حاضر املغرب واختالالت األمن الثقايف احللقة الثانية عشر :ما بعد الطغيان!! ..
الدكتور أمحد الطاهري
أستاذ التعليم العايل (اتريخ املغرب واألندلس) ورئيس مؤسسة اإلدريسي املغربية اإلسبانية ahmedtahiri31@gmail.com
إنه ملما يدعو إىل األسف أن يظل املغاربة حائرين بدون بوصلة وسط اليم املتالطم األموا ،عاتية على دايرهم بظلمات الشرق الدامسة ونريان الغرب املست ِعرة؛ وهم أرابب حضارة عريقة واتريخ ال ينضب معينه ابلعلم واحلكمة ِ والعَب .ويظل ْ األسف مزدوجا من بقاء كَبايت مفاصل اتريخ املغرب وأعماق حضارته ومكنوانت تراثه خار دائرة املعرفة التارخيية، أسرية أقالم مف ْرنسة هزيلة وقراءات املست ْعربني النصية املبتورة. أمل يتمكن األجداد قبل عشرة قرون خلت من صياغة إحدى أنضج احلضارات يف التاريخ ،اليت مل تفلح األمم املعاصرة يف أرقى الدميوقراطيات الغربية إىل اليوم يف مالمسة أعتاهبا ؟ أمل يتفانوا يف استلهام تراث األمم القدمية ببالد الرافدين ومصر ،وآاثر فارس واهلند والصني ،وخملفات احلمرييني واألمازيغ ،وحضارات اليوانن والرومان وغريهم فأودعوها جتارب أعماهلم وبطون كتبهم ابحلر العر ي الفصيح ؟ أمل يتجردوا على إثر ذلك لالرتفاع ابإلنسانية إىل أسىن املدارك ،م ِققني كَبايت املنجزات يف الفالحة وهندسة املياه ،ويف الصنائع اليدوية واملهن العملية واملبتكرات التقنية ،ويف النقل واملواصالت الَبية والبحرية ؟ أمل يبلغوا ابلعلوم والفنون والقوانني واآلداب درجات غري معهودة من التناسق مع نواميس احلياة والتفاعل مع طبائع اخللق ،وقد أتلقوا ِرفعة شأن وِرقة هندام وأانقة بنيان وبديع ِحر ٍ وأعمال ؟ أال تسرتعي آاثر أهل املغرب ابلعدوتني إعجاب الزائرين املتهافتني ابملاليني ،من أقصى جزر الياابن واحمليط اهلادي إىل مستوطنات رعاة البقر بقاصية مغيب الشمس ،مبهورين برائق ما ختلف من معاملها .وها هي بصمات عطاءاهتم يف علوم الطب والصيدلة والفالحة والنبات ،ويف علوم الفلك والرايضيات ،ويف احلكمة والفلسفة والتصو املوسيقى واألحلان ،وعلوم الشرائع واألداين ،واآلداب واللسان زاخرة آبال البلدان ،مما ال يقدر بثمن. 1
العرفاين ،ويف
الدرر احملفوظة يف دور املخطوطات مبختلف
لين هد ،لوال يد القهر والطغيان اليت ما كان لذلك الصرح احلضاري العظيم الذي شيده األجداد مبغرب دار اإلسالم ْ حتركت أدواهتا الشيطانية لنخر نظام اجلماعة من الداخل وإفراغ خطة الفتوى التشريعية ومنظومة العدل القضائية وخطط احلكم التنفيذية من كافة مضامينها املتأصلة على مدار القرون األربع اهلجرية األوىل ،الزاخرة بعطاء غري مسبوق يف جمال النظم واحلرايت الفردية واجلماعية .ويف أخرق ِردة حضارية ،ت جتميع السلط كافة يف يد الطاغية املنصور بن أ ي عامر الذي قلما جند له مثيال يف التاريخ قدميا وحديثا يف حده ذكائه وغموض شخصيته ودقة ختطيطه وعظمة سلطانه وجَبوت قهره لكل من بس بكلمة يف معارضة ح ِ كمه أو أبطن يف قرارة نفسه ما قد ت ْشتم منه رائحة خمالفة رأيه. وما أن جثم اجلَبوت على أفئدة اخللق وتسلط السيف على ِ الرقاب وعم الذعر اخلاصة والعامة حىت شرع نظام القهر العامري يف فصل الشريعة عن العلم واحلكمة ،يف أخرق عملية برت يف مكوانت الفكر املغر ي ،ما زلنا إىل اليوم نكتوي بتداعياهتا .وقد فصلنا احلديث يف أكثر من كتاب عن عمليات التطهري الواسعة اليت حتركت حينئذ يف كافة أحناء املغرب ضد العلماء والفالسفة واملفكرين والفقهاء املستنريين واألدابء والشعراء ،ت ْستباح دمائهم وت ْنهب أمواهلم ويؤخذون ابلظن
ويطبقون يف السجن وميتحنون أبصنا
العذاب .وهو مبدأ اهلاوية اليت أل مت مبقدراتنا الفكرية فظلت منذ ذلك احلني
متدحرجة إىل ما أصبحت عليه اليوم من شلل وحتجر ودوران يف فلك اآلخرين. ويف سابقة اترخيية عميقة الدالالت أ ِ طلق العنان لذاك الصنف ال ممالئ من فقهاء القيل والقال املد ِرئني ابلقراءات حيورون معانيهما مبا يوافق تعليمات الطاغية وي ِ النصية يف الكتاب والسنة ،مفصولة عن سياقاهتا األصلية ِ ناسب ضعف ِ وضيق قلوهبم .أما وقد أعطوا بظهورهم لنور السماوات واألرض وتَبأوا من رسالة تكوينهم وقلة درايتهم وحتجر عقوهلم ْ املصطفى األمني ،فمن الطبيعىي أن يتحركوا يف أعىت عملية اجتثاث للرتاث الفكري ،فمزقوا الكتب وأحرقوا املكتبات وأتلفوا كل ما ميِت بصلة للعلم واحلكمة ،وقد استثنوا ما اعتَبوه علما بشرائع الدين ْيرتون مفوظاته عن ظهر قلب وقد شحذوها أبلسنتهم سيفا مسلطا على رقاب الناس أبوامر ونواهي احلالل واحلرام .ويف استِمساكِهم ابلس ِ فاسف وختليهم عن ْ ْ جوهر الدين يكونون قد اختذوا ِ الع ْجل هم أيضا ،مثل من سبقهم من منافقي أهل الكتاب.
ومنذ ذلك احلني مل تتوقف عجلة الرتدي الفكري عن التدحر مبغرب دار اإلسالم ومشرقه رويدا رويدا يف أتون هاوية سحيقة ما زالت م ِ نحدرة أبهلنا إىل أسفل سافلني .ومل يد ِخر هذا الصنف من املت ف ِقهني املست ِظلني جبَبوت السيف، املت عيِشني على موائد الظلمة ،املنقادين لغرائزهم ،جهدا يف إحكام قبضتهم على عقول الغوغاء وجهلة العامة حي ِركوهنم ِوفق األهواء املتالطمة إبمرة الطاغوت لتعطيل العقل وس ِد كافة ما قد ينفتح من املنافذ املشرعة على درِر العلم وأنوار احلكمة،
فرتكوا دايران بلقعا يف ظالم دامس. فما أن اختل نظام القهر العامري وانْ هد ت أركانه حىت اشتعلت نريان الفتنة الطائفية اليت دامت قرابة ربع قرن من الزمن حتصد األرواح وخت ِرب الداير ،يف إحدى أحلك فصول اترخينا .أسفر ذلك عن متزق أوصال البالد وتشتت أركاهنا يف ممالك طائفية م ِ تناحرة ،وقد تكالبت مطامع املمالك املسيحية على خرياهتا؛ فما كان إال أن تقدمت أقواها شوكة حينئذ فاحتلت طليطلة بقلب األندلس .وهو احلدث البالغ اخلطورة الذي علق عليه أحد مشاهري شعراء العصر بقوله:
2
حثوا ِ ٍ أندلس رواحلكم اي أهل
فما املقام هبا إال ِمن الغل ط
ِ السلك ينثر ِمن أطراف ه وأرى
سلك اجلزيرة منثورا من الوسط
وما الفرق بني أوضاع مغرب دار اإلسالم إذ خر لِت ِوه من نظام الطغيان العامري ،وما أصبح عليه مشرقها اليوم بعدما الطغاة ؟ ومن عجائب املفارقات أن يسارع ملوك الطوائف حينئذ إىل
ترنح لعقود مكسور اإلرادة حتت جَبوت أصنا هتنِئة من وصفهم معت ِمدهم برعاة اخلنازير معَِبين لسلطان قشتالة عن ابتهاجهم بعظيم نصره ،متنافسني فيما بينهم على متاحفتِه برفيع اهلدااي ،احتِفاء ب ِرفعة ِ مقامه .وها هي طوائف اليوم بكياانهتا القطرية وم ِمياهتا العشائرية ،متشيِعة كانت أو صبا وغزو متسنِنة أو متشبِهة بنظم الغرب الالئكية ،قد سارعت لتهنِئة رعاة البقر املتعج ِرفني ابقتحام قلب دار اإلسالم غ ْ قهرا م ِ عَبين عن عظيم سرورهم بشنق أح ِدهم يف يوم األضحى. مدينة السالم ْ قسرا عن أوطاهنم قد وجدوا يف املغرب األقصى وغريه من داير اإلسالم مالذا آمنا وإذا كان أهل األندلس املهجرين ْ ِ استِمساكا حيتضنهم ويضمد جراحهم ،فأي بلد هذا الذي سيفتح أبوابه املوصدة الستضافة ماليني املهجرين من أهلنا ْ ابحلياة بعدما تفككت أوطاهنم وهتدمت على ِ رؤوسهم الداير وانفجرت يف أجسادهم القنابل واأللغام واختنقت أنفاسهم ابلغازات السامة امللقاة على األحياء وغدوا يف العراء ع ْرضة للجوع والَبد والعطش؛ وقد تقطعت هبم السبل املوصدة برا
وحبرا وأحاطت هبم الوحوش الضارية يف ْجممع األمم املعاصرة ،أبعد ما تكون عن الدميوقرطية وحقوق اإلنسان.
إنه فصل آخر من نفس املشروع الذي ي ن بِئ برغبة املتح ِكمني يف مصائران إفراغ أوطاننا من أهلها والشروع يف إعادة االستيطان .أليس يف أصول توارخيهم ومنازع فكرهم ما ي ِ ستحثهم على التخطيط إلابدة املزيد من األمم .وهل تست ِحق
ِ املتجَبين من أبناء اجلِلدة ،أن تظل م ِقيمة مبهد هذه الشعوب املقهورة ،على ما هي عليه من بؤس وخنوع للطغاة
احلضارات ومهبط الوحي ومنازل الرسل والدايانت ،وهي يف أسفل الدرك دون درجة املواطنة ؟ أليست ُنبهم متكاسلة وعازفة عن اكتساب املعار وقد جبلت يف كن ِ ف الطاغية على التلصص واالختالس والرايء وتطبعت أبخالق التملق واملمحاكة والنفاق ؟ أليس عامتهم من اجلهلة ِ األميني غاية أملهم الظفر بقوت يومهم ؟ فلند ْعهم وحنن أسياد الكون
ِ يتقاتلون فيما بينهم ِ املست ِعرة يلقوهنا محما على رؤوس بعضهم وخيربون دايرهم أبيديهم وينفقون كنوزهم يف اقتناء نرياننا ْ البعض ،وحنن هلم ابملرصاد إىل أن حيني وقت اجتِثاثهم مجيعا الواحد تلو اآلخر ،فنم ِهد الطريق الستيطان ما يصلح لذ ِريتنا
من أوطاهنم. وإذا كان الطغيان العامري قد خلخل جذور حضارتنا املغربية وهي يف ع ْن فوان ِع ِزها ،فها هي أشكال الطغيان املعاصر
قد أنب تت ضريعا مبشرق دار اإلسالم ،بعد عقود من القهر للشعوب والتنكيل أبهل الفكر وتشتيت جمامع العلماء وإطفاء أنوار احلكمة وإجهاض مبادرات النخب وسد املنافذ يف وجه اجملتهدين .ومل يتوقف اجلَبوت أثناء ذلك عن إطالق يد املتم ِلقني واملنتهزين وإعالء شأن ِ املقلدين واملنت ِفعني لنخر املنشآت والعبث ابملؤسسات وتعطيل عقول اخلاصة والعامة برتويج املقوالت وترديد احملفوظات وملئ الفراغات برديئ الكالم ومنظوم ال جمل ،وقد أسفرت بعد خريف قاحل عن كل هذا العقم الفكري والشلل السياسي املخيف ْني بشاسع البالد العربية. 3
وها هي تداعيات الطغيان تعود من جديد لِل ْد ِغنا من نفس اجل ْحر ،وإن على أوسع نطاق :ب ْدءا ابشتِعال فتائل الفتنة
يف اجلزائر واختالل األوضاع بتونس واحتدام الفنت الطائفية بلبنان إىل خراب العراق والشام واليمن وليبيا وتفتيت السودان ،والبقية يف الطريق .ومتاما كما يف املاضي ،ها هي رأس احلِ ْربة ممثلة يف امَباطورية رعاة البقر مدعومة حبلفائها قد تقدمت الحتالل بغداد :قلب دار اإلسالم وتفكيك اجليش العراقي لِترتك البالد والعباد فريسة للصوص واجملرمني ووكاالت االستخبار األجنبية يعبثون ابلدماء والداير واألموال .ث تنسج اخليوط بتفجري األوضاع يف دمشق وإغراق اجليش السوري يف دماء أهله ،وتتحرك آلة العبث ابألوطان يف اجتاه القاهرة حيث ظلت ترا ِوح مكاهنا .وال يسع املرء إال أن يضع ِ املتحكمني من وراء حجاب يف رسم يديه على قلبه خوفا أن تكون الداير املقدسة من بني األهدا املرسومة من طر سياسات الدول الكَبى ،حيبكون لتحقيق أمانيهم يف خراهبا بيد أهلها ،لتعم الفرجة. إهنا املعامل األوىل خلريطة الشرق األوسط اجلديد .فعلى عكس الوضع خالل ب ْدء االستعمار يف م ْستهل القرن املاضي ،مل
تعد القوى الكَبى حباجة جليوش جرارة وأموال وتكتيكات وإنزاالت؛ إذ ليس هناك أسهل لتمرير املخططات من منع أية مبادرة لإلصالح من الداخل والدفع إىل تفجري األوضاع بتكبيل احلكام وحتريك األزالم واإلمساك خبيوط التوازانت اإلقليمية ِوفْق املنافع األجنبية وحتريك قوى الطغيان وأذانهبا يف كل بلد على ِحدة وإبداء النصح املاكر للم ِ تحكمني يف ْ طب ِعهم إبطفاء أنوار احلكمة ،وإسكات قول احلق ،وخنق روح املبادرة الفردية ،وتفكيك نظام رقاب أهلها؛ في تكفلون بِ ْ اجلماعة ،ومتابعة األحرار ابلسجن والتغريب والقتل ،وإتال النسيج الفكري واجملتمعي ،ونشر الرعب واخلو .
وكلما ابتعد الطغاة عن طموحات بلداهنم ومصاحل شعوهبم وجذور حضارهتم سهلت مأمورية العابثني مبصائر األمم والشعوب .فما أن ينتهي دور الطاغية يف أي بلد كان حىت ي ْسحب البساط من حتت أقدامه ابسم حرايت التعبري ٍ وحرايت يف غري ملها من شاكلة زوا املثليني واملناصفة بني اجلنسني وإسقاط التشكيلية ودميوقراطية التماثيل احلزبية األجنة واإلفطار العلين يف رمضان واجملاهرة بشرب اخلمر إىل ما عدا ذلك من الس ِ ِ فاسف والت رهات؛ فيتكفل الفقراء
واملعدمون خبلخلة النظام ث يتحرك الوطاويط واملس ِوسون وأشباه الزعماء وزعانِف الدعاة من كل األلوان إلاثرة الن عرات ميينا ويسارا فتتفكك األمة وتتشرذم الدولة فت عم ِ الفتنة. ْ وليتساءل املرء ِمنا :وهل يف هذه البلدان امل ْخت لة من ُن ٍ ب وزعامات يف مستوى حتمل مسؤولية توجيه أمة وقيادة دولة؟ ما زلت أتذكر يف حسرة وأانة صورة ذاك الرهط الساذ من محلة األقالم و ِ املدرسني ابجلامعات وأشباه املفكرين يتمعون يف الصالوانت ويطرقون أبواب اإلليزيه والكرملني لالستِجداء متباكني بوداين دماء أهلهم املسفوكة طالبني العون ابسم احلرية والدميوقراطية وما شابه من عبارات جوفاء منظومة يف غري ملها لثورة ما حتكموا حلظة يف أداة من أدواهتا .إهنا املسخرة وع ْني املهزلة. أليس يف اتريخ الثورات ببلداننا من جتارب يستأنِسون ِبعَبها في تحاشوا الوقوع يف املسخرة ؟ أمل يفقهوا أجبدايت املاضي القريب عندما أتهب أهلنا ملواجهة جَبوت االستعمار اإلجنليزي والفرنسي واإليطايل واإلسباين حتت قيادة شخصيات فذة من أمثال عرا ي ابشا وعظماء من شاكلة األمري عبد القادر اجلزائري والشهيد عمر املختار واجملاهد ممد بن عبد الكرمي اخلطا ي ،ليد ِركوا حجم غفلتِهم من طلب احلرايت على مائدة أزالم الطغاة ؟ أال يعلمون أن مراكز البحث والدراسات 4
بكَبايت الدول قد وثقت أدق ما يتعلق بتارخينا وحضارتنا وحللت دقائق واقعنا وتعرفت ابجملهر على مواطن قوتِنا وضعفنا؛ فيتقدم اجلامعيون والنخب ِمنا ملفاوضة حكامها وهم أجهل الناس حبقائق ماضيهم املفزعة وأسرار خمططاهتم املاكرة وخبث سرائِ ِرهم. وليكن يف ِعلم الغافلني من النخب أن زمن الثورات يف تقديران قد وىل .أليست دايران ماصرة ابلذباب ِ والضباع الكاسرة ِ ِ ِ ِ متأهبة لالن ِقضاض على الفريسة ،عند انفجار أية ثورة لِن ِ أكبادان وتوزيع خرياتنا .أليس لنا يف هش والسباع الصومال مثاال ،إذ كانت سباقة إىل إسقاط طغيان بري ،ومل تتمكن إىل اليوم من رسم معامل اخلالص؛ وقد ظل أهلنا بذاك القرن القاحل يرا ِوحون مكاهنم وسط أوحال الفقر واجلوع واجلهل والنسيان .وها هي بقية البلدان املنفلِتة من جلباب تدية جالبيب صغار الطغاة املت ِ الطاغية األوحد ترتنح مر ِ ناسلني .وتظل مفاتيح املستقبل مست ِ عصية عن الثبات بني أيدينا يف ْ عامل متح ِرك شديد اهليجان؛ إذ انقطعنا عن أصولنا وتشرذمت مجاعاتنا وتشت تت عقيدتنا ومادت األرض حتت أقدامنا وأصبحنا هشيما ايبِسا سهل االشتعال. نت وقتل ودمار .أليس لنا يف عاد ومثود، وليس من قبيل املصادفة أن يس ِفر الطغيان قدميا وحديثا عن نفس النتائج :فِ ن
ويف الفراعنة والقياصرة واألكاسرة ،ويف النازية والفاشية ،ويف أنظمة القهر احلزبية والعسكرايتية يف البالد العربية ويف حكم الطغاة املد ِرئني ابلشريعة يف الدول اإلسالمية ،من ِع َْبة ؟ أمل يت ِعض اجلبابرة من قوله تعاىل﴿ :وأخذ ٱل ِذين ظلموا ٱلص ْيحة صبحوا ِيف ِداي ِرِهم ج ِامثِني﴾ .إن الداء كل الداء يف جتَب الطغاة على اخللق وخنوع الناس لغري اخلالق وقد ولدهتم أمهاهتم فأ ْ ودمار ،سنة هللا يف خلقه؛ فهل من م ِ ٍ عتَب اب أحرارا .وإ ْن متادى طرفا املعادلة يف طريق الغي ،كانت النهاية ح ْتما فتنةن وخر ن ن بني املسلمني ؟ أما اليهود والنصارى فقد استوعبوا معاين قوله تعاىل منذ بداية هنضتهم احلديثة. وإذا كان للمغاربة أن يعتَِبوا ،فلي توقفوا عن تقليد النصارى يف املظهر دون اجلوهر ،وليتحصنوا من س ِ فاسف الدراويش وت رهات فقهاء القيل والقال ،وليتعلموا من اتريخ بلدهم الز ِ اخر ِ ابلقيم وحضارهتم احلبلى أبصنا املعار ،وليشرعوا يف
إعادة ربط الدين ابلعلم واحلكمة .وإذا كان الفصل األول من اترخينا املعاصر قد أضعناه يف ِعراك عقيم بني النخب من أجل االستِحواذ مغالبة على السلطة ،فلم يبق لنا اليوم من سبيل إال تكاثف جهود اجلميع كل يف جماله ُنبة وسلطة أجل إرساء دعائم اإلصالح وقد ظلت معظم أبوابه ِبفعل ومواطنني جملاهدة النفس وبذل النفيس يف كل حلظة وحني من ْ طول أمد تفك ِكنا ممتنِعة .وإذا كان لنا من نِ َْباس ،فلن ْسرت ِشد بع ْمدة مؤرخي بالد املغرب إذ حثنا على ضرورة تقومي السلطتني السياسية والفكرية لرسم طريق النجاة بقوله" :ومل تزل آفة الناس منذ خلِقوا يف ِ صنف ْني ِمنهم ،ه ْم كامللح في ِهم: ِ وبفسادهم ي ْرد ْون" ،من الردى أي املوت. األمراء والفقهاء ،قلما تتنافر أشكاهلم ،بِصالحهم يصلحون تطوان يف 28فَباير 2016
5