املس يح عيىس ابن مرمي ميالده ,بعثته وتوفيته من خطب للدكتور :عدنان ابراهيم
الفهرس-الخطبه االولى -ميالد عيس ى عليه السالم... املقدمات واإلرهاصات المسيح عيسى ابن مريم
91-2 الخطبه الثانيه -ميالد عيس ى عليه السالم 83-22 تفريغات خطب ادلكتور عدانن ابراهمي
1
تنسيق الكتاب:
محمد عدوي
الخطبه الثالثه -بعثة عيس ى عليه السالم 62-81 الخطبه الرابعه -توفية عيس ى عليه السالم 38-68
ميالد عيىس عليه السالم...املقدمات والإرهاصات إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده هللا فال ُمضل له ومن يضلل فال هادى له وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له ،وال نظير له وال مثيل له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد عبد هللا ورسوله وصفوته من خلقه وأمينة علي وحيه ،صلي هللا
عباد هللا أوصيكم ونفس ي الخاطئة بتقوى هللا العظيم ولزوم طاعته ،كما
المسيح عيسى ابن مريم
تعالي عليه وعلي آله الطيبين الطاهرين وصحابته املباركين وأتباعهم بإحسان إلى ً ً يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
أحذركم وأحذر نفس ي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله سبحانه وتعالى "من عمل ً صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظالم للعبيد".
ثم أما بعد أيها اإلخوة املسلمين األفاضل ،أيتها األخوات املسلمات الفاضالت يقول هللا سبحانه وتعالي في كتابه العزيز وقد عز من قائل بعد أن أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم بسم هللا الرحمن الرحيم 2
هَ ْ ََ َ َ َُ ً َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ََ ْ َ َ َ ُ ً املين 88ذ هِرية " ِإن اّلل اصطفى آدم ونوحا وآل ِإبر ِاهيم وآل ِعمران على الع ِ َ ْ َ ه ُ َ ٌ َ ٌ َ َ َ ْ ُ َ َ ْ َ َ ْ 83ه ه َ َ ْ ُ َ َ َب ْع ُ َ ضَ ض واّلل س ِميع ع ِليم ِإذ قال ِت امرأة ِعمران ر ِب ِإ ِني نذرت لك ما ِفي ع ب ن م ا ه ِ ٍ ُ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ 83ه ه َ ْ ُ َ ً َََ ْ ه َ َ َ بط ِني محررا فتقبل ِم ِني ِإنك أنت الس ِميع الع ِليم فلما وضعتها قالت ر ِب ِإ ِني ه َ َ ُ َ ه اّلل َأ ْع َل ُم ب َما َو َ َو َ ض ْع ُت َها ُأ َنثى َو ه ُ ض َع ْت َو َل ْي َ س الذك ُر كاألنثى َو ِإ ِني َسم ْي ُت َها َم ْرَي َم ِو ِإ ِني ِ ْ َ ً َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ َ َ ُّ َ َ َ َ َ َ 86 ُ ُ ُ أ ِعيذ َها ِب َك َوذ هِري َت َها ِم َن الشيط ِان الر ِجيم فتقبلها ربها ِبقبو ٍل حس ٍن وأنبتها نباتا َ َ َ ً َ َ َ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ ََْ َ َ ْ ْ َ َ َ َ َ َ َ ْ ً قا َق َ حسنا وكفلها زك ِريا كلما دخل عليها زك ِريا ِاملحراب وجد ِعندها ِرز ال َيا َم ْرَي ُم أنى ه اّلل إن ه َ َلك َه َـذا َق َال ْت ُه َو م ْ اّلل َي ْر ُز ُق َمن َي َش ُاء ب َغ ْير ح َ اب"83 س ند ع ن ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ٍ المسيح عيسى ابن مريم
صدق هللا العظيم ،وبلغ رسوله الكريم ونحن علي ذلك من الشاهدين اللهم أمين.
عيس ي بن مريم عليهما الصلوات والتسليمات نبي عظيم ورسول كريم بل هو أحد الخمسة من أولي العزم من الرسل عليهم الصلوات والتسليمات والتبريكات أجمعين ،نبي خلقه هللا خلق فذ عجيب لغير أب من أم نسب إليها عليهما السالم أجمعين وأتاه هللا تبارك وتعالي من اآليات املعجزات الش يء الباهر املعجب كان يبرأ األكمه واألبرص وأعجب من ذلك كان ُيحي املوتى بإذن هللا ،وينزل في أخر الزمان ً عدال حكما يضع الجزية ويقتل الخنزير ويكسر الصليب بارئ إلى هللا مما افتراه 3
عليه املفترين ومما غالي فيه أتباعه فتعدوا فيه األمد األقص ى عليه الصالة وأفضل ً السالم ،ويبعث يوم القيامة محمديا من هذه األمة علي أنه صاحب من أصحاب
رسول هللا وهو نبي وهو أجل أصحاب رسول هللا أجمعين فهو أجل من أبي بكر وأجل من عمر وبها ألغز بعضهم من هو الصاحب الذي يتوق إلي جاللته وعلو مرتبته الصديق وعمر أنه عيس ي عليه الصالة وأفضل السالم ألنه حين ينزل في أخر الزمان ال يسع إال أن يحكم بشريعة محمد سيد الخلق أجمعين ،سيد األولين واآلخرين أدم وموس ي وعيس ى ومن دونهم عليهم الصلوات والتسليمات والتبريكات أجمعين وآله وكل أصحابه وأتباعه أجمعين إلي يوم الدين.
املدينة ألف تحية وسالم وميمنته عليه أفضل الصالة وأفضل السالم فارغة في انتظار عيس ي بن مريم عليهما السالم أجمعين ،وفيه يقول نبينا الصادق املصدوق ً عليه الصالة وأفضل السالم أنا أولي الناس جميعا بعيس ي ليس بيني وبينه نبي فمحمد أول األنبياء بعيس ى عليهما الصلوات والتسليمات أجمعين ليس بيني وبينه
المسيح عيسى ابن مريم
هو نبي وصحابي جليل عليه الصالة وأفضل السالم ويدفن بعد مكثه بأربعين سنه علي ميمنة رسول هللا ولذلك رسول هللا الذي زار الروضة املشرفة وعلي منور
نبي واألنبياء أوالد عالت أمهاتهم شتى وأبوهم واحد أخرجه البخاري ومسلم وقبله األمام أحمد.
ما هي قصة هذا النبي العجيب والرسول الكريم عيس ي بن مريم الذي أراد ه الشيطان الرجيم إبليس الذي أخرجه أبانا وأباكم من الجنة أن يفتنه وأن له ذلك مع نبي مخلص محتوم معصوم وسيأتكم نبأ قصته ومحنته في حينه ،فلما يأس
4
واستشعر العجز الكامل عزم وأبى وصمم إال أن يجعله فتنة للناس وحق أضل به ً خلقا كثيرين لم يفلح في أن يفتنه ففتن به لعنة هللا علي إبليس إلي يوم الدين ..ما هي قصة هذا النبي الكريم والرسول الكريم عليه أفضل الصالة وأفضل السالم الذي نستشعر توقيره وجالله ومحبته وكرامته كسائر أولياء هللا وإن كان هو في الزمرة املقربة منهم ألنه أحد الخمسة أولي العزم كما سمعتم وكما علمتم.
القصة تبدأ من مدينة الناصرة املدينة الفلسطينية الصغيرة الواعدة ذوات المسيح عيسى ابن مريم
األسرات الفقيرة من نسل داود في األغلب واألعم الذين امتهنوا مهن مختلفة يتكسبون بها ،ففرع داود امتهن لتجارة في األقواس ،وفرع هارون عليه أفضل الصالة وأفضل السالم أمتهن تجارة األخشاب ،والفروع األخرى من سائر األنبياء والرسل امتهنوا تجفيف الجلود ودبغها ،وبعضهم امتهن تجفيف التين ..مدينة فقيرة بأسر صغيرة من أحفاد األنبياء ذوات الدور البيض الجميلة ،في هذه املدينة كان يقطن سيد جليل وعالم ربى من كبار علماء بني إسرائيل أنه السيد الجليل الربي الكريم عمران "أن هللا أصطفي آل عمران ونوح وآل إبراهيم وآل عمران علي العاملين" إنه عمران عليه الصالة وأفضل السالم الذي ينميه نسب إلى رسول هللا داود عليه أفضل الصالة وأفضل السالم فهو من نسل داود أنه من بيت داود مع زوجه العابدة التقية حنة بنت فاقود وقد كانت مشهورة بالعبادة والتقي والصالح والصيانة والديانة وكرا عليهم زمن أثر زمن حتى جاشت في نفس عمران عليه
5
السالم رغبة كريمة إلي األرض املقدسة أورشليم لكي يتعبد هللا سبحانه وتعالي في املسجد الكبير ،في بيت هللا عز وجل الذي كان يعرف باملعبد العظيم أو املعبد
األعظم ،وال جرم وهناك سبقه قبل حين كبير نبي هللا وسيد إسرائيل زكريا عليه أفضل الصالة وأفضل السالم وكان زكريا صهره فأخت زوجته أخت حنا بنت ً فاقود والياصبات أيضا كانت زوجة لزكريا ،وقيل بل بنته بنت عمران وهذا قال به جمهور العلماء واملؤرخين وهللا أعلم ،والصواب في ذلك بل بنته كانت تحت زكريا عليه الصالة وأفضل السالم.
إلي أورشليم إلي بيت املقدس ،وجعل الرجل الكريم الذي كان كما سمعتم عالم
المسيح عيسى ابن مريم
وقد رأى عمران في منامه أنه يخدم بيت هللا تبارك وتعالي ويجمله ويطهره ً ً ً ويقض ي فيه أوقاته متألها مسبحا حامدا ممجد الرب امللك العظيم سبحانه وتعالي وعرض األمر علي زوجه فوقع منه موقع الرضا والقبول وهكذا تدليا من الناصرة كبير ورباني ،بل كان صاحب صالة بني إسرائيل هو الذي يصلي فيهم ويصلي بهم عليه السالم حتى مضت فترة هللا أعلم بها وكانت ذات يوم أن رأت حنا عليها السالم طير يذق في منخراه فاشتهت الولد والظاهر من الروايات أنها رزقت الولد من قبل لكن يبدو أنها انقطعت عن الولد مدة مديدة طويلة فاشتهت كما تشتهي النساء، اشتهت الولد وكانت في سن الحمل والوالدة لم تبلغ اليأس من املحيض فاشتهت الولد ودعت هللا سبحانه وتعالي أن يرزقها فلباها هللا تبارك وتعالي ورزقها الولد وأعتل السيد الجليل عمران عليه أفضل الصالة وأفضل السالم وهي حامل ،في مدة حمله أصابه مرض أبرح به وتطاول به مرضه وأشتد عليه حتى يأس األقربون واملعارف من شفائه وحمل القضاء لينتقل هذا العالم الجليل إلي رحاب هللا ملبي نداء ربه وامرأته حامل في رواية وقيل بعد أن وضعت حملها وهللا أعلم.
6
امرأته كانت حامل ملا لبى نداء ربه فنوت حنا عليها السالم العودة إلي الناصرة من أورشليم بيت املقدس إلي الناصرة وقبل أن تشد رحالها عرجت علي بيت هللا تبارك وتعالي تصلي وتدعو وتبتهل فوقعت عينها علي زكريا زوج أختها أو زوج بنتها فحرك أحزانها وزاد أشجانها لقد فقد بيتها الشرف الذي شرفه هللا تبارك تعالي به ً أن يكون منه رجل نفسا تتعبد هللا تبارك وتعالي وتتزلف عليه وتتقرب بخدمة بيته المسيح عيسى ابن مريم
لقد مات عمران الذي كان هللا تبارك وتعالي شرفه بل زوده بهذا التاج الكريم ه ََ ُ َ ْ ً فنظرت إلي السماء ورفعت يديها داعية " َر ِ هب ِإ ِني نذ ْرت ل َك َما ِفي َبط ِني ُم َحررا" ليكون مكان أبيه هو محرر ،قالوا تريد أن تمحضه للعبادة ولخدمة البيت الطهور َََ ْ ه َ َ َ نت السم ُيع ْال َعل ُ يم" هذا هو سبب املقدس البيت القدس "فتقبل ِم ِني ِإنك أ ِ ِ الدعوة.
ثم تدلت إلى الناصرة من جديد عادت أدراجها إلى املدينة الجميلة الصغيرة الناصرة حتى أتمت أيامها ووضعت فإذا بها وقد وفوجئت بما وضعت أنها أنثي
7
ليست ذكر وليس من عادة الناس أن يتقبل أو يحرر اإلناث إلي بيت هللا فساءها ه َ َ ْ ذلك وأقبلت علي هللا تبا ك وتعالي تقول كاملعتذ ة " َف َلما َو َ ض َع ْت َها قالت َر ِ هب ِإ ِني ر ر ُ ه َ َ َ ه اّلل َأ ْع َل ُم ب َما َو َ َو َ ض ْع ُت َها ُأ َنثى َو ه ُ ض َع ْت َو َل ْي َ س الذك ُر كاألنثى َو ِإ ِني َسم ْي ُت َها َم ْرَي َم ِو ِإ ِني ِ ْ َ ُ ُ ُ أ ِعيذ َها ِب َك َوذ هِري َت َها ِم َن الشيط ِان الر ِج ِيم" وفي قراءة أخرى وهللا أعلم بما وضعت هي فالفاعل ضمير مستتر وفي قراءة وهللا أعلم بما وضعت ثم تفكرت في تسميتها ماذا تسميها؟ فخطر علي بالها أن تسميها باسم أخت نبيي هللا الكريمين الجليلين
موس ي وهارون فقد كانت أختمها قبل ذلك بمئات السنيين اسمها مريم وهي مشهورة وخبرها معروف في كتاب هللا املقدس توراتهم ،فقالت اسمها مريم علي َ ه َ َُْ َ َْ َ ه ُ ُ يذ َها ب َك َو ُذ هري َت َها منَ اسم أخت هارون وموس ي فهي مريم "و ِإ ِني سميتها مريم ِو ِإ ِني أ ِع ِ ِ ِ َ الش ْيط ِان الر ِج ِيم".
المسيح عيسى ابن مريم
يقول رسول هللا علية أفضل الصالة وأفضل السالم فيما أخرجاه في ً الصحيحين مسلم والبخاري ،وأخرجه أحمد أيضا :ما من مولود يولد إال مسه ً الشيطان وفي رواية نغز في جنبه هكذا فيستهل صارخا يصرخ من أجل نغزة ً الشيطان به وهذا شأن ال للعلم به أنه من الغيبيات نعم فيستهل صارخا إال عيس ي ً وأمه مريم ،مريم أيضا لم يمسها الشيطان الصديقة البتول الطهور عليها الصلوات والسالمات والتشريفات ،وقد قال غير واحد بنبوتها كاإلمام ابن حزم وغيرهما والصحيح حسب إجماع الجماهير بأنها لم تكن نبيه ألن هللا ما بعث من ً نبيي أو رسول إال من الرجال "أال رجاال نوحي إليهم من أهل القرى" وهذا هو الصحيح وهذا رأي أهل العلم أي ما كان ذلك ،إال عيس ي وأمه مريم عليهما الصلوات والتسليمات ويقول أبو هريرة وأقرأ أن شئتم "وأني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم" أعذها هللا أوال وبعد ذلك أعاذ ابنها كلمته وروحه عيس ي عليه السالم.
8
َ َََ َ ً ً ً َ ً َ "فتقبل َها َرُّب َها ِبق ُبو ٍل َح َس ٍن َوأ َنب َت َها ن َباتا َح َسنا" قيل نبت نباتا حسنا في بيت عبادة وبيت علم وذكر وقيل نشأت نشأة حسنة ،قيل إنها كانت تنبت كما ال ينبت ً األطفال ،إنما كانت تنبت سريعا تنبن في الشهر وتزداد كما ال يزداد غيرها في أشهر وهللا اعلم بحقيقة ذلك واألول أقرب إلي مجري العادة ،وبعد أن أنقض ي العمر الذي انتهت معه حضانتها كان يجب علي والدتها أن تفي بالنذر الذي نذرته فأخذتها وقصدت إلي بيت املقدس ألنها نذرتها إلي هللا تبارك وتعالي وهللا تقبلها وفي بيت املقدس. المسيح عيسى ابن مريم
سمع العباد بنبأ هذه املحررة فتنازعوا في كفالتها ُ كل يريد أن يكفلها وتقدم ً زكريا زوج خالتها وقال ما أحدا أحق بها مني أنا أحق الناس بها ،قالوا ال أحد أحق بها من أحد ،قال زكريا فماذا ترون؟ قالوا أن تقترع ،فوافق فجاء ُ كل بالقدح بسهم معروف ووضعوا قداح وأتوا بغالم صغير لم يبلغ الحلم وقالوا خذ هذا أمددت ً يدك وخذ قدحا فالقدح الذي يخرج صاحبه له حق الكفالة فمد الغالم الصغير يده فإذا به قدح زكريا ،قالوا ال نرض ي وشعروا باملغلوبية ،قال ماذا تريدون؟ قالوا نذهب إلي النهر ونلقي القداح فأيها جري علي غير جرية املاء أي اتجاه معاكس لجريان املياه في النهر كان هو صاحب الحق ،قال لكم ذلكم وانطلقوا إلي النهر ورموا قداحهم وسارت كلها مع اتجاه املاء إال قدح واحد كان يسير عكس التيار
9
فنظروا فإذا به قدح زكريا شأن هللا تبارك وتعالي أنه أمر هللا أمر دبره وأراده هللا تبارك وتعالي "وهللا غالب علي أمره ولكن أكثر الناس ال يعلمون" وهكذا انقلبوا
ً مغلوبين وانقلب بها زكريا عليه السالم فائزا فرح بها وبني لها بناء من خشب في علية جعله محرابها ومتعبدها. ً ومض ى عليها زمن ليس بالطويل جدا وهي تتعبد هللا وتبتهل إليه تبارك وتعالي حتى إذا كان ذات ليلة شعرت كأن ش ي معها في محرابها فدخلها خوف وفزع ورهبه ثم تساءلت من هنا ،فإذا بصوت مالئكي وقور رخيم كله ثبات وطمأنينة يسكب السكينة في روع سامعه أنا رسول ربك ،مرسل من عند هللا فقالت ماذا تريد واصطفاك علي نساء العاملين يا مريم أقنطي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين" وهي ال تعلم ما سر هذه الرسالة اإللهية وال تعلم خطر وشرف وجاللة األمر الذي
المسيح عيسى ابن مريم
فجاءها الجواب من هذا امللك الكريم "يا مريم أن هللا اصطفاك وطهرك
أراد هللا تبارك وتعالي بها هي ال تعلم ملاذا وذهب امللك وإذا تشعر بسكينة وبفرح غامر وبنشوة وبطمأنينة ،اجتهدت في العبادة وزادت عبادتها هلل تبارك وتعالي عما كانت عليه من قبل تتعبده آناء الليل وأطراف النهار في فحمة الليل ورعيعة النهار ورابعته ال تنقطع وال تمل هللا يقويها ويمدها سبحانه وتعالي.
وذات يوم يدخل عليها زوج أختها أو زوج خالتها زكريا نبي هللا عليه الصالة وأفضل السالم فيدهشه ويثير عجبه وجدان فاكهة عندها في غير أوانها أن كانت في ه الصيف فعنده فاكهة من أيام الشتاء فيعجب ويقول يا مريم "أنى لك هذا" من أين لك هذه الفاكهة وليس األوان أوانها قالت باختصار وبيقين من أمده هللا
10
وبآياته قالت هو من عند هللا "إن هللا يرزق من يشاء بغير حساب" فأنقلب الرجل ً متعجبا وقد زاد يقينه باهلل تبارك وتعالي وهو نبي وجليل وأطمأن قلبه إلي أن يدعو ربه بما يجول في خاطره من أمل فقد كان يؤرقه هم يقيمه ويقعده في الصباح واملساء في الغدو والرواح لكن دان األجل بعد أن مسه الكبر وبلغ من الكبر عتيا لكن امرأته إلى ذلكم عاقر ال تنجب لم تحمل ،لم تأت بولد من قبل مسه الكبر وأمرته عاقر وقد كان يخش ى أن هو هلك عليه الصالة وأفضل السلم إال يليه إال العصبة أبناء عمومته وقرابته من الرجال وهم علي كل قول وفي كل األقوال شرار المسيح عيسى ابن مريم
بني إسرائيل وعلي معني قوله سبحانه "وأني خفت املوالي من ورائي" من هم املوالي العصبة؟ أقربائه من الذكور ال يتوسط في قرابتهم إناث أقربائه من الذكور في كل قول كان شرار بني إسرائيل لم يكونوا بالجيدين لم يكونوا بالصالحين وهذا هو سر طموح هذا النبي الجليل إلي الولد إلي الخلف هو يريد أن يرزقه هللا تبارك ً وتعالي وأن يهبه من لدنه غالم صالح تقي ذكيا لكي يحسن خالفته في إسرائيل أي في بني إسرائيل ،ليس فقط لكي يحفظ اسمه كما يقال وإنما ليرث نبوته وصالحه ً ويحسن خالفته في بني إسرائيل ألجل هذا السبب قال "ربي ال تذرني فردا وأنت خير الوارثين".
لقد أقترب األمل وانفتح األفق أمام هذا األمل الكريم أنه من أجل اآلمال وأهمها ،انفتح األفق ملاذا؟ ألن الذي يعطي ويرزق فاكهة في غير أوانها يعطي الولد 11
بغير شرط وفي غير أوانه وقد مض ي أوان الولد ألنه قد مسه الكبر ،وهن عظمه واشتعل الرأس شيبا وأمرته إلي ذلك عاقر لكن هل يعجز هللا تبارك وتعالي أن
يعطي الش يء في غير أوانه هل يتكأده ذلك ،هل يتعياه ش ي من هذا القبيل؟ كال وحشاه ال إله إال هو! فأقبل إلي هللا مبتهل "ربي هب لي من لدنك ذرية طيبة أنك سميع الدعاء" اآلن انفتح أفقه أمام أمله الكريم ،كان في املحراب يصلي وتبتل وإذا بنور غامر قد عم املكان وأضاءه وإذا بتسابيح وبتمجيدات إلهية يطوف بها أمالك هللا سبحانه وتعالي ومعها جاء الجواب بشرى بغالم تقي صالح نقي لم ُيسمى باسمه
بنت فاقوس أنا أرى الذي في بطني يسجد للذي في بطنك ،وقد حملت مريم عليها أفضل الصالة وأفضل السالم بعد ستة أشهر من حمل الياصابات ،مض ي عليها
المسيح عيسى ابن مريم
أحد من قبل أول من سمي بهذا االسم هو يحيي عليه السالم ألن في رسالته في ً مواعظه في تباشيره حياة القلوب واألرواح والنفوس وأيضا ،هذا الغالم يحيي ً سيبعثه هللا تبارك وتعالي مصدقا بكلمة من هللا أنه عيس ى وقد كان أقل من عيس ى، فقد كان عيس ي أرفع رتبة وال ريب كانت أم يحيي الياصابات تقول ألمها أو ألختها حنا
ستة أشهر وظهر حمل مريم وسيأتي خبرها في حينه إن شاء هللا تبارك وتعالي. نعود إلي مريم في ذات سنة في نفس السنة التي حملت فيها الياصابات جاء موعد عيد الفصح وأهل وجاء الوفود والحجيج من أنحاء البالد ،من سوريا ومن مصر وبابل ومدين وأسيا الوسطي من بلدان متعددة ومن أنحاء فلسطين ،بال شك جاء يسوقون النحائر أمامهم إلي البيت العظيم إلي بيت املقدس وإلي معبد الرب ً إلي بيت هللا تبارك وتعالي وجاءت أم مريم حنا بنت فاقود أيضا مع وفد بلدها مع الناصريين وهناك التقت بنتها وقرة عينها مريم الصغيرة البتول املحررة لبيت هللا تبارك وتعالي واستأذنت في أن تعود معها أيام تقضيها في بلدها في الناصرة وهكذا رجعت وفي هذا األيام أتى إلى خطبتها أحد أبناء عمومتها ،وقيل ابن خالها إنه
12
يوسف بن يعقوب املعروف بالنجار ألنه كان يمتهن النجارة ،وهو من بيت داود عليه السالم شاب وض ئ فقير نعم ،لكنه تقي صالح ماجد ينميه نسبه وعرقه إلي داود عليه السالم ومعروف بصالحه وتقواه ،خطبها وليس أحسن في إسرائيل إذا بلغت الفتاة هذا املبلغ وكانت بنت أحد عشر سنه ثالث عشر ،أختلف في سنها، لكنه في معظم الروايات كانت فوق العاشرة من عمرها من أن تزوج وتستر ،هكذا كانت عاداتهم وهكذا قبلت أمها وقبل أقربائها ولكن كان علي يوسف بن يعقوب
المسيح عيسى ابن مريم
رض ي هللا عنه أن يعد املهر وهو رجل فقير يعمل بالنجارة في بلدة فقيرة ال يعطي ً أهلها إال النذر اليسير ،فكان عليه أن ينتظر كثيرا حتى يجمع املهر ولكي يهيأ بيت الزوجية الذي يسوق ويزف إليه عروسه ،فهكذا عادت مريم عليها السالم إلى متعبدها ،إلى محرابها في بيت املقدس. ً وبين هي ذات ليلة أيضا وفي ابتهاالتها وتمجيدها وتسبيحاتها وقد غمر املكان بتسابيح دخلها خوف أقل من املرة السابقة ألنها أعتدت ذلك وإذا باملالئكة تبشر ال ندري هل كانت بشرة جماعية علي أكثر من لسان ملك أو بلسان ملك واحد وهللا أعلم بحقيقة الحال "يا مريم أن هللا يبشرك بكلمة منه اسمه املسيح عيس ي بن
13
مريم" لقد كانت تقرأ عنه في الكتاب املقدس ،كل اليهود ،كل بني إسرائيل يرددون ً دوما وينتظرون موعد هذا املسيح الذي سيتملك عليهم وينقذهم ويهديهم سواء ً السبيل ويجمع شملهم بعد أن لم يكن ملتئما وهي أيضا كانت تسمع بنبأ هذا املسيح عجيب سيكون ابن ينبت في أحشائي هكذا نادتها املالئكة "يا مريم أن هللا يبشرك بكلمة منه اسمه املسيح عيس ي بن مريم " بشارة إلى أنه منكي ،هل عقلت
وهل عرفت معني اإلشارة إلي غايتها وأنه منكي من غير أب "اسمه املسيح عيس ي بن ً ً مريم وجيها في الدنيا واآلخرة ومن املقربين ويكلم الناس في املهد وكهال ومن الصالحين".
المسيح عيسى ابن مريم
البتول الصغير عقلت اإلشارة أن عيس ي بن مريم إذن هو ابن فأين أبوه ملاذا؟ ً ً ينسب إلي؟ فهمت عليها السالم هذا خطاب مالئكي وموجز جدا إعالن إلهي تمهيدا َ ُ ُ َ َ َ وإظهار وتساءلت "أنى َيكون ِلي َول ٌد َول ْم َي ْم َس ْس ِني َبش ٌر" ..كيف؟ فجاءها الجواب َ ً َ َ َ َ هُ ُْ َ َ ُ َ ُ َ ُ ُ اّلل َيخل ُق َما َيش ُاء ِإذا ق َض ى أ ْمرا ف ِإن َما َيقو ُل ل ُه كن ف َيكون" وهنا وقالوا "كذ ِل ِك ً كان على مريم أن تزداد من العبادة ومن االبتهال واالنقطاع إلي هللا بالكلية ظاهرا ً ً وباطنا وهكذا فعلت حتى نحلت قليال ولكنها رقت وشفت وأصبحت مهيأة وجاء فصل الصيف ،وفي ذات يوم من أيام الصيف الطويلة الحارة القائظة شعرت بالعطش فرفعت أبريقها فإذا به ليس فيه ماء فنزلت من عليتها مسافة غير بعيدة من املعبد العظيم لتملئه وملا مألته وأرادت أن ترجع وقفت تتطلع وتتأمل الجو ً عجيب جدا هدوء وسكينة يخيمان علي املكان ال يسمع حس ،كل ش يء ساكن واجم والجو صائف ولكنه رائق كأن السماء تريد أن ترسل وحيها إلي األرض فأخذت ً تطلع فإذا بشاب وسيم يفيض وجه نور وبشري نظر إليها مبتسما فألتفت مضطربة مخاطبة إياه "أني أعوذ بالرحمن منك أن كنت تقيا" فالتقي ذو نهيا تنهاه تقواه تبارك وتعالي ،أما لم تكن تقيا فهذا يفيد هذا التعوذ ،لكن وجهه يبشر بالخير ،قال لها :لن تراعي قالت له من أنت قال "إنما أنا رسول ربك" جاءت الساعة وجاء املوعد يا مريم ،كلها كانت إرهاصات ،ما مر بنا كان تقديمات
14
وإرهاصات لهذه الساعة املوعودة تلتقي السماء باألرض في لحظة قدسية عجيبة ً جدا ،حيث تنبثق الحياة بغير أسبابها وعلي غير شرائطها املعهودة ،إنها قدرة هللا تعمل ال إله إال هللا جل في عاله تبارك وتعالي. ً ذكيا أني يكون لي غالم ولم يمسسني بشر ولم ُ أك بغيا" كل همها "ألهبك غالم الشرف والطهارة وماذا يقول الناس ماذا يتقول بني إسرائيل وهم أصحاب اإلفك والبهتان ،لكنه أخبرها بأنه قضاء هلل ال راد لقضائه سبحانه وتعالي ،هذا ما قضاه المسيح عيسى ابن مريم
هللا وامتثلت لقضاء هللا بين الفرح الغامر وبين الخوف بما سيقال في حقها" ،ونفخ فيها" قيل نفخ في جيبها ،والجيب ما فتح من أعلي ثوب املرأة الجيب من أعاله وليس الجيب وقيل في كمها ال يهمنا ما كان من ذلك املهم أن جبريل عليه السالم "أتينا إليها روحنا" وهو جبريل روح هللا نفخ في كمها ،في جيبها في هذه الفتحة فنزلت النفخة في رحمها فحملت بعيس ي عليه السالم ال إله إال هللا وال تنسوا أن جبريل عليه السالم حين كان راكب علي فرس ورآه موس ي السامري لعنة هللا علية ،سامري بني إسرائيل وعلم أن في األرض التي وطئها حافر فرس جبريل يكمن سر الحياة أخذ قبضة من أثر رسول هللا تبارك وتعالي ،يعني من أثر فرس الرسول علي سبيل اإليجاز أخذ هذه القبضة وملا جاءوا بالذهب وصهروه وشكلوه علي شكل ثور نبذ ً القبضة في هذا الذهب املسال فإذا به ينقلب عجال له خوار ،عجل من لحم ودم يخور ،وهذا جبريل علية السالم فيه سر الحياة...ش ي عجيب! وال ينزل علي األنبياء
15
والرسل إال بسر الحياة ،سر حياة األرواح.
ملا قيل لعيس ي سيأتيكم مرة ،قال :له أحد الحواريين وهو متي العشار عليه الرضوان وإليه ينسب أحد األناجيل وهو الوحيد من بين أصحاب األناجيل األربعة الذي كان من الحواريين فقط بال خالف وقد كان عشار سيأتيكم نبأه متي العشار قال له إذن لي يا روح هللا أن أذهب ألدفن أمي لقد ماتت ،قال أتبعني ودع األموات يدفنون موتاهم ،أتبعني لتأخذ سر الحياة هؤالء موتي يشتغلون بموتى ،ولذلك من تبعه كان يقول يحيي حياة األبد وال يدخل امللكوت إال من ولد ثانية بدعوته عليه السالم إنها دعوة التوحيد دعوة ال إله إال هللا.
واصفر وجهها ونحل جسمها بدأت األقاويل واإلشاعات تطير بين املتقولين بين األفاقين بين أصحاب الظنون وأصحاب البهتان والكذب وبلغ يوسف النجار بن
المسيح عيسى ابن مريم
نعود إلي قصة مريم ،حملت به عليه الصالة والسالم وبعد أن امتألت بطنها
يعقوب وساءه ذلك وقاطعه الناس ،وجعلوا ينظرون إليه بالظنون واالحتقار ألنه ً ً قطف الثمرة قبل أوانها وهو الرجل برئ الثوب لم يأت شيئا ،لم يأت فجورا ولم يأت جرم وال جريرة لكن الناس أفاقون ،وسمع هذا الكالم فنزل إلي بيت املقدس ووجد مريم علي ما ُوصف له حامل ،سألها يا مريم لقد سمعت الناس يتقولون، ً قالت له قول قوال جميال أنت تعرفني وتعرف بيتي وأهلي ،قال أنا ال أقول إال الجميل ولكن يا مريم أينبت فرع بغير مطر؟ قالت :نعم ،قال يا مريم أتخرج شجرة بغير غيث؟ قالت :نعم ،قال يا مريم أيكون ولد من غير ذكر؟ قالت :نعم ،كيف يا ً مريم؟ قالت له يا يوسف يا ابن يعقوب من الذي خلق الشجر أوال ،أليس هللا وقد خلقه من غير بذر ومن الشجر كان البذر ومن البذر يكون الشجر الذي خلق
16
الشجر أول مرة لم يخلقه من بذر ،خلقه هكذا كن فيكون ثم أنزل الغيث ومن هذا الغيث جعل الغيث بقدرته شجرة ،قال :اللهم فبلى ،قالت له يا يوسف بن يعقوب :من الذي خلق أدم بال ذكر أليس هللا؟ قال :اللهم فبلى ،وقد كان يوسف تقي نقي يقرأ التوراة ويعلم بوعد هللا تبارك وتعالي أنه سبحانه وتعالي سيرسل في بني إسرائيل في أخر أزمانهم مسيح يقيم من بين أظهرهم ،فلما بدأ يسترسل في أفكاره قطعت عليه حبل أفكاره وقالت له :فأعلم يا يوسف بن يعقوب أن هللا
المسيح عيسى ابن مريم
بشرني باملسيح عيس ي بن مريم ،أنا مريم وهو عيس ي ابني وهو املسيح ،ومن هنا تكون البداية األكثر حراجة لنا إن شاء هللا صلة وتكملة في خطب آتيه ..أقول قولي هذا وأستغفر هللا لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد هلل الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفر السيئات ويعلم ما تفعلون ويستجيب للذين أمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم
17
عذاب شديد وأشهد أال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن سيدنا محمد عبده ً ً ورسوله صلى هللا تعالى عليه وعلى أهله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا. ً اللهم ال تدع لنا في هذا اليوم الكريم ،في هذا املقام الكريم ذنبا إال غفرته ،وال ً ً ً ً ً هما إال فرجته وال كربا إال نفثته وال ميتا إال رحمته وال مريضا إال شفيته وال غائبا ً ً إال رددته وال أسيرا إال أطلقته وال مدينا إال قضيت عنه دينه ،اللهم إنا نسألك
ونضرع إليك ونبتهل أن تنصر اإلسالم وتعز اإلسالم وتعز املسلمين ،اللهم انصر بعزتك وبقوتك اإلسالم واملسلمين وأعلي بفضلك كلمتي الحق والدين ،اللهم انصر من نصر املسلمين اللهم أخذل من خذل املسلمين ،اللهم عليك بأعدائنا أعداءك ً ً ً أعداء الدين أحصهم عددا وأقتلهم بددا وال تبقي منهم أحدا ،اللهم أدر عليهم دائرة السوء فأنهم ال يعجزونك ،اللهم أرنا فيهم تعاجيب قدرتك وآيات انتقامك وعزائم بأسك الشديد الذي ال يرد عن القوم املجرمين ،اللهم عليك باليهود الصهاينة املجرمين الواغلين فأنهم قد أفسدوا في البالد ،فأنهم قد طغوا في البالد فأكثروا فيها
قوي يا عزيز يا جبار يا قهار ،اللهم عليك باألمريكان املجرمين الوالغين في دماء ً املسلمين وفي بالدهم ،اللهم دمرهم تدميرا ،اللهم أرنا فيهم آيات قدرتك ،اللهم انزل
المسيح عيسى ابن مريم
الفساد اللهم صب عليهم من عندك ومن لدنك صوت عذاب وكن لهم باملرصاد، ً ً اللهم دمرهم تدميرا ،اللهم أرنا فيهم يوم أسود يكون عليهم قريبا بقدرتك وعزتك يا
عليك بأسك الشديد الذي ال يرد عن القوم املجرمين.
اللهم أيد عبادك املسلمين وعبادك املجاهدين في كل مكان اللهم أيدهم علي أعداءهم أعداءك أعداء الدين بقوتك يا عزيز يا متين ،اللهم نسألك أن تجعل ً تجمعنا هذا تجمع مرحوما وتفرقنا من بعده تفرق معصوما ،اللهم ال تجعل فينا ً ً ً شقيا وال ومطرودا وال محروما برحمتك يا أرحم الراحمين نعوذ باهلل أن نقول زور ً أن نغش ى فجورا ،اللهم أغفر لنا ولوالدينا وأرحمهم كما ربونا صغار أجزهم ً ً ً باإلحسان إحسانا وباإلساءة عفوا وغفرانا واغفر اللهم للمسلمين واملسلمات
18
املؤمنين واملؤمنات األحياء منهم واألموات بفضلك أنك سميع قريب مجيب الدعوات إلهنا وموالنا رب العاملين.
عباد هللا أن هللا يأمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء واملنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ،اذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه علي نعمه يزيد كم واسألوه من أفضاله يعطيكم. المسيح عيسى ابن مريم
19
***************************************
ميالد عيىس عليه السالم إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده هللا فال مضل له ومن يضلل فال هادى له وأشهد أال إله َ ُ وأشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا محمدا عبد هللا إال هللا وحده ال شريك له ورسوله وصفوته من خلقه وأمينه على وحيه ونجيبه من عباده ،صلى هللا عليه
عباد هللا أوصيكم ونفس ي الخاطئة بتقوى هللا العظيم ولزوم طاعته ،كما
المسيح عيسى ابن مريم
وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته املباركين املجاهدين وأتباعهم بإحسان إلى ً ً يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
أحذركم وأحذر نفس ي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله سبحانه وتعالى" :من عمل ً صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظالم للعبيد".
ثم أما بعد ،أيها اإلخوة املسلمون األحباب ،أيتها األخوات املسلمات الفاضالت يقول هللا سبحانه وتعالى في كتابة العزيز بعد أن أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم، بسم هللا الرحمن الرحيم 20
المسيح عيسى ابن مريم
َ َ ُْ ْ ْ َ َ ً َ ً َ َ َ ْ َ َ ْ اب َم ْرَي َم ِإ ِذ انت َبذت ِم ْن أ ْه ِل َها َمكانا ش ْر ِق هيا 96فاتخذت ِمن ُد ِون ِه ْم ت "واذكر ِفي ال ِك ِ َ َ ً َ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ً َ ه ً ْ َ َ 93ه ُ ُ وذ بالر ْح َمن منكَ ِ ِحجابا فأرسلنا ِإليها روحنا فتمثل لها بشرا س ِويا قالت ِإ ِني أع ِ َ َُ ُ ُ َ َ ه ً ُ ُ َ َ َ َ َ َ 93ل َ ه َ َ َ َ ُ ً َ ه ً ْ َ َ 91 ن ِإن كنت ت ِقيا قال ِإنما أنا رسو رِب ِك ألهب ل ِك غالما ز ِكيا قالت أنى يكو ِلي َ َ َ ُغ ٌ ال َك َذ ِل ِك َق َ الم َو َل ْم َي ْم َس ْسني َب َش ٌر َو َل ْم َأ ُك َب ِغ هي ًاَ 22ق َ ال َرُّب ِك ُه َو َعلي َه ِهي ٌن َو ِلن ْج َعل ُه ِ َ َ ْ َ ً ه َ َ َ َ ْ ً ْ ه ً َ ً َ َ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ َ َ َ 29 ًَ انا قص هي ًا22 اس ورحمة ِمنا وكان أمرا مق ِضيا فحملته فانتبذت ِب ِه مك لن ل ة آي ِ ِ ِ ُّ َ ْ َ َ َ َ ُ ُ َ ْ ً َ َ َ َ َْ َ ُ َ ْ َْ َ َ ْ َ ََْ يا منس هي ًا28 س ن نت ك و ا ذ ه ل ب ق ت م ي ن ت ي ل ا ي ت ال ق ة ل خ الن ع ذ ِ ِ ِ ِ فأجاءها املخاض ِإَلى ِج ِ َْ َ َ ً ْ َ َ ََ َ َ فن َاد َاها ِمن ت ْح ِت َها أال ت ْح َزِني ق ْد َج َع َل َرُّب ِك ت ْحت ِك َس ِرهياَ 23و ُه هِزي ِإل ْي ِك ِب ِجذ ِع النخل ِة ْ َ َ ْ َ َ ً ُ َ ً ً َُ ً َ َ ْ ت َسا ِقط َعل ْي ِك ُرطبا َج ِن هيا 23فك ِلي َواش َرِبي َوق هِري َع ْينا ف ِإما ت َرِين ِم َن ال َبش ِر أ َحدا َ ُ َ ُ ً َََ ْ َ ْ َ َْ ً َُ ه ََْ ُ ما َف َل ْن ُأ َك هل َم ْال َي ْو َ نس هيا 26فأتت ِب ِه ق ْو َم َها ت ْح ِمل ُه قالوا إ م و ص ن م ح لر ل ت ذ ن ي ن إ ي ول ق ر ِ ِ ف ِ ِِ ِ ِ ِ َ َ َ ْ ُ َ َ ْ َ ُ َ َ ْ ْ َ ْ ً َ ه ً َ َ َ َ ُ َ َ ْ ُ َ 23 ان َأ ُ وك ْام َرأ َس ْو ٍء َو َما كانت أ ُّم ِك ب يا مريم لقد ِجئ ِت شيئا ف ِريا يا أخت هارون ما ك ِ َ َ ه ً َ ُ َ ْ َ ُ َ ْ َ ْ َ َ َ َ 23ه ُ َ َ َ صب هي ًاَ 21ق َ ه َ ْ ُ ان في ْاملَ ْهد َ اّلل آتا ِن َي ال ِإ ِني عبد ِ ِ ب ِغيا فأشارت ِإلي ِه قالوا كيف نك ِلم من ك ِ ِ َ ُ ْ َ َ َ َ َ َ َ ه ً ُ ُ َ َ ْ َ ً َ َ ُ َ َ َ َ 82 نت َو َأ ْو َ الة َوالزك ِاة َما ُد ْمت الص ب ي ن ا ص ال ِكتاب وجعل ِني ن ِبيا وجعل ِني مباركا أين ما ك ِ ِ ِ َ ُ الم َع َلي َي ْو َم ُول ُّ َح هي ًاَ 89و َب هرًا ب َوال َدتي َو َل ْم َي ْج َع ْلني َجبارًا َشق هي ًاَ 82والس ُ دت َو َي ْو َم أ ُموت ِ ِ ِ ِ ِ ِ َ َ ْ َ ُ ْ َ ُ َ ه ً ْ َ ْ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ َ 88 َ َُْ َ ه َ 83 ويوم أبعث حيا ذ ِلك ِعيس ى ابن مريم قول الح ِق ال ِذي ِف ِيه يمترون " صدق هللا العظيم ،وبلغ رسوله الكريم ونحن على ذالكم من الشاهدين ،اللهم اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط ،أمين اللهم أمين.
21
وقفنا في الخطبة السابقة عند نبأ حمل البتول مريم عليها الصالة وأفضل َ السالم وما كان من تــقول الناس و تزيد عليها ما شاءوا من الكذب وبهتان ،وما كان من دفاع نبي هللا زكريا عليه الصالة وأفضل السالم عنها وعن جنبها الطهور من غير
جدوى ،وما كان من محاورتها خطيبها وابن عمها أو ابن خالها يوسف ابن يعقوب النجار عليه السالم ،ثم ما كان من تصديق هذا الرجل الصالح لها وما هتف به مناما من أن هللا تبارك وتعالى جعله كافال ً وحارسا لنبي هللا وروحه وكلمته علية الصالة وأفضل السالم وقفنا عند هذا الحد.
بعد ذلك وبعد أن ظهر حملها ونفق بطنها عليها الصالة وأفضل السالم يحكى
حكم الرومان وتحت أمرتهم ،أمر أغسطس قيصر باكتتاب جميع املسكونة بما فيها بالد الشام فانحدر الرجل الصالح يوسف النجار مع مريم عليها الصالة
المسيح عيسى ابن مريم
أن أغسطس قيصر -القيصر الروماني -وكانت بالد الشام بما فيها فلسطين تحت حكم الوالة الرومان ليسوا من الرومان لكنهم كانوا عماال وأمراء وملوكا يعملون في
والسالم وهى حامل من بيت املقدس -أورشليم -إلى يهودا وهى بلد داود علية الصالة وأفضل السالم والتي تعرف ببيت لحم ،فإذا قرأتم يهودا فهي بيت لحم– فانحدر إلى يهودا وهي ال تبعد عن بيت املقدس إال بضعه كيالت -أي كيلو مترات- وهناك جاءها املخاض من مقدمات وأعراض الوالدة فألجئها إلى جذع نخلة لكي َْ َ َ َ َ َْ َ ُ َ ْ تستند إليها وتتكئ عليها ساعة الوالدة " فأجاءها املخاض ِإلى ِجذ ِع النخل ِة" ،وحين أيقنت أنه ستضع حملها الذي بشرت به وأنه املسيح كلمه هللا وروحه تذكرت ما َ َ سيكون من شأنها ومن شأن الناس معها فقالت تدعوا على نفسها " َيا ل ْيت ِني ِم ُّت ً َْ َ َ َُ ُ َ ْ ً ً استحياء من الناس نس هيا" تتمنى ذلك وتدعو به على نفسها قب َل هذا وكنت نسيا م ِ ومخافة املعرة والالئمة وهى من بيت نبوة.
22
ً ُّ َ ْ َ َ َ ُ ُ َ ْ ً َ ََْ نس هيا" إال أن هللا تبارك وتعالى قدر "يا ليت ِني ِمت قب َل هذا وكنت نسيا م ِ ووضعت نبي هللا وضعت رسول هللا صبيا ،ذكيا ،مباركا أينما كان ،عيس ى بن مريم عليهم الصالة وأفضل التسليمات ،وبعد أن وضعته ناداها من تحتها ألنها وضعته َ َ َ ََ بين رجليها " فن َاد َاها ِمن ت ْح ِت َها أال ت ْح َزِني" أنه عيس ى -وهذا الذي استظهره أبو حيان في بحره وهى رواية عن مجاهد بن جبر وعن سعيد بن جبير وعن غيرهم رضوان هللا عنهم أجمعين.
المسيح عيسى ابن مريم
َْ َ ْ ناداها عيس ى ،وقيل ناداها جبريل وكان قريبا " َو ُه هِزي ِإل ْي ِك ِب ِجذ ِع النخل ِة ْ َ َ ً ُ ت َسا ِقط َعل ْي ِك ُرطبا َج ِن هيا" أي حركيها إزاءك أي قبالتك ،إلى جهتك ،هزيها ،والجني هو الذي جنى من قريب وهو أحسن وأطيب وأهنأ من الذي جمع من بعيد ،جنى ْ ُ من وقت قريب قد يكون من ساعة أو أقل من ساعة ،هذا معنى الجني" ..ت َسا ِقط َ َ ً َعل ْي ِك ُرطبا َج ِن هيا" " وهذه آية من آيات هللا تبارك وتعالى -كيف تستطيع امرأة ولدت ووضعت لتوها ولساعتها أن تهز جزع نخله وال يستطيع ربما عشرة من الرجال األقوياء أن يهزوها ،أنه من بابا التسبب وهذه إشارة إلى أن التسبب في تحصيل املعاش وكسب األرزاق مطلوب في الجملة. ْ َ َ َ ً َْ ُ ْ َُ ْ " َو ُه هِزي ِإل ْي ِك ِب ِجذ ِع النخل ِة ت َسا ِقط َعل ْي ِك ُرطبا َج ِن هيا فك ِلي َواش َرِبي" قالوا ما ش يء أحسن ملن وضعت من التمر أو من الرطب ،وال للمريض من العسل وهذه آية قرآنية ،ولهذا يقولون الرطب خرطة النفساء أي خير مطعومها ،فكلى من الرطب
23
الجني واشربي من املاء الذي يجرى في السري – والسري هو الجدول الصغير أجراه هللا بقدرته– وقيل كان يجرى من قبل سمي سرى الن املاء يسرى فيه ،فكلى من
الرطب الجني واشربي من هذا املاء النهي وقرى عينا بهذا الوليد املبارك الذكي ،أنه روح هللا وكلمته عيس ى علية وعلى نبينا الصلوات والتسليمات.
وبعد ذلك كان عليها على حسب شريعة موس ى -حسب الناموس كما يقولوا أهل الكتاب -أن تنتظر أربعين يوما ال تنتقل من املكان ،وكان قريب منها بجوار النخلة مزود للرعاة -أي معلف لدواب الرعاة -وكان هؤالء الرعاة يرعون شياههم أو ما كانوا يرعونه في مكان قريب فسارت إليه ،وفى الكنيسة التي بنيت على موضع
في بالط الكنيسة -مكان في األرض مكور قيل هو موضع النخلة التي ولدت تحتها
المسيح عيسى ابن مريم
السيد املسيح علية الصالة وأفضل السالم وهى كنيسة بيت لحم موجودة اآلن ً فعال هي مبنية على موضع والدته ،هذا معروف تاريخيا هناك مكان كور في البالط- مريم عيس ى عليهم الصالة وأفضل السالم ،نفس املوضع كانت هنا النخلة ولكن ال ذكر لها في األناجيل -ال ذكر للسري في األناجيل -هذا مما انفرد القرآن العظيم بذكره وإلى جانب أيضا املدينة واد عميق يقال له واد الرعاة إلى اآلن ..هذه آثار تاريخية مما أبقى هللا تبارك وتعالى. ً بعد أن انقضت األربعون يوما حسب قوانين وشريعة موس ى انحدر يوسف النجار مع مريم وعلى يدها الكليم الذي كلم الناس في املهد وكلم أمه من تحت الشجرة ونطق ببراءتها وقال لها علية الصالة وأفضل السالم فإما ترين من البشر ً ً ً ً ً أحدا كائنا من كان عاقال أو سفيها ،كبيرا أو صغيرا ،متدينا صالحا ،أو رجال طالحا
24
فقولي أني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا...ملاذا؟ مجافاة أن تقع في ً جدال مع السفهاء..ملاذا؟ ألن هلل أمرا وسيظهر هللا في الحين الذي يريد براءتها عليها أفضل الصالة والسالم بطريقة هي أيضا ال تعلمها ،وهكذا انحدر ثالثتهم إلى بلدة الناصرة إلى بلدهم األصلية ،وفى الطريق نزلوا إلى بئر واستسقوا منها فسميت بئر مريم وأصبحت كالبئر املقدسة ،ثم بعد ذلك كلما استظلوا بشجرة صارت األجيال تأمها بعد ذلك من أهل هذا الدين ،وهذه امللة يأمون هذه الشجرة التي استظل تحتها يوسف النجار ومريم وعيس ى حين كان صيبا ،وكان قد ولد أليام لم يكمل المسيح عيسى ابن مريم
شهرين حتى بلغوا مدينة الناصرة وساروا في شوارعها وأزقتها الضيقة فجعل بعض الناس ينقلبون عنهم كشحا ،وبعضهم يزور نظرهم وبعضهم يبدي لهم االستياء و والزراية ألن الذي تحمله في حجرها أو على يديها ناطق بفجورها وفاحشتها كما ً ً زعموا والعياذ باهلل مما زعموا ،لكنها لم تطلق خزيا وال عارا هي تعلم الخير والكرامة التي أراد هللا لها والبنها عليها أفضل الصالة والسالم حتى بلغت باب الدار فخرجت أمها حنة وقد كللها الخزي والعار مطرقة برأسها ال تستطيع أن تتكلم وأنت من بيت نبوة يا مريم؟؟! ولسان حالها يقول ملاذا فعلت بنا هذا ِ
ثم خف إليها جمع من قرابتها ومن ذوي قرابتها وأخذوا يعنفونها مبرئين أنفسهم من إثمها مترفعين عن عارها وعن خطيئتها وهكذا يلقى إليها هذا بكلمة وهذا بسبة ويصفها هذا بكلمة عار إلى أن أشارت إليه ،أشارت إلى عيس ى أن كلموه ،فأنفجر 25
أحدهم غاضبا وقال إن استهزائها بنا أشد علينا من فجورها ،وهنا يفعل هللا تبارك وتعالى فعله ويظهر آيات اقتداره ال اله إال هو وإذا بهذا الصبي الرضيع وقد قالوا
كيف نكلم من كان في املهد صبيا ،وإذا بهذا الصبي الذي في املهد وفى بعض الروايات كان يرضع من تحت املالءة يترك الرضاعة ويتكأ على يساره ويشير
العظيم ففوضه وأنابه أن يسلم سالم هللا من نفسه ،ولذلك قال طائفة من املفسرين سالم عيس ى أجل وأكرم من سالم هللا على يحيى لهذا االعتبار.
المسيح عيسى ابن مريم
بسبابته -طفل رضيع لم يكمل شهرين وينطق -وقد جعل وجهه إلى وجوه الناس الذين يرمون أمه بالبهتان والفاحشة والفجور ،قال" :إ هني َع ْب ُد اّلل َآتان َي ْالك َت َ اب ِ ِ ِ ِِ َ َ َ َ َ ه ً ُ ُ َ َ ْ َ ً َ َ ُ َ َ َ َ 82 صاني بالصالة َوالز َكاة َما ُد ْم ُت َ نت َو َأ ْو َ ح هي ًا89 وجعل ِني ن ِبيا وجعل ِني مباركا أين ما ك ِ ِ ِ ِ َ ْ ً َ ً ً َو َب هرا ِب َو ِال َد ِتي َول ْم َي ْج َعل ِني َجبارا ش ِق هيا "82وقد كان هللا تبارك وتعالى سلم على من سبقه على يحيى بن زكريا عليهما الصلوات والتسليمات وقد سبقه بستة أشهر َ ُ الم َع َلي َي ْو َم ُول ُّ فهو أسن وأكبر منه بستة اشهر قال " َوالس ُ دت َو َي ْو َم أ ُموت َو َي ْو َم ِ ُ ُ ً أ ْب َعث َح هيا" وهنا أراد هللا تبارك وتعالى أن يقيم عيس ى هذا املقام الجليل الكريم
قال" :السالم علي" واألحسن أن يقال إن األلف والالم للسالم للجنس ،ألن في ً ذلك تعريضا بيهود ،إذا كان جنس السالم على عيس ى فعكس السالم على من؟! على من بهتوا أمه وهذا كما قلت لكم أن األجود أن يقال إن األلف والالم للجنس جنس السالم على عيس ى وضده على اليهود لعنه هللا عليهم إلى يوم القيامة الذين بهتوا أمه ورموها بأثقل الفواحش ثم بهتوا عيس ى وتألبوا عليه كما تعلمون وأرادوا قتلة وبئس ما صنعوا وبئس ما أتمروا! 26
ولكم أن تتصورا وتتصورن ماذا أحدث قيله هذا في حاضري هذا املشهد لقد طفرت الدموع من املآقي على غير ما إرادة وانعقدت األلسن مدهشا وحبست األنفاس رهبة وروعة املفاجأة ،صبى لم يكمل شهرين ينطق بهذه الكلمات ويتحدث ً عن نبوءته ،وأنه أوتى الحكمة والكتاب ..ش يء عجيب جدا وهنا انجابت سحابة الحزن والهم والغم عن صدر حنة الصالحة الطاهرة املتعبدة وانزاح الفرح والسرور والبشر من قلبها على وجهها وأخذت تقبل ابنتها وتعانقها ،وتهنئها بنبي هللا بعيس ى بن مريم املسيح املوعود ،املنتظر ،الذي ينتظره بنى إسرائيل لكنهم لم المسيح عيسى ابن مريم
يؤمنوا به وبهتوا أمه عليها السالم.
وجدير بالذكر أن واقعه نطق عيس ى عليه السالم في املهد مبرأ أمه البتول الطهور هي أيضا من ما انفرد به كتاب هللا العظيم القرآن الكريم ولم تذكرها األناجيل ،لكن هللا ذكرها الذي كان حاضرا ال يغيب وال ندرى ما الذي حملهم على نكرانها أو كيف لم تصلهم وقد صرح بها كتابنا العزيز وهى آية من أعجب وأكرم آيات هللا تبارك وتعالى وفيها شهادة ملريم بالبراءة الكاملة ،هذا ما كان من نبأه.
وفى ذلك الزمان أيام ميالد روح عيس ى علية الصالة وأفضل السالم كانت كل فلسطين تحت حكم حاكم جبار عنيد متغطرس طاغية من الطغاة معروف 27
بالفظاظة والغلظة ال يعرف للرحمة معنى رجل شهوات ،زير نساء تزوج عشرة نساء جمع بين تسعه منهم في عصمته وقت واحد مع ما كان يتعاطاه من الفواحش
واالنحراف ،فقد كان معروف بالشذوذ الجنس ي والعياذ باهلل ،قتل الكثير من زوى قراباته ،قتل زوجته وكانت أحب زوجاته إليه ألن أخته أقنعته أنها تأتمر به لتدس له السم فقتلها ثم ندم ندامة حتى زايله عقله فترة -جن -وجعل يرتاد الصحارى فهو منقطع عن العمران حتى عاد إلية عقلة بعد حين فقتل ابنيه منها أيضا ،قتل ً ثالثة من أوالده والكثيرين من ذوى قرابته وكان يحرق الناس حرقا والعياذ باهلل تبارك وتعالى إنه الطاغية الكبير "هيرودوس الكبير".
ومكر ودهاء بالغين بمعاونه قياصرة الرومان استطاع أن يتسلم ذروة الحكم إلى أن يصل إلى سدة الحكم وصار حاكما على فلسطين أأتمر به الكثير من الحكام
المسيح عيسى ابن مريم
كان حفيدا لرجل خادم في هيكل-معبد -عسقالن لكنه بحيلة كحيلة الثعالب
والوالة ،لكنه دائما كان يخرج كما تستل الشعرة من العجين حتى أن أغسطس قيصر قال إن هذا امللك روحة أكبر مما يملك وددت أني لو ملكته الشام كلها ومصر أيضا..رجل داهية ،رجل طاغية ،وقد سمع هذا الطاغية الكبير من أحد الناس أن مولودا سيولد لبنى إسرائيل وهو املسيح املنتظر وسيكون ملكا على اليهود فجن جنونه وهو الطاغية الذي استبد بالحكم وقتل أبنائه وقراباته من أجل الكرس ي -من أجل الحكم -كيف سيحكم إسرائيلي وهرودوس لم يكن إسرائيليا ،هو ليس من بنى إسرائيل ولذلك أول ما اخذ الحكم جاءه اليهود ثائرين واخبروه أنهم ال يرضون بتمليكه عليهم ألنه في الناموس مكتوب ال يملك إسرائيل إال من كان إسرائيليا فقتل منهم ما شاء فسكتوا خشيته ومهابته ،ثم أراد أن يسترضيهم فبنى لهم املعبد الذي دمره نبوخذ نصر ،بناه سنه 22قبل ميالد املسيح
28
لكنه رفع على بابه في مدخلة النسر الروماني املصنوع من الذهب رمز الوثنية وكان ً اليهود يعتبرون هذا كفرا لكنهم ال يستطيعون أن ينكروا على هذا الظالم الكبير النسر رمز الوثنية على باب الهيكل ،في مقدمة الهيكل بناه لهم ،هذا الهيكل الذي دمر بعد ذلك في التدمير الثاني.
بعث للكهنة وأصحاب النجوم وسألهم عن نبوءة هذا الوليد العجيب وأين سيولد ومتى فأخبروه أن هذه أيام والدته وأن موضع والدته بيهودية أي ببيت لحم، المسيح عيسى ابن مريم
فأرسل جماعة من أقس ى جنوده إلى بيت لحم إلى اليهودية فأعملوا السيف بعد أن انقضوا على األطفال الصغار ،الولدان ،الصبيان ،الرضع انقضاض الكواسر على الدجاج على فرائسها وأعملوا فيهم السيوف تذبيحا كما تذبح الشاه والدجاج ،لم يتركوا بيتا إال طعنوه بالسويداء وغرقت املدينة املنكوبة في ليلة حالكة السواء في الدماء البريئة وهذه في امللحمة أو املذبحة التي تعرف بمذبحة األبرياء ،لكن هل قتلوا عيس ى علية الصالة وأفضل السالم ،عيس ى كان في الناصرة حيث أنه وصل في هذه الليلة -هتف هاتف ليوسف النجار عليه السالم والرضوان أن أذهب بمريم ً وابنها إلى مصر فإن الطاغية يريد أن يقتله فأيقظها ليال وقال لها هيا يا مريم إلى مصر بهذا أمرت وارتحل ثالثتهم إلى مصر هابطين على حمار في أمان هللا وسالمه سبحانه وتعالى ،وهكذا كانوا بمصر ما شاء هللا لهم.
29
َ َ َْ َ ْ َ َ َْ َ َ ُ ُ َ ً َ َ ْ َ ُ َ َ َْ َ َ َ ات ق َر ٍار يقول هللا تبارك وتعالى "وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما ِإلى ربو ٍة ذ ِ َو َم ِع ٍين" روى اإلمام ابن منذر عن ابن وهب وغيره واإلمام ابن جرير وغيره عن ابن زيد قال رحمة هللا عليهم :ربوة ذات قرار ومعين هي مصر ،وكل قرى مصر كما يقولون على ُرَبى ألن النيل في فيضانه وعمومه يأتي على ما دونه فإن لم تكن على ُرَبى لغرقت ،قالوا هي مصر وهذه الرواية غير موجود بأي من األناجيل األربعة أن هللا آواهم إلى مصر ،لكنها موجودة في إنجيل صبوة كما ذكر اإلمام العالمة شهاب الدين القرافي رحمه هللا عليه ،ويؤمن بها الكثير من النصارى على الرغم من أنها
وهكذا عاش ثالثتهم في مصر في أمان وكبر عيس ى قليال علية الصالة وأفضل
المسيح عيسى ابن مريم
غير موجودة في األناجيل املشهورة واملألوفة.
التسليم ،ودخل ذات يوم على أمه فإذا بها مهمومة محزونة ،فسألها عما بها، فقالت :لقد سرق كنز أو مال صاحب البيت ،هم يسكنون باألجرة في دار معينة ينزلها كثير من النزالء وخشيت البتول أن تتهم هي أو ابنها أو خطيبها ،فقال يا أماه- ً وكان صغيرا -أتريدين أن أدله علي من سرقه منه؟ قالت نعم يا بنى أني أحب ذلك، قال لها :قولي له يجمع أهل الدار وكل النزالء وسأدله فجمع صاحب الدار كل ً ً النزالء في داره حتى إذا انتظموا جميعا وقوفا وجلوسا قام عيس ى وتخير رجلين ً أعمى ومقعدا -رجل أعمى وآخر مقعد -وقال لهما دلونا كيف سرقتم املال؟ قالوا نحن!! كيف؟!! قال املقعد :أنا مقعد ،وقال األعمى أنا أعمى ،التهمة بعيدة جدا عن هذين الرجلين ،فجاء عيس ى علية السالم وقال لألعمى أحمل هذا املقعد قال ال أستطيع أني اضعف من ذلك ،قال فكيف قويت عليه أمس ،فعلم أن هذا
30
الطفل طفل غير اعتيادي ،طفل ملهم ،مكاشف ،فسكت فلما رأى صاحب الدار والناس ما سمعتهم أرغموهم على أن يفعال ما طلب عيس ى وأخذوا املقعد وحملوه لألعمى فأستقل األعمى واقفا ،فلما استقل به واقفا فإذا به يطال مباشرة قوة الكنز -يستطيع أن يأخذ املال– وهكذا ظهرت الحقيقة وعاد املال إلى صاحبه فأخذ الرجل شطر ماله وأعطاه ملريم ،قالت ما كنت آلخذة ،فقال إذن أعطيه ً البنك الصغير ،قالت هو أعظم مني شأنا عليه السالم ،وهى تعلم أنه أعظم منها شأنا هو نبي هللا ،هو كلمة هللا ،هو روح هللا خلقها هللا خلقا عجيبا ...هذا ما كان المسيح عيسى ابن مريم
منهم في مصر.
في األيام األولى مليالد عيس ى أو في األشهر األولى مليالد عيس ى مات هيرودوس، بعض الكتاب يكتبون أنه مات بعدما كبر عيس ى وهذا خطأ بإجماع املؤرخين ،في األيام األولى لكن يبدو وإن صحت قصة الربوة -قصة مصر -إن هللا تبارك وتعالى لم يلهم ولم يخبر يوسف النجار مناما بهذا الحدث ..كيف مات هيرودوس املجرم هذا؟ لقد مرض وبرحت به األوجاع واأللم ،سرت فيه أمراض كثيرة في سائر أنحاء جسمه حتى صار شماتة للشامتين وشاع في الناس وخاصة في بنى إسرائيل أن هيرودوس مات ففرحوا فرحا شديدا وأمر اثنين من معلميه -من أحبار املعبد الكبير في بيت املقدس -التالميذ أن ينزلوا النسر الروماني فتحرك الناس وعلم ً هيرودوس بذلك فأراد أن يلقنهم درسا ال ينس ى فأمر بأربعين من هؤالء التالميذ
31
وأحرقهم أحياء وهكذا كانوا بنوا إسرائيل دائما في عذاب هللا ونقمة ،وهم يستحقون ملا سترون من معامالتهم لعيس ى وكيف وقفوا في طريق دعوته ،هم
يستحقون كل ما حل وما يحل وما سيحل بهم من عذاب هللا ونقمة وألوان سخطه وغضبه.
أحرق أربعين منهم فعلموا أنه لم يمت كما أشيع عنه ،ثم أنه بعد ذلك الرجل الخبيث الفظ قال في نفسه إن أنا مت ليفرحن اليهود بموتى وسيكون يوم موتى يوم فرح وحبور وسرور ولن أعطيهم ذلك ،فبعث إلى أربعين من كبار مشائخهم وشيوخ األسرات وقال وافوني في قصري بأريحا ،فلما وافوه بقصره بأريحا غلق
والعياذ باهلل تبارك وتعالى.
المسيح عيسى ابن مريم
األبواب من خلفهم ،ثم قال ألخته سالومي إن أنا مت فاقطعي رؤوسهم جميعا حتى يكون يوم موتى يوم عويل ونحيب وحزن ال يوم فرح وسرور...طاغية مجرم كبير
ثم سمع أن ابن انتيباس الذي سيحكم بعده يأتمر بقتله فأمر بوضعه في السجن أيضا ،ثم أمر في أخر لحظاته وهو يلفظ أخر أنفاسه أن يقتل ابنه انتيباس حتى ال يفرح بامللك من بعده ألنه خطر في باله أو أخطر نفسه أنه سيفرح ً بموته ليكون ملكا من بعده فقتله ،ولكن لم يجد أحدا يلبى هذا األمر كيف نقتل من سيصير الحكم إلية بعد ساعة ،سنقتل جميعا عن أخرنا فلم يفعلوا وهلك الطاغية ،يقول املؤرخون قال عنه أعداؤه-هلك عن 61عاما -أنه تسلل إلى امللك تسلل الثعالب فلما وصل للحكم حكم ُحكم النمور ومات ميتة الكالب ..هذا ملخص حياته.
32
مات هذا الطاغية ،فلما مات قفز إلى الحكم ابنة أرخيلوس وليس انتيباس وكان لدية أبناء كثيرون لكن أقواهم وأنجبهم على امللك ثالثة وأما أبناؤه فأربعون ابنا ذكرا وأقواهم ثالثة فيليب وأرخيلوس وانتيباس ،قفز أرخيلوس على الحكم وثار اليهود في كل مكان ،ثارت األردن وثارت الجليل وثارت اليهودية -بيت لحم -وكانت الثورة املعروفة في بنى إسرائيل بثورة الجليليين تحت إمرة القائد الجليلي ياهوذا، المسيح عيسى ابن مريم
ثاروا في كل مكان وما كان من أرخيلوس إال أن استعطفهم وأن استرضاهم وأخبرهم ً أنه لم يقتل األربعين الذين أمر أبوه أن يقتلوا في حين أن قتل هو وذلك ليس حبا فيهم وإنما تجنب لفتنة قد ذر قرنها ،لكنهم لم يرعوه ولم يستمعوا إلية وبقيت الثورة فجاء فرسانه إلى املعبد الكبير في بيت املقدس وقتلوا ثالثمائة من ه الربان ه والعبـاد في ساعة واحدة إال أن الثورة ظلت تحصد األخضر واليابس حتى اضطر القيصر نفسه إلى أن يأمر جنوده وحاميته في سوريا وفي بالد الشام أن يسيروا إلى فلسطين للقضاء على هذه الثورة ،وفعال جاء الجنود العرب والجنود الجيرمان بقيادة رومانية واعملوا السيف في الصغار والكبار والذكور واإلناث وأحرقوا ً البيوت واملعابد ودمروا كل ما أتت علية أيديهم وتركوا األخضر يابسا.
عف الدمار وسكنت الثورة وما كان من أهل فلسطين واليهود إال أن بعثوا جماعه من كبار مشايخهم إلى أغسطس قيصر في روما يطلبون منه أن يأمر عليهم 33
ملكا لكي يسود األمن والهدوء من جديد ،فوافق وجعل فلسطين ثالث واليات ملك ً عليها ثالث أبناء هيرودوس األكبر ألنه لن يجد عبيدا أمناء كأبناء هيرودوس
ً سيكونوا كأبيهم تماما وهكذا ملك أبناؤه الثالثة فلسطين كلها بعد أن قسمت إلى ثالث واليات. وألن نبأ عيس ى علية السالم يتقاطع دوما إلى حين مع نبأ يحيى بن زكريا فالبد أن نأخذ من هنا وهناك أيضا ،يحيى بن زكريا عليهما أفضل الصلوات والسالم نشأ نشأة ال كنشأة لداته وأترابه من الصبيان ،نشأ نشأة ال تعرف املرح واللهو والعبث وإنما نشأة الجد والعبادة والتسبيح والتمجيد واملكوث في الهيكل -في املعبد -لقيه أترابه ذات يوم فهرعوا إلية فهو ال يخرج إال قليال فقالوا له :يا يحيى هيا لنلعب الذي قال فيه عيس ى لم تلد الوالدات مثل يحيى بن زكريا "لم نجعل له من قبل ً سميا" لم نسمى أحدا بهذا االسم فهو أيضا شخصية فذة ،ومتفردة من جميع جوانبها ،رجل رباني علية الصالة وأفضل السالم وسترون مصيره إن شاء هللا.
المسيح عيسى ابن مريم
فقال ما للعب خلقت قال تعالى "وآتيناه الحكم صبيا" علية الصالة والسالم ،يحيى
قال ما للعب خلقت ،وفى يوم من األيام أتى أمه وقال لها يا ُ أم انسجي لي من فضلك مدرعة من شعر وبرنصا من صوف ،قالت َ لم يا بني؟ قال ألحرر نفس ي
ً وأهب نفس ي للمعبد -يمكث في املعبد يتعبد ويخدم -قالت يا بني أنت ال تزال صغيرا
ولن افعل حتى يأتي أبوك وأسأله في ذلك ،قال نعم ،وملا أتى زكريا قالت يا نبي هللا الولد يطلب كذا وكذا ،فأقبل علية منشرح الصدر رض ي النفس وقال يا بنى َ لم تطلب مدرعة الشعر وبرنص الصوف قال ألحرر نفس ي للمعبد -لعبادة هللا وتمجيده سبحانه وتعالى -قال يا بني ولكنك صغير ال تزال ،فقال يا أبت وكم من صغير ،وكم من ما كان هو أصغر منى قد ذاق املوت ،فصدم أبوه بهذه الحكمة،
34
صبى ينطق بهذه الحكمة "كم من صغير وكم من هو أصغر مني قد ذاق املوت"، قال :نعم ،يا الياصابات افعلي ما أمرك به وهكذا حرر يحيى نفسه للمعبد -الهيكل الكبير -كما كان أبوه يفعل عليهما الصالة والتسليمات...إلى هذا الحد نقف إن شاء هللا من نبأ نبي هللا يحيى على أن نكمل في مرات قادمة إن شاء هللا.
الخطبة الثانية المسيح عيسى ابن مريم
الحمد هلل الذي يقبل التوبة ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ويستجيب الذين أمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، ً وأشهد أال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى هللا تعالى علية وعلى آله وأصحابه وأتباعه وعلينا وعليكم واملسلمين معهم بفضله ومنته أجمعين.
نعود إلى نبي هللا عيس ى علية أفضل الصالة والسالم ،شب عيس ى وصار ابن اثني عشر سنة لقد راق البلوغ وكان على أمثاله إذا بلغوا هذه السن أن يختاروا حرفة يحترفونها ومهنة يرتزقون منها فأختار أن يحترف حرفه قريبه يوسف النجار 35
وصار يغدو معه من الصباح في محله أو حانوته املتواضع أراد هللا تبارك وتعالى أن يقيمه بين الناس ليرى أطوارهم وأخالقهم وكان يرى الفارسيين والصديقيين، وسيأتيكم نبأهم وحقيقتهم في الخطبة املقبلة إن شاء هللا تبارك وتعالى وكيف
يتعاطون فهما أعوج للدين وكيف يعنتون عباد هللا تبارك وتعالى برسوم جعلت الدين مجرد أشكال ومظاهر بعد أن فرغوه من مضمونه ومحتواه الحقيقي. ً وكان يسوئه ذلك جدا ،يرى هذا كل يوم علية الصالة وأفضل السالم وأقترب موعد عيد الفصح ،وتعلمون أن هللا في شريعة اليهود قد أوجب عليهم ثالثة أعياد ً يؤدونها شكرا هلل على أن أخرجهم من أرض مصر ونجاهم من فرعون وقومه؛ عيد الفصح ،عيد املظال -أو عيد املظالت -وعيد األسابيع ،كان عيد الفصح اشهر املقدس -فتهيأ يوسف ومريم وعيس ى وبقية من أراد أن يتهيأ -في شريعة اليهود على كل بالغ أن يجج بيت املقدس مرة كل سنتين وهكذا كانت تفعل مريم.
المسيح عيسى ابن مريم
هذه األعياد وأقدسها ،اقترب موعده وكان عليهم أن يججوا إلى بيت هللا -إلى بيت
نحن نطيل في هذه الخطبة ألنها ليست قصة تحكى وإنما نحن نريد أن نتعرف على دقائق ما يتعلق بالديانتين اليهودية واملسيحية ،أشياء كثيرة لكن بطريق قصص ي وخصوصا املسيحية فالبد أن نعرف عنها كل دقيقة مفصلة إن شاء هللا تبارك وتعالى وهللا املستعان على أن يبلغنا ذلك.
هكذا كانت تفعل مريم تجج البيت كل سنتين مرة فذهبت مع ابنها ويوسف ً وفى نصف الطريق انضم إلى القافلة رجل كان صديقا ليوسف النجار أنه زبدي وهو معروف واسمه مذكور في الكتاب املقدس ومعه ابنان كانا سنيني عيس ى -أي
36
في مثل سن عيس ى علية السالم-يوحنا ويعقوب ..وسيصيران من األحبار االثنى عشر ..إذن يوحنا ويعقوب ابنا زبدي فانضموا إليهم وقصدوا الهيكل الكبير في بيت املقدس وهناك -طبعا ذهب يوسف النجار وعيس ى ومريم إلى بيت زكريا والياصبات ثم بعد ذلك قدموا املعبد -رأى عيس ى مناظر وأشياء لم تعجبه ولم ترقه والقت منه النفر واالستنكار ،وجد الباعة يبيعون الدجاج ويبيعون الخراف والعجول في داخل املعبد ،ووجد الصيارفة وأمامهم أكياس النقود يستبدلون العمالت املصرية
المسيح عيسى ابن مريم
والبابلية والشامية وغيرها بشاقل اإلسرائيلي -واآلن يمس ى الشيكل– أيضا لم يرقه ً أن هذا البيت أصبح بعد ذلك كما شبهه بمغارة لصوص ومتجرا للمنافع وللدنيا .. لم يعجبه ذلك لكن أعجبه مرأى املعلمين واألحبار والربانيين وعليهم الشيالن الزرقاء والثياب البيض وفى أكمامهم التوراة يجلسون ويعلمون الناس ..أعجبه ذلك وصار يرتاد هذه الحلقات ،وعيد الفصح كان يمتد سبعه أيام ،فكان في أيام األعياد يرتاد يوميا حلقات العلم بين األحبار والرهبان وكان أكبرهم هليل وراهب آخر اسمه شاماج ،هذين هم أكبر رهبان إسرائيل في وقت عيس ى علية السالم وملا انقضت أيام العيد السبعة وقف الكل راجعا إلى بلدة وضمن من قفل قافلة أهل الناصرة في الطريق عند بئر راعوس افتقدت مريم ويوسف النجار عيس ى ،لم يكن معهم فبلغ منها الهم والحزن والقلق مبلغا عظيما ،أين كان عيس ى ،ماذا وقع له، ُ هل اختطف دونهم ،هل أخذ ،هل قتل؟! ال ندرى ،وإن شاء هللا نكمل القصة في الخطبة القادمة.
37
ً اللهم إنا نسألك أن تعلمنا ما ينفعنا ،وأن تنفعنا بما علمتنا وأن تزيدنا فقها ً ً وعلما ورشدا ،اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت اعلم به منا ،اللهم إنا نسألك ونرغب إليك أن تنصر اإلسالم وأن تعز املسلمين وأن تعلى بفضلك كلمتي الحق والدين ،اللهم انصر من نصر املسلمين، اللهم أخذل ودمر من خذل املسلمين وأعان عليهم يا رب العاملين ،اللهم إنا نسألك ً أن تجعل تجمعنا هذا تجمع مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما وال تدع فينا ً ً ً شقيا وال مطرودا وال محروما برحمتك يا ارحم الراحمين.
واملنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ،اذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على
المسيح عيسى ابن مريم
عباد هللا إن هللا يأمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء نعمه يزيدكم واسألوه من أفضاله يعطكم. ****************************************
38
بعثة عيىس عليه السالم
المسيح عيسى ابن مريم
ُ ُ ُ ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات ونستعينه نحمده إن الحمد هلل ُ وأشهد أن ال إله إال هللا أعمالنا ،من يهده هللا فال مضل له ومن يضلل فال هادى له َ ُ َ ُ وأشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا محمدا عبد هللا ورسوله شريك له وحده ال ُ ُ ونجيبه من عباده ،صلى هللا عليه وعلى آله وأمينه على وحيه خلقه وصفوته من ِ الطيبين الطاهرين وصحابته املباركين املجاهدين وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين ً ً وسلم تسليما كثيرا. َ طاعته ،كما أحذركم عباد هللا أوصيكم ونفس ي الخاطئة بتقوى هللا العظيم ولزوم ِ ً وأحذر نفس ي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله سبحانه وتعالى" :من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظالم للعبيد".
ثم أما بعد ،أيها اإلخوة املسلمون األحباب ،أيتها األخوات املسلمات الفاضالت! يقول هللا سبحانه وتعالى في كتابة العزيز بعد أن أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم بسم هللا الرحمن الرحيم 39
ْ َ َ ْ َ َ ْ ُ ْ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ ُّ ال ه ُ اّلل َ "إ ْذ َق َ دت َك ب ُ وح ر ي أ ذ إ ك ت د ال و ى ل ع و ك ي ل ع ي ت م ع ن ر ك اذ م ي ر م ن اب ى يس ع ا ي ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ْ ْ ْ ه َ ْ َ َ َ ْ َ ً ُ َ ُ َ ُ اس في امل ْهد َوك ْهال َوإذ َعل ْمتك الكت َ اب َوال ِحك َمة َوالت ْو َراة َواإلنج َ ْال ُقدس تك ِل ُم الن َ يل ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ْ ْ َ َ ُ ُ َ َ َ ُ ُ َْ ً ْ َ ُْ ُ َ ه ُ َ َ ْ َ ْ َ األ ْك َمهَ ُ َ الط ِين ك َه ْيئ ِة الطي ِر ِب ِإذ ِني فتنفخ ِفيها فتكون طيرا ِب ِإذ ِني وتب ِرئ و ِإذ تخلق ِمن ِ َ َْ َ َ ْ َ ْ ُ ْ ُ َْ َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ ْ ْ نك ِإذ ِجئ َت ُه ْم واألبرص ِب ِإذ ِني و ِإذ تخ ِرج املوتى ِب ِإذ ِني و ِإذ كففت ب ِني ِإسرا ِئيل ع ْ َ َ َ َ ْ ْ َ َْهَ ُ ات َف َق َ ين كف ُروا ِم ْن ُه ْم ِإن َهـذا ِإال ِس ْح ٌر ُّم ِب ٌينَ 992و ِإذ أ ْو َح ْيت إلى ال ال ِذ ِبالب ِين ِ َ ُ ْ ْ َ َ ه َ َْ ُ ْ َ ْ َ َ وا بي َوب َر ُ ولي قال َوا َآمنا َواش َه ْد ِبأننا ُم ْس ِل ُمون"999 س ِ الحوا ِرِيين أن ِآمن ِ ِ صدق هللا العظيم وبلغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين ،اللهم
وقفنا في الخطبة السابقة عند افتقاد مريم البتول ويوسف النجار وهم في طريق
المسيح عيسى ابن مريم
اجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط اللهم أمين ،اللهم أمين!
قفولهم من بيت املقدس إلى الناصرة عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم افتقدوا عيس ى عليه السالم عند بئر راعون فعادوا أدراجهم إلى بيت املقدس -أورشاليم كما كانت تسمى -أخذا يبحثان عنه في كل مكان ثم خطر لهما أن يبحثا عنه في الهيكل وصدق ظنهما إذ وجداه هناك ضمن حلقة علمية بين كبار األحبار والرهبان فقالت له أمه عليها الصالة وأفضل السالم لقد أحزتنا كثيرا يا عيس ى ،قال يا أماه ما كان هللا تبارك وتعالى أن يضيعني ،بعد ذلك رجعوا جميعه إلى الناصرة وهناك قض ى هللا سبحانه وتعالى قضاء حيث اعتل يوسف النجار عليه السالم وبرح به املرض وحطمته الحمى وحزنت عليه مريم العذراء حزنا عظيما وكذلكم عيس ى عليهما الصالة وأفضل التسليمات ،فقد صدقها يوم كذبها الناس وأمن بكلمه هللا بولدها ً عيس ى وهو بعد لم يره حيث أنه كان جنينا كان حمال ،آمن به وصدق أنه املسيح
40
كنف لهما ،فر بها كما سمعتم غير مرة املوعود املنتظر وكان نعم الحارث وخير ٍ وكان أخر ما تلفظ به عليه السالم اللهم أني أرد إليك وديعتك وأني ذاهب إليك فأحرس نبيك ورسولك– عيس ى عليه أفضل الصالة والسالم– وأنت خير الحافظين ،فذرفت مريم وعيس ى الدموع على الرجل الصالح والتقى والورع يوسف عليه السالم.
نأتي اآلن إلى نبي هللا يحيى عليه الصالة وأفضل السالم– يحيى عليه السالم بما المسيح عيسى ابن مريم
جبله هللا تبارك وتعالى عليه وبما سترة عليه من صدق اإليمان ومن صافى اإلخالص وصحيح العبادة والدين هلل تبارك وتعالى لم يرقه ولم يعجبه مظاهر الرياء ومظاهر الترف والبذخ التي كانت ذائدة في األشياء من حوله ،وعلى وجه الخصوص األشياء التي كان يتعاطاها كبار الربانيين واألحبار ،وأيضا مظاهر الرياء والكذب التي كانت تطبع سلوكهم وأفعالهم جميعا فآثر عليه الصالة وأفضل السالم أن يفر من مجتمع الناس فأوى إلى برية يأكل أوراق الشجر ويشرب مياه األنهار ،وقد لبث مدرعة من شعر وتمنطق بمنطقة من جلد عليه الصالة وأفضل السالم ،وقد ورد في الخبر عن رسول هللا عليه الصالة أفضل السالم أن يحيى عليه السالم كان أطيب الناس عيشا ألنه ال يأكل إال من حالل كان أبعد الناس عن الشبه كان يأكل ورق األشجار ويشرب من مياه األنهار عليه الصالة وأفضل السالم ثم في البرية في األردن ،قام صالحا يبشر الناس ويقول للناس أن توبوا إلى هللا وأعملوا صالحا
41
واجعلوا السبل مستقيما فقد اقترب ملكوت هللا– "أي السماوات" -فعظم وافتتح األمل أمام بني إسرائيل ألنهم ظنوا أن هذا الرجل الصالح في البرية بصوته املدوي
هو النبي إلياس عليه الصالة وأفضل السالم ابتعثه هللا من مرقده ،كان يظنون أنه سيبعثه هللا في الدنيا ،لقد قام إلياس من مرقدة لكي يبشر الناس ولكي ينزع الذل والهون عن بني إسرائيل ويصحح مظاهر الفساد والطغيان التي شملت حياتهم، ولكن كما تعلمون لم يكن إلياس عليه الصالة وأفضل السالم -ظل يبشر الناس والتف حوله أناس كثيرون يعمدهم بماء التوبة في نهر األردن يتوبهم ويأخذ عليهم عهد التوبة واالستقامة ويطهرهم بهذا املاء الرباني الطهور في نهر األردن ،وهذا معنى التعميد. المسيح عيسى ابن مريم
وسمع به مجلس اليهود الذي كان يعرف بــالسنهادرين وبعضهم يقول السمهادرين– مجلس يتكون من 39عضوا– سبعون منهم على عدة أصحاب موس ى الذين ذهبوا مع هود ليعتذروا إلى هللا تبارك وتعالى وأختار موس ى من قومه 32رجال مليقاتنا وواحد هو رئيس الكهنة كانت السنهادرين بمثابة املحكمة العليا لليهود وكان هو الذي يمثله أمام الرومان فيه الكتبة والفارسيون املتغطرسون الذين أعجبهم ما عندهم من العلم ،لكنهم ابتغوا على هللا تبارك وتعالى ولم يعملوا بصحيح العلم الذي عندهم وحرفوا كثيرا فيه ،كان يخشون األنبياء وال يحبون الرسل ،ألن األنبياء بالحتم والحرى سيفضحون ريائهم ،سيهتكون أستارهم ،سيظهرون حقيقة تزيفهم ومتاجرتهم بدين هللا تبارك وتعالى للرعايا والناس والعامة من الناس فبعثوا جماعه من الفارسيين يتبينون حقيقة أمره وملا قدموا عليه عرفهم وعرف ملا أتوا ومن الذي بعث بهم ،قال لهم يا أوالد األفاعي ،من قال لكم أن تهربوا من الغضب، وأنذرهم بعقاب هللا وغضبه الذي سيأتي ال محالة ،ثم قال لهم عليكم أن تعملوا
42
ً عمال طيبة للتوبة وال يكفى أن تفكروا في أنفسكم وتقولون نحن أبناء إبراهيم .. فأنى أقول لكم إن هللا قادر أن يخرج من هذه الحجارة ،ليست املسألة باالنتساب نحن ذريه إبراهيم وأنتم فسقه هيهات ،لقد وضع الفأس على أصل الشجرة وكل شجرة ال تثمر جيدا ستقطع وتوضع في النار يعظهم ويحذرهم وهكذا أذل كبريائهم وفضح ريائهم فعادوا خزايا مدحورين.
وسمع عيس ى عليه السالم بيحيى في الصوت الصالح املدوي في البرية بصدق وجالل المسيح عيسى ابن مريم
وهيبة وكان يحمل مهيبا عليه الصالة وأفضل السالم ،فذهب إليه يعمده هو أيضا -ولم يكن عيس ى في ذلك الوقت قد تلقى وحى هللا ،أما يحيى فقد تلقاه صبيا "وآتيناه الحكم صبيا" وأما عيس ى فقد تلقاه وهو في نحو الثالثين من عمرة -فأبى ً يحيى فألح عليه عيس ى حتى عمده باملاء وكان يحيى يعمل شيئا من حقيقة عيس ى لكن ال يعلم الحقيقة كاملة فكان يقول أنا اآلن أعمدكم بماء التوبة وسيأتي من بعدى من يعمدكم بروح القدس يشير إلى عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم وهو أعظم مني ،هو أجل مني يعترف بمقام وفضله عليه أفضل الصالة والسالم.
اآلن ندخل إلى منعطف جديد في حياة هذا النبي الذي لم يجعل له من قبل سميا
43
"يحيى عليه الصالة وأفضل السالم" ...القصة تبدأ مع انتيباس وهو ابن هيرودوس األكبر كما تعلمون أبوه أدمورى وأمه سامرية فهو نصف سامري ونصف أدمري - هذا الرجل الفاجر الذي كان يتظاهر بتعظيمه للناموس وشريعة موس ى علية
السالم ،لكنه كان غارقا حتى أذنه في املعاص ي والشهوات ،ولذلك بعد أن شيد مدينة جديدة وسماها تملقا لولي نعمته اإلمبراطور األكبر في روما سماها على اسمه "طبرية" من طبياروس ،أراد لها أن تضاهي روما بعض املضاهاة ولو من وجه من الوجوه مسارح ،ومغان ،وماله ،وسباحة ،وحدائق غناء ..أشياء عجيبة كان يأتي إلى أورشاليم يقدم من القرابين أثمنها بعد ذلك يتضايق ويكرب بهذا الرياء الكاذب ألن طبيعته فاجرة؛ طبيعة الفسق والدعارة واملجون فينطلق مباشرة إلى
هللا لوط سادوم وعامورة– ملاذا؟؟! ألن بني إسرائيل يعتقدون ويدينون أن أرضا ملعونة ال يحل لهم أن يدخلوها فقد كان في قلعه باكيروس أمنا من أن يأتيه واحد من اليهود فيفعل ما يريد فيغرق في العربدة واملجون والفسق والعياذ باهلل تبارك
المسيح عيسى ابن مريم
قلعته التي بنهاها مقابله لصحراء بصراء متحديا بذلك قلعة أمير العرب في وقته "قلعه باكيروس" بناها في أرض سادوم -األرض امللعونة التي تعلمون نبأها مع نبي
وتعالى.
انتيباس هيرودوس تأهب ذات يوم للسفر إلى روما ليقدم والء الطاعة لولى نعمته القيصر طبياروس "القيصر الروماني" ولكن جاءه السنهادرين مجلس األحبار "مجلس الحكم اليهودي" الحاخامات اليهود املالعين جاءوه وقالوا له كيف تذهب ويحيى يصرخ في البرية ويقلب الناس على الحكومة ويثيرهم وربما أن نطلقوا في ثورة هوجاء تجعل العامر خرابا خوفوه وحرضوه على يحيى نبي هللا علية الصالة وأفضل السالم وهكذا استشعر الرجل القلق والخوف فرأى أن من الحكمة قبل أن يواصل سفره أن يجعله في السجن فأمر جنوده وقادته بأن يقبضوا على نبي هللا
44
يحيى ألنه كان يبشر بدعوة هللا وبكلمة هللا تبارك وتعالى ،ووضعوه في سجن أسفل القلعة– هناك سجن مبنى داخل األرض أسفل القلعة– وادعوه فيه ثم انطلق إلى روما وهناك حدث ش يء غريب منكر والعياذ باهلل ،التقى بأخي هيرودوس الذي كان يسمى على اسم أبية األكبر ويعرف في كتاب اليهود والنصارى بفيليب ،وكان متزوجا
المسيح عيسى ابن مريم
من امرأة فاتنة الحسن بارعة الجمال يلعب جمالها بأوتار قلوب الرجال وتدعى ً ً هيرودية فلما رآها أحبها وهيم بها هياما شديدا وكانت املرأة الغادرة الخليعة تهوى امللك وتحب أن ترى وجهها وقد زينة تاج امللك لكن زوجها هيرودوس "فيليب" ليس ً ملكا وليس أميرا على ربع من أربعة فلسطين ،لكن هذا حاكم انتيباس هيرودوس حاكم الجليل فبادلته حبة بحب وهياما بهيام وفى خلسة ذات ليلة انطلقت معه هاربة تاركه زوجها وكاسرة بالعهد وامليثاق الزوجي ومعها ابنتها الصغيرة التي فاقتها في الجمال الصغيرة سالومي– لعنه هللا على الفجرة أجمعين– وانطلقوا والعجيب أنها لم تكن زوجة أخيه فقط وإنما كانت ابنة أخيه اآلخر ارسطوبولس. ً ش يء عجيب ..يأخذ زوجة أخيه هكذا غدرا وخديعة ،وهى أيضا ابنة أخيه اآلخر زواج محارم أيضا وعاد وطلق زوجته ابنة ملك العرب في صحراء بصره -أي البصراء – وتزوج بهذه زواجا ال يقره اليهود وال علماؤهم وال عامتهم ،وثار الغضب ولكن لم يؤثر على القصر مضت بين الناس أحاديث ..هيرودية وهى ملكة هذا القصر وسيدته األولى بهذا السجين يحيى الذي كان يصرخ في البادية يبشر بكلمات
45
هللا وهو شخص مهيب وعنده كالم حلو آخاذ فأحبت أن تسمع منه وأن تستمع إليه فأغرت زوجها وجعلته يأمر بأن يجيء به من سجنه لكي تسمعه وهكذا كان ..
ً أوتي يحيى مصفدا في أغالله وقيوده علية الصالة وأفضل السالم وكان انتيباس هيرودوس يعتقد خشيته – كان يخافه – ويراه رجال مهيبا ألنه كان شديد التطير وكان يخاف القديسين والصالحين وهو يعتقد أن هذا رجل صالح ،بار ،قديس
مرجل غضبها ،وقالت له يا انتيباس اقتله ،قال كال وحاشا ما كان لي أن اقتل هذا البار أنه قديس ،وأخش ى إن أنا فعلت أن تحل بي لعنه السماء ،ثم أمر به فأعيد إلى سجنه في قلعة ماكيروس...ظلت امللعونة تطاردها فكرة التخلص من هذا الذي ه مرغ كبريائها وأذلها وأهانها وأراد أن يحرمهما من لذة امللك الذي تحلم به وتهفو
المسيح عيسى ابن مريم
وصرح بذلك أكثر من مره ..فاؤتي بيحيى الذي لم يباليه ولم يأبه ملظاهر النعيم ُ َ وشارات املــلك واملـلك التي يحفل ويغص بها القصر في كل مكان فقد نما إلى علمه ما كان من نبأ هيرودوس مع هيرودية ،فأول ما وقع بصره عليها قال بعنف وحزم اهجر هذه املرأة يقول امللك فاصمت انتيباس ولم يعد له بجواب فظل مطرقا حائرا قلقا ثم قال َ لم؟ قال ال تحل لك وسمعت الفاجرة بهذه الكلمة فانفجر
نفسها إليه كل حين وقد حققت على قدر ليس باليسير منه وظلت تراوضها هذه الفكرة وال تغادر رأسها الفاجرة الكافرة.
ونعود اآلن إلى نبي هللا عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم بعد أن تعمد عيس ى باملاء على يدي يحيى علية الصالة وأفضل السالم اعتلى ذروة جبل وهناك مكث ً أربعين ليلة -كموس ى من قبل علية الصالة وأفضل السالم -ال يذوق ذواقا لم يحس بألم الجوع وال بحرارة العطش في جوفه ،يناجى ربة ،يضرع إليه ،يدعو ،يبكى، متخشع ،متخضع ،متمسكن يستنزل غيوث الرحمة وسحائب الرسالة وبعد أربعين
46
ُ نزل عليه امللك جبريل علية الصالة وأفضل السالم وبشره أن يا عيس ى قد نـبأت وأرسلك هللا تبارك وتعالى رسوال إلى بني إسرائيل فقم بما أوجب هللا به عليك وبما أنت حقيق أن تضطلع به وراح امللك الكريم علية الصالة وأفضل السالم يعلمه الكتابة والحكمة والتوراة واإلنجيل ،ولم يدخل عيس ى علية السالم من قبل ال مكتبا وال مدراسا كان أميا لكن اآلن تعلم العمل كله كما ينبغي أن يكون لرسول لنبي من أول العزم علية الصالة والسالم ،ونزل عيس ى بعد أربعين يوما وليلة لم
المسيح عيسى ابن مريم
يشعر بألم الجوع وال بحرارة العطش ألنه كان يعيش على معامل روحانية ،ويقول نبينا عليه أفضل الصالة وأتم التسليم وقد رآه الصحابة يصوم ويواصل الصيام ً أياما وليالي ال يذوق شيئا وال يشرب شيئا ،فقالوا يا رسول هللا رأيناك تواصل ،قال علية الصالة وأفضل السالم لست كهيئتكم ،لست مثلكم ،أبيت عند ربي يطعمني ويسقين..أنبياء رسل عليهم الصلوات وأتم التسليمات والتشريفات والتبريكات أجمعين.
هكذا كان شأن أخيه عيس ى علية الصالة وأفضل السالم ،لكن بعد أن نزل بعد أربعين لسعه الجوع وأحس بحرارة العطش في جوفه فجعل ينظرها هنا وهناك لعله يجد شيئا يأكله وإذا برجل يلوح له فجأة ينظر إليه في ود لكنه ود مريب قال ً له-أي عيس ى -سل ربك أن يجعل لك الحجر خبزا -يذكره بكلمه يحيى حيث قال لهم ً إن هللا قادر على أن يخرج من هذه األحجار أبناء إبراهيم فليخرج خبزا -لك ،فرد 47
عليه عيس ى علية السالم قريب العهد بالنبوة ،قريب العهد بالرسالة مكتوب يا رجل ليس بالخبز وحده يعيش اإلنسان ..بل بكل كلمه من عند هللا تبارك وتعالى
الحياة الحقيقة بأنوار البداية وحى هللا ،ليس بالخبز ،ليس بالطعام ،ليس بالشراب ،أما علمت أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ،قال إنها فعل ذروة هذا الجبل قال أتعيش ،قال مكتوب أن الرب تبارك وتعالى يبتلي عبده ،لكن العبد ال يبتلى ربه يرحمه نحن نجرب هللا! ممنوع ..هللا يجربنا ،هللا يمحصنا ،هللا يبتلينا، يختبرنا ،يسبرنا ،لكننا ال نفعل هذا مع هللا تبارك وتعالى جل شأنه وتعالى عن ذلك تبارك وتعالى ،لكن الرب تبارك وتعالى هللا سبحانه وتعالى هو الذي يبتلى عباده وعبيده ،قال ولكنك يا عيس ى لست عبدا لقد بلغت من رببويتك أن نطقت وأنت في المسيح عيسى ابن مريم
املهد صبيا ..قال اخسأ يا لعين -فعرف من يخاطب ومن الذي يخاطبه -وابعد ً مطرودا فربي هو الذي انطقي وهو الذي يميتني وهو الذي يحيني هللا "أنا مجرد عبد ورسول"؟
ومن هنا بدأ إبليس لعبته امللعونة التي فاز فيها لألسف إلى اليوم– قال -أي عيس ي- أني أدعوك ألمر هو لك ليس لي فيه مصلحه ،قال ما هو؟ قال إن أمر أنا الشياطين فتطيعك ،فإن رأى الناس أن الشياطين أطاعوك عبدوك ،أما أني ال أقول أن تكون إله ليس معه إله بل هللا تبارك وتعالى إله في السماء وأنت في األرض تكون إلها ،قال لعنة هللا عليك مكتوب هللا تبارك وتعالى وله وحدة تعبد وله وحدة تسجد وهذا مصرح به في األناجيل فأنى يؤفكون أين يذهب بهم هناك تصريحات في عشرات بل في مئات املواضيع أنه عبد وأنه رسول وأنه ال ُيعبد إال هللا وال ينصب وال يسجد إال هلل تبارك وتعالى ،لكن هكذا رد علية ثم صرخ فيه صرخة زلزلته وقلقلته ً ً من مكانه فتراجع حسيرا مسحورا خاسئا يقول لقد لقيت منك يا عيس ى بن مريم
48
تعبا شديدا ..ثم انطلق غير بعيد وأخذ يرنو وفى رأسه دهاء ومكر -لعنه هللا علية – أن ضل به بعد أن أخفق أن يضله وأنى له أن يضل نبيا معصوما كلمه هللا وروحة علية الصالة وأفضل السالم ،وانحدر عيس ى بعد ذلك يبشر بكلمه هللا تبارك وتعالى قصد أمه مريم في الناصرة وقال لها يا أماه ال أستطيع ،أستسمحك وأطلب منك العذر أن تغفري لي وتصفحي عنى فال أستطيع بعد اليوم أن أقوم على خدمتك والزم أعتابك أنني اليوم نبي ورسول علي أن انطلق وأضرب في هذه األرض فاغفري لي واسمحي لي...ال يستطيع خدمة أمه البتول عليها الصالة وأفضل السالم المسيح عيسى ابن مريم
وبشرها بما أكرمه هللا تبارك وتعالى به من كرمة الرسالة وشرف النبوة ،فهطلت دموع الفرح من عينيها ومجدت ربها تبارك وتعالى وسبحته شاكرة مثنية عليه بما هو أهل سبحانه وتعالى.
ثم انطلق علية الصالة وأفضل السالم يبشر وأوحى هللا تبارك وتعالى إلى سلة من السابقين ،األصفياء ،املخلصين أن يكمنوا به ،قذف هللا النور والهداية إلى قلوبهم فأحسوا برد اليقين وكما سمعتم في شأن يحيى ،سمعوا نبي هللا وروحه عيس ى علية الصالة وأفضل السالم يتكلم بكالم يأخذ بمسامع القلوب ،يصب به برد اليقين في الجوف وفى القلب كأن ما يسمعون أول مرة أنه كالم غض صريح حديث عهد بربة أخاذ فيه روح فيه حياة ليس ككالم الربيين واألحبار والحاخامات الكذبة الدجالين 49
املتاجرين بدين هللا وبكتاب هللا وناموس موس ى علية الصالة وأفضل السالم ..جاء ً يوما إلى املرقتى– شاطئ البحيرة – وهناك الصيادون فأخذ يدعو ويبشر بكلمات هللا ،سلوا تعطوا ،اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم ،ادخلوا من الباب الضيق ..ما
أضيق الباب وما أكرب الطريق الذي يؤدى إلى الحياة وقليل هم الذين يدخلون– عن أي طريق يتحدث؟ ..عن طريق الجنة ،أنه يقول بتعبير آخر كما قال سيد األولين وسيد اآلخرين سيدنا محمد علية الصالة وأفضل السالم.
حفت الجنة باملكاره طريق كريه ،ضيقة ،صعبه ،وما أقل من يدخلوا منها وال تدخلوا من باب وسيع وما أحلى وأوسع الطريق الذي يؤدى إلى الهالك وكثير من الناس يدخلون منه أنه طريق جنهم ،وحفت النار بالشهوات ..طريق جميله
هللا ..هذا اندراوس وكان هذا من أوائل الحواريين وعمل به يوحنا ابن ذبدي واتفق
المسيح عيسى ابن مريم
مزركشة معبدة للهالك للترجي والعياذ باهلل في الدنيا واآلخرة -هكذا يعظ تالميذه، ويعظ الناس أجمعين الذين توافدوا لسماع النبي الجديد والرسول املبشر لكلمات معكم ذكره – ذبدي هو صديق يوسف النجار وله ابنان يوحنا ويعقوب ابنا ذبدي– ثم انطلق اندراوس يبحث عن أخيه سمعان الذي يعرف ببطرس ،الحواري بطرس ،هو أخو اندراوس وجاءه يبشره بما بشر به عيس ى فآمن على الفور ،ثم أيضا أفلح يوحنا في أن اقنع أخاه يعقوب بن ذبدي أن يدخل في دين هللا سبحانه وتعالى وأن يصدق رسول هللا وكلمته " وإذ أوحيت إلى الحواريين أن أمنوا وبرسولي" إلههم هللا قذف النور في قلوبهم فآمنوا على الفور وهكذا ترك الصيادون مراكبهم وشباكهم وانطلقوا مع نبي هللا يصطادون الناس لدين هللا تبارك وتعالى هؤالء كانوا أوائل الحواريين اندراوس وأخوه سمعان املعروف بالحواري بطرس ويوحنا وأخوه يعقوب ابنا ذبدي رضوان هللا عليهم أجمعين.
50
وفى يوم من األيام أعجب عيس ى علية السالم برجل عليه الذكاء واالهتداء فقال له تعالى واتبعني فتبعه على الفور أنه الحواري الخامس وهذا بدوره انطلق يبحث عن رجل -كان عاملا بالناموس ،بشريعة موس ى -ذهب إليه ودعاه فقال له إلى ما تدعون ومن هو الرسول الجديد؟ فإنه عيس ى الناصري من الناصرة من الجليل ،قال هل يخرج من الناصرية ش يء صالح لقد كانت مدينة محقورة ألن أهلها فقراء في العلم واملال يتعلمون لكن ال يعلمون ،يأخذون وال يعطون ،فقراء وكان اليهود خاصة يهود
المسيح عيسى ابن مريم
املعبد وأورشاليم يحتقرون الناصرة وهذه كلمه جرت عندهم مجرى املثل "وهل يخرج من الناصرة ش يء صالح" ،نعم لقد خرج عيس ى الناصري علية الصالة وأفضل السالم ،قال له تعالي وانظر فجاء ونظر إلى عيس ى عليه السالم واستمع ً ً إليه وما هي إال دقائق وقال اشهد أنك عبد هللا ورسوله وصار حواريا سادسا.
في يوم من األيام كان عيس ى عليه السالم يعظ ويبشر بكلمه هللا يدعو إلى دينه الواضح الهدى املستقيم وانفض عنه الناس ،آمن من آمن وكفر من كفر وقال بعضهم سحر أنه سحر مبين وبقى اثنان أحدهما كاتبا من الكتبة – الفارسيون الكتبة ،العلماء– عالم بالتوراة يدرسها ويدرسها وفيه غرور الكتبة وغرور
ً الفارسيين أيضا -فيه غرور -فعرض على عيس ى أن يصبح حواريا له وتلميذا من
51
تالميذه ..قال له اتبعك أينما تمض ى وبلمحة واحدة ،بنظرة خاطفة – نظر إليه نبي هللا ،روح هللا وكلمته – وأدرك ما ينطوي عليه باطنه الخرب األسود املغرور وكبر ً ورياء والعياذ باهلل انه لم يقل كلماته هذه مخلصا هلل ،قالها بنية أخرى كوشف بها عيس ى علية الصالة وأفضل السالم فماذا كانت مرجوعه؟ قال له للثعالب أوجرة
"الوجار هو بيت الثعلب" وللطيور أوكار – على فكرة كل كالم سيدنا عيس ى هكذا بلغة الرمز واملثال كالم عجيب حتى الحواريون كانوا كثيرا ال يفهمون عنه ما يريد، ولكنه كان يحبهم إلخالصهم وأما األحبار الكبار فكان بعضهم يفهم لكن يكفر، يكفر عن علم وبعد فهم والعياذ باهلل فلعنه هللا على الكافرين.
قال :أما يا ابن اإلنسان "أي نفسه" فال يجد أين يضع رأسه يعزز بهذا الكاتب ثم
متى العشار ألنه رجل باع نفسه للشيطان ،باع نفسه للرومان ،للجند والقادة الرومان وكان يحصل العشور أي الضرائب بالقوة باالقتدار والظلم من الناس ً أغنيائهم وفقرائهم فسموه متى العشار أي جامع الضرائب احتقارا له -فنظر له نظرة فيها انكسار وذل فنظر إليه عيس ى بلمحة واحدة أدرك ما ينطوي عليه باطنه
المسيح عيسى ابن مريم
تركه ومض ى الكاتب مض ى إلى سبيله كما يقال وبقى اآلخر "من هو اآلخر؟ أنه متى الذي سيصبح فيما بعد الحواري متى قد سماه اليهود اإلسرائيليون دراية به ونكاية
من عبودية ورغبه في التوبة وإخالص فقال له اتبعني يا متى تعالى معي ومن تلكم الساعة لم يعد متى محصال للضرائب وعشور إنما صار وحصل علم وحكمة وهدى عليه السالم وهو متى صاحب اإلنجيل ،هذا حواري جديد متى العشار علية الصالة وأفضل السالم.
نعود إلى نبي هللا يحيى ،نبي هللا املحسور في سجن قلعه ماكيروس في أسفل القلعة يأتيه أصحابه وأتباعه وأحبابه الذين امنوا بدعوته واستجابوا لرسالته يأتونه
52
باألخبار ،وكان من ضمن تلك األخبار خبر نبأ سيدنا عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم الذي عمدته بالفترة ليست البعيدة تنبأ وأرسل بالخراف الضالة من بنى إسرائيل ،فسمع وسر إلى ها الخبر جدا ،فبعث رسوله من تالميذه إلى نبي هللا إلى ابن الخالة مريم إلى سيدنا عيس ى ،وقال له ما سمعت هل أنت التي أم ننتظر آخر، ألن املسيح املنتظر بشر به الناموس وبشر به األنبياء موس ى واألنبياء من بعده، بشروا باملسيح املنتظر ولقد طاملا انتظر اليهود مقدم هذا املسيح املنتظر ويحيى منه على الرغم من أنه نبي ورسول قال هل أنت املسيح اآلتي ،املسيح املوعود أم المسيح عيسى ابن مريم
ننتظر آخر؟ وقطع الصحراء وأتى إلى أرض الجليل والتقى بعيس ى علية الصالة وأفضل السالم نحن رسولين من عند يحيى النبي السجين ..يقول لك يحيى هل أنت اآلتي أم ننتظر آخر ،فقال لهما تعالي وانظرا ،لم يجبهما بطريقة مباشرة وإنما قال لهما تعاليا وانظرا وقال الجليلي يمش ي ولم يجاوزا باب املدينة وإذا بجنازة وامرأة ثكلى مفجوعة تلطم وجهها وتندب حظها وتبكى بكاء تتفطر له القلوب الرحيمة فأثر هذا املشهد الفجيع في نفس عيس ى علية السالم وسأل ،فقيل هذا وحيدها وكان أملها ورجائها إال أنه لحق بأبية وتركها نهبا لألس ى والحزن والفجيعة.
تأثر عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم وأشار بيده أن أوقفوا الجنازة فوقفت ورسل يحيى ينظرون ثم قال لها يا امرأة ال تبكى وأتى إلى الجنازة إلى املحمول فوق 53
النعش ووضع يده وتوجه إلى هللا تبارك وتعالى ويسأله ويستأذنه آيته معجزته ،ثم قال بصوت قوى عميق قم أيها الشاب بإذن هللا وجم الحاضرون ظلت العيون معلقه محدقة واحتبست األنفاس وإذا بهذا امليت يتململ فوق نعشه فخافوا
خوفا شديدا فوضعوه على األرض وإذا به يقوم ومزق أكفانه فانكبت عليه أمه ال تكاد تصدق ،لقد أوحي بإذن هللا ..وأحيى املوتى بإذن هللا علية الصالة وأفضل السالم قال للرسولين عودا لسيدكما ،إلى يحيى عليه الصالة والسالم في سجنه وقوال له العمى يبصرون والصم يسمعون والبرص يتطهرون -كان بنو إسرائيل يقولون إن البرص نجاسة والشفاء منه طهارة ولذلك قال يتطهرون – واملوتى يقومون واملساكين يبشرون ملا لهم عند هللا من ملكوت هذا معنى يبشرون وطوبى ملن ال يعثر هفي – افهم هذه الكلمة وهللا تبارك وتعالى ،واعلم أنه علية الصالة اليهود وسموه ابن العاهرة لعنه هللا عليهم وقالوا عنه حليف الشيطان ،بل هو إبليس لعنه هللا عليهم إلى يوم الدين ،وغال فيه أتباعه من النصارى وما اتبعوه من كفروا به ،وقالوا إنه ابن هللا والعياذ باهلل أو هو هللا ذاته أو جزء هللا وكفروا .. طوبى ملن ال يعثر في ...لم يعثر فيه املوحدون أتباع محمد عليه الصالة وأفضل
المسيح عيسى ابن مريم
والسالم يقول هنيئا ،جزاء عظيما ...ملن يعرف حقيقتي ،ملن ينزلني منزلتي ،لعنوه
السالم عرفوا حقيقته ليس هو ابن هللا وليس هو هللا أو ابن هللا ،أنه عبد هللا ورسوله ال أكثر وال اقل هذا هو الحق "ذلك عيس ى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون". قال طوبى ملن ال يعثر هفي وعاد الرسوالن بهذا الجواب إلى يحيى السجين عليه الصالة وأفضل السالم– عيس ى في يوم من األيام يذهب إلى أورشاليم ويبشر وهناك أيضا لم يرقه إلى أغضبه وأحنقه من قبل أصال منظر الثيران ،األبقار، العجول ،الشاه ،الحمام ،الصيارفة وقد كدسوا أكياس النقود يستبدلون العملة
54
األجنبية بالعملة اإلسرائيلية ،لم يرقه هذا كله واآلن هو نبي ورسول ومؤيد من السماء عنده قوه روحانية عنده حياء في البشرى والدعوة فأتى وصرف الثيران وصرف هذه الحيوانات وأمر أصحاب الحمام أن يخرجوا بأقفاصهم فخرجوا ثم أقبل للصيارافة وقلب مواعيدهم واستجاب الناس لذلك كان في عيد الفصح وكانت مريم معه في أورشاليمي ولقي هذا التصرف من الناس هوى ومحبة ،نعم البد أن ينزه املعبد ذلك تصرفه هذا أثار غيرة وحنق الكتبة والفارسيين ،الربيين، األحبار ،الكتبة أثار غيرتهم في أن الناس قد عفت قلوبهم إلى سماع مواعظه ،إلى المسيح عيسى ابن مريم
سماع عظاته الدموع تنحدر وهكذا فحسدوه ونافسوه بغير شرف وبغير حق وقام ه يعظ الشرطة – العلية – وكان أحد أعضاء السنهادرين نيقوديموس وكما قلت لكم السنهادرين فيه واحد وسبعون عضوا ،أحد أعضاء السنهادرين نيقوديموس -هو ً رجل غنى وثرى وحكيم فهو العضو رقم ثالثة تأثر جدا وأدرك أن هذا الرجل مرسل من عند هللا لكن أبت عليه كبرياؤه أن يدعوا أمام الناس ،لم يستطع هو ربى كبير والعضو الثالث في السنهادرين ،لم يفعل حتى إذا أتى الليل وجل الناس في سواده وضرب خيمته على الخلق تسلل وأتى إلى عيس ى وقال له نعلم أنك مرسل من عند هللا لتعلم قال نعم ثم أخبره عيس ى بكالم لم يفهمه فأضطر عيس ى أن يشرحه له، ال يفهم هذه األلغاز وليست بألغاز ولكن عميت القلوب بطول املعصية وبالتحريف الذي ُمـ َ ـورس في كلمات هللا تبارك وتعالى.
55
ً املهم ،كان هذا الرجل استثناءا من أعضاء السنهادرين ورأى عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم بعد ذلك أن يترك أورشاليم خشية الفتنة فأنطلق بحواريين حتى
إذا اقترب من السامرة أحب الحواريون أن يجوبوا حولها ملاذا الن الحقد والكره والزراية واالحتقان كلها متبادلة بين اليهود وبين السامريين أنهم يبغضون السامريين ويضعونهم في مصاف الوثنيين ويقولون إذا وقع عليه "إذا وقع عليك ه ظل سامري عليك أن تطهر النجاسة التي حلـت بك"" ،إذا أكلت قطعه من لحم مع سامري فإنك أكلت قطعه من لحم خنزير" أنهم وثنيون ،أنهم كفرة ...السامريون بدورهم يرون أنهم أحق باهلل وأولى باهلل تبارك وتعالى ملاذا؟ يرون أن اليهود ه حرفوا
أنفسهم يرونها مدسوسة ،وقد أقاموا معبدهم على جبل في نابلس معبد السامرة وهم يرون أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب سجدوا هلل ومجدوا في شكيم – نابلس -وهذا صحيح ،وسبق ذكره في سفر التكوين هناك أما معبد أورشليم فقد
المسيح عيسى ابن مريم
بالكتاب وزادوا ولذلك ال يعترف السامريون إال باإلصحاحات الخمسة– بأسفار موس ى الخمسة – فقط وال يعترفون باألنبياء وال بما كتبه مردخاي وليس باألنبياء
افتتح داوود عليه السالم أورشاليم وبنى ابنه سليمان هيكل ،لكن اآلباء األقدمين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب إنما سجدوا هلل في شكيم في ارض السامرة.
هكذا كان الكره واالحتقان متبادل بين الطائفتين بين الفريقين ،لكن عيس ى لم يأبى ً واخترق السامرة حتى إذا تعب قليال أراد أن يقيل– اخذ قيلولة عند بئر يعقوب هناك في نابلس وذهب الحواريون إلى البلد لشراء ما يطعمون وبين عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم في قيلولته أقبلت امرأة سامريه ومعها جرة تريد أن تمألها من بئر يعقوب فقال لها يا امرأة اعطني ألشرب ،فقالت له وكيف أعطيك في استخفاف وأنت يهودي وأنا سامرية ،عرفته من مالمحه قال لها لو كنت تعلمين
56
عطية هللا ومقام هذا الذي يقول لكي أعطني ألشرب لسألتيه أنت أن يعطيكي لكي تشربي ،فقالت في زراية وهزأ البئر يا سيد عميقة وال دلو لك وال حبل معك أم أن عندك ماء خير من الذي أعطانا أبونا يعقوب وشرب هو وبنوه ومواشيه منه تسخر منه ،فقال لها يا امرأة الذي يشرب من هذا املاء يعطش والذي يشرب من املاء الذي أعطيه يحيى حياة األبد ،الذي يشرب من املاء الذي أعطى يصير له في قلبه ينبوع إلى الحياة األبدية وأحست املرأة أنها في حضرة حكيم ملهم ،هذا ليس ً ساخرا أنه رجل متوازن متوحد ،فقالت له يا سيد إذن أعطني هذا املاء حتى ال المسيح عيسى ابن مريم
اعطش وآتى هنا ثانية الستقى فقال لها اذهبي وادعى زوجك وتعاليا ،فقالت يا سيد ال زوج لي ،فقال حسنا قلتي أن ال زوج لكي فقد كان لكي خمسة أزواج وهذا الذي أنت فاجرة – صدمت املرأة لكي اآلن ليس زوجك – يقول لها بأسلوب مؤدب ِ وابيض وجهها وغمغمت أنبي أنت؟ قال نعم ،قالت يا سيد انتم تقولون ونظرت للمعبد ال يسجد هلل إال في أورشاليم ،لكن آبائنا يعقوب وإسحاق وإبراهيم سجدوا هنا في ارض شكيم ،قال يا امرأة تأتى ساعة ال يسجد هلل ال في أورشاليم وال هنا بل في كل مكان.
57
ً وصدق نبي هللا عيس ى عليه السالم بعث هللا محمدا القائل أعطيت خمسا لم ً ً يعطيهم أحدا من األنبياء قبلي جعلت لي األرض كل األرض مسجدا وطهورا فأينما أدركت أحدا من أمتي الصالة فليصلي فإنها له مسجد ،قال سيأتي يوم ال تكون ً العبادة والسجود حكرا على معبد السامرة وال على بيت املقدس ،األرض كلها ً ً ستغدو محرابا ،تغدو متعبدا هلل ،وعيس ى هنا بصريح الكالم يبشر بأخيه محمد خاتم األنبياء واملرسلين -صدقيني يا امرأة ،قالت املرأة وهي يا سيد مكتوب أن
املسيح يأتي فإذا أتى أخبرنا بكل ش يء ،قال أنا هو الذي يكلمك -هللا أكبر– أنا املسيح وصدقت املرأة وجاء الحواريون واستنكروا ما رأوا من املعلم من عيس ى عليه السالم ألنه في الناموس في شريعة موس ى ممنوع محظور أن يكلم رجل امرأة عالنية ولو كانت زوجته ،وكيف لو عرفوا أنها سامرية فاجرة لكن عيس ى أتى بدين صحيح ليس بدين األحبار والربانيين ،ليس بهذا التجديف والبهت ،ليس بهذا االفتراء واإلفك الذي استعاده الكتبة والصديقيون والفارسيون واألحبار والرهبان ،أنه دين هللا الغض الطري أقول قولي هذا وأستغفر هللا لي ولكم. المسيح عيسى ابن مريم
الخطبة الثانية
الحمد هلل الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات ويعلم ما تفعلون ويستجيب الذين أمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم ً عذاب شديد واشهد أال إله إال هللا وحده ال شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى هللا تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وعلينا وعليكم واملسلمين معهم بفضله ومنته أجمعين. 58
أيها اإلخوة نختم حديثنا هذا بنهاية نبي هللا يحيى علية الصالة وأفضل السالم كيف كانت نهايته ،النهاية األليمة الفجيعة....نحن اآلن في قلعه ماكيروس ونحن نعلم ما هي قلعة ماكيروس ..األجواء احتفالية الطاغية انتيباس هيرودوس يريد أن يحتفل الليلة بعيد ميالده وجاءت الوفود من كل مكان أصدقائه الرومان األغنياء من علية القوم وأعضاء السنهادرين املنافقون الكذبة املراؤن اليهود اإلسرائيليون جاءوا
المسيح عيسى ابن مريم
أيضا وعبد الجميع ،أزيلت الكؤوس أخذوا في اللهو في العبث واملجون ،الراقصات شبه عاريات يرقصن في خالعة وفى تفنى كاإلفعوان وخطر لهذا امللعون فكرة َ لم ال ً ً يطلب من ابنة زوجته سالومي التي فاقت أمها حسنا وجماال وطالت لها شهرة عريضة في الرقص حتى قرعت أبواب رومية ترقص هناك أمام القياصرة العظام طبياروس وأنداده من قبلَ ، لم ال ترقص له في عيد ميالده؟ سالومي ..فمال عليها وكانت بجوار أمها الفاجرة الغادرة هيرودية وطالبها أن ترقص له ،فقالت له ال اشتهى الرقص الليلة ،قال البد أن ترقص ي في عيد ميالدي ،قالت ال ،قال البد أن ترقص ي لي وأنا سأعطيك ما تحبين ،قالت ال اصدق اقسم على ذلك ،فأقسم لها ه ه وأغلظ في القسم ..يمين مؤكدة ،موثـقة ،مغلـظة ،فقامت ترقص لعنه هللا عليها فاجرة بنت فاجرة ربيبه فاجر قاتل مجرم. ً ً قامت ترقص وطرب لرقصها طربا شديدا حتى إذا فرغت جاءت إليه ودنت منه وقالت له اعطني ..قال لها ماذا أعطيكي ..فمالت إلى أمها ماذا اطلب؟ لم تتردد
59
الفاجرة الكبيرة العقربة لعنه هللا عليها وقالت لها بكلمة واحدة يحيى ،نريد رأس يحيى الذي مرغ كبريائي وأذلني وسبني أمام الناس وأمام انتيباس هيرودوس ،رأس
يحيى وليس غير هذا الطلب فقالت له هديتي ،مكافأتي ،جائزتي هدية في قسط من فضة أو ذهب قال ما هذا ..قالت رأس يحيى فجع الرجل وأفزعه اسود وجهه وارتد فقال ال غير هذا اطلبي ،غير هذا نصف مملكتي أعطيكي غير هذا الصالح البار.. يتطير جدا هو يعلم أن لعنة هللا ستحل به ستجعل عامرة خراب أن هو فعل قالت ال ..ال نريد غير رأس يحيى اطلبي غير هذا يا بنية ..قالت إال رأس يحيى وقام أعضاء السنهادرين رجال الدين اليهود قالوا أيها امللك لقد أقسمت وغلظت في
خفيض وبإشارة على استحياء وتخوف أتوا به ،فذهب الجنود وهنا يمر الوقت وئيدا ثقيال بغيضا حذرا الكل ينتظر امللك ساكت والكل كذلك وبعد ساعة أو أقل
المسيح عيسى ابن مريم
القسم فبر يقسمك ،وقال أصدقاؤه الرومان قم واقتل هذا قبل أن يقلب الناس على رومي على الحكام واألباطرة ،قبل أن يثير فتنة يطلب منه كاملجنون اقتل يحيى، ً اقتل يحيى فثارت فيه بربريته أشفق أن يظهر صغيرا أن يبر بقسمه ،فأشار بصوت
أو أكثر أتى الجنود وفى يد أحدهم قسط من فضة وعليه رأس سيد النبي الحسور ً عليه أفضل الصالة وأفضل السالم ،لقد ذبح ذبحا يحيى وأعطوه النتيباس هيرودوس ..قال أعطوه للصبية وأخذته الصبية وجاءت تقذف به إلى أمها هديه الذي سببها الذل كبريائها الذي هتك أفكار فجورها وكبريائها ..رأس يحيى علية الصالة وأفضل السالم.
روى اإلمام أحمد رحمه هللا تعالى عليه أن رسول هللا صلى هللا علية وسلم خرج على أصحابه وهم يتكلمون في مقامات األنبياء يقارنون بين األنبياء يقول بعضهم إبراهيم خليل الرحمن ويقول آخر موس ى كليم الرحمن ،ويقول ثالث عيس ى كلمه
60
هللا وروحه ،فقال النبي عليه أفضل الصالة والسالم أين انتم من الشهيد ابن الشهيد يأكل الشجر ورق الشجر ويشرب من ماء النهر ويلبس الشعر مخافة اإلثم ،يقول أبو شهاب الزهري يعنى يحيى ابن زكريا علية الصالة والسالم -عفوا هذا الحديث أخرجه بن وهب عن ابن شهاب أما اإلمام أحمد رحمة هللا عليه أخرج عن ابن عباس أن النبي عليه الصالة وأفضل السالم قال ما من أحد يلقى هللا يوم القيامة إال ويلقاه بذنب صغير أو كبير ليس يحيى بن زكريا لم يخطر على باله أن يذنب عليه الصالة وأفضل السالم. المسيح عيسى ابن مريم
ً وهكذا كانت نهايته أن يذبح ذبحا وأن تقدم رأسه الشريفة العالية إلى داعرو إلى سالومي بنت هيرودية داعرة بنت داعرة ،فلعنة هللا على هؤالء اليهود الكفرة الذين كفروا بآيات هللا وقتلوا أنبياء هللا ،أعجب أشد العجب لقوم هؤالء أسالفهم وهذه مسالكهم وهذه أفعالهم وشنعاتهم ومقابحهم كيف ينتصرون علينا ،يبدو أن ً ً غلطا فظيعا وقعنا فيه ،يبدو أننا قد حدنا عن دين هللا حيده كبيرة ،لو كنا نبصر وإال ما سلط أمثال هؤالء هذا تاريخهم هؤالء أسالفهم هذه حقيقتهم وهم إلى اليوم والعياذ باهلل يتبرءون من أكثر أنبياء هللا ويدعون عيس ى ابن العاهرة لعنة هللا تعالى عليهم وحليف إبليس ال نحن أولى باهلل وأولى باألنبياء والولي بالحق منهم ،ولكن علينا أن نعتز بهذا الحق وان نعمل له جديا مخلصين.
61
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وخطايانا ،اللهم اهدنا واهدي بنا وأصلحنا وأصلح بنا ،اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وأسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت اعلم به منا، ُ اللهم إنا نسألك أن تنصر اإلسالم وأن تعز املسلمين ،اللهم من أراد باإلسالم ً واملسلمين خيرا فكن له خير معين ووفقه إلى ما تحبه وترضاه يا رب العاملين ،اللهم ً ً عليك بأعدائنا أعداء الدين ،اللهم أحصهم جميعا عددا ،اللهم أحصهم بددا، ً اللهم ال تبقي منهم أحدا ،اللهم أدر عليهم دائرة السوء فإنهم ال يجزونك ،اللهم أرنا ً فيهم يوما أسودا قنطريرا يا رب العاملين ،اللهم أنزل عليهم بأسك الذي ال يرد عن القوم املجرمين ،اللهم إنا نسألك تجمعنا هذا تجمع مرحوما وتفرقنا من بعده تفرق معصوما اللهم ال تدع فينا شقيا وال محروما وال مذنبا وال مظلوما برحمتك يا ارحم الراحمين.
المسيح عيسى ابن مريم
القوم املجرمين ،أرنا فيهم عجائب قدرتك وعزائم بأسك الشديد الذي ال يرد عن
عباد هللا إن هللا يأمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء واملنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ،اذكروا هللا العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم واسألوه من أفضاله يعطكم. ****************************************
62
توفية عيىس عليه السالم إن الحمد هلل ،نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهد هللا فال مضل له ،ومن يضلل فال هاد له ،وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له ،وال نظير له وال مثال له ،وأشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا محمد عبد هللا ورسوله ،وصفوته من خلقه ،وأمينه على وحيه ،صلى هللا تعالى المسيح عيسى ابن مريم
عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته املباركين املحسنين وأتباعهم بإحسان ً إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
عباد هللا! أوصيكم ونفس ي الخاطئة بتقوى هللا العظيم ولزوم طاعته ،كما أحذركم وأحذر نفس ي من عصيانه ومخالفة أمره لقوله سبحانه وتعالى "من عمل ً ه صالحا فلنفسه ،ومن أساء فعليها ،وما ربك بظالم للعبيد".
ثم أما بعد أيها اإلخوة املسلمون األفاضل ،أيتها األخوات املسلمات الفاضالت يقول هللا تبارك وتعالى في كتابه العزيز ،بعد أن أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم، بسم هللا الرحمن الرحيم " 63
ََ َ ُ ْ يس ى إ هني ُم َت َو هف َ ال ه ُ اّلل َو ه ُ وا َو َم َك َر ه ُ اّلل َخ ْي ُر ْاملَاكر َ اّلل َيا ع َ ين ،33إ ْذ َق َ يك ومكر ِ ِِ ِ ِ ِ ِ َ ََ ْ َ َ َ ُ َ َ َ ََ ُ َ َ َُ َ َ َ َ ََ ْ َ َ ين كف ُروا ِإلى وك ف ْوق ال ِذ اع ُل ال ِذين اتبع ورا ِفعك ِإلي ومط ِهه ُرك ِمن ال ِذين كف ُروا وج ِ َ َْ ُ َ َْ ْ َ َ ُ َ َ ْ ُ ُ ْ ََ ْ ُ ُ ََْ ُ ْ َ ُ ُ ْ 33 ن يو ِم ال ِقيام ِة ثم ِإلي مر ِجعكم فأحكم بينكم ِفيما كنتم ِف ِيه تخت ِلفو ". صدق هللا العظيم .وبلغ رسوله الكريم ،ونحن على ذلك من الشاهدين ،هللا ما أجعلنا من شهداء الحق القائمين بالقسط ،اللهم أمين.
والتسليمات .وقد وقفنا على طرف من موقف كهنة اليهود من نبي هللا ورسوله ً عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم ،لقد كانت رسالته ودعوته نورا وأشعة
المسيح عيسى ابن مريم
أيها اإلخوة واألخوات ،لتكن هذه الخطبة بحول هللا تبارك وتعالى األخيرة في سيرة نبي هللا وكلمته التي ألقاها إلى مريم وروحه عيس ى بن مريم عليهم الصلوات
فضحت تدجيلهم ومتاجرتهم بدين هللا تبارك وتعالى ،فغاظهم ذلك وأحنقهم عليه أي حنق وأي غيظ ،فاجتمعت كلمتهم على أن يرموه عن قوس واحدة .أعداء األمس صاروا أوداء اليوم ،الصدوقيون والفيرسيون والكتبة كلهم اتحدت كلمتهم على معادة نبي هللا ورسوله عيس ى بن مريم عليه الصلوات والتسليمات.
ويستمر نبى هللا صلوات هللا وسالمه عليه في دعوته ،في التبشير بكلمات هللا، في عظاته ،في ضربه األمثال التي ما كان يفهمها لألسف إال النذر القليل من الناس، ً فيحتاجون في أكثر األحايين أن يفسرها وكان يفعل في أكثر األحيان أيضا .ذهب إلى الناصرة بلدته وبلدة أمه البتول وبلدة يوسف النجار ،بعد أن تنكرت لهم أورشليم
64
وبعد أن أحرجه وضيق عليه الفيرسيون في كفر ناخوم وفى نانين .وهناك سبقته أخبار آياته ومعجزاته الباهرة ،كيف يشفى املرض ى ،كيف يهتف الحجب العمى عن أعين العميان ،كيف يتطهر بلمساته الشافية البرص ،وقد كانت بنى إسرائيل ً يعتبرون البرص أجناسا ،والبرص نجاسة.
وهناك طلبوا إليه أن يأتيهم بآية "آت بآية إن كنت من الصادقين" ،وقد تبرم المسيح عيسى ابن مريم
نبى هللا من كثرة هذا الطلب ،كأن هللا ما ابتعثه وال أرسله إال ليريهم اآليات ً واملعاجز ،فهذه اآليات واملعاجز كثيرة جدا وتواترت أخبارها من قرية إلى قرية فلما اإللحاح في الطلب؟! فأجابهم جيل شرير فاسق يطلب أن يعطى آية وال يعطى، فقالوا إنه كاذب إذن وال يستطيع ،ارجموه ،ألن الناموس يقول أن األنبياء الكذبة يرجمون ،وتكاثروا على رجمه عليه الصالة وأفضل السالم ،وحاول الحواريون أن يخلصوه ،وانسل نبى هللا على عادته من بين أيدهم وهو حزين على هؤالء الجهلة، على هذا الجيل الشرير الفاسق الذي علق اإليمان واليقين باملحسوسات وبما يرى فقط ،ال بما يعقل ويدرك إن كان له عقل وإن كان له إدراك.
وبعد ذلك قفل مرة أخرى إلى أورشليم ،وهناك بدا له من حقيقة عداء الكهنة واألحبار ما لم يبد له من قبل ،لقد بدأوا يغمغمون ويتمتمون بأن هذا الرجل 65
شيطان ،وأن له عالقة مع إبليس ،أنه شرير ،أنه جاء ليكذب نبى هللا موس ى ،أنه جاء ليخرق الناموس الشريعة التوراة ألنه يعمل في السبت ،فقد كان في طريقه إلى
ً بيت صيدا لزيارة أحد معارفه ،وفى الطريق رمس رجال قض ى فترة كبيرة من حياته ً مقعدا على سرير من خشب ،فنظر إليه عيس ى وحركت حالته الرحمة والرأفة في
أن تخرق السبت والناموس ،وأنت تعتدي في سبت هللا يوم الراحة والعبادة ،لكن حجته على عادتها كان قاطعة قامعة صاعقة .قال لهم :إن رب األيام كلها هو رب ً السبت أيضا -وكانت حججه عميقة جدا عليه الصالة وأفضل السالم ،وإن ً ً أخرجها مخرج األمثال ومخرج األشعار أحيانا ،لكنها عميقة جدا ملن تأملها وما يعقلها إال العاملون -لقد ُجعل السبت لإلنسان ولم ُيجعل اإلنسان للسبت ،لو ً تردى خروف ألحدكم في هوة يوم السبت أما كان ينتشله ،فأيهما أعظم برا انتشال ً خروف أو انتشار ُمقعد من مرضه؟! فأجحموا ،وأصمتوا وقد ألجمهم عليه الصالة وأفضل السالم ،فذهبوا يعضون األنامل من الغيظ ويتوعدونه في موعد
المسيح عيسى ابن مريم
قلبه ،فدعا هللا تبارك وتعالى له وملسه وقال له :قم يا رجل واحمل سريرك ،فقام ً ً الرجل وحمل سريره على ظهره وانطلق ،فجب الناس ودهشوا دهشا كبيرا ،وبلغ ه الخبر الكهنة واألحبار املالعين أباليس البشر ،فقالوا :خطاء أثيم يخرق الناموس، ً لقد عمل في السبت .لقد كانوا يتحرجون من أن ينتعلوا نعال به مسمار ألن املسمار ً حمل يوم السبت ،فكيف برجل يحمل سريرا فوق ظهره ،وهو الذي أغراه بذلك. وجاء الفيرسيون يناقشونه عليه الصالة وأفضل السالم كيف سلوت لكن نفسك
قريب عليه الصالة وأفضل السالم. وملا جاء إلى أورشليم فعل فعلة هي أدخل في باب النكر ،ماذا فعل عليه ً الصالة وأفضل السالم؟ وجد على باب املعبد الكبير في أورشليم رجال أكمه ولد أعمى "ويبرئ األكمه واألبرص بإذن هللا" يتكفف الناس فمنهم من يعطه ومنهم من
66
يمنع ،فدنا منه عليه الصالة وأفضل السالم وتفل بريقه الشريف على األرض، وأخذ ش يء من طين األرض الذي اختلط ببصاقه عليه الصالة وأفضل السالم ثم طلى به عين األكمه ،وقال له اذهب إلى بركة سالوما واغتسل هناك ،فاغتسل الرجل ،وملا اغتسل وإذا بججاب العمى قد تهتك واختفى عن بصره ورأى دنيا ألول مرة يراها ،فجعل الرجل يعدو إلى الهيكل وهو يصيح من الفرح والسرور ،وهناك أخذه بعض جواسيس الكتبة والفيرسيين والكهنة إلى السنهدرين مجلس الديني
المسيح عيسى ابن مريم
األعلى لليهود ،املحكمة العليا ،وسألوه ما هذا؟ قال كنت أكمه ،وأرجع هذا الرجل الذي قيل لي أنه يسوع املسيح عيس ي بصري ،قالوا :كذاب ومتواطئ ،فأنت من ه تالميذه تواطأت معه .وقال بعضهم يظهر أنه صادق ،قالوا :كيف لخطاء أن يأتي ه معجزة؟! إن عيس ى شيطان خطاء أثيم ،يدعونه لعنة هللا عليهم الفاعل بن الفاعلة.
وهكذا اختلفوا فمنهم من صدق ،ومنهم من كذب .وزعم الذين جحدوا وأنكروا أنه تلميذ من تالميذه تواطؤ معه ليضل الناس ،وقال بعضهم وقد أوتى الرأي والحجة :أرسلوا إلى أبويه إن كان أبوان ،وأوتي بأبوين كبيرين يضطربان من الكبر والشيخوخة ،وسألهما األحبار والكهنة :أهذا ابنكما؟ قاال نعم ،فعادوا يسألوهما :أكان أكمه ال يبصر؟ قاال نعم ،قالوا :ولكنه اآلن يبصر؟ قاال :ال ندرى، سلوه يجبكم .قال الرجل املسكين الذي جعله هللا تبارك وتعالى آية :لعلكم تريدون 67
أن تصيروا تالميذ لهذا الرجل البار ،أنا أدلكم عليه ،فقالوا له :أسكت! وصاحوا أخرجوه ،أخرجوه من ولد في الخطيئة ،ألن اليهود كانوا يعتقدون أن هللا تبارك
ه وتعالى يخلص ذنوب اآلباء في األبناء ،فمادام هذا الرجل قد ُولد أكمه فهو خطاء ه ه ابن خطاء ،جعله هللا عقوبة ألبيه الخطاء ،وقد ولد في الخطيئة وجزائه أن يطرد ً مهينا من السنهدرين ومن الهيكل .فخرج الرجل وقد جعله هللا تبارك وتعالى آية. والتقاه عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم ،فهو لم ير عيس ى من قبل ولذلك لم يعرفه ،فدنا منه عيس ى وقال له يا رجل أتؤمن برسول هللا ،قال من هو وأين هو؟ ً قال ذلك الذي تكلمه ،أنا هو ،فجعل الرجل يبكى وخر ساجدا هلل ،ورفع بصره إلى
وأخذ عيس ى والرجل يتجاذبان أطراف الحديث ،فرمقهما أحد الفيرسيين ً فجاء كالحي يتسلل يريد أن يسمع لعل القصة فعال بها مؤامرة ،فلما رآه عيس ى ً عليه الصالة وأفضل السالم قال لألعمى الذي أصبح بصيرا بصوت يسمعه
المسيح عيسى ابن مريم
السماء بكلمات التمجيد والثناء والشكر ،وأعلن إيمانه باهلل الواحد وبنبيه وعبده ورسوله عيس ى بن مريم.
الفيريس ي :جئت ليبصر الذين ال يرون -أي أمثال هذا الرجل اآلية -ويعمى الذين يبصرون -أي هؤالء الذين كانوا معهم املفاتيح كما وصفهم عيس ى عليه السالم فلم يدخلوا ولم يسمحوا ألحد أن يدخل ألنهم شوهوا الدين وخلطوا حقه بالباطل- ً فقال الفيريس ي :لعل نحن أيضا عميان؟ فقال عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم: أعمى يقود أعمى فبالحرى أن يقعا في الهاوية ،ليس املالم على من ولد أعمى -أنت ه تزعمون أن هذا خطاء وأنه ولد في الخطيئة وهذا كذب وافتراء على هللا تبارك وتعالى -وإنما املالم على من أعمته الخطيئة -أي أمثالك أيها الفيريس ي املنافق املرائي الكذوب -وانطلق عيس ى.
68
لقد شعر عليه الصالة وأفضل السالم أن عليه أن يغادر هذه املدينة ذات القلب الذي قد من الصخر ومن صوان .وهكذا حتى إذا ترك أسوارها خلفه ألقى عليها نظرة وداع في حزن وأس ي وقال قول شديد :يا أورشليم يا قاتلة األنبياء وراجمة املرسلين ،أردت أن أجمع أوالدك تحت جناحي كما تجمع الدجاجة فراخها ،لكنهم أبوا على .ال يريدون هداية ،أنهم يهود قساة القلوب ،قتلة األنبياء، المسيح عيسى ابن مريم
ذابحون املرسلين لعنة هللا عليهم إلى يوم الدين .وانطلق عليه الصالة وأفضل السالم .أين يذهب؟ لقد تنكر له الناس في الناصرة بلدته وبلدة أمه البتول ،وفى كفر ناحوم بعد أن أراهم عجائب آيات هللا ومعاجزه أغراهم الفيرسيون بالتنكر له ،وأما أورشليم فشأنها معه معروف في الجحود والنكران ومناصبته العداء.
انطلق هكذا حتى بلغ الجليل ،وبقى فيها ما شاء هللا له تبارك وتعالى ،ثم أراد أن ً يعود كرة أخرى إلى أورشليم -ولعله أوحي إليه بذلك -فقل راجعا في رحلة شاقة متعبة مجهدة من جديد هو وحواريوه .وفى بيت املقدس أورشليم كانت بيت ألحد أوداء وأحد تالميذه املخلصين -وهو ليس من حوارييه -وهو اليعازر ،وهذا الشخص الكريم كان أخا ألختين لهما شأن مع عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم، مريم املجدلية وأختها مرسا .أما مريم هذه فكانت والعياذ باهلل تعيش حياة هي الخطيئة بعينها متجسدة ،كانت تبيع الهوى ،كانت مومس ،وقصة توبتها على يد نبى 69
هللا سنبسطها على هذا النحو.
ً رأت ذات يوم من األيام الناس وقد تجمعوا وتحلقوا واكتنفوا رجال سمعت أنه يسوع املسيح ،فهفا قبلها أن تراه وأن تسمع منه لعل لديه ش يء يصلح ،وكذا جاءت ودخلت في األفواج التي تجمعت حول نبي هللا ،فما هي إال أن رأته ،فرأت في وجهه عالئم الصدق ومخايل النبوة ودالئل الرسالة ،وجه نوراني يحاكي األمن ويحكى السكينة بأروع معانيها ،يتدفق فمه الكريم الشريف بالكلمات العذاب الطيبات ً التي سكبت برد اليقين وروح اإليمان في فؤادها سبكا .شعرت أنها خلقت من جديد، خالية بنفسها ،وفى الصباح أصرت أن تعود إلى هذا النبى الكريم الذي جعلتها كلماته تخلق من جديد .فجاءت على استحياء -اآلن جاءت مريم األخرى ،مريم التائبة -ال تريد أن تختلط بالناس ،وال تستطيع أن تحادث السيد املسيح بين جموع
المسيح عيسى ابن مريم
وعادت وألول مرة في حياتها تعرف معنى دموع التوبة والندم ،وقضت ليلتها وحدها
الناس خشية املالم وخشية املعرة ،خشية أن يذكروها بماضيها القريب .فبقيت هكذا حتى دخل السيد املسيح بيت أحد الناس وهو سمعان الفيريس ي وهو من أعدائه املنافقين ،فدخلت مع الناس ولم ترد أن تفوتها هذه الفرصة ،وهنا أخذت عطرا من خالص الناردين يساوى قيمة مالية هائلة وسكبته على قدمي املسيح ً عليه الصالة وأفضل السالم عرفانا بالجميل ،فاغتاظ لهذا اليهودي يهوذا األسخريوطي -كان كل حواريي املسيح األحد عشر كانوا من الجليل واملسيح كان جليليا ،إال يهوذا األسخريوطي كان من اليهود -وقال :يا سيد لو أنك منعتها مما فعلت وأخذنا هذا العطر فبعناه ألتينا بثالثمائة دينار وضعناها في يد الفقراء واملحاويج ،فقال السيد املسيح عليه الصالة وأفضل السالم :ال تتعبوها -يقصد
70
ً مريم املجدلية -دعوها تفعل ما تريد ،فإني معكم اليوم وليست معكم دائما ً وسيكون الفقراء معكم دائما- .هنا بدأ يشير إلى قرب مغادرته الدنيا على الصالة وأفضل السالم .وصارت أمثال هذه الحكاية أشياء أخرى ال نظن أنها صادقة.
على كل حال ،فهذه مريم املجدلية وأختها مرسا وهما شقيقتا اليعازر الذي ً نزل املسيح عليه في بيته ضيفا ليستريح وقد اقترب موعد عيد الفصح .وذهب عليه الصالة وأفضل إلى أورشليم وحدث معه نفس الش يء من مناوشات وتنغيصات، المسيح عيسى ابن مريم
وكلما رأى األحبار والكهنة إقبال الناس على عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم أحرجوه بأسئلة غبية ال تعجزه ،لكنهم يطرحوها ليشوشون على عامة الناس من ً الجهلة ،والشبه دائما تؤثر في الجهلة ضعاف القلوب وضعاف النفوس .واستشعر نبى هللا اليأس وقرر هذه املرة أن يختط خطة أخيه النبى الرسول يحيى بن زكريا عليهم الصلوات والتسليمات ،فقرر هذه املرة أن يلوذ بالبرية ،ومن أراد أن يتبعه ً فليأتي إلى البرية .يريد أن يعظ ويضرب األمثال كما فعل يحيى في البرية بعيدا من هؤالء وعنهم.
71
وهكذا ذهب إلى البرية عليه الصالة وأفضل السالم ،وهناك كان يعظ ويضرب أمثاله العجيبة .جائه رسول في يوم من األيام يقول له :يا سيدى إن صديقك الذي ً تحب اليعازر في سياق املوت ،صمت املسيح قليال وقال :إن اليعازر قد نام ،هيا نذهب لكي نوقظه ،قال الحواريون -وكانوا قلما يفهمون عليه ،لكنهم كانوا
مخلصين :-يا سيدى إذا كان قد نام ،فعما قريب يشفى ،قال :إنه قد مات ،هيا نذهب لكي نوقظه ،قالوا :يا سيدى ولكن اليهود يتآمرون عليك ويريدون هذه املرة أن يلقوا القبض عليك ملحاكمتك ،قال :ال عليكم .وانطلق وانطلقوا معهم حتى وصلوا إلى بيت عنية وهى في أرضاب بيت املقدس حيث يقيم اليعازر وشقيقتاه، فدخل واستقبلته مرسا -مريم لم تكن موجودة في تلكم الساعة -وقالت :يا سيد لو
الصخرة ،فقال :أزيحوا هذه الصخرة ،فتدخلت مريم املجدلية وقالت :ال يا سيد، له أربعة أيام -خشيت أن تفوح رائحته -فقال املسيح عليه الصالة وأفضل السالم:
المسيح عيسى ابن مريم
كنت عندنا ما مات ،لقد مات .وقد مر عندما وصل املسيح عليه السالم على موت اليعازر أربعة أيام ،فاملسافة بعيد من برية األردن إلى بيت عينة .ثم أقبلت مريم ً وهى تبكى وقالت مثلما قالت أختها ،قال :أين وضعتموه؟ وانطلقوا جميعا إلى القبر ً وتبعهم جماعة من اليهود ومن األحبار أيضا ،قالوا :وضعناه هو في الكهف ،وعليه
ألم أقل لك يا مريم من قبل إن آمنت ترين مجد هللا تبارك وتعالى.
أزاحوا الصخرة ،ثم أقبل املسيح وخر جاثيا على ركبته وابتهل إلى ربه الواحد ً األحد :اللهم أجب دعائي واصنع على يدي آية ليؤمنوا أنك أرسلتني -دائما كان يؤكد أنه عبدا ،وأنه بشر ،وأنه ابن اإلنسان ،وأنه مرسل من عند هللا ،وكم من مرة أكد فيها أنه ما أقول لكم ليس من عندى هللا هو الذي أنطقني به ،هللا هو الذي أوحاه إلى ،وهو القائل :طوبا ملن ال يعثر فى ،طوبا ملن يعرف حقيقتي من غير تشبيه .ومن هو املسيح؟ من بين ثالثمائة وعشرين ألف نبي ،أنه واحد من الخمسة العظام محمد وإبراهيم وموس ى وعيس ى ونوح ،أنه رقم أربعة ،أنه رابع أعظم شخصية
72
ً خلقها هللا تبارك وتعالى -ثم قام وصرخ في امللفوف في أكفانه بصوت قوى قائال :قم وانهض بإذن هللا ،فإذا بامللفوف في أكفانه وقد وضع في قبره منذ أربعة أيام يتململ، فجاءت مريم أخته ومرسا أخته الثانية تفكان عنه أكفانه ،ورجعوا جميعا باليعارز من قبره بعد موت دام أربعة أيام .وطار الخبر في جميع أرجاء فلسطين في اليهودية ً وفى الجليل ،بلغ املعبد األعظم في أورشليم ،فزاد األحبار والكهنة غيظا على ُ ً غيظهم ،وحنقا وحقدا ومرارة وقست قلبوهم .كلما رأوا آية زادت قلوبهم قسوة والعياذ باهلل تبارك وتعالى. المسيح عيسى ابن مريم
واقترب اآلن موعد الفصح والخبر قد عم األرجاء ،ونزل عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم مع حوارييه إلى املعبد وهو آمن من أن تمتد أيدي اليهود بالسوء، ألن الحجاج من أسيا الصغرى والجوالن ومصر وسوريا يمنعونه .وهناك قلب موائدهم مرة أخرى وزجر األغنام والدواب وقلب املوائد وقال :مكتوب بيتي بيت الصالة ،وقد جعلتموه مغارة لصوص يا أوالد األفاعي .وقد ضرب عليه الصالة ً ً وأفضل السالم مثال على هؤالء الكذبة قائال :سيد أمر ابنا له وقال له قم واذهب واعمل في كرمي -حقل العنب -فقال :أنا ال أذهب ،ثم ندم وذهب .وقال البنه اآلخر: قم واذهب واعمل في كرمي ،قال :نعم أنا سأذهب ،ولم يذهب ولم يعمل .أيهما نفذ ه إرادته؟! قالوا :األول ،قال :وهكذا الحق الحق أقول لكم ،إن الخطائين والزواني يدخلون ملكوت هللا قبلهم ،ألن هللا أرسل إليهم يحيى -يوحنا املعمدانى -فآمنوا به،
73
أما أنتم فكفرتم ،وأنت اليوم تكفرون إذ ترون آية هللا .وهذا منطق األنبياء جميعا، أنه املنطق الحق ،ليس عبد أولى باهلل من عبد إال بالعمل الصالح ،ليس بين هللا
تبارك وتعالى وبين واحد من خلقه قرابة أو نسب ،أنه العمل الصالح .فأصمتوا وألجموا ،بمثل هذا الكالم العالي املقام.
وهنا انحطت كلمتهم بعد أن اجتمعوا على أن يهلكوه ،فالبد من إهالكه، ً فمكروا له مكرا ونصبوا له الحبائل لكي يقع فيها ،ودسوا إليه أعوان هيردوت الروماني حاكم الجليل ،وكان حاكم اليهودية بيالطس البونطي .دسوا له أحد أعوان الوالي الروماني ،فذهب وقال للمسيح :أيها السيد الجليل نعلم أنك مرسل
هللا املختار للوثنيين الرومان ،لكنهم كانوا مرغمين أن يعطوها ،فهذا سؤال ملغوم ً وشرك كبير ،البد أن عيس ى عليه السالم أن يفتى بأنه ال يجوز هذا األمر تملقا ً ً لجماهير اليهود ،لكنه كان نبيا رسوال ،فاألنبياء أفطن وأذكى خلق هللا -فقال عيس ى ً عليه السالم للجماهير :ناولني دينارا فقذف إليه بدينار ،فنظر إلى الصورة ووجد ً أنها صورة قيصر في روما والكتابة أيضا باسمه ،وقال :ملن هذه الصورة والكتابة؟
المسيح عيسى ابن مريم
بالحق ،وأنك ال تخاف في هللا لومة الئم ،فأخبرنا اآلن أيجوز أن تعطى الجزية ً ً للرومان الوثنيين؟ -اليهود كانوا يرون أن كفرا وإلحادا أن تعطى الجزية من شعب
قالوا :لقيصر ،قال :إذن أعطوا ما لقيصر لقيصر -ألنها دنانيره -وما هلل فهو هلل، ً ً فغم األحبار والكهنة والفيريسيون غما شديدا ،وما كانوا يستطيعون أن يردوا عليه ً جوابا ،ألنهم لو ردوا الجواب لوقعوا هم في شر ما نصبوه له وعرضوا أنفسهم لغضبة الرومان ووالة الرومان في األرض املقدسة ،فصمتوا .فخرج منها عيس ى عليه الصالة وأفضل السالم بسهولة.
74
ُ ً ً وقد ضرب عيس ى للناس مثاال مؤثرا جدا قال :ملك من امللوك أراد أن يزوج ابنه ،وفى يوم العرس بعث خدامه وعبيده ليدعوا املدعوين من جميع األنحاء، فأتوهم ودعوهم ،فقال بعضهم :ال نريد ،وذهب هذا إلى حقله وهذا إلى متجره، ً ً وأما اآلخرون فأخذوا عددا من الخدم والعبيد فقتلوهم ،وأغتاظ امللك جدا فأرسل جنوده الغالظ األشداء القساة وقتلوا أولئكم عن أخرهم ،ثم قال امللك لعبيده وخدامه أخرجوا اآلن الساعة إلى الطرقات وادعوا من لقيتم -أنه ينقض
المسيح عيسى ابن مريم
هنا أسطورة شعب هللا املختار ،ال يوجد شعب مختار ،فالكل مدعو إلى ملكوت ه هللا ،كل الشعوب ،كل الصالحين البررة ،كل الخطائين األثمة -إلى عرس ابن امللك، فذهبوا وجاءوا بالصالحين وجاءوا بالطالحين األشرار ،وجاء امللك لينظر فوجد واحد منهم لباس العرس -هناك زى معين تدخل به في ساحة هذا امللك الداعي- فقال :يا صاح كيف دخلت إلى هنا ،ومن الذي أدخلك -يشير نبي هللا عيس ى عليه السالم إلى أن من انتمى إلى دين أو رسول أو زعم أنه دخل امللكوت فالبد أن يتدثر بلباس التقوى ،ال بمجرد اإلعالم والعنوان أنا مسلم أنا محمدي ،غير كافي ،البد أن يتدثر لباس التقوى ذلك خير ،فمن لم يلبسه فما هو مصيره؟ سنرى -ولم يحر ً الرجل جوابا ،فقال لرجاله وجنده خذوه ألقوه في السجن والعذاب املهين حيث يكون البكاء وصرير األسنان .ثم قال عليه الصالة وأفضل السالم كاملزيل لهذا املثل العجيب :كثيرون هم الذين يدعون وقليلون هم الذين يفوزون.
75
ذهب األحبار والكهنة إلى رئيسهم األعظم قيافا امللعون املتاجر بالدين الذي ضحى برسول وبرسالة من أجل مغانم دنيوية بخسة وشكوا له حقيقة الحال،
فقال :أن يهلك واحد خير من يهلك الشعب كله .هذا فتوى تعنى إهدار دم املسيح، فليقتل املسيح .وهكذا حرضتهم على املسيح وأعطاهم فتوى ورخصة لسفك دمه البرئ الزكي الطهور عليه الصالة وأفضل السالم ،فهل يصلون إليه؟ هذه هي ً القصة ،في كل ما سبق تقريبا نستطيع أن نتفق مع النصارى ،لكن في هذه النقطة الخالف بينها وبينهم جد وسيع وبعيد ،ألن هللا شبه عليهم .املوضوع عندهم ملتبس ً ً جدا وهلل الحكمة البالغة وال ندرى ملاذا .املوضوع ملتبس جدا حتى إلى يومنا هذا، فله الحكمة البالغة وال ُيسأل عما يفعل سبحانه وتعالى. المسيح عيسى ابن مريم
قرروا ذلك وعلم عيس ى بهذا األمر ،فانسل هو والحواريون ولم يرد أن يبيت ليلة في أورشليم حتى بلغوا جبل الزيتون .وهناك في جبل الزيتون لجئوا وأووا إلى ضيعة كانت ألحد أصدقائهم وهو يوسف الرامي رضوان هللا عليه .جلس املسيح في الضيعة وتحلق الحواريون حوله ،وكان يبدو على كالمه الحزن واألس ى ،قال أشعر بألم وبحزن حتى املوت -لقد كانت أخر ساعات له في هذه الدنيا قبل أن ينتقل- ً وضرب لهم مثال ولعله من أخر األمثال التي أوحيت إليه :قال صاحب كرمة يوما إلى ً ه الكرام الذي يعمل في الكرم ،وقال له :أتي دوما إلى هذه األشجار ألجد تينا ،فال أجد ً تينا ،فالبد أن تقطع هذه األشجار ،فقال الكرام :يا سيد َ ولم العجلة؟ قال :لي ثالث سنين -وهنا إشارة إلى مدة نبوة عيس ى عليه السالم ،بهذا املثل أعطاهم إشارة إلى أن رسالتهم ال تزيد عن ثالث سنوات .هذا كان من أواخر أمثاله عليه الصالة وأفضل السالم.
76
ثم ذهب ليصلى ويستهدى ودموعه تندحر على وجنتيه الشريفتين وظل يدعو، ً ً وبعد قليل رجع إليهم فوجدهم جميعا نياما ،فقال :يا سبحان هللا ،في هذه الليلة تنامون! وجعل يوقظهم واحد إثر واحد ،ثم قال لهم :أما تصبرون معى ساعات فإني ذاهب وال أعود إليكم ،قالوا :وهللا يا سيد ال ندرى ،لقد كنا نسمر من قبل فيحلو لنا السمر ونسمر ما شاء ،أما الليلة فلم نستطع ضرب علينا النوم ،وإذا أردنا دعاء حيل بيننا وبينه ،فجلس معهم وبشرهم وأوصاهم وقال عليه الصالة وأفضل السالم :خير لكم أن أذهب ،ألني إذا ذهبت يبعث الرب تبارك وتعالى المسيح عيسى ابن مريم
الفرقليط ،والفرقليط يعلمكم كل ش يء ويخبركم بكل ش يء ،هو يشهد لى وأنتم تشهدون لى.
وهذا صحيح لم يشهد لعيس ى عليه الصالة وأفضل السالم بأنه صادق وأنه ً ً ً عبد هللا ورسوله وليس دجاال وال كذابا وال إبليسا وال مدنسا إال الحواريون األوائل وأمة محمد من وراء محمد عليه الصالة وأفضل السالم .ولذلك هذه اآلية من
77
اإلنجيل أصح آية وأوضحها بالتبشير بمحمد عليه الصالة وأفضل السالم .وأصح ترجمة لكلمة الفرقليط اليونانية القديمة هي أحمد بالضبط وتساوى أحمد ً بالضبط ،وقال هللا تبارك تعالى "ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد". ً يقينا رسول هللا لم يكن يعرف هذه الكلمة (فرقليط) إال بوحى من هللا تبارك ً وتعالى ،لكن ما درسها على يد معلم ألنه كان أميا .لقد بشر بالفرقليط بمحمد ً الذي سيشهد له ،وأنت أيضا أيها الحواريون سيتشهدون لي -ثم قال لهم عليه الصالة وأفضل السالم :كلكم تشكون في هذه الليلة -هو يعرف أنه ستقع شبهة
ً ً عظيمة ،وحتى الحواريون لن يعرفوا حقيقة ما وقع -ستحزنون حزنا عظيما، ً ً ً والناس يفرحون فرحا كبيرا ،ثم تفرحون فرحا كبيرا -حين تعرفون الحقيقة أنني لست املصلوب ،وأن املصلوب واحد غيره .في البداية الناس الببغاوات ً التي تردد ما تلقن يفرحون ،وأنتم تحزنون جدا بقتل املعلم النبي والرسول ،ثم بعد ً ذلك ستعلمون أنه لم يقتل ولم يصلب ،وستفرحون فرحا عظيما ..هذا معنى كالمه.
بعد ساعات ،وقال له عليه الصالة وأفضل السالم :ال يصيح الديك هذه الليلة
المسيح عيسى ابن مريم
قام له سمعان الذي لقبه عيس ى ببطرس ،وقال :يا سيد أنا مستعد أن أذهب معك إلى املوت ،فنظر إليه نظرة عجيبة لم يفهم بطرس وال الحواريون سرها إال حتى تنكرنى ثالث مرات -أي لن ينبلج الفجر حتى تنكر ثالث مرات أنك تعرفني ،ولم يفهم بطرس.
ثم قام يصلى ،وبينما كان يصلى عليه الصالة وأفضل السالم نزل سفير رب ال ه ُ اّلل َيا ع َ العاملين جبريل عليه الصالة وأفضل السالم بوحى هللا وكلماته "إ ْذ َق َ يس ى ِ ِ َ َ ُ َ َْ َ ه ََُه َ ََ ُ َ َ َُ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ اع ُل ال ِذين اتبعوك فوق ِإ ِني متو ِفيك ورا ِفعك ِإلي ومط ِهه ُرك ِمن ال ِذين كف ُروا وج ِ َ َ َ ُ ْ َ َْ ْ َ َ ُ َ َ ْ ُ ُ ْ ََ ْ ُ ُ ََْ ُ ْ َ ُ ُ يما كنت ْم ِف ِيه ال ِذين كفروا ِإلى يو ِم ال ِقيام ِة ثم ِإلي مر ِجعكم فأحكم بينكم ِف َ َْ ُ َ تخت ِلفون" .وإلى اليوم النصارى فوق اليهود ،كل من يظن عكس ذلك غير صحيح،
78
فاليهود أحذية في أرجل النصارى ،يد خفية ينفذ بها النصارى مآربهم ومخططاتهم. ً هكذا أوحي إليه عليه الصالة وأفضل السالم ،فتأيد وتثبت ،وعلم مصيره جيدا.
وإذا بضيعة يوسف الرامي تغوص بالجنود الرومان ومعهم املشاعل واملصابيح ،ومعهم الخائن يهوذا األسخريوطي أحد الحواريين االثنا عشر ،لقد اغتاظ من املسيحيين لبعض األشياء البسيطة وهو نبيه ورسوله ،لكنه كفر به في ً قلبه ملسائل قليلة جدا ليس له فيها حجة ،فذهب إلى رؤساء الكهنة وتواطؤ معهم المسيح عيسى ابن مريم
على أن يسلمهم يسوع املسيح ويدلهم على مكانه لقاء ثالثين ليرة فضية فقط.
جاء الخوان األثيم مع الرومان ووقف يسوع ،وهرع الحواريون وقد أشفقوا على مصير املعلم النبي ،فقال في ثبات وطمأنينة :من تطلبون؟ قالوا يسوع الذي يقال له املسيح ،قال :أنا هو ،فعاد الجنود إلى الخلف ووقعوا -أنها رهبة إلهية ،أنه ُ ممنوع من هللا ،ومحفوظ -ثم قاموا في مهانة وهو يبتسم ،ويهوذا يخفق قلبه خوفا ً وفرقا من املصير املجهول .ثم أعاد املسيح بثابت مرة أخرى :من تطلبون؟ فقالوا: يسوع الذي يقال له املسيح ،قال :قلت لكم أنا هو ،فدعوا هؤالء .في رواية أن بطرس تقدم في البداية واستل سيفه من غمده وضرب أذن رئيس الكهنة قيافا،
79
فقال له يسوع -وهو يعلم أنه ال يستطيع أن يمنعه ،هللا هو الذي سيمنعه -أغمد سيفك .ثم قال للحواريين :انطلقوا ،فانطلقوا ال يلون على ش يء .تركوا نبيهم في قلعة جثيمانبين الرومان القساة الغالظ.
يدخل البيت ،فقالت له املرأة الواقفة الحارسة على الباب :أنت من تالميذه، فقال :ال ..ال أعرفه ،وتركها ..وكانت هذه املرة الثانية .وفى بيت قيافا رئيس الكهنة ً أودعوه أيضا للمحاكمة السريعة ،ونجح بطرس أن يدخل واندس بين الجنود وقد
المسيح عيسى ابن مريم
ً وملا قال لهم الثانية وقعوا جميعا وانسل املسيح من بينهم الهوينا ،فقاموا ً مذعورين يشعرون بالذل والخزي فما وجدوا أمامهم إال أقرب الناس شبها به ،لقد ً ُ ً كان يهوذا األسخريوطي يشبه املسيح شبها غريبا جدا في طوله وجسمه ولون عينه، ً وقد زاده هللا تبارك وتعالى شبها به .فقالوا :أنت املسيح ،قال لست أنا ،فقالوا: ه خذوه .أخذوه وذهبوا في هذا الوقت إلى حنان صهر قيافا حاكمه محاكمة لم يخرج ً منها بش يء .وهناك أراد بطرس أن يدخل ،فقال له أحد الجنود ألست أنت أيضا من ً تالميذه ،قال :ال ..ال أعرفه ،وذهب بعيدا ..كانت هذه أول مرة .ثم بعد ذلك أراد أن
أشعلوا نيرانهم ،وهناك قال له أحد الجنود :ألست أنت الذي استل سيفه؟ قال: ال ..لست أنا ال أعرفه! ثم ولى ،وملا صاح الديك جعل يبكى وتذكر قول املسيح "ال يصيح الديك هذه الليلة حتى تنكرنى ثالث مرات". أخذ يهوذا بعد محاكمة سريعة ُ ودفع إلى بيالطس حاكم اليهودية "أورشليم وبيت لحم" ،فقال بيالطس :جليلي قلت ،قالوا :نعم ،قال :ال عالقة لى به ،اذهبوا ً به إلى حاكم الجليل هيردوت ،فذهبوا به ،وهناك أيضا هيردوت لم يرد أن تتلوث يده بدمه وهو يحسب أنه املسيح -لقد شبه أمره على الجميع حتى على الحواريين وحتى على أمه مريم -فعادوا به مرة أخرى إلى بيالطس ،فقال بيالطس :لم أجد ما
80
أصلب به هذا البار ،قالوا :لقد خرق الناموس ،أنه كافر ،وقد نص الناموس على قتله ،أصلبه واقتله! قال :أجلده وأدبه ثم أطلقه ،قالوا :ال..القتل ،قال لهم :لقد ً جرت العادة بأن ُيطلق لكم في عيد الفصح دائما أحد املأسورين ،وها هنا السارق القاتل سفاك الدماء براباس األثيم ويسوع املسيح ،قالوا :أطلق لنا براباس وأصلب يسوع .لعنة هللا على اليهود! أنهم يظنون أنه يسوع ،ولكنه ليس يسوع ،أنه هو الخوان األثيم من جلدتهم وفى طريقتهم يسير وعليها ينهج.
المسيح عيسى ابن مريم
وهكذا أخذ يهوذا ُ وصلب على أنه املسيح عليه الصالة وأفضل السالم .وأمر بيالطس أن تكتب لوحة وتعلق على صليبه مكتوب عليها يسوع املسيح ملك اليهود، ً قالوا اليهود :ال ..أنك تسخر منا ،أنه ليس ملكا علينا ،قال :ما كتب فقد كتبت، والبد أن يعلق .ولألسف إلى اليوم هذه الجملة مكتوبة على كل صلبان العالم اختصارا بأربع حروف وتعنى "يسوع املسيح ملك اليهود".
81
َ َ ْ ْ َ َْ َ َْ َ يح ع َ يس ى ْاب َن َم ْرَي َم يقول الحق تبارك وتعالى في اليهود "وقو ِل ِهم ِإنا قتلنا امل ِس ِ ُ َ َ ُ َ ه َ َ َ َُ ُ َ َ ََُ ُ َ َ ْ ََ ُ ْ َ َ ين اختلفوا ِف ِيه ل ِفي ش ٍهك وه َول ِـكن ش ِهب َه ل ُه ْم َو ِإن ال ِذ ّلل وما قتلوه وما صلب رسول ا ِ ه َ َ َ َُ ُ َ ً َ َ َ ُ هُ َْ َ َ َ هم ْن ُه َما َل ُهم به م ْن ع ْلم إال هات َب َ ان ا ه ُ ّلل اع الظ ِن وما قتلوه ي ِقينا ،بل رفعه اّلل ِإلي ِه وك ِِ ِ ِ ٍ ِ ِ ِ َ ْ َ َ َ ُ ُ َ ً َ ً َ ه ْ ْ ْ َ اب ِإال ل ُي ْؤ ِمنن ِب ِه ق ْب َل َم ْو ِت ِه َو َي ْو َم ال ِق َي َام ِة َيكون ع ِزيزا ح ِكيما ،و ِإن ِمن أه ِل ال ِكت ِ َ َ ً َعل ْي ِه ْم ش ِهيدا" .صدق هللا العظيم .أقول قولي هذا واستغفر هللا لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية
الحمد هلل الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له ،وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله، ً صلى هللا تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا.
لألول من ذى الحجة ،وقد قال موالنا رسول هللا صلوات ربي وتسليماته عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه في صحيح البخاري عن ابن عباس ،قال :ما من أيام العمل
المسيح عيسى ابن مريم
أما بعد أيها اإلخوة واألخوات ال يفوتنى أن أنبه وأن أذكر نفس ي وإياكم في هذا املقام الكريم ،بأنه سيكون يوم الجمعة القادم إن شاء هللا تبارك وتعالى املوافق
الصالح أحب إلى هللا من هذه األيام -أي العشر األوائل من ذى الحجة ،-قالوا :يا رسول هللا وال الجهاد في سبيل هللا؟ قال :وال الجهاد في سبيل هللا ،إال رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بش يء .فأسأل هللا تبارك وتعالى أن ييسرني وإياكم ملا يحب ويرضاه ،وييسر لنا التقوى وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ،اللهم اغفر لنا وارحمنا وأهدنا وتقبل منا ،أنك أنت السميع العليم ،وتب علينا يا موالنا أنك أنت التواب الرحيم. 82
عباد هللا! إن هللا يأمر بالعدل واإلحسان إيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء واملنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ،أذكروا هللا العظيم يذكركم ،واشكروه يزدكم ،وأسالوه يعطكم ،قوموا إلى صالتكم يرحمني ويرحكم هللا. ****************************************
المسيح عيسى ابن مريم
83