موريسكيون أم أندلسيون doc

Page 1

‫”‪EXPOSICIÓN EN DENIA: LA EXPULSIÓN DE LOS ” MORISCOS‬‬

‫"موريسكيون" أم أندلسيون ؟‬ ‫الساسة‬ ‫موضوع تاريخي في سوق َّ‬ ‫لعل في إجماع الدارسين على تب ّني مُصْ طلح "الموريسكيين" ـ اقتناعا أو تقليدا ـ ما يُؤكد تواطؤ ال ُّن َخب العلمية الضّمني مع رجاالت‬ ‫السياسة والكنيسة المسؤولين عن حدوث إحدى أكبر الفضائع في تاريخ اإلنسانية‪ .‬وال يخفى عن م ّ‬ ‫ُطلع طابعه ال ُم َت َحيّز الذي ُيحِيل على‬ ‫مجموعة بشرية ُي ْفترض أنها أجنبية عن شبه جزيرة إيبيريا‪ .‬ويتعلق األمر بلفظ ُم ْب َتدَع من طرف القطاعات األكثر تعصّبا ضمن المجتمع‬ ‫اإلسباني في وصف األمة األندلسية التي تع ّرضت لل ُمصا َدرة والتقتيل والتنكيل والطرد من بلدها‪.‬‬ ‫ُوريسْ كو" المُسْ تعْ َملتين على أوسع نطاق بين النصارى اإليبيريين الكاثوليك لتمييز المُختلفين عنهم‬ ‫فعبارة "مُورُو" والتصغير منها "م ِ‬ ‫ترض لكافة األندلسيين باعتبارهم ـ ط ْمسا للحقائق ـ مُحْ تلين لشبه الجزيرة‪ ،‬على إثر‬ ‫من المسلمين واليهود‪ُ ،‬تحيل على أصل مغربي مُف َ‬ ‫عبور طارق بن زياد وجنده البربري مضيق جبل طارق منذ نحو عشرة قرون خلت عن عملية طردهم النهائي خالل سنوات ‪9061‬ـ‬ ‫‪ .9091‬ومن المعلوم أن الجذر اللغوي لِلّفظ مُشتق من موريطانية‪ ،‬وهو اإلسم األمازيغي القديم الذي كان ُيطلق على بالد المغرب‬ ‫ال ُمصاقبة لشبه جزيرة إيبيريا‪.‬‬ ‫والجدير بالمالحظة أن األندلسيين الذين تع ّرضوا للتضييق والتنصير والطرد من وطنهم‪ ،‬ما وافقوا يوما على تسميتهم‬ ‫بـ"الموريسكيين"‪ ،‬المُب َت َد َعة من طرف جالديهم‪ .‬وال يخفى عن م ّ‬ ‫ُطلِع على تاريخهم كيف ظلوا مُسْ ت ْمسِ كين بهويتهم األندلسية‪ ،‬مُفتخرين‬ ‫بكونهم ورثة حضارة وثقافة ْ‬ ‫كو ِن َي َت ْين‪ ،‬سواء خالل مقامهم بالجزيرة اإليبيرية أو بعد طردهم منها‪ .‬وال ُتعْ ِو ُزنا الدالئل الكاشفة عن‬ ‫إصرارهم على نعْ ت أنفسهم بأهل األندلس أو بـ"األندلس المسلمين"‪ ،‬حسبما ورد ُم َوثقا في كتابات مشاهير ُن َخبهم الناجية من محاكم‬ ‫التفتيش‪.‬‬ ‫وبالمثل‪ ،‬فقد ظل مُعظم أهل القلم ـ مغاربة وأفارقة ومشارقة ـ طوال العصر الحديث ينعتونهم بـ"أهل األندلس‪ ،‬وإن كانوا اآلن‬ ‫وتح ّننا و َميْال إلى اإلسالم"‪ ،‬على حد توضيح أحدهم‪ .‬وحتى بعد طرْ دِهم واستقرار جماعاتهم بمختلف أنحاء دار‬ ‫نصارى ففيهم رأفة َ‬ ‫اإلسالم‪ ،‬ظلت حوليات تاريخ المغرب وإفريقية وعامة الناس يصِ فونهم بـ"األندلسيين" أو بـ"األمم الجالية من جزيرة األندلس"‪ ،‬حسب‬ ‫تعبير الشيخ محمد الباجي المسعودي صاحب كتاب الخالصة النقية في أمراء إفريقية‪.‬‬ ‫وغني عن البيان أن محاكم التفتيش اإلسبانية هي التي دأبت على نعتهم بـ"النصارى ال ُج ُدد الموريسكيين" أو "النصارى ال ُج ُدد من‬ ‫المور" باعتباره المصطلح القانوني الذي ُي َميّز وضعية األندلسيين ال ُم َنصَّرين عمن سواهم من قدامى النصارى اإليبيريين‪ .‬وال يخفى كيف‬ ‫تحرّك المتطرفون من رجال الدين والمؤسسات الكنسية وقطاعات واسعة من ال ُّن َخب المجتمعية المتشبعة بروح الكراهية تجاه األندلسيين‬ ‫لعزلهم عن غيرهم من سكان شبه الجزيرة وتوجيه التهم والنعوت الصادمة لهم‪.‬‬ ‫وتزخر الوثائق الرّسمية والحوليات التاريخية اإلسبانية بعبارات القذف في حقهم‪ ،‬من شالكة "الكالب من المور" و"العرق‬ ‫الموريسكي" و"البذرة ال َعفِنة"‪ ،‬إلى ما عدا ذلك من العبارات البذيئة التي يأنف المرء عن ذ ِْكرها‪ .‬ولم يتردد الراهب فراي نيكوالس ذيل‬ ‫ريو عن وصف األندلسيين بـ"الطائفة ً‬ ‫الخ ِبيثة" ضمن التقرير الذي رفعه إلى الملك فليب الثاني يوم ‪ 91‬يونية ‪ .9060‬و ُسرعان ما تطورت‬ ‫األمور في اتجاه عزل األندلسيين سياسيا واتهامهم "بالطابور الخامس" المتآمر مع العثمانيين وأمراء بادس ببالد الريف ضد الدولة‬ ‫اإلسبانية‪.‬‬ ‫وتصلبهم قد حاولوا التآمر ضد‬ ‫وهو االتهام الخطير الذي ت ّم تضمينه في قرار الطرد الملكي‪ ،‬كالتالي‪" :‬إن هؤالء الموريسكيين بعِ نادهم‬ ‫َ‬ ‫تاجي الملكي وضد الممالك اإلسبانية وقد طلبوا النجدة من السلطان التركي ومن أمراء آخرين"‪ .‬ويتعلق األمر بتمهيد الرأي العام اإلسباني‬ ‫‪1‬‬


‫والمسيحي على وجه العموم لقبول إحدى أخطر عمليات التطهير العرقي في التاريخ‪ .‬وهو ما يتجلى بوضوح من خالل تصريح رجال‬ ‫الكنسية على لسان األسقف الشهير مارتين ذي سالفاتييرا ُمحف ًزا الملك والسلطة السياسية لإلقدام على تلك الخطوة المؤلمة‪ ،‬بقوله‪" :‬إن من‬ ‫أعظم الواجبات ال ُملقاة على جاللتكم تطهير كافة أنحاء هذه الممالك من الطائفة البغيضة من أتباع محمد"‪.‬‬ ‫صار َمة عن محاكم التفتيش بَ ْد ًءا من‬ ‫وال يخفى كيف تم منع تدا ُول اللغة العربية بكافة أنحاء شبه الجزيرة اإليبيرية‪ ،‬إذ صدرت األوامر‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫سنة ‪9609‬م بإحكام الرقابة على األندلسيين "و َم ْنعهم من القراءة والكتابة بالعربية"‪ .‬أرْ دَفت السلطات الكنسية ذلك بشن إحدى أخ َرق ح َمالت‬ ‫االجتثاث الفكري في تاريخ اإلنسانية‪ ،‬إذ كانت "النصارى تقتُل وتَحْ ِرق كل من ي ِجدُون عنده كتابا عربيا أو يعرفون أنه يقرأ بالعربية"‪.‬‬ ‫صنفات العربية التي تعرضت‬ ‫وتزخر الحوليات التاريخية بالتفاصيل المعروفة لدى العموم عن المصير المؤلم الذي آلم بآالف الكتب وال ُم َ‬ ‫لإلتالف واإلحراق و َمحْ و اآلثار‪ ،‬في أحلك موجات الجهل والظالم التي هبت رياحها عاصفة على شعوب المنطقة‪.‬‬ ‫وال يَ َس ُعنا في هذا المقام إال أن ندعو المختصين وعموم ال ُمهتمين إلى تصحيح المفاهيم‪ ،‬ب ْدءا بوضع ُمصْ طلح "الموريسكيين" ال ُم ْبتَدَع‬ ‫بإسبانيا العصور الوسطى ومحاكم التفتيش بين مزدوجتين‪ ،‬إذ فيه ُح ُمولة إيديلوجية ويفتقر إلى الموضوعية‪ .‬ونقترح تعويضه بعبارة‬ ‫"األندلسيين ال ُمنَصَّرين" األقرب إلى الحقيقة التاريخية‪ .‬وال يخفى كيف ترسخ مفهوم "الموريسكيين" في الوسط األكاديمي ولدى عموم‬ ‫الناس بسبب غياب وجهة النظر األندلسية و ُع ْقم البحث في التاريخ الحديث بالجامعة المغربية‪.‬‬ ‫وال مجال لالقتناع بالتصورات الشائعة التي ْ‬ ‫اخ َت َزلت هذا الفصل الخطير من تاريخ شبه الجزيرة اإليبيرية باعتباره لدى أشهر‬ ‫ال ُمختصين م َُجرّ د قضية اجتماعية ومشكل "أقلية بدون تاريخ وطني خاص"‪ .‬ونسْ تغرب كيف تعْ َمد مؤسسة التراث األندلسي المرموقة‪ ،‬في‬ ‫ظل الوضع الحالي للدراسات األندلسية‪ ،‬إلى تنظيم مؤتمر دولي بغرناطة أيام ‪91‬ـ ‪ 90‬ماي ‪ 9661‬بمشاركة جامعيين مغاربة بعنوان‪:‬‬ ‫"الموريسكيون‪ :‬تاريخ أقلية"؛ مع العلم أن األندلسيين في غرناطة بالذات لم يكونوا عند الشروع في طردهم أقلية وال أكثرية بل أ ّمة‬ ‫متكاملة ضمن مملكة أندلسية قائمة‪.‬‬ ‫وحصْ ر الموضوع في‬ ‫وال يخفى الهدف الغير المُعْ لن من هذا المنهاج الغير الموضوعي في التحليل‪ .‬فما أن ي ِت ّم بتر األصل األندلسي َ‬ ‫إطار تاريخ إسبانيا الحديث‪ ،‬حتى يت ّم تحويل القضية إلى ما اشتهر لدى الدارسين "بالمشكلة الموريسكية" التي واجهتها الدولة اإلسبانية‬ ‫الحديثة‪ ،‬في إحدى أكبر عمليات الطمْس التي تع ّرض لها تاريخ البلد وماضي أهله‪ .‬وما دام األمر يتعلق بمشكلة فال بأس من التماس‬ ‫الحلول لها وإن اقتضى األمر اإلقدام على إحدى أفضع الجرائم في تاريخ األمم ُم َمثال في تقتيل وطرد أمة بأكملها‪ .‬واضح أن األمر يتعلق‬ ‫بتوفير غطاء أكاديمي ُيبرّر تنفيذ مرسوم الطرد الصادر عن الملك فليب الثالث يوم ‪ 99‬شتنبر ‪9061‬م إذ قال‪" :‬وللقيام بما َ‬ ‫لز َمنا من ِح ْفظ‬ ‫مملكتنا ودَ ْفع ما َيعْ َرض لها‪ ،‬ا ّتفق نظ ُرنا‪ ..‬على إخراج جميع الموريسكيين الذين ُه ْم في تلك ال ّسلطنة ويُلقى بهم في بالد البربر"‪.‬‬ ‫و َي ِحق لنا أن نتساءل‪ ،‬وإذا كان الباحثون األجانب قد اسْ َت ْب َحروا في تناول جزئيات هذا الموضوع وتو ّسعوا في نشره وتلقينه لطالبهم‬ ‫ومباشرة إعداد األطروحات والرسائل الجامعية للبحث في أدق مفاصله‪ ،‬فما هي النتائج التي أسْ فرت عنها أعمال الدارسين العرب‬ ‫والباحثين المغاربة على وجه التحديد‪ ،‬بخصوص هذا الفصل ال ُمؤلم من تاريخ األندلس؟ ال يخفى كيف ظلت أعمال المؤرخين المغاربة‬ ‫أللسنة الموروثة‬ ‫وغيرهم من المختصين العرب رهينة تصورات المدارس التاريخية األجنبية‪ ،‬تتأرجح بين المتداول في هذا البلد أو ذاك با ِ‬ ‫حصْ را عن عهد االستعمار‪ ،‬إنجليزيا كان فرنسيا أو إسبانيا‪ .‬وال يترددون في أحسن الحاالت على ترويج نتائج أبحاث رواد ال ُمختصين من‬ ‫أمثال باسكوال بورونات وهنري شارل لي وهنري لوبير وغيرهم‪ .‬وها هُم اليوم يتنقالون نتائج أعمال ال ُمجددين أمثال لويس كارْ ِديَاك‬ ‫وبِرْ نارْ د فا ْن ُسون و ِمي ِكيل ذي إبَالزا‪ ،‬دون أدنى قدرة على االجتهاد بفكرة مفيدة‪.‬‬ ‫أما المهتمون بالدراسات اإلسبانية في الجامعة المغربية فقد ظلوا ـ مع استثناءات قليلة ـ ُمنشغلين بتدريس أبجديات اللغة وتالوة مشاهير‬ ‫النصوص األدبية‪ .‬بينما ظلت أقالم ال ُمتَرْ ِجمين المغاربة غافلة عن نقل أمهات المصادر اإلسبانية إلى أوسع القراء والمهتمين بتاريخ األندلس‬ ‫في العالم العربي‪ .‬و َغنِي عن البيان أن معظم المادة التاريخية المرتبطة باألندلسيين ال ُمنَصرين إسبانية‪ .‬ويتعلق األمر بما يند عن الحصر من‬ ‫الوثائق الرسمية والكنَ ِسية والبلدية و ِسجالت ال ُم َوثِّقِين وغيرها‪ ،‬مما لم يتمكن البحث التاريخي المعاصر إلى اليوم من استيعاب كافة‬ ‫مضامينها‪ .‬ومن أبرز أصنافها على اإلطالق "نظرا لثراء محتوياتها وثائق محاكم التفتيش" التي ما زال قسم كبير منها خارج دائرة التحليل‬ ‫صنفة بالقشتالية والقطالنية والبلنسية‬ ‫التاريخي‪ .‬ناهيك عن الحوليات التاريخية وكتب تقسيم األراضي وغيرها من المصادر اإلسبانية ال ُم َ‬ ‫ْترع االنتباه المطلوب من طرف المؤرخين المغاربة ال ُمختصين في التاريخ‬ ‫وعجمية أرغون وغيرها من األعجميات اإليبيرية التي لم تس ِ‬ ‫الحديث‪ ،‬بما فيهم أولئك الذين قدموا أطروحاتهم عن الفصل األخير من تاريخ األندلس‪.‬‬ ‫وتزخر ُدور األرشيف بفرنسا وإيطاليا والبرتغال وتركيا وغيرها من البلدان بوثائق إضافية‪ .‬وهي الوثائق التي استقطبت اهتمام مئات‬ ‫الباحثين من مختلف الجنسيات الذين أنجزوا أعماال ذات شهرة واسعة في األوساط األكاديمية‪ .‬وما كاد القالئل من الدارسين المغاربة‬ ‫ينتبهون إلى غزارة هذا الصنف من الوثائق وشرعوا في قراءة بعض نصوصها إلنجاز رسائل وأطروحات بهدف الحصول على شواهد‬ ‫ورتب علمية حتى توقفوا عن البحث بمجرد ولوجهم الجامعات وترقيهم في أسالكها دون تقديم أي اجتهادات في موضوع األندلسيين‬ ‫ال ُمنَصرين بإسبانيا والبرتغال‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫وباستثناء بعض النصوص ذات األهمية اللغوية والمضامين الدينية‪ ،‬يكاد صوت األندلسيين ال ُمنصرين ينعدم وسط هذا الزخم التوثيقي‬ ‫اإلسباني‪ .‬وال يخفى كيف بادر رواد ال ُمسْتعربين إلى الكشف عن أهمية ما يُعرف ضمن الدراسات األندلسية باألدب األعجمي‬ ‫و"الموريسكي" المكتوب باألعجميات اإلسبانية والرسم العربي‪ .‬حدث ذلك على إثر اكتشاف محتويات مكتبة أندلسية كاملة خالل بدايات‬ ‫القرن الماضي بموضع ألموناسيد ذي ال سييرا بناحية سرقسطة‪ .‬وما كاد بعض المهتمين بالدراسات اإلسبانية من الجامعيين المغاربة‬ ‫ينتبهون متأخرين إلى هذا الكنز المعرفي حتى توقفوا عن البحث في مضامينه ُمكتفين بإصدار مقاالت يتيمة لم تتجاوز تحليل بعض الكلمات‬ ‫والمفردات اللغوية‪.‬‬ ‫ولم يكن الدور الملحوظ الذي لعبه األندلسيون المطرودون في صياغة تاريخ المغرب الحديث‪ ،‬لِيَ ْستَ ِحث ِه َمم الشعب المختصة في‬ ‫الجامعات المغربية للتعمق في دراسة هذا الموضوع‪ ،‬وقد ظلت معارف المغاربة بخصوصه هزيلة إلى حد ُم ْخ ِجل‪ .‬وما دامت مصادر‬ ‫ْرف األقالم ال ُمهتمة بهذا الموضوع في ترديد العموميات والتعبير عن‬ ‫المعرفة غائبة عن حقل البحث األكاديمي‪ ،‬فمن البديهي أن تُس ِ‬ ‫المشاعر وتركيب ال ُج َمل المزركشة بعبارات األسى والت َحسر‪ .‬وسواء في كتاباتهم العربية أو الفرانكفونية‪ ،‬ما زالوا إلى اليوم ُمقل ِدين ما كتبه‬ ‫رواد الباحثين األجانب أمثال ْبيِيرْ دان ودو كاستري و ْك َوا ْندرو وكوثالبيس بوستو عن قراصنة سال والجمهورية األندلسية بالرباط‬ ‫و"الموريسكيين" بالمغرب‪ ،‬دون تقديم إضافات تُ ْذكر ال على مستوى مناهج البحث وال بخصوص المادة التاريخية وال بإثارة قضايا جديدة‪.‬‬ ‫غاية ما تفَت قت عنه قريحة بعضهم تلوين األساليب واستبدال بعض المفاهيم من شالكلة القرصنة بالجهاد البحري والمقاومة‪ ،‬أو ما إلى ذلك‬ ‫من تعابير‪.‬‬ ‫وإذا كان المؤرخون والمست ْع َربون اإلسبان على اختالف توجهاتهم الفكرية قد بذلوا جهدا كبيرا لتغطية هذه الفترة من تاريخ بلدهم‬ ‫صوراتهم عمن اعتبروه بمفهومهم "موريسكيين"‪ ،‬فما زالت المكتبة المغربية إلى اليوم شبه فارغة من البحوث المفيدة عن مآل‬ ‫وإثبات ت َ‬ ‫األندلسيين ال ُمهَجَّرين الذين ا ْستقروا بمختلف مدن ومناطق البالد‪ .‬وليس أدل على ال ُعقم المنهجي والركون للتقليد من عدم تحفظ الباحثين‬ ‫ض ْمنيا عن التمييز العنصري والديني الذي ظل‬ ‫المغاربة وعموم الدارسين العرب المعاصرين من اقتباس مصطلح "الموريسكيين" الذي ينِم ِ‬ ‫اإلسبان الكاثوليك يُكنونه لألندلسيين‪ ،‬مسلمين ويهودا‪ .‬ولم يتردد بعضهم عن الحديث عن "مقاومة عربية" و"طردا للعرب" من األندلس‪،‬‬ ‫إلى ما عدا ذلك من العبارات التي تنم عن إغفال أبجديات التاريخ األندلسي‪.‬‬ ‫وغني عن البيان أن عرب األندلس كانوا خالل القرون الهجرية األولى ُمجرد عنصر متفاعل مع بقية العناصر اإلثنية المغربية‬ ‫واإليبيرية‪ ،‬عجمية وبربرية‪ .‬وهي العناصر التي تشكلت منها حينئذ هوية مجتمعية جامعة ُع ِرفت في دار اإلسالم بالهوية األندلسية‪ .‬ومن‬ ‫الفاضح تاريخيا أن نتحدث ع ن قومية أو مقاومة عربية بشبه الجزيرة اإليبيرية خالل بدايات العصر الحديث! وليس أقل افتِضاحا أن تظل‬ ‫أصوات جامعيين مغاربة ُمسْتمسكة إلى اليوم ـ في ندواتها ومقاالتها ـ بترديد مفاهيم محاكم التفتيش الكاثوليكية دون أدنى تحفظ‪ ،‬متنكرة‬ ‫لذاكرة أمة بأكملها من األندلسيين المنصرين بحد السيف وال ُمهَجرين ق ْسرا من بلدهم‪ ،‬وقد ظلوا ُمسْتمسكين إلى حد الموت بهويتهم‬ ‫األندلسية‪ ،‬رافضين نعتهم بـ"الموريسكيين"‪.‬‬ ‫صبت عليه أبحاثنا ال ُمرْ تبطة بالعصر الوسيط‪ ،‬حتى تجلى‬ ‫وما أن التَفَ ْتنا إلى هذا الموضوع الذي ال يَ ْندَرج ضمن الحقل المعرفي الذي ا ْن َ‬ ‫الفراغ الواسع الناتج عن إهمال الدارسين المغاربة ال ُمختصين في التاريخ الحديث وعجْ زهم عن أداء رسالتهم‪ ،‬رغم أغلبيتهم العددية‪ .‬ولذلك‬ ‫با َد َرت مؤسسة اإلدريسي المغربية اإلسب انية للبحث التاريخي واألثري والمعماري بالتعاون مع المركز الثقافي اإلسالمي ببلنسية منذ سنة‬ ‫‪ 9662‬إلى تكوين مجموعة بحث مغربية إسبانية برتغالية ـ ِو ْفق مقتضيات قانونها اإلساسي ـ النتشال ما أمكن من ذاكرة األندلسيين الشفوية‪.‬‬ ‫وقد عمدنا في سنة ‪ 9661‬إلى تنظيم مؤتمر دولي بجامعة بلنسية حول "الموريسكيين" البلنسيين‪ ،‬ووق ْعنا اتفاقية تعاون مع كلية اآلداب‬ ‫والعلوم اإلنسانية بجامعة تطوان‪ ،‬على أمل أن نُقَدم تكوينا ُم ْختصا لطالب العلم وفتح اآلفاق أمام الدارسين والمهتمين للبحث في هذا‬ ‫الموضوع ال ُم ْه َمل والغامض‪ .‬وفي نفس السياق‪ ،‬شاركنا أيام ‪91‬ـ‪ 16‬مارس ‪ 9691‬المنصرم في مهرجان تطوان الدولي التاسع عشر لسينما‬ ‫البحر األبيض المتوسط بمائدة مستديرة مع أفالم وثائقية في موضوع‪ :‬السينما وتاريخ "الموريسكيين" وجهات نظر أخرى؛ بحضور خبراء‬ ‫و ُمختصين منهم من أمضى نحو ‪ 99‬سنة في التنقيب عن مضامين الوثائق المخطوطة وإحصاء أعقاب األندلسيين ال ُمنصرين بإسبانيا‪.‬‬ ‫وال نسْتغرب في ظل الفراغ العلمي الهائل أن تنزلق األقالم غير ال ُمختصة من دائرة البحث التاريخي إلى ترديد مقاالت الغير وخرْ بشة‬ ‫الكالم باألقاصيص ال ُم َسلية وعقد المجامع الجترار الهذر بمشاع القيل والقال‪ .‬وها هي أصوات هؤالء وأولئك صادحة بالجهاالت‪ ،‬في‬ ‫محاولة لتحويل األندلسيين وحضارتهم من موضوع تاريخي إلى سلعة في أسواق الساسة‪ ،‬تماما كما دأب أمثالهم من ال ُم ْنتَفِ ِعين وال ُمتَ َسلقين‬ ‫وأشباه الباحثين على التسوق بالنفخ في الكالم عن شخصية محمد بن عبد الكريم الخطابي وبطوالت أهل الريف يُ َرد ُدون مقاالت غيرهم‬ ‫وهُ ْم أعجز الناس وأكسلهم عن البحث في التاريخ‪.‬‬ ‫الدكتور أحمد الطاهري ‪ahmedtahiri31@gmail.com‬‬ ‫أستاذ التعليم العالي ورئيس مؤسسة اإلدريسي المغربية اإلسبانية‬ ‫للبحث التاريخي واألثري والمعماري‬ ‫تطوان في ‪ 96‬مارس ‪9691‬‬

‫‪3‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.