمـال وطـرها فيهـا زهـت االنـوار كثـراخليـرو�شجرهاوتـوفـرتاالثمـار والباحثني واملثقفني ،واملهتمني بالتجربة ال�شعرية للراحل العظيم ،منهم ال�شعراء يا هـا ال�سعد وغمرها مــن والـي االقـدار را�شد ��ش��رار ،وحمد بن �سويقات ،و�سعيد عـم البـر وبحـرها وفا�ضت بهـا االنهـار دري الفالحي ،وحممد عبد اهلل نور الدين ،تتوافــدالقطــرهاعالـممــنالـزوار تتف�سـح يف �شجـرها وورودهــا واالزهـار الصايغ :التراث األدبي فيهـااملهـامكرثهاوريومهـاواالمهــار يا �سعـد اللي نظـرها وحتـف بها اال�سـرار للشيخ زايد قيمه كبرى نحمـد لـذي �صورها ووهـب لهـا االخيار من قيم تراث دولة وعظمهـافـي قدرها بيــاه واعتبـ ــار
اإلمارات ومفردة مهمة من مفرداتها
يف مداخلته ،قال ال�شاعر �سعيد بن �أحمد بن دري الفالحي «ق��در ما نفخر ب�سرد �سرية زاي��د ،ق��در ما ن�ست�شعر يف قلوبنا احلزن على فراقه» ،الفت ًا �إىل �أن زايد يف قلوب �أبنائه قائد و�شاعر انزرعت حمبته يف قلوبهم ،ال �سيما قلب كل من عا�ش على �أر�ض الإمارات. و�أك ��د الفالحي �أن ال�شيخ زاي ��د ،رحمه اهلل ،ال�شاعر قد ولج �إىل ال�شعر باحلكمة والإح�سا�س ،م�شري ًا �إىل �أن �شعره كان نابع ًا عن موقف يف جميع جوانب احلياة ،وا�ضاف: «كان ،رحمه اهلل ،عندما يقع موقف طريف �أو رجويل �أو غريه يف جمل�سه ،جند املبادرة منه ببيت من ال�شعر االرجتايل ،يعك�س مدى قدرته وقوته يف قول ال�شعر». وقال الفالحي �إن زايد كان يحب ال�شعراء وي�ستقبلهم وي�ستمع �إىل ق�صائدهم، وي�صحح لهم يف ق�صائدهم ،يف حال وجود ك�سر �أو خلل يف القافية ،من دون �أن ي�ستوقف ال�شاعر ،بل ي�صححها له ب��أن يعطيه بيت ًا بنف�س القافية والوزن ،و�أحيان ًا يطرح عليه بيت �شعر ،قائ ًال �إن هذا املعنى �أف�ضل كي ال ُي�شعر ال�شاعر ب�أنه خد�ش يف معنى البيت الذي قاله. وا�ستح�ضر الفالحي املوقف الذي دفعه �إىل كتابة ق�صيدة له حتمل عنوان «نظرتك»، مهداة �إىل ال�شيخ زايد ،فقال�« :إن ال�شيخ زايد رحمه اهلل كان حري�ص ًا على متابعة امل�شاريع التي تهم املواطنني ،وكان يذهب بنف�سه وي�ت��اب��ع ��س�ير ال�ع�م��ل ل�ي��ل ن�ه��ار»، و�أ��ض��اف« :يف �إح��دى جوالته ،كنت �أ�سري من خلفه و�أ�ستمع ل�سلطان بن هالل يقول لل�شيخ زاي��د «نظرتك ه��ذي ط��ال عمرك هي التي تلبي حاجة النا�س» ،ولفتت هذه الكلمة انتباهي و�أعجبتني ،فقلت لل�شيخ زايد ،رحمه اهلل ،عندي ق�صيده �أريد �أن
ال�شاعر را�شد �رشار م�شاركا ً يف املجل�س
ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان �شخ�صية �ألقيها عليك ،وقلت: و��ض�ع��ت ب�صمه ال مي�ك��ن �أن مت�ح��ى من ن��ظ��رت��ك ت�����ض��م��ن ح��اج��ة ال��ن��ا���س وت�������ك�������م�������ل احل�����������اج�����������ات وت�������زي�������د القلوب» ،م��ؤك��د ًة على �أن اجلميع تتلمذ على ي��ده ،فهو املدر�سة الأوىل لل�شعر يف ي�������ازاي�������د ب����ال����ف����ك����ر واح���������س����ا�����س وي���������ا م�������ن �أف���������ك���������اره دامي ت���ف���ي���د الإم���ارات ،مو�ضح ًة �أن زاي��د ك�شاعر له مميزات فينة كثرية. ف�������ض���ل���ك ع���ل���ي���ن���ا م����ال����ه ق���ي���ا����س واخل�������ي������ر ع���������م ب��������������دون حت�����دي�����د الدم العربي �أغلى ج���ه���دك ع��ظ��ي��م ي��ح��ط��م ال��ي��ا���س وامل���������س����ت����ح����ي����ل ي���������ص��ي�ر ف���ال���ل���ي���د ال��دك�ت��ور ري��ا���ض نع�سان �آغ ��ا ،امل�ست�شار مبركز زاي��د للثقافة والإع �ل�ام ،ا�ستهل ع امل�����س��ت��ح��ي��ل ي���ج���ي���ك ن���وم���ا����س ً وي�������ه�������ون ل�������ك وب����ف����ع����ل����ك ي�������ش���ي���د مداخلته م�شريا �إىل �أن �أجمل بيت �شعر قاله ال�شيخ زايد طيب اهلل ثراه كان «النفط جل����ب����ال ت�����ش��ه��د ل����ك ول��ط��ع��ا���س ب�����ان�����ك و�����ص����ل����ت ال�����ل�����ي ل������ه ت���ري���د ال�ع��رب��ي لي�س �أغ�ل��ى م��ن ال��دم ال�ع��رب��ي»، وهي املقولة التي عرب بها القائد امل�ؤ�س�س ق�����ي�����ادت�����ك ن���رف���ع���ب���ه���ا ال�����را������س زاي������������د وال ح��������د ف������وق������ك ي����زي����د عن موقفه العروبي خالل حرب �أكتوبر، م�شري ًا �إىل �أن قراءة مت�أنية ل�سرية حياة ويف م��داخ�ل��ة ل�ه��ا ،ق��ال��ت الأدي �ب��ة �شيخة زاي��د ،بو�صفه �أح��د ق��ادة ال��دول العربية، اجلابري�« :إن املغفور له ب�إذن اهلل تعاىل تثبت ا�ستحقاقه اللقب الذي �أطلقه عليه العرب عن جدارة وهو «حكيم العرب». و�أو� �ض��ح �آغ��ا �أن ال�شيخ زاي��د رحمه اهلل بيت الشعر في تخرج يف مدار�س عديدة� ،أولها مدر�سة ً ال��ق��ر�آن ال �ك��رمي ،م���ش�يرا �إىل �أن زاي��د أبوظبي سوف يتابع استكمال مهمة جمع حفظ العديد من �سور القر�آن الكرمي يف طفولته ،كما �أنه تعلم من معلم الب�شرية وتوثيق التراث األدبي حممد �صلى اهلل عليه و�سلم ،م�ؤكد ًا على
والشعري للراحل الكبير
14 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
الشهر
نور الدين :بين يدي اليوم 150قصيدة �أن زايد كان ال يكتب ال�شعر من �أجل ال�شعر وحده ،بل كان يريد �أن يعزز للأمة هويتها للقائد المؤسس من خالل ال�شعر ،الذي يتدفق ،م�ؤكد ًا �أن نصفها لم يُنشر
ال�شيخ زايد عندما كان يكتب ال�شعر كان ين�سى �أنه القائد ،وي�صري جنم ًا يف كوكبة �شعراء الإمارات. ثم �ألقى ال�شاعر را�شد �شرار ق�صيدته يف رثاء الراحل العظيم ،والتي حملت عنوان «ما مت يا بوخليفة» ،ومنها: مامت يا بو خليفة ال ح�شا ما مت دامي تعي�ش ب��خ��وايف ق��ل��وب خفاقه لو كان خ ّيم على �صوت املحبة ال�صمت ال�����ش��اه��د اهلل ب����دم ال�����ش��ع��ب دف��اق��ه �شعب تعلم على يديك الوفا وال�سمت ت��ع��ي�����ش يف داخل����ه وت���ن���ام ب��اح��داق��ه
�أعقبه ال�شاعر حمد بن �سوقات الذي �ألقى عدة ق�صائد يف مديح ورثاء الراحل الكبري، منها ق�صيدة كان قد �أهداها لل�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان رحمه اهلل يف حياته عندما كان يف منطقة الوثبة ،يقول فيها: ���س��م��ا امل��ج��د وال���ت���اري���خ والنهـ ـ ــا ب���زاي���د ع��ل��ى ك���ل ���ش��ه��م وم��ف�����ض��ايل �شيخ اذا �ضاقت �صدور املجال�س و�أب������دى ب���ر�أي���ه اي���دول���ه ب��االك��م��ايل �شيخ ي��ق��ول احل���ق م��ن مفهومه وي����ق����ول ح����ق وال ع���ل���ي���ه ا����ش���ك���ايل ���ش��ي��خ ع���ط���اه اهلل ف���ه���م وه��ي��ب��ه ول����ل����خ��ي�ر �����س����ب����اق يف ك�����ل ح��ال��ـ��ـ��ـ��ي كما قر�أ ق�صيدة بعنوان «كيف ا�شكرك» ،منها: ك����ي����ف ا�����ش����ك����رك ي�����اب�����و خ��ل��ي��ف��ه وان�������ت�������ه ع�����ل����� ّي�����ه م���������ض����ف����ي ال�����ي�����ود ويختتمها ب�أبيات يدعو فيها لل�شيخ زايد ويطالب �سامع �صوته ب��ال��دع��اء للراحل ي��������ا ظ������� ّل�������ة اخل��������اي��������ف وري�����ف�����ه ج������������������ازاك ع������ن������ي ف������������رد م����ع����ب����ود الكبري ،يقول: ي���ا ���س��ام��ع ���ص��وت��ي ادع�����و ل��زاي��د ت��ب�����ص��ر ع���ل���ى اي����دي����ك ال��ك��ف��ي��ف��ه وادع����و ل��زاي��د ع��� ّد م��ا ه��� ّل ال��ه�لايل وت����������ب����������دّل الأح����������������������زان ب���������س����ع����ود وادعو له على كل فر�ض و�سنه م���ف���ن���ود يف ال����ن����ا�����س ال�����ش��ري��ف��ه وادع���و ل��ه على ك��ل م��ا ان��ه�� ّل ه ّمايل وال�����ل�����ي �����ش����رات����ك ������ص�����دق م���ف���ن���ود هذا و�صلى اهلل على هادي الب�شر ����ش���ف���ي���ع���ن���ا ي��������وم ال�����ع�����ب�����اد اذه��������ايل وينهيها ب�أبيات ،منها: ف���ي���ك ال�����ش��ع��ر م����ن ط���ي���ب ك��ي��ف��ه �����ط�����م ا������س�����دود �شعر زايد حافظ للرتاث ف���� ّي���������ض و����س���ي���ل���ه ح ّ يف مداخلته ،قال ال�شاعر والباحث حممد وان ه����ب����ت ال���ن�������س���م���ه م���ري���ف���ه �������س������ ّري������ت������ه������ا وال����������ع����������امل ارق������������ود حت����م����ل ل������ك �أب��������ي��������اتٍ خ��ف��ي��ف��ه الفالحي :زايد كان ف����ي����ه����ا ال����ث����ن����ا ب����ال���������ش����ك����ر م���ع���ق���ود يحب الشعراء و��������س���ل���ام جل�����ل�����ك ب�������و خ���ل���ي���ف���ه ي�����ف�����وح ب������ه م�������س���ك وده���������ن وع������ود ويستقبلهم ويستمع
إلى قصائدهم ويصحح لهم بلطف
نور الدين« :متر ال�سنة الثامنة على رحيل ال�شيخ زاي��د ،وال زل��ت �أمتنى �أن �أرى كل ق�صائد ال�شيخ زاي��د ب�ين دف�ت��ي دي��وان» م�شري ًا �إىل �أن �آخر ديوان كان ل�سموه ُن�شر يف بداية الت�سعينيات واحتوي ع��دد ًا يقل عن 70ق�صيدة ،وق��ال« :ب�ين ي��دي اليوم 150ق�صيدة للراحل الكبري» ،و�أ�ضاف: «و�أنا �أجزم �أن عدد هذه الكنوز ال�شعرية �أكرث ،و�أمتنى �أن �أجد الدعم الكايف لإجناز هذا العمل ،بعد �إجنازي للدرا�سة الوحيدة يف �شعر ال�شيخ زايد طيب اهلل ثراه». وع��ن �شعر ال�شيخ زاي��د ودوره يف حفظ الرتاث ،قال نور الدين�« :إن جتربة ال�شيخ زاي��د ال�شعرية بتنوع ن�صو�صها ،تركز على ت��راث ال�شعر ال�شعبي يف االم��ارات، بدء ًا من املدر�سة التقليدية التي انتهجها املاجدي بن ظاهر واب��ن عتيج وغريهم، فنجد على �سبيل املثال ظواهر كثرية يف املدر�سة التقليدية منها البدء بالتحية، وهبوب الن�سيم ،والدعاء لهطول الغيث �أو �إر�سال املندوب»� ،إال �أن ال�شيخ – والكالم ل�ن��ور ال��دي��ن -يجمع ك��ل ذل��ك يف قالب ق�صيدة واحدة ،فيبد�أ بالتحية ،وبد ًال من �أن يحيي �شخ�ص ًا جنده يخاطب الن�سيم بالتحية. ح�����ي ب���ن�������س���ي���م ال���������ش����رق مل���ري���ف يل ن���ف���ح���ت���ه ن����رج���������س وم�������ش���م���وم رح���ب���ت ب����ه وا����ص���ب���ح���ت يف ك��ي��ف م�������ن�������ي وزال���������������������ت ك�����������ل ل�����ه�����م�����وم و�أ��ض��اف ن��ور ال��دي��ن« :م��رة �أخ��رى جنده ي�ستمد احليوية واحل��رك��ة م��ن الن�سيم، وبد ًال من �أن ير�سل مندوبه راكب ًا املطية، جنده ير�سل الن�سيم ،والن�سيم هنا نقطة و� �ص��ل ب�ين ال �� �ص��ورة اجل��زئ�ي��ة ال�سابقة والتالية» ،يقول:
ال�صايغ متداخال ً يف النقا�ش
ب���ن�������ش���دك يل م����ري����ت ي�����ا ري����ف داره ع���������س����ى ت����ك����ف����ى م������ن ال����ل����وم ه�����ات اخل��ب��ر م����ن دون ت��ك��ل��ي��ف ي�������ا امل�����ط�����ل�����ع�����ي ب������اخل���ب��ر م�����ل�����زوم ع����ن ���ص��اح��ب��ي ع�����ذب امل���راه���ي���ف �������ش������ره ي��������������داري ر������س�����م�����ة ال�����ل�����وم وجت ��اور ه��ذه ال�صور اجلزئية ع��ادة ما ي�شكل على خلفية ال��وح��دة املو�ضوعية �صورة كلية رائعة ،فبعد و�صول الن�سيم لإلقاء التحية على املحبوب ُي�سهب �شاعرنا يف و�صف املحبوب : ي�����زي�����ن يل ف����ي����ه ال���ت���وا����ص���ي���ف رمي رع�����������ى م������ن������ب������وت حل���������زوم ع��ي�ن ال���و����ض���ي���ح���ي يف م��ك��اف��ي��ف ل�����������وال ل������ب������ا�������س ال��������������دل وخ������ت������وم ل��ه م��ن ح�سن ي��و���س��ف توا�صيف وان ������ص�����د زاد حم�����ب�����ه ه����م����وم �������ش������روات م�����ن م��������روا م��ن��اك��ي��ف رب������ع������ه و��������ص�������ار ب�������ح�������وزة ال�����ق�����وم والهموم هنا نقطة ات�صال مع الهموم يف البيت الثاين لإكمال الأ�سباب التي هيجت قريحة ال�شاعر ،وال تزيل ه��ذه الهموم �إال
ولكن ال�شاعر ميزج هذه ال�صور التقليدية يف � �ص��ور كلية متنا�سقة يف الق�صيدة برباعة �شعراء املدر�سة الواقعية ،وي�ضيف �إليها قدر ًا كبري ًا من الإح�سا�س ،كما درج عليه �شعراء املدر�سة ال�شعورية ،فيقدم لنا جتربة �شعرية متفردة يحافظ فيها على تراث االمارات مبدار�سه املتنوعة. وي�ق��ول ن��ور ال��دي��ن :ف�لا عجب �أن يختم ��ش��اع��رن��ا ،رح�م��ه اهلل ،الق�صيدة بهذه الأبيات: عودة املحبوب بالدراما ال�شعرية التي يحققها ع���������س����ى ان ب��������رق ب��������ات رف���ي���ف م�������زن�������ه ك�����������س�����ى مل�����غ�����ي�����ب ب�����������ردوم ال�شاعر يف الق�صيدة ،وه��ي م��ن مميزات املدر�سة ال�شعورية �أو الرومان�سية التي �أ�س�سها و����س���م���ي ي�������س���وق���ه ب�������ارد ال���ري���ف �شعراء االمارات بعد املدر�سة التقليدية. ب�����������ه م���������رع���������د دن������������������ان وغ�������ي�������وم وان ع����اد ل���ه يف ر����ض���اه ت�����ش��ري��ف ف����رح����ة م���ع���ي���د م�����ن ع���ق���ب ����ص���وم وتبادل ح�ضور املجل�س قراءة �أبيات �شعرية مل�����ح�����ب يل ل��������ه ق�����ل�����ب ه����زي����ف كتبها الراحل العظيم قبيل رحيله ،و�سرد و����ص���اب ال��غ�����ض��ي م���دق���وق ل��و���ش��وم ب�ع����ض احل��ا� �ض��ري��ن ب�ع���ض� ًا م��ن م��واق�ف��ه ال�شعرية ،و�أل�ق��ى ال�شعراء خم�ت��ارات من وي�سهب يف ذل��ك ب�أ�صوات طائر الورقي دواوينهم وق�صائدهم ودرا�ساتهم حول ً واحلمام وهي كذلك ،وفقا لنور الدين ،جت��رب��ة ال�شيخ زاي ��د ال�شعرية وناق�شوا من ظواهر املدر�سة التقليدية: �سبل جمع وتوثيق تراثه ال�شعري ،وكيفية وي�����������ش�����وق�����ه ل�����ع�����اي�����ة ال�������ص���ي���ف املحافظة عليه ونقله �إىل الأجيال اجلديدة. ورق�������������ي ت�����ع�����ل�����ت را��������������س م�����زم�����وم و�أثنى احل�ضور على مبادرة مركز �سلطان ����������ن م����ن����ي����ف. �������م يف ف ٍ وح�������م�������ائ ٍ بن زايد للثقافة والإعالم ب�إنتاج الديوان ت�������وق�������ظ ال������ع�������������ش������اق م ال�������ن�������وم. ال�صوتي لأ�شعار زايد ،ويف نهاية املجل�س وان زارين ل���ه يف ال���ك���رى طيف �أ�������س������ع������د ول���������و يف حل�����ظ�����ة ح����ل����وم �أع �ل��ن ال���ش��اع��ر حبيب ي��و��س��ف ال�صايغ مدير عام مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإعالم ،ع�ضو جمل�س �إدارة نادي تراث آغا :أجمل بيت شعر الإم� � ��ارات ،امل �� �ش��رف ال �ع��ام ع�ل��ى جملة قاله الشيخ زايد طيب «تراث»� ،أن بيت ال�شعر يف �أبوظبي �سوف يتابع ا�ستكمال مهمة جمع وتوثيق الرتاث اهلل ثراه كان «النفط العربي ليس أغلى من الأدبي وال�شعري للراحل الكبري
الدم العربي»
عبق عبق
16 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
حسن فتحي.. فيلسوف عمارة الفقراء
�أم�ضيت عمري �أع�شق العمارة ،وانتهيت وهو الفن من ت�صوير ومو�سيقى وفلك. و�أن��ا �أخو�ض يف �شوارع امل��دن العريقة، الغنية بعمائرها ،ب ��أن �أ�صبحت �أح��د �إطاللة حل�سن فتحي امل�أ�سورين بذلك الفن و�أ�صحابه ،وكنت هل كان ح�سن فتحي -مهند�س الفقراء دائم ًا ما �أج��وب �شوارع وح��ارات املدن – من الذين �أ�ضافوا خليال العمارة ب�ح�ث� ًا ع��ن ت�ل��ك ال�ع�م��ائ��ر ،والتل�ص�ص �إ�ضافة مهمة ،وجديدة ،ثم م�ضى؟! �أت�ساءل ،وق��د التقيت بالرجل يف �آخر عليها وهي غافيه بالليل!. ع�شت ط��ول عمري �أق��ر�أ الع�صور على �أي��ام��ه ،مقيما يف درب ال�ل�ب��ان��ة ،بحي واجهات الأبنية العريقة و�أتعرف على ال��درب الأح �م��ر ،بالقلعة ،يف بيت من �أح� ��وال ال �ن��ا���س م��ن ط�ل��ة امل �ب��اين على بيوت املماليك ،يطل عليك بقدمه ،كما الب�شر ،واع�ت�برت العمائر مثل الكتب تطل عليه قلعة �صالح الدين بجربوتها، وعلوها ،ومتيزه بفن العمارة الإ�سالمية حافظة لأ�سرار الب�شر ،و�أحوالهم. و امل� �ع� �م ��اري يف ك ��ل �أح� ��وال� ��ه ،ف �ن��ان التي ع�شقها ح�سن فتحي ،طوال عمره. وف �ي �ل �� �س��وف ،لأن� ��ه ل �ك��ي ي�ن�ج��ز ر�ؤي �ت��ه يف ه��ذا املقام الف�سيح� ،سمعته يقول: الهند�سية بت�صميم ما يده�ش ،يعتمد «عندما انتقل العرب ملرحلة اال�ستقرار، على مفهومه ملعنى احل�ضارة ،وعنا�صر بادروا ب�إ�سقاط فل�سفتهم يف ا�ستعارات من تواريخ �سالفة ،ت�ساعده على �إجناز معمارية تعك�س ر�ؤيتهم للكون ،وهكذا ظ�ه��رت ال�سماء كقبة تدعمها �أرب�ع��ة ر�ؤيته الفنية. وامل� �ع� �م ��اري اجل� �ي ��د ،ي �ت �م �ت��ع مب��وه�ب��ة �أعمدة». ا��س�ت�ث�ن��ائ�ي��ة ،ح�ي��ث وه �ب��ه اهلل اخل�ي��ال وه �ك��ذا ان�شغل ح�سن فتحي بنظرية اخل�صب ،نتاج تطور ح�ضارة االن�سان ،ال�ق�ب��ة وع�لاق�ت�ه��ا ب��ال�ف���ض��اء ،وم��ن ثم ال �ت��ي م�ن�ح��ت امل �ع �م��اري ن �ف��اذ ال��ر�ؤي��ة عالقة الإن�سان بالكون ،وقال «�أن تكون لإق��ام��ة الأبنية ،والعمائر ،وامل�ساجد ،مقيم ًا يف بيتك فيما ت�ت��أم��ل يف نف�س وال��ك��ت��درائ��ي��ات ،وم �ت��اح��ف ال �ف �ن��ون ،اللحظة م�شاهدة ال�سماء عرب فتحات وت�شكيل الفراغ يف ر�ؤى عبقرية ،هذا �صممها مهند�س» ،م�ستعري ًا خطوات �سعيد الكفراوي امل �ع �م��اري ه��و ال� ��ذي ام �ت �ل��ك امل�ع��رف��ة �أجن��زه��ا �أج�� ��داده ،ل�ه��و �إجن� ��از طيب والعلوم الإن�سانية ،مثل :الريا�ضيات ،لراحة الإن�سان. والعلوم والتكنولوجيا ،والتاريخ ،وعلم دفعته هذه الطريقة يف الإن�شاء للنظر النف�س ،وال�سيا�سة ،والفل�سفة ،والعلوم يف �أحوال الفقراء يف العامل. االجتماعية ،وبالطبع �أه��م العنا�صر وك� ��ان دائ� �م� � ًا ي� ��ردد �أن ه �ن��اك 800
مليون ن�سمة من فقراء العامل الثالث حمكوم عليهم باملوت املبكر ب�سبب من �سوء ال�سكن ،ه ��ؤالء هو زبائني� ،إنني كمهند�س طاملا �أعطاين اهلل القدرة و الو�سيلة لإراحة النا�س ف�إن اهلل لن يغفر يل مطلق ًا �أن �أرفع احلرارة داخل البيت 17درجة مئوية متعمد ًا. من ذلك الرجل الذي �أده�شنا؟! ح�سن فتحي ،ه��و معماري م��ن م�صر، رجل ي�سعد بالعمار ،ومن جن�س �أ�سهم يف البناء ب�إقامة املقابر امل�سماة بالأهرام، م�أوى للروح وخلودها. ولد العام 1900م ،وح�صل على �شهادة، يف مناخ كانت م�صر فيه تتغري ،وكانت �سيطرة الثقافة الغربية على مهند�سي هذا الوقت ت�سطر �أفكارهم ،وت�صورهم. وترجع �أهمية ح�سن فتحي �إىل �أنه عانى م��ن �سيطرة تلك الثقافة ،وعمل على اخل��روج منها ب�إيجاد طرائق من بيئته تخدم نظريته يف فن البناء ،حتى عرث على نظرية القباب. ح�صل على دب�ل��وم��ه الأول يف 1926م من جامعة امللك ف�ؤاد الأول .ثم ا�شتغل مهند�س ًا ب��ال�ب�ل��دي��ات ،وم��در� �س � ًا بكلية ال �ف �ن��ون اجل �م �ي �ل��ة ،وخ� �ب�ي�ر ًا مبنظمة الأمم امل�ت�ح��دة لإع ��ادة ال�لاج�ئ�ين عام 1950م .كما اختري كخبري يف م�ؤ�س�سة دوك�سادي�س للت�صميم والإن���ش��اء .كما ع�م��ل خ �ب�ير ًا مب�ن�ظ�م��ة الأمم امل�ت�ح��دة يف م���ش��روع التنمية باململكة العربية
ال���س�ع��ودي��ة وع�ين خ �ب�ير ًا مبعهد �أوالي ا�ستيفن�سون. كما ق � ّدره ال�ع��امل على امل�ستوى املحلي ف � ُم �ن��ح ج ��ائ ��زة ال ��دول ��ة ال�ت���ش�ج�ي�ع�ي��ة والتقديرية وو�سام الفنون من م�صر. وح �� �ص��ل ع �ل��ى ج ��ائ ��زة �أغ � ��ا خ� ��ان يف ال �ع �م��ارة ،وج��ائ��زة ن��وب��ل البديلة التي يقدمها الربملان ال�سويدي وعلى غريها من اجلوائز العاملية.
فل�سفة القباب
ك��ان الأ� �س��ا���س العلمي لنظرية ح�سن فتحي هو بناء البيوت من الطوب اللنب «مادته اخلام من البيئة ال�صحراوية، املخلوطة ببع�ض م��واد البيئة نف�سها» ذل��ك امل �� �ش��روع ال ��ذي ن �ف��ذه كمهند�س ال يهتم بح�ساباته العلمية يف املتانة والت�صميم فقط ،لكنه �أ�ضاف �إليها من �إب��داع��ه واكت�شافاته الكثري ،م�ستفيد ًا من تراث �أمته املعماري يف �إقامة بيت على الطراز العربي ال�شعبي ،الذي كان ي�صفه دائم ًا بقوله« :كنت �أود �أن �أمد ج�سر ًا على الفجوة التي تف�صل املعمار ال�شعبي ،عن معمار املهند�س التقليدي، و�أن �أوف� ��ر ��ص�ل��ة م��رئ �ي��ة ،ب�ي�ن ه��ذي��ن املعمارين يف �شكل مالمح م�شرتكة». لقد ظل ح�سن فتحي طوال عمره ،ينظر �إىل ا��س�ت�خ��دام امل ��واد ع��ال�ي��ة التقنية، بحذر ،مثل جبال اخلر�سانة ،و احلوائط الزجاجية ،جري ًا وراء التحديث ،الذي
يف احلقيقة �ضد البيئة ،ومعطياتها. من هنا جاءت نظرية ح�سن فتحي عن القباب .قبل اكت�شافه لتلك الفل�سفة. ك��ان��ت جت��ذب��ه ط ��رق ال �ب �ن��اء ال�ق��دمي��ة بالطوب اللنب ،وبعد درا�ساته النظرية والعملية لهذا النوع من البناء ،تو�صل �إىل قوة ومتانة هذه اخلامة ،ولقد عمل على �أمن��اط قدمية من البناء ما تزال قائمة منذ � 2500سنه ،مثل خم��ازن قمح «الرام�سيوم » الفرعوين مبدينة الأق �� �ص��ر ،اك�ت���ش��ف يف ه��ذه الطريقة اال�ستمرارية واملداومة ومقاومة الزوال. لقد قابلته م�شكلة ظالم البيوت وذلك ال�ع�ف��ن املع�ش�ش فيها ف �ع��رف �أن ه��ذا يحدث ب�سبب جهل الفالحني يف �إقامة �سقوف بيوتهم. لذلك حل ح�سن فتحي م�شكلة ال�سقف ب�إقامة القبو املنحنى ،وبالتايل امتنعت ك��ل ج �ه��ود ال���ش��د واالن �ح �ن��اء وال�ق����ص، واق �ت �� �ص��رت ع �ل��ى ج �ه��ود ال �� �ض �غ��ط يف ال�سقف. لقد نفذ نظريته يف الهند واملك�سيك، وغريها ،و�أقام يف م�صر قرية «باري�س» بالوادي اجلديد ،و�أق��ام قرية «القرنه» ب��الأق �� �ص��ر ،وان �ت �� �ش��رت ن �ظ��ري �ت��ه عرب ال�� ��وادي ،يف ال �ف �ي��وم ،وع �ل��ى ��س��واح��ل البحر ،وبيوت يقيمها الفنانون ،م�أوى واقامة للعمل ،هرب ًا من ح�ضارة احلديد وال �� �ص �ل��ب والإ� �س �م �ن��ت ،و� �ش��دة هجري نظريات البناء احلديثة
المرصد 18 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
�أو�صى ب�إن�شاء م�ؤ�س�سة للدرا�سات الإن�سانية حتمل ا�سمه
منتدى الشيخ زايد يستعرض الفكر الوحدوي للقائد الرمز �أبوظبي -حممد النمر
حتت رعاية �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة، رئي�س مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإعالم ،احت�ضن م�سرح �أبوظبي على مدار يومني، فعاليات الدورة الثانية من منتدى ال�شيخ زايد ،الذي نظمه ال�شهر الفائت مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإعالم ،بالتعاون مع وزارة الثقافة وال�شباب وتنمية املجتمع� ،إحيا ًء للذكرى الثامنة لرحيل القائد امل�ؤ�س�س ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان ،طيب اهلل ثراه.
�شارك يف �أعمال املنتدى الذي حمل عنوان «زايد و�شعب الإمارات» نخبة من املفكرين واملثقفني الإماراتيني والعرب ،ا�ستعر�ضوا اجل��وان��ب امل �ت �ف��ردة وال� ��ر�ؤى التاريخية والفكر ال�سيا�سي وال��وح��دوي والإن�ساين يف م�سرية ال��راح��ل ال�ك�ب�ير ،رح�م��ه اهلل. وذل��ك يف ح�ضور ك��ل م��ن حبيب يو�سف ال�صايغ امل��دي��ر ال�ع��ام ملركز �سلطان بن زاي��د للثقافة والإع�لام ،وعبداهلل حممد امل �ح�يرب��ي امل��دي��ر ال�ت�ن�ف�ي��ذي ل�ل�خ��دم��ات امل�ساندة بالإنابة يف نادي تراث الإمارات، والدكتور �سليمان اجلا�سم مدير جامعة زاي��د ،وح�شد م��ن الإع�لام�ي�ين ،وجمهور كبري من املواطنني واجلاليات املقيمة يف الدولة. �شارك يف �أعمال اجلل�سة الأوىل للمنتدى ك��ل م��ن حممد ب��ن عي�سى وزي��ر ال�ش�ؤون اخل��ارج�ي��ة الأ��س�ب��ق يف اململكة املغربية، �أم�ين عام منتدى �أ�صيلة الثقايف ،وجاك � �ض �ي��وف م��دي��ر ع���ام م�ن�ظ�م��ة الأغ ��ذي ��ة والزراعة ل�ل�أمم املتحدة ،و�أحمد �شبيب ال�ظ��اه��ري م��دي��ر ع��ام م�ؤ�س�سة زاي��د بن �سلطان ل�ل�أع�م��ال اخل�يري��ة والإن�سانية. و�أدار اجلل�سة عي�سى امليل ،م��دي��ر قناة �أبوظبي الإم��ارات ،كما �شارك يف �أعمال ال �ي��وم الأول ك�ل��وف�ي����س م�ق���ص��ود �سفري اجل��ام�ع��ة ال�ع��رب�ي��ة يف وا��ش�ن�ط��ن ،بكلمة �ألقاها نيابة عنه مدير عام مركز �سلطان بن زاي��د للثقافة والإع�لام ،نظر ًا لغياب مق�صود ب�سبب وعكة �صحية مفاجئة �أملت به .بينما �شارك يف اجلل�سة اخلتامية ،يف اليوم الثاين من �أعمال املنتدى ،كل من رجل الأعمال حممد عبداجلليل الفهيم، والدكتورة فاطمة ال�صايغ �أ�ستاذة التاريخ يف ج��ام�ع��ة الإم � ��ارات ،وال��دك �ت��ورة م��رمي �سلطان لوتاه �أ�ستاذة العلوم ال�سيا�سية امل �� �س��اع��دة يف ك�ل�ي��ة ال �ع �ل��وم الإن���س��ان�ي��ة واالجتماعية يف جامعة الإم��ارات ،و�أدار اجل�ل���س��ة ال��دك �ت��ور ري��ا���ض ن�ع���س��ان �آغ��ا امل���س�ت���ش��ار يف م��رك��ز ��س�ل�ط��ان ب��ن زاي��د للثقافة والإعالم.
جاك �ضيوف
حبيب الصايغ: إحياء ذكرى زايد تضيف قيمة عالية إلى الحوار الفكري والحضاري الخالّق زايد خال�صة �أ�سمائنا وعناويننا
يف بداية فعاليات املنتدى ،نقل مدير عام مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإع�لام حبيب يو�سف ال�صايغ ،حتيات �سمو ال�شيخ �سلطان بن زايد �آل نهيان ممثل �صاحب ال�سمو رئي�س الدولة رئي�س مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإع�لام �إىل امل�شاركني يف املنتدى واحل�ضور ال�ك��رمي ،الفت ًا �إىل �أن حر�ص �سموه على �إحياء ذك��رى والد اجل�م�ي��ع ال�شيخ زاي ��د ،ط�ي��ب اهلل ث��راه، ب�أ�سلوب �سنوي منتظم ،ال ينبع فقط من
الفهيم: زايد هو المهندس الذي رسم معالم الدولة الحديثة التي نعيشها اآلن
حممد الفهيم
باب الواجب ،فزايد اخلري حقنا وواجبنا، �إمن��ا ملا ي�ضيفه ا�ستح�ضار ال�شخ�صيات ال�ع�ظ�ي�م��ة وت ��دار� ��س ��س�يرت�ه��ا م��ن قيمة عالية �إىل جممل الن�شاط الفكري الثقايف واالجتماعي واحل�ضاري اخل ّالق ،متمني ًا جناح �أعمال املنتدى وحتقيق �أهدافه. وق��ال ال�صايغ« :ال نن�سى ال�شيخ زاي��د، حتى نتذكره الليلة» ،الفت ًا �إىل �أن عالقة زايد مع �شعبه كانت عالقة مثالية وخا�صة جد ًا ،و�أ�ضاف« :ال�شيخ زايد ،وهذا معنى حقيقي ال جم��ازي ،ه��و ال��زم��ن احلقيقي لكل مواطن �إماراتي ،ال�شيخ زايد ن�سيج �أعمارنا ،وخال�صة �أ�سمائنا وعناويننا، ول��ذل��ك ف ��إنّ غيابه بعد ك��ل ه��ذه ال�سنني ال ي���ص��دق ،ف��زاي��د ح��ي بيننا مب��ا �أ�سهم وتف�ضل ،ومبا ق ّدم و�أجزَ ل». ّ و�أ� �ش��ار ال���ص��اي��غ �إىل �أن اح�ت�ف��اء مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإعالم بالتعاون مع وزارة الثقافة وال�شباب وتنمية املجتمع بالذكرى الثامنة لغياب القائد الرمز، والدنا و�شيخنا وحكيم العرب ،هو قيام ببع�ض ال��واج��ب جت��اه املجتمع وال��وط��ن، وخ�صو�ص ًا جت��اه الأج �ي��ال الطالعة التي تعي�ش ع�ل��ى ح ��� ّ�س زاي ��د وت�ت�ل�م����س نهجه القومي يف الأداء الوطني املتميز ل�صاحب
المرصد 20 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زاي��د �آل نهيان رئي�س الدولة «حفظه اهلل» ،فهو من �أكمل م�شوار النه�ضة ب��اق�ت��دار ،وق��اد �سفينة الوطن �إىل �ضفاف الأم��ان واال�ستقرار، و�سط حميط م�شاك�س �أحيان ًا ،م�ستفيد ًا من جتربته الطويلة والعميقة مع والده، وم�ضيف ًا �إىل ذلك ما يتالءم مع التغريات وامل���س�ت�ج��دات وط��ارح � ًا ب��ذل��ك الأمن ��وذج الأمثل للحكم الر�شيد . و�أ�ضاف« :هي حلقات من العطاء تتواىل وال تنقطع ،وت�شري دائم ًا �إىل جهة الإجناز وال��و� �ص��ول ،ف�م��ن الطبيعي �أن يقابلها �شعبنا ب�آيات الثناء والعرفان ،وباملزيد م��ن ال ��والء واالن �ت �م��اء» ،م���ش�ير ًا �إىل �أن ذل��ك ي �ح��دث يف دول ��ة الإم � ��ارات ب�شكل تلقائي نظر ًا لعالقة تاريخية بني القائد وال�شعب ،واحلاكم واملحكوم ،ما ي�سهم قطع ًا يف تعزيز هُ ويتنا حُ ولمتنا الوطنية، ويف تقوية ودعم مكت�سباتنا ،ويف مقدمتها احت��اد الإم���ارات العربية امل�ت�ح��دة ،وهو ثمرة ما غر�س زايد اخلري ،فعلينا مهمة �إمن��ائ�ه��ا بكل م��ا �أوت�ي�ن��ا م��ن طاقة العلم والعمل والإخال�ص. فكر زايد ع�ب�ر امل �� �ش��ارك��ون يف ال� �ي ��وم الأول من املنتدى عن �أهمية تخليد ذك��رى القائد امل�ؤ�س�س ال�شيخ زايد وف��ا ًء لقائد عظيم، وا�ستح�ضار ًا لدوره يف تعزيز مكانة دولة الإمارات ،وجهوده يف دعم وتعزيز العمل الوحدوي والت�ضامن العربي والإ�سالمي يف العامل �أجمع. وق��ال املفكر كلوفي�س مق�صود يف الكلمة ال �ت��ي ق ��ر�أه ��ا ن �ي��اب��ة ع �ن��ه م��دي��ر م��رك��ز �سلطان بن زاي��د للثقافة والإع�ل�ام�« :إن ال�شيخ زايد �أراد وحدة الإمارات كخطوة منوذجية �أولية باجتاه الوحدة ال�شاملة ال�ت��ي راودت �أح�ل�ام �أج �ي��ال ع��دي��دة ،وال تزال �أم ًال مطلوب ًا ومرغوب ًا». ولفت مق�صود �إىل �أن �أهمية النموذج الذي حققه ال�شيخ زايد يف هذا االجتاه،
حممد بن عي�سى
�أحمد �شبيب الظاهري
الظاهري: البد من تدريس فترة حكم زايد في المناهج الدراسية كنموذج في كيفية بناء وتطوير الدول
عي�سى �أن ال�شيخ زايد ترك �إرث� ًا و�سج ًال �إن���س��ان�ي� ًا وح���ض��اري� ًا و��ض�ع��ه يف م�صاف رواد الإن�سانية الكبار ،ينبغي ا�ستح�ضاره وا� �س �ت �ل �ه��ام��ه خ��ا� �ص��ة يف ه ��ذه الأزم��ن��ة ال�صعبة ،احلافلة ب��الأزم��ات والتوترات وال�صراعات ،داعي ًا �إىل ت�أ�سي�س مركز �أو معهد ُي�ع�ن��ى ب��ال��درا� �س��ات الإن�سانية يحمل ا�سم ال�شيخ زايد ،يكون من �ش�أنه امل�ساهمة يف تطوير البحث العلمي ملختلف الدرا�سات ذات املنحى الإن�ساين الكوين تنظري ًا وممار�سة. و�أك��د بن عي�سى �أننا �سوف نخلد ذكرى و� �س�يرة زاي ��د ون��زع �ت��ه الإن���س��ان�ي��ة ونبل مقا�صده و�أعماله ،ب�إقامة م�ؤ�س�سة علمية ُمتخ�ص�صة يف ال��درا� �س��ات الإن���س��ان�ي��ة مب�ف�ه��وم�ه��ا الأك� ��ادمي� ��ي اجل ��دي ��د ،على غ��رار م�ؤ�س�سات مماثلة قائمة يف بع�ض اجلامعات الأمريكية الكربى ،م�شري ًا �إىل �أن امل�ؤ�س�سة املُقرتحة �ستكون الأوىل من نوعها يف منطقة ال�شرق الأو�سط ،وامل�ؤمل �أن ت�ك��ون ه��ذه امل��ؤ��س���س��ة ف���ض��اء للت�أمل وال�ب�ح��ث لتثمني ج�ه��د ال��راح��ل الكبري، ليكون داف �ع � ًا وم�شجع ًا يف جم��ال العمل الإن�ساين ون�شر قيمه. كما دعا بن عي�سى �إىل �إن�شاء مركز زايد
تكمن يف كونه بو�صلة ملن اعتقدوا �أن هذا امل�شروع م�ستحيل .و�أ�ضاف مق�صود :يف عهد زاي��د ك��ان دفء االحت�ضان �سائد ًا وحكمة الإدارة م�ستوحاة من عمق ال�شعور بامل�س�ؤولية ،فقد كان الراحل متوا�ضع ًا يف الوقت الذي كان ي�ساهم يف �صناعة تاريخ العرب احلديث.
�إرث زايد الإن�ساين
يف كلمته� ،أك��د وزي��ر ال�ش�ؤون اخلارجية الأ� �س �ب��ق يف اململكة امل�غ��رب�ي��ة حم�م��د بن
بن عيسى : استحضار فكر زايد ضرورة في هذه األزمنة العربية الصعبة الحافلة بالصراعات
للمو�سيقى يف عامل الإ�سالم ،يكون مقره مدينة العني ،تلك البقعة التي انطلق منها ال�شيخ زاي��د ،حام ًال �أف�ك��ار ًا وت�صورات، ا�ستطاع بجهده ود�أ ِب � ِه و�إرادت�� ِه ،تنزيلها على �أر�ض الواقع.
�أعطني زراعة �أعطيك ح�ضارة
يف م��داخ �ل �ت��ه� ،أك ��د م��دي��ر ع ��ام منظمة الأغذية والزراعة يف الأمم املتحدة جاك ��ض�ي��وف� ،أن املنظمة ال��دول�ي��ة للأغذية والزراعة «الفاو» حظيت بدعم كبري من الراحل ،الفت ًا �إىل �أن هذا الدعم الزال م�ستمر ًا بتوجيهات �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زاي��د �آل نهيان رئي�س الدولة «حفظه اهلل». وقال �ضيوف �إن نهج الراحل الكبري ارتكز على خم�سة حماور �أ�سا�سية هي :الإميان بالإرادة ،والر�ؤية الثاقبة ،وح�شد املوارد، ال� �س �ي �م��ا ال �ب �� �ش��ري��ة م �ن �ه��ا ،وا� �س �ت �خ��دام التكنولوجيا ،والإ��ص��رار والإمي��ان باهلل، وكلها طرق ت��ؤدي �إىل النجاح ،و�أ�ضاف: كنت حمظوظ ًا ك��وين تعاملت يف مرحلة مع زايد رحمه اهلل ،وا�ستفدت كثري ًا من �أف�ك��اره ومقرتحاته ،فمنذ نحو ع�شرين عام ًا كانت ب�صماته وا�ضحة يف دعم عمل املنظمة �إقليمي ًا وعربي ًا لإميانه العميق ب�أهمية ال��زراع��ة ،حتى ح��از على جوائز عاملية يف هذا املجال ،فقد كان زايد من الدعاة ال�ستخدام التكنولوجيا يف و�سائل ال��زراع��ة امل�خ�ت�ل�ف��ة ،وه ��ذا م��ا طبقه يف دولة الإمارات فا�ستخدم ثروة النفط يف تطوير بالده و�أ�صبحت �صحراء الإمارات واحة خ�ضراء بف�ضل جهوده.
عزمية القائد القوية
�أم��ا مدير عام م�ؤ�س�سة زاي��د بن �سلطان للأعمال اخلريية والإن�سانية �أحمد �شبيب الظاهري فا�ستعر�ض خالل مداخلته يف املنتدى اجلوانب الإن�سانية يف �شخ�صية الراحل ال�شيخ زاي��د بن �سلطان ،فقال:
مرمي لوتاه
فاطمة ال�صايغ
فاطمة الصايغ: خلق وطن يحتضن المواطن ومواطن يشعر باالنتماء لوطنه لب فلسفة زايد هي ّ
جمل�س التعاون اخلليجي .وق��ال :ما لبث �أن توىل زم��ام رئا�سة الدولة حتى كانت �أياديه البي�ضاء متتد �شما ًال وجنوب ًا و�شرق ًا وغ��رب � ًا ،ك ��أن��ه �سحابة خ�ير ا�ستمطرت اخل�ير وال �ن �م��اء .وا��س�ت�ع��ر���ض ال�ظ��اه��ري م�شاريع زايد يف مناهل �شتى عرب الدائرة اخلا�صة ومكتب الرئا�سة ،ومن جمل�سه ومن خالل �أفراد ،وال�سفارات يف اخلارج، حتى باتت ال حتدها حدود ،ويف جماالت خمتلفة ومع بناء اجل�سم الهيكلي للدولة وتنظيم �إدارتها ،وقيام م�ؤ�س�ساتها ،فقد جمع كافة �أعماله اخلريية والإن�سانية يف بوتقة واح��دة �إمي��ان� ًا بالعمل امل�ؤ�س�ساتي ال�شامل الذي يقوم على التنظيم وتكثيف اجلهود من وجهة �إدارية عملية تقوم على الأدلة والقوانني ،وذلك وفق ا�سرتاتيجية وا�ضحة املعامل ،و�أهدافه النبيلة.
لقد جعل زاي��د رحمه اهلل ن�صب عينيه الأه� � ��داف ال �ن �ب �ي �ل��ة و� �س �ع��ى لتحقيقها ب�إخال�صه الد�ؤوب ،واهتمامه ال�شخ�صي، ف��ج��اءت � �س�يرت��ه ق���ص��ة ك �ف��اح للعزمية ال �ق��وي��ة ،امل �م �ت��زج��ة ب��امل�ح�ب��ة وال �ع �ط��اء، لي�صبح املثل الأعلى يف الريادة والقيادة، لأ�سلوب التغيري والتطوير يف بناء وتنمية املجتمعات .ودعا الظاهري �إىل �أن تدر�س ف�ترة حكم زاي��د يف امل�ن��اه��ج الدرا�سية يف بناء اال�سرتاتيجيات يف قيام ال��دول، خ�صو�ص ًا بعد التجربة الناجحة التي قادها يف قيام االحتاد �أو ًال ثم الدعوة �إىل
لوتاه: أدرك زايد منذ البداية أن اإلمارات جزء ال يتجزأ من محيطها اإلقليمي العربي واإلسالمي
فل�سطني يف قلب زايد
يف خ �ت��ام ف�ع��ال�ي��ات ال �ي��وم الأول ��ش��ارك احل �� �ض��ور مب��داخ�لات �ه��م ،و�أث��ن��ى مفتى ال �ق��د���س وال��دي��ار الفل�سطينية ف�ضيلة ال�شيخ حممد �أحمد ح�سني ،على مكارم ال��راح��ل ال�شيخ زاي��د و�أي��ادي��ه البي�ضاء يف فل�سطني الفت ًا �إىل ت�برع ال�شيخ زايد
المرصد 22 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
زاي ��د للثقافة والإع �ل�ام ب�ه��دف تر�سيخ هُ وية اب��ن الإم ��ارات ،مو�ضح ًا �أنّ هناك م�س�ؤولية على عاتق اجلميع هي احلفاظ على هذه الأ�س�س واملبادئ التي �أر�ساها ال�شيخ زايد ،وقال عزاءنا يف رحيله الر�ؤى ال���س��دي��دة لأب �ن��اء ال�شيخ زاي��د وال�ق�ي��ادة احلكيمة ل�صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفة بن زايد �آل نهيان رئي�س الدولة حفظه اهلل.
الراحل ال�شيخ زايد طيب اهلل ثراه يف بناء دولة الإمارات يف خمتلف مرافق احلياة، ب��دء ًا من مراحل التعليم الأوىل وانتها ًء ببناء املدن احلديثة واملتطورة يف �أرجاء الدولة تتقدمهم العا�صمة �أبوظبي .وقال الفهيم مرجت ًال حديثه وذكرياته �إنّ �أول در�س تعلمه من القائد الراحل هو �أ ّال يح ّد من �أفكاره وكالمه بخطاب مكتوب ،حتى ويح�س به يقول ما يريد و ُيعرب مبا ي�شعر ّ من تعابري ،وقال :تعلمت منذ ذلك الوقت يف ع��ام 1968م احل��دي��ث م�ب��ا��ش��رة من القلب و�إىل القلب. �رب و�أ�� �ض ��اف ال�ف�ه�ي��م �أن زاي ��د ل�ي����س ُم � ًّ �وج��ه لإن���س��ان الإم ��ارات فح�سب ب��ل ه��و ُم� ِّ يف كل مراحل حياته ،الفت ًا �إىل �أن �شعب الإم � ��ارات م��ر مب��راح��ل �صعبة وع�سرية كان الفقر عنوانها ،وكانوا ي�سكنون بيوت ًا م��ن ال �ط�ين ،و��س�ع��ف ال�ن�خ�ي��ل ،وال توجد غ�ير م��در��س��ة واح ��دة التحقنا بها ب��دون ر�سمي �أو �أحذية و ُك ّنا �سُ عداء بذلك. زي ّ ّ وعر�ض الفيهم �صورة له ولزمالئه الطلبة تعود �إىل عام 1958م ،قائ ًال �إنها تعرب عن احلالة االجتماعية واالقت�صادية للأهايل يف ذل���ك ال ��وق ��ت ،وق � ��ال� :إن ال�ن�ه���ض��ة احل�ق�ي�ق�ي��ة لأب��وظ �ب��ي وال �ت �ط��ور انطلقت ع��ام 1966م ،عندما ت��وىل القائد زاي��د اخلري ُحكم �إم��ارة �أبوظبي ،وب��د�أ التغيري وح ّبه وا��ض�ح� ًا وجلي ًا ب�إخال�صه ووف��ائ��ه ُ للوطن يف البناء والإع �م��ار ،فكان رحمه اهلل هو املهند�س الذي ر�سم معامل الدولة احل��دي�ث��ة ال �ت��ي نعي�شها الآن ،ف�ق��د ك��ان ب�سيط ًا متوا�ضع ًا كرمي ًا �سخي ًا مع �أبناء �شعبه ،وحري�ص ًا على متابعة م�شروعات الإعمار يف املدينة بنف�سه خطوة بخطوة ويوم ًا بيوم.
لإع� ��ادة ب �ن��اء خم�ي��م ج�ن�ين ال ��ذي دم��ره امل�ستعمر �أكرث من مرة ،حتى ارتبط با�سم ال��راح��ل زاي��د ال��ذي �أع ��اد ال�ب�ن��اء و�أع��اد الب�سمة جلميع الفل�سطينيني والطم�أنينة �إىل قلوبهم.
من القلب و�إىل القلب
االهتمام باملر�أة وحقوقها
التفرق رجل الوحدة يف زمن ّ
�شهدت فعاليات اليوم الثاين من �أعمال املنتدى مناق�شات هامة ح��ول اجلوانب امل �ت �ف��ردة وال� � ��ر�ؤى ال �ت��اري �خ �ي��ة وال�ف�ك��ر ال�سيا�سي وال��وح��دوي والإن �� �س��اين ال��ذي ات�سمت ب��ه م�سرية ال��راح��ل ال�شيخ زاي��د رحمه اهلل. �شارك يف اجلل�سة اخلتامية كل من رجل الأع �م��ال الإم ��ارات ��ي حم�م��د عبداجلليل ال�ف�ه�ي��م ،و�أ� �س �ت��اذة ال �ت��اري��خ يف جامعة الإم�� ��ارات ال��دك �ت��ورة ف��اط�م��ة ال���ص��اي��غ، و�أ�ستاذة العلوم ال�سيا�سية امل�ساعدة يف كلية العلوم الإن�سانية واالجتماعية يف جامعة الإم��ارات الدكتورة مرمي �سلطان لوتاه ،و�أدار اجلل�سة امل�ست�شار يف مركز �سلطان بن زايد للثقافة والإعالم الدكتور ريا�ض نع�سان �آغ��ا .ق��ال �أغ��ا يف افتتاحه للجل�سة� :إن الراحل ال�شيخ زايد �أحد قادة الأم��ة العظماء عرب تاريخها ،تخرج من مدر�سة الإ�سالم العظيم ،وميتلك جميع م�ق��وم��ات ال �ق �ي��ادة وال �ن �ج��اح ،ب ��د�أ ُحلمه الكبري بتوحيد القبائل واخت�صر مراحل تطور الدولة يف عقود قليلة ،فقد كان «رجل الوحدة يف زمن التف ّرق وال�شتات» ،الذي م� ّرت به ال��دول العربية يف ال�سبعينيات، حني انهارت وقتها جميع �أح�لام الوحدة العربية بعدد من الدول ،فيما حقق ال�شيخ زايد حلم بناء وحدة الإم��ارات .و�أ�ضاف �إن النه�ضة التي قادها زاي��د و�سبق بها غريه هي بناء الإن�سان قبل العمران ،و�س ّر اال�ستقرار يف احلكم ه��و ال�ت��وازن ولي�س ال �ق��وة ،كما �أن االح�ت�ف��اظ بال ُهوية �أه��م جذعي م�ب��د�أ �أم�سك ب��ه زاي��د م��ن خ�لال ّ الرتاث والثقافة والفكر الذي يج�سدهما ن��ادي ت��راث الإم��ارات ومركز �سلطان بن
ريا�ض نع�سان �آغا
آغا :
زايد أحد قادة األمة العظماء تخرج في مدرسة اإلسالم العظيم وامتلك جميع مقومات القيادة والنجاح
ب ��دوره ق��دم حم�م��د ع�ب��داجل�ل�ي��ل الفهيم � �س��رد ًا ت��اري�خ�ي� ًا ت�صاحبه � �ص��ور قدمية يرجع تاريخها �إىل مطلع اخلم�سينيات من القرن املا�ضي ،حتدث خالله عن فكر
�أو��ض�ح��ت ال��دك�ت��ورة فاطمة ال�صايغ من خالل الورقة البحثية التي قدمتها خالل املنتدى الر�ؤية التاريخية مل�سرية ال�شيخ زايد ،وركزت على اهتمامه بدور املر�أة يف
ضيوف:
جمتمع الإم��ارات والآف��اق العري�ضة التي فتحها لها ،م�شري ًة �إىل فل�سفة زاي��د يف الرتكيز على حتقيق العدالة االجتماعية للنا�س من رف��ا ٍه اجتماعي وتوفري فر�ص وح��ك��م ع� ��ادل ر� �ش �ي��د وااله �ت �م��ام ع �م��ل ُ باملواطن من دون متييز ،م�ؤكد ًة على �أن زاي��د ك��ان مدرك ًا �أن��ه ب��دون تلك العدالة االجتماعية لن يتوفر الأم��ن واال�ستقرار للوطن واملواطن. و�أ�ضافت ال�صايغ �أن فل�سفة زايد تتلخ�ص يف و�ضع كافة املوارد خللق وطن يحت�ضن املواطن ،ومواطن ي�شعر باالنتماء لوطن، ه��ذه املُعادلة هي ما قامت على �أ�سا�سه فل�سفة الربيع العربي احل��ايل بعد عقود من و�ضع زاي��د لفل�سفته ،م�شري ًة �إىل �أن االنتفا�ضات ال�شعبية العربية جعلتنا نفكر جمدد ًا يف فل�سفة ال�شيخ زايد التي طبقّها ف�سبق بها الآخ��ري��ن وطبقها قبل عقود وث�ب��ت جن��اح�ه��ا .وحللت ال�صايغ وجهة نظر ال�شيخ زايد على امل�ستويني اخلليجي وال�ع��رب��ي ،م ��ؤك��د ًة على �أن��ه خليجي ًا كان م��درك � ًا �أنّ م���ص�ير �أه ��ل اخل�ل�ي��ج واح��د لأنّ تاريخهم واح��د و�أح�لام�ه��م واح��دة والأخطار املُحدقة بهم واحدة ،لذا فعلى الرغم من �أنه نا�صر قيام جمل�س التعاون اخلليجي الذي انبثق من �أبوظبي� ،إ ّال �أنه كان مع الوحدة اخلليجية الكربى ،هذه ال��وح��دة ال�ت��ي �أث�ب�ت��ت الأح���داث العربية الأخرية مدى �أهمية وجودها� ،أما عربي ًا فكان زاي��د اخل�ير رج�ل ًا قومي ًا �آم��ن ب��أنّ م�صري العرب واحد ،ودعا القادة العرب �إىل نبذ ال�شقاق بينهم وال�ترك�ي��ز على بناء الأوط��ان ورفاهية ال�شعوب وحتقيق امل�صالح العليا للأوطان وال�شعوب لأنها ه��ي ال�ب��اق�ي��ة ،فعلى ال��رغ��م م��ن مقوالت زايد الكثرية يف هذا ال�ش�أن �إ ّال �أنّ القليل من القادة العرب ا�ستمعوا بدقة �إىل ما يقوله هذا الرجل احلكيم. ولفتت ال�صايغ �إىل �أن زاي��د رحمه اهلل اهتم باملر�أة اهتمام ًا اجتماعي ًا وثقافي ًا و�سيا�سي ًا� ،إميان ًا منه بدورها يف النهو�ض
اإليمان باهلل واإلرادة واإلصرار والرؤية الثاقبة وحشد الموارد واستخدام التكنولوجيا أبرز محاور نهج زايد ب��امل �ج �ت �م��ع ،ف��ج��اء مت �ك�ين امل� � ��ر�أة على ر�أ���س �أول��وي��ات��ه خلدمة جمتمع الإم��ارات وال �ن �ه��و���ض ب ��ه ،وك� ��ان ال ي ��دع منا�سبة مت� ُر من دون الت�أكيد على دور امل��ر�أة يف املجتمع باعتبارها ن�صف املجتمع ،و�أنّ املجتمع لن يتقدم �إذا ظ ّل ن�صفه ُم ّ عط ًال.
الإن�سان حمور عملية التنمية
ق��دم��ت ال��دك �ت��ورة م ��رمي ��س�ل�ط��ان ل��وت��اه ورقتها البحثية التي عر�ضت من خاللها الفكر ال�سيا�سي للراحل ال�شيخ زايد طيب اهلل ث ��راه م��ن منطلق م�ف�ه��وم التنمية، وا�ستعر�ضت عدة حماور يف ر�ؤية القائد التنموية التي جتاوزت التنمية مبفهومها امل��ادي لتج�سد جتربة تنموية �إن�سانية، الفت ًة �إىل �أن قناعة ال�شيخ زايد وال�شيخ را�شد التقت على �أن و�ضع التجزئة هو و��ض��ع ط��ارئ على املنطقة ،و�أن الأ��ص��ل فيها ه��و ال��وح��دة ت��اري�خ�ي� ًا واج�ت�م��اع�ي� ًا وثقافي ًا و�سيا�سي ًا ،والو�ضع القائم وهو ا�ستمرار الكيانات ال�سيا�سية يف حالة ال �ت �ج��زئ��ة ،م �� �س ��أل��ة ت �ت �ع��ار���ض م��ع �أم��ن املنطقة وقدرتها على �إح��داث التنمية، لذلك التقت الإرادت� ��ان ،وك��ان التقارب ال�سيا�سي بينهما �أ�سا�س ًا للوحدة ،ثم مت ا�ستقطاب واج �ت��ذاب الإم ��ارات الأخ��رى للدولة االحتادية. و�أ��ض��اف��ت ل��وت��اه �أن �إرادة التغيري التي امتلكها زايد و�إميانه بالفكرة الفيدرالية وم��ا تقود �إليه من خري لأب�ن��اء الإم��ارات ك��ان��ت �أق ��وى م��ن ك��ل امل �خ��اوف ،وق ��ادرة على الدفع باالجتاه ال��ذي يريده وي�ؤمن ب�أف�ضليته ،ولذلك حر�ص �سموه على �أن تكون ال�صيغة الفيدرالية �صيغة جاذبة وم�شجعة لك ّل الإم ��ارات على االن�ضمام ُ
للكيان االحتادي خا�صة ،م�ستعر�ض ًة البعد الإن�ساين والقومي للتنمية ،من خالل بعد نظر القيادة ال�سيا�سية يف دولة الإمارات التي جعلها تهتدي لالهتمام بامل�ؤ�شرات الإن�سانية والرتكيز على الإن�سان كمحور لعملية التنمية التي ينبغي �أن ت�سخر كل جوانبها ،بغر�ض �إ�سعاده ورفاهيته ،بدء ًا من التعليم وجعله جماني ًا و�إلزامي ًا يف كل مراحله لكل فئات املجتمع ن�سا ًء ورجا ًال �صغار ًا وكبار ًا ،مرور ًا باالهتمام بالرعاية ال���ص�ح�ي��ة واالج �ت �م��اع �ي��ة ال �ت��ي �شملت اجل�م�ي��ع� ،إ� �ض��اف � ًة �إىل االه�ت�م��ام بتوزيع الرثوة ب�شكل عادل ،وتوزيع عوائد النظام املادية واملعنوية. وذك��رت لوتاه �أن زاي��د �أدرك منذ بداية ت�أ�سي�س الدولة �أن الإمارات جزء ال يتجز�أ من حميطها الإقليمي العربي والإ�سالمي، و�أن التنمية والأم��ن ال ميكن حتقيقهما بعيد ًا عن حتقيق التنمية والأمن القومي العربي والإ�سالمي �إذا �أمكن ذلك ،و�أن م�شاريعه -رحمه اهلل -التنموية امتدت لتعم كل �أقطار الوطن العربي من املحيط �إىل اخلليج ،بل وجت��اوز عطا�ؤه التنموي ت �ل��ك احل� ��دود ل �ي �ك��ون ع �ط��ا ًء �إ� �س�لام �ي � ًا و�إن�ساني ًا �أو�سع� ،إ�ضاف ًة �إىل �أنه �أدرك �أن مرتكز الأمن واال�ستقرار والتنمية يف � ّأي جمتمع يتمثل �أ�سا�س ًا يف جت�سري العالقة بني احلاكم واملحكوم. وخل�صت ل��وت��اه �إىل �أن ق�ن��اع��ة و�إمي ��ان القائد زاي��د ب�ضرورة التغيري والإ�صالح وال�ق��درة على �إح��داث��ه بال�شكل املنا�سب وال��وق��ت امل�ن��ا��س��ب ،وال�ق�ن��اع��ة ب��ال��وح��دة باعتبارها للأمن والتنمية فلي�س هناك م �ك��ان ل �ل��دول ال���ص�غ�يرة يف ع��امل يتجه نحو التكتل ،م��ع االعتماد على العالقة التعاونية بني احلاكم واملحكوم ك�أ�سا�س للأمن واال�ستقرار ،والتوجيهات التعاونية و�إر� �س��اء ثقافة ال�سالم وقيمه ك�أ�سا�س للوحدة والتما�سك االجتماعي وال�سيا�سي يف ال��داخ��ل ول�ب�ن��اء ع�لاق��ات �أك�ث�ر �أم�ن� ًا وا�ستقرار ًا على امل�ستوى اخلارجي
المرصد 24 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
الك�سوة ال�رشيفة
يزيد عمرها عن 244عام ًا
أبوظبي تستضيف آخر كسوة عثمانية للكعبة �أبوظبي – تراث ا�ست�ضاف فندق ق�صر الإمارات يف �أبوظبي ال�شهر الفائت معر�ض «ك�سوة الكعبة» الذي عر�ض الن�سخة الأ�صلية من �آخر ك�سوة عثمانية للكعبة. يبلغ عمر الك�سوة التاريخية التي كانت قد غطت يوماً باب الكعبة 244عاماً ،حيث تعود �إىل عام 1181هـ «1768 - 1767م». وحتظى الك�سوة التي �ضمها املعر�ض ب�أهمية تاريخية باعتبارها �آخر ك�سوة فخمة ملونة ذات ت�صميم فاخر تعود لعهد ال�سالطني العثمانيني ،حيث مت ا�ستبدالها الحقا بنمط �أكرث حمافظة.
وت�شتمل الك�سوة على �ستارة باب الكعبة امل�صنوعة من احلرير الطبيعي اخلال�ص، ويبلغ ارتفاعها �سبعة �أمتار ون�صف املرت وبعر�ض �أربعة �أمتار ،مكتوب عليها �آيات ق��ر�آن �ي��ة وزخ� ��ارف �إ� �س�لام �ي��ة ،وم �ط��رزة ت�ط��ري��ز ًا ب ��ارز ًا مغطى ب��أ��س�لاك الف�ضة املطلية بالذهب. ً و�ضم املعر�ض جم�سما مت ت�صميمه ب�شكل يطابق الكعبة امل�شرفة ،يو�ضح هيكلها اخل��ارج��ي وت���ص�م�ي�م�ه��ا ال��داخ �ل��ي ،كما ت�ضمن �صور ًا فوتوغرافية نادرة للكعبة.
تاريخ الك�سوة
اختلف امل�ؤرخون حول �أول من قام بك�سوة الكعبة امل�شرفة ،فقيل �إن �أول من ك�ساها هو نبي اهلل �إ�سماعيل عليه ال�سالم ،وقيل �إن �أول م��ن ك�ساها ه��و ع��دن��ان ب��ن �أد، حفيد نبي اهلل �إ�سماعيل ،بعدما خاف �أن يدر�س احلرم فو�ضع �أن�صابه ،فكان �أول من و�ضعها و�أول من ك�سا الكعبة ،ويذهب البع�ض �إىل �أن �أول م��ن ك�ساها ه��و تبع �أبي كرب �أ�سعد ملك حمري �سنة 220قبل الهجرة. ك��ان��ت �أول ك�سوة �إ�سالمية للكعبة عام 9ه�ـ ،بعد �أن فتح امل�سلمون مكة ،وك�سا النبي � -صلى اهلل عليه و�سلم -الكعبة م��رة واح ��دة يف ح�ج��ة ال� ��وداع ،بالثياب اليمنية و�أقر �أن يتحمل بيت مال امل�سلمني نفقتها . ويف ع �ه��د اخل �ل �ي �ف��ة ع �م��ر ب��ن اخل �ط��اب �أ�صبحت الكعبة تك�سى بالقما�ش امل�صري امل�ع��روف بالقباطي وه��ي �أث��واب بي�ضاء رق�ي�ق��ة ك��ان��ت ت�صنع يف م���ص��ر مبدينة الفيوم. ومل تك�س الكعبة يف علي بن �أب��ي طالب، ويف عهد معاوية بن �أب��ي �سفيان ك�سيت الكعبة ك�سوتني يف العام ،ك�سوة «الديباج» يف يوم عا�شوراء ،وك�سوة «القباطي» يف �آخر �شهر رم�ضان ا�ستعداد ًا لعيد الفطر. مل حت��ظ ك�سوة الكعبة باهتمام خلفاء الدولة العبا�سية يف بداية عهد الت�أ�سي�س،
ضم المعرض آخر كسوة فخمة ملونة ذات تصميم فاخر تعود لعهد السالطين العثمانيين نظر ًا لكرثة القالقل واال�ضطرابات داخل الدولة ،وعندما توىل املهدي اخلالفة قام بك�ساء الكعبة امل�شرفة ك�سوة جديدة ،بعد �أن قام بتجريدها مما اجتمع عليها من ك�سوة. وبلغ اهتمام خلفاء بني العبا�س بك�سوة الكعبة ��ش��أن� ًا ك�ب�ير ًا ،فكانت ت�صنع من �أج� ��ود �أن � ��واع احل ��ري ��ر ،و�أم� ��ر اخل�ل�ي�ف��ة امل�أمون �أن تك�سى ثالث م��رات كل �سنة، يف الرتوية ،و�أول رجب ،وعيد الفطر.
م�صر وك�سوة الكعبة
منذ الع�صر الفاطمي حر�ص حكام م�صر على �إر� �س��ال ك�سوة الكعبة يف ك��ل ع��ام، ومت �ي��زت ال�ك���س��وات الفاطمية بطابعها الغريب ،فخليفتهم الثاين العزيز باهلل ك�سا الكعبة يف عام بك�سوة بي�ضاء اللون، ويف ع �ه��د احل��اك��م ب���أم��ر اهلل ذك ��ر بن �إيا�س �أن جماعة من العربان وثبوا على ك�سوة الكعبة وانتهبوها ،فك�سيت الكعبة يف تلك ال�سنة بنوع من القما�ش ُي�سمى «ال�شنفا�ص الأبي�ض». ظ �ل��ت ال�ك�ع�ب��ة ت�ك���س��ى م��ن م���ص��ر ط��وال الع�صر اململوكي با�ستثناء �سنوات قليلة، حيث ت�شبث املماليك مبا اعتربوه حقهم يف ك�سوة الكعبة راف�ضني �أن ينال �أحد غريهم هذا ال�شرف.
تشتمل الكسوة على ستارة باب الكعبة المصنوعة من الحرير الطبيعي الخالص ويبلغ ارتفاعها 7.5 متر وبعرض 4أمتار
يف العام التايل للفتح العثماين ويف يوم االث��ن�ي�ن 12م��ن رم �� �ض��ان ع��ر���ض وايل م�صر ك�سوة الكعبة امل�شرفة ،وق��د بالغ يف زرك �� �ش��ة ب��رق��ع ال �ك �� �س��وة وملحقاتها على خالف املعتاد ،و�أقيم احتفال كبري بالقلعة من �أجل هذه املنا�سبة. و�أث �ن��اء �إق��ام��ة ال�سلطان �سليم الأول يف م�صر اهتم ب�إعداد ك�سوة الكعبة وبالغ يف زرك�شتها ،و�أق��ر وقف ال�سلطان ال�صالح �إ�سماعيل ب��ن ق�لاوون عليها ،وق��د زاده ال�سلطان �سليمان ال�ق��ان��وين ح�ين وقف �سبع قرى �أخرى عليها. وبعد ع�صر ال�سلطان �سليمان القانوين ك ��ان ك��ل ��س�ل�ط��ان ي �ت��وىل ع��ر���ش ال��دول��ة العثمانية ي�ق��وم ب ��إه��داء ك�سوة جديدة للكعبة امل���ش��رف��ة ،وف���ض�ل ًا ع��ن الك�سوة املهداة من ال�سالطني ظلت ك�سوة الكعبة تر�سل بانتظام من م�صر ب�صورة �سنوية يحملها �أم�ير احل��ج معه يف قافلة احلج امل�صري. ويف �أعقاب احلملة الفرن�سية على م�صر، التزم نابليون بونابرت ب��إع��داد وجتهيز جميع ل��وازم احل��ج ،ف�أمر ب��إع��داد ك�سوة الكعبة و�صناعتها يف بيت م�صطفى بك �أمري احلج بد ًال من ق�صر يو�سف بالقلعة، كما كتب �إىل ال�شريف غالب بن م�ساعد �أم�ير مكة حلماية امل��وك��ب واحلجيج من اع��ت��داءات ال �ع��رب��ان وااله �ت �م��ام ب��راح��ة احلجيج و�أمنهم. وعندما توىل حممد علي با�شا حكم م�صر قام مبوا�صلة �إر�سال ك�سوة للكعبة� ،إىل �أن حدث �صدام بني الوهابيني يف الأرا�ضي احل� �ج ��ازي ��ة وق��اف��ل��ة احل� ��ج امل �� �ص��ري��ة، فتوقفت م�صر عن �إر�سال الك�سوة ل�ست �سنوات حتى ا�ستقرت الأمور. وك��ان��ت ك �� �س��وة ال�ك�ع�ب��ة ق��د ان �ت �ه��ى �أم��ر �صناعتها �إىل دار ك�سوة الكعبة امل�شرفة يف ح��ي «اخل��رن �ف ����ش» ب��ال �ق��اه��رة ،بعد �أن ط��اف��ت ب ��أم��اك��ن ك �ث�يرة ن��ال��ت �شرف �صناعتها م�ث��ل دم �ي��اط والإ��س�ك�ن��دري��ة، والقلعة وامل�شهد احل�سيني
المرصد 26 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
�ضم ن�سخ ًا نادرة من امل�صحف ال�شريف
معرض لمخطوطات القرآن الكريم عبر العصور دبي -حممد النمر احت�ضن مركز برجمان للت�سوق يف دبي فعاليات املعر�ض الذي نظمه ،ال�شهر الفائت ،مركز جمعة املاجد للثقافة والرتاث ،حتت عنوان «خمطوطات القر�آن الكرمي عرب الع�صور». �ضم املعر�ض الذي ا�ستمر ثالثة �أ�سابيع� ،ستة ع�شر �أمنوذجاً نادراً من خمطوطات القر�آن الكرمي ،ا�ستعر�ضت مراحل تطور كتابة امل�صحف ال�شريف ،و�أنواع اخلطوط والزخارف التي عرفتها مراحل كتابة القر�آن بدءاً من اخلط الكويف القدمي ،مروراً بخط الن�سخ واخلطوط امل�شرقية ،و�صو ًال �إىل ع�صر الفخامة والزخرفة� ،إ�ضاف ًة �إىل اخلطوط املغربية الإ�سالمية.
م��ن ن���س��خ ال� �ق ��ر�آن ال �ك��رمي امل �� �ش��ارك��ة يف املعر�ض ،ن�سخة فار�سية خزائنية مذهبة، ُكتبت قبل � 300سنة ،ون�سخة تركية قدمت للأمري قورقوت بن بايزيد بن حممد خان، و�أخرى موقوفة على مكتبة غازي خ�سروا يف �سراييفو بالبو�سنة قبل حوايل � 200سنة. وم�صحف «ابن البواب» �أبو احل�سن علي بن هالل ،وهي الن�سخة القر�آنية التي ُن�سخت يف بغداد على يد خطاطي الإ�سالم يف الع�صور الو�سطى ،وي��رج��ع ت��اري��خ ن�سخها �إىل عام 391هـ� ،إ�ضافة �إىل ن�سخ من القر�آن الكرمي مكتوبة ب�أ�شكال هند�سية.
ن�سخة م�ؤطرة
كما ��ش��ارك امل��رك��ز بن�سخة م��ؤط��رة ب�إطار مذهب احتوت ال��ورق��ة الأوىل على زخرفة نباتية جميلة مع كتابة باللون الأبي�ض لأ�سماء ال�سور ،كتبت �سنة 1052هـ .ون�سخة مغربية كتبت يف القرن الرابع ع�شر الهجري ب�أمر م��ن احل��اج ال�شريف ب�لا الكناوي الغباري بخط احلاج عبد القادر يف 132ورقة. ت�ضمن املعر�ض كذلك جمموعة من لوحات م�ستوحاة من العلوم املتعلقة بالقر�آن الكرمي، مثل لوحة �أربعني حديث ًا يف ف�ضائل القر�آن الكرمي وغريها. وقال نائب مدير العالقات العامة والإعالم يف مركز جمعة املاجد �أنور الظاهري �إن هذه امل�شاركة جاءت يف �إطار االحتفال مبنا�سبة �شهر رم �� �ض��ان ال ��ذي �أن� ��زل ف�ي��ه ال �ق��ر�آن، ومواكبة لفرحة امل�سلمني بكتاب اهلل العزيز، و�إقبا ًال عليه يف هذا ال�شهر الف�ضيل ،وتعريف ًا للجمهور باجلهود التي بذلها ُن ّ�ساخ القر�آن يف زخرفته وتزيينه. وق��ال الظاهري �إن تدوين ال �ق��ر�آن الكرمي مر مبراحل خمتلفة ،م�شري ًا �إىل اختالف املخت�صني ح��ول البدايات ،م�شري ًا �إىل �أن م�صحف �أمري امل�ؤمنني ذي النورين عثمان بن عفان ثالث اخللفاء الرا�شدين واحد من �أوائل الن�سخ املخطوطة املعروفة. و�أ�� �ض ��اف �أن ه ��ذا امل���ص�ح��ف ن���س�خ��ة من امل�صاحف ال�ستة التي مت ن�سخها ب�أمر عثمان
ضم المعرض نسخة فارسية مذهبة ُ كتبت قبل 300سنة وأخرى من مكتبة غازي خسرو في سراييفو ُ كتبت قبل حوالي 200سنة ر�ضي اهلل عنه ،الذي �أر�سل �أربع ًة منها �إىل الأم�صار ،وبقي م�صحفان منها يف املدينة. و�أو� �ض��ح ال �ظ��اه��ري �أن ه��ذه الن�سخة من امل�صحف ال�شريف ،ظلت حمفوظة يف خزانة الكتب باملدر�سة الفا�ضلية التي بناها القا�ضي الفا�ضل عبد الرحيم البي�ساين الع�سقالين يف الع�صر الأيوبي ،ثم نقلها ال�سلطان امللك الأ��ش��رف �أب��و الن�صر قن�صوه ال�غ��وري �آخر �سالطني ال��دول��ة اململوكية �إىل القبة التي �أن�ش�أها جتاه مدر�سته داخل باب زويلة ،ونقل �إليها �أي�ض ًا الآث��ار النبوية ،وعمل لها جلدة خا�صة بهاَ ، نق�ش عليها �أنها ُعملت بعد كتابة
تضمن المعرض مجموعة لوحات فنية مستوحاة من العلوم المتعلقة بالقرآن الكريم تُظهر تطور فنون الخط العربي
امل�صحف العثماين بثمامنائة و�أربعة و�سبعني ع��ام� ًا� ،أي �أنها عملت ع��ام 909ه�ـ ،وظلت الن�سخة حمفوظة ملدة ثالثة قرون.
تطور ن�سخ القر�آن
وا�شار نائب مدير العالقات العامة والإعالم يف مركز جمعة املاجد �أن��ور الظاهري� ،إىل �أن عملية ن�سخ ال�ق��ر�آن تطورت من جمرد ن�سخه للحفظ والتداول ،ف�أ�صبح الن�سخ فن ًا له مهاراته ومدار�سه ،وله معايريه الفنية، م ��ؤك��د ًا �أن الن�ساخني راح ��وا ي�ستخدمون مهاراتهم يف تذويق املخطوطة بالزخارف املختلفة ،النباتية والهند�سية التجريدية ،وما �أن �أهل القرن الرابع ع�شر واخلام�س ع�شر الهجريني كان فن اخلط العربي قد ت�شكل وا��س�ت��وى ،و�أ�صبح فن ًا ل��ه رواده وعالماته و�أ�صبح علم ًا وفن ًا يحتاج �إىل املوهبة واملهارة العالية. وقال الظاهري �إن جهود اخلطاطني العرب وامل�سلمني �أ�سهمت يف تطوير عمليات الن�سخ، خا�صة يف تركيا و�إي ��ران ،فقد ك��ان له�ؤالء �إ�سهاماتهم املهمة يف ه��ذا امل �ج��ال ،حيث ا�ستخدموا �أ�ساليب وم�ضامني ج��دي��دة يف تطوير فن اخلط العربي ،وتقدمي ت�صورات جديدة لن�سخ املخطوطات القر�آنية ب�صورة خا�صة ،م�شري ًا �إىل �أن ع��دد املخطوطات القر�آنية يف دول �آ�سيا الو�سطى عموم ًا ُيعد الآن بالآالف
28 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
الكالم المباح
الكالم المباح
زايد والمتنبي في مجلس تراث حنفي جايل
يف �سعيها لت�أ�صيل كل ما يتعلق برتاث الإمارات� ،أقامت تراث جمل�سها الرم�ضاين ال�سنوي لهذا العام حتت عنوان الرتاث يف �شعر زايد، وا�ست�ضافت فيه عدد ًا من كبار ال�شعراء والنقاد والدار�سني والباحثني املواطنني الذين اقرتبوا من القائد امل�ؤ�س�س املغفور له ب�إذن اهلل تعاىل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان ،رحمه اهلل ،ومن الذين �شهدوا حلظات مولد بع�ض ق�صائده ومن الذين ا�شتغلوا على هذه الق�صائد بالدر�س وبالبحث، ليديل كل منهم بدلوه عن مو�ضوع املجل�س ،وليتك�شف املزيد من اجلوانب يف هذا امللمح الفريد يف �شخ�صية قائد وزعيم مل ت�شغله م�س�ؤولياته املتعددة واملت�شعبة عن االهتمام بالرتاث والتم�سك به قو ًال وعم ًال. وقد �أجمع الكل على اخل�صال احلميدة التي متتع بها املغفور له ال�شيخ زايد بن �سلطان ،طيب اهلل ثراه ،وعلى �أنه كان �شديد االهتمام بالرتاث، وقد انعك�س ذلك يف الكثري من الق�صائد التي نظمها ،والتي تناولت كثري ًا من الأغرا�ض وحفلت بالكثري من احلكم والن�صائح واحلث على التم�سك بالقيم الإيجابية والعمل بها ،وجاء كل ذلك يف �ألفاظ راقية و�أ�سلوب �سهل ممتنع ،ما يدل على �أنه ،رحمه اهلل ،كان �شاعر ًا بالفطرة ،مطبوع ًا ولي�س م�صنوع ًا ،وعلى �أن مو�ضوع الرتاث كان را�سخ ًا يف ذهن زايد ،ومتمركز ًا يف ب�ؤرة �شعوره ،ميار�سه يف جميع الأوقات وبالتلقائية نف�سها التي ينظم بها ق�صائده يف جميع املنا�سبات. لكن املفاج�أة ،على الأقل بالن�سبة يل ولغريي ممن مل يعرفوا ذلك� ،أن املغفور له ال�شيخ زايد رحمه اهلل ،كان مولع ًا ب�أبي الطيب املتنبي ،حافظ ًا �أو يكاد لديوانه بالكامل ،كثري اال�ست�شهاد ب�أبياته وفق ًا لطبيعة املوقف الذي يتطلبه ذلك ،وما �أكرث املواقف التي حدثت بينه وبني �أقرانه ،وبينه وبني �أبنائه ،وبينه وبني امل�س�ؤولني ،وحتى بينه وبني �أفراد حرا�سته ،الذين كان يعتربهم �أبناءه و�إخوانه ،ب�شهاداتهم �أنف�سهم ،و�أنه ،غفر اهلل ،كان حري�ص ًا على الوقوف على معاين كل كلمة وكل بيت ،والوقوف عند كل �صورة �شعرية مو�ضح ًا �أو م�ستف�سر ًا ومتدار�س ًا بالغتها وجمالها اللفظي واملعنوي. وقد ذكر ال�شاعر �سعيد بن دري الفالحي ،وكان من الدائرة القريبة املقربة من املغفور له ب�إذن ربه ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان ،طيب اهلل ثراه موقف ًا فريد ًا كان �شاهد عيان عليه ،عندما �أمر زايد ،رحمه اهلل وجعل اجلنة مثواه �أحد الأ�شخا�ص املعروفني بعلمهم وثقافتهم �أن يقر�أ عليه بع�ض ق�صائد من ديوان املتنبي ،وحدث �أن ذلك ال�شخ�ص �أخط�أ يف مو�ضع ما من �إحدى الق�صائد ،رمبا لهيبته املوقف ،ف�إذا بال�شيخ زايد ،طيب اهلل ثراه، ي�صحح له البيت �أو الأبيات التي وقع اخلط�أ يف قراءتها ،ثم مي�ضي مكم ًال من ذاكرته تالوة بقيتها. ثم توالت امل�شاهد التي رواها احلا�ضرون عن م�آثر الرجل ،وحبه لل�شعر، وت�شجيعه لل�شعراء ،وبخا�صة املبتدئني واملتميزين منهم ،وعن طريقته املتميزة يف ذلك ،والتي حتبب الواحد منهم يف االجتهاد وحتثه على التجويد ،وال ت�شعره باحلرج مما يكون قد وقع يف ق�صيدته من خلل، حيث كان ،رحمه اهلل يقول ل�صاحب الق�صيدة :هذا البيت جميل� ،أو هذه ال�صورة جيدة ،لكن لو قلت كذا بد ًال عن كذا لكان البيت �أجمل ولكانت ال�صورة �أف�ضل ،وهذه طريقة الكبار ،وطريقة املربني املتمكنني ،الذين ال يكتفون بنقد الآخرين ملجرد النقد� ،أو لبيان �أنهم كبار� ،أو حلاجة يف نف�س يعقوب ،والدليل �أنه ميلك البديل ،والبديل الأجمل والأف�ضل ،وهي الطريقة التي كما �أ�سلفت حتبب ال�شعراء يف ال�شعر ،ما جعلهم يحبون الرجل فوق حبهم له كقائد وزعيم ،وجعلتهم ي�ستجيبون لن�صحه عن اقتناع ويتقدمون ويرتفعون يف �شعرهم.
وقد طرح �شاعر الإمارات الكبري را�شد �شرار على احلا�ضرين �س�ؤالآ طريف ًا عن ت�أثري ال�شعر يف طريقة تفكري وحكم وقيادة زايد ،وانربى احلا�ضرون يف الإجابة وراح كل واحد منهم ي�ضيف درة �إىل عقد جتليات وت�أثري ال�شعر يف حياة الرجل ،وكان �أهمها ،من جهة نظري ،هو ما حتلى به املغفور له ال�شيخ زايد ،رحمه اهلل وغفر له ،من حكمة ،تلك احلكمة التي �صبغت كل �أقواله وكل �أفعاله وكل مواقفة ،حتى بات معروف ًا بحكيم العرب ،وهنا ات�ضح الرابط ما بني ما ذكره احلا�ضرون من �إعجاب زايد باملتنبي وحفظه لأ�شعاره واال�ست�شهاد بها واحلر�ص على جمع �شروحها وتف�سرياتها ،وبني احلكمة التي متيز بها ،والتي �شهد له بها اجلميع. فمن املعروف �أن �أبا الطيب املتنبي ،قد �أ�صبح بعد �سنوات قليلة من والدته يف العام الثالث بعد املائة الثالثة من الهجرة من �أهم �شعراء العرب و�أحد مفاخرهم الأدبية ،وقيل �إنه نظم �أول ق�صيدة له وهو يف التا�سعة من عمره ،وقد طرق �أبو الطيب املتنبي �أغرا�ض ًا من ال�شعر ،منها املديح وو�صف املعارك ،ولكن �أجمع امل�ؤرحون والنقاد على �أن �أف�ضل �شعره كان يف احلكمة والفل�سفة ،وكم من �أبيات قالها قبل �أكرث من اثني ع�شرة قرن ًا من الزمان ،وال تزال �صاحلة لال�ست�شهاد بها يف هذين املجالني ،ومن منا ال يذكر ق�صيدته ال�شهرية التي منها الأبيات بالغة الفل�سفة واحلكمة : ومراد النفو�س �أ�صغر من �أن نتعــادى فيها و�أن نتف ــانى غري �أن الفتى يالقي املن ــايا كاحلات وال يالقي الهـوانـا ولو �أن احليـ ـ ــاة تبقى حلـي لعــددنا �أ�ضلنا ال�شجع ــانــا و�إذا لـم يكن من املــوت بــد فمن العجز �أن متوت جبانا �إن هذه الأبيات تو�ضح ب�شكل كبري مدى اجتماع الفل�سفة واحلكمة وامتزاجهما يف �شعر املتنبي ،وتو�ضح يف الوقت نف�سه ما حتلى به املغفور له ب�إذن اهلل تعاىل ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان ،طيب اهلل ثراه من �أخالق وما اجتمع له من �صفات ،فقد كان ،رحمه اهلل مت�ساحم ًا مع العدو قبل ال�صديق ،و�أبي ًا ال يقبل الدنية وال يبيت على ال�ضيم وال ير�ضاه لل�صغري قبل الكبري ،ومل متنعه ال�شجاعة من �أن يكون حكيم ًا ،ومل تثنه احلكمة عن �أن يكون �شجاع ًا ،وهذه بع�ض من ال�صفات ،ولي�ست كلها التي حتلى بها الرجل وطبعت �شخ�صيته ،وحكمت ت�صرفاته. ومن املعروف �أن احلكمة والفل�سفة �صنوان ،وقرينان ،وقلما اجتمعا ل�شخ�ص ،ومن املعروف كذلك �أن احلكمة يف حد ذاتها هبة من الواهب، �سبحانه وتعاىل ،ي�ؤتيهامن ي�شاء .قال تعاىل ي�ؤتي احلكمة من ي�شاء ،ومن ي�ؤت احلكمة فقد �أوتي خري ًا كثري ًا .ولكن يف تقديري �أن الرجل مل يكتف بالقدر الذي وهبه اهلل له من حكمة فقط وهو كبري ،ومل يركن �إليه ،بل راح يعمل على تثقيف نف�سه ،وتزويدها مبوارد احلكمة ،ومنها ال�شعر الذي هو ديوان العرب ،وتاريخهم و�سجل �أحداثهم مبا فيها من عرب وعظات ،ف�أنتج ذلك املزيد من احلكمة واملزيد من ال�شعر. وقد بات جلي ًا �أن الإن�سان هو ذكرى يف املقام الأول ،و�أنه يرحل وتبقى ذكراه ،وقد كان زايد ،رحمه اهلل وجعل اجلنة مثواه لكل من عرفوه قامة ومث ًال ملا يجب �أن يكون عليه القادة ،و�ستظل ذكراه باقية تنطق باحلكمة وبالفل�سفة وبحلو ال�شمائل ،و�سنظل ن�سرتجع �شعر زايد ون�ستعيد ما فيه من احلكمة والفل�سفة ،ويبقى �أن �أ�ضم �صوتي ملا دعا �إليه ال�شاعر حبيب ال�صايغ من �ضرورة العمل على جمع ما مل يجمع من الرتاث ال�شعري للقائد امل�ؤ�س�س ليبقى �شاهد ًا على ما كان عليه الرجل ولت�ستنري الأجيال املقبلة مبا فيها من مالمح ل�سرية عطرة وم�سرية مظفرة
قضية للنقاش 30 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
ازدرته النخبة باعتباره منتج العامة! مثقفون مغاربة:
التراثالشعبي
ال يحظى بأي اهتمام.. ال في التعليم .. وال في غيره
تغييب التراث في برامج التعليم بالمغرب «»2-2
الرباط -عبد الرحيم اخل�صار املغرب �أر�ض �شا�سعة تنامت على �صدرها منذ الأزل ت�ضاري�س احل�ضارة والتاريخ وتعاقبت عليها احل�ضارات خملفة تراثاً مادياً ومعنوياً مذه ً ال على �صعيدي الكم والكيف. ولكن �إىل �أي مدى �أمكن للمغاربة االفادة من هذا الرتاث الكبري؟ �س�ؤال تكمن �إجابته يف حترى مالح ح�ضور هذا الرتاث يف املناهج التعليمية ،فما تقييم اخلرباء والباحثني لهذا الوجود املفرت�ض للرتاث كاف للقيام بوظائفه التثقيفية والتوعوية وبناء الهوية وجتذير االنتماء؟ يف مناهج التعليم ،وهل هو ٍ وغريها من ت�سا�ؤالت �سعينا يف احللقة ال�سابقة �إىل تقدمي مقاربات لأجوبتها مع عدد من اخلرباء واملثقفني املغاربة من املعنيني بالق�ضية يف �شقيها الرتبوي التعليمي والرتاث ،ويف هذه احللقة ن�ستكمل ا�ستجالء مالمح ال�صورة. ازدراء الرتاث ال�شعبي
الدكتور ح�سن بحراوي ،مدير فريق البحث يف الإثنوغرافيا واملوروث الثقايف بجامعة حممد اخلام�س ،يرى �أنه من امل�ؤ�سف االعرتاف ب�أن الرتاث ال يحظى ب�أي اهتمام ،ال يف الربامج التعليمية وال يف غريها ،وب��أن��ه بالرغم من امل �ن��اداة املتوا�صلة م��ن ل��دن بع�ض النخب املغربية ،خا�صة منهم �أ�ساتذة اجلامعة ،الذين ظلوا منذ ن�صف قرن يطالبون ب�إحداث كر�سي للثقافة ال�شعبية يكون على عاتقه االعتناء ب�ه��ذا ال�ق�ط��اع م��ن ذاك��رت�ن��ا وينه�ض مبهام �صيانته واملحافظة عليه ،وال �أح��د ا�ستجاب لهذا املطلب ،بل �أكرث من ذلك ن�شهد نوع ًا من الإمعان يف �إدارة الظهر لهذا املوروث والزج به يف جماهل الن�سيان املميتة لكل �إنتاج ذهني �أو �إبداع �إن�ساين.
قراءة يف �أ�سباب الإعرا�ض
وي�ضيف ب �ح��راوي� :إذا بحثنا يف الأ�سباب العميقة لهذا الإعرا�ض �أمكننا �أن نقف على بع�ض احلقائق املذهلة ال�ت��ي حت رّ�ّي� العقل وتبلبل الوجدان �أبرزها �أن �أع�ضاء احلركة الوطنية -وه��و امل�صطلح ال��ذي نطلقه يف املغرب على النخبة املثقفة التي قادت املعركة من �أجل اال�ستقالل عن اال�ستعمار الفرن�سي « -»1956 - 1912قد نظروا بازدراء للرتاث
ال�شعبي لوقوعه يف نظرهم يف دائرة ما تنتجه العامة وال�سوقة من �أفراد ال�شعب وهو بالتايل يعب ال ي�ستحق �أي اهتمام �أو عناية لأن��ه رّ باللغة العا ّمية عن الواقع الفا�سد للطبقات االجتماعية الدنيا ،وهو واقع اال�ستعمار بكل ت�أكيد ،ولذلك فهو يتعار�ض مع الروح العربية القومية والعقيدة الإ�سالمية ل�صدوره عن ممن ال ي�ؤخذ بر�أيهم تلك الفئة من «الأم ّيني» ّ �أو ُيعت ّد بفكرهم. وي�شري ب�ح��راوي �إىل ا�ستثناءات �-أق��ل من القليلة� -ضمن هذه النخبة نظر �أ�صحابها �إىل هذا الرتاث ببع�ض الر�أفة و�أحيانا ب�شيء من التثمني مثل العالمة املختار ال�سو�سي الذي جعل للرتاث الأمازيغي مكانة خا�صة �ضمن م�ؤلفاته املو�سوعية العديدة مثل كتاب «املع�سول» ،والأ�ستاذ حممد الفا�سي الذي كر�س الق�سط الأول من حياته جلمع وتدوين احلكاية ال�شعبية ولغناء الن�ساء الفطري مبدينته فا�س ،وق�ضى الق�سط الأك�بر من
حسن بحراوي: نشهد نوع ًا من اإلمعان في إدارة الظهر للموروث والزج به في مجاهل النسيان المميتة
عمره املديد يف االهتمام بفن امللحون الذي احتفى بجمعه ودرا�سته يف مو�سوعته الهائلة امل���س�م��اة «امل�ع�ل�م��ة» ال �ت��ي � �ص��درت يف ع��دة جم�ل��دات ع��ن من�شورات �أك��ادمي�ي��ة اململكة املغربية ب�أوامر �شخ�صية من العاهل الراحل احل�سن الثاين. وي�شري بحراوي �إىل �أن الو�ضع قد تغري قليال بعد ا�ستقالل املغرب� ،إذ حتت ت�أثري �أ�ساتذة امل�شرق من �أمثال عبد العزيز الأهواين وعبد احلميد يون�س �سوف يتجه بع�ض الباحثني �إىل تناول هذا الرتاث على نحو �أكادميي وينالون عنه �أعلى ال�شهادات كما فعل الأ�ستاذ عبا�س اجل�ي�راري يف �أط��روح �ت��ه ع��ن ف��ن ق�صيدة امللحون والأ�ستاذ حممد بن�شريفة يف عمله املتحفي حول �أزجال العوام بالأندل�س.
اهتمام فرن�سي
ي�ستكمل بحراوي حديثه :الطريف �أنه �أمام هذا التجاهل الغريب و�شبه ال�شامل الذي ن��اب ال�ت�راث ال�شعبي امل�غ��رب��ي م��ن ط��رف النخبة الوطنية :ك��ان هناك اهتمام هائل من طرف الإثنوغرافيني الفرن�سيني الذين جلبهم اال�ستعمار بكل مظاهر هذا الرتاث مب��ا فيه م��ن ت�ع�ب�يرات �شفوية كاحلكايات والأم� �ث ��ال وامل�� ��رددات والأل� �غ ��از ،وطقو�س احتفالية ،مما تع ّود املغاربة القيام بها خالل
قضية للنقاش 32 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
د .ابو القا�سم ال�شربي
د .حممد الدريج
الأعياد الدينية كعا�شوراء وعيد املولد وعيد الأ�ضحى ،و�أ�شكال تزيينية وت�صويرية ك�أنواع الزخرفة والز ّليج والو�شم واحللي�...إلخ. وي�صف بحراوي �سبب هذا االهتمام الذي و�صفه بغري املنتظر وال املتوقع م��ن ه ��ؤالء الباحثني الفرن�سيني ب�أنه غاية يف الطرافة �أي�ض ًا ،ذلك �أن جتربة اال�ستعمار الفرن�سي للجزائر منذ 1830كان قد لقنهم در�س ًا لن ين�سوه ،وه��و �أن احتالل الأر���ض با�ستعمال القوة الع�سكرية وال�سيطرة االقت�صادية ال يكفي وح��ده لرتكيع �أم��ة �أو ك�سب �ضمريها و�شراء هدنتها ،و�أنه البد لتحقيق ذلك من التغلغل يف وعيها والتعرف على تقاليدها وعوائدها وخا�صة التمكن من معتقداتها املعلنة كالدين و�أمناط املعتقدات ،وامل�ضمرة كالأ�ساطري واخلرافات التي ت�أهل متخ ّيلها. ول��ذل��ك ا�ستقر ر�أي ده��اة اال�ستعمار وهم ي���س�ت�ع��دون الح��ت�ل�ال امل��غ��رب ع �ل��ى ال �ب��دء با�ستك�شاف ما مييز املغاربة من �أنواع التفكري و�ألوان التدبري وما ينتجونه من تعابري �شعبية
د عبد الرحمان بلو�ش
محمد الدريج: السؤال ال ينبغي أن يُطرح حول الحضور الكمي للتراث في مناهج التعليم ،بل على الحضور الكيفي والنوعي �شفوية وفنية �أو ما يعي�شون على �إيقاعه من معتقدات �سحرية وت�صورات طوباوية. ي�ستنتج الدكتور ح�سن بحراوي �أن التجربة النوعية العري�ضة التي خا�ضها الباحثون الفرن�سيون يف املغرب ،خالل فرتة احلماية « ،»1956 - 1912تفيدنا يف تكوين فكرة عن الأهمية اال�ستثنائية التي يكت�سيها جمع وتوثيق ال�تراث ال�شعبي ب�أنواعه التعبريية املختلفة «حكايات� ،أم�ث��ال ،غناء ،طقو�س احتفالية�...إلخ» يف فهم العقلية واالق�تراب منها والإن�صات �إىل نب�ضها يف كل الأحوال
الرتبية على قيمة الرتاث على الرتبية �أن تتوفق يف جعل الطفل يعي قيمة تراثه ويقدره ،باعتبار هذا ال�ت�راث حلقة من حلقات تطور الإن�سانية ،و�أن تك�سب الطفل ح�ساً نقدياً قادراً على متثل ما هو �إيجابي وبناء من الرتاث ،حتى ي�ستنري به يف حا�ضره ويهتدي به يف امل�ستقبل .كما �أن على الرتبية �أن تك�سب الطفل كيف يحرتم تراث الآخرين وجتاربهم ومعارفهم ،فاخلربات الإن�سانية تتكامل لت�شكل �إطاراً عاماً للإن�سان. �إن القدوة واملمار�سات الفعلية وال�سليمة من خالل اخل�برات اليومية داخل الأ�سرة �أو يف املدر�سة �أو يف احلياة املجتمعية العامة ،والتي تعتمد ا�ستيحاء الرتاث كف�ضاء حي ومتطور ،لهي �أف�ضل معلم يعلم الطفل �أ�سلوب الت�شبث برتاثه وتاريخه الغني والزاخر ويب�صره ب�إن�سانيته وكينونته املمتدة يف التاريخ. د .حممد الدريج
د .ح�سن بحراواي
التي تتقلب فيها ،ونحن عندما ننظر �إىل ذلك الرتاكم الزاخر الذي خلفوه مطبوعا يف من�شورات «معهد الدرا�سات العليا املغربية» �أو على �صفحات جملة «ه�سبريي�س» ال منلك �إال تثمني اجلهود التي بذلت يف �سياق �أعمال التنقيب والتدوين والفح�ص ملوروثنا الثقايف والفني ذي الطابع ال�شفوي والب�صري ،والذي ال يحتاج منا �سوى �أن نعيد ق��راءت��ه بعيون نقدية فاح�صة تخ ّل�صه مما �شابه من غمز خفي يف العرق �أو املعتقد ومن ت�أويل منحرف لوجه خدمة مقا�صد اال�ستعمار التي ال تخفى على كل ذي فكر و�صاحب وعي.
تقاع�س الباحثني الوطنيني
ي�ضيف ب �ح��راوي :ل�ل�أ��س��ف ف� ��إن الباحثني ال��وط�ن�ي�ين ،كما ذك��رن��ا ،ق��د تقاع�سوا عن موا�صلة املجهود ال��ذي د�شنه الفرن�سيون بل �إنهم مل يعريوه حتى ما هو جدير به من عناية واهتمام ل�سابق موقفهم من كل ما له �صلة باال�ستعمار و�إجن��ازات��ه ،والنتيجة ه��ي �أن�ن��ا ال �ي��وم ،وعلى مبعدة ن�صف قرن من رحيل هذا اال�ستعمار ،مازلنا نوجد يف ما ي�شبه نقطة البداية فيما يخ�ص العناية برتاثنا ال�شعبي و�إحالله املكان الالئق به. فال يوجد يف اجلامعة املغربية كر�سي خا�ص ب��الأدب ال�شعبي �أو ب��امل��وروث الإثنوغرايف، ولي�ست ه�ن��اك جهة �أو م��رك��ز يعنى بجمع متونه و�أر�شفته ،و�إذا �أ�ضفنا �إىل ذلك حجم التهديد الذي يحيق بذلك الرتاث بت�أثري من الإه�م��ال ومزيد التجاهل وخا�صة بطغيان و�سائل الإعالم والرتفيه احلديثة التي دفعت �إىل اخللفية بكل �أ�شكال املمار�سات الرتاثية
�أمكننا �أن نك ّون فكرة عن حجم املهام التي تنتظرنا �إذا ما �أردن��ا �صيانة وحماية هذا الرتاث لن�ضعه حتت �أعني نا�شئتنا للنظر �إليه واالعتبار مبا يت�ضمنه من حكم ومغازٍ .
جهود لإعادة االعتبار للرتاث
وعن الدور املبا�شر الذي يقوم به د .بحراوي وفريق البحث بجامعة حممد اخلام�س جلعل ال�تراث حا�ضر ًا يف املناهج التعليمية يقول :ولأج ��ل معاجلة ه��ذه الو�ضعية ،و�إي�ق��اف النزيف ال��ذي يتعر�ض له موروثنا ال�شعبي قمنا قبل �سنوات قليلة يف كلية الآداب التابعة جلامعة حممد اخلام�س بالرباط ب�إن�شاء فريق للبحث �أطلقنا عليه ا�سم «فريق البحث يف الإثنوغرافيا وامل��وروث الثقايف» وجعلنا ن�شاطه يت�سع ت��دري�ج�ي� ًا لي�شمل بالعناية العلمية الكافية هذا الرتاكم املتبقي لنا من موروثنا ال�شعبي بق�صد �إع��ادة االعتبار له و�إحالله املكان الالئق يف البحث اجلامعي كما يف احلياة اليومية ،وكذلك �إعمال النظر النقدي يف ذلك الرتاكم الهائل الذي خ ّلفه الباحثون الإثنوغرافيون الفرن�سيون خا�صة عرب من�شوراتهم «الوثائق الرببرية واملغربية، جملة هي�سبريي�س ،الكتب املطبوعة وهي قرابة املائتني» بروح نقدية ور�ؤي��ة تطهريية تخ ّل�صه من الت�أويالت املغر�ضة والأحكام الق ْبلية املرتبطة بالهاج�س اال�ستعمار .وكلنا �أم��ل �أن نفلح يف حتفيز امل�شتغلني ال�شباب بامل�سائل الرتاثية على موا�صلة توثيق و�صيانة موروثهم ال�شعبي بنوعيه ال�شفوي والب�صري، مبا يحفظ ذاك��رة �أمتنا وي�ؤكد على هويتها العربية والإ�سالمية.
الرتاث وتربية الأطفال
اخل�ب�ير ال�ترب��وي ال��دك�ت��ور حممد ال��دري��ج، رئي�س املناظرة املتو�سطية للطفولة ،و�أحد ك �ب��ار امل�ت�خ���ص���ص�ين يف ت �ط��وي��ر امل�ن��اه��ج التعليمية باملغرب ،ي�ؤكد على �أن ال�س�ؤال ال ينبغي �أن ُي�ط��رح ح��ول احل�ضور الكمي، فح�سب ،للرتاث يف مناهج التعليم ،بل على
مدر�سة بن يو�سف -مراك�ش
أبوالقاسم الشبري: معرفة ودراسة الماضي واالهتمام بالتراث ليست ترف ًا فكريا أو ديماغوجيا سياسية أو إيديولوجيا رجعية احل�ضور الكيفي وال�ن��وع��ي ،فالأ�سا�س من توظيف الرتاث يف الدر�س الرتبوي يجب �أن يكون خدمة �أه��داف حم��ددة يف �إط��ار ن�سق �شمويل يهدف �إىل تكوين �شخ�صية عربية �أ�صيلة من جهة ومتفتحة من جهة �أخرى. ويرى �أن الرتاث موجود وحا�ضر با�ستمرار يف حياتنا اليومية ويف ممار�ساتنا الرتبوية، وك��ذا يف مناهجنا التعليمية ،ل��ذل��ك ف ��إن ال���س��ؤال الأه��م ه��و ع��ن طبيعة الإج ��راءات امل �ت �خ��ذة جل�ع��ل ال �ت�راث ي�ح�ظ��ى بالعناية الالزمة يف تربية الأطفال ،وعن مدى جناعة الطرائق املتبعة لتجذير الطفل يف ح�ضارته الإ�سالمية يف نف�س الآن وانخراطه يف بناء
�صرح احل�ضارة الإن�سانية . يحاول الدريج �أن ي�ؤ�صل للعالقة بني التعليم وال �ت��راث ح�ين ي �ق��ول� :إن م��ا��ض�ي�ن��ا مليء ب��امل�ف��اخ��ر ،وال �ب��اح��ث يف �أ��س����س احل���ض��ارة الإن�سانية احلالية يجد ب�شهادة التاريخ وب�شهادة اجلميع� ،أن�ن��ا قدمنا للإن�سانية ر�سالة فكرية وعلمية وح�ضارية جد هامة؛ فعلماء الإ�سالم هم اللذين ابتدعوا مناهج البحث العلمي التجريبي وعنهم اقتب�سته احل�ضارة احلديثة ،فكان منطلق ًا ملا ي�شهده العامل من ث��ورة علمية وتكنولوجية .فكيف ميكن للمربي �إذن� ،أن ينقل �إىل الطفل هذه ال�صورة االيجابية عن ما�ضيه وكيف ميكنه �أن يف�سر هذه احللقة املفقودة يف تاريخه، خا�صة �إذا ك��ان ه��ذا الطفل يفتح عينيه بانبهار �شديد على الثقافات الأخرى؟ ي�ضيف ال��دري��ج� :إننا يف حاجة �إىل تن�شئة الطفل على �إح�سا�س يجعله يعتد ويفخر مبا�ضيه ،ويجعل م��ا يت�ضمنه م��ن جوانب م�شرقة �سند ًا ق��وي� ًا يف الإح�سا�س بوجوده وذاته يف قلب احل�ضارة الإن�سانية املعا�صرة، �شديد الثقة يف �إمكانياته العقلية والوجدانية.
قضية للنقاش 34 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
مدر�سة بن يو�سف -مراك�ش
وي��رى �أن االهتمام بثقافة الطفل يف عاملنا العربي والإ�سالمي �أحد ال�ضرورات امللحة، نتيجة م��ا ي��واج�ه��ه يف وقتنا احل��ا��ض��ر من حتديات و�ضغوط ومن غزو ثقايف و�إعالمي نتيجة التغريات ال�سريعة التي حتيط بنا من كل جانب . وي�ضيف� :إن عملية التن�شئة ه��ي الو�سيلة الأ��س��ا���س التي ت�ك� ّون �شخ�صية الطفل� ،إذ عن طريقها ي�ستطيع هذا الأخ�ير �أن يتمثل قيم جمتمعه واحل�ف��اظ عليها ،و�إذا كانت الأ� �س��رة وامل��در��س��ة امل�ؤ�س�ستني الرتبويتني الأوليتني يف تطبيع الطفل وتن�شئته ف�إن دور املربني �أباء كانوا �أو معلمني ،هو دور �أ�سا�سي وخطري يف اكت�ساب الطفل قيم ًا �أ�سا�سية و�أ�صيلة ،جتعله يت�شبث بدينه احلنيف وبلغته الوطنية ومبا�ضيه التاريخي ،ال��ذي ي�ستمد منه العربة والفائدة ،للحفاظ على هويته وخ�صو�صيته الثقافية .فالرتبية اليوم عملية واعية تتخذها خمتلف الأمم وال�شعوب لبناء كيانها وحتديد هويتها .و�شعوبنا الإ�سالمية والعربية مطالبة ال�ي��وم – وه��ي يف �إط��ار
حتدٍّ ومواجهة ملختلف التيارات التي ت�سعى �إىل امل�س ب�شخ�صيتها– �أن تعمل على ربط العمل الرتبوي بامل�ستوى املن�شود من العناية بثقافتنا وتراثنا احل�ضاري وتقدميه ب�شكل ممنهج وم�لائ��م حتى ي�ستفيد منه الطفل ويعمق خربته وينمي ج�سمه ووعيه باالنتماء الديني والقومي والوطني.
�أهمية تدري�س الرتاث
وعن �أهمية تدري�س الرتاث يقول الدكتور حممد ال��دري��ج� :إن ثقافة الطفل ال تكون ثقافة ايجابية وب �ن��اءة م��ا مل تعمل على تكوين امل��واط��ن ال�صالح ذي ال�شخ�صية املتكاملة ،القادر على ا�ستيعاب اخلربات
تغييب ملفات التراث الثقافي عن المناهج التعليمية تهديد للهوية الوطنية وللشخصية الجمعية في تعددها ووحدتها
الإن�سانية العامة وحتديد انتمائه التاريخي واملجتمعي لل�شعور بهويته ،ولكي يتم ذلك الب ��د م��ن �أن ت�سعى الأه � ��داف ال�ترب��وي��ة امل�سطرة يف املناهج الدرا�سية� ،إىل رفع درجة الوعي لدى املتعلمني وتنمية ن�شاطهم الذاتي و�إك�سابهم اجتاهات �إيجابية نحو ذواتهم ونحو ما�ضيهم املجتمعي وتاريخهم احل�ضاري . ول �� �ض �م��ان ذل ��ك ي ��رى ال ��دري ��ج � �ض��رورة مراعاة املناهج الرتبوية و�أ�ساليب ت�أليف وع ��ر� ��ض ال �ث �ق��اف��ة امل��وج �ه��ة لل��أط �ف��ال، ل�ل�أ��ص��ول امل�ستمدة م��ن تاريخنا وتراثنا احل �� �ض��اري .وي ��ؤك��د ع�ل��ى �أه�م�ي��ة تن�سيق اجل �ه��ود ب�ين الأ� �س��رة وامل��در� �س��ة وو��س��ائ��ل الإعالم باعتبارها و�سائل تربوية تثقيفية، حتى ت�شكل �إط��ار ًا من�سجم ًا يوجه الطفل نحو االعتزاز برتاثه والعمل على �إغنائه م�ستقب ًال .و�إنتاج مناذج وو�سائل تعليمية ت�ساعد املربي يف تو�ضيح مفاهيم الرتاث، وت�ضمني الكتب امل��در��س�ي��ة ن�صو�ص ًا من ال�تراث يتم انتقا�ؤها وتوظيفها مبراعاة احلقائق العلمية احلديثة .كذلك �إدراج ح�ص�ص ح��ول ال�ت�راث يف ب��رام��ج تكوين املدر�سني واملن�شطني وامل�ؤطرين الرتبويني ب�شكل ع��ام .وق �ي��ام اجل��ام�ع��ات واملعاهد العليا بالدرا�سات والبحوث حول الرتاث وحول ثقافة الطفل لتي�سري احلقائق حول �إمكانيات الدمج والتوظيف .وعقد ندوات و�أيام درا�سية حول ثقافة الطفل مبختلف �أ�شكالها وح��ول م��دى م��ا ينبغي �أن ميثله الرتاث فيها .بالإ�ضافة �إىل دعوة املبدعني م��ن ال�ك� َت��اب وال�ف�ن��ان�ين � �-س��واء يف جمال الق�صة �أو امل�سرح �أو الر�سوم املتحركة �أو الأنا�شيد وغريها -لدرا�سة �أف�ضل �أ�ساليب تعليم ال�تراث وتوظيفه التوظيف ال�سليم يف �إبداعاتهم � .إىل جانب �إقامة معار�ض ومتاحف للرتاث يف خمتلف جماالت احلياة ودرا�سة �إمكانية توظيفها يف تربية الأطفال وتثقيفهم م��ن خ�لال ال�برام��ج امل�ؤ�س�سية املنظمة �أو يف �إطار الأن�شطة املوازية.
املقررات املدر�سية تخطىء ب�ش�أن بقايا مدينة وليلي الأثرية
ا�ستلهام الرتاث يف التعليم
الدكتور �أبو القا�سم ال�شربي ،رئي�س جمعية خريجي املعهد الوطني لعلوم الآثار والرتاث بالرباط وع�ضو اللجنة الوطنية للمجل�س العاملي للمباين التاريخية ،يعترب املنظومة التعليمية ركيزة �أ�سا�سية �ضمن عنا�صر قيا�س تقدم الدول �أو تخلفها .وكل منظومة تعليمية لي�ست فقط �سلة م��ن املعلومات ال�ت��ي نح�شو ب�ه��ا ع�ق��ول ال�ت�لام�ي��ذ ب��ل هي مناهج علمية ومقومات يجب �أن ت�صبو �إىل ا�ستفزاز وا�ستنفار امللكات الذاتية للبحث والتنقيب ،وروح املبادرة لدى املتعلمني مبا يجعلهم يتملكون مفاتيح التح�صيل العلمي ال�شامل والثقافة العامة واالن�ف�ت��اح على الفكر العاملي. من هذا املنطلق يعترب ال�شربي �أن ح�ضور ال�تراث يف مناهج التعليم باملغرب كما يف غريه من البلدان ال يعني بال�ضرورة تدري�س ك��ل م �ك��ون��ات ال �ت�راث امل� ��ادي وال�ل�ام��ادي مبختلف حقبه وع�صوره و�إمن��ا على الأق��ل
المقررات المدرسية المغربية مليئة بمغالطات تاريخية وأثرية ألن واضعيها يعتمدون على دراسات تجاوزتها األبحاث والدراسات اليوم ت �ق��دمي �أه���م م �ك��ون��ات ه ��ذا ال �ت�راث على وج�ه�ه��ا احل�ق�ي�ق��ي ،وه ��ذا م��ع الأ� �س��ف ما ال جن��ده يف املنظومة التعليمية باملغرب بال�شكل امل�ط�ل��وب .ف��امل �ق��ررات املدر�سية امل�ع�ت�م��دة ب��امل �غ��رب م�ن��ذ اال� �س �ت �ق�لال �إىل ال�ي��وم مت��ر م��رور ال �ك��رام على م��ا تتناوله من مقومات تراثنا الوطني ،على هزالة ما تذكره من هذا ال�تراث �إىل درج��ة �أنك حت�س وك�أن تراث املغرب يختزل يف م�سجد الكتبية و�صومعة ح�سان وتاريخ الأدار�سة وامل��وح��دي��ن .ال�ت�راث ال�ث�ق��ايف امل�غ��رب��ي هو
معمار واختطاط مدن وعلوم وفنون تعبريية ولغات وع��ادات وتقاليد وحرف و�صناعات وف�ك��ر و�إب� ��داع و�أمن���اط ع�ي����ش ،ول�ك��ل ه��ذه الأ�شكال مميزات ومقومات من منطقة �إىل �أخرى ومن حقبة تاريخية �إىل عهود �أخر. وق��د عجزت املنظومة التعليمية باملغرب منذ �أزي��د من خم�سني �سنة عن ا�ستلهام هذا الرتاث وتقدميه �إىل �أبناء ال�شعب مبا ير�سخ هويتهم ويربز عمق ح�ضارة بلدهم و�إ�سهامها يف تطوير احل�ضارة الب�شرية.
مغالطات تاريخية و�أثرية
الأخ� �ط ��ر يف ال �ت �ع �ل �ي��م ب��امل��غ��رب -ح�سب ال�شربي -هو �أن امل�ق��ررات املدر�سية مليئة مبغالطات تاريخية و�أث��ري��ة لأن وا�ضعيها يعتمدون على درا��س��ات �أجن��ز �أغلبها �إب��ان الفرتة اال�ستعمارية وقد جتاوزتها الأبحاث والدرا�سات اليوم .وي�ضيف :عيب �أن تقول كل هذه املقررات �إن موقع «وليلي» الأث��ري روماين الأ�صل والبناء .واحلقيقة �أن وليلي
قضية للنقاش 36 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
«فولوبيلي�س» ب�أ�صلها الأم��ازي�غ��ي «�أوليلي» مدينة مغربية �شيدت زمن املماليك الأمازيغ عهود ًا قبل احتالل الرومان للجزء ال�شمايل م��ن امل �غ��رب ،وك��ذل��ك ح��ال م��واق��ع رومانية �أخ ��رى ه��ي مغربية املن�ش�أ مثل «بانا�صا» و«ت��ام��ودا» و«تامو�سيدا» و«زل�ي��ل» و«طنجة» و«�سبتة» ،وغريها كثري بينما تن�سب مقرراتنا ن�ش�أتها �إىل الرومان .ولنف�س ال�سبب تن�سب مقرراتنا املدر�سية واجلامعية ت�أ�سي�س مدينة فا�س العريقة �إىل املوىل �إدري�س الثاين بينما م�ؤ�س�سها احلقيقي هو وال��ده �إدري�س الأول. ولذلك �أي�ض ًا يكاد ال يعرف املغاربة �شيئ ًا عن مغربية مدينة �سبتة التي ترزح حتت االحتالل الإ�سباين ،بينما حتبل مقرراتنا املدر�سية ب�ت��اري��خ �أورب� ��ا و�أم��ري �ك��ا وع �ه��ود الفنيقيني والرومان وت�سكت عن العهود الأمازيغية من تاريخ املغرب و�شمال �إفريقيا التي عا�صرت احل �� �ض��ارات ال�ب��اب�ل�ي��ة والإغ��ري �ق �ي��ة ،قبل الرومانية.
غالف جريدة منار املغربية-عام1957
من المؤسف االعتراف تراث معماري وح�ضري زمن احتاللهم للمغرب �أو ل�شواطئه ،مثلما تتحدث هذه املقررات عن بأن التراث ال يحظى جتاهل االمتدادت خملفات الرومان ومبغالطات فجة. يوا�صل ال�شربي مالحظاته :ولذلك ال تذكر بأي اهتمام ال في والنتيجة ح�سب رئي�س جمعية خريجي املعهد مقرراتنا االم �ت��داد الإف��ري�ق��ي والأندل�سي البرامج التعليمية وال الوطني لعلوم الآث��ار وال�تراث ،وتبع ًا لغياب للمغرب ح�ي��ث �أب���دع و�أم��ت��ع ،ك�م��ا ال ك��ل ه��ذه احلقائق ع��ن مناهجنا التعليمية تثمن في غيرها برقة إىل توحيد املغرب الكبري من مراك�ش � و�إعالمنا الوطني ،هي ما نعانيه �أحيان ًا من زم��ن املرابطني واملوحدين وف�ترة من عهد هويتهم الأم��ازي �غ �ي��ة وال�ع��رب�ي��ة والإف��ري�ق�ي��ة بع�ض النعرات والتوترات الداخلية. بني مرين .وال غرابة �إذن �أن يجهل املغاربة والأورب�ي��ة والإ�سالمية واليهودية التي �شكلت �إ�سهامات العلماء املغاربة يف العلوم البحتة كلها جمتمعة ال�شخ�صية املغربية ومنحتها االهتمام بالرتاث لي�س ترف ًا وعلوم الدين والعلوم االجتماعية والإبداعات متيزها وتفردها وغناها .ونحن ال نرى عيب ًا �إن معرفة ودرا�سة املا�ضي واالهتمام بالرتاث الفكرية والأدبية والفنية مبختلف تالوينها .يف �أن تتناول مقرراتنا املدر�سية م��ا خلفه لي�ست ترف ًا فكري ًا �أو دمياغوجيا �سيا�سية �أو ول��ذل��ك ال ن�ستغرب جهل امل�غ��ارب��ة مبكونات الربتغاليون وبعدهم الفرن�سيون والإ�سبان من �إيديولوجيا رجعية ،بل �إن ذلك من مقومات بناء امل�ستقبل؛ لأن الغد ال يبنى من فراغ مثلما الرتاث والوحدة الوطنية �أن �أي علم من العلوم ال ين�ش�أ من �صفر ،بل كل �إن تغييب ملفات ال�تراث الثقايف عن املناهج التعليمية يف املغرب -كما يف اخرتاع علمي جديد هو ا�ستيعاب وجتاوز ملا غ�يره من البلدان -هو تهديد للهوية الوطنية ولل�شخ�صية اجلمعية يف �سبقه من اخرتاع .وال�شعوب والأمم ال تتطور تعددها ووحدتها بالن�سبة لأي بلد .ال��ذاك��رة اجلمعية والهوية وال�سيادة بتجاهل ما�ضيها وتراثها لأن معرفة ما�ضيها والوحدة الوطنية ال تبنى وال ت�ستمر بالإعالم الر�سمي ،وقد عرفنا كثرياً وتراثها هما ما مينحانها الوحدة التي عليها م��ن ال�ب�ل��دان انفجرت وان�شطرت لأن�ه��ا بنت وحدتها الوطنية فقط على يتوقف ك��ل �شيء وبغيابها يغيب ك��ل �شيء �أبواقها الإعالمية الر�سمية وجتاهلت مناهجها التعليمية وتغافلت عنوة با�ستثناء التفرقة والتخلف اللذان يزهران كلما ت�شتت ال�شعب الواحد وتطاحن. عن تثقيف �أبناء �شعبها ثقافة حقيقية ور�صينة.
د� .أبو القا�سم ال�شربي
وي��ن��ادي ال��دك �ت��ور �أب ��و ال�ق��ا��س��م ال���ش�بري بتدري�س �أب �ن��اء ال�شعب ال�ت��اري��خ املغربي احلقيقي والرتاث املغربي مبختلف مكوناته وتعابريه وجتلياته املادية والالمادية منذ عهود ما قبل التاريخ �إىل اليوم ،وي�ضيف: علينا �أن نقوم بذلك من دون �أن يعني ذلك حتويل املدر�سة املغربية �إىل معهد للرتاث. فالدرا�سة ما قبل اجلامعية باملغرب متتد على �إثنتى ع�شرة �سنة ،وميكن ا�ستغالل هذه ال�سنوات يف مترير منهجي وتراكمي ملكونات الرتاث املغربي من معمار وتعمري ومو�سيقى وفنون فرجوية و�إنتاجات فكرية وعلمية و�إبداعات حرفية و�صناعية ولغات وطنية وحملية وم��ا �إىل ذل��ك مم��ا ي�شكل الثقافة مبعناها الأنرتبولوجي .لذلك يجب على وا�ضعي املناهج وال�برام��ج التعليمية وامل�ق��ررات املدر�سية �أن ُي�شركوا الفاعلني امل ��ؤ� �س �� �س��ات �ي�ين واجل �م �ع��وي�ين وال �ب��اح �ث�ين واملفكرين واملثقفني يف �صياغة مناهجهم وب��راجم�ه��م وم �ق��ررات �ه��م .ك�م��ا ي�ج��ب على املناهج التعليمية دم��ج ور� �ش��ات ميدانية ول� �ق ��اءات م��ع ب��اح �ث�ين وم �ف �ك��ري��ن �ضمن املنظومة الرتبوية للبالد .وغني عن الذكر �أن املغرب يتوفر على باحثني �أكفاء ي�ضعون �أنف�سهم يف خ��دم��ة ب�ل��ده��م �إذا م��ا ن��ودي عليهم .كما �أن امل�غ��رب يتوفر على معهد متخ�ص�ص يف علوم الآثار والرتاث وم�سالك ت��راث�ي��ة ب��أغ�ل��ب اجل��ام �ع��ات وم�ع��اه��د عليا متخ�ص�صة يف الفنون ،ووجب على القيمني ع�ل��ى � �ش ��ؤون ال�ترب�ي��ة وال�ت�ك��وي��ن التن�سيق م��ع ه�� ��ؤالء ال �ب��اح �ث�ين وت �ل��ك امل ��ؤ� �س �� �س��ات املتخ�ص�صة يف � �ش ��ؤون ال�ت�راث وال�ف�ن��ون لإخ� ��راج ب��رام��ج تعليمية تليق بح�ضارة املغرب وبطاقاته احلية وق��واه التي جتتهد ل�صناعة م�ستقبل �أف�ضل.
ت�سا�ؤالت عن ر�ؤية ا�سرتاتيجية
الدكتور عبد الرحمان بلو�ش ،نائب مدير مركز الدرا�سات والأبحاث التنموية والثقافية «�شي�شاوة» ،وع�ضو املكتب الوطني للجمعية املغربية للبحث والتبادل الثقايف ،وم�ؤطر
عجزت المنظومة التعليمية بالمغرب منذ أزيد من خمسين سنة عن استلهام التراث وتقديمه إلى أبناء الشعب ال��دورات التكوينية يف املعهد امللكي للثقافة الأمازيغية ب�شراكة مع وزارة الرتبية والتعليم، يرى �أنه غري جمد يف بلد مثل املغرب ،حيث تتفاعل يف تعاي�ش م�ستمر �أمن ��اط ثقافية خمتلفة ،التعامل م��ع ال�ت�راث يف امل��دار���س واملعاهد مبنظور اخ�ت��زايل .وي�ستهل بلو�ش مداخلته بطرح العديد من الأ�سئلة� ،أبرزها: ه��ل يتوفر امل�غ��رب على ر�ؤي ��ة ا�سرتاتيجية للرتاث الوطني ،ي�ستمد منها قطاع التعليم مقاربة �شمولية للتعريف به وتطوير وظائفه الأ�سا�سية بهدف ا�ستثماره يف تر�سيخ قيم التعاي�ش والتفاهم؟ و�إىل �أي حد ا�ستطاعت املنظومة الوطنية للرتبية والتكوين يف املغرب جت��اوز النظرة النمطية �إىل ال�ت�راث التي ظلت لعقود حبي�سة الزاوية الظاهرة للمعمار والتحف التذكارية والأهازيج ال�شعبية وما �إىل ذلك من ال�سلع ال�سياحية على ح�ساب التوغل يف �أع�م��اق القيم املغربية الأ�صيلة باحلفاظ على املقومات احل�ضارية ،واللغوية والثقافية الوطنية ،عرب الربامج واملناهج الدرا�سية الهادفة �إىل تكوين النا�شئة ب�شكل ي�ؤمن �أوا�صر ارتباط الإن�سان برتاثه؟
مكون الأمازيغية يف التعليم
ويف معر�ض �إجابته على ه��ذه الت�سا�ؤالت، التي يقر ب�صعوبة ح�سمها ،ي�ضرب الدكتور عبد ال��رح�م��ان بلو�ش م�ث��ا ًال برحلة �إدم��اج مكون اللغة الأمازيغية يف التعليم باملغرب منذ اال�ستقالل ،والتي مرت مبحطات ثالث، الأوىل يف ال�ف�ترة م��ن نوفمرب � 1956إىل �أغ�سط�س ،1994حيث كان البعد الأمازيغي غائب ًا يف اخ�ت�ي��ارات ال��دول��ة ويف مقاربتها ملواجهة الإ�شكاالت اللغوية والثقافية للطفل امل �غ��رب��ي ،مم��ا �أدى �إىل ت��ده��ور و�ضعية الأم��ازي �غ �ي��ة -ل �غ��ة وث �ق��اف��ة -ت��ده��ور ًا ب��ات يهدد وج��وده��ا .الأم��ر ال��ذي نبه �إليه امللك من الرتاث املغربي
قضية للنقاش 38 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
�شف�شاون مدينة زرقاء تتنف�س التاريخ
احل�سن الثاين يف خطابه عام 1994داعي ًا �إىل تدري�س الأمازيغية يف �إط��ار ما �شهدته تلك ال�ف�ترة م��ن حم��اوالت �إ��ص�لاح النظام التعليمي الذي عانى من �أزمة الهوية .وهي الدعوة التي ا�ستهلت املحطة الثانية التي ا�ستمرت حتى يوليو ،2001و�شهدت جمموعة م��ن امل� �ب ��ادرات تع ّلقت مبرجعية تدري�س الأمازيغية ،وهي و�إن ظلت جمرد تعبري عن النوايا ،كما يراها الدكتور بلو�ش� ،إال �أن هذه املرحلة – يف رايه� -شك ّلت قطيعة مع املرحلة ال�سابقة وقادت �إىل املحطة الثالثة التي �سميها مبرحلة امل�صاحلة مع الذات وال�ت��ي ت�ب��د�أ م��ن 30يوليو 2001وم��ا زال��ت م�ستمرة �إىل اليوم ،وي�ضيف :عرفت هذه املرحلة ال�شروع يف �إدم��اج الأمازيغية يف الن�سق ال�ترب��وي ،مبوجب اتفاقية �شراكة بني املعهد امللكي للثقافة الأمازيغية ووزارة الرتبية الوطنية والتعليم العايل وتكوين
الباحثون الوطنيون تقاعسوا عن مواصلة المجهود الذي دشنه الفرنسيون ولم يعيروه ما هو جدير به من عناية لسابق موقفهم من كل ما له صلة باالستعمار وإنجازاته الأط��ر والبحث العلمي ،لتتوج يف �سبتمرب 2011ب��د��س�ترة الأم��ازي�غ�ي��ة كلغة ر�سمية للبالد �إىل ج��ان��ب اللغة ال�ع��رب�ي��ة .ويعلق بلو�ش :تلكم كانت �أهم املحطات الرئي�سة لإدم��اج مكون الأمازيغية يف التعليم ،الفت ًا �إىل �أن �أهمية ا�ستح�ضارها يف هذا املجال هو �أن انفتاح املدر�سة املغربية على املكونات
نتاج م�شرتك �إن ما ي�صطلح عليه اليوم بالرتاث يف املغرب هو نتاج م�شرتك ملكونات من�صهرة، �ساهمت دون تف�ضيل ،منذ �آالف ال�سنني يف �إبداع ممتلكاتها املادية والرمزية ويف ابتكار �آليات تدبريها ،بالقدر الذي حافظت على كينونتها وتوارثها ،وعليه ،ف�إن مكونات الثقافة املغربية جمتمعة تعترب مفتاحاً �ضرورياً مل�ساءلة الرتاث بهذه البالد من �أجل فهمه وتثمني ا�ستثماره. د .عبد الرحمان بلو�ش
الثقافية للمجتمع وعلى هويته العريقة، ال��ذي ك��ان غ��ائ�ب� ًا يف �أدب�ي��ات�ه��ا لأزي ��د من �أربعة عقود ،انتقل على التوايل من العدم �إىل نوايا متقا�سمة بني خمتلف الفاعلني يف احلقلني ال�سيا�سي وامل��دين يف املغرب الر�سمي ،ثم �إىل �إرادة خا�ضعة للتجريب يف نظام تعليمي تعددت �أ�سباب علله. ويف معر�ض تقييمه للتجربة يرى الدكتور عبد ال��رح�م��ان بلو�ش �أن جم��رد ال�شروع يف �إدم��اج الأمازيغية مبا حتمله من ثقافة وت��راث يف الن�سق الرتبوي املغربي يعد يف حد ذاته �إجناز ًا كبري ًا ،الفت ًا �إىل التحوالت اجلذرية التي خلقها احل��دث يف املدر�سة املغربية من جهة ،و�إىل حجم الرتاكمات الديداكتيكية وال�ترب��وي��ة ال�ت��ي �أف��رزت�ه��ا التجربة .وي�ضيف :لكن املالحظ �أن واقع هذا الإدم��اج ال يرتقي �إىل م�ستوى النوايا والطموح� ،إذ �سرعان ما ا�صطدمت حمولة هذا امل�شروع الوطني بعراقيل على م�ستوى التفعيل ،وه��ي ك�ث�يرة وم�ت�ع��ددة و�إن كان �أبرزها �ضعف تكوين الأطر املعنية بتدري�س اللغة الأم��ازي�غ�ي��ة ،وغ�ي��اب الأم��ازي�غ�ي��ة يف �أن�شطة التفتح والدعم ويف الربامج اجلهوية؛ بالإ�ضافة �إىل االقت�صار على اعتماد التطوع يف تدري�س الأمازيغية بدل التكوين الأ�سا�سي للمدر�سني؛ وعدم مالءمة معمار امل�ؤ�س�سات التعليمية ومرافقها للخ�صو�صية املعمارية املحلية ،وغياب الطابع امل�ؤ�س�ساتي للبحث ال�ع�ل�م��ي ح ��ول ال �ت�راث الأم��ازي��غ��ي داخ��ل امل�ؤ�س�سات اجلامعية. ويخل�ص ال�ب��اح��ث عبد ال��رح�م��ان بلو�ش �إىل �أن املغرب ال ميتلك يف الوقت الراهن �إ�سرتاتيجية مل���ش��روع م��ن ه��ذا احلجم، وي�ضيف� :إن التعليم يف املغرب مل يتمكن ب �ع��د م��ن ت�ط�ب�ي��ق الإج � � ��راءات امل �ح��ددة ب�صورة تعتمد مبد�أ القرب واالنفتاح على خمزونه الرتاثي ،م�ؤكد ًا �أن هذه الو�ضعية هي من دفع بامل�شرع املغربي �إىل اقرتاح �إمكانيات ج��دي��دة يف الد�ستور احل��ايل، ب�ت�ن���ص�ي���ص��ه ع �ل��ى د� �س�ترة الأم��ازي �غ �ي��ة و�إن�شاء املجل�س الأعلى للثقافة واللغات
التراث حاضر في المقررات ..لكن وفق مبدأ القطيعة ي�صبح الرتاث ي�صبح فاع ً ال يف اللحظة الراهنة للأمم حني يح�ضر يف الوعي باعتباره ا�سرتاتيجية تفكري و�سلوك ثقايف معقلن ،وي�سمح بخلق ت�صور مو�ضوعي حول تاريخ الذات ومكوناتها ،ويتحول عن�صراً �سلبياً حني تتم جتزئته واختزاله يف بعده الفولكلوري من �أجل �ضخ ال�سياحة� ،أو منا�سباتي ي�ستميل الوجدان �أكرث من العقل ،يف �سبيل مترير �صور وقوالب جاهزة. د .زهور كرام
جامعة ابن طفيل
وحاجة الأمم لرتاثها حاجة ح�ضارية بامتياز، �شريطة �أن تتم عقلنة تدبري هذا الرتاث جلعله وظيفي ًا يف حا�ضر وم�ستقبل الذات. لهذا فالر�ؤية الوظيفية للرتاث هي م�س�ألة خيار �سيا�سي وطني قبل كل �شيء ،ثم هي �إج��راء ثقايف و�أ�سلوب تعليمي ومنظور اجتماعي .وحني تلتقي ه��ذه اخل�ي��ارات ب�شكل علمي وعقالين ي�صبح الرتاث �شريك ًا وظيفي ًا يف احلا�ضر. �إن التفكري يف ع�لاق��ة ال�ت�راث بالتعليم يف التجربة العربية هو تفكري يف طبيعة مفهومنا للرتاث .لأن و�ضعية املفهوم هي التي حتدد طبيعة ت�صريف ال�ت�راث وت��دب�يره ��س��واء يف التعليم �أو الثقافة �أو ال�سيا�سة. وبالنظر �إىل خمتلف املفاهيم التي �أحاطت بالرتاث� ،سنجدها مفاهيم م�شبعة ب�أحكام قيمة ،وم��وزع��ة ب�ين توجهات �إيديولوجية، مما جعل ال�تراث حا�ضر ًا بطرق جتزيئية ح�سب طبيعة م�ستعمليه .كما ح�ضر رديف ًا للما�ضي يف مقابل احل��داث��ة .ونتيجة لهذه الو�ضعية املفهومية بقي ال�ت�راث خا�ضعا للتوجهني ال�ت�ج��زي�ئ��ي «م �ف �ه��وم القطيعة» والثنائي«ما�ضي /حداثي».
انعك�س ه��ذا امل�ف�ه��وم على طبيعة الت�صور البيداغوجي للرتاث يف املنظومة التعليمية، وبالأخ�ص يف اجلامعة .وبا�ستثناء التجارب ال �ف��ردي��ة لبع�ض الباحثني ال��ذي��ن ي�ط��ورون اال�شتغال العلمي بالرتاث من خالل علم حتليل اخلطاب ،ف��إن ال�تراث حا�ضر يف املقررات، وذل��ك وف��ق مبد�أ القطيعة ال��ذي يجعله غري وظيفي؛ لكونه عبارة عن جزر منف�صلة عن بع�ضها� ،إىل جانب غياب الت�صور التاريخي واملنهجي ل�ل�تراث لكي يكون � �س ��ؤا ًال معرفي ًا وعلمي ًا وف��ق ح��اج�ي��ات احل��ا��ض��ر ،وعالقته باجليل اجلديد. ميكننا ر�صد بع�ض التحوالت التي تخ�ص �شكل ح�ضور ال�تراث يف الدر�س اجلامعي والبحث
محاوالت الحضور العلمي األكاديمي تبقى متواضعة إذا لم تستفد من الدرس الفكري والنقدي الذي يقترح مقاربة جدية مع التراث
العلمي باجلامعة املغربية ،خا�صة مع بداية م�شروع الإ�صالح اجلامعي من خالل انفتاح الدر�س اجلامعي على تكوينات جديدة ت�ستفيد م��ن علم حتليل اخل�ط��اب وثقافة الو�سائط التكنولوجية اجل��دي��دة ،ك�م��ا ت �ط��ور حتليل خطاب الثقافة ال�شعبية وال�شفهية مبختلف تنويعاتها ،واال�شتغال بال�سرود الرتاثية مبناهج حديثة يف عالقة مع �أ�سئلة ال�سرد احلديث، ورقمنة ال�تراث� ،إ�ضافة �إىل تخ�ص�صات يف املا�سرت ووح��دات الدكتوراه والتي تعمل على تكوين جيل من باحثني متخ�ص�صني يف الرتاث ب ��أدوات ومناهج علمية حديثة جتعل الرتاث ن�سق ًا م�ستمر ًا يف التفكري واملعرفة والوعي من خالل وظيفته يف احلا�ضر. �إال �أن هذه املحاوالت تبقى متوا�ضعة �إذا مل ي�ستفد العلمي الأكادميي من الدر�س الفكري وال �ن �ق��دي ال ��ذي ي �ق�ترح م�ق��ارب��ة ج��دي��ة مع الرتاث ،كما جند يف طروحات فكرية مغربية خا�صة مع النقاد حممد مفتاح وعبد الفتاح كليطو و�سعيد يقطني الذين يقدمون ت�صور ًا متطور ًا للتعامل مع الرتاث باعتباره خطاب ًا وظيفي ًا يف الق�ضايا املعا�صرة
40 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
مدارات اآلفاق ارتياد مدارات
المشروع الحضاري العربي ث�ل�اث حل �ظ��ات ت��اري�خ�ي��ة ه��ام��ة ميزت امل�شروع احل�ضاري العربي يف الع�صر احلديث وه��و ي�سعى �إىل ت�شكيل ذات��ه. ك��ل حل�ظ��ات ه��ذا امل �� �ش��روع ت��ول��دت عن دواع خارجية مو�ضوعية ودوافع داخلية ذاتية .لكن هذا امل�شروع ال يزال يرتطم ب�ع�ق�ب��ات وع��راق �ي��ل حت ��ول دون حتققه ودون حتوله واقعي ًا .واملق�صود بالتحول ال��واق�ع��ي ان�خ��راط ال�ع��رب الإي�ج��اب��ي يف الع�صر ،واالرتقاء �إىل م�ستوى �أعلى من التفاعل املثمر معه ،والفعل فيه. ك��ان��ت اللحظة الأوىل م��ع م��ا ع��رف يف ع�صرنا احلديث بـ«النه�ضة» حني قدم اال� �س �ت �ع �م��ار ب�خ�ي�ل��ه ورج �ل��ه وم�ع��رف�ت��ه، فكانت «ال���ص��دم��ة» احل���ض��اري��ة الأوىل ال �ت��ي ا�ست�شعر ف�ي�ه��ا ال �ع��رب موقعهم احل�ق�ي�ق��ي يف ال �ع��امل ع��ن ط��ري��ق ر�ؤي ��ة ال��ذات من خالل الآخ��ر .فتولد ال�شعور ب�ـ«ال�ت��أخ��ر» .وك��ان ال���س��ؤال الرتاجيدي :مل��اذا ت�أخر امل�سلمون وتقدم غريهم؟ وك��ان��ت ان �ط�لاق��ة امل �� �ش��روع احل���ض��اري وال �ث �ق��ايف الأول ح�ين ع�م��ل اال�ستعمار على �إدخ��ال بنيات حديثة على امل�ستوى االق �ت �� �ص��ادي واالج �ت �م��اع��ي وال �ث �ق��ايف وال �� �س �ي��ا� �س��ي .جت� ��اورت ه ��ذه ال�ب�ن�ي��ات
امل�ستحدثة مع التقليدية .وتركز امل�شروع الثقايف على قاعدة �إع��ادة ا�ستك�شاف ال� ��ذات ال �ت��اري �خ �ي��ة ل�ت�ح���ص�ين ال ��ذات الواقعية �ضد الغرب ،فكان الت�صادم بني بنيتني واقعيتني ع�صرية وتقليدية، وبنية فكرية تقليدية تعمل على حت�صني ذات�ه��ا واالن �غ�لاق على نف�سها ،و�أخ��رى حتاول �أن تكون ع�صرية ،فكان احلجز وان�سداد الأفق. وك��ان��ت ال �ل �ح �ظ��ة ال �ث��ان �ي��ة ب �ع��د خ��روج اال� �س �ت �ع �م��ار ،وت �� �ش �ك��ل«ال��دول»ال �ع��رب �ي��ة احلديثة و«امل�ستقلة» .حدث هذاُ ،بعيد انتهاء احلرب الثانية ،حيث �صارت الهوة مت�سعة بني ال�شرق اال�شرتاكي والغرب الر�أ�سمايل .تو ّلد يف هذه اللحظة ،على امل�ستوى ال�سيا�سي ،م�شروع ال��وح��دة،
االستعمار كان الصدمة الحضارية األولى التي استشعر فيها العرب موقعهم الحقيقي في العالم عن طريق رؤية الذات من خالل اآلخر وكان سؤالها المركزي لماذا تأخرنا؟
وكان االنحياز �إىل ال�شرق �ضد الغرب: �أي التحرر من الآخر «الغرب» عن طريق االت�صال بـ«�آخر» �آخ��ر «ال�شرق» .وكان ال�صراع العربي ـ «الإ�سرائيلي» حمك هذه الرغبة يف التحرر .وكانت الهزمية . كانت الهزمية �صدمة ثانية ال تختلف ع��ن ن�ظ�يرت�ه��ا الأوىل .وك ��ان ال �� �س ��ؤال املركزي «ملاذا انهزمنا؟» .وجاء امل�شروع احل�ضاري الثاين ،حماولة �أخرى لإعادة ا�ستك�شاف ال���ذات ال�ت��اري�خ�ي��ة ،ولكن م��ن زاوي� ��ة �أخ� ��رى تلتقي م��ع امل���ش��روع «ال�شرقي»� .إن الذات التاريخية التي مت ترهينها يف املرحلة الأوىل والتي هيمن فيها امل�شروع ال�سلفي «الأفغاين ،حممد ع �ب��ده ،ر��ش�ي��د ر� �ض��ا� ،أح �م��د �أم �ي�ن»... ج �ع �ل��ت ر�ؤي �ت �ن��ا �أح ��ادي ��ة �إىل ال�ت�راث ال�ع��رب��ي الإ� �س�لام��ي� .أم��ا اال�ستك�شاف هذه امل��رة ،فيلتفت �إىل جانب �آخ��ر من الذات نف�سها� :إنها الذات التي ت�ؤ�س�س لـ«العقل» .فكانت امل�شروعات اجلديدة لقراءة ال�تراث منظور ًا �إليه من زاوي��ة م��ادي��ة «الطيب تيزيني ،ح�سني م��روة، اجلابري »...فقدمت «الذات» اجلديدة بدي ًال عن القدمية ،ولكن �إىل جانبها.
�سعيد يقطني
وبتنا بذلك �أمام ذات «�أخرى». وحدث �أن انهار جدار ال�شرق والغرب، ف��ان �ت �ه��ى امل �� �ش��روع ال��ث��اين �إىل ط��ري��ق م�����س��دود ،وت��راج��ع��ت ك ��ل ال �� �ش �ع��ارات ال��وح��دوي��ة وال�ت�ح��رري��ة ،وب ��د�أت تتغيب مالمح الذات املادية ،كما بد�أت ت�ضعف مالمح الذات املثالية ،و�إن ظل االهتمام بهما م�ستمر ًا وم�ت��وا��ص�ل ًا ،ولكن لي�س باملقدار الذي كان ،لأنه بد�أ يتخذ �شيات جديدة ،حتاول تر�شيح ذات �أخرى. بد�أت تتبلور وتطفو مالمح حلظة ثالثة و«م�شروع» �آخ��ر يف الت�سعينيات .يلتقي هذا امل�شروع مع �سابقيه بحث ًا عن ذات تاريخية معينة .جاء البحث ،هذه املرة، لي�س يف توا�ؤم معني مع الع�صر«الأ�صالة و� /أو املعا�صرة» � ،أو يف تال�ؤم مع الع�صر «ال��ذي ين�شد التحرر م��ن الر�أ�سمال»، ول�ك��ن يف ط�لاق ت��ام م��ع الع�صر ال��ذي �صار يوجهه القطب الواحد .ينبني هذا التوجه على قاعدة «�صراع احل�ضارات». ف �ك��ان��ت ردة ال �ف �ع��ل �أق� ��وى مم��ا ك��ان��ت عليه يف ح�ق��ب �أخ� ��رى .ك��ان��ت ت��راج�ع� ًا عن اللحظتني ال�سابقتني لأنها ت�شرتط البحث عن ال��ذات التاريخية بتطبيقها واقعي ًا على النحو الذي كانت عليه �إبان
الهزيمة من «إسرائيل» كانت الصدمة الثانية وسؤالها المركزي لماذا انهزمنا؟ ..بعدها صار الوجود العربي اإلسالمي مستهدف ًا تحت مقولة الصراع الحضاري ،فكان السؤال الثالث المركزي :لماذا استُهدفنا؟ حقبة ال��وح��ي .ف�برز مفهوم «اجل�ه��اد» الذي �أُجج بدعم من الغرب الر�أ�سمايل لدحر ال�شرق اال�شرتاكي يف �أفغان�ستان. �صار الوجود العربي الإ�سالمي م�ستهدف ًا على ال�صعيد العاملي حتت �أث��ر «مقولة ال �� �ص��راع احل �� �ض��اري» .ف �ك��ان ال���س��ؤال الثالث امل��رك��زي« :مل��اذا ا�ستهدفنا؟». وتولد امل�شروع الثالث منربي ًا للت�صدي ل �ه��ذا اال� �س �ت �ه��داف ب���إع�ل�ان ال �� �ص��راع احل�ضاري مقولة لتف�سري عالقة الذات التاريخية ـ الواقعية بالآخر. كان اال�ستهداف قوي ًا وموجه ًا حيث �صار العامل مبوجبه يتمف�صل �إىل ح�ضارتني:
ح�ضارة تن�شد االنفتاح واالندماج وب�سط هيمنتها ،و�أخ ��رى ت��رم��ي �إىل حت�صني ال ��ذات �ضد الآخ ��ر .ف�ك��ان ال��رد عنيف ًا ي�ؤكد ج��زء منه ال�صراع ،و�آخ��ر ،ي�ؤكد احلوار ويدعو �إىل الت�سامح. ولدت هذه اللحظات الثالث مب�شاريعها الثالثة ثالثة مناذج بوا�سطتها مت تقدمي ه��ذا امل�شروع �أو ذاك :الفقيه ـ املثقف ـ ال��داع�ي��ة .يف ك��ل ه��ذه اللحظات ومن خالل النماذج الثالثة كان ت�أويل الذات وال �ع��امل يت�أ�س�س ع�ل��ى رد ال�ف�ع��ل جت��اه م��ا ي�ج��ري واق�ع�ي��ا .لكن الغائب الأك�بر يف ك��ل ه��ذه امل�شاريع ه��و ال��واق��ع ذات��ه، لأن النظر الفكري وال�سيا�سي العربي توجه �إىل �أ�سئلة كربى حول «الذات» يف التاريخ ،ويف عالقتها بالآخر ،ولكنه مل يت�شكل ح��ول ال��واق��ع يف ح��د ذات��ه ،وهو يتطور .لكل ذلك كان الفكر العربي رد فعل ،ومل يكن فعال .ال ي ��ؤدي رد الفعل �إال �إىل الإيديولوجيا� ،أي �إىل الت�أويل. الفهم، بينما ي�ستوجب النظ ُر يف الواقع َ وهو نتاج العلم الذي ي��ؤدي �إىل الفعل. جاء الربيع العربي لي�ضعنا �أمام الواقع احلقيقي .ف�ب��أي م���ش��روع ج��دي��د ميكن ت�أ�سي�س فهم جديد للذات؟
ساحة الحوار 42 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
حذرت من اختزاله يف «زي» و«رق�صة»
ناجية الكتبي :
التراث الشعبي في الصحافة المحلية في حاجة إلى إعادة نظر
حاورها -وليد عالء الدين «الرتاث ال�شعبي يف املالحق الثقافية لل�صحف الإماراتية» هو عنوان الأطروحة التي نالت بها الباحثة الإماراتية ناجية البادي الكتبي درجة املاج�ستري يف االت�صال من كلية الدرا�سات العليا يف جامعة ال�شارقة هذاالعام .وهي درا�سة حتليلية �أجرتها الباحثة على �أحد �أبرز املالحق الثقافية يف ال�صحافة املحلية ،كنموذج. «�إن حتديد العالقة ب�ين ال�ت�راث والإع�ل�ام ي�ستدعي حتديد الأبعاد املعرفية التي ي�شملها ه ��ذا ال �ت��راث ،ح �ت��ى ن���ص��ل �إىل الطريقة ال�صحيحة لتناوله يف و�سائل الإعالم ،فاجلهل هو ما يدفعنا �إىل الت�شويه �سواء املق�صود �أو غري املق�صود» ،بهذه الكلمات ا�ستهلت الكتبي حديثها معنا ،م�ؤكدة �أهمية وجود ر�ؤية علمية وا��ض�ح��ة ل��دى امل���ش��رف�ين ع�ل��ى امل��و��ض��وع��ات الرتاثية يف ال�صحافة املحلية. وقالت �« :إن درا�سات الإع�لام وال�تراث ت�ؤكد الدور الكبري الذي ميكنها �أن تقوم به و�سائل الإع�ل�ام يف ن�شر ال�تراث وحتى يف حفظه، ل��ذل��ك يجب على جميع ال��و��س��ائ��ل املرئية وامل�سموعة واملطبوعة ا ّت �ب��اع ا�سرتاتيجية دقيقة ت�سعى من خاللها �إىل التعريف برتاث الوطن واملحافظة عليه». و�أكدت يف حوارنا التايل معها� ،أن اختيارها ملو�ضوعة ال�تراث ال�شعبي يف ال�صحافة نابع من الأهمية العلمية واالجتماعية والثقافية التي يحظى بها ،كونه حائط ال�صد الأهم يف معركة احلفاظ على اخل�صو�صية الثقافية التي يديرها كل جمتمع وك��ل �أم��ة ت�ست�شعر خطورة املوقف العاملي الراهن ال�ساعي �إىل تذويب احل�ضارات ل�صالح ح�ضارة واحدة. وتكت�سب الدرا�سة التي قدمتها الكتبي �أهميتها اخلا�صة م��ن كونها ت�سعى �إىل فتح الباب نحو جهود علمية ومنهجية لتحليل اخلطاب الإعالمي فيما يتعلق بالرتاث ،وبالتايل التعرف �إىل الأطر التي من خاللها يتم تقدمي الرتاث ال�شعبي للنا�س ،وهو �أمر ي�ؤ�س�س لقواعد قيا�س
علمية ال�ستخال�ص م�ؤ�شرات �أداء ي�سرت�شد بها القائمون على �أمر الرتاث من جهة لر�سم �سيا�ساتهم وو�ضع اخلطط وال�برام��ج .ومن جهة �أخرى ت�ساعد تلك الدرا�سة التي ت�ستطلع طبيعة ت�أطري ال�صحافة ملو�ضوع ال�تراث يف و��ض��ع معايري مهنية وحت��ري��ري��ة من�ضبطة ي�سرت�شد بها القائم باالت�صال «ال�صحفي» يف تناوله ملو�ضوعات الرتاث. وهو منهج من �ش�أنه� -إذا مت تطبيقه بجدية �سواء يف و�سائل الإعالم �أو اجلهات العاملة يف الرتاث – �أن يخلق التناغم والتنا�سق املن�شود بني مفا�صل املنظومة كاملة ،مبا ي�ضمن ،لي�س فقط نتائج �أف�ضل ،بل الأهم من ذلك ي�ضمن نتائج خمطط لها ومدرو�سة م�سبق ًا. وفيما يلي احلوار: ما الذي دفعك �إىل اختيار الرتاث ال�شعبي كمادة لبحثك يف جمال االت�صال؟ �إن اختياري ملو�ضوع «ال�ت�راث ال�شعبي» يف
لوحتان للفنان الإماراتي �أحمد الأن�صاري
غياب الصحفي ملحق �صحيفة اخلليج ،مل مُ ْت ِل ِه ج َّدته وندرة المواطن والكتّاب ال��درا��س��ات التي تناولته من خ�لال معاجلة المتخصصين أثّر في ال�صحف له فح�سب ،بل فر�ضته �أي�ض ًا جمموعة مستوى الكتابات من االعتبارات التي متنحه الأهمية العلمية المتعلقة بالتراث فغلب واالجتماعية والثقافية ،فقد تزايد االهتمام عليها األسلوب السردي ب��ال�تراث ال�شعبي على ال�صعيدين العاملي وامل�ح�ل��ي ،حيث تناف�ست الكثري م��ن ال��دول وافتقرت للتحليالت والأمم على ت�سجيل وتوثيق تراثها يف منظمة الفكرية العميقة اليون�سكو العاملية ،وذلك من �أجل احلفاظ على والنقدية ولم تعبر عن اخل�صو�صية الثقافية لكل جمتمع و�أمة .ومما وجهة نظر الكاتب ولم تعط تحليالت للظواهر
ساحة الحوار 44 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
�أبوظبي قدمياَ� -صورة ينبغي �أن تتذكرها الأجيال اجلديدة
ال �شك فيه �أن بحثنا يف هذا املو�ضوع �سوف ي�ساعدنا على فهم الت�صورات التي يحملها القائمون باالت�صال يف ال�صحف الإماراتية ملفهوم الرتاث ال�شعبي الذي ندرك جميع ًا �أنه يت�ضمن حق ًال مادي ًا ورمزي ًا �شا�سع ًا ويف غاية التعقيد .من هنا ف�إن هذا البحث يلبي احلاجة االجتماعية واملعرفية الهادفة �إىل فهم الغاية من الكتابة يف الرتاث ،وذلك من خالل معرفة توجهات الكتّاب املهتمني بالرتاث ،وبالتايل ّ ت�شخي�ص هذه الر�ؤية . وما �أهم النتائج التي تو�صلت �إليها خالل مراجعتك الدرا�سات ال�سابقة التي تناولت مو�ضوع الرتاث ال�شعبي والإعالم؟ بداية ،هناك ندرة يف الدرا�سات التي تناولت بالتحليل العالقة بني الرتاث ال�شعبي والإعالم �سواء املرئي ،وامل�سموع �أو املطبوع� .إال �أن هذه الدرا�سات –على ندرتها -دعت �إىل �ضرورة االهتمام ب��ال�تراث ال�شعبي ،حيث اعتربته �أه���م راف���د م��ن رواف� ��د ال�ث�ق��اف��ة ال��وط�ن�ي��ة.
التراث الشفاهي في دولة اإلمارات والخليج تحديد ًا يكاد يختصر في الشعر النبطي وا� �ش��ارت �إىل ق�صور يف االه�ت�م��ام بالرتاث ال�شعبي� ،سواء كان على م�ستوى الأف��راد �أو امل�ؤ�س�سات ،و�أرجعت �أ�سبابه �إىل االفتقار �إىل منهجية البحث و�ضعف الإمكانيات وغياب اال�سرتاتيجيات الثقافية .كما اعتربت �أن الفهم العلمي الدقيق للرتاث ال�شعبي بجوانبه وعنا�صره املتعددة واملتنوعة ال يتم �إال من خالل معاجلته من منظور رم��زي بحت ،فالثقافة ال�شعبية هي ن�سيج من رموز حاكها و�صاغها الإن�سان يف عالقته اليومية بالبيئة املحلية التي يعي�ش فيها .كذلك ك�شفت الدرا�سات عن وجود جهل لدى القائمني على �إعداد الربامج الرتاثية بالقيم واملعاين الرمزية التي متثلها
الأ�شكال الرتاثية مما �أدى �إىل وجود خلل كبري يف الإنتاج .ودعت �إىل �ضرورة توظيف الرتاث ال�شعبي يف جماالت عدة يف حياتنا كالعمارة والفنون والإب��داع مع مراعاة �إظهاره ب�صورة �إبداعية مبتكرة .و�ضرورة �إج��راء امل�سوحات ال�شاملة والدرا�سات امليدانية من �أجل توثيق مادة الرتاث ال�شعبي مع الرتكيز على تدريب الكوادر العاملة يف هذا املجال .و�أو�صت معظم تلك الدرا�سات ب�إدخال مادة الرتاث ال�شعبي يف مناهج الرتبية والتعليم وكليات الإع�لام واع ب�أهمية تراثه، يف اجلامعة ،لتخريج جيل ٍ قادر على �أن يعك�س ال�صورة اجلميلة للرتاث ال�شعبي ب�أ�شكال �إبداعية. وم��ا الإ�شكالية الرئي�سة ال�ت��ي اتخذتها �أ�سا�ساً لبحثك ؟ لدي قناعة ب�أن الرتاث هو مر�آة ال�شعوب ،وهو يحمل بني طياته الأ�شياء امللمو�سة واملوروثات الفكرية املتج�سدة يف الرتاث املعنوي بجميع �أ�شكاله ،والرتاث ال�شعبي الإماراتي ما هو �إال
جزء من الرتاث العاملي ولكن بطابع مييزه عن غريه. وقد �أظهرت الدرا�سات ال�سابقة ،كما �أ�شرت من قليل� ،أن غياب ال��ر�ؤي��ة العلمية للرتاث ال�شعبي م��ن ق�ب��ل ال�ق��ائ�م�ين ع�ل��ى ال�برام��ج الرتاثية يف التلفزيون ،بالإ�ضافة �إىل اختالف الإيديولوجيات وال�سيا�سات املهنية والتحريرية التي تتبناها و�سائل الإعالم قد �ساهم وللأ�سف ال�شديد يف ر�سم �صورة مغلوطة عن مفهوم الرتاث ال�شعبي ،وذلك عن طريق اختزاله يف زي تقليدي �أو رق�صة �شعبية .تتبلور م�شكلة البحث يف درا��س��ة العوامل وامل ��ؤث��رات التي تتدخل يف ت�أطري ال�صحافة ملو�ضوع الرتاث، وذل ��ك م��ن خ�ل�ال درا� �س��ة امل�ع��اي�ير املهنية والتحريرية للقائم باالت�صال «ال�صحفي»، وم��ن ثم حتليل اخلطاب الإع�لام��ي للتعرف �إىل الأطر التي مت من خاللها تقدمي الرتاث ال�شعبي. ومل � ��اذا ق���ص��رت��ي ال��درا� �س��ة ع�ل��ى امل�لاح��ق الثقافية ،رغم �أن احلديث عن الرتاث غري مقت�صر عليها؟ املالحق الثقافية يف ال�صحف املحلية تعترب الواجهة التي يتم من خاللها التعريف بثقافة وت ��راث �شعب م��ا ،وه��ي بذلك �أف�ضل عينة للبحث العلمي واملنهجي ،وما ن�ستخل�صه عنها ي�ساعدنا يف معرفة ما �إذا كانت ال�صحافة املحلية تعاين امل�شكلة ذاتها. وم ��ا الأ� �س �ئ �ل��ة ال �ت��ي ط��رح�ت�ي�ه��ا كباحثة و�صو ًال �إىل ما تريدين؟ ك��ان ��س��ؤايل الأول ع��ن الأط��ر التي تتبناها املالحق الثقافية يف تقدميها للرتاث ال�شعبي، ف�أنا م�شغولة مبعرفة �إىل �أي مدى ت�أثرت الأطر التي مت توظيفها يف الكتابة عن الرتاث ال�شعبي يف املالحق الرتاثية ب�سمات واجتاهات القائم باالت�صال فيها ،وكيف كيف مت��ت معاجلة امل��و��ض��وع��ات ال�تراث�ي��ة م��ن ح�ي��ث :الأ��ش�ك��ال ال�صحفية ،ال�ع�ن��اوي��ن الرئي�سة ،الكلمات املحورية ،وما ميثله ذلك من دالالت .كذلك ت�ساءلت عن مدى ت�أثري امل�صادر التي يعتمد
ال�صيد من املهن الرئي�سة التي عا�ش عليها النا�س يف الإمارات
عليها ال�صحفيون يف الكتابة يف م�ضمون الرتاث. ه��ذا ب��الإ� �ض��اف��ة �إىل ح���ص��ر وحت�ل�ي��ل �أه��م امل��و� �ض��وع��ات ال�ت�راث��ي��ة ال �ت��ي رك���ز عليها ال�صحفيون يف تناولهم ملو�ضوع الرتاث ال�شعبي للوقوف ملعرفة هل عك�ست معاجلة مو�ضوع الرتاث ال�شعبي يف املالحق الثقافية مدى فهم ال�صحافة املحلية ملعنى الرتاث ال�شعبي. ما املثري الذي ميكنك �أن حتدثينا عنه يف ذلك؟ لفتني خالل البحث عن امل�صادر التي يعتمد
توظيف التراث في األعمال الفنية واألدبية وتطويره بأشكال إبداعية تالئم العصر أفضل الحلول المطروحة من أجل الحفاظ عليه
عليها الكتاب يف تناولهم ملو�ضوع ال�تراث ال�شعبي� ،أن املراجع ح�صلت على �أعلى ن�سبة، و�صلت �إىل ،% 42.9تلتها ن�سبة االعتماد على ال�شعراء والكتّاب بن�سب % 25ومن ثم املالحظة اخلا�صة ،% 21.4ومل يعتمد الكتّاب على الوثائق التاريخية املحلية وال الأجنبية، ويف ه��ذا ق�صور كبري ب�شكل ع��ام ،ويف حالة الإمارات ب�صفة خا�صة. م ��ن �أي � ��ن ت �ن �ب��ع اخل �� �ص��و� �ص �ي��ة يف ح��ال��ة الإمارات يف هذه النقطة حتديداً؟ لأن تراث الإم��ارات تراث �شفوي ،وقد اعتمد الباحثون يف تاريخ وتراث الإمارات على هذه الوثائق للح�صول على املعلومات عن تاريخ وتراث املنطقة ،فقد درج امللحقون ال�سيا�سيون يف تلك الفرتة على ت�سجيل مالحظاتهم عن عادات وتقاليد املجتمع وتوثيق الوقائع املحلية، فمثل هذه امل�صادر ال ميكن جتاهلها يف الكتابة عن الرتاث. �إن اعتماد الكتاب الكبري على ا�ستطالعات
ساحة الحوار 46 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
�آراء ال�شعراء والأدب ��اء والتي و�صلت �إىل ما ن�سبته % 25وجاءت على طريقة عر�ض للآراء واالنطباعات فقط دون املناق�شة �أو �إبداء الر�أي ال يحقق العمق املطلوب يف تناول �أي ق�ضية ما ،وقد يكون عدم الإمل��ام بالرتاث هو �أي�ض ًا من �أحد الأ�سباب التي دعت الكتّاب �إىل اتّباع ه��ذا الأ�سلوب يف ال�ط��رح .وه��و �أم��ر يدفعني �إىل التوقف عند نقطة عدم وجود �صحافيني متخ�ص�ص يف الرتاث يف ال�صحافة الثقافية! ه��ل اقت�صر بحثك ع�ل��ى ال�ت�راث املحلي لدولة الإمارات� ،أم �أنك ان�شغلت بالعالقة بني ال�صحافة والرتاث كمفهوم عام؟ اختيار العينة ك��ان على �أ�سا�س املو�ضوعات ال�تراث �ي��ة يف دول���ة الإم � � ��ارات ،وا�ستبعدت املو�ضوعات الرتاثية الأخ ��رى التي تناولت ال�ت�راث العربي ب�شكل ع��ام ،و��س��وف تده�ش عندما تعرف �أنه على الرغم من ذلك الفرز، كانت ن�سبة الكتابات عن الإم ��ارات العربية املتحدة % 96.4تلتها منطقة اخلليج العربي بن�سبة % 17.9ثم املنطقة العربية بن�سبة 14.3 ،%وهي واح��دة من �أب��رز �إ�شارات الدرا�سة ،هل تظل ال�صناعات اليدوية �صامدة �أمام الزمن؟ لأن وجود مناطق من اخلليج العربي واملنطقة يف ذلك للمو�ضوعات التي تتم تغطيتها ح�سب ال�شعبي يف ن�صو�صها كالرواية وال�شعر والق�صة العربية يف العينة اخلا�صة ب�تراث الإم��ارات وغريها ،و % 25.9خ�ص�صت لل�شعر النبطي، صال عما يجاوره املنا�سبات و�أماكن تواجدها. ت�أكيد على �أن تراثنا لي�س منف� ً وه��ي ن�سبة كبرية �إذا ما قورنت بغريها من من ت��راث ال�شعوب العربية واخلليجية ،و�أنه ال بد من وج��ود ذلك امل�شرتك من املوروثات احتفالية و�أجندة غري من�ضبطة �أق�سام الأدب ال�شعبي. ولكن هل تظهر وتراجع املو�ضوعات الرتاثية �إن ن�سبة % 63ل�ل��أدب ال�شعبي تنبئ عن ال�شعبية فيما بينها. ال�سيا�سة املتبعة لل�صحيفة وميلها �إىل تغطية ً ً �أي�ضا وفقا لأجندة املنا�سبات؟ وم ��اذا ع��ن م�ستويات االه�ت�م��ام ب��ال�تراث ت�أتي املو�ضوعات اخلا�صة بالأدب ال�شعبي يف املو�ضوعات اخلا�صة بالأدب �سواء كان نبطي ًا املحلي هل حتظى جميع التنوعات باالهتمام مقدمة مو�ضوعات الرتاث املعنوي ،حيث بلغت �أو ف�صيح ًا ،كما �أن ال�صحفيني وبع�ض الكتّاب % 29.6 ،% 63منها تناولت الأ�شكال اجلديدة املتعاونني هم من ال�شعراء والأدب��اء ،وهذا له الكايف؟ �أثر كبري يف اختيارهم لطبيعة املادة. مل تراع الكتابات ال�صحفية التنوع اجلغرايف يف الأدب احل��دي��ث وال �ت��ي وظ �ف��ت امل ��وروث ج��اءت بعد الأدب ال�شعبي املو�ضوعات التي وتعدد البيئات يف دولة الإم��ارات ،فقد جاءت تناولت ال�ع��ادات والتقاليد بن�سبة ،% 22.2 الكتابات يف �أغلبها عن الإمارات ب�صفة عامة، فلم جند فيها تلك اخل�صو�صية التي تتميز بها المناسبات واألحداث وهي ن�سبة �ضئيلة ج��د ًا مقارنة ب�أهمية ذلك الفرع ،فالكتابة يف مو�ضوع العادات والتقاليد الإمارات ال�سبع ببيئاتها والتي تنق�سم �إىل �أربع والملتقيات مرجعية تعد و�سيلة للتعريف بال�شعوب وتراثها ،وميكننا بيئات� :صحراوية و�ساحلية وجبلية و�سهلية ،مهمة للكتابة عن �أن ن�ساهم يف احلفاظ على املوروث من خالل هذا التنوع الذي �أك�سبها تراث ًا غني ًا ومتنوع ًا ،التراث في الصحافة تعريف الأجيال بالعادات والتقاليد احلميدة يف ويظهر لنا �أي�ض ًا من الكتابات الرتكيز على يعكس مما المحلية املا�ضي وحثهم على التم�سك بها. بع�ض الإم��ارات و�إغفال �أخرى ،ويعود ال�سبب
موسمية معالجة مثل هذه الموضوعات
املالحظ �أن الكتابات ال�صحفية قد �أهملت جانبني مهمني و�أ�سا�سيني من الرتاث ال�شفوي، وهما الفنون ال�شعبية واملعتقدات ال�شعبية، وت�ك�م��ن �أه �م �ي��ة ه��ذي��ن ال�ف��رع�ين يف �أنهما يعك�سان مظاهر احلياة واجلوانب الثقافية واالجتماعية واالقت�صادية للمجتمع.
املعنوي يفوق املادي
هناك فكرة �شائعة ،م��ؤداه��ا �أن االهتمام ب��ال�ت�راث امل� ��ادي ي �ف��وق االه �ت �م��ام ب��ال�تراث املعنوي ،ف ��إىل �أي حد وجدتي ه��ذه الفكرة متحققة يف درا�ستك؟
القوالب الصحفية التقليدية قاصرة عن تقديم التراث وهناك ندرة في المقابالت التي تعتبر مصدر ًا مهم ًا من مصادر تناول التراث الشفهي على عك�س فقط م��ن امل��و��ض��وع��ات بال�صحيفة متعلقة ب��ال�تراث امل ��ادي ط��وال ع��ام ، 2011بواقع مو�ضوع واح��د من « »28مو�ضوع ًا يف الرتاث ال�شعبي ب�صفة عامة ،وهي ن�سبة ال تذكر �إذا ما قورنت باملو�ضوعات الرتاثية اخلا�صة بالرتاث املعنوي التي بلغت ن�سبتها .% 96.4
ن�صيب الألعاب ال�شعبية يف الإعالم �ضئيل
ما هو �شائع ،كانت ن�سبة % 3.57
�إن االهتمام بالكتابة ال�صحفية عن الرتاث يف جانبه املادي يجب �أ ّال تقل �أهمية عن اجلانب املعنوي ،فالرتاث املادي هو جزء من الرتاث احل�ضاري لكل �أم��ة ،فهو نتاج لرتاكمات من املمار�سات الإن�سانية ان��دث��ر بع�ضها وظهر بع�ضها الآخ���ر ع�ل��ى �شكل ��ش��واه��د �أث��ري��ة، فاملباين التاريخية واملواقع الأثرية التي نراها �أمامنا اليوم تعترب ثروة وطنية يجب حمايتها والتعريف بها. ومب تف�سرين ذلك الغياب؟ حقيقة ال �أع��رف ما هي الأ�سباب التي دعت ال�صحيفة لتجاهل مو�ضوع بهذه الأهمية ،رمبا يكون ت�أكيد ًا الرتباط الكتابة يف ال�صحافة ب�أجندة الفعاليات واملنا�سبات ،وهو ت�أكيد على ما حتدثنا عنه من مو�سمية تناول املو�ضوعات الرتاثية ،ورمبا يكون لتوجهات الكتّاب �أنف�سهم ت�أثري يف اختيار املو�ضوعات� .إال �أنه مو�ضوع يف حاجة �إىل �إعادة تنظيم. خ�ص�صت ج��زء ًا من درا�ستك لو�ضع قائمة بالكلمات املفتاحية ،كما و�صفتيها ،ما �أبرز تلك الكلمات ،وما الدالالت التي حتملها؟ �أبرز الكلمات املفتاحية كانت ال�شعر النبطي، �إذ تكررت « »216م��رة ،ويف اجلهة الأخ��رى ت�ك��ررت كلمة «ال�شعر الف�صيح» « »36مرة فقط ،وتكررت كلمة "التاريخ ال�شفهي «»40 مرة� ،أما الرتاث ال�شفهي فتكررت « ،»22وبلغ تكرار كلمة احلداثة « »13م��رة ،ويف املقابل ع��دد الأ��ص��ال��ة « ،»8بلغ ت�ك��رار الهوية «»27 مرة� ،أما اخل�صو�صية « »15مرة ،تكررت كلمة «الذاكرة» « »33وهو عدد تقريبي لتكرر كلمة «الرواة» « »34مرة. �أم��ا عن الداللة ،ف�إنني �أعتقد �أن ارتفاع ن���س�ب��ة ال���ش�ع��ر ال �ن �ب �ط��ي ،ه��و دل �ي��ل على �أن ال�ت�راث ال�شفاهي يف دول��ة الإم ��ارات واخلليج حتديد ًا يكاد يخت�صر يف ال�شعر، والنبطي منه حتديد ًا ،ملا له من دور كبري يف ت�شكيل الذاكرة اجلماعية ويف الربط بني الأج �ي��ال ،ولقد ب��د�أ ي�أخذ مكانته يف �أ�شكال التوا�صل احلديثة عرب الر�سائل الن�صية الق�صرية يف الهاتف ،وعرب مواقع
ساحة الحوار 48 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
برج املرقاب يف �أبوظبي :تراجع االهتمام الإعالمي بالرتاث املادي
الإن�ترن��ت و�شبكات التوا�صل االجتماعية كالفي�سبوك وتويرت. بخالف االحتفالية ،ما االنطباع الغالب على الكتابات يف الرتاث ؟ هناك ح�س ب ��أن احلفاظ على ال�تراث مهمة �صعبة ،وق�ضية ح�سا�سة ،لذلك كرث احلديث عن مقرتحات من �أجل احلفاظ على الرتاث، ولقد �أجريت �إح�صاء لأكرث احللول املقرتحة من �أج��ل احلفاظ على ال�تراث طرح ًا وهي: توظيف ال�تراث يف الأع�م��ال الفنية والأدبية وتطويره ب�أ�شكال �إب��داع�ي��ة تالئم الع�صر، فعلى �سبيل املثال ،يف مو�ضوع «�أزم��ة الرتاث يف الق�صة الق�صرية» كتبت �شيخة اخلاطري عن حم��اوالت التجديد التي قام بها الكتّاب الإم��ارات�ي��ون يف الأدب الإم��ارات��ي وتوظيفهم ل�ل�تراث يف كتاباتهم ت�ق��ول�« :إن امل�ح��اوالت التي ق��ام بها الكتّاب الإم��ارات�ي��ون يف املنجز الق�ص�صي �أ�سهمت يف �إي�ج��اد من��وذج الفت يف حتديث ال�تراث ومنحه دالالت معا�صرة، فالرتاث يف هذه احلالة مادة �سردية ت�ستخدم مل�صلحة ال��واق��ع احلا�ضر ون�ق��ده وحم��اورت��ه ولي�ست الغاية اال�ستغراق يف املا�ضي �أو االرحتال عن احلا�ضر»«�شيخة اخلاطري.»10/2011،
في نظرتنا ودراستنا لموروثنا الشعبي يجب علينا أن نبتعد عن العاطفة المشحونة بالحنين إلى الماضي والتي تدفعنا للثناء والشكل على حساب الفكر ويف مو�ضوع «امل��وروث ال�شعبي م��ر�آة املا�ضي واحلا�ضر» ي�ؤكد ال�شاعر خالد ال�ضنحاين � �ض��رورة ال��رب��ط ب�ين ال �ت�راث واحل��داث��ة يف الكتابات الأدبية فيقول« �إن امل��وروث هو ملح الكتابة الأدب �ي��ة بالن�سبة لكثري م��ن الكتاب الإماراتيني وال بد من ح�ضور هذا النوع من الكتابات يف النتاج العربي احلديث لتكون ه �ن��اك حلقة و� �ص��ل ب�ين الأج� �ي ��ال ال�ق��ادم��ة وموروثها مبا يتوافق مع متطلبات ع�صرها احلديث»«اخلليج الثقايف.»1/2011 ، وت�ؤكد الروائية �سارة اجلروان �ضرورة توظيف الأ�سطورة يف الكتابات الأدب�ي��ة فتقول�« :إن توظيف الأ�سطورة يف الن�صو�ص الأدبية يتطلب
�صهر ًا للمعلومة احلكائية ودجمها باملخيال الفكري ،وبالتايل طرحها �أدب ًا مت�سق ًا يحاكي ال��واق��ع ب�أ�شكال قابلة للتعاطي مع مفهومها ون�سقها الذي ي�ؤثر �إيجابي ًا يف املجتمع»«اخلليج الثقايف.»1/2011 ، ويف م��و��ض��وع «امل � ��وروث ال�شعبي يف ال�شعر الإم��ارات��ي احل��دي��ث» ي�ؤكد ال�شاعر عبداهلل ال�سبب على ه��ذه النقطة فيقول« :وال�شاعر يدخل الرتاث يف لعبتني الأوىل لفظية والثانية معنوية ال ليكون الع��ب �سريك و�إمن��ا ليبدع ر�ؤية عميقة لفهم الرتاث وتوظيفه لأن اللفظة عندما تتماهى مع الدالالت احل�سية واملعنوية ت�شكل قفزة نوعية يف الت�أثر يف املتلقي وتتجاوز الإده ��ا� ��ش �إىل ال�ب�ح��ث ع��ن ت�شظيات ه��ذا الرتاث" «�إبراهيم اليو�سف.»5/2011 ،
غياب ال�صحفي املواطن
ننتقل �إىل �أبرز ما تو�صل �إليه بحثك من نتائج ،وحتليلك لها؟ �أظهرت النتائج �أن �سيا�سة ال�صحيفة واجتاهها ي�ؤثران يف الأطر املتبناة من قبلها يف معاجلة م��و� �ض��وع ال �ت��راث ،ف�ق��د �شكلت املنا�سبات والأحداث وامللتقيات مرجعية مهمة للكتابة عن الرتاث يف امللحق الثقايف يف ال�صحيفة ،وهذا يعك�س مو�سمية معاجلة مثل هذه املو�ضوعات، كما �إن��ه ال توجد �سيا�سة حتريرية متبعة من قبل القائمني على امللحق الثقايف تهتم ب�ش�ؤون ال�ت�راث وم�ع��اجل��ة مو�ضوعاته ،وي ��ؤك��د هذا �أي���ض� ًا ت��واري��خ ن�شر املو�ضوعات حيث جند �أنها قد اهتمت بتغطية امللتقيات ال�شعرية ومهرجانات ال�شعر وال�ن��دوات الرتاثية ،و�أن املقاالت والتحقيقات قد جاءت م�صاحبة لهذه التغطيات يف الأغلب. ً م��ن �ضمن م��ا تو�صلت �إل�ي��ه �أي�ضا �أن غياب ال�صحفي امل��واط��ن وع���دم وج���ود ال�ك� ّت��اب املتخ�ص�صني يف ال �ت�راث ال�شعبي بجميع �أنواعه املعنوي وامل��ادي ،واعتماد ال�صحيفة ع�ل��ى حم��رري �ه��ا غ�ير املتخ�ص�صني ب�شكل �أ�سا�سي يف الكتابة يف مو�ضوع الرتاث كان له �أث��ر كبري يف الكتابات ال�صحفية ،حيث غلب عليها الأ�سلوب ال�سردي وافتقرت للتحليالت
الفكرية العميقة والنقدية ،وقد ظهر ذلك يف تناول التقارير التي جاءت يف �أغلبها �إخبارية، �أم��ا التحقيقات فقد وظفت امل ��واد الأدب�ي��ة واملراجع وا�ستطالعات الر�أي ومقوالت الكتاب وال�شعراء ،ولكنها مل تعرب ع��ن وجهة نظر الكاتب ومل تعط حتليالت للظواهر.
منطية وعدم تخ�ص�ص
على م�ستوى ال�شكل ،كيف ت�صفني قدرة القوالب ال�سائدة على معاجلة مو�ضوعات الرتاث؟ ب��روز بع�ض الأ��ش�ك��ال ال�صحفية كالتقرير والتحقيق وامل �ق��ال وغ �ي��اب �أ� �ش �ك��ال مهمة كاملقابلة ال�ت��ي تعترب م �� �ص��در ًا م�ه�م� ًا من م�صادر تناول ال�تراث ال�شفهي ،حيث تتيح لنا احل�صول على املعلومات والأخبار ممن عا�صروا تلك الفرتة من تاريخ الإمارات. ً ول �ق��د ات �ب��ع ال�صحفيون من �ط � ًا واح� ��دا يف �صياغة ال�ع�ن��اوي��ن ،ح�ي��ث ج ��اءت جميعها طويلة ومتفرعة مغرقة �أحيان ًا يف ا�ستخدام الكلمات املجازية� ،أما عن الكلمات املفتاحية وق��د ب��رزت كلمات كـ «الهوية»« ،الأ�صالة»، «العوملة»« ،احلداثة» ،وهي �إ�شارة من وجهة نظر الكتّاب �إىل �أن الرتاث يعاين �أزمة يف ظل متغريات العوملة و�أن التم�سك بالرتاث ال�شعبي و�إحيائه من �ش�أنه تعزيز الهوية ومواجهة هذه الأزمة ،وقد وجدت يف الكتابات ما يدعو �إىل �ضرورة توظيف الرتاث ال�شعبي يف الأ�شكال الأدبية احلداثية ،ولقد �أك��دت هذه النقطة احللول املقرتحة التي اقرتحها الكتّاب من �أجل احلفاظ على الرتاث ال�شعبي .بالإ�ضافة �إىل ما �أ�شرنا �إليه �سابق ًا من عدم التنوع يف امل�صادر ،واعتماد الكتابات على املراجع وعلى �آراء ال�شعراء والأدب ��اء دون مناق�شة �أو �إبداء للر�أي ،مما �أثر يف �أ�سلوب معاجلة املو�ضوعات الرتاثية فابتعدت عن التحليل وال �ن �ق��د .ك��ذل��ك ه�ن��اك طغيان لالهتمام بجانب ال�تراث املعنوي على جانب ال�تراث امل��ادي ،حيث بلغت ن�سبة تناولها 96%من جمموع املو�ضوعات الرتاثية للعام ،2011 واحتلت مو�ضوعات الأدب ال�شعبي الن�صيب
هذه الأ�صابع املاهرة ..ملن تنقل خربتها؟
الأك�بر فيها ،وال��ذي ك��ان من �أه��م �أ�سبابها التناول املو�سمي للمو�ضوعات الرتاثية. وب�صورة عامة مل يعك�س امللحق الثقايف الواقع الفعلي لرتاث الإم��ارات الذي يتميز بالتنوع والرثاء ،فقد غابت مو�ضوعات كثرية ومهمة يف الكتابات ال�صحفية يف كل من اجلانب الرتاثي املعنوي واملادي . وب �� �ص �ف��ة ع��ام��ة ي�لاح��ظ ��ض�ع��ف ال �ت �ن��اول واملعاجلة ال�صحفية ملو�ضوعات الرتاث ب�شكل عام ،حيث ال توجد �صفحات متخ�ص�صة �أو زوايا خا�صة ملتابعة كل ما هو جديد يف هذا املجال. ك�ي��ف تلخ�صني ان�ط�ب��اع��ات��ك ح��ول تلك الدرا�سة؟ ال ميكننا �أن نهدم كل ما بنيناه يف ما�ضينا ،بل علينا �أن نبني عليه ونعيد ت�شكيله ،وال يت�أتى ذل��ك �إال عن طريق �إع��ادة توظيف املا�ضي
على المؤسسات المعنية بالتراث االبتعاد عن النمطية ..فالتراث أكبر من نصب خيمة أو تقديم عرض لرقصة شعبية
ب�إطالق اخليال و�إعمال العقل الب�شري ذي الطاقات الإبداعية الرهيبة� .إن املوروثات ال�شعبية التي ت�ستطيع �أن تتكيف مع تغيريات البيئة هي ما �سيكتب لها البقاء واال�ستمرار، لأنها �ستجد لنف�سها �أ�شكا ًال �إبداعية جديدة حتظى بقبول املجتمع. يف نظرتنا ودرا�ستنا ملوروثنا ال�شعبي يجب علينا �أن نبتعد ع��ن ال�ع��اط�ف��ة امل�شحونة باحلنني �إىل املا�ضي والتي تدفعنا للثناء على ال�شكل على ح�ساب الفكر ،وال يتم ذلك �إال باملراجعة وتقييم لكل ما هو �صالح. علينا �أن ن��درك �أن م�س�ؤولية �صون وحماية الرتاث م�س�ؤولية جماعية ،تبد�أ بالفرد �أو ًال والذي تقع عليه م�س�ؤولية التعرف �إىل تراثه لإظهاره بال�صورة امل�شرفة يف جميع املحافل داخل الدولة وخارجها. �أما الدور الذي يجب �أن تقوم به امل�ؤ�س�سات املعنية بالرتاث فهو االبتعاد �أو ًال عن النمطية يف تعاملها مع ال�ت�راث ،ف��ال�تراث �أك�بر من ن�صب خيمة �أو تقدمي عر�ض لرق�صة �شعبية، علينا �أن ن�ضع اال�سرتاتيجيات التي تقدم ر�ؤية علمية وا�ضحة و�شاملة ومتكاملة للرتاث فتقوم على تدوينه وجمعه وعر�ضه ب�أ�شكال جديدة �إبداعية تتنا�سب مع الع�صر
50
بدائع الزهور
الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
موسوعة األسدي الحلبية
جمال الغيطاين
يف الأحداث الكربى �أعود �إىل ما يخ�صني منها ،ما عرفته �شخ�صي ًا� ،أو ما قر�أته. مع ا�ستمرار بحر الدم يف واحدة من �أجمل و�أعرق مدن العامل «حلب»� ،أعي�ش ذلك مرة �أخرى. لكل مدينة من يحمل �أ�سرارها ،من يقدر على ف�ض مغاليقها ،من يجتهد لي�صون تفا�صيلها اليومية التي يطويها الن�سيان ،عاداتها و�أ�سرارها التي تتغري مع توايل الأزمنة ،وحل�سن حظي �أنني تعرفت �إىل بع�ض ه�ؤالء ،الذين �سعوا يف زمن مغاير ،بعيد عن زمني .و�أولئك الذين �أ�سعدين احلظ بلقائهم. من القاهرة ،املقريزي يف الع�صر اململوكي .ومن دم�شق ابن ع�ساكر ،ومن بغداد اخلطيب ،ومن غرناطة ل�سان الدين بن اخلطيب. �أما حلب فمن الذين �صانوا بع�ض ًا من �أ�سرارها يف املا�ضي كمال الدين بن العدمي .ويف القرن الع�شرين عرفت �شخ�صني� ،أحدهما م�ضى عام واحد و�سبعني بعد �أن �أودعنا مو�سوعة نفي�سة ،نادرة ،مدخلها �إىل الواقع اللغة، �أعني «مو�سوعة حلب» ،خلري الدين الأ�سدي� ،أما الآخر ف�أطال اهلل عمره، �صحبني يف رحلته احللبية .ور�أيت فيه �سالفة من كل الذين ذكرتهم� ،أعني ال�صديق حممد قجة ،رئي�س جمعية العاديات. منذ عودتي �إىل القاهرة مل �أكف عن مطالعة مو�سوعة حلب للأ�سدي ،وال �أظن �أنني اطلعت على مثيل لها يف النرث العربي� ،إنها لي�ست مو�سوعة للمكان، لكنها يف اللغة ،اللغة كما ينطقها النا�س ولي�ست كما وردت يف املعاجم� .أي ال يورد امل�صدر الثالثي للفظ� .إمنا يورده كما ينطقه النا�س يف حلب بالتحديد، يرتب الألفاظ طبق ًا حلروف املعجم .و�سواء كان اللفظ ا�سم ًا لعلم �أو ملكان �أو حلادثة جدت �أو �صفة ،ف�إنه يورد �سائر ما يتعلق به .لي�س يف العربية فقط، �إمنا يف اللغات الأخرى� ،شرقية �أو غربية ،قدمية �أو معا�صرة. يك�شف الأ� �س��دي ع��ن معرفة مو�سوعية باللغات ،الآرام �ي��ة ،ال�سومرية، الأرمينية ،العربية ،الفرن�سية ،الإيطالية ،الأملانية ،وبالطبع العربية .ومن خالل اللفظ ينفذ �إىل العادات اليومية والتقاليد ،ويذكر الأمثال واحلكم، والت�شبيهات ،والتهكمات ،وال�شتائم ،والكنايات والتوريات ،واملعتقدات واخلرافات والأ�شعار واملواويل والأغنيات والألغاز ،وطرق املزاح والنوادر ومناغاة الأم�ه��ات لأطفالهن ،حتى اجلمل التي ينطق بها جمانني حلب يلتقطها وي�سجلها وي�ح��اول �شرحها ،كذلك ن��داءات الباعة وتعبرياتهم احلديثة ،والنوادر التي يتناقلها النا�س وم�صطلحات احلرفيني والأ�سواق. �إذا كانت اللغة هي املعادل ملفردات احلياة ،ف�إن الأ�سدي يوثق احلياه من خالل اللغة يف هذه املو�سوعة الفريدة ،ولأورد �أمثا ًال على طريقته. من حرف الألف ،وحتت عنوان «�أبو را�شد»: من جمانني حلب املعتقد فيهم يف مطلع القرن الع�شرين ،كان ينادي يف الأ�سواق: تنبيه يا جماعة! ما ل�سلطان عبد احلميد «في�سود ال�سكوت» ،اللي عندو مرا كوي�سة اهلل يخلي لو يا ها واللي عن عندو مرا ب�شعة حَاَل�شو ه ّوه وياها.
بدائع الزهور وحتت عنوان «�أبو غنوج» جند مو�ضوع ًا �آخر: �أبو غنوج ،و�سموه �أي�ض ًا املتبل واملخ�شخ�ش ،و�سمته ال�شام ببغنوج .كما �سمته الأرمنية بابا غنوج وعلى نازيك ،نعم، بابا غنوج �أطلقوه على الطعام التايل :الباجنان ،ال �سيما ال �ت��اديف ،ي�شوى بالفرن ث��م يق�شر ث��م ي��دق بجرن حجري بدقماق خ�شبي ،وي��دق وي��دق �إىل �أن ينماع امن�ي��اع اللنب الغليظ .وطبيعي �أنه بلطمات الدق يهرب من بط�ش الدقماق الئ ��ذ ًا ب��اجل��وان��ب ،الأم ��ر الطبيعي الب�سيط و ّل��د يف خيال م�سميه الفنان �أنه يغنج غنج الن�ساء .ول�سان حالهن ،بهذا الدالل ،يقول :ما بدَ ي وبدَ ي .ف�سماه �أبو غنوج ،و�أبو مبعنى ذو .و�صاغ من الغنج على وزن ف ّعول ال��دال على التلطيف ك� ّأ�سوم مبعنى �أ�سماء� ،أي الأ�سماء اللطيفة� .أما وقد انتهينا من الدق والغنج اللطيف ،وجاء دور من ي�صحبه يف �سفره �إىل احللقوم ،ها هو ذا احلام�ض ،ال �سيما حام�ض ع�صري الرمان ،ثم ها هو ذا ي�صحبه ذائب الثوم .ثم ها هي كواكب الزيت تتكوكب يف قافلة �سريه �إىل احللقوم .كما يذر عليه الكمون وم �ف��روم البقدون�س ،ون�سيت �أن �أق��ول وي�صحبه الطحينة ملن يرغب فيها. ومي�ضي الأ��س��دي يف و�صف �أب��وغ�ن��وج �أو بابا غنوج و�صف ًا دقيق ًا ،خا�ص ًة عند انزالقه عرب احللقوم ،ويبدو �أن توقفه الطويل �أمام �أنواع الطعام احللبية ال�شهية ،واملطبخ احللبي م��ن �أ�شهر مطاعم الدنيا ،يبدو �أن ذل��ك نتيجة حرمان، يقول حممد كمال يف مقدمة املو�سوعة �أن��ه عا�ش يف فقر وع��وز ،لي�س له من مورد يرتزق به فينفق منه على طعامه وع�لاج��ه و�إغ �ن��اء مكتبته ��س��وى م��ا ك��ان يتقاطر م��ن مهنة التعليم والأح��ادي��ث الإذاع �ي��ة م��ن �أج��ر ،وم��ا �أك�ثر م��ا كان يجف ذلك امل��ورد ،ومع ذلك ما كانت لتفارق وجهه ب�سمة الر�ضى والت�سليم ،وقد ترك �آثار ًا �أخرى غري املو�سوعة منها «البيان والبديع» ،طبع عام 1936م ،و«ع��روج �أبي العالء»، طبع 1940م ،و«قواعد الكتابة العربية» ،و«حلب ..اجلانب اللغوي من الكلمة» ،و«�أغ��اين القبة» ،و«�أحياء حلب» ،وقد ترك املو�سوعة ذاتها خمطوطة ،ومل تطبع �إال بعد وفاته� ،أي �أنه �أنفق هذا اجلهد الهائل بدون انتظار عائد ،ومل يرها مطبوعة ،وعندما دفعت �أ�سرته باملو�سوعة �إىل جامعة حلب لطبعها �أهدت املخطوط �إىل اجلامعة مع التنازل عن جميع احلقوق ،وهكذا خرجت يف �سبعة �أجزاء مطبوعة ب�شكل جيد ومدققة ،عدت جزء واحد مل يطبع ،وال يعرف �أحد م�صريه،
وي�ضم الألفاظ والعبارات النابية التي ينطقها �أهل حلب، ويبدو �أن الأ�سرة قد حجبته. �أعود لأقتطف بع�ض �أمثلة من املو�سوعة .وحتت «�آمني» نقر�أ ما يعك�س ثقافة الأ�سدي املو�سوعية ،يقول: من العربية ،ا�سم فعل مبعنى :ا�ستجب .وت�ستعمل يف كنائ�س اليهود والن�صارى ،وثمة مذهب �أن �أ�صلها «�آم��ون» ،املعبود امل�صري الذي �أعاد عبادته توت عنخ �آمون ،على �أن الرتجمة ال�سبعينية يف اليونانية ترجمتها مبا مفاده :ليكن �أو لي�صر، ويف �شفاء الغليل ،قيل �إنه لي�س بعربي .لأن وزن فعيل لي�س من كالمهم. و�أ�صل لفظها يف العربية� :آمني وعلى هذا لفظها العام ،ما خال ال�سريانية فتقول� :أمني ،ومن �أمثالهم :بدعي على ولدي وبدعي عاللي يقول �آمني« ،نالحظ �أن املثل �شائع يف م�صر»، ومن كناياتهم� :آم�ين فرق الدعا ،وال ال�ضالني �آم�ين ،ومن نوادرهم: كان ال�شيخ حممد اجلزماتي يعظ النا�س يف اجلامع الكبري، ويف وعظه يف رم�ضان كان ينهي در�سه بذكر بع�ض امل�آكل، ليتخذ بع�ضها ال�سامعون� .أ�سمعه وا�سمع النا�س حوله: ال�شيخ :بامني ،حم�شي قرع النا�س� :آمني «ظن ًا منهم �أنه يدعو» ال�شيخ :باجنان حم�شي وجنبو حم�ص النا�س� :آمني ال�شيخ :ع�ش البلبل وجنبو بقالوة النا�س � :آم�ين « وه��م مي�سحون على �أوجههم و�صدروهم وبع�ضهم ي�أخذ املال» لكم متنيت �أن �أورد املو�سوعة كلها �أو �أمثلة عديدة منها، لكنني �أكتفي ب�إيراد هذه النماذج القليلة للإيحاء مبا ت�ضمه ه��ذه املو�سوعة الفريدة ،و�إذا ك��ان الأ��س��دي قد ق��ام بهذا اجلهد الهائل الذي �أنفق فيه عمر ًا لتوثيق تفا�صيل احلياة يف حلب من خالل اللغة ،فهناك �أن�شطة ومنظمات �أهلية ت�أ�س�ست للحفاظ على تراث املدينة ،لعل �أ�شهرها و�أهمها جمعية العاديات ،والتي متار�س دور ًا ن�شط ًا م�ستق ًال منذ الع�شرينيات. كثري من املعامل القدمية دمرت خالل احلرب الأهلية التي مل �أت�صور حدوثها يوم ًا يف حلب ،ولكن هذه املو�سوعة حتفظ مظاهر احلياه كلها من خالل اللغة ومفرداتها
وجه في المرآة 52 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
داعية ك�سر احتكار العلم والفكر
أنور عبد الملك..
هوية الفلسفة وفلسفة الهوية �أ�سامة عفيفي وهل للف�سلفة هوية؟! �ألي�ست الفل�سفة كما علمتنا الأكادمييات العريقة عابرة للزمان واملكان؟! �ألي�ست هي املعنية بو�ضع النظريات الكلية التي تهدي العقل �إىل حتقيق قيم احلق واخلري واجلمال بغ�ض النظر عن انتماء هذا العقل �إىل ال�شرق �أو الغرب؟!
�ألي�ست هي املعنية بالعام وامل�شرتك العقلي الإن�ساين وو�ضع �أن�ساق املعرفة وقوانني الفكر للب�شرية �أ ًّيا كان لونهم �أو جن�سهم �أو لغتهم؟! �أل�ي���س��ت امل�ث��ال�ي��ة «م�ث��ال�ي��ة» يف ك��ل ع�صر ومكان؟! واملادية «مادية» يف كل الأحوال؟! و�أخ ًريا �ألي�س تق�سيم الفل�سفة والعقل �إىل �شرقى وغ��رب��ى ن��وع م��ن العن�صرية التي �أدان�ت�ه��ا فل�سفة ع�صر التنوير يف القرن التا�سع ع�شر؟! �أع��رف �أن ه��ذا ال�س�ؤال �شائك ،و�أرع��ن، وم���ش��اك����س والب���د �أن ي �ث�ير ع��ا��ص�ف��ة من االح �ت �ج��اج ،يف زم ��ن ي�ت�ج��ه ف�ي��ه «ال�ع�ق��ل ال �ع��رب��ى» �إىل م��واك�ب��ة ال�ع��ومل��ة وت�أ�سي�س «حداثة جديدة» ت�سعى لإنتاج «امل�ستهلك ال�صالح» �أو ما ت�سميه �أدب�ي��ات احلداثة ب�ـ«امل��واط��ن ال�ع��امل��ي» ال��ذي ي��أك��ل وي�شرب ويلب�س ويفكر بنف�س النمط ال��ذي تنتجه «امل�ؤ�س�سات عابرة اجلن�سية» وتخطط له «م�ؤ�س�سات العوملة الثقافية» التي ت�سعى لإنتاج ن�سق ثقايف �إن�ساين واح��د ..ير�سم �شكل ومالمح الوجدان والوعى الإن�ساين حتت �شعار «حقوق الإن�سان» وتفعيل الأداء الدميقراطي يف بلدان العامل الذي �أ�صبح بف�ضل «ث��ورة االت �� �ص��االت» جم��رد «قرية �صغرية»! ولكن ..هذا ال�س�ؤال امل�شاك�س ال�سابح �ضد التيار هو املدخل الوحيد املالئم للدخول �إىل عامل الفيل�سوف العربي الرائد �أنور عبد امللك الذي رحل عن عاملنا ال�شهر قبل املا�ضي يف باري�س بعد معاناة ع�صيبة مع املر�ض اللعني. م�شاك�سا من الوزن فلقد كان الرجل نف�سه ً الثقيل ودائم التغريد خارج ال�سرب ،ودائم اخلروج عن الأمناط والنظريات والقوالب التقليدية ال���س��ائ��دة ..يرف�ض م��ا ُي�س َّمى بامل�سلمات والبديهيات ،لأنه ي�ؤمن بقدرة الإب��داع الإن�ساين على االبتكار والتجديد و�إع��ادة النظر يف الثوابت ونقدها بالعقل الذي هو �أجمل ما وهب اهلل للإن�سان. ول �ق��د وه��ب ال��رج��ل ق�ل�م��ه وع�ق�ل��ه وف�ك��ره
مشروع عبد الملك محاولة لرفض التبعية الفكرية وعدم االستسالم للعنصرية الغربية التي حولت مفكري العالم الثالث إلى مجرد «قردة» تحاكى التقدم والحداثة الغربيَّين وال تصنعهما ل�ل�ت�م��رد ال��دائ��م ع �ل��ى ك��ل م��ا ه��و منطي وتقليدي يف الفكر والعلم. بل لقد ك��ان دائ��م التمرد على ما ُي�س َّمى بالتخ�ص�ص العلمي الدقيق لأن��ه ي�ؤمن ب��ال�ن�ظ��رة ال�شمولية للمعرفة «ال�ع��اب��رة للتخ�ص�صات الدقيقة»؛ فجاءت �إ�سهاماته يف علم االجتماع ،والتاريخ ،وعلم االجتماع ال�سيا�سي ،وبحوث احل�ضارة والفل�سفة، وع �ل��وم ال�سيا�سة واالق �ت �� �ص��اد متداخلة متجادلة لين�سج منها فل�سفتة «املغايرة»، ونظريته امل�ستقلة للعامل لي�ؤ�س�س من خاللها «نظريته الفل�سفية» املرتكزة على �ضرورة درا�سة «الظاهرة احل�ضارية» يف حراكها اجل��ديل التاريخي «م��ن املا�ضي �إىل احلا�ضر �إىل امل�ستقبل» وتفاعلها مع اجلغرافيا والهوية الثقافية ُم��رك� ًّزا على دور الإن�سان الإب��داع��ي يف �صنع التاريخ ل�ي��ؤ��س����س فل�سفة «امل �� �ش��روع احل���ض��اري» املغاير للنظرة الغربية التي ر�سخها الفكر الغربي العن�صري ال��ذي ظ��ل منذ ن�شوء الظاهرة اال�ستعمارية ينظر �إىل ال�شعوب غ�ير الأوروب �ي��ة ن�ظ��رة متعالية عن�صرية ت��رى �أنها «�شعوب بربرية» ي�سعى الغرب «امل�ت�ح���ض��ر» �إىل «حت��دي�ث�ه��ا» ونقلها من «الرببرية» �إىل «احل�ضارة». فرق بعن�صرية وفق الن�سق الأوروبى الذي ُي ِّ �شديدة بني «املتح�ضر» و»الآخ��ر» � ّأي بني «الأوروبي» و«غري الأوروبي» على حد تعبري د� .أنور عبد امللك. ل��ذا فلقد واج��ه ب�ق��وة «ال�ن�ظ��رة الدونية» للحداثيني العرب الذين ي�ؤمنون بنظرية «زرع احلداثة الغربية» يف الرتبة العربية
كطريق وحيد للتقدم ..وهو االجتاه الذي ه �ج��اه ال���ش��اع��ر ال �ع��راق��ي ال�ك�ب�ير مظفر ال �ن��واب بقوله «لب�س العمامة زي� ًف��ا على القبعة». فم�شروع �أن��ور عبد امللك �إذن هو حماولة لك�شف هذا امل�سخ ،ورف�ض التبعية الفكرية وع��دم اال�ست�سالم «للعن�صرية الغربية» ال�ت��ي ح��ول��ت مفكري ال�ع��امل ال�ث��ال��ث �إىل جم��رد «ق ��ردة» حتاكى التقدم واحل��داث��ة الغرب َّيني وال ت�صنعهما ..فهو ي�ؤكد هذا املعنى ق��ائ�ًل�اً �« :أن��ه بالرغم م��ن التحدي احل���ض��اري ال��ذي تواجهه الأم��ة العربية ت�ستمر ال��دع��وة �إىل التم�سك باملفاهيم وال �ن �ظ��ري��ات والأط ��روح ��ات ال �ت��ي تتدفق علينا م��ن دائ��رة الإم�بري��ال�ي��ة والهيمنة، �أفال تهدف �إىل التحديث واللحاق بركب احل�ضارة؟! �أل�سنا كلنا من �سكان القرية الواحدة؟! ملاذا �إذن جنتهد و ُن ْبدِ ع ونخرتق ال�ضباب و ُن ِّ�صر على ال��ري��ادة؟! مل��اذا ال نر�ضى بالتبعية؟! ه��ذه الأف�ك��ار يقولون �أنها مالزمة لو�ضع عاملي م�ستقر هو نهاية امل�ط��اف ..نهاية ال �ت��اري��خ بحيث ال ي��وج��د خ �ي��ار م�غ��اي��ر.. لكن ال�ب�ن��اء املُ�صطنع املُ�� �ش � َّوه ب��د�أ يهتز بف�ضل حركات التحرر والثورات والرف�ض املتزايد لهيمنة املركز الواحد ..حتى من الدول املتقدمة التابعة له ..باب االجتهاد والإبداع مفتوح �إذن على م�صراعيه» ه��ذه هي الركيزة التي ينطلق منها �أن��ور عبد امللك لإثبات �أن «الفكر العاملي» لي�س «فك ًرا واح��دً ا» و«الفل�سفة العاملية» لي�ست «فل�سفة واحدة» و«احل�ضارة» لي�ست ً منطا واحدً ا� ،إمنا هي �أفكار وفل�سفات وح�ضارات ولكل ح�ضارة فكرها وفل�سفتها وثقافتها وهويتها التي تتطور بفعل الإبداع الإن�سانى لأبنائها ،واخل��روج م��ن دائ��رة االغ�تراب والتبعية «للمركزية الغربية» التي فر�ضها اال��س�ت�ع�م��ار ،وحت���اول ف��ر��ض�ه��ا «ال�ع��ومل��ة» لتحقيق م�صلحة «امل��رك��ز املهيمن»؛ عرب اجليو�ش قد ًميا ،وع�بر م�ؤ�س�سات العوملة و�آل �ي��ات ال�سوق احل��ر ح��دي� ًث��ا� ..إن��ه يرى
وجه في المرآة 54 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
�أن دور املفكر احل��ر يف ال��وط��ن العربي هو ك�سر احتكار الفل�سفة والعلم ،ويرى � ً أي�ضا �أن م�شروع العوملة الذي يهدف �إىل �إنتاج «امل�ستهلك ال�صالح» هو م�شروع �ضد الإن�سانية فتنمية النزعة اال�ستهالكية تهدد الب�شرية بالإبادة لأنها تحُ ِّول الإن�سان «متلق خامل» من «م�ب��دع» و«م �ق��اوم» �إىل ِ و«م�ستهلك ك�سول» ،لأنها ت�سلب الإن�سان تق�سم العامل �إىل �إن�سانيته ف�ضلاً عن �أنها ِّ «منتج مهيمن»يف ال�شمال ،و«م�ستهلك تابع» يف اجلنوب ،واملهيمن ي�سلب �إن�سانية التابع مهما ك��ان بريق �شعارات «حقوق الإن�سان» واحلقوق الدميقراطية ..فهذا ال�بري��ق ال��زائ��ف جم��رد غ�ط��اء ال�ستمرار الهيمنة و�إ�شعال احل��روب ال�صغرية التي تفتت العامل �إىل دوي�لات طائفية واثنية وعرقية ل ُي�س ِّهل �إدارة �أم��وره��ا وكنوزها وثرواتها ل�صالح ماكينة العوملة ال�شرهة ليتدفق الإنتاج النمطي املركزي مع تزايد امل�ستهلكني الك�ساىل من التابعني. �صحيح �أننا نطالب بالدميقراطية وحقوق الإن�سان كحق �إن�سانى مكت�سب ،لكن ما يطرحه الغرب م�شروط باتباع «�سيا�سة
واجه بقوة النظرة الدونية للحداثيين العرب الذين يؤمنون بنظرية زرع الحداثة الغربية في التربة العربية كطريق وحيد للتقدم ح�سن �سري و�سلوك» التابعني لدول املركز! نخل�ص من ذلك كله �إىل �أن �أنور عبد امللك �أ��س����س م���ش��روع��ه ال�ف�ك��رى ع�ل��ى حم��وري��ن مهمني ،الأول :ك�سر احتكار العلم واملعرفة والفكر ورف�ض «املركزية الفكرية» ،التي يروج لها الغرب حتت �شعر «العلم والفكر ال وطن لهما». والآخ��ر� :إن الفكر الإن�سانى متعدد بتعدد احل�ضارات ويختلف «بنيو ًيا» من مكان �إىل مكان ت�ش ِّكله يف كل مكان الهوية والثقافة وامل��وروث واجلغرافيا والإب ��داع الإن�ساين احلر. ه��ذان املحوران فتحا �أم��ام الرجل �أب��واب احل��ري��ة يف ال�ت�ف�ك�ير واالج �ت �ه��اد العقلي والإب ��داع احل��ر� ،أو ه��ي امل�ب��ادئ التي ظل ي �ن��ادي ب �ه��ا ط���وال م���س�يرت��ه ال �ف �ك��ري��ة..
�أنور عبد امللك ول��د �أن��ور عبد امللك ،ال��ذي يعد من �أب��رز املفكرين امل�صريني وال�ع��رب يف العقود الأخ�يرة ،بالقاهرة يف �أكتوبر عام 1924م ،در�س الفل�سفة يف جامعة عني �شم�س، م�صر ،ثم ح�صل على الدكتوراه يف علم االجتماع من جامعة «ال�سوربون» بباري�س، وعمل يف املركز القومي للبحوث مب�صر .كما كان حما�ضراً زائراً يف عدة جامعات عربية و�أجنبية ،بالإ�ضافة �إىل �أن��ه ك��ان ع�ضواً يف ع��دة هيئات وجمعيات علمية و�أك��ادمي�ي��ة عربية ودول�ي��ة��.ص��در كتابه الأول ع��ام 1957م بعنوان «م��دخ��ل �إىل الفل�سفة» ،كما �أ�صدر «اجلي�ش واحلركة الوطنية»« ،املجتمع امل�صري واجلي�ش « ،»1970 - 1952ال�ف�ك��ر ال�ع��رب��ي يف معركة النه�ضة»« ،نه�ضة م���ص��ر»« ،ري��ح ال�شرق»« ،مفاتيح ا�سرتاتيجية جديدة للتنمية»« ،تغيري العامل»«،ال�صني يف عيون امل�صريني»« ،الثقافة والفكر» ،و«املواطنة هي احلل».هو �أول من انتقد اال�ست�شراق منذ ع��ام 1963م ،حني ن�شر مقا ًال بعنوان «اال�ست�شراق يف �أزم��ة» رب��ط فيه بني درا�سات بع�ض امل�ست�شرقني واال�ستعمار الذي كانت تلك الدرا�سات متهيداً له .كما قام مبراجعة بع�ض املفاهيم الليربالية واملارك�سية الغربية التي تتعلق بالدولة والأمة والقومية وغريها.ح�صل �أنور عبد امللك على امليدالية الذهبية من �أكادميية نا�صر الع�سكرية يف م�صر ع��ام 1976م ،جائزة ال�صداقة الفرن�سية العربية عام 1970م .وجائزة الدولة التقديرية يف م�صر ،يف العلوم االجتماعية يف عام 1990م.
وا�ستطاع من خ�لال تفعيله لها �أن ي�ضع م�لام��ح ت �� �ص��وره ل �ل �م �� �ش��روع احل �� �ض��اري العربي ..يف مواجهة التحديات احل�ضارية التي تواجه الأمة ..مفن ًّدا وحمللاً وناقدً ا مل�شاريع النه�ضة ال�سابقة التي بد�أت على �أر���ض ال��وط��ن العربى منذ نهاية القرن التا�سع ع�شر ..فهو ينتقد م�شروع «زرع احل��داث��ة» وا��س�ت�يراد احل���ض��ارة ال��ذي له روج ل��ه قطاع كبري م��ن املفكرين العرب الغربي حتت دع��وى �أن «الإن�ت��اج الفكري ّ احل��داث��ي» م�ل� ٌ�ك للب�شرية يف ك��ل م�ك��ان.. وال حرج من اقتبا�سه �أو �إعادة زراعته يف جمتمعاتنا ..ولقد �أو�ضح �أن��ور عبد امللك – كما �أ�سلفنا – تهافت ه��ذا امل�شروع «ال�ت��اب��ع» لأن لي�س ك��ل م��ا ه��و �صحيح يف �صحيحا يف جمتمع �آخر ،لأن جمتمع يكون ً التكوين الثقايف والبناء الق َّيمي يختلف من جمتمع �إىل جمتمع ومن ح�ضارة �إىل �أخرى. كذلك انتقد الرجل ال��دع��وات الإحيائية التي انطلقت م��ن �إع ��ادة �إن�ت��اج «ال�تراث ال �ف �ك��رى» امل� ��وروث دون ن�ق��ده �أو حتليله و�إعادة النظر يف ظروف ن�ش�أته التاريخية والب�شرية .لأن م��ا ك��ان يعتربه �أ�سالفنا «علم» يف املا�ضي� ،أثبتت التجارب �أنه لي�س علم ًيا مع تطور العلوم وتوايل االكت�شافات، وم��ا ك��ان � �س��ائ��دً ا م��ن ق�ي��م يف ع�صر من الع�صور ..تغري وتبدل و�ش َّكل غريه الإن�سان املعا�صر يف ج��دل��ه ال�ت��اري�خ��ي م��ع ال��واق��ع مبتغرياته. ً ً �أي���ض� ًا وق��ف م��وق�ف��ا خمتلفا م��ن م�شروع «الأ� �ص��ال��ة وامل �ع��ا� �ص��رة» ال ��ذي ُط� � ِ�رح يف ال�سبعينيات والثمانينيات حلل الإ�شكالية احل���ض��اري��ة ،م ��ؤك��دً ا �أن ه�ن��اك تناق�ض ًا يف بنية امل�ق��ول��ة نف�سها ال �ت��ي جت�م��ع بني ن �ق �ي �� �ض�ين ،واحل � ��ل ل �ي ����س ب��االن �ت �ق��ائ �ي��ة وامل�صاحلة ال�شكلية بني ما هو موروث وما هو جديد لأن" :التناق�ض احلقيقي الكامن ً تناق�ضا بني الأ�صالة يف هذه املقولة لي�س والتجديد ،ولي�س بني ال�تراث والتحديث، ول�ك�ن��ه ب�ين الأ� �ص��ال��ة ال�سلفية وال�ت�راث
اجلامد من ناحية ،وبني الأ�صالة القومية اخللاَّ قة والرتاث كباعث للإبداع الفكري والثقايف الذاتي. �أى ب�ين امل��وق��ف امل�ستقل امل�سئول الرائد م��ن التاريخ وب�ين امل��وق��ف التابع املنهزم الهام�شي من التاريخ نف�سه ، ..لأن امل�شروع احل�ضاري العربي يف ر�أي��ه البد �أن يجمع ب�ين اخل�صو�صية ال�ت��اري�خ�ي��ة ،وحت��دي��ات املرحلة الآنية والر�ؤية امل�ستقبلية. فالتبعية عنده �إذن لي�ست فقط «تبعية» ل�ل�آخ��ر ،ول�ك�ن�ه��ا �أي �� ً��ض��ا تبعية «للجمود امل��ا��ض��وي» ..واحل��ل يف الإب ��داع الإن�ساين اجلديل بني ما كان وما هو كائن وما ينبغي �أن يكون ،إ�ن��ه احل��ل الثوري ال��ذي اهتدى ل��ه� ،أي �أن ��ه ق ��درة الإن �� �س��ان ع�ل��ى ه�ضم هويته ومالحمها العامة والبناء عليها وفق متطلبات �أبناء الأمة و�آمالهم و�أحالمهم –الآن -لر�سم معامل م�ستقبلهم الوطني املتحرر من قيود «التبعية» �سواء للأمناط اجلاهزة «املا�ضوية» �أو الأمن��اط «املُعل َّبة» الواردة من املراكز الغربية الفكرية. امل�شروع احل�ضاري العربي عند �أنور عبد امللك يف «م�شروعه الفل�سفي» يتميز �إذن ب��أن��ه م�شروع �إب��داع��ي ،والإب ��داع عنده ال ينح�صر ،كما يعتقد البع�ض يف «الفنون والآداب» ولكنه الإب ��داع «كفعل �إن�ساين» يف خمتلف م�ن��اح��ي احل �ي��اة االجتماعية واالقت�صادية وال�سيا�سية والفكرية. ف �ن �ح��ن ع �ل��ى ح ��د ت �ع �ب�يره �أم � ��ام ق��ال�ب�ين «ال �ق��ال��ب ال���ش��رق��ي احل �� �ض��اري» و«ق��ال��ب ال�غ��رب احل���ض��اري» ،واختيارنا ال ب��د �أن يكون ل�ل�أول �أي «قالبنا» وهويتنا «ب�شرط �أن جتمع نظرتنا له بني �أط��راف الزمان و�أطراف امل�سرية الزمنية ملجتماعتنا منذ تكونها وحتى م�ستقبلها املرموق» وهنا يكمن دور الإبداع الإن�ساين يف درا�سة ون�ق��د وتطوير ه��ذا القالب وف��ق الع�صر ووفق �آمال امل�ستقبل ب�شرط �أن ت�شمل ب�شكل «تكوينى» جميع نواحى �أنواع الإبداع. ب�ح�ي��ث ي�ع�م��ل امل �� �ش��روع احل �� �ض��ارى على �إدراك امل�سببات والعوامل التي �صاغت
سمى رفض ما ي ُ َّ بالبديهيات مؤمن ًا بقدرة اإلبداع اإلنساني على االبتكار والتجديد وإعادة النظر في الثوابت ونقدها بالعقل الذي هو أجمل ما وهب اهلل لإلنسان والت� ��زال ت���ص��وغ م�ف�ه��وم ال �ع��امل يف نظر «جمتمعنا» من الناحية «اجليو -ثقافية»، لأن مفهوم العامل –يف ر�أي��ه -يت�شكل يف الأ�سا�س من �إدراك حقيقة املكان بالن�سبة ل�ل��دوائ��ر املحيطة ويف بع�ض الأح �ي��ان يف �إدراك «عبقرية املكان» و�إدراك العالقة ب�ين الإط� ��ار اجل �غ��رايف – ال �ت��اري �خ��ي يف دائ��ري �ت��ه ال��داخ�ل�ي��ة امل�ح�ل�ي��ة واخل��ارج�ي��ة «اجليو�-سيا�سية» بالدوائر املحيطة التي منها ي�ت�ك��ون ال �ع��امل ،وه��و ت���ص��ور مغاير يتغري ح�سب الأنظمة الفكرية والدينية والفل�سفية التي ت�سودها من مرحلة �إىل م��رح�ل��ة ،ف�ه��ذا الت�صور ت�غ�َّيرَرَّ م��ن م�صر الفرعونية عنه يف م�صر البطلمية عنه يف الإ�سالمية «مثلاً ». لزاما -يف ر�أي��ه – �أن ي�أخذ لذا ي�صبح ً امل�شروع احل�ضاري هذه العنا�صر التكوينية يف االعتبار لكى ي�ستطيع �صياغتها �إطا ًرا اً اً ومقبول لإن�سان الغد يف جمتمعنا.. معقول و�إذا حللناها و�أع��دن��ا �صياغتها ب�شكل علمي وعقالين �سنحدد-كما يقول�ُ -س َّلم القيم املعياري الذي �سوف يحدد �أ�سلوب التعامل داخل جمتمعنا وبالتايل �سنعرف م��اذا �سنغيرِّ ،وما هو التغيري املطلوب يف حدود و�إمكانيات تعبئة الطاقات الب�شرية وامل��ادي��ة ،وكيفية �إع ��ادة ت�شكيل املا�ضي
كان دائم التمرد على سمى بالتخصص ما ي ُ َّ العلمي الدقيق ألنه يؤمن بالنظرة الشمولية للمعرفة العابرة للتخصصات الدقيقة
واحلا�ضر ملالئمة حت��د َّي��ات الع�صر وفق �سمات احلياة الفكرية والروحية املتميزة لوطننا العربي منبع ال��دي��ان��ات وخا�صة التوحيد ..وم�صدر الفل�سفات الأوىل التي منها ت�ش َّكلت فل�سفة اليونان .هذا املجتمع الذي �ش َّكل القالب التكويني املرموق لفنون النحت والعمارة والت�صوير واملو�سيقى، وف ��وق ه��ذا وذاك ال�ك�ت��اب��ة ال�ت��ي ات�سمت كلها بعمق النظرة �إىل ما يتعدى الر�ؤية املبا�شرة ..هذا الطابع ال�شامل الذي ل َّون �إ�سهامات ال�شرق العربي منذ �أقدم الأزمنة حتى اليوم ينبغي – يف نظره – �أن يلعب دو ًرا مركز ًيا يف ت�شكيل امل�شروع احل�ضاري امل�ستقبلي للأمة ..مع الو�ضع يف االعتبار �أن هذا امل�شروع ال بد �أن يعتمد على �أداة �إن�سانية ت ُِّثمن الإبداع وتفتح �آفاق احلرية �أم��ام��ه مع تفعيل دور ال��دول��ة احلديث يف جم��ال االق�ت���ص��اد وال�ث�ق��اف��ة يف ُبعدهما االجتماعي� ..أى ال بد �أن يت�سم امل�شروع احل�ضاري بقدرة هائلة على تعبئة طاقات اال�ستمرارية احل�ضارية عرب التاريخ. ب�شكل عام ير�سم املفكر الراحل �أنور عبد امللك مالمح «م��در��س��ة فل�سفية» جديدة قائمة على ا�ستيعاب اخل�صو�صية وتعظيم دور الإبداع الإن�ساين واجلدل الإيجابي مع نجز العاملي احل�ضاري ل�صنع «م�شروع املُ ِ ح �� �ض��اري» ي�ت���س��ق م��ع ه��وي�ت�ن��ا وثقافتنا ومكاننا ومكانتنا من العامل. ورغم �إجنازه هذا ..ورغم جهوده العلمية ال��رائ��دة يف جم��ال «اال��س�ت�ق�لال الفكري والفل�سفي» م��ازال «م�شروعه» بعيد ًا عن ال��در���س الفل�سفي امل �ت ��أين م��ن الباحثني ال�ع��رب ،بل مل يكتب عن �إجن��ازه ه��ذا �إال بعد رحيله ،و�أغلب ما ُك ِت َب ومن بينها هذه املقالة ..كتابات عامة حت��اول �أن ت�صف امل�شروع وتعر�ضه ال �أن حتلله �أو تدر�سه درا�سة علمية عميقة ..لكنها بداية �أعتقد �أنها �ستفتح الأبواب �أمام الباحثني العرب للنظر من جديد يف �إجناز الرجل الفكري ال ��ذي �سيظل ع�لام��ة ب ��ارزة ع�ل��ى طريق النه�ضة العربية القادمة
إرهاصة 56 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
في مديح الناجيات قبل �أن �ألتقيها ،كنت قد قر�أت لها عدة �أعمال ،و�ص ّنفتها واحدة �ضمن قلة من الكاتبات �أ�سميهن « الناجيات» ،لأنهن جنون بكتاباتهن النقية من �أ�سر ماكينات الرتجمة الغربية املربجمة اللتقاط كل رواي��ة وكل دي��وان وكل مقالة تكتبها ام��ر�أة عربية تغازل فيها ال�صور النمطية عن العرب يف �أعني الغرب ،تلك ال�صور اخلارجة من بني �صفحات �ألف ليلة وليلة بجواريها وغلمانها وحيل ن�سائها املقموعات من �أجل البقاء على قيد احلياة. هي ،بالن�سبة يل ،واحدة من ه�ؤالء الناجيات ،اللواتي جنون وليد عالء الدين ب�إبداعاتهن من تلك املحرقة التي يتوهج بفعلها اال�سم النا�س يف مناماتهم، وينهمر من و�سائل الإعالم حتى يزور َ ثم يكت�شف ،من ُقدّر له �أن يقر�أ� ،أن الأمر مل يكن ي�ستحق حتى عناء �شراء الكتاب. هي ،بالن�سبة يل ،واحدة من ه�ؤالء الناجيات ،لأنها متلك ما تقوله ،وتقوله بلغة متلكها ،رائقة عذبة ولها روح. وه��ي ،واح��دة م��ن ه ��ؤالء الناجيات ،لأن �شهرتها لي�ست �صنيعة حمرقة الرتجمة� ،إمنا هي �شهرة ت�أ�س�ست بهدوء وعلى مهل على �أعناق جناحات مرتاكمة� ،شهرة م�شفوعة بتاريخ من الفعل احلقيقي. كانت فاحتة دخ��ويل �إىل عاملها ،م�صادفة طريفة ،ففي عام 1997م ،كنت �أخترب الطريان للمرة الأوىل ،وبعد �أن انتهت امل�ضيفة من ا�ستعرا�ض �إر�شادات الأمان ،وجهتنا �إىل �إمكانية احل�صول على املزيد من املعلومات يف اجليب اخللفي للمقعد املقابل. بف�ضول الطائر املبتدئ ،مددت يدي متلم�س ًا ،مل �أجد بطاق ًة للأمان� ،إمنا وجدت رواية ،كانت م�ؤن�ستي ف�أن�ستني طرياين الأول ،وحملتني على منت لغة ناب�ضة ،ميتزج فيها الأ�سطوري بالتاريخي باملتخيل ،خلطة �أ�سعدتني ،و�أث��ارت يف ذهني
ت�سا�ؤالت عدة حول حدود الكتابة يف الروايات التي ت�ستلهم التاريخ ،و�إىل �أي حد ميكنها الت�أثري على ت�صورنا للتاريخ. كان ظني �أن لغ ًة راقية كتلك من �ش�أنها �أن تعلق يف �أرواحنا كالعطر ،فت�صبح م�صدر ًا لتاريخنا ،بينما ت�سقط لغة التاريخ بجفافها ،والكارثة �أن ذل��ك كله �سوف يتم على ح�ساب املعلومة واحلقيقة؟. ه��ذا ال���س��ؤال ،ال��ذي ان��زرع يف ذهني و�أن��ا �أت�صفح رواي��ة «تقا�سيم احلياة� ،شجرة الفهود» للروائية الأردنية �سميحة خري�س ،هو ال�س�ؤال نف�سه ال��ذي افتتحت به ح��واري معها عندما �أ�سعدين احلظ ب�أن تكون �ضيفتي يف برنامج تواقيع يف �أبوظبي. ورغم �أن الأ�سئلة عادة ال تبقى هي نف�سها بعد مرور ال�سنني، �إال �أنني كنت راغب ًا يف �أن يظل هذا ال�س�ؤال –حتديد ًا- ال�س�ؤال ذاته الذي نبت يف ذهني قبل 15عام ًا. كانت خري�س ،التي مل �ألتق بها من قبل ،تتداخل يف خميلتي ب�شخو�ص رواي��ات�ه��ا ،كما يتداخل عندي ك��ل كاتب �أحبه ب�شخو�ص رواياته �أو ب�أطياف ما قر�أته له من �أعمال ،كنت �أراها خارجة من ذلك الن�سيج االجتماعي الناب�ض باحلياة الذي مترره يف كتاباتها ،وتلك ال�صراعات ال�صغرية التي ت�سربها فيه لتمنحه �إن�سانيته وال�صراعات املريرة التي تنزع عنه كينونته. بعيد ًا عن كل �صورها يف و�سائل الإعالم ،كنت �أرى �سميحة خري�س خارجة من متون كتبها ،حتى تلك اللحظة التي �صافحتني فيها بب�سمة �أمومية حنون ،و�أخ��ذت مكانها يف املقعد املقابل على املن�صة ،كنت �أخاطب تلك امل��ر�أة التي �صنعتُها يف خميلتي من كلمات هي كتبتها ،ام��ر�أة تختلط فيها الأ�سطورة بالتاريخ باملتخيل ،امر�أة ت�صنع ق�ص�ص ًا من تلك النوعية التي تبقى يف الذاكرة.
حتدثت خري�س عن دور الروائي الذي يختلف عن دور امل�ؤرخ، ف�إذا كان الأول يتكئ على التاريخي لي�صنع روايته ،ف�إن الأخري باحث عن رواي��ات التاريخ يقتفي �آثارها ويتتبع خطاها ،ومل ت�شاركني خماويف من انعكا�س ظالل الرواية على التاريخ ،حتى لو متتعت بكل مقومات الإغواء ،ففي ظنها �أن الرواية تظل عم ًال �إبداعي ًا يدخل فيه القارئ بهذا الوعي ،ولكننا اتفقنا على �أن �إطالق ا�سم «رواية تاريخية» على هذا النوع من الروايات الذي ي�ستلهم ق�ص�ص التاريخ هو خط�أ نقدي ،فالرواية تبقى رواية طاملا �أن هدفها �إبداعي ،و�أن م�صطلح الرواية التاريخية ي�صلح �أن ُيطلق على الروايات التي ت�ستهدف بالفعل تقدمي التاريخ مبعاجلة فنية من دون تغيري يف املعلومات واحلقائق. كانت خري�س تتحدث بعفوية الأمهات ،ولباقة �سيدات املجتمع، وهي يف مظهرها كذلك جتمع بني الأمرين� ،أنيقة يف غري تكلف، ي�شع من عينيها دفء لطيف ،ي��زداد عندما يكون احلديث موجه ًا �إىل ابنتها التي كانت �ضمن احل�ضور .مل يقلقها �س�ؤال ومل تتنازل عن هدوئها يف �إجابة ،موزعة نظراتها واهتمامها على احل�ضور الذين كان معظمهم من اجلن�س اللطيف. �أهدتني الروائية �سميحة خري�س كتابها الأخ�ير «على جناح طائر� -سرية املدائن» ،قر�أته فيما بعد و�أ�ضاء يل م�ساحات عن �سر كونها واحدة من «الناجيات» ،هي و�إن مل ت�سمه �سرية ذاتية، �إال �أنها تتبعت فيه ،بلغتها الواثقة ،منابع ت�شكلها على امل�ستوى ال�شخ�صي والإب��داع��ي ،ور��ص��دت تفا�صيل رحلتها املرتبطة ب�شكل وثيق ب�سرية العديد م��ن امل��دن العربية ،حيث ق�ضت حياتها بالفعل «على جناح طائر» متنقلة بني العديد من الدول العربية ،حيث در�ست وعملت وعا�شت وتزوجت وكونت �صداقات وذك��ري��اتُ ،ول��دت وعا�شت طفولتها املبكرة يف ع ّمان الأردن، وانتقلت للعي�ش يف الدوحة ،بعدها اخلرطوم التي عادت �إليها بعد ذلك زوجة لأحد �أبناء ال�سودان ،ثم �أبوظبي ،ثم الأردن، ومل تغفل ر�صد تفا�صيل عالقتها بالقاهرة والإ�سكندرية ودم�شق وال�سويداء والرقة ،وتون�س وطرابل�س وبريوت لتجعل من كتابها �شهادة �أدبية واعية على فرتة من �أدق فرتات التحول العربي، متيزت باجلمع بني معرفة بال�شارع العربي وبالنخب من �أعالم الثقافة وال�سيا�سة والفن بحكم عملها يف ال�صحافة وبحكم دائرة عالقات �أ�سرتها املنتمية �إىل ال�سلك الدبلوما�سي
ارتياد اآلفاق 58 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
ين�شر هذا الباب بالتعاون مع املركز العربي للأدب اجلغرايف «ارتياد الآفاق» �أبوظبي -لندن ،الذي يرعاهال�شاعر والباحث الإماراتي حممد �أحمد ال�سويدي .
جبل حفيت كما ر�آه هاري�سون «حوت �ضخم ي�سبح يف ال�صحراء»
�أ�سكنه زايد باملربعة و�أقام بها معم ًال للتحنيط
طبيب انجليزي في واحة العين 1960
راقب كائنات الطبيعة ود ّون مذكرات عنها �شم�سه حمد الظاهري اهتم بع�ض هواة علم تاريخ الطبيعة من الأوروبيني بزيارة دولة الإمارات العربية املتحدة ،يف الوقت الذي كانت ت�سمى فيه بال�ساحل املت�صالح ،مع نهاية احلرب العاملية الثانية وبداية انفتاح هذه املنطقة تدريجياً على العامل اخلارجي ،وكان من بينهم طبيب وها ٍو يهتم بجمع مناذج لف�صائل و�أنواع خمتلفة من الثدييات ال�صغرية ،ويتقن فن حتنيطها وحتويلها �إىل مناذج �صاحلة للحفظ وللبحث العلمي وهو يف �سن مبكرة ،ال يتجاوز العا�شرة من عمره ،يدعى بديفد هاري�سون ،David Harrisonومما زاد من اهتمامه بدرا�سة عمليات حتنيط احليوان �أن والده الدكتور جيم�س Jamesو�أخاه جفري Jefferyكان لديهما االهتمام ذاته ولكن يف جمال الطيور. امتداد ًا لبحوث والده و�أخيه ،قام هاري�سون تبد�أ حكاية هاري�سون مع واحات العني؟ بجمع وحتنيط ف�صائل م��ن ط�ي��ور ال�شرق الأو�سط ،ال�سيما و�أن العمليتني ال تختلفان من العراق �إىل واحات العني كثري ًا يف طبيعة العمل الذي يقوم به ،وال يف يروي هاري�سون تفا�صيل احلكاية التي وقعت الإع ��دادات الأول�ي��ة للحفظ ،ط��ائ��ر ًا ك��ان �أو معه يف ب��داي��ات العقد ال�ساد�س م��ن القرن حيوان ًا من احليوانات الثديية. املا�ضي ،حيث يقول« :كنت قد �سمعت عن ويف بداية اخلم�سينيات من القرن املا�ضي ،جمموعة واح��ات تتكون م��ن ع��دة ق��رى تقع �سنحت ل �ه��ار� �س��ون ف��ر��ص��ة زي� ��ارة منطقة يف عمق ال�صحراء للمناطق الداخلية من ال�ساحل املت�صالح الن�ضمامه �إىل الق�سم ال�ساحل املت�صالح ،على بعد مائة ميل من ال�ط�ب��ي ل���س�لاح اجل ��و امل�ل�ك��ي ال�بري �ط��اين ،مدينة ال�شارقة الواقعة على اخلليج العربي، وبدافع تقدمي خدمات طبية لأفراد ع�سكريني ومتتد �أرا�ضي هذه الواحات ب�سهول ح�صوية ينتمون لقوة �ساحل عمان التي ت�أ�س�ست وقتئذ �إىل غرب جبال عمان على الطرف ال�شمال لأ�سباب �أهمها احلفاظ على الأم��ن داخل ال�شرقي للربع اخلايل ،وتتبع بع�ض هذه القرى املنطقة ،ومعاجلة املر�ضى من �سكان املناطق حاكم �أبوظبي ،ال�شيخ �شخبوط بن �سلطان، النائية والقبائل البدوية ،والأهم دعم الوجود ال��ذي ي�شرف عليها نيابة عنه واملقيم فيها الربيطاين يف ال�ساحل املت�صالح .فمن �أين ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان ،وتتبع بع�ضها
الآخر �سلطان ُعمان». يف الوقت ال��ذي زار فيه هاري�سون املنطقة، كانت تعرف بواحة الربميي ،وكانت ما تزال جمموعة من القرى ،وكما �أ�شار الطبيب ،كان بع�ضها يتبع حاكم �أبوظبي ،والبع�ض الآخر يتبع �سلطان عمان ،وبعد ذلك مت تق�سيم هذه القرى فحملت ا�سمني ،قرى عمان حملت ا�سم الربميي ،وقرى �أبوظبي اتخذت «العني» ا�سم ًا لها ن�سبة �إىل �إحدى القرى التابعة لأبوظبي. يف �أغ�سط�س ع��ام 1953م ،وبعد �أن انتهت ف�ترة خدمة هاري�سون الطبية يف ال�ع��راق، ح ّلق متجه ًا نحو اجلنوب �إىل �شبه اجلزيرة العربية ،ليحل حمل الطبيب John Marshal ال� ��ذي ان�ت�ه��ت ف�ت�رة خ��دم�ت��ه ه��و الآخ� ��ر يف واحات العني ،وكانت الفرتة املقرتحة لإقامة هاري�سون �شهرين فقط «�أغ�سط�س و�سبتمرب».
ارتياد اآلفاق 60 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
�صورة حديثة للمربعة يف العني
م�شاهدات من اجلو
ع�بر هاري�سون ج��زي��رة البحرين على منت طائرة هبطت به يف مطار ال�شارقة ،الواقعة يف ال�ساحل املت�صالح� ،أبرز ما لفت انتباهه وهو يحلق فوق مياه اخلليج العربي ال�ضحلة كان كرثة انت�شار املراكب ال�شراعية املثلثة. من مطار ال�شارقة اجته هاري�سون �إىل منطقة ال��واح��ات م�ت��وغ�ل ًا يف الأرا�� �ض ��ي الداخلية لل�ساحل املت�صالح وكتب ق��ائ�ل ًا�« :أت ��اح يل الطريق فر�صة التعرف على طبيعة املنطقة من الناحية اجلغرافية ،و�شاهدت الكثبان ال��رم�ل�ي��ة ال �ت��ي ب��دت ع�ل��ى �شكل منحنيات متنا�سقة ت��زداد تدريجي ًا يف االرت�ف��اع كلما اجت�ه�ن��ا ن�ح��و ال��داخ��ل ،وي �ت��درج ل��ون�ه��ا بني الأب�ي����ض ال�لام��ع والأح �م��ر ال�ط��اب��وق��ي� .أم��ا الغطاء النباتي يف املناطق ال�ساحلية فبدا على �شكل جم�م��وع��ات كثيفة م��ن �أ�شجار النخيل املتناثرة يف املنطقة .و�شاهدت يف الأم��اك��ن غ�ير امل ��أه��ول��ة بال�سكان خطوطا
مل�سارات قوافل الإب��ل من واح��ات العني �إىل م�سقط و��ص�ح��ار ،وم��ن ه�ن��اك �إىل امل��وان��ئ الرئي�سية لل�ساحل املت�صالح� ،أبوظبي ودبي وال�شارقة». بخالف ذلك ،بدت ال�صحراء لهاري�سون وهو يحلق يف ال�سماء ،خالية متام ًا من �أي مظهر م��ن مظاهر احل�ي��اة ،وت�ساءل قائ ًال«:كيف ميكن للكائنات احل�ي��ة �أن تبقى على قيد
هاريسون :كان الشيخ زايد رج ً ال عالي الهمة نشيط ًا وذا عزم وتصميم ،وكانت مالمحه جميلة وهو رجل ملتح بالكامل ،له صفات الصبر ومكارم األخالق ويجمع في أسلوبه بين الحكمة والطبع المرح
احلياة يف ظل انعدام الظل يف مركزه وعند االرتفاع ال�شديد لدرجات احلرارة!!»
و�صفه جلبل حفيت
ثم على مبعدة ،تبدت لناظريه على الأف��ق كتلة �ضخمة طويلة كانت جلبل حفيت .ر�أى هاري�سون حتتها عدد ًا من ريا�ض نخيل كثيفة وحولها قرى متمايزة قال عنها« :بدت مظاهر االه�ت�م��ام على ه��ذه ال �ق��رى وا��ض�ح��ة؛ فكل قرية حتر�سها قلعة على طراز قالع الع�صور الو�سطى! وهذه املجموعة الرائعة من القرى تقع على �سهل يف اجلانب الغربي من نطاق عمان ال�شرقي ،وتعترب الكتلة ال�ضخمة جلبل حفيت هي املعلم البارز يف املنطقة وهو ي�شبه يف مظهره ظهر احلوت ال�ضخم وك�أنه ي�سبح يف ال�صحراء ،وجلبل حفيت �أهمية بالن�سبة لهذه القرى فهو يعد كم�صد للرياح ال�شديدة وال�ع��وال��ق الرتابية خ�لال هبوب العوا�صف الرملية».
�صورة للطابق الثالث من املربعة
نظام الأفالج
غ�ير �أن هناك م��ا ج��ذب ع�ين الطبيب وهو حم�ل��ق يف ال���س�م��اء� ،شكل ن �ظ��ام وهند�سة «الأف�ل�اج» يف املنطقة ،فقد الح��ظ خطوط ًا جميلة ملجموعة من الآب��ار حفرت على �شكل دوائر يف خط م�ستقيم ،وارتبطت مع بع�ضها بع�ض ًا بوا�سطة نفق م��ن امل�ي��اه ينحدر �إىل الأ�سفل كلما ابتعد عن البئر الأم .ولكن بعد �أن توغل هاري�سون �أكرث بني واح��ات النخيل ا�ستطاع �أن يو�ضح هند�ستها ب�شكل �أدق بعد �أن �شاهدها عن قرب ،فهذه الأفالج ،ح�سب تعبري الطبيب ،يجب �أن تكون درجة انحدار قاع القناة قليلة لتجعل املياه اجلارية متو�سطة ال�سرعة ،و«ال�شريعة» ،وهو املكان الذي يظهر عنده الفلج فوق �سطح الأر�ض ،ترتبط بقناة �سطحية م��ع م�ك��ان ال ��زرع على �شكل قناة حجرية تتفرع منها قنوات ت�سمى "العوامد" وه��ي �سواقي �صغرية مهمتها اي�صال املياه �إىل كل �شجرة �أو نخلة .يقول الطبيب« :مل
راقب هاريسون أسراب الخفافيش على طرف واحة العين واستطاع أن يحصل على أندر أنواعها وأكثرها أهمية بالنسبة له �أتوقع �أن تده�شني هذه املياه التي تدعى حملي ًا با�سم الأفالج».
يف ح�ضرة زايد
بلغ هاري�سون �أخ�ير ًا منطقة الواحات ووجد يف ا�ستقباله الطبيب الذي �سوف يحل مكانه، ج��ون م��ار��ش��ال ،John Marshalوبرفقته امليجور بيرت ماكدونالد ،القائد الع�سكري التابع لقوة �ساحل عمان ،والذي قدّم حينئذ خدمات ع�سكرية جليلة يف هذه املنطقة ولفرتة
طويلة .ويف م�ساء اليوم نف�سه التقى بال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان الذي مل يفت�أ �أن رحب ب�إقامة الطبيب بينهم ،بل و�أبدى له احرتام ًا مطلق ًا وقدم له احلماية وكرم ال�ضيافة ،ف�شعر هاري�سون يف نف�سه بحظوة كبرية حل�ضوره �أمام هذا ال�شيخ ،كما �أعجب بال�شخ�صية التي ميتلكها ال�شيخ زاي��د وكتب عنه قائ ًال« :كان رج ًال عايل الهمة ن�شيط ًا وذا عزم وت�صميم، وكانت مالحمه جميلة وهو رجل ملتح بالكامل، له �صفات ال�صرب ومكارم الأخالق ويجمع يف �أ�سلوبه بني احلكمة والطبع املرح».
الإقامة يف املربعة
وجه ال�شيخ زايد لهاري�سون دعوة للإقامة يف «املربعة» مع القائد بيرت .وقد درج �سكان هذه املنطقة على ت�سمية البناء الع�سكري املربع �أو امل�ستطيل با�سم املربعة ،وهي عبارة عن وح��دات ع�سكرية �أو منازل للحاكم �أو نقاط مراقبة م ��زودة بو�سائل دفاعية كاملزاغل
ارتياد اآلفاق 62 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
الفلج يف العني وحوله الريا�ض كما و�صفها هاري�سون يف مذكراته
وفتحات البنادق. ّ يو�ضح هاري�سون التخطيط والعنا�صر املعمارية للمربعة ق��ائ�ل ًا« :ه��و ح�صن كبري مبني من احلجر ،ويتكون من ثالثة طوابق بارتفاع 60 قدم ًاُ ،يعرف حملي ًا باملربعة .ويتميز ب�سماكة ج ��داره ليبعد ع��ن قاطنيه ارت �ف��اع درج��ات ح��رارة الطق�س يف اخل��ارج ،وت�سمح نوافذه مبرور تيارات هوائية ب�سيطة تعمل على تربيد جو املربعة من الداخل» .ويتابع حديثة قائ ًال: «كنا ن�ضع على هذه النوافذ جرة نحفظ فيها م��اء لل�شرب ،وع��ادة م��ا تكون تلك اجل��رة م�صنوعة من الطني ال��ذي من خوا�صه �أن يجعل املاء بارد ًا ن�سبي ًا .ولقد تقا�سمت مع بيرت الغرفتني العلويتني –يف الطابق الثاين، �أما الطابق الثالث فيتكون من �صالة جلو�س ومكتب وغرفة نوم ومعمل خا�ص ،ا�ستعملته يف حت���ض�ير ال�ع�ي�ن��ات احل �ي��وان �ي��ة مت�ه�ي��د ًا حلفظها ،وك��ان يهتم بخدمتنا يف املربعة رج��ل م��رح يدعى �سعيد ،يعد لنا الطعام ويقوم بحرا�سة املكان». ويبدو وا�ضح ًا �أن هاري�سون كان يجد �صعوبة يف الو�صول �إىل �سطح املربعة حيث يقول: «ول�ك��ي ت�صل �إىل ال�سطح العلوي للمربعة، يتوجب عليك خلع ح��ذائ��ك وت�سلق ج��ذوع النخيل املمتدة من فتحة حم�صورة يف زاوية على �سقف الطابق الأخري ،ولكن املنظر املطل ال��ذي �ست�شاهده رائ��ع ج��د ًا فهو ميتد على حميط واح��ة العني وق��رى الربميي مب�سافة تقدر مبيل ون�صف عن قرية حما�سا».
عزيزة و�سوزان
فلج العني
و�إذا ك��ان و��ص��ف الطبيب للمربعة ممتع ًا و�شيق ًا ،ف�إن و�صفه للقاطنني فيها �أكرث ت�شويق ًا يقول�«:شاركتنا املبنى قطة لونها �أبي�ض يف �أ�سود� ،أطلقنا عليها ا�سم «عزيزة» ،وبالرغم من �أنها هزيلة البنية ولها �سيقان طويلة ،ف�إنها تتحلى ب�صفات املكر .وقد وجدت يف البداية �صعوبة يف �أن مت�سك العينات احليوانية التي كنت �أح�ت�ف��ظ بها وه��ي ع �ب��ارة ع��ن ف�ئ��ران، ف��أخ��ذت تلهث وتقفز ف��وق الطاولة حماولة للإم�ساك بها ،ولكن تع ّلمت ب�شكل تدريجي �أن
هاري�سون خالل رحلته بالعراق 1953
احد افالج العني
القطة ال�صبورة تكافئ بقطعة نية من حلم جمع مناذج من حيوانات العني
واقتنا�صها ك�إطالق الر�صا�ص وعمل الفخاخ و�إع� ��داد احل�ف��ر وغ�ير ذل ��ك ،وا��س�ت�ط��اع �أن يح�صل على ع��دة عينات بغري تلك الطرق �أي�ض ًا حيث يقول« :كان �سكان واحات العني يظهرون امتنانهم ملا �أقدمه لهم من خدمات طبية ،وذل��ك بجلبهم يل عينات حيوانية، فقد علموا �أن لدي اهتمام ًا كبري ًا يف جمعها، وكان بع�ضهم ي�أْتيني وهو مم�سك بطرف ثوبه ب�إحكام كي ال تفلت منه العينة التي يحملها وهي تتلوى داخل ثوبه ،وما �أن يك�شف عنها جند �أنها لف�أر �أو جربوع �صحراوي �صغري، وبهذه الطريقة متكنت من احل�صول على �صنوف عدة من حيوانات املنطقة».
خفا�ش عند الع�شاء». كما كانت لديهم يف املربعة غزالة �صغرية ،يف عمر ال�ستة �أ�شهر تقريب ًا تدعى «�سوزان»يقول عنها الطبيب« :كانت ت�سلينا يف املبنى ،وكانت تتحرك بحركة ناعمة جد ًا ولديها قرون تنمو ب�أطراف �صغرية� ،أما لونها فجميل جد ًا مع خطوط دقيقة بر�ؤو�س �سوداء ،ول��ون بطنها �أبي�ض كبيا�ض الثلج وب�شكل وا�ضح �أكرث من غزالن �شمال العراق .كانت «�سوزان» لعوبة تثب ب�شكل �سريع وتتنقل بني طوابق املربعة �إىل �أعلى و�إىل �أ�سفل ،كنا ن�ستمتع مب�شاهدتها وهي تلعب مع «عزيزة» يف امل�ساء بنوع من لعب اخلفاء .تختبئ «عزيزة» وراء قطع الأث��اث ثم تقفز خارج ًة على الغزالة التي حتاول �أن تهاجمها مندفعة بعيد ًا لالختباء مرة �أخرى، وكنا نطعمها البازالء والبطاط�س والأنانا�س واخل��وخ واخلبز املحلي وكانت تتلذذ كثري ًا عند �شربها للقهوة �أو ال�شاي».
�إن الف�ضول ال�ف�ط��ري يف معرفة م��ا لي�س معروف ًا ،والرغبة امللحة يف اال�ستك�شاف التي لي�ست �أمر ًا نادر ًا يف نفو�س االجنليز ،كانا من الدوافع الرئي�سة لرحلة الطبيب �إىل واحات ال �ع�ين ،فما �أن ينهي مهامه الطبية حتى يخرج يف جوالت ميدانية بني �أرجاء املنطقة يف �صحبة امليجور بيرت ،مما م ّكنه من ر�ؤية ف�صائل ن��ادرة لأن��واع خمتلفة من حيوانات املنطقة .لقد كان الطبيب م�صمم ًا �أن يجمع ما يف املنطقة من حياة فطرية ،وكانت لديه دراية تامة بالطرق املختلفة ل�صيد احليوانات
لجبل حفيت أهمية بالنسبة للقرى المجاورة فهو يعمل كمصد للرياح الشديدة والعوالق الترابية خالل هبوب العواصف الرملية
مراقبة وجمع الطيور
راق ��ب الطبيب ال�ط�ي��ور املقيمة وامل�ت�رددة والعابرة على ه��ذه املنطقة ،ور�صد �أنواع ًا خمتلفة كالبلبل الأ�صفر الذي يعد من الطيور احلذرة التي ي�صعب االقرتاب منها ،وبالرغم من �أن البلبل الأ�صفر ال ي�شاهَ د دائم ًا ،متكن
ارتياد اآلفاق 64 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
نوافذ املربعة من اخلارج
هاري�سون من �أن يح�صل على ع ّينة منه ،يقول عنه«:يختلف هذا البلبل عن البلبل العراقي ببقع بي�ضاء على الوجنتني ،ولون ظهره بني وذي�ل��ه منتفخ حم��دب ل��ون��ه �أ�صفر ليموين، وبالت�أكيد يعد هذا الطائر من الأنواع التي قلما متكن م�شاهدتها يف هذه املنطقة». وبالرغم من املعلومات القليلة التي حتدث عنها الطبيب ح��ول بع�ض �أن��واع الطيور� ،إال �أنها تعطي ول��و فكرة ب�سيطة عن ما جمعه وما �شاهده يف تلك املنطقة .كذلك ا�ستطاع هاري�سون �أن ي�شاهد الطائر �صائد الذباب الأرق��ط ،وطيور احلمام ،والطيور ال�صغرية، و�أع�شا�ش الع�صافري .كما متكن من ر�ؤي��ة ط��ائ��ر �آك��ل النحل الأخ���ض��ر �صغري احلجم الذي قال عنه� « :شكله جذاب فقد متيز بلون حنجرة زرقاء المعة ولون ظهر �أخ�ضر».
�أع�شا�ش البوم
وج��د هاري�سون �أن��ه من املمكن ر�صد وتتبع طيور وحيوانات املنطقة الليلية ،ولكن الأمر يحتاج �إىل مزيد من العنت واملثابرة ،فخالل جوالته امل�سائية �شبه اليومية ر�صد �أن��واع� ًا خمتلفة من الطيور ،وفوجئ ب�أع�شا�ش كثرية لطائر ال �ب��وم ،وكتب عنه ق��ائ�ل ًا«:يف �أوائ��ل �شهر �سبتمرب ويف الوقت الذي كنا نرتقب فيه طريان حيوان اخلفا�ش ده�شت و�أنا �أرى عينني
نوافذ املربعة من الداخل
المعتني تقرتبان مني قادمة من �أعلى وهي تهبط من على جذع �شجرة مك�سورة ومغمورة يف ال��رم��ل ،وف �ج ��أة ��ص��رخ ذل��ك ال���ش��يء يف وجهي و�أنا حمدق م�صدق ومكذب ومنده�ش. ووج ��دت ب��ال�ق��رب م��ن ه�ن��اك ب��وم��ة �صغرية �ضئيلة بال حراك ي�ستحيل �أن تراها عيناك ب�سبب ري�شها املخطط باللون الأ�سود الباهت الذي امتزج مع لون جذع ال�شجرة اخل�شبي، ول��و مل حت��دق بعينيها ال�صفراء الالمعة ملا متكنت من ر�ؤيتها .ووجدت �أنها بومة الأ�شجار Scops Owlومن املعتقد �أنها حديثة التواجد ن�سبي ًا يف عمان» .وقد ا�شار الطبيب �إىل �أن ال�شيخ زاي��د بن �سلطان قد �أر�سل له الحق ًا بعد عودته �إىل بريطانيا عينة �أخرى من نوع خمتلف لطائر البوم.
التدوين الأول لطائر ال�سبد
ومن الطيور الليلية التي �شاهدها هاري�سون
ولكي تصل إلى السطح العلوي للمربعة عليك خلع حذائك وتسلق جذوع النخيل الممتدة من فتحة محصورة في زاوية على سقف الطابق األخير
�أي�ض ًا طائر «ال�سبد» Nightjarوه��و من الطيور املقيمة يف ال�صحراء ومياثلها يف اللون .ق��ال عنه الطبيب«:له ري�ش رم��ادي منقط ،ولأن منقاره �صغري ج��د ًا ،عندما يتثاءب يفتح ف��اه ب�شكل كبري يده�ش من يراه ،ويعد هذا التدوين الأول لطائر ال�سبد يف اجل��زي��رة ال �ع��رب �ي��ة» .ث��م ي�ت��اب��ع حديثه عن الطيور التي تن�شط لي ًال ،يتحدث عن طائر «ال�صرد» ال��ذي متكن من احل�صول على عينة منه رغم �صعوبة الإم�ساك بهذا الطائر ،وذك��ر �أن هناك نوعني من طيور ال�صرد نوع ينت�شر بني النباتات ال�صحراوية ال�شوكية حجمه كبري وي�أتي باللون الرمادي وعيناه مقلمة بخطوط وا�ضحة� ،أما النوع الآخ� ��ر ف�ي�ع��رف ب��ال���ص��رد �أح �م��ر ال�ظ�ه��ر، وهو من الطيور التي قلما تتواجد يف هذه املنطقة. ووجد الطبيب �أي�ض ًا �أن «قربة ال�صحراء» ذات ال�صدر الوردي ت�ستوطن هذه املنطقة، وه��ي ط �ي��ور ��ص�غ�يرة يت�شابه ل��ون ري�شها م��ع ل��ون رم ��ال ال �� �ص �ح��راء ،وت�ب�ن��ي ع�شها ف��وق ال�صخور �أو ف��وق جتمعات الأع�شاب ال�صحراوية ،وتتواجد يف الوديان ال�صخرية ويف منحدرات اجلبال واملنحدرات الع�شبية. كما ر��ص��د يف املنطقة ت��واج��د ط��ائ��ر ال��دج Thrushال ��ذي ي �ن��در م�شاهدته يف �شبه اجلزيرة العربية.
فتحة ال�سطح
الزواحف واحل�شرات
حتدث هاري�سون ب�شكل عام ،عن الزواحف واحل�شرات يف منطقة الواحات ،م�شري ًا �إىل �أن ع��دد ًا م��ن الثعابني وال�ع�ق��ارب ال ت�سبب لدغتها � �ض��رر ًا على الإن �� �س��ان ،كتلك التي ت�ستوطن البلدان اال�ستوائية ،و�أن �آثارها ميكن �أن تعالج عرب احلقن فقط .كما ي�سجل �ضمن مالحظاته عن احل�شرات ملحوظته التالية« :يرى البع�ض �أن البلدان اال�ستوائية ت�ستوطنها وبكرثة الزواحف واحل�شرات ذات الل�سعة �أو اللدغة املميتة ،وبالت�أكيد هذا غري �صحيح فال وجود لها يف املناطق العربية». ما �أورده هاري�سون عن احل�شرات انح�صر يف الدبابري الكبرية ذات الأج�سام البنية املحمرة وذات الأجنحة ال�شفافة ،والعناكب املعروفة بـ «جمل العقرب».Camel Spiders مع �إ��ش��ارة منه �إىل �أن احل�شرات التي تعد ل�سعاتها خطرية ال وجود لها يف هذه املنطقة، و�إن وجدت فغالب ًا ما تكون خمتبئة كالبعو�ض ال�صغري ،وذبابة الرمل التي تن�شر املالريا وت�سبب مبا يعرف بحمى ذباب الرمل.
الطهر العربي والغزالن
كان هاري�سون ي�أمل يف ر�ؤي��ة حيوان الطهر ال �ع��رب��ي ،ال ��ذي ي�ستوطن دول ��ة الإم� ��ارات و�سلطنة عمان ويتحرك ب�سهولة فوق اجلبال
املكان الذي كان هاري�سون ي�ضع فيه �صندوق التجفيف بعيدا ً عن احل�رشات
الكتلة الضخمة لجبل حفيت هي المعلم البارز في المنطقة وهو يشبه في مظهره ظهر الحوت الضخم وكأنه يسبح في الصحراء ال�صخرية �شديدة االنحدار ،وهو حيوان �شبيه باملاعز يخ�شى انقرا�ضه وال يزال بالإمكان العثور عليه يف جبال الفجرية العالية. ً وال بد �أن الطبيب ب��ذل جهد ًا كبريا خالل ج��والت��ه امل�ي��دان�ي��ة يف غ��رب ج �ب��ال احلجر ليتمكن من ر�ؤيته ،كما ا�ستقى معلومات عن الطهر العربي من الذين �سبقوه يف اكت�شاف احلياة البيئية يف املنطقة ،قال عنه«:هو نوع م��ن امل��اع��ز ال�بري يعرف ب��وج��وده يف نطاق عمان فقط ،جلب انتباه العامل �إليه الدكتور جاياكار ،وكان ثي�سجر �أول �شخ�ص ي�سجل وجوده يف منطقة جبل حفيت التي اتيح له ق�ضاء ب�ضعة �أيام فيها عندما �شاهده فوق اجلبل ،ورغم �أن الأمل م�ستحيل يف �إمكانية احل�صول على عينة منه غري �أنني متكنت من ذلك». واجلدير بالذكر �أن جاياكار كان �ضابط ًا يف اجلي�ش الهندي وك��ان مقيم ًا يف م�سقط بني
عامي 1885و� .1891أما ثي�سجر فهو رحالة بريطاين ب��د�أ رحلته عام 1945م �إىل الربع اخلايل بدعم من وحدة مكافحة اجلراد يف ال�شرق الأو�سط وانتهى منها عام 1955م، وق��د �أخ��ذت��ه رحلته عرب �إم��ارة �أبوظبي من خالل واحة ليوا �إىل واحات العني .ويف العني قام مبرافقة ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان يف العديد من رحالت ال�صيد.
غزالن اجلنوب
وب�ين ال�سهول والأودي ��ة متكن هاري�سون من م�شاهدة �أنواع خمتلفة من الغزالن وهي تعدو وتثب يف املنطقة ،وذك��ر �أن غ��زالن جنوب اجلزيرة العربية �أجمل بكثري من تلك التي تعي�ش يف �شمال العراق يف اللون ويف احلركة، ويقول عنها«:حتى ال�صياد الذي ميتلك �أدوات �صيد حديثة لن يتمكن من ا�صطيادها ،ولكن ال�غ��زالن التي تعي�ش يف ال�سهول املنب�سطة حركتها بطيئة وميكن حتى �إم�ساكها باليد، واحلقيقة �أنني �سعدت عندما �أ�صدر �سلطان م�سقط قوانني حتد من ال�صيد اجلائر لها، وذلك خوف ًا عليها وعلى ثدييات �شبه اجلزيرة العربية من االنقرا�ض». ويف ذلك الإقليم �شاهد �أي�ض ًا حيوان يرك�ض ًا يف املناطق املك�شوفة لي ًال عندما �سلط عليه ال�ضوء الأمامي لل�سيارة ،كان كبري احلجم ذا
ارتياد اآلفاق 66 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
من اخلفافي�ش التي ر�صدها هاري�سون يف املنطقة
خفا�ش الفاكهة-هاري�سون
اخلفا�ش
مناذج لعينات حيوانية جمعها هاري�سون
لون برتقايل داكن م�صفر وذيل طويل وبطن �أبي�ض كبيا�ض الثلج ومك�سو بفراء حريري طويل� ،أما قدماه فقد كانتا مغطاتني ب�شعر �أبي�ض ق�صري وله عينان �سوداوان المعتان، يتحرك بخفة ور�شاقة وب�شكل �سريع ومذهل بحيث يقوم بقفزات والتفافات بهلوانية ه��رب� ًا م��ن ك��ل ��ش��يء ��ض��ار ،ف��وج��د �أن��ه نوع من أ�ن��واع اجلرابيع ن��ادرة التواجد يف هذا
الإقليم ،غري �أنه �شاهد نوع ًا �آخر من هذا احل�ي��وان ي�ستوطن املنطقة وميكن متييزه ب�سهولة ع��ن ال���س��اب��ق ي �ع��رف ب �ـ «ج��رب��وع» « »Baluchistanوهو �صغري احلجم ولونه �أكرث قتامة من ذلك اجلربوع ،وذيله طويل وب ��دون �شعر ويعي�ش يف اجل�ح��ور الرملية ال�صغرية.
كان لدى هاري�سون اهتمام كبري بر�صد �صنوف من حيوان اخلفا�ش بل وكان مولع ًا بجمعها، وكان موقن ًا �أنها تقطن بني واحات العني لتوفر الظروف البيئية املالئمة ملعي�شتها ،يقول« :كان لدي �شعور ًا ب�أن هناك اهتمام ًا كبري ًا بحيوان ّ اخلفا�ش يف هذه املنطقة ،ولأحتقق من ذلك بادرت بطرح �س�ؤال عنها على ال�شيخ زايد بن �سلطان الذي �أكد يل �أنها تعي�ش هنا وب�أ�سراب كبرية جد ًا". ويف ج��ول��ة ا�ستطالعية يف امل�ن�ط�ق��ة راف��ق الطبيب ال�شيخ زايد بن �سلطان وقت الغ�سق، و�شاهد على ط��رف واح��ة العني �أ�سراب ًا من حيوان اخلفا�ش وا�ستطاع �أن يح�صل على �أن��در �أنواعها و�أك�ثره��ا �أهمية بالن�سبة له. يقول عن تلك اجلولة اال�ستطالعية" :مل �أر مثل هذا التجمع الكبري حليوان اخلفا�ش يف مكان واح��دة من قبل .احرتت يف �أي واحدة �أ�صطاد بالبندقية التي كنت �أحملها ،بل وكيف �أ�صطاد و�أنا حمرج من جتمهر رجال املنطقة الذين كانوا ينظرون وينتظرون بحما�س ر�ؤية الطبيب وهو ي�صطاد اخلفا�ش! ولكن الذي �أنقذ املوقف خروج خفا�ش كبري حملق ًا فوق ر�ؤو��س�ن��ا ب�أجنحته الطويلة باعث ًا �صرير ًا عالي ًا ،وانتهى امل�شهد باختفائه خلف تلة قابعة ب�ج��وار ب�ساتني النخيل ،غ�ير �أنهم
خفا�ش عاري البطن
تعجبوا عندما ا�صطدت خفا�ش ًا م��ن �أول طلقة ،ووج��دت��ه من الأن��واع الغريبة بع�ض ال�شيء بالن�سبة �إ ّ يل ،حملته �إىل ال�شيخ زايد ليتمكن من ر�ؤيته عن قرب». وي �� �ص��ف ه��اري�����س��ون ح ��رك ��ة اخل�ف��اف�ي����ش ق��ائ�ل ًا«:ت �ب��د�أ اخلفافي�ش يف واح ��ات العني يف التحرك على �شكل جمموعات متعاقبة م��ن فتحات الأف�ل�اج قبل الغ�سق ،وتتحرك ب�سرعة ك �ب�يرة حملقة ب�ع�ي��د ًا ف��وق ال�ت�لال الرملية باجتاه ب�ساتني الواحات للبحث عن الغذاء» .وعن �صفاتها و�أنواعها يذكر الطبيب �أن خفافي�ش ه��ذه املنطقة تعود �إىل معظم �أح��د �أك�ث�ر ال�ع��ائ�لات انت�شار ًا يف بريطانيا وه ��ي ،Vesperlilionidaeوق ��د �شاهد خفا�ش رينوبوما�سكتيلوم Rhinopomas muscatellumف�أري الذنب وهي تظهر وقت الغروب من ال�صحراء باجتاه ال�سل�سلة اجلبلية املمتدة على حافة جبل حفيت باحثة عن مالذ يف بع�ض الكهوف �أو ال�شقوق اجلبلية. وب�شكل ع��ام وج��د �أن يف منطقة ال��واح��ات الرتبتني الفرعيتني للخفافي�ش �آكلة الفواكه «اخلفافي�ش الكبرية» وهي ت�ضم عائلة واحدة فقط ،و�آخ��رى �آكلة للح�شرات «اخلفافي�ش ال�صغرية» وك��ان��ت �أك�ثر اخلفافي�ش الآكلة للح�شرات �شيوع ًا ه��و اخل�ف��ا���ش ذو الذيل ال� �ف� ��أري Rhinopoma muscatellum
غزالة هاري�سون
تن�شط لي ًال تعي�ش يف �أ�سراب وتتجمع ب�أعداد كبرية .ووجد �أي�ض ًا �أن هناك �أنواع ًا �أخرى تعي�ش يف هذه املنطقة منها :اخلفا�ش الفار�سي ذو ورقة الأنف املثلثة Persian Leaf-nosed وخفا�ش Pipistrellus kuhliوخفا�ش ف�أري الذنب نوع Mouse –tailed Batوغريها من الأنواع. ا�ستطاع هار�سون �أن يح�صل على عدة عينات ملختلف �أنواع حيوانات املنطقة ،ولكن واجهته بع�ض ال�صعوبات يف عملية حت�ضريه للعينة متهيد ًا لتحنيطها ،ف��الأم��ر يتطلب معم ًال جمهز ًا بكامل معدات التحنيط.
معمل حتنيــــط
وخفا�ش القبور ع��اري البطن Taphozpusا�ستطاع هاري�سون �أن يجهز معم ًال متوا�ضع ًا ،nudiventrisثم اخلفا�ش ذو الأنف الورقي لتح�ضري العينات احليوانية داخ��ل املربعة، . Asellia tridensوتلك الأنواع الثالثة التي يقول عن ذل��ك� «:إن عملية التحنيط تتطلب �سلخ جلد احليوان وحتتاج �أي�ض ًا �إىل �إن��ارة كافية غري تلك التي نعتمد عليها وهو م�صباح دهشت وأنا أرى عينين ال �ب��اراف�ين ،ل��ذل��ك ا��ض�ط��ررت �إىل حت�ضري المعتين تقتربان العينات معتمد ًا على �أ�شعة ال�شم�س ،ويف درجة مني قادمة من أعلى حرارة مرتفعة جد ًا لأتخل�ص من ذلك النوع وهي تهبط من على من امل�صابيح ،وبالت�أكيد كانت القطة «عزيزة» ت�ستمتع �أك�ثر مني بعملية ال�سلخ لأنها كانت جذع شجرة مكسورة جتد طعام ًا تتلذذ به». ومغمورة في الرمل وج��د هاري�سون يف ب��داي��ة الأم ��ر �صعوبة يف
وفجأة صرخ ذلك الشيء في وجهي
ارتياد اآلفاق 68 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
هاري�سون� :شاهدت يف الأماكن غري امل�أهولة بال�سكان خطوطا ً مل�سارات قوافل الإبل من واحات العني �إىل م�سقط و�صحار
�صورة من مذكرات هاري�سون ل�سكان واحات العني
حت�ضري العينة متهيد ًا لتحنيطها ،فهو يفاج�أ ب�أن معامل جلدها تتغري �أو تفقد �ألوانها بعد جتفيفها وحفظها كنماذج لأغرا�ض البحث والدرا�سة ،وخا�صة حيوان اخلفا�ش الذي يفقد جلده بع�ض خ�صائ�صه املهمة بعد حفظه، وال ميكن درا��س��ة �أغ�شية ال�ط�يران الرقيقة يف جلده ،لأنها ال تتحمل عملية التخفيف. و�أغلب اخلفافي�ش التي ا�ستطاع �أن يجمعها من واح��ات العني كانت �سمينة ج��د ًا خا�صة عند منطقة ال��ذي��ل ،وتقني ًا يعترب ت��رك �أية
نقطة دهون يف العينة م�ضر ًا لعملية حتنيط العينة لأن الدهون �سوف تت�سرب من خالل اجللد و�ستظهر عالمات تلوث عليه ،مما كان ي�ضطر هاري�سون �أن يبقى م�ستيقظ ًا طوال الليل لتح�ضريها .غري �أنه ا�ستطاع �أن يبتكر و�سيلة �أخرى لتهيئة جلد احليوان ،وقال عن ذلك«:كنت بطيئ ًا بع�ض ال�شيء يف عملية تهيئة العينات من الثدييات ال�صغرية ،وال يجب �أن ت�أخذ �أكرث من ع�شرين دقيقة ،لذا يف�ضل �أن يكون عدد العينات املراد حت�ضريها قليلة يف
الوقت الواحد ،ووج��دت �أ�سلوب�أً �أكرث فاعلية حلفظ العينة �إىل اليوم التايل من دون �أن ينف�صل الفراء �أو �أن ين�سلخ اجللد عند التعامل معها ،وذل��ك بحقن جتاويف اجل�سم بحقن �صغرية حتت اجللد حتتوي على كحول». كما ا�ستخدم هاري�سون طريقة التحنيط بالتجفيف وي �� �ش��رح ذل ��ك يف ق��ول��ه«:ك�ن��ت ا�ستخدم م��ادة الزرنيخ يف التح�ضري لعملية حتنيط الأج�سام امليتة ،وتعترب ه��ذه امل��ادة من املواد اخلطرة جد ًا ،غري �أنها تعرف بقوة فعاليتها يف حفظ عينات احليوانات ال�صغرية والكبرية �أي�ض ًا .ولكن يجب توخي احلذر عند التعامل مع هذا النوع من ال�سوائل لأنه يعد من العقاقري ال�سامة .ولقد �ساعد االرتفاع ال�شديد لدرجات احل��رارة يف املنطقة كثري ًا على جتفيف العينات احليوانية لدرجة �أنها جت��ف يف �أق��ل م��ن � 48ساعة .وب��ذل��ك ميكن �أن تُنقل وب�شكل �سريع من �صندوق التجفيف �إىل ال�صفيحة يف الأع �ل��ى لتكون يف م�أمن من احل�شرات وخا�صة النمل ،و�إذا ما تركنا العينة مك�شوفة فحتم ًا �ستتعر�ض ملهاجمة الذباب الذي �سيتلفها هو الآخ��ر؛ فالبد من من و�ضعها يف �صندوق به �أل��واح من اخل�شب ومغطى بخطوط من الفلني؛ لتدب�س العينات ال�صغرية عليها وب�شكل مرتكز �إىل �أن جتف، ثم نغطي ال�صندوق بقطعة من ال�شا�ش لإبعاد الذباب عنه ،ون�ضعه يف مكان مرتفع بعيد ًا عن �سلوكيات التطفل للنمل».
النخيل يجعل من العني واحة غناء
تلويحة الوداع
ت��ده��ورت �صحة الطبيب هاري�سون ب�سبب االرت �ف��اع ال�شديد ل��درج��ات احل ��رارة خالل �أ�شهر ال�صيف ،فغادر منطقة الواحات متجه ًا �إىل ال �ع��راق ،وغ ��ادر زم�ي�ل��ة ب�ي�تر املنطقة للظروف نف�سها ولق�ضاء �إج��ازة ق�صرية. ي�ق��ول ه��اري���س��ون«:ع�ن��دم��ا ل��وح�ن��ا م��ودع�ين امل��رب�ع��ة ،ونحن يف ال�سيارة ،اعتقد كالنا �أن��ه لن ي��رى املكان ثانية» � .إال �أن الطبيب هاري�سون ع��اد لق�ضاء ف�ترة خدمة �أخ��رى،
كان بعض سكان واحة العين يأْتيني وهو ممسك بطرف ثوبه بإحكام كي ال تفلت منه العينة التي يحملها وهي تتلوى داخل ثوبه وما أن يكشف عنها نجد أنها لفأر أو جربوع صحراوي صغير
وكانت له كذلك جوالت ا�ستك�شافية ر�صدت حيوانات برية �أخرى. كانت غاية الطبيب من التوجه �إىل واحات العني هي درا�سة الثدييات الربية يف املنطقة، وق��د وج��د تنوع ًا الف�ت� ًا يف ثدييات املنطقة رغم ق�سوة الطبيعة يف ذلك الوقت ،و�أده�شه ق��درة تلك الأن ��واع على الت�أقلم م��ع احلياة ال���ص�ح��راوي��ة .وال �شك يف �أن م��ا ق��ام به هاري�سون من حتنيط حليوانات واحات العني وحفظ معظمها يف مبنى يف اململكة املتحدة يعرف مبتحف هاري�سون ،يف مناذج متقنة التحنيط مع متثيل لبيئاتها الأ�صلية ،ي�ؤدي �إىل دع��م الثقافة وانت�شار ال��وع��ي ،ف� ً ضال عما ت�ؤديه هذه النماذج من خدمات جليلة للبحث والباحثني. مل ت�سعف الذاكرة هاري�سون ليعطينا معلومات �أكرث عن تلك الرحلة� ،إال �أن ما قدمه كفيل ب�أن نتذكره بامتنان. يرت�أ�س هاري�سون حالي ًا جمل�س �إدارة متحف هاري�سون للحيوان يف كنت باململكة املتحدة، ال��ذي ت�أ�س�س على يد وال��ده الدكتور جيم�س ه��اري���س��ون و�أخ �ي��ه ج�ف��ري ع��ام ،1930وهو ع�ضو عريق يف جمل�س جمعية املحافظة على احليوان. وقد زار الطبيب هاري�سون عدة بلدان يف ال�شرق الأو�سط ،وعمل م�ست�شار ًا لدى حكومة ُعمان ل�ش�ؤون التاريخ الطبيعي و�أ�سهم يف العديد من الإ�صدارات الثقافية والعلمية املتخ�ص�صة
حكايات الشعوب ارتياد اآلفاق من 70 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
لمحات من األساطير األسترالية علي كنعان جماعات من النا�س يعي�شون يف كنف الطبيعة عي�شة بدائية ب�سيطة ،وهم يعتمدون بالفطرة على حوا�سهم وقواهم الذاتية يف املالحظة من �أجل البقاء وا�ستمرار احلياة واكت�ساب اخلربة وتوفري ال�سالمة والقوت والأمان� .أولئك هم �سكان �أ�سرتاليا الأ�صليون املعروفون با�سم �أبوريجني. وكما هي �أح��وال كل جماعة بدائية� ،أخذت من تلك احلكايات والأ�ساطري: تن�ش�أ لديهم وتت�شكل ح�ك��اي��ات و�أ��س��اط�ير وخرافات حول مظاهر الطبيعة وكائناتها من مغامرة يونيارا حولهم ،وهم يعللون من خالل هذه الأ�ساطري يونيارا فتى مغامر من �إحدى القبائل ،فكر �أن �أ� �ص��ول احل �ي��وان��ات ب ��أن��واع �ه��ا م��ن وح��و���ش يقوم برحلة طويلة �إىل مغرب ال�شم�س ،وقد و�أ�سماك وطيور وزواحف وح�شرات ،ويتابعون �أخ�بر قومه �أن��ه ما�ض ولن يقف حتى ي�صل حتوالت هذه املخلوقات يف املظهر وال�سلوك� .إىل بيت بيامي ،روح الكون العظمى .حمل ورمبا بدت هذه احلكايات غرائبية �أو خوارق الفتى عدة ال�سفر وال�صيد من حراب وفخاخ مفاجئة ملن مل يطلع من قبل على حياة ال�سكان و�شبكة �سمك وعيدان لإ�شعال النار .وكما الأ�صليني وتراثهم ال�شعبي يف تلك القارة وقد ن��رى يف ع��امل احلكاية ،مر الفتى مبخاطر ك��ان��وا ،على اخ�ت�لاف القبائل الأ�سرتالية ،و�أه ��وال ع��دي��دة جت��اوزه��ا ب�ج��ر�أة و�سالمة. يعتقدون بهذه الأ�ساطري وتوارثوها جي ًال بعد وكانت �أ�سراب البعو�ض من �أق�سى ما واجه يف جيل حتى بقيت �إىل يومنا ،و�إن كان هذا بني طريقه ،لكنه اتقى �أذاها ب�أن �صنع من حلاء القلة الباقية من �أبناء �أولئك القبائل. ال�شجر معطف ًا وغطى ر�أ�سه بقناع حتى جنا �إن احلياة البدائية حمكومة بالفطرة والب�ساطة من ل�سعاتها املزعجة ،فخلع معطفه وقناعه والرباءة ،وكث ً ريا ما تختلط الأمور بني الإن�سان وتركهما -حتى يعود -يف بركة �صغرية من واحليوان وت��زول احلواجز والتمايزات .و�إذا املاء ليحافظ على طراوتهما .ثم تابع طريقه اختارت بع�ض احلكايات �أن يكون البطل فيها حتى و�صل �إىل م�ستنقع ي�ستحيل عبوره .غرز هو احليوان ولي�س الإن�سان ،فما علينا �إال �أن ع�صاه يف طرفه فغا�صت يف وحله الدبق ومل نتذكر �أهمية احليوان وحتى النبات يف حياة ينتزعها �إال مب�شقة بالغة. الإن���س��ان على م��ر الع�صور ،ويكفي هنا �أن جل�س ي�سرتيح و�سرعان ما غلبه النوم ومل ن�ضرب مث ًال بالإبل واخليل واحلمام والقمح ي�ستيقظ حتى �ساعة مت�أخرة من اليوم التايل. والنخيل و�سائر الأ��ش�ج��ار امل�ث�م��رة .م��ا زال حني �صحا كانت ال�شم�س تغو�ص خلف اجلبال الإن�سان يعي�ش مع ه��ذه النعم وي�ستفيد من يف الطرف الأق�صى من امل�ستنقع ،و�شعر ب�أن منتوجاتها وخدماتها و�سيظل كذلك .و�إذا وهجها الوردي يومئ �إليه ،فاندفع راك�ض ًا على ا�سرتجعنا ق�ص�ص التاريخ احلي نكت�شف كم ال�ضفة حتى وجد �شجرة مرمية �شكلت بطولها من اخليول واجل�م��ال وحتى الكالب �أنقذت ج�سر َا لعبور امل�ستنقع من مو�ضع �ضيق ،ثم �صاحبها من ه�لاك مداهم ،وك��ان احليوان ت�سلق التالل املجاورة حتى بلغ �سفوح اجلبال. هو البطل ن�ستقي من �سلوكه ومنطقه الدر�س وهناك وجد نف�سه و�سط طبيعة �ساحرة تعد والعربة .ونقتطف يف ما يلي ،باخت�صار ،ملحات
من بالد العجائب ،ت�ضيئها �شم�س ال تغيب �أبد ًا .ور�أى �ألعاب ًا من جميع الأنواع ،وحيوانات مل ي�شاهد لها مثي ًال من قبل مترح يف الأرجاء، وك��ان اجل��و حاف ًال ب�أغاريد الطيور واملكان يعبق ب�أريج الأزه��ار ،وكانت الأ�شجار كلها خ�ضراء نا�ضرة وهي متيل نحو كهف كبري يف جانب اجلبل .و�أمامه كان جدول ماء يتدفق ف��وق ال�صخور� ،ساكب ًا مياهه الف�ضية يف بحرية ي�سبح فيها �أ�سراب من البط والبجع، وتنحني الأ�شجار لتغم�س �أطراف �أغ�صانها يف مائها ال�صايف .بادر الفتى و�ألقى بنف�سه يف البحرية ليزيل عن بدنه الغبار والعرق بعد رحلة م�ضنية .كان املاء منع�ش ًا ومن�شط ًا، وك��ان يونيارا قد ترك �أ�سلحته على ال�ضفة وج ��رى �إىل ال�ك�ه��ف .و�أم� ��ام ب��واب�ت��ه كانت بياالبوراغان ابنة بيامي ،تعد طعامها �شواء على النار .رحبت به وقالت �إنها كانت تنتظر و�صوله ،وناولته قطعة حلم �أ�سكت بها جوعه. �س�ألته عن رحلته ف�أخربها �أنها كانت رحلة طويلة و�شاقة ،لكن كل م�شقة تهون �أمام �أمله بر�ؤية "الروح العظمى" .قالت له ب�إعجاب: �إن �شهور ًا قمرية كثرية قد مرت قبل �أن ترى فتى �شجاعا مثله غامر باملجيء لريى بيامي الذي كان نائم ًا داخل الكهف ،وقد �سمحت له �أن يدخل ليلقي على بيامي نظرة من بعيد، ولكن ال يحق له �أن يوقظه. ً دخل يونيارا الكهف فر�أى كائنا ب�صورة �إن�سان هائل احلجم ،م�ستلقي ًا على �سرير من الأ�شجار امل�ضغوطة ،وق��د ر�سمت على ج�سمه �أ�شكال غام�ضة ب�ألوان طينية بي�ضاء و�صفراء .متنى
الفتى �أن يتكلم مع بيامي ،ولكن الفتاة حذرته قائلة ب�أن وقت املغادرة قد حان. ك��ان طريق ال�ع��ودة �إىل ب�لاده �أ��س��رع و�أ�سهل بكثري من رحلة الذهاب .وحني و�صل �أراد �أن يجمع النا�س حوله ليخربهم بكل ما جرى له وما ر�أى .ولكن الفتى مل يدرك �أن الوقت الذي غي من �أم�ضاه يف ح�ضرة بيامي املقد�س قد رّ طبيعته .وخ�لال وق��ت ق�صري م��ات وانتقلت روح��ه مبا�شرة �إىل ال��روح العظمى يف عامل اخللود ،من دون �أن يعاين �أحزان العبور. هذه احلقيقة مل يعرفها �شعب يونيارا ،وكل ما عرفوه �أنهم لن يجدوا بعد ذل��ك اليوم رج� ً لا م��ن بينهم ي�ج��ر�ؤ �أن يغامر بال�سفر مرة ثانية �إىل مغرب ال�شم�س لريى بيامي، روح الكون العظمى .وتبدو احلكمة من هذه الأ�سطورة وا�ضحة :مهما بلغ الإن�سان من القوة وال�شجاعة والفهم ،ف ��إن هناك قوة عظمى خفية ال يقوى على �إدراكها.
القمر ال�سمكة
تقول احلكاية� :ضاقت ال��زوج��ات بطلبات رج��ال�ه��ن الق�ساة والأع��ب��اء املنزلية التي يتحملنها ،ف�ض ًال عن متاعب احلمل وتربية الأطفال ،ف�أزمعن الهرب والتواري بعيد ًا عن عامل الرجال و�سطوتهم الظاملة .ومل تلبث �أن قادت �إحداهن رفيقاتها �إىل �شاطئ امل�ضيق ال�ف��ا��ص��ل ب�ين اجل��زي��رة و ال�ب�ر الرئي�سي، وانطلقن �سباحة نحو اجلزيرة. كانت بهجتهن غ��ام��رة ح�ين و�صلن �ساحل اجلزيرة و�ألقني ب�أنف�سن على رمالها� .س�ألت الكبرية :ماذا �سن�أكل هنا؟ وبعد الت�شاور، انطلقت كل واحدة يف جهة بحث ًا عن جذور وبقول وفاكهة �أو �صيد ،ثم رجعن مبا تي�سر لهن م��ن خ�ي�رات .ك��ان يف اجل��زي��رة بحرية �صغرية وق��د ملحت ال�شابة �سمكة مت��رح يف مائها ،فوثبت نحوها واحل��رب��ة يف يدها. �أم���س�ك��ت ط��رف ال���ص�خ��رة ب�ي��د وان�ت�ظ��رت ع��ودة ال�سمكة ،ومل تكد تظهر �أمامها حتى �شكتها باحلربة ونادت رفيقاتها مل�ساعدتها، و�سرعان ما جاءتها النجدة و�أخرجن ال�سمكة لتكون وجبة د�سمة� ،إىل جانب ما حو�شن من
يف فلكه �شاهد ًا على ذلك.
ال�سلحفاة وحدبة الظهر
�أع�شاب وبقول. جمعن حطب ًا و�أ�شعلن النار حتى توهجت اجلمرات وو�ضعن ال�سمكة فوقها ،ثم ان�شغلن ب�إعداد املائدة بعيد ًا عن هموم الرجال .ومع اقرتاب امل�ساء حان موعد الع�شاء ،فتوجهت �إح��داه��ن لإح���ض��ار ال�سمكة فلم جتدها. وهب اجلميع يبحثن عنها وتبعن �أثرها على الرمل �إىل جذع �شجرة عالية فر�أين ال�سمكة تزحف �صاعدة .حاولت �صاحبة احلربة �أن تتعلق ب�أغ�صان ال�شجرة وتلحق ب�صيدها، لكن الكبرية ن�صحتها بالرتيث لأن ال�سمكة حني ت�صل طرف الفروع ال�صغرية لن تقوى على حملها و�ست�سقط .لكن ال�سمكة جتاوزت ال�شجرة �سابحة يف اجلو وتابعت �صعودها وقد حتولت �إىل لون ف�ضي دائ��ري .وعادت ال�صديقات لق�ضاء ليلتهن حول النار. ويف اليوم التايل تناولن طعامهن وانتظرن ظهور ال�سمكة ليال ،فبدا �شكلها الف�ضي وقد ت�آكل من �أحد �أطرافه ،وهكذا كل ليلة كانت الدائرة تت�ضاءل حتى �صارت خيط ًا منحني ًا كالهالل مل يلبث �أن اختفى .وتلك كانت �أ�سطورة القمر /ال�سمكة. مل ت�ستطع الن�سوة الهاربات احتمال حياة العزلة يف اجل��زي��رة ف�سبحن ع��ائ��دات �إىل �أزواجهن وا�ستئناف �أ�شغالهن املنزلية كما كانت من قبل .وكن يت�أملن تغري �أطوار القمر ويتذكرن مغامرتهن .وهكذا ت�ستمر احلياة ف�لا غنى للن�ساء ع��ن �أزواج �ه��ن ،وال غنى للرجال عن رفيقات حياتهم ..ويظل القمر
كان ذكر ال�سلحفاة ملحاح ًا يف طلباته حتى �شعرت قرينته بال�ضيق ورف�ضت اال�ستجابة له ،وهذا ما �أثار غ�ضبه فحمل الع�صا وراح يجلدها ع�ل��ى ظ�ه��ره��ا بق�سوة ح�ت��ى ت��ورم وان �ت �ف��خ ،ف�ه��رب��ت م�ن��ه وغ��ا��ص��ت يف البحر لتداوي جراحها وقد �صار لها حدبة .وبعد �شفاء اجل��راح �سعت لتغطية تلك احلدبة واتقاء �شرا�سة زوجها ف�شكلت قوقعة �صلبة حتمي بها ظهرها وتخفي ر�أ�سها و�أطرافها فيها ،لتحمي نف�سها من كل �أذى �أو خطر حمتمل .وهكذا ميكن �أن ي�ستفيد املخلوق من م�صائبه.
الكنغر اجلدة
تقول احلكاية �إن امر�أة كانت تعاين من ق�سوة معاملة زوجها ف�لاذت بالفرار �إىل الغابة لتعي�ش وحدها ح��رة يف �أح�ضان الطبيعة. بحث الرجل عنها طويال فلم يفلح يف العثور عليها .وك��ان الب��د �أن يتوجه �إىل الغابة، لكن املر�أة الذكية ا�ستطاعت �أن تخفي �آثار خطاها ومل ت�ترك وراءه ��ا �أي عالمة تدل على الدرب الذي �سلكته .ويبدو �أنها �شعرت بالأمان بعد حني فلم تعد حذرة يف طريقة عي�شها ،وخا�صة ب�إ�شعال ال�ن��ار .وح�ين ملح الرجل وهج النار لي ًال والدخان نهار ًا� ،أدرك �أن زوجته هناك فتوجه نحوها ،و�سرعان ما ملحته وهو يقرتب فبادرت �إىل الهرب وهو يطاردها حتى اختب�أت وراء ج��ذع �شجرة حمطمة فاحت�ضنته حمتمية به .وحني اقرتب الزوج منها تذكرت رقية �سحرية ف�ألقتها على اجلذع ،و�سرعان ما انطلق بها قافز ًا ب�سرعة وهي مت�شبثة به حتى غابت وراء التالل .ومع الأيام �صار اجلذع كي�س ًا ملت�صق ًا بج�سمها، ث��م ط��ال��ت ال�ق��دم��ان وق���ص��رت ال��ذراع��ان. وهكذا حتولت امل��ر�أة الهاربة �إىل كنغر .وال ين�سى �أبناء تلك القارة �أن اجلدة الأوىل لهذا احليوان اجلميل كانت امر�أة من الب�شر
المحكي شعر ًا 72 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
املحكي�شعرا ً ملف ال�شعر ال�شعبي
ط ّور في أغراض وشكل القصيدة
قراءة في تراث الشيخ زايد الشعري �سرور خليفة الكعبي
ورث ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان ،رحمه اهلل� ،شاعريته من �إرث ح�ضاري عظيم ،عا�ش يف كيانه و�سرى يف عروقه ،وعمر وجدانه بح�س مرهف م ّكنه من ركوب خيول الفكر ون�سائم الأدب ،ف�أ�صبح قادر ًا على �أن ير�سم يف لون ال�صحارى الأ�صفر الباهت ،حبات املطر ورق�صات الورد و�شق�شقات الطري ،ومتكن من امتطاء ليلها البهيم و�سمائها املنمقة بالنجوم� ،سارح ًا بخياله يف ف�ضاء اهلل الرحب البديع ،متفكر ًا يف خلق اهلل ،معرب ًا عن عظمة اخللق واخلالق ،ممتلئ ًا بالع�شق لل�صحراء.
لإر�سال ق�صائدكم ،م�شاركاتكم ومالحظاتكم:
الربيد الإلكرتوينturathmag1@gmail.com : الفاك�س009712 6582282 :
المحكي شعر ًا 74 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
�إن ال�شاعر ال��ذي ول��د يف وج��دان ال�شيخ زاي��د ،جعله مميز ًا بني �أق��ران��ه ،و�أظهره على �أترابه ،فكانت نظرته �إىل كل �شيء يعتمرها الإح�سا�س املرهف الواعي الذي يعتني بكل التفا�صيل و�أدقها ،فكان حا�ضر الذهن متوقده ،مما جعله دائما ذا ر�أي �سديد ال تفوته واردة وال �شاردة. ً وال�شيخ زاي��د مل يكن ��ش��اع��را فح�سب، �إمنا هو رائد من الرواد الكبار يف ال�شعر امل�ح�ل��ي ،وه��و م��ن ك�ب��ار م�ت��ذوق��ي ال�شعر ونقاده البارعني ،له ذائقة خا�صة تلتقط ال�شعر اجل�ي��د ،وق��د ُع��رف عنه –رحمه اهلل� -شغفه الكبري لال�ستماع لل�شعراء ومناق�شته لهم يف ق�صائدهم التي يلقونها عليه فيما حتوي من معان و�صور ،وقدرة على الرد يف نف�س الوقت ارجتا ًال على ما يعجبه منها وتنزل من نف�سه منزلة عالية. وي�ت�م�ي��ز ��ش�ع��ر ال���ش�ي��خ زاي� ��د بالتم�سك ب��الأ��ص��ال��ة ال�ق��دمي��ة يف ال�شعر املحلي، مم��زوج � ًا ب��روح الع�صر بطريقة تُعجز
مو�سيقى وحبكة وجزالة يف املعنى و�سهولة لم يخل شعر الشيخ يف الألفاظ� ،إ�ضافة �إىل احتوائها على كثري زايد من الحماسة لكنه من الو�صايا واحلكم واملواعظ� ،إال �أن الكثري اختلف من حيث أنه ال من ق�صائده التي نظمها يف بداية �شبابه قد يطلب الحرب بل يدعو اندثرت ب�سبب عدم حفظها ،والتي ال �شك إلى السلم لو �أنها بقيت ،لكانت �أكرب ت�سجيل للوقائع التي دارت يف تلك ال�سنني ،وكانت منوذج ًا الكثريين ،مما يبني قوة و�أ�صالة موهبته ،يحتذى به وي�ثري مكتبة ال�شعر املحلي يف كما ت�شد ال�صور البالغية والفنون اللغوية منطقة اخلليج العربي ب�أ�سره. التي ي�ستخدمها امل�ستمعني ل�شعره ،حيث متتزج يف �شعره النزعة الكال�سيكية املحلية احلما�سة يف �شعر ال�شيخ زايد لل�شعر ،واحلداثة اللغوية واملعاين وطرق مل يختلف ال�شعر املحلي عن ال�شعر العربي ا�ستخدام املح�سنات البديعية التي تزيد القدمي من حيث الأغ��را���ض بالرغم من روعة احلكم والأمثال واملواعظ ،روعة البناء اختالف اللغة امل�ستخدمة ،فال�شعر املحلي وال�سبك ،فهو ال ي�ستخدم �إال الكلمات املحلية ي�ستعمل اللهجة التي ول��دت من الأ�صل، ال�سهلة اجلميلة اجلزلة املعاين ،ذات الوقع فكانت الكلمات املحلية التي ي�ستخدمها املو�سيقي ال�شجي يف الآذان والقلوب. ال�شعراء ال تقل وقع ًا يف النف�س البدوية، وبالرغم من انت�شار العديد من الق�صائد فكانت متلك نف�س القوة املحركة للحما�س ال �ت��ي كتبها ال�شيخ زاي ��د وال �ت��ي وج��دت ال �ع��ارم وال��دع��وة للتقاين واحل�م��ا���س يف �أ�صدا ًء كبرية يف اخلليج العربي ملا لها من �صفوف النا�س.
و�شعر ال�شيخ زايد مل يخل من احلما�سة، ولكنه اختلف من حيث �أنه ال يطلب احلرب بقدر ما يطلب ال�سلم ،فهو ال ميكن �أن يحارب عربي �أبد ًا ،فكلهم يف عينيه �أخوة، وعليهم التكاتف من �أج��ل الغد الأف�ضل ولي�س التناحر ،وهو يف هذا املوقف وك�أنه يتمثل ق��ول �أب��و الطيب املتنبي يف حرب �سيف الدولة و بني كالب: ُ وك� �ي � َ�ف َي� � ِت� � ُم ب �ـ ��أ�� ُ�س� َ�ك يف �أن ��ا� � ٍ�س �اب ُت �ـ �� �ص � ُي �ب � ُه � ُم ف �ي � ِ�ؤل �ـ � ُم� َ�ك ال �ـ � ُم �� �ص� ُ ت� �ـ� � َر َّف� �ـ ��ق �أ ُي� �ـ� �ه ��ا املَ� � � ��وىل ع�ل�ي�ه��م �اب ف� � �ـ� � ��إ َن ال� �ـ ��رف� �ـ� � َق ب� ��اجل� ��اين ع �ت �ـ� ُ و كقول احل��ارث بن وعلة يف رث��اء �أخيه الذي قتله قومه: ُ ق��وم��ي ه� � ُم َق �ت �ل��وا �أم �ـ �ي � َم �أخ �ـ��ي ل �ئ ��ن َرم � �ي � ��تُ ي �� �ص �ي � ُب �ـ �ن��ي ��س�ه�م��ي �وت لأع� �ف� �ـ ��و َن ج �ل�ل ً ف �لَ �ئ��ن َع � �ف� � ُ ا �وت لأوهِ � � �َن � � نَ َ ولأن �� �س� �ط � ُ �َ ع�ظ�م��ي وال�شيخ زايد يرى �أن احلما�سة يجب �أن توجه لبناء الوطن والعمل على �إخراجه م��ن امل�ح��ن ال�ت��ي حت��وط��ه م��ن ك��ل اجت��اه، وذل ��ك ال ي�ك��ون ب��ال�ق�ت��ال ،ول�ك��ن بتغيري املفاهيم البالية التي جتر املجتمع �إىل اخل�ل��ف ،و �إت�ب��اع الأ�ساليب احلديثة يف التطور نحو الأف���ض��ل ،ول��ن ي�ك��ون ذلك �إال ب��االرت�ق��اء واملحافظة على ال�ع��ادات والتقاليد العربية الأ�صيلة التي حت�ض ع �ل��ى ك ��رم الأخ �ل��اق وال��ك��رم وال��ر�أف��ة والتكافل االجتماعي واجل��د وامل�ث��اب��رة لتحقيق الآم��ال املن�شودة والتي ال يكون احل�صول عليها �إال بالإيثار والإخال�ص يف النية: ال�شهــــم وال�ق�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��رم لــــــه �شاين عنــــــــد لــــــي م�ث�ل��ه مـــــــــــــن دوره لـــــي عمـــــــــلهم يف ال�ب�ل��د ب��اين باحـتــــــــــرام وجـــــــــــــد م�شهوره
لم يكن زايد شاعر ًا فحسب إنما رائد من رواد الشعر المحلي الكبار ومن متذوقي الشعر ونقاده البارعين لـــــي م�ســـــاعيهم ب��االح���س��اين يف الع�شـــــــاير مـــــالهـــــــــــــا ج��وره بيــــــن �إن�ســـــــــان وان�ســـــــــــاين ك��م زاحـــــــوا مـــن الكــــــــــدر ثـــوره وال�شاعر هنا ميجد ال�شهامة احلقة التي يجب �أن يتحلى بها الرجال ،والتي البد �أن تكون من املبادئ التي ال يجب التخلي عنها �أب��د ًا حتت �أي ظرف من الظروف، ف�صاحب ال�شهامة واللبيب الذكي الذي يعرف واج�ب��ه يعزز وي�ك��رم م��ن قبل من ه��و مثله ويف مثل مكانته ،فهم الذين يعملون ل�صالح ال��وط��ن ،و�أعمالهم تلك ب ّينه ووا�ضحة وي�شري �إىل احرتامهم للعمل وتقدي�سهم له يف خدمة الوطن ،كما �أن م�ساعيهم بني النا�س والع�شائر ،لإ�صالح ذات البني والتوفيق بينهم حول امل�شاكل، تكون حم�م��ودة م��ن قبل ال��رب والنا�س، ويجب �أن ت�ق��در ،فكانت مل�ساعيهم بني النا�س الأث��ر اجلليل يف تهدئة النفو�س واخلواطر: يـــــــــــــا ذا ال�شبـــــــــــــاب البـــــانـــــــي ب �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ادر وق �ـ �ـ �ـ �ـ��م ب�ج�ه�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ود �أوال تقــــــــــــــــــــــلد الدلـــــــــــهانـــي ل �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ي م �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ا وراه �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��م ف�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ود وتــــــــــــــرى الـــــــــردي والــــــداين يف ��س�ع�ي�ه�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��م م�ن�ق�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ود �ش ّمــــــــــــر الــــــــــــــوقت �إن زانــــــي واع�م�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ل ��ش�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��را جل �ـ �ـ �ـ��دود وع�ســــــــى �شبـــــــــاب �أوطـــــانـــــي يح�ضــــــــــــــى امب�ج�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��د او فـــود
البالغة والتماثيل الرائعة والت�شبيهات الفريدة� ،إال �أنها من ال�شعر احلما�سي ال��ذي ينتهجه ال�شيخ زاي��د يف دف��ع �أبناء بلده للتكاتف والعمل املتناغم ملا فيه �صالح الوطن واملواطن ،وهو فيها يدعو الركيزة الأهم يف عملية البناء وهي فئة ال�شباب، التي يطلب منها التحلي بال�صفات النبيلة، و�أن تعمل بجد و اجتهاد وتتم�سك بالأخالق وال�شيم التي ال ُيحرتم الإن�سان �إال �إذا مت�سك بها وع��رف��ت ع�ن��ه ،ول��ن ي�ستطيع �أن ي��درك امل�ع��ايل �إال �إذا قا�سى التعب، فيطلب من جيل ال�شباب عدم تقليد من ال يرجى منه فائدة كالتقليد الأعمى لل�شباب الغربي الذي ال ميت حل�ضارتنا ب�شيء، فلن يزيدوا ال�شباب �إال �ضياع ًا. وي�ط�ل��ب ال�شيخ زاي ��د م��ن ال���ش�ب��اب �أن ي�شمروا ع��ن �سواعدهم و�أن يعملوا ما ي�ستطيعون خل��دم��ة ب�لاده��م و�أم�ت�ه��م ودينهم ،متام ًا كما فعل �أج��داده��م من وبالرغم من احتواء هذه الأبيات للحكم قبل ،ويتمنى لهم �أن ي�ستطيعوا �أن يحققوا
المحكي شعر ًا 76 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
حبا اهلل زايد بحكمة شهدت لها الجزيرة الإجنازات التي متكن �أولئك الأجداد من العربية وسكانها منذ حتقيقها واملجد العظيم ،ومبا يحقق لهم فجر شبابه وانعكست جني الفوائد اجلمة. في شعره كما في احلكمة واملوعظة يف �شعر زايد إنجازاته
ل�ق��د ك��ان��ت احل�ك�م��ة م�ن��ذ �أن خ�ل��ق اهلل الإن���س��ان و�أن��زل��ه يف الأر� ��ض ه��ي �أرف��ع �رف مي�ك��ن �أن ي�صيبه الإن �� �س��ان يف � �ش� ٍ حياته ،وهي لي�ست باملوروثة �أو امل�أخوذة ع�ن��وة� ،إمن��ا ه��ي هبة م��ن اهلل �سبحانه وتعايل يهبها ملن ي�شاء من عبادة ،وتكون فيمن وهبه اهلل العقل الر�شيد وال��ر�أي ال�سديد ،وهي ال تقت�صر على التجارب ال�شخ�صية لإن�سان بعينه ،ولكنها جممل ال�ت�ج��ارب الإن�سانية التي اطلع عليها واخ�ت�بره��ا� ،إ��ض��اف��ة �إىل الإمل ��ام ب��أم��ور ومتطلبات احلياة ،يقول اهلل عز وجل يف كتابه ال�ك��رمي« :يؤيت الحكمة مـن يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أويت خرياً كثرياً وما ي ّذكر إال أولوا األلباب» «البقرة »269،وقد �أكرب الإن�سان البدوي يف اجلزيرة العربية ،احلكم َة واحلكماء، ورف��ع منزلتهم ك�م��ا رف�ع�ه��م امل �ل��وك يف ك��ل م �ك��ان م��ن ال �ع��امل و�أدن ��وه ��م منهم لال�ستفادة من خربتهم وجتاربهم فيما ي�صلح ال��دن�ي��ا وال��دي��ن و�أم���ور الرعية ال�ت��ي يحكمونها ،وك ��ان ال�ع��رب��ي ينظر �إىل احل�ك�م��اء �أن �ه��م اخل�ير امل �ن��زل �إىل الأرا� �ض��ي التي ي�ت��واج��دون فيها خا�صة و�أن العرب ب�شكل ع��ام لديهم التقدير ال�ف�ط��ري للحكمة ،وذل ��ك مل��ا ميتلكون من الفكر ال�صايف والروح الطليقة التي مكنتهم على الدوام �أن يكونوا حا�ضري الذهن متقدي الفكر. ولقد حبا اهلل �سبحانه وت�ع��ايل ال�شيخ زاي� ��د ب�ح�ك�م��ة � �ش �ه��دت ل �ه��ا اجل��زي��رة ال�ع��رب�ي��ة و��س�ك��ان�ه��ا م�ن��ذ ف�ج��ر �شبابه، فكان ي�شار �إليه بالبنان ملا متتع به من
الو�شاة ،الأم��ر ال��ذي �سي�ؤدي �إىل جتنبه كافة امل�شكالت والآالم ،واحلياة ب�سالم ورفق: ال ت �ـ �ـ �ـ �ح��ط � �س �ـ �ـ �ـ �ـ��دك ف�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��وق��ي خللـــــــوقي ت �ـ �ت �ن �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��اول �ـ �ـ �ـ �ـ��ه ال �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��و� �ش �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��اه ق�ب��ول ع��ام ل��دى ال�ن��ا���س ،ومل��ا جبل عليه ت �ك �ف��ا ج �م �ي �ـ �ـ �ـ �ـ��ع ال �ع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��وق��ي من �إدراك وا�سع وخربة كبرية يف �أطباع برفـــــوقي النا�س وميولهم� ،إ�ضافة �إىل �إملامه الكبري وت���س�ل�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��م و ت�ب�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ق��ى اوي �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��اه ب��الأح�ك��ام والأع���راف القبلية والدينية، و�أ�صول الدين واحلديث وال�شريعة ،كما وق��د ا�ستعمل ال�شيخ زاي��د يف ق�صائده كانت �شخ�صيته املحبة لل�سالم و�سعيه ال�شعرية التورية والإخ �ف��اء والتلميح يف الد�ؤوب للم ال�شمل قد �أك�سبته امل�صداقية� ،إبداء املواعظ واحلكم ،وذلك لكي ال ي�شق يف حني �أن جتربته الطويلة قد �أك�سبته على نف�س من ي�سمعها �أو �أن تكون قا�سية اخل�برة وال��دراي��ة التي توج بهما احلكمة عليه ،حيث تقت�ضي احلكمة تقومي الأفعال التي وهبه �إياها اخلالق عز وجل. ولي�س ت�شنيعها والت�شهري ب�صاحبها وجعله َ ولأن مكارم الأخالق والتم�سك بالعادات حكاية يتناقلها الرواة: العربية والإ�سالمية الأ�صيلة هي التي يـــا بـــــو �شهـــــــاب العـــــــــــــــــــــادة ت�ضمن ال�س�ؤدد واملكانة العالية للفرد يف ع �ن �ه �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ا ال ت�خ�ـ�ت�ـ�ل�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ف جمتمعه وبيئته و�أمته ،ف�إن ال�شيخ زايد خــــــــــــــــــذ القنـــــــــــ�ص بالتــــــادة يحر�ص على دعوة �إن�سان بالده للحر�ص ال ت �ت �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��وزا ال �ك �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ل��ف على الأخ�ل�اق احلميدة التي �ستو�صله وحــــــــــــده مهـــــــــــــب زيــــــــادة �إىل قلوب النا�س الذين �سيحبونه بال اح �ب �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ارة واع �ت �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��رف �شك ،ومتنحه املكانة الالئقة به �سواء كان �شيخ ًا كبري ًا �أم �شاب ًا �صغري ًا: ويف ه��ذه الأب��ي��ات يطلب ال���ش�ي��خ زاي��د مـــــــا يحتــــــــــــرم الن�ســـــــــــــــاين م��ن ذل��ك ال�شخ�ص االل �ت��زام بالعادات �إال ب �خ �� �ص �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ال ال�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ود والتقاليد وم��ا درج عليه الأه��ل ،وع��دم �إن كـــــان مــــــــــن ال�شبــــــــــاين التفريط بها �أو تغيريها ،كما يطلب منه و �إال ك �ه �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ل م �ع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��دود �أن يكون مت�أني ًا يف �أفعاله ،كما يفعل يف ال�شهــــــــــــــــم لـــــــــــــه ميــــزاين القن�ص وال�صيد ال��ذي يتطلب ال�ت��أين ح �� �ش �م �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ة و ق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��در ع�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ود وال�صرب الكثري ،و�إال ف�ستكون العواقب وخيمة و�سوف يالقي الكثري من امل�شاكل وي� ��ورد ال���ش�ي��خ زاي���د م��ن ف�ي����ض خربته والتعب ،لذا ف�إن عليه �أن ي�ضع عينيه على الإن�سانية در�س ًا لل�شباب يف التعامل وفيما م�س�ألة واحدة ،م�شبه ًا الأمر ب�صيد طري يتعلق ب �� �ض��رورة �صيانة الأ�� �س ��رار التي احلباري ،وهو نوع من الطيور يقن�صها ب�إمكانها �إحلاق ال�ضرر ب�صاحبها ،ف�أوىل ال �ع��رب ب��ا��س�ت�خ��دام ال���ص�ق��ور وحت�ت��اج به �أن يحفظها �سر ًا بعيد ًا عن معرفة �أي للكثري من ال�صرب والت�ؤدة واجللد حتى خم�ل��وق حتى ال يتم تناقلها ع��ن طريق يتمكنوا من �صيدها.
وم��ن ح�ك��م وم��واع��ظ ال�شيح زاي ��د �أن الإن�سان العاقل يجب �أن ال ين�ساق وراء الأوه� ��ام ويجعلها ت�سيطر على حياته �أو همته ،فال يفعل ذلك �إال قليل العقل واخل�ب�رة ال��ذي ميني النف�س ب��الأم��اين التي ال تكون �إال كال�سراب يف ال�صحراء، و�سيكت�شف يف النهاية وبعد ط��ول عناء �أنه كان على خط�أ كبري و�سيندم على ما �أق��دم عليه ،يف حني �أن العاقل يجب �أن يح�سب لكل خطواته قبل �أن يخطوها �أو يكلف النف�س بالتعب واملخاطر ،مما ال يعر�ضه لأي مما يتعر�ض له قليل اخلربة
من م�صاعب وتعب ،فهو ي�ستطيع تلم�س مـــــــا يبـــــــــــده �صــــــوع و اهــــــــوايل يفهـــم الـــــــواقع مــــن ي�شـــــــوفه الواقع من املعطيات التي يدر�سها �أو ًال قبل الإقدام على �أي �شيء: وين�صح ال�شيخ زايد كل من يطلب الن�صح الـغ�شيـــــــم �إيتـــــــــــــــابع الــــــــــــاليل يق�صـــــده و يــواجـــــــــه اح���س��وف��ه �أن يتيقن م��ن ق��درة مقدمني الن�صائح على وزن الأمور مبيزانها ال�صحيح ،وعن و اخلبـــــــــــري �إيجــــــــــــ�س لـــــــــحوايل قبـــــــل ال يـعنـــى لهــــــا بلــــــــوفه جتربة كافية ،ت�ؤهلهم لإ�سداء الن�صيحة للغري ،فبع�ض ه�ؤالء النا�س لي�ست لديهم الذهنية التي متكنهم من الن�صح ،فهم زايد كان مترفع ًا عن يلقون بالن�صائح دون دراي��ة وي�صورون مدح نفسه والتفاخر ال �� �س��راب وك ��أن��ه حقيقة ،وح�ت��ى الأم ��ور بمآثره الشخصية بينما الوا�ضحة املعامل والف�سيحة يف املجال،
افتخر على الدوام بوطنه ومواطنيه
المحكي شعر ًا
78 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
زايد كان مترفع ًا عن مدح نفسه والتفاخر بمآثره يريدون يف نهاية الأمر: ف�إنهم ال يرونها على حقيقتها �أو يرونها الشخصية بينما افتخر �إح� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��ذر ال ت �� �ش �ت �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ط ناق�صة املعامل ،فهم ال ميلكون القدرة على على الدوام بوطنه تنــــــــــدم التمييز �أو �إ�سداء الن�صائح وينظرون �إىل ومواطنيه ي ��ا ك� ��ان ت�ب�غ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ي ال �� �ش��ي تن�ضـيه كل الأمور من زاوية واحدة �ضيقة: ـــا�س �شحيحـــة ترى يف النا�س �أجن ٍ اتخيــــــل لــك غ��دي� ٍ�ر مــن �سرابي �إي�شوفــــون الأمــــور اللـــي ف�سيحة ين حــــــولها �ضــــــاق الرحابي ب�ع� ٍ
�أما يف احلب والغزل فيقدم ال�شيخ زايد يف �شعره �أجمل معاين احلكمة يف التعامل م��ع امل�ح�ب��وب وت�ق��وي��ة �أوا� �ص��ر العالقات ال�سامية بني املحبني ،مبا ي�سهل االلتقاء ب�ي�ن�ه�م��ا مب��ا حت �ك��م ب��ه ��ش��ري�ع��ة ال��دن�ي��ا والدين ،فتلك العالقات يجب �أن ت�صان و�أن يتبع كال احلبيبني �أف�ضل �أ�سلوب يف تعامله مع الآخ��ر ،فهو يجب �أن ال يعمل الع�صبية و قلة الأف��ق يف احل��ب ،فذلك ي���ؤدي �إىل اخ�ت�لال يف التفاهم و�سرعة تف�شي امل�شاكل وت�أزمها ،ف��إذا كان يريد الو�صل عليه �أو ًال �أن ال ي�ستعجل �أو يكون ذا طبع وخلق �ضيقني. وي��ؤك��د ال�شيخ زاي��د على �أن كثريين من النا�س كانوا م�ستعجلني ولكنهم مل ي�صلوا �إىل مبتغاهم وق��د �أدى ع��دم حتليهم ب��ال���ص�بر �إىل ن�ح��ول�ه��م مم��ا الق���وه من اجلوى دون ج��دوى ،فالعجلة ال ت��ؤدى �إال ل�سوء الفهم وخ�سارة احلبيب الذي كان يوده ،فال يوجد �أي حل �إذا كان يريد �أن ي�صل ملحبوبته �سوى بالت�أين وع��دم دفع املحبوب يف اجتاهات خمططة م�سبق ًا، لأن احل��ب احلقيقي وال �� �ص��ادق امل�ت��وج ب��ال���ص�بر وال �� �ص��دق وامل��ع��اين الأ��ص�ي�ل��ة واملعاملة النزيهة ال�شريفة ،الب��د و�أن ي�صل �إىل النهاية التي يريدها احلبيبان من التالقي والأل�ف��ة واملحبة امل�ستمرة، فال�صابرون ال بد و�أن يح�صلوا على ما
وي�ستمر ال�شيخ زاي ��د يف ب��ث الن�صائح واحل�ك�م��ة م��ن واق ��ع جتربته الطويلة يف احلياة التي خربها وعرف خمابئها واخترب ظ��روف�ه��ا و�أح��وال �ه��ا ،وه��و ين�صح الرجل باملحاولة واالجتهاد واملثابرة ،وعدم ترك �أي جهد ميكنه القيام ب��ه للو�صول �إىل غايته ،حتى و�إن كانت الطريق التي ي�سلكها الإن�سان وعرة وغري معبدة الطرق وال�سبل، ولكن باملحاولة و االجتهاد ال بد و�أن ي�صل، ولكن عليه بال�صرب والتحلي به ،رغم �أن ال�صرب �صعب ال يقوى عليه كل النا�س ،فهو م ٌر كالعلق �أو العلقم الذي ال ت�ستطيع حتى اجلمال �أن ت�ست�سيغه وميطنه �أن يق�ضي عليها ،ولكن على الإن�سان �أي�ض ًا �أن ال يفني نف�سه يف طلب امل�ستحيل فهو �إن عجز عن حتقيق مراده يف املرة الأوىل ،يجب عليه �أن يعود عن ذلك ال�سبيل ليبحث له عن طريق �آخر يكون فيه متحكم ًا يف ظروفه ،وقادر ًا على تخطي امل�صاعب التي فيه وعلى �أر�ضية تكون الغلبة فيها ل��ه ،وهنا يتبدى جمال الت�شبيه و�أ�صالة اللغة امل�ستعملة وت�أثري البيئة على ال�شاعر: حـــــاول بحيــــــلك و لــــو ترقـــــــــــــــا يف وع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ر �� �ص� �ع ��بٍ ب�ل��ا ط ��روق ��ي وال�صــــــرب مــــــــرٍ �شــــــرا العلقـــــــــا مــــــــــا ي �ـ �ـ �ـ��وازا ط�ـ�ي�ـ�َّ�ح النـــــــــــوقي استعمل زايد غرض الحماسة في اتجاه جديد لـــي فحمــــــت ارجــــع وال ترقـــــا ق�ـ�ـ�ـ�ـ��ر يف �أر� � � ٍ��ض ب�ه�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ا ت�ف�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��وق��ي من أجل بناء الوطن
ي � � � ��ا ك� � �ـ� � �ـ � ��م واح � � �ـ � � �ـ � � �ـ� � ��د ق� �ب� �ل ��ك �آزم يركـــــ�ض وال ي��و��ص��ل يل يبغيه وم� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��ن احل� � �م � ��اق � ��ة ج �� �س �م��ه انحم و امــن العليا مــــا تقب�ض �أيـــــــديه وم �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ�ت�را ال� �ع� �ي� �ـ� �ـ ��ل ي �ت �ع �ـ �ـ �ـ �ـ��و���ض الهم و يخ�سر �صــــديجــه يل حـــواليه ب� � � ��و� � � � �ص � � � �ي� � � ��ك ك� � � � � ��ان� � � � � ��ك رج � � � ��ل تعلم ات�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��أن يف �أم�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ر بتعنــــــيه �إع� �م� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��ل ب � �ط � �ي� ��ب وزي � � ��ن و افهم و مـتـرا العــــــدل يعدل براعيه �إ�� �ص� �ب� �ـ� �ـ� �ـ ��ر وم� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ�ت�ر ال� ��� �ص�ب�ر ي�سهم يف اجلـــــزل ي��وم ان��ك تــــــوافيه �� �س� �ـ� �ـ� �ـ ��ر ب � �ح � �ت � �ـ � �ـ � �ـ� ��رام وع� �ـ� �ـ� �ـ� �ـ ��ال ��ج الهم والغيـــر هــــذا مـــــــــا تواحيهاملدح وال� �ف� �خ ��ر يف � �ش �ع��ر ال �� �ش �ي��ع زاي� ��د
ل�ق��د ك ��ان � �ش �ع��راء ال �ع��رب ي�ت�ف��اخ��رون ب�أنف�سهم وما قاموا به من �أفعال �أرادوا تخليدها على م��دى الأزم���ان على �أن تذكر كما يحبون هم ولي�س كما يريد ال�ن��ا���س �أن ي��ذك��روه��ا ل�ه��م ،فال�شاعر ال �ع��رب��ي � �س��واء يف اجل��اه �ل �ي��ة �أو بعد الإ� �س�لام ك��ان كثري االع �ت��زاز بقومه، وب�أفعاله التي يرى �أنها ال ي��روم عليها �أح��د � �س��واه ،ويتجلى ذل��ك يف ق��ول �أب��و الطيب املتنبي : زوحمت وإخراجه من المحن التي �أنا �صخر ُة الوادي �إذا ما ِ
تحوطه من كل اتجاه
و�إذا ن �ط �ق��تُ ف ��إن �ـ �ن��ي اجل� � ��وزا ُء و�إن َخفيتُ على الغـب ُـي فعاذ ٌ ر �أن ال ت�� �ـ� ��راين م� �ق� �ـ� �ل� � ٌة ع��م��ي��ا ُء وهو يف هذين البيتني متثل نف�سه ب�صخرة الوادي القا�سية التي تقاوم جريان الأودية وال تتزحزح من مكانها ،فهو يرى نف�سه يف �شدتها ،ويف علو املنزلة فهو كاجلوزاء، و�إذا خفي هذا عن الأغبياء ف�أنا �أعذرهم فهم ال يروين لأنهم عميان �.إال �أن ال�شيخ زايد كان مرتفع ًا عن مدح نف�سه والتفاخر حا�ص لوجد �أنها مب�آثره ،التي لو �أح�صاها ٍ تفوق ما عملته �أمم ب�أ�سرها ،ولكان �أحق النا�س بالفخر ط��وال ال�سنني القادمة، �إال �أن��ه ك��ان ف �خ��ور ًا على ال ��دوام بوطنه ومواطنيه الذين عملوا معه ي��د ُا بيد يف ب�ن��اء ه��ذه ال��دول��ة التي �أ�صبحت يف وقت قيا�سي من عمر ال�شعوب ،يف م�صاف الدول الكربى الغنية ،و�أبهرت العامل ب�إجنازاتها ال�ك�ب�يرة � �س��واء ع�ل��ى امل���س�ت��وى امل�ح�ل��ي �أو الإقليمي �أو ال��دويل ،ويف �شتى املجاالت، فكانت ت�ستحق �أن يفخر بها الإن�سان بعد �إن ا�ستطاعت بف�ضل من اهلل وم ّنته �أن تتحول بجهود رجالها املخل�صني من �صحراء قاحلة مرتام وارف الظالل، موح�شة� ،إىل ب�ستان ٍ فكان حق ًا لل�شيخ زايد �أن يفخر بها و�أن ميدح الرجال الذين وقفوا �إىل جانبه ونا�صروه وعاونوه لتحقيق ذلك احللم الكبري . ويوجد هناك العديد من الرجال الذين ال ميكن ح�صرهم ممن �أي��دوه ون�صروه يف م�سريته ،وكان ممتن ًا لهم فيما قدموه من دعم للوطن واحلركة التنموية التي قادها، ولكن نختار �أحد �أ�شهر من تبادل ال�شعر و امل�شاكاة مع ال�شيخ زايد ،وهو معايل الدكتور مانع بن �سعيد العتيبة ،الذي نهل من مدر�سة ال�شيخ زايد ال�شعرية ف�أ�صبح مبا ميلكه من موهبة و�أفق وا�سع وخيال عذب �شجي ،واحد من �أبرز �شعراء اجلزيرة العربية. ويف هذه الأبيات يت�ضح الفخار الذي ي�شعر
به ال�شيخ زاي��د جت��اه الدكتور مانع الذي ي�ستطيع �أن يوازن �أبيات ال�شعر ملا يتمتع به من رجاحة عقل وح�ضور الذهن وانفتاح الأف��ق ،ولي�س له مثيل بني �أقرانه يف نف�س ال�شاعر ،وهو بالإ�ضافة �إىل نيله ل�شهادة علمية كبرية متحدث لبق يعرف كيف يختار
�أحاديثه التي ت�سر اخلاطر يــــــــــوم مــــــــانع غــــري ال�صوره وازن الأب �ي �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��ات واجل�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ل��ي نظـــرة لــــه هــــــــــوب مق�صـــوره �شـــــــاعرٍ مــا لــــــه متـاثيـــــــلي
المحكي شعر ًا 80 الـعــــدد 155 �سبتمرب
يف حب الوطن والفخر به ق�صيدة «دنيا حمال وطرها» التي يقول مطلعها: دنيـــــــــــا حمــــــــــال وطــــــــــــــــرها فيـــــــــــها زه�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ت الن�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��وار كثــــــــر اخلــــري و �شجــــــــرها و تــــــــــــــــــــــوفرت لثمــــــــــار يـــــا ال�سعـــــــــــــــد و غمــــــــــــرها م�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ن وال�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ي الأق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��دار عــــــــــم الــــــرب و بحــــــــــــــــــرها و فـــــــــا�ضت بهــــــا لأنــــــــهار
2012
نــايــلٍ ميـــــــــــزة او دكتــــــــــوره او يف ج �ـ �ـ �ـ �ـ��واب��ه دوم م� ��ا مي�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ل��ي ويحظى الدكتور مانع باملكانة العالية من نف�س ال�شيخ زايد ملا يتمتع به من �صفات � ّأهلته وق ّدمته على غ�يره ،في�صرح له ب�أنه خليله وحبيبه ال��ذي يراعيه على ال��دوام ،فهو من يت�سلى باحلديث معه ويبثه ما بنف�سه وين�شرح له �صدره : او مرحــــبا مليـــــــــون باخل ّلـي ال�غ���ض�ـ�ـ��ي ال �ل��ي ل��ه �أن �ـ �ـ��ا �آداري لـــي حديثــــه �إليــــــــه �إي�سلـّـــي او مـن �أ��ش��وف��ه ات��زول لكداري هــــــــــــو دوا للنــف�س مــــــالعــ ّلي ه�ـ�ـ��و ح�ي�ـ��ات��ي و ج�ن�ـ�ت��ي ون �ـ��اري
ومي �ث��ل ال���ش�ي��خ زاي ��د ال���ص��دي��ق ال��ويف ال ��ذي ي���س��أل ع��ن �صديقه �إذا توقف ع��ن زي ��ارت ��ه ل �ف�ترة دون ��س�ب��ب فهو ي �ف �خ��ر ب �� �ص��داق �ت��ه وي �ح��اف��ظ عليها يف ك ��ل ال � �ظ� ��روف ،وي �ح �� �س��ب �أن ما مينعه الب��د و�أن يكون �أم��ر ًا عظيم ًا : ن�شـــــــــــــدت عنــــــك ابـــــــــــــزودي وا��س�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ال ك�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ف احلــــــــــال قــــالوا مهــــــــــب ميهـــــــــــــــــــودي �إال �شغـــــــــــــيل البــــــــــــــال �أم��ا الفخر بالوطن فقد ق��ال ال�شيخ زايد الكثري م��ن الق�صائد يف ال��وط��ن ودع��ا له بالغوث من ال�سماء باملطر واحلياة الرغدة الكرمية ال�ت��ي يتمناها ل��ه وللنا�س ،فهو م�صدر فخره و�أ�صل عزه ومنبع منبته ،ومن �أجمل الق�صائد التي تغني بها ال�شيخ زايد
كما حظيت منطقة القوع مبدح ال�شيخ زاي��د مل��ا تتمتع ب��ه م��ن مكانة خا�صة يف نف�سه : القــــــــــــــوع مــــــــــــن لـــــــــــــــوطاين م���ش�ه�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ورة ب��اح�ت�ي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��اد معـــــــــــــــدن زين �أوغـــــــــــــــــواين او نخبــــــــة �أق �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��روم �أي�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��واد لـــــي تكـــــــــرم ال�ضيفـــــــــــاين �أو ت�ضــــــــفي اب �ـ��دون انكـــــاد و ذك �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��راه��م م�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ�ـ��ن زم ��اين م �ع �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��روف م �ـ �ـ �ـ��ع ل �ع �ب �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��اد يفتخـــــــــر ابهـــــــم لن�ســـــــــــاين و مي � � � ��اري ال �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ �ـ��رواد فالقوع جزء ال يتجز�أ من الوطن مهما كان بعيد ًا عن املدن ،وهي م�شهورة بكل ت�أكيد منذ القدم فالنا�س الذين يعي�شون فيها يتمتعون ب�أح�سن الأخالق الكرمية وال��رف�ي�ع��ة ،وه��م يتميزون بال�شجاعة والنبل والكرم ،الأمر الذي عرف عنهم منذ ق��دمي ال��زم��ان ،مما يجعل �إن�سان البالد ي�شعر بالفخر من فعل �صنيعهم املحمود بني النا�س ويفاخر بهم .
زايد بن �سلطان �آل نهيان
ك � � � � � � � ��ل ال � � � � � � � � � �ع� � � � � � � � � ��واق ات� � � � � �ه � � � � ��وين غ � � � �ي� � � ��ر �أع� � � � � � � � � � � � � � � � � � � ��واق ال � � � � ��رم � � � � ��د ي� � � � � � � � � ��ا واغ� � � � � � � � � � � �ف � � � � � � � � � � � ْ�ن ع � � � � �ي� � � � ��وين وال� � � � � � � � � �ع � � � � � � � � ��اي � � � � � � � � ��ر م � � � � � � � � � ��ا ب� � � � � � ��رد ع� � � � � � �ل� � � � � � �ي � � � � � ��ك ي� � � � � ��امل � � � � � �ظ � � � � � �ن� � � � � ��وين يل م � � � � �ث � � � � �ي � � � � �ل� � � � ��ك م � � � � � � � � � ��ا ح � � ��د ن�ص �شعري ين�شر للمرة الأوىل
المحكي شعر ًا 82 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
زايد الحلم �سرور خليفة �سامل الكعبي
قصيدة في رثاء صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان « طيب اهلل ثراه »
�ارح�ـ��ة م��رك��ب �شعـوري غر َقـ ّنـه لعربات ال�ب� َ
و ا�سرحن دمعات عيني و ع الرثى َ�سون ثرى
حتى الن�صخ مني تقطـع جـنى �أعاين ل�سكرات
وال من العـامل درى بـي و القمر عني �سرى
لـى ذك��رت اللي مكانـه ف احل�شا ثابت ثبات
حبـه و �أنا ياهل ر�ضعته ويف م�شيبي ما �أندرى
حبـه �سكن كامل كياين وا�ستوى روحن وذات
بـه حتديت املفـاخر ب�س �إذا ا�سمه انطـرى
كنت لـي عيني ت�شوفـه تختلط عندي اجلهات
وين مـا تنظر عيونـي �صورة ال�شخ�صه ترى
ال ت�سال �إن كنت جتهـل لـي و�صوفه كامالت
لـي ع��ن العليا تعـال و م اخلجل ردت ورى
و لـي نعـى الناعي ب�صوته ارحتل زايد و مات
كلهـا ال�ـ��دن�ي��ا تباكت م ال�ق��در و ال�ل��ي جرى
راح ل�ـ��ي ير َعـىاليتـامى ول�ـ��ي ي��وا��س��ي ملهات
ولـي ي�ـ��داوي م��ن تك�سر فـي حياته م��ا برى
راح ل�ـ��ي يعطـي امل��واط �ـ��ن امل �ـ��زارع و ال�ه�ب��ات
و لـي على ال َعليـا يحثـه عهد تاريخن جرى
راح لـي يعطـي املواطـن امل�ـ��زارع و الهباتراح
و لـي على ال َعليـا يحثـه عهد تاريخن جرى
زاي � �ـ� ��د ل �ـ ��ي ع �ط �ـ��ان��ا ال� �ب� �ي ��وت ال �ف �ـ ��اره ��ات
مـن بعد عيـ�شه حميـلة نتبعـه الل ال�سرى
راح يل عطاها البنت �شعلة للدروب املظلمات
و�أ�صبحت تخـدم وطنهـا و ال�شواهد تنطرى
حتى الـوح�ش زايد رفقهن و �أ�صبحن به �آمنات
فـي حياته الرمي �صارت ال تذير و ف الذرى
و احلمام اللـي تغنـن ع الغ�صون العـاليات
�ضنـتـي ت��دع��ى ل��زاي�ـ��د م الأم �ـ��ان ال�ل��ي ت��رى
مـا مدحته فـي حياته و ال رثيته ف املمـات
ل��ن ب��أف�ـ�ع�ـ��ال��ه ت�ع�ـ��دى ك��ل ت��وا��ص�ي��ف ال �ـ��ورى
ك��ل افـعاله ت�سـامت و اع�ج��زت ك��ل ال�صفات
�أر�ض �صحرانا زرعها و املا م ال�صخرة جرى
هـو بنا دول�ـ��ة قـويه فـي �صحاري ممحالت
و �أ�صبحت ابفعـل ج�ه��ده ع�ـ��ام��رة بـما ترى
للعـرب دار الكرامـة فـي �شديد املع�ضالت
��ض��د ك��ل طـاغـي جت�ب�ر �أو حتكـم و اف�تري زاي �ـ ��دن ب��اق�ـ��ي خم� َّل �ـ��د م�ـ��ا ب�ق��ى ظ��ل و ذرى
هـو ترك فينا خليفـة لـي حمل نف�س ال�صفات
ل�ـ��ي ع�ل��ى �إي�ـ��دي�ن�ـ��ه تعلم ال�ـ��وط��ن دم و ي��رى
ثـم ت��رك فينا حممـد هـو �سنـد ف النايبات
�صادقـن و النا�س ت�شهد هوب كالمن مفرتى
ثـم ترك فينا عيالـه هـم �صقـور جمرن�سات
ل�ـ��ي ذك��ر واح �ـ��د ابفعله ج��ن زاي �ـ��د ينطرى
زايـدن حمـد �شراتـه فـي الع�صور ال�سابقات
ال و ال مثلـه فع�صرنـا ابن�شـوفـه �أو ن��رى
ب�ـ��دن�ـ��ي م ال��وق�ـ��ت الزم � �ص��رت م�ن��ه م�ـ��ا �أب��ات
و فـي ظالم احلزن �شفته بني �شويف و الكرى
رفعـت �إيـدي و انتخيتـه ثيبني قبل الفوات
�إب�ت���س�ـ��م و ق�ـ��ال زاي �ـ��د ع ال�ف�ع��ل دامي �ضرى
ويل وعيت ال�صبح قامي من عقب وقت ال�سبات
ري��ت زايـدنا �سبقنـى مـد م��ن حت��ت ال�ثرى
ي�ـ��ا اهلل �أن �ـ��ي دع�ي�ـ�ت�ـ��ك ب�ح�ـ��ق �آي ال ��ذاري ��ات
و ب �ك��ل �آي �ـ��ة ف �ـ��ي ك �ت��اب��ك ي �ـ��ا �إل �ه �ـ��ي ت�ن�ق��رى
تـرحـمـه رح�ـ�م�ـ��ة عميمة م��ا ت�خ�ل��ي �سيئات
و الكـرمي �إن الف مكـرم بالكرامة ينكرى
مـا ��ص��دق م��ن ق�ـ��ال زاي�ـ��د ارحت��ل عنا وفـات
84
هنا ..وهناك
الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
بحث ًا عن ج ّدات الكتابة يف ع�شرينيات القرن الع�شرين ،كانت فريجينيا وول��ف ت�أ�سف لغياب «ج��دات الكتابة» عن جيلها والأج �ي��ال التي �سبقتها من الكاتبات .فالكاتبة ترتبى على كال�سيكيات الأدب ،التي كتبها الرجال� .صحيح �أننا تعلمنا منهم لكنهم يف العموم ع�بروا عن ر�ؤيتهم للعامل ،كرجال. �أما ن�صف احلقيقة الآخر ،ن�صف الر�ؤية ،العني الثانية ،فكانت غ��ائ�ب��ة .الآن ،يف ب��داي��ات الأل �ف �ي��ة ،تنعم ال�ك��ات�ب��ات ب �ج��دات يف عامل الأدب والفكر والكتابة مثل فريجينيا وولف وقوت القلوب الدمردا�شية و�سيمون دو بوفوار ولطيفة الزيات.مل نكن لنتمتع بهذا القدر من احلرية بدون ه�ؤالء اجلدات. يف كتابها «غرفة تخ�ص املرء وحده» « »1928ت�ؤكد فريجينيا وولف �أن على الكاتبة �أن حتقق دخال يخ�صها كي تتمكن من الكتابة .كم تبدو لنا هذه اجلملة عادية وبديهية اليوم! لكنها مل تكن كذلك يف بدايات القرن الع�شرين .تت�أمل وولف بع�ض الأ�سباب االقت�صادية واالجتماعية والثقافية وراء غياب امل��ر�أة عن عامل الكتابة حتى وقت مت�أخر من تاريخ الإن�سانية :القرن التا�سع ع�شر .لقد كانت امل��ر�أة حتى ذل��ك التاريخ تابعة ال متلك زم��ام �أم��ره��ا ،فهي �إما تعتمد يف عي�شها على �أب �أو زوج �أو عائلة ،وبالتايل فهي ال حتتكم على �إرادتها كاملة� ،أو امر�أة فقرية تعمل يف الوظائف الدنيا ،بال �أمل يف الرتقي. ويف احلالتني ال متلك امل��ر�أة �آل�ي��ات ال��دخ��ول �إىل ع��امل الكتابة. الكتاب هو مقال طويل عن «الن�ساء والكتابة» ،مو�ضوع �صعب ق��اد فريجينيا وول��ف �إىل حماولة فهم �أ�سباب ت�أخر الن�ساء يف الدخول �إىل عامل الكتابة الذي ظل حكرا �شبه كامل على الكتاب ال��رج��ال حتى القرن التا�سع ع�شر .تت�ساءل عن ال�ظ��روف التي عا�شتها الن�ساء يف ع�صر امللكة �إليزابيث الأوىل ،على �سبيل املثال ،فحالت بينها وبني كتابة �صفحة واح��دة يف ذلك الع�صر
الذهبي للأدب الإجنليزي .فالع�صر الذي �شهد �أعمال �شيك�سبري وبن جون�سون مل ي�شهد كتابا واحدا كتبته امر�أة .وتر�صد وولف املفارقة :يف ذل��ك الع�صر كانت امل��ر�أة حا�ضرة بقوة يف الأدب ومقهورة يف الواقع .فاملر�أة تظهر يف �أدب الع�صر الإليزابيثي يف «�أدوار البطولة والدهاء والل�ؤم والبهاء واخل�سة ،متناهية اجلمال ومتناهية القبح ،يف عظمة الرجال ،بل �أن بع�ض الكتاب ي�ضعها يف مرتبة �أعظم» لكن كتب التاريخ تخربنا �أ�شياء �أخرى ،فاملر�أة وقتها كانت بالكاد تقر�أ ونادرا ما ت�ستطيع التهجي وكانت ملكا لزوجها .وك��ان �ضرب الزوجات «حقا معرتفا به للرجال ،وكان ميار�س بال حتفظ وال خجل يف جميع الطبقات على اختالفها.... وكانت االبنة التي ترف�ض الزواج من رجل اختاره �أبواها حُتب�س و ُت�ضرب وتُعامل بعنف ،دون �أن يكون يف ذلك �أي �شعور ي�صدم الر�أي العام». ك��ان��ت الهيمنة امل�ط�ل�ق��ة ل�ل�أن���س��اق االق�ت���ص��ادي��ة واالج�ت�م��اع�ي��ة والثقافية العامة التي �أكدت على دونية الن�ساء .غا�صت فريجينيا وولف يف كتب التاريخ ردحا من الزمن وعادت با�ستخال�ص مفاده �أن «الن�ساء حتى القرن التا�سع ع�شر مل ي�شجعن �أن ي�صبحن فنانات ،بل على العك�س ،كان ي�ستهان بهن وتلقى على م�سامعهن املحا�ضرات ويحر�ضن على ت��رك االن�شغال بالفنون .الب��د و�أن ذهن املر�أة كان يقع حتت �ضغوط هائلة». �أعود بخيايل �إىل ذلك الوقت و�أت�صور الطريق املحفوف بالقهر الذي كان على �أي كاتبة �أن تخطوه .البد �أن بع�ض الن�ساء حاولن وان�ت�ه��ت حم��اوالت�ه��ن بالف�شل� .صحيح ،فكيف الم ��ر�أة ال متلك قرارها �أن تكتب؟ كيف لإن�سان ال ميلك قوته �أن يكتب؟ تقول وولف �أن �أي ام��ر�أة موهوبة يف القرن ال�ساد�س ع�شر هي امر�أة تعي�سة ميزقها ال�صراع �ضد نف�سها و�ضد ظروف حياتها� ،أي �أن كل ما يعتمل يف كيانها يقف يف و�ضع النقي�ض للحالة الذهنية
د� .سحر املوجي
التي يحتاجها الكاتب«ة» ليقدم على خلق �إبداعي ،تلك احلالة من احلرية التي ت�سمح ب�إطالق �سراح الأفكار. حتكي فريجينيا وولف عن «الهدية ال�صغرية العزيزة» التي تركتها لها عمتها :خم�سمائة جنيه �إ�سرتليني يف ال�ع��ام ،وع��ن النقلة الكبرية التي حدثت لها منذ �أن عرفت �أن لها دخال م�ضمونا و�أن لي�س با�ستطاعة �أحد �أن ي�سلبها هذا املال. لقد تغري مزاجها ،وبعد �أن كانت ت�ضطر ملداهنة البع�ض� ،أو جماملة البع�ض الآخر� ،أ�صبحت �سيدة نف�سها .تقول «لقد توفر يل امل�سكن وامل�أكل وامللب�س �إىل الأبد .وبذا انتهى اجلهد الرتيب والعمل ال�شاق ،و�أي�ضا انتفت الكراهية وامل��رارة .الآن ل�ست يف حاجة �إىل كراهية �أي رجل ،فما من رجل ي�ستطيع �إيذائي ،كما �أنني ل�ست يف حاجة �إىل مداهنة رجل ،فما من رجل لديه ما مين علي به» .وتغري موقفها جتاه الرجال. ّ مل تعد ترى �أن بالإمكان لوم طبقة �أو جن�س �أو جمموعة من النا�س عما يفعلون ،لأنهم نتاج ق�صور يف النظام التعليمي وما يربيه يف النا�س ،كما �أنهم �ضحايا ل�شهوة التملك واال�ستحواذ على ما ميلكه الآخرون� ،إن ه�ؤالء هم من يبد�أون احلروب وي�صنعون الأ�سلحة والغازات ال�سامة .وتال حماوالتها للفهم �شعور بال�شفقة والت�سامح ،دام لفرتة ثم تال�شى ،وج��اء االنعتاق الأك�بر :حرية التفكر يف الأ�شياء كما هي. ملاذا �أتذكر فريجينيا وولف الآن؟ يف احلقيقة �أنا �أتذكرها كثريا� .أحاول تتبع خيوط امل�شكلة التي تعر�ضت لها ،و�أرى ظاللها يف حياتنا اليوم ،يف بدايات القرن ال��واح��د والع�شرين .فبالرغم من �أن الن�ساء قد قطعن �شوطا طويال نحو «حرية التفكر» خالل القرن الع�شرين� ،إال �أن �أخريات ال زلن يع�شن نف�س الظروف البائ�سة للمر�أة املوهوبة التي عا�شت يف القرن ال�ساد�س ع�شر :احتياج مايل يحول بيتها وبني ا�ستقالل
قرارها� ،أمن��اط ثقافية تذكرنا بو�ضعية �أدن��ى للن�ساء �أو تقنن من وجودهن يف املجال العام� ،أفكار �سائدة ت�ؤكد على تناق�ض منوذج الأم والزوجة مع منوذج املر�أة العاملة /الكاتبة /الفنانة /املتحققة، ك�أن لي�س هناك من �سبيل �إال االختيار� :إما هذا و�إما ذاك! ولكن من امل�ؤكد �أنه يف خالل الأرب��ع وثمانني عاما التي تف�صلنا عن ن�شر «غرفة تخ�ص املرء وحده» ،حدثت طفرة نوعية لوجود الن�ساء يف ع��امل الكتابة .تزايد ع��دد الكاتبات ،خ�ضن معارك فكرية وطرقن �أبوابا فنية عدة ،وكان نتيجة هذا الن�ضال امل�ستمر �أن فتحن ب�ضعة نوافذ على اجلزء املعتم من جتربة الإن�سان. 28مار�س ،1941فريجينيا وولف تقطع احلقول من بيتها «مونك�س هاو�س» يف «رودم��ل» مبقاطعة «�سا�سك�س»� ،إنها تعرف وجهتها جيدا� :شاطئ نهر «�أو�س». ت�صل �إىل هناك ،تنحني نحو الأر�ض وحتمل حجرا ،ت�ضع احلجر يف جيب معطفها وتلقي بنف�سها يف املياه� .أتخيل حلظة الي�أ�س القامتة التي �أو�صلتها �إىل هناك ،و�أحاول �أن �أت�صور �صراعها مع ما �أ�سمته «اجلنون» منذ �أن كانت يف الثالثة ع�شر من عمرها: الأ�صوات والهالو�س التي تعلو �أحيانا وتخفت يف �أحيان �أخرى ،ويف علوها تفقد فريجينيا قدرتها على الأكل والنوم والرتكيز ،ت�ضيع منها ال�سيطرة على الكلمات .لقد قررت الكاتبة الإجنليزية �أن تهرب من مر�ض «الهو�س االكتئابي» ،انهزمت �إرادتها ومل يعد ب�إمكانها حتمل املزيد. ماتت فريجينيا وولف بعد �أن تركت لزوجها ر�سالة متتزج فيها املحبة والأ� �س��ى على م��ا �سببته ل��ه م��ن �آالم ،وت��رك��ت ل�ن��ا ،نحن الكاتبات يف خمتلف ال�ث�ق��اف��ات� ،إرث��ا �ساهم يف ت�شكيل وعينا باحلياة. ب�إمكاين اليوم �أن �أ�سعد لأن لدي جدات يف عامل الكتابة و�أتذكر �إحداهن مبحبة وامتنان
هنا ..وهناك
عربية ألسنةاآلفاق ارتياد 86 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
ي�شهد �صراع ًا على هويته
الزجل اللبناني ..
عالمة اجتماعية في طريقها للزوال بريوت -حممد احلجريي منذ ت�شكيل �أول «جوقة زجلية» عرفها لبنان ،عام 1928م ،مببادرة من �أ�سعد اخلوري الفغايل امللقب بـ«�شحرور الوادي» وهو اال�سم نف�سه الذي حملته الفرقة ،انتقل ال�شعر الزجلي «املنربي»� ،أو فن القول يف لبنان من املنا�سبة والهواية �إىل االحرتاف ،وقد �ضمت تلك اجلوقة يف بدايتها �إىل جانب الفغايل ،ال�شعراء �أمني �أيوب ،يو�سف عبداهلل الكحالة ،اليا�س القهوجي ،ثم ان�ضم �إليها �شعراء �آخرون ،ثبتوا فيها و�أبدعوا ،منهم ال�شاعر علي احلاج، الذي توىل رئا�سة اجلوقة بعد غياب ال�شحرور ،وال�شعراء �أني�س روحانا ،طانيو�س عبده ،واميل رزق اهلل ،وكانت هذه اجلوقة هي نواة الزجل وت�أ�سي�س اجلوقات ،ومعها و�صل ال�شعر اللبناين �إىل م�صر ،وبعد ذلك انت�شرت اجلوقات يف كل لبنان و�أ�شهرها جوقة بلبل الأرز ،جوقة كروان الوادي ،جوقة زغلول كفر�شيما ،جوقة ن�سر املزرعة، وغريها الكثري حتى بلغ عدد اجلوقات وفقاً ملا �أورده ال�شاعر روبري خوري يف كتابه «الزجل اللبناين ،منابر و�أعالم» �أكرث من 85جوقة .بالإ�ضافة �إىل اجلوقات الزجلية يف املهجر و�أبرزها جوقة يف ا�سرتاليا برئا�سة يعقوب حنا ،و�أخرى يف ا�سرتاليا اي�ضاً با�سم بالبل املهجر ،وثالثة يف كندا ا�سمها جوقة املهاجر.
عندما كانت الأي��ام �شفهية :ال تلفزيون، وال فيديو� ،أو حتى رادي��و ،مل يكن للنا�س م��ن �سلوى يتجهون �إل�ي�ه��ا غ�ير احلفالت الزجلية ،وحتى بعد �أن ات�سعت ال��دائ��رة املرئية وامل�سموعة ،ظل الزجل على رونقه وجناحه يف املهرجانات ،واملباريات التي كانت تقام �سنوي ًا ،ويح�ضرها الآالف ،وقد �شارك فيها �أق�ط��اب الزجل �أم�ث��ال جوقة خليل روك��ز ،جوقة زغلول الدامور ،جوقة حممد امل�صطفى ،وجوقة القلعة .ثم �أتت فو�ضى احلرب اللبنانية «،»1990 – 1975 ف��ان�ح���س��ر ال��زج��ل �إىل ب�ع����ض احل �ف�لات ال�صغرية يف القرى اجلبلية. وي��ذك��ر روب�ي�ر خ ��وري يف ك�ت��اب��ه «ال��زج��ل اللبناين منابر و�أعالم» ع�شرات اجلوقات الزجلية يف ت��اري��خ لبنان املعا�صر ،وهي تعرب عن مدى ح�ضور هذا الفن يف املناطق اجلبلية يف لبنان.
�صراع على الهوية
من يراجع الكتابات الت�أريخية التوثيقية لفن الزجل يف لبنان ،يالحظ �أن هناك ما ي�شبه ال�صراع على هوية ه��ذا الفن، فهل هو عروبي �أم �سرياين �أم ماروين �أم جبلي �أم لبناين �أم �أندل�سي �أم بغدادي؟ كل كاتب ي�ؤرخ للزجل بح�سب هواه ال�سيا�سي و�أحيان ًا الطائفي واملناطقي «املنطقة التي ينتمي �إليها كل باحث». ُيرجع ُ بع�ض الدار�سني الزجل �إىل اجلاهل ّية ً الأُوىل يوم كان احلداء �شائعا على ظهور الإب� ��ل .وي ��رى بع�ضهم الآخ ��ر �أنّ عنرتة واملُهلهل نف�سهما نظما زج� ً لا .واملعروف بح�سب الباحث يف ال��زج��ل ج��ورج احل��اج �أنّ العرب «يف الأندل�س عرفوا هذا النوع من ال�شعر ،فنظموه وكتبوا فيه الدواوين؛ زجاليهم ابن قزمان» .وراح هذا و�أ�شهر َّ �زج��ل مي � ّد ج ��ذوره يف خمتلف البلدان ال� َ وزج ُله زجالوه َ العرب ّية حتى �أ�صبح لك ّل بلد ّ ُ املم ّيز عن غريه .فظهر الزجل امل�صري، طي»، والتون�سي، واخلليجي «املعروف بالن َب ّ ّ كما ُيع َرف يف لبنان بال�شعر اللبنا ّ ين .بينما
أقدم ما نملك من الزجل المدون قصيدة لسلمان الشلوحي تعود الى العام 1300م وهي من نوع الشروقي يرى الق�سي�س عي�سى الهزاز والبطريرك يو�سف العاقوري و�سواهم �أن الزجل يف لبنان انتقل مع انتقال املوارنة من اللغة ال�سريانية �إىل اللغة العربية.
من اخل�صو�صية �إىل العمومية
الذي امتاز به اللبنان ّيون عن �سواهم يف خا�صة هذا امل�ضمار هو �أ ّنهم َك ّونوا فرق ًا ّ زجالني؛ للزجل جتمع بني �أع�ضائها �أربعة ّ ويكون رئي�س اجلوقة �أقدمهم و�أكرثهم ُ�شهر ًة وخرب ًة يف القَول واالرجتال .وهكذا خرجوا بهذا ال�شعر من ح ّيز اخل�صو�ص ّية، �أي خ�صو�ص ّية املنا�سبات الفرد ّية ،على م�ستوى ال�شاعر �أو ال�غ��ر���ض� ،إىل ح ّيز العموم ّية التي تت ُ ّخذ من املنرب �ساح ًا لها يف ك � ّل مدينة وق��ري��ة ود� �س �ك��رة .وهناك �صراع على هوية الزجل اللبناين نف�سه، يقول الباحث خليل �أحمد خليل يف كتاب ال�شعر ال�شعبي اللبناين ال�صادر عن دار الطليعة�« :إن الزجل عربي �أ�ص ًال ،بع�ضه م��ن ب�غ��داد وبع�ضه م��ن قرطبة ،والزجل اللبناين م�شتق من هذا الزجل العربي»، وعلى غرار خليل ،يعترب ال�شاعر الزجلي �أ� �س �ع��د �سعيد يف ك�ت��اب��ه «�أ���ص��ل ال��زج��ل وف�صله» ،ال�صادر عن ال��دار اجلامعية، �أن «لبنان الزجلي لي�س ذا وج��ه عربي كما اخرتعها بع�ض ال�سيا�سيني ،الزجل يف لبنان عربي الوجه والقلب والل�سان، عربي ال�تراث» .ويذكر �أ�سعد �سعيد ب�أن للزجل تاريخ ًا ميتد �إىل � 1500سنة نق ًال
يرى أنيس فريحة أن الزجل عالمة من العالمات االجتماعية اللبنانية الذاهبة في طريق الزوال
ع��ن فا�ضل �سعيد عقل ،وي��رى �أن «ر ّدة» ال��زج��ل ق��د ت�صبح ق��و ًال م ��أث��ور ًا و�شاهد ًا على التاريخ ،بل قد ت�صبح يف حد ذاتها تاريخ ًا ،ويت�ساءل :من يف لبنان ال يتذكر قول الأمري فخر الدين املعني يف رده على �آل �سيفا الذين عريوه بق�صر قامته: نحنا زغار ولكن بالفعال كبار وانتو خ�شب حور ونحنا للخ�شب من�شار ك��ذل��كَ ،م��ن ِم��ن اللبنانيني ،واجلنوبيني خ�صو�ص ًا ،ال يتذكر احلداء اجلنوبي ال�شهري واملعروف باحلورية: ب�شكوف خرب دولتك �سلطاننا عبد اللطيف ولكن �أق��دم م��ا منلك م��ن ال��زج��ل امل��دون، ق�صيدة ل�سلمان ال�شلوحي «�أو الأ�شلوحي» وال �ت��ي ي�ق��در �أ��س�ع��د �أن �ه��ا ت�ع��ود �إىل العام 1300م .وه��ي من ن��وع ال�شروقي ،وال��ذي ن��راه م��زده��ر ًا يف مطلع ال�ق��رن الع�شرين م��ع � �ش �ع��راء م�ث��ل ال��زح �ل��ي ي��و��س��ف ح��امت، واجلنوبي من بلدة �شحور حممد حممود الزين .وق�صيدة الأ�شلوحي ،ق�صيدة رثاء لطرابل�س وتفجع على م�صريها بعد فتحها وطرد الفرجنة منها: يا حزن قلبي وما يخلى من احزاين والقلب من احلزن �شاعل نريان وامل�لاح��ظ �أن الزجل يطغى عليه العن�صر ال��ذك��وري ،ون���ادر ًا م��ا جن��د ام ��ر�أة «ق��وال��ة» و�صاحبة قول و«رد ّيات» تناف�سية �أو ظريفة يف هذا الفن.
ألسنة عربية 88 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
�أنواع و�أوزان الزجل
وي�ستخدم مبجال الغزل مثل ق�صيدة ياريت خلليل روكز: يا ريت عندي و�آخ لو فيي عا قد حبك جبلك هدية كنت بهديكي �صبا الوردات و�أحالم �آمايل الطفولية
للزجل �أنواع كثرية ،فهو كوردة تفرعت منها �أغ�صانها ،ففي كل غ�صن طعم ولون ورائحة زك�ي��ة ،وه��ذا ح��ال ال��زج��ل فمنه« :املعنى»، و«املو�شح» و«القرادي» ،و«املوال» ،و«العتابا»، ولهذا ال�شعر �أوزان��ه التي تلتقي مع بع�ض �أوزان ال�شعر الف�صيح ،ف ��وزن الب�سيط ُي�ستخدم يف «ال�شروقي» و«املوال» ،وي�ستخدم وزن املعنّى الوافر يف «الق�صيد» و«العتابا» ،وي�ستخدم وه ��و ع�ل��ى وزن ال��رج��ز ب��ال���ش�ع��ر ال�ع��رب��ي، وي���س�ت�خ��دم ب�شكل �أ��س��ا��س��ي يف احل� ��وارات بحر الرجز لـ«املعنى». الزجلية ،مث ًال ردة اليا�س خليل مبعركة حبو: يا حبذا ترحل يا ادوار بعجل وزن الق�صيد وهو على وزن البحر الوافر بال�شعر العربي تلحق �أبو الطيب عمملكة الأجل «م �ف��اع �ل�تن م�ف��اع�ل�تن ف �ع��ول��ن» ،وه ��و وزن �أخطل �صغري بال مذلة �أو خجل الأغنية ال�شعبية املعروفة «�سكابا يا دموع �سيطر عمملكة الف�صيح املرجتل العني �سكابا» ،ومن املهم �أن تعرف احلرف وي�ستخدم يف م��وا��ض�ي��ع ال �غ��زل م�ث� ً لا ردة ال�ساكن هنا واحلرف امل�شدد وهو الأهم يف نظم الزجل ،وي�ستخدم الق�صيد كمقدمة مو�سى زغيب: للمعركة الزجلية �أو للحفلة الزجلية ،مث ًال مبوا�سم التفاح قلتال تعي ق�صيد مو�سى زغيب يف معركة امل�شرف يبد�أ لب�ست ق�صري وعالقطف راحت معي واتطاولت عالغ�صن قلت بتوقعي كالتايل: جابت ال�س ّلم قلت ال تت�سرعي عالمو الليل ما بيفجر ظالمو ولرب املوهبة بي�ضرب �سالمو وزن القرادي ويلف الليل ويجبلو عمامي �أ�سهل الأوزان ،وغالب ًا ما تكون الردة فيه ويدرز هالنجوم على كمامو مرجتلة ووزن �ه��ا �سماعي وتفعيلة واح��دة تتكرر ،ي�ستخدم يف امل �ح��اورات الزجلية وي�ستخدم �أي�ض ًا كختام للمعركة الزجلية، العار�ضة حيث يبد�أ ال�شاعر بـ«ردّه» وتكرر مث ًال ق�صيدة زين �شعيب يف ختام حماورته جوقة الرتديد ال�شطرين الأخريين بعد كل مع �أني�س الفغايل مبعركة بيت مري: ردة قرادي تالية ،مث ًال: يا ح ّكام املع ّنى حاكموين ردة زين �شعيب يف معركة فقر: �أنا جمرم �إذا ما بتعرفوين عواميد القلعة املالوا �أنا جمرم لأين ر�ضيت جال�س تا املايل ي�سند حالو اللي كانوا ياكلوا ف�ضلت �صحوين و كل �شاعر من هال�شعار
انتقل الزجل في لبنان من الهواية إلى االحتراف على يد أسعد الخوري الفغالي الملقب بـ «شحرور الوادي» عام 1928م
ْبو ّقف عامود قبالو ن�سور بوا�شق و زغاليل نحن وين و �أنتو وين كل جيل بيلعب مع جيل ونحنا منلعب باجليلني وملا رماح ال�سمر متيل
والزين بيطعن بالزين ال تودّويل �سميح خليل ودّويل �سميح وخالو
املو�شح
يت�ألف كل بيت من �شطرين خمتلفي الوز، ال ي�ستخدم هذا املو�شح �إال للغزل حيث يبد�أ ال�شاعر بردة تكرر جوقة الرتديد ال�شطرين الأخ�يري��ن منها بعد كل ردة مو�شح تالية، غالبا ما يقال املو�شح يف احلفالت ،مث ًال ردة زين �شعيب: يا �سمرا ملّا اجلندي يعتاز �سالح قوليلو تكرم عندي عينني مالح بقلبي الع ّنة عالع ّنة وين عطفك وين و�ساعة هجرانك ع ّني ب�شهر و�شهرين وان كان م�ش رح بتحني عجروع الزين برجع �آدم عاجلنة ياكل تفاح
ال�شروقي
من �أ�صعب الأوزان ،ون�سمع جوقة الرتديد تعطي نغمة طويلة بعد كل بيتني من ق�صيدة ال�شروقي ،وي�ستخدم �أغلب الأحيان يف ختام احلفالت واملعارك ،مث ًال ق�صيدة ال�شروقي لزغلول الدامور يف نهاية معركة فقر: وقف يا مو�سى بكفي م�شارعة وجدال منك تان�سمع �سخافة �شعر ما جينا ابنك بي�سوى �ألف منك بهيك جمال مرن�ضى بابنك لكن فيك ما ر�ضينا
ظرفاء الزجل
�أ�صدر ال�شاعر اللبناين ج��وزف �أب��ي �ضاهر «مو�سوعة الزجل اللبناين � -شعراء ظرفاء»، وتولت «ال�شركة العاملية للمو�سوعات» ن�شرها يف �ستة �أجزاء ،وقدم لها حتت عنوان «الدعابة
بول�س �سالمة
جربان خليل جربان
ُ البعض الزجل يُرجع إلى الجاهليّة يوم كان الحداء شائع ًا على ظهور اإلبل أن عنترة ويرى آخرون ّ مهلهل نظما زج ً ال وال ُ
وال���س��ؤال ال��ذي يطرح نف�سه هنا ه��و مل��اذا اخلوف من الزجل املاجن املكتوب؟! يف حني �أن النكت املاجنة والفاح�شة باتت منت�شرة بقوة على �شا�شات التلفزة اللبنانية خ�صو�ص ًا يف الربامج الكوميدية والرتفيهية؟ الالفت �أن الإباحية م��وج��ودة عند غالبية ال�شعراء الزجالني يف لبنان ،ولعل �أبرزهم «اميل مبارك» الذي �أ�صدر منذ ن�صف قرن كتيب ًا بعنوان «و�سع الكف» يت�ضمن «قرادية» معظمها ال يقال علن ًا .وقد ن�شر الكتاب يومها من دون ذكر م�ؤلفه ،اختار منه «�أبي �ضاهر» م��ا ميكن �أن ي��درج يف مو�سوعته ،و�أغ�ف��ل الكثري ،الأم��ر نف�سه ين�سحب على بع�ض ما قاله الوزير وال�سيا�سي «اميل حلود» ،الذي قال زج ًال ماجن ًا و�سوقي ًا ب�أحد ال�سيا�سيني ب�سبب �إهماله الطريق امل��ؤدي اىل م�سقط ر�أ�سه يف البقاع ،وكذلك الأمر ما نظمه يو�سف �شرابية، واخل� ��وري ي��و��س��ف ع��ون وغ�يره�م��ا.وت�ب��دو جم��ون�ي��ات ظ��رف��اء ال��زج��ل خفيفة وردي�ئ��ة و�سطحية م�ق��ارن��ة بالن�صو�ص ال�تراث�ي��ة القدمية خ�صو�ص ًا �أ�شعار �أب��و نوا�س وابن حكيمة وابن الرومي وابن احلجاج �صاحب كتاب «درة التاج». ي �ق��دم �أب ��ي ��ض��اه��ر ل�ك��ل ��ش��اع��ر ن �ب��ذة عن � �س�يرت��ه ،ودوره ،ون �ت��اج��ه ،وم �ق��دم��ة لكل ق�صيدة تو�ضح املنا�سبة والزمن الذي قيلت فيه ،وقد اعتمد يف تن�سيق هذه املو�سوعة على الت�سل�سل الزمني� ،أي تاريخ ال��والدة ول�ي����س الت�سل�سل الأب� �ج ��دي ،لأن �شعراء القرن ال�سابع ع�شر كتبوا ب�أ�سلوب يختلف
ف�ضيلة دميوقراطية» ،على اعتبار �أن احلوارات الزجلية ،هي مدخل �إىل �أدب احلياة. ت�ضم املو�سوعة ما ي�شبه الأنطولوجيا لزجالني من منت�صف القرن ال�سابع ع�شر �إىل اليوم، من خمتلف الأطياف والفئات االجتماعية وال�سيا�سية اللبنانية ،وكل الزجليات الظريفة التي اختارها �أبي �ضاهر مرتبطة ب�أمكنة، ومنا�سبات و�أعالم ،و�شعراء وم�شاهري .ثمة �أ�سماء المعة ومعروفة يرد ذكرها ،و�أخرى مغمورة �أو غري معروفة مع بع�ض املتفرقات من هنا وهناك. اجته جوزف �أبي �ضاهر �إىل توثيق الطرافة ال��زج�ل�ي��ة ،لأن �ه��ا ع�م��وم� ًا غ�ير م�ن���ش��ورة يف دواوي��ن ال�شعراء ،وهي تقال يف املنا�سبات اخلا�صة ،و�أحيان ًا كثرية تقال هم�س ًا لأن فيها بع�ض الدعابة الإباحية واملاجنة وال�ساخطة التي ال تزال ترتدد على الأل�سن برغم مرور عقود على قولها ،واختار �صاحب «ال�شعراء الظرفاء» ما ميكن ن�شره� ،إذ �أن هناك الكثري مما ال يجوز �أو ال ي�سمح ب�أن يطبع يف كتاب ب�سبب الرقابة الر�سمية والذاتية.
ألسنة عربية 90 الـعــــدد 155 �سبتمرب
لوالك؟ ما انحط وما انهان يا اله ،ويا �شيطان انت القفل واملفتاح
2012
توفيق يو�سف عواد
عا�صي الرحباين
عا�صي وفريوز
متام ًا عن الأ�سلوب الذي نراه اليوم لناحية يهاجم فيها «عبدة الدوالر»: ال�سبك� ،أو اللغة ال�شعرية. يا �أخ�ضر ويا بو جناح يا �سالح املا عندو �سالح لوالك ما كان يف الدنيا زجل �شعراء املهجر ال�ب��ارز �أن ك��ل �شعراء املهجر كتبوا ال�شعر ال عمران ،وال �إ�صالح ال��زج �ل��ي م�ث��ل ال��رح��ال��ة �أم�ي�ن ال��ري �ح��اين ،لوالك؟ ما ارتقى ان�سان والأدي �ب��ان ج�بران خليل ج�بران وميخائيل نعيمة ،وال�شاعر �إيليا �أبو ما�ضي� ،إ�ضافة �إىل �أعالم من الأدب العربي اللبناين �أمثال بول�س امتاز اللبنانيّون عن �سالمة ،توفيق يو�سف عواد ،اليا�س �أبو �شبكة، �شفيق املعلوف ،وم��ارون عبود ،ف��ؤاد كنعان ،سواهم في الزجل خاصة وخليل ح ��اوي .وين�شر �أب��ي �ضاهر زجلية بتكوين فرق ّ لل�شاعر �أب��و ما�ضي كتبها يف الأربعينيات مكونة من أربعة
جالين ز ّ
ثمة �أ�سماء لبنانية لها ن�صو�صها يف مو�سوعة �أبي �ضاهر كتبت الزجل وا�شتهرت يف جمال �آخر غري هذا الفن ال�شعبي ،فـ«فيلمون وهبي» ق��ال ال��زج��ل لكن �شهرته يف الأحل ��ان التي قدمها ف�يروز ،وقد و�صف بـ«�شيخ امللحنني»، وهو خبز الفن واحلياة وملحهما ،وله الكثري من الق�ص�ص و«النهفات» ،ومنها �أن فريوز عندما �سمعت «ي��ا دارة دوري فينا» قالت لعا�صي« :ريتك تقربين �شو حلوي هالغنية ما بقى ي�صري �أحلى من هيك» ،فر ّد عا�صي قائ ًال: «هيدي ّ حلنها القرد «فيلمون»م�ش �أنا». وهناك وليم ح�سواين الذي عرف بالزجل، وكان له �صالونه ال�شعري ،ولكن �شهرته كانت يف التمثيل يف دور «ال�شاوي�ش» مع الرحابنة، يقول من�صور الرحباين« :ل�ست �أدري �إذا كان وليم ح�سواين قد جاء من ال�شعر �إىل امل�سرح، �أم �أنه انتقل من امل�سرح �إىل ال�شعر!». م��ن دون �أن نن�سى م��ن الأ� �س �م��اء عا�صي الرحباين الفنان الكبري ال��ذي ق��دم الكثري من الأغنيات والأحل��ان لفريوز ومع ذلك له بع�ض الزجليات ،ومثله الفنان ن�صري �شم�س الدين والكوميدي جنيب حنك�ش �أو ال�سيا�سي ال��رئ�ي����س �أي���وب ث��اب��ت ،رئ�ي����س اجلمهورية اللبنانية ،ال��ذي كتب دي ��وان «ال� ��ودي»� ،أي الوادي ال�صغري ،وغريه.
زجل حكام لبنان
مل يكن �أي��وب ثابت �أول حاكم لبناين يع�شق ال�شعر ويكتبه� .سبقه الأمري فخر الدين املعني الثاين والأم�ير ب�شري ال�شهابي ،وكذلك نعوم لبكي وكان رئي�س ًا للمجل�س التمثيلي الأول. ومم��ا ورد ح��ول �أي ��وب ث��اب��ت يف املو�سوعة: يف �أم�يرك��ا �أ��س����س �أي ��وب ث��اب��ت م��ع العديد من املهاجرين «رابطة �سوريا ـ جبل لبنان للتحرير» ،وانتخب رئي�س ًا ل�ه��ا ،وك��ان بني �أع �� �ض��ائ �ه��ا :ج �ب�ران خ�ل�ي��ل ج�ب��ران� ،أم�ي�ن الريحاين وميخائيل نعيمه .هدفها حترير
�سوريا من احلكم العثماين والتمتع بكيان م�ستقل يف ج�ب��ل ل�ب�ن��ان ،يف �إط ��ار ح��دوده القدمية ،حتت احلماية الفرن�سية .ويف هذه املرحلة ا�ضطر �إىل رهن �ساعته الذهبية غري مرة يف نيويورك ل�سد الرمق ولإر�سال برقيات �إىل ر�ؤ�ساء عديدين لإ�سماع �صوت لبنان. عاد �أيوب ثابت �إىل لبنان وانغم�س يف العمل ال�سيا�سي ،ث��م اخ�ت�ير رئي�س ًا للجمهورية يف ال �ف�ترة االنتقالية ال�ت��ي �سبقت �إع�لان ا��س�ت�ق�لال ل�ب�ن��ان «م��ن � 18آذار /م��ار���س �إىل 21مت��وز/ي��ول�ي��و .»1943بعد انتهاء تكليفه بالرئا�سة ،عاد �إىل بلدته بحمدون، ون�صب خيمة يف كرم له يف منطقة �أ�سماها «الودي» وان�صرف �إىل كتابة ال�شعر الزجلي بالعامية ،علم ًا ب��أن��ه �أجن��ز �أول كتاب له « 1908عربه وذك��رى» و�أه��داه �إىل الدكتور حنا توفيق بك نائب �أدرنه بتقدمي جاء فيه: موالي� ،ألفيتك من بني نواب الأمة �أقربهم �إىل قلبي .وكان �أيوب ثابت يف �شبابه قد ن�شر كتابات يف «املقطم» امل�صرية و«ا ألح��وال» و«الوطن» يف بريوت ،وبني ق�صائده الأوىل واحدة مطلعها: خلق النا�س يف احلقوق �سواء فتقوى قوم و�سادوا البقية زعموا ان امللك �آتٍ اليهم بد َء بد ٍء من �سلطة علوية �أم��ا «ال ��ودي» فهي ق�صيدة زجلية طويلة، ف��ري��دة يف �صياغتها ويف م�ضمونها ،وقد ح� ّم�ل�ه��ا ذك��ري��ات م��ا��ض�ي��ه وروح ال�ق��ري��ة اللبنانية القدمية.
ابن ال�ساحل ال يقول زج ًال!
بقي ال�شعر الزجلي حم�صور ًا بجغرافيا اجلبل اللبناين ،ذلك لأن ابن ال�ساحل ال يقول زج ًال، هذا معروف ،ابن ال�ساحل له عالقة �أكرث مع التجارة ،والأغنيات الكال�سيكية التقليدية، واب� ��ن اجل �ب��ل ي�ه�ت��م ب��ال��دب �ك��ة ،وال�ف�ل�ك�ل��ور، والأغ ��اين ال�شعبية ،ه��ذا يعود �إىل مناخات اجلبل وت�ضاري�سه ،ويبدو �أنّ «م�س�ألة االعتداد لت �إىل ظاهرة» اجلبلي �أو باملن�ش�إ ّ القروي حت ّو ْ ّ
خليل حاوي
زغلول الدامور
بح�سب الناقدة خالدة �سعيد ،حتى كثرُ َ التلميح وو�صلت �إىل امل�ساجالت الزجل ّية حول حولها، ْ زجل �ض ّمت «البريوتي» و«اجلبلي» ،ففي جل�س ِة ٍ ّ ّ ال�شعرا َء ال�شعبيني عمر الزعني و�أ�سعد �سابا وعبد اجلليل وهبي و�أ�سعد ال�سبعلي ،دارت معرك ٌة زجل ّية ،وجرى احلوا ُر الآتي بني �سابا مم ِّث ًال ابنَ اجلبل ،والزع ّني مم ِّث ًال ابنَ بريوت: ابن �سابا: �أوعى يغ ّرك �سكوتي بته ّز ال�صخْ ر بيوتي هات الليلة �شو عندكْ بتحكي بريوتي يللي ْ
لو كنت ح�صان. لو كنت ح�صان يف بيت �سر�سق باكل ف�ستق باكل بندق ما كنت ب�سرق زي الزعران لو كنت ح�صان من �سوء ّ حظي خملوق �إن�سان يف جبل لبنان ذليل مُهان جوعان هفيان حايف عريان �آه يا ريتني ح�صان.
الزع ّني: لو عندك بال�ضيعة توتْ وكالمك ك ُّله مثبوتْ ما كنت تركتِ ال�ضيعة وجيتْ �سكنتْ يف بريوت! مل يعرف الزعني كزجال ،بل ك�شاعر �شعبي ل��ه م��واق �ف��ه ال�ن�ق��دي��ة يف م�ع�ظ��م ق�صائده و�سجن ب�سبب �أق��وال��ه ،ففي �إح��دى امل��رات �سخر من الواقع املزري ملحدودي الدخل يف لبنان ،ورفاهية اخليل يف �إ�سطبالت الطبقة اللبنانية املي�سورة التي كان بع�ض �أفرادها م��ن ه ��واة تربية خ�ي��ول ال���س�ب��اق .ي�ق��ول يف �أغنيته «لو كنت ح�صان»: لو كنت ح�صان �شو َع بايل �أبو زيد خايل را�سي عايل من اله ّم خايل عاي�ش �سلطان
�أث ��ارت الأغنية �ضيق ال��وزي��ر ال��راح��ل هرني فرعون ،فتقدّم ب�شكوى من كاتبها الذي ُ�سجن ثالثة �أ�شهر يف �سجن الرمل ،كما يروي فاروق اجلمال يف كتابه «حكاية �شعب» .و�شاعر بريوت مل يكن يحلم ب�أن ميتطي احل�صان ،بل مت ّنى �أن يكون ح�صان ًا يف �إ�سطبالت فرعون يف ميدان ال�سباق ،ويف و�صفه امل�شهد ال�سيا�سي يقول: من القنطاري �إىل ر�أ�س النبع ا�شتغل ّ ال�سف ا�شتغل البلع ن�ستطيع �أن نقول �إن معظم كتابات عمر الزعني قائمة على الظرافة والدعابة والنقد القا�سي، فقد تعر�ض للمالحقة من االنتداب الفرن�سي ومن ال�سلطة اللبنانية ب�سبب �أق��وال��ه ،والحق ًا عمد بع�ض الفنانني �إىل قر�صنة بع�ض ق�صائده وحتويرها خ�صو�ص ًا �أغنية «عندك بحرية» لوديع ال�صايف .هذا غي�ض من في�ض عن ظرفاء ال��زج��ل ،ال��ذي ي��رى �أني�س فريحة �أن��ه عالمة من العالمات االجتماعية اللبنانية الذاهبة يف طريق الزوال
92
جماليات
الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
هيمنة الجسد الجماعي
معجب الزهراين
تت�صل الفنون اجلميلة كلها ب�أع�ضاء اجل�سد الب�شري ،لكن فنون الرق�ص تظل هي فن اجل�سد بامتياز. وه��ي ه�ك��ذا لأن الإن���س��ان ب��د�أ ي�ستعمل ج�سده لأداء العمل الإجنازي الذي ي�ؤمن له حاجاته الفطرية ،مثله مثل الكائنات احلية الأخرى .ثم انتقل يف حقبة تطورية الحقة �إىل ا�ستعمال اجل�سد ذاته لإ�شباع حاجات رمزية – روحية متيزه عن عامل احليوان . ه�ك��ذا يتمو�ضع اال�ستعمال اجل�م��ايل واال�ستعمال التعبدي يف الرتبة ذاتها فكالهما من امل�ؤ�شرات القوية على ت�أن�سن هذا الكائن الذي ظل وعيه بذاته وبالعامل من حوله يتطور بانتظام . هكذا ي�صح �أن نقول ب�أن الإن�سان كائن جمايل بالفطرة بقدر ما هو كائن عاقل ناطق بالفطرة.وال يعني مفهوم «الفطرة» هنا �أن الب�شر بد�أوا حياتهم بالر�سم والرق�ص والغناء والعزف على الآالت املو�سيقية بقدر ما يعني �أن الإن�سان با�شر الفنون يف مرحلة مبكرة من تاريخ ت�أن�سنه لأنه مهي�أ بيولوجي ًا لهذه
يتموضع االستعمال الجمالي واالستعمال التعبدي في الرتبة ذاتها ،فكالهما من المؤشرات القوية على تأنسن الكائن ّ ظل وعيه بذاته وبالعالم الذي من حوله يتطور بانتظام
جماليات الفن كله ثقافة خفيفة مرنة ممتعة ،محايثة لحياة اإلنسان منذ أن سكن الكهوف وال غرابة أن تنتشر وتستهوي األفراد والجماعات في عصر التقنيات االتصالية التفاعلية الأن�شطة كما هو مهي�أ للكالم . وهناك معطيات كثرية ت��دل على �أن اال�ستعماالت اجلمالية للج�سد ت�ؤمن حاجات نف�سية -ذهنية ال غنى للإن�سان عنها . فاملنظور الأنرثوبولوجي يفيد ب�أن املمار�سات اجلمالية تتولد عن م�شاعر لعبية حرة مرحة ن�شاهد بع�ض جتلياتها حتى يف عامل احليوان الذي ما �إن ي�ؤ ّمن �ضروريات احلياة حتى ي�ؤدي حركات �إيقاعية �أو يتغنى ب�أ�صوات منتظمة دالة على �إح�سا�سه بالغبطة واالطمئنان . ومن املنظور التاريخي ال ي�ستطيع �أحد ن�سبة الن�شاط اجلمايل ملجتمع حم��دد �أو ل�شخ�ص بعينه ،بينما يعرف الباحثون �أن ُم ِّ د�شني املعتقدات الكربى ،كالهندو�سية والبوذية والكتابية، �أ��ش�خ��ا���ص م�ع��روف��ون ب�أ�سمائهم و��س�يره��م وت��واري��خ ميالهم وموتهم مثلهم مثل امللوك والأم��راء الذين �شيدوا ما عرف الح�ق��ا ب�ـ «ال��دول��ة» ال�ت��ي متثل بنية تاريخية م�ت�ج��اوزة لبنى الع�شرية والقبيلة ما قبل التاريخيتني مبعنى ما. �أم��ا م��ن املنظور الواقعي الإم�بري�ق��ي ،فهناك ظ��اه��رة كونية دال��ة بحد ذاتها على �أن للتجربة اجلمالية �أ�صالة ال ميكن �سربها ،وجاذبية ال ميكن مقاومتها ،فالع�صر احلديث ي�شهد انح�سار ًا منتظم ًا للنظريات الفل�سفية واملعتقدات الدينية
والإيديولوجيات ال�سيا�سية ،فيما ي�شتد ت�أثري الفنون اجلميلة وميتد يف كل اجتاه . ول��و زال��ت �أو خ� ّف��ت م�ظ��اه��ر الإك� ��راه ال�ت��ي تبا�شرها بع�ض ال�سلطات الر�سمية التقليدية ل��زاد ت�أثري الفنون اجلمالية وحتولت �إىل عامل تقارب وتفاهم �أ�سا�سي بني الب�شر ،وخا�صة يف �أو�ساط ال�شباب الذين ع��ادة ما ي�ستهويهم كل جديد يف املو�سيقى والأف�ل�ام والرق�صات والأغ ��اين ،كما يف الأل�ع��اب والأزياء والأطعمة . فالفن كله ثقافة خفيفة مرنة ممتعة ،حمايثة حلياة الإن�سان منذ �أن �سكن الكهوف وبا�شر لقط الثمرات و�صيد احليوانات يف الرب والبحر واجلو ،وال غرابة �أن تنت�شر وت�ستهوي الأفراد واجل�م��اع��ات يف ع�صر التقنيات االت�صالية التفاعلية التي �أف��رزت جيال جديد ًا يف�ضل ال�سكنى يف ف�ضاءات واقعية �أو افرتا�ضية واحدة . بعد هذا يحق لنا �أن نطل على مفارقة تاريخية قد تك�شف عن �أزمة ثقافية -ح�ضارية يعانيها الإن�سان العربي �أكرث من غريه وتعانيها املر�أة �أكرث من الرجل .فمع تنوع التجارب اجلمالية وغناها يف ثقافاتنا ال�شعبية التقليدية� ،إال �أن الدولة احلديثة تبدي توج�س ًا قوي ًا من الفنون عموم ًا ،وقد متار�س قمع ًا مبا�شر ًا لفنون احلركة ب�شكل خا�ص. ولتفهم ه��ذه امل�ف��ارق��ة علينا �أن ن��ذ ّك��ر مب��ا ي�سعى اخلطاب الر�سمي �إىل حموه �أو تهمي�شه .فتحرر اجل�سد الفردي من هيمنة اجل�سد اجلماعي ،هو البداية اجلدية لتحرر الكائن ذات��ه م��ن قمع ال�سلطة ال�سائدة كما ي��ذه��ب �إل�ي��ه م�صطفى حجازي وغريه من الباحثني
مجلس العلوم 94 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
ب�إمكان العلم �أن يكون مده�ش ًا ..وحمبط ًا كذلك
حقائق العلم الصادمة د�.سمري عالء الدين
�أخ�صائي جراحة القلب وال�صدر مب�ست�شفى دبي
ب�إمكان العلم �أن يكون مده�شاً و�أن ي�ساعد فى �إزالة بع�ض الغمو�ض عن �أ�سرار العامل من حولنا ،ولكن فى كثري من الأحيان ،تكون بع�ض االكت�شافات العلمية الكربى حمبطة و�أحياناً �صادمة .فيما يلى بع�ض هذه احلقائق ال�صادمة. مازالت اجلراثيم تنت�صر علينا
�ساعدت امل�ضادات احليوية واللقحات على احلفاظ على ماليني الأرواح التي كانت فى عداد املوتى مت�أثرة بالفريو�سات واجلراثيم. ولكن ماتزال بع�ض هذه اجلراثيم تطور نف�سها
ب�سرعة تفوق كثري ًا �سرعة مكافحتنا لها. فمث ًال ف�يرو���س الأن �ف �ل��وان��زا يتطور ويتغري ب�سرعة ،حتى �أن لقاح هذا العام ال ي�ستطيع �أن مينع الإ� �ص��اب��ة بنف�س ال�ف�يرو���س العام املقبل .كما ينت�شر �أحيان ًا فى بع�ض امل�شايف نوع من البكترييا العنقودية التي فى �إمكانها
ملاذا جمل�س العلوم؟ ال�س�ؤال الكبري الذي واجهنا ونحن نخطط ل�صفحات «جمل�س العلوم» كان يتعلق بطبيعة الرابط الذي يجب �أن ينتبه �إليه القراء بني جملة حتمل ا�سم «تراث» مبا يُحيل �إليه من ِقدَم وعتاقة ،وبني م�ستحدثات العلوم الطبيعية. ويف احلقيقة ف��إن ك�شف ه��ذا التناق�ض الزائف ك��ان �أب��رز �أ�سباب حتم�سنا لهذه الزاوية ،لأنه ي�صب يف �صميم ما ن�سعى �إليه من �إعادة تعبئة م�صطلح «الرتاث» مبعانيه احلقيقية ،با�ستح�ضار معناه ال�شامل والوا�سع ال��ذي ي�ضم كل منجز ح�ضاري من �ش�أنه الت�أثري يف الإن�سان؛ كل فعل ،و�أداة ،وفكرة مهما كانت ب�ساطتها، كان لها �أثرها على حياة النا�س ،الفارق الذي يعتد به يكمن يف الأث��ر ولي�س يف التعقيد ،فكم م��ن �أف �ك��ار ب�سيطة �صنعت حت��والت عظيمة ،وت ��راث احل�ضارة الإ�سالمية زاخر بالعديد من تلك الأفكار التي اعتقد �أهلها يف وقتها �أنها ب�سيطة، �إىل �أن تبناها الغرب مبنهج �إدارة يقي�س الأ�شياء ب�آثارها ،فكانت فاحتة لتحوالت يعي�ش العامل على �آثارها حتى يومنا هذا.قناعتنا التي ننطلق من خاللها ،هي �أن الإجناز العاملي يف العلوم الطبيعية مل يكن �أبداً حكراً على الغرب ،وهو �أمر له دالالته القاطعة يف املا�ضي ،حينما كانت احل�ضارة الإ�سالمية هي الرائد للتقدم العلمي ،كما �أن احلقيقة التي يجب �أن ال نغفل عنها هي �أن الغرب يف ع�صرنا الراهن ال يحتكر التقدم العلمي وي�ستفيد منه �إال من خالل �إدارة فاعلة ،بينما الإبداع ال جن�سية له .انطالقاً من هذه القناعة ،ف�إن جمل�س العلوم ،هي �صفحات ُتعنى بتج�سري تلك امل�سافة الفا�صلة التي �أخفقنا نحن العرب يف جت�سريها ،تلك امل�سافة ال�صغرية جداً ،اخلطرية للغاية بني النظرية والتطبيق.
�أن جتعل جرح ًا متناهي ًا فى ال�صغر كارثة طبية قد تودى بحياة املري�ض. كما ي�ستمر ظهور الأمرا�ض اجلديدة الناجتة عن هجوم اجلراثيم من احليوان �إىل االن�سان مثل االيبوال من القرود و انفلوانزا الطيور و�أنفلوانزا اخلنازير. حتى مر�ض الدرن«ال�سل» ال��ذي ق�ضى على املاليني فى القرن املا�ضى يعود الآن بقوة جزئي ًا ب�سبب ظهور �سالالت جديدة مقاومة لكثري من الأدوية املتاحة� .إذن حتى فى القرن احل ��ادي والع�شرين ميكن �أن مي��وت امل��رء ب�سبب تناول بع�ض الطعام.
هل نحن يف منت�صف الإنقرا�ض ال�ساد�س؟
حدد علماء احلفريات خم�سة �أزمنة فى تاريخ ال�ع��امل حدثت فيها لأ�سباب خمتلفة «مثل ارتطام �أجرام �سماوية بالأر�ض ،انفجارات ب��رك��ان �ي��ة�،أو ت �غ�يرات مناخية» انقرا�ضات عظمى �أدت �إىل اختفاء كثري �أو كل �أن��واع احلياة من على وجه الأر�ض. الآن ،وطبق ًا لآراء الكثري من علماء الطبيعة، نحن فى منت�صف �ساد�س هذه الإنقرا�ضات ال �ت��ي ك���ان م ��ن �أوائ� � ��ل ال �� �ض �ح��اي��ا ح �ي��وان «امل�ستودون» وهو حيوان بائد �شبيه بالفيل.
خ�لال ان�ت�ق��ال اجلن�س الب�شري م��ن ق��ارة ل �ق��ارة �أخ ��رى ب ��د�أت احل �ي��وان��ات ال�ضخمة فى الإخ�ت�ف��اء .مثل �إختفاء امل�ستودون من �أمريكا ال�شمالية والكاجنارو ال�ضخم من ا�سرتاليا والفيل القزم من �أوروبا .بالإ�ضافة ل�ه��ذه الأ� �س �ب��اب ال�ت��ي �أدت للموجة الأوىل م��ن االن �ق��را���ض ،ف� ��إن الإن �� �س��ان الع�صرى ي�ساعد عليه الآن ب�صيد احليوانات املهددة ب��الإن �ق��را���ض ،ت��دم�ير مواطنها الطبيعية، وا�ستقدام ال���س�لاالت امل�ع��ادي��ة لها ،ون�شر الأمرا�ض بغري ق�صد.
الأطعمة الطيبة ..قاتلة!
منذ عام 1948يجرى فرامينجهام درا�سة �ضمت �أك�ثر من 5000مواطن من قاطنى مدينة فرامينجهام فى ما�سي�شوتي�س ،وهي درا��س��ة طويلة الأم��د ع��ن ع��وام��ل اخلطورة التي ت� ��ؤدي للإ�صابة مبر�ض القلب .هذه الدرا�سة ت�ضم الآن �أحفاد املتطوعني الأوائل. �أو�ضحت هذه الدرا�سة وغريها �أن خطورة حدوث �أمرا�ض القلب واجللطات الدماغية وداء ال�سكرى وبع�ض �أن��واع االورام اخلبيثة والأم��را���ض الأخ��رى مرتبط طردي ًا بتناول الأغذية ذات الطعم الذيذ. حلم اال�ستيك ،والبطاطا املقلية اململحة، و�أطباق البي�ض املقلي اللذيذة ،واحللويات بالكرمية املخفوقة ،كل ذلك ات�ضح �أنه قاتل. بالت�أكيد هناك بع�ض الأطعمة اللذيذة �صحية مثل املك�سرات والتوت والبازالء. ك��ان منطقي ًا ع�بر الع�صور التي ك��ان فيها �أج ��دادن ��ا ي �ع��ان��ون م��ن نق�ص ف��ى الطعام ويبحثون عن فري�سة ل�صيدها �أن يلتهموا الكثري من الد�سم وامللح .مل يعد ذلك مربر ًا متام ًا الآن فى ع�صر اجللو�س �أمام �شا�شات الكمبيوتر واحلياة الراكدة فى املكاتب.
E=mc²
النسخة األخيرة من الجينوم البشرى أكدت أننا نمتلك ربع ما كنا نعتقد من جينات املعادالت عبقرية وجما ًال ،ولكنها �أي�ضا من �أك�ثره��ا �إث ��ارة للرعب� .إن ال�ق��وة املو�ضحة ب��امل �ع��ادل��ة ت�ك�م��ن ف��ى ال� �ـ «� »C2أو �سرعة ال�ضوء «والتي ت�ساوي 186,282مي ًال فى الثانية» م�ضروب ًا يف نف�سه� ،أي �سيكون الناجت . 34,700,983,524 عندما يكون ه��ذا ال��رق��م الهائل ه��و عامل ال���ض��رب ،ف��أن��ت ال حت�ت��اج �إىل وزن لإن�ت��اج ط��اق��ة .فمثقال متناه يف اخلفة م��ن معدن البلوتونيوم كاف جد ًا لتدمري مدينة ب�أ�سرها.
الكون غري املتخيل
كل الأ�شياء التي تخطر على بالنا عندما نفكر يف ال �ك��ون «م�ث��ل ال �ك��واك��ب ،النجوم، املجرات ،الثقوب املظلمة ،الغبار الكوين» ال
الطاقة ت�ساوي حا�صل �ضرب الكتلة يف مربع المعرفة حضور ما كان �سرعة ال�ضوء ،تلك معادلة العامل � أين�شنت غائب ًا عن الذاكر ولهذا ال�شهرية للطاقة� .إن�ه��ا بالت�أكيد م��ن �أك�ثر كان ضدها اإلنكار وضد العلم الجهل
متثل �إال �أربعة باملائة فقط مما هو موجود هناك ف�ع� ً لا .الن�سبة الباقية م��ن مكونات الكون تندرج حتت ق�سمني :الأول هو الظالم �أو املادة املظلمة �أو الكتلة غري معلومة الهوية والتي تك ّون ما ن�سبته 23باملائة من الكون. �أما الق�سم الثاين فهو الطاقة املظلمة والتي متثل 73باملائة تقريب ًا من الكون. بينما ميتلك العلماء بع�ض الأف�ك��ار املبدئية والتي الت��زال يف ط��ور النظريات عن امل��ادة املظلمة ،تبقى الطاقة املظلمة مبهمة املاهية مت��ام� ًا بالن�سبة للعلماء .حيث �ص ّنف عامل الكونيات الربوفي�سور مايكل ترنر بجامعة �شيكاجو الطاقة املظلمة على �أنها «اللغز الأكرث غمو�ض ًا وعمق ًا فى جماالت العلم قاطبة». �إن اجلهد العلمي املبذول حلل هذا اللغز قد جعل جي ًال كام ًال من علماء الفلك يعيدون درا�سة علوم الفيزياء والفلك من جديد لعلهم يحققون ن�صر ًا علمي ًا ال يقل �أهمية بل ويتفوق على الك�شف العلمي الذي حققة جاليليو فى ليلة من ليايل اخلريف مبدينة بادوفا. ولكن ما هو م�ؤكد لعلماء الكونيات �أن العامل بف�ضل هذه القطع املظلمة �آخذ فى التمدد، ولي�س التمدد فقط ،ولكن التمدد املت�سارع، وال��ذي ي��ؤدى يف النهاية �إىل �أن كل مكونات هذا الكون �سوف تتباعد عن بع�ضها البع�ض، �أى �أن الكون �سينتهي بارد ًا ومقفر ًا
مجلس العلوم 96 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
العودة بعقارب ال�شيخوخة �إىل الوراء
اكتشافات علمية قد تغير الحياة لألفضل
هناك الكثري من االكت�شافات العلمية يف الآونة االخرية ،الكثري منا مبهر حقاً ،و لكن القليل منها يكت�سب �أهمية خا�صة من كونه قد يغري حياة الإن�سان �إىل الأف�ضل يف فرتة وجيزة. التاىل من االخرتاعات قد ي�ساعد على �شفاء �أمرا�ض ورمبا ي�ساعد الإن�سان على العودة بالوراء بعقرب �ساعة ال�شيخوخة.بع�ض نتائج هذه الأبحاث قد ن�ستفيد منها قريباً وبع�ضها قد ننتظر طوي ً ال حتى نرى ثمراته. �إعادة برجمة خاليا اجللد
اخل�ل�اي��ا اجل��ذع �ي��ة اجل�ن�ي�ن�ي��ة ه��ي خ�لاي��ا م�ستمدة من اجلنني يف مراحلة املبكرة «عمر � 4إىل � 5أيام» حيث يتكون اجلنني وقتها من � 50إىل 150خلية .عزل هذه الكتلة اخللوية من اجلنني يقود �إىل اتالف الأجنة الب�شرية املخ�صبة مم��ا يثري ق�ضايا �أخ�لاق �ي��ة� .إن اخلاليا اجلذعية اجلنينية املحفزة ق��ادرة على التمايز �إىل جميع �أن��واع خاليا اجل�سم ال�ب��ال��غ ع��دده��ا 220ن��وع � ًا .ب��الإ��ض��اف��ة �إىل �أن اخلاليا اجلذعية اجلنينية ق��ادرة على التكاثر بنف�سها �إىل ما النهاية .هذا ي�سمح بتوظيف اخلاليا اجلذعية اجلنينية ك�أدوات مفيدة لكل من الأبحاث والطب التجديدي. مت اقرتاح العالج باخلاليا اجلذعية اجلنينية ال�ستبدال الأن�سجة بعد الإ�صابة باملر�ض مثل ال�سرطان والباركن�سون. يف ع ��ام 2007اك�ت���ش��ف ال�ع�ل�م��اء بجامعة ك��ال�ف��ورن�ي��ا ب�ل��و���س اجنلي�س �أن ب�إمكانهم ب��رجم��ة خ�لاي��ا اجل�ل��د ح�ت��ى تت�صرف مثل اخلاليا اجلذعية التي ت�ؤخذ من الأجنة .كان هذا اكت�شاف ًا مذه ًال خا�صة و�أن ا�ستخدام اخلاليا من الأجنة يواجه �إعرتا�ض ًا لأ�سباب دينية .ك��ان من امل��ؤم��ل �أن يكون ا�ستخدام هذه الطريقة �أف�ضل من ا�ستخدام اخلاليا
رغم تقدم العلوم تبقى الطاقة المظلمة اللغز األكثر غموض ًا وعمق ًا فى مجاالت العلم قاطبة اجلذعية اجلنينية وذل��ك لوفرتها و�إمكان توظيفها يف القيام ب��دور العديد من �أن��واع اخلاليا لعالج العديد من الأمرا�ض. ولكن يف عام 2009بدا يف الأفق ما قد يعيق ه��ذا الأم��ل ،فقد اكت�شف العلماء �أن خاليا اجل�ل��د امل �ع��اد برجمتها متتلك خ�صائ�ص وراثية تختلف عن اخلاليا اجلذعية اجلنينية ومل ي�ستطع العلماء يف وقتها حتديد هل هذا ميثل عيب ًا ام ميزة ؟ و يف عام 2011حدث �شىء �آخر هدد النجاح ،حيث �أوردت درا�سة �أخ� ��رى ُن �� �ش��رت يف جم�ل��ة الطبيعة ح��دوث رف����ض خل�لاي��ا اجل�ل��د امل�ع��اد برجمتها عند ا�ستخدامها يف �أج�سام الفئران! حديث ًا ،و يف مار�س ،2012وح�سب درا�سة
طبق ًا آلراء الكثير من علماء الطبيعة نحن فى منتصف سادس اإلنقراضات العظمى
ُن�شرت يف دورية علم اخللية مت التعرف على عالمات يف اخللية من خاللها ميكن التنبوء بنوع الربوتني ال��ذي تكونه اخللية يف عملية تكوين الأن�سجة .ه��ذا الك�شف ميثل نقطة انطالق قوية ج��د ًا يف توظيف خاليا اجللد املعاد برجمتها لأن ذلك يعني �أن يف مقدور الباحثني اختيار اخلوا�ص التي يريدونها فقط والتي �سوف تقود اخلاليا املربجمة لت�أدية الوظائف املطلوبة منها فقط .ه��ذا ب��دوره ميكن ا�ستخدامه مث ًال يف عالج اجلروح ويف تطوير �صناعة العقاقري الطبية.
تيلومريات �أطول ...عمر �أطول!
اكت�شف العلماء التيلوميرتات عام ،2007 وهي �أج�سام تغطي �أطراف الكرومو�سومات من اجلانبني ،ويبدو �أن لها عالقة بطول عمر الكائن احلي .عام 2010اكت�شف علماء جامعة هارفارد �أنه كلما كانت التلوميرتات �أط��ول عند الفئران كلما تراجعت مظاهر التقدم يف العمر. مع �أن املعلوم عن التلوميرتات يف االن�سان قليل جد ًا ولكن الأمل يحدو العلماء للتو�صل يف يوم ما �إىل «حبة التلوميرتات» التي �سوف تعيد مظاهر ال�شيخوخة �إىل الوراء .و�إىل �أن يتم التو�صل �إىل هذه احلبة ،من املحتمل �أن
نتوفى جميع ًا من ال�شيخوخة يف انتظارها ،العلماء بصدد تطوير �ألي�س كذلك جترى الأمور؟ حبة للعمر الطويل ولكن قد نتوفى جميع ًا خلية بكتريية م�صنعة قادرة من الشيخوخة في على التكاثر انتظارها
ا��س�ت�ط��اع ب��اح�ث��و معهد ج��ى ك��ري��ج فينرت، ولأول مرة عام 2010ت�صنيع �أول بكترييا �صناعية مائة باملائة ،والتي ميكنها التكاثر واالنق�سام .هذا الإكت�شاف من املمكن �أن ي�ساعد الإن���س��ان ب��أك�ثر م��ن طريقة .ي�أمل الباحثون �أن ي�ساعد ذل��ك يف عمل الكثري من املنتجات املفيدة مثل ال��وق��ود احليوى
�أو ال �ل �ق��اح��ات ال �ط �ب �ي��ة�أو ح �ت��ى منتجات الطعام .دعنا فقط نتمنى �أن ُي�ستخدم هذا االكت�شاف خلري الب�شرية و لي�س العك�س!
الن�سخة الأخرية من اجلينوم الب�شرى
تو�صلت اجلمعية الدولية لرتتيب خريطة
يف الفرق بني العلم واملعرفة
�صمامات للقلب من خاليا النخاع
جاء العلم عند العرب مبعنى املعرفة ،كما جاءت املعرفة مبعنى العلم ،وت�ضمن كل لفظ منهما معنى الآخر ،لإ�شرتاكهما يف كونهما م�سبوقني باجلهل . و�أعلم ما يف اليوم والأم�س قبله
اجلينات الب�شرية «اجلينوم الب�شرى» �إىل ن�سخة كاملة و�شبه نهائية جلميع جينات اجل�ن����س ال �ب �� �ش��رى ،وال �ت��ي ن���ش��رت مبجلة الطبيعة عام .2010توقع العلماء يف بداية البحث �أن يفوق عدد اجلينات الب�شرية 100 �أل��ف جني .ولكن مع اكتمال العمل تال�شت هذه التوقعات ،فقد ثبت �أننا منتلك ربع هذا العدد فقط .لدينا ما بني � 20ألف و � 25ألف جني فقط .يتوقع العلماء والباحثون �أن هذه املعرفة الأعمق والأدق للجينات الإن�سانية قد ي�ساعد يف التو�صل لعالج �أمرا�ض مثل ال�سرطان والزهامير.
لكنني عن علم ما يف غد عم
و�أو�ضح �أبو هالل الع�سكري يف «الفروق اللغوية» الفرق بني العلم واملعرفة ،فقال «�إن املعرفة �أخ�ص من العلم لأنها علم بعني ال�شيء مف�ص ً ال عما �سواه ،والعلم يكون جممال ومف�ص ً ال» .ويف املقاب�سات للتوحيدي �أن املعرفة �أخ�ص باملح�سو�سات واملعاين اجلزئية و�أن العلم �أخ�ص باملعقوالت ،واملعاين الكلية .وج��اء يف تاج العرو�س ويف الب�صائر �أن املعرفة �إدراك ال�شئ بتفكر وتدبر لأثره ،وهي �أخ�ص من العلم والفرق بينها وبني العلم من وجوه ،لفظاً ومعنى� ،أما اللفظ ففعل املعرفة يقع على مفعول واح��د ،وفعل العلم يقت�ضي مفعولني ،و�إذا وقع على مفعول كان مبعنى املعرفة، و�أما من جهة املعنى فمن وجوه �أحدها �أن املعرفة تتعلق بذات ال�شئ ،والعلم يتعلق ب�أحواله ،والثاين �أن املعرفة يف الغالب تكون ملا غاب عن القلب بعد �إدراكه ف�إذا �أدركه قيل عرفه بخالف العلم فاملعرفة ن�سبة الذكر النف�سي وهو ح�ضور ما كان غائباً عن الذاكر ولهذا كان �ضدها االنكار و�ضد العلم اجلهل والثالث �أن املعرفة علم لعني ال عما �سواه بخالف العلم فانه قد يتعلق بال�شئ جمم ً ال�شئ مف�ص ً ال.
متكن ف��ري��ق بحث ب��ري�ط��اين ب�ق�ي��ادة �سري جم ��دى ي �ع �ق��وب ،م��ن تخليق ��ص�م��ام قلب ب�إ�ستخدام خاليا النخاع العظمي اجلذعية، وذلك كما ُن�شر يف اجلارديان عام .2007 ولأن هذا التخليق مت ب�إ�ستخدام خاليا من املري�ض نف�سه الذي �سوف يتم تركيب هذا ال���ص�م��ام ل��ه ،ف� ��إن خم��اط��ر ل�ف��ظ اجل�سم لل�صمام املخلق بعد اجلراحة تكون �أقل. �أث�ب�ت��ت ال�ع��دي��د م��ن ال��درا� �س��ات املتعاقبة وغ�يره��ا م��ن ال�ب�ح��وث ذات ال�صلة جناح الفكرة مما يعطي �أمال �أن يكون با�ستطاعة ال �ع �ل �م��اء يف امل���س�ت�ق�ب��ل ال �ق��ري��ب تخليق �صمامات ورمبا قلوب ًا كاملة ت�ساعد مر�ضى القلب وتعطي لهم �أم ًال يف حياة �أف�ضل
98 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
سيمياء
المالبس عالمات بصرية
عائ�شة الدرمكي aishaaldarmaki@hotmail.com
عرب ال�سيميائيات �أخذ التوا�صل غري اللغوي قيمته يف القنوات التوا�صلية املجتمعية� ،إذ مت االعتماد على درا�سة �أن�ساق توا�صلية متعددة ك�إ�شارات املرور والإمياءات وا�ستعماالت اجل�سد اال�ستعارية والرموز والإمارات وغريها.
وقد كان الرافد الأ�سا�س يف درا�سة هذه الأن�ساق هو ما ّ ب�شر به «دو�سو�سري» من علم عام �سيهتم ب�أنظمة العالمات يف احلياة االجتماعية ،فدرا�سة الإ�شارات وعالمات املرور «بيري غريو» واملطبخ واللبا�س ون�سق املو�ضة «روالن بارت» واحلركات الكينيزية «�سابري» ،اعتمدت جميعها م�صطلحات ل�سانية ،حيث اعتمدت مع «ب��اري» على الثنائيات الل�سانية ال�سو�سريية «الكالم/ الل�سان ،التوزيع /اال�ستبدال ،العام / اخل��ا���ص» ،وم��ع «�سابري» على احلركات ال�صغرى التي تقابل الفونيمات واحلركات املركبة التي تقابل املونيمات� ،أي إ�ب��داع نحو للحركة على غ��رار نحو اللغة ،ولأن كل تلك الأن�ساق اللغوية هي يف �أ�سا�سها متثل هُ وية جمتمعية خا�صة كما هو حال الأن���س��اق اللغوية مت��ام� ًا �أو ل��رمب��ا �أك�ثر انفتاح ًا من ناحية الداللة ،ف�إنها ت�شغل حيز ًا كبري ًا من الدرا�سة والتحليل .و�إذا ك َّنا قد حتدثنا يف املقال ال�سابق عن �إحدى هذه الأن�ساق وهي «الأن�ساق الب�صرية» ف�إننا يف هذا املثال �سنتحدث عن نوع �آخر ميثل عالمات مهمة من الناحية التوا�صلية وهو ن�سق «املالب�س» �أو «الأزياء» التي متيز كل جمتمع على حدة ،و�سنحاول �أن نف�صل فيه بالقدر الذي ي�سمح به هذا املقال. ال مي�ك��ن تفكيك وحت�ل�ي��ل م��و��ض��وع��ات امل�لاب ����س �إ َّال �إذا ُف��هِ �م��ت ب��اع�ت�ب��اره��ا مو�ضوعات توا�ضعية وا�صطناعية ،توا�ضع عليها جمتمع ما يف حقبة تاريخية معينة ثم �أ�صبحت متكررة عرب حقب الحقة حتى بات ال ُيعرف لها ُمن�شئ �أول .ومع ت�أكيد �أنها عالمات توا�ضعية و�أنها تقوم على �سنن اجتماعية متاثلية �إ َّال �أنها �إىل حد بعيد غري معللة ،فال ميكن تف�سري �شكل الكثري من املالب�س �إ َّال ب�إرجاعها �إىل �أ�سباب دينية �أو اجتماعية عامة ،و�أما التفا�صيل فقد ال نتمكن من تعليلها �أو تف�سريها ،غري
�أننا ميكن �أن ن�ؤولها �إىل دالالت متعددة. وعلى ذلك ميكن عقد عالقة دائرية بني التماثلي والالمعلل «االعتباطي»؛ بحيث يكون هناك اجت��اه م��زدوج ومتكامل �إىل تطبيع الالمعلل ،وتثقيف املعلل. ت�شكل امل�لاب����س ع�لام��ات ل�ه��ا دالالت �ه��ا الرمزية كونها �شفرات ت�ستوقف املتلقي وت�ؤثر فيه ويقوم بتفكيكها والتو�صل من خاللها �إىل جمموعة من الت�أويالت ،وهذا ما ذه��ب �إليه «روالن ب��ارت» يف «�أ�س�س ال�سيميولوجيا» عندما ر�أى �أن للمالب�س �إ�ضافة �إىل اجلانب النفعي -منظومة�إ�شارية �أي�ض ًا «لغة» فهي تعني �شيئ ًا ما منفردة �أو مركبة ،وعلى �سبيل املثال فلون كل لبا�س له داللته ومعناه ،وكل قطعة منه مركبة مع �أخرى لها دالاللتها �أي�ض ًا ،ولعلنا هنا �سنتحدث عن جتربة روالن بارت ب�شكل خا�ص كونه �أول من در�س املالب�س والأزياء واملو�ضة خالل �أطروحته التي قدمها يف «الرتميز اللغوي لنظام املو�ضة والأزياء»، فهو يعتقد �أن �إدراك الن�سقية ال�سيميائية للمالب�س يعتمد ال��وع��ي بخ�صو�صية مت�ظ�ه��رات�ه��ا ،ف�ب�ين م�ظ�ه��ره��ا املكتوب «ال��و��ص��ف الل�ساين للبا�س» ومظهرها التقني «اللبا�س ال��واق�ع��ي» �أو الأي�ق��وين «اللبا�س امل�صور» تتوىل «املحوالت» و�صل هذه املظاهر املتباينة ،وتقدمي �صورة كلية لهذا الن�سق عرب التحول من مظهر لآخر، �إذ ت�أخذ هذه املحوالت تارة �شكل ت�صميم �أمنوذجي ي�سمح بتحويل اللبا�س الواقعي �إىل لبا�س مكتوب� ،أو �شكل «ع��ائ��دات» حتيل متعلم اخلياطة مث ًال �إىل االنتقال من اللبا�س املكتوب �إىل اللبا�س امل�صور. تفرت�ض الطبيعة املركبة للعالمة امللب�سية لدى بارت ،وجود تركيب ي�سمح مبالئمة وحداتها داخ��ل التباينات املقطعية بني ال��دال وامل��دل��ول؛ تركيب متليه عليه تلك التحوالت التي تقيمها الكتلة امل�ستعملة
سيمياء
كال�شركة املنتجة مث ًال ،وذلك على خالف بع�ض الأحداث ال�سيميائية التي ت�ستمد تركيبها من جمموع القيم التي يحددها ن�سقها القار� .إن هذه اخلا�صية جتعل من العالمة امللب�سية عالمة اعتباطية كغريها من العالمات املنتجة داخل الثقافة ،وال ينفي االعتباط عنها بع�ض �أوجه التعليل التجان�سي �أو اجلوهري يف بع�ض الأحيان؛ �إذ ي�ستطيع هذا الأخري حتديد الطاقة الداللية للملب�س �ضمن �سريورة داللية تتخذ التغاير «مفتوح/مغلق» منطلق ًا للداللة الذي ي�ستمد من املو�سوعة املجتمعية والثقافية اخلا�صة بكل عالمة. �إننا �أمام ن�سق من �أن�ساق التوا�صل غري الل�ساين �ستوجب علينا �أن نعرف من خالله هل اجل�سد الذي يقف �أمامنا مث ًال رجل �أم امر�أة ؟ متدين �أم ال ؟ منفتح �أم متحفظ ؟ فتي �أم �شيخ؟ وغريها من تلك الت�سا�ؤالت التي ت�ؤ�س�سها يف الأ�صل هُ وية هذا اجل�سد �إن كان عربي ًا �أم �أجنبي ًا على �سبيل املثال� .إن مركزية اجل�سد يف مثل هذه التجربة الفنية الب�صرية هي التي حتثنا على املواجهة بني جمموعة من الت�صورات الفينومينولوجية والفل�سفية وال�سيميائية للج�سد ق�صد حتديد هذا املفهوم �أيديولوجي ًا ،والبحث عن �سند اجتماعي �أو ديني ميكن من خالله بناء قواعد �إجرائية يف طريقة التوا�صل الأن�سب التي ميكن من خاللها التوا�صل مع ذلك اجل�سد الذي يرتدي تلك املالب�س ،اللذان ي�شكالن «ال��ذات»� .إن امل�شكل الذي يطرح هنا يتعلق بحدود و�إمكانات ر�ؤية الذات «الهو» و�إدراكها من ِقبل الرائي �إ َّال �أن املظهر الفيزيقي قد ال يدخل يف الأفق امللمو�س للر�ؤية الفعلية للذات مبعني �أن الت�أويل الذي قد تك ِّونه ال��ذات الرائية عن الذات«الهو» قد ال يكون مطابق ًا متام ًا ملا هي عليه ثقافي ًا ،وكلما كانت الذات الرائية تعرف هُ وية ال��ذات «الآخ��ر» كلما كان الت�أويل أ�ق��رب �إىل ال�صدق فلكل ثقافة منطها املخ�صو�ص يف تداول الرموز امللب�سية� ،إذ جند �أن املالب�س تختلف بال�ضرورة بح�سب املوقف والتحديد اجلن�سي والطبقة والتعامل والتن�شئة االجتماعية ،لذلك فلكي ت�ؤدي املالب�س دورها بو�صفها عالمات ينبغي �أن يراعى فيها هذا االختالف. وعلى ذلك ف�إن املالب�س متثل هُ وية لي�س للفرد فح�سب بل للمجتمعات �أي�ض ًا ذل��ك لأنها عالمة من العالمات ذات الدالالت املفتوحة معرفي ًا وثقافي ًا؛ فهي دليل على عاداتها وتقاليدها وثقافتها وح�ضارتها وحالتها االقت�صادية ،وهي جزء من الرتاث الثابت واملتغري على مر الع�صور والأزمنة؛ هو ثابت يف هُ ويته العامة ومتغري من حيث خ�صو�صية كل
ع�صر .ولذلك تبقى الأزي��اء ناب�ضة بالتمظهرات الثقافية التي متيز جمتمع ًا عن �آخر ،بل متيز اجلماعات ال�صغرية التي تعي�ش �ضمن تلك املجتمعات. يف الع�صر احلديث عندما بد�أت املجتمعات باالنفتاح على الآخر والأخذ منه �أ�صبحت املالب�س ذات طابع متغاير من ناحية �أنها بد�أت يف التقارب ،فعلى الرغم من التمايز الكبري بني مالب�س احلقب التاريخية ال�سابقة على تعاقبها �سواء �أكان ذلك عربي ًا �أم غربي ًا �إ َّال �أن هذا التمايز لن جنده الآن �إ َّال �إذا ما �شاهدنا م�سرحية �أو دراما تلفزيونية �أو فيلم ًا تعود �أحداثه �إىل تلك احلقب التاريخية� ،أو قد جنده يف عر�ض �أزياء تقليدية .غري �أن بع�ض املجتمعات التي حتاول �أن تت�شبث ببع�ض هذا التمايز وتع ِّول عليه لإثبات هُ ويتها املجتمعية ا�ستطاعت �إىل حد ما �أن ت�صنع لها حد �أدنى من هذا الت�شبث وهو ال ُهوية العامة ،فلو �أخذنا جمتمعات اخلليج مثا ًال على ذلك ف�إن لب�س الرجال للثوب �أو الد�شدا�شة الرجالية مث ًال هو هوية عامة �إ َّال �أن املحافظة على الثوب بخ�صائ�صه ال�سابقة �أ�صبح غري موجود �إىل حد ما ،ويختلف ذلك من دولة �إىل �أخرى �أو من منطقة �إىل �أخرى �ضمن هذه الدول ،وكذلك لب�س املر�أة للعباءة� .إ َّال �أنه �أي�ض ًا يجب �أن ال نن�سى �أن لي�س كل رجل يلب�س الثوب اخلليجي هو خليجي بال�ضرورة وال كل امر�أة تلب�س العباءة خليجية بال�ضرورة ! كما لي�س كل من ال يرتدي الثوب الرجايل �أو العباءة الن�سائية هو لي�س خليجي ًا �سيما �إن كان يعي�ش يف هذه الرقعة اجلغرافية .وال�سبب يف ذلك يعود �إىل احل�ضارة واالنفتاح على الآخ��ر .وعليه ف�إن املالب�س بو�صفها عالمات ذات �شفرات متباينة ف�إنها �أ�صبحت معقدة يف الع�صر احلايل ب�سب ذلك االنفتاح الكبري �إ َّال �أنها ال ميكن �أن تتخلى �أن هُ ويتها الذاتية واملجتمعية فهي ال�شفرة التي من خاللها ُيولج �إىل الذات الب�شرية لتحقيق قدر �أكرب من �إيجابية التوا�صل. وعلى ال��رغ��م م��ن �أن�ن��ا ق��د ال جن��د اهتمام ًا م��ن القدماء باملالب�س يف الرتاث العربي تدوين ًا �أو تعريف ًا �أو و�صف ًا بال�شكل املطلوب �إ َّال ملام ًا �أو عر�ض ًا �أو �إجما ًال كما يف معجمات فقه اللغة� ،إ َّال �أنه يف الع�صر احلديث هناك الكثري من الدرا�سات التي تقوم على درا�سة وحتليل هذا الن�سق املهم من �أن�ساق التوا�صل غري اللغوي بو�صفه ي�شكل هُ وية ذاتية وجمتمعية ال ميكن جتاوزها
اآلفاقالشعر ارتيادحضرة في 100 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
جت ِّليات ثقافة اخلوف يف ال�شعر العربي
مديح المحترفين السياسي د .عبد املجيد زراقط تبحث هذه الدرا�سة يف جتليات ثقافة اخلوف من «ال�سلطان» ،يف ال�شعر العربي القدمي ،يف الع�صر الأموي ،واملق�صود بـ«جتليات» ثقافة «اخلوف» ،هنا ،دور اخلوف من ال�سلطان يف توجيه ال�شعر وت�ش ُّكله. يعود اختيار الع�صر الأموي �إىل �سبب �أ�سا�سي ،وهو �أن هذا الع�صر عرف قيام �أ َّول دولة عربية مركزية، مار�ست «�سلطانها» ،وعملت على توظيف ال�شعر يف خدمة قيام هذا ال�سلطان وبقائه ،و�صوغ ر�ؤيته/ م�شروعيته �شعراً متميزاً ،ون�شرها بغية �إقناع املتلقني بها وت�شكيل ر�أي عام م�ؤ ِّيد لها.
ِّ وال�سلطان ال�شعر ُّ
ميكن للباحث �أن يتبني بي�سر عالقة وطيدة بني �أمرين� :أولهما طبيعة «ال�سلطان» الأموي وحاجته �إىل �أن يقنع النا�س ب�ـ «ح � ٍّ�ق» ل��ه يف اخلالفة ،وثانيهما دور ال�شعر الفاعل يف ذلك الع�صر ،ويف �سبيل بيان الأم��ر الأول نقر�أ ما يقوله فلهوزن يف هذا ال�صدد: وكان من ال�سخرية بفكرة احلكومة التيوقراطية �أن يظهر الأمويون ممثليها الأعلني ،فهم كانوا مغت�صبني ،وظلوا كذلك ،ومل يكونوا ي�ستندون �إال �إىل ق َّوتهم اخلا�صة� ،إىل ق َّوة �أهل ال�شام ،ولكن قوتهم مل ت�ستطع قط �أن ت�صري حق ًا �شرعي ًا، «فلهوزن ،تاريخ الدولة العربية ،جلنة الت�أليف والن�شر� ،1958 ،ص .»60ويف �سبيل بيان الأمر الثاين ،نقر�أ ما يقوله �أب��و الدهمان ،وي�ؤكده اجلاحظ ك�أنه حقيقة را�سخة« ،اب��ن ر�شيق، العمدة ،بريوت ،دار اجليل:»1/65 ،1972 ،
ول����ل���������ش����ع����ـ����راء �أل�������س���ن���ـ���ة ح����ـ����داد ع����ل����ى ال�������ع�������ورات م���ـ���وف���ي���ة دل��ي��ـ��ل��ه وم���ن ع��ق��ل ال��ك��ري��ـ��م �إذا ات��ق��اه��م وداراه�����������ـ�����������م م����������ـ����������داراة ج���ـ���م���ي���ل���ه �إذا و�����ض����ع����وا م���ك���ـ���اوي���ه���م ع��ل��ي��ه و�إن ك�����ذب�����وا ف���ل���ي�������س ل����ه����م ح��ي��ل��ه ومن الأبيات التي ت�ؤكد فاعلية ال�شعر و�شدة ت�أثريه نذكر ،على �سبيل املثال :قال حممد بن زياد:
��س��ب ي���و ُّد ال��ـ��م��رء ل��و م���ات قبله و� ٍّ ك�����ص��دع ال�����ص��ف��ا ف�� ّل��ق��ت��ه ب��ال��ـ��م��ع��اول وقال طرفة بن العبد:
ر�أي���ت القوافـي ي َّتلجن موالـجاً ت�����ض��اي��ق ع��ن��ه��ا �أن ت���ولجّ���ه���ا الإب�����ر
وبغية �أن ي�صري «االغت�صاب» بـ«الق َّوة» ح َّق ًا �شرع َّي ًا ،ا�ستخدم مم ِّثلو ال�سلطان هذه القوة/ ال�شعراء«،الأل�سنة احلداد» ،و«املكاوي» ،التي لي�س من حيلة لر ِّد ت�أثريها ،وجعلوهم ينطقون ب�أن طاعة اخلليفة – الإمام واجبة �إىل درجة العبادة ،و�أن ت�صرفاته مهما كانت َّ �شاذة وظ��امل��ة �أم��ر �إل �ه��ي/وق��در مر�سوم ال ميكن تغيريه ،ه��ذا ما ك��ان يقوله ال�سلطان�« :إن اهلل جعل خالفته منه باملو�ضع الذي جعلها ف�س ِّلموا و�أط�ي�ع��وا»«،ال�ط�بري ،تاريخ الأمم وامل�ل��وك ،املطبعة احل�سية مب�صر،»8/80 ، وينظمه ال�شاعر:
و�إ َّن �أم���ي��ر ال���ـ���م����ؤم���ن�ي�ن وف��ع��ل��ه ك���ال��� َّده���ر ،ال ع����ار مب���ا ف��ع��ل ال��� َّده ِ���ر ���س��ل��ي��م��ان ال���ـ���م���ب���ارك ق���د علمتم ه���ـ���و امل����ه����دي ق����د و�����ض����ح ال َّ�����س��ب��ي��ل
توظيف ُّ ال�شعراء /دور اخلوف
وال�س�ؤال ال��ذي يطرح هنا ،ه��و :كيف مت َّكن «ال�سلطان» من توظيف ال�شعراء الذين كان لهم هذا الدور الف َّعال يف املجتمع العربي يف تلك الآونة؟ يف الإجابة عن هذا ال�س�ؤال ،ن�ستقرئ بع�ض الوقائع يف ما ي�أتي: - 1ا��س�ت��ول��ت ال� � َّدول ��ة ع�ل��ى اخل� ��راج ال��ذي يرتفع من الأر���ض والنا�س ...،وكانت تو ّزعه �أعطيات ت�ستطيع �أن متنحها باملقدار ،و�إىل امل��دى ،اللذين ت�شا�ؤهما وكانت ت�ستطيع �أن متنعها �أي�ض ًا« ،فلهوزن ،م�.س .»2/42 ،.وكان احلرمان من العطاء يعني املوت من منظور من ُي ْح َرم منه .ي�صرح جرير:
مَن ْعتَ عطائي ،يا ابن �سعد،و�إمنا ���س��ب��ق��ت �إ َّ يل امل���������وت ،وه������و ق��ري��ب
إن َف ْق َد التجربة وقال الأخطل: َّ حتى �أقروا ،وهم مني على م�ض�ض الشخصيَّة الفرديَّة وال����ق����ـ����ول ي���ن���ف���ذ م���ـ���ا ت���ن���ف���ذ الإب������� ُر جعل تجربة الشاعر وج��ـ��رح ال�سيـف تدمـله فيبـرى نوع ًا من البحث عن وي��ب��ق��ى ال����ده���� َر م����ا ج�����رح ال��ل��� ُ ��س��ان شكل يصب فيه معاني المديح
وجاء عبيداهلل بن قي�س الرقيات �إىل عبداهلل ب��ن جعفر بعد �أن ُمنح الأم� ��ان ،وح��رم من العطاء ،يقول« :ما نفعني �أم��اين ،تُركت حي ًا كميت ،ال �آخذ مع النا�س عطا ًء �أب��د ًا!»�« ،أبو الفرج الأ�صفهاين ،الأغ��اين ،ط .دار الكتب، .» 5/79 - 2حب�س وايل ال��ع��راق ،خ��ال��د الق�سري، ال �ف��رزدق ،فخاف �أن يكون م�صريه م�صري م�ساجني ه��ذا ال���وايل ال��ذي��ن ك��ان��ت ترمى مب�ص بحجة �أ َّنهم انتحروا ِّ جثثهم من ال�سجن َّ خوامتهم ال�سامة .ف�أ�شهد احلا�ضرين على �أنه ال يحمل خامت ًا ،وا�ستنجد القي�س َّية. ويف ال�سجن يهز�أ به �سجني ،ويقول له� :إن بني جما�شع «ع�شرية الفرزدق» �أذ ُّل و�ألأم ،لأ َّنهم مل ي�ستطيعوا �أن مينعوا �شرطي ًا من �أن ي�سوق �شاعرهم و�سيدهم �إىل ال�سجن« ،حممد بن ��س� ّ لام اجلمحي ،طبقات فحول ال�شعراء، بريوت ،دار النه�ضة� ،ص .» 78 «ال�سباع �أهون ِّد: ويروى �أن الفرزدق كان يرد ِّ من زي��اد»« ،ال�ط�بري ،تاريخ الأمم وامللوك، املطبعة احل�سنية م�صر ،»51/127 ،ويق�صد زياد بن �أبيه وايل العراق. - 3روى ابن �س ّالم« :ووفد احلجاج على عبد امل�ل��ك ...ف��أه��دى �إليه ج��ري��ر ًا»« ،حم َّمد من �س ّالم اجلمحي ،م�.س� ،.ص .»100 وك��ان ه��ذا ال���وايل� ،أي احل�ج��اج،ق��د و�صف �شاعره الأث�ير ب�أنه «ج��رو ه��را���ش»� .أم��ا عبد امل �ل��ك ،ف�خ��اط��ب الأخ �ط��ل ع�ن��دم��ا �أغ�ضبه ج��ري��ر�...«:أن��ت �شاعرنا وم��ادح�ن��ا ،اركبه، فرمى رداءه ،و�ألقى قمي�صه على منكبه وو�ضع ي��ده على عنقه»« ،ال�ق��ايل ،الأم ��ايل ،مطبعة بوالق مب�صر ،ذيل الأمايل� ،ص .»43 - 4مل يفارق جرير ال�شام قبل �أن يفوز بجائزة عبد امللك لأنَّ عدم فوزه بها ،كما قال ،يعني �إ�سقاطه �إىل �آخ��ر الدهر« .الأغ��اين ،م�.س، .»5/369 تفيد هذه الوقائع ما ي�أتي� :أو ًال �أن ال�سلطان كان املتح ِّكم الوحيد بالإنتاج وتوزيعه ،و�أن احلرمان من «العطاء» كان يعني �آن��ذاك «�أن يرتك املرء حي ًا كميت» .فكان ال�شاعر يخاف من �أن يرتك هكذا .وثاني ًا� ،أن �شرط َّي ًا كان
في حضرة الشعر 102 الـعــــدد 155 �سبتمرب
�...س�أ�شكر �أن رددت علي ري�شي و�أن��������ب��������تَّ ال��������ق��������وادم يف ج���ن���اح���ي.
2012
ق�رص املنية �أحد الق�صور الأموية اخلم�سة املعروفة بـق�صور ال�صحراء
ي�سوق �شاعر ًا كبري ًا مثل الفرزدق ،وكان هذا يخاف على حياته وح ِّريته .وثالث ًا �أنَّ َّ ال�شاعر كان ،وهو ُمطيعُ ،يذ ُّل ف ُيهدى ك�أ َّنه �شي ٌء ُيقتنى، ويو�صف ب�أنه «ج��رو ه��را���ش» ،و�إن اعرت�ض « ُي��رك��ب» ،وراب�ع� ًا �أن ال�شاعر ك��ان يخاف �أن «ي�سقط» �إن ُمنعت عنه اجلوائز. ويف هذا جميعه خوف من «ال�سلطان» ،على احلياة واحلرية والرزق والكرامة واملكانة،... وقد �أثمر هذا اخلوف نوع ًا من ال�شعر ميكن �أن ن�سميه «مديح املحرتفني ال�سيا�سي». ما ي�شغل حمرتف املديح ال�سيا�سي ،عبرَّ عنه الفرزدق عندما خاطب اخلليفة ،وا�صف ًا ت�أثري �سجن وايل العراق له:
و�إن �أ�ستطع منك ال��دن�� َّو ف�إنني �����س�����أدن����و ب�����أ�����ش��ل�اء الأ������س��ي��ر امل��ق�� ّي��د
فالق�ضية التي ت�شغل ال�ف��رزدق هي القرب من اخلليفة و«الدنو» ،وقد كرر هذه اللفظة، ثم �إ َّن��ه ي�شك يف �أن يكون با�ستطاعته ذلك، و�إن فعل فهو «�آت ب�أ�شالء» ،يح�سب �أ َّنه َّ تقطع وانتهى ،وعلى اخلليفة �أن يعيد �صياغته من جديد ،وفاق ًا ملا يريده ،وكيفما ي�شاء والد ُّنو منه� ،أو القرب منه ،هو الذي يحقق هذا. ال�شاعر ،هنا ،يعاين من و�ضعه �إزاء ال�سلطان، وقد �أجاد التعبري عن هذا الو�ضع ،فالقرب منه هو مبعنى ال�سري يف ركابه /وهذا القرب هو ما يعيد له حياته العادية و�إال فهو منته.
إن َف ْق َد التجربة َّ الشخصيَّة الفرديَّة جعل تجربة الشاعر نوع ًا من البحث عن شكل يصب فيه معاني المديح وق ��د مت�ث��ل ه ��ذا ال �ق��رب اح�ت�راف� � ًا للمديح ال�سيا�سي ،خوف ًا من نحو �أ َّول ،وطمع ًا من نحو ثان ،وهذا ما يقوله الفرزدق بو�ضوح: «نكون مع الواحد منهم ما كان اهلل معه ،ف�إذا تخ َّلى عنه انقلبنا عنه»« ،وال ُّدنيا مطلوبة، وهي يف �أيدي بني �أمية»« ،الأغاين21/393 ، و.»399
جت ِّليات ثقافة اخلوف �شعر ًا
َّ والطمع �شكل من �أ�شكال اخل��وف ،اخلوف من فقد جوائز ال�سلطان وامل��وق��ع واملكانة. واالحرتاف ،هنا ،يعني توظيف ال�شاعر قدراته ال�شعرية يف خدمة ال�سلطان القائم« :من كان اهلل معه» ،من دون �أي اهتمام مببد�أ ،ومن دون �أن يكون له موقف خا�ص ،وخوف ًا من فقد الدنيا املطلوبة :وجود ًا وحرية ورزق ًا وكرامة وم �ك��ان��ة ...وث � ��روة ...وك ��ان ال���ش�ع��راء يعون و�ضعهم وطبيعة العالقة التي تقوم بينهم وبني ال�سلطان ،فنقر�أ جلرير قوله« ،ديوان جرير، بريوت :دار �صادر� ،ص :»76
االح�ت�راف ،هنا ،يعني �أن يقوم ال�سلطان بـ «رد ري�ش الطائر ،و�إنبات القوادم يف جناحه». واال�ستعارة تعني ،هنا� ،أن الطائر هو ال�شاعر، وهل من طائر من دون ري�ش!؟ وم��اذا يكون َّ الطائر من دون ري�ش؟! و�إذ يفعل ال�سلطان ذلك ،يطري الطائر -ال�شاعر ،مغ ِّرد ًا بال�شكر، وبهذا يفقد ال�شاعر جتربته ال�شخ�صية ،ذاته، ويرتهن لل�سلطان ،فيفقد قدرته على �إب��داع �شكل جديد للق�صيدة ،وي�ستعري ال�شكل الرائج، وه��و �شكل الق�صيدة اجلاهلية لي�صب فيه معاين املديح ،لأن هذا ال�شكل ي�ضمن ل�شعره ما يريد منه ،وهو الذيوع واالنت�شار والت�أثري يف الر�أي العام والإ�سهام يف ت�شكيله ،لأن �أ�صحاب ه��ذا ال���ر�أي ك��ان��وا يقبلون على ه��ذا ال�شعر لأ�سباب ك�ث�يرة ،منها :ك��ان تراثهم الوحيد ال��ذي ا�ست ُْخدم يف ت�أ�سي�س العلوم َّ ال�شرع َّية وعلوم العربية وال� َّت��أدي��ب :الرتبية والتعليم. وهكذا �أفلت الأم��ر من يد ال�شاعر املحرتف، ف�صار مرتهن ًا لل�سلطان م��ن حيث املعاين، وللر�أي العام من حيث ال�شكل ال�شعري� .إنَّ َف ْقدَ التجربة ال�شخ�ص َّية الفرد َّية ،واملق�صود بها «الوجد» امل�ش ِّكل للغة ال�شعرية جعل جتربة ال�شاعر نوع ًا من البحث عن �شكل ي�صب فيه ال�شاعر معاين املديح ،وهذا ما ميكن �أن نفهمه من ال�شهادتني الآتيتني: يقول ال�ف��رزدق يف و�صف �شعر عمر بن �أبي ربيعة« :ه��ذا ،واهلل الذي �أرادت��ه� -أو طلبته- ال�شعراء ف�أخط�أته وبكت الديار» ،ويقول جرير يف و�صف ال�شعر نف�سه�«:إن هذا الذي كنا ندور عليه ف�أخط�أناه ،و�أ�صابه هذا القر�شي»« ،ديوان جرير� ،ص 106و.»116 �إن جتربة ال�شاعر املحرتف ،كما تفيد هاتان ال�شهادتان ،تتمثل يف �أن يريد ال�شاعر �شك ًال �شعري ًا�/أو يطلبه �أو يدور عليه�/أو يبحث عنه، على اختالف التعابري .وهذه التجربة ذهنية �إرادي��ة ،تبينِّ ال�شاعران �أ َّنهما عندما َم َ�ضيا ُّ القر�شي، فيها� ،أخط�آ درب ال�شعر ،و�أ�صابه �أي عمر بن ابي ربيعة ،الذي �صدر عن جتربته
ال�شخ�صية ،ف�أبدع �شك ًال جديد ًا من �أ�شكال الق�صيدة العربية.
وحدة تكاملية حمورها املمدوح
ك��ان ال�شاعر امل�ح�ترف ي�ج� ِّود �شعره ،يجود املقدِّمات ،ويج ّود ال َّنظم يف كث ٍري من �أ�شياء حياته .يقول جرير متحدِّث ًا عن «�إجن��ازات» خالد الق�سري:
ل��ق��د ك����ا َن يف �أَ ْن����ه����ار ِدج��ل��ة نعم ٌة وخ����ط����ـ����و ُة ج���ـ��� ٍّد ل��ل��خ��ل��ي��ف��ة � َ���ص���اع���دِ ج����� َرتْ ل���ك �أن���ه���ا ٌر ب��ي��م ٍ��ن و�أ���س��ع��د َ �إىل َج�� َّن�� ٍة يف �صح�صحان الأ َج���ال���دِ �ل�ا م��ب��ارك��اً �ْت� �أع���ن���اب���ـ���اًون���خ ً ُي��� ْن��� ِب نْ و�أن�����ق�����ا َء ب���ـ��� ٍّر يف ُج������رون ا َ حل��� َ��ص��ائ��دِ
غري �أن��ه يكتفي بهذا ،وال يكمل و�صفه لهذه الأن�ه��ار واجل�ن��ات املمتلئة خ�ضرة وح�ب� ًا ،بل مير بها هذا املرور العابرِّ ، ويوظفها يف بيان �إجنازات املمدوح .وهذه ميزة من مزايا �شعر املديح العربي تتكرر فيه ،وميكن القول: �إن ه��ذا الو�صف ك��ان و�سيلة لإع�ظ��ام �ش�أن امل �م��دوح ،ف�ك��ان ال�شاعر يكتفي مب��ا يخدم غر�ضه وي�ساعد على �أداء مه َّمته ،من دون �أن يهتم ب�أ�شياء عامله وق�ضايا حياته ال�شخ�ص َّية، فهذه مل تكن غايته وهدفه. �ضمن ه��ذا الإط��ار ك��ان ال�شاعر مير م��روراً ع��اب��ر ًا بكثري م��ن الأم� ��ور ال�ت��ي ن��راه��ا نحن �أ�سا�سية� .إنها طبيعة ال�شعر هذا ،فهو تعبري عن موقف ال�سلطان ،جميع الأجزاء يجب �أن ت�ستخدم ،ب�شكل متكامل ،خلدمة هذا املوقف. وه��ذا ال ينفي �أن يكون للبيت معناه اخلا�ص امل�ستقل ،كما �أنه ال ينفي ت�ش ُّكل هذا البيت مع الأبيات الأخرى ليك ِّون الق�صيدة ذات الوحدة التكاملية .وهنا �أي�ض ًا نلم�س �أثر املديح يف تطور ال�شعر العربي� ،إذ ارتهن ال�شعر ل�شخ�صية املمدوح ،وللدفاع عن ق�ضايا الدولة الأ�سا�سية، و�صار تناول �أي مو�ضوع �آخ��ر يخ�ضع ملقدار خدمته للمو�ضوع الأ�سا�سي .وهذا ما الحظه د.دروي�ش اجلندي عندما حت َّدث عن و�صف البحرتي لربكة املتوكل ،وعن و�صف املتنبي
ف�سيف�ساء من ق�رص ه�شام بن عبد امللك
خليمة �سيف الدولة؛ وهو يف حديثه هذا ،يتبينَّ �أثر املحرتفني على تطور ال�شعر العربي: « ...لكن هذه الأو�صاف جميعها قد غ�ض من قيمتها �أنها جاءت تابعة غري م�ستقلة ،ولي�س من �شك يف �أن ق�ضبان ق�صيدة امل��دح التي حتيط بها قد حالت بني ال�شاعر وبني توفية املو�ضوع الو�صفي حقه من الو�صف من ناحية، ومن ناحية �أخرى كان الداعي الربط باملو�ضوع الأ�صلي وهو املديح ي�شغل بال ال�شاعر ،ويفر�ض عليه توجيه دفة الو�صف توجيه ًا خا�ص ًا ميكن من هذا الربط ومن �أداء الواجب الذي فر�ضه على نف�سه من �إط��راء ال�سيد امل�م��دوح .و�إذا ب��دا لك ذل��ك لون ًا من التجديد جزئي ،فهو جتديد حمدود يف �إطار الق�صيدة املدحية،»... «دروي ����ش اجل �ن��دي ،ظ��اه��رة التك�سب ،دار املعارف مب�صر� ،1970 ،ص » 79 ويعلق د .حممد مندور على ر�أي اجلرجاين ال ��ذي �أب� ��داه ،بعد �أن وازن ب�ين ق�صيدتي البحرتي واملتنبي يف و�صف الأ��س��د ،بقوله: «ولقد جاء �أ�سا�س املقارنة عند اجلرجاين، يف ما يبدو لنا ،م�سرف ال�ضيق ،فهو ال ينظر �إىل الق�صيدتني �إال من ناحية املمدوح ،وبلوغ
ضمن إطار االرتهان للمديح كان الشاعر يمر مرور ًا عابر ًا بكثير من األمور التي نراها نحن أساسية
ال�شاعر يف ذلك �إىل ما يريد �أو عدم بلوغه، و�أ َّم��ا النقد الف ِّني ،نقد ِّ ال�شعر لذاته وما فيه من جمال الو�صف ودقته وقوته ،فذلك ما مل يلتفت �إليه وال متهل يف مناق�شته»« ،حممد مندور ،النقد املنهجي عند العرب ،القاهرة: دار نه�ضة م�صر� ،ص .»281 و�أق��ول� :إن كانت هذه هي نظرة اجلرجاين، وه��ي نظرة تكونت بت�أثري م��ن واق��ع ال�شعر العربي ،فكيف تكون نظرة �أنا�س لي�سوا على م�ستوى هذا الناقد الكبري� ،سواء من حيث الثقافة� ،أم من حيث النزاهة والتجرد!؟ �أم كيف تكون نظرة املمدوح لل�شاعر الذي جاء مي��دح��ه!؟ .وه�ك��ذا حت َّكمت ق�صيدة امل��دح، و�صارت قالب ًا و�شك ًال ،و�إن ك��ان من جتديد ففي �إط��اره��ا .ورمب��ا ك��ان م��ن املفيد ،هنا، �أن �أذك ��ر تعليق ًا ل�ـ د .م�ن��دور على حماولة �أب��ي نوا�س التجديد ...« :ثم �إنَّ حماولته مل تنجح� ...أم��ا مدائحه ،فقد قالها على منط املدائح التقليدية من بكاء الديار �إىل و�صف الرحلة« ،»...مندور ،م�.س� ،ص � »51أبو نوا�س الذي ثار على تقاليد الق�صيدة العربية ثورته امل�شهورة مل ي�ستطع الإفالت من �أ�سارها! �ألي�س لهذا �سبب �أ�سا�سي ما كان مبقدور ابن هانئ جت��اوزه ،وهو الذي جتاوز التقاليد والعادات والأخ �ل��اق يف ك�ث�ير م��ن ��ش�ع��ره ويف جممل �سلوكه!؟ ولعل يف خ�ضوع الراف�ض ،يف مو�ضوع بعينه ،ما يف�سر هذا اخل�ضوع ،فال�شاعر �صار
في حضرة الشعر 104 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
جم ً ربا على �سلوك طريق يو�صل �إىل الق�صر، وما كان ال�شاعر لي�ستطيع احتمال �أن يرف�ض �شعره من قبل �سيد الق�صر .وال ينبغي �أن نن�سى �أن هذا التقليد قد �أر�سيت �أ�س�سه �أيام �أر�سيت �أ�س�س الق�صر ،وما كان �أبو نوا�س �إال مثا ًال على ر�ضوخ ال�شاعر مهما كان متم ِّرد ًا .ول�ست �أزعم �أنَّ �شعر املديح ،يف الع�صر الأموي ،و�إن احتذى �شكل ِّ ال�شعر اجلاهلي ،ك��ان ن�سخة عن هذا ً ال�شعر ،فاحل ُّق �أنَّ فروقا كبرية تف�صل بينهما. ال��واق��ع �أنَّ حت� � ُّو ًال ح��دث يف �أواخ� ��ر الع�صر اجلاهلي بفعل بداية متركز ال�ث�روة ،ما كان يدفع بال�شاعر �إىل حيث م�صدر الغيث اجلديد، وقد ا�ستمر هذا التحول بعد �أن و�صل الأمويون «ال�سادة»، �إىل احلكم مكملني طريق �سيطرة ّ وقد جدَّت �أمور �أحكمت قب�ضتهم تتلخ�ص مبا زعموه لأنف�سهم من حق �إلهي يف احلكم ،وبتلك ال�سيطرة املالية على م�صادر الرزق من غنائم ويفء و�صدقات ...مل تو ّزع كما �شرع اهلل ،ا�ستمر ه��ذا التحول ومن��ا يف الع�صر الأم� ��وي ،ولعل احلطيئة كان �أول من �أدرك طبيعة هذا التح ُّول وخري من خربه؛ وذلك حني م ّيز بني االجتاهني، وحدد الفرق بينهما. ق��ارن احلطيئة بني زه�ير بن �أب��ي �سلمى وبني النابغة ،وع ّلق على اجت��اه هذا الأخ�ير بقوله: «ولكن ال�ضراعة �أف�سدته كما �أف�سدت جرو ًال يعني نف�سه .واهلل ل��وال الطمع لكنت �أ�شعر املا�ضني� ،أما الباقون فال �شك يف �أين �أ�شعرهم». مي ّيز احلطيئة بني ما�ضني وباقني ،وي��رى �أن الطمع مينعه من الو�صول �إىل مرتبة املا�ضني، كما يرى �أنَّ ال�ضراعة �أف�سدت �شعر النابغة، �أم��ا الباقون فهو �أ�شعرهم ،وهنا ي�أخذ قوله الآخر مكانته�« :أ�شعر النا�س هذا –م�شري ًا �إىل ل�سانه� -إذا طمع»� .إذ مييز احلطيئة بني نوعني من ال�شعراء :املا�ضون الذين تف�سد ال�ضراعة �شعرهم ،والباقون الذين يرفع َّ الطمع �شعرهم �إىل �أعلى مرتبة.
احترف معظم شعراء العصر األموي وبخاصة الكبار منهم المديح السياسي فك َّونوا واقع ًا شعري ًا سائد ًا استقى النقاد من نماذجه مقاييسهم للشعر الجيد مقايي�س ال�شعر اجليد احرتف معظم �شعراء الع�صر الأموي ،وبخا�صة الكبار منهم ،املديح ال�سيا�سي ،فك َّونوا واقع ًا �شعري ًا ��س��ائ��د ًا ،ا�ستقى النقاد م��ن مناذجه مقايي�سهم لل�شعر اجليد ،وه��ذا ما ميكن �أن نب ّينه يف اخلرب الآتي: «ج��اء رج��ل �إىل يون�س ،فقال ل��ه :م��ن �أ�شعر الثالثة؟ فقال :الأخطل؛ قال :ع َّمن تروي هذا؟ ق��ال :عن عي�سى بن عمرو واب��ن ا�سحق و�أب��ي عمرو بن العالء وعنب�سة الفيل وميمون الأقرن الذين ما�شوا الكالم وطرقوه ...قال :وب�أي �شيء ف�ضلوه؟ قال� :إنه كان �أكرثهم عدد طوال جياد لي�س فيها �سقط وال فح�ش ،و�أ�شدهم تهذيب ًا ل�شعره»« ،الأغ� ��اين ،م���.س .» 8/283 ،تتم َّثل مقايي�س ال�شعر اجليد ،ل��دى م� ِّؤ�س�سي علوم العربية ووا�ضعي طرقها وقواعدها يف طول الق�صيدة ،وجودتها ،وتهذيبها ،وخل ِّوها من ال�سقط والفح�ش ،وكرثة الق�صائد. وال�شاعر امل�ح�ترف ك��ان ي�ج� ِّود �شعره ويفخر بذلك؛ �إذ �إن �صوغ املعاين وتوليدها وجتويدها هو ما بقي له جما ًال للتف ُّرد بعد �أن فقد جتربته، �أي الوجد امل�ش ِّكل للغة ال�شعرية.
اخلروج من اخلوف
يق ِّرر ال�ف��رزدق ،يف �إح��دى ق�صائده املدحية، �أنَّ ابن عبد امللك �سليمان ،املرت ِّبع �سعيد ًا على العر�ش ،هو«املهدي» الذي تنتظرون .رمبا كانت هذه «تق َّية» من الفرزدق ال��ذي يعدُّه بع�ضهم
�صعود ا�ضطراري كان يخامر الفرزدق �إح�سا�س بالظلم الذي كان يعاين منه معظم �أفراد ال�شعب ،ولعله كان �إح�سا�ساً قوياً م�ؤ ِّرقاً لكرثة ما تردَّد يف �شعره ،غري �أنه كان يدرك �أ َّن تب ِّني هذا املو�ضوع ال يجدي ال على ال�صعيد الفردي وال على ال�صعيد االجتماعي ،فكان االهتمام يرتد فردياً� :أن ي�صعد هو.
�شيعي املذهب ،ولكن من يخربه بذلك!؟ اهلل؟ الدنيا املطلوبة؟ �أم م�صدر وح��ي ح � َّل حم َّل �شيطان ال�شعر ،وغدا �شيطان ال�شعر اجلديد!؟ �إ َّنه ،كما يقول الفرزدق« :نداه ،فب ّلغيني كفي�ض البحر ح�ين ع�لا و� �س��اال» .وه �ك��ذا غ��دا «ن��دا اخلليفة»« ،في�ض» َّ ال�شاعر ،...وحيث تعلو �أمواج البحر ويغرق اخلليفة َّ ال�شاعر بالفي�ض ،ي�شاركه انتظاره لأمر اهلل ،وعندما يح ُّق اهلل احلقائق، كما ي � َّدع��ون ،يلهج َّ ال�شاعر ب�شكره ،وبدعوة النا�س لت�أييد هذا الآتي من الغيب "ب�إرادة منه تعاىل" ،لإنقاذ النا�س من كابو�س مقيت ،من ديوان الفرزدق ،بريوت ،دار �صادر:2/99 ،
نظرتـك م��ا ان��ت��ظ��ـ��رت اهلل حـتـى ك���ف���ـ���اك امل���اح���ـ���ل���ي���ـ���ن ب�����ك ال���ـ���م���ح���اال نـظرت ب���إذن��ـ��ك ال����دوالت عـندي، وق��ل��ت ع�سـى ال����ذي ن�����ص��ب الـجباال ي��ـ��م��ـ��ل��ك��ه خ���ـ���زائ���ـ���ن ك���ـ���ل �أر���������ض، ول����ـ����م �أك ي���ائ�������س���ـ���اً م���ـ���ن �أن ت����داال يجرب «ال �ن��داء» َّ ال�شاعر ويغرقه ،فيحت�شم ويتقي ويتب َّنى ...ال��خ .ويرت�سم �س�ؤال� :أمل تكن لهذا �آثاره؟« ،يرى د.دروي�ش اجلندي �أن الق�صيدة املدحية �أدت �إىل �ضغط عنيف على نف�س ال�شاعر املكت�سب ،و�إىل كبت مل�شاعره وع��واط �ف��ه ،م��ا �أدى �إىل الفخر واحلكمة والت�أمل يف احلياة .ظاهر التك�سب ،م�.س، �ص »140بلى ،ورمبا كان الفرزدق خري مثال يتحدث عنه ،عندما يراد التعرف على �أثر َّ بال�شعر ّ حت ُّكم ال�سلطان ّ وال�شعراء. كان يخامر الفرزدق �إح�سا�س بالظلم الذي كان يعاين منه معظم �أف��راد ال�شعب ،ولعله ك��ان �إح�سا�س ًا قوي ًا م ��ؤ ِّرق � ًا لكرثة ما ت��ر َّدد يف �شعره ،غري �أنه كان يدرك �أنَّ تب ِّني هذا املو�ضوع ال يجدي ال على ال�صعيد الفردي وال على ال�صعيد االجتماعي ،فكان االهتمام يرتد فردي ًا� :أن ي�صعد هو. �إ�ضافة �إىل هذا ،كان ال�شاعر الكبري مقت َلع ًا من معاناته ،مفرو�ض ًا عليه �أن ي�سلك دروب ًا قد ال متت ب�أية �صلة �إىل طرقه احلقيقية التي ميكن �أن تو�صله �إىل توازنه مع العامل،
يف بالط �أحد ق�صور الأمويني يف القرن الثاين ع�رش يف قرطبة
ومع نف�سه ،و�سبق �أن ذكرت �أنه كان على �شاعر املدح ان يتبنى مواقف حمددة ،و�أن ي�صوغ �سيا�سة جاهزة و�أن يجهد لتقريبها من حيث النا�س. والواقع �أنَّ هذه الأمور ،لوال العوامل الفاعلة: اخلوف من فقد احلياة واحل ّرية والعطاء، واملكانة املادية واالجتماعية وال�سيا�سية ،ما كانت من الأمور التي يجتهد يف خدمتها ،فهو �أعرابي معت ٌّد بنف�سه وبقومه يريد مكانة له ولهم ،وميلك موقف ًا �سيا�سي ًا قبلي ًا ،ويرغب يف �أن يفلت من القيود املفرو�ضة ،ويرف�ض كل ما يقف يف وجه نزواته ،يرى الظلم حميط ًا به ،يتململ يف هذا الأ�سار من القيود ،ويريد �أن ينفلت ،غري �أن هذا دونه عقبات .مل يكن م�سلم ًا �إال ب�شهادة �أن ال �إله �إال اهلل .ميار�س الكثري من املخالفات ،ي��زين ،يقذف �ألف حم�صنة ،يتحدى الوالة ،يرى احلرام طيب ًا، ي�سرق ال�شعر ،يهجو اخل�ل�ي�ف��ة ...ولكنه، وعلى الرغم من هذا ،يعاين؛ �إذ �إنه يرغم وير�ضخ .يف كل مرة يتمرد وير�ضخ ويح�س، وه��و يتمرد� ،أن��ه �سري�ضخ عندما يرف�ض، ويرى احلل� ،أو يرتاءى له ،يف الال�شعور� ،أن احلل هو يف �أن يعود من حيث �أتى... �إ َّنها �أزم��ة �شاعر �أراد �أن يح ِّقق ذات��ه ،و�أن
يعبرِّ عن معاناته� ،شاعر غري مقتنع ب�أن ما يقوم به ميثل ق�ضية حياته ،فيتمرد ويقمع، و�إن هي �إال �أزم��ة معظم �شعراء امل��دح ،و�إن كانت تبدو �شديدة الو�ضوح عند الفرزدق. وم��ن الأ�سباب امل��ؤدي��ة �أي�ض ًا �إىل ه��ذا� ،أن املجتمع كان حديث العهد بالتنظيم وحتديد القيود على حرية الفرد. وجرير مل يكن �أقل معاناة من هذه الأزمة، غري �أ َّن��ه� ،إ�ضافة �إىل و�ضعه اخلا�ص «طبع بال�سباب الذي و�أ�سرة» قد نفَّ�س عن معاناته ُّ �شاركه فيه الفرزدق ،و�إن مل يتف َّوق فيه مثله، َّ يف�سر تفاقم ظاهرة الهجاء ولعل هذا الواقع ِّ املقذع يف الع�صر الأم��وي .ورمب��ا كان هذا الو�ضع من الأ�سباب التي هي�أت يف ال�شعراء ذلك الإقبال على ال�سباب وال�شتيمة ب�أقبح الأل�ف��اظ ،وك�أ َّنهم بهذا كانوا يعربون عما يجي�ش يف �صدورهم من كبت ولو ب�شكل ال
أفلت األمر من يد الشاعر المحترف فصار مرتهن ًا للسلطان من حيث المعاني وللرأي العام من حيث الشكل الشعري
واع� .إنهم� ،إذ يفعلون هذا� ،إمنا كانوا يقذفون هذا املجتمع بلعناتهم ،ويودون لو يخرجون على كل ما فيه من قيود ،ولكنهم خرجوا يف امليدان املتاح لهم يف جمال اخلروج.
تهمي�ش الآخر
�ساد مديح املحرتفني ال�سيا�سي وهجا�ؤهم، فغدا ال�شاعر الآخر يف الهام�ش� ،إذ بقي عمر بن �أب��ي ربيعة يهذي �إىل �أن �أن�شد ق�صيدة «�أمن �آل نعم �أنت غاد فمبكر» التي يعار�ض فيها مطولة امرئ القي�س .وبقي حريث بن ع�ن��اب ،كما يقول �صاحب الأغ ��اين« ،لي�س مبذكور يف ُّ ال�شعراء لأنه كان بدوي ًا مق ًّال غري مت�صدٍّ ِّ مدح وال هجاء وال بال�شعر للنا�س يف ٍ يخ�صه» .فال�شاعر ، يعدو يف ال�شعر �أمر ما ُّ يف نظر �أب��ي الفرج ومعظم ال��رواة والنقاد �آنذاك ،هو من ميدح ويهجو ويعدو يف ال�شعر �أم��ر ما يخ�صه ،وق��د ك��ان لهذا ال��واق��ع �أثر حا�سم يف تطور ال�شعر العربي ،وق��د كان للخوف م��ن ال�سلطان ،كما م��ر ب�ن��ا ،دور �أ�سا�سي يف تكون هذا الواقع الذي حاول كثري من ال�شعراء والنقاد �أن يخرجوا منه وعليه، ويبدعوا اجلديد
حكايات من الذاكرة 106 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
أربع حكايات ساخنة ه�شام علي
املطربة جناة ال�صغرية بطلة �أغنية «ال ..تكذبي» ،وعبد احلليم حافظ الفتى املدلل للحقبة النا�صرية، و�أم كلثوم ..بخيلة ،وجيهان ال�سادات كانت حتارب �أم كلثوم!! �أربع حكايات �ساخنة يتم تداولها يف الو�سط ال�صحفي الفني يف العامل العربي ،ويتم توريثها للأجيال اجلديدة. �أثناء ت�أبني الفنانة الكبرية وردة اجلزائرية يف القاهرة ،انتهزت فر�صة لقائي مع الإعالمي الكبري وجدي احلكيم ،وطلبت منه �أن ي�صدق على هذه احلكايات �أو ينفيها للتاريخ ،ولي�س بحثاً عن �إثارة �صحفية. عندما بد�أ التعاون الفني بني املطربة جناة ال�صغرية وال�شاعر ن��زار قباين يف ق�صيدة «�أيظن» ،دخل ال�شاعر الكبري كامل ال�شناوي يف �أزم��ة نف�سية ح��ادة وح��ال��ة م��ن االكتئاب ال�شديد ،وانطوى على نف�سه يف بيته ال يكلم �أح ��د ًا وال يلتقي �أ��ص��دق��اءه ،خ�صو�ص ًا و�أن الأغ�ن�ي��ة بلغة �أه��ل ال�ف��ن «ك�سرت الدنيا»، ودخ �ل��ت بال�شاعر ن ��زار ق�ب��اين ك��ل بيت يف م�صر وال��وط��ن العربي ،بعد �أن ت��واف��ر لها �أهم عن�صرين لنجاح �أي عمل غنائي يف هذا الزمن وهما :حلن عبد ال��وه��اب ،وماكينة دعاية عبد الوهاب اخلا�صة من �أ�صدقائه ال�صحفيني ور�ؤ�ساء التحرير وكتاب الأعمدة ومقدمي الربامج الإذاعية.
�أكذوبة «ال تكذبي»
ه�ن��ا ت��دخ�ل��ت ق��ائ�ل ً�ا :وم ��ا ع�لاق��ة ك��ل ه��ذا بق�صة «ال ..تكذبي»؟ ،رد من دون ترتيب لأف�ك��اره :الكاتب ال�صحفي م�صطفي �أمني هو �صانع �سيناريو«ال ..تكذبي» انتقام ًا من جن��اة ال���ص�غ�يرة ،حل���س��اب �صديقه كامل ال �� �ش �ن��اوي ،ال ��ذي ع��ا���ش ف �ع�ل ًا وه��م خيانة جناة له فني ًا ،ولي�س عاطفي ًا كما روج خيال البع�ض ،ورغ ��م �أن احل�ك��اي��ة ال ت�خ��رج عن كونها �شائعة �صحفية� ،إال �أنها �أ�صبحت مثار حديث ليل القاهرة ،وموائد النميمة ،الكل
يحكيها بطريقته وي�ضيف لها �أح��داث � ًا من خياله و�شهود ًا للواقعة ،لدرجة �أن الق�صة �ساهمت يف خ��روج ق�صيدتني م��ن �أه��م ما غنى عبد احلليم حافظ وهما« :ل�ست وحدك» و«حبيبها» .والأغنيتان حلنهما عبد الوهاب حتى ي�صالح �صديقه احلميم كامل ال�شناوي.
حليم املظلوم
�أن يغني حليم للثورة امل�صرية ،و�أن يتغنى ب ��إجن��ازات �ه��ا ،ف�ه��ذا طبيعي ف�ه��و اب��ن ه��ذه املرحلة امل�ضيئة يف تاريخ م�صر� ،أن تنجح �أغانيه الوطنية وي��ردده��ا اجلمهور العربي م��ن امل�ح�ي��ط �إىل اخل �ل �ي��ج ،ه ��ذا لأن ��ه ك��ان �صادق ًا وم�صدق ًا لكل كلمة ي�شدوا بها ،م�ؤمن ًا بثورته منحاز ًا ل�شعبه وجمهوره ،لكن الكذب واالفرتاء �أن يقال �إنه ح�صل من النظام على م�ساحة �أكرب من غريه ،حتى يقال �إنه لقب بـ«الفتى املدلل» واحلقيقة �أن َمنْ �صنع هذا اللقب هم خ�صومه بعد رحيله. لو كان الفتى املدللـ فع ًال ،فلماذا كان لزام ًا عليه وقبل �أي رحلة عالج ي�سافر فيها �إىل اخلارج� ،أن يح�صل على ترخي�ص امل�صنفات الفنية لل�سماح له بال�سفر مثل �أي «راق�صة»! مع العلم �أن هذا الت�صريح مت ا�ستثناء ال�سيدة �أم كلثوم منه والأ�ستاذ عبد الوهاب .هل تعلم �أن �صالح ن�صر رئي�س جهاز املخابرات يف
ذل��ك الوقت �أ��ص��در �أم��ر ا�ستدعاء «حلليم» �أ�شبه ب��أم��ر اعتقال! لكن حليم ف��وت عليه الفر�صة بذكائه عندما �سرب «اخلرب» لكبار ال�صحفيني يف الوطن العربي وتناقلت اخلرب وك��االت الأن �ب��اء .ه��ل تعلم م��ن ال��ذي �أنقذه من �صالح ن�صر؟ امل�شري عبد احلكيم عامر ولي�س الرئي�س عبد النا�صر ..عبد احلليم ا�سرتد اعتباره احلقيقي يف ع�صر الرئي�س ال�سادات الذي منحه جواز �سفر دبلوما�سي ًا و�أ��ص��در تعليمات �أن يرافقه فريق طبي يف �أي رحلة عالج ي�سافر �إليها! هل تكفيك هذه الإجابة؟ .نعم ،تكفيني.
�أم «�إ�سرائيل»
الكاتب الكبري م�صطفي �أمني الذي ارتبط مع �أم كلثوم ب�صداقة عمر قال يف كتابه «م�سائل �شخ�صية» :كانت م�صر كلها تقول �إن �أم كلثوم بخيلة �شحيحة ،يف الوقت الذي كانت تدفع فيه يف اخلفاء مرتبات �شهرية لع�شرات الأ�سر ،وتعترب هذا من الأ�سرار احلربية التي ال يجوز �إف�شا�ؤها حتى لأق��رب املقربني لها، وكم من مهند�سني و�أطباء وق�ضاة �ساعدتهم حتى و�صلوا �إيل منا�صب مرموقة .وحدث مرة �أن جاءين �أحد �أفراد فرقة �أم كلثوم وقال يل: �أنا �أعرف �أنك �صديق «ال�ست» ،فهل ير�ضيك �أن �أذهب �إليها �صباح اليوم و�أقول لها �إنني
عبد احلليم ي�صافح �أم كلثوم يف ح�ضور م�صطفى �أمني
�أريد �أن �أقرت�ض منها خم�سة جنيهات ،لأن لي�س يف بيتي قر�ش واح��د لإط�ع��ام زوجتي و�أوالدي ،و�إذا ب�أم كلثوم ترف�ض �أن تقر�ضني اجلنيهات اخلم�سة ،مع �أنني �أعمل يف فرقتها منذ 15عام ًا؟! وهالني موقف «�أم كلثوم» املخزي وا�ستنكرته، وبعد خروج املو�سيقي طلبتها على التليفون و�س�ألتها :هل �صحيح �أنك رف�ضت �أن تقر�ضي فالن ًا خم�سة جنيهات؟ قالت :نعم رف�ضت؟ قلت :وهل فعلت ذلك بعد �أن قال لك �إن لي�س يف بيته قر�ش واحد؟! قالت :نعم .ف�س�ألتها معاتب ًا :كيف تفعلني ذلك يا �أم كلثوم؟ قالت :لأنني امر�أة بخيلة! قلت� :أن��ا �أع��رف العك�س و�أع ��رف �أن �أه��م �صفاتك الوفاء ملن عمل معك! ق��ال��ت� :أن��ت ال تعرفني .ق�ل��ت :ب��ل �أع��رف��ك مت��ام� ًا� .ضحكت �أم كلثوم وق��ال��ت� :س�أقول لك احلقيقة ب�شرط �أال تقولها ملخلوق� ،إن م�صلحتي �أن يقول عني النا�س �إنني بخيلة حتى يبتعد عني الن�صابون والأفاقون ،فهذا املو�سيقي علمت �أنه كان ي�سهر يف بيت فريد الأطر�ش بالأم�س يلعب القمار ،وخ�سر على مائدة القمار 300جنيه ،ف ��أردت �أن �أ�ؤدب��ه ليعرف ذل لعب القمار ورف�ضت �أن �أعطيه
اجلنيهات اخلم�سة ،وبعد خروجه ات�صلت بزوجته تليفوني ًا و�أخربتها �أنني �س�أر�سل لها مع �سائقي 50جنيه ًا ،ب�شرط �أال تخرب زوجها وت�ترك��ه يتعذب حتى ي�ع��رف م ��رارة عقاب العب القمار! وكان املو�سيقي يحكي لكل من يقابله ق�صة بخل «�أم كلثوم» و�أم كلثوم فرحة و�سعيدة ب�إنت�شار ق�صة بخلها ،حتى �أن بع�ض النا�س �أطلق عليها �أم «�إ�سرائيل» ال �أم كلثوم. وكانت �إذا �سمعت عن فنانة مري�ضة �أ�سرعت �إليها ونقلتها �إىل امل�ست�شفى و�أنذرتها ب�أنها �إذا تكلمت ف�إنها �ستقاطعها �إىل الأبد! و�سكتت من تعلم وتكلمت من ال تعلم ،وكانت �أم كلثوم تقول� :إن الذين يتحدثون عن بخلي يدافعون عني ،يبنون حويل �سور ًا عالي ًا ي�صد الن�صابني والأفاقني والطامعني!
جيهان و�أم كلثوم
ال�سيدة جيهان ال�سادات نف�سها ردت على �شائعة غ�ضبها م��ن �أم كلثوم يف �أك�ثر من مقابلة �صحفية وتلفزيونية قائلة :كل ما قيل يف هذا ال�ش�أن لي�س �صحيح ًا على الإطالق، �أم كلثوم مل تنعت ال�سادات «ب�أبي الأن��وار» ومل �أغ�ضب من ذلك كما قيل ،وعلى الرغم من مرور ال�سنني ف�أنا ال �أ�ستطيع �أن �أخفي ده�شتي م��ن ق ��درة البع�ض ع�ل��ى الفربكة
واخ �ت�لاق ال���ش��ائ�ع��ات ،ف ��أن��ا �أع �ل��م �أن هذه ال�شائعة حتديد ًا من«طبخ» �سامي �شرف. ملحوظة�« :سامي �شرف ه��و �أح��د خ�صوم الرئي�س ال�سادات ،فهو َمنْ قام بتدبري هذا الأم��ر و�أح �ك��م ت��دب�يره ا�ستناد ًا �إىل مكانة �أم كلثوم الفنية و�شهرتها وجماهرييتها الطاغية ،حتى تكون ال�شائعة م�ؤثرة وحتقق الغر�ض ،وت�ستقر يف ج��وف الزمن وه��و ما حدث بالفعل». وحقيقة الأم��ر �أن �أم كلثوم كانت �صديقة عزيزة ،اعتادت �أن تزورين يف بداية �سنوات زواجي يف منزلنا بالرو�ضة حني كان ال�سادات رئي�س ًا للإذاعة وكنا نقطن بالدور اخلام�س ومل يكن ب��ال�ع�م��ارة م�صعد ًا فكانت ت�أتي يوم ًا بعد يوم تقريب ًا ،جتل�س معي ونتجاذب �أط��راف احلديث وكانت ام��ر�أة ذكية جد ًا، فر�ضت موهبتها واح�ترام�ه��ا لذاتها على اجلميع ،ام��ر�أة ع�صامية ارتبطت بالنخبة املثقفة وارتقت بثقافتها وكانت متتلك من احل�صافة و�آداب ال�سلوك ما مينعها من رفع التكلفة بينها وبني النا�س. كنت �أح�ضر بع�ض حفالتها ال�شهرية و�أحب كل �أغانيها وكثري ًا ما كنا نلتقي يف م�آدب جماعية يف منزل �سيد مرعي بالهرم ،ف�أنا �أحبها جد ًا ،وكنت من القالئل الذين ي�ترددون عليها يف مر�ضها الأخري قبل وفاتها
اآلفاق ارتيادالراوي قال 108 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
يعك�س كينونة املر�أة داخل املجتمع
الخطاب األنثوي في المثل الشعبي العماني
حضور مقالي ومقامي له وظائفه د.عائ�شة الدرمكي
�إن الثقافة ال�شعبية هي املوروث الثقايف الذي ترثه الأجيال الالحقة عن الأجيال ال�سابقة على �شكل مادي �أو روحي رمزي ،وهي تلك الثقافة احلية املتداولة يومياً غري اخلا�ضعة لقوانني وقواعد مكتوبة �أو مدونة حيث العفوية وال�شفوية والب�ساطة. ولقد تعددت املقاربات والبحوث التي جتعل من «مفهوم الثقافة ال�شعبية» حموراً للتفاعالت الب�شرية داخل املجتمعات؛ �إذ ظهر ما ي�سمى بـ «الأدب ال�شعبي» �أو «الأدب ال�شفوي» والذي ميثل املقاربة الأدبية التي تختزل الثقافة ال�شعبية حتت هذا اال�صطالح ،ولقد �ضمت هذه املقاربة املثل واحلكاية واللغز وغريها من الفنون الن�صية التي �أنتجتها الثقافة ال�شعبية ،كما ظهرت املقاربات التاريخية التي ُتعنى بر�صد املواقف ال�شعبية جتاه الأحداث التاريخية وال�سيا�سية .وهناك املقاربات الأنرثوبولوجية والإثنوغرافية التي ت�سعى �إىل و�صف الثقافة كونها تعبرياً عن عقلية ب�شرية معينة .وهناك كذلك مقاربات جغرافية ونف�سية وعلمية وتربوية. �إن تعدد ه��ذه املقاربات التي عنت بدرا�سة الثقافة ال�شعبية لدليل على تنوع مادة الثقافة ال�شعبية وت�شعبها وتعقدها بت�شعب وتعقد ال�سلوك الب�شري والإنتاج احلي املتطور الذي تفرزه املجتمعات اللغوية باختالف موروثها احل�ضاري واالجتماعي والديني ،ومما ال�شك فيه �أن كل هذه املقاربات والتعريفات قد �أثرت مفهوم الثقافة ال�شعبية وطورت جمالها ،غري �أن هذه املقاربات – كلها �أو معظمها -طغى عليها البعد االنطباعي واملعياري بالإ�ضافة �إىل تداخل البحث العلمي املح�ض بالأبعاد
الإيديولوجية وال�سيا�سية ،ولعل �إهمال البعد الت ى االنطباعية والواقعية التي طبعت هذا النوع من الأبحاث. وم �ف �ه��وم «ال �ت��وا� �ص��ل ال���ش�ع�ب��ي» ي�ح�ي��ل على الظواهر التوا�صلية التي تنبني على نية التبادل الرمزي يف �إط��ار ف�ضاءات �شعبية وانطالق ًا من الت�صور ال�شعبي لعملية التوا�صل الل�ساين واالج�ت�م��اع��ي ،ف�م��ادة التوا�صل ال�شعبي هي تلك الأن���س��اق اللغوية التي ت�شكل مو�ضوع ًا لل�سانيات وال�سو�سيول�سانيات والتداوليات كالنكت ،والأم�ث��ال ،واحلكايات ،والأنا�شيد،
على �أنها قد تكون �أن�ساق ًا غري لغوية كالإمياء، وال��رق ����ص ،واحل� �ن ��اء ،وال �ل �ب��ا���س ،وال�ف�ن��ون ال�شعبية واملو�سيقى ،وهناك الأن�ساق ال�شمية التي متثلها العطور والروائح بح�سب العادات الدينية والطقو�س التوا�صلية التقليدية ،وروائح الأطعمة .والأن�ساق الذوقية كالطبخ ،ورمزية امل���أك��والت ،ورم��زي��ة اخل �� �ض��راوات والفواكه واللحوم وامل�شروبات ،وطقو�س الأكل وال�شرب، والأن�ساق اللم�سية كالتحية ،والقبلة ،والعراك، والطب .ولقد ذه��ب كثري من الدار�سني �إىل �أن هذه الدوال الن�سقية تدل وتتوا�صل بطريقة
قال الراوي 110 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
مبا�شرة وغري مبا�شرة من خالل انتقالها من الباث �إىل املتلقي ب��دالالت وا�ضحة حمددة �أو دالالت رمزية تتغري بتغري املقام ال�سياقي واملقايل ،بل تتغري بتغري الباث واملتلقي �ضمن �سياقات لغوية �أو اجتماعية متغرية.
املثل ال�شعبي بو�صفه مقاربة �أدبية
�إن املثل ال�شعبي بو�صفه �أحد املقاربات الأدبية التي تن�ضوي حتت ا�صطالح «الأدب ال�شعبي» يت�صل بعمق املعرفة ال�شعبية ومدارج تلقيها من جيل �إىل �آخر ،لأنه «دليل على مناهل الفطنة التي خفي �أثرها ،وظهر �أقلها ،وبطن �أكرثها، وم��ن ح��ام ح��ول حماها ورام قطف جناها، علم �أن دون الو�صول �إليها خرط القتاد»� -أبو الف�ضل �أحمد بن حممد الني�سابوري امليداين. جممع الأمثال ،ج ، 1ط . 2دار مكتبة احلياة، بريوت ،د.ت� ،ص .10 واملثل ال�شعبي م�س�ؤول عن ترتيب �أول��وي��ات
القيم االجتماعية وطرائق التفكري التي تظهر على �شكل تراكمات تاريخية وموروثات ثقافية؛ �إذ ال يتوقف ت�أثري املثل على البعد الإن�ساين واالجتماعي اللغوي ال��ذي يك ِّون ال�شخ�صية ال�ف��ردي��ة ،ب��ل يتعدى ه��ذا �إىل ت��أث�ير جمعي مبا�شر« ،وذلك لأن املخيال ال�شعبي ميثل مر�آة احلراك االجتماعي والثقايف على اعتبار �أنه قائم على ت�صفية التجربة الإن�سانية من خالل من��اذج لغوية �أك�ثره��ا ب ��روز ًا ه��ي الأم �ث��ال»- اخل �ط��اب ال �ث �ق��ايف ،جم�ل��ة دوري� ��ة حمكمة، ت�صدرها جمعية اللهجات والرتاث ال�شعبي يف جامعة امللك �سعود بالريا�ض ،العدد الثاين، خريف 1428هـ ـ 2007م � .ص.84
في أغلب األمثال الشعبية العمانية يكون الخطاب ذكوري ًا على اعتبار أنها الصيغة اللغوية الصالحة للتواصل مع الذكر
ومما ال �شك فيه �أن املثل ُوجد قبل �أن يوجد م�صطلح «املثل» وبالتايل ُو ِج��د يف اللغة قبل اال�صطالح .ففي اللغة هو امل�ساواة وال�شبه .فـ «املِثلِّ : و�شبه َ و�شبه... ال�شبه .يقال ِمثل َوم َثل ِ و�إذا قيل هو ِم ْثله على الإطالق فمعناه �أنه ي�س ُّد م�س َّده ،و�إذا قيل :هو ِم ْثله يف كذا فهو م�سا ٍو له يف جه ٍة دون جهة» -مرت�ضى الزبيدي .تاج العرو�س من جواهر القامو�س ،حتقيق علي �شريي ،ج .15دار الفكر .بريوت1414 .هـ ـ 1994م .مادة مثل -لذلك ُا�صطلح على «ال�شيء ال��ذي ُي�ضرب ل�شيء مث ًال فيجعل ِم �ث �ل��ه» � -أب ��و ال�ف���ض��ل ج �م��ال ال��دي��ن اب��ن منظور ،ل�سان ال�ع��رب ،ج .14دار �صادر، بريوت ،ب ،ت .مادة مثل. �إن امل�ث��ل ه��و �أ��س�ل��وب تعبريي �أ�شبه ب��امل��ر�آة ال�صادقة حلياة املجتمعات الثقافية والوجدانية والنف�سية ،لأنه يحكي واقع اجلوانب املتعددة يف حياة املجتمعات ،وي�صور �أ�سلوبها يف التفكري، وتفاعلها مع الأحداث وا�ستجابته للم�ؤثرات يف
�سلوكها االجتماعي املعتاد؛ ذلك لأنه «عبارة موجزة ي�ستح�سنها النا�س �شك ًال وم�ضمون ًا فيما ال�سلف دون تغيري، بينهم ،ويتناقلها اخللف عن َّ متمثلني بها ،غالب ًا ،يف ح��االت م�شابهة ملا ُ�ض ِرب لها ا َملثل �أ�ص ًال ،و�إن ُجهل هذا الأ�صل»- �إميل بديع يعقوب ،مو�سوعة �أمثال العرب ،ج.1 دار اجليل ،بريوت1415 ،هـ ـ 1995م � .ص .21 ولقد حظي املثل ال�شعبي بدرا�سات وا�سعة على عك�س فنون الأدب ال�شعبي الأخ��رى، ورمبا يعود ذلك �إىل اخل�صائ�ص واملميزات التي ي�ست�أثر بها هذا الفن الأدب��ي عن باقي ال�ف�ن��ون الأدب��ي��ة ال�شعبية ،ك�م��ا ي �ع��ود �إىل انت�شاره الوا�سع يف اللهجات العربية احلديثة وا�ستمرار ت�أثريه عرب الأجيال.
اخلطاب الأنثوي يف املثل ال�شعبي العماين
�إن املثل ال�شعبي ميثل ج��زء ًا مهم ًا من تراث الثقافة ال�شعبية لتعبريه البليغ عن التجارب املختزنة للمجتمع عرب الع�صور والتي تعرب عن بنية املجتمع وثقافته ،فهو ال��ذي يعك�س الرتاث الثقايف واالجتماعي لتلك ال�شعوب، ولكيفية التوا�صل فيما بينهم .بل لقد جل�أ الإن�سان للأمثال لتنظيم ه��ذا التوا�صل وجلعله �أكرث ي�سر ًا ملا يتميز به املثل بطابع قيمي تعليمي اجتماعي. وامل�ث��ل ال�شعبي العماين كغريه م��ن الأم�ث��ال ال�شعبية .جملة ق�صرية بليغة ج��اءت تعبري ًا عن جتربة حمددة ،و�شاع ا�ستعمالها مبنا�سبة وق ��وع جت ��ارب �أو م��واق��ف مم��اث�ل��ة للتجربة الأ�صلية .غري �أن الكثري من ه��ذه التجارب اختفت ق�صتها الأ�صيلة التي وقعت يف نطاقها ال�سياقي ،وا�ستمر املثل املعرب عنها يف التداول. يف حني �أن بع�ض ق�ص�ص وتفا�صيل بع�ض هذه الأمثال متداولة حتى اليوم ،وحتى لو مل تكن ه��ذه التفا�صيل حقيقية للق�صة �أو للتجربة و�ضعت ون�ضجت وتداولها النا�س الأوىل ،لكنها ِ لتالئم هذه التجربة� .إذ ال ميكن �أن نن�سب باث حمدد، الأمثال� ،أو ق�ص�ص ن�ش�أتها� ،إىل ٍ لأن اجلماعة اللغوية التي تداولتها �أو ما زالت
قلة التدوين والحصر من التحديات التي تواجه دراسة األمثال الشعبية العمانية كما هو الحال في باقي الموروثات الشعبية الشفوية تتداولها تدخلت يف �صياغة تفا�صيلها فجعلتها مالئمة لتجربة م��ا قابلة للبقاء وال��ذي��وع واالنت�شار ،وهذه �سمة عامة للأمثال ال�شعبية العمانية ،حيث ال توجد حادثة خا�صة حقيقية وقعت فيها ورمب��ا يعود ذل��ك �إىل ك��ون هذه الأمثال حتمل طابع العمومية ال�صاحلة لكل الأزمان. و�إذا ما انتقلنا �إىل اخلطاب الأنثوي يف املثل ال�شعبي العماين وجدنا �أن��ه ذل��ك اخلطاب الذي ُيبث يف �صيغ لغوية �أنثوية ،على اعتبار �أن الباث املن�شئ لهذا اخلطاب الل�ساين غري م�ع��روف ،ف ��إن مما يثري الت�سا�ؤل هو �أن يف غالب الأمثال ال�شعبية العمانية يكون اخلطاب ذكوري ًا على اعتبار �أنها ال�صيغة اللغوية ال�صاحلة للتوا�صل مع الذكر والأنثى، و�إذا كان الأمر كذلك فلماذا توجد �أمثال �صيغت خ�صي�ص ًا للمتلقي الأنثى؟ ثم هل هي �صاحلة للمتلقي الذكر؟ و�إن كانت الإجابة بال ،فعلينا �أن نعود �إىل ال�س�ؤال الأول ما احلكمة من هذه ال�صياغة ومل��اذا اخل�ط��اب ال��ذك��وري عام واخل� �ط ��اب الأن� �ث ��وي خ��ا���ص؟ ث��م م��ا اخل�صائ�ص املقالية واملقامية لهذا اخلطاب؟ وما وظائفه التوا�صلية؟ ولكي جنيب على مثل هذه الأط� ��روح� ��ات الب� ��د من عر�ض لبع�ض هذه الأمثال ال ��ذي �صاغها املجتمع
اللغوي خلطاب الأن�ث��ى ،وبيان خ�صائ�صها اللغوية والتوا�صلية. اخل�صائ�ص اللغوية للر�سالة «منت املثل» ت�شكل الر�سالة هنا املحور اللغوي الذي يقع على عاتقه م�س�ؤولية ا�ستقبال املتلقي وفهمه ملا �أراد الباث �إي�صاله �إليه ،وميكن �أن ن�صف هذه الر�سالة للخطاب الأنثوي يف املثل ال�شعبي العماين كالآتي:
�أو ًال -ال�سياق املقايل
�أو البنية ال�شكلية والرتكيبية ،فهو ع��ادة ما يكون مادة ق�صرية ،ذات كلمات ب�سيطة ،ففي الغالب هي ما بني كلمتني �أو ثالث كـ «�شايبه ومقنبه» «مقنبهُ :نقلت جم��از ًا للداللة على العنو�سة»«،لع�شار مادِّر» «لع�شار :هي احلامل وهو لفظ خا�ص باحليوان ،ال ُيطلق على حمل املر�أة»« ،العط�شانه كا�سره احلوظ» «احلوظ :
قال الراوي 112 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
هو «احلو�ض» ب�إبدال الظاء من ال�ضاد». وتعد اال�سمية �صفة �أخرى من �صفات الر�سالة يف اخلطاب الأنثوي يف املثل ال�شعبي العماين، �إذ ج��اءت �أغلب الأم�ث��ال جم ًال ا�سمية ،وقد ب��د�أت يف غالبها با�سم املو�صول «ب��و» مبعنى الذي «ا�سم مو�صول مبعنى الذي» ،كـ «بو �أمها يف ال��دار فعايلها ك�ب��ار» ،و«ب��و حتتها كعل ما ت�شب» و كعل نقل جمازي ًا للداللة على املولود ،و« ب��و ت��دور بحبها يطحنولها ي��اه» ،و«ب��و فجيبها ..ي�سرت عيبها» ،و«بو يربيها فثبانه تلدغه فل�سانه» .كما جاءت الأمثال يف غالبها مكونة من املو�صوف وو�صف حاله وما يرتتب عليه وقد ميثل ذلك الأمثال « :العط�شانه ما ي�شا�شالها»واملق�صود بها مناداتها للطعام ،وهو لفظ خا�ص باحليوان ،و«الغرقانه ما تبايل َّ فط�ش» والط�ش هو املاء املتطاير �إثر ا�ضطرابه ، و«احلرمه �شاورها وخالفها» ،و«احلرمه النكده والأر���ض العنده واحلبل بو عقده متعوذ منهم الر�سول» ،و«احلرمه بلور�س والنخله ب َّدر�س» والور�س نوع من النباتات العطرية ت�ستعمله الن�ساء لإ�ضفاء رائحة طيبة على �شعورهن، و الدر�س هو حظرية احليوان ،واملق�صود هنا ال�سماد ب�إطالق الكل و�إرادة اجلزء ،و«حكي
كـ«الن�سا مقربات الن�سب» «الأ� �ص��ل الن�ساء بحذف الهمزة للتخفيف» ،و«ال�سباله فعني �أمها غزال» «ال�سباله :هي �أنثى القرد» ،و«احلرمة حيلها فل�سانها» ،و«احل��ره ت�ساق من ذيلها»، و«احلرمي حمرمات العقل».
ما الحكمة من صياغة أمثال شعبية خصيص ًا للمتلقي األنثى ولماذا الخطاب الذكوري عام والخطاب األنثوي خاص؟ الفعل وفاعله خلوات »�أي الأخوات» ..فلخلوات «جمع ِخلوة»»، و«زعالنه ع�شاها وتنعج عنه» �أي تطرد عنه كل من يحاول االقرتاب منه خ�شية �أكله. كما �أن م��ادة الر�سالة للخطاب الأن �ث��وي يف املثل ال�شعبي العماين تتكون ع��ادة من جزء �إىل جزءين ،وقد ت�أتي الأج��زاء يف ال�سياقات املقالية الآتية:
فعل ال�شرط وجوابه
ولقد ب��د�أت يف غالبها بالفعل امل�ضارع ،ولعل ذلك يعود �إىل ما يتميز به الفعل امل�ضارع من اال�ستمرارية والتجدد ،يف حني جاء بع�ضها الآخر مبتدئ ًا بالفعل الأمر ملا له من خا�صية االلتما�س والفعل الآين ال��ذي ميثل الطلب كـ «هني الن�سا بالن�سا» ،و«تاكل مال الزوج وتدعي للمطلق» ،و«تودِّر«ترتك» بنها وتربي غبنها» ، و«�إدور على بنها «ابنها» وبنها فثبانها» «ثبانها: الأ�صل ثيابها ،بالقلب املكاين» .
وه ��و م��ن احل� ��االت القليلة ال �ت��ي ي ��رد فيها املقابلة بني جملتني اخلطاب الأنثوي كـ «�إذا غلب�ش حب�ش كيليه» «غلب�ش حب�ش :من �أ�صل «غلبك حبك» ،وقد �أُبدلت ال�شني من كاف املخاطب املفرد الأنثى «الك�شك�شة».
املبتد�أ وخربه
وهو من ال�شائع اال�ستعمال يف اخلطاب الأنثوي
متثل ك��ل جملة منهما ح��ال��ة خا�صة ت�ضاد الأخرى من مثل«:وحده «واحدة» تن�سب ووحده ت�سف» ،و«ال��وح��ده عمار والثنتني دم ��ار» ،و« وهني «الأ�صل «�أي��ن» بقلب الهمزة ها ًء» يحنب ي�ط�بن«�أي ي�صلحن» ...وه�ين يكرهن يقلعن العيون» ،و«جال�سه يف الك َّله .وح�سها ورا احلله».
الت�شبيه
وعلى كرثة حاالت الت�شبيه يف الأمثال ال�شعبية العمانية العامة� ،إ َّال �أنه يف اخلطاب الأنثوي قليل– بالن�سبة للأمثال ال�شعبية التي ح�صلت عليها -وميكن التمثيل له بـ « تالجي» من مادة «جلج» وتدل على اال�ضطراب» كما بو باغيه تربي «�أي تلد»».
النداء
وهو كما الت�شبيه يف وجوده يف اخلطاب الأنثوي من حيث القلة ،من مثل «خطفي «املق�صود املرور» يا حره ..ما علي�ش مظره «من ال�ضرر، ب�إبدال الظاء من ال�ضاد»».
الكلية
وه��ي تلك الأم�ث��ال ال�شعبية املخاطبة لأنثى والتي تبد�أ ب�صيغة «كل» من مثل« :كل خايبه ولها بخت» �أي حظ ون�صيب ،و «كل عاجزه ولها بخت».
ثانياً :ال�سياق املقامي
�إن ال�سياقات املقامية ال�ت��ي ظ�ه��رت فيها الأمثال ال�شعبية العمانية التي تخاطب الأنثى بو�صفها متلقي ًا للر�سالة اللغوية واالجتماعية التي يحملها املثل تتميز مبيزتني رئي�ستني،
�أو ًال�� ،س�ي��اق �أن �ث��وي خ��ا���ص ،يحمل طابع ًا اجتماعي ًا وثقافي ًا خا�ص ًا باملر�أة ،ذلك لأنه يح�صر الر�سالة بحياة امل��ر�أة من الناحية االج�ت�م��اع�ي��ة ف�ف��ي ر��س��ال��ة «ال��وح��ده عمار والثنتني دم��ار» ح�صر لكون امل��ر�أة الواحدة «ال��زوج��ة» تن�شغل بعمار حياتها الزوجية يف ح�ين �أن��ه �إذا م��ا اجتمعت زوج�ت��ان ف��إن ان�شغالهما ببع�ضهما ومكائدهما قد ت�ؤدي �إىل دمار احلياة الزوجية ،وهو �سياق مقامي خا�ص جد ًا تكون فيه املر�أة من دون الرجل على اعتبار الدين وال ُعرف. ثاني ًا� ،سياق مقامي عام ،فقد يكون املثل الذي ي َّكون الر�سالة ذا خطاب �أنثوي يف �سياقه املقايل� ،إ َّال �أنه من ناحية املقام يكون عام ًا للذكر كما هو للأنثى ،ف�إذا ما �أخذنا الر�سالة «بنت ال�صايغ ت�شتهي ال�صوغ ..وبنت الن�ساج
تُ ْ ظ ِهر بعض األمثال األنثى بوصفها كائن ًا مقاب ً ال للذكر يحرص األخير على الحذر منه وأخذ الحيطة الشعورية أو الفعلية
عريانه» وجدنا �أنها ر�سالة تخاطب الأنثى خا�صة يف �شكلها ال�ع��ام غ�ير �أن�ه��ا تُ�ضرب للموقف ال�سياقي الذي ميثل عجز الإن�سان عن تلبية و�سد حاجته على الرغم من كونه ق��ادر ًا بل متخ�ص�ص ًا يف تلبية هذه احلاجة للآخرين .والباث هنا يف هذا ال�سياق املقامي �أطلق الر�سالة ب�صيغة الأنثى مع �أنه �أراد بها املخاطبني جميع ًا «الذكر والأن�ث��ى» ،ولرمبا ُيعزى ذلك �إىل رغبة املجتمع يف دمج الأنثى و�إ�شراكها يف �إنتاج الن�ص الأدب��ي ال�شعبي من ناحية ،و�إىل كون الأنثى هنا متثل قمة احلاجة يف ا�شتهائها لل�صوغ «الذهب» وهي حاجة خا�صة باملر�أة من دون الرجل ،وتظهر هذه القمة االحتياجية يف اجلزء الثاين حيث حاجة «بنت الن�ساج» للمالب�س ،وهي حاجة قد ال ت�ؤدي معناها �أو دالالتها �إذا ما كانت ب�صيغة املذكر.
ثالثاً :الوظائف التوا�صلية
يبدو �أن الوظائف التوا�صلية التي �أراده��ا املجتمع بو�صفه باث ًا للر�سائل اللغوية «الأمثال» والتي وجهها للأنثى ب�شكل خا�ص هي وظائف متنوعة ومتعددة ،ومن هذه الوظائف:
قال الراوي 114 الـعــــدد 155 �سبتمرب
الوظيفةالت�شبيهية
2012
وهي الوظيفة التي ت�شبه ح��ا ًال بحال �أو تقوم بعقد مقابلة ب�ين حالني الأول واق��ع والآخ��ر ُمفرت�ض �أو متخيل ،ومتثله الر�سائل« :وحده تن�سب ووح��ده ت�سف» ،و«ه�ين يحنب يطنب... وهني يكرهن يقلعن العيون» ،و«جال�سه يف الك َّله ..وح�سها ورا احلله».
خ�صائ�ص عامة
من �أعمال الفنانة العمانية رابحة حممود
وه��ي الوظيفة ال�ت��ي ت�برز العاطفة لدى الوظيفة الإخبارية وهي وظيفة تغلب على ُجل الأمثال ال�شعبية املتلقي م��ن م�ث��ل«:زع�لان��ه ع�شاها وتنعج املخاطبة للأنثى م��ن مثل��« :ش��وران��ه وما عنه» ،و«اخلنف�سانه فعني �أمها غزال». قانعه بعمرها»�« ،شايبه ومقنبه» ،و«�سمنها الوظيفة الو�صفية تر�س ق��رون�ه��ا» ،و«علي�ش خم�سه وكب�ش�ش وه��ي تلك الوظيفة التي تقوم بو�صف احلال م�سوق». بخم�سه وطلعي ُّ بالن�سبة للباث �أو املتلقي ،ومتثله الر�سائل:
الوظيفة التنبيهية «العط�شانه كا�سره احل��وظ» ،و«عجوز وما ِّنه حيث تقوم الر�سالة بالتنبيه �إىل احلدث من �إبولتها» ،و«حبلها على غاربها وبلي�س طار بها». الناحية الداللية التي تدل عليها الر�سالة «امل �ث��ل» وال �ت��ي ُي�ف�تر���ض �أن يتو�صل �إليها املتلقي بعد تلقيه هذه الر�سالة يف �سياقها حضور األنثى في األمثال و�ضعت ل��ه وقيلت ف�ي��ه ،ومت�ث��ل مثل الشعبية العمانية ال��ذي ِ هذه الوظيفة الر�سائل«:احلرمه �شاورها في سياقها المقالي وخالفها» ،و«احلرمه النكده والأر�ض العنده والمقامي يؤكد واحل�ب��ل ب��و عقده متعوذ منهم الر�سول» ،حضورها على المستوى و«لع�شار«�أي احلامل» ما �إدِّر». الوظيفة الت�أثريية العاطفية
الثقافي واالجتماعي والحضاري على مدى الحقب التاريخية
وقد امتاز اخلطاب الأنثوي يف الأمثال ال�شعبية العمانية بخ�صائ�ص ع��دة من ناحية البنية اللغوية وال�سياقية املقالية واملقامية ،من هذه املميزات :واقعيتها؛ فهي متتاز بواقعيتها التي الم�ست احلياة االجتماعية والثقافية للأنثى العمانية .وبالغتها؛ فقد ام �ت��ازت ب�إيجاز اللفظ وتركيزه ،وب�إ�صابة املعنى ودقته و ُبعد مغزاه االجتماعي والثقايف .ومو�سيقاها؛ فقد متيزت ه��ذه الأم�ث��ال بالر�شاقة اللفظية� ،إذ جند َ اجل ْر�س املو�سيقي والتناغم بني الألفاظ والتنا�سق بني اجلمل ،والتجان�س بني الأ�صوات، واجل�م��ل وال�تراك�ي��ب ،ولقد ج��اءت مو�سيقى ال�سجع والفا�صل� ،أو من هذه الأمثال �إما على ْ اختيارها للأ�صوات املتجان�سة �ضمن الكلمات، والكلمات املتوافقة �ضمن اجل�م��ل ،ث��م �أنها مت ّيزت بالتوازن �سيما عندما ينق�سم املثل �إىل �شطرين متوازنني يجعل للجمل �إيقاع ًا منا�سب ًا ال�سجع .و�أغرا�ضها؛ يزيد من جمالية ذلك ْ حيث تعك�س ب�صدق ،م�شاعر املجتمع اللغوي واالجتماعي ،و�أحا�سي�سه ،وتفكريه ،وفل�سفته، وحكمته ،نحو الأنثى العماين ،وم��ن خاللها ن�ستك�شف �آراءه وموقفه منها ونظرته �إليها، وتف�سريه لثقافتها ،فقد جاءت الأمثال مالم�سة حلياة الأنثى يف عالقتها باملجتمع والطبيعة واحل �ي��اة ،وا��ص�ف��ة ل�ه��ذه ال�ع�لاق��ات املتنوعة بو�صفها فاعلة فيها متفاعلة م��ع ك��ل تلك املتغريات .وجتربتها؛ فقد مت َّيز املثل ال�شعبي العماين املخاطب للأنثى بربوز التجربة ،والتي تبد�أ فردية ،وتنتهي فردية يف ظاهرها �إال �أنها جتربة متكررة وم�شرتكة ،ولنتائجها تقييم م�شرتك ،اتفق عليه املجتمع اللغوي االجتماعي
عامة ،ولقد مت ّيزت الأمثال ال�شعبية املخاطبة للأنثى بح�شمة املق�صد من ناحية ،فقد ابتعدت ع ّما يج ِّرح م�شاعر الأنثى ،على الرغم من �أن بع�ضها يظهر يف جو مليء بالفكاهة والظرف، يف حني ت ُْظهِ ر بع�ض الأمثال الأنثى بو�صفها كائن ًا مقاب ًال للذكر يحر�ص الثاين على احلذر منه و�أخ��ذ احليطة ال�شعورية �أو الفعلية على الرغم من �أن مثل هذه الأمثال تقال يف �سياق مقامي ع��ام؛ فقد تقال يف مواقف م�شابهة ملواقف �سياقية خا�صة بالأنثى �أو عامة.
ح�ضور الأنثى وغياب الذكر
�إن ح�ضور الأنثى يف الأمثال ال�شعبية العمانية يف �سياقها املقايل واملقامي ،يف مقابل عدم وجود ح�ضور ذكوري على امل�ستوى املقايل – على اعتبار �أن ال�صيغة الذكورية عامة للأنثى كما هي للذكر – و�إمنا يتمركز ح�ضور الذكر يف ال�سياق املقامي ال��ذي مييزه �سياق املقام ال��ذي يطلق فيه امل�ث��ل ،يعترب ه��ذا احل�ضور ب�صمة ي�ضعها املجتمع اللغوي – ب�صرف النظر عن مو�ضوع الر�سائل – ت�ؤكد ح�ضور الأن �ث��ى على امل�ستوى الثقايف واالجتماعي واحل�ضاري ال��ذي م َّر به تطور املجتمع على مدى احلقب التاريخية. �إن من التحديات التي تواجه درا�سة الأمثال ال�شعبية العمانية – كما هو احل��ال يف باقي
املوروثات ال�شعبية ال�شفوية – هو قلة التدوين واحل�صر ،و�أن مما يقع بني �أيدينا من �أمثال �شعبية قد ال متثل ب�شكل علمي دقيق مادة كافية ملثل هذه الدرا�سات التخ�ص�صية التي تطمح �إىل وجود نتائج بحثية دقيقة ،فعلى الباحث الراغب يف درا�سة وحتليل الن�صو�ص الأدبية ال�شفاهية القيام بجمعها �أو ًال بو�صفه جامع ًا ميداني ًا لهذه املادة ،حتى يت�سنى له القيام مبثل هذه الدرا�سات على الرغم من �أن هذا اجلمع قد ي�شوبه الكثري من التعميم والو�صفية العامة التي تركز على ظاهرة �أدبية �أو لغوية بعينها يف منطقة واحدة �أو اثنتني �أو حتى ظاهرة لغوية عامة فيعمد -واحلالة هذه � -إىل جتميع ما تي�سر له من مادة من هنا وهناك.
المثل الشعبي المخاطب لألنثى مجال مهم من الناحية الثقافية واالجتماعية واألدبية التي تنعكس على كينونة األنثى داخل المجتمع اللغوي االجتماعي وكينونة الثقافة الشعبية لهذا المجتمع
لذا فلكي نقوم مبثل هذه الدرا�سات املو�سعة والتي ت�سهم يف �إث��راء ه��ذا امل��وروث ال�شعبي الأدب��ي الثقايف ،الب��د من ا��ش�تراك الهيئات الوطنية واحلكومية بالإ�ضافة �إىل اجلمعيات الأهلية وامل�ؤ�س�سات العلمية املتخ�ص�صة يف ال�سلطنة لتفرز قنوات للتوا�صل بينها ق�صد جتميع وحفظ هذا امل��وروث الأدب��ي ،ولت�شجع الباحثني للبحث العلمي يف مكوناته وعنا�صره احليوية ،وتطوير مناهج درا�سته وتثمينه، وب��ذل كل ما من �ش�أنه للتعريف به وتو�صيله للأجيال اجلديدة ،كونه من املكا�سب الثقافية التي ال ميكن التفريط فيها ،كما �أنها م�س�ؤولية وطنية و�إن�سانية .فهناك ع�شرات الآالف من الأم�ث��ال ال�شعبية العمانية املتداولة التي مل حتظ بالدرا�سة بل حتى بالتدوين ،فحركة التدوين وجمع الرتاث املروي يف ال�سلطنة ما زالت طف ًال يحبو مل يبلغ احللم ،فما مت �إنتاجه من ِقبل الأفراد �أو امل�ؤ�س�سات ال ميثل الرتاث الثقايف ال�شعبي املتداول وال حتى ن�صفه. و�أخ�ير ًا ،يبدو �أننا بحاجة اليوم �إىل التفكري يف اال�ستفادة من معطيات الدرا�سات اللغوية، ال�ت��ي تهتم بالتوا�صل الب�شري ،و�أع �ن��ي به «التحليل» الذي يعتمد على م�ستويات الو�صف العلمي ،لأن��ه ي�ستند �إىل مكا�سب املعرفة اللغوية والبالغية والفل�سفية ،وعلى درا�سات علمية يف جمال العلوم الإن�سانية مما يجعل املقاربة التداولية تت�سم بطابع التو�سع والرثاء وال�شمولية ،لأن من �ش�أن املقاربات �أن ت�شمل حتليل الظواهر امل �ج��اورة للغة ،اب�ت��داء من ال�سياق املرجعي واملقامي ،وانتها ًء باملعطيات الثقافية واالجتماعية والنف�سية . يبقى مو�ضوع اخلطاب الأنثوي يف املثل ال�شعبي العماين مو�ضع ًا يحتاج �إىل كثري من التعمق يف التحليل امل�ق��ايل واملقامي ب��ل وال�ت��داويل وال�سيميائي ،الذي ال يت�سنى لنا يف مقام كهذا �أن نتناوله بكثري من التف�صيل والتف�سري، فاملثل ال�شعبي املخاطب للأنثى هو جمال مهم من الناحية الثقافية واالجتماعية والأدبية التي تنعك�س على كينونة الأنثى داخل املجتمع اللغوي االجتماعي ،وكينونة الثقافة ال�شعبية لهذا املجتمع
حوار 116 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
الأمني العام مل�ؤ�س�سة «�أ�صيلة» الثقافية
محمد بن عيسى: الثقافة عنصر ضروري في تنمية الشعوب ونهضتها حوار � -شاكر نوري مل يكن �أحد يتوقع �أن تنه�ض ـ مدينة �صغرية من�سية مثل �أ�صيلة ،كانت تغفو على �إيقاعات �أمواج كتفي رجل واحد ،هو حممد بن عي�سى. املحيط الأطل�سي ،وت�صحو على �صيحات ال�صيادين ـ ـ على ّ بد�أ مو�سم �أ�صيلة م�شروعاً ذاتياً �صرفاً ،وبعد �أن وقف بدعائمه ونال اعرتاف العامل ،بد�أ يكافح منذ �سنوات من �أجل �أن ي�سقط عنه هذه الذاتية ،و�أن يجعل منها م�ؤ�س�سة من �أجل �أن ت�صبح الثقافة والفنون �شرايني جتري يف ج�سد املدينة ،دون �أجندة م�ؤقتة.
بعيد ًا ع��ن ح�صول حممد ب��ن عي�سى على جائزة ال�شيخ زايد للكتاب ك�أف�ضل �شخ�صية ثقافية يف عام ،2008وعن من�صبيه كوزير للثقافة وللخارجية يف بلده ،ف�إنه ابن �أ�صيلة والأب الروحي ملو�سمها الذي ا�ستمر منذ عام 1978و�إىل الوقت احلا�ضر بنجاح منقطع النظري.حممد بن عي�سى ،م ّولد للأفكار ،فهو �أول من ربط بني املدينة والتنمية من خالل م��وارد �أبنائها .مل يتمكن من مفارقتها حتى عندما كان بعيد ًا عنها ،لأن حياته جمبولة ب�تراب�ه��ا ،ن��وع م��ن الع�شق ال�صويف ملدينته، يغيرّ يف خرائطها اجلغرافية والروحية لكي ت�صبح �أك�ثر مالءمة للع�صر ال��ذي نعي�شه. عندما ت�أمل يف جدرانها قبل ثالثة عقود ،ر�آها ملونة ،فجمع �أبناءها ور�ساميها وطلب منهم �أن ّ ي�شغلوا خميلتهم لر�سم جدرانها ،لكي تعانق خميلتهم اللونية قر�ص ال�شم�س .فكانت ب�صمات الر�سامني تتجول يف �أزق��ة املدينة و�أحيائها العميقة. وال يزال ع�شرات الر�سامني من جميع �أنحاء العامل ي�ؤمون �أ�صيلة ،ويرتكون يف مرا�سمها وور�شها لوحاتهم التي بلغت نحو 1000لوحة لتكون نواة ملتحف يعتزم ت�أ�سي�سه قريب ًا .مثل ت�صب يف تغذية هذه الأفكار ال تتوقف ،وكلها ّ قلب املدينة ،التي ال روح لها دون مو�سمها الثقايف وعمدة مدينتها املت ّوج من قبل مثقفي العامل� .أ�صيلة حمظوظة بابنها البار ،الذي �أجن�ب�ت��ه يف ع��ام ،1937ف�ك��م م��ن الأب �ن��اء خمل�صون ملدنهم؟! يف منا�سبة اخ�ت�ت��ام مو�سم �أ�صيلة ال �ـ 34 م�ؤخر ًا ،كان لنا معه هذا احلوار: بعد 34عاماً على مو�سم �أ�صيلة الثقايف ما االجناز الأهم الذي تراها حققته؟ ا�ستطاع مو�سم �أ�صيلة �أن ي�صبح مرجع ًا ثقافيا وتنموي ًا ،لي�س على امل�ستوى املحلي فح�سب ،بل على امل�ستوى الدويل ،لأننا �أ�شركنا يف فعالياته املختلفة ،املفكرين واملثقفني والأدباء الأجانب، وخا�صة م��ن �أوروب���ا باعتبار �أن ا�سبانيا ال تبعد �سوى 16كيلومرت ًا من �شواطئنا .هذه امل�ساهمات دفعت �إىل تطوير �آليات مقاربة
ق�ضايا املغرب و�إر�ساء �أ�س�س ح��وار وتوا�صل كوين بني خمتلف النخب ال�سيا�سية والثقافية واالقت�صادية يف ال�شمال واجلنوب. بعد ه��ذه ال�سنوات الأرب��ع والثالثني ،ميكن ال �ق��ول �إن �ن��ا ا�ستطعنا �أن نحقق ج ��زءا من الأحالم لت�صبح �أ�صيلة مرجع ًا ثقافي ًا وتنموي ًا خا�صة يف ج�ن��وب ال �ع��امل ٬ور�أ� ��س ج�سر يف التوا�صل ب�ين النخب واملفكرين واملبدعني وال�سيا�سيني يف ال�ع��امل .وال بد من الإ��ش��ارة �إىل الدور التنموي املركزي الذي ا�ضطلعت به امل�ؤ�س�سة على �أ�سا�س ال�شعار الذي رفعته
�إ�سهام نادر ع��ل��ى ال��رغ��م م��ن �إم��ك��ان��ي��ات مدينة �أ�صيلة املتوا�ضعة ،التي كانت تفتقر �إىل كل البنى التحتية .جنح حممد بن عي�سى يف جعلها ملتقى للمبدعني وامل����ف����ك����ري����ن ال�����ع�����رب والأف�������ارق�������ة والغربيني ،لت�صبح �أول قرية عربية ب�سيطة ت��ت��ح��ول �إىل من����وذج مبدع للقرية العاملية يف الع�صر احلديث. من ال يعرف م�شروع �أ�صيلة يتخيل �أن وراءها م�ؤ�س�سات حكومية كبرية لكنها لي�ست كذلك ،بل انبثقت عن جمعية �أهلية مدنية ،قادها حممد ب��ن عي�سى ،ليجعل منها م�شروعاً دائماً بدميومة احلياة ،طاملا تنجب املدينة من �أجيال.
منذ الت�أ�سي�س ٬واملتمثل يف «الثقافة من �أجل التنمية»� ٬إذ لي�ست الثقافة �سلعة ٬بل هي املمار�سات اليومية يف خمتلف قطاعات احل� �ي ��اة ٬وع �ن �� �ص��ر ًا � �ض��روري��ا يف تنمية ال�شعوب ونه�ضتها. ي��رى البع�ض يف هذ �أب��رز ما ميز مو�سم �أ�صيلة عن غريه من املهرجانات ال�صيفية؟ مو�سم �أ�صيلة هو م�شروع ثقايف ولي�س مهرجانا �أو مو�سم ًا فقط ،منذ انطلق �سنة ،1978كان �أول ملتقى من نوعه ُينظم يف املغرب .كان هدفه وال زال� ،أن نلتقي نحن يف اجلنوب مع النخب يف عامل ال�شمال ،بد�أنا بالفن الت�شكيلي ث��م فتحنا امل �ج��ال �إىل العلماء واملفكرين والباحثني يف �إط��ار م�ؤ�س�سة �أطلقنا عليها "جامعة املعتمد بن عباد ال�صيفية". مبعنى �آخر� ،أ�صيلة لي�ست مهرجان ًا ترفيهي ًا باملعنى املتعارف عليه يف املهرجانات الأخرى، بل هو ثقايف املنحى يف الدرجة الأوىل. مو�سم �أ�صيلة يتجدد كل عام مبو�ضوعات هامة ،كيف تختارون حماور الندوات؟ ن�ح��ن ن�سعى �إىل �إغ��ن��اء ب��رن��ام��ج ك��ل ع��ام مبجموعة من الأن�شطة الفكر ّية وال�سيا�س ّية والفن ّية اجل��دي��دة واملختلفة ع��ن الأع ��وام ال���س��اب�ق��ة ،وذل ��ك م��ن ب ��اب ال �ت �ن � ّوع ،وه��ي مو�ضوعات جديدة ال تزال تبحث عن احللول
حوار 118 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
زوار معر�ض «�آفاق متقاطعة» �ضمن مهرجان �أ�صيلة
والإجابات يف عاملنا العربي. وال يقت�صر مو�سم �أ�صيلة على الندوات واملحاور الفكرية بل يتعداه �إىل خمتلف �أنواع الفنون� .إن مو�سم �أ�صيلة يركز على الن�شاطات والفعاليات ذات امل�ضمون الثقايف ،من �أم�سيات �شعر ّية وندوات فكرية و�سهرات فنية وتد�شني معار�ض الفنون الت�شكيل ّية من �أج��ل تفعيل وتن�شيط املدينة التي �أ�صبحت الثقافة �إح ��دى �أه��م مواردها. كيف �ساهمت مدينة �صغرية مثل �أ�صيلة يف هكذا تفاعل؟ �إن ه ��ذه امل��دي �ن��ة ��س��اه�م��ت يف خ�ل��ق توجه املر�سخ لقيم احل��وار والتفاعل االن�ف�ت��احّ ٬ والتوا�صل مع الآخر ٬م�ستثمرة بذلك النهج ال��و��س�ط��ي وامل �ع �ت��دل ال ��ذي مي � ّي��ز امل �غ��رب٬ ومن خالل ذلك �أقامت م�ؤ�س�سات و�أطلقت مبادرات لإب��راز �سبل االعتماد على الذات وع �ل��ى الإم �ك��ان �ي��ات امل �ت��وف��رة ل��دي�ن��ا رغ��م توا�ضعها ،وال نن�سى دور الرعاية امللكية ال�سامية لهذا امل���ش��روع حيث ل��وال الدعم امل��ادي واملعنوي والت�شجيع الذي لقيناه من جاللة امللك حممد ال�ساد�س منذ كان وليا للعهد و�إىل اليوم ما كان لهذا امل�شروع �أن يحالفه النجاح.
الثقافة تتجاوز اآلداب والفنون لتشمل التربية والتعليم والمعرفة والعناية بالقدرات اإلبداعية لدى اإلنسان وما مالمح الإ�سرتاتيجية التي ينتهجها م�شروع �أ�صيلة كما �أ�سميتموه؟ �إن بناء هذا امل�شروع ارتكز منذ البداية على � �ض��رورة �أن جنعل م��ن ه��ذه املدينة منارة ت�ضيء ف�ضاءات العامل الآخر بالقدرات التي يتوفر عليها عامل اجلنوب يف الفنون الت�شكيلية والآداب والفكر واالقت�صاد والعمارة ٬عالوة على تر�سيخنا ل�ضرورة التعامل مع الآخ��ر والتفاعل معه يف فرتة �سادت فيها الدعوة �إىل مقاطعة ال�شمال اال�ستعماري االمربيايل ،وهو التوجه الذي عار�ضته على الدوام على اعتبار �أن القطيعة ال متني روح احلوار والتفاهم. و�إ�سرتاتيجية �أ�صيلة التي يرتكز على �أ�سا�سها نهو�ض وانطالق م�شروع م�ؤ�س�سة منتدى �أ�صيلة هو تر�سيخ وتعميق ج�سور التوا�صل مع الآخر٬ منذ نهاية ال�سبعينيات من القرن املا�ضي٬
التي مت ّيزت باحلرب ال�ب��اردة واال�ستقطاب الإيديولوجي احلاد. هل كان اجلمع بني تنمية املدينة والثقافة يف برنامج واحد جديداً يف ذلك الوقت؟ عندما �أ�س�سنا ه��ذا امل�شروع الثقايف ،منذ البداية ،كان لدينا هاج�سان يتمثالن يف كيفية توفري امل��وارد لتنمية مدينتنا ،التي كانت يف حالة متدهورة ��س��واء على م�ستوى بنياتها التحتية �أو نوعية احلياة والبيئة �إىل غري ذلك٬ ثم فكرنا بكيفية �إق��ام��ة �أر�ضية للتالقي مع الأخر؟ بعد م�ضي �أكرث من ثالثني �سنة �أم�ضيتها خارج الوطن يف الدرا�سة والعمل يف املنظمات الدولية ،وعودتي �إىل املغرب ،حلمت ب�إن�شاء مكان يلتقي فيه �أهل اجلنوب مع �أهل ال�شمال، وك�سر قاعدة جلوء اجلنوب �إىل ال�شمال ،طالب ًا جندته .مل تلق الفكرة يف البداية كل القبول بالنظر �إىل تخوف الفاعلني على م�ستوى املدينة من عدم القدرة على حتقيقه. هل ميكن �أن تع ّرف لنا حدود الثقافة من وجهة نظرك؟ �إن الثقافة يف نظرنا ت�أخذ �أب �ع��اد ًا �شمولية تتجاوز الآداب والفنون لت�شمل الرتبية والتعليم
واملعرفة والعناية بالقدرات الإبداعية لدى الإن���س��ان ،وق��د مت��ت ترجمة �أه��داف�ن��ا على م�ستوى مدينة �أ�صيلة من خالل �صقل مواهب الطفل وتوفري �سبل توظيف قدراته يف ور�شات الإبداع مثل ور�شات الر�سم وال�صباغة للطفل التي تقام طيلة ال�سنة وتنظيم ور�شة خا�ص بكتابة الطفل يف الرواية �أو ال�شعر �أو الق�صة ث�لاث م��رات يف ال�سنة ٬ب��إ��ش��راف �أ�ساتذة جامعيني متخ�ص�صني .هذه العناية املتعلقة برت�سيخ هذا املفهوم ال�شامل للثقافة يف بعدها التنموي �شملت �أي�ضا هيكلة البنيات التحتية من و�سائل االت�صاالت وبناء مركز احل�سن ال�ث��اين للملتقيات ال��دول�ي��ة و�إ� �ص�لاح ق�صر الثقافة وبرج القمرة ٬وت�شييد مكتبة الأمري بندر بن �سلطان. وم��ا طبيعة ال��دور ال��ذي تقوم به جامعة امل��ع��ت��م��د ب���ن ع���ب���اد ،وم�����اذا ع���ن ن����دوة «م��ي��اه املتو�سط� :أزم���ة ال�شمال وح���راك اجلنوب» التي نظمتها اجلامعة �أخرياً؟ طرحت جامعة املعتمد ابن عباد ال�صيفية 4 ن��دوات هامة ،من �ضمنها هذه الندوة ،التي �أعتربها �أ�سا�سية ملنطقتنا ،حيث �شارك فيها املفكرون وال�سا�سة العرب والغربيون جنب ًا �إىل جنب� .أغلب املداخالت ذهبت �إىل تو�ضيح �إمكانات �إجناح حوار ال�شمال اجلنوب حيث ت�شهد دول �أوروبا �أزمة اقت�صادية حادة ،فيما ت�شهد دول االحتاد املغاربي احلراك ال�سيا�سي يف �إطار موجة الربيع العربي .ومن املعروف �أن البحر الأبي�ض املتو�سط ،كان وال يزال ج�سرا لعبور الثقافات والتجارب وتالقحها .ال بد من �أن تعي بلدان �أوروب��ا �ضرورة التغيريات اجلوهرية التي طر�أت على املجتمع املغاربي التي يتطلب منها تغيري �سيا�ستها جتاه هذه البلدان .كما يجب خلق ف�ضاء �إن�ساين لهذا احلوار يقوم على �إيجاد قيم م�شرتكة بينهما. �أخذت املر�أة والدميقراطية حجماً هاماً يف ندوات املو�سم؟ هذا �صحيح� ،إن ندوة «املر�أة والدميقراطية يف العامل العربي» جاءت ا�ستجابة للأحداث
�شوارع �أ�صيلة حتولت �إىل معر�ض مفتوح
ساهمت مدينة أصيلة في استثمار النهج الوسطي المميّز للمغرب في تكريس قيم الحوار والتفاعل والتواصل مع اآلخر الطارئة يف املجتمع العربي �إذ �إن م�ؤ�شرات ما بعد الربيع العربي ،مت ّيزت مب�شاركة قوية للمر�أة العربية .وال بد من النهو�ض مب�شاركة امل��ر�أة يف اتخاذ ق��رارات تدعم دور امل��ر�أة يف �صياغة احلياة االجتماعية والفكرية والثقافية يف العامل العربي .وال ميكن �أن يتحقق ذل��ك �إال ب��والدة املجتمع امل��دين وع�م��ل �آل�ي��ات��ه ال�ت��ي م��ن �ش�أنها �أن جتعل املر�أة يف جوهر قراراتها ومبادراتها الأ�سا�سية.
ت��ط��رق املو�سم �إىل مو�ضوع ه��ام ه��و دور النخب الثقافية يف �أفق بناء االحتاد املغاربي؟ �أين يكمن دور هذه النخب؟ كان مو�ضوع هذه الندوة من �أهم ندواتنا هذا العام؛ �إذ حان الوقت لكي يكون للنخب دور حا�سم يف الت�أثري على الأحداث وعلى القرار ال�سيا�سي ٬لأن ال�سيا�سيني ينفردون بهذه القرارات منذ عقود خلت .وهذا يتطلب توعية كاملة بهذا الدور احليوي للنخب الثقافية التي مت تهم�شيها بعيد ًا عن �صناعة القرار العربي. �إن م�شاركة هذه النخب يف القرار ال�سيا�سي من �ش�أنه �أن يحقق مكا�سب هامة للمجتمع، ال �أن يبقى وحيد اجلانب ،خا�صة و�إن الدول املغاربية متر الآن مبرحلة فارقة �أ�صبح التغيري �سمة من �سماتها الأ�سا�سية .كما �أن الأجيال اجلديدة تلح كثري ًا على م�شاركة النخب ،التي ت�شكل هي جزء ًا منه
نافذة على التراث 120 الـعــــدد 155 �سبتمرب
«خري من ت�سعى به قدم» ،وطبيعي �أن يجد من يعرت�ض عليه خا�صة يف ح�ضور الأمري .ويبدو �أن املتنبي كان قد �أعد العدة لهذا االعرتا�ض املنطقي املتوقع ف�أرجع تفوقه على العاملني �إىل قدرته الأدبية ح�صر ًا حني يقول بعد البيت ال�سابق مبا�شرة:
2012
وفيات األعالم «»2
�أمين بكر
يف املقال ال�سابق تناولنا موت بديع الزمان الهمذاين « 394 - 354هـ» وما حيك حوله من �أن بديع الزمان �أ�صابته غيبوبة ،وظن �أهله �أنه قد مات فدفنوه حيا .وكيف �أنه ملا ا�ستيقظ ونظر حوله فوجد نف�سه يف القرب م��ات من ه��ول ال�صدمة .وغلب علينا الظن ب���أن مثل َ هذه املرويات عن موت الأعالم هي من باب �أنا الذي نظ َر الأع َمى �إىل �أدَبي ردة الفعل الثقافية على �شخ�ص املبدع �أو على و�أ� �س �م �ع��تْ ك �ل �م��ات��ي م ��ن ب ��ه ��ص�م� ُم �إبداعه� .أو لعلها �أن تكون ت�أويال لبع�ض �أدبه �أو �أن��ا ُم م��ل َء جفوين عن َ�شوا ِردِها م�صداقا له .ويف املقال احلايل نتناول ق�صة و َي��� ْ�س�ه��ر اخل �ل��ق ج � ّراه��ا ويخت�ص ُم طريفة �أخرى دارت حول موت �شاعر العربية الأ�شهر «�أبو الطيب املتنبي». اع��ت��داد املتنبي ب�شعره �أو ًال وبفرو�سيته و�أخالقه ثاني ًا منحه طاقة ،جتلت يف �شعره، املتنبي :هل قتل بيتُ ال�شعر من الفخار واجل��ر�أة على اخل�صوم .وذلك �صاحبه؟ ما جعله ال يقف عند حد �إذا خا�صم. يف حياة املتنبي « 354 - 301هـ» حمطات رئي�سة ولعل موت املتنبي �أن يكون نتيجة مبا�شرة احتدم فيها ال�صراع حوله ومعه؛ �أه��م هذه العتداده الزائد بذاته ،ما جعله ال ي�شعر ب�أي املحطات كان يف حلب مع �أمريها �سيف الدولة تهديد من كائن من كان على وجه الب�سيطة. احلمداين ،ثم يف م�صر مع كافور الإخ�شيدي يروى عن موته �أنه يف طريق عودته من لدن و�أخ��ي�را م��ع اب��ن العميد وع�ضد ال��دول��ة يف ع�ضد الدولة يف �شرياز نزل بلدة «وا�سط» فار�س .عا�ش املتنبي يف حلب حلم البطولة عند �صديقه �أبي ن�صر اجلبلي .ومما يروى يف �شخ�ص �سيف الدولة ،ونال من املكانة ما �أن فاتك الأ�سدي «قاتل املتنبي» كان قد نزل مل يتمتع به �أحد لدى �أمري حلب مبن يف ذلك ب�أبي ن�صر هذا قبل و�صول املتنبي ،و�أخذ اب��ن عمه ال�شاعر «�أب���و ف��را���س احل��م��داين» .ي�س�أل ع��ن �أخ��ب��اره مظهر ًا ال�شر ،ويحكي ك��ان املتنبي م�شهور ًا بالكربياء ال��ذي ي�صل الدكتور طه ح�سني كيف �أن �أبا ن�صر حاول حد ال�صلف �أحيان ًا .ولعل هذا الكربياء هو �أن يثني فاتك عن نيته جت��اه املتنبي لكنه ما دعاه �أن ي�ضع �شرطني لوفادته على �سيف ف�شل يف ذلك «طه ح�سني ،مع املتنبي ،دار الدولة من البداية :ال�شرط الأول �أال يكلفه املعارف ،القاهرة ،ط/13د.ت� «،ص .»375 �سيف الدولة تقبيل الأر�ض بني يديه ،والثاين ولعل ال�سبب يف هذا العداء �أن املتنبي كان �أال يقول ال�شعر واقف ًا على عادة ال�شعراء �أمام ق��د ه��ج��ا اب���ن �أخ���ت ف��ات��ك وا���س��م��ه «�ضبة الأمراء وامللوك .زرعت موافقة �سيف الدولة القرمطي» �أثناء نزوله بالكوفة ،وهو ما دعا على �شرطي املتنبي ب��ذرة ال��غ�يرة يف قلوب فاتك لل�سعى وراء املتنبي ث���أر ًا لعر�ض ابن اخلا�صة املقربني من الأم�ي�ر ،ك�أبي فرا�س �أخته .وتقول املرويات �إن �أبا ن�صر اجلبلي احلمداين واب��ن خالويه النحوي وغريهما .ح��اول �إقناع املتنبي باتخاذ حرا�سة له يف افتخر املتنبي بقدراته كثري ًا ،وكانت موهبته طريقه �إىل ب��غ��داد ،لكن الأخ�ير مل يقبل، ال�شعرية هي مركز فخره ،تليها فرو�سيته متح�صن ًا بثقته ال�شديدة يف مكانته ويف التي اكت�سب جل مهاراتها خالل فرتة �إقامته فرو�سيته .ق�صة موت املتنبي �إذن تبد�أ من مع �سيف الدولة .و�صل اعتداد املتنبي بنف�سه قلب فخاره واع��ت��داده املبالغ فيهما بذاته حدود ًا تفوق احتمال من يختلف معه حتديد ًا ،وق��درات��ه .هناك م��ن يذهب �إىل �أن فاتك حتى لقد ادعى املتنبي �أمام �سيف الدولة �أنه رمبا دفعه الطمع يف �أموال املتنبي الكثرية،
التي يعلم اجلميع �أن��ه ي�سافر بها جميعا �أينما ذهب� ،أو لعل كافور الإخ�شيدي هو من ت�آمر مع فاتك .بل �إن البع�ض يذهب �إىل �أن �سيف الدولة نف�سه رمبا يكون هو من �أر�سل يف طلب ر�أ���س املتنبي بعد �أن ب��د�أ املتنبي التعري�ض به يف بع�ض ق�صائده ،ومنها قوله يف مدح ابن العميد:
�راب �أين بعدها م��ن م�ب�ل� ُغ الأع � � َ الي�س والإ�سكنـــــــدرا جال�ستُ ر ِْ�س َط َ ومللتُ نح َر عِ �شارها ف�أ�ضافني َ من ينح ُر ال�ب��د َر ال َن َ�ضار ملن قرى
يقول الدكتور طه ح�سني تعليق ًا على هذه الأبيات �إن« :الأعراب هنا هم �سيف الدولة و�أ�صحابه يف �شمال ال�شام» «م��ع املتنبي/ .»364ولعل هذا �أن يكون دافع ًا ل�سيف الدولة كي ير�سل يف طلب املتنبي خ�شية �أن ي�صل بهجائه �إىل ما ي�شبه كافورياته ال�شهرية. �أراد كثريون �إذن املوت للمتنبي طبق ًا لل�سرد ال�شيق ال��ذي حيك حول حياته ،وهنا ت�أتي حادثة موته لتمثل ختام ًا درام��ي�� ًا منا�سب ًا لهذه الروايات املثرية التي ت�صف خ�صومات املتنبي ومعاركه. ُي��ح��ك��ى �أن ف��ات��ك الأ���س��دي ه��اج��م املتنبي ب�سبعني رج�لا ومل يكن م��ع املتنبي �سوى �أبنائه وغلمانه ،ف��دار بني الطرفني قتال كاد �أن ينتهي بهزمية املتنبي وقتله ،فحاول املتنبي ال��ف��رار م��ن امل��ع��رك��ة ،ف����إذا ب���أح��د غلمانه ي�صرخ فيه� ،أتهرب و�أنت القائل:
اخلي ُل واللي ُل والبيدا ُء تعرفني وال�سيف والرم ُح والق َ ُ ا�س والقل ُم ِرط ُ
ويف رواية �أخرى :
وال�ضرب والطعن والقرطا�س والقلم
فيعود املتنبي للمعركة مطلقا جملة حتتاجها احلبكة ال�سردية لت�صل �إىل ذروتها ،حني قال للغالم« :قتلتني قتلك اهلل» ،ثم ينتهي امل�شهد ال�سردي مبوت املتنبي على يد فاتك الأ�سدي .وهكذا ين�صب اللوم التاريخي على
بيت ال�شعر؛ ليقول امل�ؤرخون الذين �أخذوا الق�صة على عالتها �إن��ه «البيت ال��ذي قتل �صاحبه» .ويبدو لنا �أنه البيت الذي احتاجه امل�شهد ال�سردي اخليايل ،لي�شعل ما عرفته الثقافة عن املتنبي من عظيم فخار بذاته واع��ت��داد بكلمته وبفرو�سيته� .إن��ه��ا نهاية درامية خيالية حلياة �صاخبة احتاجت ،كي يكتمل ت�شويقها ،مل�شهد ختامي يلعب بيت املتنبي ال�شهري دور البطولة ف��ي��ه ،فتمت �صياغة م�شهد ال نعرف على وجه التحديد: من ال��ذي نقله لنا �إذا ك��ان كل �أبطاله قد قتلوا فيه؟ �إن حماولة املتنبي الهرب يف ذاتها متثل ما ي�شبه املوقف ال�ساخر من فخره ال�شخ�صي املبالغ فيه ،وخ�صو�ص ًا ما يت�صل ب�شجاعته وق��درت��ه على ال�ضرب وال��ط��ع��ان ،ث��م تركز عودته بعد ذلك على ما عرف عنه من �أنه و ٌّ يف ال ي��خ��ون و�أن���ه مل ي��ك��ذب ق��ط ،وه��و ما �أرادت الثقافة يف ه��ذه الق�صة �أن تطبقه ع��ل��ى ���ش��ع��ره ،ف��ه��و ويف لكلمته ���ص��ادق يف التزامه بها و�إن كان الثمن موته. الق�صة �إذن �أق���رب ل���ذروة ���س��ردي��ة ،متثل
ختام ًا حلياة ال�شاعر ال�صاخبة التي �صنعت م�ساحة ت�أويل وا�سعة يف الثقافة العربية. و�أح�����س��ب �أن ب���إم��ك��ان��ن��ا ا���س��ت��ج�لاء ال�صور الثقافية التي كانت �سائدة ع��ن كثري من الأع��ل�ام يف ت��راث��ن��ا �أث��ن��اء ح��ي��وات��ه��م ،عرب حتليل الق�ص�ص التي حيكت عن موتهم. من القامو�س: ...ال�ضرب :اخلفيف من املطر .وال�ضرب: الرجل اخلفيف اللحم .قال طرفة: �أن��ا الرجل ال�ضرب ال��ذي تعرفونه خ�شا�ش كر�أ�س احلية املتوقد وال�ضرب :ال�صيغة وال�صنف من الأ�شياء... وم�ضرب ال�سيف �أي�ضا :نحو م��ن �شرب من طرفه« .ال�صحاح ،ج� ،1ص »169 - 168 َط�� َع�� َن�� ُه بالرمحَ . ْ وط�� َع��نَ يف ال�سن َيط ُعنُ بال�ضم َط ْع ًناَ . وط َعنَ فيه بالقول َي ْط ُعن �أي�ض ًا َط ْع ًنا َ وط َع َنا ًنا «ال�صحاح ،ج� ،6ص »2157 «ال�صحاح :ت��اج اللغة و�صحاح العربية، لإ�سماعيل بن حماد اجلوهري ،حتقيق� :أحمد عبد الغفور عطار ،دار العلم للماليني ،بريوت، ط»1990 /4
دراسةاآلفاق ارتياد 122 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
احلب يف الرتاث الإ�سالمي
تالقيات الرؤيا بين ابن حزم والغزل العذري د .عالء اجلابري كثرياً ما ت�ضيق نظرة امللتفتني للرتاث العربي ومعاجلته لق�ضايا امل�شاعر الإن�سانية؛ فيتوقفون-رمبا مغر�ضني� -أمام بع�ض مالمح الق�سوة التي ت�سم – �أحياناً -بع�ض املواقف البهي .ي�صدرون ت�صديق امل�شهورة يف الرتاث ّ عمر بن اخلطاب على كلمة «�إمنا يبكي على احلب الن�ساء»� ،أو بيت جرير الذي يبدو فيه ممهداً لرثاء زوجته ،ومقدماً «بيان حالة» قبل الرثاء امل�ستحق لها: لوال احلياء لهاجني ا�ستعبار
ولزرت قربك واحلبيب ُيزار
واملو�ضوعية تقت�ضي �أن نقر مبا يحفل به الرتاث من م�ؤلفات عدة ،تتحدث عن احلب بو�صفه �شعور ًا �إن�ساني ًا نبي ًال ،وب�شري ًا ،يحتل قيمة ومكانة متميزة يف النف�س الب�شرية، ومن ثم ،مل يتجاهله الدين الإ�سالمي ،ومل يحرمه ،ف�شهدت املكتبة العربية م�ؤلفات ع��دة ،ي�برز منها «م���ص��ارع الع�شاق» البن ال �� �س � َراج ،و«رو� �ض��ة املحبني» «الب��ن القيم اجلوزية» ،و«ذم الهوى» للجوزي ،و«دي��وان ال�صبابة» البن �أبى عجلة التلم�ساين. وب��رغ��م ه��ذه امل��ؤل�ف��ات ال�ع��دي��دة واملختلفة امل�شارب واملقا�صد جند كثري ًا من الهجمات ال�شر�سة التي حتيط بالإ�سالم وعلماء الدين وترميهم بتجاهل امل�شاعر الإن�سانية� ،أو اجلفاف يف التعامل معها. �إن ال�ت�راث الإ� �س�لام��ي العظيم ك �ث� ً يرا ما يقذفونه باجلمود �أو الإغراق يف �أمور بعيدة عن حياة الب�شر ،وين�سون م�ؤلفات تت�صل باحلب وال�ضحك وال�ط��ب � .........إل��خ، جرى ذكرها على �أقالم فقهاء وعلماء دين، وهذه ال�سطور حني تتحدث عن احلب ف�إنها كانت تود الإعرا�ض عن امل�ؤلفات الأدبية �شعر ًا �أو نرث ًا ،و�أن تقت�صر على معاجلة فقيه كبري لتلمح مو�ضوعية الفقهاء يف التعامل مع هذا الأم��ر وع��دم جتاهله ،غري �أننا �آثرنا الإمل��اح �إىل تالقيات بني ر�ؤي��ة "ابن حزم" الفقيه الأندل�سي الأ�شهر ،من جهة ،وبني املفردات الأ�سا�سية التي يدور حولها الغزل العذري. ولي�س همنا �أن ن��رف��ع دع��وى «��س��رق��ة» بني اب��ن ح��زم ،وال�غ��زل ال�ع��ذري ال�سابق عليه، ذائع ال�صيت؛ فالوقوع على هذه التالقيات ُيع ّد �أم��ر ًا �إن�ساني ًا بامتياز ،رمبا يقع فيه- �أو عليه -م��ن يكتب م��ن وجهة نظر تقدّر العاطفة الإن�سانية ال�سامية ،وتثمن قيمتها، وجت�ع�ل�ه��ا غ ��اي ��ة�-إىل ح��د م ��ا -ع��و���ض �أن تكون و�سيلة مل��آرب �أخ��رى متتهن العواطف و�صاحبها. �إن ال�ن�ظ��رة الأخ�لاق �ي��ة داف ��ع �أ��س��ا��س��ي يف تقارب املنظور بني الغزل العذري و�آراء ابن حزم يف كتابيه اللذين �سنعر�ض لهما ،ورمبا لو توقف غرينا مع �آراء علماء دين �آخرين،
انحبا�س م�ؤلفات الفقهاء يف امل�ساجد فقد كتبوا يف مو�ضوعات ح�سا�سة ،مثل احلب.
ابن حزم وم�ؤلفاته
�أو علماء �أخ�لاق� ،أو فال�سفة مثاليني فلن يعدو الأم��ر وق��وع تقاربات؛ مبا هو مو�ضوع �أ�سا�سي يدخل يف �صلب الفطرة «فطرة اهلل التي فطر النا�س عليها» «الروم .» 30 :
احلب املقموع
وال ريب �أن وح��دة املدخل ت�ؤ�شر لتقارب م��ا ،ب�سبب م��ن وح��دة امل�شكاة ،غ�ير �أن اخ�ت�لاف املنحى ب�ين التنظيم املنطقي يف م�ؤلفي اب��ن ح��زم ،وهيمنة العاطفة وجم��اف��اة امل�ن�ط��ق يف ال�ع�م��ل الإب��داع��ي عموم ًا ،ويف الغزل ال�ع��ذري القائم على ت��أم��ل ال��ذات والعاطفة واملحبوبة ،حتى �سمي بـ«احلب املقموع» كما يرى يو�سف اليو�سف ،يجعل االخ�ت�لاف وارد ًا ب�شكل كبري� .إننا نرى التقارب من باب «و�ضع احلافر على احلافر» ،كما كان �أ�صحاب فكرة ال�سرقات املباحثية يقولون قدمي ًا، وال نرى االختالف حا�ضر ًا لدرجة التنافر التي ت�شي بانعدام التالقي. �إن ه��ذه ال���س�ط��ور ت �ق��ول ��ص��راح��ة بعدم
كثير ًا ما يقذفون التراث اإلسالمي بالجمود وينسون مؤلفات تتصل بالحب والضحك والطب وغيرها
ول��د �أب��و حممد علي بن �سعيد بن ح��زم يف قرطبة «رم�ضان 384من الهجرة – 7نوفمرب 994من امليالد» وتعددت م�ؤلفاته ويربز منها «الأخالق وال�سري يف مداواة النفو�س» و«طوق احلمامة يف الألفة والإالف» و«الف�صل يف امللل والأهواء والنحل» و «املحلي» ف�ض ًال عن بع�ض الر�سائل مثل «نقط العرو�سة» و«ف�ضائل �أهل الأن��دل����س» و«التخلي�ص ل��وج��وه التخلي�ص» والقائمة طويلة. و�إذا حاولنا قراءة م�س�ألة احلب يف م�ؤلفاته جنده يف كتاب ان�صرف لها متام ًا وهو «طوق احل�م��ام��ة» وخ�ص�ص ف�ص ًال يف «الأخ�ل�اق وال�سري يف م ��داواة النفو�س» ويف الكتاب الثاين جنده يهتم ب�شكل �أكرب باحلب الإلهي من دون �سائر �أن��واع احلب فيقول« :بحثت عن �سبيل مو�صلة على احلقيقة �إىل طرد الهم ..فلم �أجدها �إال التوجه �إىل اهلل عز وجل بالعمل للآخرة » -ابن حزم :الأخالق وال�سري يف مداواة النفو�س ،حتقيق وتقدمي وتعليق د .الطاهر �أحمد مكي ،دار املعارف، ط � 1992 ،2ص .90 جند يف الكتاب ح�ضور ًا طاغي ًا للأ�سلوب املنطقي «م�ق��دم��ة -نتيجة» م��ن مثل قوله «اق�ن��ع مب��ا ع�ن��دك ،يقنع ب��ك م��ن ع�ن��دك»، وقوله «�إذا ارتفعت الغرية ف�أيقن بارتفاع املحبة» .وتطفر حكمة ال�شيوخ على ل�سانه. فينظر ملحبة الن�ساء نظرة املت�أمل ال��ذي ذهب انخداعه باملظاهر فيقول«:كنا نظن �أن الع�شق يف ذوات احلركة من الن�ساء �أكرث فوجدنا الأمر بخالف ذلك وهو يف ال�ساكنة احلركات �أكرث مامل يكون هذا ال�سكون بله ًا». �إن نربة ابن حزم متغرية هنا عما �سرناه يف «طوق احلمامة» ،رمبا الختالف املو�ضوع بني الكتابني ،ف�ض ًال عن عامل الزمن ،وطغيان احلكمة التي و�سمت حديثه يف «الأخ�ل�اق وال�سري».
دراسة 124 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
متثال ابن حزم يف �إ�شبيلية � -إ�سبانيا
خطة ومنهجية
يف «ط ��وق احل �م��ام��ة» ،ي�ت�ح��دث اب ��ن ح��زم مبنهجية رائعة يف تقدمة كتابه فيبني خطته القائمة على ثالثني باب ًا ان�صرفت تعالج ثالث م�سائل �أ�سا�سية حول احلب «�أ�صوله – �أعرا�ضه – الآفات الداخلة عليه»؛ فريى يف ماهية احلب ات�صا ًال بني �أجزاء النفو�س املق�سومة يف هذه اخلليقة يف �أ�صل عن�صرها الرفيع وي�ستعني بقول ابن عبا�س «هذا قتيل ال�ه��وى ال عقل وال ق ��ود» ،اب��ن ح��زم :طوق احلمامة يف الأل�ف��ة والآالف� ،ضبط ن�صه وحرر هوام�شه :د .الطاهر �أحمد مكي دار امل �ع��ارف ،ط��� ،1993 ،5ص ،21وي��رى �أن��ه كلما كرثت الأ�شباه زادت املجان�سة مت�أثر ًا بقول النبي عليه ال�سالم «الأرواح جنود جمندة ،ما تعارف منها ائتلف ،وما تناكر منها اختلف» ،رواه البخاري «ج� 1ص »117 وم�سلم «رقم » 4773وجاء يف �سنن ابي داود «رق��م »4194وم�سند �أحمد «رق��م ،7594 رق��م .»10404ي�ب��دو اب��ن ح��زم واق�ع�ي� ًا يف معاجلة مو�ضوع احلب الرومان�سي بطبيعته،
ف�يرف ����ض م �� �س ��أل��ة احل ��ب يف ال �ن��وم وي��رى �أن احل��ب بالو�صف «بنيان ه��ار على غري �أ�سا�س» ،طوق احلمامة� :ص ، 38واحلب من نظرة واح��دة �سريع ال��زوال ،وي��رى مبنطق حمكم «وهكذا يف جميع الأ�شياء �أ�سرعها منو ًا �أ�سرعها فناء» ،ولذلك جنده يلح على وجوب الر�ؤية واالت�صال واملرا�سلة -يف �إطار �شرعي -بعيد ًا عن «احلرام» ،كما يرى؛ لكي ي��دوم احل��ب ويت�صل .ويعار�ض م��ا درج��ت عليه العادة من زوال احلب مع زيادة الو�صل واط���راده ،وي��رى ذل��ك ال�ك�لام «هجني من القول� ،إمن��ا ذل��ك لأه��ل امللل ،بل كلما زاد و�ص ًال زاد ات�صا ًال» ،ثم يو�ضح يف مو�ضع �آخر من الكتاب نف�سه ،فيقول« :و�إن كان �سلوه عن ملل فلي�س حبه حقيقة ،واملت�سم به �صاحب دعوى زائفة ،و�إمنا هو �صاحب لذة ،ومبادرة
يتضح في ثنايا حديث ابن حزم خلفيته الدينية األساس فنجد حضور ًا بهي ًا لألحاديث الشريفة واآليات القرآنية
�شهوة» ،ويف الإط��ار ذاته يحر�ص ابن حزم على توجيه النظر� ،صوب ا�ستمرار احلب، والأخذ ب�أ�سباب ذلك ،فيتحدث عن الوا�شي والتحذير منه ،والكذاب والتنفري من فعله وي�ن�ق��ل ع��ن بع�ض احل �ك �م��اء�:آخ م��ن �شئت واجتنب ثالثة :الأحمق ف�إنه يريد �أن ينفعك في�ضرك ،وامللول ف�إنه �أوثق ما تكون به لطول ال�صحبة وت�أكدها فيخذلك ،والكذاب ف�إنه يجني عليك ،وحتذير ابن حزم من الكذب دائم �أبدا؛ ورمبا كان لتواجده يف زمن الفنت �أث��ره يف نظرة ال�ك��ذاب ف�ض ًال بالطبع عن خلفيته الدينية الرائعة التي ترى �أن امل�سلم قد ي��زين وق��د ي�سرق ولكنه ال يكذب �أب��د ًا، فالكذب لديه كما يقول يف «الأخالق وال�سري» �أ�شد من الكفر؛ لأنه كذب على اهلل والنا�س، �أما الكفر فهو كذب على اهلل ،وافرتاء عليه. يت�ضح يف ثنايا ح��دي��ث اب��ن ح��زم خلفيته ال��دي�ن�ي��ة الأ� �س��ا���س ،فنجد ح �� �ض��ور ًا بهي ًا ل�ل�أح��ادي��ث ال�شريفة والآي� ��ات ال�ق��ر�آن�ي��ة، وح�ك��م ال�صحابة ف�ض ًال ع��ن ق�ي��ام وجهة النظر ذاتها على �أ�سا�س ديني� ،أو احلكم بالقبول والرف�ض �أو توجيه الن�صح وامتداد الأمر �إىل �إخفاء �أ�سماء �أ�صحاب الق�ص�ص التي ي�سردها �سرت ًا لهم فيكني عن �أ�سماء �أ�صحابها حتى ما كان منها مت�ص ًال بنف�سه ه��و كما �أن��ه يفرد بابني للتعفف يف «ط��وق احلمامة» .وثمة ملمح رائع للمنهجية التي نتحدث عنها؛ �إذ يقوم كل باب على معاجلة الباب بالتف�صيل؛ فيم�ضي بدء ًا من حماولة التعريف ويعار�ض بع�ض مظان حقيقته ثم يديل بر�أيه يف املو�ضوع مع�ضد ًا ر�أيه بالقر�آن واحلديث وال�شعر والق�ص�ص. مل ي�ترك اب��ن ح��زم نظرة املبالغة �صوب احل��ب بفعل حما�سة ال�شباب حيث كتب الطوق يف �سن باكرة فتجاوز املو�ضوعية ال �ت��ي حت��دث �ن��ا ع�ن�ه��ا م��ن ق �ب��ل يف بع�ض املواطن فرناه يقول عن الفراق «وما من �شيء م��ن دواه��ي الدنيا يعدل االف�تراق ول��و �سالت الأرواح به ف�ض ًال عن الدموع ك��ان قلي ًال و�سمع بع�ض احلكماء قائ ًال يقول :ال�ف��راق �أخ��و امل��وت فقال بل املوت
�أخ��و ال �ف��راق» ،ط��وق احلمامة� :ص ،117 �إذ احلق �أن احلب يف الإ�سالم يقوم على الو�سطية واالع �ت��دال بعيد ًا ع��ن املبالغة �أخ��ذا بو�صية ر�سول اهلل �صلى اهلل عليه و�سلم القائل�« :أح�ب��ب حبيبك هون ًا ما، ع�سى �أن يكون بغي�ضك يوم ًا ما ،و�أبغ�ض بغي�ضك هون ًا ما ،ع�سى �أن يكون حبيبك يوما م ًا» ،رواه البخاري يف الأدب املفرد، ورواه �أبو داود والرتمذي وابن ماجه عن �أبي هريرة ،ورمبا كانت حما�سة ال�شباب �سبب ًا؛ حيث كتب ال�ط��وق يف �سن باكرة ولكنه بعد ذلك يقول يف «االخالق وال�سري» ال ت�ب��ذل نف�سك �إال فيما ه��و �أغ�ل��ى منها ولي�س ذلك ال يف ذات اهلل عز وجل ليجعل احلب الإلهي فوق �سواه . لقد كان من الطبيعي �أن يكتب ابن حزم احلب و�أن جند اهتمام ًا بهذا امل�ؤلف املهم على الرغم من ان�صراف كثري من الباحثني يف احلب �صوب م�ؤلفات �أخري .لقد حتم�ست ال�سطور ال�سابقة مل�ؤلفات ابن حزم انطالق ًا من نفي اجلمود عن الفقهاء وحر�ص ًا على �إب��راز منهجية الكتاب التي جت��اوزت مثالب م��و��ض��وع��ات �أخ� ��رى كال�ضحك م �ث� ً لا فهو يحظى مب�ؤلفات عديدة يف تراثنا لأهميتهم وك�ثرة ن��وادر امل�ضحكني على نحو ما جنده يف «امل�ستطرف» �أو «ال�ب�خ�لاء» �أو «العقد ال�ف��ري��د»يف بع�ض �أب��واب��ه ،ولكنها ال تقدم منهجيه كاملة ملعاجلة امل�س�ألة وهو ما ن�أمل �أن نحاول البحث فيه الحق ًا.
الغزل العذري
��س��ري�ع� ًا� ،سن�شري �إىل �أب ��رز الف �ت��ات الغزل ال�ع��ذري ال��ذي ن�ش�أ خ�لال الع�صر الأم��وي، مرتبط ًا بقبيلة «بني عذرة» البدوية ،متجاور ًا مع الغزل ال�صريح الذي اجتاح منطقة «جند» احل�ضرية� .أ��ص�ح��اب التف�سري االجتماعي للأدب يك�سبون هذه اجلولة. ي��دور ال�غ��زل ال �ع��ذري ح��ول امل�ع��ان��اة ووح��دة املحبوبة ،و�صعوبة الو�صل ،واملعاناة يف احلب، ودور الوا�شني ،وغريها من مقوالت �أ�سا�سية ي��دور حولها الغزل ال�ع��ذري .ولأن�ه��ا معلومة
طابع بريد يحمل �صورة ابن حزم
وم�ع��روف��ة ،وم�ط��روح��ة يف ال�ط��ري��ق ،ف�سنمر والو�صل:
عليها �سريع ًا متناولني بع�ض الأب�ي��ات التي وما�أن�سمنالأ�شياءال�أن�سىقولها تتقي معانيها مع �أفكار ابن حزم ال�سابقة. وق��د قربت ن�ضوي� :أم�صر تريد؟ فمن املعاناة: وال قولها لوال العيون التي ترى �أق�ضي نهاري باحلديث وباملنى ل���زرت���ك ف����اع����ذرين .ف���دت���ك ج���دود ويجمعني والهـ ــم بالل ــيل جامع لقد ر�سخت يف القلب منك مودة ورمب��ا يبدو التقاء وا�ضح بني هذه العينة كما ر�سخت يف الراحتني الأ�صابع الب�سيطة م��ن م �ق��والت ال �غ��زل ال �ع��ذري
الوا�شون:
ل��ق��د الم��ن��ي فيها �أخ ذو ق��راب��ة ح��ب��ي��ب �إل���ي���ه يف ن�����ص��ح��ي ور����ش���دي وم��ا زاده���ا ال��وا���ش��ون �إال كرامة ع���ل ّ���ي ،وم����ا زال�����ت م���ودت���ه���ا ع��ن��دي
والنظرة ودورها:
ه���ل احل����ب �إال ع��ب�رة ث���م زف���رة وح��� ّر ع��ل��ى الأح�����ش��اء ل��ي�����س ل��ه ب��رد قد قلت للقلب ال لبناك فاعرتف واق�ض اللبانة ما ق�ضيت وان�صرف قد كنت �أحلف جاهداً ال �أفارقها � ٍأف ل���ك�ث�رة ذاك ال��ق��ي��ل واحل��ل��ف
يبدو ابن حزم واقعي ًا في معالجة موضوع الحب الرومانسي فيرفض مسألة الحب في النوم والحب بالوصف
و�أفكاره ،وبني �أفكار «ابن حزم» ال�سابقة. والخ� �ت�ل�اف ط��ري �ق��ة حت �ل �ي��ل ال �ع��اط �ف��ة، وخ�صو�صية الإب��داع ال��ذي ال ميكن �سحب التفكري املنطقي ال�صارم عليه ،فاختلفا يف بع�ض املواطن� .أ�ضرب مثال بـ«احلب يف النوم» التي رف�ضها ابن حزم رف�ض ًا قاطع ًا، و�أف��ا���ض فيها ال �غ��زل ال �ع��ذري .اختالف ال�ت��وج��ه ب�ين تغليب امل�ن�ط��ق ع�ن��د الفقيه الأندل�سي ،وبني االجنراف للعاطفة وو�ضع العقل يف حالة �سكون عند الإبداع. فيقول: و�إين لأهوى النوم يف غري حينه
ل������ع������ل ل�������ق�������اء يف امل��������ن��������ام ي����ك����ون حت��دث��ن��ي الأح��ل��ام �أين �أراك����م ف����ي����ا ل����ي����ت �أح�����ل�����ام امل������ن������ام ي��ق�ين و�أن ف������ؤادي ال ي��ل�ين �إىل ه��وى ����س���واك و�إن ق���ال���وا «ب���ل���ى ���س��ي��ل�ين»
استطالع 126 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
نوافذ �أهل ال�ساحل على العامل
بنادر المحيط الهندي
تجارة وأسفار صنعت التاريخ
لوحة ل�سفينة ا�شتهرت بالتجارة على �سواحل زجنبار
فاطمة م�سعود املن�صوري ترانيم البحر بكل مفرداتها وتناق�ضاتها بكل عذاباتها و�أفراحها بكل �آالمها وق�سوتها �شكلت جزءاً مهماً من الن�سيج االجتماعي واالقت�صادي لعرب اخلليج يف فرتة تاريخية �سابقة ،وعلى الرغم من زوال �صورها اليوم �إال �أن �آثارها ال زالت خمتزلة يف املخيلة اخلليجية �سواء يف �شكل �أدب وق�ص�ص وروايات �شفاهية و�أغان وق�صائد �شعرية جميلة �صاغها الإبداع اخلليجي ،فال �أبلغ وال �أم ّر مما قاله ال�شاعر الكويتي حممد الفايز يف مذكرات بحار ،عندما ت�ساءل الفايز بل�سان غائ�ص «ال�شعر العربي احلديث يف منطقة اخلليج ،الر�شيد بو �شعري�،ص »83-84؟ قائ ً ال:
�أرك���ب���ت م��ث��ل��ي «ال���ب���وم» و «ال�����س��ن��ب��وك» و «ال�����ش��وع��ي» ال��ك��ب�ير؟ �أرف����ع����ت �أ����ش���رع���ة �أم������ام ال���ري���ح يف ال��ل��ي��ل ال�����ض��ري��ر؟ ر؟ ه�����������ل ذق��������������ت زادي يف امل�������������������س���������اء ع�������ل�������ى ح�������������ص���ي�� ْ من نخلة ماتت وما مات العذاب بقلبي الدامي الك�سري
الأ�سفار البحرية نافذة�أهل ال�ساحل
نعم �إنها معاناة البحر و�آالمه وق�سوته؛ ولكن �ش ّكل البحر على اجلانب الآخ��ر �أفق ًا رحب ًا ل�سكان اخلليج خا�صة فيما يتعلق بجانب ال�صيد والغو�ص على الل�ؤل�ؤ والأ�سفار البحرية التي كانت بحق نافذة �أهل ال�ساحل الوحيدة ح��ول ال�ع��امل يف وق��ت عزلت فيه ال�صحراء املنطقة عن العامل .فقد �أت��اح لهم االت�صال ال �ب �ح��ري ع�بر الأ� �س �ف��ار ف��ر��ص��ة االت���ص��ال بالعديد من الدول الإقليمية املجاورة و�إقامة عالقات جتارية معها� ،أ�سهمت يف رفد احلياة االقت�صادية واالجتماعية والثقافية ل�سكان اخلليج مبقومات احلياة عرب عملية ت�أثري وت�أثر متبادلة .الأمر الذي انعك�س كذلك على ظهور وتطور موانئ اخلليج حتى �أ�صبحت ت�شكل حلقة و�صل مهمة ما بني موانئ املحيط الهندي ب�شقيها الآ�سيوي والأفريقي وما بني موانئ �شمال البحر املتو�سط .فربزت موانئ الكويت والبحرين والقطيف ،وموانئ عمان كميناء م�سقط و�صور ومطرح وميناء ر�أ�س اخليمة وخورفكان ودبي وال�شارقة وعجمان و�أم القيوين و�أبوظبي وميناء الب�صرة.
بنادر ال�ساحل املت�صالح برزت موانئ ال�ساحل املت�صالح كموانئ مهمة يف منطقة اخلليج خا�صة �أنها �شكلت حلقة و�صل ما بني موانئ البحرين والكويت واملوانئ الهندية والأفريقية .فربزت موانئ �أبوظبي ودب ��ي وال���ش��ارق��ة وع�ج�م��ان ور�أ�� ��س اخليمة و�أم القيوين والفجرية وخ��ورف�ك��ان ،وتقول �إحدى الروايات ال�شفاهية �إنه كان يعمل يف موانئ الإمارات يف الن�صف الأول من القرن الع�شرين حوايل � 250إىل � 300سفينة وكانت كلها خم�ص�صة للأ�سفار البعيدة �إىل جانب الأ�ساطيل الأخرى من ال�سفن ال�صغرية التي كانت تنتقل بني موانئ اخلليج .وكان يطلق على ا�سم البوم «�أح��د �أن��واع ال�سفن الكبرية
الساحل المتصالح ّ شكل أمة بحرية بالمعنى الحقيقي للكلمة حيث امتلك ساح ً ال يمتد ألكثر من 800كم وعدد ًا كبير ًا من الجزر في الخليج العربي وبحر العرب وخليج عمان
املخ�ص�صة للأ�سفار البعيدة» «ب��وم ح ّمال» حيث كانت الأب��وام الكبرية تنقل ما يعادل �350أو � 400أو 600طن وال�سفن املتو�سطة تنقل م��ا ي�ق��ارب � 180إىل 200ط��ن وع��ادة م��ا تعمل ت�ل��ك ال�سفن ب�ين م��وان��ئ اخلليج العربي «الإم��ارات يف ذاكرة �أبنائها ،احلياة االقت�صادية� ،ص .»177 - 176 وق��د ا�شتهرت ال�ع��دي��د م��ن ال �ع��ائ�لات على ط��ول ال�ساحل املت�صالح يف جم��ال الأ�سفار البحرية ،فقد حفظت ال��رواي��ات ال�شفهية �أ�سماء العديد من النواخذة و�أ�صحاب ال�سفن امل�شهورين الذين توجهوا للبحر وبخا�صة للأ�سفار البحرية منذ بداية �شبابهم وق�ضوا جل حياتهم مع البحر واملالحة زمن ًا قد يطول على ن�صف قرن ومل يبعدهم عنه �سوى املنية �أو الكرب ومن ثم التغريات االقت�صادية التي طر�أت على جمتمع الإمارات خا�صة مع تدفق الرثوة النفطية يف �ستينيات القرن املن�صرم.
دور احلرب العاملية الثانية
ت�ضافرت جمموعة كبرية من العوامل يف دفع �أبناء املنطقة للتجارة اخلارجية البحرية، ول�ع��ل �أه�م�ه��ا طبيعة ال�ع�لاق��ة ال�ق��وي��ة التي
استطالع 128 الـعــــدد 155 �سبتمرب
ال�ساحل ،حيث انقطعت املواد الغذائية وحل اجل��وع والفقر مما دف��ع النا�س �إىل التوجه نحو الأ�سفار اخلارجية ك�أحد احللول املنا�سبة ل �ل �خ��روج م��ن ه ��ذه الأزم� ��ة ال �ت��ي ا�ستمرت تداعياتها قرابة الثمانية �أعوام «الإمارات يف ذاكرة �أبنائها ،احلياة االقت�صادية� ،ص.»168
2012
خط �سري الرحالت البحرية
جانب من بندر ممبا�سا القدمي
رب�ط��ت الإن �� �س��ان اخلليجي بالبحر لدرجة ي�صعب و�صف تلك العالقة �أو تفكيكها �إىل مفردات ،فاخلليجي ابن بيئته وميثل البحر البيئة الرئي�سية املهمة يف معطيات اجلغرافيا اخلليجية فعالقته �إذ ًا قدمية ق��دم وج��وده يف املنطقة� ،أم��ا بالن�سبة لإم��ارات ال�ساحل املت�صالح فال نبالغ �إذا قلنا �أن ال�ساحل �شكل �أمة بحرية باملعنى احلقيقي للكلمة فالإمارات متتلك �ساح ًال ميتد �أكرث من 800كم وعدد ًا ك�ب� ً يرا م��ن اجل��زر يف اخلليج العربي وبحر العرب وخليج عمان ،بالإ�ضافة �إىل التقاليد العريقة التي ميتلكها �أهل ال�ساحل يف الإبحار وامل�لاح��ة وب�ن��اء ال�سفن والغو�ص والتجارة البحرية فهم بحق �أح�ف��اد امل�لاح �أحمد بن ماجد ،فلذلك ال غرو �أن يتجه �أبناء ال�ساحل للتجارة البحرية وي�سجلوا تاريخ م�شرف يف
تلك التجارة « .خور فكان يف ذاكرة الزمان، حممد بن عبود النقبي� ،ص.»183 �إال �أن كثري ًا من ال��رواي��ات ال�شفاهية تعزو �أح��د �أ�سباب التوجه نحو الأ�سفار والتجارة اخلارجية خا�صة يف الن�صف الأول من القرن الع�شرين؛ �إىل �أحداث احلرب العاملية الثانية فقد كانت نتائج تلك احلرب �سيئة على �أهايل
كثير من الروايات الشفاهية تعزو أحد أسباب التوجه نحو األسفار والتجارة الخارجية خاصة في النصف األول من القرن العشرين إلى أحداث الحرب العالمية الثانية
تتعدد �أن��واع ال��رح�لات البحرية ،وك��ان لكل رحلة مو�سمها ،وتنق�سم الرحالت �إىل ق�سمني، �إحداهما داخلية و�أخ��رى خارجية ،ويق�صد ب��ال��رح�لات ال��داخ�ل�ي��ة تلك ال�ت��ي ت�ك��ون بني املوانئ اخلليجية كالكويت وعمان والبحرين والب�صرة� ،أم��ا ال��رح�لات اخلارجية فتكون للهند �أو ل�سواحل �أفريقيا ،وع��ادة ما يبد�أ مو�سم الأ�سفار يف �شهر �أغ�سط�س وي�ستمر حتى مايو .وقد ورد �سري تلك الرحالت البحرية قبل �أن ن�سمعها من الروايات ال�شفهية املحلية، يف العديد من امل�صادر التاريخية الإ�سالمية، فقد ذكرها �سليمان التاجر وامل�سعودي يف كتابه مروج الذهب ،حيث قال�« :إن �أ�شجار ال�ن��ارجن والليمون من ثمار الهند اخلا�صة نقلها التجار من الهند �إىل عمان �أو ًال ،ومنها �إىل الب�صرة وال�شام وبقية اجلهات يف جزيرة العرب»« ،الوجود الهندي يف اخلليج العربي، نورة القا�سمي� ،ص .»19ويتفق معظم الرواة ال��ذي��ن خا�ضوا غمار الأ��س�ف��ار البحرية يف منطقة ال�ساحل املت�صالح على اخلطوط البحرية التالية «الإمارات يف ذاكرة �أبنائها، احلياة االقت�صادية»: تبد�أ الرحلة بالتوجه �إىل الباطنة يف عمان حيث يتم �شراء احلطب� ،أو الليمون املجفف �أو اجلا�شع «ال�سمك املجفف» ،ويتم التوجه به �إىل ميناء البحرين �أو ميناء الكويت لبيعه يف تلك املوانئ. ي�ستفاد من تلك الأم��وال التي ح�صل عليها التجار من ج��راء بيع املنتجات العمانية يف موانئ الكويت والبحرين ،يف ا�ستكمال الرحلة �إىل ميناء الب�صرة ،وذل��ك ل�شراء و�شحن التمور من مينائها ،فقد ا�شتهرت الب�صرة ب�إنتاج التمور الفاخرة حتى �سرى يف الأمثال
مدخل خور ممبا�سا
ال�شعبية مث ٌل دارج عادة ما يردده كبار ال�سن دائم ًا مفاده قولهم� « :إللي ما �شاف الب�صرة مات من احل�سرة». يتم �شحن التمور من الب�صرة والتوجه بها �إىل موانئ الهند مثل ميناء كرات�شي وبومبي حيث يتم �إف ��راغ �شحنات ال�ت�م��ور يف تلك املوانئ وذلك بعد االتفاق م�سبق ًا على بيعها ب�سعر معني. ي�ت��م ال�ت��وج��ه �إىل م�ي�ن��اء «م�ن�ك�ل��ور» وذل��ك ل�شحن م��ادة الكربييل «القرميد ،ن��وع من �أنواع الأحجار » ،ويتم التوجه به �إىل موانئ �أفريقيا وبالتحديد �إىل منطقة ممبا�سة يف كينيا ال�ي��وم ،ويتم �إف��راغ تلك احل�م��والت، حيث يعترب ذلك امليناء �سوق ًا مهمة ل�شراء هذا النوع من الأحجار. ث��م يتم التوجه ب�سفنهم خالية �إىل ميناء
زنجبار كانت نقطة التقاء جميع ثقافات المحيط الهندي كالعربية والفارسية والهندية واألفريقية
�أم��ا �إذا كانت الرحلة �ستتجه ب�شكل مبا�شر �إىل �أفريقيا ،فهذه رواية �شفهية ي�صف فيها الراوي �أحد الطرق التي توجهت �إىل �أفريقيا، تنطلق الرحلة من ميناء دب��ي لتتوقف �أو ًال يف ميناء �سحم يف الباطنة العمانية ،ثم يف ميناء م�سقط وب�ع��د ذل��ك يف م��رب��اط قرب ظفار ،وتتزود باحتياجاتها من املياه العذبة والأح �ط��اب وبع�ض �أن ��واع املنتجات املحلية من الب�ضائع والتمور ،وتوا�صل ال�سري �إىل ميناء �سوقطرة وهكذا حتى زجنبار التي يتم الو�صول �إليها بعد خم�سة وع�شرين يوم ًا من انطالق الرحلة.
زجن �ب��ار وبالتحديد �إىل خ��ور ي�سمى خور �سومربغيه؛ حيث يتم �شحن خ�شب اجلندل من تلك املنطقة ويتم التوجه به �إىل موانئ اخل�ل�ي��ج ك��ال�ك��وي��ت �أو ال�ب�ح��ري��ن �أو م��وان��ئ ال�ساحل املت�صالح ،حيث يعترب هذا النوع من الأخ�شاب مهم ًا ج��د ًا يف عملية البناء ،كما موانئ ال�ساحل الهندي الغربي يتم توزيعه و�إعادة ت�صديره �إىل بع�ض املوانئ ت�ع��ود ع�لاق��ة �أه ��ل ال�ساحل ب�شكل خا�ص، واخلليجيني وال�ع��رب ب�شكل ع��ام مع موانئ املجاورة مثل ال�سعودية و�إيران.
استطالع 130 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
البنادر الواقعة على �ساحل الهند الغربي
بنادر ال�ساحل الأفريقي ال�رشقي
ال�ساحل الهندي �إىل فرتة متقدمة من الزمان ،امل��وان��ئ ،ميناء بومباي وك��وج��رات ومنكلور فكثري من امل�صادر التاريخية املتقدمة ت�ؤكد وكاليكوت. على �أن العرب قبل الإ�سالم كانوا ي�أتون �إىل ميناء « بومبي» �سواحل الهند ،وخا�صة �إىل ميناء «كوجرات» يقع ميناء بومباي على ال�ساحل الغربي للهند، حيث ا�شتهرت هذه املدينة ب�أقم�شتها الرقيقة ويعترب املدخل الرئي�سي للهند منذ وقت طويل. التي ك��ان يحملها التجار ال�ع��رب �إىل بالد �ش ّكل ميناء بومبي نقطة التقاء �أ�سا�سية بني ال�شام وب�لاد ال��روم .وقد و�صف العديد من العالقات التجارية الهندية اخلليجية ،فقد اجلغرافيني امل�سلمني رح�ل�ات ال�ع��رب �إىل �شكل امليناء الرئي�سي لتوجه �أبناء املنطقة موانئ الهند يف م�ؤلفاتهم ال�شهرية« .الوجود للهند خا�صة بالن�سبة لتجار الل�ؤل�ؤ حيث كان الهندي يف اخلليج العربي ،ن��ورة القا�سمي ،يلتقي جتار الل�ؤل�ؤ الأغنياء من جميع �إمارات اخلليج يف بومبي يف كل ع��ام .ومل تقت�صر �ص.»24 وتعترب رحالت �أهل اخلليج التجارية مع الهند بومبي فقط على كونها وجهة جتارية بل تعدت ج��زء ًا من رح�لات العرب ،وي�صعب حتديد ذلك فكانت مق�صد ًا للدرا�سة حيث ا�شتهرت متى بد�أت هذه العالقات التي بد�أت بال�شكل العديد من اجلامعات الإ�سالمية هناك وكان التجاري ثم ما لبثت �أن حتولت �إىل عالقات ثقافية واجتماعية .فكانت �سفن �أهل ال�ساحل شكلت ممباسة جزء ًا تبحر يف حركة �أ�سفار م�ستمرة يف كل عام مهم ًا من تاريخ اإلرث تنقل الل�ؤل�ؤ والتمور والأ�سماك املجففة وتعود العماني في أفريقيا حيث بالأخ�شاب واملالب�س والأغ��ذي��ة .فا�شتهرت تمكن العمانيون من طرد العديد من املوانئ الهندية عند بحارة �أهايل البرتغاليين من أراضيها اخلليج وال�ساحل وكان من �أهم تلك البنادر �أو
وإقامة والية عمانية فيها منذ عام 1698
من �أهمها جامعة عليكرة ،كما �شكلت نقطة التقاء للتجار اخلليجيني باملثقفني واملفكرين ال�ع��رب الأم��ر ال��ذي فتح للخليجيني قنوات ثقافية وفكرية �ساهمت يف تطور ال�ساحة اخلليجية ب��الأف�ك��ار التنويرية والتحررية. «الوجود الهندي يف اخلليج العربي - 1820 ،1947نورة القا�سمي». وقد اختزل �أحد مواطني ال�ساحل املت�صالح وهو ال�سيد �إبراهيم املدفع – رحمه اهلل – والذي يعترب من رواد الأدب والثقافة يف دولة الإمارات ،بع�ض ًا من مالمح الوجود العربي يف بومبي بق�صيدة جميلة عام « .1927رجال يف تاريخ الإمارات ،ج ،2عبد اهلل الطابور». مببي يا مرتع الغزالن من قدم وملتقى كل حمبوب ون�شوان مببي يا من لها يف القلب منتج ع وذكريات بها التاريخ ملآن مببي يا من غدا للنا�س جمتمع اً ي�ؤمها كل ملهوف وعط�شان مررت يف «كي وراي» هائماً قلقاً وكنت �أ�سال عن ربع وخالن
جانب من ميناء زجنبار التي مثلت يف يوم من الأيام عا�صمة الإمرباطورية العمانية يف �رشق �أفريقيا
هذي منازلهم �أيام عزلتهم بها ق�ضوا وطراً فيها لهم �شان كم قد �أعانوا فقرياً جاء ملتم�ساً وكم �أغاثوا �سقيماً وهو عريان وكم لهم من هبات يرجتون بها وجه الإله وجنات ور�ضوان كانت جمال�سهم بالأم�س عامرة من نخبة القوم �أ�صحاب و�إخوان
خورميان وبراول
يعترب ميناء خورميان وبراول� ،أو كما ي�سمى يف اللهجة املحلية الإماراتية با�سم «ب��راوة» م��ن �أه��م م��وان��ئ والي��ة ك��وج��رات ال�ساحلية الغربية الهندية ،وقد ا�شتهر هذان امليناءان قدمي ًا بكرثة وج��ود ال��د ّالل�ين ،وكانت فائدة هذين امليناءين بالن�سبة لتجار اخلليج �أنهما كان يتم فيهما بيع التمور التي يجلبها التجار اخلليجيون من الب�صرة ،وكانت تتم عملية البيع عن طريق �إر�سال برقية �إىل بع�ض جتار هذين امليناءين الذين يتم التعامل معهم وذلك لت�أمني بيع التمور بال�سعر الذي يريده التجار اخلليجيون ،ويف حالة املوافقة على
انقسمت الرحالت البحرية إلى داخلية بين الموانئ الخليجية كالكويت وعمان والبحرين والبصرة وخارجية للهند أو لسواحل أفريقيا ال�سعر يتم بيع التمور قبل �أن ي�صل التجار اخلليجيون �إىل املنطقة« .الإمارات يف ذاكرة �أبنائها ،عبد اهلل عبد الرحمن».
خور منكلور
يعترب ميناء منكلور واح��د ًا من �أهم املوانئ ال�ه�ن��دي��ة ال �ت��ي ق���ص��ده��ا �أه���ل اخل�ل�ي��ج يف ال�سابق ،حيث ا�شتهر امليناء ب�إنتاج حجر ال�ك�بري�ي��ل «ال �ق��رم �ي��د» وه��و ن��وع م��ن �أن ��واع الطابوق امل�ستخدمة يف البناء ،فقد كانت تق�صده ال�سفن اخلليجية ل�شراء هذا احلجر وت�صديره للموانئ الأفريقية لتتم عملية بيعه يف تلك امل��وان��ئ� �«.ص��ور م��ن م��وان��ئ اخلليج واملحيط الهندي ،د .يعقوب يو�سف حجي».
كاليكوت
يقع ميناء كاليكوت يف جنوب غرب الهند، على �ساحل ملبار كما كان ي�سمى يف ال�سابق، وحالي ًا ُيعرف بكريال .تعود عالقات العرب بهذا امليناء على وجه التحديد �إىل فرتات طويلة من الزمن حيث �شهد موجة هجرات م�ستمرة وا�ستيطان ًا من قبل العرب ،خا�صة ع��رب اجلنوب «عمان والإم ��ارات واليمن»، وهناك يف الواقع عدة �أ�سباب دفعت العرب �إىل الهجرة ولعل �أهمها طبيعة موقع كاليكوت فهي متثل �أقرب نقطة هبوط يف �شبه القارة الهندية الغنية مبواردها الطبيعية. ا�شتهرت كاليكوت بتوفر التوابل والأقم�شة وخ�شب ال�ساج الفاخر� ،أو التيك باللغة االجنليزية ،والذي دخل يف �صناعة ال�سفن وبناء املنازل ،فكانت �سفن اخلليج و�أهل ال�ساحل ت�ؤم هذا امليناء ل�شحن هذا النوع من الأخ�شاب ،حتى �أواخر ال�ستينيات من القرن الع�شرين وذلك عندما منعت الهند ت�صدير هذا النوع من الأخ�شاب .ت�صف ال��رواي��ات ال�شفهية و�ضع ميناء كاليكوت
استطالع 132 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
بندر الموه ال�صغري يتبع اليوم دولة كينيا
ع�ل��ى ��س��اح��ل م�ل�ب��ار :ب�ع��د �أن ك��ان مينا ًء مزدحم ًا بال�سفن اخلليجية �أ�صبح اليوم مينا ًء �شبه مهجور بعد �أن توقف العرب عن التجارة البحرية مع هذا امليناء �إىل حد �شيوع القول ب�أن عرب اخلليج واليمن وع�م��ان ه��م ال��ذي��ن �أح �ي��وا كاليكوت وهم الذين �أماتوها بعد �أن توقفوا عن ال�سفر �إليها»�« .صور من موانئ اخلليج واملحيط الهندي ،د .يعقوب حجي».
موانئ ال�سواحل الأفريقية ال�شرقية
يعود الف�ضل يف �إقامة العالقات التجارية واالجتماعية بني مدن اخلليج و�سواحل �شرق افريقيا �إىل العمانيني ،الذين متكنوا يف عهد ال�سيد �سعيد بن �سلطان « ،»1856 - 1806يف مد نفوذ حكمهم �إىل �سواحل �شرق �أفريقيا وت�أ�سي�س حا�ضرة خليجية عربية يف تلك
الرقعة الأفريقية .لعب الوجود العماين يف تلك البنادر الأفريقية مثل ممبا�سا وزجنبار والم��وه دور ًا يف ت�شجيع ال�سفن اخلليجية يف خو�ض غمار التجارة البحرية مع افريقيا. فتوجهت �سفن ال�ساحل املت�صالح و�سفن الكويت والبحرين وع��دن �إىل تلك املوانئ، ويذكر ذل��ك ال�سيد �سامل ال�سويدي -ال��ذي ق�ضى جل حياته يف زجنبار -ويقول«:لقد كانت ع��روب��ة زجن�ب��ار جت��ذب �إليها ال�سفن ال�ت�ج��اري��ة لأه ��ايل اخلليج ال�ع��رب��ي بن�سبة تزيد عن رح�لات تلك ال�سفن �إىل الهند �أو باك�ستان وايران �أو غريها من الدول واملوانئ غري العربية« »..الإمارات يف ذاكرة �أبنائها، احلياة االقت�صادية». �شكلت التجارة العمود الرئي�سي يف �إقامة العالقات العربية الأفريقية يف تلك الفرتة، وخا�صة جت��ارة الت�صدير واال�سترياد التي ارتبطت كل واح��دة منها ب��الأخ��رى ،فكانت
�سفن ال���س��اح��ل امل�ت���ص��ال��ح ت��ذه��ب حمملة مبجموعة معينة من ال�سلع مثل الزل «ال�سجاد ال�ع�ج�م��ي» ،وال �ع��وال «الأ� �س �م��اك املجففة»، وترجع بالب�ضائع الزجنبارية مثل �أخ�شاب اجلندل والتوابل واملاجنو وال�سكر وال�شاي وغ�يره��ا ال�ع��دي��د م��ن ال�ب���ض��ائ��ع�« .إم� ��ارات ال�ساحل املت�صالح � ،1900-1971شم�سة حمد الظاهري» ومن �أهم تلك املوانئ ميناء الموه وممبا�سا وزجنبار ودولتا الروفيجي.
ميناء الموه
ميناء الم��وه �أح��د البنادر ال�صغرية الواقعة على �ساحل �شرق �أفريقيا وهو يتبع اليوم دولة كينيا ،كانت ال�سفن اخلليجية تق�صد هذا امليناء �أثناء طريقها �إىل زجنبار ،فتتوقف فيه لتفرغ ما لديها من ب�ضائع وت�شحن �أعمدة الكندل وال�شاي وال�سكر ،ويذكر �أحد الرواة، وهو ال�سيد حممد بن حميد الب�سطي ،ميناء الموه يف �إحدى رواياته فيقول ":كنا يف رحلة
جتارية وكانت الرحلة تق�صد زجنبار� ،إال �إننا حني بلغنا ميناء المو ال�صغري التابع لكينيا حالت الرياح من دون �إمتام الرحلة فعادت ال�سفينة ال�شراعية من ميناء الم��و حمملة بالأخ�شاب وال�شاي وال�سكر ولكن بكميات قليلة" «الإم��ارات يف ذاكرة �أبنائها ،احلياة االقت�صادية» .كما تذكر م�صادر تاريخية �أخ ��رى �أن ب�ل��دة الم��وه ت�شبه يف تخطيطها وبنائها بلدات اخلليج العربي القدمية حيث الأزقة وال�شوارع ال�ضيقة التي تقود �إىل البحر مبا�شرة «�صور من موانئ اخلليج واملحيط الهندي ،د .يعقوب يو�سف احلجي».
ميناء ممبا�سة
متثل ممبا�سة اليوم ثاين �أكرب مدينة يف كينيا بعد العا�صمة نريوبي ومينائها الرئي�سي، �شكلت ممبا�سة جزء ًا مهم ًا من تاريخ الإرث العماين يف �أفريقيا حيث متكن العمانيون من ط��رد الربتغاليني من �أرا�ضيها و�إقامة والية عمانية فيها منذ عام ،1698ثم انتقلت للربتغاليني مرة �أخرى وعادت للعمانيني يف عام « 1746ويكيبيديا العربية» ،وا�ستمرت حتت احلكم العماين حتى ع��ام 1963وهو العام التي ان�ضمت فيه ر�سمي ًا لدولة كينيا.
ميناء زجنبار
زجن�ب��ار ،يعني ا�سمها بالعربية «�أر���ض ال� ��زجن»� ،أو ج��زي��رة الأح�ل��ام ك�م��ا ك��ان يطلق عليها الآباء والأجداد وذلك لروعة م�ن��اظ��ره��ا وغ �ن��ى طبيعتها ب��اخل�يرات، ات�خ��ذ منها ال�سيد �سعيد ب��ن �سلطان « »1856 - 1806عا�صمة لإمرباطوريته ال�ت��ي �أ�س�سها يف ��ش��رق �أف��ري�ق�ي��ا ،وذل��ك لتوافر املقومات الأ�سا�سية فيها كاملوقع اجلغرايف املتميز واملناخ املعتدل ،وكان هو �أول من �أدخ��ل القرنفل �إليها من جزيرة موري�شيو�س وال�ت��ي ا�شتهرت ب��ه زجنبار فيما بعد� .أ�صبحت زجنبار بعد الربنامج الإ�صالحي االقت�صادي الذي �أدخله عليها ال�سيد �سعيد بن �سلطان من �أهم موانئ افريقيا و�شكلت بالتايل مركز ًا رئي�سي ًا حلركة اال�سترياد والت�صدير يف ال�شرق
�أعمدة اجلندل على �ساحل الموه
الأف��ري�ق��ي «�إم� ��ارات ال�ساحل املت�صالح � ،1971 - 1900شم�سة حمد الظاهري» كما �أ�صبحت نقطة التقاء جميع ثقافات امل�ح�ي��ط ال�ه�ن��دي كالعربية والفار�سية والهندية والأفريقية و�شكل هذا التمازج روح احل�ضارة الزجنبارية التي انفردت به عن غريها من املوانئ واجلزر.
دلتا الروفيجي
تقع هذه الدلتا يف جنوب زجنبار وتنبع �أهميتها يف كونها كانت ت�شكل امل�صدر الأ�سا�سي ل�شجر املنكروف الذي اعتمدت عليه املوانئ الأفريقية
بلدة الموه تشبه في تخطيطها وبنائها بلدات الخليج العربي القديمة حيث األزقة والشوارع الضيقة التي تقود إلى البحر مباشرة
ك�أهم �سلعة ت�ستوردها منها دول اخلليج. �إن احلديث عن هذه املوانئ التي و�صلت �إليها �سفن ال�ساحل املت�صالح يف ال�سابق �إمن��ا هو حديث ع��ن ت��اري��خ يحمل ب�ين طياته جوهر ال�ع�لاق��ات اخلليجية الهندية-واخلليجية االف��ري�ق�ي��ة ال�ت��ي و�صلت يف ي��وم م��ن الأي ��ام لدرجة التو�أمة .فيمكن ا�ستح�ضار هذا التاريخ امل�شرتك ما بني الطرفني يف زي��ادة التعاون والتن�سيق ما بني الدول اليوم ،فالزالت غابات ك�يرال و�أ� �س��واق بومباي جتتذب اخلليجيني، والزال���ت رائ�ح��ة القرنفل يف الأف ��ق تداعب الأنوف ،والزال احلنني ي�سوق البع�ض �إىل جزر الأحالم مرة �أخرى ،وكما قال نيل�سون مانديال حول طبيعة العالقات التاريخية ما بني دول التعاون اخلليجي و�أفريقيا«:كم هي عميقة وقدمية تلك الو�شائج من املودة واملحبة بيننا والتي ن�ستطيع �أن نن�سج منها اليوم عالقات احلا�ضر»
روزنامة 134 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
نادر ًا ما يخلو منها منزل
النخلة
في اإلمارات..
ربيع المقيظ وجنة الرمل عبد اجلليل ال�سعد النخلة �شجرة مباركة وعظيمة دون جدال �أو تفكري ،وهى هوية اجلزيرة العربية وعالمتها الفارقة ،يحت�ضنها العربي عندما تلوح له من بعيد و�سط عذابات ال�صحراء املحرقة ،فيلج�أ �إليها كظل ومرف�أ وحبيبة. لذا لي�س غريباً �أن تكون العالقة بني تلك ال�شجرة والإن�سان خمتلفة عن كل عالقة له ب�شجرة �أخرى ،فقد �أفردت لها كافة احل�ضارات الإن�سانية الكثري من �صفحات الذكر والتنويه والو�صف ،ملا تتمتع به من مزايا وخ�صال قلما تتوفر يف �شجرة �أخرى بيولوجية كانت �أم روحية وتعبريية.
م���ن ه� ��ذا امل��ن��ط��ل��ق ،ول��ك��ون��ه��ا «وردة ال�صحراء» ،فقد حظيت باهتمام بالغ من املغفور له �صاحب ال�سمو ال�شيخ زايد بن �سلطان �آل نهيان ،رحمه اهلل ،الذي �أنزلها املو�ضع الالئق بها من التكرمي ،مبا يليق مبكانتها الدينية والتاريخية ،واع�تراف� ًا بف�ضلها الكبري على مواطني الدولة ،فقد كانت غذاءهم وغطاءهم خالل م�سريتهم ال�صعبة قبل اكت�شاف النفط وتدفق اخلري على الدولة ،و�سار على ال��درب نف�سه من االهتمام �صاحب ال�سمو ال�شيخ خليفه بن زايد �آل نهيان ،رئي�س الدولة ،حفظه اهلل ورعاه ،يف حب ورعاية النخلة. النخلة هوية اجلزيرة العربية ،ورمز املدى
وامل�ساحة فيها ،رفيقة البدوي واحل�ضري وراك � ْ�ب امل��اء ،وه��ي تلوح لهم يف البنادر وق� ��رب ال �� �ش��واط��ئ ،يف رح �ل�ات الإي� ��اب وال�ل�ق��اءات ،واحلكايات ،و ُق َبل الأطفال، ورائحة الأم�ه��ات و ِف��را���ش البيت امل�ضمخ بامل�شموم وفرحة العودة. والنخلة عالمة فارقة ،ودليل مكان و�شبه ازدِ هار يف نِطاق غر�سها وهالتها اخل�ضراء،
يتهادى الناس في اإلمارات الفسائل المسماة بنت النخلة، و«الرواكيب» وهي فروخ النخلة التي تنبت في الخاصرة ،كهدايا ثمينة
كعرو�س ٍ مم�شطة باخل�ضار يف �سرابات ال��رم��ل وم�ت��اه��ات امل �ك��ان ،والنخلة دع��وة مفتوحة ملجموعة حم�سو�سات وملمو�سات الن�سيج ال�ب���ش��ري احلميمي يف منحها الظل وال�غ��ذاء وامل�سكن والهوية ،و كانت دوم� ًا �سواد ال�صفحات البي�ضاء لل�شعراء والع�شاق واملتيمني بالوطن واحلبيبة ،كما كانت – النخلة – متثل الغواية نحو ظل وارف وقيلولة ممتعة وم� ��أوى لكثري من �أ�سرار الرمل؛ كحروب احلب والبغ�ضاء ون�ضاالت الع�شق وك�شوفات البواطن من القبليات والقرابات ،وهم�س البادية علي موارد املاء و�آبار الود والنجوى . تعترب ت��واري��خ ن�ضوج ثمار النخلة تبا�شري
روزنامة 136 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
�أو ب�شارات يتداولها النا�س يف «تفاريح» احلديث و�أح ��داث ال�سرور ،وه��ي مواعيد ت�ب��د�أ م��ن �شهر مايو وحتي �شهر �أكتوبر، عدا بع�ض الأن��واع التي تت�أخر حتي �شهر نوفمرب مثل الهاليل الأخ�ضر ذو الثمرة �سيئة الطعم ،ويتحدث النا�س عن تبا�شري ال��رط��ب ب�ق��د��س�ي��ة خ��ا� �ص��ة ،ك�م��ن ي�ق��ول «ب�شرت نخلتنا» �أو «بتب�شر نخلتنا عقب �أ�سبوعني». ويحتفل النا�س بتب�شري الرطب بداية من مراحل الن�ضج الأويل وهي «احلبابوك»، وال��ذي تقطفه الأمهات وت�ضعه يف خيط وتلب�سه ابنتها كعقد حتي ي�صبح لونه بني ت�أكله الفتاه ،وهو طق�س يبني فرحة االنتظار وجائزة اللقاء.
تعتبر تواريخ نضوج ثمار النخلة تباشير أو بشارات يتداولها الناس في تفاريح الحديث وأحداث السرور تعلم النا�س يف الإم��ارات مراقبة النخلة ومل����س ث�م��اره��ا و��ش��م طلعها ،وه��ي ع��ادة خا�صة تبني �شكل الرتابط اجلنيني بني طلع النخلة وثمارها ،وهي ع��ادة قدمية حت �ت��اج ال �ك �ث�ير م��ن ال ��دراي ��ة واخل�ب�رة واملعرفة واحلب .
مو�سم الرطب مو�سم الرطب يف الإمارات يبد�أ خالل �شهر يونيو من كل عام ،وتتعاقب �أ�صناف الرطب ،وفقاً ل�شهور القيظ الثالثة الأوىل� ،إذ يبد�أ املو�سم مع ن�ضوج رطب «نغال» ،و«مزناي» ،و«ج�ش جعفر» ،وهي ثالثة �أ�صناف معروفة ،بينما ت�صل �أ�صناف �أخرى �إىل مرحلة الن�ضج واحل�صاد خالل �شهر «يوليو» ،وهي «اللولو»، و«اخل�ن�ي��زي» و«اجل�ب��ري» ،و«ال�برح��ي» ،و«اخل�لا���ص» ،وي�سدل ال�ستار على املو�سم يف �أغ�سط�س ،مع ن�ضوج «اخل�صاب» و«الهاليل» ،ولكل من �أنواع الرطب املعروفة يف الإمارات نكهة ومذاق ي�ستطيع متييزها اخلرباء واملزارعون.
ت�شعبت منافع النخلة �ضمن عالقتها ب��الإن �� �س��ان يف الإم� � ��ارات ،ك �غ��ذاء حيث ي��ؤك��ل ب�سرها ورطبها ومت��ره��ا ودب�سها التي تعترب من �أولويات �أكالت ال�ضيافة للإن�سان يف الإم���ارات ،وكحلوى ،حيث ت�صنع منها جمموعة كبرية من احللويات �أبدعتها اليد املحلية �أو التقطت فكرتها من اجلوار ،ك�أكلة «الرجنينا» وهي طبق اي� ��راين ،وط �ب��ق ال ��رز امل�ح�م��ر وامل�سمى �أحيانا «الربنيو�ش». ي�ستخدم ل�ي��ف النخيل امل�ستخرج من �أ�سفل كرب النخيل ل�صنع احلبال التي اع�ت�م��ده��ا الإن �� �س��ان يف تثبيت عري�شه وق��ارب��ه وجل��م ح�صانه وج�م�ل��ه كحبال قوية ومتينه ال تت�أثر �أو ت�ضعف مع املاء �أو ال�شم�س �أو ظروف وتقلبات الأجواء . ب��رع��ت امل� ��ر�أة يف الإم�� ��ارات يف جتديل اخلو�ص وت�سفيفه «ال�سفافة» لكثري من الأدوات املنزلية مثل «اجل �ب��ه ،املهفة، ال�سمة ،ال�سرود ،القفة ،امل�بردة ،امل�شب .... ،ال��خ» وجل��ذع النخلة منافع كثرية منها ا�ستخدام «دعون» النخلة يف �أعمدة البيوت «العر�شان» ،ومنها خرجت مهنة «زفانة الدعون» ،و�صنعت املر�أة القحفية لإبنها ولونت اخلو�ص مبجموعة كبرية من الألوان ا�ستخرجتها من الطبيعة يف �إبداع بدائي مثري «لونت الأحمر بق�شر الرمان، والأزرق بالنيله ،والأ�صفر بالكركم». العديد م��ن م��زاي��ا وف��وائ��د النخلة التي ال تعد وال حت�صي فيما �شملته من خري ورخ ��اء ومنفعة ال زال��ت م�ستمرة حتي يومنا هذا ،وكنتيجة طبيعية تكونت عالقة نادرة بني الإن�سان والنخلة يف الإمارات، وهي لي�ست مرتكزة علي الغذاء وامل�سكن وح��رف �ي��ات ال���س�ع��ف ،ب��ل ه��ي �إرث �شبه ب�شري وجد منذ �آالف ال�سنني وتعزز مبا كتب عن النخلة يف القر�آن ،ويف احلديث «�أك��رم��وا عمتكم النخلة» ،وه��ي مواثيق بني الإن�سان وخالقة ال تنف�صم وتعززها التجربة والثوابت يف خري النخلة ،فنادر ًا ما يوجد منزل يف الإمارات بدون نخلة �أو
اكرث كما تتكاثر النخيل يف كافة مناطق الإمارات كمزارع وعزب مما ولد عالقة ولغة انعك�ست يف جممل ظواهر ت�شري �إىل حميمية العالقة ب�ين الإن���س��ان والنخلة على �أر�ض الإمارات ،منها مث ًال ما جرى عليه العرف من ت�أنيث �أ�سماء بع�ض �أنواع النخيل املعروفة ،وهو �إ�شارة �إىل التدليل واحلميمية ،مثل اخل�لا���ص واخل�صاب واللولو ،و�أنواع �أخرى ،فت�صبح «خ�صابه» و«لولوه» و«خال�صه» ،وهكذا علي جممل الأ� �ص �ن��اف ،بينما ال��ذك��ور م��ن النخيل فت�سمي فحو ًال وال ت�ؤنث ،ففحل الفاطمي ي�سمي الفاطمي وال ي�ؤنث.
�أ�صائل النخيل
يف �إ�� �ش ��ارة �إىل م ��دى ارت� �ب ��اط ال�ن��ا���س ب�أ�صنافهم م��ن النخيل وث �م��اره ،يطلق �أهل الإم��ارات ا�سم «ج�ش» �أو «ق�ش» علي النخيل غ�ير الأ�صيلة� ،أي تلك التي مت ا�ستنباتها بوا�سطة بذرة زرعها �شخ�ص ما ف�سميت با�سمه� ،أو �أح�ضرت من منطقة فحملت ا�سمها ،مثل «ج�ش ال�سعودية »، و«ج����ش حممد ح�سن» وغ�يره�م��ا ،وعلى الرغم من �أن بع�ض ه��ذه الأ�صناف قد يكون حلو ًا يف طعمه وجيد ًا يف �إنتاجه يف م��زارع التجارب� ،إال �أنها تبقى �أ�صناف ًا غري مقبولة جمتمعي ًا ،وتندر زراعتها �أو ا�ستعمال منتوجها ،لعالقتها بالأ�صول والأن�����س��اب ،ف�ح�ك��م اجل� ��ودة ه�ن��ا حكم جمتمعي يخ�ضع العتبارات تلك العالقة احل�م�ي�م�ي��ة ال �ت��ي ت��رب��ط ب�ي�ن الإن �� �س��ان والنخلة .كذلك ال مييل �أه��ل الإم��ارات كثري ًا للنخيل املنتج بطريقة الأن�سجة يف �أوروب��ا �أو يف املختربات املحلية ،ل�شعور خا�ص بعدم �أ�صالتها ،حتى و�إن �أثبت العلم جودتها ومقاومتها للأمرا�ض . وم��ن ب��اب الإ� �ش��ارات على تلك العالقة كذلك� ،أن النخيل يف الإم��ارات ال زالت يف �أح��ي��ان ك �ث�يرةُ ،ت �ع��ال��ج ب��ال��و��ص�ف��ات ال�شعبية التي عرفها �إن�سان الإمارات منذ القدم ،باملواد والأ�ساليب نف�سها ،والتي
تعلم الناس في اإلمارات مراقبة النخلة ولمس ثمارها وشم طلعها بخبرة ومعرفة وحب ثبتت كفاءة بع�ضها يف مكافحة الآف��ات والأمرا�ض احلديثة. ي�ت�ه��ادى ال�ن��ا���س يف الإم� ��ارات الف�سائل امل�سماة بنت النخلة ،و«الرواكيب» وهي ف��روخ النخلة التي تنبت يف اخلا�صرة، كهدايا ثمينة. �إن�سان الإم��ارات ،وحتي اليوم يبد أ� يومه بالتمر وال��رط��ب ،كت�أكيد على �أ�صالة
ال �ع�لاق��ة ��ش�ب��ه اجل�ن�ي�ن�ي��ة ال �ت��ي تربطه بالنخلة ،واع�ت�راف � ًا منه بخريها عليه وعلى ن�سله. يعترب م�ن�ت��وج النخلة دالل ��ة مهمة علي الكرم وال�سخاء يف ا إلم��ارات علي كافة امل �� �س �ت��وي��ات ،وه �ن��اك �أن� ��واع ك �ث�يرة من النخيل ُت ��زرع يف امل� ��زارع ف�ق��ط لتوزيع منتوجها علي الأهل والأقارب والأ�صدقاء، ويتم تقدميها م�شفوعة بالعبارة املحببة: «هذي من نخلتنا» ،وذلك لت�أكيد القرابة واحل� ��ب ب �ي �ن��ه وب�ي�ن ال �ن �خ �ل��ة .ظ��واه��ر و�أحا�سي�س وع�لاق��ات كثرية ربطت بني النخلة والإن�سان يف الإم ��ارات ،ال ميكن تف�سري الكثري منها �سوي باحتاد احلياة واملوت للنخلة والإن�سان مع ًا ،والتي تعترب من معجزات اخللق والإبداع الإلهي
اآلفاق تشكيل ارتياد 138 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
رائد االنطباعية ال�سورية
نصير شورى .. شاعر األلوان والفرح رندة العقباين لعبت الظروف االجتماعية واالقت�صادية وال�سيا�سية يف �سوريا يف الربع الأول وما قبل من القرن الع�شرين دوراً يف ت�أخري ظهور اللوحة الفنية واقت�صرت على بع�ض التجارب والر�سوم التزيينية املنفذة على ال�سقوف واجلدران والأبواب من قبل احلرفيني ،وعلى الرغم من ذلك متكن بع�ض الفنانني من االطالع على الفن الغربي عن طريق �إيفاد بع�ض الأ�سر لأبنائها للدرا�سة يف اخلارج وما حملوه من منجزات عمرانية وفنية والذي �أ�سهم يف ظهور اللوحة الت�شكيلية ال�سورية ،التي اجتهت تار ًة �إىل القيم املتوارثة وتار ًة �أخرى �إىل الثقافة الغربية، ويف منت�صف الثالثينيات ن�شط عدد من الهواة يف فنون الر�سم والت�صوير و�أ�صبحو فيما بعد رواد احلركة الفنية يف املنطقة.
ويعترب ن�صري �شورى من �أبرز ه�ؤالء الفنانني حيث توزعت جتربته على عدة مراحل مليئة بالبحث والتميز ،تطرق من خاللها لثالث م��دار���س فنية ه��ي ال��واق�ع�ي��ة واالنطباعية والتجريدية . وال يخفى اعتماده يف �أعماله على اللون ،حيث كان يختار الألوان لي�س لت�أثريها الت�صويري فح�سب ،ب��ل مل��ا حتويه م��ن معاين فل�سفية، وذل ��ك م��ن خ�لال تنظيم الأل� ��وان بطريقة معينة على �سطح اللوحة لت�شكل مع غريها م��ن العنا�صر ،كال�شكل وامل �ك��ان والإي �ق��اع،
تعبري ًا متنا�سق ًا ومتما�سك ًا للو�صول �إىل الغاية املرجوة ،كما اجته �إىل ت�أليف لوحته و�صياغتها من خالل �إ�ضافة عن�صر جديد �أو حذف �أجزاء �أخرى منها والبحث يف جماليات الأل��وان واالرتعا�شات اللونية التي تتو�سطها، والتب�سيط الذي قد ال ي�صل حدود التجريد، �أما الطبيعة فكانت بيته ومر�سمه الذي يلج�أ
كان يختار األلوان ليس لتأثيرها التصويري فحسب بل لما تحويه من معاني فلسفية
�إليه ،وامل�صدر الأول للإثارة الب�صرية ك�أنقى و�أف�ضل ما ميكن �أن يوجد من تنوع ،كما كان ال�ضوء بالن�سبة له و�سيط ًا للإلهام ،حيث جعل العالقة ب�ين ال�شكل وال�ل��ون عالقة جدلية. يقول �شورى�« :أن��ا �أرى الإن�سان مقطع ًا من الطبيعة ،ويف ح��واري من خ�لال اللوحة مع الطبيعة ،قد �أ�ضيف �شجرة غري موجودة وقد �أ�ستعي�ض عنها ب�إن�سان �أو حيوان». �أم��ا االنطباعية لديه فكانت تخلق �أ�شكا ًال حرة للذات ،وتقدم يف الوقت نف�سه ت�أوي ًال �أك �ث�ر ح�ي��وي��ة و�أق � ��رب ��ش�ب�ه� ًا ب��ال��واق��ع من
تشكيل 140 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
ال�صوراملو�ضوعية ال�ت��ي ي�صنعها الفنان ال��واق�ع��ي ع�ن��ه ،وع�ل��ى العك�س م��ن عقالنية الواقعي فنحن نح�صل على املتع احل�سية يف انطباعيته ،فك�أنها تعبري عقالين لل�ضوء بلغة اللون اخلال�ص ،ف�أوجد نهج ًا علمي ًا يعتمد على امل�ساحات اللونية ال�صغرية ويخلق نوع ًا من التوازن بني هذه العنا�صر ون�سبها ،وفق ًا لقوانني الت�ضاد والتدرج والإ�شعاع ،وبعدها انتقل �إىل الت�أليف بني الأل��وان املتنا�سقة يف الفراغات النا�شئة عن ا�ستعمال اخلطوط امل�ستقيمة واملنحنية معرب ًا عن الفكرة يف �أق�صى طرقها ويف �أب�سط �صورها. ولإلقاء نظرة �أعمق قلي ًال عن جتربة �شورى البد من درا�ستها مبراحلها املختلفة بالتدريج بدء ًا من الطفوله.
طفولته
رافقت طفولة ن�صري �شورى حكاية فنية كربت معه بني �أ�شجار ال�صف�صاف ،وترعرعت بني �أح�ضان الطبيعة يف عامله ال�سحري ال��ذي ن�سجه من �ألوان ال�شم�س وانعكا�ساتها على كل ما حوله من الأ�شياء ،يف املكان الذي انطبع يف ذاكرته منذ �صغره وهو بيته يف حي املهاجرين بدم�شق ،ثم تعلم الر�سم على يد الفنان عبد احلميد عبد ربه يف املرحلة االبتدائية ومن ثم الفنان جورج خوري يف املرحلة االعدادية ال��ذي �شجعه على املتابعة ،حيث كان جورج خ��وري م��ن رواد ال�ف��ن ال���س��وري ،وق��د ت�أثر باالنطباعية �أثناء درا�سته الفن الت�شكيلي يف باري�س ،وهكذا تعرف ن�صري �شورى على االنطباعية وع�ل��ى مفاهيم التعبري الفني باللون ،وعلى الرغم من معار�ضة �أ�سرته والتي كانت تطمح �أن يكون طبيب ًا �أو �صيدالني ًا ،وهي الفروع املرموقة التي كان يحتذى بها يف تلك الفرتة ،بد�أت مرحلة احل�سم يف حياته ،والتي قرر فيها �أن ي�صبح الت�شكيل عامله احلقيقي ال��ذي �سيكمل ب��ه حتى النهاية ،ففي عام �� 1936ش��ارك ��ش��ورى لأول م��رة يف معر�ض جماعي بدم�شق ،وك ��ان معر�ضه ال�ف��ردي الأول عام 1938والذي كان تار َة يقرتب من االنطباعية حني يغو�ص مع �ألوانه وري�شته يف
خ�ضم الطبيعة ،و�أخ��رى يبتعد عنها لي�ؤكد على الواقعية يف وجوه الأ�شخا�ص وتفا�صيل التكوينات الب�شرية. يف عام � 1939سافر �شورى �إىل �إيطاليا لدرا�سة الفن يف �أكادميية الفنون اجلميلة يف روما، غري �أن ظروف احلرب العاملية الثانية منعته من متابعة الدرا�سة هناك ،فعاد �إىل دم�شق ليم�ضي عدة �أعوام يف بحثه اخلا�ص ،ومن ثم قرر متابعة درا�سته الفنية يف القاهرة حيث
كان الضوء بالنسبة له وسيط ًا لإللهام حيث جعل العالقة بين الشكل واللون عالقة جدلية
تعرف على جتارب الفنانني العرب والأجانب ويف مقدمتهم الفنان يو�سف كامل الذي كان من رواد الفن يف م�صر والذي �أثر يف �شورى من خالل ر�سم امل�شاهد الطبيعية واالعتماد على اللون وتدرجاته يف بناء العمل الفني، هذا بالإ�ضافة �إىل الدرا�سة الأكادميية التي �شكلت �أ�سا�س ًا متين ًا وداعم ًا النطالقته باجتاه الأ�ساليب املتنوعة يف جتربته الفنية ،فرنى �أن لوحته «غالم بائ�س» تلح على حماكاة احلالة النف�سية لل�شاب الذي بدا عليه التعب والفقر �أك�ثر م��ن التوقف عند مالحمه اخلارجية وح��ده��ا ،فهي ب��ذل��ك تعك�س قيم ًا تعبريية تك�شف عن واقعه االجتماعي امل�أ�ساوي ،وعن
معاناته التي حتاكي الواقعية عنده ،وهذا ما نالحظه �أي�ض ًا يف لوحته «قروية» المر�أة ريفية �شاردة غارقة يف تفكريها وجرتّها الفارغة بجانبها ف��وق �أر� ��ض ج ��رداء ال حتمل �سوى ال�صخور والغ�صون الياب�سة ،و�أي�ض ًا «ذات الو�شاح الأحمر -العراء� -شتاء-الجئة» ،على خالف ما نراه يف واقعية الرواد الأوائل والتي متحورت يف �إطار «الت�سجيلية» فقط .
االنطباعية
مل تكن هذه املرحلة �أقل �أهمية من املرحلة الواقعية التعبريية التي م � ّر فيها �شورى، بالرغم من التفاوت ما بني امل�أ�ساة والتعابري الرمزية ،وب�ين االنطباعات التي جت�سدها ه��ذه املرحلة يف �أع�م��ال��ه وال�ت��ي تك�شف لنا اجل��ان��ب امل �ل��يء بالبهجة وال��ف��رح� ،إال �أن االنطباعية تبقى امل��در��س��ة الأك�ث�ر ت��أث�ير ًا عليه ،ففي اخلم�سينيات م��ن ه��ذه املرحلة �سافر �شورى �إىل فرن�سا و�إيطاليا وبولونيا و�أملانيا الدميقراطية ،وبحث يف االجتاهات الفنية ،و�أ�سهم يف تطوير موهبته ورفدها باملعلومات واخل�ب�رات املنهجية والثقافية، فت�أثر من جانب باالنطباعية الفرن�سية التي اهتمت باللون والنور وت�أثرياتهما املختلفة وبالطبيعة ال�سورية وحملية ال�شم�س فيها من جانب �آخ��ر ،فكانت لأل��وان��ه انطباعات م�ت�م�ي��زة حت �م��ل خ�صو�صية امل �ك��ان ال��ذي تر�سخ يف ذاكرته منذ الطفولة ،حيث قدمها ب�شفافية و�شاعرية تُغني لوحته بتدرجات و�إيقاعات طبيعية ممزوجة بتفا�صيل ال�ضوء وذروة اللون التي تكاد يف �أجزاء منها ت�صل �إىل مرحلة التال�شي والغمو�ض ،كما ت�أثر بتجربة الفنان مي�شيل كر�شه الذي كان على �صراع مع الفنانني الواقعيني ،من بينهم عبد الوهاب �أبو ال�سعود من حيث توجهات اللوحة الفنية ،ويعترب ك ٌل من �شورى وكر�شه من �أبرز الفنانني امل�ساهمني بظهور تيار االنطباعية ال�سورية ،حيث كانا مالزمني للطبيعة التي �أ�شبعت هواج�سهما ب�ألوانها املتبدلة عرب الف�صول ،وكانا على لقاء معها يف جوالتهما التي يقومان بها بني احل�ين والآخ��ر للبحث
تأثر بيوسف كامل في رسم المشاهد الطبيعية واالعتماد على اللون وتدرجاته في بناء العمل الفني ع��ن ال��وه��ج ال �ل��وين االن�ط�ب��اع��ي وت�ب��دالت��ه، وبهذا يكونان من �أوائ��ل املحدثني للتحوالت الثقافية الت�شكيلية من ال�صياغة الواقعية �إىل الأداء االنطباعي ،ومن الت�أطري الزمني الت�سجيلي �إىل الف�سحة الف�ضائية اللونية للوحة ،لتتقابل مع ال��ر�ؤى املتحررة لفنانني
معا�صرين لهم �أمثال «حممود حماد» و«عبد العزيزن�شواتي» و«�صالح النا�شف» و«عدنان جبا�صيني»وغريهم .وكانت تولد �أعمالهم الفنية وتتم اللقاءات واحل��وارات يف �صالون «ف�يرون�ي��ز» بدم�شق و�سط �أج ��واء م�شحونة بالطاقة واحليوية واالندفاع تتخللها جوالتهم للر�سم يف الطبيعة مبا�شرة ب�ين ب�ساتني الغوطة واملهاجرين والبحث عن احلقائق التي تتبلورمن خاللها جتاربهم ،وعن هذا يقول ن�صري�«:أنا �أق��رب �إىل االنطباعية من حيث حتليل اللون و�أنا ال �أر�سم كما ير�سم كلود مونيه زعيم االنطباعية» .ويف هذا ما يدل على االختالف يف �أ�سلوبه حيث كان ل�شفافية �ألوانه
تشكيل 142 الـعــــدد 155
واجلمال اللوين الذي يعترب جزء ًا �أ�سا�سي ًا من تكوينه ،ويبدو ذلك وا�ضح ًا يف لوحاته «منزل ريفي -نزهة يف ال�شتاء -منظر طبيعي »... حيث توجد حالة من الألفة ما بني الأ�شخا�ص والعنا�صر ون �ق��اوة ال�ل��ون وت��درج��ه� ،إ�ضافة �إىل ال��رق��ة يف الأ��ش�ك��ال م��ن خ�لال �سحبات الفر�شاة املتقاربة ،وبهذا جند ب�أن �شورى يف هذه املرحلة حاول �إغفال املو�ضوع وتركيزه على جانب ال�شكل وال�ل��ون واحل��رك��ة اللونية وعلى عاملي الإ�ضاءة واجلو ،ونقل �إح�سا�سه للم�شاهد من خالل اللون والت�أثري ،ومن خالل املالم�س والتقنية املتبعة يف العمل املعتمدة على امل�ساحات اللونية وانعكا�س ال�ضوء وعدم و�ضوح التفا�صيل وال�شفافية التي ت�صل �إىل حد الإ�شباع يف اللون �أحيان ًا ،فتجده يقول يف جملة احلياة الت�شكيلية« :يف البداية كنت �أق ّلد الطبيعة ب�ألوانها و�أ�شكالها ،وحتول النقل �إىل تفاعل وج��دل ،عرفت �أ�شياء كثرية دفعتني لأحذف و�أ�ضيف و�أخل�ص ،و�أبحث يف منطق العالقات اللونية املتبدلة والتي ت�ؤكد خ�صب الطبيعة».
�سبتمرب
2012
التجريدية
وتناغمها فارق وا�ضح بينها وبني ت�ضاد الألوان و�سماكتها عند االنطباعيني الفرن�سيني ،ولكنه ك�أي فنان انطباعي ي�ستمد االيحاءات ال�ضوئية واال�شعاعات التي تتخللها الأمواج الأثريية فوق ال�سطوح امل�شعة ليج�سدها يف لوحته بلحظات خاطفة للمرحلة الزمنية التي تعك�سها� ،أو يخزنها يف خميلته ليعود وينرثها بتناغم وتوهج �ضوئي على �سطح لوحته م�ستمد ًا من ذاكرته الأ�ضواء الهاربة يف �شعور ب�صري لتلك احلالة ،ويقدم بذلك الر�ؤية املتجددة للوحة بان�سجام متناغم و�إح�سا�س جمايل له ت�أثريه
على املتلقي ملا فيه من متعة و�إ�شراق ًا لوني ًا مفعم ًا بال�سعادة و�صياغة خا�صة لعالقات الأ�شكال من حيث التوزيع والتنا�سق اللوين. وكانت معاجلته للأ�شخا�ص واملناظر متتاز بالدقة التي ال تخلو من العفوية ورهافة احل�س
مزج محلية الشمس السورية باالنطباعية الفرنسية التي اهتمت باللون والنور وتأثيراتهما المختلفة
لعل �أهم الأ�سباب التي دفعت ب�شورى لالنتقال �إىل جتربته اجلديدة ،هو حبه الدائم للبحث ولإ�ضافة مالمح جديدة للطبيعة �أكرث حترر ًا و�شاعرية من �سابقتها ،فعندما �أراد �شورى �أن يتوجه �إىل التجريد يف فنه فذلك لأن��ه ك��ان ي��درك متام ًا �أن هناك موا�ضيع �أخ��رى تنتظره ليرتك ب�صمته الفنية عليها يف �أعمال يج�سدها خالل م�سرية حياته الفنية والتي كان �أهمها حبه الدائم للإ�ضافة واحلذف ،وذلك من خالل حذف الكثري من التفا�صيل لت�صل الأ�شكال �إىل �سطوح لونية وم�ساحات ممتدة للطبيعة ،معتمد ًا على م��ا ع�ب��أه يف خميلته من جماليات للريف ال�سوري وعلى خمزونه الب�صري و�شاعريته املغناة ،مكتفي ًا يف معاجلة موا�ضيعه التجريدية داخ��ل مر�سمه ،ليطلق العنان لأبحاثه وخلربته الطويلة يف تخيل ال�ل��وح��ة وال�ب�ح��ث ع��ن ال�ع�لاق��ات الت�شكيلية واللونية للكتل والفراغ و�إيجاد رواب��ط متينة
لتما�سك الأجزاء ،و�إغناء امل�ساحات بال�سطوح املتباينة يف ملم�سها والت�أكيد على الت�ضاد والتناغم ما بني الأ�شكال وامل�ساحات ،وذلك من خالل الإ�سكت�شات التي كان يعتمدها قبل البدء يف توزيع عمله على اللوحة ،كما �أدخل الأ��ش�ك��ال الهند�سية ع�بر ت��داخ�لات حركية لونية خا�صة ،فكان يعتمد يف ه��ذه املرحلة على جتربة عقالنية بعيدة عن االنفعاالت وع��ن التلقائية التي امتزجت بها مرحلته االنطباعية ،فيقول« :العقالنية حقيقة ثابتة تتحكم بعملي».
الواقعية اجلديدة
رمبا تكون اللوحة يف هذه املرحلة قد توجت الفن الذي �أبدعه ن�صري �شورى عرب جتربته الطويلة؛ فهي خال�صة م��ا تو�صل �إل�ي��ه من اكت�شافات وجتدد ومزيج من اخليال والت�أليف
على نحو جديد م��ن خ�لال ق�صا�صات من �أوراق الطبيعة امللونة و�إعادة بنائها على نحو جديد فيه م��ن االن�سجام وال�ت��آل��ف وال�ثراء ال�ل��وين الطبيعي ال��ذي �أغ�ن��ى بها جتربته، �أم��ا ال�شخو�ص فكانت ج��زء ًا من امل�ساحات الت�شكيلية ويعرب عنها من خالل امل�ساحات اللونية حمقق ًا ت��وازن��ا لوني ًا وت�شكيلي ًا مع العنا�صر الأخرى من اللوحة لي�صبح الإن�سان جزء ًا من الطبيعة وحمور ًا يتقاطع مع املحاور الأخرى ليخلق عم ًال متما�سك ًا وواقعية جديدة قادرة على �أن تكون �أقرب �إىل امل�شاهد و�أكرث جمالية تنبع من ح�سا�سيته الداخلية ور�سالته ال�ت��ي ك��ر���س لها ح�ي��ات��ه ،وه��ي ن�شر البهجة وال �ف��رح ع�بر ه��ذه الأل� ��وان املتناغمة وه��ذه للواقع ،لي�صل �إىل ذروة ما قدمه يف عامل ال�شاعرية التي تطبعت بها �أعماله يف جميع الطبيعة ويف تفا�صيلها ال�صغرية التي برزت مراحله ،ولهذا �أطلق عليه خليل �صفية لقب يف هذه املرحلة ،لت�ضفي ر�ؤية جديدة للواقع «�شاعر الألوان والفرح»
الكتب سوق اآلفاق ارتياد 144 الـعــــدد 155 �سبتمرب
2012
منها «كركوز وعيواظ»
الظواهر المسرحية العربية األولى مفيد جنم لعل ال�س�ؤال الذي يطرح نف�سه بداية حول عالقة العرب بامل�سرح ،هل عرف العرب ظاهرة من ظواهر امل�سرح �أ�سهمت يف التمهيد لن�ش�أته عربياً �أم هو فن وفد �إلينا كالرواية والفن الت�شكيلي من الثقافةالغربية؟ �إن �أهمية الإجابة على هذا ال�س�ؤال ال تكمن يف اعتبار امل�سرح ظاهرة غري طارئة على الثقافة العربية وح�سب ،بل يف الك�شف عن تنوع و�إبداع تلك الثقافة قدمياً عرب تلك الظواهر االحتفالية التي مهّدت لظهور امل�سرح ،خا�صة و�أن الثقافة العربية مل تكن �آنذاك معزولة عن حميطها الثقايف� ،إذ �أثرت فيها وت�أثرت بها يف الآن ذاته. م�صر عام 1799التي تعرف العرب من خاللها على امل�سرح ب�شكله احلديث تعرف ًا كام ًال� ،إ�ضافة �إىل ما قامت به مدار�س الإر�ساليات من دور م�ساند عرب التمثيالت التي كانت تقدمها يف نهايةالعامالدرا�سي. لقد �شكلت الظواهر امل�سرحية الأوىل عند ال�ع��رب ن��وع� ًا م��ن الأ��ش�ك��ال ال�شعبية الفنية التي �سبقت ظهور امل�سرح كثري ًا ،الأمر الذي ي�ستدعي من الباحث �أن يعر�ض ب�شكل موجز لكل �شكل م��ن تلك الأ� �ش �ك��ال ال�شعبية ويف مقدمتها ظاهرة احلكواتي التي انت�شرت يف ع�صور االنحطاط و�أوائ��ل ع�صر النه�ضة بعد انت�شار املقاهي العامة ،حيث كانوا يتولون �سرد ال�سري ال�شعبية بنوع من اخلطابة واحلركات التمثيلية .لكن ظهور الرائي �أ�سهم يف تراجع تلك الظاهرة التي حتولت �إىل نوع من الفلكلور املقام يف بع�ض املقاهي الدم�شقية القدمية.
يف كتابه «م�سرح عربي قدمي -كركوز» الذي �أن �شاهده وا�ستطاع �أن يح�صل على بع�ض �صدر يف طبعته الأوىل ع��ام ،1964يحاول ن�صو�صه التي عر�ضت على م�سرح خيال الظل القا�ص والكاتب ع��ادل �أب��و �شنب �أن يتق�صى العربي منذ 800عام. ظاهرة من ظواهر الفن ال�شعبي الأ�صيل التي ا�شتهرت با�سم م�سرح خيال الظل �أو «كراكوز» �أ�شكال �سبقت امل�سرح و«ع�ي��واظ» ال��ذي �شهد ازده��اره �أثناء مرحلة يعود �أبو �شنب �إىل درا�سة �أ�سباب غياب امل�سرح احلكم العثماين يف ال�شرق الإ�سالمي. عند العرب على خالف اليونانيني ،فريى �أن امليل ينطلق الكاتب يف بحثه من اعتبار �أن بدايات الفطري عند العرب اجلاهليني لتج�سيد املعاين امل�سرح مل تتجاوز كونها لون ًا من �ألوان التقليد يف �صور قد ان�صب على ال�شعر وروايته و�إلقائه واالحتفال ،الأمر الذي يجعل جميع النزعات وعلى االحتفاالت الدينية ،حيث لعبت الظروف االحتفالية هي �ضرب من �ضروب التمثيل الذي البيئية دور ًا مهم ًا على هذا امل�ستوى .ولعل غياب عرفته جميع الأمم ،والتي �أ�سهمت يف تطور الرتجمةعندالعربامل�سلمنيللم�سرحالإغريقي التمثيل وظهوره كفن م�ستقل ذي �شخ�صية ،لأ�سباب دينية قد �أ�سهم يف ت�أخر ظهور امل�سرح لكن �أمم ًا قد ا�ستطاعت �أن تطور تلك الظواهر عندهم� ،إىل �أن كانت احلملة الفرن�سية على يف حني �أن �أمم ًا �أخرى مل تتمكن من ذلك ،كما هو احلال بالن�سبة للعرب. ويربر اختياره لظاهرة خيال الظل عند العرب غياب ترجمة العرب م��ن دون غ�يره��ا م��ن ال �ظ��واه��ر االحتفالية المسلمين للمسرح الأخرى من خالل اعتبارها الظاهرة الأن�ضج اإلغريقي ألسباب دينية قراقو�ش والقراقوز وهناك ظاهرة القراقوز التي تق�صى الباحث يف تلك الظواهر والأكمل والأق��رب �إىل �شكل أسهم في تأخر ظهور الأملاين معناها فوجد �أنها حمرفة بفعل اللغة امل�سرح املعا�صر� ،إ�ضافة �إىل ع�شقه له بعد
المسرح عندهم
الرتكية عن كلمة قراقو�ش� ،إذ �أن بداياته كانت تقوم على التندر ب�أفعال تلك ال�شخ�صية و�سلوكها ،خا�صة و�أن ظهوره كان يف م�صر ،يف حني عرفت بالد ال�شام باملقابل م�سرح خيال الظل امل�سمى كركوز � .إن ظاهرة القراقوز التي كان ي�ؤدى دورها التمثيلي بوا�سطة دمى خ�شبية �أو من ج�ص تتحرك بوا�سطة خيوط ت�شد من �أ�سفل من�صة التمثيل تعترب قريبة جد ًا من م�سرح العرائ�س الذي عرفته بلدان �أوروبا ال�شرقية � .أم��ا م�سرح خيال الظل فقد كان م�صدره وفق ما يقوله الدار�سون هو الهند لكنه انتقل �إىل بالد ال�شام من خالل ال�صينيني ونظر ًا ل�شيوعه الكبري يف البالد العربية فقد حتدث عن انت�شاره كل من املقريزي والأب�شيهي يف امل�ستطرف .ومن خالل العرب انت�شر يف تركيا و�أنحاء االمرباطورية العثمانية .وقد بقي هذا ال�شكل من امل�سرح معروف ًا يف بالد ال�شام حتى فرتة قريبة.
م�سرح خيال الظل
يعنى الكاتب باحلديث عن خيال الظل على عك�س الظواهر االحتفالية الأخ��رى ،انطالق ًا من كون امل�سرحيات التي كان يقدمها ت�ستحق الوقوف عندها ،على خالف الظواهر الأخرى، �إذ �شكلت حماولة عربية لكتابة امل�سرحية التي ك��ان قوامها �شخو�ص ًا م�صنوعة م��ن اجللد امل�ضغوط �أو الورق املقوى ،وكان م�ضمون تلك امل�سرحيات م�ستمد ًا من احلياة االجتماعية وال�سيا�سية واالقت�صادية للنا�س. ونظر ًا لت�أخر االهتمام بجمع تلك الن�صو�ص ف�إن عدد الن�صو�ص التي �سجلت مل يتجاوز الع�شرين ن�ص ًا ،وم��ن الغرابة �أن م��ن قام بجمعها وتدوينها هم امل�ست�شرقون الأجانب،. حيث ي��رج��ع ت��اري��خ �أق ��دم ن�ص �إىل القرن الثاين ع�شر امليالدي. �إن احتكار �أ�صحاب هذه املهنة لها وتوريثها لأوالدهممنبعدهمجعلمعرفةكتبةن�صو�صه و�أع�لام��ه جمهويل الهوية با�ستثناء طبيب العيون وال�شاعر امل�صري ابن دانيال وابنه. مل تكن وظيفة هذا امل�سرح للت�سلية وح�سب بل جتاوزتها �إىل التعر�ض للحياة ال�سيا�سية
ب���ص��راح��ة ح�ت��ى ع�ن��د ان�ت���ش��اره يف ال�ع��امل الإ�سالمي ،ال�سيما يف العهد الفاطمي الذي لعب دور ًا �سيا�سي ًا وديني ًا على �صعيد الرتويج للدعوة الفاطمية ،وحني �شاهده �صالح الدين الأيوبي بعد زوال الدولة الفاطمية �أعجب به ،يف حني ا�ستخدمه احلكام الآخ��رون يف �إلهاء ال�شعب عن ق�ضاياه احلقيقية .لقد كان �أكرث ما تعر�ض له هذا امل�سرح هو الق�ضايا االجتماعية وحياة ال�شعب .ويعر�ض الباحث لعدد من تلك امل�سرحيات باعتبارها متثل منوذج ًا مل�سرح خيال الظل القدمي مثل ف�صل احلمام وبابه عجيب وغريب.
التكنيك امل�سرحي يف خيال الظل
يف اجل��زء الأخ�ير من الكتاب يقدم الباحث عر�ض ًا للتكنيك امل�سرحي امل�ستخدم يف تلك امل�سرحيات ،ويف مقدمتها ف�صل احلمام الذي يالحظ فيه توزيع احل��وار على ال�شخ�صيات توزيع ًا ج�ي��د ًا ،حيث تعرب ك��ل �شخ�صية من �شخ�صيات العمل عن �أفكارها وم�شاعرها ب�صورة �صحيحة ،وتن�سجم مع تطور الن�ص نحو الغاية املن�شودة ،يف حني تتميز جمل احلوار بالق�صر واالبتعاد عن املنولوج املطول الذي كان �شائع ًا يف امل�سرح الرومنتيكي الأول الذي عرفه العرب� ،إ�ضافة �إىل ا�ستخدامها اللهجة الأ�صيلة ،لكنها باملقابل تبتعد عن االهتمام
شكلت الظواهر المسرحية األولى عند العرب نوع ًا من األشكال الشعبية الفنية التي سبقت ظهور المسرح
بعن�صري الزمان واملكان كما هو احل��ال يف م�سرح الالمعقول� ،إىل جانب ح�شر الأحداث وال�شخ�صيات اجلانبية بكرثة يف �سياق العمل وذلك ب�سبب الرتكيب غري املعقول للحوادث، وما تتفتق عنه خميلة امل�ؤلف. �أما بالن�سبة لعنا�صر الت�أثري يف تلك الأعمال فهي تكمن يف الأح��داث وحركتها املتالحقة �إىل جانب تباين ال�شخ�صيات ومواقفها من الأحداث و�شحن اجلمل والكلمات مبرتادفات لفظية �أو با�ستماالت رائجة .ومما يخل�ص �إليه من درا�سة تلك الأعمال �أن توزيع الأدوار فيها مل يكن اعتباطي ًا و�إمنا نابع ًا من درا�سة نف�سية لطبيعة كل �شخ�صية ومن ي�شبهها يف احلياة العامة .كذلك ا�ستخدم اب��ن دان�ي��ال ال�شعر والنرث امل�سجع �إىل جانب اللغة الف�صيحة يف م�سرحيات �أخرى. ويف اخل�ت��ام يتناول �أث��ر امل�سرح و�أث��ر رواده خ�لال ف�ترة ثمانية ق��رون هي زم��ن انت�شاره يف ك��ل ال�ب�لاد العربية ،حيث كانت تعر�ض �أع �م��ال ال�شحادين والإف��رجن��ي والأف �ي��وين واحلمام والهرة .و�إذا كان رواد خيال الظل يف القرون الأوىل كانوا من ال�صفوة ف�إن رواده قد �أ�صبحوا �أي�ض ًا من العامة ،ويرى الباحث �أن هذا االنحدار قد �أ�سهم يف تراجع م�ستوى هذا امل�سرح رغبة يف �إر�ضاء هذا اجلمهور� ،إذ جرى ح�شو الن�ص امل�سرحي بحوادث ومواقف وكلمات مالت نحو البذاءة ،لكنه يف القرون الأخرية كان متنوع ًا و�إن كان الطابع املرذول فيه ه��و الأ��س��ا���س ،ففي م�صر وب�لاد ال�شام وتون�س ا�شتقت م�ضامني هذه امل�سرحيات لفرتة طويلة من مو�ضوعات اجلن�س ،وقد �أدى انفعال اجلمهور ال�ساذج بهذا امل�ستوى �إىل انخفا�ض �سوية العمل امل�سرحي من حيث امل�ضمون، م��ا ي��دل على العالقة اجلدلية ب�ين امل�سرح واجلمهور نتيجة ت�أثر كل منهما بالآخر ،ثم يعر�ض لأهم ال�شخ�صيات التي عرفت يف هذا امل�سرح يف بالد ال�شام مثل �شخ�صيات كركوز وعيوا�ض وقريطم واملدلل وميمون وميمونة وبكري م�صطفى وخم��زوم لكن �شخ�صيتي كركوز وعيوا�ض كانتا هما الأهم فيها
كالم أخير
حبيب ال�صايغ
زمن الكتابة يف الزمن القدمي ن�سبي ًا ،اجلميل مطلق ًا ،كانت النا�س تكتب ،وكان العناق اليومي بني الأ�صابع والأقالم حا�ضر ًا ح�ضوره املتناغم من �أ�سرار القلوب .لي�ست ر�سائل الغرام وحدها ،ولكن الر�سائل العادية ،واملكاتيب ،بع�ضها للتجارة، بع�ضها لطلب م�صلحة �أو منفعة ،وبع�ضها ملجرد ال�سالم ،حيث نهديكم �أطيب حتية، ون�سلم على الأوالد جميع ًا ،ومن طرفنا اجلميع فرد ًا فرد ًا يهدونكم وافر ال�سالم ،وال�سالم. ذاك زمن الكتابة بامتياز ولي�س �سواه ،فاليوم الأقالم من�سية يف الأدراج واجليوب ،والإنرتنت يتقدم يف درجات ال�سباق. لي�س هجاء ،ف�أدوات الع�صر ت�ستحق املديح، بل هي ت�ستحق الغزل �أي�ض ًا ،لكننا يف بع�ض جوانب حياتنا ،ومنها غفلتنا عن �أنف�سنا وذواتنا �إىل هذا احلد ،ن�ستحق الرثاء. وهذه لي�ست دعوة �إىل رومان�سية فجة ،حيث ر�سائل احلب مر�سومة بالقلوب احلمراء، ومر�شو�شة مباء الورد ،و�إمنا هي دعوة �إىل
ملاذا ال أجرؤ ولو مرة واحدة ِ اسمك يف القصيدة أن أقول حتى تكتمل؟
املزيد من حتقيق �إن�سانية الإن�سان ،حيث يت�صرف بطريقة تلقائية ،متم�سك ًا بالقلم التقليدي ،كما يتم�سك بـ "املوبايل" الذي كاد ي�صبح ع�ضو ًا من �أع�ضائنا ،وجز ًء من �أج�سادنا. الكتابة قبل الإنرتنت وبعده فن ،والكتابة فن منذ الع�صر احلجري والكتابة على الأحجار والأقمار .الكتابة فن هادئ لكنه م�شاغب، وفن يناق�ض نف�سه ،متنق ًال بني لون ولون، وغ�صن وغ�صن ،لكنه ال ين�سى �أن يقوم بواجبه الب�سيط� :إي�صال الكلمات الب�سيطة والعزف على �أوتار الوجدان. هل ولىً زمن الكتابة؟ بهذا املعنى نعم ،ويف الذاكرة احلية ذلك املواطن اجلميل الب�سيط ،وهو يتوك�أ على دكة يف ال�سوق ،فيما كاتب الر�سائل الب�سيطة، وهذه مهنته ،ين�صت ب�شغف ،ويكتب بذوق، ّ بغ�ض النظر عن الأخطاء الإمالئية ،فوحدها مل تكن ب�سيطة.
من �إ�صـدارات مركز سلطان بن زايد للثقافة واإلعالم
يصدر كل شهر ويوزع مجاناً مع مجلة تراث
العدد المقبل ثمرات ناضجات من جنان الشعر العربي
يــــة
هــد مع
جملة
تراث
للدكتور عايدي علي جمعة
()7
ل
ع
غي ال ِ جي ُه الب َ آنِي َّ ْة ل َّتو ِ ال ُقرْ ا ت ءا ِ ِقرَا َ لِل
�شــهر
جمـلة
تراث
تاب
()6
الك لكرمي ا ا نه يف قراآنه ره يف ك� اهلل �سبحا لتي�سري ذ تيعاب ه؛ �س مة �ه ق�راءات� معانيه وا ةً من ر ج� كب اأو از يف ت�س�ي م بها ك� ياتها، ،والإيج س لاهتما ت من روا ها كلٌّ � ب تثبُّ مه ،وق َّي بنقلها وال جاج لها اأو للغ�ي منها ا والحت �ا ن ع عت�سد فاتخذ لماء ُ جيهها ما ُعن�ا بت� ومنزعه؛ جة ملذهبه ،وا رجيح هه ت ك �سب ُم َّتج عدته اأو ح حكام اأو يف ج�هها ح قا ب ه ًدا على �ستنباط الأ كلم ببع�س و وكانت ا ه، ملت يف �سا فقيه وت� َّ�سل ا ذهب غري للغ�ي حليل ا بها ال ى اآخر ،يف رد م هي الت حكم عل أو ا به ت مذه ىل ذلك ت�جيه يف اإثبا عا اإ ال يلتهم جمي ً �سرها .جتاهات يف انيها، �س مع و لنح�ي لعنا ل هذه ال لبحث يف �ة على � ا وا زغ من خ �ان ُيعني با ي��ة امل �رتت �ب جلزري غ� ك� وب جت��اهٌ اآخ �ر � ��ه ال�ب�ا جعلها ابن ا وج ًها ها ج ) ا � ُّم���س الأو افها ،حتى ت 911ه� لكرمي. بيق �ل ( �ا���س وت ايرها واخت ال�سي�طي يف القراآن ا ي بثَّها اغي لت ي و تغ ت832ه�) از الباغ الباغية ا راءات لب طبيق الإعج ظ�اهر ههم للق ( لت ا ية)، ف على ن وج�ه تتبع ال ت�جي البديعدرا�سة م ذا الكتاب ي يف معر�س ا؛ ثم ال�ق� وبيان ربية :مدخل ا، ه ) ،و( ه ما ُء ال�سلف ها ،ور�سد اأو حتليله اأثرها ية ت ها عل ري ربية). ت�اترة وغ لإ�سارة اإلي خلال�س اأو حركة اغي ا �سب يف م يف ا امل طرائقه حث الب ها املنا م�قع يف الب اأثرها تقع بذلك ديدها. ه؛ حتى غة وجت ب ل البا ت أا�سي
صدر ضمن سلسلة كتاب تراث:
ا
سترا
يجي ت
ة ال
تأوي ل ال لي ـدال ه
د.
يثم �س رحان رات
�شدا إا 2 0 1 2
�أحمد
�سعد
حممد
�سعد
اليمن ،1929انطباعات ومشاهدات البعثة السوفيتية األملانية السينامئية ،ترجمة د .سعيد دبعي تعدد الرواية يف الشعر الجاهيل ،د .أمين بكر ذاكرة الطني ،شواهد من الرتاث املعامري والعسكري يف مدينة العني ،د .محمد فاتح صالح زعل حكمة األجداد يف تراث مجتمع اإلمارات، دراسة سوسيولوجية يف األمثال الشعبية ،د .أحمد محمود الخليل تأريخ القدامى للشعر إىل نهاية القرن الرابع مدونة املرزباين أمنوذجاً ،د .محمد حبيبي اسرتاتيجية التأويل الداليل عند املعتزلة الدكتور هيثم رسحان التوجيه البالغي للقراءات القرآنية ،د .أحمد سعد محمد سعد رسائل البرشى يف السياحة بأملانيا وسويرسا عام ،1889حسن توفيق العدل.