الدرس الثّالث في العقيدة أ

Page 1

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫أقسام الحكم المطلق و مسألة التّقليد في اإليمان‬

‫دروس العقيدة‬


‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫‪1‬‬


‫‪‬‬ ‫في الصّفحات الموالية تقرؤون‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬ثالث درس مِن دروس العقيدة‪ ،‬لل ّشيخ‪،‬‬ ‫ال ّدكتور‪ ،‬و ّ‬ ‫العّلمة الحجّ ة‪ ،‬فخر اإلسّلم ‪‬عدنان إبراهيم‪. 5 ،‬‬

‫ّ‬ ‫بخط "هاسن فانيليا"‪ ،‬تحته ّ‬ ‫ّ‬ ‫متقطع‪ ،‬و بين قوسين ليس مِن أقوال ال ّشيخ‪ ،‬و إ ّنما‬ ‫خط‬ ‫مّلحظات لكي يفهم القارئ بعض المقاصد‪ ،‬الّتي قد تغيب عنه‪.‬‬ ‫ال يُعتبرُ قرآنا ّإال ما ُكتب بين الرّ مزين ال ّتاليين ‪ ، ‬و ال يُعتب ُر حديثا نبويّا شريفا‬ ‫ّإال ما ُك ِتب بين ‪ ،‬وبال ّنسبة ألقوال العلماء فهو بين ‪ ، ‬و الك ّل مشكول‪.‬‬ ‫وت ّم إسقاط بعض الجمل‪ ،‬لعدم استكمالها مِن ال ّشيخ و ال يوجد فيها معنى يُذكر‪ ،‬كما‬ ‫ت ّم استبدال بعض الكلمات العاميّة بما رُ ِؤي أ ّنه يُناسبها من العربيّة الفصيحة‪.‬‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫ُ‬ ‫فرغت في هذه الصحائف لمن استحسن‬ ‫و قد دامت هذه الحصّة ‪ 1‬س و ‪ 35‬دق‪ ،‬أ ِ‬ ‫ال ّتعلّم قراء ًة‪ .‬و ت ّم ا ّتباع ّ‬ ‫خطة معيّنة عند ال ّتفريغ‪ ،‬و شرْ حُها كال ّتالي‪ :‬ما هو مكتوب‬

‫و الكمال هلل وحده‪ ،‬و الصّ​ّلة و السّ​ّلم على من ال نبيّ بعده‪.‬‬ ‫اللّه ّم زدنا علما و فقها و رشدا‪ ،‬آمين‪.‬‬

‫‪2‬‬


‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬ ‫‪3‬‬

‫أعوذ باهلل‪ ،‬السّميع العليم‪ِ ،‬من ال ّشيطان الرّجيم‪ ،‬بسم هللا الرّحمن الرّحيم‪.‬‬ ‫الحمد هلل‪ ،‬ربّ العالمين‪ .‬يا ربّ لك الحمد؛ حمدا طيّبا مباركا فيه كما تحبّ و ترضى‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫و أشهد أن ال هلإ إال اهلل وحده ال شريك له و أشهد أن سيّدنا ‪ ‬عبد هللا و رسوله‪،‬‬ ‫صلوات هللا و تسليماته عليه‪ ،‬و على آله الطّيّبين و صحابته المباركين و أتباعهم‬ ‫بإحسان إلى يوم ال ّدين‪.‬‬ ‫ُ ۡ َ َ َ َ ۡ َ َ​َٓ ا َ َ اَۡ​َٓ ا َ َ َ َۡ ُ ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪... ‬سبحَٰنك َل عِلم َلا إَِل ما علمتنا ۖٓ إِنك أنت ٱلعلِيم ٱۡلكِيم ‪S،٣٢ W ‬‬ ‫‪.2‬‬

‫‪ ‬اللَّهمَّ عَلِّمنَا ما ي ْنفَعنَا‪ ،‬و ْانفَعنَا بِما عَلَّمتَنَا و زِدنَا ِعْلما‪.‬‬ ‫ُ‬

‫ْ َ َ ُ‬

‫َ‬

‫ْ‬

‫َ‬

‫ْ‬

‫َ ْ‬

‫ً‬


‫ث ّم أ ّما بعد‪ ،‬أيّها اإلخوة األفاضل‪ ،‬السّالم عليكم و رحمة هللا‪ ،‬تعالى‪ ،‬و بركاته‪.‬‬ ‫ال ّدرس الثّاني‪ ،‬اليوم‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬هو ال ّدرس الثّالث في العقيدة‪.‬‬ ‫اني‪ ،‬رحمة هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬عليه‪:‬‬ ‫بلغنا إلى قول النّاظم‪ ،‬و هو ال ّشيخ ‪‬اللّقّ ّ‬

‫‪9‬‬

‫ِللِّه وَالجَائ ـ ـ َـز وَال ـم ـــُمْـتـ ـَـِنـ ـ ـ ـعـ ـَـ ـا‬

‫وَِمثـْ ـلَ ذَا ِل ـ ــرُسْ ـِـل ـ ـ ـ ِـه فَاسْتَِمعـ ـَا‬

‫بلغنا إلى البيت األ ّول‪ ،‬صحيح؟ هل ِمنكم من حفظ األبيات األولى‪ِ ،‬من هذه‬ ‫األرجوزة السّهلة؟ ح ِفظتها (الشّيخ يخاطب أحد اإلخوة)؟ تفضّل‪ .‬يا ليت تس ّمعنا إيّاها‪.‬‬ ‫(استفتح األخ كالمه بالبسملة ثمّ بدأ في استحضار ما دُرِسَ من المتن‪ ،‬و كان حفظه‬

‫ممتازا كما قال الشّيخ ثمّ واصل يقول‪ ،‬يعني الشّيخ)‪ :‬أحسنت‪ ،‬هللا يفتح عليك‪ .‬أبيات‬ ‫سهلة ج ّدا‪ ،‬سلِسة‪ .‬دقائق أعتقد (الشّيخ ذكر شيئا كأنّه وسيلة نقل‪ ،‬كلمة غير مفهومة‪.‬‬

‫يعني ربّما يقصد هذه األبيات تُحفَظ في هذه الوسيلة للنّقل)‪ ،‬تستطيع أن تحفظها‪ ،‬لكن‬ ‫لو راجعتها‪ ،‬خاصّة بعد ك ّل درس‪.‬‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫‪9‬‬

‫ف َشـ ـ ْرع ـ ـا وَجَبَا‬ ‫فَ ُكل مَـنْ ُك ـلـ ـ َ‬

‫ف مَا َ​َ ْ​ْ وَج ـَبـ ـ ـَا‬ ‫عَلَيِْه أَ ْن يَع ـِْر َ‬

‫قال ال ّشيخ‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ ،‬النّاظم‪:‬‬ ‫‪9‬‬

‫ف َشـ ـ ْرع ـ ـا وَجَبَا‬ ‫فَ ُكل مَـنْ ُك ـلـ ـ َ‬

‫ف مَا َ​َ ْ​ْ وَج ـَبـ ـ ـَا‬ ‫عَلَيِْه أَ ْن يَع ـِْر َ‬

‫لِمن؟ هلل‪..‬‬ ‫‪9‬‬

‫ِللِّه وَالجَائ ـ ـ َـز‪...‬‬

‫‪4‬‬


‫إذن يعرف الواجب‪ ،‬ماذا يجب هلل‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬و ماذا يجوز على هللا‪،‬‬ ‫تبارك و تعالى‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫ِللِّه وَالجَائ ـ ـ َـز وَ ال ـمـ ـُمْـتـ ـَـِنـ ـ ـع ـَـا‪...‬‬

‫و ماذا يستحيل على هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪.‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫‪ ...‬وَِمثـْ ـلَ ذَا ِل ـ ــرُسْ ـِـل ـ ـ ـ ِـه فَاسْتَِمعـ ـَا‬ ‫لماذا نصب كلمة ' ِمثل'؟ 'و ِمثل ذا'‪ .‬ما إعرابها؟ مفعول به لفعل 'يعرف'؛ 'أن‬ ‫يع ِرف'‪ .‬و أ ّول مفعول لـ'يع ِرف'؛ 'ما'‪ ،‬صحيح؟ اسم موصول‪ .‬و ك ّل ما ُع ِطف عليه‪،‬‬

‫هو معطوف على أ ّول مفعول‪ ' .‬وَِمثـْ ـلَ ذَا'‪ ،‬يعني يجب عليه أن يع ِرف ِمثل ذا‪.‬‬

‫اإلشارة بـ'ذا'‪ ،‬اسم اإلشارة‪ ،‬لماذا؟ من الواجب و الممتنع و الجائز أن يعرف‪ ،‬الواجب‬ ‫و المستحيل أو الممتنع‪ ،‬و الجائز على جميع رسل هللا‪ ،‬له و عليه‪.‬‬

‫قال‪:‬‬

‫‪ ...‬وَِمثـْ ـلَ ذَا ِل ـ ــرُسْ ـِـل ـ ـ ـ ِـه فَاسْتَِمعـ ـَا‬ ‫وقفنا هنا‪ ،‬طيّب‪.‬‬ ‫شرحنا‪ ،‬أيّها اإلخوة األفاضل و األخوات الكريمات‪ّ ،‬‬ ‫أن ال ُحكم المطلق ينقسم‬ ‫إلى ثالثة أقسام؛ الحكم العاد ّ‬ ‫ي و الحكم ال ّشرع ّي و الحكم العقل ّي‪ .‬و وقفنا عند الحكم‬

‫‪5‬‬

‫العقل ّي‪ .‬شرحنا طرفا يسيرا ج ّدا منه‪ ،‬على أن نستوفي الكالم‪ ،‬ألنّه طويل تقريبا‪ ،‬في‬ ‫هذا المقام‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪.‬‬


‫الحكم ال ّشرع ّي‪ ،‬أخذناه في دروس أصول الفقه‪ ،‬صحيح؟ الحكم العاديّ‪ ،‬أيضا‪،‬‬ ‫شرحناه و أفضنا فيه‪.‬‬ ‫الحكم المطلق‪ِ ،‬من حيث هو‪ ،‬ما هو؟ حين نقول الحكم‪ ،‬ما هو الحكم؟ (إجابة موفّقة‬

‫من أحد اإلخوة)‪ ،‬أحسنت‪ .‬اِ ُ‬ ‫ثبات شيء لشيء أو نفيُهُ عنه‪ .‬هذا هو‪ .‬حين نقول‪« :‬القلم‬ ‫جميل»‪« .‬القلم معدن ّي»‪« .‬القلم جيّد»‪« .‬القلم قصير»‪ .‬هذا كلّه حكم‪ ،‬صحيح؟ «القلم ليس‬ ‫«ال ّشاي دافئ»‪ ،‬حكم‪ .‬و هكذا‪ ،‬هذه هي العمليّة‪.‬‬ ‫اِثبات شيء لشيء أو نفيه عنه‪ ،‬هذا هو الحكم‪ .‬و قد يكون بطريق ال ّشرع‪ ،‬أو قد‬ ‫يكون بطريق االعتياد‪ ،‬و قد يكون بطريق العقل‪.‬‬ ‫اآلن‪ ،‬الحكم العقل ّي‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬ك ّل ما حكم به العقل‪ .‬ما معني ما حكم به العقل؟‬ ‫يعني‪ ،‬ك ّل شيء أثبته العقل لشيء أو نفاه عنه‪ ،‬صحيح؟ و هذا ال ّشيء‪ ،‬ك ّل شيء‪ ،‬قد‬ ‫يكون ذاتا و قد يكون صفة و قد يكون نسبة‪ ،‬لكن لن نط ّول في شرح هذه النّقطة‬ ‫ّ‬ ‫بالذات؛ يصير بحث منطق ّي فلسف ّي‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫ك ّل ما حكم به العقل اثباتا أو نفيا‪ ،‬واحد ِمن ثالثة؛ إ ّما أن يكون واجبا‪ ،‬و إ ّما أن‬ ‫يكون‪ ،‬ما هو عكس الواجب؟ مستحيل‪ .‬و إ ّما أن يكون مستحيال‪ ،‬و هو الممتنع‪ ،‬وإ ّما‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫أسود اللّون»‪ ،‬حكم‪ ،‬نفينا عنه صفة السّواد‪« .‬ال ّشاي ليس ساخنا»‪ ،‬هذا حكم أيضا‪.‬‬

‫أم يكون بينهما؛ بين الواجب و المستحيل‪ ،‬ما هو؟ الجائز‪ ،‬و يس ّمونه الممكن‪.‬‬ ‫الواجب‪ ،‬المستحيل‪ ،‬الممكن‪.‬‬ ‫فبِنا‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬أن نعرّف هذه المصطلحات الثّالثة‪ .‬طبعا الخوض فيها موضوع‬ ‫طويل ج ّدا ج ّدا‪ ،‬يمكن يأخذ محاضرات‪ .‬لكن نريد أن نعطيكم فكرة عا ّمة عنها‪ .‬مه ّم‬ ‫ج ّدا‪ ،‬كمق ّدمات لعلم العقيدة أن نعرف هذه المعلومات‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪.‬‬ ‫طيّب‪.‬‬

‫‪6‬‬


‫نأتي‪ ،‬اآلن‪ ،‬إلى الواجب‪ .‬ما هو الواجب؟ انتبهوا! اآلن‪ ،‬نحن نتكلّم كالما اصطالحيّا‪.‬‬ ‫يعني ال ي ُدورن في خل ِد أحدكم مثال‪ ،‬حين نسأل على المصطلح أن يُعرفهُ لنا بطريقة‬ ‫عا ّميّة‪ ،‬أو طريقة شرعيّة‪ .‬يقول‪« :‬الواجب هو مقابل السنة»‪ .‬غلط‪.‬‬ ‫نحن‪ ،‬اآلن‪ ،‬لسنا في أصول الفقه‪ ،‬و لسنا مع كالم النّاس‪ ،‬العاديّ‪ .‬نحن‪ ،‬اآلن‪ ،‬في‬ ‫مصطلحات فلسفيّة منطقيّة‪ ،‬كالميّة‪ .‬فنعرّفها حسب ما يعرّفها المختصّون في هذا‬ ‫الشأن‪ .‬إذن‪ ،‬هذه تعريفات خاصّة‪ .‬ما هو الواجب؟‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫تسمعون ّ‬ ‫أن هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬واجب الوجود‪ ،‬صحيح؟ يقال‪« :‬واجب الوجود‬

‫(‪ .»)‬ما معنى واجب الوجود؟ يعني‪ ،‬صفة الوجود صفة م ّما يجب هلل‪ .‬ال ّشيخ‬ ‫يقول (‪‬ال ّلقّانيّ‪ ،)‬يجب على ك ّل مسلم و مسلمة أن يعرف ما يجب هلل و ما ال‬ ‫يستحيل عليه‪ ،‬و ما ال يجوز عليه و منه‪ ،‬صحيح؟ يجب أن تعرف‪ .‬و ّإال‪ ،‬كيف أنت‬ ‫أن هذا جائز في ح ّ‬ ‫ت ّدعي معرفة هللا و اإليمان به؟ يجب أن تعرف؛ ّ‬ ‫ق هللا‪.‬‬ ‫يأتيك بعض المتحذلقين ال ُمتمعقِلين ال ُمتكاي ِسين‪ ،‬يقول لك‪« :‬هل يستطيع ربّك‪ ،‬تبارك‬ ‫و تعالى‪( ،‬و نعوذ باهلل مِن هذا)‪ ،‬أن يخلق صخرة ال يستطيع أن يحملها؟» و ّ‬ ‫يظن أنّه‬ ‫ي طبعا‪ ،‬غير فاهم رأسه من رجله‪ .‬هذا‬ ‫أعضل بك‪ ،‬يعني أشكل عليك‪ ،‬و هو غب ّ‬ ‫سؤال ِمن األغبياء و ليس سؤال ِمن األذكياء‪ .‬و يواصل في التّحذلق و يقول لك‪« :‬إذا‬ ‫قلت 'نعم يستطيع' كفرت‪ ،‬و إذا قلت 'ال' كفرت»‪ .‬ما هذا السّؤال الغريب‪ .‬إذا قلت لي‪:‬‬ ‫«'نعم يستطيع'‪ ،‬فكفرت ألنّك نسبت العجز إلى هللا ِمن حيث أنّك قلت 'ال يستطيع حمل‬ ‫هذه الصّخرة'‪ .‬إذن نسبت العجز إليه فكفرت‪ .‬و إذا قلت‪' ،‬ال‪ .‬ال يستطيع أن يخلقها'‬ ‫نسبت‪ ،‬أيضا‪ ،‬العجز إليه ِمن حيث أنّه ال يستطيع أن يخلق هذا ال ّشيء المطلوب‪،‬‬ ‫إذن هو عاجز‪ ،‬كفرت»‪ .‬ال‪ .‬ال ّسؤال غب ّي‪ ،‬و السّائل غب ّي ج ّدا‪ ،‬و ال يملك أ ّ‬ ‫ي مق ّدمة‬

‫‪7‬‬

‫في الفلسفة‪ ،‬بالمرّة‪ .‬لو عنده عقل فيلسوف و دارس لمبادئ المنطق ال تسأل هذا‬ ‫السّؤال الغب ّي‪ .‬سؤال ال معنى له‪ .‬كيف طيّب؟‬


‫إذا فهمنا هذا الموضوع‪ ،‬اليوم‪ ،‬ما هو الواجب‪ ،‬ما هو المستحيل‪ ،‬ما هو الممكن‪،‬‬ ‫ألن ّ‬ ‫وأقسام هذه األشياء‪ ،‬إن شاء هللا‪( ،‬فهو كافٍ)‪ّ .‬‬ ‫كال منها ينقسم إلى قسمين؛‬ ‫ضرور ّ‬ ‫ي و نظريّ‪ .‬و هناك أقسام أكثر ِمن ذلك‪ .‬على ك ّل حال‪ ،‬نحاول أن نوجز‪.‬‬ ‫واجبُ الوجود»‪ .‬معنى هذه الجملة ّ‬ ‫أن صفة الوجود هي صفة‬ ‫إذن‪ ،‬حين نقول‪« :‬هللا ِ‬ ‫م ّما يجب هلل‪ .‬طبعا‪ .‬كيف تؤمن بإله غير موجود؟ إله موجود و إله ح ّي و إله عليم‬ ‫في حقّها أضدادها؛ يستحيل أن يكون بال علم‪ ،‬بال حياة‪ ،‬بال قدرة‪ ،‬بال إرادة‪ ،‬بال‬ ‫مشيئة‪ ،‬بال وجود‪ ،‬يستحيل‪ .‬إذن على الجملة (يعني عموما)‪ ،‬فهمنا بعض ما يجب هلل‬ ‫و بعض ما يستحيل على هللا‪.‬‬ ‫ك ّل ما وجب هلل‪ ،‬أضداده مستحيلة عليه‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫فنفهم في األ ّول ما هو الواجب‪ .‬ل ّما نقول واجب‪ ،‬ما هو الواجب؟ الواجب‪ ،‬أيّها اإلخوة‬ ‫و األخوات‪ ،‬باختصار‪ ،‬ما ال يُتصو ُر انتفا ُؤه‪ .‬العقل ال يستطيع انتفاءه‪ .‬واضح!‬ ‫إذن‪ ،‬هو ثابت لذاته‪ ،‬لذلك يُعرف بأنّه ما ثبت لذاته‪ .‬هكذا يعرّفون الوجب؛ بأنّه ما‬ ‫ثبت لذاته‪.‬‬ ‫ِمن الممكن ّ‬ ‫أن بعض النّاس‪ ،‬الّذين ليس عندهم إلمام بهذه األشياء أو أ ّول مرّة يسمعون‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫وإله قدير و إله شاء‪ ،‬مريد‪ ،‬ك ّل هذه الصّفات م ّما يجب هلل‪( .‬ممّا) يجب‪ .‬و يستحيل‬

‫هذا‪ ،‬يقولون‪« :‬ما هذه المضايِق الل ِحجة‪ ،‬يعني المضايق الحرجة‪ ،‬التّي تُد ِخلُنا فيها؟»‬ ‫أنا أقول‪« :‬بالعكس‪ ،‬فه ُم هذه األشياء و بدقّة و بعمق‪ ،‬مه ّم ج ّدا ج ّدا»‪.‬‬ ‫أجد‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ِ ٪09 ،‬من أسئلة النّاس‪ ،‬خاصّة ل ّما تكون في العقيدة و تشكيكيّة‪،‬‬ ‫لألسف ل ّما أف ّكر فيها بعمق ال تصدر عن السّائل ّإال ألنّه لم يُح ِكم هذه المق ّدمات‬ ‫وأمثالها‪ .‬بمعنى ّ‬ ‫أن عقله ال يف ّكر بطريقة منتظمة‪ .‬عقله غير علم ّي‪ ،‬غير فلسف ّي‪،‬‬ ‫غير دقيق‪ .‬هذه أه ّم األشياء‪ .‬و السّائل يتناقض دون أن يدري‪ .‬و هذا لألسف يقع‬

‫‪8‬‬


‫لكثيرين من المسلمين‪ ،‬صحيح؟ تأتيه شبهات في العقيدة و في أفعال هللا‪ .‬لألسف ألنّم‬ ‫ما تع ّود أن يف ّكر بطريقة منتظمة دقيقة‪ .‬فيف ّكر كيفما اتّفق‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬ضروريّ‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬لإلنسان بما هو إنسان‪ ،‬و المسلم ّ‬ ‫بالذات الّذي يريد أن‬ ‫يحرز عقيدته لكي يموت‪ ،‬و هي عقيدة سليمة و راسخة و قويّة‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬تبارك‬ ‫و تعالى‪ ،‬و نعوذ باهلل ِمن غير ذلك‪( ،‬ضروريّ لإلنسان و المسلم بالذّات) أن يدرّب‬ ‫عقله على التّفكير القويم‪ ،‬التّفكير السّليم‪.‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫القرآن الكريم في مئات اآليات‪ ،‬يتح ّدث عن ماذا؟ عن العقل‪ ،‬و النّظر و العلم‪ ،‬و هذه‬ ‫األشياء‪ .‬مئات اآليات‪ .‬أق ّل ِمن ألف بقليل‪ .‬يُذكر فيها الفكر و العقل و مشتقّاتهما‪.‬‬ ‫حوالي ‪ّ 099‬إال قليل‪ .‬شيء غير عاديّ‪ .‬فضروريّ‪.‬‬ ‫ففائدة هذه األشياء تظهر بعد فهمها بدقّة‪ ،‬و تقول‪« :‬آآه! ممتاز أنّي فهمت هذه األشياء»‪.‬‬ ‫و تستطيع أن تجيب عن شبهات كثيرة ج ّدا ج ّدا‪ ،‬بإذن هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪.‬‬ ‫إذن الواجب‪ ،‬ما ثبت لذاته حيث يحي ُل العق ُل انتفاءه‪ .‬ال يتص ّور أصال‪ ،‬العق ُل‪ ،‬أن‬ ‫ا‬ ‫ينتفي‪ .‬مثل ماذا؟ مثل الخالق الكريم‪ ،‬ال هلإ إال هو‪ .‬ال تستطيع تص ّور انتفاء الخالق‪.‬‬ ‫قد يقول أحد‪« :‬ال‪ .‬أتص ّور»‪« .‬صحيح‪ ،‬و لكن من؟ ليس العقالء»‪ .‬ك ّل واحد يستطيع‬ ‫موجد هو رجل في عقله شيء‪ ،‬عنده مشكلة منطقيّة‪،‬‬ ‫أن يتخيّل كون بال هلإ و بال‬ ‫ِ‬ ‫مشكلة عقليّة‪ .‬عقله غير كامل‪ ،‬مسكين‪ .‬عنده مشاكل في التّفكير‪ ،‬مشاكل كبيرة‪.‬‬ ‫قبل أيّام‪ ،‬أقرأ في موقع إلحاديّ‪ ،‬أل ّول مرّة أراه و مواقع ُكثُر‪ ،‬و طبعا رأيت أنّه لو‬ ‫دخل هذا الموقع ‪ِ ٪09‬من أبناء المسلمين لش ّكوا‪ ،‬لألسف ال ّشديد‪... ،‬يش ّكك في هللا‪،‬‬ ‫في القرآن‪ ،‬في األديان كلّها‪ ،‬طبعا هو إلحاد ّ‬ ‫ي إلحاديّ؛ ال يهوديّة‪ ،‬ال نصرانيّة‪ ،‬ال‬

‫‪9‬‬

‫بوذيّة‪ ،‬ال إسالم‪ّ ،‬‬ ‫بالذات هم صابّون جام غضبهم على اإلسالم‪ .‬و من الممكن أن‬ ‫يكون وراءهم أيدي خفيّة‪ ،‬أو يكونون ناس و العياذ باهلل‪.‬‬


‫المه ّم‪ ،‬لكن تشكيكات قويّة ج ّدا ج ّدا‪ ،‬و موقع غن ّي‪ ،‬فيه آالف آالف الصّفحات‪ ،‬أشياء‬ ‫غريبة ج ّدا‪ .‬لكن وجدت‪ ،‬فعال‪ ،‬أنّه ال عقل لهم المساكين‪ .‬لألسف‪ ،‬تفكيرهم غير‬ ‫منطق ّي إطالقا‪.‬‬ ‫أن ِمن أدلّتهم على اإللحاد و ّ‬ ‫يعني‪ ،‬مثال‪ ،‬تصور ّ‬ ‫الالدينيّة‪ ،‬أنّه ال يوجد دليل يثبت‬ ‫وجود هللا‪ ،‬كما زعموا‪ ،‬مائة في المائة‪ .‬و هم يقولون‪ « :‬إذا ال ّدليل ‪ ٪00‬على ّ‬ ‫أن هللا‬ ‫موجود‪ ،‬لن نؤمن به و سوف نأخذ بالواحد بالمائة»‪ .‬لماذا؟ « ّ‬ ‫ألن األصل معنا (هم‬ ‫أن األصل هو ّ‬ ‫تخالف أنت األصل‪ ،‬ال ب ّد أن تأتي بدليل يقين ّي‪ .‬هم افترضوا ّ‬ ‫الالئيّة؛‬ ‫أنّه ال هلإ‪ .‬و هذا األصل يقين ّي بنسبة مائة في المائة‪ ،‬فلِكي يرتفع هذا األصل‪ ،‬أو يهت ّز‬ ‫ال ب ّد أن يُقاوم بأصل آخر‪ ،‬أو برهان آخر بنسبة مائة في المائة‪ .‬هذا منطق لو قرأه‬ ‫إنسان يحترم عقله‪ ،‬يقول‪« :‬وهللاِ‪ ،‬صح‪ .‬له وجهة نظر»‪ .‬و بالعكس هذا منطق الغباء‬ ‫بذاته‪ ،‬هذا منطق ّ‬ ‫الالمنطق أصال‪ .‬تعرفون لماذا؟ من الّذي أصّل هذا األصل؟ من‬ ‫أن األصل هو ّ‬ ‫الّذي سلم بهذه المق ّدمة؟ من الّذي قال‪ّ ،‬‬ ‫الال؟‬ ‫ك ّل مظاهر الكون تثبت العكس‪ .‬ك ّل مظاهر الكون ناطقة بماذا؟ بقانون العلّيّة‪،‬‬ ‫‪( ،cause law attic principe‬كوز لو أتّيك برانسيب)‪ ،‬ك ّل مظاهر الكون‪ .‬و لو‬ ‫ي واحد‪ّ ،‬‬ ‫تأتي أل ّ‬ ‫أن هذا القلم ُخلِق هكذا؛ ال يوجد أحد ركبهُ‪ ،‬ال يوجد أحد صنعه‪،‬‬ ‫أبدا‪ ،‬هكذا أنا وجدته في الهواء‪ .‬سيقال لك‪« :‬أنت ّ‬ ‫كذاب ‪ ،‬مجنون‪ .‬مستحيل!»‪ .‬لماذا؟‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫يقولون)»‪ .‬األصل معهم هم‪ .‬ما هو األصل؟ أنّه ال يوجد هلإ‪ .‬هم هكذا افترضوا‪ ،‬ولكي‬

‫عقلُهُ يحيل ّ‬ ‫أن يُصنع هذا القلم ِمن غير صانع‪ .‬إذن هذا القلم له صانع‪ ،‬و هذا له‬ ‫صانع‪ ،‬و هذا كذا‪ ،‬ك ّل شيء في الكون ال ب ّد أن يكون متّصال بشيء قبله يعتمد عليه‪،‬‬ ‫صحيح؟ اسمه ِعلة‪ .‬علّة و معلول‪ ،‬علّة و معلول‪ .‬ك ّل شيء جاء ِمن شيء‪ ...‬ال يوجد‬ ‫شيء جاء ِمن ال شيء و جاء وحده‪.‬‬

‫‪10‬‬


‫إذن‪ ،‬األصل‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬هو العلّيّة‪ ،‬السّببيّة‪ .‬إذن‪ ،‬من أسعد باألصل؟ الّذين أثبتوا‬ ‫مجود ّ‬ ‫الذات اإللهيّة أو الّذين نفوها؟ الّذين أثبتوا‪ّ .‬‬ ‫ض ُدهُم‪ .‬هؤالء‬ ‫ألن قانون العلّيّة يع ُ‬ ‫المالحدة غير منطقيّين‪ ،‬غير متناسقين حتّى مع أنفسهم‪ .‬هم يُنكرون أن يكون مصنوع‬ ‫بسيط ج ّدا ج ّدا يتّسم بشيء ِمن الحكمة و ال ّدقّة‪ ،‬جاء وحده بال سبب‪ ،‬و يح ّكمون فيه‬ ‫السّببيّة‪ ،‬لكن ال ينكرون ّ‬ ‫أن الكون كلّه‪ ،‬بك ّل عظمته و دقّته و جالله‪ ،‬جاء بغير علّة‬ ‫من غير سبب‪ .‬عجيب ج ّدا ج ّدا! أين المنطق هنا؟ أين التّناغم؟ و كم للمالحدة ِمن‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫أمثال هذه التسويالت و التّشبيهات‪.‬‬ ‫وجبُ يعني‪ ،‬الّذي يقول بوجوب ّ‬ ‫الذات‬ ‫و لذلك‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬دائما يقال‪« :‬المؤمن‪ ،‬ال ُم ِ‬ ‫اإللهيّة‪ ،‬دائما يكون استناديّا‪ .‬و الملحد ّ‬ ‫الالئ ّي هو غير استناد ّ‬ ‫ي»‪ .‬على ك ّل حال هذا‬ ‫موضوع آخر‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬ممكن نعود إليه‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬نأتي إلى الواجب‪ .‬الواجب ما ثبت لذاته و ما يحيل العق ُل انتفاءه‪ .‬و هذا الواجب‪،‬‬ ‫إ ّما أن يكون ضروريّا‪ ،‬و إ ّما أن يكون نظريّا‪ .‬نريد أن نفهم هذين المصطلحين‪.‬‬ ‫ما هو ال ّشيء الضّروريّ؟ هم يقولون‪ ،‬عموما‪ ،‬العلم ضرور ّ‬ ‫ي و نظريّ‪ ،‬صحيح؟‬ ‫ي و نظريّ‪ .‬الجائز ضرور ّ‬ ‫الواجب ضروري و نظريّ‪ .‬المستحيل ضرور ّ‬ ‫ي‬ ‫ونظريّ‪ .‬ما هو الضّرور ّ‬ ‫ي و ما هو النّظريّ؟‬ ‫الضّروريّ‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬هو الّذي يقال فيه البد ِهي‪ .‬يقال‪« :‬هذا ال ّشيء بدهي‪ .‬هذه‬ ‫معرفة بد ِهية»‪ .‬نسبة إلى البديهة‪ ،‬ف ِعيلة‪ .‬و النّسبة دائما إلى فعيلة‪ ،‬فعلِي‪ .‬يقال‪« ،‬أمر‬ ‫بده ّي»‪ .‬و ليس ب ِدي ِهي‪ .‬بد ِهي‪ .‬هذا التّصريف الصّحيح‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫ي‪ .‬يعني‬ ‫ل ّما نقول كلمة بد ِه ّي‪ ،‬و البديهة‪ِ ،‬من ماذا مشتقّة؟ ِمن 'با ِده' و هو با ِد ُ‬ ‫ئ الرأ ِ‬

‫‪11‬‬

‫أل ّول وهلة‪ ،‬أ ّول ما تراه‪ ،‬أ ّول ما تُ ِحسّه‪ ،‬أ ّول ما تتعامل معه‪ ،‬يكون لك رأي‪ .‬هذا‬ ‫اسمه الرّأي البد ِه ّي‪ .‬واضح!‬


‫فبداهةً ّ‬ ‫أن ال ّشيء‪ ،‬يعني 'الك ّل' يس ّمونه‪ ،‬أكبر ِمن جُزئِه‪ .‬صح؟ أنت اآلن‪ُ ' ،‬كل'؛‬ ‫ُمركب ِمن أجزاء‪ِ ،‬من رأس‪ِ ،‬من طرفين ِمن يدين يعني‪ِ ،‬من رجلين‪ِ ،‬من وسط‪ ،‬إلى‬ ‫آخره‪ ،‬هذه أجزاء‪ .‬بداهةً‪ ،‬أنّك أكبر ِمن يدك‪ ،‬صحيح؟ هذا الك ّل أكبر ِمن مجرّد اليد‪،‬‬ ‫هذا أمر بد ِهي‪.‬‬ ‫ما معنى بد ِه ّي؟ يعني ال يتوقّف على أكثر ِمن تصو ِر ثالثة أشياء؛ الكلّيّة و الجزئيّة‬ ‫و ِعالقة األكبر‪ ،‬فقط‪ .‬من عرف ما هو الك ّل‪ ،‬ما هو الجزء‪ ،‬ما معنى أكبر‪ ،‬انتهى‪،‬‬ ‫طبعا‪ ،‬أنتم تعرفون ما معنى كلمة 'تصور'‪ .‬كلمة 'تص ّور'‪ ،‬كلمة اصطالحيّة‪ .‬هي‬ ‫مصطلح في علم المنطق‪ ،‬و بالتّالي في الفلسفة‪ .‬يعني تص ّور و تصديق‪.‬‬ ‫التّص ّور‪ ،‬مثال‪ ،‬حين تتص ّور هذا ال ُكوب‪ .‬كلمة 'كوب' وحدها‪ ،‬كلمة تصو ِرية‪ .‬لكن‬ ‫تقول كوب مصنوع من زجاج‪ ،‬تصديق‪ .‬هنا أصبح تصديقا‪ .‬عندنا كوب و زجاج‬ ‫وهناك ِعالقة تركيبيّة ّ‬ ‫صنِع ِمن زجاج‪ .‬هذا تصديق‪ .‬هنا لدينا نسبة‬ ‫أن هذا الكوب ُ‬ ‫بين الكوب و بين ال ّزجاج‪ .‬لكن كوب وحده هكذا‪ ،‬تص ّور‪ .‬قلم‪ ،‬تص ّور‪ .‬مسجد‪،‬‬ ‫تص ّور‪ .‬مسجد كبير‪ ،‬تصديق‪ .‬مسجد مريح‪ ،‬تصديق‪ .‬مسجد حديث البناء‪ ،‬تصديق‪.‬‬ ‫واضح! التّصديق يعني القضيّة‪ .‬تسمعون كلمة 'قضيّة' في المنطق‪ ،‬هذه هي‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫فـ‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬قضيّة ّ‬ ‫أن الك ّل أكبر ِمن أ ّ‬ ‫ي جزء ِمن أجزائه‪ ،‬هذه قضيّة أو تص ّور؟‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫ال يحتاج أكثر ِمن هذه األشياء الثّالثة أن يتص ّورها‪.‬‬

‫قضيّة‪ .‬هذه القضيّة ال تحتاج‪ ،‬يس ّمونها قضيّة بدهيّة قضيّة ضروريّة‪ ،‬فيها أكثر ِمن‬ ‫تص ّور ثالثة أشياء؛ الك ّل و الجزء و األكبر‪ ،‬كلمة 'أكبر'‪ .‬فقط‪ .‬ال يوجد أكثر من هذا‪.‬‬ ‫و ال تحتاج تنظر و تف ّكر و تعمل نظريّات‪ ،‬ال تحتاج أ ّ‬ ‫ي شيء‪ .‬فيس ّمونها معرفة‬ ‫بد ِهية‪ ،‬أو معرفة ضروريّة‪.‬‬ ‫‪12‬‬


‫في المقابل لدينا معرفة نظريّة‪ .‬ما معنى معرفة نظريّة؟ تحتاج إلى توسيط‪ ،‬وسائط‪.‬‬ ‫يعني ال تؤخذ مباشرة بادئ الرّأي‪ ،‬ال‪ .‬تحتاج إلى توسيط وسائط‪ .‬هذه‬

‫الوسائط‬

‫تجعل هذه المعرفة ُمكتسبةً‪ .‬اِكتُ ِسبت بالتّوسيط‪ .‬توسيط ماذا؟ يمكن أن تُوسط العقل‪،‬‬ ‫يبدأ يستخدم بعض قوانينه‪ ،‬لكي يستنبط و يستدلّ‪ ،‬كاالستدالل بالعلّة على المعلول‪.‬‬ ‫كمن رأى نارا‪ ،‬فاستد ّل ّ‬ ‫خرج دخانا‪ .‬استد ّل ِمن العلّة على معلولها‪ ،‬أو‬ ‫أن هذه النّار تُ ِ‬ ‫العكس؛ من يستد ّل بالمعلول على ِعلتِ ِه‪ ،‬كمن رأى دخانا و لم يرى النّار فأيقن أنّه‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫ثمة نارا‪ .‬استد ّل بالمعلول على علّته‪ .‬هذه يس ّمونها المعرفة االستدالليّة‪ ،‬لها طبعا‪،‬‬ ‫طرق كثيرة ج ّدا‪ِ .‬من أشهرها االستدالل العلّي‪ .‬و االستدالل العلّي‪ ،‬أيضا‪ ،‬أقسام؛‬ ‫اإلني و اللمي‪ .‬مواضيع كثيرة‪ .‬هذا منطق‪ ،‬علم كامل‪ .‬فقط نعطيكم فكرة عا ّمة‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫هذه يس ّمونها المعرفة االستدالليّة‪ .‬هل هي ضروريّة أو نظريّة؟ نظريّة طبعا‪ .‬فيها‬ ‫نوع ِمن استخدام العقل‪ِ .‬من الممكن أن تستخدم الحواسّ ‪ ،‬صحيح؟ لكي ترى شيئا‬ ‫وتحكم عليه ال ب ّد أن تواجهه بعينك‪ ،‬و في ظ ّل ظروف مالئمة‪ .‬إذا كان خلف الظّهر‬ ‫فال سبيل‪ ،‬صحيح؟ ال ب ّد أن يكون أمام العين‪ ،‬و ِمن غير وجود حاجز أو حجاز‪،‬‬ ‫ومع وجود الضّياء أو النّور‪ .‬هذه ال ّشروط كلها لإلنصاف‪ .‬أيضا هذا توسيط وسائط‪،‬‬ ‫و هو الحسّ السّليم‪ .‬واسطة الحسّ السّليم‪ .‬و لذلك يقال‪« :‬منابع المعرفة ثالثة‪ ،‬الحسّ‬ ‫السّليم و العقل و أخيرا الخبر الصّادق»‪ .‬صحيح؟‬ ‫لو تريد أن ترى أ ّ‬ ‫ي معرفة‪ ،‬إ ّما أتتك عن طريق الحسّ السّليم‪ ،‬يعني عن طريق‬ ‫مشمومات م ُذوقات ملموسات مرئيّات مسموعات‪ ،‬أو عن طريق العقل بطرقه و هي‬ ‫كثيرة ج ّدا ج ّدا في االستنباط و االستدالل‪ ،‬أو بطريق الخبر الصّادق؛ قال رسول هللا‪،‬‬ ‫قال هللا‪ ،‬قال فالن نقال عن فالن‪ ،‬أخبر المؤرّخ الفالن ّي أنّه في سنة كذا كذا؛ خبر‪،‬‬

‫‪13‬‬

‫وتص ّدقه أنت‪ .‬ال يوجد داعي أن يكذب هذا المؤرّخ فتص ّدقه أنت‪ ،‬و أنّه حجّة و أنّه‬ ‫ثقة في التّاريخ‪ ،‬و يُصد ُ‬ ‫ق‪ ،‬مثال‪ ،‬عن شروط‪ ،‬توجد شروط معيّنة‪.‬‬


‫أحسن من تكلّم في شروط األخبار‪ ،‬من هم؟ المسلمون‪ .‬ال توجد ث ّمة أ ّمة‪ ،‬تكلّمت في‬ ‫شروط الخبر و نقله كاأل ّمة اإلسالميّة‪ .‬عندنا علم المصطلح‪ ،‬مصطلح الحديث‪ ،‬هذا‬ ‫موضوع آخر‪.‬‬ ‫فمنابع المعرفة ثالثة‪ ،‬هذه هي؛ الحسّ السّليم‪ ،‬العقل و الخبر الصّادق بأقسامه طبعا‪،‬‬ ‫ِمن متواتر و غيره‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬فهمنا‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ّ ،‬‬ ‫أن العلم النّظر ّ‬ ‫ي يكون بتوسيط وسائط و لذلك يس ّمى العلم‬

‫بتوسيط وسائل الحسّ ِمن تدخيل مق ّدمات عقليّة معقّدة و غير معقّدة‪ .‬فالعلم الكسبِي‬ ‫أع ّم ِمن االستدالل ّي‪ .‬االستدالل ّي فرع ِمن فروعه‪ .‬ليس هذا المه ّم‪.‬‬ ‫ي هو البد ِهي‪ .‬و النّظر ّ‬ ‫ي و ما هو الضّروريّ‪ .‬الضّرور ّ‬ ‫إذن‪ ،‬فهنا ما هو النّظر ّ‬ ‫ي‬ ‫يس ّميه بعضهم‪ ،‬ال ُمكتسب‪ ،‬لكن هذا فيه تسامح‪ ،‬لماذا؟ ما هو المكتسبُ ‪ ،‬أيّها اإلخوة؟‬ ‫تعبير بالواسطة‪ ،‬كما قلنا‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬نأتي إلى الواجب‪ .‬الواجب ينقسم إلى قسمين‪ .‬واجب ضرور ّ‬ ‫ي و واجب نظريّ‪.‬‬ ‫كذلك المستحيل‪ ،‬و يقابل الواجب‪ .‬ما هو المستحيل؟ عكس الواجب تماما؛ ما يحيل‬ ‫العق ُل وجوده‪ ،‬صحيح؟ ال يمكن أن يوجد لذاته‪ ،‬مستحيل‪ .‬العقل يرى ّ‬ ‫أن ذلك مستحيل‪.‬‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫أن المكتسب أع ّم ِمن االستدالل ّي‪ّ ،‬‬ ‫المكتسب‪ .‬و فهمنا ّ‬ ‫ألن االستدالل ّي يكون بالعقل‪،‬‬ ‫كاالستدالل بالعلّة على المعلول‪ ،‬و المعلول عن علّته‪ .‬و هناك علم ح ّس ّي‪ ،‬يكون‬

‫يعني ال يتص ّور العق ُل وجوده‪ .‬مثل ماذا؟ اجتماع النّقيضين‪ .‬صحيح؟ يعني‪ ،‬جسم‬ ‫يكون متحرّكا ساكنا في نفس الوقت‪ .‬العقل ال يتص ّور ذلك‪ ،‬مستحيل‪ .‬هذا الكوب‪،‬‬ ‫مثال‪ ،‬يكون يدور و ال يدور في نفس اللّحظة‪ ،‬و ليس يدور ث ّم يقف‪ ،‬ال؛ ألنّه ِمن‬ ‫الممكن أن يدور ث ّم يقف‪ ،‬عاديّ‪ ،‬هذا ِمن أقسام الجائز‪ .‬ليس هذا المقصود‪ .‬و إنّما‬ ‫يدور و ال يدور في نفس اللّحظة‪ ،‬مستحيل! هل هناك عقل أحد منكم يتص ّور هذا‬

‫‪14‬‬


‫الكالم؟ مستحيل! إذا دار معناها أنّه ال ساكن‪ .‬و إذا سكن معناها أنّه ال متحرّك‪ .‬لكن‬ ‫ساكن متحرّك‪ ،‬مستحيل!‬ ‫إنسان يكون حيّا ث ّم يموت‪( ،‬هذا في حكم الجائز‪ ،‬فهو عاديّ)‪ .‬لكن‪ ،‬ح ّي ميّت‪،‬‬ ‫مستحيل! اإلنسان كإنسان‪ ،‬و ليس جزء ح ّي و جزء ميّت؛ رجاله ميّتتان ُمقعد‪ ،‬ال‬ ‫نقصد هذا‪ .‬و إنّما نقصد إنسان كإنسان‪ ،‬ال يكون حيّا ميّتا‪ ،‬مستحيل! إ ّما ح ّي و إ ّما‬ ‫ميّت‪ .‬هذا مستحيل! هذا ضرور ّ‬ ‫ي أو نظريّ؟ ضروريّ‪ .‬اإلنسان يعرف هذا مباشرة‪،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫أبدا‪.‬‬ ‫لكن هناك مستحيل نظريّ‪ ،‬كشريك الخالق‪ .‬هل يوجد هلل شريك معه؟ خلق الكون‬ ‫معه و عاونه و يدبّره معه؟ (عياذا باهلل مِن كلّ هذا)‪ ،‬بادئ الرّأي‪ ،‬العقل ال يقطع‬ ‫بشيء‪ ،‬و يمكن يُجو ُز األمرين‪ّ ،‬‬ ‫أن الخالق يكون وحده‪ ،‬و يمكن يكون معه شريك‪.‬‬ ‫لكن بعد المناقشات الفلسفيّة و العقليّة ال ّدقيقة‪ ،‬نقول‪« :‬ال‪ ،‬ال‪ .‬غير صحيح‪ .‬مستحيل‬ ‫أن يكون معه شريك»‪ .‬لماذا؟ نريد أن ندخل في مسائل استدالليّة‪ .‬نستد ّل ِمن نقاشات‬ ‫طويلة و عريضة‪ .‬و هذا الّذي جعل كثيرا ِمن البشر يُجوزون‪ ،‬لألسف‪ ،‬و هذا تجويز‬ ‫خاطئ بل هو وقوع في االستحالة‪ ،‬وجود شريك للخالق‪ .‬مضبوط أو ال؟ و قال لك‪:‬‬ ‫'شيفا' (أحد أهمّ اآللهة عند‬ ‫«ثالثة‪ ،‬و الثّالثة واحد‪ ،‬و كلّهم يدبّرون الكون»‪ .‬و ِ‬

‫الهندوس)‪ ،‬و 'ك ِريشنا'‪ ،‬و 'برهما'‪ ،‬في األديان الهنديّة‪ ،‬ثالثة أيضا‪ ،‬نفس ال ّشيء‪.‬‬ ‫وفي ال ّدين المصر ّ‬ ‫ي الفرعون ّي أيضا‪ .‬أديان كلها‪ ،‬قائمة على مبدأ ال ّشرك‪ ،‬و اإلثنِية‬ ‫و التّع ّدديّة‪ .‬وقع لإلنسان هذا ال ّشيء‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬شريك الخالق مستحيل‪ ،‬لكن نظريّا أو ضروريّا؟ نظريّا‪ ،‬ليس ضرورياّ‪ .‬بدليل‬ ‫أن البشر اختلفوا‪ .‬لكن ال تجد بشرا اختلفوا في مسألة ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن اإلنسان ال يكون حيّا ميّتا‬

‫‪15‬‬

‫في نفس اللّحظة‪ .‬يقال لك‪« :‬ال‪ .‬مستحيل‪ ،‬يا أخي»‪.‬‬


‫أو مثال‪ ،‬اجتماع الضّدين ليس فقط النّقيضين‪ .‬هذه الورقة ماذا ترونها؟ بيضاء‪ .‬يمكن‬ ‫بعد قليل نطليها مثال‪ ،‬باللّون األزرق تصبح زرقاء‪ .‬لكن ال يمكن أن تكون الورقة‬ ‫نفسها‪ ،‬ك ّل هذه المساحة‪ ،‬زرقاء بيضاء في نفس اللّحظة‪ .‬مستحيل! إ ّما زرقاء و إ ّما‬ ‫بيضاء‪.‬‬ ‫ما هو الفرق بين الضّدين و بين النّقيضين؟ (إجابة مِن أحد اإلخوة يقول فيها أنّ‬

‫الضّدان متعاكسان فأجابه الشّيخ بالتّالي)‪" ،‬و حتّى النّقيضان متعاكسان"‪ .‬هذا كالم‬ ‫أنّ النّقيضان ال يجتمعان و قال له الشّيخ بأنّ الضّدان نفس الشّيء)‪ ،‬الحياة و الموت‬ ‫نقيضان ال يجتمعان‪ .‬و األسود و األبيض ض ّدان ال يجتمعان‪( .‬أتى أحد اإلخوة بالجواب‬

‫ض ّدان يمكن أن يرتفعا معا‪ّ .‬‬ ‫الصّحيح)‪ ،‬أحسنت! ال ّ‬ ‫لكن النّقيضين ال يمكن أن يرتفعا‬ ‫معا‪ .‬و هذا الفرق بين النّقيضين و الضّدين‪ .‬انتبهوا! واضح!‬ ‫النّقيضان كالضّدين‪ ،‬ال يمكن أن يجتمعا معا‪ .‬إذن‪ ،‬ال ّ‬ ‫ض ّد في هذا كالنّقيض‪ .‬صحيح؟‬ ‫ض ّدين يمكن أن يرتفعا معا‪ّ .‬‬ ‫ض ّدين‪ّ ،‬‬ ‫أن ال ّ‬ ‫لكن‪ ،‬فرق ما بين النّقيضين و ال ّ‬ ‫لكن‬ ‫النّقيضين ال يمكن‪ ،‬يستحيل‪ ،‬أن يرتفعا معا‪ .‬مثل ماذا؟ كما قلنا‪ ،‬الجسم إ ّما ساكن وإ ّما‬ ‫متحرّك‪ .‬صحيح؟ ال يمكن أن يكون ساكنا متحرّكا‪ .‬مستحيل! و ال يمكن أن يكون ال‬ ‫ساكن و ال متحرّك‪ .‬مستحيل! الزم يكون إ ّما ساكنا أو متحرّكا‪ ،‬صحيح؟ ّ‬ ‫ألن السّكون‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫غير دقيق‪ .‬ما الفرق بين النّقيضين و الضّدين؟ مثل ماذا؟ (إجابة أخرى يقول فيها األخ‬

‫و الحركة‪ ،‬نقيضان‪ .‬اآلن‪ ،‬هذا الكوب ساكن أو متحرّك؟ ساكن‪ .‬أخذ أحد النّقيضين‪.‬‬ ‫صحيح؟ و إذا تحرّك‪ ،‬انتفى النّقيض األ ّول و جاء النّقيض الثّاني‪ .‬إذا قلت‪« :‬ال‪ .‬ال‬ ‫ساكن و ال متحرّك»‪ .‬مستحيل! هذا الكوب أمامك ساكن‪.‬‬ ‫لكن الضّدان مثل األلوان‪ .‬األلوان أضداد‪ .‬نحن قلنا‪« :‬أسود‪ ،‬أبيض»‪ .‬ض ّدان‪ ،‬ال يمكن‬ ‫أن تكون الورقة أسود أبيض‪ .‬لكن ِمن الممكن أن تكون ال أسود و ال أبيض‪ ،‬يعني‬

‫‪16‬‬


‫يرتفع السّواد و يرتفع البياض‪ ،‬ماذا تكون؟ أحمر‪ ،‬أخضر‪' ،‬روزا' (ورديّ)‪ ،‬بنفسج ّي‪،‬‬ ‫أ ّ‬ ‫ي شيء‪.‬‬ ‫ض ّدين‪ .‬يتّفقان‪ ،‬النّقيضان و ال ّ‬ ‫رأيتم ما الفرق بين النّقيضين و بين ال ّ‬ ‫ض ّدان‪ ،‬أنّهما‬ ‫يستحيل أن يجتمعا معا‪ ،‬صحيح؟ لكن يفترقان ِمن حيث ّ‬ ‫أن النّقيضين يستحيل أن‬ ‫يرتفعا معا؛ ال ب ّد ِمن وجود أحدهما‪ .‬واضح! أ ّما ال ّ‬ ‫ض ّدان فيمكن أن يرتفعا معا‪.‬‬ ‫قد يقول أحدكم‪« :‬وهللاِ‪ ،‬لم أعد أعرف أنا‪ ،‬نقيضان أو ض ّدان؟» أنت ال تعرف؟ اُنظر‪.‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫إذا رأيت أنّهما ِمن الممكن أن يرتفعا معا‪ ،‬فيكونان ض ّدين‪ .‬فممكن للكائن الّذي ِمن‬ ‫ي ال ميّت؟ مستحيل‪ .‬إ ّما ح ّي‬ ‫أصله أن يتّصف بالحياة أو الموت‪ ،‬يمكن يكون ال ح ّ‬ ‫وإ ّما ميّت‪ .‬إذن‪ ،‬الحياة و الموت نقيضان‪ .‬الحركة و السّكون؟ نقيضان أو ض ّدان؟‬ ‫نقيضان‪ .‬النّور و اإلظالم؟ إذا سأل أحدكم‪« :‬منير بِكم يعني؟» إن شاء هللا حتّى بواحد‬ ‫ِمن مليون‪ ،‬ليس له أ ّ‬ ‫ي ِعالقة‪ .‬صحيح؟‬ ‫العين بعد ‪ 54‬دقيقة تقوى قدرتُها على اإلبصار خمس مائة مرّة‪ ،‬فيزيولوجيّا‪ .‬أنت‬ ‫حين تدخل مكانا مظلما‪ ،‬تراه أسود و هو فيه (بعض) النّور‪ .‬لماذا؟ ّ‬ ‫ألن هذا المكان‬ ‫يمكن واحد ِمن ملّي ِمن النّافذة غير مستور بعازل كاتم بالكامل‪ ،‬عازل للضّوء‪ ،‬جزء‬ ‫بسيط ج ّدا ال يُرى‪ ،‬و ال ّشارع ُمضاء سيدخل الضّوء‪ .‬ك ّميّة بسيطة ج ّدا ج ّدا‪ ،‬ال ّشعاع‬ ‫سيدخل‪ ،‬ال توجد أيّة مشكلة عند النّور‪ ،‬سيدخل‪.‬‬ ‫أ ّول شيء‪ ،‬أنت ستدخل بعينك العاديّة لن ترى‪ ،‬بعد ‪ 54‬دقيقة ترى أصابعك الخمسة‬ ‫العاديّات‪ ،‬و ترى أشياء كثيرة‪ .‬لماذا؟ ألنّه بعد ‪ 54‬دقيقة‪ ،‬العين تقوى قدرتها على‬ ‫اإلبصار ‪ 499‬مرّة‪ ،‬في علم وظائف األعضاء‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬إ ّما نور و إ ّما ظالم‪ .‬صحيح؟ أ ّ‬ ‫ي مكان إ ّما أن يكون منيرا و إ ّما أن يكون مظلما‪،‬‬

‫‪17‬‬

‫لكن المشكلة ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن النّور و الظّالم‪ ،‬كما يقول المناطقة‪ ،‬صفتان غير متواطئتين‪ ،‬صفتان‬ ‫مش ّككتان‪ ،‬يعني يُطلقان بالتّشكيك ال بالتّواطؤ‪ .‬كالم دقيق‪ ،‬هذا عقل اإلنسان‪ .‬ليس‬


‫عقلي أنا‪ ،‬عقل الفالسفة و المناطقة ِمن زمان‪ .‬العقل يحاول أن يفهم ك ّل شيء‪،‬‬ ‫ووصفه بدقّة‪ ،‬و يعرف حدوده أيضا؛ العقل يحاول أن يعرف حدوده هو‪ .‬و يعرف‬ ‫حدود التّعامل مع الكون الخارج ّي‪ ،‬دقيق ج ّدا‪.‬‬ ‫هناك صفات توجد بالتّواطؤ‪ ،‬و هناك صفات توجد بالتّشكيك‪ ،‬كيف يعني؟ الصّفات‬ ‫الّتي توجد بالتّواطؤ‪ ،‬الّتي ليس فيها درجات ليس فيه تواصل‪ .‬طيّب لو قلنا‪ ،‬األلوان‬ ‫اطئة أو ُمشككة؟ مشككة‪ّ .‬‬ ‫ألن األحمر منه آالف ال ّدرجات‪ ،‬و كلّه أحمر‪ .‬مضبوط؟‬ ‫ُمتو ِ‬ ‫على التّمييز‪ .‬يقول لك‪« :‬ال‪ .‬هذا أحمر ِمن درجة كذا كذا»‪ .‬أنت ال تقدر‪ ،‬صحيح؟‬ ‫ولذلك‪ ،‬يوجد زهاء مليون و سبع مائة ألف لون‪ ،‬و اآلن هناك أكثر ِمن هذا‪ .‬في‬ ‫عصر ال ّديجيتال أكثر ِمن هذا بكثير‪ .‬ترى الكمبيوتر يقول لك فيه ‪ 61‬مليون لون‪ .‬ما‬ ‫هذا؟ و ‪ 23‬مليون‪ .‬طبعا‪ ،‬ديجيتال‪ .‬دقّة غير عاديّة‪ .‬العين ال تقدر أن تميّز ّ‬ ‫لكن الجهاز‬ ‫المختصّ يقدر أن يميّز‪ ،‬صحيح؟ رقميّا ليست عنده مشكلة‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬األلوان متواطئة أو مش ّككة؟ مش ّككة‪ .‬ال توجد درجة واحدة لألبيض‪ .‬درجات‬ ‫كثيرة؛ يقال لك‪« :‬أبيض ناصع‪ ،‬و هذا أبيض مصفرّ‪ ،‬أبيض أق ّل بياضا‪ ،‬أكثر بياضا»‪.‬‬ ‫صحيح‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫الضّياء‪ ،‬النّور‪ ،‬متواطئ أو مش ّكك؟ مش ّكك‪ ،‬طبعا‪ .‬في غرفة مضاءة بـ ‪ 49‬مصباح‪،‬‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫و أحيانا ال تستطيع العين أن تميّز بين هذه ال ّدرجات‪ّ ،‬‬ ‫لكن الحاسوب المختصّ يقدر‬

‫و أخرى بـ ‪ 499‬و أخرى بـ ‪ ،6499‬و كلّه مضاء‪ .‬و ُمضاء بضوء ال ّشمس و ضوء‬ ‫القمر‪ .‬فهذا مش ّكك‪ .‬لكن كائن ح ّي‪ ،‬فيه الحياة البيولوجيّة‪ ،‬يتحرّك و يأكل و يشرب‪،‬‬ ‫هذا متواطئ أو مش ّكك؟ ِمن المفروض يكون متواطئا‪ .‬ما دام فيه نفس و فيه خاليا‪،‬‬ ‫هذا مازال على قيد الحياة‪ ،‬تعدم بالموت‪ .‬فاألصل‪ ،‬يعني ِمن المفروض‪ ،‬يمكن نناقش‬ ‫في ما بعد نقاشا طبّيّا بحسب الوظائف لكن هي في الحيا ِة حياة‪ ،‬اإلنسانيّة‪.‬‬

‫‪18‬‬


‫يقال‪« :‬اإلنسان‪ ،‬ابن آدم‪ ،‬البشر‪ .»..‬هذا بالتّواطؤ أو بالتّشكيك؟ ال بالتّواطؤ‪ .‬أعوذ‬ ‫باهلل‪ ،‬العنصريّون يقولون‪« :‬بالتّشكيك»‪( .‬ضحك في المجلس ألنّه هناك مَن قال‬

‫بالتّشكيك‪ ،‬و استسمحه الشّيخ عذرا)‪ .‬البشر بشر‪ ،‬اإلنسان إنسان‪ .‬النّب ّي‪( ،‬‬

‫)‪،‬‬

‫ِ‬ ‫كلُّ ُ ِ‬ ‫ن تُ َراب‪( .‬حديث أخرجه ‪‬أبو داود‪ ،‬في «األدب»‪،‬‬ ‫قال‪ُ :‬‬ ‫ك ْم ِلدَمَ‪َ ،‬و آدَ ُم م ْ‬ ‫و غيره على اختالف الرّوايات)‪ ،‬قال لك متواطئ‪ ،‬انتهى‪ .‬ال فضل ألحمر و ال لـ‪ ...‬أبدا‪.‬‬ ‫ِمن حيث إنسان‪ .‬ال تقل لي 'إِن أكرم ُكم ِعند هللاِ أتقا ُكم'‪( .‬هي قلب آية كريمة مِن كتاب‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫ن كأنّها‬ ‫اهلل العزيز مِن سورة ‪ Y‬و لكن مسبوقة بنفي عن القول‪ ،‬فَاُخْ ِتيرَ أن ال تُ َّز َّي َ‬

‫آية لعدّة اعتبارات)‪ ،‬ألنّك هنا اتّخذت اعتبار اإلنسانيّة‪ ،‬أخذت اعتبار التّقوى و ال ّدين‪.‬‬ ‫أنا أريد باعتبار ِعالقتنا بأبونا ‪‬آدم‪ .‬كلّنا منه أو ال؟ كلّنا ِمن ظهره‪ .‬كلّنا ِمن صُلبه‪.‬‬ ‫كلنا منه‪ .‬القبيح و الطّويل و الصّغير و األسود و األبيض‪ .‬فاإلنسانيّة‪ ،‬و هذا منطق‬ ‫األديان الحقّة‪ ،‬و منطق الفلسفات االجتماعيّة الحقّة‪ ،‬ال ب ّد أن تكون أمرا متواطئا‪،‬‬ ‫صحيح؟ ِمن المفروض أنّها ال تختلف‪ ،‬أبدا‪.‬‬ ‫َ َ‬ ‫ۡ َ ۡ َ َ َ​ََۡ َ​َ‬ ‫سا ب َ​َغۡ​ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِيل أنا ُهۥ َمن َق َت َل َن ۡف َ َۢ‬ ‫َٰ‬ ‫ٓ‬ ‫َٰٓ‬ ‫)‪ ،‬قال‪  :‬مِن أج ِل ذَٰل ِك كتبنا لَع ب ِ​ِن إِسرء‬ ‫و ربّنا‪(،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫َۡ‬ ‫َۡ َ‬ ‫َۡ‬ ‫َ َ​َاَ َ​َ​َ ا َ َ‬ ‫َ‬ ‫نف ٍس أو فساد ِ​ِف ٱۡل ِ‬ ‫ۡرض فكأنما قتل ٱَلاس َجِيعا ‪.8 S،٣٢ W  U‬‬ ‫ي أحد‪ ،‬بغضّ‬ ‫ي نفس‪ ،‬خادم عندك‪ ،‬صعلوك‪ ،‬أ ّ‬ ‫ي نفس‪ ،‬ليس نفس ‪‬عيسى‪ ،‬ال‪ .‬أ ّ‬ ‫أ ّ‬

‫‪‬‬

‫النّظر‪ .‬و هذا يؤ ّكد ّ‬ ‫أن اإلنسانيّة صفة تُطلق بالتّواطؤ‪ ،‬ليس بالتّشكيك‪.‬‬ ‫َ َ​َاَ َ​َ​َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫)‪...  :‬فكأنما قتل ٱَلاس َجِيعا ‪ ، U‬لماذا؟ ّ‬ ‫ألن حياته تساوي حياتك‪،‬‬ ‫قال (‬

‫‪‬‬

‫تساوي حياة أ ّ‬ ‫ي إنسان‪ .‬مضبوط أو ال؟ لذلك لم يكن‪ ،‬ال لنب ّي و ال لغير نب ّي‪ ،‬أن يقتل‬

‫إنسانا بغير ح ّق‪ .‬حتّى النّب ّي (نبيُّنا الكريم ‪‬‬

‫)‪ ،‬ال يملك الح ّ‬ ‫ق‪ .‬و ّإال يهلك و العياذ‬

‫باهلل‪ ،‬لكن هو معصوم النّب ّي‪ .‬ممنوع‪.‬‬ ‫‪19‬‬


‫لذلك‪ ،‬النّب ّي‪a ،‬‬

‫‪ ،‬نبيّنا‪ ،‬سيّد البشر‪ ،‬سيّد ولد ‪‬آدم‪ ،‬سيّد خلق هللا‪ ،‬عليه الصّالة‬

‫ّ‬ ‫معتال و أوشك على الموت‪ ،‬خرج‬ ‫و السّالم‪ ،‬في حجة الوداع و بعدها‪ ،‬مرض مرضا‬ ‫النّاس‪ .‬بكى و أبكى‪ .‬و قال لهم‪ :‬أ ّ‬ ‫ي أحد أنا ظلمته‪ ،‬له عندي مظلمة في مال أو بدن‪،‬‬ ‫ضربت له ظهرا أو جلدت له بشرة‪ ،‬فهذا بدني فليأتِنِي فليقتصّ منّي‪ .‬فهو عارف‪.‬‬ ‫كلّنا عبيد هللا‪.‬‬

‫ن رجل ‪ :‬إِنِّي أَخاف العداوةَ والشَّحن اء ِمن رسوِل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫الل‬ ‫َماله شَ ْيئًا فَ َهذَا َمالي فَْليَأْخُذُ َوَل يَقُولَ َّ َ ُ‬ ‫َ ُ َ َ َ َ َْ َ ْ َ ُ‬

‫ِ ِ‬ ‫فَإِنَّه َما لَيستَا ِمن طَبِ ِ‬ ‫يء فَْليَ ْستَ ِع ْن بِي َحتَّى‬ ‫َ‬ ‫ُ َْ ْ‬ ‫يعتي َوَل م ْن خُلُقي َو َم ْن غَلَبَ ْتهُ نَفْ ُسهُ عَلَى شَ ْ‬

‫أَدعُو لَهُ‪ .‬‬

‫ْ َ‬ ‫اإلنسانيّة‪ ،‬اآلدميّة‪ ،‬البشريّة‪ ،‬لفظ متواطئ أو مش ّكك؟ لفظ متواطئ‪ .‬هذا ما تحتاج‪،‬‬

‫اآلن‪ ،‬البشريّة أن تتعلّمه‪ .‬لألسف لم تتعلّمه إلى اآلن‪ .‬لألسف البشر لم يتعلّموا هذا‪.‬‬ ‫يعاملون أنفسهم بمنطق مختلف تماما‪ ،‬أو غير صحيح؟ لكن‪ ،‬اإلسالم ال ّدين الوحيد‬ ‫الّذي جاء واضحا‪ .‬على ك ّل حال‪ ،‬نعود إلى ما كنّا فيه‪.‬‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫(ذكره ‪‬ابن سعد‪ ‬في «الطّبقات الكبرى» و هذا لفظه)‪ ،‬إِنَّهُ قَ ْد دَنَا ِمنِّي خُفُوف‬ ‫ض ِه شيئًا فَهذَا ِعر ِ‬ ‫كنت أَصب ِ ِ ِ‬ ‫ص‬ ‫ِم ْن بَ ْي ِن أَظْ ُهرِ ُ‬ ‫ضي فَْليَقْتَ َّ‬ ‫ت م ْن ع ْر َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ك ْم َو أَنَا بَشَر فَأَيَُّما َر ُجل ُ ْ ُ َ ْ ُ‬ ‫ت ِم ْن‬ ‫ص َوأَيَُّما َر ُجل ُ‬ ‫َوأَيَُّما َر ُجل ُ‬ ‫ت ِم ْن بَشَرِ​ِه شَ ْيئًا فَ َهذَا بَشَرِي فَْليَقْتَ َّ‬ ‫ص ْب ُ‬ ‫ك ْن ُ‬ ‫ص ْب ُ‬ ‫ك ْن ُ‬ ‫ت أَ َ‬ ‫ت أَ َ‬

‫ي فضاء‪ ،‬أ ّ‬ ‫ي حيّز‪ ،‬أ ّ‬ ‫إذن‪ ،‬النّور و الظّالم‪ ،‬قلنا‪ ،‬ض ّدان أو نقيضان؟ نقيضان‪ .‬أ ّ‬ ‫ي‬ ‫‪ ،space‬ال ب ّد أن يكون إ ّما مظلما أو منيرا‪ .‬إن قلت لي‪« :‬ال‪ .‬ال مظلم و ال منير»‪.‬‬ ‫ماذا سيكون إذن؟ لن تعرف‪ .‬لكن بخالف األلوان‪ ،‬كما قلنا‪ .‬عندما تقول لي‪« :‬ال أسود‬ ‫و ال أبيض»‪ .‬فما هو؟ «أخضر»‪ .‬نعم‪ .‬إذن‪ ،‬ض ّدان‪ .‬ارتفعا‪ .‬ما دام ارتفع السّواد وارتفع‬ ‫البياض‪ ،‬فهما ض ّدان‪.‬‬

‫‪20‬‬


‫إذن ببساطة‪ ،‬يمكن أن يُعرف النّقيض‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬بأنّه نفي نقيضه‪ .‬يعني‪ ،‬نقول‪:‬‬ ‫«منير‪ ،‬ال منير»‪« .‬ح ّي‪ ،‬ال ح ّي»‪« .‬متحرّك‪ ،‬ال متحرّك»‪ .‬لكن ال تقل لي‪« :‬األسود هو‬ ‫غير األبيض»‪ .‬غير صحيح‪ .‬و األسود هو ال أخضر‪ ،‬و األسود ال أزرق‪ ،‬و األسود‬ ‫ال أحمر‪ .‬إذن‪ ،‬ال تستطيع تعريفه‪ .‬فهذا معناه ّ‬ ‫أن األسود ليس أنّه ال أبيض‪ .‬غير‬ ‫صحيح‪ .‬فهمتم؟‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫يضه‪ .‬ل ّما تقول‪« :‬ح ّي‪ ،‬ال ح ّي»‪ .‬معناها‬ ‫في المنطق‪ ،‬النّقيض هو ما تعرف بِنف ِي نقِ ِ‬ ‫الحياة و الموت نقيضان‪ .‬ألنّه يص ّح أن تقول عن ّ‬ ‫الال ح ّي‪ ،‬ميّت‪ .‬فكلمة ميّت هي‬ ‫تساوي ال ح ّي‪ .‬ك ّل شيء جاز أن يتعرّف بـ'ال' فهو نقيض للطّرف اآلخر‪ .‬فقط‪ .‬هذا‬ ‫هو الفرق‪.‬‬ ‫أعتقد أنّي‪ ،‬قبل ثماني سنوات‪ ،‬نبّهت على خطء وقع فيه فيلسوف ألمان ّي كبير ماديّ‪،‬‬ ‫و هو 'كارل ماركس'‪ ،‬صحيح؟ طبعا‪ ،‬ال أحد ينكر ّ‬ ‫أن هذا فيلسوف‪ ،‬يعتبر ذكيّا‪ .‬لكن‬ ‫عنده أخطاء فلسفيّة قاتلة‪ .‬على رأس هذه األخطاء‪ ،‬في فلسفته الجدليّة‪ ،‬الديالكتيكيّة‪،‬‬ ‫لم يميّز بين النّقيض و ال ّ‬ ‫ض ّد‪ ،‬يخلط بينهما خلطا مضحكا‪ .‬و الفلسفة االشتراكية‬ ‫العلميّة‪ ،‬حتّى أيّام 'ستالين'‪'( ،‬جوزيف ستالين' متوفّى ‪ ،3591‬مؤسّس االتّحاد‬ ‫السّوفياتيّ)‪ ،‬و 'لينين'‪'( ،‬فالديمير لينين' متوفّى ‪ ،3591‬قائد الحزب البلشفيّ و الثّورة‬

‫البلشفيّة)‪ ،‬لألسف حتّى في كتب 'لينين' نفسها‪ ،‬ظلّت تتابعها على نفس الخطأ‪ ،‬م ّما‬ ‫يد ّل على قصورهم الفلسف ّي‪ .‬ال يملكون فلسفة عميقة ج ّدا في هذه المسألة‪ ،‬لألسف‪.‬‬ ‫نفس ال ّشيء‪ ،‬عندما يتح ّدثون عن اإللكترونات و البروتونات‪ ،‬يتح ّدثون عن النّقائض‪.‬‬ ‫و هذا غير صحيح‪ ،‬هذه أضداد و ليست نقائض‪ .‬و يطبّقون فلسفة النّقائض على‬ ‫األضداد‪ ،‬و هذا أكبر خطأ فلسف ّي‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫ّ‬ ‫لكن الفلسفة اإلسالميّة و ال مرّة وقعت في مثل هذا الخطأ‪ .‬بالعكس‪ ،‬الفلسفة اإلسالميّة‬ ‫أحكمت مبدأ ال ّ‬ ‫ض ّديّة و مبدأ النّقيض‪ ،‬و أضافت إلى قوانين التّناقض قانونا جديدا‪،‬‬ ‫سهّل فهم هذه القوانين‪ ،‬و هو المعروف باسم 'قانون الثّالث المرفوع'‪ .‬اسمه هكذا في‬ ‫الفلسفة اإلسالميّة‪.‬‬ ‫ما معنى قانون الثّالث المرفوع؟ فهمنا اآلن ما معنى النّقيضين‪ ،‬صحيح؟ طيّب‪ .‬لنأخذ‬ ‫الحركة والسّكون‪ .‬هذا إ ّما أن يكون متحرّكا‪ ،‬إ ّما أن يكون ساكنا‪ .‬ال يمكن أن يجتمعا‬ ‫اللّحظة‪ ،‬و إنّما نقصد في نفس اللّحظة‪ ،‬في نفس الجزء ِمن الثّانية‪ .‬مستحيل أنّه‬ ‫متحرّك ساكن‪ .‬إذا تحرّك‪ ،‬زايلهُ السّكون‪ .‬إذا سكن‪ ،‬زايلته الحركة‪ .‬واضح! إذن‪ ،‬ال‬ ‫يمكن أن يجتمعا معا‪ .‬وهل يمكن أن يرتفعا معا‪ ،‬فيكون الكوب ال ساكن ال متحرّك؟‬ ‫مستحيل! إ ّما ساكنا‪ ،‬و إ ّما متحرّكا‪ .‬صحيح؟ ترتفع الحركة‪ ،‬ماذا يبقى؟ السّكون‪.‬‬ ‫يرتفع السّكون فيصبح ماذا؟ متحرّكا‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬ماذا يقول علماء المسلمين؟ هم صادقوا على هذين القانونين؛ قانون استحالة‬ ‫اجتماع النّقيضين‪ ،‬و قانون استحالة ارتفاع النّقيضين‪ ،‬قالوا‪« :‬و االحتمال الثّالث‬ ‫مرفوع غير موجود»‪ .‬ال توجد حالة ثالثة‪ .‬تقول لي‪« :‬طيّب‪ ،‬أنت تكلّمت عن االجتماع‬ ‫إ ّما و إ ّما مستحيل‪ ،‬و عن االرتفاع إ ّما و إ ّما مستحيل‪ ..‬و الحالة الثّالثة ماهي؟» ال‬ ‫توجد‪ .‬إ ّما اجتماع و إ ّما ارتفاع‪ .‬هذا مرفوع‪ ،‬غير موجود‪ .‬و هذا فحوى قانون الثّالث‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫معا؛ يكون متحرّكا ساكنا في نفس اللّحظة‪ .‬لم نقل يتحرّك و يسكن‪ ،‬هذا ليس في نفس‬

‫المرفوع‪ ،‬الّذي أدخله الفالسفة اإلسالميّون أو المسلمون‪ .‬واضح لدينا هذا ال ّشيء‪،‬‬ ‫أيّها اإلخوة؟ طيّب‪.‬‬

‫‪22‬‬


‫تفضّل يا "أبو مح ّمد"‪ ،‬ما هو سؤالك؟‬ ‫(قال األخ "أبو محمّد"‪ ):‬لماذا األلوان أضداد؟‬ ‫(إجابة الشّيخ‪ ):‬قلنا لماذا‪ّ .‬‬ ‫ض ّدين‪ ،‬يا أخي العزيز‪ ،‬أ ّ‬ ‫ألن ال ّ‬ ‫ي ض ّدين‪ ،‬يستحيل أن يجتمعا‬ ‫معا‪ ،‬لكن ك ّل ما جاز أن يرتفعا معا‪ ،‬ال ب ّد أن يكون ض ّدا و ال يكون نقيضا‪ .‬فاألسود‬ ‫و األبيض‪ ،‬يرتفعا أو ال يرتفعا؟‬ ‫(حوار بينهما حول األلوان و الكوب ثمّ أتمّ الشّيخ يقول)‪ .‬نحن نتح ّدث عن اللّون األسود‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫و اللّون األبيض‪ ،‬لكن هنا نتح ّدث عن الحركة والسّكون ال يوجد شيء ثالث‪ .‬و أنت‬ ‫اآلن عندك أسود و أبيض و بنفسج ّي إلخ‪ ،...‬فهذه أضداد و ليست نقائض‪.‬‬ ‫(يسأل األخ "أبو محمّد"‪ ):‬األضداد ال تعطينا حالتين فقط؟‬ ‫(إجابة الشّيخ‪ ):‬طبعا‪ ،‬ال يكون اثنين‪ .‬لو كان اثنين‪ ،‬ألصبح ِمن النّقائض‪ .‬مضبوط أو‬ ‫ال؟ ّ‬ ‫ألن أحدهما يلزم أن يكون نافيا لآلخر‪ .‬يعني '‪ 'X‬و 'ال ‪ ،)X¬ ،X( ،'X‬صح أو‬ ‫ال؟ ّ‬ ‫لكن األضداد تكون أكثر ِمن ذلك‪ ،‬طبعا‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫نعود إلى ما كنّا فيه‪ .‬قلنا تعريف المستحيل‪ .‬و المستحيل إ ّما أن يكون ضروريّا و إ ّما‬ ‫أن يكون نظريّا‪.‬‬ ‫الضّروريّ‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬كاألشياء الّتي ذكرناها؛ اجتماع النّقيضين‪ ،‬ارتفاع‬ ‫النّقيضين‪ ،‬كون الجزء أكبر من كله‪ ،‬مستحيل‪ ،‬و مستحيل ضروريّ‪ .‬يعني اإلنسان‬ ‫مباشرة ل ّما تقول له‪« :‬وهللاِ‪ ،‬هناك جسم متك ّون ِمن أجزاء و جزء ِمن هذه األجزاء‬ ‫أكبر ِمن الجسم كلّه»‪ .‬يقول لك‪« :‬ما هذا الكالم؟ مستحيل!»‪ .‬و يرفضه ِمن غير تفكير‪.‬‬ ‫أنت تقول لي‪« :‬جسم متك ّون ِمن أجزاء و أحد مك ّوناته أكبر ِمن الجسم كلّه»‪ .‬مستحيل‪،‬‬

‫‪23‬‬

‫انتهى‪ .‬مباشرة هو يرفض هذا ال ّشيء‪ .‬فهذا مستحيل نظر ّ‬ ‫ي أو ضروريّ؟ ضروريّ‪.‬‬ ‫يعني بد ِه ّي‪ِ ،‬من غير تفكير‪.‬‬


‫لكن شريك الخالق‪ ،‬عندنا نحن‪ ،‬مستحيل و هذا الصّحيح‪ ،‬لكن ضرور ّ‬ ‫ي أو نظريّ؟‬ ‫نظريّ‪ .‬ال ب ّد لنا أن ندخل في جدال‪ ،‬و جدال عميق ج ّدا ج ّدا‪ ،‬أو غير صحيح؟‬ ‫يعني واحد مثل 'هيجل'‪ ،‬فيلسوف مثال ّي ضخم ج ّدا‪ ،‬كان شخصا غير عاديّ‪ ،‬و كان‬ ‫مقتنعا بالتّثليث المسيح ّي‪ ،‬و جزء ِمن فلسفته مبني على هذه الطّريقة‪ .‬و فلسفته فلسفة‬ ‫النّقائض و األضداد‪ .‬و يثبت لك ّ‬ ‫أن الواحد ثالثة و الواحد ثالثة‪ ،‬و هذه هرطقة‬ ‫فلسفيّة‪ .‬هذا كالم فارغ‪ .‬و سنرى لماذا‪.‬‬ ‫بقسميه الضّرور ّ‬ ‫ي و النّظريّ‪ ،‬هو المستحيل العقل ّي‪ ،‬لكن يوجد مستحيل اسمه‬ ‫المستحيل العاديّ‪ .‬أ ال يوجد فيه مدخل للعادة في مفهوم االستحالة؟ يوجد طبعا‪.‬‬ ‫للعادة‪ ،‬بالتّع ّود‪ .‬يعني‪ ،‬مثال‪ ،‬ببساطة‪ ،‬قبل مائتي سنة‪ ،‬لو قيل ألحد النّاس ّ‬ ‫أن اإلنسان‬ ‫وصل للقمر و جلس عليه (الشّيخ يضحك)‪ .‬سيقال‪« :‬مستحيل! مستحيل!»‪ .‬ما مستحيل‬ ‫يعني؟ مستحيل عقليّا‪ ،‬أو علميّا؟ لو نحلّل كالمه علميّا‪ ،‬فلسفيّا‪ ،‬سنجد أنّه يتح ّدث عن‬ ‫العاد ّ‬ ‫ي أو العقل ّي؟ العاديّ‪ .‬العقل ال يحيل ذلك‪ .‬ال توجد لديه مشكلة‪ ،‬العقل‪.‬‬ ‫العقل يقول لك‪« :‬نعم اإلنسان يمكن يجلس على المرّيخ و على الزهرة‪ ،‬و يستطيع‬ ‫أن يجلس على كواكب باردة ج ّدا ج ّدا ج ّدا‪ ،‬مثل بلوتو»‪ .‬و أنتم تعرفون ّ‬ ‫أن كلّما‬ ‫الكوكب بعُد عن ال ّشمس يصير أبرد‪ .‬أبرد الكواكب هو التّاسع‪ ،‬بلوتو‪ .‬بارد ج ّدا‪،‬‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫طيّب‪ ،‬ما دمنا في المستحيل‪ ،‬سأحكي لكم شيئين‪ .‬ال ّشيء األ ّول‪ :‬هذا المستحيل‪،‬‬

‫تقريبا‪ 322 ،'-322' ،‬درجة تحت الصّفر‪ ،‬فيقول أحد‪« :‬مستحيل أن أعيش فيه»‪ .‬وهذا‬ ‫مستحيل عادةً‪ ،‬و صحيح‪ ،‬لو ذهب سيتج ّمد مباشرة‪ .‬لكن عقال مستحيل؟ ِمن الممكن‬ ‫أن يعيش اإلنسان‪ ،‬و يمكن أن يُطور أشياء‪ ،‬علميّا‪ ،‬بحيث يعيش في هذه ال ّدرجات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لكن العادة تحيل ذلك‪ .‬ال يوجد إنسان يعيش في ‪ 322‬درجة تحت الصّفر‪ ،‬و هي‬ ‫درجة الحرارة في كوكب بلوتو‪ ،‬الكوكب التّاسع‪ .‬مستحيل عادةً‪ ،‬ال عقال‪ .‬العقل ال‬ ‫يحيل ذلك‪.‬‬

‫‪24‬‬


‫يقال‪« :‬حرارة باطن ال ّشمس ‪ 61‬مليون درجة»‪ .‬معناها مستحيل يكون فيها أ ّ‬ ‫ي كائن‬ ‫ح ّي‪ .‬مستحيل عادةً‪ .‬لكن حتّى العقل العلم ّي ال يحيل وجود أنماط ِمن حياة‪ ،‬لم يدرسها‬ ‫العلم بعد‪ .‬بدليل أنّهم وجدوا بعض أنواع الميكروبات و البكتيريا‪ ،‬تعيش في البركان‪.‬‬ ‫رأيتم هذا البركان‪ ،‬و العياذ باهلل‪ ،‬درجة الحرارة فيه جهنّميّة‪ ،‬شيء مخيف ج ّدا ج ّدا‪،‬‬ ‫و فيه أنواع ِمن بكتيريا تسبح باستجمام‪( .‬ضحك في المجلس)‪ ،‬و سيعيش الكفّار في‬ ‫جهنّم مثل ما تعيش البكتيريا في البركان‪ .‬إذن هذا مستحيل عادةً‪ ،‬و ليس مستحيال‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫عقليّا‪ ،‬أو عقال‪.‬‬ ‫طيّب‪ ،‬رفع الجبل على ّ‬ ‫كف إنسان‪ ،‬مستحيل عقال أو عادة؟ عادةً‪ ،‬في العادة‪ .‬لكن ِمن‬ ‫الممكن ّ‬ ‫أن ربّنا يعطي نبيّا أو ملِ ًكا أو أ ّ‬ ‫ي شيء‪ ،‬و على كفّه يرفع‪،‬‬

‫ليس‬

‫جبال‪،‬‬

‫عشرة جبال‪ .‬ال توجد مشكلة‪ .‬يعني العقل ال يحيل ذلك‪.‬‬ ‫اإلنسان إذا مات‪ ،‬هل يعود إلى الحياة؟ ال يعود‪ ،‬مستحيل عادةً‪ .‬لكن إذا هللا يريد أن‬ ‫يعيده‪ ،‬شرعا‪ ،‬غير مستحيل‪ .‬عيسى‪ ‬أعطاهُ هللاُ هذا ال ّشيء‪ .‬و نبيّنا‪ ،‬أعطاه هللا‬ ‫هذا ال ّشيء‪ ،‬و أعادوا أناسا للحياة‪ .‬آية ِمن آيات هللا‪ .‬إذن ليس مستحيال عقال‪ ،‬و ال‬ ‫مستحيل شرعا‪ .‬مستحيل عادةً‪ ،‬في العادة ال يرجع‪ .‬مضبوط أو ال؟‬ ‫طيّب‪ ،‬هذا الكوب تكسّر‪ .‬هل يقدر أن يلتحم‪ ،‬من دون أن ندخله إلى المصنع ِمن‬ ‫جديد؟ يلتحم بنفسه‪ ،‬أو يمسكه أحد و يس ّمي عليه (اسم اهلل) فيلت ِحم؟ سيقال‪:‬‬ ‫«مستحيل!» و لكن مستحيل عادةً‪ .‬العقل‪ ،‬يقول‪« :‬ال‪ ،‬ممكن‪ .‬بطريقة معيّنة ال أعرفها‪،‬‬ ‫يمكن أن يرجع»‪ .‬و لماذا مستحيل؟ ّ‬ ‫ألن ك ّل الظّواهر الفيزيقيّة‪ ،‬الطّبيعيّة في الكون‪،‬‬ ‫باستثناء ظاهرة معيّنة ذكرناها في محاضرة ال ّزمان‪ ،‬تسير حسب مبدأ ّ‬ ‫الالع ُكو ِسية‪.‬‬ ‫يعني ك ّل شيء‪ ،‬كما قال 'نيوتن'‪ ،‬يسير في خطّ مستقيم ال يرجع‪ .‬مثال‪ ،‬إذا أنت كببت‬

‫‪25‬‬

‫ي احتمال ّ‬ ‫هذا الكوب‪ ،‬ال يوجد أ ّ‬ ‫أن الماء يرجع لحاله‪ .‬في السينما ممكن‪ ،‬في‬ ‫‪ hollywood‬ممكن‪ ،‬ترى أنّه انكبّ ث ّم يرجع الفيلم بالعكس فيرجع الماء‪ .‬صحيح؟‬


‫فيلم اإلبحار في ال ّزمان‪ ،‬هذا‪ ،‬يأتيك بأشياء ث ّم يعود بك‪ .‬الكارثة تح ّولت في األخير‬ ‫إلى شيء طبيع ّي‪ .‬عاد ك ّل شيء‪ .‬هذا في األفالم‪ .‬في واقعنا الفيزيق ّي‪ ،‬ال‪.‬‬ ‫مبدأ ّ‬ ‫الالعكوسيّة‪ ،‬ك ّل شيء يمشي دائما بخطّ مستقيم‪ ،‬ال يرجع‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬نقول أنّه مستحيل‪ّ ،‬‬ ‫ألن الواقع فقط يقول هذا‪ .‬العادة‪ ،‬اعتدنا أنّه مستحيل‪.‬‬ ‫مضبوط أو ال؟ النّار إذا أكلت هذه الورقة‪ ،‬انتظرنا ساعة أو مائة ساعة أو مائة بليون‬ ‫سنة‪ ،‬مستحيل عادةً أن تعود هذه الورقة إلى الوجود ِمن جديد و مكتوب عليها الّذي‬ ‫عادةً‪ ،‬سواء عادة علميّة أو عادة بشريّة طبيعيّة‪ ،‬لكن ليس مستحيال عقليّا‪ .‬انتبهوا!‬ ‫لذلك إذا يأتي ملحد يقول لك‪« :‬األديان تأتي بالمستحيالت»‪ .‬نقول له‪« :‬أين املتسحيلتا‬ ‫ا‬ ‫تحيدث عن ا‬ ‫أي متسحيلل؟»‪ .‬المستحيل العاد ّ‬ ‫ي نسب ّي‪ .‬الصّعود على القمر‬ ‫يا رجل؟‬ ‫قبل مائتان سنة كان مستحيل و مستحيل و مستحيل‪ .‬مضبوط أو ال؟‬ ‫يا سيدي‪ ،‬ح ّدثتكم مرّة‪ ،‬عن واحد ِمن كبار علماء الفيزياء‪ ،‬يمكن 'فاراداي' ('مايكل‬

‫ي كبير‪ ،‬قالوا له‪ ،‬عن فكرة اختراع الطّائرة من‬ ‫فاراداي'‪ ،‬متوفّى ‪ ،)3681‬عالم فيزيائ ّ‬ ‫الحديد‪ .‬قال لهم‪« :‬مستحيل!»‪ .‬هو يتح ّدث عن االستحالة العلميّة‪ ،‬يعني في عادة‬ ‫العلماء‪ ،‬بحسب الوسط العلم ّي‪ .‬قالوا‪« :‬لماذا؟» قال لهم‪« :‬كثافة الحديد أثقل ِمن كثافة‬ ‫الهواء»‪ ،‬في مبدأ 'أرخميدس' (مولود ‪ 961‬ق‪.‬م)‪' ،‬أرشميدس' يعني‪ ،‬مضبوط أو ال؟‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫كان فيها‪ .‬ال ترجع ورقة ِمن جديد‪ .‬هذا مبدأ ّ‬ ‫الالعكوسيّة في الفيزياء‪ .‬هذا مستحيل‬

‫أنتم تعرفون كيف‪ .‬و تعرفون ماهي الكثافة‪ :‬الحجم‪⁄‬الكتلة (الكتلة على الحجم)‪ .‬فقال‬ ‫أن كثافة الحديد أثقل ِمن كثافة الهواء‪ ،‬مستحيل ّ‬ ‫لهم ّ‬ ‫أن الهواء يحمل الحديد‪ ،‬و قال‬ ‫لهم أتح ّدى‪ .‬و نحن اآلن كلّنا نطير و نأتي إلى النّمسا على الطّائرات‪ .‬و هذا فيزيائ ّي‬ ‫و ليس إنسانا جاهال‪ .‬صح أو ال؟‬ ‫‪26‬‬


‫ّ‬ ‫يظن أنّه بحدود معلوماته و معارفه يستطيع أن‬ ‫ألجل هذا فعال‪ ،‬الجاهل هو الّذي‬ ‫يقول الكلمة األخيرة في ك ّل شيء‪ .‬يجب أن ال تقول هذه األشياء‪ ،‬حتّى و لو كنت‬ ‫عالما كبيرا‪ ،‬حتّى و لو كان عندك عشرة (جوائز) 'نوبل' في الفيزياء‪ .‬ال تقدر أن تقول‬ ‫آخر كلمة في موضوع‪ .‬خلّيك متواضع‪ .‬صح أو ال؟ و الخلط بين مستويات االستحالة‬ ‫ينشأ عنه اشتباهات فظيعة ج ّدا ج ّدا‪.‬‬ ‫فل ّما يأتي ال ُمعادون لألديان‪ ،‬و المضا ّدون لألديان و الملّيّين‪ ،‬يقال لك‪« :‬هذا‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫مستحيل‪ ،..‬و األداة أتت باالستحالة‪ ،..‬و من مات ال يعود‪ »..‬نقول له‪« :‬يا أخي‪ ،‬أنت‬ ‫تتح ّدث عن المستحيل عادةً‪ّ ،‬‬ ‫لكن العقل ال يحيله و العلم نفسُه يقرب إمكانه»‪ .‬ما كان‬ ‫يُعد باألمس مستحيال‪ ،‬العلم جعله اآلن في حكم الممكن‪ ،‬صح أو ال؟ زمان كانوا‬ ‫يقولون‪« :‬اإلسراء و المعراج‪ ،»..‬أنا قرأت لكبار المستشرقين؛ 'الوست'‬

‫و'درمنجهام'‪ ،‬و غيرهم‪ ،‬ل ّما قرأت لهم سيرة النّب ّي ‪a ، ‬‬

‫‪' .‬درمنجهام'‪،‬‬

‫أن هناك أسطورة شائعة‪ ،myth ،‬و يبدو ّ‬ ‫تقريبا‪ ،‬غاض عنها‪ ،‬قال ّ‬ ‫أن الخيال‬ ‫ي هو الّذي ألّفها‪ .‬يعني ال ‪ ‬و ال حتّى أصحابه الكبار‪ .‬بعد ذلك‬ ‫اإلسالم ّي ال ّشعب ّ‬ ‫الخيال بدأ يف ّكر ّ‬ ‫أن تاريخ النّب ّي‪ ،)( ،‬مثل تاريخ ‪‬اليسوع‪ ‬عندهم‪ .‬أنّها أساطير‬ ‫و مج ّمعة ِمن هنا و ِمن هنا‪ .‬هو ال يعرف ّ‬ ‫أن حركة النّب ّي‪ ،‬نفس النّب ّي‪ ،‬ك ّل شيء‬ ‫ُحفِظ‪ ،‬باألسانيد المتّصلة‪.‬‬ ‫و فعال من قرأ سيرة النّب ّي و من قرأ ِسير األنبياء اآلخرين‪ ،‬خاصّة ‪‬عيسى‪‬‬ ‫‪ ،‬فرق كبير ج ّدا ج ّدا بين أصحاب ‪‬عيسى‪ ‬و بين أصحاب رسول هللا‪ .‬ل ّما‬

‫‪a‬‬

‫أتى الرّومان‪ ،‬كلّهم هربوا‪ .‬الصّحاب ّي يقول صدري دون صدرك‪ ،‬و يعطي صدره‬

‫‪27‬‬

‫وفيه عشرون سهما‪" ،‬أموت مائة مليون مرّة قبل أن يصل السّهم إلى رسول هللا"‪،‬‬ ‫)‪ ...  :‬ال يَ ُ‬ ‫و هؤالء خائفون ِمن حبّة جنود رومان و قال (‪‬عيسى‪‬‬ ‫صلح‬ ‫َ َ‬ ‫ا ُ ى ُ‬ ‫ا‬ ‫ك َرين ثتاث َم ارا ٍ ‪{  .‬إجنلل يوحنا ‪. }22 : 62‬‬ ‫ا د‬ ‫ليك حَّت تن د‬

‫‪a‬‬


‫(هل) الصّحابة أنكروا النّب ّي؟ و إلى اليوم‪ .‬الّذي قطّعهم مسيلمة ّ‬ ‫الكذاب لعنة هللا عليه‪،‬‬

‫حين قال‪« :‬من أنا؟» فقيل له‪« :‬ال أسمع» قال له‪« :‬من أنا؟» فقال له‪ « :‬عبد اهلل‬ ‫و رسوهل»‪ .‬فقطّعوه و حطّوه على النّار و أجاب نفس الجواب‪ ،‬حتّى فاضت نفسه‬ ‫رضي هللا عنه و أرضاه‪( ،‬يقصد الصّحابيّ الطّاهر األمين ‪‬حبيب بن زيد‪ .)‬شاب‬

‫كان عمره ‪ 36‬سنة‪ ،‬صحاب ّي‪' .‬بطرس' و 'مرقس' و 'يوحنّا' ولّوا بالفرار! فرق كبير‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ألن ‪ ‬األخير‪ ،‬ال يوجد من بعده‪ ،‬انتهى‪ .‬حتّى المسيح قال‪« :‬و إِذا يأتِي يبقى مع ُكم‬

‫(تفصيل ما ذكره الشّيخ من اإلنجيل)‪.‬‬ ‫فالزم حتّى النّاس الّذين أيّد هللا بهم رسوله يكونوا ِمن طبقة مختلفة‪ .‬ولذلك ندرك‬ ‫خطورة الّذين يجعلون دينهم‪ ،‬لألسف‪ ،‬و يقينهم السّبّ و الطّعن و التّجريح و تنقصّ‬ ‫أصحاب رسول هللا‪ ،‬و استثنوا ّإال قلّة‪ .‬عندهم ‪‬أبو بكر‪ّ ‬‬ ‫كذاب و ‪‬عمر‪‬‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫إِلى األب ِد ‪ ...‬و يُعل ُم ُكم ُكل شيء»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ا َ‬ ‫ُ‬ ‫وصاياي‪ ٥١ ،‬و أنا أطلُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ب دم َ‬ ‫اآلب فلُعطلكم‬ ‫ن‬ ‫ظوا‬ ‫فاحف‬ ‫ين‬ ‫تبون‬ ‫‪«٥١ ‬إن كنحم د‬ ‫د‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ َا َ َ َ ُ َ‬ ‫األبد‪{  ،‬إجنلل يوحناا ‪}64،61 : 65‬‬ ‫إل‬ ‫م‬ ‫معك‬ ‫ث‬ ‫مع دزيا آخر لمك‬ ‫د‬ ‫ا ُ ُ ُ ُ ا‬ ‫ُ َ ِّ ُ ُ ُ َا‬ ‫ُ ُ​ُ‬ ‫‪٢١ ‬و ا‬ ‫ُ‬ ‫أما ُ‬ ‫الم َع ادزي‪ ،‬الروح القدس‪ ،‬اّلي سُي دسله اآلب باسيم‪ ،‬فهو يعلمكم ك‬ ‫ُا‬ ‫ا‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫َ ِّ ُ‬ ‫يوحنا ‪}31 : 65‬‬ ‫يشءٍ‪ ،‬و يُذك ُركم بك دل ما قلحُه لكم‪{  .‬إجنلل‬

‫نصّاب و ‪‬عثمان‪ ‬نصّاب و ‪‬خالد بن الوليد‪ ‬زنى‪( ،‬عياذا باهلل من كلّ ما‬

‫ذُ ِك َر)‪ ،‬لألسف هذا شيء خطير ج ّدا‪ .‬و هذا قرّة عين ألعداء اإلسالم‪ ،‬من اليهود‬ ‫والنّصارى و المالحدة‪ .‬و الحقيقة تقول عكس ذلك تماما‪ّ ،‬‬ ‫أن الرّسول كان أسعد‬ ‫األنبياء بأصحابه و أعظم أ ّمة خلقها هللا ِمن غير األنبياء‪ ،‬هم أصحاب ‪ ،‬رضوان‬ ‫هللا‪ ،‬تعالى‪ ،‬عليهم‪ .‬و لو كان هناك أنبياء بعد رسول هللا لكان كثير منهم من األنبياء‪.‬‬ ‫غير عاديّين كانوا‪ ،‬رضوان هللا عليهم‪.‬‬

‫‪28‬‬


‫إذن‪ ،‬نريد أن نفرّق بين المستحيل العاد ّ‬ ‫ي و المستحيل العقل ّي و المستحيل العلم ّي‪.‬‬ ‫المستحيل العاد ّ‬ ‫ي‪ .‬المستحيل العقل ّي مطلق‬ ‫ي نسب ّي‪ ،‬و المستحيل العلم ّي نسب ّ‬ ‫االستحالة‪ .‬صحيح؟ يعني قانون اجتماع النّقيضين و ارتفاع النّقيضين انتهى‪.‬‬ ‫مستحيل‪ ،‬في العالم الّذي يعرفه اإلنسان ‪ ،‬و ربّما حتّى في الّذي ال يعرفه‪ ،‬هذا قانون‬ ‫حاكم ال يتخلّف‪ ،‬مستحيل‪ .‬و لو جاز أن يتخلّف‪ ،‬تعرفون ما الّذي سيحدث؟ لو جاز‬ ‫لك أن تنقض هذا القانون‪ ،‬أو تحاول نقضه‪ ،‬فلن تستطيع‪ .‬إذا أردت أن تنقضه فأنت‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫تنقضه بنفسه‪( ،‬يعني) به‪ .‬تستخدمه‪ ،‬فأنت تستد ّل به‪ .‬كالسّببيّة‪ ،‬ال تستطيع‪ .‬لكن لو‬ ‫جاز‪ِ ،‬من باب المحال يعني‪ ،‬أن يُنقض هذا القانون لعنى ذلك بالضّرورة انتفاء العقل‬ ‫اإلنسان ّي‪ .‬سينتهي شيء اسمه عقل‪ .‬و ممنوع تناقشني و سنصبح غابة‪ ،‬فقط‪ ،‬تحتوي‬ ‫على جماع ِة مجانين بُله‪ ،‬بال أ ّ‬ ‫ي معايير‪ .‬طبعا‪ .‬و هذا معنى المنطق العقل ّي في‬ ‫التّفكير‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫عندنا السّؤال الثّاني؛ تعلق القدرة اإللهيّة بالمستحيالت‪ .‬هذا موضوع مه ّم‪ ،‬أشرنا إليه‬ ‫في بداية المحاضرة‪( ،‬أو ال ّدرس)‪ ،‬اليوم‪ .‬يسأل بعض النّاس‪ ،‬و قد ُسئِل ِمن قديم طبعا‪،‬‬ ‫مسؤول في األديان كلّها‪ ،‬و عند الفالسفة؛ هل تتعلّق قدرة هللا‪ ،‬الخالق القدير‪ ،‬تبارك‬ ‫و تعالى‪ ،‬بالمستحيل؟ ما هو الجواب؟ (إجابة ممتازة مِن أحد اإلخوة) أحسنت! أ ّول‬ ‫شيء‪ ،‬نريد مباشرة أن نحرّر مح ّل النّزاع‪ ،‬و نقول‪« :‬عن أ ّ‬ ‫ي مستحيل تتح ّدث؟ عن‬ ‫مستحيل علم ّي؟» يعني‪ ،‬مثال‪ ،‬إنسان يعيش فوق بلوتو‪( ،‬هذا) ممكن‪ .‬تتعلّق قدرة هللا‬ ‫(بهذا)‪ .‬هللا‪ ،‬ع ّز و جلّ‪ ،‬يستطيع أن يجعلك تعيش فوق بلوتو‪ ،‬ال توجد أ ّ‬ ‫ي مشكلة‪.‬‬ ‫يأخذك و تعيش هناك‪ ،‬و تعيش‪ .‬ال توجد أ ّ‬ ‫ي مشكلة‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫ّ‬ ‫أن إنسانا يرفع جبل على يده‪( ،‬فهذا) تتعلّق قدرة هللا به‪ ،‬بالمستحيل العاديّ‪ .‬و تستطيع‬ ‫أنت بيدك هذه الضّعيفة ِمن عصب و لحم و دم يجعلك‪ ،() ،‬ترفع جبال مائة ألف‬ ‫طنّا وزنه‪ .‬ال توجد مشكلة‪ .‬لكن بالمستحيل العقل ّي‪ ،‬ال تتعلّق قدرة هللا‪.‬‬ ‫قلنا ِمن أقسام المستحيل العقل ّي؛ ما هو؟ شريك الخالق‪ .‬هذا مستحيل نظريّ‪ ،‬صحيح؟‬ ‫ال تتعلّق قدرة هللا به‪ .‬يعني‪ ،‬هللا ال يستطيع أن يخلق إلها و يكون شريكا له‪.‬‬ ‫(‬

‫)‪ .(‬طبعا‪ ،‬سنرى لماذا أنا تسامحت‪ّ .‬‬ ‫ألن هذا يس ّموه 'التنزل' في النّقاش‪ .‬يس ّمونه‬ ‫'االعتباط' في الفلسفة‪ .‬أعتبط قليال‪ ،‬لكي أوقعك في ش ّر أعمالك‪ ،‬في ش ّر تفكيرك‬ ‫الباطل‪( .‬هذا الكالم مجاز)‪ ،‬لماذا؟ ّ‬ ‫ألن السّؤال نفسه ال معنى له‪ .‬إذ أنّه متناقض‪.‬‬ ‫السّؤال متناقض‪.‬‬ ‫ل ّما نعرّف المستحيل؛ هو ما ال يثبت أصال لذاته و ال يتص ّور العقل ثبوته‪ّ .‬‬ ‫ألن تعريف‬ ‫المستحيل يعطي استحالةً ال تتعلّق به القدرة‪ّ .‬‬ ‫ألن ال معنى له أصال‪ ،‬المستحيل‪،‬‬ ‫صحيح؟ مثل أن يكون شيء حيّا ميّتا في نفس اللّحظة‪ ،‬متحرّك ساكن في نفس‬ ‫اللّحظة‪ .‬مستحيل! ال معنى له أصال‪ ،‬هذا الكالم‪.‬‬ ‫فإذا أنت طلبت أن تجعل له معنى و هو في األصل ال معنى له‪ ،‬ث ّم أردت أن تتعلّق‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫‪F‬‬

‫)‪ .‬و تعبيري هذا فيه تج ّوز و تسامح‪ ،‬ألنّي قلت‪« :‬ال يستطيع»‪.‬‬

‫به قدرة هللا فقد وقعت في التّناقض‪ .‬إذا أردت ّ‬ ‫أن هللا يخلق هذا المستحيل فأنت اآلن‬ ‫تفرضه غير مستحيل‪ّ .‬‬ ‫ألن ك ّل ما جاز أن يُخلق ليس بمستحيل‪ .‬مضبوط؟ إذن‪ ،‬من‬ ‫المتناقض؟ أنت‪ .‬السّائل‪ .‬تفترض أنّه مستحيل و تتكلّم عنه في نفس اللّحظة أنّه ليس‬ ‫مستحيال‪ ،‬ألنّك تطلب أن يُخلق‪' .‬هل يستطيع أن يخلق صخرة عظيمة‪ِ ،‬من عظمها‬ ‫معْ َقل)‪ ،‬هذا‬ ‫و ثقلها و كبرها و امتدادها‪ ،‬ال يستطيع أن يحملها؟' (سؤال لشخص يَ َت َ‬

‫‪30‬‬


‫مستحيل‪ ،‬و ال تتعلّق به قدرة هللا‪ .‬أل ّن هللا كامل‪ ،‬و ال يجوز في حقّه و عليه‪ّ ،‬إال‬ ‫الكمال‪.‬‬ ‫أنت تفرضه كامال و ألنّه كامل تريد أن تجعله ناقصا‪ .‬تناقض‪ .‬مضبوط أو ال؟ مثل‬ ‫واحد غب ّي أبله‪ ،‬يقول‪« :‬أنت عالم في الطّب؟» تقول له‪« :‬نعم‪ ،‬أنا عالم في الطّبّ ‪ .‬أكبر‬ ‫عالم في ال ّدنيا و مشهود عل ّي‪ ،‬و أجيب عن أ ّ‬ ‫ي سؤال في الطّبّ »‪ .‬فيقول لك‪« :‬ما دمت‬ ‫عالما في الطّبّ ‪ ،‬و ال يوجد مثلك‪ ،‬أريد أن أسألك سؤال المفروض أنّك ال تعرفه‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫لتثبت أنّك عالم‪ ».‬تناقض‪ ،‬يا أخي‪ .‬كيف أثبت لك أنّني عالم بأننّي جعت؟ (ضحك في‬

‫المجلس)‪ ،‬هذا غلط‪ .‬و يريد أن يثبت ّ‬ ‫أن هللا قادر بعجزه‪ .‬غلط‪ .‬إذن ال توجد صخرة‬ ‫هللا ال يستطيع أن يحملها‪ .‬األصل غلط في هذا كلّه‪ .‬مضبوط أو ال؟ السّؤال فيه‬ ‫تناقض‪ .‬و التّناقض جاء ِمن حيثيّة افتراض هللا قادرا عاجزا‪ ،‬في نفس اللّحظة‪ .‬غلط‪.‬‬ ‫إ ّما أن تفرضه قادرا و هذا الح ّ‬ ‫ق‪ ،‬أو تفرضه عاجزا‪ ،‬و هذا شيء ثان‪ ،‬ال يكون هو‬ ‫هللا‪ .‬تكون أنت أو أنا‪ .‬مضبوط أو ال؟‬ ‫كذلك شريك الخالق‪ .‬شريك الخالق كما نفهمه‪ ،‬كفكرة‪ ،‬مستحيل! إذا أردت أن تتعلّق‬ ‫به صفة الخلق و أن يخلقه هللا‪ ،‬و أن يجعله إلى جانبه فقد فرضته ليس مستحيال‪ّ .‬‬ ‫ألن‬ ‫ك ّل ما ص ّح أن يقع عليه فعل الخلق ِمن أقسام الممكنات أو المستحيالت في العادة‪،‬‬ ‫المعتادات‪ .‬و ليس المستحيل العقل ّي‪ .‬فأنت فرضته مستحيال ممكنا في نفس اللّحظة‪،‬‬ ‫و هنا تدخل في تناقض‪ .‬إذن‪ ،‬هناك مشكلة في سؤالك‪ .‬سؤالك ال معنى له‪.‬‬ ‫إذا قال لي أحد ما‪« :‬العقل اإلنسان ّي‪ ،‬عنده قدرة نسبيّة أو ال؟» نقول‪« :‬عنده قدرة نسبيّة‬ ‫طبعا‪ ،‬و ليست قدرة مطلقة على ك ّل شيء»‪ .‬هذه القدرة تكفيه ليتعاطى مع هذا الوجود‬

‫‪31‬‬

‫المحسوس و أشيائه‪ .‬يقول‪« :‬طيّب‪ ،‬هذا العقل القادر يتجلّى أين؟» نقول له‪« :‬هللا يتجلّى‬ ‫في أشياء كثيرة‪ ،‬يعني مثال عقل الفلسف ّي عقل عظيم ج ّدا حسب اختبارات علماء‬


‫النّفس»‪ .‬أضخم النّاس عقوال‪ ،‬الفالسفة‪ ،‬رقم واحد معروف‪ .‬في اختبارات ّ‬ ‫الذكاء‪.‬‬ ‫أعظم النّاس عقوال الفالسفة‪ ،‬و رقم اثنين من يأتي؟ ال ّرسّامون‪' .‬دا فنشي' (‪-3199‬‬

‫‪ )3539‬و 'أنجلو' (‪ )3981-3119‬و 'رامبرانت' (‪ ،)3885-3868‬هؤالء ناس غير‬ ‫عاديّين‪ .‬و رقم ثالثة من يأتي؟ الموسيقيّون‪ .‬و رقم أربعة‪ ،‬العلماء؛ الفيزيائ ّي‪،‬‬ ‫الكيميائ ّي‪ ،‬عالم ّ‬ ‫الذرّة‪ .‬حسب االختبارات‪ .‬و الفالسفة رقم واحد‪ .‬شيء غير طبيع ّي‪.‬‬ ‫ألنّه صعب أن تكون فيلسوفا‪ ،‬فيلسوفا حقيقيّا‪ ،‬و ليس (المقصود) دارس فلسفة‪.‬‬ ‫عاديّة و عميق‪.‬‬ ‫قد يقول أحد‪« :‬إيتني بأعظم فيلسوف‪ .‬من تريد؛ 'إيمانويل كانط'‪' ،‬أرسطو'‪' ،‬ابن سينا'‪.‬‬ ‫فيلسوف عظيم ج ّدا ج ّدا‪ .‬اُترك هذا الفيلسوف بعقله يأتي بوجه سابع الحتماالت‬ ‫'ضرب'‪ ،‬يعني لتقاليب 'ضرب'»‪ .‬نقول له‪« :‬لن يقدر»‪ .‬فيقول‪« :‬أ رأيت‪ ،‬هو عاجز‪،‬‬ ‫عقله عاجز‪ ،‬يا أخي»‪ .‬نقول له‪« :‬كيف عاجز! بالعكس‪ ،‬عقله قادر و عقل فيلسوف‬ ‫ضخم‪ ،‬لكن ما طلبته مستحيل»‪ّ .‬‬ ‫ألن كلمةً ِمن ثالثة أحرف مستحيل أن يوجد لوجوه‬ ‫تقاليبها وجه سابع‪ .‬عندك 'ضرب'‪' ،‬ضبر'‪' ،‬رضب'‪' ،‬ربض'‪' ،‬بضر'‪' ،‬برض'‪ ،‬فقط‪.‬‬ ‫انتهى مستحيل! تأتي بك ّل ال ّدنيا‪ ،‬و بك ّل كمبيوترات العالم‪ ،‬لن تستطيع تأتي بوجه‬ ‫سابع‪ .‬صح أو ال؟ هذه رياضيّات‪.‬‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫فيلسوف‪ ،‬عندك قدرة أن تف ّكر بطريقة فلسفيّة‪ ،‬يكون عقلك منتظم و بطريقة غير‬

‫‪‬الخليل بن أحمد‪( ‬و هو ‪‬الفراهيديّ‪ 316-366 ،‬هـ)‪ ،‬ل ّما ألّف «قاموس‬ ‫العين»‪ ،‬ألّفه على نفس هذا المبدأ‪ ،‬و استطاع أن يحسب مّليين الكلمات‪ .‬و بعد ذلك‬ ‫قال لنا أين المهمل و أين ّ‬ ‫الذي لم تستعمله العرب أصّل و غير موجود‪ ،‬و أين‬ ‫ّ‬ ‫الخطة الرّ ياضيّة العجيبة ج ّدا ج ّدا‪ ،‬في «قاموس العين»‪،‬‬ ‫المستعمل‪ .‬و بنى عليها‬ ‫وعلى المخارج‪ .‬قد يقول أحد‪« :‬ال‪ .‬ما دام ال يقدر أن يأتي بالوجه السّابع لتقاليب‬ ‫'ضرب'‪ ،‬إذن هو عقله عاجز‪ ،‬غير فاهم‪ ،‬غير ذكيّ »‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫هللا لست فاهما رأسك من قدمك»‪( .‬ضحك في المجلس)‪ّ ،‬‬ ‫ألن 'ضرب'‬ ‫نقول له‪« :‬أنت و ِ‬ ‫ال تكون ّإال ستّة‪ ،‬انتهى‪' .‬ضرب'‪ ،‬ستّة؛ ثالثة ضرب اثنين يساوي ستّة‪ ،‬انتهى‪ .‬ال‬ ‫يمكن‪ .‬و أن تطلب أن يكون لها وجه انقالب ّي سابع‪ ،‬هذا مستحيل! و مستحيل عقل ّي‬ ‫ليس مستحيال عاديّا‪ .‬يعني كلمة 'ضرب'‪ ،‬تقاليبها‪ ،‬في الجنّة و في ال ّدنيا ستّة‪ .‬هنا‬ ‫وعلى الصّراط و في اليوم اآلخر و في اليوم األ ّول‪ ،‬ستّة‪ .‬في ك ّل العوالم ستّة‪ ،‬سوف‬ ‫تبقى ستّة‪ .‬صح أو ال؟ ليس أكثر ِمن هذا‪ ،‬مستحيل! فهذا هو‪.‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫فإذن‪ ،‬قدرة هللا‪ ،‬و هذا هو الصّحيح‪ ،‬ال تتعلّق بالمستحيل العقل ّي‪ّ ،‬‬ ‫ألن المستحيل العقل ّي‬ ‫باختصار ال معنى له‪ .‬هو الّذي ال يكون‪ ،‬صحيح؟ فإذا فرضت أن يكون موجودا‬ ‫وأن يُخلق إذن جعلت له معنى و جعلته ضمن الجائزات و هذا تناقض‪ ،‬صحيح؟‬ ‫يعني افترضته مستحيال ممكنا في نفس اللّحظة‪ .‬و هذا غلط‪ .‬و هكذا تستطيعون أن‬ ‫تجيبوا عن أكثر أسئلة المش ّككين في هذه المسائل ّ‬ ‫بالذات‪ .‬هم يتكلّمون كالما ال‬ ‫يفهمونه‪.‬‬ ‫أخيرا‪ ،‬قسم الجائز‪ .‬الجائز‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬ما يُجو ُز العق ُل ثبوته كما يج ّوز انتفاءه‪.‬‬ ‫واضح! يعني‪ ،‬وجود ال ّشمس و القمر‪ ،‬مثال‪ ،‬ضمن أجرام الكون ِمن أقسام الواجب؟‬ ‫ال‪ِ .‬من أقسام المستحيل؟ كيف ِمن أقسام المستحيل؟ هي موجودة‪ِ .‬من أقسام الجائز‪.‬‬ ‫لماذا؟ العقل نفسُه يقدر يُصور ّ‬ ‫أن القمر و ال ّشمس لم يُخلقا‪ ،‬أو غير صحيح؟ كأ ّ‬ ‫ي‬ ‫ِمن باليين األجرام‪ ،‬اآلن‪ ،‬في السّماوات‪ ،‬ال يعرفها ال أنا و ال أنت و ال حتّى العلماء‪،‬‬ ‫ألنّها أبعد ِمن مجال رصد ك ّل المقاليب الفلكيّة‪ ،‬حتّى الرّاديويّة‪ ،‬و موجودة‪ .‬صحيح؟‬ ‫لو سألنا العقل نفسه هل يمكن يكون خارج مجال الرّصد العلم ّي‪ ،‬كواكب و نجوم بل‬

‫‪33‬‬

‫مجرّات و ُس ُدم‪ ،‬كثيرة ج ّدا ج ّدا لم نرها و لم نصل إليها؟ العقل يقول ممكن‪ ،‬ال توجد‬ ‫مشكلة‪ .‬و ممكن ال يكون؟ ممكن‪ ،‬و عاديّ‪ .‬و العقل يقبل هذا و يقبل هذا‪ .‬هذا اسمه‬ ‫الجائز‪.‬‬


‫طيّب‪ ،‬نحن كبشر‪ ،‬كناس‪ِ ،‬من أقسام الواجب أو ِمن أقسام الجائز أو ِمن أقسام الممتنع‬ ‫المستحيل؟ الجائز‪ .‬هللا خلقنا و كان قادرا على أن ال يخلقنا‪ .‬و لن يتغيّر شيء عنه‪،‬‬

‫‪y‬‬

‫‪ ،‬لكن خلقنا و نحن موجودون‪ .‬أهال و سهال‪ .‬هللا يسعدنا في ال ّدنيا و اآلخرة يا‬

‫رب‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫هذا الجائز‪ ،‬أو الممكن يس ّمونه‪ ،‬قسمان أيضا؛ ضرور ّ‬ ‫ي و نظريّ‪.‬‬ ‫فهمنا ما هو الضّروريّ‪ .‬البده ّي‪ ،‬قلنا‪ .‬الضّروريّ‪ ،‬كأن يتّصف ال ّشيء بالحركة أو‬ ‫يمكن يكون ساكنا؟ ممكن‪ ،‬و صح‪ .‬أ ّ‬ ‫ي جسم أو جُسيم ممكن يقبل الحركة‪ ،‬ممكن يقبل‬ ‫السّكون‪ ،‬و العقل ال يرى استحالةً‪ ،‬يقول لك‪« :‬هذا جائز»‪ .‬ليس هذا فقط‪ ،‬جائز‬ ‫ي وسائط أخرى‪ ،‬و يعلم ّ‬ ‫ضرورةً‪ ،‬يعني العقل يدرك ذلك ِمن غير أن يتوسّط أ ّ‬ ‫أن‬ ‫ك ّل األشياء في الكون‪ ،‬إ ّما ساكنة و إ ّما متحرّكة‪ ،‬و ك ّل ساكن كان ِمن الممكن أن‬ ‫يكون متحرّكا‪ ،‬و ك ّل متحرّك كان ِمن الممكن أن يكون ساكنا‪ .‬هذا معنى الجواز‪،‬‬ ‫هنا‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬عندنا الجواز النّظريّ‪ ،‬كأن ّ‬ ‫يعذب هللا الطّائع المؤمن‪ ،‬و يثيب العاصي الكافر‪.‬‬ ‫انتبهوا! اآلن ال نتكلّم عن الجائز شرعا ال تخربطوا‪ .‬كما قلنا‪ ،‬اليوم أه ّم شيء دائما‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫السّكون‪ .‬هذا جائز‪ .‬يعني يمكن أ ّ‬ ‫ي جسم في الكون يكون متحرّكا؟ نعم ممكن‪ .‬طيّب‪،‬‬

‫أنّك تحفظ االصطالح‪ .‬شرعا‪ ،‬هذا جائز أو غير جائز‪ّ ،‬‬ ‫أن هللا يدخل المؤمنين النّار‬ ‫و الكفّار إلى الجنّة؟ (و حاشاه تبارك و تعالى)‪ ،‬شرعا غير جائز‪ .‬لماذا غير جائز‬ ‫شرعا؟ (إجابة مِن أحد اإلخوة)‪ ،‬أحسنت! للخبر‪ّ ،‬‬ ‫ألن هللا قال أنّه ال يفعل ذلك‪ .‬و نفى‬ ‫عن نفسه الظّلم‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫لكن اآلن اُترك لي الجائز ال ّشرع ّي‪ ،‬هذا اصطالح ثان‪ .‬نريد العقل لحاله‪ ،‬يعني حتّى‬ ‫عقل واحد غير مؤمن باإلسالم‪ ،‬أو عقلك حتّى أنت كمسلم‪ ،‬هل يُجوز بمجر ِده ال‬ ‫باالستناد إلى خبر ال ّشارع‪ ،‬انتبهوا! هل العقل يُجو ُز هذا‪ّ ،‬‬ ‫أن هللا يُد ِخل المؤمنين‬ ‫الطّائعين النّار‪ ،‬و العصاة الكفّار الجاحدين الجنّة؟ نعم‪ ،‬ال توجد لديه أ ّ‬ ‫ي مشكلة‪،‬‬ ‫(بالنّسبة للعقل)‪.‬‬

‫و هناك حديث يؤ ّكد هذا المعنى‪ .‬حديث في «مسند أحمد» قال ‪‬‬ ‫(‬

‫أَن‬ ‫)‪ :‬لَ ْو َّ‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ار لَفَ​َعلَ ذَلِ َ‬ ‫ك َو ُه َو لَ ُه ْم غَ ْي ُر ظَالم‪َ ،‬و لَ ْو أَنَّهُ ْ‬ ‫أَهلَ طَاعَتِه َو ْ‬ ‫أَدخَلَ ْ‬ ‫ب ْ‬ ‫أَهلَ‬ ‫أَدخَلَ ُه ُم النَّ َ‬ ‫اللَ عَذَّ َ‬ ‫ك َو ُه َو لَ ُه ْم غَ ْي ُر ظَالِم‪ .‬ال هنا ظلم و ال هنا ظلم‪ .‬لماذا؟ وهذا‬ ‫َم ْع ِصيَتِ​ِه ِجنَانَهُ لَفَ​َعلَ ذَلِ َ‬

‫كالم عقل ّي فلسف ّي‪ .‬أنت قبل أن تتكلّم في أ ّ‬ ‫ي قضيّة أو تجيب كما قال 'أفالطون'‪:‬‬ ‫‪‬نِص ُ‬ ‫ت‪ .‬ال تتكلّم في أ ّ‬ ‫ي موضوع ِمن‬ ‫ف يرتفِ ُع إِذا حددنا ال ُمصطلحا ِ‬ ‫الخال ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫غير أن نتّفق‪ ،‬أنا و أنت‪ ،‬على المصطلح‪ .‬تسألني عن عدل هللا‪ ،‬عن الظّلم في ح ّ‬ ‫ق‬ ‫هللا؛ هل هللا ظالم (و نعوذ باهلل مِن هذا)؟ أو ال يكون ظالما؟ أو دائما عادل؟ قبل هذا‪،‬‬ ‫ما هو العدل؟ و ما هو الظّلم؟ يجب علينا أ ّول شيء أن نتّفق على ‪،définition‬‬ ‫تعريف‪ ،‬ديفينيسيون يعني‪ ،‬ث ّم ننطلق‪.‬‬ ‫ِمن أص ّح التّعاريف للظّلم‪ ،‬حقيقة‪ ،‬و ينطبق على ك ّل موارده يعني مو ِرد يعني‬ ‫مصداق‪ ،‬و مصا ِديقِه‪( ،‬موارد و مصاديق الظّلم)‪ ،‬هو قولهم‪ :‬أن يتصرف المر ُء‪،‬‬ ‫هنا الظّلم في ح ّ‬ ‫ق اإلنسان‪ ،‬فِي ما ال يملِ ُ‬ ‫ك ِمن غي ِر وج ِه حق‪( .‬هذا) اسمه ظلم‪.‬‬

‫يعني‪ ،‬مثال‪ ،‬لو إنسان ّ‬ ‫جالد يشتغل عند القاضي‪ ،‬و القاضي حكم أن يُجلد هذا (شخص‬ ‫ما) في ظهره عشر جلدات‪ ،‬ث ّم أتى هذا (أي الجلّاد) و ضربه عشر جلدات‪ .‬هل هذا‬ ‫‪35‬‬

‫ق‪ .‬و هو يمارس تنفيذ هذا الح ّ‬ ‫ظالم؟ ليس ظالما‪ ،‬هذا ح ّ‬ ‫ق‪ ،‬هو موظّف‪ ،‬و القاضي‬ ‫قضى‪.‬‬


‫لكن لو أتى في ال ّشارع و ضرب شخصا على وجهه بالكف ِمن غير استحقاق‪ ،‬ظُلم‬ ‫أو ال؟ ال يمتلك الح ّ‬ ‫ق في ضربِه‪ .‬و هكذا في األموال و في ال ّدماء‪ ،‬و في ك ّل شيء‪.‬‬ ‫و هذا تعريف دقيق ج ّدا‪ .‬لكن هذا التّعريف ال ينطبق على هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬لماذا؟‬ ‫صح أو يمكن أن يُقال فيه أنّه ال يملُ ُكهُ هللا‪ .‬هللا مالك الملك‪ .‬هو‬ ‫ألنّه ال يوجد شيء ي ِ‬ ‫خالق لك ّل شيء‪ .‬من يقول له أنّك أنت تصرّفت هكذا؟ من أنت؟ هو يتصرّف في‬ ‫ُمل ِكه‪ .‬هو الّذي خلق و يحيي و يميت و له ما و من في السّماوات و األرض‪ .‬ال توجد‬

‫ظلمت و أنت هنا عدلت‪ ،‬وتصرّفت في ما ال تملك‪ .‬غلط‪R( .‬‬

‫)‪ ،‬هذا المصطلح‬

‫ال ينطبق على هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪.‬‬ ‫و لذلك الظّلم فلسفيّا‪ ،‬بشكل صحيح‪ ،‬ال يُتصو ُر في ح ّ‬ ‫ق هللا‪ .‬أنت ال تستطيع أن‬ ‫ي حالة ّ‬ ‫ي طريقة‪ .‬و ال تستطيع أن تثبت في أ ّ‬ ‫تتص ّوره بأ ّ‬ ‫أن هللا يكون ظالما‪ ،‬مهما‬ ‫كنت عبقريّا‪ .‬ستقول لي‪« :‬كيف هناك أطفال يُخلقُون ُمشو ِهين؟ و ّ‬ ‫يتعذبون؟‪»...‬‬ ‫أنا أعرف حالة فتاة‪ ،‬ح ّدثتني عنها الوالدة‪ ،‬عمرها تقريبا ‪ 65‬سنة‪ُ ،‬ولِدت ال تسمع‬ ‫وال تُبصر و ال تمشي معاقة‪ ،‬و ال تكاد تشعر بما حولها‪ ،‬عندنا في المعسكر‪ ،‬و هكذا‬ ‫هي مم ّددة على سريرها منذ ‪ 65‬سنة‪ ،‬أبدا و دائما تئِ ّن ليل نهار المسكينة‪ .‬و أ ّمها‬ ‫ت ُزقها بالطّعام زقًّا‪ .‬فقط‪ ،‬هذا هو‪ .‬تقول لي‪« :‬اُنظر إلى هذا الظّلم»‪ .‬أ ّ‬ ‫ي ظلم؟ (الشّيخ‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫أ ّ‬ ‫ي قدرة تستطيع أن تحاسب هللا و تستطيع أن تُعير له معايير و تقول له أنت هنا‬

‫يضحك)‪ ،‬الظّلم حين يكون في ما ال تملك‪ ،‬لكن في ما يملك‪ ،‬و هو الخالق تبارك‬ ‫وتعالى‪.‬‬ ‫و بعد ذلك‪ ،‬لِتقول لي ظلم‪ ،‬يجب أن يكون عندك ِمن العلم‪ ،‬ما شاء هللا‪ ،‬علم إله ّي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ي هو الّذي يعطيك الحكمة و مدى الحكمة‪ .‬إذا قلت لي‪« :‬أين الحكمة‬ ‫ألن العلم اإلله ّ‬ ‫أن يخلُق فتاةً مثل هذه؟»‬

‫‪36‬‬


‫يجب أن يكون لديك عل ُمهُ‪ ،‬و عارف ك ّل شيء و محيط بك ّل شيء‪ .‬و أنت ال تملك‬ ‫هذا العلم‪ .‬و هللا أعطانا مثاال ذكيّا و جيّدا ج ّدا؛ في سورة عجيبة ج ّدا‪ ،‬كما ه ّزتنا حين‬ ‫سمعناها أل ّول مرّة و نحن صغار‪ .‬سورة ‪ ،Y‬يأتي و يخلع سفينة ناس و ر ّكبوها‬ ‫و كذا و ‪‬موسى‪ ‬لم يستطع أن يستوعب‪ .‬هللا يريد أن يعلّم ‪‬موسى‪‬؛ بعل ِمك‬ ‫ي و كذا‪ ،‬لكن تبقى بشرا و أنت‬ ‫المحدود يا نب ّي‪ ،‬أنت عالم كبير صح و ربّان ّي و نب ّ‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫نب ّي رسول‪ ،‬عل ُمك محدود ليس مثل علمي‪ .‬علمك نقطة في بحري‪ ،‬يريد هللا أن يقول‬ ‫له‪ ،‬صح؟ لم يقدر على الفهم سيّدنا ‪‬موسى‪ ،‬لم يقدر على االستيعاب لماذا (حصل‬ ‫ما حصل)‪ .‬بعد ذلك ل ّما استوعب ما الّذي يحدث و الملك وراءهم‪ ،‬ف ِهم‪ ،‬لكن لم يكن‬ ‫يعرف‪( ،‬يقصد قصّة سيّدنا ‪‬موسى‪ ‬و ‪‬الخضر‪ ،‬عليهما السّالم)‪ .‬مضبوط أو‬ ‫ال؟‬ ‫فلِكي تحكم على أنّه حكيم أو غير حكيم‪ ،‬عادل غير عادل‪ ،‬مناسب غير مناسب‪،‬‬ ‫يص ّح ال يصحّ‪ ،‬يجب أن يكون لديك العلم المحيط‪ .‬هذا عند ربّ العالمين‪ .‬فل ّما تؤ ِمن‬ ‫بإله عنده العلم كلّه و القدرة كلّها و العدل و الجمال و الكمال و الحكمة‪ ،‬انتهى‪ .‬سلم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ۡ ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫)‪َ  :‬ل ي ُ ۡسئل م اما َفف َعل ‪ .e S،٢٣ W  U‬و هذه اآلية‬

‫و قال (‪y‬‬

‫ِمن أصدق شيء يقال و يُسمع‪ .‬و فعال ال يُسأل‪ .‬تعرفون لماذا؟ ّ‬ ‫ألن المساءلة يترتّب‬ ‫عليها ال ُمجازاةُ‪ .‬هل يستطيع أحد أن يجازي هللا؟ هللا ل ّما د ّمر القرى و د ّمر المدن ماذا‬ ‫َ َ​َ ُ ُ ۡ‬ ‫)‪َ  :‬وَل َياف مق َبَٰ َها ‪ .u S،٥١ W ‬قال لهم أد ّمركم وأسحقكم‬ ‫قال (‬

‫‪‬‬

‫سحقا و ال أحد يقدر من بعد‪ ،‬يعتب عل ّي! و ال تقدر‪( .‬الشّيخ يضحك)‪ّ ،‬‬ ‫ألن الملك كلّه‬ ‫ا‬ ‫إليه‪ ،‬ال هلإ إال هو‪ .‬الك ّل في قبضته‪ ،‬الك ّل في قهره‪.‬‬ ‫‪37‬‬


‫لذلك ِمن أين يأتي ال ِحرمان؟ ِمن االعتراض‪ .‬تعترض على حكمة هللا! تعترض عن‬ ‫تصرّفه! ممنوع أن تعترض يا مسكين أنت‪ .‬تهلك في ال ّدنيا و في اآلخرة‪ .‬أو غير‬ ‫صحيح؟ سلم‪ ،‬ال تعترض‪.‬‬ ‫و هذه الفائدة الكبرى لقصّة ‪‬موسى‪ ‬و ‪‬الخضر‪ ،‬صحيح أو ال؟ و بعد ذلك‬ ‫كان أصعب لما قتل غالما‪ .‬غالما زكيّا‪ .‬قال له (في محكم التّبيان)‪...  :‬قَ َال أَ َق َتلۡتَ‬ ‫ّ‬ ‫َۡ‬ ‫نفسا َزك اِيَۢة ‪ .Y S،٤٧ W  U‬طبعا‪ ،‬وصفها بالزكاوة‪ ،‬لماذا؟ ألنّه لم‬ ‫في رواية‪ ،‬هكذا‪ .‬هذا تحد لِـ ‪‬موسى‪ ،‬لمشاعره و تعليم لنا‪.‬‬ ‫ا َ ۡ ۡ َ َ ۡ ُّ ۡ‬ ‫ت شيا نكرا ‪( ‬تكملة اآلية السّابقة)‪ .‬قال له‪ ،‬هذا‬ ‫جئ‬ ‫قال ‪‬موسى‪...  :‬لقد ِ‬ ‫أمر منكر‪ ،‬و الك ّل يستنكر هذه األشياء‪ ،‬ال ُعرف و العقل و ال ّدين‪ .‬و هكذا‪ .‬هذه هي‬ ‫القصّة‪ ،‬رأيتم؟ تعليم لنا‪.‬‬ ‫فاُترك هذا األمر لربّ العالمين‪ ،‬ع ّز و جلّ‪ ،‬لصاحب العلم المطلق‪ .‬و هناك كلمة‪،‬‬ ‫سبحان هللا‪ ،‬عند العوا ّم‪ ،‬كم هي عظيمة‪ ،‬سبحان هللا‪ .‬وهللاِ كأنّها ِمن ميراث النّب ّوة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫تعرف‬ ‫ب الخترتُم ما فِي الواقِ ِع ‪ .‬لو‬ ‫عظيمة ج ّدا‪ .‬تقول‪ :‬لو علِمتُم ما فِي الغي ِ‬ ‫ربنا ما حكمتُه‪ ،‬في ما فعل بك اآلن و في ما ابتالك به‪ ،‬لو تعرف غيبهُ و ماذا أع ّد‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫يبلغ ال ُحلُم‪ ،‬يعني لم يقترف ذنبا‪ ،‬هذا المسكين‪ .‬لم يعمل إثما‪ .‬أخذه و قطع له رأسه‬

‫لك‪ ،‬تقول‪« :‬آآه! أحسن شيء ما حصل لي‪ ،‬يا رب لك الحمد»‪ .‬مضبوط أو ال؟‬ ‫موضع السّؤال نفسه‪ ،‬لماذا اإلنسان يُبتلى و يولد أعمى و مشوها و معذبا و يئِ ّن و‬

‫‪‬‬

‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫كانُوا‬ ‫ام ِة لَ ْو َ‬ ‫‪...‬لَيَتَ​َمنَّيَ َّ‬ ‫ن أَ ْهلُ ال َعافيَة يَ ْومَ القيَ َ‬

‫)‪ ،‬قال‪ :‬‬ ‫ي‪( ،‬‬ ‫ي ِح ّن‪ ،‬إلخ‪ .‬النّب ّ‬ ‫ض و ن ِشروا بِالمن ِ‬ ‫اشيرِ‪( ،.‬يبدو أنّ الشّيخ يقصد الحديث التّالي الّذي رواه‬ ‫َ‬ ‫قُرِضوا بِالمقَارِي ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪‬الطّبرانيّ‪ ‬في «المعجم الكبير»)؛‬ ‫ُ‬

‫َ‬

‫‪38‬‬


‫‪‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المتَصدِّ ِق فَيُ ْنصب لِْلِح َس ِ‬ ‫ام ِة فَيُ ْنص ِ ِ ِ‬ ‫اب‪،‬‬ ‫يُ ْؤتَى بِالشَّهيد يَ ْومَ القيَ َ‬ ‫َُ‬ ‫َُ‬ ‫ب لْلح َساب‪ ،‬ثُمَّ يُ ْؤتَى ب ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثُمَّ ي ْؤتَى بِ ِ ِ‬ ‫صب ا‪،‬‬ ‫ص ُّ‬ ‫ب لَ ُه ْم م َ‬ ‫ْ‬ ‫ب عَلَ ْي ُه ُم اَأ ْ‬ ‫يزان َو َل يُ ْنشَ ُر لَ ُه ْم د َ‬ ‫ُ‬ ‫صُ‬ ‫َج ُر َ‬ ‫يوان َو يُ َ‬ ‫أَهل البَ​َ​َلء فَ​َ​َل يُ ْن َ‬

‫أَن أَهل العافِي ِة لَيتَمنَّون فِي الموقِ ِ‬ ‫المقَارِي ِ‬ ‫ض ِم ْن ُح ْس ِن‬ ‫ف َّ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫أَن ْ‬ ‫َحتَّى َّ ْ َ َ َ َ َ ْ َ‬ ‫أَج َسادَ ُه ْم قُرِ َ‬ ‫ض ْ‬ ‫َْ‬ ‫اب ِ‬ ‫ثَ َو ِ‬ ‫‪ ،‬معلّم النّاس الخير)‪.‬‬ ‫الل لَ ُه ْم ‪( .‬‬

‫‪s‬‬

‫لماذا؟ هناك نظريّة عند ال ّشيعة‪ّ ،‬‬ ‫لكن معناها صحيح عند ال ّسنّة أيضا‪( ،‬و هي) نظريّة‬ ‫األعواض‪ ،‬صح أو ال؟ انتبه! مستحيل إنسان‪ ،‬هللاُ في ال ّدنيا أعطاه‪ ،‬عاش ُمرفهًا‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫مع ّززا مكرّما‪ ،‬ال مرض و ال كذا و ال صار له شيء و عنده أوالد و عنده بنات‬ ‫وعنده ك ّل شيء و هللا م ّد له‪ ،‬كما يفعل لبعض الكفّار‪ ،‬ماذا قال هللا في ذلك الخبيث؟‬ ‫ت َ َُلۥ َماَل ام ۡم ُدودا ‪َ ١٢‬و َبننيَ‬ ‫اللّهم ص ّل على سيّدنا ‪( ،‬في كتابه العزيز)‪َ  :‬و َج َعلۡ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ا ُّ َ ُ َ‬ ‫ۡ‬ ‫ش ُهودا ‪ ١٣‬ومهدت َلۥ تم ِهيدا ‪ ٥٢ W ‬و ‪ ٥٣‬و ‪ .MS،٥٧‬هللا يعطيه‪ .‬يقول‬ ‫له‪ ،‬خذ‪ ،‬خذ‪ ،‬خذ‪ .‬و هو ّ‬ ‫يظن أنّه‪ ،‬ما شاء هللا‪ ،‬قريب و حبيب و نسيب‪ .‬هللا يقول‪ ،‬ال‪.‬‬ ‫كلّه فتنة له‪ .‬و إنسان آخر يتعرّض للبالء؛ لألمراض‪ ،‬للسّجن‪ ،‬للقتل‪ ،‬للتّعذيب‪،‬‬ ‫النتهاك ال ِعرض‪ ،‬في سبيل دينه‪.‬‬ ‫لو كان االبتالء و امتحان اإلنسان و إذالله و تعذيبه و سحقه أحيانا‪ ،‬عالمة ظلم‬ ‫وعالمة انتفاء حكمة‪ ،‬لما جعل هللا أش ّد النّاس بال ًء أنبياءه و أصفياءه‪ .‬إذا هللا يحبّ‬ ‫العبد ين ّزل عليه البالء‪ .‬و هذا البالء قد يصل إلى القتل‪.‬‬ ‫رأينا كيف ‪‬يحيى‪ ‬قُتِل‪ .‬كيف أبوه ‪‬زكريّا‪ ‬نُ ِشر بالمنشار من الرّأس‪ ،‬في‬ ‫رواية إسرائيليّة‪ ،‬و تأ ّوه ل ّما نزل المنشار على رأسه‪ ،‬فأوحى هللا إليه لئن أعدتها ثانية‬ ‫ألم ُحون اسمك ِمن ديوان النّبيين‪ .‬اِصبر لقضائي‪ .‬اُنظر نبيّنا ماذا فُ ِعل به‪ ،‬و باألنبياء‬

‫‪39‬‬

‫و بالصّالحين و بأولياء هللا‪ .‬لماذا؟ ألنّه في اآلخرة يوجد أعواض‪ .‬على قدر البالء‬ ‫والصّبر يكون فيه األجر؛‬


‫ا َ ُ َ ا ا َٰ ُ َ َ ۡ َ ُ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫حساب ‪.E S،٥٠ W ‬‬ ‫ۡ ِ‬ ‫(‪...  ):6‬إِنما يوَّف ٱلص ِ​ِبون أجرهم بَِغ ِ‬ ‫فالمسرحيّة ال تنتهي في ال ّدنيا‪ ،‬كما قلنا قبل في خطبة‪ .‬إذا تأخذ األمور في ال ّدنيا‪،‬‬ ‫العقل يقول ّ‬ ‫أن هناك شيء ِمن الظّلم‪ ،‬يا أخي‪ ،‬هناك شيء غير طبيع ّي‪ ،‬غير مفهوم‬ ‫عندي (العقل يقول)‪ ،‬صح أو ال؟ ّ‬ ‫ألن الفصل األ ّول هو األخير‪ ،‬لكن الفصل األ ّول‬ ‫هو األ ّول و تليه فصول‪ .‬صحيح؟ في القبر هناك فصل‪ ،‬في يوم الحشر و الحساب‬ ‫و بين النّاس و حين يكون االفتضاح و حين يكون اإلكرام و التّشفيع و اإلظالل بظ ّل‬ ‫و هو أكبر‪ ،‬إن شاء هللا‪ .‬هذا هو‪ .‬فك ّل األمر إليه تبارك و تعالى‪.‬‬ ‫لذلك غلط‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ّ ،‬‬ ‫أن اإلنسان يح ّكم منطقه البشر ّ‬ ‫ي الضّعيف البسيط المحدود‪،‬‬ ‫ي الكليم‪.‬‬ ‫و حتّى إن كان منطق ‪‬موسى‪ ‬النّب ّ‬ ‫ل ّما تُحكم‪ ،‬أنت عقلك‪ ،‬في أفعال هللا تقع في أخطاء كبيرة ج ّدا ج ّدا‪ .‬ال تستطيع‪ .‬يا‬ ‫سيدي‪ ،‬أنت قرّب األمر إلى نفسك و انظر؛ أنا أتح ّدث عن نفسي عبد هللا الفقير فعال‪،‬‬ ‫وهللاِ وقعت لي أشياء حين وقعت اعتبرتها مصيبة‪ ،‬مصيبة‪ ،‬و لم يظهر لي وجه‬ ‫الحكمة فيها‪ ،‬لكن ما صبّرني بحمد هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬كنت أعلم ّ‬ ‫أن هذا المنام فعل‬ ‫هللا‪ ،‬ع ّز و جلّ‪ ،‬ليس فعلي و سيكون مآله خيرا‪ ،‬و هذا يصبّر اإلنسان آلخر لحظة‪.‬‬ ‫اآلن‪ ،‬أقسم باهلل‪ ،‬لو اخترت فسأختار بال تر ّدد‪ ،‬أن يقع ما وقع‪ .‬أقسم باهلل‪ .‬و متأ ّكد‪،‬‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫عرش الرّحمان هذا فصل ثاني‪ .‬و الجنّة و النّار هي الفصل األخير‪ ،‬مع رضوان هللا‬

‫ك ّل واحد منكم يسأل نفسه‪ ،‬وقع له مثل هذا ال ّشيء‪ ،‬صح؟ لكن حين وقع له ما كان‬ ‫يمكن له أن يتسلّح بهذا المنطق‪ ،‬يقول‪« :‬لو ّ‬ ‫أن هللا يكشف عنّي ما بي‪ ،‬لو تذهب هذه‬ ‫المصيبة‪ ،‬لو‪ ،‬لو‪ ،‬لو‪ »...‬و بعد سنوات‪ ،‬يبدو له وجه الحكمة‪ ،‬طبعا هذا ال يقع لكلّنا‪،‬‬ ‫انتبهوا! أنا أقول ّ‬ ‫أن ك ّل أحد واقِع له مثل هذا ال ّشيء لكن ليس في ك ّل شيء‪ ،‬صح أو‬ ‫ال؟ يعني يكون إنسان عنده ابن وحيد‪ ،‬يصاب بمرض يُحم فيموت‪ .‬و تمضي ‪39‬‬ ‫سنة على موته‪ ،‬و يمكن لم يرزقه هللا غيره‪ ،‬ألنّه الوحيد و جاءه على ِكبر‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫إلى ح ّد اآلن يكون غير فاهم لماذا مات ابنه‪ ،‬و يقول‪« :‬نفسي أن تقوم القيامة كي أفهم‬ ‫الحكمة لماذا ربّي أخذ ابني‪ .‬ما الحكمة؟» كمؤمن‪ ،‬هناك الحكمة‪ .‬صحيح؟ ليس شرطا‬ ‫أن تفهمها في ال ّدنيا‪ ،‬ممكن تفهمها‪ ،‬لكن ليس شرطا‪ .‬لكن قطعا يوم القيامة سوف‬ ‫تظهر لك و تفهم تماما و تحمد هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬حكمة‪ ،‬حكمة‪ .‬ك ّل شيء له حكمة‪.‬‬ ‫نحن رأينا‪ ،‬أمس في الخطبة‪ ،‬كيف ّ‬ ‫أن حكمة‪ِ ،‬من أعجب ِحك ِم هللا‪ ،‬يعني لماذا ربّنا‪،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫تبارك و تعالى‪ ،‬شاء أن يشبّه أمر المسيح على اليهود و النّصارى‪ .‬و هو الّذي فعل‬ ‫َ​َۡ ُ​ُ َ َ​َۡ ُ‬ ‫ٱللۖٓ َو ا ُ‬ ‫ك ُر ا ُ‬ ‫ٱلل‬ ‫ذلك‪ ،‬ع ّز و جلّ‪ .‬حكمة هلل‪ ،‬مكر هللا‪  :8 .‬ويمكرون ويم‬ ‫َخ ۡ ُ‬ ‫ۡ ٱلۡ َمَٰكِر َ‬ ‫ين ‪ .E S،٣٠ W ‬هللا له مكر معيّن‪ ،‬يا أخي‪ .‬الك ّل ُشبه عليه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫حتّى الحواريّين‪ ،‬حتّى ‪‬مريم‪ ،‬و إلى ح ّد اآلن بقي هذا األمر غامضا على اليهود‬ ‫و النّصارى‪ .‬نحن‪ ،‬أيضا لحكمته‪ ،‬أعطانا الحقيقة هكذا سائغة بسيطة‪ ،‬قال أنّه غير‬ ‫َ ۡ ُ ََۡ​َ ََۡ ۡ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫صحيح‪ ،‬و ل ّخصها بعد ذلك بكلمة‪  )6( ،‬ذَٰل ِك عِيَس ٱبن مريمۖٓ قول ٱۡل ِق‬ ‫ا‬ ‫َ َُۡ َ‬ ‫ٱَّلِي فِيهِ فمَتون ‪ .a S،٣٧ W ‬ك ّل األمم غيركم ال يعرفون هذه الحقيقة‪،‬‬ ‫و أنتم عرفتموها‪ .‬طيّب‪ ،‬لماذا؟ حكمة؛ من أجل جورج بوش و العراق و فلسطين‬ ‫والحروب الصّليبيّة‪ ،‬و ك ّل هذا صار في التّاريخ و يصير ِمن وراء هذا األمر‪ ،‬و ّإال‬ ‫لو كان أمر ‪‬المسيح‪ ‬ظهر على وجه واضح ج ّدا ج ّدا و أنّه لم يُصلب و لم يُقتل‬ ‫و كان كذا إلخ‪ ،‬و جاء القرآن و أخبر‪ ،‬أنا متأ ّكد ‪ِ ٪09‬من النّصارى سيدخلون اإلسالم‬ ‫و سينزوي ال ّدين النّصران ّي و تتك ّون الكتلة األعظم‪ ،‬تقريبا‪ ،‬اسمها اإلسالم‪.‬‬ ‫وسيختلف ك ّل التّاريخ‪ .‬هللا ال يريد هذا‪ .‬هللا عنده الحكمة مختلفة تماما‪ ،‬ع ّز و جلّ‪.‬‬ ‫حكمته تبارك و تعالى‪ .‬ألنّه هو قال حتّى هؤالء النّصارى‪ ،‬المثلثين و الّذين عندهم‬ ‫مبدأ الصّلب و مبدأ كذا‪ ،‬هم أقرب النّاس مو ّدة للّذين آمنوا‪ ،‬و صدق هللا‪ .‬و أنا شخصيّا‬

‫‪41‬‬

‫و أنت نشعر أنّهم أقرب إلينا ِمن اليهود مائة في المائة‪ ،‬صح؟ اليهود بعيدون ج ّدا‬ ‫ج ّدا منّا‪ ،‬سبحان هللا‪ ،‬بأفكارهم بعقائدهم بنفوسهم‪ .‬النّصارى أقرب‪ ،‬فعال‪.‬‬


‫َ َ َ َ ا َ ۡ َ َ ُ ا َ ا ا َ َ َ ُ ْ ا َ َ ُ ٓ ْ ا َ َ َٰ َ َٰ َ َٰ َ َ ا‬ ‫ى ذل ِك بِأن‬ ‫جدن أقربهم مودة ل َِّلِين ءامنوا ٱَّلِين قالوا إِنا نصر ٰۚ‬ ‫و هللا قال‪...  :‬وَل ِ‬ ‫َ َ ُ ۡ َ َ​َا ُ ۡ َ َۡ َ ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫سني ورهبانا وأنهم َل يستك ِ​ِبون ‪ .8S،٢٢ W ‬حتّى الباقي‬ ‫مِن ُه ۡم ق ِ​ِسي ِ‬ ‫ِمن دينهم يقرّبهم إلى ديننا‪ .‬ألنّه‪ ،‬رأيتم ‪‬يسوع‪ ‬كيف قصّته‪ ٪09 ،‬نتّفق عليها‪،‬‬ ‫هم و نحن‪ .‬صح؟ و نفترق في النّقطة األخيرة‪ ،‬سبحان هللا‪ .‬لماذا؟ هناك حكمة إلهيّة‪،‬‬ ‫حكمة على مستوى التّاريخ البشر ّ‬ ‫ي كلّه‪ِ ،‬من أيّام المسيح إلى اليوم إلى أن تقوم‬ ‫السّاعة‪ ،‬و ينزل المسيح‪ .‬حكمة‪ .‬في ك ّل شيء له حكمة ع ّز و جلّ‪.‬‬

‫ر ّد ك ّل عناصر الوحي‪ ،‬و ك ّل مأتيّاتك و مشموالتك هي العقل‪ .‬إذا كان ك ّل شيء على‬ ‫العقل أن يبرّره و يفهمه‪ ،‬فال حاجة للوحي ِمن أصله‪ ،‬صح أو ال؟ كان ربّنا ينسخ‬ ‫الوحي كلّه‪ ،‬وال يكون هناك وحي و يقول للعقل خذ م ّدتك و الفرصة و عبر القرون‬ ‫ستعرف ك ّل ما أريد لك معرفته‪ .‬أو غير صحيح؟ هللا ال يريد هكذا‪ .‬بالعكس‪ ،‬عارف‬ ‫ّ‬ ‫أن العقل أعجز ِمن ذلك‪ِ ،‬من أن يصل إلى هذا ال ّشيء‪ .‬فاختصر لك الطّريق و قال‬ ‫لك سأعطيك إلى جانب العقل و الحسّ و تجربتك‪ ،‬سأعطيك الوحي‪ ،‬سأعطيك‬ ‫المعارف النّهائيّة الصّحيحة؛ بعد ما تكون ص ّدقت و آمنت ّ‬ ‫أن هذا هو وحي هللا‪ ،‬فعال‪.‬‬ ‫فهذا كاف‪ .‬هذا هو الجائز بأقسامه كما قلنا‪.‬‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫و هذه هي فائدة الوحي‪ .‬ال تحاول أن تجرّد الوحي ِمن ميزاته و خصائصه بمحاولة‬

‫آخر شيء‪ ،‬لل ّشيخ (‪‬ال ّلقّانيّ‪ ،)‬رحمة هللا عليه‪ ،‬تح ّدث عن إيمان المقلّد‪،‬‬ ‫وعلّل لوجوب المعرفة‪ ،‬أنّه يجب على ك ّل مكلف‪ ،‬أن يعرف في ح ّ‬ ‫ق هللا و المرسلين‪،‬‬ ‫الواجب و الممتنع و الجائز بقوله‪:‬‬

‫‪ِ 9‬إذْ ُكل من َش َّ ِ‬ ‫َّوِحـيـ ـ ـ ــِْ‬ ‫ك في التـ ْ‬ ‫َْ‬

‫ِإيـمـَانُـهُ لَـ ــمْ يـَ ْخـلُـو ِمنْ َ ْـرِ​ِيـ ــِْ‬

‫ما ترديد؟ ش ّ‬ ‫ك‪( ،‬أحد اإلخوة قال 'تردّد' و أقرّه الشّيخ)‬

‫‪42‬‬


‫‪9‬‬

‫فَِف ِيه بـعض ال َق ِ‬ ‫ح ِكي الخُ ْل َفا‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َْ ُ ْ َ ْ‬

‫‪9‬‬

‫ـج ـ ِزمْ ِب ـ َق ْـوِل الغَـيـ ـْ ِر‬ ‫فَـ َق َ‬ ‫ـال ِإ ْن يـَ ْ‬

‫وَ بـَعْضُهُمْ حَـَّق ـقَ ِف ـ ِيه ال َكـ ْش َفــا‬

‫َك َفى وَ ِإََّّل لَمْ يـَ َز ْل ِفي الضَّـيـِْر‬

‫هذه هي األبيات الثّالثة الّتي ناقش بها النّاظم مسألة التّقليد في العقيدة‪ .‬و هي‬ ‫ختام درسنا‪ ،‬لن نط ّول فيها‪ .‬مسألة طويلة ج ّدا ج ّدا‪ .‬سنأخذ فيها زبدة اآلراء‪،‬‬ ‫باختصار‪.‬‬ ‫مسألة التّقليد‪ ،‬ليست في الفروع‪ .‬ما الفروع؟ الحالل‪ ،‬الحرام‪ ،‬الصّالة‪ ،‬ال ّزكاة‪ ،‬في‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫هذه أكثرنا مقلّدون‪ ،‬صحيح؟ «وهللاِ‪ ،‬يا سيدي‪ ،‬فعلت كذا‪ ،‬ما هو الحُكم؟» «أخرج فدية‪،‬‬ ‫انتهى!» «وهللاِ فعلت كذا‪ ،‬حالل؟» «حالل»‪« .‬زوجتي في األسبوع األ ّول‪ ،‬أجهض؟»‬ ‫«أجهض»‪ .‬نأخذ تقليد‪ .‬و ال ّشيخ قال التّوحيد‪ ،‬و يقصد بالتّوحيد ماذا؟ توحيد هللا فقط‪،‬‬ ‫أن هللا واحد؟ (إجابات في المجلس) ُمجمل مسائل العقيدة‪ ،‬العقيدة كلّها‪ .‬لكن‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ألن‬ ‫ا‬ ‫أشرف مباحث العقيدة و أه ّم شيء‪ ،‬مبحث أنّه ' ال هلإ إال اهلل '‪ ،‬هذا أه ّم شيء‪ .‬هو‬ ‫(الشّيخ ‪‬ال ّلقّانيّ‪ )‬اختصرها‪ِ ،‬من باب أنّه عبّر بالجزء على الكلّ‪.‬‬

‫قال‪:‬‬

‫‪ِ 9‬إذْ ُكل من َش َّ ِ‬ ‫َّوِحـيـ ـ ـ ــِْ‬ ‫ك في التـ ْ‬ ‫َْ‬

‫ِإيـمـَانُـهُ لَـ ــمْ يـَ ْخـلُـو ِمنْ َ ْـرِ​ِيـ ــِْ‬

‫ُ‬ ‫ورد على النّاظم‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ .‬اإليمان ما هو؟ هو‬ ‫هنا‪ ،‬يوجد استشكال‪ ،‬أ ِ‬ ‫التّصديق الجازم‪ ،‬انتبهوا! لو لم يجزم ال يكون مؤمنا‪ .‬إذا ص ّدق جز ًما‪ ،‬بما ص ّدق به‬ ‫يُعتبر مؤمنا‪.‬‬ ‫‪43‬‬


‫فال ّشيخ يقول‪:‬‬

‫‪ِ...‬إيـمـَانُـهُ لَـ ــمْ يـَ ْخـلُـو ِمنْ َ ْـرِ​ِيـ ــِْ‬ ‫إذن أثبت له اإليمان‪ ،‬لكنّه لم يخلو ِمن ترديد‪ .‬كيف‪ ،‬يا أخي‪ ،‬التّصديق الجازم يجامعه‬ ‫ال ّش ّ‬ ‫ك و التّر ّدد؟ و أجاب عنه ال ّشرّاح‪ ،‬جوابا مستجادا طيّبا بقولهم‪ :‬إِيمانُهُ لم يخلُو‬ ‫ص ُد ذلِك‪ .‬إِنما قبُو ُل ِمث ِل هذا ا ِإليما ِن‬ ‫ان‪ ،‬هُو ال يق ِ‬ ‫اإليم ِ‬ ‫ِمن تر ِدي ِد‪ ،‬ال ِمن ُمجامع ِة الشك بِ ِ‬ ‫ك‪ .‬هو اآلن ِمن غير ش ّ‬ ‫لِلشك ‪ .‬يمكن يقبل ال ّش ّ‬ ‫ك‪ ،‬جازم‪ ،‬لكن ممكن هذا الجزم‬ ‫و نقول أنّه ال يجوز التّقليد في اإليمان‪.‬‬ ‫و كلمة 'إِذ'‪ ،‬جاءت للتّعليل‪ .‬نقول أنّه يجب عليك أن تعرف‪ ،‬الكالم الّذي شرحناه‬ ‫اليوم؛ الواجب و الممتنع و الجائز و هذه األشياء العقليّة لكي تستطيع أن تدافع عن‬ ‫ك في ال ّدين‪ .‬و ال ّش ّ‬ ‫عقيدتك و عن دينك و عن إيمانك‪ .‬لماذا؟ ألنّه ال يُقبل ال ّش ّ‬ ‫ك يكون‬ ‫بالتّقليد‪« .‬لماذا هكذا؟» «ألنّهم يقولون‪ ...‬ألنّهم يقولون‪ .»...‬و أنتم تعرفون في حديث‬ ‫عذاب القبر‪ ،‬حين يسأل بعض النّاس؛ من ربّك؟ ما دينك؟ ماذا تقول في هذا الرّجل؟‬ ‫و هو يجيب‪« :‬سمعت النّاس يقولون قوال فقلت مثلهم»‪ .‬يُقبل منه‪ ،‬مع أنّه كان يقول‬ ‫مثلهم؟ انتهى‪ ،‬ال ينفع‪ .‬ال يوجد في ال ّدين‪" ،‬قلت مثل ما قال النّاس"‪ .‬يجب عليك أن‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫يزول‪ ،‬بأدنى شبهة أو بأقوى شبهة أو بشبهة متوسّطة‪ .‬صحيح؟ و هذا الكالم سنناقشه‪.‬‬

‫تقول عن عقيدة‪.‬‬ ‫فهل هذه العقيدة تقوم على التّقليد؟ و قد نعى هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬في كتابه العزيز‬ ‫في عشرات المواضع على الكفّار و أمثالهم تقليدهم آلبائهم و السّابقين ِمن أسالفهم؛‬ ‫ا َ َ ۡ َٓ َ ََٓ​َ َ​َ ُ‬ ‫ا‬ ‫(قال ‪...  )‬إِنا وجدنا ءاباءنا َٰٓ‬ ‫لَع أمة ‪.M S،٢٢ W  U‬‬

‫‪44‬‬


‫َ ٓ ََۡ َۡ َ َۡ َ ََٓ​َٓ‬ ‫(و قال ‪...  )‬ما ألفينا عليهِ ءاباءنا ٰۚ ‪ .2 S،٥٤٠ W  U‬نحن مثلنا‬ ‫مثلهم (الكفّار يعني)‪ .‬هللا قال‪ ،‬ال‪ .‬ال ينفع هذا الكالم‪ .‬صحيح؟ و هللاُ جعل ِمن أكبر‬ ‫َ​َ َُ ُ ْ َ​َ ا َ َ َۡ َُ َ‬ ‫) ‪ ... ‬وأن تقولوا لَع ٱللِ ما َل تعلمون ‪.C S،٣٣ W ‬‬ ‫الكبائر؛ قال (‬

‫‪y‬‬

‫و ال يمكن يقال للتّقليد‪( ،‬أنّه) علم‪ .‬صحيح؟ هذا تقليد‪ ،‬يا أخي‪ .‬ال تملك دليل و تقول‬ ‫علم‪ .‬ال يوجد علم‪ .‬الزم تتكلّم عن هللا و تؤمن به عن علم‪.‬‬ ‫َ ۡ َ ۡ َ ا ُ َ ٓ َ َٰ َ ا ا‬ ‫ُ‬ ‫‪  :8‬فٱعلم أنهۥ َل إِله إَِل ٱلل ‪.U S،٥٩ W  U‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫ث ّم ّ‬ ‫إن التّقليد‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬فيه إهدار لمنافع اآليات الّتي خلقها هللا‪ .‬يعني‪ ،‬هللا حين‬ ‫خلق هذا الكون‪ ،‬ك ّل ما في الكون آيات على هللا و مجاري لصفات هللا‪ ،‬تبارك وتعالى‪.‬‬ ‫ل ّما اإلنسان يكون مقلّدا‪ ،‬معناها عطّل ك ّل هذه اآليات‪ .‬و ال كأنّه انتفع بأ ّ‬ ‫ي شيء فيها‪.‬‬ ‫حتّى وسائل الحسّ ‪ ،‬ل ّما هللا خلق لك أذنين و عينين و عقال و كذا‪ ،‬لماذا خلقها؟ تقول‪:‬‬ ‫« ِألنتفِع بها في معاشي»‪ .‬صح‪ .‬لكن أه ّم ِمن هذا‪ ،‬و هللا نبّهنا‪ .‬قال لك‪ ،‬ال؛ أنا خلقتها‬ ‫بدرجة أولى لتستد ّل بها عل ّي‪.‬‬

‫ماذا قال تبارك و تعالى‪َ  :‬ألَمۡ‬ ‫ٱَلا ۡج َديۡ ِن ‪ ٢ W ‬و ‪ ٩‬و ‪ .sS،٥٠‬خلقها لك لكي تستطيع أن تستهدي بها‬ ‫إلى طريق هللا‪ .‬هذا هو‪ .‬و ليس لكي تبقى تشرب و تنام فقط‪ ،‬حتّى البهائم تفعل ذلك‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ َ َ َۡ‬ ‫َ​َنۡ َعل ا َُلۥ َم ۡينَ ۡني ‪َ ٨‬ول َ‬ ‫ني ‪َ ٩‬وه َديۡ َنَٰ ُه‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ان‬ ‫ِس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫أين ميزة اإلنسان كإنسان؟‬ ‫َ​َ​َ‬ ‫ا َ َ َ َۡ‬ ‫َ ُ ُّ َ َ َ ۡ َ َ ُ ۡ َ ۡ َ ُ ۡ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫َٰ‬ ‫ت وٱۡل ِ‬ ‫ۡرض فمرون عليها وهم منها مع ِرضون‬ ‫(‪  :)6‬وكأيِن مِن ءاية ِ​ِف ٱلسمو ِ‬ ‫ا ا َ ُ ُّ ۡ ُ َ‬ ‫َ​َ ُۡ ُ َ ۡ َُ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ۡشكون ‪ ٥٠١ W ‬و ‪ .MS،٥٠٦‬ألنهم‬ ‫‪ ١٠٥‬وما يؤمِن أكَثهم بِٱللِ إَِل وهم م ِ‬ ‫‪45‬‬

‫ال ينتفعون باآليات‪.‬‬


‫روى ‪‬ابن ِحبان‪ ،‬بإسناد صحيح‪ ،‬في صحيحه و ‪‬أبو بكر بن مر ُدويه‪‬‬ ‫واإلمام ‪‬الطّبران ّي‪ ‬و غيرهم‪ ،‬حديث ذكرناه ع ّدة مرّات و شرحناه في ع ّدة‬ ‫خطب حتّى‪ّ ،‬‬ ‫أن الرّسول ل ّما أُنزل عليه اآليات األواخر ِمن سورة ‪4‬؛‬

‫َ َۡ‬ ‫ُ‬ ‫ا‬ ‫َ ۡ َ‬ ‫َ‬ ‫(‪  :)6‬إ ان ِف َخلۡق ا َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫ۡ‬ ‫َٰ‬ ‫َٰ‬ ‫ت وٱۡل ِ‬ ‫ۡرض وٱختِل ِف ٱَّل ِل وٱَلهارِ ٓأَليت ِۡلو ِي‬ ‫ٱلسمَٰو َٰ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ۡ َۡ‬ ‫ا َ َۡ ُ​ُ َ ا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫ب ‪ ١٩٠‬ٱَّلِين يذكرون ٱلل ‪ ٥٩٠ W  U‬و ‪ .4 S ،٥٩٥‬معروف‬ ‫ٱۡللب ِ‬ ‫)؟‪‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أَها‪،‬‬ ‫ي(‬ ‫لدى الجميع‪ .‬ماذا قال النّب ّ‬ ‫أَه َّ‬ ‫ن‪ ،‬و في رواية ل َم ْن قَ​َر َ‬ ‫ن قَ​َر ُ‬ ‫َو ْي ل ل َم َ‬ ‫يه َّن‪ ،‬وي ل لَه‪ ،‬وي ل لَهُ‪.‬‬ ‫ن‪ ،‬و في رواية و لَم يتفَكَّر فِيها أو فِ ِ‬ ‫َولَ ْم يَتَدَبَّ ْر ُه َّ‬ ‫َ ْ َ​َ ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َْ‬

‫‪‬‬

‫ال ّديار'‪ .‬كان يس ّميهم ‪‬شكيب أرسالن‪' ،)3518-3685( ‬المسلمون الجغرافيّين'‪،‬‬ ‫يعني موجود في أرض إسالميّة فهو مسلم و لو ُو ِجد مع يهود سيكون يهوديّا و مع‬ ‫نصارى سيكون نصرانيّا‪ .‬ما هذا‪ ،‬يا أخي! الزم يكون لديك ميزة عقليّة‪ ،‬لتف ّكر وتبرّر‬ ‫انتماءك و تبرّر دينك و تبحث فيه دائما‪ .‬على ك ّل حال‪.‬‬ ‫خلّينا نرى باختصار ماذا قال العلماء في إيمان المقلّد‪ .‬هناك من قال أنا أجزم‬

‫‪i‬‬

‫ق و الصّراط ح ّ‬ ‫ق و النّار ح ّ‬ ‫ق و الجنّة ح ّ‬ ‫‪ ،‬و القرآن ح ّ‬ ‫ق‬

‫و البعث و الموت و النّشور‪ ،‬جزم‪ .‬لكن بالتّقليد‪.‬‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫معناها غير مقبول أن تقول أنا مؤمن و قال النّاس و قلت مثلهم‪ ،‬و يس ّمونهم 'مسلمي‬

‫العلماء لهم فيه أقوال‪ُ ،‬محصلُها هكذا؛‬ ‫‪ ‬واحد‪} :‬ال يُقبل إيمانه و هو كافر{‪ .‬لكن قبل أن نُنهي‪ ،‬انتبهوا! مح ّل الخالف‪،‬‬ ‫مح ّل اختالف العلماء‪ ،‬في إيمان المقلّد‪ ،‬ال ّدنيا أو اآلخرة؟ (إجابة طيّبة مِن أحد‬

‫اإلخوة) أحسنت! اآلخرة طبعا‪( .‬الشّيخ يضحك)‪ .‬في ال ّدنيا حتّى المنافق‪ ،‬الّذي‬

‫لديه عالمات على نِفاقِه‪ ،‬ل ّما يقول‪« :‬‬

‫» سأقبل‪ ،‬أو غير صحيح؟‬

‫‪46‬‬


‫وأعاملُه معاملة من؟ المسلمين‪ ،‬صح؟ و حتّى إذا مات‪ ،‬يجب أن نصلّي عليه‬ ‫و ندفنه في مقابر المسلمين‪ .‬ألنّه ال يعلم ما في القلوب ّإال هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪.‬‬ ‫لكن أين يظهر أثر هذا ال ّشيء؟ ّ‬ ‫أن إيمانه مقبول أو غير مقبول؟ في اآلخرة‪،‬‬ ‫هللا سيقبل أو ال يقبل منه‪ .‬مشكلة كبيرة ج ّدا‪ ،‬عويصة‪ .‬لكن في ال ّدنيا‪ ،‬ال‪.‬‬ ‫‪ ‬ثانيا‪ :‬و مح ّل الخالف‪ ،‬أيضا‪ ،‬باألقوال سأذكرها‪ ،‬تقريبا أربعة أو أكثر‪ ،‬المه ّم‪.‬‬ ‫ك أو المتر ّدد‪ .‬فهذا مح ّل خالف أو مح ّل وفاق‪ ،‬مقلّد شا ّ‬ ‫ليس المقلّد ال ّشا ّ‬ ‫ك‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫فره‪ .‬إذا قال أحد‪« :‬وهللاِ‪ ،‬أنا أقلّد لكن لست‬ ‫ومتر ّدد؟ مح ّل ِوفاق‪ .‬الك ّل يقول ب ُك ِ‬ ‫ق ليس حقّا‪ ،‬ال أعرف‪ .‬القرآن ح ّ‬ ‫أعرف مائة في المائة‪ ،‬يعني ‪ ‬ح ّ‬ ‫ق أو ال‪،‬‬ ‫ال أعرف»‪ .‬بتقليد و مازال متر ّددا‪ ،‬هذا كافر عند الجميع‪ .‬إذن أين تحرّر مح ّل‬ ‫النّزاع‪ ،‬كما ي ُس ّمى‪ .‬ال ب ّد ِمن تحرير مح ّل النّزاع‪ .‬أين هو مح ّل النّزاع؟ (إجابة‬

‫موفّقة مِن أحد اإلخوة)‪ ،‬أحسنت! في المقلّد الجازم‪ .‬هذا الّذي اختلف فيه‬ ‫العلماء‪ ،‬على األقوال الّتي سيأتي ذكرها اآلن‪ ،‬و هي ختام المجلس‪.‬‬ ‫ي‪ 659-619( ‬هـ)‪ ،‬عالم‬ ‫نوس ّ‬ ‫منهم من قال‪ :‬كافر‪ ،‬ال يُقبل إيمانه‪ ،‬و هو ‪‬الس ِ‬ ‫منطق كبير ِمن علماء المالكيّة و يُقال أنّه عاد عن هذا القول‪.‬‬ ‫منهم من قال‪ :‬يُقبل إيمانه مع المعصية‪ .‬إيمانه مقبول إذا جزم به‪ ،‬لكن هو عاص‬ ‫إن كان قادرا و مستأهال للنّظر‪ .‬إذا كانت له القدرة أن ينظر و ير ّكب األدلّة ويفهم‬ ‫و يدرس و يسمع و يتعلّم و لم يفعل و قلّد في اإليمان مع الجزم و اليقين الكامل‪،‬‬ ‫إن شاء هللا‪ ،‬من دون تر ّدد فإيمانه مقبول مع المعصية‪ .‬هو آثم عند هللا‪ .‬وهذا القول‬ ‫ترونه وجيها أو غير وجيه؟ وجيه ج ّدا‪ .‬هذا تقريبا أوجه األقوال‪ّ .‬‬ ‫ألن هذا (المقلّد)‬

‫‪47‬‬

‫عطّل آيات هللا‪ ،‬عطّل السّمع‪ ،‬عطّل البصر‪ ،‬عطّل عقله‪ .‬ترك نفسه كال ّدابّة‪.‬‬ ‫صحيح؟ مقلّد في العقيدة لكن جازم مؤمن‪ ،‬لن نقول له أنت كافر‪.‬‬


‫ّألن النّب ّي ‪a‬‬

‫‪ ،‬ل ّما يأتيه من يُسلِم ال يقول له‪« :‬تعال‪ .‬عندك دليل؟ ر ّكب لي‪،‬‬

‫كيف استدلّيت؟ كيف‪...‬؟» و إنّما يقبل منه‪ .‬أو لم يكن يقبل منه؟ النّب ّي كان يقبل ما‬

‫هو أق ّل ِمن ذلك‪ .‬قال مرّة ألحد‪ :‬‬ ‫أَسلِ ْم‪ .‬قال له‪« :‬أ ِج ُدنِي كارها»‪ .‬قال له‪:‬‬ ‫ْ‬

‫‪ِ ‬‬ ‫كارِه‪ .‬قلها فقط‪.‬‬ ‫ت َ‬ ‫أَ ْسل ْم َو أَْن َ‬

‫و لذلك حجّة اإلسالم‪ِ ،‬من المفروض أن يكون ِمن أحسن من يصول و يجول في‬ ‫هذه الميادين و الحلبات‪ ،‬أبو حامد الغ ّزال ّي‪ 969-196( ‬هـ)‪ ،‬ق ّدس هللا سرّه‬ ‫ومنطيق‪ .‬فيلسوف ض ّد الفلسفة طبعا‪( ،‬الشّيخ يضحك)‪ ،‬لكن عقله فيلسوف‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫عنده كتاب اسمه «فيصل التّفرقة بين اإلسالم و ال ّزندقة»‪ ،‬له كالم في منتهى‬ ‫الجودة‪ ،‬كالم مستجاد في هذه المسألة‪ ،‬أ ّكد فيه ّ‬ ‫أن الصّحيح قبول إيمان المقلّد إذا‬ ‫ك‪ .‬لماذا؟ ّ‬ ‫كان جازما ِمن غير ش ّ‬ ‫ألن اإليمان ال يكون فقط عن تركيب أدلّة فلسفيّة‬ ‫و منطقيّة و كالميّة‪ .‬بل قال ‪‬أبو حامد‪  :‬الّ ِذي يقُو ُم إِيمانُهُ على ِمث ِل ه ِذ ِه‬ ‫األ ِدل ِة ض ِعيف‪ ،‬رُبما زال بِأدنى ُشبهة ‪ .‬طبعا‪ ،‬إذا أنت إيمانك‪ ،‬فقط‪ ،‬على‬ ‫براهين فلسفيّة و منطقيّة و حسابيّة و رياضيّة‪ ،‬يأتيك أحد عقله أكبر ِمن عقلك‬ ‫يُضيعُك في لحظة‪ ،‬تش ّ‬ ‫ك و تكفر‪ ،‬يا أخي‪ .‬لكن اإليمان في الحقيقة كما نجرّبه‪ ،‬إن‬ ‫شاء هللا‪ ،‬و كلّنا جرّبناه‪ ،‬ما هو؟ التّجربة الحقيقيّة و تعيش الحياة بتجاوب مع هللا‪،‬‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫الكريم‪ ،‬و هو متكلّم و عالم عقيدة ِمن طراز أ ّول و فيلسوف الرّجل‪ ،‬أيضا‪،‬‬

‫يا أخي‪ .‬تدعو يُلبّيك‪ ،‬ترى أشياء يقشعر لها البدن‪ .‬ترى أحيانا آيات معاجز‪ .‬تعرف‬ ‫ّ‬ ‫أن هناك ربّا موجودا يسمع و يرى و يُلبّي ال ّدعاء‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬تجربة‪.‬‬ ‫اُ َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لذلك‪ ،‬هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬قال‪  :‬ف َمن يُ ِردِ ٱلل أن فه ِديهۥ ‪S،٥٢١ W  ...‬‬ ‫ۡ َ‬ ‫َۡ َ ۡ‬ ‫ۡشح َص ۡد َرهُۥ ل ِ​ِۡل ۡسل َٰ ِم‬ ‫‪ ،A‬ماذا قال؟ يخلق له عقال فلسفيّا منطقيّا؟ أبدا‪ ...  .‬ي‬ ‫‪(  U‬تكملة اآلية)‪ .‬لذلك اإليمان نور يقدفه هللا في قلب من شاء ِمن عباده‪،‬‬ ‫تبارك و تعالى‪ .‬نور إله ّي‪.‬‬

‫‪48‬‬


‫ذلك‪ ،‬ل ّما ترى فيلسوفا أوروبيّا مستشرقا يفهم اإلسالم مثلنا مائة مرّة؛ يج ّمع‬ ‫األحاديث و القرآن‪' ،‬بلوى'! ال يتركون شيئا‪ّ .‬‬ ‫ألن عمره ‪ 09‬سنة و طول حياته‬ ‫في العلم‪ ،‬ليل نهار‪ ،‬و نجده ملحدا و كافرا‪ ،‬يسبّ هللا و الرّسول و يش ّكك في‬ ‫القرآن‪ ،‬و قد يكون عن استكبار‪ .‬و ترى آخر‪ ،‬كان موسيقار‪ ،‬مثل "كات ستيفنز"‪،‬‬ ‫(بدّل اسمه) »يوسف اإلستام«‪( ،‬أصله بريطانيّ مِن مواليد ‪ .)3516‬هذا موسيقار‪،‬‬ ‫ال فيلسوف و ال منطيق و ال عالم و ال حاجة المسكين‪ .‬إنسان غلبان‪ ،‬موسيقار‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫تائه‪ .‬حدث له شيء بسيط في موج البحر و كذا‪ ،‬و هللا أعطاه آية و أسلم‪ ،‬ما شاء‬ ‫هللا‪ .‬و تراهُ‪ ،‬تُ ِحس أنّه ِمن أهل هللا و ِمن أولياء هللا الصّاحين‪ ،‬يا أخي‪ ،‬و تُ ِحب أن‬ ‫الخلقة ال ّربّانيّة الجميلة‪ ،‬صح أو ال؟ لماذا؟ نور‪ .‬هللا أعطاه‪ ،‬يا أخي‪.‬‬ ‫ترى هذه ِ‬ ‫‪‬عبد األحد داود‪ ،)3516-3681( ،‬عالم نصران ّي كبير ج ّدا و خاصّة في علم‬ ‫مقارنة األديان‪ .‬عنده كتاب مخيف اسمه «‪ ‬في الكتاب المق ّدس»‪ .‬يثبت لك ّ‬ ‫أن‬ ‫التّوراة و اإلنجيل ب ّشرت بـ ‪ ‬بشكل قاطع‪ ،‬كتاب كبير في ‪ 299‬صفحة‪ .‬سألوه‬ ‫اإليم ُ‬ ‫ان‬ ‫عن سبب إيمانه‪ ،‬في أ ّول كتاب‪ ،‬فقال لهم‪  :‬أنا سأقُو ُل ل ُكم بِكلِمة وا ِحدة ِ‬ ‫نُور إِل ِهي‪ِ ،‬هداية إِل ِهية ‪ .‬ال تقل لي؛ ال علم‪ ،‬ال معلومات‪( ،‬و إنّما) ِمن هللا‪ .‬لكن‬ ‫طبعا ال يكون محض اعتساف‪ ،‬هذا يهده هللا و هذا يضلّ‪ .‬ال‪ .‬حسب ما يعلهم هللا‬ ‫ِمن نيّتك‪ .‬إذا كنت متواضعا‪ ،‬و ُمتمس ِكنًا هلل‪ ،‬و تريد أن يعطيك الحقيقة‪ ،‬سيعطيك‬ ‫إيّاها‪ .‬لكن إذا كنت تعتقد أنه ال يوجد مثلك و هللا لم يخلق عقال ثاني مثلك‪ ،‬و تريد‬ ‫تشكيك ك ّل النّاس في دينهم و أنّك شاطر و كذا‪ ،‬سيضلّك و يزيدك ضالال‪ ،‬ع ّز‬ ‫وجلّ‪ .‬و يصيبك بمرض ال ُعجُب بالنّفس‪ .‬تُعجبُ بنفسك و ّ‬ ‫تظن نفسك عارفا لك ّل‬ ‫شيء‪ ،‬و أنت (في الحقيقة) و ال حاجة‪ ،‬و تموت كافر و تنتهي بعد ذلك‪.‬‬

‫‪49‬‬

‫لذلك‪ ،‬هللا يجب نذهب إليه بالتّواضع‪ ،‬بالمسكنة‪ ،‬أنت بشر ضعيف فقير‪ ،‬خلّيك‬ ‫دائما فقير عند هللا‪ ،‬ع ّز و جلّ‪ ،‬لكي يعطيك‪ .‬صحيح؟‬


‫اُ َ َۡ َُ َۡ َ ۡ َ ۡ َُ ۡ ۡ َ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫قال تعالى‪  :‬ف َمن يُ ِر ِد ٱلل أن فه ِديهۥ يۡشح صدرهۥ ل ِ​ِۡلسل ِم ‪W  U‬‬ ‫‪ .A S،٥٢١‬النّب ّي فسّر اآلية‪ .‬قالوا له‪« :‬كيف يا رسول هللا يكون شرح‬

‫‪‬‬

‫)‪:‬نور يقْ ِذفُه الل فِي قَْل ِ ِ ِ‬ ‫الصّدر؟» قال (‬ ‫ب عَ ْبده‪ ،‬فَإِذَا قَذَفَهُ ْ‬ ‫انفَ َس َح لَهُ‬ ‫ُ َ ُ ُ‬ ‫الصَّ ْد ُر‪( .‬ذكره ‪‬ابن كثير‪ ‬في تفسيره)‪ .‬تعيش تجربة مختلفة تماما‪ .‬حتّى‬ ‫طريقة تفكيرك تختلف‪ ،‬و يُركب لك عقل جديد وجدان ّي‪ ،‬مشاعر جديدة‪ ،‬شيء‬

‫ليست في قلبك‪ .‬و تحسّ دائما أنّك مفارقها قريبا قريبا قريبا‪ .‬المؤمن كلّما قوي‬ ‫إيمانه‪ ،‬زاد استحضاره للموت‪ ،‬تجده ال يغيب عنه الموت خمس دقائق‪ ،‬و تجده‬ ‫دائما مستع ّد‪ .‬طبعا‪.‬‬ ‫الّذي يرى الموت أمام عينيه‪ ،‬مستحيل و صعب ج ّدا‪ ،‬هذا‪ ،‬يعصي و يخربط‪ .‬ألنّه‬ ‫يعرف حاله‪ ،‬قد يموت في ك ّل لحظة‪ .‬يلقى هللا بكأس (خمر‪ ،‬و العياذ باهلل)؟ يلقى‬ ‫هللا بفاحشة؟ يلقى هللا سرّاق؟ يلقى هللا ّ‬ ‫كذاب؟ يلقى هللا حقود؟ فهذه عالمة ّ‬ ‫أن هللا‬ ‫شرح صدره لإليمان‪ .‬هذا ُشغل عقل ّي منطق ّي أو ُشغل ربّان ّي؟ هللا ِمن عنده‪ ،‬إذا‬ ‫خلق هذا النّور في قلبك ينشرح ك ّل شيء‪ .‬أو غير صحيح؟ فتح عليك‪ .‬هذا الكالم‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫عجيب‪ .‬فقالوا‪« :‬يا رسول هللا‪ ،‬و هل لهذا االنشراح ِمن عالمة؟» قال‪:‬نَ َع ْم‪،‬‬ ‫الِن ابةُ إِلَى دارِ الخلُ ِ‬ ‫الغ ُرورِ‪( ،...‬ذكره ‪‬ابن كثير‪ ‬في‬ ‫ود َو التََّجافِي عَ ْن دَارِ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ​َ‬ ‫تفسيره)‪ .‬تنسى حبّ ال ّدنيا‪ .‬و تعيش و تعمل و تأتي بأموال و كذا‪ ،‬لكن ال ّدنيا‬

‫الصّحيح‪ .‬و هللا أعلم‪.‬‬ ‫إذن القول الثّاني كالم وجيه ج ّدا ج ّدا‪ّ ،‬‬ ‫أن إيمان المقلّد الجازم مقبول مع العصيان‬ ‫إن كان مستأهال للنّظر‪ ،‬يعني متأهّل للنّظر‪ .‬و إن لم يكن مستأهال للنّظر فال‬ ‫عصيان‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬و ال إثم‪ .‬ألنّه بسيط‪ ،‬عا ّم ّي‪ ،‬غلبان‪ ،‬جلف‪.‬‬

‫‪50‬‬


‫‪‬‬

‫القول الثّالث‪ :‬إذا كان يقلّد الكتاب و ال ّسنّة فإيمانه مقبول و ال شيء عليه‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬انتبهوا! هنا يوجد بعض 'تريك'‪ ،trick( ،‬حيلة)‪ .‬و هل من قلّد الكتاب‬ ‫و ال ّسنّة فعال‪ ،‬يقال له مقلّد؟ الكتاب و ال ّسنّة أدلّة‪ .‬الكتاب بِحد ذاته دليل‪ ،‬يا‬ ‫أخي‪ .‬و ال ّسنّة دليل‪ .‬و ِمن رواية ‪‬أبي الحارث‪ ‬عن اإلمام ‪‬أحمد بن‬ ‫حنبل‪ .‬قال ‪‬أبو الحارث‪ ‬عن ‪‬أحمد‪ ‬أنّه قال‪ :‬إِذا قلد‬ ‫صوم رجو ُ‬ ‫ت لهُ السالمة‪ ،‬إِن شاء هللاُ ‪ .‬في العقيدة‪ ،‬إذا قلّد الرّسول‪.‬‬ ‫المع ُ‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫الرّسول قال هكذا‪ .‬هللا قال هكذا‪ .‬القرآن قال هكذا‪ .‬قال ‪‬أحمد بن‬ ‫حنبل‪ :‬رجو ُ‬ ‫ت لهُ السالمة‪ .‬فس ّماه مقلّدا‪ ،‬لكن في الحقيقة و نرجع‬ ‫إلى اصطالحات األصول‪ ،‬هو غير مقلّد‪ ،‬بالعكس يتّبع ال ّدليل‪ .‬ألنّه ِمن‬ ‫ضمن األدلّة‪ ،‬نحن قلنا‪ ،‬و مصادر العلم الخبر الصّادق‪ .‬و هذا أصدق خبر؛‬ ‫الكتاب و ال ّسنّة‪ .‬مضبوط أو ال؟ ليس شرطا أن يكون دليال عقليّا فلسفيّا‪،‬‬ ‫هناك أدلّة نقليّة يا أخي‪ .‬حتّى القرآن مزيج ِمن أدلّة عجيبة ج ّدا و لم يُخلِ ِه‬ ‫ُمن ِزلُهُ‪ ،‬صا ِحبُهُ تبارك و تعالى‪ِ ،‬من أدلّة عقليّة‪ ،‬مضبوط؟ القرآن يض ّج‬ ‫باألدلّة العقليّة‪ ،‬بطريقة قرآنيّة‪ .‬فمن اتّبع القرآن ال يُقال أنّه قلّد‪ ،‬بل اتّبع‬ ‫ال ّدليل و هذا القول وجيه‪ ،‬أيضا‪ .‬إذا اإلنسان عنده الحجّة‪ ،‬نقول له‪« :‬تعال‪،‬‬ ‫لماذا أنت مؤمن؟»‬

‫َ ۡ ُ ُ ْ ۡ َ ۡ َ ۡ َ ۡ ُ ُ ۡ َ َٰ ُ َ‬ ‫ۡ َش ٍء أم هم ٱلخلِقون ‪‬‬ ‫يقول‪« :‬أنا مؤمن‪ .‬هللا قال‪  :‬أم خلِقوا مِن غ ِ‬

‫‪ .»e S،٣١ W‬و يأتيك بأدلّة‪ ،‬هي عقليّة‪ ،‬لكن ِمن كتاب هللا‪ .‬مقبول‬ ‫هذا‪ ،‬كافي‪ .‬أو غير صحيح؟ كافي‪ .‬أنت عندك حذلقات فلسفيّة أمامه‪.‬‬ ‫تتحذلق بكلمات و التّعليل و العلّة و السّبب‪ .‬القرآن عنده أسلوبه الخاصّ ‪،‬‬ ‫‪51‬‬

‫كالم إله ّي‪ .‬كافي‪ .‬هكذا‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬يبدو ّ‬ ‫أن القول الثّاني مع هذا القول‪ ،‬وجيهان‪ ،‬إن شاء هللا‪.‬‬


‫أخيرا‪ ،‬ماذا قال ال ّشيخ‪ ،‬النّاظم؟‬

‫‪...‬وَ بـَعْضُهُمْ حَ َّـق ـقَ ِفـ ِـيه ال َكـ ْش َفــا‬ ‫قال (أنّ) بعض العلماء حكى فيه الخلف‪ ،‬كما قلنا‪ ،‬قالوا كذا و قالوا كذا‪ .‬وهناك‬ ‫علماء‪ ،‬طبعا هو يتقبّل رأيهم‪ ،‬حقّقوا فيه الكشف‪ .‬ما معنى حقّق فيه الكشف؟ يعني‬ ‫‪‬تاج ال ّدين عبد الوهّاب السب ِك ّي‪ 113-191( ‬هـ)‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ ،‬صاحب «جمع‬ ‫الجوامع»‪ .‬هذا ّ‬ ‫عالمة كبير‪ ،‬وصل إلى درجة االجتهاد المطلق‪ ،‬كما حكى عن نفسه‪،‬‬ ‫و عمره كان تقريبا ‪ 54‬سنة‪ّ .‬‬ ‫فذ من األفذاذ‪ّ ،‬‬ ‫عالمة عجيب‪ ،‬كان‪ ،‬رحمة هللا عليه‪،‬‬ ‫ومات و هو شابّ دون الخمسين‪ ،‬ترك مؤلّفات و أشياء‪ .‬شخصيّة عجيبة‪ .‬عنده كتاب‬ ‫اسمه «جمع الجوامع» في أصول الفقه‪ ،‬مختصر بسيط ج ّدا‪ُ ،‬ش ِرح شروحات ماتعة‬ ‫و معقّد الكتاب‪ِ ،‬من أعقد المتون‪ .‬عجيب هذا الكتاب‪ .‬كيف استطاع أن يكتب هذا‬ ‫الكتاب‪ ،‬و فيه مسائل توحيديّة مع أنّه كتاب في أصول الفقه‪ ،‬و ِمن ضمنها هذه‬ ‫المسألة (مسألة الكشف)‪ ،‬حقّق فيه الكشف بكلمتين‪ ،‬التّاج السّبك ّي‪ .‬ماذا قال‪،‬‬ ‫رحمة هللا عليه؟‬ ‫‪9‬‬

‫ـج ـ ِزمْ ِب ـ َق ْـوِل الغَـيـ ـْ ِر‬ ‫فَـ َق َ‬ ‫ـال ِإ ْن يـَ ْ‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫قال فيه بقول يبدو أنه قو ّ‬ ‫ي ج ّدا‪ ،‬قاطع‪ ،‬عند النّاظم‪ .‬من هو هذا؟ يشير إلى اإلمام‬

‫َك َفى وَ ِإََّّل لَمْ يـَ َز ْل ِفي الضَّـيـِْر‬

‫قال أنا سأقول لكم كلمة جامعة في إيمان المقلّد‪.‬‬

‫‪ ‬إِذا جزم ال ُمقل ُد بِما يعتقِ ُدهُ جز ًما حقِيقِيًّا يكفِي‪ ،‬إِن شاء هللاُ‪ِ ،‬عند هللاِ‪ .‬أما إِذا‬ ‫ضي ُرهُ‪.‬‬ ‫ازم مع تقلِي ِد ِه‪ ،‬لم يزل فِي الضي ِر‪ ،‬هذا ي ِ‬ ‫كان ُمقل ًدا و هُو غي ُر ج ِ‬

‫‪52‬‬


‫قد يقول أحدكم‪« :‬طيّب‪ ،‬كيف عرف أنّه جازم أو غير جازم؟» هناك حد حدهُ العلماء‪،‬‬ ‫ي ج ّدا و ممتاز‪ ،‬للجزم‪ .‬قالوا‪ :‬يج ِز ُم ال ُمقل ُد جز ًما بِحي ُ‬ ‫ث لو عاد المتبُو ُ‬ ‫ع لم‬ ‫حد ذك ّ‬ ‫يعُد هُو‪ ،‬ال ُمقل ُد التابِ ُع ‪.‬‬ ‫يعني مثال‪' ،‬سعيد' ِمن النّاس يقلّد ّ‬ ‫العالمة الكبيــر و ال ّشيخ الجليل 'زيدا'‪' .‬زيد' هذا‪،‬‬ ‫و العياذ باهلل‪ ،‬كفر بدين ‪ ،‬بدين اإلسالم‪ ،‬و رجع عن العقيدة‪' .‬سعيد' ال يرجع‪،‬‬ ‫يقول‪« :‬ال‪ .‬كفر؟ هللا يهديه المسكين»‪ .‬و هو ('سعيد') قلّده أصال‪ .‬صحيح؟ أخذ منه‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫ال ّدين و قلّده‪ ،‬ل ّما كفر قال له‪« :‬مع السّالمة‪ .‬هللا يهديه»‪ .‬و لم يعد هذا ('سعيد')‪ .‬معناها‪،‬‬ ‫إيمانه ('سعيد') مقبول أو غير مقبول؟ مقبول‪ .‬مقلّد لكنّه جازم‪ ،‬معناها أخذه (الدّين)‬

‫عن قناعة‪.‬‬

‫‪َ ...‬ك َفى وَ ِإََّّل لَمْ يـَ َز ْل ِفي الضَّـيـِْر‬ ‫'كفى'‪ ،‬طبعا‪ ،‬في أحكام ال ّدنيا‪ .‬و هل يكفيه في أحكام اآلخرة؟ ظاهر كالم ‪‬تاج‬ ‫ي‪ ‬و النّاظم‪ ،‬أنّه يكفيه‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬تبارك تعالى‪ .‬لكن بك ّل حال‪ ،‬لو‬ ‫ال ّدين السّبك ّ‬ ‫أنّه استد ّل يكون أفضل‪.‬‬ ‫لعلّكم تذكرون‪ ،‬قلنا في ال ّدرس السّابق‪ ،‬و هذه عقيدتي في الحقيقة‪ ،‬ما ِمن إنسان خال‬ ‫ِمن دليل و وجه دليل‪ .‬أنا ال أتص ّور إنسانا عاقال‪ ،‬عنده نسبة عقل و لو شيء بسيط‬ ‫و لو واحد ِمن ألف ِمن عقولنا نحن‪ ،‬ال يملك دليال‪ .‬صح؟ و لو دليال إجماليّا‪ ،‬يس ّمونه‪،‬‬ ‫ك الخطّ‬ ‫ي إنسان جلف‪ ،‬بدويّ‪ ،‬أعراب ّي‪ ،‬ال يف ّ‬ ‫ي واحد‪ ،‬إيتني بأ ّ‬ ‫و دليل جُملِ ّي‪ ،‬صح؟ أ ّ‬ ‫كما يقولون‪ ،‬ال يعرف و ال حاجة‪ ،‬و مؤمن مسلم‪ ،‬تقول له‪« :‬لماذا أنت مؤمن باهلل؟»‬ ‫يقول لك‪« :‬كيف‪ ،‬يا أخي‪ ،‬ال أؤمن باهلل؟ انظر إلى ال ّشمس‪ ،‬اُنظر إلى القمر‪ ،‬اُنظر‬

‫‪53‬‬

‫إلى النّجوم‪ ،‬اُنظر إلى الحكمة‪ .‬تشرق‪ ،‬تغرب‪ ،‬تطلع»‪ .‬يعني‪ ،‬يستد ّل بطريقته‬ ‫الخاصّة‪ ،‬هذا البدو ّ‬ ‫ي المسكين‪ ،‬بدليل االنتظام‪ ،‬دليل التّقدير‪.‬‬


‫(قال ‪‬‬

‫َۡ‬ ‫َ​َ‬ ‫‪...  )‬فق اد َرهُۥ تق ِديرا ‪ .l S،٢ W ‬دليل الحُسبان‪ ،‬دليل‬

‫البداعة‪ ،‬دليل االنتظام‪ ،‬دليل الحكمة‪ .‬أدلّة كثيرة يستد ّل بها بطريقته الخاصّة و مقتنع‬ ‫بها‪ ،‬المسكين‪ ،‬و تزيده إيمانا‪ ،‬أيضا‪ .‬كلّما يتأ ّمل في هذه األشياء يزيد في اإليمان هذا‬ ‫الرّجل‪ .‬و عنده براهين ِمن ذاتِه‪ .‬صحيح؟ كيف دعا‪ ،‬مرّة‪ ،‬هللا و لبّاه‪ .‬كيف مرّة أنقذه‪.‬‬ ‫َا ُ ُ ُۡ ۡ َ ا َ‬ ‫ُييب ٱلمضطر إِذا‬ ‫و كيف مرّة أعطاه‪ .‬و كيف مرّة ستر عليه‪ .‬و يعرف أنّه‪  :‬أمن ِ‬ ‫َ‬ ‫د َ​َعهُ ‪ .p S،٦٢ W  U‬و جرّب هذا بنفسه‪ .‬ال يوجد مؤمن‪ ،‬إن شاء‬ ‫و لذلك‪ ،‬تصوير المسألة‪ ،‬ل ّما تُصورُها بدقّة‪ ،‬يكون تصويرا محصورا في حالة‬ ‫افتراضيّة‪ .‬شخص بلغ ّ‬ ‫سن التّكليف‪ ،‬السّاعة (يعني اآلن)‪ ،‬فأعلن إيمانه أو اعتقد‬ ‫اإليمان تقليدا و مات ِمن ساعته‪ .‬لم تكن حتّى فرصة ليف ّكر و يرى النّجوم و ال ّشمس‬ ‫و القمر‪ .‬مثل هذا ال ّشخص هو الّذي نقدر أن نقول أنّه موضع خالف بالضّبط‪ .‬و فيه‬ ‫نقول ما قال العلماء‪ ،‬سواء حكاية ال ُخلف أو ما حقّقه ‪‬التّاج السّبك ّي‪ ،‬الّذي قال‬ ‫بالكشف في هذه المسألة كما قال النّاظم‪.‬‬

‫أقول قولي هذا و أستغفر هللا لي و لكم‪.‬‬

‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫هللا‪ ،‬يخلو ِمن دليل‪.‬‬

‫السّالم عليكم و رحمة هللا و بركاته‪.‬‬

‫‪54‬‬


‫‪‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثالث‪ :‬أقسام الحكم المطلق و مسألة ال ّتقليد في اإليمان‬

‫‪55‬‬

‫‪5‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.