الدرس الثّاني في العقيدة

Page 1

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫الرّجاء‪ ،‬الثّواب‪ ،‬اإلخالص و شروط التّكليف‬

‫دروس العقيدة‬


‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫‪1‬‬


‫‪‬‬ ‫و قد دامت هذه الحصّة ‪ 2‬س و ‪ 30‬دق‪ ،‬تضم ْ‬ ‫ّنت فقر ًة لألسئلة و األجوبة ُم َّد ُتها‬ ‫‪ 54‬دق تقريبا‪ ،‬أُفرغت في هذه الصحائف ل َمن استحسن ال ّتعلّم قراء ًة‪ .‬و ت ّم ا ّتبا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بخط "هاسن فانيليا"‪،‬‬ ‫خطة معيّنة عند ال ّتفريغ‪ ،‬و َشرْ حُها كال ّتالي‪ :‬ما هو مكتوب‬ ‫ّ‬ ‫تحته ّ‬ ‫متقطع‪ ،‬و بين قوسين ليس مِن أقوال ال ّشيخ‪ ،‬و إ ّنما مالحظات لكي يفهم‬ ‫خط‬ ‫القارئ بعض المقاصد‪ ،‬الّتي قد تغيب عنه‪.‬‬ ‫‪ ،‬و ال يُع َت َبرُ حديثا نبويّا شريفا‬

‫ال يُع َت َبرُ قرآنا ّإال ما ُكتب بين الرّ مزين ال ّتاليين ‪‬‬ ‫ب بين ‪ ،‬و قد ُخصَّ الحديث القدسيّ بالرّ مزين ‪  ‬وبال ّنسبة‬ ‫ّإال ما ُك ِت َ‬ ‫ألقوال العلماء فهو بين ‪‬‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫في الصّفحات الموالية تقرؤون‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬ثاني درس مِن دروس العقيدة‪ ،‬لل ّشيخ‪،‬‬ ‫ال ّدكتور‪ ،‬و ّ‬ ‫العالمة الحجّ ة و فخر اإلسالم‪ ،‬عدنان إبراهيم‪. 5 ،‬‬

‫‪ ،‬و الك ّل مشكول‪.‬‬

‫وت ّم إسقاط بعض الجمل‪ ،‬لعدم استكمالها مِن ال ّشيخ و ال يوجد فيها معنى يُذكر‪ ،‬كما‬ ‫ي أ ّنه يُناسبها من العربيّة الفصيحة‪.‬‬ ‫ت ّم استبدال بعض الكلمات العاميّة بما رُ ِؤ َ‬ ‫و الكمال هلل وحده‪ ،‬و الصّالة و السّالم على َمن ال نبيّ بعده‪.‬‬ ‫اللّه ّم زدنا علما و فقها و رشدا‪ ،‬آمين‪.‬‬

‫‪2‬‬


‫أعوذ باهلل السّميع العليم مِن ال ّشيطان الرّ جيم‪ ،‬بسم هللا الرّ حمان الرّ حيم‪ ،‬الحمد هلل‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫ربّ العالمين‪ ،‬حمدا طيّبا مباركا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى‪.‬‬ ‫اللّه ّم ص ِّل و سلّم و بارك على سيّدنا ‪ ‬بن عبد هللا و على آله ّ‬ ‫الطيّبين و صحابته‬ ‫المباركين و َمن ا ّتبع هداه و استنّ بس ّنته إلى يوم ال ّدين‪.‬‬ ‫أمّا بعد‪ ،‬أيّها اإلخوة األحباب‪ ،‬السّالم عليكم و رحمة هللا تعالى و بركاته‪.‬‬

‫وقفنا عند قوله‪ :‬وَ​َآلَهَ​َوَ​َصَحَبَهَ​َوَ​َحَ​َزبَهَ‪.‬‬ ‫ث ّم قال (الشّيخ ‪‬اللّقانيّ‪ ،)‬رحمة هللا عليه‪:‬‬

‫اجَُلَلت ب ي ي نَ َ‬ ‫ح تَ مَ​َيَحَتَ َ‬ ‫‪ 9‬وَ​َبَعَدَُفَالعَلَ َمَُبَأَصَلَ​َالدَي نَ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ َمُ َ‬

‫قوله َو َبعْ ُد‪ ،‬بعد ماذا؟ (إجابة مِن أحد اإلخوة الحاضرين)‪ ،‬أحسنت‪ ،‬بعد الحمد‬ ‫و الصّالة و ما سبق‪ .‬يعني بعد ك ّل هذه األبيات و مضمونِها‪ ،‬بعد ذلك كلِّه‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫ين‪ .‬ال ب ّد أن نعرّ ف العلم‪.‬‬ ‫َو بعْ ُد‪َ .‬فالع ِْل ُم ِبأَصْ ِل ال ِّد ِ‬

‫‪3‬‬

‫العلم‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬مِن أقوال العلماء‪ ،‬لكن تعريفات اصطالحيّة اآلن ال ي ُِه ُّم َنا كثيرا‬ ‫اللّغة‪.‬‬


‫العلم في االصطالح هو‪ :‬معرف ُة ال ّشي ِء على ما هو ِبهِ‪ .‬أو‪ ،‬هناك تعريف آخر قريب‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مطاب َق ٌة للواقع عن دليل‪ .‬انتبهوا! طيّب‪.‬‬ ‫جازمة‬ ‫معرفة‬ ‫ج ّدا منه‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫جازمة و مطابقة للواقع‪ ،‬لكن ال عن دليل‪ ،‬ماذا نسمّيه؟‬ ‫إذن‪ ،‬لو كانت المعرفة‬ ‫ال ّتقليد‪.‬‬

‫كالمه صحيح‪ .‬هذا كالم هللا فِعال‪ ،‬و كالم معجز تشريعيّا‪ ،‬لغويّا و علميّا‪ ،‬ك ُّل كالمه‬ ‫ُطابق (للواقع)‪ ،‬يعني هل أصاب أو لم يُصِ ب‪ ،‬الرّ جل؟‬ ‫(كالم المقلّد) صحيح‪ ،‬و م ِ‬ ‫أصاب في كالمه‪ ،‬لكن ال َي ْق ِدرُ أن يُعطِ َي دليال‪ ،‬ال يعرف ال ّدليل المسكين‪ .‬فنقول‬ ‫له‪« :‬أنت مقلّد»‪.‬‬ ‫ض َح الفرق بين العلم و ال ّتقليد‪ .‬واضح! فال ّتقليد في باب الع ِْلم؛ هو الخالي أو‬ ‫يعني َو َ‬ ‫الع ِريُّ عن ال ّدليل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫از َم ُة'‪ .‬نقف‪ ،‬أيضا‪ ،‬عند هذا الح ّد‪ ،‬عند المعرفة الجازمة‪ .‬إن لم‬ ‫إذن‪' ،‬ال َمعْ ِر َف ُة َ‬ ‫الج ِ‬ ‫تكن جازمة‪ ،‬تر ّدد األمر بين ثالثة أشياء‪ .‬بين ال ّشكّ‪ ،‬و ّ‬ ‫الظنّ ‪ ،‬و الوهم‪ .‬صحيح؟‬ ‫أنتم تسمعون‪ :‬شكّ‪ ،‬ظنّ ‪ ،‬وهم‪ ،‬عِ ْلم‪ .‬يجب علينا أن ُنفرِّ ق‪ .‬أخذنا تعريف العلم‪ ،‬اآلن‪.‬‬ ‫نريد أن نرى ما هو ال ّشكّ؟ ما هو ّ‬ ‫الظنّ ؟ ما هو الوهم؟ و بطريقةٍ‪ ،‬إن شاء هللا‪،‬‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫قد يقول أحدكم‪« :‬أنا أؤمن ِبأنّ هذا القرآن مِن عند هللا و مُعْ ِجز‪ ،‬معجز علميّا لغويّا‪»...‬‬ ‫نقول له‪« :‬هات دليال»‪ .‬سيقول لك‪« :‬هكذا قال العلماء‪ ،‬يا أخي»‪ .‬فنقول له‪« :‬أنت‬ ‫مقلِّد»‪ ،‬طبعا‪.‬‬

‫َتجْ َعلُها َس ْهلَ ًة ج ّدا‪.‬‬ ‫إذا استوى‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬في وهم اإلنسان‪ ،‬أو في اعتقاده‪ ،‬أو في ظ ّنه‪ ،‬أو في‬ ‫حُ سْ بانِه‪ ،‬االثبات و ال ّنفي في خصوص أيّ أمر‪ ،‬فهذا يُسمّى ال ّ‬ ‫شكّ‪ .‬يعني نقول له‪،‬‬ ‫مثال‪« :‬هل قُ ِت َل 'بريمر'‪ ،‬حاكم العراق؟» اآلن‪ ،‬هناك أخبار تقول أ ّنه قُتِل‪ ،‬إن شاء‬ ‫هللا‪ ،‬و أنا أعتقد أ ّنه ُقتِل‪ .‬أل ّنه مرّ اآلن أسابيع‪ ،‬تقريبا أسبوعين‪ ،‬لم يظهر و ال مرّ ة‬

‫‪4‬‬


‫على التلفاز‪ .‬طبعا‪ ،‬المجاهدون أصدروا بيانا‪ ،‬في عمليّة فُدائيّة جبّارة‪ ،‬ألفان مِن‬ ‫المجاهدين‪ ،‬ألفان فُدائيّا عراقيّا‪ ،‬ما شاء هللا‪ ،‬هجموا على موك ِ​ِبه‪ ،‬ف ُدم َِّر الموكب عن‬ ‫ي‬ ‫آخ ِ​ِرهِ‪ ،‬و اسْ ُت ْش ِه َد أربعون‪ ،‬و قد قُ ِت َل الملعون‪ ،‬لعنة هللا عليه‪ .‬و قالوا نتح ّدى‪ ،‬أ ّ‬ ‫إذاعة في العالم‪ ،‬و أمريكا معهم أيضا‪ ،‬أن تأتي لنا بلقاء حيّ (مباشر) مع 'بريمر'‪.‬‬ ‫أل ّنه قُتِل‪.‬‬ ‫أَ َت ْوا مرّ ة بأشياء مِن األرشيف‪ .‬طيّب‪ ،‬نحن نريد أن نراه على المباشر‪ .‬كان يوميّا‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫يظهر‪ ،‬صح؟ أل ّنه قُتل (بما أنّه لم يظهر على المباشر فهذا يعني أنّه ُقتِل حقّا)‪.‬‬ ‫فمثال‪ ،‬واحد يقول‪« :‬و هللا أنا‪ ،‬بال ّنسبة لقتل بريمر‪ »...‬مثال حلو!!! (ضحك في‬

‫المجلس) «‪...‬بال ّنسبة لقتل بريمر»‪( .‬سأل أحدُ الحاضرينَ الشّيخَ عن مصادرِه‪ ،‬فأجاب بأنّه‬

‫قرأ هذا الخبر في األنترنت‪ ،‬مِن بيان من المجاهدين‪ ،‬ثمّ أكمل يقول التّالي)‪ ،‬و عندما‬ ‫طبّقته (خبر قتل بريمر) على الواقع‪ ،‬وجدت أنّ الواقع يشهد له‪ ،‬صحيح؟ مِن (يوم)‬

‫‪ 52/54‬إلى اليوم‪ ،‬لم يظهر بريمر 'اليف' (مباشر)‪ .‬يجب أن ُتالحظ‪ ،‬طبّق الخبر‪.‬‬ ‫وأيضا ليس مِن مصلحة المجاهدين أن َيأْ َتف َِك مثل هذا الخبر و بعد نصف ساعة‬ ‫يظهر كذبه‪ .‬في هذه الحالة (إن صحّ كذب هذا الخبر) سيخرج بريمر مباشرة‪ ،‬اليف‪،‬‬ ‫و لكن هو إلى اليوم لم يظهر‪.‬‬ ‫نحن اآلن بعد أسبوعين‪ .‬مِن أسبوعين إلى اآلن‪ ،‬لم يخرج اليف على ال ّتلفاز‪ .‬أَ َت ْوا‬ ‫بأشياء مِن األرشيف‪ ،‬و نحن نريده على المباشر‪ .‬و طبعا‪ ،‬حصلت زيارات مهمّة‪،‬‬ ‫لبعض ال ّناس مِن الخارج‪ .‬و ال أحد‪ ،‬قابل بريمر‪ .‬على ك ّل حال‪ ،‬إن شاء هللا يكون‬ ‫قُتِل‪ ،‬بإذن هللا تبارك و تعالى‪ .‬و قبل مرّ تين حاولوا أن يغتالوه‪ ،‬لكن كان له عمر‪،‬‬ ‫اللّعين‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫هللا‪ ،‬ال أعرف‪ .‬خمسون في المائة قُتِل‪ ،‬خمسون‬ ‫(عودة إلى المثال) فواحد يقول‪« :‬و ِ‬

‫ك»‪ .‬خمسون في المائة 'نعم'‪ ،‬و خمسون‬ ‫في المائة لم يُق َتل»‪ .‬فنقول‪« :‬هذا اسمه ال ّش ّ‬ ‫في المائة 'ال'‪ .‬هذا اسمه ال ّشكّ‪.‬‬


‫فإذا ترجّ ح عند أحد ما سمع مِن العبد الفقير‪ ،‬يقول‪« :‬و هللا صح‪ ،‬مضبوط‪ ،‬أنا مِن‬

‫زمان لم أره»‪ .‬معناها أصبح سبعون في المائة يكون قُتِل‪ .‬هذا اسمه‪ ،‬الظنّ ‪ .‬عندنا‬ ‫ك و عندنا ّ‬ ‫الظنّ ‪.‬‬ ‫ال ّش ّ‬ ‫سبعون في المائة‪ ،‬هذا ظنّ ‪ .‬طيّب‪ ،‬ثالثون في المائة لم يُق َتل‪ ،‬ما اسمه؟ اسمه الوهم‪.‬‬ ‫يتوهّم عدم َق ْتلِهِ‪.‬‬

‫ثالثون‪ّ .‬‬ ‫فالثالثون في المائة‪َ ،‬وهْ ٌم‪ .‬و السّبعون في المائة ظنّ ‪ ،‬و العكس صحيح‪،‬‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬خمسون خمسون‪ ،‬هذا ال ّشكّ‪ .‬أكثر مِن خمسين‪ ،‬ماذا يُسمَّى؟ ّ‬ ‫الظنّ ‪ .‬أق ّل مِن‬ ‫خمسين يُسمّى‪ ،‬الوهم‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫ُطابقا للواقع‪ .‬طيّب‪ ،‬لو جزمت بشيء‬ ‫إذن‪ ،‬العِلم‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬هو َ‬ ‫الجز ُم بال ّشيء م ِ‬ ‫و لكن ال ُيطابق الواقع‪ .‬كال ّنصارى‪ ،‬تجزم بال ّتثليث‪ .‬أ ّنه هناك ثالثة‪ ،‬و ّ‬ ‫الثالثة واحد‪،‬‬ ‫و الواحد ثالثة‪ .‬أو تجزم بالصّلب‪ ،‬بصلب ‪‬عيسى‪ ،‬عليه السّالم‪ ،‬يعني بأ ّنه‬ ‫ِب‪ ،‬و لم ُي َشبَّه‪ .‬تجزم بهذا ال ّشيء‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫صل َ‬ ‫َ‬ ‫ُطابق‬ ‫و ك ّل مؤمن‪ ،‬و ك ّل إنسان يجزم بأشياء معيّنة‪ .‬إن‬ ‫جزمت بشيء‪ ،‬لكن‪ ،‬ال ي ِ‬ ‫الواقع‪ ،‬ماذا ي َُسمَّى هذا؟ الجهل‪ .‬لماذا الجهل؟ هذا الجهل تماما‪ .‬هذا جهل‪ .‬تجزم‬ ‫بشيء‪ ،‬الواقع ُب َك ّذ ُبه‪ ،‬ال يُطابق الواقع‪ ،‬صحيح؟‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫على فكرة‪ ،‬ال ّشكّ‪ ،‬و ّ‬ ‫الظنّ ‪ ،‬و الوهم‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬ك ّل واحد منها يقابلها شيء‪،‬‬ ‫صحيح؟ إذا أنا‪ ،‬سبعون في المائة َت َرجَّ َح عندي قتلُه‪ ،‬إذن كم يبقى لي في عدم القتل؟‬

‫ُقابل الع ِْلم‪ ،‬مقابلة كاملة‪ .‬الع ِْل ُم‪،‬‬ ‫و نأتي إلى الجهل‪ .‬الجهل يقابل ماذا إذن؟ الجهل ي ِ‬ ‫عكسه تماما‪ ،‬الجهل‪ .‬لكن‪ ،‬اُنظر إلى ال ّشكّ‪ ،‬اُنظر إلى ّ‬ ‫الظنّ فيه بعض عِ ْلم‪ ،‬صحيح؟‬ ‫ض ُدهُ‪.‬‬ ‫ليس علما كامال‪ ،‬بخالف الجهل‪ ،‬أل ّنه يُنافيه الواقع و ال ي َُؤ ِّك ُده و ال َيعْ ُ‬

‫‪6‬‬


‫الجهل ينقسم إلى قسمين أيضا‪ ،‬جهل بسيط و جهل مر ّكب‪ ،‬هذا المشهور لدى‬ ‫الجميع‪.‬‬ ‫الجهل البسيط هو ال ُخلُوُّ مِن العلم بال ّشيء عمّا مِن شأنه أن يُعلَم‪ ،‬هذا يُسمّى جهال‬ ‫هللا‪ ،‬ال أعرف‬ ‫بسيطا‪ .‬تقول ألحد ما‪« :‬سبعة ضرب ثمانية يُساوي كم؟» فيجيب‪« :‬و ِ‬ ‫اإلجابة»‪ .‬فهذا جاهل بهذا ال ّ‬ ‫شيء‪ .‬انتبه!‬ ‫طبعا‪ ،‬العوا ّم يقولون‪« :‬جاهل!»‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫«يا أخي‪ ،‬هل هو جاهل بك ّل شيء؟» ال‪ ،‬هو جاهل بهذا ال ّشيء‪ ،‬مسكين‪ .‬أكيد يعرف‬ ‫أشياء أخرى‪ ،‬يعرف ِنجارة‪ ،‬و يعرف حِدادة‪ ،‬و يعرف كذا‪ ،‬و سوق السيّارة‪ ،‬يعرف‬ ‫أشياء كثيرة ج ّدا‪ .‬و جاهل بهذا ال ّشيء‪ .‬ك ّل واحد مِن البشر ما يجهله أكثر بكثير‬ ‫ِممّا يعلمُه‪ ،‬أو غير صحيح؟‬ ‫لدينا قاعدتان جميلتان ج ّدا‪ ،‬و فعال تبعثان على اإلنصاف دائما و تنفيان عن المرء‬ ‫في أحكامه‪ ،‬االعتساف‪.‬‬ ‫قاعدة تقول‪َ :‬من َعلِ َم مسألة فهو بها عالم‪ .‬الواحد ال يعرف ك ّل شيء‪ ،‬لكن هناك‬ ‫مسألة‪ ،‬مثال نقول‪َ « :‬ح ِّد ْث َنا عن مثال‪...‬اإلظهار» (في علم التّجويد)‪ ،‬اليوم أخذناه‬ ‫هللا‪ ،‬هو عالم في هذه‬ ‫(يدرسون تجويد قبل العقيدة)‪ ،‬في َُح ِّد ُثنا حديثا جميال‪ .‬فتقول‪« :‬و ِ‬

‫المسألة»‪ ،‬ليس عالما بالقراءات‪ ،‬عالما بال ّتجويد‪ ،‬عالما مطلقا‪ ،‬ال‪.‬‬

‫ّ‬ ‫الحق أن يقول لكم أنا أقدر أن أعلّمكم هذه المسألة‪،‬‬ ‫و إ ّنما عالم بهذه المسألة‪ ،‬و عنده‬ ‫و أشرحها لكم‪.‬‬ ‫«يا أخي‪ ،‬أنت ال تعرف‪ ،‬كيف تقول أنا عالم؟» فيقول‪« :‬أنا أعرف هذه المسألة‪ ،‬لكن‬ ‫‪7‬‬

‫ال أعرف ك ّل شيء‪ .‬أعرف هذه المسألة جيّدا و ح ّقق ُتها‪ ،‬و كتبت فيها‪ ،‬أعرفها‬ ‫تماما»‪ .‬إذن َمن علم مسألة فهو بها عالم‪.‬‬


‫و القاعدة ّ‬ ‫الثانية ماذا تقول‪ :‬الم ُْخ َتصُّ بال ّشيء‪َ ،‬عامِّيٌّ في غيره‪َ .‬وحَّ دَ ك ّل علمه في‬ ‫ا ّتجاه معيّن‪ ،‬هو يعرف هذا ال ّشيء‪ .‬لكن ال يقول أل ّنه عالم‪« :‬أنا عالم‪ ،‬هكذا‬ ‫باإلطالق‪ ،‬و أعلم ك ّل شيء»‪ .‬فنقول له‪« :‬ال‪ ،‬أنت عارف بهذا ال ّشيء الّذي‬ ‫ْ‬ ‫صصْ َ‬ ‫ت به‪ ،‬و أنت عامّيّ ‪ ،‬يعني كالجاهل‪ ،‬في االختصاصات األخرى»‪ ،‬صحيح؟‬ ‫اخ َت َ‬ ‫تجد جرّ احا كبيرا‪ ،‬رهيب في الجراحة‪ ،‬مثل 'برنار' و غيره‪ ،‬مِن أكبر الجرّ احين‬ ‫في العالم‪ ،‬لكن في قواعد لغته اإلنكليزيّة صفر‪ .‬ال يعرف يتكلّم مسكين‪ ،‬جاهل في‬ ‫في السّياسة‪ ،‬في االستراتيجيّة‪ ،‬خمسون ألف فر جاهل به‪ .‬عامّيّ ‪ ،‬معلوماته‪ ،‬يُمكن‬ ‫تكون أق ّل مِن العامّيّ ح ّتى‪.‬‬ ‫هذا العامّيّ ‪ ،‬يتابع‪ ،‬و يحضر‪ ،‬و يشاهد السي آن آن (قناة ‪ ،)CNN‬يعرف (أمور كثيرة‬

‫على العالم)‪ ،‬و تالقي هذا الجرّ اح‪ ،‬ال يعرف شيئا ح ّتى عمّا يدور في ال ّدنيا‪ ،‬مسكين‪،‬‬ ‫مضبوط أو ال؟ و يُسمّى ح ّتى في اللّغات األجانب 'فا إيديوت' (‪ )fa idiot‬أو يُسمّونه‬ ‫باإلنكليزيّة 'ليرنر سافاج' (‪ ،)learner savage‬الّذي هو المتعلّم الهمجيّ ‪ .‬هذه الكلمة‬ ‫تساوي 'فا إيديوت'‪ ،‬نفس ال ّشيء المتعلّم الهمجيّ ‪ .‬كيف؟ متعلّم يعرف شيئا معيّنا‪،‬‬ ‫لكن في غيرها همجيّ ‪ ،‬بدائيّ ‪ ،‬ال يفهم شيئا‪.‬‬ ‫هذا موجود‪ ،‬و هو مصيبة على فكرة‪ .‬ليس جميال أن يكون اإلنسان 'فا إيديوت' أو‬ ‫'ليرنر سافاج'‪ ،‬ليس جيّدا‪ .‬بالعكس‪ ،‬عليك أن تأخذ مِن ك ّل شيء‪ ،‬يعني‪ ،‬ب َط َر ٍ‬ ‫ف‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫القواعد‪ ،‬لكن ّ‬ ‫عالمة في الجراحة‪ .‬جاهل في الفلك‪ ،‬جاهل في الرّ ياضيّات‪ ،‬جاهل‬

‫يسير‪ ،‬ح ّتى ال ُتنسب إلى الجهل المطلق‪ .‬فيُقال لك‪« :‬ما هذا يا أخي‪ ،‬أ ال تعرف‬

‫شيئا في السّياسة؟» فيجيبه‪« :‬آآه أحداث ‪ 55‬سبتمبر‪ 55 ..‬سبتمبر يمكن ‪»!!!5892‬‬ ‫(ضحك في المجلس) فيقول له‪« :‬أين أنت؟ أال تعيش معنا؟»‪ .‬العالم كلّه انقلب‪ ،‬و هذا‬ ‫ال يدري ما الّذي يحصل‪ ،‬و ال يفهم شيئا‪.‬‬

‫يوجد أناس هكذا على فكرة‪ ،‬معروف و خاصّة في الغرب‪ .‬في تاريخنا اإلسالميّ ‪،‬‬ ‫صعب‪ .‬لم تظهر هذه الظاهرة‪ ،‬صعب‪ .‬تجد نحويّا كبيرا ج ّدا ج ّدا‪ ،‬ملمّا بال ّتفسير‪،‬‬

‫‪8‬‬


‫ملمّا بالحديث‪ .‬تقول لي‪ُ « :‬ملِ ّم؟» نعم ُملِ ّم‪ .‬انتبه! مل ّم ليس معناها‪ ،‬محيط‪ .‬مل ّم يعني‬ ‫عنده إلمام‪.‬‬ ‫لَ َّم بال ّشيء و أَلَ َّم بال ّ‬ ‫شيء‪ ،‬ما معناها؟ أال نقول‪« :‬إيتني ِبلُ َما َم ٍة»‪ .‬يُقال‪« :‬فالن يجيد‬ ‫اللّغة كذا كذا‪ ،‬و مل ّم باأللمانيّة»‪ .‬ليس معناه أ ّنه يفهم كثيرا (األلمانيّة) هذا‪ .‬يعني‬ ‫يعرف حبّتان باأللمانيّة‪ ،‬يعرف قليال‪ ،‬يُدبِّر حاله‪ 54 ،‬في المائة‪ ،‬مل ّم‪ .‬هذا معنى‬ ‫مل ّم‪.‬‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫يقول ال ّناس‪« :‬فالن مل ّم»‪ .‬يظ ّنون أ ّنهم يمدحونه‪ ،‬و هم يذمّونه في الحقيقة‪ .‬فيأتي‬

‫أحدهم يمدح فالنا يقول‪« :‬ذاك ُملِ ّم‪ ،‬يا أخي‪ ،‬في الفلسفة»‪ .‬يعني جعله ال يفهم شيئا‪،‬‬

‫المسكين‪ ،‬في الفلسفة‪( .‬ضحك في المجلس)‪.‬‬ ‫إلمام‪ ،‬هذا مل ّم‪ .‬عليك أن ُتلِ َّم مِن ك ّل علم بأحسن ما فيه‪ ،‬ح ّتى ال ُتنسب في هذا العِلم‬ ‫ّ‬ ‫بالذات إلى الجهل المطلق‪ .‬غير جيّد‪.‬‬ ‫فهذه ّ‬ ‫الظاهرة في تاريخنا‪ ،‬الحمد هلل‪( ،‬لم توجد)‪ .‬و بالعكس‪ ،‬ظاهرةُ موسوع ّي ِة الع ِلم‬ ‫و العلماء هي ظاهرة شبه إسالميّة‪ .‬أكثر حضارة أفرزت موسوعات علميّة‪ ،‬هي‬ ‫الحضارة اإلسالميّة‪.‬‬ ‫راجع َمن تريد‪ ،‬راجع ‪‬ال ّشافعيّ ‪ ،‬راجع ‪‬الجاحظ‪ ،‬الفخر الرّ ازي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الغزاليّ ‪ ،‬ابن القيّم‪ ،‬شيء غريب‪ ،‬يا أخي‪.‬‬ ‫‪‬بن تيميّة‪ ،‬أبو حامد‬ ‫موسوعات كانوا‪ ،‬يعرفون أشياء كثيرة‪ .‬و ح ّتى طريقة العلوم اإلسالميّة‪ ،‬أحيانا‬ ‫تشجّ ع و أحيانا تفرض‪ .‬أنت تجد‪ ،‬منظومة مثل هذه في ال ّنحو‪ ،‬أو منظومة في‬ ‫العقيدة‪ .‬راجع مثال‪« ،‬األزهريّة»‪ ،‬لل ّشيخ ‪‬خالد األزهريّ ‪ ،‬رحمة هللا عليه في‬ ‫القرن العاشر هجريّ ( ت ‪ 509‬هـ)‪ .‬هذا عالم نحو‪ ،‬أزهريّ كبير‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫تجد في «األزهريّة»‪ ،‬مباحث في علم الكالم‪ ،‬مباحث في البالغة‪ ،‬مباحث في تاريخ‬ ‫اللّغة العربيّة‪ ،‬يعني نحو‪ ،‬مباحث في ال ّتفسير أحيانا‪ ،‬أشياء غريبة كما قلنا‪ .‬تقول‪:‬‬ ‫«كيف عرف؟» (يعني كيف حصّل كلّ هذه العلوم) طبعا‪ ،‬علوم متداخلة كلّها‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫إذن عندنا الجهل‪ .‬جهل بسيط و جهل مر ّكب‪ .‬عرفنا ما هو الجهل البسيط؟ الخلوّ‬ ‫ُعرف هذا ال ّشيء‪ ،‬لكن هو ال‬ ‫عن الع ِْل ِم بال ّشيء عمّا مِن شأنه أن يُعلَم‪ .‬يعني يمكن ي َ‬ ‫يعرفه‪ .‬يقول لك‪« :‬أنا جاهل»‪ .‬و جاهل جهال بسيطا‪.‬‬

‫َ‬ ‫سكت كان‬ ‫يعني مثال‪ ،‬هذا ال ّشيء لو ُنه ع ّنابيّ ‪ ،‬فيقول أحد ما‪« :‬هذا لو ُنه أزرق»‪ .‬فلو‬ ‫خيرا له‪ ،‬لو قال أنا أعمى أفضل له‪ .‬نقول له‪« :‬أزرق؟» يقول لك‪« :‬أزرق يا أخي»‪.‬‬

‫فنقول له‪« :‬أنت جاهل مر ّكب‪ ،‬تجهل لو َنه و تزعُم له لونا آخر و مُصِ رٌّ على ما أنت‬

‫فيه»‪.‬‬

‫"لَقَ ْد َ َِجلْ َت َو َما ت َْد ِري َأن ََّك َجا ِهل ‪َ ¤¤¤‬و َم ْن ِ​ِل ِبأَ ْن ت َْد ِري ِبأَن ََّك َ​َل ت َْد ِري"‬

‫ال ّشاعر‬

‫يقول‪ .‬فهذا اسمه الجهل المر ّكب‪ .‬الّذي يجهل و َيحْ َسب أ ّنه عالِم و ال يعلم جهلَه‪ ،‬أو‬

‫يجهل جهله‪ ،‬واضح!‬

‫عندنا اآلن الجهل البسيط‪ ،‬يُسمَّى صاحبه أ ُ ِّم ًّيا في هذا الباب‪ ،‬أ ّم ّيا‪ .‬لماذا؟ نسبة إلى‬ ‫َمن؟ نسبة إلى األ ّم‪ ،‬يعني َبق َِي في هذا الباب ّ‬ ‫بالذات على الحالة الّتي خرج عليها‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫الجهل المر ّكب‪ ،‬هو أن ُيلِ َّم به أو أن َيعْ لَ َم ُه عِ ْلما بخالف ما هو عليه‪ ،‬يعني عكس‬ ‫ال ّشيء‪ ،‬صحيح؟‬

‫مِن بطن أمِّه‪ّ .‬‬ ‫الطفل لمّا يخرج مِن بطن أمّه‪ ،‬ال يعرف أشياء كثيرة ج ّدا ج ّدا ج ّدا‪،‬‬ ‫أو غير صحيح؟ و الّذي يجهل جهال بسيطا‪َ ،‬بق َِي على نفس الحالة‪ .‬لو نسأله سؤاال‬ ‫في الجغرافيا‪ ،‬و هو ابن يوم‪ ،‬هل يعرف الجواب؟ ال يعرف‪ .‬و تسأل ابن أربعين‬ ‫سنة‪ ،‬فيظهر أ ّنه ال يعرف‪ ،‬تقول‪« :‬ما شاء هللا‪ ،‬ال يعرف‪ ،‬كأ ّنك مثل أوّ ل يوم (في‬

‫حياته)‪ ،‬و ال استف ّد َ‬ ‫ت حاجة‪( ،‬ضحك شديد في المجلس لطرافة الشّيخ في التّعبير)‪،‬‬

‫‪10‬‬


‫كما خرجت مِن بطن أمّك ظللت‪ .‬على نفس الحالة الّتي خرجت عليها مِن بطن‬ ‫أ ِّمك»‪ .‬هذا معنى األ ّميّ ‪ ،‬واضح!‬

‫فهذا اسمه‪ ،‬جهل بسيط‪ ،‬جهل األ ّميّة‪ .‬و الجهل ّ‬ ‫الثاني‪ ،‬اسمه الجهل المر ّكب‪ .‬أيّهما‬ ‫أصعب في ال ّتلقين و ال ّتعليم و اإلرشاد؟ (إجابات في المجلس) الجهل المر ّكب‪.‬‬ ‫الجهل المر ّكب‪ ،‬يقتضيك إلزالته خطوتين‪ .‬يقتضي مقامين‪ ،‬مباشرة‪.‬‬

‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫خاطره‪ ،‬و وه ِمهِ‪،‬‬ ‫المقام األوّ ل‪ ،‬مقام اإلنقاء‪ ،‬ال ّتنقية‪ ،‬تنقية دماغ هذا اإلنسان‪ ،‬و‬ ‫ِ‬ ‫وحُ سبا ِن ِه مِن الغرض‪ ،‬مِن هذه المعلومة‪ ،‬المغشوشة‪ ،‬الفاسدة‪ .‬و بعد ذلك‪ ،‬في المقام‬ ‫ّ‬ ‫المقابلَة للغرض‪ ،‬يُقرِّ ُرها بنفسه‪،‬‬ ‫الثاني َتحْ لِ َي ُتهُ‪ ،‬ارشا ُده‪ ،‬تعليمُه‪ ،‬و تقرير الحقيقة‬ ‫ِ‬ ‫َف ِه َم أ ّنه هكذا و هكذا‪.‬‬ ‫فلدينا خطوتان‪ .‬لكن الجهل البسيط‪ ،‬أرض بور‪ ،‬صحيح؟ اِفلح و ُ‬ ‫ابذر‪ ،‬كما يقولون‪.‬‬ ‫«تعال‪ ،‬يا أخي‪َ ،‬ت َعلَّ ْم‪ :‬كذا كذا يُساوي كذا»‪ .‬يقول لك‪« :‬آآه‪ ،‬بارك هللا فيك»‪ .‬فهذا َس َّه َل‬ ‫إظهار نفسِ ه‪،‬‬ ‫عليك ( َت ْعلِيمَهُ)‪ ،‬لكن هناك َمن يقول لك‪« :‬ال‪ ،‬يا أخي‪ ،‬كيف هذا؟» يريد‬ ‫َ‬ ‫و يضع رأسه برأسك‪ ،‬و مازال لم يقتنع‪ ،‬هيهات‪ .‬و على فكرة‪ ،‬أيّ إنسان يتعلّم‬ ‫ال ّشيء غلطا‪ ،‬يعني بطريقة غير صحيحة‪ ،‬يبقى يُعاني‪ ،‬سبحان هللا‪ ،‬مضبوط؟‬ ‫الّذي يتعلّم القراءة غلطا‪ ،‬و حافظ للقرآن‪ ،‬هو َح ِف َظ لكن ليس بأحكام ال ّتالوة‪ ،‬و يوجد‬ ‫غلط ح ّتى في اإلعراب‪ ،‬يعني مسكين هذا‪ .‬لكي يستطيع‪ ،‬في ما بعد‪ِ ،‬ح ْفظ القرآن‬ ‫مِن جديد ِح ْف ًظا جيّدا باإلعراب و بأحكام ال ّتالوة‪ ،‬لكن أصعب بكثير مِن إنسان يبتدأ‬ ‫ّ‬ ‫ح َ‬ ‫سيظل في الغلط‪ ،‬صح أو ال؟ بعد فترة‪ ،‬تغلِبُه بعض‬ ‫ِفظه مِن أوّ ل مرّ ة‪ ،‬و‬ ‫المعلومات القديمة‪ُ ،‬م َعا َنا ًة‪ .‬لذلك األفضل أن تكون البداية صالحة و صحيحة‪ ،‬ح ّتى‬ ‫ال يتعانى اإلنسان هذه المكابدات الكثيرة‪ ،‬طيّب‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫إذن ال ب ّد‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬مِن مطابقة الواقع و ال ب ّد مِن الجزم‪ ،‬و ال ب ّد مِن ال ّدليل‪.‬‬ ‫فإن لم يكن عن دليل‪ ،‬كان تقليدا‪ .‬و سنأخذ حكم ال ّتقليد في علم العقيدة‪ ،‬في ال ّدرس‬ ‫المقبل مباشرة‪ ،‬إن شاء هللا‪.‬‬

‫أل ّنه‪ " ،‬ل‬ ‫ك َم ْن قَ َّ َ​َّل ِ​ِف التَّ ْو ِحي ِد ‪ ¤¤¤‬اميَانه َ​َل َ َْيلو َع ْن تَ ْر ِديد"‬ ‫ِ‬

‫كما قال (‪‬اللّقانيّ‪)‬‬

‫في «الجوهرة» ‪ ،‬هذا البيت الحادي عشر‪ ،‬إن شاء هللا تبارك و تعالى‪ .‬طيّب‪.‬‬

‫إجماليّ أو دليل جُ َملِيّ ‪ ،‬في الجملة‪ .‬و إمّا أن يكون دليال تفصيل ّيا‪ .‬واضح!‬

‫قد يقول أحدكم‪« :‬و اآلن‪ ،‬يجب على ك ّل إنسان فينا أن يعتقد عقيدة صحيحة‪ ،‬والعقيدة‬ ‫الصّحيحة في مختلف األبواب‪ ،‬في باب اإللهيّات‪ ،‬و ال ّنبوّ ات‪ ،‬و السّمعيّات‪ ،‬و ال ب ّد‬ ‫ً‬ ‫مطابقة للوقائع»‪ .‬يعني ممنو أن تعتقد في هللا شيئا ليس ح ّقا‪ ،‬ألنّ هذه‬ ‫أن تكون‬ ‫عقيدة‪ .‬ممنو أن تعتقد في ّ‬ ‫حق األنبياء و الرّ سل شيئا ليس ح ّقا‪ .‬ممنو أن تعتقد‬ ‫في باب السّمعيّات‪ ،‬في عذاب القبر مثال‪ ،‬في الج ّنة‪ ،‬في ال ّنار‪ ،‬في الخلود‪ ،‬في‬ ‫الميزان‪ ،‬في الصّراط‪ ،‬في الحساب‪ ،‬في ال ّنشر‪ ،‬في البعث‪ ،‬في عالمات السّاعة‪ ،‬في‬ ‫ك ّل هذه األشياء‪ ،‬أيّ شيئا ليس ح ًّقا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الحق‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬و أجزم‪ ،‬و لكن ال أعرف ال ّدليل‬ ‫لكن قد يقول أحد ما‪« :‬أنا أعتقد‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫سنبقى نتوسّع في شرح هذا الموضو ‪ ،‬لكن سنقول‪ :‬ال ّدليل‪ ،‬هو ما يُس َت َد ُّل ِبه‪،‬‬ ‫صحيح؟ هذا ال ّدليل إمّا أن يكون جُ َملِ ًّيا‪ ،‬ما معنى جُ َملِ ًّيا؟ يعني إجماليّا‪ ،‬نقول دليل‬

‫تفصيليّا‪ ،‬هل يُقبل م ّني هذا؟ و ما حكمي؟» هذه مسألة مهمّة ج ّدا‪.‬‬

‫قبل أن نجيب عن هذا السّؤال‪ ،‬ال ب ّد أن نعرف ما هو ال ّدليل اإلجماليّ ‪ ،‬و ما هو‬ ‫ال ّدليل ال ّتفصيليّ ‪.‬‬ ‫‪12‬‬


‫أيّها اإلخوة‪ ،‬لو سألتم اآلن أيّ إنسان‪ ،‬مثل آبائنا و أمّهاتنا‪ ،‬أو أجدادنا وج ّداتنا‪،‬‬ ‫الكبار‪ ،‬و أكثرهم كانوا أ ّميّين‪َ ،‬غ َال َبى (مساكين)‪ ،‬تقول له‪« :‬هل تؤمن باهلل؟» يقول‪:‬‬ ‫العالَم كلّه يا أخي‪ ،‬ال ّشمس‬ ‫«نعم»‪ .‬تقول له‪« :‬تؤمن باهلل! ما دليلك؟» يقول لك‪« :‬دليلي! َ‬ ‫و القمر و الّيل و ال ّنهار‪ ،‬اإلنسان و الخ ِْلقة الرّ بّانيّة الحِلوة»‪ .‬هكذا يتكلّم العوا ّم‪.‬‬

‫فعندهم دليل أو ال؟ عندهم دليل‪ ،‬و كالمه هذا‪ ،‬كالم ممتاز بصراحة‪ ،‬لكن إجماليّ ‪،‬‬

‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫كالم إجماليّ ‪ .‬فعال هذا العالَم و الكون‪ ،‬دليل‪ ،‬و أكبر دليل‪ .‬ك ّل ما في الوجود دليل‬ ‫على وجود هللا‪ ،‬أو غير صحيح؟ و قائد إلى هللا‪ .‬و الخ ِْل َقة اإلنسانيّة‪ ،‬صحيح‪.‬‬ ‫َ ٓ َ ُ‬ ‫ُ ۡ َ​َ​َ ُۡ ُ َ‬ ‫(‪  )4‬و يِف أنف يسك ۚۡم أفَل تب يِصون ‪.c S،۱۲ W ‬‬ ‫َ َ ٓ َ ُ‬ ‫(و ‪َ  )6‬س ُ ۡ َ َ َ‬ ‫ۡ‬ ‫س يهم ‪.I S، ۳۵ W  U‬‬ ‫اق و يِف أنف ي‬ ‫ُني يهم ءايَٰتينا يِف ٱٓأۡلف ي‬ ‫ي‬ ‫هو قال لك العالم هذا‪ ،‬و ال ّشمس و القمر و الخ ِْل َقة الرّ بّانيّة السّمحة‪ّ ،‬‬ ‫لخص لك اآلية‬ ‫بأسلوب العامّيّ ‪ ،‬إذن عنده دليل‪ .‬لكن لو هذا أوردنا عليه بشبهات‪ ،‬يقدر على‬ ‫اإلجابة؟ ال يقدر مسكين‪ ،‬صحيح؟ لو طلبنا منه أن يقرّ ر ال ّدليل بصورة منطقيّة‪،‬‬ ‫َي ْق َبلُها عِ ْل ُم المنطق‪ ،‬يقدر يُناقش فيها مناطقة و فالسفة و كذا‪ ،‬هل يعرف؟ ال يستطيع‪.‬‬ ‫فإذن هل هذا العامّيّ ‪ ،‬الّذي يؤمن و عنده عقيدة سليمة و صحيحة و يجزم بها‪،‬‬ ‫ي دليل‪ ،‬إجماليّ أو‬ ‫عار مِن ال ّدليل أو ُم َت َح ٍّل بال ّدليل؟ متح ّل بال ّدليل‪ ،‬لكن أ ّ‬ ‫َ‬ ‫الحمْ ُد هلل‪ٍ ،‬‬ ‫تفصيليّ ؟ إجماليّ ‪ .‬ال ّدليل ال ّتفصيليّ ‪ ،‬عكس ذلك‪ ،‬يستطيع صاحبه أن يُقرِّ ره في‬ ‫صيغة و شِ ْكلَ ٍة منطقيّة‪ ،‬تماما يعرف المق ّدمات بأنواعها‪ ،‬و يعرف كيف يستنبط‬ ‫منها‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬ال ّنتائج‪ ،‬و يعرف اإليرادات و االعتراضات‪ ،‬و كيف ُت ْد َفع‪ .‬يقول‬ ‫لك‪« :‬فإن قيل كذا كذا‪ ،‬أجبنا عنه بقولنا كذا كذا»‪ .‬لو أتى أحد ُم َشبِّه أو ُملَبِّس ُي َنا ِق ُ‬ ‫شه‪،‬‬ ‫يقدر أن ير ّد عليه مباشرة‪ ،‬يقول له‪« :‬هذا كذا كذا»‪ .‬يعني متفلسف في هذه ال ّناحية‪،‬‬

‫‪13‬‬

‫يعني هذا يعرف ال ّدليل تفصيليّا‪.‬‬


‫سنأتي بمثال‪ ،‬كما قلنا‪ ،‬العامّيّ يقول لك هذا العالَم‪ ،‬ك ّل هذه الخ ِْلقة اإلنسانيّة‪ ،...‬دليل‬ ‫إجماليّ ‪ ،‬لكن عالِم الكالم أو المتف ّنن في عِلم العقيدة مثال‪ ،‬المتفلسف مثل ما يقول‬ ‫العوا ّم‪ ،‬ماذا يقول لك؟ اُنظر في ك ّل الكائنات‪ ،‬في ك ّل المكوَّ نات‪ُ ،‬تسمّى الحوادث‪،‬‬ ‫تسمّى األكوان‪ ،‬بعض علماء العقيدة يُس ّميها المعجزة‪ ،‬انتبهوا! كلمة ’مُعْ ِج َزة‘ في‬ ‫علم العقيدة‪ ،‬أحيانا‪ ،‬ليس معناها ’‪( ‘miracle‬باإلنكليزيّة)‪ ،‬أو ’‪‘wunder‬‬ ‫(باأللمانيّة)‪( ،‬المقصود ليس معناها ’خارقة‘‪ ،‬أحيانا‪ ،‬عند علماء العقيدة)‪ ،‬معناها‬ ‫’الكون‘‪ ،‬ي َُسمُّو َنه ’مُعْ ِج َزة‘‪ .‬فعال هو إعجاز غريب بيني و بينك‪ ،‬طيّب‪.‬‬ ‫الكون‪ ،‬الوجود‪ .‬ليس دائما أنّ المعجزة هي المعجزة اإللهيّة لنبيّ أو لرسول‪ ،‬ال‪،‬‬ ‫ليس دائما‪ .‬فقط هذا لل ّتنبيه‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫فيقول (عالم الكالم)‪« :‬ك ّل ال ُم َكوَّ نات‪ ،‬ك ّل الحوادث‪ ،‬ك ّل الممكنات‪ ،‬ك ّل الموجودات‪،‬‬

‫وُ ِجدَ ت بعد أن لم تكن»‪ .‬يعني مسبوقة بماذا؟ ِب َعدَ ٍم‪ ،‬و ك ّل ما س ُِب َق بعدم استحا َل عليه‬

‫ال ِق َدم‪ ،‬هذه قاعدة‪.‬‬ ‫أيّ شيء مسبوق ِب َع َد ٍم‪ ،‬مستحيل أن يكون قديما‪ ،‬أل ّنه مسبوق ِب َع َد ٍم‪ ،‬و هو ال ُم َسمّى‬ ‫بالحادث‪ .‬و ما استحال قِدَ مُه ي َُسمّى بالحادث‪ ،‬صحيح؟‬ ‫و الحوادث‪ ،‬هذه خطوة ثانية اآلن‪ ،‬مق ّدمة ثانية‪ ،‬ك ّل الحوادث مِن أقسام الممكن‪.‬‬ ‫فتقول‪« :‬ما هو الممكن‪ ،‬يا أخي؟» الممكن‪ ،‬دخلنا اآلن في المسألة ّ‬ ‫الثالثة األحكام‬ ‫العقليّة‪ ،‬هو القابل لل ّنفي و اإلثبات كونا‪ ،‬و مقدارا‪ ،‬و حاال‪ ،‬و زمانا‪ ،‬و صِ َف ًة‪ ،‬و ِج َه ًة‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫أحيانا إذا التبست عليك كلمة ’مُعْ ِج َزة‘‪ ،‬في بعض الكتب الكالميّة‪ ،‬فمعناها األكوان‪،‬‬

‫يعني و مكانا‪ ،‬قبوال ذاتيّا‪ .‬سنشرح هذا في ال ّدرس القادم‪ ،‬عندما نتح ّدث بال ّتفصيل‬ ‫عن الحكم العقليّ ‪ .‬في درس اليوم سنتح ّدث عن الحكم العقليّ بسرعة‪ ،‬إن شاء هللا‪.‬‬ ‫سنفهم هذه األشياء و ما هو معناها‪ .‬الممكنات و المتقابالت‪ .‬طيّب‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫فهذه األشياء كلّها‪ ،‬اسمها الممكن‪ .‬ماذا يعني الممكن؟ ُي َشبَّه تماما ب ِك َّفتي ميزان‪ِ .‬ك َّفتا‬ ‫الميزان‪ ،‬لو لم نضع في إحداهما ما َترْ َج ُح به‪ ،‬هل َترْ َجح؟ ال ب ّد أن َترْ َجح بمُرجِّ ح‬ ‫غيره‪،‬‬ ‫ُظهر َ‬ ‫ُظهر نفسه ث ّم ي ِ‬ ‫خارجيّ ‪ ،‬الممكن كذلك‪ .‬الممكن عاجز‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬أن ي ِ‬ ‫مستحيل‪.‬‬ ‫و نأتي إلى ك ّل أشياء الوجود‪ ،‬نرى أوّ ال‪ ،‬مِن حيث الوجود‪ ،‬أ ّنها ظهرت و تبلورت‬ ‫بعد أن لم تكن‪ ،‬و هي قابلة ألن ال تظ َهر‪ ،‬أو غير صحيح؟ ال يقول أحد‪« :‬أنا وجودي‬

‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫واجب‪ ،‬و الزم»‪ .‬ال‪ ،‬وجودك غير واجب‪ ،‬وجو ُدك ممكن‪ ،‬و هللا‪ ، ،‬كما خلقك‬ ‫كان يستطيع‪ ،‬و يستطيع‪ ،‬أن ال يخلُ َقك‪ ،‬لن ينهدم بناء الكون‪.‬‬ ‫الكون بك أو بدونك يبقى موجودا‪ ،‬صح أو ال؟ أنت مجرّ د ممكن مِن الممكنات‪،‬‬ ‫قابل للعدم‪ ،‬و لذلك أنت مصيرك‪ ،‬أيضا‪ ،‬ال ّدثور‪ ،‬أن تنتهي‪ ،‬تموت تفنى‪ ،‬صح أو‬ ‫ال؟ أل ّنك ممكن (مِن الممكنات يعني)‪ ،‬وجودك مسبوق بعدم أو غير مسبوق؟‬ ‫مسبوق‪.‬‬ ‫ث ّم‪ ،‬لماذا خلق هللا هذا (اإلنسان) أبيضا‪ ،‬و خلق هذا أحمرا‪ ،‬و هذا أسودا‪ ،‬و هذا‬ ‫أصفرا‪ ،‬و هذا أصمرا‪ ،‬أو غير صحيح؟ و هذا طويال‪ ،‬و هذا قصيرا‪ ،‬و هذا مِن‬ ‫األمّة الفالنيّة‪ ،‬و هذا مِن ال ِعرْ ق الفالنيّ ‪ ،‬أو غير صحيح؟ ك ّل هذه األشياء تخصيص‪.‬‬ ‫صه‪ ،‬كما ُ‬ ‫أيّ ممكن‪ ،‬يمكن أن ُن َخ ِّ‬ ‫قلت لكم‪ ،‬مقدارا‪ ،‬و حاال‪ ،‬و جهة‪ ،‬و صفة‪،‬‬ ‫ص َ‬ ‫صه؟ لماذا‬ ‫وزمانا‪ ،‬و مكانا‪ ،‬و إلى آخره‪ ،‬بمُخصّصات مختلفة تماما‪ .‬ما الّذي خ َّ‬ ‫ص َ‬ ‫هللا‪ ، ،‬شاء أن َي ْخلُ َق هذا في هذا الزمن‪ ،‬مِن فالن و فالنة‪ ،‬و لم يشأ أن يخلُ َقه‬ ‫قبل ‪ 5500‬سنة‪ ،‬مثال؟ مِن الجيل األوّ ل مثال‪ ،‬و مِن فالن و فالنة آخرين؟ أل ّنه‬ ‫ممكن‪ ،‬ال يستطيع شيئا مِن نفسِ ه‪ .‬هللا هو الّذي رجّ ح و خصّصه بهذه األشياء‪.‬‬

‫‪15‬‬

‫َ‬ ‫َ ۡ ُ َّ َ َٰ َ َٰ َ ۡ َ ي َ ۡ َ َٰ ُ َ ۡ َ ُ‬ ‫كمۡ‬ ‫ت وٱۡلۡرض وٱختيلف أل ي‬ ‫سنت ي‬ ‫قال تبارك و تعالى‪َ  :‬وم ۡين َءايَٰتيهيۦ خلق ٱلسمو ي‬ ‫َ َ ۡ َ َٰ ُ‬ ‫ۡ‬ ‫وألون يك ۚۡم ‪.v S، ۱۱ W  U‬‬


‫رأيت كيف! هذا ال ّتخصيص‪ ،‬أجعل هذه لك و هذه لك‪ ،‬قال (‪ )‬هذه مِن آياتي أنا‪،‬‬ ‫أنا أُبد هذا ال ّشيء و أنا أعمله‪ ،‬و هذا آية على وجودي‪ .‬و على قدرتي‪ ،‬سنشرح‬ ‫هذا بال ّتفصيل فلسفيّا في ال ّدرس المقبل‪ ،‬إن شاء هللا تبارك و تعالى‪.‬‬ ‫مثل هذه ّ‬ ‫الطريقة في االستدالل‪ ،‬هل يستطيعُها العامّيّ ؟ ال يفهمها‪ ،‬و ال يعرفها‪ .‬ألنّ‬ ‫العامّيّ ال يعرف أقسام الحكم‪ ،‬و خاصّة الحكم العقليّ ‪ ،‬و سنرى ذلك في آخر ال ّدرس‬ ‫اليوم‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬مفيد ج ّدا‪ ،‬مِن أه ّم مق ّدمات العقيدة‪ ،‬و هذه كلُّها مق ّدمات‪ ،‬س َت َر ْون‬

‫اآلن‪ ،‬الحكم‪ .‬ما حكم االعتقاد عن دليل إجماليّ أو عن دليل تفصيليّ ؟ هل تعتقدون‪،‬‬ ‫أو تظ ّنون أنّ العلما َء أَ ْو َجبوا على عامّة المسلمين‪ ،‬على ك ّل المسلمين‪ ،‬أن يعتقدوا‬ ‫العقيدة الح ّقة‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬عن أدلّة تفصيل ّية؟ هذا تحجير لواسع رحمة هللا‪ .‬لو كان‬ ‫هذا واجبا‪ ،‬و َمن لم يفعل يُع َت َبر غير مؤمن‪ ،‬أو يُع َت َبر عاصيا و أتى بابا مِن أبواب‬ ‫الكبائر‪ ،‬لكان في هذا تحجيرٌ لواسع رحمة هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪.‬‬ ‫هللا أوسع ِمن هذا بكثير و َمن يستطيع هذا؟‬ ‫هناك علماء‪ ،‬و ح ّتى فقهاء‪ ،‬أو علماء قرآن مثال‪ ،‬أو علماء حديث‪ ،‬ال يستطيعون‬ ‫فعال‪ ،‬بجهة حقيقيّة‪ ،‬منطقيّة‪ ،‬فلسفيّة‪ ،‬أن يُدافعوا عن هذه القضايا العقديّة بأسلوب‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫أقسام الحكم و منها الحكم العقليّ بأقسامِه ّ‬ ‫الثالثة و تقسيمات فرعيّة لهذه األقسام‬ ‫ّ‬ ‫الثالثة‪ .‬فهذا معنى ال ّدليل الجُ َمليّ أو ال ّدليل اإلجماليّ ‪ ،‬و ال ّدليل ال ّتفصيليّ ‪ ،‬طيّب‪.‬‬

‫ُلزم اآلخر إلى الحجّ ة‪ ،‬ال يستطيعون (ليس المقصود كلّ العلماء طبعا)‪ .‬تجد َمن‬ ‫ي ِ‬ ‫يُدافع بحُجّ ة َخ َطابيّة‪« ،‬قال تعالى و كذا‪ .»...‬في َُر ُّد عليه‪« :‬أصال أنا ال أعترف بما قال‬

‫هللا تعالى (و نعوذ باهلل مِن هذا)‪ ،‬إي ِتنِي بحجّ ة عقليّة»‪َ .‬ف ْل ُي ْف َه ْم هذا المسكين (الّذي ال‬

‫يعترف بكالم اهلل ‪ ،)‬صح أو ال؟‬ ‫ضاع ِت ِه الحديث؛ «أخرجه البخاريّ ‪ ،»...‬فيقول له‪:‬‬ ‫الم َُح ِّدث (عالم الحديث) ك ُّل ِب‬ ‫َ‬ ‫«بخاريّ ماذا‪ ،‬يا أخي‪ ،‬أنا ال أؤمن بالقرآن (و نعوذ باهلل مِن هذا) نفسه كحجّ ة‪ ،‬تقول‬ ‫لي بخاريّ و مسلم»‪ .‬فيُسْ َق ُ‬ ‫ط في يده (المحدّث)‪« :‬أعوذ باهلل‪ ،‬أعوذ باهلل‪ ،»...‬راح‬

‫‪16‬‬


‫المسكين‪ .‬فتجده شبه عامّيّ في هذه المسائل‪ ،‬صح أو ال؟ لكن في الحديث و ال ّتخريج‬ ‫و الرّ جال (علم الرّجال هو أحد فروع علم الحديث و يُسمّى أيضا علم الجرح و التّعديل)‬

‫و اللّسانيّين (علم اللّسان هو مِن علوم اللّغة)‪ ،‬عالم كبير ج ّدا‪ ،‬صحيح؟‬ ‫أمّا في قضايا علم الكالم‪ ،‬و العقيدة‪ ،‬تلقاه‪ ،‬المسكين‪ ،‬شبه عامّيّ ‪ ،‬ال يعرف‪ ،‬ال‬ ‫يستطيع‪ .‬عنده طريقة َخ َط ِابيَّة في ال ّدفا عن العقيدة‪ .‬تخصّصات‪.‬‬

‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫إذن‪ ،‬كما قال ‪‬السّعد ال ّتفتزانيّ ‪ ،‬رحمة هللا عليه (‪ 277‬هـ ‪ 257 -‬هـ)‪ ،‬في‬ ‫موسوعته‪ ،‬في علم الكالم‪ ،‬الضّخمة‪« ،‬شرح المقاصد» ‪...‬قال‪َ :‬معْ ِر َف ُة ال َع ِقي َد ِة َعنْ‬ ‫يض‬ ‫يل إِجْ َمالِيٍّ ‪َ ،‬يرْ َف ُع ُه ِمنْ َحضِ ِ‬ ‫يل َت ْفصِ يلِيٍّ ‪َ ،‬فرْ ضٌ ِك َفا ِئيٌّ ‪َ ،‬و َمعْ ِر َف ُت َها َعنْ دَ لِ ٍ‬ ‫َدلِ ٍ‬ ‫ال َّت ْقلِي ِد‪َ ،‬فرْ ضٌ َع ْينِيٌّ ‪.‬‬ ‫يجب على ك ّل مسلم و مسلمة‪ ،‬ح ّتى و لو كان أ ّميّا ال يكتب و ال يقرأ‪ ،‬أن يعتقد عن‬ ‫دليل و لو إجماليّ ‪ .‬و على فكرة‪ ،‬ال يخلو مسلم مِن هذا‪ ،‬بحمد هللا تبارك و تعالى‪.‬‬ ‫ح ّتى العجائز ّ‬ ‫الالئي ال تفهمن شيئا‪ ،‬تقول لك‪« :‬كيف يا ابني؟ َمن َخلَق؟ َمن َسوَّ ى؟‬

‫َمن َخلَق هذه العين و وضعها في هذا المكان‪ ،‬و وضع المنخار هنا؟‪ »...‬هي ترى‬ ‫أنّ أحسن تقويم ُخل َِق عليه اإلنسان دليل على وجود هللا‪ ،‬و هذا كالم كافي في ّ‬ ‫حق‬ ‫العجائز و ال ّناس العوا ّم‪ ،‬دليل إجماليّ و صحيح‪ .‬و أحيانا‪ ،‬هي حين ترى بعض‬ ‫مظاهر البداعة‪ ،‬و مظاهر ال َّت َقا َنة‪ ،‬يعني اإلتقان‪ ،‬في صنع هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪،‬‬ ‫يزداد إيمانها‪ ،‬تقول‪« :‬سبحان هللا»‪ .‬يقف شعر بدنها‪ ،‬إذن هي تستفيد مِن ال ّدليل‪،‬‬ ‫صحيح؟ لكن بطريقة ال تستطيع أن ُت َف ِّ‬ ‫صلَها (بها)‪ ،‬إذن هذا يكفي‪ ،‬إن شاء هللا‪.‬‬ ‫لكن معرفة العقيدة‪ ،‬أو مسائل االعتقاد‪ ،‬عن أدلّة‪ ،‬يعني بأدلّة‪ ،‬تفصيليّة‪ ،‬فرض على‬

‫‪17‬‬

‫الكفاية‪ .‬و اخ ُتلِف طبعا‪ ،‬كم و ما كم‪ ...‬هذه مسائل فيها كالم طويل ج ّدا ج ّدا‪ ،‬لكن‬ ‫ينبغي ّأال تخلو ك ّل بلدة مِن بالد المسلمين (مِن عالِم متخصّص)‪ ،‬بعضهم قال ينبغي‬ ‫ّأال تخلو مساحة القصر‪ ،‬كـ ‪‬بن حزم ّ‬ ‫الظاهريّ ‪ ،‬رحمة هللا عليه (‪ 483‬هـ –‬ ‫‪ 394‬هـ)‪ ،‬ما مسافة القصر؟ حوالي خمسة فراسخ‪ ،‬حوالي ثمانين‪ ،‬تسعين كيلومترا‪.‬‬


‫ل تسعين كيلو (يبدو أنّ الشّيخ قد أخطأ‪ ،‬ألنّ الفرسخ يساوي خمسة كيلومترات‬ ‫في ك ّ‬ ‫تقريبا‪ ،‬ممّا يدلّ على أنّ خمسة فراسخ تساوي حوالي خمسة و عشرين كيلومترا‪ ،‬و اهلل‬

‫أعلم)‪ ،‬المفروض يكون هناك عالم منتصب‪ ،‬ما معنى منتصب؟ يقول العلماء‪،‬‬ ‫ف َن ْف َس ُه على هذا ال ّشيء‪... ،‬منتصب لتقرير أدلّة المسائل‬ ‫متخصّص‪ ،‬واقف‪َ ،‬و َق َ‬ ‫العقديّة تفصيليّا‪ .‬يأتينا واحد ملحد‪ ،‬وجوديّ ‪ ،‬متفلسف‪ ،‬مسيحيّ ‪ ،‬يهوديّ ‪ ،‬زنديق‪،‬‬ ‫ُض ِّيعُه بالكالم يقول‬ ‫يريد تشكيك المسلمين‪ ،‬يقوم له هذا العالِم‪ ،‬أل ّنه متخصّص‪ ،‬و ي َ‬ ‫له‪« :‬كذا‪ ،‬كذا‪ ،‬كذا‪ »...‬و اآلخر ال يفهم شيئا‪ ،‬و طبيعيّ أن يكون (مستواه) صفرا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الحق‪ ،‬فتكون أسعد بالحُجّ ة‪ ،‬أو غير صحيح؟ هناك َمن‬ ‫و أنت دائما حين تكون مع‬ ‫يظنّ أ ّنه بال ّشطارة‪ ،‬و بقوّ ة اللّسان أ ّنه يقدر (على كلّ النّاس)‪ ،‬غير صحيح‪ ،‬يا إخواني‪.‬‬ ‫هناك ّ‬ ‫الح ِّق إِ َّال الض ََّالل (الشّيخ‪ ،‬هنا‪ ،‬لم يذكر اآلية‬ ‫ْس َبعْ دَ َ‬ ‫حق و هناك باطل‪ ،‬و لَي َ‬ ‫ّ‬ ‫الحق عند ال ّنقاش‪ ،‬حين ُتح َترم الح َُجج‬ ‫الكريمة مِن سورة يونس)‪ .‬و َمن كان مع‬ ‫والبراهين‪ ،‬و ُتح َت َرم عقول اآلخرين‪ ،‬ال ب ّد أن ُت ْفلِ َج حُجَّ ة ال ُمح ِّق‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬تبارك‬ ‫و تعالى‪ ،‬هذا هو‪ .‬لكن تحتاج َمن يُقرِّ ر هذه الحُجّ ة‪ ،‬هذه هي المسألة‪.‬‬ ‫و لذلك قال العلماء‪ :‬هذا واجب وجوبا كِفائيّا‪ ،‬في ك ّل مسافة قصر قال بعضهم‪،‬‬ ‫وبعضهم لم يُح ّدد مسافة قصر‪ ،‬يعني في ك ّل مكان على اإلجمال‪ ،‬مستحيل يكون‬ ‫في ك ّل قرية صغيرة مثال مِن خمسين أو س ّتين بيتا‪ ،‬لكن في ك ّل مكان يجمع المسلمين‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫طبعا‪.‬‬

‫ُوصل إليه‪.‬‬ ‫يمكن أن ي َ‬ ‫طبعا‪ ،‬تحديد مسافة القصر تحديد ذكيّ ج ّدا ج ّدا‪ ،‬العتبارات فقهيّة‪ .‬ح ّتى تظهر‬ ‫رحمة هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬و لكنّ العلماء أجمعوا أنّ َمن َط َرأَت له أو عليه ُ‬ ‫شبهة‬ ‫في العقيدة قد ُت َك ِّفرُه أو تزلزل إيمانه مِن أصله‪ ،‬و العياذ باهلل‪ ،‬مِن أُسُسِ ه‪ ،‬مِن أركانِه‪،‬‬ ‫و لم يجد َمن يكشف له هذه ال ّشبهة‪ ،‬يجب عليه و ال َي ِح ُّل له أن ّ‬ ‫يتأخر ال يوم و ال‬ ‫ليلة‪ ،‬ح ّتى و إن كان خلفه عيال‪ ،‬اُترك ّ‬ ‫الزوجة و األوالد و ال ّشغل‪ ،‬ك ّل شيء‪،‬‬

‫‪18‬‬


‫وعليك أن ترتحل إلى أقرب بلد‪ ،‬ح ّتى و إن كانت تبعد عنك ألف كيلومتر‪ ،‬ألنّ هذا‬ ‫دين‪ .‬و ّإال لو كنت ُتعْ َت َبر مقصّرا‪ ،‬و العياذ باهلل‪ ،‬فتدخل نار جه ّنم خالدا مخلّدا‪ ،‬وأنت‬ ‫ك في ال ّدين و في الرّ سل‪ ،‬انتهيت‪ ،‬أو غير صحيح؟‬ ‫ك في هللا‪ ،‬تش ّ‬ ‫تش ّ‬ ‫قد يقول أحدكم‪« :‬أنا وهللا قرأت‪ »..‬مثال أل ّننا ك ّنا قبل قليل في قصّة ‪‬عيسى‪،‬‬ ‫«‪..‬قرأت أناجيل و كذا و أنا مقتنع أنّ ‪‬عيسى‪( ،‬و نعوذ باهلل مِن هذا)‪ ،‬هو الّذي‬ ‫َ ُ‬ ‫صلِب بصراحة»‪ .‬نقول له‪« :‬أنت ّ‬ ‫مكذب لكتاب هللا‪ ،‬هللا قال‪َ ...  :‬و َما ق َتلوهُ َو َما‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َصل ُبوهُ ‪ .6 S، ٧٥١ W  U‬يا رجل! ال حصل له‪ ،‬ال قتل و ال صلب»‪.‬‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫فيقول‪« :‬لكن ِقصّتهم‪ ،‬بصراحة‪ ،‬قصّة ّ‬ ‫مؤثرة و كذا»‪ .‬طبعا‪ ،‬أل ّنه عاطفيّ و أحبّ ‪،‬‬ ‫مثل أمثاله مِن المسيحيّين‪ ،‬أن يكون ‪‬عيسى‪ ‬ضحيّة‪ ،‬بهذه ّ‬ ‫الطريقة يعني‪ ،‬واقتنع‪.‬‬ ‫يقول‪« :‬لكن هذه‪( ،‬و نعوذ باهلل مِن هذا)‪ ،‬شطر آية مِن سورة ال ّنساء»‪ .‬ح ّتى و لو‬ ‫ّ‬ ‫كذبت بكلمة واحدة مِن كتاب هللا‪ ،‬أنت َك َفرْ َ‬ ‫ت‪  .‬ما كذب على هللا‪ ،‬صحيح؟ وهللا‬ ‫ما غ ّشنا‪ ،‬أعطاك الحقيقة كاملة هنا‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الجُزئيّة‬ ‫شككت في هذه‬ ‫(عودة إلى قول العلماء في مَن طَرَأَت عليه شُبهة) فأنت لو‬

‫البسيطة‪ ،‬يجب مباشرة أن تقصد عالما‪ ،‬في أقرب بلد‪ .‬قد يقول أحدكم‪« :‬ال يوجد‬ ‫(عالم) في مسافة قصر»‪ .‬إن شاء هللا‪ ،‬ح ّتى خمسة آالف كيلومتر‪ ،‬يجب عليك أن‬ ‫تسافر مباشرة‪ .‬إذا ّ‬ ‫مت في الطريق‪ ،‬وقع أجرك على هللا‪ ،‬أنت ذهبت تطلب الهداية‪،‬‬ ‫لكن إذا لم تذهب و قصّرت و ّ‬ ‫مت فأنت في نار جه ّنم خالدا مخلّدا فيها‪ ،‬إذا كانت‬ ‫هذه ال ّ‬ ‫شبهة تنقض أصل اإليمان‪ ،‬واضح!‬

‫إذا ال ّ‬ ‫شبهة في بعض الفرو ال تنقض أصل اإليمان‪ ،‬ال بأس إن شاء هللا‪ ،‬و نسأل‬ ‫هللا المغفرة‪ .‬فالمسألة خطيرة ج ّدا ج ّدا‪.‬‬

‫‪19‬‬

‫و مِن هنا معنى قولهم‪ ،‬أنّ هذا يجب وجوبا كِفائيّا‪ ،‬يكون في ك ّل مكان تقريبا‪ ،‬ال‬ ‫على ال ّتعيين‪ ،‬رجل منتصب لتقرير مسائل االعتقاد بأدلّة تفصيليّة‪ ،‬و معنى ذلك أ ّنه‬ ‫قادر على الكشف على جميع ال ّ‬ ‫تورد على‬ ‫شبهات و اإليرادات و االعتراضات الّتي َ‬ ‫مسائل العقيدة اإلسالميّة‪ .‬يجب أن يكون قادرا‪.‬‬


‫و لذلك اآلن‪ ،‬انتبهوا‪ ،‬هذا فيه نقص في علماء المسلمين‪ .‬ال تستطيع‪ ،‬أنت كعالِم‬ ‫مسلم‪ ،‬تعيش في القرن الواحد و العشرين‪ ،‬أن تقول‪« :‬ما دخلي أنا في الفلسفات‪»...‬‬ ‫ضروريّ ‪ ،‬رغما عنك‪ .‬علماء زمان‪ ،‬كان هناك اعتزال درسوا ُ‬ ‫ش َب َههُ‪ ،‬و بقوا‬ ‫مسلمين ليسوا كفرة‪ .‬كان هناك شبهات البوذيّين‪ ،‬كانوا يُسمّونهم السّومانيّون‪،‬‬ ‫درسوها و ر ّدوا عليهم‪ .‬شبهات اليهود ر ّدوا عليها‪ ،‬شبهات ال ّنصارى ر ّدوا عليها‪،‬‬ ‫شبهات ّ‬ ‫الطبيعيّين‪ ،‬كانوا يُسمُّون أنفسهم ال ُّد َه ِريِّين‪ ،‬الّذين هم مالحدة‪،athéistes ،‬‬ ‫ر ّدوا عليها علماؤنا‪.‬‬

‫أن تر ّد عليها‪ ،‬صح أو ال؟ ضروريّ أن يكون عندنا علماء تتخصّص في دراسة‬ ‫هذه المذاهب و األفكار و الفلسفات المُحْ دَ َثة‪ ،‬و أن تجيب عنها جيّدا‪.‬‬ ‫بالعكس‪ ،‬أحيانا‪ ،‬أنت كعالِم مسلم في العقيدة‪ ،‬يجب أن تدرس و بعُمق فلسفات العلوم‪.‬‬ ‫أنا أقول هذا عن تجربة‪ ،‬لماذا؟ إذا لم تدرس مثال‪ ،‬فلسفة ميكانيكا الك ّم مِن الممكن‬ ‫ِّ‬ ‫تحطم‪ ،‬ليس العقيدة اإلسالميّة‪ ،‬و إ ّنما أوائل العقيدة‪ .‬ماذا‬ ‫تورد عليك إيرادات‬ ‫أن َ‬ ‫يسمّون األوائل؟ بديهيّات العقيدة‪ .‬فعمليّة خطيرة‪ ،‬ال ب ّد أن تدرس دراسة كافية على‬ ‫األقلّ‪ ،‬فلسفة هذا العلم‪ ،‬ال أن تصير عالم ميكانيكا ك ّم‪ ،‬ال تقدر‪ ،‬تنقصك الرّ ياضيّات‪،‬‬ ‫لكن تقرأ هذه المعلومات و هذا العلم‪ ،‬و ما قيل فيه‪ ،‬و تستطيع‪ ،‬أيضا أن تكشف‬ ‫شبهات هؤالء المُش ِّككين‪ .‬فهذا ضروريّ ‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫اآلن عندك شبهات الماركسيّين‪ ،‬شبهات الوجوديّين‪ ،‬ما بعد الحداثيّين‪ ،‬يجب عليك‬

‫فك ّل عصر يختلف عن العصر اآلخر بهذا االعتبار‪ ،‬تطبيقيّا يعني‪ .‬طيّب‪ ،‬هذا‬ ‫بال ّنسبة لل ّدليل اإلجماليّ و ال ّدليل ال ّتفصيليّ ‪ ،‬هذا تعريف العلم‪.‬‬

‫‪20‬‬


‫إذن ماذا قال (اإلمام ‪‬ال ّلقّانيّ‪)‬؟‬

‫‪ 9‬وَ​َبَعَدَُفَالعَلَ َمَُبَأَصَلَ​َالدَي نَ‪َ ...‬‬ ‫ل ال ّدين‪ .‬قد يقول أحدكم‪« :‬هل هناك أصل واحد لل ّدين؟» (إجابة من أحد‬ ‫أص ُ‬

‫الحاضرين و أقرّه الشّيخ بقوله أنّه كما م ّر معهم في دروس التّجويد عند حرف الحلق)‪.‬‬ ‫إذن أصل ال ّدين ُم ْف َرد مضاف‪ ،‬ف َي ُع ُّم‪ .‬إذن ما المقصود؟ أصول ال ّدين‪ ،‬و هي قواعده‪،‬‬ ‫و العبارة ُم ْش ِع َرة بالمدح‪ ،‬لماذا ُم ْشع َِرة بالمدح؟ أل ّنها جعلت مسائل ال ّتوحيد هي‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫األصل‪ .‬و لكي نقول مدح‪ ،‬ما هو األصل إذن؟ ما ا ْب ُتن َِي عليه غيره و لم ُي ْب َت َنى هو‬ ‫على غيره‪ ،‬أل ّنه األساس‪( ،font ،‬باإلنكليزيّة)‪ ،‬هو األساس‪.‬‬ ‫ك ّل شيء يقوم عليه‪ ،‬يعني ك ّل بناء اإلسالم قائم على ماذا؟ على العقيدة‪ .‬إذن أين‬ ‫األسس في األرض؟ ماهي؟ العقيدة‪ .‬و ك ّل اإلسالم مِن عبادات و شرائع و شعائر‬ ‫و معامالت و أخالق و دساتير و مناهج للحياة‪ ،‬ك ّل هذا على أساس العقيدة‪.‬‬ ‫و كما قلنا في درس سابق‪ ،‬العقيدة هي العقدة األكبر‪ ،‬صحيح؟ إنسان‪ ،‬و العياذ باهلل‪،‬‬ ‫يعتقد عقيدة فاسدة‪ ،‬عقيدة شِ رْ ِكيَّة‪ ،‬وثنيّة‪َ ،‬ث َن ِويَّة (مبدؤها‪ ،‬و نعوذ باهلل مِن هذا‪ ،‬االعتقاد‬ ‫في إلهين؛ أحدهما خير و اآلخر شرّ)‪ ،‬إلى آخره‪ ،‬هذه عقدته الكبرى‪ .‬إذا َحلَ ْل َتها له‪،‬‬ ‫ل جميع العقد‪ ،‬كما قال ‪‬أبو الحسن ال ّندويّ ‪ ،‬رحمة هللا عليه (‪ 3444‬هـ ‪-‬‬ ‫تنح ُّ‬

‫‪ 3370‬هـ)‪ .‬هذه هي العقدة الكبرى‪.‬‬ ‫و مِن هنا خطأ ال ّدعاة‪ ،‬خطأ المب ّشرين بهذا ال ّدين العظيم‪ ،‬أ ّنهم يخوضون مع‬ ‫الغربيّين و غير الغربيّين‪ ،‬في مسائل فروعيّة‪« .‬لماذا شهادة المرأة نصف شهادة‬ ‫الرّ جل؟» «لماذا لها نصف في ميراث؟» «لماذا الحجاب؟» «لماذا كذا؟» هذا كلّه كالم‬

‫‪21‬‬

‫فارغ‪ ،‬وهللا العظيم‪.‬‬


‫و هم يستدرجوننا إلى ذلك‪ .‬على فكرة‪ ،‬هناك ّ‬ ‫خطة استشراقيّة ذكيّة ج ّدا ج ّدا‪،‬‬ ‫مكتوبة‪ .‬هم أرادوا ذلك‪ .‬هذه المسائل أقرب إلى روح االجتما ‪ ،‬و تختلف مِن بيئة‬ ‫إلى بيئة‪ ،‬يا أخي‪.‬‬ ‫في بيئات معيّنة‪ ،‬ترى أشياء على أ ّنها أشياء طبيعيّة و بالعكس ُتمْ َتدَح‪ ،‬و نفس‬ ‫األشياء في بيئة ثانية ُي َت َق َّزز منها و ُتسْ َت ْف َظع‪ .‬بالعكس هذا َيسْ َت ْفظِ ع ما يستحليه و ما‬ ‫َيسْ َتمْ لِحُه هذا‪ .‬مسائل تتبع روح االجتما الحاليّ ‪ .‬صعب أن تقنع ال ّناس بهذه األشياء‪.‬‬

‫يهوديّا كان أو نصرانيّا‪ ،‬أنّ هذا الكتاب مِن عند هللا‪ ،‬و أنّ القائل في أمره و في نهيه‬ ‫و في حكمه و في كذا و كذا هو ربّ العالمين ح ّقا‪ ،‬الواحد األحد‪َ ،‬يس َت ْخذي أو ال‬ ‫يستخذي ك ّل يسمع؟ سمعنا و أطعنا‪ ،‬انتهى‪ .‬يقول لك‪« :‬عقلي هذا َف ِهم‪ ،‬إن لم يفهم‬ ‫سأضعه على جانب‪ .‬عقلي و أنا أفهمه‪ ،‬نسبيّ ‪ ،‬ليس عقال كامال‪ ،‬و ليس مطلقا‬ ‫ويتطوّ ر»‪ .‬أو غير صحيح؟‬ ‫لكن هذا كالم َمن؟ كالم المطلق‪ ،‬الّذي يعرف ك ّل شيء‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬و لذلك‬ ‫المسلمون مرتاحون‪ ،‬الحمد هلل‪ .‬يقولون أنّ المسلمين متعصّبون‪ .‬لسنا متعصّبين‪،‬‬ ‫نحن مرتاحون‪ ،‬أل ّننا عندنا عقيدة كاملة شاملة و قطعيّة بفضل هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪.‬‬ ‫ك أنّ هذا الكالم فعال‪ ،‬كالم هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪.‬‬ ‫ليس لدينا شكّ‪ ،‬ليس لدينا ذرّ ة ش ّ‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫و هذا كما قلنا بناء فوقيّ ‪ ،‬أه ّم شيء األسس ال ّتحتيّة‪ ،‬بمعنى إذا اقترح هذا اآلخر‪،‬‬

‫ّ‬ ‫محطة فضائيّة‪ ،‬أنا أنصح أن تشاهدوها مرّ ة أو مرّ تين‪ ،‬إذا استطعتم مشاهدتها‪،‬‬ ‫توجد‬ ‫اسمها الحياة‪ ،‬مسيحيّة تبشيريّة‪ .‬يا أخي شيء ّ‬ ‫مقزز‪ ،‬تريد أن تتقيّأ ما في جوفك‪ .‬ما‬ ‫هذا يا أخي؟ واحدة اسمها جويس ماير‪ُ ،‬م َب ِّش َرة‪ .‬ما هذا القرف؟ ح ّتى األسلوب‪،‬‬ ‫)‪ ،‬نبيّ هللا‪ ،‬كان يتكلّم‬ ‫مستحيل أنّ ‪‬عيسى‪ ،‬كان يتكلّم هكذا‪ .‬عيسى‪( ،‬‬ ‫هكذا؟ ما هذا الكالم الفارغ؟ كالم ُم َق ِّزز‪ُ ،‬م ْق ِرف يا أخي‪ .‬شيء عجيب!‬

‫‪a‬‬

‫‪22‬‬


‫ا‬ ‫و تقرأ كالم هللا‪ ،‬يا أخي‪ ،‬تقول‪« :‬ال هلإ إال اهلل»‪ ،‬تقرأ القرآن‪ ،‬جرسُه‪ ،‬موسيقاه‪،‬‬ ‫الكلمات‪ ،‬ال ّنغم‪ ،‬شيء غير طبيعيّ ‪ ،‬األمر‪ ،‬ال ّنهي الّذي فيه‪ ،‬الرّ وح الّذي فيه‪ .‬و مِن‬ ‫هنا‪ ،‬نستطيع أن نفهم لماذا‪ ،‬و اآلن األمّة اإلسالميّة ليست آخر أمّة و لكن مِن األمم‬ ‫المتأخرة ج ّدا‪ ،‬صحيح؟ نحن في ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذيل‪ ،‬في ذيل القافلة‪ ،‬و مهزومة‪ ،‬و مستباحة‪،‬‬ ‫ومستعمرة‪ ،‬و ملعونة‪ ،‬و مع ذلك ماليين يدخلون في اإلسالم‪ ،‬في أنحاء األرض‬ ‫كلّها بالماليين يدخلون اإلسالم‪ ،‬ال ّدين الضّعيف المستضعف أهله‪ ،‬مضبوط أو ال؟‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫و ال يوجد أحد مِن المسلمين الضّعفاء‪ ،‬الفقراء‪ ،‬الغالبى‪ ،‬تنصّروا‪ ،‬أو غير صحيح؟‬ ‫و الّذي يتنصّر منهم مِن أجل أكل الخبز‪ ،‬لكن هؤالء المتنصّرين يكونون فالسفة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫خطاطين‪ ،‬شخصيّات ثقافيّة‪ ،‬أو غير صحيح؟ كلّهم‬ ‫علماء‪ ،‬ك ّتاب‪ ،‬إعالميّين‪،‬‬ ‫مث ّقفون‪ ،‬يدرسون و يتعلّمون‪.‬‬ ‫أساتذة علم نفس‪ ،‬عندما يرون اإلسالم يجذبهم مباشرة‪ ،‬هذا ال ّدين الضّعيف الّذي ال‬ ‫يملك‪ ،‬اآلن‪ ،‬حضارة و ال قوّ ة‪ ،‬و ال هِين و َه ْيلَمان‪ ،‬ألنّ قوّ ته ذاتيّة فعال‪ ،‬ي ّتسق مع‬ ‫الفطرة بالكامل بحمد هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪.‬‬ ‫فأردنا أن نقول‪ ،‬اللّه ّم ص ّل و سلّم على سيّدنا ‪ ،‬أنّ أصول ال ّدين و هي العقيدة‬ ‫و هي األساس‪ .‬و مِن هنا يجب أن يكون ال ّتركيز على األساس‪ ،‬و كما هي أساس‬ ‫في األرض‪ ،‬سبحان هللا‪ ،‬للبناء‪ ،‬العقيدة أساس في الباطن في القلب‪ ،‬غير ظاهرة‪.‬‬ ‫أساس البناء ال يظهر‪ ،‬صحيح؟ و العقيدة ال تظهر‪ ،‬محلّها القلب‪.‬‬ ‫لكن تظهر أشياء تد ّل عليها‪ .‬كلّما كان البناء عاليا و شامخا و قويّا‪ ،‬د ّل على أنّ‬ ‫ي‬ ‫األساس (متين)‪ .‬و أنت عندما ترى مؤمنا قويّا‪ ،‬سبحان هللا‪ ،‬قويّ على نفسه‪ ،‬قو ّ‬ ‫في األمر‪ ،‬قويّ في ال ّنهي‪ ،‬قويّ في ال ّتم ّسك و االعتزاز بدينه‪ ،‬في ال ّدعوة إلى هذا‬

‫‪23‬‬

‫ال ّدين‪ ،‬عنده ثقة مطلقة بال ّدين‪ ،‬و باهلل و بال ّشريعة‪ ،‬تعرف أنّ عنده عقيدة قويّة‪.‬‬ ‫احساس متين قويّ ج ّدا ج ّدا‪ ،‬ال يتساهل‪ .‬و ترى مسلما ضعيفا‪ ،‬مثل بناء مزعز ‪،‬‬ ‫َخ ِرب‪ ،‬يتداعى‪ ،‬تعلم أنّ العقيدة عنده (ضعيفة)‪.‬‬


‫و لذلك هو (الشّيخ ‪‬ال ّلقّانيّ‪ )‬قال‪:‬‬

‫‪ 9‬وَ​َبَعَدَُفَالعَلَ َمَُبَأَصَلَ​َالدَي نَ‪َ ...‬‬ ‫ذكرنا معنى كلمة 'دين' في ال ّدرس السّابق‪َ .‬‬ ‫اجَُلَلت ب ي ي نَ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ َ‬ ‫ح تَ مَ​َيَحَتَ َ‬ ‫َ‪َ ...‬مُ َ‬

‫نسوق له أدلّة‪ ،‬بعض األدلّة طبعا ليست كلّها‪ ،‬تفصيليّة‪.‬‬ ‫َ َۡ‬ ‫ـن‪َ .‬من الّذي َح َّت َمه؟ ربّ العالمين‪ ،‬بمثل قوله )‪  :(‬فٱعل ۡم‬ ‫ْـيـي ِ‬ ‫ُم َح َّت ٌم َيحْ َتا ُج لِل َّتـب ِ‬ ‫َ َّ ُ َ ٓ َ َٰ َ َّ َّ‬ ‫ُ‬ ‫أنهۥ َل إيله إيَل ٱّلل ‪ .U S، ٧٩ W  U‬هللا قال‪ ،‬فاعلم‪ُ .‬يخاطِ ب َمن؟‬ ‫ا‬ ‫الرّ سول و مِن ورا ِئه أ ُ َّم َته‪ ،‬طبعا‪ .‬أ ّنه ال هلإ إال اهلل‪.‬‬ ‫ا‬ ‫ّ‬ ‫قد يقول أحدكم‪« :‬هذا أصل ال ّدين؟» ال هلإ إال اهلل‪ .‬أيّها اإلخوة‪ ،‬كلمة التوحيد‪ ،‬تد ّل‬ ‫على ك ّل مسائل االعتقاد إمّا بداللة المُطابقة و إمّا بداللة اللّزوم‪ ،‬و إمّا بالمنطوق‪،‬‬ ‫و إمّا بالمفهوم‪ ،‬لكن هذا مبحث َمن أراد أن يتوسّع فيه‪َ ،‬ف ْل َيعُد إلى كتب العقيدة‪،‬‬ ‫َي ْل َزمُه درس بأك َملِه‪ .‬لكن ُكلُّه‪ ،‬سبحان هللا‪ ،‬في هذه الكلمة‪ ،‬و إذا َج َمعْ َ‬ ‫ت إليها َعج َُز َها‬ ‫‪ ‬رسول هللا‪ ،‬تمّت المسألة‪.‬‬

‫ك ّل مسائل العقيدة في ها َتي ِْن الكلمتين‪ :‬‬

‫‪‬‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫ما معنى مح ّتم؟ الزم‪ .‬ما معنى ال ّتبيين؟ البيان‪ .‬ال ب ّد مِن شرحه و إيضاحه‬ ‫بأدلّته‪ ،‬و كما قلنا‪ ،‬هنا‪ ،‬أدلّة تفصيليّة أو إجماليّة؟ تفصيليّة‪ .‬ك ّل ما سنذكره ال ب ّد أن‬

‫‪ ،‬ك ّل المسائل‪ ،‬ك ّل‬

‫ما تريد‪ ،‬كما قلنا‪ ،‬الج ّنة‪ ،‬ال ّنار‪ ،‬الخلود‪ ،‬الميزان‪ ،‬الصّراط‪ ،‬عالمات السّاعة‪ ،‬أشراط‬

‫السّاعة‪ ،‬ما يتعلّق باألنبياء مِن قبل‪ ،‬ك ّل هذا تحت [‬

‫‪ ،‬مضبوط أو ال؟ ك ّل ما‬

‫جاءك به ‪ ‬و أخبرك به‪ ،‬بدليل طبعا‪ ،‬ال ب ّد أن تؤمن به و يدخل في باب العقيدة‪،‬‬ ‫طيّب‪.‬‬

‫‪24‬‬


‫(يقول الشّيخ ‪‬ال ّلقّانيّ‪ ،‬رحمة اهلل عليه)‪:‬‬

‫ارَُمَُلَت َزمَ‬ ‫‪ 9‬لَكَنَ​َمَنَ​َالتَطَ َويلَ​َكَلَتَ​َالهَمَمَ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َفَصَارَ​َفَيهَ​َاالخَتَ صَ َ‬ ‫يعني ماذا يقول؟ صحيح ِع ْلم ال ّدين واجب و ُم َحتَّم‪ ،‬و ال ب ّد ِمن بيانه‪،‬‬ ‫وإيضاحه‪ ،‬و شرحه بدالئله‪ ،‬و لكن ِمن غير مبالغة و تطويل في العبارة‪ .‬هذا معنى‬ ‫اني‪ ،‬رحمة هللا عليه‪.‬‬ ‫كالم ال ّشيخ ‪‬اللّقّ ّ‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫يقول ِمن غير تطويل و مبالغة في العبارة‪ .‬لماذا؟ ّ‬ ‫ألن ال ِههَم القويّة القعساء‪ ،‬لَ ِحقَها‬ ‫ال َكالل و ال َمالل و السَّآ َمة‪ ،‬فكيف َمن كان غير ذي ِه َّمة‪ ،‬الّذي ال يملك ِه َّمة أصال‪،‬‬ ‫أو ِه َّمتُه ضعيفة ج ّدا ج ّدا و خائِ َرة‪ ،‬مستحيل‪ .‬ال يقدر حتّى على قراءة صفحات في‬ ‫العقيدة‪ ،‬يقول لك‪« :‬ال أملك وقتا»‪ .‬ألنّه ال يملك ِه َّمة‪ .‬فأصحاب ال ِه َمم ما ق ّل و دلّ‪،‬‬ ‫فكيف غير أصحاب ال ِه َمم أو أصحاب ال ِه َمم الضّعيفة‪.‬‬ ‫فال ّشيخ يقول‪ :‬لَ ِك ْن ِم َن التَّ ْ‬ ‫يل َكلَّ ْ‬ ‫لحقَها الكالل و المالل و التّعب و السّآمة‪.‬‬ ‫ت ال ِه ِم ْم‪ِ .‬‬ ‫ط ِو ِ‬ ‫صا ُر مـ ُ ْلتـ َ َز ْم‪ ،‬في التّأليف و التّدريس‪ .‬ما معنى هذا الكالم؟ يقول‪:‬‬ ‫ار فِي ِه اال ْختِ َ‬ ‫ص َ‬ ‫فَ َ‬ ‫نحاول أن نختصر‪ ،‬نتوسّط‪ .‬لكن اختصارا غير مخلّ‪ ،‬ألنّه مذموم‪ .‬لو اختصرت في‬ ‫أ ّ‬ ‫ي علم‪ ،‬اختصارا ُم ِخ ّاال‪ ،‬كان هذا االختصار مذموما‪.‬‬ ‫على ك ّل حال‪ ،‬في الجملة‪ ،‬الصّحيح في هذا الباب ما قاله ّ‬ ‫العالمة ‪‬بن خلدون‪‬‬ ‫في «المق ّدمة»‪ ،‬فقد بيّن‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ّ ،‬‬ ‫أن االختصار ُم ِخ ّل بالعلوم‪.‬‬ ‫االختصار بشكل عا ّم ُم ِخ ّل على فكرة‪ .‬كما قلت لكم‪ ،‬مرّة في درس‪ ،‬إذا أردت أن‬ ‫تُف ِهم إنسانا مسألة‪ ،‬أن توضّحها له تماما‪ ،‬تَ ْبسُطُها أو تَ ْقبِضُها؟ تَ ْبسُطُها‪ .‬لو تَ َكلّ َ‬ ‫مت‬

‫‪25‬‬

‫طت القول فيها‪ ،‬ما معنى بَ َسط َ‬ ‫كلمتين‪ ،‬بيت شعر مثال‪ ،‬لن يفهم عليك‪ .‬لكن لو بَ َس َ‬ ‫ت‬ ‫القول؟ َو َّسع َ‬ ‫ْت‪ .‬على فكرة‪ ،‬ل ّما نقول هذا كتاب بسيط‪ ،‬في اللّغة الفصحى و ليس اللّغة‬ ‫العا ّميّة الخاطئة‪ ،‬ما معناها؟ ُم َوسَّع‪ .‬بسيط معناها ُم َوسَّع ج ّدا‪ .‬كتاب وسيط‪ ،‬وسط‪.‬‬ ‫كتاب مختصر‪( ،‬وجيز)‪ .‬الوسيط و البسيط و الوجيز‪ ،‬و هي ثالثة كتب لإلمام ‪‬أبي‬


‫الي‪ ‬في الفقه‪ ،‬أوسعها اسمه «البسيط»‪ ،‬و أوسطها اسمه «الوسيط»‪،‬‬ ‫حامد الغ ّز ّ‬ ‫صر صعب ج ّدا‪.‬‬ ‫صر‪ .‬المختَ َ‬ ‫و«الوجيز» هو كتاب مختَ َ‬ ‫تقرأ مثال «تفسير الجاللين»‪ ،‬لـ ‪‬السّيوط ّي‪ ‬و ‪‬المحلّي‪ ،‬لن تستطيع فه َمه‪.‬‬ ‫إذا لم تكن‪ ،‬ما شاء هللا عليك‪ ،‬فحل في النّحو‪ ،‬و في البالغة‪ ،‬و في علم التّفسير‪ ،‬لن‬ ‫تفهم‪.‬‬ ‫قد تسمع َمن يقول‪« :‬وهللاِ‪ ،‬أنا أنصحك بالجاللين»‪ .‬هو ال يفهم شيئا و ينصح‪ .‬فصعب‬ ‫ج ّدا أن تفهم‪ ،‬ألنّك ستجد فيه كلمات و رؤوس أقالم‪ ،‬حتّى اإلعراب صعب ج ّدا‪ ،‬فهذا‬ ‫القرطبي‪ ‬أسهل و أسهل‪ .‬لكن المشكلة‪ ،‬هنا‪ ،‬في ال ِه َّمة‪،‬‬ ‫بكثير‪ ،‬لو قرأت ‪‬‬ ‫ّ‬ ‫والتّسبب بعدم توفّر الوقت‪ .‬ال يوجد ِه َّمة على التّحصيل‪ ،‬و لكن إن ُو ِج َدت ِه َّمة‬ ‫التّوسع بطريقته و بقانونه أحسن للفهم‪ ،‬فكما قال ‪‬بن خلدون‪ ‬االختصار ُم ِخ ّل‬ ‫بالعلوم‪.‬‬ ‫اني‪ ‬كتب «الجوهرة»‪ ،‬و ال يوجد أحد أخذ العقيدة ِمنها‬ ‫و على فكرة‪ ،‬ال ّشيخ ‪‬اللّقّ ّ‬ ‫عارية هكذا‪ .‬مضبوط أو ال؟ كيف نأخذها؟ مشروحة‪ .‬يعنى لو أعطيها لكم‪ ،‬و هي‬ ‫أربع صفحات فيها ‪ 411‬بيتا‪ ،‬لن تفهموا شيئا‪ ،‬لن تنفعكم في شيء‪ ،‬يمكن كلمات‬ ‫بسيطة فقط‪ .‬فال ب ّد أن تُش َرح‪ ،‬إ ّما كالميّا أو كتابيّا‪ .‬يعني رجعنا إلى بسط القول‪.‬‬ ‫لكن تفيد في ماذا‪ ،‬هي («الجوهرة»)؟ في استحضار أ ّمات المسائل‪ ،‬صح أو ال؟ إذا‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫لل ُم ْنتَهين‪(« ،‬تفسير) الجاللين»‪ ،‬ليس للمبتدئين‪ .‬لكن لو قرأت ‪‬ابن كثير‪ ‬أسهل‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫سمعت‬ ‫حفظت المتن‪ ،‬بعد ذلك تستطيع أن تستحضر معنى المتن‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬إذا‬ ‫هذا ال ّشرح‪ ،‬أو قرأتَه‪.‬‬

‫‪26‬‬


‫قال‪:‬‬

‫ارَُمَُلَت َزمَ‬ ‫‪ 9‬لَكَنَ​َمَنَ​َالتَطَ َويلَ​َكَلَتَ​َالهَمَمَ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َفَصَارَ​َفَيهَ​َاالخَتَ صَ َ‬ ‫ث ّم قال‪ ،‬رحمة هللا‪ ،‬تعالى‪ ،‬عليه‪:‬‬

‫وزةَ​َل ق ب ت ُ ه اَ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َجَ َوه َرةَ​َالتَ َوحَيدَ​َقَدَ​َهَذَبَتَُهَا َ‬ ‫‪ 9‬وَ​َهَذَهَ​َ​َأَُرج ُ َ‬ ‫(في الدّرس الماضي قال الشّيخ ‪‬عدنان إبراهيم‪' ‬أرجوزة سمّيتها' و هنا قال‬ ‫'لقّبتها' و يبدو أنّ هذه الرّواية هي المتواترة و اهلل أعلم)‬

‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫ما معنى أرجوزة؟ يعني قصيدة‪ ،‬منظومة‪ِ ،‬من بحر ال َّر َجز‪ ،‬القَ ِريض يعني‪،‬‬ ‫وهذا أسهل شيء كما قلنا‪ ،‬حمار ال ّشعراء‪ .‬يقول لَـقَّـبْـتُـهَا‪ ،‬س ّميتها‪َ ،‬ج ْوهَ َرةَ التَّ ْو ِحي ِد‬ ‫قَ ْد هَ َّذ ْبتُهَا‪ ،‬ما معنى ّ‬ ‫هذبتها؟ نَقَّ ْيتُهَا و َش َّذ ْبتُهَا‪ِ .‬من ماذا؟ ِمن ك ّل ما ليس ِمن أصول‬ ‫ال ِع ْلم‪ ،‬يعني ِمن فضول ال ِع ْلم‪ .‬هناك مسائل فُضوليّة‪ ،‬ماذا نس ّمي فضوليّة؟ أجنبيّة عن‬ ‫ال ِع ْلم‪ .‬فيُد ِخل لك مسائل في النّحو‪ .‬يا أخي ما َد ْخلُنا في النّحو؟ و هذا موجود‪ ،‬حتّى‬ ‫ال ّشيخ ‪‬إبراهيم البَيْجور ّ‬ ‫ي‪ ‬في شرحه‪ ،‬يشرح ال ّشيء األصل ّي في نصف صفحة‬ ‫و يتوسّع في شرح مسألة نَ َح ِويَّة في 'الفاء' مثال‪ ،‬في صفحة كاملة‪ .‬هذا خطأ في‬ ‫ال ّشرح‪ .‬هذا يُ َس ّمونه ُخطّة منهجيّة فاسدة‪ ،‬طبعا‪ .‬النّاحية المنهجيّة كانت ضعيفة بعض‬ ‫ال ّشيء عند علمائنا‪ ،‬يُضيِّع صفحة كاملة في شرح الفاء الفصيحة‪« ،‬هل هي فصيحة‬

‫أو فاء التّعقيب؟ ال الفاء الفصيحة‪ ،‬كذا كذا كذا‪»...‬‬

‫يا أخي‪ ،‬ما دخلي في الفاء الفصيحة‪ ،‬هل هو درس في النّحو‪ ،‬اشرح لي العقيدة‪.‬‬ ‫وبعد ذلك يكون قد تعب‪ ،‬حتّى إذا وافى الكالم إلى شرح المقصود ال يستطيع مسك‬ ‫صحّ‪ ،‬هذا خلل منهج ّي‪.‬‬ ‫القلم‪ ،‬فيُخربط الكالم في أربعة أسطر‪ ،‬و هذا ال يَ ِ‬ ‫في كتاب النّحو توسّع في النّحو‪ ،‬في غير كتاب النّحو‪ ،‬فقط بمقدار ّ‬ ‫الالزم‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫قال (‪‬ال ّلقّانيّ‪َ ... :)‬جـ ْوهـَـ َرةَ التَّ ْو ِحي ِد قَ ْد هَ َّذ ْبتُهَا‪ِ ،‬من فضول المسائل األجنبيّة‪،‬‬ ‫و ِمن ال ُّشبَه‪ ،‬صحيح؟ غير الئق و غير جميل في مثل هذه المنظومة أن يأتي بإيراد‬ ‫االعتراضات الكثيرة و ال ُّشبَه‪ ،‬ليس جيّدا أبدا‪ ،‬و هذا معروف عند ك ّل العلماء‪ ،‬لماذا؟‬ ‫َّس‬ ‫هذه المنظومة قصيرة‪ .‬لو أنّه جعل فيها هذه االعتراضات و ال ُّشبَه موارد لربّما لَب َ‬ ‫ذلك على ُمتَعاطيها و لم يستطع أن يَ ُح ّل ُم ْغلَقاتِها‪ ،‬فهذه مشكلة كبيرة‪ .‬هذا الئق بماذا؟‬ ‫الئق بال ّشروح ال ُمطَ َّولَة‪ ،‬لذلك التّهذيب يكون ِمن هذه األشياء‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬و هللا‪،‬‬ ‫تعالى‪ ،‬أعلم‪ .‬طيّب‪.‬‬

‫اَمَُريدَاَوَ​َفَيَالثَ َوابَ​َطَامَعَا َ‬ ‫‪ 9‬وَ​َاللَ​َأَ​َر َجُوَفَيَالقَ بَُولَ​َنَافَ عَاَ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َبَهَ َ‬ ‫الحصْ ر و القَصْ ر‪ .‬أرجوه ال أرجو‬ ‫قال َو هللاَ أَرْ ُجو‪ ،‬لماذا لم يقل َو أَرْ جُو هللاَ؟ َ‬ ‫ِسواه‪ ،‬هذا معناها‪ .‬لو قال َو أَرْ جُو هللاَ‪ ،‬معناها أرجو هللا و يمكن أرجو غي َره‪ .‬لكنّه‬ ‫غيره‪.‬‬ ‫قال َو هللاَ أَرْ ُجو‪َ ،‬و هللاَ أَ ْدعو‪َ ،‬و هللاَ أَسأل‪ ،‬يعني وحده ال َ‬ ‫َو هللاَ أَرْ ُجو‪ ،‬ما معنى الرّجاء؟ الرّجاء هو تعلُّق القلب بمرغوب فيه مع العمل‪ ،‬فإن‬ ‫خال عن عمل فهو أُ ْمنِيَّة‪ ،‬و التّمنّي مذموم‪ ،‬صحيح؟ فاألُمنيّات رؤوس أموال المفاليس‬ ‫كما قالوا قديما‪ ،‬انتبهوا‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫(قال الشّيخ ‪‬ال ّلقّانيّ‪):‬‬

‫إذن تعلُّق القلب بمرغوب (فيه) مع العمل‪ ،‬للوصول إلى هذا المرغوب‪ ،‬يُس ّمى ماذا؟‬ ‫الرّجاء‪ ،‬فإن َعلِ َي عن العمل ُس ِّم َي ماذا؟ أُ ْمنِيَّةا‪ ،‬و هي مذمومة‪.‬‬ ‫قد يقول أحد‪« :‬وهللاِ‪ ،‬يا أخي‪ ،‬أحبّ أن أدخل إلى الجنّة‪ ،‬أحبّ أن يفتح عل ّي هللا!»‬ ‫«طيّب‪ ،‬أنت تعمل؟» فيقول‪« :‬وهللاِ‪ ،‬ال يا أخي‪».‬‬ ‫«طيّب‪ ،‬أ تُحافظ على الصّلوات الخمس؟» فيقول‪« :‬يعني‪ ...‬ليس دائما‪».‬‬

‫‪28‬‬


‫عليك هللاُ‪ ،‬و تصير‬ ‫«هللا أكبر‪ ،‬يا أخي‪( ،‬ضحك في المجلس) و تريد الجنّة و أن يفت َح‬ ‫َ‬ ‫مثل ال ّشيخ ‪‬عبد القادر الجيالن ّي‪ ،‬مستحيل يا أخي‪».‬‬ ‫ٗ‬ ‫ْ َٓ‬ ‫َ‬ ‫َۡ ۡ‬ ‫َ‬ ‫قال تبارك و تعالى‪...  :‬ف َمن َك َن يَ ۡر ُجوا ل يقا َء َربيهيۦ فل َي ۡع َمل َع َمَل َََٰٰل ي ٗ​ٗا ‪ U‬‬ ‫‪.Y S، ٧٧٠ W‬‬ ‫«يا أخي‪ ،‬يجب أن تعمل إن كنت ترجو‪».‬‬

‫ال هو يرجو‪ ،‬لكن ِمن غير عمل‪ .‬نقول له‪« :‬ال هذا غلط‪ ،‬هذا ليس رجاء‪ ،‬هذا اسمه‬

‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫أمان ّي‪ ».‬و األمان ّي هي رؤوس أموال المفاليس‪ .‬قال ‪‬بن عطاء هللا السّكندر ّ‬ ‫ي‪،‬‬

‫أعتقد أنّكم سمعتم هذه الحكمة‪ ،‬قَ َّدس هللا ِس َّره الكريم‪ :‬‬ ‫الح َكم ال َعطائِيّة»‪ ،‬و هو كالم في غاية ال ّد ّقة‬ ‫فَإ ِ ْن َعلِ َي فَهُ َو أُ ْمنِيَّة ‪ .‬هذا ِمن « ِ‬

‫ال َّر َجا ُء َما َخالَ َ‬ ‫طهُ َع َمل‪،‬‬

‫والصِّحّ ة‪.‬‬

‫َ َ َ َا َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ا‬ ‫َ ْ َ َ َ َ​َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْي طاع يِت أ فأجود‬ ‫و في الحديث القُ ُدسيّ الجليل‪ :‬ما أقل حياء من طلب جن يِت بيغ ي‬ ‫َ َْ َ​َ‬ ‫لَع َم ْن َ​َب َل ب َط َ‬ ‫اع يِت‪.‬‬ ‫بيرْح يِت‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ضها السّماوات و األرض‪،‬‬ ‫أنت بخيل و بطا َعة قليلة هلل‪ ،‬و تريد أن يُعطيَك هللاُ جنّة عر ُ‬ ‫ال‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪...‬أَلَ​ََِنَ​َسَلَعَةَ​َ​َاللَ​َغَالَيَةَ‬

‫‪0‬‬

‫(حديث عن ‪‬أبي هريرة‪ ‬في‬

‫سنن ‪‬التّرمذيّ‪ ،)‬ما المقصود بغالية؟ يجب أن تدفع المهر‪ ،‬و النّب ّي قال بأنّها‬ ‫ي قال‬ ‫ليست رخيصة‪ .‬ال تقل ركعتان في اليوم مع صالة رديئة ستُد ِخلُك الجنّة‪ ،‬النّب ّ‬ ‫ال‪ ،‬و ثمنها كبير و يجب عليك دفعه‪.‬‬ ‫ب احل َْس نَا َء ل َ ْم ي ْغ ِلهَا املَهْر "‪( .‬من قصيدة لـ ‪‬أبو فراس الحمدانيّ‪،)‬‬ ‫قيل‪َ " :‬و َم ْن َ َْيط ِ‬ ‫و هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬أعلم‪ .‬طيّب‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫(قال الشّيخ ‪‬ال ّلقّانيّ‪):‬‬

‫اَمَُريدَا‪َ (...‬و ِفي الثَّــ َوابِ َطامِ َعا) َ‬ ‫‪ 9‬وَ​َاللَ​َأَ​َر َجُوَفَيَالقَ بَُولَ​َنَافَ عَاَ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َبَهَ َ‬ ‫ُول‪ .‬ما هو القبول؟ القبول‪ ،‬هو إثابة هللا َع ْب َدهُ عن عمله الصّحيح‬ ‫فِي القَب ِ‬ ‫الصّالح‪ ،‬هذا اسمه قَبُول‪ .‬و الثّوابُ ‪ ،‬ما تعريف الثّواب؟ مقدار ِمن الجزاء يُعطيه ربُّ‬ ‫العالمين‪ ،‬عب َدهُ على عمله الصّحيح الصّالح‪ ،‬يَ ْعلَ ُمهُ هو تبارك و تعالى‪ .‬كم بالضّبط؟‬ ‫هللا يَ ْعلَ ُمهُ‪.‬‬

‫وأعلَ َمنا به عن طريق مصطفاه (‪‬‬

‫)‪ .‬و هناك أشياء لم يُ ْعلِم بها حتّى مصطفاه‪،‬‬

‫أو غير صحيح؟‬

‫َّ َ ُ َ َّ َّ َٰ ُ َ َ ۡ َ ُ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫حساب ‪E S،٧٠ W  U‬‬ ‫ۡي ي‬ ‫(‪... )6‬إينما يوِف ٱلص يِبون أجرهم بيغ ي‬ ‫صابِر عن صابر يختلف‪ ،‬مضبوط أو‬ ‫لكن هل هللا يعلمه؟ يعلمه تماما‪ ،‬و حتّى أجْ ُر َ‬

‫ال؟ و هللا يعلمه‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫فهذا هو القبول و هذا هو الثّواب‪ .‬و ما هو جمع ثواب؟ أَ ْث ِوبَة‪ ،‬كجزاء و أَجْ ِزيَة مثال‪.‬‬ ‫قال (الشّيخ ‪‬ال ّلقّانيّ‪:)‬‬

‫اَمَُريدَاَلَلثَ َوابَ​َطَامَ عَ ا َ‬ ‫‪ 9‬وَ​َاللَ​َأَ​َر َجُوَفَيَالقَ بَُولَ​َنَافَ عَاَ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َبَهَ َ‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫ب له كذا حسنة‪ ،‬صحيح هللا يَعلَ ُمه‪،‬‬ ‫ُعرف أحيانا المقدار‪َ .‬من قال كذا كذا ُكتِ َ‬ ‫قد ي َ‬

‫(في الدّرس الماضي قال الشّيخ ‪‬عدنان إبراهيم‪' ‬و في الثّواب' و هنا قال‬ ‫'للثّواب' و الرّاجح أنّ األولى هي المتواترة‪ ،‬و اهلل أعلم)‬

‫قولُه‪ ،‬في ح ّ‬ ‫ق المريد‪ ،‬أنّه يطمع في ثواب هللا ب َدرْ ِسه و ِح ْف ِظه هذه المنظومة‪،‬‬ ‫إشارة إلى أنّه يجوز العمل هلل‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬بنيّة طلب الثّواب‪ ،‬و أنّه ال يتعارض‬ ‫مع اإلخالص‪ .‬و ِمن هنا َذ َك َر شيخ اإلسالم ‪‬زكريّا األنصار ّ‬ ‫ي‪ ،‬ق ّدس هللا سرّه‬ ‫(‪ 874‬هـ ‪ 574 -‬هـ)‪ ،‬ذكرناه في ال ّدرس السّابق‪ ،‬في درس التّجويد‪ ،‬رحمة هللا عليه‪،‬‬

‫‪30‬‬


‫في شرحه على «الرّ سالة القشيريّة» في التّص ّوف‪...( ،‬ذكرَ) ّ‬ ‫أن لإلخالص ثالث‬ ‫مراتب‪ ،‬مرتبة عليا و وسطى و دنيا‪.‬‬ ‫ألمره‪،‬‬ ‫المرتبة الع ُْليا‪ ،‬هي أن يَ ْع َم َل هلل‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬تعظيما لجاللِه و خضوعا‬ ‫ِ‬ ‫هذه أعلى مرتبة‪ .‬ال يريد أ ّ‬ ‫ي شيء آخر‪ ،‬هذه أعلى مرتبة‪ .‬قد يقول أحدكم‪« :‬هذا الّذي‬ ‫يعمل بهذا االعتبار‪ ،‬أ ال يأتي على باله الجنّة و النّار؟» في البال‪ ،‬لكن ليس هذا‬ ‫الباعث األ ّول‪ ،‬و ليس هذا الباعث األساس‪ ،‬و لو لم يوجد جنّة أو نار‪ ،‬مث ُل هذا العب ِد‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫سيعبُد َربَّهُ و يُعظِّ ُمه‪ .‬هذا اإلخالص العالي‪ ،‬صحيح؟ و ّإال‪ ،‬حتّى األنبياء طلبوا الجنّة‬ ‫و خافوا ِمن النّار‪ .‬لكن لو لم يكن هناك‪ ،‬أال يستح ّ‬ ‫ق هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬العبادة‬ ‫وال ّشكر؟ يستح ّ‬ ‫ق‪ .‬و هذا المعنى هو األ ّول العتيد الّذي يستحضره أه ُل المرتبة العُليا‬ ‫ِمن مراتب اإلخالص الثّالث‪.‬‬ ‫المرتبة الوسطى‪ ،‬هي العمل هلل‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬طلبا للثّواب و خوفا ِمن العقاب‪،‬‬ ‫إخالصك‪ ،‬إن شاء‬ ‫وقالوا هذا ِمن مراتب اإلخالص‪ ،‬ال توجد مشكلة‪ .‬ال يقد ُح في‬ ‫ِ‬ ‫هللا‪ ،‬لكن هذا إخالص متوسّط‪.‬‬ ‫أدنى مرتبة‪ .‬ل ّما نقول أدنى مرتبة‪ ،‬ماذا يكون ما وراءها؟ الرّياء‪ ،‬وقعنا في الرّياء‪.‬‬ ‫هي العمل هلل‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬طلبا للكرامة في ال ّدنيا‪ ،‬يُ َوسّع عل ّي رزقي‪ ،‬و يُعطيني‬ ‫الّتي أحبُّها‪ ،‬و يعطيني األوالد‪ ،‬و يُسلِّمني ِمن آفات ال ّدنيا و َمصائبِها‪ .‬يوجد ناس‬ ‫هكذا‪ ،‬يستحضر أكثر شيء في ال ّ‬ ‫س ّر (قد يكون الشّيخ قال كلمة أخرى غير السّر‪،‬‬ ‫الصّوت لم يكن واضحا) هذا المعنى‪ ،‬ليُوفّق هللا لي في التّجارة‪ ،‬و يعطيني‪ ،..‬و يكون‬ ‫يعبد المسكين‪ ،‬و يبكي‪ ،‬لكن يريد هذه األشياء‪ ،‬قصير النّظر هذا المسكين‪ ،‬و قصير‬ ‫ال ِه ّمة‪ ،‬هذه هي ِه َّمتُه‪ ،‬األشياء ال ُّدنيويّة فقط‪.‬‬

‫‪31‬‬

‫سلُواَاللَ​َ‬

‫جيّد‪ ،‬و هللا يريد هذا‪ .‬هللا يريد أن تطلب منه حتّى الملح‪ .‬النب ّي قال‪ :‬‬ ‫(حوائجكم) َحتىَالملح‪(  .‬رواه ‪‬البيهقيّ‪ ‬و غيره)‪ ،‬مضبوط أو ال؟ فهذا العبد‬


‫لم يخرج عن دائرة العبوديّة‪ ،‬ألنّه يعبد ربَّه و طالب منه ك ّل شيء‪ ،‬أكلُه‪ ،‬طعا ُمه‪،‬‬ ‫ص ّحتَه‪ ،‬و أوال َده‪ ،‬و زوجتَه‪ ،‬و سيّارتَه‪ ،‬مسكين‪ ،‬لكن هذه ِه َّمتُه‪.‬‬ ‫شرابُه‪ ،‬و يُ َسلِّ َمه ِ‬ ‫ال يف ِّكر في أشياء أبعد ِمن هذا و أعلى ِمن هذا‪ .‬قيل هذه أدنى مرتبة ِمن مراتب‬ ‫اإلخالص‪ .‬و لكن ليس وراء هذه المرتبة ّإال الرّياء‪ ،‬و هو متفاوت‪ .‬الرّياء على‬ ‫َد َر َكات‪ ،‬و العياذ باهلل‪ ،‬تبارك و تعالى‪.‬‬ ‫ول نَافِـعـ َا بِهَا ُم ِري ادا‬ ‫فقول ال ّشيخ ‪‬اللّقّ ّ‬ ‫اني‪ ،‬رحمة هللا عليه‪َ ،‬و هللاَ أَرْ ُجو فِي القَبـ ُ ِ‬ ‫إلى جواز التّلبّس بهذه المرتبة‪ ،‬و أنّها ال تنافي اإلخالص‪ .‬طيّب‪.‬‬

‫قال (الشّيخ ‪‬ال ّلقّانيّ‪:)‬‬

‫َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ‪َ​َ9‬ف ُكلَ​َمَ نَ َُك لَ فَشَ رعَ اَوجباَ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َعليهَأنَيعَرفَ​َ​َمَاَقدَوجَ بَ ا َ‬ ‫َوجب ماذا‪ ،‬يعني؟ َو َج َب هللِ‪َ َ ...‬‬ ‫َ‪َ​َ​َ9‬للّهَوالجَائ زَ​َوال مَُمَ تَ نَ عَ اَ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َومثَ لَذاَل رُس ل هَ​َفَاستمعا َ‬ ‫هذان آخر بيتين في درس اليوم‪ ،‬إن شاء هللا‪.‬‬

‫ف َشـرْ ا‬ ‫جبَا) ماذا يُ َس ُّمونها في‬ ‫عـا َو َجبَـــا‪ ،‬هذه األلف (في َو َ‬ ‫يقول‪ ،‬فَ ُكلُّ َم ْن ُكـلِّـ َ‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫ب طَا ِمـ َعا‪ ،‬إشارة إلى المرتبة الوسطى ِمن مراتب اإلخالص‪ .‬هناك إشارة ذكيّة‬ ‫لِلثَّ َوا ِ‬

‫النّحو؟ تجدونها في المنظومات‪ ،‬كـ «ألفيّة مالك» في النّحو‪ ،‬كثيرا ج ّدا ج ّدا‪َ .‬و َجبَا‪ ،‬لم‬ ‫يقل َو َجبْ ‪َ .‬و َج‪...‬بـَـــا‪( ،‬أحد الحاضرين يجيب)‪ ،‬أحسنت‪ ،‬اسمها ألف اإلطالق‪ .‬تقول‪:‬‬ ‫«ما َو َجبَا هذه؟» ليست ألف المثنّى‪ ،‬يعني 'أَتَيَـــا'‪ ،‬و إنّما ألف اإلطالق‪ ،‬واضح؟ كلّما‬ ‫ب'‪ ،‬فعل ماض مبني‪ ،‬و هنا ' َو َجبَا'‪،‬‬ ‫'و َج َ‬ ‫رأيتموها‪ ،‬اسمها ألف اإلطالق‪ .‬أصل الفعل َ‬ ‫أشبع الفتحة حتّى أصبحت ألفا‪ ،‬اسمها ألف اإلطالق‪ ،‬ألجل النّظم‪ ،‬و في آخر البيت‬ ‫أيضا قال‪َ ،‬و َجبَا‪ ،‬نفس ال ّشيء ألف اإلطالق‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫ف َشـرْ عاا؛ نأتي للتّكليف‪ .‬كلُّ ِمن ُكلِّف‪َ ،‬من هم المكلَّفون؟ اإلنس‬ ‫يقول‪ ،‬فَ ُكلُّ َم ْن ُكـلِّـ َ‬ ‫ّ‬ ‫الجن باختصار‪ .‬المالئكة غير مكلّفين بالمعنى ال ّشرع ّي‪.‬‬ ‫و‬ ‫شروط التّكليف‪ :‬البلوغ‪ ،‬العقل‪ ،‬بلوغ ال ّدعوة‪ ،‬و سالمة الحواسّ ‪ ،‬صح؟ نريد أن نبدأ‬ ‫ال ّشرح اآلن‪ ،‬لكن بسرعة‪ ،‬ألنّها مباحث طويلة ج ّدا‪.‬‬ ‫ي غير مكلَّف‪ ،‬ل ّما نبحث في حكم الصّبيان‪ .‬رأيتم‬ ‫أ ّول شيء؛ البلوغ‪ ،‬معناها الصّب ّ‬ ‫كيف ّ‬ ‫أن هذه المتون شيء عجيب‪ .‬قد يقول أحد‪« :‬أنا قرأت «جوهرة التّوحيد» لكنّه‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫لم يتعرّض لمسألة الصّبيان»‪ .‬ال‪ ،‬تعرَّض بهذه الكلمة‪ ،‬ل ّما قال ' ُكلُّ َم ْن ُكلِّ ْ‬ ‫ف'‪ .‬جملة‬ ‫' ُكلُّ َم ْن ُكلِّ ْ‬ ‫ف' َشرْ عاا‪ ،‬توفّر حفظ مجلّد كامل‪ .‬ك ّل ما يتعلّق بأهل الفترة‪ ،‬بأبوي النّب ّي‪،‬‬ ‫بأحكام المجانين و المعتوهين‪ ،‬بأحكام الصّبيان في التّكليف‪ ،‬بأحكام اإلكراه في ال ّدين‪،‬‬ ‫بأحكام َمن نشأ بعيدا و لم تبلُ ْغه دعوة‪ ،‬بأحكام َمن بلغته ال ّدعوة مش َّوهَةا‪ ،‬ك ّل هذه‬ ‫المسائل يلزمها مجلّد كامل لشرحها‪ ،‬بجملة ' َمن ُكلِّف شرعا'‪ .‬و هو فاهم ال ّشيخ‪ ،‬يريد‬ ‫هكذا‪ .‬لكن أنت مفروض أن تنتبه على مراداته‪ .‬طبعا‪ ،‬في ‪ 411‬بيتا كيف يأتي لك‬ ‫بك ّل العقيدة‪ ،‬كيف‪ ،‬كيف؟ بهذه الطّريقة‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬الصّب ّي الصّغير غير مكلَّف‪ ،‬ال باألصول و ال بالفروع‪ .‬ما األصول؟ كما قلنا‪،‬‬ ‫ال ِع ْلم بأصل ال ّدين‪ ،‬األصول يعني العقيدة‪ ،‬و الفروع؟ ما عدى العقيدة‪ ،‬يعني الفقه‪،‬‬ ‫الفروعيّات‪ ،‬حالل و حرام في كذا كالم‪.‬‬ ‫ِخالفا للحنفيّة‪ .‬السّادة الحنفيّة عندهم مذهب غريب بعض ال ّشيء في الصّب ّي‪ .‬ماذا‬ ‫يقولون؟ قالوا ال‪ ،‬الصّبيان مكلَّفون بأصل ال ّدين‪ ،‬يعني اإليمان باهلل الواحد األحد‪،‬‬ ‫تبارك و تعالى‪ّ .‬‬ ‫ألن هذا أمر يتبع العقل‪ .‬أ ّ‬ ‫ي صبيان؟ العاقلون غير البالغين‪ ،‬يكون‬ ‫عاقال‪ .‬و هذا فيه تناكد و تناقض مع ما هو مقرَّر في علم الفقه و علم أصول الفقه‬

‫‪33‬‬

‫وحتّى عند الحنفيّين أنفُسُهم ّ‬ ‫بالذات‪ّ ،‬‬ ‫أن ال ّشارع الحكيم نصب البلوغ عالمةا على‬ ‫العقل‪ .‬تقول لي‪« .‬يعني هل قصدك ُم َميِّز (الصّبيّ)؟» ال‪( ،‬الحنفيّة قالوا) العقل‪ .‬طيّب‬


‫أين هو هذا العقل‪ ،‬يا أخي؟ العقل قد ال يكون تا ّما‪ ،‬قد ال يكون كافيا في طفل‪ .‬يمكن‬ ‫طفل عمره ‪ 41‬سنوات‪ ،‬يعرف اللّعب‪ ،‬يعرف 'آتاري' و 'نينتاندو' (ألعاب فيديو)‬

‫وألعاب‪ ،‬و ال يعرف هذه األشياء (أصول الدّين)‪ ،‬و ال يف ِّكر فيها‪ .‬و عند ُس َؤالِه‪ ،‬يقول‬ ‫لك‪« :‬أنا أؤمن باهلل‪ ».‬تنقيال‪ ،‬و يؤمن باهلل (و نعوذ باهلل من هذا) عل أنّه ‪‬يسوع‪‬‬

‫(‪‬عيسى‪ ،)‬تَ ْلقِيناا أيضا‪ ،‬ال يعرف شيئا‪ ،‬مازال طفال صغيرا هذا‪.‬‬ ‫فالحنفيّة في هذه المسألة‪ ،‬لألسف‪ ،‬رأيهم غريب بعض ال ّشيء‪ .‬و يقولون‪ ،‬هذا الطّفل‬ ‫بالغ‪ ،‬عقله غير بالغ‪ ،‬غريب! قالوا هذا الطّفل العاقل‪ ،‬إن آ َمن‪ ،‬فحُكمه معروف‪ ،‬يُعتَ ُّد‬ ‫بإيمانه‪ ،‬و إن كفر فحمكه معروف؛ كافر‪ ،‬و إن لم يؤمن و لم يكفر اختلفوا‪ ،‬فيها‪.‬‬ ‫(حوار مع أحد الحاضرين في استفسار معنى لم يؤمن و لم يكفر‪ ،‬فأجاب الشّيخ بالتّالي)‪،‬‬ ‫معترف بك ّل المسألة‪ ،‬و ال يملك فيها تص ّورا دقيقا‪ ،‬فاختلفوا‬ ‫لم يُثبِت و لم يَ ْنفِي‪ ،‬غير‬ ‫ِ‬ ‫فيه‪ .‬هذا كالم غريب‪ ،‬و الصّحيح هو رأي الجماهير‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫هذه المسألة فيها ذيول‪ ،‬مسألة الصّبيان‪ .‬إذا مات المرء صبيّا‪ ،‬عاقال‪ ،‬على رأي‬ ‫الحنفيّة‪ ،‬أو غير عاقل‪ ،‬مميّزا أو دون ّ‬ ‫ي‬ ‫سن التّمييز‪ ،‬ما ُح ْك ُمه؟ انتبهوا! هذا الصّب ّ‬ ‫إ ّما أن يكون ِمن أبناء المسلمين‪ ،‬و إ ّما أن يكون ِمن أبناء غير المسلمين‪ .‬أ ّما َمن كان‬ ‫ِمن أبناء المسلمين فال ِخالف‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬بل قال ‪‬النّوو ّ‬ ‫ي‪،‬‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫الصّغير العاقل‪ ،‬ليس غير المميِّز‪ ،‬و ليس فقط مميّزا لكن أكثر ِمن مميّز‪ ،‬لكن غير‬

‫أجمع َمن يُ ْعتَ ُّد به‪ ،‬و خالف في ذلك َمن ال يُ ْعتَ ُّد به‪ ،‬يعني يُ ْعتَ ُّد بقوله و بخالفه‪ ،‬على‬ ‫ّ‬ ‫أن أطفال المسلمين في الجنّة‪ .‬هناك إجماع ِمن علماء األ ّمة‪ .‬لماذا؟ لقوله تبارك‬ ‫َ‬ ‫وتعالى‪ ...  :‬ف ۡيط َر َ‬ ‫ت ٱ َّ​ّللي َّٱلِت َف َط َر ٱنلَّ َ‬ ‫اس َعل ۡي َها ۚۡ ‪.v S،٣٠ W  U‬‬ ‫ي‬ ‫فِطرة التّوحيد‪ ،‬و قول النّب ّي لتفسير هذا‪ ،‬في حديث ‪‬أبي هريرة‪ ‬في الصّحيحين‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫دَ(علىَالفطرة)‪َ،‬ف أبواهَُ(يُه ِّودانهَأوَ​َيَُنِِّّرانهَأوَيُمَِّانَهَكمث لَ​َتَُنتَ َُجَ​َ‬ ‫‪ُ‬‬ ‫كلَُّمولُودَيُول ُ‬

‫البهيمةَُبهيمةًَجمعاءَهلَتُحَُّونَ​َفَيهاَمنَجدعاءَ)‪.‬‬

‫(ما بين قوسين لم يذكره الشّيخ‬

‫‪34‬‬


‫اختصارا‪ ،‬و لشهرة الحديث)‪ ،‬ث ّم قال (‪‬أبو هريرة‪ :)‬‬ ‫َوتَ َعالَى‪ ، ...‬حديث مشهور ج ّدا و معروف‪ ،‬طيّب‪.‬‬

‫ك‬ ‫ا ْق َر ُءوا قَ ْو َل هللاِ‪ ،‬تَبَا َر َ‬

‫ي‪ّ ،‬‬ ‫فإذن فيها شبه إجماع‪ ،‬كما قال ‪‬النّوو ّ‬ ‫أن أطفال المسلمين في الجنّة‪ .‬لكن قد‬ ‫يقول أحد‪« :‬فيها خالف»‪ .‬مات طفل ِمن أطفال األنصار‪ ،‬في البخاريّ‪ ،‬فقالت‬

‫‪‬عائشة‪ :‬‬ ‫ال‬ ‫يُ ْد ِر ْكهُ‪ ،.‬فَقَ َ‬

‫الجنَّ ِة‪ ،‬لَ ْم يَ ْع َم ِل ال ُّسو َء َو لَ ْم‬ ‫ير َ‬ ‫هَنِيئاا لَهُ‪ ،‬عُصْ فُور ِم ْن َع َ‬ ‫صافِ ِ‬

‫‪‬‬

‫‪  :‬أوَغيرَذلكَي اَعائشةُ‪َِ،‬نَاللَتب اركَوَ​َتَعالىَ​َلَ​َللَِّنةَ​َ‬

‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫أهً​ًل َو َهم َفيَأصًلبَآب ائهمَ‪َ ،‬وَ​َلَ َللَن ارَأهً​ًل َو َهم َفيَأصًلبَآبَائهمَ‪.‬‬

‫أَ َو َغ ْي َر‬

‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‪ ،‬معناها‪ِ ،‬من الممكن أن يكون غير ذلك‪ ،‬يعني ال تشهدي‪ .‬فقال العلماء كما قال‬ ‫َذلِ َ‬

‫‪‬النّوو ّي‪  :‬لَ َعلَّهُ ‪‬‬

‫ك أَ َن يُ ْن ِك َر َعلَ ْيهَا قَ ْ‬ ‫ط َعهَا بِ َغي ِْر َدلِيل قَا ِطع‪،‬‬ ‫أَ َرا َد بِ َذلِ َ‬

‫ال تتعجّلي بالقطع في مسألة مثل هذه ِمن دون أن يكون هناك دليل قاطع و جازم‪،‬‬ ‫يعني يعلّمها التُّ َؤ َدة في هذه المسائل‪ .‬و ّإال في مجموع أحاديث كثيرة ج ّدا‪ ،‬تؤ ّكد أنّهم‪،‬‬ ‫إن شاء هللا‪ِ ،‬من أطفال الجنّة‪.‬‬

‫و منه حديث اإلسراء و المعراج‪ ،‬وغير حديث اإلسراء‪ ،‬ل ّما (]‬

‫) رأى ‪‬إبراهيم‪‬‬

‫و حوله األطفال يُعلّ ُمهُم‪ ،‬هذا حديث صحيح‪ ،‬و ُسئِل‪َ « ،‬و أَ ْ‬ ‫ين؟»‪ ،‬يعني‬ ‫طفَا ُل ال ُم ْش ِر ِك َ‬

‫‪‬‬

‫حوله أطفال مسلمين‪ ،‬في الجنّة معناها‪ ،‬قال (‪ ‬إبراهيم ‪‬‬ ‫)‪  :‬و َأطف الَُ​َ‬ ‫المشركَين‪( .‬رواه ‪‬البخاريّ‪ ،)‬حتّى هذا الحديث ُحجَّة المسألة الثّانية‪.‬‬ ‫ُ‬

‫فنأتي للمسألة الثّانية‪ ،‬ما ُح ْك ُم أطفال المشركين؟ اختلف العلماء في هذه المسألة كثيرا‪.‬‬ ‫لهم أقاويل‪ ،‬ثمانية أقوال في هذه المسألة‪ .‬منها التّوقّف‪ ،‬يوجد علماء قالوا نتوقّف‪،‬‬

‫وقال بعضهم و لعلّه األسلم‪ ،‬و في بعض األحاديث ّ‬ ‫أن أ ّمة ‪ ‬ال تزال بخير ما لم‬ ‫الولدان‪ ،‬أ ّ‬ ‫ي ِولدان؟ ِولدان المشركين‪ ،‬في الجنّة‪ ،‬في النّار‪ ،‬كذا كذا كذا‪ ،‬إلى‬ ‫تتكلّم في ِ‬ ‫‪35‬‬

‫آخره‪ .‬و النّب ّي قال‪ :‬‬ ‫دوَللَن اَِوِنهَُلمنَ​َ‬ ‫(ِنَالر ُجلَليعملَُبعملَأهلَالَِّنةَفيما)َيَب ُ‬ ‫أهلَالَن ارَ‪(َ،‬وَ​َِنَالرجلَليعملَبعملَأهلَالَن ارَفيماَيبدوَللَن اَِوهوَ​َمنَأهلَالَِّنةَ)‪.‬‬ ‫ُ‬

‫ُ‬

‫ُ‬

‫ُ‬


‫(رواه الشّيخان مِن حديث ‪‬بن مسعود‪( ،)‬ما بين قوسين لم يذكره الشّيخ اختصارا)‪،‬‬

‫و قول النّب ّي ‪a‬‬

‫‪ :‬اللَُأعل ُمَبماَكَانُواَعاملين‪( ،.‬رواه ‪‬البخاريّ‪ ‬و غيره مِن‬

‫حديث ‪‬عبد اهلل بن عبّاس‪ )‬ليس فيه جزم بأنّهم في النّار أو في غير النّار‪ .‬ك ّل‬ ‫أن هللا كان يعلم أنّهم لو بلغوا‪ ،‬يعني ّ‬ ‫ما فيه ّ‬ ‫سن االحتالم‪ ،‬ماذا كانوا سيعملون‪ .‬فهذا‬ ‫َ َ َ ٓ َ ُ ۡ َ ُ َ ُ ۡ َ َٰ ٗ َ ُ ۡ‬ ‫ٗ‬ ‫شينا أن يرهيقهما طغينا وكفرا‪S،٨٠ W ‬‬ ‫مثل قوله تبارك و تعالى‪...  :‬فخ ي‬ ‫‪ .Y‬فهذا إن هو كبر‪ ،‬لو بلغ و كبر سيُرْ ِهقُهُما‪ ،‬هذه هي‪ .‬لكن هو ال كفر و ال‬

‫لآلخرين‪ ،‬الحديث يتح ّدث‪ ،‬فقط‪ ،‬عن ِع ْلم هللا‪،‬‬ ‫فالحديث ليس ُحجَّة ال في األ ّولين و ال ِ‬ ‫تبارك و تعالى‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫هناك َمن قال‪« :‬ال‪ .‬األرجح أنّهم مع أطفال المسلمين‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬في الجنّة»‪ ،‬لدليل‬ ‫حديث الفِطرة‪ ،‬ألنّهم ِمن أهل الفِطرة‪ ،‬و لقوله تبارك و تعالى‪ ،‬انظروا إلى االستدالل‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ َ َ َ َ َّ‬ ‫َ َ ۡ َ َٰ َ ٓ َّ ۡ َ ۡ َ‬ ‫َٰ‬ ‫ّ‬ ‫الذك ّي‪َ  :‬ل يصلىها إيَل ٱۡلقۡشى ‪ ١٥‬ٱَّليي كذب وتوّل ‪ ٧٥ W ‬و ‪.wS،٧١‬‬ ‫هذا مسكين ال هو أشقى و ال ّ‬ ‫كذب و ال تولّى‪ ،‬طفل صغير و غير مكلّف‪ ،‬مضبوط‬ ‫ُ َّ ۡ ۡ َ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫)‪ ،‬أيضا‪...  :‬أعيدت ل يلكفي يرين ‪W ‬‬ ‫أو ال؟ هو غير مكلَّف أصال‪ ،‬و لقوله‪( ،‬‬ ‫‪ .2 S،٤٢‬و المشهور عند العلماء‪ّ ،‬‬ ‫أن حكم هؤالء األطفال قبل أن يموتوا‪،‬‬

‫‪y‬‬

‫ك هكذا‪ِ ،‬من‬ ‫أنّهم على الفِطرة‪ّ ،‬إال إذا لُقِّنوا الكفر و كفروا‪ ،‬و العياذ باهلل‪ .‬أ ّما إذا تُ ِر َ‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫أرهَقَهُما طغيانا و كفرا‪ّ .‬لكن هللا‪y ،‬‬

‫‪ ،‬يعلم لو َكبُر ماذا كان سيفعل‪ ،‬صحيح‪.‬‬

‫غير (تلقين)‪ ،‬يبقى على الفِطرة‪ّ ،‬إال ْ‬ ‫أن يتلقَّن الكفر‪ .‬كالم طويل و كثير في هذه‬ ‫المسألة‪.‬‬ ‫يوجد ِوجهة نظر ثالثة‪َ ،‬ش َرحْ تُها في أكثر ِمن درس‪ ،‬و بها‪ ،‬كما قال العلماء‪ ،‬يَ ْلتَئِ ُم‬ ‫)‪،‬‬ ‫ال عليه المصطفى (‬ ‫شمل األدلّة و يظهر معلوم هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬الّذي أَ َح َ‬

‫‪‬‬

‫و يتعلّق به ِح َين إِذ‪ ،‬الثّواب و العقاب ل ّما قال‪ :‬الل َأعلم َبماَكانُواَعاملين‪.‬‬

‫ُ ُ‬ ‫يعرفُه‪ .‬يعلم ماذا؟ سنرى ما هو‪.‬‬ ‫(سبق تخريجه)‪ ،‬هذا المعلوم‪ ،‬هللا ِ‬

‫‪36‬‬


‫و هو حديث ال َع َرصات‪ ،‬الّذي أخرجه اإلمام ‪‬أحمد‪ ‬و اإلمام ‪‬أبو‬ ‫صلَّى هللاُ َعلَ ْي ِه َو أَصْ َحابِ ِه‬ ‫ال َ‬ ‫الب ّزار‪ ‬و غيرهما‪ ،‬عن ‪‬األسود بن سريع‪ ‬قال‪ :‬قَ َ‬ ‫َو َسلَّ ِم‪  :‬يحتجَُّيومَالقي امةَأربعة‪َ،‬يعني أربعة أصناف ِمن النّاس‪َ ،‬الصّنف األ ّول‪َ،‬‬ ‫بكر‬

‫ر ُجلَأصمَُّل َيَم َُع‪َ،‬الثّاني‪َ،‬ر ُجلَأحم َُ‪َ،‬ر ُجل َهرَُم‪َ،‬و َرجل َمات َفيَالفترة‪ ،.‬ك ّل واحد‬ ‫يحتجّ؛ األص ّم يقول‪« :‬يا ربّ ‪ ،‬أتى اإلسالم و ما أسمع»‪ .‬كأنّه مات يعني‪ ،‬يقول‪« :‬ما‬ ‫دخلُه نار جهنّم؟ و الرّجل‬ ‫سمعت قرآنا و ال شيئا»‪ ،‬أص ّم‪ .‬طيّب‪ ،‬هذا يحتجّ‪ ،‬كيف تُ ِ‬

‫الهرم يقول‪« :‬يا ربّ ‪ ،‬أتى اإلسالم و ما أعقل»‪ُ .‬مفَنَّد‪ُ ،‬م َخلَّج‪ ،‬خَرْ بَطَ المسكين‪ ،‬مع‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫ال ِكبَر ما عاد‪ ،..‬مثله مثل َمن ال عقل له‪ .‬و أ ّما األحمق فيقول‪« :‬يا ربّ ‪ ،‬أتى اإلسالم‬

‫و الصّبيان يَحْ ِذفُونَنِي بالبَعْر»‪ .‬أحمق يعني‪ ،‬معتوه‪ ،‬ليس مجنونا لكن أحمق الرّجل‪،‬‬ ‫ال يفهم‪ .‬و الّذي مات في الفترة يقول‪« :‬يا ربّ ‪ ،‬ما أتاني ِمن رسول»‪ِ .‬من نذير يعني‪.‬‬ ‫يقول‪« :‬أنا كنت في الفَ ْترة»‪ .‬ماهي الفَ ْت َرة؟ هي الم ّدة بين رسولين‪ ،‬لم يُب َعث أ َّولُهُما‬ ‫اآلخ َر ِمنهما‪ ،‬الثّاني‪ .‬يُس ّمونهم 'أه ُل الفَ ْت َرة'‪.‬‬ ‫للكائِنِ َ‬ ‫ين في هذه الم ّدة و لم يُدركوا ِ‬ ‫إذن بهذا التّعريف‪ ،‬بهذا الحدِّ‪ ،‬تنطبق‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬كلمة الفترة على ك ّل م ّدة بين‬ ‫رسولَيْن‪ ،‬صحيح‪َ .‬خلَت ِمن رسول‪ّ .‬‬ ‫لكن الفقهاء إذا ذكروا الفترة و أهل الفترة‪،‬‬ ‫يريدون الفترة بين ‪‬عيسى‪ ‬و ‪ ‬عليهما الصّلوات و التّسليمات‪ .‬و هي قريب‬ ‫ِمن ّ‬ ‫ست مائة و خمسين سنة‪ .‬هذا معنى أهل الفترة‪.‬‬ ‫للخ َراف الضّالّة ِمن بني إسرائيل‪ ،‬لم يُب َعث إلى العرب‬ ‫طبعا‪ ،‬عيسى‪ ،‬لم يُب َعث ّإال ِ‬ ‫مثال‪ ،‬و ال إلى السّودان‪ ،‬و ال إلى كذا‪ ،‬و ال إلى ال ّشعوب األخرى‪ ،‬بُ ِع َ‬ ‫ث فقط إلى بني‬ ‫إسرائيل‪ ،‬طوائف قِلَّة‪ ،‬كانوا معدودين‪.‬‬ ‫و العرب‪ ،‬أيضا‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬لم يُدركوا‪ ،‬جميعا‪ . ،‬منهم َمن مات في هذه المئات‬

‫‪37‬‬

‫ِمن السّنين‪( ،‬و هم) كثيرون‪ .‬فهؤالء يُس ّمونهم 'الكائنون في الفترة'‪ ،‬هم أهل الفَ ْت َرة‪.‬‬ ‫ئ اإلنسان و يُ َش ِّج ُع‬ ‫لماذا ُس ِّميَت فترة؟ لفتور دواعي العمل بال ّشرائع فيها‪َ .‬م ِن الّذي يُهَيِّ ُ‬ ‫اإلنسان أنّه يشتغل و يعبد و يعمل و يصلّي و يستغفر؟ ال ّشريعة‪ ،‬الّتي يأتي بها‬ ‫الرّسول‪ .‬ال شريعة ال رسول فَتَ ْفتُر (دواعي العمل بالشّرائع)‪.‬‬


‫فهنا ليس ِمن الفترة معناها‪ ،‬ال ّزمن‪ ،‬و إنّما ِمن الفتور مقابل ال ِّش َّر ِة‪ ،‬مقابل ال ِح َّدة‪ .‬يقال‬ ‫فاتر و حا ّد‪ .‬ضعف دواعي العمل بال ّشرائع في هذه الم ّدة‪ ،‬يس ّمونها الفَ ْت َرة‪ .‬النّب ّي‬ ‫) قال‪ :‬‬ ‫كلَِّشرٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ىَسَنتيَفقدَ​َ‬ ‫ل‬ ‫َِ‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫َف‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ان‬ ‫َك‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ف‬ ‫(‬ ‫‪َ،‬‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫َف‬ ‫ة‬ ‫ل‬ ‫‪َ،‬و‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫َش‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫َع‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫(‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫اهتدى‪َ،‬ومنَكانتَفترتُهَُِلىَغيرَذلكَفقدَهلكَ‪( ،).‬صحّحه الشّيخ ‪‬األلبانيّ‪‬‬

‫‪‬‬

‫على شرط الشّيخين)‪( ،‬ما بين قوسين لم يذكره الشّيخ اختصارا)‪ ،‬طيّب‪.‬‬ ‫فما ُح ْك ُم هؤالء؟ سنرى‪ .‬هذا الحديث ِمن أجمل األحاديث‪ ،‬و على فكرة‪ ،‬أحاديث‬ ‫ال َع َرصات َمرْ ِويٌّ عند غير ‪‬الب ّزار‪ ،‬يَ ُش َّد بعضُها بَعضا‪ ،‬قد يقول أحدكم‪« :‬ماهي‬ ‫يعَن َهُ‪ ،...‬فيُعطونَه العهد‪ .‬هللا يقول؛ تطيعونني؟ أعطوني‬ ‫العهدَعليهمَوَالميث اقَليُط ُ‬

‫‪‬‬ ‫اَوسًَل ًما‪،...‬‬ ‫دَُولَالَن ارَفمنَدَلهاَكانتَعليهَبردً َ‬ ‫العهد و الميثاق‪... .‬في أ ُم ُر ُهمَب ُ‬ ‫هكذا‪ .‬هذه رواية مختصرة‪ ،‬عن األسود بن سريع‪ ،‬و يوجد روايات أطول‬

‫يَر ُسً​ًلَمنَ​َ‬ ‫منها‪... ،‬اللَُي أَُذَُعليه ُمَالعهدَوَالميث اقَوَيقُولَُ ُ‬ ‫تَِلىَعب ادَ ُ‬ ‫تَبعث ُ‬ ‫كَن ُ‬ ‫أنفَُهمَ‪ ،...‬إلى آخره‪ .‬و هذه مختصرة‪ ،‬مفيدة ج ّدا‪ .‬طيّب‪.‬‬

‫هذا اسمه حديث العرصات‪ ،‬االمتحان في العرصات‪ ،‬و هو كما ترون اآلن‪ ،‬األَ ْليَ ُ‬ ‫ق‬

‫بصفات هللا‪ ،‬برحمة هللا‪ ،‬و بعدل هللا‪ ،‬و تشهد له أصول ال ّدين‪ ،‬كقوله تبارك و تعالى‪:‬‬ ‫ٗ‬ ‫َ َ ُ َّ ُ َ َ َ َّ َٰ َ َ‬ ‫ِت ن ۡب َعث َر ُسوَل ‪ .W S،٧٥ W ‬فأهل الفترة لم‬ ‫‪... ‬وما كنا مع يذبيني ح‬ ‫يُ ْب َعث فيهم رسول‪ ،‬و الّذي بُ ِع َ‬ ‫ث الرّسول في زمنه و هو ال يعقل أو ال يسمع أو كذا‪،‬‬ ‫كأنّه ما يُب َعث في زمانه رسول‪ ،‬ألنّه مسكين لم يستفد شيئا‪ .‬و الّذي بَلَ َغ ْتهُ دعوة النّب ّي‪،‬‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫َاللُ‪َ ،‬تب ارك َو َتعالى‪ ،‬هذا بقيّة الحديث‪،‬‬ ‫العرصات؟» ساحات القيامة‪... .‬في أَُذُ َ‬

‫لكن بلغته ُم َش َّوهَةا‪ُ ،‬م َح َّرفَةا‪ ،‬فكأنّه لم تَ ْبلُ ْغه‪ .‬كما يحدث اآلن في بالد اإلسالم‪ ،‬يجعل‬ ‫النّاس يأخذون موقفا غير معتدل أصال ِمن اإلسالم‪ ،‬يصير‪ ،‬حتّى‪ ،‬موقفا عدائيّا‪ .‬يعني‬ ‫أحسن أنّهم لم يَ ْبلُ ْغهُم اإلسالم‪ ،‬أنّهم يعلمون أنّه يوجد دين و أنّه مجهول‪ ،‬أحسن م ّما‬ ‫ضه و ُع ْد َوانِه‬ ‫لو عرفوه هذه المعرفة ال ُم َش َّوهَة الّتي تحثّهم و تستف ّزهم على َشنَآنِه و بُ ْغ ِ‬ ‫و َحرْ بِه‪ ،‬و العياذ باهلل‪ .‬فعلى ك ّل حال‪ ،‬هذا اسمه حديث االمتحان في العرصات‪ ،‬كما‬ ‫قلنا‪ .‬تشهد له األصول‪ .‬آيات كثيرة بهذا المعنى‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫َ َ َّ َ ُ َ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ۡ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫(‪ُّ  )6‬ر ُس َٗل ُّم َ​َ يِّ َ‬ ‫ُّ‬ ‫كون ل َّيلن ي‬ ‫اس لَع ٱّللي حجُۢة بعد ٱلرس يل‬ ‫ين َو ُمن يذريين ِلي َل ي‬ ‫ي‬ ‫‪.6 S،٧١٥ W  U‬‬

‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫ك ّل اآليات بهذا المعنى‪ ،‬آخر آية ِمن سورة 'طه'‪ ،‬و هكذا‪ .‬طيّب‪ .‬اللّه ّم ص ّل على‬ ‫َ َ ۡ َ َّ ٓ َ ۡ َ ۡ‬ ‫ك َنَٰهمُ‬ ‫ّخ اآلية ‪ ‬ولو أنا أهل‬ ‫سيّدنا ‪ :6( .‬لم يذكر الشي‬ ‫َ ۡ َ َّ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ْ َ َّ َ َ ۡ َ ٓ َ ۡ َ ۡ َ َ ۡ َ َ ُ ٗ َ َ َّ َ َ َ َٰ َ‬ ‫ب ي َعذاب مين ق ۡبليهيۦ لقالوا ربنا لوَل أرسلت إيَلنا رسوَل فنَّبي َ ءايتيك مين قب يل أن ن يذ َ‬ ‫ُ ۡ ُ ل ُّ َ َ ل َ َ َ َّ ُ ْ َ َ َ ۡ َ ُ َ َ ۡ َ‬ ‫َ َۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫َٰ‬ ‫ْۖ‬ ‫ٱلصر َٰ يط ٱلسوي يي وم ين‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫ص‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ون‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ف‬ ‫وا‬ ‫ص‬ ‫ب‬ ‫َت‬ ‫ف‬ ‫ص‬ ‫ب‬ ‫َت‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫‪١٣٤‬‬ ‫ى‬ ‫ز‬ ‫َن‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ۡ‬ ‫ٱه َت َد َٰ‬ ‫ى ‪ ٧٣٢ W ‬و ‪.)c S،٧٣٥‬‬ ‫اللّه ّم ص ّل على سيّدنا ‪ .‬لكن هناك اعتراض مشهور‪ ،‬ما هو؟ يقول بعض النّاس‬ ‫هذا الكالم غير صحيح‪ ،‬و هذا الحديث مناقض لألصول‪ .‬كيف مناقض؟ يقول لك‪:‬‬ ‫« ّ‬ ‫ألن اآلخرة ليست دار تكليف‪ ،‬و دار التّكليف هي ال ّدنيا»‪ .‬نقول له‪« :‬هذا الكالم غير‬

‫صحيح‪ ،‬هذا كالم شائع هكذا عند عوا ّم النّاس و العلماء‪ ،‬لكنّه ليس كالما علميّا دقيقا»‪.‬‬

‫كما نقل ‪‬بن حجر‪ ،‬على ما أذكر‪ ..‬ألنّنا لم نراجعها ِمن أيّام المحاضرة‪ ،‬عندنا‬ ‫محاضرة في هذا الموضوع‪ .‬أذكر ّ‬ ‫أن هذا قول ‪‬بن حجر‪ ،‬التّكليف‪ ،‬عند أهل‬ ‫التّحقيق‪ ،‬ال ينقطع ّإال بدخول دار القرار‪ ،‬دخول أهل الجنّ ِة الجنّةَ‪ ،‬اللّه ّم اجعلنا منهم‪،‬‬ ‫ار النّا َر‪ ،‬عياذا باهلل ِمن ذلك‪ ،‬ينقطع التّكليف‪ .‬قبل ذلك‪ ،‬هناك تكليف‪.‬‬ ‫و دخول أهل النّ ِ‬ ‫صح أو ال؟ في القبر يوجد تكليف‪ ،‬سؤال و جواب‪ ،‬يجب عليك أن تجيب‪ ،‬أو غير‬ ‫صحيح؟ و يترتّب عليه أشياء‪ ،‬فهذا نوع ِمن التّكليف‪ .‬في القيامة هناك تكليف و أ ّ‬ ‫ي‬ ‫تكليف‪ ،‬صح أو ال؟ هناك تكليف بالسّجود‪ ،‬فمنهم َمن يستطيع و منهم َمن ال يستطيع‪،‬‬ ‫هذا نوع ِمن التّكليف أيضا‪.‬‬ ‫هذا الحديث كما قلنا و يش ّد بعضه بعضا‪ ،‬و على فكرة مضمون حديث ال َع َرصات‬ ‫هو مذهب أهل ال ّسنّة و الجماعة‪ ،‬مذهب السّلف‪ ،‬و َمن عاد إلى «مقاالت اإلسالميّين»‬

‫‪39‬‬

‫لـ ‪‬أبي حسن األشعر ّ‬ ‫ي‪ ،‬يرى صحّة هذا القول‪ ،‬هو جعله مذهب السّلف‪ .‬مذهبهم‬ ‫ّ‬ ‫أن هؤالء و أمثالهم يُمتَ َحنون في عرصات القيامة‪ ،‬وهذا صحيح‪ ،‬كالم وجيه و قويّ‪.‬‬


‫و قد دافع عنه دفاعا جيّدا‪ّ ،‬‬ ‫العالمة ‪‬ابن قيّم الجوزيّة‪ ‬في «طريق الهجرتين»‪،‬‬ ‫اج ْعهُ َمن أراد أن يزداد علما‪ .‬فهذا‬ ‫رحمة هللا تعالى عليه‪ ،‬و وسّع القول فيه ج ّدا‪ .‬فَ ْليُ َر ِ‬ ‫بالنّسبة لهؤالء و أمثالهم‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫(قال الشّيخ ‪‬ال ّلقّانيّ‪:)‬‬

‫َ​َف ُكلَ​َمَ نَ َُك لَ فَشَ رعَ اَوجبا‪َ ...‬‬ ‫ال تكليف ّإال للمكلَّف (شرعا)‪ ،‬و ال أحكام ال أصوليّة و ال فرعيّة‪ ،‬قبل ورود ال ّشرع‪،‬‬ ‫و هذا مذهب َمن؟ األشاعرة‪ ،‬أهل ال ّسنّة و الجماعة‪ .‬و مذهب ال ُم ْعتَ ِزلَة يقابِلُه تماما‪،‬‬ ‫قالوا‪ :‬بل هناك تكليف باألصول و بالفروع‪ ،‬يعني بالحالل و الحرام و التّوحيد‬ ‫ومعرفة الرّبّ ‪ ،‬قبل ورود ال ّشرع‪ ،‬بالعقل المحض‪َ .‬من هؤالء؟ المعتزلة‪ .‬بالغوا كثيرا‬ ‫في هذه المسألة‪ .‬و ِمن أهل ال ّسنّة َمن توسّط‪ ،‬و هم 'ال َماتُ ِري ِديَّة'‪ ،‬و المشهور في‬ ‫مذهبهم ّ‬ ‫أن التّكليف بالمعرفة‪ ،‬يعني معرفة الرّبّ ‪ ،‬و أنّه واحد موجود بهذه العقيدة‬ ‫وال ّشرع أتى بها و أمر بها و ع ّززها‪ ،‬و أ ّما المسائل الفروعيّة األخرى فال تكليف‬ ‫فيها ّإال بال ّشرع‪ .‬هذه ِوجهة نظر العلماء في هذه المسألة‪.‬‬ ‫لكن ظاهر كالم هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬ينصر قول األ ّولين‪ .‬أنّه مادام ال يوجد رسول‬ ‫ٗ‬ ‫َ َّ َٰ َ َ‬ ‫ِت ن ۡب َعث َر ُسوَل ‪W ‬‬ ‫ال توجد شريعة‪ ،‬فال يوجد تكليف‪...  :6 .‬ح‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫ف َشرْ عاا‪َ ...‬و َجبَا‪ .‬إذن‬ ‫التّكليف بال ّشرع أو بالعقل؟ ماذا قال ال ّشيخ؟ فَ ُكلُّ َم ْن ُكلِّ َ‬

‫‪ .W S،٧٥‬و هذه ِمن أصعب اآليات على المعتزلة‪ ،‬و قد أ ّولوا فيها الرّسول‬ ‫ٗ‬ ‫بماذا؟ بالعقل‪ ،‬و هذا كالم فارغ ّ‬ ‫ألن هللا في آية القص (‪َ ...  :)6‬ر ُسوَل‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َي ۡتلوا َعل ۡي يه ۡم َء َايَٰت ي َنا ۚۡ ‪ .r S،٥٩ W  U‬العقل يتلو آيات؟ أ ّ‬ ‫ي آيات؟ هذا‬ ‫كالم فارغ‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫قال (الشّيخ ‪‬ال ّلقّانيّ‪:)‬‬

‫َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ‪َ​َ9‬ف ُكلَ​َمَ نَ َُك لَ فَشَ رعَ اَوجباَ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َ​َعليهَأنَ​َيعَرفَ​َ​َمَاَقدَوجَ بَ ا َ‬

‫َيعني واجب عليه أن يعرف الواجب‪ .‬الواجب على َمن؟ في ح ّ‬ ‫ق َمن‪ ،‬يعني‪،‬‬

‫الجائز في ح ّ‬ ‫ب ‪ِ ..‬هللِ‪ .‬الواجب في ح ّ‬ ‫ق هللا‪ ،‬و مقابل‬ ‫ق هللا‪ ،‬و َ‬ ‫و ل َمن؟ قال َما قَ ْد َو َج َ‬ ‫الواجب؛ الممتنع في ح ّ‬ ‫ق هللا‪ .‬دخلنا في الواجب و الجائز و الممتنع‪ .‬إذن ال ب ّد أن‬ ‫نعرف معنى هذه المصطلحات بسرعة‪.‬‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫أيّها اإلخوة‪ ،‬ليس في هذا ال ّدرس‪ ،‬في ال ّدرس المقبل إن شاء هللا‪ ،‬لكن باختصار‪.‬‬ ‫الحُكم المطلق ينقسم إلى كم ِمن قِسم؟ ثالثة‪ .‬ال ُح ْكم ال ّشرع ّي‪ ،‬و ال ُح ْكم العاديّ‪ ،‬وال ُح ْكم‬ ‫العقل ّي‪ .‬اإلمام ‪‬الج َُو ْينِ ّي‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ ،‬شيخ اإلسالم في عصره‪ ،‬شيخ و إمام‬ ‫ص ا‬ ‫يال‪َ ،‬وا ِجب‬ ‫ْرفَةُ هَ ِذ ِه األَ ْشيَا ِء‪ ،‬ال ُح ْك ُم َو أَ ْق َسا ُم ال ُح ْك ِم تَ ْف ِ‬ ‫الحرمين‪ ،‬كان يقول‪َ  :‬مع ِ‬ ‫َشرْ عاا‪ ،‬يَتَ َوقَّ ُ‬ ‫ف َعلَ ْيهَا ال َعقِي َدةُ ‪ .‬الجهل بهذه األشياء بدقّة أوقعت بعض العلماء في‬ ‫ما يشبه الكفر و العياذ باهلل‪ .‬يعني ‪‬ابن حزم‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ ،‬هل هناك َمن‬ ‫يش ّ‬ ‫ك في ذكائه أو في عبقريّته؟ هذا رجل عبقر ّ‬ ‫ي كان‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ ،‬نادرة ِمن‬ ‫نوادر ال ّزمان‪ ،‬عقل كبير ج ّدا ج ّدا‪ ،‬شيء غير طبيع ّي‪ ،‬كان خارقا للعادة‪ ،‬رحمة هللا‬ ‫صهم‬ ‫عليه‪ .‬لكن شنآنه للسّادة األشاعرة و عدم محبّته لألشاعرة‪ ،‬و يحاول دائما تنقُّ َ‬ ‫جعله يقع في اعتراض عليهم‪ ،‬و العياذ باهلل‪ ،‬و هو يُ ْعتَ َرضُ عليه به‪ .‬شيء خطير‬ ‫ج ّدا ج ّدا‪.‬‬ ‫األشاعرة يقولون‪« :‬قُ ْد َرةُ هللاِ َال تَتَ َعلَّ ُ‬ ‫ال لِ َذاتِ ِه»‪ .‬فقال‪َ « :‬كفَرُوا! َكيْف؟ هللاُ َعلَى‬ ‫ق بِا ْل ُم َح ِ‬ ‫ُك ِّل َش ْيء قَ ِدير»‪ .‬هم يتكلّمون بلسان االصطالح‪ .‬ابن حزم‪ ‬كان ضعيفا في‬ ‫الفلسفة و في المنطق‪ ،‬و عنده كتاب اسمه «التّقريب لح ّد المنطق» فيه أخطاء ُم ْز ِريَة‬

‫‪41‬‬

‫ج ّدا‪ ،‬جعلت المناطقة يسخرون منه‪ ،‬ألنّه غير فاهم لعلم المنطق لألسف ال ّشديد‪ّ .‬‬ ‫ألن‬ ‫هذا علم اصطالح ّي‪ ،‬يجب عليك فهمه بدقّة‪ ،‬هو فهمه بطريقته الخاصّة‪ ،‬فعنده أخطاء‬


‫فيه ال أ ّول لها ِمن آخر‪ ،‬معروف‪ِ ،‬من أسخف الكتب في المنطق‪« ،‬التّقريب»‪ ،‬رسالة‬ ‫نشرها ال ّدكتور ‪‬إحسان عبّاس‪ ،‬في الفلسفة‪.‬‬ ‫ل ّما األشاعرة يقولون‪« :‬قُ ْد َرةُ هللاِ َال تَتَ َعلَّ ُ‬ ‫ق بِ ْال ُم َحا ِل لِ َذاتِ ِه»‪ .‬سنشرحه في ال ّدرس القادم‪،‬‬ ‫إن شاء هللا‪ ،‬لكن باختصار‪ .‬ال ُم َحا ُل لذاته كشريك اإلله‪ .‬محال لذاته‪ ،‬مستحيل لذاته‪،‬‬ ‫ال يمكن‪ .‬قدرة هللا ال تتعلّق به‪ .‬هو (‪‬ابن حزم‪ )‬قال لك‪« :‬ال‪ ،‬هللا على ك ّل شيء‬ ‫قدير»‪ .‬و معنى كالم ‪‬ابن حزم‪ ،‬لو ّ‬ ‫أن هللا أراد أن يخلق إلها آخر مثله الستطاع‪.‬‬ ‫َمن كفَّ َره‪ ،‬فهو مجتهد و متأ ّول‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ .‬و بالعكس كالم األشاعرة‪ ،‬كالم‬ ‫صحيح و دقيق و كالم علم ّي و كالم مع ّمق ج ّدا‪ّ ،‬‬ ‫ألن المحال لذاته ال معنى له أصال‪.‬‬ ‫و هذا معنى كالم ‪‬الج َُو ْينِ ّي‪ ،‬و يجب على َمن أراد أن يفهم العقيدة بشكل سليم‬ ‫أن يفهم هذه األشياء‪ .‬فنريد أن نفهم أ ّول ال ّشيء‪ ،‬الحكم‪ .‬ما هو الحكم أصال؟‬ ‫هذا كان أ ّول درس في أصول الفقه‪ ،‬صحيح؟ ل ّما نقول الحكم‪ ،‬ما هو الحكم؟ إِ ْثبَ ُ‬ ‫ات‬ ‫َش ْيء لِ َش ْيء أَ ْو نَ ْفيُهُ َع ْنهُ‪ .‬فقط‪ ،‬كلمتان‪ .‬انتبهوا! الحكم المطلق؛ إثبات شيء لشيء أو‬ ‫نفيه عنه‪ .‬يعني عندما تقول‪« :‬هذا المصحف (لونه) أخضر»‪ ،‬هذا حكم‪َ .‬ح َك ْم َ‬ ‫ت على‬ ‫المصحف بصفة َ‬ ‫ضار‪« .‬هذا ال ّشاي بارد»‪ ،‬هذا ُح ْكم‪ ،‬صحيح؟ «المسجد مليء»‪،‬‬ ‫الخ َ‬ ‫ُح ْكم‪« .‬المسجد فارغ»‪ُ ،‬ح ْكم‪« .‬هللا موجود»‪ُ ،‬ح ْكم‪« .‬هللا واحد»‪ُ ،‬ح ْكم‪« .‬هللا ال شريك له»‪،‬‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫و هذا الكالم غير صحيح‪ .‬كالم فارغ و أقرب للكفر‪ ،‬صحيح؟ و لو ُكفِّ َر به‪ ،‬ما أبعد‬

‫ُح ْكم‪ .‬صحيح؟ «أرسطو فيلسوف كبير»‪ُ ،‬ح ْكم‪.‬‬ ‫إِ ْثبَ ُ‬ ‫ات َش ْيء لِ َش ْيء أَ ْو نَ ْفيُهُ َع ْنهُ‪ ،‬هذا حكم‪ ،‬في اإليجاب و السَّلب‪ .‬طيّب‪ .‬هذا الحكم‬ ‫المطلق ينقسم إلى ثالث أقسام‪ .‬أ ّولها ال ُح ْك ُم ال ّشرع ّي‪ ،‬ما تعريف الحكم ال ّشرع ّي؟‬ ‫درسناه في األصول‪ ،‬صحيح؟ ما هو؟ هو ِخطاب هللا ال ُمتَ َعلِّق بأفعال ال ُم َكلَّفين‪،‬‬ ‫ضا اء؟ االقتضاء هو الطّلب‪ ،‬و الطّلب‬ ‫اقتضا اء أو تخييرا أو َوضْ عاا‪ .‬نسيتم؟ ما معنى ا ْقتِ َ‬ ‫إ ّما أن يكون جازما و إ ّما أن يكون غير جازم‪ ،‬صحيح؟ و الطّلبُ إ ّما طَلَب لِفِعْل وإ ّما‬

‫‪42‬‬


‫طَلَب لِتَرْ ك‪ ،‬صحيح؟ فصار عندك الواجب و المندوب‪ ،‬و صار عندك المحرّم‬ ‫والمكروه‪.‬‬ ‫'أو تخييرا'‪ ،‬بقي عندك المباح‪ .‬هذه هي الخمسة أقسام‪ ،‬فقط‪.‬‬ ‫الوضْ ِع ُّي؟ هذا في أصول الفقه‪ ،‬ليس في‬ ‫'اقتضا اء أو تخييرا أو َوضْ عاا'‪ .‬ما هو الحكم َ‬ ‫ع ال َّش ْي َء‪َ ،‬سبَباا في َش ْيء آخر‪ ،‬أو َشرْ طاا‬ ‫العقيدة‪ .‬ما هو الحكم الوضع ّي؟ َج ْع ُل ال ّش ِ‬ ‫ار ِ‬ ‫فيه‪ ،‬أو َمانِعاا منه‪ .‬هذه مسائل الحكم الوضع ّي‪ .‬لن نتكلّم فيها‪ ،‬هذا ندرسه في الفقه‪،‬‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫وانتهينا منه‪.‬‬ ‫نأتي للحكم الثّاني‪ ،‬الحكم العاديّ‪ .‬ما هو الحكم العاديّ؟ هو اثبات شيء لشيء أو نفيه‬ ‫عنه‪ ،‬فقط‪ .‬إذا أثبتت شيئا لشيء بواسطة ظهور تأثيره فيه بالتّكرار‪ ،‬و إذا نفيت شيئا‬ ‫عن شيء بواسطة عدم ظهور تأثيره فيه تكرارا‪ .‬فقط‪ .‬هذا هو الحكم العاديّ‪ .‬يعني‪،‬‬ ‫انتبهوا! ل ّما نقول‪« :‬الماء يروي‪ ،‬و النّار تحرق‪ ،‬و هذ ال ّدواء يشفي ِمن ال ّداء الفالن ّي»‪.‬‬ ‫هذ الحكم شرع ّي؟ غير شرع ّي‪ ،‬طبعا‪ .‬ليس له عالقة بال ّشرع‪ .‬هذا الحكم عاديّ‪،‬‬ ‫صحيح؟ ل ّما تقول لي‪« :‬ال ّدواء الفالن ّي يشفي ِمن ال ّداء ّ‬ ‫العالن ّي»‪ .‬صحيح؟ «و النّار‬ ‫حرق‪ ،‬و الماء يروي»‪ .‬كيف عرفنا هذه األشياء‪ ،‬نحن؟ شربنا مرّة فارتوينا‪ .‬عطشنا‪.‬‬ ‫تُ ِ‬ ‫ث ّم شربنا مرّة ثانية فارتوينا‪ .‬عند الفالسفة و المناطقة‪ ،‬أق ّل التّكرار مرَّتان‪ ،‬انتبهوا!‬ ‫يقال بالتّكرار‪ .‬كم هو التّكرار؟ مائة ألف مرّة؟ ال مرّتان‪ .‬إذا ك ّررت مرّتين و ظهرت‬ ‫نفس النّتيجة‪ ،‬فهذا تكرار كاف‪ .‬طبعا‪ ،‬هذا فيه بعض المبالغة‪ ،‬بصراحة‪ ،‬ألنّه يمكن‬ ‫‪‬‬ ‫أن يحدث صدفة‪ ،‬فالمفروض أكثر ِمن هذا‪.‬‬ ‫لكن هم قالوا (التّكرار) مرّتين كاف‪ .‬طيّب‪ .‬هذا موضوع استقرائ ّي‪،induction ،‬‬ ‫يعود إلى االستقراء الكامل و النّاق‬

‫‪43‬‬

‫الحكم العاديّ‪.‬‬

‫‪ .‬فهذا استقراء ناق‬

‫ج ّدا‪ .‬طيّب‪ .‬فهذا اسمه‬


‫ما معنى الحكم العاديّ؟ ما يترتّب على ّ‬ ‫أن هذا ال ّشيء‪ ،‬حكم عاديّ؟ فقط‪ ،‬نحن‬ ‫استطعنا أن نعرف الرّابطة بين ال ّشيئين‪ ،‬سواء سلبا أو إيجابا‪ .‬كيف عرفناها‪ ،‬بواسطة‬ ‫ماذا؟ التّكرار‪ .‬تكرار ظهور األثر‪ ،‬يعني التّأثير‪ ،‬أو تكرار انتفاء التّأثير‪ .‬مضبوط أو‬ ‫ال؟ إذا صببنا على النّار ما اء‪ ،‬طبعا هي نار خفيفة‪ ،‬انطفأت‪ .‬صببنا مرّة أخرى‪،‬‬ ‫ار ذكا اء‪ ،‬ال يؤرِّ ثها‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫انطفأت‪ .‬فنقول الماء ال يزيد النّ َ‬ ‫صببنا‪ ،‬مرّة‪ ،‬بنزينا‪ ،‬اشتعلت‪ .‬صببنا مرّة أخرى‪ ،‬اشتعلت‪ .‬فهذا ال ّزيت أو هذا السّائل‬ ‫أكثر ِمن مرّتين‪ ،‬حتّى ألف مرّة‪ ،‬ك ّل ما يكثر ك ّل ما يكون أحسن‪ ،‬طبعا‪ .‬واضح! كلّما‬ ‫كثر التّكرار كان أحسن‪.‬‬ ‫لكن ف ّكروا معي اآلن فلسفيّا‪ ،‬هل هذا التّكرار وحده دليل على أنّه ال ب ّد أن يقع األثر‬ ‫الحادث‪ ،‬بواسطة هذا التّأثير‪ ،‬دائما؟ ال‪ .‬و انتبهوا! هذا ما انتهى إليه العلم الحديث‬ ‫اآلن‪ .‬فسبحان هللا‪ ،‬كالم األشاعرة في منتهى ال ّدقة الفلسفيّة‪.‬‬ ‫اآلن‪ ،‬اسأل أكبر عالم‪ ،‬في الرّياضيّات‪ ،‬في الفيزياء‪ ،...‬لكن يكون غربيّا و فاهما‬ ‫لهذه األشياء‪ ،‬ألنّهم متفلسفون كبار‪ ،‬ما شاء هللا‪ ،‬يدرسون‪.‬‬ ‫عالم كبير مثل ‪‬زويل‪( ‬أحمد حسن زويل‪ ،‬عالم كيميائيّ) ل ّما يتكلّم عن‬ ‫العلم و تاريخ العلم‪ ،‬يا أخي‪ ،‬ال توجد ثقافة‪ ،‬سبحان هللا‪ ،‬فاهم في الكيمياء‪ ،‬لكن في‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫يزيدها اشتعاال‪ .‬هنا انتفى التّأثير في الماء و ظهر التّأثير في البنزين‪ ،‬في مرّتين أو‬

‫الفلسفة و ال شيء مسكين‪ .‬الغربيّون‪ ،‬ال‪ّ .‬‬ ‫ألن هذا ِع ْل ُمهُم‪ ،‬هذه حضارتهم‪ .‬تجده عالما‬ ‫لكن إذا تكلّم في الفلسفة‪ ،‬تجده فيلسوفا‪ ،‬يا أخي‪ .‬فالسفة‪ ،‬و يكتبون كتبا‪ .‬شيء غير‬ ‫طبيع ّي‪ .‬عندهم ثقافة واسعة ج ّدا في األشياء األخرى‪ .‬فتسأله‪ ،‬يقول لك‪« :‬ك ّل هذا العلم‬ ‫الطّبيع ّي نتائجه االستقرائيّة‪ ،‬احتماليّة ترجيحيّة»‪ 99،9 .‬لكن ليس ‪ .٪411‬فلسفيّا هو‬ ‫هكذا‪ ،‬و هذا صحيح‪ .‬ألنّه ال توجد رابطة عقليّة‪ ،‬و العقل ال يُحيل‪ ،‬أنّك تصبّ البنزين‬ ‫على النّار فتنطفأ‪ ،‬العقل كعقل وحده‪ .‬لكن‪ ،‬في العادة تحيل أو ال تحيل؟ يقال مستحيل‬

‫‪44‬‬


‫عادةا‪ ،‬في العادة مستحيل‪ .‬تضع البنزين‪ ،‬فيزيد‪ .‬و الماء‪ ،‬العكس‪ ،‬و هكذا‪ .‬هذا اسمه‬ ‫الحكم العاديّ‪.‬‬ ‫انتبهوا اآلن! نريد أن نفرّع‪ ،‬هنا‪ ،‬مسألة ِمن مسائل االعتقاد الها ّمة‪ ،‬وقع فيها الخالف‬ ‫حرق‪ ،‬و الماء حين يروي‪ ،‬و ال ّدواء حين يشفي‪ ،‬والماء‬ ‫طويال و عريضا‪ .‬النّار حين تُ ِ‬ ‫حين يُنبت ال ّزرع‪ ،‬و ال ّزرع حين يُنبت الثّمرة‪ ،‬و‪ ،..‬و‪ ،..‬و‪ ..‬إلى آخره‪ ،‬و الثّمر حين‬ ‫يُح ِدث ال ِّشبَع أو ال ِّس َمن‪ ،‬ك ّل هذه األشياء كيف تفعل؟ كيف يت ّم ظهور هذه اآلثار بهذه‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫المؤثّرات؟ هل النّار فيها ق ّوة مو َد َعة في ذاتها‪ ،‬هللا أو َد َع فيها خا ّ‬ ‫صيّة معيّنة تفعل‬ ‫بها؟ أو ّ‬ ‫أن هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬عند مالقاة النّار بعض األشياء و األجسام‪ ،‬يخلق أثرا‬ ‫اسمه االحراق‪ ،‬هللا يخلقه‪ ،‬عند المالقاة‪ ،‬و ليس أنّها تفعل بخا ّ‬ ‫صيّة فيها‪ ،‬مو َد َعة فيها؟‬ ‫قد يقول أحدكم‪« :‬لكن عمليّا‪ ،practically ،‬ال يوجد فرق كبير بينها»‪ .‬ال‪ ،‬هو عمليّا‬ ‫ال يوجد‪ ،‬صحيح‪ ،‬لكن عقديّا غائيّا‪ ،‬هناك فرق‪ .‬فرق في العقيدة‪ .‬لماذا؟ انتبهوا! أرجو‬ ‫أن تفهموني‪ ،‬سأُبسّطها‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬في خمس جمل و نحاول أن نفهم هذه المسألة‪.‬‬ ‫مه ّمة ج ّدا هذه المسألة‪ .‬صحيح هي فلسفيّة‪ ،‬لكن سنُسهِّلها ج ّدا‪.‬‬ ‫هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬كما تعلمون‪ ،‬قدرته تتعلّق‪ ،‬هنا نتكلّم على الممكن ِمن غير‬ ‫المستحيالت‪ ،‬ببعض الممكنات أو بك ّل الممكنات‪ ،‬يعني بالوجود؟ (يعني) تتعلّق بك ّل‬ ‫الوجود و ما فيه أو ببعض األشياء و بعضها ال تتعلّق؟ مستحيل‪ ،‬قدرة هللا نافذة في‬ ‫ك ّل شيء‪ ،‬مضبوط أو ال؟ و عاملة في ك ّل شيء‪ ،‬قدرة هللا‪ ،‬تبارك وتعالى‪ .‬الحجاب‬ ‫نظن ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن قدرة هللا تفعل في أشياء و تستثني أشياء أخرى‪.‬‬ ‫و الهوى هو الّذي يجعلنا‬ ‫كالم غير صحيح‪ .‬قد يقول أحدكم‪« :‬طيّب‪ ،‬كالمك هذا‪ ،‬هل يُؤخذ منه بُطالن‬ ‫األسباب؟» غير صحيح‪ ،‬بالعكس‪ ،‬القرآن ال يُبطل األسباب‪ ،‬القرآن و األشاعرة وأهل‬

‫‪45‬‬

‫ال ّسنّة و الجماعة يُثبتون األسباب‪ .‬األسباب موجودة‪ ،‬لكن يجعلون التّأثير ِح ْكراا على‬ ‫هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬للقدرة اإللهيّة‪ ،‬ال لألسباب‪ .‬هللا أكبر‪ ،‬ما هذه الفلسفة؟ فلسفة‬


‫دقيقة و هي روح القرآن‪َ .‬من قرأ القرآن بوعي و ِح ْذق و بعيدا عن الهوى و ظلمة‬ ‫َ َ ۡ َ َ َ َّ َّ َ َ َ َ َ َّ َ ٓ‬ ‫الحجاب‪ ،‬يُذ ِعن لهذا الكالم‪ .‬قال تبارك و تعالى‪  :‬ألم تر أن ٱّلل أنز َ مين ٱلسما يء‬ ‫َ ٓٗ َ​َ ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ماء فأخرجنا بيهيۦ ‪6 S،٤١ W  U‬‬ ‫مثال‪ .‬انتبه! يعني‪ ،‬هللا‪ ،‬هنا‪ ،‬ل ّما يقول أخرجنا به‪ ،‬بالماء ِمن السّماء‪ ،‬أ ال يعترف‬ ‫بالسّببيّة؟ يعترف‪ .‬يقول ماء السّماء سبب في ما يخرج ِمن األرض‪ .‬انتبهوا! لكن‬ ‫فعل اإلنزال و فعل اإلخراج‪ ،‬للماء أو هلل؟ (إجابات مختلفة في المجلس) الّذي أنزل‬ ‫طيّب‪ ،‬و الماء سبب لقوله‪' :‬به'‪ ،‬هذه باء السّببيّة‪ ،‬صح أو ال؟ إذن‪ ،‬هللا أثبت األسباب‪.‬‬ ‫صحيح أثبت األسباب‪ ،‬لكنّه نفا عنها التّأثير‪ ،‬و احتكر هو‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬و اخت ّ‬ ‫ا‬ ‫بالتّأثير‪ .‬ال هلإ إال اهلل‪ .‬شيء عجيب! إذن‪ ،‬األسباب موجودة‪ ،‬و ال ب ّد أن نأخذ بها مع‬ ‫اعتقاد ّ‬ ‫أن األثر يُح ِدثُه هللا‪ ،‬يَخلُقُه هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬فلم نُعطِّل األسباب‪ ،‬و لم نُعطِّل‬ ‫قدرة إلهيّة تتعلّق بك ّل شيء بحيالِه‪ .‬يقول ّ‬ ‫العالمة ‪‬ابن أبي جمرة‪ ،‬انظر إلى‬ ‫ّ‬ ‫الذكاء العجيب‪ ،‬هذا أحد علماء اإلسالم الكبار و هو مالك ّي‪ ،‬و رجل مح ّدث‪ ،‬و َش َر َح‬ ‫«البخار ّ‬ ‫ث‬ ‫ي»‪ ،‬ليس كلّه‪ ،‬شرحا عجيبا ج ّدا‪ ،‬رحمة هللا عليه‪  :‬إِ َّن النَّ َ‬ ‫ار‪ ،‬فِي ال َح ِدي ِ‬ ‫ال َّ‬ ‫اض َع ال ُّس ُجو ِد ‪ .‬يقول هذا فيه دليل لمذهب أهل‬ ‫يح‪ ،‬تَأْ ُك ُل َج َس َد ا ْب ِن آ َد َم إِ َّال َم َو ِ‬ ‫ص ِح ِ‬ ‫ال ّسنّة و الجماعة‪ .‬لو كانت النّار تفعل بق ّوة مو َد َعة فيها‪ ،‬لَ َما ص ّح هذا التّبعيض في‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫الماء‪ ،‬هللا‪ ،‬و الّذي أخرج النّبات‪ ،‬هللا‪ .‬إذن‪ ،‬اإلخراج هلل و ليس للماء‪ .‬الماء ال يُخ ِرج‪.‬‬

‫حرق ك ّل شيء‪ ،‬صحيح؟ لكن ل ّما كانت ال تفعل بذاتها و هللا‪ ،‬ع ّز و جلّ‪،‬‬ ‫االحراق‪ ،‬فتُ ِ‬ ‫هو الّذي يخلق عندها‪ ،‬ال بها‪ ،‬االحراق في أجزاء دون سائر األجزاء‪َ ،‬علِ ْمنَا ّ‬ ‫أن‬ ‫المؤثّر هو هللا‪ ،‬و ّ‬ ‫أن هذا السّبب خال عن التّأثير‪ .‬جعله هللا هكذا لحكمة بالغة‪ ،‬طبعا‪،‬‬ ‫في ربط أجزاء الكون بعضها ببعض‪ ،‬طيّب‪.‬‬ ‫اآلن‪ ،‬السّفينة حين نركب متنها و نستق ّر عليها‪ ،‬ث ّم تسير بنا تَ ْم ُخ ُر ُعبَاب الماء‪ ،‬وننتقل‬ ‫‪‬‬ ‫ِمن ضفّة إلى ضفّة‪ ،‬كما فعل ‪‬نوح‪ ‬مع سفينته بأهل السّفينة‪.‬‬

‫‪46‬‬


‫َ َ َ ۡ َ َٰ ُ َ َ َٰ َ َ ۡ َ َٰ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ات ألوح ودس ‪.i S،٧٣ W ‬‬ ‫قال (‪  :)‬وَحلنه لَع ذ ي‬ ‫قال 'حملناه'‪ ،‬نحن الّذين حملناه‪ ،‬أو غير صحيح؟ و نحن الّذين سيّرناه‪ ،‬و نحن الّذين‬ ‫سيّرنا السّفينة‪ ،‬لكن على ذات‪ ،‬بهذه الوسيلة‪ ،‬تص ّور! فاألثر هلل‪ ،‬تبارك و تعالى‪،‬‬ ‫وال ّسبب موجود‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬هذه النّظريّة تتل ّخ‬

‫بكلمتين؛ اثبات األسباب و نفي التّأثير عنها‪.‬‬

‫اختصاص هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬بالتّأثير‪ .‬يخلُق األثر عند وجود األسباب‪ ،‬ال‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫باألسباب‪ .‬عندها‪ .‬هناك فرق بين 'بها' و بين 'عندها'‪ ،‬لذلك‪ ،‬نحن نفسّر السّببيّة على‬ ‫أنّها ِع ْن ِديَّة‪ ،‬ال سببيّة حقيقيّة‪ .‬سببيّة ِع ْن ِديَّة‪ ،‬ال سببيّة حقيقيّة‪ .‬في القرآن الكريم مئات‬ ‫اآليات تشهد لهذا التّوجّه‪ .‬و هو‪ ،‬على فكرة‪ ،‬توجُّ ه يخدم وحدانيّة هللا‪ّ ،‬‬ ‫أن ال ُمتَ َو ِّح َد‬ ‫ا‬ ‫بالفعل و التّأثير هو ربّ ال ِع َّزة‪ ،‬ال هلإ إال هو‪.‬‬ ‫ي شيء ّإال و هللا يَ ْخلُ ُ‬ ‫ال يوجد شيء يقدر أن يفعل أ ّ‬ ‫ق هذا ال ّشيء‪ .‬ك ّل ما في هذا‬ ‫ي شيء أبدا‪ ،‬صحيح؟ يعني‪ ،‬حتّى لو َ‬ ‫الوجود ميّت أصال‪ ،‬ال يستق ّل بأ ّ‬ ‫قلت‪« :‬أنا‬ ‫أضرب بيدي»‪ .‬أنت ال تضرب بيديك‪ ،‬هذه آلة خلقها هللا‪ ،‬و أعطاك هو س ّر االختيار‪،‬‬ ‫حين ينبعث فيك هذا ال ّس ّر للتّوجّه لل ّشيء‪ ،‬هللا‪ ،‬ع ّز و جلّ‪ ،‬يخلق هذا األثر بهذه‬ ‫الوسائط‪ ،‬صح أو ال؟ طبعا‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬هو‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬لو أنّه أراد فأنت ال تستطيع‪ .‬لو أراد أن ال تضرب لن‬ ‫تستطيع أن تضرب‪ .‬مستحيل تبقى مكانك‪ .‬لو أراد أن ال تشبع‪ ،‬أو ال تروى؛ تشرب‬ ‫ماء البحر و ال تروى‪ ،‬صح أو ال؟ تشرب ماء األنهار كلِّها و ال تروى‪ ،‬بإذن هللا‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬لو كان الماء يروي بنفسه كان رواك‪ ،‬مضبوط أو ال؟ ال يروي‪ .‬لذلك أنت‬ ‫تشرب و هللا يخلق شعورا بالرِّ يِّ ‪ ،‬يخلُ ُ‬ ‫ق فيك معنى الرِّ يّ‪ ،‬هللا‪ .‬لكن لطول االقتران‪،‬‬

‫‪47‬‬

‫كما تعلمون‪ ،‬هذا يقترن بهذا‪ ،‬مرّة‪ ،‬مرّتان‪ ،‬ألف‪ ،‬ألفان‪ ،‬مليون‪ ،‬مليونان‪ِ ،‬من عشرة‬ ‫آالف سنين‪ ،‬دائما‪ ،‬ماذا اعتقد البشر؟ اعتقدوا ّ‬ ‫أن هذه أسباب تؤثّر بنفسها‪ ،‬بق ّوة‬


‫مو َد َعة فيها‪ ،‬ال تنف ّ‬ ‫ك عنها في األحوال العاديّة‪ ،‬و هذا غير صحيح‪ ،‬هو مجرّد‬ ‫اقترانات‪.‬‬

‫َ َ ُ ۡ َ ۡ َ ُ َ ُ ٓ َ ۡ َ ۡ ُ َّ َٰ ُ َ‬ ‫َ َ َ َ ۡ ُ َّ َ ۡ ُ ُ َ‬ ‫قال تبارك و تعالى‪  :‬أفرءيتم ما َترثون ‪ ٦٣‬ءأنتم تزرعونهۥ أم َنن ٱلزريعون ‪W ‬‬ ‫‪ ١٣‬و ‪.m S،١٢‬‬

‫سؤال غريب ج ّدا ج ّدا‪ ،‬يا أخي‪ .‬حين تسأل أحدا يقول‪« :‬أنا ال ّزارع يا أخي»‪ .‬هللا قال‬ ‫لك‪ ،‬ال‪ ،‬أنا ال ّزارع لست أنت‪ .‬يا إلهي‪ ،‬ما الّذي يحدث؟ أنا أحفر و أحطّ و كذا! ك ّل‬ ‫و تعالى‪ .‬لكي يعل ّمك‪ ،‬هو‪ ،‬هذا ال ّشيء‪.‬‬ ‫َ ُ َّ َ‬ ‫ٱلس َمآءي َما ٓ ٗء فَأَ ۡخ َر ۡج َنا بهيۦ َن َباتَ‬ ‫نز َ َ م َين َّ‬ ‫يي أ َ‬ ‫نفس ال ّشيء‪ ،‬آية ‪ ،A‬أيضا‪  :‬وه َو ٱَّل ٓ‬ ‫ي‬ ‫ُ َ ۡ َ َ ۡ َ ۡ َ ۡ ُ َ ٗ ُّ ۡ ُ ۡ ُ َ ٗ ُّ َ َ ٗ َ َ َّ ۡ‬ ‫ضا َن يرج مينه حبا مَتاكيبا ومين ٱنلخ يل ‪W  U‬‬ ‫ك َشء فأخرجنا مينه خ ي‬ ‫ي‬

‫‪.A S،٩٩‬‬

‫اُنظر كيف؛ أخرجنا 'به'‪َ .‬من الّذي أخرج؟ هللا‪ .‬و هذه الباء مؤ ّشر للسّببيّة ال ِع ْن ِديَّة‪،‬‬ ‫خرج منه‪َ .‬من ال ُم ْخ ِرج؟ هللا‪ .‬ك ّل اإلخراج و الفعل و كذا‪ .‬يا‬ ‫كما قلنا‪ ،‬يعني ِع ْن َده‪ .‬نُ ِ‬ ‫َّ‬ ‫سيدي أضخم الظّواهر في حياة اإلنسان ماهي؟ الحياة و الموت‪ .‬قال لك‪  :‬ٱَّليي‬ ‫َخلَ َق ٱل ۡ َم ۡو َ‬ ‫ت َو ۡ َ‬ ‫ٱۡل َي َٰوةَ ‪.8 S،٤ W  U‬‬ ‫ال تقل لي‪« :‬ضربه برصاصة‪ ،‬ط ّخه‪ ،‬وضع له ال ّس ّم‪ »...‬مستحيل‪َ ،‬من الّذي أمات؟‬ ‫َمن الّذي يُحْ يِي؟‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫هذه األشياء سطحيّة‪ ،‬لكن األثر و الفعل لربّ ال ِع ّزة‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬له وحده تبارك‬

‫وت‪( ،...‬من دعاء النّبيّ عند اإليواء إلى الفراش)‪ ،‬في ك ّل‬ ‫‪‬بَاسَمَكَ​َ​َاللَ َُهمَ​َ​َأحَيَاَوَ​َ​َأَ َُم َُ‬ ‫لحظة‪ .‬يا سيدي هو الّذي أضحك و أبكى‪ .‬حتّى الضّحك‪.‬‬ ‫َ َ َّ ُ ُ َ َ َ َ َ‬ ‫َ َ َّ ُ ُ َ ۡ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪ ‬وأنهۥ ه َو أضٗك وأبك َٰى ‪ ٤٣‬وأنهۥ هو أمات وأحيا ‪ ٢٣ W ‬و ‪.g S،٢٢‬‬

‫(ذُ ِك َرت اآليتان للفائدة‪ ،‬و لم يذكرهما الشّيخ)‬

‫‪48‬‬


‫ال تقل أضحكني بنكتته‪ .‬قد يأتيك أحد بأعظم نكتة و ال تضحك‪ .‬هللا لم يكتب لك هذا‪.‬‬ ‫و يمكن أحد يضحك على ال نكتة أصال‪ ،‬على سخافة‪ ،‬و يبقى يضحك‪.‬‬ ‫فهذه األشياء‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬يجب أن نفهمها بهذه الطّريقة المبسّطة‪ .‬األسباب موجودة‬ ‫و هللا أوجدها‪ ،‬و لم ينفها‪ .‬و بعد ذلك هو تسبّب مشروط‪ ،‬هللا طلب منك أن تتسبّب‬ ‫ّ‬ ‫ألن حكمته البالغة اقتضت أن يربط ظواهر و كوائن هذا الوجود بعضها ببعض وفق‬ ‫هذه المنظومة السّببيّة‪ .‬لكن‪ ،‬أن تفهم نظريّا‪ ،‬كما قلنا لكم‪ّ ،‬‬ ‫أن األثر هلل‪ ،‬تبارك وتعالى‪.‬‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫قد يقول أحدكم‪« :‬عمليّا ال يوجد فرق»‪ .‬صحيح‪ ،‬عمليّا ال يوجد فرق كبير‪.‬‬ ‫و على فكرة‪ ،‬أنا أستغرب‪ ،‬و هذا ال يعتبر ذكا اء فلسفيّا‪ ،‬بعض العلماء كتبوا ويعظّمون‬ ‫اللّوم على األشاعرة و يقولون " ّ‬ ‫أن هذه النّظريّة خاطئة‪ ،‬و النّظريّة األشعريّة هي‬ ‫الّتي جعلت العلم يتخلّف في العالم اإلسالم ّي"‪ .‬و هذا كالم فارغ ال يد ّل على فهم‬ ‫أصال‪ ،‬ألنّه عمليّا‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬المسألة واحدة في األخير‪ ،‬بغضّ النّظر‪ ،‬مضبوط أو‬ ‫ال؟ ك ّل أحد منّا يعلم أنّه إذا شرب ارتوى‪ .‬اآلن‪ ،‬نظريّا‪ ،‬هل هو يرتوي ّ‬ ‫ألن في الماء‬ ‫صيّة تجعله يرتوي‪ ،‬أو ّ‬ ‫توجد خا ّ‬ ‫أن هللا يخلق الرِّ َّ‬ ‫ي عند تناول الماء؟ المسألة ال يترتّب‬ ‫عليها كبير أثر ِمن ناحية عمليّة‪ ،in practice ،‬ص ّح أو ال؟ و هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪،‬‬ ‫أقام نظام األسباب و المسبّب‪ ،‬يعني نظام السّببيّة‪ ،‬بطريقة اضطراريّة‪ ،‬أو غير‬ ‫صحيح؟‬ ‫يعني ال أرى أنّي مرّة‪ ،‬حين أشرب أرتوي‪ ،‬و مرّة أشرب ال أرتوي‪ .‬أبدا‪ .‬بشكل‬ ‫عا ّم‪ ،‬نقدر أن نقول تقريبا ّ‬ ‫أن ك ّل الحاالت‪ّ ،‬إال ما استُثني في حالت معيّنة‪ ،‬يصبح‬ ‫لدينا استثناءات‪ .‬و يأتي العلم ليفسّر‪ ،‬لماذا اآلن صار استثناء؟ لديه مرض معيّن‪،‬‬ ‫لديه حالة كذا‪ ،‬كذا؟ يدرسونه تشريحيّا و وظيفيّا‪ ،‬مضبوط أو ال؟ ألنّه صار لديهم‬

‫‪49‬‬

‫استثناء‪ ،‬يشرب و ال يرتوي‪ .‬و هذا معروف في الطّبّ ‪ ،‬صحيح؟ يوجد مركز في‬ ‫الم ّخ‪ ،‬هو الّذي يراقب هذا ال ّشيء‪.‬‬


‫و ك ّل هذا‪ ،‬أيضا‪ ،‬أسباب‪ ،‬و ك ّل سبب سنتكلّم عليه بنفس الطّريقة‪ .‬و في األخير‪،‬‬ ‫على فكرة‪ ،‬روح العلم تؤيّد هذه النّظريّة في السّببيّة‪ .‬تعرفون لماذا؟ لو تسأل أ ّ‬ ‫ي‬ ‫عالم‪ ،‬و تقول له‪« :‬فسّر لي كيف يروي الماء»‪ .‬سيُفسّر لك بنظريّة فيزيولوجيّة دقيقة‬ ‫و ممتازة‪ .‬و كما قلنا‪ ،‬ترجع األمر إلى مركز معيّن في ال ّدماغ؛ تعرفون هذا ال ّشيء‪،‬‬ ‫أكرمكم هللا‪ ،‬الّذي ينزل فيه الماء في الح ّمامات‪ ،‬يشبه شيئا موجودا في ال ّدماغ‪ .‬ل ّما‬ ‫ترتفع نسبة منسوب الماء في ال ّدم‪ ،‬هذا المح ّل يُفتَح عليه فال يبقى على تلك الحالة‪،‬‬ ‫اشرب‪ ،‬اشرب‪ ،‬إلى أن تنفجر بطنك و أنت عطشان‪ .‬قد يقول أحدكم‪« :‬اُنظر‪ ،‬الحقيقة‬ ‫ال أن تقول لي ّ‬ ‫أن هللا‪ ،‬و هللا‪ »..‬ال يا سيدي‪ ،‬و هذا من الّذي خلقه؟ و لماذا بهذه‬ ‫الطّريقة؟ و لذلك يقول العلماء‪ ،‬العلم في األخير‪ ،‬في نهاية النّهايات‪ ،‬أ ّ‬ ‫ي علم ليس‬ ‫فقط الفيزيولوجيا‪ ،‬كلّ العلوم وظيفتها وصفيّة ال تعليليّة‪ ،‬رأيتم؟ اسأل أ ّ‬ ‫ي فيلسوف‬ ‫علم‪ ،‬و قل له‪« :‬العلم يعلّل أو يصف؟» يقول لك‪« :‬ال‪ ،‬العلم ال يستطيع أن يعلّل»‪ .‬ال‬ ‫يوجد علم تعليل ّي‪ ،‬و ال علم‪ ،‬كالم فارغ‪ .‬العلم في النّهاية يصف‪ .‬يعني إذا قال‪« :‬ال‬ ‫يوجد شيء اسمه ألوان‪ ،‬أحمر و أزرق‪ ،‬هذه كلّها موجات»‪ .‬تقول‪« :‬طيّب‪ ،‬و لماذا‬ ‫موجات؟ و لماذا طولها كذا كذا و تعطي كذا؟» فيقول‪« :‬هو هكذا‪ ،‬ال أعرف‪ ،‬هللا خلقه‬ ‫َ‬ ‫سألت‪« :‬ما الفرق بين الجامد‬ ‫هكذا»‪ .‬يعني هو وقف عند الوصف‪ ،‬أو غير صحيح؟ إذا‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫ويعطيك إشارات عصبيّة أنّه خرج‪ .‬واضح؟ ل ّما ينعطف‪ ،‬ماذا يحدث؟ اشرب‪،‬‬

‫و بين كذا؟» سيعطيك تعليال فيزيقيّا‪ .‬فتقول‪« :‬طيّب لماذا هكذا؟» سيقال لك‪« :‬ألنّه‬ ‫هكذا‪ ،‬انخلق هكذا»‪ .‬تقول‪« :‬هل كان من الممكن يكون العكس؟» يقول لك‪« :‬نعم عقليّا‬ ‫يمكن يكون العكس‪ّ ،‬‬ ‫أن صفات الجامد تكون هي السّائلة‪ ،‬و صفات السّائل تكون هي‬ ‫الجامد‪ ،‬لكن الوجود وجد هكذا»‪ .‬إذن أنت تصف فقط‪ ،‬كعالم‪ ،‬صحيح‪.‬‬ ‫فروح العلم هي الوصف‪ ،‬و معناه ّ‬ ‫أن العقل نفسه‪ ،‬في األخير‪ ،‬ال يستطيع أن يقع‬ ‫على حجّة عقليّة محض‪ ،‬تجعل األشياء كما هي و على ما هي عليه‪ ،‬ال يستطيع‪.‬‬

‫‪50‬‬


‫فيقتنع بماذا؟ بالوصف‪ ،‬يسلّم و يقول هي هكذا‪ .‬لماذا هي هكذا؟ تعرفون لماذا؟ ّ‬ ‫ألن‬ ‫الّذي يحتكر التّأثير الحقيق ّي‪ ،‬و يُظ ِهر األشياء عند األشياء‪ ،‬هو ربّ ال ِع ّزة‪ ،‬تبارك‬ ‫وتعالى‪ ،‬لست أنت‪ ،‬صح أو ال؟‬ ‫ح ّدثتكم مرّة بقصّة‪ ،‬أنّه كيف يمكن إنسان تُ َح ُّز رقبته‪ ،‬و تنقطع عروقه‪ ،‬و تنقطع‬ ‫أعصابه و مشاكل‪ ،‬و ال يموت‪ ،‬بإذن هللا تعالى‪ ،‬و حصلت هذه الحالة‪ ،‬حصلت لدينا‬ ‫في "غ ّزة" و كانت آية ِمن آيات هللا‪ ،‬األطبّاء ج ُّن جنونهم و قالوا‪« :‬مستحيل!»‪ .‬و بعد‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫ذلك‪ ،‬القلب‪ ،‬التّنفّس‪ ،‬ك ّل شيء توقّف عنده هذا الرّجل‪ ،‬و كان مذبوحا من الخلف‪،‬‬ ‫ب له عمر‪.‬‬ ‫على فكرة‪ ،‬و ليس من األمام‪ .‬طبّيّا ميّت مائة في المائة‪ ،‬و عاش و ُكتِ َ‬ ‫كيف هذا؟ كانت آية من آيات هللا‪ ،‬خارقة من الخوارق‪.‬‬ ‫‪‬عيسى‪ ،‬عليه السّالم‪ ،‬حديثنا في هذه الخطبة عن ‪‬عيسى‪ ،‬ل ّما يحيي الموتى‪،‬‬ ‫ل ّما يصنع من الطّين طيرا‪ ،‬و بعد ينفخ فيه بنَفَ ِسه البشريّ‪ ،‬صح؟ و يصير طيرا‪،‬‬ ‫فيقال‪« :‬كيف هذا؟» طبعا‪ ،‬ألنّه ليس شرطا‪ ،‬يا أخي‪ّ ،‬‬ ‫أن ربّك يصنع طيرا الزم يكون‬ ‫ِمن ذكر و أنثى و بطريق تسافد معيّن بين الطّيور‪ ،‬و بعد ذلك تبييض و يصير كذا‪.‬‬ ‫ال ليس شرطا‪ ،‬أبدا‪ ،‬أبدا‪ .‬نفس ال ّشيء‪ ،‬صح أو ال؟ لو كان هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪،‬‬ ‫طريقته في خلق الطّيور مثل طريقة ‪‬عيسى‪ ‬الّتي أبداها لنا‪ّ ،‬‬ ‫أن البشر يصنعون‬ ‫ي‪ .‬و كان من الممكن ّ‬ ‫بأشياء من طين و ينفخون فيها النّفس البشر ّ‬ ‫أن ربّنا يجعلها من‬ ‫نفس طفل لم يبلغ ال ُحلُم‪ ،‬أو مثال؛ رجاال دون نساء‪ ،‬أو إناثا دون كذا‪ ،‬أو النّساء‬ ‫ال ُحيِّض غير الطّاهرات‪ ،‬و هكذا‪ .‬و تنفخ و يصير طيرا‪ .‬هل استغرب أحد و قال ال‬ ‫‪‬عيسى‪ ‬لم يكن يفعل هكذا‪ ،‬كان يأتي بأنثى الطّير مع ذكرها و كذا و يحدث‬ ‫تبييض‪ .‬تبييض ماذا؟ و شيء صار اسمه بيضة‪ .‬مستحيل‪ ،‬يا أخي‪ ،‬كيف صار هذا؟‬

‫‪51‬‬

‫ألنّك تكتفي بالوصف‪ ،‬أنت تع ّودت فقط‪ .‬فما تع ّودته تعتبره شيئا معقوال و منطقيّا‬


‫ومعلّال‪ ،‬مضبوط أو ال؟ و ال تملك حجّة ّإال الوصف و المتابعة و االقتران‪ .‬فَ ِه ْمتُم‬ ‫كيف؟‬ ‫فلذلك قصير العقل و قصير النّظر هو الّذي يُنكر المعجزات و كيف ّ‬ ‫أن هللا خلق‬ ‫‪‬آدم‪ ‬من غير أب و أ ّم‪ ،‬كيف خلق ‪‬حوّ اء‪ ‬من أب فقط بدون أ ّم‪ ،‬و كيف خلق‬ ‫‪‬عيسى‪ ‬من أ ّم بدون أب‪ .‬و يقال لك‪« :‬غريب !» و ال غريب و ال حاجة‪ ،‬أبدا‪.‬‬

‫هَ َذا ال َك ْو ِن ال َم ْو ُجو ِد"‪ .‬الكون نفسه في ح ّد ذاته معجزة‪ ،‬لذلك قلت لكم في أ ّول درس‬ ‫اليوم‪ ،‬علماء الكالم يصفون الكون و األكوان بالمعجزة‪ .‬و سنرى‪ ،‬ألنّه لدينا مبحث‬ ‫في األسماء و الصّفات‪ّ .‬‬ ‫ألن الكون نفسه في ح ّد ذاته معجزة‪ ،‬و غريب ج ّدا و كيف‬ ‫كان هكذا و كيف كان أصال‪ ،‬و كيف انبثق من العدم إلى الوجود‪ .‬أكبر معجزة‪ ،‬ال‬ ‫تُفهم‪ .‬غير مفهومة بالنّسبة لنا‪ ،‬غير مفهوم‪.‬‬ ‫من قرأ مذ ّكرات الفيلسوف و المف ّكر اإلسالم ّي الكبير ‪‬علي ع ّزت بيجوفيتش‪،‬‬ ‫رحمة هللا عليه‪ ،‬و اسمها «الهروب إلى الح ّريّة»‪ ،‬يمكن في خمسة مواضع في كتابه‪،‬‬ ‫يقول أكبر سؤال حيّرني‪ ،‬هو حيّر 'كانط' من قبله و حيّر كبار الفالسفة‪ ،‬و لست قادرا‬ ‫أن أصل إلى جواب‪ ،‬طبعا جواب عقل ّي ليس جوابا إيمانيّا‪ ،‬بسيطا تسليميّا‪ .‬العقل ال‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫ين يَ ْ‬ ‫ون‬ ‫طلُبُ َ‬ ‫يقول 'شاتو بريان'‪ ،‬األديب و الفيلسوف الفرنس ّي‪ ،‬أيّام 'نابليون'‪" :‬الّ ِذ َ‬ ‫ول لَهُ ْم لَ ْي َس ْ‬ ‫ت هَ ِذ ِه ال ُم ْع ِج َز ُ‬ ‫ات بِأ َ ْكثَ َر إِ ْع َجا ازا ِم ْن‬ ‫ت أَ ْو يُ ْن ِك ُرونَهَا‪ ،‬أُ ِحبُّ أَ ْن أَقُ َ‬ ‫ال ُم ْع ِج َزا ِ‬

‫يستطيع فهمه‪ّ ،‬‬ ‫ألن العقل محدود في األخير‪ ،‬عبد هلل‪ ،‬عنده حدود‪ ،‬كالبدن و هو‪:‬‬ ‫ان؟" لماذا؟ و كيف؟ صعب ج ّدا‪ ،‬هذا السّؤال عندما يكون لك عقل‬ ‫ان َما َك َ‬ ‫"لِ َما َذا َك َ‬ ‫فلسف ّي تجده ليس محرجا فقط‪ ،‬و إنّما مستغلقا‪ .‬لماذا كان ما كان؟ و ليس هذا فقط‪،‬‬ ‫ولماذا كان ما كان على ما كان عليه؟ شيء غير مفهوم‪.‬‬ ‫لو تسأل نفسك‪ ،‬كيف ُو ِج َد هذا العالَم اآلن على ما كان عليه؟ ألوان و طعوم و روائح‬ ‫و مسموعات و مشمومات و خصائ‬

‫غريبة‪ ،‬و طبعا العقل يمكن يعطيك بليون‬

‫‪52‬‬


‫احتمال‪ .‬كان ِمن الممكن ّ‬ ‫أن ربّنا يخلق ك ّل هذا العالم في حالة ما ّديّة واحدة‪ ،‬صح؟‬ ‫حالة غازيّة مثال‪ .‬ك ّل المخلوقات‪ .‬و يكون هناك إنس و ّ‬ ‫جن و لكن كلّه غازات‪،‬‬ ‫صحيح؟ و بلون واحد‪ ،‬مضبوط؟ هناك أعجب ِمن هذا‪ .‬كان يمكن أن يخلقه بال لون‪،‬‬ ‫صح أو ال؟ و تخيّل عالَما بدون لون! تفضّل! كيف سيكون؟ شيء غريب‪ .‬فكيف‬ ‫خلقه؟‬ ‫لذلك نحن قلنا‪ ،‬تخصي‬

‫الممكنات بوجه من وجوه صفاتها‪ ،‬زمانا و مكانا و ك ّما‬

‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫وحاال‪ِ ،‬من آيات هللا‪ .‬حين تف ّكر فيها بعمق‪ ،‬يقشعرّ‪ ،‬لن أقول شعر بدنك‪ ،‬شعر قلبك‬ ‫إن جاز التّعبير‪ .‬تحسّه شيئا غريبا‪ ،‬هذا الفعل اإلله ّي‪.‬‬ ‫فالمؤمن العميق‪ ،‬يؤمن بهذه الحقائق بعمق بحمد هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬و يرى يد هللا‬ ‫تفعل في ك ّل صغيرة و كبيرة‪ ،‬و يؤمن تماما من غير استثناء‪ ،‬و على الحقيقة‪ّ ،‬‬ ‫أن‬ ‫هللا خالق ك ّل شيء‪.‬‬ ‫طبعا‪ ،‬ل ّما تشرب‪ ،‬ال تقل الماء خلق لي ال ّريّ‪ .‬الماء شيء‪ ،‬و ال ّر ّ‬ ‫ي شيء‪ ،‬و أنت‬ ‫شيء‪ ،‬و هللا عند شرب الماء يخلق فيك ال ّريّ‪ .‬هو الّذي خلق هذا المعنى‪ ،‬هو الّذي‬ ‫خلق هذا اإلحساس و ال ّشعور‪ ،‬و ليس الماء‪ ،‬هللا‪ ،‬ع ّز و جلّ‪ .‬الماء ال يستطيع‪ ،‬ال‬ ‫يقدر‪ .‬و النّار ال تحرق‪ .‬عندما توجد نار و أشياء قابلة ألن يظهر فيها األثر و هللا‬ ‫يخلق األثر عند التقاء النّار بهذه األشياء‪ ،‬فقط في هذه اللّحظة‪ ،‬و يقدر أن يفعل‬ ‫العكس‪ ،‬هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬كيف ذلك؟ ال توجد مشكلة‪ ،‬مثل ما فعل في الظّاهرة‬ ‫األ ّوليّة‪ ،‬نفس ال ّشيء‪ .‬هو الّذي يخلق اآلثار‪ ،‬و هذا معنى المعجزة‪ .‬هذا معنى معجزة‬

‫‪ ،‬عليه السّالم‪ ،‬و ‪‬عيسى‪ ‬و ‪‬موسى‪ ،‬و ك ّل األنبياء‪ .‬معجزاتهم عاديّة َوهُ ْم‬

‫كانوا يرونها عاديّة ج ّدا ج ّدا‪ ،‬األنبياء‪ .‬عاديّ‪ ،‬و ليس عندهم مشكلة‪ .‬و كانوا ليس‬ ‫‪53‬‬

‫يؤمنون بها‪ ،‬بالعكس كانوا يؤمنون بها بطريق الكشف‪ .‬علم ضرور ّ‬ ‫ي بالنّسبة‬ ‫لألنبياء و ال يحدث فيه ذرّة من ش ّ‬ ‫ك عند النّب ّي‪ ،‬ألنّه يتعاطى مع هللا بنظريّة عقديّة‬


‫أوسع بكثير م ّما يتعاطى مع هللا قِصار اإليمان و ضعفاء اليقين‪ ،‬يعرف هو أنّه يوجد‬ ‫هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬رأيتم؟‬ ‫لذلك الواحد فينا اآلن لو عنده يقين قطعا‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬ستحدث له‪ ،‬ال نقول معاجز‪،‬‬ ‫كرامات و خوارق من أعجب ما يكون‪ .‬و بالنّسبة له لن تكون عجيبة و ال أ ّ‬ ‫ي شيء‪،‬‬ ‫عاد ّ‬ ‫ي بالنّسبة له‪ .‬و بالنّسبة للنّاس ستكون عجيبة ج ّدا‪ ،‬صح؟ لكن بالنّسبة له‪ ،‬عاديّ‪.‬‬ ‫لماذا؟ درجته في اإليمان تعطيه أن يراها عاديّة‪ّ ،‬‬ ‫ألن هذا فعل هللا‪ ،‬يقول لك‪ .‬نعم‬ ‫لنا معجزة؟ ال‪ .‬طيّب‪ ،‬لو إنسان شرب من الهواء هكذا و ارتوى‪ .‬عجيب! للول ّي غير‬ ‫عجيب‪ ،‬عاديّ‪ّ .‬‬ ‫ألن عنده الهواء مثل الماء مثل الحجر مثل الصّخر‪ ،‬إذا أراد هللا‬ ‫يحدث عنده األثر‪ ،‬نفس ال ّشيء‪ .‬ال توجد خا ّ‬ ‫صيّة في الماء‪ ،‬عند األولياء‪ ،‬وفق هذه‬ ‫النّظريّة‪ ،‬تميّزه عن الهواء ّ‬ ‫أن هذا يروي و هذا ال يروي‪ .‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬ال‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬أنتم تعرفون قصّة ‪‬إبراهيم التّيم ّي‪( ،‬متوفّى ‪ 94‬هـ)‪ ،‬أخذ ترابا و حطّه‬ ‫في المخالة و ذهب إلى البيت و قال اطبخوا منه هذا قمح‪ ،‬و عارف هو ليست عنده‬ ‫أيّة مشكلة‪ ،‬ما هو القمح؟ يعني القمح لوحده يتح ّول إلى دقيق و يصير خبزا‪ ،‬ال‪،‬‬ ‫حتّى الرّمل يصير‪ ،‬ال توجد أيّة مشكلة‪ ،‬نفس ال ّشيء‪ .‬بالنّسبة له هو‪ ،‬الرّمل هذا مثل‬ ‫ال ّدقيق و يأكله و يشبع منه‪ .‬و ِهبَة ال ّدرس أنّك تفهم هذه الظّاهرة ّإال أن تراه قمحا‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫طبعا‪ ،‬هللا‪ ،‬ما المشكلة! يعني ل ّما إنسان يشرب من كوب و يرتوي‪ ،‬هل هذا بالنّسبة‬

‫فصار في أعينهم قمحا و بقى عندهم إلى أن ماتوا‪ ،‬شيء عجيب‪ ،‬و زرعوه و أنبت‪.‬‬

‫ون ِم َن ال َ ْي ِب‪ْ َ ،‬نن ن ْن ِفق ِم َن‬ ‫األولياء يقولون‪َ :‬أنْ ْت ت ْن ِفق َ‬

‫ب‪ِ .‬من الهواء يأخذ‬ ‫ال َغ ْي ِ‬

‫ويعطي‪ ،‬ال توجد مشكلة‪ .‬لماذا؟ ّ‬ ‫ألن عندهم نظريّة اإليمان غريبة ج ّدا‪ ،‬غير نظريّتنا‬ ‫نحن‪ ،‬أبدا‪ .‬كلّما علمت يا عبد هللا‪ ،‬و كلّما أيقنت بهذه النّظريّة و أنّه فعال هو المتفرّد‬ ‫و هو الخالق لك ّل شيء‪ ،‬و هو الفاعل وحده دون سائر الفاعلين‪ ،‬أعطاك ما تريد إذا‬ ‫شاء تبارك و تعالى‪ ،‬بسهولة‪ ،‬بدون أ ّ‬ ‫ي مشكلة‪.‬‬

‫‪54‬‬


‫كما قلنا غير مرّة‪ ،‬تشفي المرضى‪ ،‬بإذن هللا‪ ،‬هذا معنى من معاني معاجز األنبياء‪،‬‬ ‫أشفي المرضى بنفسي بإذن هللا‪" ،‬بسم هللا" و انتهى ك ّل شيء‪ .‬كأنّك تأمر المرض‬ ‫بأمر هللا أن يزول‪ ،‬و يزول‪ ،‬ال توجد مشكلة‪ .‬يزول مرض أعجز األطبّاء عشر‬ ‫سنين‪ ،‬بلمسة واحدة‪ ،‬صح أو ال؟‬ ‫و ح ّدثتكم عن أشياء‪ ،‬أنا رأيتها بعيني رأسي‪ ،‬أعجزت األطبّاء فعال ع ّدة سنين‪ ،‬بلمسة‬ ‫واحدة زالت بحمد هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬وهللا العظيم‪ .‬شخ‬

‫ما كان عنده ' ِمي ْق َران'‬

‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫(‪ ،migraine‬مرض الشّقيقة)‪ ،‬ح ّدثتكم بهذه القصّة في رمضان الكريم‪ ،‬لم يترك شيئا‪،‬‬ ‫حتّى العلق تداوى به‪ ،‬و كان شابا ّ و بعد ذلك جاء و توسّم الصّالح في بعض النّاس‪،‬‬ ‫و كان في يوم صيام‪ ،‬و قال له‪" :‬باهلل و كذا"‪ ،‬و بكى‪ ،‬و هذا ال ّشاب غير مصلّي‪،‬‬ ‫المريض بالميقران‪ ،‬إنسان فاسق و زنى و كذا‪ ،‬لكن ل ّما بكى انكسر قلب هذا ال ّشاب‬ ‫(الصّالح)‪ ،‬و قال له ال بأس على بركة هللا‪ ،‬و وضع يده كذا‪ ،‬و ِمن تلك اللّمسة و راح‬ ‫بعد ذلك كالمجنون‪ ،‬و ذهب يحكي لل ّدكاترة و األساتذة في الجامعة‪ ،‬و الطّبيب الّذي‬ ‫كان يعالجه و يراه‪ .‬اختفى ك ّل شيء‪ِ ،‬من مرض يعاني منه منذ فترة طويلة ج ّدا من‬ ‫السّنين‪ ،‬قدرة هللا‪ .‬ال ّشاب هذا عنده إيمان باهلل‪ ،‬كامل مطلق‪ ،‬يفهم‪.‬‬ ‫لكن أنت يجب أن تكون صالحا أن يفعل هللا‪ ،‬أيضا‪ ،‬عبرك‪ ،‬لتكون أنت سببا‪ .‬كيف‬ ‫سببا؟ بالسّببيّة ال ِعنديّة‪ ،‬نفس ال ّشيء‪ ،‬عندك‪ .‬عند لمستك‪ ،‬ال بلمستك‪ .‬لمستك هذه ال‬ ‫تفعل شيئا‪ ،‬اللّمسة ال تفعل شيئا‪ .‬لكن عندها‪ ،‬إظهارا لكرامتك‪ ،‬عند نفسك و عند‬ ‫اآلخرين و عند هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬ثابتة‪ ،‬يحدث هذا األثر‪ .‬فهذا يترتّب عليها أشياء‬ ‫غريبة ج ّدا ج ّدا‪.‬‬ ‫و لذلك أنا أقول لكم‪ ،‬هناك فِ َرق ِمن المسلمين ال تؤمن بهذه النّظريّات و ال تستوعبها‪،‬‬

‫‪55‬‬

‫ُ‬ ‫الحظت عليهم أنّهم ال يحبّون االتّجاه الّذي يس ّمونه التّص ّوف‪ ،‬و في الحقيقة هذا‬ ‫و قد‬ ‫أفضى بهم إلى ندرة أهل هللا فيهم‪ ،‬ال تحسّ ّ‬ ‫أن فيهم عددا كبيرا من أولياء هللا‪ ،‬أصحاب‬


‫الكرامات و الخوارق للعادة‪ ،‬ال يؤمنون بهذه األشياء‪ .‬نظريّتهم في اإليمان تختلف‬ ‫قليال‪ .‬و أنت كن صاحب نظريّة ماديّة في الحياة‪ ،‬و في ك ّل شيء‪ ،‬سترى كيف ربّنا‬ ‫يعاملك‪ ،‬وفق نظريّتك‪.‬‬ ‫هناك َمن يقول لك‪« :‬ال يا أخي‪ ،‬ك ّل شيء بحسابه‪ ،‬و ك ّل شيء في حدوده‪ ،‬و يوجد‬ ‫شطارة‪ ،‬و يوجد اجتهاد و هناك ذكاء‪ .»..‬ابقى يا شاطر على هذه الحالة‪ ،‬سوف ترى‬ ‫كيف‪ ،‬هللا سيعطيك على قدر شطارتك و اجتهادك و كذا‪ ،‬أو غير صحيح؟ و واحد‬ ‫كيف هذا يغلبك في أيّام‪ ،‬و يخلّيك وراءه سنين‪ّ ،‬‬ ‫ألن هللا يعطيه بحسب ظنّه فيه‪،‬‬ ‫تبارك و تعالى‪.‬‬ ‫َ َ‬ ‫َ َُْ َ‬ ‫َ​َ ْ َ َ ا َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي أخرجه اإلمام‬ ‫‪‬أنا يعند ظ ين عب يدي يب‪ ،‬فليظن عب يدي يب ما شاء‪( .‬حديث قدس ّ‬ ‫‪‬أحمد‪ ‬في مسنده عن ‪‬عبد الرّحمن بن صخر‪ ‬و هو ‪‬أبو هريرة‪،)‬‬ ‫صح أو ال؟ و هو على ك ّل شيء قدير‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬إذن هذا هو الحكم العاديّ‪.‬‬ ‫إذا سألك أحد ما‪ّ ،‬‬ ‫أن الرّيح إذا هبّت حرّكت أوراق ال ّشجر‪ ،‬حكم شرع ّي أو عاد ّ‬ ‫ي أو‬ ‫عقل ّي؟ حكم عاديّ‪ ،‬صحيح؟ و ممكن أن تهبّ الرّيح و ال تحرّك أوراق ال ّشجر‪.‬‬ ‫و ح ّدثتكم مرّة‪ ،‬و هذا ال ّشيء أيضا أكيد‪ ،‬كيف رمانا هللا و نحن في 'غ ّزة' بالثّلج‬ ‫الكبير‪ ،‬حجارة ِمن ثلج‪ ،‬د ّمرت اسبست (نوع مِن المعدن يصنعون به المنازل)‪ ،‬ود ّمرت‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫ثاني‪ ،‬ممكن عنده نظريّة أخرى‪ ،‬لكن يعمل بها‪ ،‬هذه هي المسألة‪ ،‬يعمل بها‪ ،‬و سترى‬

‫حتّى ال ّزنك للنّاس‪ ،‬و قتلت َمن قتلت و عملت فينا بهادل‪ .‬و كيف جارنا‪ ،‬بيننا و بينه‬ ‫ّإال ال ّشارع‪ ،‬فقراء مساكين يُعطون ِمن الصّدقات و ال ّزكوات و بيتهم تقريبا ِمن بين‬ ‫البيوت النّادرة ج ّدا في الثّمانيّات كان مصفوفا بالقرميد‪ ،‬فهذا البيت حجر صغير‬ ‫يكسره‪ .‬و كان هناك بيوت اسبست قو ّ‬ ‫ي ج ّدا هذا‪ ،‬و هناك زنك‪ ،‬و هناك بيتون‬ ‫(‪ ،béton‬مُحَدَّدٌ فيه حديد)‪ .‬لكن هؤالء مازالوا بالقرميد المساكين‪ ،‬يعني هذا بحجر‬

‫‪56‬‬


‫صغير يتكسّر كلّه‪ ،‬أضعف شيء‪ .‬ال ّزنك هذا نفسه نزل على النّاس‪ ،‬البيتون ال‪ ،‬لم‬ ‫نسمع عنه أ ّ‬ ‫ي شيء‪ .‬االسبست تكسّرعلينا‪.‬‬ ‫فهؤالء بعد ما انتهى ك ّل شيء‪ ،‬أق ّل ِمن دقيقتين تقريبا‪ ،‬د ّمر ك ّل شيء‪ ،‬خرجنا‪ ،‬و لم‬ ‫نجد ك ّل النّاس خرجوا و يستغيثون باهلل و كذا‪ ،‬ذهبنا نطرق الباب عليهم‪ ،‬قلنا لعلّهم‬ ‫ماتوا جميعا‪ .‬طرقنا فخرجوا علينا يفركون عيونهم‪ ،‬و قالوا‪« :‬ماذا هناك؟» فقلنا‪:‬‬ ‫«ماذا؟ ألم تشعروا؟» قالوا‪« :‬بماذا؟» قلنا‪« :‬بكذا»‪ .‬قالوا‪« :‬ال وهللاِ»‪« .‬ألم يتكسّر عندكم‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫شيء؟» لم تنكسر قرميدة واحدة‪ .‬تفضّل اآلن! َمن الّذي خلق األثر؟ َمن الّذي كسّر‬ ‫بهذا الثّلج؟ الثّلج كسّر أم هللا الّذي خلق التّكسير؟ صح؟‬ ‫لو الثّلج ل ّما ينزل يكسّر‪ِ ،‬من المفروض أن يكسّر القرميد و انتهى‪ ،‬أو غير صحيح؟‬ ‫نار و قطن‪ ،‬يحصل احتراق‪ ،‬صحيح؟ ال غير صحيح‪ ،‬طبعا‪ .‬نزل هذا على هذا‪،‬‬ ‫ونزل على القرميد و لم يكسر و ال قرميدة واحدة‪ ،‬و كسر االسبست و كسر كذا‪،‬‬ ‫اخترق ال ّزنك‪ .‬كان حارّا‪ ،‬ثلجا حارّا‪ .‬سبحان هللا‪ .‬ثلج و حا ّر ج ّدا‪ ،‬شيء غريب‪.‬‬ ‫فاستغربنا وهللا العظيم‪ ،‬كانت آية ِمن آيات هللا‪ .‬يعني ربّك‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬أخذ‬ ‫سمعهم فلم يسمعوا صوت ال ّزعيق و ال صوت الضّرب و التّكسير‪ ،‬أبدا‪ ،‬نائمون‬ ‫أحلى نوم‪ .‬و أيضا نفس ال ّشيء‪ ،‬شاء ّأال يفعل هذا األثر‪ّ ،‬‬ ‫ألن فاعل األثر ليس الثّلج‪،‬‬ ‫هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬شاء ال‪.‬‬

‫ا‬ ‫و معروف كم قرميدة مصفوفة على المنزل‪ ،‬و ال قرميدة ُك ِسرت‪ .‬ال هلإ إال اهلل‪ .‬دع‬

‫أكبر فيلسوف ما ّد ّ‬ ‫ي يعلّل هذا ال ّشيء‪ ،‬وهللا العظيم ال يستطيع‪ ،‬مستحيل‪ ،‬كيف؟ دع‬ ‫َ ٓ‬ ‫ك ّل الما ّديّين يحلّلون هذا ال ّشيء‪ ،‬هناك ربّ ‪ .‬و قال تعالى‪َ ...  :‬ف ُي يص ُ‬ ‫يب بيهيۦ َمن يَشا ُء‬ ‫َ ٓ‬ ‫َ​َ ۡ ُ‬ ‫ِصف ُهۥ َعن َّمن يَشا ُء ْۖ ‪k S،٢٣ W  U‬‬ ‫وي ي‬ ‫‪57‬‬


‫ص َرفَه‪ .‬لكن هذا عن أ ّمة دون أ ّمة‪ ،‬عن قرية دون قرية‪،‬‬ ‫هذا نصف تعليل‪ ،‬يقول لك‪َ ،‬‬ ‫و ليس عن بيت في معسكر من دون البيوت‪ .‬فالصّحيح أنّه قطعا وقع عليهم‪ ،‬لكن لم‬ ‫يكسر شيئا‪ ،‬وقع و كأنّه ما يقع‪ ،‬صح؟ هذا هو‪.‬‬ ‫تتعذب‪ ،‬ل ّما تقرأ قصصهم أنّهم ت ّ‬ ‫حتّى النّاس الّتي ّ‬ ‫عذبوا في سبيل هللا و في زنازين‬ ‫وكذا‪ ،‬تقرأ أشياء مخيفة ج ّدا ج ّدا‪ ،‬وهللا العظيم‪ .‬فتقول كيف ثبت هؤالء؟ و آلخر‬

‫األشياء و يقولون‪« :‬يضربوننا بال ّسياط و يُغمى علينا»‪ ،‬و هو يرى كأنّه في روضة‪،‬‬ ‫شعور جميل ج ّدا ج ّدا‪َ ،‬من الّذي أعطاه هذا ال ّشعور؟ الضّرب و التّكسير و ضرب‬ ‫األعضاء الجنسيّة يعطي شعورا أنّك في روضات الجنّات؟ هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪،‬‬ ‫طبعا‪ .‬هو يضرب و أنت ما شاء هللا‪ .‬و هذا الضّرب يحدث ألما شديدا‪ .‬ال‪ ،‬لم يحدث‬ ‫ألما عند هؤالء‪ .‬هللا‪ ،‬ع ّز و جلّ‪ ،‬أكرمهم بهذا الشيء‪ ،‬و أشياء أغرب ِمن هذا‪ .‬ممكن‬ ‫إنسان يضع لك ال ّس ّم ليقضي عليك‪ ،‬هذا ال ّس ّم يتح ّول إلى دواء‪ .‬إذا كان عندك أمراض‬ ‫و مشاكل‪ ،‬تشربه بإذن هللا تعافى‪ ،‬و هو ّ‬ ‫يجن‪« .‬أنا وضعت له ال ّس ّم‪ ،‬ماذا يحدث؟ لم‬ ‫يظهر عليه»‪ .‬ألنّه تح ّول بعون هللا‪ ،‬تعالى‪ .‬أنت تضعه له و هو يتح ّول إلى دواء‬ ‫وأشفية‪ .‬أنت نظرتك الماديّة القاصرة ّ‬ ‫أن هذا ال ّس ّم من المفروض يقضي عليه‪،‬‬ ‫مضبوط أو ال؟ لن يقضي عليه ّإال إذا شاء هللا‪ .‬قال ( )‪َ ...  :‬و َما ُهم ب َضآر َ‬ ‫ين بيهيۦ‬ ‫ي ي‬ ‫ۡ َ َ َّ ۡ َّ‬ ‫مين أح ٍد إيَل بيإيذ ين ٱّللۚۡي ‪2 S،٧٠٤ W  U‬‬ ‫طيّب‪ ،‬السّحر سبب أو ال؟ سبب‪ .‬هللا علّق بالسّحر بعض األثر أو لم يعلّق؟ علّق به‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫لحظة و يموتون‪ ،‬يلفظون آخر أنفاسهم‪ ،‬و بعد ذلك تقرأ في مذ ّكراتهم و اعترافاتهم‪:‬‬ ‫ا‬ ‫«كنت أُ َع َّذب و أنا أشعر كأنّني في روضات الجنّات»‪ .‬ال هلإ إال اهلل‪ .‬يكتبون هذه‬

‫‪y‬‬

‫لكن هنا هو يُفهمك‪ ،‬و هذه النّظريّة العا ّمة‪ ،‬على فكرة‪ ،‬ليس استثناء‪ّ .‬‬ ‫ألن هذه هي‬ ‫النّظريّة العا ّمة الصّحيحة‪ّ ،‬‬ ‫أن السّحر كغير السّحر‪ ،‬ال يستطيع أن يفعل أ ّ‬ ‫ي أثر ّإال‬ ‫بإذن هللا‪ ،‬يعني ّإال إذا أذن هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬و شاء أن يخلق األثر‪ .‬إذا شاء أن‬

‫‪58‬‬


‫يخلق األثر‪ ،‬خلقه‪ ،‬إذا لم يشأ لم يخلقه‪ .‬و ك ّل األسباب هكذا‪ .‬و هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪،‬‬ ‫أعلم‪.‬‬ ‫ي‪ ،‬في الحديث الصّحيح‪ ،‬ماذا قال‪ :‬لَ َعَدَ َوى‪( ،...‬أخرجه‬ ‫و لذلك النّب ّ‬

‫‪‬أحمد‪ ،‬و غيره‪ ،‬في مسنده عن ‪‬أنس بن مالك‪ ،)‬و هذا صعب ج ّدا على‬ ‫األطبّاء أن يفهموها‪ .‬يقول لك‪« :‬كيف‪ ،‬يا أخي‪ ،‬ال العدوى؟ ك ّل الطّبّ مبني على مبدأ‬ ‫ي قال ال عدوى»‪ .‬بالعلم الماد ّ‬ ‫ي القاصر ترى‬ ‫العدوى و الوقاية»‪ .‬نقول له‪« :‬ال‪ ،‬النّب ّ‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫أنّه توجد عدوى‪ ،‬أو غير صحيح؟ و هناك أشياء تكراريّة‪ ،‬استقرائيّة‪ .‬النّب ّي قال لك‪:‬‬ ‫«ال»‪ .‬كلّه في األخير بإرادة هللا‪ .‬أراد هللا أن يخلق عند مالقاة هذا بهذا الظّاهرة‪ .‬يعني‬ ‫هناك حاالت معيّنة‪ ،‬يقال لك‪« :‬لم تحصل عدوى‪ ،‬المناعة قويّة»‪ .‬و يبقى يتفلسف‪ ،‬ال‬ ‫توجد أ ّ‬ ‫ي عالقة‪ .‬أحيانا ال توجد أيّة عالقة‪ ،‬أبدا‪ .‬مضبوط أو ال؟‬ ‫النّب ّي ل ّما أخذ يد المجذوم‪ ،‬و وضعها في القصعة‪ ،‬و الجذام مرض معدي مباشرة‪،‬‬ ‫ي قال‪ ،‬لكي ال يحصل عند النّاس ش ّ‬ ‫اركَ​َ​َالَسَدَ‪( ،‬رواه‬ ‫ذُومَ​َفَ​َر َ‬ ‫ك‪ :‬فَرَ​َ​َالمََِّ َ‬ ‫والنّب ّ‬ ‫‪‬ابن أبي شيبة‪ ‬و ‪‬أحمد‪ ‬و غيرهما عن ‪‬أبي هريرة‪ .)‬ألنّه ليس ك ّل‬ ‫النّاس قادرين على استيعاب هذه النّظريّة في العقيدة‪ ،‬و يفهموها فهما جيّدا‪ ،‬ال يملكون‬

‫هذا اليقين‪ .‬هل ك ّل النّاس عندهم يقين ‪‬‬

‫و يقين ‪‬أبو بكر ال ّ‬ ‫ص ّديق‪ ‬أو يقين‬

‫‪‬عل ّي‪ ‬و ‪‬عمر‪‬؟ مستحيل‪ .‬ليس ك ّل النّاس‪.‬‬ ‫فلو أحد ذهب إلى هذا المجذوم و النّب ّي قال ال عدوى‪ ،‬يبقى في ال ّش ّ‬ ‫ك و يمكن يكفر‪.‬‬ ‫فالنّب ّي أعطاهم ع ّدتهم‪ ،‬أنتم ال‪ .‬الجذام هذا مرض معدي فرّوا منه‪ .‬لكن هو أخذ يد‬ ‫المجذوم و وضعها في القصعة و قال له ُكلْ ثقةا باسم هللا و ثقة باهلل و تو ّكل على هللا‪.‬‬ ‫و أكل معه ِمن نفس القصعة‪ ،‬و لم يحصل أ ّ‬ ‫ي شيء‪ .‬ألنّه عارف أنّه ال عدوى في‬

‫‪59‬‬

‫ضني في اللّحظة الّتي يريدها‪ .‬و هذه عنديّات‬ ‫األخير‪ .‬إذا هللا يريد أن ي‬ ‫ُمرضني يُمر ُ‬ ‫َ‬ ‫و ليست أسباب حقيقيّة‪ ،‬أسباب فقط ظاهريّة‪ .‬موضوع طويل على ك ّل حال‪.‬‬


‫طيّب‪ ،‬نختم بالحكم العقل ّي فقط بالتّعريف دون شرحه‪ .‬أخذنا الحكم ال ّشرع ّي و الحكم‬ ‫العاديّ‪ .‬ما هو الحكم العقل ّي؟ مثل الحكم العاد ّ‬ ‫ي باستثناء بسيط‪ .‬اثبات شيء لشيء‬ ‫أو نفيه عنه من غير توقّف على تكرار‪ .‬واضح؟ و ينقسم إلى ثالثة أقسام‪ .‬اثبات‬ ‫شيء لشيء أو نفي شيء عن شيء إ ّما أن يكون واجبا و إ ّما أن يكون مستحيال و إ ّما‬ ‫أن يكون جائزا و ك ّل منها ينقسم إلى قسمين؛ لذاته و لغيره أو ضرور ّ‬ ‫ي و نظريّ‪.‬‬ ‫أقول قولي هذا و أستغفر هللا لي و لكم‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫‪‬‬ ‫شرح هذه المصطلحات‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬في ال ّدرس المقبل بعون هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪60‬‬


‫‪‬‬

‫تفضّل يا أخي‪ ،‬هل كان عندك سؤال أو جاءك الجواب؟ طيّب‪ .‬هل عندكم أ ّ‬ ‫ي استفسار‬ ‫ي شيء عن هذه المواضيع‪ ،‬لكن بسرعة‪ ،‬و تكون أسئلة عاديّة؟ أ ّ‬ ‫أ ّ‬ ‫ي شيء غير‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫واضح‪ .‬تفضّل أخ إبراهيم‪.‬‬

‫َُۡ َ َ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ٗ‬ ‫وِن بَ ۡردا َو َسل َٰ ًما‬ ‫ك‬ ‫(األخ إبراهيم)‪« :‬في آية سيّدنا ‪‬إبراهيم‪  :)6( ‬قلنا يَٰنار ي‬ ‫َ​َ‬ ‫لَع إبۡ َرَٰه َ‬ ‫ٰٓ‬ ‫ييم ‪ .e S،١٩ W ‬ماذا لو لم يقل لها أ ّ‬ ‫ي حاجة؟»‬ ‫ي‬ ‫(الشّيخ)‪« :‬نعم‪ ،‬معروف‪ .‬هذه حجّة اآلخرين‪ ،‬و أنا ذكرت هذا الكالم في درس سابق؛‬ ‫َُۡ َ َ ُ ُ‬ ‫ٗ‬ ‫أقوى حجّة للمذهب المخالف‪ ،‬هي هذه اآلية‪ّ ،‬‬ ‫وِن بَ ۡردا‬ ‫ك‬ ‫أن هللا قال‪  :‬قلنا يَٰنار‬ ‫ي‬ ‫لَع إبۡ َرَٰه َ‬ ‫َو َس َل َٰ ًما َ َ يٰٓ‬ ‫ييم ‪ .‬فلو لم تكن النّار محرقة في ذاتها‪ ،‬فما معنى أن يقول لها كوني‬ ‫ي‪ ‬و ‪‬ابن القيّم‪،‬‬ ‫بردا و سالما؟ و هذه كما قلنا أقوى حجّة‪ ،‬كما قال ‪‬األلوس ّ‬ ‫لكن أيضا عنها جواب‪ ،‬و أجبنا عنه مرّة نحن‪ ،‬تقريبا ليس في رمضان الفائت‪ ،‬المه ّم‬ ‫أجبنا‪ .‬فمن يذكر الجواب؟»‬ ‫(أحد اإلخوة)‪« :‬خا ّ‬ ‫صيّة اإلحراق في النّار أساسيّة»‪.‬‬ ‫(الشّيخ)‪« :‬ال‪ ،‬انتبه! نحن قلنا نرفض القول بالخا ّ‬ ‫صيّة‪ ،‬يعني بالق ّوة المو َد َعة‪ .‬هي ال‬ ‫صيّة اإلحراق‪ ،‬بالعكس‪ ،‬اإلحراق أثر ْ‬ ‫يوجد فيها خا ّ‬ ‫يخلُقُه هللا عند مالقاة النّار لما‬ ‫سبق في الوهم أنّه يحترق بها بالتّكرار‪ ،‬هكذا التّعبير العلم ّي ال ّدقيق‪.‬‬ ‫َۡٗ َ َ َ ً َ​َ‬ ‫َُۡ َ َ ُ ُ‬ ‫لَع إبۡ َرَٰه َ‬ ‫ٰٓ‬ ‫َٰ‬ ‫ييم ‪ .‬يعني ّ‬ ‫أن النّار في حقيقتها‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫وِن‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ل ّما هللا يقول‪  :‬قلنا يَٰنار ي‬

‫‪61‬‬

‫ليست بردا و ال سالما‪ ،‬إذن فيها ما يفعل ذلك‪ ،‬كيف الجواب عن هذا؟»‬

‫(أحد اإلخوة)‪« :‬قبل هذا قال لها كوني محرقة»‪.‬‬


‫(الشّيخ)‪« :‬ال‪ ،‬انتبه! اآلن‪ ،‬الفرض في هذه النّظريّة في العقيدة ّ‬ ‫أن النّار ال تحرق‪ ،‬وأ ّن‬ ‫الماء ال يروي‪ ،‬و ّ‬ ‫أن الماء ال يغرق‪ ،‬أبدا‪ .‬و إنّما يخلق هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬الغرق‬ ‫و ال ّر ّ‬ ‫ي و اإلحراق عند مالقاة ما ُس ِّم َي بأسباب و مسبّبات»‪.‬‬ ‫(أحد اإلخوة)‪« :‬هو هللا‪ ،‬سبحانه و تعالى‪ ،‬قلنا في األصل أنّه يأمر النّار أن تسبّب‬ ‫السّبب الّذي هو سبب اإلحراق‪»...‬‬ ‫(الشّيخ)‪« :‬ال‪ ،‬هل نحن قلنا هذا؟ انتبه! قلنا‪ ،‬هللا يخلق‪ .‬اآلن إذا كان عندنا قطن و نار‬ ‫واإلحراق‪ ،‬و في الحقيقة حسب نظريّتنا هي ثالثة أشياء منفصلة؛ اإلحراق ليس‬ ‫خا ّ‬ ‫صيّة في النّار‪ ،‬ليس شيئا مو َد اعا في النّار‪ ،‬و دائما ال ب ّد أن يظهر عند مالقاة ما‬ ‫ينفعل به‪ ،‬ال أبدا‪ .‬لكن عند لقاء القطن بالنّار‪ ،‬ما الّذي يحدث؟ يخلق هللا‪ ،‬ع ّز و جلّ‪،‬‬ ‫االحتراق في القطن‪ ،‬واضح! هذا االحتراق‪ ،‬على فكرة‪ ،‬يمكن يحدث من غير نار‪.‬‬ ‫لو أتيت بالقطن و ضغطّته ضغطا شديدا ج ّدا ج ّدا‪ ،‬و له تعليل فيزيائي‪ ،‬يمكن يحدث‬ ‫شرر و يحترق‪ .‬المستشفيات‪ ،‬الكهرباء االستيكيّة الّتي باآلالت الخضر‪ ،‬أحيانا‬ ‫باالحتكاك و يصير فيها تفريغ‪ ،‬يحترق المستشفى كلّه و من دون نار‪ .‬إذن هللا خلق‪،‬‬ ‫أيضا‪ ،‬اإلحراق و االحتراق من غير النّار الّتي نراها بأعيننا‪ .‬فلح ّد اآلن لم تجيبوا‬ ‫َۡٗ َ َ َ ً َ​َ‬ ‫َُۡ َ َ ُ ُ‬ ‫لَع إبۡ َرَٰه َ‬ ‫ٰٓ‬ ‫َٰ‬ ‫ييم ‪ .‬كوني‪،‬‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫وِن‬ ‫ك‬ ‫عن ال ّشبهة‪ .‬ل ّما هللا يقول‪  :‬قلنا يَٰنار‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫و انفعال القطن بالنّار و لكنّه غير حقيق ّي‪ ،‬لدينا ثالث أشياء‪ .‬عندنا النّار و القطن‬

‫خاطبُها‪ .‬ما معنى ذلك؟»‬ ‫يُ ِ‬

‫(أحد اإلخوة)‪« :‬أمرها باإلحراق»‪.‬‬ ‫(الشّيخ)‪« :‬هل هللا يأمرها باإلحراق أو يخلق اإلحراق؟ انتبهوا! و على فكرة‪ ،‬النّار‬ ‫أصال لها سلسلة توصيفات‪ ،‬كيف تتك ّون‪ .‬ك ّل الظّواهر الكونيّة بهذه الطّريقة‪ .‬إ َذ ْن‪،‬‬ ‫هللا يخلق النّار و خلق القطن و خلق هذه الظّاهرة عند التقاء القطن بالنّار‪ ،‬هو خلقها‬ ‫و ليس أنّه أبرزها من النّار ألنّه أودعها في النّار‪ ،‬و هذه النّظريّة الثّانية الّتي نحن‬

‫‪62‬‬


‫ض ّدها‪ ،‬اسمها نظريّة الق ّوة المو َد َعة؛ ّ‬ ‫أن الماء فيه ق ّوة الرِّ يِّ و ق ّوة اإلغراق‪ ،‬و النّار‬ ‫فيها ق ّوة اإلحراق و التّدفئة و هكذا‪ .‬أهل ال ّسنّة ض ّد هذه النّظريّة»‪.‬‬ ‫(أحد اإلخوة)‪« :‬عندما توجد ما ّدة و النّار فيحدث احتراق‪ ،‬يقول لها هللا‪ ،‬كوني حارقة‬ ‫و في اآلية كوني بردا و سالما‪ ،‬يعني يوجد أمر إله ّي للنّار أن تكون حارقة‪»...‬‬ ‫(الشّيخ)‪« :‬يعني‪ ،‬اسم فاعل؟ حارقة»‪.‬‬ ‫(األخ السّابق)‪« :‬نعم‪ .‬النّار تتسبّب عند التقائها مع القطن أن تكون نارا حارقة‪»...‬‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫(الشّيخ)‪« :‬نعم‪ ،‬واصل بدأت تصل إلى الجواب السّليم‪ .‬كيف؟»‬ ‫(األخ السّابق)‪« :‬بأمر كن فيكون‪ ،‬كوني‪»...‬‬ ‫(الشّيخ)‪« :‬كيف حارقة هي‪ ،‬اآلن؟ ما معنى ّ‬ ‫أن النّار حارقة؟»‬ ‫(األخ السّابق)‪« :‬عند التقائها‪»...‬‬ ‫(الشّيخ)‪« :‬معناها اآلن‪ ،‬أنت تقريبا أصبت الجواب‪ ،‬كما ذكرناه قبل ذلك‪ ،‬أنّه هناك‬ ‫فرق بين أن تلتقي النّار بالقطن و بين أن يلتقي الماء بالقطن‪ .‬هناك فرق عمل ّي‪ ،‬نراه‬ ‫ك ّل يوم هذا‪ ،‬نراه من مليون سنة و سوف يبقى تقريبا‪ ،‬أو غير صحيح؟ أنّه كلّما‬ ‫التقى الماء بالقطن يحدث التّبليل و نقصان الحجم‪ ،‬و كلّما التقت النّار بالقطن يحدث‬ ‫شيء مختلف‪ ،‬هذا موجود مذ خلق هللا هذه األشياء‪ ،‬صحيح‪ .‬طيّب»‪.‬‬ ‫إن النّار محرقة و ّ‬ ‫اآلن‪ ،‬هذا يسمح لإلنسان أن يقول مثال في لغته المجازيّة ّ‬ ‫إن الماء‬ ‫إن المطر‪ ،‬مثال‪ ،‬مخرج لل ّزرع‪ ،‬في اللّغة‪ ،‬و ّ‬ ‫يروي و ّ‬ ‫إن الرّبيع ينبت البقل‪ ،‬كما‬ ‫يقول العرب؛ 'أَ ْنبَ َ‬ ‫ت ال َّربِي ُع البَ ْق َل'‪ .‬و حتّى في اللّغة ال ّشرعيّة هذا مستَخ َدم‪ ،‬انتبه!‬ ‫سوف تجد آيات قرآنيّة و أحاديث نبويّة و ِمن كالم العلماء و الفقهاء و الصّالحين‬ ‫والصّحابة‪ ،‬ما ال يع ّد و ال يحصى يؤ ّكد أنّنا نستخدم هذه اللّغة‪.‬‬

‫‪63‬‬


‫ت»‪ .‬مثال‪ .‬أو «أَ ْشبَ َعنِي َما َش ِر ْب ُ‬ ‫ت فَ َشبِ ْع ُ‬ ‫هذه اللّغة موجودة‪ ،‬انتبه! ل ّما تقول‪« :‬أَ َك ْل ُ‬ ‫ت»‪.‬‬ ‫جائز‪ ،‬و أنت غير ُم ْش ِرك‪ ،‬صح أو ال؟ لكن هل هذه اللّغة‪ ،‬لغة فلسفيّة؟ لغة تحاول‬ ‫أن توصّف الحقيقة بدقّة؟ أم أنّها لغة مجازيّة تقوم على الحسّ المشترك؟‬ ‫لو تذكرون‪ ،‬قمنا بمحاضرة مط ّولة‪ ،‬عن حركة األرض و حركة ال ّشمس و موضوع‬ ‫الّيل و النّهار و كذا‪ ،‬كانت محاضرة فلسفيّة مه ّمة ج ّدا ج ّدا‪ .‬و قلنا الصّحيح‪ّ ،‬‬ ‫أن‬ ‫القرآن‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬يتبنّى لغة الحسّ المشترك‪ .‬تبنّاها القرآن الكريم‪ ،‬و 'ال حرج‬ ‫ّ‬ ‫ألن لغة ‪( ،Common sense‬كومن سانس)‪ ،‬أو الحسّ المشترك‪ ،‬كبار الفالسفة‬ ‫يتبنّونها‪ ،‬كبار العلماء يتبنّونها‪.‬‬ ‫أعطيكم مثاال‪ ،‬هذا جواب دقيق؛ لو تسأل عالِ اما فَلَ ِكيّاا‪ ،‬عن ظاهرة ال ّشروق والغروب‪،‬‬ ‫كيف سيفسّرها لك؟ أنّها ناشئة عن حركة األرض حول محورها قبالة ال ّشمس على‬ ‫محور وهم ّي ‪ ،°32،5‬صحيح؟ أ ّ‬ ‫ي عالم فلك ّي عنده هذه البَ َد ِهيَّات من أيّام‬ ‫'كوبرنيكوس'‪ ،‬طيّب‪ .‬لكن هذا العالم نفسه‪ ،‬ماذا يقول‪« :‬أشرقت ال ّشمس و غابت‬ ‫ال ّشمس»‪ .‬و في كتب الفلك 'ظاهرة شروق ال ّشمس'‪' ،‬ظاهرة غروب ال ّشمس'‪ ،‬أو غير‬ ‫صحيح؟ و ال يوجد عالم فيزيائ ّي في ال ّدنيا كلّها‪ ،‬يقول‪« :‬سوف أُ ْن ِهي محاضرتي‬ ‫المسائيّة عندما تدور األرض ‪ °32‬حول محورها الوهم ّي في مقابلة ال ّشمس»‪ .‬ال‬ ‫يوجد أحد يتح ّدث بهذه الطّريقة‪ ،‬مضبوط أو ال؟ و سوف يصبح هُ ُز اوا بين النّاس‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫عليه' أن يتبنّاها‪ ،‬و بالعكس‪ ،‬و لو لم يَتَبَنَّهَا‪ ،‬لَ َما أَ ْم َك َن فَ ْه ُمه أصال‪ ،‬و لَ َكفَ َر به النّاس‪.‬‬

‫لغة الحسّ المشترك‪ ،‬لغة مطروقَة و مستخ َد َمة‪ ،‬عند الفالسفة و عند العلماء و عند‬ ‫ال ّشرعيّين‪ ،‬و رسول هللا استخدمها‪ ،‬و نحن استخدمناها‪ ،‬لكن القرآن حين استخدمها‪،‬‬ ‫استخدمها‪ ،‬ال نقول بذكاء أستغفر هللا العظيم‪ ،‬بحكمة دقيقة غريبة‪ ،‬كما رأينا اليوم‪.‬‬ ‫َۡ َ‬ ‫َ َ َ َ َُۡ ُ‬ ‫ني َح َيئة‬ ‫حتّى في ظاهرة الغروب و ال ّشروق‪ ،‬ماذا قال لك‪...  :‬وجدها تغرب يِف ع ٍ‬ ‫‪ .Y S،٨١ W  U‬اُنظر قال؛ ' َو َج َدهَا'‪ .‬اُنظر إلى ال ّدقّة العجيبة‪ ،‬لم يقل‬

‫‪64‬‬


‫و هي تغرب في عين حمأة‪ .‬لو قال عن ال ّشمس‪ ،‬هي تغرب‪ ،‬وقعنا في مشكلة كبيرة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أن ال ّشمس تتحرّك حقيقة‪ ،‬صح أو ال؟ لكن قال‪َ ' :‬و َج َدهَا'‪ .‬ما َو َج َدها يعني؟ و قال‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫أيضا‪ ،‬في نفس السّورة‪َ  :‬وت َرى ٱلش ۡم َس إيذا َطل َعت ‪،Y S،٧١ W  U‬‬ ‫' َو تَ َرى'‪ .‬أنت تراها ل ّما تطلع‪ ،‬لكن هل هي تطلع فعال‪ ،‬أَ ِم األرض هي الّتي تتحرّك‬ ‫حولها؟ لكن لو هللا قال‪ ،‬األرض تتحرّك حول ال ّشمس‪ ،‬لَ َكفَ َر ربّما بعض المسلمين‪.‬‬ ‫سيقال مستحيل‪ .‬لماذا؟ الحسّ المشترك و المعرفة العاديّة الطّبيعيّة البَ َد ِهيَّة اليوميّة‪،‬‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫أن ال ّ‬ ‫بأن األرض هي الثّابتة و ّ‬ ‫تقضي على جميع النّاس أن يقولوا ّ‬ ‫شمس (هي الّتي‬ ‫تتحرّك) مضبوط أو ال؟‬ ‫حركة الكواكب‪ ،‬اآلن في علم الفلك‪ ،‬على فكرة‪ ،‬اقرأ أ ّ‬ ‫ي مرجع في علم‬ ‫‪'( ،astronomy‬األسترونومي'‪ ،‬علم الفلك)‪ ،‬ماذا تجد؟ الحركة الظّاهريّة و الحركة‬ ‫الحقيقيّة‪ .‬هناك حركة ظاهريّة‪ ،‬يا أخي‪ ،‬الّتي تراها العين‪ ،‬و بالعكس علماء الفلسفة‬ ‫و المنطق و حتّى علماء الكالم‪ ،‬قالوا‪ِ « :‬من مصادر العلم الضّروريّ‪ ،‬المشاهدة»‪ .‬ل ّما‬ ‫يوجبُ علما ضروريّا‪ .‬و مكابرة العلم الضّرور ّ‬ ‫ي تو ِجب الحكم‬ ‫تشاهد شيئا بعينيك‪ِ ،‬‬ ‫بالجنون على اإلنسان‪ .‬علم ضروريّ‪ ،‬يا أخي‪.‬‬ ‫حين تشاهد‪ ،‬سترى ّ‬ ‫أن الكواكب تتحرّك‪ ،‬و ال ّشمس تتحرّك‪ ،‬و األرض ثابتة ال تحسّ‬ ‫ي حركة‪ .‬فلو جاء القرآن و أعطانا الحقيقة ّ‬ ‫لها بأ ّ‬ ‫أن األرض متحرّكة و ال ّشمس ثابتة‬ ‫ّ‬ ‫لكذب به النّاس‪ .‬لكن في نفس الوقت‪ ،‬لم يقرّر‪ ،‬بلغة الحسّ المشترك‪ ،‬لغة المنطق‬ ‫الطّبيع ّي يس ّمونها‪ ،‬دون أن يعطيك إشارة استثنائيّة دقيقة ج ّدا‪ .‬ل ّما قال‪َ ' ،‬و تَ َرى'‪ ،‬أنت‬ ‫تراها هكذا‪َ ' .‬و َج َدهَا'‪ ،‬لم يقل و هي تغرب‪ .‬دقّة غريبة ج ّدا‪ .‬و في مواضع أخرى ماذا‬ ‫َُل َ​َ َۡ َ ُ َ‬ ‫ون ‪ .8 S،٢٠ W ‬فهّمك ّ‬ ‫أن األرض تسبح‪،‬‬ ‫قال لك‪...  :‬وك يِف فلك يسبٗ‬

‫‪65‬‬

‫أو غير صحيح؟‬


‫إذن المق ّدمة الصّحيحة‪ ،‬الجواب هنا‪ ،‬انتبهوا! في اللّغة ال ّشرعيّة كما اللّغة العلميّة‬ ‫والفلسفيّة‪ ،‬كما اللّغة العاديّة‪ ،‬ينزل المتواضعون و ال ُمصْ طَلِحون و المتكلّمون‬ ‫وأصحاب األعراف اللّغويّة و االصطالحيّة على ماذا؟ على لغة الحسّ المشترك‪.‬‬ ‫فال بأس أن تقول‪« :‬أنبت الرّبيع البقل»‪.‬‬

‫أن هللا قال‪َ  :‬ءأَ ُ‬ ‫نت ۡم تَ ۡز َر ُعونَ ُهۥٓ‬ ‫أن َمن قال هذا لم يكفر‪ .‬مع ّ‬ ‫و قد حكى العلماء باإلجماع ّ‬ ‫َ ۡ َ ۡ ُ َّ َٰ ُ َ‬ ‫أم َنن ٱلزريعون ‪ .m S،١٢ W ‬عجيب! هللا يقول هكذا و أنت تقول هكذا؟‬

‫«أَنبت الرّبيع البقل»‪ .‬تقول له‪« :‬فعال‪ ،‬هل أنت تعتقد ّ‬ ‫أن هذا الماء هو الّذي أنبت هذا‬ ‫ال ّزرع أم ّ‬ ‫أن هللا هو الّذي أنبته؟» يقول لك‪« :‬هللا‪ ،‬ع ّز و ج ّل»‪ .‬تقول له‪« :‬طيّب‪ ،‬لماذا‬ ‫قلت هكذا؟» يقول لك‪« :‬هذه أسباب»‪.‬‬ ‫و هنا يختلف أهل الملّة‪ .‬هناك من يقول أنّها أسباب ليس لها أ ّ‬ ‫ي تأثير أبدا‪ ،‬مجرّد‬ ‫مسألة اقترانيّة‪ .‬و هناك من يقول لك‪« :‬ال‪ ،‬هللا خلق فيها خا ّ‬ ‫صيّة كذا‪ ،‬كذا‪ .‬و هو يأذن‬ ‫لها أن تعمل‪ ،‬و إذا شاء عدمها هذه الخا ّ‬ ‫صيّة‪ .‬يقول لها‪ :‬قفي‪ .‬تقف»‪ .‬هل تستطيع أن‬ ‫تُ َكفِّر هذا ال ّشخ‬

‫؟ على فكرة‪ ،‬هناك علماء‪ ،‬و لألسف و منهم صاحب «الجوهرة»‪،‬‬

‫كفّروا َمن قال بهذا‪ ،‬و بعضهم اعتبرها بدعة و ضاللة‪ .‬هذا غير صواب‪ .‬أنا ال أقول‬ ‫ال بدعة و ال ضاللة‪ ،‬بالعكس‪ ،‬و األمر اجتهاد ّ‬ ‫ي و قابل‪ .‬لكن َمن أَ ْد َخ ُل في التّوحيد‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫نعم هذه لغة مجازيّة‪ ،‬لغة ظاهريّة‪ ،‬لغة الحسّ المشترك‪ ،‬لكن لو سألت من يقول؛‬

‫و تنزيه هللا؟ المذهب األ ّول‪ّ .‬‬ ‫أن الفعل مباشرة هو فعل هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪.‬‬ ‫إذن ل ّما نقول‪« :‬النّار محرقة»‪ .‬ال بأس‪ ،‬هذه لغة المنطق البَ َد ِه ّي‪ ،‬الحسّ المشترك‪.‬‬ ‫صيّة الزمة فيها؟ أم ّ‬ ‫لكن كيف تحرق؟ هل تحرق بذاتها؟ هل تحرق بخا ّ‬ ‫أن هللا يخلق‬ ‫عندها‪ ،‬ال عند غيرها‪ .‬بماذا يمتاز الماء عن النّار؟ ال يمتاز عند أهل المعرفة والحقيقة‬ ‫باهلل‪ .‬لذلك‪ ،‬الرّسول‪ ،‬سنعطي دليال قويّا‪ ،‬في المعركة ل ّما انقطع سيف ‪ُ ‬ع َّكا َشة‪،‬‬

‫ماذا فعل النّب ّي‪ ،‬‬ ‫(‬

‫)؟ أخذ ِج ْذ اال‪ ،‬قطعه من شجرة‪ ،‬قال له‪ :‬خذ‪ ،‬قاتل به‪ .‬فتح ّول‪،‬‬

‫‪66‬‬


‫ما شاء هللا‪ ،‬سيفا صليبا‪ .‬هللا أكبر‪ .‬عند النّب ّي‪ ،‬ال يوجد فرق‪ ،‬بين شجرة‪ ،‬بين غصن‬ ‫و بين حديدة‪.‬‬ ‫(اعتراض بعض اإلخوة على تحوّل الجذل إلى سيف)‬

‫ال‪ ،‬ال‪ .‬أنت اُترك أكبر فيلسوف ماد ّ‬ ‫ي يفهم هذا ال ّشيء‪ ،‬ال يفهمه‪ .‬أو تح ّول عصى‬ ‫موسى إلى حيّة‪ ،‬يقول لك‪« :‬هذا مستحيل و خرافات المتديّنين»‪ .‬تعرف لماذا؟ ألنّه‬ ‫عند الما ّديّين أو عند الطّبيعيّين‪ ،‬ك ّل شيء له خصائ‬

‫ثابتة تميّزه تميّزا حقيقيّا‪،‬‬

‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫وعند ال ُم َكا َشفِين و األنبياء و المرسلين‪ ،‬و أهل هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬التّميّز يكون‬ ‫بتد ّخل القدرة و الفاعليّة اإللهيّة‪.‬‬ ‫و لذلك‪ ،‬إذا تد ّخلت الفاعليّة اإللهيّة تجعل فعل هذه الخشبة فعلها فعل الحديد‪ ،‬فعل‬ ‫السّيف‪ ،‬و هي في الحقيقة ال تملك هذه الفاعليّة‪ ،‬و ّ‬ ‫ألن السّيف في الحقيقة ال يملك‬ ‫فاعليّة أنّه يقطع و يقتل حتّى‪ .‬لكن هللا يخلق ِع ْن َدهُ َال بِ ِه‪ ،‬و هذا معنى السّببيّة‪ ،‬سببيّة‬ ‫عنديّة ال سببيّة حقيقيّة‪ ،‬يخلق عنده هذه األشياء‪.‬‬ ‫و إيتي بواحد‪ ،‬غير نب ّي و غير رسول و غير ول ّي‪ ،‬يفعل هذه األشياء‪ ،‬ال يستطيع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ألن هللا ال يأذن بإكرامه ألنّه هو نفسه غير معتقد بهذه الحقيقة‪ ،‬و هذه الكرامات فرع‬ ‫االعتقاد‪ ،... ،‬فَلْيَ ُظن َعبْ يدي ب َما َش َ‬ ‫اء‪( .‬سبق تخريجه)‪ .‬يعطيك على قدر‬ ‫ي‬ ‫حرم‪ .‬لذلك قيل "اال ْعتِ َراضُ ِحرْ َمان"‪ .‬تعترض لن تُعطى‪.‬‬ ‫اعتقادك‪ .‬ال تعتقد تُ َ‬ ‫فإذن‪ ،‬تميّز هذه األشياء في نظر اإلله ّي‪ ،‬ليس تميّزا بذاتها و ال بخواصّها‪ ،‬أبدا‪ .‬تميّز‬ ‫بما يتد ّخل هللا به‪ .‬يعني ل ّما تقول لي‪« :‬ما الفرق بين لقاء النّار بالقطن‪ ،‬و لقاء الماء‬ ‫بالقطن؟ «ماذا نقول؟»‬

‫‪67‬‬

‫الفرق‪ ،‬الفعل الّذي يتد ّخل به هللا‪ ،‬األثر الّذي يُحْ ِدثُه هللا‪ .‬شاءت حكمة هللا‪ ،‬تبارك‬ ‫وتعالى‪ ،‬في معظم األحوال‪ ،‬تستطيع أن تقول كلّها ّإال ما استُ ْثني‪ ،‬أنّه عند لقاء النّار‬


‫بما ينفعل بها‪ ،‬و هذه لغة مجازيّة 'ينفعل'‪ ،‬ال يوجد 'ينفعل' ألنّه ال ينفعل بالنّار‪ ،‬ينفعل‬ ‫باألثر اإلله ّي‪ ،‬صح؟‬ ‫عند لقاء النّار‪ ،‬لِنَقُل بأشياء مخصوصة لنكون دقيقين‪ ،‬هي الّتي تعبّر عنها بلغة‬ ‫مجازيّة بأنّها تنفعل باإلحراق‪ ،‬فيحدث فعل االحتراق‪ ،‬فاعل و انفعال و هكذا‪ .‬هللا‬ ‫يخلق االحتراق‪ ،‬تبارك وتعالى‪ .‬عند الماء يخلق شيئا آخر؛ اإلغراق‪ ،‬الكذا‪ ،‬الكذا‪،‬‬ ‫البلل‪ ،‬التّبليل‪ ،‬هذا هو التّميّز‪ .‬لكن ال تميّز لها في ذاتها‪ .‬أ ّما إذا قلت ّ‬ ‫إن فيها خا ّ‬ ‫صيّة‬ ‫قد يقال‪« :‬من الّذي أودع الخا ّ‬ ‫صيّة؟» هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬صحيح‪ .‬لكن هناك فعل‬ ‫مباشر و فعل غير مباشر‪ .‬ل ّما تكون الخا ّ‬ ‫صيّة موجودة فيها‪ ،‬يكون فعل هللا غير‬ ‫مباشر‪ ،‬عبر وسائط و أسباب تفعل بما أودع هللا فيها‪ ،‬فتطول السّلسلة و تتعطّل قدرة‬ ‫ّ‬ ‫هللا نوع تعطّل‪ .‬لكن ل ّما يكون هللا ّ‬ ‫الخالق العليم‬ ‫خالق‪ ،‬الّذي يخلق في ك ّل لحظة‪،‬‬ ‫وقيّوم السّماوات و األرضين‪ ،‬النّظريّة متكاملة كلّها‪.‬‬ ‫ما معنى قيّوم؟ يعني‪ ،‬ك ّل شيء يقوم به‪ ،‬ال يوجد شيء يقوم بنفسه‪ ،‬صح أو ال؟ ك ّل‬ ‫شيء‪ ،‬حتّى هذه النّار ال تقوم بنفسها‪ ،‬حتّى اإلحراق‪ ،‬و حتّى القطن‪ ،‬ك ّل شيء به‪،‬‬ ‫وتد ّخل هللا مستمرّ‪ ،‬صح أو ال؟ أنت تقول‪« :‬هللا أعطاني خا ّ‬ ‫صيّة الحياة»‪ .‬ال‪ ،‬ال‪،‬‬ ‫ص ّدقني ال‪ ،‬ليس أنّه أعطاك خا ّ‬ ‫صيّة الحياة‪ ،‬و هذا تعبير بعيد عن نظريّتنا هذه‪ .‬هللا‪،‬‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫مو َد َعة‪ ،‬فيكون‪ ،‬هنا‪ ،‬التّميّز بالخا ّ‬ ‫صيّة المو َد َعة‪ ،‬ال بفعل هللا المباشر‪ ،‬انتبه!‬

‫ع ّز و جلّ‪ ،‬هو الّذي يحيي و يميت‪ ،‬هللا يحييك و يميتك في ك ّل آن‪ .‬و هذه يس ّمونها‬ ‫نظريّة الخلق المستمرّ‪ ،‬و قال بها كثير ج ّدا من علماء المسلمين‪ ،‬و منهم حتّى ‪‬ابن‬ ‫حزم‪ .‬الخلق المستمرّ‪ ،‬في ك ّل لحظة‪.‬‬ ‫و لذلك؛ ‪ ‬نِ ْع َمتَا ِن َال يَ ْخ ُر ُج َع ْنهُ َما َم ْو ُجود‪ ،‬يقول ‪‬عبد هللا السّكندري‪ ،‬نِ ْع َمةُ‬ ‫أن هناك شيئا اسمه ظاهرة الحياة‪ّ ،‬‬ ‫اإل ْم َدا ِد ‪ .‬فال تقل ّ‬ ‫أن هللا أعطاني‬ ‫اإل َ‬ ‫يجا ِد َو نِ ْع َمةُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الظّاهرة‪ ،‬سكبها ف ّي و سيّبها تفعل‪ ،‬مثل 'أرسطو'‪ ،‬خلق الكون و تركه يرتّب حاله‪،‬‬

‫‪68‬‬


‫ال‪ ،‬بالعكس‪ ،‬هللا يوجد فيك الحياة في ك ّل آن‪ ،‬و لو انقطع مدده لحظة واحدة عن‬ ‫َ َۡ ُ ُ​ُ َ ل َ​َ َ‬ ‫ل‬ ‫ۡ‬ ‫الوجود كلّه‪ ،‬و لذلك‪َ...  :‬ل تأخذهۥ يسنة وَل نوم ۚۡ ‪.2 S،٤٥٥ W  U‬‬ ‫لو كان الوجود فيه خواصّ ‪ ،‬ما شاء هللا‪ ،‬خا ّ‬ ‫صيّة اسمها الجاذبيّة‪ ،‬و اسمها الحياة‪،‬‬ ‫واسمها اإلحراق‪ ،‬و اسمها االنجذاب‪ ،‬و االحتراق‪ ،‬و االنفعال‪ .‬لو هللا أخذته سنة من‬ ‫الذاتيّة؟ ال‪ ،‬ليس بخواصّه ّ‬ ‫نوم‪ ،‬الكون سيسيّر حاله بخواصّه ّ‬ ‫الذاتيّة‪ ،‬بفعل هللا‪ ،‬بقدرة‬ ‫هللا‪ ،‬بآثار هللا الّتي يحدثها في ك ّل لحظة في ك ّل أنحاء الوجود‪ّ ،‬‬ ‫ألن هذا الوجود ظ ّل‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫لقدرة هللا‪ ،‬ظ ّل لصفات هللا‪.‬‬ ‫اُنظر مثال‪ ،‬هذا الظّ ّل حادث بسبب القلم‪ ،‬و هلل المثل األعلى‪ ،‬لو حذفنا القلم يبقى‬ ‫الظلّ؟ ال يبقى‪ ،‬مستحيل‪ ،‬صح أو ال؟ نقدر أن نقول‪ ،‬و هذا تعبير تشبيه ّي‪ ،‬وجود‬ ‫القلم وجود أقوى بكثير و آصل‪ ،‬يعني أكثر أصالة‪ ،‬من وجود الظّلّ‪ ،‬صحيح؟ إذا‬ ‫ُو ِج َد القلم ُو ِج َد الظّلّ‪ ،‬لكن ليس إذا ُع ِدم القلم وجد الظّ ّل و لو للحظة‪ ،‬و لو للحظة‪،‬‬ ‫ينتهي ك ّل شيء‪.‬‬ ‫و َمن المحتاج للثّاني؟ الظّ ّل محتاج للقلم أو القلم محتاج للظّلّ؟ ال‪ ،‬الظّ ّل محتاج للقلم‪،‬‬ ‫صحيح؟ هو الزمه‪ ،‬و هكذا الكون كلّه بإزاء هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬لذلك ال توجد‬ ‫إمكانيّة أن تأخذه ِسنَة ِم ْن نَ ْوم‪ .‬لو تأخذه سنة من نوم‪ ،‬ك ّل هذا الكون يلفّه العدم‪ ،‬كلّه؛‬ ‫اواته‪ ،‬بأرضه‪ ،‬يصير ال شيء‪ ،‬و ال شيء‪ .‬ليس أنّه يُ َد َّمر و يَحْ تَ ِرق‪.‬‬ ‫بإ ِ ْن ِسه‪ ،‬بِ ِجنِّه‪ ،‬ب َس َم َ‬ ‫ال شيء‪ ،‬يختفي‪ .‬مثل ما يختفي الظّ ّل في لحظة إذا اختفى الجسم‪ .‬فالوجود الحقيق ّي‬ ‫للكون هو وجود ظّلّي‪ ،‬فال تستطيع أن تقول لي‪« :‬توجد خواصّ و أودع في األشياء‬ ‫خواصّ و تفعل بذاتها‪ ،‬صحيح هللا هو الّذي خلق الخواصّ ‪»...‬‬ ‫ال‪ ،‬ال‪ ،‬ليس هكذا‪ .‬النّظريّة األكثر أصالة هي نظريّتنا‪.‬‬

‫‪69‬‬

‫و هذه اللّغة‪ّ ،‬‬ ‫أن النّار محرقة‪ ،‬و يا نار ال تحرقي‪ ،‬و يا َسبُع ال تأكل‪ ،‬و يا كذا ال‬ ‫تفترس‪ ،‬كلّه مجازات إلى اللّغة المجازيّة‪ ،‬الّتي يفهمها النّاس‪ .‬لغة الحسّ المشترك‪.‬‬


‫لكن هذه اللّغة المجازيّة‪ ،‬يمكن‪ ،‬كما قلنا‪ ،‬أن نتع ّمق بها و نسبر أغوارها‪ .‬يعني‪ ،‬هي‬ ‫في ح ّد ذاتها غير قادرة على وصف الحقيقة وصفا نهائيّا‪ ،‬أبدا‪ .‬هي أضعف ِمن ذلك‪،‬‬ ‫ألنّها لغة يشترك فيها ك ّل البشر‪.‬‬ ‫على فكرة‪ ،‬النّظريّة الّتي شرحناها اليوم‪ ،‬اآلن أنتم استوعبتموها و يمكن بعضكم‬ ‫استوعبها أعمق من بعض‪ ،‬و يمكن بعضكم مازال لم يستوعبها‪ .‬هل تعتقدون ّ‬ ‫أن‬ ‫العوا ّم‪ ،‬حتّى عوا ّم المسلمين‪ ،‬يستطيعون استيعابها ببساطة؟ صعب ج ّدا‪ ،‬ال يمكن أن‬ ‫وخاصّة كبار الس ّ​ّن‪ .‬لن يفهم‪ ،‬يمكن يلحد‪ ،‬يمكن ال يفهم ما تحكيه أصال‪ ،‬صح أو ال؟‬ ‫‪‬ابن القيّم‪ ،‬العقل الكبير‪ ،‬أحصى ألف آية اعتبرها أنّها ض ّد هذه النّظريّة‪ ،‬و قال‬ ‫هناك ألف آية في كتاب هللا تؤ ّكد األسباب و فاعليّة األسباب‪.‬‬ ‫و لذلك القرآن‪ ،‬من رحمة هللا‪ ،‬ع ّز و جلّ‪ ،‬فيه آيات‪ ،‬يعني طبعا‪ ،‬نحن أتينا بآيات‬ ‫وهي بالمئات‪ ،‬تؤ ّكد ما نقول‪ .‬إذن ما الّذي يحدث هنا؟ هناك مستويات‪ .‬القرآن نفسه‪.‬‬ ‫طبعا‪ ،‬بال ش ّ‬ ‫ك‪ .‬هذا (القرآن) للجميع؛ للفيلسوف و للعام ّي و للرّسول نفسه‪ .‬يعني‪،‬‬ ‫الرّسول‪ ،‬قطعا‪ ،‬ما يأخذه من كتاب هللا ال يأخذه أحد من ك ّل البشر‪ ،‬مستحيل‪ .‬و ما‬ ‫يأخذه األولياء‪ ،‬و ح ّدثتكم عن رجل صالح أعرفه شخصيّا و ال يزال حيّا أكرمه هللا‪،‬‬ ‫شيء غريب‪ ،‬يا أخي؛ يفتح كتاب هللا هكذا‪ ،‬يقرأ فيما نقرأه نحن‪ ،‬أقسم باهلل أنا أشهد‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫أغامر و أحكيها في خطبة ُج َم ِعيَّة‪ ،‬مثال‪ .‬مستحيل تحكيها لك ّل النّاس‪ .‬صعب ج ّدا‪،‬‬

‫باهلل هذا الرّجل‪ ،‬مع أنّني شخصيّا ّ‬ ‫كذبت ألنّني دائما عندي الش ّ‬ ‫ك و الظّ ّن ال أص ّدق‬ ‫بسهولة‪ .‬فيفتح المصحف و يقول‪« :‬أنت تف ّكر في كذا‪ ،‬و أنت تتمنّى كذا»‪ .‬قلت‪« :‬ما‬ ‫هذا؟ أ يعلم الغيب من كتاب هللا؟ ما هذه الق ّ‬ ‫صة؟» و أنا في الصّالة اعتبرت أنّه كالم‬ ‫غير صحيح و كذا و كذا‪ ،‬المه ّم و ف ّكرت في أشياء دنيويّة في االمتحانات و الجغرافيا‬ ‫و كذا‪ ،‬في تلك األيّام‪ ،‬و قلت لو األستاذ يعطيني العالمة الفالنيّة في الجغرافيا سأكون‬ ‫األ ّول في المدرسة‪ .‬ث ّم ذهبت إليه و قلت‪« :‬طيّب‪ ،‬انظر ما عندي»‪ .‬فضحك‪ .‬قال لي‪:‬‬

‫‪70‬‬


‫ك»‪ .‬قلت له‪« :‬ال‪ ،‬أعوذ باهلل‪ ،‬كيف و أنت رجل كذا»‪ .‬قال لي‪« :‬أنت تش ّ‬ ‫«أنت تش ّ‬ ‫ك»‪.‬‬ ‫قلت له‪« :‬ال‪ ،‬ال‪ »...‬خجلت‪ .‬ث ّم فتح‪ ،‬و استشار كتاب هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬و قال‪:‬‬ ‫«طبعا‪ ،‬يصلّي أحدهم‪ ،‬و يغفل في صالته و يقول لو ّ‬ ‫أن األستاذ أعطاني كذا كذا‬ ‫سأكون األ ّول في المدرسة»‪.‬‬ ‫قسما باهلل‪ ،‬أنا جننت‪ .‬جلسنا و قلت له‪« :‬أريد أن أفهم‪ ،‬كيف؟» قال لي‪« :‬رأيت ك ّل هذه‬ ‫ي‪ ،‬و تفسير ‪‬الرّازي‪ ،‬و كذا‪ ،‬هذه كلّها‬ ‫الكتب الّتي عندك‪ ،‬تفسير ‪‬األلوس ّ‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫تفاسير؟» قلت له‪« :‬نعم‪ ،‬هذه كلّها تفاسير كتاب هللا»‪ .‬قال لي‪« :‬هل واحد من هؤالء أو‬ ‫أنت لو تقرؤها كلّها و تحفظها‪ ،‬تستطيع أن تعرف أشياء كثيرة‪ ،‬إ ّما يتعلّق بك‪ ،‬أو‬ ‫يتعلّق بي‪ ،‬أو يتعلّق بهذا المنزل»‪ .‬قلت له‪« :‬ما دخل القرآن في هذا؟» قال لي‪« :‬ال‪.‬‬ ‫القرآن له دخل‪ .‬فيه ك ّل شيء‪َّ ...  ،‬ما فَ َّر ۡط َنا يِف ٱلۡك َيتَٰب مين َ ۡ‬ ‫َشء ‪W  U‬‬ ‫ي‬ ‫‪ .A S،٣٨‬لكن ك ّل فهمكم هذا فهم للقشور»‪.‬‬ ‫وصح‪ ،‬ل ّما يقول (‪َّ ...  :)‬ما فَ َّر ۡط َنا يِف ٱلۡك َيتَٰب مين َ ۡ‬ ‫َشء ‪ . U‬ابن عبّاس‪‬‬ ‫ي‬

‫ب هللاِ ‪ .‬ابن عبّاس‪‬‬ ‫ماذا كان يقول‪  :‬لَ ْو َ‬ ‫ضا َع لِي ُعقَا ُل بَ ِعير لَ َو َج ْدتُهُ فِي ِكتَا ِ‬ ‫ال يأتي فقط بشعر و كذا‪ ،‬ال‪.‬‬ ‫فهذا الكتاب على طبقات‪ ،‬صحيح؟ أنا مرّة‪ ،‬قبل هذا بعشرين سنة‪ ،‬استغربت‪ ،‬قرأت‬ ‫أل ّول مرّة عن 'يوليسيس' ترجمها العرب رواية 'عوليس'‪ ،‬لـ'جويس' (الكاتب اإليرلندي‬

‫'جيمس جويس')‪ ،‬لم أقرأها و لكن قرأت عنها‪ ،‬جننت‪ .‬ما هذه الرّواية! رواية حيّرت‬ ‫المترجمين و حيّرت األدباء اإلنجليز و األسكتلنديّين‪ ،‬شيء عجيب‪ .‬رواية بسيطة‬ ‫‪ 311‬صفحة‪ .‬ما هذه الرّواية؟ قال لك هذه طبقات أركيولوجيّة‪ ،‬و لكي تستطيع‬ ‫قراءتها يجب عليك أن تكون مجموعة خبرات‪ ،‬مجموعة شخصيّات‪ ،‬مجموعة‬ ‫‪71‬‬

‫معارف و موسوعات‪ ،‬في شخصيّة واحدة‪ّ .‬‬ ‫ألن لها طبقات في التّعبير و اإلشارات‪،‬‬ ‫هذه ال ّرواية‪ .‬بشر يقوم برواية مثل هذه؟‬


‫و لكي تترجمها‪ ،‬هناك عراق ّي لكي يترجمها بقي عشرين سنة‪ ،‬تص ّور! يترجم رواية‬ ‫‪ 311‬صفحة‪ .‬أنت لكي تترجمها يجب عليك أن تعرف ثالثين لغة‪ ،‬فيها أشياء من‬ ‫لغات بائدة‪ ،‬لغات ال تُتَكلَّم‪ ،‬فيها إشارات من أناجيل غير مطبوعة‪ ،‬مخطوطات‪،‬‬ ‫رجل 'مصيبة' هذا‪ ،‬يقرأ و يج ّمع و يأتي بأشياء و في األخير أوضحها بلغة رمزيّة‪،‬‬ ‫في رواية من ‪ 311‬صفحة‪ ،‬شيء معقّد بشكل غير طبيع ّي‪.‬‬ ‫و فعال‪ ،‬ال أكذبكم‪ ،‬قرأت‪ ،‬و تقريبا لم أفهم أكثر ما قرأت‪ .‬ال شيء مفهوم‪ .‬و قلت ال‬

‫من يقدر أن يستخرجها‪ ،‬كيف و بأ ّ‬ ‫ي آليّة‪ ،‬يا أخي؟ مضبوط أو ال؟ شيء صعب ج ّدا‬ ‫ج ّدا‪.‬‬ ‫أنا متأ ّكد أصول العلوم‪ ،‬إن لم يكن حتّى تفاصيل العلوم‪ ،‬الزم تكون في هذا الكتاب‪،‬‬ ‫لكن ليس بطريقتنا في الفهم و التّفسير‪ ،‬إعراب و صرف و كذا‪ ،‬مستحيل‪ .‬هناك‬ ‫أشياء أعمق ِمن هذا بكثير‪.‬‬ ‫فالقرآن له مستويات في التّعبير‪ ،‬و ليس مستوى واحد‪ ،‬صح أو ال؟ و يا خيبة َمن‬ ‫ذهب يطلب حقائق الكتاب و معارفه بمستوى واحد من الفهم‪ .‬واحد يتسلّح باآليات‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫يستح ّ‬ ‫ق أن أبقى أشهر و سنوات آتي بموسوعات لكي أفهم رواية واحد مجنون مثل‬ ‫َّ َ َ َ ۡ َ‬ ‫ُ ۡ َ َ َ ُ َّ‬ ‫ََۡ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َٰ‬ ‫ت وٱۡل ي‬ ‫ۡرض‬ ‫ٱلّس يِف ٱلسمو َٰ ي‬ ‫هذا‪ .‬فكيف بكالم ربّ العالمين! ‪... ‬قل أنزَل ٱَّليي يعلم ي‬ ‫‪ .l S،١ W  U‬صح أو ال؟ فصورة الكون كلّها‪ ،‬في هذا الكتاب‪ .‬لكن‬

‫البيانيّة‪ ،‬فقط‪ .‬يقول لك‪« :‬تفسير القرآن بيانيّا»‪ .‬ماذا سيخرج منه‪ ،‬أشياء ممتازة‪ ،‬لكن‬ ‫ليس ك ّل شيء‪ ،‬و قاصر ج ّدا‪ .‬واحد ثان‪ ،‬بآليّة نحويّة فقط‪ ،‬إعرابيّة صرفيّة‪ ،‬ال يكفي‪،‬‬ ‫يا أخي‪ .‬و واحد بآليّة أثريّة‪ ،‬يريد فقط ما قال ‪‬مجاهد‪( ،‬مجاهد بن جبر‪،‬‬

‫‪ 303-73‬هـ)‪ ،‬هؤالء بشر مثلنا‪ ،‬صحيح أنّهم أعلى منّا بكثير و أفضل منّا مليون مرّة‪،‬‬ ‫لكنّهم أيضا بشر محدودون‪ ،‬و معارف عصرهم الّتي كانت تضيء لهم الكتاب‪،‬‬ ‫محدودة‪ .‬ال تحاول أن تفهم ّ‬ ‫أن ك ّل التفسير عندهم‪ ،‬عند ‪‬ابن عبّاس‪ ‬و ‪‬ابن‬

‫‪72‬‬


‫آن لِل َّز َما ِن‬ ‫جبر‪ ،‬ال أبدا‪ .‬صح أو ال؟ ‪‬ابن عبّاس‪ ‬هو نفسه قال‪ :‬اُ ْت ُر ُكوا القُرْ َ‬ ‫يُفَ ِّس ُرهُ ‪ .‬هناك أشياء لن يفسّرها ّإال ال ّزمان‪ .‬ال ‪‬ابن عبّاس‪ ‬كان يفهمها و ال‬ ‫غيره‪ ،‬لكن أنا متأ ّكد ّ‬ ‫أن الرّسول كان يفهمها‪ .‬ك ّل ما سنفهمه‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬الرّسول‬ ‫كان يفهمه و يعرفه‪.‬‬ ‫و على فكرة‪ ،‬حتّى أحاديثه‪ ،‬كان هناك باب غير مطروق للنّاس‪ ،‬اآلن يتكلّمون عن‬ ‫ُب‪،‬‬ ‫اإلعجاز العلم ّي للقرآن الكريم‪ ،‬كيف أخبر و كيف كذا و كيف كذا‪ ،‬و هتك ال ُحج َ‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫لكن ال ّسنّة فيها مثل هذا أيضا‪ ،‬صح أو ال؟ المح ّدث المغرب ّي‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ ،‬أبو‬ ‫الفضل ال ُغماريّ ‪ ،‬عنده كتاب لطيف ج ّدا‪ ،‬كلّه عن إشارات واردة عن ال ّسنّة النّبويّة‬ ‫صحيحة و ضعيفة طبعا‪ ،‬أتى حتّى بأحاديث ضعيفة‪ ،‬ج ّمع ك ّل شيء‪ ،‬ألشياء‬ ‫مبتدعات و مخترعات عصريّة‪ ،‬وهللاِ بعضها عجيب ج ّدا ج ّدا‪ .‬تقرأ تستغرب‪،‬‬ ‫وبعضها فيه تكلّف‪ .‬لكن بعضها تقول‪« :‬فعال هو كذا»‪ .‬معنى الحديث هو هذا المخترع‬ ‫الفالن ّي‪.‬‬ ‫فحتّى النّب ّي كان يفهم هذه األشياء‪ ،‬لكن يعطيها بلغة رمزيّة‪ .‬و كما قال بعض‬ ‫الفالسفة‪ ،‬عبد الرّحمان بدو ّ‬ ‫ي‪ ‬المصريّ‪ ،‬هللا يرحمه و يغفر له‪ ،‬هو تاب‪ ،‬إن‬ ‫صةا ال ِّد ُ‬ ‫شاء هللا و كذا‪ :‬ال ِّد ُ‬ ‫ين بِ َش ْكل َعام‪َ ،‬و َخا َّ‬ ‫ين ا ِإل ْس َال ِم‪ ،‬أَنَّهُ ِدين نَا ِس ُخ‬ ‫ين ِم ْث َل ِد ِ‬ ‫ون َعلَى قَ ْدر َكبِير ِم َن ال َّر ْم ِزيَّ ِة ‪.‬‬ ‫آ ِخ ِر ِدين‪ ،‬آخر رسالة انتهى‪َ ،‬ال ِزم أَ ْن يَ ُك َ‬ ‫هناك أشياء معيّنة الزم تكون بلغة رمزيّة دقيقة ج ّدا ج ّدا‪ .‬لماذا؟ ّ‬ ‫ألن هذا ِمن‬ ‫المفروض يفي بحاجات العالم إلى انتهاء ال ّدنيا‪ ،‬فالزم يكون هناك نوع ِمن اإلطالقيّة‪،‬‬ ‫أو نوع ِمن الرّمزيّة‪ ،‬تفي بحاجات ك ّل عصر‪ .‬ال ّسنّة أضعف ِمن القرآن في هذا‬ ‫الباب‪ ،‬ال ش ّ‬ ‫ك‪.‬‬

‫‪73‬‬


‫و لذلك ح ّدثتكم مرّة بهذا المعنى‪ ،‬و دقيق ج ّدا‪ .‬اإلمام ‪‬عل ّي‪ ،‬عليه السّالم‪ ،‬قال‬ ‫آن‬ ‫آن‪ ،‬فَإ ِ َّن القُرْ َ‬ ‫لسيّدنا ‪‬ابن عبّاس‪ ،‬رضي هللا عنه و أرضاه‪َ :‬ال تُ َجا ِد ْلهُ ْم بِالقُرْ ِ‬ ‫ك إِ ْن تَ ْف َعلْ أَ ْف َح ْمتَهُ ْم ‪.‬‬ ‫َح َّما ُل أَ ْو ُجه‪ ،‬لَ ِك ْن َجا ِد ْلهُ ْم بِال ُّسنَّ ِة‪ ،‬فَإ ِنَّ َ‬ ‫القرآن تستطيع أن تفسّره هكذا و هكذا‪ ،‬يتكلّم ألف وجه في اآلية‪ ،‬عاديّ‪ ،‬ح ّمال‪ .‬هللا‬ ‫جعله هكذا‪ .‬ال ّسنّة أقرب إلى التّشخي‬

‫و التّعيين‪ّ .‬‬ ‫ألن التّعاطي كان بشريّا‪ .‬الرّسول‬

‫كبشر‪ ،‬كقائد‪ ،‬كأب‪ ،‬كزوج‪ ،‬كج ّد‪ ،‬كرجل دولة‪ ،‬كقاضي‪ ،‬كمفتي‪ ،‬كنب ّي مشرّع‪ّ ،‬‬ ‫لكن‬ ‫إلى أمر هللا‪ ،‬إلى أن يرفع هذا القرآن و تقبض ك ّل نفس مؤمنة‪ ،‬فيه رمزيّة عجيبة‬ ‫ج ّدا‪ ،‬و فيه إطالقيّة أيضا‪.‬‬ ‫فنحن نعتقد‪ ،‬بهذا ال َم ْد َخل‪ ،‬أحيانا تفهم ّ‬ ‫أن القرآن يستخدم لغة الحسّ المشترك‪ ،‬لكن‬ ‫لو تع ّمقت في آيات أخرى أو حتّى في نفسها‪ ،‬قابِلَة أن تنطوي تحت جناح آية أقرب‬ ‫إلى الحقيقة ال ِعرْ فانيّة الصّحيحة‪ ،‬و هذا حتّى أقرب أن تكون آية أخرى‪ ،‬و هكذا‪ .‬كما‬ ‫رواه ‪‬أبو بكر الفرياب ّي‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ ،‬هذا الحديث ليس عند ال ّشيعة فقط‪،‬‬ ‫الفريابي‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ ،‬قال‪ :‬قال صلّى هللا عليه و سلّم‪:‬‬ ‫عند ال ّسنّة‪ ،‬أخرجه ‪‬‬ ‫ّ‬ ‫ك َلَِّ​َآيَ ٍَةَظَاهَ​ًَراَوَ​َبَاطَ​َنًَاَوَ​َ​َحَدَاَوَ​َ َُمطَلَ ًَعا‪ .‬ك ّل آية عندها ع ّدة وجوه‪.‬‬ ‫‪َِ‬نَ​َلَ َُ‬

‫فالقرآن ليس فيه صيغة المبا َش َرة الواضحة التّا ّمة في ك ّل مواضعه‪ ،‬ال‪ .‬و هللاُ‪ ،‬تبارك‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫القرآن مع النّاس الّذين مرّوا و الّذين ِمن بعدهم و الّذين معنا و إلى يوم ال ّدين‪ ،‬يعني‬

‫و تعالى‪ ،‬أعلم‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬النّار إذا س ّميتها محرقة و الماء كذا‪ ،‬جائز‪ ،‬ليس فيها شيء‪ .‬و ال يخ ّل بالعقيدة‪،‬‬ ‫لكن لمن يسألك عن تفصيل هذه العبارة‪ ،‬ال ب ّد أن تقول‪ ،‬ما معنى ّ‬ ‫أن النّار محرقة؟‬ ‫أن الطّعام يشبع؟‪ّ « :‬‬ ‫أن الماء يروي؟ و ّ‬ ‫ما معنى ّ‬ ‫أن هللا يخلق عندها اإلحراق‪»...‬‬ ‫و على فكرة‪ ،‬هذا نس ّميه المجاز العقل ّي‪ ،‬يجوز‪ .‬و َمن قرأ باب المجاز العقل ّي في علم‬ ‫البيان‪ ،‬يتّسع فهمه ألمثال ك ّل هذه المواطن في التّعبير‪ ،‬ليست له أ ّ‬ ‫ي مشكلة‪.‬‬

‫‪74‬‬


‫ل ّما تقول‪« :‬ليل قائم‪ ،‬و نهار صائم»‪ .‬يقول لك‪« :‬كيف ليل قائم‪ ،‬يا أخي؟ ما ليل قائم؟‬ ‫ما نار محرقة؟» مجاز عقل ّي‪ .‬ليل قائم؛ مجاز عقل ّي باعتبار عالقة ظرفيّة‪ .‬الّيل ظرف‬ ‫للقيام‪ ،‬أو غير صحيح؟ الّيل ال يقوم‪ ،‬لكن يقوم َمن يسهر الّيل بغرض القيام هلل‪ ،‬تبارك‬ ‫و تعالى‪ .‬فيص ّح أن نقول‪« :‬ليله قائم»‪ .‬يعني‪ ،‬ليل هذا العابد قائم‪ ،‬و النّهار صائم‪،‬‬ ‫والنّار محرقة‪ ،‬و الرّبيع منبت البقل‪ ،‬و الطّعام يروي‪ ،‬و كلّها لغة مجازيّة‪ ،‬مجاز‬

‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫عقل ّي‪ ،‬و القرآن يستخدمه‪ .‬القرآن يستخدم ك ّل أنواع المجاز‪ ،‬على فكرة‪.‬‬ ‫لما يقول‪َ  :‬و ۡس َئل ۡٱل َق ۡر َي َة َّٱلِت ُك َّنا ف َ‬ ‫ييها ‪ .M S،٨٤ W  U‬ما اسأل‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫القرية؟ اسأل أهل القرية‪ .‬هذا مجاز بالحذف‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫َ ٗ ُ ُ َ َ َ َّ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫جدارا ي يريد أن ينقض فأقامه ْۖۥ ‪ .Y S،١١ W  U‬هناك َمن يأخذها‬ ‫‪ ... ‬ي‬ ‫أن َمن زعم ّ‬ ‫على الحقيقة و هناك َمن كفَّر َمن أخذ بالحقيقة‪ .‬هناك َمن قال‪ّ ،‬‬ ‫أن في‬ ‫الحائط عقال و إدراكا و أنّه أراد حقيقة‪ ،‬فقد كفر‪ .‬المالكيّة زعموا هذا‪ ،‬لألسف‪ .‬و هذا‬ ‫نوع ِمن التّش ّدد‪ ،‬ال يبعد هذا التّفسير‪ ،‬يا أخي‪ ،‬قد يكون لم ال؟ مستويات‪.‬‬ ‫قال لك‪« :‬ال‪ ،‬هذا مجاز عقل ّي»‪' .‬جدارا يريد أن ينقضّ '‪ ،‬هذا مجاز عقل ّي‪ ،‬ليس حقيقيّا‪.‬‬ ‫كالم طويل‪.‬‬ ‫فاللّغة العربيّة القرآن نزل بها تتّسع لهذه األشياء‪ .‬لكن كما قلنا‪ ،‬هل اللّغة المجازيّة‬ ‫هي اللّغة الحقيقيّة؟ و حتّى اللّغة الحقيقيّة‪ ،‬كما قلنا‪ ،‬هي تعبّر عن ماذا؟ عن الحقائق‬ ‫العاديّة‪ ،‬لكن لو أردنا الحقائق العرفانيّة اإللهيّة كما هي‪ ،‬و هذه تحتاج ليس إلى لغة‪،‬‬ ‫تحتاج إلى ضرب آخر ِمن اللّغة‪ ،‬لغة الفكر‪ ،‬لغة التّأ ّمل‪ ،‬صح أو ال؟ و أنت الحظ‬ ‫القرآن الكريم‪ ،‬مع أنّه كالم هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬بال ش ّ‬ ‫ك‪ ،‬لو أخذناه بظاهره أحيانا‬ ‫سنقع في مطبّات عويصة ج ّدا ج ّدا‪ ،‬صح أو ال؟ ممكن نقع‪ ،‬و العياذ باهلل‪ ،‬في اتّهام‬

‫‪75‬‬

‫هذا الكتاب بالقصور حتّى‪ ،‬و في الحقيقة ال‪ .‬القاصر ليس الكتاب‪ ،‬القاصر َمن؟‬ ‫المتقبّل‪.‬‬


‫اآلن‪ ،‬هللا‪ ،‬ع ّز و جلّ‪ .‬سأسألكم سؤاال‪« :‬لو أراد‪ ،‬أ ال يستطيع أن يذكر لنا الجنّة و أن‬ ‫يصفها بما فيها بدقّة كاملة؟» يستطيع‪ .‬ليس لديه أ ّ‬ ‫ي مشكلة أبدا‪ .‬لكن قطعا‪ ،‬هل كان‬ ‫سيستخدم لغتنا‪ ،‬و طرائقها في البيان‪ ،‬و مفرداتها؟ مستحيل‪ .‬لماذا؟ أل ّن اللّغة ظاهرة‬ ‫اجتماعيّة‪ ،‬ظاهرة بشريّة‪ ،‬ليست مطلقة‪ ،‬صح أو ال؟ قد يقول أحدكم‪« :‬ال‪ّ ،‬‬ ‫لكن هللا‬ ‫يستطيع أن يجعل هذا النّسب ّي مطلقا»‪ .‬نقول‪« :‬ال‪ ،‬أنت وقعت في التّناقض‪ّ ،‬‬ ‫أن النّسب ّي‬ ‫مطلق»‪ .‬معناها‪( ،‬و نعوذ باهلل من هذا)‪ ،‬يصير هللا موجود و غير موجود‪ ،‬و هذا كالم‬

‫المحال‪ .‬هذا محال‪ .‬أنت نسب ّي‪ ،‬ال يمكن أن تصير مطلقا‪ ،‬و لغتك نسبيّة‪ ،‬ال يمكن أن‬ ‫تصبح مطلقة‪ .‬لغة بشريّة نسبيّة‪ ،‬نتجت بين النّاس‪ ،‬بين األقوام‪ ،‬و هي ظاهرة‬ ‫اجتماعيّة كما يقول علماء اللّغة‪.‬‬ ‫إذا هللا يريد أن يصف موجودات الجنّة‪ ،‬ليس منها أصال شيء في األرض‪ ،‬كيف‬ ‫ذلك‪ ،‬و سيستخدم لغتك؟ لغتك جاءت لتصف ما في األرض‪ ،‬مضبوط أو ال؟ ما الّذي‬ ‫سيحصل؟ سيتكلّم كالما لن تفهم منه شيئا‪ .‬لذلك ماذا قال‪ ،‬أنتم في هذا الوقت إلى أن‬ ‫َّ َ ُ ۡ َ َّ‬ ‫ٱۡل َّنةي ٱل يِت ُوع َيد‬ ‫تُكرموا لدخول هذه ال ّدار‪ ،‬اكتفوا فقط بالتّمثيالت‪ .‬قال (‪  :)‬مثل‬ ‫َۡ َ ۡ َۡ‬ ‫ۡ ُ َ َۡ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َٰ‬ ‫ٱل ُم َّتقونْۖ َت يري مين َتتيها ٱۡلنهر ْۖ ‪ .O S،٣٥ W  U‬مثل فقط‪ ،‬نوع من‬ ‫التّمثيل فقط‪ .‬لكن هي ليست هكذا‪ ،‬صح أو ال؟ هناك فرق بين المثال و ال ُم َمثَّل به‪،‬‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫ي نسب ّي‪ ،‬والمطلق مطلق‪ .‬أو غير صحيح؟‬ ‫متناقض‪ ،‬و هجس في الكالم‪ .‬ال‪ .‬النّسب ّ‬ ‫تقول‪« :‬صح أنا إنسان و يداخلني مطلق»‪ .‬ال يمكن‪ ،‬ال تتعلّق قدرة هللا بمثل هذا‬

‫فرق كبير ج ّدا‪ .‬مضبوط أو ال؟ لكن للتّقريب لكي تفهم‪.‬‬ ‫و يأتي مثال ‪‬مصطفى محمود‪ ،‬لألسف‪ ،‬ل ّما كان يخبّ‬ ‫الحقِيقَ ِة لَ َّما أَ ْق َرأُ هَ ِذ ِه اآليَةَ؛ َو أَ ْنهَار ِم ْن َع َسل‪ ،‬يَ ْعتَ ِرينِي تَقَ ُّزز»‪ .‬هللا يسامحك‪ ،‬يا‬ ‫«فِي َ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫أخي‪ .‬هذه الكلمة يكفر فيها‪ .‬تُ ْخ ِر ُجه عن الملّة مباشرة‪ .‬هللا يقول لك‪  :‬ذَٰل يك ٱَّليي‬ ‫َ‬ ‫ِّ َّ ُ‬ ‫يَُ​َ ي ُ‬ ‫ٱّلل ع َيبادهُ ‪ .K S،٤٣ W  U‬بشرى‪ ،‬يفرّحك‪ ،‬يقول لك أنهار من‬ ‫‪ ،‬و هو مسلم‪ ،‬قال‪:‬‬

‫‪76‬‬


‫عسل و أنت تقول تق ّزز‪ .‬يكفر مباشرة‪ ،‬يا رجل‪ .‬لكن عقله جاهل كان‪ ،‬المسكين‪ّ .‬‬ ‫لكن‬ ‫هللا هداه‪ .‬لماذا؟ ألنّه ف ّكر أنّه َع َسل َع َسل‪ .‬عسل مثل هذا نسبح فيه؟ ّ‬ ‫لكن هللا من األ ّول‬ ‫قال لك‪َ :‬مثَلُ‪ .‬ليس عسال‪ .‬و لذلك ‪‬ابن عبّاس‪ ‬كان أفهم ِمن ‪‬مصطفى‬ ‫الجنَّ ِة ِم َّما فِي ال ُّد ْنيَا إِ َّال َاأل ْس َما ُء‪.‬‬ ‫س فِي َ‬ ‫محمود‪ ‬مليون مرّة‪ ،‬ماذا قال‪ :‬لَ ْي َ‬ ‫أسماء فقط‪ .‬ال ّ‬ ‫تظن أنّه عسل كعسلك هذا‪ .‬هذا يق ّزز فعال‪ ،‬يا أخي‪.‬‬ ‫قد يقال‪« :‬لماذا هللا س ّماه عسال؟ يس ّميه شيئا ثان»‪ .‬يس ّميه باسهم الحقيق ّي لن تفهمه‪ ،‬يا‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫سيدي‪ ،‬هذه هي‪ .‬فهمتم كيف؟ لكن‪ ،‬هنا‪ ،‬وقعنا في سؤال آخر‪ .‬هل هذه حجّة ّ‬ ‫أن‬ ‫القرآن ترك تقرير الحقائق كما هي؟ ال‪ ،‬لم يتركها‪ .‬استخدم لغة ثانية‪ .‬ماهي هذه‬ ‫اللّغة؟ إذا كانت لغة المفردات‪ ،‬هذه لغة عربيّة‪ .‬ال‪ ،‬ليست لغة المفردات‪ .‬لغة‬ ‫اإلشارات و التّرميزات‪ ،‬لغة العقل و الفكر‪ .‬يعطيك إشارات دقيقة ج ّدا ج ّدا ج ّدا‪ ،‬ما‬ ‫يعقلها ّإال العالِمون‪ّ ،‬إال كبار العقالء‪.‬‬ ‫شرح في ألف صفحة‪ ،‬في‬ ‫يعني هناك مثال نظريّات فلسفيّة‪ .‬نظريّة فلسفيّة ممكن تُ َ‬ ‫ألفين صفحة‪ ،‬معقّدة بشكل غير طبيع ّي‪ ،‬و القرآن كيف يشير إليها؟ في ضمير؛ 'هذا'‪.‬‬ ‫أعطيناكم مرّة مثاال على هذا ال ّشيء‪ ،‬صح؟ حاولت مرّة أن أشرح لكم نظريّة مراتب‬ ‫األشياء في الوجود و لماذا هي هكذا‪ .‬فلسفة قويّة ج ّدا ج ّدا‪ .‬هناك َمن كتب فيها مجلّدا‬ ‫كبيرا‪ .‬حاولت أشرح و أشرح‪ ،‬و هم يسمعون‪ ،‬و لكنّهم لم يفهموا شيئا‪ ،‬المساكين‪.‬‬ ‫دكاترة و جرّاحون كبار‪ ،‬عندهم شهادات و كذا‪ ،‬و لم يفهموا‪ ،‬أصعب حتّى ِمن‬ ‫جراحتهم هذه‪ ،‬فلسفة‪ .‬و القرآن في األخير‪ ،‬هذه النّظريّة‪ ،‬أشار إليها في موضع‬ ‫واحد‪ّ ،‬‬ ‫لكن الّذي يفهمها‪ ،‬بالنّسبة له يصير بشكل واضح‪ .‬و الّذي ال يفهم النّظريّة‬

‫‪77‬‬

‫بالنّسبة له لم يحصل شيء‪ ،‬و ال شيء‪ .‬بعيد عنها‪ .‬ألنّه كما قلنا‪ ،‬هي لغة فكريّة‬ ‫َّ ٓ َ ۡ َ َٰ ُ َّ َ ۡ َ ۡ َ ُ ُ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫وليست لغة كلمات‪ .‬قال ( )‪...  :‬ٱَّليي أعطى ك َش ٍء خلقهۥ ثم هدى ‪ U‬‬

‫‪y‬‬

‫‪ .c S،٥٠ W‬لو قال؛ ّ‬ ‫الذي خلق ك ّل شيء‪ .‬سهل ج ّدا‪ .‬لكنّه قال؛ أعطى ك ّل‬


‫شيء خلقه‪ ،‬لكي تفهم هذا بعمق فلسف ّي حقيق ّي‪ .‬فعال يجب عليك أن تقرأ النّظريّة‬ ‫كاملة و سوف يقشع ّر بدنك كيف ّ‬ ‫أن القرآن الكريم لم تغب عنه هذه الحقيقة العجيبة‬ ‫ج ّدا‪ .‬و ِمن أقوى الحقائق على وجود هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬و ِمن أقوى الحقائق الكاشفة‬ ‫عن حكمة هللا السّارية في الوجود؛ كيف توجد حكمة مطلقة تدبّر هذا الكون كلّه‪ .‬هذه‬ ‫مستويات عالية ج ّدا‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬سبحان هللا‪ ،‬كلّما تع ّمق اإلنسان‪ ،‬ماذا تريد أن تكون‪ ،‬فيلسوفا كبيرا‪ ،‬فيزيائيّا‬ ‫تتفلسف عليه‪ ،‬ستجده دائما يعلّمك و سابقك و سيعطيك ال ّشيء الّذي أنت توصّلت‬ ‫ۡ َ‬ ‫إليه و بالنّسبة له هو شيء مقرّر‪ ،‬لكن لن يَ ْفهَ َمهُ ّإال أنت‪ .‬كما قال ( )‪َ  :‬وت يلك‬ ‫َ َ َ ۡ ُ َ ٓ َّ ۡ َ َٰ ُ َ‬ ‫ۡ َ ۡ َ َٰ ُ َ ۡ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫اس وما يعقيلها إيَل ٱلعليمون ‪ .t S،٢٣ W ‬و بعد‬ ‫ضبها ل يلن ي ِۖ‬ ‫ٱۡلمثل ن ي‬ ‫َّ َ ُ ُ ْ ۡ ۡ‬ ‫ت َبي َنَٰ ل‬ ‫َ‬ ‫ذلك قال‪  :‬بَ ۡل ُه َو َء َاي َٰ ُ ُۢ‬ ‫ت يِف ُص ُدوري ٱَّليين أوتوا ٱلعيل ۚۡم ‪S،٢٩ W  U‬‬ ‫ي‬ ‫‪ .t‬و العلم القرآن ّي غي ُر ِع ْل ِمنا‪ ،‬الّذي يعرف يتكلّم و فاهم و يعرف‪ ..‬ال‪.‬‬

‫‪y‬‬

‫ليعطيك هللا وصف هذا العلم ّ‬ ‫فإن له مواصفات معيّنة‪ ،‬على رأسها البعد الرّوح ّي‪،‬‬ ‫الخشية‪ .‬تكون ِمن أهل خشية هللا‪ ،‬يكون حبلك موصوال باهلل‪ ،‬تكون عبدا‪ ،‬متضاعفا‪،‬‬ ‫متمسكنا‪ ،‬متذلّال عند هللا‪ ،‬ع ّز و جلّ‪ ،‬لكي يعطيك‪ .‬ألنّه ال يعطيك إذا كنت تظّن نفسك‬ ‫ن ّدا هلل‪ ،‬ع ّز و جلّ‪ ،‬يحرمك مباشرة‪ ،‬صح أو ال؟‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫كبيرا‪ ،‬رياضيّا كبيرا‪ ،‬و تقرأ هذا الكتاب بذكاء و تواضع‪ ،‬تبقى متواضعا أمامه و ال‬

‫هو البشر‪ ،‬أنت ل ّما تأتي تتعالى على معلّمك يصبح ال يريد تعليمك‪ ،‬يريد أن يعنتك‪،‬‬ ‫صحيح؟ لكن عندما تتواضع يعطيك‪ ،‬فكيف بربّ الع ّزة‪ ،‬الكبرياء كلّها هلل‪ ،‬و ّ‬ ‫الذل‬ ‫والفقر كلّه للعبد‪ ،‬فهذا العلم‪.‬‬ ‫ي و ال ّدليل اإلجمال ّي‪ ،‬على فكرة‪ ،‬هناك رأي‬ ‫لذلك‪ ،‬اليوم عندما ذكرنا ال ّدليل التّفصيل ّ‬ ‫للعلماء و أنا أريد هذا الرّأي‪ ،‬أعوذ باهلل ِمن كلمة أنا‪ ،‬أنّه يكفي ألهل الكشف معرفة‬ ‫العقيدة عن طريق الكشف‪ ،‬ال توجد أ ّ‬ ‫ي مشكلة‪ .‬هناك ناس عندهم هذا في الكشف‬

‫‪78‬‬


‫ي‬ ‫ي‪ .‬يعني مثال‪ ،‬ول ّ‬ ‫اإلله ّي‪ ،‬يا أخي‪ .‬هذا أولى‪ ،‬بصراحة‪ ،‬بالقبول ِمن ال ّدليل التّفصيل ّ‬ ‫ِمن األولياء الكبار‪ِ ،‬من أهل هللا‪ ،‬ع ّز و جلّ‪ ،‬الّذي يعاين بعض الحقائق‪ ،‬أحيانا‪،‬‬ ‫معاينة حقيقيّة‪ ،‬يعيشها يا أخي‪.‬‬ ‫ول ّي ِمن األولياء مثال‪ ،‬يرى المالئكة‪ ،‬يسمع المالئكة‪ ،‬يراها‪ ،‬يا أخي‪ .‬ف َمن أقوى في‬ ‫هذه الجزئيّة ال َعقَ ِديَّة و وجود هذا العالم النّوران ّي‪ ،‬هذا الرّجل أو فيلسوف مثل ‪‬ابن‬ ‫رشد‪‬؟ يمكن ينبّش مئتا صفحة لكي يثبت لك إمكان وجود المالئكة‪ ،‬و ّ‬ ‫أن العقل ال‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫يحيل ذلك‪ ،‬ال يقدر أن يستق ّل بإثبات‪ .‬ف َمن أقوى؟ هذا الول ّي‪ ،‬مباشرة‪َ .‬من ‪‬ابن‬ ‫رشد‪ ‬هذا؟ ‪‬ابن رشد‪ ‬ل ّما التقى مع ‪‬ابن عربي‪ ‬الصّوف ّي‪ ،‬هللا أعلم‪ ،‬قصّة‬ ‫مشهورة‪ ،‬كان صديق والد ‪‬ابن عربي‪ .‬فـ‪‬ابن رشد‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ ،‬وفي‬ ‫«التّهافت» و في غير «التّهافت»‪ ،‬أثبت ّ‬ ‫أن اإلنسان يحصل له العلم‪ ،‬يتعلّم بابا معيّنا‬ ‫أو شيئا معيّنا و يُفتَح عليه‪ ،‬بطريقة َوهَبِيَّة‪ ،‬هللا يهَبُه ذلك‪.‬‬ ‫َّ َّ ۡ‬ ‫َّ‬ ‫(‪َ ...  ):8‬و َعل ۡم َنَٰ ُه مين َُّلنا عيل ٗما ‪ .Y S،١٥ W ‬هللا يعطيك‪،‬‬ ‫يفتح عليك في لحظة‪ .‬أثبتها فلسفيّا‪ .‬الفالسفة اآلخرون ينكرونها‪ ،‬على فكرة‪ .‬كلّما‬ ‫اقترب اإلنسان ِمن الما ّديّة ينكر هذه األشياء بالكامل يعتبرها كالما فرغا‪ ،‬تدجيل‪.‬‬ ‫‪‬ابن رشد‪ ‬أثبتها عقليّا‪ ،‬و هو فيلسوف عقل ّي‪ .‬لكن ماذا قال‪ ،‬رحمة هللا عليه‪:‬‬ ‫الواقِ ِع ‪ .‬بالعقل ممكن‪ ،‬لكن لم نرى في الواقع شيئا‬ ‫‪َ ‬و لَ ْم نَ َرى لَهَا ِمصْ َداقاا فِي َ‬ ‫يؤيّد هذا الكالم‪ .‬فسمع عن ‪‬محي ال ّدين بن عرب ّي‪ ،‬ال ّشيخ الصّوف ّي الكبير‪ ،‬الّذي‬ ‫كان أعجوبة ِمن أعاجيب دهره و مؤلّفاته بالمئات‪ ،‬عنده أكثر من ‪ 151‬مؤلّفا‪ .‬منها‬ ‫تفسير واحد لسورة النّور في مائة مجلّد‪' .‬مصيبة' هذا الرّجل‪ .‬تكلّم في ك ّل شيء‬ ‫وبشكل غريب ج ّدا ج ّدا‪ .‬و ناس جعلوه أكبر األولياء و ناس جعلوه زنديق و كفّروه‬

‫‪79‬‬

‫و طالبوا بقتله‪ ،‬و اختلف النّاس فيه كثيرا ألنّه أعجوبة كان‪ .‬فـ‪‬ابن رشد‪ ‬طلب‬ ‫أن يلتقي به‪ ،‬فالتقاه‪ .‬فأ ّول ما دخل عليه‪ ،‬ألنّه يعرف حاله أنّه مع شخصيّة هو ابن‬


‫صديقه‪ ،‬صغير بالنّسبة له‪ ،‬يمكن الفرق بينهم كان ‪ 35‬سنة (‪ 78‬سنة بالتّحديد)‪ .‬أ ّول‬ ‫ما دخل نظر فيه‪ ،‬فنظر فيه‪ ،‬باألعين فقط ليس بالكالم‪ ،‬أنتم مع ناس عباقرة اآلن‬ ‫غير طبيعيّين‪ .‬نظرة و جرى بينهم كلمات رمزيّة‪ ،‬بسيطة ج ّدا‪ ،‬و بعد ذلك اعترف‬ ‫اآلن َو َج ْد ُ‬ ‫ت لَهَا ِمصْ َداقاا‪،‬‬ ‫‪‬ابن رشد‪ ‬و قال‪ :‬نَ َع ْم‪َ ،‬و هَ ِذ ِه َحالَة أَ ْثبَتّهَا َع ْقلِيّاا‪َ ،‬و َ‬

‫اِ ْنتَهَى‪ .‬ابن عربي‪ ‬هو يقول أنّه أخذه نفس رحمان ّي‪ .‬النّب ّي‪ ،‬‬ ‫(‬

‫)‪ ،‬قال‪:‬‬

‫كمَ​َمنَ​َقب لَ​َ​َاليَمَنَ‪( ،‬أخرجه ‪‬أحمد‪ ‬من حديث ‪‬أبي‬ ‫دَنَفَسَ​َ​َرَبِّ َُ‬ ‫يَلجَ َُ‬ ‫‪َ​َِ‬نِّ َ‬

‫ي و ُمتَأ َلِّهاا و ذاكرا‪ ،‬يُ ْخلَ ُ‬ ‫إنسانا غير عاد ّ‬ ‫ق َخ ْلقاا جديدا‪ .‬لكن ليس مع ك ّل النّاس‪ .‬على‬ ‫ك ّل حال‪.‬‬ ‫فراح هذا الرّجل‪ ،‬هام على وجهه‪ ،‬و كان ابن أمير و ترك القصور‪ ،‬و ترك األدب‬ ‫و كان شاعرا‪ ،‬يشتغل في األدب و ال ّشعر‪ ،‬و ترك ك ّل هذه األشياء‪ ،‬و راح و آوى‬ ‫إلى قبر و مكث فيه أيّاما و ليالي‪ ،‬يقال ثالث أيّام بلياليها في القبر‪ ،‬خرج ِمن قبره‬ ‫يتكلّم في علوم ال أ ّول لها ِمن آخر‪ .‬تكلّم معه في ما تريد‪ ،‬في أ ّ‬ ‫ي شيء‪ ،‬حتّى في‬ ‫الفقه لم يكن يتّبع أحدا‪ ،‬يعتبر ّ‬ ‫أن له مذهبا خاصّا لوحده‪ ،‬يأخذ األحكام ِمن أدلّتها‪،‬‬ ‫عنده قدرة يقارعك في أ ّ‬ ‫ي موضوع و أذهل النّاس في عصره‪ .‬ما هذا يا أخي؟ وكان‬ ‫صباّا‪ ،‬أَ ْعطَانِي ِه‪.‬‬ ‫ي ال ِع ْل َم َ‬ ‫شابّا صغيرا‪ .‬بعد ثالثة أيّام‪ .‬كيف؟ قال لك‪ :‬هللاُ َ‬ ‫صبَّ َعلَ َّ‬ ‫َم َألَ َج ْوفِي بِ ِه ‪ .‬هللا أكبر‪ .‬شيء غريب‪ ،‬نادر هذا‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫هريرة‪ .)‬تجد إنسانا‪ ،‬هللا يجذبه إليه‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬فتجده انصلح حاله‪ ،‬يصبح‬

‫هناك َمن ي ّدعونه كذبا‪ ،‬خاصّة الصّوفيّة‪ ،‬يكذبون على النّاس‪ .‬و هناك ناس قلّة‪ ،‬منهم‪،‬‬ ‫ِمن شيوخ اإلسالم‪ ،‬عبد الوهاب ال ّشعران ّي‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ ،‬كان صوفيّا كبيرا‪،‬‬ ‫عالمة كبير‪َ ،‬من يقرأ كتبه يرى أنّه ّ‬ ‫و لكن ّ‬ ‫عالمة في اإلسالم‪ ،‬ما شاء هللا عليه‪،‬‬ ‫وكان هناك شيخ اسمه ‪‬عل ّي الخ ّواصّ ‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ ،‬أ ّمي ال يف ّ‬ ‫ك الخطّ‪،‬‬ ‫معروف و لم يدخل في حياته كتّابا و ال مدرسة‪ .‬كان يزعم ال ّشيخ ‪‬عل ّي‬

‫‪80‬‬


‫الخ ّواصّ ‪ ،‬هذا كالم شيخ اإلسالم‪ ،‬ال ّشيخ ‪‬عبد الوهّاب ال ّشعران ّي‪ّ ،‬‬ ‫أن‪َ :‬ج ِمي َع‬ ‫ب فِي ُسو َر ِة‬ ‫ار َ‬ ‫ف ال ِكتَا ِ‬ ‫ار ِ‬ ‫ف ال ُّد ْنيَا َو البَ َش ِر فِي ِكتَا ِ‬ ‫ب هللاِ‪ ،‬كما قلنا اليوم‪َ ،‬و َج ِمي َع َم َع ِ‬ ‫َم َع ِ‬ ‫البَقَ َر ِة‪َ ،‬و َج ِمي َع البَقَ َر ِة فِي الفَاتِ َح ِة َو َج ِمي َع الفَاتِ َح ِة فِي البَ ْس َملَ ِة َو َج ِمي َع البَ ْس َملَ ِة فِي‬ ‫البَا ِء‪ .‬ما هذا الكالم؟ كيف هذا؟ الباء؟ كالم بالنّسبة لنا غير مفهوم‪ ،‬طبعا‪ .‬و الّذي‬ ‫يقول أنّي أفهمه‪ ،‬يكون يكذب على نفسه‪ .‬كيف تفهمه؟ تسمعه أنت‪ ،‬يمكن تص ّدقه‪ ،‬ال‬ ‫تفهمه و ال أنا أفهمه‪ ،‬ما هذا الكالم!‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫طيّب‪ ،‬فيقول‪« :‬أنت‪ ،‬ما شاء هللا‪ ،‬تزعم هذا الشيء و تعتقده؟» يقول‪« :‬طبعا»‪ .‬طيّب يا‬ ‫شيخ‪ .‬كان يمتحنه مشايخ اإلسالم الكبار‪ ،‬يلقون إليه بعويصات المسائل؛ في الفقه‪،‬‬ ‫في األصول‪ ،‬مسائل ُو ِج َد فيها خالف‪ ،‬مباشرة يعطيهم الجواب على أحسن ما يكون‪،‬‬ ‫و يقدر يناقش فيه‪ .‬طيّب‪ِ ،‬من أين هذا؟ شيء عجيب هذا‪ ،‬يا أخي!‬ ‫إنسان أ ّم ّي‪ ،‬ال توجد مسألة تعجزه‪ ،‬يقول لك ِمن كتاب هللا‪ .‬كيف تعلّ َ‬ ‫مت هذا؟ كيف‬ ‫ا‬ ‫تستنبط؟ لم نفهم كيف‪ .‬ال هلإ إال اهلل‪ .‬موجود هذا‪ ،‬لكن قلّة‪ .‬وهذه ليست وسيلة للتّعلّم‪.‬‬ ‫الّذي يريد هذه الوسائل للتّعلّم سيبقى جاهال إلى أن يموت‪ّ ،‬إال إذا فتح هللا عليك‪ ،‬فهذا‬ ‫صعب‪ .‬ال نشجّع عليها و ال ندعو النّاس إليها‪ ،‬حقيقة‪ .‬نقول للنّاس‪ ،‬اعبدوا و صلّوا‪،‬‬ ‫و هللا سيعطيك‪ ،‬و سيبقى هكذا أو ّ‬ ‫يجن‪.‬‬ ‫أنا رأيت أحدا‪ ،‬و لم يكن ِمن أصدقائي‪ ،‬وجد ّ‬ ‫أن طريق العلم طويال؛ نحو و صرف‬ ‫و قصّة و «ألفيّة ابن مالك»‪ ،‬شيء مقرف بالنّسبة إليه‪ ،‬قال‪« :‬طويلة هذه»‪ .‬فوضع‬ ‫عمامة هكذا و ظ ّل المسكين‪ .‬و بعد ذلك طلع و قال‪« :‬هللا فتح عل ّي‪ ،‬أعطاني»‪ .‬شاب‬ ‫ح ّدثوني عنه‪ ،‬كنت في غ ّزة‪ ،‬شباب صغار‪ .‬قلت‪« :‬ما أعطاه هللا؟» قال‪« :‬أعطاني هللا‪،‬‬ ‫فتح عل ّي»‪ .‬قلت‪« :‬فتح عليه؟ هللا!» قال لي‪« :‬يا ربُّ جوهر علم»‪ .‬قلت له‪« :‬يا ربُّ ؟‬

‫‪81‬‬

‫أنت ال تعرف تقرأ ال ّشعر»‪ .‬قال لي‪« :‬ال‪ ،‬هذا زين العابدين»‪ .‬قلت له‪« :‬ال ّشعر ال‬ ‫تعرف قراءته‪ ،‬ما قصّتك؟» تكلّم معي المسكين‪ ،‬يتخربط الرّجل‪ ،..‬عقله مهبول‪.‬‬


‫أدركت أنّني أمام إنسان عقله مختلط مسكين‪ُ ،‬ج َّن‪ .‬و إلى اآلن يعتقد أنّه شيخ‬ ‫العارفين‪ ،‬هللا فاتح عليه كثيرا‪ ،‬و نحن وال شيء‪ ،‬كان يضحك منّا‪ ،‬و يسخر منّا و ِمن‬ ‫أمثالنا و ّ‬ ‫طالب العلم‪.‬‬ ‫طيّب‪ ،‬قلت له‪« :‬ما قصّتك؟» المه ّم‪ ،‬فعرفت‪ .‬قلت هذا ممسوس‪ ،‬حدث له مسّ‬ ‫شيطان ّي‪ .‬قالوا‪« :‬كيف؟» قلت‪« :‬وهللا العظيم ممسوس‪ ،‬يا أخواني‪ ،‬و رأيته من عينيه‬ ‫و ِمن كالمه‪ ،‬ممسوس الرّجل‪ ،‬و اسألوه»‪ .‬ذهبوا معه‪ ،‬قال لهم‪« :‬نعم‪ ،‬أنا تأتيني»‪« .‬ما‬ ‫ذهب إلى المشايخ الصّالحين‪ .‬فمشكلة‪.‬‬ ‫هذه الطّريقة حقيقة ال نشجّع عليها‪ .‬العلم يُ ْ‬ ‫طلَب بطريقته الخاصّة‪ ،‬لكن إذا هللا فتح‬ ‫عليك في الطّريق‪ ،‬أهال و سهال‪ .‬و على فكرة ِمن ضمن الفتوحات‪ ،‬ماهي؟ فتوح‬ ‫الفهم‪ ،‬أو غير صحيح؟ ليس ك ّل َمن طلب العلم‪ ،‬هللا علّمه‪ ،‬أو غير صحيح؟ تجد‬ ‫أناسا‪ ،‬تقرأ و تتعلّم و تكتب كتبا‪ ،‬لكن في أشياء كثيرة ال يفهمون فهما جيّدا‪ ،‬صح؟‬ ‫يفهمون القشور‪ ،‬و القشور سهل فهمها‪ ،‬يعني هذا حالل و حرام‪ ،‬كذا‪ ،‬كذا‪ ،‬لكن هناك‬ ‫أشياء؛ العميقة‪ ،‬الحقيقيّة‪ ،‬التّي هي جوهر العلوم و المعارف‪ ،‬ال يستوعبها ك ّل إنسان‬ ‫و يقدر أن يقتنع بها و يفهمها و يفهّمها‪ ،‬صعب‪ .‬الفهم ِمن هللا‪ ،‬ع ّز و جلّ‪ .‬فاطلب ِمن‬ ‫َ‬ ‫َ​َ‬ ‫هللا دائما أن يفهّمك‪  ،‬فف َّه ۡم َنَٰ َها ُسل ۡي َم َٰ َنۚۡ ‪.e S،١٩ W  U‬‬

‫الثاني‪ :‬الرّجاء‪ّ ،‬‬ ‫ال ّدرس ّ‬ ‫الثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫الّذي يأتيك؟» «تأتيني‪ ،‬جنّيّة تقف لي في رأس السّرير»‪ .‬و فعال بعد ذلك طلب العالج‪،‬‬

‫نسأل هللا أن يفهّمنا و يفتح علينا بالح ّ‬ ‫ق و هو خير الفاتحين‪.‬‬ ‫أقول قولي هذا و أستغفر هللا لي و لكم‪.‬‬ ‫‪82‬‬

‫السّالم عليكم و رحمة هللا‪.‬‬


‫هللا‬

‫‪5‬‬

‫‪‬‬ ‫ال ّدرس ال ّثاني‪ :‬الرّجاء‪ ،‬ال ّثواب‪ ،‬اإلخالص و شروط ال ّتكليف‬

‫‪83‬‬

‫هللا‬

‫بعون هللا‬

‫بإذن هللا‬

‫هللا‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.