Women in Islam Journal - Issue 3 (Arabic)

Page 1

‫‪9 770231 104143‬‬

‫العدد ‪٢٠١٧ / ٣‬‬

‫خيار النضال‬ ‫و ليس الهروب‬ ‫زيبا مري حسيني و املطالبة‬ ‫باملساواة من داخل التقاليد‬ ‫اإلسالمية‬

‫مواريث النساء‬ ‫في االسالم‬ ‫د‪ .‬زاهية بنت سامل جويرو‬ ‫تناقش مواريث النساء ما بني‬ ‫النص و التأويل‬

‫الترابي و النساء‬ ‫ملف العدد‪:‬‬ ‫النساء داخل‬ ‫المنظومة‬ ‫السلفية‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪1‬‬


‫كلمة التحرير‬ ‫‪ .5‬ثالثة أسئلة‪ :‬إلى الفنانة ساره مكى أحمد‬

‫وجوه‬

‫‪١2‬‬

‫‪ .٤‬خيار النضال و ليس الهروب‬ ‫  زيبا مري حسيني و املطالبة باملساواة من داخل التقاليد اإلسالمية‬ ‫‪ .8‬الترابي و النساء‬ ‫‪ .12‬ظاهرة البالبل‬

‫  مدخل آخر لقراءة الحداثة يف املجتمع السوداين‬

‫‪ .15‬آمال و مخاوف عاملة نظافة في شوارع مقديشو‬ ‫‪ .18‬سعدية الصلحي رائدة تصميم أزياء سودانية‬ ‫  ماذا يقول الزى عن املجتمع؟‬

‫مساواة‬ ‫‪ .20‬مواريث النساء في االسالم‬

‫‪١8‬‬

‫  د‪ .‬زاهية بنت سامل جويرو تناقش مواريث النساء ما بني النص و التأويل‬

‫‪ .24‬التمييز بالميالد‬

‫  حول اوضاع نساء االقليات يف الصومال‬

‫‪ .٢6‬وجدة‪ -‬فلم من السعودية‬

‫  حينام يصبح ركوب الفتاة للدراجة سؤالً سياسياً‬

‫‪ .٢8‬ممنوعة من لعب كرة القدم منذ ميالدي‬

‫  حيك عن جذور ومامرسات التمييز ضد الفتيات يف السودان‬

‫‪ .30‬زوجتان و رجل‬

‫  اصوات نساء خضن تجربة الزوجة األخرى‬

‫‪ .٣2‬جموح‬

‫  شعر لـ إميان آدم‬

‫‪٢6‬‬

‫ما بين عالمين‬ ‫‪ .34‬جسد المرأة ما بين صراعات السلطة و السياسة في فرنسا‬ ‫  حول منع ارتداء البوركيني ( الحجاب ) يف فرنسا‬ ‫‪ .37‬مع الروائية ليلى ابو العال‬ ‫  حوار حول الكتابة عرب عوامل مختلفة‬ ‫‪ .40‬مسيرة حياة بين معتقدين‬ ‫  تجربة امرأة من كينيا تعتنق اإلسالم‬ ‫‪ .42‬الواقع المعاش لعامالت المنازل اإلثيوبيات في دول الخليج العربي‬ ‫‪ .45‬رسالة إلى ابنتي‬

‫‪43‬‬ ‫‪2‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫بين الخاص و العام‬ ‫‪ .48‬تعقيدات الفضاء الحضري االسالمي‬ ‫  قضايا الجندر يف مدن إيران الحديثة‬ ‫على بسبب ارتداء البنطلون‬ ‫‪ .51‬كاد ان ي ُقبض‬ ‫ّ‬ ‫"العدل" اعادة ختان النساء‬ ‫‪.53‬‬ ‫َ‬ ‫  مناقشة هوس العذرية يف مجتمعات السودان‬

‫‪ .57‬الحرب وانهيار الدولة في الصومال‬ ‫  انعكاسات الحرب عيل الرجال وادوار ومفاهيم الذكورة املتوارثة‬

‫‪48‬‬

‫‪ .60‬المرأة و العبد المملوك‬

‫ ليس لهذا العنوان صلة بكتاب "ألف ليلة وليلة" ألنه مستلف من كتاب "الفقه" للصف الرابع االبتدايئ‬

‫وجهات نظر‬ ‫‪ .63‬الحركة النسوية والسياسة في السودان‬ ‫  حوار حول تجارب النساء السودانيات يف داخل الحزب السيايس‬ ‫الحربْ ِضد ْ‬ ‫اإلرهاب على مجتمعات الساحل الكيني‬ ‫‪ .68‬آثار ِ‬ ‫َ‬ ‫سياسات َ‬ ‫‪ .71‬نساء الصوفية – الكنوز ُ‬ ‫المخبأة‬

‫  عرض لكتاب عن اسفار النساء املتصوفة من مختلف بقاع العامل‬

‫‪ .73‬جويرية نامويومبا‬

‫‪60‬‬

‫  شابة مسلمة من يوغندا وحديث حول تناقضات الواقع املعاش‬

‫‪ .75‬اشكالية الفتاوى‬

‫ملف العدد‪ :‬النساء داخل المنظومة السلفية‬ ‫‪ .78‬مقاربة نقدية حول نساء االسالم السياسي و متاهة الدفاع عن حقوق المرأة من‬ ‫منظور إسالمي تقليدي‬ ‫‪ .84‬الما عندو قديم ‪....‬‬

‫  صور قدمية تعكس ملبس وحياة النساء يف الصومال ما قبل صدمات الحرب والتطرف الديني‬

‫‪ .88‬انتحاريات بوكو حرام‬ ‫  إكراه أم التزا ٌم بالفكرة؟‬ ‫‪ .90‬ازمان الجهل والعزلة واوضاع النساء في منطقة همشكوريب في شرق السودان‬

‫‪78‬‬

‫‪ .94‬المرأة و الجهاد اإلسالمي‬ ‫‪ .98‬تمبكتو‬

‫  قصة تحىك ع ّنا‬

‫‪ .100‬في مصيدة الجهل والعنف‬

‫  ترتاكم إشكاالت الصحة النفسية عيل النساء يف أفغانستان‬

‫‪ .102‬بريد القراء‬ ‫‪ .104‬اصدارات صيحة‬

‫‪91‬‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪3‬‬


‫هيئة التحرير‬

‫الناشر‬ ‫المبادرة اإلستراتجية لنساء القرن اإلفريقي (‪)SIHA Network‬‬ ‫رئيسة التحرير‬ ‫هالة يس الكارب‬ ‫مديرة التحرير‬ ‫سيليا هيدزجز‬ ‫فريق التحرير‬ ‫السر السيد ‪ ،‬جوهانا سيدل ‪ ،‬عبدالخالق السر ‪ ،‬سليا هيدزجز‬ ‫‪،‬هالة الكارب ‪ ،‬عائشة السماني‪ ،‬ليزا كليفورد‬ ‫المصححون‬ ‫جنجر جونسون‪ ،‬وليد النقر‪ ،‬منصور علي‪ ،‬السر السيد‬ ‫المترجمين‬ ‫سام برنار‪ ،‬محمد الفكي‪ ،‬عائشة موسى‪ ،‬منصور علي‪،‬‬ ‫فيصل الباقر‬

‫كلمة التحرير‬ ‫عزيزتي القارئة وعزيزي القارئ‪:‬‬

‫الوقت مييض كنغم متعدد اإليقاعات‪ .‬عندما ألقى نظرة للخلف‪ ،‬أكاد ال اصدق أننا منذ عام ‪ 2014‬قد‬ ‫قمنا بإنجاز ثالث أعداد حتى االن من مجلتنا الحبيبة (املرأة يف اإلسالم)‪ .‬انظر اىل الوراء سنوات عدة‬ ‫منذ ان كانت هذه املجلة مجرد فكرة وخاطرة وكيف تحولت اىل حقيقة ماثلة‪ ،‬ترفض اال أن تُطل يف‬ ‫كل عام‪ .‬ونحن نخوض بصرب وجلد شهور مخاضها الطويلة حتى ترى النور‪ ،‬ما بني الوعود‪ ،‬والشكوك‪،‬‬ ‫الضحك والدموع واآلمال واملخاوف‪ .‬هذا التامزج الفريد للعقل والعاطفة هو ما يجعلنا‪ ،‬نساء ورجاالً‬ ‫كاميل اإلنسانية‪ ،‬وهذا يف ظني ما يجب أن يكون عليه ديدننا عند الخوض يف أسئلة الدين‪ ،‬وكيفية‬ ‫متثله يف الحياة‪.‬‬ ‫لقد نفدت جميع نسخ العدد األول بني السودان ومختلف دول العامل ونفس اليشء حدث تقريبا‬ ‫مع العدد الثاين‪ .‬هذا اإلنجاز ومع كونه مثار دهشتنا‪ ،‬إال أنه يف ذات الوقت شكل مصدرا لسعادتنا‬ ‫وفخرنا‪ ،‬فالحامس الذي قُوبلت به املجلة يعد مؤرشا وتأكيدا ً واضحا عىل أن جهودنا مل تذهب هباء‪.‬‬ ‫فالعديد من الرجال والنساء يف كل من الخرطوم ونريويب وكمباال وىف الكثري من عواصم العامل يبحثون‬ ‫يف املكتبات عن العدد الجديد من املجلة بينام العدد يتنامى وهذا ميثل إشارة جيدة عىل أننا نسري يف‬ ‫الطريق الصحيح‪.‬‬

‫ُ‬ ‫كاتب العدد‬ ‫إيمان آدم ‪ ،‬سعاد خضر‪ ،‬عائشة السمانى‪ ،‬السر السيد‪،‬‬ ‫صفية الصديق‪ ،‬اوبى انياديكى‪ ،‬ريازات بات‪ ،‬ليزا كليفورد‪ ،‬جود‬ ‫البشرى‪ ،‬محمد الفكى‪ ،‬ساره الحسن‪ ،‬عبد الخالق السر‪ ،‬هالة‬ ‫الكارب‪ ،‬جوديث قاردنر‪ ،‬أمل هبانى‪ ،‬مينا حبيب‪ ،‬عبد الفتاح‬ ‫حسن على‪ ،‬سيليا هيددجيز‪ ،‬ليلى حسين‪ ،‬زاهية سالم جويرو‪،‬‬ ‫ريبكه كيبيدى‪ ،‬مارى مينارد‪ ،‬أماني محمد العبيد‪ ،‬شيرلين‬ ‫انجيرلى إنجوروجى‪ ،‬الكس شامس‪ ،‬رافية زكريا‪ ،‬علي نور عبدى‬ ‫عثمان‪.‬‬

‫القارئات والقراء األعزاء ونحن يف مستهل العام ‪ 2017‬نجد أن السلفية اإلسالمية قد توغلت يف قلب‬ ‫األحداث السياسية بينام انخفض صوت العقل والوعي واملنطق أمام أصوات طبول الحرب‪ ،‬وهيمنة‬ ‫وتاَمر األنظمة الشوفينية وقسوة الديكتاتوريات الحاكمة‪ .‬يف ظل هذا املناخ من التوتر‪ ،‬يجب أال نُروع‪،‬‬ ‫أو نسقط يف رشاك اليأس والسلبية‪ ،‬بل عىل العكس‪ ،‬يجب أن يكون هذا دافعاً ليك ننمي إرادة التغيري‬ ‫اإليجايب‪ ،‬فقد حان الوقت الستعادة لحظة املبادرة‪ ،‬إنها اللحظة املناسبة لل ُمجاهرة بتحول حقيقي‪.‬‬

‫فنون‬ ‫ساره مكى احمد‪ ،‬خالد البيه‪ ،‬جيسون اشوود‪ ،‬نياز ازدىخان‪،‬‬ ‫حنا بارزك‪ ،‬ارنولد بيروجي‪ ،‬محمد إسماعيل‪ ،‬خالد حامد‪ ،‬صالح‬ ‫إبراهيم‪ ،‬حسين ميرغني‪ ،‬احمد ناجى محجوب‪ ،‬رونى اوقوانق‪،‬‬ ‫الريح امبدي ‪ ،‬أن باك‪ ،‬جالل يوسف‪.‬‬

‫قبل عرش سنوات‪ ،‬رمبا كان من غري املمكن شجب مامرسات وتصورات السلفية أو التعرض إلشكاالت‬ ‫الال مساوة العميقة بشكل دقيق وسافر كام أرى اليوم بني مجموعات الشباب والنساء يف املجتمعات‬ ‫املسلمة يف مختلف ارجاء العامل‪ .‬لذا أشعر بأنني محظوظة وممتنة كوين شاهدة عىل هذه التحوالت‬ ‫املهمة‪ ،‬بل واشعر أين أكرث حظا ألنني بصورة ما مشاركة يف هذه التحوالت‪.‬‬

‫التصميم‬ ‫‪TAREK ATRISSI DESIGN‬‬ ‫‪http://www.atrissi.com‬‬ ‫‪ISSN 53413312‬‬ ‫جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة © للكتاب المعنيين‬ ‫وللمبادرة االستراتيجية لنساء القرن اإلفريقي‬ ‫(‪)SIHA Network‬‬ ‫حيث ال يجوز نسخ أي من المحتويات أو الصور التي يحتويها‬ ‫هذا العدد أو العمل علي إعادة استخدامها أو إعادة إنتاجها‬ ‫بأي صورة من الصور بدون الحصول على إذن كتابي من‬ ‫المؤلف أو من‪:‬‬ ‫‪SIHA Regional Office‬‬ ‫‪Plot 3 Katalima Bend, Naguru, Kampala‬‬ ‫‪P.O. Box 2793, Kampala‬‬ ‫‪UGANDA‬‬ ‫‪sihahornofafrica@gmail.com‬‬ ‫‪www.sihanet.org‬‬

‫اِال انه و ِمن ناحية ا ُخرى‪ ،‬فإنني أنبه عىل أن الرصاع قد صار أكرث تعقيدا ً لكل من اِستصحب صوت‬ ‫العقل‪ .‬فمن ناحية‪ ،‬يجب ان ال نتهاون يف مواصلة جهودنا ضد ظالمية وعبثية اإليديولوجيات السلفية‪.‬‬ ‫وىف الجانب االخر يجب أن نقف بحزم ضد الشوفينية العاملية والظلم وخطاب الكراهية املتنامي ضد‬ ‫املسلمني والذي تتزايد وتريته ويربر له بانتشار ظواهر العنف اليائس ضد املدنيني‪ .‬ذلك العنف ُجل ما‬ ‫يفعله هو قتل األبرياء من املسلمني وغري املسلمني‪.‬‬ ‫نحن يف (مجلة املرأة يف اإلسالم) ظللنا ننوه وباستمرار بأن تنامي املد السلفي مبعثه عقود من فشل‬ ‫النظام العاملي يف التصدي ملظامل الشعوب‪ ،‬هذا الفشل أصبح بدوره يشكل عبئاً جامعيا يستوجب علينا‬ ‫جميعا‪ ،‬مسلمني وغري مسلمني أن نتصدى له ومن ثم نعمل عىل تجاوزه‪.‬‬ ‫ما مييز هذا العدد الثالث من املجلة هو هذا الكم من املقاالت التي كتبت خصيصا للمجلة‪ ،‬ومل يسبق‬ ‫نرشها من قبل‪ .‬إنه لرشف عظيم أن يكون لدينا كتاباً يكنون هذا التقدير إلصدارتنا‪ ،‬وإظهارهم لكل‬ ‫هذا االهتامم من خالل تخصيص أقالمهم ملجلتنا‪.‬‬ ‫يف هذا العدد ستُطالعون مجاهدات النساء والرجال من مقديشو وممبسا والخرطوم ضد صلف السلفية‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وعزمهم عىل كسب املعركة وإعادة االعتبار لحياتهم وتقرير مصائرهم‪ .‬أيضا‪ ،‬ستتعرفون عىل‬ ‫أحوال عامالت املنازل اإلثيوبيات االيت يتواجدن يف غالبية الدول اإلسالمية‪ ،‬وما يتعرضن له من ترويع‬ ‫ومهانة بسبب معتقداتهن ولون برشتهن‪ ،‬مام ييش إىل الكيفية التي اِختُزل فيها اإلسالم يف هذه الدول‬ ‫إىل مجرد رمز لالستعالء االثني‪ .‬أيضا سنسلط الضوء عىل قضية مهمة أال وهي انخراط النساء يف‬ ‫الحركات االسالموية ومحاولة اإلجابة عىل السؤال الذي يطرح نفسه‪ :‬ملاذا تتامها بعض من النساء مع‬ ‫األيدولوجيات التي تعمل عىل إخضاعهن؟ إضافة إىل العديد من املوضوعات األخرى واألسئلة امللحة‪.‬‬ ‫أخريا‪ ،‬أود أن أنوه ايل أن هذا العدد من املجلة يصدر نتاج الدعم املقدر من اوكسفام الهولندية‬ ‫وصندوق سيقرد راوزنق للدعم وبرنامج املرأة مبؤسسة املجتمع املفتوح‪ .‬نحن يف غاية االمتنان‬ ‫ملساهامتهم يف دعم هذا العمل الهام‪.‬‬ ‫هالة الكارب‬

‫رئيسة التحرير‬ ‫مايو ‪2017‬‬

‫‪4‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫ثالثة‬ ‫أسئلة‬ ‫ل‪:‬‬

‫كلمة‪ ...‬كلمة‬ ‫النسويه ‪Feminism /‬‬ ‫النسويه ال ينحرص معناها اليوم حول مفهوم‬ ‫املساواة بني الرجال والنساء‪ ،‬و إمنا ميتد ليشمل‬ ‫السعي إىل تحويل كافة عالقات السلطة االجتامعية‬ ‫التي تؤسس للقهر والتهميش عىل أساس الجندر ‪،‬‬ ‫العمر ‪ ،‬التوجه الجنيس ‪ ،‬املقدرة ‪ ،‬العرق أو الدين‪،‬‬ ‫القومية أو مكان اإلقامة أو الطبقة أو الطائفة‬ ‫االجتامعية ‪.‬‬ ‫و كإطا ِر تحلييل علمي و نهج فكري فقد طورت‬ ‫املدارس النسويه مفاهيم ونظريات البطريركية‬ ‫(النظام االجتامعي الذي يكرس لحقوق و امتيازات‬ ‫الرجل) و مفاهيم الجندر (عالقة السلطة بني‬ ‫الرجل واملرأة املنتجة بواسطة النسق االجتامعي)‪.‬‬ ‫كام أنتجت املدارس النسويه سلسلة من أدوات‬ ‫التحليل و املناهج التي كشفت عن أمناط الظلم‬ ‫االجتامعي واالقتصادي املتخفي و املضمن يف‬ ‫ديناميات عالقات السلطة بني الرجل و املرأة و‬ ‫يف املؤسسات االجتامعية املهيمنة‪ .‬وكمثال لذلك‪،‬‬ ‫التقسيم الجندرى للمسؤوليات األرسية يف داخل‬ ‫مؤسسة الزواج من حيث العمل و االنتاج و‬ ‫السيطرة عىل املوارد االقتصادية والحياة الجنسية‬ ‫و اإلنجابية ‪.‬‬ ‫و كإسرتاتيجية ونهج للتغيري االجتامعي‪ ،‬تضع‬ ‫النسويه ضمن أولوياتها مسألة متكني املرأة و‬ ‫تغيري عالقات السلطة الجندرية و تطوير وخلق‬ ‫أدوات للوصول للمساواة والعدالة‪ .‬و تنظر النسوية‬ ‫إىل التدخالت من اجل التغيري من خالل "عدسة‬ ‫عالقات الجندر " ملعرفة مدى تأثري التغيري عىل املرأة‬ ‫وعيل ديناميات العالقات الجندرية ‪ .‬ففى حالة ما‬ ‫إذا كان تركيز إسرتاتيجية التغيري حول قضية ما‪،‬‬ ‫مثل ؛ الصحة أو التعليم أو حقوق إنسان‪ ،‬وذلك‬ ‫يف جهة ما مثل قرية أو محافظة أو إقليم و‬ ‫بني قطاع سكاين محدد‪ .‬ىف هذه الحاالت تهتم‬ ‫النسوية مبا إذا كانت أدوات املساواة الجندرية‬ ‫قد ضُ منت ضمن نهج التغري‪ ،‬وان آليات التغري قد‬ ‫أخذت يف االعتبار املعوقات التي تحول دون انخراط‬ ‫وتضمني املجموعات املضطهدة من قبل البطريركية‬ ‫املجتمعية وعيل رأسهم النساء يف إدارة و االستفادة‬ ‫من التغري‪.١‬‬

‫سارة مكي أحمد‬ ‫ُ‬ ‫و لدت سارة مكي احمد‪ ،‬صاحبة لوحة غالف مجلة "المرأة في اإلسالم "في العام ‪1998‬‬ ‫ألبوين من أصول سودانية و ترعرعت في قرية اووسترهوت بهولندا‪ .‬ورغم نشأتها في‬ ‫بيئة اوربية محضة اال انه قد نما لديها ومنذ بواكير حياتها‪ ،‬شغف شديد بالفن‪ ،‬وحب‬ ‫استطالع عميق في الوقوف والتعرف على ثقافة موطنها األصلي‪ .‬في هذا الحوار تُشركنا‬ ‫سارة في بعض من أفكارها‪.‬‬

‫الشغف بالفنون‬ ‫عىل ما اذكر فقد بدأ حبى للفنون منذ وقت مبكر‪.‬‬ ‫وىف املرحلة الثانوية أتيح يل ان اتلقى دروسا يف الفنون‬ ‫وعندها بدأت اكتشف شغفي الحقيقي بالفن‪ ،‬كانت‬ ‫بدايايت مع الرسم "االسكتشات" إىل ان عرفني أستاذي‬ ‫عىل فن التلوين فبدأت أميل إليه و احبه كثريا‪ ،‬و كان‬ ‫ذلك هو سبب ارتباطي الشديد بالرسم‪.‬‬ ‫العالقة مع السودان‬ ‫مل ت ُتح يل فرصة العيش يف السودان‪ ،‬غري اىن قمت‬ ‫بزيارته عدة مرات مع والدي ووالديت‪ ،‬تلك الزيارات‬ ‫اضافة ملا متنحه يل من متعة فإنها تحقق يل شعورا‬ ‫حقيقيا باالنتامء والتواصل‪.‬‬ ‫يف ما يتصل بوضع املرأة يف السودان فأنا اعتقد انه‬ ‫يحتاج اىل مجهود كبري لالرتقاء به‪ .‬و بالنسبة يل وبحكم‬ ‫نشأيت يف مجتمع منفتح‪ ،‬يحمي الحريات الفردية ‪ ،‬فإنني‬ ‫أجد صعوبة يف تق ّبل ما يقوم به املجتمع السوداين‬ ‫بالحجر عىل حرية املرأة و الحد من تطلعاتها‪.‬‬ ‫املستقبل‬

‫‪Batliwala, Srilatha. Changing their World: 1‬‬ ‫‪Concepts and Practices of Women’s Movements.‬‬ ‫‪Toronto: Association for Women’s Rights in‬‬ ‫‪Development, 2012. https://www.awid.org/‬‬ ‫_‪sites/default/files/atoms/files/changing_their‬‬ ‫‪world_2ed_full_eng.pdf‬‬

‫اآلن انا ادرس القانون ىف هولندا و اتعلم كثريا عن‬ ‫حقوق االنسان‪ .‬و أؤمن بأن من حق الجميع (رجاال و‬ ‫نساء) االستمتاع باألشياء التي يحبونها عىل النحو الذى‬ ‫حدث معى فيام يتعلق بحبي للفن ‪.‬‬

‫ب‬

‫الحساب‬

‫انوي بعد إكاميل دراستي الجامعية أن استخدم‬ ‫معاريف وموهبتي يف مساعدة النساء وان انخرط يف‬ ‫مشاريع يف السودان تعمل عيل دعم النساء و تحقيق‬ ‫تطلعاتهن وتشجيعهن عيل االستمتاع مبواهبهن‪ .‬لذا أنا‬ ‫سعيدة للغاية مبساهمتي يف مجلة" املرأة يف اإلسالم"؛‬ ‫التي أتاحت يل أن أكون جزء من هذا املرشوع التوعوي‬ ‫الهام ‪،‬و يرشفني كثريا أن أكون ضمن املساهمني يف هذا‬ ‫العدد‪.‬‬

‫ارقــــــام فـي عوالـــم النســـــاء‬

‫‪٥٧‬‬

‫عدد الدول التي يمارس فيها تعدد الزوجات‬ ‫دون إدانة قانونية‪ .‬أكثر من ‪ %90‬من تلك‬ ‫الدول يقع ضمن القارة اإلفريقية وحدها‪.٢‬‬

‫‪.Legality of Polygamy,” Wikimedia Commons, https://commons.wikimedia.org/wiki/File:Legality_of_polygamy.svg ٢‬‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪5‬‬


‫خيار النضال وليس الهروب‪:‬‬ ‫مطالبة زيبا مير حُسيني بالمساواة من داخل التقاليد اإلسالمية‬

‫االجتامعية املنفتحة واختفائها من األماكن العامة‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬حيث‬ ‫يتعرض للعقاب كل من يجرؤ عىل التعبري عن هذه املشاعر وهذه القيم"‪.‬‬ ‫و تواصل قائلة‪ ":‬إن السلطات قد بررت لهذه السياسات باسم "اإلسالم"‬ ‫و"قانون الرشيعة" وأُصبغت عليها صفة التقديس باعتبار أن ما يحدث‬ ‫من تجريم للمدنيني يف الفضاء العام هو جوهر العقيدة التي ُولدتُ عليها‬ ‫ولكني مل أُواجه بتطبيقاتها عيل ارض الواقع حتى ذلك التاريخ‪".‬‬

‫اللوحة‪ :‬حسين مرغني‪ ،‬السودان‬

‫و قد كانت زيبا مري ُحسيني والتي حصلت للتو عىل شهادة الدكتوراه‬ ‫من جامعة كامربيدج‪ ،‬من مؤيدي الثورة اإليرانية لكن سدنة النظام الجدد‬ ‫أبدوا عدم الرغبة يف التعاون معها كأكادميية وباحثة تؤمن بحرية البحث‬ ‫العلمي‪ .‬فقد فشلت يف الحصول عىل وظيفة تدريس ألنها "مل تكن ملتزمة‬ ‫إسالمياً مبا فيه الكفاية " والحقاً عانت يف الحصول عيل الطالق بعد فشل‬ ‫زواجها يف مطلع العام ‪ 1980‬حيث واجهت تعنت محاكم قوانني األرسة‬ ‫املبنية عيل اإلرث التقليدي للفقه اإلسالمي‪ ،‬فاملرأة ت ُحرص يف رشوط ضيقة‬ ‫جدا ً إذا أرادت التقدم بطلب الطالق يف حال فشل الزواج‪ .‬وىف حالة مري‬ ‫ُحسيني فإنها مل تكن متلك أي من الرشوط التي تؤهلها للقيام بذلك ‪ ،‬والتي‬ ‫من أهمها كام تذكر أنها مل تطالب مبؤخر‪ ١‬الصداق عند عقد الزواج حيث‬ ‫كان من املمكن لها كامرأة أن متتلك بعض الرشوط للمساومة يف حالة‬ ‫الرغبة يف الطالق فقد يستجيب الزوج عىل إمتام فسخ الزواج إذا تنازلت‬ ‫الزوجة عن صداقها مثال‪.‬‬ ‫لكن مري ُحسيني تصدت لكل ذلك و أتبعت نهجاً آخر أثرت نتائجه عىل‬ ‫مجريات حياتها بالكامل‪ .‬وىف هذا تقول‪:‬‬ ‫"نهجى في الحياة دائماً هو انه في حالة أن تعرضت‬ ‫ِلشكاالت في حياتي أسعى لدراستها وفهم أسبابها‬ ‫كي أجد طريقة لحلها‪.‬‬

‫لقد انتاب "زيبا مري‪ُ -‬حسيني" إحساس بالظلم الفادح والرعب يف أول‬ ‫لقاء لها مع اإلسالم السيايس‪ .‬وكان ذلك يف أعقاب ثورة ‪ 1979‬التي أتاحت‬ ‫ألغلبية سدنة اإلسالم السيايس يف إيران الوصول إىل دفة السلطة والقيادة‬ ‫السياسية‪ .‬ويف ذلك تقول مري ُحسيني ‪ " :‬أن موقعها كعاملة انرثوبولجي وعندما واجهتني مشكلة طالقي مل يكن إمامي سواء دراسة الفقه اإلسالمي‬ ‫وناشطة ونسوية أتاح لها فرصة للمشاهدة الحذرة للتزاوج الذي تم ما بني وأسسه وقواعده وبالفعل قمت بذلك بتأن حتى متكنت من حصويل عىل‬ ‫السياسة و الدين‪ ،‬من ناحية‪ ،‬وانزواء الحب والجامل والفرح والعالقات الطالق من املحكمة‪ .‬وتضيف‪" ،‬لكن غالبية النساء لسن عىل هذا القدر من‬ ‫"زيبا مري ُحسينى االأكادميية و عاملة األنرثوبولوجي اإليرانية األصل والتي تعيش يف اململكة املتحدة‪ .‬وهي باحثة متخصصة يف الفقه اإلسالمي وقضايا الجندر ومخرجة أفالم وثائقية وناشطة‬ ‫منخرطة يف مجاالت املساواة الجندرية من خالل التقاليد اإلسالمية‪ .‬ترتكز أطروحات مري ُحسيني األكادميية يف مناقشة القوانني التمييزية املبنية عىل الدين و التي تقنن وتربر لحرمان النساء من‬ ‫العدالة واإلنصاف يف املجتمعات املسلمة‪ .‬ويعتمد منظورها يف التحليل والتعامل مع التقاليد اإلسالمية عىل التمييز ما بني الرشيعة من رشع أو درب باعتبارها الطريق إيل اإلميان عرب القران‬ ‫وسنة الرسول" ص" والفقه والذي تنظر إليه باعتباره جهد الفقهاء يف استنباط القوانني استناداً عيل نصوص القران والسنة‪ .‬وترى مري حسيني أن هذا التمييز يعني املسلمني من النساء والرجال‬ ‫عىل وضع الترشيعات البطريركية السائدة حاليا يف سياقها السليم باعتبارها جهود وأفكار وردت خالل حقب سابقة وعرب ظروف ومالبسات تاريخية ارتبطت مبناحي تطور دول ومجتمعات‬ ‫املسلمني وليست نصوصا مقدسة‪ .‬و تركز مري ُحسيني يف أطروحاتها عىل املزاوجة ما بني منظومة حقوق اإلنسان العاملية والتقاليد اإلسالمية وذلك من اجل تطوير قوانني أرسة إسالمية أكرث إنصافا‬ ‫للنساء وىف نفس الوقت موامئة لرشوط العرص الذي نعيشه‪ .‬ويعرب الفلم الذي اخرجتة "مري ُحسيني" يف العام ‪" 1998‬طالق عىل الطريقة اإليرانية" والذي حاز عىل عدد من الجوائز العاملية يف‬ ‫عدد من املهرجانات السينامئية من ضمنها جائزة ( البفتا الربيطانية ) يف العام ‪ 1999‬عن إشكاالت عدم اإلنصاف والظلم الذي يواجه النساء يف ظل القوانني املبنية عىل الفقه التقليدي اإلسالمي‪,‬‬ ‫ولزيبا مري ُحسيني العديد من الكتب واألوراق العلمية الرائجة يف األوساط األكادميية وأوساط الناشطني‪ .‬ومن ضمن تلك اإلسهامات‪ ،‬كتاب ‪" :‬الرجال قوامون؟ ‪-‬إعادة التفكري يف مفاهيم سلطة‬ ‫الرجال يف التقاليد اإلسالمية" والصادر يف العام ‪ .2015‬وورقة " تجريم الجنسانية ‪-‬حول عودة قوانني الزنا يف الدول اإلسالمية" والصادرة يف العام ‪ . 2010‬وقد نرش ملخص بالغة العربية لتلك‬ ‫الورقة يف العدد األول من مجلة املرأة يف اإلسالم يف ‪ .2014‬حاورت زيبا مري ُحسيني ملجلة "املرأة يف اإلسالم" الصحفية ليزا كليفورد يف العاصمة الربيطانية يف أواخر العام ‪.2016‬‬

‫‪6‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫وجوه‬ ‫الحظ أو اإلرصار أو ال ميتلكن الوقت أو الوسائل لذلك يقعن تحت رحمة مواقفها كنسوية ويف طريقتها العلامنية يف الحديث حول حقوق اإلنسان‬ ‫واملساواة بني الرجل واملرأة‬ ‫النظام ألبطريريك للمحاكم والتي عادة ال تأىت بنتائج مرجوة"‪.‬‬ ‫أما المجموعات العلمانية النسوية والتي تنظر إلى الدين كمشكلة‬ ‫وتعده أحد األسباب التي أدت إلى تأخير حركة مساواة المرأة بالرجل‪،‬‬ ‫فهن ال يقبلن بجدوى االنخراط في الدين‬

‫تذكر زيبا أنها قد شاهدت امرأة يف منتصف العمر ترتدي "شادورا"‬ ‫كانت تخبط عىل طاولة القايض يف املحكمة بشدة و تتساءل يف حرية عن‬ ‫كيف ال يكون لها رأياً يف طلب الطالق بعد زواج أستمر ألكرث من عرشين‬ ‫عاماً !! ‪.‬كانت يف غاية اإلرصار وهى تردد" ليس هذا من اإلسالم يف يشء‪،‬‬ ‫وينظرن إىل مواقف زيبا الداعية للتعامل مع الدين واحرتامه وقراءة‬ ‫هذا ظلم فادح والرشيعة من املفرتض أن تكون هي العدل "‪ .‬والجدير‬ ‫بالذكر ان زيبا قد وثقت للعديد من املشاهد املامثلة خالل فلمها الوثائقي نصوصه باستصحاب السياقات التاريخية واملعرفية املرتبطة بالحراك‬ ‫باالشرتاك مع املخرج الربيطاىن "كيم لونغينوتو"‪"-‬طالق عىل الطريقة اإلنساين بحسبانها تراجعاً عن مبادئ حقوق النساء‪.‬‬ ‫اإليرانية"‪ .‬وتقول زيبا‪ " :‬أنا نفيس قد جربت الطالق عىل الطريقة اإليرانية‬ ‫مرتني لذا كان األمر سهال بالنسبة يل أن أضع قناع اإلنرثوبولوجي جانباً‬ ‫وتقول زيبا‪ " :‬أنا سليلة مجتمع ت ُنظم فيه حياة الناس بقوانني وأعراف‬ ‫مستمدة إيل حد كبري من الدين وهو جزء ال يتجزأ من اإلرث الثقايف‬ ‫واكتفى فقط بكوين امرأة إيرانية خالل إخراجي للفلم"‬ ‫والتاريخي ملجتمعات املسلمني فالدين مهم بالنسبة للمرأة وللنساء‬ ‫وعىل الرغم من تدينها العميق فأن زيبا ترص عيل علامنيتها يف تعاملها الحق أن يكن مسلامت متى ما قررن ذلك وان يستمتعن يف نفس الوقت‬ ‫مع الحياة بشكل منفتح‪ .‬حيث أنها تؤمن باستحالة تحقيق العدالة بدون بالعدالة واإلنصاف واملساواة"‪ .‬إن زيبا مري حسينى واضحة ومؤمنة وترى‬ ‫مساواة ‪ ،‬وتقول‪" :‬لقد قضيت سنوات عديدة يف إنجلرتا التي درست فيها و انه ال تناقض ما بني أن تكون مسلام‪ /‬مسلمة وىف نفس الوقت داعيا‪ /‬داعية‬ ‫تعلمت اللغة االنجليزية يف املدرسة الداخلية ويف ذلك الوقت كانت إيران للمساواة والعدالة بني الرجال والنساء‪.‬‬ ‫تنحدر أكرث نحو كنف أيديولوجية تسعى إىل الحفاظ عىل عالقات غري‬ ‫حازت "زيبا مري حسينى" عىل دعم حركة "أخوات يف اإلسالم" املاليزية‬ ‫متساوية وغري عادلة يف عقد الزواج وىف املجتمع وتستنكر أن يكون للمرأة‬ ‫صوتاً أو أن يكون لها حق االختيار"‪ .‬وتواصل زيبا‪" :‬كانت فرتة الثامنينيات والتي تحمل عضواتها نفس األفكار والقيم التي تحملها وأسست باالشرتاك‬ ‫كالحة يف إيران‪ ،‬وصار كل ما أعرفه عن ذايت وعن املجتمع يتساقط طبقة مع أخوات يف اإلسالم حركة " مساواة العاملية‪ -‬من أجل املساواة والعدالة‬ ‫إثر أخرى‪ ،‬إيل أن اختفت كل األفكار التي كانت تدعو وتحث عىل التطور يف داخل األرسة املسلمة"‪ .‬وزيبا مري ُحسيني عىل قناعة تامة بإمكانية أن‬ ‫تصبح املرأة نسويه ومسلمة يف ذات الوقت‪ .‬ويف هذا تقول‪ " :‬يف املايض‬ ‫واملساواة "‪.‬‬ ‫كان لزاماً عيل الدفاع عن هويتي اإلسالمية ونسويتى و لكني اآلن وبعد‬ ‫تحىك زيبا عن زيارة قامت بها إىل رضيح احد املشايخ يف مدينة قم‪ ٣‬سنوات من العمل والجهد ما عدت أحتاج إىل تربير موقفي وهويتي‬ ‫(التي متثل مركزا ً للدراسات الدينية يف إيران)‪ ،‬وتعتقد أن تلك الزيارة كنسوية ومسلمة"‪.‬‬ ‫شكلت نقطة تحول محورية يف حياتها‪ .‬تقول زيبا‪" :‬كنت أجلس يف طرف‬ ‫قيص خ ُّصص للنساء لالستامع إىل محارضة دينية‪ .‬ويف هذه األثناء جاء أحد‬ ‫القيمني عىل الرضيح وطلب من النساء املوجودات بطريقة وقحة مغادرة‬ ‫من االنجليزية محمد عثمان الفكي‬ ‫املكان ظناً منه أنهن ال يرتقني إيل قدسية املكان‪ ،‬ففرت معظم النساء‬ ‫هاربات من وقاحة الرجل إال أنا فقد لزمت مكاين ورفضت املغادرة وعندما‬ ‫بدا يف مضايقتي فقدت أعصايب جراء عدم االحرتام هذا وقلت له ‪:‬من أنت‬ ‫حتى تطلب منى مغادرة املكان؟ وكنت غاضبة وكان الجميع ينظرون إ ّىل‬ ‫فهم مل يسمعوا من قبل امرأة ترفع صوتها بالرصاخ إىل هذا الحد يف داخل‬ ‫الرضيح‪..‬لقد أسهمت تلك الحادثة يف أن أصل إيل قراري الذي أسهم بدوره‬ ‫يف تغيري حيايت فيام بعد‪ ،‬و هو أن ال اكتفي بأن أكون مراقبة قط وقررت‬ ‫بعدها أن أكون مشاركة ومدافعة عن حقوقي و توصلت إىل قناعة فحواها‬ ‫‪ ،‬إن االنخراط يف بحث املعارف اإلسالمية وليس تجاهلها هو أنجع الطرق‬ ‫لتحقيق العدالة للمرأة املسلمة ‪ .‬وتقول زيبا‪:‬‬ ‫‪٢‬‬

‫"إن الدين من األهمية بحيث ال يجب تركه للرجال‬ ‫وحدهم بل يجب على النساء االنخراط فيه‬ ‫واستعادته واإلسهام في تفسيره ودراسته "‬

‫لطاملا استعانت زيبا بالقرآن الكريم يف محاربة التمييز ضد املرأة باسم‬ ‫اإلسالم وذلك متشيا مع نهجها الداعى للعمل من داخل إطار القانون‬ ‫اإلسالمي وهو ذات النهج الذي وضعها يف موقف اختالف مع العديد‬ ‫من الرجال والنساء من األكادمييني والكتاب و الناشطني والناشطات ومع‬ ‫النسويات ‪ ،‬فبعض األكادمييني من نُشطاء اإلسالم السيايس كان يشكك يف‬

‫‪1‬م ّؤخر الصداق امل َ َهر عن َد‬ ‫املرأة ينقس ُم إىل قسمني‬ ‫وهُام‪ :‬مقدّم الصداق‪َ :‬و ُه َو‬ ‫ما يَجِب دَفع ُه للمرأ ِة سواء‬ ‫مال أو رش ٌط ِمن ُش ِ‬ ‫كا َن ٌ‬ ‫وط‬ ‫الزواج يُعطى للمرأ ِة ق َ​َبل‬ ‫ال ِنكاح ؛ حيثُ قال الله تعاىل‬ ‫‪( :‬وآتوا النساء صدقاتهن‬ ‫نحلة) ِ‬ ‫وهذه ال َكلِ َم ِة‬ ‫صدقاته ّن ِف اآلي ِة َمأخوذ ٌة‬ ‫الصدق لداللَ ِة ِصدقِ‬ ‫ِم َن ّ‬ ‫الرجلِ معِ املرأة ِف فرت ِة‬ ‫الخطوبة وترايض الطرفني‬ ‫‪ .‬مؤخّر الصداق‪ :‬املؤخّر‬ ‫تستح ّق ُه الزوجة من زوجها‬ ‫كامالً من ِ‬ ‫بعد الدخو ِل عليها‪،‬‬ ‫وهذا امل َهر يبقى يف ذ ّم ِة‬ ‫الرجل دي ٌن علي ِه وه َو حق‬ ‫من حقوقِ املرأة ويجب‬ ‫االلتزا ُم بقيمة املؤخّر املادّي‬ ‫وأيضاً األجل املحدّد‪ ،‬فإذا كا َن‬ ‫ِف ِ‬ ‫كتوب أن يُدفَ ُع‬ ‫العقد َم ٌ‬ ‫امل ُؤخّر بَع َد ُمرو ِر سنة أو‬ ‫سنتني يجب أن يدفعها وال‬ ‫يجو ُز املامطَل ِة ِفيها‪.‬‬ ‫‪ 2‬وشاح تستخدمه النساء‬ ‫من إيران لتغطية الرأس‬ ‫والجزء األعىل من الجسد‬ ‫‪ ٣‬قُم هي إحدى مدن إيران‬ ‫و التي تعترب الحوزة العلمية‬ ‫فاملوجودة فيها مبثابة املركز‬ ‫العلمي الديني للشيعة بعد‬ ‫النجف االرشف يف العراق‪v‬‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪7‬‬


‫الترابي والنساء‬ ‫رحل الدكتور حسن عبد الله الرتايب‪ ،‬السيايس البارز‪ ،‬وأحد أبرز مؤسيس‬ ‫الديني املثري للجدل يف‬ ‫الحركة اإلسالمية الحديثة يف السودان‪ ،‬واملنظِّر‬ ‫ّ‬ ‫مارس ‪ ،2016‬تاركاً خلفه وطناً آيالً للسقوط وقابالً للتبعرث‪ ،‬بعد أن أنفذ فيه‬ ‫منذ ‪ 30‬يونيو ‪1989‬م كامل مرشوعه ـ الحلم الذي سعى فيه إىل تحويل‬ ‫السودان إىل أول دولة ُس ّنية ت ُحكم مبرجع ّية دين ّية‪ ،‬فكرا ً وروحاً‪ ،‬منذ رحيل‬ ‫االستعامر عن العامل اإلسالمي‪.‬‬ ‫ولد حسن عبد الله الرتايب مبدينة كسال يف رشق السودان عام ‪1932‬م‪.‬‬ ‫درس القانون بجامعة الخرطوم ‪ ،1955-1951‬وحصل عىل املاجستري من‬ ‫جامعة لندن العام ‪ ،1957‬ودكتوراه الدولة من جامعة السوربون يف باريس‬ ‫عام ‪ .1964‬يف بداية حياته األكادميية عمل الرتايب محارضا ً بجامعة الخرطوم‬ ‫يف كلية القانون‪ ،‬ثم استقال منها ليتف ّرغ للعمل السيايس‪ ،‬ليصبح بعدها‬ ‫أميناً عاماً لإلخوان املسلمني والحقاً زعيامً لجبهة امليثاق (‪ ،)1964-1969‬ثم‬ ‫أميناً عاماً للجبهة اإلسالمية يف عام ‪ .1985‬استمر يف املنصب األخري حتّى‬ ‫قيام انقالب الحركة اإلسالمية يف يونيو ‪ ،1989‬حيث َح ّل تنظيم الجبهة‬ ‫اإلسالمية نفسه وتح ّول إىل التنظيم الحاكم يف السودان‪.‬‬ ‫ينتمي الرتايب ألرسة دينية ُعرفت بالتصوف‪ ،‬فجده األكرب هو الشيخ‬ ‫حمد النحالن (‪ ،)1704-1639‬املتصوف الشهري‪ ،‬وصاحب الكرامات الواردة‬ ‫يف كتاب (الطبقات) لو ّد ضيف الله‪ . 1‬كام كان والده قاضياً رشعيّا يف‬ ‫الدولة االستعامرية الوليدة وقتها‪ .‬وقد تبوأ والده ذلك املنصب‪ ،‬يف زمن‬ ‫دانت فيه السيادة للقضاء املدين مبرجعيته الوضعية (العلامنية)‪ ،‬فيام‬ ‫اقترصت سلطات القضاء الرشعي عىل قضايا األحوال الشخصية‪ .‬ترتب عىل‬ ‫هذا الفصل يف السلطة القضائية متاي ُز بني الفريقني عىل كافة األصعدة‬ ‫االجتامعية والثقافية والسياسية‪ .‬حيث س ُيلقي ذلك التاميز بظالله الحقاً‬ ‫عىل شخصية الرتايب‪ ،‬الذي سعى جاهدا ً إىل تقليص ونفى املرجعية الوضعيّة‬ ‫يف وقت الحق‪.‬‬

‫تالمذته‪ .‬إال أ ّن ما يعنينا هنا هو‪ ،‬موقف الراحل حسن الرتايب من النساء‪.‬‬ ‫ورغم أ ّن الدكتور حسن الرتايب عىل املستوى الفكري أصدر العديد من‬ ‫املؤلفات التي وصفت من قبل رصفائه من اإلسالميني بأنها تحوي أفكارا ً‬ ‫تحررية تجاه النساء‪ ،‬لك ّن النظرة العميقة لتلكُم املساهامت ِ‬ ‫تفص ُح جلياً‬ ‫تنصب يف‬ ‫عن أ ّن دعاوى مساواة تكليف النساء أسو ًة بالرجال يف فكر الرتايب‪َّ ،‬‬ ‫مجملها حول تنشيط فاعليّة النساء يف ال َحراك السيايس وتكثيف وجودهن‬ ‫كرصيد يُضيف للزخم والكثافة املجتمعية ملرشوع الحركة اإلسالمية‪.‬‬

‫ورغم تواجد النساء داخل معسكر اإلسالم السيايس‪ ،‬إال أن ذلك مل مينع‬ ‫مرشوع الدكتور الرتايب من تب ِّني قوانني وسياسات متييزية قاهرة للنساء‪،‬‬ ‫استلهمت من التقاليد السلفية الدوغامئية بهدف استثامرها سياسياً‪،‬‬ ‫وإثارة املخاوف األخالقية يف أوساط مجتمعات السودان التقليدية‪ .‬ويجدر‬ ‫القول هنا‪ ،‬إن تأثري تلك القوانني والسياسات مل يقترص عىل ال َحراك النسوي‬ ‫فحسب‪ ،‬وإمنا امت ّد تأثريها سلباً عىل مجمل حركة التطور االجتامعي يف‬ ‫السودان‪ ،‬التي أصابها ال ُعطب وشابها التشوه‪.‬‬ ‫الرتايب املفكر واملجدد الفقهي‬ ‫ميثّل مفهوم "االبتالء"‪ ٢‬املوضوع األساس يف فكر الرتايب‪ .‬واالبتالء الذي‬ ‫متغيا ً ميثل‬ ‫يعنيه هو الحادثات أو املستجدات الحياتية التي تنتج واقعاً ّ‬ ‫تحدياً للمسلم‪ ،‬يستلزم بالرضورة مجابهته عرب اجرتاح فقه جديد يستمد‬ ‫رؤيته من إشكاليّات الواقع املاثلة‪ ،‬التي ال يتوفّر للفقه التقليدي عاد ًة‬ ‫القدرة عىل معالجتها‪ .‬والحداثة من هذا املنظور‪ ،‬تعترب ابتالء يف نظر الرتايب‪،‬‬ ‫ول وجهه‪ ،‬ومن ثم تو ّجبت‬ ‫أل َّن تحدياتها تعرتض طريق املسلم أينام َّ‬ ‫مجابهتها والتص ِّدي لها كحقيقة ال مفر منها‪ ،‬بغية التقرب إىل الله‪ .‬لك َّن‬ ‫منهج املتدينني التقليديني‪ ،‬حسب تعريف الرتايب له‪ ،‬ال يتوفّر عىل مق ِّومات‬ ‫املجابهة تلك‪ ،‬وبالتايل يلوذون من تبعة مجابهة الحداثة فرارا ً بدينهم‬ ‫وخوفا من الفتنة‪.‬‬

‫منذ بزوغ نجمه يف أعقاب ثورة أكتوبر ‪1964‬م‪ ،‬التي أطاحت وقتها‬ ‫ظل حسن الرتايب شخص ّي ًة‬ ‫بنظام الجرنال عبود العسكري (‪َّ ،)1964-1958‬‬ ‫يف هذا السياق‪ ،‬عمل الرتايب عىل الفصل بني ال ِّدين والتَّديُّن كمنصة‬ ‫سياسيّ ًة وفكريّة مثري ًة للجدل‪ ،‬يصعب التكهن مبكنوناته حتى من قبل يتأسس عليها مرشوعه الفقهي‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫وجوه‬

‫ويطلق عىل الدين كمفهوم أزيل (الدين الحق)‪ ،‬بينام يطلق عىل التديُّن‬ ‫(الدين الكسب)‪ .‬تأسيساً عىل هذا التمييز‪ ،‬يعتقد الرتايب أن األصل يف‬ ‫التديُّن هو التجديد‪ ،‬وعدم التق ُّيد مبتواضعات فقهية سابقة‪ ،‬كانت حصيلة‬ ‫ملجابهة ابتالءات سابقة‪ ،‬مبا يف ذلك املذاهب األربعة‪ .‬والتجديد هو الذي‬ ‫يُعيد للدين بريقه من أثر ضغوط الحادثات (االبتالءات) التي يتع ّرض‬ ‫لها كل فينة وأخرى‪ .‬فالتدين من واقع كونه يشء من صنع اإلنسان‪ ،‬فهو‬ ‫مبرور الوقت يتح َّنط ويصبح غري معرب عن حقائق الواقع‪ ،‬وال يلبي مشاكل‬ ‫األجيال الالحقة‪.‬‬ ‫عليه‪ ،‬فإن اإلحياء والتجديد الديني يف مفهوم الرتايب‪ ،‬رضورة مبتغاها‬ ‫إخضاع الدولة لله‪ ،‬وهو نهج وصفه الكاتب األمرييك "عبد املالك سيمون"‪،3‬‬ ‫بأنه محاولة السرتجاع عملية التط ّور العقيل التي تش ّوشت بسبب‬ ‫االستعامر‪ .‬ومن ث َّم فهو جهد إلعادة بناء الدين كمنصة حاضنة لكل الجهود‬ ‫املتعددة الرامية للمحاسبة السياسية‪ ،‬ومن أجل تحقيق املزيد من اإلنتاج‬ ‫االقتصادي‪ .‬لذا ففي تقدير "سيمون"‪ ،‬فإن الحركات اإلسالمية يف الحقيقة‬ ‫غري مشدودة بالعودة إىل املايض املجيد كرشط أو محدد الرتباطها التاريخي‬ ‫بذلك العهد‪.‬‬ ‫من هذا املنطلق انرصف عمل الرتايب إىل التصدي إلشكال ّيات فقهية‬ ‫شائكة طاملا وقفت حجر عرثة أمام حركات اإلسالم السيايس املعارصة‪.‬‬ ‫متثّلت أهم هذه التحديات يف عالقة اإلسالم بالحرية والفن واملرأة‪ ،‬والعالقة‬ ‫مع غري املسلم‪ .‬فعىل مستوى الحرية الفردية‪ ،‬نظرياً‪ ،‬يرى الرتايب أن الحرية‬ ‫تعترب رشطاً أساسياً للتدين "ألنه ال ميكن للتدين أن ينمو إالَّ يف مناخ من‬ ‫الحرية‪...‬وأنه ال يلزم الواحد أخاه وأال يكرهه عىل الدين‪ ،‬ألن التديُّن هو‬ ‫تحرر من واقع القهر والسلطان‪ ...‬فالحرية الزمة من لوازم التوحيد ورضورة‬ ‫من رضورات تنمية التدين (‪.4 " )...‬‬ ‫اللوحة‪ :‬حسين مرغني‬

‫فالدين في مفهومه‪ ،‬أزلي وثابت ال يتغي ّر بمقتضى األحوال‪ ،‬بينما التدي ُّن‬ ‫في تقديره هو ما تراكم من تقاليد فقهية عبر القرون‬

‫وفيام يخص الفن‪ ،‬مل يجد الرتايب مس ِّوغاً لتلك العداوة التي وسمت‬ ‫عالقة الفقه التقليدي بالفن‪ .‬فهو يرى أ َّن الفن يف نهاية املطاف هو "اخرتاع‬ ‫ٌ‬ ‫ومعرتف به يف اإلسالم كهبة و ِم ّنة تستوجب‬ ‫الجامل" ومبا أن الجامل مق ّد ٌر‬ ‫الحمد‪ ،‬ومن هنا ميكن توظيف الفن كشكل من أشكال التديُّن تقرباً لله‪.‬‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪9‬‬


‫من هنا‪ ،‬فإن الوظيفة النهائية والحاسمة للجامل هي خدمة العقيدة‪ ،‬يف عهد النبوة؛ مام يعني أنه يتسق متاماً مع مبادئ الدين‪ ،‬وأن ما يشهده‬ ‫‪5‬‬ ‫وذلك من منطلق أهمية الح ّيز الذي يشغله الفن يف الدولة الحديثة ‪.‬‬ ‫العامل اإلسالمي اليوم من تراجع و انحطاط يف أقدار املرأة‪ ،‬مبعثه ابتعاد‬ ‫املجتمع عن مبادئ اإلسالم‪.‬‬ ‫الرتايب وفقه املرأة‬ ‫يعتقد الكثري من منظِّري الحركة اإلسالمية واإلسالم السيايس عىل وجه‬ ‫العموم‪ ،‬أن فقه املرأة هو اإلنجاز األكرب يف مسرية الرتايب‪ ،‬وأنه ميثّل ثورة‬ ‫خاصة‪،‬‬ ‫فقهية يف العرص الحديث‪ .‬فقد أوىل الرتايب موضوع املرأة عناية ّ‬ ‫حيث أدرك بذكائه السيايس وقراءته لواقع التط ّور االجتامعي الذي ما‬ ‫ف ِتئ يُدلِّل عىل أهمية تضمني النساء يف العمل السيايس العام بوصفهن‬ ‫عنرصا ً ال ميكن تجاهله‪ .‬كام استفاد الراحل من تجارب الحزب الشيوعي‬ ‫يف الستينيات والتي دلّلت عىل فاعليّة انخراط النساء يف العمل السيايس‪.‬‬ ‫انطالقاً من ذلك‪ ،‬أصدر الرتايب يف عام ‪ ،1973‬كتيبا بعنوان "رسالة املرأة"‬ ‫والذي صدر الحقاً بعنوان "املرأة بني تعاليم الدين وتقاليد املجتمع" وأخريا ً‬ ‫أُعيد نرش نفس الكتاب بعنوان "املرأة بني األصول والتقاليد"‪ ،‬وذلك بعد‬ ‫قيامه بإضافة بعض األفكار إليه‪ .‬يفرس البعض هذا االهتامم مبسألة املرأة‬ ‫عند الرتايب بتأث ّره بالثقافة الغربية‪ ،‬خصوصاً وأن حديثه عن تحرر املرأة كان‬ ‫قد تزامن مع عودته من االبتعاث األكادميي يف بريطانيا عام ‪ .1957‬يف كتيبه‬ ‫املذكور أعاله بإصداراته املتعددة‪،‬‬ ‫يشد ّد الترابي على أن حرية المرأة ومساواتها في‬ ‫التكليف الديني تجد جوهرها في أصول الدين‪ ،‬من‬ ‫ٌ‬ ‫إنسان قائم بذاته‪ ،‬ي ُسأل فردياً يوم‬ ‫واقع كونها‬ ‫الحساب عن دوره في الدفاع والذود عن العقيدة‪،‬‬ ‫ومن ث ّ َم ال تصدق عنها دعوة لإلسالم ما لم تكن حرة‬ ‫مستقلة‪.‬‬

‫فاألرسة يف تقديره ليست مناط الحساب يوم القيامة‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬يحق‬ ‫للمرأة أن تتحدى األرسة عندما يتعلق األمر بإيفاء واجباتها الدينية‪. 6‬‬ ‫ومييض الرتايب مستشهدا ً بالكثري من اآليات القرآنية وقصص السرية‪ ،‬ليتحدث‬ ‫عن األدوار الحياتية التي قامت بها املرأة املسلمة يف بواكري اإلسالم من‬ ‫جهاد وتطبيب وتجارة واستشارة‪ ..‬إلخ‪ ،‬مام يؤكد استقالليتها والحرية‬ ‫االجتامعية التي كانت تتمتع بها وقتها‪ ،‬وبالقدر الذي انعكس كسباً عىل‬ ‫حياة اإلسالم واملسلمني‪ .‬فاملشاركة الكاملة للمرأة يف الحياة العامة كانت‬ ‫رائجة و ُمعاشة‪ ،‬ووجودها يف الفضاء العام كان جز ًء من ال َحراك االجتامعي‬

‫‪10‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫‪ 7‬أمّا فيما يتعلق بمسألة الحجاب‪ ،‬وال يرى الترابي أنه‬ ‫ٌ‬ ‫تكليف إسالمي ُم ٌ‬ ‫لزم للمرأة المسلمة في عمومها‪،‬‬ ‫‪8‬‬ ‫بقدر ما أنه كان تكليفاً خاصاً بنساء النبي‪ .‬ويفسر‬ ‫الترابي واقع المرأة المتقهقر اليوم بتراجع واقع‬ ‫المسلمين عموماً بعد أن ضي ّعوا دينهم‪.‬‬

‫وحسب هذه الرؤية‪ ،‬فإن السعي إىل استضعاف املرأة‪ ،‬ميثّل انعكاساً‬ ‫لضعف إميان املسلمني‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬فإن االعتداء عىل املرأة أيضا يعود يف‬ ‫التحليل األخري‪ ،‬إىل ضعف االلتزام الديني‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬فإن التضييق‬ ‫عىل املرأة بدافع الفتنة‪ ،‬هو نهج أبوي يف تقدير الرتايب‪ ،‬وال عالقة له‬ ‫باإلسالم‪ ،‬ألن فتنة املرأة الجاهلة املنوط بها تربية أجيال املسلمني‪ ،‬لهي‬ ‫‪9‬‬ ‫أشد وقعاً عىل األرسة واملجتمع من اختالطها بالرجال يف الفضاء العام‪.‬‬ ‫إالَّ أ َّن الرتايب وخالفاُ للمفكر التونيس الراحل " الطاهر الحداد ‪ ،"10‬والذي‬ ‫أصدر كتابه الشهري "امرأتنا يف الرشيعة واملجتمع"‪ ،‬والذي عمل من خالله‬ ‫عىل تحرير املرأة يف كل نواحي الحياة مبراجعة كل ما يك ّبل تحررها يف‬ ‫تقاليد الفقه االسالمي‪ ،‬حرص الرتايب جل جهده الفكري لتأكيد وجود املرأة‬ ‫يف الفضاء العام تنظريا ً وتنظيامً‪ .‬ومل يعن الرتايب كثريا ً بواقع املرأة وتعقيدات‬ ‫القهر والتمييز ضدها عرب قوانني األحوال الشخصية‪ ،‬كام مل يس َع لتغيري‬ ‫املعادلة األبوية التي تجسدها تلك القوانني‪ ،‬بل عىل العكس‪ ،‬تواطأ الرتايب‬ ‫مع املنظومة السلفية والقيم املامثلة‪ ،‬رمبا ألنه كان يراهن عىل تلك القوى‬ ‫السلفية من أجل توظيفها يف معاركه ض ّد القوى املعارضة له سياسياً‪.‬‬ ‫عليه‪ ،‬ال ميكن قراءة دفع الرتايب املرأة باتجاه العمل العام‪ ،‬دون األخذ‬ ‫يف االعتبار مسعاه الحثيث لولوج الحركة اإلسالمية الفضاء السيايس بقوة‪.‬‬ ‫فهنا ميكن القول‪ ،‬إن الحدس االستباقي عند الرتايب السيايس هو املح ّرض‬ ‫األسايس للرتايب املنظّر‪ .‬فهو يقول‪" :‬كنا دامئا نحاول قراءة الواقع واستكشاف‬ ‫سياقاته ومصائره‪ ،‬أنظر مثال تخطيطنا يف ميدان املرأة‪ ،‬لقد كنا نق ّدر مع‬ ‫توسع التعليم والعمل والحرض أن ستخرج املرأة إىل املجتمع‪ ،‬وكنا حريصني‬ ‫عىل موافاة هذا الخروج بربنامج يو ّجه الحركة النسوية التي يدفعها قدر‬ ‫التطور االجتامعي العام ـ برنامج يُساير القانون االجتامعي العام ال يعاكسه‬

‫‪ 1‬كتاب الطبقات يف خصوص‬ ‫األولياء والصالحني والعلامء‬ ‫والشعراء يف السودان املؤلف‪:‬‬ ‫محمد ضيف الله بن محمد‬ ‫الجعيل الفضيل (ت‪1224‬هـ (‬ ‫‪Ibrahim, A. A., ٢‬‬ ‫‪Manichaean Delirium,‬‬ ‫‪Decolonizing the‬‬ ‫‪Judiciary and Islamic‬‬ ‫‪,Renewal in Sudan‬‬ ‫‪.Chapter six ,1985-1898‬‬


‫وجوه‬

‫تشبثًا باألعراف التقليدية املحافظة‪ ،‬بل يوافيه ويتقوى به‪ .‬وكذلك نركب‬ ‫منت حركة التاريخ ونوجهها وجهة دينية‪.‬‬ ‫‪ 11‬هذه المواءمة الدقيقة بين تحريض المرأة للخروج‬ ‫للفضاء العام‪ ،‬دفعاً للكسب السياسي للحركة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وتجاهل الواقع االجتماعي والثقافي الذى‬ ‫تتحرك فيه‪،‬‬

‫والذي يشكِّل مرتعاً لألعراف والتقاليد الدينية املجحفة ممثل ًة يف قانون‬ ‫األحوال الشخصية الحايل؛ يعزز من فرضية النهج الرباغاميت لقضية املرأة‬ ‫يف فكر الرتايب‪ ،‬أكرث من كونه تجديدا ً فقهياً يعتد به‪ .‬خصوصاً إذا وضعنا‬ ‫يف االعتبار ما متخضت عنه املامرسة السياسية للحركة من مواقف راسخة‬ ‫يف التخلف تجاه قضايا املرأة‪ ،‬تجسدت يف القوانني والسياسات التمييزية‬ ‫وتشجيع أمناط كارهي النساء "املسوجنيه " ‪ 12‬مثل تقنني ختان البنات‬ ‫وتعدد الزوجات‪ ،‬والجلد‪ .‬ومتثّل منظومة النظام العام يف هذا الصدد ذروة‬ ‫التناقض يف فكر الرتايب‪ ،‬حيث أن القانون عمل متاماً عىل تضييق الخناق‬ ‫عىل حرية املرأة وفرض حصارا ً عىل سلوكها وزيها يف الفضاء العام‪ُ ،‬معززا ً‬ ‫بعقوبة الجلد املهينة‪ .‬لذا نجد أن إسهام ونتائج جهد الدكتور الرتايب‪ ،‬عىل‬ ‫النقيض متاماً من محاولة الطاهر الحداد التي سعت ملعالجة األزمة من‬ ‫جذورها مبجابهة قوانني األحوال الشخصية املبنية عىل اإلرث الفقهي‬ ‫التقليدي بحسبانها تجسيدا ً للظلم الواقع عىل املرأة املسلمة‪ .‬ال غرو‬ ‫إذن‪ ،‬أن أمثر هذا الجهد الحقاً بعد تبنيه من قبل الدولة التونسية يف عهد‬ ‫الحبيب بورقيبة‪ ،‬عن واحدة من أرفع قوانني األحوال الشخصية اإلسالمية‬ ‫وأكرثها تقدماً‪ ،‬حيث أن مفكرة األحوال الشخصية التونسية ما تزال صامدة‬ ‫وتشكل منوذجاً مرشقاً يف مساواة واحرتام إنسانية املرأة حتى يومنا هذا‪.‬‬

‫هذا المقال مجتزأ من دراسة مطوّلة وغير منشورة للكاتب عبد‬

‫الخالق السر‪ ،‬حول المشروع الفكري للراحل د‪ .‬حسن عبد الله‬

‫الترابي‪.‬‬

‫‪Simone, T. A., In 3‬‬ ‫‪Whose Image? Political‬‬ ‫‪Islam and Urban‬‬ ‫‪Practices in Sudan.‬‬ ‫‪1994, P. 6-7‬‬ ‫‪ 4‬محمد الهاشمي حامد‪،‬‬ ‫الحركة االسالمية يف السودان‪،‬‬ ‫‪ ،1987‬ص ‪87‬‬ ‫‪El-Affendi, A., Turabi’s 5‬‬ ‫‪Revollution, Islam‬‬ ‫‪and Power in Sudan,‬‬ ‫‪Chapter nine, Turabi’s‬‬ ‫‪Ideological Revolution,‬‬ ‫‪1991‬‬ ‫‪El-Affendi, A., Tura� 6‬‬ ‫‪bi’s Revollution, Islam‬‬ ‫‪and Power in Sudan,‬‬ ‫‪Chapter nine, Turabi’s‬‬ ‫‪Ideological Revolution,‬‬ ‫‪.1991‬‬ ‫‪ 7‬د‪ .‬حسن عبد الله الرتايب‪،‬‬ ‫امرأة بني االصول والتقاليد‪،‬‬ ‫مركز دراسات املرأة‪ ،‬الخرطوم‬ ‫‪2000‬م‪ ،‬ص ‪10-3‬‬ ‫‪ 8‬نفس املصدر‪ ،‬ص ‪15-12‬‬ ‫‪ 9‬نفس املصدر‪ ،‬ص ‪15-12‬‬ ‫‪( 10‬الطاهر الحداد)‪ ،‬هو‬ ‫من مواليد ‪ 4‬ديسمرب ‪1899‬‬ ‫وتويف يف ‪ 7‬ديسمرب ‪،1935‬‬ ‫هو مفكر نقايب وسيايس‬ ‫تونيس‪ .‬وقام بحملة لتطور‬ ‫املجتمع التونيس يف مطلع‬ ‫القرن العرشين‪ .‬ومن‬ ‫املعروف أنه خاض نشاط‬ ‫من أجل حقوق العامل‬ ‫النقابية التونسية‪ ،‬وتحرير‬ ‫املرأة التونسية ومنع تعدد‬ ‫الزوجات يف العامل املسلم‪.‬‬ ‫‪11‬‬

‫محمد الهاشمي حامد‪،‬‬ ‫الحركة االسالمية يف السودان‪،‬‬ ‫‪ ،1987‬ص‪32‬‬ ‫‪ 12‬املسجونية هي تقنني‬ ‫وتربير مامرسات كره النساء‬

‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪11‬‬


‫ظاهرة البالبل‪:‬‬

‫مدخل آخر لقراءة الحداثة في المجتمع السوداني‬ ‫محمد عثامن الفيك‬ ‫(دريج) كاتب‬ ‫سوداين وباحث‬ ‫وأكادميي متخصص‬ ‫ىف علم االنرثوبولوجيا‬ ‫مقيم حاليا يف كندا‬

‫اللوحة‪ :‬حسين ميرغني‬

‫البالبل أو سوبريم السودان‪ ،1‬فرقة ثالثية نسائية غنائية ومبثابة األيقونة‬ ‫يف مسار الغناء السوداين‪ ،‬ظهرت إىل الوجود يف مطلع سبعينيات القرن‬ ‫املايض‪ ،‬لترتك بصامتها الواضحة عىل الغناء السوداين بصورة عامة‪ ،‬وعيل‬ ‫مسرية النساء الفنانات و املغنيّات يف الفضاء السوداين بصفة خاصة‪ .‬هذا‬ ‫املقال عبارة عن محاولة ملقاربة ظاهرة البالبل اجتامعيا‪ ،‬بتل ّمس أه ّم‬ ‫املحطات يف مسريتهن عىل خلفية قيم األبوية واملحافظة التي اتصفت بها‬ ‫مجتمعات السودان‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫تك ّونت الفرقة من ثالث شقيقات وهن‪ :‬هادية وآمال وحياة‪ .‬والثالث‬ ‫ينتمني ألرسة مك ّونة من سبع أخوات وثالثة إخوان‪ .‬وتنحدر أرسة البالبل‬ ‫من منطقة "وادي حلفا" يف أقىص شامل السودان‪ ،‬حيث هاجرت األرسة‬ ‫الحقاً واستقرت مبدينة أدرمان‪ ،‬إبّان فرتة التهجري القرسي لسكان وادي‬ ‫حلفا الذي صاحب إنشاء خزان السد العايل يف ستينات القرن املايض‪ .‬والد‬ ‫البالبل "محمد عبداملجيد طلسم" من خريجي "كلية غردون" الجامعية‪،‬‬ ‫وقد عمل معلامً يف مختلف بقاع السودان‪ ،‬كام تبوأ العديد من الوظائف‬


‫وجوه‬

‫األكادميية‪ .‬ويعرف عنه أيضا حبه للموسيقى وشغفه الشديد بالشعر‬ ‫‪٢‬‬ ‫واألدب والتصوير وآلة الكامن‪.‬‬ ‫وبعد النجاح الكبري لألداء االفتتاحي الذي حققته البالبل بقيادة‬ ‫املوسيقار السوداين املعروف يف ذلك الوقت "بشري عباس"‪ ،‬إهتم النظام‬ ‫السوداين الحاكم‪ ،‬بفرقة البالبل‪ ،‬حيث صاحبت الفرقة الرئيس السوداين‬ ‫األسبق‪ ،‬جعفر منريي‪ ،‬يف مطلع سبعينات القرن املايض خالل رحلته التي‬ ‫زار فيها العديد من أقاليم السودان‪ .‬وال شك أن تلك الرحلة قد ع ّززت‬ ‫من شهرة البالبل ومن نجوميتهن الصاعدة‪.‬‬ ‫استمرت الفرقة يف األداء املتواصل ملا يقارب العقدين من الزمان‬ ‫(‪ 1971‬ـ ‪ )1988‬يف داخل وخارج السودان‪ .‬ولكن ومع نهاية عقد‬ ‫ملتغيات يف أوضاعهن‬ ‫الثامنينيات‪ ،‬توقفت الفرقة عن األداء نتيجة ّ‬ ‫االجتامعية‪ ،‬كام تزامن ذلك التوقف مع حدوث االنقالب العسكري يف‬ ‫السودان يف ‪ 1989‬والذي أىت باإلسالميني إىل السلطة‪ ،‬حيث نتج عن ذلك‬ ‫تقلص كبري يف مساحات االبداع الفني والغناء يف السودان‪.‬‬

‫تُؤكّد الحقائق أن رحلة البالبل لم تكن أبداً سهلة‪،‬‬ ‫حيث وقفت في طريقها العديد من المعوقات‪ ،‬ففي‬ ‫ثقافة وسط السودان السائدة حتى عندما ي ُسمح‬ ‫للمرأة بالغناء‪ ،‬فإن أداءها على خشبة المسرح عادة‬ ‫ما يكون محكوماً بلوائح سلوكية مستمدة من‬ ‫أعراف اجتماعية ي ُسمح معها للنساء بالغناء في‬ ‫األماكن العامّة‪ ،‬وذلك عندما ال تتعدى موسيقاهن‬ ‫حدود اللياقة والعادات اإلسالمية ‪.4‬‬

‫وحالة البالبل مل تكن االستثناء يف هذا املعرتك‪ ،‬فمع تنامى شهرتهن‪ ،‬بدأ‬ ‫الجريان واألصدقاء وبعض األقارب يف انتقاد الوالد لسامحه لهن بالظهور‬ ‫والغناء عىل املرسح(‪ .٥)...‬ولكن بفضل إرصارهن ورغبتهن الشديدة يف‬ ‫االستمرار يف الغناء‪ ،‬متكّن من تخطى العديد من العقبات يف طريقهن‪.‬‬ ‫وىف هذا الصدد تؤكد هادية بالقول‪" :‬لقد صمدنا‪ ...‬وقد أكد تقدمنا‬ ‫وظهورنا عىل املرسح أنه ال يوجد أبدا ً ما يعيب حول ما نقوم به"‪.٦‬‬ ‫ولكن من المؤكّد إن إصرار البالبل وحده ما كان سيكون كافياً لي ُمكنهن‬ ‫من خوض بري ّة المجتمع السوداني المحافظ‪ ،‬دون دعم أو تشجيع من‬ ‫قبل دوائر تقليدية داخل المجتمع خصوصا حرسه األبوي‪ ،‬وقد كان‪.‬‬

‫إال أنه وبعد عقدين من التوقف عن الغناء‪ ،‬قررت الفرقة ارتياد‬ ‫خشبة املرسح الغنايئ مرة أخرى‪ ،‬حيث قدمت حفالً يف مدينة نيويورك‬ ‫عام ‪ ،2007‬وبعدها يف شيكاغو يف السنة التالية عىل رشف املهرجان‬ ‫السوداين للموسيقى والرقص‪ .٣‬وبعد ذلك سافرت الفرقة إىل السودان‬ ‫فقد جاء الدعم والتشجيع للبالبل‪ ،‬إضافة اىل والدهن‪ ،‬من العديد من‬ ‫حيث قامت بالغناء أمام آالف املعجبني املتحمسني‪ ،‬الذين جاءوا من كل املؤلفني واملوسيقيني وكُتّاب األغاين ومن املوسيقار بشري عباس وعدد من‬ ‫قطاعات الشعب السوداين‪ ،‬ومن جميع األعامر يحدهم الشوق الشديد رموز املجتمع يف ذلك الوقت‪ .‬ويف ذلك تقول آمال‪" :‬مل يهتم والدنا أبدا ً‬ ‫لرؤية الشقيقات الثالث عىل املرسح ولسامع غنائهن املألوف‪ .‬ويف بكل تلك [االنتقادات] واستمر يف تشجيعنا كثريا ً"‪.٧‬‬ ‫السودان أدّت الفرقة العديد من الحفالت الغنائية‪ ،‬والتزال املجموعة‬ ‫وللحق‪ ،‬فإن مقاومة القيم األبوية املحافظة‪ ،‬مل يقترص عىل البالبل‬ ‫تواصل الظهور يف املرسح للغناء بني الحني واآلخر‪.‬‬ ‫وحدهن‪ ،‬فالتاريخ يخربنا أنه ومنذ مطلع القرن العرشين‪ ،‬شهد السودان‬ ‫إن صعود ظاهرة البالبل يف مطلع السبعينيات يف مجتمع كثريا ً ما ظهور العديد من النساء اللوايت اشتهرن بالغناء وباالنخراط يف العديد من‬ ‫ُوصف باملحافظ (وهي محافظة تتفاعل مع عالمات وتفسريات إسالمية املجاالت األدبية والفنية األخرى‪ .‬فهل يعنى هذا أن املجتمع السوداين‬ ‫محافظة)‪ ،‬هذا الصعود يطرح العديد من التساؤالت حول طبيعة هذه يعاين من حالة فصام بتبنيه اليشء ونقيضه يف الوقت نفسه؟‬ ‫"املحافظية" وسريورتها‪.‬‬ ‫اإلجابة من وجهة نظري ال‪ .‬بل يجب أن يُنظر ملثل هذا التناقض‬ ‫ففي املجتمع الـ "األبوي" حيث تكون املرأة تحت السلطة الذكورية‪ ،‬عىل أنه مجرد انعكاس لخطابات ثقافية ـ اجتامعية وسياسية عديدة‬ ‫يُفرتض أن يخضع ظهورها يف األماكن العامة إىل قوانني ومحاذير ومتنافسة‪ ،‬تسم املجتمعات ذات التن ّوع الثقايف االجتامعي كالسودان‪.‬‬ ‫خاص ًة يف الغناء‪ ،‬حيث أن املرأة نفسها ومثل هذا اإلدراك رضوري لفهم آليات عمل املجتمعات اإلسالمية‪،‬‬ ‫الذكورية‪ ،‬ويُنتبذ معها صوتها ّ‬ ‫هي موضوع الشعر الغنايئ‪ .‬كيف إذن يسعنا استيعاب حقيقة صعود ومن أجل تفادى الوقوع يف فخ تجريد مفاهيم مثل "اإلسالم" و"الرشق"‬ ‫ونجاح فرقة غنائية نسويّة‪ ،‬يف مجتمع يُفرتض أن متنع القيم األخالقية و"املرأة"‪ ،‬إلخ من تاريخيتها وبالتايل‪ ،‬التعامل معها كحقائق ثابتة ال تقبل‬ ‫السائدة فيه مشاركة املرأة يف الفضاء العام ويف الغناء؟‬ ‫التغيري أو التح ُّول أو االختالف‪.‬‬

‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪13‬‬


‫فبالنسبة لإلسالم يعكف المنهج "االستشراقي الجديد" على اختبار‬ ‫افتراض أن "التعاليم اإلسالمية" هي المسؤولة مسؤولي ّة كاملة عن‬ ‫دونية المرأة‪ ،‬وعن العنف ضد ّ المرأة وعن التمييز بين الجنسين‪ ،‬إلخ‪.‬‬ ‫فيتضح جليّاً أن مثل هذا الموقف هو في حقيقته يتجاهل الطبيعة‬ ‫السوسيو ـ اقتصادية والتاريخية المعقدة‪ ،‬والدينامي ّات السياسية في‬ ‫تفاعلها مع تفاسير اإلسالم العديدة والمتنوّعة‪.‬‬

‫وكذلك فإن تصوير كل ما يقوم به املسلمون وكأنه يتبع مبارشة‬ ‫التعاليم اإلسالمية‪ ،‬فيه استسهال شديد لفهم الواقع املعقد‪ ،‬وذلك ألنه‬ ‫"باستثناء الصالة والصوم والحج إىل مكة‪ ،‬وهي الشعائر التي ت ُؤدى كام‬ ‫هو ظاهر بواسطة السواد األعظم من املنتمني إىل اإلسالم‪ ،‬فإن املسلمني‬ ‫كغريهم من البرش‪ ،‬يتعاملون مع شؤونهم الحياتية مدفوعني مبنطق‬ ‫العامل القائم عىل القوة والرغبة"‪.٨‬‬ ‫وباعرتافنا بالطبيعة املعقدة لواقع هذه املجتمعات‪ ،‬ميكننا وبسهولة‬ ‫ويرس الوصول إىل الخالصة التالية‪ :‬إن الصياغة الخطابية املوسومة بـ‬ ‫"األبوية"‪ ،‬إمنا هي يف الواقع مليئة بالرشوخات وليست بنية صارمة‬ ‫ومغلقة كام اعتاد البعض عىل تصويرها‪ .‬لذا نالحظ يف حالة البالبل؛‬ ‫عىل سبيل املثال؛ أن الوالد (والذي هو افرتاضاً تابع لألبوية)‪ ،‬هو الذي‬ ‫قد شجع بناته عىل االنخراط يف‪ /‬وامتهان الفن‪ ،‬وبالتايل تحدى الخطاب‬ ‫السائد الذي يحاول حرص هذا الحقل عىل الرجال دون النساء‪ .‬فهل‬ ‫نفس موقف الوالد يف هذه الحالة كـموقف "العدو من الداخل"؟ أم أنه‬ ‫ِّ‬ ‫فقط اتبع خيارا ً واحدا ً من ضمن العديد من املسالك والخيارات املتوفّرة‬ ‫داخل بنية املجتمع املعقدة؟‬ ‫ونحن اآلن عىل اعتاب ‪ ،2017‬يزخر فضاء الغناء يف السودان بالعرشات‬ ‫من النساء كأصوات منفردة أو ثنائية أو ضمن مجموعات غنائية‪ ،‬إضافة‬ ‫إىل احرتاف العزف عىل آالت موسيقية مختلفة‪ .‬ولعله من املفارقات‬ ‫أن يحدث كل هذا يف ذات الوقت الذي يتبنى فيه النظام الحايل يف‬ ‫السودان أجندة وقوانني قاهرة تركّز عىل السيطرة عىل لبس وسلوك‬ ‫املرأة وظهورها وحركتها يف الفضاء العام‪ .‬ومام ال شك فيه أن إرصار‬ ‫البالبل وشجاعتهن‪ ،‬قد مهدتا الطريق أمام املرأة للخروج واملشاركة يف‬ ‫الغناء ويف كافة املشاريع الفنية األخرى‪.‬‬

‫‪ 1‬لقد أطلق هذا اللقب عىل‬ ‫البالبل تيمناً بالفرقة الغنائية‬ ‫االمريكية التي اشتهرت‬ ‫بنفس االسم خالل ‪1960‬‬ ‫‪ 2‬شعيب‪ ،‬صالح‪" .‬فصل من‬ ‫طالسم البالبل"‪ .‬الراكوبة‪.‬‬ ‫يناير ‪2014 ,9‬‬ ‫‪http://www.alrakoba.‬‬ ‫‪net/articles-action‬‬‫‪show-id-53004.htm‬‬ ‫‪٣‬‬

‫أحمد‪ ،‬حسن موىس‪ .‬مصدر‬ ‫سابق‬

‫‪ 4‬مدونة خاصة‬ ‫‪http://theaudiotopia.‬‬ ‫‪blogspot.ca/2012/03/‬‬ ‫‪al-balabil-band-ode-to‬‬‫‪ghost-capital.html‬‬ ‫‪ ٥‬الشبكة األفريقية للغارديان‪.‬‬ ‫مصدر سابق‬ ‫‪ ٦‬املصدر السابق‬

‫كتب‪ :‬محمد الفكي‬

‫‪ ٧‬املصدر السابق‬ ‫‪ ٨‬بامبازوكا نيوز‪ .‬ديسمرب‬ ‫‪ 2015 ,5‬الفىك‪ ,‬محمد‪.‬‬ ‫"االسالم والعنف‪ :‬لعنة الدالة‬ ‫الخالية"‪.‬‬ ‫‪http://www.pambazuka.‬‬ ‫‪org/governance/islam‬‬‫‪and-violence-curse‬‬‫‪empty-signifier‬‬

‫‪14‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫وجوه‬

‫آمال ومخاوف عاملة نظافة‬ ‫في شوارع مقديشو‬ ‫العاصمة الصومالية مقديشو أو " َحمر" كام تعرف محليًّا‪ ،‬تعترب‬ ‫واحدة من بني أقدم مدن القرن األفريقي‪ ،‬ويعود تاريخ تأسيسها إىل‬ ‫القرن التاسع عرش‪ُ .‬عرفت املدينة يف وقت سابق بأجوائها اآلمنة واملر ِّحبة‬ ‫بالناس‪ ،‬إال أنها تح ّولت خالل الـ "‪ 35‬سنة املنرصمة إىل مرسح للعنف‬ ‫والقتال‪ .‬حيث أخذ الوضع يف التدهور يف أوائل التسعينيات‪ ،‬لينحدر‬ ‫الصومال بعدها رسيعا إىل ساحة نزاع مسلّح قائم عىل أساس العشرية‪،‬‬ ‫وهو ما أدّى ـ يف النهاية ـ إىل تفاقم أيديولوجيات العنف املتطرفة‪.‬‬ ‫وتفش‬ ‫وبالطبع‪ ،‬فإن استمرار تلك العشائر يف تبني سياسات متصارعة ّ‬ ‫ظل انعدام اي سيطرة لحكومة مركزية‪ ،‬ساهام يف أن‬ ‫الفساد يف البالد يف ِّ‬ ‫يصبح الصومال أرضاً خصبة للتطرف‪.‬‬ ‫رغم انتشار العنف‪ ،‬ما يزال الصومال يحتضن زهاء الــ" ‪ 2.5‬مليون‬ ‫شخص‪ ،‬مبا يف ذلك نسبة كبرية من النازحني داخليا‪ ،‬وكلهم بحاجة إىل‬ ‫توفري الخدمات العا ّمة األساسية مثل إدارة النفايات‪ .‬ويف محاولة لتحسني‬ ‫البيئة املعيشية لسكان مقديشو‪ ،‬قررت الحكومة يف ‪ ،2012‬التعاقد مع‬ ‫آالف من النساء لتنظيف طرقات املدينة‪.‬‬ ‫حسب العرف السائد يف الصومال فإ َّن تجميع النفايات من األعامل‬ ‫متأصل‬ ‫التي تقوم بها النساء‪ ،‬وهذا يف الحقيقة‪ ،‬جز ٌء من تص ّور ثقايف ّ‬ ‫يف املجتمع‪ ،‬يُحدد األدوار الجندرية املخصصة لكل من الجنسني‪ .‬وعىل‬ ‫هذا األساس نجد أ ّن جميع أعامل النظافة وجمع النفايات والتنظيف‬ ‫يف املنازل واملدارس واملستشفيات وحتّى يف األماكن العا ّمة‪ ،‬تقوم بها‬ ‫النساء‪.‬‬ ‫كسب ال َع ْيش‬ ‫تجمع لعامالت النظافة في مدينة مقديشو‬ ‫ميمونة يف األربعني من عمرها وهي أ ّم لثامنية أبناء‪ ،‬ولذلك تسعى‬ ‫كغريها من الصومال ّيات لكسب ال ِّرزق ألرستها‪ .‬تقول ميمونة "كنت‬ ‫منذ التحاقها مبهنة النظافة‪ ،‬يبدأ يوم ميمونة حسن ح ّجي‪ ،‬مشحونا سعيدة وشديدة االبتهاج حينام طُلب م ّني االستعداد ملبارشة أول يوم‬ ‫باليأس واألمل‪ .‬فهي عاملة نظافة تكنس أحد أكرث شوارع مقديشو يف العمل‪ .‬سعدت بحصويل عىل الوظيفة‪ ،‬ألن زوجي كان عاطالً وقتها‬ ‫يل القيام بأعباء األرسة"‪ .‬الحصول عىل الوظيفة‬ ‫ازدحا ًما‪ ،‬وينرصف عملها ً‬ ‫أساسا إىل كنس وجرف النفايات املرتاكمة حول وال يزال كذلك‪ ،‬لذا كان ع ّ‬ ‫مل يكن سهال "كلنا يعلم أن التعيني يف الوظائف يف الصومال‪ ،‬يتم عىل‬ ‫الشارع الذي يربط منطقة الربملان باملطار‪.‬‬

‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪15‬‬


‫ميمونة تنظف فى احد الشوارع‬

‫أساس املعرفة بأشخاص داخل تلك الرشكة أو املؤسسة املحددة‪ ،‬وليس نفسه‪ ،‬ذلك ببساطة أل َّن عامالت النظافة يجري استهدافهن من قبل‬ ‫عىل أساس الكفاءة"‪ .‬وتضيف يف هذا السياق "أنا إنسان ٌة يف غاية املهنية‪ ،‬الجامعات املسلحة وبقية أفراد املجتمع عىل حد سواء‪.‬‬ ‫ومع ذلك مل أحصل عىل الوظيفة إال مبساعدة زميلة أضافتني إىل قامئة‬ ‫فعىل سبيل املثال‪ ،‬انفجرت يف نوفمرب ‪ 2008‬قنبلة جرى زرعها وسط‬ ‫النساء الاليت اختارتهن السلطات املحلية للعمل‪ ،‬ورغم هذا استغرق‬ ‫كومة من القاممة‪ ،‬أودت بحياة ‪ 21‬عاملة نظافة‪ ،‬وكان االنفجار من‬ ‫األمر أربعة أشهر"‪.‬‬ ‫الحوادث البارزة التي ر ّوعت سكان مقديشو مبن فيهم ميمونة وزميالتها‬ ‫غسطُس ‪ 2014‬انفجار مامثل قتلت فيه ثالث‬ ‫ت ُشري ميمونة كذلك إىل أن العمل يف مجال النظافة عمل شاق بدنيا‪ .‬يف املهنة‪ .‬كام وقع يف أُ ْ‬ ‫فبعد تجميع القاممة يف األكياس‪ ،‬تقوم النساء بتحميلها عىل الشاحنات‪ ،‬وجرحت سبع أخريات من عامالت النظافة أيضً ا‪.‬‬ ‫بحكم عملها يف مجال النظافة كانت ميمونة تعرف إحدى ضحايا‬ ‫ليأيت بعدها الرجال لقيادة تلك الشاحنات من أجل التخلص من النفايات‬ ‫أصح‪ُ ،‬صدمت لفقد واحدة من زميالتها يف االنفجار‪،‬‬ ‫خارج املدينة‪.‬‬ ‫االنفجار‪ .‬مبعنى ّ‬ ‫إذ ت ُشري ميمونة إىل ذلك‪ ،‬بقولها "إ ّن الضحية كانت أ ّما مثيل‪ .‬من حسن‬ ‫وتلفت إىل أن "أعامر بعض النساء اللوايت يعملن يف التنظيف‪ ،‬ال حظي مل أكن يومها موجود ٌة يف مكان الحادث‪ ،‬لكنني أصبت حينها‬ ‫تتجاوز السادسة عرشة‪ ،‬فيام تكون بني األخريات نساء كبار الس ّن أو باالكتئاب واألرق لليال طوال"‪.‬‬ ‫حوامل ممن ال يجب أن يعملن يف مثل هذه املهن الشاقة"‪.‬‬ ‫وترشح ميمونة مخاوفها بهذا الخصوص وتقول "ما زلت أفكر كل يوم‬ ‫تتقاىض عامالت النظافة يف التنظيف زهاء ‪ 90‬دوالرا يف الشهر؛ لك َّن‬ ‫أجور العامالت ـ حسبام ت ُفيد ميمونة ـ ال تصل دامئا يف الوقت املحدد حول احتامل وجود لغم مزروع تحت كومة القاممة‪ ،‬ميكن أن ينفجر‬ ‫لها‪ ،‬وإذا وصلت فإنها أصال غري كافية إلعالة األرسة‪ .‬تقول ميمونة "بعد يف أي لحظة"‪.‬‬ ‫ميض أربعة شهور دفعوا لنا مستحقات شهرين فقط‪ ،‬وأخربونا بأنهم‬ ‫ّ‬ ‫سيدفعون أجور الشهرين املتبقيني الحقا‪ .‬لكنهم مل يدفعوها أب ًدا"‪.‬‬ ‫ترتدي ميمونة النقاب أثناء العمل بهدف حجب هويتها‪ ،‬الس ّيام عقب‬ ‫تلقيها تهديدات عرب الهاتف والرسائل النصية القصرية‪ ،‬من املتشددين‬ ‫الذين يعتقدون أن الحكومة التي وظفتها "غري رشع ّية ومناهضة لإلسالم"‪.‬‬ ‫عمل يف مواجهة املخاطر‬ ‫وبالتايل‪ ،‬فإن كل من يعمل لصالح الحكومة يعترب غري مسلم‪ ،‬ويتو ّجب‬ ‫يوصف العمل يف هذا القطاع بكونه عمال وضيعا وخطرا يف الوقت رميه بالرصاص مبجرد رؤيته"‪.‬‬

‫‪16‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫وجوه‬

‫ولد عبد الفتاح حسن عيل يف عام ‪ ،1987‬يف الصومال وهو االبن الوحيد لعائلة مك ّونة من أربعة‬ ‫أفراد‪ .‬عمل سابقًا أستاذ يف مدرسة للنازحني ويعمل حاليا مع مركز التنمية الصومالية‪ ،‬أحد مراكز‬ ‫يتول عبد الفتاح دور‬ ‫املجتمع املدين املعنيّة بتعزيز حقوق النساء يف الصومال‪ .‬إىل جانب ذلك‪ّ ،‬‬ ‫منسق برامج منظمة "املبادرة اإلسرتاتيجية للنساء يف القرن اإلفريقي" (صيحة)‪ ،‬يف الصومال‪.‬‬

‫بهذا الخصوص‪ ،‬تتساءل ميمونة "منذ متى يُخرج تجميع النفايات‬ ‫يل أحد‪ ،‬مبن‬ ‫املرء من الدين؟" وتضيف "أرتدي النقاب ليك ال يتعرف ع ّ‬ ‫فيهم أفراد أرسيت‪ .‬هناك من ال يرتدين النقاب بيننا‪ .‬يقلن إ َّن الثقة بالله‬ ‫والتوكل عليه أكرث من كافيني لحاميتهن‪ ،‬وإن أحدا ال يستطيع قتلهن إال‬ ‫مبشيئة الله‪ .‬أ ّما أنا فلست شجاعة إىل ذلك الحد‪".‬‬ ‫يف الواقع‪ ،‬إن املتشددين لَيْ ُسوا مصدر الخطر الوحيد عىل عامالت‬ ‫النظافة يف الشوارع‪ ،‬فه ّن يتعرضن إىل تحرش لفظي وجنيس من عابري‬ ‫الطريق‪ ،‬ويعاملن بعدم احرتام‪ ،‬عىل الرغم من العمل الهام الذي يؤدينه‬ ‫لتحسني العاصمة‪.‬‬ ‫إضافة إىل ما سبق‪ ،‬فإن الرسعة الفائقة التي تسري بها املركبات‪ ،‬تعترب‬ ‫أكرب مشكلة تواجه عامالت النظافة‪ .‬تقول ميمونة "يف الليل نرتدي‬ ‫سرتات مضيئة حتى ال تدهسنا السيارات‪ .‬ليس هناك نظام يضبط حركة‬ ‫املرور هنا‪ ،‬وبالتايل قد تجد مركبات تسري يف الجانب الخطأ من الطريق‪.‬‬ ‫وهناك أيضً ا بعض سيارات الحكومة املشحونة باملسلحني‪ ،‬التي تنطلق‬ ‫عاد ًة برسعة فائقة‪ .‬وهو ما يجعل تعرض املرء لحادثة اصطدام يف مثل‬ ‫هذه البيئة‪ ،‬مسألة وقت ليس إال"‪.‬‬

‫تجاوز املصاعب‪ .‬كام أ ّن عملها ضمن فريق مع زميالتها‪ ،‬ساعدها عىل‬ ‫تذليل مصاعب العمل‪ .‬لكل ذلك تقول ميمونة إنها التزال متفائلة‪،‬‬ ‫وإنها تتوقع تحسن األمور وتأمل أن يأيت يوم ترى فيه أطفالها يتمتعون‬ ‫بجامل مدينة نظيفة‪" .‬برصف النظر عن كل ما نتعرض له‪ ،‬فقد منحنا‬ ‫الله القدرة عىل امليض قدما‪ ،‬وهذا ما يبدو أنه يبقينا أقوياء"‪ .‬وتضيف‬ ‫"مجتمعنا بحاجة إىل بيئة جميلة ومدن نظيفة"‪.‬‬ ‫الكاتب‪ :‬عبدالفتاح حسن علي‬

‫من االنجليزية‪ :‬منصور علي‬

‫تجاوز املصاعب‬ ‫تؤكد ميمونة أنه ما من ٍ‬ ‫أحد سألها يوما عن التحديات التي تواجهها‬ ‫يف عملها‪ .‬قالت يل‪" :‬أنت أول شخص يبدو مهتامً بالعمل الذى نقوم‬ ‫به‪ ،‬حتى مرشفينا يف العمل‪ ،‬وهم من الرجال‪ ،‬ال يتحدثون إلينا بشأن‬ ‫تحديات العمل‪ ،‬كل ما يهمهم هو التأكد من إنجازه يف الوقت املحدد"‪.‬‬ ‫رغم املصاعب الكثرية التي تواجهها‪ ،‬فإن ميمونة ُمص ِّممة عىل مواصلة‬ ‫عملها الذي تعتقد أنه جعل منها امرأ ًة صلبة‪ ،‬تشعر بأن لديها واجبا‬ ‫تقوم به نحو املجتمع‪ ،‬كنوع من العمل الوطني الذي تسهم عربه يف‬ ‫ترميم حالة البلد املتص ّدعة‪.‬‬ ‫وبخصوص العقبات‪ ،‬ت ُشري ميمونة إىل أ ّن سنوات طوال من الترشد‬ ‫والفاقة وفقدان األحبة‪ ،‬جعلت من الصوماليني أكرث مرون ًة وقدر ًة عىل‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪17‬‬


‫الفنانة سعدية الصلحى‪:‬‬ ‫مصممة أزياء سودانية‪ -‬ماذا تقول األزياء عن الشعوب؟‬

‫الستينيات غادرت سعدية ا ُم درمان إىل القاهرة للدراسة حيث التحقت‬ ‫باملعهد العايل للفنون الجميلة يف ‪1965‬و بدأت يف دراسة التصميم‬ ‫و الديكور مع الرتكيز بصفة خاصة عىل الفن التشكييل و لتعود بعد‬ ‫ذلك إىل السودان و تلتحق بكلية الفنون الجميلة و التطبيقية حيث‬ ‫أبدت اهتامما ملحوظاً بالفلكلور و األزياء السودانية‪ .‬و يف العام ‪1968‬‬ ‫التحقت بوزارة الثقافة لرتأس قسم تصميم األزياء كأول شخص سوداين‬ ‫يتبوأ ذلك املنصب عىل اإلطالق‪.‬‬

‫أماين محمد العبيد‬ ‫تحمل درجة‬ ‫الدكتوراه يف العلوم‬ ‫السياسية‪ .‬باحثة‬ ‫و أستاذة متعاونة‬ ‫يف جامعة األحفاد‬ ‫للبنات‪ .‬مهتمة بالفكر‬ ‫االسالمي املستنري‬ ‫وبقضايا النوع‪.‬‬ ‫نرش لها العديد من‬ ‫املقاالت والكتيبات‪.‬‬

‫استلهام والتواصل مع التاريخ‪:‬‬ ‫بعد تعيينها يف وزارة الثقافة عكفت سعدية الصلحي و عىل مدار‬ ‫عامني عىل ارتياد املتحف القومي و دراسة املاملك السودانية القدمية‪،‬‬ ‫و انطالقا من مالحظاتها الدقيقة للمنحوتات القدمية متكنت من إعادة‬ ‫إنتاج بعض األزياء التي كانت سائدة يف حضارات السودان القدمية‪ ،‬و‬ ‫كذلك أفردت جزءا ً من بحثها لتحليل عالقة األزياء و اإلعامل اليدوية‬ ‫بديناميات السلطة املجتمعية مظهرة الدور املؤثر للمرأة السودانية يف‬ ‫املاملك القدمية‪.‬‬

‫ا ُجري هذا الحوار‬ ‫ملجلة املراة يف االسالم‬ ‫يف مدينة أم درمان‬ ‫(السودان) يف أكتوبر‬ ‫‪2016‬‬

‫سعدية الصلحي · المصور‪ :‬محمد اسماعيل‬

‫ولدت سعدية الصلحى يف العام ‪ 1941‬يف مدينة ا ُم درمان السودانية‪.‬‬ ‫و هي فنانة ألهمت سريت ُها العملية و عملها الرائد يف الفلكلور السوداين‬ ‫واألزياء التقليدية‪ ،‬أجياالً من الفنانني والفنانات‪ .‬و كان والدها وهو‬ ‫شيخ ديني و معلم مرموق و خطاطاً ماهرا يعكف عىل تصميم و تلوين‬ ‫الرشافة (األلواح الخشبية التي ت ُكتب عليها آيات القران الكريم)‪.‬‬ ‫اكتشفت "سعدية" شغفها بالفن منذ بواكري عمرها؛ فعندما كانت يف‬ ‫عمر الثالث سنوات كانت تصنع مزامري من أعواد القصب و مالبس‬ ‫للعرائس من األقمشة التي كان يجلبها والدها إىل املنزل‪ .‬و عندما دخلت‬ ‫املرحلة األولية يف عمر الخمس سنوات و عرفت بأنه ليس بإمكانها‬ ‫صناعة ألبسة العرائس مرة أخرى التفتت اىل مجال الفنون‪ ...‬يف مطلع‬

‫‪18‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫و اهتمت أعامل "سعدية" بصفة خاصة بعكس ثراء و تنوع املوروث‬ ‫الثقايف السوداين‪ ,‬فبينام ترك كل من الساري الهندي (الزى الذي‬ ‫يتكون من أربطة طويلة ت ُلف حول جسد املرأة والذي ترتدية املرأة‬ ‫يف جنوب آسيا) و الجلباب العريب أثرهام عىل أزياء رشق السودان‪،‬‬ ‫تركت الثقافة اإلفريقية بصامتها الخالدة عىل األزياء يف غرب السودان‪.‬‬ ‫و تحاول "سعدية" يف كل أعاملها التأكيد عىل األصول اإلفريقية للثقافة‬ ‫السودانية‪ ،‬و يف هذا تقول‪" :‬تسود الطريقة اإلفريقية يف تصفيف الشعر‬ ‫يف السودان‪ ،‬حتى أن امللكة أماين‪ 1‬أو الكنداكة ذائعة الشهرة؛ كانت‬ ‫تصفف شعرها عىل الطريقة اإلفريقية"‬ ‫أيضا اهتمت "سعدية" في ابحاثها بسبر أغوار‬ ‫الدالالت الرمزية المرتبطة باألزياء‬

‫فعىل سبيل املثال؛ ترى انه يف سلطنة دارفور كان السلطان يرتدى‬ ‫األزياء السوداء الستقبال ضيوفه املهمني‪ ،‬أما اللون األحمر فكان مرتبطاً‬ ‫باملوت و أرتبط اللون الربتقايل بالصيد‪ .‬أما يف‪ 2‬مملكة سنار فكان اللون‬ ‫يرتبط باملكانة االجتامعية لألفراد‪ .‬فكان شيوخ الطرق الصوفية؛ عىل‬


‫وجوه‬

‫سبيل املثال؛ يرتدون اللون األخرض بينام يرتدى العامة من الجمهور يف رشق السودان‪ ،‬كان يحمل سكيناً و مينع املص ّور من الدخول إىل حجرة‬ ‫النساء حيث كنت أقوم بالتقاط بعض الصور المرأة و لبعض مواد البجا‬ ‫اللون األزرق‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫التقليدية"‪.‬‬ ‫يف العام ‪ 1968‬تحصلت "سعدية" عىل عضوية الجمعية اإلفريقية‬ ‫للمصممني و كذلك عملت عىل التعاون اللصيق مع الفنانة التشكيلية‬ ‫“كامله إسحاق" حيث قامتا بتشجيع مشاركة املرأة يف األعامل الفنية‬ ‫و تنظيم املعارض و وورش التدريب يف املدارس يف مناطق مختلفة من‬ ‫البالد‪.‬‬ ‫لقد كرست "سعدية" جهدها للتصدي للتحديات التي تواجه ملبس‬ ‫وأزياء املرأة السودانية و ربط ذلك بإيجاد الحلول لالرتقاء بحياتها‬ ‫فعندما تحققت من عدم (عملية) "التوب السوداين"‪ ,‬يف حالة املرأة التي‬ ‫ترتاد املركبات العامة و تعمل يف املصانع و املستشفيات قامت بابتداع‬ ‫و تصميم توبا كرث عملية من شانه أن يسهل من حركة املرأة و ويحافظ‬ ‫ويعكس مظهر التوب يف ذات الوقت‪.‬‬

‫الزى مُ ستلهم من رداء الملكة امانتبري من ملكات كوش القديمة‬

‫خالل فرتة عملها شاركت سعدية الصلحي يف العديد من املعارض‬ ‫و تحصلت عىل عدد من الجوائز املحلية و العاملية‪ ،‬و يف العام ‪2010‬‬ ‫أحيلت للمعاش‪ .‬و عىل الرغم من بلوغها سن ال ‪ 75‬إال إنها ال تزال متثل‬ ‫الصوت العايل املتفرد املدافع عن الفلكلور والثقافة السودانية ومتثالتها‬ ‫يف األزياء السودانية مع رضورة االنتباه لألبعاد الكونية للزى واإلبقاء‬ ‫عىل أصالته املحلية‪.‬‬

‫تزكية املعرفة و اإلعامل اليدوية السودانية‪:‬‬ ‫خالل عملها في وزارة الثقافة تبنت "سعدية" منهجاً عمليا ‪ ,‬حيث كانت‬ ‫تسافر إلى األصقاع النائية في السودان و تتعايش مع المجموعات‬ ‫المختلفة و تعمل على توثيق األزياء اليومية و الطقسية و التقليدية و‬ ‫تجميع العديد من األعمال اليدوية‬

‫و كانت تأمل من وراء كل ذلك ‪ ,‬عكس التنوع السوداين املم ّيز و اقتفاء‬ ‫اثر املعارف و اإلبداع املحليني‪ ,‬و لكن مل يكن الطريق إىل ذلك دوماً ممهدا ً‪،‬‬ ‫و ها هي تتذكر وتقول‪" :‬ذات مرة كدت أن أُقتل بواسطة رجل من البجا‬

‫بقلم‪ :‬امانى محمد العبيد‬

‫من االنجليزية ‪ :‬محمد عثمان الفكي‬

‫‪ 1‬مللكة امانيتريي ريناس أو‬ ‫أمانجي ريناس وكان يرافق‬ ‫اسمها لقبي قوري وكنداكة‬ ‫أي امللكة والحاكم‪ ،‬حكمت‬ ‫مملكة كوش من سنة ‪40‬‬ ‫قبل امليالد ايل سنة ‪10‬‬ ‫ميالدية‪،‬‬ ‫‪ 2‬تأسست مملكة سنار يف‬ ‫عام ‪ 1504‬م‪ ،‬نتيجة لتحالف‬ ‫بني قبائل الفونج يف جنوب‬ ‫رشق النيل األزرق بقيادة‬ ‫عامرة دنقس و قبائل‬ ‫العبدالب بقيادة عبد الله‬ ‫جامع وكانت تعرف أيضا ب‬ ‫(مملكة الفُنج» و«السلطنة‬ ‫الزرقاء )و (الدولة السنارية)‬ ‫‪3‬‬

‫مجموعة ثقافية تقطن‬ ‫السودان و أجزاء من إرتريا‬ ‫و مرص‬ ‫‪empty-signifier‬‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪19‬‬


‫مواريث النساء‪:‬‬ ‫الوحي‪ ،‬النص‪ ،‬التأويل‬

‫الدكتورة زاهية بنت‬ ‫سامل جويرو‪ ،‬أستاذة‬ ‫الدراسات اإلسالمية‬ ‫بالجامعة التونسية‪،‬‬ ‫حاصلة عىل الدكتوراه‬ ‫بأطروحة نرشت‬ ‫سنة ‪ 2014‬عن دار‬ ‫الطليعة ببريوت‬ ‫عنوانها" اإلفتاء‬ ‫بني سياج املذهب‬ ‫وإكراهات التاريخ"‬ ‫ولها كتب منشورة‬ ‫منها‪" :‬القصاص يف‬ ‫النصوص املقدسة"‪،‬‬ ‫دراسة تاريخية صادرة‬ ‫بتونس‪ ،‬واإلسالم‬ ‫الشعبي صادرة‬ ‫ببريوت و"الوأد‬ ‫الجديد"‪ ،‬مجموعة‬ ‫مقاالت يف الفتوى‬ ‫وفقه النساء‪ ،‬صادرة‬ ‫بتونس‪ ،‬إضافة إىل‬ ‫عدد من املقاالت‬ ‫املنشورة يف الدوريات‬ ‫العلمية ويف منشورات‬ ‫مشرتكة مع كتاب‬ ‫وأكادمييني‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫املؤسسة الفقهية واجهت طموح النساء إىل العدالة واإلنصاف‬ ‫لكن ّ‬ ‫باستنباط أحكام عديدة أمعنت يف تكريس التمييز ض ّدهن وبتعطيل‬ ‫العمل ببعض ما ورد يف القرآن من أحكام ردّت لحق النساء يف امللكية‬ ‫االعتبار‪ ،‬ومن هذه األحكام‪:‬‬ ‫** فرض والية األب عىل ابنته البكر والية مطلقة‪ ،‬تخ ّوله الترصف يف‬ ‫مالها‪ ،‬وفرض اقتصار املتزوجة عىل الترصف يف الثلث من مالها فقط‪ ،‬مع‬ ‫اشرتاط "العلم بصالحها"‪.‬‬ ‫وهو ما يعني إجرائيا حرمان البنت من حق الترصف يف نصيبها‪،‬‬ ‫وحرمان الزوجة من حرية الترصف يف كل مالها‪ ،‬وفسح املجال أمام األب‬ ‫للترصف يف كل املال‪ ،‬وإباحة ترصف الزوج يف ثلثي مال الزوجة وحتى‬ ‫فيه كلّه بدعوى عدم صالحها‪ .‬وهو ما يعني عمليا إفراغ الحكم القرآين‬ ‫أحكام مواريث النساء يف منظومتها التاريخية ـ االجتامعية‪:‬‬ ‫حق املرأة يف الترصف يف مالها من كل مضمون إجرايئ‪،‬‬ ‫الذي‬ ‫ينص عىل ّ‬ ‫ّ‬ ‫من البديهي ّأل يكون نظام املواريث مفصوال عن نظام توزيع األموال لتظل تحت وصاية الرجل أبا كان أو أخا أو زوجا‪.‬‬ ‫عامة وال عن طبيعة النظام االقتصادي ـ االجتامعي السائد يف شبه‬ ‫** إباحة تحبيس األموال عىل الولد وإخراج البنات منه‪ :‬من الواضح‬ ‫الجزيرة العربية زمن نزول الوحي‪ .‬لذلك ال يجوز يف نظرنا االحتفاظ من‬ ‫نظام املواريث يف اإلسالم مببدأ نزول نصيب النساء عن نصيب الرجال اعتامدا عىل عدد من املصادر‪ ،‬أن هذا الحل قد طبق منذ فرتة الصحابة‪.‬‬ ‫مفصوال عن سائر املبادئ املنظمة لتوزيع األموال‪ ،‬وكأنه كان املبدأ فقد ذكر ابن وهب‪" :‬أن عثامن والزبري وابن طلحة حبّ ُسوا دُو َرهم"‪.‬‬ ‫الوحيد من جهة‪ ،‬وأن اإلسالم قرره أصالً من األصول التي ال تقبل التغيري وروى ابن القاسم عن سعيد بن عبد الرحامن عن عثامن بن عروة‬ ‫أن الزب َري بن الع ّوام قال يف صدقته عىل بنيه ال ت ُباع و ال ت ُو ّرث‪ ،‬وإ ّن‬ ‫والتب ُّدل‪ ،‬شأنه يف ذلك شأن أصول العقيدة من جهة أخرى‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ضة وال ٌمضا ًّرا بها"( ) ووردت يف‬ ‫للمردودة من بناته أن تسكن غري ُم ِ َّ‬ ‫من املرجح‪ ،‬إذا نظرنا يف األحكام التي قررت للنساء نصيبا من املرياث‪ ،‬املصدر نفسه رواية عن شهادة عائشة بأن "املسلمني قد احتالوا إلخراج‬ ‫بغض النظر عن مقداره‪ ،‬يف إطار املجتمع الذي تو ّجهت إليه بِبناه املادية البنات من املرياث"‪ .‬هذا هو الواقع املادي السائد آنذاك‪ ،‬أما عىل الصعيد‬ ‫نتبي مقاصد اإلسالم يف هذا الشأن‪ ،‬ومنها تقرير الذهني‪ ،‬فإن التصورات السائدة كانت تقيض بأفضلية الذكر عىل األنثى‬ ‫والذهنية‪ ،‬ميكننا أن ّ‬ ‫نصيب مفروض من املال املوروث لفائدة النساء‪ ،‬عىل أن يكون معلوما بداهة وبتقدميه عليها‪ ،‬وكانت تلك التصورات تعترب من صميم العدل‪،‬‬ ‫لذلك ظلّت املرأة وما متلك تحت وصاية الذكور من العائلة‪ ،‬وحتى تحت‬ ‫ومع ّينا بدقة ومحفوظاً بقوة الرشع الساموي‪.‬‬ ‫ترصفهم باسم الوالية طاملا ظلّت تلك التصورات سائدة‪.‬‬ ‫ب ّررت كتب أسباب النزول وكتب التفسري نزول آيات الفرائض (النساء‬ ‫أحكام مواريث النساء بني الوحي والتاريخ‪:‬‬ ‫‪ ،)4/11-12-176‬مبا كان سائدا يف شبه الجزيرة العربية من أعراف قضت‬ ‫بأن ال ترث النساء نصيبا من أموال اآلباء واألزواج‪ .‬فقد أوردت أن "أهل‬ ‫سبقت اإلشارة إىل أن أغلب ما أنزل من اآليات بشأن املرياث‪ ،‬إمنا جاء‬ ‫الجاهلية كانوا ال يو ّرثون النساء وال الصغار وإن كانوا ذكورا‪ .‬ويقولون ال‬ ‫أجوب ًة مبارشة عىل أسئلة طرحتها عىل الرسول النساء خاصة‪ ،‬وحلوال‬ ‫يُعطى إال من قاتل عىل "ظهور الخيل وحاز الغنيمة"‪.‬‬ ‫لوضع ّيات مح َّددة عرضنها عليه‪ .‬فاشرتكت تلك اآليات يف الداللة عىل‬ ‫مم ك ّن يتعرضن له من‬ ‫وقد أثار هذا النظام السائد يف املواريث حفيظة النساء‪ ،‬ودفعهن أن النساء هن الاليت بادرن باملطالبة بإنصافهن‪ّ ،‬‬ ‫إىل االحتجاج ضده‪ ،‬وطالنب بحقهن يف أن يكون لهن نصيب من أموال ضيم نتيجة استيالء األقارب من الرجال عىل تركات أزواجهم‪.‬‬ ‫اآلباء واألزواج‪ ،‬فجاءت آيات املرياث لتقرر لهن نصيبا‪ .‬وكان من الواضح‬ ‫هذه الشواهد وغيرها كثير من صنفها‪ ،‬تبي ّن أن‬ ‫أن اإلسالم قد عمل عىل إحداث نقلة يف نظام توزيع األموال املوروثة‪،‬‬ ‫التصرف البشري في األحكام القرآنية قد بلغ حد َّ‬ ‫حتى يكون منسجام مع التح ّوالت الحاصلة‪ ،‬ومع تلك التي يرمي الدين‬ ‫من التناقض تماماً مع صريح عبارته‪ ،‬ومع المقاصد‬ ‫الجديد إىل تحقيقها‪ .‬وأهم ما يهدف إليه هذا النظام الجديد أن تصبح‬ ‫مبقتضاه املرأة فردا ذا نصيب مق ّدر ومفروض‪ ،‬حتى ال يظل نصيبها رهني‬ ‫اإللهية من ورائها‪ ،‬وأد ّى إلى حجب الفرائض المتعلقة‬ ‫رغبات األولياء من جهة‪ ،‬وما ساد من تقاليد وأعراف من جهة أخرى‪.‬‬ ‫بالنساء لصالح العصبة من الذكور‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫مساواة‬

‫النص‪ ،‬رغم تقليدية ويقوم عىل أشكال عديدة من التمييز العنيف املسلّط ضد‬ ‫ذلك أ ّن ضغط الواقع وإكراهاتِه كان أقوى من ضغط ّ‬ ‫طبيعته اإللهية‪ .‬ففي إطار مجتمع ذكوري قائم عىل نظام العصبية‪ ،‬النساء؟‬ ‫يصري من املرشوع يف املسكوت عنه لدى الفقهاء‪ ،‬حجب الفرض املق ّرر‬ ‫أحكام مواريث النساء من النص إىل التأويل‪:‬‬ ‫نصا لفائدة األقارب من النساء‪ ،‬لصالح أنصبة مخصوصة بالذكور تم‬ ‫ًّ‬ ‫استخراجها بواسطة أساليب االستنباط والتأويل البرشية‪ ،‬وت ّم تثبيتها‬ ‫حتى غدت هي األحكام املعمول بها فعال يف الواقع‪ .‬وهو ما يدعونا إىل‬ ‫أرشنا يف ما سلف إىل وجوه من الترصف البرشي بواسطة التأويل يف‬ ‫التساؤل‪ :‬إذا كان الواقع وحقائقه التاريخية قد اقتضيا ذلك الترصف يف أحكام املواريث‪ ،‬ونشري يف هذا املقام إىل أبرز ما قامت عليه العملية‬ ‫رشعاه عىل امتداد فرتات طويلة من تاريخ املجتمعات التأويلية من أساليب‪ ،‬وإىل ما ترتب عليها من نتائج عىل صعيد األحكام‪.‬‬ ‫النص القرآين و ّ‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬فكيف ال يقتضياه يف عرصنا هذا‪ ،‬وقد شهدت نظم املجتمعات‬ ‫النص بني التخيري واإللزام‪:‬‬ ‫اإلسالمية تحوالت عميقة بات معها من الالمعقول والالتاريخي مواصلة‬ ‫التشبث بأحكام أكرثها برشي؟ وبأي حق نستأنف إرهاق النساء بأحكام‬ ‫ميّز علامء أصول الفقه يف مقدماتهم اللغوية التي جعلوها قواعد‬ ‫جائرة تتناقض مع العدل بصفته مقصدا إلهيا أساسيا‪ ،‬ومع قيم عرصنا‬ ‫ومع مبادئه ومع حركة التاريخ واملجتمعات‪ ،‬بقدر ما تتناقض مع القيم متحكمة يف عمليات استخراج األحكام من النصوص‪ ،‬بني صيغ يف األحكام‬ ‫واملقاصد الكربى التي متثّل جوهر الرسالة الساموية؟‬ ‫تفيد الندب والتخيري‪ ،‬وصيغ تفيد الوجوب واإللزام‪ .‬وعىل أساس ذلك‬ ‫م ّيزوا بني خمسة حدود يف األحكام هي‪ :‬الحظر والوجوب واإلباحة‬ ‫إن الحلول التي ارتآها الفقهاء لكثري من اإلشكاليات التي تُثريها آيات والندب والتخيري‪ .‬واعتربوا أ ّن من الصيغ الدالّة عىل الوجوب صيغة‬ ‫املواريث‪ ،‬مثل إشكالية العول‪ 2‬ناطقة بكونها حلوال برشية تاريخية "كتب عليكم"‪ ،‬بينام تفيد صيغة «أوىص» ومشتقاتها الندب أو اإلباحة أو‬ ‫موسومة بظروف عرصها و مو ّجهة بإكراهات لحظتها وبرهانات نظمها التخيري‪ ،‬بحسب املقام‪ .‬وبناء عىل هذه املقدمات كان يفرتض منطقيا أن‬ ‫رض أح َدكم املوتُ إ ْن‬ ‫االجتامعية‪ ،‬و هي بحكم طبيعتها هذه غ ُري ملزمة يف مطلق األحوال‪.‬‬ ‫يعترب الحكم الوارد يف نص اآلية «كُ ِت َب عليكم إذا ح َ‬ ‫ترك خ ًريا الوصي َة للوالديْن واألقربني باملعروف حقًّا عىل املتقني» (البقرة‬ ‫ينص عىل وجوب الوصيّة للوالدين ولألقربني‪ .‬كام‬ ‫فبأي منطق يتشبث هؤالء المتصرفون الصغار‬ ‫‪ )2/180‬حكام إلزاميا ّ‬ ‫كان يفرتض‪ ،‬بناء عىل نفس املق ّدمات‪ ،‬أن يعترب الحكم الوارد يف نص‬ ‫في المقدس من مفتيي قنوات "التجارة الدينية"‬ ‫األنثيي»‪( .‬النساء ‪)11/4‬‬ ‫مثل ح ِّظ‬ ‫اآلية «يُوصيكم الل ُه يف أوال ِدكم للذك ِر ُ‬ ‫ومواقع الجهل اإللكترونية ومن الشيوخ الباحثين‬ ‫ْ‬ ‫حك َم إباح ٍة وتخيريٍ‪ .‬ولكن التأويالت التي ر ّجحها الفقهاء والتي استق ّرت‬ ‫عن تجديد مواقعهم في عالم تجاوزهم بإرهاق‬ ‫تاريخيًّا مختلف ٌة متاما‪ ،‬بل ومتناقضة مع تلك املقدمات اللغوية ومع‬ ‫الضمير اإلسالمي بواجبات وحدود نشأت في ظل‬ ‫نتائجها املنطقية‪ .‬فادرِج حكم الوصية‪ ،‬ضمن ح ّد الندب والتخيري‪ ،‬وحرص‬ ‫مجتمعات يفترض أن تكون مختلفة بنيويا عن‬ ‫مقدارها يف الثلث من املال املوروث ال غري‪ ،‬وانحرص املستفيدون منها‬ ‫مجتمعاتنا المعاصرة؟‬ ‫تي سورة النساء‪ ،‬فإ ّن أحكا َمهام‬ ‫ي‬ ‫بآ‬ ‫يتعلق‬ ‫فيام‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ائض‪.‬‬ ‫ر‬ ‫الف‬ ‫ذوي‬ ‫غري‬ ‫يف‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫أليس يف ذلك دليال عىل أن هذه املجتمعات مازالت‪ ،‬رغم كل ما ُع َّدت ُملزِم ًة و ث ُ ِّبتت إلزاميتُها عرب تخصيصها بفرع قائم بذاته من فروع‬ ‫مؤسسة دينية الفقه هو علم الفرائض وعرب ما أسبغ عليه من أهمية جعلته يف نظر‬ ‫شهدته من تحوالت‪ ،‬تتشبث بنظام ذكوري تدعمه ّ‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪21‬‬


‫فد ّعم الدين نظامها الذكوري وثبّت أفضلية الرجال عىل النساء يف‬ ‫رشع رضوبا من التمييز املسلّط ض ّدهن‪ ،‬وال يزال هذا‬ ‫مواقع عديدة‪ ،‬و ّ‬ ‫التمييز قامئا إىل اليوم ومرشعناً باسم الدين‪ .‬ومن تجلياته التمييز يف‬ ‫املرياث‪ ،‬رغم ما يالحظ من اختالفات بنيوية عميقة بني مجتمعات‬ ‫املايض واملجتمعات املعارصة‪ ،‬حيث أصبحت املساواة مبختلف أبعادها‬ ‫إما واقعا متحقّقا إىل حد كبري يف النظم الدميقراطية‪ ،‬وقيمة إجرائية‬ ‫تتأسس عليها أغلب املنظومات القانونية الحديثة وخاصة منها منظومة‬ ‫ّ‬ ‫ملح يروم التحقّق يف البلدان التي ال‬ ‫حقوق اإلنسان‪ ،‬أو هي‬ ‫مطلب ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫تزال فيها النساء يُعانني رضوبا من التمييز ضده ّن‪ ،‬وخاصة منها البلدان‬ ‫العربية واإلسالمية‪ .‬لذلك يبدو لنا من استعراض السياق "الالتاريخي"‬ ‫يف املدونة الفقهية‪ ،‬أن التمسك ببقايا تلك ال ُنظم كان لها ما يربرها يف‬ ‫املايض‪ ،‬لكنها فقدت يف الحارض كل مربراتها‪ ،‬بل إن التمسك بها غالبا‬ ‫ما يضع البلدان املتبنية لتلك املدونة يف مآزق ومفارقات تزيد أوضاعها‬ ‫تعقيدا‪ ،‬وهي املعقدة أصال‪.‬‬

‫الفقهاء" ثلث العلم"(‪ ،)3‬حتى نسبت إىل الرسول أحاديث يف هذا املعنى‪:‬‬ ‫‪4‬‬ ‫«إن الفرائض ثلث العلم وإنها أول ما ينىس»‪.‬‬ ‫إن اختالف العالمات اللغوية يف النص القرآين‪ ،‬ويف آيات األحكام منه‬ ‫مؤش‬ ‫تحديدا‪ ،‬ال ميكن أن يكون اعتباطيا‪ .‬فاالنتقال من صيغة إىل أخرى ّ ٌ‬ ‫عىل انتقال يف مستوى الداللة‪ ،‬يجعل األحكام يف أكرث الحاالت أقرب‬ ‫إىل اإلرشاد والنصح‪ ،‬منها إىل اإللزام والتقنني املحض‪ .‬ولكن املتحكمني‬ ‫يف الفهم والتأويل لهم منطق آخر‪ ،‬توجهه وتتحكم فيه عقلية ذكورية‬ ‫ونظام اجتامعي أبوي‪.‬‬ ‫التأويل بني الفصل والوصل‪:‬‬

‫ألنه «وضع مبدأ الحق يف اإلرث عىل أساس الشخص ويف عموم معناه‪،‬‬ ‫ذكرا كان أو أنثى‪ ،‬كبريا كان أو طفال كذلك مبدأ املساواة بني الرجل‬ ‫واملرأة بصفتهام أشخاصا‪ 5».‬وذلك يف سياق مجتمع قائم عىل العصبية‪،‬‬ ‫وعىل نظام الرتتيب التفاضيل املستند إىل املعايري النابعة من أعراف ذلك‬ ‫املجتمع‪ ،‬وهو من ثم مجتمع يستحيل أن نشأ يف نسقه ويف نظامه‬ ‫املعريف األصويل مفاهيم تنتمي يف األصل إىل األنساق الحديثة‪ ،‬مثل‬ ‫مفهوم الشخص بفرديته ومفهوم املساواة املستند إىل مبدأ املواطنة‪ ،‬إال‬ ‫أنه ال ينفي إمكانية هذا الفهم وال يتناقض معه‪ ،‬وهذه إحدى خصائص‬ ‫النصوص الكربى‪.‬‬

‫ظل يُعتَ َمد لتربير الالمساواة يف املرياث بني‬ ‫إن املرجع األسايس الذي َّ‬ ‫النساء والرجال‪ ،‬هو العبارة القرآنية «للذكر مثل حظ األنثيني»‪ .‬وتبدو‬ ‫نقطة الضعف األساسية يف املنظومة الفقهية التي ك ّرست هذا الفهم‬ ‫وما زالت تك ّرسه واقعا ثابتا غري قابل للزحزحة هي أخذ هذه العبارة‬ ‫منفصلة عن السياق العام‪ ،‬النيص والتاريخي الذي تتنزل فيه‪.‬‬

‫املؤسسة الفقهية‪ ،‬وواقع‬ ‫فهل بني الواقع الذي أق ّره النـص وثبّتته ّ‬ ‫أي تناسب يسمح‬ ‫النساء يف املجتمعات اإلسالمية املعارصة اليوم ّ‬ ‫باالستمرار يف رفض مطلب املساواة يف املرياث؟ من منه ّن ال تنفق من‬ ‫الخاص‪ ،‬املوروث واملكتسب‪ ،‬عىل نفسها وعىل عائلتها؟ ومن منهـن‬ ‫مالها‬ ‫ّ‬ ‫‪6‬‬ ‫«متتنع عن االكتساب» بحجة أن «كفايتها واجبة عىل الزوج» وحده كام‬ ‫قال الفقهاء قدميا؟ وإذا كان النص القرآين قد ح ّد من الفارق بني أنصبة‬ ‫الرجال وأنصبة النساء يف املرياث مبا أق ّره لفائدة النساء من "حقوق"‬ ‫رشعه‪ ،‬فام املانع‬ ‫مالية كاإلنفاق واملهر ألن الواقع كان يسمح بذلك وي ّ‬ ‫من إلغاء هذه الفوارق متاما اليوم إنصافا للمرأة التي تعمل داخل البيت‬ ‫وخارجه‪ ،‬وتنفق كسبها من عملها وتساهم عىل قدم املساواة مع الرجل‬ ‫يف االقتصاد العائيل؟ وما الذي ميكن أن يكون يف هذا املطلب صادما‬ ‫لضمري املؤمن‪ ،‬أو متناقضا مع اإلرادة اإللهية؟‬

‫وهذه الرسالة‪ ،‬وإن أقر ّت بضرب من المساواة‬ ‫الروحية بين المسلمين فيما يتصل بالوضع إزاء‬ ‫الخالق وبالمصير األخروي‪ ،‬فإنها عندما تنزّلت في‬ ‫ّ‬ ‫وتشكلت تاريخيا اتسمت‪ ،‬شأنها في ذلك‬ ‫الواقع‬ ‫شأن سائر األديان السماوية‪ ،‬بطبيعة المجتمعات‬ ‫التي خاطبتها وتل ّ‬ ‫قتها‬

‫إ ّن الواضح من خالل آيات املواريث نفسها‪ ،‬أن مبدأ املساواة قد أُ ِق َّر‬ ‫يف عدد من الحاالت‪ ،‬من بينها املساواة بني األبوين يف النصيب (السدس)‬ ‫لكل واحد منهام‬ ‫يف حال وجود أبناء لصاحب الرتكة املتويف "وألبويه ّ‬ ‫مم ترك إن كان له ولد‪(".‬النساء‪ )4/11‬ومنها أيضا املساواة بني‬ ‫السدس ّ‬ ‫رجل يُو َرثُ كَالل ًة أو‬ ‫األخ واألخت يف حال مرياث الكاللة‪" :‬وإن كان ٌ‬ ‫فلكل ٍ‬ ‫السدس"(النساء‪ )4/12‬واملساواة‬ ‫واحد منهام‬ ‫أخت ِّ‬ ‫امرأ ٌة وله أ ٌخ أو ٌ‬ ‫ُ‬

‫أما السياق التاريخي فقد سبقت اإلشارة إىل بعض مالمحه‪ .‬وهو سياق‬ ‫مل تكن املساواة فيه‪ ،‬مبضمونها الحديث‪ ،‬من املفاهيم امل ُفكَّر فيها‪ ،‬أو‬ ‫التي كان ميكن التفكري فيها أصال‪ ،‬وال من النظم القابلة للتحقّق آنذاك‪،‬‬ ‫بحكم سيادة نظام أبوي ذكوري قائم عىل الرتاتبية التفاضلية‪ .‬ونضيف‬ ‫النص الديني نفسه ميثّل أحد مستويات هذا السياق‪ ،‬فاإلسالم‬ ‫إىل ذلك أن ّ‬ ‫ليس مجرد رسالة ساموية مفصولة عن املؤمنني بها وعن واقعهم‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫لقد أقر ّ القرآن الكريم لفائدة النساء مبدأ الحق في‬ ‫الميراث‪ ،‬وأقر ّ لها أهلي ّة التصر ّف في مالها‪ ،‬وهو ما‬ ‫يمثّل انقالبا على األعراف السائدة آنذاك‪،‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫مساواة‬ ‫بأفضلية الذكر عىل األنثى‪ .‬وهو ما رشع عىل مدى العصور لحرمان‬ ‫النص‪ .‬ويكفي االلتفات‬ ‫النساء حتى من النصيب الذي قرره لفائدتهن ّ‬ ‫إىل األعراف السائدة يف كثري من البلدان اإلسالمية‪ ،‬لرنى كيف تحرم‬ ‫النساء من أنصبتهن الرشعية خاص ًة يف األموال غري املنقولة عىل غرار‬ ‫األرض والعقارات التي ينفرد بها عادة الورثة من الذكور‪ ،‬وحيث يت ّم‬ ‫االلتفاف عىل ما جاء يف القرآن‪ ،‬بهدف رشعنة استيالء الورثة من الذكور‬ ‫عىل الرتكات دون النساء‪.‬‬ ‫‪ )2‬إن مختلف الصيغ التي جاءت عليها أحكام املواريث‪ ،‬تؤكّد أن‬ ‫النص القرآين مل يكن يرمي إىل تقرير أحكام مطلقة ونهائية‪ ،‬وال إىل‬ ‫ضبط مد ّونة ترشيعية يف موضوع األموال قابلة لإلحاطة بكل الفرض ّيات‬ ‫املمكنة‪ ،‬وبكل الوضعيات الواقعية‪ ،‬بقدر ما ق ّدم أجوبة عىل مسائل‬ ‫إجرائية عارضة‪ ،‬كانت منسجمة‪ ،‬ولو إىل ح ّد‪ ،‬مع طبيعة العرص واملجتمع‬ ‫الذين تنتسب إليهام‪ ،‬لذلك أق ّر أكرثها بأفضلية الرجال عىل النساء‪ .‬وإن‬ ‫علينا االعرتاف بهذه الحقيقة بدل االستمرار يف ترديد مواقف متجيديّه‬ ‫تنسب إىل اإلسالم ما كان من املستحيل مجرد التفكري فيه آنذاك‪ ،‬ما‬ ‫يهيئ للعمل عىل تجاوزها وقد أصبحت الظروف مالمئة‪ .‬ونحن ال نرى يف‬ ‫رض اإلسالم‬ ‫هذا االعرتاف ويف ما ميكن أن يرتتب عليه من نتائج‪ ،‬ما قد ي ّ‬ ‫يف يشء‪" ،‬فلقد حكم اإلسالم يف آيات القرآن بتمييز الرجل عن املرأة يف‬ ‫مواضع رصيحة‪ ،‬وليس هذا مبانع أن يقبل مببدأ املساواة االجتامعية‬ ‫بينهام عند توفّر أسبابها بتطو ّر الزمن‪ ،‬مادام اإلسالم يرمي يف جوهره إىل‬ ‫‪7‬‬ ‫العدالة التامة و روح الحق األعىل"‪.‬‬

‫كذلك بني األخوة إناثا وذكورا إن كانوا أك َرث من اثنني يف نفس الحالة "فإ ْن‬ ‫رشكا ُء يف الثُل ُِث" (النساء‪.)4/12‬‬ ‫كانُوا أكرثَ من ذلك فهم ُ‬ ‫تقوم هذه األمثلة شاهدا عىل أن مبدأ املساواة يف األنصبة يف ح ِّد‬ ‫ذاته ليس غريبا عن النص القرآين‪ ،‬فقد نطقت به هذه الحاالت‪ ،‬بقدر ما‬ ‫ر ّجحته قراءة ممكنة تأخذ بعني االعتبار النص القرآين يف كليته‪ .‬فالتمييز‪،‬‬ ‫وإن ذُكر حرفيا يف العبارة القرآنية "للذكر مثل حظ األنثيني" فإنه كام‬ ‫أسلفنا مرشوط برشوط أبرزها رشط القوامة املالية عىل النساء‪ ،‬ومن‬ ‫البديهي أن يؤول انعدام الرشط إىل زوال النتيجة املرتت ّبة عليه‪.‬‬ ‫ت ٌسلمنا قراءة هذه األحكام يف عالقتها بالنص القرآين من جهة‬ ‫وباملنظومة الفقهية اإلسالمية من جهة ثانية‪ ،‬وبالواقع التاريخي ماضيا‬ ‫وحارضا من جهة ثالثة‪ ،‬إىل استخالص النتائج التالية‪:‬‬ ‫الخاصة بالنساء وإن جاءت يف ذاتها قامئة عىل‬ ‫‪ )1‬إن أحكام املواريث‬ ‫ّ‬ ‫تقرير نزول نصيب األنثى عن نصيب الذكر‪ ،‬تتن ّزل يف سياق نيص أوسع‪،‬‬ ‫يحمل من الدالالت ما يثبّت ات ّجاهه إىل تقليص ذلك التفاوت‪ ،‬انسجاما‬ ‫بشت بها الرسالة الساموية‪ ،‬ولكن التدخل‬ ‫مع القيم الكربى التي ّ‬ ‫البرشي يف ذلك النص بواسطة شتى رضوب التأويل واالستنباط‪ ،‬أدّى عىل‬ ‫خالف ذلك‪ ،‬إىل انتصار األعراف عىل النص‪ ،‬وإىل تكريس نظام يف توزيع‬ ‫األموال يعكس النظام السائد يف تقسيم األدوار والوظائف بني الرجال‬ ‫والنساء بقدر ما يعكس نظاما ثقافيا ـ ذهنيا قامئا عىل االقتناع املطلق‬

‫النص القرآين بك ّم هائل من األحكام‬ ‫‪ )3‬تلتبس أحكام املواريث يف ّ‬ ‫الفقهية البرشية التي كان بعضها مخالفا ملقاصد القرآن‪ ،‬وهي بسبب‬ ‫معبة عن فهم برشي نسبي‪ ،‬ال ميكن أن نجاري أصحابه يف ادّعاء‬ ‫ذلك ّ‬ ‫معبة عن واقع‬ ‫ّها‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫الثابت‬ ‫إن‬ ‫بل‬ ‫اإللهية‪،‬‬ ‫وللمقاصد‬ ‫اإللهي‬ ‫للنص‬ ‫متثيله‬ ‫ّ‬ ‫تاريخي اقتضاها‪ ،‬عاكس ًة لطبيعة نظم ذلك الواقع‪ ،‬وخادم ًة للتوازنات‬ ‫املتحكّمة يف العالقات االجتامعية يف زمنها‪ .‬لذلك فإن االعرتاف بتاريخ ّيتها‬ ‫وببرشيّتها‪ ،‬يهيئ املسلم واملسلمة للتح ّرر من الضغط الذي متارسه عىل‬ ‫رشت به‬ ‫ضمريهم اليوم ّ‬ ‫املؤسسة الفقهية‪ ،‬ولتق ّبل الجوهر القيمي الذي ب ّ‬ ‫ودعت إليه رسالة اإلسالم وبلورته منظومات القوانني الوضعية الحديثة‪،‬‬ ‫ومنها خاصة منظومة حقوق اإلنسان والعهود واملواثيق الدولية الداعية‬ ‫مبراته‪.‬‬ ‫إىل إلغاء كل ّأشكال التمييز بني البرش أيّا كانت ّ‬ ‫الكاتبة‪ :‬د‪ .‬زاهية جويرو‬ ‫كاريكتير الريح امبدي‬

‫‪ 1‬سحنون‪ :‬املدونة‪ ،‬ج ‪،4‬‬ ‫ص‪345 .‬‬ ‫‪ 2‬العول مصطلح يحيل عىل‬ ‫وضعيّات تكون فيها الفروض‬ ‫زائدة عىل املال املوروث‪،‬‬ ‫وهي وضعية عرضت ألول‬ ‫مرة عىل الخليفة عمر‪ ،‬انظر‬ ‫ابن رشد‪ :‬بداية املجتهد‪ ،‬ج‬ ‫‪ ،2‬ص ‪.352-351‬‬ ‫‪ 3‬ابن العريب‪ :‬أحكام القران‪،‬‬ ‫ج‪ ،1‬ص‪131.‬‬ ‫‪ 4‬ابن خلدون‪ :‬املقدمة‪،‬‬ ‫ص‪.452 .‬‬ ‫‪ 5‬الصادق بلعيد‪ :‬القرآن‬ ‫والترشيع‪ ،‬ص‪127.‬‬ ‫‪ 6‬قول الكساين يف «بدائع‬ ‫الصنائع» ج‪ ،3‬ص ‪ :16‬الزوجة‬ ‫«محبوسة بحبس ال ّنكاح‬ ‫حقّا للزوج‪ ،‬ممنوعة عن‬ ‫االكتساب بحقّه‪ ،‬فكان نفع‬ ‫حبسها عائدا إليه وكانت‬ ‫كفايتها عليه»‪.‬‬ ‫‪ 7‬الطاهر الحداد‪ :‬امرأتنا‬ ‫التشيع واملجتمع‪،‬‬ ‫يف ّ‬ ‫تونس‪ ،1989،‬ص ‪.27‬‬

‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪23‬‬


‫التمييز بالميالد‬

‫حول تجليات ال ُ‬ ‫عنصرية تجاه االقليات في الصومال‬ ‫عيل نور عبدى عثامن‬ ‫من مواليد عام ‪،1986‬‬ ‫صومايل يعيش يف‬ ‫مدينة مقديشو‬ ‫صحفي وهو يعمل يف‬ ‫مجال حقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫و من مؤسيس‬ ‫مجموعة ويتنس‬ ‫صوماليا (شاهد عيل‬ ‫الصومال) املحلية و‬ ‫املنوط بها مراقبة و‬ ‫الدفاع عن حقوق‬ ‫اإلنسان‪.‬‬

‫تحتل الصومال مكانة متميزة يف اإلطار اإلفريقي و ذلك بسبب أنها‬ ‫تنهض عىل مجموعة عرقية متامثلة و تتحدث لغة واحدة هي اللغة‬ ‫الصومالية‪ ،‬و متارس ديناً واحدا آال و هو اإلسالم السني‪ .‬و لكن و مع كل‬ ‫ذلك‪ ،‬و كام هو الحال مع مثيالتها من دول الجوار كالسودان وإثيوبيا‪،‬‬ ‫تسود بالصومال أمناط من التمييز الراسخة بني مجموعات السكان‬ ‫املحلية ألسباب أثنية و اجتامعية وأحيانا اقتصادية‪ .‬و عىل إثر ذلك‬ ‫أصبحت األقليات يف الصومال تعاىن من صعوبات اجتامعية و سياسية‬ ‫جمة‪ ،‬كام أن أوضاعها املهشمة و حرمانها من االستمتاع الكامل بـ"‬ ‫صوماليتها" جعل منها عرضة للمزيد من االنتهاكات املختلفة واملبنية‬ ‫عيل األنساق االجتامعية واالقتصادية كافة‪.‬‬ ‫بالنسبة ل (فارتون امني) أصبح الرضب و مصادرة األرض أحداثا‬ ‫يومية‪ ،‬فهي قد عانت من وضعيتها يف الحالتني‪ .‬حالة أنها تنتمي إىل‬ ‫أقلية عشرية "البانتو" والتي تتعرض لجرائم كثريا ما يفلت القامئون‬ ‫بها من العقاب‪ ،‬وحالة أنها امرأة تعيش يف دولة (الصومال) تحت‬ ‫هيمنة نظام بطريريك قاىس‪ .‬تحتج "فارتون" قائلة‪" :‬نحن مسلمون‬ ‫وصوماليون بامليالد‪ ،‬فامذا اقرتفنا لنستحق كل هذا الذي يجرى لنا من‬ ‫قبل مواطنينا؟"‪.‬‬

‫"البانتو" و التي يُعتقد أنها تنحدر من مجموعات زراعية تنتمي إيل‬ ‫سكان الصومال األصليني ‪ .‬و قد عانت هذه األقلية‪ ,‬تاريخا من االضطهاد‬ ‫و التمييز‪ ،‬ويكفى أن نشري إىل أن عشائر الغالبية ‪ ،‬تصف البانتو‬ ‫بـ"الجرير" كناية عن الشعر األشعث‪.‬‬ ‫تتعرض " أقلية البانتو" إلى مضايقات اجتماعية‪ ،‬والى‬ ‫خطاب كراهية عنصري موجه ضد أفرادها بسبب‬ ‫مالمحهم اإلفريقية الخالصة‪.‬‬

‫و بحكم انتامئها إىل عشرية "الشييدىل"‪ ,‬تعترب "فارتون" ذات العرشين‬ ‫ربيعا و التي هي أم ألربعة أطفال‪ ،‬ت ُعترب مواطنة من الدرجة الثانية‪.‬‬ ‫و لهذا فهي تعاين من اجل الحصول عىل عمل يعيلها وأرستها‪ ،‬فزوجها‬ ‫هو اآلخر عاطالً عن العمل‪ .‬وال غرابة يف ذلك‪ ،‬فالغالبية من األقليات‬ ‫يف الصومال تعاىن من صعوبة الحصول عىل فرص عمل أو تعليم نسبة‬ ‫لفقرهم املرتبط بتدين األوضاع االجتامعية والسياسية واالقتصادية‬ ‫لعشائرهم‪ .‬فاألفضلية دامئا ما تكون من نصيب اإلفراد املنتمني إىل‬ ‫عشائر األغلبية والذين يتمتعوا بسطوة سياسية واقتصادية‪ .‬ولكل هذا‬ ‫تجد املرأة من األقليات نفسها مجربة عيل العمل بأجر منخفض أو‬ ‫االنخراط يف أعامل خطرة يف سوق العمل غري الرسمي‪.‬‬

‫ينقسم سكان الصومال إىل مجموعة عشائر كربى هي‪ :‬اسحاق‪،‬‬ ‫الحياة اليومية يف "مقديشو" عادة ما تكون محفوفة باملخاطر بالنسبة‬ ‫دارود ‪ ،‬هوييا؛ دير والرهناويني باإلضافة إىل مجموعات عشائرية أخرى‬ ‫قليلة العدد‪ .‬و تتكون كل عشرية من عدد من العشائر الصغرية و من ل"فارتون" فهاهي تقول‪" :‬لقد خرجت ذات يوم لتأدية عميل اليومي‬ ‫شبكات من األرس املمتدة و التي قد تلتئم أو تفرتق عن بعضها البعض يف غسل املالبس يف املنازل‪ ،‬وىف طريق العودة أوقفتني امرأتان ال اعرف‬ ‫عنهام شيئاً و أخذتا يف اإلساءة إىل بكلامت نابية والتعليق باحتقار عىل (‬ ‫وفق مالبسات الهجرات ما بني األقاليم املختلفة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫شكل أنفى) وكان رد فعىل هو الصمت املطبق‪ .‬ومع ذلك قامت إحدى‬ ‫السيدتني بإمساك يداي بينام رشعت األخرى يف رضيب عىل ظهري"‪.‬‬ ‫فاالنتماء إلى العشيرة هو العامل الرئيسي الذي‬ ‫يحدد هوية اإلفراد في الصومال و بالتالي يحدد‬ ‫أوضاع األشخاص و مكانتهم االجتماعية‪.‬‬

‫وهذا النظام يؤثر وبشكل مبارش عىل قدرة اإلفراد يف اتخاذ القرار‬ ‫و املشاركة يف سلطة الدولة‪ .‬أما مجموعة األقليات القبلية فعىل الرغم‬ ‫من تنوعها إال أنها تنحرص ضمن مجموعات أثنية و اجتامعية محددة‬ ‫‪ ،‬مثل "البانتو" و "الباجوين " وهي مجموعات افريقية أصلية متتهن‬ ‫الزراعة‪ .‬وهنالك أيضا عشائر القبوية والتومال واليرب والجالجال و‬ ‫التي عيل الرغم من أنها عشائر صومالية يف أصولها إال أن منسوبيها‬ ‫يتعرضون للتميز االجتامعي نسبة الحرتافهم مهناً غري مرتبطة بالرعي‬ ‫مثل املهن التي تعتمد عىل الحرفية والصناعات اليدوية‪.‬‬

‫كانت الدموع تنزل من عيني "فارتون" و هي تسرد‬ ‫تلك األحداث المرعبة والمهينة في نفس الوقت‪.‬‬

‫ثم أضافت‪ ,‬قائلة‪" :‬لقد تقدمت بشكوى قانونية ضد السيدتني يف‬ ‫مركز رشطة "حمر جباب" و لكن مل يقم احد باستدعائهن‪ .‬وتواصل‬ ‫قائلة‪“ :‬لقد مرت "ستة أشهر" عىل الحادثة لكنى ما زلت اشعر بآالم يف‬ ‫يدي بسبب قسوة الرضب إضافة إيل االِهانة التي تعرضت لها أثناء‬ ‫تلك الواقعة‪".‬‬

‫و يف ظل افتقارها للدعم الذي تتمتع به عشائر األغلبية‪ ،‬تقل فرص‬ ‫مجموعات األقليات كاألقلية التي تنتمي لها "فارتون" يف الوصول إىل‬ ‫انتامء "فارتون" إىل عشرية "شييدىل" الصغرية يجعلها من أقلية العدالة و نيل اإلنصاف القانوين‪ .‬فالرشطة و التي غالباً ما تنحدر‬

‫‪24‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫مساواة‬

‫من عشائر األغلبية كثريا ما ترفض متابعة الشكاوى التي تتقدم بها‬ ‫األقليات أو تقوم بالتمييز ضدهم جهارا ً نهارا ً‪ .‬وعىل ذات املنوال فقد‬ ‫فشل القانون العريف يف تقديم عالج ناجع للمظامل التي تقع عاتق تلك‬ ‫املجموعات املستضعفة‪ .‬والجدير بالذكر أن القانون العريف يف الصومال‬ ‫يرتكز عىل التحالفات العشائرية يف املقام األول‪.‬‬ ‫تعاىن "فارتون" أيضا من إشكاالت نزع األرايض‪ ،‬حيث استوىل‬ ‫بعض املتنفذين من املنتمني إىل عشائر األغلبية عىل قطعة األرض‬ ‫التي كانت متتلكها‪ .‬فانتزاع أراىض االقليات العشائرية او النازحني جراء‬ ‫الحرب أصبح امرأ روتينياً يف مقديشو وهذا يعكس حقيقة أن القرارات‬ ‫الخاصة بتوزيع و تحويل ملكية األرض و السكن إمنا تقوم بها العشائر‬ ‫املتنفذة دون النظر إىل األقليات‪ .‬ف"فارتون"وبحكم انتامئها ألقلية‬ ‫البانتو‪ ،‬ال متلك حق اتخاذ القرارات الخاصة بحياتها أو مستقبل أرستها‪.‬‬ ‫فالبنية العشائرية التقليدية ال تزال متنع األقليات و النساء من املشاركة‬ ‫السياسية يف اتخاذ القرار‪.‬‬ ‫و لعل قرار ( أربعة ونصف) الذي تبنته الصومال يف العام "‪"2000‬‬ ‫ميثل أُس املشكلة ‪ ،‬ففي ذلك الوقت كانت الصومال قد انزلقت نحو‬ ‫حرب أهلية أنقسم عىل أثرها املتحاربون إىل "فرق" و كونوا تحالفات‬ ‫عديدة‪ ،‬تم تقسيم البالد عىل إثرها إىل إقطاعيات و مناطق نفوذ‪,‬تستأثر ستتعرض وأرستها للتهديد الذي قد يصل إىل ارتكاب أفعال عنيفة وأذى‬ ‫بها العشائر املهيمنة‪ .‬أما األقليات املختلفة فقد ت ُركت تحت رحمة ضدها أو ضد أفراد أرستها‪.‬‬ ‫مليشيات العشائر الكربى‪.‬‬ ‫تتعرض النساء من أمثال "فارتون" باستمرار إىل متييز مزدوج قوامه‬ ‫كانت الغاية من معادلة‪ ,‬أل (أربعة ونصف) هي وضع حدا للنزاع من ناحية‪ ،‬انتامئها إىل أقلية ضمن النسق العشائري الهرمي‪ ،‬ومن ناحية‬ ‫املسلح ودرء تفكك الدولة الصومالية‪ .‬ووفقاً لهذه املعادلة فقد تم منح أخرى يف كونها امرأة تعيش يف مجتمع ذكوري قاهر‪.‬‬ ‫العشائر األربع الرئيسة حق املشاركة السياسية املتساوية‪ ،‬بينام أُعطيت‬ ‫بقية األقليات مجتمع ًة "نصف درجة" يف املشاركة السياسية و بالرغم‬ ‫و إضافة إلى التأثير الدراماتيكي للنزاع القائم في الصومال‬ ‫من أن املعادلة قد منحت األقليات صوتاً محدود يف القرار السيايس‪،‬‬ ‫تتعرض المرأة من األقليات إلي االضطهاد و اإلقصاء‬ ‫إال أنها قد عملت عىل تعميق االنقسامات االجتامعية و فشلت يف متثيل‬ ‫االقتصادي ‪ ،‬كما تتعرض باستمرار إلى انتهاك حقوقها‬ ‫الرتكيبة السكانية للصوماليني؛ حيث ال تزال األقليات مهمشة وبغري متثيل‬ ‫اإلنسانية وأنماط العنف الجسدي و االغتصاب‪.‬‬ ‫حقيقي‪.‬‬ ‫يعرب وضع املرأة من األقليات عن وعورة طريق الصومال يف الوصول‬ ‫باإلضافة إىل التمييز املؤسيس الذي تعاىن منه األقليات‪ ،‬تعمل إىل معادلة السالم واالستقرار‪ .‬فالتغيري الحقيقي حتام سيظل مرهون‬ ‫التابوهات االجتامعية‪ ,‬أيضا عىل تعميق فجوة التمييز العنرصي‪ ،‬و بقدرة الصوماليني عىل تخطى فجوة الالمساواة العميقة املبنية عىل‬ ‫مثال لذلك التحريم الشائع للزواج ما بني األقليات و مجموعات العشائر الجندر وعىل العشائرية و التي قادت و ال تزال تدفع بالبالد إىل ُهوة‬ ‫املهيمنة‪ .‬وخالفاً ملا تتمتع به املرأة التي تنتمي إىل عشائر األغلبية من الحرب ‪.‬‬ ‫حقوق تؤهلها للزواج من مختلف املجموعات العشائرية‪ ،‬نجد أن املرأة‬ ‫من األقليات محرومة من هذا الحق‪ .‬و إذا حدث و دخلت املرأة يف‬ ‫الكاتب‪ :‬علي نور عبدي عثمان‬ ‫عالقة مع رجل من عشائر األغلبية‪ ,‬فإنها لن تحظي بالزواج منه كام‬ ‫من االنجليزية منصور علي‬

‫فارتون امين‬

‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪25‬‬


‫وجدة‬

‫حينما يصبح ركوب الدراجة سؤالً سياسياً‬

‫"وجدة" هو االسم الذي اختارته "هيفا املنصور" ملوضوع فيلمها الرائد‬ ‫مريى مينو‪ :‬ناشطة‬ ‫يف هذا املجال‪ ,‬و"وجدة" هذه فتاة تبلغ من العمر ‪ 12‬عاما‪ ,‬تغطى‬ ‫يف مجال التغيري‬ ‫االجتامعي‪ ,‬من فرنسا شعرها الطويل بغطاء رأس فضفاض و ترتدي بنطال من الجينز و تنتعل‬ ‫ومهتمة بحقوق املرأة حذاءا رياض ّياً تحت العباءة‪ .‬تستمتع "وجدة" مبوسيقى الروك الصاخبة‬ ‫املتدفقة من راديو بايريت وبالسباق مع زميلها "عبد الله" يف الطريق إىل‬ ‫و الجندر ‪ ,‬بدأت‬ ‫العمل يف رشق أفريقيا املدرسة‪ ..‬يف أحيان كثرية ال يكون السباق متوافقا الن زميلها "عبدالله"‬ ‫يستخدم دراجته بينام تعتمد هى عىل رجليها فقط و ذلك الن ركوب‬ ‫منذ العام ‪. 2014‬‬ ‫الفتاة للدراجة يُعترب عيبا يف السعودية‪ .‬تعتزم "وجدة" أن تقتنى دراجة‬ ‫و قد ابتدرت عملها‬ ‫يف تحد سافر للتقاليد التي متنع ذلك‪ ،‬هذا من ناحية‪ ،‬و من الناحية‬ ‫بإدارة برنامج منح‬ ‫األخرى لرفض والدتها و مدرسيها‪ .‬وتبدأ "وجدة" يف توفري املال الالزم‬ ‫مخصصة للمجتمع‬ ‫النجاز هذا التحدي‪ ,‬عن طريق بيع االسورة و األغاين املمنوعة‪ ,‬التي‬ ‫املدين يف كينيا‬ ‫واالنخراط مع العديد تقوم بتجميعها لزمالئها و زميالتها وجاراتها وجريانها‪ ....‬مصادفة وىف‬ ‫هذه اإلثناء متت إقامة منافسة يف تالوة القرآن الكريم يف املدرسة التي‬ ‫من املجموعات‬ ‫ترتادها "وجدة" و كانت الجائزة عبارة عن (‪ 1000‬ريال سعودي )‬ ‫النسوية القاعدية‪.‬‬ ‫فقررت وجدة خوض املنافسة و ذلك عن طريق حفظ عددا من ايات‬ ‫القران الكريم‪.‬‬ ‫ومعروف عن السعودية‪ ,‬سجلها السيئ يف انتهاكات حقوق اإلنسان‬ ‫و الحريات الفردية و تطبيقها الصارم ملبادئ اإلسالم السيايس و نظام‬ ‫والية الرجل‪,‬‬ ‫و لعله من سخرية القدر أن يتم إنتاج أول فيلم‬ ‫سعودي طويل في السعودية التي ال توجد بها دور‬ ‫عرض سينمائية و بواسطة امرأة ؛ "هيفا"؛ وان‬ ‫يكون موضوعه "الهدام" هو قضية التمييز القائم‬ ‫على النوع‬

‫و حتى ال تشد انتباه املارة و إثارتهم مبنظر فريق من الرجال و النساء‬ ‫يعملون مع بعضهم البعض‪ ،‬كانت "هيفا" تتخفى داخل سيارة و هي‬ ‫توجه فريق التمثيل و الطاقم الفني الذي كان يعمل معها يف إخراج‬ ‫الفيلم عرب هاتف الوىك توىك (راديو يدوى صغري)‪.‬‬

‫املرأة السعودية املحبط‪ ,‬و املأساوي أحياناً و ذلك عن طريق فضح عبثية‬ ‫النظام السيايس الذي يسعى إىل تحطيم قدرات نصف مواطنيه‪ ,‬و ال يزل‬ ‫نظام الوالية قائم كام هو إىل يومنا هذا عىل الرغم من زعم السلطة‬ ‫السعودية بأنها تنوى إلغاءه‪ ،‬فتحت مظلة هذا النظام يُحرم عىل املرأة‬ ‫اقتناء وثيقة سفر أو الزواج أو السفر أو الحصول عىل تعليم عايل بدون‬ ‫موافقة الذكر – الزوج أو األب أو األخ أو االبن‪ -‬و عىل الرغم من أن املرأة‬ ‫السعودية قد ُسمح لها باملشاركة يف التصويت و النزول يف انتخابات‬ ‫املجلس البلدي ألول مرة يف ديسمرب ‪ 2015‬إال انه ال يزل يوجد العديد‬ ‫من العوائق التي تقلل من فعالية املشاركة السياسية و تحد من قدرة‬ ‫املرأة امل ُنتخبة عىل أداء الدور الترشيعي املنوط بها ‪ .2 ,1‬و بدالً عن‬ ‫االستمتاع مبواطنة كاملة الدسم‪ ،‬ال زالت املرأة السعودية ت ُعترب بضاعة‬ ‫يتم تداولها بني األرس من اجل القيام بأداء الوظائف املنزلية و اِنجاب‬ ‫االطفال‪.‬‬ ‫في المجتمع الذي يتم فيه تفضيل األبناء الذكور على‬ ‫اإلناث يحق للرجل الدخول في الزواج المتعدد عندما‬ ‫ال تتمكن الزوجة من إنجاب أطفال ذكور كما هو‬ ‫الحال مع والدة "وجدة"‪...‬‬

‫و ألنها الطفلة الوحيدة لألرسة تستميت "وجدة" يف الحصول عىل‬ ‫االعرتاف من والدها ولكن دون جدوى‪ ،‬فعىل الرغم من محاوالتها‬ ‫الدءوبة لالرتباط بوالدها إال انه أي والدها قد آثر االبتعاد عنها رويدا ً‬ ‫رويدا ً إىل أن انتهى به األمر إىل الزواج من امرأة أخرى عىل أمل الحصول‬ ‫عىل طفل ذكر يحمل اسمه‪.‬‬ ‫تشهد "وجدة" املحن التي تعرتض حياة والدتها اليومية مبشاعر‬ ‫مختلطة؛ فهي يف البداية قد مقتت والدتها لعجزها عن اسرتداد زوجها‬ ‫ثم بعد ذلك المتها عىل عدم تصديها له و للتقاليد التي حطمت أرستها‪.‬‬ ‫رفضت "وجدة" أن تتبع طريق والدتها التي أُجربت عىل التخيل عن‬ ‫أحالمها و امتهان أعامل هامشية و السهر عىل خدمة زوج ال يكن لها‬ ‫حباً او احرتاما‪ ,‬و مع غياب مثل أعىل يكون مبثابة امللهم بالنسبة لها فإن‬ ‫سعى "وجدة" لتحقيق انتامئها الذايت يصطدم بنظام اجتامعي يحارب‬ ‫قيم الفر دانية بال هوادة‪.‬‬

‫و برغم الطبيعة الحساسة ملوضوع الفيلم إال أن "هيفا" ال تعترب‬ ‫نفسها ناشطة و ذلك من خالل اللقاءات العديدة التي أُجريت معها بعد‬ ‫تعم شوارع الرياض‪ ,‬عاصمة السعودية؛ من ناحية؛ نساء كاألشباح‬ ‫إنتاج الفيلم‪ ،‬حيث انها اختارت أن ال تقوم باإلدانة الرصيحة لتقاليد‬ ‫وسياسات املجتمع السعودي‪ ،‬و اختارت عرض وقائع اجتامعية متباينة يرتدين األسود‪ ،‬و من الناحية األخرى رجال بجالبيبهم البيضاء التي‬ ‫تغطى حتى كاحل القدم‪ .‬و املشاهد لفيلم "وجدة" ينتابه إحساس‬ ‫ترتاوح بني احرتام التقاليد و الرغبة املتنامية يف الحرية‪.‬‬ ‫باالستغراب حيال ظاهرة انتشار الزى الرسمي للنساء و الرجال عىل حد‬ ‫تحاول املخرجة ذات أل ‪ 42‬عاما عرب بطلتها املتمردة أن تصور واقع سواء و الذي يعمل جاهدا إللغاء حالة التنوع واالختالف يف خيارات‬

‫‪26‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫مساواة‬

‫صورة من مشهد من فلم وجدة‬

‫و يتضح من الفيلم حجم الضغوطات التي يتعرض لها الرجال و‬ ‫األزياء حيث ال يتيح الزى املنترش يف السعودية سوى اليسري من مظاهر‬ ‫الشخصية لإلفراد لتحقيق ذواتهم‪ ،‬ففي حالة وجدة فإن الحجاب الشباب من الذكور و الذين يعانون باملثل من واقع الفصل النوعي و‬ ‫الفضفاض الذي تتزيا به وحذاء ( االديداس) الذي تنتعله كالهام يشُ ف التمييز املتأصل يف املجتمع السعودي‪ .‬ونسبة إىل أن ما يقارب أل ‪%60‬‬ ‫من سكان السعودية تقل أعامرهم عن أل ‪ 21‬سنة‪ ،‬تضطر السعودية‬ ‫عن محاولتها الصارخة للتعبري عن شخصيتها و إظهار هويتها ‪.‬‬ ‫جاهدة للعمل عيل توفري فرص جاذبة للشباب الذين يطمحون إىل‬ ‫إن النسق االجتماعي الذي يتمثل في "وجدة" هو ذاته املزيد من الحريات و املشاركة يف عمليات صنع القرار‪ .‬و لعل اإلحباط‬ ‫الذي يعاىن منه الشباب يف هذا الصدد يشكل احد األسباب التي قد‬ ‫النسق الذي تسرب إلى بلدان القرن اإلفريقي عبر‬ ‫االستثمارات البترولية الضخمة و هجرات العمالة منذ دفعت نحو (‪ ) 1500‬شاب سعودي لالنضامم إىل صفوف داعش ىف الفرتة‬ ‫من ‪2015-2011‬و بذلك تصبح السعودية الدولة الثانية من حيث عدد‬ ‫سبعينيات القرن الماضي‪.‬‬ ‫الشباب املنتمني إىل صفوف تنظيم داعش منذ ظهوره‪.‬‬ ‫فعرب تقدميها للخدمات االجتامعية للبلدان الفقرية كإنشاء املدارس‬ ‫و منذ إنتاج وظهور فيلم "وجدة" يف ‪ 2012‬خفت حدة القوانني‬ ‫الدينية و توفري املال للجامعات و هجرات العاملة ‪ ،‬نجحت السعودية‬ ‫يف نرش اإلسالم الوهايب األصويل الذي ساعد يف ترسيع وثائر التطرف التي تتحكم يف ركوب املرأة السعودية للدراجة إىل حد ما و إن كان‬ ‫الديني يف املنطقة‪ ,‬حيث أصبحت االيدولوجيا الوهابية اليوم ت ُشكّل ذلك فقط يف الحدائق العامة أو يف معية محرم ذكر‪..‬لكن مؤخرا وقعت‬ ‫واقع املاليني من الرجال و النساء فئ القرن اإلفريقي و الذي عرف عنه أحداثا جوهرية كشفت عن بوادر تحدى املرأة يف السعودية للنسق‬ ‫االجتامعي السائد‪ .‬فعىل سبيل املثال وقّعت أكرث من ( ‪ ) 14000‬امرأة‬ ‫يف املايض تسامحه الديني وتنوعه الثقايف‪.‬‬ ‫سعودية عىل وثيقة تطالب بإلغاء (نظام والية الرجل) وقمن بتسليهام‬ ‫بالنسبة لغالبية الفتيات الاليئ ظهرن يف الفيلم فإن أحالمهن كثريا ً ما للسلطات‪ ,‬و مثل هذه اإلحداث غري املسبوقة تؤكد إىل حد ما صحة‬ ‫تقوضها التقاليد كام هو الحال مع "سلمى" التي أصبحت ضحية لنظام موقف "هيفا املنصور " و التي أكدت يف حوار أجرى معها لصحيفة‬ ‫قانوين يتامها مع زواج القارصات حيث تم تزويجها و هي ابنة أل ‪" 13‬اإلندبندنت" ىف ‪ 2013‬عىل انه " رمبا ليس لحاالت التغيري الطفيفة من‬ ‫أثر كبري يذكر و لكنها تشف عن أن هناك تغيري يف النظرة إىل املرأة و أن‬ ‫ربيعا إىل رجل يكربها بسنوات‪.‬‬ ‫املرأة تناضل للحصول عىل املزيد من الحريات ولكن ال تزال الطريق‬ ‫طويلة ‪،‬إال أننا نأمل أن متهد املقاومة والجهد الذي تبذله النساء عىل‬ ‫وعلى الرغم من هذا الواقع المؤلم فإن فيلم‬ ‫‪3‬‬ ‫حدوث تغيريات كبرية يف املستقبل" ‪.‬‬ ‫"هيفا" يفتح نافذة لألمل عندما تتمكن "وجدة " من‬ ‫تحقيق حلمها فى نهاية المطاف و ركوب الدراجة‪.‬‬ ‫و قد حرص الفيلم على إظهار إمكانية التغيير في‬ ‫شخصيتي الفتيات والصبية‪.‬‬

‫الكاتبة‪ :‬ميري مينو‬

‫من االنجليزية‪ :‬فيصل الباقر‬

‫‪" 1‬السعودية‪ :‬إنتخابات‬ ‫هامة للمرأة‪ :‬ترشيحات‬ ‫جديدة‪ ,‬حق التصويت ـ‬ ‫عقبات قدمية" هيومان‬ ‫رايت ووتش‪ ,‬ديسمرب ‪,11‬‬ ‫‪https://www.hrw. 2015‬‬ ‫‪org/news/2015/12/11/‬‬ ‫‪saudi-arabia-landmark‬‬‫‪.elections-women‬‬ ‫‪" 2‬السعوديات املنتخبات‬ ‫حديثاً تم عزلهن" هيومان‬ ‫رايت ووتش‪ ,‬فرباير ‪,25‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪https://www.hrw.org/‬‬ ‫‪news/2016/02/25/‬‬ ‫‪those-newly-elected‬‬‫‪saudi-women-just-got‬‬‫‪.pushed-away-table‬‬ ‫‪ 3‬إنجيوىل ليستون‪" :‬مقابلة‬ ‫مع هيفاء املنصور‪ :‬أول‬ ‫مخرجة فيلم سعودية‬ ‫تتحدث عن إصدارتها‬ ‫الجديدة (وجدة)"‬ ‫اإلندبندانت‪ ,‬يوليو ‪18‬و‬ ‫‪.2013‬‬ ‫‪http://www.‬‬ ‫‪independent.co.uk/‬‬ ‫‪arts-entertainment/‬‬ ‫‪films/features/haifaa‬‬‫‪al-mansour-interview‬‬‫‪saudi-arabias-first‬‬‫‪female-film-director‬‬‫‪talks-about-new-release‬‬‫‪.wadjda-8717438.html‬‬

‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪27‬‬


‫ممنوعة من لعب كرة القدم‬ ‫منذ لحظة ميالدى‬

‫سعاد الخرض‬ ‫صحفيّة وكاتبة عمود‬ ‫وكاتبة قصة قصرية‬ ‫وروائية‪ .‬عملت يف‬ ‫صحيفة األضواء‬ ‫كمحررة للصفحة‬ ‫النسائية ومحررة‬ ‫بالقسم الثقايف بذات‬ ‫الصحيفة‪ .‬حصلت‬ ‫عىل جائزة جمعية‬ ‫اللغة العربية بجامعة‬ ‫النيلني عن قصتها "يف‬ ‫انتظار ساعي الربيد"‪.‬‬ ‫تعمل اآلن صحفية‬ ‫بصحيفة الجريدة‬ ‫و ُمعدة لربنامج إذاعي‬ ‫بجامعة السودان‪.‬‬

‫يف أيامنا هذه باتت األعياد ت ُداهمنا عىل حني غ َّرة‪ ،‬لدرجة نعجز معها‬ ‫عن االحتفال بها كام كُ ّنا نفعل عندما ك ّنا أطفاال يف ح ّينا‪ ،‬عىل ضفاف نهر‬ ‫رسب إلينا مثل نسمة‪،‬‬ ‫النيل مبدينة شندي‪ .‬يف املايض‪ ،‬كانت األعياد تت ّ‬ ‫وشلالت الفرح تغ ُمرنا من كل صوب‪ ،‬رمبا أل ّن آخرين كانوا يحملون ع ّنا‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫أعباء االحتفال‪ ،‬أ ّما اآلن‪ ،‬فقد صارت األعياد عبئا علينا‪ ،‬بعد أن صنا نح ُن‬ ‫من يدفع فاتورة الحياة‪ .‬كُ ّنا نُناجي الغد ونغازله‪ ،‬نتشاجر عىل عتبات‬ ‫بيوتنا الطين ّية القصرية‪ ،‬والرمال الذهب ّية تغطي جدرانها القصرية‪ ،‬ونقفز‬ ‫من تلّة إىل أخرى حتى مغيب الشمس‪ .‬عند املساء ييضء لنا القمر‬ ‫ساحة الحي فنعاود اللعب ومنأل الساحات فرحا بضجيجنا ولهاثنا‪ ،‬السيام‬ ‫عندما نبدأ "لعبة شليل" التي كنا نتسابق فيها عىل قطعة العظم التي‬ ‫تدور حولها اللعبة‪ ،‬وأصواتنا تشق عنان السامء ونحن نردد "شليل وينو‬ ‫أكلو الدودو"‪.‬‬ ‫كان والدي يف ذلك الوقت يعمل بالسكة الحديد مبدينة شندي‪ ،‬وكُ ّنا‬ ‫ُخصصة لل ُع ّمل‪ .‬من هنا‪ ،‬نشأتُ يف بيئة انصهرت‬ ‫بذلك نقطن يف املنازِل امل ّ‬ ‫فسكّان أحياء العاملني يف‬ ‫بس َحناتها املختلفة‪ُ .‬‬ ‫فيها كل أعراق السودان َ‬ ‫ِ‬ ‫السكّة حديد يف ذلك الوقت‪ ،‬كانوا خليطا من ك ُِّل بِقاع السودان‪ ،‬حيث‬ ‫السودان‪ ،‬من أع ّز صديقايت‪ ،‬فلم نكن‬ ‫جنوب‬ ‫من‬ ‫ا)‬ ‫ز‬ ‫(تري‬ ‫صديقتي‬ ‫كانت‬ ‫ُ‬ ‫نفرتق‪ ،‬وكنت أذهب معها للكنيسة يوم األحد‪ ،‬واستمتع برتانيم صلوات‬ ‫ٍ‬ ‫خت أو ُمنعت‬ ‫األحد التي كانت تُ َغ ّنى‬ ‫بأصوات جميلة‪ ،‬وال أذكر أن ِّني ُوبِّ َ‬ ‫من الذهاب إىل الكنيسة‪.‬‬ ‫وعند نهاية ك ُّل عام درايس‪ ،‬كنت أقفز من الفرح وأنا أحمل نتيجتي‬ ‫املدرس ّية‪ ،‬فيفسد فرحتي ابن الجريان‪ ،‬الذي كان يتحرش يب ويقطع‬ ‫الطريق أمامي‪ .‬كان ضخم ال ُجثّة‪ ،‬وكنت نحيفة‪ .‬كان يسخر من أحالمي‬ ‫ويدفعني نحو جدران مدرسة األوالد‪ ،‬فرتتعد أوصايل من الذعر‪ ،‬وهو‬ ‫يهمهم بكلامت مل أكن أفهم منها سوى‪" :‬حتى لو ِ‬ ‫جئت األوىل وبتعريف‬ ‫كورة ماحتبقي العب كورة‪ ،‬ألنك ما راجل"‪ .‬فنشأ بداخيل منذ تلك‬ ‫إحساس بالتم ّرد والغضب عىل مجتمعي‪.‬‬ ‫اللحظة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫كُ ُ‬ ‫نت الطفلة الوحيدة التي كانت شغوفة بلعب كرة‬ ‫القدم وبمشاهدتها‪ .‬ما أقسى أن تحس بالتمييز‬ ‫وأنت ما زلت طفال ‪ ...‬فعندما كان األوالد يلعبون‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫كنت أجلس أراقبهم من البعد‪ ،‬واللهفة‬ ‫الكرة‪،‬‬ ‫عيني‪ ،‬وهم يركضون خلف الكرة‪ ،‬وضجيج‬ ‫من‬ ‫تقفز‬ ‫ّ‬ ‫أصواتهم يمأل المكان‪.‬‬

‫كنت أنزوي خلف أحالمي الخجولة ورغبتي الجامحة يف أن العب‬ ‫معهم‪ ،‬وأن أصبح العبة كرة مشهورة‪ .‬كنت أكتفي من كل ذلك‪ ،‬بتشجيع‬

‫‪28‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫فريق أصدقايئ‪ ،‬وأحمل لهم قوارير املياه‪ ،‬فال يبالون بوجودي حتى وأنا‬ ‫الهج بأسامئهم واحدا تلو اآلخر‪ .‬ذات يوم أصابني الغضب واإلحباط من‬ ‫عدم قدريت عىل اللعب وتجاهل األوالد يل‪ ،‬ولجهدي يف ميدان الكرة‪،‬‬ ‫فقررت أن أتوارى احتجاجا عىل تجاهلهم يل وأقاطع تشجيع مبارياتهم‪.‬‬ ‫بعد أيام قليلة من ذلك القرار‪ ،‬جاءوا إىل منزلنا وطرق أحدهم الباب‪.‬‬ ‫خرج إليهم أخي األكرب‪ ،‬وسأل ساخطاً‪" :‬ماذا تريدون"؟ فأجابوا بصوت‬ ‫واحد‪" :‬ماشني امليدان‪ ،‬ودايرين سعاد متيش معانا"‪ .‬غضب أخي وأغلق‬ ‫الباب يف وجوههم‪ ،‬وكنت وقتها أقف خلف الباب مبارشة‪ ،‬فصفعني‬ ‫ركضت‬ ‫ألول مرة‪ ،‬صائحاً‪" :‬إنتي قايلة نفسك ولد تلعبي كورة كامن"؟‬ ‫ُ‬ ‫نحو غرفة أمي‪ ،‬كأنّ ا أصابني مس من الجنون‪ ،‬وتلك كانت املرة الثانية‬ ‫التي شعرت فيها مبرارة كوين أُنثى‪ .‬احتضنتني أ ّمي وحاولت أن تواسيني‬ ‫بحكمتها‪ ،‬قائلة‪" :‬الكرة لألوالد فقط‪ِ ،‬‬ ‫وأنت ال تستطيعني الركض والقفز‬ ‫حتى ال تنكرسي"‪ .‬كانت أُ ّمي تردد عىل مسامعي دامئا أنّني لست صبيا‪،‬‬ ‫وأنني لن أستطيع تحقيق حلمي يف مجال الكرة‪ .‬كنت حينام أسمع‬ ‫عبارتها تلك‪ ،‬يزداد ت َعلُّ ِقي بألعاب الصبية‪ ،‬ف ُولِدت أحالمي ُمش ّوهة‪ ،‬ومن‬ ‫وقتها أصابني هاجس التجريب‪ :‬تجريب كل يشء منحني له الله سبحانه‬ ‫وتعاىل وحرمني منه املجتمع‪ ،‬بدعوى أنّني أُنثى من "زجاج"‪ ،‬يخافون‬ ‫عليها من الكرس‪.‬‬ ‫يف هذا السياق‪ ،‬أتذكر عندما كان البيت يخلو وال يبقى فيه أحد‬ ‫إالّ أ ّمي‪ ،‬كنت ألعب الكُرة بِ فردي‪ ،‬وأتخ ّيل أصدقايئ يهرولون خلفي‪،‬‬ ‫بل وكنت أقفز عاليا وأهبط‪ ،‬عندما أحرز الهدف‪ ،‬أي أُد ِْخل الكُرة يف‬ ‫املرمى‪ ...‬املرمى الذي لن يراه أح ٌد سواي‪ ...‬فقد كنت الحكم‪ ،‬والفريق‬ ‫الذي يلعب ضد نفسه‪ ،‬والجمهور الذي يصفق تارة وتارة أخرى يلعن!‬ ‫هكذا كنت أمارس هوايتي وحيدة وأُثرثر بصخب كاملجنونة‪ .‬ذات مرة‪،‬‬ ‫ضبطني أخي األكرب متلبسة بلعب الكرة‪ ،‬وشاهدين أُهرول خلف الكرة‪،‬‬ ‫و ُذ ِهل ألنّني عصيت أوامره بعد أن منعني من لعب الكرة‪ ،‬حتى داخل‬ ‫ِمت‬ ‫املنزل‪ .‬صاح يف وجهي غاضبا‪" :‬سعاد كامن بتلعبي كورة"؟ وج ُ‬ ‫عندما سمعت صوته من الخلف‪ ،‬ومن شدة ارتبايك سقطت عىل رجيل‬ ‫فكرست ُها‪ .‬حملني أخي إىل داخل الغرفة‪ ،‬ثم وصل أيب إىل البيت وأخذوين‬ ‫إىل املستشفى‪ .‬هناك‪ ،‬رأيت العبا مشهورا ً يرقد بالغرفة املجاورة لعنربنا‪،‬‬ ‫إلصابته يف قدمه‪ .‬قامت الطبيبة بتضميد جراحي‪ ،‬وكان أول ما قمت‬ ‫لت إىل أُمي يك تطلب من‬ ‫توس ُ‬ ‫بفعله بعد أن أف ِق ُت من آالمي‪ ،‬هو أن ّ‬ ‫العب الكرة أن يأيت إىل العنرب‪ .‬شعرت أُمي بالضيق من إرصاري عىل أن‬ ‫تذهب إىل رجل ال تعرفه‪ ،‬لتطلب منه أن يأيت لزيارة ابنتها املريضة‪ ،‬إالّ‬ ‫أنّها أخريا ً تعاطفت مع طلبي رغم أن الطلب بطبيعة الحال ال يع ّني‬ ‫ابتسمت عندما دخل الالعب وهو يتوكأ عىل عصاه وجلس‬ ‫لها شيئا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫إىل جواري‪ .‬قامت أ ّمي بتقدميي إليه‪" :‬هذه ابنتي سعاد‪ ،‬املجنونة بكرة‬


‫مساواة‬

‫كاريكتير الريح امبدي‬

‫ٍ‬ ‫سنوات طويلة يف الصحافة‪ ،‬وبعد دخول املرأة إىل مجال كرة القدم‪،‬‬ ‫القدم وبنجومها‪ ،‬تريد أن ت ُصبح العبة‪ .‬أرجو أن تنصحها يا ولدي أ ّن‬ ‫الكرة ليست للبنات"‪ .‬ابتسم الّالعب وهو يربت عىل كتفي قائالُ‪" :‬هناك‬ ‫تم تكوين أول فريق لكرة القدم النسائية‪ ،‬على الرغم مما‬ ‫ال ِعبات كرة اِ ْستَط ْع َن تح ِقيق أحال َم ُه ّن يف أغلب أنحاء العامل"‪.‬‬ ‫وبعد أن ّ‬ ‫ُ‬ ‫أدركت أ ّ‬ ‫لهي‬ ‫ن جدلي ّة الصراع بيني والمجتمع‪،‬‬ ‫الحقا‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫في الحقيقة‪ ،‬أكبر من ميدان الكرة‪ ،‬الذي مث َل وقتها‬ ‫أقصى أحالمي‪ ،‬كما أ ّ‬ ‫ن الخدُوش التي تسبب فيها‬ ‫تحر ّش ابن الجيران بي لغِ يرتِه مِ ن تفوّقي علي ّه‪ ،‬لم‬ ‫ُ‬ ‫تك ْ‬ ‫وى نقطة في محيط ُم َعانَاتي مع مجتمعي‪،‬‬ ‫ن ِ‬ ‫س َ‬ ‫المنحاز علنا للرجال‪،‬‬

‫والذي ال يعرتف بوجودي إالّ يف حدود تص ّوراته لألدوار التي ورثها‬ ‫َوتب ّناها للرجال والنساء‪ .‬مل أكُن أعلم يف حينها‪ ،‬أن ّني وماليني النساء من‬ ‫بلدي‪ ،‬سنعيش يف مجتمعات ركاب الجا ِهليّة‪ ،‬لتُحاكمنا ِب ِفقْهها‪ ،‬ومن ث ّم‪،‬‬ ‫ت ُطالب بوأد حقّنا يف الحياة عالنية‪ ،‬وأ ّن ُحكّامنا‪ ،‬كام لو أنّهم ُوجدوا يف‬ ‫الحياة‪ ،‬لِيُحاكِ ُمونا ِب َجرِيرة كوننا لسنا رجاالً مثلهم‪.‬‬ ‫بعد أن عرفت أن ّني ممنوعة من لعب كرة القدم من لحظة ميالدي‪،‬‬ ‫وأ ّن أُنوثتي هي دا ٌء ُعضال ال يسمح يل بلعب الكرة‪ ،‬وجدتُ يف القراءة‬ ‫فولجت إىل عامل‬ ‫والكتابة مالذا ً أهرب إليه من ذلك الواقع األليم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وى امليض إىل األمام‪ .‬اآلن بعد أن أمضيت‬ ‫الصحافة وأنا ال أكرتث ليشء‪ِ ،‬س َ‬

‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫المتحكمِ ين‬ ‫والظلم من قبل الرجال‬ ‫ي ُالقينه من تعنت من رجال الدين‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫في عوالِم كُرة القدم‪ ،‬ومالحقت ُه ّ‬ ‫سي أشعر‬ ‫ن ِبالفَ ت‬ ‫َاوى الرافضة‪ ،‬أجِ د نَف ِ‬ ‫َ‬ ‫أحالم ُه ّ‬ ‫ن في ارتداء مالبس كرة‬ ‫بالغبطة لهؤالء الفتيات‪ ،‬الالئي حققن‬ ‫َ‬ ‫القدم‪،‬‬

‫واللهث خلف كرة احالمي‪ ،‬رغام عن أنف السلطة الذكوريّة التي‬ ‫مازالت ِ‬ ‫جاثة عىل ُصدورنا‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من أنني أصبحت صحافية معروفة‪ ،‬إالّ أ ّن كفاءيت ما زالت‬ ‫محل إدانة‪ ،‬ورجاحة عقيل موضع شك دائم‪ .‬فعندما أضطر للتأخري يف‬ ‫عميل بقسم األخبار‪ ،‬ما زلت أجد أخي األكرب ينتظرين عند باب منزلنا‪،‬‬ ‫فأعود بذاكريت إىل الوراء‪ ،‬عندما كان ينتظرين بسوطه لتأخُّري يف ميدان‬ ‫سي "ل ْن‬ ‫الكرة‪ ،‬فيزداد إرصاري عىل امليض قُ ُّدما يف طريقي‪ ،‬وأنا أُردد يف ِ ّ‬ ‫أسمح لك برسقة ُحل ِمي الثاين‪ ،‬ولن أه ُجر مهنتي ملج ّرد أنّك غري راض‬ ‫عنها‪".‬‬ ‫كتبت‪ :‬سعاد الخضر‬

‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪29‬‬


‫زوجتان ورجل‪:‬‬

‫معاناة النساء داخل مؤسسة زواج التعدد‬ ‫تنترش مامرسة تعدد الزوجات يف الكثري من البلدان األفريقية والبالد‬ ‫األخرى‪ .‬وتعكس عادة تعدد الزوجات املعروفة منذ آالف السنني مظهرا‬ ‫من مظاهر سيادة النظام ألبطريريك والذي يفرتض السيادة املطلقة‬ ‫للذكر وهيمنته عىل أمناط العالئق االجتامعية واالقتصادية‪ .‬يف مطلع‬ ‫القرن العرشين قاد العديد من املفكرين واملصلحني الدينيني من أمثال‬ ‫قاسم أمني‪ ،‬من مرص‪ ،‬والطاهر الحداد‪ ،‬من تونس؛ قادوا حمالت رشسة‬ ‫ضد تعدد الزوجات ومن اجل تحرير املرأة وكذلك تقدمت العديد من‬ ‫دول شامل إفريقيا والرشق األوسط خالل القرن املايض بترشيعات تعمل‬ ‫عىل الحد من أو محاربة هذه املامرسة‪ .‬وأصبحت تركيا؛ الدولة ذات‬ ‫اإلرث اإلسالمي الضخم؛ أول دولة تقوم مبنع وتجريم تعدد الزوجات‬ ‫وكان ذلك يف العام ‪ 1926‬لتتبعها بعد ذلك تونس يف عام ‪ .1956‬ويف‬ ‫الصومال نص قانون األرسة ما قبل الحرب األهلية عىل عدم أحقية الزوج‬ ‫يف اتخاذ زوجة ثانية ما مل يثبت وبالدليل القاطع عدم مقدرة الزوجة‬ ‫األوىل عىل اإليفاء مبتطلبات الزوجية‪.‬سعت قوانني األرسة التي تبنتها كل‬ ‫من جيبويت واملغرب خالل األلفية الثانية‪ ،‬للحد من تلك املامرسة وذلك‬ ‫عن طريق إلزام الزوج‪ ,‬الحصول عىل موافقة الزوجة األوىل قبل اإلقدام‬ ‫عىل الزواج ورضورة امتالكه ملصادر رزق كافية متكنه من اإليفاء مبطالب‬ ‫األرستني‪ ,‬كام ان القانون ىف املغرب يسمح للزوجة ضمن عقد الزواج‬ ‫بإدراج رشط عىل الزوج بعدم اتخاذ زوجة ثانية‪.‬‬ ‫ىف العقود األخرية ومع صعود الحركة السلفية املعارصة تم الرتويج‬ ‫لتعدد الزوجات بصورة مل يسبق لها مثيل وذلك تحت دعاوى كثرية‬ ‫حتى صور وكأن إسالم الرجل ال يكتمل إال وله أكرث من زوجة‪..‬تزداد‬ ‫وترية الرتويج هذه حتى يتصعد جند التعدد ويبدو وكأنه ركن من أركان‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وما يغيب يف هذه التظاهرة‪,‬هي القاعدة القرآنية التي وضعت‬ ‫التعدد بني قوسني واشرتطت الستحقاقه ( العدل ) بعد أن أشارت إىل‬ ‫استحالة تحققه مام يعنى أن تعدد الزوجات يف مجتمعاتنا تقف وراءه‬ ‫الثقافة األبوية والتقاليد التي ال تضع اعتبارا للنساء وحقوقهن‪ ،‬أكرث مام‬ ‫تقف وراءه تعاليم القران الكريم‪,‬لذلك مل يكن قريبا ان نجد ان من‬ ‫يتحدثون عن رضورة تعدد الزوجات ليل‪ ،‬نهار ويصمتون عن حقوق‬ ‫النساء التي نص عليها الشارع ‪ ،‬يف التعليم والصحة والكرامة بل واملرياث‬ ‫وهى حقوق تحتل موقعا مركزيا وفق أولويات اإلسالم التي تقوم عىل‬ ‫العدالة والحرية والكرامة‪..‬يربر مروجو "تعدد الزوجات" بقولهم‪:‬‬ ‫أن التعدد يساعد يف الحد من بعض األمراض االجتامعية كالدعارة‬ ‫والعالقات خارج إطار الزوجية وإنجاب األطفال غري الرشعيني ولكن‬ ‫الشاهد هنا أن تجارب النساء واألطفال يف ظل األرسة القامئة عىل تعدد‬ ‫الزوجات أثبتت خطل هذه املربرات وذلك لفشل هذا النوع من الزواج‬ ‫يف إقامة عالقات أرسية متوازنة وسعيدة وىف توفري بيئة صحية لنمو‬ ‫وتربية األطفال والقصص هنا كثرية ومن مختلف مجتمعات املسلمني‪.‬‬

‫عندما تضطر املرأة إىل الدخول يف عالقة زواج متعدد‪,‬فعىل الرغم من‬ ‫اختالف قوانني األرسة من دولة إىل أخرى إال أن معظمها تعطى الزوجة‬ ‫األوىل الحق يف املعرفة برغبة الزوج يف الزواج بامرأة أخرى إال أنها‬ ‫تتجاهل موافقتها‪.‬‬ ‫من الطبيعي أن ي ُنظر إلى الزواج كما في جميع‬ ‫أنحاء العالم كمناسبة سعيدة تستوجب االحتفاء‬ ‫واالحتفال ولم يختلف األمر في حالة السودانية‬ ‫السيدة "جميلة‬

‫وهى البالغة من العمر ‪30‬عاما واألم ألربعة أطفال والتي ذكرت أن‬ ‫السنوات األوىل لزواجها قد مرت بشكل طبيعي وهى التي قد تزوجت‬ ‫مبارشة بعد جلوسها المتحانات [الشهادة السودانية] –املرحلة الدراسية‬ ‫قبل الجامعة يف السودان‪ -‬وقد كان زواجا سعيدا ومستقرا" فهي تقول‪":‬‬ ‫مل تكن هناك أية مشكلة من أي نوع بيننا وال حتى تلك الخالفات‬ ‫األرسية الطفيفة‪ .‬كانت عالقتنا هادئة وممتعة"‪.‬بعدها بدأت أحس‬ ‫بغرابة سلوك زوجي وعندما استجوبته يف األمر نفى وجود أي مشكلة‪،‬‬ ‫لكن شكويك بدأت تتزايد وبدأت أتعقبه الكتشف انه قد تزوج من امرأة‬ ‫أخرى وأنجب منها طفل"‪...‬تزوج وأنجب وانا ال اعرف!!‪.‬‬ ‫وقد عربت كل من جميلة من السودان ومريم من الصومال عن‬ ‫إحساس عميق بالغضب واالهانة الشديدين بعد أن علمتا بوجود‬ ‫الزوجة الثانية‪ .‬فتعدد الزواج كثريا ما يسبب آثار نفسية عميقة لدى‬ ‫املرأة‪ ،‬فها هي جميلة تعرتف قائلة‪" :‬لدى سامعي الخرب احرتت فيام‬ ‫يجب عىل القيام به‪ ،‬هل يجب عىل الذهاب إىل تلك املرأة وقتلها؟‬ ‫كانت الدماء تغيل يف عروقي ومل أمتكن من التحكم يف حالة الغضب‬ ‫التي كانت تتملكني"‪.‬‬ ‫مما تجدر اإلشارة إليه هنا هو تلك المفارقات‬ ‫المحزنة اذ في الكثير من الحاالت تُالم المرأة على‬ ‫قرار زوجها باتخاذ زوجة أخرى‬

‫مام يسبب لها نوع من اإلحساس بالذنب‪ ،‬فالصومالية مريم والتي‬ ‫تزوج زوجها من امرأة أخرى دومنا سبب وجيه فمريم هذه أنجبت‬ ‫مثانية أطفال من بينهم أربعة ذكور‪ ،‬تجد نفسها هي املالمة عىل ما‬ ‫فعله زوجها وصارت تحمل لقب الزوجة "غري املطيعة" والتي ال تكن‬ ‫اي احرتام لزوجها ففي مجتمع كالصومال أو السودان يعزى قرار الزوج‬ ‫باتخاذ امرأة أخرى لفشل الزوجة األوىل يف اإليفاء بواجباتها عىل الوجه‬ ‫األكمل ومن هنا تأىت الصدمة للزوجة األوىل ألنها لحظتئذ ستبدأ يف‬ ‫محاسبة نفسها وستكتشف إنها مل تقرص يف واجباتها تجاه زوجها وتجاه‬ ‫بالنسبة للكثريات من النساء يصبح الزواج التزاما اجتامعيا وواجبا أطفالها وهذا بالضبط ما حدث ملريم فكانت صدمتها وكان سؤالها الذي‬ ‫البد من القيام به‪,‬وتزداد املعاناة يف داخل مؤسسة الزواج وتصبح كابوسا مل تجد له إجابة‪ ،‬ملاذا فعل زوجي ما فعل؟؟!‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫مساواة‬

‫اللوحة ‪ :‬روني اوقوانق يوغندا‬

‫الزواج املتعدد‪ ،‬حيث تذكر جميلة‪ " .‬لقد كانت فرتة عصيبة بالنسبة‬ ‫يل من الناحية العاطفية وقد تأثر أبنايئ بذلك مام انعكس عىل أدائهم‬ ‫املدريس مع إنني كنت اعمل جاهدة عىل إخفاء آالمي عنهم إال أن‬ ‫مفاجأيت كانت عندما اكتشفت أنهم قد قاموا مبناقشة األمر باملدرسة‬ ‫‪ ،‬فقد خربتني ابنتي ذات الثامين سنوات لدى عودتها من املدرسة‬ ‫بأن والد احد صديقاتها قد اتخذ زوجة ثانية و عىل أثر ذلك تركت األم‬ ‫منزل األرسة و ذهبت‪،‬و عندما سألتها عن رد فعلها حيال ما حدث لنا؟‪،‬‬ ‫قالت‪ ":‬أخربت صديقتي بأن والدي أيضا قد أتخذ زوجة ثانية ولكن امى‬ ‫مل ترتكنا و تذهب"‪.‬‬

‫ال تنحرص اثأر تعدد الزوجات عىل اآلثار النفسية والعاطفية التي‬ ‫تصيب الزوجة املترضرة وإمنا تتعداها إىل كيان األرسة ككل ونعنى‬ ‫باألرسة هنا األرسة يف مؤسسة التعدد‪ ،‬مثنى أو ثالث أو رباع حيث تكون‬ ‫اآلثار هنا يف بعض األحيان اثارا ً اقتصادية تتعلق بالوضع املعييش لألرسة‬ ‫وقد تكون تربوية تتعلق مبتابعة األبناء وتنشئتهم وتعليمهم فالتعدد‬ ‫كام هو معلوم يفرض غياب األب يف الكثري من األحيان ‪ ,‬يضاف لهذا‪،‬‬ ‫الرصاع والجفوة التي تحدث بني الزوجات والتى كثريا ما تنعكس عىل‬ ‫االبناء "اإلخوة" فمثل هذا الرشخ كثريا ما نجده ىف مؤسسة زواج التعدد‪،‬‬ ‫إال أن األخطر من كل هو غياب العدل مع الزوجات والذي يف الغالب‬ ‫ينعكس عىل األبناء فيحدث الرشخ بني األب وبعض أبنائه والقصص‬ ‫إن األطفال الذين ينشئون يف كنف مؤسسة الزواج املتعدد كثريا ما‬ ‫هنا كثرية ومنترشة يف الكثري من مجتمعات املسلمني ‪ ،‬فها هي مريم‪،‬‬ ‫تقول‪":‬لقد وجدت لنفيس منزال يف الطرف اآلخر من املدينة‪،‬وعملت تنقصهم الثقة الكافية التي متكنهم من االنخراط يف عالقات مستقرة‬ ‫بائعة ألبان ألعيش واريب أبنايئ بعد أن تخىل عنا ومل يعد يتصل حتى وذلك من جراء الصدمات النفسية التي يتعرضون لها داخل ارس موبوءة‬ ‫بالرصاعات واملرارات‪ ،‬وكثريا ما يرث هؤالء األطفال بعض املفاهيم‬ ‫بأبنائه‪،‬الذين كثريا ما كانوا يبكون ويسألونني عن سبب ابتعاده عنا"‪.‬‬ ‫الخاطئة املتعلقة بعدم املساواة ودونية املرأة وبعدم املحاسبة والتنصل‬ ‫تفرض وضعية الزوجة الثانية عىل املرأة رشوطاً صعبة وىف هذا تقول من املسؤولية‪،‬كام ان غياب االب املتكرر بسبب أن لديه أكرث من‬ ‫أمرية البالغة من العمر ‪ 40‬عاماً والتي أصبحت زوجة ثانية عندما كانت زوجة يفاقم من إحساسهم بالتجاهل والهجران وهي أحاسيس غالبا ما‬ ‫تبلغ من العمر ‪ 25‬عاماً‪ ،‬تقول‪" :‬لقد قبلت بوضعية الزوجة الثانية ألن يحملونها معهم طوال حياتهم‪.‬‬ ‫خطيبي تركني ومىض وألنني من جانب أخر شعرت بجدية من تقدم‬ ‫وهكذا وبالرغم من التجربة املريرة التى تعرضت لها (مريم وجميلة‬ ‫يل كام أنني أردت أن أحقق رغبة أىب يف أن يراين متزوجة قبل أن ميوت‬ ‫خاصة وانه كان مريضا‪ ،‬يف بداية األمر مل يخطر عىل باىل حجم املشاكل وامرية)ي فأنهن يشعرن بالفخر بكل ما اكتسبنه وما حققنه من استقاللية‬ ‫التي سوف تواجهني فيام بعد خاصة وأننا كنا سعداء لفرتة من الزمن‪ ،‬وبكل ما بذلنه من جهد وتعب وعنت يف رعاية أبنائهن‪ ،‬تبتسم مريم‬ ‫بعدها عرفت معاناة الزوجة الثانية حيث الغرية القاتلة والتوزيع غري وتقول‪" :‬عندما أخربوين بأنه تزوج بامرأة ثالثة!!‪،‬قلت يف نفيس‪ ،‬البد أن‬ ‫العادل للموارد املالية واالهتامم‪ ،‬والسعي بني الزوجات أنفسهن يف الزوجة الثانية اآلن تعاين كام عانيت من قبل"‪ .‬أقول‪ ( ،‬اننى اليوم حقيقة‬ ‫زراعة بذور الفتنة بينهن من ناحية وبني أبنائهن من الناحية األخرى" ‪ ،‬فخورة بنفيس وباملكانة التي وصلتها وكذلك بكوين بائعة ألبان متجولة‪،‬‬ ‫وتتداعى أمرية يف هذا الصدد وتقول‪ ":‬كنا (الزوجة األوىل وأنا) نعيش يف لقد تخلصت من ضغوط التفكري فيه‪،‬تلك التي اورثتنى األرق‪.‬أنا اآلن‬ ‫منزلني متجاورين؛ وكانت [الزوجة األوىل] تتفوه ضدي بكالم نايب‪ ،‬عندما مشغولة فقط بالقلق عىل أبنايئ واجتهد يف تربيتهم عىل أكمل وجه)‪.‬‬ ‫كنا نلتقي يف املناسبات العامة يف الحي وقد حدثت بيننا العديد من‬ ‫االشتباكات التي ألقت بظالل كثيفة عىل أبنائنا"‪.‬‬ ‫حوار عائشة السماني وعبد الفتاح حسن على‬ ‫كام نالحظ فأن الجميع يتفق (زوجة أوىل وزوجة ثانية) عىل أن‬ ‫األطفال هم األكرث عرضة لآلثار السلبية ملؤسسة‬

‫من اإلنجليزية‪ :‬محمد عثمان الفكي‬

‫اشارة‪ :‬األسماء المستخدمة في هذا الحوار اسماء مستعارة‬

‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪31‬‬


‫إميان ادم كاتبة وشاعرة وناشطة يف الدفاع عن حقوق النساء من‬ ‫السودان‪ .‬تعمل يف مجال األنشطة الثقافية والعالقات العامة مع الجمعية‬ ‫السودانية للسالم والثقافة (سوباط)‪ .‬العديد من قصائدها تم نرشها يف‬ ‫الصحف ومنابر التواصل االجتامعي االسفرية‪.‬‬ ‫اللوحة ‪ :‬جالل يوسف‬

‫‪32‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫جموح‬ ‫إيمان ادم‬

‫وط ٌن بحجمِ املحن ِة الحوا ِء‬ ‫يف الزمنِ اللئيم‬ ‫ضيق عىل ضيقٍ‬ ‫ٌ‬ ‫وقد ٌر كالجحيم‬ ‫إلهي العناي ِة‬ ‫ٌ‬ ‫بؤس ٌّ‬ ‫ُلقت مع الحريم‬ ‫إذ خ ُ‬ ‫ِ‬ ‫الجسد االديم‬ ‫ضلع من‬ ‫ضلع مقوس ُة الجبل ُة‬ ‫قُ ّد قدي كيف قدي يستقيم‬ ‫ام ان هذا الطب ُع جبل اليريم‬

‫ ‬

‫زرين أقطّ ُع غابة‬ ‫من ِ‬ ‫محض أشجاين‬ ‫ِ‬ ‫واطياف املساء‬ ‫العبودي ُة للرب‬ ‫كام ُ‬ ‫الذل خليق بالنساء‬ ‫وانا من نطف ِة املا ِء‬ ‫عجني للشقاء‬ ‫الحب إذ‬ ‫مل يرها ُّ‬

‫ ‬

‫بعض الكربياء‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫القلب ُ‬ ‫للرب‬ ‫العبودي ُة ِّ‬ ‫فكن يل ما تشاء‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪33‬‬


‫جسد المرأة ما بين صراعات‬ ‫السلطة و السياسة في فرنسا‬ ‫حول منع ارتداء البوركيني ( الحجاب ) في فرنسا‬

‫سيليا هيدجز‪-‬‬ ‫فرنسية متخصصة‬ ‫يف التنمية الدولية‬ ‫وتعمل يف مجاالت‬ ‫تنمية حقوق املرأة‬ ‫يف أفريقيا ودول‬ ‫الكاريبي ‪ .‬عملت‬ ‫يف السابق ضمن‬ ‫املبادرة االسرتاتيجية‬ ‫للمرأة يف القرن‬ ‫اإلفريقي ‪ ،‬وتعمل‬ ‫اآلن كمستشارة‬ ‫مستقلة‪ ،‬مقيمة بجزر‬ ‫الكاريبي‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫املتصفح للصحف الفرنسية الصادرة منذ فجر أغسطس ‪ 2016‬يعتقد مجلس الوالية‪ ،‬إعادة النظر يف قرار الحظر‪ .‬حيث أوصت املحكمة بعدم‬ ‫جازماً أن ‪1‬الربوكينى قد غزا جميع شواطئ فرنسا‪ .‬وعىل الرغم من انقضاء دستورية القرار‪ ،‬بل ورأت‪ ،‬أ ّن القرار من شأنه تقويض مبدأ ال ُح ّريات‬ ‫أيام الصيف إال أن حالة االضطراب التي سببه حظر الربوكينى تحول ايل املدنية‪ ،‬والتي من ضمن بنودها‪ُ :‬ح ّريتّي الحركة واالعتقاد‪.‬‬ ‫حالة جدال حاد حول قضايا حقوق املرأة و العلامنية واستيعاب اآلخر‪،‬‬ ‫حيث تصارع فرنسا منذ فرتة طويلة مع النمو امللحوظ ألعداد املسلمني‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬مل يتمكّن قرار املحكمة العليا من إنهاء حالة الجدل‬ ‫يف البالد وصريورة التحول إىل دولة متعددة الثقافات‪ .‬هذا باإلضافة‬ ‫متسك بعض األطراف مبواقفها املُتَصلِّبة‪ ،‬والرافضة‬ ‫ظل‬ ‫يف‬ ‫السائدة‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫إىل الصدمة النفسية والقلق الذي أصاب املجتمع من جراء الهجامت للبوركيني‪ُ ،‬م ّربرة ذلك بدفاعها عن قيَم فرنسا العلامنيّة !‬ ‫اإلرهاب ّية التي أصابت البالد وع َمقت من ح ّدة االستقطاب يف مجتمع‬ ‫ِ‬ ‫أصالً ُم ْنق َِسم عىل نفسه‪ .‬حيث وجدت األقليّة امل ُسلمة نفسها يف موضع‬ ‫واملعروف‪ ،‬أ ّن فرنسا كانت قد تبنت قانون حامية مبادئ العلامنيّة يف‬ ‫الشك واالتهام‪.‬‬ ‫سنة ‪ ،1905‬إن ِْطالقا من مبدأ الفصل التام‪ ،‬بني الدولة والكنيسة و ُحريّة‬ ‫اإلعتقاد‪ .‬وهو املبدأ الذي يسعى‪ ،‬بحسب هؤالء‪ ،‬إىل تحرير األشخاص‬ ‫من قبضة الكنيسة‪ ،‬وتحويل إدارتها إىل القطاع الخاص‪ .‬ويف نفس الوقت‪،‬‬ ‫و لألسف‪ ،‬فقد أصبح جسد المرأة بمثابة ساحة‬ ‫من املفرتض ان يعمل هذا املبدأ عىل كَفَالَة ُح ّرية ُمامرسة الشعائِر‬ ‫المعركة للنقاشات الحادة‪ ،‬واألجِ نْدة األيديولوجي ّة‬ ‫والسياسية والدينية‪ .‬حيث تحتمل النساء المسلمات ِ‬ ‫الدينيّة لألفراد‪.‬‬ ‫ت ِبعات قلق الفرنسين‪ ،‬والحاجة إلى إيجاد ضحية‬ ‫ي ُلقى باللوم علي ّها‪ .‬حيث يتم استغالل جسد المرأة‬ ‫المسلمة وملبسها وسلوكها االجتماعي‪ ،‬لِلتعب ّ ِير‬ ‫عن ُ‬ ‫العال َ​َمة‬ ‫سؤال الهُوي ّة‪ .‬و أصبح البوركينى ِب َمثابة َ‬ ‫الوحِيدة المنوط بها تحديد إنتماء األشخاص‪ ،‬إمّا إلى‬ ‫قيم الدولة‪ ،‬أوإلى مجتمع المسلمين!‬

‫وانطالقا من الفهم الصارم للعلامنيّة‪ ،‬والذي يدعو إىل حظر استخدام‬ ‫كافة العالمات الدينية يف األماكن العا ّمة‪ ،‬تب ّنى مؤيدو حظر البوركيني‪،‬‬ ‫املوقف الذي يعترب البوركيني عالمة دينية تعرب عن العقيدة اإلسالمية‪،‬‬ ‫وبالتايل تتناقض مع الفهم للعلامنية‪ .‬وقد ذهب البعض أبع ُد من ذلك‪،‬‬ ‫حني قاموا بالتشكيك يف قدرة اإلسالم عىل التاميش أو التناغم مع "القيم‬ ‫الفرنس ّية"‪.‬‬

‫وتعود جذور قضية البوركينى إىل القرار الذي أصدره ال ُع ْم َدة (ديفيد‬ ‫ليزنو)‪،‬عمدة ُم ْنتَ َجع "كان"‪ .‬والذي حاول مبوجبه حظر ارتداء البوركيني‬ ‫بالقانون‪ ،‬عىل اعتبار أنّه زيّا غري مناسب‪ ،‬وغري الئق يف جميع أنحاء‬ ‫املنتجع‪ .‬ووعد القرار بفرض غرامة قدرها ‪ 38‬يورو‪ ،‬عىل ك ُّل من ال‬ ‫يتقيد بحيثيات هذا القرار‪ .‬ويف الوقت الذي أثار فيه القرار ردود أفعال‬ ‫ُمتبا ِي َنة‪ ،‬إزدادت أعداد امل ُدن األُخرى التي أيدت القرار؛ مام زاد من‬ ‫حالة اإل ْح ِتقَان وسط امل ُجتمع ال ِفرنيس‪.‬‬

‫عىل الصعيد املعاكس‪ ،‬قام الخصوم الذين رفضوا قرار الحظر‪ ،‬بإدانة‬ ‫وشجب ما أسموه بالنهج السيايس امللتوي الذي سلك ُه مؤيدو القرار‬ ‫يف تفسري العلامنية‪ ،‬بُ ْغيَة تحويلها إىل أداة للتحكم يف‪ ،‬ومراقبة‪ ،‬سلوك‬ ‫املسلمني يف فرنسا‪ .‬وقد إعترب رافضو القرار أ ّن القانون الفرنيس يف‬ ‫حل وسطاً من غري متييز‪ ،‬يَ ْكفُل به ُحريّة االعتقاد‬ ‫حقيقته إمنا يُق ِّدم ّ‬ ‫ُسلمي‪.‬‬ ‫والتدين للجميع‪ ،‬بِ ا يف ذلك امل ِ‬

‫جاء قرار تب ّني حظر البوركينى مبارشة بعد يوم واحد من هجامت‬ ‫احتفاالت يوم الباستيل يف ضاحية نيس‪ ،‬والتي بلغ عدد ضحاياها‬ ‫السلطات املحل ّية تبنى قرار الحظر املثري للجدل‪،‬‬ ‫‪ 85‬شخصاً‪ .‬وبر ّرت ُ‬ ‫باإلجراء اإلستباقي‪ ،‬لحامية النظام العام والعلامن ّية و"السلوك القويم"‪.‬‬ ‫ووسط ك ُّل هذا الهيجان‪ ،‬طلبت املحكمة اإلداريّة ال ُعلْيَا يف فرنسا ِمن‬

‫وتجاوز الجدل حول البوركينى مسألة العلامن ّية‪ ،‬ليلج فضاء القضايا‬ ‫النسوية وحقوق املرأة‪ ،‬حيثُ إعترب البعض إ ّن السامح بإرتداء البوركينى‪،‬‬ ‫هو بِ َثَابة قُبول ِض ْمني باضطهاد املرأة‪ ،‬ودليل قاطع عىل تواطؤ الدولة‪،‬‬ ‫باملشاركة يف نرش ن ُْسخَة ال َوها ِب ّية املُتَط ِّرفة من اإلسالم‪ ،‬والتي ت ُنادي‬ ‫برضورة إخضاع املرأة يف األماكن العامة‪.‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫ما بين عالمين‬

‫الكاريكتير خالد البيه السودان‬

‫ومل يشكّك هذا الفريق يف أهمية حظر البوركينى وحسب‪ ،‬و ل ِك ّنه‬ ‫وقد تب ّنى العديد من أعضاء الحكومة الفرنسية موقف لورنس‬ ‫ِ‬ ‫عب أيضا اعتربه غري زي جدوى‪ .‬أل ّن تَ ْحرِيم ارتداء الزي امل ُ ْعتَدل‪ ،‬ال يساعد‪،‬‬ ‫روسينو‪ ،‬وزيرة شئون املرأة‪ ،‬والذي ذكرت فيه‪ ،‬أنّ‪" :‬البوركيني" يُ ّ‬ ‫خاصة عن مكانة املرأة‪ ،‬وال ميكن اعتباره صيحة موضة‪ ،‬أو تعبري بحسب قولهم‪ ،‬عىل تحرير املرأة‪ ،‬بل يُفَا ِقم من ِ‬ ‫اضطهادها‪ .‬وذلك‬ ‫بصفة ّ‬ ‫بتضييق فرص إمكانيّة استمتاعها بالشواطئ واملرافق العامة األخرى‪،‬‬ ‫عن ُحريّة فرديّة"‪.‬‬ ‫اليشء الذي ما كان سيحدث‪ ،‬لوال هذا الحظر‪.‬‬ ‫وعىل ذات املِنوال‪ ،‬وصف رئيس الوزراء (مانويل فال)‪ ،‬البوركينى بـ"‬ ‫ولكن يف نهاية املطاف نجد أ ّن قضية حظر البوركينى‪ ،‬وما أثارته‬ ‫خصص للسباحة‬ ‫امل ُْست ِفز والبايل"‪ ،‬مضيفاً‪ " :‬أ ّن البوركينى كزي‪ ،‬غري ُم ّ‬ ‫عب عن مرشوع سيايس معادى للثقافة‪ ،‬ويعمل بصفة من هياج إعالمي ضخم‪ ،‬قد كشفت عن أزمة أكرث ُع ْمقَا يعاىن منها‬ ‫أصالً‪ ،‬ولك ّنه يُ ّ‬ ‫املجتمع الفرنيس‪ ،‬وتتمثل يف حالة التوتر امل ُتضمنة يف الرصاع ما بني القيم‬ ‫خاصة عىل إسرتقاق املرأة"‪.‬‬ ‫الليربالية‪ ،‬والتي يُنظر إليها كَ ُمك ِّون أسايس من مكونات الهوية القومية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫من ناحية‪ ،‬و مسألة قبول اآلخر الذي يحمل ِقيّامً ُمغَايرة‪ ،‬من الناحية‬ ‫تعرضت‬ ‫لم تحظى تلك المواقف بتأييد األغلبي ّة‪ ،‬بل‬ ‫األخرى‪ .‬كذلك‪ ،‬كشفت القض ّية‪ ،‬أيضاً‪ ،‬عن عجز فرنسا عن تب ّني ِسياسة‬ ‫النتقادات حادة من قبل الفريق المناهض للحظر‪.‬‬ ‫والذي إعتبر أ ّ‬ ‫التع ّدديّة الثقافيّة‪ .‬خاصة وأنها تضم أكرب جالية مسلمة يف أوروبا‪ ،‬وعدم‬ ‫ن تفعيل الحظر‪ ،‬من شأنه أن ي ُكر ّس‬ ‫لِكراهي ّة المرأة‪ ،‬ويساعد على تقويض مبدأ الحق في القُدرة عىل احتواء حالة عدم االرتياح العام‪ ،‬للحضور املتنامي لإلسالم‬ ‫حُري ّة االِختيار‪ .‬وأضاف هؤالء‪ ،‬أ ّن قوّة المرأة تكمن في يف البالد‪.‬‬ ‫قدرتها على إتخاذ القرارات الخاصة بجسدها‪ ،‬وردائها‬ ‫وفقاً إلعتقاداتها‪ ،‬وإعتبروا تغطية المرأة لجسدها‪،‬‬ ‫جزءاً ال يتجزّأ من حقوق المرأة‪.‬‬

‫و قد زادت الهجامت اإلرهابية األخرية يف فرنسا‪ ،‬من وترية التخوف‬ ‫العام من اإلسالم يف فرنسا‪ .‬حيث بدأ املسلمون يتعرضون للمضايقة‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪35‬‬


‫والتنميط بصورة متزايدة‪ .‬وتزامن كل ذلك‪ ،‬مع إقرتاب موعد االنتخابات‬ ‫الرئاسية‪ ،‬التي مل يتبقى لها ِس َوى عام واحد‪ ،‬مع تصاعد حظوظ الحزب‬ ‫اليميني املتطرف‪ ،‬كُلّها أسباب‪ ،‬أغرت السياسيني بال ِج ُنوح إىل إستغالل‬ ‫مخاوف الجامهري من أجل املكاسب الحزب ّية‪.‬‬

‫وعىل الرغم من تف ُّهمي الكامل لدواعي وأسباب نقد البوركينى‪،‬‬ ‫إالّ أن ّني أرى‪ ،‬أالّ يكون هذا النقد عىل نحو يقود إىل حرمان املرأة من‬ ‫حق االختيار‪ .‬فمن املؤكد‪ ،‬ان هناك تناقض واضح بني رفض البوركينى‬ ‫عىل اعتباره آلية ُصممت إلخفاء والتحكُّم يف جسد املرأة‪ ،‬من ناحية‪،‬‬ ‫واستخدام ذات األساليب إلجبار املرأة عىل الخضوع لعادات مقبولة‬ ‫اجتامعيّا بواسطة األغلبية‪ ،‬من الناحية األخرى‪.‬‬

‫و يعرب الجدل حول البوركينى من ناحية أخرى‪ ،‬عن الرغبة الجامحة‬ ‫والساعية‪ ،‬نحو مترير القوانني و الترشيعات القاضية بالتحكم يف‬ ‫كذلك‪ ،‬عىل املرء تج ّنب الوقوع يف فَ ْخ إلقاء اللوم عىل املرأة‪ ،‬التي‬ ‫اختيارات ولباس املرأة‪ .‬وكأنّ ا قد أصبح رأس املرأة‪ ،‬وساعداها‪ ،‬وأرجلها‪،‬‬ ‫كشمعة نعلق‬ ‫ذلك‬ ‫واستخدام‬ ‫فرنسا‪،‬‬ ‫يف‬ ‫البوركينى‬ ‫تلبس‬ ‫أن‬ ‫اختارت‬ ‫ُجسد ق ّيم الوطنية‪ .‬ولكن ليس يف األمر جديد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مبثابة العنارص التي ت ّ‬ ‫عليها عدم قدرة الحكومة الفرنسية عىل إدماج املجتمعات املسلمة‪ .‬أو‬ ‫تم إجبار المرأة على مر التاريخ‪ ،‬على التحجب يف املساهمة يف تطويل آجال أنظمة القهر واألبويّة يف أنحاء أخرى من‬ ‫فلطالما ّ‬ ‫ْ‬ ‫العامل‪ .‬فمن املؤكد‪ ،‬أن هناك الكثري من القضايا أكرث الحاحاً من مسألة‬ ‫التعري‪ِ ،‬وفقا ألهواء القابضين على كراسي‬ ‫أو‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫السلطة‪ .‬كذلك‪ ،‬يفضح الجدل الدائر حول البوركيني‪ ،‬البوركينى‪ ،‬وهي التي تحتاج م ّنا الوقوف عندها ومعالجتها‪ ،‬مثل‪ ،‬قضايا‬ ‫عن االعتقاد ُ‬ ‫الفقر وحقوق املرأة والتط ّرف الديني وإدماج الشباب يف املجتمع‪ .‬كلها‬ ‫المضمن حول عدم أهلي ّة المرأة على‬ ‫ُّ‬ ‫قضايا حيوية ومركزية يف جدلية الرصاع الثقايف والسيايس االن يف فرنسا‪.‬‬ ‫التحكم في مظهرها‪ .‬بالطبع‪ ،‬هذا موقف يدعو‬ ‫للحزن‪،‬‬

‫ألنّنا نؤمن بأ ّن املرأة يف فرنسا اليوم لها ال ُق ْدرة عىل إتخاذ القرارات‬ ‫الخاصة بحياتها‪ .‬وال تحتاج أن يُفرض عليها االنصياع والخضوع لعادات‬ ‫ّ‬ ‫وتقاليد معينة‪ ،‬بواسطة آخرين‪ ،‬سواء كانوا جزءا ً من سلطة الدولة‪ ،‬أو‬ ‫من القامئني عىل أمور الدين‪ .‬لكن كل هذا ال يجب أن يجعلنا نتجاهل‬ ‫حقيقة أن البوركينى ميثل يف جوهره رمزا لالضطهاد‪ ،‬أو أن نقلل من‬ ‫شأن نضاالت ماليني النساء‪ ،‬الاليئ يعانني بشكل يومي من عنت التطرف‬ ‫الديني والذى من ناحية اخرى يسعي ايل املزايدة السياسية بأجساد‬ ‫النساء ووجودهن يف الحياة العامة‪.‬‬ ‫إنّه ملن املفارقة الساخرة‪ ،‬أن يصبح البوركينى يف فرنسا‪ ،‬يف آن واحد‪،‬‬ ‫أيقونة ملقاومة السلطة‪ ،‬من ناحية‪ ،‬ورمزا للحرية‪ ،‬من الناحية األخرى‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬ال يجب أن تخدعنا املحاوالت التي تسعى لتصوير البوركينى‬ ‫عىل أنّه يُساهم يف متكني املرأة املسلمة‪ .‬عىل العكس من ذلك‪ ،‬ففي‬ ‫اعتقادي إنّه ميثل‪ ،‬وبصورة واضحة‪ ،‬الضغوط امل ُتزايدة عىل املرأة‬ ‫املسلمة يف جميع أنحاء العامل‪ ،‬عىل تب ّني التفسري امل ُحافظ لإلسالم‪.‬‬ ‫كما يمثل البوركيني المحاوالت ُ‬ ‫المتَكر ّرة التي تسعى‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫لتجعل من جسد المرأة‪ ،‬الخاصي ّة النهائي ّة التي تشكل‬ ‫معاني الهُوي ّة واإلنساني ّة‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫سيليا هيدجز‬

‫من االنجليزية محمد عثمان الفكي‬

‫‪ 1‬البوركيني هو نوع من‬ ‫مالبس السباحة التي صممتها‬ ‫األسرتالية ذات األصل اللبناين‬ ‫عاهدة زنايت وهو عبارة عن‬ ‫بدلة سباحة تغطي كامل‬ ‫الجسم ما عدا الوجه واليدين‬ ‫والقدمني‪ ،‬وهي مطاطية مبا‬ ‫يكفي للمساعدة يف السباحة‪،‬‬ ‫وقد القت رواجاً كبريا ً لدى‬ ‫مسلامت أوروبا‬


‫ما بين عالمين‬

‫الروائية ليلى أبو العال‬ ‫والكتابة ما بين عوالم متعددة‬

‫ولدت الكاتبة ليىل أبو العال يف السودان ألم مرصية وأب سوداين‪،‬‬ ‫الخاصة واملعروفة مبستواها التعليمي‬ ‫ودرست يف املدارس الكاثوليكية‬ ‫ّ‬ ‫املتفوق؛ ما ساعدها عىل اجتذاب أبناء وبنات األرس امليسورة يف العاصمة‬ ‫السودانية إبّان سبعينيات القرن املايض‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬حصلت ليىل عىل‬ ‫درجة البكالوريوس يف االقتصاد من جامعة الخرطوم ودرجة املاجستري‬ ‫يف اإلحصاء من جامعة لندن‪ .‬هاجرت ليىل أبو ال ِعال إىل بريطانيا يف عام‬ ‫‪ ،1990‬حيث شهدت تلك الحقبة من تاريخ السودان تح ّوالت عميقة يف‬ ‫النواحي االجتامعية والثقافية واالقتصادية‪ ،‬أدّت إىل هجرات كبرية وسط‬ ‫أبناء وبنات الطبقة الوسطى من السودان‪.‬‬ ‫لليىل أبو ال ِعال أربع روايات منشورة‪ :‬يف مقدمتها رواية "املرتجمة"‪،‬‬ ‫التي صدرت يف عام ‪ ،1999‬ونقلها إىل العربية املثقف والسيايس السوداين‬ ‫املرموق الراحل الخاتم عدالن‪ .‬ثم صدرت لها يف عام ‪ 2004‬رواية‬ ‫"املنارة" ‪ ،Minaret‬التي تحيك تجربة فتاة سودانية تنحدر من أرسة‬ ‫متغيات الحياة االقتصادية التي طالت أرستها‪،‬‬ ‫ميسورة الحال‪ ،‬أجربتها ّ‬ ‫الهجرة إىل اململكة املتحدة لتعيش هناك حياة شظف وعوز؛ األمر‬ ‫الذي يؤدي يف النهاية إىل تش ُّوش منظومة قيمها األخالقية والثقافية‪.‬‬ ‫ضمن ذلك‪ ،‬تكشف الرواية عن التعقيدات املرتتبة عىل تجربة العيش‬ ‫يف املنفى‪ ،‬مبا يف ذلك التعقيدات املتصلة برصاعات الهويّة واالنتامء‪.‬‬ ‫يف عام ‪ ،2010‬نرشت أبو العال رواية "حواري الشعر" ‪،Lyrics Alley‬‬ ‫التي تص ِّور فيها تفاعالت الحياة االجتامعية وسط الطبقات الغنية يف‬ ‫السودان يف خمسينيات القرن املنرصم‪ .‬وصدرت آخر رواياتها يف ‪،2015‬‬ ‫(‪ ،)The Kindness of Enemies‬أو "عطف األعداء" تروي فيها قصة‬ ‫وأب سوداين‪ ،‬وترسد خاللها‬ ‫"ناتاشا"‪ ،‬الفتاة التي يعود أصلها ألم روسية ٍ‬ ‫قصة بحثها يف اإلرث األسطوري للمحارب القوقازي املسلم "إمام شامي"‪.‬‬

‫ليلي ابوالعال تصوير ‪ :‬احمد ناجي محجوب‬

‫أن شخصيات رواياتها يخوضون‪ ،‬يف الغالب‪ ،‬رصاعات االنتامء واالنبتات‬ ‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬نرشت ليىل أبو العال العديد من القصص القصرية‪ ،‬وميضون حيواتهم بحثًا عن سبل التواصل والتك ّيف مع تلك الفضاءات‬ ‫كام تم بثّ قصصها مر ٍ‬ ‫ات عديدة عرب العديد من القنوات اإلذاعية‪ .‬يف املغايرة‪.‬‬ ‫عام ‪ ،2000‬نالت قصتها القصرية املوسومة بـ "املتحف" ‪،The Museum‬‬ ‫جائزة "كني األوىل" للكتابة األفريقية‪ ،‬ويف السنة التالية‪ ،‬صدرت لها‬ ‫يف يوليو عام ‪ 2016‬أجرت الصحفية اإلنجليزية ليزا كليفورد‪ ،‬حوا ًرا مع‬ ‫مجموعة قصص قصرية تحت عنوان "أضواء مل ّونة"‪.‬‬ ‫ليىل أبو ال ِعال بنا ًء عىل طلب من دورية "املرأة يف اإلسالم"‪ ،‬بشأن ابطال‬ ‫رواياتها وطبيعة حياتهم والسيام العيش يف العوامل ذات السامت الثقافية‬ ‫قاصة متفردة ومثرية للجدل؛ إذ تعكس واالجتامعية املختلفة‪.‬‬ ‫لكل ذلك‪ ،‬ت ُعترب ليىل أبو العال‪ّ ،‬‬ ‫أعاملها دو ًما الطبيعة املعقدة واملتن ّوعة لصدامات الهويّة الثقافية‬ ‫والدينية‪ .‬فهي كروائية تحاول‪ ،‬بشجاعة فائقة وصدق‪ ،‬سرب أغوار قضايا‬ ‫"لقد تدهور مستوى حيايت كث ًريا‪ ."...‬بهذا الجملة‪ ،‬تصف نجوى‪ ،‬بطلة‬ ‫الهوية الثقافية للمسلمني الذين يواجهون تعقيدات الحياة يف بيئات رواية "املنارة"‪ ،‬واملنتمية ألرسة ميسورة الحال يف السودان‪ ،‬تجربة العيش‬ ‫مغايرة لثقافتهم‪ ،‬والتي قد تكون أحيانًا بيئات معادية‪ .‬لذلك‪ ،‬نالحظ يف املنفي‪ ،‬تجربة العيش يف املنفي يف بريطانيا التي وصلتها عىل خلفية‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪37‬‬


‫إجبارها مغادرة بلدها األصيل يف أعقاب انقالب عسكري أطاح بالنظام هجرت عامل األرقام نهائ ًيا إىل غري رجعة‪ .‬تقول‪" :‬أج ُد نفيس يف الكتابة‬ ‫الحاكم والذي كان أفراد أرستها جزاء من طاقمه‪ .‬وكأنّها بذلك أيضً ا أكرث من كوين أستاذة إحصاء"‪.‬‬ ‫تكشف‪ ،‬وإن بشكل موارب‪ ،‬حال ليىل أبو ال ِعالء‬ ‫ّ‬ ‫نفسها التي غادرت دفء وتنوع الخرطوم إىل‬ ‫من جهة ثانية‪ ،‬ي ُمثل صراع الدين وعزلة المسلمين‬ ‫(من الجنسين)‪ ،‬ووجودهم بين عالمين متناقضين‪،‬‬ ‫صقيع اسكتلندا يف عام ‪ ،1990‬حيث كان زوجها‬ ‫يعمل بعي ًدا هناك يف حقول البرتول‪ ،‬فيرتكها‬ ‫الموضوع الرئيسي في كتابات ليلى أبو العِ ال‪.‬‬ ‫هي وطفليها الصغريين مبفردهم‪ .‬لكن اللجوء‬ ‫ففي روايتها األوىل‪ ،‬املرتجمة‪ ،‬يحدث تقارب بني "سمر" األرملة ذات‬ ‫إىل الكتابة ساعدها عىل تح ُّمل لواعج الشوق‬ ‫والحنني إىل البلد وخفَّف من وطأة العزلة التي األصل السوداين و"رآى" ذي األصل األسكتلندي‪ ،‬ومتيض الرواية يف وصف‬ ‫ذلك التقارب واالنسجام بني الشخصيتني رغم اختالف خلفياتهم الدينية‬ ‫كانت تحيطها‪.‬‬ ‫والثقافية‪ .‬عىل النقيض من ذلك‪ ،‬نالحظ لجوء "نجوى" يف رواية "املنارة"‬ ‫يف ذات السياق‪ ،‬بدأت ليىل أبو ال ِعالء حديثها إىل الدين وإىل مسجد (ريجون بارك)‪ ،‬للحصول عىل السلوى ومن أجل‬ ‫بـاإلشارة إىل "أن الحياة يف مدينة أبردين اإلحساس بفكرة االنتامء يف عامل غريب ومعادي‪.‬‬ ‫األسكتلندية كانت أكرث قسوة مام توقعت"‪.‬‬ ‫ترى ليلى أ ّ‬ ‫قالت ذلك‪ ،‬فيام كانت تعلو محياها ابتسامة‬ ‫خصوصا كما‬ ‫ن تناولها لتجارب االعتقاد الديني‬ ‫ً‬ ‫خفيفة‪ ،‬بينام ظلت مستغرقة يف التفكري‪.‬‬ ‫يمارسها المؤمنون بصورة يومية‪ ،‬تمثّل بالنسبة لها‬ ‫موضوعة بالغة األهمية‪ ،‬وذلك أل ّ‬ ‫و تضيف‪" :‬رغم إنني أعتقد أن قدرايت عىل‬ ‫ن كتاب الروايات في‬ ‫التك ُّيف مع األوضاع عالية‪ ،‬لكنني مع ذلك‬ ‫غالبا ال يعيرون االهتمام الكافي لمثل تلك‬ ‫تقديرها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫واجهت صعوبة بالغة يف التأقلم مع حيايت خارج‬ ‫الهموم والتعقيدات التي تواجه الشخوص العاديين‪.‬‬ ‫السودان"‪ .‬وبخصوص بدايات عالقتها بالكتابة‪ ،‬تقول ليىل‪:‬‬ ‫تقول‪" :‬هناك العديد من الكتب التي تتناول شخصيات متطرفة أو‬ ‫"ال أميل بطبعي إلى الشكوى كثي ًرا‪ ،‬لذلك اتجهت إلى شخصيات ملحدة رافضة للدين كُلّيةً‪ ،‬إال أن تناول الشخصيات العادية‬ ‫خلق شخصي ّات تعيش في ظروف أكثر كآبة بالمقارنة ما يزال يحتل موق ًعا متوسطًا يف التناول الروايئ وكأن عامل الرواية ال يهتم‬ ‫كث ًريا بتمثيلهم"‪.‬‬ ‫مع وضعي من أجل بثّها همومي وأحاسيسي‪.‬‬ ‫ال تقبل ليىل ابوال ِعال أن توصف بأنها كاتبة سياسية أو ناشطة ‪،‬‬ ‫من هنا‪ ،‬كانت الكتابة مبثابة مواساة بالنسبة يل‪ ،‬وتجلب يل شيئًا من‬ ‫السلوى‪ ،‬وال س ّيام وأن الشخوص الذين اخرتت الكتابة عنهم‪ ،‬كانوا أقل ألنها ت ُفضِّ ل االنخراط يف تأمل الحياة وليس تغيريها‪ .‬كذلك‪ ،‬ال تعترب ليىل‬ ‫حظوة ِم ّني‪ ،‬بل ويف الغالب يعيشون حياة قاسية ومتشظية"‪.‬‬ ‫نفسها تنتمي إىل املدرسة النسويّة يف صيغتها التقليديّة‪:‬‬ ‫تع ّرج لييل بالحديث نحو بديات تعلقها بالكتابة وولعها املبكّر بالقراءة؛‬ ‫حيث كانت تفضِّ ل قراءة أعامل ال ُكتّاب الربيطانيني الكالسيكيني‪ ،‬أمثال‪:‬‬ ‫دافني دو مورييى‪ .‬و تقول‪" :‬كان الجلوس مع الكتاب يُحقّق يل أقىص‬ ‫درجات املتعة"‪ .‬لك ّن حصولها عىل درجات متفوقة يف مادة الرياضيات‬ ‫دفعها لاللتحاق بدراسة مادة اإلحصاء يف جامعة الخرطوم‪ ،‬ومن ث ّم‪،‬‬ ‫القيام بتدريسها عقب وصولها إىل اسكتلندا‪ .‬وبعد نرش عدد من كتاباتها‪،‬‬

‫‪38‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫"أعتبر نفسي نسوي ّة في السياق السوداني‪ ،‬ألنني أدعم‬ ‫ُ‬ ‫وكتبت ضد ختان النساء في رواياتي‬ ‫تعليم الفتيات‬ ‫وحواراتي‪ .‬مع ذلك‪ ،‬ال اعتبر نفسي نسوي ّة وفق الفهم‬ ‫البريطاني؛ حيث توجد هناك فروقات كثيرة‪ :‬فبينما‬ ‫تخلص النسوي ّة السودانية للتقاليد الدينية واألسرية‪،‬‬ ‫يختلف الوضع كثي ًرا في حالة النسوي ّة اإلنجليزي ّة"‪.‬‬


‫ما بين عالمين‬

‫عىل الرغم من رصاعها امل ُتصل من أجل املواءمة مع ظروف وطنها‬ ‫الجديد‪ ،‬تعرتف ليىل بأن وضعها سوف يختلف كث ًريا لو ظلّت تعيش‬ ‫يف السودان‪ ،‬ولكان من املستحيل عليها وهي وقتها فتاة يف مقتبل‬ ‫العمر الكتابة حول قصص الحب وتعقيدات تجارب النساء والرجال‬ ‫الشخصية‪ .‬أ ّما هنا يف أبردين التي تبعد آالف األميال عن الوطن األُم‪،‬‬ ‫متكّنت ليىل من تحرير مخيلتها من القيود االجتامعية وبالتايل الكتابة‬ ‫بحرية وشجاعة عن تعقيدات حياة شخوصها من الرجال والنساء‪ .‬يف‬ ‫هذا السياق‪ ،‬توضّ ح‪" :‬بإمكاين الكتابة حول كل ما يخطر عىل بايل‪ ،‬أ ّما‬ ‫يف السودان فاألمر مختلف‪ ،‬ولذلك أتفهم أ ّن هناك فتيات كثريات يف‬ ‫أما يف ما يتصل مبشاريعها الروائية القادمة‪ ،‬ال‬ ‫السودان ليس بوسعه ّن التعبري إبداع ًيا عام يدور يف خواطرهن بسبب تحبذ ليىل الترصيح بشأنها‪ ،‬لكنها تقول‪" :‬املشكلة‬ ‫الرقابة الذاتية"‪.‬‬ ‫ليست يف األفكار‪ ،‬وإمنا التحدي يكمن يف القدرة‬ ‫عىل تجميع تلك األفكار وترتيبها عىل نحو ما‪،‬‬ ‫ورغم أن ليىل تكتب باللغة اإلنجليزيّة‪ ،‬فقد ت ُرجمت معظم كتبها لتتخلق منها رواية كاملة يف نهاية املطاف"‪.‬‬ ‫إىل اللغة العربية‪ .‬مع ذلك‪ ،‬فإن معظم ق ّرائها هم يف الغالب األعم تضيف‪" :‬يف البدء تنهمر األفكار متدفقة م ّني‪،‬‬ ‫عب عن حاجة مل ّحة وكثيفة‪ ،‬أبدأ بعدها مبارشة‬ ‫من املغرتبني‪ ،‬وذلك نسبة للكلفة الباهظة لرتحيل الكتب إىل السودان لتُ ّ‬ ‫وتعقيدات الرقابة والقيود املفروضة عىل ُحريّة التعبري‪ ،‬األمر الذي جعل يف التفكري يف الشخوص‪ ،‬ويف بناء دينامية الرسد"‪.‬‬ ‫مسألة دخول كتبها إىل السودان مسألة عسرية‪ .‬يف هذا اإلطار‪ ،‬تفصح‬ ‫ليىل من دون مواربة عن رغبتها األكيدة بخصوص تشجيع الفتيات يف‬ ‫السودان عىل الكتابة‪ .‬وبالفعل‪ ،‬فقد سافرت إىل الخرطوم مطلع العام‬ ‫السابق من أجل القيام بورش عمل حول الكتابة االبداع ّية للشباب من‬ ‫من اإلنجليزية محمد عثمان الفكي‬ ‫الجنسني‪ .‬وحينام تستحرض تلك التجربة‪ ،‬تتذكر مدى حامسة الشباب‬ ‫من الجنسني بالكتابة‪ ،‬وكيف كانوا مولعني بقراءة قصص "إستيال قايتانو"‪،‬‬ ‫الكاتبة التي تنحدر أصولها من جنوب السودان‪.‬‬ ‫اآلخر‪ ،‬حيث بدأت أوروبا تتقبل اإلسالم كواقع‬ ‫واملسلمون بدأوا يتقبلون تواجداهم ضمن‬ ‫مجتمعات تختلف عنهم ثقاف ًيا‪ ،‬وبالتايل أصبح‬ ‫مثل‪ ،‬أصبح هناك اآلن‬ ‫التعايش واق ًعا ال فرار منه‪ً .‬‬ ‫وعي متزايد بـشهر رمضان‪ ،‬حيث تتبارى املحال‬ ‫التجاريّة يف عرض املزيد من األزياء التي تتامىش‬ ‫مع ثقافة الشعوب املسلمة"‪.‬‬

‫تأمل ليىل يف العودة إىل السودان يف مع ّية ابنتها‪ ،‬التي قامت‬ ‫برتبيتها عىل نح ٍو يجعلها قادرة عىل تجسيد سامت الثقافتني السودانية‬ ‫واإلنجليزية‪ ،‬متمنية أن ينهل بقية أطفالها بأفضل ما يف هاتني الثقافتني‪.‬‬ ‫انزعاجا بالغً ا إزاء التفشي الواضح لظاهرة الخوف من اإلسالم‬ ‫تبدي ليلى‬ ‫ً‬ ‫التي اجتاحت العالم‪ ،‬خاصة بعد الهجمات اإلرهابية التى تعرضت لها‬ ‫أوروبا ُمؤخ ًرا‪ .‬مع ذلك‪ ،‬فهي لم تفقد األمل في حتمية قبول اآلخر‪ ،‬التي‬ ‫جنبا إلى جنب مع تفشي ظاهرة عدم التسامح‪.‬‬ ‫تراها تسير ً‬

‫يف هذا الصدد‪ ،‬ترشح ليىل‪" :‬بالرغم من كل املقاومة التي نراها اآلن‬ ‫بارزة عىل السطح‪ ،‬إال أن هنالك أيضً ا تناميًا ملحوظًا لظاهرة قبول‬

‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪39‬‬


‫مسيرة حياة بين معتقدين‬ ‫تجربة امرأة من كينيا تعتنق اإلسالم‬ ‫حقوق اإلنسان" غري الحكومية‪ ،‬حيث واجهتها الكثري من التح ّديات‬ ‫يف كيف ّية التواصل مع رفقاء العمل‪ ،‬و ُجلّهم من املسلمني‪ ،‬باعتبارها‬ ‫مسيح ّية وحديثة التخرج من الجامعة‪ ،‬وليست لها خربة يف التعامل مع‬ ‫مجتمعات املسلمني‪ .‬خلّفت هذه التجربة مزيجاً من األحاسيس املتباينة‬ ‫لدى شريلني وأث ّرت عىل حياتها‪ ،‬كام تعرفت من خالل تلك التجربة‬ ‫بالرجل الذّي أصبح فيام بعد زوجها‪ ،‬والذي أثار فُضولها بشأن الدين‬ ‫اإلسالمي الذي اعتنقته فيام بعد‪.‬‬

‫غالبية البرش يولدون يف ديانات تالزمهم طيلة‬ ‫حياتهم‪ ،‬ولكن "شريلني إنجريىل إنجوروجى"‪،‬‬ ‫املحامية من كينيا‪ ،‬واألم لطفلة واحدة‪ ،‬ق ّررت‬ ‫السباحة عكس التيار‪ ،‬وذلك عن طريق تبديل‬ ‫دين ميالدها واعتناق اإلسالم منذ عدة سنوات‪.‬‬ ‫وبسؤالها عن السبب‪ ،‬أجابت شريلني‪ :‬فيام‬ ‫تعلو مح ّياها ابتسامه خجولة‪" ،‬لقد وقعت يف‬ ‫ُحب رجلٍ مسلم‪ ،‬وافتتنت بالطريقة التي كان‬ ‫تعرتف شريلني رصاحة بأن تديّن زوجها هو الذي شجعها عىل اعتناق‬ ‫يُعاملني بها وبالطريقة التي يعيش بها الحياة‪.‬‬ ‫رص عىل أ ّن تب ّنيها للدين الجديد مل يكن بسبب أي‬ ‫لكن تبديل الديانة ليس أمرا ً سهالً‪ ،‬فال يزال اإلسالم‪ ،‬ومع ذلك ت ُّ‬ ‫ضغوط خارجية‪ ،‬وتضيف قائلة‪" :‬لقد تز ّوجنا عىل الطريقة اإلسالمية‪،‬‬ ‫شيرلين انجوروجي أمامي الكثري من التحديات"‪.‬‬ ‫ولكن يوم زواجنا ليس هو اليوم الذي اعتنقت فيه االسالم‪ .‬فقد عكفت‬ ‫الخاصة‪ ،‬وذلك‬ ‫ولدت شريلني يف مدينة ُممباسا الساحلية بكينيا‪ ،‬حيث تولّت والدتها بعد الزواج عىل قراءة الكتب والسرية اإلسالمية بطريقتي‬ ‫ّ‬ ‫مبفردها تربيتها هي وأختيها تربية مسيحية كاثوليكية صارمة‪ .‬تقول ما حفزين عىل تب ّني اإلسالم"‪.‬‬ ‫جل‬ ‫شريلني‪" :‬مل تكن تربيتنا سهلة‪ ،‬فقد عانينا من التمييز ألننا أرسة ّ‬ ‫أفرادها من النساء"‪ .‬بالرغم من تلقّيها تعليامً كاثوليكياً خالصاً‪ ،‬إال أنّها‬ ‫واآلن تجد شيرلين نفسها عالقة بين عالمين‬ ‫ترعرعت‬ ‫تع ّرفت عىل اإلسالم منذ نعومة أظافرها‪ .‬ويف ذلك تقول‪" :‬لقد‬ ‫متوازيين‪ ،‬حيث فرض عليها اعتناقها للدين الجديد‬ ‫ُ‬ ‫تحد ّيات حول كيفية التواصل مع إرثها المسيحي‬ ‫يف حي تودور‪ ،‬حيث ينحدر غالبية سكّانه من جذور صومال ّية‪ ،‬وكانت‬ ‫تربطني عالقات صداقة مع العديد من املسلمني الذين كنت أذهب‬ ‫ومجتمعها من ناحية‪ ،‬واالندماج مع المجتمع‬ ‫ّ‬ ‫بصحبتهم إىل املسجد واملدرسة"‪.‬‬ ‫ولعل محاولتها إلقناع‬ ‫المسلم من ناحية أخرى‪.‬‬ ‫تاريخياً يستوطن معظم املسلمني يف كينيا يف مدينة ُممباسا الساحلية‬ ‫وحولها‪ ،‬وبحكم املوقع الجغرايف‪ ،‬تأث ّر الساحل الكيني الرشقي بالثقافة‬ ‫العربية منذ قرون بعيدة‪ ،‬حيث شهد الساحل الرشقي للقارة اإلفريقية‬ ‫هجرات عربية قدمية‪ ،‬ومتازجاً سكانياً عتيدا ً‪ .‬فمدينة ممباسا كانت‬ ‫تحكمها األرس العامنية منذ القرن السادس عرش امليالدي‪ ،‬وصارت مع‬ ‫عدد من مدن الساحل الكيني ذات طابع هجني ميزج ما بني الثقافة‬ ‫العربية واآلسيوية واألفريقية‪ .‬اآلن ينحدر ثلث سكان مدينة ُممباسا‬ ‫من عنارص من خارج اإلقليم‪ ،‬ويف مقدمة هؤالء الوافدين إىل املدينة‪،‬‬ ‫الصوماليون الذين لجأوا إليها طلباً لألمن‪ ،‬وفرارا ً من الحرب وعدم‬ ‫االستقرار الذي نكب بالدهم‪.‬‬

‫عائلتها بتفهُّم واحترام قرارها‪ ،‬كان من أصعب‬ ‫التحدي ّات التي واجهتها‪.‬‬

‫ويف ذلك تقول شريلىن‪" :‬بعد اعتناقي الدين الجديد‪ ،‬قالت يل أختي‬ ‫الكربى إنني قد فقدت هويّتي‪ ،‬وكثريا ً ما كانت تردد عندما تلتقيني‪" :‬ما‬ ‫أنت؛ فقد تب ّد ِ‬ ‫عدت أعرف من ِ‬ ‫لت كثريا ً"‪ .‬وتواصل‪" :‬لقد أخذت والديت‬ ‫زمناً طويالً حتى تتقبل تحويل لإلسالم‪ ،‬وحقيقة فقد انقطع التواصل بيننا‬ ‫متاماً بعد اعتناقي الدين الجديد‪ ،‬واستمر الوضع كذلك إىل حني موعد‬ ‫والدة طفلتي"‪.‬‬

‫كثريا ً ما ينتاب شريلني إحساس العزلة بسبب فقدانها لدعم األُرسة‬ ‫واألصدقاء‪ ،‬وبهذا الصدد تقول‪" :‬كانت أختي الصغرى كثرية الرتدد عىل‬ ‫بعد أن أمضت شريلني سنني طفولتها يف ُممباسا‪ ،‬انتقلت إىل وسط منزيل يف املايض؛ ولكن اآلن قد تباعدت بنا السبل‪ .‬وال يزال ينتابني‬ ‫يل أن أبذل ك ُّل ما يف‬ ‫كينيا لتلقّي التعليم العايل يف مجال القانون‪ .‬وبعد تخرجها من الجامعة إحساس شديد باالنفصال عن عائلتي‪ ،‬مام يُحتّم ع ّ‬ ‫مبارشة‪ ،‬بدأت حياتها املهنيّة بالتدريب مع منظّمة "مسلمون من أجل وسعي للتواصل معهم"‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫ما بين عالمين‬

‫كام هو الحال مع عدد من الذين قاموا باعتناق ديانات جديدة‪،‬‬ ‫ترى شريلني أنّه عىل الرغم مام تبذله من مجهود للتعلم والتآلف مع‬ ‫شعائر الدين االسالمي‪ ،‬إالّ أنّه ال أحد يُق ّدر مدى إخالصها وتفانيها يف‬ ‫القيام بذلك‪ .‬فبالنسبة لها‪ ،‬أن يُولد أحدهم يف بيئة إسالميّة‪ ،‬ال يعني أ ّن‬ ‫بأن عىل دراية‬ ‫هذا الشخص أكرث إسالماً من غريه‪ .‬وتقول‪" :‬أحياناً أحس ّ‬ ‫باإلسالم تفوق معرفة املولودين يف بيئة إسالميّة‪ ،‬وذلك ألنّني مستم ّرة يف‬ ‫القراءة والدراسة حوله"‪.‬‬

‫وبسخرية مصحوبة بيشء من األمل‪ ،‬ت ُبدي شريلني مالحظاتها حول‬ ‫حالة االرتباك التي تصيب صديقاتها وأصدقائها وكذلك األقارب‪ ،‬عندما‬ ‫تفاجئهم بإسالمها‪ ،‬وتقول‪" :‬ال يكون الوضع طبيعياً عندما ألتقي بأصدقايئ‬ ‫من الجامعة‪ ،‬أل ّن الدهشة تعقد لسانهم‪ ،‬ويف الغالب يلوذون بالصمت‪،‬‬ ‫ففي املجتمعات التي يلعب فيها الدين دورا ً محوريّاً يف تشكِّيل الهويّة‬ ‫ومنط الحياة‪ ،‬ميثّل الحوار حول الدين خطرا ً يف تعكري صفو العالقات‬ ‫تلق املحامية ذات الثالثة والثالثني عاماً‬ ‫االجتامعية"‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬مل َ‬ ‫حفاوة من ِقبل مجتمع املسلمني‪ ،‬ألنّها ت ُعترب غريبة عىل ذلك املجتمع‬ ‫تضحك شريلني عندما تفكر يف مدى التغيري الذي حدث لها عقب‬ ‫ب ُحكم خلفيّتها املسيحيّة‪ ،‬إضافة إىل عدم وعيها بالرموز والطقوس‬ ‫الثقافية للمجتمع املسلم‪.‬‬ ‫اعتناقها لإلسالم‪ ،‬وتقول‪" :‬من األشياء امللفتة بالنسبة يل اآلن هو أنّني‬ ‫رصت عرضة للفحص األمني املش ّدد يف املطارات‪ ،‬وهو أمر يوضّ ح يل متاماً‬ ‫"يف البداية مل ارتد "البوي بوى"‪ ، 1‬كنت فقط أضع وشاحاً عىل رأيس إشكاالت املسلمني ومعاناتهم يف كينيا‪ ،‬كام يعكس مدى التوجس القائم‬ ‫وأكتفي بارتداء مالبيس الطويلة‪ ،‬لكن رسعان ما بدأ الجريان يف مساءلتي‪ :‬إزاء املسلمني يف أعقاب أحداث العنف األخرية يف البالد‪ ،‬والتي قادتها‬ ‫ملاذا ال تضعني "البوي بوى" وأنت متزوجة من شخص مسلم‪ ،‬ألن ذلك مليشيات الشباب الصومايل"‪.‬‬ ‫يحتّم عليك اتباع ثقافته؟"‬ ‫ُعرفت كينيا بالتسامح الديني‪ ،‬إال أن هذا التسامح يخضع لالختبار‬ ‫تقول شيرلين‪" :‬رغم محاوالتي الجادة في أن أكون اآلن‪ ،‬نتيجة ملا يتع ّرض له املسلمون من تنميط كإرهابني‪ .‬فالهجامت‬ ‫أمينة وواضحة بشأن التحوالت التي أعيشها‪ ،‬اليزال املتكررة من قبل عنارص كينية أو أجنب ّية متط ّرفة‪ ،‬باإلضافة لتمدد‬ ‫المسلمون ي ُعاملونني كغريبة عنهم‪ ،‬والمسيحيون الوهابية املتطرفة يف املناطق الساحلية‪ ،‬جعلت الحكومة الكين ّية تتبني‬ ‫مواقف متطرفة وعنيفة تجاه مواطنيها من املسلمني‪.‬‬ ‫كذلك ي ُعاملونني وكأني قد خنتهم‪.‬‬ ‫فال أحد يبدو قادرا ً عىل فهم خياري الشخيص واحرتامه‪ .‬فمثالً ال يَكُف‬ ‫لدي‬ ‫الكل عن السؤال عن اسمي اإلسالمي‪ ،‬وعندما أذكر لهم أنّه ليس ّ‬ ‫اسم إسالمي خوفاً من أن أفقد ثقافتي وإحسايس بذايت فأنا أُحب اسمي‪،‬‬ ‫ال يبدو ذلك التربير مفهوماً أو مقبوالً لديهم"‪ .‬ثم تضيف قائلة‪" :‬يتجاهل‬ ‫الكثريون حقيقة أن اعتناق ديانة جديدة يحتاج إىل جهد ذايت وتعليم‬ ‫متواصل‪ .‬فأحياناً يصعب عىل البعض إدراك أن ّني أتعلم وأحاول أن أفهم‪.‬‬ ‫فمثال ً في مجتمعات المسلمين‪ ،‬يتصور العديد‬ ‫منهم أن عليهم مسئولية إرشادي وتصحيحي وهم‬ ‫في نفس الوقت ينسون أنني اخترت أن أكون‬ ‫ُ‬ ‫ولست بحاجة إلى اإلرشاد‬ ‫مسلمة بمحض إرادتي‪،‬‬ ‫المتواصل أو التعامل معي وكأني غير قادرة على‬ ‫الفهم‪.‬‬

‫إن ذلك من شأنه أن يُخلّف أحاسيس غري ُمريحة‪ .‬فمثالً عند أداء‬ ‫الصالة‪ ،‬أتلقى العديد من النصائح املربكة واملختلطة‪ ،‬وهو أم ٌر يُشعرين‬ ‫بالضيق كثريا ً‪ .‬ولكن أكرب تح ٍّد عندي هو تعلّم اللغة العرب ّية‪ .‬إذ أنني‬ ‫الصعوبة تكمن يف محاولة‬ ‫أستطيع تالوة القرآن باللُغة اإلنجليزيّة‪ ،‬لكن ُ‬ ‫تالوتها بالعربيّة"‪.‬‬

‫وعىل الرغم من اإلحساس باالنتامء إىل أقلّية " ُمدانة"‪ ،‬إالّ أ ّن ذلك‬ ‫مل يزعزع قناعة شريلني باإلسالم‪ ،‬فقد أصبح ديناً لها‪ ،‬وألن قيم االحرتام‬ ‫والتسامح التي متثّل جوهر اإلسالم‪ ،‬التي دفعتها إىل استبدال دينها‬ ‫واعتناق اإلسالم ما تزال راسخة عندها‪ ،‬كام تقول‪ .‬فهذه القيم هي‬ ‫التي متثّل املبادئ األساسية التي يجب الدفاع عنها‪ ،‬جنباً إىل جنب مع‬ ‫الح ّرية الفرديّة للتعبري الروحي واإلمياين‪ ،‬خارج أطر التقاليد االجتامعية‬ ‫املعروفة‪ .‬وتؤكد شريلني أن نهجها يف تعلُّم الدين اإلسالمي هو نهج نقدي‬ ‫وتعليمي‪ .‬وتقول‪" :‬لقد اخرتت مبحض إراديت عدم الذهاب إىل مدرسة‬ ‫تعليم الدين‪ ،‬حتّى أمتكن من قراءة القرآن مبفردي‪ ،‬وطرح األسئلة حول‬ ‫القرآن وتعاليم االسالم‪ ،‬بدالً من االكتفاء بأن أكون مجرد متلقية سلبية‬ ‫للدين"‪.‬‬ ‫حاورها‪ :‬سليا هيدجز وهالة الكارب‬

‫من اإلنجليزية محمد عثمان الفكي‬

‫‪ 1‬البوي بوي هو الزي‬ ‫التقليدي للنساء املسلامت يف‬ ‫الساحل الرشقي‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪41‬‬


‫حقائق ُمعاشة عن عامالت‬ ‫المنازل اإلثيوبيات في دول‬ ‫الخليج والشرق االوسط‬ ‫ربيكا ك ِّبدى ‪ ،‬كاتبة‬ ‫أمريكية من جذور‬ ‫إثيوبية ‪ .‬عملت‬ ‫مراسلة لوكالة‬ ‫رويرتز ولها مقاالت‬ ‫نرشت ىف " ناشيونال‬ ‫جيوغرافيك "‪" ،‬‬ ‫كوارتز" و مجلة "‬ ‫قوود " وغريها‪.‬‬

‫عندما وصلت ( وورىك ) إيل الكويت‪ ،‬كان عليها أ ّوالً‪ ،‬وقبل كل يشء‬ ‫التخلُّص من قالدة الصليب التي كانت تضعها‪ .‬وقالت‪ " :‬أخربوين مبا أنني‬ ‫يل أن‬ ‫قد أتيت إيل الكويت فاإلفرتاض املقبول هو أن أكون مسلمة‪ ،‬وع ّ‬ ‫أتخلص من قالدة الصليب"‪ .‬ذلك‪ ،‬ما قالته وورىك‪ ،‬التي هاجرت من‬ ‫بلدتها يف إثيوبيا‪ ،‬لتعمل يف وظيفة عاملة منزل يف الكويت‪.‬‬

‫واملغرية‪ ،‬من ِقبل (السامرسة) الذين يرت ِّبون لهن السفر‪ ،‬مقابل رسوم‬ ‫محددة‪ .‬وفور وصول املرأة العاملة للبلد املضيف‪ ،‬ت ُج ّرد من جواز‬ ‫سفرها بل تجد نفسها بال حقوق وهى يف بالد غريبة ال تعرف لغتها‪.‬‬ ‫كام أنها قد تتعرض لإليذاء البدين واللفظي أو االستغالل الجنيس من‬ ‫ِقبل أرباب العمل‪ .‬و ‪,‬إذا متكّنت رغم الصعوبات من الهروب والنجاة‬ ‫بحياتها فأنها تعود إىل وطنها‪ ،‬فقرية ومعوزة‪ ،‬تعاين من آثار الصدمات‬ ‫النفسية والتعذيب الجسدي‪،‬حيث ال توجد خدمات فاعلة يف إثيوبيا‬ ‫توفر الدعم النفيس واالجتامعي‪.‬‬

‫و مثلها مثل الكثريات من النساء املسيحيات اإلثيوبيات‪ ،‬متثل قالدة‬ ‫الصليب لهن الكثري‪ ،‬فهي بالنسبة لهن رمز لهويتهن الدينية وعالم ًة‬ ‫مرتبط ًة بثقافتهن‪ .‬ولكن ذلك‪ ،‬ال يعني شيئاً البتّة لـ(وكالة التخديم)‬ ‫بالنسبة للعديد من النساء‪ ،‬مثل وورىك ‪ ،‬يشكل الدين نقطة الوميض‬ ‫التي رت ّبت لووريك الحصول عىل الوظيفة‪ ،‬وإجراءات السفر ملكان عملها‬ ‫الرئيسة يف حياتهن‪ .‬فاملسيحية لها جذور عميقة يف إثيوبيا‪ .‬ووفقأً لوزارة‬ ‫الجديد‪.‬‬ ‫الخارجية اأإمريكية‪ ،‬فإ ّن حوايل ‪ %44‬من اإلثيوبيني يتبعون للطائفة‬ ‫التخلص من قالدة الصليب ‪ ،‬كانت واحدة من أشياء األرثوذكسية الكاثوليكية ‪ ،‬ويف املقابل‪ ،‬هناك حوايل ‪ %40‬من املسلمني‬ ‫الس ّنيني وحوايل ‪ %16‬من أتباع الكنائس املسيحية األخرى‪.‬‬ ‫كثيرة كان علي ووركى التخلّي عنها‪ .‬فبعد القالدة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫م ُمرتّبها‪،‬‬ ‫كان عليها التخلّي عن جواز سفرها‪ ،‬ث ُ ّ‬ ‫وأخيراً‪ ،‬حقوقها وكرامتها‪.‬‬

‫فنجد أن غالبية النساء والفتيات المهاجرات‬ ‫يتسمين بأسماء إسالمية‪ ،‬ويقمن بتغير طريقة‬ ‫لباسهن‪ ،‬لتتناسب مع شروط المكان الجديد‪،‬‬

‫(وورىك) هي واحدة من مئات اآلآلف من النساء اإلثيوبيات الاليئ‬ ‫يعربن الحدود إىل اململكة العربية السعودية‪ ،‬سلطنة عامن‪ ،‬الكويت‪،‬‬ ‫حتّى قبل وصولهن ألماكن عملهن يف دول الخليج العريب والرشق‬ ‫ودول الرشق األوسط األخرى وذلك عىل مدى العقود األربعة األخرية‪،‬‬ ‫للعمل يف وظيفة عاملة منزل ‪ .‬ففي السعودية وحدها هناك حوايل األوسط‪ ،‬تشعر عامالت املنازل املهاجرات بالحاجة‪ ،‬ألن يظهرن‬ ‫أربعامئة ألف من املهاجرين اإلثيوبيني واملهاجرات و ذلك وفقاً لوزارة كمسلامت‪ ،‬وذلك تحت إلحاح وإرصار السامرسة الذين يرتبون لهن سبل‬ ‫الهجرة‪.‬‬ ‫الخارجية األمريكية‪.1‬‬ ‫و بعضهن يذهنب إيل أبعد من ذلك‪ ،‬حيث يضعن يف جوازات سفرهن‬ ‫تشكل النساء من الريف اإلثيويب الغالبية العظمى من املهاجرات‪,‬‬ ‫ومعظمهن ضحايا لتجارة تهريب البرش والتي صارت تجارة رائجة يف صورهن وهن محجبات‪ .‬وهو أمر ذو تكلفة نفسية باهظة وبالطبع‬ ‫مناطق القرن اإلفريقي ‪ ،‬حيث يسهم الفقر املدقع وإنعدام فرص العمل تزداد هذه التكلفة متى ما اكتشفت الكذبة‪.‬‬ ‫يف جعل النساء عرض ًة لجرمية االتجار بالبرش واالستغالل وسوء املعاملة‪.‬‬ ‫و يف املقابلة التي أُجريت معها‪ ،‬قالت وورىك ‪ " :‬التظاهر‪ ،‬مل يكن‬ ‫معظم املهاجرات اإلثيوبيات‪ ،‬للعمل يف دول الخليج والرشق األوسط‬ ‫‪ ،‬لديهن تجارب مروعة ومرعبة‪ ،‬حيث يتلقني وعودا ً باألجور الجذّابة عمال سهال بالنسبة يل‪ ،‬تحديدا خالل فرتة صيام شهر رمضان‪ .‬إن الصيام‬

‫‪42‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫ما بين عالمين‬

‫الصورة لتظاهرة لعامالت المنازل من اثيوبيا‬

‫يتوقعون أن تعميل دون أخذ حصة من الراحة ودون أجر كايف ‪ ،‬و‬ ‫اإلسالمي جعلني يف حالة من األرق‪ ،‬واإلجهاد "‪ ،‬وت ُضيف متسائلة‪:‬‬ ‫"كيف يل أن أكون مسلمة‪ ،‬بينام ال أعلم عن هذا الدين شيئاً؟ ‪" .‬لقد كأنّك ( إنسان آيل )" قالتها ( فتسوم ) العاملة املنزلية والتى دفعت ‪370‬‬ ‫قال يل‪ ( :‬الوكيل )‪ ,‬سوف أبقى عىل قيد الحياة‪ ،‬وسأتأقلم عىل الوضع "‪ ،‬دوالر أمرييك‪ ،‬للوكيل‪ /‬السمسار لتحصل عىل الهجرة إىل دىب‪.‬‬ ‫ولك ّننى مل أستطع‪ ،‬فقد ألقى ىب أرباب العمل يف العراء‪ ،‬عندما إكتشفوا‬ ‫وقالت عاملة منزلية مهاجرة تُدعى ( إموى )‪ ،‬أنها مل يُسمح لها حتّى‬ ‫أنّنى لست مسلمة‪.‬‬ ‫بتناول الغداء " سيدة املنزل ال تريد أن تراين أتناول الطعام ‪ ،‬عىل‬ ‫الرغم‪ ،‬من انّه نفس الطعام الذى سوف يُرمى به يف القاممة " ‪ " ،‬إنّها‬ ‫ابعد من األديان‬ ‫تغضب إن رأتني حتي أرشب كوبا من املاء أقول ذلك‪ :‬والله عىل ما‬ ‫عىل الرغم من أ ّن مسألة تغيري املعتقد أو التظاهر بذلك هي واحدة أقول شهيد" ‪.‬‬ ‫من اإلشكاالت التي تواجه عدد كبري من العامالت املهاجرات‪ ،‬فإ ّن‬ ‫يشكل العرق واألصل عامال ً رئيسيا في نوع‬ ‫النساء والفتيات اإلثيوبيات‪ ،‬يروين مرارا ً وتكرارا ً‪ ،‬عن سوء املعاملة التي‬ ‫المعاملة التي تتلقاها العاملة المنزلية في دول‬ ‫تتعرض لها العاملة منهن بغض النظر عن معتقدها ‪ ،‬حيث يتم التعامل‬ ‫الخليج والشرق االوسط‪.‬‬ ‫معها بدونية وعدم احرتام‪ .‬وقد ذكرت إحدى النساء أنه يف بعض‬ ‫األحيان‪ ،‬ت ُنادى بالـ" كلبة"‪ ،‬وذكرت أخريات أنه قد يُحجب عنهن الطعام‪،‬‬ ‫و تقول إيدجيت ‪ ،‬و التي يف العادة ‪ ,‬حسب قولها يحبسها ارباب‬ ‫ويحرمن من اإلحتياجات األساسية األُخرى‪.‬‬ ‫عملها يف غرفة‪ ،‬وتتلقي كل اليوم تهديدا بالرضب ‪ ،‬تقول‪ ":‬يسخر أرباب‬ ‫" إنّهم ال يعتبرونك ( إنسان )‪ ،‬يكرهونك بال أسباب‪ ،‬عميل مني ‪ ،‬ويستخدموا تاريخ املجاعة يف إثيوبيا ألهانتي قائلني ‪" :‬‬ ‫ال يوجد ىشء يؤكل ىف إثيوبيا‪ .‬الناس تأكل الرتاب لذلك ليس لدي خيار‬ ‫وال تستطيعين مجرد السؤال‪ ,‬لماذا‪.‬‬

‫المصورة ان باكوا‬

‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪43‬‬


‫سوى البقاء يف الكويت‪ ،‬ألعمل‪ ،‬يف مقابل ملء بطني “‪ .‬قالت إيدجيت‬ ‫"من املر ّوع واملرعب‪ ،‬أن نتعايش مع هذا الوضع املجحف" ‪.‬‬

‫إضافة إيل اآلثار الجسدية والعاطفية ‪ ،‬غالباً ما تعود النساء خاليات‬ ‫الوفاض حيث تحجب رواتبهن من قبل الوكالء واملخدمني‪ .‬وعادة ما‬ ‫تصدم االرس الفقرية من انعدام العائد املايل بعد ان دفعوا مثناً باهظاً‬ ‫لوكال التخديم ‪ ،‬كل هذا وذاك‪ ،‬يضاف إىل الصدمة التي تتعرض لها‬ ‫النساء والفتيات امل ُرحالت اىل اثيوبيا ويُع ّمق من الشعور بوصمة العار‬ ‫لديهن‪ .‬يف بعض الحاالت‪ ،‬ال تحتمل العائدات هذا الوضع‪ ،‬ويصبحن غري‬ ‫قادرات عىل مواجهة الضغوط‪ .‬وتحىك ِق ّنت قصة إمرأة شنقت نفسها ىف‬ ‫الحامم‪ ،‬ىف امللجأ‪ ،‬ألنّها مل تكن تُريد أن تواجه أهلها الذين اقرتضوا مبلغاً‬ ‫كبريا ً من املال‪ ،‬إلرسالها إىل اململكة العربية السعودية‪.‬‬

‫وبحسب هالة الكارب‪ ،‬املديرة اإلقليمية لـ مبادرة نساء القرن‬ ‫اإلفريقي (صيحة) ورئيسة تحرير مجلة املرأة يف اإلسالم ‪" ،‬فإ ّن بعض‬ ‫التمييز الذى تتعرض له املهاجرات اإلثيوبيات‪ ،‬من املرجح أن تكون‬ ‫له جذور راسخة ىف العنرصية‪ .‬وتالحظ أن الدين موضوع جانبي يف‬ ‫معاملة العامالت اإلثيوبيات‪ ،‬حيث أن االتجاه الرائج ان يتم التعامل‬ ‫مع عامالت املنازل اإلثيوبيات‪ ،‬بطريقة سيّئة "‪ .‬وتضيف هالة الكارب‪:‬‬ ‫" علينا أيضاً أن نالحظ‪ ،‬أ ّن العامالت الفلبينيات‪ ،‬عىل سبيل املثال‪،‬‬ ‫عىل كل حال‪ ،‬فإنّه‪ ،‬وحتّى عندما ت ُحقق عامالت املنازل املهاجرات‬ ‫وهن لسن مسلامت‪ ،‬وال ي ّدعني ذلك‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬ال يتعرضن للتمييز أو‬ ‫نجاحاً اقتصادياً‪ ،‬فصعوبة التجربة‪ ،‬تطغى عىل مكاسبهن‪ ،‬فبشق األنفس‬ ‫االضطهاد الذى تتعرض له عامالت املنازل من افريقيا‪.‬‬ ‫عادت أيدجيت بحصيلة مالية مقدارها ‪ 5000‬دوالر أمرييك‪ ،‬وفّرتها‬ ‫بعد أربع سنوات من العمل ىف الكويت‪ .‬حيث ساعدتها (( جمعية‬ ‫العودة امل ُ ّرة للوطن‬ ‫السامرى الصالح )) يف فتح حساب بنىك‪ ،‬أيدجيت بدت ىف حرية من‬ ‫عىل سفوح "جبل إنتوتو"‪ ،‬بأديس أبابا‪ ،‬ت ُدير( جمعية السامرى الصالح أمرها متسائلة ‪ " :‬ماذا سأفعل أنا بهذا املال؟ " ‪.‬‬ ‫) ملجأ للنساء الاليت تم ترحيلهن من الرشق األوسط ودول الخليج‬ ‫ويعانني من اثار نفسية وجسدية تحول دون رجوعهن مبارشة اىل‬ ‫قراهن‪ .‬وىف وقت إجراء املقابالت كان يسكن امللجأ ما ال يقل عن ثالثني هذه املقالة بُنيت عىل ورقة بحثية بعنوان ‪ " :‬ما بني الفقر والصدمة ‪ :‬حول‬ ‫امرأة يقمن بشكل مؤقت‪ .‬ويعمل امللجأ عىل مدار األربع والعرشين حقوق عامالت املنازل املهاجرات من إثيوبيا إيل الرشق األوسط والخليج‬ ‫ساعة‪ ،‬مبجهود املمرضات ومقدمات الرعاية والحارسات‪.‬‬ ‫العريب " نرشتها املبادرة اإلسرتاتيجية لنساء القرن األفريقى (صيحة)‪ .‬كل‬ ‫اإلقتباسات الواردة ىف هذه املقالة‪ ،‬مستمدة من تقرير (صيحة) ومراجع‬ ‫العودة للوطن لعامالت املنازل اإلثيوبيات‪ ،‬نادرا ً ما تكون سهلة ‪ .‬مؤسسية أخرى إضافة إيل املقابالت مع العامالت العائدات ‪.‬‬ ‫قالت تريوبرهان ِق ّنت مديرة الجمعية ‪ " :‬جميع النساء املقيامت‬ ‫يف امللجأ " مضطربات نفسيا‪ ،‬معظمهن ال يتذكرن شيئاً عن ماضيهن‬ ‫وال يعرفن أين هن حالياً ‪ ،‬و بعضهن ال تنطق بكلمة ‪ ،‬والبعض‬ ‫كتبت ‪ :‬ربيكا كِ ِّبدى‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت عا ٍل‪ ،‬وأُخريات يحاولن إيذاء زميالتهن العائدات‬ ‫اآلخر‪ ،‬يرصخن‬ ‫وموظفات امللجأ ‪ ،‬والبعض يحاولن القفز من السياج‪ ،‬أو إىل األسفل‪ ،‬من‬ ‫املبنى " ‪ .‬وتضيف ِق ّنت ‪ " :‬هناك بعض النساء اللوايت ُعدن من العمل‬ ‫يف منطقة الخليج والرشق االوسط عىل الكرايس املتحركة‪ ،‬مشلوالت‬ ‫نهائ ّياً‪ ،‬أو مصابات بعاهات وإصابات جسدية مزمنة ‪ ،‬كل ذلك بسبب‬ ‫االغتصاب والرضب وامناط التعذيب التي متارس عليهن يف داخل املنازل"‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫‪ 1‬إثيوبيا " ‪ " : 2016‬تقرير‬ ‫اإلتجار بالبرش " ‪ ،‬وزارة‬ ‫الخارجية األمريكية ‪2016 ،‬‬ ‫‪http://www.state.gov/j/‬‬ ‫‪/2016/tip/rls/tiprpt‬‬ ‫‪index.htm‬‬


‫رسالة مفتوحة‬

‫رسالة إلى ابنتي‬ ‫ليىل حسني طبيبة نفسانية‬ ‫وناشطة تعمل يف مناهضة‬ ‫مامرسات تشوية األعضاء‬ ‫التناسلية لإلناث‪ ،‬وعضوة‬ ‫الخاصة حول‬ ‫يف املبادرة‬ ‫ّ‬ ‫الــ"‪ ." FGM‬كام تعترب‬ ‫عضوة مشاركة يف التأسيس‬ ‫لجمعية بنات حواء‪ ،‬وهي‬ ‫مؤسسة خريية تُك ّرس‬ ‫جهودها نحو انهاء العنف‬ ‫القائم عىل أساس الجندر‬ ‫مبا يف ذلك مامرسة تشويه‬ ‫األعضاء التناسلية لإلناث‪.‬‬ ‫متت إعادة نرش هذا املقال‬ ‫بإذن من صحيفة الغارديان‬ ‫يف اململكة املتحدة‪.‬‬

‫المصور جيسون شيروود‬

‫عزيزتي الغالية فيروز‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وأنت يف غاية الحبور والنشاط‪ ،‬كعهدي بك دامئًا‪ .‬ومبا أنك اآلن ِ‬ ‫تجدك كلاميت هذه ِ‬ ‫بلغت س ّن الثالثة عرشة‪ ،‬فقد ارتأيت أ ْن أكتب‬ ‫آمل أ ْن‬ ‫أعب من خاللها عن موقفي يف فهم العامل ‪ ،‬وعن مخاويف نحوك ِ‬ ‫ً‬ ‫أنت وغريك من الفتيات‪ .‬واألهم من كل ذلك‪ ،‬أريد أ ْن أحتفي بك‬ ‫ة‬ ‫رسال‬ ‫إليك‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫بعد أصبحت فتا ًة شابّة‪.‬‬ ‫رشف بحمل تلك الشعلة‪ .‬بالطبع‪ ،‬قد‬ ‫ِق ّصتي امللحم ّية كناشطة نسويّة غاضبة ما تزال مستمرة إىل يومنا هذا‪ .‬الحق أنني سعيد ٌة بذلك‪ ،‬بل وأت ّ‬ ‫يتساءل العديد من الناس مبن فيهم ِ‬ ‫أنت نفسك‪ ،‬حول مس ِّوغات هذا اإلرصار عيل االستمرار يف الكفاح؟ الجواب ببساطة‪ :‬ألنني أريد التعبري عن‬ ‫غضبي‪ ،‬واستخدم موقعي هنا ألتحدث من أجل النساء اآليت اليستطعن التعبري عن أنفس ُه ّن‪.‬‬ ‫من الصعب أ ْن أتوقّع ِ‬ ‫تول املسؤول ّية حول هذه األمور يف الوقت الراهن‪ ،‬ولك ِّني مع ذلك ُم ْعجب ٌة بالطريقة التي ت ُواجهني بها التمييز‬ ‫منك ّ‬ ‫الصبايا اآليت تعرض ّن للتح ّرش من بعض ِ‬ ‫الج ْن َدرِي امل ُن َحاز للذكورة‪ .‬أذكُر هنا‪ ،‬الحادثة التي ِ‬ ‫الصبْيان‪ ،‬وسبب ذلك قيامه‬ ‫سألت فيها املعلِّم بشأن َ‬ ‫الصبايا اآليت مل‬ ‫نقل‬ ‫اء‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫من‬ ‫أمامك‬ ‫يجري‬ ‫رأيته‬ ‫الذي‬ ‫اإلجحاف‬ ‫مدى‬ ‫عن‬ ‫يت‬ ‫عب‬ ‫وقد‬ ‫الصف؟‬ ‫بنقله ّن من الجزء الخلفي إىل الجزء األمامي من‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫يرتك َنب أي خطأ‪ .‬ومع علمي ِ‬ ‫ِ‬ ‫بأنك كنت غاضبة ومستاءة من تلك الحادثة‪ ،‬إالّ أنّها يف الحقيقة كانت لحظة فخر لوالدتك‪ :‬لقد شاهدت بنفسك‬ ‫اإلجحاف والتح ّيز الذى ميارس بحق النساء‪.‬‬ ‫وهذا ما يدفعني لرؤية العامل مبنظار عينيك‪ ،‬بوصفك فتا ٌة إفريقية مسلمة مولودة يف لندن‪ .‬وكأين ِ‬ ‫بك ت ُواجهني التح ّديات القامئة عىل أساس‬ ‫لون برشتك والجندر واملعتقد‪ .‬فمن أصعب اللحظات التي شاهدتك متُ ّرين بها‪ ،‬كانت لحظة تق ُّد ِمك بالطلب إىل "جمعية ال َفتَيات املسلامت" أن‬ ‫ِ‬ ‫بوجودك بين ُه ّن‪ ،‬من دون ارتداء الحجاب‪ .‬مو ِقفي بِهذا الشأن ثابت كام تعلمني‪ :‬سأدعم دامئًا املسار الذي تختارينه‪ ،‬مادام أنه ال‬ ‫يسمحن لك‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪45‬‬


‫ِ‬ ‫أدركت اآلن‪ ،‬بأنك فتا ٌة ح ّر ٌة متا ًما‪ ،‬من عادة "الختان أو تشوية األعضاء التناسلية لإلناث (‪ ،")FGM‬تلك العادة التي‬ ‫يَ ُض باآلخرين‪ .‬لعلّك قد تكوين‬ ‫عانت منها كل النساء يف عائلتنا‪ .‬وهنا مبعث رسوري‪ ،‬كوننا نحتفل أخ ًريا بكرس حلقات تلك العادة امل ْج ِحفة‪.‬‬ ‫من ِ‬ ‫الحظت ِ‬ ‫أنك شديد ُة االنتباه ملسألة إحرتام‬ ‫الخاص‪ ،‬إذ‬ ‫ناحي ٍة أُخرى‪ ،‬يبدو يل أنك اآلن تخوضني تجربة أخرى مهمة تبحثني عربها عن صوتك‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫صحيح‪ ،‬إ َّن هذه الثقة بالنفس قد ال تجد يف غالب األحيان تجاوبًا حس ًنا من اآلخرين‪ ،‬ليس لنقص فيك‪ ،‬إنّ ا ملج ّرد أنك ولدت كفتاة‪ .‬يف هذا‬ ‫الذات‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫الجانب‪ ،‬لألسف‪ ،‬أشعر بأنك ت ُواجهني نفس التح ِّديَات التي َواجهتُها‪ ،‬عندما كنت فتاة شابة يف مقتبل العمر‪ .‬فام تزال نظرة املجتمع كام هي‪ ،‬تتوقّع‬ ‫ِم ْن ُك ّن الجلوس بوقار ومبظهر جميل‪ ،‬وقَبول كل التعليقات ذات اإليحاءات ال ِج ْنس ّية‪ ،‬أو تلك التي تعمل عىل الحط من قدر املرأة ‪ ،‬وذلك بشكل‬ ‫يومي‪ .‬يف املقابل‪ ،‬يُسمح ِ‬ ‫للصبْيان بالذهاب للعب كرة القدم‪ ،‬وفعل كل ما يحلوا لهم‪ .‬لهذا‪ ،‬أسعى‪-‬بقدر املستطاع‪ -‬لجعل هذا العامل مكانا آم ًنا لك‪،‬‬ ‫وسأجتهد لتوفري الفرص التي تحقق ِ‬ ‫لك ذاتك وكينونتك‪.‬‬ ‫والحق‪ ،‬لقد بذلت ك ُّل ما يف وسعي لضامن حاميتك من جرمية ِ‬ ‫الختان‪ ،‬التي أ ْعتَ ِ ُبها واحدة من أسوأ الجرائم املرتكبة بحق النساء‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فإين أدرك متا ًما‪ ،‬بأن مثل تلك الحامية ليست متوفرة للجميع‪ .‬فحتّى هذه اللحظة‪ُ ،‬هنالك املاليني من األ ّمهات مثيل‪ ،‬اآليت ال يستط ْع َن توفري الح َمية‬ ‫األساسية لبناته ّن‪.‬‬ ‫ففي إفريقيا و ْح َدها‪ ،‬تواجه نحو ثالث ماليني فتاة كل عام‪ ،‬خطر تشويه األعضاء التناسليّة (‪ ،)FGM‬تلك املامرسة التي تجري مبوجبها عملية إزالة‬ ‫أول‬ ‫األعضاء التناسلية لإلناث‪ ،‬بصورة جزئية أو كُلّية‪ ،‬ألسباب غري طب ّية‪ .‬بالنسبة للفتيات الاليت يتعرضْ َن للتشويه من النوع الثالث من الختان‪ ،‬يجري ً‬ ‫قطع الشفران الكبريان والبظر‪ ،‬ثم تليها عملية قفل املنفذ بال ُغ َرز‪ .‬لتصبح بعدها تأدية وظائف بيولوجية عادية‪ ،‬مثل التبول أو اإلخراج‪ ،‬مبثابة ِعبء‬ ‫يومي أليم‪ .‬تخ ّييل أن يضاف كل هذا األمل‪ ،‬يا فريوز‪ ،‬إىل آالم دورة الطمث التي تعترب تجربة مؤملة يف حد ذاتها‪.‬‬ ‫األدهى من كل ذلك‪ ،‬أ َّن العديد من الفتيات اآليت يخضعن إىل عملية تشوية األعضاء التناسلية‪ ،‬يجري تحضريهن بتلك الجراح متهي ًدا إلجراء‬ ‫مراسيم" ما يسمي بالزواج "‪ .‬يف الواقع‪ ،‬بحلول نهاية هذا العقد سيكون هناك نحو" ‪ 142‬مليون فتاة" ممن جرى تزويجهن يف عمر الطفولة‪ .‬لذلك‪،‬‬ ‫أرفض شخص ًيا إستخدام كلمة الزواج حينام يتعلق األمر باألطفال‪ .‬بالنسبة يل‪ ،‬ال تعدو أن تكون املسألة أكرث من مجرد اغتصاب وإستعباد ُم َق َّنن‬ ‫لألطفال‪ ،‬وبالتايل إستخدام كلمة الزواج يف مثل هذا السياق‪ ،‬هو محض غطاء إلخفاء الجرائم الحقيقية املصاحبة لهذه املامرسة‪ .‬فمثال‪ ،‬أ ّن الفتيات‬ ‫اني من املضاعفات الجسدية والعاطفية لهذه املامرسة‪ ،‬مثل‪ ،‬العنف املنزيل‪ ،‬والناسور (تفتُّق يظهر أسفل جدار‬ ‫اآليت تعرضن للختان‪ ،‬تجد ِي ُه ّن يَ َع ْ ّ‬ ‫ِ‬ ‫لس" البول والغائط‪ .‬الحقًا‪ ،‬يجرى نبذ الضحايا من الفتيات‬ ‫"س‬ ‫داء‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫الفتيات‬ ‫إصابة‬ ‫إىل‬ ‫النهاية‬ ‫يف‬ ‫ِّى‬ ‫د‬ ‫يؤ‬ ‫والذي‬ ‫القرسي)‪،‬‬ ‫املهبل نتيجة مامرسة الجنس‬ ‫َ َ‬ ‫بسبب فوح روائح البول والغائط من أجساده ّن‪ .‬إىل جانب ذلك‪ ،‬فإن التوتر كمرض مصاحب ملا بعد اإلصابة بهذه الفاجِعة‪ ،‬مسألة شائعة ج ًدا وسط‬ ‫الفتيات الاليت يعشن يف مثل تلك البيئات‪ .‬مام يدفع بالكثريات ِم ْن ُه ّن إىل اإلنتحار‪ ،‬أو إيذاء النفس‪ ،‬من خالل إشعال النار يف أجساد ُه ّن‪.‬‬ ‫عملت مرة كطبيبة نفس ّية مع امرأة تعرضت يف شبابها إىل الختان‪ ،‬ومامرسة أخرى مهينة‪ ،‬تعرف بـ"يكّ أو تسطيح الثديّني"‪ .‬وهي عملية يجري‬ ‫خاللها َكّ الثّديني بِحديد ساخن‪ ،‬من أجل تسطيحهام‪ .‬ورغم أنها عملية ج ّد مؤملة ومؤذية‪ ،‬إال أنها ما تزال منترشة يف شامل وغرب إفريقيا‪ ،‬حيث‬ ‫ت ُشري إحصائ ّيات األمم املتّحدة إىل مواجهة ما يقارب ‪ 3.8‬مليون فتاة لخطر َكّ الثديّني‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬هناك اآلالف من الفتيات اآليت يواجهن نفس‬ ‫الخطر‪ ،‬يف كل من الكامريون وجنوب إفريقيا‪ ،‬ونيجرييا‪ ،‬وجمهورية غينيا‪ ،‬وتوغو‪ ،‬وساحل العاج‪.‬‬ ‫عىل صعيد آخر‪ ،‬فإن ‪ %12‬فقط من النساء والبنات حول العامل‪ ،‬ال يَ ْحظ َني بالخدمات ِ‬ ‫الصح ّية‪ ،‬وبالتّايل مرور النساء بتجربة آالم الطمث يف مثل‬ ‫تلك البيئات‪ ،‬يعني حرمانهن من التعليم حيث أنه ال يوجد دعم صحى أو نفىس للتعامل مع املتغريات الصحية للفتيات‪ .‬ومن هنا ت َ ْك ُمن سهولة‬ ‫انزالق الفتيات يف براثن الفقر وسوء املعاملة‪ ،‬بسب عدم توفُّر البدائل‪ ،‬لذا يتوجب علينا هدم تلك الفجوة املفزعة‪.‬‬ ‫عىل املستوى العاملي‪ ،‬تواجه الفتيات تحديات كثرية‪ ،‬تستوجب املعالجة من خالل إتاحة الفرص‪ .‬ضمن هذا املنظور‪ ،‬إعطاء الفرص للفتيات يعني‪،‬‬ ‫توفري أماكن آمنة لهن‪ ،‬حتّى يتمك ّن من الذهاب إىل املدرسة دون الشعور بالقلق من التعرض لالختطاف أو الخوف من اإلصابة برصاصة يف الرأس‪،‬‬

‫‪46‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫أو الخوف من التعرض لالغتصاب يف طريق العودة من السينام‪ .‬أو الخوف من ظاهرة التحرش والتلصص عىل أجساده ّن أثناء الحفالت املوسيقية‪.‬‬ ‫التعبي عن م ْك ُنونَاته ّن الذاتية األصيلة‪ ،‬دون خوف من التعرض إىل أي محاكمة أو أذى‪.‬‬ ‫تحتاج الفتيات‪ ،‬أيضً ا‪ ،‬إىل أماكن آمنة‪ ،‬ت ُتيح له ّن ُحريّة‬ ‫ّ‬ ‫بالطبع‪ ،‬هناك أماكن يف بعض مناطق العامل‪ ،‬تتيح للفتيات فضاءات آمنة‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬كان يل رشف مقابلة "أجنيس باريّو"‪ ،‬من دولة كينيا‪،‬‬ ‫التي أ ْعتَ ِ ُبها واحدة من بطاليت يف توفري الفضاءات اآلمنة‪ .‬تدير (أجنيس) مأوى آمن يطلق عليه "تسارو"‪ ،‬وهو مأوى ُم َك ّرس لحامية الفتيات الهاربات‬ ‫من براثن الختان‪ ،‬والزواج القرسي‪ .‬مساعدة هؤالء الفتيات بتوفري املآوى‪ ،‬هو الهدف الذي تسعى له السيدة أجنيس‪ ،‬ومن هنا يأيت سعيها الدؤوب‬ ‫نحو توفري فضاءات آمنة‪ ،‬تساعده ّن عىل تحقيق تطلعات ُه ّن‪ .‬بخصوص التطلعات‪ .‬أتذكّر ترصيحا لواحدة من الفتيات وهي تقول يل‪":‬ليىل‪ ،‬سأصري‬ ‫يوما ما طبيبة ومرصفية"‪ .‬ومن شدة ارتبايك من ترصيحها‪ ،‬قلت لها متسائلة‪" :‬هل بإمكانك إنجاز االثنني معا"؟ أجابتني برسعة فائقة‪" :‬طاملا نجوت‬ ‫من مذبحة هتك واغتصاب جسدي‪ ،‬الذي كان ميارسه زوجي عيل يوميًّا‪ ،‬فلن تكون مسألة القراءة وأداء االمتحانات بتلك الصعوبة"‪.‬‬ ‫ُزبْدة القول يا فريوز‪ ،‬أريد لك ولغريك من الفتيات‪ ،‬تحقيق االزدهار‪ .‬من أجل ذلك‪ ،‬نحن بحاجة إىل االستثامر في ُك ّن بنسبة مئة يف املئة‪ ،‬ومبا يحقق‬ ‫نجاحات ُك ّن‪ .‬أجل‪ ،‬نريد بالفعل توفري عامل أفضل وأكرث أ ْمناً لفتياتنا‪ ،‬وال نريد املزيد من املبادرات واإلجراءات الرمزية‪ .‬أُنْهِي كالمي يف هذا الخصوص‬ ‫مبثل إفريقي‪:‬‬ ‫"لو قمت بتعليم صبي‪ ،‬تكون قد ساهمت يف تعليم فرد‪ ،‬أ ّما إذا قمت بتعليم فتاة‪ ،‬فكأنك بذلك تقوم بتعليم املجتمع كله"‪.‬‬ ‫ِختا ًما‪ ،‬يا عزيزيت فريوز‪ ،‬عليك أن تعريف أن ّني فخور ٌة وشديدة االعتزاز بك‪ .‬صحيح‪ ،‬أنني ما زلت أخىش عىل سالمتك‪ .‬وهي بكل رصاحة‪ :‬ليست‬ ‫مخاوف أ ّم تخىش عىل ابنتها ملجرد كونها فتاة‪ ،‬ل ِك ّنها‪ ،‬يف نهاية األمر‪ ،‬مجرد مخاوف ال أرغب يف فرضها عليك‪ .‬فقط تذكّري الحديث الذي ظللت أكرره‬ ‫عليك دو ًما‪ ،‬إ َّن العامل بات أفضل بوجودك فيه!‬ ‫كل املحبة من‬

‫ماما‪..‬‬ ‫مالحظة‪ :‬أرجو أن تقومي برتتيب غرفتك‬

‫الكاتبة‪ :‬ليلى حسين‬

‫ترجمه من اإلنجليزية‪ :‬منصور علي‬

‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪47‬‬


‫الفضاء الحضري وإنتاج العالقات‬ ‫الجندريّة في إيران المعاصرة‬ ‫ألكس شامس‬ ‫أمرييك من أصول‬ ‫إيرانية‪ ،‬وهو طالب‬ ‫دكتوراه يف مجال‬ ‫األنرثوبولوجيا‬ ‫بجامعة شيكاغو‪.‬‬ ‫وتنحرص اهتامماته يف‬ ‫قضايا النوع والدين‬ ‫والسياسة والفضاء‬ ‫الحرضي يف الرشق‬ ‫األوسط املعارص‪.‬‬ ‫يعمل اآلن مدير‬ ‫تحرير لـ " مجموعة‬ ‫عجامن اإلعالمية"‬ ‫املعن ّية بقضايا الثقافة‬ ‫واملجتمع يف كل من‬ ‫إيران ووسط وجنوب‬ ‫آسيا‪ .‬وقد عمل يف‬ ‫السابق كصحفي‬ ‫مقيم يف مدينة بيت‬ ‫لحم‪ ،‬فلسطني‪.‬‬

‫ما هو الفضاء الحرضي اإلسالمي؟‬ ‫ظل سؤال ماهية الفضاء الحرضي اإلسالمي يشغل املثقفني ورجاالت‬ ‫َّ‬ ‫السلطة يف البلدان التي تتمتع بأغلبية مسلمة لقرون طويلة‪ .‬وقد عاد‬ ‫ملح‬ ‫السؤال يطرح نفسه من جديد خالل االربعني عاماً املاضية بشكل ّ‬ ‫عىل خلفية ظهور حركات التحديث اإلسالمية التي مل تجلب معها رؤى‬ ‫خاصة بالفضاء العا ّم والسياسة الجامهريية واالقتصاد فحسب‪،‬‬ ‫جديدة ّ‬ ‫وإمنا أيضا وجدت نفسها تتبوأ مراكز سلطويّة عىل نحو متسارع يخ ّولها‬ ‫مهمة القيام بتشكِّيل املدن واملناطق التي تعمل فيها هذه الحركات‪.‬‬ ‫فام إن وجدت هذه املجموعات نفسها يف مراكز السلطة‪ ،‬حتى بدأت يف‬ ‫إطالق شعار "ال رشقية وال غربية‪ ،‬إسالمية ـ إسالمية" وهو الشعار الثوري‬ ‫الذي طرحته القيادات التقليدية التي انرصف جل همها يف املايض‪ ،‬إىل‬ ‫مسألة التغيري القانوين أو الدستوري‪ ،‬مام استدعى التفكري الج ّدي بشأن‬ ‫قضايا االعرتاف بالطبيعة التعددية للسلطة وارتباطاتها الوطيدة بإنتاج‬ ‫الفضاء الحرضي‪.‬‬ ‫وقد برز الفهم المغاير للفضاء الحضري في إيران‬ ‫إب ّان الفترة التي شهدت التوجُّه نحو مأسسة‬ ‫وتدوين ثورة ‪ ،1979‬حيث بدأ منذ ذلك الوقت‬ ‫التفكير بشأن إعادة تشكيل النسيج الحضري في‬ ‫إيران على نحو يعكس ويساعد على إنتاج النموذج‬ ‫اإلسالمي لمفهوم المواطنة‪.‬‬

‫املتغيات يف طهران؛ عاصمة إيران التي يقارب‬ ‫وميكن مالحظة هذه‬ ‫ّ‬ ‫عدد سكانها الـ ‪ 14‬مليون نسمة‪ ،‬والتي أصبحت مبثابة ُمخترب للتخطيط‬ ‫الحرضي لكافة مناطق البالد األخرى‪ .‬والحق‪ ،‬تع ّرض الفضاء الحرضي‬ ‫للمدينة منذ قيام الثورة‪ ،‬إىل عملية إعادة تشكيل وتنظيم شاملني‪ .‬وقد‬ ‫قامت تلك اإلعادة أساساً عىل مبدأ ثنائية الجندر (ذكر‪/‬أنثى)‪ ،‬حيث‬ ‫بدأ عىل إثرها تنفيذ الفصل الجندري يف العديد من املؤسسات عىل‬ ‫نحو صارم‪ ،‬بينام ُخ ّول للرشطة األخالقية تنظيم الفضاءات العا ّمة التي‬ ‫تفتقر إىل وجود فواصل طبيعية تفرض االختالط الجندري‪ ،‬كالحدائق‬ ‫والطرقات العامة‪.‬‬

‫شهدت تغول املجال الخاص عىل الفضاء العام بشكل متكامل‪ .‬وعىل‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬نجد أن فرض وتنفيذ القوانني األخالقية يف األماكن العا ّمة‬ ‫ليس سوى محاولة لتصدير مفهوم تحكُّم األرسة عىل األفراد إىل هذا‬ ‫الح ّيز‪ .‬وأيضا شهدت هذه الفرتة تغول مفاهيم الفضاء العا ّم عىل قدسية‬ ‫لفض الحفالت‬ ‫وخصوصية املنازل‪ ،‬حيث كرثت حمالت غزو املنازل ِّ‬ ‫واالحتفاالت الخاصة انطالقا من مفهوم شائع فحواه إن "أسلمة" املكان‬ ‫والنفس‪ ،‬يجب أن تشمل كل قطاعات املجتمع‪.‬‬ ‫ولكن إذا وضعنا كل ذلك جانباً‪ ،‬نجد أن تنفيذ‬ ‫ّ‬ ‫مشروع الفصل الجندري أدى إلى نتائج غير متوقعة‪،‬‬ ‫تمثّلت في الزيادة المضطردة في أعداد الفتيات‬ ‫من خلفيات محافظة‪ ،‬اللواتي خرجن للمشاركة في‬ ‫القطاع العام في إيران‪ ،‬وذلك خالفاً لما كان سائداً‬ ‫قبل الثورة‬

‫حيث كانت بعض األرس املتشددة دينيا تفرض الكثري من القيود التي‬ ‫تحول دون حصول املرأة عىل حق التعليم والعمل‪ ،‬واملشاركة يف الحياة‬ ‫االجتامعية عىل نطاق واسع‪ .‬ونسب ًة للمشاركة الفاعلة للنساء من هذه‬ ‫الخلفيات الفقرية يف ثورة ‪ ،1979‬قامت بعض القيادات من أمثال آية الله‬ ‫الخميني بتشجيعهن للخروج واملشاركة يف الفضاء العام‪ .‬وهكذا‪ ،‬عىل‬ ‫الرغم من الرتاجع الذي شهدته البالد يف مجال الحقوق العا ّمة مع انتصار‬ ‫الثورة‪ ،‬إال أنه يالحظ أن ظهور املرأة يف املجاالت العا ّمة قد تصاعد‬ ‫بصورة دراماتيكية‪.‬‬

‫وتعتقد الكثري من النساء أن سياسة الفصل الجندري‪ ،‬مبا فيها تلك‬ ‫التي نُفذت مببادرة من النساء أنفسهن‪ ،‬قد فتحت املجال واسعاً أمامهن‬ ‫للمشاركة يف املجاالت العا ّمة‪ ،‬وذلك بعد أن ساعدت يف تنازل األرس‬ ‫عن تعنتها إزاء قبول مثل هذه املشاركة يف السابق‪ .‬فعىل سبيل املثال‪،‬‬ ‫بينام كان الربع فقط من نسبة الواحد يف املائة (‪ )%1‬من النساء يف‬ ‫إيران قد انخرط يف التعليم الجامعي قبل ‪ ،1979‬نجد أن تلك النسبة قد‬ ‫ارتفعت خالل عقدين من الزمن إىل ما يقارب نسبة الـ (‪ ،)%50‬لتصل إىل‬ ‫أكرث من ‪ %60‬يف الوقت الحارض‪ ،‬ولعل من أهم العوامل التي ساعدت‬ ‫عىل ذلك سامح األرس لبناتها باالنخراط يف العملية التعليمية يف فرتة ما‬ ‫وت ُعترب الفرتة الزمنية التي تلت الثورة مبارشة فرتة التشدد التي بعد الثورة‪ .‬وكذلك نسبة لتشجيع الدولة النساء عىل االلتحاق بالتعليم‬

‫‪48‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫بين الخاص و العام‬

‫اللوحة من اعمال نياز ازادىخان ‪ -‬ايران‬

‫الجامعي انطالقا من املبدأ اإلسالمي الذي تبنته الدولة والذي يشجع‬ ‫عىل التعليم‪ ،‬تنازلت الكثري من األرس عن فهمها السابق والذي يص ِّور‬ ‫التعليم الجامعي باعتباره "غري إسالمي"‪ ،‬وتخلّت تلك األرس عن هذا‬ ‫الفهم وسمحت لبناتها باالنخراط فيه‪ .‬وعىل ذات املنوال فقد اِزدادت‬ ‫نسبة النساء العامالت يف القطاعات العا ّمة بصورة ملحوظة‪.‬‬ ‫ولكن مع ذلك نالحظ أن عملية "أسلمة" الفضاء العام‪ ،‬قد عملت‬ ‫عىل تهميش النساء من مختلف الخلفيات يف مجاالت أخرى‪ .‬فعىل سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬أدّى إعامل قانون ال ّزي الذي فرض الحجاب وانتشار وحدات‬ ‫الرشطة األخالقية‪ ،‬إىل التغول عىل حريتي امللبس والحركة؛‬ ‫وبالتالي‪ ،‬بتنا نالحظ التناقض الواضح في نتائج‬ ‫"األسلمة"‪ ،‬فهي من ناحية ساعدت عدداً كبيراً من‬ ‫النساء على االنخراط بأعداد مقد ّرة في النشاط‬ ‫االقتصادي‪ ،‬ولكن من الناحية األخرى أد ّت إلى هضم‬ ‫الحقوق اإلنسانية واالجتماعية للنساء‪.‬‬

‫هذا التغيري الذي طرأ عىل الفضاء الحرضي ج ّراء عمليات "األسلمة"‬ ‫والفصل النوعي الذي ابتدر بواسطة الثورة‪ ،‬استمر خالل فرتة الثامنينيات‪،‬‬ ‫ولكنه رسعان ما بدأ يفقد السيطرة تدريجيا بنهاية تلك الحقبة‪ ،‬وتراجع‬ ‫أكرث مع بداية حقبة التسعينيات‪ .‬ومن جهة ثانية‪ ،‬ومنذ اقرتاب انتهاء‬ ‫الحرب ضد العراق يف ‪ ،1988‬برزت الحاجة إىل إعادة إعامر املنشآت‬ ‫واألماكن التي د ّمرتها الحرب‪ ،‬مام أدّى يف النهاية إىل ظهور رؤية إيرانية‬ ‫جديدة للتعامل مع الفضاء الحرضي‪ .‬ولعل خري تجسيد لهذه الرؤية‬ ‫السياسات التي تب ّناها عمدة طهران؛ السيد غالم حسني كراباتىش‪ ،‬والتي‬ ‫اهتمت بالرتكيز عىل تنمية وتوسعة الفضاء العام بطبيعته "املتأسلمة"‪،‬‬ ‫وهيأت املجال لظهور املرأة يف الفضاء العام‪ .‬وبرغم أن إصالحات العمدة‬ ‫مل تكن مو ّجهة بشكل واضح تجاه املرأة‪ ،‬إال أنها كانت لها نتائج عميقة‬ ‫يف هذا املجال‪ .‬فكان مشهود للعمدة اهتاممه بـ "تخضري" طهران‪ .‬هذا‬ ‫االهتامم دفع بالسلطات املحلية لالنقضاض عىل أية مساحة خالية‬ ‫باملدينة بغض النظر عن حجمها‪ ،‬وتحويلها إىل حديقة عا ّمة‪ .‬وقد‬ ‫منصات انطلقت منها أشكال عديدة من‬ ‫أصبحت هذه الحدائق مبثابة ّ‬ ‫املرافق العا ّمة‪ ،‬كاملراكز الثقافية واملكتبات العامة واملؤسسات التعليمية‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪49‬‬


‫األخرى‪ ،‬والتي بدورها أصبحت مبثابة "مجال ثالث" لخدمة النساء الاليئ‬ ‫وإن ك ّن قد شاركن بفعاليّة يف املجاالت العامة املختلفة إال أنهن ُحرمن‬ ‫من ارتياد املقاهي املخصصة للرجال (مع مالحظة أن هذه املرحلة قد‬ ‫شهدت ظهور أعداد كبرية من املقاهي املختلطة املخصصة للطبقات‬ ‫الوسطى‪ ،‬ولكن ُحرمت طبقات العامل من مثيالتها)‪.‬‬

‫وكل ذلك تأكيدا ً عىل املحافظة عىل مبادئ األخالق اإلسالمية التي تليق‬ ‫مبواطني الجمهورية اإلسالمية‪ .‬إذن يبدو أن املغ ّني كان مهموما بفكرة‬ ‫الرقص املختلط وهو يشاهد النشوة التي كانت تعلو وجوه الشباب من‬ ‫املتفرجني‪ .‬وكان الجمهور عىل علم تام بحدود الخط الرفيع الفاصل بني‬ ‫أداء غايته االحتفاء "بالثقافة القومية" الذي ترعاه السلطات املحلية‪،‬‬ ‫فلم يحفل للفوارق النوعية وسط كل هذه الجموع؛ والحضور الحقيقي‬ ‫للرشطة األخالقية التي كان يف إمكانها االنقضاض عىل املشهد يف أي‬ ‫وقت‪.‬‬

‫لقد حاول منهج كراباتىش التعامل مع مواطني الجمهورية اإلسالمية‬ ‫كخليط مجرد من صفة الجندر وافرتاض أن الدور املنوط به هو تأصيل‬ ‫البي لهذا املنهج‬ ‫املشاركة يف ارتياد األماكن العامة‪ .‬يتضح إذن االختالف ّ‬ ‫أ ّما جموع البالغني فكانت عىل دراية كاملة بأنها ستكون أول‬ ‫مقارنة بخطة الثامنينيات السائدة آنذاك‪ ،‬والتي ما فتئت تنظر إىل‬ ‫اإليرانيني من خالل عدسة ثنائية النوع وال تتخيّل الفضاء العام سوى من سيدفع الثمن يف حال انقضاض أي من أفراد الرشطة املتشددين‬ ‫عىل املشهد‪ ،‬وذلك بحجة مشاركتهم يف االحتفال؛ بينام يأمل موظفو‬ ‫مكان يسمح باالختالط بني الجنسني‪.‬‬ ‫السلطات املحلية يف اإلفالت من العقوبة‪ ،‬عىل أن يتحملها أحد أفراد‬ ‫البريوقراطية من ذوي املراكز الدنيا واملنظمني للفعالية يف هذه الحالة‪.‬‬ ‫واليوم يتعايش المنظوران في حالة من التوتر؛‬ ‫ففي الوقت الذي اخترقت فيه سياسات كراباتشى وأما بالنسبة للرشطة األخالقية فاملشهد كله عرضة ألن تحدث فيه‬ ‫حاالت من االحتكاكات واالختالط‪ ،‬مبا يف ذلك حوادث املثلية الجنسية‪.‬‬ ‫بيروقراطية المدن وأصبحت جزءا منها‪ ،‬ال تزال‬ ‫الشرطة األخالقية التي ُ‬ ‫املفارقة‪ ،‬أن أياً من أفراد رشطة األخالق مل يجرؤ يف ذلك اليوم عىل‬ ‫وضعت تحت إمرة وزارة‬ ‫الثقافة والتوجيه اإلسالمي تيمناً بإرث الثمانينيات؛ االقرتاب من مكان الرقص‪.‬‬ ‫ال تزال تصول وتجول في األماكن العامّة‪.‬‬

‫ولكنني شاهدت تدخل الرشطة يف املرة الثانية عندما كنت يف مع ّية‬ ‫ابنة عمى بإحدى الحدائق العامة يف وقت متأخّر من الليل‪ .‬حرض هذه‬ ‫املرة (أفراد من الرشطة األخالقية) وبدأوا فحص البطاقات الشخصية‬ ‫واالستجوابات‪ ،‬وطردوا مجموعة من الشباب وبعض العامل األفغان‬ ‫املتواجدين يف أطراف الحديقة حيث تنترش بقايا حقن مبعرثة‪ .‬يف هذا‬ ‫اليوم مل تشفع يل عالقة القرابة التي تربطني بابنة عمي‪ ،‬ألن عنرص‬ ‫الرشطة الذي استجوبنا كان ممن يحملون االعتقاد بأن عالقات العمومة‬ ‫أيضا مغرية بتفيش األفعال الجنسية؛ وقد متكنت بصعوبة من اإلفالت‬ ‫من الحبس‪ ،‬وذلك بعد أن أخربتهم بأن هويتي إيرانية لكنني قدمت‬ ‫لتوي من "لوس انجلوس"‪ ،‬وإنني لست عىل دراية كافية بالقوانني‬ ‫املنظِّمة للفضاء العام يف إيران‪.‬‬

‫سوف اختتم هنا بإدراج طرفة قصرية توضّ ح هذا التعايش املتوت ّر بني‬ ‫املنظورين‪ :‬إذ تعكف السلطات املحلية يف طهران عىل تنظيم حفالت‬ ‫موسيقية (كونسريتات) وغريها خاصة يف فرتات الصيف يف الحدائق‬ ‫قمت يف السنة‬ ‫العا ّمة التي جرى تشيدها عىل أيام كراباتىش‪ ،‬وقد ُ‬ ‫املاضية بحضور إحدى تلك الحفالت‪ ،‬ورأيت اثناءها أعدادا كبرية من‬ ‫الناس يبلغ عددهم زهاء ‪ 100‬شخص‪ ،‬وجلهم من األرس‪ ،‬يجلسون عىل‬ ‫كرايس بالستيكية‪ ،‬بينام كان هناك عدد من األطفال يرقصون بالقرب من‬ ‫مرسح أمامهم‪ ،‬حيث كان هناك مطرب يعزف عىل آلة بيانو كهربائية‬ ‫ويغنى يف نفس الوقت أغاين شعبية متن ّوعة‪ ،‬متثّل أجزا ًء مختلفة من‬ ‫إيران‪ ،‬وقد أحاط بالجمع عدد من املتفرجني الذين كانوا يتاميلون مع‬ ‫نغامت املوسيقى‪ ،‬بينام بدأ حر الصيف يتالىش أمام هبوب نسامت قادمة‬ ‫هذا القلق السيايس املتصاعد بني الرشطة األخالقية والطبقات‬ ‫من أعايل الجبال‪ .‬وعىل مقربة من هؤالء كان هناك لفيف من البرش‬ ‫يفرتشون الحشائش ومجموعة من كبار السن يجلسون عىل املصاطب الوسطى والنساء من جهة‪ ،‬والقلق األمني إزاء انتشار العامل األفغان‬ ‫توخيا للراحة‪ ،‬فيام تجمهر عند الناحية الثانية العامل املوسميون األفغان يف الحدائق بصورة غري مبالية؛ يجعل البالد تشهد يوم ّياً مثل هذا التوتر‬ ‫الذين احتلوا األطراف القصية من الحديقة‪ .‬كان البعض من الوقوف الناتج عن تباين التصورات املتنافسة عىل كيفية إدارة الفضاء العام‪.‬‬ ‫يتاميل من وقت آلخر مع املوسيقى‪ ،‬بينام كانت بعض األرس تشجع‬ ‫أطفالها عىل املشاركة يف الرقص‪ ،‬ويف ذات الوقت تحاول تعليمهم تأدية‬ ‫بعض الحركات الراقصة‪.‬‬ ‫لكن املضحك أن املغني طيلة هذه املدة‪ ،‬كان مشغوالً باملحافظة عىل‬ ‫الخط الفاصل بني حامسه الشديد ملشاركة األطفال بالرقص من ناحية؛‬ ‫واإللحاح عىل البالغني برضورة البقاء يف أماكنهم من الناحية األخرى‪.‬‬

‫‪50‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫الكاتب‪ :‬ألكس شامس‬

‫من اإلنجليزية‪ :‬محمد عثمان الفكي‬


‫بين الخاص و العام‬

‫علي القبض‬ ‫كاد أن يُلقى‬ ‫ّ‬ ‫بتهمة ارتداء البنطلون!‬ ‫يف الطريق إىل املكتب بعد تناول وجبة غداء أنا وزميلتي يف العمل‪ ،‬يف حالة من الذهول‪ ،‬لدرجة أنّني مل أكن قادرة عىل امليش رسيعاً‪ .‬كنت‬ ‫كُنت ارتدي بنطلوناً من الجينز وقميصا قا َين اللون‪ ،‬تعلوه ُسرتة بن ّية أفكّر‪ُ ،‬ر ّبا إذا مشيت ُمرسعة‪ ،‬لجذب ذلك الكثري من االنتباه نحوي‪...‬‬ ‫فاتحة طويلة‪ ،‬فيام كانت صديقتي ترتدي جِيبَة طويلة تعلوها بلوزة ولكن يا ت ُرى ما هو سبب هذا االنتباه؟ فأنا مل أخطئ يف يشء‪.‬‬ ‫بأك َْمم طويلة‪ ،‬وتضع وشاحا عىل رأسها‪.‬‬ ‫وطيلة هذه امل ّدة‪ ،‬استمر الرجل يف الصياح بِالرشطة‪ ،‬يطلب منهم‬ ‫رأيت أحد أفراد الرشطة يلتفت باتجاه‬ ‫تتوقف عربة الركشة التي كُ ّنا نستقلها أمام املكتب‪ ،‬وعىل الناحية اعتقالنا‪ .‬وبفحص رسيع للشارع‪ُ ،‬‬ ‫ُرب منها مصدر الصياح ملعرفة السبب‪ ،‬وعندما نظرتُ حويل‪ ،‬كان جميع من‬ ‫األُخرى من الطريق كانت تقف شاحنة زرقاء ضخمة‪ ،‬يقف بالق ْ‬ ‫رجالن من أفراد الرشطة يتح ّدثان إىل فتاة ال يختلف ال ّزي الذي ترتديه بالشارع يبحلِقون نحوي‪ ،‬عندها‪ ،‬ق ّررتُ اإلرساع يف الخطى حتى دخلت‬ ‫ع ّني كثريا ً‪ .‬فهي كانت ترتدي بنطلون جينز مع بلوزة بيضاء‪ ،‬تنتهي بناية املكتب‪ ،‬ولك ّني كنت ما أزال أُصغي لصوت الرجل خلفنا‪ ،‬صائحاً‪:‬‬ ‫بفتحة دائرية عند الرقبة‪ ،‬وتضع فوق البلوزة ُسرتة سوداء‪ .‬وبينام كان "لقد دخال تلك البناية"‪.‬‬ ‫أحد أفراد الرشطة ُمنش ِغالً مبحاولة أخذ بائعة الشاي التي ترتدي التوب‬ ‫طلبت م ّني صديقتي الصعود إىل املكتب واالنتظار هناك‪ ،‬بينام‬ ‫السوداين إىل داخل الشاحنة‪ ،‬كان الرشطي اآلخر منهمكاً يف نقاش حاد‬ ‫مع الفتاة‪ ،‬ويُشري نحو بلوزتها‪ُ ،‬مل ِّمحاً إىل أ ّن بنطلون الجينز الذي ترتديه وقفت هي تُراقب املوقف من مدخل املبنى‪ ،‬وملا طلبت منها هي‬ ‫األخرى الدخول‪ ،‬كان ردُّها‪" :‬ليست هناك مشكلة‪ .‬لن يفعلوا يل شيئا‪،‬‬ ‫الفتاة كان ضيّقا‪.‬‬ ‫ألن ارتدي الزي املناسب"‪ ،‬ولك ّني عاجلْتُها قائلة‪" :‬هل تعتقدين أنّهم‬ ‫ّ‬ ‫وصدِيقَ تِي‪ ،‬نُراقب الموقف بدهشة وذهول‪ ،‬سيهت ّمون بذلك؟ فال يزال ذلك الرجل يصيح بالرشطة‪ ،‬ويطلب منهم‬ ‫كُنّا‪ ،‬أنا َ‬ ‫ُ‬ ‫اعتقالنا‪ ،‬و ُهم بال شك سوف يفعلون ذلك‪ ،‬ملج ّرد أنّك كُ ْن ِت معي"‪ .‬مل‬ ‫ونحن نتساءل عن سبب أخذ بائِعة الشاي التي‬ ‫ترتدي "التوب السوداني" إلى الشاحنة‪ ،‬طالما أ ّ‬ ‫تكرتث صديقتي وواصلت ُمراقبة املشهد‪ ،‬حيثُ ت ّم أخذ بائعة الشاي‬ ‫ن‬ ‫والفتاة التي ترتدي بنطلون الجينز‪ ،‬وبدأت الشاحنة يف التح ُّرك‪ .‬قالت‬ ‫األمر كلّه كان يتعلّق بمسألة البنطلون‪.‬‬ ‫صديقتي‪" :‬إنّهم يُغادرون‪ ،‬ولكن الشاحنة تسري ببطء‪ ،‬وكأنّهم بذلك‪،‬‬ ‫ويف هذه األثناء‪ ،‬التفتت صديقتي نحوي مو ّجهة يل حديثها‪" :‬أعتقد يفحصون املنطقة ألخذ املزيد من الضحايا"‪.‬‬ ‫أنه يجب أن تدخيل املكتب فورا"‪ ،‬ولك ّني مل أستطيع أن أبرح مكاين!‬ ‫صعدنا إىل املكتب‪ ،‬وكان قلبي ينبض بش ّدة‪" .‬يا إلهي! ما الذي حدث‬ ‫ومن ناحية ا ُخرى‪ ،‬كان أمامنا رجل يتابع املشهد ويبدو أنّه كان يصغي قبل قليل؟ حقيقة ما الذي حدث؟ يا إلهي‪ ،‬ما مشكلة ذلك الرجل؟ وما‬ ‫ِ‬ ‫الحظت النظرات الجنونيّة يف‬ ‫التفت هذا الشخص نحونا يف نفس الذي جرى ملقولة "احموا نساءكم"؟ هل‬ ‫إىل الحديث الدائر بيني وصديقتي‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الوقت الذي كانت تحاول فيه صديقتي خلع وشاحها لتعطيني إياه‪ .‬عيون ذلك الرجل؟ كأنّه بصدد تلقّي ترقية أو جائزة بسبب اعتقالنا"‪.‬‬ ‫ولدى مشاهدت ِه املوقف‪ ،‬ملعت عيْ َنا الرجل فجأةً‪ ،‬واهتز رأسه‪ ،‬ث ُ َّم بدأ‬ ‫وبالطبع‪ ،‬لقد انقَىض وقت طويل عىل الفرتة التي كانت فيها الرشطة‬ ‫يف الصياح برجال الرشطة‪" :‬تعالوا و ُخذْوا هاتني الفتاتني من هنا‪ ،‬هنا‪،‬‬ ‫هنا!"‪ .‬كان الرجل يتو ّجه برصاخه نحو أفراد الرشطة‪ ...‬وبرسعة قمت تضايق النساء بسبب ارتداء البنطلون‪ ،‬ويبدو أ ّن الحكومة اآلن أصبحت‬ ‫بإرجاع الوشاح إىل صديقتي‪ ،‬بينام كانت هي تصيح " اذهبي اآلن"‪ .‬مشغولة بقضايا أخرى‪ ،‬وبالتّايل أصبح يف مقدور النساء االستمتاع ببعض‬ ‫بدأتُ بالتح ّرك نحو مبنى املكتب‪ ،‬وأنا أضحك عىل ال ُرغم من أنّه ال يوجد صيحات املوضة‪ .‬لكن ّني لست ِم ّمن يثقن يف هذا املنحى! فقبل أيام قليلة‬ ‫كنت أضحك ألنني كنت قامت الرشطة بإلقاء القبض عشوائيا‪ ،‬عىل الشباب يف شوارع الخرطوم‪،‬‬ ‫يف هذا املوقف ما يبعث عىل الضحك‪ .‬وللحق‪ُ ،‬‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪51‬‬


‫وقامت بحالقة شعورهم ألسباب غري مفهومة‪ .‬كام يقوم أفراد من‬ ‫الرشطة بشكل عادي‪ ،‬بإيقاف الشباب ليالً واستجوابهم بلهجة ُمست ِف ّزة‬ ‫عن سبب بقائهم خارج منازلهم يف هذا الوقت املتأخر من الليل‪ ،‬حتّى‬ ‫إذا ما تج ّرأ الشباب وتعاملوا بِر ّد فعل عىل االستفزاز‪ ،‬قامت الرشطة‬ ‫باحتجازهم حتّى صباح اليوم التايل‪ .‬وهو أيضا ٌ‬ ‫عم‬ ‫سلوك ال يختلف ّ‬ ‫يقوم به بعض أفراد رشطة املرور‪ ،‬إذا كانت الضح ّية فتاة جميلة املالمح‪،‬‬ ‫(أو أي امرأه باإلطالق) حينها ميضون وقتاً بالتغ ُّزل فيها‪ ،‬ولكن إذا تج ّرأت‬ ‫تتغي مالمح‬ ‫الضحية وأبدت عدم االستجابة ملغازلتهم لها‪ُ ،‬سعان ما ّ‬ ‫وجوههم‪ ،‬وتتح ّول نربات أصواتهم إىل نباح‪ ،‬وينتهي األمر بفرض غرامة‬ ‫ماليّة عليها‪.‬‬ ‫نصيحتي للنساء‪ :‬قليل من النداوة عىل الشفاه‪ ،‬ت ُس ّهل اإلجراءات يف‬ ‫حال جرى إيقَاف ُك ّن بواسطة رشطة امل ُرور!‬ ‫لكن يف الحقيقة ك ُّل ذلك بات ال يعنيني يف يشء‪ ،‬ألن ّني أصبحت أتوقع‬ ‫السودان‪ ،‬أن‬ ‫حدوثه‪ .‬فقد علّمتني سنوايت الخمس التي قضّ يتُها يف ُ‬ ‫وأل أتعامل مع‬ ‫حللت‪ّ ،‬‬ ‫أحتفظ بـ "وشاح للطوارئ"‪ ،‬أحمله معي أينام‬ ‫ُ‬ ‫الرشطة بردود األفعال‪ ،‬وأن افتح نافذة س ّياريت وأتحدث مع كل أنواع‬ ‫الرشطة‪ ،‬أو أن ألّ أتوقف للرشطة باملرة‪ ،‬متى ما كان يف مقدوري ذلك‪.‬‬ ‫لذا لن أهت ُم هنا مرة أخرى‪ ،‬بالغوص يف األسباب التي تدفع الرشطة‬ ‫للقيام باعتقال النساء‪ ،‬الاليئ يرت ّدي َن البناطلني والنساء الاليئ ال يرتدينه‬ ‫مثل بائعات الشاي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ولكنى هنا أود ُّ أن أشجب وأدين حقيقة المجتمع‬ ‫َّ‬ ‫يتخل عنّا نحن البسات البناطلين والنساء‬ ‫الذي لم‬ ‫بشكل عام فحسب‪ ،‬ولكنّه ضحّى بنا على أطباق من‬ ‫فضة‪.‬‬

‫ويبقى السؤال‪:‬‬ ‫ما هي األسباب وراء هذا التآمر ضد النساء؟ هل‬ ‫ك ُ ّل ذلك من أجل أن َي ُ‬ ‫م الخير العالم؟ أم أنّه من‬ ‫ع ّ‬ ‫ّ‬ ‫أجل مجتمع "نظيف" و"خالص"؟ أم أ ّ‬ ‫ن األمر كله ال‬ ‫يتعدى المتعة الشخصي ّة وحسب؟‬

‫سارة الحسن‬

‫بثّ أشعة عهر وزندقة تصيب كل من هم حويل‪ .‬أو كأن ّنا بصدد ولوج حلبة‬ ‫عربدة "بنطلونيه" وت َع ٍّر عام ودعارة‪.‬‬ ‫إذا كان البنطلون هو السبب الرئييس يف كل ما يحدث‪ ،‬فذلك مل مينع‬ ‫وى ه ّن يف الحقيقة‬ ‫املقموعني من إيجاد وسائل أُخرى‪ :‬أليست بائعات ال َه َ‬ ‫والبقُع وكل املالبس "املحتشمة"؟ وماذا عن‬ ‫من تلبس َن حالياً‪ ،‬النقاب ُ‬ ‫عمالئه ّن من الرجال مرتادي الغرف املغلقة والشقق املفروشة؟ أليست تلك‬ ‫هي الحقيقة؟‬ ‫ولكن يبدو أن القضية األساسيّة يف السودان هي بنطلون الجينز الذي‬ ‫أرتديه‪ ،‬والذي ال يتعدى سعره ‪ 9‬دوالرات!‬

‫فَمن َحى ذلك الرجل الذّي كان تواجده مجرد ُمصادفة‪ ،‬والذّي كان‬ ‫يرصخ يف الرشطة طالباً منها أن تعتقلنا بسبب أزيائنا‪َ ،‬حطّم كل اعتقاد‬ ‫طيب كُنت احمله عن الرجل السوداين‪ .‬إذ كنت ولسنوات طويلة‪،‬‬ ‫استمع إىل القول بأنه ال يوجد رجل يف العامل‪ ،‬أكرث احرتاماً وشجاع ًة‬ ‫وإخالصاً ونخو ًة من الرجل السوداين‪ .‬وأ ّن الرجل السوداين مقدا ٌم يف‬ ‫الزود عن املرأة وحاميتها‪ ،‬حتى وإن مل تكن عىل حق! ولكن ها أنا ذا‬ ‫عىل األرض السودانية‪ ،‬أتعايش وجها لوجه‪ ،‬مع نقيض ك ُّل ما تعلّمته عن‬ ‫الرجل السوداين‪.‬‬ ‫ُفس سلوك شخص من عا ّمة الناس‪ ،‬تواجد ُهناك مبحض‬ ‫كيف ن ّ‬ ‫الصدفة‪ ،‬يرصخ يف الرشطة محرضاً عىل اعتقالنا‪ ،‬ملج ّرد ارتدائنا بنطلونات؟ سارة الحسن سودانية‪/‬أمريكية كاتبة ومحررة مستقلة تقيم بالخرطوم؛ السودان‬ ‫جسد كل رشور و ُموبقات العامل؟ أو ميكن الوصول إليها عرب مدونتها؛ املدونة ‪ 45‬ب‪.alucan.wordpress.com :‬‬ ‫وكأمنا البنطلون الذي أرتديه قد ّ‬ ‫كأن ّني بارتدايئ له‪ ،‬قد حملت شارة َّ‬ ‫تدل عىل عدم الحياء‪ ،‬أو عىل أفعال‬ ‫خسيسة مل أرتكبها طيلة حيايت‪ .‬أو كأمنا للبنطلون الذي ارتديه‪ ،‬خاصيّة‬ ‫من اإلنجليزية‪ :‬محمد عثمان الفكي‬

‫‪52‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫بين الخاص و العام‬

‫الع ْذريّة في‬ ‫َ‬ ‫"الع َدل" وهوس ُ‬ ‫مجتمعات السودان‬ ‫صفية الصديق‪،‬‬ ‫صحفية سودانية‬ ‫تخرجت من جامعة‬ ‫الخرطوم‪ ،‬كلية‬ ‫اآلداب قسم اإلعالم‬ ‫واللغة الفرنسية‬ ‫‪ .2008‬حصلت عىل‬ ‫الدبلوم العايل من‬ ‫نفس الجامعة يف عام‬ ‫‪ 2015‬وحاليا تدرس‬ ‫لنيل درجة املاجستري‪.‬‬ ‫عملت بالعديد من‬ ‫الصحف ومنظامت‬ ‫املجتمع املدين‬ ‫السودانية‪.‬‬

‫تفاقم الهوس بال ُ‬ ‫عذْري ّة واألوهام حولها في العقود‬ ‫األخيرة في السودان‪ ،‬وصارت النساء‪ ،‬استِجابة‬ ‫لضغوط الواقع االجتماعي والسياسي بشروطه‬ ‫المجحفة‪ ،‬يسلكن كل ُ‬ ‫الطرق الممكنة من أجل‬ ‫تثبيت أوهام ال ُ‬ ‫ّ‬ ‫عذْري ّة في عالقته ّ‬ ‫الخاصة مع الرجال‪.‬‬ ‫ن‬ ‫تستمر معاناة النساء منذ الطفولة وحتى بعد أن‬ ‫يصرن أمّهات‪ ،‬نتاج هيمنة تصوّرات المجتمع األبوي‬ ‫َ‬ ‫المختلّة‪ ،‬والتي تدفعه ّ‬ ‫ن لقبول ُممارسات ضارة‬ ‫وخطرة‪ ،‬مثل عملية إعادة الختان‪ ،‬والتي تؤثر بدورها‬ ‫في صحتهن الجسدية والنفسية‪ .‬حول هذا الموضوع‪،‬‬ ‫تحدثت الصحفي ّة السودانية (صفية الصديق) إلى عدد‬ ‫دل"‪،‬‬ ‫من النساء ممن‬ ‫"الع َ‬ ‫خضن تجربة إعادة الختان َ‬ ‫َ‬ ‫كما أجرت العديد من المقابالت مع األَخصائيين‬ ‫االجتماعيين‪ ،‬واألطباء ورجال الدين‪ ،‬حول مشروعي ّة‬ ‫وجدوى وتبعات هذه الظاهرة‪.‬‬ ‫َ‬

‫تتعرض أكرث من ‪ 15‬فتاة كل ثانية يف مناطق مختلفة من العامل لعملية‬ ‫الختان‪ ،‬وذلك بحسب تقارير األمم املتحدة‪ .‬يف السودان‪ ،‬وبحسب‬ ‫تقارير صندوق األمم املتحدة للطفولة "يونيسف"‪ ،‬تصل نسبة الفتيات‬ ‫املختونات‪ ،‬ما بني عمر الوالدة وحتى عمر الرابعة عرش‪ ،‬إىل ما يقارب‬ ‫الـ ‪ %40‬من نسبة الفتيات يف السودان‪ ،‬وذلك وفقا لشهادات األ ّمهات‪.‬‬ ‫وتتعرض نسب عالية من النساء‪ ،‬غري مرصودة‪ ،‬إىل ما يُس ّمى يف اللغة‬ ‫العاميّة بـ "ال َع َدل"‪ ،‬أو إعادة ِ‬ ‫الختان‪ ،‬خاص ًة بعد والدة املرأة للطفل‬ ‫األول‪ .‬وقد ذكرت بعض السيدات‪ ،‬أنّ ُه ّن قُ ْم َن بإجراء "العدل"‪ ،‬ألكرث من‬ ‫مثاين مرات‪ .‬كذلك‪ ،‬تقوم العديد من النساء بإجراء عملية ال َع َدل قبل‬ ‫الزواج بدافع الخوف من تهمة فقدان العذريّة!‬

‫نادى عىل والدة زوجته‪ ،‬وأعطاها‬ ‫أن يتلقى التهاين بقدوم مولودته‪َ ،‬‬ ‫هديّة ت ُق ّدم يف ِم ُثل هذه املناسبات‪ ،‬وظل يتحدث معها طويالً‪ ،‬بينام‬ ‫بدت عليها عالمة االنفعال الشديد‪ .‬بعد ذهابه‪ ،‬سألها الجميع عن رس‬ ‫انفعالها‪ ،‬ليتضح أن زوج ابنتها طلب منها أن تخطر القابالت بأنه يرغب‬ ‫يف إعادة ختان زوجته بعد الوالدة (أي أن ترجع كام كانت قبل الوالدة)‪،‬‬ ‫وأ ّن ما كان يحمله يف يده‪ ،‬كان عبارة عن طقم ذهب يقدم للزوجة‬ ‫كهديّة ُمقابل قيامها بعملية ال َع َدل‪ .‬قالت يل األم‪" :‬والله يا بتي اداين‬ ‫‪1000‬جنيه بُشارة ال َع َدل ـ وال ُبشارة هي مال يُعطى لعمل يشء ُمفرح‬ ‫ـ وقال يل‪" :‬إنت مش دايرة بتك تعيش سعيدة"؟ وهي " ِبكْريّة" (التي‬ ‫تنجب ألول مرة)‪ ،‬وعندها نزيف خايفاها متوت"‪ .‬مل يستمر "خوف" األم‬ ‫طويالً‪ ،‬ألنه بعد فرتة قصرية‪ ،‬انطلقت الزغاريد مرة أخرى‪ ،‬وهذه املرة‬ ‫ليس ملولود قادم‪ ،‬وإمنا ألمٍ وافقت أن تُخ َْت ابنتها للمر ٍة الثانية‪ ،‬بعد أن‬ ‫أغ َد َق عليها الزوج‪ ،‬املال والهدايا‪.‬‬ ‫ُشكل الهوس ِبمسألة ال ُ‬ ‫ي ِّ‬ ‫عذْرِي ّة في السودان‪ ،‬أحد‬ ‫العوامل األساسي ّة في رواج ظاهرة العدل‪ ،‬حيثُ‬ ‫أن قيمة النساء اإلنسانية قبل الزواج تتمحوّر حول‬ ‫ُعذْرِي َت ُهنّ‪.‬‬

‫هناك‪ ،‬أيضا‪ ،‬تبعات اجتامعية وثقافية لعدم ال ُع ْذ ِريّة‪ ،‬ت ُل ِقي بعب ِئها‬ ‫عىل النسا َء ممن مل يتزوج ّن‪ ،‬مثل وصمة العار التي عادة ما تالزم املرأة‬ ‫وذويها طيلة حياتهم‪ ،‬وكذلك انهيار أي زواج تحوم فيه الشكوك حول‬ ‫ُع ْذ ِريّة الزوجة‪ ،‬وغريها من األحكام االجتامعية الجائرة‪ .‬إضافة إىل‬ ‫ذلك‪ ،‬فإن القانون السوداين‪ ،‬يُ َج ِّرم باملطلق النساء والرجال‪ ،‬ممن يثبت‬ ‫أي نشاط جنيس(زنا)‪ ،‬خارج سياق الزواج‪ .‬ووفق القانون‬ ‫عليهم ُمامرسة ّ‬ ‫الجنايئ‪ ،‬يُعاقب ال ُجناة بعقوبات ترتاوح‪ ،‬ما بني الجلد لغري املحصنني‬ ‫"املتزوجني"‪ ،‬والرجم حتى املوت للمتزوجني‪ .‬تعترب النساء أكرث عرض ًة‬ ‫لهذه العقوبات‪ ،‬وذلك الستخدام الحمل كقرينة إدانة يف إثبات جرمية‬ ‫الزنا‪ .‬كام أ ّن مسألة الكشف عن ال ُع ْذ ِريّة‪ ،‬تعترب من املامرسات التي تطال‬ ‫الفتيات بشكل منتظم من قبل أجهزة البوليس يف حالة ا ْع ِتقالِه ّن‪ ،‬بغض‬ ‫النظر عن ظروف ومالبسات االعتقال‪.‬‬

‫أتت إحدى النساء‪ ،‬وكانت يف حالة مخاض ونزيف حاد‪ ،‬إلحدى‬ ‫مستشفيات الوالدة الخاصة مبدينة الحصاحيصا يف إقليم الجزيرة جنويب‬ ‫الخرطوم‪ ،‬وعىل الفور أدخلوها غرفة الوالدة لخطورة حالتها‪ ،‬وبعد أكرث‬ ‫لتبش ذويها بأن ابنتهم ومولودها‬ ‫من ست ساعات‪ ،‬خرجت الطبيبة ِّ‬ ‫بخري‪ ،‬إالّ إ ّن األُم يف حاجة ماسة لنقل دم‪ .‬فرح الجميع وانطلقت‬ ‫فقد ذكرت العديد من النساء الشابّات‪ ،‬من غري املتز ِّوجات ممن‬ ‫الزغاريد‪ ،‬وانشغل إخوتها يف تجهيز الدم إلنقاذ حياة أختهم‪ ،‬وبعد فرتة‬ ‫قليلة‪ ،‬أىت زوجها بكامل ِهندامه‪ ،‬يح ِمل شيئاً ُمغلّفاً بورق هدايا‪ ،‬وقبل ت َع ّرض ّن لالعتقال‪ ،‬أن ُه ّن يف أوقات كثرية تع ّرضن ملا يس ّمى بكشف‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪53‬‬


‫الرسم‪ :‬حنا باراكزيك‬

‫ال ُع ْذ ِّرية‪ .‬هذا التوضيح شديد األهم ّية‪ ،‬ألنّه يوضّ ح مقدار الهوس‬ ‫االجتامعي والسيايس‪ ،‬فيام يخص موضوع‪ ،‬عذرية وجنسانية النساء‬ ‫يف سودان اليوم‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬تجرميه ّن وفقا لفرض ّيات وتصورات العذريّة‬ ‫املتداولة‪ ،‬باعتبارها قيمة ت ُح ّدد وضعيّة املرأة االجتامعيّة‪.‬‬ ‫تقوم العديد من الفتيات بإجراء عملي ّات التضييق أو‬ ‫إعادة الخِتان قبل الزواج‪ ،‬وذلك في المقام األول‪،‬‬ ‫بسب الخوف من التجريم االجتماعي والجنائي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ن بشكل آمِ ٌ‬ ‫ن مِ ن ُممارسة حياته ّ‬ ‫يتمك ّ‬ ‫ن‪.‬‬ ‫وحتى‬

‫وقد تصل تكلفة تلك العمليات يف بعض األحيان‪ ،‬إىل ما يزيد عن‬ ‫الثامنية إىل العرشة االف جنية سوداين‪ ،‬أو حوايل (‪.)$800-1000‬‬ ‫وقد تحدثت معي (ز) وقالت إنها أ ّجلت زواجها لع ّدة سنوات إىل أن‬ ‫ت َجد مكاناً آمناً وطبيباً يوافق عىل إجراء هذه العملية‪ .‬أ ّما (د) فلها رأي‬ ‫ناقد ملثل هذه العمليات‪ ،‬حيث قالت‪" :‬إ ّن عمل ّيات إعادة ِ‬ ‫الختان مل تع ّد‬ ‫مأمونة‪ ،‬وغالباً ما تكون يف أماكن غري مه ّيأة مبا يكفي‪ .‬وتضيف‪" :‬قبل‬ ‫زواجي بفرتة قليلة‪ ،‬وجدت مكاناً يقوم ببيع غشاء بكّارة بالس ِتييك‪ ،‬صيني‬ ‫الصنع‪ ،‬يتم تركيبه يف املهبل‪ ،‬ويظهر كأنه غشاء طبيعي!"‪.‬‬ ‫دكتور عبد الهادي إبراهيم‪ ،‬أخصايئ أمراض النساء‪ ،‬تحدث حول هذه‬ ‫اإلشكاليّة وقال‪" :‬عاد ًة ما تقوم الفتيات الاليت ينخرطن يف عالقات جنسية‬ ‫قبل الزواج أو املنفصالت‪ ،‬بعمليات رتق أو إعادة الختان‪ ،‬حتى يتمكّن‬ ‫من ُمامرسة حياته ّن بشكل طبيعي‪ .‬لذلك يذهنب للقابالت أو األطباء‬ ‫لتضييق فتحة املهبل‪ ،‬ولكن كثريا ً ما تتعرث إقامة العالقة الجنسية بعد‬ ‫تلك العملية‪ ،‬لذا تذهب املرأة إىل القابلة أو الطبيب‪ ،‬إلجراء عمليّة‬ ‫أُخرى تس ّمى "تسهيم"‪ ،‬أي (توسيع فتحة املهبل مر ًة أخرى)‪ ،‬وذلك‪،‬‬ ‫رسخ هذا اإلجراء‬ ‫حتى يتمكّن الزوج من املعارشة الجنس ّية‪ .‬ويف النهاية‪ ،‬يُ ِّ‬ ‫تص ّورات وأوهام ال ُعذْريّة لدى الزوج"‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫ويرى دكتور عبد الهادي‪ ،‬أ ّ‬ ‫ن عملي ّات إعادة الخِتان في‬ ‫مجتمع شديد التعقيد مثل المجتمع السوداني‪،‬‬ ‫ضرورية وت ُ ِّ‬ ‫مكن الفتيات من الزواج والحياة بسالم‬

‫وإنجاب األطفال‪ ،‬وإالّ سوف لن يتزوجن‪ .‬ويضيف بالقول‪" :‬إ ّن عملية‬ ‫إعادة ِ‬ ‫الختان‪ ،‬ال عالقة لها باملتعة الجنسيّة‪ ،‬وإن هوس العذرية موجود‬ ‫فقط يف رأس الرجل ويف تص ّورات املجتمع‪ ،‬ومن ث ّم‪ ،‬أصبحت متارس‬ ‫ضغوطاً مهولة عىل الفتيات‪ ،‬ل ُيحافظ َن عىل عذريّته َن‪ ،‬واألدهى‪ ،‬أ ّن‬ ‫عليه ّن إرجاعها يف حالة فُقدانها"‪.‬‬ ‫تقول (س)‪" :‬تعودتُ عىل عملية إعادة ِ‬ ‫ولدي‬ ‫الختان‪ .‬فزوجي ُمغرتب‪ّ ،‬‬ ‫ستة أبناء‪ ،‬وبعد كل والدة أقوم بعملية ِ‬ ‫الختان‪ .‬أيضاً‪ ،‬يف إجازات زوجي‬ ‫أقوم بإجراء هذه العمليّة‪ ،‬حتّى وإن مل أكن يف حالة وضوع‪ ،‬ألنه يحب‬ ‫ذلك‪" ...‬وبرصاحة ما دايراهو يع ّرس ِفيني"‪ .‬أ ّما (ف)‪ ،‬فهي شابة مل تكمل‬ ‫ِيت يل هذه العمليّة بعد‬ ‫الثالثني من عمرها‪ ،‬وأم لطفلتني‪ ،‬تقول‪" :‬أُجر ْ‬ ‫الوالدة األوىل‪ ،‬وكانت بدون علمي‪ .‬بعد أسبوع من الوالدة‪ ،‬بَدأتُ أتأمل‬ ‫ذهبت للمستشفى‪ ،‬اتضح أ ّن (القابلة) قامت بتعديل‬ ‫كثريا ً‪ ،‬وعندما‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الختان دون استئذاين‪ ،‬ولألسف‪ ،‬مل أكن واعية مبا يكفي ألتجادل معها‪،‬‬ ‫وظننت أ ّن هذا يشء طبيعي‪ ،‬رغم أنه كان ُمؤملا جدا ً‪ ،‬وتسبب يل يف‬ ‫مشاكل طبيّة وصحيّة كثرية"‪.‬‬ ‫الص ّحية وتبعات عملية إعادة ِ‬ ‫حول اإلشكاالت ِ‬ ‫الختان‪ ،‬تح ّدث ُْت مع‬ ‫اختصايص النساء والتوليد‪ ،‬بروفسري‪/‬الحسن محمد الحسن‪ ،‬حيثُ قال‪:‬‬ ‫"إ ّن ال َع َدل أو إعادة الختان‪ ،‬عاد ًة ما يتم للمرأة املختونة يف األساس‪،‬‬ ‫أل ّن املهبل يتمدد بعد الوالدة‪ ،‬حتى يخرج رأس الجنني‪ .‬والطبيعي أ ّن‬ ‫فتحة الفرج تكون ضيّقة‪ ،‬وليك يتمكن الطبيب أو القابلة من إخراج‬ ‫التناسيل‪،‬‬ ‫الجنني‪ ،‬البُ ّد من فض الختان الذي هو باألساس تشويه للعضو ُ‬ ‫وال يوجد به أي يشء جاميل‪ .‬بعد فض ِ‬ ‫الختان‪ ،‬ال يجوز قانونياً ومبوجب‬ ‫قانون املهن الصحية‪ ،‬إعادة إرجاعه من قبل الطبيب أو القابلة‪ ،‬وإذا‬


‫بين الخاص و العام‬

‫حدث ذلك من قبلهم‪ ،‬فإنهم بهذا يُع ِّرضو َن أنفسهم للمساءلة القانون ّية شئ‪ .‬املؤسف يف األمر‪ ،‬أ ّن قانون املهن الطبية غري ُمف ّعل‪ ،‬مع أنّه ينص‬ ‫وهي عىل تجريم رت ْق ِ‬ ‫الختان‪ ،‬وبال شك‪ ،‬إن متّت محاكمة أي قابلة أو طبيب‬ ‫والعقوبة الجنائيّة‪ .‬عىل صعيد آخر‪ ،‬هنالك ما يُسمى بـ " الوربة"‪ّ ،‬‬ ‫عمل ّية رتق علمية‪ ،‬ومتعارف عليها‪ ،‬لتسهيل الوالدة‪ .‬أ ّما ال َع َدل أو إعادة ممن ميارسون هذه العملية‪ ،‬لعمل ذلك عىل زوالها"‪.‬‬ ‫الختان‪ ،‬فهو مامرسة يف الغالب‪ ،‬تطالب بها الزوجة أو الزوج أو والدة‬ ‫وقد تحدثت حول ذات املوضوع مع الشيخ‪/‬محمد هاشم الحكيم‪،‬‬ ‫الزوج‪ ،‬وأحياناً تكون بعد الوالدة مبارشةً‪ .‬عىل الرغُم من أنها ُمامرسة بها‬ ‫تحقري للمرأة وتشويه وأمل قاتل لحظة املعارشة‪ ،‬إالّ أنّها مع ذلك ويف كثري ُعضو املجلس األعىل لعلامء اإلسالم األفارقة‪ ،‬حيث قال‪:‬‬ ‫من األحيان‪ ،‬تتم برغبة من املرأة إلرضاء الرجل"‪.‬‬ ‫ومييض الدكتور الحسن ويقول‪" :‬إ ّن األخطر من ذلك‪ ،‬هو أ ّن النساء‬ ‫يف بعض األحيان‪ ،‬يلجأ ّن لألعشاب والرتكيبات البلديّة لتضييق فتحة‬ ‫املهبل‪ ،‬وهي إجراءات قد توازي خُطورة (ال َع َدل)‪ ،‬ملا تسبّبه من التهابات‬ ‫وتق ُّر َحات وجروح قبيحة ُمن ّف َرة"‪.‬‬ ‫يواصل بروفسري الحسن‪:‬‬ ‫دل) هو تضييق المهبل‪،‬‬ ‫"وإذا كان الغرض من‬ ‫(الع َ‬ ‫َ‬ ‫فهذا مفهوم خاطئ‪ .‬فهو في الواقع يضي ّق فتحة‬ ‫المهبل الخارجية فقط‪ ،‬ألن المهبل ال يرجع للوضع‬ ‫الطبيعي أبداً‪.‬‬

‫"إ ّ‬ ‫ن موضوع رتق الختان‪ ،‬ينبع مِ ن الحُكم الشرعي‬ ‫لختان اإلناث‪ .‬فنحن نؤمن‪ ،‬بأن الله عز وجل‪ ،‬خلق‬ ‫المرأة في أحسن تقويم‪ ،‬وليس من حق أي إنسان‬ ‫أن يتدخل في جسدها‪ ،‬وال ي ُوجد أي ُمسْ تَند شرعي‬ ‫يد ُّل على ذلك‪،‬‬

‫بالتخل عن ُمامرسة هذه العادة‪ ،‬ملا فيها من أرضار للمرأة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لذا نادينا‬ ‫الطفلة‪ ،‬املراهقة والزوجة‪ ،‬قبل وأثناء وبعد الوالدة‪ .‬فإ ّن الرسول صيل‬ ‫ضر وال ِضار"‪ ،‬فبالتايل‪ ،‬ما تقوم به الزوجات‬ ‫الله عليه وسلّم‪ ،‬قال‪" :‬ال َ َ‬ ‫من إعادة الختان بعد الوالدة‪ ،‬هو بِ ثابة إعادة الرضر‪ .‬فام دامت العادة‬ ‫ُمح ّرمة وممنوعة‪ ،‬فإن إعادتها ُم َح ّرمة وممنوعة‪ ،‬وما دامت أن املنطلقات‬ ‫فدعوى أنها ُم ِ‬ ‫رض ّية لِلرجل ليس لها دليل علمي‪،‬‬ ‫التي تنطلق منها فارغة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫لذا‪ ،‬ال ميكن لزوج أن يستمتع بإرضار زوجته نفسيا وجسديا‪ .‬فهذه‬ ‫ِ‬ ‫"الحياكة" غري املرشوعة حكامً‪ ،‬ال تجعل املرأة طاهرة ألداء الفرائض‪.‬‬ ‫ميارس َن ال َع َدل قبل الزواج لتغطية الفضيِحة‪ ،‬فإنّهن يف‬ ‫أ ّما البنات الاليت ْ‬ ‫الحقيقة ُيارس َن ِغشّ اً وت ْدلِيساً‪ ،‬لكن املسألة تحتاج لحسابات‪ ،‬وقد ت ُ ْف َعل‬ ‫املَف َْسدة‪ ،‬لِدرء مفسدة أكرب منها"‪.‬‬

‫وال يشكّل هذا الضيق أي ُمتعة لرجل واعٍ‪ ،‬ألنّه ضيق يف املدخل فقط‪.‬‬ ‫واألسوأ من ذلك‪ ،‬هو أ ّن املرأة عندما ت ُخنت للمرة الثانية‪ ،‬تعود أضيق‬ ‫من األول‪ ،‬مام يتسبب يف حصول تهتكات ويف الغالب نزيف حاد عند‬ ‫أول معارشة زوجيّة لها بعد الوالدة‪ .‬ولو كان الرجال قبل النساء‪ ،‬يعون‬ ‫مثل هذه املخاطر التي تتعرض لها املرأة "املع ّدلة"‪ ،‬فمن املؤكّد أنهم لن‬ ‫نتعب كثريا ً يف عملية‬ ‫وألن املوضوع ذُو بعد اجتامعي عميق‪ ،‬كانت لنا وقفة قصرية مع‬ ‫يُطالبوا أو يسمحوا لنسائهم بذلك‪ ،‬ألننا كأطباء‪ُ ،‬‬ ‫فض الختان الذي يتسبب يف مشاكل كثرية عند الوالدة‪ ،‬هذا غري احتباس املحلل االجتامعي‪ ،‬دكتور عبد الرحيم بالل‪ ،‬والذي ابتدر إفادته قائالً‪:‬‬ ‫البول وفقدان اإلحساس يف النهايات العصبية‪ ،‬التي تعطي اإلحساس "ال َع َدل هو استمرار لظاهرة الختان الرديئة‪ ،‬والنظرة ال ُدون ّية للمرأة‬ ‫بالرغبة الجنسية‪ ،‬وبدونها‪ ،‬تصبح املرأة باردة‪( ،‬كام اللوح)‪ ،‬ال تشعر بأي والتي تختزلها يف قدرتها الجنسيّة ملنفعة الرجل‪ ،‬والسعي إىل محاولة‬

‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪55‬‬


‫إغراء الرجال جنسياً وجذبهم‪ ،‬وكأمنا العالقة بني املرأة والرجل هي‬ ‫عالقة جنسية فقط ُمجردة من أي عواطف‪ ،‬ناهيك عن أي فكرة أو‬ ‫مضمون‪ ،‬وكأمنا املرأة تستمد قيمتها من أعضائها التناسلية‪ ،‬والتي تعمل‬ ‫يف خدمة الرجل‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬حينام يزول ألق املرأة وجاذبيتها الجنسية‪،‬‬ ‫تزول وتذهب هي أيضا‪ ،‬من غري التفكري يف قيمتها كإنسان‪ .‬ويضيف‬ ‫عبد الرحيم‪" :‬هذه املامرسة تعترب إعادة ِصياغة للمرأة جسديّاً‪ ،‬من أجل‬ ‫الرجل التقليدي األناين‪ .‬فمثالً‪،‬‬ ‫إذا طبقنا بالمقابل‪ ،‬مثل هذا السلوك على الرجال‬ ‫عندما تكبر كروشهم وتترهل أجسادهم وتكسو‬ ‫وجوههم التجاعيد وتقل قدرتهم الجنسي ّة‪ ،‬نجد‬ ‫النساء يتعايشن مع هذا الوضع‪ ،‬دون ُمطالبة الرجال‬ ‫بإجراء عمليات تجميل‪،‬‬

‫تتغي العالقة بني‬ ‫وهذا خضوع‪ .‬ميكن لهذه العادة أن تزول‪ ،‬عندما ّ‬ ‫املرأة والرجل‪ ،‬وتصري عالقة تشارك ّية ذات مضامني فكرية‪ .‬ولطاملا‪ ،‬أ ّن‬ ‫املرأة تاريخياً يف حالة خوف دائم من أن يرتكها الرجل‪ ،‬فهي ستحاول‬ ‫دوماً إرضاءه‪ .‬فمتى ما تح ّولت هذه العالقة من الخوف إىل التفاهم‪،‬‬ ‫ستنتهي هذه امل ُامرسة‪ .‬ومن املؤسف أن نرى هذه العملية تُ ارس حتى‬ ‫من قبل النساء املتعلّامت واملثقفات‪ ،‬وهذا يُبيِّ أن ُه ّن ت َربني عىل قيم‬ ‫قدمية وبالية‪ ،‬مام ييشء بأ ّن املجتمع بأكمله مل يتحرك يف اتجاه الحداثة‬ ‫والتغيري‪ ،‬وما زالت تُسيطر عليه التقاليد البائسة‪ .‬فحتى شباب اليوم‪ ،‬ما‬ ‫زالوا يبحثون عن املرأة "املَقَفلة"‪ ،‬عقلياً وجسدياً"‪.‬‬ ‫الناشطة يف حقوق النساء‪ ،‬منال عبد الحليم‪ ،‬مل تختلف كثريا ً مع‬ ‫دكتور بالل‪ ،‬إذ ترى‪ ،‬أ ّن ُمامرسة (ال َع َدل) مل تخرج من اإلطار الثقايف‬ ‫االجتامعي الذي ترىب فيه الرجال والنساء سوياً‪ ،‬والذي عليه تشكّلت‬ ‫مفاهيمهم‪ .‬فاملرأة تعتقد أنه ال بُ ّد من إرضاء زوجها‪ ،‬وكذلك‪ ،‬يعتقد‬ ‫الرجل يف أن تعود له زوجته بعد الوالدة كام تزوجها أول مرة‪" ...‬ترجع‬ ‫ليهو عروس بعد كل والدة"‪ .‬فإذا مل تكن م ْختُونة من قبل‪ ،‬فل ْن يتم‬ ‫ختانها بعد الوالدة‪ِ ،‬م ّم يعني أنها عادة ُمرتبطة بِاملامرسة األصليّة‪ ،‬أي‬ ‫ِ‬ ‫الختان‪ .‬وفكرة الختان يف األساس‪ ،‬جاءت إلرضاء الرجل تحت ستار ال ِعفّة‬ ‫والطهارة‪ ،‬إالّ أ ّن الدافع األسايس من ورائها‪ ،‬هو خفض الرغبة الجِنسيّة‬ ‫للمرأة‪ ،‬حتى ال تكون منافسة ومشاركة للرجل خالل العملية الجنس ّية‪،‬‬ ‫ِم ّم يصح معه القول‪ ،‬إ ّن الختان وتوابعه من َع َدل وغريه‪ُ ،‬يثّل أسوأ‬ ‫أشكال ال ُعنف ِضد النساء‪ ،‬ألنه ال يتوقف عند العنف الجسدي فقط‪ ،‬بل‬ ‫ميتد ألن يكون عنفاً ثقافياً‪ ،‬اجتامعياً‪ ،‬قانونياً ونفسياً‪ ،‬كام أ ّن ربط ِعفّة‬ ‫وطهارة املرأة بجزء من جسدها‪ ،‬هو يف حد ذاته عمليّة ُمهينة لكرامتها‪.‬‬

‫‪56‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫وملا كانت عادة "الشلوخ" تُ ثّل معيارا ً للجامل يف املايض‪ ،‬رغم األذى‬ ‫الجسيم الذي كانت تسببه‪ ،‬إالّ أنّه مع ذلك سهلت ُمحاربتها عندما‬ ‫اختلفت معايري الجامل‪ .‬ولكن الحال ليس كذلك مع ِ‬ ‫الختان‪ ،‬ألنّه قض ّية‬ ‫اجتامعيّة ذات أبعاد سياسيّة ُمرتبطة بِرغبة الطرف األق ّوى يف امل ُجتمع‪،‬‬ ‫وتصوراته حول املرأة ومتطلبات ُع ْذ ِريّتها ونقائِها‪ .‬فالقضاء عىل ِ‬ ‫الختان‪،‬‬ ‫يتطلب تغيريا ً اجتامعياً وثقافياً‪ ،‬يعمل عىل االرتقاء بأوضاع النساء حتى‬ ‫يتمكّن من القضاء عىل هذه الدوائر‪ ،‬التي تستهلك إنسانيّتَ ُه ّن وجدوى‬ ‫وجود ُه ّن يف الحياة‪.‬‬

‫كتبت صفية الصديق‬


‫بين الخاص و العام‬

‫الحرب وانهيار الدولة‬ ‫فى الصومال‬ ‫اآلثار المترتبة على الرجال وعلى ذكورتهم من ديمومة الصراع‬ ‫جوديث قاردنر‪،‬‬ ‫مستشارة مستقلة‪،‬‬ ‫عملت عىل القضايا‬ ‫الصومالية‪ ،‬منذ نهاية‬ ‫الثامنينيات (‪1980‬‬ ‫)‪ .‬و جودى البرشى‪،‬‬ ‫باحثة مستقلة‪ ،‬يف‬ ‫قضايا الجندر و‬ ‫النزاعات يف منطقة‬ ‫القرن األفريقى‪،‬‬ ‫ومنطقة البحريات‬ ‫العظمى و نيجرييا‪.‬‬ ‫أنجزت جوديث‬ ‫وجودى مشرتكتني‬ ‫ىف عام ‪ 2004‬دراسة‬ ‫بعنوان ‪ " :‬الصومال‬ ‫‪ :‬القصة غري املروية‬ ‫‪ :‬الحرب من خالل‬ ‫عيون النساء " و التى‬ ‫تلتها ىف العام ‪2016‬‬ ‫دراسة لصالح ((معهد‬ ‫األخدود األفريقى‬ ‫العظيم))‪ ،‬بعنوان‬ ‫" تأثري الحرب عىل‬ ‫الرجال الصوماليني " ‪.‬‬

‫" الرجولة مثل أثار القدمين علي الرمال‪ ...‬تتالشى إذا ما‬ ‫هطلت اإلمطار"‬

‫جوديث قاردنر و جودى البرشى‬

‫مثل صومالي‬

‫يحقّق معهد األخدود العظيم ىف اآلثار الدامئة املرتتبة عىل الرجال‬ ‫وعىل " ذكورتهم" من الرصاع وانهيار الدولة يف الصومال‪ .1‬بدأت‬ ‫الدراسة التأسيسية التي بني عليها هذا املقال يف عام ‪ ،2014‬وجاءت‬ ‫تحت العنوان الرئيىس ‪ (( :‬أثر الحرب عىل الرجال الصوماليني )) وقد‬ ‫وفّرت الدراسة‪ ،‬منرباً و آفاقاً جديدة للرجال لتبادل الخربات‪ .٢‬تناقش‬ ‫الباحثتان جوديث قاردنر و جودى البرشى يف هذا املقال ‪ ،‬النتائج‬ ‫الرئيسة للدراسة‪ ،‬وإشكاالت الذكورة يف ظل النزعات املسلحة بصدد‬ ‫دعم التنمية واالستقرار يف الدول التي تعاين من النزاعات بشكل عام‬ ‫والصومال تحديدا‪.‬‬

‫ما هو املتوقع من الرجال الصوماليني ؟‬ ‫الصومال مجتمع ذكورى‪ ،‬لذلك‪ ،‬فهو واقع‪ ،‬تحت السيطرة الذكورية‪،‬‬ ‫ولكن‪ ،‬خالفاً للرأى السائد‪ ،‬فإ ّن " الرجولة الصومالية‪ ،‬ال تستند‪ ،‬وال‬ ‫تنبنى‪ ،‬عىل العنف أو القمع العنيف ضد النساء‪ .‬الرجال والنساء م ّمن‬ ‫أجرت معهم الكاتبتان مقابالت‪ ،‬وصفوا مجموعة من األفكار اإليجابية‪،‬‬ ‫تعلّق عىل أدوار الذكور والذكورية األساسية ‪ ،‬والتي تتضمن مسئوليات‬ ‫األرسة والعشرية‪ .‬وقد سمعت الكاتبتان مرارا ً وتكرارا ً أثناء إجراء البحث‬ ‫كيف تقع عىل الرجال " مسئوليات جسام " إضافة إيل التوقع باكتساب‬ ‫خصائص وصفات عديدة مثل ‪ ،‬ضبط النفس كأحد صفات الذكورة‬ ‫املركزية‪ ،‬ثم تأيت صفات الشجاعة واإلنسانية والكرم و التي هي من‬ ‫جملة التوقعات املجتمعية من الرجال‪ .‬هذه القيم متجذرة يف‬ ‫مجتمعات الصومال الرعوية‪ ،‬رغم ان تلك املجتمعات مل تعد موجودة‬ ‫بالنسبة لغالبية السكان‪ .‬ولكن بالرغم من تالىش بنية املجتمع الرعوي‬ ‫ال تزال هذه امل ُثل الذكورية‪ ،‬تعترب املعايري األساسية‪ ،‬للذكورة يف جميع‬ ‫أنحاء البالد‪ ،‬وهى التى يقيس بها الرجال أنفسهم‪ ،‬ويتم تقيمهم عيل‬ ‫ضوئها من ِقبل اآلخرين‪.‬‬

‫بُنيت ورقة " أثر الحرب عىل الرجال " عىل دراسة سابقة عن تجارب‬ ‫النساء الصوماليات مع الحرب‪ ٣‬و وفقاً للنساء اللواىت متّت مقابلتهن‪،‬‬ ‫فإ ّن التعاىف الحقيقى للنساء والفتيات من آثار الحرب‪ ،‬يتم‪ ،‬بالتوازي مع‬ ‫وال ميكن للرجال أن يصلوا إىل مرحلة " الرجولة "‪ ،‬والتى تعنى " الذكر‬ ‫تناول مسألة تأثري الحرب عىل حياة الرجال‪ .‬جاءت النتائج املستخلصة‬ ‫من آثار الحرب عىل الرجال مثرية لالهتامم‪ ،‬وبخاص ًة أنّها دراسة غري املثاىل" ‪ّ ،‬إل من خالل تلبية أعىل معايري السلوك املطلوبة من الرجال ىف‬ ‫مسبوقة‪ ،‬حول هذا املوضوع‪.‬‬ ‫حاولت الدراسة أن تسد الفجوة وتقوم‬ ‫بتسليط الضوء عىل املعضالت والتحديات التى‬ ‫تواجه الرجال الصوماليني‪ ،‬كنتيجة للواقع الذى‬ ‫أفرزته الحرب‪ ،‬وعودة ظهور السياسة العشائرية‬ ‫الذي نتج عن انهيار الدولة الصومالية ىف العام‬ ‫‪ .1991‬وبصورة خاصة‪ ،‬فإ ّن هذه الدراسة تخترب‬ ‫وتفحص تحديات اإلرتقاء إىل مستوى تلك القيم‬ ‫التقليدية الدامئة‪ ،‬املرتبطة بالذكورة‪ ،‬ومرحلة‬ ‫الرجولة‪ ،‬ىف املجتمع الصوماىل‪ ،‬وكيف ميكن‬ ‫لهذه التحديات‪ ،‬الواقعة عىل الرجال‪ ،‬أن تؤثر‬ ‫عىل النساء‪ .‬نتائج الدراسة أيضاً تجادل الصور‬ ‫النمطية الشائعة لدى املجتمع الدوىل‪ ،‬والتي‬ ‫تروج لفكرة أ ّن العنف من سامت الرجال‬ ‫الصوماليني وأنهم ُعرضة للتطرف‪ ،‬ومن‬ ‫املحتمل أن يكونوا خطرا ً عىل مجتمعهم‪ ،‬وأمن‬ ‫‪٤‬‬ ‫الدول الغربية‬

‫الرسم‪ :‬خالد حامد ‪ -‬السودان‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪57‬‬


‫دورة حياتهم‪ .‬ومن خالل اإللتزام بأعىل معايري السلوك والتى يتطلب‬ ‫بلوغها والحفاظ عليها‪ ،‬ويتوقع من الرجل إتقان مهارات عديدة ‪ ،‬منها‬ ‫عىل سبيل املثال ال الحرص ‪ ،‬مهارات حل املشاكل والوساطة‪ .‬وصفات‬ ‫مثل الكرم والشجاعة واالنضباط الذايت‪ .‬حيث أن الرجل يناضل طوال‬ ‫حياته ليثبت أنّه ذو قيمة ملجتمعه‪ ،‬إذ سيتم تقييمه من قبل عائلته‬ ‫وعشريته‪ ،‬وىف مختلف السياقات االجتامعية واالقتصادية والسياسية وفقا‬ ‫إلتقانه لتلك املنظومة القيمية مبا يف ذلك خالل أزمنة الشدة ‪ ،‬وأوقات‬ ‫وصنع السالم ‪.‬‬ ‫الحروب واألزمات‪ُ ،‬‬ ‫الرجولة الصومالية‪ ،‬إذا ما تح ّ‬ ‫ققت‪ ،‬هى عالمة فارقة‪ ،‬ال‬ ‫يصل المرء إليها بمجرد الزواج أو األبوة أو الوصول‬ ‫إلي مرحلة البلوغ‪.‬‬

‫إذ يبقى الرجل و تبقى رجولته مهددة طوال الوقت‪ ،‬إذا ما فُقدت‬ ‫تلك القيم التي وردت سابقاً‪ .‬لذا يتطلب الحفاظ عليها‪ ،‬مجهودا ً كبريا ً‪.‬‬ ‫ومن املمكن أيضاً أن تظل بعيدة املنال‪ .‬وىف هذا يقول املثل الصومايل‪:‬‬ ‫" الرجولة مثل أثار القدمني عيل الرمال تتالىش إذا ما هطلت اإلمطار‬ ‫“‪ .‬الرسالة هنا واضحة‪ ،‬وهى‪ ،‬أنّه ينبغي عىل الرجال الصوماليني‪ ،‬أن‬ ‫اليفرتضوا أ ّن ما يُثبت رجولتهم اليوم‪ ،‬سيبقى حقيقة ىف الغد‪.‬‬ ‫الطبيعة املتغرية للدولة وآثارها عىل الرجل و الذكورة يف الصومال‬

‫امل ُخ ّدم الرئييس‪ ،‬وكان الرجال ىف الوظائف العامة أكرث من النساء‪ .‬وقتها‪،‬‬ ‫مل يكتف موظفوا الخدمة املدنية بإكتساب الدخل املحرتم‪ ،‬فحسب‪ ،‬بل‬ ‫نالوا االحرتام من كافة أفراد املجتمع‪ ،‬وبخاصة العاملني يف الوظائف‬ ‫العليا‪ .‬وذلك لكونهم يحتلون مراتب عليا يف السلك الوظيفي ومواقع‬ ‫النفوذ‪ .‬إال انه وبحلول نهاية عهد نظام سياد ب ّرى‪ ،‬تدنّت األجور‬ ‫والرواتب‪ ،‬ووصلت إىل أدىن مستوياتها‪ .‬ث ّم تواصل التدهور‪ ،‬بعد الحرب‬ ‫يف عام ‪ .1991‬فقد أحدثت الخسائر يف الوظائف واملناصب الحكومية‪،‬‬ ‫كوارث شخصية عىل الكثري من الرجال‪ ،‬الذين مل يسرتدوا بعد عافيتهم‬ ‫من آثار تلك الصدمة التى أحدثتها عليهم أوضاع ما بعد اندالع الحرب‪.‬‬ ‫وقد كان االستثامر يف األمن والبوليس مرتفعا نسبياً ‪,‬عىل األقل يف‬ ‫السنوات األوىل من حكم سياد ب ّرى‪ .‬حيث كان التعامل األمنى مع "‬ ‫املعتدين " عىل أمن الناس‪ ،‬يتم برسعة وحزم‪ ،‬وكان املواطنون ىف تلك‬ ‫الفرتة‪ ،‬يعيشون تحت ظل حكومة‪ ،‬تردع سوء الترصف‪.٦‬‬ ‫وىف املقابل‪ ،‬فإ ّن الصومال املعارص‪ ،‬أى صومال ما بعد ‪ ،1991‬انترشت‬ ‫فيه البطالة عىل نطاق واسع‪ ،‬فيام أصبحت األوضاع األمنية متقلبة‪.‬‬ ‫ومن ناحية أخرى ‪ ،‬أصبحت القرابة والعشائرية‪ ،‬هى املبادىء االساسية‬ ‫املستخدمة إلدارة وحشد الرجال‪ .‬و اختلفت بل اختلّت معايري الذكورة‬ ‫‪ ،‬بحيث أصبحت فروسية الرجل ت ُقاس بوضعه العشائري‪ ،‬وحجم مت ُّدد‬ ‫عائلته‪ ،‬ومدى سيطرة وريادة عشريته عىل املوارد‪ .‬كام اصبحت مشاركة‬ ‫الرجال يف " املشاريع الكبرية "‪ ،‬تحدد وتتم من خالل أوضاعهم يف‬ ‫العشرية‪ ،‬فيام يعتمد حجم املشاركة من حيث ِ‬ ‫الصغر أو ال ِكرب عىل البعد‬ ‫العشائرى والقبىل‪ .‬وقد برزت مسألة الكفاح من أجل التف ٌّوق العشائرى‪،‬‬ ‫ىف السباق عىل السيطرة عىل املوارد‪ ،‬والحصول عىل السلطة‪.‬‬

‫ىف الوقت الذى ظلّت فيه املعايري املرتبطة بالذكورة‪ ،‬متسقة‪ ،‬مبرور‬ ‫الزمن‪ ،‬فقد ت ّم تفعيلها من خالل عدة مناذج وعوامل مختلفة‪ ،‬أث ّرت‬ ‫بالطبع‪-‬عليها‪ ،‬وذلك ليس بسبب الحرب وحدها‪ ،‬ولكن رمبا وبشكل‬ ‫التغيات التي حدثت فئ الدولة الصومالية‪ .‬فعند‬ ‫أعمق‪ ،‬من خالل ّ‬ ‫انهيار بنية الدولة يف العام ‪ ،1991‬تراجع الصوماليون لألشكال التنظيمية‬ ‫العشائرية القدمية وقد حقق هذا النموذج قدر من النجاح ىف أرض‬ ‫الصومال و( بُونت الند ) وهى " املناطق التي تتمتع بحكم ذايت وتقع‬ ‫يف شامل و رشق الصومال ‪ .‬أما يف مناطق جنوب ووسط الصومال‪ ،‬فإ ّن‬ ‫انهيار الدولة أطلق العنان لسباق وقتال عنيف للسيطرة عىل املوارد‬ ‫عىل أُسس قبلية‪ 5‬وأضيف ايل ذلك البعد املضاف لأليد ولجيا اإلسالمية‬ ‫السلفية ‪ ،‬والتمرد الذي وقع يف مابني املجموعات اإلسالمية وأنتج حركة‬ ‫الشباب املتطرفة‪ .‬وما يزال الصوماليني من كل األقاليم السيام من تجاوزا‬ ‫األربعني يتذكرون آثار الحرب األهلية عىل بلدهم‪ ،‬فأصبحوا يحتاجون‬ ‫لوقت للتصالح مع الواقع الجديد الذي أفرزته الحرب‪ ،‬وتفكك الدولة‪،‬‬ ‫وتداعيات ذلك عيل مجتمعهم‪.‬‬

‫فالرجال الذين ال ينتمون ملجموعات عشائرية مسيطرة أو ليس لهم‬ ‫موارد مالية تكسبهم مكانة يف العشرية‪ ،‬ال يستطيعون التنقل ىف " معيار‬ ‫الذكورة"‪ ،‬حيث أنهم أقل قدرة عىل املطالبة بدعم من رجال العشرية‪،‬‬ ‫وبالتاىل‪ ،‬فهم مع ّرضون للفشل‪ ،‬ليس بسبب خطأ ارتكبوه‪ ،‬وإنّ ا يحدث‬ ‫ذلك‪ ،‬نتيجة لصعوبات الحياة وتقلباتها‪.‬‬

‫قبل الحرب‪ ،‬كانت حكومة الرئيس سياد ب ّرى ( ‪ )1991 -1969‬هي‬

‫و يف العديد من املقابالت التى أجريت من ِقبل الكاتبتني‪ ،‬وصف‬

‫‪58‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫ويمكن القول أن العشائرية قد قيدت خبرات وفرص‬ ‫الذكور واستطراداً ثروات األسرة‪ ،‬بصورة ٍ لم يسبق لها‬ ‫مثيل في العصر الحديث في أقاليم الصومال المختلفة‪.‬‬

‫فقد أصبحت فرص الذكور للوصول إىل املوارد محدودة‪ ،‬من دون‬ ‫الحصول عىل مساعدة رجال العشرية‪ ،‬إضافة إيل تدهور األمن‪.‬‬

‫‪ 1‬معهد اإلخدود العظيم‬ ‫منظمة مستقلة ‪ ،‬غري ربحية‪،‬‬ ‫تعمل ىف رشق و وسط‬ ‫أفريقيا‪ ،‬بهدف توفري وتطوير‬ ‫معرفة املنطقة‪ ،‬وتحقيق‬ ‫فهم أفضل للواقع املحىل‬ ‫للتأثري عىل الواقع اإلجتامعى‬ ‫والسياىس‪ .‬ينشط املعهد‬ ‫حالياً ىف الصومال و أرض‬ ‫الصومال و السودان وجنوب‬ ‫السودان وكينيا وجمهورية‬ ‫الكنغو الدميقراطية‪.‬‬ ‫‪http://riftvalley.net‬‬ ‫للمزيد من املعلومات‬ ‫أُنظر‪/‬ى‬ ‫‪ 2‬أُجريت الدراسة بتمويل‬ ‫من ( لوجيكا) " التعلُّم عىل‬ ‫الجندر‪/‬النوع ىف الرصاع ىف‬ ‫أفريقيا "‬ ‫‪ 3‬جوديث قاردنر و جودى‬ ‫البرشى ‪ 2004 -‬الصومال‬ ‫القصة غري املروية – الحرب‬ ‫من خالل عيون النساء‬ ‫الصوماليات ‪ -‬دار بلوتو‬ ‫للنرش‬ ‫‪ 4‬تم عرض النتائج وتحليالتها‬ ‫األولية ىف التقرير اإلبتداىئ‬ ‫ ملزيد من املعلومات‪،‬‬‫راجع‪/‬ى‪:‬‬ ‫‪http://www.logica-wb.‬‬ ‫_‪org/PDFs/LOGICA‬‬ ‫_‪The_Impact_of_War‬‬ ‫‪on_Somali_Men.pdf‬‬


‫بين الخاص و العام‬

‫كام ال توجد مساحات تتيح للرجال مناقشة واقعهم الجديد هذا‪،‬‬ ‫املشاركون مدى املعاناة والضعف الذى يواجه الفتيان واألوالد ىف سن‬ ‫الشباب‪ ،‬والصعوبات التى يواجهونها ىف الحصول عىل الدعم من رجال وبحث قضاياهم‪ ،‬خارج سياق العالقات التقليدية‪ .‬وىف املقابل أنشأت‬ ‫العشرية‪ ،‬إن كان والدهم غري معروف‪ ،‬أو خرج عىل عشريته ( ألى سبب النساء مجموعات عمل تعتمد عىل العمل الجامعى وتقودها النساء‬ ‫بأنفسهن‪ ،‬وقد رشعت النساء يف تأسيس مبادرات‪ ،‬لتغيري أوضاعهن‪ .‬وقد‬ ‫من األسباب ) أو إن كان األوالد يعيشون نازحني أو الجئني‪.‬‬ ‫استفادت النساء من الحقيقة املاثلة للعيان‪ ،‬والتى مفادها أ ّن القضايا‬ ‫املتعلقة بالتحول النوعى " التحول الجندرى" يجرى الرتويج لها بنشاط‬ ‫واقع جديد للصوماليني والصوماليات‬ ‫من ِقبل املجتمع الدوىل‪.‬‬ ‫بالنسبة للكثري من الرجال الصوماليني‪ ،‬كام للنساء واألطفال‪ ،‬فإ ّن‬ ‫فكرة أن يكون الرجال ىف الحقيقة " ضُ عفاء أو مهتزين "‪ ،‬فضالً عن‬ ‫الحرب وانهيار الدولة الصومالية‪ ،‬أوصال البالد إىل مستويات كارثية يف‬ ‫النساء‪ ،‬مل تعد بعد ضمن منظومة التفكري السائد‪ ،‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫انعدام األمن‪ ،‬والعنف‪ ،‬والنزوح‪ ،‬وفقدان أفراد األرسة‪ ،‬والفقر‪.‬‬ ‫فقد أصبح غالبية الرجال فى الصومال‪ ،‬يفتقدون إلى‬ ‫الموارد أو األمن لتحقيق التوقعات والمسئوليات‬ ‫الملقاة على عاتقهم كرجال‪.‬‬

‫وقد أصبح ذلك‪ُ ،‬مالحظاً بصورة واضحة‪ ،‬حيث تجد ىف جميع أنحاء‬ ‫البالد و بني مختلف الفئات االجتامعية‪ ،‬رجاالً أصبحوا يعتمدون عىل‬ ‫زوجاتهم‪ ،‬وأطفالهم‪ ،‬كمصدر رئيىس لدخل األرسة‪ .‬وقد أصبح ذلك‪،‬‬ ‫يشكّل تحوالً جذرياً ىف األدور املوكولة لألشخاص الكبار " البالغيني"‬ ‫من الجنسني ىف األرسة‪ ،‬مام يجعل الرجال " الذكور البالغني" يتعرضون‬ ‫لحاالت من اإلنهيارالنفىس‪ ،‬بسبب األوضاع الجديدة غري املألوفة يف بنية‬ ‫العالقات الداخلية التقليدية بني الجنسني‪ .‬وقد أصبحت هناك أعداد‬ ‫كبرية من الرجال يفضلون البقاء بدون عمل " عطالة "‪ ،‬بدالً عن جلب‬ ‫العار للعشرية واالنخراط يف اعامل تعترب "وضيعة "‪ ،‬و غري املتكافئة مع‬ ‫أوضاعهم ىف فرتة ما قبل الحرب‪ .‬كثريون أيضاً أدمنوا (( القات )) وهو‬ ‫" نبتة تُ ضغ أوراقها‪ ،‬كمن ِّبه ومخدر يف نفس الوقت‪ .‬وقد أصبح غالبية‬ ‫هؤالء الرجال يعيشون معتمدين ىف املعيشة‪ ،‬عىل الدخول التى تحققها‬ ‫زوجاتهم‪ ،‬وأطفالهم األكربس ّناً‪ ،‬كام لو كانو هم أنفسهم أطفاالً‪ ،‬يعتمدون‬ ‫عىل األُرسة‪.‬‬

‫فقد أظهرت ُعقوداً من الحرب وانهيار الدولة فى‬ ‫الصومال‪ ،‬أشكاالً عديدة من الضعف الجسدى‬ ‫والنفسى واإلجتماعى واإلقتصادى لدى الرجال ‪.‬‬

‫وهذا " الضعف "‪ ،‬له انعكاسات مبارشة‪ ،‬عىل مسألة حرية الرجال‬ ‫تجاه مفاهيم ذكورتهم وعد قدرتهم عيل القيام بدورهم التقليدي‬ ‫املنوط بهم يف حامية األرسة‪ ،‬وتوفري املأكل‪ ،‬واملرشب لها‪ ،‬وبالتاىل‪،‬‬ ‫فإ ّن لـمسألة " ضعف الذكور" آثارا ً هامة بالنسبة ألمن و رفاه األُرسة‬ ‫واملجتمع وللتعايف ‪ ،‬من آثار الحرب وانهيار الدولة ىف الصومال‪.‬‬

‫و بالفعل‪ ،‬فإ ّن النتائج املستخلصة من دراسة أُخرى ىف الصومال‪ ،‬ت ُظهر‬ ‫وت ُثبت بوضوح كيف أ ّن مسألة " نقاط الضعف" و" القدرات " عند‬ ‫الرجال والنساء‪ ،‬متشابكة‪ ،‬وال ميكن فصلها عن بعضها البعض‪ ،‬بسبب‬ ‫العالقات الجندرية املتشابكة‪ .7‬لقد تم العثور عىل أن اآلثار انتفسية ىف‬ ‫الفشل ىف العيش واإلرتقاء إىل مستوى التوقعات اإلجتامعية‪ ،‬بني الرجال‬ ‫‪٨‬‬ ‫رشد والتس ُّيب القرسى‪،‬‬ ‫الالجئني يف معسكر "داداب" يف كينيا‪ ،‬حيث الت ُّ‬ ‫ىف املخيامت لفرتات طويلة‪ ،‬وتدخالت الوكاالت الدولية و التي تغفل‬ ‫عن ذكر " تحديات الذكور "‪ ،‬هي مجموعة عوامل تسهم يف تراكم‬ ‫مشاعر الفشل بني الذكور ‪ .‬وقد عرب الرجال عن هذه املشاعر ‪ -‬جميعها‬ ‫لذا‪ ،‬فقد أصبح ليس من املستغرب أن نجد العديد من النساء ‪ ،‬ىف الشكوى امل ُ ّرة التى تلقتها‪ ،‬وسمعتها الكاتبتان‪ ،‬مرارا ً وتكرارا ً‪ ،‬من‬ ‫يعبن عن املستجيبني الذكور‪ ،‬ومفادها ىف جملة واحدة ‪ " :‬ال أحد م ّنا مسئول عن‬ ‫بعانني من مشاعر اإلحباط نتاج تلك األوضاع الجديدة‪ ،‬كام ِّ‬ ‫بطالة‬ ‫اء‬ ‫حال ٍة من نفاذ الصربمن الحياة‪ ،‬مع ذوى القرىب من أهلهن جر‬ ‫أى شخص آخر‪ ،‬وال حتّى عن أنفسنا "‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الرجال من أزواجهن‪.‬‬ ‫ونتيجة لهذه األوضاع‪ ،‬فإ ّ‬ ‫ن العديد من الرجال‪ ،‬فى‬ ‫المجتمع الصومالي‪ ،‬أصبحوا يشعرون باالنزواء‬ ‫حيث أن قيمة حياتهم لم تعد ذات أهمية‬ ‫بالنسبة إليهم ‪.‬‬

‫من االنجليزية ‪ :‬فيصل الباقر‬

‫‪ 5‬سكان هاتني املنطقتني أنشأوا‬ ‫اإلستقرار النسبى والحكم‬ ‫جزئياً من خالل جهود شيوخ‬ ‫العشائر التلقيديني‪ ،‬لحل‬ ‫النزاعات بني القبائل‪ ،‬بنجاح‬ ‫لتحقيق املصالحة‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫فقد نشأت رصاعات الحقة‬ ‫منذ ذلك الوقت‪ ،‬وعىل األخص‬ ‫عىل الحكم عىل منطقتى صول‬ ‫وصناج‪.‬‬ ‫‪ 6‬لإلطالع عىل التحليل‬ ‫املفصل‪ ،‬للنص عن املوارد ىف‬ ‫جنوب الصومال – أُنظر‪/‬ى‪:‬‬ ‫كابتجينز ‪ ،‬ل ‪ -2013 .‬التطهري‬ ‫العشائرى ىف الصومال ‪ -‬اإلرث‬ ‫املدمر للعام ‪ -1991‬فالدلفيا‪-‬‬ ‫مطبعة بنسيلفانيا‪.‬‬ ‫‪ 7‬مارك برادبريى ‪ ،‬أصبحت‬ ‫أرض الصومال ( قضايا‬ ‫أفريقية) ‪ ،‬أكسفورد ‪ ،‬جيمس‬ ‫كريى‪" 2008،‬‬ ‫‪https://www.care.‬‬ ‫‪org.au/wpcontent/‬‬ ‫‪_000188/04/2016/uploads‬‬ ‫_‪GiE_Summary_Report‬‬ ‫‪FINAL.pdf‬‬ ‫‪ 8‬معسكر داداب أكرب معسكر‬ ‫الجئني ىف العامل لالجئني –‬ ‫أُنىشء ىف كينيا ىف عام ‪1991‬‬ ‫إليواء الصوماليني الفارين من‬ ‫الحرب األهلية (( من املرتجم‬ ‫‪ :‬أعلنت الحكومة الكينية أنّها‬ ‫بصدد إغالقه نهائياً بنهاية‬ ‫العام ‪2017‬‬

‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪59‬‬


‫المرأة والعبد المملوك!!‬

‫اللوحة حسين ميرغني‬

‫ليس لهذا العنوان صلة بكتاب "ألف ليلة وليلة" وال بكتاب "االحاجى بالدرس وموضوع الدرس‪ ،‬وما يكتنفه من أسئلة معقدة وشائكة بالنظر‬ ‫السودانية" ألنه ببساطة مستلف من كتاب "الفقه" للصف الرابع مبرحلة إىل العرص الذي يعيش فيه التالميذ‪ ،‬وبالنظر إىل أعامرهم التي بالكاد‬ ‫األساس ىف السودان وفقا للمنهج الذي أعده "املركز القومي للمناهج تصل إىل سن العارشة‪.‬‬ ‫والبحث الرتبوي ببخت الرضا‪ ،‬ووافقت عليه واعتمدته "وزارة الرتبية‬ ‫اإلشارة الثالثة‪ :‬وهى ذات صلة بالرسومات التوضيحية‪ ،‬وهى كام‬ ‫والتعليم العام السودانية"‪ .‬والكتاب صدرت طبعته الثانية فئ العام‬ ‫‪ 2004‬وقام بإعداده بتكليف من املركز القومي للمناهج والبحث الرتبوي هو معلوم وسيلة ناجعة يف تسهيل عملية الفهم ‪ ،‬خاصة ملن هم يف‬ ‫وراجعه عدد من خرباء الرتبية والتعليم واملناهج والبحوث الرتبوية‪.‬‬ ‫سن املستهدفني‪ .‬وعىل أهميتها فقد الحظت أن الكتاب يحتوى عىل‬ ‫احد عرشة رسام توضيحيا تجسد ‪ :‬الوضوء‪ ،‬وصالة الجامعة ‪ ،‬وأدأب‬ ‫املناجاة‪ ،‬واملوارد‪ ،‬وقارعة الطريق‪ ،‬والظل‪ ،‬ودخول املرحاض والخروج‬ ‫خمس إشارات البد منهن‪:‬‬ ‫منه‪ ،‬ونعمة االنتفاع بالحيوان والرفق به‪ .‬تسعة من تلك الرسومات‬ ‫اإلشارة األوىل‪ :‬تنقسم مرحلة األساس يف مدارس السودان إىل ثالث تجسد ذكور رجاال كانوا أم أطفاال "تالميذ" واثنان لنساء ليس من بينهن‬ ‫حلقات‪ :‬األوىل من الصف األول إىل الثالث‪ ،‬والثانية من الصف الرابع طفلة "تلميذة"‪.‬‬ ‫إىل السادس والثالثة من الصف السابع إىل الثامن‪ .‬ويعترب الصف الرابع‬ ‫على أن ما يهمنا هنا في مقالتنا هذه هو أن‬ ‫مجال مقالتنا نقطة البداية للحلقة الثانية‪.‬‬ ‫اإلشارة الثانية‪ :‬عدم وجود من هو مختص يف الدراسات الفقهية‬ ‫ودراسات الدعوة من بني الذين أعدوا الكتاب‪ ،‬ومن بني الذين راجعوه‪.‬‬ ‫وهو أمر جدير بالتأمل خاصة ونحن نضع يف االعتبار الفئة املستهدفة‬

‫‪60‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫الرسومات التي تجسد الوضوء والصالة جاءت‬ ‫كلها معبرة عن التالميذ الذكور‪.‬‬

‫وهذا متساوقا مع بقية الرسومات التي ارشنا لها‪ .‬وهو أمر إن دل‬


‫بين الخاص و العام‬

‫عىل يش إمنا يدل عىل هيمنة الذهنية الذكورية عىل واضعي املنهج‬ ‫وهى ذهنية تستبطن بوعي أو بغري وعى‪ ،‬فرضية أو مقولة أن الدين‬ ‫شأن ذكوري وباألخص كل ما يتصل منه "بالفضاء العام"‪ ،‬ليكون‬ ‫املسجد الذي هو اقوي إيقونات الفضاء العام عند املسلمني وبالتايل‬ ‫صالة الجامعة وتحديدا صالة الجمعة فضاء رجاليا بامتياز‪ .‬حيث انه‬ ‫ليس من الواجب يف الفقه املهيمن أن ترتاد النساء املساجد ليتم بعد‬ ‫ذلك ومن باب أوىل عزل النساء و التحكم يف كل عنارص الفضاء العام‪،‬‬ ‫وىف مقدمتها "الشارع" مبا يعنيه من خروج ومشاركة سياسية ومجتمعية‪.‬‬ ‫فهذه الذهنية ترى أن املكان األمثل والحيوي للمرأة املسلمة هو البيت‬ ‫وما عداه من أمكنة يأيت يف باب االستثناء‪ .‬لذلك عربت هذه الرسومات‬ ‫التوضيحية عن التلميذ املسلم الذكر متجاهلة التلميذة املسلمة األنثى‬ ‫بالرغم من أنها مستهدفة بهذا الدرس شأنها شأن التلميذ الذكر‪ ،‬زميلها‬ ‫يف الفصل‪ ...‬فتأمل !!‪.‬‬

‫ورد يف احد توصياته‪" :‬العمل عىل ترسيخ العقيدة الدينية عند النشء‬ ‫وتربيتهم عليها وبناء سلوكهم الفردي والجامعي عىل هدى تعاليم الدين‬ ‫مبا يساعد عىل تكوين قيم اجتامعية واقتصادية وسياسية تقوم عىل‬ ‫السلوك السوي املرتكز عىل تعاليم السامء"‪.‬‬

‫جاء يف الكتاب موضوع مقالتنا "الفقه للصف الرابع مبرحلة األساس"‬ ‫وىف الدرس املعنون ( صالة الجمعة ) وتحديدا يف صفحة ‪ 65‬وهو يحدد‬ ‫الذين ال تجب عليهم صالة الجمعة ما نصه‪ (:‬وال تجب عىل املرأة والعبد‬ ‫اململوك والصبي واملريض) و الن الكتاب يقول يف مقدمته‪ " :‬ولقد راعينا‬ ‫يف معالجة موضوعات الفقه أن ترتبط بالدليل من القران والسنة و‬ ‫يورد قوله تعاىل (يا أيها الذين امنوا إذا نودي للصالة من يوم الجمعة‬ ‫فاسعوا إىل ذكر الله وذروا البيع ذلكم خري لكم إن كنتم تعلمون" وقول‬ ‫" الرسول "ص" ( الجمعة حق واجب عىل كل مسلم يف جامعة إال أربعة‬ ‫عبدا مملوكا وامرأة أو صبيا أو مريضا)وقوله "ص" وىف نفس الدرس‪:‬‬ ‫اإلشارة الرابعة‪ :‬ونخصصها ملا ميكن تسميته باملدونة الفقهية ‪ ،‬والتي (عن أم هشام بنت حارثة بن النعامن ريض الله عنها قالت‪ :‬ما أخذت‬ ‫نقصد بها اإلرث الفقهي اإلسالمي مبا يحويه من مناهج ومدارس وخربات‪ .‬ق والقران املجيد إال عن لسان رسول الله "ص" يقرؤها كل جمعة عىل‬ ‫و بسبب أن هذه املدونة ال زالت حارضة وحاكمة يف الكثري من قضايانا املنرب إذا خطب الناس)‪.‬‬ ‫املعارصة كانت إشارتنا هذه لها‪ .‬والتي نقول فيها أن املدونة الفقهية‬ ‫والكتاب وبعد أن حدد أن صالة الجمعة تجب عىل "املسلم العاقل‬ ‫وبال ادعاء تعد من أعظم انجازات الحضارة اإلسالمية ‪ ،‬بل وواحدة من‬ ‫انجازات الفكر اإلنساين املبهرة وذلك ملا اتسمت به من سعة واحرتام الحر املقيم القادر وال تجب عىل املرأة والعبد اململوك والصبي‬ ‫لالختالف ومقدرة فائقة يف االستجابة لكل املستجدات ولكل األسئلة واملريض"‪ ،‬يجمل يف ثنايا الدرس ما ميكن أن تحققه صالة الجمعة‬ ‫الشائكة التي واجهت حياة املسلمني خاصة عند الجيل املؤسس للمدونة من أغراض عظيمة فهي متثل فرصة أسبوعية يتلقى فيها املسلمون ما‬ ‫الفقهية‪ .‬لذلك كانت‪ ،‬كام يقول يشري الغذامى‪ ،‬هي "ثقافة يف الرؤى يستجد من أحداث ‪ ،‬وإخبار يف بلدهم ‪ ،‬وفرصة يتعرف فيها املسلمني‬ ‫عىل أحوال بعضهم ‪ ،‬وهى لحظة للتالف بني املسلمني وهى عبادة ينال‬ ‫وىف االختالف"‪.‬‬ ‫منها املسلمون ثوابا عظيام كام يجدون فيها معرفة كثرية من خالل‬ ‫خطبة اإلمام‪.‬‬ ‫وكانت المدونة الفقهية تستبطن قدرا كبيرا من‬ ‫الحرية تجلى في تعدد واختالف أراء الفقهاء حتى في‬ ‫المسالة الواحدة دون أن يوجب هذا تكفير احدهما‬ ‫األخر أو حتى تخطئته‪.‬‬

‫ال زالت هذه املدونة حارضة ولكن يف سياق يصادر منها أهم مميزاتها‬ ‫وهى السعة والتنوع والحرية ويتبدى هذا يف انتخاب بعض اآلراء‬ ‫وحجب اآلراء األخرى يف نفس املسألة وهو ما سنشري إليه يف ما تبقى‬ ‫من مقالتنا هذه‪.‬‬ ‫اإلشارة الخامسة‪ :‬وهى عن الكتب املدرسية وفيها نقول استنادا عىل‬ ‫هالة قوتة "إن الكتب املدرسية تأىت كمحصلة للمنهج املدريس‪ ،‬ومبا‬ ‫أنها هي األداة التعليمية التي تحمل املعارف املبثوثة من خالل العملية‬ ‫التعليمية‪ ،‬كانت أي تلك الكتب ليست محض منظومات نقل للحقائق‬ ‫ذلك أنها محصلة نشاطات سياسية واقتصادية وثقافية ومعارك ومحافل‬ ‫طقسية"‪ .‬وللتدليل عىل هذه الفرضية نشري إىل واحدة من توصيات‬ ‫مؤمتر سياسات التعليم ومؤسساته الذي عقد يف العام ‪ ، 1999‬حيث‬

‫الشاهد هنا واستصحابا ملا ورد ذكره يف إشاراتنا الخمس وملا جاء من‬ ‫أدلة من القران والسنة وملا انتخب من فوائد لصالة الجمعة حددها‬ ‫الدرس‪ ،‬ثم للمستهدف األساس من هذا الدرس‪ ،‬أي التلميذ والتلميذة‬ ‫وللعرص الذي يعيشون فيه‪ ،‬حيث ال يوجد عبدا مملوكا وحيث توجد‬ ‫املرأة يف كل تجمع ‪ ،‬مشاركة يف الحياة العامة واالنتخابات‪,‬وىف ساحات‬ ‫العمل املختلفة ‪ ،‬بل وىف صالة التهجد يف شهر رمضان املعظم‪ .‬وحيث‬ ‫ينص دستور البلد الذي يعيش فيه التالميذ والتلميذات عىل املساواة‬ ‫بني املواطنني ومينع أي متييز بسبب النوع أو العرق أو اللون أو املكانة‬ ‫االجتامعية‪.‬‬ ‫واالهم من كل ذلك احتواء املدونة الفقهية والتي من الواضح استند‬ ‫معدو الكتاب عليها‪ ،‬عىل غري هذا الرأي فقد أورد ( الربوفسور الشيخ‬ ‫حسن احمد حامد ‪ ) 114: 2009‬وعرب سياحة بحثية و فكرية‪ ،‬رصينة‬ ‫يف املدونة الفقهية مستعرضا مختلف اآلراء حول صالة الجمعة ووجوبها‬ ‫ووقتها ومرشوعيتها ومستحباتها وموقعها من بني الصلوات األخرى‬

‫‪ 1‬هالة قوتة‪-‬وطن يف محنة‪-‬‬ ‫سلسلة استرن‪ ،‬مركزالخاتم‬ ‫عدالن لالستنارة والتنمية‬ ‫البرشية ‪ ،‬الخرطوم ‪.2006‬‬ ‫‪ ٢‬عبدالله الغذامى ‪ :‬الفقيه‬ ‫الفضايئ‪..‬تحول الخطاب‬ ‫الدينى من املنرب إىل الشاشة‪-‬‬ ‫املركز الثقايف العريب‪-‬الدار‬ ‫البيضاء ‪.2011‬‬ ‫‪ ٣‬هالة قوتة‪-‬وطن يف محنة‬ ‫‪ ٤‬املصدر السابق نفسه‪.‬‬ ‫‪ ٥‬بروفسور حسن احمد‬ ‫حامد‪-‬كتاب الصالة (الجزء‬ ‫الثالث )‪-‬إصدارات هيئة‬ ‫علامء السودان‪-‬سلسلة‬ ‫الدراسات الفقهية رقم"‪-"24‬‬ ‫الخرطوم‪.2009‬‬

‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪61‬‬


‫الرس السيد من‬ ‫واملكان الذي يجب أن تقام فيه وهى األسئلة التي كانت تجابه الفقيه يف املجتمع الذي يعيش فيه والتي من‬ ‫سياحة تكشف بجالء تنوع واختالف بينها وضعية العبد اململوك واإلحكام الفقهية املتعلقة به‪،‬‬ ‫مدينة عطربة يف شامل‬ ‫الفقهاء يف الكثري مام يتصل بها‪.،‬‬ ‫السودان وهو ناقد‬ ‫فقد أورد رأيا للفقيه ابن حزم‪ ،‬نصه‪،‬‬ ‫يتبدى مأزق الدرس في انه يحاول أن يستلف أحكاما‬ ‫اديب وكاتب معروف‬ ‫من سياق أخر ويزرعها في ارض بور هي هذا العصر‬ ‫قوله‪ ( :‬وسواء فيام ذكرنا من وجوب‬ ‫و ُمعد ومقدم للعديد‬ ‫الذي ليس فيه عبدا مملوكا ويتبدى أيضا في انه‬ ‫الجمعة عىل املسافر يف سفره والعبد‬ ‫من الربامج االذاعية‬ ‫والحر واملقيم ويصليها املسجونون‬ ‫يغذى عقول التالميذ‪/‬ت بأفكار تنمى ثقافة التمييز‬ ‫والتلفزيونية‪ .‬وهو‬ ‫واملختفون‪ ،‬ركعتني يف جامعة بخطبة‬ ‫والال مساواة وبأفكار تجعل التلميذ‪/‬ة مغتربا‪/‬ة عن‬ ‫متخصص يف مجاالت‬ ‫‪ ،‬كسائر الناس وتصىل يف كل قرية‬ ‫واقعهم‬ ‫املرسح كأداة للتغري‬ ‫صغرت أم كربت ‪,‬كان هناك سلطان أو‬ ‫االجتامعي‪ .‬وقد‬ ‫مل يكن‪ .‬إىل أن قال‪ :‬قال تعاىل‪ ":‬يا ايها الذين امنوا إذا نودي للصالة من‬ ‫وعرصهم وبالتايل عن حقيقة دينهم وجوهره‪.‬‬ ‫قام بنرش كتابني‬ ‫يوم الجمعة فاسعوا إىل ذكر الله وذروا البيع ذلكم خري لكم إن كنتم‬ ‫وعدة مقاالت‬ ‫تعلمون)‪.‬‬ ‫فعندما يقفز واضعي الدرس وقبلهم بعض الفقهاء عن حقيقة أن‬ ‫يف هذا املجال‪.‬‬ ‫املرأة والرجل "املسلمني" يف حالة أن توفر لهام العقل والبلوغ واإلقامة‬ ‫يعمل حاليا كمدير‬ ‫وهذا الرأي حتى وان خالف أراء بعض الفقهاء يف أكرثية التفاصيل والقدرة ‪ ،‬تجب عليهام صالة الجمعة ‪ ،‬نكون بالفعل أمام إرادة ومنهج‬ ‫قسم للربامج الخاصة‬ ‫الواردة بشان صالة الجمعة ‪ ،‬وهو رأى من وجهة نظري أكرث اتساقا مع يسعيان إىل أن يحجبا عنا سعة اإلسالم وعدالته ومساواته بني الناس‪,‬‬ ‫يف الهيئة القومية‬ ‫مراد الدين الكىل ومع العرص الذي يعيش فيه التالميذ‪ .‬ولكن ماذا نفعل فأي مربر رشعي أو واقعي مييز بني املسلمني بسبب النوع والوضع‬ ‫لإلذاعة والتلفزيون‬ ‫مع آلية حجب اآلراء التي ميارسها الذين ال يريدون أن يجتهدوا كام االجتامعي يف شعرية عظيمة كصالة الجمعة مبا لها من ميزات أشار لها‬ ‫يف السودان‪ .‬وهو‬ ‫عضو يف اتحاد الكتاب اجتهد أسالفهم وىف نفس الوقت يتحكمون يف املدونة الفقهية للسلف الدرس‪ ,‬يف دين يقول كتابه الكريم ‪(:‬يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر‬ ‫السودانيني وعضو يف وينتخبون منها ما يدعم مصالحهم وميكن ملا يحملون من أفكار‪.‬‬ ‫وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم )‪.‬‬ ‫أما مالحظتنا والتي تحتاج إىل تدبر اكرب فهي أن حكم عدم "وجوب‬ ‫الشبكة العربية لرصد‬ ‫فامذا يعنى اإلرصار عىل عدم وجوب الجمعة عىل املرأة بالرغم من صالة الجمعة" قد جمع بني املرأة والعبد اململوك والصبي واملريض‪.‬‬ ‫صور النساء والرجال‬ ‫يف االعالم العريب وهو وجود دليل قرأين جاء أمره عاما "يا أيها الذين امنوا" وبالرغم من وجود ومالحظتنا هي أن العبد اململوك قد أصبح حرا وان الصبي يبلغ الحلم‬ ‫دليل يؤكد عىل حضور النساء صالة الجمعة يف العهد النبوي كام جاء ويصبح مكلفا وان املريض قد ميوت أو قد يشفى بينام املرأة ستظل‬ ‫ايضا مساهم راتب‬ ‫يف الدرس ‪ ،‬وبالرغم من وجود رأى مختلف لفقيه يف قامة ابن حزم ‪ ،‬امرأة وبالتايل سيظل حكم عدم الوجوب أبديا فئ حقها‪..‬فتدبر!!‪.‬‬ ‫يف مجاالت املرسح‬ ‫والتغري االجتامعي مع وبالرغم من أراء بعض الفقهاء املحدثني كالشيخ الرتايب‪ ،‬بل بالرغم من‬ ‫العديد من مجموعات الوجود الفعيل للمرأة يف صالة الجمعة يف كل بالد املسلمني‪.‬ماذا يعنى‬ ‫اإلرصار ‪ ،‬غري أن يكون نوع من التحيز الذكوري الذي ال ينهض عىل‬ ‫العمل املدين‪.‬‬ ‫سند يعتد به‪.‬‬ ‫كتب السر السيد‬ ‫فإذا كانت المرأة‪ ،‬مسلمة وعاقلة ومقيمة وقادرة‬ ‫فلماذا ال تجب عليها صالة الجمعة ؟ ولماذا تحرم من‬ ‫كل تلك الفوائد "الوطنية" التي أشار إليها الدرس‪.‬‬

‫أما العبد اململوك والذي ال نعرف أين نجده يف هذا العرص فتكمن‬ ‫املعضلة بشأنه يف انك ال تستطيع أن تشري إليه يف الواقع الذي يعيش‬ ‫فيه "املستهدف"ألنه غري موجود فاملستهدف يرى املرأة ويرى الصبي‬ ‫ويرى املريض ولكنه بالقطع لن يرى العبد اململوك وحيث هنا يتبدى‬ ‫مأزق الدرس فإذا كان الفقه القديم والذي أوضحنا انه ثقافة يف الرأي‬ ‫وىف االختالف وانه ليس واحدا وان اشتغاله كان يقوم عىل اإلجابة عىل‬

‫‪62‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫وجهات نظر‬

‫النساء السودانيات والمشاركة‬ ‫في اتخاذ القرار‬ ‫هل للنساء السياسيات دور يف تغيري بنية االحزاب السياسية‬ ‫التقليدية وتعزيز حقوق النساء؟‬ ‫يف هذا املقال تلتقي الصحفية امل هباين مع عدد من النساء‬ ‫السودانيات الناشطات أو الاليت كن ناشطات يف املجال السيايس من‬ ‫خالل االحزاب السياسية السودانية‪ ،‬وتتحاور معهن حول مجموعة من‬ ‫االسئلة من ضمنها ‪ :‬إىل أي مدى هنّ مقتنعات ب تأثريهن يف عملية‬ ‫اِتخاذ القرار داخل املؤسسات الحزبية السودانية‪ ،‬وهل وجودهن‬ ‫كنساء ىف داخل املؤسسات السياسية يسهم ىف تطوير اوضاع النساء‬ ‫يف السودان؟‬

‫كتشرن للعلوم الطبية" واالستاذة فاطمة طالب "معلمة" – من الرائدات‬ ‫االوائل ىف تأسيس االتحاد‪ ,‬تسرتسل زينب يف الحديث وتقول‪ :‬يجب‬ ‫االخذ ىف االعتبار ان د‪.‬خالدة زاهر كانت عضوة يف الحزب الشيوعي‬ ‫السوداين وهو ما كان له أثر يف بنية وتكوين االتحاد النساىئ السوداىن‬ ‫مستقبال‪....‬اذا تحدثنا عن نشاط رابطة الفتيات‪ ،‬فيمكن القول انه كان‬ ‫نشاطاً اجتامعيا ال عالقة له بالسياسة ىف مفهومها املبارش‪ ,‬ويذكر انه ويف‬ ‫أواخر األربعينيات أقامت رابطة الفتيات معرضاً كبريا ً لألعامل اليدوية‬ ‫النسائية لدعم فصول محو األمية‪ ،‬وكان ان زار هذا املعرض عدد من‬ ‫قيادات الحزب الشيوعي‪ ،‬منهم االستاذ عبد الخالق محجوب‪ ،‬االمر‬ ‫الذى جعل عددا كبريا من األهايل يقومون باخراج بناتهن من الرابطة‪،‬‬ ‫ألن (رجاالً قد زاروا املعرض)‪ ،‬وكانت والديت من بني الاليت أُخرجن من‬ ‫الرابطة‪.‬‬

‫ال ميكن أن نغض الطرف عن إسهامات النساء السودانيات الباكرة يف‬ ‫دفع عجلة الحراك النسوي للتح ُّرر واالنعتاق من التقليدية املو ِغلة يف‬ ‫الحركة النسائية ىف سودان الستينيات‪:‬‬ ‫ُمجتمعاته َّن‪ ،‬يف زمنٍ مل تكن املشاركة السياسية النسوية قد تبلورت بعد‪.‬‬ ‫من هؤالء النساء‪ ,‬النجية فرج الله‪ ،‬التي كانت أول امرأة قادت عربة‬ ‫تقول الصحافية آمال عباس‪ ،‬إحدى الرائدات يف العمل النسوي‬ ‫وكان ذلك ىف العام ‪ ،1924‬وقدع َّرضها هذا للمحاكمة من قبل الحاكم‬ ‫العام الربيطاين‪ ،‬الذي رأى يف ذلك خروجاً عىل األعراف االجتامعية‪ .‬ايضا واإلعالمي يف السودان ‪:‬‬ ‫تعترب القابلة (جندية)‪ ،‬أول امرأة سودانية تدرس القبالة عىل يد األخوات‬ ‫(تادرس) وتفتح مدرسة القابالت (الدايات) يف أمدرمان‪ ،‬لتدريب وتأهيل‬ ‫"عندما نتحدث عن مشاركة المرأة داخل األحزاب‬ ‫القابالت‪ ,‬وقد كانت هناك أهزوجة تهدهد بها األ َّمهات بناتهن الصغار‬ ‫السياسية‪ ،‬فال بد أن نذكر اإلتحاد النسائي السوداني‪,‬‬ ‫آنذاك‪ ،‬حسب الفهم اإلجتامعي السائد‪ ،‬وتتمنى فيها األمهات لبناته ّن‬ ‫تم تكوينه من كل التيارات النسائية حتى‬ ‫الذي َّ‬ ‫ً‬ ‫أن يكربن ويتزوجن ويلدن عىل يد (جندية)‪ ،‬القابلة ذائعة الصيت‪.‬هذه‬ ‫األخوات المسلمات‪ ،‬الالتي إختلفن معه الحقا بعد‬ ‫منحى‬ ‫طرح األجندة التفصيلية‪ ،‬حيث رفضت اإلسالميات مبدأ‬ ‫املبادرات الفردية يف معظمها كانت ذات طابع اجتامعي ومل تأخذ ً‬ ‫إعطاء الحقوق السياسية للمرأة‪ ،‬وخرجن من اإلتحاد‬ ‫سياسيا إال يف أربعينيات القرن املايض‪ ،‬بقيام التجمعات واإلتحادات‬ ‫النسائي السوداني وكو َّ‬ ‫النسائية‪ ،‬والتي تشابكت أجندتها مع األجندة السياسية‪.‬‬ ‫ن الجبهة النسائية اإلسالمية‪.‬‬ ‫الحركة النسائية مثل العربة التي (قامت بنمرة أربعة)‪:‬‬ ‫لسرب أغوار مشاركة النساء يف األحزاب السياسية ومدى فاعليتها‪،‬‬ ‫التقينا بالناشطة السياسية "زينب بدر الدين"‪ ،‬وسألناها عن الحركة‬ ‫النسائية السودانية وعالقتها بالسياسة؟‪ ،‬أجابت‪" :‬ال ميكن الحديث عن‬ ‫املشاركة السياسية للنساء مبعز ٍل عن الحركة النسائية‪ ...‬الحركة النسائية‬ ‫ىف السودان‪ ,‬مثل العربة التي (قامت بنمرة أربعة)؛ فقبل االتحاد النسايئ‬ ‫السوداىن‪ ,‬كانت هناك رابطة الفتيات والتى تكونت ىف العام و‪1947‬كانت‬ ‫بدايتها قوية‪ ،‬اذ عملت يف مجاالت محو األمية ومحاربة العادات الضارة‪،‬‬ ‫وقد اتخذت من وسط مدينة أمدرمان منطلقا لبداياتها‪ ..‬بعدها تكون‬ ‫االتحاد النسايئ السوداىن و الذي ميكن القول عنه انه ولد من داخل‬ ‫رابطة الفتيات‪....‬نجح االتحاد النسايئ السوداىن‪ ،‬بسبب أن فكرته نبعت‬ ‫من نساء ذوات وعي سيايس‪ ،‬مع مالحظة انه مل يكن تنظيامً سياسياً يف‬ ‫ذاته‪ ،‬وتعترب د‪ .‬خالدة زاهر اول "طبيبة سودانية‪ -‬تتخرج من مدرسة‬

‫منذ بداياته دخل االتحاد النسايئ العمل السيايس وناضل ضد‬ ‫اإلستعامر‪ ،‬وكان يرى أن النساء ُمستعمرات من قبل املستع ِمر‪ ،‬وال‬ ‫حقوق لهن دون أن يذهب اإلستعامر‪ ،‬وقد كان شعار االتحاد ‪ ،‬أن‬ ‫قضية املرأة ال ميكن حلها مبعزل عن قضايا املجتمع‪ ،‬فالدور اإلجتامعي‬ ‫لإلتحاد كان كبريا ً‪ ،‬إذ كان يُعتقد أن محور القضية هو تعليم املرأة ومحو‬ ‫األمية‪ ،‬ومن هنا تحرك االتحاد وبحذر شديد يف القضايا اإلجتامعية‪،‬‬ ‫وكانت االستاذة فاطمة أحمد ابراهيم‪ ,‬رئيسة اإلتحاد النسايئ تحذرنا‬ ‫من أن نستفز املجتمع‪ ,‬وكانت تقول لنا (ماتشيلوا الفاتحة يف بيوت البكا‬ ‫(العزاء) ‪" ،‬النسوان بعزوا‪ ,‬عزوا مثلهن واقعدن محل غسيل العدة"‪-‬‬ ‫االواىن‪ -‬وعمل القهوة‪ ( ،‬ألننا يجب أن ننزل للمجتمع وننتشلوا ال أن‬ ‫نتعاىل عليه)‪ ،‬تواصل استاذة امال وتقول‪ :‬قبل ثورة أكتوبر‪ 1‬كنا ال نخالط‬ ‫الزمالء من الرجال ‪ ،‬بعد أكتوبر‪ ,‬ظهر الجيل الجديد وبدأ يلبس (الجبون‬ ‫‪ )2‬ويرسح (األبوقجي‪ )3‬وك َّن أكرث تحررا ً منا‪ ،‬وكنا نسميهن األكتوبريات‪،‬‬ ‫وكان لنا رأي فيه َّن؛ ظهرت مجموعات منهن داخل الحزب الشيوعي‪،‬‬ ‫ودار بينه َّن جدل كثيف حول الرؤية االجتامعية لحقوق املرأة‪.‬‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪63‬‬


‫الحركة النسائية‪..‬خطوات اىل األمام‬ ‫كان التقدم هو ديدن الحركة النسائية ىف السودان منذ العام ‪،1954‬‬ ‫حيث حصلت ﺍملرﺃﺓ ﻋىل ﺤﻕ التصويت‪ ،‬ثم حصلت عىل حق الرتشح‬ ‫وكان هذا ىف العام ‪ ،1964‬وأصدر اإلتحاد النساىئ يف ذلك الوقت مجلة‬ ‫“صوت املرأة” وكانت مجلة جامهريية تصدر شهرياً‪ ،‬وكانت تنادي‬ ‫بحقوق املرأة‪ .‬ويف يناير ‪ 1957‬نرشت مجلة "صوت املرأة" مذكرة‬ ‫أمل هباين صحفية‬ ‫االتحاد النسايئ للجنة القومية للدستور حيث أعرب يف املذكرة بغري‬ ‫مواربة‪ ،‬عن مطالب املرأة كأم وزوجة ومواطنة‪ .‬وطلبت املذكرة من‬ ‫سودانية‪ ،‬ولدت يف‬ ‫لجنة الدستور أن تحمي النساء مبا اتفق للرشيعة اإلسالمية‪ .‬فحق املرأة‬ ‫عام ‪ 1974‬حاصلة‪،‬‬ ‫عىل بكالريوس اآلداب يف اختيار من يريد أن يتزوجها حق كفلته الرشيعة ولكن أولياء األمور‬ ‫من جامعة الخرطوم حجبوه عنها عنوة‪ ,‬وواصلت املذكرة القول‪ ،‬إن الرشيعة قد قيدت‬ ‫الزواج بأكرث من امرأة بالعدل وهو أمر صعب املنال‪ .‬وكذلك طالبت‬ ‫وماجستري الصحافة‬ ‫املذكرة بتقييد الطالق ألن الرشيعة‪ ،‬التى أذنت به للزوج دون الزوجة‪،‬‬ ‫من نفس الجامعة‪.‬‬ ‫متزوجة وأم لطفلني‪ .‬كام طالبت أن يحمي الدستور األطفال وفقاً ألمر الرشع‪ .‬و أشادت‬ ‫مجلة "صوت املرأة" بالرئيس الحبيب بورقيبة‪ ،‬رئيس تونس عىل أيامها‪،‬‬ ‫عملت يف عدد من‬ ‫الصحف السودانية و لكلمته ذات األفق التقدمي التي ألقاها أمام االتحاد القومي للمرأة يف‬ ‫لها عمود راتب تحت بالده‪.‬‬ ‫عنوان‪ " ،‬أشياء صغرية‬ ‫و تضبف االستاذة امال‪ :‬خالل تلك السنوات األربع ىف اعقاب ثورة‬ ‫فازت بجائزة جانيتا‬ ‫ساقان سنة ‪ .".2014‬اكتوبر استطاعت املرأة أن تلعب دورا ً كبريا ً برتشيح فاطمة أحمد أبراهيم‬ ‫كأول امرأة سودانية تدخل الجمعية التأسيسة (الربملان)‪.‬‬ ‫عضوة مببادرة ال‬ ‫لقهر النساء‪.‬‬ ‫حل رئيس الجمهورية‪,‬‬ ‫بحدوث االنقالب العسكرى ىف ‪ 25‬مايو ‪َّ ،1969‬‬ ‫" جعفرمنريي" اإلتحاد النسايئ السوداىن و كون بعده إتحاد نساء‬ ‫السودان‪ ،‬و قد انضمت إىل االتحاد الجديد‪" ,‬شبه الحكومي" بعض من‬ ‫رائدات الحركة النسائية امثال محاسن عبد العال ونفيسة أحمد األمني‬ ‫وأم سلمة سعيد‪...‬مع مرور الوقت كونت األحزاب السياسية مبا ىف ذلك‬ ‫االحزاب الطائفية التقليدية كاالمة واالتحادى‪ ,‬أجساما وهيئات نسوية‬ ‫داخلها‪ ،‬مام أثر إيجابياً واضفى بعدا قوميا عىل قضايا النساء‪.‬‬ ‫تراجع كبري يف ظل النظام الشمويل‪:‬‬ ‫الناشطة السياسية وىف الحركة النسائية والقيادية ىف الحزب االشرتاىك‬ ‫النارصى‪ ,‬االستاذة إنتصار العقيل‪ ،‬تنقلنا خطوة اىل مابعد اإلتحاد النسايئ‬ ‫وتقول‪:‬‬ ‫ل جديد‪ ،‬وجدنا إرثا معتبرا للحركة النسائية‬ ‫"نحن كجي ٍ‬ ‫ولمشاركة المرأة في العمل السياسى وفى‬ ‫المجال العام‪ ،‬ولكن ما الحظته هو انه فى االنظمة‬ ‫الشمولية تضيق مساحات الحراك النسائى‬

‫فعىل سبيل املثال‪,‬ىف فرتة مايو‪ ,‬كانت هناك مشاركة نسائية واسعة‬ ‫تحت مظلة اتحاد نساء السودان‪,‬لكنها كان أقرب للوظيفة يف ظل‬ ‫النظام الحاكم ومل تخلق تلك املشاركة نقلة نوعية يف العمل النساىئ‪....‬‬ ‫لكن‪ ,‬يف ظل األنظمة الدميقراطية يختلف االمر‪ ،‬إذ يعلو صوت النساء‬

‫‪64‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫يف الحقوق السياسية وىف الحركة املطلبية‪ ...‬يف النظام الشمويل الحايل‬ ‫(نظام االنقاذ)‪,‬هناك تراجع كبري وذلك لعدة أسباب منها‪ ,‬القوانني‬ ‫املقيدة للحريات‪ ،‬والرتدي يف الخدمة املدنية‪ ،‬والرتدي يف أوضاع املرأة‬ ‫الصحية‪ ,‬والتضييق عىل مشاركة املرأة ىف املجال العام كمشاركتها يف‬ ‫األنشطة الثقافية وىف العمل التطوعي‪ ،‬يضاف لكل هذا التأثريات الكبرية‬ ‫التى خلفتها النزاعات والحروب ىف مناطق السودان املختلفة عىل املرأة‬ ‫الناشطة سياسيا واجتامعيا وعىل املرأة العاملة وعىل املرأة املنتجة‪.‬‬ ‫قوانني الرشيعة اإلسالمية وهيمنة اإلسالم السيايس وبداية الردِّة يف‬ ‫الحركة النسائية يف السودان‪:‬‬ ‫تقول االستاذة زينب بدر الدين‪" :‬الحزب الشيوعي هو أول حزب‬ ‫فتح عضويته للنساء‪ ،‬ووصلت املرأة فيه إىل عضوة ىف اللجنة املركزية‪...‬‬ ‫ومع ان الحركة النسائية السودانية استطاعت أن تدخل ىف كل مفاصل‬ ‫العمل السيايس‪ ،‬لكن النساء وطوال كل تلك الفرتة مل يستطعن أن‬ ‫يقدمن الكثري للحركة النسائية من داخل أحزابهن‪ ،‬والسبب كام ارى‪،‬‬ ‫هو حكم الديكتاتوريات الطويل‪ ،‬فالرصاع الداخيل او فلنقل الحوار‪,‬‬ ‫يُك َبت إبان حكم الدكتاتوريات‪ ،‬عىل عكس حكم الدميقراطيات‪ ،‬حيث‬ ‫تتاح لحد كبري فرص التعبري والحوار واملناقشة‪ ...‬النساء السياسيات يف‬ ‫ظل االنظمة الدكتاتورية يضعن ويكرسن كل جهدهن لحل القضايا‬ ‫القومية بصورة عامة‪ ،‬وبالطبع يضعن قضايا املرأة ضمن تلك القضايا‪،‬‬ ‫ليس من باب التبعية‪ ،‬بل ألن املرأة السياسية تدرك ان الهدف االكرب هو‬ ‫تحقيق الدميقراطية‪ ،‬ففي ظل وطن دميقراطي‪ ,‬ينعم بالعدالة االجتامعية‬ ‫ُحل قضية املرأة‪...‬وتواصل االستاذة زينب وتقول‪ :‬يف ظل نظام االنقاذ‬ ‫ت ُ‬ ‫الديكتاتوري الذي نعيشه االن‪ ,‬حدثت ردِّة كبرية عىل املستويات كافة ‪:‬‬ ‫عىل سبيل املثال ال الحرص قانون النظام العام ‪,‬مع الوضع ىف االعتبار‪،‬ان‬ ‫حقوق النساء بل وبعض مكتسباتهن بدأت يف التدهور منذ قوانني‬ ‫سبتمرب ‪ 1983‬التي أعلنها الرئيس األسبق جعفر منريي‪.‬‬ ‫الحركة النسائية السودانية‪ ,‬غري مواكبة لحركات التحرر النسوي‪:‬‬ ‫وتواصل استاذة زينب‪ :‬ال بد ان اشري اىل ان طبيعة مجتمعنا ايضا‬ ‫قيدت الحركة النسائية‪,‬فمثال‬ ‫نحن كنساء ناشطات‪ ،‬كان كل تركيزنا انه عندما‬ ‫نطالب بحقوقنا‪ ،‬فذلك ال يعني (أن النساء ينطلقن‬ ‫دون قيد )‪ ،‬نطالب بهذه الحقوق والكثيرات‬ ‫منا يرتدين الثوب السودانى واخريات يضعن‬ ‫الطرحة"غطاء للشعر"‪..‬‬

‫هذا جعل الكثري من النساء الشابات الاليت يتواصلن مع العامل‪ ،‬يعتربن‬ ‫أن الحركة النسائية السودانية حركة متخلفة وغري مواكبة لحركات‬ ‫التحرر النسوي مقارنة مبرص وتونس عىل سبيل املثال‪...‬تضيف استاذة‬ ‫زينب‪ :‬وحتى عندما ك َّونا (مبادرة ال لقهر النساء)‪ ،‬كُ ّنا نتعامل بر ِّد الفعل‪،‬‬ ‫نطالب بالغاء قانون النظام العام وتعديل املواد‪" 149,‬االغتصاب"‪,‬‬ ‫‪" 151‬االفعال الفاحشة" ‪" 152,‬الزى الفاضح" ‪" 146,‬عقوبة الزنا" ىف‬


‫وجهات نظر‬

‫القانون الجناىئ لسنة ‪ ،1991‬دون ان نضع البديل‪ ،‬نحن قلنا أننا ضد أن تطوير الترشيع‪ ،‬وكانت لهم إجتهادات كبرية يف املرياث وغريه‪.‬‬ ‫تجلد النساء بسبب الزى الذى يلبسنه‪ ،‬لكننا مل نقل أننا نريد أن نكون‬ ‫النساء وافدات عىل األحزاب السياسية‪ :‬‬ ‫(سافرات)‪ ،‬فاأليرانيات مثالً يف حركات املناهضة يخلعن الحجاب‪ ،‬نحن‬ ‫ ‬ ‫كنا حريصات‪,‬عىل ارتداء الثوب التقليدي والطرحة‪ ,‬كل حسب حريته‬ ‫لكن كيف تعمل النساء داخال أحزابهن السياسية ؟ كان هذا هو‬ ‫ورغبته‪ ,‬وقليالت جدا ً ع َّربن عن أنفسهن دون وضع طرحة أو لبس ثوب‪،‬‬ ‫كام أننا مل نعكس كنساء سياسيات‪ ،‬قضايانا ومشاكلنا داخل أحزابنا‪ ،‬السؤال الذي توجهنا به لعضوة املكتب السيايس للحزب اإلتحادي‬ ‫فقضية مثل التحرش الجنيس مل يتم عرضها داخل احزابنا كقضية تعيق (األصل) االستاذة سمرية مهدي‪ ،‬والتي بدأت إجابتها بضحكة طويلة‪,‬‬ ‫ثم قالت‪:‬‬ ‫انخراط النساء يف العمل السيايس والعمل العام‪.‬‬ ‫الجبايات واستنزاف النساء‪ ،‬أم بنطلون لبنى حسني!!؟‬ ‫إنتصار العقيل تدخل بذات املدخل وتقول‪" :‬يف الوقت الحايل أصبح‬ ‫اله َّم العام هو النضال لتغيري الواقع السياىس‪ ،‬لذلك مناقشة القضايا‬ ‫الخاصة بالنساء ال تأخذ الجانب األكرب‪ ،‬فنحن داخل حزبنا ُجل حديثنا‬ ‫عن الواقع السيايس والقوانني املقيدة للحريات‪ ،‬وليس هناك فسحة اآلن‬ ‫لقضايا النساء‪ ،‬ويف تحالف النساء السياسيات نهت ُّم جدا ً بالقوانني ونرش‬ ‫الوعي القانوين بني النساء‪ .‬هناك قوانني وقعها وأثرها أكرث سلبية عىل‬ ‫املجتمع‪ ،‬مثل قانون األحوال الشخصية‪ ،‬قانون النظام العام‪ ،‬القانون‬ ‫الجناىئ‪ ,‬املادة ‪ 149,‬قضية زواج القارصات‪ .‬فلو أخذنا مثالً قانون النظام‬ ‫العام‪،‬‬ ‫هناك قضية أكبر من بنطلون لبنى ومن قضية الزى‬ ‫عموما وهي (الجبايات)‪ .‬هذه مشكلة حقيقة وقضية‬ ‫لم ننتبه لها‪ .‬نحن في ذهنيتنا مازلنا نربط قانون‬ ‫النظام العام بالمظهر العام فقط‪ ،‬لكن األسوأ‬ ‫واألمر هو االستغالل المادي للنساء‪.‬‬ ‫َ‬

‫املرأة مازالت لها مشاكلها يف الصحة والرعاية الصحية األولية‬ ‫والوالدة‪ ...‬نحن مازلنا بعيدين عن تحسني وضع املرأة الحامل والتعليم‬ ‫املجاين للنساء‪.‬‬ ‫االتحاد العام للمرأة السودانية‪ ,‬منظومة تابعة للحزب الحاكم أكرث‬ ‫من أنها تنظيم نسايئ‪:‬‬ ‫منحى مل تتطرق له األخريات‪ ،‬حيث قالت‪ :‬هذا‬ ‫آمال عباس أخذت‬ ‫ً‬ ‫الجيل (ال عالقة له بالسياسة) ‪ ،‬وينحرص األداء السيايس للنساء يف فئات‬ ‫بعينها‪ ،‬تجىل هذا يف قانون النظام العام الذي حاربته فئة ُمح َّددة من‬ ‫النساء‪ ،‬ومع هذا فاىن ارى ىف ظل نظام االنقاذ هذا وبالنظر اىل االتحاد‬ ‫العام للمراة السودانية ( التابع للحزب الحاكم ) نجد انه وجد إرثاً وتراثاً‬ ‫كبريا ً يف معارك حقوق املرأة‪ ،‬لكن حكومة اإلنقاذ ومنذ بواكريها بدأت‬ ‫بالتع ِّدي عىل حقوق النساء يف حني أن هذا االتحاد وقف موقفاً سلبياً‪،‬‬ ‫مام جعله منظومة للمؤمتر الوطني –الحزب الحاكم‪ -‬أكرث من أنه تنظيم‬ ‫نساىئ معني بحقوق املرأة‪ ،‬فليس لديه أي عمل فكري أو إجتهاد يف‬ ‫مجال حقوق املرأة‪ ,‬فقضايا مثل تع ُّدد الزوجات وزواج القارصات كان‬ ‫ميكن أن يلعب فيها دورا ً كبريا ً لصالح املرأة لكنه مل يفعل‪ ،‬وكان ميكنه أن‬ ‫يحدث تطويرا من داخل الدين‪ ،‬كالجمهوريني الذين لعبوا دورا ً مهامً يف‬

‫ي قناعة بأن النساء غير قادرات ألن‬ ‫"منذ البداية لد ّ‬ ‫يكن فاعالت في األحزاب بسبب أنهن وافدات على‬ ‫األحزاب"‪...‬‬

‫طلبنا منها أن تفرس مقولتها هذه‪ ,‬فقالت‪" :‬هذه األحزاب أحزاب‬ ‫رجالية قام بتأسيسها الرجال يف أربعينيات القرن املايض‪ ،‬ويف العام ‪1953‬‬ ‫طالبت النساء الفاعالت بحق التصويت‪ ،‬بسبب هذه املطالبة سمحوا‬ ‫للنساء خريجات الثانوي الاليت ال يتجاوزن عدد أصابع اليدين‪ .‬يف ذلك‬ ‫الوقت كانت املدارس قليلة‪ ،‬بعد ذلك بدأت األحزاب تستقطب النساء‬ ‫باعتبارهن (قوة صوتية) خاصة وان املدارس بدأت ىف االزدياد‪...‬يف ذلك‬ ‫الوقت كانت املرأة تدخل الحزب ألن زوجها أو والدها أو عمها عضوا‬ ‫يف الحزب‪.‬‬ ‫استقطاب النساء للمشاركة السياسية من أجل اإلنتخابات واملزايدة‬ ‫وبوضوح شديد تتحدث االستاذة سمرية مهدى حول وضعية النساء‬ ‫داخل االحزاب السياسية وتقول‪:‬‬ ‫النساء موجودات داخل األحزاب كتمثيل فقط‪،‬‬ ‫والرجال هم القادة‪..‬‬

‫النساء قوة صوتية كام باستطاعتهن استقطاب النساء االخريات‬ ‫للتصويت الحزابهن‪,‬هذا هو الوضع‪ ,‬لذلك مل يكن قبول عضوية النساء‬ ‫ىف االحزاب السياسية مرده الهتامم االحزاب بقضايا املرأة‪ ،‬بل الن نسبة‬ ‫تصويت وتسجيل النساء كانت اعىل من الرجال يف كل اإلنتخابات ‪،68،86‬‬ ‫وإىل اآلن؛‪..‬الذى يحدث حقيقة أنه وبعد أن تص ِّوت النساء للرجال‪،‬‬ ‫يقومون (بفكهن عكس الهواء) –"تعبريا ً عن التخيل عنهن"‪ ...‬ولكن اين‬ ‫هن النساء ؟‪ ،‬وملاذا ينتظرن أن يُفعل بهن هذا؟ كان هذا سؤايل لألستاذة‬ ‫سمرية ‪ ،‬فأجابت‪ُ " :‬هن ُمستقطبات داخل األحزاب‪ ،‬ومعظمهن جيئ‬ ‫بهن بالتعيني يف األحزاب السياسية الطائفية وليس باالنتخاب املسنود‬ ‫بالقاعدة الجامهريية‪ ،‬ولو كانت املرأة تأيت باالنتخاب إىل منصبها‪ ،‬ملا‬ ‫تع َّرضت لإلقصاء واإلبعاد‪ ،‬ألن القوة التي أتت بها تساندها‪ .‬وتضيف‬ ‫سمرية‪:‬‬ ‫" النساء المناكفات من أجل حقوقهن داخل أحزابهن‬ ‫يتعرضن للتهميش واإلبعاد‪ ،‬وهذا ما يحدث في حزبي‪.‬‬

‫وتسرتسل ىف رسد تجربتها الحزبية اىل ان تقول‪ " :‬املرأة موجودة يف‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪65‬‬


‫كل هياكل الحزب (كصورة) و(ثوب) وهي ال تشارك يف إتخاذ أي قرار‪،‬‬ ‫ويف حزبنا ال يوجد كالم عن حقوق النساء‪.‬‬ ‫أنا جالسة عىل الرصيف يف حزىب وليست يل مكانة‬

‫أما إنتصار العقيل فرتى أنها مل تجد صداما أو تعارضا أو معارضة‬ ‫داخل حزبها النارصي اإلشرتايك وتقول‪" :‬القضايا مل تعد منفصلة‪ ،‬يف‬ ‫الوقت الحايل‪ ,‬القضايا املطلبية واملجتمعية مل ت ُعد منفصلة‪ ،‬والحديث‬ ‫مازال عىل لسان إنتصار‪" :‬عموماً الحركة السياسية ال ترىض عن دورها‬ ‫فهى مل تجد ال ُحريِّة الكافية فالتضييق عىل الحريات السياسية والحريات‬ ‫العامة‪ ،‬أث َّر عىل هذه األحزاب‪ ،‬مام يعنى اننا كنساء سنتأثر بهذه املسألة‪،‬‬ ‫املرأة اآلن تتطور ولكن ليس بإحساس املسؤولية تجاه الذات النسوية‪،‬‬ ‫اآلن هناك عدد كبري من الفنانات (الغ َّنايات)‪ ،‬ماهو أثره َّن عىل الحركة‬ ‫النسائية؟‪ ،‬ليس لديه َّن أي مسؤولية تجاه ذلك‪..‬نحن نطالبه َّن بتحسني‬ ‫أدائه ْن‪ ،‬وأن يجعل َن من فنه َّن رسالة للمجتمع‪.‬‬

‫وتواصل أستاذة سمرية‪" :‬أنا عضوة مكتب سيايس‪ ،‬ومنذ أن تك َّونت‬ ‫الهيئة القيادية أنا عضوة فيها ورغم ذلك أقرأ قرارتهم يف الصحف وال‬ ‫ا ُستشار فيها‪ ،‬ونحن ال نحرض أي اجتامع لنناقش قضايا النساء فيه‪ ،‬ومهام‬ ‫تع َّرضت املرأة داخل الحزب ألي مشكلة‪ ،‬ال أحد يستجيب‪ ،‬وأنا دامئاً‬ ‫أحتج وأرفع صويت عاليا‪ .‬أنا قدمت للحزب الكثري‪ ،‬مبجهودي ونشاطي‪,‬‬ ‫يف اللقاءات واملؤمترات‪ ،‬لكن الحزب مل يقدم يل كامرأة أي شئ‪...".‬هنا‬ ‫غريض من العمل السياىس دخول الربملان ومتثيل كافة النساء‪:‬‬ ‫سألتها‪ ,‬حينام متت محاكمتك وحكم عليك بالسجن ثالث سنوات يف‬ ‫العام ‪ 1990‬بتهمة كتابة منشورات (هؤالء الرجال جبهة) وتوزيع قصيدة‬ ‫وعن رؤية سمرية مهدي لألدوار النسائية داخل األحزاب السياسية‬ ‫معادية للنظام‪ ,‬فهل وقف حزبك معك؟؟؟ فأجابت بانفعال غاضب‪" .‬مل‬ ‫يقف معي‪ ،‬ونضايل ليس ُمق َّيم عىل اإلطالق وال يُذكر وال أحد يتحدث فقد جاءت أكرث تشاؤماً إذ تقول سمرية‪" :‬سأكون واضحة معك وأكشف‬ ‫عنه‪ ،‬رغم إين تصديت للقضية وحدي‪ ،‬وبرأت كل زماليئ الذين كانوا لك قناعايت‪،‬‬ ‫معي ومن بينهم إدريس البنا عضو قيادة مجلس رأس الدولة يف الحكم‬ ‫الدميقراطي األخري‪ ،‬وقد ت َّم تقدميي ملحاكمة عسكرية وكان ميكن أن‬ ‫لن يسمح الرجال‪ ,‬للنساء بالمساواة معهم وإتخاذ‬ ‫يحكم عىل باإلعدام‪ ...‬الشيوعيات الاليت التقيته َّن يف املعتقل كُ َّن يقُل َن‬ ‫القرار داخل األحزاب مثلهم‪ ،‬هذه المفاهيم ُمكر َّسة‬ ‫كنت يف حزبنا‪,‬لكنا صنعنا ِ‬ ‫يل‪ ،‬لو ِ‬ ‫لك متثاال‪ .،‬املؤسف أن حزىب مل يقُم بأي‬ ‫في دواخلهم ونفسياتهم وفي تربيتهم وتكوينهم‪،‬‬ ‫ردة فعل تجاه الحكم‪ ...‬أنا أعترب نفيس جالسة عىل الرصيف يف حزيب"‪.‬‬ ‫فهم يقبلون النساء في مؤسسات الحزب حتى‬ ‫يتباهوا بذلك‪،‬‬

‫التوجد أحزاب ُمهتمة بقضية املرأة مبا يف ذلك أحزاب اليسار‪:‬‬ ‫وبكل أسف‪ ،‬النساء ضعيفات وغري ُمصادمات وصوته َّن خافت‪ ،‬إذا‬ ‫مل تتمكن النساء‪ ،‬لن يكون وجوده َّن النسوي مؤثرا ً‪ ،‬ألن امرأة واحدة‬ ‫وعن تقييم النساء لوجودهن داخل األحزاب تقول زينب بدر الدين‪ :‬أو اثنتان فقط قويات‪ ،‬لن يف َني بالغرض؛ رغم كل ذلك‪ ،‬لن أترك الحزب‬ ‫"ال أريد أن أقارن ببقية األحزاب ألننا األفضل‪ ،‬لكن نحن كحزب شيوعي السايس‪ ،‬ألن غريض من اإلنضامم إىل الحزب‪ ،‬أن أدخل الربملان حتى أُثري‬ ‫مل يعد لنا نفس التأثري عىل النساء كام كنا يف الستينيات والسبعينيات‪ ،‬كثريا ً من املسائل والقضايا‪ ،‬واستدعى وزراء للمساءلة‪ ،‬وأق ِّدم أكرث‪.‬‬ ‫فنحن مل نعد قدوة للتطور داخل املجتمع‪ ،‬مل يعد هناك ما مييزنا وسط‬ ‫هل قضايا املرأة تضاهي قضايا الدميقراطية والحريات؟‬ ‫النساء‪ ،‬لذلك حتى استقطابنا وسط النساء مل يعد كبريا ً‪ ،‬ألن الفكر عندما‬ ‫اصطدم بالواقع العميل كانت النتيجة سلبية‪ .‬معظم الرجال ىف حزىب‬ ‫يقولون لنا أن ما تقولونه عن تطور املرأة صحيح‪ ،‬لكن نحن يتحكم فينا‬ ‫مام تق َّدم نخلُص إىل أن أوضاع النساء داخل األحزاب السياسية ليست‬ ‫املجتمع‪ ،‬يف كل القضايا األخرى يتحكم الرجال يف املجتمع‪ ،‬ويف قضية بخري‪ ،‬وال يُنبئ بحدوث اخرتاقات وإنجازات كربى للقضايا النسائية‪ ،‬حتى‬ ‫املرأة يصبح املجتمع هو من يتحكم فيهم!!! ويقولون ال نستطيع أن تصري عىل رأس أو يف مقدمة أجندة تلك األحزاب‪ ،‬فهي بالتايل قضايا‬ ‫ندعو لتحرر كامل للمرأة يف ظل ُمجتمع ُمتخلف ألننا نصطدم بالواقع‪ ،‬هامشية مع ما تشهده الساحة من قضايا كارثية وخطرة حسب رؤية‬ ‫والحقيقة أن هذه هي املشكلة‪ ،‬الرائدات طبَّقن ما آم َّن به حرفياً يف تلك األحزاب وقياداتها‪ ،‬والسبب االسايس كام افادت ورصحت كل‬ ‫قضايا امل ُجتمع والتغيري اإلجتامعي كالزواج‪ ،‬ففيه آمنت النساء بأن امل ُستطلعات‪ ،‬غياب الحكم الدميقراطي ال ُحر الذي يتيح لقضايا املرأة أن‬ ‫الحياة مشاركة بني زوجني‪ ،‬وتخل َني عن الحقوق اإلجتامعية من مهر تربز عىل سطح األجندة الحزبية بال وجلٍ من النظام الديكتاتوري وتبعات‬ ‫وشيلة‪،‬‬ ‫ذلك عىل الحزب‪ ،‬مجمل القول أن معركة الحركة النسائية السودانية يف‬ ‫املاسة والعاجلة‪ ،‬مازالت تحتاج لكثري من ال ِفعل ومن الفاعالت‬ ‫قضاياها َّ‬ ‫بقوة‪ ،‬للتأثري عىل العقلية الحزبية امل ُتمرتسة خلف تصنيفها الذكوري‬ ‫الرجال كانوا أصحاب مصلحة في أفكار المشاركة‬ ‫التقليدي لقضايا املرأة‪ ،‬واعتبارها قضايا ال تضاهي يف أهميتها قضايا‬ ‫وتبسيط الزواج‪ ،‬وعندما دخلت المرأة مؤسسة‬ ‫غياب الحريات والنضال من أجل الحرية والدميقراطية‪.‬‬ ‫الزواج نفسها‪ ،‬اكتشفت أن الرجل عاد "سي السيد"‬ ‫ويطالب بدوره وحقوقه التقليدية‪ ،‬ذلك أحدث صدمة‬ ‫للنساء ور ِّدة في الحركة النسائية‪.‬‬

‫املرأة تتطور‪ ...‬لكن ليس باتجاه الذات النسوية‬

‫‪66‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫‪ 1‬ثورة اكتوبر السودانية‬ ‫هي انتفاضة شعبية اطاحت‬ ‫بنظام عبود العسكري‬ ‫ىف‪1964‬‬ ‫‪2‬‬

‫التنورة او االسكريت‬

‫‪ 3‬ترسيحة شعر حديثة‬ ‫كانت ضمن املوضة ىف ذلك‬ ‫الوقت‬


‫وجهات نظر‬ ‫المشاركات في الحوار‬ ‫امال عباس‬

‫صحافية سودانية معروفة وسياسية سابقة ورائدة من رائدات‬ ‫الحركة النسائية‪..‬عضو اللجنة التنفيذية التحاد الكتاب السودانيني‪.‬‬

‫زينب بدر الدين‬

‫معلمة ثانوى وسياسية وناشطة ىف مجاالت الحركة النسائية‬ ‫واملجتمع املدىن‪ .‬أسست جمعية "املعلم اوالً" وهى جمعية تهتم‬ ‫بتحسني احوال املعلمني يف السودان‪ .‬عضو مؤسس ملبادرة ال لقهر‬ ‫النساء وهي مجموعة تعمل عىل محاربة كافة اشكال التمييز ضد‬ ‫النساء عىل مستوى القوانيني والسياسات‪.‬‬

‫سميرة مهدى‬

‫من رائدات الحركة النسائية ىف السودان‪ ,‬عملت ىف الجهاز القضاىئ‬ ‫ألكرث من عرشين عاماً‪..‬عضوة اللجنة القيادية للحزب االتحادي وممثلة‬ ‫لحزبها ىف لجنة االحزاب السياسية من اجل السالم‪.‬‬ ‫انتصار العقلي‬

‫ناشطة سياسية وعضو ىف الحزب االشرتاىك النارصى ‪ ،‬لها العديد من‬ ‫االسهامات الخريية وهى من املؤسسني لجمعية رسطان الثدى وعضوة‬ ‫مؤسس ىف لجنة الدفاع عن الحريات السياسية ورئيسة منرب النساء‬ ‫السياسيات‪.‬‬

‫كتبت أمل هباني‬

‫التصوير‪ :‬خالد بحر‬

‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪67‬‬


‫سياسات الحرب على‬ ‫اإلرهاب وآثارها على النساء‬ ‫والمسلمين في كينيا‬ ‫أدّت حاالت االختفاء ألقرسي والعقاب خارج نطاق القانون بواسطة‬ ‫قوات األمن القومي يف املناطق الساحلية واألقاليم الشاملية ـ الرشقية‬ ‫من كينيا تحت مسمي سياسات مكافحة اإلرهاب ‪ ،‬إىل خلق حالة‬ ‫توجس وإحباط يف أوساط مجتمعات الساحل الكيني املسلمة‪ .‬يف املادة‬ ‫التالية‪ ،‬تحاول املحام ّية والناشطة الحقوق ّية‪"،‬شريلني إنجريي"‪ ،‬تسليط‬ ‫الضوء عىل جوانب من تلك االنتهاكات التي تتعرض لها بعض النساء‬ ‫الاليئ فقدن أبنائهنّ أو أزواجهنّ باعتبارهن ضحايا ملا يس ّمى بـ" قوانني‬ ‫وحمالت " الحرب عىل اإلرهاب"‪.‬‬

‫وتأتي المرأة في مقدمة ضحايا تلك األزمة في‬ ‫المجتمعات اإلسالمية‪ ،‬حيث أصبحت تعيش حالة‬ ‫اغتراب متعددة األوجه؛ فمن ناحية تتحمّل الفقر‬ ‫والعزل االجتماعي والعيش في كنف زواج متعدد؛ ومن‬ ‫ناحية ثانية‪ ،‬فإن العنف المتكرر على الزوج واالخوان‬ ‫واألبناء من قبل سلطات األمن‪ ،‬يعر ّض عائلتها للتفكك‪.‬‬

‫وبالتايل كل ذلك يفاقم مسألة تع ُّرضها للتمييز‪ .‬بسب هذا التوجس‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫حاالت كهذه‪ ،‬بتواطؤها مع األنشطة اإلرهابيّة‪،‬‬ ‫كثريا ما تُتّهم املرأة يف‬ ‫بل وصارت بعض النساء ضحايا مبارشات لعمليات مناهضة اإلرهاب‪.‬‬ ‫وخري مثال عىل ذلك‪ ،‬حال السيدة "إسنينا موىس الشيخ"‪ ،‬التي قُتلت‬ ‫يف "مانديرا"‪ ،‬يف شهر ديسمرب ‪ ،2015‬حيث ا ُكتشفت جثّتها يف مقربة‬ ‫مهجورة‪ .‬أ ّما بالنسبة لغالبية النساء‪ ،‬فقد أصبحن يف ظروف اقتصادية‬ ‫قاسية نتيج ًة لفقدان مصادر العيش الرشيفة‪.‬‬

‫منذ عام‪ ،2011‬أصبح العنف املرتبط بالتطرف الديني يف ازدياد‬ ‫مضطرد يف كينيا خصوصا بعد نرش قوات من الجيش الكيني يف الصومال؛‬ ‫إذ ترتب عىل تلك الخطوة‪ ،‬قيام الجامعة اإلسالمية املسلّحة املسامة‬ ‫بـ "حركة الشباب" بحمالت انتقامية رشسة وشَ ّنت سلسلة هجامت‬ ‫داخل كينيا واعرتفت علنا مبسؤوليتها‪ ،‬مام أجرب السلطات الكينية عىل‬ ‫التعاطي الصارم والعنيف معها‪ .‬نتيج ًة لذلك وجدت املرأة الصومالية‬ ‫نفسها محارصة بآثار تلك املعارك‪ ،‬التي جعلت منها الضحية غري املرئية‬ ‫كام يدفع االخفاء القرسي‪ ،‬مئات من األرس للعيش يف حالة من الكرب‬ ‫يف حمالت الحرب ضد اإلرهاب‪.‬‬ ‫كام يُساهم يف متزيق النسيج االجتامعي عرب خلق حالة من الشعور‬ ‫بالهلع وعدم الطأمنينة وسط املجتمعات‪ .‬كام يؤدي أيضاً‪ ،‬إىل دفع األُرس‬ ‫ومنذ تب ّني قُ ّوات األمن الكين ّية سياسة اإلجراءات العنيفة ضد للعيش بصورة ُمعلّقة بني أهداب األمل واليأس‪ ،‬ألنها ال تعلم ما إذا كان‬ ‫اإلرهاب‪ ،‬أصبحت االنتهاكات ومامرسة التعذيب وحاالت االختفاء األشخاص املفقودين ما يزالون عىل قيد الحياة أم أنهم ماتوا؟‬ ‫القرسي والقتل خارج نطاق القانون عرب القوات األمنية مبثابة وقائع‬ ‫وىف هذا السياق‪ ،‬تذكر إحدى املرشدات االجتامعيات ما ييل‪ ":‬بلّغت‬ ‫يوميّة تواجه املجتمعات املسلمة يف جميع أنحاء البالد‪ .‬والحق‪ ،‬فإن‬ ‫حاالت التمييز املمنهجة ضد املسلمني واألقل ّية الصومال ّية واللجوء إىل املئات من األرس يف مناطق الساحل الكيني عن قتل واخفاء بعض‬ ‫استخدام القوة بصورة غري مربرة بواسطة األجهزة األمنيّة‪ ،‬قد قوبلت األقارب‪ ،‬ولكن مع ذلك‪ ،‬مل تنصفهم العدالة إىل يومنا هذا‪ .‬ميثّل االخفاء‬ ‫بانتقادات حادّة من قبل منظّامت حقوق اإلنسان‪ .‬وذلك ألن قوات القرسي أسوأ الخيارات‪ ،‬ألنه يرتك األُرس يف حرية من أمرها‪ ،‬فال تدري‬ ‫األمن الكين ّية يف حربها ضد اإلرهاب‪ ،‬أصبحت تترصف وكأنها قد امتلكت النساء إن كن مازل ّن متزوجات أم أن الزوج املختفي سيعود؟ كام أنّه‬ ‫صكوكاً ت ُخ ّولها حق االختطاف والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون‪ .‬يجعل بعض النساء غري قادرات عىل تحديد وضعهن االجتامعي‪ ،‬هل‬ ‫واألدهى من ذلك‪ ،‬أنها ت ُلقي القبض عىل األشخاص بقرائن واهية وليس ه ّن أرامل أم متزوجات؟"‪.‬‬ ‫عرب آلية قانونية واضحة‪ ،‬وبالتايل قد ال يكون معظم الذين تم القبض‬ ‫عليهم قد ارتكبوا بالفعل جرائم أو رمبا حظوظهم السيئة قد ألقت بهم‬ ‫وفوق كل ذلك تتعر ّض النساء الالئي فقدن الزوج أو‬ ‫يف حبائل قوات األمن‪.‬‬ ‫االبن‪ ،‬بسبب القتل أو االخفاء للوصمة االجتماعية‬ ‫ُ‬ ‫ويعتبر ّ‬ ‫حيث يتفادى األقارب واألصدقاء‬ ‫ن منبوذات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫االقتراب من النساء أو أسرهن‪ ،‬خوفا من أن يتم‬ ‫استهدافهم هم أيضاً من قبل قوات األمن‪.‬‬

‫وما يدعو حقيق ًة لألىس هو‪ ،‬أ ّن حاالت االختفاء القرسي والقتل ىف‬ ‫بعض األحيان خارج نطاق القانون تتم بصمت مطبق‪ ،‬وال يكاد يذكرها‬ ‫أحد سوى أقارب الضحايا املكلومني‪ ،‬بل ومن النادر أن تقوم السلطات‬ ‫بالتحقيق يف سلوكيات قوات األمن‪ ،‬وبالتايل مل نسمع عن إدانات او‬ ‫وتضيف املرشدة االجتامعية‪" :‬وهذه العزلة االجتامعية لها آثارها‬ ‫ألي من عنارص األمن الكيني بجرائم تتعلق بتجاوزات حقوق العميقة عىل النساء وأطفاله ّن‪ ،‬مام يضعهن دامئاً يف موقع الدفاع‬ ‫محاكامت ٍ‬ ‫اإلنسان أثناء عمليات ُمناهضة اإلرهاب التي تقوم بها تلك الق ّوات‪.‬‬ ‫واملبالغة يف حامية أنفسهن"‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫وجهات نظر‬

‫بعض النساء أيضاً تحدثن عن تعرضه ّن املستمر للمضايقات من قبل‬ ‫الرشطة وأفراد األجهزة األمنية‪ ،‬يف الفرتة التي تعقب اختفاء أو قتل أحد‬ ‫أفراد األُرسة‪ ،‬حيث يتم استهداف األطفال الذكور لهذه األُرس‪ ،‬عىل نحو‬ ‫خاص‪ .‬وكثريا ً ما تجنح الرشطة إىل مداهمة املنازل بشكل عنيف وتنزع‬ ‫ملراقبة املكاملات التلفونية وتقوم باالعتقال والرتهيب ومتارس غريها من‬ ‫تقن ّيات الرعب حتّى تضمن بقاء املواطنني يف حالة من الرعب املستمر‪.‬‬

‫تعتمد يف ذلك أيضا عىل كرم األقارب‪ .‬ويف كثري من تلك الحاالت‪ ،‬يحصل‬ ‫تتفكك أرسي‪ ،‬إذ يتم ابتعاث األطفال للعيش مع األقارب القادرين عىل‬ ‫تربيتهم بصورة أفضل‪ .‬أ ّما يف حال إرصار املرأة عىل االبقاء عىل متاسك‬ ‫األُرسة‪ ،‬ففي هذه الحالة تضطر القبول بتأدية أعامل مرهقة يك تفي‬ ‫ٍ‬ ‫لساعات أطول مبا‬ ‫بواجبات املنزل‪ .‬وقد تؤدي أكرث من وظيفة أو تعمل‬ ‫يف ذلك ساعات عطلة نهاية األسبوع والتي قد تصبح رضورية يف حال ٍة‬ ‫كهذه‪.‬‬

‫باإلضافة إىل العزل االجتامعي‪ ،‬تتع ّرض األرس أيضا‪ ،‬إىل أزمات مالية‬ ‫بخصول املعاناة‪ ،‬تصف إحدى السيدات وضعها واملعاناة املاليّة التي‬ ‫حادة بسبب اختفاء معيلها‪ .‬ففي كينيا‪ ،‬تقليدياً يضطلع الرجال مبهمة‬ ‫توفري سبل املعيشة لألرسة‪ ،‬بينام تنهمك النساء بأمور العناية باملنزل تواجهها كأم لطفلني‪ ،‬يف إثر اختفاء زوجها يف "ممبسا" يف عام ‪:2012‬‬ ‫وتربية األطفال‪ .‬ومع محدوديّة شبكة الدعم االجتامعي‪ ،‬كثريا ً ما تضطر "لقد أصبحنا عبء عىل املجتمع الذي نعيش فيه وصار أطفايل يتعرضون‬ ‫املرأة التي فقدت زوجها‪ ،‬إىل أن تصبح هي املعيل األسايس لألرسة‪ ،‬كام للطرد من املدرسة بسبب عدم قدرتنا عىل دفع الرسوم املدرس ّية"‪.‬‬

‫صورة لسوق محلي فى ممبساء‬

‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪69‬‬


‫شريلني إنجريى‬ ‫إنجوروش ناشطة‬ ‫يف مجال حقوق‬ ‫اإلنسان وتحمل‬ ‫شهادة بكالوريوس يف‬ ‫القانون من جامعة‬ ‫كمباال العاملية وحالياً‬ ‫تسعى للحصول عىل‬ ‫درجة املاجستري يف‬ ‫إدارة املرشوعات من‬ ‫جامعة جموكينياتا‬ ‫للعلوم الزراعية‬ ‫والتكنولوجية‪.‬‬

‫تسارع بعض النساء الالئي فقد ّ‬ ‫ن أزواجهنّ‪ ،‬الحصول‬ ‫على الحق في التركة المالية للزوج‪ ،‬إال أن ذلك يتطلب‬ ‫الحصول على شهادة وفاة قانونية حتى يسمح‬ ‫بانتقال تركة الورثة لألقارب‪ .‬لك ّ‬ ‫ن األمر مع حالة اختفاء‬ ‫الزوج يبدو عسيراً‪ ،‬إذ يستحيل استخراج شهادة‬ ‫الوفاة لعدم وجود أدلّة ثابتة تؤكّد وفاة المفقود‪.‬‬

‫يف الواقع‪ ،‬أنا هنا ال أشكك أبدا ً يف أهمية السياسات املناهضة‬ ‫لإلرهاب‪ ،‬كام ال أشكك يف أهميتها بالنسبة لحامية األمن العام‪ ،‬ولكن‬ ‫مع ذلك‪ ،‬يجب تنفيذ هذه السياسات عىل نحو شامل وىف إطار حكم‬ ‫القانون واحرتامه لتجنب الفوىض وعدم التع ّدي عىل الحريّات املدن ّية‪.‬‬ ‫كذلك‪ ،‬يجب أن تخضع عمليات مناهضة اإلرهاب إىل معايري واضحة‬ ‫ومراقبة لصيقة‪ ،‬بحيث يكون هدفها النهايئ هو‪ ،‬تحقيق استقرار طويل‬ ‫األمد وليس مج ّرد رد فعل عىل األحداث‪.‬‬ ‫يف الحقيقة‪ ،‬مناهضة العنف بعنف أكرب حجامً‪ُ ،‬يثّل نهج عديم‬ ‫الجدوى ولذلك أمثر النهج الذي تتّبع ُه السلطات الكينيّة بنتائج معكوسة‪،‬‬ ‫حيث أدّى يف النهاية‪ ،‬إىل خلق بيئة صالحة لنمو وانتشار العنف والتطرف‬ ‫بشكل وبايئ‪ ،‬كام أصبحت انتهاكات حقوق اإلنسان مسألة شبه عادية‪.‬‬ ‫وبالتايل‪ ،‬اتسعت فجوة عدم الثقة بني الدولة واملجتمعات املحرومة‪،‬‬ ‫والتي مل تجد بدورها خيارا ً مختلفا سوى اللجوء إىل العنف‪.‬‬ ‫في الوقت الراهن‪ ،‬المضايقات واالعتقاالت‬ ‫العشوائية والقتل خارج نطاق القانون‪ ،‬باتت كلها‬ ‫عوامل تساعد على تغذية المرارات ضد الدولة‪ ،‬بل‬ ‫تحولت في بعض الحاالت إلى وسائل يجري عبرها‬ ‫تجنيد الشباب في المجتمعات المهمّشة بواسطة‬ ‫مجموعات التطرف الديني التي تتبني العنف‪.‬‬

‫ومعروف أن املجموعات املتطرفة قد عملت طوال عرشات السنني‬ ‫عىل مرشوع التخريب والعزلة الثقافية للمجتمعات املسلمة يف أفريقيا‪،‬‬ ‫مستغلة يف تحقيق ذلك انتشار الظلم االجتامعي والعزلة والتهميش‬ ‫االقتصادي السائدة يف تلك املجتمعات‪ .‬وهكذا‪ ،‬أصبحت تلك املجتمعات‬ ‫محاضن يتم عربها إغراء الشباب املسلم لقبول أطروحات جامعات‬ ‫اإلسالم السيايس التي تتبني وتروج للعنف والتخريب كسبل للمقاومة‪.‬‬ ‫الحال يف كينيا شبيه بتلك الحاالت‪ ،‬حيث يسعى الشباب إىل إيجاد‬ ‫مصادر حامية ودعم من عنارص خارج إطار الدولة‪ ،‬وبالتايل يسهل‬

‫‪70‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫انحدارهم إىل عامل الجرمية والعنف‪.‬‬ ‫من هنا‪ ،‬يتوجب السعي ملعرفة األسباب الحقيقيّة التي تؤدّي إىل‬ ‫ال ُعنف‪ ،‬مبا يف ذلك النظر إىل اإلطار االجتامعي ِ‬ ‫والسيايس العام األوسع‪.‬‬ ‫هل له دور يف هذا الوضع املتدهور؟ كذلك‪ ،‬يجب علينا توفري الضامنات‬ ‫القانونيّة وتب ّني مناهج مدنيّة واجتامعية يف تعاملنا مع املجتمعات‬ ‫املترضِرة‪ .‬ف ُمواجهة اإلرهاب باإلرهاب يجعل ِم ّنا جميعاً إرهابيون‪.‬‬

‫كتبت شيرلين إنجيرى إنجوروش‬

‫من االنجليزية‪ :‬محمد عثمان الفكي‬


‫وجهات نظر‬

‫نساء الصوفية‬ ‫الكنوز ُ‬ ‫المخبأة‬

‫هذا املقال‪ ،‬يتناول دور املرأة يف تاريخ التصوف‪ ،‬وذلك انطالقا مام‬ ‫ورد يف كتاب (نساء الصوفية ـ الكنوز املخبأة)‪ ،‬والذي هو عبارة عن‬ ‫مقتطفات وقصص فريدة‪ ،‬لشاعرات وشعراء العرفان وفقهاء وأقطاب‬ ‫املتصوفة من النساء والرجال‪ ،‬قامت بجمعها الكاتبة االمريكية املسلمة‬ ‫واملتصوفة "كاميل آدمز هلمينسىك ـ ‪."Camille Adams Helminski‬‬ ‫وبالطبع ليس من السهل تعريف التص ّوف‪ ،‬وإن كان ينظر إليه‬ ‫بحسب تقاليد التصوف املعروفة‪ ،‬باعتباره الرحلة‪/‬األوبة والسعي يف‬ ‫مسالك اإلميان‪ .‬إال أن الذي ال خالف حوله‪ ،‬هو الدور الكبري واملحوري‬ ‫الذي لعبه التصوف من خالل الطرق الصوفية‪ ،‬وعرب شبكة مشايخها يف‬ ‫نرش الدين اإلسالمي يف جميع أنحاء القارة األفريق ّية‪.‬‬ ‫وقد استطاع التصوف بتركيزه على الجانب الروحاني‬ ‫واإلنساني للدين‪ ،‬وخاصةً عبر أبوابه المفتوحة‬ ‫دائما اتجاه اآلخر‪ ،‬أن يمد الجسور ما بين اإلسالم‬ ‫والثقافات المحلية في أفريقيا‪.‬‬

‫رسالة التص ّوف‪ .‬ويعترب الكثري من هؤالء‬ ‫شعائر املتصوفة الدينية‪ ،‬كحلقات ِ‬ ‫الذكر‬ ‫التي عادة ما تكون مص ُحوبة بال ِغناء‬ ‫والرقص واللبس املزركش‪ ،‬مظاهر غري‬ ‫إسالمية‪ .‬كام أنهم يشنون حرباً رضوساً‬ ‫عىل ُمجمل الجوانب ال ِعرفَانيّة للتص ّوف‪.‬‬ ‫ذلك أل ّن الدين بالنسبة لتلك الجامعات‬ ‫السلفية‪ ،‬هو وسيلة للحشد والتعبئة‬ ‫السياس ّية‪ ،‬ويتم ّحور أساسا حول ُو ُجوب‬ ‫الطاعة املطلقة‪ ،‬وليس ِر ْحلة ُروحيّة ت ُق ّر‬ ‫باالختالف‪ ،‬ومن ث ّم‪ ،‬قُبول اآلخر‪ ،‬كام يزعم‬ ‫املتص ّوفة‪.‬‬

‫من هنا‪ ،‬يلقي كتاب الباحثة "كاميل آدمز هلمينسىك" املوسوم بـ‬ ‫"املرأة املتص ّوفة"‪ ،‬باملزيد من الضوء عىل الدور الذي لعبته املرأة يف‬ ‫تاريخ التص ّوف‪ .‬فهو يسلّط الضوء عىل القوة ال ُروح ّية الكامنة لدى املرأة‪،‬‬ ‫مع الرتكيز عىل قُدرتها عىل سرب أغوار عامل الباطن وارتباطها به‪ ،‬ودورها‬ ‫فقد لعب مشايخ التصوف دورا ً حيويّاً يف اعتناق سكان أفريقيا القيادي يف عامل الروحانيات‪.‬‬ ‫لإلسالم‪ ،‬وذلك باحرتامهم وتقديرهم لتقاليد وثقافات السكان املحليني‪،‬‬ ‫ومن المعروف تاريخيّاً أنّه قد تم سلب المرأة المسلمة من مسئولياتها‬ ‫وتعاونهم مع قيادات القبائل والزعامء الروحيني‪ .‬وعىل ال ُرغم من أ ّن‬ ‫ً‬ ‫الروحي ّة بواسطة أيدولوجيات النظام البطريركي‪ /‬األبوي والحقا اسهمت‬ ‫التص ّوف يجد جذوره يف ديانات شبه القارة الهنديّة ويف العديد من‬ ‫قوى السلفية المتعنتة‪ ،‬في التقليل من شأن المرأة ومن قدرتها على أن‬ ‫الديانات يف مختلف أنحاء العامل‪ ،‬إالّ أنّه وجد طريقه إىل اإلسالم وأُسست‬ ‫تُصبح كائناً رُوحيّا‪ً.‬‬ ‫له تقاليد وجذور راسخة داخل الدين اإلسالمي‪.‬‬ ‫وذلك برتديدها وترويجها للخطاب الذي يعترب دون ّية املرأة مسألة‬ ‫التخل‬ ‫ولكن ومع بداية القرن التاسع عرش‪ ،‬بدأ الكثري من املسلمني ّ‬ ‫عن التص ّوف‪ ،‬بل جرى اتهام املتصوفة بالزندقة والرشك‪ .‬وقد تضافرت ِخلقيّة‪ ،‬كل ذلك أدّى يف النهاية إىل حرص الرسد والتوثيق يف مسائل‬ ‫عدة عوامل يف ذلك وأسهمت بدورها يف خلق اتجاهات تح ّرض عىل القيادة الروحان ّية عىل الرجال دون النساء‪.‬‬ ‫ُمعاداة التص ّوف‪ ،‬من ضمنها الغزو الرتيك العثامين الذي بدأت معه‬ ‫يف مقدمة الكتاب‪ ،‬ت ُفرِد هلمينسىك مساحة واسعة ملناقشة دور‬ ‫تقاليد تسييس الدين واستخدامه يف ترسيخ سطوة الدولة العثامنية‪.‬‬ ‫وبحلول القرن العرشين‪ ،‬أطلق عدد من الليرباليني واملصلحني انتقادات ومساهمة املرأة يف النمو الروحي لإلنسانية‪ ،‬متحديّة بذلك املنحى‬ ‫حادة تجاه التص ّوف‪ ،‬اتهموا فيها االخري بالعمل عىل تشجيع الخرافة األبوي الذي ينزع إىل وضع السلطة ال ُر ِ‬ ‫وح ّية بأكملها يف أيدي الرجال‪.‬‬ ‫واملساهمة يف تخلّف وتراجع مكانة املسلمني يف العامل‪ ،‬يف مقابل الهيمنة وتقول يف هذا الصدد‪:‬‬ ‫الغربية‪ .‬أ ّما فيام يتعلق مبحتقري التص ّوف‪ ،‬ف َ​َي َى هؤالء أنّه يعمل عىل‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫خلق " ُعزلة ُروحية"‪ ،‬من شأنها خلق واقع اجتامعي وسيايس سلبي وغري‬ ‫"منذ فجر الوعي‪ ،‬شقت البشرية (رجاال ونساء) طريقها للتوحّد مع مصدر‬ ‫الوجود‪ ،‬وعلى الرغم من أنّنا نأخذ أشكاالً مختلفة لذواتنا في عالمنا‬ ‫ف ّعال‪ .‬كذلك‪ ،‬ات ّهم البعض التصوف بالتواطؤ والتعاون مع االستعامر يف‬ ‫مناطق أفريقيا جنوب الصحراء‪ ،‬واليوم ت ُحاول حركات اإلسالم السيايس‬ ‫المبنى على مبدأ الثنائية‪ ،‬إال إنّه وفي عالم الحقيقة المطلقة‪ ،‬ال يوجد‬ ‫والحركات السلفية‪ ،‬استخدام تلك االنتقادات إلبعاد الناس عن تلقّي‬ ‫رجل وامرأة‪ ،‬إذ ال ي ُوجد هناك سوى اإلنسان"‪.‬‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪71‬‬


‫أ ّما يف منت الكتاب‪ ،‬فتقوم املؤلفة برصد وعرض سرية العرشات من‬ ‫النساء املتص ّوفات‪ ،‬كاشف ًة عن املناهج اإلبداعيّة امللهمة واملتن ّوعة التي‬ ‫عبن من خاللها عن الحياة الروحية للمرأة‪ ،‬منذ بدايات القرن السابع‬ ‫ّ‬ ‫وحتى يومنا هذا‪ .‬وتبدأ الكاتبة برسد حياة النساء اللوايت أُطلق عليه ّن‬ ‫لقب "املرأة املتصوفة يف قلب اإلسالم"‪ ،‬وشملت القامئة كالً من السيدة‬ ‫خديجة‪ ،‬والسيدة عائشة‪ ،‬والسيدة فاطمة الزهراء‪ .‬و َع َم َدت بعد ذلك‪،‬‬ ‫إىل تناول سرية " َحار َِسة الب ّوابَة" الشهرية‪ ،‬رابِعة العدويّة‪.‬‬

‫أ ّما رحلة السيدة "نفيسة" واملعروفة أيضا بـ "جوهرة املعرفة" أو "أ ّم‬ ‫املستضعفني"‪ ،‬فتعترب من ِ‬ ‫السري املدهشة وامللهمة يف آن واحد‪ .‬السيدة‬ ‫نفيسة حفيدة السيد الحسن‪ ،‬ابن السيدة فاطمة واإلمام عيل‪ .‬ولدت ىف‬ ‫مكة يف عام ‪ 760‬ميالدية وهاجرت الحقاً إىل مرص‪ ،‬و ُعرِف عن السيدة‬ ‫نفيسة قدرتها عىل العالج‪ .‬كذلك اشتهرت بحفظها الكامل للقرآن عن‬ ‫ظهر قلب‪ ،‬ومعرفتها الدقيقة ببواطن اإلسالم‪ ،‬مام دفع ُمعارصها اإلمام‬ ‫الشافعي إىل الحرص يف االستامع إليها‪ ،‬و ُمحاورتها يف أُمور الدين‪ .‬وقد‬ ‫رص عىل أداء الصالة‬ ‫كان اإلمام الشافعي يكِّن لها احرتاما شديدا ً‪ ،‬وكان ي ّ‬ ‫معها خالل شهر رمضان كله‪ ،‬بل وكانت غاية أُمنياته وهو عىل ِفراش‬ ‫املوت‪ ،‬أن تؤم السيدة نفيسة صالة جنازته‪ .‬إال أن صيامها املتواصل‪،‬‬ ‫أخذ منها كل مأخذ وجعل حركتها محدودة‪ .‬وعند وفاة اإلمام الشافعي‪،‬‬ ‫أضْ طُر املش ّيعون ألخذ جثامن اإلمام الشافعي إليها يف منزلها‪ ،‬فأكرثت من‬ ‫ومم يذكر عنها يف هذا السياق‪ ،‬أنها قالت‪" :‬الل ُه ّم‬ ‫الصالة والتسبيح عليه‪ّ .‬‬ ‫أرحم الشافعي‪ ،‬فقد كان يؤدى فرائض الوضوء والصالة بورع وروحانية"‪.‬‬

‫ولعل من أشهر ِ‬ ‫السري التي تناولها الكتاب هي سرية "رابعة العدوية"‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ِصيّة"‪ .‬حيث يعرِض الكتاب ما ذكر ُه "فريد‬ ‫ب‬ ‫ال‬ ‫ابعة‬ ‫ر‬ ‫"‬ ‫بـ‬ ‫ا‬ ‫أيض‬ ‫واملعروفة‬ ‫ْ ِ‬ ‫الدين العطّار"‪ ،‬القُطب والشاعر الصويف املعروف‪ ،‬من سرية رابعة‪ .‬يقول‬ ‫دي رابعة‬ ‫العطّار‪" :‬ولدت رابعة العدوية يف العام ‪ 707‬ميالدية وكان والِ ّ‬ ‫ُم ْعدمني متاما‪ ،‬لدرجة أنه مل يكن لديهم الزيت إليقاد فتيلة املصباح‪ ،‬أو‬ ‫حتى قطعة قامش للف جسد الطفلة يف ليلة والدتها‪ .‬وعندما طلبت‬ ‫والدتها من زوجها أن يستعري قليالً من الزيت من الجريان‪ ،‬رفض األخري‪،‬‬ ‫ُم ّربرا ً ذلك بالعهد الذي قطعه عىل نفسه‪ ،‬وهو أالّ يطلب شيئاً من أحد‬ ‫بخالف الله"‪.‬‬

‫ويف استعراضها لسرية املرأة املتصوفة يف أفريقيا‪ ،‬سلّطت املؤلفة الضوء‬ ‫عىل حقيقة أ ّن التصوف يف أفريقيا كان قد نشأ مبعزل عن اإلسالم يف‬ ‫الرشق األوسط‪ ،‬أو يف البلدان العربية‪ .‬وت ُرجع ذلك إىل تعاظُم نفوذ‬ ‫ُعلامء الصوفية ومشايخها املحليني‪ .‬ويتناول الكتاب الحضور ال َف ّعال‬ ‫الصوفيّة املختلفة‪ ،‬واألدوار التي كانت ت ُؤدّيها‪.‬‬ ‫لِلمرأة األفريقية يف الطُرق ُ‬ ‫ِ‬ ‫املتعاظم للمرأة يف اإلسالم الصويف‪،‬‬ ‫كذلك يُزيح الكتاب النقاب عن النفوذ‬ ‫وذلك قبل مأسسة الدين بواسطة الق ّوى االستعامرية‪.‬‬

‫ومن خالل رحلتها املستمرة يف جميع بالد العامل‪ ،‬تقوم املؤلّفة‬ ‫بالتعريف باملرأة املتص ّوفَة‪ ،‬يف ك ُّل من آسيا وأفريقيا والرشق األوسط‬ ‫وأوروبا وأمريكا‪ ،‬متتبِّع ًة مآثِره ّن يف مجال الفقه اإلسالمي والتدريس‬ ‫والقيادة‪ ،‬كاشف ًة يف ذات الوقت‪ ،‬عن مكا ِمن قُوته ّن وتفانِي َن ُه ّن يف عامل‬ ‫الصوفيّة‪ ،‬هذا باإلضافة إىل‬ ‫الروحانيات‪ ،‬وتأثري نفوذه ّن عىل املدارس ُ‬ ‫تناولها لجانب من حياة وكتابات املتص ّوفة من الرجال‪.‬‬

‫تمثّل "نانا أسماو"‪ ،‬التي عاشت في نيجيريا فى الفترة بين ‪،1864-1793‬‬ ‫ِ‬ ‫المتعاظم داخل الطرق الصوفي ّة في أفريقيا‪.‬‬ ‫نموذجاً ناصعاً لنفوذ المرأة‬ ‫كانت نانا أسماو ُمد ِّرسة‪ ،‬وقائدة ذائعة الصيت وسط مسلمى الهوسا‪.‬‬

‫بعد وفاة والديها‪ ،‬وقعت رابعة العدويّة يف أرس االسرتقاق‪ .‬يف تلك‬ ‫الفرتة أكرثت رابعة من الصوم والصالة‪ ،‬حتى تجابه كُربَتها باإلميان‪ ،‬وملا‬ ‫الح َظ س ّي ُدها كرثة َصالتها وصيامها املستمر وسمت ال َو َرع الذي عرفت‬ ‫وكانت تتمتع مبوهبة أدبية وشعرية وقُدرة عىل الكتابة والقراءة‬ ‫به‪ ،‬انتابه الخوف الشديد منها وقرر إعتاقها‪.‬‬ ‫باللغتني‪ ،‬ال َه ْو َسا والعربيّة‪ ،‬فضال عن شخصيّتها املتواضعة والتقوى التي‬ ‫كانت ت َتمتّع بها‪ ،‬كل هذه الصفات ساعدت يف إذاعة شُ هرتها يف اآلفاق‬ ‫ومن أكرث املواقف إثارة لالهتامم يف سرية رابعة العدويّة‪ ،‬استامتتها السيّام أوساط املسلمني يف أفريقيا جنوب الصحراء‪.‬‬ ‫من أجل أداء شعرية الحج‪ .‬وعىل ال ُرغم من أنّها مل تذهب إىل مكة قط‪،‬‬ ‫وهكذا يفصح الكتاب عن عدد من النساء من أمثال نانا أسامو‪ ،‬ممن‬ ‫إالّ أنّه ومن شدة استامتها يف الذهاب إىل الحج‪ ،‬يُقال‪ :‬إ ّن الكعبة اتت‬ ‫الصو ِف ّية‪ُ ،‬منذ صدر اإلسالم‪ .‬وال‬ ‫إليها يف مكانها‪.‬‬ ‫كان لَ ُه َّن نفوذ ُمتعاظم يف اإلسالم ويف ُ‬ ‫يكتفي الكتاب بفتح الباب عىل مرصاعيه أمامنا للتأمل يف حضور املرأة‬ ‫وفي موقف رابعة ترميز عميق لمغزى آية الحج "من الكثيف واملسكوت عنه يف عامل الصوفية فحسب‪ ،‬ولكنه أيضاً يدعونا‬ ‫للتأمل يف ثراء وتن ّوع وتسامح عامل الصوفية وآفاقها الرحبة‪ ،‬ودورها يف‬ ‫استطاع إليه سبيال ً"‪ ،‬ألنه ببساطة يتجاوز الجوانب‬ ‫نرش وتطوير اإلسالم‪.‬‬ ‫الطقوسية والمادي ّة التي هيمنت على فريضة الحج‬ ‫في عالم اليوم‪.‬‬

‫فقيمة التَن ّوع التي كان التص ّوف يَتمتّع بها ونهجه الرامي إىل ِسلْ ِميّة‬ ‫وتعكس أشعار رابعة العدوية‪ ،‬مدى قُ ّوتها الروح ّية وثقتها ال َعال ّية الدعوة والتسامح الذي يقوم عليه التفاعل اإلنساين‪ ،‬شكّلت يف مجملها‬ ‫عوامل أسهمت عىل مدى التاريخ‪ ،‬يف توفري املناخ املالئم للحضور الفاعل‬ ‫وتفانيها الروحي‪.‬‬ ‫للمرأة يف رحاب الصوفية‪ ،‬مام أسهم بالتايل يف تبوئها خالل الحقب‬ ‫التاريخية املختلفة‪ ،‬مراتب قيادية ُمتَنفّذة يف الطرق الصوفية‪ .‬ولكن مع‬ ‫الباب‬ ‫أجدىن مؤهل ٌة ألن أُصبِح حارسة ْ‬ ‫األسف‪ ،‬أُسدل بعد ذلك ستار كثيف عىل حضور وإسهام النساء يف الصوفية‬ ‫فال أسمح للذي داخيل بالخروج‬ ‫بواسطة قوى األبوية‪ ،‬املتمثلة يف سيادة مناهج اإلسالم السلفي والسيايس‪.‬‬ ‫وال أسمح للخارج بالولوج‬ ‫فالذي يدخل رسعان ما يخرج‪،‬‬ ‫ألنه ال يوجد بيني وبينه شيئاً‪،‬‬ ‫الكاتبة‪ :‬هالة الكارب‬ ‫صمء من خزف‬ ‫فأنا حارسة باب القلب ولست ُمج ّرد كُتلة ّ‬

‫‪72‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫وجهات نظر‬

‫جويرية نامويومبا‬

‫شابة مسلمة من يوغندا وحديث حول تناقضات الواقع المعاش‬

‫قبل ُصعود اإلسالم املتشدد‪ ،‬مل يكن أمرا ً ذا بال ‪ ،‬أو يشكّل قضية‪،‬‬ ‫ظل اإلسالم جزءا ً من الثقافة‬ ‫أن تكون‪/‬ى مسلامً‪/‬ة ىف يوغندا‪ .‬فقد ّ‬ ‫اليوغندية‪ ،‬منذ القرن ( الـ‪ ،) 19‬عندما ت ّم التبشري به من ِقبل التجار‬ ‫العرب واملهاجريني من نواحي السودان والساحل االفريقي املتاخم‬ ‫لجزيرة العرب‪ .‬ووفقاً للتعداد الوطنى للسكان واملساكن‪ ،‬لسنة ‪،2002‬‬ ‫ميثل السكان املسلمني ثالث أكرب املجموعات الدينية‪ ،‬بعد الكاثوليك‬ ‫واإلنجيليكان يف يوغندا ‪ .‬وعىل الرغم من املاىض املضطرب‪ ،‬وسنوات‬ ‫الرصاع األهيل‪ ،‬يف الثامنينات ‪ ،‬فإ ّن يوغندا ُعرفت منذ زمن طويل‪ ،‬كمكان‬ ‫للتسامح والتنوع والحرية‪ .‬إال أنه خالل ( الـ‪ ) 20‬سنة املاضية‪ ،‬والتي‬ ‫شهدت صعود اإلسالم املتطرف‪ .‬وهو اتجاه أبرزته عوامل ( جيوسياسية)‬ ‫‪ ،‬مبا ىف ذلك‪ ،‬الدور الريادى املفرتض ليوغندا ىف بعثة حفظ السالم يف‬ ‫الصومال‪ .‬أدى الن تصبح البالد هدفاً للجامعة اإلسالمية املتطرفة مبا‬ ‫يف ذلك حركة الشباب الصومايل‪ ،‬الذين أدّى هجومهم عىل اثنني من‬ ‫أماكن الرتفيه يف كمباال إىل مقتل أكرث من ‪ 70‬شخصاً اثنا مشاهدتهم‬ ‫ملباريات كرة القدم يف التلفزيون‪ .‬ومنذ ذلك التاريخ‪ ،‬أثارت التدابري‬ ‫املستمرة ملكافحة اإلرهاب‪ ،‬التوترات الدينية ىف البالد ‪ ،‬وم ّزقت النسيج‬ ‫اإلجتامعى‪ ،‬ملجتمعات كانت تعيش ىف تسامح وتعايش شامل‪.‬‬ ‫جويرية نامويومبا‪ ،‬شابة يوغندية من مواليد العام ‪ 1996‬تدرس ادارة‬ ‫االعامل يف جامعة ماكرري يف كمباال ‪ُ ،‬ولدت يف منطقة ( كوميبى‬ ‫)‪ ،‬واحدة من التقسيامت اإلدارية الخمس‪ ،‬ىف مدينة كمباال‪ ،‬وهي‬ ‫منطقة مكتظة بالسكان‪ ،‬غالبية سكانها من املسلمني‪ .‬يقف مركز‬ ‫تنمية املجتمع الذى ت ُعترب جويرية واحدة من ناشطاته يف منتصف‬ ‫منطقة كومبي‪ .‬وهو مركز يعمل عيل دعم االندماج املجتمعي للشباب‬ ‫املسلم وبناء مهارات العمل لديهم‪ .‬التقت مجلة (( املرأة يف اإلسالم‬ ‫)) مع جويرية‪ ،‬يف نهايات العام ‪ ،2016‬يف مركز تنمية املجتمع حيث‬ ‫كانت مشاركة يف منرب مناقشات حول ( اإلسالم وحقوق اإلنسان)‪،‬‬ ‫بني الشباب اليوغندي املحىل‪ ،‬بالتعاون مع املبادرة االسرتاتيجية لنساء‬ ‫القرن األفريقى ( صيحة ) و الجامعة اإلسالمية يف يوغندا‪ .‬يف هذا الحوار‬ ‫تط ّوعت جويرية لإلدالء باراها حول ماذا يعنى أن تكون امرأة‪ ,‬شابة‪ ,‬و‬ ‫مسلمة يف يوغندا ما بني التصورات السائدة حول االسالم والواقع املعاش‬ ‫يف مجتمعها‪ .‬لفتت جورية انتباهي بتساؤالتها املتصلة والذكية وتعبريها‬ ‫الرصيح عن قلقها حول اوضاع املسلمني والنساء يف يوغندا‪.‬‬

‫شقيقتي مع جديت ألىب‪ .‬حينام كربت أدركت مدى تنوع‬ ‫عائلتي إذ أننا مل نكن جميعنا مسلمني‪ .‬وكمثال‬ ‫لذلك‪ ،‬فبينام كانت عمتي مسلمة فأن زوجها كان‬ ‫مسيحيا‪.‬‬ ‫بعد أن أكملت مرحلة األساس‪ُ ،‬عدت إىل (‬ ‫كوميبى)‪ ،‬ألدرس املرحلة الثانوية‪ ،‬وأقمت مع جديت‬ ‫املسلمة املتشددة‪ .‬مل أكن أرتدى الوشاح " الطرحة "‪،‬‬ ‫عندما كنت أعيش مع ع ّمتى‪ ،‬ولكن‪ ،‬عندما انتقلت إىل‬ ‫( كوميبى )‪ ،‬قالت ىل ج ّدىت ‪ " :‬لطاما أنا ىف منزلها يتوجب‬ ‫ىل أن أغطى شعرى متاماً مثل أخواىت"‪ .‬جدىت‪ ،‬نشأت‬ ‫ع ّ‬ ‫وعاشت عمرها يف عائلة متدينة و محافظة‪،‬‬ ‫ولذلك‪ ،‬كانت صارمة ج ّدا ً معنا‪ .‬ىف بداية‬ ‫انتقايل‪ ،‬كانت شقيقتاي‪ ،‬تسخران منى‬ ‫و مل يك ّن يستمعن إ ّىل‪ ،‬باعتبار أىن ال‬ ‫أعرف أي يش عن اإلسالم ولكن مبرور‬ ‫الزمن توطّدت عالقتي مع أخوايت ورصنا‬ ‫نناقش كافة املواضيع ‪.‬‬ ‫ىف ( كوميبى) التحقت مبدرسة‬ ‫اسالمية‪ ،‬حيث كان لزاماً عيل تغطية‬ ‫رايس من الصباح وحتّى املساء‪ .‬و‬ ‫كنت يف طريق عودىت إىل املنزل‪،‬‬ ‫أخلع وشاحي يف الطريق املؤدى إيل بيت جديت ‪ ،‬ث ُ ّم أضعه عىل رأىس م ّرة‬ ‫ثانية ‪ ،‬عندما اقرتب من املنزل‪ .‬ويف ذات م ّرة رأتني جديت‪ " ،‬غري محجبة "‬ ‫ىف املواصالت العامة " املتاتو" ‪ ،‬وعندما ُعدت للبيت‪ ،‬كان حجايب عىل رأيس‪،‬‬ ‫ربا ش ّبهتنى‪،‬‬ ‫فواجهتنى‪ ،‬مبا رأت‪ ،‬بأُم عينها‪ ،‬ولك ّننى أنكرت متاماً‪ -‬وقلت لها ّ‬ ‫عن طريق الخطأ‪ ،‬بفتا ًة أُخرى ‪ .‬وعندما ه ّددتنى‪ ،‬بأنها ستخرب والدى بتلك‬ ‫أتخل عن وشاحي‬ ‫الواقعة‪ ،‬رجوتها أن ال ت ُقدم عىل ذلك ووعدتها بأن ال ّ‬ ‫م ّرة أُخرى ىف األماكن العامة‪.‬‬

‫رغم كل ذلك اعتقد انني كنت محظوظة ال نني ذهبت للمدرسة‬ ‫وواصلت تعليمي‪ .‬ىف البداية مل يرغب أعاممي أن أواصل تعليمى‪ .‬وقالوا يل ‪،‬‬ ‫يكفي ما تعليمتيه‪ ،‬لقد أكملت املرحلة املتوسطة‪ ،‬ولكنني ثابرت ونجحت‬ ‫ىف اقناع والدى‪ ،‬الذى يحبني كثريا ً‪ ،‬فوافق أخريا ً عىل دعم تعليمي الجامعي‬ ‫نشأت ىف أرسة مسلمة "‬ ‫ُ‬ ‫"‬ ‫إن كانت تلك رغبتي‪ .‬مع االسف شقيقايت‪ ،‬مل يجدن هذه الفرصة ومل يذهنب‬ ‫ُولدت ىف العام ‪ ،1996‬يف أُرسة مسلمة‪ ،‬وترعرعت مبنطقة " إيقانقا للجامعة مثيل‪.‬‬ ‫" يف رشق يوغندا‪ ،‬حيث كنت أعيش مع ع ّمتى ( شقيقة أىب )‪ ،‬بعد‬ ‫"يف فرت ٍة ما من حيايت ‪ ،‬اعتقدت أنّ ما يفعله بوكو حرام و حركة الشباب‪،‬‬ ‫لدى شقيقتني أخريات‪،‬‬ ‫أن توفيت والدىت‪ ،‬وتركتنى إبنة سنتني فقط‪ّ .‬‬ ‫التحقت بعائلتها‪ ،‬فيام بقيت هو الصواب بعينه "‬ ‫اكرب مني ‪ .‬كان لعمتي ست أطفال حينام‬ ‫ُ‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪73‬‬


‫لقد ظللت دوماً فخور ًة بديني‪ .‬يف بعض األوقات كان بعض الرجال‬ ‫" املعمعني"‪ ،‬يحرضون إىل منطقتنا و كنت أسمع شقيقايت‪ ،‬يقلن إ ّن‬ ‫االنضامم وااللتحاق مبثل هؤالء الناس‪ ،‬سيضمن للمرء مرضاة الله‪ .‬ىف‬ ‫تلك الفرتة من حيايت اعتقدت أنني أضعت العديد من الفرص‪ ،‬بعدم‬ ‫االلتحاق بتلك املجموعات‪ .‬شقيقايت‪ ،‬قلن يل ان هؤوال الرجال سيذهبون‬ ‫أى ىشء‪.‬‬ ‫للجنة مبارشة مبجرد مامتهم‪ .‬يف ذلك الوقت ما كنت أعرف ّ‬ ‫لقد نشأت معجب ًة بهؤالء الرجال ومعتقدة بأنّهم طيبون‪ ،‬وأ ّن أفعالهم‬ ‫تتم بتكليف من القرآن الكريم‪.‬‬ ‫مازلت أذكر يوم مباريات كاس العالم ‪ ،2010‬حينما قتل‬ ‫متطرفوا حركة الشباب العشرات من الناس في‬ ‫كمباال‪ ،‬في البداية شعرت بالحزن على مقتل هؤالء‬ ‫الناس‪ ،‬ولكنّنى‪ ،‬اعتقدت أن المتطرفين‪ ،‬ربما كانوا‬ ‫على حق‪ ،‬طالما أ ّ‬ ‫ن المقتولين‪ ،‬كانوا يضيعون وقتهم‬ ‫فى مشاهدة مباريات كرة القدم‪،‬‬

‫بدالً عن مامرسة العبادة‪ .‬لقد اعتقدت أ ّن إضاعة الوقت‪ ،‬ىف مشاهدة‬ ‫كرة القدم‪ ،‬إثم ‪ .‬كنت أعتقد أ ّن الناس من حوىل يقرتفون الذنوب‪،‬‬ ‫النّهم يخرجون للمتعة‪ ،‬ويأكلون ىف الخارج‪ ،‬وأحياناً‪ ،‬يقعون يف الذنوب‬ ‫و اآلثام‪ .‬كذلك‪ ،‬الحال حينام اختطف متطرفو حركة بوكو حرام ( ‪) 200‬‬ ‫بنت نيجريية‪ ،‬اعتقدت أنّها أخبار جيدة مبا أ ّن الفتيات املخُتطفات لسن‬ ‫مسلامت وس ُيجربن عىل اعتناق اإلسالم‪.‬‬ ‫" لقد تعلمت عن اإلسالم بطريقة ُمغايرة "‬

‫قبل اكتساب تلكم املعارف الجديدة‪ ،‬كان ممكناً أن أنضم لجامعات‬ ‫املتش ّددين دينياً‪ ،‬باعتبار أ ّن ذلك هو االمر الصحيح‪ ،‬وهو الواجب‬ ‫فعله‪ .‬ولكن اآلن ال أود االقرتاب منهم‪ .‬كنت أظن أ ّن العيش املشرتك‬ ‫مع غري املسلمني فيه إثم وأ ّن االحتفال مثالً بعيد الفصح وعيد امليالد‬ ‫" الكريسامس" خطيئة‪.‬اآلن‪ ،‬أدركت أن األمر ليس كذلك‪ ،‬لقد أصبحت‬ ‫استمتع بقضاء لحظات سعيدة مع أصدقاء وصديقات‪ ،‬وأقارب من غري‬ ‫املسلمني‪ .‬ليس ذلك‪ ،‬فحسب‪ ،‬بل أصبحت أحب االستامع إىل موسيقى‬ ‫جاسنت بيبري** ورصت ال اخجل من الرقص يف الحفالت العامة‪.‬‬ ‫ىل أن أمارس التمييز ضد اآلخرين؟"‬ ‫"ملاذا يتو ّجب ع ّ‬ ‫لدى أصدقاء وصديقات من غير المسلمين‪ .‬واحدة من صديقاتي‪ ،‬قالت‬ ‫لي ذات مرة ‪ " :‬لن أصبح مسلمة‪ ،‬يا جويرية"‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬مازلت أحبها ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ولكنّنى‪ ،‬ال أريد الحديث معهن فى الدين‪ ،‬ألنني أعرف أنّه إذا مضينا فى‬ ‫مثل هذا النوع من الحديث حول معتقداتنا الدنية سنتشاجر‪.‬‬

‫ىل أن ألوذ بالصمت بدالً عن الخوض ىف مثل هذه األحاديث‪.‬‬ ‫ولذلك‪ ،‬ع ّ‬ ‫وأنا أيضاً قريبة من أبناء وبنات عمومتي وهم غري املسلمني ألين‬ ‫نشأت وتربيت معهم‪/‬ن وأحبهم كثريا ً‪ .‬وانا ال أريد أن أؤذى اآلخرين‬ ‫واألخريات‪ ،‬كام يفعل املتطرفون‪ .‬أود أن أدعم مجتمعى‪ ،‬وبصورة خاصة‬ ‫النساء املسلامت اللوايت بعانني من العزلة‪ ،‬ويُعاملن كام لو كُ ّن ملكاً‬ ‫للرجال‪.‬‬ ‫يجب أن نبحث عن املزيد من املساواة‪ ،‬أل ّن النساء يستطعن أن‬ ‫يفعلن‪ ،‬ما يفعله الرجال والناس بحاجة إىل ذلك الجهد‪ .‬كثريون من‬ ‫زمالء دراستي‪ ،‬ال يريدون اإلعرتاف‪ ،‬بالحقوق املتساوية للنساء‪ .‬وكمثال‬ ‫عىل ذلك‪ ،‬عندما يتعلق األمر بإنتخاب ممثل إلتحاد الطالب‪ ،‬يرتدّد‬ ‫الرجال ىف اختيار إمرأة للقيادة‪ ،‬إذ ال يودون أن يكونوا تحت إمرة إمرأة‪،‬‬ ‫رغم أن عددا من النساء‪ ،‬نافسن عىل هذا املنصب و املنافسة يف حد‬ ‫ذاتها تكسب الشجاعة حتى ولو مل نحظ بالفوز‪ .‬عند تخرجي أود أن‬ ‫اعمل ألكون نائبة يف الربملان‪ .‬هذه هي أمنيتي ‪ ,‬فأنا ارغب بشدة يف ان‬ ‫أن أخدم مجتمعي‪ ،‬وأن أدعم تقدمه‪.‬‬

‫التدريب والنقاشات التي خضتها عن اإلسالم وحقوق اإلنسان ‪،‬‬ ‫مبركز شباب كوميبى‪ ،‬ه ّز ت قناعايت كثريا ‪ ،‬واكسبتني معارف جديدة‪،‬‬ ‫لقد أدركت أ ّن ما تفعله حركة الشباب الصومالية هو أمر ال يسمح‬ ‫به اإلسالم وال يُق ّره‪ .‬عدت للمنزل‪ ،‬وحكيت لشقيقايت‪ ،‬ما تعلمته‪ ،‬عرب‬ ‫النقاشات عن اإلسالم وحقوق اإلنسان‪ ،‬ولكنهن مل يستمعن إىل قويل‪،‬‬ ‫ىل أن أمنحهن بعض الوقت‪ .‬وىف‬ ‫وسخرن مني كاملعتاد‪ .‬وقلت‪ ،‬حسناً‪ ،‬ع ّ‬ ‫يومٍ ما‪ ،‬سألتهن ‪ :‬كيف سيكون شعورهن إن كان أحد األقارب ابن خال‪،‬‬ ‫أم‪ ،‬أب‪ ،‬أو نسيب‪ ،‬كان هناك ىف " لوقوقو " ( املكان الذى حدث فيه‬ ‫أنا أعرف الكثري من الشباب‪ ،‬الذين ليس لديهم عمل‪ ،‬ويبقون ىف بند‬ ‫هجوم حركة الشباب ) حينام انفجرت القنبلة ىف عام ‪2010‬؟ صمنت‬ ‫جميعهن وكأنّ ا لو كان احد الذين قتلوا بال سبب ذي صلة دم او العطالة‪ .‬من السهل عىل هؤالء السري يف الطريق الخطأ‪ .‬طريق أولئك‬ ‫الذين يؤث ِّرون عليهم‪ ،‬ومينحونهم املال‪ ،‬أو يعدونهم باملكافأة األبدية‬ ‫ورحم بنا‪.‬‬ ‫امل ُنتظرة من السامء‪.‬‬ ‫ما تعلمته وخرجت به بعد العديد من النقاشات ‪ ،‬أ ّ‬ ‫ن‬ ‫اإلسالم ي ُحر ّم قتل األبرياء‪ .‬لقد تعلمت أ ّ‬ ‫ن الرجم‬ ‫ليس له أساس فى اإلسالم‪ ،‬وينبغى‪ ،‬أن ال ي ُقتل أحد‬ ‫بتهمة الزنا‪ .‬وقد فهمت معني االجتهاد والتفاسير‪.‬‬

‫يف النهاية‪ ،‬أقول للشباب املسلم‪ ،‬عليهم أن يواصلوا يف طرح األسئلة‬ ‫دون خوف‪ .‬كام ينبغي عليهم ن أن ال يخجلوا أو يخافوا إذا راودتهم‬ ‫الشكوك‪ ،‬وأن ال يركنوا للمسلّامت‪ ،‬بل عليهم التفكري‪ ،‬وطلب املساعدة‪.‬‬ ‫إذا مل نسعى يف طلب املعرفة ومل نسأل‪ ،‬فلن تجد اإلجابات وسنظل‬ ‫وقد تعلّمت عن الجهاد [ أى الكفاح والسعى* ] من منظور دينى‪ ،‬تائهني ومرتبكني ونصري ضحايا ألفكار مضللة‪.‬‬ ‫وهو يشري إىل الجهود املبذولة للميض قدماً يف اإلميان من خالل الوسائل‬ ‫رصفوا وفق الظروف‬ ‫السلمية وفهمت مواقف أولئك الفقهاء الذين ت ّ‬ ‫واألوقات التي عاشوا فيها‪.‬‬ ‫حاورتها لمجلة ( المرأة في اإلسالم) هالة الكارب‬ ‫من االنجليزية‪ :‬فيصل الباقر‬

‫‪74‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫* ت ّم مؤخرا ً تشويه مفهوم‬ ‫[الجهاد ] واستغالله من‬ ‫ِقبل املتشددين اإلسالميني‪،‬‬ ‫للحصول عىل وصاية ولتوسيع‬ ‫سيطرتهم عىل السكان‬ ‫واألراىض‪.‬‬ ‫** املغنى وكاتب األغاىن‬ ‫الكندى‬


‫وجهات نظر‬

‫الصورة من تصميم‪ :‬ارنولد برونغي ‪ -‬يوغندا‬

‫إشكالية الفتاوى‬ ‫فيام تنترش تقارير إعالن ”الجهاد الجنيس ”يف سوريا بواسطة كتبة من املمكن لـ(آيات الله) أن يصدر فتوى‪ ،‬تبيح قتل كاتب وروايئ مثل‬ ‫الترصيحات الدينية الغريبة‪ ،‬والتي كل ما تفعله هو أن تشوه سمعة سلامن رشدي وتحظى تلك الفتوى بدعم وتأييد من املسلمني يصبح‬ ‫اإلسالم وتشوش تصورات غري املسلمني للعقيدة اإلسالمية ‪ ،‬تدعو ليس بالعسري أو الكثري‪ ،‬تصديق أنّه من املمكن لرجل دين آخر‪ ،‬أن يصدر‬ ‫فتوى‪ ،‬تدعو ألي يشء يأرس خيال املسلمني‪.‬‬ ‫ريازات بات يف هذا املقال لبعض التعقّل‪.‬‬ ‫يرفض العديد من الناشطني السوريني التقارير التي تردد أ ّن ”الجهاد‬ ‫الجنيس“ قد وجد له مكاناً يف سوريا‪ ،‬وانه يحدث داخل حدودها‪ ،‬وذلك‬ ‫بعد أن رصح مسئول تونيس‪ ،‬أ ّن فتيات تونسيات انضممن مليلشيات‬ ‫تنظيم الدولة اإلسالمية ُعدن إىل بلدهن‪ ،‬من سوريا و ُه ّن يف حالة‬ ‫حمل‪ .‬هذا الطعن‪ ،‬يتبع قوالً سابقاً‪ ،‬صدر من رجل الدين السعودي‪،‬‬ ‫الدكتور "محمد العريفي"‪ ،‬الذي تراجع وأنكر قوله‪ ،‬أنّه "يحق للمقاتلني‬ ‫السوريني وينبغي لهم مامرسة الجنس‪ ،‬للحفاظ عىل معنوياتهم عالية"‪.‬‬ ‫تلك الفتوى العبثية وغري األخالقية ‪ ،‬اكتسبت الكثري من الجاذبية‪.‬‬ ‫حيث مل تقترص عىل الرواج يف اإلعالم ومواقع التواصل االجتامعي‬ ‫فحسب‪ ،‬بل أنها صارت محور نقاش بني وىف العديد من مجتمعات‬ ‫املسلمني لدرجة إن البعض قد اعتقد يف صحتها‪ ،‬وبالطبع يرجع هذا وايل‬ ‫حد كبري‪ ،‬إىل السلطة غري املوضوعية املخولة " لرجل الدين”‪ ،‬فإذا كان‬

‫بالنسبة للعديد من المسلمين‪ ،‬الفتوى‪ ،‬هي رأى يستند على نص‬ ‫إسالمي‪ ،‬وتصبح سابقة‪ ،‬مع استخدام الناس لها‪،‬‬

‫كدليل إرشادي‪ ،‬للقضايا الزمنية ويطلقها شخوص من املفرتض أن‬ ‫ميتلكوا أرضية معرفية تخول لهم إطالق الفتوى املحددة‪ .‬فالفتاوى‪،‬‬ ‫ليست ُملزمة‪ ،‬وال هي عاملية‪ .‬لذلك‪ ،‬فان فتوى رجل واحد يف مكان‬ ‫ما‪ ،‬قد تكون مسألة عبثية يف مكان آخر‪ .‬إال أن األحكام ”املزعومة‬ ‫واملنافية للعقل واملنطق والتي صارت سائدة “ مثل أنواع من األطعمة‬ ‫غري مقبولة ألنها تذكر بالعضو الذكرى‪ ،‬أو فتوى استخدام منع النساء‬ ‫لجهاز تكييف الهواء‪ ،‬أو مجامعة امليت‪ ،‬أو تحريم إرسال التمن ّيات‬ ‫للناس بعيد (كريسامس سعيد)‪ .‬كل تلك املقوالت تعرب إىل حد كبري عن‬ ‫قدر من عدم االحرتام للعقيدة والعقل‪.‬‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪75‬‬


‫وجهات نظر‬

‫ريازات بُات ‪ ،‬صحفية‬ ‫وسائط متعددة‪،‬‬ ‫حائزة عىل جوائز‬ ‫عاملية‪ .‬عملت يف‬ ‫مؤسسات صحفية‬ ‫معروفة عاملياً‪ ،‬مبا يف‬ ‫ذلك هيئة اإلذاعة‬ ‫الربيطانية‪ ،‬صحيفة‬ ‫القارديان‪ ،‬الديىل‬ ‫تلغراف‪ ،‬وقناة‬ ‫الجزيرة اإلنجليزية‪.‬‬ ‫وهى خريجة جامعة‬ ‫أكسفورد‪ ،‬وحاصلة‬ ‫عىل ماجستري من‬ ‫قسم دراسات الحرب‪،‬‬ ‫بالكلية امللكية يف‬ ‫لندن‪.‬‬

‫والشاهد في األمر إن الفتاوى‪ ،‬سواء كانت وهمية‬ ‫أم ال فقد أصبحت محور تركيز وسخرية العالم‪.‬‬

‫وصارت تتصدر قامئة العرشة األوائل ألسوء األحكام يف العامل والتي‬ ‫تصدر بنهاية كل عام‪ .‬وقد منا إىل علمي أن هناك موقع لخدمات‬ ‫الفتاوى أو "عرض الفتاوى “ يوفر املراجع واملصادر‪ ،‬من أجل تيسري‬ ‫أعامل مصدري الفتاوى‪ ،‬وهو أمر مربك‪ ،‬ويحتاج إىل التحري والدحض‬ ‫واملواجهة‪.‬‬ ‫يف عام ‪ ،2007‬دشّ نت صحيفة (القارديان) الربيطانية‪ ،‬رسائل صوتية‬ ‫أسبوعية‪ ،‬تحت عنوان (إسالموفونيك” أو اإلسالم الصويت”)‪ ،‬و تهدف‬ ‫هذه الرسائل إىل تسليط الضوء عىل املخاطر التي أطلقت عليها الحقاً‪،‬‬ ‫الكاتبة الصحفية األمريكية املسلمة أرساء نعامين* وآخرين مسمى”‬ ‫تس ّوق الفتوى‪ ,‬مبعنى السعي لـ(الحصول عىل فتوى) لتناسب احتياجات‬ ‫الفرد املعني يف لحظة محددة فيقوم بإطالق ما يدعي بأنه فتوى‪.‬‬ ‫كانت ردود فعل العديد من غير المسلمين انه‬ ‫من الصعب التصديق أن المسلمين والنساء‬ ‫المسلمات في حاجة إلى رجال دين‪ ,‬يفتون لهم في‬ ‫مسائل انصرا فيه‪،‬‬

‫إال أن األخطر واملثري للدهشة هم "جمهور الفتاوى"‪ ،‬الذي يقتات عيل‬ ‫أقاويل تفتقر إىل ابسط قواعد العقل واملنطق‪ ،‬مام يعرب عن أزمة عميقة‬ ‫يف معارف املسلمني وعالقتهم بدينهم‪.‬‬ ‫ويف حني أ ّن مثل هذا النوع من الفتاوى قد يثري الضحك واالستهزاء‪،‬‬ ‫إال أن األمر الخطري الذي تفعله تلك الفتاوى هو تشويه الدين اإلسالمي‬ ‫والتقليل من قدره‪ .‬كام أنّها تعزز لفكرة الكثريين يف الغرب حول أن‬ ‫الدين اإلسالمي هو دين ذكوري محض ‪ ،‬ال وجود للنساء فيه أال لغرض‬ ‫املتعة الجنسية واإلنجاب‪, .‬كام إن مثل هذه الفتاوى ترسخ التصورات‬ ‫حول إن املسلمني ال ميتلكون القدرة يف أن يفكّروا ألنفسهم‪ ،‬فهم دوما‬ ‫يف حاجة إىل رجال دين ليفتوهم وبخاصة عندما يتعلق األمر بالعالقات‬ ‫بني الجنسني‪ .‬وبالفعل‪ ،‬فان الشاهد يف األمر أن معظم تلك الفتاوى‬ ‫هي فتاوى متعلقة بالنساء‪ ،‬ليست لها عالقة ال من قريب وال من بعيد‬ ‫باإلسالم‪ ،‬وإمنا هي مبنية عىل أرث مجتمعات بطريركية ذات تقاليد‬ ‫متعصبة وبالية‪ .‬و القصد من إصدار تلك الفتاوى‪ ،‬هو السيطرة عىل‬ ‫التفكري الحر وبالتايل كبح السعي نحو العدالة واملساواة‪.‬‬ ‫ويبقى السؤال لماذا ال يلعب علماء الدين دور‬ ‫ايجابيا وموضوعيا وذو صلة بتعقيدات حياة‬ ‫المجتمعات المسلمة‪.‬‬

‫وملاذا ال يفتوا يف مسائل هامة مثل‪ :‬أهمية استشارة الطبيب والعالج‬ ‫ويحدثونهم عن قبول أمور ال ترقي إىل دائرة االهتامم مثل تسوية‬ ‫الحواجب مثال‪ .‬ولكن‪ ،‬العديد منا يعرف متاما انه ‪ ،‬ميكن ألي شخص أن النفيس‪ ،‬وخطورة زواج القارصات‪ ،‬وأهمية انخراط الشباب يف العمل‪،‬‬ ‫يذهب لإلنرتنيت‪ ،‬ليُنشئ فيه لنفسه موقعاً ‪ ،‬ث ّم يبدأ يف بث الفتاوى‪ ،‬وتعليم الفتيات‪ ،‬ومكافحة املخدرات‪ ،‬وغريها من القضايا الحيوية التي‬ ‫تجعل من علامء الدين أكرث احرتاما ذو صلة بواقع الحياة‪ ،‬أو أن يرفضوا‬ ‫وسيجد له جمهورا ً يستمع إليه وينجذب إىل فتاواه‪.‬‬ ‫االنخراط يف موضوع الفتاوى متاماً‪.‬‬ ‫عىل كل حال فإ ّن هذا الجانب يف أعامل (صناعة الفتوى)‪ ،‬ميثل جزءا ً‬ ‫لكن مع األسف تسود الفوىض واقع املسلمني وينعكس ذلك عىل‬ ‫وجانباً من املشكلة‪ ،‬إال أن الخطورة تكمن يف إن (الفتوى) أصبحت‪،‬‬ ‫مغنطيسا جاذبا لكل مصطلح و لكل موقف متطرف غري عقالين‪ .‬وهذه معارفهم وبنائهم العقيل واملعريف‪ .‬وحتى يأيت الوقت الذي ينتبه فيه‬ ‫الفتاوى الغريبة‪ُ ،‬جل ما تفعله هو أن تشوه صورة اإلسالم واملسلمني الناس إىل خطورة هذه الفتاوى‪ ،‬نستمر نسمع بحزن شديد األقاويل‬ ‫وتع ّزز االعتقاد بعدم موضوعية وعقالنية املسلمني رجاال ونساء حيث السخيفة واملهينة يف لباس النساء والعالقات الجنسية معهن وما إىل ذلك‬ ‫انه ال توجد لتلك الفتاوى عالقة بإشكاالت الشعوب املسلمة الحقيقية‪ .‬من أمناط التصورات الالعقالنية‪.‬‬ ‫إذن فأن األمر ال يتطلب قضاء سنوات من الدراسة‪ ،‬لنخلص إىل أنّه‬ ‫من غري املقبول مامرسة الجنس مع "جثة هامدة"‪ ،‬أو أ ّن تكييف الهواء‬ ‫ال عالقة له بعفّة املرأة ‪ ،‬وأنّه من غري املعقول متاماً أن تسافر النساء إىل‬ ‫مناطق الحرب خصيصاً ملامرسة الجنس عرضياً مع رجال غرباء وبدون‬ ‫وقاية‪.‬‬ ‫مثل هذه األقاويل والتصريحات ”الفتاوى” ال عالقة‬ ‫لها بأي من التقاليد اإلسالمية‪ ،‬وابعد من ذلك‪ ،‬فهي‬ ‫مقوالت تفتقر إلى الحس السليم والتفكير العاقل‪.‬‬

‫فمعايري العقل واملنطق مفقودة عند هؤالء الرجال مصدري الفتاوى‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫هذا المقال منشور بإذن من”ذى نيو هيومنيست”‪ ،‬والتي‬

‫ظهر المقال األصلي‪ ،‬على موقعها على اإلنترنيت‪ ،‬بتأريخ ‪26‬‬

‫سبتمبر ‪www.newhumanist.org.uk .2013‬‬

‫بقلم‪ :‬ريازات بات‬

‫من االنجليزية ‪ :‬فيصل الباقر‬


‫ملف العدد‪:‬‬

‫النساء داخل‬ ‫المنظومة السلفية‬

‫حنا باراكزايك‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪77‬‬


‫نساء االِسالم السياسي و‬ ‫مأزق الدفاع عن حقوق المرأة‬ ‫من منظور إسالمي تقليدي‪..‬‬

‫مقاربة نقدية‬

‫الصورة من تصميم‪ :‬ارنولد برونغي ‪ -‬يوغندا‬

‫موقع النسويات االسالمويات (أي املنتميات إىل تنظيامت اإلسالم‬ ‫السيايس) من منظومة الجامعات النسوية املتعددة واملعنية دوما‬ ‫بحقوق املرأة ما زال يثري الكثري من التساؤل‪ .‬فوجود هذه الرشيحة‬ ‫النسوية ضمن تيارات اإلسالم السيايس بذريعة أن اإلسالم هو األقدر‬ ‫عىل حل املشاكل العرصية للمرأة الناتجة عن الحداثة‪ ،‬هو النهج‬

‫‪78‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫السائد‪ .‬ومع أن ُجله ّن حاصالت عىل تعليم وضعي وينتمني إىل الطبقة‬ ‫الوسطى إال أن وجوده ّن يف قلب املرشوع اإلسالمي لجامعات اإلسالم‬ ‫السيايس‪ ،‬ميكن أن يُنظر إليه ك ُجزء من شعار (اإلسالم هو الحل)‪ ،‬والذي‬ ‫ميثل التيمة األيديولوجية لهذه الجامعات مبختلف توجهاتها الفكرية‬ ‫والعقائدية‪ .‬ولكن يبقى السؤال‪ :‬ما هو إسهامهن الحقيقي يف تجسيد‬


‫ملف العدد‪ :‬النساء داخل المنظومة السلفية‬

‫الكاملة للنساء يف الحياة العامة‪ ،‬مع متتعهم بالحامية املعقولة حسبام‬ ‫ما هو منصوص يف الرشيعة‪ .‬أياً كانت احتامالت الرضر الذي قد ينشأ‬ ‫من حرية االختالط بني الجنسني‪ ،‬فيجب أن ال يستخدم كسالح لتجريد‬ ‫املرأة من املشاركة يف الحياة العامة‪ ،‬والتي فوائدها تعلو كثريا عىل مثل‬ ‫هذه األرضار املزعومة‪.‬‬

‫هذا الشعار ( اإلسالم هو الحل)‪ ،‬كواقع موضوعي يعرب عن نفسه يف‬ ‫تنمية الحقوق اإلنسانية للمرأة املسلمة؟ بل و ما هو دوره ّن يف مواجهة‬ ‫تحديات اجتامعية وفقهية حقيقية كانت وما زالت‪ ،‬تقف حجر عرثة يف‬ ‫تحسني واقع املرأة االجتامعي والحقوقي‪ ،‬مثل‪ :‬تعدد الزوجات‪ ،‬زواج‬ ‫القارصات‪ ،‬فرض الحجاب بقوة قانون النظام العام وعقوبة الجلد‪،‬‬ ‫وقانون األحوال الشخصية‪ ،‬وغريها من تداعيات "املرشوع الحضاري"‬ ‫املسلمون اليوم يناقشون مسألة عودة املرأة إىل البيت من منطلق‬ ‫عىل املرأة السودانية يف سياق التطبيق العميل ألول تجربة سنية لإلسالم‬ ‫السيايس يف السودان الحديث؟ بل ميتد التساؤل إىل مدى مساهمة أن واجبها األسايس هو رعاية األطفال واالهتامم ببيتها‪ ،‬ولكن كيف‬ ‫االسالمويات فكريا يف املرشوع اإلسالمي للتنظيامت التي ارتضني أن ي ُك ّن إلنسان معزول بالكامل عن الحياة أن يطلب منه أن ينشئ طفالً ويهيئه‬ ‫للحياة؟ فتحرير املرأة ال شك قادم‪ .‬فالضغوط يف مناطق الحرض‪ ،‬أملت‬ ‫جزءا ً منها ويدافعن عن أيديولوجياتها؟‬ ‫ُ‬ ‫عىل الكثري من األرس أن تتجاوز محظورات العرف فيام يتعلق بتعليم‬ ‫وتوظيف النساء‪ ،‬وهذا قاد يف بعض املواقف إىل التحول من النظام‬ ‫البناء النظري لحقوق املرأة من منظور إسالمي‪:‬‬ ‫التقليدي غري اإلسالمي إىل النظام الحديث املناهض لإلسالم‪ ،‬واملتأثر‬ ‫عمل الدكتور حسن الرتايب جاهدا ً إليجاد بناء مفاهيمي النخراط بالرفض الغريب التام للدين‪ ،‬والذي عمل عىل تحويل عبوديتها من الرجل‬ ‫املرأة يف املجال العام‪ ،‬ليس بغرض تحرير املرأة من منظور إسالمي إىل الحاجة املادية‪ ،‬وكمصدر لرغبات الجنسية‪ .‬فاملرأة الحديثة فقدت‬ ‫حدايث‪ ،‬كام سوف نرى‪ ،‬بقدر ما أن األمر يعكس براغامتية أيديولوجية إنسانيتها مجددا ً وأصبحت موضوعا لالحتكار الجنيس والتسيل‪ ،‬وهدفها‬ ‫قوامها اإلمساك قدر املستطاع بالحراك االجتامعي الثقايف والسيايس الرئييس لألسف هو تحقيق "نسويتها" وليس إنسانيتها‪.‬‬ ‫الذي أفرزته الحداثة وتأثرياتها املتنامية عىل املجتمع السوداين‪ ،‬وتطويعه‬ ‫املسلمون مطالبون بالبحث عن إصالح للوضع يقوم عىل األُسس‬ ‫لصالح مرشوعه السيايس الطموح‪.‬‬ ‫اإلسالمية الصحيحة‪ ،‬لذا يجب أن ال يصابوا بالهلع نتاج التغريات‬ ‫ويف عنوان جانبي باسم (النساء) يف الفصل األخري من كتابه (ثورة املتسارعة‪ ،‬ويسعوا من ث ّم لتثبيت الوضع القديم من منطلق أن ذلك‬ ‫رشين‪ .‬فاملحافظون ال نفعا منهم يف هذا الصدد‪ .‬اإلسالميون‬ ‫الرتايب)‪ ،‬يقدم الدكتور عبد الوهاب األفندي رسدا ً لكتيب أصدره الرتايب أهون ال ّ‬ ‫عام ‪ 1973‬بعنوان (رسالة يف املرأة )‪ ،‬أفصح فيه عن مواقفه "الراديكالية" يجب أن يقودوا نهضة املرأة من مستنقعات التقليديون‪ ،‬وأن يبعدوها‬ ‫من قبضة مجموعات املستغربني‪ ،‬والذين يُ ِحبّون أن يستفيدوا من‬ ‫من قضية املرأة يف املجتمع اإلسالمي‪ ،‬يقول فيه الرتايب‪:‬‬ ‫محنته ّن‪ .‬يف املنتهى‪ ،‬فالدين يطالبهم بهداية اإلنسانية وتجنيب الناس‬ ‫‪...‬املرأة كفرد مساوية للرجل يف املسئولية أمام الله‪ .‬أما العائلة مخاطر االنحراف والزيغ"‪)1( .‬‬ ‫فليست مناط املسئولية يف يوم الحساب‪ .‬ليس للمرأة فقط الحق‪ ،‬بل‬ ‫هناك مالحظتني ميكن استخالصهام من هذا الخطاب‪:‬‬ ‫الواجب يف أن تتحدى أُرستِها إذا كان يف ذلك رضورة ألداء التزاماتها‬ ‫الدينية‪ .‬هذا املبدأ متجسد يف القوانني الرشعية الخاصة بدور املرأة يف‬ ‫أوال‪ :‬أنه يتمحور حول خروج املرأة للفضاء العام بحجة أنه "واجب‬ ‫املجتمع املسلم‪ .‬فالظلم الواقع عىل النساء والذي نشهده يف كل أرايض‬ ‫املسلمني‪ ،‬ال يعكس املبادئ اإلسالمية‪ .‬إنه يف الواقع انعكاس لألفول ديني" يتقازم دونه واجبها األرسي‪ ،‬متقاطعاً بحدة مع ثوابت الفقه‬ ‫واالنحطاط الذي املّ بهذه املجتمعات‪ .‬يف الحقيقة‪ ،‬أن مجمل التعاليم التقليدي الذي يعترب دور املرأة يف األُرسة محور املجتمع اإلسالمي‪ .‬إالّ أنّه‬ ‫الدينية الواردة يف القرآن تعمل عىل حامية املرأة من الرجل‪ .‬الفكر مع "راديكاليته" عىل مستوى الظاهر‪ ،‬فهو ال يقوم عىل إطار فكري شامل‬ ‫اإلسالمي التقليدي‪ ،‬والذي ينزع نحو املحافظة والدوغامئية يف معظم يعمل عىل تثوير راديكايل لواقع املرأة يف كل جوانب حياتها‪ .‬فخطابه‬ ‫القضايا الفقهية‪ ،‬أصبح براغامتياً ومرناً عندما أصبح األمر يتعلق بقضايا يسكت متاماً عن الجانب الخاص من حياة املرأة‪ ،‬خصوصاً املتعلق‬ ‫املرأة وحقوقها‪ ،‬باحثاً عن كل أنواع االعذار واملربرات يف سبيل دحضه بالجانب البطرياريك الذي يحكُم وينظم العالئق األُرسية وفق الرتجامت‬ ‫لهذه الحقوق التي تجد مكانها واضحاً يف بنية النص اإلسالمي‪ .‬ولكن الكالسيكية للفقه اإلسالمي‪ ،‬ويُهيمن عليه قانون األحوال الشخصية‪ ،‬كام‬ ‫املوقف األكرث اتساقا مع املبادئ اإلسالمية‪ ،‬هو ذلك الذي يقبل املشاركة سوف نبني الحقا‪.‬‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪79‬‬


‫ثانيا‪ :‬املنطلق األساس لفكرة خروج املرأة للفضاء العام يُفهم منه‬ ‫حراكاً استبقيا قوامه تفويت الفرصة عىل القوى الحديثة "املناهضة‬ ‫لإلسالم" عىل حد تعبريه‪ ،‬أو "موامئة الحركة مبا يوفر لها أكرب استفادة‬ ‫ممكنة من الحراك االجتامعي املتسارع نحو الحداثة"‪ ،‬عىل حد تعبري‬ ‫األفندي‪( .‬نفس املصدر)‪ .‬إذا ً هو نهج تكتييك نفعي يعمل عىل إهتبال‬ ‫الواقع لصالح املرشوع السيايس للحركة أكرث من كونه مراجعة نقدية‬ ‫يستتبعها بالرضورة تجديد فقهي‪.‬‬ ‫هذا القصور الذي الزم التنظير الفكري لموضوع‬ ‫حقوق المرأة في اإلطار اإلسالمي الذي تبنّاه الترابي‬ ‫والكثير من تيارات اإلسالم السياسي‪ ،‬في اعتقادي‪،‬‬ ‫له أسبابه البراغماتية‪ .‬فهو في األساس ال يعبر عن‬ ‫أية أصالة فكرية بقدر ما أنه رد فعل في المقام األول‬ ‫لهجمة الحداثة وتأثيراتها االجتماعية االقتصادية‬ ‫والسياسية على واقع المجتمع المسلم‪،‬‬

‫ومن جهة أخرى فهو يقوم عىل التعبئة والتجييش لقوى اجتامعية مل‬ ‫ي ُعد من املمكن تجا ُهلها سياسيا‪ ،‬خصوصا يف ظل وجود القوى العلامنية‬ ‫املؤثرة فكريا وتنظيمياً عىل واقع هذه الرشيحة االجتامعية‪ .‬وكأية رد‬ ‫فعل‪ ،‬فإنه ال ينطلق من رؤية شاملة ونظرة عميقة ملاهية الواقع املراد‬ ‫تغيريه‪ .‬سنتتبع يف ثنايا هذا املقال عقابيل هذا القصور عىل مجمل‬ ‫املردود الفكري والعميل إلسالمويات الجبهة اإلسالمية‪.‬‬ ‫أتاحت لنا ‪ 27‬سنة من تجربة اإلسالم السيايس عىل يد الجبهة‬ ‫اإلسالمية يف السودان أن نرى ونقيم مبدئية هذا املنحى يف التنظري‬ ‫االسالموي‪ ،‬وفرصة ملقاربة التطبيق العميل لشعاراته‪ ،‬وخصوصا تجربة‬ ‫املرأة االسالموية يف مقاربة حقوق املرأة من "وجهة نظر إسالمية" مجال‬ ‫نظرنا يف هذه الورقة‪ .‬ذكر األفندي أ ّن راديكالية خطاب الرتايب كانت‬ ‫سببا يف تنامي عضوية النساء املتعلامت وانضاممهن للحركة‪ .‬وهذا‬ ‫بالفعل واقع مشهود‪ ،‬يشهد عليه هذا التدفق الكبري للنساء والفتيات‪،‬‬ ‫خصوصاً يف منتصف مثانينات القرن املايض بعد زوال نظام منريي وقيام‬ ‫الدميقراطية الثالثة‪ .‬شهدت هذه الفرتة وما تالها أيضا توسعا يف قيام‬ ‫املنظامت االجتامعية والخريية‪ ،‬التي تعمل بالتزامن الستقطاب املزيد‬ ‫من النساء للحركة‪ ،‬والعمل عىل إكساب األعضاء من النساء مهارات‬ ‫العمل العام‪ .‬خلق هذا النهج الرباغاميت حضورا مقدرا لإلسالمويات يف‬ ‫الفضاء العام‪ ،‬وعزز من قيمة شعار "حقوق املرأة من منظور إسالمي"‪،‬‬ ‫عىل األقل يف سياق الظاهر‪ ،‬اال انّه مل يُالمس وقتها تِخُوم املواجهات‬ ‫الحرجة مع اآلخر املختلف إالّ يف ُمالبسات امل ُالسنة الخطابية التي كانت‬ ‫تتيحها املامرسة الدميقراطية‪.‬‬

‫‪80‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫استيالء الحركة اإلسالمية عىل السلطة السياسية يف السودان عام‬ ‫‪ ،1989‬مثل مرحلة مفصلية يف تاريخ اإلسالم السيايس عىل األقل يف‬ ‫السودان‪ .‬فهي املرة األوىل التي تنزلت فيها األفكار املثالية عىل أرض‬ ‫الواقع وتعرضت ملحك االختبار والتجربة‪ ،‬مبا فيها حرية املرأة وحقوقها‬ ‫من منظور "التجديد" الفقهي املمثل يف (املرشوع الحضاري) الذي برش‬ ‫به الرتايب‪ .‬نالت اإلسالمويات نصيبا وافرا من غنائم الجهاز البريوقراطي‬ ‫بعد مذبحة الصالح العام التي طالت معظم الذين ال ينتمون للتنظيم‬ ‫الحاكم‪ ،‬وتدفقت أعداده ّن ومتددت يف كل مفاصل الدولة من تعليم‪،‬‬ ‫وصحة‪ ،‬وحقائب وزارية وعدلية‪ ،‬ومع ذلك مل يُح ِّرك ّن ساكناً منذ اليوم‬ ‫األول الذي أظهر فيه املرشوع الحضاري توجهه الحاسم والصارم يف‬ ‫إخضاع النساء‪ ،‬وتحجيم دوره ّن‪ ،‬وظهوره ّن يف الفضاء العام‪ ،‬مدشناً‬ ‫التناقض األول لخطاب الرتايب‪ .‬أيضاً كان الظن أن إلزامية الحجاب وسط‬ ‫نساء الحركة جزءا ً من مرشوع التعبئة‪ ،‬والفرز واملاميزة التي تتطلبها‬ ‫املرحلة‪ ،‬ولكن بوصول الحركة إىل السلطة ت ّم فرض الحجاب عىل كافة‬ ‫النساء بقوة "قانون النظام العام" واالبتزاز واإلرهاب‪ .‬مل يجد قانون‬ ‫النظام العام وال أُسس تطبيقه أدىن احتجاج أو مراجعة من االسالمويات‬ ‫وه ّن يرين تحيزه ضد وامتهانه لكرامة النساء‪ .‬كذلك الرتويج لتعدد‬ ‫الزوجات من داخل الربملان الذي به عدد مقدر من االسالمويات‪ ،‬وازدياد‬ ‫ظاهرة زواج القارصات يثري أيضا الحرية يف موقف االسالمويات من‬ ‫موضوعة حقوق املرأة من منظور إسالمي‪.‬‬ ‫والممارسات السائدة من ِقبل ُ‬ ‫ُ‬ ‫المشر ّعين‬ ‫كل القوانين‬ ‫اإلسالمويين وطرق تطبيقها تمثل انعكاسا واضحا‬ ‫وعميقا لكره النساء‪ ،‬وكره النساء كما وصفته الكاتبة‬ ‫اإليرانية مريم نيمازي "مثله مثل النازية‪ ،‬الفاشية‬ ‫والفصل العنصري‪ ،‬مهما فلعنا وتحذلقنا ال يمكن أن‬ ‫نصفه باالنحياز لإلنسانية‪.)2(".....‬‬

‫هذا الكره كام أثبتت التجربة ال يجد حرجاً من قبل إسالمويات‬ ‫الحركة‪.‬‬ ‫عىل سبيل الكفاءة الفكرية والتنظري‪ ،‬تبدو املحصلة ُمحرِجة أيضا‪.‬‬ ‫فحتى اللحظة‪ ،‬ال يبدو هناك مرشوعاً فكريا لإلسالمويات يتسق مع‬ ‫وجودهن الكمي والنوعي داخل حركة أيديولوجية تعتقد جازمة بأن لها‬ ‫مرشوعاً وجوديا يعمل عىل إرساء خطاب فكري وأخالقي يعادل مرشوع‬ ‫الحداثة‪ ،‬إن مل يكن يتفوق عليه‪ .‬املثري لالهتامم أنه حتى تباين األجيال‬ ‫مل يؤثر عىل ردم هذه الهوة العميقة‪ ،‬فمن الصعوبة أن تجد فرقا بني‬ ‫الرعيل األول للنسويات أمثال‪ ،‬سعاد الفاتح أو ثريا امبايب وبني األجيال‬ ‫التالية عىل مستوى الفعالية الفكرية أو الندية التنظيمية بينه ّن‪ ،‬ورجال‬


‫ملف العدد‪ :‬النساء داخل المنظومة السلفية‬

‫الحركة القابضون عىل زمام األمور الفكرية والحركية بامل ُطلق‪ .‬فمن‬ ‫املدهش‪ ،‬أن يظل الفقر الفكري‪ ،‬وعوز االجتهاد الفقهي‪ ،‬ماثالً حتى‬ ‫اللحظة فيام يخص قضايا املرأة وحقوقها امل ُعلّقة عىل ِمشجب انتظار‬ ‫التجديد الفقهي املالئم للعرص! فغاية وجوده ّن ِ‬ ‫وحراكه ّن التنظيمي‪،‬‬ ‫كام هو ماثل عىل محك التجربة العملية‪ ،‬هو تطبيع الواقع الفقهي‬ ‫السائد واملحافظة عىل الواقع االجتامعي البطرياريك‪ ،‬وإضفاء مرشوعية‬ ‫ومسحة رضاء وإجامع "ديني" عليه‪ ،‬باعتبارهن "املمثالت الرشعيات"‬ ‫لرشيحة النساء املسلامت!‬ ‫ويبدو أن نهج التعامل مع النساء من واقع كونه ّ‬ ‫ن‬ ‫إشكالية اجتماعية‪ ،‬هو المسيطر على فكر حركات‬ ‫اإلسالم السياسي‪ .‬فما بين ِقيمة الكسب السياسي‬ ‫لوجُوده ّ‬ ‫ن داخل التنظيم‪ ،‬وصعوبة السيطرة عليهن‬ ‫اجتماعياً من خالل ذات الخطاب المحايث‪ ،‬تبدو مِ حنة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وتهافت مواقفهم الفِ كرية واألخالقية متى‬ ‫تناقض‬ ‫ما دانت لهم السيطرة السياسية‪،‬‬

‫كام هو حادث يف السودان حتى راهن اليوم‪ ،‬وكام حدث يف مرص‬ ‫أيام سيطرة األخوان املسلمون عىل الحكم يف الفرتة القليلة التي تلت‬ ‫سقوط نظام حسني مبارك‪ .‬فحتى يف هذه الفرتة القليلة التي مل تتعدى‬ ‫العام‪ ،‬مل يستطيعوا صربا مع سقف الحرية املنخفض بحكم طبيعة‬ ‫النظام الدميقراطي الذي ارتضوه‪ .‬فبتاريخ ‪2013-3-15‬م‪ ،‬أوردت وكالة‬ ‫رويرت خربا ً بعنوان (اسالميو مرص يحذرون من أن إعطاء املرأة بعض‬ ‫الحريات قد يدمر املجتمع)‪ .‬مييض الخرب يف متنه فيقول‪“ :‬إن جامعة‬ ‫اإلخوان املسلمني الحاكمة يف مرص تحذر أن إعالن األمم املتحدة والخاص‬ ‫بحقوق النساء سيعمل عىل تدمري املجتمع بالسامح لهن بحرية التنقل‬ ‫والعمل واستخدام موانع الحمل من غري موافقة الزوج وكذلك التحكم يف‬ ‫مصاريف األرسة‪ ....‬وكانت مرص قد اقرتحت تعديالت ترى أنها قد متنع‬ ‫تعارض اإلعالن مع القوانني املحلية والقيم الدينية والثقافية للمجتمعات‬ ‫املسلمة‪.)3(" ...‬‬ ‫ولكن فيام يبدو أن القهر والعنف اللفظي جزء من ديناميكية العالقة‬ ‫بني الجنسني يف الحركة اإلسالمية نفسها‪ ،‬حسبام تشري هذه الواقعة التي‬ ‫أوردتها الناشطة النسوية الدكتورة إحسان فقريي‪" :‬سبق وأن نارصت‬ ‫(مبادرة ال لقهر النساء) وزيرة سودانية تطاول عليها رئيس حزب منرب‬ ‫السالم العادل‪ ،‬الطيب مصطفى‪ ،‬وطالبها أن "تتب ّعل" لزوجها بدالً من‬ ‫مزاحمة الرجال"(‪ .)5‬ال شك أن الثقل الرمزي للطيب مصطفى واملوقع‬ ‫السيادي للوزيرة ميثالن داللة عظيمة الندياحات العالقة غري املتكافئة‬ ‫يف مضامرها التفاعيل‪.‬‬

‫عبد الخالق الرس‪ :‬كاتب سوداين‬ ‫مستقل مقيم بأسرتاليا‪ ،‬مهتم‬ ‫بقضايا االسالم السيايس والفكر‬ ‫السلفي‪ .‬يعمل كمرتجم‪ ،‬وله‬ ‫إسهامات يف عدد من املواقع‬ ‫اإللكرتونية والصحف يف اسرتاليا‬ ‫والرشق االوسط‪.‬‬

‫إذن مقولة (أعرف عدوك) هي ما ينقص االسالمويات يف مرشوعهن‬ ‫الداعي "إلنصاف" النساء‪ -‬حسب العبارة الشائعة عنهن كمرادف ملفهوم‬ ‫املساواة ‪ .‬وهو نقص يرفعهن لدرجة الجهالة بعظم املسئولية التي القينها‬ ‫أو أُلقيت عىل كا ِهل ُه ّن‪ .‬نقول هذا‪ ،‬ألنه بالتضاد ميكن لنا أن نستشف‬ ‫حساسية عالية حيال ذات القضية لتنظيامت نسوية إسالمية أخرى‪،‬‬ ‫اضطلعت بذات املهمة‪ ،‬ومن ذات املنصة الدينية‪-‬الفكرية واملفهومية‬ ‫مثل‪ :‬منظمة (مساواة)‪ ،‬و(أخوات يف اإلسالم) املاليزية‪ ،‬إضافة إىل بعض‬ ‫املساهامت الراديكالية لبعض امل ُف ِكرات اإلسالميات مثل‪ :‬األمريكية أمينة‬ ‫ودود‪ ،‬فاطمة املرنييس‪ ،‬ليىل أحمد‪ ....‬الخ‪ .‬ما مييز هذه املساهامت هو‪،‬‬ ‫العمق والشجاعة الفكرية والعلمية‪ ،‬يف تحديد أزمة الفكر اإلسالمي‪،‬‬ ‫وكشف تحيزا ته الذكورية املتوارثة‪ ،‬ومن ثم مواجهته بالعمل عىل تعرية‬ ‫امتيازاته التاريخية‪ ،‬وإرجاعها إىل أصلها االجتهادي‪ ،‬ونزع صفة املقدس‬ ‫عنها‪ .‬يف السودان كان أيضا لإلخوان الجمهوريني قصب السبق يف خوض‬ ‫مجال الراديكالية الفكرية‪ ،‬لتأسيس حقوق املرأة من منظور إسالمي‪.‬‬ ‫حقوق املرأة من منظور الناشطات االسالمويات‪:‬‬ ‫يمثل قانون األحوال الشخصية في السودان حرجاً عظيماً لإلسالمويات‪،‬‬ ‫وتحديا أخالقيا كبيرا لمصداقية الخطاب األيديولوجي الذي من خالله‬ ‫يروجن لمفهوم "النسوية اإلسالمية"‪ .‬لهذا تجد أن إسهام ُه ّ‬ ‫ن الفكري‬ ‫يتركز حول هذا الموضوع‪/‬المأزق‪.‬‬

‫يف واحدة من هذه اإلسهامات‪ ،‬نجد ورقة بعنوان (قراءة يف قانون‬ ‫األحوال الشخصية السوداين يف ضوء املقاصد الكلية لإلسالم)‪ ،‬للدكتورة‬ ‫نجوى عبد اللطيف محمد فضل‪ .‬تؤكد الكاتبة منذ البداية‪ ،‬أن التطبيق‬ ‫الواقعي للقانون "أبرز العديد من اإلشكاالت‪ ،‬أبرزها الظلم الدائم الذي‬ ‫تكون املرأة ضحيته"‪ .‬فهي تعرتف أن القانون عجز أن يجد تعريف‬ ‫جامع ملعنى الزواج‪ ،‬وجعل املرأة تحت الوصاية (ويل)‪ ،‬والقصور‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪81‬‬


‫الفكري يف معالجة القانون لفض عقد الزواج (الطالق)‪ ،‬وعدم حسمه‬ ‫لزواج الصغريات‪ ،‬وموقفه الضعيف إزاء تعدد الزوجات‪ ،‬وهو تحيز أدى‬ ‫إلضعاف موقف املرأة عىل حد تعبريها‪.‬‬

‫أكرث مام معني باملسألة نفسها‪ .‬سأحاول هنا استعراض فقط العناوين‬ ‫الجانبية‪ ،‬وبعض املقتطفات لتبيان غرابة اللغة املستخدمة‪( :‬مـؤرشات‬ ‫يف فقـه التامثل)‪( ،‬التعاقد الزواجي أصول التأسيس)‪( ،‬يف منظومة القيم‬ ‫الحقوقية)‪( ،‬يف منظومة القيم التعاملية – وفقه املعروف)‪( ،‬االجتهاد‬ ‫املقاصدي يف فقه التعاقد الزواجي)‪( ،‬الفقـه املـصدري) ‪ ....‬هذا عىل‬ ‫مستوى التقعر اللغوي الذي يحتاج بدوره إىل تفسري ليكمل محاولتها‬ ‫التفسريية! أما عىل مستوى املضمون فمن الصعب أن تفهم ما الذي‬ ‫ترمي إليه الكاتبة‪ ،‬واليكم هذه السطور التي تعتقد الكاتبة أنها تلخص‬ ‫ورقتها‪ " :‬نخلُص إىل أن تحقيق مقاصد إعادة تأهيل الثقافة االجتامعية‬ ‫إىل دائرة العدالة الرشعية يتطلب االجتهاد املستمر والدءوب واملتكامل‬ ‫بني دوائر االجتهاد الفقهي واملعريف يف مراكز الدراسات والبحوث‬ ‫واملشتغلني يف مجال البحوث النفسية واالجتامعية كام يتطلب اجتهاداً‬ ‫تطويرياً يف نظم الفقه القضايئ‪ ,‬مضمونياً وإجرائياً"‪ .‬وبذا يكون اجتهادنا‬ ‫مصوباً نحو قبلة اإلصالح اإلنساين واالجتامعي‪ ..‬عىس أن نقرتب من‬ ‫رصاط االستقامة املعرفية القادرة عىل عبور املشكالت الشائكة التي‬ ‫تعرتض أنظمة الضمري الفردي واالجتامعي"(‪( )9‬التشديد من عند‬ ‫الكاتبة)‪.‬‬

‫هناك ورقة أخرى بعنوان‪( ،‬ال ُعمق املعريف ملفهوم الزوجية)‪ ،‬للباحثة‬ ‫والناشطة االسالموية فاطمة سامل‪ ،‬رئيسة تحرير "مجلة مسارات‬ ‫معرفية"‪ ،‬املتخصصة يف قضايا املرأة‪ ،‬ومسئولة وحدة البحث يف العنف‬ ‫ضد املرأة يف وزارة الشئون االجتامعية‪ .‬الورقة من سبعة صفحات‪،‬‬ ‫وهي تتأسس عىل لغة إنشائية‪ ،‬وحتى التيمة التي يقوم عليها املوضوع‬ ‫(العالقة الزوجية) يتم طرحها يف قالب أديب معني باالجرتاح اللغوي‬

‫فعىل العكس‪ ،‬نجد يف التجربة السودانية لإلسالم السيايس‪ ،‬أنه وبعد‬ ‫أكرث من ربع قرن من التطبيق العميل ألفكار حسن الرتايب‪ ،‬أن واقع‬ ‫املرأة السودانية كأسواء ما يكون‪ .‬فالقهر والقوانني املقيدة للحريات‪،‬‬ ‫والتضييق يف الحياة العامة‪ ،‬والرتاجع يف اإلصالحات الفقهية كام يجسدها‬ ‫قانون األحوال الشخصية‪ ،‬يقدح متاماً يف مصداقية برنامج حقوق املرأة‬ ‫من منظور أسالمي‪ ،‬كام ظلت تردد الحركة اإلسالمية يف أدبياتها‪،‬‬

‫ليك تتصدى الكاتبة لهذه اإلشكاليات‪ ،‬كام وصفتها‪ ،‬عملت منذ‬ ‫البداية عىل أن " تبحر يف املناطق الفقهية اآلمنة"‪ ،‬عىل حد تعبري املفكر‬ ‫الراحل نرص أبوريد‪ .‬فنجد أنها تتوسل لغة قامئة عىل التعميم‪ ،‬تُبهِم أكرث‬ ‫مام تفصح‪ ،‬لذا نجدها تُكرث حد اإلطناب من استخدام تعبري (املقاصد‬ ‫الكلية لإلسالم)‪ .‬وألنها مهمومة باإلبحار يف املناطق اآلمنة‪ ،‬كام أسلفنا‪،‬‬ ‫لذا فهي تعمل عىل تب ّني مفهوم التأويل املضاد بذات األدوات الفقهية‬ ‫التقليدية‪ ،‬والذي قوامه االستشهاد بنصوص وأحاديث يفهم منها معنى‬ ‫مغاير للتفسري السائد الذي يقوم عليه قانون األحوال الشخصية‪ .‬ولكن‬ ‫هذا املنهج ال يُس ِعفُها كثريا‪ ،‬ألن التعارض بني النص واألحاديث كثريا ما‬ ‫ينشأ‪ ،‬وغاية جهدها للخروج من هذا املأزق يف هذه الحالة‪ ،‬هو مناشدة‬ ‫العلامء‪ ،‬حسبام أبانت يف هذه الفقرة‪" :‬بال ُرغم من الرباعة اللفظية يف‬ ‫القُرآن العظيم‪ ،‬حني وصفه لِ ُنظم ِعالقات األُرسة‪ ،‬إالّ إنّ بعض النصوص‬ ‫املنسوبة للرسول (ص) تتعارض مع روح القرآن‪ ،‬وتتطلب من العلامء‬ ‫وقفة مراجعة لدرجة صحتها"(‪ .)6‬املفارقة تكمن يف أنها منذ البداية‬ ‫من الواضح أن الورقتني تُرِيدان أن تُ ارِسا نقدا للفقه التقليدي‬ ‫قررت إال تأيت عىل سرية االختالفات الفقهية بني العلامء‪ ،‬ألنها وعىل حد‬ ‫تعبريها سوف يعمل ذلك عىل إضعاف مضمون الورقة‪ ،‬ومع ذلك فهي املسيطر عىل مفاصل القوانني اإلسالمية السائدة‪ ،‬واملجسد بشكل واضح‬ ‫حد التعسف يف قانون األحوال الشخصية‪ ،‬ولكن الخوف من املجابهة‬ ‫تناشدهم وتعول عليهم‪ ،‬عوضا عن تحديهم!(‪.)7‬‬ ‫الفقهية املتبناة من قبل األيدولوجيا التي ه ّن جزءا منها‪ ،‬جعل التعميم‬ ‫تقر الباحثة يف نهاية الورقة‪ ،‬عىل أن القانون يعاين من إشكاالت والتخفي خلف مصطلح (املقاصد الكلية للدين)‪ ،‬والذي هو اآلخر ال‬ ‫معرفية وتطبيقية‪ ،‬فيام يخُص قضايا الزواج والطالق‪ ،‬وتخلص إىل يقل تعميام وتجريدا‪ ،‬واللغة املرسلة غري متامسكة املعنى‪ ،‬هو النهج‬ ‫توصيات يف غاية العمومية واإلبهام‪ ،‬من شاكلة تكوين لجنة من السائد يف ِكال الورقتني‪.‬‬ ‫قانونيني وعلامء و"ناشطات" – هكذا مجردة – ملراجعة هذه القوانني‪،‬‬ ‫تخلص هذه الورقة إىل القول‪،‬‬ ‫واالضطالع عىل تجارب الدول‪ .‬كام تويص بحذف رشط الوالية‪ ،‬من غري‬ ‫أن تجهد نفسها كيف يتم ذلك‪ ،‬وما هي املرجعية التي تستند عليها‪ .‬أما‬ ‫إ ّ‬ ‫حساسة‪ ،‬مثل قضية تعدد الزوجات‪ ،‬فغاية ما‬ ‫ن المشروع النهضوي للمرأة من منظور إسالمي‪،‬‬ ‫حني يتعلق األمر مبسألة ّ‬ ‫تجود به فهو‪" ،‬تقنني تعدد الزوجات ووضع ضوابط له"‪ .‬ونختم مبسألة‬ ‫والمتصور من قبل جماعات اإلسالم السياسي‪ ،‬هو‬ ‫النشوز ورضب الزوجات‪ ،‬والذي ترى الكاتبة أن يكون "رمزيا" مثل أن‬ ‫مشروع رغبوي في أحسن األحوال‪ ،‬ال توجد في‬ ‫يكون الرضب مبسواك!(‪.)8‬‬ ‫حيثياته حقائق مادية محسوسة‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫‪ 1‬د‪ .‬عبد الوهاب األفندي‬ ‫‪Turabi Revolution‬‬ ‫‪Political Islam is 2‬‬ ‫‪a Contemporary‬‬ ‫‪-Reactionary Movement‬‬ ‫مريم نيامزي‬ ‫‪http://maryamnamazie.‬‬ ‫_‪com/articles/islam‬‬ ‫_‪politica-Islam_women‬‬ ‫‪mideast.html‬‬ ‫‪( 3‬اسالميو مرص يحذرون من أن‬ ‫إعطاء املرأة بعض الحريات قد‬ ‫يدمر املجتمع)‬ ‫‪http://www.reuters.‬‬ ‫‪com/article/2013/03/15/‬‬ ‫‪us-women-un-rights‬‬‫‪idUSBRE92E03D20130315‬‬ ‫‪ 4‬د‪ .‬عبدالله عيل إبراهيم‪ ،‬مقال‬ ‫مبوقع سودانيل‪.‬‬ ‫‪http://sudanile.com/index.‬‬ ‫‪php/2008-05-19-17-39‬‬‫‪36/51-8-3-2-1-9-1-7/76334‬‬‫‪2015-01-04-09-47-49‬‬


‫ملف العدد‪ :‬النساء داخل المنظومة السلفية‬

‫واإلنتاج الفكري لع ّرابها الشيخ حسن الرتايب‪ .‬تُثبِت التجربة فعلياً‪ ،‬أن‬ ‫الغاية من الزج بالنساء يف الفضاء العام من قبل الحركة اإلسالمية‪ ،‬هو‬ ‫الدافع السيايس وليس تحرير املرأة بأية حال من األحوال‪ .‬هذا بدوره‪،‬‬ ‫يفرس متاماً عجز االسالمويات داخل الحركة من القيام بأية إصالحات‬ ‫تصب يف خدمة املرأة‪ ،‬وتحقق من‬ ‫أو اجتهادات فقهية ف ّعالة‪ ،‬ميكن أن ُ‬ ‫قيمة وجودها املجتمعي والسيايس‪.‬‬ ‫وكما الحظت (ليف تنسون) " أن االسالمويات‬ ‫يدافعن عن المساواة في الفضاء العام متضمنا‬ ‫السياسة وحتى ممارسة الخدمة العسكرية‪ ،‬بينما‬ ‫يقصرن الريادة للرجال في الشأن العائلي(‪.)11‬‬

‫ميكن القول‪ ،‬وبدون مجازفة‪ ،‬أنّ وجود اإلسالمويات يف قلب هذا‬ ‫املرشوع بحجة الدفاع واملحافظة عىل مكتسبات حقوق املرأة من‬ ‫منظور إسالمي‪ ،‬ال يسنده الواقع‪ .‬فإسهامات ُهن الفكرية املتهافتة‪ ،‬ما هي‬ ‫إالّ تعبري عن عجز ُه ّن الفكري واألخالقي يف التصدي للظلم الواقع عىل‬ ‫املرأة السودانية‪ ،‬كام أنّ انتشارهن غري الفاعل يف املناصب السيادية‪،‬‬ ‫وتشبثهم مبواقعهم يف املناصب البريوقراطية‪ ،‬هو أقرب لدور (املحلل)‪،‬‬ ‫ودليل عىل انتهازيتهن‪ ،‬وتحولهن إىل برجوازية صغرية تعمل عىل تراكم‬ ‫مصالحها الخاصة عىل حساب قضايا املرأة امللحة‪.‬‬

‫عبد الخالق السر‬

‫‪ 5‬حوار مع إحسان فقريي‬ ‫‪http://www.alrakoba.‬‬ ‫‪net/news-action-show‬‬‫‪id-178511.htm‬‬ ‫‪ 6‬الدكتورة نجوى عبد اللطيف‬ ‫محمد فضل‪ ،‬ورقة بعنوان (قراءة‬ ‫يف قانون األحوال الشخصية‬ ‫السوداين يف ضوء املقاصد الكلية‬ ‫لإلسالم)‬ ‫‪ 7‬نفس املصدر‬ ‫‪ 8‬نفس املصدر‬ ‫‪ 9‬الكاتبة االسالمية فاطمة سامل‪،‬‬ ‫ورقة بعنوان (العمق املعريف‬ ‫ملفهوم الزوجية)‬ ‫‪ 10‬نفس املصدر‬ ‫‪( 11‬ليف تونسون) ‪Liv‬‬ ‫‪Tønnessen http://www.‬‬ ‫‪cmi.no/publications/‬‬ ‫‪publication/?4483=between‬‬‫‪sharia-and-cedaw-in-sudan‬‬ ‫‪http://www.alrakoba.net/‬‬ ‫‪articles-action-show‬‬‫‪id-57390.htm‬‬ ‫الصادق املهدي حقوق املراة‬ ‫‪http://sudanile.com/index.‬‬ ‫‪php/2008-05-19-17-39‬‬‫‪36/34-0-6-8-3-1-6-8/76658‬‬‫‪2015-01-12-18-16-13‬‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪83‬‬


‫الماعندو قديم‪...‬‬ ‫صور و حكايات‬

‫قصة مصورة عن اللباس‬ ‫ّ‬ ‫النسائي في الصومال‬ ‫كانت الصومال مكاناً للتسامح‪ .‬ما كان للنساء أن يقلقن من قواعد‬ ‫اللباس الواجب ارتداؤه"‪ .‬كان بإمكانهن ارتداء الفساتين القصيرة‪،‬‬ ‫إن أردن‪ ،‬ولم يُجبرن على تغطية شعورهن‪ .‬المرأتان اللتان في‬ ‫الصورة‪ ،‬لم يُحكم عليهن بتهمة الزى غير الالئق”‪.‬‬ ‫أمينة‪ ،‬ناشطة صومالية‬ ‫في الماضي‪ ،‬كان من المقبول للشابّات غير المتزوجات‪ ،‬الخروج‪،‬‬ ‫كما هو ّ‬ ‫موضح في الصورة‪ .‬كان كافياً مجرد تغطية أكتافهن‪.‬‬ ‫النساء المتزوجات كان عليهن تغطية شعورهن‪ ،‬وفقاً للتقاليد‪ .‬اليوم‬ ‫الصوماليات وبمجرّد بلوغهن سن السادسة‪ ،‬فهُّن مُطالبات بتغطية‬ ‫أجسادهن من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين‪ .‬وهذه ظاهرة‬ ‫ً‬ ‫جديدة‪ ،‬تختلف تماما عن الثقافة الصومالية‪ ،‬وقد بدأت قبل ‪ 25‬عاما‪،‬‬ ‫حينما بدأ األُصوليون اإلسالميون يروّجون للزى العربي أو الفارسي‬ ‫كمُتطلّب ديني‪.‬‬ ‫كاتب صومالي‪ ،‬نيروبي‪-‬كينيا‬

‫شابتين فى مطلع السبعينات من مقديشو‬ ‫أصلي حسن عبدى‪ ,‬كانت أوّل طيار‪/‬ة”أُنثى” في الصومال‪,‬وبالرغم‬ ‫من أّن الوضع السياسي لم يكن مثالياً‪ ،‬في الثمانينيات‪ ،‬إال انه كان‬ ‫ممكناً للنساء تحقيق طموحاتهن‪.‬كان بمقدورهن المساهمة في‬ ‫جميع قطاعات اإلقتصاد‪.‬اإلسالم يقول لنا‪ :‬إن المرأة‪ ،‬يمكن أن‬ ‫تعمل‪ ،‬ولكن‪ ،‬ولألسف حاليا يستخدم الدين لتقييد مُشاركة المرأة‬ ‫في الحياة االجتماعية واالقتصادية‪.‬‬ ‫أمينة‪ ،‬ناشطة صومالية‬ ‫اصلي حسن اول امرأة طيار من الصومال‬

‫‪84‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫شابة صومالية فى العام ‪ 1964‬فى معرض‬ ‫المنتجات الصومالى فى ايطاليا‬

‫هذه الصورة تمثل امرأة شابة في معرض تجارى‪ ،‬أُقيم بمدينة‬ ‫ميالنو في ايطاليا‪ ،‬تعرض منتجاً صناعياً صومالياً‪ .‬الصورة تعكس ثقة‬ ‫النساء الصوماليات في أنفسهن في الستينات من القرن الماضي‪،‬‬ ‫حيث كانت النساء في ذلك الوقت جميالت وفخورات بثقافتهن‪.‬‬ ‫أيضا لم تكن النساء تستخدم مُنتجات تبييض البشرة‪ ،‬وكُّن‬ ‫يلبسن الزى التقليدي في مناسبات محدّدة‪ ,‬وكان بإمكانهن السفر‬ ‫لجميع أنحاء العالم‪ ،‬لتعزيز التقاليد والثقافة الصومالية‪.‬‬ ‫كلثوم ‪ -‬أرض الصومال‬ ‫الشابة ترتدي لباساً تقليدياً‪ ،‬و على الرغم من أناقته‪ ،‬أال انه‬ ‫قد تالشى من الحياة اليومية المعاصرة‪ ،‬اآلن‪ ،‬يُرتدى فقط في‬ ‫مناسبات خاصة مثل الزفاف و المناسبات الثقافية‪ .‬هذه الخامة‬ ‫تُشترى من أماكن مُعيّنة‪ ،‬ويتطلّب لباسه الوقت والخبرة‪.‬‬ ‫ناشطة‪ ،‬أرض الصومال‬

‫اطفال المدرسة فى مقديشو ‪1960‬‬

‫في الستينات كان األوالد والبنات يجلسون مع بعضهم البعض في الفصول الدراسية‪ .‬اليوم يحضرون الدروس في‬ ‫فصول منفصلة‪ ،‬أو يجلسون في صفوف متوازية‪ ،‬إذا تقاسموا نفس الفصل‪ .‬الخوف من االختالط صار السمة الغالبة‬ ‫في العالقات بين الجنسين منذ الطفولة‪ .‬مما يؤسس للتمييز الجندرى و على أساس ديني‪.‬‬ ‫كلثوم ‪ ،‬أرض الصومال‬

‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪85‬‬


‫الماعندو قديم‪...‬‬ ‫صور و حكايات‬

‫هذه الصورة هي لفريق كرة السلة النسائي في الصومال‪ .‬ففي‬ ‫تلك السنوات‪ ،‬كانت لعبة ""كرة السلة"‪ ،‬رياضة‪ ،‬تمارسها العديد من‬ ‫الفتيات والنساء‪ .‬فالتربية البدنية كانت جزءاً من المنهج المدرسي‪،‬‬ ‫والتالميذ (بنين وبنات) مطلوب منهم‪/‬ن ممارسة أنماط متنوعة‬ ‫من الرياضة ‪ ،‬مثل كرة السلة‪ ،‬الكرة الطائرة‪ ،‬وكرة اليد‪ .‬لألسف‪،‬‬ ‫بعد الحرب وعندما أكتسب رجال الدين األرثوذكس نفوذاً في‬ ‫جميع أنحاء البالد أصبح من المحرم على الفتيات والنساء ممارسة‬ ‫الرياضة بمختلف أنواعها‪ .‬كما عمل المتشدّدون بجد ومثابرة علي‬ ‫عدم السماح للنساء بالمساهمة في أي من مبادرات بناء األُّمة‪.‬‬ ‫حيث خفّضوا النساء إلى كائنات دورها الوحيد هو البقاء في البيت‪،‬‬ ‫وإنجاب األطفال‪ .‬تجدر اإلشارة هنا إلى أّن الثقافة اإلسالمية ال‬ ‫تمنع النساء من االنخراط في األنشطة االجتماعية و هذه القيود‬ ‫كانت في األصل جزءاً من الثقافة العربية‪.‬‬ ‫فريق كرة السلة الصومالي للسيدات ‪1970‬‬

‫كاتبة صومالية‪ ،‬نيروبى‬

‫السيدتان في الصورة‪ ،‬ترتديان ثوباً فضفاضاً طويالً‪ ،‬وهو الثوب‬ ‫الذي ّ‬ ‫حل اآلن محل الزى التقليدي الوطني‪,‬وقد استنسخ من الجارة‬ ‫اليمن‪ .‬وهو زى"غير رسمي"‪ ،‬وسهل اللباس وخامته متاحة في‬ ‫الصومال المعاصرة‪ ,‬كما أن هناك العديد من الخيارات‪ ،‬من حيث‬ ‫اللون والتصميم‪.‬‬ ‫ناشطة‪ ،‬أرض الصومال‬

‫شابات من مقديشو فى بداية الثمانينات‬

‫‪86‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫هذه الصورة تذكرني بجمال وسحر النساء الصوماليات‪ ،‬في‬ ‫أواخر الستينات ومنتصف السبعينيات من القرن الماضي‪ .‬وهى‬ ‫عبارة عن مزيج بين الموضة الغربية والزى التقليدي الصومالي‪.‬‬ ‫كفتاة شابّة‪ ،‬نشأت وترعرعت في منتصف السبعينيات كُنت أعشق‬ ‫هذا النمط من األزياء ‪.‬‬ ‫سعاد عبدى‪ ،‬هرقيسيا –ارض الصومال‬

‫صورة عائلية‬

‫فرقة الفنون الشعبية فى المسرح‬ ‫القومي مقديشو ‪1960‬‬

‫هذه الصورة والتي أُخذت فى المسرح الوطني‪ ،‬تذكرني بال(قنتينو) اللباس الوطني التقليدي‪ ,‬للمرأة الصومالية في‬ ‫الجنوب‪ .‬النساء هناك يستخدمن أساليب مختلفة للف القماش حول أجسادهن‪ .‬أعتقد أنّه أالن لم يعد مُستخدماً‬ ‫في الفضاء العام‪ ،‬فقد أصبح المجتمع أكثر محافظة‪ ,‬ولم يعد كما كان‪ ،‬لذلك فهذا اللباس لم يعد مقبوالً‪.‬‬ ‫سعاد عبدى‪ ،‬هرقيسيا –ارض الصومال‬

‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪87‬‬


‫انتحاريات بوكو حرام‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫التزام بالفكرة؟‬ ‫إكراه أم‬

‫أويب أنياديك كاتب‬ ‫وصحفي متخصص‬ ‫يف الشؤون األفريقية‪،‬‬ ‫مستقر حالياً يف‬ ‫زميبابوي‪ .‬وهو كاتب‬ ‫مساهم يف مجلة‬ ‫اإليكونيميست‪ ،‬كام‬ ‫عمل لعدة سنوات‬ ‫يف تغطية الشؤون‬ ‫الصومالية واإلثيوبية‬ ‫لوكالة إنرتبرس‪.‬‬

‫يف وقت الحق‪ ،‬تطلق الجامعة رساح املسلامت من الرهائن‪ ،‬أما‬ ‫باتت ظاهرة االنتحاريات يف األعامل اإلرهابية من املامرسات البارزة‬ ‫والفريدة لجامعة "بوكو حرام" الجهاديّة يف نيجرييا‪ .‬صحيح أ َّن النساء الرجال فتأمر بقتلهم جميعاً‪.‬‬ ‫اعتد َن يف وقت سابق ارتداء أحزمة ناسفة يف رصاعات أخرى حديثة‪،‬‬ ‫بخصوص اسرتاتيجية االختطاف‪ ،‬تقول الباحثتان ميا بلوم وهيالري‬ ‫ابتداء من الشيشان إىل العراق‪ ،‬ومن باكستان إىل فلسطني‪ ،‬ومن سوريا‬ ‫إىل سريالنكا‪ ،‬لكنها أب ًدا مل تكن باملعدل الذي نشهده يف مت ّرد جامعة "بوكو مفتيس‪ ،‬إن الجامعة مل تعد تكرتث لهذا التمييز اآلن‪ ،‬إمنا تخطف‬ ‫حرام"‪ .‬بحسب إفادات للباحثتني إليزابيث بريسون وجيكاب زين‪ ،‬فمنذ النساء والفتيات برصف النظر عن أصولهن الدينيّة‪ ،‬وتسمح يف وقت‬ ‫يوليو‪/‬متوز ‪ 2014‬ف ّجرت أكرث من ‪ 200‬فتاة من االنتحاريات أنفسهن يف الحق ملقاتليها باغتصابهن تحت غطاء الزواج الصوري‪ .‬تقوم الجامعة‬ ‫هذا التمرد؛ ما أسفر عن مقتل أكرث من ‪ 1000‬شخص يف نيجرييا‪ ،‬فيام بتلك االنتهاكات بهدف تعزيز التالحم وسط مقاتليها‪ ،‬ونرش الخوف يف‬ ‫تشهد الظاهرة تزاي ًدا ملحوظًا يف دولة الكامريون املجاورة‪ .‬كانت النساء املجتمع‪ .‬أبرز حاالت االختطاف جرت يف منطقة تشيبوك يف ‪ ،2014‬إثر‬ ‫يف السابق يتسلّلن بسهولة إىل األسواق واألماكن العا ّمة من دون إثارة قيام الجامعة بخطف نحو ‪ 270‬فتاة‪ ،‬واختطاف "داماساك" الذي جرى يف‬ ‫خصوصا بعد تحذير املركز القيادي العام املايض‪ ،‬عندما قامت باختطاف نحو ‪ 400‬من النساء‪.‬‬ ‫أي ارتياب‪ ،‬غري أن األمر مل يعد كذلك‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لوزارة الدفاع النيجريي من قيام االنتحاريات بتمويه أنفسهن كرجال‬ ‫إكراه أم التزا ٌم بالفكرة؟‬ ‫لتج ُّنب املراقبة األمنية‪ .‬يقول سليامن عليوة‪ ،‬املدير ملدرسة يف مدينة‬ ‫مايدوجوري الواقعة شامل رشق نيجرييا‪ ،‬يف ترصيح لشبكة الـ ‪"IRIN‬‬ ‫منيل يف الغالب إىل تص ّور االنتحاريات بوصفهن مكرهات عىل‬ ‫الناس هنا خائفون من تطورات األوضاع‪ ،‬وال سيام أن معظم االنتحاريات‬ ‫ترتاوح أعامرهن بني ‪ 10‬و‪ 20‬عا ًما"‪ .‬يضيف‪" :‬يقول الناس‪ ،‬إ ّن السبيل إىل االنتحار‪ ،‬ولذا نتخ ّيل تلقائ ًيا تعذُّر اتخاذ مثل هذا القرار مبحض إرادتهن‪.‬‬ ‫تحديد االنتحاريات‪ ،‬هو مراقبة أجساد النساء ملعرفة ما إذا كان هناك من املؤكد أن هناك ما يكفي من األدلة لدعم هذا التص ّور‪ ،‬وال سيّام أ ّن‬ ‫انتفاخ أو تورم يف منطقة البطن‪ .‬فإذا كان األمر كذلك‪ ،‬يتم إيقافه ّن‪ ،‬املنتحرات يعتربن صغريات يف الس ّن‪ ،‬ويصعب عليهن اتخاذ قرار صائب‬ ‫ويطلب منهن إما رفع األيادي‪ ،‬أو الجلوس عىل وضع القرفصاء‪ .‬حينها‪ ،‬حول أم ٍر كهذا‪ ،‬ما مل يُغ ّرر بهن ويدفعن دفعاً نحو "االستشهاد"‪ .‬والحق‪،‬‬ ‫فإن هناك تقارير ت ُشري إىل تعرض املنتحرات إىل عملية "التفجري عن‬ ‫تبي األمر أو رمبا يحصل االنفجار"‪.‬‬ ‫ميكن ُّ‬ ‫بُعد" من طرف رشكائهن الذكور املساهمني يف تنفيذ عملية التفجري‪ .‬رغم‬ ‫ذلك‪ ،‬هناك بالفعل حاالت تنخرط فيها النساء بصورة فاعلة يف الجامعة‬ ‫أجساد النساء سالح يف متناول الجامعة اإلرهابية‬ ‫ـ وليس فقط كمجرد عنارص ميكن خداعها واستخدامها وقودًا للحرب‪ .‬يف‬ ‫اللجوء إىل استخدام االنتحاريني يعترب تكتيك املحاولة األخرية يف هذا السياق‪ ،‬ت ُشري بريسون إىل حادثة اعتقال "خلية نساء" من املجندات‬ ‫القتال‪ ،‬لذلك فهو عاد ًة ميثّل لحظة تح ّول تجاه "حرب غري متكافئة" والجواسيس يف عام ‪ ،2014‬يشتبه بانتامئهن إىل جامعة "بوكو حرام"‪.‬‬ ‫يف أعقاب الهزمية يف ساحات القتال التقليدية‪ .‬غري أ َّن استخدام جامعة‬ ‫"بوكو حرام" لهذا التكتيك يبدو مختلفًا؛ أل َّن حادثة أول امرأة ف ّجرت‬ ‫نفسها عند نقطة تفتيش خارج ثكنة عسكرية شامل مدينة جومبي‪،‬‬ ‫كما أن هناك تقارير تذكر تور ّط النساء في عملية تهريب‬ ‫ج َرت يف وقت كانت فيه الجامعة ت ُسيطر عىل مساحات واسعة من‬ ‫السالح‪ ،‬وتُشير ضمن ذلك إلى تعر ّض الجنود النيجريين‬ ‫األرايض‪ ،‬فيام كان الجيش النيجريي يف حالة تراجع‪.‬‬ ‫لعملية إطالق نار أثناء قيامهم بمحاولة إنقاذ النساء‪،‬‬ ‫حول هذا األمر‪ ،‬يقول ريان كامينغز‪ ،‬كبري محليل األمن يف إفريقيا لدى‬ ‫مؤسسة (‪ )Red24‬إلدارة األزمات‪" :‬ما يجعل هذه األزمة تبدو مثرية‬ ‫لالهتامم‪ ،‬هو وفرة العنرص النسايئ فيها‪ ،‬لدرجة باتت الجامعة تتعامل‬ ‫رصا ميكن استخدامه بإفراط يف املعارك"‪.‬‬ ‫معه بوصفه عن ً‬ ‫برزت استراتيجية اختطاف النساء كتقليد راسخ عند‬ ‫خصوصا بعد اعتقال الحكومة‬ ‫جماعة "بوكو حرام"‪،‬‬ ‫ً‬ ‫النيجيرية زوجات قادة الجماعة‪ ،‬بما فيهم زوجة زعيم‬ ‫الجماعة أبوبكر شيخو‪ .‬بدأت عملية الثأر للزعيم ـ‬ ‫ابتداء من ‪ 2013‬ـ باختطاف النساء المسيحي ّات‪ ،‬ومن‬ ‫ثم استغاللهن جنسيًّا وإجبارهن على تغيير المعتقد‪.‬‬

‫‪88‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫في المواجهات التي تجري بين الطرفين‪ .‬ليس ذلك‬ ‫فحسب‪ ،‬وإنما هناك من األسيرات من تطوعت لتنفيذ‬ ‫عمليات انتحارية لمصلحة الجماعة‪.‬‬

‫يقول أليكس تورستون من برنامج الدراسات األفريقية يف جامعة‬ ‫"جورج تاون"‪ ،‬يف ترصيح لشبكة الـ‪IRIN :‬من الواضح أن لجامعة "بوكو‬ ‫حرام" مجموعة من النساء اللوايت يعملن ضمن أنشطتها بشكل فاعل‪،‬‬ ‫وأحيانًا بشكل غري فاعل"‪ .‬ويضيف‪" :‬ما كان مبقدور الجامعة العمل عىل‬ ‫هذا النحو‪ ،‬لوال توفّر مثل أولئك األنصار"‪ .‬بخصوص دوافع النساء‪ ،‬منيل‬ ‫يف غالب األمر‪ ،‬إىل تص ّور العوامل املحف ّزة للذكور‪ ،‬لالنخراط يف الجامعة‬ ‫أن تكون نفسها العوامل الدافعة للنساء؛ كدافع االنتقام من تجاوزات‬ ‫قوات األمن‪ ،‬والحصول عىل املال لألرسة‪ ،‬والوعد بتلقي الثواب يف اآلخرة‪،‬‬


‫ملف العدد‪ :‬النساء داخل المنظومة السلفية‬ ‫مقابل أوضاع الحرمان الراهنة‪ .‬كل هذه العوامل مجتمعة‪ ،‬بإمكانها أ ْن‬ ‫تؤثر كذلك يف النساء للقيام بدور أكرث مبارشة يف النزاع‪.‬‬ ‫وتحاجج بريسون بأنه قد يكون هناك نساء ملتزمات فكريًّا بـ "الجهاد‬ ‫العنيف"‪ ،‬مضيفةً‪" :‬لكن ال تتوفّر لدينا أدلة كافية تدعم وجود مثل هذا‬ ‫االلتزام وسط االنتحاريات"‪.‬‬ ‫يف هذا السياق‪ ،‬يذهب بلوم ومافتيس إىل إثارة السؤال حول إمكانيّة‬ ‫تح ّول الضحايا من النساء إىل متطرفات بشكل حقيقي‪ ،‬أو مبعنى ّ‬ ‫أدق‪:‬‬ ‫"بالنسبة للنساء من ذوات الصلة باملتمردين‪ ،‬هل يحملن ذات الفكرة‬ ‫والهدف والغاية التي يحملها الرجال؟ أم أنهن يعانني من صدمة شديدة‬ ‫أدّت إىل إصابتهن بشكل من أشكال ‪1‬متالزمة ستوكهومل؟"‪ .‬وميكن طرح‬ ‫السؤال نفسه حول دوافع الش ّبان الذين وقعوا يف األرس وأجربوا يف وقت‬ ‫الحق عىل املشاركة يف القتال‪ .‬حتى يف هذه الحالة‪ ،‬فإن معرفة األسباب‬ ‫التي تدفع املرء التخاذ مثل تلك القرارات‪ ،‬ال تزال تبدو عسرية وغري‬ ‫واضحة‪ .‬وهو ما تؤكده بريسون يف ترصيحها ل ‪" IRIN‬ال أعتقد أن‬ ‫األسباب بهذا القدر من الوضوح‪ ،‬كام ال أعتقد أننا اقرتبنا من معرفة‬ ‫الدوافع الحقيقية وراء انضامم الضحايا للجامعة"‪.‬‬ ‫األدهى من ذلك‪ ،‬أن كل بيانات االنتحاريات تأتينا بشكل حرصي‬ ‫من التقارير الصحافية‪ ،‬وبالتّايل نحن يف الغالب نكاد ال نعرف شيئًا‬ ‫االستثنائية‬ ‫عن هؤالء النساء‪ ،‬وال حتّى أسامءهن أو أعامرهن‪ .‬الحالة‬ ‫أي شكل راديكايل جديد‪ ،‬وال يبدو عليها أنها تسعى لتربير اإلجراءات‬ ‫ِّ‬ ‫الوحيدة التي نعرف عنها القليل من التفاصيل‪ ،‬هي الحالة التي َّ‬ ‫تتخل املتشددة التي انتهجتها‪ ،‬كاستخدام النساء واألطفال يف التفجريات‪.‬‬ ‫فيها بعض النساء عن الجامعة‪ ،‬أو يف الحالة التي يتم فيها قبض بعضهن‬ ‫قبل الوصول إىل أهدافهن املرجوة‪.‬‬ ‫حسب بريسون‪ ،‬فإن هذا األسلوب يؤكد عدم اهتامم "بوكو حرام"‬ ‫بحشد الدعم املحيل لصالح مرشوعها يف املنطقة‪ ،‬حيث فضّ ل زعيمها‬ ‫رغم تضحياتهن الجسيمة النساء مجرد سلع يف ُعرف الجامعة‬ ‫بدل عن ذلك‪ ،‬السعي إىل كسب قبول واستحسان أبو بكر البغدادي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫زعيم ما يسمى بـ "الدولة اإلسالمية"‪ ،‬الذي تعهد له ـ شيخو ـ بالوالء‬ ‫النقطة األخرية تتعلّق مبسألة اعتبار النساء مجرد ِسلعة رائجة يف عام ‪.2015‬‬ ‫تستخدمها الجامعة‪ ،‬وهي مسألة تكشف عن منهج جامعة "بوكو‬ ‫حرام" يف تعاملها مع االنتحاريات‪ .‬حول تلك املسألة‪ ،‬تقول ‪٢‬بريسون ان‬ ‫ورغم هذا الوالء‪ ،‬فإن الجامعة تختلف عن تنظيم"الدولة اإلسالمية"‬ ‫عمليات االنتحاريات من النساء يشوبها البؤس مقارنة بالفخر واملجد يف طريقة إدارة مقاتليها تنظيميًا‪ .‬ففي حني تحتفظ األخرية بقاعدة‬ ‫أي بيانات مقاتليها من أجل االتصال بذويهم يف حالة االستشهاد‪ ،‬تفتقد‬ ‫الذى يصاحب عمليات الرجال االنتحارية‪ ،‬ال حيث يرتكن خلفهن ِّ‬ ‫مقطع فيديو حول الهجوم املرتقب كحال االنتحاريني الذكور‪ .‬ليس ذلك "بوكو حرام" ملثل هذا اإلجراء‪ ،‬وبالتايل تبدو أكرث تفككًا من الناحية‬ ‫فحسب‪ ،‬وإمنا يقترص هجوم "النساء والفتيات يف الغالب عىل رضب التنظيمية‪ .‬وتقول بريسون‪" :‬جامعة بوكو حرام تجمع أشتاتاً متفرقة‬ ‫األسواق ومحطات الحافالت والتجمعات املدنية‪ ،‬عوضً ا عن رضب من املقاتلني؛ نجد فيها عنارص إجرامية منتفعة‪ ،‬مثلام نجد فيها عنارص‬ ‫مؤدلجة وعنارص مجندة قرسا ً‪ ،‬وفيها أشخاص منخرطون بكامل أرسهم‬ ‫أهداف أكرث أهمية"‪.‬‬ ‫منذ سنوات تحت سقفها"‪ .‬تضيف‪" :‬يصعب علينا فهم قصة جامع ٍة بهذا‬ ‫املستوى من التعقيد ـ مبا يف ذلك فهم األدوار املختلفة للرجال والنساء ـ‬ ‫لذلك ظلّت النساء يذكرن في خطاب شيخو ـ زعيم‬ ‫ألننا نريدها أن تكون أكرث بساطة‪ ،‬ولكنها لألسف ليست كذلك"‪.‬‬ ‫وس َل ًعا تخص الجماعة‪،‬‬ ‫الجماعة ـ بوصفهن رموزًا ِ‬ ‫مثل تصريحه بأن سوء معاملة المسلمات َدنَّس‬ ‫شرف الجماعة‪ ،‬أو وعيده المخيف لبيع فتيات‬ ‫تشيبوك في األسواق‪.‬‬

‫من جهة ثانية‪ ،‬يلفت ريان كامينغز النظر إىل ضعف التكوين‬ ‫خصوصا تحت زعامة شيخو؛ إذ ما‬ ‫األيديولوجي لجامعة "بوكو حرام"‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تزال الحياة الريفية تسري بالشكل املعتاد يف املناطق التي يسيطر عليها‬ ‫املتم ّردون يف إطار الخالفة التي أعلنتها الجامعة‪ ،‬بل ومل تفرض األخرية‬

‫تم إعادة نرش هذا املقال مبوافقة شبكة‪ ،"IRIN‬التي نرشت النسخة‬ ‫األصلية منه يف موقعها‪ ، www.irinews.org‬بتاريخ ‪ 19‬إبريل‪/‬نيسان‬ ‫‪.2016‬‬ ‫الكاتب‪ :‬أوبي أنياديك‬

‫من اإلنجليزية منصور علي‬

‫الرسم ارنولد برونغي‬

‫‪ 1‬متالزمة ستوكهومل هي‬ ‫ظاهرة نفسية ت ُصيب‬ ‫الضحية عندما يتعاطف أو‬ ‫يتعاون مع عدوه أو من‬ ‫أساء إليه بشكل من األشكال‪،‬‬ ‫أو يُظهر بعض عالمات‬ ‫الوالء له مثل أن يتعاطف‬ ‫املخطوف مع امل ُختَ ِطف‪.‬‬ ‫أطلق عىل هذه الحالة‬ ‫اسم "متالزمة ستوكهومل"‬ ‫نسبة إىل حادثة جرت يف‬ ‫ستوكهومل يف السويد حيث‬ ‫سطا مجموعة من اللصوص‬ ‫عىل بنك كريديتبانكني‬ ‫‪ Kreditbanken‬هناك يف‬ ‫عام ‪ ،1973‬واتخذوا بعضاً من‬ ‫موظفي البنك رهائن ملدة‬ ‫ستة أيام‪ ،‬خالل تلك الفرتة‬ ‫بدأ الرهائن يرتبطون عاطفياً‬ ‫مع الجناة‪ ،‬وقاموا بالدفاع‬ ‫عنهم بعد إطالق رساحهم‪.‬‬ ‫‪Elizabeth Pearson, ٢‬‬ ‫‪“Boko Haram and‬‬ ‫‪Nigeria’s Female‬‬ ‫‪Bombers,” Newsbrief,‬‬ ‫‪Volume 35, n°5,‬‬ ‫‪September 25, 2015‬‬

‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪89‬‬


‫أزمان الجهل والعزلة‪-‬حول‬ ‫أوضاع النساء في منطقة‬ ‫همشكوريب بشرق السودان‬ ‫يتناول هذا املقال‪ ،‬وقائع متعلقة بظاهرة ال َحالل او املستوطنات‪،‬‬ ‫املؤسسة عىل الفصل بني الجنسني‪َ ،‬حالل مخصصة للرجال وأخرى‬ ‫للنساء‪ ،‬وذلك يف منطقة "همشكوريب"‪ ،‬التي تقع يف رشق السودان‪.‬‬ ‫تبعد منطقة "همشكوريب" عن مدينة كسال حوايل ( ‪ 312‬كيلومرت)‪،‬‬ ‫يف االتجاه الشاميل الرشقي‪ُ ،‬م ِ‬ ‫السودان ّية‪ .‬ت ُحد‬ ‫تاخم ًة للحدود اإلريرتية ُ‬ ‫ِ‬ ‫املنطقة الجبال من ثالثة اتجاهات‪ ،‬وتتميز بِبيئة ص ْحراويّة قاحلة‪،‬‬ ‫شحيحة األمطار وال ُعشب‪ ،‬تعيش النساء يف تلك املنطقة يف تجمعات‬ ‫خاصة بِه ّن‪ ،‬وكذلك الرجال‪ ،‬لهم تجمعاتهم السكنية الخاصة‪ ،‬والتي تبعد‬ ‫كيلومرتات قليلة عن قُرى النساء‪.‬‬ ‫يَ ْسكُن املنطقة مزِيج من قبائل البِجة‪ ،‬وم ْج ُموعات سكانية أخرى‬ ‫من دارفور‪،‬و قبائل حدودية تعيش بني السودان وإريرتيا‪ .‬يُطلق‬ ‫عيل امل ْج ُموعات غري البجاوية األصل‪ ،‬والتي أتت من مناطق أُخري إىل‬ ‫"همشكوريب"‪ ،‬أسم "امل ُهاجِرين""‪.‬‬ ‫السودان‪ ،‬اعتمدت مجموعات ال ِب َجة يف‬ ‫ِمثْلَهم ِمثل ُم ْعظم ُسكّان رشق ُ‬ ‫مناطق "همشكوريب" يف العقود السابقة عىل ال َر ِعي‪ ،‬والذي فقد قيمته‬ ‫وعائده االقتصادي كنشاط حيوي‪ ،‬نتيجة للعديد من اإلشكاالت البيئية‪،‬‬ ‫وضعف استثامر الدولة السودانية يف دعم ُمجتمعات ال ُر َعاة وتنميتها‪.‬‬ ‫نتج عن ذلك‪ ،‬معاناة كبرية وعدم استقرار سيايس واقتصادي‪ ،‬ال يزال‬ ‫يشُ وب مناطق "همشكوريب"‪ ،‬حتّى الوقت الرا ِهن ‪ .‬كذلك‪ ،‬الحدود‬ ‫ال ُجغرافية للمنطقة‪ ،‬جعلتها ُعرضة ألن تكون محور رصاعات ِسياسية‬ ‫وعسكريّة‪ ،‬ففي حقبة التسعينات تحولت املنطقة إىل أرض معركة ما‬ ‫ْ‬ ‫بني قوات النظام السوداين وحركات املعارضة املسلحة‪ ،‬التي نشطت يف‬ ‫رشق السودان‪ ،‬عندما كانت تتلقى الدعم من دولة إريرتيا يف ذلك الحني‪،‬‬ ‫مام أحدث خسارات فادحة يف األرواح واملمتلكات ما تزال همشكوريب‪،‬‬ ‫تعاين من تبعاتها حتى يومنا هذا ‪.‬‬ ‫ت ِ‬ ‫ُسيطر طريقة الشيخ عيل بيتاي (‪ )1978-1930‬الدين ّية‪ ،‬عىل منط‬ ‫ِ‬ ‫وطريقة حياة الناس يف املنطقة‪ ،‬بِ ا يف ذلك األنشطة االقتصادية‪ .‬وأهم ما‬ ‫مييز تلك الطريقة‪ ،‬هو تأثرها العميِق باإلسالم األُ ُصويل‪ ،‬ومقاطعة مظاهر‬ ‫ال َح َداثة‪ ،‬فيام يخُص التطور االجتامعي والثقايف‪ .‬وكعادة الجامعات‬ ‫األُ ُصول ّية‪ ،‬ت ُق ِّنن تِلك املج ُموعات وألأتها وارتباطاتها األيدلوجية‪َ ،‬ع ْب‬ ‫تكوِين شبكات أنشطة اقتصادية‪ ،‬تَ ْتَ ُد وتُ ّت بزيجات متداخلة بني أفراد‬ ‫الطائِفة أو الطريقة‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫تعود أسباب معرفتي باملنطقة إىل ما قبل أكرث من ثَ انِ سنوات‪ ،‬عندما‬ ‫كُنت ِب ِرفْقة وفد برنامج األمم املتحدة إلزالة األلغام‪, ،‬جراء النزاع املسلح‬ ‫الذي دار حول املنطقة‪ ,‬كان أغلب الوفد من الرجال‪ ،‬فيام عداي وزميله‬ ‫أُخرى‪ .‬وبعد أن أنهى الوفد زيارته لِ ِحقُول األلغام ‪,‬قرر أعضاء الوفد‬ ‫زيارة (خالوي همشكوريب)‪ ...‬هناك‪ ,‬دخلنا عىل شيخ جليل‪,‬وذلك‬ ‫أوال إللقاء التحية عليه‪ ,‬وثانيا إلبالغه بوجودنا يف ديارهم‪ ,‬كان الشيخ‬ ‫ُم ْستل ِقيا عىل "عنقريب"‪ ،1‬وما إن رآنا ‪ -‬نحن البنتني‪ -‬حتى قال بصوت‬ ‫عال‪ُ ،‬مو ّجهاً حديثه إىل الرِجال ‪" :‬ديل ليه ما وديتوهن مع أخواتن؟"‪.‬‬ ‫ألتزم الجميع الصمت‪ ،‬وكان من الواضح أ ّن السؤال قد باغتهم‪ .‬لك ّنني‬ ‫انتبهت فورا ً‪ ،‬وقلت له‪ :‬أين ُه ّن أخواتنا؟ فر ّد شخص آخر ِمن ِ‬ ‫املنطقة‪،‬‬ ‫رجل متوسط العمر‪ ،-‬قائال‪ :‬إنهن يف ( قرية النساء)‪ .‬اندهشت ثانية‪،‬‬‫وسألته‪ :‬يعني شنو؟ أجاب‪ ":‬أنت اآلن يف ِحلّة‪ 2‬الرجال‪ ،‬والنساء يف القرية‬ ‫األُخرى"‪ .‬كان هنالك عدد من ِ‬ ‫الص ْب َية‪ ،‬أعامرهم ترتاوح ما بني العارشة وما‬ ‫فوق‪ ،‬ينظرون نحونا‪ ،‬أنا وزميلتي‪ ،‬بِدهشة وتع ّجب‪ ،‬وكأنهم مل يروا نساء‬ ‫واصلت تساؤاليت‪ ،‬فسألت الرجل عن هؤالء الصبية الصغار‬ ‫من قبل!‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وأين أُمهاتهم؟ فأجاب‪ :‬إ ّن الولد بعد سن العارشة‪ ،‬يتم أخذه من ِ‬ ‫"حلَّة‬ ‫ويؤت به إىل ِ‬ ‫"حلَّة الرجال"‪.‬‬ ‫النساء"‪َ ،‬‬ ‫قلت له‪ :‬لكن هؤالء أطفال؟ غري أنه مل يُ ِعر كالمي أي اهتامم‪ ،‬فواصلت‬ ‫حديثي‪ ،‬وقلت له‪ :‬وأنتم‪ ،‬ألستم متزوجون؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬فقلت له‪ :‬متى‬ ‫تذهبون إىل زوجاتكم؟ صمت‪ ،‬لكني مل أتركه يهنأ بصمته‪ ،‬ويف آخر األمر‬ ‫ونخرج قبل صالة الصبح"‪.‬‬ ‫أجابني‪ ،‬قائالً‪ " :‬نذهب بعد صالة العشاء‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫منذ ذلك الحني‪ ،‬ظل أمر تلك املنطقة التي يعيش فيها الرجال يف قري‬ ‫ُمنف َِصلة عن النساء ال يفارق ذهني‪ .‬ظللت أُفكّر يف أمر تلكم النساء‪,‬‬ ‫مساءلة نفيس‪ ،‬كيف يَفكّرنَ؟ وماذا يعرف َن عن الدنيا وعن الحياة؟‬ ‫وكيف يَ ِعش َن‪ .‬وهن املحرومات‪ ،‬حتى من معايشة وتربية أطْفال ُه ّن‬ ‫‪,‬الذكور ابتداء من سن العارشة؟‬ ‫يل حتى حانت لحظة تحققه بعد التحاقي للعمل‬ ‫ظل األمر مسيطرا ً ع ّ‬ ‫مبجلة (املرأة يف اإلسالم)‪ ,‬وقد حدث أثناء نقاش مع رئيسة التحرير‪،‬‬ ‫عن أوضاع النساء يف السودان وما ميارس عليهن من قمع عرب وسائل‬ ‫كيت لها عن منطقة همشكوريب‪ ،‬فإذا بها تتح ّمس لطرح هذا‬ ‫كثرية‪َ ،‬ح ُ‬ ‫املوضوع عيل صفحات املجلة‪ ،‬وش ّج َعتني بإلحاح عىل الذهاب للمنطقة‪،‬‬ ‫والكتابة عن قصة القُرى املنفصلة‪ ،‬ووضع النساء فيها‪ .‬صادف املُق َْتح‬


‫ملف العدد‪ :‬النساء داخل المنظومة السلفية‬ ‫لدى كل اإلمكانيّات فنزل ثالثة رجال‪ ،‬وهنا َو ّجه يل الكالم‪ ،‬وقال‪“ :‬أنت جديدة انزيل"‪.‬‬ ‫هوى يف نفيس‪ ،‬وعزمت عىل تنفيذه‪ ،‬بعد أن توافرت ّ‬ ‫ً‬ ‫فصاح أحد الرجال “املرأة ال تنزل من العربة وحدها‪“ .‬أميش كلموه‬ ‫امل َُسا ِعدة‪.‬‬ ‫ليأيت بنفسه"‪ ،‬فعاد بسؤال آخر من املسئول األمني فيام معناه ‪ :‬إىل أي‬ ‫منزل أنا ذاهبة؟ فقلت لهم ‪ ،‬إىل منزل (أُم الفقراء)‪ ،‬وهي سيدة من‬ ‫الدخول يف زمن آخر‬ ‫ُساللة شَ يخ املنطقة‪ ،‬فقنع بذلك وعفاين من عناء النزول من الحافلة‪.‬‬ ‫بدأت رحلتي من مدينة كسال متوجهة صوب مواصالت‬ ‫عوامل من العزلة‬ ‫همشكوريب‪ .‬وعندما وقفت عىل باب العربة "الحافلة "‪ ،‬بصدد‬ ‫الدخول‪ ،‬أرسع نحوي ولد ال يتجاوز عمره أربعة عرش عاماً‪ ،‬وسألني‪":‬‬ ‫أنت ماشة وين؟"‪ ،‬قلت له‪ :‬أُريد أن أذهب إىل همشكوريب‪ ،‬فرد ُمرسِعاً‬ ‫استغرقت الرحلة مثان ساعات‪ ،‬حتى وصلنا وجهتنا مع مشارف‬ ‫‪":‬ما برتكبي من غري ُم ْحرم" فوجِمت ونظرت إليه ُمح ّدقة‪ ،‬فقال مرة الليل ‪-‬حوايل الساعة الثامنة مساء‪ ، -‬نزل الرجال أوالً‪ ،‬واتجهوا إىل ِحلة‬ ‫وطلبت ِمن ُه ّن أن يأخذوين‬ ‫أُخري ‪ ":‬يعني نحن ما بنشيلك‪ ،‬إالّ يكون معاك راجل" ووقف عىل باب الرجال‪ ،‬ثم اتجهت مع النساء إىل ِحلة النساء‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫حافلة املواصالت ليمنعني من الصعود ‪ .‬ويف تلك اللحظة أىت صوت إىل منزل ( أم الفقراء)‪ .‬وما أن دخلت حتى وجدت أن املنزل يفيض‬ ‫بأعداد كبرية من النساء‪ ،‬من مختلف األعامر‪ ،‬يصنعن الطعام بكميات‬ ‫رجل يف منتصف العمر‪ ،‬كان ضمن الركاب‪ ،‬قائال‪:‬‬ ‫كبرية‪ .‬عرفت أ ّن هذا الطعام سوف يُؤخذ إىل قريّة الرجال‪ .‬لقد ر ّح َنب‬ ‫يب مبنتهى اللطف‪ ،‬حيث ك ّن يتوقعن قدومي من كسال‪ ،‬من بعض‬ ‫"هذه هي قوانين المنطقة‪ ،‬لن يسمح لكي بالذهاب‬ ‫األصدقاء الذين ساعدوين يف الوصول إيل املنطقة‪ .‬وما أن جلست لفرتة‬ ‫إال ّ برفقة ُمح ِْرم"‪ .‬فقلت له‪ " :‬ليس لدي محرم"‪،‬‬ ‫قصرية معهن حني اصطحبتني واحدة من النساء إىل منزل آخر الرتاح‬ ‫فقال‪" :‬يعني أي رجل يكون مسئول منك"‪.‬‬ ‫من عناء السفر‪ ,‬هناك وجدت خمس شابات عيل مشارف العرشين وكُ ّن‬ ‫وبعد جهد فهمت أنّه الب ّد من أن أجد رجال ما‪ ،‬يتح ّمل مسؤولية‬ ‫ذهايب إىل همشكوريب‪ .‬قُ ْم ُت باالتصال بأحد أبناء منطقة همشكوريب‪،‬‬ ‫كان قد أعطاين ِعنوانه أحد زماليئ من أبناء كسال‪ ،‬لِيك يساعدين‪ .‬جاء‬ ‫مرسعاً‪ ،‬وبدأ يتحدث مع سائق العربة بِاللغة البجاوية ‪،‬وهاتف آخرين‬ ‫بهمشكوريب‪ ،‬واستغرق األمر أكرث من عرشون دقيقة‪ .‬كان يتحدث‬ ‫مع السائق وتارة عىل املوبايل‪ ،‬وأخريا ً قال يل‪ ":‬أركبي فقد ُس ِمح ليك‬ ‫بالذهاب"‪ .‬ما أن جلست عىل أحد املقاعد‪ ،‬وسط ال َعربَة‪ ،‬حتى جاءين‬ ‫صوت رجل يقول يل ""غري مسموح لك بالجلوس هنا‪ ،‬ألن النساء‬ ‫ي ْجلِسن يف املقاعد الخلف ّية"‪ .‬وبالفعل‪ ،‬وجدتُ ثالث نساء‬ ‫يجلسن يف آخر مقعد يف الحافلة‪ ،‬فذهبت وجلست‬ ‫معهن‪ ،‬ثم اجلسوا األطفال يف املقاعد التي أمام النساء‪،‬‬ ‫بغرض الفصل بين ُه ّن ‪,‬والرجال‪.‬‬ ‫عندما اكتمل عدد ال ُركّاب‪ ،‬جاء الصبي "الكمسارى"‬ ‫بورقة أعطاها ألحد الرجال ليك يُس ّجل كل راكب‬ ‫أسمه‪ ،‬وذلك ما يعرف بـ(منفستو العربة)‪ .‬بعد أن تم‬ ‫تسجيلهم‪ ،‬جاء يل بالورقة وقال يل‪ ،‬أكتبي اسمك وأسامء‬ ‫النساء الاليت يجلس َن معك‪ .‬بدأت يف كتابة أسمي‪ ،‬فإذا‬ ‫برجل آخر يأخذ الورقة من يدي بعنف‪ ،‬صارخاً يف‬ ‫"الكمسارى"‪ ،‬وهو يقول‪ ،‬النساء ال يسجلوه ّن‪.‬‬ ‫(أخذت أفكر في مدى الكره‬ ‫ّ‬ ‫والخوف من النساء‪ ،‬لدرجة أنه إذا‬ ‫تعرضت العربة لحادث‪ ،‬فإ ّ‬ ‫ن النساء‬ ‫الموجودات فيها لن يتم التعر ّف‬ ‫ن وكأنه ّ‬ ‫عليه ّ‬ ‫ن لسن بشراً)‪.‬‬

‫هكذا كانت بداية الرحلة إىل همشكوريب‪ .‬يف‬ ‫ُمنتصف الطريق توقفت العربة أمام نقطة جهاز‬ ‫األمن وصاح الكمساري‪ ":‬الزول الجديد ينزل"‪،‬‬

‫الرسم‪ :‬حسين ميرغني‬

‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪91‬‬


‫عائشة السامين‪.‬‬ ‫درست يف جامعة‬ ‫وادي النيل يف مدينة‬ ‫عطربة‪ .‬عملت‬ ‫كصحفية يف العديد‬ ‫من الصحف اليومية‬ ‫يف السودان منذ العام‬ ‫‪ 2003‬ومراسلة ملوقع‬ ‫النيالن اإللكرتوين‪.‬‬ ‫وهي عضو ناشط‬ ‫يف شبكة الصحفيني‬ ‫السودانيني ومجموعة‬ ‫صحفيون من أجل‬ ‫حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫كت بُر َه ًة عند‬ ‫يَ ْجلِس َن عىل (برش)‪ ،‬ويَقُم َن ب َِتتِيل القُرآن‬ ‫بصوت عا ٍل‪َ .‬س ْ َ‬ ‫قدومي‪ ،‬ث ُ ّم قُ ْم َن بِواجب الضيافة تجاهي ‪,‬ما إن استلقيت عىل الفراش‪،‬‬ ‫حتى تناهت إىل أذين أصوات ترتِيل ُه ّن مرة أخرى والتي استمرت حتى‬ ‫مشارف اليوم التايل‪.‬‬ ‫عند الساعة التاسعة‪ ،‬تقريباً‪ ،‬أخرب ُو ِن أ ّن هناك من يسأل عني‪..‬‬ ‫ذهبت ملقابلته‪ ,‬فوجدت رجالً شاباً ما أن راين حتى بادرين قائالً‪" :‬أنا‬ ‫عرفت إنك جئت ليك تعميل بحث عن الخالوي‪ ،‬وأنا هنا ليك أساعدك"‪.‬‬ ‫ألكتب مادة لِمجلّتي املُتَ ِ‬ ‫خصصة يف شؤون‬ ‫فقلت له أنا صحاف ّية‪.‬جئت‬ ‫ُ‬ ‫املرأة‪ ،‬فقال يل "مرحبا‪ ,‬سوف أعرفك عىل خالوي النساء‪ ،‬وكيف يتَعل ْم َن‬ ‫القُرآن؟‪ .‬ذهبنا معا إىل الخلوة التي كانت تحتل ِمساحة كبرية أمام املنزل‬ ‫الذي كنت فيه‪ .‬وجدت النساء‪ ،‬وقد َجلس َن يف حلقات‪ ,‬بلغ عددها قرابة‬ ‫ال ‪ 20‬حلقة ‪ ،‬كل حلقة تضم حوايل أل ‪ 10‬نساء‪ ،‬ترتاوح أعامره ّن بني‬ ‫إحدى الِنساء‪ ،‬وقال يل‪ :‬أن السيدة‬ ‫العارشة والثالثني‪ ،‬وتتوسط الحلقة‬ ‫َ‬ ‫التي تجلس يف منتصف الدائرة هي التي تبدأ له ّن القراءة‪ ...‬ويف وسط‬ ‫الخلوة‪ ،‬وضعت فواصل مستديرة‪ ،‬عددها أربعة‪ ,‬يف داخل كل من تلك‬ ‫الدوائر يوجد (عنقريب)‪ ،‬يَ ْجلِس عليه رجل‪ ،‬بينام النساء‪ ,‬اصطففن حول‬ ‫الفاصل‪ ،‬خارج الدائرة‪ .‬قال يل الرجل‪ ":‬أجليس ليك تشاهدي حلقات‬ ‫التسميع"‪ .‬جلست مع النساء ‪ ،‬بينام دخل هو و جلس يف داخل الحلقة‪،‬‬ ‫وبدأت النساء يُ َس ّمع َن‪ ،‬واحدة تل َو األُخرى‪ ،‬السرية النبويّة‪ ،‬األحاديث‪,‬‬ ‫وسور القرآن الكريم‪ِ .‬استغرق زمن الخلوة ساعتني‪ ،‬ثم انفضت بعدها‬ ‫جموع النساء‪.‬‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬أدخلني الرجل لِذات البيت الذي يُصنع فيه الطعام‪،‬‬ ‫فوجدتُ ذات نسوة يوم أمس يصنعن الطعام‪ ،‬وكأنه ّن مل يُبارِح َن‬ ‫بت عىل ُج ْدرانِها ُحروف‬ ‫مكان ُه ّن‪ .‬بعدها‪ ،‬أدخلني إىل غرفة كبرية‪ ،‬كُ ِت َ‬ ‫اللُغة ال َعر ِبيّة واألرقام الحسابيّة‪ ،‬وقال‪ ،‬هذه الحروف مكتوبة ليك تتعلم‬ ‫منها النساء القراءة‪ ،‬وقد كتبتها أم الفقراء‪ ،‬وهي أخت الشيخ عيل بيتاي‪،‬‬ ‫مؤسس هذه الخالوي‪.‬‬ ‫مت أ ّن أُم الفقراء كانت هي التي تدير قرية النساء‪ ،‬أي أنّها‬ ‫الحقا َعلِ ُ‬ ‫"مسئولة شؤون ِحلة النساء"‪ ،‬وقد توفيت‪ ،‬وبقيت أبنتها تدير املكان‬ ‫لمت الحقاً‪ ،‬إ ّن الحروف العربية‪ ،‬تعرف بحروف‬ ‫بِذات الكيف ّية‪ .‬كام َع ُ‬ ‫أم الفقراء‪ ،‬لدى نساء الخلوة‪ ،‬والاليت ب ُرغم معرفته ّن للقراءة‪ ،‬إالّ أ ّن تلك‬ ‫املعرفة محدودة مبا يتلقّينه يف الخالوي‪ ،‬حيث ال ت ُو َجد ُصحف أو كُتب‬ ‫ُتب الشيخ‪ ...‬أوضح يل مرافقي‪ ،‬أ ّن هناك أيضاً خالوي يف‬ ‫أخرى‪ ،‬بخالف ك ْ‬ ‫قرى الرجال‪ ،‬وتسري بنفس النظام‪ .‬وفيها عدد من الطالب من املنطقة‬ ‫وآخرون جاءوا من مناطق أُخرى‪ ،‬من دارفور ودولة اريرتيا‪ ،‬عىل وجه‬ ‫التحديد‪ ،‬ويطلق عليهم أسم "املهاجرين"‪ .‬واستطرد قائال‪ ":‬ولكنك لن‬ ‫تستطيعي أن تذهبي إىل ُهناك‪ ،‬ألنّه ال يُسمح للنساء‪ ,‬دخول أماكن‬ ‫الرجال‪ ،‬حسب عادات املنطقة"‪.‬‬

‫‪92‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫انرصف الرجل‪ ،‬وعدت إىل مكان استضافتي‪ ،‬وجلست وسط النساء‪،‬‬ ‫فأخذت أتجاذب أطراف الحديث م َعهن‪ ،‬وكانت تقوم بالرتجمة املرأة التي‬ ‫رافقتني‪ ،‬منذ أن حللت باملنطقة‪ ،‬وهي تتحدث لغة عربية محدودة‪،‬‬ ‫ولكن ك ّنا نفهم بعضنا‪ .‬سألتُها‪ ،‬من أين تعلمت اللغة العربية؟ أجابتني‬ ‫قائلة‪“ :‬علّمتني أُم الفقراء‪ ،‬فهي كانت تتحدث وتكتب العربية"‪ .‬كذلك‬ ‫أخربتني‪ ،‬أنّها جاءت إيل هذه املنطقة من (الخال)‪ ،‬عمرها سبعة أعوام‪،‬‬ ‫ظت القرآن"‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬بدأت النساء‬ ‫وقالت‪“ :‬هنا وجدتُ الرحمة‪ ،‬وح ِف ُ‬ ‫عم إذا كنت أعرف القراءة‪ ،‬فأجِبت باإليِجاب‪ .‬ثم سألنني‪:‬‬ ‫يسألنني ّ‬ ‫“هل قرأت "الطريق إىل الهداية"‪ ،‬للشيخ عىل بيتاي؟"‪ ،‬وعندما أجبت‬ ‫بالنفي‪ ،‬اندهشن‪ ،‬كأنّ ا وقعت علي ُه ّن صا ِعقَة ! ‪.‬وقُلْ َن يل‪ :‬أال ت َعرفني أ ّن‬ ‫ُلت ال‪ ،‬ازدادت‬ ‫ُرب َج َبل َعرفَات؟ وعندما ق ُ‬ ‫الشيخ التقى الرس ُول "ص"‪ ،‬ق ْ‬ ‫دهشت ُه ّن‪ ،‬كَيف ال أعرف ذلك؟‪ .‬بعدها‪ ،‬قُلْ َن ِل‪ :‬إذا ِ‬ ‫قرأت كِتَاب الشيخ‪،‬‬ ‫ُلي الج ّنة‪ ،‬أل ّن الرس ُول "ص" أوصاه‪ ،‬وقال له‪":‬أُ ّمتي‪ ..‬أُ ّمتي ‪..‬‬ ‫سوف ت ْدخ ِ َ‬ ‫سب ُع مرات"‪ .‬ث ُ ّم سارعت إ ْحدا ُه ّن وأحرضت يل الكتاب‪ ،‬وقالت أ ّن هذهِ‬ ‫تحدثت مع ال ِنساء ع ْن حياتِه ّن يف داخل‬ ‫ُنسخَة ليست األصلية‪ ،‬و‬ ‫ُ‬ ‫ال ْ‬ ‫القرية ‪ ،‬فأخربنني أنَه ّن ال ي ْخ ُرج َن من هذه القرية‪ ،‬وكل احتياجاتهن‬ ‫يأت بها الرِجال إلي ُه ّن‪ ،‬كام أنّه ال تُوجد مدرسة للبنات‪ ،‬ألن ت َعليم‬ ‫البِنت عيب‪ ،‬كام انه غري مسموح لها بالخروج من هذه القرية‪ ،‬وهي‬ ‫تدرس فقط يف الخلوة‪ ،‬وتحفظ القرآن وتدرس السرية النبويّة‪ ،‬والبعض‬ ‫ِمنهن يَ ْعمل َن ِف ُصنع ِ‬ ‫(البوش)‪ ،‬من أجل استخدامها ُسقُوفاً للمنازل‪،‬‬ ‫والبعض اآلخر يق ْم َن بخياطة القُامش الذي يُوضع حول الربش‪.‬‬ ‫يف حديثي مع ُهن تطرقت ملوضوع الزواج‪ ،‬وكيف يتم يف ظُل هذه‬ ‫ال ُعزلة امل ْف ُروضة عليه ّن‪ ،‬والتي ال يُسمح له ّن بالخروج منها؟ فكان‬ ‫ردّهن‪ ":‬الزوج يأيت به األب‪ ،‬أو العم‪ ،‬ثم يتم التشاور مع الشيخ‪ .‬و‬ ‫واصل َن‪ ":‬إذا قال الشيخ‪ ،‬أعطوا هذا الشخص‪ ،‬يعطونه‪ ،‬والزواج يكون‬ ‫مباركاً‪ ،‬ومر ِاسم الزواج تتم عادة بأن تحتفل كل قرية بشكل ُم ْن َفرِد‪.‬‬ ‫بعد امل ُوافقة‪ ،‬ت ُج ّهز العر ُوس وتُرسل إيل بيت العريس يف قرية النساء‪،‬‬ ‫والذي بدوره يأيت لها كُل يوم بعد صالة العشاء‪ ،‬ويخ ُرج منها قبل صالة‬ ‫الفجر"‪ .‬هذا النظام يتّبِعه كل الرجال املتز ِّوجون‪ ،‬وال يُوجد أي رجل يف‬ ‫منزله أثناء النهار‪...‬‬ ‫أثناء حديثنا‪ ،‬هذا‪ ,‬جاءت امرأة تحمل مالبس وأواين للبيع‪ ،‬وعرفت‬ ‫منها‪ ،‬أنّها ليست من ُسكّان ِ‬ ‫املنطقة‪ ،‬لكن زوجها جاء إىل هذه املنطقة‬ ‫من القضارف‪ ،‬قبل سبعة عرش عاماً‪ ،‬ألنّه أتبع دعوة الشيخ‪( ،‬وهم َم ْن‬ ‫يُطْلَق عليّهم امل ُ َهاجِرين)‪ .‬يف هذه األثناء‪ ،‬سألنها بعض النساء‪" :‬هل‬ ‫أعطيتم ابنتكم إىل ولد فالن‪ ،‬الذي طلبها للزواج؟" فقالت‪":‬والدها عىل‬ ‫سفر ومل يحرض حتّى اآلن"‪ ،‬فَقْل َن لها‪ ،‬وإذا الشيخ قال لكم‪ ,‬أعطوه‪,‬‬ ‫أعطوه"‪ ،‬فكان ردها‪ ”:‬هذا ما سوف يحدث"‪ .‬يف هذه اللحظة سألتهن‪،‬‬ ‫ِب‪" :‬بأن ذلك ممكن‪ ،‬ألن‬ ‫عم اذا كان من امل ُ ْحت َمل أن يرفض الشيخ؟ فأج ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫الشيخ‪ ,‬يعرف إذا كانت الزِي َجة صالحة‪ ،‬وفيها خري‪ ،‬فيباركها‪ ،‬وإذا كانت‬


‫ملف العدد‪ :‬النساء داخل المنظومة السلفية‬

‫ليست كذلك‪ ،‬فإنه يرفُضَ ها"‪ .‬كُ ّن يتَح ّدث ّن وه ّن يف غَاية الي ِقني ب ِ​ِصحة‬ ‫هذا االعتقاد‪ .‬وح ّدثنني عن ِزيِجة مل تنجح بسبب ُمخَالفة أمر الشيخ‪،‬‬ ‫وأ ّن تلك املرأة‪ ،‬التي تم زواجها بغري رضا الشيخ‪ ،‬كَانت كُلّام ت َ ْنجِب ِطفال‪,‬‬ ‫ميوت يف مهده‪ ،‬حتى تم تطليقها يف نهاية األمر‪.‬‬ ‫ما بني التقاليد واأليدلوجية السلفية‬ ‫ِ‬ ‫ثت مع السيد أحمد محمد بِيتَاي‪ ،‬أبن أخ مؤسس الخالوي‪،‬‬ ‫الحقا‪ ،‬تح ّد ُ‬ ‫عن تاريخ املنطقة‪ ،‬ومنط العالقات االجتامعية السائِدة‪ ،‬فقال‪":‬إ ّن والد‬ ‫الشيخ عيل بيتاي‪ ،‬كان يَسكُن بلدة (قاش دياي)‪ ،‬عىل نهر عطربة‪،‬‬ ‫و ُهناك التقى بشخص اسمه‪ ،‬حامد محمود‪ِ ،‬من قَبِيلة (ردي )‪ ،‬فقال له‬ ‫إ ّن أم ابنك عندنا‪ ،‬ثم قدم له إبنته فتزوجها‪ .‬ولد الشيخ عيل بيتاي يف عام‬ ‫‪ ،1930‬يف منطقة َه ُمشْ كوريب‪ ،‬وتويف عام ‪ ،1978‬وكان قد ّأسس خالوي‬ ‫همشكوريب يف عام ‪ ،1952‬بعد عودته من املنفى‪,‬فقد نفا ُه اإلنجليز‬ ‫إىل منطقة َحلْفَا‪ ،‬جراء اتهامهم له بادعاء ال ُن ّبوة‪ ،‬وهو ما قد يؤدى إىل‬ ‫ظهور مهدي آخر‪..‬بدأ الشيخ دعوته يف هذه املنطقة‪ ،‬فبدأّ يُعلّم أهلها‬ ‫أُمور ِدي ِنهم‪ ،‬كام علّم ُهم ال ِتجارة والزراعة عىل نهر القاش‪ ،‬وساهم يف‬ ‫استقرار املجتمع‪ ،‬ل ِك ّنه وجد أ ّن ال ُع ْ‬ ‫رف ِعن ّدهم هو أن املرأة‪ ،‬ال تخرج‬ ‫من بيتها قط‪ ،‬وال تُخَالط الرجال‪ .‬وقد أقر أحمد محمد بيتاي‪ ،‬أ ّن الشيخ‬ ‫غي عادات أهل املنطقة تجاه النساء‪ ،‬لكنه‬ ‫عيل بيتاي‪ ،‬مل يَ ْستَ ِطع أن يُ ّ‬ ‫باملقابل‪ ،‬أقنعهم بعمل خالوي للنساء وتعل ِي َم ُه ّن ِ‬ ‫الدين‪ .‬وعندما سألته‬ ‫عن القُرى املنفصلة‪ ،‬أجاب‪":‬أنّها نتجت من أنّه وجد أهل ِ‬ ‫املنطقة ال‬ ‫يس َم ُحون للمرأة بالخروج‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬سار عىل ن ْهجِهم"‪...‬استدرك محديث‬ ‫ْ‬ ‫قائالً‪ .":‬نحن يف نهجنا الديني‪ ،‬لسنا ُمتَش ّددين‪ ،‬وغري ُمتَط ّر ِفني‪ ,‬ونقول‪:‬‬ ‫عم يفعل أمام ربّه"‪.‬‬ ‫دامئا للناس‪ ،‬إ ّن ك ُّل شخص هو املسئول ّ‬ ‫ثت أيضا‪ ،‬إىل األستاذة فريال التجاين كرار‪ ،‬إحدى السيدات‬ ‫تح ّد ُ‬ ‫الناشطات يف ت ْنمية املرأة‪ ،‬من م َدينة ك َ​َسال‪ ،‬وقد عملت وسط النساء‬ ‫يف منطقة همشكوريب ‪ ،‬فقالت‪ ":‬إ ّن العمل يف منطقة همشكوريب‬ ‫صعب جدا ً‪ ،‬خاصة وسط النساء‪,‬فاملرأة هنا تفتقد للتوعية يف كل‬ ‫مناحي الحياة‪ ،‬نِسب ًة لِ ِغياَب التعليم‪ ،‬واملعرفة‪ ،‬وكذلك محدودية حياتها‬ ‫داخل قُرى ال ِنساء‪ ،‬وذلك عىل العكس من الرجال‪ ،‬الذين يُسمح لهم‬ ‫السودان‪.‬‬ ‫بالتعليم والسفر‪ ،‬ومنهم من أتيح له فرصة التعلّيم خارِج ُ‬ ‫فالنساء يف همشكوريب‪ُ َ ،‬ي ّنت يف أثناء الوالدة‪ ،‬لعدم وِجود قَابِالت‬ ‫ُمد ّربَات"‪ .‬وتواصل فريال قائلة ‪“ :‬ذهبنا إىل أحمد بيتاي‪ ،‬الذي كان‬ ‫املنطقة‪ ،‬وطرحنا عليّه ال ِفكْرة‪ ،‬وجمع لنا ِ‬ ‫ُم ْعتَمد ِ‬ ‫الشيوخ وأعيان القبائِل‪،‬‬ ‫واستطعنا أن نُ ْق ِنعهم بتدريب قَابِالت من عند ُهم‪ .‬يف البدء كانوا‬ ‫يتخوفون من أن املرأة إذا تعلّمت‪ ،‬سوف تخرج من قرية النساء‪ ،‬ولك ّن‬ ‫قلنا لهم‪ ،‬نحن سوف نُعلّمه ّن ليك ُيارِس َن املِ ْه َنة داخل قُرا ُه ّن‪ ،‬ويُن ِقذ ّن‬ ‫حياة ال ِنساء أثناء الوِالدة‪ ،‬وكان هذا ردا ً مقنعاً لهم‪ ,‬وبالفعل‪ ،‬ذهبنا إىل‬ ‫إدارة الصحة اإلنجابيّة يف كسال ومدونا بطبيبات للتدريب‪,‬بعدها أقمنا‬

‫معسكرا مقفوال داخل حلة النساء‪ ،‬وقمنا بتدريب( ‪ )80‬امرأة‪ ،‬وكانت‬ ‫فرتة التدريب ستة أشْ ُهر‪ ،‬تتخلّلها فرتة عودة ملدة أسبوع إىل كسال‪ ،‬ك ُّل‬ ‫شهرين‪ ,‬وحتى الطبيبات اُلْ ِز ْم َن بعدم الخُروج من املعسكر‪ .‬كان هذا‬ ‫إنجازا ً كبريا ً‪ ،‬أسهم يف بعض التغيري يف منط الحياة السائد‪ ،‬وذلك بأن‬ ‫تعمل املرأة‪ ،‬حتى وإن كان ذلك داخل أسوار امل ُجتمع املُغْلقة"‪ .‬و تواصل‬ ‫تعيش فيه املرأة‬ ‫فريال قائلة‪ :‬أنها ال تزال م ْه ُمومة بِ ُشْ ِكلة التخّلف الذي ُ‬ ‫يف تلك املنطقة‪ ،‬وتضيف‪ ,‬بحزن‪ ”:‬إن املرأة هناك ال تعرف حتى‪ ,‬كيف‬ ‫َرب أطفالها‪ ..‬إنّها تعيش يف حالة من الجهل والعنت ال ميكن وصفها"‪.‬‬ ‫ت ّ‬ ‫اصابتني احوال النساء يف همشكوريب بحزن عميق‪ .‬فرغم طيبة‬ ‫ولطف أهايل املنطقة‪ ،‬اال ان واقع العزلة املفروضة عيل النساء والفصل‬ ‫القرسي بني الرجال والنساء واالطفال من الزكور يف تصوري هو امر‬ ‫يجاىف طبيعة االشياء ‪ ،‬ويعكس ارتباكاً ُمرِيعاً يف فهم التقاليد والقيم‬ ‫اإلسالمية و قيم وارث الثقافة املحلية أيضا‪ ،‬حيثُ أنّه‪ ،‬ال الدين وال‬ ‫الثقافة املحلية ‪ ،‬قد روجوا ملثل هذا النمط من العزلة والقهر‪ .‬ومام‬ ‫الشك فيه إ ّن امل ُجتمعات التي تفر ُِض ال ُعزل ًة بني النساء والرجال‪ ،‬ومتنع‬ ‫النساء من ُمامرسة ِحق ُوق ُه ّن الطبيِعية واإلنسانِ ّية‪ ،‬هي مجتمعات ت ُعاين‪،‬‬ ‫وسوف تستمر تعاين الكثري من األمراض االجتامعية التي ال سبيل للنجاة‬ ‫منها‪.‬‬

‫عائشة السماني‬

‫‪ 1‬الشيخ عيل بيتاي (وجذوره‬ ‫من قبائل العبدالب الذين‬ ‫استوطنوا بالد البجه)‪ ،‬وولد‬ ‫يف ‪ 21‬سبتمرب العام ‪1930‬م‬ ‫مبنطقة همشكوريب‪ ،‬وتويف‬ ‫يف يناير عام ‪1978‬م ـ‪.‬‬ ‫‪ 2‬لقد قام ببنا طريقة صوفية‬ ‫متشددة أدت إىل تغيري يف‬ ‫منط أسلوب حياة العديد‬ ‫من السكان املحليني من‬ ‫قبائل البجه يف منطقة‬ ‫همشكوريب‪.‬‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪93‬‬


‫اللوحة صالح ابراهيم ‪ -‬السودان‬

‫المرأة في صفوف القتال‬ ‫ما بين جماعات التطرف الديني وجيوش المقاومة‬ ‫يف آخر بريد إلكرتوين بعث به تنظيم الدولة اإلسالمية يف العراق‬ ‫و الشام (داعش) إىل والدي ‪"1‬جيمس فوىل" الصحفي الذي تم أرسه‬ ‫يف سوريا‪ ،‬ذُكر فيه اسم شخصية واحدة باالسم‪ ،‬هي الدكتورة "عافية‬ ‫صديقي"‪ ،‬حيث نص االمييل عيل التايل ‪" :‬لقد قمنا أيضا بتقديم "عرض"‪،‬‬ ‫تبادل سجناء ألجل إخالء سبيل املسلمني املحتجزين حالياً لديكم كأختنا‬ ‫تبي لنا رسيعاً جدا ً عدم‬ ‫الدكتورة عافية صديقى‪ "،‬ثم أضاف "لكن ّ‬ ‫رغبتكم يف "العرض"‪ .‬و ما هي إال و ايام قليلة بعد ذلك‪ ،‬حيث تم ذبح‬ ‫السيد فوىل‪.‬‬

‫سجن (كارسويل) يف والية تكساس األمريكية عندما تقدمت داعش بعرض‬ ‫إلطالق رساحها‪ ،‬فمن الواضح أن التنظيامت املتطرفة مل تنسها‪،‬عىل الرغم‬ ‫من مرور سنوات طويلة عيل اعتقالها يف العام ‪ 2008‬يف منطقة الخازىن‬ ‫بأفغانستان و إدانتها يف يناير ‪ 2010‬يف نيويورك مبحاولة قتل موظفني من‬ ‫الحكومة الفدرالية األمريكية وكمعظم التنظيامت الدوغامئية املتطرفة‬ ‫األخرى فداعش تعترب "عافية صديقي" جهادية بطلة‪.‬‬

‫يف السنوات األخرية أنضم عدد قليل و لكنه متنام من الفتيات‬ ‫املسلامت إىل صفوف تنظيم الدولة اإلسالمية والذي كان يضم حوايل‬ ‫الدكتورة "عافية صديقى"‪ ،‬عاملة أحياء باكستانية كانت مسجونة يف (‪ 2000‬إىل ‪ )3500‬من املقاتلني أو أكرث يف العراق و يف سوريا‪ .‬وتقدر‬

‫‪94‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫ملف العدد‪ :‬النساء داخل المنظومة السلفية‬ ‫رافية زكريا كاتبة و‬ ‫قانونية و مدافعة‬ ‫عن حقوق اإلنسان‬ ‫من الباكستان ‪ .‬من‬ ‫مؤلفاتها‪" ،‬زوجات‬ ‫الطوابق العليا"‪:‬‬ ‫التاريخ الحميم‬ ‫لباكستان (دار نرش‬ ‫بيكون)‪.‬‬

‫نسبة املجندين من األجانب القادمني من أوربا وامريكا واسرتاليا ‪,‬بحوايل‬ ‫أكرث من ‪ 200‬و ترتاوح نسبة أعامر الغالبية منهم ما بني ‪ 25-18‬سنة‪.‬‬ ‫متثل نسبة النساء فيهم حوايل أل ‪ , %10‬و لعل السؤال الذي يطرح‬ ‫نفسه هنا‪،‬‬ ‫هو كيف أصبحت داعش جاذبة للعنصر النسائي‪ ,‬وعلى‬ ‫وجهه الخصوص القادم من البلدان الغربية ‪،‬‬

‫و التي من املفرتض أنها مجتمعات تتمتع (بالعلامنية) وبالحريات‬ ‫املدنية ‪ ،‬وكذلك ملاذا تستجيب النساء لنداء تنظيم معروف عنه كرهه‬ ‫للنساء و إساءة معاملتهن؟‬ ‫عىل الرغم من أن عافية صديقي نفسها مل تكن عضوا ً بتنظيم داعش‪،‬‬ ‫فقد متت إدانتها و حبسها قبل ظهور التنظيم إىل الوجود‪ ،‬إال أنها مع‬ ‫ذلك متثل منوذجاً للمرأة "املسلمة املقاتلة" التي يحتفي بها الجهاديني‬ ‫املتطرفني يف مناطق مختلفة من العامل‪ .‬و ألنها امرأة مسلمة ذات تعليم‬ ‫عا ِل‪ ،‬مثل رفضها ملا اعتربته (حرية غربية) حجة قوية وجاذبة ميكن‬ ‫أن تطرحها تنظيامت جهادية مثل داعش الستقطاب النساء‪ ،‬حني و إن‬ ‫كانت تلك الحجة مثرية للجدل ومرتبكة من نواحي مفاهمية ‪.‬‬ ‫و مثلما جذبت داعش لفيف من النساء إلى صفوفها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فهناك أيضا أخريات ممن اخترن االنضمام إلى‬ ‫معسكر مقاومتها‪.‬‬

‫فعىل سبيل املثال‪ ,‬عندما شنت بعض الدول العربية أوىل رضباتها‬ ‫ضد داعش‪ ،‬عرفنا أن اللواء ( مريم املنصوري ) وهى أول امرأة‪-‬تنتسب‬ ‫إىل قوات الدفاع الجوى اإلمارايت كانت هي القائدة لتلك العمليات‪ .‬و‬ ‫هناك أيضاً (مقاتالت البشمرقة) الكرديات والاليت راج الحديث عن‬ ‫جاملهن و قوتهن البدنية اليشء الذي قاد إىل االفرتاض الشائع يف أن‬ ‫مقاتالت البشمرقة سافرات و ملتزمات باملساواة بني الجنسني و غري‬ ‫هيابات‪ .‬و هي ذات الصور التي قام اإلعالم الغريب بتعظيمها ألنها تضع‬ ‫مقاتالت البشمرقة يف الخانة الصحيحة يف جدل الحرب ضد التطرف و‬ ‫اضطهاد املرأة‪ .‬و عىل النقيض من ذلك يتم تصوير النساء املقاتالت مع‬ ‫داعش عىل إنهن قد تم التغرير بهن عرب وسائل التواصل االجتامعي أو‬ ‫خداعهن عن طريق "رومانسية كاذبة" لقبول أفكار الحرب الدينية‪ .‬لكن‬ ‫هذه املضاهاة بني البطالت الحسناوات الاليئ يحتفي اإلعالم الغريب بهن‪،‬‬ ‫من ناحية و املقاتالت املقهورات الاليئ يجب (تحريرهن)‪ ،‬من الناحية‬ ‫األخرى‪ ،‬إمنا تعرب يف األساس عن منظور الواليات املتحدة األمريكية و‬ ‫حلفاؤها وتصوراتهم تجاه البلدان اإلسالمية ‪ .‬وهذا املنظور بالتحديد‬ ‫هو ما قاد إىل فشل القوى الغربية يف إدراك إن املوقفني املتصالح‬ ‫والرافض لتنظيم الدولة اإلسالمية ال يرتكزان عىل التناقض مع الغرب‬ ‫و إمنا عىل الحوار معه‪.‬‬

‫و تجتهد ( دابق ) الصحيفة الناطقة باللغة االنجليزية واملتحدثة‬ ‫باسم داعش؛ تجتهد يف عرض صور ملقاتلني من أعراق مختلفة قادمني‬ ‫من دول عديدة من العامل ‪ ،‬كل ذلك لتؤكد عىل عدم أهمية املرجعيات‬ ‫العرقية يف أوساطها‪ .‬إذن فهل من الجائز أن يكون انجذاب بعض‬ ‫النساء إىل داعش ليس بسبب أنهن مخدوعات و لكن رمبا قد تكون‬ ‫رؤية داعش السياسية قادرة عىل تقديم حلوال لبعض مشاكلهن؟ ففي‬ ‫نهاية األمر حتام ستتمكن املجندات من النساء اكتشاف أن (اليوتوبيا‬ ‫االسالمية) التي تطرحها داعش ليست سوى رضب من رضوب الخيال و‬ ‫أن متكني املرأة يف داخل تنظيم الدولة ما هو إال مجرد هراء و مع ذلك‬ ‫فإن انضامم بعض النساء إىل داعش قد يُفهم كخيار سيايس يتم اتخاذه‬ ‫نتيجة عوامل متعددة‪.‬‬ ‫عافية ِصديقى ‪ -‬امرأة سلفية من طراز مختلف ‪:‬‬ ‫هجرت عافية صديقى موطنها األصيل يف باكستان للدراسة يف‬ ‫الواليات املتحدة االمريكية‪,‬و خالل سنوات دراستها يف معهد‬ ‫"ماشاسوتس" للتكنولوجيا العريق و من بعد ذلك ىف "برانديس"‪,‬‬ ‫حرصت "عافية" تعاملها االجتامعي عيل الجمعيات اإلسالمية لناشطة‬ ‫يف الواليات املتحدة‪ .‬وكانت تشارك يف جمع التربعات للمقاتلني يف‬ ‫مناطق الحروب يف "البوسنة" و "أفغانستان"‪.‬‬ ‫يف أكتوبر ‪ 1995‬وافقت "عافية" عىل الزواج من امجد‪ ،‬الرجل الذي‬ ‫تم اختياره لها بواسطة والديها و هو طبيب شاب ومن أرسة عريقة‬ ‫من باكستان‪ .‬وعىل الرغم من تدينه إال انه مل يكن ناشطاً سياسيا‬ ‫أو ملتزماً بأي من األفكار الجهادية‪ ،‬تلك األفكار التي متثل أهمية‬ ‫كبرية يف حياة "عافية" و‪.‬يتضح من سرية "عافية" التي قامت بتسطريها‬ ‫( ديبورا إيكروجنز )‪ ،‬أن زواجها املرتب من امجد مل يكن متناغام‪ ٢‬و‬ ‫أنها مل تكن راضية عن مسئولياتها املنزلية يف الوقت الذي كانت تعمل‬ ‫فيه للحصول عىل درجة الدكتوراه‪ .‬لذلك وبعد إنجابها لطفلتها األوىل‬ ‫احتجت عافية عيل مسئوليات األمومة التي رأت أنها قد حرمتها من‬ ‫طموحاتها السياسية و حضور اجتامعات الجامعة الجهادية التي كانت‬ ‫تنتمي إليها‪.‬‬

‫اشتهرت "عافية" مبواقفها املناهضة للدور التقليدي للمرأة‪ ،‬وهو‬ ‫ذات املوقف الذي دفع بها و زوجها يف ‪ 2002‬إىل اللجوء إىل شيخ من‬ ‫شيوخ الطريقة الديوباندية‪ ٣‬السنية ىف مدينة كراتيش للمساعدة يف حل‬ ‫مشاكلهم الزوجية‪ .‬و قد أمرها املفتى األكرب‪( ،‬راىف عثامىن)‪ ،‬بالتنحي‬ ‫عن االنشغال بقضايا الجهاد و الرتكيز عىل األرسة‪ .‬و لكن عافية رفضت‬ ‫فتوى املفتى األكرب‪ ،‬بل وأكرث من ذلك قامت ومن وراء حجابها بفعل‬ ‫غري معهود من امرأة ورعة ‪ ،‬و ذلك بأن جادلت املفتى و بيّنت تناقضه‬ ‫بعد أن استدعت فتاوى من شيخ معروف مبواقفه الجهادية املتشددة‬ ‫وهو الشيخ (عبدالله يوسف ع ّزام) الذي أعترب الجهاد "التزام مجتمعي‬ ‫مفروض عىل كل مسلم ومسلمة "‪,٤‬وقد بررت "عافية" موقفها املناهض‬ ‫تزعم داعش ىف العديد من منشوراتها بأنها قد متكنت من خلق لسلطة الرجل الدينية بالتزامها بالجهاد أكرث من املفتى نفسه ‪ .‬وهذا‬ ‫مجتمع متجاوز للقومية و العرقية يتسم بالعدالة املثالية و تحكمه املوقف مشابه ملا يتبناه مجاهدو داعش‪ ،‬فقد اختلفوا مع رجال‬ ‫التقاليد اإلسالمية‪ ,‬أما ما ينترش من صور بشعة للقتىل من النساء و الدين التقليديني ممثلني يف عدد من الشيوخ الذين قاموا بانتقاد داعش‬ ‫االطفال فان داعش تزعم بأنهم ضحايا للقصف األمرييك والغريب‪.‬‬ ‫إلساءتها تفسري القران ‪،‬بل انه وىف أكتوبر ‪ 2015‬وقّع أكرث من "مائة‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪95‬‬


‫شيخ" خطاب مفتوح موجه إىل التنظيم يعرب عن إدانة رصيحة للتنظيم‬ ‫النحرافه عن جادة الرشيعة و لتعريفه الفضفاض ملفهوم الجهاد و لعدم‬ ‫رشعية سياسة التنظيم يف قتل أفرادا من األقليات الدينية‪.‬‬ ‫حول مسألة النسائية االسالموية‪:‬‬ ‫كانت "عافية صديقى" تطمح الن تصبح قائدة لـ "بنات عائشة" الجناح‬ ‫النسوى لـ "جيش محمد"‪( ،‬التنظيم الجهادي الباكستاين)‪ ,‬و بالطبع فإن‬ ‫القيادة النسائية يف مثل هذه التنظيامت محصورة عىل النساء فقط و‬ ‫ذلك ينبع من املنظور اإلسالمي التقليدي و الذي ينظر إىل دور النساء‬ ‫كمك ّمل للرجل و ليس مساوياً له وفقا لرؤية تلك التنظيامت ‪ ،‬وهو‬ ‫منظور يناقض منوذج املساواة السائد يف الكثري من بلدان العامل‪.‬‬ ‫هذا التمييز يمثل موقف جدل دائر وسط النساء‬ ‫المسلمات حول طبيعة العالقات الجندرية في‬ ‫المجتمعات المسلمة‪ ،‬و ما هي شروط العالقة من‬ ‫منظور إسالمي‪.‬‬

‫و يف هذا الصدد تقول األكادميية عائشة هداية الله‪ :‬إن اتجاه بعض‬ ‫النسويات اإلسالميات نحو محاولة تفسري القران يف ظل السياق‬ ‫التاريخي الذي نزل فيه أو بالرتكيز عىل رأفة أو تعاطف أو عدالة اإلسالم‪،‬‬ ‫تحتاج للكثري من التأمل ‪٥‬واملراجعة‪ .‬و تساءلت حول ما إذا كانت القيادة‬ ‫يف اإلسالم مشرتكة بني الرجال و النساء أم منفصلة بحيث تنحرص سلطة‬ ‫القيادة النسائية عىل فصيلة النساء فقط‪ .‬و يف ظل هذا الجدل السائد‬ ‫يبدو أن منوذج القيادة املنفصلة متاماً و املامرسة بواسطة داعش ‪ ،‬يبدو‬ ‫أنها جاذبة بالنسبة للنساء تجاه تنظيم الدولة اإلسالمية‪ .‬و لعل الرشطة‬ ‫النسائية يف تنظيم داعش املعروفة بـ "كتيبة الخنساء" املنوط بها ضبط‬ ‫سلوك النساء يف منطقة (الرقة) خري منوذج للقيادة املنفصلة‪,‬فقد ذكرت‬ ‫( االتالنتك ) يف تقرير لها أن للكتيبة مرافقها املنفصلة و ذلك ملنع أي‬ ‫اختالط محتمل بني الرجال و النساء‪.‬‬

‫فالجامعات من أمثال داعش تهتم يف األساس بطرح نفسها كنموذج‬ ‫بديل للهيمنة الغربية أكرث من العمل عىل تحرير املرأة بأي شكل كان‪.‬‬ ‫فالقياديات من النساء يف داعش ليست لهن القدرة عىل القيام بأي فعل‬ ‫من شأنه منع املقاتلني الرجال من مامرسة أبشع االنتهاكات الجنسية‬ ‫عىل النساء الاليئ يقعن يف أرسهم أو الوقوف ضد العنف ضد النساء‬ ‫من داخل وخارج التنظيم‪ .‬و ال يتم تحد للدور التقليدي للمرأة عند‬ ‫داعش أو الجامعات األخرى الشبيهة إال إذا كان ذلك يصب يف مصلحة‬ ‫النشاط الجهادي‪" ،‬فعافية صديقى" مل تواجهها أي مشكلة يف حضور‬ ‫اجتامعات مع رجال أو مخاطبة تجمعات بها رجال غرباء الن أنشطتها‬ ‫كانت تنصب يف خدمة مصالح التنظيم السياسية‪ .‬ومن ناحية أخرى تربر‬ ‫عافية صديقي هذه القطيعة مع الدور التقليدي للمرأة" بأنها‪ " :‬رضورية‬ ‫لخدمة الجهاد"‪.‬‬ ‫و ينحرص الدور الرئييس ل "كتيبة الخنساء" ( الرشطة النسائية يف‬ ‫تنظيم داعش) يف مراقبة و تأديب النساء‪ ،‬حيث تقوم عنارص الكتيبة‬ ‫بجر‪ -‬النساء غري املغطيات رؤوسهن بشكل كامل أو الاليئ يتواجدن يف‬ ‫األماكن العامة ومن غري محرم و تقوم لكتيبة مبعاقبتهن النحرافهن عن‬ ‫رؤية داعش ملفهوم السلوك اإلسالمي املطلوب من املرأة إتباعه و ذلك‬ ‫بحبسهن لساعات طويلة‪ .‬و "كتيبة الخنساء" وهى تقوم بدور الرشطي‬ ‫املخصص للنساء‪ ,‬إمنا تعمل عىل تأصيل قيم و أحكام ( البطريركية )‬ ‫التي تدعو لها داعش‪ ,‬فليس لها الحق أو القدرة عىل تحدى سياسات‬ ‫أو مامرسة ( كره النساء ) التي تتبناها داعش‪ ،‬فلم يسمح ألي امرأة‬ ‫بالتدخل عندما قامت داعش بقتل امرأة رجام يف ميدان عام بتهمة‬ ‫ارتكابها جرمية دعارة يف أكتوبر ‪.2014‬‬

‫وأخريا ً‪ ،‬فإن مبدأ التكاملية يستخدم لكبح أي تحديات تصدر من النساء‬ ‫الاليئ يطمحن ألن يكن لهن دورا ً يتجاوز دورهن كخدم لقوى القهر‪,‬‬ ‫فهل كان ابوبكر البغدادي الذي عني نفسه خليفة لداعش‪،‬سيتسامح‬ ‫مع امرأة عىل شاكلة "عافية صديقي" إذا قامت باالعرتاض عىل مقوالته‬ ‫بصورة مبارشة عىل النحو الذي حدث مع املفتى يف كراتيش؟ ال شك يف‬ ‫أنه و انطالقا من مبدأ التكاملية‪ ,‬كان سيقوم بإخراس صوتها ألنها ليس‬ ‫و يذكر ابو احمد احد مسئويل داعش يف منطقة الرقة‪ " :‬أن الجهاد لها أي سلطة تخولها يف أن تخربه أو زوجها مباهية فروض الجهاد‪.‬‬ ‫ليس واجبا يقوم به الرجال فقط‪ ،‬فعىل النساء أداء أدوارهن أيضا‪.‬‬ ‫تجاوز حدود الدولة القطرية و الهروب من تعقيدات الهو ّية‪:‬‬ ‫هذا املوقف ميثل "التكاملية" يف أبهى صورها‪ :‬فهو من ناحية يربر حالة‬ ‫الفصل النوعي و لكنه يف ذات الوقت يوفر طريقة للصعود إىل موقع‬ ‫إحدى أفكار داعش املعلنة تتمثل يف سياستها القاضية بفتح حدود‬ ‫القيادة بالنسبة للمجاهدات الشابات الاليئ يطمحن إىل القيادة‪.‬‬ ‫دولتها لكل مسلم يود الهجرة إىل مناطق نفوذها‪ .‬و لعله بالنسبة لبعض‬ ‫تحديات ورشوخ يف مرشوعية القيادة النسائية يف داخل املرشوع النساء فإن ما تدعو له داعش يوفر لهن مخرجاً للهروب من الدول‬ ‫التي تتطلب فيها املساواة يف املواطنة رشوطا علامنية ال تأخذ الدين يف‬ ‫السلفي‬ ‫االعتبار بل وتحاول تهميشه ونفيه‪ .‬ومن هذا املنظور يتضح جل ّياً السبب‬ ‫جدير بالذكر إن إثارة مبدأ القيادة النسائية مع الفصل الذي من اجله تشجب داعش الهوية القومية و تفضل يف املقابل هوية‬ ‫قامئة عىل العقيدة تتجاوز الحدود عىل نحو فج‪.‬‬ ‫بين الجنسين هو ببساطة إلعطاء المشروع‬ ‫الجهادي شرعية إسالمية و إكسابه المزيد من‬ ‫الترويج واإلعالم تحديدا في أوساط الشباب‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫و تكتب "أُم ليث" احد القيادات النسائية يف تنظيم داعش يف‬


‫ملف العدد‪ :‬النساء داخل المنظومة السلفية‬

‫صفحتها عيل االنرتنت "بأنه يف مناطق نفوذ داعش ال تتعرض املرأة‬ ‫املسلمة للسخرية بسبب ارتدائها الزى اإلسالمي و عىل العكس من ذلك‬ ‫تجد املرأة االحرتام و التقدير"‪.‬‬ ‫الجدير باملالحظة هو انه بالنسبة لبعض النساء فإن داعش توفر شكل‬ ‫خاص من التحرر من قيم البطريركية و العادات الثقافية‪ ،‬لبعض النساء‬ ‫ففي أفغانستان أو باكستان من النادر أن تتمكن "األرملة" أو "املطلقة"‬ ‫من الزواج مرة أخرى؛ حيث يُفضل زواج العذراء‪ .‬و لكن يف مناطق‬ ‫نفوذ الجهاديني تتغري هذه العادة‪ ،‬فاألرملة لها وضع مغاير حيث يكرث‬ ‫عدد األرامل بسبب إرتقاع نسبة الوفيات وسط املجاهدين‪ ،‬فرسعان ما‬ ‫تتزوج مرة أخرى بعد وفاة زوجها‪ ،‬وذلك الن املرأة الورعة وفق مفاهيم‬ ‫التنظيم يجب أن تسهم يف الجهاد باالقرتان بأحد املجاهدين‪.‬‬ ‫و نسبة الن قضية تحرير المرأة قد استخدمت لتبرير‬ ‫االعتداءات األمريكية على أفغانستان و العراق‪ ،‬فإن‬ ‫الجماعات من أمثال داعش التى تعارض مثل هذه‬ ‫التدخالت بشدة تجد قدرا من الشرعية لدعواها ‪،‬‬

‫استدعاء تجربتها بغرض فهم سبب تبنيها و األخريات ألفكار الجهاد‬ ‫املتطرفة‪ .‬كام انه البد من رضورة اإلملام بتداخل العوامل الثقافية و‬ ‫الدينية و السياسية يف حياتهن فمستوى "التحرر" الذي يقدمه تنظيم‬ ‫مثل داعش يبدو و كأنه يوفر سبيالً للهروب من الوضع الهاميش لإلسالم‬ ‫واملسلمني يف الغرب و كذلك من قيود العادات الثقافية وتقاليد األرس‬ ‫املمتدة السائدة يف العديد من بلدان املسلمني‪ .‬كام أن أجندة التنظيم‬ ‫تقدم و بصفة أساسية استجابة مرشوعة ملقاومة جرائم الحروب بقيادة‬ ‫أمريكا و التي بدالً عن اإليفاء بوعدها يف دعم املساواة والرفاهية جلبت‬ ‫معها دمارا ً شامالً‪ .‬إذ انه و بدون معرفة وفهم كنه األسباب التي دفعت‬ ‫ببعض النساء لنذر أنفسهن لداعش فلن نتمكن من فهم قوة جذب‬ ‫داعش ووعدها الخادع‪.‬‬

‫كتبت ‪ :‬رافية زكريا‬

‫من االنجليزية ‪ :‬محمد عثمان الفكي‬

‫متت إعادة طباعة هذا املقال مبوافقة‪ ،‬من دار مطبوعات جامعة‬ ‫و هو اليشء الذي ال يتوفر بالنسبة للنسوية العلامنية يف تلك البلدان‪،‬‬ ‫و التي (أي النسوية العلامنية) تتعرض لهجوم مستمر بسبب ارتكازها بنسلفانيا والذي قامت بنرشة ىف نرشتها الشتوية للعام ‪ .2015‬النسخة‬ ‫عيل التصورات الغربية و بسبب اتهامها بأنها تخدم أجندة االحتالل املنشورة لهذا املقال هي نسخة منقولة من مجلة ديسنت االلكرتونية‪:‬‬ ‫‪.www.dissentmagazine.org‬‬ ‫األجنبي‪.‬‬ ‫ففي زمن يسود فيه الخوف من اإلسالم "االسالموفوبيا" و التطرف‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬تصبح الحركات الجهادية ظواهر معقدة‪ ،‬فهي من ناحية‬ ‫تكتسب رشعيتها من مقاومة التدخل الغريب؛ لكنها يف ذات الوقت‬ ‫تكون سببا للمحن التي تحيق ببالد املسلمني؛ ومن الناحية األخرى‪ .‬إن‬ ‫رفض فكرة املساواة بني الرجل و املرأة وفق الرشوط الغربية ال تقود‬ ‫بالرضورة الن يصبح الشخص مجاهدا‪ ،‬كام أن االعرتاض عيل التهميش‬ ‫الثقايف والتدخالت األجنبية ال يجعل من املرء مؤيدا ً لداعش‪ .‬فعىل‬ ‫العكس من ذلك‪ ,‬فقد قام الجهاديني باضطهاد املاليني من النساء‬ ‫املسلامت والرجال املسلمني من مختلف أنحاء العامل و قتل اآلالف‬ ‫منهن ومنهم‪ .‬وغالبية املسلمون يف مختلف أنحاء العامل يستنكرون‬ ‫التطرف باسم اإلسالم ويدعون إىل السالم و املساواة و إلغاء التمييز ضد‬ ‫النساء وغري املسلمني‪.‬‬ ‫ذكر احد ضيوف تلفزيون "باكستان" من ذوى امليول السلفية ‪ :‬أن‬ ‫"عافية" بطلة وسط املتعلامت" موضحاً ‪,‬أن اختيارها الجهاد مل يكن‬ ‫بسبب تغرير ايديولجي ساذج و لكنه موقف عرب عن موقف سيايس‬ ‫واضح أُتخذ بناءا عىل معرفة تامة مبستوى املخاطر التي يتضمنه هذا‬ ‫االختيار‪.‬‬ ‫و مل تكن عاملة اإلحياء وإالم و التي تقبع اآلن يف سجن كارسويل‬ ‫يف والية تكساس يوماً عضوه يف تنظيم داعش‪ ,‬و لكن كان البد من‬

‫‪ 1‬صحفي أمرييك ومصور‬ ‫تم اختطافه وقتلة بواسطة‬ ‫تنظيم الدولة اإلسالمية يف‬ ‫سوريا يف اثنا توثيقه ملجريات‬ ‫الحرب يف سوريا‬ ‫‪ ٢‬سكورجن‪ ،‬ديبوره‪ .‬نساء‬ ‫مطلوبات – العقيدة و‬ ‫االكاذيب و الحرب ضد‬ ‫االرهاب‪ :‬حياة آيان هريىس‬ ‫عىل و عافية صديقى‪.‬‬ ‫نيويورك‪ :‬نارشو هاربر كولنز‪،‬‬ ‫‪.2012‬‬ ‫‪ ٣‬الديوبنديَّة مدرسة فكرية‬ ‫سنية أسسها مجموعة من‬ ‫علامء الهند وتنسب إىل‬ ‫بلدة دیوبند‪ ،‬والتي تحتضن‬ ‫جامعة دار العلوم‪.‬‬ ‫‪ ٤‬سكورجنز‪ ،‬نساء مطلوبات‪،‬‬ ‫‪.197‬‬ ‫‪ ٥‬هداية الله‪ ،‬عائشة‪.‬‬ ‫حدود النسوية ىف القرآن‪.‬‬ ‫اوكسفورد‪ :‬دار نرش جامعة‬ ‫اوكسفورد‪.2014 ،‬‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪97‬‬


‫تمبكتو‬ ‫ّ‬ ‫قص ٌة عنّا‬

‫يدعي املتشددون اإلسالميون أنّهم ميتلكون الحقيقة املطلقة‪ ،‬ويستخدمون هذا‬ ‫االعتقاد لتربير العنف والتعدي الرشس عيل اآلخرين‪ ,‬ففي عقيدتهم ال توجد مساحة‬ ‫للتن ُّوع واالختالف او أي من قيم التسامح واحرتام فردانية البرش‪ .‬تناقش هالة الكارب‪،‬‬ ‫نهج اإلسالميني السياسيني املتشددين‪ ،‬معتمد ًة عىل فلم "متبكتو" الفيلم الحائز عىل جائزة‬ ‫مهرجان كان السيناميئ للعام ‪.2014‬‬ ‫فلم (متبكتو) للمخرج السيناميئ املوريتاين‬ ‫"عبدالرحمن سيساكو"‪ ،‬يستكشف بدق ٍة‪ ,‬مستفزة ‪،‬‬ ‫الحياة تحت سطوة قوى االسالم السيايس املتطرفة و‬ ‫يص ّور حالة سكان حارضة (متبكتو) وقد أصبحوا رهائن‬ ‫لحركة جامعة "أنصار الدين" املتش ّددة و الذين هدم‬ ‫عنفهم وسلوكهم السلطوي‪ ،‬تقاليد التسامح والسلم‬ ‫املمتدة التي اتسم بها أهايل شامل مايل ومدينة "متبكتو"‬ ‫العتيدة‪ .‬ييضء فلم "سيساكو"‪ ،‬كيف يقيض التطرف‬ ‫الديني عيل قيم الحياة الثقافية واالجتامعية وكيف وصالحيات لرتهيب السكان املحليني وتق ّويض وهدم اإلرث الثقايف‬ ‫يغلق منافذ وطرق التعايش السلمي بني املجتمعات‪.‬‬ ‫واالجتامعي لإلقليم‪.‬‬ ‫عندما ظهر اإلسالم يف القرن السابع‪ ،‬دعا أوائل املؤمنني‬ ‫حينام شاهدت فلم (متبكتو) مع ابنتي البالغة من العمر ‪ 18‬ربيعاً‪،‬‬ ‫إىل العدل واملساواة ومتكني الفقراء‪ ،‬عىل أمل تحسني شعرنا نحن االثنتني بأهل شامل مايل‪ ،‬وتواصلنا مع معاناتهم واالرتباك‬ ‫حل مبنطقتهم‪.‬‬ ‫حياة سكان شبه الجزيرة العربية‪ .‬هذه هي بالتحديد الذي حدث لهم يف مواجهة االحتالل التخريبي الذي ّ‬ ‫القيم التي صنعت املالذ الفكري للعلامء املسلمني يف شامل مايل‪.‬‬ ‫وألننا نحن االثنتني (أنا وابنتي)‪ ,‬عشنا لسنوات يف بيئة مامثلة يف‬ ‫السودان‪ ،‬نعرف متاما ما يحدث للشعوب عندما تتم مصادرة الحريات‬ ‫الشخصية ويصبح تجريم املدنيني حقيقة يومية معاشة‪.‬‬ ‫لعدة قرون‪ ،‬لعبت حاضرة "تمبكتو" دوراً مهماً في‬ ‫انتشار المعارف اإلسالمية في أفريقيا‪ ،‬من خالل‬ ‫مؤسسات راسخة لتدريس التقاليد اإلسالمية ‪،‬‬

‫مثل جامعة "سانكورى" املرموقة والتي بنتها امرأة ثرية من "متبكتو"‬ ‫يف القرن أل ‪ 15‬امليالدي و املساجد القدمية أمثال ” مسجد جينيه‬ ‫الكبري” وسيدى يحيى”‪ ،‬والذين ال يزاال صامدين يذكران بالعرص الذهبي‬ ‫للمدينة‪.‬‬ ‫طوال تاريخها املمتد ومنذ ان وجدت يف القرن أل ‪ 11‬امليالدي‪ ،‬لعبت‬ ‫"متبكتو" دورا ً مهام كوسيط مفاوض لصالح انتشار الدين االسالمي‬ ‫يف افريقيا وذلك خالل مواءمة دقيقة ما بني التقاليد العرب‪-‬اسالمية‬ ‫الوافدة والثقافة األفريقية الحاضنة‪ ،‬فأسست لنفسها مكاناً مرموقا‬ ‫ومتفردا ً ً كمركز إسالمي أفريقي‪ .‬وعىل الرغم من هذا الرتاث العتيق‪ ،‬اال‬ ‫ان اإلقليم مل ينجو من التأثري املمتد لقوى االسالم السيايس وجامعات‬ ‫التطرف الديني والتي غزت بأيدولوجيتها الهدامة مناطق شامل افريقيا‬ ‫يف العقود االخرية من القرن العرشين‪ ،‬حيث تحولت تلك الجامعات‬ ‫الحقا مثل جامعة "أنصار الدين" إيل مليشيات مسلحة‪ ،‬وهى التي‬ ‫عملت باستمرار عىل بسط سيطرتها عىل السكان يف مناطق شاميل‬ ‫مايل وعىل األخص عيل فئة الشباب وإغرائهم مبنحهم سلطة مطلقة‬

‫‪98‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫الشرطة األخالقية هي دائماً األداة الرئيسة والمحورية‬ ‫التي يستخدمها سدنة االسالم السياسي لقهر‬ ‫وتقويض وهزيمة كل فرص المقاومة السلمية في‬ ‫المجتمعات التي تقع تحت سيطرتهم‪.‬‬

‫و كام هو ظاهر يف الفلم‪ ،‬نري هؤالء الرجال‪ ,‬يصاحبهم الصبية‬ ‫ضعاف البنية واملتوترين دوماً يتج ّولون ببنادقهم يف أرجاء املدينة بحثاً‬ ‫عن ضحايا محتملني‪ ،‬عىل شاكلة رجال ونساء يضحكون مع بعضهم‬ ‫البعض‪ ،‬أو أشخاص‪ ,‬رمبا يكون جرمهم الوحيد هو االستامع للموسيقى‪.‬‬ ‫لقد الحظت دوماً القدرة املهولة للدوغامئيني اإلسالميني عيل تأسيس‬ ‫سطوتهم بحرمان الناس وبصورة منهجية ومنظمة من تفاعالتهم‬ ‫االجتامعية الطبيعية وكذلك معاداتهم الجذرية لكل مظاهر اإلرث‬ ‫الثقايف للشعوب والسعي الجتثاث الثقافة من جذورها‪ .‬وعليه تتحول‬ ‫مامرسات يومية إنسانية عادية كالرقص والغناء واللعب‪ ،‬أو حتي مج ّرد‬ ‫تناول فنجان من القهوة إيل جرائم يُعاقب عليها‪.‬هذه الدوغامئية التي‬ ‫تستخدم الدين للسيطرة عيل كل واردة وشاردة يف الحياة اليومية‪،‬‬ ‫متلك أن تقوض كل فرص السعادة وامكانيات الحياة االمنة يف أي مجتمع‬ ‫من املجتمعات‪.‬‬


‫ملف العدد‪ :‬النساء داخل المنظومة السلفية‬ ‫باألمل يف مستقبل أفضل‪.‬‬ ‫هالة يسن الكارب‬ ‫باحثة وناشطة يف‬ ‫ل‬ ‫الجماعات المسلحة المتطرفة تستغل و بشك ٍ‬ ‫مجاالت الحقوق‬ ‫منهجي حقائق الفقر وغضب الشباب الذى تغذية‬ ‫والتنمية االجتامعية‬ ‫المرارات التاريخية‪،‬‬ ‫من السودان‪ .‬مديرة‬ ‫املبادرة االسرتاتيجية‬ ‫وتستثمر كذلك يف ضعف املؤسسات العقائدية التقليدية التي لنساء القرن األفريقي‬ ‫أصابها الكساد وصارت مجرد ادوات يف أيدى اصحاب السلط‪ ،‬بهدف ورئيسة تحرير دورية‬ ‫تحقيق مصالحهم‪ ،‬ومتديد جذورهم‪.‬‬ ‫املرأة يف االسالم‬ ‫يف مايل‪ ،‬هناك أثنية "الطوارق" ال ُر ّحل‪ ،‬والتي تتم ّدد حدودها ىف أجزاء‬ ‫من الدول املجاورة يف اإلقليم‪ ،‬كدولتي النيجر و الجزائر و طاملا شكا‬ ‫الطوارق من إهامل الحكومة املركزية وتهميشها لهم‪.‬الحركة الوطنية‬ ‫لتحرير " أزواد " ‪ ،‬هي جامعة ذات جذور علامنية تحررية أسست يف‬ ‫عام ‪ 2010‬وهى حركة ت ُطالب باالستقالل وتسعى لقيام دولة الطوارق‬ ‫يف شامل مايل‪ .‬هذه الحركة يف نهاية املطاف دخلت يف تحالف مع‬ ‫مليشيات أنصار الدين وحلفائهم من املجموعات املتطرفة يف غرب‬ ‫وشامل أفريقيا‪ .‬فام كان قد بدأ يف البداية وكأنّه سعى عادل من أجل‬ ‫تحقيق وطن‪ ،‬رسعان ما تح ّول ايل غزو رشس وتهديد اقليمي أ ْودَى‬ ‫بعدالة مرشوع الدولة املرتقب‪.‬‬

‫املعبة يف فلم "متبكتو"‪ ،‬ذلك املشهد الذي يُص ّور املرأة‬ ‫من املشاهد ّ‬ ‫التي تبيع السمك ىف السوق‪ ،‬وقد أُجربت عىل ارتداء القفازات وهى‬ ‫تتساءل حول عبثية الوضع؟ قائلة‪" :‬كيف يل أن أُنظّف سميك و اكسب‬ ‫عييش والقفازات يف يدي ؟"‪ .‬الجدير بالذكر هنا أنه وحتى تاريخه‪،‬‬ ‫ت ُجرب النساء بواسطة رشطة االخالق عىل ارتداء الجوارب يف العديد من‬ ‫املناطق يف السودان‪ .‬ويف الصومال يف املناطق التي ت ُسيطر عليها (حركة‬ ‫الشباب) تؤمر النساء بارتداء الجوارب الحمراء خالل أيام الحيض‪ ،‬كام‬ ‫تُ نع النساء بتاتا من ارتداء حامالت الصدر ”الستيانة” "والكعب العايل"‬ ‫باعتبارهام مظاهر للخداع‪ .‬ويف كال البلدين‪ ،‬السودان والصومال حيث‬ ‫كان الرقص املختلط ضمن التقاليد الثقافية الراسخة‪’ ،‬مينع أالن الرقص‬ ‫املختلط وت ُجرم التجمعات التي تضم النساء والرجال يف االماكن العامة‬ ‫او الخاصة‪.‬‬ ‫يعكس الفلم أيضا وبطريقة مبدعة وواقعية في‬ ‫نفس الوقت أثار وحشية وعبثية النظام العقائدي‬ ‫علي الناس العاديين فالمهرب الوحيد‪ ,‬عادة ما يكون‬ ‫إمّا الموت أو الجنون‪.‬‬

‫املوت يحدث بوحشية وبشكل عشواىئ‪ ،‬كام ىف حالة إثنني من‬ ‫الشخصيات الرئيسة‪ ،‬ساتوما و كيداىن‪ ،‬قتال برصاص بندقية”أ‪ .‬ك ‪ ”47‬و‬ ‫الجنون يحدث كام هو الحال بالنسبة لشخصية (زابو) و التي خلقت‬ ‫عاملها الخيايل الخاص للهروب من عناء احتامل الرعب والخوف‪.‬‬ ‫وبرغم املشاهد الدرامية يف الفلم والتي تعكس صدمة السكان‬ ‫املحليني جراء سيطرة الجامعات املتطرفة عىل منطقتهم‪ ،‬فمن من املهم‬ ‫االعرتاف بأن التطرف الديني ال ينشأ من ال يش ولكنه يستثمر يف تواضع‬ ‫معارفنا وهشاشة مجتمعاتنا‪ ،‬والتي عجزت عن اقامة منظومة اجتامعية‬ ‫وسياسية متامسكة يجد فيها الكل غايته ومكانه أو أن تز ّود فئة الشباب‬

‫الفلم "تمبكتو" يحكى قصة أولئك الرجال الذين تمكنوا من السيطرة على‬ ‫ُجسد الحياة اليومية تحت حكمهم‪،‬‬ ‫شمال مالي لفترة قصيرة في عام ‪ 2012‬و ي ّ‬

‫رشاستهم‪ ,‬وارتباكهم‪ ,‬وفشلهم حني يف االرتقاء إىل مستوى القيم‬ ‫املتطرفة التي يسعون لتطبيقها عيل السكان املحليني‪ .‬عبد الكريم‪ ،‬واحد‬ ‫يص ّوره الفلم وهو يتسلّل للخارج ل ُيدخّن‪ ،‬ذلكم‬ ‫من قيادات أنصار الدين ُ‬ ‫الفعل الذي هو نفسه م قام مبنعه وتحرميه وتجرميه‪ .‬إبنتى وأنا‪ ،‬ضحكنا‪،‬‬ ‫ونحن نتذكر نفس النفاق املامثل الذى ميارسه سدنة اإلسالم السيايس يف‬ ‫السودان‪ .‬فقد فرضوا الكثري من التعاليم املتعسفة واملعقدة عىل أطفال‬ ‫املدارس يف عموم البالد‪ ،‬ولك ّنهم أرسلوا أبناءهم وبناتهم إىل املدارس‬ ‫العاملية املوجودة يف السودان‪ ،‬واىل الدول األجنبية‪ ,‬حيث ال يوجد تعليم‬ ‫ديني البتّة وان وجد فإمنا هو الحد األدىن منه‪.‬‬ ‫ينتهي فلم "متبكتو" بعد أن يضعنا أمام أسئلة‪ ,‬تحتمل أكرث من إجابة‪،‬‬ ‫مثل‪ :‬كيف ميكننا أن نفهم أولئك الرجال وما يجول يف عقولهم؟ ويف ماذا‬ ‫يفكرون وهم يحتضنون هذه األيديولوجية الفقرية واملليئة بالتمويه؟‬ ‫وما هي دوافعهم ؟ هل هم مدفوعون بفقر الواقع وانعدام االمل لذلك‬ ‫يستعيضون عن بؤس الحياة بأوهام السلطة املطلقة وإطالق طاقات‬ ‫الغضب الكامنة‪ .‬يف تقديري هي مجموعة عوامل تساهم يف مجملها‬ ‫يف تح ُّول هؤالء الرجال‪ /‬الشباب إىل مجرد حواضن للغضب و العنف‪.‬‬ ‫فلم "عبدالرحمن سيساكو" يعكس صور وأطياف هؤالء الشباب دون‬ ‫تحامل او كره‪ .‬يصور الفيلم بصدق تناقضاتهم‪ ،‬ارتباكهم ‪،‬غطرستهم‬ ‫الجوفاء وتضارب مشاعرهم‪ .‬فهم بغض النظر عن أصولهم‪ ,‬سواء كانوا‬ ‫ماليني‪،‬أو ليبيني‪ ،‬أو سودانيني‪ ،‬أو نيجرييني‪ ،‬يظلوا نتاج واقع من املظامل‬ ‫املرتاكمة التي حدثت وما تزال تحدث يف مجتمعاتهم وىف النظام‬ ‫العاملي الذي نعيش يف ظله‪.‬‬ ‫كتبت ‪ :‬هالة الكارب‬

‫من االنجليزية‪ :‬فيصل الباقر‬

‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪99‬‬


‫في مصيدة الجهل والعنف‬ ‫تتراكم إشكاالت الصحة النفسية علي النساء في أفغانستان‬

‫مينا حبيب‪ ،‬صحفية‬ ‫بـ(معهد صحافة‬ ‫الحرب والسالم) يف‬ ‫كابول‪ .‬خالل حياتها‬ ‫املهنية كصحفية يف‬ ‫املعهد‪ ،‬حصلت مينا‬ ‫عىل عدة جوائز عىل‬ ‫املستويني الوطني‬ ‫والعاملي‪ .‬ت ّم نرش‬ ‫هذا املقال بإذن‬ ‫من معهد صحافة‬ ‫الحرب والسالم‬ ‫حيث نرش عىل‬ ‫موقعه يف اإلنرتنيت‬ ‫يف ‪ 12‬مايو ‪.2016‬‬ ‫‪:www.iwpr.net‬‬ ‫موقع معهد صحافة‬ ‫الحرب والسالم‬

‫بعد ميض أكرث من ثالثة عقود من الحرب والفقر‪ ،‬وغريهام من املشاكل للعالج‪ .‬و يقول مدير مستشفى اإلمراض النفسية والعقلية يف كابول‪،‬‬ ‫االجتامعية املرتبطة بهام ‪ ،‬ارتفعت نسبة األزمات النفسية يف أفغانستان‪" ,‬خطاب كاكار"‪:‬‬ ‫خاصة بني النساء‪ ،‬فهن من تحملن العبء األكرب لتلك األزمات‪ .‬تصف‬ ‫هذه املقالة‪ ،‬التأثري السلبي للقهر املبني عىل التطرف الديني والتقاليد‬ ‫“إ ّ‬ ‫ن الحرب‪ ،‬والعنف المنزلي‪ ،‬والتقاليد المحافظة‪،‬‬ ‫عىل صحة النساء النفسية والعقلية يف دولة أفغانستان ‪.‬‬ ‫جلست "عزيزة" عىل رسيرها يف جناح الصحة النفسية مبستشفى‬ ‫كابول‪ ،‬تنظر حولها بقلق‪ ،‬و بعينني مليئتني بالدموع وهى السيدة‬ ‫البالغة من العمر ‪ 45‬عاماً‪ ،‬قالت‪ :‬لـ(معهد صحافة الحرب والسالم) أنّها‬ ‫عانت وخربت ولسنوات طويلة العنف املنزيل‪ .‬فقد كان عمرها ‪15‬‬ ‫عاماً عندما ز ّوجها والدها دون رغبتها إىل رجل من والية باكتيا ‪ .‬قالت‪:‬‬ ‫“كنت تعيسة يف هذه الزيجة منذ البداية فقد “كانت التقاليد والحياة‬ ‫ىل‪ ،‬وقد وجدتها غري مقبولة بالنسبة يل‪ ,‬أصبحت‬ ‫يف "باكتيا" جديدة ع ّ‬ ‫الخالفات والعنف واقعي اليومي "‪.‬‬ ‫عزيزة والتي هي اآلن أُم لولدين وسبع بنات‪ ،‬تواصل وتقول‪“ :‬كان‬ ‫ىل‪ ,‬القيام بواجبات شاقة مثل‪ ،‬رعاية املاشية و العمل يف املزرعة‪،‬‬ ‫ع ّ‬ ‫وحينام أقول‪ ،‬ال ميكنني القيام بكل هذا العمل الشاق يرضبني أفراد‬ ‫عائلة زوجي ويسبونني “‪ .‬وتواصل عزيزة قائلة‪ ،‬إ ّن وضعها األرسى‬ ‫البائس قادها إىل االنهيار النفيس وبالتايل كان البد لها من تلقي العالج‪،‬‬ ‫و تضيف قائلة بأمل وحرسة‪ " ،‬أالن عائلتي تقول‪ ,‬أنني مختلة عقلياً “‪.‬‬

‫التي تُمي ّز ضد النساء‪ ،‬هي من أهم العوامل التي‬ ‫تُساهم في تدهور صحة النسا العقلية “ ‪.‬‬

‫وأضاف‪“ :‬يجب علينا أن نف ّرق بني مسألتني‪ ،‬األوىل‪:‬أن هناك مشاكل‬ ‫نفسية [ أخف ]‪ ،‬تؤثر عىل كثري من الناس‪ ،‬و ُيكن عالجها من خالل‬ ‫تلقى املشورة من األطباء العاملني يف مجال الصحة العقلية والنفسية‬ ‫رضرا ً ‪ ،‬ويحتاجون للحجز يف‬ ‫“‪ ،‬و الثانية‪:‬املرىض العقليني وهم األكرث ت ّ‬ ‫املستشفى‪ ،‬لتلقى العالج املكثّف"‪.‬‬ ‫أما اختصايص الصحة النفسية‪ ،‬تيمور شاه‪ ،‬فقد قال‪:‬‬ ‫“إ ّ‬ ‫ن النساء أكثر عرضة لإلصابة باألمراض العقلية ‪،‬‬ ‫بسبب التقاليد األفغانية وسيادة أيدلوجيا القهر و‬ ‫التي دفعت بالنساء إلى العزلة االجتماعية ‪,‬و أبقتهن‬ ‫في المنازل“‬

‫كام أضاف " قائالً “ إن املشاكل االجتامعية وبشكل خاص العنف‬ ‫األرسى‪ ،‬تس ّبب يف انتشار االكتئاب بينهن‪ .‬ويقول شاه ‪ ،‬أن الرجال‬ ‫أيضاً يتعرضون للضغوط النفسية‪،‬ولكن تقل نسبة االكتئاب بينهم‪ ،‬الن‬ ‫بإمكانهم أن يخرجوا من املنازل للعمل‪ ،‬مام يتيح لهم االنشغال بأمور‬ ‫أخري ‪.‬‬

‫أما الخرباء فيقولون “أكرث من ثالثة عقود من الحرب األهلية والفقر‪،‬‬ ‫وغريهام من املشاكل االجتامعية‪ ،‬فاقمت من أزمات الصحة النفسية يف‬ ‫أفغانستان‪ .‬وقد تح ّملت النساء العبء األكرب من املشكلة‪ .‬كام يقول‬ ‫بشري أحمد رسوارى ‪ ،‬مدير إدارة الصحة النفسية بوزارة الصحة العامة‬ ‫“بكل ثقة‪ ,‬أستطيع أن أقول أ ّن املشكلة تتزايد بني النساء‪ .‬فقد كشف‬ ‫و يرى مسئولون يف وزارة شؤون املرأة‪ ،‬أ ّن أزمة الصحة العقلية‪ ،‬مبنية‬ ‫املسح الشامل األخري الذي نُفّذ يف العام ‪ ،2004‬أ ّن ‪ ٪68‬من أفراد العينة‬ ‫ُ‬ ‫يعانون من االكتئاب و ‪ ٪72‬إضافة إيل ‪ ٪42‬يعانون من اضطرابات ما عىل انتشار البطالة واإلدمان بني الذكور يف األرس‪ ،‬ومبا أن النساء يعتمدن‬ ‫بعد الصدمة‪ .‬ويسرتسل احمد رسوارى مرتكزا ً عىل نتائج املسح‪ ،‬إنّه عىل الرجال لتلبية جميع احتياجاتهن االقتصادية حيث انهن محارصات‬ ‫يعتقد أ ّن معدالت األمراض النفسية عند النساء ترتفع عاماً بعد عام ‪ .‬داخل املنازل‪ ،‬فان هذا الوضع ميهد الطريق للخالفات األرسية وبالتايل‬ ‫يقود إيل االضطرابات النفسية بني النساء خاصة عندما يكون هؤالء‬ ‫وبالرغم من أ ّن الوزارة أقامت عيادات لعالج املشكالت النفسية عرب الرجال بال عمل وال مال‪ ،‬األمر الذي يجعلهم عرضة إلدمان املخدرات‪.‬‬ ‫مخصصة للصحة‬ ‫الـ ‪ 34‬والية‪ ،‬يف البالد‪ ،‬نجد مستشفى واحدة فقط ّ‬ ‫شابنام سيام‪ ،‬رئيسة القسم النسايئ‪ ،‬يف ( مفوضية حقوق اإلنسان‬ ‫العقلية يف كابول و يوفر فقط ‪ 60‬رسيرا ً للنساء اللوايت بعانني من مرض‬ ‫عقيل‪ ،‬و ‪ 40‬رسيرا ً خ ُّصصت للنساء مدمنات املخدرات الاليئ يخضعن األفغانية املستقلة)‪ ،‬توافق عىل أ ّن السبب الرئييس الكامن وراء ارتفاع‬

‫‪100‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫ملف العدد‪ :‬النساء داخل المنظومة السلفية‬

‫معدل مشاكل الصحة العقلية بني النساء‪،‬‬ ‫يعود للعنف وارتفاع البطالة‪ ,‬وتضيف‬ ‫قائلة‪“ :‬رمبا يعود كل هذا إىل تدهور‬ ‫الوضع األمني بعد انسحاب القوات‬ ‫األجنبية من أفغانستان"‪.‬‬ ‫يف مستشفى اإلمراض النفسية يف‬ ‫كابول‪ ،‬تقول النزيلة "جميلة"‪ ،‬البالغة من‬ ‫العمر ‪ 25‬عاماً‪ ":‬إنّها عانت من االكتئاب‬ ‫منذ أن قُتل شقيقها يف هجوم انتحاري يف‬ ‫العام ‪ ،"2014‬وتضيف قائلة‪ ":‬أحيانا أفكر يف االنتحار‪ .‬وعىل الرغم من‬ ‫أنني وجدت تعاطفاً بسيطاً من املق ّربني‪ ،‬إال انه وعندما تتدهور حالتي‬ ‫‪ ،‬تغضب عائلتي‪ ،‬وبدالً من تقديم الدعم يصفوين بالجنون "‪ .‬جميلة"‬ ‫كانت قد فقدت وظيفتها نتيجة للمرض النفيس الذي أصابها‪.‬‬

‫قصة معاناتها‪ .‬قالت "شيكيبا"‪ ،‬بعبارات خرجت بصعوبة من شفتيها‬ ‫ظل زوجي عاطالً عن العمل‪ ،‬طيلة العام املايض‬ ‫الجافّة و املشققة‪“ :‬لقد ّ‬ ‫وحينام يكون يف املنزل يستغل كل يشء كذريعة‪ ،‬لرضيب‪ ،‬تنفيسا لغضبه‪.‬‬ ‫اآلن‪ ،‬أنا أعيش يف دوامة من الخوف‪ ،‬وأقاريب يقولون ع ّنى أنني مريضة‬ ‫وأحتاج ألكون يف املستشفى‪ ،‬ولكني أنا ُهنا ألطلب الطالق من زوجي وال‬ ‫يضيف رئيس الدائرة القانونية يف وزارة املرأة ‪ ":‬إن الوزارة ت ُفكّر يف احد ميد يل يد املساعدة "‪.‬‬ ‫تفعيل برامج للتوعية حول صحة النساء النفسية وأنّهم يحاولون‪،‬‬ ‫كذلك‪ ،‬معالجة مسألة خلق فرص عمل للنساء‪ ،‬واملساعدة يف مكافحة‬ ‫العنف األُرسى" ‪ .‬كام أن الوزارة ّأسست (لجنة الضحايا و الشهود‬ ‫بقلم‪ :‬مينا حبيب‬ ‫عيل العنف)‪ .‬و تجمع تلك اللجنة العديد من املؤسسات التي تعمل‬ ‫عيل مكافحة العنف ضد املرأة ومهمة هذه اللجنة‪ ،‬تق ّديم املساعدة‬ ‫من االنجليزية‪ :‬محمد عثمان الفكي‬ ‫رضرات من العنف‪.‬‬ ‫القانونية والنفسية ‪،‬لجميع النساء املتأثّرات واملت ّ‬

‫الصورة‪ :‬خالد حامد‬

‫و من جانب أخر يرى مختصون نفسانيون‪ ،‬إ ّن وسائل أُخرى للتوعية‪،‬‬ ‫ميكن أن تساعد يف معالجة األزمة‪ ،‬فقد قال اميال الصايف ‪ ،‬وهو خبري يف‬ ‫مجال الصحة العقلية‬ ‫انه إذا تحد ّث اإلعالم وأئمة المساجد عن مكافحة‬ ‫ّ‬ ‫ووضحوا حقوق المرأة في‬ ‫العنف ضد النساء‪،‬‬ ‫اإلسالم والقانون المدني‪ ,‬فان ذلك‪ ،‬سيكون أفضل‬ ‫وسيلة لمنع مثل هذه المشاكل‪.‬‬

‫شكيبا شابة يف الرابعة والعرشين من العمر‪ ،‬ذات وجه شاحب‪،‬‬ ‫وتبدو اكرب من عمرها الحقيقي‪ .‬يرتعش جسدها وال تستطيع السيطرة‬ ‫عىل حركتها‪ .‬وهي أصال من مقاطعة باميان‪ ،‬أتت إىل كابول حيث‬ ‫مقر وزارة شؤون املرأة و هناك انتظرت يف الفناء الخارجي لتحىك‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪101‬‬


‫بريد‬ ‫القراء‬ ‫كلام متكنت النساء من متكني أنفسهن‪ ،‬كلام اكتشفن أصواتهن‬ ‫وذواتهن‪ ،‬حيث يقمن باستخدام ذلك الصوت ليس فقط للتصدي‬ ‫للظلم الذي يقع عليهن و لكن إلثراء الفضاء العام أيضاً‪ .‬و كذلك‬ ‫توظف النساء أصواتهن يف التوعية مبا يواجهن من تحديات و‬ ‫انتصارات‪ .‬و إنه ملن دواعي رسوري االطالع عىل مجلة صيحة – "املرأة‬ ‫يف اإلسالم" و التي مل تتلمس روح املرأة املسلمة يف القرن األفريقي و‬ ‫حسب‪ ،‬و لكنها أيضا كشفت عن ارتباطنا جميعاً – رجاالً و نساء و‬ ‫أطفاالً‪ -‬بقضايا العدالة االجتامعية‪ .‬لقد ألهمني هذا العمل و لذا أمتنى‬ ‫أن أرى املزيد منه‪ .‬سريوا يف طريق النجاح‪ .‬الدكتورة أمنة ودود –‬ ‫مفكرة إسالمية و عضوه مؤسس لحركة أخوات يف اإلسالم‬

‫مجلة املرأة يف اإلسالم من املجالت القليلة التي يجد املرء فيها تفسريا ً إسالميا تقدميا متسق مع رشوط‬ ‫العدالة واملساواة‪ .‬و هو طرح متميّز و جيّد باللغتني االنجليزية و العربية‪ .‬يأيت كل ذلك يف نهج فني و‬ ‫إبداعي فريد‪ .‬و إنه ملن دواعي رسوري االطالع عليها و رؤية كيف تتصدى النساء للبطريركية من داخل‬ ‫التقاليد اإلسالمية و معرفة ما يحدث يف ارض الواقع‪ .‬الدكتورة زيبا مري‪-‬حسينى؛ عاملة أنرث وبولوجي و‬ ‫ناشطة‪ -‬اململكة املتحدة‬

‫الشكر لصيحة إلنتاجها لهذه املجلة‪ .‬فأنتم‬ ‫تتيحون مساحة متفردة ألصوات الكثريات من‬ ‫النساء و الرجال يف املنطقة ممن يؤمنون بأنه ال‬ ‫ينبغي أن يكون الدين مصدرا ً للقهر و الظلم و‬ ‫لكن الدين يجب أن يكون دافعاً لدعم التحرر‬ ‫و املساواة بني البرش‪ .‬هذا املجهود الذي يطرح‬ ‫األسئلة الشجاعة و يسعى إىل تفكيك املعارف‬ ‫الدينية التي تم إنتاجها بواسطة برش آخرون‬ ‫عاشوا يف زمان و مكان مختلفني‪ ،‬هام جدا ً ملواجهة‬ ‫األزمات التي تواجه املجتمعات اإلسالمية اليوم‬ ‫ألنه يساعد يف إنتاج معارف غري تربيرية معارصة‬ ‫مستوحاة من جوهر رسالة اإلسالم التي تتامىش‬ ‫مع مبادئ حقوق اإلنسان والتي ميكن تطبيقها‬ ‫عىل البرشية جمعاء اليوم‪ .‬هذا عمل عظيم‪.‬‬ ‫الدكتورة مروة رشف الدين؛ باحثة و ناشطة؛ حركة‬ ‫مساواة العاملية من اجل املساواة و العدالة داخل‬ ‫األرسة املسلمة‪ -‬مرص‪.‬‬

‫ما اكتبه او قل ما أقوله هنا هو انطباع تلقايئ عن هذه املجلة‪ .‬إن هذه اإلصدارة كام أرى منفتحة عىل تيارات اإلسالم كافة وأعجبني أيضا احتفائها برموز التنوير أمثال‬ ‫بابكر بدرى‪ .‬هذا إضافة لإلشارات الطيبات لحقوق اإلنسان يف اإلسالم واىل الغناء والروحانيات‪ .‬هذا بجانب جملة موضوعات عنيت باآلداب والفنون لذا أرى أن ما أرشت‬ ‫أليه وتوقفت عنده سوف يجعل من هذه اإلصدارة عالمة هامة ومرشفة يف السوح الثقافية والفكرية واختم قائال أنها جد أسعدتني لذا أهنئ هيئة التحرير وكل القامئني عىل‬ ‫هذه املجلة عىل جهدهم الكبري مع خالص املودة‪ .‬عىل مؤمن‪ ،‬باحث وناقد ‪-‬السودان‬

‫وعرب العصور‪ ،‬ظلت املرأة تناضل وتقتلع حقوقها واحدا ً إثر آخر‪ ،‬من براثن املتقولني عىل هذه الحقوق‪ ،‬سواء كانت سلطة دنيوية أو سلطة دينية‪ ،‬منذ (خذوا‬ ‫نصف دينكم من هذه الحمرياء) ومنذ (أصابت امرأة وأخطأ عمر)‪ ،‬إىل قيادة الجيوش واعتالء العروش‪ ،‬كام يحدثنا التاريخ! وعند النظر‪ ،‬رأسياً عرب التاريخ سنقرأ‬ ‫ال شك‪ ،‬بأىس كبري‪ ،‬هؤالء الذين يرون أن أقىص ما يجب أن تبلغه املرأة من العلم ما يرددونه عىل مسامعنا‪ :‬علموهن الغزل والنسج والردن وخلوا كتابة وقراءة ‪،‬‬ ‫فصالة الفتاة بالحمد واإلخالص تجزي عن يونس وبراءة‪ .‬إن املرأة األفريقية املسلمة يف دارفور‪ ،‬وهي تخوض هذه األيام أرشس وأعنف معارك البقاء‪ ،‬وقد مورس‬ ‫يف حقها أقىس درجات العنف والتقتيل واالغتصاب وشتى االنتهاكات اإلنسانية‪ ،‬كانت وما زالت صامدة‪ ،‬تستمد من إرثها التاريخي مددا ً وقوة‪ ،‬تغالب بها وطأة‬ ‫الحارض املزري وتؤدي دورها‪ ،‬يف صرب وجلد وقد تر َّمل َْت وفقدت األب والزوج والولد و ُه ِّج َرتْ من ديارها وصارت تتقاذفها املنايف وحياة الترشد‪ ،‬تقوم بكل تلك األدوار‬ ‫من الوالدة إىل األمومة واألبوة واملعيشة والرتبية‪ ،‬وحيدة متفردة‪ .‬امرأة بهذه التجارب املأساوية‪ ،‬واملسؤوليات املثقلة‪ ،‬ستعرب هذه املحن ذات يوما قريب‪ ،‬آمل أن‬ ‫يكون يف أعجل وقت‪ ،‬ولكن يشمخ سؤال بضخامة وعظَ َم ٍة هذه املرأة‪ ،‬أين نضعها يف خريطتنا الفقهية اإلسالمية؟ ونلتفت لننظر كيف متت مؤازرتها من قبل إخوتها‬ ‫املناضالت يف املجتمعات املسلمة يف القرن األفريقي وعىل نطاق العامل‪ ،‬والتساؤل عن موقف املؤسسات الوطنية املعنية بشؤون املرأة حيال ما يحدث لها‪.‬إن الدور‬ ‫التنويري والذي تقوم به املبادرة اإلسرتاتيجية لنساء القرن األفريقي (صيحة)‪ ،‬وجرأة التناول يف مجلتها والتي تبحث عميقاً يف دور املرأة يف اإلسالم‪ ،‬بذكاء علمي يثري‬ ‫اإلعجاب‪ ،‬ويفتح امللفات الحساسة بوعي واقتدار واإلبحار بحنكة وسط موج متالطم من الرصاع األيديولوجي والتزمت واإلقصاء‪ ،‬والفتاوى التي تربر أكرث مام تبادر‬ ‫يف اجرتاع منهج تنويري يفجر طاقات املجتمع ومييض به نحو الرقي والكامل‪ ،‬إننا بحاجة ملحة ملثل هذه املبادرات التي تحفر عميقاً يف مجتمعاتنا املسلمة‪ ،‬تنقِّب‬ ‫وتحفِّز وتستفز العقول واألذهان‪ ،‬وتشكل حلقة فكرية واسعة تضم املجتمع املسلم كله‪ ،‬رجاله ونساءه‪ ،‬نحو تكامل ميكن أن يخرجنا جميعاً من ركن التلقي‪ ،‬إىل أفق‬ ‫اإلسهام واملبادرة ‪.‬تحيتي ل(صيحة)‪ ،‬وهي تخاطب عقولنا وقلوبنا بال تشنج وال قعقعة وال ضجيج‪ ،‬يف وقت يعلو فيه الغوغائية يف مجتمعاتنا بال لجام وال شكيمة‪.‬‬ ‫مقتطف من كلمة الشاعر السوداين عامل عباس التي ألقيت يف تدشني العدد الثاين من مجلة "املرأة واإلسالم"‬

‫‪102‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬


‫عارشوهن باملعروف‪ -:‬قرأت مجلة صيحة بتمعن كبري ووددت أن أوضح‬ ‫إعجايب يف كلامت‪ ،‬حيث وجدت فيها عام كنت أبحث عنه منذ فرتة طويلة مام‬ ‫دفعني أن أشيد مببادرة صيحة الطيبة و افتتاح املنظمة لرضوب معرفية لها‬ ‫القدح املعىل يف مجاراة بطون املجتمعات اإلنسانية يف منطقة القرن األفريقي‬ ‫لنرش ثقافة مجتمعية خاصة باملرأة وما تعتنقه من قيم إسالمية باعتبارها‬ ‫متثل أحد أهم مرتكزات املجتمع اإلسالمي بشكل عام و األفريقي عىل وجه‬ ‫الخصوص‪ ،‬املالحظ أن املجلة متيزت بطابع التعدد يف الطرح واملضمون وفتحت‬ ‫منابر للحوار حول قضايا املرأة وتحديدا يف محيطها اإلسالمي‪ ،‬الن اإلسالم يف‬ ‫رسالته وضع حقوق وواجبات‪ ،‬لذا مام جعل محتوي املجلة ينطلق من أرضية‬ ‫مرشوع نسوي قدم أطروحات فكرية ناقدة أساليب القمع واالضطهاد الذي‬ ‫واجهته املرأة يف مسرية حياتها‪ ،‬بدءا من محيط األرسة الصغرية إىل املجتمع‬ ‫ككل‪ ،‬أعادت املجلة يف دواخل جسدها النقدي ذكرى لخطاب نسوة ساهمن‬ ‫فيه بأقالمهن دفاعا عن حريتهن ومساواتهن ‪ ،‬ووضعن رؤى ومقرتحات وقدمن‬ ‫رسالة لخطاب نسوي نهضوي تجاوز يف مسريته عقبات التسلط واالستبداد‪ ،‬إذا‬ ‫احتفايئ باملجلة احتفاء كبري‪ ،‬وبسبب ضمور معرفتي للكثري مام جاء فيها ‪،‬‬ ‫قرأتها بنهم وشغف كبريين‪ ،‬صفحة صفحة ومحتوى ومدخال مدخال و خامتة‪،‬‬ ‫واسرتجعت يب الذكرى لقول شاعر البطانة عندما آنسته ذكريات حبيبته بعد‬ ‫فراق وأفصح قائال‪(:‬صاممة قلبي الحاكت للنعامة الربدة كتاب أم خد نعيد‬ ‫فيه طول الليل ونبدأ)‪ ،‬مام جعلني أعيد قضاياهن ورسالتهن ودورهن يف‬ ‫املجتمع من خالل سفر صيحة املمتع يف مساراته املعرفية‪ ،‬عرب نافذة امرأة‬ ‫فرست وحللت ورشحت‬ ‫رسالة النص الديني كثابت‬ ‫شاركوا بآرائكم عبر مواقع‬ ‫معريف ومقارنته بحقوقها‬ ‫التواصل االجتماعي‬ ‫الخاصة وحقوق صويحباتها‬ ‫انضموا لقائمة المغردي ٍ‬ ‫ن‬ ‫يف املجتمع‪ .‬وفتحت املجلة‬ ‫‪@Sihanet‬‬ ‫أرشعتها البحثية وأتت‬ ‫او عبر البريد اإللكتروني‪:‬‬ ‫من شامل أفريقيا بخطاب‬ ‫‪journal@sihanet.org‬‬ ‫جميلة بوحريد ونضالها‬ ‫السيايس البائن بينونة كربى‪،‬‬ ‫ومن جيبويت عكست املجلة يف مقارنة زكية بني األحوال الشخصية وبني قوانني‬ ‫قادتها للكرامة واملهانة موضحة يف قضاياهن وحكاياتهن‪ ،‬ويف رحاب الفكر‬ ‫التجديدي اقتحمت املجلة عوامل املفكر محمود محمد طه يف حوارية شيقة مع‬ ‫ابنته أسامء‪ ,‬يف حوار ذو أبعاد وشجون‪ ،‬تداخلت محتويات املجلة مع بعضها‬ ‫البعض حيث كل موضوع مكمل للسابق له وممهد للقادم‪ ،‬وجميعها مرتبطة‬ ‫بثوابت النص الديني يف حواريته مع املرأة‪ ،‬مثل حوارية هذا املوضوع (الحق‬ ‫اإلنساين يف الحصول عىل زواج سعيد ومريض أو فراق بكرامة واحرتام)!!! مع‬ ‫النص الديني عندما نص (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن مبعروف أو فارقوهن‬ ‫مبعروف) ختاما الشكر موصول لكل من ساهم يف أعداد هذا املنتج املرن يف‬ ‫تعامله مع الطرح النقدي املتقدم‪ .‬ابوطالب محمد‪ -‬ناقد مرسحى‪-‬السودان‬ ‫أن هذه املجلة بآرصة مستبرصه‪ .‬تحتفي باإلنسان واإلنسانية‬ ‫وتستهدى بالنور يف طريقها لصنع التحديث وىف هذا املجال الخصب‬ ‫رسمت املجلة خارطة إسالم السامحة والتسامح‪ .‬عامر محمد احمد‪،‬‬ ‫ناقد أديب –السودان‬

‫راسلونا‬ ‫ِ‬ ‫حول راَيكم في هذا العدد من اِصدارتنا‬ ‫ولكل صاحبة وصاحب راَى مهتم بالكتابة حول قضايا النساء‬ ‫والتحديات التي تواجه المجتمعات المسلمة يمكنكم‬ ‫مرسلتنا بما تودون نشره من مقاالت الرأي واالوراق‬ ‫االكاديمية ذات الصلة اوالحورات الموثقة‪ ،‬او الشعر او‬ ‫عرض ُ‬ ‫لكتب و افالم‪ ،‬او سرد لتجارب شخصية او لوحات فنية‬ ‫وكاريكاتير تخاطب رؤية االصدارة ‪.‬‬ ‫‪journal@sihanet.org‬‬

‫إصدارات صيحة‬ ‫إمكانية التفاوض مع النظام االبوي‬ ‫ الرجال كحلفاء في عمليّة التغيير‬‫االجتماعي‬ ‫ّ‬ ‫تاريخ االصدارة ‪2016 :‬‬ ‫يمكن القول إ ّ‬ ‫ن فكرة العمل مع‬ ‫الرجال لمناهضة العنف ِضد ّ النساء‬ ‫(‪ )VAW‬ليست فكرة جديدة‪ .‬وربما‬ ‫َ‬ ‫تحظى بــ"أهمي ّة‬ ‫لذلك‪ ،‬باتت ُمؤ خ ّ ًر ا‬ ‫ُمتزايدة في أوساط منظمات حقوق‬ ‫المرأة‪ ،‬والنّاشطين‪ ،‬واألبحاث المعني ّة بدراسة "العنف‬ ‫ضد ّ النساء"‪ .‬من هنا‪ ،‬البد من طرح السؤال حول ضرورة‬ ‫م ِييز والعنف ضد ّ‬ ‫َاه َضة الت ّ ْ‬ ‫إشراك الرجال في عملي ّة ُمن َ‬ ‫النساء‪ .‬يتناول هذا الكتيب تجارب خاضتها شبكة صيحة‬ ‫في عملية اِشراك الرجال في مناهضة العنف ضد النساء‬ ‫في السودان والصومال والنماذج واالستراتيجيات‬ ‫المختلفة التي اِتبعت خالل محاوالت تفعيل مشاركة‬ ‫الرجال في حمالت العنف ضد النساء ‪ .‬وهو كتيب قيم‬ ‫ويطرح تساؤالت هامة متعلقة بدينميات الذكورة في‬ ‫مجتمعات السودان والصومال وكيفية اختراقها والتواصل‬ ‫مع الرجال‪ .‬الكتيب موجود باللغة العربية واالنجليزية‪.‬‬

‫الحرب األخرى ‪-‬اِشكالية االغتصاب‬ ‫الجماعي في ارض الصومال‬

‫تاريخ االصدارة ‪2015 :‬‬

‫الحرب األخرى هي ورقة بحثية تنظر الي‬ ‫اسباب ودوافع انتشار ظاهرة االغتصاب‬ ‫الجماعي (عدد من الرجال يغتصبون‬ ‫امرأة) في ارض الصومال‪ .‬و تسلط الورقة‬ ‫الضوء علي تواطؤ النظام العشائري الذى‬ ‫يفرض عقوبات اِسمية وغير فاعلة علي‬ ‫المعتديين وضعف النظام القانوني المدني‪ .‬وفي نفس‬ ‫الوقت تشير الورقة الى تعقيدات اشكالية الشباب من‬ ‫الذكور وارتباكهم ما بين السلفية االسالمية التي تسود‬ ‫الصومال االن وتخلخل بنية النظام العشائري من ناحية‬ ‫‪،‬وتماسات الشباب المتصلة وانجذابهم لقيم واليات‬ ‫المجتمعات الغربية والتي تتداخل بشكل يومي مع القيم‬ ‫المحلية‪ .‬تسلط الورقة الضوء على انماط االعتداء الجماعي‬ ‫ومالبساته وتأثيراته علي النساء والفتيات ‪ .‬وهى ورقة‬ ‫قيمة ومفيدة لكل المهتمين بظواهر واشكاليات وانماط‬ ‫العنف الجنسي في المجتمعات المسلمة‪ .‬الورقة صادرة‬ ‫باللغة االنجليزية‪.‬‬

‫مواطنون من الدرجة الثالثة ‪-‬النساء‬ ‫وحقوق المواطنة في السودان‬

‫تاريخ االصدارة ‪2015:‬‬

‫الورقة تضئ اشكالية القوانين التميزية‬ ‫المفروضة والتي تنعكس سلبا على‬ ‫حقوق واوضاع النساء كمواطنات في‬ ‫السودان‪ .‬وتتناول الورقة ممارسات و‬ ‫شروط مواطنة النساء في السودان خالل‬ ‫عدسة القوانين السودانية والتي تفرض‬ ‫اوضاع دونية علي النساء ال تتسق وحقوق‬ ‫النساء الدستورية واسهامهن الفاعل والكبير في تسير‬ ‫عجلة الحياة في السودان‪ .‬وتناقش الورقة مدى تجزر تلك‬ ‫الممارسات التميزية داخل االجهزة العدلية واجهزة انفاذ‬ ‫القوانين في السودان‪ .‬الورقة صادرة باللغة االنجليزية‪.‬‬ ‫للمزيد من المعلومات حول إصدارات صيحة زوروا‬ ‫صفحتنا في االنترنت‪www.sihanet.org :‬‬ ‫املرأة يف اإلسالم العدد ‪201٧ ٣‬‬

‫‪103‬‬


‫صيحة‬

‫شبكة إقليمية تعمل‬

‫تقوم صيحة‬

‫بتنفيذ برامج بناء‬

‫في منطقة القرن اإلفريقي منذ‬

‫قدرات في داخل المجتمعات‬

‫بجد من اجل االرتقاء بواقع حال‬

‫أوائل تسعينيات القرن الماضي‪،‬‬

‫المحلية على مستوى القواعد‬

‫النساء والفتيات في منطقة‬

‫تضم في عضويتها أكثر من ‪80‬‬

‫الشعبية‪ ،‬وذلك بتوفير الدعم‬

‫من منظمات المجتمع المدني‬

‫المباشر للنساء والفتيات االتي‬

‫القرن اإلفريقي‪ ،‬ونؤمن بأن اِرادة‬ ‫النساء والفتيات والناشطين في‬

‫والمنظمات والمجموعات‬ ‫ُ‬

‫يعشن في ظروف الفقر والنزاعات‬

‫مجاالت حقوق المرأة ‪ ،‬تقف دوم ًا‬

‫النسائية‪.‬‬

‫المسلحة‪ .‬كما تعمل علي‬

‫صامدة في وجه القمع واالنغالق‬

‫تعزيز والدفاع عن حقوق النساء‬

‫السياسي والتقاليد التي تفرض‬

‫والفتيات من خالل انشطة‬

‫قيودها على النساء‪ .‬ونحن‬

‫جيبوتي‪ ،‬اريتريا ‪ ،‬أثيوبيا ‪ ،‬الصومال‬

‫المناصرة‪ ،‬واالنخراط في مشاريع‬

‫ندعوكم للتضامن معنا‪.‬‬

‫وارض الصومال وجنوب السودان‬

‫التأهيل ورفع المقدرات‪.‬‬

‫تعمل صيحة‬

‫في كل من‪:‬‬

‫والسودان و يوغندا وفي مدن‬

‫صيحة‬

‫الساحل الكيني‪ .‬رؤيتنا تقوم علي‬

‫تُشكل منشورات‬

‫ترسيخ حقوق النساء والفتيات‬

‫كتيبات إرشاد وتدريب ونشرات‬

‫في اِقليم القرن األفريقي في‬

‫وبحوث ومجالت‪ ،‬مصادر للمعرفة‬

‫سلمية وعادله و‬ ‫العيش في بيئة ِ‬

‫واالسهام في نشر الوعي ورفع‬

‫ممارسة حقوقهن كبشر على قدم‬

‫القدرات‪ ،‬ويستخدمها المهنيون‬

‫المساواة‪.‬‬

‫والناشطون والجهات المانحة‬

‫تعمل صيحة‬

‫في سبيل تحقيق‬

‫داخل المجتمعات المحلية في‬ ‫ترابط وثيق ما بين المعرفة‬ ‫األكاديمية والمناصرة‪.‬‬

‫العدد ‪ 201٧ ٣‬املرأة يف اإلسالم‬

‫من‬

‫وصناع القرار في مختلف دول‬

‫هذه الرؤية من خالل شبكة راسخة‬

‫‪104‬‬

‫نحن نعمل في شبكة صيحة‬

‫العالم ومنطقة القرن االفريقي‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.