المسيح عيسى بن مريم- عدنان ابراهيم

Page 1

‫املس يح عيىس ابن مرمي‬ ‫ميالده‪ ,‬بعثته وتوفيته‬ ‫من خطب للدكتور ‪:‬عدنان ابراهيم‬


‫ الفهرس‪-‬‬‫الخطبه االولى ‪ -‬ميالد عيس ى عليه السالم‪...‬‬ ‫املقدمات واإلرهاصات‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫‪91-2‬‬ ‫الخطبه الثانيه ‪ -‬ميالد عيس ى عليه السالم‬ ‫‪83-22‬‬ ‫تفريغات خطب‬ ‫ادلكتور‬ ‫عدانن ابراهمي‬

‫‪1‬‬

‫تنسيق الكتاب‪:‬‬

‫محمد عدوي‬

‫الخطبه الثالثه ‪ -‬بعثة عيس ى عليه السالم‬ ‫‪62-81‬‬ ‫الخطبه الرابعه ‪ -‬توفية عيس ى عليه السالم‬ ‫‪38-68‬‬


‫ميالد عيىس عليه السالم‪...‬املقدمات والإرهاصات‬ ‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ باهلل من شرور‬ ‫أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده هللا فال ُمضل له ومن يضلل فال هادى له وأشهد‬ ‫أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وال نظير له وال مثيل له وأشهد أن سيدنا ونبينا‬ ‫وحبيبنا محمد عبد هللا ورسوله وصفوته من خلقه وأمينة علي وحيه‪ ،‬صلي هللا‬

‫عباد هللا أوصيكم ونفس ي الخاطئة بتقوى هللا العظيم ولزوم طاعته‪ ،‬كما‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫تعالي عليه وعلي آله الطيبين الطاهرين وصحابته املباركين وأتباعهم بإحسان إلى‬ ‫ً ً‬ ‫يوم الدين وسلم تسليما كثيرا‪.‬‬

‫أحذركم وأحذر نفس ي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله سبحانه وتعالى "من عمل‬ ‫ً‬ ‫صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظالم للعبيد"‪.‬‬

‫ثم أما بعد أيها اإلخوة املسلمين األفاضل‪ ،‬أيتها األخوات املسلمات الفاضالت‬ ‫يقول هللا سبحانه وتعالي في كتابه العزيز وقد عز من قائل بعد أن أعوذ باهلل من‬ ‫الشيطان الرجيم بسم هللا الرحمن الرحيم‬ ‫‪2‬‬


‫هَ ْ َ​َ َ َ َُ ً َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ​َ ْ َ َ َ ُ ً‬ ‫املين‪ 88‬ذ هِرية‬ ‫" ِإن اّلل اصطفى آدم ونوحا وآل ِإبر ِاهيم وآل ِعمران على الع ِ‬ ‫َ ْ َ ه ُ َ ٌ َ ٌ ‪ َ َ َ ْ ُ َ َ ْ َ َ ْ 83‬ه ه َ َ ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َب ْع ُ‬ ‫َ‬ ‫ضَ‬ ‫ض واّلل س ِميع ع ِليم ِإذ قال ِت امرأة ِعمران ر ِب ِإ ِني نذرت لك ما ِفي‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ ْ َ ُ ‪ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ 83‬ه ه‬ ‫َ ْ ُ َ ً َ​َ​َ ْ ه َ َ َ‬ ‫بط ِني محررا فتقبل ِم ِني ِإنك أنت الس ِميع الع ِليم فلما وضعتها قالت ر ِب ِإ ِني‬ ‫ه‬ ‫َ َ ُ َ ه‬ ‫اّلل َأ ْع َل ُم ب َما َو َ‬ ‫َو َ‬ ‫ض ْع ُت َها ُأ َنثى َو ه ُ‬ ‫ض َع ْت َو َل ْي َ‬ ‫س الذك ُر كاألنثى َو ِإ ِني َسم ْي ُت َها َم ْرَي َم ِو ِإ ِني‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫‪ً َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ َ ُّ َ َ َ َ َ َ 86‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫أ ِعيذ َها ِب َك َوذ هِري َت َها ِم َن الشيط ِان الر ِجيم فتقبلها ربها ِبقبو ٍل حس ٍن وأنبتها نباتا‬ ‫َ‬ ‫َ َ ً َ َ َ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ ََْ َ َ ْ ْ َ َ َ َ َ َ َ ْ ً‬ ‫قا َق َ‬ ‫حسنا وكفلها زك ِريا كلما دخل عليها زك ِريا ِاملحراب وجد ِعندها ِرز‬ ‫ال َيا َم ْرَي ُم أنى‬ ‫ه‬ ‫اّلل إن ه َ‬ ‫َلك َه َـذا َق َال ْت ُه َو م ْ‬ ‫اّلل َي ْر ُز ُق َمن َي َش ُاء ب َغ ْير ح َ‬ ‫اب‪"83‬‬ ‫س‬ ‫ند‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ٍ‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫صدق هللا العظيم‪ ،‬وبلغ رسوله الكريم ونحن علي ذلك من الشاهدين اللهم‬ ‫أمين‪.‬‬

‫عيس ي بن مريم عليهما الصلوات والتسليمات نبي عظيم ورسول كريم بل هو‬ ‫أحد الخمسة من أولي العزم من الرسل عليهم الصلوات والتسليمات والتبريكات‬ ‫أجمعين‪ ،‬نبي خلقه هللا خلق فذ عجيب لغير أب من أم نسب إليها عليهما السالم‬ ‫أجمعين وأتاه هللا تبارك وتعالي من اآليات املعجزات الش يء الباهر املعجب كان يبرأ‬ ‫األكمه واألبرص وأعجب من ذلك كان ُيحي املوتى بإذن هللا‪ ،‬وينزل في أخر الزمان‬ ‫ً‬ ‫عدال حكما يضع الجزية ويقتل الخنزير ويكسر الصليب بارئ إلى هللا مما افتراه‬ ‫‪3‬‬

‫عليه املفترين ومما غالي فيه أتباعه فتعدوا فيه األمد األقص ى عليه الصالة وأفضل‬ ‫ً‬ ‫السالم‪ ،‬ويبعث يوم القيامة محمديا من هذه األمة علي أنه صاحب من أصحاب‬


‫رسول هللا وهو نبي وهو أجل أصحاب رسول هللا أجمعين فهو أجل من أبي بكر‬ ‫وأجل من عمر وبها ألغز بعضهم من هو الصاحب الذي يتوق إلي جاللته وعلو‬ ‫مرتبته الصديق وعمر أنه عيس ي عليه الصالة وأفضل السالم ألنه حين ينزل في‬ ‫أخر الزمان ال يسع إال أن يحكم بشريعة محمد سيد الخلق أجمعين‪ ،‬سيد األولين‬ ‫واآلخرين أدم وموس ي وعيس ى ومن دونهم عليهم الصلوات والتسليمات والتبريكات‬ ‫أجمعين وآله وكل أصحابه وأتباعه أجمعين إلي يوم الدين‪.‬‬

‫املدينة ألف تحية وسالم وميمنته عليه أفضل الصالة وأفضل السالم فارغة في‬ ‫انتظار عيس ي بن مريم عليهما السالم أجمعين‪ ،‬وفيه يقول نبينا الصادق املصدوق‬ ‫ً‬ ‫عليه الصالة وأفضل السالم أنا أولي الناس جميعا بعيس ي ليس بيني وبينه نبي‬ ‫فمحمد أول األنبياء بعيس ى عليهما الصلوات والتسليمات أجمعين ليس بيني وبينه‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫هو نبي وصحابي جليل عليه الصالة وأفضل السالم ويدفن بعد مكثه بأربعين‬ ‫سنه علي ميمنة رسول هللا ولذلك رسول هللا الذي زار الروضة املشرفة وعلي منور‬

‫نبي واألنبياء أوالد عالت أمهاتهم شتى وأبوهم واحد أخرجه البخاري ومسلم وقبله‬ ‫األمام أحمد‪.‬‬

‫ما هي قصة هذا النبي العجيب والرسول الكريم عيس ي بن مريم الذي أراد‬ ‫ه‬ ‫الشيطان الرجيم إبليس الذي أخرجه أبانا وأباكم من الجنة أن يفتنه وأن له ذلك‬ ‫مع نبي مخلص محتوم معصوم وسيأتكم نبأ قصته ومحنته في حينه‪ ،‬فلما يأس‬

‫‪4‬‬


‫واستشعر العجز الكامل عزم وأبى وصمم إال أن يجعله فتنة للناس وحق أضل به‬ ‫ً‬ ‫خلقا كثيرين لم يفلح في أن يفتنه ففتن به لعنة هللا علي إبليس إلي يوم الدين‪ ..‬ما‬ ‫هي قصة هذا النبي الكريم والرسول الكريم عليه أفضل الصالة وأفضل السالم‬ ‫الذي نستشعر توقيره وجالله ومحبته وكرامته كسائر أولياء هللا وإن كان هو في‬ ‫الزمرة املقربة منهم ألنه أحد الخمسة أولي العزم كما سمعتم وكما علمتم‪.‬‬

‫القصة تبدأ من مدينة الناصرة املدينة الفلسطينية الصغيرة الواعدة ذوات‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫األسرات الفقيرة من نسل داود في األغلب واألعم الذين امتهنوا مهن مختلفة‬ ‫يتكسبون بها‪ ،‬ففرع داود امتهن لتجارة في األقواس‪ ،‬وفرع هارون عليه أفضل‬ ‫الصالة وأفضل السالم أمتهن تجارة األخشاب‪ ،‬والفروع األخرى من سائر األنبياء‬ ‫والرسل امتهنوا تجفيف الجلود ودبغها‪ ،‬وبعضهم امتهن تجفيف التين‪ ..‬مدينة‬ ‫فقيرة بأسر صغيرة من أحفاد األنبياء ذوات الدور البيض الجميلة‪ ،‬في هذه املدينة‬ ‫كان يقطن سيد جليل وعالم ربى من كبار علماء بني إسرائيل أنه السيد الجليل‬ ‫الربي الكريم عمران "أن هللا أصطفي آل عمران ونوح وآل إبراهيم وآل عمران علي‬ ‫العاملين" إنه عمران عليه الصالة وأفضل السالم الذي ينميه نسب إلى رسول هللا‬ ‫داود عليه أفضل الصالة وأفضل السالم فهو من نسل داود أنه من بيت داود مع‬ ‫زوجه العابدة التقية حنة بنت فاقود وقد كانت مشهورة بالعبادة والتقي والصالح‬ ‫والصيانة والديانة وكرا عليهم زمن أثر زمن حتى جاشت في نفس عمران عليه‬

‫‪5‬‬

‫السالم رغبة كريمة إلي األرض املقدسة أورشليم لكي يتعبد هللا سبحانه وتعالي في‬ ‫املسجد الكبير‪ ،‬في بيت هللا عز وجل الذي كان يعرف باملعبد العظيم أو املعبد‬


‫األعظم‪ ،‬وال جرم وهناك سبقه قبل حين كبير نبي هللا وسيد إسرائيل زكريا عليه‬ ‫أفضل الصالة وأفضل السالم وكان زكريا صهره فأخت زوجته أخت حنا بنت‬ ‫ً‬ ‫فاقود والياصبات أيضا كانت زوجة لزكريا‪ ،‬وقيل بل بنته بنت عمران وهذا قال به‬ ‫جمهور العلماء واملؤرخين وهللا أعلم‪ ،‬والصواب في ذلك بل بنته كانت تحت زكريا‬ ‫عليه الصالة وأفضل السالم‪.‬‬

‫إلي أورشليم إلي بيت املقدس‪ ،‬وجعل الرجل الكريم الذي كان كما سمعتم عالم‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫وقد رأى عمران في منامه أنه يخدم بيت هللا تبارك وتعالي ويجمله ويطهره‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ويقض ي فيه أوقاته متألها مسبحا حامدا ممجد الرب امللك العظيم سبحانه وتعالي‬ ‫وعرض األمر علي زوجه فوقع منه موقع الرضا والقبول وهكذا تدليا من الناصرة‬ ‫كبير ورباني‪ ،‬بل كان صاحب صالة بني إسرائيل هو الذي يصلي فيهم ويصلي بهم‬ ‫عليه السالم حتى مضت فترة هللا أعلم بها وكانت ذات يوم أن رأت حنا عليها السالم‬ ‫طير يذق في منخراه فاشتهت الولد والظاهر من الروايات أنها رزقت الولد من قبل‬ ‫لكن يبدو أنها انقطعت عن الولد مدة مديدة طويلة فاشتهت كما تشتهي النساء‪،‬‬ ‫اشتهت الولد وكانت في سن الحمل والوالدة لم تبلغ اليأس من املحيض فاشتهت‬ ‫الولد ودعت هللا سبحانه وتعالي أن يرزقها فلباها هللا تبارك وتعالي ورزقها الولد‬ ‫وأعتل السيد الجليل عمران عليه أفضل الصالة وأفضل السالم وهي حامل‪ ،‬في‬ ‫مدة حمله أصابه مرض أبرح به وتطاول به مرضه وأشتد عليه حتى يأس األقربون‬ ‫واملعارف من شفائه وحمل القضاء لينتقل هذا العالم الجليل إلي رحاب هللا ملبي‬ ‫نداء ربه وامرأته حامل في رواية وقيل بعد أن وضعت حملها وهللا أعلم‪.‬‬

‫‪6‬‬


‫امرأته كانت حامل ملا لبى نداء ربه فنوت حنا عليها السالم العودة إلي الناصرة‬ ‫من أورشليم بيت املقدس إلي الناصرة وقبل أن تشد رحالها عرجت علي بيت هللا‬ ‫تبارك وتعالي تصلي وتدعو وتبتهل فوقعت عينها علي زكريا زوج أختها أو زوج بنتها‬ ‫فحرك أحزانها وزاد أشجانها لقد فقد بيتها الشرف الذي شرفه هللا تبارك تعالي به‬ ‫ً‬ ‫أن يكون منه رجل نفسا تتعبد هللا تبارك وتعالي وتتزلف عليه وتتقرب بخدمة بيته‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫لقد مات عمران الذي كان هللا تبارك وتعالي شرفه بل زوده بهذا التاج الكريم‬ ‫ه َ​َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫فنظرت إلي السماء ورفعت يديها داعية " َر ِ هب ِإ ِني نذ ْرت ل َك َما ِفي َبط ِني ُم َحررا"‬ ‫ليكون مكان أبيه هو محرر‪ ،‬قالوا تريد أن تمحضه للعبادة ولخدمة البيت الطهور‬ ‫َ​َ​َ ْ ه َ َ َ‬ ‫نت السم ُيع ْال َعل ُ‬ ‫يم" هذا هو سبب‬ ‫املقدس البيت القدس "فتقبل ِم ِني ِإنك أ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الدعوة‪.‬‬

‫ثم تدلت إلى الناصرة من جديد عادت أدراجها إلى املدينة الجميلة الصغيرة‬ ‫الناصرة حتى أتمت أيامها ووضعت فإذا بها وقد وفوجئت بما وضعت أنها أنثي‬

‫‪7‬‬

‫ليست ذكر وليس من عادة الناس أن يتقبل أو يحرر اإلناث إلي بيت هللا فساءها‬ ‫ه‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ذلك وأقبلت علي هللا تبا ك وتعالي تقول كاملعتذ ة " َف َلما َو َ‬ ‫ض َع ْت َها قالت َر ِ هب ِإ ِني‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ َ َ ه‬ ‫اّلل َأ ْع َل ُم ب َما َو َ‬ ‫َو َ‬ ‫ض ْع ُت َها ُأ َنثى َو ه ُ‬ ‫ض َع ْت َو َل ْي َ‬ ‫س الذك ُر كاألنثى َو ِإ ِني َسم ْي ُت َها َم ْرَي َم ِو ِإ ِني‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫أ ِعيذ َها ِب َك َوذ هِري َت َها ِم َن الشيط ِان الر ِج ِيم" وفي قراءة أخرى وهللا أعلم بما وضعت‬ ‫هي فالفاعل ضمير مستتر وفي قراءة وهللا أعلم بما وضعت ثم تفكرت في تسميتها‬ ‫ماذا تسميها؟ فخطر علي بالها أن تسميها باسم أخت نبيي هللا الكريمين الجليلين‬


‫موس ي وهارون فقد كانت أختمها قبل ذلك بمئات السنيين اسمها مريم وهي‬ ‫مشهورة وخبرها معروف في كتاب هللا املقدس توراتهم‪ ،‬فقالت اسمها مريم علي‬ ‫َ ه َ َُْ َ َْ َ ه ُ ُ‬ ‫يذ َها ب َك َو ُذ هري َت َها منَ‬ ‫اسم أخت هارون وموس ي فهي مريم "و ِإ ِني سميتها مريم ِو ِإ ِني أ ِع‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الش ْيط ِان الر ِج ِيم"‪.‬‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫يقول رسول هللا علية أفضل الصالة وأفضل السالم فيما أخرجاه في‬ ‫ً‬ ‫الصحيحين مسلم والبخاري‪ ،‬وأخرجه أحمد أيضا‪ :‬ما من مولود يولد إال مسه‬ ‫ً‬ ‫الشيطان وفي رواية نغز في جنبه هكذا فيستهل صارخا يصرخ من أجل نغزة‬ ‫ً‬ ‫الشيطان به وهذا شأن ال للعلم به أنه من الغيبيات نعم فيستهل صارخا إال عيس ي‬ ‫ً‬ ‫وأمه مريم‪ ،‬مريم أيضا لم يمسها الشيطان الصديقة البتول الطهور عليها‬ ‫الصلوات والسالمات والتشريفات‪ ،‬وقد قال غير واحد بنبوتها كاإلمام ابن حزم‬ ‫وغيرهما والصحيح حسب إجماع الجماهير بأنها لم تكن نبيه ألن هللا ما بعث من‬ ‫ً‬ ‫نبيي أو رسول إال من الرجال "أال رجاال نوحي إليهم من أهل القرى" وهذا هو‬ ‫الصحيح وهذا رأي أهل العلم أي ما كان ذلك‪ ،‬إال عيس ي وأمه مريم عليهما‬ ‫الصلوات والتسليمات ويقول أبو هريرة وأقرأ أن شئتم "وأني أعيذها بك وذريتها‬ ‫من الشيطان الرجيم" أعذها هللا أوال وبعد ذلك أعاذ ابنها كلمته وروحه عيس ي‬ ‫عليه السالم‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫َ‬ ‫َ​َ​َ َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬ ‫"فتقبل َها َرُّب َها ِبق ُبو ٍل َح َس ٍن َوأ َنب َت َها ن َباتا َح َسنا" قيل نبت نباتا حسنا في بيت‬ ‫عبادة وبيت علم وذكر وقيل نشأت نشأة حسنة‪ ،‬قيل إنها كانت تنبت كما ال ينبت‬ ‫ً‬ ‫األطفال‪ ،‬إنما كانت تنبت سريعا تنبن في الشهر وتزداد كما ال يزداد غيرها في أشهر‬ ‫وهللا اعلم بحقيقة ذلك واألول أقرب إلي مجري العادة‪ ،‬وبعد أن أنقض ي العمر‬ ‫الذي انتهت معه حضانتها كان يجب علي والدتها أن تفي بالنذر الذي نذرته فأخذتها‬ ‫وقصدت إلي بيت املقدس ألنها نذرتها إلي هللا تبارك وتعالي وهللا تقبلها وفي بيت‬ ‫املقدس‪.‬‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫سمع العباد بنبأ هذه املحررة فتنازعوا في كفالتها ُ‬ ‫كل يريد أن يكفلها وتقدم‬ ‫ً‬ ‫زكريا زوج خالتها وقال ما أحدا أحق بها مني أنا أحق الناس بها‪ ،‬قالوا ال أحد أحق‬ ‫بها من أحد‪ ،‬قال زكريا فماذا ترون؟ قالوا أن تقترع‪ ،‬فوافق فجاء ُ‬ ‫كل بالقدح بسهم‬ ‫معروف ووضعوا قداح وأتوا بغالم صغير لم يبلغ الحلم وقالوا خذ هذا أمددت‬ ‫ً‬ ‫يدك وخذ قدحا فالقدح الذي يخرج صاحبه له حق الكفالة فمد الغالم الصغير‬ ‫يده فإذا به قدح زكريا‪ ،‬قالوا ال نرض ي وشعروا باملغلوبية‪ ،‬قال ماذا تريدون؟ قالوا‬ ‫نذهب إلي النهر ونلقي القداح فأيها جري علي غير جرية املاء أي اتجاه معاكس‬ ‫لجريان املياه في النهر كان هو صاحب الحق‪ ،‬قال لكم ذلكم وانطلقوا إلي النهر‬ ‫ورموا قداحهم وسارت كلها مع اتجاه املاء إال قدح واحد كان يسير عكس التيار‬

‫‪9‬‬

‫فنظروا فإذا به قدح زكريا شأن هللا تبارك وتعالي أنه أمر هللا أمر دبره وأراده هللا‬ ‫تبارك وتعالي "وهللا غالب علي أمره ولكن أكثر الناس ال يعلمون" وهكذا انقلبوا‬


‫ً‬ ‫مغلوبين وانقلب بها زكريا عليه السالم فائزا فرح بها وبني لها بناء من خشب في علية‬ ‫جعله محرابها ومتعبدها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ومض ى عليها زمن ليس بالطويل جدا وهي تتعبد هللا وتبتهل إليه تبارك وتعالي‬ ‫حتى إذا كان ذات ليلة شعرت كأن ش ي معها في محرابها فدخلها خوف وفزع ورهبه‬ ‫ثم تساءلت من هنا‪ ،‬فإذا بصوت مالئكي وقور رخيم كله ثبات وطمأنينة يسكب‬ ‫السكينة في روع سامعه أنا رسول ربك‪ ،‬مرسل من عند هللا فقالت ماذا تريد‬ ‫واصطفاك علي نساء العاملين يا مريم أقنطي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين"‬ ‫وهي ال تعلم ما سر هذه الرسالة اإللهية وال تعلم خطر وشرف وجاللة األمر الذي‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫فجاءها الجواب من هذا امللك الكريم "يا مريم أن هللا اصطفاك وطهرك‬

‫أراد هللا تبارك وتعالي بها هي ال تعلم ملاذا وذهب امللك وإذا تشعر بسكينة وبفرح‬ ‫غامر وبنشوة وبطمأنينة‪ ،‬اجتهدت في العبادة وزادت عبادتها هلل تبارك وتعالي عما‬ ‫كانت عليه من قبل تتعبده آناء الليل وأطراف النهار في فحمة الليل ورعيعة النهار‬ ‫ورابعته ال تنقطع وال تمل هللا يقويها ويمدها سبحانه وتعالي‪.‬‬

‫وذات يوم يدخل عليها زوج أختها أو زوج خالتها زكريا نبي هللا عليه الصالة‬ ‫وأفضل السالم فيدهشه ويثير عجبه وجدان فاكهة عندها في غير أوانها أن كانت في‬ ‫ه‬ ‫الصيف فعنده فاكهة من أيام الشتاء فيعجب ويقول يا مريم "أنى لك هذا" من‬ ‫أين لك هذه الفاكهة وليس األوان أوانها قالت باختصار وبيقين من أمده هللا‬

‫‪10‬‬


‫وبآياته قالت هو من عند هللا "إن هللا يرزق من يشاء بغير حساب" فأنقلب الرجل‬ ‫ً‬ ‫متعجبا وقد زاد يقينه باهلل تبارك وتعالي وهو نبي وجليل وأطمأن قلبه إلي أن يدعو‬ ‫ربه بما يجول في خاطره من أمل فقد كان يؤرقه هم يقيمه ويقعده في الصباح‬ ‫واملساء في الغدو والرواح لكن دان األجل بعد أن مسه الكبر وبلغ من الكبر عتيا‬ ‫لكن امرأته إلى ذلكم عاقر ال تنجب لم تحمل‪ ،‬لم تأت بولد من قبل مسه الكبر‬ ‫وأمرته عاقر وقد كان يخش ى أن هو هلك عليه الصالة وأفضل السلم إال يليه إال‬ ‫العصبة أبناء عمومته وقرابته من الرجال وهم علي كل قول وفي كل األقوال شرار‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫بني إسرائيل وعلي معني قوله سبحانه "وأني خفت املوالي من ورائي" من هم املوالي‬ ‫العصبة؟ أقربائه من الذكور ال يتوسط في قرابتهم إناث أقربائه من الذكور في كل‬ ‫قول كان شرار بني إسرائيل لم يكونوا بالجيدين لم يكونوا بالصالحين وهذا هو‬ ‫سر طموح هذا النبي الجليل إلي الولد إلي الخلف هو يريد أن يرزقه هللا تبارك‬ ‫ً‬ ‫وتعالي وأن يهبه من لدنه غالم صالح تقي ذكيا لكي يحسن خالفته في إسرائيل أي في‬ ‫بني إسرائيل‪ ،‬ليس فقط لكي يحفظ اسمه كما يقال وإنما ليرث نبوته وصالحه‬ ‫ً‬ ‫ويحسن خالفته في بني إسرائيل ألجل هذا السبب قال "ربي ال تذرني فردا وأنت خير‬ ‫الوارثين"‪.‬‬

‫لقد أقترب األمل وانفتح األفق أمام هذا األمل الكريم أنه من أجل اآلمال‬ ‫وأهمها‪ ،‬انفتح األفق ملاذا؟ ألن الذي يعطي ويرزق فاكهة في غير أوانها يعطي الولد‬ ‫‪11‬‬

‫بغير شرط وفي غير أوانه وقد مض ي أوان الولد ألنه قد مسه الكبر‪ ،‬وهن عظمه‬ ‫واشتعل الرأس شيبا وأمرته إلي ذلك عاقر لكن هل يعجز هللا تبارك وتعالي أن‬


‫يعطي الش يء في غير أوانه هل يتكأده ذلك‪ ،‬هل يتعياه ش ي من هذا القبيل؟ كال‬ ‫وحشاه ال إله إال هو! فأقبل إلي هللا مبتهل "ربي هب لي من لدنك ذرية طيبة أنك‬ ‫سميع الدعاء" اآلن انفتح أفقه أمام أمله الكريم‪ ،‬كان في املحراب يصلي وتبتل وإذا‬ ‫بنور غامر قد عم املكان وأضاءه وإذا بتسابيح وبتمجيدات إلهية يطوف بها أمالك‬ ‫هللا سبحانه وتعالي ومعها جاء الجواب بشرى بغالم تقي صالح نقي لم ُيسمى باسمه‬

‫بنت فاقوس أنا أرى الذي في بطني يسجد للذي في بطنك‪ ،‬وقد حملت مريم عليها‬ ‫أفضل الصالة وأفضل السالم بعد ستة أشهر من حمل الياصابات‪ ،‬مض ي عليها‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫أحد من قبل أول من سمي بهذا االسم هو يحيي عليه السالم ألن في رسالته في‬ ‫ً‬ ‫مواعظه في تباشيره حياة القلوب واألرواح والنفوس وأيضا‪ ،‬هذا الغالم يحيي‬ ‫ً‬ ‫سيبعثه هللا تبارك وتعالي مصدقا بكلمة من هللا أنه عيس ى وقد كان أقل من عيس ى‪،‬‬ ‫فقد كان عيس ي أرفع رتبة وال ريب كانت أم يحيي الياصابات تقول ألمها أو ألختها حنا‬

‫ستة أشهر وظهر حمل مريم وسيأتي خبرها في حينه إن شاء هللا تبارك وتعالي‪.‬‬ ‫نعود إلي مريم في ذات سنة في نفس السنة التي حملت فيها الياصابات جاء‬ ‫موعد عيد الفصح وأهل وجاء الوفود والحجيج من أنحاء البالد‪ ،‬من سوريا ومن‬ ‫مصر وبابل ومدين وأسيا الوسطي من بلدان متعددة ومن أنحاء فلسطين‪ ،‬بال شك‬ ‫جاء يسوقون النحائر أمامهم إلي البيت العظيم إلي بيت املقدس وإلي معبد الرب‬ ‫ً‬ ‫إلي بيت هللا تبارك وتعالي وجاءت أم مريم حنا بنت فاقود أيضا مع وفد بلدها مع‬ ‫الناصريين وهناك التقت بنتها وقرة عينها مريم الصغيرة البتول املحررة لبيت هللا‬ ‫تبارك وتعالي واستأذنت في أن تعود معها أيام تقضيها في بلدها في الناصرة وهكذا‬ ‫رجعت وفي هذا األيام أتى إلى خطبتها أحد أبناء عمومتها‪ ،‬وقيل ابن خالها إنه‬

‫‪12‬‬


‫يوسف بن يعقوب املعروف بالنجار ألنه كان يمتهن النجارة‪ ،‬وهو من بيت داود‬ ‫عليه السالم شاب وض ئ فقير نعم‪ ،‬لكنه تقي صالح ماجد ينميه نسبه وعرقه إلي‬ ‫داود عليه السالم ومعروف بصالحه وتقواه‪ ،‬خطبها وليس أحسن في إسرائيل إذا‬ ‫بلغت الفتاة هذا املبلغ وكانت بنت أحد عشر سنه ثالث عشر‪ ،‬أختلف في سنها‪،‬‬ ‫لكنه في معظم الروايات كانت فوق العاشرة من عمرها من أن تزوج وتستر‪ ،‬هكذا‬ ‫كانت عاداتهم وهكذا قبلت أمها وقبل أقربائها ولكن كان علي يوسف بن يعقوب‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫رض ي هللا عنه أن يعد املهر وهو رجل فقير يعمل بالنجارة في بلدة فقيرة ال يعطي‬ ‫ً‬ ‫أهلها إال النذر اليسير‪ ،‬فكان عليه أن ينتظر كثيرا حتى يجمع املهر ولكي يهيأ بيت‬ ‫الزوجية الذي يسوق ويزف إليه عروسه‪ ،‬فهكذا عادت مريم عليها السالم إلى‬ ‫متعبدها‪ ،‬إلى محرابها في بيت املقدس‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وبين هي ذات ليلة أيضا وفي ابتهاالتها وتمجيدها وتسبيحاتها وقد غمر املكان‬ ‫بتسابيح دخلها خوف أقل من املرة السابقة ألنها أعتدت ذلك وإذا باملالئكة تبشر‬ ‫ال ندري هل كانت بشرة جماعية علي أكثر من لسان ملك أو بلسان ملك واحد وهللا‬ ‫أعلم بحقيقة الحال "يا مريم أن هللا يبشرك بكلمة منه اسمه املسيح عيس ي بن‬

‫‪13‬‬

‫مريم" لقد كانت تقرأ عنه في الكتاب املقدس‪ ،‬كل اليهود‪ ،‬كل بني إسرائيل يرددون‬ ‫ً‬ ‫دوما وينتظرون موعد هذا املسيح الذي سيتملك عليهم وينقذهم ويهديهم سواء‬ ‫ً‬ ‫السبيل ويجمع شملهم بعد أن لم يكن ملتئما وهي أيضا كانت تسمع بنبأ هذا‬ ‫املسيح عجيب سيكون ابن ينبت في أحشائي هكذا نادتها املالئكة "يا مريم أن هللا‬ ‫يبشرك بكلمة منه اسمه املسيح عيس ي بن مريم " بشارة إلى أنه منكي‪ ،‬هل عقلت‬


‫وهل عرفت معني اإلشارة إلي غايتها وأنه منكي من غير أب "اسمه املسيح عيس ي بن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مريم وجيها في الدنيا واآلخرة ومن املقربين ويكلم الناس في املهد وكهال ومن‬ ‫الصالحين"‪.‬‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫البتول الصغير عقلت اإلشارة أن عيس ي بن مريم إذن هو ابن فأين أبوه ملاذا؟‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ينسب إلي؟ فهمت عليها السالم هذا خطاب مالئكي وموجز جدا إعالن إلهي تمهيدا‬ ‫َ ُ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫وإظهار وتساءلت "أنى َيكون ِلي َول ٌد َول ْم َي ْم َس ْس ِني َبش ٌر" ‪..‬كيف؟ فجاءها الجواب‬ ‫َ ً َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫هُ ُْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ ُ َ ُ ُ‬ ‫اّلل َيخل ُق َما َيش ُاء ِإذا ق َض ى أ ْمرا ف ِإن َما َيقو ُل ل ُه كن ف َيكون" وهنا‬ ‫وقالوا "كذ ِل ِك‬ ‫ً‬ ‫كان على مريم أن تزداد من العبادة ومن االبتهال واالنقطاع إلي هللا بالكلية ظاهرا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وباطنا وهكذا فعلت حتى نحلت قليال ولكنها رقت وشفت وأصبحت مهيأة وجاء‬ ‫فصل الصيف‪ ،‬وفي ذات يوم من أيام الصيف الطويلة الحارة القائظة شعرت‬ ‫بالعطش فرفعت أبريقها فإذا به ليس فيه ماء فنزلت من عليتها مسافة غير بعيدة‬ ‫من املعبد العظيم لتملئه وملا مألته وأرادت أن ترجع وقفت تتطلع وتتأمل الجو‬ ‫ً‬ ‫عجيب جدا هدوء وسكينة يخيمان علي املكان ال يسمع حس‪ ،‬كل ش يء ساكن‬ ‫واجم والجو صائف ولكنه رائق كأن السماء تريد أن ترسل وحيها إلي األرض فأخذت‬ ‫ً‬ ‫تطلع فإذا بشاب وسيم يفيض وجه نور وبشري نظر إليها مبتسما فألتفت‬ ‫مضطربة مخاطبة إياه "أني أعوذ بالرحمن منك أن كنت تقيا" فالتقي ذو نهيا تنهاه‬ ‫تقواه تبارك وتعالي‪ ،‬أما لم تكن تقيا فهذا يفيد هذا التعوذ‪ ،‬لكن وجهه يبشر‬ ‫بالخير‪ ،‬قال لها‪ :‬لن تراعي قالت له من أنت قال "إنما أنا رسول ربك" جاءت‬ ‫الساعة وجاء املوعد يا مريم‪ ،‬كلها كانت إرهاصات‪ ،‬ما مر بنا كان تقديمات‬

‫‪14‬‬


‫وإرهاصات لهذه الساعة املوعودة تلتقي السماء باألرض في لحظة قدسية عجيبة‬ ‫ً‬ ‫جدا‪ ،‬حيث تنبثق الحياة بغير أسبابها وعلي غير شرائطها املعهودة‪ ،‬إنها قدرة هللا‬ ‫تعمل ال إله إال هللا جل في عاله تبارك وتعالي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ذكيا أني يكون لي غالم ولم يمسسني بشر ولم ُ‬ ‫أك بغيا" كل همها‬ ‫"ألهبك غالم‬ ‫الشرف والطهارة وماذا يقول الناس ماذا يتقول بني إسرائيل وهم أصحاب اإلفك‬ ‫والبهتان‪ ،‬لكنه أخبرها بأنه قضاء هلل ال راد لقضائه سبحانه وتعالي‪ ،‬هذا ما قضاه‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫هللا وامتثلت لقضاء هللا بين الفرح الغامر وبين الخوف بما سيقال في حقها‪" ،‬ونفخ‬ ‫فيها" قيل نفخ في جيبها‪ ،‬والجيب ما فتح من أعلي ثوب املرأة الجيب من أعاله وليس‬ ‫الجيب وقيل في كمها ال يهمنا ما كان من ذلك املهم أن جبريل عليه السالم "أتينا‬ ‫إليها روحنا" وهو جبريل روح هللا نفخ في كمها‪ ،‬في جيبها في هذه الفتحة فنزلت‬ ‫النفخة في رحمها فحملت بعيس ي عليه السالم ال إله إال هللا وال تنسوا أن جبريل‬ ‫عليه السالم حين كان راكب علي فرس ورآه موس ي السامري لعنة هللا علية‪ ،‬سامري‬ ‫بني إسرائيل وعلم أن في األرض التي وطئها حافر فرس جبريل يكمن سر الحياة أخذ‬ ‫قبضة من أثر رسول هللا تبارك وتعالي‪ ،‬يعني من أثر فرس الرسول علي سبيل‬ ‫اإليجاز أخذ هذه القبضة وملا جاءوا بالذهب وصهروه وشكلوه علي شكل ثور نبذ‬ ‫ً‬ ‫القبضة في هذا الذهب املسال فإذا به ينقلب عجال له خوار‪ ،‬عجل من لحم ودم‬ ‫يخور‪ ،‬وهذا جبريل علية السالم فيه سر الحياة‪...‬ش ي عجيب! وال ينزل علي األنبياء‬

‫‪15‬‬

‫والرسل إال بسر الحياة‪ ،‬سر حياة األرواح‪.‬‬


‫ملا قيل لعيس ي سيأتيكم مرة‪ ،‬قال‪ :‬له أحد الحواريين وهو متي العشار عليه‬ ‫الرضوان وإليه ينسب أحد األناجيل وهو الوحيد من بين أصحاب األناجيل األربعة‬ ‫الذي كان من الحواريين فقط بال خالف وقد كان عشار سيأتيكم نبأه متي العشار‬ ‫قال له إذن لي يا روح هللا أن أذهب ألدفن أمي لقد ماتت‪ ،‬قال أتبعني ودع األموات‬ ‫يدفنون موتاهم‪ ،‬أتبعني لتأخذ سر الحياة هؤالء موتي يشتغلون بموتى‪ ،‬ولذلك من‬ ‫تبعه كان يقول يحيي حياة األبد وال يدخل امللكوت إال من ولد ثانية بدعوته عليه‬ ‫السالم إنها دعوة التوحيد دعوة ال إله إال هللا‪.‬‬

‫واصفر وجهها ونحل جسمها بدأت األقاويل واإلشاعات تطير بين املتقولين بين‬ ‫األفاقين بين أصحاب الظنون وأصحاب البهتان والكذب وبلغ يوسف النجار بن‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫نعود إلي قصة مريم‪ ،‬حملت به عليه الصالة والسالم وبعد أن امتألت بطنها‬

‫يعقوب وساءه ذلك وقاطعه الناس‪ ،‬وجعلوا ينظرون إليه بالظنون واالحتقار ألنه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قطف الثمرة قبل أوانها وهو الرجل برئ الثوب لم يأت شيئا‪ ،‬لم يأت فجورا ولم‬ ‫يأت جرم وال جريرة لكن الناس أفاقون‪ ،‬وسمع هذا الكالم فنزل إلي بيت املقدس‬ ‫ووجد مريم علي ما ُوصف له حامل‪ ،‬سألها يا مريم لقد سمعت الناس يتقولون‪،‬‬ ‫ً‬ ‫قالت له قول قوال جميال أنت تعرفني وتعرف بيتي وأهلي‪ ،‬قال أنا ال أقول إال‬ ‫الجميل ولكن يا مريم أينبت فرع بغير مطر؟ قالت‪ :‬نعم‪ ،‬قال يا مريم أتخرج شجرة‬ ‫بغير غيث؟ قالت‪ :‬نعم‪ ،‬قال يا مريم أيكون ولد من غير ذكر؟ قالت‪ :‬نعم‪ ،‬كيف يا‬ ‫ً‬ ‫مريم؟ قالت له يا يوسف يا ابن يعقوب من الذي خلق الشجر أوال‪ ،‬أليس هللا وقد‬ ‫خلقه من غير بذر ومن الشجر كان البذر ومن البذر يكون الشجر الذي خلق‬

‫‪16‬‬


‫الشجر أول مرة لم يخلقه من بذر‪ ،‬خلقه هكذا كن فيكون ثم أنزل الغيث ومن هذا‬ ‫الغيث جعل الغيث بقدرته شجرة‪ ،‬قال‪ :‬اللهم فبلى‪ ،‬قالت له يا يوسف بن‬ ‫يعقوب‪ :‬من الذي خلق أدم بال ذكر أليس هللا؟ قال‪ :‬اللهم فبلى‪ ،‬وقد كان يوسف‬ ‫تقي نقي يقرأ التوراة ويعلم بوعد هللا تبارك وتعالي أنه سبحانه وتعالي سيرسل في‬ ‫بني إسرائيل في أخر أزمانهم مسيح يقيم من بين أظهرهم‪ ،‬فلما بدأ يسترسل في‬ ‫أفكاره قطعت عليه حبل أفكاره وقالت له‪ :‬فأعلم يا يوسف بن يعقوب أن هللا‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫بشرني باملسيح عيس ي بن مريم‪ ،‬أنا مريم وهو عيس ي ابني وهو املسيح‪ ،‬ومن هنا‬ ‫تكون البداية األكثر حراجة لنا إن شاء هللا صلة وتكملة في خطب آتيه‪ ..‬أقول قولي‬ ‫هذا وأستغفر هللا لي ولكم‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‬

‫الحمد هلل الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفر السيئات ويعلم ما تفعلون‬ ‫ويستجيب للذين أمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم‬

‫‪17‬‬

‫عذاب شديد وأشهد أال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن سيدنا محمد عبده‬ ‫ً ً‬ ‫ورسوله صلى هللا تعالى عليه وعلى أهله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫اللهم ال تدع لنا في هذا اليوم الكريم‪ ،‬في هذا املقام الكريم ذنبا إال غفرته‪ ،‬وال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هما إال فرجته وال كربا إال نفثته وال ميتا إال رحمته وال مريضا إال شفيته وال غائبا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إال رددته وال أسيرا إال أطلقته وال مدينا إال قضيت عنه دينه‪ ،‬اللهم إنا نسألك‬


‫ونضرع إليك ونبتهل أن تنصر اإلسالم وتعز اإلسالم وتعز املسلمين‪ ،‬اللهم انصر‬ ‫بعزتك وبقوتك اإلسالم واملسلمين وأعلي بفضلك كلمتي الحق والدين‪ ،‬اللهم انصر‬ ‫من نصر املسلمين اللهم أخذل من خذل املسلمين‪ ،‬اللهم عليك بأعدائنا أعداءك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أعداء الدين أحصهم عددا وأقتلهم بددا وال تبقي منهم أحدا‪ ،‬اللهم أدر عليهم دائرة‬ ‫السوء فأنهم ال يعجزونك‪ ،‬اللهم أرنا فيهم تعاجيب قدرتك وآيات انتقامك وعزائم‬ ‫بأسك الشديد الذي ال يرد عن القوم املجرمين‪ ،‬اللهم عليك باليهود الصهاينة‬ ‫املجرمين الواغلين فأنهم قد أفسدوا في البالد‪ ،‬فأنهم قد طغوا في البالد فأكثروا فيها‬

‫قوي يا عزيز يا جبار يا قهار‪ ،‬اللهم عليك باألمريكان املجرمين الوالغين في دماء‬ ‫ً‬ ‫املسلمين وفي بالدهم‪ ،‬اللهم دمرهم تدميرا‪ ،‬اللهم أرنا فيهم آيات قدرتك‪ ،‬اللهم انزل‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫الفساد اللهم صب عليهم من عندك ومن لدنك صوت عذاب وكن لهم باملرصاد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اللهم دمرهم تدميرا‪ ،‬اللهم أرنا فيهم يوم أسود يكون عليهم قريبا بقدرتك وعزتك يا‬

‫عليك بأسك الشديد الذي ال يرد عن القوم املجرمين‪.‬‬

‫اللهم أيد عبادك املسلمين وعبادك املجاهدين في كل مكان اللهم أيدهم علي‬ ‫أعداءهم أعداءك أعداء الدين بقوتك يا عزيز يا متين‪ ،‬اللهم نسألك أن تجعل‬ ‫ً‬ ‫تجمعنا هذا تجمع مرحوما وتفرقنا من بعده تفرق معصوما‪ ،‬اللهم ال تجعل فينا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫شقيا وال ومطرودا وال محروما برحمتك يا أرحم الراحمين نعوذ باهلل أن نقول زور‬ ‫ً‬ ‫أن نغش ى فجورا‪ ،‬اللهم أغفر لنا ولوالدينا وأرحمهم كما ربونا صغار أجزهم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫باإلحسان إحسانا وباإلساءة عفوا وغفرانا واغفر اللهم للمسلمين واملسلمات‬

‫‪18‬‬


‫املؤمنين واملؤمنات األحياء منهم واألموات بفضلك أنك سميع قريب مجيب‬ ‫الدعوات إلهنا وموالنا رب العاملين‪.‬‬

‫عباد هللا أن هللا يأمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء‬ ‫واملنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون‪ ،‬اذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه علي‬ ‫نعمه يزيد كم واسألوه من أفضاله يعطيكم‪.‬‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫‪19‬‬

‫***************************************‬


‫ميالد عيىس عليه السالم‬ ‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا‬ ‫وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده هللا فال مضل له ومن يضلل فال هادى له وأشهد أال إله‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وأشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا محمدا عبد هللا‬ ‫إال هللا وحده ال شريك له‬ ‫ورسوله وصفوته من خلقه وأمينه على وحيه ونجيبه من عباده‪ ،‬صلى هللا عليه‬

‫عباد هللا أوصيكم ونفس ي الخاطئة بتقوى هللا العظيم ولزوم طاعته‪ ،‬كما‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته املباركين املجاهدين وأتباعهم بإحسان إلى‬ ‫ً ً‬ ‫يوم الدين وسلم تسليما كثيرا‪.‬‬

‫أحذركم وأحذر نفس ي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله سبحانه وتعالى‪" :‬من عمل‬ ‫ً‬ ‫صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظالم للعبيد"‪.‬‬

‫ثم أما بعد‪ ،‬أيها اإلخوة املسلمون األحباب‪ ،‬أيتها األخوات املسلمات الفاضالت‬ ‫يقول هللا سبحانه وتعالى في كتابة العزيز بعد أن أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‪،‬‬ ‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬ ‫‪20‬‬


‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫َ‬ ‫َ ُْ ْ ْ َ‬ ‫َ ً َ ً َ َ َ ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫اب َم ْرَي َم ِإ ِذ انت َبذت ِم ْن أ ْه ِل َها َمكانا ش ْر ِق هيا‪ 96‬فاتخذت ِمن ُد ِون ِه ْم‬ ‫ت‬ ‫"واذكر ِفي ال ِك ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ً َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ً َ ه ً ‪ ْ َ َ 93‬ه ُ ُ‬ ‫وذ بالر ْح َمن منكَ‬ ‫ِ‬ ‫ِحجابا فأرسلنا ِإليها روحنا فتمثل لها بشرا س ِويا قالت ِإ ِني أع ِ‬ ‫َ‬ ‫َُ ُ‬ ‫ُ َ َ ه ً ‪ُ ُ َ َ َ َ َ َ 93‬ل َ ه َ َ َ َ ُ ً َ ه ً ‪ْ َ َ 91‬‬ ‫ن‬ ‫ِإن كنت ت ِقيا قال ِإنما أنا رسو رِب ِك ألهب ل ِك غالما ز ِكيا قالت أنى يكو ِلي‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُغ ٌ‬ ‫ال َك َذ ِل ِك َق َ‬ ‫الم َو َل ْم َي ْم َس ْسني َب َش ٌر َو َل ْم َأ ُك َب ِغ هي ًا‪َ 22‬ق َ‬ ‫ال َرُّب ِك ُه َو َعلي َه ِهي ٌن َو ِلن ْج َعل ُه‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ْ َ ً ه َ َ َ َ ْ ً ْ ه ً ‪َ ً َ َ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ َ َ َ 29‬‬ ‫ًَ‬ ‫انا قص هي ًا‪22‬‬ ‫اس ورحمة ِمنا وكان أمرا مق ِضيا فحملته فانتبذت ِب ِه مك‬ ‫لن‬ ‫ل‬ ‫ة‬ ‫آي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ َ ْ َ َ َ َ ُ ُ َ ْ ً‬ ‫َ َ َ َ َْ َ ُ َ ْ‬ ‫َْ َ َ ْ َ ََْ‬ ‫يا منس هي ًا‪28‬‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫نت‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ذ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫ة‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫الن‬ ‫ع‬ ‫ذ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫فأجاءها املخاض ِإَلى ِج ِ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ​َ‬ ‫َ َ‬ ‫فن َاد َاها ِمن ت ْح ِت َها أال ت ْح َزِني ق ْد َج َع َل َرُّب ِك ت ْحت ِك َس ِرهيا‪َ 23‬و ُه هِزي ِإل ْي ِك ِب ِجذ ِع النخل ِة‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ً‬ ‫ُ‬ ‫َ ً ً َُ‬ ‫ً َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ت َسا ِقط َعل ْي ِك ُرطبا َج ِن هيا‪ 23‬فك ِلي َواش َرِبي َوق هِري َع ْينا ف ِإما ت َرِين ِم َن ال َبش ِر أ َحدا‬ ‫َ ُ َ ُ‬ ‫ً َ​َ​َ ْ َ‬ ‫ْ َ َْ ً‬ ‫َُ‬ ‫ه َ​َْ ُ‬ ‫ما َف َل ْن ُأ َك هل َم ْال َي ْو َ‬ ‫نس هيا‪ 26‬فأتت ِب ِه ق ْو َم َها ت ْح ِمل ُه قالوا‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ص‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫لر‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫ذ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ول‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف ِ ِ​ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ ُ‬ ‫َ َ ْ َ ُ َ َ ْ ْ َ ْ ً َ ه ً ‪َ َ َ َ ُ َ َ ْ ُ َ 23‬‬ ‫ان َأ ُ‬ ‫وك ْام َرأ َس ْو ٍء َو َما كانت أ ُّم ِك‬ ‫ب‬ ‫يا مريم لقد ِجئ ِت شيئا ف ِريا يا أخت هارون ما ك‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ه ً ‪ َ ُ َ ْ َ ُ َ ْ َ ْ َ َ َ َ 23‬ه ُ َ َ َ‬ ‫صب هي ًا‪َ 21‬ق َ ه َ ْ ُ‬ ‫ان في ْاملَ ْهد َ‬ ‫اّلل آتا ِن َي‬ ‫ال ِإ ِني عبد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب ِغيا فأشارت ِإلي ِه قالوا كيف نك ِلم من ك ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َ َ َ َ َ َ ه ً ‪ُ ُ َ َ ْ َ ً َ َ ُ َ َ َ َ 82‬‬ ‫نت َو َأ ْو َ‬ ‫الة َوالزك ِاة َما ُد ْمت‬ ‫الص‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ص‬ ‫ال ِكتاب وجعل ِني ن ِبيا وجعل ِني مباركا أين ما ك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الم َع َلي َي ْو َم ُول ُّ‬ ‫َح هي ًا‪َ 89‬و َب هرًا ب َوال َدتي َو َل ْم َي ْج َع ْلني َجبارًا َشق هي ًا‪َ 82‬والس ُ‬ ‫دت َو َي ْو َم أ ُموت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ْ َ ُ ْ َ ُ َ ه ً ‪ْ َ ْ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ َ 88‬‬ ‫َ َُْ َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫‪83‬‬ ‫ويوم أبعث حيا ذ ِلك ِعيس ى ابن مريم قول الح ِق ال ِذي ِف ِيه يمترون "‬ ‫صدق هللا العظيم‪ ،‬وبلغ رسوله الكريم ونحن على ذالكم من الشاهدين‪ ،‬اللهم‬ ‫اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط‪ ،‬أمين اللهم أمين‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫وقفنا في الخطبة السابقة عند نبأ حمل البتول مريم عليها الصالة وأفضل‬ ‫َ‬ ‫السالم وما كان من تــقول الناس و تزيد عليها ما شاءوا من الكذب وبهتان‪ ،‬وما كان‬ ‫من دفاع نبي هللا زكريا عليه الصالة وأفضل السالم عنها وعن جنبها الطهور من غير‬


‫جدوى‪ ،‬وما كان من محاورتها خطيبها وابن عمها أو ابن خالها يوسف ابن يعقوب‬ ‫النجار عليه السالم‪ ،‬ثم ما كان من تصديق هذا الرجل الصالح لها وما هتف به‬ ‫مناما من أن هللا تبارك وتعالى جعله كافال ً وحارسا لنبي هللا وروحه وكلمته علية‬ ‫الصالة وأفضل السالم وقفنا عند هذا الحد‪.‬‬

‫بعد ذلك وبعد أن ظهر حملها ونفق بطنها عليها الصالة وأفضل السالم يحكى‬

‫حكم الرومان وتحت أمرتهم‪ ،‬أمر أغسطس قيصر باكتتاب جميع املسكونة بما‬ ‫فيها بالد الشام فانحدر الرجل الصالح يوسف النجار مع مريم عليها الصالة‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫أن أغسطس قيصر‪ -‬القيصر الروماني‪ -‬وكانت بالد الشام بما فيها فلسطين تحت‬ ‫حكم الوالة الرومان ليسوا من الرومان لكنهم كانوا عماال وأمراء وملوكا يعملون في‬

‫والسالم وهى حامل من بيت املقدس‪ -‬أورشليم ‪ -‬إلى يهودا وهى بلد داود علية‬ ‫الصالة وأفضل السالم والتي تعرف ببيت لحم‪ ،‬فإذا قرأتم يهودا فهي بيت لحم–‬ ‫فانحدر إلى يهودا وهي ال تبعد عن بيت املقدس إال بضعه كيالت‪ -‬أي كيلو مترات‪-‬‬ ‫وهناك جاءها املخاض من مقدمات وأعراض الوالدة فألجئها إلى جذع نخلة لكي‬ ‫َْ‬ ‫َ َ َ َ َْ َ ُ َ ْ‬ ‫تستند إليها وتتكئ عليها ساعة الوالدة " فأجاءها املخاض ِإلى ِجذ ِع النخل ِة"‪ ،‬وحين‬ ‫أيقنت أنه ستضع حملها الذي بشرت به وأنه املسيح كلمه هللا وروحه تذكرت ما‬ ‫َ َ‬ ‫سيكون من شأنها ومن شأن الناس معها فقالت تدعوا على نفسها " َيا ل ْيت ِني ِم ُّت‬ ‫ً‬ ‫َْ َ َ َُ ُ َ ْ ً‬ ‫ً‬ ‫استحياء من الناس‬ ‫نس هيا" تتمنى ذلك وتدعو به على نفسها‬ ‫قب َل هذا وكنت نسيا م ِ‬ ‫ومخافة املعرة والالئمة وهى من بيت نبوة‪.‬‬

‫‪22‬‬


‫ً‬ ‫ُّ َ ْ َ َ َ ُ ُ َ ْ ً‬ ‫َ ََْ‬ ‫نس هيا" إال أن هللا تبارك وتعالى قدر‬ ‫"يا ليت ِني ِمت قب َل هذا وكنت نسيا م ِ‬ ‫ووضعت نبي هللا وضعت رسول هللا صبيا‪ ،‬ذكيا‪ ،‬مباركا أينما كان‪ ،‬عيس ى بن مريم‬ ‫عليهم الصالة وأفضل التسليمات‪ ،‬وبعد أن وضعته ناداها من تحتها ألنها وضعته‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ​َ‬ ‫بين رجليها " فن َاد َاها ِمن ت ْح ِت َها أال ت ْح َزِني" أنه عيس ى‪ -‬وهذا الذي استظهره أبو حيان‬ ‫في بحره وهى رواية عن مجاهد بن جبر وعن سعيد بن جبير وعن غيرهم رضوان هللا‬ ‫عنهم أجمعين‪.‬‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ناداها عيس ى‪ ،‬وقيل ناداها جبريل وكان قريبا " َو ُه هِزي ِإل ْي ِك ِب ِجذ ِع النخل ِة‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ً‬ ‫ُ‬ ‫ت َسا ِقط َعل ْي ِك ُرطبا َج ِن هيا" أي حركيها إزاءك أي قبالتك‪ ،‬إلى جهتك‪ ،‬هزيها‪ ،‬والجني‬ ‫هو الذي جنى من قريب وهو أحسن وأطيب وأهنأ من الذي جمع من بعيد‪ ،‬جنى‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫من وقت قريب قد يكون من ساعة أو أقل من ساعة‪ ،‬هذا معنى الجني‪" ..‬ت َسا ِقط‬ ‫َ‬ ‫َ ً‬ ‫َعل ْي ِك ُرطبا َج ِن هيا" " وهذه آية من آيات هللا تبارك وتعالى ‪ -‬كيف تستطيع امرأة ولدت‬ ‫ووضعت لتوها ولساعتها أن تهز جزع نخله وال يستطيع ربما عشرة من الرجال‬ ‫األقوياء أن يهزوها‪ ،‬أنه من بابا التسبب وهذه إشارة إلى أن التسبب في تحصيل‬ ‫املعاش وكسب األرزاق مطلوب في الجملة‪.‬‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ً‬ ‫َْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬ ‫" َو ُه هِزي ِإل ْي ِك ِب ِجذ ِع النخل ِة ت َسا ِقط َعل ْي ِك ُرطبا َج ِن هيا فك ِلي َواش َرِبي" قالوا ما‬ ‫ش يء أحسن ملن وضعت من التمر أو من الرطب‪ ،‬وال للمريض من العسل وهذه آية‬ ‫قرآنية‪ ،‬ولهذا يقولون الرطب خرطة النفساء أي خير مطعومها‪ ،‬فكلى من الرطب‬

‫‪23‬‬

‫الجني واشربي من املاء الذي يجرى في السري – والسري هو الجدول الصغير أجراه‬ ‫هللا بقدرته– وقيل كان يجرى من قبل سمي سرى الن املاء يسرى فيه‪ ،‬فكلى من‬


‫الرطب الجني واشربي من هذا املاء النهي وقرى عينا بهذا الوليد املبارك الذكي‪ ،‬أنه‬ ‫روح هللا وكلمته عيس ى علية وعلى نبينا الصلوات والتسليمات‪.‬‬

‫وبعد ذلك كان عليها على حسب شريعة موس ى‪ -‬حسب الناموس كما يقولوا‬ ‫أهل الكتاب‪ -‬أن تنتظر أربعين يوما ال تنتقل من املكان‪ ،‬وكان قريب منها بجوار‬ ‫النخلة مزود للرعاة‪ -‬أي معلف لدواب الرعاة‪ -‬وكان هؤالء الرعاة يرعون شياههم‬ ‫أو ما كانوا يرعونه في مكان قريب فسارت إليه‪ ،‬وفى الكنيسة التي بنيت على موضع‬

‫في بالط الكنيسة‪ -‬مكان في األرض مكور قيل هو موضع النخلة التي ولدت تحتها‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫السيد املسيح علية الصالة وأفضل السالم وهى كنيسة بيت لحم موجودة اآلن‬ ‫ً‬ ‫فعال هي مبنية على موضع والدته‪ ،‬هذا معروف تاريخيا هناك مكان كور في البالط‪-‬‬ ‫مريم عيس ى عليهم الصالة وأفضل السالم‪ ،‬نفس املوضع كانت هنا النخلة ولكن ال‬ ‫ذكر لها في األناجيل‪ -‬ال ذكر للسري في األناجيل‪ -‬هذا مما انفرد القرآن العظيم‬ ‫بذكره وإلى جانب أيضا املدينة واد عميق يقال له واد الرعاة إلى اآلن‪ ..‬هذه آثار‬ ‫تاريخية مما أبقى هللا تبارك وتعالى‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بعد أن انقضت األربعون يوما حسب قوانين وشريعة موس ى انحدر يوسف‬ ‫النجار مع مريم وعلى يدها الكليم الذي كلم الناس في املهد وكلم أمه من تحت‬ ‫الشجرة ونطق ببراءتها وقال لها علية الصالة وأفضل السالم فإما ترين من البشر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أحدا كائنا من كان عاقال أو سفيها‪ ،‬كبيرا أو صغيرا‪ ،‬متدينا صالحا‪ ،‬أو رجال طالحا‬

‫‪24‬‬


‫فقولي أني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا‪...‬ملاذا؟ مجافاة أن تقع في‬ ‫ً‬ ‫جدال مع السفهاء‪..‬ملاذا؟ ألن هلل أمرا وسيظهر هللا في الحين الذي يريد براءتها عليها‬ ‫أفضل الصالة والسالم بطريقة هي أيضا ال تعلمها‪ ،‬وهكذا انحدر ثالثتهم إلى بلدة‬ ‫الناصرة إلى بلدهم األصلية‪ ،‬وفى الطريق نزلوا إلى بئر واستسقوا منها فسميت بئر‬ ‫مريم وأصبحت كالبئر املقدسة‪ ،‬ثم بعد ذلك كلما استظلوا بشجرة صارت األجيال‬ ‫تأمها بعد ذلك من أهل هذا الدين‪ ،‬وهذه امللة يأمون هذه الشجرة التي استظل‬ ‫تحتها يوسف النجار ومريم وعيس ى حين كان صيبا‪ ،‬وكان قد ولد أليام لم يكمل‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫شهرين حتى بلغوا مدينة الناصرة وساروا في شوارعها وأزقتها الضيقة فجعل بعض‬ ‫الناس ينقلبون عنهم كشحا‪ ،‬وبعضهم يزور نظرهم وبعضهم يبدي لهم االستياء و‬ ‫والزراية ألن الذي تحمله في حجرها أو على يديها ناطق بفجورها وفاحشتها كما‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫زعموا والعياذ باهلل مما زعموا‪ ،‬لكنها لم تطلق خزيا وال عارا هي تعلم الخير‬ ‫والكرامة التي أراد هللا لها والبنها عليها أفضل الصالة والسالم حتى بلغت باب الدار‬ ‫فخرجت أمها حنة وقد كللها الخزي والعار مطرقة برأسها ال تستطيع أن تتكلم‬ ‫وأنت من بيت نبوة يا مريم؟؟!‬ ‫ولسان حالها يقول ملاذا فعلت بنا هذا ِ‬

‫ثم خف إليها جمع من قرابتها ومن ذوي قرابتها وأخذوا يعنفونها مبرئين أنفسهم‬ ‫من إثمها مترفعين عن عارها وعن خطيئتها وهكذا يلقى إليها هذا بكلمة وهذا بسبة‬ ‫ويصفها هذا بكلمة عار إلى أن أشارت إليه‪ ،‬أشارت إلى عيس ى أن كلموه‪ ،‬فأنفجر‬ ‫‪25‬‬

‫أحدهم غاضبا وقال إن استهزائها بنا أشد علينا من فجورها‪ ،‬وهنا يفعل هللا تبارك‬ ‫وتعالى فعله ويظهر آيات اقتداره ال اله إال هو وإذا بهذا الصبي الرضيع وقد قالوا‬


‫كيف نكلم من كان في املهد صبيا‪ ،‬وإذا بهذا الصبي الذي في املهد وفى بعض‬ ‫الروايات كان يرضع من تحت املالءة يترك الرضاعة ويتكأ على يساره ويشير‬

‫العظيم ففوضه وأنابه أن يسلم سالم هللا من نفسه‪ ،‬ولذلك قال طائفة من‬ ‫املفسرين سالم عيس ى أجل وأكرم من سالم هللا على يحيى لهذا االعتبار‪.‬‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫بسبابته‪ -‬طفل رضيع لم يكمل شهرين وينطق‪ -‬وقد جعل وجهه إلى وجوه الناس‬ ‫الذين يرمون أمه بالبهتان والفاحشة والفجور‪ ،‬قال‪" :‬إ هني َع ْب ُد اّلل َآتان َي ْالك َت َ‬ ‫اب‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫َ َ َ َ َ ه ً ‪ُ ُ َ َ ْ َ ً َ َ ُ َ َ َ َ 82‬‬ ‫صاني بالصالة َوالز َكاة َما ُد ْم ُت َ‬ ‫نت َو َأ ْو َ‬ ‫ح هي ًا‪89‬‬ ‫وجعل ِني ن ِبيا وجعل ِني مباركا أين ما ك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً َ ً‬ ‫ً‬ ‫َو َب هرا ِب َو ِال َد ِتي َول ْم َي ْج َعل ِني َجبارا ش ِق هيا‪ "82‬وقد كان هللا تبارك وتعالى سلم على من‬ ‫سبقه على يحيى بن زكريا عليهما الصلوات والتسليمات وقد سبقه بستة أشهر‬ ‫َ ُ‬ ‫الم َع َلي َي ْو َم ُول ُّ‬ ‫فهو أسن وأكبر منه بستة اشهر قال " َوالس ُ‬ ‫دت َو َي ْو َم أ ُموت َو َي ْو َم‬ ‫ِ‬ ‫ُ ُ ً‬ ‫أ ْب َعث َح هيا" وهنا أراد هللا تبارك وتعالى أن يقيم عيس ى هذا املقام الجليل الكريم‬

‫قال‪" :‬السالم علي" واألحسن أن يقال إن األلف والالم للسالم للجنس‪ ،‬ألن في‬ ‫ً‬ ‫ذلك تعريضا بيهود‪ ،‬إذا كان جنس السالم على عيس ى فعكس السالم على من؟! على‬ ‫من بهتوا أمه وهذا كما قلت لكم أن األجود أن يقال إن األلف والالم للجنس جنس‬ ‫السالم على عيس ى وضده على اليهود لعنه هللا عليهم إلى يوم القيامة الذين بهتوا‬ ‫أمه ورموها بأثقل الفواحش ثم بهتوا عيس ى وتألبوا عليه كما تعلمون وأرادوا قتلة‬ ‫وبئس ما صنعوا وبئس ما أتمروا!‬ ‫‪26‬‬


‫ولكم أن تتصورا وتتصورن ماذا أحدث قيله هذا في حاضري هذا املشهد لقد‬ ‫طفرت الدموع من املآقي على غير ما إرادة وانعقدت األلسن مدهشا وحبست‬ ‫األنفاس رهبة وروعة املفاجأة‪ ،‬صبى لم يكمل شهرين ينطق بهذه الكلمات ويتحدث‬ ‫ً‬ ‫عن نبوءته‪ ،‬وأنه أوتى الحكمة والكتاب‪ ..‬ش يء عجيب جدا وهنا انجابت سحابة‬ ‫الحزن والهم والغم عن صدر حنة الصالحة الطاهرة املتعبدة وانزاح الفرح‬ ‫والسرور والبشر من قلبها على وجهها وأخذت تقبل ابنتها وتعانقها‪ ،‬وتهنئها بنبي هللا‬ ‫بعيس ى بن مريم املسيح املوعود‪ ،‬املنتظر‪ ،‬الذي ينتظره بنى إسرائيل لكنهم لم‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫يؤمنوا به وبهتوا أمه عليها السالم‪.‬‬

‫وجدير بالذكر أن واقعه نطق عيس ى عليه السالم في املهد مبرأ أمه البتول‬ ‫الطهور هي أيضا من ما انفرد به كتاب هللا العظيم القرآن الكريم ولم تذكرها‬ ‫األناجيل‪ ،‬لكن هللا ذكرها الذي كان حاضرا ال يغيب وال ندرى ما الذي حملهم على‬ ‫نكرانها أو كيف لم تصلهم وقد صرح بها كتابنا العزيز وهى آية من أعجب وأكرم‬ ‫آيات هللا تبارك وتعالى وفيها شهادة ملريم بالبراءة الكاملة‪ ،‬هذا ما كان من نبأه‪.‬‬

‫وفى ذلك الزمان أيام ميالد روح عيس ى علية الصالة وأفضل السالم كانت كل‬ ‫فلسطين تحت حكم حاكم جبار عنيد متغطرس طاغية من الطغاة معروف‬ ‫‪27‬‬

‫بالفظاظة والغلظة ال يعرف للرحمة معنى رجل شهوات‪ ،‬زير نساء تزوج عشرة‬ ‫نساء جمع بين تسعه منهم في عصمته وقت واحد مع ما كان يتعاطاه من الفواحش‬


‫واالنحراف‪ ،‬فقد كان معروف بالشذوذ الجنس ي والعياذ باهلل‪ ،‬قتل الكثير من زوى‬ ‫قراباته‪ ،‬قتل زوجته وكانت أحب زوجاته إليه ألن أخته أقنعته أنها تأتمر به لتدس‬ ‫له السم فقتلها ثم ندم ندامة حتى زايله عقله فترة‪ -‬جن‪ -‬وجعل يرتاد الصحارى‬ ‫فهو منقطع عن العمران حتى عاد إلية عقلة بعد حين فقتل ابنيه منها أيضا‪ ،‬قتل‬ ‫ً‬ ‫ثالثة من أوالده والكثيرين من ذوى قرابته وكان يحرق الناس حرقا والعياذ باهلل‬ ‫تبارك وتعالى إنه الطاغية الكبير "هيرودوس الكبير"‪.‬‬

‫ومكر ودهاء بالغين بمعاونه قياصرة الرومان استطاع أن يتسلم ذروة الحكم إلى‬ ‫أن يصل إلى سدة الحكم وصار حاكما على فلسطين أأتمر به الكثير من الحكام‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫كان حفيدا لرجل خادم في هيكل‪-‬معبد‪ -‬عسقالن لكنه بحيلة كحيلة الثعالب‬

‫والوالة‪ ،‬لكنه دائما كان يخرج كما تستل الشعرة من العجين حتى أن أغسطس‬ ‫قيصر قال إن هذا امللك روحة أكبر مما يملك وددت أني لو ملكته الشام كلها‬ ‫ومصر أيضا‪..‬رجل داهية‪ ،‬رجل طاغية‪ ،‬وقد سمع هذا الطاغية الكبير من أحد‬ ‫الناس أن مولودا سيولد لبنى إسرائيل وهو املسيح املنتظر وسيكون ملكا على‬ ‫اليهود فجن جنونه وهو الطاغية الذي استبد بالحكم وقتل أبنائه وقراباته من‬ ‫أجل الكرس ي‪ -‬من أجل الحكم‪ -‬كيف سيحكم إسرائيلي وهرودوس لم يكن‬ ‫إسرائيليا‪ ،‬هو ليس من بنى إسرائيل ولذلك أول ما اخذ الحكم جاءه اليهود ثائرين‬ ‫واخبروه أنهم ال يرضون بتمليكه عليهم ألنه في الناموس مكتوب ال يملك إسرائيل‬ ‫إال من كان إسرائيليا فقتل منهم ما شاء فسكتوا خشيته ومهابته‪ ،‬ثم أراد أن‬ ‫يسترضيهم فبنى لهم املعبد الذي دمره نبوخذ نصر‪ ،‬بناه سنه ‪ 22‬قبل ميالد املسيح‬

‫‪28‬‬


‫لكنه رفع على بابه في مدخلة النسر الروماني املصنوع من الذهب رمز الوثنية وكان‬ ‫ً‬ ‫اليهود يعتبرون هذا كفرا لكنهم ال يستطيعون أن ينكروا على هذا الظالم الكبير‬ ‫النسر رمز الوثنية على باب الهيكل‪ ،‬في مقدمة الهيكل بناه لهم‪ ،‬هذا الهيكل الذي‬ ‫دمر بعد ذلك في التدمير الثاني‪.‬‬

‫بعث للكهنة وأصحاب النجوم وسألهم عن نبوءة هذا الوليد العجيب وأين‬ ‫سيولد ومتى فأخبروه أن هذه أيام والدته وأن موضع والدته بيهودية أي ببيت لحم‪،‬‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫فأرسل جماعة من أقس ى جنوده إلى بيت لحم إلى اليهودية فأعملوا السيف بعد أن‬ ‫انقضوا على األطفال الصغار‪ ،‬الولدان‪ ،‬الصبيان‪ ،‬الرضع انقضاض الكواسر على‬ ‫الدجاج على فرائسها وأعملوا فيهم السيوف تذبيحا كما تذبح الشاه والدجاج‪ ،‬لم‬ ‫يتركوا بيتا إال طعنوه بالسويداء وغرقت املدينة املنكوبة في ليلة حالكة السواء في‬ ‫الدماء البريئة وهذه في امللحمة أو املذبحة التي تعرف بمذبحة األبرياء‪ ،‬لكن هل‬ ‫قتلوا عيس ى علية الصالة وأفضل السالم‪ ،‬عيس ى كان في الناصرة حيث أنه وصل في‬ ‫هذه الليلة‪ -‬هتف هاتف ليوسف النجار عليه السالم والرضوان أن أذهب بمريم‬ ‫ً‬ ‫وابنها إلى مصر فإن الطاغية يريد أن يقتله فأيقظها ليال وقال لها هيا يا مريم إلى‬ ‫مصر بهذا أمرت وارتحل ثالثتهم إلى مصر هابطين على حمار في أمان هللا وسالمه‬ ‫سبحانه وتعالى‪ ،‬وهكذا كانوا بمصر ما شاء هللا لهم‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫َ َ َْ َ ْ َ َ َْ َ َ ُ ُ َ ً َ َ ْ َ ُ َ َ َْ َ َ َ‬ ‫ات ق َر ٍار‬ ‫يقول هللا تبارك وتعالى "وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما ِإلى ربو ٍة ذ ِ‬ ‫َو َم ِع ٍين" روى اإلمام ابن منذر عن ابن وهب وغيره واإلمام ابن جرير وغيره عن ابن‬ ‫زيد قال رحمة هللا عليهم‪ :‬ربوة ذات قرار ومعين هي مصر‪ ،‬وكل قرى مصر كما‬ ‫يقولون على ُرَبى ألن النيل في فيضانه وعمومه يأتي على ما دونه فإن لم تكن على‬ ‫ُرَبى لغرقت‪ ،‬قالوا هي مصر وهذه الرواية غير موجود بأي من األناجيل األربعة أن‬ ‫هللا آواهم إلى مصر‪ ،‬لكنها موجودة في إنجيل صبوة كما ذكر اإلمام العالمة شهاب‬ ‫الدين القرافي رحمه هللا عليه‪ ،‬ويؤمن بها الكثير من النصارى على الرغم من أنها‬

‫وهكذا عاش ثالثتهم في مصر في أمان وكبر عيس ى قليال علية الصالة وأفضل‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫غير موجودة في األناجيل املشهورة واملألوفة‪.‬‬

‫التسليم‪ ،‬ودخل ذات يوم على أمه فإذا بها مهمومة محزونة‪ ،‬فسألها عما بها‪،‬‬ ‫فقالت‪ :‬لقد سرق كنز أو مال صاحب البيت‪ ،‬هم يسكنون باألجرة في دار معينة‬ ‫ينزلها كثير من النزالء وخشيت البتول أن تتهم هي أو ابنها أو خطيبها‪ ،‬فقال يا أماه‪-‬‬ ‫ً‬ ‫وكان صغيرا‪ -‬أتريدين أن أدله علي من سرقه منه؟ قالت نعم يا بنى أني أحب ذلك‪،‬‬ ‫قال لها‪ :‬قولي له يجمع أهل الدار وكل النزالء وسأدله فجمع صاحب الدار كل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫النزالء في داره حتى إذا انتظموا جميعا وقوفا وجلوسا قام عيس ى وتخير رجلين‬ ‫ً‬ ‫أعمى ومقعدا‪ -‬رجل أعمى وآخر مقعد‪ -‬وقال لهما دلونا كيف سرقتم املال؟ قالوا‬ ‫نحن!! كيف؟!! قال املقعد‪ :‬أنا مقعد‪ ،‬وقال األعمى أنا أعمى‪ ،‬التهمة بعيدة جدا‬ ‫عن هذين الرجلين‪ ،‬فجاء عيس ى علية السالم وقال لألعمى أحمل هذا املقعد قال‬ ‫ال أستطيع أني اضعف من ذلك‪ ،‬قال فكيف قويت عليه أمس‪ ،‬فعلم أن هذا‬

‫‪30‬‬


‫الطفل طفل غير اعتيادي‪ ،‬طفل ملهم‪ ،‬مكاشف‪ ،‬فسكت فلما رأى صاحب الدار‬ ‫والناس ما سمعتهم أرغموهم على أن يفعال ما طلب عيس ى وأخذوا املقعد وحملوه‬ ‫لألعمى فأستقل األعمى واقفا‪ ،‬فلما استقل به واقفا فإذا به يطال مباشرة قوة‬ ‫الكنز‪ -‬يستطيع أن يأخذ املال– وهكذا ظهرت الحقيقة وعاد املال إلى صاحبه‬ ‫فأخذ الرجل شطر ماله وأعطاه ملريم‪ ،‬قالت ما كنت آلخذة‪ ،‬فقال إذن أعطيه‬ ‫ً‬ ‫البنك الصغير‪ ،‬قالت هو أعظم مني شأنا عليه السالم‪ ،‬وهى تعلم أنه أعظم منها‬ ‫شأنا هو نبي هللا‪ ،‬هو كلمة هللا‪ ،‬هو روح هللا خلقها هللا خلقا عجيبا‪ ...‬هذا ما كان‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫منهم في مصر‪.‬‬

‫في األيام األولى مليالد عيس ى أو في األشهر األولى مليالد عيس ى مات هيرودوس‪،‬‬ ‫بعض الكتاب يكتبون أنه مات بعدما كبر عيس ى وهذا خطأ بإجماع املؤرخين‪ ،‬في‬ ‫األيام األولى لكن يبدو وإن صحت قصة الربوة‪ -‬قصة مصر‪ -‬إن هللا تبارك وتعالى لم‬ ‫يلهم ولم يخبر يوسف النجار مناما بهذا الحدث‪ ..‬كيف مات هيرودوس املجرم‬ ‫هذا؟ لقد مرض وبرحت به األوجاع واأللم‪ ،‬سرت فيه أمراض كثيرة في سائر أنحاء‬ ‫جسمه حتى صار شماتة للشامتين وشاع في الناس وخاصة في بنى إسرائيل أن‬ ‫هيرودوس مات ففرحوا فرحا شديدا وأمر اثنين من معلميه‪ -‬من أحبار املعبد‬ ‫الكبير في بيت املقدس‪ -‬التالميذ أن ينزلوا النسر الروماني فتحرك الناس وعلم‬ ‫ً‬ ‫هيرودوس بذلك فأراد أن يلقنهم درسا ال ينس ى فأمر بأربعين من هؤالء التالميذ‬

‫‪31‬‬

‫وأحرقهم أحياء وهكذا كانوا بنوا إسرائيل دائما في عذاب هللا ونقمة‪ ،‬وهم‬ ‫يستحقون ملا سترون من معامالتهم لعيس ى وكيف وقفوا في طريق دعوته‪ ،‬هم‬


‫يستحقون كل ما حل وما يحل وما سيحل بهم من عذاب هللا ونقمة وألوان سخطه‬ ‫وغضبه‪.‬‬

‫أحرق أربعين منهم فعلموا أنه لم يمت كما أشيع عنه‪ ،‬ثم أنه بعد ذلك الرجل‬ ‫الخبيث الفظ قال في نفسه إن أنا مت ليفرحن اليهود بموتى وسيكون يوم موتى‬ ‫يوم فرح وحبور وسرور ولن أعطيهم ذلك‪ ،‬فبعث إلى أربعين من كبار مشائخهم‬ ‫وشيوخ األسرات وقال وافوني في قصري بأريحا‪ ،‬فلما وافوه بقصره بأريحا غلق‬

‫والعياذ باهلل تبارك وتعالى‪.‬‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫األبواب من خلفهم‪ ،‬ثم قال ألخته سالومي إن أنا مت فاقطعي رؤوسهم جميعا حتى‬ ‫يكون يوم موتى يوم عويل ونحيب وحزن ال يوم فرح وسرور‪...‬طاغية مجرم كبير‬

‫ثم سمع أن ابن انتيباس الذي سيحكم بعده يأتمر بقتله فأمر بوضعه في‬ ‫السجن أيضا‪ ،‬ثم أمر في أخر لحظاته وهو يلفظ أخر أنفاسه أن يقتل ابنه‬ ‫انتيباس حتى ال يفرح بامللك من بعده ألنه خطر في باله أو أخطر نفسه أنه سيفرح‬ ‫ً‬ ‫بموته ليكون ملكا من بعده فقتله‪ ،‬ولكن لم يجد أحدا يلبى هذا األمر كيف نقتل‬ ‫من سيصير الحكم إلية بعد ساعة‪ ،‬سنقتل جميعا عن أخرنا فلم يفعلوا وهلك‬ ‫الطاغية‪ ،‬يقول املؤرخون قال عنه أعداؤه‪-‬هلك عن ‪ 61‬عاما‪ -‬أنه تسلل إلى امللك‬ ‫تسلل الثعالب فلما وصل للحكم حكم ُحكم النمور ومات ميتة الكالب‪ ..‬هذا‬ ‫ملخص حياته‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫مات هذا الطاغية‪ ،‬فلما مات قفز إلى الحكم ابنة أرخيلوس وليس انتيباس‬ ‫وكان لدية أبناء كثيرون لكن أقواهم وأنجبهم على امللك ثالثة وأما أبناؤه فأربعون‬ ‫ابنا ذكرا وأقواهم ثالثة فيليب وأرخيلوس وانتيباس‪ ،‬قفز أرخيلوس على الحكم‬ ‫وثار اليهود في كل مكان‪ ،‬ثارت األردن وثارت الجليل وثارت اليهودية‪ -‬بيت لحم‪ -‬وكانت‬ ‫الثورة املعروفة في بنى إسرائيل بثورة الجليليين تحت إمرة القائد الجليلي ياهوذا‪،‬‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫ثاروا في كل مكان وما كان من أرخيلوس إال أن استعطفهم وأن استرضاهم وأخبرهم‬ ‫ً‬ ‫أنه لم يقتل األربعين الذين أمر أبوه أن يقتلوا في حين أن قتل هو وذلك ليس حبا‬ ‫فيهم وإنما تجنب لفتنة قد ذر قرنها‪ ،‬لكنهم لم يرعوه ولم يستمعوا إلية وبقيت‬ ‫الثورة فجاء فرسانه إلى املعبد الكبير في بيت املقدس وقتلوا ثالثمائة من ه‬ ‫الربان‬ ‫ه‬ ‫والعبـاد في ساعة واحدة إال أن الثورة ظلت تحصد األخضر واليابس حتى اضطر‬ ‫القيصر نفسه إلى أن يأمر جنوده وحاميته في سوريا وفي بالد الشام أن يسيروا إلى‬ ‫فلسطين للقضاء على هذه الثورة‪ ،‬وفعال جاء الجنود العرب والجنود الجيرمان‬ ‫بقيادة رومانية واعملوا السيف في الصغار والكبار والذكور واإلناث وأحرقوا‬ ‫ً‬ ‫البيوت واملعابد ودمروا كل ما أتت علية أيديهم وتركوا األخضر يابسا‪.‬‬

‫عف الدمار وسكنت الثورة وما كان من أهل فلسطين واليهود إال أن بعثوا‬ ‫جماعه من كبار مشايخهم إلى أغسطس قيصر في روما يطلبون منه أن يأمر عليهم‬ ‫‪33‬‬

‫ملكا لكي يسود األمن والهدوء من جديد‪ ،‬فوافق وجعل فلسطين ثالث واليات ملك‬ ‫ً‬ ‫عليها ثالث أبناء هيرودوس األكبر ألنه لن يجد عبيدا أمناء كأبناء هيرودوس‬


‫ً‬ ‫سيكونوا كأبيهم تماما وهكذا ملك أبناؤه الثالثة فلسطين كلها بعد أن قسمت إلى‬ ‫ثالث واليات‪.‬‬ ‫وألن نبأ عيس ى علية السالم يتقاطع دوما إلى حين مع نبأ يحيى بن زكريا فالبد‬ ‫أن نأخذ من هنا وهناك أيضا‪ ،‬يحيى بن زكريا عليهما أفضل الصلوات والسالم نشأ‬ ‫نشأة ال كنشأة لداته وأترابه من الصبيان‪ ،‬نشأ نشأة ال تعرف املرح واللهو والعبث‬ ‫وإنما نشأة الجد والعبادة والتسبيح والتمجيد واملكوث في الهيكل‪ -‬في املعبد‪ -‬لقيه‬ ‫أترابه ذات يوم فهرعوا إلية فهو ال يخرج إال قليال فقالوا له‪ :‬يا يحيى هيا لنلعب‬ ‫الذي قال فيه عيس ى لم تلد الوالدات مثل يحيى بن زكريا "لم نجعل له من قبل‬ ‫ً‬ ‫سميا" لم نسمى أحدا بهذا االسم فهو أيضا شخصية فذة‪ ،‬ومتفردة من جميع‬ ‫جوانبها‪ ،‬رجل رباني علية الصالة وأفضل السالم وسترون مصيره إن شاء هللا‪.‬‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫فقال ما للعب خلقت قال تعالى "وآتيناه الحكم صبيا" علية الصالة والسالم‪ ،‬يحيى‬

‫قال ما للعب خلقت‪ ،‬وفى يوم من األيام أتى أمه وقال لها يا ُ‬ ‫أم انسجي لي من‬ ‫فضلك مدرعة من شعر وبرنصا من صوف‪ ،‬قالت َ‬ ‫لم يا بني؟ قال ألحرر نفس ي‬

‫ً‬ ‫وأهب نفس ي للمعبد‪ -‬يمكث في املعبد يتعبد ويخدم‪ -‬قالت يا بني أنت ال تزال صغيرا‬

‫ولن افعل حتى يأتي أبوك وأسأله في ذلك‪ ،‬قال نعم‪ ،‬وملا أتى زكريا قالت يا نبي هللا‬ ‫الولد يطلب كذا وكذا‪ ،‬فأقبل علية منشرح الصدر رض ي النفس وقال يا بنى َ‬ ‫لم‬ ‫تطلب مدرعة الشعر وبرنص الصوف قال ألحرر نفس ي للمعبد‪ -‬لعبادة هللا‬ ‫وتمجيده سبحانه وتعالى‪ -‬قال يا بني ولكنك صغير ال تزال‪ ،‬فقال يا أبت وكم من‬ ‫صغير‪ ،‬وكم من ما كان هو أصغر منى قد ذاق املوت‪ ،‬فصدم أبوه بهذه الحكمة‪،‬‬

‫‪34‬‬


‫صبى ينطق بهذه الحكمة "كم من صغير وكم من هو أصغر مني قد ذاق املوت"‪،‬‬ ‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬يا الياصابات افعلي ما أمرك به وهكذا حرر يحيى نفسه للمعبد‪ -‬الهيكل‬ ‫الكبير‪ -‬كما كان أبوه يفعل عليهما الصالة والتسليمات‪...‬إلى هذا الحد نقف إن شاء‬ ‫هللا من نبأ نبي هللا يحيى على أن نكمل في مرات قادمة إن شاء هللا‪.‬‬

‫الخطبة الثانية‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫الحمد هلل الذي يقبل التوبة ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ويستجيب‬ ‫الذين أمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وأشهد أال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى هللا‬ ‫تعالى علية وعلى آله وأصحابه وأتباعه وعلينا وعليكم واملسلمين معهم بفضله‬ ‫ومنته أجمعين‪.‬‬

‫نعود إلى نبي هللا عيس ى علية أفضل الصالة والسالم‪ ،‬شب عيس ى وصار ابن‬ ‫اثني عشر سنة لقد راق البلوغ وكان على أمثاله إذا بلغوا هذه السن أن يختاروا‬ ‫حرفة يحترفونها ومهنة يرتزقون منها فأختار أن يحترف حرفه قريبه يوسف النجار‬ ‫‪35‬‬

‫وصار يغدو معه من الصباح في محله أو حانوته املتواضع أراد هللا تبارك وتعالى أن‬ ‫يقيمه بين الناس ليرى أطوارهم وأخالقهم وكان يرى الفارسيين والصديقيين‪،‬‬ ‫وسيأتيكم نبأهم وحقيقتهم في الخطبة املقبلة إن شاء هللا تبارك وتعالى وكيف‬


‫يتعاطون فهما أعوج للدين وكيف يعنتون عباد هللا تبارك وتعالى برسوم جعلت‬ ‫الدين مجرد أشكال ومظاهر بعد أن فرغوه من مضمونه ومحتواه الحقيقي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وكان يسوئه ذلك جدا‪ ،‬يرى هذا كل يوم علية الصالة وأفضل السالم وأقترب‬ ‫موعد عيد الفصح‪ ،‬وتعلمون أن هللا في شريعة اليهود قد أوجب عليهم ثالثة أعياد‬ ‫ً‬ ‫يؤدونها شكرا هلل على أن أخرجهم من أرض مصر ونجاهم من فرعون وقومه؛ عيد‬ ‫الفصح‪ ،‬عيد املظال‪ -‬أو عيد املظالت‪ -‬وعيد األسابيع‪ ،‬كان عيد الفصح اشهر‬ ‫املقدس‪ -‬فتهيأ يوسف ومريم وعيس ى وبقية من أراد أن يتهيأ‪ -‬في شريعة اليهود على‬ ‫كل بالغ أن يجج بيت املقدس مرة كل سنتين وهكذا كانت تفعل مريم‪.‬‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫هذه األعياد وأقدسها‪ ،‬اقترب موعده وكان عليهم أن يججوا إلى بيت هللا‪ -‬إلى بيت‬

‫نحن نطيل في هذه الخطبة ألنها ليست قصة تحكى وإنما نحن نريد أن نتعرف‬ ‫على دقائق ما يتعلق بالديانتين اليهودية واملسيحية‪ ،‬أشياء كثيرة لكن بطريق‬ ‫قصص ي وخصوصا املسيحية فالبد أن نعرف عنها كل دقيقة مفصلة إن شاء هللا‬ ‫تبارك وتعالى وهللا املستعان على أن يبلغنا ذلك‪.‬‬

‫هكذا كانت تفعل مريم تجج البيت كل سنتين مرة فذهبت مع ابنها ويوسف‬ ‫ً‬ ‫وفى نصف الطريق انضم إلى القافلة رجل كان صديقا ليوسف النجار أنه زبدي‬ ‫وهو معروف واسمه مذكور في الكتاب املقدس ومعه ابنان كانا سنيني عيس ى‪ -‬أي‬

‫‪36‬‬


‫في مثل سن عيس ى علية السالم‪-‬يوحنا ويعقوب ‪ ..‬وسيصيران من األحبار االثنى‬ ‫عشر‪ ..‬إذن يوحنا ويعقوب ابنا زبدي فانضموا إليهم وقصدوا الهيكل الكبير في بيت‬ ‫املقدس وهناك‪ -‬طبعا ذهب يوسف النجار وعيس ى ومريم إلى بيت زكريا والياصبات‬ ‫ثم بعد ذلك قدموا املعبد‪ -‬رأى عيس ى مناظر وأشياء لم تعجبه ولم ترقه والقت منه‬ ‫النفر واالستنكار‪ ،‬وجد الباعة يبيعون الدجاج ويبيعون الخراف والعجول في‬ ‫داخل املعبد‪ ،‬ووجد الصيارفة وأمامهم أكياس النقود يستبدلون العمالت املصرية‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫والبابلية والشامية وغيرها بشاقل اإلسرائيلي‪ -‬واآلن يمس ى الشيكل– أيضا لم يرقه‬ ‫ً‬ ‫أن هذا البيت أصبح بعد ذلك كما شبهه بمغارة لصوص ومتجرا للمنافع وللدنيا ‪..‬‬ ‫لم يعجبه ذلك لكن أعجبه مرأى املعلمين واألحبار والربانيين وعليهم الشيالن‬ ‫الزرقاء والثياب البيض وفى أكمامهم التوراة يجلسون ويعلمون الناس‪ ..‬أعجبه‬ ‫ذلك وصار يرتاد هذه الحلقات‪ ،‬وعيد الفصح كان يمتد سبعه أيام‪ ،‬فكان في أيام‬ ‫األعياد يرتاد يوميا حلقات العلم بين األحبار والرهبان وكان أكبرهم هليل وراهب‬ ‫آخر اسمه شاماج‪ ،‬هذين هم أكبر رهبان إسرائيل في وقت عيس ى علية السالم وملا‬ ‫انقضت أيام العيد السبعة وقف الكل راجعا إلى بلدة وضمن من قفل قافلة أهل‬ ‫الناصرة في الطريق عند بئر راعوس افتقدت مريم ويوسف النجار عيس ى‪ ،‬لم يكن‬ ‫معهم فبلغ منها الهم والحزن والقلق مبلغا عظيما‪ ،‬أين كان عيس ى‪ ،‬ماذا وقع له‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫هل اختطف دونهم‪ ،‬هل أخذ‪ ،‬هل قتل؟! ال ندرى‪ ،‬وإن شاء هللا نكمل القصة في‬ ‫الخطبة القادمة‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫ً‬ ‫اللهم إنا نسألك أن تعلمنا ما ينفعنا‪ ،‬وأن تنفعنا بما علمتنا وأن تزيدنا فقها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وعلما ورشدا‪ ،‬اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا‬ ‫وما أنت اعلم به منا‪ ،‬اللهم إنا نسألك ونرغب إليك أن تنصر اإلسالم وأن تعز‬ ‫املسلمين وأن تعلى بفضلك كلمتي الحق والدين‪ ،‬اللهم انصر من نصر املسلمين‪،‬‬ ‫اللهم أخذل ودمر من خذل املسلمين وأعان عليهم يا رب العاملين‪ ،‬اللهم إنا نسألك‬ ‫ً‬ ‫أن تجعل تجمعنا هذا تجمع مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما وال تدع فينا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫شقيا وال مطرودا وال محروما برحمتك يا ارحم الراحمين‪.‬‬

‫واملنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون‪ ،‬اذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫عباد هللا إن هللا يأمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء‬ ‫نعمه يزيدكم واسألوه من أفضاله يعطكم‪.‬‬ ‫****************************************‬

‫‪38‬‬


‫بعثة عيىس عليه السالم‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات‬ ‫ونستعينه‬ ‫نحمده‬ ‫إن الحمد هلل‬ ‫ُ‬ ‫وأشهد أن ال إله إال هللا‬ ‫أعمالنا‪ ،‬من يهده هللا فال مضل له ومن يضلل فال هادى له‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وأشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا محمدا عبد هللا ورسوله‬ ‫شريك له‬ ‫وحده ال‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ونجيبه من عباده‪ ،‬صلى هللا عليه وعلى آله‬ ‫وأمينه على وحيه‬ ‫خلقه‬ ‫وصفوته من‬ ‫ِ‬ ‫الطيبين الطاهرين وصحابته املباركين املجاهدين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين‬ ‫ً ً‬ ‫وسلم تسليما كثيرا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫طاعته‪ ،‬كما أحذركم‬ ‫عباد هللا أوصيكم ونفس ي الخاطئة بتقوى هللا العظيم ولزوم‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫وأحذر نفس ي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله سبحانه وتعالى‪" :‬من عمل صالحا‬ ‫فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظالم للعبيد"‪.‬‬

‫ثم أما بعد‪ ،‬أيها اإلخوة املسلمون األحباب‪ ،‬أيتها األخوات املسلمات الفاضالت!‬ ‫يقول هللا سبحانه وتعالى في كتابة العزيز بعد أن أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‬ ‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬ ‫‪39‬‬


‫ْ َ َ ْ َ َ ْ ُ ْ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ ُّ‬ ‫ال ه ُ‬ ‫اّلل َ‬ ‫"إ ْذ َق َ‬ ‫دت َك ب ُ‬ ‫وح‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ذ‬ ‫إ‬ ‫ك‬ ‫ت‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ى‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫اذ‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫اب‬ ‫ى‬ ‫يس‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اس في امل ْهد َوك ْهال َوإذ َعل ْمتك الكت َ‬ ‫اب َوال ِحك َمة َوالت ْو َراة َواإلنج َ‬ ‫ْال ُقدس تك ِل ُم الن َ‬ ‫يل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ْ َ َ ُ ُ َ َ َ ُ ُ َْ ً ْ َ ُْ ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫األ ْك َمهَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الط ِين ك َه ْيئ ِة الطي ِر ِب ِإذ ِني فتنفخ ِفيها فتكون طيرا ِب ِإذ ِني وتب ِرئ‬ ‫و ِإذ تخلق ِمن ِ‬ ‫َ َْ َ َ ْ َ ْ ُ ْ ُ َْ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ ْ ْ‬ ‫نك ِإذ ِجئ َت ُه ْم‬ ‫واألبرص ِب ِإذ ِني و ِإذ تخ ِرج املوتى ِب ِإذ ِني و ِإذ كففت ب ِني ِإسرا ِئيل ع‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْهَ‬ ‫ُ‬ ‫ات َف َق َ‬ ‫ين كف ُروا ِم ْن ُه ْم ِإن َهـذا ِإال ِس ْح ٌر ُّم ِب ٌين‪َ 992‬و ِإذ أ ْو َح ْيت إلى‬ ‫ال ال ِذ‬ ‫ِبالب ِين ِ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ْ َ َ ه َ َْ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫وا بي َوب َر ُ‬ ‫ولي قال َوا َآمنا َواش َه ْد ِبأننا ُم ْس ِل ُمون‪"999‬‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫الحوا ِرِيين أن ِآمن ِ ِ‬ ‫صدق هللا العظيم وبلغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين‪ ،‬اللهم‬

‫وقفنا في الخطبة السابقة عند افتقاد مريم البتول ويوسف النجار وهم في طريق‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط اللهم أمين‪ ،‬اللهم أمين!‬

‫قفولهم من بيت املقدس إلى الناصرة عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم افتقدوا‬ ‫عيس ى عليه السالم عند بئر راعون فعادوا أدراجهم إلى بيت املقدس‪ -‬أورشاليم كما‬ ‫كانت تسمى‪ -‬أخذا يبحثان عنه في كل مكان ثم خطر لهما أن يبحثا عنه في الهيكل‬ ‫وصدق ظنهما إذ وجداه هناك ضمن حلقة علمية بين كبار األحبار والرهبان فقالت‬ ‫له أمه عليها الصالة وأفضل السالم لقد أحزتنا كثيرا يا عيس ى‪ ،‬قال يا أماه ما كان‬ ‫هللا تبارك وتعالى أن يضيعني‪ ،‬بعد ذلك رجعوا جميعه إلى الناصرة وهناك قض ى‬ ‫هللا سبحانه وتعالى قضاء حيث اعتل يوسف النجار عليه السالم وبرح به املرض‬ ‫وحطمته الحمى وحزنت عليه مريم العذراء حزنا عظيما وكذلكم عيس ى عليهما‬ ‫الصالة وأفضل التسليمات‪ ،‬فقد صدقها يوم كذبها الناس وأمن بكلمه هللا بولدها‬ ‫ً‬ ‫عيس ى وهو بعد لم يره حيث أنه كان جنينا كان حمال‪ ،‬آمن به وصدق أنه املسيح‬

‫‪40‬‬


‫كنف لهما‪ ،‬فر بها كما سمعتم غير مرة‬ ‫املوعود املنتظر وكان نعم الحارث وخير ٍ‬ ‫وكان أخر ما تلفظ به عليه السالم اللهم أني أرد إليك وديعتك وأني ذاهب إليك‬ ‫فأحرس نبيك ورسولك– عيس ى عليه أفضل الصالة والسالم– وأنت خير‬ ‫الحافظين‪ ،‬فذرفت مريم وعيس ى الدموع على الرجل الصالح والتقى والورع يوسف‬ ‫عليه السالم‪.‬‬

‫نأتي اآلن إلى نبي هللا يحيى عليه الصالة وأفضل السالم– يحيى عليه السالم بما‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫جبله هللا تبارك وتعالى عليه وبما سترة عليه من صدق اإليمان ومن صافى اإلخالص‬ ‫وصحيح العبادة والدين هلل تبارك وتعالى لم يرقه ولم يعجبه مظاهر الرياء ومظاهر‬ ‫الترف والبذخ التي كانت ذائدة في األشياء من حوله‪ ،‬وعلى وجه الخصوص األشياء‬ ‫التي كان يتعاطاها كبار الربانيين واألحبار‪ ،‬وأيضا مظاهر الرياء والكذب التي كانت‬ ‫تطبع سلوكهم وأفعالهم جميعا فآثر عليه الصالة وأفضل السالم أن يفر من‬ ‫مجتمع الناس فأوى إلى برية يأكل أوراق الشجر ويشرب مياه األنهار‪ ،‬وقد لبث‬ ‫مدرعة من شعر وتمنطق بمنطقة من جلد عليه الصالة وأفضل السالم‪ ،‬وقد ورد‬ ‫في الخبر عن رسول هللا عليه الصالة أفضل السالم أن يحيى عليه السالم كان‬ ‫أطيب الناس عيشا ألنه ال يأكل إال من حالل كان أبعد الناس عن الشبه كان يأكل‬ ‫ورق األشجار ويشرب من مياه األنهار عليه الصالة وأفضل السالم ثم في البرية في‬ ‫األردن‪ ،‬قام صالحا يبشر الناس ويقول للناس أن توبوا إلى هللا وأعملوا صالحا‬

‫‪41‬‬

‫واجعلوا السبل مستقيما فقد اقترب ملكوت هللا– "أي السماوات" ‪ -‬فعظم وافتتح‬ ‫األمل أمام بني إسرائيل ألنهم ظنوا أن هذا الرجل الصالح في البرية بصوته املدوي‬


‫هو النبي إلياس عليه الصالة وأفضل السالم ابتعثه هللا من مرقده‪ ،‬كان يظنون أنه‬ ‫سيبعثه هللا في الدنيا‪ ،‬لقد قام إلياس من مرقدة لكي يبشر الناس ولكي ينزع الذل‬ ‫والهون عن بني إسرائيل ويصحح مظاهر الفساد والطغيان التي شملت حياتهم‪،‬‬ ‫ولكن كما تعلمون لم يكن إلياس عليه الصالة وأفضل السالم‪ -‬ظل يبشر الناس‬ ‫والتف حوله أناس كثيرون يعمدهم بماء التوبة في نهر األردن يتوبهم ويأخذ عليهم‬ ‫عهد التوبة واالستقامة ويطهرهم بهذا املاء الرباني الطهور في نهر األردن‪ ،‬وهذا‬ ‫معنى التعميد‪.‬‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫وسمع به مجلس اليهود الذي كان يعرف بــالسنهادرين وبعضهم يقول السمهادرين–‬ ‫مجلس يتكون من ‪ 39‬عضوا– سبعون منهم على عدة أصحاب موس ى الذين ذهبوا‬ ‫مع هود ليعتذروا إلى هللا تبارك وتعالى وأختار موس ى من قومه ‪ 32‬رجال مليقاتنا‬ ‫وواحد هو رئيس الكهنة كانت السنهادرين بمثابة املحكمة العليا لليهود وكان هو‬ ‫الذي يمثله أمام الرومان فيه الكتبة والفارسيون املتغطرسون الذين أعجبهم ما‬ ‫عندهم من العلم‪ ،‬لكنهم ابتغوا على هللا تبارك وتعالى ولم يعملوا بصحيح العلم‬ ‫الذي عندهم وحرفوا كثيرا فيه‪ ،‬كان يخشون األنبياء وال يحبون الرسل‪ ،‬ألن األنبياء‬ ‫بالحتم والحرى سيفضحون ريائهم‪ ،‬سيهتكون أستارهم‪ ،‬سيظهرون حقيقة تزيفهم‬ ‫ومتاجرتهم بدين هللا تبارك وتعالى للرعايا والناس والعامة من الناس فبعثوا‬ ‫جماعه من الفارسيين يتبينون حقيقة أمره وملا قدموا عليه عرفهم وعرف ملا أتوا‬ ‫ومن الذي بعث بهم‪ ،‬قال لهم يا أوالد األفاعي‪ ،‬من قال لكم أن تهربوا من الغضب‪،‬‬ ‫وأنذرهم بعقاب هللا وغضبه الذي سيأتي ال محالة‪ ،‬ثم قال لهم عليكم أن تعملوا‬

‫‪42‬‬


‫ً‬ ‫عمال طيبة للتوبة وال يكفى أن تفكروا في أنفسكم وتقولون نحن أبناء إبراهيم ‪..‬‬ ‫فأنى أقول لكم إن هللا قادر أن يخرج من هذه الحجارة‪ ،‬ليست املسألة باالنتساب‬ ‫نحن ذريه إبراهيم وأنتم فسقه هيهات‪ ،‬لقد وضع الفأس على أصل الشجرة وكل‬ ‫شجرة ال تثمر جيدا ستقطع وتوضع في النار يعظهم ويحذرهم وهكذا أذل كبريائهم‬ ‫وفضح ريائهم فعادوا خزايا مدحورين‪.‬‬

‫وسمع عيس ى عليه السالم بيحيى في الصوت الصالح املدوي في البرية بصدق وجالل‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫وهيبة وكان يحمل مهيبا عليه الصالة وأفضل السالم‪ ،‬فذهب إليه يعمده هو‬ ‫أيضا‪ -‬ولم يكن عيس ى في ذلك الوقت قد تلقى وحى هللا‪ ،‬أما يحيى فقد تلقاه صبيا‬ ‫"وآتيناه الحكم صبيا" وأما عيس ى فقد تلقاه وهو في نحو الثالثين من عمرة ‪ -‬فأبى‬ ‫ً‬ ‫يحيى فألح عليه عيس ى حتى عمده باملاء وكان يحيى يعمل شيئا من حقيقة عيس ى‬ ‫لكن ال يعلم الحقيقة كاملة فكان يقول أنا اآلن أعمدكم بماء التوبة وسيأتي من‬ ‫بعدى من يعمدكم بروح القدس يشير إلى عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم وهو‬ ‫أعظم مني‪ ،‬هو أجل مني يعترف بمقام وفضله عليه أفضل الصالة والسالم‪.‬‬

‫اآلن ندخل إلى منعطف جديد في حياة هذا النبي الذي لم يجعل له من قبل سميا‬

‫‪43‬‬

‫"يحيى عليه الصالة وأفضل السالم"‪ ...‬القصة تبدأ مع انتيباس وهو ابن هيرودوس‬ ‫األكبر كما تعلمون أبوه أدمورى وأمه سامرية فهو نصف سامري ونصف أدمري ‪-‬‬ ‫هذا الرجل الفاجر الذي كان يتظاهر بتعظيمه للناموس وشريعة موس ى علية‬


‫السالم‪ ،‬لكنه كان غارقا حتى أذنه في املعاص ي والشهوات‪ ،‬ولذلك بعد أن شيد‬ ‫مدينة جديدة وسماها تملقا لولي نعمته اإلمبراطور األكبر في روما سماها على‬ ‫اسمه "طبرية" من طبياروس‪ ،‬أراد لها أن تضاهي روما بعض املضاهاة ولو من وجه‬ ‫من الوجوه مسارح‪ ،‬ومغان‪ ،‬وماله‪ ،‬وسباحة‪ ،‬وحدائق غناء ‪ ..‬أشياء عجيبة كان‬ ‫يأتي إلى أورشاليم يقدم من القرابين أثمنها بعد ذلك يتضايق ويكرب بهذا الرياء‬ ‫الكاذب ألن طبيعته فاجرة؛ طبيعة الفسق والدعارة واملجون فينطلق مباشرة إلى‬

‫هللا لوط سادوم وعامورة– ملاذا؟؟! ألن بني إسرائيل يعتقدون ويدينون أن أرضا‬ ‫ملعونة ال يحل لهم أن يدخلوها فقد كان في قلعه باكيروس أمنا من أن يأتيه واحد‬ ‫من اليهود فيفعل ما يريد فيغرق في العربدة واملجون والفسق والعياذ باهلل تبارك‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫قلعته التي بنهاها مقابله لصحراء بصراء متحديا بذلك قلعة أمير العرب في وقته‬ ‫"قلعه باكيروس" بناها في أرض سادوم‪ -‬األرض امللعونة التي تعلمون نبأها مع نبي‬

‫وتعالى‪.‬‬

‫انتيباس هيرودوس تأهب ذات يوم للسفر إلى روما ليقدم والء الطاعة لولى نعمته‬ ‫القيصر طبياروس "القيصر الروماني" ولكن جاءه السنهادرين مجلس األحبار‬ ‫"مجلس الحكم اليهودي" الحاخامات اليهود املالعين جاءوه وقالوا له كيف تذهب‬ ‫ويحيى يصرخ في البرية ويقلب الناس على الحكومة ويثيرهم وربما أن نطلقوا في ثورة‬ ‫هوجاء تجعل العامر خرابا خوفوه وحرضوه على يحيى نبي هللا علية الصالة‬ ‫وأفضل السالم وهكذا استشعر الرجل القلق والخوف فرأى أن من الحكمة قبل‬ ‫أن يواصل سفره أن يجعله في السجن فأمر جنوده وقادته بأن يقبضوا على نبي هللا‬

‫‪44‬‬


‫يحيى ألنه كان يبشر بدعوة هللا وبكلمة هللا تبارك وتعالى‪ ،‬ووضعوه في سجن أسفل‬ ‫القلعة– هناك سجن مبنى داخل األرض أسفل القلعة– وادعوه فيه ثم انطلق إلى‬ ‫روما وهناك حدث ش يء غريب منكر والعياذ باهلل‪ ،‬التقى بأخي هيرودوس الذي كان‬ ‫يسمى على اسم أبية األكبر ويعرف في كتاب اليهود والنصارى بفيليب‪ ،‬وكان متزوجا‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫من امرأة فاتنة الحسن بارعة الجمال يلعب جمالها بأوتار قلوب الرجال وتدعى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هيرودية فلما رآها أحبها وهيم بها هياما شديدا وكانت املرأة الغادرة الخليعة تهوى‬ ‫امللك وتحب أن ترى وجهها وقد زينة تاج امللك لكن زوجها هيرودوس "فيليب" ليس‬ ‫ً‬ ‫ملكا وليس أميرا على ربع من أربعة فلسطين‪ ،‬لكن هذا حاكم انتيباس هيرودوس‬ ‫حاكم الجليل فبادلته حبة بحب وهياما بهيام وفى خلسة ذات ليلة انطلقت معه‬ ‫هاربة تاركه زوجها وكاسرة بالعهد وامليثاق الزوجي ومعها ابنتها الصغيرة التي فاقتها‬ ‫في الجمال الصغيرة سالومي– لعنه هللا على الفجرة أجمعين– وانطلقوا والعجيب‬ ‫أنها لم تكن زوجة أخيه فقط وإنما كانت ابنة أخيه اآلخر ارسطوبولس‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ش يء عجيب ‪..‬يأخذ زوجة أخيه هكذا غدرا وخديعة‪ ،‬وهى أيضا ابنة أخيه اآلخر‬ ‫زواج محارم أيضا وعاد وطلق زوجته ابنة ملك العرب في صحراء بصره‪ -‬أي‬ ‫البصراء – وتزوج بهذه زواجا ال يقره اليهود وال علماؤهم وال عامتهم‪ ،‬وثار الغضب‬ ‫ولكن لم يؤثر على القصر مضت بين الناس أحاديث‪ ..‬هيرودية وهى ملكة هذا‬ ‫القصر وسيدته األولى بهذا السجين يحيى الذي كان يصرخ في البادية يبشر بكلمات‬

‫‪45‬‬

‫هللا وهو شخص مهيب وعنده كالم حلو آخاذ فأحبت أن تسمع منه وأن تستمع‬ ‫إليه فأغرت زوجها وجعلته يأمر بأن يجيء به من سجنه لكي تسمعه وهكذا كان ‪..‬‬


‫ً‬ ‫أوتي يحيى مصفدا في أغالله وقيوده علية الصالة وأفضل السالم وكان انتيباس‬ ‫هيرودوس يعتقد خشيته – كان يخافه – ويراه رجال مهيبا ألنه كان شديد التطير‬ ‫وكان يخاف القديسين والصالحين وهو يعتقد أن هذا رجل صالح ‪ ،‬بار ‪ ،‬قديس‬

‫مرجل غضبها‪ ،‬وقالت له يا انتيباس اقتله‪ ،‬قال كال وحاشا ما كان لي أن اقتل هذا‬ ‫البار أنه قديس‪ ،‬وأخش ى إن أنا فعلت أن تحل بي لعنه السماء‪ ،‬ثم أمر به فأعيد‬ ‫إلى سجنه في قلعة ماكيروس‪...‬ظلت امللعونة تطاردها فكرة التخلص من هذا الذي‬ ‫ه‬ ‫مرغ كبريائها وأذلها وأهانها وأراد أن يحرمهما من لذة امللك الذي تحلم به وتهفو‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫وصرح بذلك أكثر من مره ‪ ..‬فاؤتي بيحيى الذي لم يباليه ولم يأبه ملظاهر النعيم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وشارات املــلك واملـلك التي يحفل ويغص بها القصر في كل مكان فقد نما إلى علمه‬ ‫ما كان من نبأ هيرودوس مع هيرودية‪ ،‬فأول ما وقع بصره عليها قال بعنف وحزم‬ ‫اهجر هذه املرأة يقول امللك فاصمت انتيباس ولم يعد له بجواب فظل مطرقا‬ ‫حائرا قلقا ثم قال َ‬ ‫لم؟ قال ال تحل لك وسمعت الفاجرة بهذه الكلمة فانفجر‬

‫نفسها إليه كل حين وقد حققت على قدر ليس باليسير منه وظلت تراوضها هذه‬ ‫الفكرة وال تغادر رأسها الفاجرة الكافرة‪.‬‬

‫ونعود اآلن إلى نبي هللا عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم بعد أن تعمد عيس ى‬ ‫باملاء على يدي يحيى علية الصالة وأفضل السالم اعتلى ذروة جبل وهناك مكث‬ ‫ً‬ ‫أربعين ليلة‪ -‬كموس ى من قبل علية الصالة وأفضل السالم‪ -‬ال يذوق ذواقا لم يحس‬ ‫بألم الجوع وال بحرارة العطش في جوفه‪ ،‬يناجى ربة‪ ،‬يضرع إليه‪ ،‬يدعو‪ ،‬يبكى‪،‬‬ ‫متخشع‪ ،‬متخضع‪ ،‬متمسكن يستنزل غيوث الرحمة وسحائب الرسالة وبعد أربعين‬

‫‪46‬‬


‫ُ‬ ‫نزل عليه امللك جبريل علية الصالة وأفضل السالم وبشره أن يا عيس ى قد نـبأت‬ ‫وأرسلك هللا تبارك وتعالى رسوال إلى بني إسرائيل فقم بما أوجب هللا به عليك وبما‬ ‫أنت حقيق أن تضطلع به وراح امللك الكريم علية الصالة وأفضل السالم يعلمه‬ ‫الكتابة والحكمة والتوراة واإلنجيل‪ ،‬ولم يدخل عيس ى علية السالم من قبل ال‬ ‫مكتبا وال مدراسا كان أميا لكن اآلن تعلم العمل كله كما ينبغي أن يكون لرسول‬ ‫لنبي من أول العزم علية الصالة والسالم‪ ،‬ونزل عيس ى بعد أربعين يوما وليلة لم‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫يشعر بألم الجوع وال بحرارة العطش ألنه كان يعيش على معامل روحانية‪ ،‬ويقول‬ ‫نبينا عليه أفضل الصالة وأتم التسليم وقد رآه الصحابة يصوم ويواصل الصيام‬ ‫ً‬ ‫أياما وليالي ال يذوق شيئا وال يشرب شيئا‪ ،‬فقالوا يا رسول هللا رأيناك تواصل‪ ،‬قال‬ ‫علية الصالة وأفضل السالم لست كهيئتكم‪ ،‬لست مثلكم‪ ،‬أبيت عند ربي يطعمني‬ ‫ويسقين‪..‬أنبياء رسل عليهم الصلوات وأتم التسليمات والتشريفات والتبريكات‬ ‫أجمعين‪.‬‬

‫هكذا كان شأن أخيه عيس ى علية الصالة وأفضل السالم‪ ،‬لكن بعد أن نزل بعد‬ ‫أربعين لسعه الجوع وأحس بحرارة العطش في جوفه فجعل ينظرها هنا وهناك‬ ‫لعله يجد شيئا يأكله وإذا برجل يلوح له فجأة ينظر إليه في ود لكنه ود مريب قال‬ ‫ً‬ ‫له‪-‬أي عيس ى‪ -‬سل ربك أن يجعل لك الحجر خبزا‪ -‬يذكره بكلمه يحيى حيث قال لهم‬ ‫ً‬ ‫إن هللا قادر على أن يخرج من هذه األحجار أبناء إبراهيم فليخرج خبزا ‪ -‬لك‪ ،‬فرد‬ ‫‪47‬‬

‫عليه عيس ى علية السالم قريب العهد بالنبوة‪ ،‬قريب العهد بالرسالة مكتوب يا‬ ‫رجل ليس بالخبز وحده يعيش اإلنسان ‪ ..‬بل بكل كلمه من عند هللا تبارك وتعالى‬


‫الحياة الحقيقة بأنوار البداية وحى هللا‪ ،‬ليس بالخبز‪ ،‬ليس بالطعام‪ ،‬ليس‬ ‫بالشراب‪ ،‬أما علمت أن ما أصابك لم يكن ليخطئك‪ ،‬قال إنها فعل ذروة هذا‬ ‫الجبل قال أتعيش‪ ،‬قال مكتوب أن الرب تبارك وتعالى يبتلي عبده‪ ،‬لكن العبد ال‬ ‫يبتلى ربه يرحمه نحن نجرب هللا! ممنوع ‪ ..‬هللا يجربنا‪ ،‬هللا يمحصنا‪ ،‬هللا يبتلينا‪،‬‬ ‫يختبرنا‪ ،‬يسبرنا‪ ،‬لكننا ال نفعل هذا مع هللا تبارك وتعالى جل شأنه وتعالى عن ذلك‬ ‫تبارك وتعالى‪ ،‬لكن الرب تبارك وتعالى هللا سبحانه وتعالى هو الذي يبتلى عباده‬ ‫وعبيده‪ ،‬قال ولكنك يا عيس ى لست عبدا لقد بلغت من رببويتك أن نطقت وأنت في‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫املهد صبيا ‪ ..‬قال اخسأ يا لعين‪ -‬فعرف من يخاطب ومن الذي يخاطبه ‪ -‬وابعد‬ ‫ً‬ ‫مطرودا فربي هو الذي انطقي وهو الذي يميتني وهو الذي يحيني هللا "أنا مجرد‬ ‫عبد ورسول"؟‬

‫ومن هنا بدأ إبليس لعبته امللعونة التي فاز فيها لألسف إلى اليوم– قال‪ -‬أي عيس ي‪-‬‬ ‫أني أدعوك ألمر هو لك ليس لي فيه مصلحه‪ ،‬قال ما هو؟ قال إن أمر أنا‬ ‫الشياطين فتطيعك‪ ،‬فإن رأى الناس أن الشياطين أطاعوك عبدوك‪ ،‬أما أني ال‬ ‫أقول أن تكون إله ليس معه إله بل هللا تبارك وتعالى إله في السماء وأنت في األرض‬ ‫تكون إلها‪ ،‬قال لعنة هللا عليك مكتوب هللا تبارك وتعالى وله وحدة تعبد وله وحدة‬ ‫تسجد وهذا مصرح به في األناجيل فأنى يؤفكون أين يذهب بهم هناك تصريحات في‬ ‫عشرات بل في مئات املواضيع أنه عبد وأنه رسول وأنه ال ُيعبد إال هللا وال ينصب وال‬ ‫يسجد إال هلل تبارك وتعالى‪ ،‬لكن هكذا رد علية ثم صرخ فيه صرخة زلزلته وقلقلته‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫من مكانه فتراجع حسيرا مسحورا خاسئا يقول لقد لقيت منك يا عيس ى بن مريم‬

‫‪48‬‬


‫تعبا شديدا ‪ ..‬ثم انطلق غير بعيد وأخذ يرنو وفى رأسه دهاء ومكر‪ -‬لعنه هللا علية –‬ ‫أن ضل به بعد أن أخفق أن يضله وأنى له أن يضل نبيا معصوما كلمه هللا وروحة‬ ‫علية الصالة وأفضل السالم‪ ،‬وانحدر عيس ى بعد ذلك يبشر بكلمه هللا تبارك‬ ‫وتعالى قصد أمه مريم في الناصرة وقال لها يا أماه ال أستطيع‪ ،‬أستسمحك وأطلب‬ ‫منك العذر أن تغفري لي وتصفحي عنى فال أستطيع بعد اليوم أن أقوم على‬ ‫خدمتك والزم أعتابك أنني اليوم نبي ورسول علي أن انطلق وأضرب في هذه األرض‬ ‫فاغفري لي واسمحي لي‪...‬ال يستطيع خدمة أمه البتول عليها الصالة وأفضل السالم‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫وبشرها بما أكرمه هللا تبارك وتعالى به من كرمة الرسالة وشرف النبوة‪ ،‬فهطلت‬ ‫دموع الفرح من عينيها ومجدت ربها تبارك وتعالى وسبحته شاكرة مثنية عليه بما‬ ‫هو أهل سبحانه وتعالى‪.‬‬

‫ثم انطلق علية الصالة وأفضل السالم يبشر وأوحى هللا تبارك وتعالى إلى سلة من‬ ‫السابقين‪ ،‬األصفياء‪ ،‬املخلصين أن يكمنوا به‪ ،‬قذف هللا النور والهداية إلى قلوبهم‬ ‫فأحسوا برد اليقين وكما سمعتم في شأن يحيى‪ ،‬سمعوا نبي هللا وروحه عيس ى علية‬ ‫الصالة وأفضل السالم يتكلم بكالم يأخذ بمسامع القلوب‪ ،‬يصب به برد اليقين في‬ ‫الجوف وفى القلب كأن ما يسمعون أول مرة أنه كالم غض صريح حديث عهد بربة‬ ‫أخاذ فيه روح فيه حياة ليس ككالم الربيين واألحبار والحاخامات الكذبة الدجالين‬ ‫‪49‬‬

‫املتاجرين بدين هللا وبكتاب هللا وناموس موس ى علية الصالة وأفضل السالم‪ ..‬جاء‬ ‫ً‬ ‫يوما إلى املرقتى– شاطئ البحيرة – وهناك الصيادون فأخذ يدعو ويبشر بكلمات‬ ‫هللا‪ ،‬سلوا تعطوا‪ ،‬اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم‪ ،‬ادخلوا من الباب الضيق ‪..‬ما‬


‫أضيق الباب وما أكرب الطريق الذي يؤدى إلى الحياة وقليل هم الذين يدخلون–‬ ‫عن أي طريق يتحدث؟ ‪ ..‬عن طريق الجنة‪ ،‬أنه يقول بتعبير آخر كما قال سيد‬ ‫األولين وسيد اآلخرين سيدنا محمد علية الصالة وأفضل السالم‪.‬‬

‫حفت الجنة باملكاره طريق كريه‪ ،‬ضيقة‪ ،‬صعبه‪ ،‬وما أقل من يدخلوا منها وال‬ ‫تدخلوا من باب وسيع وما أحلى وأوسع الطريق الذي يؤدى إلى الهالك وكثير من‬ ‫الناس يدخلون منه أنه طريق جنهم‪ ،‬وحفت النار بالشهوات ‪ ..‬طريق جميله‬

‫هللا‪ ..‬هذا اندراوس وكان هذا من أوائل الحواريين وعمل به يوحنا ابن ذبدي واتفق‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫مزركشة معبدة للهالك للترجي والعياذ باهلل في الدنيا واآلخرة‪ -‬هكذا يعظ تالميذه‪،‬‬ ‫ويعظ الناس أجمعين الذين توافدوا لسماع النبي الجديد والرسول املبشر لكلمات‬ ‫معكم ذكره – ذبدي هو صديق يوسف النجار وله ابنان يوحنا ويعقوب ابنا‬ ‫ذبدي– ثم انطلق اندراوس يبحث عن أخيه سمعان الذي يعرف ببطرس‪ ،‬الحواري‬ ‫بطرس‪ ،‬هو أخو اندراوس وجاءه يبشره بما بشر به عيس ى فآمن على الفور‪ ،‬ثم‬ ‫أيضا أفلح يوحنا في أن اقنع أخاه يعقوب بن ذبدي أن يدخل في دين هللا سبحانه‬ ‫وتعالى وأن يصدق رسول هللا وكلمته " وإذ أوحيت إلى الحواريين أن أمنوا وبرسولي"‬ ‫إلههم هللا قذف النور في قلوبهم فآمنوا على الفور وهكذا ترك الصيادون مراكبهم‬ ‫وشباكهم وانطلقوا مع نبي هللا يصطادون الناس لدين هللا تبارك وتعالى هؤالء كانوا‬ ‫أوائل الحواريين اندراوس وأخوه سمعان املعروف بالحواري بطرس ويوحنا وأخوه‬ ‫يعقوب ابنا ذبدي رضوان هللا عليهم أجمعين‪.‬‬

‫‪50‬‬


‫وفى يوم من األيام أعجب عيس ى علية السالم برجل عليه الذكاء واالهتداء فقال له‬ ‫تعالى واتبعني فتبعه على الفور أنه الحواري الخامس وهذا بدوره انطلق يبحث عن‬ ‫رجل‪ -‬كان عاملا بالناموس‪ ،‬بشريعة موس ى‪ -‬ذهب إليه ودعاه فقال له إلى ما تدعون‬ ‫ومن هو الرسول الجديد؟ فإنه عيس ى الناصري من الناصرة من الجليل‪ ،‬قال هل‬ ‫يخرج من الناصرية ش يء صالح لقد كانت مدينة محقورة ألن أهلها فقراء في العلم‬ ‫واملال يتعلمون لكن ال يعلمون‪ ،‬يأخذون وال يعطون‪ ،‬فقراء وكان اليهود خاصة يهود‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫املعبد وأورشاليم يحتقرون الناصرة وهذه كلمه جرت عندهم مجرى املثل "وهل‬ ‫يخرج من الناصرة ش يء صالح"‪ ،‬نعم لقد خرج عيس ى الناصري علية الصالة‬ ‫وأفضل السالم‪ ،‬قال له تعالي وانظر فجاء ونظر إلى عيس ى عليه السالم واستمع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إليه وما هي إال دقائق وقال اشهد أنك عبد هللا ورسوله وصار حواريا سادسا‪.‬‬

‫في يوم من األيام كان عيس ى عليه السالم يعظ ويبشر بكلمه هللا يدعو إلى دينه‬ ‫الواضح الهدى املستقيم وانفض عنه الناس‪ ،‬آمن من آمن وكفر من كفر وقال‬ ‫بعضهم سحر أنه سحر مبين وبقى اثنان أحدهما كاتبا من الكتبة – الفارسيون‬ ‫الكتبة‪ ،‬العلماء– عالم بالتوراة يدرسها ويدرسها وفيه غرور الكتبة وغرور‬

‫ً‬ ‫الفارسيين أيضا‪ -‬فيه غرور‪ -‬فعرض على عيس ى أن يصبح حواريا له وتلميذا من‬

‫‪51‬‬

‫تالميذه ‪ ..‬قال له اتبعك أينما تمض ى وبلمحة واحدة‪ ،‬بنظرة خاطفة – نظر إليه نبي‬ ‫هللا‪ ،‬روح هللا وكلمته – وأدرك ما ينطوي عليه باطنه الخرب األسود املغرور وكبر‬ ‫ً‬ ‫ورياء والعياذ باهلل انه لم يقل كلماته هذه مخلصا هلل‪ ،‬قالها بنية أخرى كوشف بها‬ ‫عيس ى علية الصالة وأفضل السالم فماذا كانت مرجوعه؟ قال له للثعالب أوجرة‬


‫"الوجار هو بيت الثعلب" وللطيور أوكار – على فكرة كل كالم سيدنا عيس ى هكذا‬ ‫بلغة الرمز واملثال كالم عجيب حتى الحواريون كانوا كثيرا ال يفهمون عنه ما يريد‪،‬‬ ‫ولكنه كان يحبهم إلخالصهم وأما األحبار الكبار فكان بعضهم يفهم لكن يكفر‪،‬‬ ‫يكفر عن علم وبعد فهم والعياذ باهلل فلعنه هللا على الكافرين‪.‬‬

‫قال‪ :‬أما يا ابن اإلنسان "أي نفسه" فال يجد أين يضع رأسه يعزز بهذا الكاتب ثم‬

‫متى العشار ألنه رجل باع نفسه للشيطان‪ ،‬باع نفسه للرومان‪ ،‬للجند والقادة‬ ‫الرومان وكان يحصل العشور أي الضرائب بالقوة باالقتدار والظلم من الناس‬ ‫ً‬ ‫أغنيائهم وفقرائهم فسموه متى العشار أي جامع الضرائب احتقارا له‪ -‬فنظر له‬ ‫نظرة فيها انكسار وذل فنظر إليه عيس ى بلمحة واحدة أدرك ما ينطوي عليه باطنه‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫تركه ومض ى الكاتب مض ى إلى سبيله كما يقال وبقى اآلخر "من هو اآلخر؟ أنه متى‬ ‫الذي سيصبح فيما بعد الحواري متى قد سماه اليهود اإلسرائيليون دراية به ونكاية‬

‫من عبودية ورغبه في التوبة وإخالص فقال له اتبعني يا متى تعالى معي ومن تلكم‬ ‫الساعة لم يعد متى محصال للضرائب وعشور إنما صار وحصل علم وحكمة‬ ‫وهدى عليه السالم وهو متى صاحب اإلنجيل‪ ،‬هذا حواري جديد متى العشار علية‬ ‫الصالة وأفضل السالم‪.‬‬

‫نعود إلى نبي هللا يحيى‪ ،‬نبي هللا املحسور في سجن قلعه ماكيروس في أسفل القلعة‬ ‫يأتيه أصحابه وأتباعه وأحبابه الذين امنوا بدعوته واستجابوا لرسالته يأتونه‬

‫‪52‬‬


‫باألخبار‪ ،‬وكان من ضمن تلك األخبار خبر نبأ سيدنا عيس ى عليه الصالة وأفضل‬ ‫السالم الذي عمدته بالفترة ليست البعيدة تنبأ وأرسل بالخراف الضالة من بنى‬ ‫إسرائيل‪ ،‬فسمع وسر إلى ها الخبر جدا‪ ،‬فبعث رسوله من تالميذه إلى نبي هللا إلى‬ ‫ابن الخالة مريم إلى سيدنا عيس ى‪ ،‬وقال له ما سمعت هل أنت التي أم ننتظر آخر‪،‬‬ ‫ألن املسيح املنتظر بشر به الناموس وبشر به األنبياء موس ى واألنبياء من بعده‪،‬‬ ‫بشروا باملسيح املنتظر ولقد طاملا انتظر اليهود مقدم هذا املسيح املنتظر ويحيى‬ ‫منه على الرغم من أنه نبي ورسول قال هل أنت املسيح اآلتي‪ ،‬املسيح املوعود أم‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫ننتظر آخر؟ وقطع الصحراء وأتى إلى أرض الجليل والتقى بعيس ى علية الصالة‬ ‫وأفضل السالم نحن رسولين من عند يحيى النبي السجين ‪ ..‬يقول لك يحيى هل‬ ‫أنت اآلتي أم ننتظر آخر‪ ،‬فقال لهما تعالي وانظرا‪ ،‬لم يجبهما بطريقة مباشرة وإنما‬ ‫قال لهما تعاليا وانظرا وقال الجليلي يمش ي ولم يجاوزا باب املدينة وإذا بجنازة‬ ‫وامرأة ثكلى مفجوعة تلطم وجهها وتندب حظها وتبكى بكاء تتفطر له القلوب‬ ‫الرحيمة فأثر هذا املشهد الفجيع في نفس عيس ى علية السالم وسأل‪ ،‬فقيل هذا‬ ‫وحيدها وكان أملها ورجائها إال أنه لحق بأبية وتركها نهبا لألس ى والحزن والفجيعة‪.‬‬

‫تأثر عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم وأشار بيده أن أوقفوا الجنازة فوقفت‬ ‫ورسل يحيى ينظرون ثم قال لها يا امرأة ال تبكى وأتى إلى الجنازة إلى املحمول فوق‬ ‫‪53‬‬

‫النعش ووضع يده وتوجه إلى هللا تبارك وتعالى ويسأله ويستأذنه آيته معجزته‪ ،‬ثم‬ ‫قال بصوت قوى عميق قم أيها الشاب بإذن هللا وجم الحاضرون ظلت العيون‬ ‫معلقه محدقة واحتبست األنفاس وإذا بهذا امليت يتململ فوق نعشه فخافوا‬


‫خوفا شديدا فوضعوه على األرض وإذا به يقوم ومزق أكفانه فانكبت عليه أمه ال‬ ‫تكاد تصدق‪ ،‬لقد أوحي بإذن هللا ‪ ..‬وأحيى املوتى بإذن هللا علية الصالة وأفضل‬ ‫السالم قال للرسولين عودا لسيدكما‪ ،‬إلى يحيى عليه الصالة والسالم في سجنه‬ ‫وقوال له العمى يبصرون والصم يسمعون والبرص يتطهرون‪ -‬كان بنو إسرائيل‬ ‫يقولون إن البرص نجاسة والشفاء منه طهارة ولذلك قال يتطهرون – واملوتى‬ ‫يقومون واملساكين يبشرون ملا لهم عند هللا من ملكوت هذا معنى يبشرون وطوبى‬ ‫ملن ال يعثر هفي – افهم هذه الكلمة وهللا تبارك وتعالى‪ ،‬واعلم أنه علية الصالة‬ ‫اليهود وسموه ابن العاهرة لعنه هللا عليهم وقالوا عنه حليف الشيطان‪ ،‬بل هو‬ ‫إبليس لعنه هللا عليهم إلى يوم الدين‪ ،‬وغال فيه أتباعه من النصارى وما اتبعوه من‬ ‫كفروا به‪ ،‬وقالوا إنه ابن هللا والعياذ باهلل أو هو هللا ذاته أو جزء هللا وكفروا ‪..‬‬ ‫طوبى ملن ال يعثر في ‪ ...‬لم يعثر فيه املوحدون أتباع محمد عليه الصالة وأفضل‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫والسالم يقول هنيئا‪ ،‬جزاء عظيما ‪ ...‬ملن يعرف حقيقتي‪ ،‬ملن ينزلني منزلتي‪ ،‬لعنوه‬

‫السالم عرفوا حقيقته ليس هو ابن هللا وليس هو هللا أو ابن هللا‪ ،‬أنه عبد هللا‬ ‫ورسوله ال أكثر وال اقل هذا هو الحق "ذلك عيس ى ابن مريم قول الحق الذي فيه‬ ‫يمترون"‪.‬‬ ‫قال طوبى ملن ال يعثر هفي وعاد الرسوالن بهذا الجواب إلى يحيى السجين عليه‬ ‫الصالة وأفضل السالم– عيس ى في يوم من األيام يذهب إلى أورشاليم ويبشر‬ ‫وهناك أيضا لم يرقه إلى أغضبه وأحنقه من قبل أصال منظر الثيران‪ ،‬األبقار‪،‬‬ ‫العجول‪ ،‬الشاه‪ ،‬الحمام‪ ،‬الصيارفة وقد كدسوا أكياس النقود يستبدلون العملة‬

‫‪54‬‬


‫األجنبية بالعملة اإلسرائيلية‪ ،‬لم يرقه هذا كله واآلن هو نبي ورسول ومؤيد من‬ ‫السماء عنده قوه روحانية عنده حياء في البشرى والدعوة فأتى وصرف الثيران‬ ‫وصرف هذه الحيوانات وأمر أصحاب الحمام أن يخرجوا بأقفاصهم فخرجوا ثم‬ ‫أقبل للصيارافة وقلب مواعيدهم واستجاب الناس لذلك كان في عيد الفصح‬ ‫وكانت مريم معه في أورشاليمي ولقي هذا التصرف من الناس هوى ومحبة‪ ،‬نعم‬ ‫البد أن ينزه املعبد ذلك تصرفه هذا أثار غيرة وحنق الكتبة والفارسيين‪ ،‬الربيين‪،‬‬ ‫األحبار‪ ،‬الكتبة أثار غيرتهم في أن الناس قد عفت قلوبهم إلى سماع مواعظه‪ ،‬إلى‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫سماع عظاته الدموع تنحدر وهكذا فحسدوه ونافسوه بغير شرف وبغير حق وقام‬ ‫ه‬ ‫يعظ الشرطة – العلية – وكان أحد أعضاء السنهادرين نيقوديموس وكما قلت لكم‬ ‫السنهادرين فيه واحد وسبعون عضوا‪ ،‬أحد أعضاء السنهادرين نيقوديموس‪ -‬هو‬ ‫ً‬ ‫رجل غنى وثرى وحكيم فهو العضو رقم ثالثة تأثر جدا وأدرك أن هذا الرجل مرسل‬ ‫من عند هللا لكن أبت عليه كبرياؤه أن يدعوا أمام الناس‪ ،‬لم يستطع هو ربى كبير‬ ‫والعضو الثالث في السنهادرين‪ ،‬لم يفعل حتى إذا أتى الليل وجل الناس في سواده‬ ‫وضرب خيمته على الخلق تسلل وأتى إلى عيس ى وقال له نعلم أنك مرسل من عند‬ ‫هللا لتعلم قال نعم ثم أخبره عيس ى بكالم لم يفهمه فأضطر عيس ى أن يشرحه له‪،‬‬ ‫ال يفهم هذه األلغاز وليست بألغاز ولكن عميت القلوب بطول املعصية‬ ‫وبالتحريف الذي ُمـ َ‬ ‫ـورس في كلمات هللا تبارك وتعالى‪.‬‬

‫‪55‬‬

‫ً‬ ‫املهم‪ ،‬كان هذا الرجل استثناءا من أعضاء السنهادرين ورأى عيس ى عليه الصالة‬ ‫وأفضل السالم بعد ذلك أن يترك أورشاليم خشية الفتنة فأنطلق بحواريين حتى‬


‫إذا اقترب من السامرة أحب الحواريون أن يجوبوا حولها ملاذا الن الحقد والكره‬ ‫والزراية واالحتقان كلها متبادلة بين اليهود وبين السامريين أنهم يبغضون‬ ‫السامريين ويضعونهم في مصاف الوثنيين ويقولون إذا وقع عليه "إذا وقع عليك‬ ‫ه‬ ‫ظل سامري عليك أن تطهر النجاسة التي حلـت بك"‪" ،‬إذا أكلت قطعه من لحم مع‬ ‫سامري فإنك أكلت قطعه من لحم خنزير" أنهم وثنيون‪ ،‬أنهم كفرة ‪ ...‬السامريون‬ ‫بدورهم يرون أنهم أحق باهلل وأولى باهلل تبارك وتعالى ملاذا؟ يرون أن اليهود ه‬ ‫حرفوا‬

‫أنفسهم يرونها مدسوسة‪ ،‬وقد أقاموا معبدهم على جبل في نابلس معبد السامرة‬ ‫وهم يرون أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب سجدوا هلل ومجدوا في شكيم –‬ ‫نابلس‪ -‬وهذا صحيح‪ ،‬وسبق ذكره في سفر التكوين هناك أما معبد أورشليم فقد‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫بالكتاب وزادوا ولذلك ال يعترف السامريون إال باإلصحاحات الخمسة– بأسفار‬ ‫موس ى الخمسة – فقط وال يعترفون باألنبياء وال بما كتبه مردخاي وليس باألنبياء‬

‫افتتح داوود عليه السالم أورشاليم وبنى ابنه سليمان هيكل‪ ،‬لكن اآلباء األقدمين‬ ‫إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب إنما سجدوا هلل في شكيم في ارض السامرة‪.‬‬

‫هكذا كان الكره واالحتقان متبادل بين الطائفتين بين الفريقين‪ ،‬لكن عيس ى لم يأبى‬ ‫ً‬ ‫واخترق السامرة حتى إذا تعب قليال أراد أن يقيل– اخذ قيلولة عند بئر يعقوب‬ ‫هناك في نابلس وذهب الحواريون إلى البلد لشراء ما يطعمون وبين عيس ى عليه‬ ‫الصالة وأفضل السالم في قيلولته أقبلت امرأة سامريه ومعها جرة تريد أن تمألها‬ ‫من بئر يعقوب فقال لها يا امرأة اعطني ألشرب‪ ،‬فقالت له وكيف أعطيك في‬ ‫استخفاف وأنت يهودي وأنا سامرية‪ ،‬عرفته من مالمحه قال لها لو كنت تعلمين‬

‫‪56‬‬


‫عطية هللا ومقام هذا الذي يقول لكي أعطني ألشرب لسألتيه أنت أن يعطيكي لكي‬ ‫تشربي‪ ،‬فقالت في زراية وهزأ البئر يا سيد عميقة وال دلو لك وال حبل معك أم أن‬ ‫عندك ماء خير من الذي أعطانا أبونا يعقوب وشرب هو وبنوه ومواشيه منه‬ ‫تسخر منه‪ ،‬فقال لها يا امرأة الذي يشرب من هذا املاء يعطش والذي يشرب من‬ ‫املاء الذي أعطيه يحيى حياة األبد‪ ،‬الذي يشرب من املاء الذي أعطى يصير له في‬ ‫قلبه ينبوع إلى الحياة األبدية وأحست املرأة أنها في حضرة حكيم ملهم‪ ،‬هذا ليس‬ ‫ً‬ ‫ساخرا أنه رجل متوازن متوحد‪ ،‬فقالت له يا سيد إذن أعطني هذا املاء حتى ال‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫اعطش وآتى هنا ثانية الستقى فقال لها اذهبي وادعى زوجك وتعاليا‪ ،‬فقالت يا سيد‬ ‫ال زوج لي‪ ،‬فقال حسنا قلتي أن ال زوج لكي فقد كان لكي خمسة أزواج وهذا الذي‬ ‫أنت فاجرة – صدمت املرأة‬ ‫لكي اآلن ليس زوجك – يقول لها بأسلوب مؤدب ِ‬ ‫وابيض وجهها وغمغمت أنبي أنت؟ قال نعم‪ ،‬قالت يا سيد انتم تقولون ونظرت‬ ‫للمعبد ال يسجد هلل إال في أورشاليم‪ ،‬لكن آبائنا يعقوب وإسحاق وإبراهيم سجدوا‬ ‫هنا في ارض شكيم‪ ،‬قال يا امرأة تأتى ساعة ال يسجد هلل ال في أورشاليم وال هنا بل‬ ‫في كل مكان‪.‬‬

‫‪57‬‬

‫ً‬ ‫وصدق نبي هللا عيس ى عليه السالم بعث هللا محمدا القائل أعطيت خمسا لم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يعطيهم أحدا من األنبياء قبلي جعلت لي األرض كل األرض مسجدا وطهورا فأينما‬ ‫أدركت أحدا من أمتي الصالة فليصلي فإنها له مسجد‪ ،‬قال سيأتي يوم ال تكون‬ ‫ً‬ ‫العبادة والسجود حكرا على معبد السامرة وال على بيت املقدس‪ ،‬األرض كلها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ستغدو محرابا‪ ،‬تغدو متعبدا هلل‪ ،‬وعيس ى هنا بصريح الكالم يبشر بأخيه محمد‬ ‫خاتم األنبياء واملرسلين‪ -‬صدقيني يا امرأة‪ ،‬قالت املرأة وهي يا سيد مكتوب أن‬


‫املسيح يأتي فإذا أتى أخبرنا بكل ش يء‪ ،‬قال أنا هو الذي يكلمك‪ -‬هللا أكبر– أنا‬ ‫املسيح وصدقت املرأة وجاء الحواريون واستنكروا ما رأوا من املعلم من عيس ى‬ ‫عليه السالم ألنه في الناموس في شريعة موس ى ممنوع محظور أن يكلم رجل امرأة‬ ‫عالنية ولو كانت زوجته‪ ،‬وكيف لو عرفوا أنها سامرية فاجرة لكن عيس ى أتى بدين‬ ‫صحيح ليس بدين األحبار والربانيين‪ ،‬ليس بهذا التجديف والبهت‪ ،‬ليس بهذا‬ ‫االفتراء واإلفك الذي استعاده الكتبة والصديقيون والفارسيون واألحبار‬ ‫والرهبان‪ ،‬أنه دين هللا الغض الطري أقول قولي هذا وأستغفر هللا لي ولكم‪.‬‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫الخطبة الثانية‬

‫الحمد هلل الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون‬ ‫ويستجيب الذين أمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم‬ ‫ً‬ ‫عذاب شديد واشهد أال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن محمدا عبده‬ ‫ورسوله صلى هللا تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وعلينا وعليكم واملسلمين‬ ‫معهم بفضله ومنته أجمعين‪.‬‬ ‫‪58‬‬


‫أيها اإلخوة نختم حديثنا هذا بنهاية نبي هللا يحيى علية الصالة وأفضل السالم كيف‬ ‫كانت نهايته‪ ،‬النهاية األليمة الفجيعة‪....‬نحن اآلن في قلعه ماكيروس ونحن نعلم ما‬ ‫هي قلعة ماكيروس ‪ ..‬األجواء احتفالية الطاغية انتيباس هيرودوس يريد أن يحتفل‬ ‫الليلة بعيد ميالده وجاءت الوفود من كل مكان أصدقائه الرومان األغنياء من علية‬ ‫القوم وأعضاء السنهادرين املنافقون الكذبة املراؤن اليهود اإلسرائيليون جاءوا‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫أيضا وعبد الجميع‪ ،‬أزيلت الكؤوس أخذوا في اللهو في العبث واملجون‪ ،‬الراقصات‬ ‫شبه عاريات يرقصن في خالعة وفى تفنى كاإلفعوان وخطر لهذا امللعون فكرة َ‬ ‫لم ال‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يطلب من ابنة زوجته سالومي التي فاقت أمها حسنا وجماال وطالت لها شهرة‬ ‫عريضة في الرقص حتى قرعت أبواب رومية ترقص هناك أمام القياصرة العظام‬ ‫طبياروس وأنداده من قبل‪َ ،‬‬ ‫لم ال ترقص له في عيد ميالده؟ سالومي ‪ ..‬فمال عليها‬ ‫وكانت بجوار أمها الفاجرة الغادرة هيرودية وطالبها أن ترقص له‪ ،‬فقالت له ال‬ ‫اشتهى الرقص الليلة‪ ،‬قال البد أن ترقص ي في عيد ميالدي‪ ،‬قالت ال‪ ،‬قال البد أن‬ ‫ترقص ي لي وأنا سأعطيك ما تحبين‪ ،‬قالت ال اصدق اقسم على ذلك‪ ،‬فأقسم لها‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫وأغلظ في القسم ‪ ..‬يمين مؤكدة‪ ،‬موثـقة‪ ،‬مغلـظة‪ ،‬فقامت ترقص لعنه هللا عليها‬ ‫فاجرة بنت فاجرة ربيبه فاجر قاتل مجرم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قامت ترقص وطرب لرقصها طربا شديدا حتى إذا فرغت جاءت إليه ودنت منه‬ ‫وقالت له اعطني ‪ ..‬قال لها ماذا أعطيكي ‪ ..‬فمالت إلى أمها ماذا اطلب؟ لم تتردد‬

‫‪59‬‬

‫الفاجرة الكبيرة العقربة لعنه هللا عليها وقالت لها بكلمة واحدة يحيى‪ ،‬نريد رأس‬ ‫يحيى الذي مرغ كبريائي وأذلني وسبني أمام الناس وأمام انتيباس هيرودوس‪ ،‬رأس‬


‫يحيى وليس غير هذا الطلب فقالت له هديتي‪ ،‬مكافأتي‪ ،‬جائزتي هدية في قسط من‬ ‫فضة أو ذهب قال ما هذا ‪ ..‬قالت رأس يحيى فجع الرجل وأفزعه اسود وجهه وارتد‬ ‫فقال ال غير هذا اطلبي‪ ،‬غير هذا نصف مملكتي أعطيكي غير هذا الصالح البار‪..‬‬ ‫يتطير جدا هو يعلم أن لعنة هللا ستحل به ستجعل عامرة خراب أن هو فعل قالت‬ ‫ال ‪ ..‬ال نريد غير رأس يحيى اطلبي غير هذا يا بنية ‪ ..‬قالت إال رأس يحيى وقام‬ ‫أعضاء السنهادرين رجال الدين اليهود قالوا أيها امللك لقد أقسمت وغلظت في‬

‫خفيض وبإشارة على استحياء وتخوف أتوا به‪ ،‬فذهب الجنود وهنا يمر الوقت‬ ‫وئيدا ثقيال بغيضا حذرا الكل ينتظر امللك ساكت والكل كذلك وبعد ساعة أو أقل‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫القسم فبر يقسمك‪ ،‬وقال أصدقاؤه الرومان قم واقتل هذا قبل أن يقلب الناس‬ ‫على رومي على الحكام واألباطرة‪ ،‬قبل أن يثير فتنة يطلب منه كاملجنون اقتل يحيى‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اقتل يحيى فثارت فيه بربريته أشفق أن يظهر صغيرا أن يبر بقسمه‪ ،‬فأشار بصوت‬

‫أو أكثر أتى الجنود وفى يد أحدهم قسط من فضة وعليه رأس سيد النبي الحسور‬ ‫ً‬ ‫عليه أفضل الصالة وأفضل السالم‪ ،‬لقد ذبح ذبحا يحيى وأعطوه النتيباس‬ ‫هيرودوس ‪ ..‬قال أعطوه للصبية وأخذته الصبية وجاءت تقذف به إلى أمها هديه‬ ‫الذي سببها الذل كبريائها الذي هتك أفكار فجورها وكبريائها ‪ ..‬رأس يحيى علية‬ ‫الصالة وأفضل السالم‪.‬‬

‫روى اإلمام أحمد رحمه هللا تعالى عليه أن رسول هللا صلى هللا علية وسلم خرج على‬ ‫أصحابه وهم يتكلمون في مقامات األنبياء يقارنون بين األنبياء يقول بعضهم‬ ‫إبراهيم خليل الرحمن ويقول آخر موس ى كليم الرحمن‪ ،‬ويقول ثالث عيس ى كلمه‬

‫‪60‬‬


‫هللا وروحه‪ ،‬فقال النبي عليه أفضل الصالة والسالم أين انتم من الشهيد ابن‬ ‫الشهيد يأكل الشجر ورق الشجر ويشرب من ماء النهر ويلبس الشعر مخافة‬ ‫اإلثم‪ ،‬يقول أبو شهاب الزهري يعنى يحيى ابن زكريا علية الصالة والسالم‪ -‬عفوا‬ ‫هذا الحديث أخرجه بن وهب عن ابن شهاب أما اإلمام أحمد رحمة هللا عليه أخرج‬ ‫عن ابن عباس أن النبي عليه الصالة وأفضل السالم قال ما من أحد يلقى هللا يوم‬ ‫القيامة إال ويلقاه بذنب صغير أو كبير ليس يحيى بن زكريا لم يخطر على باله أن‬ ‫يذنب عليه الصالة وأفضل السالم‪.‬‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫ً‬ ‫وهكذا كانت نهايته أن يذبح ذبحا وأن تقدم رأسه الشريفة العالية إلى داعرو إلى‬ ‫سالومي بنت هيرودية داعرة بنت داعرة‪ ،‬فلعنة هللا على هؤالء اليهود الكفرة الذين‬ ‫كفروا بآيات هللا وقتلوا أنبياء هللا‪ ،‬أعجب أشد العجب لقوم هؤالء أسالفهم وهذه‬ ‫مسالكهم وهذه أفعالهم وشنعاتهم ومقابحهم كيف ينتصرون علينا‪ ،‬يبدو أن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫غلطا فظيعا وقعنا فيه‪ ،‬يبدو أننا قد حدنا عن دين هللا حيده كبيرة‪ ،‬لو كنا نبصر‬ ‫وإال ما سلط أمثال هؤالء هذا تاريخهم هؤالء أسالفهم هذه حقيقتهم وهم إلى اليوم‬ ‫والعياذ باهلل يتبرءون من أكثر أنبياء هللا ويدعون عيس ى ابن العاهرة لعنة هللا تعالى‬ ‫عليهم وحليف إبليس ال نحن أولى باهلل وأولى باألنبياء والولي بالحق منهم‪ ،‬ولكن‬ ‫علينا أن نعتز بهذا الحق وان نعمل له جديا مخلصين‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫اللهم اغفر لنا ذنوبنا وخطايانا‪ ،‬اللهم اهدنا واهدي بنا وأصلحنا وأصلح بنا‪ ،‬اللهم‬ ‫اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وأسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت اعلم به منا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫اللهم إنا نسألك أن تنصر اإلسالم وأن تعز املسلمين‪ ،‬اللهم من أراد باإلسالم‬ ‫ً‬ ‫واملسلمين خيرا فكن له خير معين ووفقه إلى ما تحبه وترضاه يا رب العاملين‪ ،‬اللهم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عليك بأعدائنا أعداء الدين‪ ،‬اللهم أحصهم جميعا عددا‪ ،‬اللهم أحصهم بددا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اللهم ال تبقي منهم أحدا‪ ،‬اللهم أدر عليهم دائرة السوء فإنهم ال يجزونك‪ ،‬اللهم أرنا‬ ‫ً‬ ‫فيهم يوما أسودا قنطريرا يا رب العاملين‪ ،‬اللهم أنزل عليهم بأسك الذي ال يرد عن‬ ‫القوم املجرمين‪ ،‬اللهم إنا نسألك تجمعنا هذا تجمع مرحوما وتفرقنا من بعده‬ ‫تفرق معصوما اللهم ال تدع فينا شقيا وال محروما وال مذنبا وال مظلوما برحمتك يا‬ ‫ارحم الراحمين‪.‬‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫القوم املجرمين‪ ،‬أرنا فيهم عجائب قدرتك وعزائم بأسك الشديد الذي ال يرد عن‬

‫عباد هللا إن هللا يأمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء‬ ‫واملنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون‪ ،‬اذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على‬ ‫نعمه يزدكم واسألوه من أفضاله يعطكم‪.‬‬ ‫****************************************‬

‫‪62‬‬


‫توفية عيىس عليه السالم‬ ‫إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا‬ ‫وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهد هللا فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هاد له‪ ،‬وأشهد أن ال إله‬ ‫إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وال نظير له وال مثال له‪ ،‬وأشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا‬ ‫محمد عبد هللا ورسوله‪ ،‬وصفوته من خلقه‪ ،‬وأمينه على وحيه‪ ،‬صلى هللا تعالى‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته املباركين املحسنين وأتباعهم بإحسان‬ ‫ً‬ ‫إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا‪.‬‬

‫عباد هللا! أوصيكم ونفس ي الخاطئة بتقوى هللا العظيم ولزوم طاعته‪ ،‬كما‬ ‫أحذركم وأحذر نفس ي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله سبحانه وتعالى "من عمل‬ ‫ً‬ ‫ه‬ ‫صالحا فلنفسه‪ ،‬ومن أساء فعليها‪ ،‬وما ربك بظالم للعبيد"‪.‬‬

‫ثم أما بعد أيها اإلخوة املسلمون األفاضل‪ ،‬أيتها األخوات املسلمات الفاضالت‬ ‫يقول هللا تبارك وتعالى في كتابه العزيز‪ ،‬بعد أن أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‪،‬‬ ‫بسم هللا الرحمن الرحيم "‬ ‫‪63‬‬


‫َ​َ َ ُ ْ‬ ‫يس ى إ هني ُم َت َو هف َ‬ ‫ال ه ُ‬ ‫اّلل َو ه ُ‬ ‫وا َو َم َك َر ه ُ‬ ‫اّلل َخ ْي ُر ْاملَاكر َ‬ ‫اّلل َيا ع َ‬ ‫ين‪ ،33‬إ ْذ َق َ‬ ‫يك‬ ‫ومكر‬ ‫ِ‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ​َ ْ َ‬ ‫َ َ ُ َ َ َ‬ ‫َ​َ ُ َ َ َُ َ َ َ‬ ‫َ َ​َ ْ َ َ‬ ‫ين كف ُروا ِإلى‬ ‫وك ف ْوق ال ِذ‬ ‫اع ُل ال ِذين اتبع‬ ‫ورا ِفعك ِإلي ومط ِهه ُرك ِمن ال ِذين كف ُروا وج ِ‬ ‫َ َْ ُ َ‬ ‫َْ ْ َ َ ُ َ َ ْ ُ ُ ْ َ​َ ْ ُ ُ ََْ ُ ْ َ ُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫‪33‬‬ ‫ن‬ ‫يو ِم ال ِقيام ِة ثم ِإلي مر ِجعكم فأحكم بينكم ِفيما كنتم ِف ِيه تخت ِلفو "‪.‬‬ ‫صدق هللا العظيم‪ .‬وبلغ رسوله الكريم‪ ،‬ونحن على ذلك من الشاهدين‪ ،‬هللا ما‬ ‫أجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط‪ ،‬اللهم أمين‪.‬‬

‫والتسليمات‪ .‬وقد وقفنا على طرف من موقف كهنة اليهود من نبي هللا ورسوله‬ ‫ً‬ ‫عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم‪ ،‬لقد كانت رسالته ودعوته نورا وأشعة‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫أيها اإلخوة واألخوات‪ ،‬لتكن هذه الخطبة بحول هللا تبارك وتعالى األخيرة في‬ ‫سيرة نبي هللا وكلمته التي ألقاها إلى مريم وروحه عيس ى بن مريم عليهم الصلوات‬

‫فضحت تدجيلهم ومتاجرتهم بدين هللا تبارك وتعالى‪ ،‬فغاظهم ذلك وأحنقهم عليه‬ ‫أي حنق وأي غيظ‪ ،‬فاجتمعت كلمتهم على أن يرموه عن قوس واحدة‪ .‬أعداء‬ ‫األمس صاروا أوداء اليوم‪ ،‬الصدوقيون والفيرسيون والكتبة كلهم اتحدت كلمتهم‬ ‫على معادة نبي هللا ورسوله عيس ى بن مريم عليه الصلوات والتسليمات‪.‬‬

‫ويستمر نبى هللا صلوات هللا وسالمه عليه في دعوته‪ ،‬في التبشير بكلمات هللا‪،‬‬ ‫في عظاته‪ ،‬في ضربه األمثال التي ما كان يفهمها لألسف إال النذر القليل من الناس‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فيحتاجون في أكثر األحايين أن يفسرها وكان يفعل في أكثر األحيان أيضا‪ .‬ذهب إلى‬ ‫الناصرة بلدته وبلدة أمه البتول وبلدة يوسف النجار‪ ،‬بعد أن تنكرت لهم أورشليم‬

‫‪64‬‬


‫وبعد أن أحرجه وضيق عليه الفيرسيون في كفر ناخوم وفى نانين‪ .‬وهناك سبقته‬ ‫أخبار آياته ومعجزاته الباهرة‪ ،‬كيف يشفى املرض ى‪ ،‬كيف يهتف الحجب العمى‬ ‫عن أعين العميان‪ ،‬كيف يتطهر بلمساته الشافية البرص‪ ،‬وقد كانت بنى إسرائيل‬ ‫ً‬ ‫يعتبرون البرص أجناسا‪ ،‬والبرص نجاسة‪.‬‬

‫وهناك طلبوا إليه أن يأتيهم بآية "آت بآية إن كنت من الصادقين"‪ ،‬وقد تبرم‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫نبى هللا من كثرة هذا الطلب‪ ،‬كأن هللا ما ابتعثه وال أرسله إال ليريهم اآليات‬ ‫ً‬ ‫واملعاجز‪ ،‬فهذه اآليات واملعاجز كثيرة جدا وتواترت أخبارها من قرية إلى قرية فلما‬ ‫اإللحاح في الطلب؟! فأجابهم جيل شرير فاسق يطلب أن يعطى آية وال يعطى‪،‬‬ ‫فقالوا إنه كاذب إذن وال يستطيع‪ ،‬ارجموه‪ ،‬ألن الناموس يقول أن األنبياء الكذبة‬ ‫يرجمون‪ ،‬وتكاثروا على رجمه عليه الصالة وأفضل السالم‪ ،‬وحاول الحواريون أن‬ ‫يخلصوه‪ ،‬وانسل نبى هللا على عادته من بين أيدهم وهو حزين على هؤالء الجهلة‪،‬‬ ‫على هذا الجيل الشرير الفاسق الذي علق اإليمان واليقين باملحسوسات وبما يرى‬ ‫فقط‪ ،‬ال بما يعقل ويدرك إن كان له عقل وإن كان له إدراك‪.‬‬

‫وبعد ذلك قفل مرة أخرى إلى أورشليم‪ ،‬وهناك بدا له من حقيقة عداء الكهنة‬ ‫واألحبار ما لم يبد له من قبل‪ ،‬لقد بدأوا يغمغمون ويتمتمون بأن هذا الرجل‬ ‫‪65‬‬

‫شيطان‪ ،‬وأن له عالقة مع إبليس‪ ،‬أنه شرير‪ ،‬أنه جاء ليكذب نبى هللا موس ى‪ ،‬أنه‬ ‫جاء ليخرق الناموس الشريعة التوراة ألنه يعمل في السبت‪ ،‬فقد كان في طريقه إلى‬


‫ً‬ ‫بيت صيدا لزيارة أحد معارفه‪ ،‬وفى الطريق رمس رجال قض ى فترة كبيرة من حياته‬ ‫ً‬ ‫مقعدا على سرير من خشب‪ ،‬فنظر إليه عيس ى وحركت حالته الرحمة والرأفة في‬

‫أن تخرق السبت والناموس‪ ،‬وأنت تعتدي في سبت هللا يوم الراحة والعبادة‪ ،‬لكن‬ ‫حجته على عادتها كان قاطعة قامعة صاعقة‪ .‬قال لهم‪ :‬إن رب األيام كلها هو رب‬ ‫ً‬ ‫السبت أيضا‪ -‬وكانت حججه عميقة جدا عليه الصالة وأفضل السالم‪ ،‬وإن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أخرجها مخرج األمثال ومخرج األشعار أحيانا‪ ،‬لكنها عميقة جدا ملن تأملها وما‬ ‫يعقلها إال العاملون‪ -‬لقد ُجعل السبت لإلنسان ولم ُيجعل اإلنسان للسبت‪ ،‬لو‬ ‫ً‬ ‫تردى خروف ألحدكم في هوة يوم السبت أما كان ينتشله‪ ،‬فأيهما أعظم برا انتشال‬ ‫ً‬ ‫خروف أو انتشار ُمقعد من مرضه؟! فأجحموا‪ ،‬وأصمتوا وقد ألجمهم عليه‬ ‫الصالة وأفضل السالم‪ ،‬فذهبوا يعضون األنامل من الغيظ ويتوعدونه في موعد‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫قلبه‪ ،‬فدعا هللا تبارك وتعالى له وملسه وقال له‪ :‬قم يا رجل واحمل سريرك‪ ،‬فقام‬ ‫ً ً‬ ‫الرجل وحمل سريره على ظهره وانطلق‪ ،‬فجب الناس ودهشوا دهشا كبيرا‪ ،‬وبلغ‬ ‫ه‬ ‫الخبر الكهنة واألحبار املالعين أباليس البشر‪ ،‬فقالوا‪ :‬خطاء أثيم يخرق الناموس‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لقد عمل في السبت‪ .‬لقد كانوا يتحرجون من أن ينتعلوا نعال به مسمار ألن املسمار‬ ‫ً‬ ‫حمل يوم السبت‪ ،‬فكيف برجل يحمل سريرا فوق ظهره‪ ،‬وهو الذي أغراه بذلك‪.‬‬ ‫وجاء الفيرسيون يناقشونه عليه الصالة وأفضل السالم كيف سلوت لكن نفسك‬

‫قريب عليه الصالة وأفضل السالم‪.‬‬ ‫وملا جاء إلى أورشليم فعل فعلة هي أدخل في باب النكر‪ ،‬ماذا فعل عليه‬ ‫ً‬ ‫الصالة وأفضل السالم؟ وجد على باب املعبد الكبير في أورشليم رجال أكمه ولد‬ ‫أعمى "ويبرئ األكمه واألبرص بإذن هللا" يتكفف الناس فمنهم من يعطه ومنهم من‬

‫‪66‬‬


‫يمنع‪ ،‬فدنا منه عليه الصالة وأفضل السالم وتفل بريقه الشريف على األرض‪،‬‬ ‫وأخذ ش يء من طين األرض الذي اختلط ببصاقه عليه الصالة وأفضل السالم ثم‬ ‫طلى به عين األكمه‪ ،‬وقال له اذهب إلى بركة سالوما واغتسل هناك‪ ،‬فاغتسل‬ ‫الرجل‪ ،‬وملا اغتسل وإذا بججاب العمى قد تهتك واختفى عن بصره ورأى دنيا ألول‬ ‫مرة يراها‪ ،‬فجعل الرجل يعدو إلى الهيكل وهو يصيح من الفرح والسرور‪ ،‬وهناك‬ ‫أخذه بعض جواسيس الكتبة والفيرسيين والكهنة إلى السنهدرين مجلس الديني‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫األعلى لليهود‪ ،‬املحكمة العليا‪ ،‬وسألوه ما هذا؟ قال كنت أكمه‪ ،‬وأرجع هذا الرجل‬ ‫الذي قيل لي أنه يسوع املسيح عيس ي بصري‪ ،‬قالوا‪ :‬كذاب ومتواطئ‪ ،‬فأنت من‬ ‫ه‬ ‫تالميذه تواطأت معه‪ .‬وقال بعضهم يظهر أنه صادق‪ ،‬قالوا‪ :‬كيف لخطاء أن يأتي‬ ‫ه‬ ‫معجزة؟! إن عيس ى شيطان خطاء أثيم‪ ،‬يدعونه لعنة هللا عليهم الفاعل بن‬ ‫الفاعلة‪.‬‬

‫وهكذا اختلفوا فمنهم من صدق‪ ،‬ومنهم من كذب‪ .‬وزعم الذين جحدوا‬ ‫وأنكروا أنه تلميذ من تالميذه تواطؤ معه ليضل الناس‪ ،‬وقال بعضهم وقد أوتى‬ ‫الرأي والحجة‪ :‬أرسلوا إلى أبويه إن كان أبوان‪ ،‬وأوتي بأبوين كبيرين يضطربان من‬ ‫الكبر والشيخوخة‪ ،‬وسألهما األحبار والكهنة‪ :‬أهذا ابنكما؟ قاال نعم‪ ،‬فعادوا‬ ‫يسألوهما‪ :‬أكان أكمه ال يبصر؟ قاال نعم‪ ،‬قالوا‪ :‬ولكنه اآلن يبصر؟ قاال‪ :‬ال ندرى‪،‬‬ ‫سلوه يجبكم‪ .‬قال الرجل املسكين الذي جعله هللا تبارك وتعالى آية‪ :‬لعلكم تريدون‬ ‫‪67‬‬

‫أن تصيروا تالميذ لهذا الرجل البار‪ ،‬أنا أدلكم عليه‪ ،‬فقالوا له‪ :‬أسكت! وصاحوا‬ ‫أخرجوه‪ ،‬أخرجوه من ولد في الخطيئة‪ ،‬ألن اليهود كانوا يعتقدون أن هللا تبارك‬


‫ه‬ ‫وتعالى يخلص ذنوب اآلباء في األبناء‪ ،‬فمادام هذا الرجل قد ُولد أكمه فهو خطاء‬ ‫ه‬ ‫ه‬ ‫ابن خطاء‪ ،‬جعله هللا عقوبة ألبيه الخطاء‪ ،‬وقد ولد في الخطيئة وجزائه أن يطرد‬ ‫ً‬ ‫مهينا من السنهدرين ومن الهيكل‪ .‬فخرج الرجل وقد جعله هللا تبارك وتعالى آية‪.‬‬ ‫والتقاه عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم‪ ،‬فهو لم ير عيس ى من قبل ولذلك لم‬ ‫يعرفه‪ ،‬فدنا منه عيس ى وقال له يا رجل أتؤمن برسول هللا‪ ،‬قال من هو وأين هو؟‬ ‫ً‬ ‫قال ذلك الذي تكلمه‪ ،‬أنا هو‪ ،‬فجعل الرجل يبكى وخر ساجدا هلل‪ ،‬ورفع بصره إلى‬

‫وأخذ عيس ى والرجل يتجاذبان أطراف الحديث‪ ،‬فرمقهما أحد الفيرسيين‬ ‫ً‬ ‫فجاء كالحي يتسلل يريد أن يسمع لعل القصة فعال بها مؤامرة‪ ،‬فلما رآه عيس ى‬ ‫ً‬ ‫عليه الصالة وأفضل السالم قال لألعمى الذي أصبح بصيرا بصوت يسمعه‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫السماء بكلمات التمجيد والثناء والشكر‪ ،‬وأعلن إيمانه باهلل الواحد وبنبيه وعبده‬ ‫ورسوله عيس ى بن مريم‪.‬‬

‫الفيريس ي‪ :‬جئت ليبصر الذين ال يرون‪ -‬أي أمثال هذا الرجل اآلية‪ -‬ويعمى الذين‬ ‫يبصرون‪ -‬أي هؤالء الذين كانوا معهم املفاتيح كما وصفهم عيس ى عليه السالم فلم‬ ‫يدخلوا ولم يسمحوا ألحد أن يدخل ألنهم شوهوا الدين وخلطوا حقه بالباطل‪-‬‬ ‫ً‬ ‫فقال الفيريس ي‪ :‬لعل نحن أيضا عميان؟ فقال عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم‪:‬‬ ‫أعمى يقود أعمى فبالحرى أن يقعا في الهاوية‪ ،‬ليس املالم على من ولد أعمى‪ -‬أنت‬ ‫ه‬ ‫تزعمون أن هذا خطاء وأنه ولد في الخطيئة وهذا كذب وافتراء على هللا تبارك‬ ‫وتعالى‪ -‬وإنما املالم على من أعمته الخطيئة‪ -‬أي أمثالك أيها الفيريس ي املنافق‬ ‫املرائي الكذوب‪ -‬وانطلق عيس ى‪.‬‬

‫‪68‬‬


‫لقد شعر عليه الصالة وأفضل السالم أن عليه أن يغادر هذه املدينة ذات‬ ‫القلب الذي قد من الصخر ومن صوان‪ .‬وهكذا حتى إذا ترك أسوارها خلفه ألقى‬ ‫عليها نظرة وداع في حزن وأس ي وقال قول شديد‪ :‬يا أورشليم يا قاتلة األنبياء‬ ‫وراجمة املرسلين‪ ،‬أردت أن أجمع أوالدك تحت جناحي كما تجمع الدجاجة‬ ‫فراخها‪ ،‬لكنهم أبوا على‪ .‬ال يريدون هداية‪ ،‬أنهم يهود قساة القلوب‪ ،‬قتلة األنبياء‪،‬‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫ذابحون املرسلين لعنة هللا عليهم إلى يوم الدين‪ .‬وانطلق عليه الصالة وأفضل‬ ‫السالم‪ .‬أين يذهب؟ لقد تنكر له الناس في الناصرة بلدته وبلدة أمه البتول‪ ،‬وفى‬ ‫كفر ناحوم بعد أن أراهم عجائب آيات هللا ومعاجزه أغراهم الفيرسيون بالتنكر‬ ‫له‪ ،‬وأما أورشليم فشأنها معه معروف في الجحود والنكران ومناصبته العداء‪.‬‬

‫انطلق هكذا حتى بلغ الجليل‪ ،‬وبقى فيها ما شاء هللا له تبارك وتعالى‪ ،‬ثم أراد أن‬ ‫ً‬ ‫يعود كرة أخرى إلى أورشليم‪ -‬ولعله أوحي إليه بذلك‪ -‬فقل راجعا في رحلة شاقة‬ ‫متعبة مجهدة من جديد هو وحواريوه‪ .‬وفى بيت املقدس أورشليم كانت بيت ألحد‬ ‫أوداء وأحد تالميذه املخلصين‪ -‬وهو ليس من حوارييه‪ -‬وهو اليعازر‪ ،‬وهذا‬ ‫الشخص الكريم كان أخا ألختين لهما شأن مع عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم‪،‬‬ ‫مريم املجدلية وأختها مرسا‪ .‬أما مريم هذه فكانت والعياذ باهلل تعيش حياة هي‬ ‫الخطيئة بعينها متجسدة‪ ،‬كانت تبيع الهوى‪ ،‬كانت مومس‪ ،‬وقصة توبتها على يد نبى‬ ‫‪69‬‬

‫هللا سنبسطها على هذا النحو‪.‬‬


‫ً‬ ‫رأت ذات يوم من األيام الناس وقد تجمعوا وتحلقوا واكتنفوا رجال سمعت أنه‬ ‫يسوع املسيح‪ ،‬فهفا قبلها أن تراه وأن تسمع منه لعل لديه ش يء يصلح‪ ،‬وكذا جاءت‬ ‫ودخلت في األفواج التي تجمعت حول نبي هللا‪ ،‬فما هي إال أن رأته‪ ،‬فرأت في وجهه‬ ‫عالئم الصدق ومخايل النبوة ودالئل الرسالة‪ ،‬وجه نوراني يحاكي األمن ويحكى‬ ‫السكينة بأروع معانيها‪ ،‬يتدفق فمه الكريم الشريف بالكلمات العذاب الطيبات‬ ‫ً‬ ‫التي سكبت برد اليقين وروح اإليمان في فؤادها سبكا‪ .‬شعرت أنها خلقت من جديد‪،‬‬ ‫خالية بنفسها‪ ،‬وفى الصباح أصرت أن تعود إلى هذا النبى الكريم الذي جعلتها‬ ‫كلماته تخلق من جديد‪ .‬فجاءت على استحياء‪ -‬اآلن جاءت مريم األخرى‪ ،‬مريم‬ ‫التائبة‪ -‬ال تريد أن تختلط بالناس‪ ،‬وال تستطيع أن تحادث السيد املسيح بين جموع‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫وعادت وألول مرة في حياتها تعرف معنى دموع التوبة والندم‪ ،‬وقضت ليلتها وحدها‬

‫الناس خشية املالم وخشية املعرة‪ ،‬خشية أن يذكروها بماضيها القريب‪ .‬فبقيت‬ ‫هكذا حتى دخل السيد املسيح بيت أحد الناس وهو سمعان الفيريس ي وهو من‬ ‫أعدائه املنافقين‪ ،‬فدخلت مع الناس ولم ترد أن تفوتها هذه الفرصة‪ ،‬وهنا أخذت‬ ‫عطرا من خالص الناردين يساوى قيمة مالية هائلة وسكبته على قدمي املسيح‬ ‫ً‬ ‫عليه الصالة وأفضل السالم عرفانا بالجميل‪ ،‬فاغتاظ لهذا اليهودي يهوذا‬ ‫األسخريوطي‪ -‬كان كل حواريي املسيح األحد عشر كانوا من الجليل واملسيح كان‬ ‫جليليا‪ ،‬إال يهوذا األسخريوطي كان من اليهود‪ -‬وقال‪ :‬يا سيد لو أنك منعتها مما‬ ‫فعلت وأخذنا هذا العطر فبعناه ألتينا بثالثمائة دينار وضعناها في يد الفقراء‬ ‫واملحاويج‪ ،‬فقال السيد املسيح عليه الصالة وأفضل السالم‪ :‬ال تتعبوها‪ -‬يقصد‬

‫‪70‬‬


‫ً‬ ‫مريم املجدلية‪ -‬دعوها تفعل ما تريد‪ ،‬فإني معكم اليوم وليست معكم دائما‬ ‫ً‬ ‫وسيكون الفقراء معكم دائما‪- .‬هنا بدأ يشير إلى قرب مغادرته الدنيا على الصالة‬ ‫وأفضل السالم‪ .‬وصارت أمثال هذه الحكاية أشياء أخرى ال نظن أنها صادقة‪.‬‬

‫على كل حال‪ ،‬فهذه مريم املجدلية وأختها مرسا وهما شقيقتا اليعازر الذي‬ ‫ً‬ ‫نزل املسيح عليه في بيته ضيفا ليستريح وقد اقترب موعد عيد الفصح‪ .‬وذهب عليه‬ ‫الصالة وأفضل إلى أورشليم وحدث معه نفس الش يء من مناوشات وتنغيصات‪،‬‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫وكلما رأى األحبار والكهنة إقبال الناس على عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم‬ ‫أحرجوه بأسئلة غبية ال تعجزه‪ ،‬لكنهم يطرحوها ليشوشون على عامة الناس من‬ ‫ً‬ ‫الجهلة‪ ،‬والشبه دائما تؤثر في الجهلة ضعاف القلوب وضعاف النفوس‪ .‬واستشعر‬ ‫نبى هللا اليأس وقرر هذه املرة أن يختط خطة أخيه النبى الرسول يحيى بن زكريا‬ ‫عليهم الصلوات والتسليمات‪ ،‬فقرر هذه املرة أن يلوذ بالبرية‪ ،‬ومن أراد أن يتبعه‬ ‫ً‬ ‫فليأتي إلى البرية‪ .‬يريد أن يعظ ويضرب األمثال كما فعل يحيى في البرية بعيدا من‬ ‫هؤالء وعنهم‪.‬‬

‫‪71‬‬

‫وهكذا ذهب إلى البرية عليه الصالة وأفضل السالم‪ ،‬وهناك كان يعظ ويضرب‬ ‫أمثاله العجيبة‪ .‬جائه رسول في يوم من األيام يقول له‪ :‬يا سيدى إن صديقك الذي‬ ‫ً‬ ‫تحب اليعازر في سياق املوت‪ ،‬صمت املسيح قليال وقال‪ :‬إن اليعازر قد نام‪ ،‬هيا‬ ‫نذهب لكي نوقظه‪ ،‬قال الحواريون‪ -‬وكانوا قلما يفهمون عليه‪ ،‬لكنهم كانوا‬


‫مخلصين‪ :-‬يا سيدى إذا كان قد نام‪ ،‬فعما قريب يشفى‪ ،‬قال‪ :‬إنه قد مات‪ ،‬هيا‬ ‫نذهب لكي نوقظه‪ ،‬قالوا‪ :‬يا سيدى ولكن اليهود يتآمرون عليك ويريدون هذه املرة‬ ‫أن يلقوا القبض عليك ملحاكمتك‪ ،‬قال‪ :‬ال عليكم‪ .‬وانطلق وانطلقوا معهم حتى‬ ‫وصلوا إلى بيت عنية وهى في أرضاب بيت املقدس حيث يقيم اليعازر وشقيقتاه‪،‬‬ ‫فدخل واستقبلته مرسا‪ -‬مريم لم تكن موجودة في تلكم الساعة‪ -‬وقالت‪ :‬يا سيد لو‬

‫الصخرة‪ ،‬فقال‪ :‬أزيحوا هذه الصخرة‪ ،‬فتدخلت مريم املجدلية وقالت‪ :‬ال يا سيد‪،‬‬ ‫له أربعة أيام‪ -‬خشيت أن تفوح رائحته‪ -‬فقال املسيح عليه الصالة وأفضل السالم‪:‬‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫كنت عندنا ما مات‪ ،‬لقد مات‪ .‬وقد مر عندما وصل املسيح عليه السالم على موت‬ ‫اليعازر أربعة أيام‪ ،‬فاملسافة بعيد من برية األردن إلى بيت عينة‪ .‬ثم أقبلت مريم‬ ‫ً‬ ‫وهى تبكى وقالت مثلما قالت أختها‪ ،‬قال‪ :‬أين وضعتموه؟ وانطلقوا جميعا إلى القبر‬ ‫ً‬ ‫وتبعهم جماعة من اليهود ومن األحبار أيضا‪ ،‬قالوا‪ :‬وضعناه هو في الكهف‪ ،‬وعليه‬

‫ألم أقل لك يا مريم من قبل إن آمنت ترين مجد هللا تبارك وتعالى‪.‬‬

‫أزاحوا الصخرة‪ ،‬ثم أقبل املسيح وخر جاثيا على ركبته وابتهل إلى ربه الواحد‬ ‫ً‬ ‫األحد‪ :‬اللهم أجب دعائي واصنع على يدي آية ليؤمنوا أنك أرسلتني‪ -‬دائما كان يؤكد‬ ‫أنه عبدا‪ ،‬وأنه بشر‪ ،‬وأنه ابن اإلنسان‪ ،‬وأنه مرسل من عند هللا‪ ،‬وكم من مرة أكد‬ ‫فيها أنه ما أقول لكم ليس من عندى هللا هو الذي أنطقني به‪ ،‬هللا هو الذي أوحاه‬ ‫إلى‪ ،‬وهو القائل‪ :‬طوبا ملن ال يعثر فى‪ ،‬طوبا ملن يعرف حقيقتي من غير تشبيه‪ .‬ومن‬ ‫هو املسيح؟ من بين ثالثمائة وعشرين ألف نبي‪ ،‬أنه واحد من الخمسة العظام‬ ‫محمد وإبراهيم وموس ى وعيس ى ونوح‪ ،‬أنه رقم أربعة‪ ،‬أنه رابع أعظم شخصية‬

‫‪72‬‬


‫ً‬ ‫خلقها هللا تبارك وتعالى‪ -‬ثم قام وصرخ في امللفوف في أكفانه بصوت قوى قائال‪ :‬قم‬ ‫وانهض بإذن هللا‪ ،‬فإذا بامللفوف في أكفانه وقد وضع في قبره منذ أربعة أيام يتململ‪،‬‬ ‫فجاءت مريم أخته ومرسا أخته الثانية تفكان عنه أكفانه‪ ،‬ورجعوا جميعا باليعارز‬ ‫من قبره بعد موت دام أربعة أيام‪ .‬وطار الخبر في جميع أرجاء فلسطين في اليهودية‬ ‫ً‬ ‫وفى الجليل‪ ،‬بلغ املعبد األعظم في أورشليم‪ ،‬فزاد األحبار والكهنة غيظا على‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫غيظهم‪ ،‬وحنقا وحقدا ومرارة وقست قلبوهم‪ .‬كلما رأوا آية زادت قلوبهم قسوة‬ ‫والعياذ باهلل تبارك وتعالى‪.‬‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫واقترب اآلن موعد الفصح والخبر قد عم األرجاء‪ ،‬ونزل عيس ى عليه الصالة‬ ‫وأفضل السالم مع حوارييه إلى املعبد وهو آمن من أن تمتد أيدي اليهود بالسوء‪،‬‬ ‫ألن الحجاج من أسيا الصغرى والجوالن ومصر وسوريا يمنعونه‪ .‬وهناك قلب‬ ‫موائدهم مرة أخرى وزجر األغنام والدواب وقلب املوائد وقال‪ :‬مكتوب بيتي بيت‬ ‫الصالة‪ ،‬وقد جعلتموه مغارة لصوص يا أوالد األفاعي‪ .‬وقد ضرب عليه الصالة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأفضل السالم مثال على هؤالء الكذبة قائال‪ :‬سيد أمر ابنا له وقال له قم واذهب‬ ‫واعمل في كرمي‪ -‬حقل العنب‪ -‬فقال‪ :‬أنا ال أذهب‪ ،‬ثم ندم وذهب‪ .‬وقال البنه اآلخر‪:‬‬ ‫قم واذهب واعمل في كرمي‪ ،‬قال‪ :‬نعم أنا سأذهب‪ ،‬ولم يذهب ولم يعمل‪ .‬أيهما نفذ‬ ‫ه‬ ‫إرادته؟! قالوا‪ :‬األول‪ ،‬قال‪ :‬وهكذا الحق الحق أقول لكم‪ ،‬إن الخطائين والزواني‬ ‫يدخلون ملكوت هللا قبلهم‪ ،‬ألن هللا أرسل إليهم يحيى‪ -‬يوحنا املعمدانى‪ -‬فآمنوا به‪،‬‬

‫‪73‬‬

‫أما أنتم فكفرتم‪ ،‬وأنت اليوم تكفرون إذ ترون آية هللا‪ .‬وهذا منطق األنبياء جميعا‪،‬‬ ‫أنه املنطق الحق‪ ،‬ليس عبد أولى باهلل من عبد إال بالعمل الصالح‪ ،‬ليس بين هللا‬


‫تبارك وتعالى وبين واحد من خلقه قرابة أو نسب‪ ،‬أنه العمل الصالح‪ .‬فأصمتوا‬ ‫وألجموا‪ ،‬بمثل هذا الكالم العالي املقام‪.‬‬

‫وهنا انحطت كلمتهم بعد أن اجتمعوا على أن يهلكوه‪ ،‬فالبد من إهالكه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فمكروا له مكرا ونصبوا له الحبائل لكي يقع فيها‪ ،‬ودسوا إليه أعوان هيردوت‬ ‫الروماني حاكم الجليل‪ ،‬وكان حاكم اليهودية بيالطس البونطي‪ .‬دسوا له أحد‬ ‫أعوان الوالي الروماني‪ ،‬فذهب وقال للمسيح‪ :‬أيها السيد الجليل نعلم أنك مرسل‬

‫هللا املختار للوثنيين الرومان‪ ،‬لكنهم كانوا مرغمين أن يعطوها‪ ،‬فهذا سؤال ملغوم‬ ‫ً‬ ‫وشرك كبير‪ ،‬البد أن عيس ى عليه السالم أن يفتى بأنه ال يجوز هذا األمر تملقا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لجماهير اليهود‪ ،‬لكنه كان نبيا رسوال‪ ،‬فاألنبياء أفطن وأذكى خلق هللا‪ -‬فقال عيس ى‬ ‫ً‬ ‫عليه السالم للجماهير‪ :‬ناولني دينارا فقذف إليه بدينار‪ ،‬فنظر إلى الصورة ووجد‬ ‫ً‬ ‫أنها صورة قيصر في روما والكتابة أيضا باسمه‪ ،‬وقال‪ :‬ملن هذه الصورة والكتابة؟‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫بالحق‪ ،‬وأنك ال تخاف في هللا لومة الئم‪ ،‬فأخبرنا اآلن أيجوز أن تعطى الجزية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫للرومان الوثنيين؟‪ -‬اليهود كانوا يرون أن كفرا وإلحادا أن تعطى الجزية من شعب‬

‫قالوا‪ :‬لقيصر‪ ،‬قال‪ :‬إذن أعطوا ما لقيصر لقيصر‪ -‬ألنها دنانيره‪ -‬وما هلل فهو هلل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فغم األحبار والكهنة والفيريسيون غما شديدا‪ ،‬وما كانوا يستطيعون أن يردوا عليه‬ ‫ً‬ ‫جوابا‪ ،‬ألنهم لو ردوا الجواب لوقعوا هم في شر ما نصبوه له وعرضوا أنفسهم‬ ‫لغضبة الرومان ووالة الرومان في األرض املقدسة‪ ،‬فصمتوا‪ .‬فخرج منها عيس ى‬ ‫عليه الصالة وأفضل السالم بسهولة‪.‬‬

‫‪74‬‬


‫ُ ً‬ ‫ً‬ ‫وقد ضرب عيس ى للناس مثاال مؤثرا جدا قال‪ :‬ملك من امللوك أراد أن يزوج‬ ‫ابنه‪ ،‬وفى يوم العرس بعث خدامه وعبيده ليدعوا املدعوين من جميع األنحاء‪،‬‬ ‫فأتوهم ودعوهم‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬ال نريد‪ ،‬وذهب هذا إلى حقله وهذا إلى متجره‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وأما اآلخرون فأخذوا عددا من الخدم والعبيد فقتلوهم‪ ،‬وأغتاظ امللك جدا‬ ‫فأرسل جنوده الغالظ األشداء القساة وقتلوا أولئكم عن أخرهم‪ ،‬ثم قال امللك‬ ‫لعبيده وخدامه أخرجوا اآلن الساعة إلى الطرقات وادعوا من لقيتم‪ -‬أنه ينقض‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫هنا أسطورة شعب هللا املختار‪ ،‬ال يوجد شعب مختار‪ ،‬فالكل مدعو إلى ملكوت‬ ‫ه‬ ‫هللا‪ ،‬كل الشعوب‪ ،‬كل الصالحين البررة‪ ،‬كل الخطائين األثمة‪ -‬إلى عرس ابن امللك‪،‬‬ ‫فذهبوا وجاءوا بالصالحين وجاءوا بالطالحين األشرار‪ ،‬وجاء امللك لينظر فوجد‬ ‫واحد منهم لباس العرس‪ -‬هناك زى معين تدخل به في ساحة هذا امللك الداعي‪-‬‬ ‫فقال‪ :‬يا صاح كيف دخلت إلى هنا‪ ،‬ومن الذي أدخلك‪ -‬يشير نبي هللا عيس ى عليه‬ ‫السالم إلى أن من انتمى إلى دين أو رسول أو زعم أنه دخل امللكوت فالبد أن يتدثر‬ ‫بلباس التقوى‪ ،‬ال بمجرد اإلعالم والعنوان أنا مسلم أنا محمدي‪ ،‬غير كافي‪ ،‬البد أن‬ ‫يتدثر لباس التقوى ذلك خير‪ ،‬فمن لم يلبسه فما هو مصيره؟ سنرى‪ -‬ولم يحر‬ ‫ً‬ ‫الرجل جوابا‪ ،‬فقال لرجاله وجنده خذوه ألقوه في السجن والعذاب املهين حيث‬ ‫يكون البكاء وصرير األسنان‪ .‬ثم قال عليه الصالة وأفضل السالم كاملزيل لهذا‬ ‫املثل العجيب‪ :‬كثيرون هم الذين يدعون وقليلون هم الذين يفوزون‪.‬‬

‫‪75‬‬

‫ذهب األحبار والكهنة إلى رئيسهم األعظم قيافا امللعون املتاجر بالدين الذي‬ ‫ضحى برسول وبرسالة من أجل مغانم دنيوية بخسة وشكوا له حقيقة الحال‪،‬‬


‫فقال‪ :‬أن يهلك واحد خير من يهلك الشعب كله‪ .‬هذا فتوى تعنى إهدار دم املسيح‪،‬‬ ‫فليقتل املسيح‪ .‬وهكذا حرضتهم على املسيح وأعطاهم فتوى ورخصة لسفك دمه‬ ‫البرئ الزكي الطهور عليه الصالة وأفضل السالم‪ ،‬فهل يصلون إليه؟ هذه هي‬ ‫ً‬ ‫القصة‪ ،‬في كل ما سبق تقريبا نستطيع أن نتفق مع النصارى‪ ،‬لكن في هذه النقطة‬ ‫الخالف بينها وبينهم جد وسيع وبعيد‪ ،‬ألن هللا شبه عليهم‪ .‬املوضوع عندهم ملتبس‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جدا وهلل الحكمة البالغة وال ندرى ملاذا‪ .‬املوضوع ملتبس جدا حتى إلى يومنا هذا‪،‬‬ ‫فله الحكمة البالغة وال ُيسأل عما يفعل سبحانه وتعالى‪.‬‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫قرروا ذلك وعلم عيس ى بهذا األمر‪ ،‬فانسل هو والحواريون ولم يرد أن يبيت‬ ‫ليلة في أورشليم حتى بلغوا جبل الزيتون‪ .‬وهناك في جبل الزيتون لجئوا وأووا إلى‬ ‫ضيعة كانت ألحد أصدقائهم وهو يوسف الرامي رضوان هللا عليه‪ .‬جلس املسيح في‬ ‫الضيعة وتحلق الحواريون حوله‪ ،‬وكان يبدو على كالمه الحزن واألس ى‪ ،‬قال أشعر‬ ‫بألم وبحزن حتى املوت‪ -‬لقد كانت أخر ساعات له في هذه الدنيا قبل أن ينتقل‪-‬‬ ‫ً‬ ‫وضرب لهم مثال ولعله من أخر األمثال التي أوحيت إليه‪ :‬قال صاحب كرمة يوما إلى‬ ‫ً‬ ‫ه‬ ‫الكرام الذي يعمل في الكرم‪ ،‬وقال له‪ :‬أتي دوما إلى هذه األشجار ألجد تينا‪ ،‬فال أجد‬ ‫ً‬ ‫تينا‪ ،‬فالبد أن تقطع هذه األشجار‪ ،‬فقال الكرام‪ :‬يا سيد َ‬ ‫ولم العجلة؟ قال‪ :‬لي ثالث‬ ‫سنين‪ -‬وهنا إشارة إلى مدة نبوة عيس ى عليه السالم‪ ،‬بهذا املثل أعطاهم إشارة إلى‬ ‫أن رسالتهم ال تزيد عن ثالث سنوات‪ .‬هذا كان من أواخر أمثاله عليه الصالة‬ ‫وأفضل السالم‪.‬‬

‫‪76‬‬


‫ثم ذهب ليصلى ويستهدى ودموعه تندحر على وجنتيه الشريفتين وظل يدعو‪،‬‬ ‫ً ً‬ ‫وبعد قليل رجع إليهم فوجدهم جميعا نياما‪ ،‬فقال‪ :‬يا سبحان هللا‪ ،‬في هذه الليلة‬ ‫تنامون! وجعل يوقظهم واحد إثر واحد‪ ،‬ثم قال لهم‪ :‬أما تصبرون معى ساعات‬ ‫فإني ذاهب وال أعود إليكم‪ ،‬قالوا‪ :‬وهللا يا سيد ال ندرى‪ ،‬لقد كنا نسمر من قبل‬ ‫فيحلو لنا السمر ونسمر ما شاء‪ ،‬أما الليلة فلم نستطع ضرب علينا النوم‪ ،‬وإذا‬ ‫أردنا دعاء حيل بيننا وبينه‪ ،‬فجلس معهم وبشرهم وأوصاهم وقال عليه الصالة‬ ‫وأفضل السالم‪ :‬خير لكم أن أذهب‪ ،‬ألني إذا ذهبت يبعث الرب تبارك وتعالى‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫الفرقليط‪ ،‬والفرقليط يعلمكم كل ش يء ويخبركم بكل ش يء‪ ،‬هو يشهد لى وأنتم‬ ‫تشهدون لى‪.‬‬

‫وهذا صحيح لم يشهد لعيس ى عليه الصالة وأفضل السالم بأنه صادق وأنه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عبد هللا ورسوله وليس دجاال وال كذابا وال إبليسا وال مدنسا إال الحواريون األوائل‬ ‫وأمة محمد من وراء محمد عليه الصالة وأفضل السالم‪ .‬ولذلك هذه اآلية من‬

‫‪77‬‬

‫اإلنجيل أصح آية وأوضحها بالتبشير بمحمد عليه الصالة وأفضل السالم‪ .‬وأصح‬ ‫ترجمة لكلمة الفرقليط اليونانية القديمة هي أحمد بالضبط وتساوى أحمد‬ ‫ً‬ ‫بالضبط‪ ،‬وقال هللا تبارك تعالى "ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد"‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يقينا رسول هللا لم يكن يعرف هذه الكلمة (فرقليط) إال بوحى من هللا تبارك‬ ‫ً‬ ‫وتعالى‪ ،‬لكن ما درسها على يد معلم ألنه كان أميا‪ .‬لقد بشر بالفرقليط بمحمد‬ ‫ً‬ ‫الذي سيشهد له‪ ،‬وأنت أيضا أيها الحواريون سيتشهدون لي‪ -‬ثم قال لهم عليه‬ ‫الصالة وأفضل السالم‪ :‬كلكم تشكون في هذه الليلة‪ -‬هو يعرف أنه ستقع شبهة‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫عظيمة‪ ،‬وحتى الحواريون لن يعرفوا حقيقة ما وقع‪ -‬ستحزنون حزنا عظيما‪،‬‬ ‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫والناس يفرحون فرحا كبيرا‪ ،‬ثم تفرحون فرحا كبيرا‪ -‬حين تعرفون الحقيقة‬ ‫أنني لست املصلوب‪ ،‬وأن املصلوب واحد غيره‪ .‬في البداية الناس الببغاوات‬ ‫ً‬ ‫التي تردد ما تلقن يفرحون‪ ،‬وأنتم تحزنون جدا بقتل املعلم النبي والرسول‪ ،‬ثم بعد‬ ‫ً‬ ‫ذلك ستعلمون أنه لم يقتل ولم يصلب‪ ،‬وستفرحون فرحا عظيما‪ ..‬هذا معنى‬ ‫كالمه‪.‬‬

‫بعد ساعات‪ ،‬وقال له عليه الصالة وأفضل السالم‪ :‬ال يصيح الديك هذه الليلة‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫قام له سمعان الذي لقبه عيس ى ببطرس‪ ،‬وقال‪ :‬يا سيد أنا مستعد أن أذهب‬ ‫معك إلى املوت‪ ،‬فنظر إليه نظرة عجيبة لم يفهم بطرس وال الحواريون سرها إال‬ ‫حتى تنكرنى ثالث مرات‪ -‬أي لن ينبلج الفجر حتى تنكر ثالث مرات أنك تعرفني‪ ،‬ولم‬ ‫يفهم بطرس‪.‬‬

‫ثم قام يصلى‪ ،‬وبينما كان يصلى عليه الصالة وأفضل السالم نزل سفير رب‬ ‫ال ه ُ‬ ‫اّلل َيا ع َ‬ ‫العاملين جبريل عليه الصالة وأفضل السالم بوحى هللا وكلماته "إ ْذ َق َ‬ ‫يس ى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ُ َ َْ َ‬ ‫ه َُ​َه َ َ​َ ُ َ َ َُ َ َ َ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ‬ ‫اع ُل ال ِذين اتبعوك فوق‬ ‫ِإ ِني متو ِفيك ورا ِفعك ِإلي ومط ِهه ُرك ِمن ال ِذين كف ُروا وج ِ‬ ‫َ َ َ ُ ْ َ َْ ْ َ َ ُ َ َ ْ ُ ُ ْ َ​َ ْ ُ ُ ََْ ُ ْ َ ُ ُ‬ ‫يما كنت ْم ِف ِيه‬ ‫ال ِذين كفروا ِإلى يو ِم ال ِقيام ِة ثم ِإلي مر ِجعكم فأحكم بينكم ِف‬ ‫َ َْ ُ َ‬ ‫تخت ِلفون"‪ .‬وإلى اليوم النصارى فوق اليهود‪ ،‬كل من يظن عكس ذلك غير صحيح‪،‬‬

‫‪78‬‬


‫فاليهود أحذية في أرجل النصارى‪ ،‬يد خفية ينفذ بها النصارى مآربهم ومخططاتهم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هكذا أوحي إليه عليه الصالة وأفضل السالم‪ ،‬فتأيد وتثبت‪ ،‬وعلم مصيره جيدا‪.‬‬

‫وإذا بضيعة يوسف الرامي تغوص بالجنود الرومان ومعهم املشاعل‬ ‫واملصابيح‪ ،‬ومعهم الخائن يهوذا األسخريوطي أحد الحواريين االثنا عشر‪ ،‬لقد‬ ‫اغتاظ من املسيحيين لبعض األشياء البسيطة وهو نبيه ورسوله‪ ،‬لكنه كفر به في‬ ‫ً‬ ‫قلبه ملسائل قليلة جدا ليس له فيها حجة‪ ،‬فذهب إلى رؤساء الكهنة وتواطؤ معهم‬ ‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫على أن يسلمهم يسوع املسيح ويدلهم على مكانه لقاء ثالثين ليرة فضية فقط‪.‬‬

‫جاء الخوان األثيم مع الرومان ووقف يسوع‪ ،‬وهرع الحواريون وقد أشفقوا‬ ‫على مصير املعلم النبي‪ ،‬فقال في ثبات وطمأنينة‪ :‬من تطلبون؟ قالوا يسوع الذي‬ ‫يقال له املسيح‪ ،‬قال‪ :‬أنا هو ‪ ،‬فعاد الجنود إلى الخلف ووقعوا‪ -‬أنها رهبة إلهية‪ ،‬أنه‬ ‫ُ‬ ‫ممنوع من هللا‪ ،‬ومحفوظ‪ -‬ثم قاموا في مهانة وهو يبتسم‪ ،‬ويهوذا يخفق قلبه خوفا‬ ‫ً‬ ‫وفرقا من املصير املجهول‪ .‬ثم أعاد املسيح بثابت مرة أخرى‪ :‬من تطلبون؟ فقالوا‪:‬‬ ‫يسوع الذي يقال له املسيح‪ ،‬قال‪ :‬قلت لكم أنا هو‪ ،‬فدعوا هؤالء‪ .‬في رواية أن‬ ‫بطرس تقدم في البداية واستل سيفه من غمده وضرب أذن رئيس الكهنة قيافا‪،‬‬

‫‪79‬‬

‫فقال له يسوع‪ -‬وهو يعلم أنه ال يستطيع أن يمنعه‪ ،‬هللا هو الذي سيمنعه‪ -‬أغمد‬ ‫سيفك‪ .‬ثم قال للحواريين‪ :‬انطلقوا‪ ،‬فانطلقوا ال يلون على ش يء‪ .‬تركوا نبيهم في‬ ‫قلعة جثيمانبين الرومان القساة الغالظ‪.‬‬


‫يدخل البيت‪ ،‬فقالت له املرأة الواقفة الحارسة على الباب‪ :‬أنت من تالميذه‪،‬‬ ‫فقال‪ :‬ال‪ ..‬ال أعرفه‪ ،‬وتركها‪ ..‬وكانت هذه املرة الثانية‪ .‬وفى بيت قيافا رئيس الكهنة‬ ‫ً‬ ‫أودعوه أيضا للمحاكمة السريعة‪ ،‬ونجح بطرس أن يدخل واندس بين الجنود وقد‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫ً‬ ‫وملا قال لهم الثانية وقعوا جميعا وانسل املسيح من بينهم الهوينا‪ ،‬فقاموا‬ ‫ً‬ ‫مذعورين يشعرون بالذل والخزي فما وجدوا أمامهم إال أقرب الناس شبها به‪ ،‬لقد‬ ‫ً ُ‬ ‫ً‬ ‫كان يهوذا األسخريوطي يشبه املسيح شبها غريبا جدا في طوله وجسمه ولون عينه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وقد زاده هللا تبارك وتعالى شبها به‪ .‬فقالوا‪ :‬أنت املسيح‪ ،‬قال لست أنا‪ ،‬فقالوا‪:‬‬ ‫ه‬ ‫خذوه‪ .‬أخذوه وذهبوا في هذا الوقت إلى حنان صهر قيافا حاكمه محاكمة لم يخرج‬ ‫ً‬ ‫منها بش يء‪ .‬وهناك أراد بطرس أن يدخل‪ ،‬فقال له أحد الجنود ألست أنت أيضا من‬ ‫ً‬ ‫تالميذه‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ ..‬ال أعرفه‪ ،‬وذهب بعيدا‪ ..‬كانت هذه أول مرة‪ .‬ثم بعد ذلك أراد أن‬

‫أشعلوا نيرانهم‪ ،‬وهناك قال له أحد الجنود‪ :‬ألست أنت الذي استل سيفه؟ قال‪:‬‬ ‫ال‪ ..‬لست أنا ال أعرفه! ثم ولى‪ ،‬وملا صاح الديك جعل يبكى وتذكر قول املسيح "ال‬ ‫يصيح الديك هذه الليلة حتى تنكرنى ثالث مرات"‪.‬‬ ‫أخذ يهوذا بعد محاكمة سريعة ُ‬ ‫ودفع إلى بيالطس حاكم اليهودية "أورشليم‬ ‫وبيت لحم"‪ ،‬فقال بيالطس‪ :‬جليلي قلت‪ ،‬قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬ال عالقة لى به‪ ،‬اذهبوا‬ ‫ً‬ ‫به إلى حاكم الجليل هيردوت‪ ،‬فذهبوا به‪ ،‬وهناك أيضا هيردوت لم يرد أن تتلوث‬ ‫يده بدمه وهو يحسب أنه املسيح‪ -‬لقد شبه أمره على الجميع حتى على الحواريين‬ ‫وحتى على أمه مريم‪ -‬فعادوا به مرة أخرى إلى بيالطس‪ ،‬فقال بيالطس‪ :‬لم أجد ما‬

‫‪80‬‬


‫أصلب به هذا البار‪ ،‬قالوا‪ :‬لقد خرق الناموس‪ ،‬أنه كافر‪ ،‬وقد نص الناموس على‬ ‫قتله‪ ،‬أصلبه واقتله! قال‪ :‬أجلده وأدبه ثم أطلقه‪ ،‬قالوا‪ :‬ال‪..‬القتل‪ ،‬قال لهم‪ :‬لقد‬ ‫ً‬ ‫جرت العادة بأن ُيطلق لكم في عيد الفصح دائما أحد املأسورين‪ ،‬وها هنا السارق‬ ‫القاتل سفاك الدماء براباس األثيم ويسوع املسيح‪ ،‬قالوا‪ :‬أطلق لنا براباس‬ ‫وأصلب يسوع‪ .‬لعنة هللا على اليهود! أنهم يظنون أنه يسوع‪ ،‬ولكنه ليس يسوع‪ ،‬أنه‬ ‫هو الخوان األثيم من جلدتهم وفى طريقتهم يسير وعليها ينهج‪.‬‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫وهكذا أخذ يهوذا ُ‬ ‫وصلب على أنه املسيح عليه الصالة وأفضل السالم‪ .‬وأمر‬ ‫بيالطس أن تكتب لوحة وتعلق على صليبه مكتوب عليها يسوع املسيح ملك اليهود‪،‬‬ ‫ً‬ ‫قالوا اليهود‪ :‬ال‪ ..‬أنك تسخر منا‪ ،‬أنه ليس ملكا علينا‪ ،‬قال‪ :‬ما كتب فقد كتبت‪،‬‬ ‫والبد أن يعلق‪ .‬ولألسف إلى اليوم هذه الجملة مكتوبة على كل صلبان العالم‬ ‫اختصارا بأربع حروف وتعنى "يسوع املسيح ملك اليهود"‪.‬‬

‫‪81‬‬

‫َ َ ْ ْ َ َْ َ َْ َ‬ ‫يح ع َ‬ ‫يس ى ْاب َن َم ْرَي َم‬ ‫يقول الحق تبارك وتعالى في اليهود "وقو ِل ِهم ِإنا قتلنا امل ِس ِ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ُ َ ه َ َ َ َُ ُ َ َ َ​َُ ُ َ‬ ‫َ ْ َ​َ ُ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ين اختلفوا ِف ِيه ل ِفي ش ٍهك‬ ‫وه َول ِـكن ش ِهب َه ل ُه ْم َو ِإن ال ِذ‬ ‫ّلل وما قتلوه وما صلب‬ ‫رسول ا ِ‬ ‫ه َ َ َ َُ ُ َ ً َ َ َ ُ هُ َْ َ َ َ‬ ‫هم ْن ُه َما َل ُهم به م ْن ع ْلم إال هات َب َ‬ ‫ان ا ه ُ‬ ‫ّلل‬ ‫اع الظ ِن وما قتلوه ي ِقينا‪ ،‬بل رفعه اّلل ِإلي ِه وك‬ ‫ِ​ِ ِ ِ ٍ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ ً َ ً َ ه ْ ْ ْ َ‬ ‫اب ِإال ل ُي ْؤ ِمنن ِب ِه ق ْب َل َم ْو ِت ِه َو َي ْو َم ال ِق َي َام ِة َيكون‬ ‫ع ِزيزا ح ِكيما‪ ،‬و ِإن ِمن أه ِل ال ِكت ِ‬ ‫َ َ ً‬ ‫َعل ْي ِه ْم ش ِهيدا"‪ .‬صدق هللا العظيم‪ .‬أقول قولي هذا واستغفر هللا لي ولكم‬ ‫فاستغفروه‪.‬‬


‫الخطبة الثانية‬

‫الحمد هلل الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون‪،‬‬ ‫وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله‪،‬‬ ‫ً‬ ‫صلى هللا تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا‪.‬‬

‫لألول من ذى الحجة‪ ،‬وقد قال موالنا رسول هللا صلوات ربي وتسليماته عليه وعلى‬ ‫آله وأصحابه وأتباعه في صحيح البخاري عن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬ما من أيام العمل‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫أما بعد أيها اإلخوة واألخوات ال يفوتنى أن أنبه وأن أذكر نفس ي وإياكم في هذا‬ ‫املقام الكريم‪ ،‬بأنه سيكون يوم الجمعة القادم إن شاء هللا تبارك وتعالى املوافق‬

‫الصالح أحب إلى هللا من هذه األيام‪ -‬أي العشر األوائل من ذى الحجة‪ ،-‬قالوا‪ :‬يا‬ ‫رسول هللا وال الجهاد في سبيل هللا؟ قال‪ :‬وال الجهاد في سبيل هللا‪ ،‬إال رجل خرج‬ ‫بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بش يء‪ .‬فأسأل هللا تبارك وتعالى أن ييسرني وإياكم‬ ‫ملا يحب ويرضاه‪ ،‬وييسر لنا التقوى وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول‬ ‫فيتبعون أحسنه‪ ،‬اللهم اغفر لنا وارحمنا وأهدنا وتقبل منا‪ ،‬أنك أنت السميع‬ ‫العليم‪ ،‬وتب علينا يا موالنا أنك أنت التواب الرحيم‪.‬‬ ‫‪82‬‬


‫عباد هللا! إن هللا يأمر بالعدل واإلحسان إيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء‬ ‫واملنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون‪ ،‬أذكروا هللا العظيم يذكركم ‪ ،‬واشكروه‬ ‫يزدكم‪ ،‬وأسالوه يعطكم‪ ،‬قوموا إلى صالتكم يرحمني ويرحكم هللا‪.‬‬ ‫****************************************‬

‫المسيح عيسى ابن مريم‬

‫‪83‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.