الدرس الر ابع في العقيدة

Page 1

‫دروس العقيدة حلـجـة الإسالم‬ ‫براهَيم‪‬‬ ‫د‪ .‬عَدنَانَإَ َ‬


‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫أ ّول الواجبات و برهان الحدوث‬

‫‪1‬‬

‫ال ّدرس الرّابع‬


‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫‪2‬‬


‫في الصّفحات الموالية تقرؤون‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬رابع درس ِمن دروس العقيدة‪ ،‬لل ّشيخ‪،‬‬ ‫ال ّدكتور‪ ،‬و ّ‬ ‫العّلمة الحجّة‪ ،‬فخر اإلسّلم ‪‬عدنان إبراهيم‪. 5 ،‬‬ ‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫و قد دامت هذه الحصّة ‪ 1‬س و ‪ 30‬دق تض ّمنت فقرة لألسئلة و األجوبة دامت‬ ‫ُ‬ ‫فر َغت في هذه الصحائف ل َمن استحسن التّعلّم قراءةً‪ .‬و ت ّم اتّباع خطّة معيّنة‬ ‫‪ 5‬دق‪ ،‬أ ِ‬ ‫خط مت ّ‬ ‫عند التّفريغ‪ ،‬و َشرْ حُها كالتّالي‪ :‬ما هو مكتوب بخطّ "هاسن فانيليا"‪ ،‬تحته ّ‬ ‫قطع‪،‬‬ ‫و بين قوسين ليس ِمن أقوال ال ّشيخ‪ ،‬إنّما مّلحظات لكي يفهم القارئ بعض المقاصد‪،‬‬ ‫الّتي قد تغيب عنه‪.‬‬ ‫‪ ،‬و ال يُعتَبَ ُر حديثا نبويّا شريفا‬

‫ال يُعتَبَ ُر قرآنا ّإال ما ُكتب بين الرّمزين التّاليين ‪‬‬ ‫ب بين ‪ ،‬وبالنّسبة ألقوال العلماء فهو بين ‪ ، ‬و الك ّل مشكول‪.‬‬ ‫ّإال ما ُكتِ َ‬ ‫وت ّم إسقاط بعض الجمل‪ ،‬لعدم استكمالها ِمن ال ّشيخ و ال يوجد فيها معنى يُذ َكر‪ ،‬كما‬ ‫ي أنّه يُناسبها من العربيّة الفصيحة‪.‬‬ ‫ت ّم استبدال بعض الكلمات العاميّة بما ر ُِؤ َ‬

‫و الكمال هلل وحده‪ ،‬و الصّ​ّلة و السّ​ّلم على َمن ال نب ّي بعده‪.‬‬ ‫اللّه ّم زدنا ِع ْلما و فِ ْقها و َر َشدا‪ ،‬آمين‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫الحمد هلل‪ ،‬ربّ العالمين‪ ،‬يا ربّي لك الحمد حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه كما تحبّ‬

‫وترضى‪ .‬اللّه ّم ص ِّل و سلّم و بارك على سيّدنا ‪‬‬

‫‪ ،‬إمام النّبيّين و قائد ال ُغ ِّر‬

‫ال ُم َحجَّلين‪ ،‬و على آلِه الطّيّبين الطّاهرين و صحابته المباركين ال ُم ْنتَ َجبِين‪.‬‬ ‫ُ ۡ َ َ َ َ ۡ َ َ​َٓ ا َ َ اَۡ​َٓ ا َ َ َ َۡ ُ ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪...‬سبحَٰنك َل عِلم َلا إَِل ما علمتنا ۖٓ إِنك أنت ٱلعلِيم ٱۡلكِيم ‪S،٣٢ W ‬‬ ‫‪.2‬‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫أعوذ باهلل‪ ،‬السّميع العليم‪ِ ،‬من ال ّشيطان الرّجيم‪ ،‬بسم هللا الرّحمان الرّحيم‪.‬‬

‫َانفعن اَبماَعلَّمتن اَوَزدن اَعَْلما ‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫اللَّهمََّعلِّمن اَماَي ْنفعن ا‪َ،‬و ْ‬ ‫ُ‬

‫ْ‬

‫ُ‬

‫ْ‬

‫ْ‬

‫ْ‬

‫ا‬

‫أ ّما بعد‪ ،‬أيّها اإلخوة األفاضل أيّتها األخوات الفاضّلت‪ ،‬السّ​ّلم عليكم و رحمة هللا‪،‬‬ ‫تعالى‪ ،‬و بركاته‪.‬‬ ‫قبل أن نبدأ در َسنا الجديد‪ ،‬نُ ِحبّ ‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬أن نراجع مراجعةً سريعة الّذي درسناه‬ ‫في ال ّدروس السّابقة‪.‬‬

‫‪4‬‬


‫َمن حفِظ األبيات‪ ،‬السّابقة الّتي َد َرسناها و َدرَّسناها في ال ّدروس السّابقة؟ ‪ ...‬لألسف!‬ ‫(يبدو أنّهم خذلوه)‪.‬‬ ‫ال ّشيخ (‪‬ال ّلقّانيّ‪ )‬يقول‪:‬‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫‪ 9‬الحَمْدُ ِهلل عَلَى ِص َ​َلتـِـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـه‬

‫ثُمَّ سـَ​َ​َلمُ ِ‬ ‫اهلل مـَعَ صَ َـَلِتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـه‬

‫َّوِح ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد‬ ‫‪ 9‬عَلَى نَِب ٍّي جَاءَ ِبالتـ ْ‬

‫وَ قَ ْد خَ َ​َل الدِّينُ عَ ِن التَّـ ْوِحـي ِـد‬

‫‪ 9‬فَأَرْش َد الخَ ْلقَ ِل ِدي ِن الحَـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـق‬

‫ِب ــسَـ ـ ــيْـ ِـف ـ ِـه وَهـ ـَـ ـ ْدِيـ ـ ِـه ِللحَ ـ ـ ـ ـ ـ ِّـق‬

‫ِ‬ ‫ب ِل ــرُسْ ِل رَبِّـ ـ ـ ـ ـ ـ ــِه‬ ‫‪ 9‬مُحَ َّمدُ العَاق ْ‬

‫ِ‬ ‫ـحـِبــِه وَ ِح ـ ْـزبِـ ـ ـ ـ ــِه‬ ‫وَ آلـ ـ ـ ِـه وَ صَ ْ‬

‫‪ 9‬و بـعْدُ فَ ِ‬ ‫العلْمُ ِبأَصْ ِل ِّ‬ ‫الديـ ـ ـ ـ ـ ـ ِن‬ ‫َ​َ‬

‫حتَاجُ ِللتَّـ ــبـْ ـ ـِي ـ ـيـ ـ ـ ـ ِن‬ ‫مُحَ ـ ـ ـ ـتَّ ــمٌ يَ ْ‬

‫‪ 9‬لَ ِكنْ ِمن التَّطْ ِو ِيل َكَّل ْ ِ‬ ‫ت ال ِهممْ‬ ‫َ‬

‫فَصَارَ ِف ِيه اال ْخِتـ ــصَــارُ مـُْلت ـَ َـزمْ‬

‫‪ 9‬وَ هَ ِذِه أُرْج ـُـ ــوزَةٌ لَـ ـ ـ ـ َّـقـ ــبـْ ـت ـُـ ـ ـ ـ ــهَا‬

‫َّوِح ِيد قَ ْد هَ َّذبْتـُه ـَا‬ ‫جَ ـ ْـوه ـَـ ــرَةَ التـ ْ‬

‫‪ 9‬وَ اهللَ أَرْجُو ِفي ال َقـ ـ ـبـُ ِ‬ ‫ول نَ ِافـعـَا‬

‫ِبهَا مُِري ًدا وَ ِفي الثَّـ َـو ِ‬ ‫اب طَ ِامعَا‬

‫ث ّم قال بعد ذلك‪ ،‬دخلنا في المقصود‪.‬‬ ‫قال رحمة هللا عليه‪:‬‬

‫‪5‬‬

‫‪9‬‬

‫ف َشـ ـ ْرعًـ ـا وَجَبَا‬ ‫فَ ُكل مَـنْ ُك ـِّلـ ـ َ‬

‫ف مَا قَ ْد وَج ـَبـ ـ ـَا‬ ‫عَلَيِْه أَ ْن يَع ـِْر َ‬

‫‪9‬‬

‫ِللِّه وَالجَائ ـ ـ َـز وَال ـم ـــُمْـتـ ـَـِنـ ـ ـ ـعـ ـَـ ـا‬

‫وَِمثـْ ـلَ ذَا ِل ـ ــرُسْ ـِـل ـ ـ ـ ِـه فَاسْتَِمعَا‬

‫‪ِ 9‬إذْ ُكل من َش َّ ِ‬ ‫َّوِحـيـ ـ ـ ــِد‬ ‫ك في التـ ْ‬ ‫َْ‬

‫ِإيـمـَانُـهُ لَـ ــمْ يـَ ْخـلُـو ِمنْ تَ ْـرِ​ِيـ ــِد‬


‫‪9‬‬

‫ِ‬ ‫ح ِكي الخُ ْل َفا‬ ‫ض ال َق ْوم يَ ْ‬ ‫فَِف ِيه بـَعْ ُ‬

‫وَ بـَعْضُهُمْ حَ َّـق ـقَ ِفـ ِـيه ال َكـ ْش َفــا‬

‫‪9‬‬

‫ـج ـ ِزمْ ِب ـ َق ْـوِل الغَـيـ ـْ ِر‬ ‫فَـ َق َ‬ ‫ـال ِإ ْن يـَ ْ‬

‫َك َفى وَ ِإَّال لَمْ يـَ َز ْل ِفي الضَّـيـِْر‬

‫(هذا حفظ شيخنا)‬

‫هذه األبيات الّتي شرحناها في ال ّدروس السّابقة‪.‬‬

‫اليوم يقول‪ ،‬رحمة هللا عليه‪:‬‬

‫ك ثُمَّ انْــتـَِـقـ ـ ِـل‬ ‫‪ 9‬فَانْظُـ ْـر ِإلَى نـَ ْف ِس َ‬

‫ي ثـُمَّ السـ ـفُـِـلــي‬ ‫ِل ْلـعَـالَِم العُـ ْل ـ ِو ِّ‬

‫‪ 9‬تَ ِـج ـ ْد ِبـ ِـه صـنْــعا ب ِـديع ِ‬ ‫الح ـ َك ِم‬ ‫ُ ً َ َ‬

‫لَـ ِـكــنْ ِب ـ ِـه قَــامَ َِِل ـ ـ ـي ــلُ العَـ ـ َدِم‬

‫ِ‬ ‫‪ 9‬وَ ُك ــل م ـَـا جَ ــازَ عَـلَــيـْـه العـ ـَـ َدمُ‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫عَـلَـ ـيـْـه قَـطْ ــعًا يَـسْـتـَـحـيلُ الق َدمُ‬

‫ض ِّم الفاء‪ .‬ال تقل 'الس ْفلِ ّي'‪ ،‬ينكسر البيت بالكامل‪.‬‬ ‫بِ َ‬

‫هذه هي األبيات الّتي نسأل هللا‪ ،‬ع ّز و جلّ‪ ،‬أن ييسّر شرحها في هذا اليوم‪.‬‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫‪ 9‬و اجـ ِزمْ ِب ـأ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـب‬ ‫َ ْ‬ ‫َن أ َّ​َوًال مـ َّـما ي ـَـج ـ ـ ْ‬

‫مَـعْـ ِرفَـةٌ و ِفـ ِـيه خُ ْل ٌ ِ‬ ‫ب‬ ‫ف م ـُنْـتَص ـ ْ‬ ‫َ‬

‫يقول النّاظم‪ ،‬رحمة هللا عليه‪َ .‬من هو النّاظم هنا؟ (اإلخوة أتعبهم درس التّجويد‪،‬‬

‫لم يعودوا ُيفَرِّقون‪ .‬اهلل المستعان)‪( ،‬الشّيخ ابتسم و قال)‪ ،‬انتهينا ِمن التّجويد و ‪‬ابن‬ ‫الجزريّ ‪( ،‬صاحب «مَتن الجزريّة» المشهور‪ ،‬في علم التّجويد‪ 388-157 ،‬هـ)‪ ،‬نحن‬ ‫في العقيدة اآلن‪( .‬الشّيخ يضحك)‪َ .‬من هو ناظم «جوهرة التّوحيد»؟ (تذكّر اإلخوة‬

‫وأجابوا الجواب الصّحيح)‪ ،‬أحسنت‪.‬‬

‫‪6‬‬


‫ي‪ِ ،‬من قرية 'لَقَانَة'‪ ،‬بصعيد 'مصر'‪( ،‬و هي منطقة‬ ‫ال ّشيخ ‪‬إبراهيم بن حسن اللّقّان ّ‬

‫يرة'‪ ،‬تابع لمركز‬ ‫تقع في الجزء العلويّ من أراضي نهر النّيل)‪ِ ،‬من محافظة 'الب ِح َ‬ ‫اخ ْ‬ ‫اخ ْ‬ ‫يت'‪ ،‬عجيبة‪ ،‬خرّجت علماء كثرا‪ ،‬سبحان هللا‪ ،‬في القديم و في‬ ‫يت'‪ُ ' .‬ش ْب َر ِ‬ ‫' ُش ْب َر ِ‬ ‫يرة'‪ .‬مشهورة‪،‬‬ ‫الحديث‪ .‬حتّى في القرن العشرين‪ .‬أكثر العلماء ِمن محافظة‬ ‫'البح َ‬ ‫ِ‬ ‫سبحان هللا‪ .‬طيّب‪.‬‬

‫يقول ال ّشيخ‪ ،‬رحمة هللا عليه‪:‬‬ ‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫‪ 9‬و اجـ ِزمْ ِب ـأ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـب‬ ‫َ ْ‬ ‫َن أ َّ​َوًال مـ َّـما ي ـَـج ـ ـ ْ‬

‫مَـعْـ ِرفَـةٌ و ِفـ ِـيه خُ ْل ٌ ِ‬ ‫ـب‬ ‫ف م ـُنْـتَصـ ْ‬ ‫َ‬

‫ما معنى‪ ،‬اجزم؟ أي‪ ،‬اعتقد اعتقادا جازما‪ .‬عليك أن تعتقد هذا‪.‬‬ ‫ماذا يعني‪' ،‬أَ َّو ًال ِم َّما يَ ِجبْ '؟ اعتقد ّ‬ ‫أن أ ّول واجب‪ .‬هي واجبات‪ ،‬أنت م َكلَّف‪ .‬هنا‬ ‫َ‬ ‫المخاطَب‪ ،‬هنا‪ ،‬ك ّل م َكلَّف؛ ِمن‬ ‫ال ّشيخ يقول 'و اجزم'‪ ،‬يخاطب َمن؟ المكلَّف‪ .‬إذن‪،‬‬ ‫إنس و ّ‬ ‫جن‪ ،‬و ِمن ذكر و أنثى‪ِ ،‬من عرب و عجم‪ .‬الم َكلّف‪ ،‬أ ّ‬ ‫ي إنسان م َكلَّف‪ ،‬الّذي‬ ‫هو ك ّل إنسان مسلم‪ ،‬بالغ‪ ،‬عاقل‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫في البيت السّابق‪ ،‬ماذا قال؟ أخبرنا ّ‬ ‫بأن معرفة األحكام‪ ،‬و ما يجوز و ما يجب في‬ ‫ح ّ‬ ‫ق هللا‪ ،‬و ما يجوز عليه‪ ،‬و كذا للرّسل‪ ،‬أنّه واجب‪ .‬إذن‪ ،‬تح ّدث عن الواجب‪ ،‬لكن‬ ‫هنا تح ّدث عن ماذا؟ عن أ ّول واجب‪ .‬في األبيات السّابقة تح ّدث عن المعرفة الواجبة؛‬ ‫كيف يجب أن تعرف هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬ال تعرفه ّإال إذا َع َر ْف َ‬ ‫ت ما يجب في حقّه‪،‬‬ ‫و ما يجوز و ما يستحيل‪ ،‬و كذا لرسل هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬صحيح؟‬

‫‪7‬‬


‫ْرفَةٌ"‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬هنا‪ ،‬تكلّم عن ماذا؟ عن أ ّول واجب‪ .‬ما هو أ ّول واجب؟ يقول‪َ " :‬مع ِ‬ ‫المعرفة باهلل‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬أ ّول الواجبات‪ ،‬المعرفة باهلل‪ .‬معرفةٌ‪ .‬ليست أ ّ‬ ‫ي معرفة‪،‬‬ ‫كما تعرف الكتابة و القراءة‪ .‬ليس كما تعرف التّاريخ و الجيولوجيا‪ ،‬ال‪ .‬معرفة هللا‪.‬‬

‫‪ 9‬و اجـ ِزمْ ِب ـأ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـب‬ ‫َ ْ‬ ‫َن أ َّ​َوًال مـ َّـما ي ـَـج ـ ـ ْ‬

‫مَـعْـ ِرفَـةٌ و ِفـ ِـيه خُ ْل ٌ ِ‬ ‫ـب‬ ‫ف م ـُنْـتَصـ ْ‬ ‫َ‬

‫نريد أن نشرح‪ .‬طيّب‪ .‬أ ّول شيء؛ اختلف السّادة العلماء‪ ،‬في هذه المسألة‪ ،‬على أقاويل‬ ‫هو أ ّول واجب‪.‬‬ ‫لو‬

‫سألنا‬

‫إنسانا‬

‫عا ّميّا‬

‫‪K‬‬

‫بسيطا‪،‬‬

‫يقول‬

‫ّ‬ ‫أن‬

‫أ ّول‬

‫واجب‪:‬‬

‫ال ّشهدتان؛‬

‫‪J‬‬

‫لكن‪ ،‬هل تشهد بما ال تعرف؟ هل تشهد بما ال تؤمن؟ لذلك ال‪ .‬األقوال األقوى‪ ،‬قبل‬ ‫ذلك (يجب معرفة أشياء)‪.‬‬

‫منهم َمن قال‪:‬‬

‫اجب‪ ،‬هُ َو ال َم ْع ِرفَةُ ‪ .‬معرفة هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬و هو‬ ‫أَ َّو ُل َو ِ‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫ص َرها بعضهم في اثنَ ْي عشر قوال‪ .‬في أ ّ‬ ‫ي مسألة؟ في أ ّول الواجبات‪ .‬ما‬ ‫كثيرة‪َ .‬ح َ‬

‫اإلمام ‪‬أبو الحسن األشعر ّ‬ ‫ي‪ 803-062( ‬هـ)‪ ،‬شيخ المسلمين في عصره‪ ،‬رحمة‬ ‫هللا عليه‪ .‬قال ّ‬ ‫أن أ ّول معرفة هي معرفة هللا‪.‬‬ ‫قد يقول أحدكم‪« :‬كيف معرفة هللا؟ معرفة ُك ْن ِه هللا؟» سنشرح هذا‪ ،‬بعد قليل‪ ،‬إن شاء‬ ‫هللا‪ ،‬تعالى‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫ي‪( ‬متوفّى ‪ 373‬هـ)‪ِ ،‬من كبار علماء العقيدة‪ ،‬و هو‬ ‫اال ْسفَ َرايِينِ ّ‬ ‫‪‬أبو إسحاق ِ‬ ‫أشعر ّي العقيدة‪ ،‬على مذهب اإلمام األشعريّ‪ ،‬قال‪ :‬ال‪ .‬أَ َّو ُل َوا ِجب هُ َو النَّظَ ُر‪.‬‬ ‫ما هو النّظر؟ النّظر‪ ،‬لغةً‪ ،‬هو إدراك ال ّشيء بالبصر أو بالفكر‪ ،‬يعني بالبصيرة‪.‬‬ ‫سواء أدر ْكتَه بالبصيرة أو بالباصرة‪ ،‬يس ّمى نظرا‪ .‬صحيح؟ نحن نقول‪« :‬اُنظر يا‬ ‫أخي‪ .‬اُنظر كيف فعل هللا بالنّازيّين»‪ .‬لن نستطيع أن نرى ذلك اآلن‪ .‬فمعناها اُنظر‬ ‫َ َ ۡ َ َ ۡ َ َ َ َ َ ُّ َ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫ب‬ ‫بالبصيرة‪ ،‬بالفكر‪ .‬صحيح؟ كما قال (‬ ‫)‪  :‬ألم تر كيف فعل ربك بِأصح ِ‬ ‫ۡ‬ ‫ي ُولِ َد عام الفيل‪ ،‬و هو لم يَ َر‪ ،‬لكن الرّؤية هنا‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫يل ‪ .M S،١ W ‬و النّب ّ‬ ‫ٱل ِ‬

‫‪y‬‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫علميّة أو بصريّة؟ رؤية علميّة‪ .‬سواء الرّؤية‪ ،‬سواء النّظر‪ .‬ممكن تكون الرّؤية‪ ،‬كما‬

‫النّظر أيضا‪ ،‬بالباصرة و ممكن يكون بالبصيرة‪ ،‬بالفكر‪ .‬طيّب‪ ،‬هذا في اللّغة العربيّة‪.‬‬ ‫لكن في االصطّلح‪ ،‬في اصطّلح علماء الكّلم‪ ،‬في اصطّلح الفّلسفة‪ ،‬النّظر ليس‬ ‫كما يقول علماء اللّغة و إنّما النّظر‪ ،‬أيّها اإلخوة و األخوات‪ ،‬هو ترتيب المق ّدمات‬ ‫المعلومة‪ ،‬لماذا؟ للوصول إلى علم مجهول‪ .‬شيء كان مجهوال يصبح معلوما بترتيب‬ ‫المق ّدمات ‪( ..‬الشّيخ ير ّد السّالم على أحد اإلخوة)‪.‬‬ ‫‪ ..‬نأتي بمق ّدمة صغرى و مق ّدمة كبرى‪ ،‬نربط بينهما بطريقة معّينة ث ّم نستد ّل إلى أن‬ ‫نتوصّل إلى النّتيجة‪ .‬هذا اسمه النّظر‪ ،‬طريقة في االستدالل يعني‪ ،‬أو االستنباط‪.‬‬ ‫اال ْسفَ َرايِينِ ّي‪ ‬قال أ ّول واجب هو النّظر‪.‬‬ ‫فـ ‪‬أبو إسحاق ِ‬ ‫ّ‬ ‫الباقّلن ّي‪ 320-803( ‬هـ)‪ ،‬رحمة هللا عليه‪.‬‬ ‫و قال اإلمام القاضي‪ ،‬أبو بكر‬ ‫طبعا هذه أسماء مشهورة ج ّدا‪ ،‬هي نجوم في عالم العقيدة اإلسّلميّة؛ نقول ‪‬أبو‬ ‫الحسن األشعر ّ‬ ‫ي‪ ،‬هذا شيخ المسلمين‪ .‬صحيح؟ ال ّشافعيّة كلّهم‪ ،‬و المالكيّة كلّهم‪،‬‬

‫‪9‬‬

‫أشاعرة‪ .‬هذا شيخ في العقيدة كان‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ّ ،‬‬ ‫عّلمة‪ ،‬شيخ اإلسّلم كان‪ ،‬جهبذ‪.‬‬


‫اال ْسفَ َرايِينِ ّي‪ِ ،‬من كبار األشاعرة‪ .‬ل ّما نقول اإلمام‬ ‫ل ّما نقول ‪‬أبو إسحاق ِ‬ ‫الي‪( ‬شيخ الشّيوخ)‪ .‬اإلمام ‪ّ ‬‬ ‫الباقّلن ّي‪ ‬المعروف بالقاضي‪ ،‬القاضي‬ ‫‪‬الغ ّز ّ‬ ‫ّ‬ ‫الباقّلن ّي‪ ،‬هذا فَ ْلتَة ِمن فَلَتات ال ّدهر‪ ،‬شيخ أعجوبة كان‪ ،‬رحمة هللا‪ ،‬تعالى‬ ‫أبو بكر‬ ‫عليه‪ .‬عجيب‪ .‬ناقش اليهود و أفحمهم‪ ،‬و ناقش النّصارى عند ملك الرّوم و أفحمهم‪،‬‬ ‫شيء عجيب! أفحم ك ّل قُسُس النّصارى‪ ،‬هناك‪ ،‬عند ملكهم‪ .‬عبقريّة فَ َّذة‪ .‬و ناقش‬ ‫ب في العقيدة‪،‬‬ ‫جميع أهل البِ َدع‪ ،‬ك ّل المبتدعين و ال ّزنادقة و كذا كذا‪ ،‬و أفحمهم‪ .‬و َكتَ َ‬ ‫شيء عجيب هذا الرّجل‪ .‬المالكيّة يقولون مالك ّي‪ ،‬ال ّشافعيّة قالوا هو شافع ّي‪ ،‬و بعض‬ ‫رحمة هللا عليه‪ .‬لكن ل ّما مات‪ ،‬حتّى علماء الحنابلة‪ ،‬خرجوا ُحفَاةً ُعراةً يلطمون‬ ‫وجوههم يقولون‪« :‬اليوم قُبِ َر اإلسّلم»‪ .‬حتّى الحنابلة‪ ،‬و كانوا أعداء له في الفكر وكذا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ي‪ ‬اسمه‪ .‬عنده مؤلفّات كثيرة ج ّدا‪ ،‬وذك ّي‬ ‫ألنّه شيخ عجيب كان‪ .‬أبو بكر‬ ‫الباقّلن ّ‬ ‫ِمن أذكياء البشر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الباقّلن ّي‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫‪‬أبو بكر‬

‫اجب هُ َو أَ َّو ُل النَّظَ ِر‪،.‬‬ ‫أَ َّو ُل َو ِ‬

‫عرّفنا النّظر‪ ،‬قبل قليل‪ .‬لكن ل ّما نقول‪« :‬أ ّول النّظر»‪ .‬تعرفون ما هو أ ّول النّظر؟‬ ‫المق ّدمة الصّغرى‪.‬‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫الحنابلة ا ّدعى أنّه حنبل ّي‪ ،‬مع أنّه لم يكن على عقيدة الحنابلة‪ ،‬هو أشعر ّ‬ ‫ي العقيدة‪،‬‬

‫ل ّما نقول‪ ،‬مثّل‪« :‬هذا ال ّشيء حادث‪ ،‬و ك ّل حادث ال ب ّد له ِمن ُمح ِدث‪ ،‬إذن فلهذا ال ّشيء‬ ‫ُمحْ ِدث»‪ .‬صحيح؟ انتبه! ماهي المق ّدمة الصّغرى؟ }هذا ال ّشيء حادث{‪ .‬و على‬ ‫أساس (أننا) متفّقون عليه‪ّ ،‬‬ ‫ان‬ ‫أن هذا ال ّشيء حادث‪ .‬يعني ما معنى حادث؟ يعني‪َ :‬ك َ‬ ‫بَ ْع َد أَ ْن لَ ْم يَ ُك ْن‪ .‬يعني له وجود مبتدأ في ال ّزمان‪ ،‬و ليس أزليّا‪ .‬هذا ليس شيئا أزليّا‪.‬‬ ‫ان بَ ْع َد أَ ْن لَ ْم يَ ُك ْن‪ .‬هذا ال ّشيء حادث‪ .‬هذه مق ّدمة صغرى‪.‬‬ ‫َك َ‬

‫‪10‬‬


‫المق ّدمة الكبرى‪} ،‬ك ّل حادث له ُمحْ ِد ٌ‬ ‫ث{‪ .‬يعني ك ّل معلول له ِعلّة‪ .‬ك ّل نتيجة لها‬ ‫سبب‪ .‬صحيح؟ هذا هو‪} .‬ك ّل حادث ُمحْ َد ٌ‬ ‫ث{‪ ،‬يعني الحادث هو ال ُمحْ َدث‪ .‬يعني }ك ّل‬ ‫ُمحْ َدث له ُمحْ ِد ٌ‬ ‫ث{‪ .‬اسم مفعول‪ ،‬اسم فاعل‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬هذا ال ّشيء ال ب ّد ّ‬ ‫أن له ُمحْ ِدثًا‪ .‬نبحث عن هذا المح ِدث‪ .‬هذا النّظر‪ .‬هذه طريقة‬ ‫استدالل‪ِ ،‬وفق المنطق الصّوريّ‪ .‬أين أ ّول النّظر‪ ،‬هنا؟ قولنا‪ :‬هَ َذا ال َّش ْي ُء َحا ِد ٌ‬ ‫ث‪ .‬أن‬ ‫تعرف ّ‬ ‫أن هذا ال ّشي َء حادث‪ .‬هذا أ ّول النّظر‪ .‬العمليّة ُكلها‪ ،‬عمليّة نظريّة‪ ،‬هي النّظر‪.‬‬ ‫و قولنا‪ :‬هذا ال ّشيء حادث‪ ،‬هو أ ّول النّظر‪.‬‬ ‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫ّ‬ ‫ف هُ َو أَ َّو ُل‬ ‫‪‬أبو بكر‬ ‫اجب َعلَى ال ُم َكلَّ ِ‬ ‫الباقّلن ّي‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ ،‬يقول‪ :‬أَ َّو ُل َو ِ‬ ‫النَّظَ ِر‪ ..‬فهمنا كيف؟ إذن هو يخالف اإلمام ‪‬االسفرايين ّي‪ ‬الّذي قال‪ :‬أَ َّو ُل‬ ‫اجب هُ َو النَّظَ ِر‪ ..‬قال‪ ،‬ليس النّظر هكذا جملة واحدة‪( ،‬و إنّما) أ ّول النّظر‪ .‬و هذا‬ ‫َو ِ‬ ‫نوع ِمن التّرتيب في التّفكير‪ .‬طبعا‪ ،‬هناك َمن يقول‪« :‬أنا ال أسلّم ّ‬ ‫بأن هذا حادث»‪.‬‬ ‫وفعّل‪ .‬طبعا‪ ،‬الما ّديّون و المّلحدة ال يُ َسلّمون ّ‬ ‫بأن شيئا في الكون حادث‪ ،‬كلّه أزل ّي‪،‬‬ ‫(أعاذنا اهلل مِن هذا الجهل)‪ .‬فمشكلة هنا‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬أ ّول شيء يجب أن يُقِرّوا به و أن يعرفوه ّ‬ ‫أن هذا الوجود حادث‪ِ ،‬من األ ّول قبل‬ ‫أن ندخل في النّقاش ال ّدين ّي‪ ،‬و هذا صحيح‪ .‬و ما لم يُقِ ّر معناها هو ملحد‪ .‬و إلى اليوم‬ ‫هذا الكّلم صحيح‪ ،‬و سنأتي إليه بالتّفصيل بعد قليل‪.‬‬ ‫ما لم يق ّر الملحد و النّافي‪ّ ،‬‬ ‫أن هذا الوجود‪ ،‬بك ّل ما فيه ِمن أعراض و جواهر وأشياء‪،‬‬ ‫ُمحْ َد ٌ‬ ‫ث‪ ،‬يعني حادث‪ ،‬ال يوجد طريق للحلّ‪ .‬صحيح؟ ال ب ّد أن يصير نقاش نثبت له‬

‫‪11‬‬

‫ّ‬ ‫ث‬ ‫أن هذا الكون حادث‪ .‬و إذا سّلم بأنّه حادث‪ ،‬يصير الطّريق إلى االعتراف بال ُمحْ ِد ِ‬ ‫ّ‬ ‫ألن مبدأ العلّيّة‪ ،‬لك ّل معلول علّة‪ ،‬هو متّفق عليها‪.‬‬ ‫قصير ج ّدا‪ ،‬لماذا؟‬


‫المّلحدة ال ينكرون مبدأ العلّيّة‪ ،‬لكن يتهرّبون ِمن إلزاماته بطريقة‪ ،‬سأعرضها بعد‬ ‫قليل‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬تعالى‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬اإلمام األشعر ّ‬ ‫ْرفَةُ{‪ .‬أبو إسحاق ا ِال ْسفَ َرايِينِ ّي‪ ‬قال‪،‬‬ ‫ي قال‪} ،‬ال َمع ِ‬ ‫ّ‬ ‫الباقّلن ّي‪‬؟ }أَ َّو ُل النَّظَ ُر{‪.‬‬ ‫}النَّظَ ُر{‪ .‬و ماذا قال ‪‬أبو بكر‬ ‫اإلمام ‪‬أبو المعالي الج َُو ْينِ ّي‪ 313-374( ‬هـ)‪ ،‬و أيضا هذا ال ّشيخ غريب و عجيب‬ ‫ج ّدا‪ .‬هو إمام الحرمين‪ .‬تسمعون؛ يقولون‪« :‬إمام الحرمين!» و هو ‪‬أبو المعالي‬ ‫الج َُو ْينِ ّي‪ ‬الملقَّب بإمام الحرمين‪ ،‬شيخ مشايخ ال ّدنيا في عصره‪ .‬أبوه كان شيخ‬ ‫في الفقه ال ّشافع ّي»‪ ،‬و صديق اإلمام ‪‬البيهق ّي‪ 353-833( ‬هـ)‪ .‬تعرفون‬ ‫‪‬البيهق ّي‪‬؟ أبوه (أبو إمام الحرمين) كان صديقه و بينهم مراسّلت‪ .‬أبوه ّ‬ ‫عّلمة‬ ‫نور أبيه‪ .‬أبوه صار غير معروف‪ ،‬ال نسمع به‪،‬‬ ‫كبير ج ّدا‪ .‬و كان فَ ْلتَة‪َ ،‬ك َس َ‬ ‫ف نورُه َ‬ ‫الذين يعرفون ‪‬أبا مح ّمد الج َُو ْينِ ّي‪ّ ‬‬ ‫نحن‪ّ ،‬إال الفقهاء المتخصّصون ّ‬ ‫الذي هو أبو‬ ‫اإلمام ‪‬أبي المعالي الج َُو ْينِ ّي‪ .‬أبو المعالي الج َُو ْينِ ّي‪( ‬هو) إمام الحرمين‪،‬‬ ‫الي‪ .‬أبو حامد الغ ّزال ّي‪ ‬تَ ْلمي ُذ ‪‬ال ُج َو ْينِ ّي‪.‬‬ ‫و أستاذ ‪‬أبي حامد الغ ّز ّ‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫ي‪( ‬متوفّى ‪ 383‬هـ)‪ ،‬صاحب كتاب «البحر المحيط‬ ‫اإلسّلم‪ ،‬أبو مح ّمد الج َُو ْينِ ّ‬

‫اس ّي‪ 523-352( ‬هـ و كأنّهما دفتا حياة ‪‬الغزّاليّ‪ ‬إلّا عاما)‪،‬‬ ‫أيضا‪ ،‬ال ِكيَا الهَ َّر ِ‬ ‫ِمن أئ ّمة ال ّ‬ ‫شافعيّة الكبار‪ ،.‬فقيه كبير ج ّدا‪ ،‬إندونيسي (طبعا‪ ،‬المقصود إندونيسيا حاليّا‬ ‫وإلّا فـ‪‬الكيا الهرّاسيّ‪ ‬وُِل َد في طبرستان)‪' .‬ال ِكيَا' معناها األسد باللّغة العربيّة‪ .‬رحمة‬ ‫هللا عليه‪ .‬صاحب «أحكام القرآن»‪ِ ،‬من أكبر أئ ّمة ال ّشافعيّة‪ ،‬في الفقه أيضا‪ ،‬و تفسير‬ ‫األحكام‪ .‬المه ّم‪.‬‬ ‫فـ ‪‬الج َُو ْينِ ّي‪ ‬إمام الحرمين‪ّ ،‬‬ ‫عّلمة كبير‪ .‬له إسهامات في األصْ لَيْن‪ .‬ل ّما نقول‬ ‫في األصلين‪ ،‬ما المقصود؟ أصول الفقه و أصول العقيدة‪.‬‬

‫‪12‬‬


‫له إسهامات في األصلين‪ ،‬على قدم سواء‪ُ ،‬كتُبُه في أصول الفقه ال تق ّل عن ُكتُبِه في‬ ‫أصول العقيدة تحقيقا و جودة و تَ َعمقا و َس ْبرا‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ .‬شيء عجيب! في‬ ‫أصول الفقه عنده كتاب اسمه «البرهان»‪ ،‬و اسمه «لغز اإلسّلم»‪ .‬العلماء الكبار لم‬ ‫يقدروا على فهمه‪ .‬صعب ج ّدا ج ّدا‪ .‬يُس ّمى «لغز اإلسّلم»‪ .‬و لذلك ل ّما بعض العلماء‬ ‫تجرّأ على شرح «البرهان»‪ ،‬قيل ّ‬ ‫أن هذا جريء ج ّدا‪ ،‬أجرأ ِمن 'خاصي األسد'‪ .‬حاول‬ ‫أن يشرح «لغز اإلسّلم»‪ .‬صعب ج ّدا ج ّدا‪ .‬فيلسوف الرّجل‪ ،‬قيل أنّه ِمن أذكياء ال ّدنيا‪.‬‬ ‫واح ُد َعصْ ِره و فَ ِريد َد ْه ِره‪ ،‬و قَريع َز َمانِه‪ ،‬رحمة هللا عليه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫و هو الّذي ح ّدثتكم عنه مرّة أنّه قال‪ :‬أَنَا قَ َر ْأ ُ‬ ‫ت ‪ 55‬أَ ْلفًا فِي ‪ 55‬أَ ْلفًا‪ 05( .‬ألفا‬ ‫ضرب ‪ 05‬ألفا)‪ .‬مّليين الصّفحات قرأ‪ .‬مّليين! يعني هذا مئات األالف ِمن الكتب‪.‬‬ ‫ي‪ .‬يمكن كان يقرأ الكتاب في ساعة و نصف‪ ،‬ساعتين‪( ،‬ثمّ يمرّ إلى)‬ ‫شيء غير طبيع ّ‬

‫غيره‪ .‬و كان يقول‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ :‬أَنَا َال آ ُك ُل َعا َدةً َو َال أَ ْش َربُ َعا َدةً َو َال أَنَا ُم‬ ‫َعا َدةً‪ ،‬إِنَّ َما أَنَا ُم َو أَ ْش َربُ َو آ ُك ُل َغلَبَةً‪ ،.‬ال يوجد وقت‪ ،‬يقول لك‪.‬‬ ‫ال يوجد عالم حقيقيّ يسأل أين وقت القراءة‪ .‬أنا أستغرب ممّن يسأل هذا السّؤال!‬ ‫هل هناك وقت للقراءة؟ الوقت كلّه للقراءة‪ ،‬و ما يتبقّى لألشياء الثّانية‪ .‬ك ّل يوم قراءة‪،‬‬ ‫ليل نهار‪ .‬العالِم يهلك (يتعب جدّا جدّا يعني) ث ّم ينام‪ .‬في أ ّ‬ ‫ي وقت‪ ،‬ال توجد مشكلة‪.‬‬ ‫هكذا‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ .‬هذا ‪‬أبو المعالي ال ُج َو ْينِ ّي‪ ،‬له كتب كثيرة ِمن أشهرها؛‬ ‫«ال ّشامل» و «اإلرشاد»‪« .‬ال ّشامل» كبير ج ّدا‪ ،‬و هو في أجزاء‪ .‬عجيب! مق ّدمات‬ ‫العقيدة‪ ،‬هذه (األجزاء في «الشّامل»)‪ ،‬أخذ فيها مئات الصّفحات‪ .‬اسمها المق ّدمات في‬ ‫صلَنَا إلى اآلن‪ ،‬المق ّدمات‪ ،‬محقّق في ألمانيا‪ ،‬و األجزاء األخرى‬ ‫األحكام‪ .‬و هذا ما َو َ‬

‫‪13‬‬

‫لم تصل‪ .‬موسوعة ضخمة في علم الكّلم‪ .‬لم يصلنا منها ّإال أجزاء فريدة منها‪.‬‬ ‫صلَنا كامّل‪ ،‬صغير‪ ،‬مجلّد لطيف‪ .‬و كتب كثيرة‪ .‬و في أصول الفقه له‪،‬‬ ‫«اإلرشاد» َو َ‬ ‫أيضا‪ ،‬كتب كثيرة ج ّدا‪ .‬و في الفقه له كتب‪ ،‬رحمة هللا عليه‪.‬‬


‫ر‪( ،.‬الشّيخ‬ ‫فـ ‪‬أبو المعالي الج َُو ْينِ ّي‪ ‬قال‪ :‬أَ َّو ُل َو ِ‬ ‫اجب هُ َو القَصْ ُد إِلَى النَّظَ ِ‬

‫يضحك)‪.‬‬ ‫يعني‪ ،‬ناس قالوا؛ }النَّظَ ُر{‪ .‬ناس قالوا؛ }أَ َّو ُل النَّظَ ُر{‪ .‬ناس قالوا؛ }القَصْ ُد إِلَى‬ ‫النَّظَ ُر{‪ .‬أ ّول واجب‪ .‬كيف القصد إلى النّظر؟‬ ‫(إجابة جميلة مِن أحد اإلخوة) 'أَ ْي َوا'! بالنّيّة‪ .‬بتفريغ النّفس ِمن ال ّشواغل و العوائق‪.‬‬ ‫أعطيه وقتا‪ ،‬و أعطيه هَ ًّما‪ ،‬و أعطيه ُو ْك ِدي (الجهد)‪ .‬بتفريغ النّفس ِمن ال ّشواغل‪ .‬هذا‬ ‫هو‪ .‬هذا واجب عليه شرعا‪ ،‬صحيح؟‬ ‫قد يقول أحد‪« :‬ما هذه الفلسفة؟» ال ليست فلسفة‪ ،‬هذه‪ .‬هذا تفكير دقيق‪ .‬تفكير منطق ّي‪،‬‬ ‫تَ َدر ِج ّي‪ .‬ك ّل واحد يقول لك فعّل‪ ،‬أين هو أ ّول واجب‪ .‬ل ّما تقول أ ّول واجب؛ 'النّظر'‪.‬‬ ‫أقول لك‪« :‬ال يوجد شيء اسمه نظر‪ ،‬هكذا في جملة واحدة»‪( .‬فتقول) «طيّب ما هو‬ ‫أ ّول النّظر؟» «الّذي اتّفقنا عليه‪ .‬إذن أ ّول واجب؛ 'أ ّول النّظر'»‪ .‬ستقول لي‪« :‬ال‪ .‬قبل‬ ‫ت‬ ‫إِنَّ َما األَ ْع َما ُل بِالنِّيَّا ِ‬

‫أن يكون أ ّول النّظر‪ ،‬أ ال يلزم أن يكون لديك النّيّة؟ َو ‪‬‬ ‫ستّة عن الفاروق‬ ‫المشهور الّذي أخرجه ال ّ‬ ‫‪( .» 0‬حديث النّبيّ‬

‫‪‬عمر‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫يعني أن تُحْ ِد َ‬ ‫ث نيّةً في اإلقبال على معرفة أ ّول واجب‪ .‬فّلزم اُفَ ِّرغ نفسي‪ ،‬الزم‬

‫) فهذه النّيّة هي أ ّول واجب‪ .‬يجب عليك أن تكون لديك هذه النّيّة‪،‬‬

‫و أن تُغنِ َي نف َسك ِمن ال ّشواغل‪ .‬هذا تحقيق ‪‬الج َُو ْينِ ّي‪ ،‬ليست فلسفة الحكاية‪،‬‬ ‫تع ّمق في العلم‪ ،‬كانوا دقيقين ج ّدا‪.‬‬ ‫بقدر ما كان علماؤنا األقدمون‪ ،‬رضوان هللا عليهم‪ ،‬في الفقه‪ ،‬في األصول‪ ،‬في‬ ‫الكّلم‪ ،‬في ك ّل شيء‪ ،‬دقيقين‪ ،‬بقدر ما نرى في علماء اليوم عدم ال ّدقّة البتّة‪.‬‬

‫‪14‬‬


‫تسمع علماء و تقرأ لهم‪ ،‬ال توجد دقّة مطلقا‪ ،‬سبحان هللا‪ .‬ال في التّعريف‪ ،‬ال في‬ ‫الكّلم‪ ،‬ال في الجواب‪ ،‬كّلم ي ُْلقى على عوا ِهنِه‪ ،‬كّلم فارغ‪ .‬ألنّه ال يوجد تحقيق‬ ‫تورد عليها خمسين ألف‬ ‫علم ّي حقيق ّي‪ ،‬ال يوجد تع ّمق‪ .‬يمكن ك ّل جملة تس ُمعها‬ ‫ِ‬ ‫اعتراض‪ ،‬يا أخي‪ .‬و كلّما تُ َعلِّ ُ‬ ‫ق‪ ،‬يقال‪« :‬أنا ليس قصدي‪...‬هنا‪ .‬صحيح‪ .‬و مضبوط‪.‬‬ ‫و بارك هللا فيك»‪ .‬يا أخي ما هذا العلم؟ شيء مقرف حقيقةً‪ .‬الّذي يقرأ القدماء و يرى‬ ‫كيف تحقيقهم والعبقريّة الّتي عندهم يشمئ ّز ِمن المعاصرين ّإال َمن َر ِح َم هللا‪ .‬ال يوجد‬ ‫أ ّ‬ ‫ي تحقيق‪ ،‬ألنّه كّلم فارغ‪ ،‬يا أخي‪ .‬كّلم هكذا (الشّيخ يضحك)‪ ،‬يقال للعوا ّم‪ .‬فّل‬ ‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫نحاول أن نعترض على األقدمين‪ ،‬نتّهمهم بالتّفلسف و التّغ ّمل‪ .‬ال ليست فلسفة‪ ،‬هذا‬ ‫ي‪.‬‬ ‫العلم‪ .‬هذه ال ّدقّة‪ .‬تتكلّم كّلما‪ ،‬يجب أن تدافع عنه‪ .‬هذا كّلم ‪‬الج َُو ْينِ ّ‬

‫بعضهم قال‪ :‬أَ َّو ُل َوا ِجب التَّ ْقلِي ُد‪ .‬أن تقلّد العالمين المؤمنين‪ .‬نحن قلنا الخّلف‬ ‫في إيمان المقلّد (في الدّرس السّابق)‪.‬‬ ‫اجب ال َّشهَ َدتَا ِن ‪ .‬أ ّول واجب أن‬ ‫بعضهم قال‪ ،‬و هذا القول السّادس‪ :‬أَ َّو ُل َو ِ‬ ‫تنطق بال ّشهادتين‪ .‬و هذه أقوى األقوال‪ .‬ال ّستّة‪ .‬هناك ستّة أخرى‪ ،‬ضعيفة ج ّدا ال نريد‬ ‫أن نط ّول بذكرها‪.‬‬

‫بعض العلماء‪ ،‬جمع بين هذه األقاويل بقوله‪:‬‬

‫ْرفَةُ‪،.‬‬ ‫أَ َّو ُل َوا ِجب َغايَةً ال َمع ِ‬

‫نعرف هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬بأسمائه و صفاته‪ ،‬أي‬ ‫صحيح؟ طبعا‪ ،‬ما هي الغاية؟ أن‬ ‫َ‬

‫‪15‬‬

‫ا‬ ‫بآثارها‪ ،‬ال ب ُك ْن ِه ذاته ال هلإ إال هو‪ .‬هذه الغاية للمرء‪ ،‬صحيح؟ طيّب‪.‬‬


‫إذن‪ ،‬أ ّول واجب غايةً‪ ،‬ما هو؟ المعرفة‪ ،‬معرفة هللا‪ .‬و أ ّول واجب وسيلةً قريبة؛‬ ‫النّظر‪ .‬و أ ّول واجب وسيلة بعيدة؛ أ ّول النّظر‪ .‬و أبعد؛ القصد إلى النّظر‪.‬‬ ‫أبعد معناها أعمق‪ .‬يعني أعمق شيء كوسيلة‪ ،‬القصد‪ .‬أق ّل عمقا منه‪ ،‬أ ّول النّظر‪.‬‬ ‫أقلّ‪ ،‬م ّما أقرب إلى السّطح يعني‪ ،‬النّظر‪ .‬و هذه كلّها وسائل‪ ،‬صحيح؟ البعيد و األبعد‬ ‫و القريب‪ .‬و أ ّما الغاية فهي ماذا؟ المعرفة‪ .‬و هذا كّلم دقيق ج ّدا‪ .‬نستطيع أن نجمع‬ ‫به بين هذه األقاويل األربعة‪ .‬و هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬أعلَم‪.‬‬

‫نأتي إلى 'معرفة'‪ .‬قلنا نقصد معرفة َمن؟ معرفة هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬تقول لي‪:‬‬ ‫َ‬ ‫لكن هللا قال‪َ  :‬و َما قَ َد ُروا ْ ا َ‬ ‫«معرفة هللا؟ ّ‬ ‫ٱَّلل َح اق ق ۡدرِه ِۦ ‪.E S،٧٦ W  U‬‬ ‫ف هللا؟»‬ ‫يعر َ‬ ‫َمن يستطيع أن ِ‬

‫قال ال ّسيّد ‪‬أبو القاسم بن مح ّمد ال ُجنَ ْيد‪ 041-007( ‬هـ)‪ ،‬ق ّدس هللا ِسرَّه الكريم‪:‬‬ ‫ف هللاَ َعلَى ال َحقِيقَ ِة إِ َّال هللاَ‪ ،.‬باب مسدود‪ ،‬يا أخي‪ ،‬هذا‪ .‬باب مسدود ّإال‬ ‫‪َ ‬ما َع َر َ‬ ‫ْر ُ‬ ‫ف هللاَ َح َّق َمع ِْرفَتِ ِه إِ َّال هللاَ‪.‬‬ ‫عند هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪َ  .‬ما يَع ِ‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫‪ 9‬و اجـ ِزمْ ِب ـأ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـب‬ ‫َ ْ‬ ‫َن أ َّ​َوًال مـ َّـما ي ـَـج ـ ـ ْ‬

‫مَـعْـ ِرفَـةٌ و ِفـ ِـيه خُ ْل ٌ ِ‬ ‫ـب‬ ‫ف م ـُنْـتَصـ ْ‬ ‫َ‬

‫َ​َ َ​َ ُ ْ اَ َ ا َ‬ ‫ۡ‬ ‫و قد ‪  :6‬وما قدروا ٱَّلل حق قدرِه ِۦ ‪ . U‬الرّاغب األصفهان ّي‪‬‬

‫(متوفّى ‪ 520‬هـ و اهلل أعلم)‪ ،‬صاحب «المفردات»‪ ،‬قال‪َ  :‬ما َع َرفُوهُ بِ ُك ْن ِه ِه‪ ،...‬ث ّم‬ ‫َ ۡ َ ُ َ ٗ َ ۡ َ ُ ُ َ ۡ َ ۡ َ َٰ َ َ ا َ َٰ َ َٰ ُ َ ۡ ا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُۢ‬ ‫َٰ‬ ‫قال كال ُم َعلِّل‪...  :‬وٱۡلۡرض َجِيعا قبضتهۥ يوم ٱلقِيمةِ وٱلسموت مطوِيت بِي ِمينِهِۦ‬ ‫‪...‬و أَنَّى لَ ُك ْم أَ ْن تَ ْق ُدرُوهُ َح َّ‬ ‫ق قَ ْد ِر ِه‬ ‫‪( ، U‬تكملة اآلية السّابقة مِن سورة ‪َ ،)E‬‬ ‫او ُ‬ ‫ات فِي يَ ِمينِ ِه‪ ..‬تريد 'الفسفوسة'‪ ،‬النّملة‪ ،‬التّائهة (يريد اإلنسان)‬ ‫إِ َذا األَرْ ضُ َو ال َّس َم َ‬ ‫في الكون كلّه‪ ،‬تعرف ُك ْنهَ هللاِ؟ مستحيل! أنت تعرف ُك ْنهَ هللا؟ أنا‪..‬؟‬

‫‪16‬‬


‫و ال أحد‪ ،‬حتّى النّب ّي‪ ،‬و ال أ ّ‬ ‫ف هللاَ إِ َّال هللاَ‪ ..‬تقول‬ ‫ي واحد‪ .‬مستحيل! ‪َ ‬ما َع َر َ‬ ‫ف ُك ْنهَ هللا؟» «نعم‪ .‬ما عرف ُك ْنهَ هللا ّإال هللا»‪.‬‬ ‫ي ما َع َر َ‬ ‫لي‪« :‬حتّى النّب ّ‬

‫إذن‪ ،‬ما الفرق بين معرفة النّب ّي و معرفتي؟ معرفة النّب ّي و معرفتك (‪s‬‬

‫)؟ معرفة‬

‫العلماء و معرفتنا؟ معرفة األولياء و معرفتنا؟ معرفة الصّحابة و معرفتنا؟ (إجابة‬

‫موفّقة مِن أحد اإلخوة)‪ ،‬أحسنت‪ .‬في ال َم َدى‪ .‬في مدى التّع ّمق في معرفة آثار أسماء‬ ‫هللا‪ ،‬و صفاته في الخلق و الكون‪ .‬هذا هو‪ .‬لكن ُك ْنهُ هللا‪ ،‬مستحيل! ال يعرفه ّإال هللا‪،‬‬ ‫تبارك و تعالى‪ .‬صحيح؟ أبدا‪ ،‬ممنوع‪.‬‬ ‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫و لذلك‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬هناك جملة أحاديث عن رسول هللا‪ ،‬أخرجها ‪‬أبو ال ّشيخ‪‬‬ ‫(و هو ‪‬األصبهانيّ جعفر بن حيّان‪ ‬متوفّى ‪ 864‬هـ)‪ ،‬في «العظمة» في الفقه‪ ،‬في‬ ‫خمس مجلّدات‪ .‬و اإلمام ‪‬األصبهانيّ ‪( ‬و هو ‪‬إسماعيل بن محمد بن الفضل‬

‫الجوزي‪ 585-351 ‬هـ) في «ال ّترغيب و ال ّترهيب»‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ ،‬واإلمام ‪‬أبو‬ ‫ُن َعيْم‪ 382-886( ‬هـ)‪ ،‬في «الح ِْل َية»‪ ،‬و ‪‬الطّبران ّي‪ 862-062( ‬هـ)‪ ،‬في‬ ‫ل على معنى واحد‪( .‬يقول معلّم النّاس‬ ‫«الكبير» و «األوسط»‪ ،‬و غيرهم‪ ،‬كلّها تد ّ‬ ‫الخير‬

‫‪‬‬

‫كوا‪َ،‬‬ ‫كََُّروا‪ ،‬يعني ال َت َت َفكرُ وا‪َ،‬فَيَذَاتَ​َ​َاللَ‪ ،‬و في رواية فَتَ َْهلَ َُ‬ ‫) ‪ ‬لَ​َ​َ​َفَ َ‬

‫كََُّرواَفَيَآلَءَ​َ​َاللَ​َ‬ ‫وَلك ْنَ​َفكَّ ُرواَفيَم ْخلُوق اتَاللَ‪ ،.‬في الكون‪ ،‬في اآلثار‪َ .‬فَ َ‬

‫د َرهَ ‪ ،‬النّب ّي كان واضحا‪ ،‬و كان ينهى‬ ‫قَقَ َْ‬ ‫وهَُ​َحَ ََّ‬ ‫د َُر َ‬ ‫ك َْمَلَ َْ‬ ‫كََُّرواَفَيَاللَ​َفَإَ​َنَّ َُ‬ ‫وَ​َلَ​َ​َ​َتَفَ َ‬ ‫نَ​َ َقْ ُ‬

‫به الصّحابة‪ .‬و قد َخ َر َج عليهم مرّة و هم يخوضون في هللا‪ .‬أنّه كيف حقيقة هللا؟ كيف‬ ‫ص َّدر بـ ' َما'‪« .‬ما هللا؟» ال‬ ‫ماهيَّتُه؟ الماهيّة اسمها‪ .‬الماهيّة هي الجواب عن السّؤال ال ُم َ‬ ‫أحد يعرف ما هللا‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫َ َ ۡ َ ۡ ُ َ َ َ ُّ ۡ َ َٰ َ‬ ‫َ‬ ‫(‪  )6‬قال ف ِرعون وما رب ٱلعل ِمي ‪َ ' .n S،٢٣ W ‬و َما'‪ .‬سأل عن‬ ‫ماذا فرعون‪ ،‬هنا؟ (إجابات في المجلس و صحيحة إن شاء اهلل)‪ ،‬عن الماهيّة‪ .‬قال له‪:‬‬ ‫كيف ماهيّة هذا الرّبّ ؟ 'و ما ربّ العالمين'‪ .‬هل أجابه ‪‬موسى‪ ‬عن الماهيّة؟‬

‫‪‬موسى‪a( ‬‬

‫)‪ ،‬ال يعرفها أصّل‪.‬‬

‫َ َ َ ُّ ا َ َ َ ۡ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ​َ ََُۡ َ ٓ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ت وٱۡل ِ‬ ‫ۡرض وما بينهما ۖٓ إِن كنتم موقِنِي ‪‬‬ ‫ماذا قال؟ (‪  )4‬قال رب ٱلسمَٰو َٰ ِ‬ ‫ُ‬ ‫فرعون الجلسا َء و المستمعين ِمن جواب ‪‬موسى‪،‬‬ ‫َّب‬ ‫‪ ،٢٤ W‬نفس ‪ .S‬ف َعج َ‬ ‫يسخر منه و ع ّجبَهم‪ .‬قال لهم‪« :‬اُنظروا إلى هذا الكّلم الفارغ‪ ،‬أسأله في‬ ‫أراد أن‬ ‫َ‬

‫و‪‬موسى‪ ‬يعرف ليس هذا الجواب الصّحيح‪ .‬ال ‪‬موسى‪ ‬و ال ‪ ‬و ال أحد‬

‫ف هللاَ إِ َّال هللاَ‪ ..‬لكن نعرف هللا باألسماء و الصّفات‪.‬‬ ‫يعرف ما هو هللا‪َ  .‬ما َع َر َ‬ ‫و لذلك انصبّ التّوجيه اإلله ّي الكريم في ك ّل آي ِة ِذ ْكر حكيم عن النّظر في الكون‪ ،‬في‬ ‫المخلوقات‪ ،‬في السّماوات‪ ،‬في األرض‪ .‬و حتّى إذا أراد هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬أن يزيد‬ ‫ي ِمن أنبيائه أو رسول عظيم‪ ،‬كالخليل ‪‬إبراهيم‪ ،‬عليه الصّ​ّلة و السّ​ّلم‪،‬‬ ‫إيمان نب ّ‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫ناحية فيجيب في ناحية»‪.‬‬ ‫َ َ َ ۡ َ ۡ َُ ٓ َ​َ َ ۡ َ ُ َ‬ ‫(‪  )4‬قال ل ِمن حوَلۥ أَل تست ِمعون ‪ ،٢٤ W ‬نفس ‪.S‬‬ ‫(عليه‬

‫مِن‬

‫اهلل‬

‫ما‬

‫يستحقُّ) ‪.‬‬

‫بماذا؟‬ ‫َ​َ َ َ ُ ٓ َۡ َ َ َ ُ َ ا َ َ َ ۡ َ‬ ‫َ َ ُ َ َ ۡ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ت وٱۡل ِ‬ ‫ۡرض و ِ​ِلكون مِن ٱلموقِنِي ‪‬‬ ‫(‪  )6‬وكذَٰل ِك ن ِري إِبرَٰهِيم ملكوت ٱلسمَٰو َٰ ِ‬ ‫‪ .A S،٦٧ W‬و لذلك في «صحيح مسلم» عن ‪‬أبي موسى األشعر ّ‬ ‫ي‪:‬‬

‫س َكلِ َمات فَقَ َال‪ :‬إلى أن قال ‪‬‬ ‫قَا َم فِينَا ال َّر ُسو ُل ‪ ‬بِ َخ ْم ِ‬

‫ور‪ ،‬و في رواية‬ ‫َحجَ َابُ َهَُ​َالنَ َُ‬ ‫َ‬

‫ َْ‬ ‫‪‬أبي بكر بن شعبة‪ ،‬حجابُهَُالنَّ َُ‬ ‫ار‪َ،‬يعني حجابه النّور أو النّار َ‪َ،‬ل ْو ْ‬ ‫َارَفعَ​َ​َ ْحرق ْ‬ ‫اَانتهىَإل ْيهَبص ُرهَُم ْنَخْلقهَ ‪ ،‬لكن هنا‪ ،‬توجد مشكلة‪ .‬قد يقول أحد‪:‬‬ ‫اتَو ْجههَم ْ‬ ‫ُسبُح ُ‬

‫«حجابُهُ؟ خطأ»‪« ،‬أستغفر هللا العظيم‪ .‬خطأ؟ الحديث في «صحيح مسلم»»‪.‬‬

‫‪18‬‬


‫اعتراض وجيه‪ّ ،‬‬ ‫ألن الحجاب في األصل هو مصدر‪َ ،‬ح َجبَهُ ِح َجابًا‪ .‬صحيح؟ فهذا‬ ‫كالحجْ ب‪ ،‬هو السّتر و ال َم ْنع‪ .‬و السّتر‬ ‫من المصدر الّذي ُس ِّم َي به‪ ،‬في اللّغة‪ .‬الحجاب َ‬ ‫و المنع إنّما يختصّ بال ُمتَ َحيِّزات‪ ،‬بال ُم َح ّددات‪ ،‬يعني بالمحدودات‪ ،‬الّتي تأخذ َحيِّ ًزا في‬ ‫الفضاء‪ .‬صحيح؟ الّتي لها حدود‪.‬‬ ‫هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ُ ،‬منَ َّزه عن التّحيّز و عن الحدود و عن الجسميّة و عن و عن‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫وعن‪ .‬عن مشابهة ك ّل المخلوقات‪ .‬مستحيل! فاهلل كيف يُحْ َجب؟ َمن الّذي يح ُجبُه‬ ‫أصّل؟ مستحيل! و لذلك الحديث ال ب ّد أن يُ َؤ َّول‪ .‬انتبهوا! في القرآن الكريم‪ِ ،‬م ْث ُل هذا‬ ‫َا ٓ‬ ‫التّعبير غير وارد‪ .‬عكسُه؛ التّعبير الصّحيح ِمن غير تأويل‪ ،‬وارد‪ّ  )6( .‬لَك‬ ‫اُ ۡ َ ا ۡ ََۡ اَ ۡ ُ ُ َ‬ ‫وبون ‪ .e S،١٧ W ‬هم المحجوبون‪ .‬و هللا‬ ‫إِنهم عن رب ِ ِهم يومئ ِ ٖذ لمحج‬ ‫ال يَحْ تَ ِجبُ ‪ .‬ال يوجد شيء يحجب هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬مستحيل! ‪ ‬لَ ْو َح َجبَهُ َش ْي ٌء‬

‫اش هلل‪ ،‬تبارك‬ ‫لَ َك َ‬ ‫ان أَ ْكبَ َر ِم ْنهُ‪ ،.‬صحيح؟ و لكان هللا محدودا‪ ،‬له حيّز معيّن‪َ ،‬ح َ‬ ‫وتعالى‪ .‬مستحيل!‬ ‫و لذلك قال اإلمام ‪‬النّوو ّ‬ ‫ي‪ ،‬اُنظر إلى دقّة علمائنا و عبقريّتهم‪ ،‬على ما أذكر‬ ‫‪‬النّوو ّ‬ ‫ي‪ ،‬حين شرح هذا الحديث‪ ،‬و ذكرته مرّة في خطبة قديمة‪ ،‬رحمة هللا‬

‫عليه‪ ،‬ماذا قال؟ قال‪:‬‬

‫َج َّل هللاُ‪ُ ،‬سب َْحانَهُ َو تَ َعالَى‪ ،‬أَ ْن يَحْ ُجبَهُ َش ْي ٌء‪ .‬مستحيل أن‬

‫يوجد شيء يحجبه! ّ‬ ‫ألن هللا غير ُم َح َّدد‪ ،‬مطلق‪ .‬هو المطلق وحده‪ ،‬فقط‪ ،‬تبارك‬

‫وتعالى‪ .‬و لذلك‪ ،‬أَ َّو َل ‪‬النّوو ّي‪ ‬كلمة ' ِح َجابُهُ'‪ ،‬يعني ‪َ ‬ما يَحْ جُبُ َخ ْلقَهُ َع ْنهُ‪.‬‬ ‫هذا هو‪ .‬و هذا يجوز‪ِ ،‬من باب المجاز في اللّغة العربيّة‪ ،‬معروف‪ِ .‬ح َجابُهُ‪َ ،‬ما يَحْ جُبُ‬ ‫ي‪ّ ،‬‬ ‫أن اإلضافة‬ ‫َخ ْلقَهُ‪ .‬و اإلضافة ألدنى مّلبسة‪ .‬صحيح؟ ِمن قواعد النّحو العرب ّ‬ ‫‪19‬‬

‫ألدنى مّلبسة‪.‬‬


‫ل ّما نقول‪« :‬حجاب هللا»‪ .‬ليس الحجاب الّذي يحجب هللا‪( ،‬و إنما) الحجاب الّذي يحجب‬ ‫ق عن هللا‪.‬‬ ‫خلقه عنه‪ .‬و نستطيع أن نقول‪« :‬حجاب هللا»‪ .‬يعني الحجابُ الحاجب الخل َ‬ ‫يجوز‪ .‬اإلضافة ألدنى مّلبسة‪ .‬صحيح؟‬ ‫ل ّما نقول‪َ « :‬خ ْل ُ‬ ‫ق اإلنسان فيه عبرة و دليل اإليمان»‪ .‬ما هو معنى اإلضافة هنا؟‬ ‫'خ ْل ُ‬ ‫انتبه! إضافة فاعليّة أو مفعوليّة‪َ ،‬‬ ‫ق اإلنسان'؟ إضافة مفعوليّة‪ .‬صحيح؟‬ ‫يعني‪ ،‬كون اإلنسان مخلوقا‪َ .‬خ ْل ُ‬ ‫ق اإلنسان يعني كون اإلنسان مخلوقا‪ .‬صح؟ لكن ل ّما‬ ‫ق هللا‪َ ،‬خ ْل ُ‬ ‫َخ ْل ُ‬ ‫ق اإلنسان؛ مرّة بمعنى فاعليّة‪ ،‬مرّة بمعنى مفعوليّة‪ .‬و كيف نفهم؟ ِمن‬ ‫خّلل السّياق و مّلبسات السّياق‪ّ .‬‬ ‫ألن اإلضافة ألدنى مّلبسة‪ .‬واضح؟‬ ‫ق أن يَ َر ْوا ربّهم‪،‬‬ ‫إذن‪ِ ،‬حجابُه‪ ،‬يعني حجاب هللا‪ .‬يعني الحجاب الّذي يحجب الخل َ‬ ‫يدركوا ربّهم‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬النّور‪ .‬قال ‪‬النّوو ّ‬ ‫ي‪ ،‬لماذا النّور أو النّار؟‬ ‫ص ُر لِ ِش َّد ِة تَ َوه ِج ِه َما‪ .‬ل ّما الضّوء يكون‬ ‫ان يَ ْع َشى بِ ِه َما البَ َ‬ ‫‪ِ ‬ألَنَّهُ ْم فِي ال َعا َد ِة هُ َما اللَّ َذ ِ‬ ‫قويّا ج ّدا ج ّدا أو النّار قويّة ج ّدا ج ّدا‪ ،‬ال تستطيع أن ترى‪ ،‬صحيح؟ هذا هو‪.‬‬

‫‪‬‬

‫)‪ :‬‬ ‫ات َو ْجهه ‪ .‬هناك إجماع على ّ‬ ‫أن معنى السبُحات؛‬ ‫قال (‬ ‫ُسبُح ُ‬ ‫جّلله و نوره و بهاؤه‪ .‬هذا معناها‪ُ ' .‬سبُحات وج ِه ِه'‪ ،‬وج ِه ِه أي ذاتِ ِه‪ .‬جّلل ذات هللا‪،‬‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫نقول َخ ْل ُ‬ ‫ق هللا‪ ،‬إضافة فاعليّة أو مفعوليّة؟ إضافة فاعليّة‪ .‬يعني كون هللا خالقا لألشياء‪.‬‬

‫بهاء ذات هللا‪ ،‬نور ذات هللا‪ .‬هذا هو الصّحيح و هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬أعلم‪.‬‬ ‫و ِمن هنا‪ ،‬أذكر م ّرةً‪ّ ،‬‬ ‫أن ‪‬عبد الرّحمان بن أبي ليلى‪( ‬متوفّى ‪38‬هـ)‪ ،‬رحمة هللا‬

‫عليه‪ ،‬التّابع ّي الجليل و اإلمام الكبير‪ ،‬في الكوفة‪ ،‬روى ّأن اإلمام ‪‬عليّا‪a ‬‬ ‫و كرّم هللا وجهَهُ‪َ ،‬م َّر بقصّاب في الكوفة‪ ،‬قصّاب يعني ج ّزار‪ ،‬و هو يحلِف‪ ،‬يُ ْق ِسم‪،‬‬

‫‪20‬‬


‫يقول‪« :‬ال‪ ،‬والّذي احتَ َجب فوق سبع سماوات ال أزيدك شيئا»‪ .‬قال‪ :‬فضرب على كتفه‬

‫فقال‪ :‬يَا لَحَّا ُم إِ َّن هللاَ لَ ْم يَحْ تَ ِجبْ َع ْن َخ ْلقِ ِه َو لَ ِك ْن َح َج َب َخ ْلقَهُ َع ْنهُ‪.‬‬ ‫(وقع قطع في التّسجيل قد يكون هناك كالم ناقص و اهلل أعلم)‪ ،‬ج ّل ربنا‪ ،‬تبارك‬ ‫وتعالى‪ ،‬أن يحتجب‪ .‬ال يوجد شيء يحجب هللا‪ ،‬قال له‪ .‬هو يريد أن يتفلسف هذا‬ ‫المسكين‪ ،‬القصّاب‪ .‬داخل في المداخل ال ّ‬ ‫ضيّقة‪.‬‬ ‫يقال‪« :‬يَا لُ َك ْع»‪ .‬ما معنى لُ َكعْ؟ (إجابة مِن أحد اإلخوة)‪ ،‬هذه كلمة تقال للسّبّ ‪ .‬يا لُ َك ْع‬ ‫يعني يا أحمق‪ .‬و تقال للصّب ّي الصّغير‪ .‬الصّب ّي يتصرّف تصرّفات صب ّي‪ .‬فتقال‬ ‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫للصّب ّي الصّغير‪.‬‬

‫في الحديث‪ّ ،‬أن النّب ّي ‪ ،a‬م ّرةً‪ ،‬دخل على ‪‬فاطمة‪g( ‬‬

‫)‪ ،‬قال لها‪:‬‬

‫‪‬أَثمََّلُك ْع؟‪( ‬أخرجه ‪‬البخاريّ‪ ‬في صحيحه عن ‪‬أبي هريرة‪ .)‬يسأل عن‬ ‫َمن؟ الحسن أو الحسين‪ .‬موجود لُ َكعْ؟ هنا معناها الصّب ّي الصّغير‪.‬‬

‫فقال (يريد اإلمام ‪‬عليّا‪ )‬له‪َ :‬ج َّل َربنَا أَ ْن يَحْ تَ ِج َب‪.‬‬

‫حاشاه تبارك و تعالى‪.‬‬

‫تعالى عن ذلك‪ .‬لكن َخ ْلقُه محجوبون عنه‪ .‬ليس هو المحجوب عنهم‪ .‬أنت محجوب‬ ‫عنه‪ .‬هو غير محجوب‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬كيف محجوب! أصّل ك ّل شيء في الكون‬ ‫إنّما ظهر باهلل‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬صح أو ال؟ لوال نور هللا ال يوجد شيء‪.‬‬ ‫اُ ُ ُ ا َ َ َ َۡ‬ ‫ت وٱۡل ِ‬ ‫ۡرض ‪.k S،٣٧ W  U‬‬ ‫(‪  :)6‬ٱَّلل نور ٱلسمَٰو َٰ ِ‬ ‫لوال نور هللا لن يوجد شيئا أصّل‪ .‬لن يوجد شيء مرئ ّي‪ ،‬لن يوجد شيء محسوس‪،‬‬

‫‪21‬‬

‫كلّه ينتهي‪ .‬عدم‪ .‬و ال يش ّم حتّى رائحة الوجود‪ .‬صح أو ال؟ فتريد شيئا ِمن خلقه‪،‬‬ ‫لكن ْ‬ ‫سواء ِمن نار أو نور‪ ،‬يحجب هللا عن خلقِه؟ أعوذ باهلل‪ّ .‬‬ ‫ق هم المحجوبون‪،‬‬ ‫الخل َ‬ ‫ّ‬ ‫بالذنوب و بالقصور و بالضّعف البشريّ‪ ،‬بالعجز اإلنسان ّي‪ .‬محجوب في ال ّدنيا‪ ،‬وفي‬ ‫اآلخرة بالمعصية‪ ،‬المؤمن و الكافر‪.‬‬


‫و المؤمن الصّالح يرى ربّه‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬عقيدة أهل ال ّسنّة و الجماعة‪ ،‬كما شاء‬ ‫هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬و بالمعنى الّذي يريد‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫ك إِنَّ َما َحلَ ْف َ‬ ‫ت بِ َغي ِْر هللاِ‪ ،‬أنت‬ ‫فقال له‪« :‬يا أمير المؤمنين أ فّل أُ َكفِّرُ؟ فقال ‪َ ‬ال ِألَنَّ َ‬ ‫حلفت بشيء ليست له ِعّلقة باهلل‪( .‬ضحك في المجلس)‪.‬‬ ‫اُنظر كيف ّ‬ ‫أن اإلمام ‪‬عليّا‪ ‬دقيق‪' .‬أوووف'! له كّلم عجيب في التّوحيد و في‬ ‫صفات هللا و أسمائه‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ ،‬و عليه السّ​ّلم و الرّضوان و الرّحمة و اإلكرام‪.‬‬ ‫طيّب‪.‬‬

‫هذه سبيل و طريق مسدودة‪ ،‬على جميع الخلق‪ .‬و ِمن هنا نُ ِهينا أن نحاول ا ْستِ ْكنَاه‬ ‫ذات هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬قد يقال‪« :‬إذا ال نعرف أ ّ‬ ‫ي شيء عن ذات هللا‪ ،‬عن ُك ْن ِه هللا‪،‬‬ ‫تبارك و تعالى‪ ،‬كيف نؤمن به؟» «يا سّلم! أنت تؤمن بمّليين األشياء وال تعرف‬ ‫ُك ْنهَهَا»‪ ،‬هل تعرف ُك ْنهَ نف ِسك؟ يقول ‪‬ال ّزمخشريّ ‪ ،‬و يُن َسب إلى اإلمام‬ ‫اري ِذي القِ َد ِم‪،‬‬ ‫ْس ال َمرْ ُء يُ ْد ِر ُكهَا فَ َكي َ‬ ‫‪‬عل ّي‪ ‬أيضا‪َ  :‬ك ْيفِيَّةُ ال َمرْ ِء لَي َ‬ ‫ْف بِالبَ ِ‬ ‫أنت نفسك‪ ،‬كيفيّتك‪ ،‬ماهيّتك‪ ،‬ال تعرفها‪ .‬ال يوجد إلى ح ّد اآلن َمن يعرف ُك ْنهَ الحياة‪.‬‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫اللّه ّم ص ّل على سيّدنا ‪ .‬إذن‪ ،‬القاعدة‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ّ ،‬أال نُفَ ِّكر في ذات هللا‪ .‬مستحيل!‬

‫رِّف الحياة؟ إيتني بأكبر طبيب‪ ،‬أكبر عالم في البيولوجيا‪ ،‬أكبر‬ ‫صح؟ يقدر أحد أن يُ َع َ‬ ‫عالم في هذه األشياء‪ ،‬و قل له‪« :‬عَرِّ ْفها»‪ .‬لن يعرف‪ .‬و أنا أتح ّدث عن علم‪ .‬و في‬ ‫نِيَّتي أن أُ ْع ِط َي محاضرة ُمطَ َّولَة عن مفهوم الحياة‪ ،‬إن شاء هللا؛ بين ال ّدين و الفلسفة‬ ‫و العلم‪.‬‬ ‫ال يوجد أحد يستطيع أن يعرّف الحياة‪ .‬ك ّل َمن َكتَبُوا في الحياة‪ ،‬إنّما عرّفوها بآثارها‪.‬‬ ‫ماهي آثار الحياة؟ ماذا تعمل؟ ل ّما يكون هناك كائن ح ّي‪ ،‬نراه ِمن لوازم الحياة‪ .‬لكن‬ ‫ما الحياة كحياة! و ال أحد يعرف‪ .‬مضبوط أو ال؟ ألنّها مرتبطة بالرّوح‪.‬‬

‫‪22‬‬


‫أمر لطيف عجيب غير معروف‪ .‬طيّب‪ ،‬نحن ال نعرف حالنا‪ .‬ال نعرف ما ُك ْنهُ‬ ‫اإلنسان‪ .‬ما ُك ْنهُ الحياة‪.‬‬ ‫حتّى الجاذبيّة‪َ .‬من أحسن َمن تكلّم فيها و وضع لها قوانين و كذا؟ ‪‬إسحاق نيوتن‪‬‬ ‫(‪ .)7101-7630‬ال يعرف شيئا (عن الكُنه)‪.‬‬ ‫أحد أصدقائه‪ ،‬و هذا كتَبَه في الـ ‪'( Principia‬برانسيبيا')‪( ،‬يريد كتابه‬ ‫«‪« ،»Philosophiae Naturalis Principia Mathematica‬األصول الرّياضيّة‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫للفلسفة الطّبيعيّة»)‪ ،‬بعث له و قال له‪« :‬أنت تتح ّدث عن جاذبيّة و وضعت لها قواعد‬ ‫و قوانين‪ ،‬ماهي الجاذبيّة؟» قال له‪« :‬ال أعرف‪ .‬إذا كانت المعرفة بالماهيّة فأنا ال‬ ‫أعرف عنها و ال شيء»‪ .‬بالنّسبة له‪ ،‬هي مجرّد فرضيّة‪ ،‬استطاعت أن تحلّل و أن‬ ‫تفسّر ظواهر كثيرة في الكون‪ ،‬فقط‪ .‬لكن ماهي في الحقيقة‪ ،‬ال يعرف هو‪ .‬صح؟‬ ‫ماهيّة الضّوء‪ ،‬ال يوجد إلى ح ّد اآلن‪ ،‬نقدر أن نقول‪ ،‬قول قاطع‪ .‬بالعكس‪ ،‬في األ ّول‪،‬‬ ‫يمكن اآلن ندخل في موضوع فلسفة طويل ج ّدا‪ ،‬أيّام ‪‬نيوتن‪ ‬و بعد ‪‬نيوتن‪،‬‬ ‫ماذا كانوا يقولون عن الضّوء؟ ‪'( particles‬بارتيكلز')‪ُ ،‬ج َسيْمات دقيقة‪ ،‬صح؟ و هذه‬ ‫النّظريّة فسّرت أشياء جيّدة‪ ،‬ممتاز‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬عندنا مشكلة ال ُحيُود و التّداخل‪ ،‬ال‬ ‫يُمكن أن تُفَسَّر إذا كان الضّوء مجرّد ُج َسيْمات تسير في طُرُق مستقيمة‪ .‬مستحيل!‬ ‫ال يف ّسر لنا‪ ،‬ال التّداخل و ال الحيود‪.‬‬ ‫فجاء ‪‬هوغنس‪( ‬كريستيان هوغنس‪ ،)7645-7604 ‬قال معناها موجات‪،‬‬ ‫‪'( ،waves‬وايفز')‪'( ،wallen ،‬فيلّين')‪ .‬ث ّم بعد ذلك‪ ،‬هذه الموجات ال تفسّر أشياء‬

‫‪23‬‬

‫ض ْو ُء ِع ْن َدهُ طَبِي َعةٌ‬ ‫أخرى‪ ،‬فعملوا ‪'( ،synthese‬سانتيز')‪ ،‬تركيبة‪ ،‬و قالوا‪ :‬ال َّ‬ ‫ات َو َم ْو َج ٌ‬ ‫ُم ْز َد َو َجةٌ؛ هُ َو ُج َس ْي َم ٌ‬ ‫ت‪ .‬و هذا كّلم فيه نظر‪.‬‬ ‫الو ْق ِ‬ ‫س َ‬ ‫ات فِي نَ ْف ِ‬


‫ما هذه الطّبيعة الغريبة؟ هم يريدون أن يفسّروا المساكين‪ ،‬ألنّهم ال يعرفون ماهيّة‬ ‫هذا الضّوء‪ .‬لو عرفوا الماهيّة‪ ،‬كان من الممكن أن يعرفوا هذا ال ّسرّ‪ ،‬لكن صعب‪،‬‬ ‫إلى ح ّد اآلن‪ .‬صعب ج ّدا‪ .‬و هكذا‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫و هناك أشياء كثيرة ج ّدا‪ ،‬حتّى الكهرباء‪ ،‬نؤمن بها و ال توجد مشكلة‪ ،‬و نُ ْذ ِعن لكن‬ ‫بمعرفة آثارها‪ .‬نتعامل مع آثارها و ال ُك ْنه غير واضح لنا‪ .‬العقل‪ ،‬عقلك أنت أيّها‬ ‫اإلنسان‪ ،‬ليس ال ّدماغ و إنّما العقل كق ّوة مف ّكرة‪ ،‬ما هو؟ مستحيل! لغز كبير ج ّدا ج ّدا‪.‬‬ ‫وبأن هناك عقّل و ّ‬ ‫ّ‬ ‫صعب أن يُع َْرف هذا‪ .‬لكن نؤمن ّ‬ ‫أن هناك تعقّل‬ ‫بأن هناك عقّلء‬ ‫ال نعرفها‪ .‬مستحيل! نعرفه بالوظائف و باآلثار أيضا‪ .‬لكن الماهيّة‪ ،‬ال أحد يعرف‪.‬‬ ‫على فكرة أكثر الماهيّات ليست معروفة لنا‪ .‬صعب ج ّدا‪.‬‬ ‫لذلك ل ّما نرجع لعلم المنطق‪ ،‬و نرى التّعريف كيف يت ّم‪ ،‬قليلة ج ّدا هي التّعريفات‬ ‫وهذا أت ّم التّعريفات التّي تكون بالماهيّة‪ .‬لكن هناك تعاريف كثيرة تكون بالخواصّ ‪.‬‬ ‫تعريف بالخاصّة‪ ،‬تعريف باللّوازم‪ .‬العلوم ل ّما يئست ِمن هذا المنطق الصّور ّ‬ ‫ي‬ ‫الجامد‪ ،‬قالت (العلوم‪ ،‬مجازا)‪« :‬ما هو تعريف الماهيّة؟ هذا صعب ج ّدا ج ّدا‪ ،‬ال يمكن‪.‬‬ ‫خلّينا نعرّف حتّى تعريفا إجرائيّا»‪ .‬صحيح؟ ل ّما ترى العلوم اآلن‪ ،‬أكثر تعاريفها‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫و ّ‬ ‫أن هناك فكرا و علوما و أشياء‪ .‬لكن ال نعرف ما هو العقل‪ .‬ماهيّة العقل‪ ،‬حقيقةً‪،‬‬

‫تعاريف إجرائيّة‪.‬‬ ‫طيّب‪ ،‬نعود إلى ما كنّا فيه‪ .‬فّل توجد مشكلة أبدا‪ ،‬نؤمن باهلل‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬و نوقن‬ ‫به‪ ،‬أكثر من إيماننا بأنفسنا‪ ،‬مع أنّنا ال نعرف ُك ْنهَ هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬لكن نعرفه‬ ‫ص ْن ِع ِه‪ ،‬ببدائع َخ ْلقِ ِه‪َ .‬خ ْلقُهُ تبارك و تعالى د ّل على ماذا؟ على وجود أسمائه‪.‬‬ ‫بآثار ُ‬ ‫صحيح؟‬

‫‪24‬‬


‫صافُهُ َدلَّ ْ‬ ‫‪‬أَ ْس َما ُؤهُ َدلَّ ْ‬ ‫ون َوصْ ٌ‬ ‫ف‬ ‫ت َعلَ ْي ِه‪ ،‬إِ ْذ ُم َحا ٌل أَ ْن يَ ُك َ‬ ‫صافِ ِه‪َ ،‬و أَ ْو َ‬ ‫ت أَ ْو َ‬ ‫ت َعلَى ثُبُو ِ‬ ‫بِ َّل َذات‪ .‬ال يوجد وصف بّل ذات تَحْ ِمله‪ .‬صحيح؟‬ ‫و هذا كّلم موالنا ‪‬ابن عطاء هللا ال َّس َك ْن َد ِر ّ‬ ‫ار ِه‬ ‫ي‪ ،‬ق ّدس هللا سرّه‪ ،‬قال‪َ  :‬د َّل بِآثَ ِ‬ ‫صافِ ِه‬ ‫صافِ ِه‪َ ،‬و َد َّل بِ ُوجُو ِد أَ ْو َ‬ ‫ت أَ ْس َمائِ ِه َعلَى ُوجُو ِد أَ ْو َ‬ ‫ت أَ ْس َمائِ ِه َو َد َّل بِثُبُو ِ‬ ‫َعلَى ثُبُو ِ‬ ‫َعلَى ُوجُو ِد َذاتِ ِه‪ ،‬إِ ْذ ُم َحا ٌل َوصْ ٌ‬ ‫ف بِ َغي ِْر َذات‪ .‬كّلم دقيق‪ ،‬و كّل ُم عارف باهلل‪،‬‬ ‫تبارك و تعالى‪ .‬رجل عميق‪ .‬هذا هو‪.‬‬ ‫طبعا‪ ،‬كما قلنا‪ ،‬اآليات و األحاديث كثيرة ج ّدا ج ّدا في التّوجيه في هذا الباب ّ‬ ‫بالذات‪.‬‬ ‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫قال (الشّيخ ‪‬ال ّلقّانيّ‪:)‬‬

‫‪ 9‬و اجـ ِزمْ ِب ـأ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـب‬ ‫َ ْ‬ ‫َن أ َّ​َوًال مـ َّـما ي ـَـج ـ ـ ْ‬

‫عن ‪‬أبي بكر ال ّص ّديق‪ ،‬‬

‫مَـعْـ ِرفَـةٌ و ِفـ ِـيه خُ ْل ٌ ِ‬ ‫ـب‬ ‫ف م ـُنْـتَصـ ْ‬ ‫َ‬ ‫و أرضاه‪ ،‬في ُخ ْ‬ ‫طبَة ُج َمعيّة‪ ،‬قال‪:‬‬

‫يل إِلَى َم ْع ِرفَتِ ِه ال َعجْ َز َع ْن َم ْع ِرفَتِ ِه‪ .‬قد يقول أحدكم‪« :‬ما‬ ‫‪ُ ‬س ْب َح َ‬ ‫ان َم ْن َج َع َل ال َّسبِ َ‬ ‫هذه المعرفة؟ أنا أعرف»‪ .‬نعم‪ ،‬و لكن العجز عن معرفة ذاته‪ .‬أنت تعرف هللا‪ ،‬ع ّز‬ ‫و جلّ‪ ،‬بآثار أسمائه و صفاته‪ ،‬ال ُك ْنهَ ّ‬ ‫الذات‪ .‬حتّى األسماء و الصّفات‪ ،‬ال تعرف‬ ‫ماهيّتها الحقيقيّة‪ ،‬ال تقدر أنت! تعرف آثار األسماء و آثار الصّفات‪.‬‬ ‫و كما قلنا‪ ،‬و بالعكس‪ ،‬هذه رتبة ِمن ُرتَب المعرفة‪ ،‬هذه رتبة ِمن رتب اإلدراك‪.‬‬ ‫هناك مثال‪ ،‬حقيقة ليس لي‪ ،‬لموالنا ال ّشيخ ‪‬ال ّشعراو ّ‬ ‫ي‪ ،‬رحمة هللا عليه‪ ،‬مثال‬

‫‪25‬‬

‫س ال َمرْ َحلَ ِة ال ُع ُم ِريَّ ِة‪،‬‬ ‫جميل ج ّدا‪ ،‬ممتاز‪ ،‬يقول‪ :‬لَ ْو أَ َّن َوالِ ًدا َو ِع ْن َدهُ َولَ َدا ِن فِي نَ ْف ِ‬ ‫وض أَنَّهُ َما لَ ْم يَ ْد ُر َسا َما يُ ْع ِطي ِه َما‬ ‫ال فِي ال َم ْف ُر‬ ‫َو َسأ َلَهُ َما ُس َؤ ًاال فِي الهَ ْن َد َس ِة‪ ،‬لَ ِك ْن هَ َذا الس َؤ َ‬ ‫ِ‬ ‫القُ ْد َرةَ‬

‫َعلَى‬

‫ب‬ ‫َ‬ ‫الج َوا ِ‬

‫َع ْنهُ‪،‬‬

‫لَ ْم‬

‫يَ ْد ُر ُسوا‬

‫هَ ِذ ِه‬

‫ت‪.‬‬ ‫النَّظَ ِريَّا ِ‬


‫هَ ِذ ِه النَّظَ ِريَّ ُ‬ ‫اإل ْع َدا ِديَّ ِة‪َ .‬و َجا َء األَ َّو ُل‪َ ،‬ما َذا َسيَ ْف َع ُل؟ إِ َذا فَ َّك َر‬ ‫ات فِي الثَّانَ ِويَّ ِة َو هُ ْم فِي ِ‬ ‫تَ ْف ِكي ًرا ُم ْنتَظَ ًما‪ ،‬تَ ْف ِكي ًرا َدقِيقًا‪َ ،‬و ِع ْن َدهُ َخ ْمسُ ِست نَظَ ِريَّات‪ ،‬ثُ َّم يَ ْب َدأُ يُ َجرِّ بُ ُك َّل َوا ِح َدة َو‬ ‫ير يَقُو ُل َال أَ ْع ِر ُ‬ ‫ف‪.‬‬ ‫فِي األَ ِخ ِ‬ ‫' ْب َرافُو ْعلِي ْه' (كأن نقول 'ممتاز' ألحد)‪ .‬و ممتاز هذا‪ ،‬ألنّه فعّل عندك نظريّات درستها‬ ‫و السّؤال ليس من مستواك‪ .‬معناها فاهم و تعرف حدودك‪ ،‬ألنّك فاهم الّذي تملكه‪،‬‬ ‫صح؟ طبّقته بشكل صحيح‪ .‬لكن الثّاني‪ ،‬البليد‪ ،‬يقول لك‪« :‬كيف؟ كذا كذا‪ ،...‬في خمس‬

‫و ال يفهم هذا‪ .‬و هذه‪ ،‬على فكرة‪ ،‬طريقة المّلحدة‪ .‬حتّى لو كان عالما و فيلسوفا‬ ‫كبيرا‪ ،‬م ّخه مخربط‪ ،‬ال يفهم المسكين و يرى نفسه أنّه يستطيع أن يكابر على ك ّل‬ ‫ي‪.‬‬ ‫الحقائق‪ .‬غير ممكن‪ ،‬سيصير مجنونا‪ .‬هناك حقائق للعقل اإلنسان ّ‬ ‫أنا وجدت في األخير‪ ،‬سبحان هللا‪ ،‬فّلسفة كبارا ج ّدا و عظاما‪ ،‬بمقاييسهم هم بّل‬ ‫ش ّ‬ ‫ك‪ ،‬لكن مّلحدة‪ .‬لماذا؟ عندهم إصرار غريب على الهروب ِمن هللا‪ ،‬على الهروب‬ ‫ِمن اإليمان‪ .‬عندهم خوف‪ .‬برتراند راسل‪ ‬صرّح بأنّه كان يخاف من اإليمان‪.‬‬ ‫يخاف‪ ،‬ال يريد‪ .‬هو ال يريد اإليمان‪ .‬لماذا؟ عندهم مشاكل؛ تاريخيّة‪ ،‬حضاريّة‪ ،‬في‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫دقائق»‪ .‬تقول له‪« :‬يا ابني‪ »..‬يقول لك‪« :‬ال ال‪ .‬أنا أعرف و سهل و َم َّر َعلَ ّي»‪ .‬و ال‬ ‫ي‬ ‫مرّة عرفه هو‪' ،‬و إلى الصّبح'‪ .‬و بعد ذلك سيعيد نفس ال ّشيء‪ ،‬صح؟ ألنّه بليد‪ ،‬غب ّ‬

‫الكنيسة‪ ،‬صح و عندهم الح ّ‬ ‫ق‪ .‬يعني واحد مثل 'ماركس' ل ّما كفر بالمسيح و كفر‬ ‫باألديان‪ ،‬وبيهوديّته و كان يهوديّا و أبوه‪ ،‬كلّها‪ ،‬ألنّه كان ل ّما ينظر إلى الـ'بابا' يرى‬ ‫صورة قيصر‪' ،‬سيزار'‪ .‬و هو يكره القياصرة و يكره المجرمين‪ ،‬صح أو ال؟ لم يكن‬ ‫يرى فيه صورة المسيح‪ .‬لو رأى فيه صورة المسيح الحقيق ّي كان احترم ال ّدين‪ ،‬لكن‬ ‫رأى فيه صورة القيصر‪.‬‬

‫‪26‬‬


‫و فعّل الـ'بابا' كيف كان يُنَصَّب‪ ،‬ماهي صّلحيّاته‪ ،‬ما هو وضعه؛ هو قيصر‪ .‬وجه‬ ‫آخر لقيصر‪ ،‬باسم ال ّدين فقط‪ .‬فعنده الح ّ‬ ‫ق‪' ،‬ماركس'‪ ،‬يكفر بال ّدين‪ .‬عندهم مشاكل‬ ‫تاريخيّة حضاريّة‪ ،‬هم أحرار‪ .‬على ك ّل حال‪ .‬فيخاف ِمن اإليمان‪ ،‬المسكين هذا‪،‬‬ ‫ويبدأ يف ّكر بدرجة تُلغي في األخير مصداقيّة ك ّل فكر‪ ،‬و ك ّل عقل‪.‬‬ ‫اآلن سأعطيكم أمثلة‪ ،‬موضوع فلسف ّي طويل هذا‪ ،‬عميق و لكن جميل‪ ،‬ألنّهم يصلون‬ ‫في األخير إلى درجة تشكيكيّة‪ ،‬هي عدميّة يس ّمونها‪( ،‬ذكر الشّيخ معناها بلغة أجنبيّة‬

‫فلم تكن واضحة عند السّمع)‪ .‬نِ ْهلِيَّة عدميّة‪ .‬كيف عدميّة؟ ألنّها في األخير‪ ،‬أيّها‬ ‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬ ‫‪27‬‬

‫اإلخوة‪ ،‬ال تصادق على مصداقيّة العقل‪ .‬العقل نفسه ال تصير عنده مصداقيّة أن نأخذ‬ ‫بأحكامه و نأخذ بآرائه‪ .‬طيّب‪ ،‬إذن لماذا النّقاش؟ لماذا التّعب؟ لماذا التّأليف؟ لماذا‬ ‫المحاورات؟ صحيح؟ دخلنا في عالم الجنون‪ ،‬اآلن‪ ،‬معناها‪ .‬إذا العقل ال توجد عنده‬ ‫أ ّ‬ ‫ي مصداقيّة‪ ،‬انتهى ك ّل شيء إذن‪ .‬لماذا تتح ّدث عن فلسفات؟ لماذا تؤلّف أنت؟ لماذا‬ ‫تنشر؟ لماذا تحاور؟ و هو غير واع بهذا ال ّشيء‪ ،‬لكن يريد هكذا‪.‬‬ ‫ال‪ ،‬العقل مقيّد و عنده حدود و لو لزم حدوده و عرف كيف يتدرّج في المحاورة‬ ‫والتّفكير‪ ،‬سيسلّم بالحقائق اإلنسانيّة‪ ،‬و في مق ّدمتها وجود ّ‬ ‫الذات اإللهيّة‪ ،‬غصبا عنه‪.‬‬ ‫و سوف نرى اليوم‪ ،‬و سنم ّر بأشياء لكن سريعا‪ّ ،‬‬ ‫ألن هذا موضوع طويل ج ّدا‪.‬‬


‫إذن‪ ،‬قال لك‪:‬‬

‫‪ 9‬و اجـ ِزمْ ِب ـأ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـب‬ ‫َ ْ‬ ‫َن أ َّ​َوًال مـ َّـما ي ـَـج ـ ـ ْ‬

‫مَـعْـ ِرفَـةٌ و ِفـ ِـيه خُ ْل ٌ ِ‬ ‫ـب‬ ‫ف م ـُنْـتَصـ ْ‬ ‫َ‬

‫ك ثُمَّ انْــتـَِـقـ ـ ِـل‬ ‫‪ 9‬فَانْظُـ ْـر ِإلَى نـَ ْف ِس َ‬

‫ي ثـُمَّ السـ ـفُـِـلــي‬ ‫ِل ْلـعَـالَِم العُـ ْل ـ ِو ِّ‬

‫بدأ بالنّفس‪ .‬لماذا؟ لقوله تبارك و تعالى‪( ،‬إجابة طيّبة من أحد اإلخوة) أحسنت؛‬ ‫َ ٓ َ ُ‬ ‫ُ ۡ َ​َ​َ ُۡ ُ َ‬ ‫ِصون ‪.c S ،٢١ W ‬‬ ‫(قال‬ ‫)‪  :‬و ِ​ِف أنف ِ‬ ‫سكم أفَل تب ِ‬

‫‪‬‬

‫ي ِمن أ ّ‬ ‫ي شيء آخر ل ّما أف ّكر في نفسي‪ .‬كيف‬ ‫النّفس أقرب شيء إل ّي‪ .‬نفسي أقرب إل ّ‬ ‫المح َدثَة ف ّي؛ السّمع‪ ،‬البصر‪ ،‬و هذه كلّها أعراض‪.‬‬ ‫ما معنى أعراض؟ أنّها أشياء كانت بعد أن لم تكن‪ ،‬و يمكن أن تزول‪ .‬كلّها ُمحْ َدثَة‪،‬‬ ‫أوصاف و أشياء ُمحْ َدثَة‪ ،‬ممكن تزول‪ .‬وكأ ّ‬ ‫ي من رجل كان بصيرا أصبح ِمن يومه‬ ‫أعمى‪ ،‬و لو أتيت بك ّل طبّ ال ّدنيا لما استطاع أن يسترجع بصره‪ .‬و هكذا‪ .‬نفس‬ ‫ال ّشيء‪ ،‬إنسان يكون سميعا ث ّم يفقد سمعه‪ ،‬على األق ّل إذا كان بدون صدمة و ليس‬ ‫بطريقة‬

‫هستيريّة‬

‫يستطيع‬

‫أن‬

‫ك ّل‬

‫يفقده‬

‫قيل‪" :‬ا َّن الث َّ َما ِن َني َو قَد ب ُ ِلغُتُ َا ‪ ¤¤¤‬قَد َأح َو َجت َ​َس ِعي ا َ​َل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫عمره‪.‬‬

‫ان"‪( ،‬البيت لـ‪‬عوف‬ ‫تَر ُ َُج ِ‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫أف ّكر في نفسي؟ ليس في كنه نفسي‪ ،‬لن أقدر أن أصل إلى هناك‪ .‬و إنّما في األعراض‬

‫بن ملحم الشّيبانيّ‪ .)‬هناك أبيات كثيرة في هذا الباب‪.‬‬

‫مع العمر‪ ،‬تفقد السّمع‪ ،‬تفقد البصر‪ ،‬تفقد حاسّة ال ّش ّم‪ ،‬تفقد حاسّة التّذ ّوق‪ ،‬الكبار في‬ ‫الس ّ​ّن و كلّنا‪ ،‬نحن‪ ،‬في هذا الطّريق‪( .‬المقصود أنّه مع العمر تنقص قوّة هذه الحواسّ)‪،‬‬ ‫يفقد ك ّل مل ّذات الحياة‪ ،‬حتّى المشمومات‪ .‬يقول‪« :‬آآآه! أيّام زمان‪' ،‬يا سقى هللا' على‬ ‫أيّام زمان‪' ،‬سقى هللا' أيّام الصّبى‪ ،‬ل ّما كنت أش ّم هذه الرّائحة أنتعش و أشعر بالحويّة‬ ‫والمعاني‬

‫العجيبة‬

‫و‬

‫العشقيّة‬

‫و‬

‫الجمال»‪.‬‬

‫‪28‬‬


‫و اآلن ال يش ّم‪ ،‬مثل زيت ال ّزيتون ليست عنده مشكلة‪ ،‬يأكل و ال يستطعم أ ّ‬ ‫ي شيء‬ ‫و يقول‪« :‬يا أخي‪ ،‬المرأة هذه 'بطّلتها'»‪ .‬وهي نفس المرأة‪ ،‬بالعكس عندها خبرة‬ ‫أربعين سنة في ال ّشاي‪ .‬يقول‪« :‬شايها زمان كان أحسن»‪« .‬ال‪ ،‬لسانك كان أحسن‪،‬‬ ‫ال ّشاي بقي شايا‪ ،‬لكن لسانك ذهب‪ ،‬أنت اآلن شيخ عجوز في السّبعين أو الثّمانين»‪.‬‬ ‫(ضحك شديد في المجلس)‪ ،‬و السّمع والبصر‪ ...‬فيقول‪« :‬يا أخي‪ ،‬علّي صوتك!»‬ ‫«أنت ال تسمع‪ ،‬مشكلتك هنا»‪( .‬الضّحك متواصل)‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫" َو َما يَ ُكن َذا فَم َم ِريض ‪ِ َ ¤¤¤‬يد ِب ِه ُمرا ال َا َء الز َل َل‬

‫"‪( ،‬المتنبّي‪853-028 ،‬‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫هـ)‪ .‬صحيح؟ لسان ممرور‪ ،‬عنده المرارة‪ ،‬حين يأكل أ ّ‬ ‫ي شيء‪ ،‬حتّى الـ ‪،grippe‬‬ ‫('قريب'‪ ،‬اإلنفلونزا)‪ ،‬اآلن أنواع منها‪ ،‬تسمع َمن يقول‪« :‬م ّر عندي!» «هو ليس مرّا‪،‬‬ ‫المرارة فيك»‪ .‬صحيح؟ هذا هو‪ .‬فك ّل هذه أعراض‪.‬‬ ‫ل ّما أنت تف ّكر فيها تعلم ّ‬ ‫أن هناك َمن أوجدها و ر ّكبها و أعطاها‪ ،‬ليست أزليّة و ليست‬ ‫ثابتة‪ ،‬و نسبيّة و ضعيفة و تذهب‪ .‬ث ّم اُنظر للدقّة و احترام ال َّ‬ ‫ص ْن َعة؛ هذه العين‪،‬‬ ‫واألذن‪ ،‬و اسأل األطبّاء‪ ،‬و الّذين درسوا التّشريح‪ ،‬و الّذين درسوا وظائف األعضاء‪.‬‬ ‫كما قال ‪‬المعرّي‪( ،‬أبو العالء المعرّي‪ 334-868 ،‬هـ)‪َ  :‬ع ِج ْب ُ‬ ‫ب‬ ‫ت لِلطَّبِي ِ‬ ‫ري َح‪( .‬ضحك في المجلس‪ ،‬استسخافا بهذا‬ ‫يُ ْل ِح ُد فِي ِ‬ ‫اإللَ ِه ِم ْن بَ ْع ِد َدرْ ِس ِه التَّ ْش ِ‬ ‫التّصوّر)‪ ،‬استغرب كيف ّ‬ ‫أن طبيبا درس التّشريح‪ ،‬أو وظائف األعضاء‪ ،‬و بعد ذلك‬ ‫يلحد في هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬أعوذ باهلل‪ ،‬مستحيل!‬ ‫و هناك أيضا‪ ،‬شيء أعظم من اإلنسان و أد ّل على هللا ِمن خلقة اإلنسان‪ ،‬لن نشرحه‬ ‫اآلن ألنّنا سندخل في موضوع ال ينتهي‪ ،‬لو تقرأ ك ّل وظائف األعضاء‪ ،‬ك ّل هذا‬

‫‪29‬‬

‫مصاديق للقدرة اإللهيّة‪ .‬أنت تقرأ و تسبّح فقط؛ تقول‪« :‬سبحان هللا‪ ،‬سبحان هللا»‪ .‬ل ّما‬ ‫تقرأ العلم الوراث ّي‪ ،‬ال تسبّح فقط‪ ،‬ترتعد‪ ،‬ترتجف و تقول‪ ،‬سبحان َمن خلق‪ ،‬سبحان‬


‫َمن ق ّدر‪ ،‬سبحان هذه البداعة‪ ،‬سبحان هذا ال ّشيء العجيب‪ .‬شيء غير عادي‪ ،‬يا أخي‪،‬‬ ‫هذه المنظومة اإلنسانيّة‪ .‬و هذا اإلنسان و ال شيء بالنّسبة‪( ،‬يوجد أخ قال «للسّماوات‬

‫و األرض» بكلّ ربّانيّة)‪ ،‬للكون‪ ،‬لهذا الـ ‪'( cosmos‬كوزموس')‪ ،‬لخلق السّماوات‬ ‫َ​َ ۡ ُ ا َ َ َ ۡ َ‬ ‫َ ۡ‬ ‫كَُ‬ ‫َب مِنۡ‬ ‫ت وٱۡل ِ‬ ‫ۡرض أ‬ ‫واألرض أكبر ِمن خلق النّاس‪َ  )8( .‬للق ٱلسمَٰو َٰ ِ‬ ‫َ ۡ‬ ‫خل ِق ٱَلا ِ‬ ‫اس ‪ .G S ،٧٦ W  U‬أكبر و أعظم و أد ّل على القدرة‪ ،‬على‬ ‫َ‬ ‫َ َ َٰ ا َ ۡ َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫كن أكَث ٱَل ِ‬ ‫اس َل‬ ‫االحْ َكام و البداعة و االقتدار اإلله ّي‪...  )8( ،‬ول ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َي ۡعل ُمون ‪( ‬تكملة اآلية السّابقة)‪.‬‬

‫ك ثُمَّ انْــتـَِـقـ ـ ِـل‬ ‫‪ 9‬فَانْظُـ ْـر ِإلَى نـَ ْف ِس َ‬

‫ي ثـُمَّ السـ ـفُـِـلــي‬ ‫ِل ْلـعَـالَِم العُـ ْل ـ ِو ِّ‬

‫لضرورة النّظم؛ 'ثُ َّم ا ْنتَقِ ِل' ‪' ...‬السفُلِي'‪ ،‬و ليس الس ْفلِ ّي‪ .‬فلو كان كذلك لَفَ َس َد البيت‪.‬‬ ‫العالَم العلويّ‪ ،‬ما هو؟ عالم األجرام العليا‪ ،‬يعني السّماء قصده‪ ،‬الـ ‪cosmos‬‬

‫بالنّظريّة الحديثة‪'( univers ،‬يونيفرس')‪ ،‬هذا‪ ،‬الكون‪ .‬يعني النّجوم‪ ،‬ال ّشموس‪،‬‬ ‫ي كلّه‪ ،‬بما فيه‪ .‬و هذا درس طويل ج ّدا ج ّدا‪.‬‬ ‫األقمار‪ ،‬الس ُدم‪ ،‬المجرّات‪ ،‬الفضاء الكون ّ‬ ‫هذا ال ّدرس يستغرق عمر البشريّة‪ ،‬تنتهي البشريّة و ال ينتهي هذا ال ّدرس‪ ،‬و هو‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫لذلك ماذا قال‪:‬‬

‫جالس على قدم و ساق يدرس الكون‪ ،‬ليل نهار‪َ .‬وهللاِ هم (يريد الغربيّين) بصراحة‬ ‫يلبّون أمرنا أكثر منّا‪ ،‬أقسم باهلل‪.‬‬ ‫سير ‪‬جيمس جينس‪( ‬عالم فلك بريطانيّ‪ ،)7436-7311 ،‬صاحب «كون‬ ‫ت ِع ْل ًما َألَ ْيقَ ْن ُ‬ ‫ان بِاهللِ‪َ ،‬و لَ ْو ِز ْد ُ‬ ‫األلغاز»‪ ،‬يقول‪  :‬أَنَا ُم ْؤ ِم ٌن َع ِمي ُ‬ ‫ت أَ َّن إِي َمانِي‬ ‫ق ا ِإلي َم ِ‬ ‫ك َو تَ َعالَى ‪ .‬هو يعرف حاله‪ ،‬كلّما زاد علما كلّما زاد اإليمان‪.‬‬ ‫ار َ‬ ‫َسيَ ِزي ُد بِاهللِ‪ ،‬تَبَ َ‬ ‫ُكلَّ َما‬

‫ص‬ ‫نَقُ َ‬

‫ك‬ ‫ِع ْل ُم َ‬

‫ص‬ ‫نَقُ َ‬

‫ك‪.‬‬ ‫إِي َمانُ َ‬

‫‪30‬‬


‫لذا اإللحاد هو ‪'( index‬إندكس')‪ ،‬على الغباء‪( .‬ضحك في المجلس)‪ ،‬مؤ ّشر غباء‪.‬‬ ‫هناك غباء عند هذا اإلنسان‪ .‬طبعا‪ .‬إذا كان ذكيّا‪ ،‬مستحيل! ال يوجد عالِم كبير ّإال‬ ‫و يكون ِمن المؤمنين‪.‬‬ ‫‪‬نيوتن‪ ‬عقله ضخم ج ّدا ج ّدا‪ ،‬مؤمن إيمانا عميقا باهلل‪ ،‬و دقيق و منظّم‪ ،‬و الكون‬ ‫كساعة كان يقول‪( .‬الشّيخ قال كالما غير مفهوم)‪ ،‬هو عنده نظريّة أخرى (الشّيخ‬

‫يضحك)‪ .‬لكن‪ ،‬كان يؤمن باهلل‪ ،‬لم تكن لديه ريبة‪.‬‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫َمن تريد؟ ‪‬أينشتاين‪‬؟ كان يستغرب ِمن سؤال اإللحاد‪ .‬يقول‪« :‬ما هذا السّؤال؟»‬ ‫يستغرب حين يسألونه‪ .‬يستغبي هذا السّؤل‪ .‬أنا عالم و تقول لي‪« :‬أ تؤمن باهلل! طبعا‬ ‫أنا أؤمن باهلل»‪ .‬كان يرى ك ّل شيء يفسّره اإليمان‪ ،‬و العلم يكشف عن مصاديق هذا‬ ‫س األَ ْع َمى‪ .‬لن يفهم‪ ،‬لن يرى‬ ‫اإليمان‪ .‬و كان يقول‪ :‬ال ِع ْل ُم بِ َّل إِي َمان‪ ،‬يَتَلَ َّمسُ تَلَم َ‬ ‫طريق العلم بدون إيمان‪.‬‬ ‫كيف يعني؟ ألنّه بدون إيمان‪ ،‬أنت نَفَ ْي َ‬ ‫ت عن هذا الكون ماذا؟ الحكمة‪ .‬نفيت عنه‬ ‫النّظام‪ ،‬نفيت عنه التّكافل و التّآزر‪ .‬كون مش ّوش‪'( chaos ،‬كايوس'‪ ،‬فوضى) يعني‪.‬‬ ‫مستحيل! و ل ّما تقول لي هو منظّم و ‪ cosmos‬عكسها (عكس ’كايوس')‪ ،‬وليسا‬ ‫‪ .chaos‬نقول‪« :‬طيّب‪ ،‬كيف تنظَّم؟» يقول لك‪« :‬لِ َوحْ ِد ِه‪ ،‬خا ّ‬ ‫صيّة الما ّدة»‪ .‬سنشرحها‬ ‫بعد قليل‪ .‬هذه هي المشكلة‪ ،‬الفلسفة العاديّة شيطان كبير‪ .‬عقله أكبر عقل و يضحك‬ ‫على اإلنسان دائما و يم ّد له باستمرار ليعينه على اإللحاد و الكفر والتّجديف في ح ّ‬ ‫ق‬ ‫هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬لكن ك ّل سؤال له جواب‪ ،‬كما قلنا‪ .‬طيّب‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫نعود‪ ،‬اللّه ّم ص ّل على سيّدنا ‪ .‬فهذا العالم العلويّ‪ ،‬كما قلنا‪« :‬ال ّدرس ال ينتهي ّإال‬ ‫بانتهاء البشريّة»‪ .‬ما دام اإلنسان يعيش و يظ ّل يدرس هذا الكون‪ ،‬سيستغرب ِمن‬ ‫عظمة هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬كون عظيم! عظيم! عظيم! عظيم! شيء تقشع ّر له‬ ‫الجلود‪ .‬شيء غير عاديّ‪ .‬يخرج اإلنسان في األخير‪ ،‬تقريبا‪ ،‬و ال شيء و ال شيء‪.‬‬ ‫ي رتبة في هذا الوجود‪ّ .‬‬ ‫ليس لك‪ ،‬تقريبا‪ ،‬أ ّ‬ ‫لكن هللا أعطاك رتبة االحترام و التّكريم‬ ‫و س ّخر لك هذا الكون من عنده‪ .‬و ّإال‪ ،‬أنت من ناحية جسميّة‪ِ ،‬من ناحية هندسيّة‪،‬‬

‫بشكل غير عاديّ‪ ،‬مخيف‪ ،‬مخيف‪.‬‬ ‫يلف األرض ثمان مرّات في الثّانية‪ .‬أنت تقول‪« :‬واحد»‪ .‬يكون قد ّ‬ ‫الضّوء ّ‬ ‫لف األرض‬ ‫ثمان مرّات‪ .‬طيّب‪ ،‬كيف إذا سار دقيقة أين سيذهب (الضّوء)؟ طيّب كيف إذا سار‬ ‫ساعة؟ طيّب كيف إذا سار يوما‪ ،‬يوما كامّل يسير‪ ،‬أين سيذهب؟ هو في ثانية واحدة‬ ‫ّ‬ ‫يلف األرض ثمان مرّات‪ .‬بعد يوم أين سيذهب؟ بعد شهر؟ بعد سنة‪ ،‬و اسمها السّنة‬ ‫الضّوئيّة؟ اُنظر بعد سنة كم سيقطع في هذا الكون‪ .‬سنةً؟ سنة ماذا! ‪ 15‬بليون سنة‪.‬‬ ‫و هذا ما وصلوا إليه إلى اآلن‪ ،‬يمكن يكون أوسع‪ .‬هم اآلن يعترفون ّ‬ ‫أن الكون قطره‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫أنت ال تساوي شيئا في الكون‪ .‬أنت و ال شيء‪ ،‬و ال حبّة ذرّة‪ ،‬أصغر ِمن هذا‪.‬‬ ‫األرض كلّها على بعضها أق ّل ِمن حبّة رمل في الكون أصّل‪ .‬الكون وسيع فسيح‬

‫‪ 15‬بليون سنة (من المعلوم أنّ هذا نصف القطر‪ ،‬و اهلل أعلم)؛ يعني الضّوء عليه أن‬ ‫يقطع ‪ 15‬ألف مليون سنة ليصل إلى طرف الكون‪ .‬و ّ‬ ‫يلف األرض ثمان مرّات في‬ ‫الثّانية‪ .‬كيف هي سعة الكون؟ الم ّخ يقف هنا‪.‬‬ ‫لذلك علماء الكونيّات شديدو اإليمان باهلل‪ ،‬شديدو الخشية ِمن هللا‪ ،‬شديدو الرّهبة هلل‪،‬‬ ‫تبارك‬

‫و‬

‫تعالى‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫قيل‪" :‬تَ َم َّرد ِت َي ن َف ُس ف َو َق ا َلر ِض فَاهدَ ِئ ‪َ ¤¤¤‬و َل تَذ َه ِب ِ​ِ ال ُع ُج ِب ُ َّ‬ ‫ك َمذ َه ِب‬ ‫ب"‪.‬‬ ‫فَـــ َما َأن ِت ا َّل َذ َّرة فَو َق َمـــتـــ ِنــــــــــهَا ‪َ ¤¤¤‬و َمـا ِهـــ َي ا َّل َذ َّرة ِ​ِ ال َكــ َوا ِكـــــ ِ‬

‫ِ‬

‫ِ‬

‫(سأل الشّيخ عن الضّمير المتّصل في كلمة 'متنها' على مَن يعود‪ ،‬فأجابه أحد اإلخوة‬

‫باألرض‪ .‬و أقرّه الشّيخ على هذا الجواب)‪ .‬أ ّ‬ ‫ي كواكب! هي الكواكب ال تمثّل شيئا أيضا‬ ‫بالنّسبة للكون‪ .‬الكون فيه أشياء‪ ،‬و فيه ‪’( super nova‬سوبر نوفا'‪ ،‬يعني انفجار نجم‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫َ​َ ۡ ُ ا َ َ َ ۡ َ‬ ‫َ ۡ‬ ‫ك َ​َبُ‬ ‫ت وٱۡل ِ‬ ‫ۡرض أ‬ ‫هائل)‪ ،‬فيه أشياء مخيفة هذا الكون‪َ  )8( .‬للق ٱلسمَٰو َٰ ِ‬ ‫َ ۡ‬ ‫َ َ َٰ ا َ ۡ َ‬ ‫َ ََُۡ َ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫كن أكَث ٱَل ِ‬ ‫م ِۡن خل ِق ٱَلا ِ‬ ‫اس َل يعلمون ‪.G S ،٧٦ W ‬‬ ‫اس ول ِ‬

‫قال‪... :‬ثُمَّ انْــتـَِـقـ ـ ِـل‬

‫ي ثـُمَّ السـ ـفُـِـلــي‬ ‫ِل ْلـعَـالَِم العُـ ْل ـ ِو ِّ‬

‫ما السفُل ّي؟ يعني العالم السّفل ّي‪ ،‬ما هو؟ عالم األرض‪ .‬ما فيها ِمن نبات و بحار وكذا‪.‬‬ ‫هذا العالم السّفل ّي‪ .‬بك ّل ما فيه ِمن عالم النّبات و عالم الحيوان‪ ،‬و األشياء األخرى؛‬ ‫الذرّة و مك ّوناتها‪ ،‬ك ّل هذا في العالم السّفل ّي‪ .‬كما يقال ِمن ّ‬ ‫و الجمادات أيضا‪ ،‬و ّ‬ ‫الذرّة‬ ‫حتّى المجرّة‪ِ .‬من ّ‬ ‫الذرّة‪ ،‬العالم ال ّس ْفل ّي‪ .‬إلى المجرّة‪ ،‬العالم العلويّ‪ ،‬يس ّمونه عالم‬ ‫األفّلك‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫قال‪:‬‬

‫‪ 9‬تَ ِـج ـ ْد ِبـ ِـه صـنْــعا ب ِـديع ِ‬ ‫الح ـ َك ِم‬ ‫ُ ً َ َ‬

‫لَـ ِـكــنْ ِب ـ ِـه قَــامَ َِِل ـ ـ ـي ــلُ العَـ ـ َدِم‬

‫الح َكم جمع ِح ْك ِمة‪ ،‬بمعنى االتقان‪ .‬يعني؛ تَ ِج ُد بِ ِه َعالَ ًما َم ْخلُوقًا َمصْ نُو ًعا‪ ،‬شديد‬ ‫ِ‬ ‫االتقان و ال ّدقّة‪ ،‬و هو مع ش ّدة تقانته‪ ،‬أو اتقانه‪ ،‬و ال ّدقّة في تنظيمه مع ذلك أنّه فيه‬ ‫دليل على أنّه كان بعد أن لم يكن‪.‬‬ ‫‪33‬‬

‫ما َدلِي ُل ال َع َد ِم؟ به قام دليل جواز العدم‪ .‬الزم على تقدير مضاف‪ .‬دليل العدم هو جواز‬ ‫العدم‪ .‬يعني كان بعد أن لم يكن‪ .‬في األصل كان عدما ث ّم أوجده هللا‪ .‬هذا هو‪.‬‬


‫قد يقول أحدكم‪« :‬ما هذه المشكلة الكبيرة بيننا و بين المّلحدة‪ ،‬بيننا و بين الماركسيّين‪،‬‬ ‫بيننا و بين الماديّين؟ كيف نحلّها؟»‪ ،‬حلّها طويل ج ّدا‪ ،‬لن أستطيع اليوم التّكلّم فيها‪،‬‬ ‫لكن سأعطيكم لَ َم َعات سريعة ج ّدا ج ّدا‪.‬‬ ‫قلنا‪ ،‬أعتقد في دروس رمضان قبل الفائت‪ّ ،‬‬ ‫إن نظام الوجود‪ ،‬نظام الكون‪ ،‬يمكن أن‬ ‫يُفَسَّر بأكثر ِمن نظريّة‪ ،‬متناقضة طبعا؛‬ ‫‪ ‬النّظريّة األولى؛ و هي الّتي ينحو إليها و يتع ّزى بها اإللهيّون‪ ،‬الملّيّون‪،‬‬ ‫الموحّدون‪ ،‬المعترفون باهلل‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬و هي "نظريّة الخلق و التّقدير‬

‫‪ ‬النّظريّة الثّانية‪" :‬نظريّة المثاليّة"‪ ،‬أو المثاليّين‪ .‬ماهي نظريّة المثاليّين؟‬ ‫ي يرى ّ‬ ‫أن الوجود‪ ،‬أصّل‪ ،‬غير‬ ‫"نظريّة خياليّة الوجود"‪ .‬الفيلسوف المثال ّ‬ ‫أن الّذي خلقه و أوجده ال ّدماغ‪ّ ،‬‬ ‫موجود و ّ‬ ‫الذهن البشريّ‪ .‬هذا العالَم م ّخك هو‬ ‫الّذي يخلقه‪ ،‬ال يوجد عالم‪ ،‬ال يوجد أ ّ‬ ‫ي شيء‪ .‬يا سّلم!!! طبعا هذه كلّها‬ ‫سفسطة‪ ،‬و أكثر ِمن السّفسطة‪ .‬يعني أنا خلقتكم؟ أنتم خلقتموني؟ َمن خلق َمن؟‬ ‫ما هذا الكّلم الفارغ!‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫و التّدبير"‪.‬‬

‫و كان هناك قسّيس و فيلسوف إنكليزيّ‪ ،‬باركلي‪ ‬اسمه (‪‬جورج‬

‫باركلي‪ُ ،)7158-7635 ،‬م ْغ َرق في الماديّة‪ .‬ماذا كان يقول؟ مل ّخص ماديّة‬ ‫‪‬باركلي‪ ‬في كلمة واحدة‪ّ ،‬‬ ‫ين تَ َراهُ هُ َو َم ْو ُجو ٌد‪ِ ،‬ح َ‬ ‫أن "ال َّش ْي َء ِح َ‬ ‫ين َال تَ َراهُ‬ ‫هُ َو َم ْع ُدو ٌم"‪ .‬هللا أكبر! يعني أنتم موجود ّإال عندما أنا أراكم‪ ،‬و أنا موجود ّإال‬ ‫عندما ترونني‪ .‬و إذا تفرقّنا (يبدو أنّ الشّيخ قال كلمة أخرى غير 'تفرّقنا' و لكنّها‬

‫في نفس السّياق‪ ،‬إن شاء اهلل) انعدم ك ّل شيء‪ .‬كّلم سخيف طبعا‪ ،‬و كّلم‬ ‫فارغ‪ ،‬هذه النّظريّة المثاليّة‪.‬‬

‫‪34‬‬


‫و لذلك سقطت‪ .‬المثاليّة في عهد الماديّة‪ ،‬بعد العلم التّجريب ّي اندثرت‪ .‬هذا الهبل‬ ‫ِمن أيّام ‪‬أفّلطون‪ ،‬انتهى ك ّل شيء‪ .‬لذلك لن أتكلّم فيها كثيرا‪ .‬نظريّة‬ ‫خياليّة الوجود‪ ،‬الّتي هي النّظريّة المثاليّة‪.‬‬ ‫‪ ‬النّظريّة الثّالثة‪" :‬نظريّة الصّدفة"‪ .‬أَ َّن ال َك ْو َن ُو ِج َد َو َم ْو ُجو ٌد َو ُمنَظَّ ٌم َو َك َذا‪،‬‬ ‫يق الص ْدفَ ِة‪( .‬ضحك في المجلس)‪ .‬هللا! أ ّ‬ ‫ص ْدفَة؟ نقول لهم‪« :‬و هذا‬ ‫ي ُ‬ ‫لَ ِك ْن بِطَ ِر ِ‬ ‫النّظام؟ هذه ال ّدقّة؟ هذه القوانين؟ األشياء المحسوبة رياضيّا؟» قالوا‪« :‬بال ّ‬ ‫صدفة‪.‬‬ ‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫انفجارات في الما ّدة‪ ،‬انفجارات و خربطات ِمن هنا و ِمن هناك‪ ،‬بعد بّليين‬ ‫بّليين بّليين‪ ،‬تَنَظَّم الموضوع بهذه الطّريقة‪ .‬طريق الصّدفة»‪.‬‬ ‫ل ّما تق ّدم العلم و الرّياضيّات و بحساب االحتماالت و هو فرع ِمن فروع‬ ‫الرّياضّيات‪ ،‬انتبهوا‪ ،‬و ال يوجد أصدق ِمن الرّياضيّات ألنّها تحصيل حاصل‬ ‫يعني تقول ما هو موجود و ال تأتي بشيء جديد‪ ،‬وجدنا أنّه ال يكفي عمر‬ ‫الكون و ال األزمان الّتي هم يق ّدرونها لكي تقوم الصّدفة بهذا ال ّدور‪ .‬فتخلّى‬ ‫الما ّديّون عن نظريّة الصّدفة‪ ،‬و خرجوا بنظريّة رابعة‪.‬‬ ‫‪ ‬النّظريّة الرّابعة‪ :‬و اسمها "خا ّ‬ ‫صيّة الما ّدة"‪ .‬أَ َّن هَ َذا التَّ ْن ِظي َم َو ال ِّدقَّةَ َخا َّ‬ ‫صةٌ ِم ْن‬ ‫َخ َواصِّ ال َما َّد ِة‪ .‬هي هكذا‪ ،‬ال تقل خلقها هللا (استوحشت البقاء في العدم فقرّرت‬

‫الخروج إلى الوجود وحدها)‪ ،‬هي غير مخلوقة‪ .‬الما ّدة بطبيعتها‪ ،‬أصّل‪ ،‬تُبَ ْل ِور‬ ‫وتعكس ك ّل ما تراه‪ ،‬أنت‪ِ ،‬من مظاهر النّظم‪ ،‬مظاهر التّنظيم‪ ،‬االنتظام (هبل‬

‫ما بعده هبل)‪ .‬هللا! رأيتم هذه الخطّة ال ّشيطانيّة؟ و عندما تقول لهم‪« :‬طيّب‪،‬‬ ‫‪35‬‬

‫لماذا ال تفترض ّ‬ ‫أن الما ّدة عمياء و غير منَظَّ َمة‪ ،‬و ‪chaos‬؟»‬


‫يقول لك‪« :‬ال‪ .‬بالعكس‪ ،‬هي ِمن األصل منظَّ َمة و دقيقة و ليست ‪.»chaos‬‬ ‫رأيتم هذه ال ّشيطانيّة‪ ،‬ليست سهلة‪ .‬شبهة ملعونة‪ ،‬ملعونة‪ ،‬لو ف ّكرت فيها بعمق‪.‬‬ ‫‪ ‬النّظريّة الخامسة و األخيرة في تفسير الكون و الوجود‪ :‬هي "النّظريّة‬ ‫الج َدليّة"‪ ،‬الديالكتيكيّة‪ّ ،‬‬ ‫أن هذا الوجود هو عالَم ِمن األضداد‪ ،‬عالَم األشياء‬ ‫َ‬ ‫وأضدادها‪ .‬و هذه األشياء مع أضدادها‪ ،‬يعني ك ّل ض ّد مع ضديده‪ ،‬ماذا يحصل‬ ‫دائما؟ يحصل صراع‪ .‬و هذا الصّراع يُ ْنتِج لنا في األخير شيئا ثالثا؛ لَهُ هَ َذا‬ ‫‪'( synthese‬سانتيز')‪ ،‬ث ّم بعد ذلك نوجد له ض ّدا أيضا‪ ،‬الزم‪ .‬و هكذا‪.‬‬ ‫صراع األضداد هو الّذي ط ّور هذا الوجود‪ ،‬كلّه‪ ،‬الماد ّ‬ ‫ي و المعنويّ‪ .‬هذه‬ ‫نظريّة َمن؟ الماركسيّين‪ ،‬االشتراكيّة العلميّة‪.‬‬ ‫خمس نظريّات مشهورة في تفسير الوجود‪ .‬نحن أصحاب أ ّ‬ ‫ي نظريّة؟ أصحاب‬ ‫النّظريّة األولى‪ ،‬و هي أقوى نظريّة‪ .‬عندها شواهد كثيرة ج ّدا ج ّدا‪ ،‬و تجيب عن ك ّل‬ ‫التّساؤالت‪ .‬سنرى كيف‪.‬‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫َولَهُ هَ َذا (الشّيء الثّالث متكوّن مِن هذا و مِن هذا)‪ ،‬مزيج اسمه التّركيبة‪ ،‬يعني‬

‫"نظريّة الخلق و التّدبير و التّقدير"‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬تتجلّى و تتبرهن عبر أكثر‬ ‫ِمن برهان و دليل‪ .‬كثيرة براهينها‪ .‬لكن نريد أشياء سريعة ِمن دون أن نأت َي بأمثلة‪،‬‬ ‫ألنّه موضوع طويل ج ّدا‪ .‬أشهر هذه البراهين و األدلّة؛ األ ّول‪' :‬برهان النّظم'‪ ،‬اسمه‪،‬‬ ‫أو 'برهان النّظام'‪.‬‬ ‫‪36‬‬


‫ما هو مل ّخص 'برهان النّظم'‪ ،‬أو 'برهان النّظام'؟ هو البرهان الّذي يقول‪،‬‬

‫إِ َّن‬

‫ض َد َو تَفَاهُ َم‬ ‫النَّظَ َر فِي أَيِّ َش ْيء ِم َن أَ ْشيَا ِء ال ُو ُجو ِد يَ ْع ِكسُ لَنَا تَ َكافُ َل َو تَآ ُز َر َو تَ َعا ُ‬ ‫أَجْ َزا ِء ال ُو ُجو ِد ‪ .‬مثل السّاعة‪ ،‬صحيح؟ أرأيتم هذه السّاعة‪ ،‬ك ّل جزء فيها يتفاعل‬ ‫كأن بينها روحا‪ّ ،‬‬ ‫أن مجموع األجزاء‪ ،‬يعني ّ‬ ‫مع اآلخر‪ ،‬بحيث ّ‬ ‫كأن بينها تفاهما‪ ،‬اتّفاقا‬ ‫مشتركا لكي تؤ ّدي هذه الوظيفة على أد ّ‬ ‫ق وجه ممكن‪ .‬و العقل يقول مستحيل أن‬ ‫َ‬ ‫يكون هذا بمحض صدفة‪ ،‬ال ب ّد أن يكون هناك صانعا مح ِدثًا‪ ،‬هو صاحب حكمة‬ ‫و تقدير و تدبير‪ ،‬هو الّذي أوجد هذا التّآزر و التّكافل‪.‬‬ ‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫قد يقول أحدكم‪« :‬و هذا فعّل موجود في الكون؟» موجود بكثرة‪ ،‬في ك ّل شيء في‬ ‫الكون‪ .‬ك ّل شيء في الكون له وظيفة‪ .‬تحقيق هذه الوظيفة (يكون) عبر تكافل و تآزر‬ ‫أجزائه و مك ّوناته‪ .‬فك ّل شيء في الكون محكوم ببرهان النّظم‪.‬‬ ‫برهان النّظم يتك ّون من مق ّدمتين‪ .‬المق ّدمة األولى‪' :‬اثبات النّظم'‪ .‬اثبات ّ‬ ‫أن هناك نظاما‬ ‫في الوجود‪ .‬و المق ّدمة الثّانية‪ ،‬مق ّدمة عا ّمة و هي مبدأ العلميّة‪' ،‬ال ب ّد للمنظوم ِمن‬ ‫ناظم'‪َ .‬من نَظَ َمها؟ َمن وضع هذا ال ّشيء العجيب ج ّدا‪.‬‬ ‫و لذلك عندما تتتبّع النّتيجة‪ ،‬هي النّاظم‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬هذا البرهان‪ ،‬برهان النّظم‬ ‫بشكل عا ّم‪ ،‬له صور كثيرة‪ِ .‬من أشهرها‪ ،‬حساب االحتماالت‪ .‬صورة ِمن صور‬ ‫براهين النّظم‪ ،‬و أنتم تعرفون كيف يت ّم حساب االحتماالت‪ ،‬معروف لن نتكلّم فيه‪.‬‬ ‫األرض اآلن مثّل صالحة لحياتنا‪ .‬الّذي جعلها صالحة لحياتنا ليس تآزر أو تفاهم‬ ‫شرطين‪ ،‬فقط‪ ،‬فيها‪ .‬لو شرطين ممكن بالصّدفة‪ ،‬صح‪ .‬لكن ثّلث شروط‪ ،‬أربعة‬ ‫شروط‪ ،‬خمسة شروط‪ ،‬عشرة شروط‪ ،‬مائة شرط‪ ،‬ألف شرط‪ .‬شروط كثيرة ج ّدا‬ ‫ج ّدا‪ ،‬كلّها متوفّرة في هذه األرض‪ِ ،‬من حيث الحجم‪ِ ،‬من حيث الحركة‪ِ ،‬من حيث‬

‫‪37‬‬

‫َميْل‬

‫الحركة‬

‫يعني‬

‫المحور‪،‬‬

‫محور‬

‫األرض‪.‬‬


‫ِمن حيث السّرعة‪ِ ،‬من حيث طبيعة الحركة‪ ،‬شيء حول نفسها و شيء حول ال ّشمس‪،‬‬ ‫ِمن حيث ُس ْمك القشرة األرضيّة‪ ،‬لو كان أق ّل لو كان أكثر‪ِ ،‬من حيث نسبة الهواء‬ ‫و توزيع مك ّونات الهواء بنسبة مح َّد َدة‪ِ ،‬من حيث وجود هذه األغلفة الخمسة (الغالف‬

‫الصّخريّ‪ ،‬التّربة‪ ،‬الغالف المائيّ‪ ،‬الغالف الحيويّ‪ ،‬الغالف الجوّيّ)‪ ،‬أيضا و أبعادها‪ ،‬و‪ ،‬و‪،‬‬ ‫و‪ .‬يعني أشياء كثيرة ج ّدا‪ .‬لو شيء واحد منها‪ ،‬و هو البعد عن ال ّشمس‪ ،‬غير متوفّر‬ ‫تستحيل حياتنا على هذا الكوكب‪ .‬عجيب! ك ّل هذه األشياء توفّرت مع بعضها هكذا‬ ‫ِمن طريق الصّدفة؟ بحساب احتماالت؟ مستحيل! ال توجد صدفة‪ ،‬ال توجد صدفة‪.‬‬ ‫هذا ال ّشكل‪ .‬العين لوحدها‪ ،‬أوووه! األذن كما قلنا (ربّما ذكر الشّيخ ذلك في درس آخر)‪،‬‬ ‫القلب‪ ،‬األجهزة‪ .‬شيء غير عاديّ‪ ،‬غير طبيع ّي‪ .‬الجينوم‪ ،‬هذا المخزون الوراث ّي‪،‬‬ ‫ك ّل شيء فيك (مخزون في هذا الجينوم)‪.‬‬ ‫ك ّل شيء في الكون هو مصداق للنّظم‪ ،‬و بحساب االحتماالت مستحيل يكون جاء‬ ‫بطرق الصّدفة‪ .‬مستحيل! أكبر مستحيل!‬ ‫و كما قلنا قبل‪ ،‬تركيب ُج َزيْ ء بروتين واحد‪ ،‬مستحيل‪ ،‬أكبر ِمن مستحيل‪ .‬فكيف‬ ‫تركيب العضويّة الحيّة كلّها؟ كيف تركيب اإلنسان؟ تركيب الحيوان؟ النّباتات؟‬ ‫مستحيل! ال توجد صدفة هنا‪ .‬هذه صورة ِمن الصّور‪.‬‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫هذا مثال مشهور و هناك أمثلة كثيرة تدخل في أعضاء اإلنسان‪ ،‬ك ّل شيء فيه يعطيك‬

‫ا‬ ‫)‪ ،‬قال‪َ  :‬وٱَّلِي‬

‫بعد ذلك‪ ،‬أيّها اإلخوة‪' ،‬برهان التّقدير'‪ ،‬صورة أخرى‪( .‬قال ‪‬‬ ‫َ‬

‫َ‬

‫ق اد َر ف َه َد َٰى ‪‬‬

‫‪ .m S،٣ W‬كيف الحيوانات العجمات‪ ،‬ال تفهم (شيئا ممّا‬

‫نفهمه نحن البشر و تتصرّف كأنّها أعلم منّا) يا أخي‪ .‬هناك حتّى وحيدة الخليّة‪ ،‬مثل‬ ‫متَحَوِّلَةُ')‪ ،‬خليّة وحيدة؛ تتصرّف تصرّفا‪،‬‬ ‫الـ'أميبا' (كلمة التينيّة األصل‪ ،‬تعني 'ال ُ‬ ‫وتتماكر تماكرا‪ ،‬و تتوسّل بوسائل غريبة ج ّدا ج ّدا‪ .‬كيف تعمل؟ ما هذا؟ خليّة وحيدة‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫ال تقل فيها جهاز عصب ّي‪ ،‬هي كلّها خليّة‪ .‬خليّة واحدة‪ .‬كيف تتصرّف بهذه الطّريقة‪،‬‬

‫يا أخي؟ ال تقل لي عندها عقل‪ ،‬عندها إلهام‪ .‬أ ّي عقل؟ ال يوجد شيء هنا‪ .‬هللا (‪‬‬

‫قال‪َ  :‬و اٱَّلِي قَ اد َر َف َه َد َٰ‬ ‫ى ‪. m S ،٣ W ‬‬

‫)‬

‫مرّة‪ ،‬تح ّدثنا‪ ،‬في الخطبة‪ ،‬عن ‪'( fungi‬فانجي')‪ ،‬الفطريّات‪ ،‬شيء عجيب! ما هذا‬ ‫العالم الّذي هو نصف ميّت و نصف ح ّي‪ .‬عالَم نصفه جماد و نصفه حياة‪ ،‬و يتصرّف‬ ‫و يتماكر و يتخابث و يتوسّل و يتصرّف بطريقة غير عاديّة‪ ،‬و يَتَ َوا َءم هذا الـ '‪'fungi‬‬ ‫مع ك ّل الظّروف البيئيّة؛ في الحرّ‪ ،‬في الرّطوبة‪ ،‬في ال ّدمار‪ ،‬في ال ّزالزل‪ ،‬وباستمرار‬ ‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫ي‬ ‫يضمن حياته‪ .‬كيف هذا؟ ما هذا؟ و لو ترى كيف يتصرّف تقول هو عنده عقل ذك ّ‬ ‫ج ّدا‪ .‬و هو ال عنده ال عقل و ال أ ّ‬ ‫ي حاجة‪ .‬ربّنا خلقه يريد أن يعطيه فرصة الحياة‬ ‫َ ا‬ ‫َا َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫فقط‪ .‬قال‪  :‬وٱَّلِي قدر فهدى ‪.m S،٣ W ‬‬ ‫و طبعا‪ ،‬هم يقولون‪« :‬غريزة»‪' .‬غريزة' كلمة ال تقول شيئا‪ .‬و 'غريزة' في العربيّة‬ ‫يزة فَ ِعيلَة‪ ،‬بمعنى َم ْف ُعولَة‪َ ،‬م ْغ ُر َ‬ ‫و ليس بلغتهم هم‪َ ،‬غ ِر َ‬ ‫وزة‪َ .‬من الّذي َغ َر َزها؟ هذا هو‪.‬‬ ‫الطّبيعة العمياء‪ ،‬الّتي ال تفهم شيئا‪َ ،‬خلَقَ ْتها؟ مستحيل! فهذا هو‪ .‬له صور كثيرة‪ .‬على‬ ‫ك ّل حال‪ ،‬هذا البرهان األ ّول‪ .‬طيّب‪.‬‬ ‫و هذا البرهان هو برهان جماهيريّ‪ ،‬يعني مناسب لك ّل النّاس‪ .‬و ك ّل النّاس ِمن‬ ‫الممكن أنّهم يستوعبونه‪ ،‬و القرآن يؤ ّكد عليه دائما‪ ،‬في ك ّل اآليات الّتي تتح ّدث عن‬ ‫النّظر في الكون‪ ،‬و عن التّدبير‪ ،‬و عن االتقان‪ ،‬و نفي التّفاوت‪ ،‬و نفي الفطور‪ ،‬ونفي‬ ‫النّقص‪ ،‬و نفي كذا‪ ،‬كلّها آيات تخدم برهان النّظر‪ ،‬و العلم يخدم هذ البرهان‬ ‫باستمرار‪ .‬لماذا؟ ّ‬ ‫ألن العلم يعطيك المصاديق‪ ،‬و يوسّع مصاديق النّظم‪ ،‬ك ّل يوم‪.‬‬

‫‪39‬‬

‫ت أَ ْكثَ َر ِع ْل ًما َألَ ْيقَ ْن ُ‬ ‫وهذا معنى كلمة سير ‪‬جيمس جينس‪  :‬لَ ْو ُك ْن ُ‬ ‫ت أَنَّنِي‬ ‫َسأ َ ُك ُ‬ ‫ون أَ ْكثَ َر إِي َمانًا‪.‬‬


‫صحيح‪ .‬ك ّل ما تتوسّع في العلم أكثر‪ ،‬أنت يصير إيمانك أعظَم باهلل‪ ،‬تبارك و تعالى‪.‬‬ ‫و هكذا‪ ،‬يوما فيوما‪ .‬و لذلك هذا برهان دقيق وممتاز‪ ،‬عليه اعتراضات‪ ،‬بّل ش ّ‬ ‫ك‪،‬‬ ‫فلسفيّة‪ ،‬لكن ِمن السّهل ادحاضها لن نط ّول بذكرها‪.‬‬ ‫البرهان الثّاني‪ :‬اسمه 'برهان الحدوث'‪ .‬انتبهوا! برهان النّظم لم يتعرّض لمسألة قِ َدم‬ ‫العالَم و حدوث العالم‪ ،‬صح‪ .‬تعرّض لها؟ ال‪ .‬برهان النّظم تعاطى مع الكون كما هو‬ ‫موجود اآلن‪ .‬الفرض أنّه موجود‪ .‬هل هو موجود أزل ّي‪ ،‬أو موجود حادث؟ لم‬ ‫يتعرّض و ليس ِمن اختصاص برهان النّظم أن يتعرّض لهذه المسألة‪ .‬فهمتم عل ّي؟‬

‫إجابة موفّقة) أحسنت‪ ،‬في النّظم‪ .‬يقول لك‪« :‬هناك نظم‪ ،‬هناك دقّة»‪ .‬لكن يختلفان في‬ ‫ماذا؟ في التّفسير و في البداية‪.‬‬ ‫هناك َمن قال‪« :‬هو فيه نظم‪ ،‬و فيه دقّة‪ ،‬و فيه إبداع‪ّ ،‬‬ ‫لكن الكون أزل ّي‪ ،‬ليست له‬ ‫بداية»‪ .‬هذا واحد‪ .‬تفترق معه في هذا‪ .‬المسألة الثّانية‪ ،‬و ليست لها ِعّلقة بهذا النّظم‪،‬‬ ‫تفترق معه في تفسير هذا النّظم‪ .‬كيف صار االنتظام؟ كيف صارت هذه ال ّدقة‪ ،‬هذه‬ ‫الحكمة؟ هو فقط‪ ،‬يعزوه إلى أسباب طبيعيّة‪.‬‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫أنت ال تقدر على مناقشة واحد ملحد‪ّ ،‬‬ ‫ألن الملحد يتّفق مع المؤمن (أحد اإلخوة قدّم‬

‫المؤمن يُنكر األسباب الطبيعيّة؟ (ال)‪ ،‬لكن عنده تفسير خاصّ كما قلنا‪ ،‬خا ّ‬ ‫صة‬ ‫األشاعرة‪ ،‬لهذه األسباب االقترانيّة؛ شيء يحدث عند شيء‪ ،‬ال به (التّفصيل في هذه‬

‫المسألة موجود في الدّرس الثّاني بإذن اهلل)‪ .‬صح‪ .‬لكن يحدث عنده‪ ،‬ليست له ِعّلقة‪.‬‬ ‫هللا رتّب هكذا‪ .‬هللا رتّب أنّه يحدث عنده‪ ،‬و ال يحدث به‪.‬‬ ‫المؤمن‪ ،‬إذن‪ ،‬ال يلغي األسباب الطبيعيّة‪ ،‬و إن كان له فهمه الخاصّ ‪ ،‬و تفسيره‬ ‫الخاصّ‬

‫لها‪.‬‬

‫لكن‬

‫المؤمن‬

‫أحمق‬

‫ِمن‬

‫الملحد‪.‬‬

‫لماذا؟‬

‫يتجاوزها‪.‬‬

‫‪40‬‬


‫يأ ّ‬ ‫يصادق عليها و يقول‪« :‬ال توجد لد ّ‬ ‫ي مشكلة»‪ .‬لكن ال يقف عندها‪ .‬يتجاوزها إلى‬ ‫السّبب األ ّول‪ ،‬و إلى علّة ال ِعلَل‪ ،‬و إلى محرّك ك ّل متحرّك‪ .‬إلى األ ّول بّل أ ّوليّة‪ ،‬إلى‬ ‫ربّ العالمين‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬صح‪ .‬فالمؤمن ال ينكر هذا ال ّشيء‪.‬‬ ‫فإذن‪ ،‬برهان النّظم‪ ،‬أيّها اإلخوة و األخوات‪ ،‬ال يتعرّض لمسألة حدوث العالم أو‬ ‫أزليّته‪ .‬ليست له ِعّلقة‪ .‬واقف عنها‪ ،‬ساكت عن هذه المسألة‪ .‬إذن‪ ،‬ال ب ّد لنا ِمن برهان‬ ‫آخر‪ ،‬مه ّم ج ّدا ج ّدا‪ ،‬في نظرّية الخلق و التّقدير و التّدبير‪.‬‬ ‫أال وهو 'برهان الحدوث'‪ .‬ال ب ّد أن نثبت ّ‬ ‫أن هذا الكون حادث‪ .‬ما معنى حادث؟ يعني‬ ‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫كان بعد أن لم يكن‪ ،‬ليس أزليّا‪ .‬صحيح؟ و برهان الحدوث‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬أو البرهنة‬ ‫على حدوث الكون‪ ،‬لها سبيّلن‪ ،‬طريقان‪ .‬طريق فلسفيّة عقليّة‪ ،‬لن ندخل فيها اليوم‬ ‫هذا موضوع طويل ج ّدا و ال يه ّمنا‪ ،‬نحن اآلن يه ّمنا العلم أكثر‪ .‬و طريق ثانية‪ ،‬طريق‬ ‫علميّة‪ .‬و العلم هذا خدمها في القرن العشرين ّ‬ ‫بالذات‪.‬‬ ‫عبر العصور كان كثير ج ّدا ِمن العلماء الما ّديّين و الفّلسفة الما ّديّين‪ ،‬حتّى‬ ‫‪‬كانط‪( ‬إيمانويل كانط‪ ‬فيلسوف‪ )7323-7103 ،‬في وقته كان يصرّح ّ‬ ‫بأن‬ ‫العالم أزل ّي‪' .‬إيمانويل ‪‬كانط‪ ‬كان يقول ّ‬ ‫بأن العالم أزل ّي‪ ،‬و شايعه في ذلك فّلسفة‬ ‫كثيرون جاؤوا بعده‪.‬‬ ‫و ل ّما انتشرت الفلسفة الما ّديّة في القرن التّاسع عشر و أواخر الثّامن عشر‪ ،‬حتّى ِمن‬ ‫أيّام ‪‬البّلس‪( ‬بيير سيمون البالس‪ ‬رياضيّ و فلكيّ‪ ،)7301-7134 ،‬كانوا‬ ‫سعيدين ج ّدا بفتوح العلم البسيط‪ ،‬العلم الوضع ّي التّجريب ّي‪ ،‬و قالوا ّ‬ ‫بأن العلم يؤ ّكد‬ ‫معنا ّ‬ ‫أن هذا الكون أزل ّي‪ ،‬سرمد ّ‬ ‫ي ليست له بداية‪ .‬هو هكذا‪ ،‬موجود يعني لم يزل‪،‬‬

‫‪41‬‬

‫موجود دائما‪ ،‬دائما‪ .‬ال تقل «متى ُو ِج َد؟» ال يوجد متى‪ .‬هو دائما هكذا‪.‬‬


‫وكانوا فرحين‪ ،‬و يكتبون هذا في كتب فلسفيّة‪ ،‬ماركس‪ ‬و ‪‬إنجلز‪‬‬ ‫(‪‬فريدريك إنجلز‪ ‬فيلسوف‪ ،)7345-7302 ،‬و ‪‬رينيه‪( ‬رينيه ديكارت‪‬‬ ‫فيلسوف‪ ،‬رياضيّ وفيزيائيّ‪ ،)7652-7546 ،‬و ‪‬بوليتزر‪( ‬جورج بوليتزر‪‬‬ ‫فيلسوف ماركسيّ‪ ،)7430-7428 ،‬ك ّل هؤالء‪ ،‬و ‪‬بوخنر‪( ‬إدوارد بوخنر‪‬‬

‫متحصّل على نوبل في الكيمياء‪ ،)7471-7362 ،‬كتبوا كثيرا عن أزليّة الكون و فرحون‬ ‫ج ّدا و يقولون ّ‬ ‫بأن العلم معنا‪ ،‬و أنتم يا جماعة الكنيسة و كذا‪ ،‬في الغرب طبعا‪ ،‬العلم‬ ‫ض ّدكم‪ .‬و كان أهل الكنيسة و أهل ال ّدين ُم ْستَ ْخ ِذين (مِن الذّلّ)‪ ،‬و ال يملكون شيئا‪،‬‬ ‫تجريب ّي‪ ،‬ال يؤمن بهذه األشياء‪.‬‬ ‫إلى أن برزت نظريّة‪ ،‬شرحتها لكم ع ّدة مرّات‪ ،‬اختصارا و توسّعا‪ ،‬نظريّة االنفجار‬ ‫الكبير‪ ،‬الّتي هي '‪ .'big bang theory‬و هذه النّظريّة أثارت مشكلة و صدمة‬ ‫ص َر َع ْتهم مباشرة‪ .‬لماذا؟ ألنّها تقول ّ‬ ‫إن الكون كان له بداية‪.‬‬ ‫مر ّوعة للمّلحدة‪َ ،‬‬ ‫سنشرحها بعد قليل‪ ،‬لكن باختصار‪.‬‬ ‫و قبل‪ ،‬حتّى‪ ،‬االنفجار الكبير‪ ،‬كان هناك مبدأ مه ّم ج ّدا ج ّدا‪ ،‬في العلم الطّبيع ّي‪ .‬كان‬ ‫هذا المبدأ‪ ،‬علميّا يؤ ّكد‪ّ ،‬‬ ‫أن الكون ال ب ّد أن يكون له بداية‪ .‬مبدأ ماذا؟ المبدأ الثّاني في‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫ألنّهم ض ّدهم‪ .‬والعلم ال يؤمن بالفلسفة و المنطق و الحجج الكّلميّة‪ ،‬ال يريد‪ .‬العلم‬

‫الديناميكا الحراريّة‪ ،second law of thermodynamics ،‬المعروف بـ 'مبدأ‬ ‫كّلوزيوس'‪ ،‬أو مبدأ الطّاقة المباحة‪ ،‬أو ‪ ،entropy principle‬اإلنتروبيا‪.‬‬ ‫العرب يس ّمونها اإلنتروبيا‪ .‬هذا هو‪ .‬باختصار ماذا تقول هذه اإلنتروبيا‪ ،‬مبدأ الطّاقة‬ ‫الو َس ِط األَ ْعلَى إِلَى ال َو َس ِط األَ ْدنَى‪ .‬فقط‪ ،‬هذا هو‪.‬‬ ‫الح َر َ‬ ‫المباحة‪ ،‬أَ َّن َ‬ ‫ارةَ تَ ْنتَقِ ُل ِم َن َ‬ ‫و هذا صحيح‪ .‬هذه ظاهرة محسوسة‪ ،‬و ِمن دون‪ ،‬حتّى‪ ،‬تجريب معقّد‪ .‬أبدا‪ِ .‬من دون‬ ‫تجريب َم ْع َملِ ّي‪.‬‬

‫‪42‬‬


‫كما قلنا‪ ،‬أنت تلمس هذا الكوب فتشعر بحرارة انتقلت إلى يدك‪ِ .‬من أين انتقلت؟ ِمن‬ ‫األكثر إلى األقلّ‪ .‬و هذا في ك ّل الكون‪ ،‬حتّى في الفضاء‪ .‬في ك ّل الكون هذا مبدأ‬ ‫عامل و ساري‪.‬‬ ‫لو كان الكون أزليّا‪ ،‬كان الزما ِمن زمان تحدث ظاهرة التّم ّوت الحراريّ‪ .‬صح؟‬ ‫نحن قلنا لكم ّ‬ ‫أن الكون‪ ،‬هذه مسائل فلكيّة‪ ،‬فيه ُس ُدم‪ ،‬فيه مجرّات‪ ،‬فيه أجرام كثيرة‪،‬‬ ‫لكن َمن أكثر‪ ،‬الفراغ الكون ّي أو األجسام؟ الفراغ‪ .‬الفراغ سحيق‪ ،‬سحيق‪ ،‬سحيق‪.‬‬ ‫ذكرت لكم مرّة في محاضرة فلكيّة قديمة‪ ،‬هذا كّلم ‪‬كارل ساغان‪( ‬عالم فلكيّ‪،‬‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫‪ ،)7446-7483‬في كتابه «‪«( ،»the cosmos‬الكون»)‪ ،‬مترجم لأللمانيّة‬ ‫«‪« :»der Kosmos‬لو إنسان أفلت‪ ،‬مثّل‪ِ ،‬من مجرّة ث ّم تاه في الفضاء‪ ،‬ما هو احتمال‬ ‫أن يصل إلى مجرّة ثانية؟ (اإلجابة)‬

‫‪1‬‬ ‫‪1032‬‬

‫» يعني تحتاج إلى بّليين بّليين بّليين السّنين‬

‫و أنت تلفّف و تذهب و تجيء‪ ،‬يمكن تجد في األخير كوكبا آخر أو مجرّة أو نجما‪.‬‬ ‫ألن الفراغ كبير ج ّدا ج ّدا‪ ،‬كم فيه مجرّات! كم فيه نجوم! في األخير يُعتَبَر ّ‬ ‫ّ‬ ‫كأن الكون‬ ‫فارغا‪.‬‬ ‫َ َ ُ ۡ َ َ ُّ َ ۡ ً َ ِ ا َ ٓ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َٰ‬ ‫)‪  :‬ءأنتم أشد خلقا أم ٱلسماء بنىها ‪٢٧‬‬

‫الكون‪ ،‬أيّها اإلخوة‪ ،‬حالك الظّ​ّلم‪( .‬قال ‪y‬‬

‫َ​َ ۡ َ َ ََۡ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َرف َع َس ۡمك َها ف َس اوى َٰ َها ‪ ٢٨‬وأغطش ِللها ‪ ٢٦ W  U‬و ‪ ٢٢‬و ‪.W S ،٢٢‬‬

‫(الكون) فيه ليل شديد السّواد‪ .‬العرب لم يكونوا يفهمون هذا الكّلم‪ .‬و لم يفهموا اآلية‪،‬‬ ‫المفسّرون‪ ،‬و خربطوها‪ّ .‬‬ ‫لكن اآلية واضحة‪ ،‬تتح ّدث عن السّماء و ليس عن األرض‪.‬‬ ‫المه ّم‪ .‬و ال يوجد حتّى بخار ماء لكي يكسّر أ ّ‬ ‫ي شيء‪ .‬شديد الظّ​ّلم و شديد البرودة‪.‬‬ ‫ألنّه فارغ‪ ،‬ال توجد فيه أشياء تحترق‪ .‬كم برودته؟ الصّفر المطلق‪.‬‬ ‫‪43‬‬

‫الّذي لم يقدروا إلى اآلن أن يحقّقوه‪ .‬ك ّل المعامل‪ ،‬ك ّل التّجارب غير قادرة‪ ،‬في‬ ‫األرض‪ ،‬تخلق الصّفر المطلق‪ .‬يريدون أن يصلوا إليه‪ ،‬العلماء؛ الّذي هو (‪.)573°‬‬


‫عند (‪ )-573°‬ما الّذي يحصل؟ تتوقّف حركة الجسيمات ال ّدقيقة في ّ‬ ‫الذرّة‪ ،‬كلّه ينعدم‪،‬‬ ‫حتّى الجسيمات؛ البروتون‪ ،‬الميزون‪ ،‬اإللكترون‪ ،‬كلّه يقف‪ .‬تَ َمو ٌ‬ ‫ت كامل‪ .‬صح؟ ففي‬ ‫الفراغ الكون ّي‪ ،‬الحرارة (‪ .)-573°‬كون مخيف عجيب‪ ،‬هذا! طيّب‪.‬‬ ‫معناها لو كان الكون أزليّا‪ ،‬غير مخلوق‪ ،‬ليست له بداية‪ ،‬كنّا ِمن زمان وصلنا إلى‬ ‫درجة التَّ َموت الحراريّ‪ّ .‬‬ ‫ألن الّتي تش ّع حرارةً وضيئةً في الكون قليلةٌ‪ ،‬ك ّل األجسام‬ ‫ي‬ ‫قليلة‪ ،‬الكون أكثر فراغا‪ .‬ستش ّع و تش ّع و تش ّع و تذهب في هذا الفراغ الكون ّ‬ ‫الرّهيب‪ ،‬و كلّه بعد ذلك يتم ّوت‪ ،‬و ينتهي ك ّل شيء‪ .‬و الكون‪ ،‬على فكرة‪ ،‬سائر في‬ ‫الـ'بارحة'‪ .‬مازال جديدا‪ ،‬مازال شابّا‪ .‬لو كان أزليّا النتهى ك ّل شيء‪ .‬و هذا ال ّشيء‬ ‫علم ّي‪ ،‬ليس فلسفيّا و ليس دينيّا‪َ ،‬جنَّ َن العلماء المّلحدة الما ّديّين‪ ،‬انزعجوا ج ّدا ِمن‬ ‫هذا المبدأ الثّاني‪ .‬و هذا ليست له ِعّلقة بال ّدين‪ .‬هذا مبدأ في ال ّديناميكا الحراريّة‪،‬‬ ‫ي‪ ،‬كّلوزيوس‪( ‬رودولف كالوزيوس‪ ‬عالم فيزيائيّ‪،‬‬ ‫الّذي وضعه ألمان ّ‬

‫‪ )7333-7300‬طيّب‪.‬‬ ‫يعني هذا بمثل مصباح ال ّزيت‪ .‬و ال ّزيت محدود‪ ،‬و الحرارة في الكون محدودة‪،‬‬ ‫و النّجوم و األشياء الّتي فيه موجودة في هذا الكون السّحيق‪ ،‬الفراغ الرّهيب؛ إذا‬ ‫الحظنا مصباح ال ّزيت و هو يشتعل‪ ،‬سنفهم أنّه أُ ْش ِع َل منذ فترة بسيطة‪ ،‬صحيح؟‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫هذه الطّريق‪ ،‬و ينتظر هذا ال ّشيء‪ .‬لكن مادام لم يصل إليه‪ ،‬معناها أنّه انخلق‬

‫و نحن نعرف ّ‬ ‫أن ال ّزيت الّذي فيه يكفينا لم ّدة ستّة ساعات متواصلة‪ .‬قد يقول أحد‪:‬‬ ‫«ال‪ .‬هذا يشتعل منذ ستّة أشهر»‪ .‬نقول له‪« :‬أنت ّ‬ ‫كذاب‪ .‬كيف يشتعل منذ‪...‬؟ هذا ستّة‬ ‫ساعات و ينتهي ك ّل شيء»‪ .‬لكن مادام يشتعل‪ ،‬معناها له أق ّل ِمن ستّة ساعات‪ ،‬هذا‬ ‫هو فقط‪ .‬المسألة محسوبة‪ ،‬صح؟‬

‫‪44‬‬


‫و مادام الكون فيه حرارة و ك ّل شيء ُمتَ َم ِّوت‪ ،‬لم نصل إلى الصّفر المطلق‪ ،‬معناها‬ ‫الكون مخلوق جديد‪ .‬فجاءت نظريّة ‪ ،big bang‬لتؤ ّكد صحّة هذا المبدأ الثّاني‪ ،‬في‬ ‫ال ّديناميكا الحراريّة‪ .‬و قالت صح‪ ،‬الكون كان شيئا صغيرا ج ّدا ج ّدا‪ ،‬بعد ذلك انفجر‬ ‫و بدأ يتوسّع‪ .‬لن نشرح أكثر‪ .‬شرحناها ع ّدة مرّات‪ ،‬هذه النّظريّة‪.‬‬ ‫الما ّديّون‪ ،‬طبعا‪ ،‬انصعقوا ِمن هذا الكّلم و قالوا هذا مستحيل‪ ،‬هذه خرافة‪ ،‬هذا الكّلم‬ ‫غير صحيح‪ .‬ألنّه لو صحّ‪( ،‬يصبح) هذا الكون ليس أزليّا‪ ،‬و إذا ليس أزليّا معناها َمن‬ ‫بدأه؟ (ابتسامات في المجلس) َمن خلق الـ'بيضة' األولى و َمن فجّرها؟ سأقول لكم‬ ‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫كيف‪.‬‬ ‫هناك فيلسوف ماديّ‪ ،‬لكن هو آمن‪ ،‬ذك ّي ج ّدا‪ ،‬و هو فيزيائ ّي و فكل ّي أمريك ّي‪ ،‬اسمه‬ ‫‪‬هيوج روس‪ ، ‬عنده كتاب اسمه «‪،»the creator and the cosmos‬‬ ‫«الخالق و الكون»‪ ،‬ذك ّي‪ ،‬و ممتاز كّلمه‪ ،‬و هو فاهم حتّى الفلسفة‪ ،‬هيوج‬ ‫ان هُ َو البُ ْع ُد الَّ ِذي يَحْ ُد ُ‬ ‫ث فِي ِه ال َّسبَبُ‬ ‫روس‪ ‬اسمه‪ ،‬يقول فيه‪ ،‬بالعبارة‪  :‬إِ َّن ال َّز َم َ‬ ‫َو التَّأْثِي ُر ‪ .‬طبعا‪ ،‬يعني السّبب و النّتيجة‪ ،‬صح؟ هذا يحدث في ال ّزمان‪ ،‬صح؟ أنا‬ ‫لكي أضرب هذه (يقصد المنضدة) و يخرج صوت‪ ،‬ال ب ّد أن يكون هناك فترة زمنيّة‪.‬‬ ‫لو لم يكن هناك زمان‪ ،‬حتّى الحركة تستحيل‪ ،‬الكّلم يستحيل‪ .‬أنت لكي تنطق بكلمة‬ ‫'زمان'‪ ،‬الزم يكون هناك زمان‪ ،‬صح؟ بالتّعاقب يعني‪ ،‬لتأتي ال ّزاي قبل الميم‪،‬‬ ‫و الميم قبل األلف‪ ،‬و األلف قبل النّون‪ .‬قبل‪ ،‬بعد‪ ،‬هذا ال ّزمان‪.‬‬ ‫ص ِحي ٌح أَ َّن هَ َذا‬ ‫فك ّل أشياء الوجود تحدث و تتش ّكل ضمن بعد ال ّزمان‪ .‬قال‪َ :‬و َ‬ ‫ان ُو ِج َد بِ ُو ُجو ِد ال َك ْو ِن ‪ .‬يعني مثل ما قال ‪‬أفّلطون‪ِ ‬من قبل‪ ،‬و ذكرناه‬ ‫ال َّز َم َ‬

‫‪45‬‬

‫ق ال ّزمان بخلق الكون‪ .‬طبعا‪.‬‬ ‫في محاضرة ال ّزمان؛ الكون لم ي ُْخلَق في ال ّزمان‪ ،‬بل ُخلِ َ‬ ‫مع الكون‪ ،‬ل ّما انفجر‪ ،‬ل ّما انخلق‪ ،‬ل ّما ُو ِجد‪ ،‬بأ ّ‬ ‫ي طريقة ليست مشكلة كيف ا ْن ُو ِج َد‪،‬‬ ‫‪ big bang‬أو غير ‪ُ ،big bang‬و ِجد مع ال ّزمان‪.‬‬


‫انتبهوا! هذا كّلم علم ّي صحيح‪ ،‬اآلن‪ ،‬و فلسفيّا صحيح‪ .‬ماذا يقول ‪‬هيوج‬ ‫ار َج‬ ‫روس‪‬؟ يقول‪َ  :‬و َم ْعنَى َذلِ َ‬ ‫ك أَ َّن هَ َذا ال َك ْو َن َال بُ َّد أَ َّن الَّ ِذي أَحْ َدثَهُ َك ْينُونَةٌ َخ ِ‬

‫ا‬ ‫ق مع الكون‪ ،‬بوجود الكون‪ ،‬إذن ل ّما‬ ‫ان ‪ .‬ال هلإ إال اهلل! إذا ال ّزمان ُخلِ َ‬ ‫هَ َذا ال َّز َم ِ‬

‫ق هذا ال ّزمان في كينونة معيّنة‪ ،‬في وجود‪ ،‬في ق ّوة ما‪ ،‬في فاعل ما‪ ،‬لح ّد اآلن‬ ‫ُخلِ َ‬ ‫ق هذا الوجود في 'ال‬ ‫مجهول (مجهول وفقا للمنهجيّة المتّ َبعَة في التّدريس)‪َ ،‬خلَ َ‬ ‫زمان'‪ ،‬أو هو يقول (‪‬هيوج روس‪ )‬في بعد زمان ّي آخر‪ ،‬أنا أقول في 'ال زمان'‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ألن األزل هو 'ال زمان'‪ .‬هو قال في بعد زمان ّي آخر‪ .‬أصّل‪ ،‬كلمة 'زمان' لها عّلقة‬ ‫يكن ليعبّر هكذا‪ .‬ماذا كان سيقول؟ «في ال زمان»‪ .‬طبعا‪ ،‬في ال زمان‪ .‬ال يوجد زمان‬ ‫أصّل‪ .‬يقول ‪‬روس‪َ  :‬و هَ َذا َدلِي ٌل َعلَى أَ َّن هَ ِذ ِه ال َك ْينُونَةَ ال َعاقِلَةَ الَّتِي َخلَقَ ْ‬ ‫ت‬ ‫ك َما ِهيَّةَ هَ ِذ ِه ال َك ْينُونَةَ ‪،‬‬ ‫ص ْعبٌ أَ ْن نُ ْد ِر َ‬ ‫ان َو َ‬ ‫هَ َذا ال َك ْو َن تَتَ َعالَى َعلَى أَ ْن تَتَأ َثَّ َر بِال َّز َم ِ‬ ‫هذا له ِعّلقة بكّلم اليوم‪.‬‬ ‫أنت لكي تدرك أ ّ‬ ‫ي شيء ال ب ّد أن تدرك أبعاد هذا الوجود؛ ال ّزمان و الفراغ‪ ،‬صح؟‬ ‫هنا‪ ،‬ال زمان و ال فراغ‪ّ .‬‬ ‫ألن ك ّل الفراغ؛ اسمه الفراغ‪ ،‬اسمه الفضاء‪ ،‬اسمه المكان‪،‬‬ ‫نفس التّرجمات لنفس الكلمة‪'( space ،‬سبايس')‪ .‬هذا كلّه مع ال ّزمان هو في كوننا‪،‬‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫بالخلق‪ ،‬فغلط أن تقول بُ ْعد َز َمان ّي‪ .‬لو كان فيلسوفا‪ ،‬و هو عالم فلك و فيزيائ ّي‪ ،‬لم‬

‫و هذا كلّه مخلوق‪ ،‬كان بعد أن لم يكن‪.‬‬ ‫فالـ ‪ big bang‬هذه أحدثت صدمة خطيرة ج ّدا للما ّديّين‪ .‬فكابَروا في البداية‪ .‬قالوا‪:‬‬ ‫«ال‪ ،‬ال‪ ،‬ال‪ .‬هي فرضيّة‪'( hypothèse .‬هيبوتاز')‪ ،‬ليست حتّى نظريّة و نحن عندنا‬ ‫فرضيّة ثانية‪ ،‬اسمها فرضيّة الحالة الثّابتة»‪ .‬و أ ّول َمن رفع لواءها ‪ْ ‬فريد هُويِل‪‬‬ ‫ي كبير‪ّ ،‬‬ ‫(عالم فضاء و رياضيّات‪ ،)0227-7475 ،‬عالم فلك ّي إنكليز ّ‬ ‫عّلمة‪ ،‬كان رجّل‬ ‫الحالَ ِة الثَّابِتَ ِة»‪.‬‬ ‫ضيَّةُ َ‬ ‫خارقا‪ ،‬لكن لألسف ملحد‪ ،‬قال‪ِ « :‬ع ْن َدنَا فَرْ ِ‬

‫‪46‬‬


‫ماهي الحالة الثّابتة‪'( steady-state ،‬ستادي ستايت')؟ قال ّ‬ ‫أن الكون أزل ّي‪ ،‬ليست‬ ‫يأ ّ‬ ‫له بداية‪ ،‬صحيح أنّه يتم ّدد‪ ،‬قال أنا ال توجد لد ّ‬ ‫ي مشكلة آمنت بنظريّة التّم ّدد‪،‬‬ ‫و كلّما تم ّدد تبرز ما ّدة جديدة تع ّوض الما ّدة المفقودة‪ ،‬ألنّه مع التم ّدد تق ّل الكثافة‪.‬‬ ‫فكيف تغلّب عليها؟ قال لك‪« :‬تبرز ما ّدة مناسبة للفاقد باستمرار»‪ .‬يا أخي‪ِ ،‬من أين‬ ‫تبرز؟ ِمن أين تأتي؟ قال لك‪« :‬هو هكذا‪ .‬تأتي‪ .‬هي بالنّسبة لي فرضيّة»‪.‬‬ ‫جميل‪ ،‬فرضيّة بإزاء فرضيّة‪ .‬تَ َمام؟ ما الّذي حصل؟ نرى الحدوث‪ .‬هل الكون حادث‬ ‫أو غير حادث‪ .‬نريد أن نرى مصير الـ ‪ .big bang‬قمنا بمحاضرة عليها‪ ،‬خلق‬ ‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫الكون‪ ،‬لكن باختصار‪ ،‬في ال ّ‬ ‫ستّينيّات جاء ‪‬آرنو بينزياس‪( ‬عالم فيزياء‪ ،‬مولود‬ ‫في ‪ ،)7488‬و ‪‬روبرت ويلسون‪( ‬عالم فيزياء‪ ،‬مولود في ‪ ،)7486‬و ح ّدثتكم كيف‬ ‫أنّهم وصلوا للنّظريّة و كذا‪ ،‬و قالوا ّ‬ ‫أن هناك تشويشا في أرجاء الفضاء‪ ،‬في األخير‬ ‫هم اهتدوا‪ ،‬و هذا التّشويش ِمن أثر االنفجار الكبير‪ ،‬و أيضا تنبّؤوا و قالوا‪« :‬إذا‬ ‫صحّت نظريّة االنفجار الكبير‪ ،‬ال ب ّد أن يكون هناك نوع ِمن ال ّشعاع‪ ،‬اسمه شعاع‬ ‫الخلفيّة الكونيّة»‪ ،‬اسمه ‪ ،comsic background radiations‬أشعّة الخلفيّة‬ ‫الكونيّة‪ ،‬ال ب ّد أن يكون موجودا‪ .‬و عنده درجة حرارة معيّنة‪ ،‬تقريبا (‪،)-73°‬‬ ‫و يجب أن يكون موجودا في هذا الكون بالتّجانس‪ .‬كّلم كثير‪ ،‬فرضيّات‪.‬‬ ‫في '‪ ،77' ،77‬تقريبا ال أعرف بالضّبط (كان ذلك في ‪ ،)7413‬أخذوا جائزة نوبل‬ ‫على نظرّيتهم‪ ،‬هذه‪ .‬في '‪ 98‬ناسا‪ ،‬تعرفون ناسا؛ 'وكالة الفضاء األمريكيّة'‪ ،‬بعثت‬ ‫‪'( explorer‬إكسبلورر')‪ ،‬مستكشف فضائ ّي اسمه 'كوب'‪ ،‬مستكشف أشعّة الخلفيّة‬ ‫الكونيّة‪ ،cosmic background radiations explorer ،‬في '‪ .98‬بعد ‪ 9‬دقائق‬

‫‪47‬‬

‫ِمن إرساله‪ ،‬جاء البرهان‪ .‬شيء صعق العلماء صعقا‪ 9 .‬دقائق فقط جاء البرهان‬ ‫مباشرة‪ .‬هذا فيلسوف‪' ،‬كوب'؟ هذا مستكشف فضائ ّي‪ ،‬صح؟ أرسلوه‪ ،‬رصد األشعّة‬ ‫إذ َك ْونُهُ فعّل بنفس درجة الحرارة الموجودة في ك ّل األماكن بالتّجاوز‪ ،‬موجودة‪.‬‬


‫معناها صحّت أل ّول مرّة بشكل واضح ج ّدا نظريّة الـ ‪ .big bang‬و الكون مخلوق‬ ‫و هذه األدلّة‪ .‬الما ّديّون وقعوا على األرض طبعا (ابتسامات ُمغْ َرقَة في المجلس)‪.‬‬ ‫ي ملحد قال‪ِ  :‬ح ْك َمةٌ قَ ِدي َمةٌ‬ ‫جاء ‪‬أنتونيو فلو‪ ،)0272-7408( ‬فيلسوف ما ّد ّ‬ ‫ف‪ُ .‬ك ْن ُ‬ ‫ضيلَةٌ َو اال ْعتِ َر ُ‬ ‫تَقُو ُل؛ اال ْعتِ َر ُ‬ ‫الح ِّ‬ ‫ت‬ ‫وح‪َ ،‬و َال بُ َّد أَ ْن أَ ْعتِ َر َ‬ ‫اف يُطَهِّ ُر الر َ‬ ‫اف بِ َ‬ ‫ق فَ ِ‬ ‫إِلَى َز َمن قَ ِريب أُ َدافِ ُع بِا ْستِ َماتَة َع ْن نَظَ ِريَّ ِة ْ‬ ‫االل َحا ِد الثَّابِتَ ِة‪ ،‬ألنّها تناسبه أنّه ال توجد‬ ‫يس‬ ‫اآلن‪ ،‬لَقَ ْد َجا َء ال ِع ْل ُم لِيَتَنَا َس َ‬ ‫بداية للكون‪ ،‬قال أَ َّما َ‬ ‫ضيَّا ِ‬ ‫ق بِ َش ْكل ُم ْد ِهش َم َع فَرْ ِ‬ ‫ت القِ ِّد ِ‬ ‫‪‬توما فون أكوين‪( . ‬توما األكوينيّ‪ ‬فيلسوف و الهوتيّ‪،)7013-7005 ،‬‬ ‫كنس ّي مدرس ّي‪ ،‬كاثوليك ّي مدرس ّي‪'( scholastic ،‬سكوالستيك')‪.‬هذا كان عنده‬ ‫هدف‪ ،‬مثل المتكلّمين المسلمين‪ ،‬أن يثبت ّ‬ ‫أن الكون مخلوق و أنّه مح َدث‪ .‬طبعا‪ ،‬ك ّل‬ ‫أهل األديان يحبّون هذا ال ّشيء‪ .‬فقال‪« :‬هذا ِمن القرن الثّالث عشر إلى اليوم‪ ،‬العلم‬ ‫كأنّه عامل معه تحالف‪ ،‬و أثبت له كّلمه علميّا‪ .‬و هو لم يقدر على اثباتها فلسفيّا‪،‬‬ ‫لكن العلم أثبتها اليوم علميّا‪ .‬فقال صعب ج ّدا‪ ،‬عل ّي أن أتقبّل‪ ،‬االعتراف بالح ّ‬ ‫ق فضيلة‪.‬‬ ‫(الشّيخ يبتسم)‪ ،‬انتهينا‪ .‬الكون مخلوق‪ .‬راحت ك ّل أساطير الما ّديّين في ال ّزبالة‪ .‬كّلم‬ ‫‪‬ماركس‪ ‬و ‪‬بوخنر‪ ‬و ‪‬بوليتزر‪ ،‬و ‪‬أنجلز‪ ،‬و ‪‬لينين‪،‬‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫(ضحك في المجلس مع غياب فهم السّبب)‪ ،‬في القرن الثّالث عشر‪ .‬هذا الق ّديس‪ ،‬طبعا‪،‬‬

‫ي‬ ‫كلّه كّلم في أدراج الرّياح‪ .‬العلم‪ ،‬اآلن‪( ،‬أثبت كلّ شيء)‪ .‬و هذا مستكشف فضائ ّ‬ ‫(يريد المستكشف 'كوب' أثبت الكثير)‪ .‬الكون مخلوق‪ ،‬له بداية‪ .‬هذا مختصر 'برهان‬ ‫الحدوث'‪ .‬برهان‪ ،‬مق ّدمتان و نتيجة‪.‬‬ ‫المق ّدمة الصّغرى ّ‬ ‫أن هذا الوجود مح َدث‪ .‬هذا الّذي اختلفنا مع الما ّديّين فيه‪ .‬هم‬ ‫يقولون‪« :‬ال‪ .‬غير مح َدث»‪ .‬اآلن أثبتنا أنّه مح َدث‪ .‬انتهى‪ .‬كسبنا الجولة‪ ،‬اإللهيّون‪.‬‬

‫‪48‬‬


‫طيّب‪ ،‬إذا أثبتنا ّ‬ ‫أن الكون مح َدث‪ ،‬تأتي المق ّدمة األخرى‪ ،‬الّتي تقول‪« :‬لك ّل ُمحْ َدث‬ ‫ُمحْ ِدث»‪ .‬إذن‪ ،‬هذا الكون له مح ِدث‪ .‬هذه هي النّتيجة؛ ربّ العالمين‪ ،‬تبارك و تعالى‪.‬‬ ‫و هذا س ّر ّ‬ ‫أن هللا‪ ،‬ع ّز و ج ّل‪ ،‬لماذا دائما‪ ،‬يأمرنا بالنّظر في الكون‪ .‬اُنظروا إلى هذا‬ ‫الكون‪ ،‬اُنظروا َمن خلقه؟ يريد أن يُ ْف ِه َمك‪ .‬و علماؤنا كانوا‪ ،‬بطرقهم الخاصّة‪ ،‬يثبتون‬ ‫ّ‬ ‫أن هذا مح َدث‪ .‬يقول‪« :‬الكون هذا كلّه‪ ،‬أنت تقع على الجوهر أو على ال َع َرض؟ أنت‬ ‫تقع على ال َع َرض»‪ .‬أنت ترى األصوات‪ ،‬ترى الرّوائح‪ ،‬الطّعوم‪ ،‬الحجوم‪ ،‬األلوان‪،‬‬ ‫األوزان‪ ،‬المثاقيل‪ ،‬المقادير‪ ،‬الحاالت‪ ،‬الجهات‪.‬‬ ‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫يعني هذا الكوب‪ ،‬اآلن‪ ،‬انتبهوا‪ ،‬له ثِقَل‪ ،‬وله مقدار ‪ mass‬يعني ('ماس')‪ ،‬و له لون‪،‬‬ ‫و له أوصاف و ِسمات إلخ‪ .‬لكن هذا ِمن حيث األصل كان قابّل أن يتش ّكل بشكل آخر‬ ‫و أن يأخذ وضعا آخر‪ ،‬صح؟ صفات أخرى مختلفة تماما‪ ،‬مضبوط أو ال؟ قد يقول‬ ‫أحد‪« :‬ال يا أخي‪ ،‬هذا زجاج‪ ،‬هذا بّلستيك»‪ .‬هذا غير فاهم و ال حاجة في العلم‪.‬‬ ‫العلم اليوم موفّر علينا خطوات معقّدة‪ .‬العلم قال لك ك ّل شيء ِمن ‪'( unit‬يونت') واحد‪،‬‬ ‫ِمن ذرّة‪ .‬مضبوط أو ال؟ ك ّل شيء إلكترون بروتون‪ ،‬ك ّل شيء‪ .‬ال تقل لي هذا ماء‪،‬‬ ‫و هذا حديد‪ ،‬و هذا معدن‪ .‬هذا كلّه كما تراه أنت اآلن‪ .‬صحيح‪ ،‬الفّلسفة اليونانيّون‪،‬‬ ‫و اإلسّلميّون أيضا بالتّبع‪ ،‬كانوا يقولون‪« :‬العناصر أربعة»‪ .‬اسمها 'اال ْستَقِ َّ‬ ‫صات'‪،‬‬ ‫يقال هذه هي العناصر األربعة‪ ،‬كلمة يونانيّة‪ .‬الّتي هي ماذا؟ التّراب و الماء و النّار‬ ‫و الهواء‪ .‬قيل العناصر أربعة‪'( substances ،‬سابستانسز') يعني‪ .‬و اآلن العناصر‬ ‫كم؟ أكثر ِمن ‪ .150‬صحيح؟ العناصر في الكيمياء‪ ،‬كثيرة ج ّدا ج ّدا‪ ،‬و في الجدول‬ ‫ال ّدور ّ‬ ‫ي و هو مضاف إليه ِمن تحت‪ .‬كثيرة ج ّدا العناصر‪ .‬لكن بغضّ النّظر‪ ،‬سواء‬

‫‪49‬‬

‫‪ 100‬أو ‪ 150 500‬أو ‪ 150 000‬عنصر‪ ،‬كلّها اآلن في علم الطّبيعة تعود إلى‬ ‫إلكترون بروتون‪ .‬و حتّى اإللكترون و البروتون يعودون إلى الكوارتز‪.‬‬


‫كلّه يعود إلى الكوارتز‪ .‬أصغر شيء الكوارتز‪ .‬ك ّل شيء كوارتز‪ .‬مادام ك ّل شيء‪،‬‬ ‫و سبحان َمن خلق‪ ،‬سبحان َمن خلق‪ِ ،‬من هذا الكوارتز ترى لحما و دما‪ ،‬و حديدا‪،‬‬ ‫و خشبا‪ ،‬و ماء‪ ،‬و ترابا‪ ،‬و هواء‪ ،‬و عناصر مختلفة‪ ،‬و ألوانا مختلفة‪ ،‬و حاالت‬ ‫مختلفة و كثيرة ج ّدا‪ ،‬و هو في األصل كوارتز‪ ،‬كلّه‪ .‬معناها كان ممكن يكون ك ّل‬ ‫شيء يكون ال ّشيء اآلخر‪ .‬صح؟ يأخذ صفات ال ّشيء اآلخر‪ .‬لكن َمن الّذي خصّصه‬ ‫أنّه أخذ هذه الصّفات؟ إذن ال ب ّد ِمن مخصّص‪ ،‬و هو قابل‪ .‬أ ّ‬ ‫ي كوارتز قابل بالتّركيب‬ ‫أن يصير في األخير حديدا‪ ،‬مثّل‪ .‬صح؟ ال أن يصير خشبا‪ .‬ال أن يصير لحما و دما‬

‫‪y‬‬

‫جعله ذاته؟ هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪.‬‬ ‫فل ّما تف ّكر بعمق‪ ،‬هذا شيء غريب يا إخواني‪ .‬هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬جعله هكذا‪ .‬أراد‬ ‫ع ّز و جلّ‪ .‬فهذا هو‪ .‬و هذه طريقة نافعة أيضا‪ ،‬تعتمد على النّظر الفلسف ّي و النّظر‬ ‫العلم ّي في اثبات ّ‬ ‫أن أشياء هذا الوجود مح َدثَة‪ ،‬مخلوقة‪ِ ،‬من حيث األصل و ِمن حيث‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫في األخير‪ .‬أن يصير‪ ...‬طيّب لماذا صار هكذا؟ هناك مخصِّ ص خصّصه‪ ،‬ع ّز‬ ‫ا‬ ‫َ ۡ َ ُا َ‬ ‫ۡ‬ ‫)‪...  :‬أعط َٰى ُك َش ٍء‬ ‫و جلّ‪ .‬أعطاه أن يكون هكذا‪ .‬ال هلإ إال اهلل! (قال‬ ‫َ َۡ‬ ‫خلق ُهۥ ‪ .c S ،٧٥ W  U‬هو خصّصه هكذا‪ ،‬أن يكون هكذا‪ .‬و ِمن حيث‬ ‫هو كوارتز‪ ،‬هو قابل بالتّساوي أن يكون أ ّ‬ ‫ي شيء آخر‪ ،‬مضبوط أو ال؟ فما الّذي‬

‫األعراض‪ .‬صورتها‪َ ،‬من الّذي خصّصها؟ هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ .‬فهذا برهان الحدوث‪.‬‬

‫هناك برهان ثالث مشهور‪ ،‬اسمه 'برهان ال ّ‬ ‫ص ّدقين'‪ .‬لن أشرحه‪ ،‬وعدتكم‪ ،‬إن شاء‬ ‫هللا‪ ،‬في رمضان بمحاضرة موسّعة عنه‪ .‬وهذا برهان تَ ْف ُخر به الفلسفة اإلسّلميّة‪.‬‬ ‫و ال واحد تعرّض إليه‪ّ ،‬إال الفّلسفة اإلسّل ّميين‪ .‬شيء غريب (هذا البرهان)!‬

‫‪50‬‬


‫ّ‬ ‫ألن ك ّل البراهين على تع ّددها و كثرتها‪ ،‬تُ َو ِّسط واسطة في االستدالل على اثبات‬ ‫ا‬ ‫الواجب‪ ،‬واجب الوجود‪ ،‬ال هلإ إال هو ! ّإال برهان ال ّ‬ ‫ص ّديقين‪ ،‬يستد ّل باهلل على‬ ‫هللا (تهليل في المجلس)‪ .‬و يقوم على أنّه مستحيل‪ ،‬و ك ّل شيء ضعيف في ال ّداللة‬ ‫عليه‪ ،‬و أقوى شيء أنّه هو دليل نفسه‪ .‬و كيف تستد ّل بما ظَهَ َر به ك ّل شيء؟ (التّهليل‬

‫ف به ك ّل شيء؟ كيف تستد ّل عليه؟ «الخالق و الكون»‬ ‫متواصل) و بما ُع ِر َ‬ ‫و هذا برهان يعتقده العارفون الكبار‪ ،‬و أولياء هللا‪ ،‬تبارك و تعالى‪ ،‬العظام‪ .‬و لهم‬ ‫لهج بهذا البرهان بطريقة عجيبة‪ .‬صحيح؟ ‪‬ابن عطاء هللا‪ ‬في «الحكم» عنده‬ ‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫ع ّدة جمل‪ ،‬سبع ثمان تسع جمل‪ ،‬كلّها في هذا الموضوع‪ .‬كيف‪ ،‬كيف‪ ،‬كيف‪ ،‬كيف‪،‬‬ ‫كيف‪ .‬يستنكر حتّى هو‪ .‬و هللا‪ ،‬ع ّز و جلّ‪ ،‬أشار إلى هذا البرهان بدقّة‪ ،‬ألنّه برهان‬ ‫دقيق‪ .‬فعّل هو يقصد طائفة مخصوصة ِمن النّاس؛ العرفاء الكبار و الفّلسفة العظام‪،‬‬ ‫و العقول الضّخمة‪ ،‬و النّفوس المستبصرة‪ .‬يقول ‪‬ابن عطاء هللا‪ ،‬ق ّدس هللا سرّه‪:‬‬ ‫ار ‪ .‬هناك‬ ‫ار َو فِ ْك َرةٌ لِ َذ ِوي الشهُو ِد َو اال ْستِ ْب َ‬ ‫‪ ‬الفِ ْك َرةُ فِ ْك َرتَ ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫ان؛ فِ ْك َرةٌ لِ ّْل ْعتِبَ ِ‬ ‫فكرة لّلعتبار و فكرة ألصحاب ال ّشهود و االستبصار‪ .‬هذا نوع و هذا نوع‪.‬‬ ‫َ َ ٓ َ ُ‬ ‫سنشرحها‪ .‬قال تعالى‪َ  :‬س ُ ۡ َ َ َ‬ ‫ۡ‬ ‫س ِهم ‪S ،٧٣ W  U‬‬ ‫اق و ِ​ِف أنف ِ‬ ‫ُني ِهم ءايَٰتِنا ِ​ِف ٱٓأۡلف ِ‬ ‫ِ‬ ‫)‪:‬‬ ‫‪ .I‬هذا لّلعتبار‪ ،‬يستد ّل باألشياء على هللا‪ ،‬ع ّز و جلّ‪ .‬بعد ذلك ماذا قال (‬ ‫َ َ َ ا ُ َ َ َٰ ُ َ ۡ َ‬ ‫َ​َ َۡ َ ۡ‬ ‫ُك َشءٖ ش ِهيد ‪( ‬تكملة اآلية)‪( ،‬تهليل و تسبيح‬ ‫‪... ‬أو لم يك ِف بِربِك أنهۥ لَع ِ‬ ‫! هو ال ّشهيد على األشياء‪ ،‬ليست هي ال ّشهيدة عليه‪ .‬صعبة‬ ‫في المجلس)‪.‬‬

‫‪y‬‬

‫‪U‬‬

‫هذه‪.‬‬ ‫لكي نفهمها بدقّة فلسفيّة‪ ،‬نستح ّ‬ ‫ق محاضرة مط ّولة‪ ،‬أربع خمس ساعات‪ ،‬إن شاء هللا‪.‬‬ ‫‪51‬‬

‫بإذن هللا‪ ،‬إذا هللا أحيانا سنفعل ذلك‪ ،‬بإذن هللا‪ ،‬تعالى‪ .‬نتكلّم كّلما طويّل في برهان‬ ‫ال ّ‬ ‫ص ّدقين‪ ،‬و كيف تط ّور‪ ،‬و كيف كذا‪ ،‬وكيف ُخ ِدم مع الفّلسفة اإلسّلميّين الكبار‬ ‫هذا البرهان حتّى وصلنا‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬في أكمل صورة‪.‬‬


‫غريب هذا البرهان‪ ،‬و مقنع بشكل غير عاديّ‪ ،‬فلسفيّا مقنع‪ ،‬و ليس فقط قرآنيّا‬ ‫و عاطفيّا‪ .‬ال‪ ،‬فلسفيّا‪ .‬برهان قو ّ‬ ‫ي ج ّدا ج ّدا‪ .‬ال ي َُرد ِمن أقوى البراهين‪ ،‬سبحان هللا‪.‬‬ ‫فعلى ك ّل حال‪ ،‬فالبراهين كثيرة عليه تبارك و تعالى‪.‬‬

‫نختم إذن‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬يقول ال ّشيخ (‪‬ال ّلقّانيّ‪:)‬‬

‫‪ 9‬تَ ِـج ـ ْد ِبـ ِـه صـنْــعا ب ِـديع ِ‬ ‫الح ـ َك ِم‬ ‫ُ ً َ َ‬

‫لَـ ِـكــنْ ِب ـ ِـه قَــامَ َِِل ـ ـ ـي ــلُ العَـ ـ َدِم‬

‫ال ّدليل على أنّه جائز العدم و كان يمكن أن ال يكون‪ ،‬و قد كان واردا مع أنّه مح َدث‬ ‫و ليس أزليّا‪ ،‬موجود أيضا في هذه األشياء‪.‬‬ ‫ختم مبرّرا على هذه الجملة بقوله‪ ،‬رحمة هللا عليه‪:‬‬

‫ِ‬ ‫‪ 9‬وَ ُك ــل م ـَـا جَ ــازَ عَـلَــيـْـه العـ ـَـ َدمُ‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫عَـلَـ ـيـْـه قَـطْ ــعًا يَـسْـتـَـحـيلُ الق َدمُ‬

‫ك ّل شيء جائز أن يكون أو ال يكون‪ ،‬إذن جائز أن يكون معدوما‪ .‬هذا مستحيل‬ ‫أن يكون قديما (أزليّا)‪ ،‬هذا البيت سنشرحه في ال ّدرس المقبل‪ ،‬إن شاء هللا‪ ،‬تبارك‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫هذا المصنوع‪ ،‬المخلوق‪ ،‬مع إحكامه‪ ،‬مع دقّته‪ ،‬مع اتقانه‪ ،‬مع‪ ،‬مع إلخ‪ .‬لكن‬

‫و تعالى‪.‬‬

‫أقول قولي هذا و أستغفر هللا لي و لكم‪.‬‬ ‫‪52‬‬


‫إذا عندكم أ ّ‬ ‫ي سؤال‪ ،‬لكن سريع‪ .‬عشرة دقائق م ّدة األسئلة‪ ،‬حول موضوع اليوم‬ ‫ّ‬ ‫بالذات ‪ .‬نجيب بسرعة‪ ،‬إن شاء هللا‪ .‬ال توجد أسئلة حول موضوع اليوم؟ ممكن حتّى‬ ‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫أسئلة خارجيّة‪ .‬لكن بسرعة‪ ،‬إن شاء هللا‪ .‬ألنّنا ال نعطي فرصة لألسئلة في هذه‬ ‫ال ّدروس لألسف لضيق الوقت‪.‬‬ ‫تفضّل‪ ،‬بسرعة‪.‬‬ ‫(أحد اإلخوة يسأل)‪« :‬رأيت في برنامج في التّلفزيون ّ‬ ‫أن المجرّات على حافّة الكون‬ ‫في تسارع و ليست في تباطؤ‪ ،‬و هذا شيء‪ ،‬إلى ح ّد ما‪ ،‬يناقض أو ينافي نظريّة‬ ‫الـ ‪.»big gang‬‬ ‫(الشّيخ يجيب)‪« :‬بالعكس‪ ،‬نظريّة الـ ‪ big bang‬هي الّتي تؤ ّكد ّ‬ ‫أن الكون كلّه في‬ ‫تسارع‪ .‬إدوين هابل‪ ،)7458-7334( ‬أحد الّذين خدموا هذه النّظريّة‪ ،‬العالم‬ ‫الفلك ّي األمريك ّي الكبير؛ أ ّول ما اكتشف‪ ،‬هو ّ‬ ‫أن المجرّات تتباعد‪ ،‬ث ّم اكتشف بعد‬ ‫ذلك‪ ،‬بعد حوالي ّ‬ ‫ست سنوات‪ّ ،‬‬ ‫أن ك ّل شيء في الكون يتباعد عن ك ّل شيء مع‬ ‫االحتفاظ بالنّسبة‪ ،‬و شبّهها ‪‬إدوين هابل‪ ‬بالبلّونة الّتي يكون مرسوم عليها‬ ‫أشياء‪ ،‬صحيح؟ و النّسبة بينها موجودة‪.‬‬ ‫إذا نَفَ ْخ َ‬ ‫ت تنتفخ ك ّل البلّونة و تبقى النّسبة محفوظة‪ ،‬و هكذا الكون‪ .‬و أصّل هذا هو‬

‫‪53‬‬

‫فحوى نظريّة الـ ‪ .big bang‬الكون ال يتباطأ‪ ،‬الكون يتسارع أصّل‪.‬‬


‫لكن المشكلة اآلن أمام الـ ‪ big bang‬إلى متى سيبقى هذا التّم ّدد؟ و هذا شرحته‬ ‫و أنت تذكر في الجزء الثّاني من المحاضرة عن الـ ‪ big bang‬بالتّفصيل‪ .‬إلى متى‬ ‫سيبقى الكون يتم ّدد‪ .‬و طبعا هذه المجرّات تتسارع‪ ،‬على ذكر التّسارع‪ ،‬بسرعات‬ ‫مذهلة‪ ،‬بعضها تتباعد بسرعة تقرب ِمن سرعة الضّوء‪ ،‬يعني حوالي ‪170 000‬‬ ‫ميل في الثّانية‪ ،‬سرعتها‪ .‬و رأينا في درس الكرة األرضيّة‪ ،‬هذا الكون ك ّل ما تكون‬ ‫فيه مجرّات في الحدود القصوى في الكون‪ ،‬ستكون سرعتها مذهلة ج ّدا‪ .‬طبعا‪،‬‬ ‫ستكون سريعة بشكل غير عاديّ‪ .‬لذلك سرعتها قريبة ِمن سرعة الضّوء‪ .‬تبتعد عنّا‬ ‫كون ّ‬ ‫أن اآلن توجد بعض األشياء تقترب ِمن األرض‪ ،‬أجسام و أشياء معيّنة‪ ،‬هذا‬ ‫موجود و تعمل الـ ‪'( ،blue shift‬بلو شيفت')‪ ،‬لكن قليلة ج ّدا ج ّدا‪ .‬لكن ك ّل أجرام‬ ‫الكون بالرّصد المطياف ّي أو الطّيف ّي‪ ،‬كلّها تنحو نحو الطّرف األحمر‪ ،‬الّذي هو‬ ‫الـ ‪'( red shift‬ريد شيفت')‪ ،‬الّذي هو اإلزاحة الحمراء‪ ،‬م ّما يد ّل على أنّها تتباعد‪.‬‬ ‫الكون في تباعد‪ ،‬في تم ّدد‪ .‬إلى متى؟ هذا موضوع‪ ،‬كما قلنا‪ ،‬فصّلناه في المحاضرة»‪.‬‬ ‫(األخ يستفسر)‪« :‬ليس هناك مؤثّر خارج ّي يش ّد الكون إلى الخارج‪ِ .‬من المفروض ّ‬ ‫أن‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫دائما‪.‬‬

‫طاقة االنفجار تقلّ‪ ،‬ال تزيد»‪.‬‬ ‫(الشّيخ يوضّح)‪« :‬ال‪ ،‬ال‪ ،‬ال‪ .‬غير صحيح‪ .‬هذا كّلم منطق ّي‪ .‬ك ّل َمن كتب في‬ ‫الـ ‪ ،big bang‬مثل ‪‬ستيفن واينبرج‪( ‬مولود في ‪ ،)7488‬و أخذ نوبل على هذا‬ ‫و د ّعم نفس النّظريّة‪ ،‬يؤ ّكدون ّ‬ ‫أن هذا الموضوع يعتمد على ُع ُمر االنفجار الكبير‪.‬‬

‫‪54‬‬


‫تعرف لماذا؟ ّ‬ ‫ألن الق ّوة كلّها‪ ،‬خاصّة الق ّوة الثَّقَلِيَّة‪ ،‬حين كانت في البيضة األولى‪ ،‬أو‬ ‫نحن ال نس ّميها البيضة‪ ،‬إنّما الفَ َرا َدة‪ ،‬كانت مضغوطة بشكل ال يوصف و تع ّدت حدود‬ ‫'بّلنك' كلّها؛ جدار 'بّلنك'‪ ،‬و م ّدة 'بّلنك'‪ .‬يعني ال توجد رياضيّات تصف هذا‬ ‫ال ّشيء‪ .‬لغاية ّ‬ ‫أن قوى الجاذبيّة‪ِ ،‬من المفروض تكون قوى الجاذبيّة كانت قوى تعمل‬ ‫بالعكس‪ .‬فاآلن ل ّما انفجرت ستبقى هذه األشياء متباعدة و بسرعات حتّى تبلغ ح ّد‬ ‫معيّن‪'( limit ،‬ليميت')‪ .‬متى؟ هذا هو سؤالي‪ ،‬هذا كّلمي إليك؛ متى هذا الح ّد؟ و بعد‬ ‫ذلك ما الّذي سيحصل؟ طبعا‪ ،‬عند هذا الح ّد تبدأ السّرعات تتباطأ إلى درجة معيّنة‪،‬‬ ‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫و سنرى ماذا سيحدث بعد ذلك‪ ،‬إ ّما أنّها تقف ث ّم تعود‪ ،‬و إ ّما أنّها تكون عندها‬ ‫‪'( escape velocity‬إسكايب فيلوسيتي')‪ ،‬أو سرعة الهروب يس ّمونها‪ ،‬أكبر ِمن‬ ‫السّرعة المحسوبة رياضيّا و يتفانى الكون‪ ،‬ينتهي‪ .‬و هذا يعتمد على عوامل أخرى‬ ‫كثيرة؛ يعتمد على كثافة الما ّدة في الكون‪ ،‬و هذا أكبر تح ّدي للـ ‪ ،big bang‬أنّه إلى‬ ‫اآلن الما ّدة المرصودة في الكون كثافتها أق ّل ِمن الح ّد المطلوب حتّى يتوقّف الكون‬ ‫ث ّم يبدأ في الـ ‪ ،big crunch‬و هذا شرحناه كلّه و لو ترجع للمحاضرة بدقّة سترى‪،‬‬ ‫إن شاء هللا‪.‬‬ ‫و أنا ل ّما قمت بالجزء الثّاني‪ ،‬كنت تابعت حتّى ِمن مصادر ألمانيّة‪ ،‬أحدث المعلومات‪.‬‬ ‫يعني هناك معلومات ذكرتُها قبل أسبوع فقط‪ ،‬جديدة ج ّدا‪ .‬فإلى ح ّد اآلن‪ ،‬هذه‬ ‫النّظريّة‪ ،‬عندها بعض التّح ّديات بّل ش ّ‬ ‫ك و عندها بعض نقاط الضّعف إلى اآلن‪ ،‬لكن‬ ‫هي أفضل نظريّة موجودة إلى اآلن تفسّر الكون و نشوء الكون‪ .‬لكن عندها بعض‬ ‫األزمات‪ ،‬كما قلنا أكبر أزمة هي أزمة كثافة الما ّدة المرصودة‪ .‬إلى ح ّد اآلن‪ ،‬أق ّل‬ ‫م ّما يجب‪ .‬لكن هم مازالوا يكتشفون‪ ،‬و قالوا هناك الما ّدة السّوداء‪black matter ،‬‬

‫‪55‬‬

‫('بالك ماتر')‪ ،‬مه ّمة ج ّدا‪ .‬هناك اآلن جسيمات دقيقة تُ ْكتَ َشف‪ ،‬سرعتها أكبر ِمن سرعة‬ ‫الضّوء؛ الباريونات‪ ،‬و هكذا‪ .‬و هللا‪ ،‬ع ّز و جلّ‪ ،‬أعلم»‪.‬‬


‫السّ​ّلم عليكم و رحمة هللا و بركاته‪.‬‬

‫‪‬‬

‫ال ّدرس الرّابع‪ :‬أوّ ل الواجبات و برهان الحدوث‬

‫‪5‬‬

‫‪56‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.