9 770231 104143
العدد ٢٠١٧ / ٣
خيار النضال و ليس الهروب زيبا مري حسيني و املطالبة باملساواة من داخل التقاليد اإلسالمية
مواريث النساء في االسالم د .زاهية بنت سامل جويرو تناقش مواريث النساء ما بني النص و التأويل
الترابي و النساء ملف العدد: النساء داخل المنظومة السلفية املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
1
كلمة التحرير .5ثالثة أسئلة :إلى الفنانة ساره مكى أحمد
وجوه
١2
.٤خيار النضال و ليس الهروب زيبا مري حسيني و املطالبة باملساواة من داخل التقاليد اإلسالمية .8الترابي و النساء .12ظاهرة البالبل
مدخل آخر لقراءة الحداثة يف املجتمع السوداين
.15آمال و مخاوف عاملة نظافة في شوارع مقديشو .18سعدية الصلحي رائدة تصميم أزياء سودانية ماذا يقول الزى عن املجتمع؟
مساواة .20مواريث النساء في االسالم
١8
د .زاهية بنت سامل جويرو تناقش مواريث النساء ما بني النص و التأويل
.24التمييز بالميالد
حول اوضاع نساء االقليات يف الصومال
.٢6وجدة -فلم من السعودية
حينام يصبح ركوب الفتاة للدراجة سؤالً سياسياً
.٢8ممنوعة من لعب كرة القدم منذ ميالدي
حيك عن جذور ومامرسات التمييز ضد الفتيات يف السودان
.30زوجتان و رجل
اصوات نساء خضن تجربة الزوجة األخرى
.٣2جموح
شعر لـ إميان آدم
٢6
ما بين عالمين .34جسد المرأة ما بين صراعات السلطة و السياسة في فرنسا حول منع ارتداء البوركيني ( الحجاب ) يف فرنسا .37مع الروائية ليلى ابو العال حوار حول الكتابة عرب عوامل مختلفة .40مسيرة حياة بين معتقدين تجربة امرأة من كينيا تعتنق اإلسالم .42الواقع المعاش لعامالت المنازل اإلثيوبيات في دول الخليج العربي .45رسالة إلى ابنتي
43 2
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
بين الخاص و العام .48تعقيدات الفضاء الحضري االسالمي قضايا الجندر يف مدن إيران الحديثة على بسبب ارتداء البنطلون .51كاد ان ي ُقبض ّ "العدل" اعادة ختان النساء .53 َ مناقشة هوس العذرية يف مجتمعات السودان
.57الحرب وانهيار الدولة في الصومال انعكاسات الحرب عيل الرجال وادوار ومفاهيم الذكورة املتوارثة
48
.60المرأة و العبد المملوك
ليس لهذا العنوان صلة بكتاب "ألف ليلة وليلة" ألنه مستلف من كتاب "الفقه" للصف الرابع االبتدايئ
وجهات نظر .63الحركة النسوية والسياسة في السودان حوار حول تجارب النساء السودانيات يف داخل الحزب السيايس الحربْ ِضد ْ اإلرهاب على مجتمعات الساحل الكيني .68آثار ِ َ سياسات َ .71نساء الصوفية – الكنوز ُ المخبأة
عرض لكتاب عن اسفار النساء املتصوفة من مختلف بقاع العامل
.73جويرية نامويومبا
60
شابة مسلمة من يوغندا وحديث حول تناقضات الواقع املعاش
.75اشكالية الفتاوى
ملف العدد :النساء داخل المنظومة السلفية .78مقاربة نقدية حول نساء االسالم السياسي و متاهة الدفاع عن حقوق المرأة من منظور إسالمي تقليدي .84الما عندو قديم ....
صور قدمية تعكس ملبس وحياة النساء يف الصومال ما قبل صدمات الحرب والتطرف الديني
.88انتحاريات بوكو حرام إكراه أم التزا ٌم بالفكرة؟ .90ازمان الجهل والعزلة واوضاع النساء في منطقة همشكوريب في شرق السودان
78
.94المرأة و الجهاد اإلسالمي .98تمبكتو
قصة تحىك ع ّنا
.100في مصيدة الجهل والعنف
ترتاكم إشكاالت الصحة النفسية عيل النساء يف أفغانستان
.102بريد القراء .104اصدارات صيحة
91 املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
3
هيئة التحرير
الناشر المبادرة اإلستراتجية لنساء القرن اإلفريقي ()SIHA Network رئيسة التحرير هالة يس الكارب مديرة التحرير سيليا هيدزجز فريق التحرير السر السيد ،جوهانا سيدل ،عبدالخالق السر ،سليا هيدزجز ،هالة الكارب ،عائشة السماني ،ليزا كليفورد المصححون جنجر جونسون ،وليد النقر ،منصور علي ،السر السيد المترجمين سام برنار ،محمد الفكي ،عائشة موسى ،منصور علي، فيصل الباقر
كلمة التحرير عزيزتي القارئة وعزيزي القارئ:
الوقت مييض كنغم متعدد اإليقاعات .عندما ألقى نظرة للخلف ،أكاد ال اصدق أننا منذ عام 2014قد قمنا بإنجاز ثالث أعداد حتى االن من مجلتنا الحبيبة (املرأة يف اإلسالم) .انظر اىل الوراء سنوات عدة منذ ان كانت هذه املجلة مجرد فكرة وخاطرة وكيف تحولت اىل حقيقة ماثلة ،ترفض اال أن تُطل يف كل عام .ونحن نخوض بصرب وجلد شهور مخاضها الطويلة حتى ترى النور ،ما بني الوعود ،والشكوك، الضحك والدموع واآلمال واملخاوف .هذا التامزج الفريد للعقل والعاطفة هو ما يجعلنا ،نساء ورجاالً كاميل اإلنسانية ،وهذا يف ظني ما يجب أن يكون عليه ديدننا عند الخوض يف أسئلة الدين ،وكيفية متثله يف الحياة. لقد نفدت جميع نسخ العدد األول بني السودان ومختلف دول العامل ونفس اليشء حدث تقريبا مع العدد الثاين .هذا اإلنجاز ومع كونه مثار دهشتنا ،إال أنه يف ذات الوقت شكل مصدرا لسعادتنا وفخرنا ،فالحامس الذي قُوبلت به املجلة يعد مؤرشا وتأكيدا ً واضحا عىل أن جهودنا مل تذهب هباء. فالعديد من الرجال والنساء يف كل من الخرطوم ونريويب وكمباال وىف الكثري من عواصم العامل يبحثون يف املكتبات عن العدد الجديد من املجلة بينام العدد يتنامى وهذا ميثل إشارة جيدة عىل أننا نسري يف الطريق الصحيح.
ُ كاتب العدد إيمان آدم ،سعاد خضر ،عائشة السمانى ،السر السيد، صفية الصديق ،اوبى انياديكى ،ريازات بات ،ليزا كليفورد ،جود البشرى ،محمد الفكى ،ساره الحسن ،عبد الخالق السر ،هالة الكارب ،جوديث قاردنر ،أمل هبانى ،مينا حبيب ،عبد الفتاح حسن على ،سيليا هيددجيز ،ليلى حسين ،زاهية سالم جويرو، ريبكه كيبيدى ،مارى مينارد ،أماني محمد العبيد ،شيرلين انجيرلى إنجوروجى ،الكس شامس ،رافية زكريا ،علي نور عبدى عثمان.
القارئات والقراء األعزاء ونحن يف مستهل العام 2017نجد أن السلفية اإلسالمية قد توغلت يف قلب األحداث السياسية بينام انخفض صوت العقل والوعي واملنطق أمام أصوات طبول الحرب ،وهيمنة وتاَمر األنظمة الشوفينية وقسوة الديكتاتوريات الحاكمة .يف ظل هذا املناخ من التوتر ،يجب أال نُروع، أو نسقط يف رشاك اليأس والسلبية ،بل عىل العكس ،يجب أن يكون هذا دافعاً ليك ننمي إرادة التغيري اإليجايب ،فقد حان الوقت الستعادة لحظة املبادرة ،إنها اللحظة املناسبة لل ُمجاهرة بتحول حقيقي.
فنون ساره مكى احمد ،خالد البيه ،جيسون اشوود ،نياز ازدىخان، حنا بارزك ،ارنولد بيروجي ،محمد إسماعيل ،خالد حامد ،صالح إبراهيم ،حسين ميرغني ،احمد ناجى محجوب ،رونى اوقوانق، الريح امبدي ،أن باك ،جالل يوسف.
قبل عرش سنوات ،رمبا كان من غري املمكن شجب مامرسات وتصورات السلفية أو التعرض إلشكاالت الال مساوة العميقة بشكل دقيق وسافر كام أرى اليوم بني مجموعات الشباب والنساء يف املجتمعات املسلمة يف مختلف ارجاء العامل .لذا أشعر بأنني محظوظة وممتنة كوين شاهدة عىل هذه التحوالت املهمة ،بل واشعر أين أكرث حظا ألنني بصورة ما مشاركة يف هذه التحوالت.
التصميم TAREK ATRISSI DESIGN http://www.atrissi.com ISSN 53413312 جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة © للكتاب المعنيين وللمبادرة االستراتيجية لنساء القرن اإلفريقي ()SIHA Network حيث ال يجوز نسخ أي من المحتويات أو الصور التي يحتويها هذا العدد أو العمل علي إعادة استخدامها أو إعادة إنتاجها بأي صورة من الصور بدون الحصول على إذن كتابي من المؤلف أو من: SIHA Regional Office Plot 3 Katalima Bend, Naguru, Kampala P.O. Box 2793, Kampala UGANDA sihahornofafrica@gmail.com www.sihanet.org
اِال انه و ِمن ناحية ا ُخرى ،فإنني أنبه عىل أن الرصاع قد صار أكرث تعقيدا ً لكل من اِستصحب صوت العقل .فمن ناحية ،يجب ان ال نتهاون يف مواصلة جهودنا ضد ظالمية وعبثية اإليديولوجيات السلفية. وىف الجانب االخر يجب أن نقف بحزم ضد الشوفينية العاملية والظلم وخطاب الكراهية املتنامي ضد املسلمني والذي تتزايد وتريته ويربر له بانتشار ظواهر العنف اليائس ضد املدنيني .ذلك العنف ُجل ما يفعله هو قتل األبرياء من املسلمني وغري املسلمني. نحن يف (مجلة املرأة يف اإلسالم) ظللنا ننوه وباستمرار بأن تنامي املد السلفي مبعثه عقود من فشل النظام العاملي يف التصدي ملظامل الشعوب ،هذا الفشل أصبح بدوره يشكل عبئاً جامعيا يستوجب علينا جميعا ،مسلمني وغري مسلمني أن نتصدى له ومن ثم نعمل عىل تجاوزه. ما مييز هذا العدد الثالث من املجلة هو هذا الكم من املقاالت التي كتبت خصيصا للمجلة ،ومل يسبق نرشها من قبل .إنه لرشف عظيم أن يكون لدينا كتاباً يكنون هذا التقدير إلصدارتنا ،وإظهارهم لكل هذا االهتامم من خالل تخصيص أقالمهم ملجلتنا. يف هذا العدد ستُطالعون مجاهدات النساء والرجال من مقديشو وممبسا والخرطوم ضد صلف السلفية اإلسالمية ،وعزمهم عىل كسب املعركة وإعادة االعتبار لحياتهم وتقرير مصائرهم .أيضا ،ستتعرفون عىل أحوال عامالت املنازل اإلثيوبيات االيت يتواجدن يف غالبية الدول اإلسالمية ،وما يتعرضن له من ترويع ومهانة بسبب معتقداتهن ولون برشتهن ،مام ييش إىل الكيفية التي اِختُزل فيها اإلسالم يف هذه الدول إىل مجرد رمز لالستعالء االثني .أيضا سنسلط الضوء عىل قضية مهمة أال وهي انخراط النساء يف الحركات االسالموية ومحاولة اإلجابة عىل السؤال الذي يطرح نفسه :ملاذا تتامها بعض من النساء مع األيدولوجيات التي تعمل عىل إخضاعهن؟ إضافة إىل العديد من املوضوعات األخرى واألسئلة امللحة. أخريا ،أود أن أنوه ايل أن هذا العدد من املجلة يصدر نتاج الدعم املقدر من اوكسفام الهولندية وصندوق سيقرد راوزنق للدعم وبرنامج املرأة مبؤسسة املجتمع املفتوح .نحن يف غاية االمتنان ملساهامتهم يف دعم هذا العمل الهام. هالة الكارب
رئيسة التحرير مايو 2017
4
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
ثالثة أسئلة ل:
كلمة ...كلمة النسويه Feminism / النسويه ال ينحرص معناها اليوم حول مفهوم املساواة بني الرجال والنساء ،و إمنا ميتد ليشمل السعي إىل تحويل كافة عالقات السلطة االجتامعية التي تؤسس للقهر والتهميش عىل أساس الجندر ، العمر ،التوجه الجنيس ،املقدرة ،العرق أو الدين، القومية أو مكان اإلقامة أو الطبقة أو الطائفة االجتامعية . و كإطا ِر تحلييل علمي و نهج فكري فقد طورت املدارس النسويه مفاهيم ونظريات البطريركية (النظام االجتامعي الذي يكرس لحقوق و امتيازات الرجل) و مفاهيم الجندر (عالقة السلطة بني الرجل واملرأة املنتجة بواسطة النسق االجتامعي). كام أنتجت املدارس النسويه سلسلة من أدوات التحليل و املناهج التي كشفت عن أمناط الظلم االجتامعي واالقتصادي املتخفي و املضمن يف ديناميات عالقات السلطة بني الرجل و املرأة و يف املؤسسات االجتامعية املهيمنة .وكمثال لذلك، التقسيم الجندرى للمسؤوليات األرسية يف داخل مؤسسة الزواج من حيث العمل و االنتاج و السيطرة عىل املوارد االقتصادية والحياة الجنسية و اإلنجابية . و كإسرتاتيجية ونهج للتغيري االجتامعي ،تضع النسويه ضمن أولوياتها مسألة متكني املرأة و تغيري عالقات السلطة الجندرية و تطوير وخلق أدوات للوصول للمساواة والعدالة .و تنظر النسوية إىل التدخالت من اجل التغيري من خالل "عدسة عالقات الجندر " ملعرفة مدى تأثري التغيري عىل املرأة وعيل ديناميات العالقات الجندرية .ففى حالة ما إذا كان تركيز إسرتاتيجية التغيري حول قضية ما، مثل ؛ الصحة أو التعليم أو حقوق إنسان ،وذلك يف جهة ما مثل قرية أو محافظة أو إقليم و بني قطاع سكاين محدد .ىف هذه الحاالت تهتم النسوية مبا إذا كانت أدوات املساواة الجندرية قد ضُ منت ضمن نهج التغري ،وان آليات التغري قد أخذت يف االعتبار املعوقات التي تحول دون انخراط وتضمني املجموعات املضطهدة من قبل البطريركية املجتمعية وعيل رأسهم النساء يف إدارة و االستفادة من التغري.١
سارة مكي أحمد ُ و لدت سارة مكي احمد ،صاحبة لوحة غالف مجلة "المرأة في اإلسالم "في العام 1998 ألبوين من أصول سودانية و ترعرعت في قرية اووسترهوت بهولندا .ورغم نشأتها في بيئة اوربية محضة اال انه قد نما لديها ومنذ بواكير حياتها ،شغف شديد بالفن ،وحب استطالع عميق في الوقوف والتعرف على ثقافة موطنها األصلي .في هذا الحوار تُشركنا سارة في بعض من أفكارها.
الشغف بالفنون عىل ما اذكر فقد بدأ حبى للفنون منذ وقت مبكر. وىف املرحلة الثانوية أتيح يل ان اتلقى دروسا يف الفنون وعندها بدأت اكتشف شغفي الحقيقي بالفن ،كانت بدايايت مع الرسم "االسكتشات" إىل ان عرفني أستاذي عىل فن التلوين فبدأت أميل إليه و احبه كثريا ،و كان ذلك هو سبب ارتباطي الشديد بالرسم. العالقة مع السودان مل ت ُتح يل فرصة العيش يف السودان ،غري اىن قمت بزيارته عدة مرات مع والدي ووالديت ،تلك الزيارات اضافة ملا متنحه يل من متعة فإنها تحقق يل شعورا حقيقيا باالنتامء والتواصل. يف ما يتصل بوضع املرأة يف السودان فأنا اعتقد انه يحتاج اىل مجهود كبري لالرتقاء به .و بالنسبة يل وبحكم نشأيت يف مجتمع منفتح ،يحمي الحريات الفردية ،فإنني أجد صعوبة يف تق ّبل ما يقوم به املجتمع السوداين بالحجر عىل حرية املرأة و الحد من تطلعاتها. املستقبل
Batliwala, Srilatha. Changing their World: 1 Concepts and Practices of Women’s Movements. Toronto: Association for Women’s Rights in Development, 2012. https://www.awid.org/ _sites/default/files/atoms/files/changing_their world_2ed_full_eng.pdf
اآلن انا ادرس القانون ىف هولندا و اتعلم كثريا عن حقوق االنسان .و أؤمن بأن من حق الجميع (رجاال و نساء) االستمتاع باألشياء التي يحبونها عىل النحو الذى حدث معى فيام يتعلق بحبي للفن .
ب
الحساب
انوي بعد إكاميل دراستي الجامعية أن استخدم معاريف وموهبتي يف مساعدة النساء وان انخرط يف مشاريع يف السودان تعمل عيل دعم النساء و تحقيق تطلعاتهن وتشجيعهن عيل االستمتاع مبواهبهن .لذا أنا سعيدة للغاية مبساهمتي يف مجلة" املرأة يف اإلسالم"؛ التي أتاحت يل أن أكون جزء من هذا املرشوع التوعوي الهام ،و يرشفني كثريا أن أكون ضمن املساهمني يف هذا العدد.
ارقــــــام فـي عوالـــم النســـــاء
٥٧
عدد الدول التي يمارس فيها تعدد الزوجات دون إدانة قانونية .أكثر من %90من تلك الدول يقع ضمن القارة اإلفريقية وحدها.٢
.Legality of Polygamy,” Wikimedia Commons, https://commons.wikimedia.org/wiki/File:Legality_of_polygamy.svg ٢ املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
5
خيار النضال وليس الهروب: مطالبة زيبا مير حُسيني بالمساواة من داخل التقاليد اإلسالمية
االجتامعية املنفتحة واختفائها من األماكن العامة ،من ناحية أخرى ،حيث يتعرض للعقاب كل من يجرؤ عىل التعبري عن هذه املشاعر وهذه القيم". و تواصل قائلة ":إن السلطات قد بررت لهذه السياسات باسم "اإلسالم" و"قانون الرشيعة" وأُصبغت عليها صفة التقديس باعتبار أن ما يحدث من تجريم للمدنيني يف الفضاء العام هو جوهر العقيدة التي ُولدتُ عليها ولكني مل أُواجه بتطبيقاتها عيل ارض الواقع حتى ذلك التاريخ".
اللوحة :حسين مرغني ،السودان
و قد كانت زيبا مري ُحسيني والتي حصلت للتو عىل شهادة الدكتوراه من جامعة كامربيدج ،من مؤيدي الثورة اإليرانية لكن سدنة النظام الجدد أبدوا عدم الرغبة يف التعاون معها كأكادميية وباحثة تؤمن بحرية البحث العلمي .فقد فشلت يف الحصول عىل وظيفة تدريس ألنها "مل تكن ملتزمة إسالمياً مبا فيه الكفاية " والحقاً عانت يف الحصول عيل الطالق بعد فشل زواجها يف مطلع العام 1980حيث واجهت تعنت محاكم قوانني األرسة املبنية عيل اإلرث التقليدي للفقه اإلسالمي ،فاملرأة ت ُحرص يف رشوط ضيقة جدا ً إذا أرادت التقدم بطلب الطالق يف حال فشل الزواج .وىف حالة مري ُحسيني فإنها مل تكن متلك أي من الرشوط التي تؤهلها للقيام بذلك ،والتي من أهمها كام تذكر أنها مل تطالب مبؤخر ١الصداق عند عقد الزواج حيث كان من املمكن لها كامرأة أن متتلك بعض الرشوط للمساومة يف حالة الرغبة يف الطالق فقد يستجيب الزوج عىل إمتام فسخ الزواج إذا تنازلت الزوجة عن صداقها مثال. لكن مري ُحسيني تصدت لكل ذلك و أتبعت نهجاً آخر أثرت نتائجه عىل مجريات حياتها بالكامل .وىف هذا تقول: "نهجى في الحياة دائماً هو انه في حالة أن تعرضت ِلشكاالت في حياتي أسعى لدراستها وفهم أسبابها كي أجد طريقة لحلها.
لقد انتاب "زيبا مريُ -حسيني" إحساس بالظلم الفادح والرعب يف أول لقاء لها مع اإلسالم السيايس .وكان ذلك يف أعقاب ثورة 1979التي أتاحت ألغلبية سدنة اإلسالم السيايس يف إيران الوصول إىل دفة السلطة والقيادة السياسية .ويف ذلك تقول مري ُحسيني " :أن موقعها كعاملة انرثوبولجي وعندما واجهتني مشكلة طالقي مل يكن إمامي سواء دراسة الفقه اإلسالمي وناشطة ونسوية أتاح لها فرصة للمشاهدة الحذرة للتزاوج الذي تم ما بني وأسسه وقواعده وبالفعل قمت بذلك بتأن حتى متكنت من حصويل عىل السياسة و الدين ،من ناحية ،وانزواء الحب والجامل والفرح والعالقات الطالق من املحكمة .وتضيف" ،لكن غالبية النساء لسن عىل هذا القدر من "زيبا مري ُحسينى االأكادميية و عاملة األنرثوبولوجي اإليرانية األصل والتي تعيش يف اململكة املتحدة .وهي باحثة متخصصة يف الفقه اإلسالمي وقضايا الجندر ومخرجة أفالم وثائقية وناشطة منخرطة يف مجاالت املساواة الجندرية من خالل التقاليد اإلسالمية .ترتكز أطروحات مري ُحسيني األكادميية يف مناقشة القوانني التمييزية املبنية عىل الدين و التي تقنن وتربر لحرمان النساء من العدالة واإلنصاف يف املجتمعات املسلمة .ويعتمد منظورها يف التحليل والتعامل مع التقاليد اإلسالمية عىل التمييز ما بني الرشيعة من رشع أو درب باعتبارها الطريق إيل اإلميان عرب القران وسنة الرسول" ص" والفقه والذي تنظر إليه باعتباره جهد الفقهاء يف استنباط القوانني استناداً عيل نصوص القران والسنة .وترى مري حسيني أن هذا التمييز يعني املسلمني من النساء والرجال عىل وضع الترشيعات البطريركية السائدة حاليا يف سياقها السليم باعتبارها جهود وأفكار وردت خالل حقب سابقة وعرب ظروف ومالبسات تاريخية ارتبطت مبناحي تطور دول ومجتمعات املسلمني وليست نصوصا مقدسة .و تركز مري ُحسيني يف أطروحاتها عىل املزاوجة ما بني منظومة حقوق اإلنسان العاملية والتقاليد اإلسالمية وذلك من اجل تطوير قوانني أرسة إسالمية أكرث إنصافا للنساء وىف نفس الوقت موامئة لرشوط العرص الذي نعيشه .ويعرب الفلم الذي اخرجتة "مري ُحسيني" يف العام " 1998طالق عىل الطريقة اإليرانية" والذي حاز عىل عدد من الجوائز العاملية يف عدد من املهرجانات السينامئية من ضمنها جائزة ( البفتا الربيطانية ) يف العام 1999عن إشكاالت عدم اإلنصاف والظلم الذي يواجه النساء يف ظل القوانني املبنية عىل الفقه التقليدي اإلسالمي, ولزيبا مري ُحسيني العديد من الكتب واألوراق العلمية الرائجة يف األوساط األكادميية وأوساط الناشطني .ومن ضمن تلك اإلسهامات ،كتاب " :الرجال قوامون؟ -إعادة التفكري يف مفاهيم سلطة الرجال يف التقاليد اإلسالمية" والصادر يف العام .2015وورقة " تجريم الجنسانية -حول عودة قوانني الزنا يف الدول اإلسالمية" والصادرة يف العام . 2010وقد نرش ملخص بالغة العربية لتلك الورقة يف العدد األول من مجلة املرأة يف اإلسالم يف .2014حاورت زيبا مري ُحسيني ملجلة "املرأة يف اإلسالم" الصحفية ليزا كليفورد يف العاصمة الربيطانية يف أواخر العام .2016
6
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
وجوه الحظ أو اإلرصار أو ال ميتلكن الوقت أو الوسائل لذلك يقعن تحت رحمة مواقفها كنسوية ويف طريقتها العلامنية يف الحديث حول حقوق اإلنسان واملساواة بني الرجل واملرأة النظام ألبطريريك للمحاكم والتي عادة ال تأىت بنتائج مرجوة". أما المجموعات العلمانية النسوية والتي تنظر إلى الدين كمشكلة وتعده أحد األسباب التي أدت إلى تأخير حركة مساواة المرأة بالرجل، فهن ال يقبلن بجدوى االنخراط في الدين
تذكر زيبا أنها قد شاهدت امرأة يف منتصف العمر ترتدي "شادورا" كانت تخبط عىل طاولة القايض يف املحكمة بشدة و تتساءل يف حرية عن كيف ال يكون لها رأياً يف طلب الطالق بعد زواج أستمر ألكرث من عرشين عاماً !! .كانت يف غاية اإلرصار وهى تردد" ليس هذا من اإلسالم يف يشء، وينظرن إىل مواقف زيبا الداعية للتعامل مع الدين واحرتامه وقراءة هذا ظلم فادح والرشيعة من املفرتض أن تكون هي العدل " .والجدير بالذكر ان زيبا قد وثقت للعديد من املشاهد املامثلة خالل فلمها الوثائقي نصوصه باستصحاب السياقات التاريخية واملعرفية املرتبطة بالحراك باالشرتاك مع املخرج الربيطاىن "كيم لونغينوتو""-طالق عىل الطريقة اإلنساين بحسبانها تراجعاً عن مبادئ حقوق النساء. اإليرانية" .وتقول زيبا " :أنا نفيس قد جربت الطالق عىل الطريقة اإليرانية مرتني لذا كان األمر سهال بالنسبة يل أن أضع قناع اإلنرثوبولوجي جانباً وتقول زيبا " :أنا سليلة مجتمع ت ُنظم فيه حياة الناس بقوانني وأعراف مستمدة إيل حد كبري من الدين وهو جزء ال يتجزأ من اإلرث الثقايف واكتفى فقط بكوين امرأة إيرانية خالل إخراجي للفلم" والتاريخي ملجتمعات املسلمني فالدين مهم بالنسبة للمرأة وللنساء وعىل الرغم من تدينها العميق فأن زيبا ترص عيل علامنيتها يف تعاملها الحق أن يكن مسلامت متى ما قررن ذلك وان يستمتعن يف نفس الوقت مع الحياة بشكل منفتح .حيث أنها تؤمن باستحالة تحقيق العدالة بدون بالعدالة واإلنصاف واملساواة" .إن زيبا مري حسينى واضحة ومؤمنة وترى مساواة ،وتقول" :لقد قضيت سنوات عديدة يف إنجلرتا التي درست فيها و انه ال تناقض ما بني أن تكون مسلام /مسلمة وىف نفس الوقت داعيا /داعية تعلمت اللغة االنجليزية يف املدرسة الداخلية ويف ذلك الوقت كانت إيران للمساواة والعدالة بني الرجال والنساء. تنحدر أكرث نحو كنف أيديولوجية تسعى إىل الحفاظ عىل عالقات غري حازت "زيبا مري حسينى" عىل دعم حركة "أخوات يف اإلسالم" املاليزية متساوية وغري عادلة يف عقد الزواج وىف املجتمع وتستنكر أن يكون للمرأة صوتاً أو أن يكون لها حق االختيار" .وتواصل زيبا" :كانت فرتة الثامنينيات والتي تحمل عضواتها نفس األفكار والقيم التي تحملها وأسست باالشرتاك كالحة يف إيران ،وصار كل ما أعرفه عن ذايت وعن املجتمع يتساقط طبقة مع أخوات يف اإلسالم حركة " مساواة العاملية -من أجل املساواة والعدالة إثر أخرى ،إيل أن اختفت كل األفكار التي كانت تدعو وتحث عىل التطور يف داخل األرسة املسلمة" .وزيبا مري ُحسيني عىل قناعة تامة بإمكانية أن تصبح املرأة نسويه ومسلمة يف ذات الوقت .ويف هذا تقول " :يف املايض واملساواة ". كان لزاماً عيل الدفاع عن هويتي اإلسالمية ونسويتى و لكني اآلن وبعد تحىك زيبا عن زيارة قامت بها إىل رضيح احد املشايخ يف مدينة قم ٣سنوات من العمل والجهد ما عدت أحتاج إىل تربير موقفي وهويتي (التي متثل مركزا ً للدراسات الدينية يف إيران) ،وتعتقد أن تلك الزيارة كنسوية ومسلمة". شكلت نقطة تحول محورية يف حياتها .تقول زيبا" :كنت أجلس يف طرف قيص خ ُّصص للنساء لالستامع إىل محارضة دينية .ويف هذه األثناء جاء أحد القيمني عىل الرضيح وطلب من النساء املوجودات بطريقة وقحة مغادرة من االنجليزية محمد عثمان الفكي املكان ظناً منه أنهن ال يرتقني إيل قدسية املكان ،ففرت معظم النساء هاربات من وقاحة الرجل إال أنا فقد لزمت مكاين ورفضت املغادرة وعندما بدا يف مضايقتي فقدت أعصايب جراء عدم االحرتام هذا وقلت له :من أنت حتى تطلب منى مغادرة املكان؟ وكنت غاضبة وكان الجميع ينظرون إ ّىل فهم مل يسمعوا من قبل امرأة ترفع صوتها بالرصاخ إىل هذا الحد يف داخل الرضيح..لقد أسهمت تلك الحادثة يف أن أصل إيل قراري الذي أسهم بدوره يف تغيري حيايت فيام بعد ،و هو أن ال اكتفي بأن أكون مراقبة قط وقررت بعدها أن أكون مشاركة ومدافعة عن حقوقي و توصلت إىل قناعة فحواها ،إن االنخراط يف بحث املعارف اإلسالمية وليس تجاهلها هو أنجع الطرق لتحقيق العدالة للمرأة املسلمة .وتقول زيبا: ٢
"إن الدين من األهمية بحيث ال يجب تركه للرجال وحدهم بل يجب على النساء االنخراط فيه واستعادته واإلسهام في تفسيره ودراسته "
لطاملا استعانت زيبا بالقرآن الكريم يف محاربة التمييز ضد املرأة باسم اإلسالم وذلك متشيا مع نهجها الداعى للعمل من داخل إطار القانون اإلسالمي وهو ذات النهج الذي وضعها يف موقف اختالف مع العديد من الرجال والنساء من األكادمييني والكتاب و الناشطني والناشطات ومع النسويات ،فبعض األكادمييني من نُشطاء اإلسالم السيايس كان يشكك يف
1م ّؤخر الصداق امل َ َهر عن َد املرأة ينقس ُم إىل قسمني وهُام :مقدّم الصداقَ :و ُه َو ما يَجِب دَفع ُه للمرأ ِة سواء مال أو رش ٌط ِمن ُش ِ كا َن ٌ وط الزواج يُعطى للمرأ ِة ق ََبل ال ِنكاح ؛ حيثُ قال الله تعاىل ( :وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) ِ وهذه ال َكلِ َم ِة صدقاته ّن ِف اآلي ِة َمأخوذ ٌة الصدق لداللَ ِة ِصدقِ ِم َن ّ الرجلِ معِ املرأة ِف فرت ِة الخطوبة وترايض الطرفني .مؤخّر الصداق :املؤخّر تستح ّق ُه الزوجة من زوجها كامالً من ِ بعد الدخو ِل عليها، وهذا امل َهر يبقى يف ذ ّم ِة الرجل دي ٌن علي ِه وه َو حق من حقوقِ املرأة ويجب االلتزا ُم بقيمة املؤخّر املادّي وأيضاً األجل املحدّد ،فإذا كا َن ِف ِ كتوب أن يُدفَ ُع العقد َم ٌ امل ُؤخّر بَع َد ُمرو ِر سنة أو سنتني يجب أن يدفعها وال يجو ُز املامطَل ِة ِفيها. 2وشاح تستخدمه النساء من إيران لتغطية الرأس والجزء األعىل من الجسد ٣قُم هي إحدى مدن إيران و التي تعترب الحوزة العلمية فاملوجودة فيها مبثابة املركز العلمي الديني للشيعة بعد النجف االرشف يف العراقv املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
7
الترابي والنساء رحل الدكتور حسن عبد الله الرتايب ،السيايس البارز ،وأحد أبرز مؤسيس الديني املثري للجدل يف الحركة اإلسالمية الحديثة يف السودان ،واملنظِّر ّ مارس ،2016تاركاً خلفه وطناً آيالً للسقوط وقابالً للتبعرث ،بعد أن أنفذ فيه منذ 30يونيو 1989م كامل مرشوعه ـ الحلم الذي سعى فيه إىل تحويل السودان إىل أول دولة ُس ّنية ت ُحكم مبرجع ّية دين ّية ،فكرا ً وروحاً ،منذ رحيل االستعامر عن العامل اإلسالمي. ولد حسن عبد الله الرتايب مبدينة كسال يف رشق السودان عام 1932م. درس القانون بجامعة الخرطوم ،1955-1951وحصل عىل املاجستري من جامعة لندن العام ،1957ودكتوراه الدولة من جامعة السوربون يف باريس عام .1964يف بداية حياته األكادميية عمل الرتايب محارضا ً بجامعة الخرطوم يف كلية القانون ،ثم استقال منها ليتف ّرغ للعمل السيايس ،ليصبح بعدها أميناً عاماً لإلخوان املسلمني والحقاً زعيامً لجبهة امليثاق ( ،)1964-1969ثم أميناً عاماً للجبهة اإلسالمية يف عام .1985استمر يف املنصب األخري حتّى قيام انقالب الحركة اإلسالمية يف يونيو ،1989حيث َح ّل تنظيم الجبهة اإلسالمية نفسه وتح ّول إىل التنظيم الحاكم يف السودان. ينتمي الرتايب ألرسة دينية ُعرفت بالتصوف ،فجده األكرب هو الشيخ حمد النحالن ( ،)1704-1639املتصوف الشهري ،وصاحب الكرامات الواردة يف كتاب (الطبقات) لو ّد ضيف الله . 1كام كان والده قاضياً رشعيّا يف الدولة االستعامرية الوليدة وقتها .وقد تبوأ والده ذلك املنصب ،يف زمن دانت فيه السيادة للقضاء املدين مبرجعيته الوضعية (العلامنية) ،فيام اقترصت سلطات القضاء الرشعي عىل قضايا األحوال الشخصية .ترتب عىل هذا الفصل يف السلطة القضائية متاي ُز بني الفريقني عىل كافة األصعدة االجتامعية والثقافية والسياسية .حيث س ُيلقي ذلك التاميز بظالله الحقاً عىل شخصية الرتايب ،الذي سعى جاهدا ً إىل تقليص ونفى املرجعية الوضعيّة يف وقت الحق.
تالمذته .إال أ ّن ما يعنينا هنا هو ،موقف الراحل حسن الرتايب من النساء. ورغم أ ّن الدكتور حسن الرتايب عىل املستوى الفكري أصدر العديد من املؤلفات التي وصفت من قبل رصفائه من اإلسالميني بأنها تحوي أفكارا ً تحررية تجاه النساء ،لك ّن النظرة العميقة لتلكُم املساهامت ِ تفص ُح جلياً تنصب يف عن أ ّن دعاوى مساواة تكليف النساء أسو ًة بالرجال يف فكر الرتايبَّ ، مجملها حول تنشيط فاعليّة النساء يف ال َحراك السيايس وتكثيف وجودهن كرصيد يُضيف للزخم والكثافة املجتمعية ملرشوع الحركة اإلسالمية.
ورغم تواجد النساء داخل معسكر اإلسالم السيايس ،إال أن ذلك مل مينع مرشوع الدكتور الرتايب من تب ِّني قوانني وسياسات متييزية قاهرة للنساء، استلهمت من التقاليد السلفية الدوغامئية بهدف استثامرها سياسياً، وإثارة املخاوف األخالقية يف أوساط مجتمعات السودان التقليدية .ويجدر القول هنا ،إن تأثري تلك القوانني والسياسات مل يقترص عىل ال َحراك النسوي فحسب ،وإمنا امت ّد تأثريها سلباً عىل مجمل حركة التطور االجتامعي يف السودان ،التي أصابها ال ُعطب وشابها التشوه. الرتايب املفكر واملجدد الفقهي ميثّل مفهوم "االبتالء" ٢املوضوع األساس يف فكر الرتايب .واالبتالء الذي متغيا ً ميثل يعنيه هو الحادثات أو املستجدات الحياتية التي تنتج واقعاً ّ تحدياً للمسلم ،يستلزم بالرضورة مجابهته عرب اجرتاح فقه جديد يستمد رؤيته من إشكاليّات الواقع املاثلة ،التي ال يتوفّر للفقه التقليدي عاد ًة القدرة عىل معالجتها .والحداثة من هذا املنظور ،تعترب ابتالء يف نظر الرتايب، ول وجهه ،ومن ثم تو ّجبت أل َّن تحدياتها تعرتض طريق املسلم أينام َّ مجابهتها والتص ِّدي لها كحقيقة ال مفر منها ،بغية التقرب إىل الله .لك َّن منهج املتدينني التقليديني ،حسب تعريف الرتايب له ،ال يتوفّر عىل مق ِّومات املجابهة تلك ،وبالتايل يلوذون من تبعة مجابهة الحداثة فرارا ً بدينهم وخوفا من الفتنة.
منذ بزوغ نجمه يف أعقاب ثورة أكتوبر 1964م ،التي أطاحت وقتها ظل حسن الرتايب شخص ّي ًة بنظام الجرنال عبود العسكري (َّ ،)1964-1958 يف هذا السياق ،عمل الرتايب عىل الفصل بني ال ِّدين والتَّديُّن كمنصة سياسيّ ًة وفكريّة مثري ًة للجدل ،يصعب التكهن مبكنوناته حتى من قبل يتأسس عليها مرشوعه الفقهي.
8
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
وجوه
ويطلق عىل الدين كمفهوم أزيل (الدين الحق) ،بينام يطلق عىل التديُّن (الدين الكسب) .تأسيساً عىل هذا التمييز ،يعتقد الرتايب أن األصل يف التديُّن هو التجديد ،وعدم التق ُّيد مبتواضعات فقهية سابقة ،كانت حصيلة ملجابهة ابتالءات سابقة ،مبا يف ذلك املذاهب األربعة .والتجديد هو الذي يُعيد للدين بريقه من أثر ضغوط الحادثات (االبتالءات) التي يتع ّرض لها كل فينة وأخرى .فالتدين من واقع كونه يشء من صنع اإلنسان ،فهو مبرور الوقت يتح َّنط ويصبح غري معرب عن حقائق الواقع ،وال يلبي مشاكل األجيال الالحقة. عليه ،فإن اإلحياء والتجديد الديني يف مفهوم الرتايب ،رضورة مبتغاها إخضاع الدولة لله ،وهو نهج وصفه الكاتب األمرييك "عبد املالك سيمون"،3 بأنه محاولة السرتجاع عملية التط ّور العقيل التي تش ّوشت بسبب االستعامر .ومن ث َّم فهو جهد إلعادة بناء الدين كمنصة حاضنة لكل الجهود املتعددة الرامية للمحاسبة السياسية ،ومن أجل تحقيق املزيد من اإلنتاج االقتصادي .لذا ففي تقدير "سيمون" ،فإن الحركات اإلسالمية يف الحقيقة غري مشدودة بالعودة إىل املايض املجيد كرشط أو محدد الرتباطها التاريخي بذلك العهد. من هذا املنطلق انرصف عمل الرتايب إىل التصدي إلشكال ّيات فقهية شائكة طاملا وقفت حجر عرثة أمام حركات اإلسالم السيايس املعارصة. متثّلت أهم هذه التحديات يف عالقة اإلسالم بالحرية والفن واملرأة ،والعالقة مع غري املسلم .فعىل مستوى الحرية الفردية ،نظرياً ،يرى الرتايب أن الحرية تعترب رشطاً أساسياً للتدين "ألنه ال ميكن للتدين أن ينمو إالَّ يف مناخ من الحرية...وأنه ال يلزم الواحد أخاه وأال يكرهه عىل الدين ،ألن التديُّن هو تحرر من واقع القهر والسلطان ...فالحرية الزمة من لوازم التوحيد ورضورة من رضورات تنمية التدين (.4 " )... اللوحة :حسين مرغني
فالدين في مفهومه ،أزلي وثابت ال يتغي ّر بمقتضى األحوال ،بينما التدي ُّن في تقديره هو ما تراكم من تقاليد فقهية عبر القرون
وفيام يخص الفن ،مل يجد الرتايب مس ِّوغاً لتلك العداوة التي وسمت عالقة الفقه التقليدي بالفن .فهو يرى أ َّن الفن يف نهاية املطاف هو "اخرتاع ٌ ومعرتف به يف اإلسالم كهبة و ِم ّنة تستوجب الجامل" ومبا أن الجامل مق ّد ٌر الحمد ،ومن هنا ميكن توظيف الفن كشكل من أشكال التديُّن تقرباً لله. املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
9
من هنا ،فإن الوظيفة النهائية والحاسمة للجامل هي خدمة العقيدة ،يف عهد النبوة؛ مام يعني أنه يتسق متاماً مع مبادئ الدين ،وأن ما يشهده 5 وذلك من منطلق أهمية الح ّيز الذي يشغله الفن يف الدولة الحديثة . العامل اإلسالمي اليوم من تراجع و انحطاط يف أقدار املرأة ،مبعثه ابتعاد املجتمع عن مبادئ اإلسالم. الرتايب وفقه املرأة يعتقد الكثري من منظِّري الحركة اإلسالمية واإلسالم السيايس عىل وجه العموم ،أن فقه املرأة هو اإلنجاز األكرب يف مسرية الرتايب ،وأنه ميثّل ثورة خاصة، فقهية يف العرص الحديث .فقد أوىل الرتايب موضوع املرأة عناية ّ حيث أدرك بذكائه السيايس وقراءته لواقع التط ّور االجتامعي الذي ما ف ِتئ يُدلِّل عىل أهمية تضمني النساء يف العمل السيايس العام بوصفهن عنرصا ً ال ميكن تجاهله .كام استفاد الراحل من تجارب الحزب الشيوعي يف الستينيات والتي دلّلت عىل فاعليّة انخراط النساء يف العمل السيايس. انطالقاً من ذلك ،أصدر الرتايب يف عام ،1973كتيبا بعنوان "رسالة املرأة" والذي صدر الحقاً بعنوان "املرأة بني تعاليم الدين وتقاليد املجتمع" وأخريا ً أُعيد نرش نفس الكتاب بعنوان "املرأة بني األصول والتقاليد" ،وذلك بعد قيامه بإضافة بعض األفكار إليه .يفرس البعض هذا االهتامم مبسألة املرأة عند الرتايب بتأث ّره بالثقافة الغربية ،خصوصاً وأن حديثه عن تحرر املرأة كان قد تزامن مع عودته من االبتعاث األكادميي يف بريطانيا عام .1957يف كتيبه املذكور أعاله بإصداراته املتعددة، يشد ّد الترابي على أن حرية المرأة ومساواتها في التكليف الديني تجد جوهرها في أصول الدين ،من ٌ إنسان قائم بذاته ،ي ُسأل فردياً يوم واقع كونها الحساب عن دوره في الدفاع والذود عن العقيدة، ومن ث ّ َم ال تصدق عنها دعوة لإلسالم ما لم تكن حرة مستقلة.
فاألرسة يف تقديره ليست مناط الحساب يوم القيامة ،وبالتايل ،يحق للمرأة أن تتحدى األرسة عندما يتعلق األمر بإيفاء واجباتها الدينية. 6 ومييض الرتايب مستشهدا ً بالكثري من اآليات القرآنية وقصص السرية ،ليتحدث عن األدوار الحياتية التي قامت بها املرأة املسلمة يف بواكري اإلسالم من جهاد وتطبيب وتجارة واستشارة ..إلخ ،مام يؤكد استقالليتها والحرية االجتامعية التي كانت تتمتع بها وقتها ،وبالقدر الذي انعكس كسباً عىل حياة اإلسالم واملسلمني .فاملشاركة الكاملة للمرأة يف الحياة العامة كانت رائجة و ُمعاشة ،ووجودها يف الفضاء العام كان جز ًء من ال َحراك االجتامعي
10
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
7أمّا فيما يتعلق بمسألة الحجاب ،وال يرى الترابي أنه ٌ تكليف إسالمي ُم ٌ لزم للمرأة المسلمة في عمومها، 8 بقدر ما أنه كان تكليفاً خاصاً بنساء النبي .ويفسر الترابي واقع المرأة المتقهقر اليوم بتراجع واقع المسلمين عموماً بعد أن ضي ّعوا دينهم.
وحسب هذه الرؤية ،فإن السعي إىل استضعاف املرأة ،ميثّل انعكاساً لضعف إميان املسلمني ،وبالتايل ،فإن االعتداء عىل املرأة أيضا يعود يف التحليل األخري ،إىل ضعف االلتزام الديني .عىل سبيل املثال ،فإن التضييق عىل املرأة بدافع الفتنة ،هو نهج أبوي يف تقدير الرتايب ،وال عالقة له باإلسالم ،ألن فتنة املرأة الجاهلة املنوط بها تربية أجيال املسلمني ،لهي 9 أشد وقعاً عىل األرسة واملجتمع من اختالطها بالرجال يف الفضاء العام. إالَّ أ َّن الرتايب وخالفاُ للمفكر التونيس الراحل " الطاهر الحداد ،"10والذي أصدر كتابه الشهري "امرأتنا يف الرشيعة واملجتمع" ،والذي عمل من خالله عىل تحرير املرأة يف كل نواحي الحياة مبراجعة كل ما يك ّبل تحررها يف تقاليد الفقه االسالمي ،حرص الرتايب جل جهده الفكري لتأكيد وجود املرأة يف الفضاء العام تنظريا ً وتنظيامً .ومل يعن الرتايب كثريا ً بواقع املرأة وتعقيدات القهر والتمييز ضدها عرب قوانني األحوال الشخصية ،كام مل يس َع لتغيري املعادلة األبوية التي تجسدها تلك القوانني ،بل عىل العكس ،تواطأ الرتايب مع املنظومة السلفية والقيم املامثلة ،رمبا ألنه كان يراهن عىل تلك القوى السلفية من أجل توظيفها يف معاركه ض ّد القوى املعارضة له سياسياً. عليه ،ال ميكن قراءة دفع الرتايب املرأة باتجاه العمل العام ،دون األخذ يف االعتبار مسعاه الحثيث لولوج الحركة اإلسالمية الفضاء السيايس بقوة. فهنا ميكن القول ،إن الحدس االستباقي عند الرتايب السيايس هو املح ّرض األسايس للرتايب املنظّر .فهو يقول" :كنا دامئا نحاول قراءة الواقع واستكشاف سياقاته ومصائره ،أنظر مثال تخطيطنا يف ميدان املرأة ،لقد كنا نق ّدر مع توسع التعليم والعمل والحرض أن ستخرج املرأة إىل املجتمع ،وكنا حريصني عىل موافاة هذا الخروج بربنامج يو ّجه الحركة النسوية التي يدفعها قدر التطور االجتامعي العام ـ برنامج يُساير القانون االجتامعي العام ال يعاكسه
1كتاب الطبقات يف خصوص األولياء والصالحني والعلامء والشعراء يف السودان املؤلف: محمد ضيف الله بن محمد الجعيل الفضيل (ت1224هـ ( Ibrahim, A. A., ٢ Manichaean Delirium, Decolonizing the Judiciary and Islamic ,Renewal in Sudan .Chapter six ,1985-1898
وجوه
تشبثًا باألعراف التقليدية املحافظة ،بل يوافيه ويتقوى به .وكذلك نركب منت حركة التاريخ ونوجهها وجهة دينية. 11هذه المواءمة الدقيقة بين تحريض المرأة للخروج للفضاء العام ،دفعاً للكسب السياسي للحركة اإلسالمية ،وتجاهل الواقع االجتماعي والثقافي الذى تتحرك فيه،
والذي يشكِّل مرتعاً لألعراف والتقاليد الدينية املجحفة ممثل ًة يف قانون األحوال الشخصية الحايل؛ يعزز من فرضية النهج الرباغاميت لقضية املرأة يف فكر الرتايب ،أكرث من كونه تجديدا ً فقهياً يعتد به .خصوصاً إذا وضعنا يف االعتبار ما متخضت عنه املامرسة السياسية للحركة من مواقف راسخة يف التخلف تجاه قضايا املرأة ،تجسدت يف القوانني والسياسات التمييزية وتشجيع أمناط كارهي النساء "املسوجنيه " 12مثل تقنني ختان البنات وتعدد الزوجات ،والجلد .ومتثّل منظومة النظام العام يف هذا الصدد ذروة التناقض يف فكر الرتايب ،حيث أن القانون عمل متاماً عىل تضييق الخناق عىل حرية املرأة وفرض حصارا ً عىل سلوكها وزيها يف الفضاء العامُ ،معززا ً بعقوبة الجلد املهينة .لذا نجد أن إسهام ونتائج جهد الدكتور الرتايب ،عىل النقيض متاماً من محاولة الطاهر الحداد التي سعت ملعالجة األزمة من جذورها مبجابهة قوانني األحوال الشخصية املبنية عىل اإلرث الفقهي التقليدي بحسبانها تجسيدا ً للظلم الواقع عىل املرأة املسلمة .ال غرو إذن ،أن أمثر هذا الجهد الحقاً بعد تبنيه من قبل الدولة التونسية يف عهد الحبيب بورقيبة ،عن واحدة من أرفع قوانني األحوال الشخصية اإلسالمية وأكرثها تقدماً ،حيث أن مفكرة األحوال الشخصية التونسية ما تزال صامدة وتشكل منوذجاً مرشقاً يف مساواة واحرتام إنسانية املرأة حتى يومنا هذا.
هذا المقال مجتزأ من دراسة مطوّلة وغير منشورة للكاتب عبد
الخالق السر ،حول المشروع الفكري للراحل د .حسن عبد الله
الترابي.
Simone, T. A., In 3 Whose Image? Political Islam and Urban Practices in Sudan. 1994, P. 6-7 4محمد الهاشمي حامد، الحركة االسالمية يف السودان، ،1987ص 87 El-Affendi, A., Turabi’s 5 Revollution, Islam and Power in Sudan, Chapter nine, Turabi’s Ideological Revolution, 1991 El-Affendi, A., Tura� 6 bi’s Revollution, Islam and Power in Sudan, Chapter nine, Turabi’s Ideological Revolution, .1991 7د .حسن عبد الله الرتايب، امرأة بني االصول والتقاليد، مركز دراسات املرأة ،الخرطوم 2000م ،ص 10-3 8نفس املصدر ،ص 15-12 9نفس املصدر ،ص 15-12 ( 10الطاهر الحداد) ،هو من مواليد 4ديسمرب 1899 وتويف يف 7ديسمرب ،1935 هو مفكر نقايب وسيايس تونيس .وقام بحملة لتطور املجتمع التونيس يف مطلع القرن العرشين .ومن املعروف أنه خاض نشاط من أجل حقوق العامل النقابية التونسية ،وتحرير املرأة التونسية ومنع تعدد الزوجات يف العامل املسلم. 11
محمد الهاشمي حامد، الحركة االسالمية يف السودان، ،1987ص32 12املسجونية هي تقنني وتربير مامرسات كره النساء
املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
11
ظاهرة البالبل:
مدخل آخر لقراءة الحداثة في المجتمع السوداني محمد عثامن الفيك (دريج) كاتب سوداين وباحث وأكادميي متخصص ىف علم االنرثوبولوجيا مقيم حاليا يف كندا
اللوحة :حسين ميرغني
البالبل أو سوبريم السودان ،1فرقة ثالثية نسائية غنائية ومبثابة األيقونة يف مسار الغناء السوداين ،ظهرت إىل الوجود يف مطلع سبعينيات القرن املايض ،لترتك بصامتها الواضحة عىل الغناء السوداين بصورة عامة ،وعيل مسرية النساء الفنانات و املغنيّات يف الفضاء السوداين بصفة خاصة .هذا املقال عبارة عن محاولة ملقاربة ظاهرة البالبل اجتامعيا ،بتل ّمس أه ّم املحطات يف مسريتهن عىل خلفية قيم األبوية واملحافظة التي اتصفت بها مجتمعات السودان.
12
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
تك ّونت الفرقة من ثالث شقيقات وهن :هادية وآمال وحياة .والثالث ينتمني ألرسة مك ّونة من سبع أخوات وثالثة إخوان .وتنحدر أرسة البالبل من منطقة "وادي حلفا" يف أقىص شامل السودان ،حيث هاجرت األرسة الحقاً واستقرت مبدينة أدرمان ،إبّان فرتة التهجري القرسي لسكان وادي حلفا الذي صاحب إنشاء خزان السد العايل يف ستينات القرن املايض .والد البالبل "محمد عبداملجيد طلسم" من خريجي "كلية غردون" الجامعية، وقد عمل معلامً يف مختلف بقاع السودان ،كام تبوأ العديد من الوظائف
وجوه
األكادميية .ويعرف عنه أيضا حبه للموسيقى وشغفه الشديد بالشعر ٢ واألدب والتصوير وآلة الكامن. وبعد النجاح الكبري لألداء االفتتاحي الذي حققته البالبل بقيادة املوسيقار السوداين املعروف يف ذلك الوقت "بشري عباس" ،إهتم النظام السوداين الحاكم ،بفرقة البالبل ،حيث صاحبت الفرقة الرئيس السوداين األسبق ،جعفر منريي ،يف مطلع سبعينات القرن املايض خالل رحلته التي زار فيها العديد من أقاليم السودان .وال شك أن تلك الرحلة قد ع ّززت من شهرة البالبل ومن نجوميتهن الصاعدة. استمرت الفرقة يف األداء املتواصل ملا يقارب العقدين من الزمان ( 1971ـ )1988يف داخل وخارج السودان .ولكن ومع نهاية عقد ملتغيات يف أوضاعهن الثامنينيات ،توقفت الفرقة عن األداء نتيجة ّ االجتامعية ،كام تزامن ذلك التوقف مع حدوث االنقالب العسكري يف السودان يف 1989والذي أىت باإلسالميني إىل السلطة ،حيث نتج عن ذلك تقلص كبري يف مساحات االبداع الفني والغناء يف السودان.
تُؤكّد الحقائق أن رحلة البالبل لم تكن أبداً سهلة، حيث وقفت في طريقها العديد من المعوقات ،ففي ثقافة وسط السودان السائدة حتى عندما ي ُسمح للمرأة بالغناء ،فإن أداءها على خشبة المسرح عادة ما يكون محكوماً بلوائح سلوكية مستمدة من أعراف اجتماعية ي ُسمح معها للنساء بالغناء في األماكن العامّة ،وذلك عندما ال تتعدى موسيقاهن حدود اللياقة والعادات اإلسالمية .4
وحالة البالبل مل تكن االستثناء يف هذا املعرتك ،فمع تنامى شهرتهن ،بدأ الجريان واألصدقاء وبعض األقارب يف انتقاد الوالد لسامحه لهن بالظهور والغناء عىل املرسح( .٥)...ولكن بفضل إرصارهن ورغبتهن الشديدة يف االستمرار يف الغناء ،متكّن من تخطى العديد من العقبات يف طريقهن. وىف هذا الصدد تؤكد هادية بالقول" :لقد صمدنا ...وقد أكد تقدمنا وظهورنا عىل املرسح أنه ال يوجد أبدا ً ما يعيب حول ما نقوم به".٦ ولكن من المؤكّد إن إصرار البالبل وحده ما كان سيكون كافياً لي ُمكنهن من خوض بري ّة المجتمع السوداني المحافظ ،دون دعم أو تشجيع من قبل دوائر تقليدية داخل المجتمع خصوصا حرسه األبوي ،وقد كان.
إال أنه وبعد عقدين من التوقف عن الغناء ،قررت الفرقة ارتياد خشبة املرسح الغنايئ مرة أخرى ،حيث قدمت حفالً يف مدينة نيويورك عام ،2007وبعدها يف شيكاغو يف السنة التالية عىل رشف املهرجان السوداين للموسيقى والرقص .٣وبعد ذلك سافرت الفرقة إىل السودان فقد جاء الدعم والتشجيع للبالبل ،إضافة اىل والدهن ،من العديد من حيث قامت بالغناء أمام آالف املعجبني املتحمسني ،الذين جاءوا من كل املؤلفني واملوسيقيني وكُتّاب األغاين ومن املوسيقار بشري عباس وعدد من قطاعات الشعب السوداين ،ومن جميع األعامر يحدهم الشوق الشديد رموز املجتمع يف ذلك الوقت .ويف ذلك تقول آمال" :مل يهتم والدنا أبدا ً لرؤية الشقيقات الثالث عىل املرسح ولسامع غنائهن املألوف .ويف بكل تلك [االنتقادات] واستمر يف تشجيعنا كثريا ً".٧ السودان أدّت الفرقة العديد من الحفالت الغنائية ،والتزال املجموعة وللحق ،فإن مقاومة القيم األبوية املحافظة ،مل يقترص عىل البالبل تواصل الظهور يف املرسح للغناء بني الحني واآلخر. وحدهن ،فالتاريخ يخربنا أنه ومنذ مطلع القرن العرشين ،شهد السودان إن صعود ظاهرة البالبل يف مطلع السبعينيات يف مجتمع كثريا ً ما ظهور العديد من النساء اللوايت اشتهرن بالغناء وباالنخراط يف العديد من ُوصف باملحافظ (وهي محافظة تتفاعل مع عالمات وتفسريات إسالمية املجاالت األدبية والفنية األخرى .فهل يعنى هذا أن املجتمع السوداين محافظة) ،هذا الصعود يطرح العديد من التساؤالت حول طبيعة هذه يعاين من حالة فصام بتبنيه اليشء ونقيضه يف الوقت نفسه؟ "املحافظية" وسريورتها. اإلجابة من وجهة نظري ال .بل يجب أن يُنظر ملثل هذا التناقض ففي املجتمع الـ "األبوي" حيث تكون املرأة تحت السلطة الذكورية ،عىل أنه مجرد انعكاس لخطابات ثقافية ـ اجتامعية وسياسية عديدة يُفرتض أن يخضع ظهورها يف األماكن العامة إىل قوانني ومحاذير ومتنافسة ،تسم املجتمعات ذات التن ّوع الثقايف االجتامعي كالسودان. خاص ًة يف الغناء ،حيث أن املرأة نفسها ومثل هذا اإلدراك رضوري لفهم آليات عمل املجتمعات اإلسالمية، الذكورية ،ويُنتبذ معها صوتها ّ هي موضوع الشعر الغنايئ .كيف إذن يسعنا استيعاب حقيقة صعود ومن أجل تفادى الوقوع يف فخ تجريد مفاهيم مثل "اإلسالم" و"الرشق" ونجاح فرقة غنائية نسويّة ،يف مجتمع يُفرتض أن متنع القيم األخالقية و"املرأة" ،إلخ من تاريخيتها وبالتايل ،التعامل معها كحقائق ثابتة ال تقبل السائدة فيه مشاركة املرأة يف الفضاء العام ويف الغناء؟ التغيري أو التح ُّول أو االختالف.
املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
13
فبالنسبة لإلسالم يعكف المنهج "االستشراقي الجديد" على اختبار افتراض أن "التعاليم اإلسالمية" هي المسؤولة مسؤولي ّة كاملة عن دونية المرأة ،وعن العنف ضد ّ المرأة وعن التمييز بين الجنسين ،إلخ. فيتضح جليّاً أن مثل هذا الموقف هو في حقيقته يتجاهل الطبيعة السوسيو ـ اقتصادية والتاريخية المعقدة ،والدينامي ّات السياسية في تفاعلها مع تفاسير اإلسالم العديدة والمتنوّعة.
وكذلك فإن تصوير كل ما يقوم به املسلمون وكأنه يتبع مبارشة التعاليم اإلسالمية ،فيه استسهال شديد لفهم الواقع املعقد ،وذلك ألنه "باستثناء الصالة والصوم والحج إىل مكة ،وهي الشعائر التي ت ُؤدى كام هو ظاهر بواسطة السواد األعظم من املنتمني إىل اإلسالم ،فإن املسلمني كغريهم من البرش ،يتعاملون مع شؤونهم الحياتية مدفوعني مبنطق العامل القائم عىل القوة والرغبة".٨ وباعرتافنا بالطبيعة املعقدة لواقع هذه املجتمعات ،ميكننا وبسهولة ويرس الوصول إىل الخالصة التالية :إن الصياغة الخطابية املوسومة بـ "األبوية" ،إمنا هي يف الواقع مليئة بالرشوخات وليست بنية صارمة ومغلقة كام اعتاد البعض عىل تصويرها .لذا نالحظ يف حالة البالبل؛ عىل سبيل املثال؛ أن الوالد (والذي هو افرتاضاً تابع لألبوية) ،هو الذي قد شجع بناته عىل االنخراط يف /وامتهان الفن ،وبالتايل تحدى الخطاب السائد الذي يحاول حرص هذا الحقل عىل الرجال دون النساء .فهل نفس موقف الوالد يف هذه الحالة كـموقف "العدو من الداخل"؟ أم أنه ِّ فقط اتبع خيارا ً واحدا ً من ضمن العديد من املسالك والخيارات املتوفّرة داخل بنية املجتمع املعقدة؟ ونحن اآلن عىل اعتاب ،2017يزخر فضاء الغناء يف السودان بالعرشات من النساء كأصوات منفردة أو ثنائية أو ضمن مجموعات غنائية ،إضافة إىل احرتاف العزف عىل آالت موسيقية مختلفة .ولعله من املفارقات أن يحدث كل هذا يف ذات الوقت الذي يتبنى فيه النظام الحايل يف السودان أجندة وقوانني قاهرة تركّز عىل السيطرة عىل لبس وسلوك املرأة وظهورها وحركتها يف الفضاء العام .ومام ال شك فيه أن إرصار البالبل وشجاعتهن ،قد مهدتا الطريق أمام املرأة للخروج واملشاركة يف الغناء ويف كافة املشاريع الفنية األخرى.
1لقد أطلق هذا اللقب عىل البالبل تيمناً بالفرقة الغنائية االمريكية التي اشتهرت بنفس االسم خالل 1960 2شعيب ،صالح" .فصل من طالسم البالبل" .الراكوبة. يناير 2014 ,9 http://www.alrakoba. net/articles-actionshow-id-53004.htm ٣
أحمد ،حسن موىس .مصدر سابق
4مدونة خاصة http://theaudiotopia. blogspot.ca/2012/03/ al-balabil-band-ode-toghost-capital.html ٥الشبكة األفريقية للغارديان. مصدر سابق ٦املصدر السابق
كتب :محمد الفكي
٧املصدر السابق ٨بامبازوكا نيوز .ديسمرب 2015 ,5الفىك ,محمد. "االسالم والعنف :لعنة الدالة الخالية". http://www.pambazuka. org/governance/islamand-violence-curseempty-signifier
14
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
وجوه
آمال ومخاوف عاملة نظافة في شوارع مقديشو العاصمة الصومالية مقديشو أو " َحمر" كام تعرف محليًّا ،تعترب واحدة من بني أقدم مدن القرن األفريقي ،ويعود تاريخ تأسيسها إىل القرن التاسع عرشُ .عرفت املدينة يف وقت سابق بأجوائها اآلمنة واملر ِّحبة بالناس ،إال أنها تح ّولت خالل الـ " 35سنة املنرصمة إىل مرسح للعنف والقتال .حيث أخذ الوضع يف التدهور يف أوائل التسعينيات ،لينحدر الصومال بعدها رسيعا إىل ساحة نزاع مسلّح قائم عىل أساس العشرية، وهو ما أدّى ـ يف النهاية ـ إىل تفاقم أيديولوجيات العنف املتطرفة. وتفش وبالطبع ،فإن استمرار تلك العشائر يف تبني سياسات متصارعة ّ ظل انعدام اي سيطرة لحكومة مركزية ،ساهام يف أن الفساد يف البالد يف ِّ يصبح الصومال أرضاً خصبة للتطرف. رغم انتشار العنف ،ما يزال الصومال يحتضن زهاء الــ" 2.5مليون شخص ،مبا يف ذلك نسبة كبرية من النازحني داخليا ،وكلهم بحاجة إىل توفري الخدمات العا ّمة األساسية مثل إدارة النفايات .ويف محاولة لتحسني البيئة املعيشية لسكان مقديشو ،قررت الحكومة يف ،2012التعاقد مع آالف من النساء لتنظيف طرقات املدينة. حسب العرف السائد يف الصومال فإ َّن تجميع النفايات من األعامل متأصل التي تقوم بها النساء ،وهذا يف الحقيقة ،جز ٌء من تص ّور ثقايف ّ يف املجتمع ،يُحدد األدوار الجندرية املخصصة لكل من الجنسني .وعىل هذا األساس نجد أ ّن جميع أعامل النظافة وجمع النفايات والتنظيف يف املنازل واملدارس واملستشفيات وحتّى يف األماكن العا ّمة ،تقوم بها النساء. كسب ال َع ْيش تجمع لعامالت النظافة في مدينة مقديشو ميمونة يف األربعني من عمرها وهي أ ّم لثامنية أبناء ،ولذلك تسعى كغريها من الصومال ّيات لكسب ال ِّرزق ألرستها .تقول ميمونة "كنت منذ التحاقها مبهنة النظافة ،يبدأ يوم ميمونة حسن ح ّجي ،مشحونا سعيدة وشديدة االبتهاج حينام طُلب م ّني االستعداد ملبارشة أول يوم باليأس واألمل .فهي عاملة نظافة تكنس أحد أكرث شوارع مقديشو يف العمل .سعدت بحصويل عىل الوظيفة ،ألن زوجي كان عاطالً وقتها يل القيام بأعباء األرسة" .الحصول عىل الوظيفة ازدحا ًما ،وينرصف عملها ً أساسا إىل كنس وجرف النفايات املرتاكمة حول وال يزال كذلك ،لذا كان ع ّ مل يكن سهال "كلنا يعلم أن التعيني يف الوظائف يف الصومال ،يتم عىل الشارع الذي يربط منطقة الربملان باملطار.
املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
15
ميمونة تنظف فى احد الشوارع
أساس املعرفة بأشخاص داخل تلك الرشكة أو املؤسسة املحددة ،وليس نفسه ،ذلك ببساطة أل َّن عامالت النظافة يجري استهدافهن من قبل عىل أساس الكفاءة" .وتضيف يف هذا السياق "أنا إنسان ٌة يف غاية املهنية ،الجامعات املسلحة وبقية أفراد املجتمع عىل حد سواء. ومع ذلك مل أحصل عىل الوظيفة إال مبساعدة زميلة أضافتني إىل قامئة فعىل سبيل املثال ،انفجرت يف نوفمرب 2008قنبلة جرى زرعها وسط النساء الاليت اختارتهن السلطات املحلية للعمل ،ورغم هذا استغرق كومة من القاممة ،أودت بحياة 21عاملة نظافة ،وكان االنفجار من األمر أربعة أشهر". الحوادث البارزة التي ر ّوعت سكان مقديشو مبن فيهم ميمونة وزميالتها غسطُس 2014انفجار مامثل قتلت فيه ثالث ت ُشري ميمونة كذلك إىل أن العمل يف مجال النظافة عمل شاق بدنيا .يف املهنة .كام وقع يف أُ ْ فبعد تجميع القاممة يف األكياس ،تقوم النساء بتحميلها عىل الشاحنات ،وجرحت سبع أخريات من عامالت النظافة أيضً ا. بحكم عملها يف مجال النظافة كانت ميمونة تعرف إحدى ضحايا ليأيت بعدها الرجال لقيادة تلك الشاحنات من أجل التخلص من النفايات أصحُ ،صدمت لفقد واحدة من زميالتها يف االنفجار، خارج املدينة. االنفجار .مبعنى ّ إذ ت ُشري ميمونة إىل ذلك ،بقولها "إ ّن الضحية كانت أ ّما مثيل .من حسن وتلفت إىل أن "أعامر بعض النساء اللوايت يعملن يف التنظيف ،ال حظي مل أكن يومها موجود ٌة يف مكان الحادث ،لكنني أصبت حينها تتجاوز السادسة عرشة ،فيام تكون بني األخريات نساء كبار الس ّن أو باالكتئاب واألرق لليال طوال". حوامل ممن ال يجب أن يعملن يف مثل هذه املهن الشاقة". وترشح ميمونة مخاوفها بهذا الخصوص وتقول "ما زلت أفكر كل يوم تتقاىض عامالت النظافة يف التنظيف زهاء 90دوالرا يف الشهر؛ لك َّن أجور العامالت ـ حسبام ت ُفيد ميمونة ـ ال تصل دامئا يف الوقت املحدد حول احتامل وجود لغم مزروع تحت كومة القاممة ،ميكن أن ينفجر لها ،وإذا وصلت فإنها أصال غري كافية إلعالة األرسة .تقول ميمونة "بعد يف أي لحظة". ميض أربعة شهور دفعوا لنا مستحقات شهرين فقط ،وأخربونا بأنهم ّ سيدفعون أجور الشهرين املتبقيني الحقا .لكنهم مل يدفعوها أب ًدا". ترتدي ميمونة النقاب أثناء العمل بهدف حجب هويتها ،الس ّيام عقب تلقيها تهديدات عرب الهاتف والرسائل النصية القصرية ،من املتشددين الذين يعتقدون أن الحكومة التي وظفتها "غري رشع ّية ومناهضة لإلسالم". عمل يف مواجهة املخاطر وبالتايل ،فإن كل من يعمل لصالح الحكومة يعترب غري مسلم ،ويتو ّجب يوصف العمل يف هذا القطاع بكونه عمال وضيعا وخطرا يف الوقت رميه بالرصاص مبجرد رؤيته".
16
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
وجوه
ولد عبد الفتاح حسن عيل يف عام ،1987يف الصومال وهو االبن الوحيد لعائلة مك ّونة من أربعة أفراد .عمل سابقًا أستاذ يف مدرسة للنازحني ويعمل حاليا مع مركز التنمية الصومالية ،أحد مراكز يتول عبد الفتاح دور املجتمع املدين املعنيّة بتعزيز حقوق النساء يف الصومال .إىل جانب ذلكّ ، منسق برامج منظمة "املبادرة اإلسرتاتيجية للنساء يف القرن اإلفريقي" (صيحة) ،يف الصومال.
بهذا الخصوص ،تتساءل ميمونة "منذ متى يُخرج تجميع النفايات يل أحد ،مبن املرء من الدين؟" وتضيف "أرتدي النقاب ليك ال يتعرف ع ّ فيهم أفراد أرسيت .هناك من ال يرتدين النقاب بيننا .يقلن إ َّن الثقة بالله والتوكل عليه أكرث من كافيني لحاميتهن ،وإن أحدا ال يستطيع قتلهن إال مبشيئة الله .أ ّما أنا فلست شجاعة إىل ذلك الحد". يف الواقع ،إن املتشددين لَيْ ُسوا مصدر الخطر الوحيد عىل عامالت النظافة يف الشوارع ،فه ّن يتعرضن إىل تحرش لفظي وجنيس من عابري الطريق ،ويعاملن بعدم احرتام ،عىل الرغم من العمل الهام الذي يؤدينه لتحسني العاصمة. إضافة إىل ما سبق ،فإن الرسعة الفائقة التي تسري بها املركبات ،تعترب أكرب مشكلة تواجه عامالت النظافة .تقول ميمونة "يف الليل نرتدي سرتات مضيئة حتى ال تدهسنا السيارات .ليس هناك نظام يضبط حركة املرور هنا ،وبالتايل قد تجد مركبات تسري يف الجانب الخطأ من الطريق. وهناك أيضً ا بعض سيارات الحكومة املشحونة باملسلحني ،التي تنطلق عاد ًة برسعة فائقة .وهو ما يجعل تعرض املرء لحادثة اصطدام يف مثل هذه البيئة ،مسألة وقت ليس إال".
تجاوز املصاعب .كام أ ّن عملها ضمن فريق مع زميالتها ،ساعدها عىل تذليل مصاعب العمل .لكل ذلك تقول ميمونة إنها التزال متفائلة، وإنها تتوقع تحسن األمور وتأمل أن يأيت يوم ترى فيه أطفالها يتمتعون بجامل مدينة نظيفة" .برصف النظر عن كل ما نتعرض له ،فقد منحنا الله القدرة عىل امليض قدما ،وهذا ما يبدو أنه يبقينا أقوياء" .وتضيف "مجتمعنا بحاجة إىل بيئة جميلة ومدن نظيفة". الكاتب :عبدالفتاح حسن علي
من االنجليزية :منصور علي
تجاوز املصاعب تؤكد ميمونة أنه ما من ٍ أحد سألها يوما عن التحديات التي تواجهها يف عملها .قالت يل" :أنت أول شخص يبدو مهتامً بالعمل الذى نقوم به ،حتى مرشفينا يف العمل ،وهم من الرجال ،ال يتحدثون إلينا بشأن تحديات العمل ،كل ما يهمهم هو التأكد من إنجازه يف الوقت املحدد". رغم املصاعب الكثرية التي تواجهها ،فإن ميمونة ُمص ِّممة عىل مواصلة عملها الذي تعتقد أنه جعل منها امرأ ًة صلبة ،تشعر بأن لديها واجبا تقوم به نحو املجتمع ،كنوع من العمل الوطني الذي تسهم عربه يف ترميم حالة البلد املتص ّدعة. وبخصوص العقبات ،ت ُشري ميمونة إىل أ ّن سنوات طوال من الترشد والفاقة وفقدان األحبة ،جعلت من الصوماليني أكرث مرون ًة وقدر ًة عىل املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
17
الفنانة سعدية الصلحى: مصممة أزياء سودانية -ماذا تقول األزياء عن الشعوب؟
الستينيات غادرت سعدية ا ُم درمان إىل القاهرة للدراسة حيث التحقت باملعهد العايل للفنون الجميلة يف 1965و بدأت يف دراسة التصميم و الديكور مع الرتكيز بصفة خاصة عىل الفن التشكييل و لتعود بعد ذلك إىل السودان و تلتحق بكلية الفنون الجميلة و التطبيقية حيث أبدت اهتامما ملحوظاً بالفلكلور و األزياء السودانية .و يف العام 1968 التحقت بوزارة الثقافة لرتأس قسم تصميم األزياء كأول شخص سوداين يتبوأ ذلك املنصب عىل اإلطالق.
أماين محمد العبيد تحمل درجة الدكتوراه يف العلوم السياسية .باحثة و أستاذة متعاونة يف جامعة األحفاد للبنات .مهتمة بالفكر االسالمي املستنري وبقضايا النوع. نرش لها العديد من املقاالت والكتيبات.
استلهام والتواصل مع التاريخ: بعد تعيينها يف وزارة الثقافة عكفت سعدية الصلحي و عىل مدار عامني عىل ارتياد املتحف القومي و دراسة املاملك السودانية القدمية، و انطالقا من مالحظاتها الدقيقة للمنحوتات القدمية متكنت من إعادة إنتاج بعض األزياء التي كانت سائدة يف حضارات السودان القدمية ،و كذلك أفردت جزءا ً من بحثها لتحليل عالقة األزياء و اإلعامل اليدوية بديناميات السلطة املجتمعية مظهرة الدور املؤثر للمرأة السودانية يف املاملك القدمية.
ا ُجري هذا الحوار ملجلة املراة يف االسالم يف مدينة أم درمان (السودان) يف أكتوبر 2016
سعدية الصلحي · المصور :محمد اسماعيل
ولدت سعدية الصلحى يف العام 1941يف مدينة ا ُم درمان السودانية. و هي فنانة ألهمت سريت ُها العملية و عملها الرائد يف الفلكلور السوداين واألزياء التقليدية ،أجياالً من الفنانني والفنانات .و كان والدها وهو شيخ ديني و معلم مرموق و خطاطاً ماهرا يعكف عىل تصميم و تلوين الرشافة (األلواح الخشبية التي ت ُكتب عليها آيات القران الكريم). اكتشفت "سعدية" شغفها بالفن منذ بواكري عمرها؛ فعندما كانت يف عمر الثالث سنوات كانت تصنع مزامري من أعواد القصب و مالبس للعرائس من األقمشة التي كان يجلبها والدها إىل املنزل .و عندما دخلت املرحلة األولية يف عمر الخمس سنوات و عرفت بأنه ليس بإمكانها صناعة ألبسة العرائس مرة أخرى التفتت اىل مجال الفنون ...يف مطلع
18
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
و اهتمت أعامل "سعدية" بصفة خاصة بعكس ثراء و تنوع املوروث الثقايف السوداين ,فبينام ترك كل من الساري الهندي (الزى الذي يتكون من أربطة طويلة ت ُلف حول جسد املرأة والذي ترتدية املرأة يف جنوب آسيا) و الجلباب العريب أثرهام عىل أزياء رشق السودان، تركت الثقافة اإلفريقية بصامتها الخالدة عىل األزياء يف غرب السودان. و تحاول "سعدية" يف كل أعاملها التأكيد عىل األصول اإلفريقية للثقافة السودانية ،و يف هذا تقول" :تسود الطريقة اإلفريقية يف تصفيف الشعر يف السودان ،حتى أن امللكة أماين 1أو الكنداكة ذائعة الشهرة؛ كانت تصفف شعرها عىل الطريقة اإلفريقية" أيضا اهتمت "سعدية" في ابحاثها بسبر أغوار الدالالت الرمزية المرتبطة باألزياء
فعىل سبيل املثال؛ ترى انه يف سلطنة دارفور كان السلطان يرتدى األزياء السوداء الستقبال ضيوفه املهمني ،أما اللون األحمر فكان مرتبطاً باملوت و أرتبط اللون الربتقايل بالصيد .أما يف 2مملكة سنار فكان اللون يرتبط باملكانة االجتامعية لألفراد .فكان شيوخ الطرق الصوفية؛ عىل
وجوه
سبيل املثال؛ يرتدون اللون األخرض بينام يرتدى العامة من الجمهور يف رشق السودان ،كان يحمل سكيناً و مينع املص ّور من الدخول إىل حجرة النساء حيث كنت أقوم بالتقاط بعض الصور المرأة و لبعض مواد البجا اللون األزرق. 3 التقليدية". يف العام 1968تحصلت "سعدية" عىل عضوية الجمعية اإلفريقية للمصممني و كذلك عملت عىل التعاون اللصيق مع الفنانة التشكيلية “كامله إسحاق" حيث قامتا بتشجيع مشاركة املرأة يف األعامل الفنية و تنظيم املعارض و وورش التدريب يف املدارس يف مناطق مختلفة من البالد. لقد كرست "سعدية" جهدها للتصدي للتحديات التي تواجه ملبس وأزياء املرأة السودانية و ربط ذلك بإيجاد الحلول لالرتقاء بحياتها فعندما تحققت من عدم (عملية) "التوب السوداين" ,يف حالة املرأة التي ترتاد املركبات العامة و تعمل يف املصانع و املستشفيات قامت بابتداع و تصميم توبا كرث عملية من شانه أن يسهل من حركة املرأة و ويحافظ ويعكس مظهر التوب يف ذات الوقت.
الزى مُ ستلهم من رداء الملكة امانتبري من ملكات كوش القديمة
خالل فرتة عملها شاركت سعدية الصلحي يف العديد من املعارض و تحصلت عىل عدد من الجوائز املحلية و العاملية ،و يف العام 2010 أحيلت للمعاش .و عىل الرغم من بلوغها سن ال 75إال إنها ال تزال متثل الصوت العايل املتفرد املدافع عن الفلكلور والثقافة السودانية ومتثالتها يف األزياء السودانية مع رضورة االنتباه لألبعاد الكونية للزى واإلبقاء عىل أصالته املحلية.
تزكية املعرفة و اإلعامل اليدوية السودانية: خالل عملها في وزارة الثقافة تبنت "سعدية" منهجاً عمليا ,حيث كانت تسافر إلى األصقاع النائية في السودان و تتعايش مع المجموعات المختلفة و تعمل على توثيق األزياء اليومية و الطقسية و التقليدية و تجميع العديد من األعمال اليدوية
و كانت تأمل من وراء كل ذلك ,عكس التنوع السوداين املم ّيز و اقتفاء اثر املعارف و اإلبداع املحليني ,و لكن مل يكن الطريق إىل ذلك دوماً ممهدا ً، و ها هي تتذكر وتقول" :ذات مرة كدت أن أُقتل بواسطة رجل من البجا
بقلم :امانى محمد العبيد
من االنجليزية :محمد عثمان الفكي
1مللكة امانيتريي ريناس أو أمانجي ريناس وكان يرافق اسمها لقبي قوري وكنداكة أي امللكة والحاكم ،حكمت مملكة كوش من سنة 40 قبل امليالد ايل سنة 10 ميالدية، 2تأسست مملكة سنار يف عام 1504م ،نتيجة لتحالف بني قبائل الفونج يف جنوب رشق النيل األزرق بقيادة عامرة دنقس و قبائل العبدالب بقيادة عبد الله جامع وكانت تعرف أيضا ب (مملكة الفُنج» و«السلطنة الزرقاء )و (الدولة السنارية) 3
مجموعة ثقافية تقطن السودان و أجزاء من إرتريا و مرص empty-signifier املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
19
مواريث النساء: الوحي ،النص ،التأويل
الدكتورة زاهية بنت سامل جويرو ،أستاذة الدراسات اإلسالمية بالجامعة التونسية، حاصلة عىل الدكتوراه بأطروحة نرشت سنة 2014عن دار الطليعة ببريوت عنوانها" اإلفتاء بني سياج املذهب وإكراهات التاريخ" ولها كتب منشورة منها" :القصاص يف النصوص املقدسة"، دراسة تاريخية صادرة بتونس ،واإلسالم الشعبي صادرة ببريوت و"الوأد الجديد" ،مجموعة مقاالت يف الفتوى وفقه النساء ،صادرة بتونس ،إضافة إىل عدد من املقاالت املنشورة يف الدوريات العلمية ويف منشورات مشرتكة مع كتاب وأكادمييني.
20
املؤسسة الفقهية واجهت طموح النساء إىل العدالة واإلنصاف لكن ّ باستنباط أحكام عديدة أمعنت يف تكريس التمييز ض ّدهن وبتعطيل العمل ببعض ما ورد يف القرآن من أحكام ردّت لحق النساء يف امللكية االعتبار ،ومن هذه األحكام: ** فرض والية األب عىل ابنته البكر والية مطلقة ،تخ ّوله الترصف يف مالها ،وفرض اقتصار املتزوجة عىل الترصف يف الثلث من مالها فقط ،مع اشرتاط "العلم بصالحها". وهو ما يعني إجرائيا حرمان البنت من حق الترصف يف نصيبها، وحرمان الزوجة من حرية الترصف يف كل مالها ،وفسح املجال أمام األب للترصف يف كل املال ،وإباحة ترصف الزوج يف ثلثي مال الزوجة وحتى فيه كلّه بدعوى عدم صالحها .وهو ما يعني عمليا إفراغ الحكم القرآين أحكام مواريث النساء يف منظومتها التاريخية ـ االجتامعية: حق املرأة يف الترصف يف مالها من كل مضمون إجرايئ، الذي ينص عىل ّ ّ من البديهي ّأل يكون نظام املواريث مفصوال عن نظام توزيع األموال لتظل تحت وصاية الرجل أبا كان أو أخا أو زوجا. عامة وال عن طبيعة النظام االقتصادي ـ االجتامعي السائد يف شبه ** إباحة تحبيس األموال عىل الولد وإخراج البنات منه :من الواضح الجزيرة العربية زمن نزول الوحي .لذلك ال يجوز يف نظرنا االحتفاظ من نظام املواريث يف اإلسالم مببدأ نزول نصيب النساء عن نصيب الرجال اعتامدا عىل عدد من املصادر ،أن هذا الحل قد طبق منذ فرتة الصحابة. مفصوال عن سائر املبادئ املنظمة لتوزيع األموال ،وكأنه كان املبدأ فقد ذكر ابن وهب" :أن عثامن والزبري وابن طلحة حبّ ُسوا دُو َرهم". الوحيد من جهة ،وأن اإلسالم قرره أصالً من األصول التي ال تقبل التغيري وروى ابن القاسم عن سعيد بن عبد الرحامن عن عثامن بن عروة أن الزب َري بن الع ّوام قال يف صدقته عىل بنيه ال ت ُباع و ال ت ُو ّرث ،وإ ّن والتب ُّدل ،شأنه يف ذلك شأن أصول العقيدة من جهة أخرى. 1 ضة وال ٌمضا ًّرا بها"( ) ووردت يف للمردودة من بناته أن تسكن غري ُم ِ َّ من املرجح ،إذا نظرنا يف األحكام التي قررت للنساء نصيبا من املرياث ،املصدر نفسه رواية عن شهادة عائشة بأن "املسلمني قد احتالوا إلخراج بغض النظر عن مقداره ،يف إطار املجتمع الذي تو ّجهت إليه بِبناه املادية البنات من املرياث" .هذا هو الواقع املادي السائد آنذاك ،أما عىل الصعيد نتبي مقاصد اإلسالم يف هذا الشأن ،ومنها تقرير الذهني ،فإن التصورات السائدة كانت تقيض بأفضلية الذكر عىل األنثى والذهنية ،ميكننا أن ّ نصيب مفروض من املال املوروث لفائدة النساء ،عىل أن يكون معلوما بداهة وبتقدميه عليها ،وكانت تلك التصورات تعترب من صميم العدل، لذلك ظلّت املرأة وما متلك تحت وصاية الذكور من العائلة ،وحتى تحت ومع ّينا بدقة ومحفوظاً بقوة الرشع الساموي. ترصفهم باسم الوالية طاملا ظلّت تلك التصورات سائدة. ب ّررت كتب أسباب النزول وكتب التفسري نزول آيات الفرائض (النساء أحكام مواريث النساء بني الوحي والتاريخ: ،)4/11-12-176مبا كان سائدا يف شبه الجزيرة العربية من أعراف قضت بأن ال ترث النساء نصيبا من أموال اآلباء واألزواج .فقد أوردت أن "أهل سبقت اإلشارة إىل أن أغلب ما أنزل من اآليات بشأن املرياث ،إمنا جاء الجاهلية كانوا ال يو ّرثون النساء وال الصغار وإن كانوا ذكورا .ويقولون ال أجوب ًة مبارشة عىل أسئلة طرحتها عىل الرسول النساء خاصة ،وحلوال يُعطى إال من قاتل عىل "ظهور الخيل وحاز الغنيمة". لوضع ّيات مح َّددة عرضنها عليه .فاشرتكت تلك اآليات يف الداللة عىل مم ك ّن يتعرضن له من وقد أثار هذا النظام السائد يف املواريث حفيظة النساء ،ودفعهن أن النساء هن الاليت بادرن باملطالبة بإنصافهنّ ، إىل االحتجاج ضده ،وطالنب بحقهن يف أن يكون لهن نصيب من أموال ضيم نتيجة استيالء األقارب من الرجال عىل تركات أزواجهم. اآلباء واألزواج ،فجاءت آيات املرياث لتقرر لهن نصيبا .وكان من الواضح هذه الشواهد وغيرها كثير من صنفها ،تبي ّن أن أن اإلسالم قد عمل عىل إحداث نقلة يف نظام توزيع األموال املوروثة، التصرف البشري في األحكام القرآنية قد بلغ حد َّ حتى يكون منسجام مع التح ّوالت الحاصلة ،ومع تلك التي يرمي الدين من التناقض تماماً مع صريح عبارته ،ومع المقاصد الجديد إىل تحقيقها .وأهم ما يهدف إليه هذا النظام الجديد أن تصبح مبقتضاه املرأة فردا ذا نصيب مق ّدر ومفروض ،حتى ال يظل نصيبها رهني اإللهية من ورائها ،وأد ّى إلى حجب الفرائض المتعلقة رغبات األولياء من جهة ،وما ساد من تقاليد وأعراف من جهة أخرى. بالنساء لصالح العصبة من الذكور
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
مساواة
النص ،رغم تقليدية ويقوم عىل أشكال عديدة من التمييز العنيف املسلّط ضد ذلك أ ّن ضغط الواقع وإكراهاتِه كان أقوى من ضغط ّ طبيعته اإللهية .ففي إطار مجتمع ذكوري قائم عىل نظام العصبية ،النساء؟ يصري من املرشوع يف املسكوت عنه لدى الفقهاء ،حجب الفرض املق ّرر أحكام مواريث النساء من النص إىل التأويل: نصا لفائدة األقارب من النساء ،لصالح أنصبة مخصوصة بالذكور تم ًّ استخراجها بواسطة أساليب االستنباط والتأويل البرشية ،وت ّم تثبيتها حتى غدت هي األحكام املعمول بها فعال يف الواقع .وهو ما يدعونا إىل أرشنا يف ما سلف إىل وجوه من الترصف البرشي بواسطة التأويل يف التساؤل :إذا كان الواقع وحقائقه التاريخية قد اقتضيا ذلك الترصف يف أحكام املواريث ،ونشري يف هذا املقام إىل أبرز ما قامت عليه العملية رشعاه عىل امتداد فرتات طويلة من تاريخ املجتمعات التأويلية من أساليب ،وإىل ما ترتب عليها من نتائج عىل صعيد األحكام. النص القرآين و ّ اإلسالمية ،فكيف ال يقتضياه يف عرصنا هذا ،وقد شهدت نظم املجتمعات النص بني التخيري واإللزام: اإلسالمية تحوالت عميقة بات معها من الالمعقول والالتاريخي مواصلة التشبث بأحكام أكرثها برشي؟ وبأي حق نستأنف إرهاق النساء بأحكام ميّز علامء أصول الفقه يف مقدماتهم اللغوية التي جعلوها قواعد جائرة تتناقض مع العدل بصفته مقصدا إلهيا أساسيا ،ومع قيم عرصنا ومع مبادئه ومع حركة التاريخ واملجتمعات ،بقدر ما تتناقض مع القيم متحكمة يف عمليات استخراج األحكام من النصوص ،بني صيغ يف األحكام واملقاصد الكربى التي متثّل جوهر الرسالة الساموية؟ تفيد الندب والتخيري ،وصيغ تفيد الوجوب واإللزام .وعىل أساس ذلك م ّيزوا بني خمسة حدود يف األحكام هي :الحظر والوجوب واإلباحة إن الحلول التي ارتآها الفقهاء لكثري من اإلشكاليات التي تُثريها آيات والندب والتخيري .واعتربوا أ ّن من الصيغ الدالّة عىل الوجوب صيغة املواريث ،مثل إشكالية العول 2ناطقة بكونها حلوال برشية تاريخية "كتب عليكم" ،بينام تفيد صيغة «أوىص» ومشتقاتها الندب أو اإلباحة أو موسومة بظروف عرصها و مو ّجهة بإكراهات لحظتها وبرهانات نظمها التخيري ،بحسب املقام .وبناء عىل هذه املقدمات كان يفرتض منطقيا أن رض أح َدكم املوتُ إ ْن االجتامعية ،و هي بحكم طبيعتها هذه غ ُري ملزمة يف مطلق األحوال. يعترب الحكم الوارد يف نص اآلية «كُ ِت َب عليكم إذا ح َ ترك خ ًريا الوصي َة للوالديْن واألقربني باملعروف حقًّا عىل املتقني» (البقرة ينص عىل وجوب الوصيّة للوالدين ولألقربني .كام فبأي منطق يتشبث هؤالء المتصرفون الصغار )2/180حكام إلزاميا ّ كان يفرتض ،بناء عىل نفس املق ّدمات ،أن يعترب الحكم الوارد يف نص في المقدس من مفتيي قنوات "التجارة الدينية" األنثيي»( .النساء )11/4 مثل ح ِّظ اآلية «يُوصيكم الل ُه يف أوال ِدكم للذك ِر ُ ومواقع الجهل اإللكترونية ومن الشيوخ الباحثين ْ حك َم إباح ٍة وتخيريٍ .ولكن التأويالت التي ر ّجحها الفقهاء والتي استق ّرت عن تجديد مواقعهم في عالم تجاوزهم بإرهاق تاريخيًّا مختلف ٌة متاما ،بل ومتناقضة مع تلك املقدمات اللغوية ومع الضمير اإلسالمي بواجبات وحدود نشأت في ظل نتائجها املنطقية .فادرِج حكم الوصية ،ضمن ح ّد الندب والتخيري ،وحرص مجتمعات يفترض أن تكون مختلفة بنيويا عن مقدارها يف الثلث من املال املوروث ال غري ،وانحرص املستفيدون منها مجتمعاتنا المعاصرة؟ تي سورة النساء ،فإ ّن أحكا َمهام ي بآ يتعلق فيام ا م أ ائض. ر الف ذوي غري يف َ ّ ْ أليس يف ذلك دليال عىل أن هذه املجتمعات مازالت ،رغم كل ما ُع َّدت ُملزِم ًة و ث ُ ِّبتت إلزاميتُها عرب تخصيصها بفرع قائم بذاته من فروع مؤسسة دينية الفقه هو علم الفرائض وعرب ما أسبغ عليه من أهمية جعلته يف نظر شهدته من تحوالت ،تتشبث بنظام ذكوري تدعمه ّ املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
21
فد ّعم الدين نظامها الذكوري وثبّت أفضلية الرجال عىل النساء يف رشع رضوبا من التمييز املسلّط ض ّدهن ،وال يزال هذا مواقع عديدة ،و ّ التمييز قامئا إىل اليوم ومرشعناً باسم الدين .ومن تجلياته التمييز يف املرياث ،رغم ما يالحظ من اختالفات بنيوية عميقة بني مجتمعات املايض واملجتمعات املعارصة ،حيث أصبحت املساواة مبختلف أبعادها إما واقعا متحقّقا إىل حد كبري يف النظم الدميقراطية ،وقيمة إجرائية تتأسس عليها أغلب املنظومات القانونية الحديثة وخاصة منها منظومة ّ ملح يروم التحقّق يف البلدان التي ال حقوق اإلنسان ،أو هي مطلب ٌّ ٌ تزال فيها النساء يُعانني رضوبا من التمييز ضده ّن ،وخاصة منها البلدان العربية واإلسالمية .لذلك يبدو لنا من استعراض السياق "الالتاريخي" يف املدونة الفقهية ،أن التمسك ببقايا تلك ال ُنظم كان لها ما يربرها يف املايض ،لكنها فقدت يف الحارض كل مربراتها ،بل إن التمسك بها غالبا ما يضع البلدان املتبنية لتلك املدونة يف مآزق ومفارقات تزيد أوضاعها تعقيدا ،وهي املعقدة أصال.
الفقهاء" ثلث العلم"( ،)3حتى نسبت إىل الرسول أحاديث يف هذا املعنى: 4 «إن الفرائض ثلث العلم وإنها أول ما ينىس». إن اختالف العالمات اللغوية يف النص القرآين ،ويف آيات األحكام منه مؤش تحديدا ،ال ميكن أن يكون اعتباطيا .فاالنتقال من صيغة إىل أخرى ّ ٌ عىل انتقال يف مستوى الداللة ،يجعل األحكام يف أكرث الحاالت أقرب إىل اإلرشاد والنصح ،منها إىل اإللزام والتقنني املحض .ولكن املتحكمني يف الفهم والتأويل لهم منطق آخر ،توجهه وتتحكم فيه عقلية ذكورية ونظام اجتامعي أبوي. التأويل بني الفصل والوصل:
ألنه «وضع مبدأ الحق يف اإلرث عىل أساس الشخص ويف عموم معناه، ذكرا كان أو أنثى ،كبريا كان أو طفال كذلك مبدأ املساواة بني الرجل واملرأة بصفتهام أشخاصا 5».وذلك يف سياق مجتمع قائم عىل العصبية، وعىل نظام الرتتيب التفاضيل املستند إىل املعايري النابعة من أعراف ذلك املجتمع ،وهو من ثم مجتمع يستحيل أن نشأ يف نسقه ويف نظامه املعريف األصويل مفاهيم تنتمي يف األصل إىل األنساق الحديثة ،مثل مفهوم الشخص بفرديته ومفهوم املساواة املستند إىل مبدأ املواطنة ،إال أنه ال ينفي إمكانية هذا الفهم وال يتناقض معه ،وهذه إحدى خصائص النصوص الكربى.
ظل يُعتَ َمد لتربير الالمساواة يف املرياث بني إن املرجع األسايس الذي َّ النساء والرجال ،هو العبارة القرآنية «للذكر مثل حظ األنثيني» .وتبدو نقطة الضعف األساسية يف املنظومة الفقهية التي ك ّرست هذا الفهم وما زالت تك ّرسه واقعا ثابتا غري قابل للزحزحة هي أخذ هذه العبارة منفصلة عن السياق العام ،النيص والتاريخي الذي تتنزل فيه.
املؤسسة الفقهية ،وواقع فهل بني الواقع الذي أق ّره النـص وثبّتته ّ أي تناسب يسمح النساء يف املجتمعات اإلسالمية املعارصة اليوم ّ باالستمرار يف رفض مطلب املساواة يف املرياث؟ من منه ّن ال تنفق من الخاص ،املوروث واملكتسب ،عىل نفسها وعىل عائلتها؟ ومن منهـن مالها ّ 6 «متتنع عن االكتساب» بحجة أن «كفايتها واجبة عىل الزوج» وحده كام قال الفقهاء قدميا؟ وإذا كان النص القرآين قد ح ّد من الفارق بني أنصبة الرجال وأنصبة النساء يف املرياث مبا أق ّره لفائدة النساء من "حقوق" رشعه ،فام املانع مالية كاإلنفاق واملهر ألن الواقع كان يسمح بذلك وي ّ من إلغاء هذه الفوارق متاما اليوم إنصافا للمرأة التي تعمل داخل البيت وخارجه ،وتنفق كسبها من عملها وتساهم عىل قدم املساواة مع الرجل يف االقتصاد العائيل؟ وما الذي ميكن أن يكون يف هذا املطلب صادما لضمري املؤمن ،أو متناقضا مع اإلرادة اإللهية؟
وهذه الرسالة ،وإن أقر ّت بضرب من المساواة الروحية بين المسلمين فيما يتصل بالوضع إزاء الخالق وبالمصير األخروي ،فإنها عندما تنزّلت في ّ وتشكلت تاريخيا اتسمت ،شأنها في ذلك الواقع شأن سائر األديان السماوية ،بطبيعة المجتمعات التي خاطبتها وتل ّ قتها
إ ّن الواضح من خالل آيات املواريث نفسها ،أن مبدأ املساواة قد أُ ِق َّر يف عدد من الحاالت ،من بينها املساواة بني األبوين يف النصيب (السدس) لكل واحد منهام يف حال وجود أبناء لصاحب الرتكة املتويف "وألبويه ّ مم ترك إن كان له ولد(".النساء )4/11ومنها أيضا املساواة بني السدس ّ رجل يُو َرثُ كَالل ًة أو األخ واألخت يف حال مرياث الكاللة" :وإن كان ٌ فلكل ٍ السدس"(النساء )4/12واملساواة واحد منهام أخت ِّ امرأ ٌة وله أ ٌخ أو ٌ ُ
أما السياق التاريخي فقد سبقت اإلشارة إىل بعض مالمحه .وهو سياق مل تكن املساواة فيه ،مبضمونها الحديث ،من املفاهيم امل ُفكَّر فيها ،أو التي كان ميكن التفكري فيها أصال ،وال من النظم القابلة للتحقّق آنذاك، بحكم سيادة نظام أبوي ذكوري قائم عىل الرتاتبية التفاضلية .ونضيف النص الديني نفسه ميثّل أحد مستويات هذا السياق ،فاإلسالم إىل ذلك أن ّ ليس مجرد رسالة ساموية مفصولة عن املؤمنني بها وعن واقعهم.
22
لقد أقر ّ القرآن الكريم لفائدة النساء مبدأ الحق في الميراث ،وأقر ّ لها أهلي ّة التصر ّف في مالها ،وهو ما يمثّل انقالبا على األعراف السائدة آنذاك،
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
مساواة بأفضلية الذكر عىل األنثى .وهو ما رشع عىل مدى العصور لحرمان النص .ويكفي االلتفات النساء حتى من النصيب الذي قرره لفائدتهن ّ إىل األعراف السائدة يف كثري من البلدان اإلسالمية ،لرنى كيف تحرم النساء من أنصبتهن الرشعية خاص ًة يف األموال غري املنقولة عىل غرار األرض والعقارات التي ينفرد بها عادة الورثة من الذكور ،وحيث يت ّم االلتفاف عىل ما جاء يف القرآن ،بهدف رشعنة استيالء الورثة من الذكور عىل الرتكات دون النساء. )2إن مختلف الصيغ التي جاءت عليها أحكام املواريث ،تؤكّد أن النص القرآين مل يكن يرمي إىل تقرير أحكام مطلقة ونهائية ،وال إىل ضبط مد ّونة ترشيعية يف موضوع األموال قابلة لإلحاطة بكل الفرض ّيات املمكنة ،وبكل الوضعيات الواقعية ،بقدر ما ق ّدم أجوبة عىل مسائل إجرائية عارضة ،كانت منسجمة ،ولو إىل ح ّد ،مع طبيعة العرص واملجتمع الذين تنتسب إليهام ،لذلك أق ّر أكرثها بأفضلية الرجال عىل النساء .وإن علينا االعرتاف بهذه الحقيقة بدل االستمرار يف ترديد مواقف متجيديّه تنسب إىل اإلسالم ما كان من املستحيل مجرد التفكري فيه آنذاك ،ما يهيئ للعمل عىل تجاوزها وقد أصبحت الظروف مالمئة .ونحن ال نرى يف رض اإلسالم هذا االعرتاف ويف ما ميكن أن يرتتب عليه من نتائج ،ما قد ي ّ يف يشء" ،فلقد حكم اإلسالم يف آيات القرآن بتمييز الرجل عن املرأة يف مواضع رصيحة ،وليس هذا مبانع أن يقبل مببدأ املساواة االجتامعية بينهام عند توفّر أسبابها بتطو ّر الزمن ،مادام اإلسالم يرمي يف جوهره إىل 7 العدالة التامة و روح الحق األعىل".
كذلك بني األخوة إناثا وذكورا إن كانوا أك َرث من اثنني يف نفس الحالة "فإ ْن رشكا ُء يف الثُل ُِث" (النساء.)4/12 كانُوا أكرثَ من ذلك فهم ُ تقوم هذه األمثلة شاهدا عىل أن مبدأ املساواة يف األنصبة يف ح ِّد ذاته ليس غريبا عن النص القرآين ،فقد نطقت به هذه الحاالت ،بقدر ما ر ّجحته قراءة ممكنة تأخذ بعني االعتبار النص القرآين يف كليته .فالتمييز، وإن ذُكر حرفيا يف العبارة القرآنية "للذكر مثل حظ األنثيني" فإنه كام أسلفنا مرشوط برشوط أبرزها رشط القوامة املالية عىل النساء ،ومن البديهي أن يؤول انعدام الرشط إىل زوال النتيجة املرتت ّبة عليه. ت ٌسلمنا قراءة هذه األحكام يف عالقتها بالنص القرآين من جهة وباملنظومة الفقهية اإلسالمية من جهة ثانية ،وبالواقع التاريخي ماضيا وحارضا من جهة ثالثة ،إىل استخالص النتائج التالية: الخاصة بالنساء وإن جاءت يف ذاتها قامئة عىل )1إن أحكام املواريث ّ تقرير نزول نصيب األنثى عن نصيب الذكر ،تتن ّزل يف سياق نيص أوسع، يحمل من الدالالت ما يثبّت ات ّجاهه إىل تقليص ذلك التفاوت ،انسجاما بشت بها الرسالة الساموية ،ولكن التدخل مع القيم الكربى التي ّ البرشي يف ذلك النص بواسطة شتى رضوب التأويل واالستنباط ،أدّى عىل خالف ذلك ،إىل انتصار األعراف عىل النص ،وإىل تكريس نظام يف توزيع األموال يعكس النظام السائد يف تقسيم األدوار والوظائف بني الرجال والنساء بقدر ما يعكس نظاما ثقافيا ـ ذهنيا قامئا عىل االقتناع املطلق
النص القرآين بك ّم هائل من األحكام )3تلتبس أحكام املواريث يف ّ الفقهية البرشية التي كان بعضها مخالفا ملقاصد القرآن ،وهي بسبب معبة عن فهم برشي نسبي ،ال ميكن أن نجاري أصحابه يف ادّعاء ذلك ّ معبة عن واقع ّها ن أ الثابت إن بل اإللهية، وللمقاصد اإللهي للنص متثيله ّ تاريخي اقتضاها ،عاكس ًة لطبيعة نظم ذلك الواقع ،وخادم ًة للتوازنات املتحكّمة يف العالقات االجتامعية يف زمنها .لذلك فإن االعرتاف بتاريخ ّيتها وببرشيّتها ،يهيئ املسلم واملسلمة للتح ّرر من الضغط الذي متارسه عىل رشت به ضمريهم اليوم ّ املؤسسة الفقهية ،ولتق ّبل الجوهر القيمي الذي ب ّ ودعت إليه رسالة اإلسالم وبلورته منظومات القوانني الوضعية الحديثة، ومنها خاصة منظومة حقوق اإلنسان والعهود واملواثيق الدولية الداعية مبراته. إىل إلغاء كل ّأشكال التمييز بني البرش أيّا كانت ّ الكاتبة :د .زاهية جويرو كاريكتير الريح امبدي
1سحنون :املدونة ،ج ،4 ص345 . 2العول مصطلح يحيل عىل وضعيّات تكون فيها الفروض زائدة عىل املال املوروث، وهي وضعية عرضت ألول مرة عىل الخليفة عمر ،انظر ابن رشد :بداية املجتهد ،ج ،2ص .352-351 3ابن العريب :أحكام القران، ج ،1ص131. 4ابن خلدون :املقدمة، ص.452 . 5الصادق بلعيد :القرآن والترشيع ،ص127. 6قول الكساين يف «بدائع الصنائع» ج ،3ص :16الزوجة «محبوسة بحبس ال ّنكاح حقّا للزوج ،ممنوعة عن االكتساب بحقّه ،فكان نفع حبسها عائدا إليه وكانت كفايتها عليه». 7الطاهر الحداد :امرأتنا التشيع واملجتمع، يف ّ تونس ،1989،ص .27
املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
23
التمييز بالميالد
حول تجليات ال ُ عنصرية تجاه االقليات في الصومال عيل نور عبدى عثامن من مواليد عام ،1986 صومايل يعيش يف مدينة مقديشو صحفي وهو يعمل يف مجال حقوق اإلنسان، و من مؤسيس مجموعة ويتنس صوماليا (شاهد عيل الصومال) املحلية و املنوط بها مراقبة و الدفاع عن حقوق اإلنسان.
تحتل الصومال مكانة متميزة يف اإلطار اإلفريقي و ذلك بسبب أنها تنهض عىل مجموعة عرقية متامثلة و تتحدث لغة واحدة هي اللغة الصومالية ،و متارس ديناً واحدا آال و هو اإلسالم السني .و لكن و مع كل ذلك ،و كام هو الحال مع مثيالتها من دول الجوار كالسودان وإثيوبيا، تسود بالصومال أمناط من التمييز الراسخة بني مجموعات السكان املحلية ألسباب أثنية و اجتامعية وأحيانا اقتصادية .و عىل إثر ذلك أصبحت األقليات يف الصومال تعاىن من صعوبات اجتامعية و سياسية جمة ،كام أن أوضاعها املهشمة و حرمانها من االستمتاع الكامل بـ" صوماليتها" جعل منها عرضة للمزيد من االنتهاكات املختلفة واملبنية عيل األنساق االجتامعية واالقتصادية كافة. بالنسبة ل (فارتون امني) أصبح الرضب و مصادرة األرض أحداثا يومية ،فهي قد عانت من وضعيتها يف الحالتني .حالة أنها تنتمي إىل أقلية عشرية "البانتو" والتي تتعرض لجرائم كثريا ما يفلت القامئون بها من العقاب ،وحالة أنها امرأة تعيش يف دولة (الصومال) تحت هيمنة نظام بطريريك قاىس .تحتج "فارتون" قائلة" :نحن مسلمون وصوماليون بامليالد ،فامذا اقرتفنا لنستحق كل هذا الذي يجرى لنا من قبل مواطنينا؟".
"البانتو" و التي يُعتقد أنها تنحدر من مجموعات زراعية تنتمي إيل سكان الصومال األصليني .و قد عانت هذه األقلية ,تاريخا من االضطهاد و التمييز ،ويكفى أن نشري إىل أن عشائر الغالبية ،تصف البانتو بـ"الجرير" كناية عن الشعر األشعث. تتعرض " أقلية البانتو" إلى مضايقات اجتماعية ،والى خطاب كراهية عنصري موجه ضد أفرادها بسبب مالمحهم اإلفريقية الخالصة.
و بحكم انتامئها إىل عشرية "الشييدىل" ,تعترب "فارتون" ذات العرشين ربيعا و التي هي أم ألربعة أطفال ،ت ُعترب مواطنة من الدرجة الثانية. و لهذا فهي تعاين من اجل الحصول عىل عمل يعيلها وأرستها ،فزوجها هو اآلخر عاطالً عن العمل .وال غرابة يف ذلك ،فالغالبية من األقليات يف الصومال تعاىن من صعوبة الحصول عىل فرص عمل أو تعليم نسبة لفقرهم املرتبط بتدين األوضاع االجتامعية والسياسية واالقتصادية لعشائرهم .فاألفضلية دامئا ما تكون من نصيب اإلفراد املنتمني إىل عشائر األغلبية والذين يتمتعوا بسطوة سياسية واقتصادية .ولكل هذا تجد املرأة من األقليات نفسها مجربة عيل العمل بأجر منخفض أو االنخراط يف أعامل خطرة يف سوق العمل غري الرسمي.
ينقسم سكان الصومال إىل مجموعة عشائر كربى هي :اسحاق، الحياة اليومية يف "مقديشو" عادة ما تكون محفوفة باملخاطر بالنسبة دارود ،هوييا؛ دير والرهناويني باإلضافة إىل مجموعات عشائرية أخرى قليلة العدد .و تتكون كل عشرية من عدد من العشائر الصغرية و من ل"فارتون" فهاهي تقول" :لقد خرجت ذات يوم لتأدية عميل اليومي شبكات من األرس املمتدة و التي قد تلتئم أو تفرتق عن بعضها البعض يف غسل املالبس يف املنازل ،وىف طريق العودة أوقفتني امرأتان ال اعرف عنهام شيئاً و أخذتا يف اإلساءة إىل بكلامت نابية والتعليق باحتقار عىل ( وفق مالبسات الهجرات ما بني األقاليم املختلفة. ُ شكل أنفى) وكان رد فعىل هو الصمت املطبق .ومع ذلك قامت إحدى السيدتني بإمساك يداي بينام رشعت األخرى يف رضيب عىل ظهري". فاالنتماء إلى العشيرة هو العامل الرئيسي الذي يحدد هوية اإلفراد في الصومال و بالتالي يحدد أوضاع األشخاص و مكانتهم االجتماعية.
وهذا النظام يؤثر وبشكل مبارش عىل قدرة اإلفراد يف اتخاذ القرار و املشاركة يف سلطة الدولة .أما مجموعة األقليات القبلية فعىل الرغم من تنوعها إال أنها تنحرص ضمن مجموعات أثنية و اجتامعية محددة ،مثل "البانتو" و "الباجوين " وهي مجموعات افريقية أصلية متتهن الزراعة .وهنالك أيضا عشائر القبوية والتومال واليرب والجالجال و التي عيل الرغم من أنها عشائر صومالية يف أصولها إال أن منسوبيها يتعرضون للتميز االجتامعي نسبة الحرتافهم مهناً غري مرتبطة بالرعي مثل املهن التي تعتمد عىل الحرفية والصناعات اليدوية.
كانت الدموع تنزل من عيني "فارتون" و هي تسرد تلك األحداث المرعبة والمهينة في نفس الوقت.
ثم أضافت ,قائلة" :لقد تقدمت بشكوى قانونية ضد السيدتني يف مركز رشطة "حمر جباب" و لكن مل يقم احد باستدعائهن .وتواصل قائلة“ :لقد مرت "ستة أشهر" عىل الحادثة لكنى ما زلت اشعر بآالم يف يدي بسبب قسوة الرضب إضافة إيل االِهانة التي تعرضت لها أثناء تلك الواقعة".
و يف ظل افتقارها للدعم الذي تتمتع به عشائر األغلبية ،تقل فرص مجموعات األقليات كاألقلية التي تنتمي لها "فارتون" يف الوصول إىل انتامء "فارتون" إىل عشرية "شييدىل" الصغرية يجعلها من أقلية العدالة و نيل اإلنصاف القانوين .فالرشطة و التي غالباً ما تنحدر
24
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
مساواة
من عشائر األغلبية كثريا ما ترفض متابعة الشكاوى التي تتقدم بها األقليات أو تقوم بالتمييز ضدهم جهارا ً نهارا ً .وعىل ذات املنوال فقد فشل القانون العريف يف تقديم عالج ناجع للمظامل التي تقع عاتق تلك املجموعات املستضعفة .والجدير بالذكر أن القانون العريف يف الصومال يرتكز عىل التحالفات العشائرية يف املقام األول. تعاىن "فارتون" أيضا من إشكاالت نزع األرايض ،حيث استوىل بعض املتنفذين من املنتمني إىل عشائر األغلبية عىل قطعة األرض التي كانت متتلكها .فانتزاع أراىض االقليات العشائرية او النازحني جراء الحرب أصبح امرأ روتينياً يف مقديشو وهذا يعكس حقيقة أن القرارات الخاصة بتوزيع و تحويل ملكية األرض و السكن إمنا تقوم بها العشائر املتنفذة دون النظر إىل األقليات .ف"فارتون"وبحكم انتامئها ألقلية البانتو ،ال متلك حق اتخاذ القرارات الخاصة بحياتها أو مستقبل أرستها. فالبنية العشائرية التقليدية ال تزال متنع األقليات و النساء من املشاركة السياسية يف اتخاذ القرار. و لعل قرار ( أربعة ونصف) الذي تبنته الصومال يف العام ""2000 ميثل أُس املشكلة ،ففي ذلك الوقت كانت الصومال قد انزلقت نحو حرب أهلية أنقسم عىل أثرها املتحاربون إىل "فرق" و كونوا تحالفات عديدة ،تم تقسيم البالد عىل إثرها إىل إقطاعيات و مناطق نفوذ,تستأثر ستتعرض وأرستها للتهديد الذي قد يصل إىل ارتكاب أفعال عنيفة وأذى بها العشائر املهيمنة .أما األقليات املختلفة فقد ت ُركت تحت رحمة ضدها أو ضد أفراد أرستها. مليشيات العشائر الكربى. تتعرض النساء من أمثال "فارتون" باستمرار إىل متييز مزدوج قوامه كانت الغاية من معادلة ,أل (أربعة ونصف) هي وضع حدا للنزاع من ناحية ،انتامئها إىل أقلية ضمن النسق العشائري الهرمي ،ومن ناحية املسلح ودرء تفكك الدولة الصومالية .ووفقاً لهذه املعادلة فقد تم منح أخرى يف كونها امرأة تعيش يف مجتمع ذكوري قاهر. العشائر األربع الرئيسة حق املشاركة السياسية املتساوية ،بينام أُعطيت بقية األقليات مجتمع ًة "نصف درجة" يف املشاركة السياسية و بالرغم و إضافة إلى التأثير الدراماتيكي للنزاع القائم في الصومال من أن املعادلة قد منحت األقليات صوتاً محدود يف القرار السيايس، تتعرض المرأة من األقليات إلي االضطهاد و اإلقصاء إال أنها قد عملت عىل تعميق االنقسامات االجتامعية و فشلت يف متثيل االقتصادي ،كما تتعرض باستمرار إلى انتهاك حقوقها الرتكيبة السكانية للصوماليني؛ حيث ال تزال األقليات مهمشة وبغري متثيل اإلنسانية وأنماط العنف الجسدي و االغتصاب. حقيقي. يعرب وضع املرأة من األقليات عن وعورة طريق الصومال يف الوصول باإلضافة إىل التمييز املؤسيس الذي تعاىن منه األقليات ،تعمل إىل معادلة السالم واالستقرار .فالتغيري الحقيقي حتام سيظل مرهون التابوهات االجتامعية ,أيضا عىل تعميق فجوة التمييز العنرصي ،و بقدرة الصوماليني عىل تخطى فجوة الالمساواة العميقة املبنية عىل مثال لذلك التحريم الشائع للزواج ما بني األقليات و مجموعات العشائر الجندر وعىل العشائرية و التي قادت و ال تزال تدفع بالبالد إىل ُهوة املهيمنة .وخالفاً ملا تتمتع به املرأة التي تنتمي إىل عشائر األغلبية من الحرب . حقوق تؤهلها للزواج من مختلف املجموعات العشائرية ،نجد أن املرأة من األقليات محرومة من هذا الحق .و إذا حدث و دخلت املرأة يف الكاتب :علي نور عبدي عثمان عالقة مع رجل من عشائر األغلبية ,فإنها لن تحظي بالزواج منه كام من االنجليزية منصور علي
فارتون امين
املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
25
وجدة
حينما يصبح ركوب الدراجة سؤالً سياسياً
"وجدة" هو االسم الذي اختارته "هيفا املنصور" ملوضوع فيلمها الرائد مريى مينو :ناشطة يف هذا املجال ,و"وجدة" هذه فتاة تبلغ من العمر 12عاما ,تغطى يف مجال التغيري االجتامعي ,من فرنسا شعرها الطويل بغطاء رأس فضفاض و ترتدي بنطال من الجينز و تنتعل ومهتمة بحقوق املرأة حذاءا رياض ّياً تحت العباءة .تستمتع "وجدة" مبوسيقى الروك الصاخبة املتدفقة من راديو بايريت وبالسباق مع زميلها "عبد الله" يف الطريق إىل و الجندر ,بدأت العمل يف رشق أفريقيا املدرسة ..يف أحيان كثرية ال يكون السباق متوافقا الن زميلها "عبدالله" يستخدم دراجته بينام تعتمد هى عىل رجليها فقط و ذلك الن ركوب منذ العام . 2014 الفتاة للدراجة يُعترب عيبا يف السعودية .تعتزم "وجدة" أن تقتنى دراجة و قد ابتدرت عملها يف تحد سافر للتقاليد التي متنع ذلك ،هذا من ناحية ،و من الناحية بإدارة برنامج منح األخرى لرفض والدتها و مدرسيها .وتبدأ "وجدة" يف توفري املال الالزم مخصصة للمجتمع النجاز هذا التحدي ,عن طريق بيع االسورة و األغاين املمنوعة ,التي املدين يف كينيا واالنخراط مع العديد تقوم بتجميعها لزمالئها و زميالتها وجاراتها وجريانها ....مصادفة وىف هذه اإلثناء متت إقامة منافسة يف تالوة القرآن الكريم يف املدرسة التي من املجموعات ترتادها "وجدة" و كانت الجائزة عبارة عن ( 1000ريال سعودي ) النسوية القاعدية. فقررت وجدة خوض املنافسة و ذلك عن طريق حفظ عددا من ايات القران الكريم. ومعروف عن السعودية ,سجلها السيئ يف انتهاكات حقوق اإلنسان و الحريات الفردية و تطبيقها الصارم ملبادئ اإلسالم السيايس و نظام والية الرجل, و لعله من سخرية القدر أن يتم إنتاج أول فيلم سعودي طويل في السعودية التي ال توجد بها دور عرض سينمائية و بواسطة امرأة ؛ "هيفا"؛ وان يكون موضوعه "الهدام" هو قضية التمييز القائم على النوع
و حتى ال تشد انتباه املارة و إثارتهم مبنظر فريق من الرجال و النساء يعملون مع بعضهم البعض ،كانت "هيفا" تتخفى داخل سيارة و هي توجه فريق التمثيل و الطاقم الفني الذي كان يعمل معها يف إخراج الفيلم عرب هاتف الوىك توىك (راديو يدوى صغري).
املرأة السعودية املحبط ,و املأساوي أحياناً و ذلك عن طريق فضح عبثية النظام السيايس الذي يسعى إىل تحطيم قدرات نصف مواطنيه ,و ال يزل نظام الوالية قائم كام هو إىل يومنا هذا عىل الرغم من زعم السلطة السعودية بأنها تنوى إلغاءه ،فتحت مظلة هذا النظام يُحرم عىل املرأة اقتناء وثيقة سفر أو الزواج أو السفر أو الحصول عىل تعليم عايل بدون موافقة الذكر – الزوج أو األب أو األخ أو االبن -و عىل الرغم من أن املرأة السعودية قد ُسمح لها باملشاركة يف التصويت و النزول يف انتخابات املجلس البلدي ألول مرة يف ديسمرب 2015إال انه ال يزل يوجد العديد من العوائق التي تقلل من فعالية املشاركة السياسية و تحد من قدرة املرأة امل ُنتخبة عىل أداء الدور الترشيعي املنوط بها .2 ,1و بدالً عن االستمتاع مبواطنة كاملة الدسم ،ال زالت املرأة السعودية ت ُعترب بضاعة يتم تداولها بني األرس من اجل القيام بأداء الوظائف املنزلية و اِنجاب االطفال. في المجتمع الذي يتم فيه تفضيل األبناء الذكور على اإلناث يحق للرجل الدخول في الزواج المتعدد عندما ال تتمكن الزوجة من إنجاب أطفال ذكور كما هو الحال مع والدة "وجدة"...
و ألنها الطفلة الوحيدة لألرسة تستميت "وجدة" يف الحصول عىل االعرتاف من والدها ولكن دون جدوى ،فعىل الرغم من محاوالتها الدءوبة لالرتباط بوالدها إال انه أي والدها قد آثر االبتعاد عنها رويدا ً رويدا ً إىل أن انتهى به األمر إىل الزواج من امرأة أخرى عىل أمل الحصول عىل طفل ذكر يحمل اسمه. تشهد "وجدة" املحن التي تعرتض حياة والدتها اليومية مبشاعر مختلطة؛ فهي يف البداية قد مقتت والدتها لعجزها عن اسرتداد زوجها ثم بعد ذلك المتها عىل عدم تصديها له و للتقاليد التي حطمت أرستها. رفضت "وجدة" أن تتبع طريق والدتها التي أُجربت عىل التخيل عن أحالمها و امتهان أعامل هامشية و السهر عىل خدمة زوج ال يكن لها حباً او احرتاما ,و مع غياب مثل أعىل يكون مبثابة امللهم بالنسبة لها فإن سعى "وجدة" لتحقيق انتامئها الذايت يصطدم بنظام اجتامعي يحارب قيم الفر دانية بال هوادة.
و برغم الطبيعة الحساسة ملوضوع الفيلم إال أن "هيفا" ال تعترب نفسها ناشطة و ذلك من خالل اللقاءات العديدة التي أُجريت معها بعد تعم شوارع الرياض ,عاصمة السعودية؛ من ناحية؛ نساء كاألشباح إنتاج الفيلم ،حيث انها اختارت أن ال تقوم باإلدانة الرصيحة لتقاليد وسياسات املجتمع السعودي ،و اختارت عرض وقائع اجتامعية متباينة يرتدين األسود ،و من الناحية األخرى رجال بجالبيبهم البيضاء التي تغطى حتى كاحل القدم .و املشاهد لفيلم "وجدة" ينتابه إحساس ترتاوح بني احرتام التقاليد و الرغبة املتنامية يف الحرية. باالستغراب حيال ظاهرة انتشار الزى الرسمي للنساء و الرجال عىل حد تحاول املخرجة ذات أل 42عاما عرب بطلتها املتمردة أن تصور واقع سواء و الذي يعمل جاهدا إللغاء حالة التنوع واالختالف يف خيارات
26
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
مساواة
صورة من مشهد من فلم وجدة
و يتضح من الفيلم حجم الضغوطات التي يتعرض لها الرجال و األزياء حيث ال يتيح الزى املنترش يف السعودية سوى اليسري من مظاهر الشخصية لإلفراد لتحقيق ذواتهم ،ففي حالة وجدة فإن الحجاب الشباب من الذكور و الذين يعانون باملثل من واقع الفصل النوعي و الفضفاض الذي تتزيا به وحذاء ( االديداس) الذي تنتعله كالهام يشُ ف التمييز املتأصل يف املجتمع السعودي .ونسبة إىل أن ما يقارب أل %60 من سكان السعودية تقل أعامرهم عن أل 21سنة ،تضطر السعودية عن محاولتها الصارخة للتعبري عن شخصيتها و إظهار هويتها . جاهدة للعمل عيل توفري فرص جاذبة للشباب الذين يطمحون إىل إن النسق االجتماعي الذي يتمثل في "وجدة" هو ذاته املزيد من الحريات و املشاركة يف عمليات صنع القرار .و لعل اإلحباط الذي يعاىن منه الشباب يف هذا الصدد يشكل احد األسباب التي قد النسق الذي تسرب إلى بلدان القرن اإلفريقي عبر االستثمارات البترولية الضخمة و هجرات العمالة منذ دفعت نحو ( ) 1500شاب سعودي لالنضامم إىل صفوف داعش ىف الفرتة من 2015-2011و بذلك تصبح السعودية الدولة الثانية من حيث عدد سبعينيات القرن الماضي. الشباب املنتمني إىل صفوف تنظيم داعش منذ ظهوره. فعرب تقدميها للخدمات االجتامعية للبلدان الفقرية كإنشاء املدارس و منذ إنتاج وظهور فيلم "وجدة" يف 2012خفت حدة القوانني الدينية و توفري املال للجامعات و هجرات العاملة ،نجحت السعودية يف نرش اإلسالم الوهايب األصويل الذي ساعد يف ترسيع وثائر التطرف التي تتحكم يف ركوب املرأة السعودية للدراجة إىل حد ما و إن كان الديني يف املنطقة ,حيث أصبحت االيدولوجيا الوهابية اليوم ت ُشكّل ذلك فقط يف الحدائق العامة أو يف معية محرم ذكر..لكن مؤخرا وقعت واقع املاليني من الرجال و النساء فئ القرن اإلفريقي و الذي عرف عنه أحداثا جوهرية كشفت عن بوادر تحدى املرأة يف السعودية للنسق االجتامعي السائد .فعىل سبيل املثال وقّعت أكرث من ( ) 14000امرأة يف املايض تسامحه الديني وتنوعه الثقايف. سعودية عىل وثيقة تطالب بإلغاء (نظام والية الرجل) وقمن بتسليهام بالنسبة لغالبية الفتيات الاليئ ظهرن يف الفيلم فإن أحالمهن كثريا ً ما للسلطات ,و مثل هذه اإلحداث غري املسبوقة تؤكد إىل حد ما صحة تقوضها التقاليد كام هو الحال مع "سلمى" التي أصبحت ضحية لنظام موقف "هيفا املنصور " و التي أكدت يف حوار أجرى معها لصحيفة قانوين يتامها مع زواج القارصات حيث تم تزويجها و هي ابنة أل " 13اإلندبندنت" ىف 2013عىل انه " رمبا ليس لحاالت التغيري الطفيفة من أثر كبري يذكر و لكنها تشف عن أن هناك تغيري يف النظرة إىل املرأة و أن ربيعا إىل رجل يكربها بسنوات. املرأة تناضل للحصول عىل املزيد من الحريات ولكن ال تزال الطريق طويلة ،إال أننا نأمل أن متهد املقاومة والجهد الذي تبذله النساء عىل وعلى الرغم من هذا الواقع المؤلم فإن فيلم 3 حدوث تغيريات كبرية يف املستقبل" . "هيفا" يفتح نافذة لألمل عندما تتمكن "وجدة " من تحقيق حلمها فى نهاية المطاف و ركوب الدراجة. و قد حرص الفيلم على إظهار إمكانية التغيير في شخصيتي الفتيات والصبية.
الكاتبة :ميري مينو
من االنجليزية :فيصل الباقر
" 1السعودية :إنتخابات هامة للمرأة :ترشيحات جديدة ,حق التصويت ـ عقبات قدمية" هيومان رايت ووتش ,ديسمرب ,11 https://www.hrw. 2015 org/news/2015/12/11/ saudi-arabia-landmark.elections-women " 2السعوديات املنتخبات حديثاً تم عزلهن" هيومان رايت ووتش ,فرباير ,25 2016 https://www.hrw.org/ news/2016/02/25/ those-newly-electedsaudi-women-just-got.pushed-away-table 3إنجيوىل ليستون" :مقابلة مع هيفاء املنصور :أول مخرجة فيلم سعودية تتحدث عن إصدارتها الجديدة (وجدة)" اإلندبندانت ,يوليو 18و .2013 http://www. independent.co.uk/ arts-entertainment/ films/features/haifaaal-mansour-interviewsaudi-arabias-firstfemale-film-directortalks-about-new-release.wadjda-8717438.html
املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
27
ممنوعة من لعب كرة القدم منذ لحظة ميالدى
سعاد الخرض صحفيّة وكاتبة عمود وكاتبة قصة قصرية وروائية .عملت يف صحيفة األضواء كمحررة للصفحة النسائية ومحررة بالقسم الثقايف بذات الصحيفة .حصلت عىل جائزة جمعية اللغة العربية بجامعة النيلني عن قصتها "يف انتظار ساعي الربيد". تعمل اآلن صحفية بصحيفة الجريدة و ُمعدة لربنامج إذاعي بجامعة السودان.
يف أيامنا هذه باتت األعياد ت ُداهمنا عىل حني غ َّرة ،لدرجة نعجز معها عن االحتفال بها كام كُ ّنا نفعل عندما ك ّنا أطفاال يف ح ّينا ،عىل ضفاف نهر رسب إلينا مثل نسمة، النيل مبدينة شندي .يف املايض ،كانت األعياد تت ّ وشلالت الفرح تغ ُمرنا من كل صوب ،رمبا أل ّن آخرين كانوا يحملون ع ّنا ّ ِ أعباء االحتفال ،أ ّما اآلن ،فقد صارت األعياد عبئا علينا ،بعد أن صنا نح ُن من يدفع فاتورة الحياة .كُ ّنا نُناجي الغد ونغازله ،نتشاجر عىل عتبات بيوتنا الطين ّية القصرية ،والرمال الذهب ّية تغطي جدرانها القصرية ،ونقفز من تلّة إىل أخرى حتى مغيب الشمس .عند املساء ييضء لنا القمر ساحة الحي فنعاود اللعب ومنأل الساحات فرحا بضجيجنا ولهاثنا ،السيام عندما نبدأ "لعبة شليل" التي كنا نتسابق فيها عىل قطعة العظم التي تدور حولها اللعبة ،وأصواتنا تشق عنان السامء ونحن نردد "شليل وينو أكلو الدودو". كان والدي يف ذلك الوقت يعمل بالسكة الحديد مبدينة شندي ،وكُ ّنا ُخصصة لل ُع ّمل .من هنا ،نشأتُ يف بيئة انصهرت بذلك نقطن يف املنازِل امل ّ فسكّان أحياء العاملني يف بس َحناتها املختلفةُ . فيها كل أعراق السودان َ ِ السكّة حديد يف ذلك الوقت ،كانوا خليطا من ك ُِّل بِقاع السودان ،حيث السودان ،من أع ّز صديقايت ،فلم نكن جنوب من ا) ز (تري صديقتي كانت ُ نفرتق ،وكنت أذهب معها للكنيسة يوم األحد ،واستمتع برتانيم صلوات ٍ خت أو ُمنعت األحد التي كانت تُ َغ ّنى بأصوات جميلة ،وال أذكر أن ِّني ُوبِّ َ من الذهاب إىل الكنيسة. وعند نهاية ك ُّل عام درايس ،كنت أقفز من الفرح وأنا أحمل نتيجتي املدرس ّية ،فيفسد فرحتي ابن الجريان ،الذي كان يتحرش يب ويقطع الطريق أمامي .كان ضخم ال ُجثّة ،وكنت نحيفة .كان يسخر من أحالمي ويدفعني نحو جدران مدرسة األوالد ،فرتتعد أوصايل من الذعر ،وهو يهمهم بكلامت مل أكن أفهم منها سوى" :حتى لو ِ جئت األوىل وبتعريف كورة ماحتبقي العب كورة ،ألنك ما راجل" .فنشأ بداخيل منذ تلك إحساس بالتم ّرد والغضب عىل مجتمعي. اللحظة، ٌ كُ ُ نت الطفلة الوحيدة التي كانت شغوفة بلعب كرة القدم وبمشاهدتها .ما أقسى أن تحس بالتمييز وأنت ما زلت طفال ...فعندما كان األوالد يلعبون ُ ُ كنت أجلس أراقبهم من البعد ،واللهفة الكرة، عيني ،وهم يركضون خلف الكرة ،وضجيج من تقفز ّ أصواتهم يمأل المكان.
كنت أنزوي خلف أحالمي الخجولة ورغبتي الجامحة يف أن العب معهم ،وأن أصبح العبة كرة مشهورة .كنت أكتفي من كل ذلك ،بتشجيع
28
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
فريق أصدقايئ ،وأحمل لهم قوارير املياه ،فال يبالون بوجودي حتى وأنا الهج بأسامئهم واحدا تلو اآلخر .ذات يوم أصابني الغضب واإلحباط من عدم قدريت عىل اللعب وتجاهل األوالد يل ،ولجهدي يف ميدان الكرة، فقررت أن أتوارى احتجاجا عىل تجاهلهم يل وأقاطع تشجيع مبارياتهم. بعد أيام قليلة من ذلك القرار ،جاءوا إىل منزلنا وطرق أحدهم الباب. خرج إليهم أخي األكرب ،وسأل ساخطاً" :ماذا تريدون"؟ فأجابوا بصوت واحد" :ماشني امليدان ،ودايرين سعاد متيش معانا" .غضب أخي وأغلق الباب يف وجوههم ،وكنت وقتها أقف خلف الباب مبارشة ،فصفعني ركضت ألول مرة ،صائحاً" :إنتي قايلة نفسك ولد تلعبي كورة كامن"؟ ُ نحو غرفة أمي ،كأنّ ا أصابني مس من الجنون ،وتلك كانت املرة الثانية التي شعرت فيها مبرارة كوين أُنثى .احتضنتني أ ّمي وحاولت أن تواسيني بحكمتها ،قائلة" :الكرة لألوالد فقطِ ، وأنت ال تستطيعني الركض والقفز حتى ال تنكرسي" .كانت أُ ّمي تردد عىل مسامعي دامئا أنّني لست صبيا، وأنني لن أستطيع تحقيق حلمي يف مجال الكرة .كنت حينام أسمع عبارتها تلك ،يزداد ت َعلُّ ِقي بألعاب الصبية ،ف ُولِدت أحالمي ُمش ّوهة ،ومن وقتها أصابني هاجس التجريب :تجريب كل يشء منحني له الله سبحانه وتعاىل وحرمني منه املجتمع ،بدعوى أنّني أُنثى من "زجاج" ،يخافون عليها من الكرس. يف هذا السياق ،أتذكر عندما كان البيت يخلو وال يبقى فيه أحد إالّ أ ّمي ،كنت ألعب الكُرة بِ فردي ،وأتخ ّيل أصدقايئ يهرولون خلفي، بل وكنت أقفز عاليا وأهبط ،عندما أحرز الهدف ،أي أُد ِْخل الكُرة يف املرمى ...املرمى الذي لن يراه أح ٌد سواي ...فقد كنت الحكم ،والفريق الذي يلعب ضد نفسه ،والجمهور الذي يصفق تارة وتارة أخرى يلعن! هكذا كنت أمارس هوايتي وحيدة وأُثرثر بصخب كاملجنونة .ذات مرة، ضبطني أخي األكرب متلبسة بلعب الكرة ،وشاهدين أُهرول خلف الكرة، و ُذ ِهل ألنّني عصيت أوامره بعد أن منعني من لعب الكرة ،حتى داخل ِمت املنزل .صاح يف وجهي غاضبا" :سعاد كامن بتلعبي كورة"؟ وج ُ عندما سمعت صوته من الخلف ،ومن شدة ارتبايك سقطت عىل رجيل فكرست ُها .حملني أخي إىل داخل الغرفة ،ثم وصل أيب إىل البيت وأخذوين إىل املستشفى .هناك ،رأيت العبا مشهورا ً يرقد بالغرفة املجاورة لعنربنا، إلصابته يف قدمه .قامت الطبيبة بتضميد جراحي ،وكان أول ما قمت لت إىل أُمي يك تطلب من توس ُ بفعله بعد أن أف ِق ُت من آالمي ،هو أن ّ العب الكرة أن يأيت إىل العنرب .شعرت أُمي بالضيق من إرصاري عىل أن تذهب إىل رجل ال تعرفه ،لتطلب منه أن يأيت لزيارة ابنتها املريضة ،إالّ أنّها أخريا ً تعاطفت مع طلبي رغم أن الطلب بطبيعة الحال ال يع ّني ابتسمت عندما دخل الالعب وهو يتوكأ عىل عصاه وجلس لها شيئا. ُ ُ إىل جواري .قامت أ ّمي بتقدميي إليه" :هذه ابنتي سعاد ،املجنونة بكرة
مساواة
كاريكتير الريح امبدي
ٍ سنوات طويلة يف الصحافة ،وبعد دخول املرأة إىل مجال كرة القدم، القدم وبنجومها ،تريد أن ت ُصبح العبة .أرجو أن تنصحها يا ولدي أ ّن الكرة ليست للبنات" .ابتسم الّالعب وهو يربت عىل كتفي قائالُ" :هناك تم تكوين أول فريق لكرة القدم النسائية ،على الرغم مما ال ِعبات كرة اِ ْستَط ْع َن تح ِقيق أحال َم ُه ّن يف أغلب أنحاء العامل". وبعد أن ّ ُ أدركت أ ّ لهي ن جدلي ّة الصراع بيني والمجتمع، الحقا، ّ َّ في الحقيقة ،أكبر من ميدان الكرة ،الذي مث َل وقتها أقصى أحالمي ،كما أ ّ ن الخدُوش التي تسبب فيها تحر ّش ابن الجيران بي لغِ يرتِه مِ ن تفوّقي علي ّه ،لم ُ تك ْ وى نقطة في محيط ُم َعانَاتي مع مجتمعي، ن ِ س َ المنحاز علنا للرجال،
والذي ال يعرتف بوجودي إالّ يف حدود تص ّوراته لألدوار التي ورثها َوتب ّناها للرجال والنساء .مل أكُن أعلم يف حينها ،أن ّني وماليني النساء من بلدي ،سنعيش يف مجتمعات ركاب الجا ِهليّة ،لتُحاكمنا ِب ِفقْهها ،ومن ث ّم، ت ُطالب بوأد حقّنا يف الحياة عالنية ،وأ ّن ُحكّامنا ،كام لو أنّهم ُوجدوا يف الحياة ،لِيُحاكِ ُمونا ِب َجرِيرة كوننا لسنا رجاالً مثلهم. بعد أن عرفت أن ّني ممنوعة من لعب كرة القدم من لحظة ميالدي، وأ ّن أُنوثتي هي دا ٌء ُعضال ال يسمح يل بلعب الكرة ،وجدتُ يف القراءة فولجت إىل عامل والكتابة مالذا ً أهرب إليه من ذلك الواقع األليم، ُ وى امليض إىل األمام .اآلن بعد أن أمضيت الصحافة وأنا ال أكرتث ليشءِ ،س َ
ُ ّ المتحكمِ ين والظلم من قبل الرجال ي ُالقينه من تعنت من رجال الدين، ْ ُ في عوالِم كُرة القدم ،ومالحقت ُه ّ سي أشعر ن ِبالفَ ت َاوى الرافضة ،أجِ د نَف ِ َ أحالم ُه ّ ن في ارتداء مالبس كرة بالغبطة لهؤالء الفتيات ،الالئي حققن َ القدم،
واللهث خلف كرة احالمي ،رغام عن أنف السلطة الذكوريّة التي مازالت ِ جاثة عىل ُصدورنا. وعىل الرغم من أنني أصبحت صحافية معروفة ،إالّ أ ّن كفاءيت ما زالت محل إدانة ،ورجاحة عقيل موضع شك دائم .فعندما أضطر للتأخري يف عميل بقسم األخبار ،ما زلت أجد أخي األكرب ينتظرين عند باب منزلنا، فأعود بذاكريت إىل الوراء ،عندما كان ينتظرين بسوطه لتأخُّري يف ميدان سي "ل ْن الكرة ،فيزداد إرصاري عىل امليض قُ ُّدما يف طريقي ،وأنا أُردد يف ِ ّ أسمح لك برسقة ُحل ِمي الثاين ،ولن أه ُجر مهنتي ملج ّرد أنّك غري راض عنها". كتبت :سعاد الخضر
املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
29
زوجتان ورجل:
معاناة النساء داخل مؤسسة زواج التعدد تنترش مامرسة تعدد الزوجات يف الكثري من البلدان األفريقية والبالد األخرى .وتعكس عادة تعدد الزوجات املعروفة منذ آالف السنني مظهرا من مظاهر سيادة النظام ألبطريريك والذي يفرتض السيادة املطلقة للذكر وهيمنته عىل أمناط العالئق االجتامعية واالقتصادية .يف مطلع القرن العرشين قاد العديد من املفكرين واملصلحني الدينيني من أمثال قاسم أمني ،من مرص ،والطاهر الحداد ،من تونس؛ قادوا حمالت رشسة ضد تعدد الزوجات ومن اجل تحرير املرأة وكذلك تقدمت العديد من دول شامل إفريقيا والرشق األوسط خالل القرن املايض بترشيعات تعمل عىل الحد من أو محاربة هذه املامرسة .وأصبحت تركيا؛ الدولة ذات اإلرث اإلسالمي الضخم؛ أول دولة تقوم مبنع وتجريم تعدد الزوجات وكان ذلك يف العام 1926لتتبعها بعد ذلك تونس يف عام .1956ويف الصومال نص قانون األرسة ما قبل الحرب األهلية عىل عدم أحقية الزوج يف اتخاذ زوجة ثانية ما مل يثبت وبالدليل القاطع عدم مقدرة الزوجة األوىل عىل اإليفاء مبتطلبات الزوجية.سعت قوانني األرسة التي تبنتها كل من جيبويت واملغرب خالل األلفية الثانية ،للحد من تلك املامرسة وذلك عن طريق إلزام الزوج ,الحصول عىل موافقة الزوجة األوىل قبل اإلقدام عىل الزواج ورضورة امتالكه ملصادر رزق كافية متكنه من اإليفاء مبطالب األرستني ,كام ان القانون ىف املغرب يسمح للزوجة ضمن عقد الزواج بإدراج رشط عىل الزوج بعدم اتخاذ زوجة ثانية. ىف العقود األخرية ومع صعود الحركة السلفية املعارصة تم الرتويج لتعدد الزوجات بصورة مل يسبق لها مثيل وذلك تحت دعاوى كثرية حتى صور وكأن إسالم الرجل ال يكتمل إال وله أكرث من زوجة..تزداد وترية الرتويج هذه حتى يتصعد جند التعدد ويبدو وكأنه ركن من أركان اإلسالم ،وما يغيب يف هذه التظاهرة,هي القاعدة القرآنية التي وضعت التعدد بني قوسني واشرتطت الستحقاقه ( العدل ) بعد أن أشارت إىل استحالة تحققه مام يعنى أن تعدد الزوجات يف مجتمعاتنا تقف وراءه الثقافة األبوية والتقاليد التي ال تضع اعتبارا للنساء وحقوقهن ،أكرث مام تقف وراءه تعاليم القران الكريم,لذلك مل يكن قريبا ان نجد ان من يتحدثون عن رضورة تعدد الزوجات ليل ،نهار ويصمتون عن حقوق النساء التي نص عليها الشارع ،يف التعليم والصحة والكرامة بل واملرياث وهى حقوق تحتل موقعا مركزيا وفق أولويات اإلسالم التي تقوم عىل العدالة والحرية والكرامة..يربر مروجو "تعدد الزوجات" بقولهم: أن التعدد يساعد يف الحد من بعض األمراض االجتامعية كالدعارة والعالقات خارج إطار الزوجية وإنجاب األطفال غري الرشعيني ولكن الشاهد هنا أن تجارب النساء واألطفال يف ظل األرسة القامئة عىل تعدد الزوجات أثبتت خطل هذه املربرات وذلك لفشل هذا النوع من الزواج يف إقامة عالقات أرسية متوازنة وسعيدة وىف توفري بيئة صحية لنمو وتربية األطفال والقصص هنا كثرية ومن مختلف مجتمعات املسلمني.
عندما تضطر املرأة إىل الدخول يف عالقة زواج متعدد,فعىل الرغم من اختالف قوانني األرسة من دولة إىل أخرى إال أن معظمها تعطى الزوجة األوىل الحق يف املعرفة برغبة الزوج يف الزواج بامرأة أخرى إال أنها تتجاهل موافقتها. من الطبيعي أن ي ُنظر إلى الزواج كما في جميع أنحاء العالم كمناسبة سعيدة تستوجب االحتفاء واالحتفال ولم يختلف األمر في حالة السودانية السيدة "جميلة
وهى البالغة من العمر 30عاما واألم ألربعة أطفال والتي ذكرت أن السنوات األوىل لزواجها قد مرت بشكل طبيعي وهى التي قد تزوجت مبارشة بعد جلوسها المتحانات [الشهادة السودانية] –املرحلة الدراسية قبل الجامعة يف السودان -وقد كان زواجا سعيدا ومستقرا" فهي تقول": مل تكن هناك أية مشكلة من أي نوع بيننا وال حتى تلك الخالفات األرسية الطفيفة .كانت عالقتنا هادئة وممتعة".بعدها بدأت أحس بغرابة سلوك زوجي وعندما استجوبته يف األمر نفى وجود أي مشكلة، لكن شكويك بدأت تتزايد وبدأت أتعقبه الكتشف انه قد تزوج من امرأة أخرى وأنجب منها طفل"...تزوج وأنجب وانا ال اعرف!!. وقد عربت كل من جميلة من السودان ومريم من الصومال عن إحساس عميق بالغضب واالهانة الشديدين بعد أن علمتا بوجود الزوجة الثانية .فتعدد الزواج كثريا ما يسبب آثار نفسية عميقة لدى املرأة ،فها هي جميلة تعرتف قائلة" :لدى سامعي الخرب احرتت فيام يجب عىل القيام به ،هل يجب عىل الذهاب إىل تلك املرأة وقتلها؟ كانت الدماء تغيل يف عروقي ومل أمتكن من التحكم يف حالة الغضب التي كانت تتملكني". مما تجدر اإلشارة إليه هنا هو تلك المفارقات المحزنة اذ في الكثير من الحاالت تُالم المرأة على قرار زوجها باتخاذ زوجة أخرى
مام يسبب لها نوع من اإلحساس بالذنب ،فالصومالية مريم والتي تزوج زوجها من امرأة أخرى دومنا سبب وجيه فمريم هذه أنجبت مثانية أطفال من بينهم أربعة ذكور ،تجد نفسها هي املالمة عىل ما فعله زوجها وصارت تحمل لقب الزوجة "غري املطيعة" والتي ال تكن اي احرتام لزوجها ففي مجتمع كالصومال أو السودان يعزى قرار الزوج باتخاذ امرأة أخرى لفشل الزوجة األوىل يف اإليفاء بواجباتها عىل الوجه األكمل ومن هنا تأىت الصدمة للزوجة األوىل ألنها لحظتئذ ستبدأ يف محاسبة نفسها وستكتشف إنها مل تقرص يف واجباتها تجاه زوجها وتجاه بالنسبة للكثريات من النساء يصبح الزواج التزاما اجتامعيا وواجبا أطفالها وهذا بالضبط ما حدث ملريم فكانت صدمتها وكان سؤالها الذي البد من القيام به,وتزداد املعاناة يف داخل مؤسسة الزواج وتصبح كابوسا مل تجد له إجابة ،ملاذا فعل زوجي ما فعل؟؟!.
30
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
مساواة
اللوحة :روني اوقوانق يوغندا
الزواج املتعدد ،حيث تذكر جميلة " .لقد كانت فرتة عصيبة بالنسبة يل من الناحية العاطفية وقد تأثر أبنايئ بذلك مام انعكس عىل أدائهم املدريس مع إنني كنت اعمل جاهدة عىل إخفاء آالمي عنهم إال أن مفاجأيت كانت عندما اكتشفت أنهم قد قاموا مبناقشة األمر باملدرسة ،فقد خربتني ابنتي ذات الثامين سنوات لدى عودتها من املدرسة بأن والد احد صديقاتها قد اتخذ زوجة ثانية و عىل أثر ذلك تركت األم منزل األرسة و ذهبت،و عندما سألتها عن رد فعلها حيال ما حدث لنا؟، قالت ":أخربت صديقتي بأن والدي أيضا قد أتخذ زوجة ثانية ولكن امى مل ترتكنا و تذهب".
ال تنحرص اثأر تعدد الزوجات عىل اآلثار النفسية والعاطفية التي تصيب الزوجة املترضرة وإمنا تتعداها إىل كيان األرسة ككل ونعنى باألرسة هنا األرسة يف مؤسسة التعدد ،مثنى أو ثالث أو رباع حيث تكون اآلثار هنا يف بعض األحيان اثارا ً اقتصادية تتعلق بالوضع املعييش لألرسة وقد تكون تربوية تتعلق مبتابعة األبناء وتنشئتهم وتعليمهم فالتعدد كام هو معلوم يفرض غياب األب يف الكثري من األحيان ,يضاف لهذا، الرصاع والجفوة التي تحدث بني الزوجات والتى كثريا ما تنعكس عىل االبناء "اإلخوة" فمثل هذا الرشخ كثريا ما نجده ىف مؤسسة زواج التعدد، إال أن األخطر من كل هو غياب العدل مع الزوجات والذي يف الغالب ينعكس عىل األبناء فيحدث الرشخ بني األب وبعض أبنائه والقصص إن األطفال الذين ينشئون يف كنف مؤسسة الزواج املتعدد كثريا ما هنا كثرية ومنترشة يف الكثري من مجتمعات املسلمني ،فها هي مريم، تقول":لقد وجدت لنفيس منزال يف الطرف اآلخر من املدينة،وعملت تنقصهم الثقة الكافية التي متكنهم من االنخراط يف عالقات مستقرة بائعة ألبان ألعيش واريب أبنايئ بعد أن تخىل عنا ومل يعد يتصل حتى وذلك من جراء الصدمات النفسية التي يتعرضون لها داخل ارس موبوءة بالرصاعات واملرارات ،وكثريا ما يرث هؤالء األطفال بعض املفاهيم بأبنائه،الذين كثريا ما كانوا يبكون ويسألونني عن سبب ابتعاده عنا". الخاطئة املتعلقة بعدم املساواة ودونية املرأة وبعدم املحاسبة والتنصل تفرض وضعية الزوجة الثانية عىل املرأة رشوطاً صعبة وىف هذا تقول من املسؤولية،كام ان غياب االب املتكرر بسبب أن لديه أكرث من أمرية البالغة من العمر 40عاماً والتي أصبحت زوجة ثانية عندما كانت زوجة يفاقم من إحساسهم بالتجاهل والهجران وهي أحاسيس غالبا ما تبلغ من العمر 25عاماً ،تقول" :لقد قبلت بوضعية الزوجة الثانية ألن يحملونها معهم طوال حياتهم. خطيبي تركني ومىض وألنني من جانب أخر شعرت بجدية من تقدم وهكذا وبالرغم من التجربة املريرة التى تعرضت لها (مريم وجميلة يل كام أنني أردت أن أحقق رغبة أىب يف أن يراين متزوجة قبل أن ميوت خاصة وانه كان مريضا ،يف بداية األمر مل يخطر عىل باىل حجم املشاكل وامرية)ي فأنهن يشعرن بالفخر بكل ما اكتسبنه وما حققنه من استقاللية التي سوف تواجهني فيام بعد خاصة وأننا كنا سعداء لفرتة من الزمن ،وبكل ما بذلنه من جهد وتعب وعنت يف رعاية أبنائهن ،تبتسم مريم بعدها عرفت معاناة الزوجة الثانية حيث الغرية القاتلة والتوزيع غري وتقول" :عندما أخربوين بأنه تزوج بامرأة ثالثة!!،قلت يف نفيس ،البد أن العادل للموارد املالية واالهتامم ،والسعي بني الزوجات أنفسهن يف الزوجة الثانية اآلن تعاين كام عانيت من قبل" .أقول ( ،اننى اليوم حقيقة زراعة بذور الفتنة بينهن من ناحية وبني أبنائهن من الناحية األخرى" ،فخورة بنفيس وباملكانة التي وصلتها وكذلك بكوين بائعة ألبان متجولة، وتتداعى أمرية يف هذا الصدد وتقول ":كنا (الزوجة األوىل وأنا) نعيش يف لقد تخلصت من ضغوط التفكري فيه،تلك التي اورثتنى األرق.أنا اآلن منزلني متجاورين؛ وكانت [الزوجة األوىل] تتفوه ضدي بكالم نايب ،عندما مشغولة فقط بالقلق عىل أبنايئ واجتهد يف تربيتهم عىل أكمل وجه). كنا نلتقي يف املناسبات العامة يف الحي وقد حدثت بيننا العديد من االشتباكات التي ألقت بظالل كثيفة عىل أبنائنا". حوار عائشة السماني وعبد الفتاح حسن على كام نالحظ فأن الجميع يتفق (زوجة أوىل وزوجة ثانية) عىل أن األطفال هم األكرث عرضة لآلثار السلبية ملؤسسة
من اإلنجليزية :محمد عثمان الفكي
اشارة :األسماء المستخدمة في هذا الحوار اسماء مستعارة
املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
31
إميان ادم كاتبة وشاعرة وناشطة يف الدفاع عن حقوق النساء من السودان .تعمل يف مجال األنشطة الثقافية والعالقات العامة مع الجمعية السودانية للسالم والثقافة (سوباط) .العديد من قصائدها تم نرشها يف الصحف ومنابر التواصل االجتامعي االسفرية. اللوحة :جالل يوسف
32
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
جموح إيمان ادم
وط ٌن بحجمِ املحن ِة الحوا ِء يف الزمنِ اللئيم ضيق عىل ضيقٍ ٌ وقد ٌر كالجحيم إلهي العناي ِة ٌ بؤس ٌّ ُلقت مع الحريم إذ خ ُ ِ الجسد االديم ضلع من ضلع مقوس ُة الجبل ُة قُ ّد قدي كيف قدي يستقيم ام ان هذا الطب ُع جبل اليريم
زرين أقطّ ُع غابة من ِ محض أشجاين ِ واطياف املساء العبودي ُة للرب كام ُ الذل خليق بالنساء وانا من نطف ِة املا ِء عجني للشقاء الحب إذ مل يرها ُّ
بعض الكربياء يف ِ القلب ُ للرب العبودي ُة ِّ فكن يل ما تشاء املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
33
جسد المرأة ما بين صراعات السلطة و السياسة في فرنسا حول منع ارتداء البوركيني ( الحجاب ) في فرنسا
سيليا هيدجز- فرنسية متخصصة يف التنمية الدولية وتعمل يف مجاالت تنمية حقوق املرأة يف أفريقيا ودول الكاريبي .عملت يف السابق ضمن املبادرة االسرتاتيجية للمرأة يف القرن اإلفريقي ،وتعمل اآلن كمستشارة مستقلة ،مقيمة بجزر الكاريبي.
34
املتصفح للصحف الفرنسية الصادرة منذ فجر أغسطس 2016يعتقد مجلس الوالية ،إعادة النظر يف قرار الحظر .حيث أوصت املحكمة بعدم جازماً أن 1الربوكينى قد غزا جميع شواطئ فرنسا .وعىل الرغم من انقضاء دستورية القرار ،بل ورأت ،أ ّن القرار من شأنه تقويض مبدأ ال ُح ّريات أيام الصيف إال أن حالة االضطراب التي سببه حظر الربوكينى تحول ايل املدنية ،والتي من ضمن بنودهاُ :ح ّريتّي الحركة واالعتقاد. حالة جدال حاد حول قضايا حقوق املرأة و العلامنية واستيعاب اآلخر، حيث تصارع فرنسا منذ فرتة طويلة مع النمو امللحوظ ألعداد املسلمني ومع ذلك ،مل يتمكّن قرار املحكمة العليا من إنهاء حالة الجدل يف البالد وصريورة التحول إىل دولة متعددة الثقافات .هذا باإلضافة متسك بعض األطراف مبواقفها املُتَصلِّبة ،والرافضة ظل يف السائدة. ُّ ِ إىل الصدمة النفسية والقلق الذي أصاب املجتمع من جراء الهجامت للبوركينيُ ،م ّربرة ذلك بدفاعها عن قيَم فرنسا العلامنيّة ! اإلرهاب ّية التي أصابت البالد وع َمقت من ح ّدة االستقطاب يف مجتمع ِ أصالً ُم ْنق َِسم عىل نفسه .حيث وجدت األقليّة امل ُسلمة نفسها يف موضع واملعروف ،أ ّن فرنسا كانت قد تبنت قانون حامية مبادئ العلامنيّة يف الشك واالتهام. سنة ،1905إن ِْطالقا من مبدأ الفصل التام ،بني الدولة والكنيسة و ُحريّة اإلعتقاد .وهو املبدأ الذي يسعى ،بحسب هؤالء ،إىل تحرير األشخاص من قبضة الكنيسة ،وتحويل إدارتها إىل القطاع الخاص .ويف نفس الوقت، و لألسف ،فقد أصبح جسد المرأة بمثابة ساحة من املفرتض ان يعمل هذا املبدأ عىل كَفَالَة ُح ّرية ُمامرسة الشعائِر المعركة للنقاشات الحادة ،واألجِ نْدة األيديولوجي ّة والسياسية والدينية .حيث تحتمل النساء المسلمات ِ الدينيّة لألفراد. ت ِبعات قلق الفرنسين ،والحاجة إلى إيجاد ضحية ي ُلقى باللوم علي ّها .حيث يتم استغالل جسد المرأة المسلمة وملبسها وسلوكها االجتماعي ،لِلتعب ّ ِير عن ُ العال ََمة سؤال الهُوي ّة .و أصبح البوركينى ِب َمثابة َ الوحِيدة المنوط بها تحديد إنتماء األشخاص ،إمّا إلى قيم الدولة ،أوإلى مجتمع المسلمين!
وانطالقا من الفهم الصارم للعلامنيّة ،والذي يدعو إىل حظر استخدام كافة العالمات الدينية يف األماكن العا ّمة ،تب ّنى مؤيدو حظر البوركيني، املوقف الذي يعترب البوركيني عالمة دينية تعرب عن العقيدة اإلسالمية، وبالتايل تتناقض مع الفهم للعلامنية .وقد ذهب البعض أبع ُد من ذلك، حني قاموا بالتشكيك يف قدرة اإلسالم عىل التاميش أو التناغم مع "القيم الفرنس ّية".
وتعود جذور قضية البوركينى إىل القرار الذي أصدره ال ُع ْم َدة (ديفيد ليزنو)،عمدة ُم ْنتَ َجع "كان" .والذي حاول مبوجبه حظر ارتداء البوركيني بالقانون ،عىل اعتبار أنّه زيّا غري مناسب ،وغري الئق يف جميع أنحاء املنتجع .ووعد القرار بفرض غرامة قدرها 38يورو ،عىل ك ُّل من ال يتقيد بحيثيات هذا القرار .ويف الوقت الذي أثار فيه القرار ردود أفعال ُمتبا ِي َنة ،إزدادت أعداد امل ُدن األُخرى التي أيدت القرار؛ مام زاد من حالة اإل ْح ِتقَان وسط امل ُجتمع ال ِفرنيس.
عىل الصعيد املعاكس ،قام الخصوم الذين رفضوا قرار الحظر ،بإدانة وشجب ما أسموه بالنهج السيايس امللتوي الذي سلك ُه مؤيدو القرار يف تفسري العلامنية ،بُ ْغيَة تحويلها إىل أداة للتحكم يف ،ومراقبة ،سلوك املسلمني يف فرنسا .وقد إعترب رافضو القرار أ ّن القانون الفرنيس يف حل وسطاً من غري متييز ،يَ ْكفُل به ُحريّة االعتقاد حقيقته إمنا يُق ِّدم ّ ُسلمي. والتدين للجميع ،بِ ا يف ذلك امل ِ
جاء قرار تب ّني حظر البوركينى مبارشة بعد يوم واحد من هجامت احتفاالت يوم الباستيل يف ضاحية نيس ،والتي بلغ عدد ضحاياها السلطات املحل ّية تبنى قرار الحظر املثري للجدل، 85شخصاً .وبر ّرت ُ باإلجراء اإلستباقي ،لحامية النظام العام والعلامن ّية و"السلوك القويم". ووسط ك ُّل هذا الهيجان ،طلبت املحكمة اإلداريّة ال ُعلْيَا يف فرنسا ِمن
وتجاوز الجدل حول البوركينى مسألة العلامن ّية ،ليلج فضاء القضايا النسوية وحقوق املرأة ،حيثُ إعترب البعض إ ّن السامح بإرتداء البوركينى، هو بِ َثَابة قُبول ِض ْمني باضطهاد املرأة ،ودليل قاطع عىل تواطؤ الدولة، باملشاركة يف نرش ن ُْسخَة ال َوها ِب ّية املُتَط ِّرفة من اإلسالم ،والتي ت ُنادي برضورة إخضاع املرأة يف األماكن العامة.
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
ما بين عالمين
الكاريكتير خالد البيه السودان
ومل يشكّك هذا الفريق يف أهمية حظر البوركينى وحسب ،و ل ِك ّنه وقد تب ّنى العديد من أعضاء الحكومة الفرنسية موقف لورنس ِ عب أيضا اعتربه غري زي جدوى .أل ّن تَ ْحرِيم ارتداء الزي امل ُ ْعتَدل ،ال يساعد، روسينو ،وزيرة شئون املرأة ،والذي ذكرت فيه ،أنّ" :البوركيني" يُ ّ خاصة عن مكانة املرأة ،وال ميكن اعتباره صيحة موضة ،أو تعبري بحسب قولهم ،عىل تحرير املرأة ،بل يُفَا ِقم من ِ اضطهادها .وذلك بصفة ّ بتضييق فرص إمكانيّة استمتاعها بالشواطئ واملرافق العامة األخرى، عن ُحريّة فرديّة". اليشء الذي ما كان سيحدث ،لوال هذا الحظر. وعىل ذات املِنوال ،وصف رئيس الوزراء (مانويل فال) ،البوركينى بـ" ولكن يف نهاية املطاف نجد أ ّن قضية حظر البوركينى ،وما أثارته خصص للسباحة امل ُْست ِفز والبايل" ،مضيفاً " :أ ّن البوركينى كزي ،غري ُم ّ عب عن مرشوع سيايس معادى للثقافة ،ويعمل بصفة من هياج إعالمي ضخم ،قد كشفت عن أزمة أكرث ُع ْمقَا يعاىن منها أصالً ،ولك ّنه يُ ّ املجتمع الفرنيس ،وتتمثل يف حالة التوتر امل ُتضمنة يف الرصاع ما بني القيم خاصة عىل إسرتقاق املرأة". الليربالية ،والتي يُنظر إليها كَ ُمك ِّون أسايس من مكونات الهوية القومية، ّ من ناحية ،و مسألة قبول اآلخر الذي يحمل ِقيّامً ُمغَايرة ،من الناحية تعرضت لم تحظى تلك المواقف بتأييد األغلبي ّة ،بل األخرى .كذلك ،كشفت القض ّية ،أيضاً ،عن عجز فرنسا عن تب ّني ِسياسة النتقادات حادة من قبل الفريق المناهض للحظر. والذي إعتبر أ ّ التع ّدديّة الثقافيّة .خاصة وأنها تضم أكرب جالية مسلمة يف أوروبا ،وعدم ن تفعيل الحظر ،من شأنه أن ي ُكر ّس لِكراهي ّة المرأة ،ويساعد على تقويض مبدأ الحق في القُدرة عىل احتواء حالة عدم االرتياح العام ،للحضور املتنامي لإلسالم حُري ّة االِختيار .وأضاف هؤالء ،أ ّن قوّة المرأة تكمن في يف البالد. قدرتها على إتخاذ القرارات الخاصة بجسدها ،وردائها وفقاً إلعتقاداتها ،وإعتبروا تغطية المرأة لجسدها، جزءاً ال يتجزّأ من حقوق المرأة.
و قد زادت الهجامت اإلرهابية األخرية يف فرنسا ،من وترية التخوف العام من اإلسالم يف فرنسا .حيث بدأ املسلمون يتعرضون للمضايقة املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
35
والتنميط بصورة متزايدة .وتزامن كل ذلك ،مع إقرتاب موعد االنتخابات الرئاسية ،التي مل يتبقى لها ِس َوى عام واحد ،مع تصاعد حظوظ الحزب اليميني املتطرف ،كُلّها أسباب ،أغرت السياسيني بال ِج ُنوح إىل إستغالل مخاوف الجامهري من أجل املكاسب الحزب ّية.
وعىل الرغم من تف ُّهمي الكامل لدواعي وأسباب نقد البوركينى، إالّ أن ّني أرى ،أالّ يكون هذا النقد عىل نحو يقود إىل حرمان املرأة من حق االختيار .فمن املؤكد ،ان هناك تناقض واضح بني رفض البوركينى عىل اعتباره آلية ُصممت إلخفاء والتحكُّم يف جسد املرأة ،من ناحية، واستخدام ذات األساليب إلجبار املرأة عىل الخضوع لعادات مقبولة اجتامعيّا بواسطة األغلبية ،من الناحية األخرى.
و يعرب الجدل حول البوركينى من ناحية أخرى ،عن الرغبة الجامحة والساعية ،نحو مترير القوانني و الترشيعات القاضية بالتحكم يف كذلك ،عىل املرء تج ّنب الوقوع يف فَ ْخ إلقاء اللوم عىل املرأة ،التي اختيارات ولباس املرأة .وكأنّ ا قد أصبح رأس املرأة ،وساعداها ،وأرجلها، كشمعة نعلق ذلك واستخدام فرنسا، يف البوركينى تلبس أن اختارت ُجسد ق ّيم الوطنية .ولكن ليس يف األمر جديد، ّ مبثابة العنارص التي ت ّ عليها عدم قدرة الحكومة الفرنسية عىل إدماج املجتمعات املسلمة .أو تم إجبار المرأة على مر التاريخ ،على التحجب يف املساهمة يف تطويل آجال أنظمة القهر واألبويّة يف أنحاء أخرى من فلطالما ّ ْ العامل .فمن املؤكد ،أن هناك الكثري من القضايا أكرث الحاحاً من مسألة التعريِ ،وفقا ألهواء القابضين على كراسي أو ِّ ُ السلطة .كذلك ،يفضح الجدل الدائر حول البوركيني ،البوركينى ،وهي التي تحتاج م ّنا الوقوف عندها ومعالجتها ،مثل ،قضايا عن االعتقاد ُ الفقر وحقوق املرأة والتط ّرف الديني وإدماج الشباب يف املجتمع .كلها المضمن حول عدم أهلي ّة المرأة على ُّ قضايا حيوية ومركزية يف جدلية الرصاع الثقايف والسيايس االن يف فرنسا. التحكم في مظهرها .بالطبع ،هذا موقف يدعو للحزن،
ألنّنا نؤمن بأ ّن املرأة يف فرنسا اليوم لها ال ُق ْدرة عىل إتخاذ القرارات الخاصة بحياتها .وال تحتاج أن يُفرض عليها االنصياع والخضوع لعادات ّ وتقاليد معينة ،بواسطة آخرين ،سواء كانوا جزءا ً من سلطة الدولة ،أو من القامئني عىل أمور الدين .لكن كل هذا ال يجب أن يجعلنا نتجاهل حقيقة أن البوركينى ميثل يف جوهره رمزا لالضطهاد ،أو أن نقلل من شأن نضاالت ماليني النساء ،الاليئ يعانني بشكل يومي من عنت التطرف الديني والذى من ناحية اخرى يسعي ايل املزايدة السياسية بأجساد النساء ووجودهن يف الحياة العامة. إنّه ملن املفارقة الساخرة ،أن يصبح البوركينى يف فرنسا ،يف آن واحد، أيقونة ملقاومة السلطة ،من ناحية ،ورمزا للحرية ،من الناحية األخرى. ومع ذلك ،ال يجب أن تخدعنا املحاوالت التي تسعى لتصوير البوركينى عىل أنّه يُساهم يف متكني املرأة املسلمة .عىل العكس من ذلك ،ففي اعتقادي إنّه ميثل ،وبصورة واضحة ،الضغوط امل ُتزايدة عىل املرأة املسلمة يف جميع أنحاء العامل ،عىل تب ّني التفسري امل ُحافظ لإلسالم. كما يمثل البوركيني المحاوالت ُ المتَكر ّرة التي تسعى ُ ّ لتجعل من جسد المرأة ،الخاصي ّة النهائي ّة التي تشكل معاني الهُوي ّة واإلنساني ّة.
36
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
سيليا هيدجز
من االنجليزية محمد عثمان الفكي
1البوركيني هو نوع من مالبس السباحة التي صممتها األسرتالية ذات األصل اللبناين عاهدة زنايت وهو عبارة عن بدلة سباحة تغطي كامل الجسم ما عدا الوجه واليدين والقدمني ،وهي مطاطية مبا يكفي للمساعدة يف السباحة، وقد القت رواجاً كبريا ً لدى مسلامت أوروبا
ما بين عالمين
الروائية ليلى أبو العال والكتابة ما بين عوالم متعددة
ولدت الكاتبة ليىل أبو العال يف السودان ألم مرصية وأب سوداين، الخاصة واملعروفة مبستواها التعليمي ودرست يف املدارس الكاثوليكية ّ املتفوق؛ ما ساعدها عىل اجتذاب أبناء وبنات األرس امليسورة يف العاصمة السودانية إبّان سبعينيات القرن املايض .بعد ذلك ،حصلت ليىل عىل درجة البكالوريوس يف االقتصاد من جامعة الخرطوم ودرجة املاجستري يف اإلحصاء من جامعة لندن .هاجرت ليىل أبو ال ِعال إىل بريطانيا يف عام ،1990حيث شهدت تلك الحقبة من تاريخ السودان تح ّوالت عميقة يف النواحي االجتامعية والثقافية واالقتصادية ،أدّت إىل هجرات كبرية وسط أبناء وبنات الطبقة الوسطى من السودان. لليىل أبو ال ِعال أربع روايات منشورة :يف مقدمتها رواية "املرتجمة"، التي صدرت يف عام ،1999ونقلها إىل العربية املثقف والسيايس السوداين املرموق الراحل الخاتم عدالن .ثم صدرت لها يف عام 2004رواية "املنارة" ،Minaretالتي تحيك تجربة فتاة سودانية تنحدر من أرسة متغيات الحياة االقتصادية التي طالت أرستها، ميسورة الحال ،أجربتها ّ الهجرة إىل اململكة املتحدة لتعيش هناك حياة شظف وعوز؛ األمر الذي يؤدي يف النهاية إىل تش ُّوش منظومة قيمها األخالقية والثقافية. ضمن ذلك ،تكشف الرواية عن التعقيدات املرتتبة عىل تجربة العيش يف املنفى ،مبا يف ذلك التعقيدات املتصلة برصاعات الهويّة واالنتامء. يف عام ،2010نرشت أبو العال رواية "حواري الشعر" ،Lyrics Alley التي تص ِّور فيها تفاعالت الحياة االجتامعية وسط الطبقات الغنية يف السودان يف خمسينيات القرن املنرصم .وصدرت آخر رواياتها يف ،2015 ( ،)The Kindness of Enemiesأو "عطف األعداء" تروي فيها قصة وأب سوداين ،وترسد خاللها "ناتاشا" ،الفتاة التي يعود أصلها ألم روسية ٍ قصة بحثها يف اإلرث األسطوري للمحارب القوقازي املسلم "إمام شامي".
ليلي ابوالعال تصوير :احمد ناجي محجوب
أن شخصيات رواياتها يخوضون ،يف الغالب ،رصاعات االنتامء واالنبتات إضافة إىل ذلك ،نرشت ليىل أبو العال العديد من القصص القصرية ،وميضون حيواتهم بحثًا عن سبل التواصل والتك ّيف مع تلك الفضاءات كام تم بثّ قصصها مر ٍ ات عديدة عرب العديد من القنوات اإلذاعية .يف املغايرة. عام ،2000نالت قصتها القصرية املوسومة بـ "املتحف" ،The Museum جائزة "كني األوىل" للكتابة األفريقية ،ويف السنة التالية ،صدرت لها يف يوليو عام 2016أجرت الصحفية اإلنجليزية ليزا كليفورد ،حوا ًرا مع مجموعة قصص قصرية تحت عنوان "أضواء مل ّونة". ليىل أبو ال ِعال بنا ًء عىل طلب من دورية "املرأة يف اإلسالم" ،بشأن ابطال رواياتها وطبيعة حياتهم والسيام العيش يف العوامل ذات السامت الثقافية قاصة متفردة ومثرية للجدل؛ إذ تعكس واالجتامعية املختلفة. لكل ذلك ،ت ُعترب ليىل أبو العالّ ، أعاملها دو ًما الطبيعة املعقدة واملتن ّوعة لصدامات الهويّة الثقافية والدينية .فهي كروائية تحاول ،بشجاعة فائقة وصدق ،سرب أغوار قضايا "لقد تدهور مستوى حيايت كث ًريا ."...بهذا الجملة ،تصف نجوى ،بطلة الهوية الثقافية للمسلمني الذين يواجهون تعقيدات الحياة يف بيئات رواية "املنارة" ،واملنتمية ألرسة ميسورة الحال يف السودان ،تجربة العيش مغايرة لثقافتهم ،والتي قد تكون أحيانًا بيئات معادية .لذلك ،نالحظ يف املنفي ،تجربة العيش يف املنفي يف بريطانيا التي وصلتها عىل خلفية املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
37
إجبارها مغادرة بلدها األصيل يف أعقاب انقالب عسكري أطاح بالنظام هجرت عامل األرقام نهائ ًيا إىل غري رجعة .تقول" :أج ُد نفيس يف الكتابة الحاكم والذي كان أفراد أرستها جزاء من طاقمه .وكأنّها بذلك أيضً ا أكرث من كوين أستاذة إحصاء". تكشف ،وإن بشكل موارب ،حال ليىل أبو ال ِعالء ّ نفسها التي غادرت دفء وتنوع الخرطوم إىل من جهة ثانية ،ي ُمثل صراع الدين وعزلة المسلمين (من الجنسين) ،ووجودهم بين عالمين متناقضين، صقيع اسكتلندا يف عام ،1990حيث كان زوجها يعمل بعي ًدا هناك يف حقول البرتول ،فيرتكها الموضوع الرئيسي في كتابات ليلى أبو العِ ال. هي وطفليها الصغريين مبفردهم .لكن اللجوء ففي روايتها األوىل ،املرتجمة ،يحدث تقارب بني "سمر" األرملة ذات إىل الكتابة ساعدها عىل تح ُّمل لواعج الشوق والحنني إىل البلد وخفَّف من وطأة العزلة التي األصل السوداين و"رآى" ذي األصل األسكتلندي ،ومتيض الرواية يف وصف ذلك التقارب واالنسجام بني الشخصيتني رغم اختالف خلفياتهم الدينية كانت تحيطها. والثقافية .عىل النقيض من ذلك ،نالحظ لجوء "نجوى" يف رواية "املنارة" يف ذات السياق ،بدأت ليىل أبو ال ِعالء حديثها إىل الدين وإىل مسجد (ريجون بارك) ،للحصول عىل السلوى ومن أجل بـاإلشارة إىل "أن الحياة يف مدينة أبردين اإلحساس بفكرة االنتامء يف عامل غريب ومعادي. األسكتلندية كانت أكرث قسوة مام توقعت". ترى ليلى أ ّ قالت ذلك ،فيام كانت تعلو محياها ابتسامة خصوصا كما ن تناولها لتجارب االعتقاد الديني ً خفيفة ،بينام ظلت مستغرقة يف التفكري. يمارسها المؤمنون بصورة يومية ،تمثّل بالنسبة لها موضوعة بالغة األهمية ،وذلك أل ّ و تضيف" :رغم إنني أعتقد أن قدرايت عىل ن كتاب الروايات في التك ُّيف مع األوضاع عالية ،لكنني مع ذلك غالبا ال يعيرون االهتمام الكافي لمثل تلك تقديرها، ً واجهت صعوبة بالغة يف التأقلم مع حيايت خارج الهموم والتعقيدات التي تواجه الشخوص العاديين. السودان" .وبخصوص بدايات عالقتها بالكتابة ،تقول ليىل: تقول" :هناك العديد من الكتب التي تتناول شخصيات متطرفة أو "ال أميل بطبعي إلى الشكوى كثي ًرا ،لذلك اتجهت إلى شخصيات ملحدة رافضة للدين كُلّيةً ،إال أن تناول الشخصيات العادية خلق شخصي ّات تعيش في ظروف أكثر كآبة بالمقارنة ما يزال يحتل موق ًعا متوسطًا يف التناول الروايئ وكأن عامل الرواية ال يهتم كث ًريا بتمثيلهم". مع وضعي من أجل بثّها همومي وأحاسيسي. ال تقبل ليىل ابوال ِعال أن توصف بأنها كاتبة سياسية أو ناشطة ، من هنا ،كانت الكتابة مبثابة مواساة بالنسبة يل ،وتجلب يل شيئًا من السلوى ،وال س ّيام وأن الشخوص الذين اخرتت الكتابة عنهم ،كانوا أقل ألنها ت ُفضِّ ل االنخراط يف تأمل الحياة وليس تغيريها .كذلك ،ال تعترب ليىل حظوة ِم ّني ،بل ويف الغالب يعيشون حياة قاسية ومتشظية". نفسها تنتمي إىل املدرسة النسويّة يف صيغتها التقليديّة: تع ّرج لييل بالحديث نحو بديات تعلقها بالكتابة وولعها املبكّر بالقراءة؛ حيث كانت تفضِّ ل قراءة أعامل ال ُكتّاب الربيطانيني الكالسيكيني ،أمثال: دافني دو مورييى .و تقول" :كان الجلوس مع الكتاب يُحقّق يل أقىص درجات املتعة" .لك ّن حصولها عىل درجات متفوقة يف مادة الرياضيات دفعها لاللتحاق بدراسة مادة اإلحصاء يف جامعة الخرطوم ،ومن ث ّم، القيام بتدريسها عقب وصولها إىل اسكتلندا .وبعد نرش عدد من كتاباتها،
38
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
"أعتبر نفسي نسوي ّة في السياق السوداني ،ألنني أدعم ُ وكتبت ضد ختان النساء في رواياتي تعليم الفتيات وحواراتي .مع ذلك ،ال اعتبر نفسي نسوي ّة وفق الفهم البريطاني؛ حيث توجد هناك فروقات كثيرة :فبينما تخلص النسوي ّة السودانية للتقاليد الدينية واألسرية، يختلف الوضع كثي ًرا في حالة النسوي ّة اإلنجليزي ّة".
ما بين عالمين
عىل الرغم من رصاعها امل ُتصل من أجل املواءمة مع ظروف وطنها الجديد ،تعرتف ليىل بأن وضعها سوف يختلف كث ًريا لو ظلّت تعيش يف السودان ،ولكان من املستحيل عليها وهي وقتها فتاة يف مقتبل العمر الكتابة حول قصص الحب وتعقيدات تجارب النساء والرجال الشخصية .أ ّما هنا يف أبردين التي تبعد آالف األميال عن الوطن األُم، متكّنت ليىل من تحرير مخيلتها من القيود االجتامعية وبالتايل الكتابة بحرية وشجاعة عن تعقيدات حياة شخوصها من الرجال والنساء .يف هذا السياق ،توضّ ح" :بإمكاين الكتابة حول كل ما يخطر عىل بايل ،أ ّما يف السودان فاألمر مختلف ،ولذلك أتفهم أ ّن هناك فتيات كثريات يف أما يف ما يتصل مبشاريعها الروائية القادمة ،ال السودان ليس بوسعه ّن التعبري إبداع ًيا عام يدور يف خواطرهن بسبب تحبذ ليىل الترصيح بشأنها ،لكنها تقول" :املشكلة الرقابة الذاتية". ليست يف األفكار ،وإمنا التحدي يكمن يف القدرة عىل تجميع تلك األفكار وترتيبها عىل نحو ما، ورغم أن ليىل تكتب باللغة اإلنجليزيّة ،فقد ت ُرجمت معظم كتبها لتتخلق منها رواية كاملة يف نهاية املطاف". إىل اللغة العربية .مع ذلك ،فإن معظم ق ّرائها هم يف الغالب األعم تضيف" :يف البدء تنهمر األفكار متدفقة م ّني، عب عن حاجة مل ّحة وكثيفة ،أبدأ بعدها مبارشة من املغرتبني ،وذلك نسبة للكلفة الباهظة لرتحيل الكتب إىل السودان لتُ ّ وتعقيدات الرقابة والقيود املفروضة عىل ُحريّة التعبري ،األمر الذي جعل يف التفكري يف الشخوص ،ويف بناء دينامية الرسد". مسألة دخول كتبها إىل السودان مسألة عسرية .يف هذا اإلطار ،تفصح ليىل من دون مواربة عن رغبتها األكيدة بخصوص تشجيع الفتيات يف السودان عىل الكتابة .وبالفعل ،فقد سافرت إىل الخرطوم مطلع العام السابق من أجل القيام بورش عمل حول الكتابة االبداع ّية للشباب من من اإلنجليزية محمد عثمان الفكي الجنسني .وحينام تستحرض تلك التجربة ،تتذكر مدى حامسة الشباب من الجنسني بالكتابة ،وكيف كانوا مولعني بقراءة قصص "إستيال قايتانو"، الكاتبة التي تنحدر أصولها من جنوب السودان. اآلخر ،حيث بدأت أوروبا تتقبل اإلسالم كواقع واملسلمون بدأوا يتقبلون تواجداهم ضمن مجتمعات تختلف عنهم ثقاف ًيا ،وبالتايل أصبح مثل ،أصبح هناك اآلن التعايش واق ًعا ال فرار منهً . وعي متزايد بـشهر رمضان ،حيث تتبارى املحال التجاريّة يف عرض املزيد من األزياء التي تتامىش مع ثقافة الشعوب املسلمة".
تأمل ليىل يف العودة إىل السودان يف مع ّية ابنتها ،التي قامت برتبيتها عىل نح ٍو يجعلها قادرة عىل تجسيد سامت الثقافتني السودانية واإلنجليزية ،متمنية أن ينهل بقية أطفالها بأفضل ما يف هاتني الثقافتني. انزعاجا بالغً ا إزاء التفشي الواضح لظاهرة الخوف من اإلسالم تبدي ليلى ً التي اجتاحت العالم ،خاصة بعد الهجمات اإلرهابية التى تعرضت لها أوروبا ُمؤخ ًرا .مع ذلك ،فهي لم تفقد األمل في حتمية قبول اآلخر ،التي جنبا إلى جنب مع تفشي ظاهرة عدم التسامح. تراها تسير ً
يف هذا الصدد ،ترشح ليىل" :بالرغم من كل املقاومة التي نراها اآلن بارزة عىل السطح ،إال أن هنالك أيضً ا تناميًا ملحوظًا لظاهرة قبول
املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
39
مسيرة حياة بين معتقدين تجربة امرأة من كينيا تعتنق اإلسالم حقوق اإلنسان" غري الحكومية ،حيث واجهتها الكثري من التح ّديات يف كيف ّية التواصل مع رفقاء العمل ،و ُجلّهم من املسلمني ،باعتبارها مسيح ّية وحديثة التخرج من الجامعة ،وليست لها خربة يف التعامل مع مجتمعات املسلمني .خلّفت هذه التجربة مزيجاً من األحاسيس املتباينة لدى شريلني وأث ّرت عىل حياتها ،كام تعرفت من خالل تلك التجربة بالرجل الذّي أصبح فيام بعد زوجها ،والذي أثار فُضولها بشأن الدين اإلسالمي الذي اعتنقته فيام بعد.
غالبية البرش يولدون يف ديانات تالزمهم طيلة حياتهم ،ولكن "شريلني إنجريىل إنجوروجى"، املحامية من كينيا ،واألم لطفلة واحدة ،ق ّررت السباحة عكس التيار ،وذلك عن طريق تبديل دين ميالدها واعتناق اإلسالم منذ عدة سنوات. وبسؤالها عن السبب ،أجابت شريلني :فيام تعلو مح ّياها ابتسامه خجولة" ،لقد وقعت يف ُحب رجلٍ مسلم ،وافتتنت بالطريقة التي كان تعرتف شريلني رصاحة بأن تديّن زوجها هو الذي شجعها عىل اعتناق يُعاملني بها وبالطريقة التي يعيش بها الحياة. رص عىل أ ّن تب ّنيها للدين الجديد مل يكن بسبب أي لكن تبديل الديانة ليس أمرا ً سهالً ،فال يزال اإلسالم ،ومع ذلك ت ُّ ضغوط خارجية ،وتضيف قائلة" :لقد تز ّوجنا عىل الطريقة اإلسالمية، شيرلين انجوروجي أمامي الكثري من التحديات". ولكن يوم زواجنا ليس هو اليوم الذي اعتنقت فيه االسالم .فقد عكفت الخاصة ،وذلك ولدت شريلني يف مدينة ُممباسا الساحلية بكينيا ،حيث تولّت والدتها بعد الزواج عىل قراءة الكتب والسرية اإلسالمية بطريقتي ّ مبفردها تربيتها هي وأختيها تربية مسيحية كاثوليكية صارمة .تقول ما حفزين عىل تب ّني اإلسالم". جل شريلني" :مل تكن تربيتنا سهلة ،فقد عانينا من التمييز ألننا أرسة ّ أفرادها من النساء" .بالرغم من تلقّيها تعليامً كاثوليكياً خالصاً ،إال أنّها واآلن تجد شيرلين نفسها عالقة بين عالمين ترعرعت تع ّرفت عىل اإلسالم منذ نعومة أظافرها .ويف ذلك تقول" :لقد متوازيين ،حيث فرض عليها اعتناقها للدين الجديد ُ تحد ّيات حول كيفية التواصل مع إرثها المسيحي يف حي تودور ،حيث ينحدر غالبية سكّانه من جذور صومال ّية ،وكانت تربطني عالقات صداقة مع العديد من املسلمني الذين كنت أذهب ومجتمعها من ناحية ،واالندماج مع المجتمع ّ بصحبتهم إىل املسجد واملدرسة". ولعل محاولتها إلقناع المسلم من ناحية أخرى. تاريخياً يستوطن معظم املسلمني يف كينيا يف مدينة ُممباسا الساحلية وحولها ،وبحكم املوقع الجغرايف ،تأث ّر الساحل الكيني الرشقي بالثقافة العربية منذ قرون بعيدة ،حيث شهد الساحل الرشقي للقارة اإلفريقية هجرات عربية قدمية ،ومتازجاً سكانياً عتيدا ً .فمدينة ممباسا كانت تحكمها األرس العامنية منذ القرن السادس عرش امليالدي ،وصارت مع عدد من مدن الساحل الكيني ذات طابع هجني ميزج ما بني الثقافة العربية واآلسيوية واألفريقية .اآلن ينحدر ثلث سكان مدينة ُممباسا من عنارص من خارج اإلقليم ،ويف مقدمة هؤالء الوافدين إىل املدينة، الصوماليون الذين لجأوا إليها طلباً لألمن ،وفرارا ً من الحرب وعدم االستقرار الذي نكب بالدهم.
عائلتها بتفهُّم واحترام قرارها ،كان من أصعب التحدي ّات التي واجهتها.
ويف ذلك تقول شريلىن" :بعد اعتناقي الدين الجديد ،قالت يل أختي الكربى إنني قد فقدت هويّتي ،وكثريا ً ما كانت تردد عندما تلتقيني" :ما أنت؛ فقد تب ّد ِ عدت أعرف من ِ لت كثريا ً" .وتواصل" :لقد أخذت والديت زمناً طويالً حتى تتقبل تحويل لإلسالم ،وحقيقة فقد انقطع التواصل بيننا متاماً بعد اعتناقي الدين الجديد ،واستمر الوضع كذلك إىل حني موعد والدة طفلتي".
كثريا ً ما ينتاب شريلني إحساس العزلة بسبب فقدانها لدعم األُرسة واألصدقاء ،وبهذا الصدد تقول" :كانت أختي الصغرى كثرية الرتدد عىل بعد أن أمضت شريلني سنني طفولتها يف ُممباسا ،انتقلت إىل وسط منزيل يف املايض؛ ولكن اآلن قد تباعدت بنا السبل .وال يزال ينتابني يل أن أبذل ك ُّل ما يف كينيا لتلقّي التعليم العايل يف مجال القانون .وبعد تخرجها من الجامعة إحساس شديد باالنفصال عن عائلتي ،مام يُحتّم ع ّ مبارشة ،بدأت حياتها املهنيّة بالتدريب مع منظّمة "مسلمون من أجل وسعي للتواصل معهم".
40
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
ما بين عالمين
كام هو الحال مع عدد من الذين قاموا باعتناق ديانات جديدة، ترى شريلني أنّه عىل الرغم مام تبذله من مجهود للتعلم والتآلف مع شعائر الدين االسالمي ،إالّ أنّه ال أحد يُق ّدر مدى إخالصها وتفانيها يف القيام بذلك .فبالنسبة لها ،أن يُولد أحدهم يف بيئة إسالميّة ،ال يعني أ ّن بأن عىل دراية هذا الشخص أكرث إسالماً من غريه .وتقول" :أحياناً أحس ّ باإلسالم تفوق معرفة املولودين يف بيئة إسالميّة ،وذلك ألنّني مستم ّرة يف القراءة والدراسة حوله".
وبسخرية مصحوبة بيشء من األمل ،ت ُبدي شريلني مالحظاتها حول حالة االرتباك التي تصيب صديقاتها وأصدقائها وكذلك األقارب ،عندما تفاجئهم بإسالمها ،وتقول" :ال يكون الوضع طبيعياً عندما ألتقي بأصدقايئ من الجامعة ،أل ّن الدهشة تعقد لسانهم ،ويف الغالب يلوذون بالصمت، ففي املجتمعات التي يلعب فيها الدين دورا ً محوريّاً يف تشكِّيل الهويّة ومنط الحياة ،ميثّل الحوار حول الدين خطرا ً يف تعكري صفو العالقات تلق املحامية ذات الثالثة والثالثني عاماً االجتامعية" .من ناحية أخرى ،مل َ حفاوة من ِقبل مجتمع املسلمني ،ألنّها ت ُعترب غريبة عىل ذلك املجتمع تضحك شريلني عندما تفكر يف مدى التغيري الذي حدث لها عقب ب ُحكم خلفيّتها املسيحيّة ،إضافة إىل عدم وعيها بالرموز والطقوس الثقافية للمجتمع املسلم. اعتناقها لإلسالم ،وتقول" :من األشياء امللفتة بالنسبة يل اآلن هو أنّني رصت عرضة للفحص األمني املش ّدد يف املطارات ،وهو أمر يوضّ ح يل متاماً "يف البداية مل ارتد "البوي بوى" ، 1كنت فقط أضع وشاحاً عىل رأيس إشكاالت املسلمني ومعاناتهم يف كينيا ،كام يعكس مدى التوجس القائم وأكتفي بارتداء مالبيس الطويلة ،لكن رسعان ما بدأ الجريان يف مساءلتي :إزاء املسلمني يف أعقاب أحداث العنف األخرية يف البالد ،والتي قادتها ملاذا ال تضعني "البوي بوى" وأنت متزوجة من شخص مسلم ،ألن ذلك مليشيات الشباب الصومايل". يحتّم عليك اتباع ثقافته؟" ُعرفت كينيا بالتسامح الديني ،إال أن هذا التسامح يخضع لالختبار تقول شيرلين" :رغم محاوالتي الجادة في أن أكون اآلن ،نتيجة ملا يتع ّرض له املسلمون من تنميط كإرهابني .فالهجامت أمينة وواضحة بشأن التحوالت التي أعيشها ،اليزال املتكررة من قبل عنارص كينية أو أجنب ّية متط ّرفة ،باإلضافة لتمدد المسلمون ي ُعاملونني كغريبة عنهم ،والمسيحيون الوهابية املتطرفة يف املناطق الساحلية ،جعلت الحكومة الكين ّية تتبني مواقف متطرفة وعنيفة تجاه مواطنيها من املسلمني. كذلك ي ُعاملونني وكأني قد خنتهم. فال أحد يبدو قادرا ً عىل فهم خياري الشخيص واحرتامه .فمثالً ال يَكُف لدي الكل عن السؤال عن اسمي اإلسالمي ،وعندما أذكر لهم أنّه ليس ّ اسم إسالمي خوفاً من أن أفقد ثقافتي وإحسايس بذايت فأنا أُحب اسمي، ال يبدو ذلك التربير مفهوماً أو مقبوالً لديهم" .ثم تضيف قائلة" :يتجاهل الكثريون حقيقة أن اعتناق ديانة جديدة يحتاج إىل جهد ذايت وتعليم متواصل .فأحياناً يصعب عىل البعض إدراك أن ّني أتعلم وأحاول أن أفهم. فمثال ً في مجتمعات المسلمين ،يتصور العديد منهم أن عليهم مسئولية إرشادي وتصحيحي وهم في نفس الوقت ينسون أنني اخترت أن أكون ُ ولست بحاجة إلى اإلرشاد مسلمة بمحض إرادتي، المتواصل أو التعامل معي وكأني غير قادرة على الفهم.
إن ذلك من شأنه أن يُخلّف أحاسيس غري ُمريحة .فمثالً عند أداء الصالة ،أتلقى العديد من النصائح املربكة واملختلطة ،وهو أم ٌر يُشعرين بالضيق كثريا ً .ولكن أكرب تح ٍّد عندي هو تعلّم اللغة العرب ّية .إذ أنني الصعوبة تكمن يف محاولة أستطيع تالوة القرآن باللُغة اإلنجليزيّة ،لكن ُ تالوتها بالعربيّة".
وعىل الرغم من اإلحساس باالنتامء إىل أقلّية " ُمدانة" ،إالّ أ ّن ذلك مل يزعزع قناعة شريلني باإلسالم ،فقد أصبح ديناً لها ،وألن قيم االحرتام والتسامح التي متثّل جوهر اإلسالم ،التي دفعتها إىل استبدال دينها واعتناق اإلسالم ما تزال راسخة عندها ،كام تقول .فهذه القيم هي التي متثّل املبادئ األساسية التي يجب الدفاع عنها ،جنباً إىل جنب مع الح ّرية الفرديّة للتعبري الروحي واإلمياين ،خارج أطر التقاليد االجتامعية املعروفة .وتؤكد شريلني أن نهجها يف تعلُّم الدين اإلسالمي هو نهج نقدي وتعليمي .وتقول" :لقد اخرتت مبحض إراديت عدم الذهاب إىل مدرسة تعليم الدين ،حتّى أمتكن من قراءة القرآن مبفردي ،وطرح األسئلة حول القرآن وتعاليم االسالم ،بدالً من االكتفاء بأن أكون مجرد متلقية سلبية للدين". حاورها :سليا هيدجز وهالة الكارب
من اإلنجليزية محمد عثمان الفكي
1البوي بوي هو الزي التقليدي للنساء املسلامت يف الساحل الرشقي املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
41
حقائق ُمعاشة عن عامالت المنازل اإلثيوبيات في دول الخليج والشرق االوسط ربيكا ك ِّبدى ،كاتبة أمريكية من جذور إثيوبية .عملت مراسلة لوكالة رويرتز ولها مقاالت نرشت ىف " ناشيونال جيوغرافيك "" ، كوارتز" و مجلة " قوود " وغريها.
عندما وصلت ( وورىك ) إيل الكويت ،كان عليها أ ّوالً ،وقبل كل يشء التخلُّص من قالدة الصليب التي كانت تضعها .وقالت " :أخربوين مبا أنني يل أن قد أتيت إيل الكويت فاإلفرتاض املقبول هو أن أكون مسلمة ،وع ّ أتخلص من قالدة الصليب" .ذلك ،ما قالته وورىك ،التي هاجرت من بلدتها يف إثيوبيا ،لتعمل يف وظيفة عاملة منزل يف الكويت.
واملغرية ،من ِقبل (السامرسة) الذين يرت ِّبون لهن السفر ،مقابل رسوم محددة .وفور وصول املرأة العاملة للبلد املضيف ،ت ُج ّرد من جواز سفرها بل تجد نفسها بال حقوق وهى يف بالد غريبة ال تعرف لغتها. كام أنها قد تتعرض لإليذاء البدين واللفظي أو االستغالل الجنيس من ِقبل أرباب العمل .و ,إذا متكّنت رغم الصعوبات من الهروب والنجاة بحياتها فأنها تعود إىل وطنها ،فقرية ومعوزة ،تعاين من آثار الصدمات النفسية والتعذيب الجسدي،حيث ال توجد خدمات فاعلة يف إثيوبيا توفر الدعم النفيس واالجتامعي.
و مثلها مثل الكثريات من النساء املسيحيات اإلثيوبيات ،متثل قالدة الصليب لهن الكثري ،فهي بالنسبة لهن رمز لهويتهن الدينية وعالم ًة مرتبط ًة بثقافتهن .ولكن ذلك ،ال يعني شيئاً البتّة لـ(وكالة التخديم) بالنسبة للعديد من النساء ،مثل وورىك ،يشكل الدين نقطة الوميض التي رت ّبت لووريك الحصول عىل الوظيفة ،وإجراءات السفر ملكان عملها الرئيسة يف حياتهن .فاملسيحية لها جذور عميقة يف إثيوبيا .ووفقأً لوزارة الجديد. الخارجية اأإمريكية ،فإ ّن حوايل %44من اإلثيوبيني يتبعون للطائفة التخلص من قالدة الصليب ،كانت واحدة من أشياء األرثوذكسية الكاثوليكية ،ويف املقابل ،هناك حوايل %40من املسلمني الس ّنيني وحوايل %16من أتباع الكنائس املسيحية األخرى. كثيرة كان علي ووركى التخلّي عنها .فبعد القالدة، ُ م ُمرتّبها، كان عليها التخلّي عن جواز سفرها ،ث ُ ّ وأخيراً ،حقوقها وكرامتها.
فنجد أن غالبية النساء والفتيات المهاجرات يتسمين بأسماء إسالمية ،ويقمن بتغير طريقة لباسهن ،لتتناسب مع شروط المكان الجديد،
(وورىك) هي واحدة من مئات اآلآلف من النساء اإلثيوبيات الاليئ يعربن الحدود إىل اململكة العربية السعودية ،سلطنة عامن ،الكويت، حتّى قبل وصولهن ألماكن عملهن يف دول الخليج العريب والرشق ودول الرشق األوسط األخرى وذلك عىل مدى العقود األربعة األخرية، للعمل يف وظيفة عاملة منزل .ففي السعودية وحدها هناك حوايل األوسط ،تشعر عامالت املنازل املهاجرات بالحاجة ،ألن يظهرن أربعامئة ألف من املهاجرين اإلثيوبيني واملهاجرات و ذلك وفقاً لوزارة كمسلامت ،وذلك تحت إلحاح وإرصار السامرسة الذين يرتبون لهن سبل الهجرة. الخارجية األمريكية.1 و بعضهن يذهنب إيل أبعد من ذلك ،حيث يضعن يف جوازات سفرهن تشكل النساء من الريف اإلثيويب الغالبية العظمى من املهاجرات, ومعظمهن ضحايا لتجارة تهريب البرش والتي صارت تجارة رائجة يف صورهن وهن محجبات .وهو أمر ذو تكلفة نفسية باهظة وبالطبع مناطق القرن اإلفريقي ،حيث يسهم الفقر املدقع وإنعدام فرص العمل تزداد هذه التكلفة متى ما اكتشفت الكذبة. يف جعل النساء عرض ًة لجرمية االتجار بالبرش واالستغالل وسوء املعاملة. و يف املقابلة التي أُجريت معها ،قالت وورىك " :التظاهر ،مل يكن معظم املهاجرات اإلثيوبيات ،للعمل يف دول الخليج والرشق األوسط ،لديهن تجارب مروعة ومرعبة ،حيث يتلقني وعودا ً باألجور الجذّابة عمال سهال بالنسبة يل ،تحديدا خالل فرتة صيام شهر رمضان .إن الصيام
42
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
ما بين عالمين
الصورة لتظاهرة لعامالت المنازل من اثيوبيا
يتوقعون أن تعميل دون أخذ حصة من الراحة ودون أجر كايف ،و اإلسالمي جعلني يف حالة من األرق ،واإلجهاد " ،وت ُضيف متسائلة: "كيف يل أن أكون مسلمة ،بينام ال أعلم عن هذا الدين شيئاً؟ " .لقد كأنّك ( إنسان آيل )" قالتها ( فتسوم ) العاملة املنزلية والتى دفعت 370 قال يل ( :الوكيل ) ,سوف أبقى عىل قيد الحياة ،وسأتأقلم عىل الوضع " ،دوالر أمرييك ،للوكيل /السمسار لتحصل عىل الهجرة إىل دىب. ولك ّننى مل أستطع ،فقد ألقى ىب أرباب العمل يف العراء ،عندما إكتشفوا وقالت عاملة منزلية مهاجرة تُدعى ( إموى ) ،أنها مل يُسمح لها حتّى أنّنى لست مسلمة. بتناول الغداء " سيدة املنزل ال تريد أن تراين أتناول الطعام ،عىل الرغم ،من انّه نفس الطعام الذى سوف يُرمى به يف القاممة " " ،إنّها ابعد من األديان تغضب إن رأتني حتي أرشب كوبا من املاء أقول ذلك :والله عىل ما عىل الرغم من أ ّن مسألة تغيري املعتقد أو التظاهر بذلك هي واحدة أقول شهيد" . من اإلشكاالت التي تواجه عدد كبري من العامالت املهاجرات ،فإ ّن يشكل العرق واألصل عامال ً رئيسيا في نوع النساء والفتيات اإلثيوبيات ،يروين مرارا ً وتكرارا ً ،عن سوء املعاملة التي المعاملة التي تتلقاها العاملة المنزلية في دول تتعرض لها العاملة منهن بغض النظر عن معتقدها ،حيث يتم التعامل الخليج والشرق االوسط. معها بدونية وعدم احرتام .وقد ذكرت إحدى النساء أنه يف بعض األحيان ،ت ُنادى بالـ" كلبة" ،وذكرت أخريات أنه قد يُحجب عنهن الطعام، و تقول إيدجيت ،و التي يف العادة ,حسب قولها يحبسها ارباب ويحرمن من اإلحتياجات األساسية األُخرى. عملها يف غرفة ،وتتلقي كل اليوم تهديدا بالرضب ،تقول ":يسخر أرباب " إنّهم ال يعتبرونك ( إنسان ) ،يكرهونك بال أسباب ،عميل مني ،ويستخدموا تاريخ املجاعة يف إثيوبيا ألهانتي قائلني " : ال يوجد ىشء يؤكل ىف إثيوبيا .الناس تأكل الرتاب لذلك ليس لدي خيار وال تستطيعين مجرد السؤال ,لماذا.
المصورة ان باكوا
املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
43
سوى البقاء يف الكويت ،ألعمل ،يف مقابل ملء بطني “ .قالت إيدجيت "من املر ّوع واملرعب ،أن نتعايش مع هذا الوضع املجحف" .
إضافة إيل اآلثار الجسدية والعاطفية ،غالباً ما تعود النساء خاليات الوفاض حيث تحجب رواتبهن من قبل الوكالء واملخدمني .وعادة ما تصدم االرس الفقرية من انعدام العائد املايل بعد ان دفعوا مثناً باهظاً لوكال التخديم ،كل هذا وذاك ،يضاف إىل الصدمة التي تتعرض لها النساء والفتيات امل ُرحالت اىل اثيوبيا ويُع ّمق من الشعور بوصمة العار لديهن .يف بعض الحاالت ،ال تحتمل العائدات هذا الوضع ،ويصبحن غري قادرات عىل مواجهة الضغوط .وتحىك ِق ّنت قصة إمرأة شنقت نفسها ىف الحامم ،ىف امللجأ ،ألنّها مل تكن تُريد أن تواجه أهلها الذين اقرتضوا مبلغاً كبريا ً من املال ،إلرسالها إىل اململكة العربية السعودية.
وبحسب هالة الكارب ،املديرة اإلقليمية لـ مبادرة نساء القرن اإلفريقي (صيحة) ورئيسة تحرير مجلة املرأة يف اإلسالم " ،فإ ّن بعض التمييز الذى تتعرض له املهاجرات اإلثيوبيات ،من املرجح أن تكون له جذور راسخة ىف العنرصية .وتالحظ أن الدين موضوع جانبي يف معاملة العامالت اإلثيوبيات ،حيث أن االتجاه الرائج ان يتم التعامل مع عامالت املنازل اإلثيوبيات ،بطريقة سيّئة " .وتضيف هالة الكارب: " علينا أيضاً أن نالحظ ،أ ّن العامالت الفلبينيات ،عىل سبيل املثال، عىل كل حال ،فإنّه ،وحتّى عندما ت ُحقق عامالت املنازل املهاجرات وهن لسن مسلامت ،وال ي ّدعني ذلك ،ومع ذلك ،ال يتعرضن للتمييز أو نجاحاً اقتصادياً ،فصعوبة التجربة ،تطغى عىل مكاسبهن ،فبشق األنفس االضطهاد الذى تتعرض له عامالت املنازل من افريقيا. عادت أيدجيت بحصيلة مالية مقدارها 5000دوالر أمرييك ،وفّرتها بعد أربع سنوات من العمل ىف الكويت .حيث ساعدتها (( جمعية العودة امل ُ ّرة للوطن السامرى الصالح )) يف فتح حساب بنىك ،أيدجيت بدت ىف حرية من عىل سفوح "جبل إنتوتو" ،بأديس أبابا ،ت ُدير( جمعية السامرى الصالح أمرها متسائلة " :ماذا سأفعل أنا بهذا املال؟ " . ) ملجأ للنساء الاليت تم ترحيلهن من الرشق األوسط ودول الخليج ويعانني من اثار نفسية وجسدية تحول دون رجوعهن مبارشة اىل قراهن .وىف وقت إجراء املقابالت كان يسكن امللجأ ما ال يقل عن ثالثني هذه املقالة بُنيت عىل ورقة بحثية بعنوان " :ما بني الفقر والصدمة :حول امرأة يقمن بشكل مؤقت .ويعمل امللجأ عىل مدار األربع والعرشين حقوق عامالت املنازل املهاجرات من إثيوبيا إيل الرشق األوسط والخليج ساعة ،مبجهود املمرضات ومقدمات الرعاية والحارسات. العريب " نرشتها املبادرة اإلسرتاتيجية لنساء القرن األفريقى (صيحة) .كل اإلقتباسات الواردة ىف هذه املقالة ،مستمدة من تقرير (صيحة) ومراجع العودة للوطن لعامالت املنازل اإلثيوبيات ،نادرا ً ما تكون سهلة .مؤسسية أخرى إضافة إيل املقابالت مع العامالت العائدات . قالت تريوبرهان ِق ّنت مديرة الجمعية " :جميع النساء املقيامت يف امللجأ " مضطربات نفسيا ،معظمهن ال يتذكرن شيئاً عن ماضيهن وال يعرفن أين هن حالياً ،و بعضهن ال تنطق بكلمة ،والبعض كتبت :ربيكا كِ ِّبدى ٍ بصوت عا ٍل ،وأُخريات يحاولن إيذاء زميالتهن العائدات اآلخر ،يرصخن وموظفات امللجأ ،والبعض يحاولن القفز من السياج ،أو إىل األسفل ،من املبنى " .وتضيف ِق ّنت " :هناك بعض النساء اللوايت ُعدن من العمل يف منطقة الخليج والرشق االوسط عىل الكرايس املتحركة ،مشلوالت نهائ ّياً ،أو مصابات بعاهات وإصابات جسدية مزمنة ،كل ذلك بسبب االغتصاب والرضب وامناط التعذيب التي متارس عليهن يف داخل املنازل".
44
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
1إثيوبيا " " : 2016تقرير اإلتجار بالبرش " ،وزارة الخارجية األمريكية 2016 ، http://www.state.gov/j/ /2016/tip/rls/tiprpt index.htm
رسالة مفتوحة
رسالة إلى ابنتي ليىل حسني طبيبة نفسانية وناشطة تعمل يف مناهضة مامرسات تشوية األعضاء التناسلية لإلناث ،وعضوة الخاصة حول يف املبادرة ّ الــ" ." FGMكام تعترب عضوة مشاركة يف التأسيس لجمعية بنات حواء ،وهي مؤسسة خريية تُك ّرس جهودها نحو انهاء العنف القائم عىل أساس الجندر مبا يف ذلك مامرسة تشويه األعضاء التناسلية لإلناث. متت إعادة نرش هذا املقال بإذن من صحيفة الغارديان يف اململكة املتحدة.
المصور جيسون شيروود
عزيزتي الغالية فيروز: ِ وأنت يف غاية الحبور والنشاط ،كعهدي بك دامئًا .ومبا أنك اآلن ِ تجدك كلاميت هذه ِ بلغت س ّن الثالثة عرشة ،فقد ارتأيت أ ْن أكتب آمل أ ْن أعب من خاللها عن موقفي يف فهم العامل ،وعن مخاويف نحوك ِ ً أنت وغريك من الفتيات .واألهم من كل ذلك ،أريد أ ْن أحتفي بك ة رسال إليك ّ ِ بعد أصبحت فتا ًة شابّة. رشف بحمل تلك الشعلة .بالطبع ،قد ِق ّصتي امللحم ّية كناشطة نسويّة غاضبة ما تزال مستمرة إىل يومنا هذا .الحق أنني سعيد ٌة بذلك ،بل وأت ّ يتساءل العديد من الناس مبن فيهم ِ أنت نفسك ،حول مس ِّوغات هذا اإلرصار عيل االستمرار يف الكفاح؟ الجواب ببساطة :ألنني أريد التعبري عن غضبي ،واستخدم موقعي هنا ألتحدث من أجل النساء اآليت اليستطعن التعبري عن أنفس ُه ّن. من الصعب أ ْن أتوقّع ِ تول املسؤول ّية حول هذه األمور يف الوقت الراهن ،ولك ِّني مع ذلك ُم ْعجب ٌة بالطريقة التي ت ُواجهني بها التمييز منك ّ الصبايا اآليت تعرض ّن للتح ّرش من بعض ِ الج ْن َدرِي امل ُن َحاز للذكورة .أذكُر هنا ،الحادثة التي ِ الصبْيان ،وسبب ذلك قيامه سألت فيها املعلِّم بشأن َ الصبايا اآليت مل نقل اء ر ج من أمامك يجري رأيته الذي اإلجحاف مدى عن يت عب وقد الصف؟ بنقله ّن من الجزء الخلفي إىل الجزء األمامي من َ ّ يرتك َنب أي خطأ .ومع علمي ِ ِ بأنك كنت غاضبة ومستاءة من تلك الحادثة ،إالّ أنّها يف الحقيقة كانت لحظة فخر لوالدتك :لقد شاهدت بنفسك اإلجحاف والتح ّيز الذى ميارس بحق النساء. وهذا ما يدفعني لرؤية العامل مبنظار عينيك ،بوصفك فتا ٌة إفريقية مسلمة مولودة يف لندن .وكأين ِ بك ت ُواجهني التح ّديات القامئة عىل أساس لون برشتك والجندر واملعتقد .فمن أصعب اللحظات التي شاهدتك متُ ّرين بها ،كانت لحظة تق ُّد ِمك بالطلب إىل "جمعية ال َفتَيات املسلامت" أن ِ بوجودك بين ُه ّن ،من دون ارتداء الحجاب .مو ِقفي بِهذا الشأن ثابت كام تعلمني :سأدعم دامئًا املسار الذي تختارينه ،مادام أنه ال يسمحن لك املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
45
ِ أدركت اآلن ،بأنك فتا ٌة ح ّر ٌة متا ًما ،من عادة "الختان أو تشوية األعضاء التناسلية لإلناث ( ،")FGMتلك العادة التي يَ ُض باآلخرين .لعلّك قد تكوين عانت منها كل النساء يف عائلتنا .وهنا مبعث رسوري ،كوننا نحتفل أخ ًريا بكرس حلقات تلك العادة امل ْج ِحفة. من ِ الحظت ِ أنك شديد ُة االنتباه ملسألة إحرتام الخاص ،إذ ناحي ٍة أُخرى ،يبدو يل أنك اآلن تخوضني تجربة أخرى مهمة تبحثني عربها عن صوتك ُ ّ صحيح ،إ َّن هذه الثقة بالنفس قد ال تجد يف غالب األحيان تجاوبًا حس ًنا من اآلخرين ،ليس لنقص فيك ،إنّ ا ملج ّرد أنك ولدت كفتاة .يف هذا الذات. ٌ الجانب ،لألسف ،أشعر بأنك ت ُواجهني نفس التح ِّديَات التي َواجهتُها ،عندما كنت فتاة شابة يف مقتبل العمر .فام تزال نظرة املجتمع كام هي ،تتوقّع ِم ْن ُك ّن الجلوس بوقار ومبظهر جميل ،وقَبول كل التعليقات ذات اإليحاءات ال ِج ْنس ّية ،أو تلك التي تعمل عىل الحط من قدر املرأة ،وذلك بشكل يومي .يف املقابل ،يُسمح ِ للصبْيان بالذهاب للعب كرة القدم ،وفعل كل ما يحلوا لهم .لهذا ،أسعى-بقدر املستطاع -لجعل هذا العامل مكانا آم ًنا لك، وسأجتهد لتوفري الفرص التي تحقق ِ لك ذاتك وكينونتك. والحق ،لقد بذلت ك ُّل ما يف وسعي لضامن حاميتك من جرمية ِ الختان ،التي أ ْعتَ ِ ُبها واحدة من أسوأ الجرائم املرتكبة بحق النساء .ومع ذلك، ّ ُ ِ ِ ِ فإين أدرك متا ًما ،بأن مثل تلك الحامية ليست متوفرة للجميع .فحتّى هذه اللحظةُ ،هنالك املاليني من األ ّمهات مثيل ،اآليت ال يستط ْع َن توفري الح َمية األساسية لبناته ّن. ففي إفريقيا و ْح َدها ،تواجه نحو ثالث ماليني فتاة كل عام ،خطر تشويه األعضاء التناسليّة ( ،)FGMتلك املامرسة التي تجري مبوجبها عملية إزالة أول األعضاء التناسلية لإلناث ،بصورة جزئية أو كُلّية ،ألسباب غري طب ّية .بالنسبة للفتيات الاليت يتعرضْ َن للتشويه من النوع الثالث من الختان ،يجري ً قطع الشفران الكبريان والبظر ،ثم تليها عملية قفل املنفذ بال ُغ َرز .لتصبح بعدها تأدية وظائف بيولوجية عادية ،مثل التبول أو اإلخراج ،مبثابة ِعبء يومي أليم .تخ ّييل أن يضاف كل هذا األمل ،يا فريوز ،إىل آالم دورة الطمث التي تعترب تجربة مؤملة يف حد ذاتها. األدهى من كل ذلك ،أ َّن العديد من الفتيات اآليت يخضعن إىل عملية تشوية األعضاء التناسلية ،يجري تحضريهن بتلك الجراح متهي ًدا إلجراء مراسيم" ما يسمي بالزواج " .يف الواقع ،بحلول نهاية هذا العقد سيكون هناك نحو" 142مليون فتاة" ممن جرى تزويجهن يف عمر الطفولة .لذلك، أرفض شخص ًيا إستخدام كلمة الزواج حينام يتعلق األمر باألطفال .بالنسبة يل ،ال تعدو أن تكون املسألة أكرث من مجرد اغتصاب وإستعباد ُم َق َّنن لألطفال ،وبالتايل إستخدام كلمة الزواج يف مثل هذا السياق ،هو محض غطاء إلخفاء الجرائم الحقيقية املصاحبة لهذه املامرسة .فمثال ،أ ّن الفتيات اني من املضاعفات الجسدية والعاطفية لهذه املامرسة ،مثل ،العنف املنزيل ،والناسور (تفتُّق يظهر أسفل جدار اآليت تعرضن للختان ،تجد ِي ُه ّن يَ َع ْ ّ ِ لس" البول والغائط .الحقًا ،يجرى نبذ الضحايا من الفتيات "س داء ـ ب الفتيات إصابة إىل النهاية يف ِّى د يؤ والذي القرسي)، املهبل نتيجة مامرسة الجنس َ َ بسبب فوح روائح البول والغائط من أجساده ّن .إىل جانب ذلك ،فإن التوتر كمرض مصاحب ملا بعد اإلصابة بهذه الفاجِعة ،مسألة شائعة ج ًدا وسط الفتيات الاليت يعشن يف مثل تلك البيئات .مام يدفع بالكثريات ِم ْن ُه ّن إىل اإلنتحار ،أو إيذاء النفس ،من خالل إشعال النار يف أجساد ُه ّن. عملت مرة كطبيبة نفس ّية مع امرأة تعرضت يف شبابها إىل الختان ،ومامرسة أخرى مهينة ،تعرف بـ"يكّ أو تسطيح الثديّني" .وهي عملية يجري خاللها َكّ الثّديني بِحديد ساخن ،من أجل تسطيحهام .ورغم أنها عملية ج ّد مؤملة ومؤذية ،إال أنها ما تزال منترشة يف شامل وغرب إفريقيا ،حيث ت ُشري إحصائ ّيات األمم املتّحدة إىل مواجهة ما يقارب 3.8مليون فتاة لخطر َكّ الثديّني .إضافة إىل ذلك ،هناك اآلالف من الفتيات اآليت يواجهن نفس الخطر ،يف كل من الكامريون وجنوب إفريقيا ،ونيجرييا ،وجمهورية غينيا ،وتوغو ،وساحل العاج. عىل صعيد آخر ،فإن %12فقط من النساء والبنات حول العامل ،ال يَ ْحظ َني بالخدمات ِ الصح ّية ،وبالتّايل مرور النساء بتجربة آالم الطمث يف مثل تلك البيئات ،يعني حرمانهن من التعليم حيث أنه ال يوجد دعم صحى أو نفىس للتعامل مع املتغريات الصحية للفتيات .ومن هنا ت َ ْك ُمن سهولة انزالق الفتيات يف براثن الفقر وسوء املعاملة ،بسب عدم توفُّر البدائل ،لذا يتوجب علينا هدم تلك الفجوة املفزعة. عىل املستوى العاملي ،تواجه الفتيات تحديات كثرية ،تستوجب املعالجة من خالل إتاحة الفرص .ضمن هذا املنظور ،إعطاء الفرص للفتيات يعني، توفري أماكن آمنة لهن ،حتّى يتمك ّن من الذهاب إىل املدرسة دون الشعور بالقلق من التعرض لالختطاف أو الخوف من اإلصابة برصاصة يف الرأس،
46
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
أو الخوف من التعرض لالغتصاب يف طريق العودة من السينام .أو الخوف من ظاهرة التحرش والتلصص عىل أجساده ّن أثناء الحفالت املوسيقية. التعبي عن م ْك ُنونَاته ّن الذاتية األصيلة ،دون خوف من التعرض إىل أي محاكمة أو أذى. تحتاج الفتيات ،أيضً ا ،إىل أماكن آمنة ،ت ُتيح له ّن ُحريّة ّ بالطبع ،هناك أماكن يف بعض مناطق العامل ،تتيح للفتيات فضاءات آمنة .عىل سبيل املثال ،كان يل رشف مقابلة "أجنيس باريّو" ،من دولة كينيا، التي أ ْعتَ ِ ُبها واحدة من بطاليت يف توفري الفضاءات اآلمنة .تدير (أجنيس) مأوى آمن يطلق عليه "تسارو" ،وهو مأوى ُم َك ّرس لحامية الفتيات الهاربات من براثن الختان ،والزواج القرسي .مساعدة هؤالء الفتيات بتوفري املآوى ،هو الهدف الذي تسعى له السيدة أجنيس ،ومن هنا يأيت سعيها الدؤوب نحو توفري فضاءات آمنة ،تساعده ّن عىل تحقيق تطلعات ُه ّن .بخصوص التطلعات .أتذكّر ترصيحا لواحدة من الفتيات وهي تقول يل":ليىل ،سأصري يوما ما طبيبة ومرصفية" .ومن شدة ارتبايك من ترصيحها ،قلت لها متسائلة" :هل بإمكانك إنجاز االثنني معا"؟ أجابتني برسعة فائقة" :طاملا نجوت من مذبحة هتك واغتصاب جسدي ،الذي كان ميارسه زوجي عيل يوميًّا ،فلن تكون مسألة القراءة وأداء االمتحانات بتلك الصعوبة". ُزبْدة القول يا فريوز ،أريد لك ولغريك من الفتيات ،تحقيق االزدهار .من أجل ذلك ،نحن بحاجة إىل االستثامر في ُك ّن بنسبة مئة يف املئة ،ومبا يحقق نجاحات ُك ّن .أجل ،نريد بالفعل توفري عامل أفضل وأكرث أ ْمناً لفتياتنا ،وال نريد املزيد من املبادرات واإلجراءات الرمزية .أُنْهِي كالمي يف هذا الخصوص مبثل إفريقي: "لو قمت بتعليم صبي ،تكون قد ساهمت يف تعليم فرد ،أ ّما إذا قمت بتعليم فتاة ،فكأنك بذلك تقوم بتعليم املجتمع كله". ِختا ًما ،يا عزيزيت فريوز ،عليك أن تعريف أن ّني فخور ٌة وشديدة االعتزاز بك .صحيح ،أنني ما زلت أخىش عىل سالمتك .وهي بكل رصاحة :ليست مخاوف أ ّم تخىش عىل ابنتها ملجرد كونها فتاة ،ل ِك ّنها ،يف نهاية األمر ،مجرد مخاوف ال أرغب يف فرضها عليك .فقط تذكّري الحديث الذي ظللت أكرره عليك دو ًما ،إ َّن العامل بات أفضل بوجودك فيه! كل املحبة من
ماما.. مالحظة :أرجو أن تقومي برتتيب غرفتك
الكاتبة :ليلى حسين
ترجمه من اإلنجليزية :منصور علي
املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
47
الفضاء الحضري وإنتاج العالقات الجندريّة في إيران المعاصرة ألكس شامس أمرييك من أصول إيرانية ،وهو طالب دكتوراه يف مجال األنرثوبولوجيا بجامعة شيكاغو. وتنحرص اهتامماته يف قضايا النوع والدين والسياسة والفضاء الحرضي يف الرشق األوسط املعارص. يعمل اآلن مدير تحرير لـ " مجموعة عجامن اإلعالمية" املعن ّية بقضايا الثقافة واملجتمع يف كل من إيران ووسط وجنوب آسيا .وقد عمل يف السابق كصحفي مقيم يف مدينة بيت لحم ،فلسطني.
ما هو الفضاء الحرضي اإلسالمي؟ ظل سؤال ماهية الفضاء الحرضي اإلسالمي يشغل املثقفني ورجاالت َّ السلطة يف البلدان التي تتمتع بأغلبية مسلمة لقرون طويلة .وقد عاد ملح السؤال يطرح نفسه من جديد خالل االربعني عاماً املاضية بشكل ّ عىل خلفية ظهور حركات التحديث اإلسالمية التي مل تجلب معها رؤى خاصة بالفضاء العا ّم والسياسة الجامهريية واالقتصاد فحسب، جديدة ّ وإمنا أيضا وجدت نفسها تتبوأ مراكز سلطويّة عىل نحو متسارع يخ ّولها مهمة القيام بتشكِّيل املدن واملناطق التي تعمل فيها هذه الحركات. فام إن وجدت هذه املجموعات نفسها يف مراكز السلطة ،حتى بدأت يف إطالق شعار "ال رشقية وال غربية ،إسالمية ـ إسالمية" وهو الشعار الثوري الذي طرحته القيادات التقليدية التي انرصف جل همها يف املايض ،إىل مسألة التغيري القانوين أو الدستوري ،مام استدعى التفكري الج ّدي بشأن قضايا االعرتاف بالطبيعة التعددية للسلطة وارتباطاتها الوطيدة بإنتاج الفضاء الحرضي. وقد برز الفهم المغاير للفضاء الحضري في إيران إب ّان الفترة التي شهدت التوجُّه نحو مأسسة وتدوين ثورة ،1979حيث بدأ منذ ذلك الوقت التفكير بشأن إعادة تشكيل النسيج الحضري في إيران على نحو يعكس ويساعد على إنتاج النموذج اإلسالمي لمفهوم المواطنة.
املتغيات يف طهران؛ عاصمة إيران التي يقارب وميكن مالحظة هذه ّ عدد سكانها الـ 14مليون نسمة ،والتي أصبحت مبثابة ُمخترب للتخطيط الحرضي لكافة مناطق البالد األخرى .والحق ،تع ّرض الفضاء الحرضي للمدينة منذ قيام الثورة ،إىل عملية إعادة تشكيل وتنظيم شاملني .وقد قامت تلك اإلعادة أساساً عىل مبدأ ثنائية الجندر (ذكر/أنثى) ،حيث بدأ عىل إثرها تنفيذ الفصل الجندري يف العديد من املؤسسات عىل نحو صارم ،بينام ُخ ّول للرشطة األخالقية تنظيم الفضاءات العا ّمة التي تفتقر إىل وجود فواصل طبيعية تفرض االختالط الجندري ،كالحدائق والطرقات العامة.
شهدت تغول املجال الخاص عىل الفضاء العام بشكل متكامل .وعىل سبيل املثال ،نجد أن فرض وتنفيذ القوانني األخالقية يف األماكن العا ّمة ليس سوى محاولة لتصدير مفهوم تحكُّم األرسة عىل األفراد إىل هذا الح ّيز .وأيضا شهدت هذه الفرتة تغول مفاهيم الفضاء العا ّم عىل قدسية لفض الحفالت وخصوصية املنازل ،حيث كرثت حمالت غزو املنازل ِّ واالحتفاالت الخاصة انطالقا من مفهوم شائع فحواه إن "أسلمة" املكان والنفس ،يجب أن تشمل كل قطاعات املجتمع. ولكن إذا وضعنا كل ذلك جانباً ،نجد أن تنفيذ ّ مشروع الفصل الجندري أدى إلى نتائج غير متوقعة، تمثّلت في الزيادة المضطردة في أعداد الفتيات من خلفيات محافظة ،اللواتي خرجن للمشاركة في القطاع العام في إيران ،وذلك خالفاً لما كان سائداً قبل الثورة
حيث كانت بعض األرس املتشددة دينيا تفرض الكثري من القيود التي تحول دون حصول املرأة عىل حق التعليم والعمل ،واملشاركة يف الحياة االجتامعية عىل نطاق واسع .ونسب ًة للمشاركة الفاعلة للنساء من هذه الخلفيات الفقرية يف ثورة ،1979قامت بعض القيادات من أمثال آية الله الخميني بتشجيعهن للخروج واملشاركة يف الفضاء العام .وهكذا ،عىل الرغم من الرتاجع الذي شهدته البالد يف مجال الحقوق العا ّمة مع انتصار الثورة ،إال أنه يالحظ أن ظهور املرأة يف املجاالت العا ّمة قد تصاعد بصورة دراماتيكية.
وتعتقد الكثري من النساء أن سياسة الفصل الجندري ،مبا فيها تلك التي نُفذت مببادرة من النساء أنفسهن ،قد فتحت املجال واسعاً أمامهن للمشاركة يف املجاالت العا ّمة ،وذلك بعد أن ساعدت يف تنازل األرس عن تعنتها إزاء قبول مثل هذه املشاركة يف السابق .فعىل سبيل املثال، بينام كان الربع فقط من نسبة الواحد يف املائة ( )%1من النساء يف إيران قد انخرط يف التعليم الجامعي قبل ،1979نجد أن تلك النسبة قد ارتفعت خالل عقدين من الزمن إىل ما يقارب نسبة الـ ( ،)%50لتصل إىل أكرث من %60يف الوقت الحارض ،ولعل من أهم العوامل التي ساعدت عىل ذلك سامح األرس لبناتها باالنخراط يف العملية التعليمية يف فرتة ما وت ُعترب الفرتة الزمنية التي تلت الثورة مبارشة فرتة التشدد التي بعد الثورة .وكذلك نسبة لتشجيع الدولة النساء عىل االلتحاق بالتعليم
48
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
بين الخاص و العام
اللوحة من اعمال نياز ازادىخان -ايران
الجامعي انطالقا من املبدأ اإلسالمي الذي تبنته الدولة والذي يشجع عىل التعليم ،تنازلت الكثري من األرس عن فهمها السابق والذي يص ِّور التعليم الجامعي باعتباره "غري إسالمي" ،وتخلّت تلك األرس عن هذا الفهم وسمحت لبناتها باالنخراط فيه .وعىل ذات املنوال فقد اِزدادت نسبة النساء العامالت يف القطاعات العا ّمة بصورة ملحوظة. ولكن مع ذلك نالحظ أن عملية "أسلمة" الفضاء العام ،قد عملت عىل تهميش النساء من مختلف الخلفيات يف مجاالت أخرى .فعىل سبيل املثال ،أدّى إعامل قانون ال ّزي الذي فرض الحجاب وانتشار وحدات الرشطة األخالقية ،إىل التغول عىل حريتي امللبس والحركة؛ وبالتالي ،بتنا نالحظ التناقض الواضح في نتائج "األسلمة" ،فهي من ناحية ساعدت عدداً كبيراً من النساء على االنخراط بأعداد مقد ّرة في النشاط االقتصادي ،ولكن من الناحية األخرى أد ّت إلى هضم الحقوق اإلنسانية واالجتماعية للنساء.
هذا التغيري الذي طرأ عىل الفضاء الحرضي ج ّراء عمليات "األسلمة" والفصل النوعي الذي ابتدر بواسطة الثورة ،استمر خالل فرتة الثامنينيات، ولكنه رسعان ما بدأ يفقد السيطرة تدريجيا بنهاية تلك الحقبة ،وتراجع أكرث مع بداية حقبة التسعينيات .ومن جهة ثانية ،ومنذ اقرتاب انتهاء الحرب ضد العراق يف ،1988برزت الحاجة إىل إعادة إعامر املنشآت واألماكن التي د ّمرتها الحرب ،مام أدّى يف النهاية إىل ظهور رؤية إيرانية جديدة للتعامل مع الفضاء الحرضي .ولعل خري تجسيد لهذه الرؤية السياسات التي تب ّناها عمدة طهران؛ السيد غالم حسني كراباتىش ،والتي اهتمت بالرتكيز عىل تنمية وتوسعة الفضاء العام بطبيعته "املتأسلمة"، وهيأت املجال لظهور املرأة يف الفضاء العام .وبرغم أن إصالحات العمدة مل تكن مو ّجهة بشكل واضح تجاه املرأة ،إال أنها كانت لها نتائج عميقة يف هذا املجال .فكان مشهود للعمدة اهتاممه بـ "تخضري" طهران .هذا االهتامم دفع بالسلطات املحلية لالنقضاض عىل أية مساحة خالية باملدينة بغض النظر عن حجمها ،وتحويلها إىل حديقة عا ّمة .وقد منصات انطلقت منها أشكال عديدة من أصبحت هذه الحدائق مبثابة ّ املرافق العا ّمة ،كاملراكز الثقافية واملكتبات العامة واملؤسسات التعليمية املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
49
األخرى ،والتي بدورها أصبحت مبثابة "مجال ثالث" لخدمة النساء الاليئ وإن ك ّن قد شاركن بفعاليّة يف املجاالت العامة املختلفة إال أنهن ُحرمن من ارتياد املقاهي املخصصة للرجال (مع مالحظة أن هذه املرحلة قد شهدت ظهور أعداد كبرية من املقاهي املختلطة املخصصة للطبقات الوسطى ،ولكن ُحرمت طبقات العامل من مثيالتها).
وكل ذلك تأكيدا ً عىل املحافظة عىل مبادئ األخالق اإلسالمية التي تليق مبواطني الجمهورية اإلسالمية .إذن يبدو أن املغ ّني كان مهموما بفكرة الرقص املختلط وهو يشاهد النشوة التي كانت تعلو وجوه الشباب من املتفرجني .وكان الجمهور عىل علم تام بحدود الخط الرفيع الفاصل بني أداء غايته االحتفاء "بالثقافة القومية" الذي ترعاه السلطات املحلية، فلم يحفل للفوارق النوعية وسط كل هذه الجموع؛ والحضور الحقيقي للرشطة األخالقية التي كان يف إمكانها االنقضاض عىل املشهد يف أي وقت.
لقد حاول منهج كراباتىش التعامل مع مواطني الجمهورية اإلسالمية كخليط مجرد من صفة الجندر وافرتاض أن الدور املنوط به هو تأصيل البي لهذا املنهج املشاركة يف ارتياد األماكن العامة .يتضح إذن االختالف ّ أ ّما جموع البالغني فكانت عىل دراية كاملة بأنها ستكون أول مقارنة بخطة الثامنينيات السائدة آنذاك ،والتي ما فتئت تنظر إىل اإليرانيني من خالل عدسة ثنائية النوع وال تتخيّل الفضاء العام سوى من سيدفع الثمن يف حال انقضاض أي من أفراد الرشطة املتشددين عىل املشهد ،وذلك بحجة مشاركتهم يف االحتفال؛ بينام يأمل موظفو مكان يسمح باالختالط بني الجنسني. السلطات املحلية يف اإلفالت من العقوبة ،عىل أن يتحملها أحد أفراد البريوقراطية من ذوي املراكز الدنيا واملنظمني للفعالية يف هذه الحالة. واليوم يتعايش المنظوران في حالة من التوتر؛ ففي الوقت الذي اخترقت فيه سياسات كراباتشى وأما بالنسبة للرشطة األخالقية فاملشهد كله عرضة ألن تحدث فيه حاالت من االحتكاكات واالختالط ،مبا يف ذلك حوادث املثلية الجنسية. بيروقراطية المدن وأصبحت جزءا منها ،ال تزال الشرطة األخالقية التي ُ املفارقة ،أن أياً من أفراد رشطة األخالق مل يجرؤ يف ذلك اليوم عىل وضعت تحت إمرة وزارة الثقافة والتوجيه اإلسالمي تيمناً بإرث الثمانينيات؛ االقرتاب من مكان الرقص. ال تزال تصول وتجول في األماكن العامّة.
ولكنني شاهدت تدخل الرشطة يف املرة الثانية عندما كنت يف مع ّية ابنة عمى بإحدى الحدائق العامة يف وقت متأخّر من الليل .حرض هذه املرة (أفراد من الرشطة األخالقية) وبدأوا فحص البطاقات الشخصية واالستجوابات ،وطردوا مجموعة من الشباب وبعض العامل األفغان املتواجدين يف أطراف الحديقة حيث تنترش بقايا حقن مبعرثة .يف هذا اليوم مل تشفع يل عالقة القرابة التي تربطني بابنة عمي ،ألن عنرص الرشطة الذي استجوبنا كان ممن يحملون االعتقاد بأن عالقات العمومة أيضا مغرية بتفيش األفعال الجنسية؛ وقد متكنت بصعوبة من اإلفالت من الحبس ،وذلك بعد أن أخربتهم بأن هويتي إيرانية لكنني قدمت لتوي من "لوس انجلوس" ،وإنني لست عىل دراية كافية بالقوانني املنظِّمة للفضاء العام يف إيران.
سوف اختتم هنا بإدراج طرفة قصرية توضّ ح هذا التعايش املتوت ّر بني املنظورين :إذ تعكف السلطات املحلية يف طهران عىل تنظيم حفالت موسيقية (كونسريتات) وغريها خاصة يف فرتات الصيف يف الحدائق قمت يف السنة العا ّمة التي جرى تشيدها عىل أيام كراباتىش ،وقد ُ املاضية بحضور إحدى تلك الحفالت ،ورأيت اثناءها أعدادا كبرية من الناس يبلغ عددهم زهاء 100شخص ،وجلهم من األرس ،يجلسون عىل كرايس بالستيكية ،بينام كان هناك عدد من األطفال يرقصون بالقرب من مرسح أمامهم ،حيث كان هناك مطرب يعزف عىل آلة بيانو كهربائية ويغنى يف نفس الوقت أغاين شعبية متن ّوعة ،متثّل أجزا ًء مختلفة من إيران ،وقد أحاط بالجمع عدد من املتفرجني الذين كانوا يتاميلون مع نغامت املوسيقى ،بينام بدأ حر الصيف يتالىش أمام هبوب نسامت قادمة هذا القلق السيايس املتصاعد بني الرشطة األخالقية والطبقات من أعايل الجبال .وعىل مقربة من هؤالء كان هناك لفيف من البرش يفرتشون الحشائش ومجموعة من كبار السن يجلسون عىل املصاطب الوسطى والنساء من جهة ،والقلق األمني إزاء انتشار العامل األفغان توخيا للراحة ،فيام تجمهر عند الناحية الثانية العامل املوسميون األفغان يف الحدائق بصورة غري مبالية؛ يجعل البالد تشهد يوم ّياً مثل هذا التوتر الذين احتلوا األطراف القصية من الحديقة .كان البعض من الوقوف الناتج عن تباين التصورات املتنافسة عىل كيفية إدارة الفضاء العام. يتاميل من وقت آلخر مع املوسيقى ،بينام كانت بعض األرس تشجع أطفالها عىل املشاركة يف الرقص ،ويف ذات الوقت تحاول تعليمهم تأدية بعض الحركات الراقصة. لكن املضحك أن املغني طيلة هذه املدة ،كان مشغوالً باملحافظة عىل الخط الفاصل بني حامسه الشديد ملشاركة األطفال بالرقص من ناحية؛ واإللحاح عىل البالغني برضورة البقاء يف أماكنهم من الناحية األخرى.
50
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
الكاتب :ألكس شامس
من اإلنجليزية :محمد عثمان الفكي
بين الخاص و العام
علي القبض كاد أن يُلقى ّ بتهمة ارتداء البنطلون! يف الطريق إىل املكتب بعد تناول وجبة غداء أنا وزميلتي يف العمل ،يف حالة من الذهول ،لدرجة أنّني مل أكن قادرة عىل امليش رسيعاً .كنت كُنت ارتدي بنطلوناً من الجينز وقميصا قا َين اللون ،تعلوه ُسرتة بن ّية أفكّرُ ،ر ّبا إذا مشيت ُمرسعة ،لجذب ذلك الكثري من االنتباه نحوي... فاتحة طويلة ،فيام كانت صديقتي ترتدي جِيبَة طويلة تعلوها بلوزة ولكن يا ت ُرى ما هو سبب هذا االنتباه؟ فأنا مل أخطئ يف يشء. بأك َْمم طويلة ،وتضع وشاحا عىل رأسها. وطيلة هذه امل ّدة ،استمر الرجل يف الصياح بِالرشطة ،يطلب منهم رأيت أحد أفراد الرشطة يلتفت باتجاه تتوقف عربة الركشة التي كُ ّنا نستقلها أمام املكتب ،وعىل الناحية اعتقالنا .وبفحص رسيع للشارعُ ، ُرب منها مصدر الصياح ملعرفة السبب ،وعندما نظرتُ حويل ،كان جميع من األُخرى من الطريق كانت تقف شاحنة زرقاء ضخمة ،يقف بالق ْ رجالن من أفراد الرشطة يتح ّدثان إىل فتاة ال يختلف ال ّزي الذي ترتديه بالشارع يبحلِقون نحوي ،عندها ،ق ّررتُ اإلرساع يف الخطى حتى دخلت ع ّني كثريا ً .فهي كانت ترتدي بنطلون جينز مع بلوزة بيضاء ،تنتهي بناية املكتب ،ولك ّني كنت ما أزال أُصغي لصوت الرجل خلفنا ،صائحاً: بفتحة دائرية عند الرقبة ،وتضع فوق البلوزة ُسرتة سوداء .وبينام كان "لقد دخال تلك البناية". أحد أفراد الرشطة ُمنش ِغالً مبحاولة أخذ بائعة الشاي التي ترتدي التوب طلبت م ّني صديقتي الصعود إىل املكتب واالنتظار هناك ،بينام السوداين إىل داخل الشاحنة ،كان الرشطي اآلخر منهمكاً يف نقاش حاد مع الفتاة ،ويُشري نحو بلوزتهاُ ،مل ِّمحاً إىل أ ّن بنطلون الجينز الذي ترتديه وقفت هي تُراقب املوقف من مدخل املبنى ،وملا طلبت منها هي األخرى الدخول ،كان ردُّها" :ليست هناك مشكلة .لن يفعلوا يل شيئا، الفتاة كان ضيّقا. ألن ارتدي الزي املناسب" ،ولك ّني عاجلْتُها قائلة" :هل تعتقدين أنّهم ّ وصدِيقَ تِي ،نُراقب الموقف بدهشة وذهول ،سيهت ّمون بذلك؟ فال يزال ذلك الرجل يصيح بالرشطة ،ويطلب منهم كُنّا ،أنا َ ُ اعتقالنا ،و ُهم بال شك سوف يفعلون ذلك ،ملج ّرد أنّك كُ ْن ِت معي" .مل ونحن نتساءل عن سبب أخذ بائِعة الشاي التي ترتدي "التوب السوداني" إلى الشاحنة ،طالما أ ّ تكرتث صديقتي وواصلت ُمراقبة املشهد ،حيثُ ت ّم أخذ بائعة الشاي ن والفتاة التي ترتدي بنطلون الجينز ،وبدأت الشاحنة يف التح ُّرك .قالت األمر كلّه كان يتعلّق بمسألة البنطلون. صديقتي" :إنّهم يُغادرون ،ولكن الشاحنة تسري ببطء ،وكأنّهم بذلك، ويف هذه األثناء ،التفتت صديقتي نحوي مو ّجهة يل حديثها" :أعتقد يفحصون املنطقة ألخذ املزيد من الضحايا". أنه يجب أن تدخيل املكتب فورا" ،ولك ّني مل أستطيع أن أبرح مكاين! صعدنا إىل املكتب ،وكان قلبي ينبض بش ّدة" .يا إلهي! ما الذي حدث ومن ناحية ا ُخرى ،كان أمامنا رجل يتابع املشهد ويبدو أنّه كان يصغي قبل قليل؟ حقيقة ما الذي حدث؟ يا إلهي ،ما مشكلة ذلك الرجل؟ وما ِ الحظت النظرات الجنونيّة يف التفت هذا الشخص نحونا يف نفس الذي جرى ملقولة "احموا نساءكم"؟ هل إىل الحديث الدائر بيني وصديقتي. َ الوقت الذي كانت تحاول فيه صديقتي خلع وشاحها لتعطيني إياه .عيون ذلك الرجل؟ كأنّه بصدد تلقّي ترقية أو جائزة بسبب اعتقالنا". ولدى مشاهدت ِه املوقف ،ملعت عيْ َنا الرجل فجأةً ،واهتز رأسه ،ث ُ َّم بدأ وبالطبع ،لقد انقَىض وقت طويل عىل الفرتة التي كانت فيها الرشطة يف الصياح برجال الرشطة" :تعالوا و ُخذْوا هاتني الفتاتني من هنا ،هنا، هنا!" .كان الرجل يتو ّجه برصاخه نحو أفراد الرشطة ...وبرسعة قمت تضايق النساء بسبب ارتداء البنطلون ،ويبدو أ ّن الحكومة اآلن أصبحت بإرجاع الوشاح إىل صديقتي ،بينام كانت هي تصيح " اذهبي اآلن" .مشغولة بقضايا أخرى ،وبالتّايل أصبح يف مقدور النساء االستمتاع ببعض بدأتُ بالتح ّرك نحو مبنى املكتب ،وأنا أضحك عىل ال ُرغم من أنّه ال يوجد صيحات املوضة .لكن ّني لست ِم ّمن يثقن يف هذا املنحى! فقبل أيام قليلة كنت أضحك ألنني كنت قامت الرشطة بإلقاء القبض عشوائيا ،عىل الشباب يف شوارع الخرطوم، يف هذا املوقف ما يبعث عىل الضحك .وللحقُ ، املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
51
وقامت بحالقة شعورهم ألسباب غري مفهومة .كام يقوم أفراد من الرشطة بشكل عادي ،بإيقاف الشباب ليالً واستجوابهم بلهجة ُمست ِف ّزة عن سبب بقائهم خارج منازلهم يف هذا الوقت املتأخر من الليل ،حتّى إذا ما تج ّرأ الشباب وتعاملوا بِر ّد فعل عىل االستفزاز ،قامت الرشطة باحتجازهم حتّى صباح اليوم التايل .وهو أيضا ٌ عم سلوك ال يختلف ّ يقوم به بعض أفراد رشطة املرور ،إذا كانت الضح ّية فتاة جميلة املالمح، (أو أي امرأه باإلطالق) حينها ميضون وقتاً بالتغ ُّزل فيها ،ولكن إذا تج ّرأت تتغي مالمح الضحية وأبدت عدم االستجابة ملغازلتهم لهاُ ،سعان ما ّ وجوههم ،وتتح ّول نربات أصواتهم إىل نباح ،وينتهي األمر بفرض غرامة ماليّة عليها. نصيحتي للنساء :قليل من النداوة عىل الشفاه ،ت ُس ّهل اإلجراءات يف حال جرى إيقَاف ُك ّن بواسطة رشطة امل ُرور! لكن يف الحقيقة ك ُّل ذلك بات ال يعنيني يف يشء ،ألن ّني أصبحت أتوقع السودان ،أن حدوثه .فقد علّمتني سنوايت الخمس التي قضّ يتُها يف ُ وأل أتعامل مع حللتّ ، أحتفظ بـ "وشاح للطوارئ" ،أحمله معي أينام ُ الرشطة بردود األفعال ،وأن افتح نافذة س ّياريت وأتحدث مع كل أنواع الرشطة ،أو أن ألّ أتوقف للرشطة باملرة ،متى ما كان يف مقدوري ذلك. لذا لن أهت ُم هنا مرة أخرى ،بالغوص يف األسباب التي تدفع الرشطة للقيام باعتقال النساء ،الاليئ يرت ّدي َن البناطلني والنساء الاليئ ال يرتدينه مثل بائعات الشاي، ُ ولكنى هنا أود ُّ أن أشجب وأدين حقيقة المجتمع َّ يتخل عنّا نحن البسات البناطلين والنساء الذي لم بشكل عام فحسب ،ولكنّه ضحّى بنا على أطباق من فضة.
ويبقى السؤال: ما هي األسباب وراء هذا التآمر ضد النساء؟ هل ك ُ ّل ذلك من أجل أن َي ُ م الخير العالم؟ أم أنّه من ع ّ ّ أجل مجتمع "نظيف" و"خالص"؟ أم أ ّ ن األمر كله ال يتعدى المتعة الشخصي ّة وحسب؟
سارة الحسن
بثّ أشعة عهر وزندقة تصيب كل من هم حويل .أو كأن ّنا بصدد ولوج حلبة عربدة "بنطلونيه" وت َع ٍّر عام ودعارة. إذا كان البنطلون هو السبب الرئييس يف كل ما يحدث ،فذلك مل مينع وى ه ّن يف الحقيقة املقموعني من إيجاد وسائل أُخرى :أليست بائعات ال َه َ والبقُع وكل املالبس "املحتشمة"؟ وماذا عن من تلبس َن حالياً ،النقاب ُ عمالئه ّن من الرجال مرتادي الغرف املغلقة والشقق املفروشة؟ أليست تلك هي الحقيقة؟ ولكن يبدو أن القضية األساسيّة يف السودان هي بنطلون الجينز الذي أرتديه ،والذي ال يتعدى سعره 9دوالرات!
فَمن َحى ذلك الرجل الذّي كان تواجده مجرد ُمصادفة ،والذّي كان يرصخ يف الرشطة طالباً منها أن تعتقلنا بسبب أزيائناَ ،حطّم كل اعتقاد طيب كُنت احمله عن الرجل السوداين .إذ كنت ولسنوات طويلة، استمع إىل القول بأنه ال يوجد رجل يف العامل ،أكرث احرتاماً وشجاع ًة وإخالصاً ونخو ًة من الرجل السوداين .وأ ّن الرجل السوداين مقدا ٌم يف الزود عن املرأة وحاميتها ،حتى وإن مل تكن عىل حق! ولكن ها أنا ذا عىل األرض السودانية ،أتعايش وجها لوجه ،مع نقيض ك ُّل ما تعلّمته عن الرجل السوداين. ُفس سلوك شخص من عا ّمة الناس ،تواجد ُهناك مبحض كيف ن ّ الصدفة ،يرصخ يف الرشطة محرضاً عىل اعتقالنا ،ملج ّرد ارتدائنا بنطلونات؟ سارة الحسن سودانية/أمريكية كاتبة ومحررة مستقلة تقيم بالخرطوم؛ السودان جسد كل رشور و ُموبقات العامل؟ أو ميكن الوصول إليها عرب مدونتها؛ املدونة 45ب.alucan.wordpress.com : وكأمنا البنطلون الذي أرتديه قد ّ كأن ّني بارتدايئ له ،قد حملت شارة َّ تدل عىل عدم الحياء ،أو عىل أفعال خسيسة مل أرتكبها طيلة حيايت .أو كأمنا للبنطلون الذي ارتديه ،خاصيّة من اإلنجليزية :محمد عثمان الفكي
52
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
بين الخاص و العام
الع ْذريّة في َ "الع َدل" وهوس ُ مجتمعات السودان صفية الصديق، صحفية سودانية تخرجت من جامعة الخرطوم ،كلية اآلداب قسم اإلعالم واللغة الفرنسية .2008حصلت عىل الدبلوم العايل من نفس الجامعة يف عام 2015وحاليا تدرس لنيل درجة املاجستري. عملت بالعديد من الصحف ومنظامت املجتمع املدين السودانية.
تفاقم الهوس بال ُ عذْري ّة واألوهام حولها في العقود األخيرة في السودان ،وصارت النساء ،استِجابة لضغوط الواقع االجتماعي والسياسي بشروطه المجحفة ،يسلكن كل ُ الطرق الممكنة من أجل تثبيت أوهام ال ُ ّ عذْري ّة في عالقته ّ الخاصة مع الرجال. ن تستمر معاناة النساء منذ الطفولة وحتى بعد أن يصرن أمّهات ،نتاج هيمنة تصوّرات المجتمع األبوي َ المختلّة ،والتي تدفعه ّ ن لقبول ُممارسات ضارة وخطرة ،مثل عملية إعادة الختان ،والتي تؤثر بدورها في صحتهن الجسدية والنفسية .حول هذا الموضوع، تحدثت الصحفي ّة السودانية (صفية الصديق) إلى عدد دل"، من النساء ممن "الع َ خضن تجربة إعادة الختان َ َ كما أجرت العديد من المقابالت مع األَخصائيين االجتماعيين ،واألطباء ورجال الدين ،حول مشروعي ّة وجدوى وتبعات هذه الظاهرة. َ
تتعرض أكرث من 15فتاة كل ثانية يف مناطق مختلفة من العامل لعملية الختان ،وذلك بحسب تقارير األمم املتحدة .يف السودان ،وبحسب تقارير صندوق األمم املتحدة للطفولة "يونيسف" ،تصل نسبة الفتيات املختونات ،ما بني عمر الوالدة وحتى عمر الرابعة عرش ،إىل ما يقارب الـ %40من نسبة الفتيات يف السودان ،وذلك وفقا لشهادات األ ّمهات. وتتعرض نسب عالية من النساء ،غري مرصودة ،إىل ما يُس ّمى يف اللغة العاميّة بـ "ال َع َدل" ،أو إعادة ِ الختان ،خاص ًة بعد والدة املرأة للطفل األول .وقد ذكرت بعض السيدات ،أنّ ُه ّن قُ ْم َن بإجراء "العدل" ،ألكرث من مثاين مرات .كذلك ،تقوم العديد من النساء بإجراء عملية ال َع َدل قبل الزواج بدافع الخوف من تهمة فقدان العذريّة!
نادى عىل والدة زوجته ،وأعطاها أن يتلقى التهاين بقدوم مولودتهَ ، هديّة ت ُق ّدم يف ِم ُثل هذه املناسبات ،وظل يتحدث معها طويالً ،بينام بدت عليها عالمة االنفعال الشديد .بعد ذهابه ،سألها الجميع عن رس انفعالها ،ليتضح أن زوج ابنتها طلب منها أن تخطر القابالت بأنه يرغب يف إعادة ختان زوجته بعد الوالدة (أي أن ترجع كام كانت قبل الوالدة)، وأ ّن ما كان يحمله يف يده ،كان عبارة عن طقم ذهب يقدم للزوجة كهديّة ُمقابل قيامها بعملية ال َع َدل .قالت يل األم" :والله يا بتي اداين 1000جنيه بُشارة ال َع َدل ـ وال ُبشارة هي مال يُعطى لعمل يشء ُمفرح ـ وقال يل" :إنت مش دايرة بتك تعيش سعيدة"؟ وهي " ِبكْريّة" (التي تنجب ألول مرة) ،وعندها نزيف خايفاها متوت" .مل يستمر "خوف" األم طويالً ،ألنه بعد فرتة قصرية ،انطلقت الزغاريد مرة أخرى ،وهذه املرة ليس ملولود قادم ،وإمنا ألمٍ وافقت أن تُخ َْت ابنتها للمر ٍة الثانية ،بعد أن أغ َد َق عليها الزوج ،املال والهدايا. ُشكل الهوس ِبمسألة ال ُ ي ِّ عذْرِي ّة في السودان ،أحد العوامل األساسي ّة في رواج ظاهرة العدل ،حيثُ أن قيمة النساء اإلنسانية قبل الزواج تتمحوّر حول ُعذْرِي َت ُهنّ.
هناك ،أيضا ،تبعات اجتامعية وثقافية لعدم ال ُع ْذ ِريّة ،ت ُل ِقي بعب ِئها عىل النسا َء ممن مل يتزوج ّن ،مثل وصمة العار التي عادة ما تالزم املرأة وذويها طيلة حياتهم ،وكذلك انهيار أي زواج تحوم فيه الشكوك حول ُع ْذ ِريّة الزوجة ،وغريها من األحكام االجتامعية الجائرة .إضافة إىل ذلك ،فإن القانون السوداين ،يُ َج ِّرم باملطلق النساء والرجال ،ممن يثبت أي نشاط جنيس(زنا) ،خارج سياق الزواج .ووفق القانون عليهم ُمامرسة ّ الجنايئ ،يُعاقب ال ُجناة بعقوبات ترتاوح ،ما بني الجلد لغري املحصنني "املتزوجني" ،والرجم حتى املوت للمتزوجني .تعترب النساء أكرث عرض ًة لهذه العقوبات ،وذلك الستخدام الحمل كقرينة إدانة يف إثبات جرمية الزنا .كام أ ّن مسألة الكشف عن ال ُع ْذ ِريّة ،تعترب من املامرسات التي تطال الفتيات بشكل منتظم من قبل أجهزة البوليس يف حالة ا ْع ِتقالِه ّن ،بغض النظر عن ظروف ومالبسات االعتقال.
أتت إحدى النساء ،وكانت يف حالة مخاض ونزيف حاد ،إلحدى مستشفيات الوالدة الخاصة مبدينة الحصاحيصا يف إقليم الجزيرة جنويب الخرطوم ،وعىل الفور أدخلوها غرفة الوالدة لخطورة حالتها ،وبعد أكرث لتبش ذويها بأن ابنتهم ومولودها من ست ساعات ،خرجت الطبيبة ِّ بخري ،إالّ إ ّن األُم يف حاجة ماسة لنقل دم .فرح الجميع وانطلقت فقد ذكرت العديد من النساء الشابّات ،من غري املتز ِّوجات ممن الزغاريد ،وانشغل إخوتها يف تجهيز الدم إلنقاذ حياة أختهم ،وبعد فرتة قليلة ،أىت زوجها بكامل ِهندامه ،يح ِمل شيئاً ُمغلّفاً بورق هدايا ،وقبل ت َع ّرض ّن لالعتقال ،أن ُه ّن يف أوقات كثرية تع ّرضن ملا يس ّمى بكشف املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
53
الرسم :حنا باراكزيك
ال ُع ْذ ِّرية .هذا التوضيح شديد األهم ّية ،ألنّه يوضّ ح مقدار الهوس االجتامعي والسيايس ،فيام يخص موضوع ،عذرية وجنسانية النساء يف سودان اليوم ،ومن ثم ،تجرميه ّن وفقا لفرض ّيات وتصورات العذريّة املتداولة ،باعتبارها قيمة ت ُح ّدد وضعيّة املرأة االجتامعيّة. تقوم العديد من الفتيات بإجراء عملي ّات التضييق أو إعادة الخِتان قبل الزواج ،وذلك في المقام األول، بسب الخوف من التجريم االجتماعي والجنائي، ّ ن بشكل آمِ ٌ ن مِ ن ُممارسة حياته ّ يتمك ّ ن. وحتى
وقد تصل تكلفة تلك العمليات يف بعض األحيان ،إىل ما يزيد عن الثامنية إىل العرشة االف جنية سوداين ،أو حوايل (.)$800-1000 وقد تحدثت معي (ز) وقالت إنها أ ّجلت زواجها لع ّدة سنوات إىل أن ت َجد مكاناً آمناً وطبيباً يوافق عىل إجراء هذه العملية .أ ّما (د) فلها رأي ناقد ملثل هذه العمليات ،حيث قالت" :إ ّن عمل ّيات إعادة ِ الختان مل تع ّد مأمونة ،وغالباً ما تكون يف أماكن غري مه ّيأة مبا يكفي .وتضيف" :قبل زواجي بفرتة قليلة ،وجدت مكاناً يقوم ببيع غشاء بكّارة بالس ِتييك ،صيني الصنع ،يتم تركيبه يف املهبل ،ويظهر كأنه غشاء طبيعي!". دكتور عبد الهادي إبراهيم ،أخصايئ أمراض النساء ،تحدث حول هذه اإلشكاليّة وقال" :عاد ًة ما تقوم الفتيات الاليت ينخرطن يف عالقات جنسية قبل الزواج أو املنفصالت ،بعمليات رتق أو إعادة الختان ،حتى يتمكّن من ُمامرسة حياته ّن بشكل طبيعي .لذلك يذهنب للقابالت أو األطباء لتضييق فتحة املهبل ،ولكن كثريا ً ما تتعرث إقامة العالقة الجنسية بعد تلك العملية ،لذا تذهب املرأة إىل القابلة أو الطبيب ،إلجراء عمليّة أُخرى تس ّمى "تسهيم" ،أي (توسيع فتحة املهبل مر ًة أخرى) ،وذلك، رسخ هذا اإلجراء حتى يتمكّن الزوج من املعارشة الجنس ّية .ويف النهاية ،يُ ِّ تص ّورات وأوهام ال ُعذْريّة لدى الزوج".
54
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
ويرى دكتور عبد الهادي ،أ ّ ن عملي ّات إعادة الخِتان في مجتمع شديد التعقيد مثل المجتمع السوداني، ضرورية وت ُ ِّ مكن الفتيات من الزواج والحياة بسالم
وإنجاب األطفال ،وإالّ سوف لن يتزوجن .ويضيف بالقول" :إ ّن عملية إعادة ِ الختان ،ال عالقة لها باملتعة الجنسيّة ،وإن هوس العذرية موجود فقط يف رأس الرجل ويف تص ّورات املجتمع ،ومن ث ّم ،أصبحت متارس ضغوطاً مهولة عىل الفتيات ،ل ُيحافظ َن عىل عذريّته َن ،واألدهى ،أ ّن عليه ّن إرجاعها يف حالة فُقدانها". تقول (س)" :تعودتُ عىل عملية إعادة ِ ولدي الختان .فزوجي ُمغرتبّ ، ستة أبناء ،وبعد كل والدة أقوم بعملية ِ الختان .أيضاً ،يف إجازات زوجي أقوم بإجراء هذه العمليّة ،حتّى وإن مل أكن يف حالة وضوع ،ألنه يحب ذلك" ...وبرصاحة ما دايراهو يع ّرس ِفيني" .أ ّما (ف) ،فهي شابة مل تكمل ِيت يل هذه العمليّة بعد الثالثني من عمرها ،وأم لطفلتني ،تقول" :أُجر ْ الوالدة األوىل ،وكانت بدون علمي .بعد أسبوع من الوالدة ،بَدأتُ أتأمل ذهبت للمستشفى ،اتضح أ ّن (القابلة) قامت بتعديل كثريا ً ،وعندما ُ ِ الختان دون استئذاين ،ولألسف ،مل أكن واعية مبا يكفي ألتجادل معها، وظننت أ ّن هذا يشء طبيعي ،رغم أنه كان ُمؤملا جدا ً ،وتسبب يل يف مشاكل طبيّة وصحيّة كثرية". الص ّحية وتبعات عملية إعادة ِ حول اإلشكاالت ِ الختان ،تح ّدث ُْت مع اختصايص النساء والتوليد ،بروفسري/الحسن محمد الحسن ،حيثُ قال: "إ ّن ال َع َدل أو إعادة الختان ،عاد ًة ما يتم للمرأة املختونة يف األساس، أل ّن املهبل يتمدد بعد الوالدة ،حتى يخرج رأس الجنني .والطبيعي أ ّن فتحة الفرج تكون ضيّقة ،وليك يتمكن الطبيب أو القابلة من إخراج التناسيل، الجنني ،البُ ّد من فض الختان الذي هو باألساس تشويه للعضو ُ وال يوجد به أي يشء جاميل .بعد فض ِ الختان ،ال يجوز قانونياً ومبوجب قانون املهن الصحية ،إعادة إرجاعه من قبل الطبيب أو القابلة ،وإذا
بين الخاص و العام
حدث ذلك من قبلهم ،فإنهم بهذا يُع ِّرضو َن أنفسهم للمساءلة القانون ّية شئ .املؤسف يف األمر ،أ ّن قانون املهن الطبية غري ُمف ّعل ،مع أنّه ينص وهي عىل تجريم رت ْق ِ الختان ،وبال شك ،إن متّت محاكمة أي قابلة أو طبيب والعقوبة الجنائيّة .عىل صعيد آخر ،هنالك ما يُسمى بـ " الوربة"ّ ، عمل ّية رتق علمية ،ومتعارف عليها ،لتسهيل الوالدة .أ ّما ال َع َدل أو إعادة ممن ميارسون هذه العملية ،لعمل ذلك عىل زوالها". الختان ،فهو مامرسة يف الغالب ،تطالب بها الزوجة أو الزوج أو والدة وقد تحدثت حول ذات املوضوع مع الشيخ/محمد هاشم الحكيم، الزوج ،وأحياناً تكون بعد الوالدة مبارشةً .عىل الرغُم من أنها ُمامرسة بها تحقري للمرأة وتشويه وأمل قاتل لحظة املعارشة ،إالّ أنّها مع ذلك ويف كثري ُعضو املجلس األعىل لعلامء اإلسالم األفارقة ،حيث قال: من األحيان ،تتم برغبة من املرأة إلرضاء الرجل". ومييض الدكتور الحسن ويقول" :إ ّن األخطر من ذلك ،هو أ ّن النساء يف بعض األحيان ،يلجأ ّن لألعشاب والرتكيبات البلديّة لتضييق فتحة املهبل ،وهي إجراءات قد توازي خُطورة (ال َع َدل) ،ملا تسبّبه من التهابات وتق ُّر َحات وجروح قبيحة ُمن ّف َرة". يواصل بروفسري الحسن: دل) هو تضييق المهبل، "وإذا كان الغرض من (الع َ َ فهذا مفهوم خاطئ .فهو في الواقع يضي ّق فتحة المهبل الخارجية فقط ،ألن المهبل ال يرجع للوضع الطبيعي أبداً.
"إ ّ ن موضوع رتق الختان ،ينبع مِ ن الحُكم الشرعي لختان اإلناث .فنحن نؤمن ،بأن الله عز وجل ،خلق المرأة في أحسن تقويم ،وليس من حق أي إنسان أن يتدخل في جسدها ،وال ي ُوجد أي ُمسْ تَند شرعي يد ُّل على ذلك،
بالتخل عن ُمامرسة هذه العادة ،ملا فيها من أرضار للمرأة، ّ لذا نادينا الطفلة ،املراهقة والزوجة ،قبل وأثناء وبعد الوالدة .فإ ّن الرسول صيل ضر وال ِضار" ،فبالتايل ،ما تقوم به الزوجات الله عليه وسلّم ،قال" :ال َ َ من إعادة الختان بعد الوالدة ،هو بِ ثابة إعادة الرضر .فام دامت العادة ُمح ّرمة وممنوعة ،فإن إعادتها ُم َح ّرمة وممنوعة ،وما دامت أن املنطلقات فدعوى أنها ُم ِ رض ّية لِلرجل ليس لها دليل علمي، التي تنطلق منها فارغة، َ لذا ،ال ميكن لزوج أن يستمتع بإرضار زوجته نفسيا وجسديا .فهذه ِ "الحياكة" غري املرشوعة حكامً ،ال تجعل املرأة طاهرة ألداء الفرائض. ميارس َن ال َع َدل قبل الزواج لتغطية الفضيِحة ،فإنّهن يف أ ّما البنات الاليت ْ الحقيقة ُيارس َن ِغشّ اً وت ْدلِيساً ،لكن املسألة تحتاج لحسابات ،وقد ت ُ ْف َعل املَف َْسدة ،لِدرء مفسدة أكرب منها".
وال يشكّل هذا الضيق أي ُمتعة لرجل واعٍ ،ألنّه ضيق يف املدخل فقط. واألسوأ من ذلك ،هو أ ّن املرأة عندما ت ُخنت للمرة الثانية ،تعود أضيق من األول ،مام يتسبب يف حصول تهتكات ويف الغالب نزيف حاد عند أول معارشة زوجيّة لها بعد الوالدة .ولو كان الرجال قبل النساء ،يعون مثل هذه املخاطر التي تتعرض لها املرأة "املع ّدلة" ،فمن املؤكّد أنهم لن نتعب كثريا ً يف عملية وألن املوضوع ذُو بعد اجتامعي عميق ،كانت لنا وقفة قصرية مع يُطالبوا أو يسمحوا لنسائهم بذلك ،ألننا كأطباءُ ، فض الختان الذي يتسبب يف مشاكل كثرية عند الوالدة ،هذا غري احتباس املحلل االجتامعي ،دكتور عبد الرحيم بالل ،والذي ابتدر إفادته قائالً: البول وفقدان اإلحساس يف النهايات العصبية ،التي تعطي اإلحساس "ال َع َدل هو استمرار لظاهرة الختان الرديئة ،والنظرة ال ُدون ّية للمرأة بالرغبة الجنسية ،وبدونها ،تصبح املرأة باردة( ،كام اللوح) ،ال تشعر بأي والتي تختزلها يف قدرتها الجنسيّة ملنفعة الرجل ،والسعي إىل محاولة
املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
55
إغراء الرجال جنسياً وجذبهم ،وكأمنا العالقة بني املرأة والرجل هي عالقة جنسية فقط ُمجردة من أي عواطف ،ناهيك عن أي فكرة أو مضمون ،وكأمنا املرأة تستمد قيمتها من أعضائها التناسلية ،والتي تعمل يف خدمة الرجل ،وبالتايل ،حينام يزول ألق املرأة وجاذبيتها الجنسية، تزول وتذهب هي أيضا ،من غري التفكري يف قيمتها كإنسان .ويضيف عبد الرحيم" :هذه املامرسة تعترب إعادة ِصياغة للمرأة جسديّاً ،من أجل الرجل التقليدي األناين .فمثالً، إذا طبقنا بالمقابل ،مثل هذا السلوك على الرجال عندما تكبر كروشهم وتترهل أجسادهم وتكسو وجوههم التجاعيد وتقل قدرتهم الجنسي ّة ،نجد النساء يتعايشن مع هذا الوضع ،دون ُمطالبة الرجال بإجراء عمليات تجميل،
تتغي العالقة بني وهذا خضوع .ميكن لهذه العادة أن تزول ،عندما ّ املرأة والرجل ،وتصري عالقة تشارك ّية ذات مضامني فكرية .ولطاملا ،أ ّن املرأة تاريخياً يف حالة خوف دائم من أن يرتكها الرجل ،فهي ستحاول دوماً إرضاءه .فمتى ما تح ّولت هذه العالقة من الخوف إىل التفاهم، ستنتهي هذه امل ُامرسة .ومن املؤسف أن نرى هذه العملية تُ ارس حتى من قبل النساء املتعلّامت واملثقفات ،وهذا يُبيِّ أن ُه ّن ت َربني عىل قيم قدمية وبالية ،مام ييشء بأ ّن املجتمع بأكمله مل يتحرك يف اتجاه الحداثة والتغيري ،وما زالت تُسيطر عليه التقاليد البائسة .فحتى شباب اليوم ،ما زالوا يبحثون عن املرأة "املَقَفلة" ،عقلياً وجسدياً". الناشطة يف حقوق النساء ،منال عبد الحليم ،مل تختلف كثريا ً مع دكتور بالل ،إذ ترى ،أ ّن ُمامرسة (ال َع َدل) مل تخرج من اإلطار الثقايف االجتامعي الذي ترىب فيه الرجال والنساء سوياً ،والذي عليه تشكّلت مفاهيمهم .فاملرأة تعتقد أنه ال بُ ّد من إرضاء زوجها ،وكذلك ،يعتقد الرجل يف أن تعود له زوجته بعد الوالدة كام تزوجها أول مرة" ...ترجع ليهو عروس بعد كل والدة" .فإذا مل تكن م ْختُونة من قبل ،فل ْن يتم ختانها بعد الوالدةِ ،م ّم يعني أنها عادة ُمرتبطة بِاملامرسة األصليّة ،أي ِ الختان .وفكرة الختان يف األساس ،جاءت إلرضاء الرجل تحت ستار ال ِعفّة والطهارة ،إالّ أ ّن الدافع األسايس من ورائها ،هو خفض الرغبة الجِنسيّة للمرأة ،حتى ال تكون منافسة ومشاركة للرجل خالل العملية الجنس ّية، ِم ّم يصح معه القول ،إ ّن الختان وتوابعه من َع َدل وغريهُ ،يثّل أسوأ أشكال ال ُعنف ِضد النساء ،ألنه ال يتوقف عند العنف الجسدي فقط ،بل ميتد ألن يكون عنفاً ثقافياً ،اجتامعياً ،قانونياً ونفسياً ،كام أ ّن ربط ِعفّة وطهارة املرأة بجزء من جسدها ،هو يف حد ذاته عمليّة ُمهينة لكرامتها.
56
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
وملا كانت عادة "الشلوخ" تُ ثّل معيارا ً للجامل يف املايض ،رغم األذى الجسيم الذي كانت تسببه ،إالّ أنّه مع ذلك سهلت ُمحاربتها عندما اختلفت معايري الجامل .ولكن الحال ليس كذلك مع ِ الختان ،ألنّه قض ّية اجتامعيّة ذات أبعاد سياسيّة ُمرتبطة بِرغبة الطرف األق ّوى يف امل ُجتمع، وتصوراته حول املرأة ومتطلبات ُع ْذ ِريّتها ونقائِها .فالقضاء عىل ِ الختان، يتطلب تغيريا ً اجتامعياً وثقافياً ،يعمل عىل االرتقاء بأوضاع النساء حتى يتمكّن من القضاء عىل هذه الدوائر ،التي تستهلك إنسانيّتَ ُه ّن وجدوى وجود ُه ّن يف الحياة.
كتبت صفية الصديق
بين الخاص و العام
الحرب وانهيار الدولة فى الصومال اآلثار المترتبة على الرجال وعلى ذكورتهم من ديمومة الصراع جوديث قاردنر، مستشارة مستقلة، عملت عىل القضايا الصومالية ،منذ نهاية الثامنينيات (1980 ) .و جودى البرشى، باحثة مستقلة ،يف قضايا الجندر و النزاعات يف منطقة القرن األفريقى، ومنطقة البحريات العظمى و نيجرييا. أنجزت جوديث وجودى مشرتكتني ىف عام 2004دراسة بعنوان " :الصومال :القصة غري املروية :الحرب من خالل عيون النساء " و التى تلتها ىف العام 2016 دراسة لصالح ((معهد األخدود األفريقى العظيم)) ،بعنوان " تأثري الحرب عىل الرجال الصوماليني " .
" الرجولة مثل أثار القدمين علي الرمال ...تتالشى إذا ما هطلت اإلمطار"
جوديث قاردنر و جودى البرشى
مثل صومالي
يحقّق معهد األخدود العظيم ىف اآلثار الدامئة املرتتبة عىل الرجال وعىل " ذكورتهم" من الرصاع وانهيار الدولة يف الصومال .1بدأت الدراسة التأسيسية التي بني عليها هذا املقال يف عام ،2014وجاءت تحت العنوان الرئيىس (( :أثر الحرب عىل الرجال الصوماليني )) وقد وفّرت الدراسة ،منرباً و آفاقاً جديدة للرجال لتبادل الخربات .٢تناقش الباحثتان جوديث قاردنر و جودى البرشى يف هذا املقال ،النتائج الرئيسة للدراسة ،وإشكاالت الذكورة يف ظل النزعات املسلحة بصدد دعم التنمية واالستقرار يف الدول التي تعاين من النزاعات بشكل عام والصومال تحديدا.
ما هو املتوقع من الرجال الصوماليني ؟ الصومال مجتمع ذكورى ،لذلك ،فهو واقع ،تحت السيطرة الذكورية، ولكن ،خالفاً للرأى السائد ،فإ ّن " الرجولة الصومالية ،ال تستند ،وال تنبنى ،عىل العنف أو القمع العنيف ضد النساء .الرجال والنساء م ّمن أجرت معهم الكاتبتان مقابالت ،وصفوا مجموعة من األفكار اإليجابية، تعلّق عىل أدوار الذكور والذكورية األساسية ،والتي تتضمن مسئوليات األرسة والعشرية .وقد سمعت الكاتبتان مرارا ً وتكرارا ً أثناء إجراء البحث كيف تقع عىل الرجال " مسئوليات جسام " إضافة إيل التوقع باكتساب خصائص وصفات عديدة مثل ،ضبط النفس كأحد صفات الذكورة املركزية ،ثم تأيت صفات الشجاعة واإلنسانية والكرم و التي هي من جملة التوقعات املجتمعية من الرجال .هذه القيم متجذرة يف مجتمعات الصومال الرعوية ،رغم ان تلك املجتمعات مل تعد موجودة بالنسبة لغالبية السكان .ولكن بالرغم من تالىش بنية املجتمع الرعوي ال تزال هذه امل ُثل الذكورية ،تعترب املعايري األساسية ،للذكورة يف جميع أنحاء البالد ،وهى التى يقيس بها الرجال أنفسهم ،ويتم تقيمهم عيل ضوئها من ِقبل اآلخرين.
بُنيت ورقة " أثر الحرب عىل الرجال " عىل دراسة سابقة عن تجارب النساء الصوماليات مع الحرب ٣و وفقاً للنساء اللواىت متّت مقابلتهن، فإ ّن التعاىف الحقيقى للنساء والفتيات من آثار الحرب ،يتم ،بالتوازي مع وال ميكن للرجال أن يصلوا إىل مرحلة " الرجولة " ،والتى تعنى " الذكر تناول مسألة تأثري الحرب عىل حياة الرجال .جاءت النتائج املستخلصة من آثار الحرب عىل الرجال مثرية لالهتامم ،وبخاص ًة أنّها دراسة غري املثاىل" ّ ،إل من خالل تلبية أعىل معايري السلوك املطلوبة من الرجال ىف مسبوقة ،حول هذا املوضوع. حاولت الدراسة أن تسد الفجوة وتقوم بتسليط الضوء عىل املعضالت والتحديات التى تواجه الرجال الصوماليني ،كنتيجة للواقع الذى أفرزته الحرب ،وعودة ظهور السياسة العشائرية الذي نتج عن انهيار الدولة الصومالية ىف العام .1991وبصورة خاصة ،فإ ّن هذه الدراسة تخترب وتفحص تحديات اإلرتقاء إىل مستوى تلك القيم التقليدية الدامئة ،املرتبطة بالذكورة ،ومرحلة الرجولة ،ىف املجتمع الصوماىل ،وكيف ميكن لهذه التحديات ،الواقعة عىل الرجال ،أن تؤثر عىل النساء .نتائج الدراسة أيضاً تجادل الصور النمطية الشائعة لدى املجتمع الدوىل ،والتي تروج لفكرة أ ّن العنف من سامت الرجال الصوماليني وأنهم ُعرضة للتطرف ،ومن املحتمل أن يكونوا خطرا ً عىل مجتمعهم ،وأمن ٤ الدول الغربية
الرسم :خالد حامد -السودان املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
57
دورة حياتهم .ومن خالل اإللتزام بأعىل معايري السلوك والتى يتطلب بلوغها والحفاظ عليها ،ويتوقع من الرجل إتقان مهارات عديدة ،منها عىل سبيل املثال ال الحرص ،مهارات حل املشاكل والوساطة .وصفات مثل الكرم والشجاعة واالنضباط الذايت .حيث أن الرجل يناضل طوال حياته ليثبت أنّه ذو قيمة ملجتمعه ،إذ سيتم تقييمه من قبل عائلته وعشريته ،وىف مختلف السياقات االجتامعية واالقتصادية والسياسية وفقا إلتقانه لتلك املنظومة القيمية مبا يف ذلك خالل أزمنة الشدة ،وأوقات وصنع السالم . الحروب واألزماتُ ، الرجولة الصومالية ،إذا ما تح ّ ققت ،هى عالمة فارقة ،ال يصل المرء إليها بمجرد الزواج أو األبوة أو الوصول إلي مرحلة البلوغ.
إذ يبقى الرجل و تبقى رجولته مهددة طوال الوقت ،إذا ما فُقدت تلك القيم التي وردت سابقاً .لذا يتطلب الحفاظ عليها ،مجهودا ً كبريا ً. ومن املمكن أيضاً أن تظل بعيدة املنال .وىف هذا يقول املثل الصومايل: " الرجولة مثل أثار القدمني عيل الرمال تتالىش إذا ما هطلت اإلمطار “ .الرسالة هنا واضحة ،وهى ،أنّه ينبغي عىل الرجال الصوماليني ،أن اليفرتضوا أ ّن ما يُثبت رجولتهم اليوم ،سيبقى حقيقة ىف الغد. الطبيعة املتغرية للدولة وآثارها عىل الرجل و الذكورة يف الصومال
امل ُخ ّدم الرئييس ،وكان الرجال ىف الوظائف العامة أكرث من النساء .وقتها، مل يكتف موظفوا الخدمة املدنية بإكتساب الدخل املحرتم ،فحسب ،بل نالوا االحرتام من كافة أفراد املجتمع ،وبخاصة العاملني يف الوظائف العليا .وذلك لكونهم يحتلون مراتب عليا يف السلك الوظيفي ومواقع النفوذ .إال انه وبحلول نهاية عهد نظام سياد ب ّرى ،تدنّت األجور والرواتب ،ووصلت إىل أدىن مستوياتها .ث ّم تواصل التدهور ،بعد الحرب يف عام .1991فقد أحدثت الخسائر يف الوظائف واملناصب الحكومية، كوارث شخصية عىل الكثري من الرجال ،الذين مل يسرتدوا بعد عافيتهم من آثار تلك الصدمة التى أحدثتها عليهم أوضاع ما بعد اندالع الحرب. وقد كان االستثامر يف األمن والبوليس مرتفعا نسبياً ,عىل األقل يف السنوات األوىل من حكم سياد ب ّرى .حيث كان التعامل األمنى مع " املعتدين " عىل أمن الناس ،يتم برسعة وحزم ،وكان املواطنون ىف تلك الفرتة ،يعيشون تحت ظل حكومة ،تردع سوء الترصف.٦ وىف املقابل ،فإ ّن الصومال املعارص ،أى صومال ما بعد ،1991انترشت فيه البطالة عىل نطاق واسع ،فيام أصبحت األوضاع األمنية متقلبة. ومن ناحية أخرى ،أصبحت القرابة والعشائرية ،هى املبادىء االساسية املستخدمة إلدارة وحشد الرجال .و اختلفت بل اختلّت معايري الذكورة ،بحيث أصبحت فروسية الرجل ت ُقاس بوضعه العشائري ،وحجم مت ُّدد عائلته ،ومدى سيطرة وريادة عشريته عىل املوارد .كام اصبحت مشاركة الرجال يف " املشاريع الكبرية " ،تحدد وتتم من خالل أوضاعهم يف العشرية ،فيام يعتمد حجم املشاركة من حيث ِ الصغر أو ال ِكرب عىل البعد العشائرى والقبىل .وقد برزت مسألة الكفاح من أجل التف ٌّوق العشائرى، ىف السباق عىل السيطرة عىل املوارد ،والحصول عىل السلطة.
ىف الوقت الذى ظلّت فيه املعايري املرتبطة بالذكورة ،متسقة ،مبرور الزمن ،فقد ت ّم تفعيلها من خالل عدة مناذج وعوامل مختلفة ،أث ّرت بالطبع-عليها ،وذلك ليس بسبب الحرب وحدها ،ولكن رمبا وبشكل التغيات التي حدثت فئ الدولة الصومالية .فعند أعمق ،من خالل ّ انهيار بنية الدولة يف العام ،1991تراجع الصوماليون لألشكال التنظيمية العشائرية القدمية وقد حقق هذا النموذج قدر من النجاح ىف أرض الصومال و( بُونت الند ) وهى " املناطق التي تتمتع بحكم ذايت وتقع يف شامل و رشق الصومال .أما يف مناطق جنوب ووسط الصومال ،فإ ّن انهيار الدولة أطلق العنان لسباق وقتال عنيف للسيطرة عىل املوارد عىل أُسس قبلية 5وأضيف ايل ذلك البعد املضاف لأليد ولجيا اإلسالمية السلفية ،والتمرد الذي وقع يف مابني املجموعات اإلسالمية وأنتج حركة الشباب املتطرفة .وما يزال الصوماليني من كل األقاليم السيام من تجاوزا األربعني يتذكرون آثار الحرب األهلية عىل بلدهم ،فأصبحوا يحتاجون لوقت للتصالح مع الواقع الجديد الذي أفرزته الحرب ،وتفكك الدولة، وتداعيات ذلك عيل مجتمعهم.
فالرجال الذين ال ينتمون ملجموعات عشائرية مسيطرة أو ليس لهم موارد مالية تكسبهم مكانة يف العشرية ،ال يستطيعون التنقل ىف " معيار الذكورة" ،حيث أنهم أقل قدرة عىل املطالبة بدعم من رجال العشرية، وبالتاىل ،فهم مع ّرضون للفشل ،ليس بسبب خطأ ارتكبوه ،وإنّ ا يحدث ذلك ،نتيجة لصعوبات الحياة وتقلباتها.
قبل الحرب ،كانت حكومة الرئيس سياد ب ّرى ( )1991 -1969هي
و يف العديد من املقابالت التى أجريت من ِقبل الكاتبتني ،وصف
58
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
ويمكن القول أن العشائرية قد قيدت خبرات وفرص الذكور واستطراداً ثروات األسرة ،بصورة ٍ لم يسبق لها مثيل في العصر الحديث في أقاليم الصومال المختلفة.
فقد أصبحت فرص الذكور للوصول إىل املوارد محدودة ،من دون الحصول عىل مساعدة رجال العشرية ،إضافة إيل تدهور األمن.
1معهد اإلخدود العظيم منظمة مستقلة ،غري ربحية، تعمل ىف رشق و وسط أفريقيا ،بهدف توفري وتطوير معرفة املنطقة ،وتحقيق فهم أفضل للواقع املحىل للتأثري عىل الواقع اإلجتامعى والسياىس .ينشط املعهد حالياً ىف الصومال و أرض الصومال و السودان وجنوب السودان وكينيا وجمهورية الكنغو الدميقراطية. http://riftvalley.net للمزيد من املعلومات أُنظر/ى 2أُجريت الدراسة بتمويل من ( لوجيكا) " التعلُّم عىل الجندر/النوع ىف الرصاع ىف أفريقيا " 3جوديث قاردنر و جودى البرشى 2004 -الصومال القصة غري املروية – الحرب من خالل عيون النساء الصوماليات -دار بلوتو للنرش 4تم عرض النتائج وتحليالتها األولية ىف التقرير اإلبتداىئ ملزيد من املعلومات،راجع/ى: http://www.logica-wb. _org/PDFs/LOGICA _The_Impact_of_War on_Somali_Men.pdf
بين الخاص و العام
كام ال توجد مساحات تتيح للرجال مناقشة واقعهم الجديد هذا، املشاركون مدى املعاناة والضعف الذى يواجه الفتيان واألوالد ىف سن الشباب ،والصعوبات التى يواجهونها ىف الحصول عىل الدعم من رجال وبحث قضاياهم ،خارج سياق العالقات التقليدية .وىف املقابل أنشأت العشرية ،إن كان والدهم غري معروف ،أو خرج عىل عشريته ( ألى سبب النساء مجموعات عمل تعتمد عىل العمل الجامعى وتقودها النساء بأنفسهن ،وقد رشعت النساء يف تأسيس مبادرات ،لتغيري أوضاعهن .وقد من األسباب ) أو إن كان األوالد يعيشون نازحني أو الجئني. استفادت النساء من الحقيقة املاثلة للعيان ،والتى مفادها أ ّن القضايا املتعلقة بالتحول النوعى " التحول الجندرى" يجرى الرتويج لها بنشاط واقع جديد للصوماليني والصوماليات من ِقبل املجتمع الدوىل. بالنسبة للكثري من الرجال الصوماليني ،كام للنساء واألطفال ،فإ ّن فكرة أن يكون الرجال ىف الحقيقة " ضُ عفاء أو مهتزين " ،فضالً عن الحرب وانهيار الدولة الصومالية ،أوصال البالد إىل مستويات كارثية يف النساء ،مل تعد بعد ضمن منظومة التفكري السائد ،ومع ذلك، انعدام األمن ،والعنف ،والنزوح ،وفقدان أفراد األرسة ،والفقر. فقد أصبح غالبية الرجال فى الصومال ،يفتقدون إلى الموارد أو األمن لتحقيق التوقعات والمسئوليات الملقاة على عاتقهم كرجال.
وقد أصبح ذلكُ ،مالحظاً بصورة واضحة ،حيث تجد ىف جميع أنحاء البالد و بني مختلف الفئات االجتامعية ،رجاالً أصبحوا يعتمدون عىل زوجاتهم ،وأطفالهم ،كمصدر رئيىس لدخل األرسة .وقد أصبح ذلك، يشكّل تحوالً جذرياً ىف األدور املوكولة لألشخاص الكبار " البالغيني" من الجنسني ىف األرسة ،مام يجعل الرجال " الذكور البالغني" يتعرضون لحاالت من اإلنهيارالنفىس ،بسبب األوضاع الجديدة غري املألوفة يف بنية العالقات الداخلية التقليدية بني الجنسني .وقد أصبحت هناك أعداد كبرية من الرجال يفضلون البقاء بدون عمل " عطالة " ،بدالً عن جلب العار للعشرية واالنخراط يف اعامل تعترب "وضيعة " ،و غري املتكافئة مع أوضاعهم ىف فرتة ما قبل الحرب .كثريون أيضاً أدمنوا (( القات )) وهو " نبتة تُ ضغ أوراقها ،كمن ِّبه ومخدر يف نفس الوقت .وقد أصبح غالبية هؤالء الرجال يعيشون معتمدين ىف املعيشة ،عىل الدخول التى تحققها زوجاتهم ،وأطفالهم األكربس ّناً ،كام لو كانو هم أنفسهم أطفاالً ،يعتمدون عىل األُرسة.
فقد أظهرت ُعقوداً من الحرب وانهيار الدولة فى الصومال ،أشكاالً عديدة من الضعف الجسدى والنفسى واإلجتماعى واإلقتصادى لدى الرجال .
وهذا " الضعف " ،له انعكاسات مبارشة ،عىل مسألة حرية الرجال تجاه مفاهيم ذكورتهم وعد قدرتهم عيل القيام بدورهم التقليدي املنوط بهم يف حامية األرسة ،وتوفري املأكل ،واملرشب لها ،وبالتاىل، فإ ّن لـمسألة " ضعف الذكور" آثارا ً هامة بالنسبة ألمن و رفاه األُرسة واملجتمع وللتعايف ،من آثار الحرب وانهيار الدولة ىف الصومال.
و بالفعل ،فإ ّن النتائج املستخلصة من دراسة أُخرى ىف الصومال ،ت ُظهر وت ُثبت بوضوح كيف أ ّن مسألة " نقاط الضعف" و" القدرات " عند الرجال والنساء ،متشابكة ،وال ميكن فصلها عن بعضها البعض ،بسبب العالقات الجندرية املتشابكة .7لقد تم العثور عىل أن اآلثار انتفسية ىف الفشل ىف العيش واإلرتقاء إىل مستوى التوقعات اإلجتامعية ،بني الرجال ٨ رشد والتس ُّيب القرسى، الالجئني يف معسكر "داداب" يف كينيا ،حيث الت ُّ ىف املخيامت لفرتات طويلة ،وتدخالت الوكاالت الدولية و التي تغفل عن ذكر " تحديات الذكور " ،هي مجموعة عوامل تسهم يف تراكم مشاعر الفشل بني الذكور .وقد عرب الرجال عن هذه املشاعر -جميعها لذا ،فقد أصبح ليس من املستغرب أن نجد العديد من النساء ،ىف الشكوى امل ُ ّرة التى تلقتها ،وسمعتها الكاتبتان ،مرارا ً وتكرارا ً ،من يعبن عن املستجيبني الذكور ،ومفادها ىف جملة واحدة " :ال أحد م ّنا مسئول عن بعانني من مشاعر اإلحباط نتاج تلك األوضاع الجديدة ،كام ِّ بطالة اء حال ٍة من نفاذ الصربمن الحياة ،مع ذوى القرىب من أهلهن جر أى شخص آخر ،وال حتّى عن أنفسنا ". ّ الرجال من أزواجهن. ونتيجة لهذه األوضاع ،فإ ّ ن العديد من الرجال ،فى المجتمع الصومالي ،أصبحوا يشعرون باالنزواء حيث أن قيمة حياتهم لم تعد ذات أهمية بالنسبة إليهم .
من االنجليزية :فيصل الباقر
5سكان هاتني املنطقتني أنشأوا اإلستقرار النسبى والحكم جزئياً من خالل جهود شيوخ العشائر التلقيديني ،لحل النزاعات بني القبائل ،بنجاح لتحقيق املصالحة .ومع ذلك، فقد نشأت رصاعات الحقة منذ ذلك الوقت ،وعىل األخص عىل الحكم عىل منطقتى صول وصناج. 6لإلطالع عىل التحليل املفصل ،للنص عن املوارد ىف جنوب الصومال – أُنظر/ى: كابتجينز ،ل -2013 .التطهري العشائرى ىف الصومال -اإلرث املدمر للعام -1991فالدلفيا- مطبعة بنسيلفانيا. 7مارك برادبريى ،أصبحت أرض الصومال ( قضايا أفريقية) ،أكسفورد ،جيمس كريى" 2008، https://www.care. org.au/wpcontent/ _000188/04/2016/uploads _GiE_Summary_Report FINAL.pdf 8معسكر داداب أكرب معسكر الجئني ىف العامل لالجئني – أُنىشء ىف كينيا ىف عام 1991 إليواء الصوماليني الفارين من الحرب األهلية (( من املرتجم :أعلنت الحكومة الكينية أنّها بصدد إغالقه نهائياً بنهاية العام 2017
املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
59
المرأة والعبد المملوك!!
اللوحة حسين ميرغني
ليس لهذا العنوان صلة بكتاب "ألف ليلة وليلة" وال بكتاب "االحاجى بالدرس وموضوع الدرس ،وما يكتنفه من أسئلة معقدة وشائكة بالنظر السودانية" ألنه ببساطة مستلف من كتاب "الفقه" للصف الرابع مبرحلة إىل العرص الذي يعيش فيه التالميذ ،وبالنظر إىل أعامرهم التي بالكاد األساس ىف السودان وفقا للمنهج الذي أعده "املركز القومي للمناهج تصل إىل سن العارشة. والبحث الرتبوي ببخت الرضا ،ووافقت عليه واعتمدته "وزارة الرتبية اإلشارة الثالثة :وهى ذات صلة بالرسومات التوضيحية ،وهى كام والتعليم العام السودانية" .والكتاب صدرت طبعته الثانية فئ العام 2004وقام بإعداده بتكليف من املركز القومي للمناهج والبحث الرتبوي هو معلوم وسيلة ناجعة يف تسهيل عملية الفهم ،خاصة ملن هم يف وراجعه عدد من خرباء الرتبية والتعليم واملناهج والبحوث الرتبوية. سن املستهدفني .وعىل أهميتها فقد الحظت أن الكتاب يحتوى عىل احد عرشة رسام توضيحيا تجسد :الوضوء ،وصالة الجامعة ،وأدأب املناجاة ،واملوارد ،وقارعة الطريق ،والظل ،ودخول املرحاض والخروج خمس إشارات البد منهن: منه ،ونعمة االنتفاع بالحيوان والرفق به .تسعة من تلك الرسومات اإلشارة األوىل :تنقسم مرحلة األساس يف مدارس السودان إىل ثالث تجسد ذكور رجاال كانوا أم أطفاال "تالميذ" واثنان لنساء ليس من بينهن حلقات :األوىل من الصف األول إىل الثالث ،والثانية من الصف الرابع طفلة "تلميذة". إىل السادس والثالثة من الصف السابع إىل الثامن .ويعترب الصف الرابع على أن ما يهمنا هنا في مقالتنا هذه هو أن مجال مقالتنا نقطة البداية للحلقة الثانية. اإلشارة الثانية :عدم وجود من هو مختص يف الدراسات الفقهية ودراسات الدعوة من بني الذين أعدوا الكتاب ،ومن بني الذين راجعوه. وهو أمر جدير بالتأمل خاصة ونحن نضع يف االعتبار الفئة املستهدفة
60
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
الرسومات التي تجسد الوضوء والصالة جاءت كلها معبرة عن التالميذ الذكور.
وهذا متساوقا مع بقية الرسومات التي ارشنا لها .وهو أمر إن دل
بين الخاص و العام
عىل يش إمنا يدل عىل هيمنة الذهنية الذكورية عىل واضعي املنهج وهى ذهنية تستبطن بوعي أو بغري وعى ،فرضية أو مقولة أن الدين شأن ذكوري وباألخص كل ما يتصل منه "بالفضاء العام" ،ليكون املسجد الذي هو اقوي إيقونات الفضاء العام عند املسلمني وبالتايل صالة الجامعة وتحديدا صالة الجمعة فضاء رجاليا بامتياز .حيث انه ليس من الواجب يف الفقه املهيمن أن ترتاد النساء املساجد ليتم بعد ذلك ومن باب أوىل عزل النساء و التحكم يف كل عنارص الفضاء العام، وىف مقدمتها "الشارع" مبا يعنيه من خروج ومشاركة سياسية ومجتمعية. فهذه الذهنية ترى أن املكان األمثل والحيوي للمرأة املسلمة هو البيت وما عداه من أمكنة يأيت يف باب االستثناء .لذلك عربت هذه الرسومات التوضيحية عن التلميذ املسلم الذكر متجاهلة التلميذة املسلمة األنثى بالرغم من أنها مستهدفة بهذا الدرس شأنها شأن التلميذ الذكر ،زميلها يف الفصل ...فتأمل !!.
ورد يف احد توصياته" :العمل عىل ترسيخ العقيدة الدينية عند النشء وتربيتهم عليها وبناء سلوكهم الفردي والجامعي عىل هدى تعاليم الدين مبا يساعد عىل تكوين قيم اجتامعية واقتصادية وسياسية تقوم عىل السلوك السوي املرتكز عىل تعاليم السامء".
جاء يف الكتاب موضوع مقالتنا "الفقه للصف الرابع مبرحلة األساس" وىف الدرس املعنون ( صالة الجمعة ) وتحديدا يف صفحة 65وهو يحدد الذين ال تجب عليهم صالة الجمعة ما نصه (:وال تجب عىل املرأة والعبد اململوك والصبي واملريض) و الن الكتاب يقول يف مقدمته " :ولقد راعينا يف معالجة موضوعات الفقه أن ترتبط بالدليل من القران والسنة و يورد قوله تعاىل (يا أيها الذين امنوا إذا نودي للصالة من يوم الجمعة فاسعوا إىل ذكر الله وذروا البيع ذلكم خري لكم إن كنتم تعلمون" وقول " الرسول "ص" ( الجمعة حق واجب عىل كل مسلم يف جامعة إال أربعة عبدا مملوكا وامرأة أو صبيا أو مريضا)وقوله "ص" وىف نفس الدرس: اإلشارة الرابعة :ونخصصها ملا ميكن تسميته باملدونة الفقهية ،والتي (عن أم هشام بنت حارثة بن النعامن ريض الله عنها قالت :ما أخذت نقصد بها اإلرث الفقهي اإلسالمي مبا يحويه من مناهج ومدارس وخربات .ق والقران املجيد إال عن لسان رسول الله "ص" يقرؤها كل جمعة عىل و بسبب أن هذه املدونة ال زالت حارضة وحاكمة يف الكثري من قضايانا املنرب إذا خطب الناس). املعارصة كانت إشارتنا هذه لها .والتي نقول فيها أن املدونة الفقهية والكتاب وبعد أن حدد أن صالة الجمعة تجب عىل "املسلم العاقل وبال ادعاء تعد من أعظم انجازات الحضارة اإلسالمية ،بل وواحدة من انجازات الفكر اإلنساين املبهرة وذلك ملا اتسمت به من سعة واحرتام الحر املقيم القادر وال تجب عىل املرأة والعبد اململوك والصبي لالختالف ومقدرة فائقة يف االستجابة لكل املستجدات ولكل األسئلة واملريض" ،يجمل يف ثنايا الدرس ما ميكن أن تحققه صالة الجمعة الشائكة التي واجهت حياة املسلمني خاصة عند الجيل املؤسس للمدونة من أغراض عظيمة فهي متثل فرصة أسبوعية يتلقى فيها املسلمون ما الفقهية .لذلك كانت ،كام يقول يشري الغذامى ،هي "ثقافة يف الرؤى يستجد من أحداث ،وإخبار يف بلدهم ،وفرصة يتعرف فيها املسلمني عىل أحوال بعضهم ،وهى لحظة للتالف بني املسلمني وهى عبادة ينال وىف االختالف". منها املسلمون ثوابا عظيام كام يجدون فيها معرفة كثرية من خالل خطبة اإلمام. وكانت المدونة الفقهية تستبطن قدرا كبيرا من الحرية تجلى في تعدد واختالف أراء الفقهاء حتى في المسالة الواحدة دون أن يوجب هذا تكفير احدهما األخر أو حتى تخطئته.
ال زالت هذه املدونة حارضة ولكن يف سياق يصادر منها أهم مميزاتها وهى السعة والتنوع والحرية ويتبدى هذا يف انتخاب بعض اآلراء وحجب اآلراء األخرى يف نفس املسألة وهو ما سنشري إليه يف ما تبقى من مقالتنا هذه. اإلشارة الخامسة :وهى عن الكتب املدرسية وفيها نقول استنادا عىل هالة قوتة "إن الكتب املدرسية تأىت كمحصلة للمنهج املدريس ،ومبا أنها هي األداة التعليمية التي تحمل املعارف املبثوثة من خالل العملية التعليمية ،كانت أي تلك الكتب ليست محض منظومات نقل للحقائق ذلك أنها محصلة نشاطات سياسية واقتصادية وثقافية ومعارك ومحافل طقسية" .وللتدليل عىل هذه الفرضية نشري إىل واحدة من توصيات مؤمتر سياسات التعليم ومؤسساته الذي عقد يف العام ، 1999حيث
الشاهد هنا واستصحابا ملا ورد ذكره يف إشاراتنا الخمس وملا جاء من أدلة من القران والسنة وملا انتخب من فوائد لصالة الجمعة حددها الدرس ،ثم للمستهدف األساس من هذا الدرس ،أي التلميذ والتلميذة وللعرص الذي يعيشون فيه ،حيث ال يوجد عبدا مملوكا وحيث توجد املرأة يف كل تجمع ،مشاركة يف الحياة العامة واالنتخابات,وىف ساحات العمل املختلفة ،بل وىف صالة التهجد يف شهر رمضان املعظم .وحيث ينص دستور البلد الذي يعيش فيه التالميذ والتلميذات عىل املساواة بني املواطنني ومينع أي متييز بسبب النوع أو العرق أو اللون أو املكانة االجتامعية. واالهم من كل ذلك احتواء املدونة الفقهية والتي من الواضح استند معدو الكتاب عليها ،عىل غري هذا الرأي فقد أورد ( الربوفسور الشيخ حسن احمد حامد ) 114: 2009وعرب سياحة بحثية و فكرية ،رصينة يف املدونة الفقهية مستعرضا مختلف اآلراء حول صالة الجمعة ووجوبها ووقتها ومرشوعيتها ومستحباتها وموقعها من بني الصلوات األخرى
1هالة قوتة-وطن يف محنة- سلسلة استرن ،مركزالخاتم عدالن لالستنارة والتنمية البرشية ،الخرطوم .2006 ٢عبدالله الغذامى :الفقيه الفضايئ..تحول الخطاب الدينى من املنرب إىل الشاشة- املركز الثقايف العريب-الدار البيضاء .2011 ٣هالة قوتة-وطن يف محنة ٤املصدر السابق نفسه. ٥بروفسور حسن احمد حامد-كتاب الصالة (الجزء الثالث )-إصدارات هيئة علامء السودان-سلسلة الدراسات الفقهية رقم"-"24 الخرطوم.2009
املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
61
الرس السيد من واملكان الذي يجب أن تقام فيه وهى األسئلة التي كانت تجابه الفقيه يف املجتمع الذي يعيش فيه والتي من سياحة تكشف بجالء تنوع واختالف بينها وضعية العبد اململوك واإلحكام الفقهية املتعلقة به، مدينة عطربة يف شامل الفقهاء يف الكثري مام يتصل بها.، السودان وهو ناقد فقد أورد رأيا للفقيه ابن حزم ،نصه، يتبدى مأزق الدرس في انه يحاول أن يستلف أحكاما اديب وكاتب معروف من سياق أخر ويزرعها في ارض بور هي هذا العصر قوله ( :وسواء فيام ذكرنا من وجوب و ُمعد ومقدم للعديد الذي ليس فيه عبدا مملوكا ويتبدى أيضا في انه الجمعة عىل املسافر يف سفره والعبد من الربامج االذاعية والحر واملقيم ويصليها املسجونون يغذى عقول التالميذ/ت بأفكار تنمى ثقافة التمييز والتلفزيونية .وهو واملختفون ،ركعتني يف جامعة بخطبة والال مساواة وبأفكار تجعل التلميذ/ة مغتربا/ة عن متخصص يف مجاالت ،كسائر الناس وتصىل يف كل قرية واقعهم املرسح كأداة للتغري صغرت أم كربت ,كان هناك سلطان أو االجتامعي .وقد مل يكن .إىل أن قال :قال تعاىل ":يا ايها الذين امنوا إذا نودي للصالة من وعرصهم وبالتايل عن حقيقة دينهم وجوهره. قام بنرش كتابني يوم الجمعة فاسعوا إىل ذكر الله وذروا البيع ذلكم خري لكم إن كنتم وعدة مقاالت تعلمون). فعندما يقفز واضعي الدرس وقبلهم بعض الفقهاء عن حقيقة أن يف هذا املجال. املرأة والرجل "املسلمني" يف حالة أن توفر لهام العقل والبلوغ واإلقامة يعمل حاليا كمدير وهذا الرأي حتى وان خالف أراء بعض الفقهاء يف أكرثية التفاصيل والقدرة ،تجب عليهام صالة الجمعة ،نكون بالفعل أمام إرادة ومنهج قسم للربامج الخاصة الواردة بشان صالة الجمعة ،وهو رأى من وجهة نظري أكرث اتساقا مع يسعيان إىل أن يحجبا عنا سعة اإلسالم وعدالته ومساواته بني الناس, يف الهيئة القومية مراد الدين الكىل ومع العرص الذي يعيش فيه التالميذ .ولكن ماذا نفعل فأي مربر رشعي أو واقعي مييز بني املسلمني بسبب النوع والوضع لإلذاعة والتلفزيون مع آلية حجب اآلراء التي ميارسها الذين ال يريدون أن يجتهدوا كام االجتامعي يف شعرية عظيمة كصالة الجمعة مبا لها من ميزات أشار لها يف السودان .وهو عضو يف اتحاد الكتاب اجتهد أسالفهم وىف نفس الوقت يتحكمون يف املدونة الفقهية للسلف الدرس ,يف دين يقول كتابه الكريم (:يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر السودانيني وعضو يف وينتخبون منها ما يدعم مصالحهم وميكن ملا يحملون من أفكار. وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم ). أما مالحظتنا والتي تحتاج إىل تدبر اكرب فهي أن حكم عدم "وجوب الشبكة العربية لرصد فامذا يعنى اإلرصار عىل عدم وجوب الجمعة عىل املرأة بالرغم من صالة الجمعة" قد جمع بني املرأة والعبد اململوك والصبي واملريض. صور النساء والرجال يف االعالم العريب وهو وجود دليل قرأين جاء أمره عاما "يا أيها الذين امنوا" وبالرغم من وجود ومالحظتنا هي أن العبد اململوك قد أصبح حرا وان الصبي يبلغ الحلم دليل يؤكد عىل حضور النساء صالة الجمعة يف العهد النبوي كام جاء ويصبح مكلفا وان املريض قد ميوت أو قد يشفى بينام املرأة ستظل ايضا مساهم راتب يف الدرس ،وبالرغم من وجود رأى مختلف لفقيه يف قامة ابن حزم ،امرأة وبالتايل سيظل حكم عدم الوجوب أبديا فئ حقها..فتدبر!!. يف مجاالت املرسح والتغري االجتامعي مع وبالرغم من أراء بعض الفقهاء املحدثني كالشيخ الرتايب ،بل بالرغم من العديد من مجموعات الوجود الفعيل للمرأة يف صالة الجمعة يف كل بالد املسلمني.ماذا يعنى اإلرصار ،غري أن يكون نوع من التحيز الذكوري الذي ال ينهض عىل العمل املدين. سند يعتد به. كتب السر السيد فإذا كانت المرأة ،مسلمة وعاقلة ومقيمة وقادرة فلماذا ال تجب عليها صالة الجمعة ؟ ولماذا تحرم من كل تلك الفوائد "الوطنية" التي أشار إليها الدرس.
أما العبد اململوك والذي ال نعرف أين نجده يف هذا العرص فتكمن املعضلة بشأنه يف انك ال تستطيع أن تشري إليه يف الواقع الذي يعيش فيه "املستهدف"ألنه غري موجود فاملستهدف يرى املرأة ويرى الصبي ويرى املريض ولكنه بالقطع لن يرى العبد اململوك وحيث هنا يتبدى مأزق الدرس فإذا كان الفقه القديم والذي أوضحنا انه ثقافة يف الرأي وىف االختالف وانه ليس واحدا وان اشتغاله كان يقوم عىل اإلجابة عىل
62
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
وجهات نظر
النساء السودانيات والمشاركة في اتخاذ القرار هل للنساء السياسيات دور يف تغيري بنية االحزاب السياسية التقليدية وتعزيز حقوق النساء؟ يف هذا املقال تلتقي الصحفية امل هباين مع عدد من النساء السودانيات الناشطات أو الاليت كن ناشطات يف املجال السيايس من خالل االحزاب السياسية السودانية ،وتتحاور معهن حول مجموعة من االسئلة من ضمنها :إىل أي مدى هنّ مقتنعات ب تأثريهن يف عملية اِتخاذ القرار داخل املؤسسات الحزبية السودانية ،وهل وجودهن كنساء ىف داخل املؤسسات السياسية يسهم ىف تطوير اوضاع النساء يف السودان؟
كتشرن للعلوم الطبية" واالستاذة فاطمة طالب "معلمة" – من الرائدات االوائل ىف تأسيس االتحاد ,تسرتسل زينب يف الحديث وتقول :يجب االخذ ىف االعتبار ان د.خالدة زاهر كانت عضوة يف الحزب الشيوعي السوداين وهو ما كان له أثر يف بنية وتكوين االتحاد النساىئ السوداىن مستقبال....اذا تحدثنا عن نشاط رابطة الفتيات ،فيمكن القول انه كان نشاطاً اجتامعيا ال عالقة له بالسياسة ىف مفهومها املبارش ,ويذكر انه ويف أواخر األربعينيات أقامت رابطة الفتيات معرضاً كبريا ً لألعامل اليدوية النسائية لدعم فصول محو األمية ،وكان ان زار هذا املعرض عدد من قيادات الحزب الشيوعي ،منهم االستاذ عبد الخالق محجوب ،االمر الذى جعل عددا كبريا من األهايل يقومون باخراج بناتهن من الرابطة، ألن (رجاالً قد زاروا املعرض) ،وكانت والديت من بني الاليت أُخرجن من الرابطة.
ال ميكن أن نغض الطرف عن إسهامات النساء السودانيات الباكرة يف دفع عجلة الحراك النسوي للتح ُّرر واالنعتاق من التقليدية املو ِغلة يف الحركة النسائية ىف سودان الستينيات: ُمجتمعاته َّن ،يف زمنٍ مل تكن املشاركة السياسية النسوية قد تبلورت بعد. من هؤالء النساء ,النجية فرج الله ،التي كانت أول امرأة قادت عربة تقول الصحافية آمال عباس ،إحدى الرائدات يف العمل النسوي وكان ذلك ىف العام ،1924وقدع َّرضها هذا للمحاكمة من قبل الحاكم العام الربيطاين ،الذي رأى يف ذلك خروجاً عىل األعراف االجتامعية .ايضا واإلعالمي يف السودان : تعترب القابلة (جندية) ،أول امرأة سودانية تدرس القبالة عىل يد األخوات (تادرس) وتفتح مدرسة القابالت (الدايات) يف أمدرمان ،لتدريب وتأهيل "عندما نتحدث عن مشاركة المرأة داخل األحزاب القابالت ,وقد كانت هناك أهزوجة تهدهد بها األ َّمهات بناتهن الصغار السياسية ،فال بد أن نذكر اإلتحاد النسائي السوداني, آنذاك ،حسب الفهم اإلجتامعي السائد ،وتتمنى فيها األمهات لبناته ّن تم تكوينه من كل التيارات النسائية حتى الذي َّ ً أن يكربن ويتزوجن ويلدن عىل يد (جندية) ،القابلة ذائعة الصيت.هذه األخوات المسلمات ،الالتي إختلفن معه الحقا بعد منحى طرح األجندة التفصيلية ،حيث رفضت اإلسالميات مبدأ املبادرات الفردية يف معظمها كانت ذات طابع اجتامعي ومل تأخذ ً إعطاء الحقوق السياسية للمرأة ،وخرجن من اإلتحاد سياسيا إال يف أربعينيات القرن املايض ،بقيام التجمعات واإلتحادات النسائي السوداني وكو َّ النسائية ،والتي تشابكت أجندتها مع األجندة السياسية. ن الجبهة النسائية اإلسالمية. الحركة النسائية مثل العربة التي (قامت بنمرة أربعة): لسرب أغوار مشاركة النساء يف األحزاب السياسية ومدى فاعليتها، التقينا بالناشطة السياسية "زينب بدر الدين" ،وسألناها عن الحركة النسائية السودانية وعالقتها بالسياسة؟ ،أجابت" :ال ميكن الحديث عن املشاركة السياسية للنساء مبعز ٍل عن الحركة النسائية ...الحركة النسائية ىف السودان ,مثل العربة التي (قامت بنمرة أربعة)؛ فقبل االتحاد النسايئ السوداىن ,كانت هناك رابطة الفتيات والتى تكونت ىف العام و1947كانت بدايتها قوية ،اذ عملت يف مجاالت محو األمية ومحاربة العادات الضارة، وقد اتخذت من وسط مدينة أمدرمان منطلقا لبداياتها ..بعدها تكون االتحاد النسايئ السوداىن و الذي ميكن القول عنه انه ولد من داخل رابطة الفتيات....نجح االتحاد النسايئ السوداىن ،بسبب أن فكرته نبعت من نساء ذوات وعي سيايس ،مع مالحظة انه مل يكن تنظيامً سياسياً يف ذاته ،وتعترب د .خالدة زاهر اول "طبيبة سودانية -تتخرج من مدرسة
منذ بداياته دخل االتحاد النسايئ العمل السيايس وناضل ضد اإلستعامر ،وكان يرى أن النساء ُمستعمرات من قبل املستع ِمر ،وال حقوق لهن دون أن يذهب اإلستعامر ،وقد كان شعار االتحاد ،أن قضية املرأة ال ميكن حلها مبعزل عن قضايا املجتمع ،فالدور اإلجتامعي لإلتحاد كان كبريا ً ،إذ كان يُعتقد أن محور القضية هو تعليم املرأة ومحو األمية ،ومن هنا تحرك االتحاد وبحذر شديد يف القضايا اإلجتامعية، وكانت االستاذة فاطمة أحمد ابراهيم ,رئيسة اإلتحاد النسايئ تحذرنا من أن نستفز املجتمع ,وكانت تقول لنا (ماتشيلوا الفاتحة يف بيوت البكا (العزاء) " ،النسوان بعزوا ,عزوا مثلهن واقعدن محل غسيل العدة"- االواىن -وعمل القهوة ( ،ألننا يجب أن ننزل للمجتمع وننتشلوا ال أن نتعاىل عليه) ،تواصل استاذة امال وتقول :قبل ثورة أكتوبر 1كنا ال نخالط الزمالء من الرجال ،بعد أكتوبر ,ظهر الجيل الجديد وبدأ يلبس (الجبون )2ويرسح (األبوقجي )3وك َّن أكرث تحررا ً منا ،وكنا نسميهن األكتوبريات، وكان لنا رأي فيه َّن؛ ظهرت مجموعات منهن داخل الحزب الشيوعي، ودار بينه َّن جدل كثيف حول الرؤية االجتامعية لحقوق املرأة. املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
63
الحركة النسائية..خطوات اىل األمام كان التقدم هو ديدن الحركة النسائية ىف السودان منذ العام ،1954 حيث حصلت ﺍملرﺃﺓ ﻋىل ﺤﻕ التصويت ،ثم حصلت عىل حق الرتشح وكان هذا ىف العام ،1964وأصدر اإلتحاد النساىئ يف ذلك الوقت مجلة “صوت املرأة” وكانت مجلة جامهريية تصدر شهرياً ،وكانت تنادي بحقوق املرأة .ويف يناير 1957نرشت مجلة "صوت املرأة" مذكرة أمل هباين صحفية االتحاد النسايئ للجنة القومية للدستور حيث أعرب يف املذكرة بغري مواربة ،عن مطالب املرأة كأم وزوجة ومواطنة .وطلبت املذكرة من سودانية ،ولدت يف لجنة الدستور أن تحمي النساء مبا اتفق للرشيعة اإلسالمية .فحق املرأة عام 1974حاصلة، عىل بكالريوس اآلداب يف اختيار من يريد أن يتزوجها حق كفلته الرشيعة ولكن أولياء األمور من جامعة الخرطوم حجبوه عنها عنوة ,وواصلت املذكرة القول ،إن الرشيعة قد قيدت الزواج بأكرث من امرأة بالعدل وهو أمر صعب املنال .وكذلك طالبت وماجستري الصحافة املذكرة بتقييد الطالق ألن الرشيعة ،التى أذنت به للزوج دون الزوجة، من نفس الجامعة. متزوجة وأم لطفلني .كام طالبت أن يحمي الدستور األطفال وفقاً ألمر الرشع .و أشادت مجلة "صوت املرأة" بالرئيس الحبيب بورقيبة ،رئيس تونس عىل أيامها، عملت يف عدد من الصحف السودانية و لكلمته ذات األفق التقدمي التي ألقاها أمام االتحاد القومي للمرأة يف لها عمود راتب تحت بالده. عنوان " ،أشياء صغرية و تضبف االستاذة امال :خالل تلك السنوات األربع ىف اعقاب ثورة فازت بجائزة جانيتا ساقان سنة .".2014اكتوبر استطاعت املرأة أن تلعب دورا ً كبريا ً برتشيح فاطمة أحمد أبراهيم كأول امرأة سودانية تدخل الجمعية التأسيسة (الربملان). عضوة مببادرة ال لقهر النساء. حل رئيس الجمهورية, بحدوث االنقالب العسكرى ىف 25مايو َّ ،1969 " جعفرمنريي" اإلتحاد النسايئ السوداىن و كون بعده إتحاد نساء السودان ،و قد انضمت إىل االتحاد الجديد" ,شبه الحكومي" بعض من رائدات الحركة النسائية امثال محاسن عبد العال ونفيسة أحمد األمني وأم سلمة سعيد...مع مرور الوقت كونت األحزاب السياسية مبا ىف ذلك االحزاب الطائفية التقليدية كاالمة واالتحادى ,أجساما وهيئات نسوية داخلها ،مام أثر إيجابياً واضفى بعدا قوميا عىل قضايا النساء. تراجع كبري يف ظل النظام الشمويل: الناشطة السياسية وىف الحركة النسائية والقيادية ىف الحزب االشرتاىك النارصى ,االستاذة إنتصار العقيل ،تنقلنا خطوة اىل مابعد اإلتحاد النسايئ وتقول: ل جديد ،وجدنا إرثا معتبرا للحركة النسائية "نحن كجي ٍ ولمشاركة المرأة في العمل السياسى وفى المجال العام ،ولكن ما الحظته هو انه فى االنظمة الشمولية تضيق مساحات الحراك النسائى
فعىل سبيل املثال,ىف فرتة مايو ,كانت هناك مشاركة نسائية واسعة تحت مظلة اتحاد نساء السودان,لكنها كان أقرب للوظيفة يف ظل النظام الحاكم ومل تخلق تلك املشاركة نقلة نوعية يف العمل النساىئ.... لكن ,يف ظل األنظمة الدميقراطية يختلف االمر ،إذ يعلو صوت النساء
64
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
يف الحقوق السياسية وىف الحركة املطلبية ...يف النظام الشمويل الحايل (نظام االنقاذ),هناك تراجع كبري وذلك لعدة أسباب منها ,القوانني املقيدة للحريات ،والرتدي يف الخدمة املدنية ،والرتدي يف أوضاع املرأة الصحية ,والتضييق عىل مشاركة املرأة ىف املجال العام كمشاركتها يف األنشطة الثقافية وىف العمل التطوعي ،يضاف لكل هذا التأثريات الكبرية التى خلفتها النزاعات والحروب ىف مناطق السودان املختلفة عىل املرأة الناشطة سياسيا واجتامعيا وعىل املرأة العاملة وعىل املرأة املنتجة. قوانني الرشيعة اإلسالمية وهيمنة اإلسالم السيايس وبداية الردِّة يف الحركة النسائية يف السودان: تقول االستاذة زينب بدر الدين" :الحزب الشيوعي هو أول حزب فتح عضويته للنساء ،ووصلت املرأة فيه إىل عضوة ىف اللجنة املركزية... ومع ان الحركة النسائية السودانية استطاعت أن تدخل ىف كل مفاصل العمل السيايس ،لكن النساء وطوال كل تلك الفرتة مل يستطعن أن يقدمن الكثري للحركة النسائية من داخل أحزابهن ،والسبب كام ارى، هو حكم الديكتاتوريات الطويل ،فالرصاع الداخيل او فلنقل الحوار, يُك َبت إبان حكم الدكتاتوريات ،عىل عكس حكم الدميقراطيات ،حيث تتاح لحد كبري فرص التعبري والحوار واملناقشة ...النساء السياسيات يف ظل االنظمة الدكتاتورية يضعن ويكرسن كل جهدهن لحل القضايا القومية بصورة عامة ،وبالطبع يضعن قضايا املرأة ضمن تلك القضايا، ليس من باب التبعية ،بل ألن املرأة السياسية تدرك ان الهدف االكرب هو تحقيق الدميقراطية ،ففي ظل وطن دميقراطي ,ينعم بالعدالة االجتامعية ُحل قضية املرأة...وتواصل االستاذة زينب وتقول :يف ظل نظام االنقاذ ت ُ الديكتاتوري الذي نعيشه االن ,حدثت ردِّة كبرية عىل املستويات كافة : عىل سبيل املثال ال الحرص قانون النظام العام ,مع الوضع ىف االعتبار،ان حقوق النساء بل وبعض مكتسباتهن بدأت يف التدهور منذ قوانني سبتمرب 1983التي أعلنها الرئيس األسبق جعفر منريي. الحركة النسائية السودانية ,غري مواكبة لحركات التحرر النسوي: وتواصل استاذة زينب :ال بد ان اشري اىل ان طبيعة مجتمعنا ايضا قيدت الحركة النسائية,فمثال نحن كنساء ناشطات ،كان كل تركيزنا انه عندما نطالب بحقوقنا ،فذلك ال يعني (أن النساء ينطلقن دون قيد ) ،نطالب بهذه الحقوق والكثيرات منا يرتدين الثوب السودانى واخريات يضعن الطرحة"غطاء للشعر"..
هذا جعل الكثري من النساء الشابات الاليت يتواصلن مع العامل ،يعتربن أن الحركة النسائية السودانية حركة متخلفة وغري مواكبة لحركات التحرر النسوي مقارنة مبرص وتونس عىل سبيل املثال...تضيف استاذة زينب :وحتى عندما ك َّونا (مبادرة ال لقهر النساء) ،كُ ّنا نتعامل بر ِّد الفعل، نطالب بالغاء قانون النظام العام وتعديل املواد" 149,االغتصاب", " 151االفعال الفاحشة" " 152,الزى الفاضح" " 146,عقوبة الزنا" ىف
وجهات نظر
القانون الجناىئ لسنة ،1991دون ان نضع البديل ،نحن قلنا أننا ضد أن تطوير الترشيع ،وكانت لهم إجتهادات كبرية يف املرياث وغريه. تجلد النساء بسبب الزى الذى يلبسنه ،لكننا مل نقل أننا نريد أن نكون النساء وافدات عىل األحزاب السياسية : (سافرات) ،فاأليرانيات مثالً يف حركات املناهضة يخلعن الحجاب ،نحن كنا حريصات,عىل ارتداء الثوب التقليدي والطرحة ,كل حسب حريته لكن كيف تعمل النساء داخال أحزابهن السياسية ؟ كان هذا هو ورغبته ,وقليالت جدا ً ع َّربن عن أنفسهن دون وضع طرحة أو لبس ثوب، كام أننا مل نعكس كنساء سياسيات ،قضايانا ومشاكلنا داخل أحزابنا ،السؤال الذي توجهنا به لعضوة املكتب السيايس للحزب اإلتحادي فقضية مثل التحرش الجنيس مل يتم عرضها داخل احزابنا كقضية تعيق (األصل) االستاذة سمرية مهدي ،والتي بدأت إجابتها بضحكة طويلة, ثم قالت: انخراط النساء يف العمل السيايس والعمل العام. الجبايات واستنزاف النساء ،أم بنطلون لبنى حسني!!؟ إنتصار العقيل تدخل بذات املدخل وتقول" :يف الوقت الحايل أصبح اله َّم العام هو النضال لتغيري الواقع السياىس ،لذلك مناقشة القضايا الخاصة بالنساء ال تأخذ الجانب األكرب ،فنحن داخل حزبنا ُجل حديثنا عن الواقع السيايس والقوانني املقيدة للحريات ،وليس هناك فسحة اآلن لقضايا النساء ،ويف تحالف النساء السياسيات نهت ُّم جدا ً بالقوانني ونرش الوعي القانوين بني النساء .هناك قوانني وقعها وأثرها أكرث سلبية عىل املجتمع ،مثل قانون األحوال الشخصية ،قانون النظام العام ،القانون الجناىئ ,املادة 149,قضية زواج القارصات .فلو أخذنا مثالً قانون النظام العام، هناك قضية أكبر من بنطلون لبنى ومن قضية الزى عموما وهي (الجبايات) .هذه مشكلة حقيقة وقضية لم ننتبه لها .نحن في ذهنيتنا مازلنا نربط قانون النظام العام بالمظهر العام فقط ،لكن األسوأ واألمر هو االستغالل المادي للنساء. َ
املرأة مازالت لها مشاكلها يف الصحة والرعاية الصحية األولية والوالدة ...نحن مازلنا بعيدين عن تحسني وضع املرأة الحامل والتعليم املجاين للنساء. االتحاد العام للمرأة السودانية ,منظومة تابعة للحزب الحاكم أكرث من أنها تنظيم نسايئ: منحى مل تتطرق له األخريات ،حيث قالت :هذا آمال عباس أخذت ً الجيل (ال عالقة له بالسياسة) ،وينحرص األداء السيايس للنساء يف فئات بعينها ،تجىل هذا يف قانون النظام العام الذي حاربته فئة ُمح َّددة من النساء ،ومع هذا فاىن ارى ىف ظل نظام االنقاذ هذا وبالنظر اىل االتحاد العام للمراة السودانية ( التابع للحزب الحاكم ) نجد انه وجد إرثاً وتراثاً كبريا ً يف معارك حقوق املرأة ،لكن حكومة اإلنقاذ ومنذ بواكريها بدأت بالتع ِّدي عىل حقوق النساء يف حني أن هذا االتحاد وقف موقفاً سلبياً، مام جعله منظومة للمؤمتر الوطني –الحزب الحاكم -أكرث من أنه تنظيم نساىئ معني بحقوق املرأة ،فليس لديه أي عمل فكري أو إجتهاد يف مجال حقوق املرأة ,فقضايا مثل تع ُّدد الزوجات وزواج القارصات كان ميكن أن يلعب فيها دورا ً كبريا ً لصالح املرأة لكنه مل يفعل ،وكان ميكنه أن يحدث تطويرا من داخل الدين ،كالجمهوريني الذين لعبوا دورا ً مهامً يف
ي قناعة بأن النساء غير قادرات ألن "منذ البداية لد ّ يكن فاعالت في األحزاب بسبب أنهن وافدات على األحزاب"...
طلبنا منها أن تفرس مقولتها هذه ,فقالت" :هذه األحزاب أحزاب رجالية قام بتأسيسها الرجال يف أربعينيات القرن املايض ،ويف العام 1953 طالبت النساء الفاعالت بحق التصويت ،بسبب هذه املطالبة سمحوا للنساء خريجات الثانوي الاليت ال يتجاوزن عدد أصابع اليدين .يف ذلك الوقت كانت املدارس قليلة ،بعد ذلك بدأت األحزاب تستقطب النساء باعتبارهن (قوة صوتية) خاصة وان املدارس بدأت ىف االزدياد...يف ذلك الوقت كانت املرأة تدخل الحزب ألن زوجها أو والدها أو عمها عضوا يف الحزب. استقطاب النساء للمشاركة السياسية من أجل اإلنتخابات واملزايدة وبوضوح شديد تتحدث االستاذة سمرية مهدى حول وضعية النساء داخل االحزاب السياسية وتقول: النساء موجودات داخل األحزاب كتمثيل فقط، والرجال هم القادة..
النساء قوة صوتية كام باستطاعتهن استقطاب النساء االخريات للتصويت الحزابهن,هذا هو الوضع ,لذلك مل يكن قبول عضوية النساء ىف االحزاب السياسية مرده الهتامم االحزاب بقضايا املرأة ،بل الن نسبة تصويت وتسجيل النساء كانت اعىل من الرجال يف كل اإلنتخابات ،68،86 وإىل اآلن؛..الذى يحدث حقيقة أنه وبعد أن تص ِّوت النساء للرجال، يقومون (بفكهن عكس الهواء) –"تعبريا ً عن التخيل عنهن" ...ولكن اين هن النساء ؟ ،وملاذا ينتظرن أن يُفعل بهن هذا؟ كان هذا سؤايل لألستاذة سمرية ،فأجابتُ " :هن ُمستقطبات داخل األحزاب ،ومعظمهن جيئ بهن بالتعيني يف األحزاب السياسية الطائفية وليس باالنتخاب املسنود بالقاعدة الجامهريية ،ولو كانت املرأة تأيت باالنتخاب إىل منصبها ،ملا تع َّرضت لإلقصاء واإلبعاد ،ألن القوة التي أتت بها تساندها .وتضيف سمرية: " النساء المناكفات من أجل حقوقهن داخل أحزابهن يتعرضن للتهميش واإلبعاد ،وهذا ما يحدث في حزبي.
وتسرتسل ىف رسد تجربتها الحزبية اىل ان تقول " :املرأة موجودة يف املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
65
كل هياكل الحزب (كصورة) و(ثوب) وهي ال تشارك يف إتخاذ أي قرار، ويف حزبنا ال يوجد كالم عن حقوق النساء. أنا جالسة عىل الرصيف يف حزىب وليست يل مكانة
أما إنتصار العقيل فرتى أنها مل تجد صداما أو تعارضا أو معارضة داخل حزبها النارصي اإلشرتايك وتقول" :القضايا مل تعد منفصلة ،يف الوقت الحايل ,القضايا املطلبية واملجتمعية مل ت ُعد منفصلة ،والحديث مازال عىل لسان إنتصار" :عموماً الحركة السياسية ال ترىض عن دورها فهى مل تجد ال ُحريِّة الكافية فالتضييق عىل الحريات السياسية والحريات العامة ،أث َّر عىل هذه األحزاب ،مام يعنى اننا كنساء سنتأثر بهذه املسألة، املرأة اآلن تتطور ولكن ليس بإحساس املسؤولية تجاه الذات النسوية، اآلن هناك عدد كبري من الفنانات (الغ َّنايات) ،ماهو أثره َّن عىل الحركة النسائية؟ ،ليس لديه َّن أي مسؤولية تجاه ذلك..نحن نطالبه َّن بتحسني أدائه ْن ،وأن يجعل َن من فنه َّن رسالة للمجتمع.
وتواصل أستاذة سمرية" :أنا عضوة مكتب سيايس ،ومنذ أن تك َّونت الهيئة القيادية أنا عضوة فيها ورغم ذلك أقرأ قرارتهم يف الصحف وال ا ُستشار فيها ،ونحن ال نحرض أي اجتامع لنناقش قضايا النساء فيه ،ومهام تع َّرضت املرأة داخل الحزب ألي مشكلة ،ال أحد يستجيب ،وأنا دامئاً أحتج وأرفع صويت عاليا .أنا قدمت للحزب الكثري ،مبجهودي ونشاطي, يف اللقاءات واملؤمترات ،لكن الحزب مل يقدم يل كامرأة أي شئ...".هنا غريض من العمل السياىس دخول الربملان ومتثيل كافة النساء: سألتها ,حينام متت محاكمتك وحكم عليك بالسجن ثالث سنوات يف العام 1990بتهمة كتابة منشورات (هؤالء الرجال جبهة) وتوزيع قصيدة وعن رؤية سمرية مهدي لألدوار النسائية داخل األحزاب السياسية معادية للنظام ,فهل وقف حزبك معك؟؟؟ فأجابت بانفعال غاضب" .مل يقف معي ،ونضايل ليس ُمق َّيم عىل اإلطالق وال يُذكر وال أحد يتحدث فقد جاءت أكرث تشاؤماً إذ تقول سمرية" :سأكون واضحة معك وأكشف عنه ،رغم إين تصديت للقضية وحدي ،وبرأت كل زماليئ الذين كانوا لك قناعايت، معي ومن بينهم إدريس البنا عضو قيادة مجلس رأس الدولة يف الحكم الدميقراطي األخري ،وقد ت َّم تقدميي ملحاكمة عسكرية وكان ميكن أن لن يسمح الرجال ,للنساء بالمساواة معهم وإتخاذ يحكم عىل باإلعدام ...الشيوعيات الاليت التقيته َّن يف املعتقل كُ َّن يقُل َن القرار داخل األحزاب مثلهم ،هذه المفاهيم ُمكر َّسة كنت يف حزبنا,لكنا صنعنا ِ يل ،لو ِ لك متثاال .،املؤسف أن حزىب مل يقُم بأي في دواخلهم ونفسياتهم وفي تربيتهم وتكوينهم، ردة فعل تجاه الحكم ...أنا أعترب نفيس جالسة عىل الرصيف يف حزيب". فهم يقبلون النساء في مؤسسات الحزب حتى يتباهوا بذلك،
التوجد أحزاب ُمهتمة بقضية املرأة مبا يف ذلك أحزاب اليسار: وبكل أسف ،النساء ضعيفات وغري ُمصادمات وصوته َّن خافت ،إذا مل تتمكن النساء ،لن يكون وجوده َّن النسوي مؤثرا ً ،ألن امرأة واحدة وعن تقييم النساء لوجودهن داخل األحزاب تقول زينب بدر الدين :أو اثنتان فقط قويات ،لن يف َني بالغرض؛ رغم كل ذلك ،لن أترك الحزب "ال أريد أن أقارن ببقية األحزاب ألننا األفضل ،لكن نحن كحزب شيوعي السايس ،ألن غريض من اإلنضامم إىل الحزب ،أن أدخل الربملان حتى أُثري مل يعد لنا نفس التأثري عىل النساء كام كنا يف الستينيات والسبعينيات ،كثريا ً من املسائل والقضايا ،واستدعى وزراء للمساءلة ،وأق ِّدم أكرث. فنحن مل نعد قدوة للتطور داخل املجتمع ،مل يعد هناك ما مييزنا وسط هل قضايا املرأة تضاهي قضايا الدميقراطية والحريات؟ النساء ،لذلك حتى استقطابنا وسط النساء مل يعد كبريا ً ،ألن الفكر عندما اصطدم بالواقع العميل كانت النتيجة سلبية .معظم الرجال ىف حزىب يقولون لنا أن ما تقولونه عن تطور املرأة صحيح ،لكن نحن يتحكم فينا مام تق َّدم نخلُص إىل أن أوضاع النساء داخل األحزاب السياسية ليست املجتمع ،يف كل القضايا األخرى يتحكم الرجال يف املجتمع ،ويف قضية بخري ،وال يُنبئ بحدوث اخرتاقات وإنجازات كربى للقضايا النسائية ،حتى املرأة يصبح املجتمع هو من يتحكم فيهم!!! ويقولون ال نستطيع أن تصري عىل رأس أو يف مقدمة أجندة تلك األحزاب ،فهي بالتايل قضايا ندعو لتحرر كامل للمرأة يف ظل ُمجتمع ُمتخلف ألننا نصطدم بالواقع ،هامشية مع ما تشهده الساحة من قضايا كارثية وخطرة حسب رؤية والحقيقة أن هذه هي املشكلة ،الرائدات طبَّقن ما آم َّن به حرفياً يف تلك األحزاب وقياداتها ،والسبب االسايس كام افادت ورصحت كل قضايا امل ُجتمع والتغيري اإلجتامعي كالزواج ،ففيه آمنت النساء بأن امل ُستطلعات ،غياب الحكم الدميقراطي ال ُحر الذي يتيح لقضايا املرأة أن الحياة مشاركة بني زوجني ،وتخل َني عن الحقوق اإلجتامعية من مهر تربز عىل سطح األجندة الحزبية بال وجلٍ من النظام الديكتاتوري وتبعات وشيلة، ذلك عىل الحزب ،مجمل القول أن معركة الحركة النسائية السودانية يف املاسة والعاجلة ،مازالت تحتاج لكثري من ال ِفعل ومن الفاعالت قضاياها َّ بقوة ،للتأثري عىل العقلية الحزبية امل ُتمرتسة خلف تصنيفها الذكوري الرجال كانوا أصحاب مصلحة في أفكار المشاركة التقليدي لقضايا املرأة ،واعتبارها قضايا ال تضاهي يف أهميتها قضايا وتبسيط الزواج ،وعندما دخلت المرأة مؤسسة غياب الحريات والنضال من أجل الحرية والدميقراطية. الزواج نفسها ،اكتشفت أن الرجل عاد "سي السيد" ويطالب بدوره وحقوقه التقليدية ،ذلك أحدث صدمة للنساء ور ِّدة في الحركة النسائية.
املرأة تتطور ...لكن ليس باتجاه الذات النسوية
66
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
1ثورة اكتوبر السودانية هي انتفاضة شعبية اطاحت بنظام عبود العسكري ىف1964 2
التنورة او االسكريت
3ترسيحة شعر حديثة كانت ضمن املوضة ىف ذلك الوقت
وجهات نظر المشاركات في الحوار امال عباس
صحافية سودانية معروفة وسياسية سابقة ورائدة من رائدات الحركة النسائية..عضو اللجنة التنفيذية التحاد الكتاب السودانيني.
زينب بدر الدين
معلمة ثانوى وسياسية وناشطة ىف مجاالت الحركة النسائية واملجتمع املدىن .أسست جمعية "املعلم اوالً" وهى جمعية تهتم بتحسني احوال املعلمني يف السودان .عضو مؤسس ملبادرة ال لقهر النساء وهي مجموعة تعمل عىل محاربة كافة اشكال التمييز ضد النساء عىل مستوى القوانيني والسياسات.
سميرة مهدى
من رائدات الحركة النسائية ىف السودان ,عملت ىف الجهاز القضاىئ ألكرث من عرشين عاماً..عضوة اللجنة القيادية للحزب االتحادي وممثلة لحزبها ىف لجنة االحزاب السياسية من اجل السالم. انتصار العقلي
ناشطة سياسية وعضو ىف الحزب االشرتاىك النارصى ،لها العديد من االسهامات الخريية وهى من املؤسسني لجمعية رسطان الثدى وعضوة مؤسس ىف لجنة الدفاع عن الحريات السياسية ورئيسة منرب النساء السياسيات.
كتبت أمل هباني
التصوير :خالد بحر
املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
67
سياسات الحرب على اإلرهاب وآثارها على النساء والمسلمين في كينيا أدّت حاالت االختفاء ألقرسي والعقاب خارج نطاق القانون بواسطة قوات األمن القومي يف املناطق الساحلية واألقاليم الشاملية ـ الرشقية من كينيا تحت مسمي سياسات مكافحة اإلرهاب ،إىل خلق حالة توجس وإحباط يف أوساط مجتمعات الساحل الكيني املسلمة .يف املادة التالية ،تحاول املحام ّية والناشطة الحقوق ّية"،شريلني إنجريي" ،تسليط الضوء عىل جوانب من تلك االنتهاكات التي تتعرض لها بعض النساء الاليئ فقدن أبنائهنّ أو أزواجهنّ باعتبارهن ضحايا ملا يس ّمى بـ" قوانني وحمالت " الحرب عىل اإلرهاب".
وتأتي المرأة في مقدمة ضحايا تلك األزمة في المجتمعات اإلسالمية ،حيث أصبحت تعيش حالة اغتراب متعددة األوجه؛ فمن ناحية تتحمّل الفقر والعزل االجتماعي والعيش في كنف زواج متعدد؛ ومن ناحية ثانية ،فإن العنف المتكرر على الزوج واالخوان واألبناء من قبل سلطات األمن ،يعر ّض عائلتها للتفكك.
وبالتايل كل ذلك يفاقم مسألة تع ُّرضها للتمييز .بسب هذا التوجس، ٍ حاالت كهذه ،بتواطؤها مع األنشطة اإلرهابيّة، كثريا ما تُتّهم املرأة يف بل وصارت بعض النساء ضحايا مبارشات لعمليات مناهضة اإلرهاب. وخري مثال عىل ذلك ،حال السيدة "إسنينا موىس الشيخ" ،التي قُتلت يف "مانديرا" ،يف شهر ديسمرب ،2015حيث ا ُكتشفت جثّتها يف مقربة مهجورة .أ ّما بالنسبة لغالبية النساء ،فقد أصبحن يف ظروف اقتصادية قاسية نتيج ًة لفقدان مصادر العيش الرشيفة.
منذ عام ،2011أصبح العنف املرتبط بالتطرف الديني يف ازدياد مضطرد يف كينيا خصوصا بعد نرش قوات من الجيش الكيني يف الصومال؛ إذ ترتب عىل تلك الخطوة ،قيام الجامعة اإلسالمية املسلّحة املسامة بـ "حركة الشباب" بحمالت انتقامية رشسة وشَ ّنت سلسلة هجامت داخل كينيا واعرتفت علنا مبسؤوليتها ،مام أجرب السلطات الكينية عىل التعاطي الصارم والعنيف معها .نتيج ًة لذلك وجدت املرأة الصومالية نفسها محارصة بآثار تلك املعارك ،التي جعلت منها الضحية غري املرئية كام يدفع االخفاء القرسي ،مئات من األرس للعيش يف حالة من الكرب يف حمالت الحرب ضد اإلرهاب. كام يُساهم يف متزيق النسيج االجتامعي عرب خلق حالة من الشعور بالهلع وعدم الطأمنينة وسط املجتمعات .كام يؤدي أيضاً ،إىل دفع األُرس ومنذ تب ّني قُ ّوات األمن الكين ّية سياسة اإلجراءات العنيفة ضد للعيش بصورة ُمعلّقة بني أهداب األمل واليأس ،ألنها ال تعلم ما إذا كان اإلرهاب ،أصبحت االنتهاكات ومامرسة التعذيب وحاالت االختفاء األشخاص املفقودين ما يزالون عىل قيد الحياة أم أنهم ماتوا؟ القرسي والقتل خارج نطاق القانون عرب القوات األمنية مبثابة وقائع وىف هذا السياق ،تذكر إحدى املرشدات االجتامعيات ما ييل ":بلّغت يوميّة تواجه املجتمعات املسلمة يف جميع أنحاء البالد .والحق ،فإن حاالت التمييز املمنهجة ضد املسلمني واألقل ّية الصومال ّية واللجوء إىل املئات من األرس يف مناطق الساحل الكيني عن قتل واخفاء بعض استخدام القوة بصورة غري مربرة بواسطة األجهزة األمنيّة ،قد قوبلت األقارب ،ولكن مع ذلك ،مل تنصفهم العدالة إىل يومنا هذا .ميثّل االخفاء بانتقادات حادّة من قبل منظّامت حقوق اإلنسان .وذلك ألن قوات القرسي أسوأ الخيارات ،ألنه يرتك األُرس يف حرية من أمرها ،فال تدري األمن الكين ّية يف حربها ضد اإلرهاب ،أصبحت تترصف وكأنها قد امتلكت النساء إن كن مازل ّن متزوجات أم أن الزوج املختفي سيعود؟ كام أنّه صكوكاً ت ُخ ّولها حق االختطاف والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون .يجعل بعض النساء غري قادرات عىل تحديد وضعهن االجتامعي ،هل واألدهى من ذلك ،أنها ت ُلقي القبض عىل األشخاص بقرائن واهية وليس ه ّن أرامل أم متزوجات؟". عرب آلية قانونية واضحة ،وبالتايل قد ال يكون معظم الذين تم القبض عليهم قد ارتكبوا بالفعل جرائم أو رمبا حظوظهم السيئة قد ألقت بهم وفوق كل ذلك تتعر ّض النساء الالئي فقدن الزوج أو يف حبائل قوات األمن. االبن ،بسبب القتل أو االخفاء للوصمة االجتماعية ُ ويعتبر ّ حيث يتفادى األقارب واألصدقاء ن منبوذات، ً االقتراب من النساء أو أسرهن ،خوفا من أن يتم استهدافهم هم أيضاً من قبل قوات األمن.
وما يدعو حقيق ًة لألىس هو ،أ ّن حاالت االختفاء القرسي والقتل ىف بعض األحيان خارج نطاق القانون تتم بصمت مطبق ،وال يكاد يذكرها أحد سوى أقارب الضحايا املكلومني ،بل ومن النادر أن تقوم السلطات بالتحقيق يف سلوكيات قوات األمن ،وبالتايل مل نسمع عن إدانات او وتضيف املرشدة االجتامعية" :وهذه العزلة االجتامعية لها آثارها ألي من عنارص األمن الكيني بجرائم تتعلق بتجاوزات حقوق العميقة عىل النساء وأطفاله ّن ،مام يضعهن دامئاً يف موقع الدفاع محاكامت ٍ اإلنسان أثناء عمليات ُمناهضة اإلرهاب التي تقوم بها تلك الق ّوات. واملبالغة يف حامية أنفسهن".
68
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
وجهات نظر
بعض النساء أيضاً تحدثن عن تعرضه ّن املستمر للمضايقات من قبل الرشطة وأفراد األجهزة األمنية ،يف الفرتة التي تعقب اختفاء أو قتل أحد أفراد األُرسة ،حيث يتم استهداف األطفال الذكور لهذه األُرس ،عىل نحو خاص .وكثريا ً ما تجنح الرشطة إىل مداهمة املنازل بشكل عنيف وتنزع ملراقبة املكاملات التلفونية وتقوم باالعتقال والرتهيب ومتارس غريها من تقن ّيات الرعب حتّى تضمن بقاء املواطنني يف حالة من الرعب املستمر.
تعتمد يف ذلك أيضا عىل كرم األقارب .ويف كثري من تلك الحاالت ،يحصل تتفكك أرسي ،إذ يتم ابتعاث األطفال للعيش مع األقارب القادرين عىل تربيتهم بصورة أفضل .أ ّما يف حال إرصار املرأة عىل االبقاء عىل متاسك األُرسة ،ففي هذه الحالة تضطر القبول بتأدية أعامل مرهقة يك تفي ٍ لساعات أطول مبا بواجبات املنزل .وقد تؤدي أكرث من وظيفة أو تعمل يف ذلك ساعات عطلة نهاية األسبوع والتي قد تصبح رضورية يف حال ٍة كهذه.
باإلضافة إىل العزل االجتامعي ،تتع ّرض األرس أيضا ،إىل أزمات مالية بخصول املعاناة ،تصف إحدى السيدات وضعها واملعاناة املاليّة التي حادة بسبب اختفاء معيلها .ففي كينيا ،تقليدياً يضطلع الرجال مبهمة توفري سبل املعيشة لألرسة ،بينام تنهمك النساء بأمور العناية باملنزل تواجهها كأم لطفلني ،يف إثر اختفاء زوجها يف "ممبسا" يف عام :2012 وتربية األطفال .ومع محدوديّة شبكة الدعم االجتامعي ،كثريا ً ما تضطر "لقد أصبحنا عبء عىل املجتمع الذي نعيش فيه وصار أطفايل يتعرضون املرأة التي فقدت زوجها ،إىل أن تصبح هي املعيل األسايس لألرسة ،كام للطرد من املدرسة بسبب عدم قدرتنا عىل دفع الرسوم املدرس ّية".
صورة لسوق محلي فى ممبساء
املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
69
شريلني إنجريى إنجوروش ناشطة يف مجال حقوق اإلنسان وتحمل شهادة بكالوريوس يف القانون من جامعة كمباال العاملية وحالياً تسعى للحصول عىل درجة املاجستري يف إدارة املرشوعات من جامعة جموكينياتا للعلوم الزراعية والتكنولوجية.
تسارع بعض النساء الالئي فقد ّ ن أزواجهنّ ،الحصول على الحق في التركة المالية للزوج ،إال أن ذلك يتطلب الحصول على شهادة وفاة قانونية حتى يسمح بانتقال تركة الورثة لألقارب .لك ّ ن األمر مع حالة اختفاء الزوج يبدو عسيراً ،إذ يستحيل استخراج شهادة الوفاة لعدم وجود أدلّة ثابتة تؤكّد وفاة المفقود.
يف الواقع ،أنا هنا ال أشكك أبدا ً يف أهمية السياسات املناهضة لإلرهاب ،كام ال أشكك يف أهميتها بالنسبة لحامية األمن العام ،ولكن مع ذلك ،يجب تنفيذ هذه السياسات عىل نحو شامل وىف إطار حكم القانون واحرتامه لتجنب الفوىض وعدم التع ّدي عىل الحريّات املدن ّية. كذلك ،يجب أن تخضع عمليات مناهضة اإلرهاب إىل معايري واضحة ومراقبة لصيقة ،بحيث يكون هدفها النهايئ هو ،تحقيق استقرار طويل األمد وليس مج ّرد رد فعل عىل األحداث. يف الحقيقة ،مناهضة العنف بعنف أكرب حجامًُ ،يثّل نهج عديم الجدوى ولذلك أمثر النهج الذي تتّبع ُه السلطات الكينيّة بنتائج معكوسة، حيث أدّى يف النهاية ،إىل خلق بيئة صالحة لنمو وانتشار العنف والتطرف بشكل وبايئ ،كام أصبحت انتهاكات حقوق اإلنسان مسألة شبه عادية. وبالتايل ،اتسعت فجوة عدم الثقة بني الدولة واملجتمعات املحرومة، والتي مل تجد بدورها خيارا ً مختلفا سوى اللجوء إىل العنف. في الوقت الراهن ،المضايقات واالعتقاالت العشوائية والقتل خارج نطاق القانون ،باتت كلها عوامل تساعد على تغذية المرارات ضد الدولة ،بل تحولت في بعض الحاالت إلى وسائل يجري عبرها تجنيد الشباب في المجتمعات المهمّشة بواسطة مجموعات التطرف الديني التي تتبني العنف.
ومعروف أن املجموعات املتطرفة قد عملت طوال عرشات السنني عىل مرشوع التخريب والعزلة الثقافية للمجتمعات املسلمة يف أفريقيا، مستغلة يف تحقيق ذلك انتشار الظلم االجتامعي والعزلة والتهميش االقتصادي السائدة يف تلك املجتمعات .وهكذا ،أصبحت تلك املجتمعات محاضن يتم عربها إغراء الشباب املسلم لقبول أطروحات جامعات اإلسالم السيايس التي تتبني وتروج للعنف والتخريب كسبل للمقاومة. الحال يف كينيا شبيه بتلك الحاالت ،حيث يسعى الشباب إىل إيجاد مصادر حامية ودعم من عنارص خارج إطار الدولة ،وبالتايل يسهل
70
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
انحدارهم إىل عامل الجرمية والعنف. من هنا ،يتوجب السعي ملعرفة األسباب الحقيقيّة التي تؤدّي إىل ال ُعنف ،مبا يف ذلك النظر إىل اإلطار االجتامعي ِ والسيايس العام األوسع. هل له دور يف هذا الوضع املتدهور؟ كذلك ،يجب علينا توفري الضامنات القانونيّة وتب ّني مناهج مدنيّة واجتامعية يف تعاملنا مع املجتمعات املترضِرة .ف ُمواجهة اإلرهاب باإلرهاب يجعل ِم ّنا جميعاً إرهابيون.
كتبت شيرلين إنجيرى إنجوروش
من االنجليزية :محمد عثمان الفكي
وجهات نظر
نساء الصوفية الكنوز ُ المخبأة
هذا املقال ،يتناول دور املرأة يف تاريخ التصوف ،وذلك انطالقا مام ورد يف كتاب (نساء الصوفية ـ الكنوز املخبأة) ،والذي هو عبارة عن مقتطفات وقصص فريدة ،لشاعرات وشعراء العرفان وفقهاء وأقطاب املتصوفة من النساء والرجال ،قامت بجمعها الكاتبة االمريكية املسلمة واملتصوفة "كاميل آدمز هلمينسىك ـ ."Camille Adams Helminski وبالطبع ليس من السهل تعريف التص ّوف ،وإن كان ينظر إليه بحسب تقاليد التصوف املعروفة ،باعتباره الرحلة/األوبة والسعي يف مسالك اإلميان .إال أن الذي ال خالف حوله ،هو الدور الكبري واملحوري الذي لعبه التصوف من خالل الطرق الصوفية ،وعرب شبكة مشايخها يف نرش الدين اإلسالمي يف جميع أنحاء القارة األفريق ّية. وقد استطاع التصوف بتركيزه على الجانب الروحاني واإلنساني للدين ،وخاصةً عبر أبوابه المفتوحة دائما اتجاه اآلخر ،أن يمد الجسور ما بين اإلسالم والثقافات المحلية في أفريقيا.
رسالة التص ّوف .ويعترب الكثري من هؤالء شعائر املتصوفة الدينية ،كحلقات ِ الذكر التي عادة ما تكون مص ُحوبة بال ِغناء والرقص واللبس املزركش ،مظاهر غري إسالمية .كام أنهم يشنون حرباً رضوساً عىل ُمجمل الجوانب ال ِعرفَانيّة للتص ّوف. ذلك أل ّن الدين بالنسبة لتلك الجامعات السلفية ،هو وسيلة للحشد والتعبئة السياس ّية ،ويتم ّحور أساسا حول ُو ُجوب الطاعة املطلقة ،وليس ِر ْحلة ُروحيّة ت ُق ّر باالختالف ،ومن ث ّم ،قُبول اآلخر ،كام يزعم املتص ّوفة.
من هنا ،يلقي كتاب الباحثة "كاميل آدمز هلمينسىك" املوسوم بـ "املرأة املتص ّوفة" ،باملزيد من الضوء عىل الدور الذي لعبته املرأة يف تاريخ التص ّوف .فهو يسلّط الضوء عىل القوة ال ُروح ّية الكامنة لدى املرأة، مع الرتكيز عىل قُدرتها عىل سرب أغوار عامل الباطن وارتباطها به ،ودورها فقد لعب مشايخ التصوف دورا ً حيويّاً يف اعتناق سكان أفريقيا القيادي يف عامل الروحانيات. لإلسالم ،وذلك باحرتامهم وتقديرهم لتقاليد وثقافات السكان املحليني، ومن المعروف تاريخيّاً أنّه قد تم سلب المرأة المسلمة من مسئولياتها وتعاونهم مع قيادات القبائل والزعامء الروحيني .وعىل ال ُرغم من أ ّن ً الروحي ّة بواسطة أيدولوجيات النظام البطريركي /األبوي والحقا اسهمت التص ّوف يجد جذوره يف ديانات شبه القارة الهنديّة ويف العديد من قوى السلفية المتعنتة ،في التقليل من شأن المرأة ومن قدرتها على أن الديانات يف مختلف أنحاء العامل ،إالّ أنّه وجد طريقه إىل اإلسالم وأُسست تُصبح كائناً رُوحيّاً. له تقاليد وجذور راسخة داخل الدين اإلسالمي. وذلك برتديدها وترويجها للخطاب الذي يعترب دون ّية املرأة مسألة التخل ولكن ومع بداية القرن التاسع عرش ،بدأ الكثري من املسلمني ّ عن التص ّوف ،بل جرى اتهام املتصوفة بالزندقة والرشك .وقد تضافرت ِخلقيّة ،كل ذلك أدّى يف النهاية إىل حرص الرسد والتوثيق يف مسائل عدة عوامل يف ذلك وأسهمت بدورها يف خلق اتجاهات تح ّرض عىل القيادة الروحان ّية عىل الرجال دون النساء. ُمعاداة التص ّوف ،من ضمنها الغزو الرتيك العثامين الذي بدأت معه يف مقدمة الكتاب ،ت ُفرِد هلمينسىك مساحة واسعة ملناقشة دور تقاليد تسييس الدين واستخدامه يف ترسيخ سطوة الدولة العثامنية. وبحلول القرن العرشين ،أطلق عدد من الليرباليني واملصلحني انتقادات ومساهمة املرأة يف النمو الروحي لإلنسانية ،متحديّة بذلك املنحى حادة تجاه التص ّوف ،اتهموا فيها االخري بالعمل عىل تشجيع الخرافة األبوي الذي ينزع إىل وضع السلطة ال ُر ِ وح ّية بأكملها يف أيدي الرجال. واملساهمة يف تخلّف وتراجع مكانة املسلمني يف العامل ،يف مقابل الهيمنة وتقول يف هذا الصدد: الغربية .أ ّما فيام يتعلق مبحتقري التص ّوف ،ف ََي َى هؤالء أنّه يعمل عىل ّ َ خلق " ُعزلة ُروحية" ،من شأنها خلق واقع اجتامعي وسيايس سلبي وغري "منذ فجر الوعي ،شقت البشرية (رجاال ونساء) طريقها للتوحّد مع مصدر الوجود ،وعلى الرغم من أنّنا نأخذ أشكاالً مختلفة لذواتنا في عالمنا ف ّعال .كذلك ،ات ّهم البعض التصوف بالتواطؤ والتعاون مع االستعامر يف مناطق أفريقيا جنوب الصحراء ،واليوم ت ُحاول حركات اإلسالم السيايس المبنى على مبدأ الثنائية ،إال إنّه وفي عالم الحقيقة المطلقة ،ال يوجد والحركات السلفية ،استخدام تلك االنتقادات إلبعاد الناس عن تلقّي رجل وامرأة ،إذ ال ي ُوجد هناك سوى اإلنسان". املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
71
أ ّما يف منت الكتاب ،فتقوم املؤلفة برصد وعرض سرية العرشات من النساء املتص ّوفات ،كاشف ًة عن املناهج اإلبداعيّة امللهمة واملتن ّوعة التي عبن من خاللها عن الحياة الروحية للمرأة ،منذ بدايات القرن السابع ّ وحتى يومنا هذا .وتبدأ الكاتبة برسد حياة النساء اللوايت أُطلق عليه ّن لقب "املرأة املتصوفة يف قلب اإلسالم" ،وشملت القامئة كالً من السيدة خديجة ،والسيدة عائشة ،والسيدة فاطمة الزهراء .و َع َم َدت بعد ذلك، إىل تناول سرية " َحار َِسة الب ّوابَة" الشهرية ،رابِعة العدويّة.
أ ّما رحلة السيدة "نفيسة" واملعروفة أيضا بـ "جوهرة املعرفة" أو "أ ّم املستضعفني" ،فتعترب من ِ السري املدهشة وامللهمة يف آن واحد .السيدة نفيسة حفيدة السيد الحسن ،ابن السيدة فاطمة واإلمام عيل .ولدت ىف مكة يف عام 760ميالدية وهاجرت الحقاً إىل مرص ،و ُعرِف عن السيدة نفيسة قدرتها عىل العالج .كذلك اشتهرت بحفظها الكامل للقرآن عن ظهر قلب ،ومعرفتها الدقيقة ببواطن اإلسالم ،مام دفع ُمعارصها اإلمام الشافعي إىل الحرص يف االستامع إليها ،و ُمحاورتها يف أُمور الدين .وقد رص عىل أداء الصالة كان اإلمام الشافعي يكِّن لها احرتاما شديدا ً ،وكان ي ّ معها خالل شهر رمضان كله ،بل وكانت غاية أُمنياته وهو عىل ِفراش املوت ،أن تؤم السيدة نفيسة صالة جنازته .إال أن صيامها املتواصل، أخذ منها كل مأخذ وجعل حركتها محدودة .وعند وفاة اإلمام الشافعي، أضْ طُر املش ّيعون ألخذ جثامن اإلمام الشافعي إليها يف منزلها ،فأكرثت من ومم يذكر عنها يف هذا السياق ،أنها قالت" :الل ُه ّم الصالة والتسبيح عليهّ . أرحم الشافعي ،فقد كان يؤدى فرائض الوضوء والصالة بورع وروحانية".
ولعل من أشهر ِ السري التي تناولها الكتاب هي سرية "رابعة العدوية"، ّ ً ِصيّة" .حيث يعرِض الكتاب ما ذكر ُه "فريد ب ال ابعة ر " بـ ا أيض واملعروفة ْ ِ الدين العطّار" ،القُطب والشاعر الصويف املعروف ،من سرية رابعة .يقول دي رابعة العطّار" :ولدت رابعة العدوية يف العام 707ميالدية وكان والِ ّ ُم ْعدمني متاما ،لدرجة أنه مل يكن لديهم الزيت إليقاد فتيلة املصباح ،أو حتى قطعة قامش للف جسد الطفلة يف ليلة والدتها .وعندما طلبت والدتها من زوجها أن يستعري قليالً من الزيت من الجريان ،رفض األخري، ُم ّربرا ً ذلك بالعهد الذي قطعه عىل نفسه ،وهو أالّ يطلب شيئاً من أحد بخالف الله".
ويف استعراضها لسرية املرأة املتصوفة يف أفريقيا ،سلّطت املؤلفة الضوء عىل حقيقة أ ّن التصوف يف أفريقيا كان قد نشأ مبعزل عن اإلسالم يف الرشق األوسط ،أو يف البلدان العربية .وت ُرجع ذلك إىل تعاظُم نفوذ ُعلامء الصوفية ومشايخها املحليني .ويتناول الكتاب الحضور ال َف ّعال الصوفيّة املختلفة ،واألدوار التي كانت ت ُؤدّيها. لِلمرأة األفريقية يف الطُرق ُ ِ املتعاظم للمرأة يف اإلسالم الصويف، كذلك يُزيح الكتاب النقاب عن النفوذ وذلك قبل مأسسة الدين بواسطة الق ّوى االستعامرية.
ومن خالل رحلتها املستمرة يف جميع بالد العامل ،تقوم املؤلّفة بالتعريف باملرأة املتص ّوفَة ،يف ك ُّل من آسيا وأفريقيا والرشق األوسط وأوروبا وأمريكا ،متتبِّع ًة مآثِره ّن يف مجال الفقه اإلسالمي والتدريس والقيادة ،كاشف ًة يف ذات الوقت ،عن مكا ِمن قُوته ّن وتفانِي َن ُه ّن يف عامل الصوفيّة ،هذا باإلضافة إىل الروحانيات ،وتأثري نفوذه ّن عىل املدارس ُ تناولها لجانب من حياة وكتابات املتص ّوفة من الرجال.
تمثّل "نانا أسماو" ،التي عاشت في نيجيريا فى الفترة بين ،1864-1793 ِ المتعاظم داخل الطرق الصوفي ّة في أفريقيا. نموذجاً ناصعاً لنفوذ المرأة كانت نانا أسماو ُمد ِّرسة ،وقائدة ذائعة الصيت وسط مسلمى الهوسا.
بعد وفاة والديها ،وقعت رابعة العدويّة يف أرس االسرتقاق .يف تلك الفرتة أكرثت رابعة من الصوم والصالة ،حتى تجابه كُربَتها باإلميان ،وملا الح َظ س ّي ُدها كرثة َصالتها وصيامها املستمر وسمت ال َو َرع الذي عرفت وكانت تتمتع مبوهبة أدبية وشعرية وقُدرة عىل الكتابة والقراءة به ،انتابه الخوف الشديد منها وقرر إعتاقها. باللغتني ،ال َه ْو َسا والعربيّة ،فضال عن شخصيّتها املتواضعة والتقوى التي كانت ت َتمتّع بها ،كل هذه الصفات ساعدت يف إذاعة شُ هرتها يف اآلفاق ومن أكرث املواقف إثارة لالهتامم يف سرية رابعة العدويّة ،استامتتها السيّام أوساط املسلمني يف أفريقيا جنوب الصحراء. من أجل أداء شعرية الحج .وعىل ال ُرغم من أنّها مل تذهب إىل مكة قط، وهكذا يفصح الكتاب عن عدد من النساء من أمثال نانا أسامو ،ممن إالّ أنّه ومن شدة استامتها يف الذهاب إىل الحج ،يُقال :إ ّن الكعبة اتت الصو ِف ّيةُ ،منذ صدر اإلسالم .وال إليها يف مكانها. كان لَ ُه َّن نفوذ ُمتعاظم يف اإلسالم ويف ُ يكتفي الكتاب بفتح الباب عىل مرصاعيه أمامنا للتأمل يف حضور املرأة وفي موقف رابعة ترميز عميق لمغزى آية الحج "من الكثيف واملسكوت عنه يف عامل الصوفية فحسب ،ولكنه أيضاً يدعونا للتأمل يف ثراء وتن ّوع وتسامح عامل الصوفية وآفاقها الرحبة ،ودورها يف استطاع إليه سبيال ً" ،ألنه ببساطة يتجاوز الجوانب نرش وتطوير اإلسالم. الطقوسية والمادي ّة التي هيمنت على فريضة الحج في عالم اليوم.
فقيمة التَن ّوع التي كان التص ّوف يَتمتّع بها ونهجه الرامي إىل ِسلْ ِميّة وتعكس أشعار رابعة العدوية ،مدى قُ ّوتها الروح ّية وثقتها ال َعال ّية الدعوة والتسامح الذي يقوم عليه التفاعل اإلنساين ،شكّلت يف مجملها عوامل أسهمت عىل مدى التاريخ ،يف توفري املناخ املالئم للحضور الفاعل وتفانيها الروحي. للمرأة يف رحاب الصوفية ،مام أسهم بالتايل يف تبوئها خالل الحقب التاريخية املختلفة ،مراتب قيادية ُمتَنفّذة يف الطرق الصوفية .ولكن مع الباب أجدىن مؤهل ٌة ألن أُصبِح حارسة ْ األسف ،أُسدل بعد ذلك ستار كثيف عىل حضور وإسهام النساء يف الصوفية فال أسمح للذي داخيل بالخروج بواسطة قوى األبوية ،املتمثلة يف سيادة مناهج اإلسالم السلفي والسيايس. وال أسمح للخارج بالولوج فالذي يدخل رسعان ما يخرج، ألنه ال يوجد بيني وبينه شيئاً، الكاتبة :هالة الكارب صمء من خزف فأنا حارسة باب القلب ولست ُمج ّرد كُتلة ّ
72
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
وجهات نظر
جويرية نامويومبا
شابة مسلمة من يوغندا وحديث حول تناقضات الواقع المعاش
قبل ُصعود اإلسالم املتشدد ،مل يكن أمرا ً ذا بال ،أو يشكّل قضية، ظل اإلسالم جزءا ً من الثقافة أن تكون/ى مسلامً/ة ىف يوغندا .فقد ّ اليوغندية ،منذ القرن ( الـ ،) 19عندما ت ّم التبشري به من ِقبل التجار العرب واملهاجريني من نواحي السودان والساحل االفريقي املتاخم لجزيرة العرب .ووفقاً للتعداد الوطنى للسكان واملساكن ،لسنة ،2002 ميثل السكان املسلمني ثالث أكرب املجموعات الدينية ،بعد الكاثوليك واإلنجيليكان يف يوغندا .وعىل الرغم من املاىض املضطرب ،وسنوات الرصاع األهيل ،يف الثامنينات ،فإ ّن يوغندا ُعرفت منذ زمن طويل ،كمكان للتسامح والتنوع والحرية .إال أنه خالل ( الـ ) 20سنة املاضية ،والتي شهدت صعود اإلسالم املتطرف .وهو اتجاه أبرزته عوامل ( جيوسياسية) ،مبا ىف ذلك ،الدور الريادى املفرتض ليوغندا ىف بعثة حفظ السالم يف الصومال .أدى الن تصبح البالد هدفاً للجامعة اإلسالمية املتطرفة مبا يف ذلك حركة الشباب الصومايل ،الذين أدّى هجومهم عىل اثنني من أماكن الرتفيه يف كمباال إىل مقتل أكرث من 70شخصاً اثنا مشاهدتهم ملباريات كرة القدم يف التلفزيون .ومنذ ذلك التاريخ ،أثارت التدابري املستمرة ملكافحة اإلرهاب ،التوترات الدينية ىف البالد ،وم ّزقت النسيج اإلجتامعى ،ملجتمعات كانت تعيش ىف تسامح وتعايش شامل. جويرية نامويومبا ،شابة يوغندية من مواليد العام 1996تدرس ادارة االعامل يف جامعة ماكرري يف كمباال ُ ،ولدت يف منطقة ( كوميبى ) ،واحدة من التقسيامت اإلدارية الخمس ،ىف مدينة كمباال ،وهي منطقة مكتظة بالسكان ،غالبية سكانها من املسلمني .يقف مركز تنمية املجتمع الذى ت ُعترب جويرية واحدة من ناشطاته يف منتصف منطقة كومبي .وهو مركز يعمل عيل دعم االندماج املجتمعي للشباب املسلم وبناء مهارات العمل لديهم .التقت مجلة (( املرأة يف اإلسالم )) مع جويرية ،يف نهايات العام ،2016يف مركز تنمية املجتمع حيث كانت مشاركة يف منرب مناقشات حول ( اإلسالم وحقوق اإلنسان)، بني الشباب اليوغندي املحىل ،بالتعاون مع املبادرة االسرتاتيجية لنساء القرن األفريقى ( صيحة ) و الجامعة اإلسالمية يف يوغندا .يف هذا الحوار تط ّوعت جويرية لإلدالء باراها حول ماذا يعنى أن تكون امرأة ,شابة ,و مسلمة يف يوغندا ما بني التصورات السائدة حول االسالم والواقع املعاش يف مجتمعها .لفتت جورية انتباهي بتساؤالتها املتصلة والذكية وتعبريها الرصيح عن قلقها حول اوضاع املسلمني والنساء يف يوغندا.
شقيقتي مع جديت ألىب .حينام كربت أدركت مدى تنوع عائلتي إذ أننا مل نكن جميعنا مسلمني .وكمثال لذلك ،فبينام كانت عمتي مسلمة فأن زوجها كان مسيحيا. بعد أن أكملت مرحلة األساسُ ،عدت إىل ( كوميبى) ،ألدرس املرحلة الثانوية ،وأقمت مع جديت املسلمة املتشددة .مل أكن أرتدى الوشاح " الطرحة "، عندما كنت أعيش مع ع ّمتى ،ولكن ،عندما انتقلت إىل ( كوميبى ) ،قالت ىل ج ّدىت " :لطاما أنا ىف منزلها يتوجب ىل أن أغطى شعرى متاماً مثل أخواىت" .جدىت ،نشأت ع ّ وعاشت عمرها يف عائلة متدينة و محافظة، ولذلك ،كانت صارمة ج ّدا ً معنا .ىف بداية انتقايل ،كانت شقيقتاي ،تسخران منى و مل يك ّن يستمعن إ ّىل ،باعتبار أىن ال أعرف أي يش عن اإلسالم ولكن مبرور الزمن توطّدت عالقتي مع أخوايت ورصنا نناقش كافة املواضيع . ىف ( كوميبى) التحقت مبدرسة اسالمية ،حيث كان لزاماً عيل تغطية رايس من الصباح وحتّى املساء .و كنت يف طريق عودىت إىل املنزل، أخلع وشاحي يف الطريق املؤدى إيل بيت جديت ،ث ُ ّم أضعه عىل رأىس م ّرة ثانية ،عندما اقرتب من املنزل .ويف ذات م ّرة رأتني جديت " ،غري محجبة " ىف املواصالت العامة " املتاتو" ،وعندما ُعدت للبيت ،كان حجايب عىل رأيس، ربا ش ّبهتنى، فواجهتنى ،مبا رأت ،بأُم عينها ،ولك ّننى أنكرت متاماً -وقلت لها ّ عن طريق الخطأ ،بفتا ًة أُخرى .وعندما ه ّددتنى ،بأنها ستخرب والدى بتلك أتخل عن وشاحي الواقعة ،رجوتها أن ال ت ُقدم عىل ذلك ووعدتها بأن ال ّ م ّرة أُخرى ىف األماكن العامة.
رغم كل ذلك اعتقد انني كنت محظوظة ال نني ذهبت للمدرسة وواصلت تعليمي .ىف البداية مل يرغب أعاممي أن أواصل تعليمى .وقالوا يل ، يكفي ما تعليمتيه ،لقد أكملت املرحلة املتوسطة ،ولكنني ثابرت ونجحت ىف اقناع والدى ،الذى يحبني كثريا ً ،فوافق أخريا ً عىل دعم تعليمي الجامعي نشأت ىف أرسة مسلمة " ُ " إن كانت تلك رغبتي .مع االسف شقيقايت ،مل يجدن هذه الفرصة ومل يذهنب ُولدت ىف العام ،1996يف أُرسة مسلمة ،وترعرعت مبنطقة " إيقانقا للجامعة مثيل. " يف رشق يوغندا ،حيث كنت أعيش مع ع ّمتى ( شقيقة أىب ) ،بعد "يف فرت ٍة ما من حيايت ،اعتقدت أنّ ما يفعله بوكو حرام و حركة الشباب، لدى شقيقتني أخريات، أن توفيت والدىت ،وتركتنى إبنة سنتني فقطّ . التحقت بعائلتها ،فيام بقيت هو الصواب بعينه " اكرب مني .كان لعمتي ست أطفال حينام ُ املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
73
لقد ظللت دوماً فخور ًة بديني .يف بعض األوقات كان بعض الرجال " املعمعني" ،يحرضون إىل منطقتنا و كنت أسمع شقيقايت ،يقلن إ ّن االنضامم وااللتحاق مبثل هؤالء الناس ،سيضمن للمرء مرضاة الله .ىف تلك الفرتة من حيايت اعتقدت أنني أضعت العديد من الفرص ،بعدم االلتحاق بتلك املجموعات .شقيقايت ،قلن يل ان هؤوال الرجال سيذهبون أى ىشء. للجنة مبارشة مبجرد مامتهم .يف ذلك الوقت ما كنت أعرف ّ لقد نشأت معجب ًة بهؤالء الرجال ومعتقدة بأنّهم طيبون ،وأ ّن أفعالهم تتم بتكليف من القرآن الكريم. مازلت أذكر يوم مباريات كاس العالم ،2010حينما قتل متطرفوا حركة الشباب العشرات من الناس في كمباال ،في البداية شعرت بالحزن على مقتل هؤالء الناس ،ولكنّنى ،اعتقدت أن المتطرفين ،ربما كانوا على حق ،طالما أ ّ ن المقتولين ،كانوا يضيعون وقتهم فى مشاهدة مباريات كرة القدم،
بدالً عن مامرسة العبادة .لقد اعتقدت أ ّن إضاعة الوقت ،ىف مشاهدة كرة القدم ،إثم .كنت أعتقد أ ّن الناس من حوىل يقرتفون الذنوب، النّهم يخرجون للمتعة ،ويأكلون ىف الخارج ،وأحياناً ،يقعون يف الذنوب و اآلثام .كذلك ،الحال حينام اختطف متطرفو حركة بوكو حرام ( ) 200 بنت نيجريية ،اعتقدت أنّها أخبار جيدة مبا أ ّن الفتيات املخُتطفات لسن مسلامت وس ُيجربن عىل اعتناق اإلسالم. " لقد تعلمت عن اإلسالم بطريقة ُمغايرة "
قبل اكتساب تلكم املعارف الجديدة ،كان ممكناً أن أنضم لجامعات املتش ّددين دينياً ،باعتبار أ ّن ذلك هو االمر الصحيح ،وهو الواجب فعله .ولكن اآلن ال أود االقرتاب منهم .كنت أظن أ ّن العيش املشرتك مع غري املسلمني فيه إثم وأ ّن االحتفال مثالً بعيد الفصح وعيد امليالد " الكريسامس" خطيئة.اآلن ،أدركت أن األمر ليس كذلك ،لقد أصبحت استمتع بقضاء لحظات سعيدة مع أصدقاء وصديقات ،وأقارب من غري املسلمني .ليس ذلك ،فحسب ،بل أصبحت أحب االستامع إىل موسيقى جاسنت بيبري** ورصت ال اخجل من الرقص يف الحفالت العامة. ىل أن أمارس التمييز ضد اآلخرين؟" "ملاذا يتو ّجب ع ّ لدى أصدقاء وصديقات من غير المسلمين .واحدة من صديقاتي ،قالت لي ذات مرة " :لن أصبح مسلمة ،يا جويرية" ،ومع ذلك ،مازلت أحبها . ُ ولكنّنى ،ال أريد الحديث معهن فى الدين ،ألنني أعرف أنّه إذا مضينا فى مثل هذا النوع من الحديث حول معتقداتنا الدنية سنتشاجر.
ىل أن ألوذ بالصمت بدالً عن الخوض ىف مثل هذه األحاديث. ولذلك ،ع ّ وأنا أيضاً قريبة من أبناء وبنات عمومتي وهم غري املسلمني ألين نشأت وتربيت معهم/ن وأحبهم كثريا ً .وانا ال أريد أن أؤذى اآلخرين واألخريات ،كام يفعل املتطرفون .أود أن أدعم مجتمعى ،وبصورة خاصة النساء املسلامت اللوايت بعانني من العزلة ،ويُعاملن كام لو كُ ّن ملكاً للرجال. يجب أن نبحث عن املزيد من املساواة ،أل ّن النساء يستطعن أن يفعلن ،ما يفعله الرجال والناس بحاجة إىل ذلك الجهد .كثريون من زمالء دراستي ،ال يريدون اإلعرتاف ،بالحقوق املتساوية للنساء .وكمثال عىل ذلك ،عندما يتعلق األمر بإنتخاب ممثل إلتحاد الطالب ،يرتدّد الرجال ىف اختيار إمرأة للقيادة ،إذ ال يودون أن يكونوا تحت إمرة إمرأة، رغم أن عددا من النساء ،نافسن عىل هذا املنصب و املنافسة يف حد ذاتها تكسب الشجاعة حتى ولو مل نحظ بالفوز .عند تخرجي أود أن اعمل ألكون نائبة يف الربملان .هذه هي أمنيتي ,فأنا ارغب بشدة يف ان أن أخدم مجتمعي ،وأن أدعم تقدمه.
التدريب والنقاشات التي خضتها عن اإلسالم وحقوق اإلنسان ، مبركز شباب كوميبى ،ه ّز ت قناعايت كثريا ،واكسبتني معارف جديدة، لقد أدركت أ ّن ما تفعله حركة الشباب الصومالية هو أمر ال يسمح به اإلسالم وال يُق ّره .عدت للمنزل ،وحكيت لشقيقايت ،ما تعلمته ،عرب النقاشات عن اإلسالم وحقوق اإلنسان ،ولكنهن مل يستمعن إىل قويل، ىل أن أمنحهن بعض الوقت .وىف وسخرن مني كاملعتاد .وقلت ،حسناً ،ع ّ يومٍ ما ،سألتهن :كيف سيكون شعورهن إن كان أحد األقارب ابن خال، أم ،أب ،أو نسيب ،كان هناك ىف " لوقوقو " ( املكان الذى حدث فيه أنا أعرف الكثري من الشباب ،الذين ليس لديهم عمل ،ويبقون ىف بند هجوم حركة الشباب ) حينام انفجرت القنبلة ىف عام 2010؟ صمنت جميعهن وكأنّ ا لو كان احد الذين قتلوا بال سبب ذي صلة دم او العطالة .من السهل عىل هؤالء السري يف الطريق الخطأ .طريق أولئك الذين يؤث ِّرون عليهم ،ومينحونهم املال ،أو يعدونهم باملكافأة األبدية ورحم بنا. امل ُنتظرة من السامء. ما تعلمته وخرجت به بعد العديد من النقاشات ،أ ّ ن اإلسالم ي ُحر ّم قتل األبرياء .لقد تعلمت أ ّ ن الرجم ليس له أساس فى اإلسالم ،وينبغى ،أن ال ي ُقتل أحد بتهمة الزنا .وقد فهمت معني االجتهاد والتفاسير.
يف النهاية ،أقول للشباب املسلم ،عليهم أن يواصلوا يف طرح األسئلة دون خوف .كام ينبغي عليهم ن أن ال يخجلوا أو يخافوا إذا راودتهم الشكوك ،وأن ال يركنوا للمسلّامت ،بل عليهم التفكري ،وطلب املساعدة. إذا مل نسعى يف طلب املعرفة ومل نسأل ،فلن تجد اإلجابات وسنظل وقد تعلّمت عن الجهاد [ أى الكفاح والسعى* ] من منظور دينى ،تائهني ومرتبكني ونصري ضحايا ألفكار مضللة. وهو يشري إىل الجهود املبذولة للميض قدماً يف اإلميان من خالل الوسائل رصفوا وفق الظروف السلمية وفهمت مواقف أولئك الفقهاء الذين ت ّ واألوقات التي عاشوا فيها. حاورتها لمجلة ( المرأة في اإلسالم) هالة الكارب من االنجليزية :فيصل الباقر
74
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
* ت ّم مؤخرا ً تشويه مفهوم [الجهاد ] واستغالله من ِقبل املتشددين اإلسالميني، للحصول عىل وصاية ولتوسيع سيطرتهم عىل السكان واألراىض. ** املغنى وكاتب األغاىن الكندى
وجهات نظر
الصورة من تصميم :ارنولد برونغي -يوغندا
إشكالية الفتاوى فيام تنترش تقارير إعالن ”الجهاد الجنيس ”يف سوريا بواسطة كتبة من املمكن لـ(آيات الله) أن يصدر فتوى ،تبيح قتل كاتب وروايئ مثل الترصيحات الدينية الغريبة ،والتي كل ما تفعله هو أن تشوه سمعة سلامن رشدي وتحظى تلك الفتوى بدعم وتأييد من املسلمني يصبح اإلسالم وتشوش تصورات غري املسلمني للعقيدة اإلسالمية ،تدعو ليس بالعسري أو الكثري ،تصديق أنّه من املمكن لرجل دين آخر ،أن يصدر فتوى ،تدعو ألي يشء يأرس خيال املسلمني. ريازات بات يف هذا املقال لبعض التعقّل. يرفض العديد من الناشطني السوريني التقارير التي تردد أ ّن ”الجهاد الجنيس“ قد وجد له مكاناً يف سوريا ،وانه يحدث داخل حدودها ،وذلك بعد أن رصح مسئول تونيس ،أ ّن فتيات تونسيات انضممن مليلشيات تنظيم الدولة اإلسالمية ُعدن إىل بلدهن ،من سوريا و ُه ّن يف حالة حمل .هذا الطعن ،يتبع قوالً سابقاً ،صدر من رجل الدين السعودي، الدكتور "محمد العريفي" ،الذي تراجع وأنكر قوله ،أنّه "يحق للمقاتلني السوريني وينبغي لهم مامرسة الجنس ،للحفاظ عىل معنوياتهم عالية". تلك الفتوى العبثية وغري األخالقية ،اكتسبت الكثري من الجاذبية. حيث مل تقترص عىل الرواج يف اإلعالم ومواقع التواصل االجتامعي فحسب ،بل أنها صارت محور نقاش بني وىف العديد من مجتمعات املسلمني لدرجة إن البعض قد اعتقد يف صحتها ،وبالطبع يرجع هذا وايل حد كبري ،إىل السلطة غري املوضوعية املخولة " لرجل الدين” ،فإذا كان
بالنسبة للعديد من المسلمين ،الفتوى ،هي رأى يستند على نص إسالمي ،وتصبح سابقة ،مع استخدام الناس لها،
كدليل إرشادي ،للقضايا الزمنية ويطلقها شخوص من املفرتض أن ميتلكوا أرضية معرفية تخول لهم إطالق الفتوى املحددة .فالفتاوى، ليست ُملزمة ،وال هي عاملية .لذلك ،فان فتوى رجل واحد يف مكان ما ،قد تكون مسألة عبثية يف مكان آخر .إال أن األحكام ”املزعومة واملنافية للعقل واملنطق والتي صارت سائدة “ مثل أنواع من األطعمة غري مقبولة ألنها تذكر بالعضو الذكرى ،أو فتوى استخدام منع النساء لجهاز تكييف الهواء ،أو مجامعة امليت ،أو تحريم إرسال التمن ّيات للناس بعيد (كريسامس سعيد) .كل تلك املقوالت تعرب إىل حد كبري عن قدر من عدم االحرتام للعقيدة والعقل. املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
75
وجهات نظر
ريازات بُات ،صحفية وسائط متعددة، حائزة عىل جوائز عاملية .عملت يف مؤسسات صحفية معروفة عاملياً ،مبا يف ذلك هيئة اإلذاعة الربيطانية ،صحيفة القارديان ،الديىل تلغراف ،وقناة الجزيرة اإلنجليزية. وهى خريجة جامعة أكسفورد ،وحاصلة عىل ماجستري من قسم دراسات الحرب، بالكلية امللكية يف لندن.
والشاهد في األمر إن الفتاوى ،سواء كانت وهمية أم ال فقد أصبحت محور تركيز وسخرية العالم.
وصارت تتصدر قامئة العرشة األوائل ألسوء األحكام يف العامل والتي تصدر بنهاية كل عام .وقد منا إىل علمي أن هناك موقع لخدمات الفتاوى أو "عرض الفتاوى “ يوفر املراجع واملصادر ،من أجل تيسري أعامل مصدري الفتاوى ،وهو أمر مربك ،ويحتاج إىل التحري والدحض واملواجهة. يف عام ،2007دشّ نت صحيفة (القارديان) الربيطانية ،رسائل صوتية أسبوعية ،تحت عنوان (إسالموفونيك” أو اإلسالم الصويت”) ،و تهدف هذه الرسائل إىل تسليط الضوء عىل املخاطر التي أطلقت عليها الحقاً، الكاتبة الصحفية األمريكية املسلمة أرساء نعامين* وآخرين مسمى” تس ّوق الفتوى ,مبعنى السعي لـ(الحصول عىل فتوى) لتناسب احتياجات الفرد املعني يف لحظة محددة فيقوم بإطالق ما يدعي بأنه فتوى. كانت ردود فعل العديد من غير المسلمين انه من الصعب التصديق أن المسلمين والنساء المسلمات في حاجة إلى رجال دين ,يفتون لهم في مسائل انصرا فيه،
إال أن األخطر واملثري للدهشة هم "جمهور الفتاوى" ،الذي يقتات عيل أقاويل تفتقر إىل ابسط قواعد العقل واملنطق ،مام يعرب عن أزمة عميقة يف معارف املسلمني وعالقتهم بدينهم. ويف حني أ ّن مثل هذا النوع من الفتاوى قد يثري الضحك واالستهزاء، إال أن األمر الخطري الذي تفعله تلك الفتاوى هو تشويه الدين اإلسالمي والتقليل من قدره .كام أنّها تعزز لفكرة الكثريين يف الغرب حول أن الدين اإلسالمي هو دين ذكوري محض ،ال وجود للنساء فيه أال لغرض املتعة الجنسية واإلنجاب, .كام إن مثل هذه الفتاوى ترسخ التصورات حول إن املسلمني ال ميتلكون القدرة يف أن يفكّروا ألنفسهم ،فهم دوما يف حاجة إىل رجال دين ليفتوهم وبخاصة عندما يتعلق األمر بالعالقات بني الجنسني .وبالفعل ،فان الشاهد يف األمر أن معظم تلك الفتاوى هي فتاوى متعلقة بالنساء ،ليست لها عالقة ال من قريب وال من بعيد باإلسالم ،وإمنا هي مبنية عىل أرث مجتمعات بطريركية ذات تقاليد متعصبة وبالية .و القصد من إصدار تلك الفتاوى ،هو السيطرة عىل التفكري الحر وبالتايل كبح السعي نحو العدالة واملساواة. ويبقى السؤال لماذا ال يلعب علماء الدين دور ايجابيا وموضوعيا وذو صلة بتعقيدات حياة المجتمعات المسلمة.
وملاذا ال يفتوا يف مسائل هامة مثل :أهمية استشارة الطبيب والعالج ويحدثونهم عن قبول أمور ال ترقي إىل دائرة االهتامم مثل تسوية الحواجب مثال .ولكن ،العديد منا يعرف متاما انه ،ميكن ألي شخص أن النفيس ،وخطورة زواج القارصات ،وأهمية انخراط الشباب يف العمل، يذهب لإلنرتنيت ،ليُنشئ فيه لنفسه موقعاً ،ث ّم يبدأ يف بث الفتاوى ،وتعليم الفتيات ،ومكافحة املخدرات ،وغريها من القضايا الحيوية التي تجعل من علامء الدين أكرث احرتاما ذو صلة بواقع الحياة ،أو أن يرفضوا وسيجد له جمهورا ً يستمع إليه وينجذب إىل فتاواه. االنخراط يف موضوع الفتاوى متاماً. عىل كل حال فإ ّن هذا الجانب يف أعامل (صناعة الفتوى) ،ميثل جزءا ً لكن مع األسف تسود الفوىض واقع املسلمني وينعكس ذلك عىل وجانباً من املشكلة ،إال أن الخطورة تكمن يف إن (الفتوى) أصبحت، مغنطيسا جاذبا لكل مصطلح و لكل موقف متطرف غري عقالين .وهذه معارفهم وبنائهم العقيل واملعريف .وحتى يأيت الوقت الذي ينتبه فيه الفتاوى الغريبةُ ،جل ما تفعله هو أن تشوه صورة اإلسالم واملسلمني الناس إىل خطورة هذه الفتاوى ،نستمر نسمع بحزن شديد األقاويل وتع ّزز االعتقاد بعدم موضوعية وعقالنية املسلمني رجاال ونساء حيث السخيفة واملهينة يف لباس النساء والعالقات الجنسية معهن وما إىل ذلك انه ال توجد لتلك الفتاوى عالقة بإشكاالت الشعوب املسلمة الحقيقية .من أمناط التصورات الالعقالنية. إذن فأن األمر ال يتطلب قضاء سنوات من الدراسة ،لنخلص إىل أنّه من غري املقبول مامرسة الجنس مع "جثة هامدة" ،أو أ ّن تكييف الهواء ال عالقة له بعفّة املرأة ،وأنّه من غري املعقول متاماً أن تسافر النساء إىل مناطق الحرب خصيصاً ملامرسة الجنس عرضياً مع رجال غرباء وبدون وقاية. مثل هذه األقاويل والتصريحات ”الفتاوى” ال عالقة لها بأي من التقاليد اإلسالمية ،وابعد من ذلك ،فهي مقوالت تفتقر إلى الحس السليم والتفكير العاقل.
فمعايري العقل واملنطق مفقودة عند هؤالء الرجال مصدري الفتاوى.
76
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
هذا المقال منشور بإذن من”ذى نيو هيومنيست” ،والتي
ظهر المقال األصلي ،على موقعها على اإلنترنيت ،بتأريخ 26
سبتمبر www.newhumanist.org.uk .2013
بقلم :ريازات بات
من االنجليزية :فيصل الباقر
ملف العدد:
النساء داخل المنظومة السلفية
حنا باراكزايك املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
77
نساء االِسالم السياسي و مأزق الدفاع عن حقوق المرأة من منظور إسالمي تقليدي..
مقاربة نقدية
الصورة من تصميم :ارنولد برونغي -يوغندا
موقع النسويات االسالمويات (أي املنتميات إىل تنظيامت اإلسالم السيايس) من منظومة الجامعات النسوية املتعددة واملعنية دوما بحقوق املرأة ما زال يثري الكثري من التساؤل .فوجود هذه الرشيحة النسوية ضمن تيارات اإلسالم السيايس بذريعة أن اإلسالم هو األقدر عىل حل املشاكل العرصية للمرأة الناتجة عن الحداثة ،هو النهج
78
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
السائد .ومع أن ُجله ّن حاصالت عىل تعليم وضعي وينتمني إىل الطبقة الوسطى إال أن وجوده ّن يف قلب املرشوع اإلسالمي لجامعات اإلسالم السيايس ،ميكن أن يُنظر إليه ك ُجزء من شعار (اإلسالم هو الحل) ،والذي ميثل التيمة األيديولوجية لهذه الجامعات مبختلف توجهاتها الفكرية والعقائدية .ولكن يبقى السؤال :ما هو إسهامهن الحقيقي يف تجسيد
ملف العدد :النساء داخل المنظومة السلفية
الكاملة للنساء يف الحياة العامة ،مع متتعهم بالحامية املعقولة حسبام ما هو منصوص يف الرشيعة .أياً كانت احتامالت الرضر الذي قد ينشأ من حرية االختالط بني الجنسني ،فيجب أن ال يستخدم كسالح لتجريد املرأة من املشاركة يف الحياة العامة ،والتي فوائدها تعلو كثريا عىل مثل هذه األرضار املزعومة.
هذا الشعار ( اإلسالم هو الحل) ،كواقع موضوعي يعرب عن نفسه يف تنمية الحقوق اإلنسانية للمرأة املسلمة؟ بل و ما هو دوره ّن يف مواجهة تحديات اجتامعية وفقهية حقيقية كانت وما زالت ،تقف حجر عرثة يف تحسني واقع املرأة االجتامعي والحقوقي ،مثل :تعدد الزوجات ،زواج القارصات ،فرض الحجاب بقوة قانون النظام العام وعقوبة الجلد، وقانون األحوال الشخصية ،وغريها من تداعيات "املرشوع الحضاري" املسلمون اليوم يناقشون مسألة عودة املرأة إىل البيت من منطلق عىل املرأة السودانية يف سياق التطبيق العميل ألول تجربة سنية لإلسالم السيايس يف السودان الحديث؟ بل ميتد التساؤل إىل مدى مساهمة أن واجبها األسايس هو رعاية األطفال واالهتامم ببيتها ،ولكن كيف االسالمويات فكريا يف املرشوع اإلسالمي للتنظيامت التي ارتضني أن ي ُك ّن إلنسان معزول بالكامل عن الحياة أن يطلب منه أن ينشئ طفالً ويهيئه للحياة؟ فتحرير املرأة ال شك قادم .فالضغوط يف مناطق الحرض ،أملت جزءا ً منها ويدافعن عن أيديولوجياتها؟ ُ عىل الكثري من األرس أن تتجاوز محظورات العرف فيام يتعلق بتعليم وتوظيف النساء ،وهذا قاد يف بعض املواقف إىل التحول من النظام البناء النظري لحقوق املرأة من منظور إسالمي: التقليدي غري اإلسالمي إىل النظام الحديث املناهض لإلسالم ،واملتأثر عمل الدكتور حسن الرتايب جاهدا ً إليجاد بناء مفاهيمي النخراط بالرفض الغريب التام للدين ،والذي عمل عىل تحويل عبوديتها من الرجل املرأة يف املجال العام ،ليس بغرض تحرير املرأة من منظور إسالمي إىل الحاجة املادية ،وكمصدر لرغبات الجنسية .فاملرأة الحديثة فقدت حدايث ،كام سوف نرى ،بقدر ما أن األمر يعكس براغامتية أيديولوجية إنسانيتها مجددا ً وأصبحت موضوعا لالحتكار الجنيس والتسيل ،وهدفها قوامها اإلمساك قدر املستطاع بالحراك االجتامعي الثقايف والسيايس الرئييس لألسف هو تحقيق "نسويتها" وليس إنسانيتها. الذي أفرزته الحداثة وتأثرياتها املتنامية عىل املجتمع السوداين ،وتطويعه املسلمون مطالبون بالبحث عن إصالح للوضع يقوم عىل األُسس لصالح مرشوعه السيايس الطموح. اإلسالمية الصحيحة ،لذا يجب أن ال يصابوا بالهلع نتاج التغريات ويف عنوان جانبي باسم (النساء) يف الفصل األخري من كتابه (ثورة املتسارعة ،ويسعوا من ث ّم لتثبيت الوضع القديم من منطلق أن ذلك رشين .فاملحافظون ال نفعا منهم يف هذا الصدد .اإلسالميون الرتايب) ،يقدم الدكتور عبد الوهاب األفندي رسدا ً لكتيب أصدره الرتايب أهون ال ّ عام 1973بعنوان (رسالة يف املرأة ) ،أفصح فيه عن مواقفه "الراديكالية" يجب أن يقودوا نهضة املرأة من مستنقعات التقليديون ،وأن يبعدوها من قبضة مجموعات املستغربني ،والذين يُ ِحبّون أن يستفيدوا من من قضية املرأة يف املجتمع اإلسالمي ،يقول فيه الرتايب: محنته ّن .يف املنتهى ،فالدين يطالبهم بهداية اإلنسانية وتجنيب الناس ...املرأة كفرد مساوية للرجل يف املسئولية أمام الله .أما العائلة مخاطر االنحراف والزيغ")1( . فليست مناط املسئولية يف يوم الحساب .ليس للمرأة فقط الحق ،بل هناك مالحظتني ميكن استخالصهام من هذا الخطاب: الواجب يف أن تتحدى أُرستِها إذا كان يف ذلك رضورة ألداء التزاماتها الدينية .هذا املبدأ متجسد يف القوانني الرشعية الخاصة بدور املرأة يف أوال :أنه يتمحور حول خروج املرأة للفضاء العام بحجة أنه "واجب املجتمع املسلم .فالظلم الواقع عىل النساء والذي نشهده يف كل أرايض املسلمني ،ال يعكس املبادئ اإلسالمية .إنه يف الواقع انعكاس لألفول ديني" يتقازم دونه واجبها األرسي ،متقاطعاً بحدة مع ثوابت الفقه واالنحطاط الذي املّ بهذه املجتمعات .يف الحقيقة ،أن مجمل التعاليم التقليدي الذي يعترب دور املرأة يف األُرسة محور املجتمع اإلسالمي .إالّ أنّه الدينية الواردة يف القرآن تعمل عىل حامية املرأة من الرجل .الفكر مع "راديكاليته" عىل مستوى الظاهر ،فهو ال يقوم عىل إطار فكري شامل اإلسالمي التقليدي ،والذي ينزع نحو املحافظة والدوغامئية يف معظم يعمل عىل تثوير راديكايل لواقع املرأة يف كل جوانب حياتها .فخطابه القضايا الفقهية ،أصبح براغامتياً ومرناً عندما أصبح األمر يتعلق بقضايا يسكت متاماً عن الجانب الخاص من حياة املرأة ،خصوصاً املتعلق املرأة وحقوقها ،باحثاً عن كل أنواع االعذار واملربرات يف سبيل دحضه بالجانب البطرياريك الذي يحكُم وينظم العالئق األُرسية وفق الرتجامت لهذه الحقوق التي تجد مكانها واضحاً يف بنية النص اإلسالمي .ولكن الكالسيكية للفقه اإلسالمي ،ويُهيمن عليه قانون األحوال الشخصية ،كام املوقف األكرث اتساقا مع املبادئ اإلسالمية ،هو ذلك الذي يقبل املشاركة سوف نبني الحقا. املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
79
ثانيا :املنطلق األساس لفكرة خروج املرأة للفضاء العام يُفهم منه حراكاً استبقيا قوامه تفويت الفرصة عىل القوى الحديثة "املناهضة لإلسالم" عىل حد تعبريه ،أو "موامئة الحركة مبا يوفر لها أكرب استفادة ممكنة من الحراك االجتامعي املتسارع نحو الحداثة" ،عىل حد تعبري األفندي( .نفس املصدر) .إذا ً هو نهج تكتييك نفعي يعمل عىل إهتبال الواقع لصالح املرشوع السيايس للحركة أكرث من كونه مراجعة نقدية يستتبعها بالرضورة تجديد فقهي. هذا القصور الذي الزم التنظير الفكري لموضوع حقوق المرأة في اإلطار اإلسالمي الذي تبنّاه الترابي والكثير من تيارات اإلسالم السياسي ،في اعتقادي، له أسبابه البراغماتية .فهو في األساس ال يعبر عن أية أصالة فكرية بقدر ما أنه رد فعل في المقام األول لهجمة الحداثة وتأثيراتها االجتماعية االقتصادية والسياسية على واقع المجتمع المسلم،
ومن جهة أخرى فهو يقوم عىل التعبئة والتجييش لقوى اجتامعية مل ي ُعد من املمكن تجا ُهلها سياسيا ،خصوصا يف ظل وجود القوى العلامنية املؤثرة فكريا وتنظيمياً عىل واقع هذه الرشيحة االجتامعية .وكأية رد فعل ،فإنه ال ينطلق من رؤية شاملة ونظرة عميقة ملاهية الواقع املراد تغيريه .سنتتبع يف ثنايا هذا املقال عقابيل هذا القصور عىل مجمل املردود الفكري والعميل إلسالمويات الجبهة اإلسالمية. أتاحت لنا 27سنة من تجربة اإلسالم السيايس عىل يد الجبهة اإلسالمية يف السودان أن نرى ونقيم مبدئية هذا املنحى يف التنظري االسالموي ،وفرصة ملقاربة التطبيق العميل لشعاراته ،وخصوصا تجربة املرأة االسالموية يف مقاربة حقوق املرأة من "وجهة نظر إسالمية" مجال نظرنا يف هذه الورقة .ذكر األفندي أ ّن راديكالية خطاب الرتايب كانت سببا يف تنامي عضوية النساء املتعلامت وانضاممهن للحركة .وهذا بالفعل واقع مشهود ،يشهد عليه هذا التدفق الكبري للنساء والفتيات، خصوصاً يف منتصف مثانينات القرن املايض بعد زوال نظام منريي وقيام الدميقراطية الثالثة .شهدت هذه الفرتة وما تالها أيضا توسعا يف قيام املنظامت االجتامعية والخريية ،التي تعمل بالتزامن الستقطاب املزيد من النساء للحركة ،والعمل عىل إكساب األعضاء من النساء مهارات العمل العام .خلق هذا النهج الرباغاميت حضورا مقدرا لإلسالمويات يف الفضاء العام ،وعزز من قيمة شعار "حقوق املرأة من منظور إسالمي"، عىل األقل يف سياق الظاهر ،اال انّه مل يُالمس وقتها تِخُوم املواجهات الحرجة مع اآلخر املختلف إالّ يف ُمالبسات امل ُالسنة الخطابية التي كانت تتيحها املامرسة الدميقراطية.
80
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
استيالء الحركة اإلسالمية عىل السلطة السياسية يف السودان عام ،1989مثل مرحلة مفصلية يف تاريخ اإلسالم السيايس عىل األقل يف السودان .فهي املرة األوىل التي تنزلت فيها األفكار املثالية عىل أرض الواقع وتعرضت ملحك االختبار والتجربة ،مبا فيها حرية املرأة وحقوقها من منظور "التجديد" الفقهي املمثل يف (املرشوع الحضاري) الذي برش به الرتايب .نالت اإلسالمويات نصيبا وافرا من غنائم الجهاز البريوقراطي بعد مذبحة الصالح العام التي طالت معظم الذين ال ينتمون للتنظيم الحاكم ،وتدفقت أعداده ّن ومتددت يف كل مفاصل الدولة من تعليم، وصحة ،وحقائب وزارية وعدلية ،ومع ذلك مل يُح ِّرك ّن ساكناً منذ اليوم األول الذي أظهر فيه املرشوع الحضاري توجهه الحاسم والصارم يف إخضاع النساء ،وتحجيم دوره ّن ،وظهوره ّن يف الفضاء العام ،مدشناً التناقض األول لخطاب الرتايب .أيضاً كان الظن أن إلزامية الحجاب وسط نساء الحركة جزءا ً من مرشوع التعبئة ،والفرز واملاميزة التي تتطلبها املرحلة ،ولكن بوصول الحركة إىل السلطة ت ّم فرض الحجاب عىل كافة النساء بقوة "قانون النظام العام" واالبتزاز واإلرهاب .مل يجد قانون النظام العام وال أُسس تطبيقه أدىن احتجاج أو مراجعة من االسالمويات وه ّن يرين تحيزه ضد وامتهانه لكرامة النساء .كذلك الرتويج لتعدد الزوجات من داخل الربملان الذي به عدد مقدر من االسالمويات ،وازدياد ظاهرة زواج القارصات يثري أيضا الحرية يف موقف االسالمويات من موضوعة حقوق املرأة من منظور إسالمي. والممارسات السائدة من ِقبل ُ ُ المشر ّعين كل القوانين اإلسالمويين وطرق تطبيقها تمثل انعكاسا واضحا وعميقا لكره النساء ،وكره النساء كما وصفته الكاتبة اإليرانية مريم نيمازي "مثله مثل النازية ،الفاشية والفصل العنصري ،مهما فلعنا وتحذلقنا ال يمكن أن نصفه باالنحياز لإلنسانية.)2(".....
هذا الكره كام أثبتت التجربة ال يجد حرجاً من قبل إسالمويات الحركة. عىل سبيل الكفاءة الفكرية والتنظري ،تبدو املحصلة ُمحرِجة أيضا. فحتى اللحظة ،ال يبدو هناك مرشوعاً فكريا لإلسالمويات يتسق مع وجودهن الكمي والنوعي داخل حركة أيديولوجية تعتقد جازمة بأن لها مرشوعاً وجوديا يعمل عىل إرساء خطاب فكري وأخالقي يعادل مرشوع الحداثة ،إن مل يكن يتفوق عليه .املثري لالهتامم أنه حتى تباين األجيال مل يؤثر عىل ردم هذه الهوة العميقة ،فمن الصعوبة أن تجد فرقا بني الرعيل األول للنسويات أمثال ،سعاد الفاتح أو ثريا امبايب وبني األجيال التالية عىل مستوى الفعالية الفكرية أو الندية التنظيمية بينه ّن ،ورجال
ملف العدد :النساء داخل المنظومة السلفية
الحركة القابضون عىل زمام األمور الفكرية والحركية بامل ُطلق .فمن املدهش ،أن يظل الفقر الفكري ،وعوز االجتهاد الفقهي ،ماثالً حتى اللحظة فيام يخص قضايا املرأة وحقوقها امل ُعلّقة عىل ِمشجب انتظار التجديد الفقهي املالئم للعرص! فغاية وجوده ّن ِ وحراكه ّن التنظيمي، كام هو ماثل عىل محك التجربة العملية ،هو تطبيع الواقع الفقهي السائد واملحافظة عىل الواقع االجتامعي البطرياريك ،وإضفاء مرشوعية ومسحة رضاء وإجامع "ديني" عليه ،باعتبارهن "املمثالت الرشعيات" لرشيحة النساء املسلامت! ويبدو أن نهج التعامل مع النساء من واقع كونه ّ ن إشكالية اجتماعية ،هو المسيطر على فكر حركات اإلسالم السياسي .فما بين ِقيمة الكسب السياسي لوجُوده ّ ن داخل التنظيم ،وصعوبة السيطرة عليهن اجتماعياً من خالل ذات الخطاب المحايث ،تبدو مِ حنة ُ ُ وتهافت مواقفهم الفِ كرية واألخالقية متى تناقض ما دانت لهم السيطرة السياسية،
كام هو حادث يف السودان حتى راهن اليوم ،وكام حدث يف مرص أيام سيطرة األخوان املسلمون عىل الحكم يف الفرتة القليلة التي تلت سقوط نظام حسني مبارك .فحتى يف هذه الفرتة القليلة التي مل تتعدى العام ،مل يستطيعوا صربا مع سقف الحرية املنخفض بحكم طبيعة النظام الدميقراطي الذي ارتضوه .فبتاريخ 2013-3-15م ،أوردت وكالة رويرت خربا ً بعنوان (اسالميو مرص يحذرون من أن إعطاء املرأة بعض الحريات قد يدمر املجتمع) .مييض الخرب يف متنه فيقول“ :إن جامعة اإلخوان املسلمني الحاكمة يف مرص تحذر أن إعالن األمم املتحدة والخاص بحقوق النساء سيعمل عىل تدمري املجتمع بالسامح لهن بحرية التنقل والعمل واستخدام موانع الحمل من غري موافقة الزوج وكذلك التحكم يف مصاريف األرسة ....وكانت مرص قد اقرتحت تعديالت ترى أنها قد متنع تعارض اإلعالن مع القوانني املحلية والقيم الدينية والثقافية للمجتمعات املسلمة.)3(" ... ولكن فيام يبدو أن القهر والعنف اللفظي جزء من ديناميكية العالقة بني الجنسني يف الحركة اإلسالمية نفسها ،حسبام تشري هذه الواقعة التي أوردتها الناشطة النسوية الدكتورة إحسان فقريي" :سبق وأن نارصت (مبادرة ال لقهر النساء) وزيرة سودانية تطاول عليها رئيس حزب منرب السالم العادل ،الطيب مصطفى ،وطالبها أن "تتب ّعل" لزوجها بدالً من مزاحمة الرجال"( .)5ال شك أن الثقل الرمزي للطيب مصطفى واملوقع السيادي للوزيرة ميثالن داللة عظيمة الندياحات العالقة غري املتكافئة يف مضامرها التفاعيل.
عبد الخالق الرس :كاتب سوداين مستقل مقيم بأسرتاليا ،مهتم بقضايا االسالم السيايس والفكر السلفي .يعمل كمرتجم ،وله إسهامات يف عدد من املواقع اإللكرتونية والصحف يف اسرتاليا والرشق االوسط.
إذن مقولة (أعرف عدوك) هي ما ينقص االسالمويات يف مرشوعهن الداعي "إلنصاف" النساء -حسب العبارة الشائعة عنهن كمرادف ملفهوم املساواة .وهو نقص يرفعهن لدرجة الجهالة بعظم املسئولية التي القينها أو أُلقيت عىل كا ِهل ُه ّن .نقول هذا ،ألنه بالتضاد ميكن لنا أن نستشف حساسية عالية حيال ذات القضية لتنظيامت نسوية إسالمية أخرى، اضطلعت بذات املهمة ،ومن ذات املنصة الدينية-الفكرية واملفهومية مثل :منظمة (مساواة) ،و(أخوات يف اإلسالم) املاليزية ،إضافة إىل بعض املساهامت الراديكالية لبعض امل ُف ِكرات اإلسالميات مثل :األمريكية أمينة ودود ،فاطمة املرنييس ،ليىل أحمد ....الخ .ما مييز هذه املساهامت هو، العمق والشجاعة الفكرية والعلمية ،يف تحديد أزمة الفكر اإلسالمي، وكشف تحيزا ته الذكورية املتوارثة ،ومن ثم مواجهته بالعمل عىل تعرية امتيازاته التاريخية ،وإرجاعها إىل أصلها االجتهادي ،ونزع صفة املقدس عنها .يف السودان كان أيضا لإلخوان الجمهوريني قصب السبق يف خوض مجال الراديكالية الفكرية ،لتأسيس حقوق املرأة من منظور إسالمي. حقوق املرأة من منظور الناشطات االسالمويات: يمثل قانون األحوال الشخصية في السودان حرجاً عظيماً لإلسالمويات، وتحديا أخالقيا كبيرا لمصداقية الخطاب األيديولوجي الذي من خالله يروجن لمفهوم "النسوية اإلسالمية" .لهذا تجد أن إسهام ُه ّ ن الفكري يتركز حول هذا الموضوع/المأزق.
يف واحدة من هذه اإلسهامات ،نجد ورقة بعنوان (قراءة يف قانون األحوال الشخصية السوداين يف ضوء املقاصد الكلية لإلسالم) ،للدكتورة نجوى عبد اللطيف محمد فضل .تؤكد الكاتبة منذ البداية ،أن التطبيق الواقعي للقانون "أبرز العديد من اإلشكاالت ،أبرزها الظلم الدائم الذي تكون املرأة ضحيته" .فهي تعرتف أن القانون عجز أن يجد تعريف جامع ملعنى الزواج ،وجعل املرأة تحت الوصاية (ويل) ،والقصور املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
81
الفكري يف معالجة القانون لفض عقد الزواج (الطالق) ،وعدم حسمه لزواج الصغريات ،وموقفه الضعيف إزاء تعدد الزوجات ،وهو تحيز أدى إلضعاف موقف املرأة عىل حد تعبريها.
أكرث مام معني باملسألة نفسها .سأحاول هنا استعراض فقط العناوين الجانبية ،وبعض املقتطفات لتبيان غرابة اللغة املستخدمة( :مـؤرشات يف فقـه التامثل)( ،التعاقد الزواجي أصول التأسيس)( ،يف منظومة القيم الحقوقية)( ،يف منظومة القيم التعاملية – وفقه املعروف)( ،االجتهاد املقاصدي يف فقه التعاقد الزواجي)( ،الفقـه املـصدري) ....هذا عىل مستوى التقعر اللغوي الذي يحتاج بدوره إىل تفسري ليكمل محاولتها التفسريية! أما عىل مستوى املضمون فمن الصعب أن تفهم ما الذي ترمي إليه الكاتبة ،واليكم هذه السطور التي تعتقد الكاتبة أنها تلخص ورقتها " :نخلُص إىل أن تحقيق مقاصد إعادة تأهيل الثقافة االجتامعية إىل دائرة العدالة الرشعية يتطلب االجتهاد املستمر والدءوب واملتكامل بني دوائر االجتهاد الفقهي واملعريف يف مراكز الدراسات والبحوث واملشتغلني يف مجال البحوث النفسية واالجتامعية كام يتطلب اجتهاداً تطويرياً يف نظم الفقه القضايئ ,مضمونياً وإجرائياً" .وبذا يكون اجتهادنا مصوباً نحو قبلة اإلصالح اإلنساين واالجتامعي ..عىس أن نقرتب من رصاط االستقامة املعرفية القادرة عىل عبور املشكالت الشائكة التي تعرتض أنظمة الضمري الفردي واالجتامعي"(( )9التشديد من عند الكاتبة).
هناك ورقة أخرى بعنوان( ،ال ُعمق املعريف ملفهوم الزوجية) ،للباحثة والناشطة االسالموية فاطمة سامل ،رئيسة تحرير "مجلة مسارات معرفية" ،املتخصصة يف قضايا املرأة ،ومسئولة وحدة البحث يف العنف ضد املرأة يف وزارة الشئون االجتامعية .الورقة من سبعة صفحات، وهي تتأسس عىل لغة إنشائية ،وحتى التيمة التي يقوم عليها املوضوع (العالقة الزوجية) يتم طرحها يف قالب أديب معني باالجرتاح اللغوي
فعىل العكس ،نجد يف التجربة السودانية لإلسالم السيايس ،أنه وبعد أكرث من ربع قرن من التطبيق العميل ألفكار حسن الرتايب ،أن واقع املرأة السودانية كأسواء ما يكون .فالقهر والقوانني املقيدة للحريات، والتضييق يف الحياة العامة ،والرتاجع يف اإلصالحات الفقهية كام يجسدها قانون األحوال الشخصية ،يقدح متاماً يف مصداقية برنامج حقوق املرأة من منظور أسالمي ،كام ظلت تردد الحركة اإلسالمية يف أدبياتها،
ليك تتصدى الكاتبة لهذه اإلشكاليات ،كام وصفتها ،عملت منذ البداية عىل أن " تبحر يف املناطق الفقهية اآلمنة" ،عىل حد تعبري املفكر الراحل نرص أبوريد .فنجد أنها تتوسل لغة قامئة عىل التعميم ،تُبهِم أكرث مام تفصح ،لذا نجدها تُكرث حد اإلطناب من استخدام تعبري (املقاصد الكلية لإلسالم) .وألنها مهمومة باإلبحار يف املناطق اآلمنة ،كام أسلفنا، لذا فهي تعمل عىل تب ّني مفهوم التأويل املضاد بذات األدوات الفقهية التقليدية ،والذي قوامه االستشهاد بنصوص وأحاديث يفهم منها معنى مغاير للتفسري السائد الذي يقوم عليه قانون األحوال الشخصية .ولكن هذا املنهج ال يُس ِعفُها كثريا ،ألن التعارض بني النص واألحاديث كثريا ما ينشأ ،وغاية جهدها للخروج من هذا املأزق يف هذه الحالة ،هو مناشدة العلامء ،حسبام أبانت يف هذه الفقرة" :بال ُرغم من الرباعة اللفظية يف القُرآن العظيم ،حني وصفه لِ ُنظم ِعالقات األُرسة ،إالّ إنّ بعض النصوص املنسوبة للرسول (ص) تتعارض مع روح القرآن ،وتتطلب من العلامء وقفة مراجعة لدرجة صحتها"( .)6املفارقة تكمن يف أنها منذ البداية من الواضح أن الورقتني تُرِيدان أن تُ ارِسا نقدا للفقه التقليدي قررت إال تأيت عىل سرية االختالفات الفقهية بني العلامء ،ألنها وعىل حد تعبريها سوف يعمل ذلك عىل إضعاف مضمون الورقة ،ومع ذلك فهي املسيطر عىل مفاصل القوانني اإلسالمية السائدة ،واملجسد بشكل واضح حد التعسف يف قانون األحوال الشخصية ،ولكن الخوف من املجابهة تناشدهم وتعول عليهم ،عوضا عن تحديهم!(.)7 الفقهية املتبناة من قبل األيدولوجيا التي ه ّن جزءا منها ،جعل التعميم تقر الباحثة يف نهاية الورقة ،عىل أن القانون يعاين من إشكاالت والتخفي خلف مصطلح (املقاصد الكلية للدين) ،والذي هو اآلخر ال معرفية وتطبيقية ،فيام يخُص قضايا الزواج والطالق ،وتخلص إىل يقل تعميام وتجريدا ،واللغة املرسلة غري متامسكة املعنى ،هو النهج توصيات يف غاية العمومية واإلبهام ،من شاكلة تكوين لجنة من السائد يف ِكال الورقتني. قانونيني وعلامء و"ناشطات" – هكذا مجردة – ملراجعة هذه القوانني، تخلص هذه الورقة إىل القول، واالضطالع عىل تجارب الدول .كام تويص بحذف رشط الوالية ،من غري أن تجهد نفسها كيف يتم ذلك ،وما هي املرجعية التي تستند عليها .أما إ ّ حساسة ،مثل قضية تعدد الزوجات ،فغاية ما ن المشروع النهضوي للمرأة من منظور إسالمي، حني يتعلق األمر مبسألة ّ تجود به فهو" ،تقنني تعدد الزوجات ووضع ضوابط له" .ونختم مبسألة والمتصور من قبل جماعات اإلسالم السياسي ،هو النشوز ورضب الزوجات ،والذي ترى الكاتبة أن يكون "رمزيا" مثل أن مشروع رغبوي في أحسن األحوال ،ال توجد في يكون الرضب مبسواك!(.)8 حيثياته حقائق مادية محسوسة.
82
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
1د .عبد الوهاب األفندي Turabi Revolution Political Islam is 2 a Contemporary -Reactionary Movement مريم نيامزي http://maryamnamazie. _com/articles/islam _politica-Islam_women mideast.html ( 3اسالميو مرص يحذرون من أن إعطاء املرأة بعض الحريات قد يدمر املجتمع) http://www.reuters. com/article/2013/03/15/ us-women-un-rightsidUSBRE92E03D20130315 4د .عبدالله عيل إبراهيم ،مقال مبوقع سودانيل. http://sudanile.com/index. php/2008-05-19-17-3936/51-8-3-2-1-9-1-7/763342015-01-04-09-47-49
ملف العدد :النساء داخل المنظومة السلفية
واإلنتاج الفكري لع ّرابها الشيخ حسن الرتايب .تُثبِت التجربة فعلياً ،أن الغاية من الزج بالنساء يف الفضاء العام من قبل الحركة اإلسالمية ،هو الدافع السيايس وليس تحرير املرأة بأية حال من األحوال .هذا بدوره، يفرس متاماً عجز االسالمويات داخل الحركة من القيام بأية إصالحات تصب يف خدمة املرأة ،وتحقق من أو اجتهادات فقهية ف ّعالة ،ميكن أن ُ قيمة وجودها املجتمعي والسيايس. وكما الحظت (ليف تنسون) " أن االسالمويات يدافعن عن المساواة في الفضاء العام متضمنا السياسة وحتى ممارسة الخدمة العسكرية ،بينما يقصرن الريادة للرجال في الشأن العائلي(.)11
ميكن القول ،وبدون مجازفة ،أنّ وجود اإلسالمويات يف قلب هذا املرشوع بحجة الدفاع واملحافظة عىل مكتسبات حقوق املرأة من منظور إسالمي ،ال يسنده الواقع .فإسهامات ُهن الفكرية املتهافتة ،ما هي إالّ تعبري عن عجز ُه ّن الفكري واألخالقي يف التصدي للظلم الواقع عىل املرأة السودانية ،كام أنّ انتشارهن غري الفاعل يف املناصب السيادية، وتشبثهم مبواقعهم يف املناصب البريوقراطية ،هو أقرب لدور (املحلل)، ودليل عىل انتهازيتهن ،وتحولهن إىل برجوازية صغرية تعمل عىل تراكم مصالحها الخاصة عىل حساب قضايا املرأة امللحة.
عبد الخالق السر
5حوار مع إحسان فقريي http://www.alrakoba. net/news-action-showid-178511.htm 6الدكتورة نجوى عبد اللطيف محمد فضل ،ورقة بعنوان (قراءة يف قانون األحوال الشخصية السوداين يف ضوء املقاصد الكلية لإلسالم) 7نفس املصدر 8نفس املصدر 9الكاتبة االسالمية فاطمة سامل، ورقة بعنوان (العمق املعريف ملفهوم الزوجية) 10نفس املصدر ( 11ليف تونسون) Liv Tønnessen http://www. cmi.no/publications/ publication/?4483=betweensharia-and-cedaw-in-sudan http://www.alrakoba.net/ articles-action-showid-57390.htm الصادق املهدي حقوق املراة http://sudanile.com/index. php/2008-05-19-17-3936/34-0-6-8-3-1-6-8/766582015-01-12-18-16-13 املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
83
الماعندو قديم... صور و حكايات
قصة مصورة عن اللباس ّ النسائي في الصومال كانت الصومال مكاناً للتسامح .ما كان للنساء أن يقلقن من قواعد اللباس الواجب ارتداؤه" .كان بإمكانهن ارتداء الفساتين القصيرة، إن أردن ،ولم يُجبرن على تغطية شعورهن .المرأتان اللتان في الصورة ،لم يُحكم عليهن بتهمة الزى غير الالئق”. أمينة ،ناشطة صومالية في الماضي ،كان من المقبول للشابّات غير المتزوجات ،الخروج، كما هو ّ موضح في الصورة .كان كافياً مجرد تغطية أكتافهن. النساء المتزوجات كان عليهن تغطية شعورهن ،وفقاً للتقاليد .اليوم الصوماليات وبمجرّد بلوغهن سن السادسة ،فهُّن مُطالبات بتغطية أجسادهن من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين .وهذه ظاهرة ً جديدة ،تختلف تماما عن الثقافة الصومالية ،وقد بدأت قبل 25عاما، حينما بدأ األُصوليون اإلسالميون يروّجون للزى العربي أو الفارسي كمُتطلّب ديني. كاتب صومالي ،نيروبي-كينيا
شابتين فى مطلع السبعينات من مقديشو أصلي حسن عبدى ,كانت أوّل طيار/ة”أُنثى” في الصومال,وبالرغم من أّن الوضع السياسي لم يكن مثالياً ،في الثمانينيات ،إال انه كان ممكناً للنساء تحقيق طموحاتهن.كان بمقدورهن المساهمة في جميع قطاعات اإلقتصاد.اإلسالم يقول لنا :إن المرأة ،يمكن أن تعمل ،ولكن ،ولألسف حاليا يستخدم الدين لتقييد مُشاركة المرأة في الحياة االجتماعية واالقتصادية. أمينة ،ناشطة صومالية اصلي حسن اول امرأة طيار من الصومال
84
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
شابة صومالية فى العام 1964فى معرض المنتجات الصومالى فى ايطاليا
هذه الصورة تمثل امرأة شابة في معرض تجارى ،أُقيم بمدينة ميالنو في ايطاليا ،تعرض منتجاً صناعياً صومالياً .الصورة تعكس ثقة النساء الصوماليات في أنفسهن في الستينات من القرن الماضي، حيث كانت النساء في ذلك الوقت جميالت وفخورات بثقافتهن. أيضا لم تكن النساء تستخدم مُنتجات تبييض البشرة ،وكُّن يلبسن الزى التقليدي في مناسبات محدّدة ,وكان بإمكانهن السفر لجميع أنحاء العالم ،لتعزيز التقاليد والثقافة الصومالية. كلثوم -أرض الصومال الشابة ترتدي لباساً تقليدياً ،و على الرغم من أناقته ،أال انه قد تالشى من الحياة اليومية المعاصرة ،اآلن ،يُرتدى فقط في مناسبات خاصة مثل الزفاف و المناسبات الثقافية .هذه الخامة تُشترى من أماكن مُعيّنة ،ويتطلّب لباسه الوقت والخبرة. ناشطة ،أرض الصومال
اطفال المدرسة فى مقديشو 1960
في الستينات كان األوالد والبنات يجلسون مع بعضهم البعض في الفصول الدراسية .اليوم يحضرون الدروس في فصول منفصلة ،أو يجلسون في صفوف متوازية ،إذا تقاسموا نفس الفصل .الخوف من االختالط صار السمة الغالبة في العالقات بين الجنسين منذ الطفولة .مما يؤسس للتمييز الجندرى و على أساس ديني. كلثوم ،أرض الصومال
املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
85
الماعندو قديم... صور و حكايات
هذه الصورة هي لفريق كرة السلة النسائي في الصومال .ففي تلك السنوات ،كانت لعبة ""كرة السلة" ،رياضة ،تمارسها العديد من الفتيات والنساء .فالتربية البدنية كانت جزءاً من المنهج المدرسي، والتالميذ (بنين وبنات) مطلوب منهم/ن ممارسة أنماط متنوعة من الرياضة ،مثل كرة السلة ،الكرة الطائرة ،وكرة اليد .لألسف، بعد الحرب وعندما أكتسب رجال الدين األرثوذكس نفوذاً في جميع أنحاء البالد أصبح من المحرم على الفتيات والنساء ممارسة الرياضة بمختلف أنواعها .كما عمل المتشدّدون بجد ومثابرة علي عدم السماح للنساء بالمساهمة في أي من مبادرات بناء األُّمة. حيث خفّضوا النساء إلى كائنات دورها الوحيد هو البقاء في البيت، وإنجاب األطفال .تجدر اإلشارة هنا إلى أّن الثقافة اإلسالمية ال تمنع النساء من االنخراط في األنشطة االجتماعية و هذه القيود كانت في األصل جزءاً من الثقافة العربية. فريق كرة السلة الصومالي للسيدات 1970
كاتبة صومالية ،نيروبى
السيدتان في الصورة ،ترتديان ثوباً فضفاضاً طويالً ،وهو الثوب الذي ّ حل اآلن محل الزى التقليدي الوطني,وقد استنسخ من الجارة اليمن .وهو زى"غير رسمي" ،وسهل اللباس وخامته متاحة في الصومال المعاصرة ,كما أن هناك العديد من الخيارات ،من حيث اللون والتصميم. ناشطة ،أرض الصومال
شابات من مقديشو فى بداية الثمانينات
86
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
هذه الصورة تذكرني بجمال وسحر النساء الصوماليات ،في أواخر الستينات ومنتصف السبعينيات من القرن الماضي .وهى عبارة عن مزيج بين الموضة الغربية والزى التقليدي الصومالي. كفتاة شابّة ،نشأت وترعرعت في منتصف السبعينيات كُنت أعشق هذا النمط من األزياء . سعاد عبدى ،هرقيسيا –ارض الصومال
صورة عائلية
فرقة الفنون الشعبية فى المسرح القومي مقديشو 1960
هذه الصورة والتي أُخذت فى المسرح الوطني ،تذكرني بال(قنتينو) اللباس الوطني التقليدي ,للمرأة الصومالية في الجنوب .النساء هناك يستخدمن أساليب مختلفة للف القماش حول أجسادهن .أعتقد أنّه أالن لم يعد مُستخدماً في الفضاء العام ،فقد أصبح المجتمع أكثر محافظة ,ولم يعد كما كان ،لذلك فهذا اللباس لم يعد مقبوالً. سعاد عبدى ،هرقيسيا –ارض الصومال
املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
87
انتحاريات بوكو حرام: ٌ التزام بالفكرة؟ إكراه أم
أويب أنياديك كاتب وصحفي متخصص يف الشؤون األفريقية، مستقر حالياً يف زميبابوي .وهو كاتب مساهم يف مجلة اإليكونيميست ،كام عمل لعدة سنوات يف تغطية الشؤون الصومالية واإلثيوبية لوكالة إنرتبرس.
يف وقت الحق ،تطلق الجامعة رساح املسلامت من الرهائن ،أما باتت ظاهرة االنتحاريات يف األعامل اإلرهابية من املامرسات البارزة والفريدة لجامعة "بوكو حرام" الجهاديّة يف نيجرييا .صحيح أ َّن النساء الرجال فتأمر بقتلهم جميعاً. اعتد َن يف وقت سابق ارتداء أحزمة ناسفة يف رصاعات أخرى حديثة، بخصوص اسرتاتيجية االختطاف ،تقول الباحثتان ميا بلوم وهيالري ابتداء من الشيشان إىل العراق ،ومن باكستان إىل فلسطني ،ومن سوريا إىل سريالنكا ،لكنها أب ًدا مل تكن باملعدل الذي نشهده يف مت ّرد جامعة "بوكو مفتيس ،إن الجامعة مل تعد تكرتث لهذا التمييز اآلن ،إمنا تخطف حرام" .بحسب إفادات للباحثتني إليزابيث بريسون وجيكاب زين ،فمنذ النساء والفتيات برصف النظر عن أصولهن الدينيّة ،وتسمح يف وقت يوليو/متوز 2014ف ّجرت أكرث من 200فتاة من االنتحاريات أنفسهن يف الحق ملقاتليها باغتصابهن تحت غطاء الزواج الصوري .تقوم الجامعة هذا التمرد؛ ما أسفر عن مقتل أكرث من 1000شخص يف نيجرييا ،فيام بتلك االنتهاكات بهدف تعزيز التالحم وسط مقاتليها ،ونرش الخوف يف تشهد الظاهرة تزاي ًدا ملحوظًا يف دولة الكامريون املجاورة .كانت النساء املجتمع .أبرز حاالت االختطاف جرت يف منطقة تشيبوك يف ،2014إثر يف السابق يتسلّلن بسهولة إىل األسواق واألماكن العا ّمة من دون إثارة قيام الجامعة بخطف نحو 270فتاة ،واختطاف "داماساك" الذي جرى يف خصوصا بعد تحذير املركز القيادي العام املايض ،عندما قامت باختطاف نحو 400من النساء. أي ارتياب ،غري أن األمر مل يعد كذلك، ً لوزارة الدفاع النيجريي من قيام االنتحاريات بتمويه أنفسهن كرجال إكراه أم التزا ٌم بالفكرة؟ لتج ُّنب املراقبة األمنية .يقول سليامن عليوة ،املدير ملدرسة يف مدينة مايدوجوري الواقعة شامل رشق نيجرييا ،يف ترصيح لشبكة الـ "IRIN منيل يف الغالب إىل تص ّور االنتحاريات بوصفهن مكرهات عىل الناس هنا خائفون من تطورات األوضاع ،وال سيام أن معظم االنتحاريات ترتاوح أعامرهن بني 10و 20عا ًما" .يضيف" :يقول الناس ،إ ّن السبيل إىل االنتحار ،ولذا نتخ ّيل تلقائ ًيا تعذُّر اتخاذ مثل هذا القرار مبحض إرادتهن. تحديد االنتحاريات ،هو مراقبة أجساد النساء ملعرفة ما إذا كان هناك من املؤكد أن هناك ما يكفي من األدلة لدعم هذا التص ّور ،وال سيّام أ ّن انتفاخ أو تورم يف منطقة البطن .فإذا كان األمر كذلك ،يتم إيقافه ّن ،املنتحرات يعتربن صغريات يف الس ّن ،ويصعب عليهن اتخاذ قرار صائب ويطلب منهن إما رفع األيادي ،أو الجلوس عىل وضع القرفصاء .حينها ،حول أم ٍر كهذا ،ما مل يُغ ّرر بهن ويدفعن دفعاً نحو "االستشهاد" .والحق، فإن هناك تقارير ت ُشري إىل تعرض املنتحرات إىل عملية "التفجري عن تبي األمر أو رمبا يحصل االنفجار". ميكن ُّ بُعد" من طرف رشكائهن الذكور املساهمني يف تنفيذ عملية التفجري .رغم ذلك ،هناك بالفعل حاالت تنخرط فيها النساء بصورة فاعلة يف الجامعة أجساد النساء سالح يف متناول الجامعة اإلرهابية ـ وليس فقط كمجرد عنارص ميكن خداعها واستخدامها وقودًا للحرب .يف اللجوء إىل استخدام االنتحاريني يعترب تكتيك املحاولة األخرية يف هذا السياق ،ت ُشري بريسون إىل حادثة اعتقال "خلية نساء" من املجندات القتال ،لذلك فهو عاد ًة ميثّل لحظة تح ّول تجاه "حرب غري متكافئة" والجواسيس يف عام ،2014يشتبه بانتامئهن إىل جامعة "بوكو حرام". يف أعقاب الهزمية يف ساحات القتال التقليدية .غري أ َّن استخدام جامعة "بوكو حرام" لهذا التكتيك يبدو مختلفًا؛ أل َّن حادثة أول امرأة ف ّجرت نفسها عند نقطة تفتيش خارج ثكنة عسكرية شامل مدينة جومبي، كما أن هناك تقارير تذكر تور ّط النساء في عملية تهريب ج َرت يف وقت كانت فيه الجامعة ت ُسيطر عىل مساحات واسعة من السالح ،وتُشير ضمن ذلك إلى تعر ّض الجنود النيجريين األرايض ،فيام كان الجيش النيجريي يف حالة تراجع. لعملية إطالق نار أثناء قيامهم بمحاولة إنقاذ النساء، حول هذا األمر ،يقول ريان كامينغز ،كبري محليل األمن يف إفريقيا لدى مؤسسة ( )Red24إلدارة األزمات" :ما يجعل هذه األزمة تبدو مثرية لالهتامم ،هو وفرة العنرص النسايئ فيها ،لدرجة باتت الجامعة تتعامل رصا ميكن استخدامه بإفراط يف املعارك". معه بوصفه عن ً برزت استراتيجية اختطاف النساء كتقليد راسخ عند خصوصا بعد اعتقال الحكومة جماعة "بوكو حرام"، ً النيجيرية زوجات قادة الجماعة ،بما فيهم زوجة زعيم الجماعة أبوبكر شيخو .بدأت عملية الثأر للزعيم ـ ابتداء من 2013ـ باختطاف النساء المسيحي ّات ،ومن ثم استغاللهن جنسيًّا وإجبارهن على تغيير المعتقد.
88
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
في المواجهات التي تجري بين الطرفين .ليس ذلك فحسب ،وإنما هناك من األسيرات من تطوعت لتنفيذ عمليات انتحارية لمصلحة الجماعة.
يقول أليكس تورستون من برنامج الدراسات األفريقية يف جامعة "جورج تاون" ،يف ترصيح لشبكة الـIRIN :من الواضح أن لجامعة "بوكو حرام" مجموعة من النساء اللوايت يعملن ضمن أنشطتها بشكل فاعل، وأحيانًا بشكل غري فاعل" .ويضيف" :ما كان مبقدور الجامعة العمل عىل هذا النحو ،لوال توفّر مثل أولئك األنصار" .بخصوص دوافع النساء ،منيل يف غالب األمر ،إىل تص ّور العوامل املحف ّزة للذكور ،لالنخراط يف الجامعة أن تكون نفسها العوامل الدافعة للنساء؛ كدافع االنتقام من تجاوزات قوات األمن ،والحصول عىل املال لألرسة ،والوعد بتلقي الثواب يف اآلخرة،
ملف العدد :النساء داخل المنظومة السلفية مقابل أوضاع الحرمان الراهنة .كل هذه العوامل مجتمعة ،بإمكانها أ ْن تؤثر كذلك يف النساء للقيام بدور أكرث مبارشة يف النزاع. وتحاجج بريسون بأنه قد يكون هناك نساء ملتزمات فكريًّا بـ "الجهاد العنيف" ،مضيفةً" :لكن ال تتوفّر لدينا أدلة كافية تدعم وجود مثل هذا االلتزام وسط االنتحاريات". يف هذا السياق ،يذهب بلوم ومافتيس إىل إثارة السؤال حول إمكانيّة تح ّول الضحايا من النساء إىل متطرفات بشكل حقيقي ،أو مبعنى ّ أدق: "بالنسبة للنساء من ذوات الصلة باملتمردين ،هل يحملن ذات الفكرة والهدف والغاية التي يحملها الرجال؟ أم أنهن يعانني من صدمة شديدة أدّت إىل إصابتهن بشكل من أشكال 1متالزمة ستوكهومل؟" .وميكن طرح السؤال نفسه حول دوافع الش ّبان الذين وقعوا يف األرس وأجربوا يف وقت الحق عىل املشاركة يف القتال .حتى يف هذه الحالة ،فإن معرفة األسباب التي تدفع املرء التخاذ مثل تلك القرارات ،ال تزال تبدو عسرية وغري واضحة .وهو ما تؤكده بريسون يف ترصيحها ل " IRINال أعتقد أن األسباب بهذا القدر من الوضوح ،كام ال أعتقد أننا اقرتبنا من معرفة الدوافع الحقيقية وراء انضامم الضحايا للجامعة". األدهى من ذلك ،أن كل بيانات االنتحاريات تأتينا بشكل حرصي من التقارير الصحافية ،وبالتّايل نحن يف الغالب نكاد ال نعرف شيئًا االستثنائية عن هؤالء النساء ،وال حتّى أسامءهن أو أعامرهن .الحالة أي شكل راديكايل جديد ،وال يبدو عليها أنها تسعى لتربير اإلجراءات ِّ الوحيدة التي نعرف عنها القليل من التفاصيل ،هي الحالة التي َّ تتخل املتشددة التي انتهجتها ،كاستخدام النساء واألطفال يف التفجريات. فيها بعض النساء عن الجامعة ،أو يف الحالة التي يتم فيها قبض بعضهن قبل الوصول إىل أهدافهن املرجوة. حسب بريسون ،فإن هذا األسلوب يؤكد عدم اهتامم "بوكو حرام" بحشد الدعم املحيل لصالح مرشوعها يف املنطقة ،حيث فضّ ل زعيمها رغم تضحياتهن الجسيمة النساء مجرد سلع يف ُعرف الجامعة بدل عن ذلك ،السعي إىل كسب قبول واستحسان أبو بكر البغدادي، ً زعيم ما يسمى بـ "الدولة اإلسالمية" ،الذي تعهد له ـ شيخو ـ بالوالء النقطة األخرية تتعلّق مبسألة اعتبار النساء مجرد ِسلعة رائجة يف عام .2015 تستخدمها الجامعة ،وهي مسألة تكشف عن منهج جامعة "بوكو حرام" يف تعاملها مع االنتحاريات .حول تلك املسألة ،تقول ٢بريسون ان ورغم هذا الوالء ،فإن الجامعة تختلف عن تنظيم"الدولة اإلسالمية" عمليات االنتحاريات من النساء يشوبها البؤس مقارنة بالفخر واملجد يف طريقة إدارة مقاتليها تنظيميًا .ففي حني تحتفظ األخرية بقاعدة أي بيانات مقاتليها من أجل االتصال بذويهم يف حالة االستشهاد ،تفتقد الذى يصاحب عمليات الرجال االنتحارية ،ال حيث يرتكن خلفهن ِّ مقطع فيديو حول الهجوم املرتقب كحال االنتحاريني الذكور .ليس ذلك "بوكو حرام" ملثل هذا اإلجراء ،وبالتايل تبدو أكرث تفككًا من الناحية فحسب ،وإمنا يقترص هجوم "النساء والفتيات يف الغالب عىل رضب التنظيمية .وتقول بريسون" :جامعة بوكو حرام تجمع أشتاتاً متفرقة األسواق ومحطات الحافالت والتجمعات املدنية ،عوضً ا عن رضب من املقاتلني؛ نجد فيها عنارص إجرامية منتفعة ،مثلام نجد فيها عنارص مؤدلجة وعنارص مجندة قرسا ً ،وفيها أشخاص منخرطون بكامل أرسهم أهداف أكرث أهمية". منذ سنوات تحت سقفها" .تضيف" :يصعب علينا فهم قصة جامع ٍة بهذا املستوى من التعقيد ـ مبا يف ذلك فهم األدوار املختلفة للرجال والنساء ـ لذلك ظلّت النساء يذكرن في خطاب شيخو ـ زعيم ألننا نريدها أن تكون أكرث بساطة ،ولكنها لألسف ليست كذلك". وس َل ًعا تخص الجماعة، الجماعة ـ بوصفهن رموزًا ِ مثل تصريحه بأن سوء معاملة المسلمات َدنَّس شرف الجماعة ،أو وعيده المخيف لبيع فتيات تشيبوك في األسواق.
من جهة ثانية ،يلفت ريان كامينغز النظر إىل ضعف التكوين خصوصا تحت زعامة شيخو؛ إذ ما األيديولوجي لجامعة "بوكو حرام"، ً تزال الحياة الريفية تسري بالشكل املعتاد يف املناطق التي يسيطر عليها املتم ّردون يف إطار الخالفة التي أعلنتها الجامعة ،بل ومل تفرض األخرية
تم إعادة نرش هذا املقال مبوافقة شبكة ،"IRINالتي نرشت النسخة األصلية منه يف موقعها ، www.irinews.orgبتاريخ 19إبريل/نيسان .2016 الكاتب :أوبي أنياديك
من اإلنجليزية منصور علي
الرسم ارنولد برونغي
1متالزمة ستوكهومل هي ظاهرة نفسية ت ُصيب الضحية عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من األشكال، أو يُظهر بعض عالمات الوالء له مثل أن يتعاطف املخطوف مع امل ُختَ ِطف. أطلق عىل هذه الحالة اسم "متالزمة ستوكهومل" نسبة إىل حادثة جرت يف ستوكهومل يف السويد حيث سطا مجموعة من اللصوص عىل بنك كريديتبانكني Kreditbankenهناك يف عام ،1973واتخذوا بعضاً من موظفي البنك رهائن ملدة ستة أيام ،خالل تلك الفرتة بدأ الرهائن يرتبطون عاطفياً مع الجناة ،وقاموا بالدفاع عنهم بعد إطالق رساحهم. Elizabeth Pearson, ٢ “Boko Haram and Nigeria’s Female Bombers,” Newsbrief, Volume 35, n°5, September 25, 2015
املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
89
أزمان الجهل والعزلة-حول أوضاع النساء في منطقة همشكوريب بشرق السودان يتناول هذا املقال ،وقائع متعلقة بظاهرة ال َحالل او املستوطنات، املؤسسة عىل الفصل بني الجنسنيَ ،حالل مخصصة للرجال وأخرى للنساء ،وذلك يف منطقة "همشكوريب" ،التي تقع يف رشق السودان. تبعد منطقة "همشكوريب" عن مدينة كسال حوايل ( 312كيلومرت)، يف االتجاه الشاميل الرشقيُ ،م ِ السودان ّية .ت ُحد تاخم ًة للحدود اإلريرتية ُ ِ املنطقة الجبال من ثالثة اتجاهات ،وتتميز بِبيئة ص ْحراويّة قاحلة، شحيحة األمطار وال ُعشب ،تعيش النساء يف تلك املنطقة يف تجمعات خاصة بِه ّن ،وكذلك الرجال ،لهم تجمعاتهم السكنية الخاصة ،والتي تبعد كيلومرتات قليلة عن قُرى النساء. يَ ْسكُن املنطقة مزِيج من قبائل البِجة ،وم ْج ُموعات سكانية أخرى من دارفور،و قبائل حدودية تعيش بني السودان وإريرتيا .يُطلق عيل امل ْج ُموعات غري البجاوية األصل ،والتي أتت من مناطق أُخري إىل "همشكوريب" ،أسم "امل ُهاجِرين"". السودان ،اعتمدت مجموعات ال ِب َجة يف ِمثْلَهم ِمثل ُم ْعظم ُسكّان رشق ُ مناطق "همشكوريب" يف العقود السابقة عىل ال َر ِعي ،والذي فقد قيمته وعائده االقتصادي كنشاط حيوي ،نتيجة للعديد من اإلشكاالت البيئية، وضعف استثامر الدولة السودانية يف دعم ُمجتمعات ال ُر َعاة وتنميتها. نتج عن ذلك ،معاناة كبرية وعدم استقرار سيايس واقتصادي ،ال يزال يشُ وب مناطق "همشكوريب" ،حتّى الوقت الرا ِهن .كذلك ،الحدود ال ُجغرافية للمنطقة ،جعلتها ُعرضة ألن تكون محور رصاعات ِسياسية وعسكريّة ،ففي حقبة التسعينات تحولت املنطقة إىل أرض معركة ما ْ بني قوات النظام السوداين وحركات املعارضة املسلحة ،التي نشطت يف رشق السودان ،عندما كانت تتلقى الدعم من دولة إريرتيا يف ذلك الحني، مام أحدث خسارات فادحة يف األرواح واملمتلكات ما تزال همشكوريب، تعاين من تبعاتها حتى يومنا هذا . ت ِ ُسيطر طريقة الشيخ عيل بيتاي ( )1978-1930الدين ّية ،عىل منط ِ وطريقة حياة الناس يف املنطقة ،بِ ا يف ذلك األنشطة االقتصادية .وأهم ما مييز تلك الطريقة ،هو تأثرها العميِق باإلسالم األُ ُصويل ،ومقاطعة مظاهر ال َح َداثة ،فيام يخُص التطور االجتامعي والثقايف .وكعادة الجامعات األُ ُصول ّية ،ت ُق ِّنن تِلك املج ُموعات وألأتها وارتباطاتها األيدلوجيةَ ،ع ْب تكوِين شبكات أنشطة اقتصادية ،تَ ْتَ ُد وتُ ّت بزيجات متداخلة بني أفراد الطائِفة أو الطريقة.
90
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
تعود أسباب معرفتي باملنطقة إىل ما قبل أكرث من ثَ انِ سنوات ،عندما كُنت ِب ِرفْقة وفد برنامج األمم املتحدة إلزالة األلغام, ،جراء النزاع املسلح الذي دار حول املنطقة ,كان أغلب الوفد من الرجال ،فيام عداي وزميله أُخرى .وبعد أن أنهى الوفد زيارته لِ ِحقُول األلغام ,قرر أعضاء الوفد زيارة (خالوي همشكوريب) ...هناك ,دخلنا عىل شيخ جليل,وذلك أوال إللقاء التحية عليه ,وثانيا إلبالغه بوجودنا يف ديارهم ,كان الشيخ ُم ْستل ِقيا عىل "عنقريب" ،1وما إن رآنا -نحن البنتني -حتى قال بصوت عالُ ،مو ّجهاً حديثه إىل الرِجال " :ديل ليه ما وديتوهن مع أخواتن؟". ألتزم الجميع الصمت ،وكان من الواضح أ ّن السؤال قد باغتهم .لك ّنني انتبهت فورا ً ،وقلت له :أين ُه ّن أخواتنا؟ فر ّد شخص آخر ِمن ِ املنطقة، رجل متوسط العمر ،-قائال :إنهن يف ( قرية النساء) .اندهشت ثانية،وسألته :يعني شنو؟ أجاب ":أنت اآلن يف ِحلّة 2الرجال ،والنساء يف القرية األُخرى" .كان هنالك عدد من ِ الص ْب َية ،أعامرهم ترتاوح ما بني العارشة وما فوق ،ينظرون نحونا ،أنا وزميلتي ،بِدهشة وتع ّجب ،وكأنهم مل يروا نساء واصلت تساؤاليت ،فسألت الرجل عن هؤالء الصبية الصغار من قبل!. ُ وأين أُمهاتهم؟ فأجاب :إ ّن الولد بعد سن العارشة ،يتم أخذه من ِ "حلَّة ويؤت به إىل ِ "حلَّة الرجال". النساء"َ ، قلت له :لكن هؤالء أطفال؟ غري أنه مل يُ ِعر كالمي أي اهتامم ،فواصلت حديثي ،وقلت له :وأنتم ،ألستم متزوجون؟ قال :نعم .فقلت له :متى تذهبون إىل زوجاتكم؟ صمت ،لكني مل أتركه يهنأ بصمته ،ويف آخر األمر ونخرج قبل صالة الصبح". أجابني ،قائالً " :نذهب بعد صالة العشاء، ُ منذ ذلك الحني ،ظل أمر تلك املنطقة التي يعيش فيها الرجال يف قري ُمنف َِصلة عن النساء ال يفارق ذهني .ظللت أُفكّر يف أمر تلكم النساء, مساءلة نفيس ،كيف يَفكّرنَ؟ وماذا يعرف َن عن الدنيا وعن الحياة؟ وكيف يَ ِعش َن .وهن املحرومات ،حتى من معايشة وتربية أطْفال ُه ّن ,الذكور ابتداء من سن العارشة؟ يل حتى حانت لحظة تحققه بعد التحاقي للعمل ظل األمر مسيطرا ً ع ّ مبجلة (املرأة يف اإلسالم) ,وقد حدث أثناء نقاش مع رئيسة التحرير، عن أوضاع النساء يف السودان وما ميارس عليهن من قمع عرب وسائل كيت لها عن منطقة همشكوريب ،فإذا بها تتح ّمس لطرح هذا كثريةَ ،ح ُ املوضوع عيل صفحات املجلة ،وش ّج َعتني بإلحاح عىل الذهاب للمنطقة، والكتابة عن قصة القُرى املنفصلة ،ووضع النساء فيها .صادف املُق َْتح
ملف العدد :النساء داخل المنظومة السلفية لدى كل اإلمكانيّات فنزل ثالثة رجال ،وهنا َو ّجه يل الكالم ،وقال“ :أنت جديدة انزيل". هوى يف نفيس ،وعزمت عىل تنفيذه ،بعد أن توافرت ّ ً فصاح أحد الرجال “املرأة ال تنزل من العربة وحدها“ .أميش كلموه امل َُسا ِعدة. ليأيت بنفسه" ،فعاد بسؤال آخر من املسئول األمني فيام معناه :إىل أي منزل أنا ذاهبة؟ فقلت لهم ،إىل منزل (أُم الفقراء) ،وهي سيدة من الدخول يف زمن آخر ُساللة شَ يخ املنطقة ،فقنع بذلك وعفاين من عناء النزول من الحافلة. بدأت رحلتي من مدينة كسال متوجهة صوب مواصالت عوامل من العزلة همشكوريب .وعندما وقفت عىل باب العربة "الحافلة " ،بصدد الدخول ،أرسع نحوي ولد ال يتجاوز عمره أربعة عرش عاماً ،وسألني": أنت ماشة وين؟" ،قلت له :أُريد أن أذهب إىل همشكوريب ،فرد ُمرسِعاً استغرقت الرحلة مثان ساعات ،حتى وصلنا وجهتنا مع مشارف ":ما برتكبي من غري ُم ْحرم" فوجِمت ونظرت إليه ُمح ّدقة ،فقال مرة الليل -حوايل الساعة الثامنة مساء ، -نزل الرجال أوالً ،واتجهوا إىل ِحلة وطلبت ِمن ُه ّن أن يأخذوين أُخري ":يعني نحن ما بنشيلك ،إالّ يكون معاك راجل" ووقف عىل باب الرجال ،ثم اتجهت مع النساء إىل ِحلة النساء، ُ حافلة املواصالت ليمنعني من الصعود .ويف تلك اللحظة أىت صوت إىل منزل ( أم الفقراء) .وما أن دخلت حتى وجدت أن املنزل يفيض بأعداد كبرية من النساء ،من مختلف األعامر ،يصنعن الطعام بكميات رجل يف منتصف العمر ،كان ضمن الركاب ،قائال: كبرية .عرفت أ ّن هذا الطعام سوف يُؤخذ إىل قريّة الرجال .لقد ر ّح َنب يب مبنتهى اللطف ،حيث ك ّن يتوقعن قدومي من كسال ،من بعض "هذه هي قوانين المنطقة ،لن يسمح لكي بالذهاب األصدقاء الذين ساعدوين يف الوصول إيل املنطقة .وما أن جلست لفرتة إال ّ برفقة ُمح ِْرم" .فقلت له " :ليس لدي محرم"، قصرية معهن حني اصطحبتني واحدة من النساء إىل منزل آخر الرتاح فقال" :يعني أي رجل يكون مسئول منك". من عناء السفر ,هناك وجدت خمس شابات عيل مشارف العرشين وكُ ّن وبعد جهد فهمت أنّه الب ّد من أن أجد رجال ما ،يتح ّمل مسؤولية ذهايب إىل همشكوريب .قُ ْم ُت باالتصال بأحد أبناء منطقة همشكوريب، كان قد أعطاين ِعنوانه أحد زماليئ من أبناء كسال ،لِيك يساعدين .جاء مرسعاً ،وبدأ يتحدث مع سائق العربة بِاللغة البجاوية ،وهاتف آخرين بهمشكوريب ،واستغرق األمر أكرث من عرشون دقيقة .كان يتحدث مع السائق وتارة عىل املوبايل ،وأخريا ً قال يل ":أركبي فقد ُس ِمح ليك بالذهاب" .ما أن جلست عىل أحد املقاعد ،وسط ال َعربَة ،حتى جاءين صوت رجل يقول يل ""غري مسموح لك بالجلوس هنا ،ألن النساء ي ْجلِسن يف املقاعد الخلف ّية" .وبالفعل ،وجدتُ ثالث نساء يجلسن يف آخر مقعد يف الحافلة ،فذهبت وجلست معهن ،ثم اجلسوا األطفال يف املقاعد التي أمام النساء، بغرض الفصل بين ُه ّن ,والرجال. عندما اكتمل عدد ال ُركّاب ،جاء الصبي "الكمسارى" بورقة أعطاها ألحد الرجال ليك يُس ّجل كل راكب أسمه ،وذلك ما يعرف بـ(منفستو العربة) .بعد أن تم تسجيلهم ،جاء يل بالورقة وقال يل ،أكتبي اسمك وأسامء النساء الاليت يجلس َن معك .بدأت يف كتابة أسمي ،فإذا برجل آخر يأخذ الورقة من يدي بعنف ،صارخاً يف "الكمسارى" ،وهو يقول ،النساء ال يسجلوه ّن. (أخذت أفكر في مدى الكره ّ والخوف من النساء ،لدرجة أنه إذا تعرضت العربة لحادث ،فإ ّ ن النساء الموجودات فيها لن يتم التعر ّف ن وكأنه ّ عليه ّ ن لسن بشراً).
هكذا كانت بداية الرحلة إىل همشكوريب .يف ُمنتصف الطريق توقفت العربة أمام نقطة جهاز األمن وصاح الكمساري ":الزول الجديد ينزل"،
الرسم :حسين ميرغني
املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
91
عائشة السامين. درست يف جامعة وادي النيل يف مدينة عطربة .عملت كصحفية يف العديد من الصحف اليومية يف السودان منذ العام 2003ومراسلة ملوقع النيالن اإللكرتوين. وهي عضو ناشط يف شبكة الصحفيني السودانيني ومجموعة صحفيون من أجل حقوق اإلنسان.
ٍ كت بُر َه ًة عند يَ ْجلِس َن عىل (برش) ،ويَقُم َن ب َِتتِيل القُرآن بصوت عا ٍلَ .س ْ َ قدومي ،ث ُ ّم قُ ْم َن بِواجب الضيافة تجاهي ,ما إن استلقيت عىل الفراش، حتى تناهت إىل أذين أصوات ترتِيل ُه ّن مرة أخرى والتي استمرت حتى مشارف اليوم التايل. عند الساعة التاسعة ،تقريباً ،أخرب ُو ِن أ ّن هناك من يسأل عني.. ذهبت ملقابلته ,فوجدت رجالً شاباً ما أن راين حتى بادرين قائالً" :أنا عرفت إنك جئت ليك تعميل بحث عن الخالوي ،وأنا هنا ليك أساعدك". ألكتب مادة لِمجلّتي املُتَ ِ خصصة يف شؤون فقلت له أنا صحاف ّية.جئت ُ املرأة ،فقال يل "مرحبا ,سوف أعرفك عىل خالوي النساء ،وكيف يتَعل ْم َن القُرآن؟ .ذهبنا معا إىل الخلوة التي كانت تحتل ِمساحة كبرية أمام املنزل الذي كنت فيه .وجدت النساء ،وقد َجلس َن يف حلقات ,بلغ عددها قرابة ال 20حلقة ،كل حلقة تضم حوايل أل 10نساء ،ترتاوح أعامره ّن بني إحدى الِنساء ،وقال يل :أن السيدة العارشة والثالثني ،وتتوسط الحلقة َ التي تجلس يف منتصف الدائرة هي التي تبدأ له ّن القراءة ...ويف وسط الخلوة ،وضعت فواصل مستديرة ،عددها أربعة ,يف داخل كل من تلك الدوائر يوجد (عنقريب) ،يَ ْجلِس عليه رجل ،بينام النساء ,اصطففن حول الفاصل ،خارج الدائرة .قال يل الرجل ":أجليس ليك تشاهدي حلقات التسميع" .جلست مع النساء ،بينام دخل هو و جلس يف داخل الحلقة، وبدأت النساء يُ َس ّمع َن ،واحدة تل َو األُخرى ،السرية النبويّة ،األحاديث, وسور القرآن الكريمِ .استغرق زمن الخلوة ساعتني ،ثم انفضت بعدها جموع النساء. بعد ذلك ،أدخلني الرجل لِذات البيت الذي يُصنع فيه الطعام، فوجدتُ ذات نسوة يوم أمس يصنعن الطعام ،وكأنه ّن مل يُبارِح َن بت عىل ُج ْدرانِها ُحروف مكان ُه ّن .بعدها ،أدخلني إىل غرفة كبرية ،كُ ِت َ اللُغة ال َعر ِبيّة واألرقام الحسابيّة ،وقال ،هذه الحروف مكتوبة ليك تتعلم منها النساء القراءة ،وقد كتبتها أم الفقراء ،وهي أخت الشيخ عيل بيتاي، مؤسس هذه الخالوي. مت أ ّن أُم الفقراء كانت هي التي تدير قرية النساء ،أي أنّها الحقا َعلِ ُ "مسئولة شؤون ِحلة النساء" ،وقد توفيت ،وبقيت أبنتها تدير املكان لمت الحقاً ،إ ّن الحروف العربية ،تعرف بحروف بِذات الكيف ّية .كام َع ُ أم الفقراء ،لدى نساء الخلوة ،والاليت ب ُرغم معرفته ّن للقراءة ،إالّ أ ّن تلك املعرفة محدودة مبا يتلقّينه يف الخالوي ،حيث ال ت ُو َجد ُصحف أو كُتب ُتب الشيخ ...أوضح يل مرافقي ،أ ّن هناك أيضاً خالوي يف أخرى ،بخالف ك ْ قرى الرجال ،وتسري بنفس النظام .وفيها عدد من الطالب من املنطقة وآخرون جاءوا من مناطق أُخرى ،من دارفور ودولة اريرتيا ،عىل وجه التحديد ،ويطلق عليهم أسم "املهاجرين" .واستطرد قائال ":ولكنك لن تستطيعي أن تذهبي إىل ُهناك ،ألنّه ال يُسمح للنساء ,دخول أماكن الرجال ،حسب عادات املنطقة".
92
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
انرصف الرجل ،وعدت إىل مكان استضافتي ،وجلست وسط النساء، فأخذت أتجاذب أطراف الحديث م َعهن ،وكانت تقوم بالرتجمة املرأة التي رافقتني ،منذ أن حللت باملنطقة ،وهي تتحدث لغة عربية محدودة، ولكن ك ّنا نفهم بعضنا .سألتُها ،من أين تعلمت اللغة العربية؟ أجابتني قائلة“ :علّمتني أُم الفقراء ،فهي كانت تتحدث وتكتب العربية" .كذلك أخربتني ،أنّها جاءت إيل هذه املنطقة من (الخال) ،عمرها سبعة أعوام، ظت القرآن" .بعد ذلك ،بدأت النساء وقالت“ :هنا وجدتُ الرحمة ،وح ِف ُ عم إذا كنت أعرف القراءة ،فأجِبت باإليِجاب .ثم سألنني: يسألنني ّ “هل قرأت "الطريق إىل الهداية" ،للشيخ عىل بيتاي؟" ،وعندما أجبت بالنفي ،اندهشن ،كأنّ ا وقعت علي ُه ّن صا ِعقَة ! .وقُلْ َن يل :أال ت َعرفني أ ّن ُلت ال ،ازدادت ُرب َج َبل َعرفَات؟ وعندما ق ُ الشيخ التقى الرس ُول "ص" ،ق ْ دهشت ُه ّن ،كَيف ال أعرف ذلك؟ .بعدها ،قُلْ َن ِل :إذا ِ قرأت كِتَاب الشيخ، ُلي الج ّنة ،أل ّن الرس ُول "ص" أوصاه ،وقال له":أُ ّمتي ..أُ ّمتي .. سوف ت ْدخ ِ َ سب ُع مرات" .ث ُ ّم سارعت إ ْحدا ُه ّن وأحرضت يل الكتاب ،وقالت أ ّن هذهِ تحدثت مع ال ِنساء ع ْن حياتِه ّن يف داخل ُنسخَة ليست األصلية ،و ُ ال ْ القرية ،فأخربنني أنَه ّن ال ي ْخ ُرج َن من هذه القرية ،وكل احتياجاتهن يأت بها الرِجال إلي ُه ّن ،كام أنّه ال تُوجد مدرسة للبنات ،ألن ت َعليم البِنت عيب ،كام انه غري مسموح لها بالخروج من هذه القرية ،وهي تدرس فقط يف الخلوة ،وتحفظ القرآن وتدرس السرية النبويّة ،والبعض ِمنهن يَ ْعمل َن ِف ُصنع ِ (البوش) ،من أجل استخدامها ُسقُوفاً للمنازل، والبعض اآلخر يق ْم َن بخياطة القُامش الذي يُوضع حول الربش. يف حديثي مع ُهن تطرقت ملوضوع الزواج ،وكيف يتم يف ظُل هذه ال ُعزلة امل ْف ُروضة عليه ّن ،والتي ال يُسمح له ّن بالخروج منها؟ فكان ردّهن ":الزوج يأيت به األب ،أو العم ،ثم يتم التشاور مع الشيخ .و واصل َن ":إذا قال الشيخ ،أعطوا هذا الشخص ،يعطونه ،والزواج يكون مباركاً ،ومر ِاسم الزواج تتم عادة بأن تحتفل كل قرية بشكل ُم ْن َفرِد. بعد امل ُوافقة ،ت ُج ّهز العر ُوس وتُرسل إيل بيت العريس يف قرية النساء، والذي بدوره يأيت لها كُل يوم بعد صالة العشاء ،ويخ ُرج منها قبل صالة الفجر" .هذا النظام يتّبِعه كل الرجال املتز ِّوجون ،وال يُوجد أي رجل يف منزله أثناء النهار... أثناء حديثنا ،هذا ,جاءت امرأة تحمل مالبس وأواين للبيع ،وعرفت منها ،أنّها ليست من ُسكّان ِ املنطقة ،لكن زوجها جاء إىل هذه املنطقة من القضارف ،قبل سبعة عرش عاماً ،ألنّه أتبع دعوة الشيخ( ،وهم َم ْن يُطْلَق عليّهم امل ُ َهاجِرين) .يف هذه األثناء ،سألنها بعض النساء" :هل أعطيتم ابنتكم إىل ولد فالن ،الذي طلبها للزواج؟" فقالت":والدها عىل سفر ومل يحرض حتّى اآلن" ،فَقْل َن لها ،وإذا الشيخ قال لكم ,أعطوه, أعطوه" ،فكان ردها ”:هذا ما سوف يحدث" .يف هذه اللحظة سألتهن، ِب" :بأن ذلك ممكن ،ألن عم اذا كان من امل ُ ْحت َمل أن يرفض الشيخ؟ فأج ْ َ ّ الشيخ ,يعرف إذا كانت الزِي َجة صالحة ،وفيها خري ،فيباركها ،وإذا كانت
ملف العدد :النساء داخل المنظومة السلفية
ليست كذلك ،فإنه يرفُضَ ها" .كُ ّن يتَح ّدث ّن وه ّن يف غَاية الي ِقني ب ِِصحة هذا االعتقاد .وح ّدثنني عن ِزيِجة مل تنجح بسبب ُمخَالفة أمر الشيخ، وأ ّن تلك املرأة ،التي تم زواجها بغري رضا الشيخ ،كَانت كُلّام ت َ ْنجِب ِطفال, ميوت يف مهده ،حتى تم تطليقها يف نهاية األمر. ما بني التقاليد واأليدلوجية السلفية ِ ثت مع السيد أحمد محمد بِيتَاي ،أبن أخ مؤسس الخالوي، الحقا ،تح ّد ُ عن تاريخ املنطقة ،ومنط العالقات االجتامعية السائِدة ،فقال":إ ّن والد الشيخ عيل بيتاي ،كان يَسكُن بلدة (قاش دياي) ،عىل نهر عطربة، و ُهناك التقى بشخص اسمه ،حامد محمودِ ،من قَبِيلة (ردي ) ،فقال له إ ّن أم ابنك عندنا ،ثم قدم له إبنته فتزوجها .ولد الشيخ عيل بيتاي يف عام ،1930يف منطقة َه ُمشْ كوريب ،وتويف عام ،1978وكان قد ّأسس خالوي همشكوريب يف عام ،1952بعد عودته من املنفى,فقد نفا ُه اإلنجليز إىل منطقة َحلْفَا ،جراء اتهامهم له بادعاء ال ُن ّبوة ،وهو ما قد يؤدى إىل ظهور مهدي آخر..بدأ الشيخ دعوته يف هذه املنطقة ،فبدأّ يُعلّم أهلها أُمور ِدي ِنهم ،كام علّم ُهم ال ِتجارة والزراعة عىل نهر القاش ،وساهم يف استقرار املجتمع ،ل ِك ّنه وجد أ ّن ال ُع ْ رف ِعن ّدهم هو أن املرأة ،ال تخرج من بيتها قط ،وال تُخَالط الرجال .وقد أقر أحمد محمد بيتاي ،أ ّن الشيخ غي عادات أهل املنطقة تجاه النساء ،لكنه عيل بيتاي ،مل يَ ْستَ ِطع أن يُ ّ باملقابل ،أقنعهم بعمل خالوي للنساء وتعل ِي َم ُه ّن ِ الدين .وعندما سألته عن القُرى املنفصلة ،أجاب":أنّها نتجت من أنّه وجد أهل ِ املنطقة ال يس َم ُحون للمرأة بالخروج ،ومن ثم ،سار عىل ن ْهجِهم"...استدرك محديث ْ قائالً .":نحن يف نهجنا الديني ،لسنا ُمتَش ّددين ،وغري ُمتَط ّر ِفني ,ونقول: عم يفعل أمام ربّه". دامئا للناس ،إ ّن ك ُّل شخص هو املسئول ّ ثت أيضا ،إىل األستاذة فريال التجاين كرار ،إحدى السيدات تح ّد ُ الناشطات يف ت ْنمية املرأة ،من م َدينة ك ََسال ،وقد عملت وسط النساء يف منطقة همشكوريب ،فقالت ":إ ّن العمل يف منطقة همشكوريب صعب جدا ً ،خاصة وسط النساء,فاملرأة هنا تفتقد للتوعية يف كل مناحي الحياة ،نِسب ًة لِ ِغياَب التعليم ،واملعرفة ،وكذلك محدودية حياتها داخل قُرى ال ِنساء ،وذلك عىل العكس من الرجال ،الذين يُسمح لهم السودان. بالتعليم والسفر ،ومنهم من أتيح له فرصة التعلّيم خارِج ُ فالنساء يف همشكوريبُ َ ،ي ّنت يف أثناء الوالدة ،لعدم وِجود قَابِالت ُمد ّربَات" .وتواصل فريال قائلة “ :ذهبنا إىل أحمد بيتاي ،الذي كان املنطقة ،وطرحنا عليّه ال ِفكْرة ،وجمع لنا ِ ُم ْعتَمد ِ الشيوخ وأعيان القبائِل، واستطعنا أن نُ ْق ِنعهم بتدريب قَابِالت من عند ُهم .يف البدء كانوا يتخوفون من أن املرأة إذا تعلّمت ،سوف تخرج من قرية النساء ،ولك ّن قلنا لهم ،نحن سوف نُعلّمه ّن ليك ُيارِس َن املِ ْه َنة داخل قُرا ُه ّن ،ويُن ِقذ ّن حياة ال ِنساء أثناء الوِالدة ،وكان هذا ردا ً مقنعاً لهم ,وبالفعل ،ذهبنا إىل إدارة الصحة اإلنجابيّة يف كسال ومدونا بطبيبات للتدريب,بعدها أقمنا
معسكرا مقفوال داخل حلة النساء ،وقمنا بتدريب( )80امرأة ،وكانت فرتة التدريب ستة أشْ ُهر ،تتخلّلها فرتة عودة ملدة أسبوع إىل كسال ،ك ُّل شهرين ,وحتى الطبيبات اُلْ ِز ْم َن بعدم الخُروج من املعسكر .كان هذا إنجازا ً كبريا ً ،أسهم يف بعض التغيري يف منط الحياة السائد ،وذلك بأن تعمل املرأة ،حتى وإن كان ذلك داخل أسوار امل ُجتمع املُغْلقة" .و تواصل تعيش فيه املرأة فريال قائلة :أنها ال تزال م ْه ُمومة بِ ُشْ ِكلة التخّلف الذي ُ يف تلك املنطقة ،وتضيف ,بحزن ”:إن املرأة هناك ال تعرف حتى ,كيف َرب أطفالها ..إنّها تعيش يف حالة من الجهل والعنت ال ميكن وصفها". ت ّ اصابتني احوال النساء يف همشكوريب بحزن عميق .فرغم طيبة ولطف أهايل املنطقة ،اال ان واقع العزلة املفروضة عيل النساء والفصل القرسي بني الرجال والنساء واالطفال من الزكور يف تصوري هو امر يجاىف طبيعة االشياء ،ويعكس ارتباكاً ُمرِيعاً يف فهم التقاليد والقيم اإلسالمية و قيم وارث الثقافة املحلية أيضا ،حيثُ أنّه ،ال الدين وال الثقافة املحلية ،قد روجوا ملثل هذا النمط من العزلة والقهر .ومام الشك فيه إ ّن امل ُجتمعات التي تفر ُِض ال ُعزل ًة بني النساء والرجال ،ومتنع النساء من ُمامرسة ِحق ُوق ُه ّن الطبيِعية واإلنسانِ ّية ،هي مجتمعات ت ُعاين، وسوف تستمر تعاين الكثري من األمراض االجتامعية التي ال سبيل للنجاة منها.
عائشة السماني
1الشيخ عيل بيتاي (وجذوره من قبائل العبدالب الذين استوطنوا بالد البجه) ،وولد يف 21سبتمرب العام 1930م مبنطقة همشكوريب ،وتويف يف يناير عام 1978م ـ. 2لقد قام ببنا طريقة صوفية متشددة أدت إىل تغيري يف منط أسلوب حياة العديد من السكان املحليني من قبائل البجه يف منطقة همشكوريب. املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
93
اللوحة صالح ابراهيم -السودان
المرأة في صفوف القتال ما بين جماعات التطرف الديني وجيوش المقاومة يف آخر بريد إلكرتوين بعث به تنظيم الدولة اإلسالمية يف العراق و الشام (داعش) إىل والدي "1جيمس فوىل" الصحفي الذي تم أرسه يف سوريا ،ذُكر فيه اسم شخصية واحدة باالسم ،هي الدكتورة "عافية صديقي" ،حيث نص االمييل عيل التايل " :لقد قمنا أيضا بتقديم "عرض"، تبادل سجناء ألجل إخالء سبيل املسلمني املحتجزين حالياً لديكم كأختنا تبي لنا رسيعاً جدا ً عدم الدكتورة عافية صديقى "،ثم أضاف "لكن ّ رغبتكم يف "العرض" .و ما هي إال و ايام قليلة بعد ذلك ،حيث تم ذبح السيد فوىل.
سجن (كارسويل) يف والية تكساس األمريكية عندما تقدمت داعش بعرض إلطالق رساحها ،فمن الواضح أن التنظيامت املتطرفة مل تنسها،عىل الرغم من مرور سنوات طويلة عيل اعتقالها يف العام 2008يف منطقة الخازىن بأفغانستان و إدانتها يف يناير 2010يف نيويورك مبحاولة قتل موظفني من الحكومة الفدرالية األمريكية وكمعظم التنظيامت الدوغامئية املتطرفة األخرى فداعش تعترب "عافية صديقي" جهادية بطلة.
يف السنوات األخرية أنضم عدد قليل و لكنه متنام من الفتيات املسلامت إىل صفوف تنظيم الدولة اإلسالمية والذي كان يضم حوايل الدكتورة "عافية صديقى" ،عاملة أحياء باكستانية كانت مسجونة يف ( 2000إىل )3500من املقاتلني أو أكرث يف العراق و يف سوريا .وتقدر
94
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
ملف العدد :النساء داخل المنظومة السلفية رافية زكريا كاتبة و قانونية و مدافعة عن حقوق اإلنسان من الباكستان .من مؤلفاتها" ،زوجات الطوابق العليا": التاريخ الحميم لباكستان (دار نرش بيكون).
نسبة املجندين من األجانب القادمني من أوربا وامريكا واسرتاليا ,بحوايل أكرث من 200و ترتاوح نسبة أعامر الغالبية منهم ما بني 25-18سنة. متثل نسبة النساء فيهم حوايل أل , %10و لعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو كيف أصبحت داعش جاذبة للعنصر النسائي ,وعلى وجهه الخصوص القادم من البلدان الغربية ،
و التي من املفرتض أنها مجتمعات تتمتع (بالعلامنية) وبالحريات املدنية ،وكذلك ملاذا تستجيب النساء لنداء تنظيم معروف عنه كرهه للنساء و إساءة معاملتهن؟ عىل الرغم من أن عافية صديقي نفسها مل تكن عضوا ً بتنظيم داعش، فقد متت إدانتها و حبسها قبل ظهور التنظيم إىل الوجود ،إال أنها مع ذلك متثل منوذجاً للمرأة "املسلمة املقاتلة" التي يحتفي بها الجهاديني املتطرفني يف مناطق مختلفة من العامل .و ألنها امرأة مسلمة ذات تعليم عا ِل ،مثل رفضها ملا اعتربته (حرية غربية) حجة قوية وجاذبة ميكن أن تطرحها تنظيامت جهادية مثل داعش الستقطاب النساء ،حني و إن كانت تلك الحجة مثرية للجدل ومرتبكة من نواحي مفاهمية . و مثلما جذبت داعش لفيف من النساء إلى صفوفها، ُ فهناك أيضا أخريات ممن اخترن االنضمام إلى معسكر مقاومتها.
فعىل سبيل املثال ,عندما شنت بعض الدول العربية أوىل رضباتها ضد داعش ،عرفنا أن اللواء ( مريم املنصوري ) وهى أول امرأة-تنتسب إىل قوات الدفاع الجوى اإلمارايت كانت هي القائدة لتلك العمليات .و هناك أيضاً (مقاتالت البشمرقة) الكرديات والاليت راج الحديث عن جاملهن و قوتهن البدنية اليشء الذي قاد إىل االفرتاض الشائع يف أن مقاتالت البشمرقة سافرات و ملتزمات باملساواة بني الجنسني و غري هيابات .و هي ذات الصور التي قام اإلعالم الغريب بتعظيمها ألنها تضع مقاتالت البشمرقة يف الخانة الصحيحة يف جدل الحرب ضد التطرف و اضطهاد املرأة .و عىل النقيض من ذلك يتم تصوير النساء املقاتالت مع داعش عىل إنهن قد تم التغرير بهن عرب وسائل التواصل االجتامعي أو خداعهن عن طريق "رومانسية كاذبة" لقبول أفكار الحرب الدينية .لكن هذه املضاهاة بني البطالت الحسناوات الاليئ يحتفي اإلعالم الغريب بهن، من ناحية و املقاتالت املقهورات الاليئ يجب (تحريرهن) ،من الناحية األخرى ،إمنا تعرب يف األساس عن منظور الواليات املتحدة األمريكية و حلفاؤها وتصوراتهم تجاه البلدان اإلسالمية .وهذا املنظور بالتحديد هو ما قاد إىل فشل القوى الغربية يف إدراك إن املوقفني املتصالح والرافض لتنظيم الدولة اإلسالمية ال يرتكزان عىل التناقض مع الغرب و إمنا عىل الحوار معه.
و تجتهد ( دابق ) الصحيفة الناطقة باللغة االنجليزية واملتحدثة باسم داعش؛ تجتهد يف عرض صور ملقاتلني من أعراق مختلفة قادمني من دول عديدة من العامل ،كل ذلك لتؤكد عىل عدم أهمية املرجعيات العرقية يف أوساطها .إذن فهل من الجائز أن يكون انجذاب بعض النساء إىل داعش ليس بسبب أنهن مخدوعات و لكن رمبا قد تكون رؤية داعش السياسية قادرة عىل تقديم حلوال لبعض مشاكلهن؟ ففي نهاية األمر حتام ستتمكن املجندات من النساء اكتشاف أن (اليوتوبيا االسالمية) التي تطرحها داعش ليست سوى رضب من رضوب الخيال و أن متكني املرأة يف داخل تنظيم الدولة ما هو إال مجرد هراء و مع ذلك فإن انضامم بعض النساء إىل داعش قد يُفهم كخيار سيايس يتم اتخاذه نتيجة عوامل متعددة. عافية ِصديقى -امرأة سلفية من طراز مختلف : هجرت عافية صديقى موطنها األصيل يف باكستان للدراسة يف الواليات املتحدة االمريكية,و خالل سنوات دراستها يف معهد "ماشاسوتس" للتكنولوجيا العريق و من بعد ذلك ىف "برانديس", حرصت "عافية" تعاملها االجتامعي عيل الجمعيات اإلسالمية لناشطة يف الواليات املتحدة .وكانت تشارك يف جمع التربعات للمقاتلني يف مناطق الحروب يف "البوسنة" و "أفغانستان". يف أكتوبر 1995وافقت "عافية" عىل الزواج من امجد ،الرجل الذي تم اختياره لها بواسطة والديها و هو طبيب شاب ومن أرسة عريقة من باكستان .وعىل الرغم من تدينه إال انه مل يكن ناشطاً سياسيا أو ملتزماً بأي من األفكار الجهادية ،تلك األفكار التي متثل أهمية كبرية يف حياة "عافية" و.يتضح من سرية "عافية" التي قامت بتسطريها ( ديبورا إيكروجنز ) ،أن زواجها املرتب من امجد مل يكن متناغام ٢و أنها مل تكن راضية عن مسئولياتها املنزلية يف الوقت الذي كانت تعمل فيه للحصول عىل درجة الدكتوراه .لذلك وبعد إنجابها لطفلتها األوىل احتجت عافية عيل مسئوليات األمومة التي رأت أنها قد حرمتها من طموحاتها السياسية و حضور اجتامعات الجامعة الجهادية التي كانت تنتمي إليها.
اشتهرت "عافية" مبواقفها املناهضة للدور التقليدي للمرأة ،وهو ذات املوقف الذي دفع بها و زوجها يف 2002إىل اللجوء إىل شيخ من شيوخ الطريقة الديوباندية ٣السنية ىف مدينة كراتيش للمساعدة يف حل مشاكلهم الزوجية .و قد أمرها املفتى األكرب( ،راىف عثامىن) ،بالتنحي عن االنشغال بقضايا الجهاد و الرتكيز عىل األرسة .و لكن عافية رفضت فتوى املفتى األكرب ،بل وأكرث من ذلك قامت ومن وراء حجابها بفعل غري معهود من امرأة ورعة ،و ذلك بأن جادلت املفتى و بيّنت تناقضه بعد أن استدعت فتاوى من شيخ معروف مبواقفه الجهادية املتشددة وهو الشيخ (عبدالله يوسف ع ّزام) الذي أعترب الجهاد "التزام مجتمعي مفروض عىل كل مسلم ومسلمة ",٤وقد بررت "عافية" موقفها املناهض تزعم داعش ىف العديد من منشوراتها بأنها قد متكنت من خلق لسلطة الرجل الدينية بالتزامها بالجهاد أكرث من املفتى نفسه .وهذا مجتمع متجاوز للقومية و العرقية يتسم بالعدالة املثالية و تحكمه املوقف مشابه ملا يتبناه مجاهدو داعش ،فقد اختلفوا مع رجال التقاليد اإلسالمية ,أما ما ينترش من صور بشعة للقتىل من النساء و الدين التقليديني ممثلني يف عدد من الشيوخ الذين قاموا بانتقاد داعش االطفال فان داعش تزعم بأنهم ضحايا للقصف األمرييك والغريب. إلساءتها تفسري القران ،بل انه وىف أكتوبر 2015وقّع أكرث من "مائة املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
95
شيخ" خطاب مفتوح موجه إىل التنظيم يعرب عن إدانة رصيحة للتنظيم النحرافه عن جادة الرشيعة و لتعريفه الفضفاض ملفهوم الجهاد و لعدم رشعية سياسة التنظيم يف قتل أفرادا من األقليات الدينية. حول مسألة النسائية االسالموية: كانت "عافية صديقى" تطمح الن تصبح قائدة لـ "بنات عائشة" الجناح النسوى لـ "جيش محمد"( ،التنظيم الجهادي الباكستاين) ,و بالطبع فإن القيادة النسائية يف مثل هذه التنظيامت محصورة عىل النساء فقط و ذلك ينبع من املنظور اإلسالمي التقليدي و الذي ينظر إىل دور النساء كمك ّمل للرجل و ليس مساوياً له وفقا لرؤية تلك التنظيامت ،وهو منظور يناقض منوذج املساواة السائد يف الكثري من بلدان العامل. هذا التمييز يمثل موقف جدل دائر وسط النساء المسلمات حول طبيعة العالقات الجندرية في المجتمعات المسلمة ،و ما هي شروط العالقة من منظور إسالمي.
و يف هذا الصدد تقول األكادميية عائشة هداية الله :إن اتجاه بعض النسويات اإلسالميات نحو محاولة تفسري القران يف ظل السياق التاريخي الذي نزل فيه أو بالرتكيز عىل رأفة أو تعاطف أو عدالة اإلسالم، تحتاج للكثري من التأمل ٥واملراجعة .و تساءلت حول ما إذا كانت القيادة يف اإلسالم مشرتكة بني الرجال و النساء أم منفصلة بحيث تنحرص سلطة القيادة النسائية عىل فصيلة النساء فقط .و يف ظل هذا الجدل السائد يبدو أن منوذج القيادة املنفصلة متاماً و املامرسة بواسطة داعش ،يبدو أنها جاذبة بالنسبة للنساء تجاه تنظيم الدولة اإلسالمية .و لعل الرشطة النسائية يف تنظيم داعش املعروفة بـ "كتيبة الخنساء" املنوط بها ضبط سلوك النساء يف منطقة (الرقة) خري منوذج للقيادة املنفصلة,فقد ذكرت ( االتالنتك ) يف تقرير لها أن للكتيبة مرافقها املنفصلة و ذلك ملنع أي اختالط محتمل بني الرجال و النساء.
فالجامعات من أمثال داعش تهتم يف األساس بطرح نفسها كنموذج بديل للهيمنة الغربية أكرث من العمل عىل تحرير املرأة بأي شكل كان. فالقياديات من النساء يف داعش ليست لهن القدرة عىل القيام بأي فعل من شأنه منع املقاتلني الرجال من مامرسة أبشع االنتهاكات الجنسية عىل النساء الاليئ يقعن يف أرسهم أو الوقوف ضد العنف ضد النساء من داخل وخارج التنظيم .و ال يتم تحد للدور التقليدي للمرأة عند داعش أو الجامعات األخرى الشبيهة إال إذا كان ذلك يصب يف مصلحة النشاط الجهادي" ،فعافية صديقى" مل تواجهها أي مشكلة يف حضور اجتامعات مع رجال أو مخاطبة تجمعات بها رجال غرباء الن أنشطتها كانت تنصب يف خدمة مصالح التنظيم السياسية .ومن ناحية أخرى تربر عافية صديقي هذه القطيعة مع الدور التقليدي للمرأة" بأنها " :رضورية لخدمة الجهاد". و ينحرص الدور الرئييس ل "كتيبة الخنساء" ( الرشطة النسائية يف تنظيم داعش) يف مراقبة و تأديب النساء ،حيث تقوم عنارص الكتيبة بجر -النساء غري املغطيات رؤوسهن بشكل كامل أو الاليئ يتواجدن يف األماكن العامة ومن غري محرم و تقوم لكتيبة مبعاقبتهن النحرافهن عن رؤية داعش ملفهوم السلوك اإلسالمي املطلوب من املرأة إتباعه و ذلك بحبسهن لساعات طويلة .و "كتيبة الخنساء" وهى تقوم بدور الرشطي املخصص للنساء ,إمنا تعمل عىل تأصيل قيم و أحكام ( البطريركية ) التي تدعو لها داعش ,فليس لها الحق أو القدرة عىل تحدى سياسات أو مامرسة ( كره النساء ) التي تتبناها داعش ،فلم يسمح ألي امرأة بالتدخل عندما قامت داعش بقتل امرأة رجام يف ميدان عام بتهمة ارتكابها جرمية دعارة يف أكتوبر .2014
وأخريا ً ،فإن مبدأ التكاملية يستخدم لكبح أي تحديات تصدر من النساء الاليئ يطمحن ألن يكن لهن دورا ً يتجاوز دورهن كخدم لقوى القهر, فهل كان ابوبكر البغدادي الذي عني نفسه خليفة لداعش،سيتسامح مع امرأة عىل شاكلة "عافية صديقي" إذا قامت باالعرتاض عىل مقوالته بصورة مبارشة عىل النحو الذي حدث مع املفتى يف كراتيش؟ ال شك يف أنه و انطالقا من مبدأ التكاملية ,كان سيقوم بإخراس صوتها ألنها ليس و يذكر ابو احمد احد مسئويل داعش يف منطقة الرقة " :أن الجهاد لها أي سلطة تخولها يف أن تخربه أو زوجها مباهية فروض الجهاد. ليس واجبا يقوم به الرجال فقط ،فعىل النساء أداء أدوارهن أيضا. تجاوز حدود الدولة القطرية و الهروب من تعقيدات الهو ّية: هذا املوقف ميثل "التكاملية" يف أبهى صورها :فهو من ناحية يربر حالة الفصل النوعي و لكنه يف ذات الوقت يوفر طريقة للصعود إىل موقع إحدى أفكار داعش املعلنة تتمثل يف سياستها القاضية بفتح حدود القيادة بالنسبة للمجاهدات الشابات الاليئ يطمحن إىل القيادة. دولتها لكل مسلم يود الهجرة إىل مناطق نفوذها .و لعله بالنسبة لبعض تحديات ورشوخ يف مرشوعية القيادة النسائية يف داخل املرشوع النساء فإن ما تدعو له داعش يوفر لهن مخرجاً للهروب من الدول التي تتطلب فيها املساواة يف املواطنة رشوطا علامنية ال تأخذ الدين يف السلفي االعتبار بل وتحاول تهميشه ونفيه .ومن هذا املنظور يتضح جل ّياً السبب جدير بالذكر إن إثارة مبدأ القيادة النسائية مع الفصل الذي من اجله تشجب داعش الهوية القومية و تفضل يف املقابل هوية قامئة عىل العقيدة تتجاوز الحدود عىل نحو فج. بين الجنسين هو ببساطة إلعطاء المشروع الجهادي شرعية إسالمية و إكسابه المزيد من الترويج واإلعالم تحديدا في أوساط الشباب.
96
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
و تكتب "أُم ليث" احد القيادات النسائية يف تنظيم داعش يف
ملف العدد :النساء داخل المنظومة السلفية
صفحتها عيل االنرتنت "بأنه يف مناطق نفوذ داعش ال تتعرض املرأة املسلمة للسخرية بسبب ارتدائها الزى اإلسالمي و عىل العكس من ذلك تجد املرأة االحرتام و التقدير". الجدير باملالحظة هو انه بالنسبة لبعض النساء فإن داعش توفر شكل خاص من التحرر من قيم البطريركية و العادات الثقافية ،لبعض النساء ففي أفغانستان أو باكستان من النادر أن تتمكن "األرملة" أو "املطلقة" من الزواج مرة أخرى؛ حيث يُفضل زواج العذراء .و لكن يف مناطق نفوذ الجهاديني تتغري هذه العادة ،فاألرملة لها وضع مغاير حيث يكرث عدد األرامل بسبب إرتقاع نسبة الوفيات وسط املجاهدين ،فرسعان ما تتزوج مرة أخرى بعد وفاة زوجها ،وذلك الن املرأة الورعة وفق مفاهيم التنظيم يجب أن تسهم يف الجهاد باالقرتان بأحد املجاهدين. و نسبة الن قضية تحرير المرأة قد استخدمت لتبرير االعتداءات األمريكية على أفغانستان و العراق ،فإن الجماعات من أمثال داعش التى تعارض مثل هذه التدخالت بشدة تجد قدرا من الشرعية لدعواها ،
استدعاء تجربتها بغرض فهم سبب تبنيها و األخريات ألفكار الجهاد املتطرفة .كام انه البد من رضورة اإلملام بتداخل العوامل الثقافية و الدينية و السياسية يف حياتهن فمستوى "التحرر" الذي يقدمه تنظيم مثل داعش يبدو و كأنه يوفر سبيالً للهروب من الوضع الهاميش لإلسالم واملسلمني يف الغرب و كذلك من قيود العادات الثقافية وتقاليد األرس املمتدة السائدة يف العديد من بلدان املسلمني .كام أن أجندة التنظيم تقدم و بصفة أساسية استجابة مرشوعة ملقاومة جرائم الحروب بقيادة أمريكا و التي بدالً عن اإليفاء بوعدها يف دعم املساواة والرفاهية جلبت معها دمارا ً شامالً .إذ انه و بدون معرفة وفهم كنه األسباب التي دفعت ببعض النساء لنذر أنفسهن لداعش فلن نتمكن من فهم قوة جذب داعش ووعدها الخادع.
كتبت :رافية زكريا
من االنجليزية :محمد عثمان الفكي
متت إعادة طباعة هذا املقال مبوافقة ،من دار مطبوعات جامعة و هو اليشء الذي ال يتوفر بالنسبة للنسوية العلامنية يف تلك البلدان، و التي (أي النسوية العلامنية) تتعرض لهجوم مستمر بسبب ارتكازها بنسلفانيا والذي قامت بنرشة ىف نرشتها الشتوية للعام .2015النسخة عيل التصورات الغربية و بسبب اتهامها بأنها تخدم أجندة االحتالل املنشورة لهذا املقال هي نسخة منقولة من مجلة ديسنت االلكرتونية: .www.dissentmagazine.org األجنبي. ففي زمن يسود فيه الخوف من اإلسالم "االسالموفوبيا" و التطرف اإلسالمي ،تصبح الحركات الجهادية ظواهر معقدة ،فهي من ناحية تكتسب رشعيتها من مقاومة التدخل الغريب؛ لكنها يف ذات الوقت تكون سببا للمحن التي تحيق ببالد املسلمني؛ ومن الناحية األخرى .إن رفض فكرة املساواة بني الرجل و املرأة وفق الرشوط الغربية ال تقود بالرضورة الن يصبح الشخص مجاهدا ،كام أن االعرتاض عيل التهميش الثقايف والتدخالت األجنبية ال يجعل من املرء مؤيدا ً لداعش .فعىل العكس من ذلك ,فقد قام الجهاديني باضطهاد املاليني من النساء املسلامت والرجال املسلمني من مختلف أنحاء العامل و قتل اآلالف منهن ومنهم .وغالبية املسلمون يف مختلف أنحاء العامل يستنكرون التطرف باسم اإلسالم ويدعون إىل السالم و املساواة و إلغاء التمييز ضد النساء وغري املسلمني. ذكر احد ضيوف تلفزيون "باكستان" من ذوى امليول السلفية :أن "عافية" بطلة وسط املتعلامت" موضحاً ,أن اختيارها الجهاد مل يكن بسبب تغرير ايديولجي ساذج و لكنه موقف عرب عن موقف سيايس واضح أُتخذ بناءا عىل معرفة تامة مبستوى املخاطر التي يتضمنه هذا االختيار. و مل تكن عاملة اإلحياء وإالم و التي تقبع اآلن يف سجن كارسويل يف والية تكساس يوماً عضوه يف تنظيم داعش ,و لكن كان البد من
1صحفي أمرييك ومصور تم اختطافه وقتلة بواسطة تنظيم الدولة اإلسالمية يف سوريا يف اثنا توثيقه ملجريات الحرب يف سوريا ٢سكورجن ،ديبوره .نساء مطلوبات – العقيدة و االكاذيب و الحرب ضد االرهاب :حياة آيان هريىس عىل و عافية صديقى. نيويورك :نارشو هاربر كولنز، .2012 ٣الديوبنديَّة مدرسة فكرية سنية أسسها مجموعة من علامء الهند وتنسب إىل بلدة دیوبند ،والتي تحتضن جامعة دار العلوم. ٤سكورجنز ،نساء مطلوبات، .197 ٥هداية الله ،عائشة. حدود النسوية ىف القرآن. اوكسفورد :دار نرش جامعة اوكسفورد.2014 ، املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
97
تمبكتو ّ قص ٌة عنّا
يدعي املتشددون اإلسالميون أنّهم ميتلكون الحقيقة املطلقة ،ويستخدمون هذا االعتقاد لتربير العنف والتعدي الرشس عيل اآلخرين ,ففي عقيدتهم ال توجد مساحة للتن ُّوع واالختالف او أي من قيم التسامح واحرتام فردانية البرش .تناقش هالة الكارب، نهج اإلسالميني السياسيني املتشددين ،معتمد ًة عىل فلم "متبكتو" الفيلم الحائز عىل جائزة مهرجان كان السيناميئ للعام .2014 فلم (متبكتو) للمخرج السيناميئ املوريتاين "عبدالرحمن سيساكو" ،يستكشف بدق ٍة ,مستفزة ، الحياة تحت سطوة قوى االسالم السيايس املتطرفة و يص ّور حالة سكان حارضة (متبكتو) وقد أصبحوا رهائن لحركة جامعة "أنصار الدين" املتش ّددة و الذين هدم عنفهم وسلوكهم السلطوي ،تقاليد التسامح والسلم املمتدة التي اتسم بها أهايل شامل مايل ومدينة "متبكتو" العتيدة .ييضء فلم "سيساكو" ،كيف يقيض التطرف الديني عيل قيم الحياة الثقافية واالجتامعية وكيف وصالحيات لرتهيب السكان املحليني وتق ّويض وهدم اإلرث الثقايف يغلق منافذ وطرق التعايش السلمي بني املجتمعات. واالجتامعي لإلقليم. عندما ظهر اإلسالم يف القرن السابع ،دعا أوائل املؤمنني حينام شاهدت فلم (متبكتو) مع ابنتي البالغة من العمر 18ربيعاً، إىل العدل واملساواة ومتكني الفقراء ،عىل أمل تحسني شعرنا نحن االثنتني بأهل شامل مايل ،وتواصلنا مع معاناتهم واالرتباك حل مبنطقتهم. حياة سكان شبه الجزيرة العربية .هذه هي بالتحديد الذي حدث لهم يف مواجهة االحتالل التخريبي الذي ّ القيم التي صنعت املالذ الفكري للعلامء املسلمني يف شامل مايل. وألننا نحن االثنتني (أنا وابنتي) ,عشنا لسنوات يف بيئة مامثلة يف السودان ،نعرف متاما ما يحدث للشعوب عندما تتم مصادرة الحريات الشخصية ويصبح تجريم املدنيني حقيقة يومية معاشة. لعدة قرون ،لعبت حاضرة "تمبكتو" دوراً مهماً في انتشار المعارف اإلسالمية في أفريقيا ،من خالل مؤسسات راسخة لتدريس التقاليد اإلسالمية ،
مثل جامعة "سانكورى" املرموقة والتي بنتها امرأة ثرية من "متبكتو" يف القرن أل 15امليالدي و املساجد القدمية أمثال ” مسجد جينيه الكبري” وسيدى يحيى” ،والذين ال يزاال صامدين يذكران بالعرص الذهبي للمدينة. طوال تاريخها املمتد ومنذ ان وجدت يف القرن أل 11امليالدي ،لعبت "متبكتو" دورا ً مهام كوسيط مفاوض لصالح انتشار الدين االسالمي يف افريقيا وذلك خالل مواءمة دقيقة ما بني التقاليد العرب-اسالمية الوافدة والثقافة األفريقية الحاضنة ،فأسست لنفسها مكاناً مرموقا ومتفردا ً ً كمركز إسالمي أفريقي .وعىل الرغم من هذا الرتاث العتيق ،اال ان اإلقليم مل ينجو من التأثري املمتد لقوى االسالم السيايس وجامعات التطرف الديني والتي غزت بأيدولوجيتها الهدامة مناطق شامل افريقيا يف العقود االخرية من القرن العرشين ،حيث تحولت تلك الجامعات الحقا مثل جامعة "أنصار الدين" إيل مليشيات مسلحة ،وهى التي عملت باستمرار عىل بسط سيطرتها عىل السكان يف مناطق شاميل مايل وعىل األخص عيل فئة الشباب وإغرائهم مبنحهم سلطة مطلقة
98
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
الشرطة األخالقية هي دائماً األداة الرئيسة والمحورية التي يستخدمها سدنة االسالم السياسي لقهر وتقويض وهزيمة كل فرص المقاومة السلمية في المجتمعات التي تقع تحت سيطرتهم.
و كام هو ظاهر يف الفلم ،نري هؤالء الرجال ,يصاحبهم الصبية ضعاف البنية واملتوترين دوماً يتج ّولون ببنادقهم يف أرجاء املدينة بحثاً عن ضحايا محتملني ،عىل شاكلة رجال ونساء يضحكون مع بعضهم البعض ،أو أشخاص ,رمبا يكون جرمهم الوحيد هو االستامع للموسيقى. لقد الحظت دوماً القدرة املهولة للدوغامئيني اإلسالميني عيل تأسيس سطوتهم بحرمان الناس وبصورة منهجية ومنظمة من تفاعالتهم االجتامعية الطبيعية وكذلك معاداتهم الجذرية لكل مظاهر اإلرث الثقايف للشعوب والسعي الجتثاث الثقافة من جذورها .وعليه تتحول مامرسات يومية إنسانية عادية كالرقص والغناء واللعب ،أو حتي مج ّرد تناول فنجان من القهوة إيل جرائم يُعاقب عليها.هذه الدوغامئية التي تستخدم الدين للسيطرة عيل كل واردة وشاردة يف الحياة اليومية، متلك أن تقوض كل فرص السعادة وامكانيات الحياة االمنة يف أي مجتمع من املجتمعات.
ملف العدد :النساء داخل المنظومة السلفية باألمل يف مستقبل أفضل. هالة يسن الكارب باحثة وناشطة يف ل الجماعات المسلحة المتطرفة تستغل و بشك ٍ مجاالت الحقوق منهجي حقائق الفقر وغضب الشباب الذى تغذية والتنمية االجتامعية المرارات التاريخية، من السودان .مديرة املبادرة االسرتاتيجية وتستثمر كذلك يف ضعف املؤسسات العقائدية التقليدية التي لنساء القرن األفريقي أصابها الكساد وصارت مجرد ادوات يف أيدى اصحاب السلط ،بهدف ورئيسة تحرير دورية تحقيق مصالحهم ،ومتديد جذورهم. املرأة يف االسالم يف مايل ،هناك أثنية "الطوارق" ال ُر ّحل ،والتي تتم ّدد حدودها ىف أجزاء من الدول املجاورة يف اإلقليم ،كدولتي النيجر و الجزائر و طاملا شكا الطوارق من إهامل الحكومة املركزية وتهميشها لهم.الحركة الوطنية لتحرير " أزواد " ،هي جامعة ذات جذور علامنية تحررية أسست يف عام 2010وهى حركة ت ُطالب باالستقالل وتسعى لقيام دولة الطوارق يف شامل مايل .هذه الحركة يف نهاية املطاف دخلت يف تحالف مع مليشيات أنصار الدين وحلفائهم من املجموعات املتطرفة يف غرب وشامل أفريقيا .فام كان قد بدأ يف البداية وكأنّه سعى عادل من أجل تحقيق وطن ،رسعان ما تح ّول ايل غزو رشس وتهديد اقليمي أ ْودَى بعدالة مرشوع الدولة املرتقب.
املعبة يف فلم "متبكتو" ،ذلك املشهد الذي يُص ّور املرأة من املشاهد ّ التي تبيع السمك ىف السوق ،وقد أُجربت عىل ارتداء القفازات وهى تتساءل حول عبثية الوضع؟ قائلة" :كيف يل أن أُنظّف سميك و اكسب عييش والقفازات يف يدي ؟" .الجدير بالذكر هنا أنه وحتى تاريخه، ت ُجرب النساء بواسطة رشطة االخالق عىل ارتداء الجوارب يف العديد من املناطق يف السودان .ويف الصومال يف املناطق التي ت ُسيطر عليها (حركة الشباب) تؤمر النساء بارتداء الجوارب الحمراء خالل أيام الحيض ،كام تُ نع النساء بتاتا من ارتداء حامالت الصدر ”الستيانة” "والكعب العايل" باعتبارهام مظاهر للخداع .ويف كال البلدين ،السودان والصومال حيث كان الرقص املختلط ضمن التقاليد الثقافية الراسخة’ ،مينع أالن الرقص املختلط وت ُجرم التجمعات التي تضم النساء والرجال يف االماكن العامة او الخاصة. يعكس الفلم أيضا وبطريقة مبدعة وواقعية في نفس الوقت أثار وحشية وعبثية النظام العقائدي علي الناس العاديين فالمهرب الوحيد ,عادة ما يكون إمّا الموت أو الجنون.
املوت يحدث بوحشية وبشكل عشواىئ ،كام ىف حالة إثنني من الشخصيات الرئيسة ،ساتوما و كيداىن ،قتال برصاص بندقية”أ .ك ”47و الجنون يحدث كام هو الحال بالنسبة لشخصية (زابو) و التي خلقت عاملها الخيايل الخاص للهروب من عناء احتامل الرعب والخوف. وبرغم املشاهد الدرامية يف الفلم والتي تعكس صدمة السكان املحليني جراء سيطرة الجامعات املتطرفة عىل منطقتهم ،فمن من املهم االعرتاف بأن التطرف الديني ال ينشأ من ال يش ولكنه يستثمر يف تواضع معارفنا وهشاشة مجتمعاتنا ،والتي عجزت عن اقامة منظومة اجتامعية وسياسية متامسكة يجد فيها الكل غايته ومكانه أو أن تز ّود فئة الشباب
الفلم "تمبكتو" يحكى قصة أولئك الرجال الذين تمكنوا من السيطرة على ُجسد الحياة اليومية تحت حكمهم، شمال مالي لفترة قصيرة في عام 2012و ي ّ
رشاستهم ,وارتباكهم ,وفشلهم حني يف االرتقاء إىل مستوى القيم املتطرفة التي يسعون لتطبيقها عيل السكان املحليني .عبد الكريم ،واحد يص ّوره الفلم وهو يتسلّل للخارج ل ُيدخّن ،ذلكم من قيادات أنصار الدين ُ الفعل الذي هو نفسه م قام مبنعه وتحرميه وتجرميه .إبنتى وأنا ،ضحكنا، ونحن نتذكر نفس النفاق املامثل الذى ميارسه سدنة اإلسالم السيايس يف السودان .فقد فرضوا الكثري من التعاليم املتعسفة واملعقدة عىل أطفال املدارس يف عموم البالد ،ولك ّنهم أرسلوا أبناءهم وبناتهم إىل املدارس العاملية املوجودة يف السودان ،واىل الدول األجنبية ,حيث ال يوجد تعليم ديني البتّة وان وجد فإمنا هو الحد األدىن منه. ينتهي فلم "متبكتو" بعد أن يضعنا أمام أسئلة ,تحتمل أكرث من إجابة، مثل :كيف ميكننا أن نفهم أولئك الرجال وما يجول يف عقولهم؟ ويف ماذا يفكرون وهم يحتضنون هذه األيديولوجية الفقرية واملليئة بالتمويه؟ وما هي دوافعهم ؟ هل هم مدفوعون بفقر الواقع وانعدام االمل لذلك يستعيضون عن بؤس الحياة بأوهام السلطة املطلقة وإطالق طاقات الغضب الكامنة .يف تقديري هي مجموعة عوامل تساهم يف مجملها يف تح ُّول هؤالء الرجال /الشباب إىل مجرد حواضن للغضب و العنف. فلم "عبدالرحمن سيساكو" يعكس صور وأطياف هؤالء الشباب دون تحامل او كره .يصور الفيلم بصدق تناقضاتهم ،ارتباكهم ،غطرستهم الجوفاء وتضارب مشاعرهم .فهم بغض النظر عن أصولهم ,سواء كانوا ماليني،أو ليبيني ،أو سودانيني ،أو نيجرييني ،يظلوا نتاج واقع من املظامل املرتاكمة التي حدثت وما تزال تحدث يف مجتمعاتهم وىف النظام العاملي الذي نعيش يف ظله. كتبت :هالة الكارب
من االنجليزية :فيصل الباقر
املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
99
في مصيدة الجهل والعنف تتراكم إشكاالت الصحة النفسية علي النساء في أفغانستان
مينا حبيب ،صحفية بـ(معهد صحافة الحرب والسالم) يف كابول .خالل حياتها املهنية كصحفية يف املعهد ،حصلت مينا عىل عدة جوائز عىل املستويني الوطني والعاملي .ت ّم نرش هذا املقال بإذن من معهد صحافة الحرب والسالم حيث نرش عىل موقعه يف اإلنرتنيت يف 12مايو .2016 :www.iwpr.net موقع معهد صحافة الحرب والسالم
بعد ميض أكرث من ثالثة عقود من الحرب والفقر ،وغريهام من املشاكل للعالج .و يقول مدير مستشفى اإلمراض النفسية والعقلية يف كابول، االجتامعية املرتبطة بهام ،ارتفعت نسبة األزمات النفسية يف أفغانستان" ,خطاب كاكار": خاصة بني النساء ،فهن من تحملن العبء األكرب لتلك األزمات .تصف هذه املقالة ،التأثري السلبي للقهر املبني عىل التطرف الديني والتقاليد “إ ّ ن الحرب ،والعنف المنزلي ،والتقاليد المحافظة، عىل صحة النساء النفسية والعقلية يف دولة أفغانستان . جلست "عزيزة" عىل رسيرها يف جناح الصحة النفسية مبستشفى كابول ،تنظر حولها بقلق ،و بعينني مليئتني بالدموع وهى السيدة البالغة من العمر 45عاماً ،قالت :لـ(معهد صحافة الحرب والسالم) أنّها عانت وخربت ولسنوات طويلة العنف املنزيل .فقد كان عمرها 15 عاماً عندما ز ّوجها والدها دون رغبتها إىل رجل من والية باكتيا .قالت: “كنت تعيسة يف هذه الزيجة منذ البداية فقد “كانت التقاليد والحياة ىل ،وقد وجدتها غري مقبولة بالنسبة يل ,أصبحت يف "باكتيا" جديدة ع ّ الخالفات والعنف واقعي اليومي ". عزيزة والتي هي اآلن أُم لولدين وسبع بنات ،تواصل وتقول“ :كان ىل ,القيام بواجبات شاقة مثل ،رعاية املاشية و العمل يف املزرعة، ع ّ وحينام أقول ،ال ميكنني القيام بكل هذا العمل الشاق يرضبني أفراد عائلة زوجي ويسبونني “ .وتواصل عزيزة قائلة ،إ ّن وضعها األرسى البائس قادها إىل االنهيار النفيس وبالتايل كان البد لها من تلقي العالج، و تضيف قائلة بأمل وحرسة " ،أالن عائلتي تقول ,أنني مختلة عقلياً “.
التي تُمي ّز ضد النساء ،هي من أهم العوامل التي تُساهم في تدهور صحة النسا العقلية “ .
وأضاف“ :يجب علينا أن نف ّرق بني مسألتني ،األوىل:أن هناك مشاكل نفسية [ أخف ] ،تؤثر عىل كثري من الناس ،و ُيكن عالجها من خالل تلقى املشورة من األطباء العاملني يف مجال الصحة العقلية والنفسية رضرا ً ،ويحتاجون للحجز يف “ ،و الثانية:املرىض العقليني وهم األكرث ت ّ املستشفى ،لتلقى العالج املكثّف". أما اختصايص الصحة النفسية ،تيمور شاه ،فقد قال: “إ ّ ن النساء أكثر عرضة لإلصابة باألمراض العقلية ، بسبب التقاليد األفغانية وسيادة أيدلوجيا القهر و التي دفعت بالنساء إلى العزلة االجتماعية ,و أبقتهن في المنازل“
كام أضاف " قائالً “ إن املشاكل االجتامعية وبشكل خاص العنف األرسى ،تس ّبب يف انتشار االكتئاب بينهن .ويقول شاه ،أن الرجال أيضاً يتعرضون للضغوط النفسية،ولكن تقل نسبة االكتئاب بينهم ،الن بإمكانهم أن يخرجوا من املنازل للعمل ،مام يتيح لهم االنشغال بأمور أخري .
أما الخرباء فيقولون “أكرث من ثالثة عقود من الحرب األهلية والفقر، وغريهام من املشاكل االجتامعية ،فاقمت من أزمات الصحة النفسية يف أفغانستان .وقد تح ّملت النساء العبء األكرب من املشكلة .كام يقول بشري أحمد رسوارى ،مدير إدارة الصحة النفسية بوزارة الصحة العامة “بكل ثقة ,أستطيع أن أقول أ ّن املشكلة تتزايد بني النساء .فقد كشف و يرى مسئولون يف وزارة شؤون املرأة ،أ ّن أزمة الصحة العقلية ،مبنية املسح الشامل األخري الذي نُفّذ يف العام ،2004أ ّن ٪68من أفراد العينة ُ يعانون من االكتئاب و ٪72إضافة إيل ٪42يعانون من اضطرابات ما عىل انتشار البطالة واإلدمان بني الذكور يف األرس ،ومبا أن النساء يعتمدن بعد الصدمة .ويسرتسل احمد رسوارى مرتكزا ً عىل نتائج املسح ،إنّه عىل الرجال لتلبية جميع احتياجاتهن االقتصادية حيث انهن محارصات يعتقد أ ّن معدالت األمراض النفسية عند النساء ترتفع عاماً بعد عام .داخل املنازل ،فان هذا الوضع ميهد الطريق للخالفات األرسية وبالتايل يقود إيل االضطرابات النفسية بني النساء خاصة عندما يكون هؤالء وبالرغم من أ ّن الوزارة أقامت عيادات لعالج املشكالت النفسية عرب الرجال بال عمل وال مال ،األمر الذي يجعلهم عرضة إلدمان املخدرات. مخصصة للصحة الـ 34والية ،يف البالد ،نجد مستشفى واحدة فقط ّ شابنام سيام ،رئيسة القسم النسايئ ،يف ( مفوضية حقوق اإلنسان العقلية يف كابول و يوفر فقط 60رسيرا ً للنساء اللوايت بعانني من مرض عقيل ،و 40رسيرا ً خ ُّصصت للنساء مدمنات املخدرات الاليئ يخضعن األفغانية املستقلة) ،توافق عىل أ ّن السبب الرئييس الكامن وراء ارتفاع
100
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
ملف العدد :النساء داخل المنظومة السلفية
معدل مشاكل الصحة العقلية بني النساء، يعود للعنف وارتفاع البطالة ,وتضيف قائلة“ :رمبا يعود كل هذا إىل تدهور الوضع األمني بعد انسحاب القوات األجنبية من أفغانستان". يف مستشفى اإلمراض النفسية يف كابول ،تقول النزيلة "جميلة" ،البالغة من العمر 25عاماً ":إنّها عانت من االكتئاب منذ أن قُتل شقيقها يف هجوم انتحاري يف العام ،"2014وتضيف قائلة ":أحيانا أفكر يف االنتحار .وعىل الرغم من أنني وجدت تعاطفاً بسيطاً من املق ّربني ،إال انه وعندما تتدهور حالتي ،تغضب عائلتي ،وبدالً من تقديم الدعم يصفوين بالجنون " .جميلة" كانت قد فقدت وظيفتها نتيجة للمرض النفيس الذي أصابها.
قصة معاناتها .قالت "شيكيبا" ،بعبارات خرجت بصعوبة من شفتيها ظل زوجي عاطالً عن العمل ،طيلة العام املايض الجافّة و املشققة“ :لقد ّ وحينام يكون يف املنزل يستغل كل يشء كذريعة ،لرضيب ،تنفيسا لغضبه. اآلن ،أنا أعيش يف دوامة من الخوف ،وأقاريب يقولون ع ّنى أنني مريضة وأحتاج ألكون يف املستشفى ،ولكني أنا ُهنا ألطلب الطالق من زوجي وال يضيف رئيس الدائرة القانونية يف وزارة املرأة ":إن الوزارة ت ُفكّر يف احد ميد يل يد املساعدة ". تفعيل برامج للتوعية حول صحة النساء النفسية وأنّهم يحاولون، كذلك ،معالجة مسألة خلق فرص عمل للنساء ،واملساعدة يف مكافحة العنف األُرسى" .كام أن الوزارة ّأسست (لجنة الضحايا و الشهود بقلم :مينا حبيب عيل العنف) .و تجمع تلك اللجنة العديد من املؤسسات التي تعمل عيل مكافحة العنف ضد املرأة ومهمة هذه اللجنة ،تق ّديم املساعدة من االنجليزية :محمد عثمان الفكي رضرات من العنف. القانونية والنفسية ،لجميع النساء املتأثّرات واملت ّ
الصورة :خالد حامد
و من جانب أخر يرى مختصون نفسانيون ،إ ّن وسائل أُخرى للتوعية، ميكن أن تساعد يف معالجة األزمة ،فقد قال اميال الصايف ،وهو خبري يف مجال الصحة العقلية انه إذا تحد ّث اإلعالم وأئمة المساجد عن مكافحة ّ ووضحوا حقوق المرأة في العنف ضد النساء، اإلسالم والقانون المدني ,فان ذلك ،سيكون أفضل وسيلة لمنع مثل هذه المشاكل.
شكيبا شابة يف الرابعة والعرشين من العمر ،ذات وجه شاحب، وتبدو اكرب من عمرها الحقيقي .يرتعش جسدها وال تستطيع السيطرة عىل حركتها .وهي أصال من مقاطعة باميان ،أتت إىل كابول حيث مقر وزارة شؤون املرأة و هناك انتظرت يف الفناء الخارجي لتحىك املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
101
بريد القراء كلام متكنت النساء من متكني أنفسهن ،كلام اكتشفن أصواتهن وذواتهن ،حيث يقمن باستخدام ذلك الصوت ليس فقط للتصدي للظلم الذي يقع عليهن و لكن إلثراء الفضاء العام أيضاً .و كذلك توظف النساء أصواتهن يف التوعية مبا يواجهن من تحديات و انتصارات .و إنه ملن دواعي رسوري االطالع عىل مجلة صيحة – "املرأة يف اإلسالم" و التي مل تتلمس روح املرأة املسلمة يف القرن األفريقي و حسب ،و لكنها أيضا كشفت عن ارتباطنا جميعاً – رجاالً و نساء و أطفاالً -بقضايا العدالة االجتامعية .لقد ألهمني هذا العمل و لذا أمتنى أن أرى املزيد منه .سريوا يف طريق النجاح .الدكتورة أمنة ودود – مفكرة إسالمية و عضوه مؤسس لحركة أخوات يف اإلسالم
مجلة املرأة يف اإلسالم من املجالت القليلة التي يجد املرء فيها تفسريا ً إسالميا تقدميا متسق مع رشوط العدالة واملساواة .و هو طرح متميّز و جيّد باللغتني االنجليزية و العربية .يأيت كل ذلك يف نهج فني و إبداعي فريد .و إنه ملن دواعي رسوري االطالع عليها و رؤية كيف تتصدى النساء للبطريركية من داخل التقاليد اإلسالمية و معرفة ما يحدث يف ارض الواقع .الدكتورة زيبا مري-حسينى؛ عاملة أنرث وبولوجي و ناشطة -اململكة املتحدة
الشكر لصيحة إلنتاجها لهذه املجلة .فأنتم تتيحون مساحة متفردة ألصوات الكثريات من النساء و الرجال يف املنطقة ممن يؤمنون بأنه ال ينبغي أن يكون الدين مصدرا ً للقهر و الظلم و لكن الدين يجب أن يكون دافعاً لدعم التحرر و املساواة بني البرش .هذا املجهود الذي يطرح األسئلة الشجاعة و يسعى إىل تفكيك املعارف الدينية التي تم إنتاجها بواسطة برش آخرون عاشوا يف زمان و مكان مختلفني ،هام جدا ً ملواجهة األزمات التي تواجه املجتمعات اإلسالمية اليوم ألنه يساعد يف إنتاج معارف غري تربيرية معارصة مستوحاة من جوهر رسالة اإلسالم التي تتامىش مع مبادئ حقوق اإلنسان والتي ميكن تطبيقها عىل البرشية جمعاء اليوم .هذا عمل عظيم. الدكتورة مروة رشف الدين؛ باحثة و ناشطة؛ حركة مساواة العاملية من اجل املساواة و العدالة داخل األرسة املسلمة -مرص.
ما اكتبه او قل ما أقوله هنا هو انطباع تلقايئ عن هذه املجلة .إن هذه اإلصدارة كام أرى منفتحة عىل تيارات اإلسالم كافة وأعجبني أيضا احتفائها برموز التنوير أمثال بابكر بدرى .هذا إضافة لإلشارات الطيبات لحقوق اإلنسان يف اإلسالم واىل الغناء والروحانيات .هذا بجانب جملة موضوعات عنيت باآلداب والفنون لذا أرى أن ما أرشت أليه وتوقفت عنده سوف يجعل من هذه اإلصدارة عالمة هامة ومرشفة يف السوح الثقافية والفكرية واختم قائال أنها جد أسعدتني لذا أهنئ هيئة التحرير وكل القامئني عىل هذه املجلة عىل جهدهم الكبري مع خالص املودة .عىل مؤمن ،باحث وناقد -السودان
وعرب العصور ،ظلت املرأة تناضل وتقتلع حقوقها واحدا ً إثر آخر ،من براثن املتقولني عىل هذه الحقوق ،سواء كانت سلطة دنيوية أو سلطة دينية ،منذ (خذوا نصف دينكم من هذه الحمرياء) ومنذ (أصابت امرأة وأخطأ عمر) ،إىل قيادة الجيوش واعتالء العروش ،كام يحدثنا التاريخ! وعند النظر ،رأسياً عرب التاريخ سنقرأ ال شك ،بأىس كبري ،هؤالء الذين يرون أن أقىص ما يجب أن تبلغه املرأة من العلم ما يرددونه عىل مسامعنا :علموهن الغزل والنسج والردن وخلوا كتابة وقراءة ، فصالة الفتاة بالحمد واإلخالص تجزي عن يونس وبراءة .إن املرأة األفريقية املسلمة يف دارفور ،وهي تخوض هذه األيام أرشس وأعنف معارك البقاء ،وقد مورس يف حقها أقىس درجات العنف والتقتيل واالغتصاب وشتى االنتهاكات اإلنسانية ،كانت وما زالت صامدة ،تستمد من إرثها التاريخي مددا ً وقوة ،تغالب بها وطأة الحارض املزري وتؤدي دورها ،يف صرب وجلد وقد تر َّمل َْت وفقدت األب والزوج والولد و ُه ِّج َرتْ من ديارها وصارت تتقاذفها املنايف وحياة الترشد ،تقوم بكل تلك األدوار من الوالدة إىل األمومة واألبوة واملعيشة والرتبية ،وحيدة متفردة .امرأة بهذه التجارب املأساوية ،واملسؤوليات املثقلة ،ستعرب هذه املحن ذات يوما قريب ،آمل أن يكون يف أعجل وقت ،ولكن يشمخ سؤال بضخامة وعظَ َم ٍة هذه املرأة ،أين نضعها يف خريطتنا الفقهية اإلسالمية؟ ونلتفت لننظر كيف متت مؤازرتها من قبل إخوتها املناضالت يف املجتمعات املسلمة يف القرن األفريقي وعىل نطاق العامل ،والتساؤل عن موقف املؤسسات الوطنية املعنية بشؤون املرأة حيال ما يحدث لها.إن الدور التنويري والذي تقوم به املبادرة اإلسرتاتيجية لنساء القرن األفريقي (صيحة) ،وجرأة التناول يف مجلتها والتي تبحث عميقاً يف دور املرأة يف اإلسالم ،بذكاء علمي يثري اإلعجاب ،ويفتح امللفات الحساسة بوعي واقتدار واإلبحار بحنكة وسط موج متالطم من الرصاع األيديولوجي والتزمت واإلقصاء ،والفتاوى التي تربر أكرث مام تبادر يف اجرتاع منهج تنويري يفجر طاقات املجتمع ومييض به نحو الرقي والكامل ،إننا بحاجة ملحة ملثل هذه املبادرات التي تحفر عميقاً يف مجتمعاتنا املسلمة ،تنقِّب وتحفِّز وتستفز العقول واألذهان ،وتشكل حلقة فكرية واسعة تضم املجتمع املسلم كله ،رجاله ونساءه ،نحو تكامل ميكن أن يخرجنا جميعاً من ركن التلقي ،إىل أفق اإلسهام واملبادرة .تحيتي ل(صيحة) ،وهي تخاطب عقولنا وقلوبنا بال تشنج وال قعقعة وال ضجيج ،يف وقت يعلو فيه الغوغائية يف مجتمعاتنا بال لجام وال شكيمة. مقتطف من كلمة الشاعر السوداين عامل عباس التي ألقيت يف تدشني العدد الثاين من مجلة "املرأة واإلسالم"
102
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
عارشوهن باملعروف -:قرأت مجلة صيحة بتمعن كبري ووددت أن أوضح إعجايب يف كلامت ،حيث وجدت فيها عام كنت أبحث عنه منذ فرتة طويلة مام دفعني أن أشيد مببادرة صيحة الطيبة و افتتاح املنظمة لرضوب معرفية لها القدح املعىل يف مجاراة بطون املجتمعات اإلنسانية يف منطقة القرن األفريقي لنرش ثقافة مجتمعية خاصة باملرأة وما تعتنقه من قيم إسالمية باعتبارها متثل أحد أهم مرتكزات املجتمع اإلسالمي بشكل عام و األفريقي عىل وجه الخصوص ،املالحظ أن املجلة متيزت بطابع التعدد يف الطرح واملضمون وفتحت منابر للحوار حول قضايا املرأة وتحديدا يف محيطها اإلسالمي ،الن اإلسالم يف رسالته وضع حقوق وواجبات ،لذا مام جعل محتوي املجلة ينطلق من أرضية مرشوع نسوي قدم أطروحات فكرية ناقدة أساليب القمع واالضطهاد الذي واجهته املرأة يف مسرية حياتها ،بدءا من محيط األرسة الصغرية إىل املجتمع ككل ،أعادت املجلة يف دواخل جسدها النقدي ذكرى لخطاب نسوة ساهمن فيه بأقالمهن دفاعا عن حريتهن ومساواتهن ،ووضعن رؤى ومقرتحات وقدمن رسالة لخطاب نسوي نهضوي تجاوز يف مسريته عقبات التسلط واالستبداد ،إذا احتفايئ باملجلة احتفاء كبري ،وبسبب ضمور معرفتي للكثري مام جاء فيها ، قرأتها بنهم وشغف كبريين ،صفحة صفحة ومحتوى ومدخال مدخال و خامتة، واسرتجعت يب الذكرى لقول شاعر البطانة عندما آنسته ذكريات حبيبته بعد فراق وأفصح قائال(:صاممة قلبي الحاكت للنعامة الربدة كتاب أم خد نعيد فيه طول الليل ونبدأ) ،مام جعلني أعيد قضاياهن ورسالتهن ودورهن يف املجتمع من خالل سفر صيحة املمتع يف مساراته املعرفية ،عرب نافذة امرأة فرست وحللت ورشحت رسالة النص الديني كثابت شاركوا بآرائكم عبر مواقع معريف ومقارنته بحقوقها التواصل االجتماعي الخاصة وحقوق صويحباتها انضموا لقائمة المغردي ٍ ن يف املجتمع .وفتحت املجلة @Sihanet أرشعتها البحثية وأتت او عبر البريد اإللكتروني: من شامل أفريقيا بخطاب journal@sihanet.org جميلة بوحريد ونضالها السيايس البائن بينونة كربى، ومن جيبويت عكست املجلة يف مقارنة زكية بني األحوال الشخصية وبني قوانني قادتها للكرامة واملهانة موضحة يف قضاياهن وحكاياتهن ،ويف رحاب الفكر التجديدي اقتحمت املجلة عوامل املفكر محمود محمد طه يف حوارية شيقة مع ابنته أسامء ,يف حوار ذو أبعاد وشجون ،تداخلت محتويات املجلة مع بعضها البعض حيث كل موضوع مكمل للسابق له وممهد للقادم ،وجميعها مرتبطة بثوابت النص الديني يف حواريته مع املرأة ،مثل حوارية هذا املوضوع (الحق اإلنساين يف الحصول عىل زواج سعيد ومريض أو فراق بكرامة واحرتام)!!! مع النص الديني عندما نص (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن مبعروف أو فارقوهن مبعروف) ختاما الشكر موصول لكل من ساهم يف أعداد هذا املنتج املرن يف تعامله مع الطرح النقدي املتقدم .ابوطالب محمد -ناقد مرسحى-السودان أن هذه املجلة بآرصة مستبرصه .تحتفي باإلنسان واإلنسانية وتستهدى بالنور يف طريقها لصنع التحديث وىف هذا املجال الخصب رسمت املجلة خارطة إسالم السامحة والتسامح .عامر محمد احمد، ناقد أديب –السودان
راسلونا ِ حول راَيكم في هذا العدد من اِصدارتنا ولكل صاحبة وصاحب راَى مهتم بالكتابة حول قضايا النساء والتحديات التي تواجه المجتمعات المسلمة يمكنكم مرسلتنا بما تودون نشره من مقاالت الرأي واالوراق االكاديمية ذات الصلة اوالحورات الموثقة ،او الشعر او عرض ُ لكتب و افالم ،او سرد لتجارب شخصية او لوحات فنية وكاريكاتير تخاطب رؤية االصدارة . journal@sihanet.org
إصدارات صيحة إمكانية التفاوض مع النظام االبوي الرجال كحلفاء في عمليّة التغييراالجتماعي ّ تاريخ االصدارة 2016 : يمكن القول إ ّ ن فكرة العمل مع الرجال لمناهضة العنف ِضد ّ النساء ( )VAWليست فكرة جديدة .وربما َ تحظى بــ"أهمي ّة لذلك ،باتت ُمؤ خ ّ ًر ا ُمتزايدة في أوساط منظمات حقوق المرأة ،والنّاشطين ،واألبحاث المعني ّة بدراسة "العنف ضد ّ النساء" .من هنا ،البد من طرح السؤال حول ضرورة م ِييز والعنف ضد ّ َاه َضة الت ّ ْ إشراك الرجال في عملي ّة ُمن َ النساء .يتناول هذا الكتيب تجارب خاضتها شبكة صيحة في عملية اِشراك الرجال في مناهضة العنف ضد النساء في السودان والصومال والنماذج واالستراتيجيات المختلفة التي اِتبعت خالل محاوالت تفعيل مشاركة الرجال في حمالت العنف ضد النساء .وهو كتيب قيم ويطرح تساؤالت هامة متعلقة بدينميات الذكورة في مجتمعات السودان والصومال وكيفية اختراقها والتواصل مع الرجال .الكتيب موجود باللغة العربية واالنجليزية.
الحرب األخرى -اِشكالية االغتصاب الجماعي في ارض الصومال
تاريخ االصدارة 2015 :
الحرب األخرى هي ورقة بحثية تنظر الي اسباب ودوافع انتشار ظاهرة االغتصاب الجماعي (عدد من الرجال يغتصبون امرأة) في ارض الصومال .و تسلط الورقة الضوء علي تواطؤ النظام العشائري الذى يفرض عقوبات اِسمية وغير فاعلة علي المعتديين وضعف النظام القانوني المدني .وفي نفس الوقت تشير الورقة الى تعقيدات اشكالية الشباب من الذكور وارتباكهم ما بين السلفية االسالمية التي تسود الصومال االن وتخلخل بنية النظام العشائري من ناحية ،وتماسات الشباب المتصلة وانجذابهم لقيم واليات المجتمعات الغربية والتي تتداخل بشكل يومي مع القيم المحلية .تسلط الورقة الضوء على انماط االعتداء الجماعي ومالبساته وتأثيراته علي النساء والفتيات .وهى ورقة قيمة ومفيدة لكل المهتمين بظواهر واشكاليات وانماط العنف الجنسي في المجتمعات المسلمة .الورقة صادرة باللغة االنجليزية.
مواطنون من الدرجة الثالثة -النساء وحقوق المواطنة في السودان
تاريخ االصدارة 2015:
الورقة تضئ اشكالية القوانين التميزية المفروضة والتي تنعكس سلبا على حقوق واوضاع النساء كمواطنات في السودان .وتتناول الورقة ممارسات و شروط مواطنة النساء في السودان خالل عدسة القوانين السودانية والتي تفرض اوضاع دونية علي النساء ال تتسق وحقوق النساء الدستورية واسهامهن الفاعل والكبير في تسير عجلة الحياة في السودان .وتناقش الورقة مدى تجزر تلك الممارسات التميزية داخل االجهزة العدلية واجهزة انفاذ القوانين في السودان .الورقة صادرة باللغة االنجليزية. للمزيد من المعلومات حول إصدارات صيحة زوروا صفحتنا في االنترنتwww.sihanet.org : املرأة يف اإلسالم العدد 201٧ ٣
103
صيحة
شبكة إقليمية تعمل
تقوم صيحة
بتنفيذ برامج بناء
في منطقة القرن اإلفريقي منذ
قدرات في داخل المجتمعات
بجد من اجل االرتقاء بواقع حال
أوائل تسعينيات القرن الماضي،
المحلية على مستوى القواعد
النساء والفتيات في منطقة
تضم في عضويتها أكثر من 80
الشعبية ،وذلك بتوفير الدعم
من منظمات المجتمع المدني
المباشر للنساء والفتيات االتي
القرن اإلفريقي ،ونؤمن بأن اِرادة النساء والفتيات والناشطين في
والمنظمات والمجموعات ُ
يعشن في ظروف الفقر والنزاعات
مجاالت حقوق المرأة ،تقف دوم ًا
النسائية.
المسلحة .كما تعمل علي
صامدة في وجه القمع واالنغالق
تعزيز والدفاع عن حقوق النساء
السياسي والتقاليد التي تفرض
والفتيات من خالل انشطة
قيودها على النساء .ونحن
جيبوتي ،اريتريا ،أثيوبيا ،الصومال
المناصرة ،واالنخراط في مشاريع
ندعوكم للتضامن معنا.
وارض الصومال وجنوب السودان
التأهيل ورفع المقدرات.
تعمل صيحة
في كل من:
والسودان و يوغندا وفي مدن
صيحة
الساحل الكيني .رؤيتنا تقوم علي
تُشكل منشورات
ترسيخ حقوق النساء والفتيات
كتيبات إرشاد وتدريب ونشرات
في اِقليم القرن األفريقي في
وبحوث ومجالت ،مصادر للمعرفة
سلمية وعادله و العيش في بيئة ِ
واالسهام في نشر الوعي ورفع
ممارسة حقوقهن كبشر على قدم
القدرات ،ويستخدمها المهنيون
المساواة.
والناشطون والجهات المانحة
تعمل صيحة
في سبيل تحقيق
داخل المجتمعات المحلية في ترابط وثيق ما بين المعرفة األكاديمية والمناصرة.
العدد 201٧ ٣املرأة يف اإلسالم
من
وصناع القرار في مختلف دول
هذه الرؤية من خالل شبكة راسخة
104
نحن نعمل في شبكة صيحة
العالم ومنطقة القرن االفريقي.