Suwar 9

Page 1

‫السنة األوىل ‪ /‬العدد ‪ / 9‬متوز ‪2014 /‬‬

‫حوار مع كرم دوله‪ ،‬عضو المكتب السيـاسي‬ ‫في المنظمة اآلشورية الديمقراطية في سوريا‬ ‫«داعش‪« ..‬خالفة» تغطي سوريا بالسواد»‬ ‫جدولة القروض والحلقة المفرغة‬


‫الفهرس‬ ‫شهرية تعنى بالشأن المدني‬ ‫والديمقراطية وحقوق اإلنسان‬

‫فصول من التيه السوري‬

‫للتواصل وإرسال املساهامت واملقرتحات‬

‫‪Email:‬‬ ‫‪info@suwar-magazine.org‬‬ ‫‪Facebook:‬‬ ‫‪suwar-magazine‬‬ ‫‪website:‬‬ ‫‪www.suwar-magazine.org‬‬

‫الديمقراط ّية ومشكلة األقل ّيات‬ ‫في سوريا‬

‫فيلم ساحرة الحرب‬ ‫‪War Witch‬‬

‫‪info@ccsdsyria.org‬‬ ‫‪www.ccsdsyria.org‬‬

‫الغالف األخير‪ :‬عمل للفنان‬ ‫أنس سالمة‬

‫الكلور السام‪ :‬شكل آخر من أشكال‬ ‫السالح الكيميائي ضد السوريين‬

‫التغريبةالحلب ّية‬ ‫النازحون يعيشون في البراري‪..‬‬ ‫والمقيمون ُيدفنون تحت األنقاض‬

‫املقاالت املذيلة بأسامء أصحابها تعرب عن آرائهم وال تعرب بالرضورة عن رأي املجلة أو فريق التحرير‬


‫فتحة العدسة‬ ‫عام على انطالق مجلة «صور»‪:‬‬

‫«صور» الواقع السوري‪ ..‬وطموحات اإلعالم البديل‬ ‫عام مىض عىل صدور العدد األول من مجلة‬ ‫ٌ‬ ‫«صور»‪ ،‬يف إطار مرشوع «مركز املجتمع املدين‬ ‫والدميقراطية» ملواكبة عملية التغيري التي‬ ‫قرر السوريون خوض غامرها‪ ،‬للتخلص من‬ ‫إرث الدكتاتورية واالستبداد‪ ،‬والتأسيس لدولة‬ ‫القانون والدميقراطية‪.‬‬ ‫ومىض العام ونحن شهودٌ عىل حالة الحرب‬ ‫األهلية التي يعيشها هذا البلد املمزق‪ ،‬والذي‬ ‫يعاين سكانه املدنيون من أبشع االنتهاكات التي‬ ‫ترتكبها مختلف األطراف املشاركة يف الحرب‪،‬‬ ‫فكان القتل والتهجري‪ ،‬والتطهري الطائفي‬ ‫والعرقي‪ ،‬واالقتتال األهيل والفوىض‪ ،‬واالنتهاكات‬ ‫بحق املرأة والطفل‪ ،‬ومشاهد العنف والتوحش‪،‬‬ ‫هي ما فرض نفسه عىل املجلة‪ ،‬باعتباره «صور»‬ ‫الواقع السوري‪.‬‬ ‫حاولنا خالل سنة كاملة‪ ،‬رصد املشهد السوري‬ ‫بكل تفاصيله مبوضوعية‪ ،‬ودون االنحياز إال‬ ‫للسوريني الذين أنهكتهم النزاعات وحروب‬ ‫اآلخرين عىل أرضهم‪ ،‬بعد أن كانوا يحلمون‬ ‫بانجاز مرشوعهم الخاص ببلد جميل بتنوعه‬ ‫البرشي‪ ،‬تقوم فيه دولتهم العرصية التعددية‪،‬‬ ‫والقامئة عىل عق ٍد اجتامعي ودستور يعرتف‬ ‫بكل املكونات والفئات والرشائح‪.‬‬ ‫أم��ام هول األزم��ة السورية‪ ،‬وحجم الدمار‬

‫ومشاهد القتل اليومي ال��ذي يتعرض له‬ ‫السوريون‪ ،‬تحاول مجلة ص��ور أن تحيط‬ ‫باملشهد السوري‪ ،‬لتنقل أهم التفاصيل التي‬ ‫تساهم بتكوين رؤية أوضح لدي السوريني‪.‬‬ ‫ويف خضم كل ذلك ال تنىس املجلة أن تكون‬ ‫منرباً للرأي الحر‪ ،‬ومرشوعاً معرفياً يستهدف‬ ‫رفع وعي السوريني بواقعهم أوالً‪ ،‬ومبفاهيم‬ ‫الفكر املدين والدميقراطية ثانياً‪ ،‬بكل ما تتطلبه‬ ‫هذه املفاهيم من إضاءة عىل الحقوق واملبادئ‬ ‫األساسية التي تساهم بتحسني رشوط حياة‬ ‫كافة فئات املواطنني‪ ،‬وخاصة الفئات النوعية‬ ‫التي تعيش الظروف األس��وأ عىل الصعيد‬ ‫الوطني‪ ،‬وتدفع الثمن األكرب‪ ،‬كالنساء واألطفال‬ ‫والشباب واألقليات الدينية والقومية‪.‬‬ ‫كانت بوصلتنا يف مجلة صور منذ تأسيسها‬ ‫املواطن السوري الذي يعيش داخل البالد‪،‬‬ ‫ويعاين بني مطرقة الحرب بكل عبثيتها وجنونها‪،‬‬ ‫وسندان الواقع املعييش والظروف االقتصادية‬ ‫واملادية الصعبة املرافقة للحرب‪ ،‬دون أن ننجر‬ ‫إىل االصطفافات املطروحة سياسياً عىل الساحة‬ ‫السورية‪ ،‬واملتمثلة يف ثنائية املعارضة والنظام‪،‬‬ ‫محاولني فقط نقل هموم ومشاكل الناس مبهنية‬ ‫وموضوعية‪ ،‬دون إغفال نقل وجهات النظر‬ ‫املختلفة املتداولة يف سوريا‪ ،‬ألننا نعترب ذلك‬

‫حقاً من حقوق الجمهور علينا‪ ،‬حتى يكون‬ ‫عىل دراية ومعرفة مبا يجري من حوله‪ ،‬وبنا ًء‬ ‫عليه يتمكن من اختيار ما يناسبه‪ ،‬ويصبح‬ ‫مسؤوالً عن قراراته‪.‬‬ ‫شاب عملنا يف املجلة‪ ،‬ككل الصحافة البديلة‬ ‫يف س��وري��ا‪ ،‬ع��دد من النواقص والثغرات‪،‬‬ ‫بحكم تعقيد الوضع ومحدودية اإلمكانات‪،‬‬ ‫والصعوبات والتهديدات التي يعاين منها‬ ‫الصحفيون واملواطنون الصحفيون يف ظل‬ ‫الحرب‪ ،‬إال أن «صور» حاولت دامئاً أن تتجاوز‬ ‫كل هذه املعوقات‪ ،‬وأن تطور من أدائها املهني‬ ‫والصحفي‪ ،‬وتتجاوز كل الثغرات التي تضعف‬ ‫هذا األداء‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ورغم ذلك نؤمن أن الطريق مازال طويال أمام‬ ‫الصحافة البديلة لتصل إىل املستوى املرجو‪،‬‬ ‫لتكون (كام يفرتض من اسمها) بدي ًال حقيقياً ملا‬ ‫هو سائد إعالمياً‪ ،‬ولتشكل القاعدة الرضورية‬ ‫ألي مرشوع دميوقراطي شامل يف البالد‪ ،‬إذ‬ ‫ال دول ومجتمعات حرة بال إعالم حر‪ ،‬ورمبا‬ ‫كان العكس صحيحاً‪ .‬وبناء عليه فإننا يف‬ ‫«صور» نرحب بكل االنتقادات ووجهات النظر‬ ‫املختلفة‪ ،‬واألفكار واملبادرات الجديدة‪ ،‬التي‬ ‫من شأنها أن تص ّوب عملنا وتطوره باتجاه‬ ‫تحقيق الغاية املنشودة لكل إعالم حر‪.‬‬ ‫تنتهج املجلة ح��ال��ي�اً أس��ل��وب الصحافة‬ ‫االستقصائية‪ ،‬بنرشها العديد من التحقيقات‬ ‫والتقارير والقصص الصحفية التي تعالج‬ ‫الواقع السوري بكل جوانبه‪ ،‬كام أنها تنرش‬ ‫مقاالت الرأي واملقاالت الثقافية والحقوقية‪،‬‬ ‫وإذا كانت املدنية «تتأصل بالوعي» كام يؤكد‬ ‫شعار املجلة‪ ،‬فإن مجلتنا مفتوحة لكل أشكال‬ ‫التعبري والكتابة والعمل الصحفي‪ ،‬التي تساهم‬ ‫يف تأصيل الوعي وترسيخه‪ ،‬وتعمل عىل تطوير‬ ‫الحالة املدنية بني السوريني‪ ،‬رغم كل الظروف‬ ‫القاسية والتحديات الصعبة‪.‬‬


‫«داعش‪« ..‬خالفة» تغطي سوريا بالسواد»‬ ‫الرقة‪ :‬عاصمة «الدولة اإلسـالمية»‪...‬‬ ‫ٌ‬ ‫مدينة ترزح تحت القمع وت ّتشح بالسواد‬ ‫كامل شيخو‬

‫داعش والنساء في منبج‪:‬‬ ‫تحرش ًا علني ًا في الشوارع!‬ ‫هوس «اللباس‬ ‫الشرعي» ينقلب ّ‬ ‫ّ‬ ‫سالف أسعد‬

‫حب وزواج من طرف واحد!‬ ‫مقاتلو داعش والفتيات السوريات‪ٌ ...‬‬

‫سالف أسعد‬

‫‪2‬‬


‫الرقة‪ :‬عاصمة «الدولة اإلسـالمية»‬

‫ٌ‬ ‫مدينة ترزح تحت القمع وت ّتشح بالسواد‬ ‫كامل شيخو‬ ‫علم أسود عىل ساري ٍة‬ ‫رشقي سورية‪ُ ،‬رفع ٌ‬ ‫يف وسط مدينة الرقة شامل ّ‬ ‫هي األطول يف املدينة‪ .‬إنه العلم الذي يتخذه تنظيم «الدولة اإلسالمية»‬ ‫الرئييس للتنظيم ومكتباً لوايل‬ ‫شعاراً له‪ .‬وأصبح مبنى املحافظة املق ّر‬ ‫ّ‬ ‫اإلمارة‪.‬‬ ‫مدينة الرقة‪ ،‬أو «إمارة الرقة»‪ ،‬أصبحت عاصمة الخالفة اإلسالمية بعد‬ ‫إعالن ما يس ّمى بتنظيم «الدولة اإلسالمية» نهاية الشهر املايض قيام‬ ‫«الخالفة»‪ ،‬ومبايعة زعيمه أيب بك ٍر البغداديّ «خليف ًة للمسلمني»‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وكتابات جدران شوارع «الوالية»‪ ،‬تدعو‬ ‫الفتات‬ ‫عىل إثر ذلك مألت‬ ‫األهايل إىل التق ّيد بالرشيعة اإلسالمية حسب منظور «الدولة» املتط ّرف‪،‬‬ ‫وتح ّولت أغلب املق ّرات الحكومية سابقاً إىل مكاتب للتنظيم‪ ،‬وأصبحت‬ ‫كنيسة سيدة البشارة وسط املدينة مكتباً دعوياً له‪.‬‬ ‫خرجت الرقة عن سيطرة النظام يف الخامس من شهر آذار العام املايض‪.‬‬ ‫وسيطر التنظيم عىل املدينة بعد انسحاب حركة أحرار الشام وجبهة‬ ‫ات‬ ‫النرصة منها يف نهاية أيلول من العام نفسه‪ .‬وال تزال هناك ثالثة مق ّر ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫الحكومي املوايل لنظام األسد‪ ،‬وهي قيادة الفرقة ‪17‬‬ ‫تابعة للجيش‬ ‫ّ‬ ‫شامل املدينة بنحو كيلوم ٍرت واحد‪ ،‬ومطار الطبقة العسكريّ غرب‬ ‫املدينة‪ ،‬ويبعد حوايل ‪ 50‬كيلومرتاً عىل طريق عام الرقة ـ حلب‪ ،‬واملق ّر‬ ‫الثالث للواء ‪ 93‬شامل غرب الرقة‪ ،‬ويبعد عنها ‪ 55‬كيلومرتاً يف بلدة‬ ‫عني عيىس‪.‬‬ ‫فرض «الرشيعة»‬ ‫جامع ألداء‬ ‫عندما يعلو صوت األذان‪ ،‬يتسارع سكان املدينة إىل أقرب ٍ‬ ‫ّ‬ ‫املحال التجارية عليهم إغالقها والذهاب ألداء الصالة‬ ‫الصالة‪ .‬أصحاب‬ ‫وترشيعات عىل السكان «تعود‬ ‫جامع ًة‪ ،‬بعد أن فرض التنظيم قوانني‬ ‫ٍ‬ ‫إىل القرون الوسطى»‪ ،‬حسب ناشطي املدينة‪ .‬إذ « ُيجلد ‪ 70‬جلد ًة ّ‬ ‫كل‬ ‫من يتل ّفظ بكلمة داعش»‪ ،‬مُ‬ ‫و»تنع الفتاة من ارتداء الجينز والكنزة‪،‬‬ ‫وعليها باللباس اإلسالمي ‪-‬وفق مفهوم داعش‪ -‬وهو النقاب والربقع»‪.‬‬ ‫كام «مينع وضع املالبس النسائية عىل واجهة املحالت‪ ،‬ويجب أن تكون‬ ‫بائعة املالبس النسائية امرأة»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫محال الخياطة النسائية يف حال وجود ذك ٍر يف‬ ‫كام يجب أن «تغلق‬

‫املحل‪ .‬ومتنع زيارة النساء لألطباء بقصد املعالجة‪ ،‬وعليهنَّ زيارة‬ ‫الطبيبات حرصاً»‪ .‬ومنع التنظيم «تدخني السجائر والرنجيلة»‪ ،‬وأمر‬ ‫بإغالق صالونات الحالقة الرجالية‪ ،‬ومنع تقصري شعر الرجال والفتيان‪.‬‬ ‫ات حديث ٍة‪ ،‬أو‬ ‫كام أصدر‬ ‫بقص ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تعليامت متنع الشبان من ترسيح شعرهم ّ‬ ‫وضع أ ّية ماد ٍة عىل الشعر‪.‬‬ ‫حج ٌبة‬ ‫ع ّلقت الناشطة سعاد نوفل(‪ )1‬عىل هذه القوانني قائل ًة‪« :‬أنا ُم ّ‬ ‫أتحجب ومل يفرض ع ّ‬ ‫يل أحدٌ الحجاب‪.‬‬ ‫منذ ‪ 25‬عاماً‪ ،‬ألنني ق ّررت أن ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وقناعة‪ ،‬وال تأيت باإلكراه أبداً»‪ .‬رشحت سعاد‬ ‫شخصية‬ ‫حرية‬ ‫املسألة‬ ‫ملجلة (صور) ّأن «ما تفعله داعش هو نوعٌ من مامرسة السلطة‬ ‫االستبدادية تحت غطاء اإلسالم‪ ،‬ولكنها بعيد ٌة ّ‬ ‫كل البعد عنه‪ .‬هي‪،‬‬ ‫بذلك الفعل القرسيّ والرتهيب والجلد‪ ،‬تعمد إىل تشويه اإلسالم»‪.‬‬ ‫غادة(‪ )2‬من سكان الرقة‪ ،‬وال تزال تعيش فيها‪ ،‬نقلت تباين آراء الناس‬ ‫حول قوانني التنظيم‪« ،‬فبعضهم يرى أن الوضع بات أفضل‪ ،‬وآخرون‬ ‫يعتقدون أنه صار أسوأ بكثري‪ ،‬وبعض الناس يقولون إن وضعنا يف زمن‬ ‫النظام كان أفضل»‪ .‬وعبرّ ت غادة عن رأيها ملجلة (صور) رصاح ًة بالقول‪:‬‬ ‫«كل يش عم يعملوه غلط بغلط‪ .‬أساساً ما حدا مقتنع بكل اليل عم‬ ‫يعملوه باسم الدين»‪ .‬وأضافت‪« :‬تركوا كل يش ولحقويل املرأة وحجاب‬ ‫املرأة‪ .‬شو الفائدة إذا لبسوا الحجاب والربقع مكرهني‪ ،‬ومبج ّرد ما طلعوا‬ ‫من الرقة شالوه؟!»‪.‬‬ ‫ويروي سكان املدينة أن كتيبة الخنساء التابعة للتنظيم قامت باعتقال‬ ‫ايس‪ ،‬عىل‬ ‫عرش‬ ‫ٍ‬ ‫طالبات عند قيامها بجول ٍة تفتيشي ٍة‪ ،‬بداية العام الدر ّ‬ ‫رشعي‪،‬‬ ‫إحدى املدارس الثانوية‪ ،‬بحجة أن النقاب الذي يرتدينه غري‬ ‫ّ‬ ‫وأنهنّ وضعن املكياج عىل وجوههنّ تحت النقاب‪ .‬كام اعتقلت الكتيبة‬ ‫ذاتها فتاتني من وسط املدينة‪ ،‬زعمت أنهام خلعتا النقاب عن وجهيهام‪.‬‬ ‫قاضية ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫تابعة للتنظيم بالجلد ‪ 30‬جلد ًة‪.‬‬ ‫وحكمت عليهام‬ ‫«الرقة تلبس ثوباً محن ًّى بالسواد»‬ ‫يروي الدكتور وليد(‪ )3‬اللحظات األخرية قبل فراره من املدينة‪ ،‬بعد‬ ‫أن اتهمه التنظيم بالكفر والعلامنية‪ ،‬وأنه من أتباع الشيطان وموالٍ‬ ‫للغرب‪ .‬وقتها أدرك أنه إما سيعتقل‪ ،‬أو ستتم تصفيته ال محالة كباقي‬

‫‪3‬‬


‫تجارب للقوى الكربى‬ ‫فالرقة أصبحت فأر‬ ‫ٍ‬ ‫الالعبة بالرصاع السوريّ ‪ ،‬والتنظيم ٌ‬ ‫فصل من‬ ‫فصوله‪ .‬فالقوى الدولية ال زالت ترى ّأن له‬ ‫دوراً وظيفياً يف املرحلة القادمة‪ ،‬وتحديداً يف‬ ‫الشيعي»‪.‬‬ ‫السني ‪-‬‬ ‫الرصاع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫النشطاء‪ ،‬لذلك ق ّرر الهرب من املدينة‪ .‬طلب‬ ‫الدكتور وليد منّا ذكر اسمه األ ّول فقط‪ ،‬خوفاً‬ ‫عىل أقربائه ممن بقيوا يف املدينة‪ .‬ووصف‬ ‫الرقة بالقول‪« :‬عندما غادرتها كانت حزينة؛‬ ‫وب��دأت تتشح بالسواد يوماً بعد يوم‪ .‬كنا‬ ‫عروس للحرية‪ ،‬ولكنها‬ ‫نقول عنها بأنها أ ّول‬ ‫ٍ‬ ‫عرس محن ًّى بالسواد»‪.‬‬ ‫استقبلت زفافها بثوب ٍ‬ ‫أما املعارض خلف الجربوع(‪ ،)4‬الذي اعتقل‬ ‫ات كانت أخراها عىل يد التنظيم‪،‬‬ ‫ثالث م ّر ٍ‬ ‫وبقي حوايل شهرين يف السجن عىل خلفية‬ ‫نشاطه الثوريّ يف الرقة‪ ،‬فقد ف ّر هارباً من‬ ‫املدينة بعد أن ُوضع اسمه عىل قامئة التصفية‪.‬‬ ‫يقول خلف ملجلة (صور)‪« :‬مل يختلف اعتقايل‬ ‫األخري‪ ،‬واستقبايل يف السجن‪ ،‬عام شهدته يف‬ ‫االعتقاالت السابقة لدى النظام»‪ .‬وأضاف‪:‬‬ ‫متشائم جداً بالنسبة إىل مستقبل املدينة‪،‬‬ ‫«أنا‬ ‫ٌ‬

‫الدكتور وليد قال ّإن «التهديدات وصلت إىل‬ ‫النشطاء تباعاً‪ .‬مل نأخذها عىل محمل الج ّد يف‬ ‫البداية‪ ،‬إىل أن بدأت داعش بتقوية قبضتها‬ ‫األمنية عىل مدينة الرقة‪ ،‬وبدأت بسلسلة‬ ‫عمليات لخطف الناشطني واألطباء ووجهاء‬ ‫ٍ‬ ‫البلد»‪ .‬ولكن الشعرة التي قصمت ظهر‬ ‫البعري‪ ،‬حسب الدكتور وليد‪ ،‬كانت اغتيال‬ ‫التنظيم أحد نشطاء املدينة الذي كان يلقب‬ ‫بـ «روبن هود» لكرثة حبه لفعل الخري‪ ،‬وكان‬ ‫أصدقاؤه يسمونه «مهند حبايبنا»‪ .‬وقتها‬ ‫أدرك الدكتور وليد ّأن التهديدات يجب أن‬ ‫تؤخذ عىل محمل الجدّ‪ ،‬ومن يومها ف ّر أغلب‬ ‫النشطاء من املدينة خوفاً عىل حياتهم‪.‬‬ ‫ويروي خلف الجربوع‪« :‬بقيت متخفياً لحوايل‬ ‫الشهر يف الرقة‪ ،‬إىل أن انتهت االشتباكات بني‬ ‫حركة أحرار الشام‪ ،‬التي كانت تسيطر عىل‬ ‫الرقة مع جبهة النرصة من جهة‪ ،‬وتنظيم‬ ‫الدولة اإلسالمية من جه ٍة ثانية»‪ ،‬وأضاف‪:‬‬

‫«أصدقا ٌء يل أخرجوين من املدينة إىل تركيا‪،‬‬ ‫خوفاً ع ّ‬ ‫يل بعد قرار داعش بتصفيتي»‪.‬‬ ‫ومن أبرز التشكيالت القمعية للتنظيم جهاز‬ ‫باعتقاالت‬ ‫«الحسبة» أو املحاسبة‪ ،‬الذي يقوم‬ ‫ٍ‬ ‫ومداهامت‪ ،‬ويع ّد مصدر الخوف‬ ‫عشوائي ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫األول بني الناشطني‪ .‬ويقوم الجهاز بتسيري‬ ‫دوري��ات ملراقبة الناس‪ ،‬والتأكد من عدم‬ ‫ٍ‬ ‫مخالفتهم أليٍّ من القوانني‪ ،‬والتي تشمل‬ ‫�ي للنساء‪ ،‬ومنع التدخني‬ ‫اللباس ال�شرع� ّ‬ ‫والرنجيلة‪ ،‬وكذلك منع النساء من السري يف‬ ‫الشوارع من دون «محرم»‪ ،‬وإجبار أصحاب‬ ‫ّ‬ ‫املحال التجارية عىل إغالق محالهم والتوجه‬ ‫إىل الصالة يف أوقاتها‪.‬‬ ‫الجزية عىل مسيح ّيي الرقة‬ ‫مل تطل مامرسات التنظيم املسلمني فقط‪ ،‬إذ‬ ‫فرض جزي ًة عىل مسيح ّيي املدينة‪ .‬وأصدر‬ ‫بتاريخ ‪ 23‬شباط من العام الجاري عهداً س ّمي‬ ‫بـ»أول عقد ذم ٍة يف الشام بني الدولة اإلسالمية‬ ‫نص عىل أن «يلتزم‬ ‫ونصارى والية الرقة»‪ّ .‬‬ ‫النصارى‪ -‬أي املسيحيني‪ -‬بدفع جزي ٍة عىل ّ‬ ‫كل‬ ‫ذك ٍر منهم مقدارها أربعة دنانري من الذهب‬ ‫عىل أهل الغنى‪ ،‬ونصف ذلك عىل متوسطي‬ ‫الحال‪ ،‬ونصفه عىل الفقراء»‪.‬‬ ‫ويضيف «العهد» أن عىل املسيحيني أن «ال‬ ‫يحدثوا يف مدينتهم وال فيام حولها ديراً وال‬ ‫كنيس ًة وال صومعة راه��ب‪ ،‬وال يجدّدوا ما‬ ‫خرب منها‪ ،‬وأال يظهروا صليباً وال شيئاً من‬ ‫كتبهم يف يش ٍء من طرق املسلمني أو أسواقهم‪،‬‬ ‫وال يستعملوا مكربات الصوت عند أداء‬ ‫صلواتهم وكذلك سائر عباداتهم»‪.‬‬ ‫مسيحي(‪ )5‬من سكان الرقة ملجلة‬ ‫وكشف‬ ‫ٌّ‬ ‫(صور)‪ ،‬طلب عدم ذكر اسمه ألنه ال يزال‬

‫‪4‬‬


‫يقيم داخل املدينة‪ ،‬أن «التنظيم رشع‬ ‫فرض جزي ٍة سنوي ٍة عىل الذكور‪ ،‬بدءاً‬ ‫مببلغ ‪ 25‬ألف لري ٍة سوري ٍة (حوايل ‪150‬‬ ‫دوالراً أمريكياً) عن العاطل عن العمل‪،‬‬ ‫و‪ 50‬ألفاً للعامل (حوايل ‪ 300‬دوالر)‪،‬‬ ‫ألف (‪ 600‬دوالر) ألصحاب األمالك‬ ‫ومئة ٍ‬ ‫واملحال التجارية»‪ .‬وأضاف ّأن «هذه‬ ‫األت��اوى املفروضة ال يستطيع الجميع‬ ‫تسديدها»‪ .‬منوهاً إىل ّأن «الكثري من العوائل‬ ‫املسيحية غ��ادرت سورية‪ ،‬واض��ط� ّرت إىل‬ ‫التنازل عن ملكياتها بعقو ٍد صور ّي ٍة لجريانها‬ ‫وأصدقائها من املسلمني‪ ،‬خشي ًة من أطامع‬ ‫داعش وسعيهم لالستيالء عليها»‪.‬‬ ‫وكان املسيحيون يشكلون ثلث سكان محافظة‬ ‫الرقة‪ ،‬يف املسح اإلحصا ّيئ لعام ‪ .1985‬حوايل‬ ‫نصفهم من الروم األرثوذكس‪ ،‬يف حني تشكل‬ ‫سائر الطوائف املسيحية النصف اآلخر‪.‬‬ ‫وتوجد يف املحافظة أربع كنائس‪ ،‬اثنتان يف‬ ‫املدينة هام سيدة البشارة والشهداء‪ ،‬وكنيسة‬ ‫القديسني الشهيدين رسجيوس وباخوس يف‬ ‫ٌ‬ ‫وكنيسة يف مدينة ّ‬ ‫تل أبيض‪.‬‬ ‫مدينة الطبقة‪،‬‬

‫وقام عنارص من التنظيم‪ ،‬يف ‪ 26‬من أيلول‬ ‫العام املايض‪ ،‬بإنزال الصليب من عىل كنيسة‬ ‫سيدة البشارة وسط الرقة‪ .‬إال أن الحدث قوبل‬ ‫بالرفض من نشطاء املدينة‪ ،‬وقادت الناشطة‬ ‫ٌ‬ ‫ومجموعة من الناشطني‪ ،‬تظاهر ًة‬ ‫سعاد نوفل‪،‬‬ ‫مناهض ًة الستنكار ال��ح��دث؛ حملوا فيها‬ ‫الصليب ليعيدوه إىل داخل الكنيسة‪.‬‬ ‫هوامش‪:‬‬ ‫‪ .1‬سعاد نوفل‪ :‬شقيقة غدير نوفل زوجة‬ ‫املعارض فراس الحاج صالح‪ ،‬املعتقل لدى‬ ‫الدولة االسالمية‪ .‬هربت نهاية شهر أيلول‬ ‫من العام املايض إىل تركيا لرفضها مامرسات‬ ‫التنظيم‪ .‬وكانت ترفع يومياً كرتون ًة تطالب‬ ‫ّ‬ ‫بالكف عن أساليبها يف‬ ‫فيها الدولة اإلسالمية‬

‫إرهاب الناشطني وسكان املدينة‪ .‬هاجرت‬ ‫إىل هولندا‪ ،‬وهي ٌ‬ ‫الجئة هناك‪.‬‬ ‫‪ .2‬غادة‪ :‬من سكان الرقة‪ .‬استدرج التنظيم‬ ‫ابن خالتها الوحيد وأقنعه باالنضامم إىل‬ ‫صفوف الجهاديني‪ ،‬فقتل يف شهر آذار يف‬ ‫معارك التنظيم ضد قوات حامية الشعب‬ ‫يف مدينة كوباين‪.‬‬ ‫‪ .3‬الدكتور وليد‪ :‬هرب نهاية العام املايض‬ ‫بعد تهديد التنظيم بقتله‪ .‬كان طبيباً يعمل‬ ‫يف املشايف امليدانية‪ ،‬إال أن انتقاداته العلنية‬ ‫ملامرسات الدولة اإلسالمية ع ّرضت حياته‬ ‫للخطر‪ .‬ف ّر إىل تركيا ومن بعدها سافر إىل‬ ‫أملانيا طالباً اللجوء فيها‪.‬‬ ‫‪ .4‬املعارض خلف الجربوع‪ :‬تع ّرض للتهديد‬ ‫بعد أن وضعه التنظيم عىل قامئة التصفية‪،‬‬ ‫كام هدّده بقتل ابنه البكر حسني‪ .‬ف ّر من‬ ‫املدينة أواسط شهر ترشين الثاين‪/‬نوفمرب مع‬ ‫ابنه‪ .‬ويقيم يف مدينة أورفة برتكيا‪.‬‬ ‫مسيحي من سكان الرقة يدّعي أنه دخل‬ ‫‪5‬‬‫ٌّ‬ ‫اإلسالمي خشي ًة من التنظيم‪ ،‬ولعدم‬ ‫الدين‬ ‫ّ‬ ‫ق��درة عائلته عىل دفع الجزية السنوية‪،‬‬ ‫وخوفها عىل ممتلكاتها‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫داعش والنساء في منبج‪:‬‬ ‫تحرش ًا علني ًا في الشوارع!‬ ‫هوس «اللباس‬ ‫الشرعي» ينقلب ّ‬ ‫ّ‬ ‫سالف أسعد‬

‫بينام كانت فريال تقوم بعملها املعتاد يف التدريس‪ ،‬وتعطي طالبها‬ ‫ّ‬ ‫شخص‬ ‫الصف‬ ‫الحصة الدراس ّية املق ّررة يف إحدى مدارس منبج‪ ،‬دخل‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫غريب دون استئذان‪ ،‬وسألها‪« :‬ملاذا ال تضعني الخامر عىل وجهك؟»‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ولست بحاج ٍة إىل من يعلمني‬ ‫ردّت فريال بحزم‪« :‬أنا أعرف الرشع‪،‬‬ ‫إ ّياه»‪ .‬غضب الرجل من ردّها وسألها‪« :‬هل أنت متزوجة؟»‪ .‬وعندما‬ ‫بنعم قال‪« :‬ط ّلقي زوجك وسنز ّوجك أحد عنارصنا يك يع ّلمك‬ ‫أجابته ٍ‬ ‫رشع الله»!‬ ‫أصبح هذا املشهد من يوم ّيات مدينة منبج‪ ،‬الواقعة يف ريف حلب‬ ‫عىل الحدود الرتكية‪ ،‬واملعروفة بتن ّوع مك ّوناتها العرقية‪ ،‬واعتدال‬ ‫أهاليها دينياً واجتامعياً‪.‬‬ ‫العبايس‬ ‫تكنّى منبح أحياناً مبدينة البحرتي‪ ،‬إذ ولد فيها هذا الشاعر‬ ‫ّ‬ ‫الشهري‪ .‬وتوىل إمارتها‪ ،‬إ ّبان عهد الدولة الحمدانية‪ ،‬الشاعر األمري أبو‬ ‫فراس الحمدا ّين‪ .‬وتعاقب عىل حكمها العديد من الحكام منذ ذلك‬ ‫الحني‪ .‬وعاش فيها العديد من األقوام إىل يومنا هذا‪ .‬فش ّكلت لوح ًة‬ ‫العرقي (عرب ‪ -‬كرد – رشكس ‪-‬‬ ‫تعكس تن ّوع سوريا‪ ،‬إذ أدّى تن ّوعها‬ ‫ّ‬ ‫تركامن) إىل التن ّوع يف العادات والتقاليد وأمناط اللباس‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫متشحة بالسواد اليوم‪ ،‬تفتقد األلوان بقيادة حاكمها‬ ‫غري أن املدينة‬ ‫الكويتي‪ ،‬بعد أن دخلت عنارص تنظيم «الدولة‬ ‫الجديد أبو لقامن‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالمية يف العراق والشام» إليها أواخر عام ‪ ،2012‬تحت اسم‬ ‫«الكتائب اإلسالمية»‪ ،‬إىل جانب بعض كتائب الجيش الح ّر‪ .‬وما لبثت‬ ‫اعتقاالت‬ ‫«الدولة» أن انقلبت عىل رشكائها‪ ،‬من خالل شنّ حملة‬ ‫ٍ‬ ‫واسع ٍة ض ّد قادة الجيش الح ّر وعنارصه وبقية الكتائب اإلسالمية‪ ،‬إىل‬ ‫تم لها التف ّرد بالسيطرة عىل املدينة وريفها‪.‬‬ ‫أن ّ‬ ‫ٌ‬ ‫منذ أن خضعت املدينة لحكم تنظيم الدولة ُفرضت مجموعة من‬ ‫تخص لباس املرأة وخروجها‪ ،‬ومسائل التعليم واالختالط‬ ‫القوانني التي ّ‬ ‫يف األماكن العامة واملدارس‪ ،‬دون مراعاة خصوصية املدينة وتن ّوعها‬ ‫القومي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫التعليمي لتنظيم الدولة يف املدينة‪ ،‬يقوم‬ ‫أبو مجاهد‪ ،‬املسؤول‬ ‫ّ‬ ‫بشكل دوريٍّ ‪ ،‬يك يتأ ّكد من تطبيق القوانني‬ ‫بجوالت عىل مدارسها‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تخص املدارس املختلطة‪ ،‬والتي كانت تقترص ‪ -‬قبل‬ ‫والقرارات التي ّ‬ ‫الرشعي»‬ ‫دخول التنظيم ‪ -‬عىل املدارس االبتدائية‪ ،‬فقد ُفرض «اللباس‬ ‫ّ‬

‫‪6‬‬

‫عىل البنات‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫طالبة يف املرحلة اإلعدادية‪« :‬يقف بعض عنارص‬ ‫تقول سهى‪ ،‬وهي‬ ‫كلامت قاسي ٍة للفتيات أثناء‬ ‫الدولة أمام باب املدرسة ويقومون بتوجيه‬ ‫ٍ‬ ‫دخولهنّ إىل املدرسة‪ ،‬مثل (فاسقة‪ ،‬مرتدة)‪ .‬ويهدّدونهنّ بأنهم سيقومون‬ ‫الرشعي»‪.‬‬ ‫بتزويجهنّ لعنارص التنظيم يف حال عدم التزامهنّ باللباس‬ ‫ّ‬

‫الرشعي قد ال ينفع أحياناً مع هؤالء العنارص‪،‬‬ ‫غري أن غطاء الرأس واللباس‬ ‫ّ‬ ‫إذ باتوا ّ‬ ‫يتدخلون حتى يف التفاصيل الصغرية‪ .‬كام حدث مع منى‪ ،‬الطالبة‬ ‫ّ‬ ‫الصف التاسع (‪ 14‬سنة)‪ ،‬أثناء خروجها من املدرسة‪ .‬فقد كانت تضع‬ ‫يف‬ ‫الرشعي‪ ،‬ولكنها رفعت عباءتها قلي ًال يك ال تتعرث وتقع عىل األرض‪،‬‬ ‫الغطاء‬ ‫ّ‬ ‫فقام أحد عنارص تنظيم الدولة بتهديدها بأنه سيطلق النار عىل قدميها‬ ‫إذا رآها ترفع العباءة مر ًة أخرى‪.‬‬ ‫ومل تقترص مضايقات عنارص تنظيم الدولة عىل الطالبات‪ ،‬بل تعدتهنّ‬ ‫إىل تهديد اآلنسات واألساتذة داخل الصفوف الدراسية‪ ،‬واعتقال البعض‬ ‫الرشعي ضمن‬ ‫اآلخر بحجة أنهم يسمحون للفتيات بعدم وضع الغطاء‬ ‫ّ‬ ‫غرف منفصل ٍة ٍّ‬ ‫لكل من األساتذة واآلنسات‪،‬‬ ‫الدرس‪ .‬وقاموا بتخصيص ٍ‬ ‫منعاً لالختالط بني املعلمني من الجنسني داخل املدرسة‪.‬‬ ‫الحصة الدراس ّية‬ ‫تقول منى (‪ 26‬سنة)‪ ،‬وهي مد ّرسة‪« :‬بينام كنت يف ّ‬ ‫دخل علينا أحد العنارص صائحاً‪« :‬ما هذا الفسق والفجور؟! سنمنعك من‬ ‫التدريس إذا تك ّرر هذا املوقف»‪ .‬ويقصد بذلك عدم ارتدايئ ملا يرى أنه‬ ‫ّ‬ ‫الصف»‪.‬‬ ‫الرشعي» داخل‬ ‫«اللباس‬ ‫ّ‬


‫دفع تكرار التهديدات التي يطلقها عنارص‬ ‫تنظيم الدولة بحقّ الطالبات الكثري من‬ ‫األهايل إىل االمتناع عن إرسال بناتهم إىل‬ ‫املدارس‪ ،‬خوفاً عليهنّ من إرهاب عنارص‬ ‫«الدولة»‪ .‬تؤكد أ ّم مح ّمد أنها منعت ابنتها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الصف التاسع‪ ،‬من الذهاب إىل‬ ‫وهي يف‬ ‫املدرسة‪ ،‬خوفاً عليها من املسلحني الذين ال‬ ‫يستثنون أحداً من تدخالتهم‪ ،‬حتى طالبات املرحلة االبتدائية‪ .‬وقالت‬ ‫إنها ال تشعر باالطمئنان عىل ابنتها وهي متيش بني هؤالء الرجال‬ ‫املسلحني‪ ،‬الذين ال ّ‬ ‫تكف أعينهم عن مراقبة أجساد النساء يف الشوارع!‬ ‫املؤسسات التعليم ّية واملدارس‪ ،‬بل‬ ‫ومل تقترص تلك اإلجراءات عىل ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫خاص‪ -‬يف األس��واق‪ ،‬حيث‬ ‫كانت وطأتها أش ّد ‪-‬عىل النساء‬ ‫بشكل ٍّ‬ ‫تتج ّول دوريات تنظيم الدولة ملراقبة حركة الناس ولباس الفتيات‪،‬‬ ‫ويقوم عنارصها بتوجيه اإلهانات للفتيات اللوايت ال يرتدين اللباس‬ ‫الرشعي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فبينام كانت فاطمة (‪ 24‬سنة) وصديقتها تقومان بجول ٍة يف السوق‬ ‫لرشاء بعض الحاج ّيات‪ ،‬اعرتض أحد عنارص الدولة طريقهام‪ ،‬وقام‬ ‫بسحبهام إىل داخل أحد املحالت التجارية‪ ،‬وطلب من فاطمة غسل‬ ‫وجهها باملاء والصابون إلزالة (املكياج) الذي تضعه‪ .‬ثم التفت إىل‬ ‫الرشعي؟»‪ .‬غري أن الفتاة‬ ‫صديقتها وسألها‪« :‬ملاذا ال تضعني الغطاء‬ ‫ّ‬ ‫ردّت عليه بالقول‪« :‬ليس لك عالقة يب»‪ ،‬فبدأ الرجل بالرصاخ عليها‪:‬‬ ‫«ال أحد يستطيع أن يتحدّاين‪ ،‬فكيف تجرؤين عىل أن تحدثيني بهذه‬ ‫الطريقة؟!»‪ .‬وهدّدها باعتقال والدها قائ ًال‪« :‬سنستضيفه لدينا بضعة‬ ‫أيام لنع ّلمه الرشع»‪ .‬وأجربها عىل رشاء غطا ٍء للوجه‪ ،‬بينام كان‬ ‫ٍ‬ ‫الشباب يف الشارع يتف ّرجون عىل ما يحصل‪ ،‬دون أن يتج ّرأ أحدٌ عىل‬ ‫التدخل‪.‬‬ ‫ات عليها مكبرّ ات‬ ‫تسري دوريات «الدولة» يف األسواق بواسطة سيار ٍ‬

‫األسايس فرض اللباس‬ ‫الصوت‪ ،‬وهاجسها‬ ‫ّ‬ ‫الرشعي‪ ،‬املك ّون من عباء ٍة سوداء واسع ٍة‬ ‫ّ‬ ‫وكفوف لليدين‪ ،‬وغطاء وج ٍه‬ ‫وفضفاضة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫(نقاب)‪ .‬وتع ّد العباءات الض ّيقة أو الش ّفافة‬ ‫الرشعي‪ ،‬كام أن أ ّية‬ ‫مخالف ًة رصيح ًة للباس‬ ‫ّ‬ ‫زين ٍة أو عط ٍر أنثويٍّ يستفزان املسلحني إىل‬ ‫درجة الجنون!‬ ‫الرشعي عىل الفتيات‪ ،‬بل يحاول تنظيم‬ ‫وال يقترص تطبيق اللباس‬ ‫ّ‬ ‫الدولة فرضه حتى عىل النساء الكبريات يف السنّ ‪ .‬كام حدث مع‬ ‫أم أحمد‪ ،‬وهي امرأ ٌة تجاوز عمرها الثامنني عاماً‪ ،‬حني طلب منها‬ ‫أحد عنارص «الدولة» أن تضع الخامر عىل وجهها‪ ،‬فاستغربت املرأة‬ ‫بني!»‪ ،‬فر ّد الرجل‪:‬‬ ‫الثامنينية من طلبه بقولها‪« :‬لكنني امرأ ٌة عجو ٌز يا ّ‬ ‫«يجب أن تط ّبقي رشع الله»‪.‬‬ ‫عىل الرغم من ّ‬ ‫كل هذه اإلجراءات‪ ،‬ومحاوالت تنظيم الدولة تطبيق‬ ‫رشيعته عىل أسواق املدينة وسكانها‪ ،‬إال أنه فشل يف السيطرة الكاملة‬ ‫ً‬ ‫خاص‪ .‬فق ّرر تطبيق‬ ‫بشكل عا ٍّم والنساء‬ ‫ترصفات الناس‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل ّ‬ ‫عىل ّ‬ ‫اءات عقابي ٍة بحقّ أصحاب املحالت التجارية‪ ،‬تتض ّمن السجن ملدّة‬ ‫إجر ٍ‬ ‫ّ‬ ‫الرشعي‪.‬‬ ‫أيام لكل من يقوم بالبيع أل ّية فتا ٍة ال ترتدي اللباس‬ ‫ّ‬ ‫خمسة ٍ‬ ‫تم تحذير أصحاب الرسافيس بأن من يسمح للفتيات اللوايت ال‬ ‫كام ّ‬ ‫الرشعي بالصعود إىل مركبته سيعاقب بالحجز عليها‪،‬‬ ‫يرتدين اللباس‬ ‫ّ‬ ‫أيام‪.‬‬ ‫وبالسجن ملدّة خمسة ٍ‬ ‫ّ‬ ‫الرشعي‪ ،‬ومبراقبة‬ ‫الداعيش باللباس‬ ‫يرى بعض املتابعني أن هذا الهوس‬ ‫ّ‬ ‫أجساد النساء لضامن احتشامها‪ ،‬يخفي كبتاً مزمناً وهوساً جنسياً‬ ‫شديداً‪ .‬وما املالحظات واإلهانات التي يتف ّوه بها عنارص التنظيم‬ ‫بحقّ النساء يف الشوارع واملدارس‪ ،‬واعرتاض طريقهنّ وهنّ سائر ٌ‬ ‫ات‪،‬‬ ‫إال ٌ‬ ‫الجنيس املعكوس‪ ،‬ال تسلم منه حتى‬ ‫شكل من أشكال التح ّرش‬ ‫ّ‬ ‫العجائز والقارصات‪ ،‬بدعوى العفة وتطبيق رشع الله!‬

‫‪7‬‬


‫حب وزواج من طرف واحد!‬ ‫مقاتلو داعش والفتيات السوريات‪ٌ ...‬‬ ‫سالف أسعد‬ ‫تضم صفوف تنظيم الدولة اإلسالمية‪ ،‬التي‬ ‫تسيطر عىل مناطق واسعة يف شامل سوريا‬ ‫وشامل رشقها‪ ،‬العديد من الجنسيات األجنبية‬ ‫والعربية‪ ،‬والتي تشكل يف غالبيتها قيادات‬ ‫هذا التنظيم‪ ،‬ومتتلك السلطة واملال‪ ،‬غري أن‬ ‫غالبية هؤالء املقاتلني األجانب جاؤوا إىل‬ ‫سوريا مبفردهم من دون أرسهم‪ ،‬ما استدعى‬ ‫إقبالهم عىل الزواج‪ ،‬وطلب يد السوريات يف‬ ‫املدن التي تحت حكمهم‪.‬‬ ‫ويف مدينة منبج التي باتت تعج باملقاتلني‬ ‫األجانب الباحثني عن الزواج‪ ،‬بعد خضوعها‪،‬‬ ‫لسيطرة «الدولة اإلسالمية»‪ ،‬وجد املقاتلون‬ ‫األجانب يف النازحات إىل املدينة ضالتهم‪،‬‬ ‫حيث يقدر عدد النازحني يف املدينة بحدود‬ ‫‪ 250‬ألف نازح‪ ،‬يعيشون ظروفاً اقتصادية‬ ‫ومادية بالغة الصعوبة‪ ،‬أصبحوا معها لقمة‬ ‫سائغة ملقاتيل التنظيم الذين استغلوا فقرهم‬ ‫وحاجتهم‪ ،‬من خالل دفع مهور تصل يف أغلب‬ ‫األحيان إىل ‪ 300‬ألف لرية‪.‬‬ ‫الزواج لفرتات قصرية وتعدد الزوجات‬ ‫تقول سهام‪ ،‬وهي فتاة يف الخامسة والعرشين‬ ‫من العمر‪ ،‬نزحت من مدينة حمص‪« :‬عندما‬ ‫عُ رض عيل ال��زواج من أحد عنارص داعش‪،‬‬ ‫شعرت بسعادة فائقة‪ ،‬فمهري كان ‪ 600‬ألف‬ ‫لرية»‪.‬‬ ‫ظنت سهام أنها ستعيش حياة رائعة‪ ،‬متكنها‬ ‫من مساعدة أرستها الفقرية املكونة من ستة‬ ‫أفراد‪ ،‬ولكن بعد زواجها من العنرص‪ ،‬وهو‬ ‫سعودي الجنسية‪ ،‬قام بطردها من املنزل دون‬ ‫سبب واضح‪ ،‬دون أن مييض أكرث من شهر عىل‬

‫‪8‬‬

‫الزواج!‬ ‫انتظر أهلها فرتة لعل الزوج يأيت ويسرتجعها‪،‬‬ ‫وعندما يأس األب قام بأخذ ابنته إىل زوجها‬ ‫ملعرفة سبب طردها‪ ،‬غري أنهام فوجئا بامرأة‬ ‫غريبة تفتح الباب‪ ،‬وعندما سألتها سهام عن‬ ‫هويتها قالت إنها زوجة العنرص الجديدة‪.‬‬ ‫وما حدث مع ياسمني كان أقىس‪ ،‬ألن الزوج‬ ‫السعودي استخدم معها العنف‪ ،‬حيث تم‬ ‫إسعافها إىل املشفى بحالة خطرة‪ ،‬ويقول‬ ‫املمرض محمد‪« :‬الفتاة وصلت املشفى بني‬ ‫الحياة واملوت‪ ،‬حيث كانت تعاين من رضوض‬ ‫ونزيف نتيجة الرضب املربح‪ ،‬وعندما سئلت‬ ‫عمن فعل بها ذلك‪ ،‬أكدت أنه الزوج»‪.‬‬ ‫وال تختلف قصة وصال كثرياً عن قصة سهام‪،‬‬ ‫لكنها مل تكن تهتم باملهر‪ ،‬بقدر ما كانت‬ ‫مبهورة ومخدوعة بفكرة أن عنارص التنظيم‬ ‫يقومون بتطبيق رشع الله‪ ،‬وما إن تقدم لها‬

‫أحد املقاتلني وهو تونيس الجنسية‪ ،‬حتى‬ ‫وافقت رسيعاً دون تردد‪ ،‬وبقيت متزوجة‬ ‫منه ملدة ال تتجاوز الشهر‪ ،‬ثم طلقها دون‬ ‫سبب يذكر‪ .‬تقول وص��ال‪« :‬سمعت من‬ ‫الجريان أنه تزوج من فتاة أخرى بعد فرتة‬ ‫قصرية من طالقي»‪.‬‬ ‫من الواضح أن عادة الزواج والطالق الرسيع‬ ‫باتت دارجة بني مقاتيل الدولة‪ ،‬فض ًال عن‬ ‫الجمع بني عدة زوج��ات يف نفس الوقت‪،‬‬ ‫كحال املقاتل الداعيش الذي يحمل الجنسية‬


‫الروسية‪ ،‬ويقول أنه متزوج من ثالثة نساء‪،‬‬ ‫ويبحث اآلن عن فتاة جديدة لتكون الزوجة‬ ‫الرابعة‪.‬‬ ‫مقاومة األهايل‬ ‫ويحاول تنظيم الدولة من خ�لال خطب‬ ‫الجمعة تشجيع األهل واآلب��اء عىل تزويج‬ ‫بناتهم ملجاهدي الدولة‪ ،‬من أجل إعانتهم‬ ‫عىل الجهاد‪ ،‬وذلك باعتبار أن أهايل مدينة‬ ‫منبج ال يرغبون بتزويج بناتهم من الغرباء‪.‬‬ ‫يقول أبو عادل وهو من أهايل املدينة‪« :‬يف‬ ‫ابنتي بينام‬ ‫أحد األيام لحق عنارص داعش ّ‬ ‫كانتا يف سوق املدينة لرشاء بعض الحاجيات»‪.‬‬ ‫ويضيف أبو ع��ادل‪« :‬عندما فتحت الباب‬ ‫طلبوا ابنتي للزواج‪ ،‬وقالوا إنهم مستعدون‬ ‫لدفع مليون لرية مهراً لكل فتاة»‪.‬‬ ‫اضطر أبو عادل للكذب والقول بأن ابنتيه‬ ‫مخطوبتان‪ ،‬يف محاولة منه للتخلص من‬ ‫رجال الدولة‪ ،‬وهكذا حال معظم اآلباء الذين‬ ‫يعلمون حقيقة عنارص الدولة‪ ،‬وما يهدفون‬ ‫إليه من الزواج بالسوريات‪.‬‬ ‫ال تقترص ح��االت اع�ت�راض النساء‬ ‫يف الطريق عىل عنارص الدولة من‬ ‫الذكور‪ ،‬بل إن نساء التنظيم يجلن يف‬ ‫الشوارع‪ ،‬إليقاف الفتيات يف الطرقات‬ ‫وعرض الزواج عليهن لصالح املقاتلني‬ ‫األجانب‬ ‫املضايقات املستمرة من قبل عنارص الدولة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬دفعت الكثري من األه��ايل إىل‬ ‫منع بناتهم من الخروج من البيوت‪ ،‬خشية‬ ‫مالحقتهم من قبل العنارص‪ ،‬بعدما تكررت‬ ‫حاالت توقيف النساء يف الشوارع‪ ،‬وعرض‬ ‫الزواج عليهن‪.‬‬ ‫وتقول مريم وهي امرأة متزوجة‪« :‬كنت‬

‫مع أطفايل يف أح��د ال��ش��وارع العامة حني‬ ‫اعرتض طريقي أحد املقاتلني األجانب‪ ،‬وعرض‬ ‫عيل الزواج فأخربته أنني متزوجة‪ ،‬وهؤالء‬ ‫أوالدي برفقتي‪ ،‬فطلب مني أن أطلق زوجي‬ ‫وأتزوجه»‪.‬‬ ‫وال تقترص حاالت اعرتاض النساء يف الطريق‬ ‫عىل عنارص الدولة من الذكور‪ ،‬بل إن نسا ًء‬ ‫ينتمون لهذا التنظيم يجلن يف الشوارع‪،‬‬ ‫ومهمتهن إيقاف الفتيات يف الطرقات وعرض‬ ‫الزواج عليهن لصالح املقاتلني األجانب‪ ،‬بعد‬ ‫تكرر حاالت رفض األهايل تزويج بناتهم من‬ ‫هؤالء املقاتلني‪.‬‬ ‫كام أن تلك النساء بدأن بتنظيم محارضات‬ ‫لفتيات ال ت��ت��ج��اوز أع�ماره��ن ‪ 18‬سنة‬

‫لتشجيعهن عىل الزواج من مقاتيل الدولة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وإقناعهن بان هذا جهاد يف سبيل‬ ‫الله‪ .‬ما يؤدي إىل تكرار القصص املروعة عن‬ ‫حاالت ال��زواج من هؤالء املقاتلني‪ ،‬والتي‬ ‫تنتهي يف أفضل األحول بالطالق‪ ،‬وقد تصل‬ ‫أحيانا للتهديد بالقتل‪ ،‬اذا مل تنفذ املرأة‬ ‫رغبات بعض املنحرفني منهم‪.‬‬ ‫يحاول عنارص الدولة اإلسالمية بشتى الطرق‬ ‫القضاء عىل مقاومة األهيل لتزويج بناتهم من‬ ‫مقاتيل التنظيم‪ ،‬أو مقاومة الفتيات والنساء‬ ‫أنفسهن‪ ،‬وذلك عن طريق اإلغ�راء املادي‪،‬‬ ‫والضغط والتهديد‪ ،‬غري أنهم مل يفلحوا حتى‬ ‫اآلن بكرس إرادة الناس‪.‬‬ ‫سمرية واح��دة ممن رفضن وقاومن رغم‬ ‫الضغوط التي مارسها أخوها‪ ،‬الذي يعمل‬ ‫مقات ًال مع تنظيم الدولة اإلسالمية‪ ،‬يف‬ ‫محاولة منه إلجبارها عىل الطالق من‬ ‫زوجها وال��زواج من مقاتل أجنبي مقابل‬ ‫مبلغ مادي كبري‪.‬‬ ‫أما عائشة‪ ،‬والتي عُ رض عليها الزواج من‬ ‫أحد عنارص داعش‪ ،‬فقد هددت والدها‬ ‫باالنتحار يف حال أرص عىل إجبارها عىل‬ ‫الزواج‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫في الكــادر‬ ‫حوار مع كرم دوله‪ ،‬عضو المكتب السياسي في المنظمة اآلشورية الديمقراطية في سوريا‬ ‫استمرار العنف في سوريا من شأنه اقتالع اآلشوريين من جذورهم‬ ‫حاوره فريق تحرير مجلة صور‬ ‫أصدرت جهات كنسية وأحزاب وقوى مسيحية سورية أخرياً‪ ،‬بيانات إدانة‬ ‫واستنكار ملا حصل يف العراق من تهجري للمواطنني املسيحيني‪ ،‬معربة‬ ‫عن خشيتها من أن يتكرر السيناريو ذاته يف مناطق تواجد املسيحيني‬ ‫بسوريا‪ ،‬وهو ما جدد القلق حيال الوجود املسيحي يف سوريا‪ .‬يف الصدد‪،‬‬ ‫يفيد كرم دوله‪ ،‬عضو املكتب السيايس يف املنظمة اآلثورية الدميقراطية‬ ‫يف سوريا‪ ،‬بأن عدم االستقرار يف أية منطقة ينعكس سلباً عىل حياة أي‬ ‫شعب‪ ،‬ويكون له تأثريات أكرث سلبية عىل املجموعات السكانية األقل‬ ‫عدداً يف تلك املنطقة‪ .‬ويف حوار مع مجلة «صور»‪ ،‬يرشح دوله واقع‬ ‫اآلشوريني يف سوريا‪ ،‬بالقول‪:‬‬ ‫الشك أن الرسيان اآلشوريني رغم وجودهم التاريخي املمتد ألالف السنني‪،‬‬ ‫ميكن اعتبارهم أكرب املترضرين نتيجة اشتعال املنطقة بنريان التطرف‬ ‫والفوىض‪ ،‬والرضر عليهم مضاعف مقارنة باآلخرين‪ ،‬وذلك لتاميزهم‬ ‫القومي والديني عن محيطهم‪ .‬والتطورات األخرية يف العراق ويف مدينة‬ ‫املوصل تحديداً والقرارات التي أصدرها تنظيم «داعش» بحق املسيحيني‬ ‫تؤكد املؤكد وتجسد أكرث من دليل عىل أن املسيحيني بصورة عامة‬ ‫والرسيان اآلشوريني بوجه خاص‪ ،‬من حقهم أن يتولد لديهم أكرث من‬ ‫مجرد القلق عىل مصريهم‪.‬‬ ‫نعم هناك أزمة وجود حقيقية يعيشها هذا الشعب عىل أرضه التاريخية‬ ‫جراء عدم االستقرار وهشاشة الدولة الوطنية التي كان يجب أن تكون‬ ‫الحامية والحاضنة لكل مواطنيها‪ .‬لقد كانت سنوات االستقرار القليلة بعد‬ ‫نشوء هذه الدول يف مطلع القرن العرشين وبعيد االستقالل فرصة لتأكيد‬ ‫العنرص الرسياين اآلشوري قدرته عىل املساهمة الفعالة يف بناء وتطوير‬ ‫الدولة الوطنية الناشئة عىل كل املستويات السياسية والفكرية‪ .‬إال أن‬ ‫النكوص نحو الدولة األمنية الشمولية وتعميم الفساد واملحسوبيات عىل‬ ‫حساب سيادة القانون‪ ،‬أدى إىل تراجع هذا الدور‪ .‬ودفع بالناس للبحث‬ ‫عن منافذ أخرى للحياة الكرمية فوجدوها يف الهجرة ودول االغرتاب‪.‬‬ ‫إن استمرار الوضع السوري بدون وجود أفق زمني واضح لحل سيايس‬ ‫‪ ...‬ينهي دوامة العنف‪ ،‬يعترب عام ًال أساسيا يف تسارع وترية الهجرة عند‬ ‫السوريني عموما‪ ،‬واآلشوريني الرسيان بشكل خاص‪ ،‬األمر الذي من شأنه‬ ‫أن يهدد باقتالعهم من جذورهم نهائياً‪ ،‬فاملجتمع الدويل مطالب اليوم‬ ‫بالتصدي ملسؤولياته األخالقية والقانونية يف حامية الشعب من إرهاب‬ ‫النظام والتنظيامت اإلسالمية املتطرفة‪ ،‬عرب مامرسة ضغوط سياسية قادرة‬

‫‪10‬‬

‫عىل فرض حل سيايس يحقق التغيري املنشود عرب مرحلة إنتقالية‪ ،‬وفق‬ ‫البنود الستة إلتفاقية جنيف الصادرة يف ‪/30‬حزيران‪.2012/‬‬ ‫اليزال من تبقى من اآلشوريني الرسيان متشبثني بوطنهم‪ ،‬مؤمنني بأن‬ ‫المستقبل لهم‪ ،‬إال يف ظل الدولة املدنية الدميقراطية‪ ،‬التي تعرتف‬ ‫بوجودهم وهويتهم القومية‪ ،‬دولة عرصية حيادية اتجاه الدين والقومية‪،‬‬ ‫بهوية وطنية جامعة تعرب عن كل مكونات النسيج الوطني‪.‬‬ ‫ماذا عن اختالف رؤية املسيحيني السوريني وتباين مواقفهم حيال الوضع‬ ‫يف سوريا؟‬ ‫هذا التباين طبيعي وينسحب عىل بقية مكونات ‪ ،‬خاصة خالل السنة‬ ‫األوىل من عمر الثورة‪ .‬إال أن (املسيحيني السوريني)‪ ،‬كانوا يف الغالب‬ ‫يتوجسون من أي تغيري قد يهدد استقرارهم النسبي وحرية مامرسة‬ ‫شعائرهم الدينية‪ ،‬وخشيتهم من البديل اإلسالمي الراديكايل خاصة بعد‬ ‫صعود تيارات اإلسالم السيايس‪ ،‬باإلضافة للتجربة العراقية بنتائجها الكارثية‬ ‫املاثلة أمام أعينهم بالنسبة ملسيحيي العراق الذي هجره معظمهم‪ ،‬وهذا‬ ‫ما قد يفرس قلة انخراطهم يف الحراك الثوري املبارش‪ ،‬لكن باملقابل مل‬ ‫يظهروا مواقف موالية للنظام بشكل واضح‪ ،‬بينام جاءت البيانات األوىل‬ ‫التي أصدرها رؤساء الكنائس لتالمس بشئ من الجرأة السياسية (يف‬ ‫حينه)‪ ،‬تطلعات السوريني يف سياق اإلقرار بوجود مطالب محقة للشعب‬ ‫السوري ورضورة إجراء إصالحات حقيقية ملموسة مل تستنث املستوى‬ ‫السيايس والحقوقي‪ ،‬إال أن هذا املوقف بقي مرواحاً عند ذلك الحد وبات‬ ‫يصنف يف خانة املواالة خاصة بعد أن زاد منسوب العنف والقتل من قبل‬


‫في الكــادر‬ ‫النظام‪،‬والذي استدرج باملقابل عسكرة للثورة‬ ‫وعنفاً مضاداً‪ ،‬ومل يعد هناك منطقة رمادية‪.‬‬ ‫ومع هذا كله‪ ،‬فقد برزت مواقف شعبية وحتى‬ ‫من رجال دين مسيحيني مؤيدة للثورة والثوار‬ ‫يف عدة مناطق فقد النظام السيطرة عليها‪.‬‬ ‫أما بالنسبة للنخب السياسية من املسيحيني‬ ‫فاملوضوع مختلف متاماً‪ ،‬إذ ميكننا هنا الحديث‬ ‫عن أحزاب قومية آشورية رسيانية (مسيحية)‪،‬‬ ‫معارضة‪ ،‬كاملنظمة اآلثورية الدميقراطية‪،‬‬ ‫املؤتلفة ضمن إعالن دمشق للتغيري الدميقراطي‬ ‫‪ ...‬ويف اإلئتالف السوري ‪ ،‬والتي انخرطت‬ ‫بكوادرها ضمن الحراك الثوري السلمي منذ‬ ‫األيام األوىل للثورة وتعرض كوادرها لالعتقال‬ ‫عدة مرات‪ ،‬واليزال مسؤول مكتبها السيايس‬ ‫(كربئيل مويش كورية) معتق ًال يف سجون النظام‬ ‫لتاريخه‪.‬‬ ‫كذلك فإن حزب اإلتحاد الرسياين الذي شارك يف‬ ‫املظاهرات كان عضوا يف هيئة التنسيق الوطني‪،‬‬ ‫ثم انضم ملرشوع اإلدارة الذاتية الدميقراطية‪،‬‬ ‫واليزال مصري رئيس الحزب الذي اعتقلته‬ ‫األجهزة األمنية مجهوالً لحد اآلن‪ .‬باإلضافة ملا‬ ‫تزخر به القوى السياسية الوطنية املعارضة‪،‬‬ ‫القومية منها واملاركسية والليربالية الدميقراطية‬ ‫من شخصيات (مسيحية) بارزة مع عدد كبري‬ ‫من الناشطني يف مؤسسات املجتمع املدين‬ ‫واملستقلني من األدباء والفنانني‪ ،‬الذين نشطوا‬ ‫بفاعلية ضمن الثورة‪.‬‬ ‫هل لديكم أرقام أو تقديرات حول هجرة‬ ‫اآلشوريني من سوريا‪ ،‬واملسيحيني بشكل عام؟‬ ‫شكل املسيحيون حوايل ‪ 25‬أىل ‪ %30‬من نسبة‬ ‫السكان حتى منتصف القرن العرشين‪ ،‬لتبدأ‬ ‫نسبتهم بالتناقص ألسباب عديدة‪ ،‬أهمها‬ ‫الهجرة‪ ،‬ولتصل يف عام ‪ 1980‬لحوايل ‪،%16‬‬ ‫ومع بداية الثورة كان املسيحيون يشكلون‬ ‫حوايل ‪ %10‬من السكان‪ ،‬ويف ظل عدم توفر‬ ‫إحصائيات دقيقة وتسارع وترية الهجرة‪ ،‬فإنه‬ ‫ميكن الحديث عن هجرة نحو ثلث الرسيان‬

‫اآلشوريني واملسيحيني عموما عىل أقل تقدير‪.‬‬ ‫كيف تنظرون إىل مستقبل التعايش بني‬ ‫املكونات السورية يف ظل الواقع الحايل؟‬ ‫إن هذا املوضوع مرهون مبآالت الرصاع ‪...‬‬ ‫وبطبيعة وشكل الحل‪ .‬فالنسيج اإلجتامعي‬ ‫تعرض لتمزقات كبرية وعميقة بعد أن تراجعت‬ ‫طبيعة الرصاع من رصاع بني نظام وشعب‬ ‫مطالب بحقه يف الحرية ‪ ،‬لصالح رصاعات‬ ‫ذات لبوس طائفي وقومي بعد تصاعد الدور‬ ‫العسكري لقوى طائفية سنية وشيعية وأخرى‬ ‫قومية كردية‪ .‬وشهدت بعض مناطق التامس‬ ‫ارتكاب جرائم وعمليات تصفية جامعية عىل‬ ‫خلفية مذهبية وأخرى قومية‪ ،‬لدرجة بات‬ ‫املشهد أقرب ملا ميكن وصفه بحرب أهلية‪.‬‬ ‫يف ظل تردي الوضع األمني‪ ،‬وانعكاس ذلك‬ ‫عىل واقع التعايش‪ ،‬ما هو تقييمكم لدور‬ ‫مؤسسات املجتمع املدين‪ ،‬وكذلك مؤسسات‬ ‫املعارضة‪ ،‬يف الحفاظ عىل السلم األهيل؟‬ ‫هناك تحدي كبري‪ ،‬يصعب تجاوزه‪ ،‬إذا مل يأت‬

‫الحل مبوجب عملية تفاوضية تقتنع خاللها كل‬ ‫أطراف الرصاع بأهمية وقف العنف‪ ،‬وحامية‬ ‫السلم األهيل‪ ،‬وإنجاز التغيري الدميقراطي‬ ‫املنشود عرب مرحلة إنتقالية‪ ،‬تديرها سلطة‬ ‫إنتقالية مؤقتة متثل جميع القوى واملكونات‪،‬‬ ‫متارس مبوجبها اإلجراءات الكفيلة بتحقيق‬ ‫معايري العدالة اإلنتقالية‪ ،‬والدفع باتجاه تحقيق‬ ‫املسامحة واملصالحة‪.‬‬ ‫وبشكل موازي‪ ،‬يجب أن تلعب مؤسسات‬ ‫املجتمع املدين وبقية القوى اإلجتامعية والرموز‬ ‫الدينية دوراً أكرث فاعلية وتجرتح الربامج‬ ‫واألدوات الكفيلة بجرس الهوة بني مختلف‬ ‫املكونات‪ ،‬عرب تكثيف الحوارات البناءة التي‬ ‫تحقق حالة من التثاقف والتعارف ومحاولة‬ ‫تقوية الرابطة الوطنية الجامعة واملستوعبة‬ ‫لكل ألوان الطيف السوري‪ ،‬واإلهتامم بتقديم‬ ‫خطاب عقالين بعيد عن التجييش العاطفي‬ ‫عرب اإلعالم ‪ ،‬األمر الذي سيساهم يف مد شبكة‬ ‫أمان إجتامعية ذات مناعة كافية وعصية عىل‬ ‫اإلخرتاق من شأنها دعم مقومات الحلول‬ ‫السياسية السلمية‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫وجهـة نـظر‬

‫الديمقراط ّية ومشكلة األقل ّيات في سوريا‬

‫داريوس درويش‬

‫تع ّد الدميقراط ّية من أنظمة الحكم األنجع يف‬ ‫إدارة الدول يف العرص الحديث‪ .‬فبعدما عرفت‬ ‫األمم تجربة حكم أنظمة امللك ّية املطلقة‬ ‫ّ‬ ‫بكل ما قد تحمله من ق ّلة كفاء ٍة يف اإلدارة‪،‬‬ ‫اإللهي‪ّ ،‬‬ ‫واستغاللٍ لإلنسان باسم الحقّ‬ ‫نظر‬ ‫ّ‬ ‫الكثري من املفكرين يف أوروب��ا‪ ،‬مثل هوبز‬ ‫وروس��و وغريهم‪ ،‬ل�ضرورة تغيري التفويض‬ ‫وتم االنتقال من «التفويض‬ ‫املمنوح للحاكم‪ّ ،‬‬ ‫الشعبي»‪ .‬تزامنت‬ ‫اإللهي» إىل «التفويض‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذه األفكار مع ثورات الشعوب األوروب ّية‬ ‫ّ‬ ‫ولعل أشهرها‬ ‫ض ّد أنظمة الحكم امللك ّية‪،‬‬ ‫كانت الثورة الفرنس ّية‪.‬‬ ‫مل ترس األم��ور يف ال�شرق األوس��ط عىل هذا‬ ‫النحو‪ ،‬فالثورات التي قامت لإلطاحة بالخالفة‬ ‫العثامن ّية مل تبدُ استجاب ًة ملطلب التغيري‬ ‫الشعبي‪ ،‬بقدر ما كانت تلبي ًة لحاجة تغي ٍري‬ ‫سياس ّي ٍة تتالءم مع نتائج الحرب العامل ّية األوىل‬ ‫وتحضرياتها‪ .‬وأبناء الرشيف حسني‪ ،‬الذي‬ ‫قاد حرب التحرير العرب ّية برفقة الضابط‬ ‫اإلنكليزيّ املعروف باسم «لورنس العرب»‪،‬‬ ‫قاموا بإنشاء دولٍ ملك ّي ٍة جديد ٍة عىل نفس‬ ‫نهج الخالفة العثامن ّية‪ ،‬حتّى أ ّنهم استخدموا‬ ‫النبي مح ّم ٍد (ص) من أجل‬ ‫نسبهم املمت ّد إىل ّ‬ ‫إظهار أنهم أحقّ بالحكم من العثامنيني‪.‬‬ ‫ويف الفرتة الالحقة لسقوط األنظمة امللك ّية‬ ‫تم يف الغالب استرياد‬ ‫يف سوريا والعراق‪ّ ،‬‬ ‫منظومات أفكا ٍر شامل ٍة ّ‬ ‫بكل عموم ّيتها دون‬ ‫الخوض يف تفاصيلها‪ .‬إىل درجة ّأن الناقلني‬ ‫خضم نقلهم ه��ذا‪ ،‬عن تعريف‬ ‫َسهوا‪ ،‬يف‬ ‫ّ‬ ‫الرئييس لـ»التفويض‬ ‫الشعب‪ ،‬وهو املك ّون‬ ‫ّ‬ ‫الشعبي» الذي قامت الثورات وعُ ِزل امللوك‬ ‫ّ‬ ‫من أجله‪ .‬وقد كان لهذه املشكلة تأث ٌري أكرب يف‬

‫‪12‬‬ ‫‪12‬‬

‫العراق وسوريا ولبنان‪ ،‬مقارن ًة مع باقي الدول‬ ‫العرب ّية املتجانسة سكان ّياً‪.‬‬ ‫حرصت الدساتري السور ّية املتتالية عىل إظهار‬ ‫نوع من تعدّد املك ّونات ضمن موادّها‪ ،‬وإن‬ ‫ٍ‬ ‫بطريق ٍة غري مبارشة‪ .‬فقد سمح دستور عام‬ ‫‪ 1930‬للطوائف الدين ّية مبامرسة شعائرها‪،‬‬ ‫وبتدريس األحداث بلغتهم األصل ّية‪ .‬وكذلك‬ ‫دأبت الدساتري التالية أيضاً عىل ذلك‪ ،‬مع‬ ‫استثناء ميزة التعليم باللغة األصل ّية‪ ،‬بعد‬ ‫القومي العريبّ‪ ،‬الذي ُت ّوج‬ ‫تعاظم دور الفكر‬ ‫ّ‬ ‫بالوحدة بني سوريا ومرص‪ .‬وبهذا كان االستثناء‬ ‫يشمل القوم ّيات وال يشمل الطوائف الدين ّية‪.‬‬ ‫ات دين ّي ًة‬ ‫تلت ذلك الدساتري التي أسبغت هو ّي ٍ‬ ‫وقوم ّي ًة عىل الدولة‪ ،‬فش ّكلت إنكاراً رصيحاً‬ ‫لحقوق معظم املك ّونات القوم ّية والدين ّية يف‬ ‫الضمني بها سابقاً‪ .‬فأن‬ ‫سوريا‪ ،‬بعد االعرتاف‬ ‫ّ‬ ‫تكون سوريا عرب ّي ًة فهذا ينزع صفة املواطنة‬ ‫عن باقي القوم ّيات‪ ،‬كالكرد والرسيان واألرمن‬ ‫وغريهم‪ ،‬وأن تكون رئاسة الجمهور ّية حكراً‬ ‫عىل املسلمني فهذا يعني ّأن املسيحيني وأتباع‬

‫الديانات األخرى مواطنون من الدرجة الثانية‬ ‫يف أحسن األحوال‪.‬‬ ‫تعود ه��ذه املزاج ّية يف إدراج أو إغفال‬ ‫املك ّونات يف الدستور السوريّ إىل طريقة نشوء‬ ‫الدولة السور ّية نفسها‪ .‬فالدستور‪ ،‬والذي يعبرّ‬ ‫اف واضحة‪،‬‬ ‫عن عق ٍد‬ ‫اجتامعي يو َّقع بني أطر ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫مل ُيتَح له أن ُيكتَب مبشاركة هذه األطراف‪/‬‬ ‫املك ّونات‪ ،‬وبالتايل أن يكون نابعاً عن رغبتها‬ ‫الح ّرة‪ .‬فدستور عام ‪ّ 1930‬متت كتابته يف ّ‬ ‫ظل‬ ‫وتم استلهامه من دستور‬ ‫االنتداب‬ ‫الفرنيس‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫فرنسا لعام ‪ .1875‬ورغم أ ّنه مل يلقَ معارضةً‬ ‫من السوريني بخصوص املواد املتع ّلقة بحقوق‬ ‫املك ّونات‪ ،‬إال أ ّنه مل يبدُ أصي ًال أو نابعاً من‬ ‫رغبة املك ّونات التي افترُ ض أنها أطر ٌ‬ ‫اف يف‬ ‫االجتامعي‪ ،‬بعالمة تغيري الكثري‬ ‫هذا العقد‬ ‫ّ‬ ‫من موا ّد هذا الدستور يف الدساتري التالية‬ ‫لالستقالل‪.‬‬ ‫ما كانت املحاوالت الدامئة إلثبات الهو ّية‬ ‫العرب ّية اإلسالم ّية للدولة السور ّية ستظهر‬ ‫بهذا اإللحاح لو مل توجد املك ّونات األخرى يف‬


‫وجهـة نـظر‬ ‫بشكل فع ٍّ‬ ‫يل‬ ‫النسيج‬ ‫املجتمعي السوريّ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫بني األغلب ّية‪ ،‬ويف نفس الوقت غيابها‬ ‫النظريّ عن املشاركة يف الدولة‪ .‬وال ّ‬ ‫أدل‬ ‫عىل ذلك أكرث من معرفتنا ّأن الدولة‬ ‫السور ّية بشكلها الحا ّيل نتجت عن ا ّتحا ٍد‬ ‫مع مناطق العلويني والدروز‪ ،‬إثر مقاومة‬ ‫جميع املك ّونات لالنتداب الفرنيس‪ ،‬ويف‬ ‫نفس الوقت تغييب هذه املعرفة يف‬ ‫الواقع الدستوريّ ‪.‬‬ ‫تلك املحاوالت املتك ّررة لتعريب ّ‬ ‫كل البلد‬ ‫فعل متعدّدة‪ .‬فنشأ‬ ‫ق�سراً‪ ،‬و ّل��دت ردّات ٍ‬ ‫اطي الكردستا ّين يف سوريا عام‬ ‫الحزب الدميقر ّ‬ ‫بشكل يوحي أ ّنه ر ٌّد عىل دستور ‪1950‬‬ ‫‪1957‬‬ ‫ٍ‬ ‫رسخ «عروبة» الدولة‪ ،‬وتراجع عن‬ ‫الذي ّ‬ ‫امتياز التعليم باللغة األصل ّية لألحداث من‬ ‫تم قمع هذا الحزب‬ ‫املك ّونات األخرى‪ .‬وقد ّ‬ ‫بشدّة‪ .‬وكذلك حال الدروز يف جبل العرب‪،‬‬ ‫الذين قاموا بثور ٍة عىل أديب الشيشكيل الذي‬ ‫مارس أشكاالً عنيف ًة من محاوالت الدمج‬ ‫وإلغاء الهو ّية الدرز ّية‪ .‬ونجح األخري بالقضاء‬ ‫عىل الثورة باستخدام الطائرات التي قصفت‬ ‫مدينة السويداء وغريها من مدن جبل العرب‪.‬‬ ‫كان ميكن لسوريا‪ ،‬رغم نشأتها غري الطبيع ّية‪،‬‬ ‫أن مت ّر عرب مراحل تط ّو ٍر طبيع ّي ٍة تؤدّي‬ ‫إىل تشكيل مفهوم «الشعب» يف أذه��ان‬ ‫بشكل أكرث وضوحاً‪ ،‬فيام لو ا ُّتبعت‬ ‫السوريني‬ ‫ٍ‬ ‫الدميقراط ّية كام هي الحال يف دول أوروبا‬ ‫الطبيعي‬ ‫الغرب ّية والواليات املتّحدة‪ .‬فالتط ّور‬ ‫ّ‬ ‫اطي يف وعي املجتمع األمري ّيك قاد‪،‬‬ ‫والدميقر ّ‬ ‫بشكل أو بآخر‪ ،‬إىل إصدار لينكولن لقانون‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫إلغاء العبود ّية‪ ،‬والحقا إىل تحقيق أهداف‬ ‫حركة الحقوق املدن ّية التي قادها مارتن لوثر‬ ‫كينغ‪ ،‬والتي ُت ّوجت بتويل‬ ‫شخص من أصولٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أفريق ّي ٍة منصب رئاسة الواليات املتحدة‬ ‫األمريك ّية‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬يبدو ّأن الوقت يف سوريا قد ّ‬ ‫تأخر‬

‫قلي ًال عىل إفساح املجال لهذا النوع من‬ ‫التط ّور‪ ،‬دون إعادة التأسيس الصحيحة للدولة‬ ‫السور ّية‪ .‬فعقودٌ من الديكتاتور ّية التي‬ ‫امتدّت من سنوات االنقالبات األوىل أواخر‬ ‫األربعينات من القرن املايض‪ ،‬مروراً بعرص‬ ‫الوحدة مع مرص‪ ،‬وانقالبات البعث‪ ،‬وصوالً إىل‬ ‫الحكم الراهن‪ ،‬والتي اعتمدت مبعظمها عىل‬ ‫املخاطبة البدائ ّية ملشاعر األكرث ّية من أجل‬ ‫ضامن استمرار حكمها؛ قد ّ‬ ‫حطمت االرتباط‬ ‫السيايس‪،‬‬ ‫بني املك ّونات السور ّية عىل املستوى‬ ‫ّ‬ ‫ومتّنت حالة الشعور بالقهر والظلم ومقاومة‬ ‫االنصهار عند األقل ّيات‪ ،‬تح ّولت إىل حال ٍة من‬ ‫عدم الثقة بني هذه املك ّونات‪ ،‬وخصوصاً بعد‬ ‫خوضها املشرتك لتجربة النضال من أجل‬ ‫ثم االستبعاد الذي‬ ‫االستقالل عن فرنسا‪ ،‬ومن َّ‬ ‫ُمن َيت به هذه األقل ّيات بعد إنجاز االستقالل‪،‬‬ ‫وإىل ح ٍّد ما قبله أيضاً‪.‬‬ ‫تعود املزاج ّية يف إدراج أو إغفال‬ ‫املك ّونات يف الدستور السوريّ إىل‬ ‫طريقة نشوء الدولة السور ّية نفسها‪.‬‬ ‫يعب عن عق ٍد‬ ‫فالدستور‪ ،‬وال��ذي رّ‬ ‫اف واضحة‪،‬‬ ‫اجتامعي يو َّقع بني أطر ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫مل ُيتَح له أن يُكتَب مبشاركة هذه‬ ‫األطراف‬ ‫ترافقت حالة فقدان الثقة هذه مع انحسار‬ ‫ق� ّوة الدولة املركز ّية يف السنوات األخرية‬

‫الالحقة الندالع الثورة السور ّية الراهنة‪،‬‬ ‫وازدي���اد ال��ق� ّوة النسب ّية للمك ّونات‪.‬‬ ‫حرب أهل ّي ٌة تو ّرطت‬ ‫فبموازاة الثورة هناك ٌ‬ ‫فيها معظم املك ّونات السور ّية‪ .‬ورغم‬ ‫فظاعة هذه الحرب‪ ،‬إال أنها مل مت ّكن أ ّياً‬ ‫الخاصة‬ ‫من أطرافها من أن يفرض إرادته‬ ‫ّ‬ ‫عىل األطراف األخرى‪ .‬وبهذا الشكل ميكن‬ ‫القول إنها أعطت الثقة للمك ّونات بقدرتها‬ ‫عىل املقاومة‪ ،‬وبالتايل املطالبة بالرشاكة‬ ‫الكاملة يف الوطن‪ ،‬بدالً من انتظار مزاج ّية‬ ‫السياسيني يف استجابتهم للضغوط الداخل ّية‬ ‫أو الخارج ّية الناعمة لتحقيق الرشاكة‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬فالواقع الحايل لسوريا‪ ،‬إضاف ًة إىل تراكامته‬ ‫التاريخية‪ ،‬جعل من الصعوبة مبكانٍ وضع‬ ‫العربة أمام الحصان مجدّداً‪ ،‬فاأل ّول يأيت أ ّوالً‪.‬‬ ‫وربمّ ا لن تكون مجدي ًة أ ّية مطالب ٍة بنظام‬ ‫اطي ما مل تكن حدود «الشعب»‬ ‫حكم دميقر ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫يتم‬ ‫مل‬ ‫ما‬ ‫بدورها‬ ‫ح‬ ‫تتوض‬ ‫لن‬ ‫والتي‬ ‫واضحة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫االعرتاف املتبادل بني ّ‬ ‫كل املك ّونات بوجود‬ ‫ٍّ‬ ‫كل منها‪ ،‬وأحق ّيتها جميعاً بالرشاكة الكاملة‬ ‫يف الوطن‪.‬‬ ‫ويف هذا السياق‪ ،‬قد يكون من املفيد أكرث‬ ‫أن تقوم املعارضة السور ّية بهكذا خطوة‪،‬‬ ‫وذلك لقدرتها عىل ربط مسار تأسيس الدولة‬ ‫اطي‪ ،‬وتكون بذلك‬ ‫مبسار إقامة النظام الدميقر ّ‬ ‫قد و ّفرت جزءاً هاماً من معاناة السوريني‬ ‫مبختلف انتامءاتهم‪.‬‬ ‫يفتقد النظام هذه القدرة عىل الربط بنيو ّياً‪،‬‬ ‫فليس تحقيق الدميقراط ّية من قبله أمراً‬ ‫ممكناً‪ ،‬حتى يف نظر أش ّد مواليه وال ًء‪ .‬ولهذا‬ ‫ّ‬ ‫فإن محاولة إثبات أيّ مك ّونٍ لنفسه ضمن‬ ‫دول ٍة بقيادة النظام الحا ّيل ستكون محاول ًة‬ ‫دمو ّي ًة قد تنجح وقد تفشل‪ .‬وإن نجحت فلن‬ ‫اجتامعي بني املك ّونات‪ ،‬بل‬ ‫تكون بصيغة عق ٍد‬ ‫ٍّ‬ ‫نظام ال مي ّثل سوى‬ ‫بصيغة عق ٍد تجاريٍّ مع ٍ‬ ‫مصالح أفرا ٍد يف قيادته‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫إضــاءات‬

‫الكلور السام‪ :‬شكل آخر من أشكال السالح الكيميائي ضد السوريين‬

‫إعداد‪ :‬محمد هامم زيادي‬

‫ذكر نضال شيخاين‪ ،‬مسؤول العالقات الخارجية يف “مكتب توثيق‬ ‫يضم عسكريني منشقني عن‬ ‫امللف الكيمياوي يف سوريا”‪ ،‬الذي ّ‬ ‫وسام ومن املمكن أن يؤدّي‬ ‫جيش النظام‪ ،‬أن الكلور غا ٌز خط ٌري ٌّ‬ ‫استنشاقه إىل الوفاة‪ ،‬إال أنه يف الوقت نفسه سهل التصنيع‬ ‫والتعبئة يف قنابل وصواريخ‪.‬‬ ‫تم تأسيس مكتب توثيق امللف الكيمياوي يف سوريا يف ترشين األول‬ ‫ّ‬ ‫من العام ‪ ،2012‬بهدف توثيق انتهاكات نظام األسد واستخدامه‬ ‫لألسلحة الكيميائية يف املناطق السورية‪ ،‬وجمع الدالئل والشهادات‬ ‫بخصوص ذلك‪.‬‬ ‫وعمل املكتب‪ ،‬الذي يتخذ من بروكسل مق ّراً له‪ ،‬عىل متابعة عملية‬ ‫نقل املخزون الكيمياوي الذي ُأجرب النظام عىل تسليمه‪ ،‬من خالل‬ ‫املختصة‪.‬‬ ‫ناشطني سوريني عىل األرض‪ ،‬وبالتعاون مع املنظامت الدولية‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫سائلة‬ ‫ترصيح لوكالة األناضول‪ ،‬أن الكلور ماد ٌة‬ ‫وأوضح شيخاين‪ ،‬يف‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل كب ٍري يف املصانع واملختربات‪ ،‬وتدخل يف صناعة بعض‬ ‫تستخدم‬ ‫ٍ‬ ‫موا ّد التنظيف املنزلية‪ ،‬إال أن اختالطها بالهواء‪ ،‬بعد تع ّرضها ملصدر‬ ‫ناتج عن انفجار القنبلة أو العبوة التي تحملها‪ ،‬يح ّولها‬ ‫حرار ٍة كب ٍري ٍ‬

‫إىل ماد ٍة غازي ٍة يس ّبب استنشاقها حرق ًة شديد ًة باألنف والعينني‬ ‫التنفيس قد‬ ‫وتقرحات جلدية‪ ،‬إىل جانب إلحاق أرضا ٍر كبري ٍة بالجهاز‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫كميات كبري ٍة منها‪.‬‬ ‫تم استنشاق‬ ‫ٍ‬ ‫تصل إىل الوفاة‪ ،‬إذا ّ‬ ‫مخرض‪ ،‬له ر ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ائحة مميز ٌة‬ ‫والكلور أو الكلورين هو غا ٌز سا ٌّم لونه أصفر‬ ‫تشبه رائحة املادة املبيضة‪ .‬وهو أثقل من الهواء بثالث م ّرات‪ .‬ويف‬ ‫حال الرتكيز املخ ّفض يكون عديم اللون‪ ،‬عديم االنفجار‪ ،‬وله ر ٌ‬ ‫ائحة‬ ‫مهيج للجسم‪.‬‬ ‫واخز ٌة نفاذ ٌة وتأث ٌري ٌ‬ ‫قليل يسب تهيجاً مع حرق ٍة يف العني واألنف‬ ‫ويف حال استعامله برتكي ٍز ٍ‬ ‫والحلق‪ ،‬واحمرا ٍر يف الوجه‪،‬‬ ‫وعطاس وسعال‪ .‬أما استعامله برتكي ٍز عالٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وضيق يف الصدر والحلق واستسقا ٍء يف الرئتني‪ .‬عل ًام‬ ‫فيؤدي إىل اختناقٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أن تركيزه بنسبة ‪ 1000‬جز ٍء باملليون يس ّبب املوت الفوريّ ‪.‬‬ ‫بدء استخدام غاز الكلور‪ ،‬واألسلحة املستخدمة يف ذلك‬ ‫بدأ نظام األسد باستخدام غاز الكلور السا ّم ضمن الرباميل املتفجرة‬ ‫التي يلقيها عىل مناطق متف ّرق ٍة من سوريا‪ ،‬منذ بدايات شهر شباط‬ ‫من العام الحا ّيل‪ ،‬وذلك بعد ّ‬ ‫أقل من سبعة أشه ٍر عىل استخدامه‬ ‫األسلحة الكياموية يف الغوطة الرشقية بتاريخ ‪ 21‬آب ‪ .2013‬فقد‬ ‫و ّثق االئتالف‬ ‫الوطني السوريّ سبع عرشة حال ًة الستخدام الكيامويّ‬ ‫ّ‬ ‫يف سوريا يف الفرتة الواقعة من ‪ 3/2/2014‬وحتى ‪ .22/4/2014‬وأشار‬ ‫ات سام ٍة‪ ،‬يعتقد‬ ‫مركز توثيق االنتهاكات إىل استخدام نظام األسد لغاز ٍ‬ ‫أنها غاز الكلور‪ ،‬يف العديد من املناطق‪ ،‬وغاز ٍ‬ ‫ات أخرى ذات منشأٍ‬ ‫عصبي يف مناطق أخرى‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫استخدام نظام األسد لغاز الكلور السا ّم ضد املدنيني‬ ‫الوطني السوريّ استخدام نظام بشار األسد لغاز الكلور‬ ‫وثق االئتالف‬ ‫ّ‬ ‫السا ّم يف سبع عرشة غار ًة بالرباميل املتفجرة‪ ،‬أسفرت عن استشهاد‬ ‫واح ٍد وعرشين شخصاً‪ ،‬وإصابة أكرث من ‪ 450‬مدن ّياً‪ .‬إذ ُس ّجلت‬ ‫أول حال ٍة الستخدام غاز الكلور السا ّم يف داريا بتاريخ ‪13‬‬ ‫كانون الثاين ‪ ،2014‬حسب مركز توثيق االنتهاكات‪.‬‬ ‫وتك ّرر ذلك يف منطقة عدرا بريف دمشق بتاريخ ‪3‬‬ ‫شباط ‪ ،2014‬حيث استخدم نظام األسد الغاز السا ّم‬ ‫يف قصفه عىل منطق ٍة يوجد فيها الجيش السوريّ‬ ‫أشخاص وإصابة‬ ‫الح ّر‪ ،‬مام أسفر عن مقتل أربعة‬ ‫ٍ‬

‫‪14‬‬


‫إضــاءات‬ ‫نحو عرشين آخرين‪ ،‬بدت أعراض اإلصابة‬ ‫وضيق يف التنفس واحمرا ٍر‬ ‫عليهم بالسعال‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫تهيج شدي ٍد يف األنف‬ ‫يف العينني‪ ،‬إضافة إىل ٍ‬ ‫والحلق وحاالت إقياء‪.‬‬ ‫وجدّد النظام استخدامه لغاز الكلور السا ّم‬ ‫يف حي الرشدية بدير الزور بتاريخ ‪ 4‬آذار‬ ‫أشخاص‬ ‫‪ ،2014‬ما أدّى إىل إصابة خمسة‬ ‫ٍ‬ ‫بحالة اختناقٍ وإقياء‪ .‬وبتاريخ ‪ 9‬آذار ‪2014‬‬ ‫رشقي دمشق استخدام ق ّوات‬ ‫شهد حي جوبر ّ‬ ‫النظام السوريّ لغاز الكلور السا ّم‪ ،‬وأصيب‬ ‫أشخاص عىل األقل‪ ،‬عانوا من‬ ‫إثر ذلك خمسة‬ ‫ٍ‬ ‫أعراض االختناق‪ ،‬واحمرا ٍر يف منطقة األنف‬ ‫والفم‪ ،‬إضاف ًة إىل عدم وضوح الرؤية والوهن‬ ‫والتعب الشديدين‪.‬‬ ‫ويف مدينة داري��ا استخدم النظام الغازات‬ ‫ذاتها م ّرتني‪ ،‬بتاريخ ‪ 13‬كانون الثاين ‪2014‬‬ ‫و‪ 22‬نيسان ‪ .2014‬وبدورها شهدت حرستا يف‬ ‫الغوطة الرشقية استخدام غاز الكلور م ّرتني‪،‬‬ ‫كانت األوىل بتاريخ ‪ 27‬آذار ‪ ،2014‬ما أسفر‬ ‫عن خمسة شهدا ٍء وأكرث من مثاين إصابات‪.‬‬ ‫فيام استخدمت يف املرة الثانية بتاريخ‬ ‫‪ 11‬نيسان ‪ ،2014‬ما أودى بحياة خمسة‬ ‫أشخاص وإصابة أكرث من عرشين آخرين‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ويف ريف حامة أيضاً ُس ّجل استخدام قوات‬ ‫النظام السوريّ لغاز الكلور السا ّم سبع‬ ‫ات يف القصف الذي ينفذه بالرباميل‬ ‫م� ّر ٍ‬ ‫املتفجرة‪ .‬فقد شهدت بلدة كفر زيتا‬ ‫وحدها ّ‬ ‫املتفجرة‬ ‫هجامت بالرباميل‬ ‫ست‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫التي تحوي هذا الغاز خالل شهر نيسان‬ ‫‪ ،2014‬ما أسفر عن مقتل شخصني وإصابة‬ ‫أكرث من ‪ 215‬شخصاً‪.‬‬ ‫ويف ريف حامة أيضاً شهدت بلدة عطشان‬ ‫ات برباميل متفجر ٍة تحوي غاز الكلور‬ ‫غار ٍ‬ ‫السا ّم‪ ،‬بتاريخ ‪ 14‬نيسان ‪ ،2014‬مام أسفر‬ ‫عن إصابة ‪ 25‬شخصاً‪.‬‬ ‫كام استخدمت ق��وات نظام األس��د غاز‬

‫الكلور السا ّم يف قصفها بالرباميل املتفجرة‬ ‫عىل بلدة تل منس بتاريخ ‪ 21‬نيسان ‪،2014‬‬ ‫شخص وإصابة ‪ 15‬آخرين‪.‬‬ ‫ما أودى بحياة‬ ‫ٍ‬ ‫فيام شهدت بلدة التامنعة بريف إدلب أيضاً‬ ‫هجمتني بغاز الكلور املخلوط مبادة السيان‪،‬‬ ‫ما ينتج عنه ٌ‬ ‫خليط يسمى كلور السيانوجني‪.‬‬ ‫وكانت الغارة األوىل بتاريخ ‪ 12‬نيسان ‪،2014‬‬ ‫والثانية بتاريخ ‪ 18‬نيسان ‪ ،2014‬وأسفرت عن‬ ‫إصابة أكرث من ‪ 65‬شخصاً‪.‬‬ ‫القانون الدو ّيل واألسلحة الكياموية‬ ‫نظراً لخطورة األسلحة الكياموية واتساع مدى‬ ‫ٌ‬ ‫دولية للح ّد من انتشارها‬ ‫تأثريها‪ُ ،‬بذلت جهودٌ‬ ‫واستخدامها منذ أواخ��ر القرن امل��ايض‪ ،‬إذ‬ ‫شهدت مدينة الهاي يف العامني ‪ 1899‬و‪1907‬‬ ‫مؤمترين تق ّرر فيهام منع استخدام القنابل‬ ‫التي تنرش الغازات الخانقة‪ .‬كام قامت عصبة‬ ‫األمم يف الحقبة ما بني الحربني العامليتني‬

‫ببحث مسألة استخدام العوامل الكياموية يف‬ ‫ات بتحرميها يف اتفاقية‬ ‫الحروب‪ ،‬واتخذت قرار ٍ‬ ‫جنيف عام ‪ ،1925‬ومؤمتر نزع السالح ‪1932-‬‬ ‫‪ .1934‬واستم ّر االهتامم الدو ّيل بهذه القضية‬ ‫حتى مطلع الثامنينيات‪ ،‬رغم أن عدداً كبرياً‬ ‫من الدول ال يزال يحتفظ مبخزونٍ كب ٍري نسبياً‬ ‫من هذه األسلحة‪ ،‬كام تستم ّر األبحاث الرامية‬ ‫إىل تطوير املزيد منها‪.‬‬ ‫وكانت منظمة حظر األسلحة الكيميائية‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مستقلة تقع يف الهاي‬ ‫منظمة‬ ‫‪ ،OPCW‬وهي‬ ‫يف هولندا‪ ،‬قد أرشفت عىل املؤمتر الدو ّيل‬ ‫لحظر األسلحة الكياموية‪ ،‬وال��ذي انتهى‬ ‫بإقرار معاهدة حظر األسلحة الكيميائية‬ ‫ٌ‬ ‫اتفاقية للح ّد من انتشار‬ ‫‪ ،CWC‬وهي‬ ‫واختزان واستخدام األسلحة الكيميائية‪،‬‬ ‫وتدمريها تحت إرشاف املنظمة واللجان‬ ‫تم رصد تدمري‬ ‫املنبثقة من املؤمتر‪ .‬وقد ّ‬ ‫‪ 71%‬من مخزونات األسلحة الكيميائية يف‬ ‫ترشين الثاين ‪ ،2011‬كام تم تنظيم إخالء‬ ‫املنشآت الكيميائية الحربية يف كافة الدول‬ ‫املوقعة عىل االتفاقية‪.‬‬ ‫وتعمل املنظمة أيضاً عىل التحقيق يف‬ ‫ادّع��اءات استخدام األسلحة الكيميائية‬ ‫وتصنيعها‪ .‬وكانت ‪ 188‬دول ًة قد انض ّمت‬ ‫إىل االتفاقية يف آب من العام ‪ ،2010‬أي‬ ‫ّ‬ ‫كل دول العامل تقريباً عدا مثانٍ مل تعرتف‬ ‫باالتفاقية؛ هي‪ :‬أنغوال‪ ،‬وجنوب السودان‪،‬‬ ‫وكوريا الشاملية‪ ،‬والصومال‪ ،‬ومرص‪ ،‬وسوريا‪،‬‬ ‫وميامنار‪ ،‬وإرسائيل‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫إضــاءات‬

‫المر‬ ‫بعد أيام رمضان الدامية‪ ..‬السوريون يأكلون كعك العيد ّ‬ ‫لبنى سامل‬

‫ينتظر األطفال عاد ًة قدوم أيام العيد بفارغ الصرب‪ ،‬ملا تحمله من املرح والسعادة‪ ،‬أما يف سوريا فيعرف الجميع أن العيد هذا العام سيكون‬ ‫قاسياً كام رمضان‪ .‬ففي العيد تنفتح الجراح‪ ،‬ويستذكر اإلنسان خساراته‪ ،‬وينشغل عقله مبقارن ٍة عبثي ٍة بني حاله هذه األيام وبني املايض‪.‬‬ ‫وغصة فقدان أو غياب عزي ٍز تجعل طعم هذا العيد م ّراً‪.‬‬ ‫مآيس السوريني بأشكالها مل ترتك لفرحة العيد مكاناً‪ّ ،‬‬ ‫تشتّت العائلة يغتال فرحة العيد‬ ‫لطاملا كان العيد فرص ًة للقاء األقارب واألصدقاء‪ ،‬إال أن حاالت النزوح‬ ‫والهجرة واللجوء‪ ،‬التي يعاين منها الشعب السوريّ ‪ ،‬جعلت اجتامع‬ ‫بيت واح ٍد أمراً شبه مستحيل‪ .‬يقول أبو صائب‪،‬‬ ‫جميع أفراد العائلة يف ٍ‬ ‫كل عائل ٍة هناك فردٌ ‪ ،‬عىل ّ‬ ‫وهو من أهايل مدينة حلب‪« :‬يف ّ‬ ‫األقل‪ ،‬ليس‬ ‫بنات متز ّو ٌ‬ ‫جات‬ ‫موجوداً»‪ .‬وتضيف زوجته‪« :‬لدينا خمسة أبنا ٍء وثالث ٍ‬ ‫وشاب يعمل يف الخارج‪ ،‬واألخري فقدناه أثناء هجرته‬ ‫يف دولٍ مختلفة‪،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫إىل أوربا‪ .‬بعد مرور ّ‬ ‫كل هذه السنني عدت ألعيش وحيد ًة مع زوجي»‪.‬‬ ‫وعن مظاهر العيد تقول‪« :‬أيام العيد من أقىس أيام حيايت‪ ،‬فلن أمتكن‬ ‫من رؤية أح ٍد من أبنايئ أو أحفادي‪ .‬ليس هناك من يأكل كعك العيد‬ ‫الذي أصنعه»‪.‬‬ ‫األكرث مرار ًة هو ما تعانيه مئات اآلالف من أمهات الشهداء واملعتقلني‬ ‫واملفقودين‪ .‬تقول أم هادي‪ٌ :‬‬ ‫«سنة ونصف م ّرت عىل اعتقال ابني‪ ،‬ومل‬ ‫أسمع عنه أيّ خرب‪ .‬تقتلني أفكاري وتساؤاليت ّ‬ ‫حي أم‬ ‫كل يوم‪ :‬هل هو ٌّ‬ ‫ميت‪ ،‬هل يصوم أو يعرف أن رمضان قد جاء؟! ال أستطيع الخروج من‬ ‫دوامة القلق الدائم‪ ،‬وهذا يفقدين القدرة عىل التفكري أو االحتفال مع‬ ‫عائلتي بقدوم العيد»‪.‬‬ ‫متيض حرب الكبار ويستم ّر األطفال السوريون بدفع الرضيبة تلو‬ ‫األخرى‪ّ ،‬‬ ‫ولعل فرحة العيد ليست آخر هذه الرضائب‪ .‬سلمى واحد ٌة‬ ‫من األطفال السوريني الذين لن يحظوا بثياب العيد يف هذا العام أيضاً‪،‬‬ ‫وستكتفي بقبالت أمها ومزي ٍد من الل ِعب‪ .‬فعىل سلمى أن تدرك‪ ،‬يف‬

‫‪16‬‬

‫سنٍّ مبكر ٍة‪ ،‬أن والديها ال ميلكان املال لرشاء الثياب‪ .‬تقول أم سلمى‪ ،‬وهي‬ ‫من أهايل ريف حلب‪« :‬يعرف أطفايل أنهم لن يحصلوا عىل ثياب العيد‪.‬‬ ‫وهم مل يطالبوا بها حتى‪ .‬إذ إنهم ليسوا الوحيدين‪ ،‬فمعظم أصدقائهم ال‬ ‫ينتظرون ثياب العيد‪ .‬يصعب عىل األهل أال يتمكنوا من إفراح أطفالهم‬ ‫يف العيد‪ ،‬لذا ق ّررت أن أخيط لهم ثياباً جديد ًة يدوياً كمفاجأ ٍة مع قدوم‬ ‫العيد»‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫حرمان وحاجة‬ ‫رمضان الفقراء‬ ‫يحرم الفقر آالف العائالت السورية من الحصول عىل متطلبات الحياة‬ ‫األساسية‪ ،‬كالطعام واللباس والسكن الكريم ومصادر الطاقة‪ .‬وفيام ترتفع‬ ‫أسعار املنتجات الغذائية واأللبسة مع حلول شهر رمضان‪ ،‬تزداد صعوبة‬ ‫تأمني متطلبات الطعام لشهر الصيام‪ ،‬ولباس العيد‪ .‬كام أن قل ًة قليل ًة جداً‬ ‫من أهايل مدينة حلب تستطيع أن تو ّفر مزيداً من ساعات الراحة من‬ ‫العمل خالل شهر الصيام‪ ،‬ووسائل الرفاهية األخرى‪.‬‬ ‫ُتق ّدر أعداد الفقراء يف املناطق الواقعة تحت سيطرة النظام بحوايل‬ ‫املسجلني يف الجمعيات األهلية‪ .‬وبالتايل فنصف‬ ‫النصف‪ ،‬تبعاً إلحصائيات‬ ‫ّ‬ ‫سكان املدينة يحتاجون إىل تلقي املساعدة ليستطيعوا تأمني متطلبات‬ ‫الحياة الرئيسية ال أكرث‪.‬‬ ‫يقول ألكسندر‪ ،‬أحد املتط ّوعني يف الجمعيات الخريية‪« :‬استناداً إىل مقاييس‬ ‫تم جمعها خالل الستة أشهر املاضية‪،‬‬ ‫األمم املتحدة‪ ،‬وإىل البيانات التي ّ‬ ‫فإن أكرث من نصف سكان املدينة ال يستطيعون تأمني كفايتهم من الطعام‬ ‫واملاء ومصادر الطاقة وتكاليف التعليم»‪.‬‬


‫إضــاءات‬ ‫أما عن املناطق الواقعة تحت سيطرة املعارضة‬ ‫فيضيف ألكسندر‪« :‬نعتقد أن الوضع أسوأ‬ ‫الرشقي من حلب‪ ،‬لكن ال وجود‬ ‫يف القسم‬ ‫ّ‬ ‫إلحصائيات دقيقة»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫و ُيق ّدر أفراد الطبقة الغنية يف حلب بأقل من‬ ‫‪ %5‬من السكان‪ ،‬بسبب هجرة معظم أصحاب‬ ‫رؤوس األموال من املدينة‪ .‬لكن‪ ،‬ومن وجهة‬ ‫قيص الذي ينحدر من عائل ٍة ميسورة الحال‪:‬‬ ‫نظر ّ‬ ‫«يف الحرب‪ ،‬ال يفعل املال ّ‬ ‫صحيح أين‬ ‫كل يشء‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ال أزال أتناول إفطاراً شهياً يف رمضان‪ ،‬لكني مل‬ ‫أحصل عليه خالل أيام الحصار‪ .‬كام أين أعيش‪،‬‬ ‫كغريي‪ ،‬خوف االعتقال أو اإلصابة أو الفقدان‬ ‫أو املوت‪ .‬فال ميكن للامل أن يشرتي يل األمان»‪.‬‬ ‫من جه ٍة أخرى تقول أم رامي‪ ،‬وهي ر ّبة منزل‪:‬‬ ‫«ع ّ‬ ‫يل تحضري وجبة إفطا ٍر ال تتجاوز كلفتها‬ ‫ألف لري ٍة يف اليوم‪ .‬راتب زوجي ‪ 20‬ألفاً‪ ،‬لذا‬ ‫فنحن نرصف من مدّخراتنا لتحضري اإلفطار‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫خالية من اللحوم‪،‬‬ ‫جميع وجبات إفطارنا‬ ‫ٌ‬ ‫ومليئة بدعوات‬ ‫وأحياناً من اللنب والسلطات‪،‬‬ ‫الفرج القريب»‪ .‬وعن تحضريات العيد تقول‬ ‫ٌ‬ ‫نازحة يف املدينة‬ ‫أم عيل بسخري ٍة مريرة‪ ،‬وهي‬ ‫الجامعية يف حلب‪« :‬ف ّكرنا بتزيني غرفتنا إال‬ ‫أشخاص يف‬ ‫أنها مل تتسع للزينة‪ .‬نعيش ستة‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫غرف ٍة واحدة‪ .‬علينا أن نجد متّسعا للنوم قبل‬ ‫أن نفكر برشاء لوازم العيد»‪.‬‬

‫سجلت أسواق مدينة حلب ارتفاعاً‬ ‫وقد ّ‬ ‫ملحوظاً يف أسعار املواد الغذائية خالل الشهر‬ ‫الكريم‪ .‬والسبب‪ ،‬وفقاً للعم عطا‪ ،‬وهو أحد‬ ‫ّ‬ ‫املحال التجارية‪ ،‬أن «عدداً معيناً من‬ ‫أصحاب‬ ‫التجار يحتكرون إدخال جميع املواد الغذائية‬ ‫إىل حلب‪ ،‬ويقومون بالتحكم املطلق بأسعار‬ ‫ٌ‬ ‫نفوذ كب ٌري‬ ‫توزيعها للباعة‪ .‬ولهؤالء التجار‬ ‫ٌ‬ ‫وتعاون مع السلطات األمنية‪ ،‬لذا ال يجرؤ أحدٌ‬ ‫عىل منافستهم»‪ .‬يشمل ارتفاع األسعار املوا ّد‬ ‫األكرث طلباً يف شهر رمضان‪ ،‬كالتمور والزيوت‬ ‫واملعلبات واملربيات والحلوى‪ .‬ويضيف العم‬ ‫عطا‪« :‬تصل معظم هذه املنتجات إىل الباعة‬ ‫بأضعاف أسعارها السابقة‪ ،‬فيقوم البائع أيضاً‬ ‫مبضاعفة سعرها‪ ،‬وهو يشعر أن من ح ّقه أيضاً‬ ‫أرباح مضاعف ٍة كغريه‪ .‬وهو ما‬ ‫الحصول عىل ٍ‬ ‫يزيد األمر تعقيداً»‪ .‬فيام استق ّرت أسعار موا ّد‬ ‫كاألرز واملعكرونة والحبوب‪ .‬والسبب‪ ،‬وفقاً‬ ‫للعم عطا أيضاً‪« :‬التوافر الكبري ملوا ّد املساعدات‬ ‫الغذائية‪ ،‬املق ّدمة من األمم املتحدة‪ ،‬للبيع‬ ‫ضمن األسواق بأسعا ٍر مقبولة‪ .‬إذ يقدم العديد‬ ‫املخصصة‬ ‫من الحاصلني عىل هذه املساعدات‪ّ ،‬‬ ‫ألفراد الطبقة الفقرية‪ ،‬عىل بيعها يف األسواق‬ ‫واملتاجرة بها»‪.‬‬ ‫بيع فردية‪.‬‬ ‫وال يقترص املوضوع عىل حاالت ٍ‬ ‫فربأي العم عطا أن هذه املساعدات «لو‬ ‫وقعت يف أيدي محتاجيها ملا وجدناها تباع‬

‫يف األسواق‪ .‬فال ميكن ّ‬ ‫لكل هذه الكميات‬ ‫بيع‬ ‫املعروضة للبيع أن تكون نتاج حاالت ٍ‬ ‫بيع بالجملة‪ ،‬ما‬ ‫فردية ملستلميها‪ .‬هناك حاالت ٍ‬ ‫ّ‬ ‫كميات كبري ًة مل تقع يف أي ٍد أمينة»‪.‬‬ ‫يدل عىل أن‬ ‫ٍ‬ ‫ويختم العم عطا حديثه بالقول‪« :‬هناك ٌ‬ ‫إقبال‬ ‫شديدٌ عىل رشاء املواد الغذائية بالرغم من ّ‬ ‫كل‬ ‫يشء‪ .‬انتعاش البيع والرشاء بدأ قبل رمضان‬ ‫بأسابيع‪ ،‬فقد قامت العديد من العائالت برشاء‬ ‫تحسباً لهذا الغالء»‪.‬‬ ‫املواد الغذائية ّ‬ ‫ال تستطيع ربات البيوت تجهيز وتخزين أيٍّ‬ ‫من أنواع الطعام مسبقاً‪ ،‬فعدد الساعات التي‬ ‫تتوافر فيها الكهرباء ال يكفي مطلقاً لتشغيل‬ ‫ال ّربادات وتخزين الطعام‪ .‬ويقترص مخزون‬ ‫املنزل يف حلب عىل املواد الغذائية املجففة‪.‬‬ ‫تقول أم رامي‪« :‬نقوم برشاء ّ‬ ‫كل مك ّونات‬ ‫الطعام وتحضريها يف ذات اليوم‪ .‬ال ميكنني‬ ‫ليوم واحد»‪.‬‬ ‫حفظ الطعام يف الثالجة حتى ٍ‬ ‫ويف ّ‬ ‫ظل هذا الوضع ليس لدى معظم الفقراء‬ ‫حصتهم من‬ ‫من أملٍ سوى انتظار الحصول عىل ّ‬ ‫املعونة الغذائية التي تقدّمها األمم املتحدة‪،‬‬ ‫ويتم توزيعها عن طريق بعض الجمعيات‬ ‫ّ‬ ‫األهلية‪ ،‬كجمعية اإلحسان والهالل األحمر‬ ‫واألمانة السورية للتنمية‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫إيقاع العدسة‬

‫أكرم أوسو‪ -‬الدرباسية‬ ‫عارف كريز ‪ -‬بستان القرص ‪ -‬حلب‬

‫‪18‬‬


‫إيقاع العدسة‬ ‫رودي سعيد ‪-‬مخيم جيالن بينار‬

‫جابر جندو‪ -‬عامودا‬

‫‪19‬‬


‫فصول من التيه السوري‬ ‫السوريين في مهب مناهضة لجوئهم لتركيا‬ ‫رضوان بيزار‬

‫ٌ‬ ‫وغرق في البحر‬ ‫فصول من التيه السوري‪ :‬طرٌد من البر‬ ‫فادي‪.‬أ‪ .‬سعد‬

‫‪20‬‬


‫السوريون في مهب مناهضة لجوئهم إلى تركيا‬ ‫رضوان بيزار‬ ‫ش��هدت عدة مدن تركية يف اآلونة األخرية عدة مظاهرات مناهضة لوجود الالجئني السوريني يف‬ ‫تلك امل��دن‪ ،‬االحتجاجات تلك انطلقت رشاراتها األوىل من مدينة غازي عنتاب بدعوة من عدد‬ ‫من الشبان األتراك عرب مواقع التواصل االجتامعي إىل التظاهر عىل خلفية اعتداء أحد السوريني‬ ‫عىل طفل تريك يف ‪ 29‬حزيران املايض‪ ،‬ثم انطلقت بعدها مظاهرة يف والية مرعش‪ ،‬فتالها أخرى‬ ‫يف عنتاب أفش��لها وايل غازي عنتاب بعدم منحه الرتخيص يف ‪ 20‬متوز املنرصم‪ ،‬يف حني ش��هدت‬ ‫مدين��ة (قزل تبه) الحدودي��ة ذات الغالبية الكردية آخرها يوم��ي الخميس والجمعة املاضيني‪.‬‬ ‫املظاهرات تلك التي هاجم فيه املتظاهرون الالجئني السوريني واعتدوا عىل ممتلكاتهم وحطموا‬ ‫املحال التجارية والسيارات التي تحمل أرقاماً سورية‪.‬‬ ‫عاش الس��وريون املقميون يف تركي��ا خالل هذه الفرتة حالة من القل��ق والخوف عىل مصريهم‬ ‫ومصري أبنائهم‪ ،‬حيث باتوا مهددين بالطرد من سكنهم واالعتداء عليهم يف األماكن العامة مام‬ ‫دفع بالكثريين اىل مراجعة حس��ابتهم يف مسالة االستقرار يف تركيا ومحاولة البحث عن خيارات‬ ‫أخرى يف حال تأزم األمور أكرث مام عليه‪.‬‬ ‫كانت تعترب تركيا إحدى أفضل الدول من حيث معاملتها لالجينئ السوريني إذا ما متت مقارنتها‬ ‫مبرص أو لبنان أو األردن‪ ،‬كام أنها تس��تضيف مليون الجئ س��وري تقريب��اً وفقاً لترصيح رئيس‬ ‫الوزراء الرتيك رجب طيب أردوغان يف كلمته األسبوعية أمام الربملان الرتيك‪ ،‬وهي تعترب األكرب من‬ ‫حيث الكتلة العددية لالجئني يف دول الجوار التي استقبلت السوريني منذ اندالع األزمة يف سوريا‪.‬‬ ‫اس��تقر أغلبية الالجئني يف حوايل ‪ 20‬مخي ًام أنشئت يف مناطق قريبة من الحدود يف جنوب تركيا‬ ‫وجنوب رشقها ويف املدن واملحافظات الحدودية الرتكية باإلضافة إىل استنبول‪.‬‬ ‫ما أسباب االحتقان واملظاهرات ضد السوريني؟‬ ‫عزا املراقبون السبب الرئييس الذي يكمن خلف املظاهرات املناهضة للسوريني إىل “التجاذبات‬ ‫السياسية الرتكية‪ ،‬مع اقرتاب االنتخابات الرئاسية ومحاولة معاريض زعيم حزب العدالة والتنمية‬

‫مظاهرة ضد السوريني في مدينة مرعش‬

‫الحاك��م يف تركيا رجب طي��ب أردوغان إثارة‬ ‫الفتنة”‪ .‬مصطفى باقر سكرتري اتحاد الشباب‬ ‫ال�تريك يف ترصيح لـ “مجلة الص��ور” أكد بأن‬ ‫“س��بب االحتقان املوجود يف الش��ارع الرتيك‬ ‫تج��اه الس��وريني ه��و االنتخابات الرئاس��ية‬ ‫املقبلة”‪ ،‬مته ًام بذلك أحزاب املعارضة الرتكية‬ ‫واملخابرات الس��ورية بـ «إثارة الفتنة»‪ ،‬قائ ًال‪:‬‬ ‫«إن املخاب��رات الس��ورية زرع��ت يف امل��دن‬ ‫الرتكية أش��خاصاً مهمتهم إثارة املشاكل لخلق‬ ‫البلبلة وإثارة الفتنة بني السوريني واألتراك”‪.‬‬ ‫أما املخ��رج الس��وري دحام الس��طام رئيس‬ ‫مجلس إدارة منتدى الخاب��ور املدين يف أورفا‬ ‫ع��زا يف لقائه بـ “الصور” س��بب االحتقان إىل‬ ‫عدة نق��اط‪“ :‬الضغط النف�سي الذي يتعرض‬ ‫له الس��وريون‪ ،‬وذلك نتيج��ة لظروف الهجرة‬ ‫والن��زوح والخس��ائر الكبرية الت��ي تعرض لها‬ ‫ج��راء الح��رب الدائ��رة يف الب�لاد‪ .‬والحاجة‬ ‫االقتصادية الكبرية وظروف املعيشية القاسية‬ ‫وغي��اب املنظ�مات الدولية واملحلي��ة إلغاثة‬ ‫بالشكل الصحيح”‪ .‬كذلك أضاف السطام أساباً‬ ‫أخ��رى منها‪“ :‬ك�ثرة االحتقان بني الس��وريني‬ ‫أنفس��هم نتيجة رصاع القي��ادات يف املعارضة‬ ‫الس��ورية عىل مناصب وتهميش��ها ونسيانها‬ ‫له��ؤالء الذي��ن يبحثون ع��ن إمكانية العيش‬

‫‪21‬‬


‫فقط بعيداً عن هذه الخالفات بني السوريني‪،‬‬ ‫كرثة املتس��ولني من السوريني يف شوارع املدن‬ ‫الرتكي��ة وحدائقها وس��احاتها وحاالت الترشد‬ ‫وبعض الحاالت الال أخالقية‪ ،‬كام أن مش��كلة‬ ‫اللغة والرتجمة السيئة بني السوريني واألتراك‬ ‫يف التواصل‪ ،‬وعدم معرفة الس��وريني بعادات‬ ‫وتقاليد وقانون ال�تريك‪ .‬ترضر الطبقة الفقرية‬ ‫واملتوسطة الرتكية من خالل أعامل السوريني‬ ‫وارتف��اع أجارات البيوت وغريها‪ .‬باإلضافة إىل‬ ‫التجاذبات السياس��ية يف تركيا والتالعب عىل‬ ‫ورقة السوريني‪ ،‬وهذا الجانب مهم ويجب أن‬ ‫نعي��ه جيداً”‪ .‬بينام ذهب محمد صبحي وهو‬ ‫مدير مركز ميرثا االجتامعي الس��وري يف لقائه‬ ‫مع “الص��ور” إن االحتقان املحتمل والحاصل‬ ‫ال��ذي ظهر بع��ض االندفاعات ل��ه يف املدن‬ ‫الرتكية الت��ي يقطنها الس��وريون (الضيوف)‬ ‫كام يحب أن يس��ميهم األخوة األتراك‪ ،‬تعود‬ ‫أسبابه املبارشة إىل طول فرتة الضيافة‪ ،‬فممن‬ ‫الطبيعي أن تظهر هذه املشكالت وتطفو عىل‬ ‫س��طح العالقة وهي حاالت فردية قد تتوسع‬ ‫ب�ين جامعات يغذيه��ا الفع��ل وردود الفعل‬ ‫بني األتراك والس��وريني ك�ما كان يف عنتاب”‪.‬‬

‫س��بب االحتقان يعود إىل الضغط‬ ‫النفيس الذي يتعرض له السوريني‬ ‫نتيجة لظ��روف الهج��رة والنزوح‬ ‫وإىل التجاذبات السياس��ية يف تركيا‬ ‫والتالع��ب ع�لى ورقة الس��وريني‬ ‫ووعدم معرفة الس��وريني بعادات‬ ‫وتقاليد وقانون الرتيك‬ ‫الصبحي أضاف تعليقاً عىل ما جاء يف ترصيح‬ ‫مصطفى باقر والس��طام بأن “بعض املحللني‬ ‫يذهبون إىل ربط هذه املش��كلة بأسباب غري‬ ‫مبارشة تعود إىل اس��تثامرها من قبل أوساط‬

‫‪22‬‬

‫املعارض��ة الرتكية ومن ثم البناء عليها إلحراج‬ ‫الحكومة الرتكية سياسياً أمام الرأي العام”‪.‬‬ ‫إجراءات قبل انفجار الوضع‬ ‫وتخفيف��اً لتل��ك االحتقان��ات عمل نش��طاء‬ ‫الس��وريني وع��دد م��ن املنظ�مات املدني��ة‬ ‫والحكومي��ة عدة نش��اطات من ش��أنها إزالة‬ ‫التوتر الحاصل‪ ،‬فأطلقوا حملة “ش��كراً تركيا”‬ ‫يف شهر رمضان شملت عدداً من املدن الرتكية‬ ‫شاركت فيها الحكومة املؤقتة التابعة لالئتالف‬ ‫الوطن��ي لقوى الث��ورة واملعارضة الس��ورية‬ ‫ورابط��ة الدف��اع ع��ن الالجئ�ين الس��ورين‪،‬‬ ‫باإلضافة إىل عدة مؤسس��ات مدنية وشبابية‬ ‫س��ورية وتركية‪ .‬ففي مدينة أورفا ش��ارك يف‬ ‫الحمل��ة بيت الرقة لكل الس��وريني‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إىل قي��ام منتدى الخابور بعق��د عدة لقاءات‬

‫م��ع منظ�مات الرتكية منه��ا املرك��ز الثقايف‬ ‫واالجتامع��ي ال�تريك يف والية أورف��ا وتجمع‬ ‫الشباب الرتيك‪ ،‬باإلضافة إىل عقد لقاء تشاوري‬ ‫مع املنظامت املدنية السورية للعمل املشرتك‬ ‫يف تخفيف االحتقان وحس��ب الس��طام “إن‬ ‫منتدى الخابور املدين ومركز ميرثا االجتامعي‬ ‫ومنتدى تل أبيض للمجتمع املدين وبيت الرقة‬ ‫اتفقوا ع�لى العمل عدة نش��اطات لتخفيف‬ ‫االحتقان”‪ .‬السطام أضاف هنا‪“ :‬علينا جميعا‬ ‫أن نعم��ل لتخفيف وإزالة ه��ذه االحتقانات‬ ‫وذل��ك من خالل ن�شرات ن��دوات التوعوية‬ ‫بني الس��وريني‪ ،‬الحمالت التي يجب أن نقوم‬ ‫بها ب�ين أوس��اط األت��راك وإيصال الرس��الة‬ ‫بالش��كل اإليجايب بأن السوريني هم ضيوفكم‬ ‫وإخوتكم وهم ش��عب منك��وب وبأي لحظة‬ ‫تتوق��ف بها الحرب س��يعودون إىل بالدهم”‪.‬‬ ‫كذلك ذهب محمد صبحي إىل أن الحل يكمن‬ ‫يف “تطويق هذه املش��كلة بتوعية السوريني‬ ‫عرب الندوات والنش��اطات التي تسلط الضوء‬ ‫عىل املشكلة يف مسألة عدم املخالفة القوانني‬ ‫وش��ؤون الحياة العامة‪ ،‬فإن وعي الس��وريني‬ ‫لواجباتهم وحقوقهم كضيوف ميكن أن ينزع‬


‫أسباب االحتقان”‪ ،‬منوهاً إىل أن هذا الدور يجب تنظيمه عرب منظامت‬ ‫املجتمع املدين وأن يلعب االئت�لاف والحكومة املؤقتة دوراً هاماً عىل‬ ‫املس��توى الرس��مي بالتواصل مع الحكومة الرتكية وتحديد سياس��ات‬ ‫قادرة عىل هضم هذه املش��كلة وتبديدها مبحاس��بة األفراد املس��يئني‬ ‫من الطرفني”‪.‬‬ ‫يقول محمد أنور املجني مستش��ار وزير العدل يف الحكومة الس��ورية‬ ‫املؤقت��ة التابعة لالئت�لاف الوطني لقوى الثورة واملعارضة الس��ورية‪:‬‬ ‫“ال نس��تطيع أن نغف��ل دور الس��لطات الرتكية يف اس��تضافة الالجينئ‬ ‫السوريني وتقديم الكثري من التسهيالت لهم ونحن يف حالة نقاش دائم‬ ‫مع الحكومة الرتكية من أجل تس��هيل أمور السوريني يف كافة النواحي‬ ‫وه��ي متجاوبة معنا لكن لديهم هنا يف تركيا بعض الخالفات الداخلية‬ ‫وأحياناً يكون امللف الس��وري ضاغطاً بالنسبة لهم‪ ،‬ونحن يف استضافة‬ ‫الدول��ة الرتكية واذا ما قام أحد املواطنني الس��وريني بانتهاك وقع عليه‬ ‫لوزارة العدل يف الحكومة الس��ورية املوقتة فإننا نعدهم بأننا س��وف‬ ‫نناقشها مع الجانب الرتيك”‪.‬‬ ‫شهادات السوريني حول االحتجاجات عىل وجودهم يف تركيا‬ ‫أحمد حس�ين ش��اب س��وري يقيم يف مدينة كليس الرتكي��ة تحدث لـ‬ ‫“الصور” قبل أش��هر كنت أقيم يف مدينة تركية أخرى (نصيبني)‪ ،‬هناك‬ ‫كان عميل يقتيض أن اختلط وأتعامل مع الشعب الرتيك‪ ،‬إذ كنت أعمل‬

‫يف ورش��ة صيانة األدوات املنزلية الكهربائية‪ ،‬مل أتعرض إىل أي غنب من‬ ‫رب العم��ل ال��ذي كان عادالً معي بل كان مس��اعداً ومقدراً لجهودي‪.‬‬ ‫حس�ين يضيف “الذي��ن كنا نتعام��ل معهم يف املدينة كان��وا مختلفني‬ ‫يف نظرته��م إلين��ا نح��ن الس��وريني‪ ،‬البع��ض كان يب��دي تعاطفه مع‬ ‫آل��ت إليه أوض��اع الس��وريني عموم��اً‪ ،‬والبعض ب��م يك��ن يرتاح إىل‬ ‫وجود الس��وريني يف املدينة‪ ،‬متحدثني عن اس��تحواذ الس��وريني لفرص‬ ‫العم��ل القليلة أص� ً‬ ‫لا يف مدينته��م الحدودية ذات الطاب��ع الريفي”‪.‬‬

‫نحن الس��وريني هربنا من بالدنا تحت وطأة‬ ‫الن��ار او التهديد بالقتل إال اننا مل نرتك عقلتنا‬ ‫وثقافتنا يف بالدنا تل��ك قد تتعارض مع ثقافة‬ ‫املستضيف الرتيك‬ ‫إسامعيل جمعة أحد الس��وريني القادمني من ريف حلب يقيم اآلن يف‬ ‫مدين��ة غازي عنتاب‪ ،‬تح��دث لـ “الصور” عن ليلة حدوث اش��تباكات‬ ‫يف املدين��ة بني األتراك والس��وريني‪ ،‬موضح��اً‪“ :‬بعد مرع��ش اندلعت‬ ‫االش��تباكات يف ح َينا بعنتاب‪ ،‬بداية كان الهتاف املضاد للسوريني‪ ،‬رغم‬ ‫إننا مل نكن نفهم كل ما نس��مع‪ ،‬إال إنن��ا فرسنا بعض الجمل‪ ،‬األصوات‬ ‫تح��ول من هتاف إىل أصوات تكس�ير لبعض لوح��ات املحالت وزجاج‬ ‫عدد من الس��يارات‪“ .‬رغم تدخل البوليس ال�تريك وإطالق الرصاص يف‬ ‫الهواء مل يرتاجع الش��باب الرتيك‪ ،‬اقتحموا عدة محالت للسوريني‪ ،‬كرسوا‬ ‫الواجهات الزجاجية ملحاالت أيضاً يعود اس��تثامرها للسوريني” يضيف‬ ‫جمعة‪.‬‬ ‫أحم��د حس�ين واف��ق جمعة في�ما ذه��ب إلي��ه يف خش��يته “نحن‬ ‫الس��وريون هربن��ا م��ن بالدن��ا تح��ت وط��أة الن��ار أو التهدي��د‬ ‫بالقت��ل‪ ،‬إال أنن��ا مل ن�ترك عقليتن��ا وثقافتن��ا وعادتن��ا يف بالدن��ا‪ ،‬تلك‬ ‫الت��ي قد تتع��ارض م��ع ثقافة املس��تضيف ال�تريك‪ ،‬لذل��ك أخىش أن‬ ‫نك��ون ضحي��ة أنفس��نا إذا مل نتعل��م ونراع��ي عادت املس��تضيف”‪.‬‬ ‫الكثري من الس��وريني يتحدثون بأن همهم األمان والعيش الكريم بعيداً‬ ‫عن تجاذبات السياسيني سواء األتراك أو السوريني‪ ،‬مؤكدين‪“ :‬نحن برش‬ ‫لنا حق العيش بعيداً عن املواالة واملعارضة”‪ ،‬كام تحدث مصطفى عمر‬ ‫أحد الس��وريني النازحني من حلب لـ “ص��ور”‪ ،‬ومضيفاً “امليسء يجب‬ ‫أن يحاس��ب ممن كان‪ ،‬ال أن ُنحمل أخطاء اآلخرين فنرضب أو يتعدى‬ ‫عىل أرزاقنا”‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫ٌ‬ ‫وغرق في البحر‬ ‫فصول من التيه السوري‪ :‬طرٌد من البر‬ ‫فادي‪.‬أ‪ .‬سعد‬ ‫مل تقترص مأساة السوريني عىل الحرب املريعة التي تدور رحاها يف‬ ‫بالدهم‪ ،‬منذ ما يقرب السنوات األربع‪ ،‬فام يجري يف سورية هو الجزء‬ ‫املعروف من معاناتهم فحسب‪ ،‬وإن كان هو الجزء األعنف واألفدح‬ ‫يف نتائجه‪ ,‬لكن معاناة السوريني ال تتوقف بعد هروبهم من الحرب‬ ‫واالقتتال األهيل داخل بالدهم‪ ،‬إمنا تستمر يف كل أرض يصلونها‪ ،‬ويف أي‬ ‫مكان يح ّلون فيه‪ ،‬أو يعزمون عىل اإلقامة بني أهله‪.‬‬ ‫يأيت لبنان يف درجة متقدمة من قامئة اضطهاد السوريني السوداء‪ ،‬حيث‬ ‫يتم اعتقال سوريني من قبل أجهزة مخابرات حزب الله‪ ،‬التي أجربت‬ ‫سابقاً مئات من السوريني عىل املشاركة يف االنتخابات الرئاسية املزيفة‬ ‫التي جرت مؤخراً يف السفارة السورية يف بريوت‪.‬‬ ‫إضافة لهذا رفضت السلطات اللبنانية إقامة مخيامت للسوريني‪،‬‬ ‫وظهرت العديد من التعبريات واألقاويل العنرصية بحق السوريني‪،‬‬ ‫رصح به أحد مسؤويل‬ ‫وكان أخطر ما يف هذه الجائحة العنرصية‪ ،‬ما ّ‬ ‫تيار الثامن من آذار عن كون السوريني يشكلون خطراً وجودياً عىل‬ ‫لبنان‪ ،‬ودعوته لطردهم من البالد وإعادتهم إىل سوريا‪ ،‬ألسباب إضافية‬ ‫منها االزمة االقتصادية التي مير بها لبنان!‬ ‫كام أن محاوالت عدة لطرد السوريني متت يف قرى وبلدات جنوب‬ ‫لبنان‪ ،‬إثر مقتل عنارص من حزب الله يف سورية‪.‬‬ ‫ويف األردن التي ل ّوح ملكها بطرد السوريني ‪ -‬يوم كانوا ‪ 600‬ألف الجئ‬ ‫ يف حال مل يصله الدعم‪ ،‬شهد مخيم الزعرتي عدداً من االشتباكات‬‫بني عنارص الرشطة األردنية والجئني سوريني‪ ،‬راح ضحيتها عدد من‬ ‫الالجئني الذين تظاهروا داخل املخيم احتجاجاً عىل سوء األوضاع‬ ‫املعاشية واإلنسانية فيه‪.‬‬ ‫ويف الشهر املايض أطلقت مجموعة من املواطنني مبحافظة أربد‪,‬‬

‫‪24‬‬

‫هتافات منددة بسلوك الالجئني السوريني يف األردن باستخدام مكربات‬ ‫الصوت‪ ,‬وطالبوا بطرد الالجئني السوريني من اململكة‪ .‬واشتىك البعض يف‬ ‫إربد مام يقولون أنه سلوك الالجئني السوريني‪ ,‬وارتفاع معدل الجرمية‬ ‫بينهم‪ ,‬إضافة إىل انتشار ظاهرة «القامر» يف أوساطهم‪ .‬وكان نائب أردين‬ ‫قد دعا الحكومة لـإلبقاء عىل الالجئني داخل املخيامت‪ ،‬وعدم السامح‬ ‫لهم باالنخراط يف املجتمع األردين‪.‬‬ ‫ومن املعروف أن األردن مثل معظم البالد العربية يعاين عجزاً مالياً‬ ‫بلغ ‪ 26‬مليار دوالر‪ ،‬ويشكو األردنيون من ‪ 160‬ألف عامل سوري بأجر‬ ‫متدنٍ ‪ ،‬دخلوا سوق العمل يف البالد‪.‬‬ ‫ويف الجزائر برزت أزمة الالجئني السوريني بداية هذا العام عىل الحدود‬ ‫الجزائرية املغربية‪ ،‬بعدما قامت السلطات الجزائرية بطرد عدد منهم‬ ‫وترحيلهم نحو املغرب‪ ،‬وبحسب مصادر جزائرية وسورية فإن أزمة‬ ‫الالجئني السوريني بدأت مع وصول الدفعات األوىل من الالجئني‪ ،‬حيث‬ ‫متت معاملتهم من قبل األجهزة األمنية الجزائرية بشكل يسء وال إنساين‪،‬‬ ‫و ُترك العديد منهم عرضة للمبيت بالعراء‪ ،‬والترشد يف ساحات الجزائر‬ ‫وشوارعها دون أي دعم أو مساندة‪.‬‬ ‫ويف اإلمارات قامت السلطات أوائل سنة ‪ 2012‬بإلغاء تصاريح إقامة‬ ‫عرشات السوريني ممن شاركوا يف احتجاجات سلمية يف ديب ضد نظام‬ ‫بشار األسد‪ .‬وقام مسؤولون أمنيون إماراتيون باستدعاء مئات املواطنني‬ ‫السوريني الستجوابهم بعد االشتباه يف مشاركتهم يف مظاهرة غري مرخص‬ ‫لها‪ .‬وعىل إثر ذلك قامت الحكومة اإلماراتية بسحب تصاريح إقامة ما‬ ‫يقارب الخمسني سورياً‪ ،‬اتهمت العديد منهم باالنتامء لجامعة اإلخوان‬ ‫املسلمني‪ ،‬أو تلقيهم تعليامت من مرشد اإلخوان‪.‬‬ ‫ويف العراق دعا محافظ األنبار أوائل حزيران من العام الفائت لطرد‬ ‫الالجئني السوريني‪ ،‬لكن ناشطني عراقيني قالوا إن السوريني مل يطردوا‬


‫وإمنا أعيدوا إىل املخيامت‪ ،‬ألن اغلب من خرج منها إىل املدينة هم من‬ ‫املتسولني الذين عكسوا صورة سيئة عن السوريني املوجودين يف األرايض‬ ‫العراقية‪.‬‬ ‫أما يف مرص‪ ،‬فعىل الرغم من أن الحكومة املرصية استقبلت سنة ‪2012‬‬ ‫السوريني املبعدين من اإلمارات‪ .‬إال أن وسائل اإلعالم املرصية أخذت‬ ‫يف أواخر أيام مريس بتهييج املرصيني ضد إخوانهم السوريني‪ ،‬ور ّوجت‬ ‫أجهزة األمن مع الشهور األوىل لسقوط مريس شائعات ضد السوريني‪،‬‬ ‫تزعم قيامهم بإطالق النار عىل املظاهرات الشعبية الداعية إىل تنحي‬ ‫الرئيس مريس‪ ،‬ومشاركتهم يف اعتصام رابعة العدوية الذي أقامه األخوان‬ ‫يف مدينة نرص بالقاهرة‪.‬‬ ‫مدينة (‪ 6‬اكتوبر) الواقعة جنوب العاصمة القاهرة‪ ،‬والتي تعترب التجمع‬ ‫األكرب للسوريني‪ ،‬شهدت حاالت اعتداءات وخطف ورسقة راح ضحيتها‬ ‫سوريون نازحون‪ ،‬وقد قامت السلطات املرصية يف حاالت عديدة برتحيل‬ ‫السوريني بالرغم من حصولهم عىل إقامة سياحية‪ ،‬وكانت الحجج التي‬ ‫قدمتها لتربير هذا اإلجراء ترتاوح بني مشاركة املرحلني يف تظاهرات‬ ‫موالية ملريس‪ ،‬أو التظاهر مع حركات ثورية كام جامعة االشرتاكيني‬ ‫الثوريني و‪ 6‬إبريل‪ ،‬فض ًال عن اتهام بعضهم باالنتامء إىل جامعة اإلخوان‬ ‫املسلمني‪.‬‬

‫النار عىل مركب يقل الجئني سوريني وفلسطينيني أثناء مروره بالقرب‬ ‫من الشواطئ الليبية‪ ،‬من أجل إغراقه عمداً‪ ،‬ما أدى ملقتل العرشات من‬ ‫الالجئني‪ ،‬نصفهم من األطفال‪.‬‬ ‫ويف املغرب تعتقل السلطات املغربية السوريني الذين يعربون الحدود‬ ‫قادمني من الجزائر يف مدينة السعدية عىل شاطئ البحر‪ ،‬وقالت ممثلة‬ ‫املفوضية العليا لالجئني يف املغرب إن خمسة عرش شخصاً من أصل‬ ‫مجموعة من واحد وعرشين شخصاً بينهم عرشة أطفال‪ ،‬تم إرسالهم‬ ‫بواسطة طائرة إىل اسطنبول‪ .‬وأكدت املفوضية العليا أنها أوقفت إحصاء‬ ‫الالجئني السوريني يف املغرب‪ ،‬بعدما أعلنت السلطات هناك قرب‬ ‫وجه سوريون موقوفون يف السجون السعودية بسبب اعتامدها نظاماً لقوننة وجود السوريني‪ ،‬ووعدها بعدم طردهم إىل حني‬ ‫ويف السعودية ّ‬ ‫خالفات مع كفالئهم أو انتهاء مدد إقامتهم‪ ،‬رسالة إىل أحمد الجربا‪ ،‬تطبيق هذا النظام‪.‬‬ ‫رئيس االئتالف السوري املعارض‪ ،‬واصفني وضعهم بأنه «مأساة حقيقية»‪،‬‬ ‫ومشريين إىل «األوضاع الحالية التي يعيشها أبناء الجالية السورية يف مل يقترص طرد السوريني أو الدعوة لطردهم عىل البلدان العربية‪ ،‬فلقد‬ ‫اململكة العربية السعودية‪ ،‬ممن صدرت بحقهم قرارت ترحيل إىل كان لبعض البلدان املحسوبة عىل أوروبا باع يف اضطهاد السوريني‪،‬‬ ‫بالدهم‪ ،‬وكأن العامل ال يعلم ما يجري يف بالدهم من تصفية»‪ .‬وبعد وصل حد رميهم يف البحر حرفياً‪ ،‬حيث قامت مجموعة ملثمة تابعة‬ ‫انقضاء موسم الحج العام الجاري‪ُ ،‬ترص الحكومة السعودية عىل طرد للجيش اليوناين باقتياد مجموعة من األرس السورية‪ ،‬كانت قد وصلت‬ ‫للتو إىل اليونان من تركيا‪ ،‬وأجربتها عىل ركوب زورق قادها إىل عرض‬ ‫‪ 400‬حاج سوري حاولوا االحتامء باململكة بعد انتهاء الحج‪.‬‬ ‫البحر‪ ،‬وهناك أرغموا الالجئني عىل إلقاء أنفسهم يف املاء بعد رضبهم‬ ‫ويف ليبيا يتعرض السوريون لحوادث القتل واالضطهاد والسيام يف وتهديدهم بالقتل‪ ،‬ما أدى إىل مقتل عدد منهم‪ ،‬بينهم امرأة وثالثة‬ ‫طرابلس العاصمة‪ ،‬ونذكر هنا بالخصوص حادثة إطالق مليشيا ليبية أطفال‪ ،‬قبل أن تنقذ البحرية الرتكية بقية الغارقني‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫اسـتقصـاء‬

‫التغريبةالحلب ّية‬

‫النازحون يعيشون في البراري‪ ..‬والمقيمون ُيدفنون تحت األنقاض‬ ‫سامي الحلبي‬ ‫ٌ‬ ‫وجهها ٌ‬ ‫حلبي يف السبعني من العمر‪ ،‬من‬ ‫هذه‬ ‫رسالة إىل العامل ّ‬ ‫رجل ٌّ‬ ‫حي الفردوس‪« :‬منشان الله‪ ،‬أوالدي تحت األنقاض من أربعة‬ ‫سكان ّ‬ ‫أيام يف منطقة الزبدية‪ .‬أناشد كافة الفصائل والكتائب املقاتلة يف‬ ‫حلب‪ ،‬أو أيّ شخص يستطيع مساعديت‪ ،‬أن يؤ ّمن يل رافعة أو ج ّرافة‬ ‫مشان ط ّلع أوالدي من تحت األنقاض‪ .‬اتقوا الله فيني‪ ،‬أوالدي الثالثة‬ ‫الوحيدون تحت األنقاض يف منطقة الزبدية!»‪.‬‬ ‫وجهها ٌ‬ ‫رجال من حلب إىل العامل منذ‬ ‫هي واحد ٌة من رسائل عديد ٍة ّ‬ ‫يلب أحدٌ النداء‪.‬‬ ‫بداية عام ‪ .2014‬وبعد مرور سبعة أشه ٍر مل ّ‬ ‫املتفجر؟‬ ‫ما هو الربميل‬ ‫ّ‬ ‫رسب من أربع‬ ‫غالباً ما ُتن َّفذ الغارات بالرباميل‬ ‫ّ‬ ‫املتفجرة عن طريق ٍ‬ ‫املوجه‬ ‫امات ترافقها طائرة سوخوي أو ميغ للقصف‬ ‫ح ّو ٍ‬ ‫الصاروخي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ارتفاع يرتاوح بني ‪ 7-5‬كم‪ ،‬وتلقي من‬ ‫والرصد‪ .‬تح ّلق الح ّوامة عىل‬ ‫ٍ‬ ‫هناك الربميل‪.‬‬ ‫يستغرق الربميل حوايل الدقيقة للوصول إىل «الهدف»‪ .‬ويف هذه األثناء‬ ‫يح ّلق قائد الح ّوامة حتى يتأكد من انفجار الربميل‪ ،‬فإذا مل ينفجر ألقى‬ ‫برمي ًال آخر يف املنطقة نفسها‪ ،‬لينفجرا معاً محدثني أرضاراً مضاعفة‪.‬‬ ‫براميل محد ٌ‬ ‫ّثة فوق رؤوس أبناء حلب‪:‬‬ ‫يتك ّون الربميل عاد ًة من حوايل ‪ 300-200‬كغ من مادة التي إن يت‪،‬‬

‫‪26‬‬

‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫نفطية لترسيع االشتعال‪ ،‬باإلضافة إىل مسامري‬ ‫مشتقات‬ ‫تضاف إليها‬ ‫ممكن يف‬ ‫و»خرد ٍة» معدني ٍة مد ّببة األطراف‪ ،‬الهدف منها إيقاع أكرب أذىً‬ ‫ٍ‬ ‫املنطقة املستهدفة‪ .‬ويضاف إىل الربميل صاعقٌ ميكاني ٌّ‬ ‫يك من أجل ضامن‬ ‫االنفجار‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يروي الناشط هالل الحلبي ملجلة «صور»‪« :‬لجأ النظام مؤخرا‪ ،‬مبساعدة‬ ‫منوذج جدي ٍد من الرباميل‪ ،‬يف أحد مراكز‬ ‫وروس‪ ،‬إىل تطوير‬ ‫خرباء إيرانيني‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫البحوث يف منطقة الساحل‪ .‬إذ أضاف إىل الربميل القديم زعانف توجي ٍه‬ ‫تجعله يسقط بشكلٍ طو ٍّيل‪ ،‬بدالً من الرباميل التي كانت تسقط بشكلٍ‬ ‫يض أو مائلٍ ‪ ،‬وإمكانية انفجارها ّ‬ ‫ع ْر ٍّ‬ ‫أقل‪ .‬وبذلك تصبح إمكانية تدمري‬ ‫الهدف مح ّققة»‪.‬‬ ‫وأضاف هالل‪« :‬زاد وزن الربميل املحدّث ليصل إىل ‪ 600‬كغ‪ ،‬األمر الذي‬ ‫ضاعف ق ّوة االنفجار الحاصل»‪.‬‬ ‫سالح من ابتكار االتحاد السوفيايت‪ ،‬استخدمه‬ ‫ُيذكر أن الرباميل‬ ‫ّ‬ ‫املتفجرة ٌ‬ ‫سالح‬ ‫للم ّرة األوىل يف الحرب العاملية الثانية ضد الق ّوات النازية‪ .‬وهو ٌ‬ ‫عشوا ٌّيئ ُيستخدم لتدمري املدن‪ ،‬وكرس الروح املعنوية لألعداء‪.‬‬ ‫أكرث من خمسمئة برميلٍ عىل حلب يف شه ٍر عاديّ ‪:‬‬ ‫«س ّجل سقوط‬ ‫سابق له‪ُ :‬‬ ‫ذكر املرصد السوريّ لحقوق اإلنسان يف تقري ٍر ٍ‬ ‫املتفجرة مدينة حلب‪،‬‬ ‫‪ 1963‬مدنياً ج ّراء قصف طريان النظام بالرباميل‬ ‫ّ‬ ‫منذ مطلع ‪ 2014‬وحتى ‪ 29‬أيار ‪.»2014‬‬


‫اسـتقصـاء‬ ‫وأضاف التقرير أن القتىل يتو ّزعون بني «‪567‬‬ ‫طف ًال دون سنّ الثامنة عرشة‪ ،‬و‪ 283‬أنثى‪،‬‬ ‫و‪ 1113‬رج ًال فوق سنّ الثامنة عرشة»‪.‬‬ ‫ويؤ ّكد التقرير أن «هذا اإلحصاء ال يشمل‬ ‫القتىل يف صفوف مقاتيل املعارضة‪ ،‬الذين غالباً‬ ‫ما تستهدفهم الغارات الجوية»‪.‬‬ ‫وقال املعهد السوريّ للعدالة‪ ،‬يف تقري ٍر مط ّول‪:‬‬ ‫متفجر ٍة و‪ 260‬صاروخاً‬ ‫«سقطت ‪ 509‬براميل ّ‬ ‫املروحي والحر ّيب عىل مدينة حلب‬ ‫من الطريان‬ ‫ّ‬ ‫وريفها‪ ،‬يف شهر حزيران الفائت»‪.‬‬ ‫كذلك أفاد املعهد‪ ،‬ومق ّره مدينة حلب‪ ،‬بأن‬ ‫عدد ضحايا القصف بلغ «‪ 354‬مدنياً‪ ،‬بينهم‬ ‫‪ 86‬طف ًال‪ ،‬و‪ 52‬امرأ ًة‪ ،‬و‪ 7‬عسكريني‪ ،‬وإعالمياً‬ ‫واحداً‪ ،‬يف الشهر نفسه»‪.‬‬ ‫صعوبات كبرية‬ ‫املنظامت الطبية تواجه‬ ‫ٍ‬ ‫منذ بداية حملة الرباميل عىل حلب‪ ،‬يف نهاية‬ ‫عام ‪ 2013‬وحتى اآلن‪ ،‬مل تتوقف الكوادر‬ ‫الطبية يف هذه املدينة عن إطالق نداءات‬ ‫االستغاثة املتواصلة‪ ،‬بسبب عجزها عن‬ ‫معالجة املصابني‪ ،‬وقلة األدوية والتجهيزات‪،‬‬ ‫وضعف منظومة اإلسعاف‪ .‬إذ ال توجد سوى‬ ‫خمسة‬ ‫خاصة‪ ،‬باإلضافة إىل نقاطٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مشاف ّ‬ ‫بغرف للعناية‬ ‫طبي ٍة ميداني ٍة غري مج ّهز ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫املر ّكزة اإلنعاش‪.‬‬ ‫حي‬ ‫يروي املم ّرض طارق أبو الفحم‪ ،‬من ّ‬ ‫بستان القرص‪ ،‬ملجلة «صور»‪« :‬يومياً نقف‬ ‫عاجزين أمام أعداد الجرحى الهائلة ج ّراء‬ ‫املتفجرة‪ .‬اإلصابات خطري ٌة‬ ‫القصف بالرباميل‬ ‫ّ‬ ‫جداً ومعقدة‪ .‬ويف غالبيتها نضط ّر آسفني إىل‬ ‫برت أحد األطراف العلوية أو السفلية‪ ،‬نتيجة‬ ‫ضعف اإلمكانيات وقلة األجهزة الطبية‬ ‫الدقيقة»‪.‬‬ ‫الخاصة يف‬ ‫ويضيف‪« :‬ال يتجاوز عدد املشايف ّ‬ ‫مشاف‪ّ ،‬‬ ‫كل‬ ‫الرشقي من حلب خمسة‬ ‫الجزء‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫واح ٍد منها مج ّه ٌز بغرف ٍة أو غرفتني للعمليات‬ ‫الدقيقة‪ .‬كيف ستستطيع هذه املشايف‬

‫تغطية ضحايا عرشات الرباميل التي تلقى فوق‬ ‫رؤوسنا؟!»‪.‬‬ ‫ويؤكد أبو الفحم أن «نقص الكوادر الطبية‬ ‫املؤهلة‪ ،‬كج ّراحي األوعية الدقيقة‪ ،‬يزيد من‬ ‫تعقيد األمور‪ .‬لذلك نضط ّر إىل تحويل أغلب‬ ‫اإلص��اب��ات الصعبة إىل املشايف الحدودية‪،‬‬ ‫وخصوصاً يف إعزاز وكلس»‪.‬‬ ‫ويختم حديثه بالقول‪« :‬كثرياً ما ُتستهدف‬ ‫املتفجرة‪ ،‬كام حصل يف مشفى‬ ‫املشايف بالرباميل‬ ‫ّ‬ ‫بحي الشعار‪ ،‬ما يؤدّي إىل خروجها‬ ‫دار الشفاء ّ‬ ‫من العمل‪ .‬األم��ر ال��ذي يضعف املنظومة‬ ‫الطبية بحلب‪ ،‬والتي تع ّد ضعيف ًة باألصل وغري‬ ‫قادر ٍة عىل سداد الحاجات»‪.‬‬ ‫اليومي‪ ..‬رجال الدفاع املد ّين‬ ‫قاهرو املوت‬ ‫ّ‬ ‫املتفجرة‪،‬‬ ‫مع اشتداد موجة القصف بالرباميل‬ ‫ّ‬ ‫برز دور رجال الدفاع املد ّين‪ ،‬وغالبيتهم من‬ ‫املتط ّوعني‪ ،‬مع بعض املنشقني عن الدفاع‬ ‫املد ّين التابع للنظام‪.‬‬ ‫تعمل ف��رق ال��دف��اع امل���د ّين وس��ط ضعف‬ ‫اإلمكانات املادية‪ ،‬وعدم وجود املعدّات الالزمة‬

‫لرفع األنقاض‪ ،‬وعدم توافر الوقود الالزم لعمل‬ ‫اآلليات‪ .‬ويشتيك العاملون من إهامل وتقصري‬ ‫الحكومة السورية املؤقتة‪ ،‬وعدم تزويدهم‬ ‫باملبالغ الالزمة واألدوات الرضورية‪.‬‬ ‫الحلبي ملجلة «صور»‪:‬‬ ‫يروي الناشط أبو خالد‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫«استشهدت ٌ‬ ‫أشخاص‬ ‫مؤلفة من أربعة‬ ‫عائلة‬ ‫ٍ‬ ‫خنقاً تحت األنقاض يف بلدة كفر حمرة‪ ،‬بعد‬ ‫أسقف انهارت‬ ‫عجزنا الكامل عن رفع ثالثة‬ ‫ٍ‬ ‫فوق رؤوسهم‪ ،‬وكذلك األمر يف عدّة مواقع‪.‬‬ ‫يومياً أموت ألف ميت ٍة عندما أرى أمامي برشاً‬ ‫يرصخون وميوتون تحت األنقاض‪ ،‬وال أستطيع‬ ‫تقديم العون لهم وإنقاذهم»‪.‬‬ ‫مناشدات‬ ‫ويؤكد أب��و خالد‪« :‬بعد ع��دّة‬ ‫ٍ‬ ‫�ات‪ ،‬ن ّفذها رجال الدفاع‬ ‫ومطالبات وإرضاب� ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫املد ّين يف حلب‪ ،‬استجابت الحكومة املؤقتة‬ ‫لبعض مطالبنا‪ .‬ولكن‪ ،‬لألسف‪ ،‬يبقى التقصري‬ ‫س ّيد املوقف‪ ،‬فكثرياً ما يتوقف (الرتكس) عن‬ ‫رفع األنقاض بسبب نقص املازوت وعدم قدرة‬ ‫الدفاع املد ّين عىل رشائه»‪.‬‬ ‫اليومي‬ ‫ويضيف‪« :‬نعمل تحت خطر املوت‬ ‫ّ‬ ‫بقصف الرباميل املتفجرة‪ .‬وراتب العامل يف‬ ‫الدفاع املد ّين ال يتجاوز الـ ‪ 150‬دوالراً‪ ،‬بينام‬ ‫ّ‬ ‫ملوظف يف الحكومة السورية‬ ‫اتب‬ ‫ٍ‬ ‫أقل ر ٍ‬ ‫املؤقتة يف تركيا ألف دوالر!»‪.‬‬ ‫أهايل حلب بني النزوح إىل مناطق النظام‬ ‫واللجوء إىل مخ ّيامت تركيا‬ ‫باتت األحياء الخاضعة لسيطرة املعارضة يف‬ ‫حلب خالي ًة من الحياة‪ ،‬بعد دخول القصف‬ ‫اليومي بالرباميل املتفجرة شهره العارش‪ .‬فقد‬ ‫ّ‬ ‫أصبحت أحياء املرجة واملعرصانية ومساكن‬ ‫هنانو وطريق الباب فارغ ًة من السكان‬ ‫ّ‬ ‫املحال التجارية‬ ‫متاماً‪ ،‬وأغلقت معظم‬ ‫أبوابها‪ ،‬وهرب األهايل من بيوتهم‪ ،‬وبات‬ ‫الدمار منترشاً يف أزقة وأرجاء تلك األحياء‪،‬‬ ‫ج ّراء انفجار عرشات الرباميل يومياً‪.‬‬ ‫توجه أه��ايل حلب إىل الحدود السورية‬ ‫ّ‬

‫‪27‬‬


‫اسـتقصـاء‬

‫الرتكية‪ ،‬أو إىل املناطق النائية يف الريف‪ ،‬بينام‬ ‫ّ‬ ‫فضل آخرون النزوح إىل الطرف الغر ّيب من‬ ‫املدينة‪ ،‬الخاضع لسيطرة النظام‪.‬‬ ‫النزوح إىل مناطق النظام‬ ‫شهد معرب كراج الحجز‪ ،‬قبيل إغالقه‪ ،‬والذي‬ ‫يصل بني مناطق سيطرة النظام ومناطق‬ ‫سيطرة املعارضة‪ ،‬ازدحاماً شديداً بسبب حركة‬ ‫النزوح الكبرية‪ .‬وقامت أجهزة النظام األمنية‬ ‫بتشديد إجراءات التفتيش‪ ،‬وض ّيقت الخناق‬ ‫عىل املدنيني أثناء مرورهم‪ .‬كام منعت إدخال‬ ‫أية موا ّد غذائي ٍة باتجاه مناطق املعارضة‪.‬‬ ‫ات بقذائف الدبابات‪،‬‬ ‫و ُقصف املعرب عدّة مر ٍ‬ ‫ما أدّى إىل وقوع عد ٍد من الضحايا بني قتيلٍ‬ ‫وجريح‪ .‬واستم ّر قنّاصا القرص البلديّ واإلذاعة‬ ‫بفتح الرصاص عشوائياً عىل النازحني‪ .‬وبعد‬ ‫صدور قرار إغالق املعرب تضاعفت معاناة‬ ‫الفا ّرين باتجاه مناطق سيطرة النظام‪ ،‬إذ‬ ‫صاروا يضط ّرون إىل التوجه إىل مدينة سلمية‬ ‫بحامة عن طريق خنارص‪ ،‬والعودة منها إىل‬ ‫مناطق سيطرة النظام‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫موظف من مدينة حلب‪:‬‬ ‫يروي أبو عمر‪ ،‬وهو‬ ‫«أقام الكثري من النازحني الخيم عند د ّوار‬ ‫الباسل‪ ،‬وبالقرب من فرع األمن العسكريّ ‪،‬‬ ‫بينام اف�ترش آخ��رون األرايض عند مداخل‬ ‫البنايات واألزق��ة يف أحياء حلب الجديدة‬ ‫والسليامنية ومنطقة جامع التوحيد‪ ،‬دون أن‬ ‫يجدوا سكناً يليق بهم كبرش»‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫ويضيف أبو عمر‪« :‬تن ّفذ األجهزة األمنية‬ ‫حمالت لطرد النازحني من املساجد واملدارس‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ومنع األمن أصحاب املكاتب العقارية من‬ ‫تأجري املنازل للنازحني من تلك املناطق‪ ،‬مام‬ ‫وس ّجلت‬ ‫س ّبب زيادة وضع النازحني صعوبة‪ُ .‬‬ ‫واعتداءات بالرضب‬ ‫عدّة حاالت اعتقالٍ لشبانٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اعتقاالت واسع ٍة‬ ‫عليهم‪ ،‬بالتزامن مع حملة‬ ‫ٍ‬ ‫تشهدها األحياء الخاضعة لسيطرة النظام‪،‬‬ ‫وخصوصاً يف ح ّيي الحمدانية وحلب الجديدة‪،‬‬ ‫بالقرب من «أكادميية األسد» معقل ق ّوات‬ ‫النظام وكتائب حزب الله»‪.‬‬ ‫وعن اإلغاثة التي يتلقاها النازحون يقول أبو‬ ‫عمر‪« :‬تستحيل إغاثة النازحني‪ ،‬ألن عملية‬ ‫اإلغاثة تتطلب روتيناً معقداً‪ ،‬أوله تسجيل‬ ‫املسكن‪ ،‬ثم قيام املتط ّوعني بالكشف عىل‬ ‫العائالت‪ ،‬ثم تقديم العون‪ .‬وتتطلب هذه‬ ‫العملية ما ال ّ‬ ‫يقل عن شهر‪ ،‬عداك عن املخاطر‬ ‫األمنية‪ ،‬وقلة عدد املتط ّوعني العاملني مع‬ ‫الجمعيات»‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وعن معاناته الشخصية يقول‪« :‬أنا موظف يف‬ ‫إحدى مديريات مدينة حلب‪ .‬أذهب شهرياً‬ ‫لقبض راتبي البالغ ‪ 20‬ألف لرية‪ ،‬وأحتاج‬ ‫للوصول إىل حلب ‪ 12‬ساع ًة يف الذهاب ومثلها‬ ‫يف اإلياب‪ ،‬وأجرة الطريق ثالثة آالف لرية‪ .‬يف‬ ‫السابق كانت الرحلة ال تحتاج أكرث من ربع‬ ‫ساعة»‪.‬‬ ‫الحدود السورية الرتكية‪:‬‬ ‫توجهوا‬ ‫معظم النازحني من أبناء مدينة حلب ّ‬

‫الحلبي الشام ّيل أو إىل تركيا‪ .‬تروي‬ ‫إىل الريف‬ ‫ّ‬ ‫حي املشهد إىل بلدة‬ ‫أم محمد‪ ،‬النازحة من ّ‬ ‫بيانون يف الريف الشام ّيل‪« :‬نجونا من برميلٍ‬ ‫متفج ٍر سقط عىل البناية املجاورة لبيتنا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فق ّررنا النزوح فوراً إىل قرية زوجي‪ .‬بتنا عدداً‬ ‫اليومي‬ ‫من الليايل عند أقاربنا‪ ،‬لنفاجأ بالقصف‬ ‫ّ‬ ‫عىل بيانون بالرباميل والصواريخ أيضاً‪ ،‬فق ّررنا‬ ‫أن ننصب خيم ًة يف إحدى م �زارع الزيتون‬ ‫نتوجه إليها صباحاً ونقيض‬ ‫املحيطة بالبلدة‪ّ ،‬‬ ‫يومنا‪ ،‬ثم نعود يف املساء إىل بيت أقاربنا‬ ‫للنوم»‪.‬‬ ‫توجه الكثري من الحلبيني إىل تركيا‪ ،‬متوقعاً‬ ‫ّ‬ ‫األفضل‪ ،‬ولكن غالء األسعار الفاحش‪ ،‬مقارنةً‬ ‫مع سورية‪ ،‬خ ّيب آمال الكثريين‪ .‬يروي عبد‬ ‫«توجهت مع‬ ‫الجبار غالونجي ملجلة «صور»‪ّ :‬‬ ‫أرسيت املك ّونة من خمسة أوال ٍد وأ ّمهم إىل تركيا‪،‬‬ ‫حام ًال معي مبلغ مئة ألف لري ٍة سوري ٍة (حوايل‬ ‫‪ 600‬دوالر)‪ ،‬ألصدم بأن اإليجار الشهريّ للبيت‬ ‫يف مدينة «نيزب» يبلغ حوايل ‪ 250‬دوالراً‬ ‫التوجه إىل املخ ّيامت‪.‬‬ ‫شهرياً‪ .‬عندها ق ّررت‬ ‫ّ‬ ‫أيام نقلتنا‬ ‫وبعد انتظا ٍر دام أكرث من عرشة ٍ‬ ‫السلطات الرتكية إىل مخ ّي ٍم عىل طريق ك ّلس‬ ‫غازي عينتاب‪ .‬املخ ّيم يف غاية السوء‪ ،‬إذ ال‬ ‫ٌ‬ ‫خيام تصل‬ ‫توجد فيه‬ ‫خدمات تذكر‪ ،‬وننام يف ٍ‬ ‫درجة الحرارة فيها نهاراً إىل حوايل ‪ 40‬درجة‪.‬‬ ‫وبعد شه ٍر من اإلقامة يف املخيم ُ‬ ‫عرثت عىل‬ ‫غرف ٍة مهجور ٍة بالقرب من مدينة ك ّلس‪ ،‬ج ّهزتها‬ ‫وبنيت فيها مرحاضاً وأوصلت الكهرباء إليها‬ ‫مواطن تر ٍّ‬ ‫يك‪ ،‬وسكنّا فيها‪ .‬أعمل عىل‬ ‫مبساعدة‬ ‫ٍ‬ ‫بسط ٍة لبيع الدخان‪ .‬وأربح‪ ،‬بعد اثنتي عرشة‬ ‫ات‪،‬‬ ‫ساع ًة من العمل‬ ‫اليومي‪ ،‬حوايل ‪ 10‬دوالر ٍ‬ ‫ّ‬ ‫أستطيع بها تأمني قوت أطفايل»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تلخص هذه الصورة املأساوية جانباً كبرياً من‬ ‫التغريبة الحلبية التي متت ّد فصولها بال نهاي ٍة‬ ‫مع استمرار الحرب والدمار‪.‬‬


‫قــراءة في كتــاب‬

‫السلم االهلي وفض‬ ‫النزاع‬ ‫ال ميكن فصل حالة الرصاع السورية عن الوضع‬ ‫الدويل واالقليمي فلم تكن عوامل استمرار‬ ‫الرصاع ناجمة فقط عن االنفجار املجتمعي يف‬ ‫وجه النظام الحاكم يف دمشق ‪ ،‬بل إن العوامل‬ ‫الدولية مبا فيها تراجع الدور االمرييك واالورويب‬ ‫نتيجة االزم��ة االقتصادية والتوسع الرويس‬ ‫والصيني يف السوق العاملية ‪ ،‬والتعقيد يف‬ ‫امللفات االقليمية وارتباطات حكومة دمشق‬ ‫بحلفاء كانوا سندا يف مجلس االمن لتوقيف‬ ‫قرارات لصالح الشعب السوري الواقع تحت‬ ‫معاناة الحرب ‪ ،‬هذه العوامل وغريها كرست‬ ‫حالة العنف عىل امل��دى املنظور وابقت‬ ‫املستقبل مفتوحا عىل كافة االحتامالت دون‬ ‫وجود شكل او تصور لحل ناجز ‪ ،‬يف حني‬ ‫أن كل االط �راف يف النزاع القائم ( املحلية‬ ‫واالقليمية والدولية ) اغفلت بل تجاهلت‬ ‫تلك املعاناة الواقعة عىل املدنيني الذين‬ ‫تحولوا مجربين للخضوع بقوة السالح باحثني‬ ‫عن السالم واالستقرار محاولني بامكانياتهم‬ ‫البسيطة اع��ادة بناء املجتمع وفق مبادئ‬ ‫تحفظ الحقوق ‪ ،‬فلقد تبني وخالل السنوات‬ ‫الثالث من الحرب أن املجتمع السوري يحاول‬ ‫ايجاد صيغ وتفاهامت عىل املستوى املحيل‬ ‫والتي تأطرت من خالل مبادرات و مؤسسات‬ ‫ومنظامت غري حكومية معتمدة عىل موارد‬ ‫السالم املحلية وبجهود حثيثة و عمل جبار‬ ‫العادة املجتمع املدين للتعبري عن احتياجاته‬ ‫بدعم من الجهات الدولية ولكن هذا االطار‬ ‫اليقارن من ناحية الدعم مع مايقدم للجهات‬ ‫العسكرية التي تعمل لصالح اجندات مختلفة‬ ‫بعيدة كل البعد عن مفاهيم السلم االهيل ‪.‬‬

‫يعمل قادة املجتمع املدين يف جميع انحاء‬ ‫سوريا عىل اتخاذ االجراءات الالزمة ملعالجة‬ ‫اثار النزاع ومنع العنف ونجحوا يف كثري من‬ ‫االحيان بتحقيق خطوات مهمة يف فض النزاع‬ ‫واألمثلة املوثقة كثرية منها قدرة قيادات‬ ‫املجتمع امل��دين يف مدينة درع��ا عىل تغيري‬ ‫قرارات عسكرية لقوات الجيش الحر التي‬ ‫كانت ترغب يف مهاجمة مواقع عسكرية‬ ‫قريبة من املناطق املدنية والتي لبت رغبة‬ ‫املجتمع املحيل بالتخيل عن ذلك ملا قد يلحق‬ ‫بهم من اذى يف حال تم الهجوم ‪،‬واالمثلة‬ ‫عىل ذلك ال تنتهي كمبادرات النساء يف ريف‬ ‫دمشق من تحقيق هدنة بني قوات حكومة‬ ‫دمشق وحكومة املعارضة‪ ،‬اال ان هذه‬ ‫النامذج والعمليات مل تكن مستدامة وفشلت‬ ‫يف االستمرار وخلق حالة استقرار حقيقية‬ ‫لصالح املجتمع املدين ‪ ،‬بالرغم من عملهم‬ ‫عىل معظم ملفات النزاع من االف �راج عن‬ ‫السجناء والتوسط يف حل النزاعات املحلية‬ ‫وصوال اىل مشاركتهم املحدودة يف عمليات‬ ‫مفاوضات السالم الدولية ‪ ،‬وبذلك فإن موارد‬ ‫السالم تحتاج اىل دعم كبري الشتداد الرصاع‬

‫وتصاعده املتزايد والبد أن يغطي هذا الدعم‬ ‫الحاجات املاسة لكافة القطاعات املشاركة يف‬ ‫هذه العملية ضمن خطط صغرية ومنظمة‬ ‫تستهدف املجتمعات املحلية لتؤسس اطارا‬ ‫مبنيا عىل رغبات االفراد وطموحاتهم وبتوافق‬ ‫تام مع املصلحة الجمعية التي بتشكيل بنى‬ ‫مؤسساتية ق��ادرة عىل خلق واق��ع افضل‪،‬‬ ‫وبرتكيز عال عىل نرش ثقافة السالم يف املجتمع‬ ‫السوري عرب القيادات املدنية التي تحتاج‬ ‫بدورها اىل الكثري من التدريب والتأهيل عىل‬ ‫اسس املفاوضات ووضع الخطط االسرتاتيجية‬ ‫التي من شأنها متهيد الطريق لبناء منوذج سلم‬ ‫اهيل يحرتم التنوع واالختالف ويعيد الحقوق‬ ‫وفق اسس الدميقراطية ومبادئها ‪.‬‬ ‫إن عمليات بناء السالم داخل املجتمعات‬ ‫املحلية السورية تعترب اهم اساسات التغيري‬ ‫الحقيقي واعادة بناء املجتمع الذي ارهق‬ ‫من حالة الحرب ‪ ،‬اعتامدا عىل مكوناته من‬ ‫البنى التقليدية وهيئات التحكيم الدينية‬ ‫ولجان السلم االهيل وكافة الهيئات والجهات‬ ‫املساندة محليا والداعمة لهذا العمل دوليا ‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫لــقطة‬

‫عمليات الخطف تدفع سكان سري كانيه للبحث عن مناطق آمنة‬ ‫يوميات أسرة هاربة من الخطف‬ ‫شفان إبراهيم‬ ‫سعاد (‪ 33‬سنة) أم لثالثة أطفال تتشاجر مع زوجها كل صباح‪ ،‬فهي ترص عىل سحب أوالدها‬ ‫من املدرسة‪( ،‬كام فعل جارهم إيفان) واالنتقال إىل مدينة إخرى لكن زوجها يرفض الفكرة‪.‬‬ ‫إيفان كرمكيان الخياط الشيشاين من أحدى قرى رسي كانيه (رأس العني) قام بسحب أوالده‬ ‫من املدرسة سابقاً‪ .‬وبيع منزله امللفت لالنتباه وقرر السكن يف مكان ال يعرفه أحد‪ .‬رمبا‬ ‫خشية أن يتكرر سيناريو خطفه‪ ،‬بعد أن كان قد تعرض للخطف يف الصيف املايض عىل‬ ‫أيدي جامعة مسلحة‪ ،‬ومل يفرج عنه إال بعد أن دفع ذووه آالف الدوالرات كفدية للخاطفني‬ ‫مقابل إطالق رساحه وعدم التعرض له‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وسعاد (أسم مستعار) ال ترغب بأن تحدث قصة كرمكيان أن لها أو ألطفالها‪ .‬ولذلك تعلمت‬ ‫كيف تستخدم املسدس والسكني‪ ،‬إضافة إىل تدربها عىل لعبة الكاراتيه كاحتياط يف مواجهة‬ ‫القدر إن غدر بها‪ ،‬خاصة وأن عمليات الخطف ال تقترص فقط عىل الرجال‪ ،‬كام حدثت‬ ‫مع إيڤانا كيل (‪ 18‬سنة) وهي من ايزيديي محافظة الحسكة‪ ،‬خرجت من البيت إال أن‬ ‫مجموعة مجهولة قامت بخطفها واقتيادها إىل مكان مجهول‪ ،‬وحتى اآلن ال يعرف أهلها أية‬ ‫أخبار عنها أو الجهة التي خطفتها‪.‬‬ ‫كام ال يعلم أحد من جريان وال أغلب أقرباء كرمكيان األسباب التي أدّت إىل اختطافه‪ ،‬حيث‬ ‫تع ّرضت مدينة رسي كانيه وريفها ملوجة من عمليات االختطاف منذ بداية األزمة يف سوريا‬ ‫ولكنّهم يشتبهون ّ‬ ‫بأن الخطف سببه انتامء كرمكيان القومية الشيشانية‪ ،‬حيث يقدر عدد‬ ‫الشيشان يف رسي كانيه بحدود ‪ 300‬أرسة قدموا إىل املنطقة سنة ‪ 1880‬إبان الحكم العثامين‬ ‫واندمجوا مع بقية القوميات يف املدينة‪ ،‬غري أن عمليات الخطف واملعارك التي دارت يف‬ ‫رسي كانيه أدت إىل هجرة أعداد كبرية إىل مناطق أخرى آمنة‪.‬‬ ‫عاىن املجتمع يف مدينة رسي كانيه وريفها من عدد كبري من جرائم وحوادث القتل وأكرث من‬ ‫ست وثالثني حالة خطف يف األشهر الثالث األخرية‪ ،‬مام زرع الخوف يف نفوس الشيشانيني‪،‬‬ ‫وباقي الطوائف‪ ،‬ودفع زعيمهم ملناشدة الزعامء الدينيني والسياسيني‪ ،‬املحليني والدوليني‪،‬‬ ‫من أجل الحامية‪ .‬مع ذلك مل تجدي كل تلك املحاوالت نفعاً للحد من خطر االختطاف‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫بعد حادثة خطف الخياط الشيشاين‪ ،‬تم خطف‬ ‫الشاب الرسياين يونان قسطنطني واألرمني مارك‬ ‫مالطيوس من مدينة رسي كانيه\رأس العني‪،‬‬ ‫حيث ذهبا لالستفسار عن اآللية الثقيلة التي‬ ‫كان ميتلكها مارك والتي تم مصادرتها من معمل‬ ‫البلوك الخاص به‪ ،‬لكن تم توقيفهام وخطفهام‬ ‫من قبل بعض التنظيامت املحسوبة عىل القاعدة‪،‬‬ ‫والتي طالبت بفدية مالية ضخمة لقاء إطالق‬ ‫رساحه‪ُ ،‬معتربة أن توقيف وخطف هؤالء يمُ ثل‬ ‫فرض عني عليهم‪ ،‬وتم إطالق رساحهام فيام بعد‬ ‫لقاء تفاهامت معينة‪ ،‬يف الوقت الذي كاد مارك أن‬ ‫يفقد ابنه الذي أصيب بصدمة نفسية فقد عىل‬ ‫أثرها النطق لثالث أيام‪.‬‬ ‫اقتنع زوج سعاد أخرياً وتحت إلحاح رهيب من‬ ‫زوجته بعد أن نجحت يف تجنيد أبنائها ضد األب‬ ‫أن يقتنع بفكرة السفر‪ ،‬وأن يغري مكان اإلقامة‪،‬‬


‫لــقطة‬

‫ويبحث عن عمل آخر يؤمن لهم معيشة‬ ‫متواضعة مع نسبة عالية من األمان‪ ،‬فهذا‬ ‫خري من فقدان األمان والعيش املرتف‪ ،‬لكنها‬ ‫مل تكن تعلم أن الخطف والقتل أصبحا السمة‬ ‫األبرز يف سوريا‪.‬‬ ‫تعرفت سعاد وزوجها عىل جريان جدد يف‬ ‫مدينة قامشلو‪ ،‬حيث سكنت يف أحد األحياء‬ ‫الفقرية لتتفاجئ مبدى الفجاعة والفقر الذي‬ ‫يعانيه أبناء املدينة‪ ،‬خاصة يف املنطقة الرشقية‬ ‫التي ُتعترب من أفقر املناطق يف قامشلو وفق‬ ‫كل املقاييس‪ ،‬هناك حيث كان يقيم آالف‬ ‫الكرد‪.‬‬ ‫اليوم تغري كل يشء يف تلك البقعة الجغرافية‬ ‫الصغرية‪ ،‬نزح كثري من السكان‪ ،‬أصبحت رؤية‬ ‫تجمع شبايب من النوادر‪ ،‬والسهرات الشبابية‬ ‫يف األحياء الكردية أصبحت جزءاً من الرتاث‪،‬‬ ‫وتغري كل يشء‪ ،‬حتى اللغة املسموعة تغريت‪،‬‬ ‫لكن املفاجئة بالنسبة لسعاد التي تنحدر‬ ‫من عائلة عربية كانت يف منطية من يقطن‬ ‫الحي‪ ،‬حيث مل تكن تتخيل أن تجاور عوائل‬ ‫من أدلب وحلب وحمص ودرعا‪ ،‬إضافة إىل‬ ‫الحي املختلط من الكرد والعرب الفارين‬ ‫من جحيم تل حمس وقرى جنوب الرد‪،‬‬ ‫حينها بادرت سعاد إىل رفع يافطة يف أول‬ ‫الحي كتب عليها‪...‬هنا حي سوريا‪.‬‬ ‫التحق أبناء سعاد مبدرسة قريبة من الحي‪،‬‬ ‫تابعوا تعليمهم وتقدموا لالمتحانات‬

‫النهائية‪ ،‬كان من بني املواد التي قدموها‪ ،‬مادة‬ ‫اللغة الكردية التي أدرجتها اإلدارة الكردية يف‬ ‫املدارس املناطق الخاضعة لسيطرتها‪ ،‬لكن‬ ‫محافظ الحسكة عمد إىل إلغاء مادة اللغة‬ ‫الكردية من الجالء املدريس واستمرت الحال‬ ‫عىل هذا املنوال حتى بدأت العطلة الصيفية‪،‬‬ ‫والتي بدأت معها املتاعب تزداد رويداً رويداً‪،‬‬ ‫بالنسبة لسعاد وزوجها يف ظل افتقار مدينة‬ ‫قامشلو ملعظم الخدمات االساسية للمعيشة‬ ‫واستمرت سعاد جاهدة بالتخفيف عن زوجها‬ ‫الذي كان مستا ًء من وطأة الظروف التي‬ ‫يعيشونها يف قامشلو بعد أن بقي أكرث من‬ ‫شهرين دون عمل باإلضافة إىل افتقاد املنطقة‬ ‫للخدمات‪ ،‬حيث ال مياه إال بضع ساعات‬ ‫أسبوعياً‪ ،‬وال كهرباء سوى ‪ 3‬ساعات يومياً‪،‬‬ ‫شبكة االتصاالت الخلوية مفقودة متاماً‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫«كيف ملدينة مل تتعرض للدمار أن ال تتوفر‬ ‫فيها أبسط مقومات الحياة‪ ،‬يف حني تتوفر يف‬ ‫املدن التي تقصف كل الخدمات»‪.‬‬ ‫ويف ظهرية إحدى األيام حني عاد زوج سعاد‬ ‫من عمله يف العتالة‪ ،‬أخربته سعاد بأنها حامل‪،‬‬ ‫ومل تكد تكمل عبارتها‪ ،‬حتى رصخ زوجها‪:‬‬ ‫«نحن نحتار يف لقمة عيشنا وأنتي تقولني‬ ‫أنك حامل» وبينام كان الزوجان منهمكان يف‬ ‫سجال حاد حول حمل سعاد‪ ،‬هروال مرسعني‬ ‫إىل الخارج يتتبعان الصوت املرتفع‪ ،‬ويسأالن‬ ‫عام حدث‪ ،‬يرد أحدهم‪« :‬هو خالد‪ ،‬أحد أبناء‬

‫الحي‪ ،‬خطف اليوم من إح��دى الساحات‬ ‫املكتظة باملارة‪ ،‬حيث قدمت مجموعة من‬ ‫امللثمني وخطفت خالد‪ ،‬مرسل ًة تهديداً إىل‬ ‫والديه برضورة دفع فدية مالية كبرية‪ ،‬وإال‬ ‫فإنهن سريسلون رأس ابنهم خالد إليهم»‪.‬‬ ‫وما كان من أهل الحي إال أن تقدموا ملساعدة‬ ‫أهل الشاب بغية إنقاذه‪ .‬وبالفعل ما هي إال‬ ‫بضعة أيام حتى عاد خالد إىل بيته وإن كان‬ ‫متغري اللون وحليق الشعر‪ ،‬فاقداً ألكرث من‬ ‫نصف وزنه‪ ،‬إال أنه عاد حياً يرزق‪.‬‬ ‫سعاد التي هربت من رسي كانيه خوفاً من‬ ‫الخطف واملوت وجدت نفسها يف مواجهة‬ ‫ظ��روف قاسية تتكرر يف كل مكان بطرق‬ ‫مختلفة‪ ،‬يضاف إىل همها الوضع املعييش‬ ‫الذي باتت العائلة تعيشه عىل وقع الشجار‬ ‫اليومي‪ ،‬إىل أن فجعت عائلة سعاد املنكوبة‬ ‫ذات مساء بفقدان أحد أبنائهم حرقاً بالتيار‬ ‫الكهربايئ‪ ،‬بسبب خطأ حصل يف توصيل‬ ‫السلك املخصص للتيار الكهربايئ ملولدة‬ ‫الكهرباء يف الحي‪ ،‬بعد أن كانت تخىش من‬ ‫فقدانه خطفاً‪.‬‬ ‫مللمت سعاد جراحها وقررت ترك املنزل‬ ‫والرحيل مجدداً لكن هذه املرة إىل إقليم‬ ‫كردستان‪ ،‬بحثاً عن ملجأ يقي أرستها‬ ‫الجوع وال�برد والعطش‪ ،‬و ُيخفف عنهم‬ ‫وطأة الترشد والهجرة وفقدان االبن‪ ،‬فكان‬ ‫موعدهم مع مخيم دوميز لالجئني قبلة‬ ‫الهاربني من جحيم الحرب يف سوريا‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫نافذة على احلقوق‬

‫الالجئون في ظل القوانين الدولية‬ ‫والالجئون السوريون في ظل هذه القوانين‬ ‫عاصم الزعبي‬ ‫أو ًال‪ :‬يعد تحديد املقصود بالجىء بصورة عامة من املسائل‬ ‫الصعبة يف القوانني الدولية نظراً لعدم وجود تعريف له‬ ‫بشكل محدد يف الفقه الدويل‪.‬‬ ‫ولكن ساهمت الجهود الدولية واإلقليمية يف بلورة مفهوم‬ ‫الالجىء بنا ًء عىل اعتبارات خاصة ومتعددة وفقاً للظروف‬ ‫والوقائع التي يعيشها أو وفقاً للمالبسات السياسية‪.‬‬ ‫فمفهوم الالجىء السيايس يختلف عن مفهوم الالجىء‬ ‫املطرود من وطنه نتيجة عدوان أو احتالل‪ ،‬والالجىء‬ ‫املطرود يختلف عن الالجىء بفعل سياسة التطهري العرقي‪،‬‬ ‫و هكذا ‪...‬‬ ‫و تبعا لذلك اختلفت تعريفات الالجىء يف املواثيق واألعراف‬ ‫الدولية ‪.‬‬

‫ مبادىء بانكوك لعام ‪ 1966‬حول وضع ومعاملة الالجئني‪.‬‬‫ اتفاقية منظمة الوحدة األفريقية ‪ 1969‬التي تحكم الجوانب املختلفة ملشاكل‬‫الالجئني يف أفريقيا‪.‬‬ ‫ إعالن قرطاجة ‪ 1984‬بشأن الالجئني لدول أمريكا الالتينية‪.‬‬‫ توصيات مجلس االتحاد االوريب ‪ 2004‬بشأن املعايري الدنيا لتأهيل ووضع رعايا‬‫البلد الثالث واألشخاص عدميي الجنسية كالجئني أو غريهم ممن يحتاجون إىل‬ ‫الحامية الدولية ومستوى الحامية املمنوحة‪.‬‬ ‫ومبوجب القوانني الدولية الالجئون هم األفراد الذين ‪:‬‬ ‫ خارج بلدهم التي يحملون جنسيتها أو محل إقامتهم املعتاد‪.‬‬‫ من لديهم خوف من التعرض لالضطهاد بسبب عرقهم أو دينهم أو جنسيتهم‪....‬‬‫‪ -‬من هم غري قادرين عىل العودة إىل بلدهم خوفاً من االضطهاد‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬حقوق الالجئني بشكل عام والتزاماتهم‬ ‫يحق لالجئني التمتع بجميع حقوق اإلنسان من حقوق مدنية وسياسية‪ ،‬ولهم‬ ‫ثانياً‪ :‬مصادر قانون الالجئني‬ ‫يشامل قانون الالجئني القوانني العرفية و القواعد القطعية الحق يف الحياة وعدم التعرض للتعذيب وإساءة املعاملة والحق يف حرية التنقل‬ ‫والتعبري والتجمع السلمي واملساواة أمام القانون‪.‬‬ ‫والصكوك القانونية الدولية‪:‬‬ ‫ ‪ 1951‬الخاصة بوضع الالجئني واملعدلة يف ‪ 1967‬كام أن هناك التزامات تقع عىل عاتق الالجىء أهمها االنصياع لقوانني بلد اللجوء‬‫بالربوتوكول الخاص بوضع الالجئني حيث توقع عليه كل وأنظمته والتقيد بالتدابري املتخذة فيه للمحافظة عىل النظام العام‪.‬‬ ‫دولة بشكل منفرد‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬السوريون هل هم الجئون؟‬ ‫حتى اآلن مل تقم أي من الدول التي تستضيف السوريني بإعطائهم صفة الجىء‬ ‫بشكل قانوين حيث تطلق عليهم هذه الدول تسميات مختلفة (نازحني – مهجرين‬ ‫– ضيوف) وذلك خوفاً من االلتزامات القانونية والرتتيبات الخاصة بحقوق الالجئني‪،‬‬ ‫وهي بهذا تتنصل توفري الحقوق األساسية لهم والتي نصت عليها القوانني الدولية‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫نافذة على احلقوق‬ ‫ففي دول الجوار السوري يحرم السوريون‬ ‫من حقوقهم لعدم اعرتاف هذه الدول بهم‬ ‫كالجئني عىل أراضيها ‪.‬‬ ‫وإذا قمنا باملقارنة بني الالجئني الفلسطينيني‬ ‫والسوريني‪:‬‬ ‫قرارات األمم املتحدة بالنسبة للفلسطينيني‪:‬‬ ‫أسست وكالة األمم املتحدة لإلغاثة وتشغيل‬ ‫الالجئني الفلسطينيني (األونروا) وهي وكالة‬ ‫تحكم وجودهم يف الدول املضيفة وحقوقهم‬ ‫وواجباتهم من أجل توفري أساس قانوين لهم‪.‬‬ ‫أما بالنسبة لالجئني السوريني وغريهم من‬ ‫الجنسيات األخرى فهم تحت قانون املفوضية‬ ‫العليا لشؤون الالجئني التابعة لألمم املتحدة‪.‬‬ ‫وهذه املنظمة بالنسبة لالجئني السوريني كان‬ ‫لها دور إغايث بالدرجة األوىل بالتعاون مع‬ ‫مجموعة من الدول املانحة يف هذا املجال‪.‬‬ ‫كام أن هناك تخوفاً كبرياً يف دول الجوار‬ ‫التي تستضيف الالجئني السوريني من أن‬ ‫تطول األزمة يف سوريا‪ ،‬مام يشكل عبئاً عىل‬ ‫البنى التحتية لهذه الدول واقتصادها وسوق‬ ‫العمل والتضخم وزيادة األسعار‪ ،‬وغريها من‬ ‫الضغوط التي تحصل نتيجة نزوح أعداد كبرية‬ ‫من السوريني ومكوثهم فرتة طويلة يف البلد‬ ‫املضيف ‪.‬‬ ‫خامساً‪ :‬فشل دويل يف أزمة الالجئني السوريني‬ ‫لقد فشل املجتمع الدويل بشكل كبري يف دعم‬ ‫الالجئني السوريني والدول األساسية التي‬ ‫استقبلت العدد األكرب منهم‪.‬‬ ‫ويعد النداء اإلنساين الذي أطلقته األمم‬ ‫املتحدة لدعم الالجئني السوريني هو األكرب يف‬ ‫تاريخ املنظمة‪ .‬و لكن متويله مل يتخط نسبة‬ ‫‪. % 50‬‬ ‫إذاً يبقى الالجئون السوريون بني مطرقة‬ ‫القوانني الدولية وسندان ترشيعات بلدان‬ ‫اللجوء‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫اقتصــاد وتنمية‬

‫جدولة القروض والحلقة المفرغة‬ ‫أحمد الياس‬

‫يقصد بالقرض الخارجي يف معناه العام أنـــــه الدين الذي‬ ‫تحصل عليه الدولة من الدول «ديون رسمية» أو املصارف‬ ‫األجــنبية «ديون خاصة» أومن املؤسسات الدولـية مـثل‬ ‫صندوق النقد «ديون متعددة االط�راف»‪ ،‬ويرتبط االقرتاض‬ ‫الخارجي ارتباطاً مبارشاً بفجوة املوارد املحلية يف محاولة من‬ ‫البلد املقرتض لسد الثغرة بني حجم االدخار املتاح واالستثامرات‬ ‫املطلوبة‪ ،‬وبذلك فإن االقرتاض الخارجي مسألة طبيعية يف‬ ‫ظروف البلدان النامية وحاجتها إىل تطوير هياكلها االقتصادية‬ ‫وتحقيق معدالت عالية من النمو االقتصادي‪.‬‬ ‫ومام ال شك فيه أن استخدام القرض يف مجاالت إنتاجية سيساعد‬ ‫البلد املقرتض عىل خدمتها‪ ،‬واملقصود بذلك دفع أقساطها إىل جانب‬ ‫الفوائد املرتتبة مع تحقيق منو مستديم مي ّكن البلد من االعتامد‬ ‫عىل مدخراته الوطنية يف املد َيينْ املتوسط والطويل‪ ،‬رشط أن تكون‬ ‫القروض بفوائد معتدلة وآجال طويلة‪ .‬أما إذا كان أجل القرض قصري‬ ‫السداد وفائدته متقلبة‪ ،‬وكذلك يف حال رفض الجهات ا ُملق ِرضة‬ ‫تقديم متويالت جديدة تساعد عىل استكامل أغراض القرض األصيل‪،‬‬ ‫أو استخدام البلد ا ُملق ِرتض ذاته للقرض يف أغراض استهالكية‪ ،‬فإن من‬ ‫شأن ذلك أن يعيق عملية التنمية ويزيد من مصاعب خدمة القرض‬ ‫إىل درجة تدفع بالبلد املقرتض إىل إعالن عدم قدرته عىل السداد أو‬ ‫إفالسه‪.‬‬ ‫تعود بوادر أزمة القروض الخارجية إىل الفرتة الالحقة الستقالل‬ ‫البلدان النامية‪ ،‬وقد ارتبط تدفق القروض الخارجية إليها باكتامل‬ ‫مرحلة إعادة إعامر البلدان األوربية‪ ،‬واملوقف السلبي لحركات‬ ‫التحرر الوطني من االستثامرات الخارجية‪ .‬حيث تعرضت الكثري من‬ ‫االستثامرات للتأميم واملصادرة ونزع امللكية‪ .‬إال أن حجم القروض‬

‫‪34‬‬

‫وتكاليفها خالل تلك الفرتة ظل عند مستويات معقولة بسبب ثبات‬ ‫أسعار الفائدة التي حررت بها وطول مدة الدفع‪ ،‬ومل توجد سوى حاالت‬ ‫منعزلة لعدم قدرة البلدان املقرتضة عىل خدمة قروضها‬ ‫بيد أن الوضع تغري يف بداية عقد السبعينات عندما قررت البلدان املصدرة‬ ‫للنفط «بلدان منظمة األوبك» رفع األسعار بشكل جامعي‪ ،‬لتقفز األسعار‬ ‫من ‪ 1,69‬دوالر للربميل الواحد إىل ‪ 11,65‬دوالراً للربميل يف كانون األول‬ ‫عام ‪ .1973‬وهو ما أطلق عليه الصدمة النفطية األوىل‪ ،‬وتكرر األمر‬ ‫ذاته يف الصدمة النفطية الثانية عامي ‪ ،1979-1980‬حيث وصل سعر‬ ‫برميل النفط إىل ‪ 26‬دوالراً للربميل‪ ، ،‬وأطلق عىل هذه الفوائض مصطلح‬ ‫البرتودوالر‪.‬‬ ‫وإىل جانب توافر الفوائض البرتودوالرية املتاحة لإلقراض‪ ،‬فإن انخفاض‬ ‫أسعار الفائدة العاملية شكل عام ًال إضافياً دفع البلدان النامية إىل اإلفراط‬ ‫يف اللجوء إىل أسواق املال العاملية‪ ،‬وذلك إذا علمنا أن معدل الفائدة‬ ‫الحقيقي عىل القروض بني عامي ‪ 1961-1970‬كان معدل سالب ‪-‬معدل‬ ‫متوسط سعر الفائدة االسمي عىل القروض كان أقل من معدل التضخم‪،-‬‬ ‫وبالنتيجة إن عقد السبعينات كان العقد الذهبي لإلقراض‪ ،‬بحيث ان‬ ‫البلدان النامية دخلت مرحلة ادمان االقرتاض بسبب أعباء عملية التنمية‬ ‫وعدم مرونة سياساتها االقتصادية‪ ،‬إىل جانب حلول مواعيد استحقاق‬ ‫قروضها التي كانت خدمتها تستغرق جزءاً كبرياً من حصيلة صادراتها‪،‬‬ ‫وهو مام استدعى سلوك آليات جديدة ملساعدتهاـ ومن ذلك اللجوء اىل‬ ‫اعادة جدولة القروض يف نادي باريس‪.‬‬ ‫نادي باريس هو نادي دول حيث إنه يختص بعمليات جدولة القروض‬ ‫الرسمية فحسب‪ ،‬كام أنه نا ٍد غري رسمي ليس له عضوية ثابتة أو هيكل‬ ‫تنظيمي محدد‪ ،‬بل إن نظامه أقرب ما يكون إىل مجموعة من اإلجراءات‬ ‫واملامرسات املتعارف عليها عرب عمليات جدولة القروض منذ بداياتها يف‬


‫اقتصــاد وتنمية‬ ‫عام ‪ 1956‬إلعادة جدولة قروض األرجنتني‪.‬‬ ‫ونقطة البداية يف عملية إعادة الجدولة تكون بإعالن البلد املقرتض‬ ‫عن رغبته يف إعادة جدولة قروضه‪ ،‬إال أن مجرد اإلعالن ال يعني أن‬ ‫البلدان املقرضة ستستجيب للطلب وتوافق عىل إعادة الجدولة‪ ،‬فمن‬ ‫أوىل الخطوات السابقة لالجتامع عقد مشاورات بني البلد املقرتض‬ ‫وصندوق النقد إلجراء تقويم للوضع املايل للبلد‪ ،‬وهذه الخطوة رشط‬ ‫رضوري ال بد منه لإلرساع يف عقد االجتامع‪.‬‬ ‫ويف مرحلة تالية يتم تقديم طلب رسمي من البلد املعني إىل الحكومة‬ ‫الفرنسية للتفاوض حول تأجيل القروض‪ ،‬ولصندوق النقد والبنك‬ ‫الدوليني دور هام يف املرحلة السابقة لعقد االجتامعات‪ ،‬حيث تقوم‬ ‫املنظمتان بتقديم مساعدات لكل األطراف فيام يتعلق بوضع البلد‬ ‫الطالب إلعادة جدولة قروضه‪.‬‬ ‫تعقد اجتامعات النادي يف مركز املؤمترات الدويل يف باريس بحضور‬ ‫البلدان املقرضة والبلد املقرتض‪ ،‬ويحرض اجتامعات النادي بصفة‬ ‫مراقبني مندوبون عن املنظامت االقتصادية الدولية‪ ،‬وغالباً ما تعقد‬ ‫االجتامعات برئاسة فرنسا‪ ،‬كام ميكن أن ترتأسها إحدى البلدان املقرضة‬ ‫األخرى‪.‬‬ ‫ويقوم ممثلو البلد املقرتض بتقديم تقرير مفصل عن الوضع‬ ‫االقتصادي ومؤرشاته ومقدار التخفيف الذي يرونه مالمئاً لقدرته عىل‬ ‫السداد‪ ،‬كام يعرض مراقبو الصندوق تقوميهم للوضع االقتصادي للبلد‬ ‫املقرتض ووضع ميزان مدفوعاته وآفاقه املستقبلية‪ ،‬وتعرض املنظامت‬ ‫الدولية األخرى رؤيتها بهذا الصدد‪ ،‬وأخرياً يتوجه املقرضون بأسئلتهم‬ ‫واستفساراتهم إىل ممثيل البلد املقرتض واملراقبني‪.‬‬ ‫تتداول البلدان املقرضة فيام بينها الخطوط العريضة لعملية إعادة‬ ‫الجدولة‪ ،‬ويقوم رئيس املؤمتر بعرض مسودة أولية عىل ممثيل البلد‬ ‫املقرتض‪ ،‬ومن النادر املوافقة عىل هذا العرض األويل نظراً لتباين‬ ‫اآلراء ورغبة البلد املقرتض يف الحصول عىل أكرب قدر من التخفيض‬ ‫لقروضه أو مد آجال االستحقاق‪ ،‬ولذلك تعقد جلسة مسائية أو تؤجل‬ ‫املفاوضات إىل اليوم التايل ليتم االتفاق عىل حزمة من الرشوط العامة‬ ‫لعملية إعادة الجدولة‪ ،‬وتعقد اتفاقيات ثنائية بني البلد املقرتض‬ ‫والبلدان املقرضة بشكل منفرد‪ ،‬وهذه االتفاقيات تشكل األساس‬ ‫القانوين لعملية إعادة الجدولة‪.‬‬

‫أي أن البلد استنفد جميع الوسائل والسبل التي متكنه من خدمة قروضه‬ ‫الخارجية‪ ،‬وصندوق النقد هو الجهة املوكل إليها تقدير حجم فجوة‬ ‫املوارد املحلية يف البلد املقرتض‪ ،‬فإذا وجد أن االستخدامات تزيد عىل‬ ‫املوارد عد ذلك دلي ًال للمقرضني عىل عدم قدرة البلد عىل الوفاء الحتمي‬ ‫لقروضه‪.‬‬ ‫ ال يقبل النادي إعادة جدولة القروض ما مل يعقد البلد املقرتض برنامجاً‬‫للتك ُّيف الهيكيل مع صندوق النقد‪ ،‬ويف حال مل يكن البلد املقرتض عضواً‬ ‫يف الصندوق فإن إعادة الجدولة ترتبط بتعهده والتزامه باتخاذ إجراءات‬ ‫لتصحيح أوضاع اقتصاده‪.‬‬ ‫وتعد هذه القاعد األخرية جوهر إعادة الجدولة؛ ألنها تشكل معيار‬ ‫نجاح العملية أو فشلها‪ ،‬كام أن لتقيد البلد املقرتض بربامج صندوق‬ ‫النقد بالغ األثر يف تقدير حجم التخفيض أو التخفيضات الالحقة‪ .‬وال‬ ‫يتم تخفيض حجم القرض دفعة واحدة‪ ،‬وإمنا وفق نسب محددة وعىل‬ ‫رشائح متتالية‪ ،‬ويرتبط تخفيض كل رشيحة بالتزام البلد املقرتض بربامج‬ ‫التك ُّيف الهيكيل‪.‬‬

‫أن الجدولة كاحد اآلليات املستحدثة لحل أزمة القروض الخارجية‬ ‫عدمية الجدوى يف تحقيق أهدافها املعلنة‪ ،‬حيث تشري االرقام ان‬ ‫مديونية البلدان النامية سجلت يف مطلع االلفية الثالثة ‪ 2,2‬تريليون‬ ‫دوالر‪ ،‬ووصلت اىل ‪ 3,3‬تريليون يف عام ‪ ،2007‬ويف هذه السنة املذكورة‬ ‫فقط دفعت البلدان النامية ‪ 372‬مليار دوالر كأقساط للقرض‪ ،‬و‪150‬‬ ‫مليار كفوائد‪ .‬وبعبارة اخرى اكرث تعبريا عن هذه الحلقة املفرغة فأن‬ ‫البلدان النامية قد دفعت حتى االن ‪ 7,5‬دوالر مقابل كل دوالر اقرتضته‬ ‫عام ‪ ،1980‬ومع ذلك ما تزال مدينة بأربعة دوالرات ‪ ،‬كام أن معدل‬ ‫اقرتاضاتها ينمو مبعدل سنوي يقارب ‪ ،8%‬وهو معدل يزيد عن معدل‬ ‫ومن أهم القواعد التي تحكم أعامل نادي باريس‪:‬‬ ‫ً‬ ‫‪ -‬ال يقبل النادي إعادة الجدولة ما مل يكن التقصري يف السداد حتميا‪ ،‬منو صادراتها‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫بورتـــريه‬

‫صادق جالل العضم‪ ..‬الفيلسوف السوري المشاكس‬ ‫سومر العبدالله‬

‫يعد الفيلسوف السوري‪ ،‬صادق جالل العظم‪ ،‬من أشهر النقاد العرب وأكرثهم حدة‪ .‬بطروحاته وسجاالته الفكرية والثقافية التي‬ ‫تخرتق التابو الرشقي يف الدين والسياسة واملجتمع والفلسفة‪ ،‬وتكاد ال تخلو معظم مؤلفاته من مصطلح (نقد) أو(نقد ذايت)‪ ،‬وهو‬ ‫املنتمي إىل أرسة أرستقراطية منفتحة‪ ،‬ساعدته لتجاوز عدة مصاعب حياتية أو فكرية قد أثرت عىل غريه من زمالء عرصه يف التوجه‬ ‫والتامسك الفكري يف األربعينيات والخمسينات والستينيات‪ ،‬زمن األسئلة الوجودية الجديدة عىل منطقتنا كالعلامنية والقومية‬ ‫وسطوعها وانكسارها أمام هزمية حزيران وسطوع نجم اإلسالم السيايس عىل الواجهة‪ ،‬هذه األسئلة واجهها العظم بالهدوء الذي‬ ‫فقده غريه ومل يستطيعوا التوفيق بني القديم والجديد‪.‬‬ ‫مثل العظم ظاهرة يف العامل العريب‪ ،‬وأقل ما ميكن أن يوصف (باملثقف املشاكس)‪ ،‬حيث كانت البداية مع كتاب (النقد الذايت بعد‬ ‫الهزمية) ثم (نقد الفكر الديني) وبسببه حوكم وسجن ثم برئ‪ ،‬وفصل من الجامعة األمريكية بسبب انزعاج اإلدارة من كتاباته‪.‬‬ ‫انتقل بعدها إىل عامن لكن رسعان ما وضع اسمه عىل قامئة املمنوعني من دخول األردن ووضع عىل أول طائرة إىل بريوت‪ ،‬بسبب‬ ‫عمله مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطني‪ ،‬يف بريوت‪ ،‬عمل باحثاً يف «مركز األبحاث الفلسطيني» وأصدر كتاب (دراسات نقدية لفكر‬ ‫املقاومة الفلسطينية)‪ ،‬ففصل من املركز وتلقى تهديدات جدية‪.‬‬ ‫مل ينتهي العظم من كل هذا‪ ،‬فبعد الضجة الكبرية التي أثارها سلامن رشدي بروايته \آيات شيطانية\‪ ،‬أصدر العظم كتاب (ذهنية‬ ‫التحريم) ثم (ما بعد ذهنية التحريم) مدافعاً عن الحق يف الكتابة‪ ،‬والتي فتحت عليه جبهات إسالمية عديدة خرج منها ساملاً‪ .‬بعد‬ ‫أن خرج ساملاً من فتوى دينية عام ‪ 1970‬اعتربته ملحداً‪.‬‬ ‫بالنسبة للثورة السورية‪ ،‬فمنذ بدايتها أخذ العظم موقفاً ثابتاً بتأييدها والدفاع عنها‪ ،‬ويف ‪ 2012\9\17‬اختري رئيساً لرابطة الكتاب‬ ‫السوريني يف القاهرة الذي يعترب بدي ًال عن اتحاد الكتاب يف دمشق‪ ،‬ودخل يف سجال واجه فيه الشاعر أدونيس يف نقده للثورة‬ ‫السورية‪ ،‬وكان العظم من أول من أطلق مصطلح (العلوية السياسية) عىل غرار (املارونية السياسية) يف لبنان أثناء الحرب اللبنانية‪.‬‬ ‫ولد صادق جالل العظم عام ‪ 1934‬يف دمشق وتابع الثانوية يف املدرسة اإلنجيلية يف صيدا (لبنان)‪ ،‬ثم حصل عىل درجة الليسانس يف‬ ‫اآلداب بامتياز من الجامعة األمريكية يف بريوت (اختصاص فلسفة)‪ ،‬وأتم دراسته العليا يف جامعة (بال) يف أمريكا‪ ،‬حيث نال درجة‬ ‫دكتور يف الفلسفة الحديثة‪.‬‬ ‫شغل مناصب عدة يف حياته‪ ،‬من أهمها أستاذ للفلسفة والفكر العريب الحديث واملعارص يف جامعة‬ ‫نيويورك والجامعة األمريكية يف بريوت‪ ،‬ثم عاد إىل دمشق ليعمل أستاذاً يف جامعتها‪ ،‬قبل‬ ‫أن ينتقل للتدريس يف الجامعة األردنية يف عامن‪ ،‬ثم أصبح سنة ‪ 1969‬رئيس تحرير مجلة‬ ‫الدراسات العربية التي تصدر يف بريوت‪ ،‬كام شغل منصب رئيس قسم الدراسات الفلسفية‬ ‫واالجتامعية يف كلية اآلداب بدمشق بني عامي ‪ .1993-1998‬و عمل أستاذاً يف العديد‬ ‫من الجامعات األمريكية واألوروبية مثل جامعة برنستون وهارفارد هامبورغ وهومبولت‬ ‫وأولدنبورغ ‪ ،‬وهو عضو يف أكادميية العلوم واآلداب األوروبية‪.‬‬ ‫حاز العظم عىل جائزة ليوبولد لوكاش للتفوق العلمي سنة ‪ 2004‬والتي متنحها‬ ‫جامعة توبينغن يف أملانيا‪ ،‬وترجمت أعامله لعدة لغات منها الفرنسية‬ ‫واإليطالية واإلنكليزية والرتكية والفارسية واألملانية والهولندية‬ ‫والسويدية والرنويجية‪.‬‬


‫سيــنما‬ ‫فيلم ساحرة الحرب ‪War Witch‬‬ ‫ومازال أطفال الحرب جنودها وشهداء الذاكرة‪..‬‬ ‫عامر عكاش‬ ‫سمعنا الكثري عن أطفال الحرب يف أفريقيا‬ ‫أولئك الذين يحملون سالحاً يفوق طول‬ ‫قاماتهم الصغرية‪ ،‬ورمبا أرسفت خياالتنا يف‬ ‫ات منط ّية عن أفريقيا السوداء موطن‬ ‫تص ّور ٍ‬ ‫واملتوحشني‪ ،‬والقارة التي يطحنها‬ ‫البدائيني‬ ‫ّ‬ ‫الجوع والحروب األهلية‪.‬‬ ‫فلم ساحرة الحرب كفيل بتحطيم هذه الصورة؛‬ ‫قصة طفلة تبلغ من العمر ‪ 14‬عاماً ترسد عىل‬ ‫ّ‬ ‫طفلها الذي مل يولد بعد حكايتها كجندية تقاتل‬ ‫مع املتمردين‪ ،‬يحافظ املخرج الكندي ‪Kim‬‬ ‫‪ Nguyen‬بحرف ّية عالية عىل التوازن ما بني‬ ‫املشاهد عدم الغرق‬ ‫التأثري النفيس الوجداين يف‬ ‫ِ‬ ‫مطب الكثري‬ ‫يف نزعة عاطف ّية مبالغ بها‪ ،‬وهي ّ‬ ‫من األفالم التي تتناول فظائع الحروب‪ .‬يبدو‬ ‫الواقعي بشكل خاص من خالل تقن ّية‬ ‫املنحى‬ ‫ّ‬ ‫التصوير التي تكاد تقارب األفالم الوثائف ّية يف‬ ‫بعض لحظات الفلم كأنها عني مراقب خارجي‬ ‫يلتقط مشاهداته‪ .‬فالفلم يبدأ دون مقدمات‪،‬‬ ‫يدخل املتمردون قرية الطفلة كونوما (املمثلة‬ ‫‪ )Rachel Mwanza‬ويجربها املتم ّردون عىل‬ ‫قتل والديها بعد تهديدها بتعذيبهم مامل‬ ‫تطلق النار عليهام‪ ،‬هي أول رصاصة تطلقها‬ ‫حي وهي لحظة عبورها للربزخ بني‬ ‫يف جس ٍد ّ‬ ‫عامل الطفولة وعامل الحرب الذي يحكمه الدم‬ ‫والعنف ومتوت فيه العواطف‪ ،‬فتقول البطلة‬ ‫كونوما يف إحدى املشاهد‪« :‬كان ع ّ‬ ‫يل أن أتعلم‬ ‫دفع دموعي لتصعد إىل رأيس»‪ .‬ويف إحدى‬ ‫املعارك يلقى جميع رفاقها حتفهم‪ ،‬لتكون‬ ‫الناجية الوحيدة‪ ،‬فيعتقد الجميع بأنها متتلك‬ ‫قوىً سحر ّية‪ ،‬و ُتر َّقى لتصبح «ساحرة حرب»‬ ‫ويؤمن املتمردون أنها تستطيع تحديد موقع‬

‫القوات الحكومية املرت ّبصة بهم يف األدغال‪ ،‬يت ّربك‬ ‫بها قائد املتمردين الذي يتخذها الحقاً خليل ًة له‪.‬‬ ‫ورغم ان املخرج يشري إىل أن أحداث الفيلم تجري‬ ‫يف بلد أفريقي يقع جنوب الصحراء الكربى‪ .‬يظهر‬ ‫قائد املتمردين وبحوزته حجر كولتان وهو معدن‬ ‫خام مثني يعترب أحد املواد الثمينة التي تغذي‬ ‫موارد الرصاع يف الكونغو‪ ،‬وهي إشارة غري مبارشة‬ ‫لربمّ ا ألسباب الحروب التي تطحن أفريقيا‪.‬‬ ‫الجانب الواقعي للفلم ال يستويل عىل الفلم كل ّيةً‬ ‫إمنا يبقى جانب رمزي أيضاً ‪ ،‬يظهر يف تكرار مشهد املوىت الذين يزرون كونوما كلام رشبت «الحليب‬ ‫السحري» وهي مادة مخدرة مستخلصة من نسغ إحدى األشجار‪ ،‬فيزورها والداها يكسو جلود‬ ‫أجسادهام ُ‬ ‫لون رم اديّ ؛ الرماديّ اللون الذي مييل إىل الكآبة ويحيل يف املسيحية إىل الحداد والتوبة‪.‬‬ ‫إنها ذاكرة شهود الحرب التي ال متوت تبقى مثل كعب أخيل مقتلهم وجرحهم املفتوح‪.‬‬ ‫رسد الفلم يأيت من خالل تقنية الفالش باك أشبه مبونولوج داخيل بني كونوما التي تبلغ من العمر‬ ‫‪ 14‬عاماً وترسد لطفلها اآليت قصتها كمقاتلة يف صفوف املتمردين وبني كونوما التي كانت طفلة‬ ‫بريئة عمرها ‪ 12‬عاماً‪ ،‬هذا املونولوج تعبري فنّي متقن عن هذا الرصاع الدائم الذي يعيشه الناجون‬ ‫ني لحني‬ ‫من الحروب حني يبدؤون بالعودة إىل الحياة املدن ّية‪ ،‬فتبدأ وحوش الذاكرة بزيارتهم من ح ٍ‬ ‫‪ ،‬فصدمة الحرب والعودة إىل حياة هادئة بسيطة رصاع يالزم كل شهود الحرب‪ ،‬رمبا فقط شهداؤها‬ ‫هم من يصعدون إىل السامء آمنني مطمئنني‪.‬‬ ‫يف املشهد األخري للفيلم تصعد كونوما مع طفلها عربة نقل ّ‬ ‫تقل ركاباً تفيض وجوههم طيب ًة رغم‬ ‫يبتسم الر ّكاب لصوت الطفل يف بارقة أمل لحيا ٍة جديدة ربمّ ا يعيشها جيل جديد‪ ،‬فيام تنام‬ ‫القهر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كونوما مكدود ًة عىل أرض ّية السيارة وقد ُسل ِب ْت منها طفولتها لألبد وترتفع الكامريا رويداً رويداً‬ ‫عن وجه الطفلة مع أغنية هادئة لترتك سؤاالً خجوالً رمبا مل يعد ذا قيمة كبرية يف أيامنا‪ :‬إىل متى؟‬

‫‪37‬‬


‫مشاريع ومبادرات‬ ‫‪Free Press Unlimited‬‬

‫‪CARE‬‬ ‫منظمة رعاية‬

‫تعمل منظمة فري بريس عىل ضامن أن األخبار واملعلومات املوثوقة‬ ‫متوفرة للجميع حول العامل‪ ،‬خصوصاً يف البلدان حيث ال توجد صحافة‬ ‫حرة‪ .‬ومن خالل دعم الصحفيني واإلعالميني املحرتفني املحليني‪ ،‬تعمل‬ ‫املنظمة عىل متكني أكرب قدر من الناس للحصول الدائم عىل املعلومات‬ ‫الالزمة للمعيشة والتنمية‪.‬‬ ‫املنظمة نشيطة يف أكرث من ‪ 40‬دولة ويف املناطق حيث تستطيع‬ ‫إحداث فرق‪ ،‬حيث تعمل هناك عىل تنمية قدرات اإلعالميني املحليني‬ ‫واملنظامت اإلعالمية‪.‬‬

‫منظمة إنسانية رائدة تحارب الجوع حول العامل‪ .‬تركز عىل العمل‬ ‫بجانب النساء الفقراء‪ ،‬ومتدهن باملوارد املناسبة ألن املرأة لديها القدرة‬ ‫عىل إعالة أرس بأكملها عىل الهروب من الفقر‪ .‬تعمل املنظمة أيضاً‬ ‫عىل تعزيز الحلول الجديدة وتنارص من أجل تحمل املسؤولية العاملية‪.‬‬ ‫تسهل التغيري الدائم من خالل‪:‬‬ ‫ تنمية القدرات من أجل الدعم الذايت‪.‬‬‫ توفري فرص اقتصادية‪.‬‬‫ تقديم اإلغاثة يف الطوارئ‪.‬‬‫ التأثري عىل القرارات السياسية يف كل املستويات‪.‬‬‫ محاربة التمييز بكل أشكاله‪.‬‬‫املهمة‪ :‬خدمة األفراد والعائالت يف املجتمعات األكرث فقراً يف العامل‪.‬‬ ‫الرؤية‪ :‬تسعى إىل عامل من األمل‪ ،‬التسامح والعدالة االجتامعية حيث‬ ‫يتم التغلب عىل الفقر و الناس تعيش بكرامة و أمان‪.‬‬ ‫النساء هم قلب عمل املنظمة ضمن جهودها يف تطوير التعليم (تعليم‬ ‫الفتيات و متكني الشباب) وأيضاً العنف املرتكز عىل النوع االجتامعي‪.‬‬ ‫تقدم الرعاية الصحية و التغذية‪ ،‬زيادة النفاذ إىل املياه النقية و الرصف‬ ‫الصحي‪ ،‬تحسني الفرص االقتصادية‪ ،‬الدخول يف السوق ومشاريع‬ ‫التمويل الصغرية‪ ،‬وحامية املوارد الطبيعية‪ .‬تقدم املنظمة اإلعانات‬ ‫الطارئة للناجني من الحروب والكوارث الطبيعية وتساعد الناس يف بناء‬ ‫حياتهم من جديد‪.‬‬

‫الصحافة الحرة وغير المحدودة‬

‫تدعم فري بريس «عمالء التغيري» هؤالء من أجل تطوير معرفتهم‬ ‫ومهاراتهم من خالل العديد من النشاطات‪:‬‬ ‫ تنمية القدرات الفردية‬‫ الرتكيز عىل تقوية اإلعالم املستقل وتطوير اإلعالم املوجود وتحويله‬‫إىل منظامت مستقلة‪.‬‬ ‫ عندما ال يكون هناك إعالم مستقل تقوم بتطوير مبادرات الصحفيني‬‫املوجودين هناك‪.‬‬ ‫ توفري دعم متواضع يف األزمات‪.‬‬‫ تسهيل تبادل املعلومات والخربات بني الصحفيني الهولنديني املحرتفني‬‫وأولئك يف الدول النامية‪.‬‬ ‫يتم كل هذا من خالل دعم املانحني‪ ،‬املمولني واملؤسسات الراعية‪.‬‬

‫‪38‬‬


‫منظمـات‬

‫منظمة بيت قامشلو‬ ‫منظمة غري ربحية ثقافية مدنية‪ ،‬تم تأسيسها منذ سنتني‬ ‫يف تاريخ ‪ 17‬نيسان ‪ ،2011‬عىل يد مجموعة من الناشطني‬ ‫وعىل رأسهم نرص الدين أحمة‪.‬‬ ‫ومنذ ذلك الحني كرس هذا البيت نشاطاته لتكريس مفهوم‬ ‫الرتبية املدنية واملجتمع املدين‪ ،‬حيث كانت من أوىل‬ ‫شعاراته‪( :‬تحت سقفه نزرع العيش املشرتك)‪ ،‬فكان بيت‬ ‫قامشلو بيتاً لكل السوريني باختالف طوائفهم ودياناتهم‬ ‫وقومياتهم‪ ،‬تجمعهم سوريتهم دون أي يشء آخر‪،‬‬ ‫يتألف بيت قامشلو من بيتني‪ :‬بيت لإليواء يضم الناشطني‬ ‫السوريني‪ ،‬وبيت ثقايف غني مبختلف الفعاليات الثقافية‪،‬‬ ‫جعل الطفل من أول اهتامماته‪ ،‬فأقيمت فيه نشاطات‬ ‫مختلفة لألطفال‪ ،‬منها ما هو تعليمي‪ ،‬كتعليم اللغات‬ ‫اإلنكليزية والفرنسية والرتكية‪ ،‬ومنها ما هو ترفيهي كدروس‬ ‫املوسيقى وورشات الرسم واأللعاب املوجهة‪.‬‬ ‫مل يقترص نشاط بيت قامشلو عىل ألطفال فحسب‪ ،‬بل شمل‬ ‫كافة فئات وطبقات املجتمع من شباب وشعراء وأدباء‬ ‫ومحاميني‪ ،‬فجعل من اهتامماته أيضاً إقامة محارضات‬ ‫توعوية للشباب باإلضافة إىل األمسيات الشعرية واملوسيقية‬ ‫واألدبية وورشات العمل املتخصصة لإلعالميني واملحاميني‪.‬‬ ‫يعمل بيت قامشلو من خالل نشاطاته عىل ترسيخ مفهوم‬ ‫العيش املشرتك والتسامح الديني والطائفي والحرية‬ ‫الفكرية‪.‬‬

‫مؤسسة اإلغاثة والتنمية اإلنسانية السورية‬ ‫‪Najda-Now International‬‬

‫تتمحور إسرتاتيجية املؤسسة نجدة ناو حول العمل االنساين‪ -‬التنموي‪ ،‬ويرت ّكز‬ ‫عملها يف املجاالت التالية التي ميكن اعتبارها محاور عامة‪:‬‬ ‫االستجابة للطوارئ واألزمات‪ :‬يحتم هذا املحور الواقع الفعيل الحايل يف سوريا و‬ ‫يشمل تلبية نداء املترضرين واملنكوبني واملهجرين واالستجابة الفورية ملا تتطلبه‬ ‫مختلف االزمات الطارئة كالفيضانات واالعاصري والزالزل والحروب وغريها ‪.‬‬ ‫الرعاية الصحية‪ :‬تأمني عالج الجرحى واملصابني املحرومني من رعاية الدولة‬ ‫واملؤسسات االجتامعية والصحية األخرىباالضافة اىل تقديم نوع رعاية الطفولة‬ ‫واألمومة‪ ،‬الغذاء الصحي والتصدي لسوء التغذية‪ ،‬املياه اآلمنه صحيا‪ ،‬الصحة‬ ‫النفسية واالجتامعية ودعم البحوث العلمية املتعلقة باألمراض الفتاكة‪.‬‬ ‫التوعية والرتبية الدميقراطية والتعليم‪ :‬من ناحية أخرى فهناك برامج للتبادل‬ ‫التعليمي والرتبوي والتثقيفي مع املؤسسات املحلية والعاملية التي تعمل يف هذا‬ ‫املجال‪ .‬ومتابعة تعليم االطفال الذين مل يستطيعوا ذلك ألسباب قاهرة‪ ،‬كربامج‬ ‫محو األمية من بني أولويات املؤسسة ‪.‬‬ ‫الدخول يف رشاكات اسرتاتيجية مع املنظامت الدولية واملؤسسات العاملية املستقلة‬ ‫‪،‬من اجل رفع الكفاءات املؤسسية ودعم القدرات الذاتية لرأس املال البرشي‬ ‫واإللتزام املبارش يف تنفيذ مشاريع البنى التحتية‪.‬‬ ‫وباعتبار املؤسسة نجدة ناو منظمة غري ربحية تهدف الخدمة العامة فهي‬ ‫تحمل رسالة إغاثة املحتاجني واملترضرين من األزمات والكوارث من خالل‪:‬‬ ‫ املساهمة يف نرش روح التسامح بني املواطنني عىل مستوى سوريا لخدمة‬‫املحتاجني واملترضرين مهام اختلفت انتامءاتهم القومية والدينية وما إليها‪.‬‬ ‫ مد جسور التعاون مع املنظامت املحلية والعاملية املشرتكة يف العمل اإلنساين‪.‬‬‫ توفري الدعم املادي لربامج البرِ املختلفة‪.‬‬‫ نرش ثقافة التكافل االجتامعي واحرتام التعدّدية يف املجتمع السوري‬‫ تشجيع العمل التط ّوعي يف مختلف جوانبه اإلنسانية‪.‬‬‫‪ -‬الدعم املعنوي ألصحاب املبادرات اإلنسانية املتميزة ‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫عندما قررت أن أصبح كردي ًا‬ ‫مالذ الزعبي‬ ‫كان يوماً مشؤوماً‪ ...‬مل أجد من وسيل ٍة للتضامن مع أهايل املدن‬ ‫والبلدات السورية الكردية الواقعة تحت نريان داعش إال بستاتوس‬ ‫فيسبو ّيك سيقلب كل املوازين العسكرية والجيوسياسية واالقتصادية‬ ‫ٌ‬ ‫لحظات حتى قام الرسام‬ ‫واإلعالمية‪« :‬أنا كردي من حوران»‪ .‬ما هي إال‬ ‫الكالسي ّ‬ ‫الوطني والكاتب البارز كامل‬ ‫والسيايس‬ ‫يك واملعارض الحاذق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اللبواين بحذيف من قامئة أصدقائه الفيسبوكيني‪ .‬لكن هذا الحادث‬ ‫األليم‪ ،‬وعىل الرغم من إقراري ببالغ جسامته‪ ،‬لن يكون شيئاً بالقياس‬ ‫إىل ما تبعه‪.‬‬ ‫فزوجتي كالت يل تهمة السعي إىل االنفصال عنها‪ ،‬وجنيفر أنيستون‬ ‫اعتربتني املسؤول األول عن انفصالها عن براد بيت‪ ،‬لكنها ولألمانة‪،‬‬ ‫مل تذكر اسمي فيام يخص ارتباط زوجها السابق بأنجلينا جويل‪ .‬وليت‬ ‫املوضوع وقف عند حدود براد وجنيفر وأنجلينا وهذه الش ّلة‪ ،‬فدمية‬ ‫الجندي حملتني مسؤولية انفصالها عن فراس دهني‪ ،‬وعمر البشري‬ ‫هاتفي بالضلوع يف انفصال جنوب السودان عن‬ ‫اتهمني يف اتصالٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫شامله‪ ،‬وأملح إىل مسؤوليتي األكيدة يف أيّ انفصالٍ محتملٍ لدارفور‪.‬‬ ‫وكييف اعتربتني مشاركاً يف انفصال شبه جزيرة القرم‪ ،‬وصنعاء محرضاً‬ ‫عىل انفصال جنوب اليمن‪ ،‬ونيو دلهي داع ًام لالنفصاليني الكشمرييني‪،‬‬ ‫وموسكو نصرياً لالنفصاليني الشيشان‪ ،‬ومدريد مسانداً النفصال الكتالن‬ ‫والباسكيني‪ ،‬ولندن منحازاً النفصال اإلسكتلنديني‪ ،‬وبكني مؤيداً النفصال‬ ‫التيبت‪ ،‬والرباط منارصاً النفصال الصحراء الغربية‪.‬‬ ‫ونصف عىل كتابة الستاتوس‪،‬‬ ‫مل يقف األمر عند هذا الحدّ‪ ،‬فبعد ساع ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫أصيبت جارتنا الحامل يف شهرها الثامن بانفصال املشيمة عن الرحم‪،‬‬ ‫وأشعرتني عائلتها‪ ،‬بطريق ٍة أو بأخرى‪ ،‬بأن مثة مسؤولي ًة تقع عىل عاتقي‬ ‫يف هذه املصيبة‪ .‬حاولت اللجوء إىل مشاهدة التلفاز عىل أمل الخروج‬ ‫من سلسلة اللعنات هذه‪ ،‬فكانت أ ّول قنا ٍة تطلع يف وجهي تعرض‬ ‫فيلم «انفصال نادر وسيمني» للمخرج اإليراين أصغر فرهادي‪ .‬أغلقت‬ ‫النفيس‬ ‫التلفاز وأنا أرغي وأزبد‪ ،‬وعزمت مبارش ًة عىل مراجعة الطبيب‬ ‫ّ‬ ‫عابد فهد لعليّ أحصل عىل تفس ٍري يشفي غلييل‪ّ ،‬‬ ‫فشخص حالتي عىل‬

‫‪40‬‬

‫أنها نوعٌ من أنواع االنفصال‪ ..‬عن الواقع‪ ،‬يشبه ذاك الذي يعيشه ساسة‬ ‫املعارضة السورية ورئيس النظام بشار األسد‪.‬‬ ‫حاولت الرتويح عن نفيس بالخروج يف رحل ٍة إىل إحدى الغابات مع‬ ‫مجموع ٍة من األصدقاء‪ ،‬ولكن ما أن انقضت نصف ساع ٍة عىل تجوالنا‬ ‫يف الغابة حتى انفصلت عن باقي املجموعة وضللت طريقي‪ .‬عدت إىل‬ ‫الرشقي من البيت‪،‬‬ ‫املنزل بعد جه ٍد جهي ٍد وجلست يف الركن الشام ّيل‬ ‫ّ‬ ‫الخاص يب يف شقتنا املتواضعة‪ ،‬دون‬ ‫فاعتربتني زوجتي ساعياً إلنشاء كياين‬ ‫ّ‬ ‫األخذ باالعتبار حاجاتها وخصوصياتها االجتامعية والثقافية‪.‬‬ ‫شتمت الساعة التي ارتأيت أن أتضامن فيها مع أحد‪ ،‬وق ّررت‪ ،‬مقب ًال‬ ‫غري مدبر‪ ،‬أن أحذف تلك الستاتوس املشؤومة‪ ،‬مع إدرايك لكل التقهقر‬ ‫واإلعالمي الذي سينتج عن ذلك‪ ،‬إال‬ ‫والجيوسيايس واالقتصاديّ‬ ‫العسكريّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫أن خدمة اإلنرتنت كانت منفصلة لعدم دفعي الفاتورة منذ ثالثة أيام‪.‬‬ ‫البعثي‪ ،‬املصابني بانفصال‬ ‫إىل املعارضني السوريني من أتباع املنهج‬ ‫ّ‬ ‫خص الشأن الكردي‪ :‬آزادي لعقولكم‪.‬‬ ‫الشبكية فيام ّ‬


http://ccsdsyria.org/files/peace_resouces_report_ar.pdf :‫ميكنكم تصفح التقرير على الرابط‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.