29 01 16 cap xii historiador dr ahmed tahiri

Page 1

‫حاضر املغرب واختالالت األمن الثقايف‬ ‫احللقة الثانية عشر‪ :‬ما بعد الطغيان‪!! ..‬‬

‫الدكتور أمحد الطاهري‬

‫أستاذ التعليم العايل (اتريخ املغرب واألندلس)‬ ‫ورئيس مؤسسة اإلدريسي املغربية اإلسبانية‬ ‫‪ahmedtahiri31@gmail.com‬‬

‫إنه ملما يدعو إىل األسف أن يظل املغاربة حائرين بدون بوصلة وسط اليم املتالطم األموا ‪ ،‬عاتية على دايرهم بظلمات‬ ‫الشرق الدامسة ونريان الغرب املست ِعرة؛ وهم أرابب حضارة عريقة واتريخ ال ينضب معينه ابلعلم واحلكمة ِ‬ ‫والعَب‪ .‬ويظل‬ ‫ْ‬ ‫األسف مزدوجا من بقاء كَبايت مفاصل اتريخ املغرب وأعماق حضارته ومكنوانت تراثه خار دائرة املعرفة التارخيية‪،‬‬ ‫أسرية أقالم مف ْرنسة هزيلة وقراءات املست ْعربني النصية املبتورة‪.‬‬ ‫أمل يتمكن األجداد قبل عشرة قرون خلت من صياغة إحدى أنضج احلضارات يف التاريخ‪ ،‬اليت مل تفلح األمم املعاصرة‬ ‫يف أرقى الدميوقراطيات الغربية إىل اليوم يف مالمسة أعتاهبا ؟ أمل يتفانوا يف استلهام تراث األمم القدمية ببالد الرافدين‬ ‫ومصر‪ ،‬وآاثر فارس واهلند والصني‪ ،‬وخملفات احلمرييني واألمازيغ‪ ،‬وحضارات اليوانن والرومان وغريهم فأودعوها جتارب‬ ‫أعماهلم وبطون كتبهم ابحلر العر ي الفصيح ؟ أمل يتجردوا على إثر ذلك لالرتفاع ابإلنسانية إىل أسىن املدارك‪ ،‬م ِققني‬ ‫كَبايت املنجزات يف الفالحة وهندسة املياه‪ ،‬ويف الصنائع اليدوية واملهن العملية واملبتكرات التقنية‪ ،‬ويف النقل‬ ‫واملواصالت الَبية والبحرية ؟ أمل يبلغوا ابلعلوم والفنون والقوانني واآلداب درجات غري معهودة من التناسق مع نواميس‬ ‫احلياة والتفاعل مع طبائع اخللق‪ ،‬وقد أتلقوا ِرفعة شأن وِرقة هندام وأانقة بنيان وبديع ِحر ٍ وأعمال ؟‬ ‫أال تسرتعي آاثر أهل املغرب ابلعدوتني إعجاب الزائرين املتهافتني ابملاليني‪ ،‬من أقصى جزر الياابن واحمليط اهلادي إىل‬ ‫مستوطنات رعاة البقر بقاصية مغيب الشمس‪ ،‬مبهورين برائق ما ختلف من معاملها‪ .‬وها هي بصمات عطاءاهتم يف علوم‬ ‫الطب والصيدلة والفالحة والنبات‪ ،‬ويف علوم الفلك والرايضيات‪ ،‬ويف احلكمة والفلسفة والتصو‬ ‫املوسيقى واألحلان‪ ،‬وعلوم الشرائع واألداين‪ ،‬واآلداب واللسان زاخرة آبال‬ ‫البلدان‪ ،‬مما ال يقدر بثمن‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫العرفاين‪ ،‬ويف‬

‫الدرر احملفوظة يف دور املخطوطات مبختلف‬


‫لين هد‪ ،‬لوال يد القهر والطغيان اليت‬ ‫ما كان لذلك الصرح احلضاري العظيم الذي شيده األجداد مبغرب دار اإلسالم ْ‬ ‫حتركت أدواهتا الشيطانية لنخر نظام اجلماعة من الداخل وإفراغ خطة الفتوى التشريعية ومنظومة العدل القضائية وخطط‬ ‫احلكم التنفيذية من كافة مضامينها املتأصلة على مدار القرون األربع اهلجرية األوىل‪ ،‬الزاخرة بعطاء غري مسبوق يف جمال‬ ‫النظم واحلرايت الفردية واجلماعية‪ .‬ويف أخرق ِردة حضارية‪ ،‬ت جتميع السلط كافة يف يد الطاغية املنصور بن أ ي عامر‬ ‫الذي قلما جند له مثيال يف التاريخ قدميا وحديثا يف حده ذكائه وغموض شخصيته ودقة ختطيطه وعظمة سلطانه‬ ‫وجَبوت قهره لكل من بس بكلمة يف معارضة ح ِ‬ ‫كمه أو أبطن يف قرارة نفسه ما قد ت ْشتم منه رائحة خمالفة رأيه‪.‬‬ ‫وما أن جثم اجلَبوت على أفئدة اخللق وتسلط السيف على ِ‬ ‫الرقاب وعم الذعر اخلاصة والعامة حىت شرع نظام القهر‬ ‫العامري يف فصل الشريعة عن العلم واحلكمة‪ ،‬يف أخرق عملية برت يف مكوانت الفكر املغر ي‪ ،‬ما زلنا إىل اليوم نكتوي‬ ‫بتداعياهتا‪ .‬وقد فصلنا احلديث يف أكثر من كتاب عن عمليات التطهري الواسعة اليت حتركت حينئذ يف كافة أحناء املغرب‬ ‫ضد العلماء والفالسفة واملفكرين والفقهاء املستنريين واألدابء والشعراء‪ ،‬ت ْستباح دمائهم وت ْنهب أمواهلم ويؤخذون ابلظن‬

‫ويطبقون يف السجن وميتحنون أبصنا‬

‫العذاب‪ .‬وهو مبدأ اهلاوية اليت أل مت مبقدراتنا الفكرية فظلت منذ ذلك احلني‬

‫متدحرجة إىل ما أصبحت عليه اليوم من شلل وحتجر ودوران يف فلك اآلخرين‪.‬‬ ‫ويف سابقة اترخيية عميقة الدالالت أ ِ‬ ‫طلق العنان لذاك الصنف ال ممالئ من فقهاء القيل والقال املد ِرئني ابلقراءات‬ ‫حيورون معانيهما مبا يوافق تعليمات الطاغية وي ِ‬ ‫النصية يف الكتاب والسنة‪ ،‬مفصولة عن سياقاهتا األصلية ِ‬ ‫ناسب ضعف‬ ‫ِ‬ ‫وضيق قلوهبم‪ .‬أما وقد أعطوا بظهورهم لنور السماوات واألرض وتَبأوا من رسالة‬ ‫تكوينهم وقلة درايتهم وحتجر عقوهلم ْ‬ ‫املصطفى األمني‪ ،‬فمن الطبيعىي أن يتحركوا يف أعىت عملية اجتثاث للرتاث الفكري‪ ،‬فمزقوا الكتب وأحرقوا املكتبات‬ ‫وأتلفوا كل ما ميِت بصلة للعلم واحلكمة‪ ،‬وقد استثنوا ما اعتَبوه علما بشرائع الدين ْيرتون مفوظاته عن ظهر قلب وقد‬ ‫شحذوها أبلسنتهم سيفا مسلطا على رقاب الناس أبوامر ونواهي احلالل واحلرام‪ .‬ويف استِمساكِهم ابلس ِ‬ ‫فاسف وختليهم عن‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫جوهر الدين يكونون قد اختذوا ِ‬ ‫الع ْجل هم أيضا‪ ،‬مثل من سبقهم من منافقي أهل الكتاب‪.‬‬

‫ومنذ ذلك احلني مل تتوقف عجلة الرتدي الفكري عن التدحر مبغرب دار اإلسالم ومشرقه رويدا رويدا يف أتون هاوية‬ ‫سحيقة ما زالت م ِ‬ ‫نحدرة أبهلنا إىل أسفل سافلني‪ .‬ومل يد ِخر هذا الصنف من املت ف ِقهني املست ِظلني جبَبوت السيف‪،‬‬ ‫املت عيِشني على موائد الظلمة‪ ،‬املنقادين لغرائزهم‪ ،‬جهدا يف إحكام قبضتهم على عقول الغوغاء وجهلة العامة حي ِركوهنم ِوفق‬ ‫األهواء املتالطمة إبمرة الطاغوت لتعطيل العقل وس ِد كافة ما قد ينفتح من املنافذ املشرعة على درِر العلم وأنوار احلكمة‪،‬‬

‫فرتكوا دايران بلقعا يف ظالم دامس‪.‬‬ ‫فما أن اختل نظام القهر العامري وانْ هد ت أركانه حىت اشتعلت نريان الفتنة الطائفية اليت دامت قرابة ربع قرن من‬ ‫الزمن حتصد األرواح وخت ِرب الداير‪ ،‬يف إحدى أحلك فصول اترخينا‪ .‬أسفر ذلك عن متزق أوصال البالد وتشتت أركاهنا يف‬ ‫ممالك طائفية م ِ‬ ‫تناحرة‪ ،‬وقد تكالبت مطامع املمالك املسيحية على خرياهتا؛ فما كان إال أن تقدمت أقواها شوكة حينئذ‬ ‫فاحتلت طليطلة بقلب األندلس‪ .‬وهو احلدث البالغ اخلطورة الذي علق عليه أحد مشاهري شعراء العصر بقوله‪:‬‬

‫‪2‬‬


‫حثوا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أندلس‬ ‫رواحلكم اي أهل‬

‫فما املقام هبا إال ِمن الغل ط‬

‫ِ‬ ‫السلك ينثر ِمن أطراف ه وأرى‬

‫سلك اجلزيرة منثورا من الوسط‬

‫وما الفرق بني أوضاع مغرب دار اإلسالم إذ خر لِت ِوه من نظام الطغيان العامري‪ ،‬وما أصبح عليه مشرقها اليوم بعدما‬ ‫الطغاة ؟ ومن عجائب املفارقات أن يسارع ملوك الطوائف حينئذ إىل‬

‫ترنح لعقود مكسور اإلرادة حتت جَبوت أصنا‬ ‫هتنِئة من وصفهم معت ِمدهم برعاة اخلنازير معَِبين لسلطان قشتالة عن ابتهاجهم بعظيم نصره‪ ،‬متنافسني فيما بينهم على‬ ‫متاحفتِه برفيع اهلدااي‪ ،‬احتِفاء ب ِرفعة ِ‬ ‫مقامه‪ .‬وها هي طوائف اليوم بكياانهتا القطرية وم ِمياهتا العشائرية‪ ،‬متشيِعة كانت أو‬ ‫صبا وغزو‬ ‫متسنِنة أو متشبِهة بنظم الغرب الالئكية‪ ،‬قد سارعت لتهنِئة رعاة البقر املتعج ِرفني ابقتحام قلب دار اإلسالم غ ْ‬ ‫قهرا م ِ‬ ‫عَبين عن عظيم سرورهم بشنق أح ِدهم يف يوم األضحى‪.‬‬ ‫مدينة السالم ْ‬ ‫قسرا عن أوطاهنم قد وجدوا يف املغرب األقصى وغريه من داير اإلسالم مالذا آمنا‬ ‫وإذا كان أهل األندلس املهجرين ْ‬ ‫ِ‬ ‫استِمساكا‬ ‫حيتضنهم ويضمد جراحهم‪ ،‬فأي بلد هذا الذي سيفتح أبوابه املوصدة الستضافة ماليني املهجرين من أهلنا ْ‬ ‫ابحلياة بعدما تفككت أوطاهنم وهتدمت على ِ‬ ‫رؤوسهم الداير وانفجرت يف أجسادهم القنابل واأللغام واختنقت أنفاسهم‬ ‫ابلغازات السامة امللقاة على األحياء وغدوا يف العراء ع ْرضة للجوع والَبد والعطش؛ وقد تقطعت هبم السبل املوصدة برا‬

‫وحبرا وأحاطت هبم الوحوش الضارية يف ْجممع األمم املعاصرة‪ ،‬أبعد ما تكون عن الدميوقرطية وحقوق اإلنسان‪.‬‬

‫إنه فصل آخر من نفس املشروع الذي ي ن بِئ برغبة املتح ِكمني يف مصائران إفراغ أوطاننا من أهلها والشروع يف إعادة‬ ‫االستيطان‪ .‬أليس يف أصول توارخيهم ومنازع فكرهم ما ي ِ‬ ‫ستحثهم على التخطيط إلابدة املزيد من األمم‪ .‬وهل تست ِحق‬

‫ِ‬ ‫املتجَبين من أبناء اجلِلدة‪ ،‬أن تظل م ِقيمة مبهد‬ ‫هذه الشعوب املقهورة‪ ،‬على ما هي عليه من بؤس وخنوع للطغاة‬

‫احلضارات ومهبط الوحي ومنازل الرسل والدايانت‪ ،‬وهي يف أسفل الدرك دون درجة املواطنة ؟ أليست ُنبهم متكاسلة‬ ‫وعازفة عن اكتساب املعار وقد جبلت يف كن ِ‬ ‫ف الطاغية على التلصص واالختالس والرايء وتطبعت أبخالق التملق‬ ‫واملمحاكة والنفاق ؟ أليس عامتهم من اجلهلة ِ‬ ‫األميني غاية أملهم الظفر بقوت يومهم ؟ فلند ْعهم وحنن أسياد الكون‬

‫ِ‬ ‫يتقاتلون فيما بينهم ِ‬ ‫املست ِعرة يلقوهنا محما على رؤوس بعضهم‬ ‫وخيربون دايرهم أبيديهم وينفقون كنوزهم يف اقتناء نرياننا ْ‬ ‫البعض‪ ،‬وحنن هلم ابملرصاد إىل أن حيني وقت اجتِثاثهم مجيعا الواحد تلو اآلخر‪ ،‬فنم ِهد الطريق الستيطان ما يصلح لذ ِريتنا‬

‫من أوطاهنم‪.‬‬ ‫وإذا كان الطغيان العامري قد خلخل جذور حضارتنا املغربية وهي يف ع ْن فوان ِع ِزها‪ ،‬فها هي أشكال الطغيان املعاصر‬

‫قد أنب تت ضريعا مبشرق دار اإلسالم‪ ،‬بعد عقود من القهر للشعوب والتنكيل أبهل الفكر وتشتيت جمامع العلماء وإطفاء‬ ‫أنوار احلكمة وإجهاض مبادرات النخب وسد املنافذ يف وجه اجملتهدين‪ .‬ومل يتوقف اجلَبوت أثناء ذلك عن إطالق يد‬ ‫املتم ِلقني واملنتهزين وإعالء شأن ِ‬ ‫املقلدين واملنت ِفعني لنخر املنشآت والعبث ابملؤسسات وتعطيل عقول اخلاصة والعامة‬ ‫برتويج املقوالت وترديد احملفوظات وملئ الفراغات برديئ الكالم ومنظوم ال جمل‪ ،‬وقد أسفرت بعد خريف قاحل عن كل‬ ‫هذا العقم الفكري والشلل السياسي املخيف ْني بشاسع البالد العربية‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫وها هي تداعيات الطغيان تعود من جديد لِل ْد ِغنا من نفس اجل ْحر‪ ،‬وإن على أوسع نطاق‪ :‬ب ْدءا ابشتِعال فتائل الفتنة‬

‫يف اجلزائر واختالل األوضاع بتونس واحتدام الفنت الطائفية بلبنان إىل خراب العراق والشام واليمن وليبيا وتفتيت‬ ‫السودان‪ ،‬والبقية يف الطريق‪ .‬ومتاما كما يف املاضي‪ ،‬ها هي رأس احلِ ْربة ممثلة يف امَباطورية رعاة البقر مدعومة حبلفائها قد‬ ‫تقدمت الحتالل بغداد‪ :‬قلب دار اإلسالم وتفكيك اجليش العراقي لِترتك البالد والعباد فريسة للصوص واجملرمني‬ ‫ووكاالت االستخبار األجنبية يعبثون ابلدماء والداير واألموال‪ .‬ث تنسج اخليوط بتفجري األوضاع يف دمشق وإغراق اجليش‬ ‫السوري يف دماء أهله‪ ،‬وتتحرك آلة العبث ابألوطان يف اجتاه القاهرة حيث ظلت ترا ِوح مكاهنا‪ .‬وال يسع املرء إال أن يضع‬ ‫ِ‬ ‫املتحكمني من وراء حجاب يف رسم‬ ‫يديه على قلبه خوفا أن تكون الداير املقدسة من بني األهدا املرسومة من طر‬ ‫سياسات الدول الكَبى‪ ،‬حيبكون لتحقيق أمانيهم يف خراهبا بيد أهلها‪ ،‬لتعم الفرجة‪.‬‬ ‫إهنا املعامل األوىل خلريطة الشرق األوسط اجلديد‪ .‬فعلى عكس الوضع خالل ب ْدء االستعمار يف م ْستهل القرن املاضي‪ ،‬مل‬

‫تعد القوى الكَبى حباجة جليوش جرارة وأموال وتكتيكات وإنزاالت؛ إذ ليس هناك أسهل لتمرير املخططات من منع أية‬ ‫مبادرة لإلصالح من الداخل والدفع إىل تفجري األوضاع بتكبيل احلكام وحتريك األزالم واإلمساك خبيوط التوازانت‬ ‫اإلقليمية ِوفْق املنافع األجنبية وحتريك قوى الطغيان وأذانهبا يف كل بلد على ِحدة وإبداء النصح املاكر للم ِ‬ ‫تحكمني يف‬ ‫ْ‬ ‫طب ِعهم إبطفاء أنوار احلكمة‪ ،‬وإسكات قول احلق‪ ،‬وخنق روح املبادرة الفردية‪ ،‬وتفكيك نظام‬ ‫رقاب أهلها؛ في تكفلون بِ ْ‬ ‫اجلماعة‪ ،‬ومتابعة األحرار ابلسجن والتغريب والقتل‪ ،‬وإتال النسيج الفكري واجملتمعي‪ ،‬ونشر الرعب واخلو ‪.‬‬

‫وكلما ابتعد الطغاة عن طموحات بلداهنم ومصاحل شعوهبم وجذور حضارهتم سهلت مأمورية العابثني مبصائر األمم‬ ‫والشعوب‪ .‬فما أن ينتهي دور الطاغية يف أي بلد كان حىت ي ْسحب البساط من حتت أقدامه ابسم حرايت التعبري‬ ‫ٍ‬ ‫وحرايت يف غري ملها من شاكلة زوا املثليني واملناصفة بني اجلنسني وإسقاط‬ ‫التشكيلية ودميوقراطية التماثيل احلزبية‬ ‫األجنة واإلفطار العلين يف رمضان واجملاهرة بشرب اخلمر إىل ما عدا ذلك من الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫فاسف والت رهات؛ فيتكفل الفقراء‬

‫واملعدمون خبلخلة النظام ث يتحرك الوطاويط واملس ِوسون وأشباه الزعماء وزعانِف الدعاة من كل األلوان إلاثرة الن عرات‬ ‫ميينا ويسارا فتتفكك األمة وتتشرذم الدولة فت عم ِ‬ ‫الفتنة‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫وليتساءل املرء ِمنا‪ :‬وهل يف هذه البلدان امل ْخت لة من ُن ٍ‬ ‫ب وزعامات يف مستوى حتمل مسؤولية توجيه أمة وقيادة دولة؟‬ ‫ما زلت أتذكر يف حسرة وأانة صورة ذاك الرهط الساذ من محلة األقالم و ِ‬ ‫املدرسني ابجلامعات وأشباه املفكرين يتمعون‬ ‫يف الصالوانت ويطرقون أبواب اإلليزيه والكرملني لالستِجداء متباكني بوداين دماء أهلهم املسفوكة طالبني العون ابسم‬ ‫احلرية والدميوقراطية وما شابه من عبارات جوفاء منظومة يف غري ملها لثورة ما حتكموا حلظة يف أداة من أدواهتا‪ .‬إهنا‬ ‫املسخرة وع ْني املهزلة‪.‬‬ ‫أليس يف اتريخ الثورات ببلداننا من جتارب يستأنِسون ِبعَبها في تحاشوا الوقوع يف املسخرة ؟ أمل يفقهوا أجبدايت املاضي‬ ‫القريب عندما أتهب أهلنا ملواجهة جَبوت االستعمار اإلجنليزي والفرنسي واإليطايل واإلسباين حتت قيادة شخصيات فذة‬ ‫من أمثال عرا ي ابشا وعظماء من شاكلة األمري عبد القادر اجلزائري والشهيد عمر املختار واجملاهد ممد بن عبد الكرمي‬ ‫اخلطا ي‪ ،‬ليد ِركوا حجم غفلتِهم من طلب احلرايت على مائدة أزالم الطغاة ؟ أال يعلمون أن مراكز البحث والدراسات‬ ‫‪4‬‬


‫بكَبايت الدول قد وثقت أدق ما يتعلق بتارخينا وحضارتنا وحللت دقائق واقعنا وتعرفت ابجملهر على مواطن قوتِنا‬ ‫وضعفنا؛ فيتقدم اجلامعيون والنخب ِمنا ملفاوضة حكامها وهم أجهل الناس حبقائق ماضيهم املفزعة وأسرار خمططاهتم‬ ‫املاكرة وخبث سرائِ ِرهم‪.‬‬ ‫وليكن يف ِعلم الغافلني من النخب أن زمن الثورات يف تقديران قد وىل‪ .‬أليست دايران ماصرة ابلذباب ِ‬ ‫والضباع‬ ‫الكاسرة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫متأهبة لالن ِقضاض على الفريسة‪ ،‬عند انفجار أية ثورة لِن ِ‬ ‫أكبادان وتوزيع خرياتنا‪ .‬أليس لنا يف‬ ‫هش‬ ‫والسباع‬ ‫الصومال مثاال‪ ،‬إذ كانت سباقة إىل إسقاط طغيان بري‪ ،‬ومل تتمكن إىل اليوم من رسم معامل اخلالص؛ وقد ظل أهلنا بذاك‬ ‫القرن القاحل يرا ِوحون مكاهنم وسط أوحال الفقر واجلوع واجلهل والنسيان‪ .‬وها هي بقية البلدان املنفلِتة من جلباب‬ ‫تدية جالبيب صغار الطغاة املت ِ‬ ‫الطاغية األوحد ترتنح مر ِ‬ ‫ناسلني‪ .‬وتظل مفاتيح املستقبل مست ِ‬ ‫عصية عن الثبات بني أيدينا يف‬ ‫ْ‬ ‫عامل متح ِرك شديد اهليجان؛ إذ انقطعنا عن أصولنا وتشرذمت مجاعاتنا وتشت تت عقيدتنا ومادت األرض حتت أقدامنا‬ ‫وأصبحنا هشيما ايبِسا سهل االشتعال‪.‬‬ ‫نت وقتل ودمار‪ .‬أليس لنا يف عاد ومثود‪،‬‬ ‫وليس من قبيل املصادفة أن يس ِفر الطغيان قدميا وحديثا عن نفس النتائج‪ :‬فِ ن‬

‫ويف الفراعنة والقياصرة واألكاسرة‪ ،‬ويف النازية والفاشية‪ ،‬ويف أنظمة القهر احلزبية والعسكرايتية يف البالد العربية ويف حكم‬ ‫الطغاة املد ِرئني ابلشريعة يف الدول اإلسالمية‪ ،‬من ِع َْبة ؟ أمل يت ِعض اجلبابرة من قوله تعاىل‪﴿ :‬وأخذ ٱل ِذين ظلموا ٱلص ْيحة‬ ‫صبحوا ِيف ِداي ِرِهم ج ِامثِني﴾‪ .‬إن الداء كل الداء يف جتَب الطغاة على اخللق وخنوع الناس لغري اخلالق وقد ولدهتم أمهاهتم‬ ‫فأ ْ‬ ‫ودمار‪ ،‬سنة هللا يف خلقه؛ فهل من م ِ ٍ‬ ‫عتَب‬ ‫اب‬ ‫أحرارا‪ .‬وإ ْن متادى طرفا املعادلة يف طريق الغي‪ ،‬كانت النهاية ح ْتما فتنةن وخر ن‬ ‫ن‬ ‫بني املسلمني ؟ أما اليهود والنصارى فقد استوعبوا معاين قوله تعاىل منذ بداية هنضتهم احلديثة‪.‬‬ ‫وإذا كان للمغاربة أن يعتَِبوا‪ ،‬فلي توقفوا عن تقليد النصارى يف املظهر دون اجلوهر‪ ،‬وليتحصنوا من س ِ‬ ‫فاسف الدراويش‬ ‫وت رهات فقهاء القيل والقال‪ ،‬وليتعلموا من اتريخ بلدهم الز ِ‬ ‫اخر ِ‬ ‫ابلقيم وحضارهتم احلبلى أبصنا املعار ‪ ،‬وليشرعوا يف‬

‫إعادة ربط الدين ابلعلم واحلكمة‪ .‬وإذا كان الفصل األول من اترخينا املعاصر قد أضعناه يف ِعراك عقيم بني النخب من‬ ‫أجل االستِحواذ مغالبة على السلطة‪ ،‬فلم يبق لنا اليوم من سبيل إال تكاثف جهود اجلميع كل يف جماله ُنبة وسلطة‬ ‫أجل إرساء دعائم اإلصالح وقد ظلت معظم أبوابه ِبفعل‬ ‫ومواطنني جملاهدة النفس وبذل النفيس يف كل حلظة وحني من ْ‬ ‫طول أمد تفك ِكنا ممتنِعة‪ .‬وإذا كان لنا من نِ َْباس‪ ،‬فلن ْسرت ِشد بع ْمدة مؤرخي بالد املغرب إذ حثنا على ضرورة تقومي‬ ‫السلطتني السياسية والفكرية لرسم طريق النجاة بقوله‪" :‬ومل تزل آفة الناس منذ خلِقوا يف ِ‬ ‫صنف ْني ِمنهم‪ ،‬ه ْم كامللح في ِهم‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وبفسادهم ي ْرد ْون"‪ ،‬من الردى أي املوت‪.‬‬ ‫األمراء والفقهاء‪ ،‬قلما تتنافر أشكاهلم‪ ،‬بِصالحهم يصلحون‬ ‫تطوان يف ‪ 28‬فَباير ‪2016‬‬

‫‪5‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.