العدد 2019 - 4
فاطمة أحمد إبراهيم سرية ومسرية
ذكريات الحرب وأجساد المقاتالت اإلريتريات ما بين العقيدة والحب والحرية: ملاذا تنضم بعض النساء يف كينيا إىل تنظيم الشباب؟
ملف العدد: جنسانية المرأة في المجتمعات اإلسالمية املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
1
كلمة التحرير .٤ثالثة أسئلة :إلي الفنان صالح يوسف
وجوه
١٠
.٦فاطمة أحمد إبراهيم
سرية ومسرية .١٠المرأة في فكر األستاذ محمود محمد طه:
مقاربة نقدية
.١٤عندما تتولى المرأة دفَّة القيادة
لنتع َّرف عىل أ َّول امرأة صومالية تعمل ميكانيكية سيارات
.١٦تحديات نشأتي كفتاة مسلمة .١٨التعافي عبر الرسم والتلوين
تجربة عامالت املنازل االثيوبيات .٢٠عكس عقارب الساعة
شعر لـ ناهد كيشوار
١8
مساواة .٢٢هل الرجال قوامون؟
إعادة النظر حول مفاهيم السلطة الذكورية يف التقاليد اإلسالمية .25النساء المفتيات
حول إعادة تأسيس سلطة النساء الترشيعية املفقودة .28تحت سطوة قوانين الرجال
نظرة عن قرب لقانون األحوال الشخصية يف أرض الصومال .31البحث عن العدالة :عرض لفلم وثائقي
يف جنويب الهند ،ميكن أن يصبح الزواج مسألة حياة أو موت!
28
.34حقوق المرأة في الميراث ،وسطوة العرف العشائري في أرض الصومال
ما بين عالمين .36ذاكرة الحرب وأجساد النساء االرتريات .40الحجاب وتيارات العولمة .44أسطرة (الموطن األصلي) وسط الشتات الدارفوري في كندا ديِقِ ي) .47نساء مطلوبات للعدالة :تأمُّالت في حياة (أيان هرسي علي) و(عافية ِص ِّ
عرض لكتاب الكاتبة :ديربا سكروجينز
.50إلى ياسين مع كل االمتنان
شابة سودانية تروى عن األثر الذي تركة جدها يف حياتها
36 2
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
بين الخاص و العام .53ترويض النمرة
رسد شخيص يف مقاومة البطريركية
.56أفتقده كثيراً؛ فقد كان حب حياتي
حول تجارب النساء والفتيات يف جامعة بوكو حرام
صــور و حكايات .٦٠حين تصدح المسارح طرباً
٦٢
مبدعات من القرن اإلفريقي
وجهات نظر .٦٢النساء في مهب الفتاوى .٦٧نادي الدر َّاجات
ركوب الد َّراجة يف طريق املساواة
ُ ص .٦٩حول تأثير التزمُّت العقائدي في إقصاء المسلمين من المعرفة وف َر ِ التقد ُّم العلمي
.٧٢ما بين العقيدة والحب والحرية:
ملاذا تنضم بعض النساء يف كينيا إىل تنظيم الشباب؟
٦٧
.٧٥النساء وتحديات اإلسالم السياسي في إندونيسيا المعاصرة # .78تهشيم البطريركية :ما بين الحلفاء والمعارضين .81الطريق إلى األمام:
رضورة إحياء انخراط النساء يف العلوم االسالمية
جنسانية المرأة في المجتمعات اإلسالمية ما بين الهوس والتحريم
.84النساء ومعاناة الهجران .87قراءة في انعكاسات العقل السلفي على التشريعات السودانية
اعتامد الحمل وسيلة إلثبات الزنا
92
.89السباحة ضد التيار
رسالة مفتوحة حول تجربتي مع التح ُّرش الجنيس يف السودان
.92عندما ت ُ َجر َُّم الضحية
.94زواج الطفالت في السودان
ما بني تعنت السلفية وآفاق اإلصالح .97المرأة والجنسانية في المجتمعات اإلسالمية
تحريم غري ُم َ َّب ٍر
.100األمهات غير المتزوجات وتحديات الواقع ُ المعاش
.104بريد القراء .105اصدارات صيحة
٩٤ املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
3
هيئة التحرير الناشر المبادرة االستراتيجية لنساء القرن اإلفريقي(صيحة) ()SIHA Network رئيسة التحرير هالة يسن الكارب مديرة التحرير سيليا هيدجز فريق التحرير السر السيد ،عائشة السماني ،عبد الخالق السر ،ميادة الطيب ،مارثا توكاهويرا التدقيق الغوي فيصل محمد فضل المولى ،جنجر جوهانسون المترجمين سام بيرنر ،فيصل الباقر ،محمد الفكي ،شمس الدين عثمان ،اليز اغازريان كتاب العدد تغريد عابدين ،فداء عبده ،بدور فتح الرحمن أحمد، دينا افريانتي ،يسرا عكاشة ،هالة الكارب ،السر السيد، صفية الصديق ،اوذرنيت انسبرو ،فاتمية عظمية بدر الدين ،زهرة بجوة ،نقيبة بركزاي ،فوزية فريد الشرفي، محمد الفكي ،عبد الخالق السر ،ساندرا هيل ،عبد الفتاح حسن علي ،سيليا هيدجز ،قوليد أحمد جمعة، كيت كينغسفورد ،مريم كونكلر ،فريدة كيوموهانجي، زيبا مير الحسيني ،آيان خليف محمد ،عثمان مبارك، إيناس مزمل ،ايفا نيسا ،شاهيناز سبيل ،تشني سوكوماران ،يوسف تيمساني ،ليف تونيسون االعمال الفنية حسين ميرغني ،أحمد ابو شريعة ،سارة مكي أحمد، هنا برزيك ،دان كونيل ،نصر الدين الدومة ،صالح إبراهيم ،ايبوت جوشوا ،روني اوغوانغ ،الريح امبدى ،بليز باتريكس ،انالور بييرلو ،إبراهيم سيد ،جالل يوسف ،صالح يوسف التصميم Tarek Atrissi Design Htp/www.atrissi.com ISSN 9789970949649
كلمة التحرير عزيزتي القارئة ،عزيزي القارئ:
يسعدنا كثريا ً أن نقدم لكم العدد الرابع من مجلة (املرأة يف اإلسالم) .ويأيت هذا العدد تزامناً مع مجموعة من التحديات العاملية املتمثلة يف األزمات السياسة واالقتصادية والبيئية ،والنزعات الدينية امل ُتط ِّرفة .ويف املقابل ،نجد أ َّن هناك ِح َراكاً عاملياً ُمضَ ا َّدا ً يحمل بعضاً من بوادر األمل .مثل حملة (أنا أيضاً) ( )Me tooاملناهضة للتح ُّرش الجنيس يف الواليات املتحدة وأوروبا ،والتي خلّفت صدًى عاملياً بعد رفع العديد من النساء أصواتهن يف وجه أصحاب السلطة والرثوة املتنفذين ،متحديات عالقات االستغالل واإلساءة مبختلف أشكالها. وبالنسبة للنساء يف القرن اإلفريقي ،ورمبا للعديد من النساء حول العامل ،رمبا هناك تحديات مضاعفة؛ فاالستغالل الجنيس واإلساءة ضد املرأة ال يَحدُثان دوماً خلف األبواب املغلقة ،بل نجدهام يف أحيانٍ كثرية جزءا ً من الواقع اليومي ،يَحدُثان أمام مرأى ومسمع من املجتمع .هذا إضافة إىل التو ُّجهات األيدولوجية للعديد من األنظمة التي تتحدث باسم الدين لتربير العنف الجنيس عرب فرضه كأمر واقع، ومنحه رشعية قانونية .وكذلك ما زالت بعض القوانني يف دول القرن اإلفريقي تفرض وصاية الذكر عىل األنثى ،ومتيل عىل املرأة التبعية الجسدية والفكرية واالقتصادية ضمن واقع من التأويالت الخاطئة التي تفرض معتقدات جاهلة وتعيد إنتاج عالقات االستغالل يف املجتمع .وهكذا ت ُح َر ُم املرأة من أدىن حقوقها املرشوعة يف القبول واملشورة املتبادلة يف شؤون الزواج واملعارشة الجنسية .وتواصل السلطات إرصارها عىل رفض تجريم اغتصاب الزوجة .وبطبيعة الحال ،يؤدي ذلك إىل تربير ثقافة العنف الجنيس كأمر واقع. والخرب الجيد هو أنه وبفضل الجهود الدؤوبة للناشطات النسويات ،أصبح الجيل الجديد من النساء يف املجتمعات اإلسالمية أكرث إقداماً عىل الحراك والحديث عن شؤون العنف واالستغالل الجنيس. غري أ َّن هذا النضال أمامه الكثري من العمل .حيث أنه من املهم أن تنتبه الحركات الداعية إىل التغيري إىل حقيقة الوعي بأ َّن العنف الجنيس إمنا هو انعكاس للواقع السيايس واالقتصادي واالجتامعي الذي تفرضه السلطة البطريركية ،لذلك من الرضوري االنتباه إيل أننا ال نحتاج فقط إىل استهجان العنف الجنيس والتصدِّي له ،بل إىل كشف املعايري والظروف املرتاكمة التي تجعل املرأة عرض ًة لالستغالل واإلساءة والتح ُّرش. ومن هنا ،فقد ق َّررنا أن نُك ِّر َس ملف العام ملعالجة موضوع جنسانية املرأة يف اإلسالم؛ فهو موضوع َح ِظ َي بالنقاش الحي يف التاريخ اإلسالمي ،ولكن مع انتشار ثقافة الجهل والتعتيم ،يتم التعامل مع هذه الشؤون الحياتية يف أيامنا هذه باعتبارها من باب امل ُ َح َّر َمات .يُ َسلِّ ُط هذا العدد الضوء بشكل خاص عىل مفارقات حياة النساء يف القرن اإلفريقي وغريها من الدول اإلسالمية ،حيث يعشن يف مجتمعات تعتربهن مبثابة أدوات للمتعة الجنسية ،يف الوقت الذي يعانني فيه من الهجر والتوترات واإلشكاالت النفسية التي تسيطر عىل حياتهن .لذا ،وجب الخوض يف هذا املوضوع الحيوي والهام. ويُتيح هذا العدد من (مجلة املرأة يف اإلسالم) املساحات لعدد من األصوات الجريئة من النساء والرجال الذين كرسوا حواجز الصمت حول العديد من املوضوعات الحيوية واملعاشة ،مثل :إشكالية َفش الفتاوى البائسة التي تستهدف النساء ،وانهيار التفكري العلمي املوضوعي يف املجتمعات ت ِّ اإلسالمية ،ومالبسات انضامم النساء إىل الحركات الدينية املتط ِّرفة .واملجلة كام عهدمتوها ملتزمة بإفساح مساحات وافرة للفنون واإلبداع من رشق إفريقيا ومختلف بالد العامل.
جميع الحقوق © لصيحة (المبادرة االستراتيجية لنساء القرن االفريقي)وللمساهمين في هذا العدد .ال يجوز نسخ أي من محتويات هذا العدد ،او اعادة طباعتها او نشرها او استنساخها بما في ذلك المواد المرئية دون موافقة مكتوبة من صيحة اومن اصحاب االعمال المعنيين .للحصول على إذن من الناشر ،وللمزيد من االستفسارات ،يرجى مراسلتنا على العنوان التالي:
ويتبقَّى أن أضيف هنا أعزايئ القراء ،أ َّن مجلة (املرأة يف اإلسالم) ما تزال تحظى باالهتامم املتزايد يف اإلقليم ومختلف دول العامل ،حيث تشق طريقها بثقة ومثابرة عالية كمجلة نسوية تهتم باملساواة وعكس واقع العالقات الجندرية يف مجتمعات املسلمني املحيك منها واملسكوت عنها .ونشري هنا إىل أهمية دعمكم ومتابعتكم لنا قُ َّرا ًء وكُتَّابَاً ومعلقني ومساندين.
Strategic Initiative for Women in the Horn of )Africa (SIHA Plot 3 Katalima Bend, Naguru, Kampala P.O. Box 2793, Kampala, Uganda
وأخريا ً أو ُّد أن أشري إىل أ َّن زميلتي ،مديرة التحرير ،سيليا هيتدجز ،التي عملت معها أكرث من عامني يف تحرير مجلة (املرأة يف اإلسالم) ،ستغادر فريقنا إىل محطة أخرى من حياتها .فباسمي وباسم أعضاء هيئة التحرير كافة ،أو ُّد أن أقول :إننا سنفتقد سيليا كثريا ً؛ فهي من القالئل الذين صادفتهم ممن جمعوا ما بني املهنية والشغف بالعمل ،وتلك خصائص نادرة بحق.
sihahornofafrica@gmail.com www.sihanet.org https://womeninislamjournal.com/blog
وما كان لهذا العدد من (مجلة املرأة يف اإلسالم) أن يصدر لوال الدعم الكريم من برنامج النساء الدويل التابع لصندوق املجتمع املفتوح ومنحة سيجريد راوزنغ تراست .ونحن ندين باالمتنان لهاتني املؤسستني عىل دعمهام املتواصل ملسريتنا. هالة الكارب
رئيسة التحرير
4
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
ثالثة أسئلة ل:
كلمة ...كلمة
البطريركية هي منظومة ت ُجسد ملأسسة هيمنة الذكور بشكل عام عىل اإلناث واألطفال والرجال الفقراء وامل ُطهدين داخل العائلة وىف املجتمع .ويعني ذلك أن الرجال من يتمتعون بامتيازات اجتامعية وثقافية محددة يبسطون زمام سيطرتهم عىل كافة املؤسسات الحيوية يف املجتمع ،ويف املقابل يتم حرمان النساء ويف أحيان كثرية الرجال ممن ال يتمتعون باالمتيازات الثقافية االقتصادية واالجتامعية من الصالحيات املتساوية .وال يعني ذلك أن النساء عاجزات متاماً أو محرومات بشكل كامل من حقوقه ّن ومصادره ّن ومحفزاته ّن" إال أنهن ُمنمطات داخل ادوار اجتامعية وثقافية محددة تضعهن تحت وصاية الرجال .ومن وجهة نظر نسوية ،ميكن اعتبار البطريركية بأنها ،منطاً يعمل عيل تنظيم املجتمع والثقافة واألفراد بطريقة تؤدي إىل إعادة إنتاج عالقات السلطة والتقنني النعدام املساواة .
صالح يوسف صالح يوسف :هو فنان تشكيلي معروف من يوغنداُ ،ع ِر َض ْ ت أعماله في إفريقيا وأوروبا والواليات المتحدةُ . د عام ،1983وبدأ مشواره الفني بدراسة الفن والتصميم و ِل َ ً الصناعي في جامعة ماكيريري في العاصمة اليوغندية كمباال عام .2002ويقيم حاليا في أوكالند ،كاليفورنيا وهو أب لثالثة أطفال.
ملاذا َس َّم ْي َت هذه اللوحة (اتخاذ قرار)؟ "اخرتتُ هذا العنوان تحديدا ً ألين أردتُ التعبري عن مقدرة املرأة يف اتخاذ القرار .وأعتقد أ َّن النساء أصبح مبقدوره ّن تغيري العامل الذي نعيش فيه ،وأنه ّن املحركات األساسيات لعجلة التنمية يف مجتمعاتنا .النساء يجتزن حواجز الثقافة واألعراف ويشكلن واقع الغد".
مجال العالج الفني للمتعايشني مع عدوى ومرض نقص وقدمت ِو َرشَ اً فنية املناعة املكتسب (مرض اإليدز)، ُ لألطفال اليتامى وأطفال الشوارع يف يوغندا .وأعتق ُد أ َّن الفن لديه قدرة هائلة عىل جمع أناس مختلفني ومنحهم الراحة والقدرة عيل التواصل". من االنجليزية اليز غازريان
ما هو مصدر إلهامك الرئييس؟ "أعاميل مستوحاة من املرأة والطبيعة اإلفريقية ومن الطيور واألسامك والفراشات ...إلخ .وأتناول النساء اإلفريقيات يف أعاميل ألنَّه َّن مرآة التع ُّدد الثقايف يف إفريقيا ،وه ّن حجر األساس يف مجتمعاتنا ،وأو ُّد دعم متكني املرأة وتح ُّررِها ،أمالً بأن يأيت اليوم الذي تنال فيه املرأة االحرتام أسوة بالرجال".
يف ربيعهـــا
يمكن للطفلة السودانية أن تُزوج بواسطة وليها الذكر ،وفقاً للبند 40من قانون األحوال الشخصية السوداني الصادر عام .1991
هل تعتقد أنَّ الفن يستطيع أن يجرس املسافة ما بني املجتمعات؟ "إ َّن الفن -سواء أكان تجريدياً أو واقعياً -هو لغة تخاطب الجميع .إنه جزء ال يتجزأ من الثقافة ويلعب دورا ً يف الرتبية والشفاء .وبالنسبة يل شخصياً ،أهتم كثريا ً بنرش الفرح واالستمتاع بالعمل الفني مع اآلخرين ،ليس فقط من خالل تعليم املهارات واملواد الفنية ،ولكن أيضاً مساعدة الناس عىل تحقيق أنفسهم والتعبري عن أمضيت وقتاً طويالً يف إبداعاتهم الكامنة .وقد ُ
املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
5
فاطمة أحمد إبراهيم سيرة ومسيرة هالة الكارب
من ثالثينيات القرن املايض ،كان السودان يتأرجح ما بني اإلرث التقليدي للدولة املهدية امل ُ ْن َد ِح َرة ،وما بني قبسات الحداثة الوافدة مع قدوم االستعامر الربيطاين ُم َمث ََّلً يف الحكم الثنايئ ،أو ما ُعر َِف الحقاً باالنتداب اإلنجليزي-املرصي .وقد ُو ِس َم ْت الفرتة ذاتها بتداعيات دحر حركة (اللواء األبيض) ،تلك الحركة السياسية التي َح َوتْ مزيجاً من امل ُ َج َّن ِدين يف قوات لواء السودان يف ذلك الوقت واملدنيني ،والتي ُع ِرف َْت الحقاً يف تاريخ السودان بثورة ،1924حيث قُ ِم َع مترد العسكرين والنشطاء السودانيني بقسوة بالغة من قبل اإلدارة االستعامرية ،وكان ذلك مبثابة رسالة قوية، أي محاولة متر ٍد الحق ٍة ستُقَابَ ُل بالقوة ذاتها. فحواها أ َّن َّ نشأتْ فاطمة يف ٍ بيت ذي حظوة؛ فقد كان جدها لوالدها إمام مسجد وشيخاً معروفاً ،بينام جدها ألمها كان مدير مدرسة .أ َّما والدها (أحمد إبراهيم) فقد كان من خريجي كلية غردون التذكارية ،وأصبح -فيام بعد -مدير مدرسة .وأ َّما والدتها فهي من سكان مدينة الخرطوم وكانت ت ُ ْعتَ َ ُب يف ذلك الوقت من قالئل النساء الاليت نِلْ َن تعليامً نظامياً .وبالنسبة لفاطمة كونها حفيدة رجل دين وابنة رجل متعلم ذي منصب مرموق يف جهاز الدولة يف ذلك الحني ،فقد كان لهذه التنشئة املزدوجة األثر الكبري يف تكوين شخصيتها عىل ما هي عليه .وجدير بالذكر أ َّن مثل تلك التنشئة املزدوجة قامت عليها شخصية معظم النخب السودانية، حيث شَ َّكل َْت تلك املزواجة بدرجات مختلفة ما بني التقليدي والحديث هويتهم فيام بعد. وباإلضافة لكل ذلك ،كانت فاطمة تنتمي ألرسة سياسية حاملة لبذور التمرد؛ فقد سبق أن ف ُِص َل والدها بعد تعيينه يف إدارة التعليم بواسطة اإلدارة الربيطانية؛ وذلك حينام رفض التدريس باللغة اإلنجليزية .وقد كان ملعارضة أحمد إبراهيم للمستعمر اإلنجليزي -بال شك -تأثريها عىل أبنائه ،مبا فيهم فاطمة .حيث أصبح منزل األرسة قبلة مناهيض الرسم :نصر الدين الدومة -السودان االستعامر واملدافعني عن الحريات مبدينة أمدرمان ِم َّم جعل أبناءه يف صبيحة الثاين عرش من أغسطس للعام ٢٠١٧م ،توفيت السيدة يُظْ ِه ُرو َن اهتامماً ُم َب ِّك َرا ً بالحركة الشيوعية التي بدأت تأثريها عىل صفوة فاطمة أحمد إبراهيم ،الناشطة السياسية السودانية املعروفة ذات التأثري مجتمعات حوارض السودان خالل األربعينيات من القرن املايض. العظيم عىل الحركة النسوية يف السودان. انخرطت فاطمة يف الحراك السيايس والتنظيامت الشبابية للحركة ُولِدَتْ فاطمة يف عام ١٩٣٣م مبدينة أمدرمان عىل الضفة الغربية املعادية لالستعامر منذ ُع ْم ٍر ُم َب ِّكرٍ .فقد قادت بشجاعة حمل ًة يف املدرسة للنيل ،إحدى املدن الثالث املكونة للعاصمة الخرطوم .وكانت أمدرمان ضد قرار اإلدارة التعليمية القايض بإلغاء املواد العلمية من مدارس هي العاصمة القومية لدولة املهدية التي حكمت السودان يف الفرتة ما الفتيات ،وقرص التعليم املدريس لهن عىل االقتصادي املنزيل .وقد أفضت تلك الحملة إىل إرضاب شامل أرغم املدرسة عىل الرتاجع عن قرارها. بني .1898-1885 أصدرت فاطمة يف تلك الفرتة جريدة حائطية باسم (الرائد) ،كانت يف ُولِدَتْ فاطمة خالل فرتة تحوالت كربى يف السودان؛ ففي تلك الفرتة مجملها صدى ألفكار الحركة املعادية لالستعامر.
6
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
وجوه
ويف عام َّ ،1947أس َس ْت فاطمة مع مجموعة من النساء املتعلامت ،من كام كانت تتمتع بلباقة ومقدرة يف مخاطبة مختلف فئات املجتمع. بينهم الراحلة خالدة زاهر ،الطبيبة والناشطة يف حقوق املرأة ،ما يُ ْع َر ُف بـ(رابطة الفتيات املثقفات) .ويف العام َّ 1952أس َس ْت فاطمة (االتحاد وأصبحت فاطمة يف سودان ما بعد االستقالل شخصية جامهريية النسايئ السوداين) ،الذي استمرتْ عىل ُس َّد ِة رئاسته معظم سنوات تتشبه بها النساء؛ ألنها كانت ت ُ َج ِّس ُد يف نظرهم التوافق ما بني قيم نشاطها السيايس .وقد أصدر االتحاد النسايئ مجلة (صوت املرأة) ،وهي الحداثة واحرتام التقاليد .كام كانت محل تقدير الرجال لشخصيتها "ص َّد َرتْ فاطمة للمجتمع مجلة تهتم بشؤون النساء وأوضاعه َّن ،وت ُ ْعتَ َ ُب (صوت املرأة) أول مجلة املحافظة ومظهرها غري امل ُ َه ِّدد ملتواضعاتهمَ . نسوية عىل مستوى القارة اإلفريقية .ويف العام ،1954انض َّم ْت فاطمة السوداين منوذجاً ُمرِيحاً وغري ُم َه ِّدد ،ملا يجب أن تكون عليه املرأة َت شعبيتها الذروة عقيب انتخابها إىل الحزب الشيوعي السوداين الذي كان يقود الكفاح ضد االستعامر عىل املتعلمة ،مظهرا ً وسلوكاً" .وقد بَلَغ ْ هدى املبادئ االشرتاكية. للربملان يف عام ،1965كأول امراة تحظى بهذا الرشف ،ليس فقط عىل مستوى السودان ،بل يف أفريقيا والرشق األوسط ،وهي فقط يف الثانية َت أعداد كبرية والثالثني من عمرها. وىف اعقاب استقالل السودان يف عام ،1956اِلْتَ َحق ْ من النخبة السودانية بالحزب الشيوعي الذي تنامى تأثريه بحيث ا ُ ْعتُ ِ َب مل تهنأ فاطمة كثريا ً بهذا االنتصار السيايس ،يف ِظ ِّل الهشاشة والتقلبات ُم َه ِّد َدا ً لألحزاب السياسية التقليدية ذات اإلرث الديني ،مبا يف ذلك حزب اإلخوان املسلمني الصاعد حديثاً إىل مرسح السياسة يف السودان .وكذلك الرسيعة التي تتسم بها السياسة السودانية .فقد اختارت منذ البداية أن راقبت القوى الخارجية بتوجس صعود الحزب الشيوعي يف ِظ ِّل هيمنة تنضم لحزب علامين التوجه ،ذي أجندة اشرتاكية مثرية للجدل ،تتقاطع أجندة الحرب الباردة حينذاك عىل املرسح السيايس العاملي .وقد كان بالكلية مع واقع السودان الديني التقليدي .فقد ت َ َع َّر َض الحزب الشيوعي الحزب الشيوعي ت َّواقاً لتجنيد النساء ضمن عضويتهُ ،م ْنتَ ِب َهاً منذ وقت الذى كانت تُ َثِّلُ ُه يف الربملان إىل حملة رشسة يف العام ،1965من قبل ُم َبكِّر ألهمية مشاركته َّن كفاعالت عىل املستوى السيايس واالقتصادي ،األحزاب الدينية التقليدية -خاصة من قبل اإلخوان املسلمني -أدَّتْ إىل ودور ذلك يف تنمية الحزب .وكذلك انتبه الحزب ُمبَ ِّك َرا ً ألهمية االتحاد طرده من الربملان بعد أن ات ُّ ِه َم باإللحاد. النسايئ والقوة الكامنة فيه ،مام كان سبباً يف إلحاقه كمنظمة تابعة ومنذ تلك اللحظة وما تالها ،تَ َع َّرضَ ْت فاطمة عىل املستوى السيايس للحزب ،فيام بعد. والشخيص للعديد من األزمات واملحن .تَ َثل َّْت األزمة األوىل يف انشقاق كان االتحاد النسايئ والحزب الشيوعي -وعياً منهام بالواقع املحافظ عنارص ُم ِه َّمة من االتحاد النسايئ وانضاممهن للنظام العسكري لجعفر الذي يعمالن فيه -حريصني عىل إظهار االحرتام لقيم املجتمع التقليدي ،منريي الذي استوىل عىل السلطة يف عام 1969م .وعىل املنوال ذاته، شانِ فيه بحق املرأة يف التصويت االنتخايب ،وحقها انقسم الحزب الشيوعي إىل فصيلني :أحدهام ينادي بالتعاون مع النظام يف الوقت الذي كانا يُ َب ِّ َ يف االنتخاب ،وحقها يف األجر املتساوي ،وكذلك الحق يف إجازة الوضع .الجديد ،واآلخر يرفض التعاون .وقد دفع الفصيل املناهض لنظام منريي انقالب مضا ٌّد يُ ْن َس ُب لهذا الفصيل ،يف عام 1971 مثناً باهظاً ،حني فشل ٌ وقد نَ َج َح ْت فاطمة -كناشطة -يف التوسط يف دفع األجندة السياسية كان ينوي اإلطاحة بجعفر منريي ،قامت به مجموعة من الضباط املوالني لحزبها ،فيام يتعلق بحقوق املرأة السياسية وانخراطها يف الحياة العامة للحزب الشيوعي السوداين .حيث تم إعدام والتنكيل بأعداد كبرية من (وفق رشوط املجتمع التقليدي ومحاذيره) .وقد كان لخطابها املحافظ العسكريني اليساريني وقادة الحزب الشيوعي ،من بينهم عبد الخالق محجوب ،السكرتري العام للحزب ،والشفيع أحمد الشيخ ،زوج فاطمة، عن ت َ َح ُّر ِر املرأة صدى واسعاً وقبوالً يف املجتمع السوداين. النقايب وعضو اللجنة املركزية للحزب ،اللذين كانا من ضمن الذين متت و ِم َّم الشك فيه أ َّن فاطمة كانت أيقونة زمانها؛ فقد كانت شخصيتها تصفيتهم بقسوة من قبل نظام النمريي. انعكاساً للمرأة الحديثة يف سودان الستينيات من القرن املايض .حيث وقد ت َ َع َّرضَ ْت فاطمة نفسها لإلقامة الجربية التي استمرت أكرث من توفَّ َرتْ لها كل املواصفات ليك تكون قائدة يف زمانها .فقد انحدرت من أرسة نخبوية ذات حظوة اجتامعية تنتمي إىل وسط السودان .وكانت عامني بعد إعدام زوجها ،كام ُح ِظ َر رسمياً نشاط املنظومتني اللتني انتمت إبَّان انخراطها يف الحراك السيايس يف مقتبل شبابها ترتدي الثوب السوداين إليهام. التقليدي ذا القبول االجتامعي ،وتترصف وفق رشوط املجتمع التقليدي. املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
7
هالة الكارب املديرة اإلقليمية للمبادرة اإلسرتاتجية لشبكة نساء القرن اإلفريقي ورئيسة تحرير مجلة املرأة يف اإلسالم.
ويف تقديري ،كان لهذه األحداث تأثري كبري عىل شخصية فاطمة ورؤاها السياسية ،فيام بعد .وميكن القول إ َّن مزيج الغضب وإحساس الضحية صارا السمة املالزمة النخراطها يف العمل العام فيام بعد .فاملرأة األمدرمانية ،ذات الحظوة االجتامعية ومثار اإلعجاب ،والناشطة السياسية بتأثري والدها وإخوانها ،جابهت ألول مرة عنف السياسة ورشورها.
قبل النخب السودانية والتي بحكم تكوينها الذكوري املحض اتسمت بانحيازها للبطريركية .فقد كتب الدكتور عبد الله عيل إبراهيم -وهو عضو سابق يف الحزب الشيوعي -مقاالً يف مارس ُ 2011م َعلِّ َقاً فيه عىل خطاب ألقته فاطمة مبناسبة يوم املرأة العاملي يف عام ،1980مشيدا ً ِب َخطِّ َها املحافظ .فقد اتفق معها تحديدا ً يف قرار االتحاد النسايئ قرص حملته املوجهة ضد قانون األرسة عىل قضية (بيت الطاعة) – وهو تخريج فقهي يعطي الرجل الحق يف تحديد حركة الزوجة كنوع من التأديب يف حالة (نشوزها) .ويف معرض تعليقه ،قال" :إ َّن فاطمة مل تجد يف قانون األحوال الشخصية السوداين ما يستحق االعرتاض سوى قضية (بيت الطاعة) .أ َّما بقية املواد ،فهي إ ّما وافقت عليها أو تركتها كام هي".
كام أنني انتقدتها يف املقال ذاته عىل تجاهلها لحقيقة التباين والتع ُّدد الذي يسم الحركات النسوية السودانية .وأ ْذكُ ُر أنني َح َضتُ لها ندوة عامة أُ ِق ْي َم ْت يف جامعة الخرطوم يف تسعينيات القرن املايض ،حيث شَ َجبَ ْت و َج َّر َم ْت بإرصار حاالت الحمل خارج إطار الزوجيةُ ،م َح ِّذ َر ًة يف لهجتها أعضاء االتحاد النسايئ بأن ال يجرؤن عىل ارتكاب ذلك الجرم الشنيع .وقد أبدى الكثري من النساء الشابات -حينذاك -امتعاضاً و َر َّد فعل ُمخَالِفاً ملوقفها املحافظ وحكم القيمة الذي استند عليه .وأنا أسوق هذا املثال ،كنموذج يُ َع ِّ ُب عن الكيفية التي فقدت بها فاطمة القدرة عىل التواصل مع األجيال الشابة ،وبذات الكيفية تناقص رصيدها التاريخي يف ساحة النسوية.
وبالعودة إىل مقايل يف العام ،2007أعتقد أ َّن تحلييل -حينذاك -لتاريخ فاطمة قد أغفل الظروف االجتامعية التي من خاللها ولجت فاطمة إىل بوابة السياسة وحقوق املرأة .ففي الواقع ،تَطَ َّو َرتْ فاطمة كشخصية عامة يف ِظ ِّل واقع اجتامعي ُم َعق ٍَّد ،يهيمن عليه اإلسالم التقليدي وقيم سودان الوسط املحافظة واملهيمنة عىل مدينة أمدرمان ،مسقط رأسها. كام كان عليها أيضا أن تجد لنفسها موطئ قدم يف حزب متنازع ما بني رؤى سياسية تق ُّدمية وقاعدة تقليدية دينية؛ فالحزب الشيوعي مل يكن يريد أن يغضب قاعدته االنتخابية ،لذلك اِختار منذ البدء أن يخفض من نربة خطابه حيال قضايا العدالة الجندرية واملسائل الثقافية ،وذلك يف الوقت الذي كان فيه يتب َّنى إصالحات سياسية طموحة.
كان موقفها الديني من قضية املرأة أكرث محافظة من الكثري من الرجال من معارصيها ،مبا فيهم حسن الرتايب ،زعيم اإلخوان املسلمني، الذي ت َ َح َّدى منذ وقت ُم َبكِّر متواضعات الفقه التقليدي املتعلق بحقوق املرأة ومساواتها .وكذلك تقارصت رؤاها عن رؤى األستاذ محمود محمد طه ،امل ُ َج ِّدد الديني املرموق ،الذي أقدم عىل إصالحات جذرية يف قانون األحوال الشخصيةُ ،م ْس ِت ْن ِكرا ً فيه ت َ َع ُّدد الزواج.
لقد فطن الحزب الشيوعي -عىل املستوى االسرتاتيجي -منذ البداية، ألهمية تجنيد املرأة ،ولكنه وجد مقاومة من عضويته ونقدا ً من معارضيه .فقد ظل َّْت ت ُ َه ُم االنحالل األخالقي واإلباحية تالحق عضوية الحزب من الجنسني وبشكل ُم َنظَّم .هذا دون أن ننىس أ ّن الحزب نفسه مؤسسة يهيمن عليها الرجال ،لذلك فإ َّن الغالبية من أعضائه كانوا ال يزالون يعتقدون أ َّن النساء غري مؤهالت لتَ َب ِّني ذات املواقع األيدولوجية التي يتبناها نظرائه َّن من الرجال وبالتايل غري مؤهالت التخاذ القرار. والجدير بالذكر أ َّن بعض عضوات الحزب يف فرتات الحقة ،تحدثن -وإن
يف عام ،2007كَتَبْ ُت مقاالً عىل اإلنرتنت ،اِنْتَ َقدْتُ فيه سرية فاطمة وكنت قد بَ َّي ْن ُت فيه كيف أ َّن موقعها كمدافعة عن حقوق النساء. ُ وخطابها املحافظ يتعارضان مع األجندة النسوية .لقد كان يف رأيي أنها أصبحت رصيحة يف تبنيها للخط التقليدي ويف محاولتها إلرغام النساء عىل تبني ذلك الخط ،فارضة رؤيتها ملا يجب عىل النساء لبسه ،والسلوك فهذا املوقف املحافظ من قضايا املساواة الجندرية ،رغم أنه أكسبها الذي يجب عليهم التَّ َق ُّيد به يف الفضاء العام .كام أنها قاومت فكرة مخاطبة التح ِّديات التي تواجهها املرأة يف القضايا املتعلقة بإشكاالت اعرتاف وتقدير العديد من الرجال من الصفوة عرب املنابر السياسية الحقوق اإلنجابية والعنف الجنيس واالجتامعي والثقايف الذى تتع َّرض املختلفة يسارا ً ومييناً إال أنه يف الوقت ذاته -وكام ذكرتُ -أىت خصامً عىل رصيدها كرائدة نسوية تحديدا ً ما بني النسويات من األجيال التي تلتها. له النساء.
إال أنه ومن ناحية أخرى فقد َح ِظ َي خطاب فاطمة امل ُ َحا ِفظ بدعم من
8
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
وجوه
كان بشكل غري رسمي -عن ٍ أمناط من التح ُّرش والتهميش واملعاملة غري الكرمية التي كانت تتم داخل أروقة الحزب تجاه النساء. وأعتقد أ َّن فاطمة كانت عىل وعي تام بالبيئة املحيطة وبإكراهاتها كسياسية ،كام كانت واعية بالسلطة البطريركية املحيطة بها ،وامتداداتها داخل حزبها .ولذلك -يف ظَ ِّني -اختارت التوافق مع النظام البطريريك الذي ساهم يف صعودها السيايس واالجتامعي .ويف تقديري ،أنها قد وجدت مشقة كبرية الحقاً يف تحديد الخط الفاصل ما بني تعاطفها مع القيم السودانية التقليدية ورغبتها يف موضعة نفسها كممثلة للتغيري. كأي نسوية وطنية بنت زمانها ،كانت فاطمة تعتقد أ َّن التغيري و ِّ ميكن حدوثه فقط عن طريق السلطة السياسية ،ناسي ًة يف الوقت ذاته أ َّن السلطة السياسية نفسها تتشكل من خالل املجتمع الذي أنتجها. "ده ما الوقت املناسب" ،كانت هذه هي العبارة (الكليشيه) التي تواجه بها فاطمة الناشطات الشابات ،حني يسألن( :ملاذا ال يُ َنا ِق ُش االتحاد النسايئ قضايا العنف الجنيس ،والحمل خارج الزواج ،والحقوق اإلنجابية للنساء ،وقضايا تجريم الجنسانية؟) .متبنية مواقف الكثري من الجامعات الوطنية العلامنية ،كانت فاطمة تعتقد أ َّن املساواة الجندرية ليست قضية ذات أولوية مقارنة بالنضال السيايس الذي تخوضه منظمتها والحزب الشيوعي ،اللذان طوعاً تبنيا خطَّاً ُم َحا ِفظَاً لحقوق املرأة يف مقابل الكسب الجامهريي والقبول االجتامعي.
كنت يف الخرطوم حني شُ ِّي َع ْت جنازتها يف شهر أغسطس ،2017 ُ رأيت جموع املشيعني من األجيال الشابة من مكتبي نافذة خالل ومن ُ الجنسني يهزجون وينشدون شعارات الحرية واملقاومة ،مستدعني إرثها النضايل يف ستينيات القرن املايض .ففي موتها كام يف حياتها ،استحرضتْ فاطمة كل تناقضات الواقع السيايس واالجتامعي السوداين؛ فقد احتشد موكب جنازتها بكل ألوان الطيف :بدءا ً من تنظيامت اإلسالم التقليدي وممثيل النظام الحايل ،إىل أعضاء الحزب الشيوعي ومرورا ً بالنسويات والناشطني الشباب والشابات من الخلفيات كافة.
بقلم :هالة الكارب
من االنجليزية :عبد الخالق السر
ويُ َذكِّ ُرين موقف فاطمة بالنقاشات املستفيضة يف السودان والصومال عن دور النساء يف تأبيد عادة خفاض الفتيات .فعاد ًة النساء اللوايت يدفعن ملامرسة الخفاض ال يقصدن من ذلك الرضر واألذى لبناتهن ،بقدر ما يكون القصد هو حامية مستقبلهن الذي ال يكون إال باملحافظة عىل عذريتهن ،كرشط اجتامعي ال بد منه للزواج والحياة االجتامعية اآلمنة. وهذا عني ما مارسته فاطمة (حامية النساء) من خالل ت َ َج ُّن ِب مواجهة الصدام مع قوى البطريركيةُ ،مفَضِّ لَ ًة خفض سقف مطالبها االجتامعية مبا يحقق القبول االجتامعي يف ذلك الوقت. ويف السنوات األخرية من حياتها ،أصبحت فاطمة أكرث قربا من املحافظني وباعدت الشقة ما بينها واألجندة التق ُّدم َّية التي حاربت يف السابق من أجلها وأكسبتها من بعد اسمها وسمعتها. املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
9
المرأة في فكر األستاذ محمود محمد طه: مقاربة نقدية عبد الخالق السر عبد الخالق الرس: باحث مستقل وكاتب سوداين ومرتجم مستقر يف ملبورن أسرتاليا ،متخصصيف اإلسالم السيايس ش ن والفكر السلفي .ت ُ ْ َ ُ أعامله يف الوسائط االجتامعية وبعض الصحف يف أسرتاليا والسودان .مساهم يف هيئة تحرير مجلة املرأة يف اإلسالم.
10
ظ ََّل خطاب املرأة حارضا ً بقوة يف كل املساهامت التجديدية للفكر اإلسالمي بشقيه السلفي واملعارص ،وتبعاً لذلك اِت َّ َخ َذ خطاب املرأة يف كتابه (تطوير رشيعة األحوال الشخصية) ،يعمل األستاذ محمود مواقفاً وأشكاالً متعددة تتسق مع املوقف الفكري املُتَ َب َّنى من التيار عىل إضاءة البعد التاريخي ملنطق القوة الذي حكم عالقة البرش منذ التجديدي أو اإلحيايئ وفقاً لتصوراته األيديولوجية املهيمنة. األزل وما متخَّض عنه من أحكام كانت تفرضها القوة املنترصة دوماً، ويث ُِّل الرق وهذا الحضور الطاغي لخطاب املرأة أو فقه املرأة -إن شئنا تب ِّني وأصبحت من ث َ َّم متواضعات تحكم عالئق الناس فيام بعدَ ُ . اللغة الدينية -ما هو االّ تعبري عن أهمية أو مأزق وضع املرأة املسلمة مبعناه العريض يف هذا الصدد واحدا ً من أنصع هذه النامذج التي كانت املعارصة ،إن كان عىل مستوى الفكر أو القانون أو األخالق يف املجتمع ت ُ َع ِّ ُب عن عالئق القوى بني أبناء البرش .تعرضت املرأة للسبي وهو شكل من أشكال الرق ،كام يوضح األستاذ ،وصارت مبوجبه املعادلة األضعف املسلم. يف تاريخ البرشية امليلء بالعنف والحروب ،مام انعكس سلباً يف حظوظها مل يتأخر الفكر الجمهوري ُم َمث َ ًَّل يف إسهامات األستاذ محمود محمد االجتامعية مستقبالً ،ومل تتح الظروف لإلسالم وقتها سوى "ورث هذه طه عن الركب ،بل الشاهد أنه أوىل موضوع املرأة عنايته القصوى ،األوضاع البشعة التي كانت تجري يف مجتمع الجاهلية ..فحسم املشت ّط ونجد أ َّن خطاب املرأة يتناثر هنا وهناك يف مساهامت األستاذ الفكرية منها حسامً ..ولكنه مل يكن ليتخلص من سائرها ،فينهض باملرأة إىل املستوى الذي يريده لها يف أصوله "..ص .38ومبعث ذلك ،حسب رأي املتعددة. االستاذ ،أ َّن املجتمعات ال تعيش يف فراغ ،وال تقفز عرب الفضاء ،وإمنا يحاول هذا املقال جاهدا ً إضفاء قراءة نقدية عىل مجمل مساهامت تتطور تدريجياً ،وبشكل متئد وحثيث. الفكر الجمهوري املختصة بواقع املرأة يف الفقة اإلسالمي والرشيعة، واستنادا ً عىل هذا التص ُّور التاريخي لفعل التطور يرى األستاذ أ َّن ويسعى املقال إىل التوغُّل عميقاً يف بنية النصوص التي تخاطب واقع املرأة ،ال ِسيَّ َم يف كتابه املخصص لهذا الغرض ،والذي يحمل عنوان :الرشيعة عملت عىل إباحة الرجل لزواجه من أربع نساء ،ألنه من غري املعقول أن متارس املرأة حقها يف املساواة بني عشية وضحاها ،عىل حد (تطوير رشيعة األحوال الشخصية). تعبريه .ص .39ويرى أ َّن هذا األمر عارض بتقدم اإلنسان من رشيعة وتأيت أهمية هذا الكتاب يف كونه يتقاطع مع الكثري من ثوابت فقه الغاب إىل رشيعة اإلنسان .ومل َّا كانت الرشيعة اإلسالمية يف األصل قامت املرأة املتعارف عليها يف الفقه اإلسالمي الكالسييك .وهو يحمل -كام عىل آيات الفروع ،فقد قامت عىل أحكام الوصاية ،وهو عهد "البُ َّد أن هو الحال يف الكثري من أفكار األستاذ -ما يبعث عىل الجدل والحرية ،يكون مرحلياً" ص ،45وبالتايل يزول بزوال أسبابه .وبالطبع من املهم إن مل يكن الغضب ،ممن تآلفوا واستبطنوا متواضعات وأحكام الفقه هنا اإلشارة إىل مفهوم (آيات األصول) و(آيات الفروع) من واقع كونه الكالسييك بيقينية عالية متاهي بني املقدس واالجتهاد ،وتلك بالطبع مفهوماً جوهرياً يستند عليه بالكامل فكر األستاذ محمود محمد طه. واحدة من مآزق اإلسالم املعارص ،وهذا باب ليس مكانه هذه السانحة .للمزيد ميكن الرجوع اىل كتاب (الرسالة الثانية). ويسعى هذا املقال -وبقراءة نقدية للكتاب املعني -إىل مساءلة ما واستنادا ً عىل حقيقة آيات الفروع ومرحليتها ،يرى األستاذ أ َّن قوامة وقر يف أدبيات الفكر الجمهوري أ َّن آراء األستاذ واجتهاداته الفكرية هي النموذج األمثل لتَ َح ُّر ِر املرأة ومساواتها للرجل من خالل تطوير الرشيعة الرجال عىل النساء الواردة يف اآلية (الرجال قوامون عىل النساء)، اإلسالمية ،وذلك دون الحاجة اىل االستعانة باألفكار الغربية الرائدة يف مرشوطة بالتفضيل ،والتفضيل نفسه نسبي ومتغري بتغري الزمان واملكان، ٍ متامسك وما كان مدعاة للتفضيل يف زمان ما ،قد تنتفي صالحيته يف مكان ما .وقد أي مدى نجح األستاذ يف تقديم فك ٍر هذا املجال .ولكن ،إىل ِّ ينسجم وهذه الدعاوى الكبرية ،فهذا ما يو ُّد هذا املقال أن يُ َسلِّ َط عليه َد�ل َّ َل األستاذ ،عىل سبيل املثال ،بسيادة دولة القانون يف مدينة أمدرمان، مام ال يستدعي معه حمل السالح من قبل األفراد لحامية أنفسهم ،أل َّن الضوء.
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
تاريخية األحكام الفقهية:
وجوه
الرسم :حسين ميرغني -السودان
ويتطلب االنتقال اىل قوة العقل ،حسب قول األستاذ ،الخروج من رشيعة الغاب اىل رحاب رشيعة اإلنسان ،حيث للضعيف حق ينص عليه القانون ،ويطبقه القضاء وتنفذه السلطة .ص .51وهذا موقف ال يتوفر لدين سوى اإلسالم ،ألنه له القدرة عىل التوفيق بني حاجة الفرد للحرية املطلقة ،وحاجة الجامعة إىل العدالة االجتامعية الشاملة ..واألرضية التي يقوم عليها هذا اإلنجاز إمنا رشيعة الدميقراطية واالشرتاكية يجتمعان يف جهاز واحد .ص .51
ذلك موكول أمره لسيادة القانون ،وبالتايل يعترب التقيد بالقانون يف هذه الحالة مبثابة الفضيلة ،ولكن قد ال يكون ذلك فضيلة يف بادية الكباببيش، أو جبال البحر األحمر ،أو أحراش الجنوب ،حيث تضعف سلطة الدولة املركزية ،ومن ث َ َّم يتكفل الفرد بحامية نفسه من رشور اآلخرين .ص .47وغاية مقصد األستاذ هنا هو إن كانت القوة العضلية هي مثار التفضيل يف عالقة الرجل باملرأة يف رشيعة الفروع ،فإ َّن األمر سيختلف حني ينتقل تعريف الفضيلة من قوة العضل إىل قوة العقل والخُلق، وبالتايل لن يكون حظ املرأة هنا منقوصاً أو مبخوساً .ص .48ويرى املساواة بني الرجل واملرأة: األستاذ محمود أ َّن قوة العقل قد استبانت مع ظهور التعليم الحديث يف السودان وتَ َ َّك َنت النساء من تحقيق تطلعاتهن األكادميية والتي أهلتهن يؤكِّد األستاذ محمود أ َّن األصل يف املساواة بني الرجل واملرأة يكمن يف ألعىل املناصب الوظيفية ،مام ينعكس كدليل دامغ عىل أفول منطق القوة العضلية كدليل عىل التفضيل كام هو وارد يف رشيعة الفروع. قيمة كل منهام كإنسان ،وهي مساواة تقوم حتى وإن وقع االختالف يف املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
11
الخصائص النفسية والعضوية يف بنية الرجال والنساء ..وهي تقوم وإن وذلك حني يبلغن هذا املبلغ من العفة ،حينها ت ُ ْرفَ ُع وصاية الرجال اختلفت الوظيفة االجتامعية وميدان الخدمة للمجتمع الذي يتحرك فيه عنهن ،ويكون إليهن ،يف ظل الله ،أمر القيام عىل أنفسهن ،تحت وصاية القانون ...ص .64-63 الرجال والنساء .ص .54 لكن األستاذ محمود ال يعرتف بقيمة االستقالل االقتصادي للمرأة وال يصنفه من رشوط املساواة ،ألنه يعتقد أ َّن ذلك مبعثه القيم املادية للحضارة الغربية والتي ال تعرتف بالشخص إالّ ُم ْن ِت َجاً وعامالً ِم َّم أدَّى ألن (تسرتجل) املرأة أو كادت ،عىل حد تعبريه .ص ،55ويستشهد األستاذ بحديث باحث اجتامعي (فرانك لومير) ،ويؤكِّد فيه أ َّن عمل النساء يف االتحاد السوفيني يف األعامل الشاقة ،قد تسبب يف زيادة اإلجهاض، وزيادة يف انخفاض الخصوبة يف النساء .ص .55فاملرأة (السوية) يف ُع ْر ِف األستاذ هي التي تتجه ملامرسة وظيفتها األساسية ،يف إنجاب األطفال س ورعاية شئونها يف بيوت سعيدة ...ص .55 وتكوين األُ َ ِ املرأة مكانها البيت:
ويرى األستاذ أ َّن وصول املرأة ألعىل مراحل التعليم واجب ،ميليه عظم مقام البيت الذي تديره" ،وهذا ما نعنيه يف قولنا املرأة مكانها البيت" ص .56ويعتقد محمود أ َّن مثل هذه النظرة قد أملتها "صور القوانني املتطورة تطورا ً يُ َخ َّي ُل للقاريء أنه قفزة ...وما هي بذلك.... ولذلك اإلنسان ،مطلق إنسان ،ال أمل له يف الكرامة َّإل باإلسالم ،وإ ّن هذه الكرامة موجودة فقط يف أصول اإلسالم .ص .58 الخالصة: مام ت َ َق َّد َم ميكن القول إ َّن مفهوم املساواة يف فكر األستاذ محمود محمد طه هو مفهوم عرفاين ،أكرث منه فلسفي ،يجد نفسه يف براح اللغة املثالية التي تعززها تصورات يوتوبية ملفهوم التطور االجتامعي للمسلمني ،بعيدا ً عن تشابكات وتعقيدات عالئق القوى التي تحكم عالقة املرأة بالرجل يف املجتمعات اإلسالمية ،والتي تستمد منطقها ومتاسكها الداخيل ،من بنيات الثقافة االجتامعية املهيمنة ،والتي بدورها أكسبت متواضعات الفقه اإلسالمي الكالسييك ،سلطته األخالقية واالجتامعية، والتي أصبحت مبرور الزمن بنا ًء ذهنياً كامالً تقوم عليه حقائق الوجود يف العقل املسلم ،يستمد منها تصوراته األخالقية والقانونية فيام بعد حسب ما عرف بـ(الرشيعة).
يعتقد األستاذ أ َّن البيت هو املكان األمثل للمرأة ،ملا للبيت من أهمية يف تكوين األرسة ،ويجب أن تكون فيه (ملكة) وليست (خادمة) ،حسب تعبريه .وينوه ،أ َّن قولنا مكان املرأة هو البيت ال يعني ذلك حجبها كام يريد لها السلفيون ،ومن ث َ َّم عزلها عن الحياة ،وفق منطقهم ،وبالتايل أصبحت (كلمة حق أريد بها باطل) ،ولكن الحق يف هذه العبارة يكمن يف كيفية أن يتعاون الرجال والنساء يف إعادة تكوين البيت ليكون مكاناً للسعادة ...ص .56وال يرى مع ذلك غضاضة يف أن تعمل املرأة خارج البيت رشيطة أن توفق بني عمل البيت وشغلها خارجه ،ويُشَ ِّد ُد عىل أن عىل مستوى الحلول العملية مل يخرج األستاذ محمود عن هذه تبتعد عن االشغال (الشاقة) و(العنيفة) التي يجب أن ينفرد بها الرجال. املتواضعات ،عىل الرغم من أنه عىل مستوى اللغة البالغية ،أكَّ َد عىل ص .57 مسألة املساواة بني الرجل واملرأة دون لبس .أشار األستاذ يف البدء إىل يحتل مفهوم (العفة) حيزا ً ُم َق َّد َرا ً يف ت ََص ُّو ِر األستاذ ملجمل العالقة بني نقطة مهمة وهي تاريخية مظامل املرأة املسلمة ،يف عرض متهيدي جيد الرجل واملرأة ،ولكنه يف مرحلة الرشيعة يقرصها فقط عىل املرأة ،ألنها أراد به الخروج اىل رحاب تصورات متقدمة جدا ً تحكم عالقة املرأة قد تعجز عن صون نفسها ،ومن هنا يكمن مراد اآلية (الرجال قوامون بالرجل يف رشيعة األصول ،بعد تجاوز العقبات التاريخية التي كانت عىل النساء)ـ يعني أوصياء ،متسلطون ،لهم عليهن حق الطاعة ..فإن تحكم مجمل العالقة غري (املتوازنة) بني الطرفني ،ولكن ،مفاهيمياً ،مل قلت ما هي الحكمة وراء هذا التسلُّط؟ قلنا :الحفظ – حفظ فروج يخرج األستاذ كثريا ً عن التصورات الكالسيكية للدور االجتامعي املرسوم النساء ..هذا يف املرحلة ...ثم تفيض املرحلة إىل العفة والصيانة املرضوبة للمرأة ،فهو يعتقد أ َّن البيت هو مكانها األمثل ،والفرق الوحيد هو
12
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
وجوه
أحقيتها يف التعليم ،حتى ميكن لها أن تقوم بدورها املنزيل بـ(كفاءة) ال صيانة عفتها دون أن يستدعي ذلك قوامة من الرجل ،وتلك هي اللحظة تتوفر للمرأة غري املتعلمة .وحتى يف ظل الظروف (غري الطبيعية) التي التي تأخذ فيها رشيعة األصول مكانها الطبيعي ،بديالً لرشيعة الفروع! قد تتيح للمرأة الخروج من البيت للعمل ،مارس األستاذ ذات االستكراه فهذه رؤية مستقيمة للتطور التاريخي ال مكان لها عىل أرض الواقع، الذي تعج به كتب فقه الرضورة ،وبنى رأيه عىل موافقة مرشوطة قوامها التوفيق بني العمل وإدارة املنزل ،وتحديد ميادين العمل والتي ليس من ورمبا تجعل انتظار املرأة لرشيعة األصول طويالً يف انتظار الخالص عىل يديها من رشيعة الفروع املستحكمة بفعل التاريخ والبناء الذهني للعقل بينها (األعامل الشاقة) والتي مل يجتهد كثريا ً يف إيضاحها. املسلم ،وليس هناك ما يرجح أي تصور بديل عنها إن كان عىل مستوى ويف هذا الصدد ،نجد أنه حتى مقام التفضيل الوارد يف اآلية املذكورة الفكر الديني املهيمن أو عىل مستوى الحراك االجتامعي الذي يستمد والذي أحاله يف البدء لواقعة اقتصادية-ثقافية ،أنتجت يف ما أسامه هو اآلخر أسباب وجوده من ذات الفكر الضارب بجذوره يف التاريخ. (منطق العضل) ،والذي مل يلبث أن تفوق عليه منطق العقل ،وبالتايل تالشت أسباب الفوارق ،نجده يأيت الحقاً لاللتفاف عليه ويحيله ألسباب غري تاريخية ،تتعلق يف جزء منها بعدم قدرة املرأة عىل صون نفسها، وبالتايل أصبحت القوامة وصاي ًة وت ََسلُّطَاً ،الحكمة من ورائها صون بقلم :عبد الخالق السر الفروج ،أي العفة. ال يخفي االستاذ تفضيل الرجل عىل املرأة يف املستوى األخالقي ،وإن كان يعتقد أ َّن ذلك ال يجب أن يؤثر عىل املساواة بينهام أمام القانون، وهو رأي يرقى اىل مستوى التقريرية ،يعلن عن نفسه ُم َج َّد َدا ً وإن كان هذه املرة بشكل محايث يف هذا القول" :مقام اإلنسان الكامل (الرجل) من الله هو مقام العبودية ...ومقام العبودية هو مقام انفعال ،ومقام الربوبية مقام فعل ..فالرب فاعل ،والعبد منفعل ...ثم تنزل َّْت من اإلنسان الكامل زوجته ،فكان مقامها منه ،مقامه هو ،من الذات ،فهي منفعلة ،وهو فاعل ...وهذا يف الحقيقة مستوى العالقة الجنسية بني الرجل واملرأة" .ص .59 هذا االرتباك يف تقديري ،مبعثه االشتباك الواقع بني ،رشيعة الفروع ورشيعة األصول ،وهو اشتباك وصفه بالحتمي يف مرحلة ما من مراحل تطور اإلنسان املسلم ،وإن كان ال محالة سيحسم لصالح رشيعة األصول. ولكن هذا الحسم املبذول من جانبه ،ال عالقة له يف حقيقة األمر، بتعقيدات التاريخ االجتامعي للمسلمني وال برصاعات القوى فيام بينهم، ولكنه َح ْس ٌم قوامه حل عرفاين قوامه الكشف واإللهام ونظرة يوتوبية ترتقي باملجتمع املسلم اىل مستوى املثالية ،وهي مثالية ال تحتاج معها املرأة إىل وصاية أو ت ََسل ٍُّط ،ألنها هي نفسها سوف تكون لها القدرة عىل املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
13
عندما تتولى المرأة د َّفة القيادة
ول امرأة صومالية تعمل ميكانيكية لنتعر َّف على أ َّ عبد الفتاح حسن علي الكاتب :عبد الفتاح حسن عيل ،ناشط صومايل يف مجال حقوق اإلنسان، يعيش يف مقديشو، ويعمل ُم َن ِّس َقاً قُطرياً يف الصومال للمبادرة اإلسرتاتيجية لنساء القرن اإلفريقي (صيحة) ( ،)SIHAوهو أحد املؤسسني ملنظمة (الشاهد) (Witness ،)Somaliaوهي منظمة محلية ،تعمل يف مجال مراقبة حقوق اإلنسان واملنارصة.
(TED 1تيد) :هي اختصار لتكنولوجيا وترفيه وتصميم. وهي سلسلة من املؤمترات العاملية التي تهدف لتعريف ونرش األفكار الجديدة واملتميزة للعامل ،وترعاها: (مؤسسة سابلنج األمريكية) وهي مؤسسة غري ربحية خاصة شعارها( :أفكار تستحق االنتشار)[.]2
14
جنوب وسط الصومال .وتقع تلك املدينة بالقرب من الحدود اإلثيوبية، عىل بعد 300كيلو مرت شامل مقديشو .و(نرصة) هي االبنة الكربى ألرسة ُمك َّونة من ستة أشقاء وشقيقات ،مبا يف ذلك أربع فتيات وولدان. وقد عملت نرصة منذ سن ُمبكّرة يف مجموعة متنوعة من الوظائف إلعالة أرستها ،فعملت مزارعة ،وبائعة متجولة .ويف وقت الحق ،التحقت بالعمل يف محطة وقود. يف عام ،2013غادرت (نرصة) مسقط رأسها يف بلدوين ،للبحث عن وظيفة يف مقديشو .وبعد رحلة استمرت 10أيام ،وصلت إىل العاصمة لإلقامة مع عمها .وبعد ذلك بعامني ،انتقلت إىل منزل عمتها بعد أن رضبها عمها مرارا ً وتكرارا ً كنوع من االنضباط والعقاب بسبب قوة شخصيتها وإرصارها عىل إبداء رأيها .وقد تَبَ َّ َي لـ(نرصة) أ َّن العثور عىل وظيفة هو أمر أصعب مام كانت تخطط له وتتوقعه ،فظلت عاطلة عن العمل عدة أشهر ،بعد أن وضعت قدميها يف مقديشو. وبالنسبة لكثري من الشباب ،فقد تدهور سوق العمل بعد عقود من االضطرابات ،وأغرق االضطراب السيايس الصومال يف أزمة اقتصادية عميقة .ووفقاً إلحصائيات األمم املتحدة ،فإ َّن ٪54من الصوماليني الذين ترتاوح أعامرهم بني 15و 64سنة ،عاطلني عن العمل .ويتأثر بشكلٍ خاص الشباب الذين ترتاوح أعامرهم بني 14و 29سنة ،حيث يبلغ معدل البطالة بينهم - ٪67وهذه النسبة ت ُ َع ُّد واحدة من أعىل املعدالت يف ش .فقط دعني العامل .أ َّما النساء ،ف ُه َّن األكرث تأثُّرا ً وحرماناً ،إذ يبلغ معدل البطالة بينهن "ميكنني فعل ّ ش وأنا بَ َ ٌ أي يشء يفعله الرجال .هم بَ َ ٌ 1 أقوم بهذا العمل وسرتى كيف أقوم به" .هكذا ،متكّنت املثابرة :نرصة ٪74مقارنة بـ ٪61للرجال . حاج حسني ،البالغة من العمر 19عاماً ،من تجاوز الحواجز االجتامعية، مل تستسلم نرصة ق ُّط للواقع الصعب املحيط بها ،بالرغم من العقبات لتصبح أول ميكانيكية يف الصومال عىل اإلطالق .حدث هذا ،يف مجتمع محافظ و ُمغلَقٍ ،حيث ت ُ َح َّد ُد األدوار الجندرية يف سن ُم َب ِّك َرة ،وت ُعتَ َ ُب الكثرية .ويف يومٍ من األيّام ،استيقظت ُم َب ِّك َرة كعادتها ،وأع ّدت وجبة النساء كائنات من الدرجة الثانية ،ف ُيع َه ُد إليهن العمل يف وظائف للعائلة ،ث ُ ّم اخذت (دُشّ اً) ،وغادرت املنزل مشياً عىل األقدام ،تتج ّول يف هامشية ومنخفضة األجر ،ورغم شح العاملة يف عامل ميكانيكا السيارات ،األحياء امل ُجاورة بحثا عن عمل .ذهبت نرصة إىل ورشة صيانة سيارات، ودون ت َ َر ُّد ٍد دخلت مكتب صاحب الورشة ،وبعد التح ّية ع ّرفته بنفسها، أي امرأة يف االنخراط فيام يُعتَ َ ُب عاملاً رجالياً محضاً. ال تغامر ُّ وعرضت عليه أن يقبلها عاملة يف ورشته .يف البداية ،اعتقد الرجل أنّها يف أبريل ،2017حرضتُ محارضة يف مؤمتر تيدكس )TEDX( 1يف مريضة عقلياً أو مجنونة ،أو أنّها متزح معه ،ولك ّنه رسعان ما أدرك أنّها مقديشو ،حيث ألقت (نرصة) كلم ًة مؤثر ًة عن رحلتها االستثنائية ،وهي جادّة. قصة متّت تغطيتها إعالمياً ،عىل نطاق واسع ،يف وسائل اإلعالم املحلية أخربها صاحب الورشة ،محاوالً إثناءها عن اإلرصار عىل الطلب، والدولية .غادرتُ مكان املناسبة ،وأنا معجب –متاماً -بجرأة وشجاعة هذه الشابة التي استطاعت أن ت ُ َحطِّ َم الصورة النمطية للمرأة العاملة يف بقولهِ : "أنت تعلمني أ َّن هذا املجال ليس عمالً مناسباً للفتيات ،وأنت يط ُر عليه الذكور .وبعد ال تستطيعني التواؤم مع العمل وطبيعته القاسية؛ ِ الصومال ،من خالل اختيارها العمل يف مجال يُ َس ِ ألنك ِ لست كالصبيان التقيت بها يف العاصمة الصومالية مقديشو ،ملعرفة ملاذا الذين يُجربهم العمل هنا عىل حمل معدات ثقيلة". سبعة أشهر، ُ اختارت أن تكون ميكانيكية سيارات؟ ُجب النساء عىل العمل يف مراكز وضيعة، ففي الصومال ،غالباً ما ت َ ُ ُولِدَتْ (نرصة) ونشأت يف (بلدوين) ،عاصمة مقاطعة (حريان) يف ويقترص عملهن عىل األنشطة التقليدية مثل النظافة والطهي .حتى
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
وجوه
أ َّن الرجال املحافظني ،يعتقدون أنه من امل ُح ّرمات عىل النساء ،العمل خارج املنزل .وباإلضافة إىل ذلك -ويف سياق انتشار البطالة عىل نطاق واسع -ت ُعطَى األولوية للرجل عىل أساس انتامءات العشائر .ففي مجتمع الصومال العشائري ،حيث ت ُ َح ِّد ُد العشرية هوية الفرد ونفوذه، مييل أصحاب العمل الذكور ،إىل توظيف الرجال من دوائرهم العشائرية القريبة ويرتددون يف توظيف النساء .إذ يُنظَ ُر إىل قدرة املرأة عىل خدمة مصالح العشرية ،عىل أنَّها محدودة ،ألنها من املحتمل أن تكون متزوجة أو ستتز ّوج من رجل من عشرية مختلفة.
كان أحد التحديات الرئيسية التي واجهت نرصة يف البداية ،هو أ َّن العمالء الذكور مل يكونوا يرغبون أن تقوم بإصالح سياراتهم .قالت نرصة وهى تتذكّر تجاربها يف املهنة" :عندما يأمرين املدير بإصالح سيارة ،يكون أصحابها رجال ،يقفزون من مكانهم ويبدءون بالشكوى ،قائلني إنهم ال يريدونني أن ألعب بسياراتهم" .وأضافت :استغرق اكتساب ثقة العمالء وقتاً ،ولكن تدريجياً ويف وقت الحق ،متكّنت نرصة من اكتساب ثقة العديد من العمالء بعد إصالحها سياراتهم بنجاح.
وتواصل نرصة ذكرياتها يف املهنة ،وتقول بكل فخر" :أقوم بإصالح لقد تع َّرضَ ت نرصة -نفسها -للتمييز ضدها يف عدة مناسبات .تقول أنواع مختلفة من السيارات مبا يف ذلك السيارات الفاخرة والسيارات نرصة" :قالوا يل إنهم ال يستطيعون حتى العثور عىل وظائف للباحثني املضادة للرصاص والشاحنات الصغرية .ويف بعض األحيان أقوم بإصالح عن العمل من الذكور ،ناهيك عن اإلناث" .وتضيف" :سخر البعض ِم ِّني الشاحنات عندما يتم إحضارها إىل الجراج". قائالً :ملاذا ال تتزوجني فقط؟ ملاذا تبحثني عن وظيفة؟ تزوجي واعميل ت ُ َع ُّد قصة (نرصة) قصة استثنائية ألنها تتحدى الواقع الحايل ،والوضع يف خدمة زوجك". الراهن “ ”status quoيف ٍ بلد أجربت فيه البطالة والفقر الكثري من وتقول نرصة" :كثريا ً ما تساءلت ،ت ُ َرى هل أتوقف عن البحث عن الشباب -يف عمر نرصة -إىل الهجرة من خالل الرحالت والطُرق املحفوفة عمل؟" ..ولك ّنها كثريا ً ما َح َّدث َت نفسها حسب قولها" :هل ُولِدنا للتو باملخاطر ،عرب الصحارى والبحار واملحيطات ،بحثاً عن حياة أفضل .ففي لنكون فقط ربات بيوت؟ هل تنحرص مقدرة النساء فقط عىل إنجاب عام 2016وحده ،غرق أكرث من 400الجئ صومايل يف البحر املتوسط، األطفال ألزواجهن؟" .ففي عقل نرصة ،كانت اإلجابات واضحة .فقد ِم َّم جعل تلك السنة واحدة من أكرث السنوات دموية يف تاريخنا .2ففي كانت ُم َص ِّم َم ًة عىل توفري العيش الكريم ،لنفسها ولوالديها ،دون الوقت الذي نجد فيه العديد من الشباب عىل استعداد ملغادرة البالد، املساومة يف استقاللها. وبأي مثن ،فإ َّن نرصة ،عىل نحو مدهش ،ترغب يف البقاء يف الوطن. ِّ ويف صباح اليوم التايل وعقب لقائها مع صاحب ورشة امليكانيكا، ذهبت نرصة إىل العمل وقد قبل صاحب الورشة منحها الفرصة .تقول وكنت عىل استعداد لحمل "كنت يف حاجة ماسة لهذه الفرصةُ ، نرصةُ : املعدات الثقيلة مهام كان الثمن" .وتضيف قائلة" :كان جميع العاملني يف الورشة من الرجال؛ بعضهم من الشباب صغار السن ،وبعضهم رجال يل ،وفيهم أولئك الذين أساءوا من كبار السن .كان هناك من يضحك ع َّ إ َّيل عند دخويل إىل الورشةَّ ،إل أنَّه ويف الوقت نفسه كان هنالك من ذهبت مبارشة إىل من اعتربوين وصفوين بـ( أختهم الصغرية ) .لقد ُ أختهم ،ألنني شعرت باألمان والراحة يف العمل معهم". ّنت وتضيف نرصة" :تدريجيا ،وبعد التفاعل مع زماليئ يف العمل ،متك ُ من الفوز بقلوبهم وإقناعهم بأنني جزء من الفريق ،وأنني مج َّرد عاملة مثلهم .وبالفعل فقد قبلوين تدريجيا ،ورصتُ بالفعل مثل أختهم" .تقول نرصة ذلك بغبطة وفخر وهي تضع كفّها فوق فمها إلخفاء ابتسامة ال تخطئها العني. ثم تواصل حديثها قائلة :يف البداية ،مل يتم تج ُّنبها من قبل زمالئها يف العمل فحسب ،بل تع ّرضت للوصم من قبل مجتمعها املحيل ،والجريان وعانيت وأفراد العائلة" ..يف بادئ األمر ،شعرتُ باإلحباط ،وبخيبة األمل، ُ من السخرية؛ فقد عارضني الكثريون مبا يف ذلك أفراد عائلتي" .وتضيف نرصة" :أن أصري (ميكانيكية) مل يخطر ذلك ببايل ،ومل ترد تلك الفكرة، مبخيلتي قطُّ ،بل مل ِ تأت حتى يف أحالمي .إنّها الظروف هي التي دفعتني ألن أنخرط يف هذا املجال".
ولدي أهداف أسعى لتحقيقها بإذن "لدي أحالم، قالت يل نرصة: َّ َّ الله .إنني أريد أن أكون متح ّدث ًة و ُمحفّزة للنساء الخرتاق مجاالت عمل جديدة ،وأريد أن أُطَ ِّو َر نفيس وأمتكَّن من استخدام اإلنرتنت بفعالية". وأضافت" :إ َّن ِق َّصتي ليست مجرد قصة أُنثى اختارت أن تعمل يف مهنة (ميكانييك) فقط ،بل هي قصة عن توسيع حدود ما ميكن للنساء فعله وتحقيقه .إنها قصة عن إطالق العنان إلمكانيات جيل كامل من اإلناث الاليئ ُحرِم َن من الوصول إىل املوارد االقتصادية وفُ َرص العمل .قد أكون أول ميكانيكية يف الصومال ،ولكنني أعتقد أ َّن هناك العديد من الفتيات األخريات اللوايت ميكن أن يعملن يف العديد من املجاالت ويحققن نجاحات أفضل من نجاحي ،بل وأفضل من العديد من الرجال .إنّهن بحاجة -فقط -إىل التمكني واإللهام ،وهذا جزء من رسالتي وإسهامي".
بقلم :عبد الفتاح حسن علي من االنجليزية :فيصل الباقر
( 1تقرير التنمية البرشية يف الصومال لعام :2012متكني الشباب من أجل السالم والتنمية) ،برنامج األمم املتحدة اإلمنايئ UNDP، 2012 http://www.undp.org/ content/undp/en/ home/librarypage/ hdr/Somalia-humandevelopmentreport-2012.html 2صمويل أوزبورن: (مخاوف غرق 400الجئ يف البحر املتوسط بعد أن انقلبت القوارب) ،صحيفة اإلندبندنت 18 ،أبريل .2016 http://www. independent.co.uk/ news/world/europe/ more-than-400refugees-drownin-mediterraneanafter-boats-capsizecrossing-from-egypt-toitaly-a6989046.html
املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
15
تحديات نشأتي كفتاة مسلمة فريدة كيوموهانقي
لقد نشأتُ داخل أرسة ت ُعتَ َ ُب منوذجاً لألرسة املسلمة يف كنت أنا أول املواليد منطقة (روكنجريي) يف غرب يوغندا .ولقد ُ الثامنية لألرسة ،وكانت والديت هي الزوجة الثانية لوالدي. مم سبَّ َب كدرا ً شديدا ً أنجبت والديت ست بنات وولدين؛ َّ لوالدي الذي كان يأمل من الزواج منها أن تلد له أطفاالً ذكورا ً عىل نحو متسارع .ولقد ساهمت تجارب والديت يف تشكيل شخصيتي الحالية بصورة كبرية .وكان من دواعي اعتزازي البالغ أن أمتتع بأم عملت جاهدة عىل بقايئ باملدرسة عىل الرغم من كل التحديات الكثرية .فقد أخربتني مؤخرا ً بأ َّن رجل دين إسالمي كبري كان قد تق َّدم للزواج مني مبجرد إكاميل السنة النهائية باملرحلة الثانوية .1فالفهم اإلسالمي السائد يف يوغندا فريدة كيوموهانقي :هي كان يرى رضورة زواج الفتاة مبجرد وصولها سن البلوغ .ولذا محامية حقوق إنسان خاضت والديت معركة روحية حامية الوطيس من أجل أن ال يوغندية ،عملت ضمن اإلطارين الحكومي واملجتمع تسمح بزواج ابنتها قبل أن ت ُكمل دراستها .ولهذا السبب خالفت أوضحت ملندويب الرجل الذي تق َّدم لخطبتي بأنها قد ْ ْ املدين .وحالياً تتبوأ منصب (كبري مسؤويل برامج األبحاث قانون الرشيعة أصالً ال َّن ابنتها كانت قد وصلت سن البلوغ قبل والتدريب) التابع ملركز يوغندا التحاقها بالسنة النهاية للمرحلة الثانوية ،وأ َّن ذلك أمر يستحيل لحقوق اإلنسان حيث عملت الرتاجع عنه اآلن. خالل التسع سنوات األخرية. كنت أمتتع بحب ورعاية والدين كان غاية وخالل نشأيت ُ حصلت فريدة عىل بكالريوس القانون من جامعة مكاريري همهام هو ضامن انخراطي بأفضل املدارس املوجودة يف منطقة قضيت معظم فرتة طفولتي يف غرب يوغندا بيوغندا ،ودرجة املاجستري يف (روكنجريي) .وقد ُ قانون حقوق اإلنسان الدويل قبل انتقايل إىل كمباال وااللتحاق مبدرسة (كاوميبي) اإلسالمية والسياسات العامة من كلية ملتابعة دراسة املرحلة (أ) .٢لقد بدأتُ تعليمي يف مدرسة أولية إسالمية أتاحت يل فرصة دراسة التعاليم والقيم اإلسالمية. كورك الجامعية بأيرلندا. والدي تم تحوييل إىل ولكن بعد سنوات قليلة وبنا ًء عىل طلب َّ مدرسة مسيحية مشهود لها مبستواها األكادميي امل ُتم ّيز .وكمسلمة ،فقد أصبحت جزءا ً من أقلية لكنني مل أتع َّرض للتمييز ضدي .وقد ساهمت ُ هذه التجربة يف تعلُّمي مبادئ التعاليم والقيم املسيحية يف الوقت ذاته كنت فيه أُع ِّز ُز فهمي لإلسالم يف املنزل واملسجد من خالل مواظبتي الذي ُ عىل تلقِّي ٍ دروس يف التعاليم اإلسالمية خالل فرتة العطلة املدرسية. كنت أتلقَّي معاملة كنت أشعر بأنني ُ وخالل سنوات عمري املُبَكِّرة ُ أسوة بكل األطفال ،ولكن مع تق ُّدمي يف العمر وتع ُّريض لظروف مختلفة كنت أتلقا ُه، بدأتُ يف مالحظة االختالفات البيِّ َنة يف املنهج التعليمي الذي ُ ِّنت رضورة وأهمية الخوف من حيث أنه من خالل التعليم الديني لُق ُ الله وااللتزام الدائم بتعاليمه ،ولكن كان خويف األكرب مصدره أساتذيت. كنت خائفة للغاية من تداعيات عدم ومثل العديد من األطفال اآلخرينُ ، فهم ما تعلمته وبالتايل عدم قدريت عىل الرتكيز عىل التعلُّم .كان العقاب البدين شائعاً وكانت ِش َّدة العقوبة تعتمد عىل فداحة الذنب وعىل مزاج عم مررتُ امل ُعلِّم .مل تختلف تجربتي يف املدرسة الثانوية بشكل كبري َّ
16
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
به يف املدرسة االبتدائية؛ فالشيوخ الدينيون كانوا يزرعون الخوف بني الطالب الذين ال يلتزمون باتِّبَاع القيم اإلسالمية؛ فقد كان (الشيوخ) يُ َه ِّددُو َن برضب الطالب الذين مل يُ َصلّوا خمس مرات يف اليوم الواحد، حيث كان ذلك مبثابة وعد ديني يلتزمون هم به. وبحسب ما تعلمناه في ذلك الوقت ،فإ َّ ن الفتاة المسلمة الصالحة هي تلك التي ترضي بالخضوع وتهتم ببيتها وزوجها وليست تلك التي تواجه وترفع صوتها.
ومن شأن مثل هذه الرؤية أن ت ُحبط الفتاة املسلمة من العمل الجاد والتطلُّع للوصول إىل اآلفاق العليا ما دام أ َّن انخراطها يف املجال العام قد قُل َِّص .وكذلك ،فإ َّن العالقة ما بني الفتاة املسلمة وكبار السن تنهض عىل ِ شعرونك ثقافة الخوف وليس االحرتام أو الطاعة .فكبار السن دامئا ما يُ ِ بأنك لن تكوين أبدا ً فتا ًة مسلم ًة مبا فيه الكفاية؛ حيث تتعرضني لالنتقاد بسبب طريقة ارتدائك للمالبس (خاصة إذا مل تضعي الحجاب) بغض النظر ع َّمن تكونني يف الواقع .ولذا لزم ِ عليك أن تفكري ملياً فيمن تودين مقابلتهم قبل أن تختاري الزي الذي سوف ترتدينه خوفاً من أن يُح َك َم عليك ِ ِ بأنك فتاة مسلمة سيئة السمعة .وتصبح معاملة الفتاة أكرث ظلامً عندما نجد أ َّن ُحامة األخالق أنفسهم ال يخضعون يف كثري من األحيان كنت َّقت من أ َّن بعض رجال الدين الذين ُ للمعايري نفسها .فقد تحق ُ أخافهم وأعتربهم قدوة يل كانت لهم عالقات غرامية مع قارصات أو تزوجوا من قارصات. وي َ ُش ِّك ُل الخروج مع شريك ،أو البحث عن شريك ً ً ديا بالغا بالنسبة للفتاة المسلمة .ولكن الرجل تح ِّ المسلم ال يواجه الحظر نفسه ،حيث يحق له الزواج من فتاة من ديانة أخرى بسهولة.
وت َ ِق ُّل فُ َر ُص الفتاة كثريا ً يف إيجاد الشخص الذي يناسبها .قال زلت أذكر -عىل الرغم من صغر سني -ردود فعل والدي غري القابلة للتنازل حيال محاولة أختي الكربى استضافة رجل من خارج امللّة .ومنذ تلك اللحظة َص َّم َم ُت عىل عدم التع ُّرض ملثل ذلك الغضب حتى لو انتهى يب بقيت بدون رشيك فرتة األمر عىل البقاء من غري زوج .ولهذا السبب فقد ُ طويلة قبل أن أحظى بلقاء الشخص املتميّز الذي توافق معي يف نهاية األمر ،وكان ذلك بسبب إرصاري وصربي .أ َّما بالنسبة لشقيقايت فام زلن بعانيني من أجل إيجاد الرشيك املسلم .وكثريا ً ما أنصحهن بأ َّن أقىص ما والتحل بالصرب ،ومع ِّ يف إمكانهن القيام به هو االستمرار يف الصلوات س إحباطهن. ذلك فانا أتف َّه ُم ِ َّ وحتى اآلن أجد صعوبة بالغة يف معرفة ما انتهي إليه حال الفتيات
وجوه
أو الفتية الذين زاملتهم خالل سني املرحلة األولية .فغالبية الفتيات قد تركن الدراسة بعد املرحلة الثانوية وتزوجن ،والقليالت منهن انخرطن يف إدارة أعامل صغرية الحجم يف املدينة .وبالتفكري يف كل ذلك أجدين محظوظة جدا ً ال َّن رفيقايت مل تُتَح لهن فرص إمتام دراستهن كام فعلت أنا .ويف هذا الصدد تجدين ممتنة جدا ً لوالدي اللذين كانا يؤمنان بجدوى َّ العملية التعليمية وبتشجيعهم يل أن أصبح مستقلة بذايت .فقد كان أبليت والداي عىل الدوام يُق ِّدمان يل الدعم وقد أىت كل ذلك أُكله .لقد ُ َّ بالء حسناً مكنني من الحصول عىل منحة حكومية وتحقيق حلمي بالتخ ُّرج من جامعة مكاريري ٣بدبلوم يف القانون .وقد يعتقد البعض يف والدي قد رفضا التعاليم الدينية من أجل تربية فتاة لتصبح أكرث من أ َّن َّ مجرد زوجة ،لكن مل يخالجني الشك ق ُّط يف أ َّن مثل هذا الدعم هو كل ما يحتاجه األطفال من أجل أن يصريوا بالغني ومواطنني ذوي مسؤولية. وعندما أقارن تجربتي في المدارس المختلفة ،أشعر بأ َّ ن مناخ الخوف كان سائداً بصفة أساسية في المدارس اإلسالمية .فالتالميذ في المدارس األولية والثانوية المسيحية ال يهابون معلميهم بنفس مستوى المدارس اإلسالمية أو يتعرضون لنفس مستوى الضرب المبرح في حال عدم حضورهم ُقد َّاس الكنيسة.
وحالياً ،كراشدة ومستقلة بذاتها أفكر يف األشياء التي كانت يجب أن عم كان سيكون عليه األمر ت ُؤدَّى بشكل مختلف .فام زالت أسائل نفيس َّ لو فَ َّك َر املعلم يف األطفال الذين كان يرهبهم باسم القيم اإلسالمية؟ هل كانوا سيصبحون رجاالً أفاضل أو نساء فاضالت؟ أح ُّس باملرارة حيال القيم اإلسالمية ،ولكنني ِ وال يعني هذا أنني ِ أح ُّس بذلك يف طريقة تفسري الدين وتطبيق قيمه .فاألطفال األبرياء من الذكور واإلناث يجب معاملتهم باحرتام واضعني يف االعتبار حقيقة أنهم سيكربون يوماً وس ُيشَ ِّكلُون مستقبل العامل الذي يعيشون فيه .وحالياً كأم أسعى أنا جاهدة إلدخال أطفايل إىل مدارس -مبا فيها تلك التي ت ُق ِّد ُم دروس القيم اإلسالمية -تتمتع ب َج ٍّو من التشجيع والحميمية وليس الخوف .فيجب تدريس األطفال بطريقة تُ ِّك ُنهم من فهم كُنه الله والتعامل مع الدين بدالً عن الخوف من القامئني عىل بَثِّ الرسالة.و كناشطة حقوقية آمل يف املساهمة يف تعزيز كرامة الطفل واملرأة املسلمة وحثّهم عىل التطلُّع نحو آفاق عليا واكتشاف إمكانياتهم واالستفادة القصوى منها. بقلم :فريدة كيوموهانقي
من االنجليزية :فيصل الباقر
الصورة :فتيات مدرسة إسالمية في يوغندا
1املرحلة الثانوية الدنيا تتكون من أربع سنوات يجلس الطالب يف نهايتها اىل امتحان املستوى العادي. ٢يتحصل الطالب يف يوغندا عىل شهادة يوغندا املتقدمة يف التعليم عند إكاملهم سنتي املرحلة الثانوية العليا. ٣جامعة مكاريري هي أعىل مؤسسة تعليمية يف يوغندا، وتُعتَ َ ُب واحدة من أميز الجامعات األفريقية. املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
17
التعافي عبر الرسم والتلوين تجربة عامالت المنازل االثيوبيات غالباً ما تواجه عامالت املنازل القادمات من إثيوبيا ودو ٍل أفريقية أخرى التمييز يف دول الرشق األوسط والخليج العريب بسبب النوع ،أو الدين ،أو لون البرشة ،إضافة إىل انعدام الحامية القانونية .وبالتايل تصبح عامالت املنازل عرضة ألمناط من السلوك العدواين والتمييز العنرصي تحديدا ً النساء من أفريقيا والاليت يندرجن يف قاع السلَّم االجتامعي بسبب لون برشتهن وانتامئهن للقارة التي يعاين معظم سكانها من الفقر. ووفق تقارير منظمة الهجرة الدولية ،هناك ما يُ َق َّد ُر بحوايل مائة وسبعني ألف إىل مائة ومثانني ألف امرأة إثيوبية ،يُغا ِدرن بلدهن كل عام إىل دول الخليج والرشق األوسط سعياً وراء فُ َر ِص العمل وتحسني الظروف االقتصادية .وتعمل الغالبية العظمي منهن يف قطاع العاملة املنزلية .ويُ َق َّد ُر أ َّن حوايل ستني إىل سبعني يف املائة من النساء عامالت املنازل املهاجرات يندرجن تحت فصيل الهجرة غري الرشعية .وذلك الوضع يجعلهن بشكل خاص عرضة لالستغالل واإليذاء الجسدي والنفيس .وتعاين أعداد كبرية من عامالت أي املنازل اإلثيوبيات العائدات من تلك البلدان من آثار الصدمة النفسية والعقلية بسبب الضغوط وسوء املعاملة الصادمة لفتيات قادمات من الريف اإلثيويب ال ميتلكن َّ خربة أو ت ََص ُّو ٍر عن منط الحياة والثقافة ورشوط العمل يف تلك البلدان. إ َّن برنامج املعافاة من الصدمات النفسية هو برنامج ت ُْش ُِف علية املبادرة االسرتاتيجية لنساء القرن األفريقي (صيحة) مع (جمعية السامري الصالح) يف إثيوبيا والتي توفِّر امللجأ والعالج النفيس وإعادة التأهيل ولَ ِّم الشمل للنساء الاليت يعانني من الصدمات النفسية عقب عودتهن إىل إثيوبيا. ويف سبتمرب 2017قامت صيحة وجمعية السامري بتنفيذ برنام ٍج للعالج النفيس عرب الرسم والتلوين ،وقد طُ ِّو َر الربنامج بالرشاكة مع الفنان باليز باتريكس.)Blaise Patrix(1 ويستخدم هذا الربنامج العالج بالفن لتحسني الصحة الجسدية والعقلية للمرأة ،وذلك عن طريق السامح للنساء بالتعبري عن مشاعرهن من خالل الرسم والتلوين. وقد شاركت ثالث شابات عانني من تجارب مؤملة أثناء البحث عن ُس ُبلِ عيش أفضل ،قصصهن معنا إىل جانب ُمشاركتهن باألعامل الفنية التي أنتجنها خالل برنامج رحلة الشفاء.
(مريون .ط) من إقليم األرومو يف إثيوبيا .انتقلت (مريون) إىل بريوت/لبنان ،بعد أن تركت املدرسة يف عام .2016وقد َرت ََّب سمسار مكاتب التخديم من مسقط رأسها رحلتها إىل املدينة الصاخبة يف الرشق األوسط ،حيث عملت خادم ًة منزلية المرأة تعيش مبفردها .وملدة ثالثة أشهر ،ظَل َّْت (مريون) تستيقظ يف متام الساعة الرابعة ( )4:00صباحاً كل يوم ،وتقيض ساعات طويلة يف التنظيف والطهي ،بينام كانت ربة العمل تعاقبها بالرضب واإلساءات الشفاهية ،إىل أن دفعتها ذات يوم مخدمتها من النافذة حيث كرست مريون ساقها .أخذ ابن امل ُخدمة مريون إىل املستشفى، وبعد معالجتها أُلْ ِغيَ ْت إقامتها يف لبنان و ُر ِّحل َْت عىل الفور .ومل تحصل قَ ُّط عىل الراتب الشهري الذي كانت قد ُو ِعدَتْ به عند توليها الوظيفة ( 200دوالر أمرييك) أو أي تعويض عن إصابتها الجسدية .وتكافح (مريون) -التي ّ تبلغ من العمر 19عاماً -حالياً من أجل استعادة عافيتها النفسية والجسدية ،ومن أجل الحصول عىل عمل يف إثيوبيا.
18
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
وجوه
َس ِم َع ْت (زينة) من صديقة لها ،بأنها ميكن أن تكسب املال الالئق كخادمة منزلية يف الرشق األوسط ودول الخليج .وبنا ًء عليه ت َ َرك َْت زينة املدرسة وتواصلت مع وسيط .وبعد مثانية أشهر ،أُ ِ رسل َْت إىل بريوت/لبنان ،ألداء عمل منزيل مقابل أجر شهري يُق َّد ُر بحوايل 100 دوالر أمرييك .ولألسف ،خَابَ ْت توقعاتها برسعة ،إذ ُح ِر َم ْت (زينة) جبتْ من الطعام ،وأُ ِسيئَ ْت معاملتها عىل أيدي مخدميها .وقد أُ ِ َ عىل البقاء مستيقظة معظم ساعات الليل لتلبية الطلبات الكثرية من أرباب عملها .ورسعان ما تدهورت صحتها النفسية وأصبحت مريضة للغاية ،فأُ ِعيدَتْ إىل إثيوبيا. وتتعاىف (زينة) –اآلن -ببطء .وتأمل يف إعادة االندماج يف املدرسة يف أقرب وقت ممكن.
ساعدها شقيقها يف الحصول عىل جواز سفر للذهاب إىل بريوت/ لبنان .كانت (ماكيدا) تبلغ من العمر 18عاماً عندما وصلت إىل بريوت وبدأت العمل عاملة منزل .لك َّنها رسعان ما ندمت عىل قرارها .إذ ت َ َع َّرضَ ْت (ماكيدا) للرضب بالعصا من قبل أرباب عملها بشكل منتظم .ومل يُ ْس َمح لها بتناول الطعام عىل األواين واألطباق نفسها .شَ َع َرتْ (ماكيدة) بأنها منبوذة ،و ُم ِن َع ْت من الخروج .وبعد أن ت َ َح َّدث َْت عن وضعها املزرى إىل زميلة إثيوبية أخرى تعمل يف املبنى نفسه .ساعدتها رفيقتها عىل الهروب ،لكن أحد الرجال املنتمني ألرسة ُمخ ّدميها ،قبض عليها .وبعد ُمشاجرة عنيفة مع َت الرشطة القبض عليها ،وأُ ْو ِد َعت السجن مدة أسبوعني، الرجل ،ألق ْ ومن ثم ُر ِّحل َْت قرسا ً ايل موطنها .وتحاول (ماكيدا) -البالغة من العمر 21عاماً اآلن -امليض قدماً ،وقَ َّر َرتْ عدم العودة إىل العمل املنزيل. بقلم المبادرة االستراتجية لنساء القرن االفريقي من االنجليزية :فيصل الباقر
من أجل إخفاء الهوية ،استبدلنا األسامء الحقيقية للفتيات اللوايت قابلناهن بأسامء مستعارة.
1نُ ِّف َذ هذا الربنامج بدعم من املبادرة االسرتاتيجية لنساء القرن اإلفريقي/ صيحة ( ، )SIHAو Solidarité Internationale ، / Anderlechtو Association Interculturelle de Développement )Artistique (AIDA
املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
19
عكس عقارب الساعة ناهد كيشوار
حتى لو أصبح مكان عيني تحت قدميك حتي ولو ...فإ َّن هذا الخوف لن يرتكك وعىل الرغم من أنني لن أستطيع أن أرى.... لكنني أستطيع أن أشعر وأحس حرارة األجسام والكلامت مثل العطر فركت أنفي عىل األرض القذرة حتى حتى ولو لسالمتيُ ... تالىش فإ َّن هذا الخوف لن يرتكك و ُرغم أنني لن أستطيع أن أشم..... فسوف يكون بإمكاين قول يشء ما حتى لو أصبحت شفتي التي طاملا س َّبحت بورع وخضوع يف حضورك ..جافة و بال روح فإ َّن هذا الخوف لن يرتكك وعىل الرغم من أنني لن أستطيع الكالم... فأ َّن بإمكاين امليش حتى ولو ك َّبلتني بسالسل التطويع والعار واإلهانة ووضعتها كلها حول أرجيل وأصابني الشلل... فإ ّن هذا الخوف لن يرتكك وعىل الرغم من أنني ال أستطيع امليش.... فام زلت أستطيع التفكري خوفك من أن أكون ُح ّرة ..أن أكون ح ّية وقادرة عىل التفكري... قد يقودك -....ومن يدري؟ -رمبا إىل مخاض عسري ُولِدَتْ ناهد كيشوار يف عام ،1940وهى شاعرة رائدة وغزيرة اإلنتاج من باكستان ،إذ أنتجت خالل السنوات الخمسني املاضية أعامالً إبداعية ُشتْ يف عام .1968وفازت بجائزة جريئ ًة ومبتكرة ومثري ًة لإلعجاب .أول مجموعة شعرية لها ،جاءت بعنوان شفة الكالم ، ))Lab-i goyaالتي ن ِ َ ُ (آدمجي) األدبية املرموقة .ويف مجال يهيمن عليه الرجال تقليدياً ،طورت ناهد كيشوار صوتاً أنثوياً فريدا ً ومميزا ً ،حيث كتبت باللغة األردية (Urdu ) يف موضوعات غري تقليدية ،ترتاوح بني الجنس والدين والسياسة .وهى شاعرة معروفة بنشاطها السيايس ويعتربها الكثريون يف باكستان وخارجها رمزا ً للمقاومة. * من املرتجم :النص الشعرى العريبُ ،م َت َج ٌم من النسخة اإلنجليزية للقصيدة ،املكتوبة يف األصل باللغة األُردية. من االنجليزية :فيصل الباقر
20
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
الرسم :ايبوت جشواء -يوغندا املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
21
هل الرجال قوامون؟ إعادة النظر حول مفاهيم السلطة الذكورية في التقاليد اإلسالمية عرض لكتاب :القوامة في التراث اإلسالمي :قراءات بديلة زيبا مير حسينى
مع ظهور موجات النسوية الجديدة ،التي ما زالت تنتج معارف مغايرة تتحدَّ ى التسليم بتفوق الرجال ،وتُ َخلْ ِخ ُل من رسوخ السلطة الذكورية من داخل التقاليد القانونية للمسلمني .يأيت كتاب (القوامة يف الرتاث اإلسالمي :قراءات بديلة) ،الذى ح َّر َرتْهُ الكاتبة واألكادميية د .زيبا مري حسيني ،داعياً إىل إعادة النظر يف سلطة التقاليد القانونية للمسلمني ،حيث يُقَدِّ ُم الكتاب بعض الخالصات املهمة يف ذلك املبحث. ويف هذا املقال ،تعكس زيبا مري حسيني ،كيف أنَّ الخيال الذكوري حول الدين والعقيدة قد أصبح حقيقة قانونية وظيفتها الرئيسة هي الحفاظ عىل عدم املساواة بني الجنسني .وت َُسل ُِّط الضوء عىل الحاجة املُلِ َّحة إلدخال النسوية يف حوار مع التقاليد االسالمية ،وتتب َّنى زيبا مري حسيني نهجاً جديداً نحو املساواة بني الجنسني يف املجتمعات املسلمة ،وهو نهج يُ َر ِّسخُ الحرتام معتقدات الناس وهوياتهمُ ،م َت َحدِّ يَاً أمناط الدوغامئية الدينية والثقافية.
وليس من قبيل املبالغة ىف يشء القول :إ َّن الرصح الكامل لقانون التقاليد القانونية اإلسالمية والعالقات الجندرية: َس به الفقهاء الكالسيكيون ف الذى املنظور عىل مبني املسلمة، األرسة َّ َ ٌّ ال يعامل التقليد القانوين اإلسالمي الرجال والنساء هذه اآلية وترجموها إىل أحكام قانونية. عىل قدم املساواة .وتكمن جذور هذه املعاملة غري وبصدد تحديد األدوار والعالقات بني الزوجني يف مؤسسة الزواج يف املتساوية يف فكر ٍة قدمي ٍة مفادها أنّ :الرجال أقوياء جسدياً ،يحمون ويزودون ،أ َّما النساء فمجبوالت عىل سياقات التقاليد اإلسالمية ،استخدم الفقهاء املصطلحات األربعة البارزة، الضعف وقلة الحيلة؛ لذا يتو ّج ُب عليهن طاعة الرجال مع الرتكيز عىل الجزء األول من اآلية ،أي أ َّن الرجال هم قوامون و ُحامة لنيل الحامية .أي الطاعة والخنوع يف مقابل الحامية .و ُمعيلون .وبناء عليه ِص ْي َغ عقد الزواج كعقد يضع الزوجة تلقائياً تحت وهذه الفرضية تُ َث ُِّل البنية األساسية يف املفهومني سلطة الزوج ووصايته ،ويفرتض عقد الزواج التبادل ما بني طاعة الزوجة القانونيني اللذين يحكامن عالقات الرجال والنساء يف والخضوع ومتكني الزوجة للزوج من نفسها ،يف مقابل اإلعالة (النفقة) املجتمعات املسلمة .وهام :مفهوم (الـقوامة) الذي من قبل الزوج. يتمحور يف سلطة الزوج عىل زوجته ،ومفهوم (الوالية) وعالوة عىل ذلك قَ َّر َر الفقهاء أ َّن أفراد األرسة الذكور لديهم الحق يف الذي يعكس وصاية الذكور وتفضيلهم عىل أفراد األرسة من اإلناث كام هو سائد يف الفقه اإلسالمي الكالسييك .وقد لعب هذان الوالية وواجب مامرسة الوصاية عىل اإلناث ،مثل اآلباء أو اإلخوان أو املفهومان -وال يزاالن يلعبان -دورا ً مركزياً يف إضفاء الطابع املؤسيس الذكور من األرسة املمتدة الذين ت ُ َخ َّو ُل إليهم الوالية عىل النساء عند ملسألة عدم املساواة بني الجنسني يف السياقات اإلسالمية .ويتذ َّر ُع إبرام عقد الزواج .وهذا املفهوم للزواج والعالقات األرسية -مع تعديالت املدافعون عن السلطة الذكورية ،باآليات القرآنية الواردة ىف سورة طفيفة -ال يزال يُشَ ك ُِّل العمود الفقري لقانون األرسة املسلمة ويحكم النساء /اآلية 34والتى ت ُقرأ( :ال ِّر َج ُال قَ َّوا ُمو َن َع َل ال ِّن َسا ِء بِ َا فَضَّ َل اللَّ ُه كيفية مامرسته. َالصال ِ َحاتُ قَانِ َتاتٌ َحا ِفظَاتٌ ل َب ْع ٍض َوبِ َا أَن َفقُوا ِم ْن أ َ ْم َوال ِ ِه ْم ج ف َّ َب ْعضَ ُه ْم َع َ ٰ �لِّلْ َغ ْي ِب بِ َا َح ِف َظ اللَّ ُه ج َو َّ يف عام ،2010بدأت مجموعة (مساواة) -وهي حركة عاملية من الل ِت تَخَافُو َن نُشُ و َز ُه َّن فَ ِعظُو ُه َّن َوا ْه ُج ُرو ُه َّن اض ُبو ُه َّن صلے فَإِ ْن أَطَ ْع َن ُك ْم ف ََل تَ ْبغُوا َعلَ ْيه َِّن َسب ًِيل قلے إِ َّن أجل العدالة واملساواة لألرسة املسلمة -بدأت يف مرشوع بحث ُمتَ َع ِّد ِد ِف الْ َمضَ ا ِجعِ َو ْ ِ األوجه للتعامل مع هذين املفهومني( :القوامة) و(الوالية) ،وبصدد إعادة اللَّ َه كَا َن َعلِ ًّيا كَ ِب ًريا).
22
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
مساواة
التفكري فيهام من خالل التقاليد اإلسالمية .وكانت النتيجة األوىل لهذا املرشوع هي :كتاب( :القوامة يف الرتاث اإلسالمي :قراءات بديلة) ،وهو كتاب يحتوي عىل مجموعة أوراق تتألف من عرشة فصول ،ت ُ َنا ِق ُش األورق سلطة الذكور والتمييز بني الجنسني من داخل هذه التقاليد. فاألطروحة الرئيسة للكتاب هي أ َّن مفهومي( :القوامة) و(الوالية) قد ت َّم التعامل معهام بشكل خاطئ عىل أنهام السلطة اإللهية املمنوحة للرجل عىل املرأة ،ونتيجة لذلك أصبحت هذه املفاهيم وفق الظرف التاريخي هي أساس النظام األبوي يف إطار التقاليد اإلسالمية القانونية. وت ُ َو ِّف ُر الفصول المختلفة من الكتاب مفاهيم بديلة للـ(قوامة) و(الوالية) ،بعضها يعتمد على المفاهيم القرآنية باعتبارها البنية المركزية التي ت ُ َو ِّجه العالقات بين الله واإلنسان ،وبعضها يتّبع نهجاً نسوياً شامال ً، يربط التقاليد اإلسالمية بالنظريات الحديثة للمعرفة ومبادئ العدالة والمساواة ،وبعضها يرتكز على الحقائق ُ المعاشة وتجارب النساء.
ويُبَ ِّ ُي الكتاب أنه :ال مصطلح (القوامة) ،وال فكرة أ َّن الرجال لديهم سلطة عىل النساء (الوالية) موجودان يف القرآن ،باملعنى الذى يحاول أن يُك ِّرس لفهمه ُمنظّرو السلطة الذكورية ،إذ أ َّن املصطلح الوثيق الصلة بالوالية ،موجود يف القرآن مبعنى الصداقة واملساندة املتبادلة ،ولكنه ال يؤيد سلطة الذكر املطلقة عىل املرأة ،وفق تفسري املصطلح املكرس لدى أولئك املفرسين ،إىل جانب القوامة ،يف األحكام الفقهية يف الزواج. ويف أحد فصول هذا الكتاب تُظْ ِه ُر العاملة املرصية أميمة أبوبكر ُ (الرجال إشكالية تفسري الجملة األوىل من اآلية 34 :4من سورة النساء: ق َّوا ُمون عىل النسا ِء مبا فضّ ل الل ُه بعض ُهم عىل ٍ بعض ومبا أنفقوا من أموالِهم) ،وكيف أُ ِع ْي َد تفسري هذه اآلية بشكل مستمر ،حتى أصبحت ركيزة للبناء االبوي .ث ُ ّم َح َّددَتْ أربع مراحل يف سريورة هذا البناء ،حيث أوضحت أنّه بداية قد ُع ِزل َْت الجملة عن بقية القرآن ،ث ُ ّم ُح ِّو َل النص ْ
إىل بناء مستقل متاماً عن سياقه الذى طُر َِح فيه ،فأصبح بنية أبوية. (ق ّوامون) ،من (قوامة) ،أي عن طريق أخذ مصطلح (القوامة) من سياقه املبارش ،وتحويله إىل (مصدر ترشيعي) يف املرحلة الثانية ،عندما ت ّم دمج هذا املفهوم وت ّم تقديم الحجج واملربرات العقالنية ،للعالقات الهرمية بني الرجال والنساء .ث ّم يأيت بعد ذلك ،توسيع مفهوم (القوامة) عن طريق ربط املصطلح بفكرة أ َّن الرجال لديهم ميزة وخاصية عىل النساء ،وذلك بربط مفهوم القوامة بالنص املأخوذ من اآلية 228من سورة البقرة ،والذى يُقرأ( :لِل ِّر َجا ِل َعلَ ْي ِه َّن َد َر َجةٌ) أى "أ َّن الرجال لديهم درجة فوق ( النساء)" .وهذه العبارة -وهي جزء من ممر طويل حول ُستْ عىل أنها دعم إضايف موضوع الطالق -أُ ِخذَتْ من سياقها املبارش وف ِّ َ للتفوق الذكوري. وباإلضافة إىل ذلك ،ت َّم استدعاء مجموعة مختارة من األحاديث النبوية لتأسيس واجب الطاعة للمرأة .وجاءت املرحلة األخرية يف القرن العرشين مع املفكرين الحديثني الذين ربطوا (القوامة) بنظرية طبيعية (الرشيعة اإلسالمية) وأيديولوجية الحيازة ،باستخدام املعرفة النفسية الزائفة للدفاع عن الطبائع املختلفة للرجال والنساء (الفطرة) ،أي اختالف الرجال عن النساء طبيعياً (بالفطرة) وتربير ذلك لدونية النساء. ويف فصل آخر ،تُظْ ِه ُر الباحثة ىف القرآن ،املغربية ،أسامء املرابط، أنه فيام يتعلق بالزواج ،فإ ّن مصطلح (ق َّوامون) يظهر مرة واحدة يف القرآن ،بينام تظهر املصطلحات األخرى عدة مرات ،كام ىف سورة البقرة مثل (اإلحسان) /اآليات ،237- 236 -231 – 230 - 229و(التشاور) و(الرتاىض) /اآلية ،233و(املعروف) /اآليات 233 -231 -230-229 -228 )236وكذلك اآليات التى ترد فيها عبارات (الرحمة) و(املودة) /سورةالروم ،30:21كام جاء -أيضاً -ىف سورة النساء اآلية 65واآلية 145اللتني وردت فيهام -أيضاً -عبارتا (ق َّوامون) و(ق َّوامني) اللتان تتحدثان عن التزام ك ٍُّل من الرجال والنساء املؤمنني بثبات من أجل العدالة واإلنصاف ىف كل املجاالت الخاصة والعامة.
الدكتورة زيبا مري حسيني :هي عاملة أنرثوبولوجيا قانونية متخصصة يف الرشيعة اإلسالمية ودراسات الجندر .وهي ناشطة يف مجاالت املساواة وباحثة مشاركة يف مركز الدراسات اإلسالمية والرشق أوسطية بجامعة لندن -كلية الدراسات الرشقية واألفريقية ( .)SOASوهي عضوة مؤسسة يف مجموعة (مساواة)، تلك الحركة العاملية التي تعمل من أجل املساواة يف قوانني األرسة املسلمة .ويرتكز مبحث زيبا مري حسيني عىل الجمع ما بني التقاليد اإلسالمية وحقوق اإلنسان من أجل إرساء أُسس راسخة لقانون األرسة املسلمة املبني عيل املساواة.
فهذه الفصول ،وغريها ،يف الكتاب ،تُظْ ِه ُر بوضوح ،أنه ال ميكن الدفاع املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
23
عن سلطة الذكور عىل النساء عىل أساس ديني .إنه بناء قانوين ،وليس أي أساس قرآين .إذ تتحدث العديد من اآليات عن املساواة لهذه السلطة ّ األساسية بني الرجل واملرأة يف نظر الله والعامل .وبعبارة أخرى ،فإ َّن املشكلة ليست يف النص بل مع السياق ،ومع املعرفة ،وطُ ُرقِ معرفة النص ،وكذلك الطرق يف استخدام النص للحفاظ عىل الهياكل األبوية واالستبدادية. منظور نسوي نقدي و أسئلة جديدة :
تزال الـقوامة هي أساس العالقات بني الجنسني يف خيال فقهاء العرص الحديث وىف خيال غالبية املسلمني الذين يقاومون ويُ ِديْ ُنو َن فكرة املساواة يف الزواج باعتبارها غريبة عىل اإلسالم؟ وكيف وما هي العمليات واإلجراءات الفقهية التي ت َّم عن طريقها تحويل قوامة وسلطة الرجال ايل قوانني؟ وما الذي تستتبعه وصاية الذكور ،املستمدة من مفاهيم الـ(قوامة) و(الوالية) عىل مستوى املامرسة الحياتية؟ وكيف ميكن للمرأة املسلمة إعادة التفكري يف هذه املفاهيم ،وإعادة بنائها بطريقة تعكس مفاهيم العدالة لدينا؟
إ َّن البحث عن إجابات لهذه األسئلة يأخذنا إىل آفاق خارج اُطُ ِر مسعى لمعالجة الفجوة في كتاب ( القوامة في التراث اإلسالمي )هو ً المناقشات الجارية حول إصالحات قانون األسرة ،والمنهج المتبع نحو التقاليد القانونية اإلسالمية ،إىل قانون حقوق اإلنسان ،والنظرية القانونية النسوية ،وتجارب إصالح قانون األرسة يف تقاليد قانونية أخرى. توفير فرص العدالة وحقوق المرأة في السياقات اإلسالمية. إ َّن حقائق الواقع املعاش اليوم تكشف بوضوح عن األعداد املهولة من ومن ناحية أُخرى ،فإ َّن الغالبية العظمى من علامء الدين اإلسالمي ،النساء الاليت يلعنب أدوارا ً مركزية يف حامية أرسهن والزود عنها وكفالتها. مصابون بـ(العمي الجندري)؛ فهم يجهلون النظريات النسوية ،وغري وتساعدنا هذه الرحلة عىل الكشف عن الروابط الحميمة بني النظام مدركني ألهمية املنظور الجندري ضمن آليات التحليل .ومن ناحية األبوي واالستبداد وعىل كيفية فصل السلطة األبوية عن النص املقدس. أخرى ،تعتقد العديد من تيارات حقوق املرأة يف السياقات اإلسالمية، إ َّن التقسيامت األيديولوجية مثل النسوية (العلامنية) أو (الدينية) ،أو أ َّن التداخل ومناقشة حقوق النساء من منظور إسالمي ت ُ ْح ِدثُ نتائج عكسية ويؤكدون أنه البُ َّد من الرتكيز فقط عىل استخدام أطر حقوق (اإلسالم) مقابل (حقوق اإلنسان) ،هي تقسيامت زائفة وتعسفية .ومع اإلنسان .وقد ت َ َج َّنبَ ْت تلك التيارات منذ فرتة طويلة التعامل مع التقاليد ذلك ،فإنها ت ُْستَ ْخ َد ُم عادة بصدد التمويه عن املعركة الحقيقية ،التي القانونية اإلسالمية أو الحجج الدينية أو مناقشتها أو االشتباك معها .هي بني قوى االستبداد وقوى الدميقراطية ،والتي ما يزال كفاح النساء وهذه النوعية من التيارات النسوية متيل إىل تجاهل اإلرث الثقايف املسلامت من أجل املساواة والكرامة رهيناً لهاتني ال ُق َّوتني . للمجتمع. ويستلزم الكشف عن هذه الحقيقة عمليتني مرتابطتني ومتزامنتني إ َّن النسوية ،باإلضافة إىل كونها وعياً ،فهي مرشوع معريف ،مبعنى أنه وهام :استعادة واسرتداد أخالقيات العدالة اإلنسانية وروح املساواة يف يحثنا عىل دراسة كيف نعرف ما نعرفه عن املرأة والعالئق الجندرية يف نصوص اإلسالم امل ُ َق َّد َسة ،وفك رموز العالقة والكشف عن عملية إنتاج جميع فروع املعرفة ،مبا يف ذلك املعارف الدينية .وهذا ال يُ َسلِّ ُط الضوء املعرفة من ناحي ٍة ،ودور ومامرسات السلطة من ناحية أخرى .وعندها فقط عىل القوانني واملامرسات التي تأخذ مرشوعيتها من الدين ،بل إ َّن فقط ميكننا أن نطمح إىل تغيري حقيقي وذي مغزى ميكن أن يغري البنى َّلت حقائقنا الدينية والثقافية والسياسية. ذلك يتيح لنا الفرصة لتحدى النظام األبوي من الداخل ،ذلك النظام العميقة التي شك ْ الذي أُضْ ِف َي عليه الطابع املؤسيس يف التقاليد القانونية اإلسالمية. ومن األهداف الرئيسة للكتاب ،تقديم رؤى من النظرية النسوية ودراسات الجندر يف املناقشات حول قانون األرسة املسلمة ،وطرح أسئلة جديدة .ملاذا وكيف أ َّن اآلية 34من سورة النساء ،وليس اآليات األخرى يف القرآن الكريم ،أصبحت هي األساس للبناء القانوين للزواج؟ وملاذا ال
24
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
بقلم :زيبا مير حسينى
من االنجليزية :فيصل الباقر
مساواة
النساء المفتيات
حول إعادة تأسيس سلطة النساء التشريعية المفقودة مريم كُنكلير ،وإيفا نيسا
مريم كُنكلري ،وإيفا نيسا ،هام باحثتان لديهام خربة عقود يف التقاليد اإلسالمية و(الجندر) ،وقد قامتا بتحليل نتائج املؤمتر األ َّول للعاملات املسلامت ،الذي ُع ِقدَ يف إندونيسيا يف أبريل .2017كام قامتا بدراسة هذا الحدث التاريخي واختباره ،استناداً عىل األوراق املقدَّ مة ،واملقابالت التي أجريناها مع النساء الباحثات والحضور من الرجال الباحثني. الدكتورة مريم كُنكلري :هي زميلة أبحاث يف الكلية السويدية للدراسات املتقدمة ومؤلفة كتاب (الدميقراطية واإلسالم يف إندونيسيا) ،مطبعة جامعة كولومبيا، .2013وقد نرشت مؤخرا ً عددا ً خاصاً من املجلة حول السلطة اإلسالمية للمرأة يف جنوب رشق آسيا، يف مجلة الدراسات اآلسيوية /4 ، 40 ديسمرب .2016
ثالثة نساء عالمات .الدكتورة علية نجيب ،نينغ يناس تسوريبا و ناي عماداتول بارورو
هل ميكن للنساء االنخراط يف العلوم الدينية وتفسري املصادر علمياً يؤ ِّهلهن لالنخراط يف هذا املجال .٣ويف حالة وجود نساء دارسات حص يف قضايا املرأة واألرسة، اإلسالمية؟ هذا السؤال قد تكون له إجابة مختلفة إذا طُر َِح عىل رجل فإ َّن معرفتهن والتشاور معهن غالباً ما يُ َ ُ مسلم من دمشق يف القرن الثاين عرش ،ففي ذلك الحني كانت النساء وتربية األطفال ،وواجبات الزوجة تجاه زوجها ،والنظافة الصحية. يعملن معلّامت ،1وكانت آراء النساء الفقيهات ،٢يف مسائل الرشيعة اإلسالمية تحمل وزناً ،باملقارنة مع وزن تلك اآلراء التي تصدر عن الفقهاء يف السنوات األخرية ،بدأ العديد من املسلمني يف مناطق كثرية من من الذكور. العامل ،يف معالجة هذا االختالل يف التوازن الجندري يف مجاالت الخربة الفقهية اإلسالمية يف الهند ،وتركيا ،واملغرب ،و ُو ِض َعت برامج لتدريب أي رجل أو امرأة مسلمة :النساء ك ُمفتيات ميكنهن إصدار فتاوى أو وجهات نظر قانونية مبنية عىل ومع ذلك ،إذا طُر َِح نفس السؤال اليوم عىل ِّ أي من الشؤون املتعلقة بالدين؟ فإ ّن التقاليد اإلسالمية .وقد بدأت ماليزيا ٤والسلطة الفلسطينية ٥يف تعيني هل سبق أن استفتيت امرأة حول ٍّ اإلجابة من داكار إىل دكا ،ومن رساييفو إىل كيب تاون ،حتام ستكون :قاضيات يف املحاكم الرشعية. "ال". وىف ات ِّجا ٍه مامثل ،تضافرت مؤخرا ً جهود منظامت إندونيسية ،لعقد وال يُطل َُب وال يُتَ َوقَّ ُع من النساء االنخراط بعمق يف الدراسات العقائدية أ ّول مؤمتر يف العامل اإلسالمي خاص بالعاملات اإلسالميات ،٦وقد أُ ِقي َم هذا اإلسالمية ،وغالباً ما يكون ذلك ،بسبب عدم وجود نساء ُمتَ َد ِّربَات تدريباً الحدث التاريخي ،يف أواخر شهر أبريل يف سرييبون يف جاوة الغربية. املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
25
حيث هدف هذا املؤمتر إىل محاولة إعادة تأسيس السلطة الفقهية عىل اإلسالمية ،هدف املؤمتر يف إندونيسيا ،إىل زيادة الوعي بالتطورات الدكتورة إيفا نيسا: أسس املساواة الجندرية من أجل إرساء تقاليد إسالمية حساسة تجاه الرائدة ،وتعزيز املبادرات املحلية ،بغرض دعم دخول النساء ملجال املعارف اإلسالمية .واألهم من ذلك ،فقد أظهر املؤمتر أنه ليس النساء النساء والرجال يف املجتمع. هي محارضة يف فقط ُه ّن اللوايت يدعمن هذا النضال ،ولكن ،كان هناك أيضاً عدد من الدراسات الدينية وقد َع َّر َف املؤمتر مفهوم السلطة الفقهية للمرأة ،من خالل الحق يف العلامء الرجال. بجامعة فيكتوريا يف ويلينغتون ،نيوزيلندا .تفسري املصادر اإلسالمية ،وإمامة الصالة ،وتالوة القرآن ،وتقديم خطبة وقد كشف املؤمتر عن أ َّن املداوالت التي تتم حول صياغة الفتاوى الجمعة ،وإصدار الفتاوى وفق الحيثيات املعرفية العقائدية وظروف وهي حاصلة عىل املكان والزمان الحاليني .رغم أ َّن الفتاوى هي توصيات وتوجيهات وفق هي يف مجملها مداوالت تتم بني الرجال فقط ،حيث ال ت ُد َعى النساء إىل درجة البكالوريوس مرجعيات معرفية متعلقة بالقرآن والسنة وجهد الفقهاء وإجامعهم تلك املنابر حتى ولو امتلكن املعرفة .حيث ارتبطت الفتاوى يف العديد من جامعة األزهر ليست ُمل ِز َمة ،ولكنها يف الوقت نفسه تحمل وزناً كبريا ً ،اعتامدا ً عىل من الدول اإلسالمية بالعلامء من الرجال .ورغم أ َّن إندونيسيا لديها تقليد بالقاهرة ودرجة الدكتوراه من الجامعة السلطة املعنوية لل ُم ِ صدر .ويف بعض البلدان اإلسالمية ،يضع صانعو طويل يف الفتاوى ١٠الصادرة عن املؤسسات اإلسالمية ،املعروفة باسم السياسات فتاوى املؤسسات اإلسالمية الرائدة يف الحسبان ،٧عند القيام (مفوضيات الفتوى) ،فإ َّن تلك املؤسسة تضم سبع نساء فقط من بني الوطنية األسرتالية. تركز بحثها عىل النساء باإلصالحات املتعلقة بقوانني املساواة الجندرية واملرياث وقوانني األرسة 67عضوا ً يف هيئة الفتوى التابعة ملجلس العلامء يف إندونيسيا ()MUI يف الحركات اإلسالمية والعامالت .لذا فأ َّن وجود نساء مفتيات يُعتَ َ ُب أمرا ً يف غاية األهمية يف -وهي منظمة إسالمية بارزة ،أنشأتها الحكومة يف السبعينيات ،وقد أصبحت صوتاً بارزا ً يف العملية الترشيعية يف إندونيسيا. إكساب النساء وضعية ومرشوعية يف مجاالت املعارف الدينية. وأنواع الزواج والطالق اإلسالمي يف وخالل المؤتمر أصدرت النساء العالمات والطريقة الثانية التي ميكن للنساء من خاللها اكتساب سلطة معرفية إندونيسيا. د ذاته يف الدراسات اإلسالمية والعقيدة هي السلطة القضائية والعمل كقاضيات اإلسالميات ثالث فتاوى .١١وكان هذا في َح ِّ حدثاً تاريخياً ،حيث أ َّ ن إصدار الفتوى َظ َّل فترة طويلة يف املحاكم الرشعية ،حيث يتطلب هذا األمر انخراط النساء يف دراسة ً حِ كرا على رجال الدين وحدهم. القانون ،والتخصص يف التقاليد واملعارف اإلسالمية. ففي إندونيسيا ،عىل سبيل املثال ،تُطَبِّ ُق محاكم األرسة الرشيعة اإلسالمية عىل األغلبية املسلمة (يخضع غري املسلمني لقانون األرسة املدين) .ومنذ خمسينيات القرن املايض ،ت َّم تدريب قضاة الرشيعة اإلسالمية يف املعاهد اإلسالمية يف البالد .ورغم أ َّن أعداد النساء التي ت ُقبَ ُل يف املعاهد اإلسالمية ال تزال أقل من أعداد الرجال بشكل ملموس ،إال أ َّن إندونيسيا ت ُ َع ُّد من الدول القليلة التي َخ َّر َجت عددا ً من القاضيات الرشعيات العامالت يف املحاكم ٨اإلسالمية. ويف عام َ ،1973ع َّ َي السودان أيضاً قاضيات يف املحاكم الرشعية، ومع ذلك ،فإ َّن األمر استغرق 35عاماً أخرى ،قبل أن ت ُ َع َّ َي النساء يف املحاكم اإلسالمية يف بلدان أخرى .فقد َع َّي َنت ماليزيا عام 2005عددا ً من القاضيات الرشعيات ،و َعيَّ َنت السلطة الفلسطينية يف عام 2009عددا ً من القاضيات ،كام َع َّي َنت إرسائيل أول امرأة قاضية يف محاكمها اإلسالمية قبل بضعة أشهر مضت.٩
ترتكز الفتوى األوىل عىل العنف الجنيس .وت ُشَ ِّد ُد تلك الفتوى عىل أ َّن هذا النوع من العنف ،مبا يف ذلك االغتصاب الزوجي (العنف الذي يقع داخل مؤسسة الزواج) محظور مبوجب الرشيعة اإلسالمية و( حرام) .كام َميَّ َزت الفتوى الزنا (الخيانة الزوجية وارتكاب الفاحشة) من االغتصاب ،وأكَّ َدت أ َّن الضحايا يجب أن يتلقوا الدعم النفيس والجسدي واالجتامعي ،وليس العقاب. أ َّما الفتوى الثانية فتتعلق بزواج األطفال (الطفالت) ،وتستنكر الفتوى هذه املامرسة باعتبارها مامرسة ضارة للمجتمع .وت ُشَ ِّد ُد الفتوى عىل رفع سن الزواج اإلندونييس القانوين للفتيات إىل 18سنة .واألهم من ذلك ،ت ُ َج ِّر ُم الفتوى املأذون أو اإلمام الذي يتو َّرط يف جرمية زواج الطفالت واألطفال.
وأ َّما الفتوى الثالثة فرتتبط بالحفاظ عىل البيئة وتصف االنخراط والتسبُّب يف التدهور البيئي ،لتحقيق املكاسب املادية باعتباره سلوكاً ويف مواجهة املشاركة املحدودة للمرأة يف السلطة القانونية يف الدول ُم َح َّرماً ،وتؤكِّ ُد أ َّن الدمار البيئي والتفاوت االجتامعي أدّى يف العقود
26
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
مساواة
األخرية إىل تفاقم الفوارق االقتصادية وإفقار النساء واألطفال .وتالحظ الفتوى كيف أ َّن الجفاف -عىل سبيل املثال -يضيف أعباء عىل املرأة الريفية املسئولة -عادة -عن إعدادا الطعام وجلب املياه. وقد استندت النساء العاملات اإلسالميات يف فتاويهن عىل مصادر الترشيع اإلسالمي األربعة :القرآن الكريم ،والحديث النبوي ،واإلجامع، والقياس .إضافة إىل الدستور يف إندونيسيا .وقد استخدمن منهجية ت َُس َّمى (االستدالل غري املقيد) لتحقيق أقىص قدر من (املصلحة العامة) وتقليل (الرضر) للوصول إىل األحكام. وت ُعتَ َ ُب الفتاوى الثالث التي أُ ِ صد َرت خالل املؤمتر ذات أهمية كربي. حيث أتت كفتاوى رصينة وموضوعية وكشفت عن مقدرة النساء العاملات وخربتهن .حيث أ َّن العاملات مل يحرصن أنفسه ّن يف املصادر الترشيعية األربعة فقط ،ولكنهن ِس َن عىل منهج صحيح حيث استصحنب مبدأ التحليل التاريخي وتطور الكفاءة القانونية يف القضايا املعارصة املتنوعة. لقد أخربتنا نور روفيا ،الخبرية يف الدراسات القرآنية والجنسانية ،والتي شاركت يف املؤمتر ،أ َّن امل ُشارِكات قد أدرجن حيثيات مستفيضة للفتاوى التي أصدرنها. وتستخدم بعض الناشطات اإلندونيسيات يف مجال حقوق املرأة، ولجان الفتوى اإلندونيسية ،مصطلح "( "sikap keagamaanاملبادئ الدينية) للتوصيات الصادرة عن عملية املداوالت امل ُ َع َّق َدة هذه. وبغض النظر عن امل َُس َّم َيات سوا ًء أكانت فتاوى أو مبادئ دينية ،فإنَّه من األهمية مبكان العمل عىل إعادة تأسيس السلطة القانونية اإلسالمية املفقودة للنساء منذ أمد بعيد ،من أجل مجتمعات إسالمية أكرث عدالة وتوازناً.
من المترجم :موقع الديمقراطية المفتوحة (Open :)Democracyهو منصة إعالمية عالمية مستقلة تُغَ ِّطي الشؤون
دي السلطة العالمية واألفكار والثقافة التي تسعى إلى تح ِّ وتشجيع الحوار الديمقراطي في جميع أنحاء العالم.
1إيرين شنايدر ،نساء يف العامل اإلسالمي ،النارشون :ماركوس ويرن2012 ، ٢خالد أبو الفضل ،األدب القانوين والفقهي :من القرن التاسع إىل القرن الخامس عرش :موسوعة النساء والثقافات اإلسالمية ،املحرر العام سعاد جوزيف. ٣ديفيد كلوس ،ومريم كنكلري ،دراسة السلطة اإلسالمية للمرأة :من األعىل إىل األسفل -مناذج أساليب التصديق ،يف مجلة الدراسات اآلسيوية ،مراجعة ،املجلد ، 2016 ، 40 .صفحة 490 -479 ٤نيك نورياين ،ونيك بادليشاه ،وياسمني ماديدي ،النساء كقاضيات ،أخوات يف اإلسالم2009 ، ٥كوثر سالم ،فلسطني :أول قاضيات مسلامت تم تعيينهن يف فلسطني ،نساء يعشن يف ظل قوانني إسالمية 18 ،فرباير -/شباط http://www.wluml.org/node/5082 .2009 ٦أُنظر/ى املوقع اإللكرتوين للمؤمترhttps://kupi-cirebon.net : ٧مريم كنكلري وروجا فاضيل ،حياة مجتهدتني :الهيئة الدينية لإلناث يف القرن العرشين يف إيران، 12يوليو /متوز ، 2010متاح يف SSRN http://dx.doi.org/10.2139/ssrn.1884209 أو http://dx.doi.org/10.2139/ssrn.1884209 ٨أويس نورالواطى ،وأرسكال سامل ،جندرة القضاء اإلسالمى :القاضيات يف املحاكم الدينية يف إندونيسيا /مجلة الدراسات اإلسالمية ،املجلد ، 51 .العدد 2013 ، 2 ٩سارة جاكوبس ،ملاذا حاول وفشل اليهود األرثوذكس ىف عزل أ ّول قاضية يف محكمة الرشيعة األوىل يف إرسائيل ،هآرتس 27 ،أبريل /نيسان 2017 https://www.haaretz.com/opinion/1.785991 ١٠نيكو ج .ج كابتني ،صوت العلامء :الفتاوى والسلطة الدينية ىف أندونيسيا – -11ىف إرشيف (دى سينس سوشيل) – العدد 125يناير -مارس – 2004صفحة 130 -115 ١١متاح يف/http://kupi-cirebon.net/musyawarh-keagamaan :
بقلم :مريم كُنكلير ،وإيفا نيسا من االنجليزية :فيصل الباقر
هذه النسخة هى تعديل للمقالة األصلية التي ظهرت ألول مرة عىل موقع (الدميقراطية املفتوحة) .Open Democracy
املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
27
تحت سطوة قوانين الرجال
نظرة عن قرب لقانون األحوال الشخصية في أرض الصومال جوليد أحمد جامع
يُ َحل ُِّل جوليد أحمد جامع -املدافع عن حقوق اإلنسان واملحامي من هرجيسا -كيف وملاذا يفشل النظام القانوين يف جمهوية أرض الصومال (صوماليالند) يف حامية حقوق املرأة والتمسك بها؟ واستناداً إىل مقابالت أُج ِريَ ْت مع خرباء قانونيني ونساء ُمدِّ عيات و ُمدّ ًعى عليهن ،يكشف عن العديد من الحواجز التي تعرقل وصول النساء إىل العدالة يف أرض الصومال ،وهي بلد ومنطقة تقع بني وعود الحداثة ،والتقاليد القامئة عىل العادات النابعة من اإلرث العشائري.
الكاتب :جوليد أحمد جامع ،هو محامٍ وناشط يف مجاالت حقوق اإلنسان، ومؤسس ملركز حقوق اإلنسان (،)HRC وهو منظمة ملراقبة حقوق اإلنسان يف أرض الصومال.
28
بعد ثالثني عاماً من االستقالل ،انهار الصومال يف عام 1991عندما وصول النساء إىل العدالة. اجتاحت الحرب األهلية البالد ،وأجرب النظام العسكري الرئيس سياد حينام ُي ِل الرجال القانون التخل عن السلطة .١وقد لعبت الحركة الوطنية الصومالية ِّ بري عىل (- ،)SNMذات الدعم الرئييس من عشرية إسحاق -يف املناطق الشاملية إ َّن القانون العريف الصومايل غري امل ُ َد َّون والقوي (كرس) ،هو من صنع دورا ً مركزياً يف اإلطاحة بنظام ُحكم سياد برى .ويف مايو 1991تَ َ َّك َنت الحركة الوطنية الصومالية من السيطرة عىل املناطق الشاملية الغربية زعامء العشائر أو الشيوخ ،املختارين لحكمهم املفرتض ،وشجاعتهم، من البالد ،وقد انفصلت عن الصومال -من طرف واحد -لتُشَ ك َِّل جمهورية وخربتهم ،ومعرفتهم ،للتحكيم يف النزاعات وإصدار األحكام. أرض الصومال املستقلة .٢وعىل الرغم من عدم حصول جمهورية أرض ومجلس الشيوخ( ،غوريت ،)Guurti /املكلفني بسامع القضايا ُوص ُف بأنها جزيرة من الصومال عىل االعرتاف الدويل ،لك ّنها غالباً ما ت َ السالم النسبي ،عىل النقيض من جنوب وسط الصومال الغارقة يف عدم والبت فيها ،هو مجلس ُم َك َّو ٌن من الرجال فقط .وت ُ َع ُّد قراراتهم ُمل ِز َم ًة االستقرار والعنف .ويف خالل أكرث من عقدين من الزمان ،ومنذ إنشائها ،قانونياً ،وتضع سوابق قضائية لحاالت الحقة مامثلة .ولذلك ،فإ َّن كل قطعت أرض الصومال شوطاً طويالً نحو بناء السالم واألمن ،وذلك من قرار صادر من مجلس الشيوخ ،هو قانون ينتقل من جيل إىل جيل خالل تطويرها للمؤسسات الدميقراطية ،وباستخدام نظام عشائري كتقليد شفوي .وقد حاولت السلطات الربيطانية الحد من تأثري القانون مقارب للدميقراطية .واعتامدا ً عىل املبادرات املحلية نجحت أرض الصومايل التقليدي (كرس) ،خالل فرتة الحكم الربيطاين (،)1960-1884 ٍ الصومال يف تحقيق االنسجام النسبي بني العشائر املتنافسة ،ومع ذلك ،ولكنها اختارت عدم استبدال تلك القوانني واألعراف التقليدية املحلية، تأس َست اإلدارة يف املدن الساحلية واملواقع وبالرغم من نجاحها الواضح ،ال تزال جمهوية أرض الصومال ،تواجه بالقوانني االستعامرية .وقد َّ عددا ً من التحديات الخطرية يف مجاالت حقوق اإلنسان واملرأة ،حيث االسرتاتيجية القريبةُ ،معتَ ِم َد ًة و ُم َع ِّولَ ًة عىل التعاون بني شيوخ القبائل لتوسيع وتوطيد سلطتها عىل البالد .وكان املقصود من الحفاظ عىل تأثري تكون املكاسب محدود ًة وهشَّ ًة عىل حد سواء. القانون الصومايل التقليدى (كرس) ،وبالتايل ،الحفاظ كذلك عىل دور وبسبب وضعها الفريد ،فإ َّن جمهورية أرض الصومال -التي مل تحصل شيوخ القبائل داخل العشرية ،مبثابة ضامن لتأمني والئهم. عىل اعرتاف املجتمع الدويل كدولة -ال ميكنها تح ُّمل الواجبات أو حقوق واليوم ،يظل القانون العرفي (كسر) مصدراً رئيسياً املطالبة مبوجب القانون الدويل .ووفقاً لدستورها ،تظل أرض الصومال للتشريع في أرض الصومال ،ال ِ سي ََّما ،في المناطق رغم ذلكُ -ملْ َز َم ًة باإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان ،وتلتزم بالعمل مباالريفية والنائية ،حيث يكون وجود الحكومة نادراً. يتفق مع (ميثاق األمم املتحدة والقانون الدويل) .ولكن ،يبقى هذا م على التع ُّهد –ولألسف -ال يُث ِم ُر إال قليالً؛ وذلك أل َّن أرض الصومال تخفق وي ُعت ََب ُر انتشار هذا القانون ذا تأثير ٍ ُم ِه ٍّ عملياً يف جعل قوانينها متامشية مع املعايري الدولية لحقوق اإلنسان. وصول المرأة إلى العدالة ،حيث يسمح القانون العرفي لقادة العشائر بالتالعب بالقواعد. وعىل غرار بلدان أفريقيا جنوب الصحراء األخرى ،يتألف اإلطار القانوين لجمهورية أرض الصومال من ثالثة أنظمة قانونية متباينة ولكنها والتأثري عىل (الديناميكيات) الداخلية لعشائرهم .وغالباً ما يُنظَ ُر إىل متداخلة ،وهي :القانون العريف ،والقانون الترشيعي ،وقانون الرشيعة. ويُ َس ِ يط ُر هذا النظام القانوين امل ُ َه َّجن واملتضارب ،والذي يهيمن عليه شواغل واحتياجات املرأة ،عىل أنها ثانوية وتخضع ملصالح الرجل .ويف الرجال تقليدياً ،ويلعب دورا ً حاسامً ،يف إدامة التمييز ضد املرأة وعرقلة أرض الصومال املعارصة -حيث يُف ِّو ُض الدستور الربملان لوضع القوانني
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
مساواة
الرسم :جالل يوسف السودان
نيابة عن املجتمع -يظل الرجال أيضاً يف موقع السيطرة ،حيث يضم الربملان امل ُ َك َّو ُن من مجلسني مؤلفني من مجلس الشيوخ ومجلس النواب، سيدة واحدة فقط من بني الـ( )164عضوا ً. حني يفرض الرجال القانون متتد هيمنة الذكور إىل جميع فروع إنفاذ القانون .وتتألف املؤسسات الرسمية ،مثل الرشطة والقضاء ،من الرجال الذين تتأثر قراراتهم أصلَة .ولذلك ،فإ ّن معظم وأفعالهم بشكل كبري بنامذج منطية جنسانية ُمتَ ِّ النساء الناجيات من العنف الجنيس والعنف القائم عىل نوع الجنس يُردَعن عن توجيه االتهامات بسبب الخوف من الوصمة والتمييز؛ فعند دخول مركز للرشطة ،يطلب ال ُح َّراس -وهم رجال– من الناس تحديد سبب زيارتهم ،وغالباً ما يكون هذا السؤال كافياً لتثبيط ضحايا العنف الجنيس من التامس االنتصاف. كما ال يتم اإلبالغ عن اإلساءة الزوجية ،سواءً أكانت لفظية أو جنسية ،وعلى الرغم من تجريمه في قانون العقوبات ،ففى معظم الحاالت ،ال يتم التعامل مع العنف المنزلي ،كجريمة من قِ بل الشرطة أو مكتب ُ المد َّعى العام ،حيث تعتبر السلطات العنف المنزلي -عملياً -إجراءً ُم َبر ََّراً يقع خارج نطاق اختصاصها.
كانت الزهراء- ٤وهي أم لستة أطفال -قد رفعت دعوى عىل زوجها، للحصول عىل إعالة الطفل يف أبريل/نيسان ،2016ولكن ،حتى اآلن ،ال تزال الدعوى قيد النظر أمام محكمة االستئناف .وعىل الرغم من أ َّن أي يشء ملواصلة البقاء عىل النساء –يف مثل هذه األوضاع -ليس لديهن ّ قيد الحياة ،عليهن االنتظار لشهور أو سنوات ،يف الوقت الذى يتو ّجب عليهن وضع (يشء ما عىل الطاولة لرعاية أطفالهن .ويف ظل هذا الواقع املرير يقول أيان حسن -وهو عامل مساعدة قانونية ،يق ِّدم خدمات قانونية للنساء اللوايت ال يستطعن استئجار محامٍ " : -إ َّن النظام القانوين ال يساعدهن عىل اإلطالق" .وبتثبيط همم النساء وعدم تشجيعهن عىل طرق ُسبل التقاىض واملقاضاة ،بسبب تصعيب وتطويل إجراءات التقاىض ،ومنها –عىل سبيل املثال ال الحرص -جلسات االستامع املطولة، تقبل النساء أحياناً الوساطة ،أو يضطررن إىل االستسالم والتوقف عن متابعة قضاياهن أمام املحاكم. قانون األرسة مابني األعراف وتضارب ااملذاهب ال يوجد يف أرض الصومال (قانون أُرسة) ُمق ّنن ،ولذلكُ ،يألُ هذا الفراغ القانوين يف القضايا املتعلقة باألُرسة واألحوال الشخصية ،من خالل قانون الرشيعة الذي يُط َّب ُق يف األمور العائلية ،مبا يف ذلك الزواج والطالق واملرياث ودعم الطفل وحضانة األطفال .غري أ َّن الرشيعة ليست مكتوبة ،وتتنافس عدة مدارس فكرية/مذهبية (املذاهب ) لفرض قواعدها .٥ومبا أ ّن املذهب الشافعي هو املذهب الرسمي للفقه يف أرض الصومال ،تاريخيّاً ،لكننا مع ذلك ،نجد أ َّن التأثري الوهايب املتنامي قد ع َّد َل املشهد الديني يف البالد .٦وعالوة عىل ذلك ،ومع عدم وجود مبادئ توجيهية مكتوبة أو واضحةُ ،ي َن ُح القضاة سلطة تقديرية لتطبيق الفقه والتفسريات (تفسريات القرآن) التي يختارونها .وقال محمد أحمد أبو قور ،املحامي البارز الذي يقود وحدة املساعدة القانونية بجامعة هرجيسا" :يُط ِّب ُق نفس القايض املذاهب املختلفة لحاالت ذات طبيعة مامثلة" .وأضاف" :لذلك ،ال ميكنك التنبؤ بالحكم يف قضيّة ما ُمتَ َعلِّقَة بشؤون األُرسة" .ويف غياب قانون األرسة املكتوب ،ترتك مجاالت الغموض تعسفية ،كثريا ً ما تُتَّ َخ ُذ عىل حساب حقوق والثغرات حيِّزا ً التخاذ قرارات ُّ املرأة.
كام أ َّن معظم الضحايا اللوايت يتعرضن للرضب املربح عىل أيدي أزواجهن ،ال يتلقني حتى العالج الطبي .إ َّن حالة عائشة -وهي أم تبلغ من العمر 30عاماً -ت ُ َج ِّس ُد التحديات التي تواجهها النساء امل ُع ّنفات ٣ جنسياً وجسديّاً ،فبعد تع ُّر ِضها للرضب من قبل زوجها ،تق َّد َمت عائشة بشكوى ومثلت أمام املحكمة بوجه عليه آثار الكدمات وبأسنان مفقودة ،ومع ذلكُ ،ر ِفضَ ْت شكواها -بدون أساس -وفقاً ملحاميها .ومن املؤكّد أ َّن قضيتها ،لألسف ،ليست معزولة ،وال فريدة من نوعها .ولذلك، ُجب النساء عىل البقاء يف بيت ويف مواجهة عدم وجود بديل ،غالباً ما ت َ ُ الزوجية مع األزواج املسيئني .وباإلضافة إىل الطابع التمييزي للنظام القانوين ،فإ َّن اإلجراءات القضائية املُطَ َّولَة ،تعوق بشكل كبري وصول املرأة/النساء إىل العدالة .إذ من املمكن أن تستغرق يف املحاكم قضية فالتداخالت بني القانون العريف التقليدي (كرس) ،والقانون الرسمي عائلية بسيطة ،مثل نزاع دعم الطفل من سنة إىل ثالث سنوات ،قبل أن املدين ،وقوانني الرشيعة املتباينة ،شائعة أيضاً يف أرض الصومال .ويتدخَّل تتم تسويتها نهائياً.
املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
29
قادة العشائر بشكل منتظم لحل القضايا خارج نظام املحاكم .وعموماً ،واملحافظون بشدة إدراج النساء يف املحاكم ،األمر الذي قد يزعج الوضع ففي الحاالت العملية املعتادة لحل النزاع ،ال ت ُشار ُِك الضحايا من اإلناث ،الراهن .وعىل الرغم من وجود نساء يف وظائف امل َّدعني العامني واملحامني يف االجتامعات ،حيث يُنا ِق ُش الشيوخ النزاع ،ويوافقون عىل التسوية .والكتبة ،فإ َّن اللجنة القضائية ال ترغب يف تعيني قاضيات. ويتم متثيل النساء من ِقبل األقارب الذكور .وقال أيان حسن من الوحدة ويف عام ،2011دعم برنامج األمم املتحدة اإلمنايئ ( )UNDPبرنامجاً القانونية بجامعة هرجيسا" :ليس من املهم أن تقبل املرأة [التسوية] أو ال" .وباإلضافة إىل ذلك ،ال يفرض القانون العريف العقوبات عىل الجاىن ،تدريبياً قضائياً لخريجي الحقوق. إذ يتم حل النزاعات من خالل دفع تعويضات مالية للعشرية .لذلك، فت ّم تعيني املتدربني الذكور قضاة ،فيام ُح ِر َمت املتد ِّربات من الفرص وبغض النظر عن مدى فرض الغرامة املفروضة عىل عشريته ،يفلت الجاين من العقاب ،وال يتلقَّى الضحية التعويض مبارشة .كام أ ّن القضاة نفسها ،وتم تعيينهن مسجالت (كتبة) ،بال ُرغم من عدم وجود متييز ضد أنفسهم يف بعض األحيان يطلبون -رصاحة -تدخُّل كبار السن -أي شيوخ النساء ،يف الدستور ،وال يف قانون التنظيم القضايئ .ومع كل ذلك ،فإ َّن العشائر -يف فض نزاعات القضايا العائلية ،عىل سبيل املثال ،غالباً ما قرار اللجنة القضائية بعدم تعيني املحاميات املؤهالت وامل ُ َد َّربات قضاة يطلب القضاة من األعضاء الذكور من الطرفني حل النزاع من خالل ( قاضيات) لهو انعكاس واضح لثقافة التمييز الراسخة داخل مؤسسات التوصل إىل اتفاق ،تقوم املحكمة بعد ذلك بالتصديق جمهورية أرض الصومال. الوساطة ،وإذا تم ُّ عىل القرار وإصدار مرسوم إلنفاذه. خامتة حني يُقَا ِو ُم الرجال التغيري إ َّن النظام القانوين يف أرض الصومال ،كام تم تصميمه وتنفيذه يف روى معظم املحامني الذين متت مقابلتهم ،أ َّن الرجال يُفَضِّ لُون دامئاً الوقت الراهن ،يهدف إىل إسكات النساء اللوايت غالباً ما تكون مصالحهن رجاالً آخرين يف اإلجراءات القانونية ،وينحازون لهم .وكمثال لذلك ،خاضعة ألوليائهن من الرجال. قالت يل محامية" :إذا وصلت الزوجة متأخرة بضع دقائق إىل املحكمة، وهذا املسلك يديم نظاماً قدمياً ال يعكس الديناميكيات االجتامعية عن املوعد امل ُ َح َّدد للجلسة ،ينزعج القايض ،وقد يُ ِبدي استياءه من ذلك التأخري ،ويتخذ إجرا ًء تأديبياً ض ّدها ،بينام يتم التغايض عن تأخُّر الزوج ،االقتصادية الحالية ،والواقع املعاش للمرأة يف أرض الصومال .ويساهم االنقسام الضبايب بني الواليات القضائية الثالث :القانون املدين ،والقانون مؤش عىل أ ّن األزواج ،ال يُ َعا َملُون بالقدر نفسه". وهذا ّ العريف التقليدي (كرس) ،والرشيعة ،يف خلق ومتكني ثقافة اإلفالت من وأضافت تلك املحامية" :غالباً ما يُفرتَ ُض أ َّن النساء اللوايت يشتكني العقاب ،حيث يكون لشيوخ العشائر-عادة -الكلمة األخرية يف كل نظام. أزواجهن ُه َّن عىل خطأ" .وهذا ت َ َح ُّي ٌز واضح ،ويظهر -بوضوح أكرث وقد أصبح الوضع أكرث تعقيدا ً ،من خالل ازدياد النفوذ املتنامي وبشكل خاص -يف حاالت الطالق .وقالت فردوس آدم ،املحامية يف هرجيسا" :يكفي أن يقول الرجل للمحكمة :أريد زوجتي ،لرفض طلب للوهابية واإلسالم املُتَشَ ِّدد يف أرض الصومال .ويتطلّب تحسني وصول ألي امرأة أن تُطَل َِّق زوجها ،إذا مل يوافق هو املرأة إىل العدالة القضاء عىل اآلليات الهيكلية واملؤسسية والتقليدية الزوجة بالطالق" .و"ال ميكن ِّ عىل ذلك" ،وقد أكّد ذلك أبو قور بقوله" :عىل النقيض متاماً ،فإنّه من التي ت ُ َك ِّر ُس التمييز ضد املرأة ،وعدم مساواتها يف مجتمع أرض الصومال. السهولة مبكان عىل الرجال رفض النساء ،واملعروف تقليدياً ،ال يحتاج ونختم بالقول :إ َّن العمل الدؤوب للمحامني امللتزمني هو أول رشط، (أنت طالق) أو (أنا أُطَلِّق ُِك) أو أي بيان ولكنه غري ٍ الرجال ألكرث من النطق ،بعبارة ِ كاف ،لتحقيق العدالة للجميع. آخر مامثل للطالق ليكون ف َّعاالً". ويف سياق يتسم بظهور اإلسالم املُتَشَ ِّدد ،يُ َعار ُِض الزعامء الدينيون
30
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
بقلم :جوليد أحمد جامع
من االنجليزية :فيصل الباقر
1سياد ب ّرى ،الرئيس الصومايل السابق ،حكم البالد دكتاتورياً من أكتوبر ،1969 عندما قاد انقالباً عسكرياً ضد الحكومة املنتخبة، وبقي ىف الحكم حتى يناير ،1991عندما أطيح به يف حرب أهلية دامية. ٢جمهورية أرض الصومال: ِ تحدّها جيبويت إىل الغرب، وإثيوبيا يف الجنوب ،ومنطقة بونتالند الصومالية من الرشق .وميتد اإلقليم عىل ساحل يبلغ طوله 740 كيلومرت ،حيث تقع أغلبيته عىل طول خليج عدن. ٣لعدم الكشف عن هوية األشخاص ،تم استبدال االسم الحقيقي للشخص الذي متت مقابلته باسم مستعار. ٤املرجع نفسه. ٥هناك أربعة مذاهب سنية ىف الفقه اإلسالمى، وهي :الشافعي ،والحنبيل، والحنفي ،واملاليك. ٦السلفية :هي حركة إصالحية محافظة داخل الس ّني ،تدعو إىل اإلسالم ُ العودة إىل مامرسات األسالف األكرث ورعاً.
مساواة
البحث عن العدالة :عرض لفلم وثائقي في جنوب الهند قد يُصبح الزواج مسألة حياة أو موت! زهرة باجوا ،وتاشنى سوكوماران
والقضايا املأساوية ،يكشف الفلم الوثائقي (البحث عن العدالة) طرائق الخلقة ،وتعبرياتها عن القهر والتح ِّدي واملرونة عمل (الجامعة النسائية) َّ واألمل ،وذلك عرب ٍ عرض للحاالت والقضايا التي تعمل عليها النساء من الجامعة لتمكني الضحايا من الوصول إىل العدالة ،ويكشف الفلم بشكل صادم عن ديناميكيات الجندر والسلطة ،بينام ينسج حكاية ُم َع َّق َدة ت ُ َع ِّ ُب عن النضال والصرب والعمل الدؤوب بصدد تحقيق العدالة .ومبثلام يقدم الفلم روايات صادقة عن العنف ضد املرأة ،والظلم الذى تُعانيه النساء، فإنّه يحتفي ويعكس أهمية االنخراط مع الهياكل العدلية والسلطات املحلية بصدد إصالحها عرب إلزام تلك الهياكل بالقيام بواجباتها.
القتل ،وكُره النساء ،وسوء املعاملة .هذه هي العنارص الثالثة التي شكَّلت أحداث الفلم الوثائقي (البحث عن العدالة) ،ملخرجته ديبا دهانراج .وقد َعك ََس الفلم أوضاع النساء املسلامت الفقريات يف جنوب الهند ،وق َّد َم لنا مشهدا ً أميناً لل ُمعاناة التي تعيشها النساء يف والية (تاميل نادو) .ويف هذا الواقع املأساوي ،فإ ّن مجموعة (الجامعة النسائية)، وهي حركة نسوية قاعدية يف جنويب الهند ،تعمل بال كلل ،باسم املساواة واملقاومة ،عىل خلفية التمييز الجندري املعتاد ضد النساء بحجة الدين املدافعتان عن حقوق املرأة ،وطالبتا الدراسات العليا يف مدرسة اإلسالمي .حيث أصبحت هذه الحركة منارة األمل ملئات من النساء والرجال يف مقاطعة (تاميل نادو) .الدراسات الرشقية واألفريقية بجامعة لندن ،زهرة باجوا ،وتاشنى سوكوماران ،تشاركان الق ّراء والقارئات مناقشتهن ال َّرثة وآرائهن عن الفلم: يُ َوث ُِّق فلم (البحث عن العدالة) ُع َّدة حاالت ُ لنساء عانني جميعاً من تقاعس القانون والنظام القضايئ عن حاميتهن. دهشت من قوة تاشنى :أوالً ،يجب أن أقول إنني ففي والية تاميل نادو ،تُ َح ُال قضايا األحوال الشخصية من قبل مكتب وجرأة النساء في تأسيس جماعة إسالمية نسوية، وكيل النيابة إىل مجلس الجامعات املسلمة ،وهو مجلس ُم َك َّون من وهو مجال يسيطر عليه الرجال حصرياً .تقول رجال دين يتبنون يف الغالب املنهج السلفي يف معالجة قضايا األحول أودري لورد -الشاعرة والنسوية األمريكية من أصل إفريقي" :-إ َّ الشخصية ،مام ينتج عنه ظل ٌم عظي ٌم للنساء وت َ َر ٍّد يف أحوالهن .حيث ن أدوات السي ّد ،ال يمكنها تفكيك منزل يتحكم املجلس -الذي هو مبثابة املحكمة الرشعية -يف قضايا الطالق، السيد" .ويستدعي فلم (البحث عن العدالة) هذا والزواج ،وحضانة األطفال ،والعنف املنزيل وغريها من قضايا األحوال األمر ،فقد صنعت تلكم النساء أدواتهن الخاصة الشخصية. لتفكيك بنية الظلم المحيق بهن .فلم تنضم
الكاتبتان :زهرة باجوا :تسعى حالياً للحصول عىل درجة املاجستري يف القانون – حقوق اإلنسان من مدرسة الدراسات الرشقية واإلفريقية بجامعة لندن .عملت ويف املقابل فأ َّن مجموعة (الجامعة النسائية) ،تعمل كنقيض واقٍ يف السابق مساعدة باحثة يف قانون العمل لحقوق النساء أمام إقصاء مجلس الجامعات املسلمة امل ُت َّعمد .وهكذا، يحيك الفلم الوثائقي (البحث عن العدالة) قصة (الجامعة النسائية) يف وحقوق اإلنسان يف والية تاميل نادو -التي تضم اثني عرش ألف امرأة ( )12000كأعضاء باكستان. من جميع أنحاء جنويب الهند ،كام يُ َوث ُِّق الفلم ملثابرة النساء املدافعات عن حقوق املرأة ضمن الجامعة النسائية .حيث أ َّن الجامعة النسائية، كانت قد قامت ما بني األعوام 2014-2011مبعالجة أكرث من مثانية آالف ( )8000حالة عنف ضد النساء والفتيات يف قضايا تنطوي عىل الزواج باإلجبار ،واالعتداء الجنيس ،وجرائم القتل املتعلقة باملهر ،والعنف املنزيل.
النساء إلى الجماعة التي يسيطر عليها الرجال ،ولم يتسولوا عطف الرجال كما هو سائد ،ولكن -وبدالً ّ الخاصة بهن، عن ذلك -أنشأت النساء مؤسستهن (الجماعة النسائية).
زهرة :نعم ،ما أحببته أيضا يف هذا الفلم الوثائقي ،هو كيف أ َّن فكرة املساواة املوضوعية كانت مرتابطة وواضحة .ففي البداية ،عندما تصف (خانوم) ُ -م َؤ ِّس َسة الجامعة النسائية -كيف تم إنشاء املنظمة ،توضِّ ح كيف تح َّولت الفكرة إىل حقيقة ،وكيف تط َّور هذا العمل يف وقت الحق إىل مؤسسة لتمكني النساء .فقصة سلمى مثالً التي كشفت عن محاوالت قصة قوية ومؤث ِّ َرة والدها الستغاللها جنسياً وت َضَ ا ُمن والدتها معها ،هي ّ بشكل خاص ،حيث ت ُثب ُِت تجربة سلمى ووالدتها قدرة النساء عىل ومن خالل الربط بني مجموعة من الحاالت املرتابطة واإلشكاالت املقاومة وتتحدى تلك التجربة فرضية أ َّن النساء يف الغالب يخضعن املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
31
الصورة :مشهد من الفلم لجماعة النساء في اجتماع
من تلك املساحات املهمة .ومن ناحية أخرى فإ َّن امل َشَ ا ِهد الحيوية للظلم ،وتوضِّ ح عدم جدوى املعتقدات النمطية ،واألفكار امل ُس َبقَة. ملناظرات النساء داخل (الجامعة النسائية) توضِّ ح وجود النساء ودورهن تاشنى :نعم ،والقصص الثالث املختلفة التي َوث َّ َق َها الفلم ،هي قصص الفاعل. تنتهى فيها األمور بشكل مختلف بداية من الطالق ،والعنف املنزيل ِ الحظت أيضاً كيف شَ َع َر الرجال يف املدينة بالتهديد من تاشنى :هل املرتبط باملهر ،والقتل .لقد طاف بنا الفلم من الحزن إىل األمل ،وإىل اإلحساس باالنتصار ،حيث يحدث كل ذلك عىل خلفية العنف الذي (الجامعة النسائية)؟ كان هذا واضحاً ،وبشكل خاص ،عندما طلب الرجل من مخرجة ومصورة الفلم إغالق الكامريا .لقد كان عدوانياً وعنيفاً يلوح يف األفق. للغاية .وهذا يوضِّ ح أ َّن العديد من الرجال يعتقدون أنه ،إذا مل ير ،أو مل زهرة :هذا العنف مطبوع يف أذهان الجميع نساء ورجال .وكام يسمع أحد عن سلوكهم العدايئ واملشني ،وإذا مل يكن هناك شهود ،فإ ّن قالت إحدى النسوة األعضاء يف (الجامعة النسائية)" :قبل االنضامم سلوكهم هذا ،يُعتَ َ ُب كأنّه مل يكن ،وبالتإىل ال ي ُهم. إىل الجامعة كنت أعتقد أ َّن العادي والطبيعي أن يكون األزواج واآلباء ُ شعرت بذلك؛ فلم يكن زهرة :نعم ،بالتأكيد ،لقد عنيفني ،لقد كنت أظن دامئاً أنه مسموح لهم القيام بذلك العنف" .إ َّن (الجامعة النسائية) إضافة إىل أنَّها تتحدى اآلليات القامئة التي تخلق ددون النساء من من المستغرب رؤية الرجال يه ِّ عدم املساواة ،وتعمل ضد العقليات التي تقف وراءها فهي أيضا وسيلة الجماعة النسائية ويق ِّللون من شأنهن ومن جهودهن ،ويحاولون تقويضهن .حتى أنهم اتهموا للتغيري ،كام أنّها جامعة تخلق شعورا ً بالتضامن ما بني النساء. النساء بكونهن عامالت جنس .وعندما فتحن مكتباً ألول مرة وعقدن اجتماعاتهن كان الرجال يستخدمون حائط مكتب الجماعة النسائية لقضاء الحاجة!!
تاشنى :أتفق معك فاالنضامم إىل (الجامعة النسائية) هو مبثابة إعالنٍ للتضامن ،ورسالة واضحة مضمونها :أنه حينام تنقسم النساء وفق األجندة الذكورية ت ُ َه َز ُم قضاياهن .أعتقد أ َّن امل َشَ ا ِهد التى يُظ ِه ُر فيها الفلم النساء جالسات معاً ،وهن يُناقشن مختلف القضايا ،ويضعن تاشنى :من الواضح أ َّن الرجال ال يرغبون يف مشاركة السلطة .إنهم االسرتاتيجيات ،كانت َمشَ ا ِهد قوية للغاية .لقد أثبتت النساء عضوات الجامعة أنه كلام ازداد عدد النساء اللوايت يُشكّلن حضورا ً ،يف ساحة يسيئون استخدام اإلسالم للحفاظ عىل الوضع الراهن .وأوضح مثا ٍل عىل املعركة ،سنكون أكرث نجاحاً ،وسيكون هناك تراب ٌط اسرتاتيجي بني النساء .ذلك ،هو عندما يعرتف (أكرب) العضو يف الجامعة الذكورية ،بأنَّه يكتب املهر يف السجالت الرسمية ،بينام ال يحرص عىل تسجيل مؤخر الصداق زهرة :أتفق معك يف قوة امل َشَ ا ِهد ،حيث يُ َسلِّ ُط الفلم الضوء عىل الذي يحفظ حق املرأة يف حالة حدوث الطالق ،كام ال يُ َد ِّو ُن رجال استبعاد النساء من األماكن العامة .فهناك فضاء سلبي مبني عىل التمييز الجامعة ما تجلبه املرأة العروس من مساهامت سوا ًء أكانت أدوات الجندري يعمل عىل تغييب النساء من أماكن وعمليات صنع القرار .منزلية أو أثاثاً لبيت الزوجية. فالصور التي تم تصويرها يف السوق واملسجد مثالً توضِّ ح غياب النساء
32
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
مساواة
تاشنى :ومن الواضح أ َّن جامعات املسلمني الذكورية تستخدم اإلسالم ال يستطعن االقرتاب من (الجامعة النسائية) ولكنهن مستحقات للدعم لحامية مصالحهم .حيث يتواطؤون دون تردَّد مع الجناة .مث ًال عندما والتواصل. رفض (أكرب) طلب أرسة املرأة القتيلة استخراج الجثة بصدد ترشيحها زهرة :لقد نجح الفلم يف الكشف عن تراكامت القهر التي تعاين منها وهناك شكوك حول تو ُّرط زوجها ،مل يرتدد (أكرب) يف أن يُ َ ِّب َر رفضه بحجة أ َّن ذلك غري إسالمي .ومن املتفق علىه عموماً ،أنه ال يجوز نبش قرب النساء ،ومحاوالتهن الدؤوبة للوصول إىل العدالة املنشودة. إلخراج جسد ما ،ولكن ماذا عن مبدأ الرضورة؟ إذا كانت هناك رضورة تاشنى :نعم ،لقد لعب الفلم بالفعل دورا ً رائعاً يف إظهار تعقيد ُملِ َّحة ،فيمكن استخراج الجثة من أجل تقديم األدلة. دور املرأة .مثالً ،حينام تقول عضوة (الجامعة النسائية) رصاحة" :إنها وأيضا مسألة الفساد داخل السلطات املحلية تجعل األمر أصعب مستعدة ملواجهة كل هؤالء الرجال املسيئني ،لكنها ال تعرف كيف للنساء ،للحصول عىل العدالة .فغالبية املؤسسات العدلية تعتمد بشكل تتحدث مع زوجها". كبري عىل آراء تلك الجامعات أل َّن الرشطة غري كفؤة ،أو غري مكرتثة ،أو ِ زهرة :أنت عىل حق ،هذه الديناميكية املتضاربة من الصعب التغلب فاسدة .ولهذا ،فإ َّن مواقف الرشطة املتخاذلة يف الغالب والتي يعرضها الفلم هي مواقف مألوفة للكثريين ممن يعملون يف مجال حقوق عليها .لهذا السبب أنا معجبة جدا ً بـ(سلمى) ،الشابة التي تخرج للعلن، لتقول" :نعم ،حاول أيب استغالىل جنسياً" .لقد كان موقفها وحديثها اإلنسان. قويان ومتامسكان للغاية. زهرة :يقوم الفلم بعمل رائع يف الكشف عن العديد من التح ِّديَّات تاشنى :نعم ،أعتقد أ َّن قصة سلمى قصة ُمل ِه َمة وتستحق التوثيق التي تواجهها (الجامعة النسائية) ،ولكنه ،يلقي الضوء أيضاً عىل تناقضاتها .فالنساء محارصات أي إنهن يف موقع دفاع مستمر عن وتبعث عىل األمل يف أ َّن النساء سيصبحن أكرث شجاعة يف مواجهة االستغالل واإلساءة ،تحديدا ً أمام الحقيقة املؤملة أ َّن هناك العديد من مرشوعية عملهن. النساء قد تم قتلهن ونسيانهن ،أو ت ُ ِركْ َن محارصات داخل بنية ال تابه فمن ناحية تتح َّدى (الجامعة النسائية) القواعد التمييزية السائدة مبشاعرهن وإنسانيتهن. من خالل محاوالت تفكيك أدوات القهر التي تفرضها الجامعة الذكورية، فالفلم الوثائقي (البحث عن العدالة) ال يقترص فقط عىل النضاالت ومن ناحية أخرى تحاول الجامعة مفاوضة البنية الذكورية .وكمثال عىل ذلك ،ما قالته إحدى العضوات يف (الجامعة النسائية)" :إنه يف إحدى التي تواجهها الجامعة النسائية ،بل أيضاً ،يعكس رحلة الضحايا وأرسهن املرات كان عىل األم أن تعيد املهر الذي دفعه الزوج لهم حتى تنقذ من الرجال والنساء يف البحث عن العدالة حيث يعرض الفلم مشاعر الضحايا وأرسهم واستامتتهم يف الحصول عىل العدالة. ابنتها من القتل".
تاشنى سوكوماران: باحثة وصحفية ماليزية تعمل يف بحوث االتجار بالبرش والعمل القرسي والسياسة .وهي حالياً تسعى للحصول عىل املاجستري يف حقوق اإلنسان من مدرسة الدراسات الرشقية واإلفريقية بجامعة لندن.
وبعد مشاهدة الفلم وضح يل أ َّن املعركة ُمتَ َع ِّددَة األوجه وتشمل تاشنى :أيضا هناك عدم استقرار يف املوقف ،فإعادة املهر رمبا ينجي االبنة مؤقتاً من القتل يف تلك الفرتة ،ولكن ماذا كان سيحدث إذا مل تجد مختلف الفاعلىني من مؤسسات الدولة والسياسيني ،واملستنريات األم املال إلعادة املهر؟ أنا أؤمن إمياناً قاطعاً بأ َّن تلك املرأة حسنة النية ،واملستنريين تقع عليهم جميعاً مسؤولية تطوير خطاب متامسك يسعى ولكننى أيضاً شعرتُ أ َّن هناك الكثري من املشاعر املتناقضة ،واملتصارعة .إىل تأمني املساواة للنساء .ففي نهاية الفلم يشعر امل ُشَ ا ِه ُد بأ َّن الرحلة قد بدأت للتو ،وأننا جميعا يجب أن نشارك يف النضال. أيضا َس َّج َل الفلم يف أحد اجتامعات (الجامعة النسائية) إحدى السيدات العضوات تشكو من أ ّن زوجها يعارش أرملة أخيه ،و ُهنا تتفاعل النساء بغضب ويسألن املرأة ملاذا ال ترتكه وتقذف به -أي الزوج -خارج املنزل ليذهب إىل االرملة لتعتني به .هذا االقرتاح يتجاهل حقيقة أ َّن أرملة األخ قد تكون ُمك َر َهة عىل قبول الرجل بسبب العوز والحاجة بقلم :زهرة باجوا ،وتاشنى سوكوماران مثال .فبقدر ما ت َُسا ِعد النسوة األعضاء بعضهن البعض ،هناك نساء رمبا من االنجليزية :فيصل الباقر املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
33
حقوق المرأة في الميراث ،وسطوة العرف العشائري في أرض الصومال يوسف تيماكادى
الصورة من ارشيف شبكة صيحة ارض الصومال
كنت َخ ِجلَ ًة جدا ً أن أطالب أشقايئ بنصيبي من املرياث" .كان "لقد ُ هذا هو اعرتاف (خدرة ،)1وهي أم لستة أطفال ،تبلغ من العمر 44 ِف والدها عاماً ،وتعيش يف مدينة (هرقيسا) بأرض الصومال .فعندما تُو ِّ َ منذ عرشين عاماً كان من ضمن ما َخل ََّف من أصول :منزل وقطعة أرض نُ ِقل َْت ملكيتهام إىل أبنائه (الذكور) .أ َّما خدرة األخت الكربى التي سهرت عىل خدمة والدها قبل وفاته سنوات عديدة فلم تُ ْ َن ْح شيئاً .كام مل ِ وباإلضافة إىل ذلك تواجه املرأة صعوبة بالغة يف ظ ِّل تقاليد الكرس، تُطَالِ ْب بحقها يف املرياث خوفاً من وصمة العار .ويف هذا الصدد تضيف خدرة قائلة" :كان الناس سيقولون إنني عدمية الحياء أذا ما تجرأتُ تتلخص يف عدم قدرتها عىل تحدي سلطة شيوخ العشائر الذين َ ْيتَ ُّد نفوذهم إىل القانون الرسمي .وغالباً عندما تُطْ َر ُح القضايا التي مل ت ُ ْح َس ْم وطالبت إخويت بحقي يف املرياث". ُ خالل الكرس أمام القانون العام يف حالة فشل شيوخ العشرية يف التوصل فقانون املرياث يف أرض الصومال محكوم بقوانني الرشيعة( ٢أي أحكام إىل حلول ُم ْر ِض َية ،فيتبع القضاة توصيات الشيوخ والقادة املحليني يب ويرفضون متاماً اللجوء إىل القانون الرسمي قبل اللجوء إىل معالجات الفقه التقليدي)؛ إذ ينص القرآن يف (سورة النساء " )4:7لِّل ِّر َجا ِل ن َِص ٌ يب ِّم َّم ت َ َر َك الْ َوالِ َدانِ َوالْ َقْ َربُو َن التقاليد واألعراف.٣ ِّم َّم تَ َر َك الْ َوالِ َدانِ َوالْ َقْ َربُو َن َولِل ِّن َسا ِء ن َِص ٌ ِم َّم ق ََّل ِم ْن ُه أَ ْو ك ُ ََث ج ن َِصيبًا َّم ْف ُروضً ا" .ولكن عىل الرغم من أ َّن النص ويتفاوت حق املرأة يف املرياث من مكان إىل آخر بحسب التقاليد القرآين قد أقَ َّر بحقوق املرأة يف املرياث إال أ َّن هذه الحقوق يتم تجاهلها ِ عىل أرض الواقع .وقد لخ ََّص ْت خدرة ذلك بالقول" :يتناىس الشيوخ والعادات .فوفقاً لخصوصيات اإلقليم امل ُ َح َّدد تُ َح َّد ُد األصول األكرث قيمة ،حيث تُ ْ َن ُع املرأة من مرياث األرض واإلبل والحدائق .٤ففي إقليم العدالة يف التعاليم اإلسالمية عندما يتعلق األمر باملرياث". (صانعاق) الواقع يف الجزء الشاميل-الرشقي من البالد -عىل سبيل املثال- ففي العديد من أجزاء أرض الصومال يلجأ الناس إىل القانون ال ُع ْر ِف تُ ْ َن ُع املرأة من مرياث أشجار اللبان املعروفة محليا بـ(البييو) ،التي املعروف بـ(الكرس) ،وهو أكرث رواجاً وتطبيقاً من قوانني الرشيعة .ت ُْستَ ْخ َد ُم مادتها الصمغية بخورا ً وت ُ ْعتَ َ ُب سلعة ذات قيمة كبرية تعود فالكرس هو عبارة عن نظام عدالة تقليدي يُ َن َّف ُذ بواسطة شيوخ العشائر بجذورها عدة قرون إىل الوراء. لحل النزاعات بني األفراد والعائالت ،إال أنه يف نهاية املطاف يهدف إىل إيجاد حل شامل يعمل عىل الحفاظ عىل عالقات سلمية بني العشائر املختلفة .ولكن تحت مظلة قانون الكرس ال يُ ْس َم ُح للنساء بعرض قضاياهن أمام الشيوخ حيث يتم ذلك عرب (أوليائه َّن) من االقأرب الذكور .وتربز إشكاالت الوالية بوضوح يف قضايا املرياث حيث ت ُْستَ ْب َع ُد النساء متاماً من املفاوضات.
1لدواعي عدم الكشف عن الهوية ،تم إستبدال األسامء الحقيقية لألشخاص الذين متت مقابلتهم بأسامء مستعارة. ٢ماريا ب .تنقارازا( ،حقوق اإلنسان للمرأة ىف أرض الصومال) .ناقاد (63:)2010 ٣اتصال شخيص ،أمرية حسن، محامية وعضو رابطة محامي رشق أفريقيا. ( ٤التقرير السنوي لحقوق اإلنسان للشعوب املهمشة)، ناقاد (.)2010 ٥املهر :عبارة عن دفع إلزامي يدفعه الزوج للزوجة عىل شكل نقود أو أصول أثناء الزواج ويصبح قانونياً من حق املرأة.
34
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
مساواة
ويُ ْنظَ ُر إىل الورثة اإلناث ك ُم ِه ِّدد ٍ َات الستمرارية ملكية األرسة لألصول مبا يف ذلك األرايض .ومن ث َّم ت ُ ْعتَ َ ُب النساء ُم َه ِّدد ٍ َات لرتاكم ثروات العشرية. ويف املقابل يُ ْعتَ َ ُب توريث األبناء الذكور ضامناً للمحافظة عىل األرض واألصول داخل منظومة األرسة أو العشرية .فقد تتزوج الفتاة من رجل من عشرية أخرى وتأخذ معها األصول وت ُ َح ِّولُ َها إىل عشرية زوجها .وانطالقا من هذا املنطق يكون من مصلحة الذكور تقييد إمكانية وصول املرأة وتُ َع ُّد حالة (أ .و) حال ًة شاذةً؛ فغالبية النساء ال يُ َح ِّب ْذ َن خوض معركة للمرياث من أجل حامية ثروة العشرية .حيث يتم النقل املنظم لألصول ِ يعلمن سلفاً عدم جدواها .تقول خدرة" :مل أ َر قَ ُّط امرأة ُمن َح ْت حقها يف القيمة إىل الرجال واألبناء وأبناء األخوان من األقارب. املرياث خالل املحاكم الرسمية أو محاكم العشائر" .وتستطرد قائلة" :أ َّما وال يقترص الحرمان من املرياث عىل البنات فقط ،بل وميتد إىل بالنسبة يل فإنني أنتظر جزايئ من الله يف اليوم اآلخر". النساء األرامل .فعندما تفقد املرأة زوجها فإنها ت ُ ْج َ ُب عىل الزواج من شقيقه ،حيث تعمل هذه املامرسة من وجهة نظر أرسة الزوج املُتَ َو َّ َف بقلم :يوسف تيماكادي عىل التَ َحكُّم يف املهر ٥املدفوع للزوجة أثناء الزواج ،واألهم من ذلك من االنجليزية :فيصل الباقر هو اإلبقاء عىل ممتلكات الزوج الراحل ما بني األشقاء .ويف حال رفض األرملة الزواج من شقيق املُتَ َو َّف تُطْ َر ُد عنوة من منزل األرسة و ت ُ ْح َر ُم من أي مرياث. الحصول عىل ِّ وإذا كانت قصة (أ .و) تُ َث ُِّل منوذجاً قوياً يُ َع ِّ ُب عن مرونة املرأة وعزميتها ،فإنَّها تشف أيضاً عن العديد من التحديات التي تواجهها املرأة وعن محدودية النظام القانوين يف حامية حقوق النساء .ويف نهاية املطاف كان البُ َّد لـ(أ .و) من أن تتنازل عن حقها يف املرياث الذى أسهمت يف تراكمه حتى يتثنى لها حق االحتفاظ بأوالدها ورمبا الزواج مرة أخرى.
وهذا ما قد حدث لـ(أ .و) ،األرملة ذات التسعة والثالثني ربيعاً من مدينة (هارقيسا) .ففي حديثها عن أقارب زوجها املُتَ َو َّف ذكرت قائلة: "كانوا يرفضون أن أكون مستقلة بذايت وأدير ثرويت" .كانت (أ .و) متتلك منزالً وعمالً تجارياً صغريا ً مع زوجها قبل وفاته بسكتة قلبية قبل خمس سنوات. وبعد وفاة الزوج طلب أقاربه منها الزواج من شقيقه األصغر لكنها رفضت ذلك الطلب ،وأخربت أقارب زوجها بأنها غري مستعدة للزواج يف الوقت الراهن .وعاد األقارب بعد عامني من وفاة الزوج طالبني منها الزواج من شقيقه أو مغادرة املنزل الذى تركة الزوج املُتَ َو َّف لها وال طفالها الثالثة .وتقول (أ .و)" :لقد عادوا عندما سمعوا بإشاعة فحواها إنني بصدد الزواج من شخص اخرتته".
نشأ يوسف تيامكادي يف إثيوبيا حيث َه َربَ ْت أرسته سنة 1988فرارا ً من الحرب األهلية التي اندلعت يف الصومال ،لكنه عاد إىل منطقة (هارقيسا) يف أرض الصومال ،يف العام ،2009حيث عمل مع منظمة شبكة العمل من أجل املعاقني .ويسعى اآلن للحصول عىل درجة املاجستري لإلدارة التنفيذية وإدارة األعامل من جامعة أبعارسو للعلوم والتكنولوجيا .ويعمل يوسف حالياً مع املبادرة االسرتاتيجية لنساء القرن األفريقي يف أرض الصومال.
قاومت (أ .و) ضغوط األقارب ورفعت قضيتها إىل املحكمة .وحسب يل االختيار بني أن أعيش خادمة داخل منزيل أو أن أبدأ قولها" :كان ع َّ حيايت الجديدة مع الشخص الذي أختاره" .وعمالً بتوصية الشيوخ وافقت املحكمة عىل إعطائها حضانة األطفال ولكنها ُح ِر َم ْت من الرثوة التي جمعتها رشاكة مع زوجها الراحل. وأصبح لِ َزا َماً عىل (أ .و) أن تبدأ مرة أخرى من الصفر .ويف هذا الصدد تقول" :أنا سعيدة ألنني ت َ َق َّد ْم ُت بقضيتي للمحكمة و َح َصل ُْت عىل حق حضانة أطفايل ،وهذا هو كل ما يهمني وليس املال" .وحالياً افتتحت ْ (أ .و) محالً تجارياً صغريا ً إلعالة نفسها وأطفالها الثالثة ،ولكنها مل تتزوج مرة أخرى حتى اآلن .وتقول (أ .و) إنها ما تزال تأمل يف أن تجد زوجاً يقبل بها وأطفالها يف املستقبل. املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
35
ذاكرة الحرب وأجساد النساء االرتريات ساندرا هييل
يف هذا املقال ،تستكشف ساندرا هييل متظهر أجساد النساء يف أوقات الحرب بالرتكيز عىل املقاتالت املسلامت السابقات ،وذلك استناداً إىل مقابالت أجرتها يف التسعينيات ،تُ َركِّ ُز عىل تحليل تجارب النساء املقاتالت اللوايت خدمن يف جبهة التحرير الشعبية اإلريرتية خالل فرتة 30عاماً من أجل االستقالل من إثيوبيا (1961م1991-م) .وتدرس هييل تطور املعايري االجتامعية والثقافية وتلك الخاصة بالنوع االجتامعي أثناء النزاع وبعده .وت َُسل ُِّط الضوء عىل التحديات التي واجهتها النساء املقاتالت يف فرتة ما بعد الحرب ،والتي تجلَّت بانبعاث القيم التقليدية داخل املجتمع اإلريرتي. وبالتايل أصبحت أجساد النساء فاقدة للخصوصية والتوترات يُ َع ُّد متظهر أجساد النساء املسلامت يف أوقات الحرب والرصاعات الدكتورة ساندرا والنزاعات املسلحة من أجل التحرير موضوعاً ُم َع َّق َدا ً ،وكثريا ً ما يهمله الجنسانية ،بل وأصبحت محايدة مام مكَّن الرجال والنساء من تطوير هييل :هي أستاذة دراسات األنرثوبولوجيا األكادمييون والباحثون .وتُ َع ُّد وإريرتيا -التي دخلت فيها النساء املسلامت مفاهيم جديدة للخصوصية عندما كانوا يعيشون يف املخابئ نفسها. والنوع االجتامعي يف النضال قبل نظرياتهن املسيحيات ،1حيث تعرضن لخسائر وانتهاكات وخالل سنوات الحرب وبعدها بسنوات قليلة ،أصبح رمز املرأة فادحة -ليست استثناء يف هذا الصدد .٢ جامعة كاليفورنيا، املقاتلة الشجاعة هو القاعدة .حيث ُص ِّو َرت املقاتالت عىل نحو منهجي لوس أنجلوس، غالباً ما تُغ ُّ َُي النزاعات منظور النساء تجاه أجسادهن .فقد صدمني بوصفهن قويات ،وأشبه بااليقونات ،ومتحررات ،ورياضيات يرتدين واملؤسسة املشاركة ملجلة دراسات املرأة الحديث الذي تبادلته مع إحدى املقاتالت اإلريرتيات املسلامت الاليت ترسيحات األفرو والبنطال الكايك والسرتات الجلدية .وعىل النقيض من أجريت معهن املقابالت ،فلدى سؤالها عن العنف الجنيس ضد املقاتالت ،ذلك ،فإ َّن صور املقاتالت اللوايت شُ ِّو َهت أجسادهن ،وعانني من آثار ُ يف الرشق األوسط. أجابت بأ َّن النساء املسلامت قمن بحفظ أجسادهن (وصونها) ،وأ َّن الجروح أو اإلعاقة أو تع َّرضن للتعذيب ،أو تم االعتداء عليهن جنسياً ويستند عملها األكادميي الغني عىل خوفها األكرب أثناء القتال كان من التع ُّرض لألرس واالغتصاب .ث ُ َّم َر َّددَت :تم إخفاؤها عمدا ً ،وت ُستَع َر ُض تلك الصور فقط عندما تتطلب أجندة انخراطها النشط خالل "من األفضل أن نُقتَل؛ فاملوت أرحم عىل جسد املرأة املسلمة من النظام الحاكم ذلك. االغتصاب". عقود من العمل وخالل الحرب الثانية ،وهي الحرب األكرث دموية مع إثيوبيا (-1998 البحثي امليداين يف ويُ َع ُّد املجتمع اإلريرتي –الذي نصفه مسيحي أرثوذكيس ونصفه اآلخر 2000م) ،شكَّلت املقاتالت النساء نحو %20من القوة القتالية للجيش السودان وإريرتيا. مسلم تقريباً -مجتمعاً محافظاً ج َّدا ً فيام يتعلق بجسد املرأة والتموضع اإلريرتي .بيد أنه يف مارس 2000م ،انترشت شائعات تفيد بأ َّن النساء الثقايف للنساء ،حتى أ َّن مشاركة النساء يف القتال ،والعيش مع الرجال يف الاليئ وقعن يف األرس كُ َّن يتع َّرضن لالغتصاب .ونتيجة لذلك ،أعلنت املخابئ ،والتفكري يف أنفسهن (مثل الرجال) ألغراض القتال ،كانت خروجاً الحكومة اإلرترية أ َّن املجندات سيغادرن الخطوط األمامية للقتال، صارخاً عن قاعدة عالقات الجندر املتعارف عليها يف املجتمع اإلريرتي .ونُ ِقلْ َن ظاهرياً إىل برامج التدريب .٤ وعندما دخلت املرأة ساحة القتال ،كان عىل الجبهة الشعبية اإلريرتية- ،٣الحزب الحاكم الحقاً -أن تنتج أيدولوجيا منافية للمنظور التقليدي للمرأة عيل أنَّها هشة ،ونقية ،وبحاجة للحامية ،إىل تصوير مقاتالت حرب التحرير كنساء شجاعات وقويات ومتساويات مع نظرائهن من الرجال يف كل يشء. فقد اتَّخذت أجساد المقاتالت معنًى مختلفاً وتخلصن من القدسية والحساسية حول أجساد النساء .وقد ذكرت لي عشر نساء على األقل من الالتي قابلتهن إنهن "أصبحن رجاالً" عندما دخلن الميدان.
36
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
ويعكس سحب النساء من الصفوف األمامية للقتال بعد النجاحات الاليت حققنها كمقاتالت خالل الحرب األوىل أ َّن نهج قدسية وخصوصية رسب مرة أخرى إىل الوعي الوطني يف أعقاب أجساد النساء قد بدأ يف الت ُّ استقالل إرتريا .حيث يحتم ذلك النهج أن تكون أجساد النساء محمية أو مخفية ،وأن تستعيد املرأة أنوثتها التقليدية ،كام ذكرت إحدى املقاتالت "أصبحت مصونة بعد الحرب" .فعادت النساء مرة أخرى إىل املسلامت: ُ مامرسة أدوارهن التقليدية كأمهات ،ومربيات اجتامعيات وحارسات للعادات والتقاليد .ومرة أخرى ،قُ ِّي َدت أجساد النساء بعد كل مظاهر التح ُّرر التي صاحبت حرب االستقالل اإلرترية. ومن وجهة نظري ،فأ َّن ذلك بدأ كنوع من الرتاجع األيديولوجي،
ما بين عالمين
الصورة :دان كونيل لمقاتالت ارتريات بعد انتها الحرب واستقالل ارتريا
حيث أ َّن بناء الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا اعتمد عىل خطاب يدعو املناطق امل ُح َّر َرة إبَّان سنوات الحرب -من ضمن ذلك الحصول عىل لنمط مواطنة جديدة ُمتح ِّر َرة من التنميط الجندري .وخالل سنوات التعليم (األكادميي والسيايس والعسكري) ،وتعلُّم مهارات جديدة، النضال من أجل التحرير ،عكس الخطاب الوطني الذي وضعته الجبهة والحصول عىل هوية جديدة .٧ الشعبية النساء كمشاركات أصيالت يف الكفاح املسلح ،ولسن بديالت، والجدير باالنتباه إنَّه من األسهل كثيراً بناء ذلك النمط من الزمالة بل مواطنات يتمتعن باملواطنة الكاملة يف إريرتيا الثورية. وقد سارت حينها املامرسة جنباً إىل جنب مع أيديولوجية الجبهة الشعبية .وقبيل نهاية الحرب األوىل ،كانت املرأة تشكل أكرث من %30 من القوة املقاتلة ،وقد عملت بكل قدراتها ،بوصفها ( ُمنظِّمة ،وناشطة، و ُم َد ِّر َسة ،وإدارية ،فضالً عن كونها ميكانيكية ،وكهربائية ،ومهندسة إلكرتونيات ،و ُمصلحة للساعات ،وخ َّياطة ،وطبيبة ،وعاملة صحية يف القرى" .٥وهذا ليس هو بالتاريخ املعتاد للجيوش حيث تستخدم النساء بشكل انتقايئ ،وغالباً يف وظائف يُ ْنظَ ُر إليها عىل أنها امتداد لعملهن املنزيل .٦
والمساواة المتينة بين المقاتلين رجال ونساء في ميدان القتال .إال أ َّ دي الحقيقي يكمن في استمرار ذلك النمط من المساواة في ن التح ِّ أوقات السلم وعند عودة الحياة إلى طبيعتها.
وقد كشفت التحوالت األيدولوجية خالل فرتات نهاية الكفاح امل َُسلَّح والدخول إىل الحياة املدنية عن متغريات عديدة يف الطرق التي تم بها التعامل مع أجساد النساء املقاتالت ،وإعادة تشكيلهن لخدمة الدولة. فمن ناحية فقد تحتم عىل املقاتالت التامهي مع األساطري الوطنية حول عدم االستغناء عن املرأة اإلريرتية يف الكفاح من أجل التح ُّرر .إال أنَّه وعىل مستوى املامرسة اليومية ،كان عىل النساء العودة إىل دور اإلنجاب وبجميع املقاييس ،فقد شهدت النساء درجة عالية من التح ُّرر يف املركزي. املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
37
ففي الفقرة أعاله ،يتحدث كينيايل عن املسكوت عنه حول معاناة النساء املقاتالت .إال أنَّه وعىل مستوى الواقع ال يزال الصمت هو سيد املوقف بشأن أجساد النساء التي انتهكت يف أثناء الحرب .فلم ت ُفتَح بعد أي ملفات حول تعذيب النساء الذي حدث إبَّان الحرب أو بعدها ،وال ّ توجد شهادات فردية أو جامعية يف هذا الصدد.
أجريت مقابالت مع أكرث ويف األعوام 1994م و1996م و1999م ُ وطلبت منهن رواية من 35امرأة من الجبهة الشعبية لتحرير إريرتيا ُ تجاربهن يف امليدان وقصص العودة إىل الحياة املدنية .وأذكر أنَّه خالل الحظت وجود الكثريات من النساء زياريت األوىل إلرتريا يف عام 1994م، ُ املقاتالت املصابات واملعوقات يف األماكن العامة .ومع ذلك ،حني عدت مرة أخرى يف العام 1996م ،اختفت معظم املقاتالت املعوقات ،والنساء مت محارضة يف إحدى املرات عن حركات التح ُّرر لفصل مبتورات األطراف ،من األماكن العامة .حيث تم إخفاؤهن يف داخل وكنت قد ق َّد ُ ُ ُ ِ رسحات يف إرتريا واللوايت أص َنب املنازل. اللغة اإلنجليزية الخاص باملقاتالت امل ُ َّ باإلعاقة يف أثناء الحرب .وقد امتنعت هؤالء النسوة بشكل صارم عن تبي أ َّن العديد من اإلريرتيني ال يرغبون يف مناقشة أو الحديث عن ظروف إصابتهن أو معاناتهن بشكل عام رغم وبحلول العام 1996م َّ َ تذكُّر أهوال الحرب والحصيلة التي خلَّفتها عىل أجساد النساء بوجه محاواليت إلثارة النقاش حول املوضوع. خاص .وهكذا ،فإ َّن أجساد املقاتالت املعوقات -نسبة كبرية منهن من إ َّ املسلامت -اختفت تقريباً من العاصمة الوطنية أسمرا. ن الصمت الذي أحاط بمعاناة المرأة المقاتلة 1انضم عدد كبري من النساء املسلامت إىل جبهة التحرير اإلريرتية( ،حركة االستقالل الرائدة يف إريرتيا خالل الستينيات والسبعينيات). ٢انظر ،عىل سبيل املثال، ساندرا هييل( ،الجندي والدولة :نساء ما بعد التحرير :حالة إريرتيا)، تحرير مارغريت ،والر، جنيفر ريسنغا( ،نسوية الخطوط األمامية :املرأة والحرب واملقاومة)، نيويورك :روتلدج2000 ، ،ص 370-349؛ و(محررة، ولكن ليست حرة :املرأة يف إعادة اإلعامر بعد الحرب)، تحرير شيال مينتجيس ،أنو بيالي ،ومرييديث تورشني، (ما بعد الحرب :النساء يف إعادة اإلعامر بعد الحرب)، نيويورك :زيد برس2002 ، ٣تم تشكيل جبهة التحرير الشعبىة اإلريرتية يف عام 1970من املجموعات االنفصالية التى انشققت عن الجبهة .بعد تحقيق االستقالل يف عام ،1991 تحولت إىل الجبهة الشعبية من أجل الدميقراطية والعدالة.
38
وتج َّنبت الجبهة الشعبية لتحرير إريرتيا وامتداداتها من وسائل اإلعالم التي يسيطر عليها النظام ،إثارة كل ما يتعلق مبصري النساء املقاتالت وغريهن من النساء اللوايت قُب َِض عليهن يف جبهة القتال ضد إثيوبيا .وقد حاولت -دون نجاح -خالل زيارايت التأكُّد من أعداد النساء اللوايت قُ ِتلْ َن ُ ُ يف الحرب أو النساء امل ُع َّوقات أو امل ُش َّوهات أو امل َعذَّبات أو امل ُغتَ َصبَات أو الاليت فقدن أرواحهن يف أثناء الحرب ولكن دون طائل.
وتجاربها مع العنف ،وإخفاء النساء المعوقات، والجريحات ،والمصدومات ،إنما ي َُع ِّب ُر عن الموقف اإلريتري العام الذي يرى في االنتهاكات التي حدثت للنساء على أنَّها عا ٌر وطني يجب إخفاؤه ،وفي الوقت نفسه فأ َّ ن شجاعتهن هي جزء من ملحمة وطنية خاصة بإرتريا.
تحدثت وت ُعتَ َ ُب رواية إحدى املقاتالت املسلامت السابقات الاليت ُ إليهن مبثابة نقلة من مناقشة صدمات الحرب إىل مناقشة مشاكل ما بعد الحرب .فقد وصفت حياتها أثناء القتال بهذه الطريقة" :يف امليدان، كانوا [الجبهة الشعبية لتحرير إريرتيا] يهتمون بنا .ومل يجرؤ أحد عىل بأي شكل من األشكال ،رغم أننا كجنديات كنا إيذائنا أو إساءة معاملتنا ِّ عرضة للتأديب مثلنا مثل زمالئنا من الرجال .لكن عندما منرض كنا نجد العناية ،وكان بإمكاننا الذهاب إىل املدرسة إذا مل تتح لنا الفرصة لذلك قبل دخولنا امليدان .كان الرجال من رفاقنا يكنون لنا االحرتام ،غري أ َّن هذا الشعور بالصداقة املتينة تالىش مع انتهاء الكفاح ،وأصبح عىل املرأة مرة أخرى أن تتوافق مع املعايري التقليدية".
فإذا أراد املرء أن يشرتك يف تقيص الحقائق الخفية حول املرأة اإلريرتية املقاتلة ،تظل املصادر الوحيدة هي امل ُ َذكِّ َرات الشخصية أو الروايات الخيالية التي أ َع َّد َها الغرباء عن إرتريا ،مثل توماس كينيايل .فقد كان (كينيايل) -وهو كاتب متحمس لجبهة التحرير الشعبية اإلريرتية -قد سافر مع املقاتلني وعاش فرتة يف امليدان .ويف روايته (نحو أسمرا)، ٍ جسد ُم َحطَّمٍ المرأة مسلمة تُ َث ُِّل -بالنسبة له- يربز كينيايل تفاصيل شاهدا ً عىل معاناة كل اإلريرتيني" :فقد عانت تلك املرأة من التعذيب بالصدمات الكهربائية ،وأُلقيت ممدة عىل صخرة ،مقيدة من أطرافها األربعة بالحبال .حيث ُم ِّز َق رحمها ومل تعد قادرة عىل اإلنجاب .وقد ا ُقتُلِ َعت جميع أسنانها ،وجميع أظافرها .وكانت هناك حروق يف كل مكان من جسدها ...لقد مزقوها ،ساقها معقوفة عىل ظهرها ،وذراعاها وكام أوضحت املقاتلة املسلمة يف مقابلتي معها" :أنا مثالً مسلمة، من ورائها ،واملعصامن مربوطان إىل الكاحلني .داسوا عىل رقبتها للقيام وأصبحت مواطنة تزوجت من مسيحي .وعندما عدتُ إىل املجتمع ُ ُ بذلك .ركلوها ...وألقوا بها يف أسفل الدرج" .٨ مدنية ،أجربتني عائلتي عىل الطالق من زوجي والتزوج من رجل مسلم،
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
ما بين عالمين
أي تجربة يف النضال املسلح ،ومل يغفر يل (ابن عمي) ،الذي ليس له ّ زواجي من مسيحي .وعاملني زوجي معاملة سيئة وح َّولني إىل خادمة يف منزيل ،وانتهي يب األمر إىل الهروب من منزيل ج َّراء اإلهانة والرضب املُتَ َك ِّرر ،ورغم أ َّن القانون يسمح يل بالطالق إال أ َّن الشيوخ يعيقون حق النساء يف الطالق يف مجتمعات املسلمني". إ َّن الشعور بالهجر والعزلة هو الذي ساد بني النساء املقاتالت حيث ت ُ ِركْ َن وحدهن ملواجهة املشكالت االجتامعية واالقتصادية بعد الحرب كام ذكرت املقاتلة السابقة املسلمة يف مقابلتها معي" :أنا اآلن أسكن لدي دخل لعدم وجود فرص مع صديقتي وهي مقاتلة مثيل ،وليس َّ بت عمل .وقد حصل زوجي عىل حضانة طفلنا الوحيد .كام إنني أُ ِص ُ يف أثناء الحرب؛ حيث اخرتقت رصاصة ساقي ،ورغم أنني قد حصلت عىل عالج جيد يف امليدان ،ولكني بحاجة إىل املزيد ،فام تزال ساقي شبه وحظيت ببعض ُم َعطَّلَة .وعىل الرغم من أنني ُم َص َّنفَة (مقاتلة ُم َعاقَة) ُ الفوائد ،ولكنها ليست الفوائد التي أتوق إليها .فأنا أحتاج إىل وظيفة، وأحتاج إىل العالج الطبيعي وبعض املساعدة واملشورة النفسية ملشاكيل. وتراودين كوابيس عن صديقتي التي ن ُِس َف وجهها أمام ناظري .أراها يف كل ليلة."... ويف شهادة أخرى إلحدى املقاتالت اإلرتريات" :يف امليدان تعامل زوجي مع جسدي كام لو كان ُم َق َّد َساً تقريباً .فعندما كُ َّنا يف ساحة أي شخص آخر ،ولكن القتال ،كان زوجي يتعامل معي مثلام يُ َعا ِم ُل َّ عندما نكون قريبني [حميمني] مع بعضنا البعض ،يكون رؤوفاً معي يلمس جروحي ويداويها .ومنذ أن عدنا إىل الديار مل يعد يرغب يف النظر إ َّيل وصار يعاملني بقسوة حتى يف أكرث أوقاتنا حميمية .وأنا محرجة إلخبارك بهذه األشياء ،ولكنك طلبت ذلك". ت ُ َع ُّد حرب التحرير اإلرترية بالنسبة للعديد من اإلرتريني جزءا ً من األسطورة الوطنية ،وتتسم الروايات حولها بقيم التضحية ،واالكتفاء الذايت ،والتحرير ،والحرية ،واألخالق ،واملثل العليا .غري أ َّن جانباً كبريا ً من تلك األسطورة قد تَغ َّ ََي ما بني فرتة الحرب املمتدة ودخول املقاتلني إىل الحياة املدنية. وغالباً ما يُتَ َوقَّ ُع من النساء العائدات من الخدمة العسكرية تحويل
أجسادهن املقاتلة إىل أجساد تتواءم ومنظور األعراف التقليدية لجسد املرأة واإلسهام يف إعادة الحياة إىل طبيعتها ،وهو أمر مألوف يف ديناميات حركات التح ُّرر ،حيث أنَّه ويف أوقات ما بعد الحرب ،تحتاج الدولة إىل جهد املرأة ولكن بشكل مختلف ،ويأخذ هذا النهج يف الغالب شكل املحافظة عىل النسيج األخالقي التقليدي للمجتمع ،ومرة أخرى ،تتوىل الدولة السيطرة عىل أجساد النساء وإعادة توجيهها.
بقلم :ساندرا هييل
من االنجليزية :شمس الدين عثمان
( ٤الحكومة اإلريرتية تأخذ جنودا ً من الخطوط األمامية) ،تقارير من قناة أفريقيا 11 ،مارس 2000؛ و(جنديات إريرتيات يغادرن خط الجبهة ،ولكنهن مستعدات للعودة) ،وكالة األنباء الفرنسية 11 ،مارس ( .2000ومع ذلك ،قد يكون الخوف من القبض عليهم هو الذي دفع بالقرار) .انظر تقرير من ميكييل ،إثيوبيا، (أرسى الحرب اإلريرتيون، مبا يف ذلك النساء ،ينتظرون نهاية الحرب) ،ديهاي: dehai-news@primenet. 1999 ,29 com, June ٥جيني ماتوس( ،املرأة والحرب) ،آن أربور :جامعة ميشيغان ،2003 ،ص 41 ٦سينثيا إنلو( ،هل الكايك يصبح أنت؟ عسكرة حياة املرأة) ،بوسطن :مطبعة ساوث إند1983 ، ٧الدراسة الكاملة الوحيدة للمحاربات التي ظهرت خالل الحرب هي أمريت ويلسون( ،املرأة والثورة اإلريرتية :طريق التحدي)، ترينتون ،نيوجرييس :مطبعة البحر األحمر .1991 ،ملزيد من املعلومات املحدثة ،انظر ليدا فافايل وروي بامتان، (الدم واألرض والجنس): التعددية القانونية والسياسية يف إريرتيا ،بلومينغتون: مطبعة جامعة إنديانا،2003 ، وخاصة الفصل 8 ٨اسم إحدى الشخصيات يف الرواية .توماس كينيايل، (نحو أسمرا) ،لندن :هودر وستوكتون ،1989 ،ص .316-314
املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
39
الحجاب وتيارات العولمة سليا هيدجز
فأنت رياضية" ،هكذا تُخ ِ "إذا كان ِ لديك جسدِ ، َاط ُب الرشكة امل ُ َص ِّن َعة للمالبس الرياضية الرئيسية (ناييك) النساء امل ُ َح َّج َبات يف حملتها التسويقية ملا يُ َس َّمي بـ(الحجاب عايل األداء).
االتجاه الصحيح نحو مزيد من الشمولية والتنوع يف الرياضة واألزياء وما ورائهام .وهذا الشعور العام اِلتقطه حسام عيلوش -املدير التنفيذي ملجلس العالقات األمريكية اإلسالمية -يف تعليقاته عىل حملة (ناييك برو حجاب) ،بقوله" :بغض النظر عن القيم التي تقود هذا امل ُ ْنتَج الجديد، فهو ت َ َح ُّر ٌك ُم َر َّح ٌب به عندما تقوم الرشكات ووسائل اإلعالم بتطبيع وجود اإلسالم واملسلمني يف عاملنا وخاصة يف الواليات املتحدة."٣
فمن خالل تزويد الرياضيات امل ُ َح َّج َبات بأفضل املنتجات مثل منتج: (ناييك لل ُم َح َّجبَات) ،و(ناييك برو حجاب) ،تهدف رشكة ناييك إىل خدمة عمالء اليوم وإىل إلهام املزيد من النساء والفتيات اللوايت ما زلن يواجهن حواجز ومحدودية يف الوصول إىل الرياضة بسبب الخلفيات الدينية و يف الوقت الذي يسود فيه الخوف من اإلسالم (اإلسالموفوبيا) الرأي والثقافية .وميكن للمرء أن يقرأ ذلك عىل املوقع اإللكرتوين للرشكة. العام ،ت ُ َق ِّد ُم هذه اإلعالنات -عىل األقل يف مظهرها -رؤية بديلة عن النساء امل ُ َح َّجبَات ،وذلك من خالل تصويرهن كأفراد مستقالت ذوات وليست رشكة نايىك هي الرشكة األوىل أو الوحيدة التي تدخل مغامرة عقول قوية وإرادة .فهذه الصور نوع ما قد تساعد يف تفكيك النظرة ما يُ َس َّمى بـ(األزياء اإلسالمية) أو (املوضة اإلسالمية) ،ففي السنوات الغربية الراسخة للحجاب كأحد مظاهر ظلم النساء وقهرهن وت َ َخلُّف األخرية قام كبار تجار ومصنعي املالبس بـتخصيص منتجات لل ُم َح َّج َبات املجتمعات املسلمة من ناحية .كام تعكس هذه الصور قدرة املرأة مبا يف ذلك محالت (إتش آند إم) ،و(يونيكلو) ،و(مانقواند) ،و(دولىش آند املسلمة عىل اختيار مالبسها واستعادة جسدها وأنوثتها. قابانا) .فقد ط َّو َرتْ تلك الرشكات مجموعات أزياء ومالبس وموضات حديثة تستهدف النساء امل ُ َح َّج َبات .وظَ َه َرتْ عارضات أزياء مختصات وكام قالت آنيسيا حاسيبو -وهي ُم َص ِّم َمة أزياء حديثة إندونيسية: -٤ يف عرض مالبس امل ُ َح َّجبَات أو ما يُ َس َّمي (لباس الحجاب) ،من أمثال" :أنا أؤمن بأ َّن املوضة هي أحد املنافذ التي ميكننا أن نبدأ فيها التحول ماريا إدريس ،١وحليمة عدن ،٢والاليت يظهرن يف مناسبات عاملية أو الثقايف يف مجتمع اليوم لتطبيع الحجاب يف أمريكا وأجزاء أخرى من عرب اللوحات اإلعالنية واملجالت الالمعة و ُه َّن يروجن لهذه املنتجات الغرب ،وذلك لكرس الصور النمطية وإزالة الغموض واملفاهيم الخاطئة". بأساليب تتح َّدى معايري الجامل يف صناعة املوضات العاملية ،فأصبح ما ورغم أ َّ كان من املفرتض أن يكون نادر الحدوث أمرا ً شائعاً مع رموز وأيقونات ن هذه الحمالت جديرة بالثناء في بعض النواحيّ ، ص َن يَتَ َص َّد ْر َن بانتظام صفحات مجالت املوضة إل أنّها -مع األسف -تعكس صورة نمطية املوضة امل ُ َح َّج َبات الاليئ ِ ْ ن تعميم فرضية أ َّ وأصولية للمرأة المسلمة؛ إذ أ َّ ووسائل اإلعالم الرئيسية. ن إ َّن الظهور املتزايد للمرأة امل ُ َح َّج َبة ونرش الصور (اإليجابية) للحجاب، يقابله من ناحية أخرى العداء والشك والريبة يف أوساط قطاعات كبرية من املجتمع الغريب الذي ت ُ َه ْي ِم ُن عىل فضائه يف هذه الحقبة سياسة الخوف والتخويف من الهجامت اإلرهابية املتكررة ،واملهاجرين إىل أوروبا ،إضافة إىل قرارات حظر السفر ضد البلدان املسلمة التي أصدرها الرئيس األمرييك دونالد ترامب. وفي هذا المناخ ،كثيراً ما ي ُن ْ َظ ُر إلى المرأة التي ترتدي الحجاب على أنها رمز وتجسيد لإلسالم العدائي ،بل وأبعد من ذلك ي ُن ْ َظ ُر إليها على أنها رمز لإلرهاب ،وبالتالي ،ت ُ َع ُ َمل. امل كتهديد ُمحْت َ َ
ُسمَّى بـ(األزياء اإلسالمية) هو إشكالية هناك ما ي َ بحد ذاته؛
وذلك ألنه يُ ْس ِه ُم يف نفي وإبطال تن ُّوع اللباس واألزياء يف العامل اإلسالمي ويُ ْس ِه ُم يف أحادية التفكري وتقليل قيم الثقافات املحلية من خالل الرتكيز بشكل أسايس عىل أزياء الحجاب والعباءة .٥وكام قالت الفنانة والناشطة املرصية دينا محمد" :ال يوجد يشء اسمه زي ُمو َّحد للمسلمني، فاملسلمون يرتدون كل أنواع املالبس ،وغالباً ما تختلف األزياء حسب البلد والثقافة".٦
وتعكس هذه الحمالت اإلعالنية بشكل عام الفهم الضعيف لواقع املرأة املسلمة من قبل الرشكات متعددة الجنسيات .فعىل سبيل املثال يبدأ إعالن ناييك بامرأة تقوم بضبط حجابها بعصبية قبل الذهاب إىل ومن ناحية أخرى فإ َّن العديد من املستهلكني والشخصيات العامة الجري يف شارع فارغ ،بينام الراوي هو صوت امرأة تتحدث باللهجة امل ُشَ ِّج َعة للتنوع ما يزالون يرحبون بهذه املبادرات بحامس ،كخطوة يف السعودية وت ُ َر ِّددُ" :ماذا سيقولون عنك؟ رمبا يقولون إنك تجاوزت كل
40
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
ما بين عالمين
التوقعات" .وعىل الرغم من إلهام الجمل املستخدمة يف اإلعالن ،إال أ َّن هذا اإلعالن يُ َص ِّو ُر سيناريو غري واقعي ،وال يخاطب أحوال العديد من النساء يف السعودية أو النساء املسلامت الاليت يرزحن يف ِظ ِّل واقع قمعي ال يتيح لهن تلك املساحات . "هذا ليس التمثيل الحقيقي للمرأة العربية املسلمة ،نحن ال نرتدي الحجاب الريايض ونتجول يف الشوارع ب ُح ِّريَّة .العار عىل نايك" هذا ما نرشته ندى سهيمي عىل صفحة الرشكة عىل موقع اإلنستغرام.٧ ويف الواقع ،هناك العديد من األمثلة من داخل الثقافات واملجتمعات التى ت ُ َق َّي ُد فيها املرأة بشكل كبري يف مساعيها الرياضية .ففي اململكة العربية السعودية ُح ِظ َر التعليم البدين والريايض للنساء والفتيات يف املدارس العامة حتى يوليو .2017والنساء محرومات يف معظم الدول ذات األغلبية املسلمة تقريباً من البنيات التحتية الرياضية املُخ ََّص َصة للنساء .حيث أ َّن جميع املالعب واألندية الرياضية واملدربني والحكام، تقترص عىل الرجال فقط .وتبدو مامرسة الرياضة املنتظمة من قبل النساء يف بلد ُس ِم َح ل ُه َّن فيه بالدخول إىل اإلستاد الوطني متفرجات للمرة األوىل يف سبتمرب ،2017تبدو وكأنها احتامل بعيد املنال أكرث من كونه حقيقة .ولذلك فأ َّن توفُّر حجاب (رسيع الجفاف من العرق) يسمح للنساء باملشاركة يف األنشطة الرياضية وحدة ال يكفى ليكفل للنساء يف دول الغالبية املسلمة املشاركة يف االنشطة الرياضية ب ُح ِّريَّة سوا ًء إن ارتدين الحجاب أو ال. ها الشركات فهذه الحمالت الدعائية التي تُنَفِّ ذ ُ َ الغربية ليست بعيدة عن الواقع اليومي فحسب، بل وتميل أيضاً إلى تصوير النساء المسلمات كما لو كُ َّ ن ينتظرن مساعدة الشركات الغربية ودعمها للوقوف معهن ومساعدتهن في جميع مجاالت ومناحي الحياة.
ولكن تبقى الحقيقة األساسية وهي أ ّن رشكة ناييك مل تقم بتمكني الرياضيات املسلامت كام يبدو من حملة الرشكة؛ فقد شاركت النساء املسلامت بإرادتهن ال ُح َّرة -رغم كل الصعاب -يف فروع الرياضة املختلفة بلدانهم تتالءم مع واقع النساء ،إال أ َّن تلك الرشكات الصغرية -التي غالباً املحرتفة ،وعملن عىل تحقيق ذواتهن من خالل الجرأة والعزمية واملثابرة ،ما تديرها نساء -تواجه اآلن تحديات كبرية من قبل الرشكات الكربى مثل( :ناييك) ،و(إتش آند إم) التي صارت تسيطر بقوة عيل أزياء النساء وليس عرب مساعدة الرشكات الغربية. امل ُ َح َّج َبات. وقد عمل العديد من ُم َص ِّم ِمي األزياء املحليني ورجال ونساء األعامل وتقول هيليا أصالن -وهي مستشارة لعالمات املوضة اإلسالمية يف يف دول األغلبية املسلمة منذ عقود عىل تطوير صناع ٍة للموضة يف الرسم انيي بيرلوت -فرنساء
املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
41
تركيا" -هناك مصممو أزياء يقومون حالياً بإنشاء مجموعات عاملية (يف العامل اإلسالمي) ،لكن العالمات التجارية الغربية هي التي تأخذ االسبقية يف املبيعات."٨ ويف خالصة األمر فإ َّن ما يهم الرشكات بأحجامها كبرية أو صغرية، وخلفياتها هو حجم املبيعات الذى ُ َيث ُِّل جوهر املسألة وراء رواج تصميامت الحجاب ،وليس متكني النساء املسلامت هو ما يهم الرشكات، بل قوتهن الرشائية اآلخذة يف التوسع. َت مجلة األعامل (فورتشن) النساء امل ُ َح َّج َبات وصف ْ ففي عام َ ،2015 ُ بأنَّه َّن" :سوق األزياء الكبري امل ْقب ُِل غري امل ُْستَغَل" .ومن املهم القول :إ َّن الرشكات ال تهمها مكانة املرأة أو معاناتها يف املجتمعات اإلسالمية بقدر أ َّن ما يهم الرشكات هو قدرتها عىل التأثري عىل االقتصاد العاملي واالستحواذ عىل املوارد".
ومرة أخرى ،سارعت الرشكات متعددة الجنسيات التي تتخذ من الغرب مقرا ً ،إىل القفز عىل عربة القطار .وقد َم َّهدَتْ لها الطريق رشكات صناعة املواد الغذائية ،ورشكات الوجبات الرسيعة الكبرية مثل: (ماكدونالدز) ،و(كنتايك فرايد تشيكن) ،و(صب واي) ،وأيضاً رشكة (نستله) ،وذلك بإضافة الحالل إىل قوائم طعامهم ِم َّم أسهم يف تطوير عمليات إنتاج أطعمة عليها ماركة (الحالل) لجذب العمالء املسلمني. وتابعت رشكات مستحرضات التجميل الرائدة يف العامل ،مثل ( :يونيليفر ) ،و(لوريل ) االستثامر الكبري يف املنتجات والحمالت لكسب والء النساء املسلامت من الطبقات الوسطى. وفي الوقت الذي تحظى فيه شعارات (الحالل) باعتراف الشركات المتعددة الجنسيات على نحو متزايد كسوق جديدة وكبيرة ،فإ َّ ن المحافظين المسلمين يستخدمون مفاهيم الحالل والحرام ذريعة للسيطرة علي أدق تفاصيل حياة النساء،
وكام يقول فايل نرص -وهو أكادميي أمرييك من أصل إيراين متخصص يف ويف نسج تصورات ُم َح َّددَة لهن وملظهرهن ورشوط وجودهن يف َاض من أجل الحفاظ شؤون الرشق األوسط" :-إ َّن املعركة الكربى لن تُخ َ ٩ الحياة العامة .ويتم ذلك بالتواطؤ مع شعارات وماركات (الحالل) ،حيث عىل روح العامل اإلسالمي أو عىل الدين ،بل عىل رأساملية السوق". تقوم الجامعات اإلسالمية املتطرفة بفحص العادات االستهالكية للنساء ووفقاً للتقرير االقتصادي اإلسالمي العالمي - 2016املسلامت بشكل خاص وبتجريم سلوك املرأة يف محاولة لتأكيد سلطتها عىل النساء وبالتايل املجتمعات ،حيث ت ُْص َد ُر الفتاوى -اآلن -لتنظيم ما ،2017أنفق المسلمون 251مليار دوالر ،أو %11من إجمالي اإلنفاق العالمي على الموضة في عام 2015إذا كان عىل النساء وضع املاكياج ،أو استخدام العطور ،أو حتى إزالة .حيث أُنْفِ قَ ْ ت 44مليار دوالر من قبل النساء الالئي حواجبهن . اشترين أزياء مخصصة للنساء ُ الم َحجَّ َبات.
وبحلول عام ،2021يُ َق َّد ُر أن ينمو إنفاق املسلمني عىل املالبس بأكرث من ،%7ليصل إىل 368مليار دوالر .وأمام مثل هذه األرقام املثرية واملتنامية، فال عجب أ ّن العالمات التجارية العاملية سوف تلهث الغتنام الفرصة واالستحواذ عىل أسهم السوق. وال يقترص هذا االتجاه عىل صناعة األزياء فقط؛ فقد شهدت السنوات األخرية تكاثرا ً للمنتجات والخدمات التي تحمل ماركة (حالل) ،أي املنتجات امل َُص َّنفَة عىل أنها تحرتم قيم اإلسالم ومبادئه .وقد ازدهرت ماركة (الحالل) يف قطاعات متنوعة مثل :األغذية ،واملرشوبات ،واألدوية، ومستحرضات التجميل ،ووسائل اإلعالم والرتفيه ،والسفر وغريها.
42
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
وقد أدَّى كل ذلك ألن تصبح الرشكات متعددة الجنسيات أكرث سعادة بارتفاع الطلب ملواد يُضْ فَى عليها ماركة (الحالل) التي أسهم يف رواجها العدد املتزايد للمحظورات من قبل الجامعات اإلسالمية والتي تستهدف النساء .فعىل سبيل املثالَ ،ص َّم َم ْت عدد من رشكات مستحرضات التجميل (طالء األظافر) الذي يزعمون أنه (حالل) بعد أن زعم القادة الدينيون أنه من الرضوري أن تصل املياه إىل سطح الظفر كرشط لص ّحة الوضوء .لذا ،فإ ّن هذا التقارب يف املصالح بني املتزمتني من املسلمني والرشكات الكربى مثري للقلق؛ ألنَّه قد يؤدي إىل فرض املزيد من القيود عىل حريات املرأة . وكام هو واضح من خالل هذه األمثلة فإ َّن مبادرات الرشكات التي
1ماريا إدرييس :هي عارضة أزياء بريطانية مغربية/ باكستانية ،وهي أول عارضة أزياء يف العامل ترتدي الحجاب يف حملة أزياء رفيعة املستوى ملتجر التجزئة متعدد الجنسيات (إتش آند إم). ٢حليمة عدن :هي عارضة أزياء أمريكية ،وهي أول عارضة أزياء ترتدي الحجاب وهي متيش عىل مدارج دولية ،وهي ُمع ّينة من قبل وكالة عرض أزياء كربى. ٣نيكول سبيكتورَ :ر ّد الفعل العنيف – مقاطعة حجاب نايك – باريس -إن يب ىس نيوز 14 /مارس 2017 https://www.nbcnews. com/business/ consumer/nike-s-hijabprompts-backlashboycott-praise-n733171 ٤إليزابيث باتون( ،تأكيد هوية األزياء املسلمة)، نيويورك تاميز 1 ،نوفمرب 2016 https://www.nytimes. /03/11/2016/com fashion/islamic-fashionvogue-arabia.html ٥رداء فضفاض كامل الطول ترتديه بعض النساء املسلامت. ( ٦كيف ترى خمس نساء مسلامت خط الحجاب الجديد املنتج من دولىش و قابانا) ،كوزموبوليتان22 ، يناير .2016
ما بين عالمين
تستهدف النساء املسلامت هي يف الغالب مبادرات انتهازية مدفوعة أي رؤية جديدة للمرأة املسلمة خارج سياق بالربح وال تعكس َّ االستهالك .وال متتلك هذه الرشكات بالرضورة اهتامماً أو فهامً لواقع النساء يف دول االغلبية املسلمة والتحديات املحيطة بهن .ويبقى متثيل املرأة املسلمة يف الغرب مفصالً حول تنميطها يف املقام األول ،حيث يتم التعامل مع النساء املسلامت كرمز وتعبري عن التهديدات األمنية من قبل املحافظني يف الغرب أو كوسيلة لتخويف املجتمعات املسلمة من قبل املتشددين املسلمني وفرصة لزيادة أرباح الرشكات الكربى. وىف حقيقة األمر فإ َّن النساء املسلامت ل َْس َن ذوات بُ ْع ٍد واحد كام ت َُص ِّو ُر ُه َّن وسائل اإلعالم والحمالت التسويقية .كام أنهن ال ميثلن اإلرهابيني أو يتجاوبن معهم كام يرى أصحاب األجندة املحافظة يف الغرب ،وبينهن أعداد كبرية ال ترتدى الحجاب. إ ّن النساء املسلامت مجموعة من األفراد من ذوي التجارب املعقدة واملتنوعة ،واألهداف املشرتكة واملتضاربة ،مام يجعل طريقهن صعب يف ص عىل وضعهن يف صندوق. عامل يُ ِ ُّ وعليه ،يجب أن نتوقف عن فرض توقعاتنا وتصوراتنا عىل النساء املسلامت ،واالمتناع عن تشكيل صورهن يف محاولة لخدمة مصالح الدوغامئية الدينية والثقافية أو املصالح االقتصادية والسياسية .ويجب أن ال تخدعنا حملة ناييك الدعائية؛ فتمكني النساء ال يأيت فقط من فتح اح للمرأة املسلمة الحرية فرص أسواق جديدة لالستهالك ،بل عندما تُتَ ُ يف بناء صورتها كفرد وكإنسان مستقل. بقلم :سليا هيدجز
من االنجليزية :فيصل الباقر
سيليا هيدجز :من فرنسا ،درست االقتصاد السيايس ،وعملت مع املبادرة اصة لحقوق املرأة. االسرتاتيجية لنساء القرن األفريقي -صيحة ،وهي ُم َن ِ َ وتعمل مستشارة مستقلة ،وتعيش حالياً يف هايتي.
٧سيلني أسود( :املرأة يف اإلعالن الريايض ترضب العصب يف العامل العريب)، رويرتز 23 ،فرباير .2017 http://www.reuters. com/article/usarab-women-nike/ women-in-sports-adstrikes-nerve-in-arabworld-idUSKBN1620I7 ٨ديدم تايل( ،كيف تحصل املاركات الغربية عىل املوضة للنساء املسلامت بشكل خاطئ) ،فايس /نائب17 ، مارس 2016 https://broadly.vice. com/en_us/article/ xyeb9d/how-westernbrands-get-fashion-formuslim-women-allwrong ٩فائقة شريازي( ،كيف أصبح الحجاب صناعة أزياء، موضة عاملية) ،كوارتز10 ، مايو 2017 /979243/https://qz.com how-the-hijab-becamea-global-fashion/industry ١٠يوهان فيرش( ،حدود الحالل :مستهلكون مسلمون يف سوق معوملة) ،سلسلة أنرثوبولوجيا األديان املعارصة، بالقريف -ماكميالن.2011 ، املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
43
أسطرة (الموطن األصلي) وسط الشتات الدارفوري في كندا محمد الفكي
يف فرباير 2003بدأ إقليم دارفور النايئ يف السودان ،يف احتالل الصدارة الكاتب :محمد الفيك، كاتب سوداىن مقيم يف يف نرشات األخبار العاملية؛ وذلك بعد أن أظهرت التقارير حدوث كندا وطالب دكتوراه انتهاكات لحقوق اإلنسان وفظائع جسيمة ،حيث انترشت عىل نطاق ىف جامعة ماكامسرت ،شاسع صور القرى املحرتقة وتقارير عن عمليات نهب شاملة وإبادات شعبة األنرثوبولوجيا .جامعية واغتصابات لفتيات ونساء ،هذا باإلضافة لفرار اآلالف من األشخاص من قراهم ومدنهم الصغرية ،مام تس َّب َب يف نزوح سكاين واسع النطاق .فمنذ اندالع األزمة يف دارفور لجأ أكرث من مليوين شخص من اإلقليم إىل املراكز الحرضية داخل البالد أو معسكرات اللجوء يف دول الجوار. وعىل الرغم من أ َّن الجئي دارفور قد أُ ِ جبوا عىل ترك أغلب ممتلكاتهم املادية وراءهمَّ ،إل أنهم قد حملوا معهم إىل أماكن نزوحهم ولجوئهم ذكريات حيَّة .وهذه الذكريات ليست صورا ً جامدة ألحداث سابقة أو استدعاءت شخصية تقترص أهميتها عىل أصحابها فحسب ،لكنهم مثلهم مثل غالبية النازحني والالجئني من ضحايا الحروب والكوارث فقد حمل الجئو دارفور معهم ما بات يُع َر ُف عىل نحو متزايد بـ(الذاكرة االجتامعية أو الذاكرة الجامعية).
44
املنتقاة للاميض ،وبالتايل تصبح املجموعة املعنية وماضيها املحيك هي منتجات خيالية (أسطورية) لنهوضهام بناء عىل روايات منتقاة .وعىل الرغم من صعوبة وتعقُّد هذه الصريورة إال أنها تُ َ ِّك ُن املجموعة املعنية من تجاوز الصدمات العنيفة التي مرت بها وتساعد املجموعات املنكوبة عيل االلتحام مع بعضهم البعض من أجل مواجهة تحديات ومتطلبات الحارض ،وبالتايل تساعد الذاكرة الجامعية يف عملية التغيري يف املجتمع أو حتى يف تأجيج الثورة وذلك عن طريق بناء ٍ ماض منتقاة يسهم يف صريورة املجموعات املعنية".٣ ويتبادل الشتات الدارفوري التصورات والرسد املنتقاة عن األرض السبُل .حيث ميزج الكثريون منهم ما بني رسدهم الشخيص االم بشتى ُّ واملحكيات الكربى لدارفور واألزمة التي مير بها اإلقليم .وبالتايل يصبح من غري املجدي أبدا ً بعد اآلن التمييز بني ما إذا كانت عنارص الشتات قد عايشت أحداث الحرب ومآيس اإلقليم مبارشة أم أن معارفهم اكتسبت عن طريق الرسد عرب األجيال ،حيث يشرتك الكل يف تاريخ يتجاوز اللحظة اآلنية ويعمل عىل ضامن استمرارية بقاء املجموعة متامسكة. ويف هذا اإلطار تتحول دارفور من كونها مكاناً ُمتَ َع ِّدد الجغرافيا يعيش فيه أناس من خلفيات اجتامعية وثقافية متنوعة إىل كيان أوحد. وبدالً عن وضعية التنوع التي كانت وال تزال تسم إقليم دارفور ،يتحول (املوطن األصيل) إىل كيان ُمتَ َخ َّيل يوحد الكل .وللحق نقول :إ َّن هوية الشتات الدارفوري قد نهضت عىل خلفية (أزمة) نتجت عن تاريخ طويل ت َع َّر َض خالله اإلقليم إىل التجاهل والحرمان والتهميش وعمليات النهب املنظمة ملوارد دارفور البرشية والطبيعية من قبل حكومات املركز.
فاملجموعات التي تتعرض حياتها واستقرارها إىل ه َّز ٍ ات عنيفة نتيجة للحروب أو النزاعات واملجاعات...إلخ ،تناضل باجتهاد شديد يف محاولة منها إلعادة بناء وجودها املادي املفقود واملحافظة عىل هويتها كـ(كل) سامل ومتامسك .ويف هذه الحالة تساعد الذاكرة الجامعية عىل إنتاج وإعادة إنتاج دالالت ومعانٍ تدعم بقاء املجموعة املعنية واستمرارها. فالذاكرة الجامعية التي تحملها الجامعة النازحة تصبح مبثابة املخطط األويل الذي يعمل عىل إعادة ميالد املجموعة املعنية كوحدة كلية متامسكة .وقد َع َّ َبت عاملة األنرثوبولوجية لييزا ماليك عىل نحو دقيق عن حالة امليالد هذه وذلك يف قولها" :إنتاج مايض [إي مجموعة من املجموعات] هو مبثابة إنتاج تاريخ ذي طبيعة خاصة -فهو [تاريخ] يدعي ارتباطات أخالقية مع منطقة محددة؛ (األرض إالم أو املوطن) ويفرتض وجود صالت زمانية ُم َق َّد َسة بني الناس والنظام السيايس واملنطقة الجغرافية املحددة".1
يف كندا تزامن ظهور أول بوادر هوية دارفورية وسط دارفوريي الشتات مع تصاعد األزمة يف دارفور خالل منتصف إىل أواخر التسعينيات عندما بدأت القوات الحكومية واملليشيات يف شن هجامتها الكثيفة يف مناطق جبل مرة وقد ت ُ ِّوجِت تلك األحاسيس األولية بتأسيس رابطة دارفور يف مدينة تورنتو يف حوايل العام 1999وكان من أهم أهدافها ٤ معالجة والتصدي لتلك األحداث الجسام التي كانت تحدث يف اإلقليم.
إذن فأ َّن عملية إنتاج الذاكرة الجامعية أو التذكُّر هي صريورة تشمل حالتي التذكُّر والنسيان يف آن واحد حيث يصبح املايض هو املادة الخام التي تنفتح عىل عدد غري محدود من التفسريات والقراءات ،اليشء َس مقولة" :املستقبل مضمون لكن املايض ال ُيكن التنبؤ به".٢ الذي يُف ِّ ُ تستخدم املجموعات املعينة آليتي الرسد والحيك يف إنتاج ومترير قراءاتها
ومن أجل تعزيز الهوية املُتَ َخيَّلة تعتمد مجموعات الشتات -ضمن أشياء عديدة أخرى -عىل إحياء عىل اللغة األم واألدوار الجندرية التقليدية واملحافظة عليها .فمن ناحية نجد أ َّن مجموعات دارفور الثقافية املختلفة وبال استثناء ،مبا فيها مجموعة الشتات ،تجنح بوعي كامل وبصورة متزايدة عىل التعامل بلغاتها املحلية بغض النظر عن
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
ما بين عالمين
اللوحة من أعمال الفنان بليس باتريس -بلجيكا
املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
45
السياق املاثل ،٥لتصبح اللغة املحلية بعد ذلك مبثابة عالمة متا ٍه اجتامعي وثقايف وكداللة عىل (النقاء املفقود) الذي تتخيله وتهفو إليه املجموعة املعنية. ومن ناحية أخرى ،تقع مهمة ترجمة (املوطن األصيل) املتخيل إىل واقع يومي عىل عاتق املرأة .فبينام يتوىل الرجل الجانب (النظري/ الخطايب) .متثل املرأة (الجسد الجمعي) للمجموعة املعنية ويُتوقع منها أن ت ُ َج ِّس َد (النقاء) املُتَ َخ َّي َل لـ(الجنة املفقودة) ،وبالتايل يكون لزاماً عليها الخضوع ملثاليات وقيم املجموعة كالعفة والتواضع ،وبينام تتعرض املرأة التي ال تلتزم بهذه القيم لالحتقار والوصم والعزلة من قبل املجموعة، وبالتايل فأ َّن تلك القيم تقف عائقاً يَ ِح ُّد من قدرة املرأة عىل االندماج يف البيئة االجتامعية واالقتصادية والثقافية الجديدة.
فقط لحظات الحنني التي يستدعيها البعض من وقت آلخر ولكنه ميثل الجوهر الذي يحافظ عىل هوية املجموعة املعنية ويهبها اليقني والطأمنينة ،وبالتايل يصبح (املوطن األصيل) عبئاً رضورياً يجتهد األشخاص يف املحافظة عليه وإبقائه ح َّياً .إال أ َّن هذه الهوية املُتَ َخ َّيلَة واملنسوجة بعناية ،يقع عىل املرأة بصفة خاصة عبء املحافظة عليها و عكس متثالتها والتي تعرب عن عامل الجامعة البعيد واملُتَ َخ َّيل.
بقلم :محمد الفكي
ولعله من سخرية القدر أن ينطبق ذات املنطق السابق عىل األوضاع ىف دارفور حيث أصبح االغتصاب واالنتهاكات الجنسية ضد املرأة أدوات ت ُستَخ َد ُم لتقويض ات ِّساق وتكامل املجموعات التي يتم الهجوم عليها بواسطة قوات الحكومة واملليشيات املوالية لها .وبالتايل يصبح جسد املرأة هو الرمز وحامل رشف وهوية املجموعة املعنية خالل مساحات الحرب والسالم. ومن أجل املحافظة عىل الصلة مع (املوطن األصيل) متيل جامعات الشتات عىل إعادة إنتاج البنية التقليدية للمنزل .فبالرغم من أ َّن الكثريات من نساء دارفور يف بالد املهجر ينخرطن يف العمل مدفوع األجر يف االقتصاد ويتقاضني رواتب ثابتة ،إال أنَّهن ال زلن يقع عىل عاتقهن العبء األكرب من األعامل املنزلية كالطبخ والغسيل وتربية األطفال. الطعام أيضاً يصبح إحدى الوسائل املستخدمة يف املحافظة عىل هوية املجموعة .فالشتات الدارفوري ىف كندا ال يزال يصنع ويستهلك العصيدة التي تُ َث ُِّل أهم الوجبات املحلية يف (املوطن األم) ،حيث يُستَجل َُب دقيق الدخن امل ُستَخ َدم يف صناعتها مبارشة من السودان .ويف حال تعرث ذلك يُستَخد ُم الدقيق العادي .وعادة ما يتم تناول الوجبات املحلية بصورة جامعية مع األقرباء والجريان والضيوف .وباإلضافة إىل الطعام أيضاً يحرص دارفوريو الشتات عىل االحتفاظ باملنتجات اليدوية املحلية املصنوعة من األخشاب والجلود والسعف وتزيني املساكن بها ،مام يضفى عىل املكان إحساساً باإللفة واالنتامء. وكام هو واضح من األمثلة السابقة ،فإ َّن (املوطن األصيل) ال يعني
46
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
1لييزا ه .ماليك ،النقاء واملنفى :العنف والذاكرة والكونية القومية وسط الجئي الهوتو ىف تنزانيا: شيكاغو (دار نرش جامعة شيكاغو .)2005 ،ص1. ٢نيكوالس أرجنتي وكاثارينا سكرام ،تذكُّر العنف :وجهات نظر أنرثوبولوجية حول التوارث الجييل ،نيويورك (بريهامن للكتاب،)2010 ، ص.9 . ٣هابواش ،منقول عن املصدر السابق ،ص.5 . ٤كاتب املقال من مؤسيس رابطة دارفور بكندا. ٥قبل إندالع األحداث األخرية يف دارفور كان يُنظر إىل استخدام اللغة املحلية للتخاطب أمام الغرباء ممن يجهلون تلك اللغة عىل أنه سلوك غري الئق.
ما بين عالمين
نساء مطلوبات للعدالة :تأ ُّمالت في حياة (أيان هرسي علي) ص ِّدي ِ ِقي) و (عافية ِ
عرض لكتاب الكاتبة :ديبرا سكروجينز هالة الكارب
يتناول كتاب (نساء مطلوبات) ،1الصادر عام ،2012تجربة ثم إىل أفغانستان حيث ألقت املخابرات األمريكية القبض عليها يف العام امرأتني مثريتني للجدل ،وذلك ملواقفهام املتضاربة واملُتَطَ ِّرفَة .2008 تجاه الدين اإلسالمي .الكتاب من تأليف الصحفية والكاتبة َسطَ َع نجم ك ٍُّل من (أيان هريس عيل) و(عافية ِص ّديقي) يف منتصف َت األمريكية املعروفة :ديربا سكروجينز ،التي سبق وألَّف ْ ٢ الكتاب املعروف ىف السودان (()Emma’s Warحرب إميا) التسعينيات ،وذلك تحديدا ً آلرائهام املثرية للجدل حول ماهية الدين الذي تناولت فيه الحياة املأساوية لـ(إميا مكيون) ،الزوجة اإلسالمي ومتظهراته .وتعكس تجربة املرأتني املتاهة التي تواجه أجياالً الراحلة لرياك مشار نائب الرئيس الحايل يف دولة جنوب من املسلمني يف الشتات ويف املجتمعات ذات الغالبية املسلمة عىل السودان والسيايس الجنوب سوداين املعروف .واعتامدا ً عىل َح ٍّد سواء يف املواءمة ما بني عقيدة تسيطر عليها قيم اإلسالم السلفي إملامها بالشأن السوداين ،وتجربتها امليدانية كصحفية يف البالد ،وعامل متغري ومعقَّد .وتشري ديربا سكروجينز إىل أ َّن كُل من أيان وعافية تستعرض ديربا سكروجينز يف (حرب إميا) الواقع السيايس حينام اتخذتا قرارات أدت إيل تحوالت الجذرية يف حياتهام "كانتا يف مقتبل الثالثينيات ومتتعتا بذكاء المع ومستقبل مرشق ،وكلتاهام سليلة املضطرب والشائك برؤية ثاقبة وشيقة يف الوقت نفسه. عائلة معروفة بنفوذها السيايس .ومن أوجه الشبه بينهام تنقّلهام ما فهذا االهتامم بتتبع مسرية النساء املؤثرات وسرب غور عامله ّن ،بني إفريقيا وآسيا وأوروبا والواليات املتحدة .وكلتاهام امتلكت شخصية واستخدام البحث الصحفي ،مييز أعامل ديربا سكروجينز يف رسدها قوية ومقدرة عىل القتال من أجل القناعات .وكلتاهام وجدت يف الشجاعة قيمة هامة .كانت أيان وعافية متمردتني عىل مجتمعاتهام مع للتجارب النسويه الفريدة. اختالف االتجاهات الاليت سلكتها ك ٌُّل منهام". ويف كتاب (نساء مطلوبات) نلمس جرأة الكاتبة يف تناولها لحيثيات ففي تجربة أيان وعافية يظهر جليَّاً تأثري سطوة الغرب والعالقات املد الديني اإلسالمي األصويل وتجلياته عىل مجتمعات الدول اإلسالمية، وخاصة عىل املرأة يف ك ٍُّل من الباكستان والصومال ،مسقط رأس معه يف الخيارات التي اتَّخذنها ،ورصاعات املجتمعات اإلسالمية أمام الشخصيتني الرئيسيتني يف كتاب (نساء مطلوبات) .حيث يعكس إخفاق مشاريع دولة ما بعد االستعامر يف الرشق األوسط وشامل إفريقيا الكتاب األثر العميق لإلسالم السيايس األصويل ودوره يف تشكيل الهويات والقرن اإلفريقي .حيث فقدت شعوب الدول اإلسالمية ثقتها بالزعامء االجتامعية والثقافية للمجتمعات ،وإعادة تنظيم املعايري االجتامعية املستبدين والفاسدين. وعالقات الجندر وفق تصورات األصولية. وأمام غياب مشاريع سياسية بديله ،يُ َل َح ُظ عودة الشعوب يف الدول يضعنا كتاب (نساء مطلوبات) أمام امرأتني تشكَّلت حياتهام بناء عىل ذات الغالبية املسلمة إىل حظرية التديُّن السلفي ومرجعياته التقليدية. جدلية عالقتهام بالدين وتعبريهام الرصيح عن معتقداتهام .وإحدى وقد منح ذلك الرتاجع قوى اإلسالم السيايس السلطة والقدرة عىل التأثري، هاتني الشخصيتني هي( :أيان هريس عيل) ،الناشطة الصومالية ومؤلفة حيث طرح قادة اإلسالم السيايس أنفسهم باعتبارهم املرشوع (البديل) كتاب (امللحدة) )Infidel( ،٣الذي تروي فيه تفاصيل حياتها ورحلتها ملقاومة استغالل الغرب وتغ ّوله .ويف واقع األمر ،فقد كانت التيارات التي التي دفعتها إىل نبذ الدين اإلسالمي .والشخصية األخرى هي( :عافية حملت راية اإلسالم السيايس ُج ّل ما تسعى إليه هو األخذ بزمام السلطة ص ّديقي) ،العاملة الباكستانية التي تنحدر من عائلة تقليدية ذات مكانة والسيطرة عىل موارد البالد ملصالحهم الشخصية أسوة بالدكتاتوريات اجتامعية عالية يف الباكستان ،وخريجة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا التي سبقتهم .مع الفرق أ َّن قوى اإلسالم السيايس قد ثابرت يف بث يف الواليات املتحدة ،قبل انخراطها يف تنظيم القاعدة وانضاممها إىل نهج اإلقصاء والكراهية والعنف تجاه النساء واألقليات وك ُِّل من اختلف صفوف جامعات تابعة له يف الواليات املتحدة ،وهروبها إىل الباكستان معهم فكرياً أو سياسياً ،ذلك دون قراءة لتعقيدات الواقع بشكل حقيقي املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
47
وعميق ،فضالً عن التأويالت الحرفية واملختزلة للتاريخ التي تتجاهل وعىل الرغم من هذا النقد الذي يؤخذ عليها ،ينبغي أن نعطي أيان حقها وال ننتقص من قيمة إقدامها ونجاحها يف الوصول إىل جهات أمريكية السياق العام وبنية الدولة الحديثة. متنفذة ،مستفيدة من قصتها وسريتها. ت ُ َج ِّس ُد ك ٌُّل من أيان وعافية قطبني متعارضني فرضهام الواقع امل ُتشظِّي يكمن متيز موقف أيان -يف رأيي -من كونها امرأة صومالية تبنت الذي نعيشه كمسلمني .فأيان أعلنت مرارا ً عن امتعاضها من تعاليم اإلسالم ونأت بنفسها عن أصولها الصومالية .وقامت بإعادة تشكيل هذا املوقف ،وتجرأت عىل أن تتعرض ،عن قصد أو دون قصد ،للوصمة أي هويتها باعتبارها امرأة ُمنشَ قَّة وهاربة من براثن اإلسالم ،ومرمتية يف والنبذ من قبل أقرانها وأبناء مجتمعها .فهذا يُشَ ك ُِّل حمالً ثقيالً عىل ِّ أحضان الغرب .مقابل ذلك ،نجد أ َّن عافية لجأت إىل فخ األيديولوجية شخص نشأ وترعرع يف مجتمع ذو تقاليد جامعية راسخة. السلفية العنيفة والقمعية والتي تُبَ ِّج ُل أمجاد املايض وترنو إىل جنة شكَّلت أيان سمعتها يف الغرب من خالل فضح منظومة العنف مفقودة يف عرص ُمتَ َخ َّيل. واستغالل املرأة باسم اإلسالم يف املجتمعات اإلسالمية .وال يشء جديد ويُ َب ِّ ُي كتاب ديربا سكروجينز ردود فعل املؤسسات الغربية من حيث هنا؛ فالنساء ظللن يقاومن القمع باسم الدين منذ قرون .ومع أ َّن رواية التعبئة والدعاية اإلعالمية إزاء كل من السيدتني .ففي الوقت الذي تم أيان فيها يشء من الصدق ،إال أ َّن خطابها املختزل والغاضب َّ يتعث فيه التصفيق أليان ومنحها الجوائز التقديرية والشهرة ملواقفها املعادية باستمرار ،لينحرص يف اإلشارة إىل الوقائع ويعجز عن أخذنا إىل جذور لإلسالم ،دفعت عافية مثناً باهظا مقابل متاهيها مع األصولية اإلسالمية اإلشكالية .حيث تقف أيان عند حدود اإلدانة دون أن تبذل الجهد يف والسلفية الداعية إىل تحرير املسلمني من هيمنة الغرب .حيث ُح ِك َم تفكيك تركيبة األصولية اإلسالمية وعالقتها التاريخية واملمتدة مع ذات عليها بالسجن ملدة 86عاماً بعد أن ات ُّ ِه َمت مبحاولة اغتيال بعض وكالء املؤسسات التي تحتوي وتبارك صوت أيان .و من ناحية أخرى ،يُ َل َح ُظ املباحث الفيدرالية األمريكية وجنود أمريكيني ومرتجمني يف غزين ،عدم تط ُّرق كتاب ديربا سكروجينز إىل تو ُّرط الجهاز الحكومي األمرييك يف أفغانستان ،خالل التحقيق معها بتهمة االنخراط يف جامعات إرهابية ،دعم وتطوير األصولية اإلسالمية ،التي أصبح يُنظَ ُر إليها الحقا باعتبارها العدو األكرب للواليات املتحدة. مبا يف ذلك القاعدة. وينتقل الكتاب يف رسد حكايتي السيدتني بالتناوب ،ويعرض ومضات من حياة أيان وعافية من الطفولة وحتى الحارض .حيث ترافقنا ديربا سكروجينز يف رحلة شيقة ،نستكشف فيها حياة السيدتني ونشأتهام، دون أن يغيب عنرص الرسد املش ِّوق والتحليل الرصني ملنظومة (الحرب عىل اإلرهاب) الدائرة .وسواء اتفقنا أم اختلفنا مع التحليل الوارد ،ال ُفصل واملمتع ،وبراعة ديربا سكروجينز يف تناول ميكن أن يفوتنا البحث امل َّ لحظات التحول التي شكَّلت هوية وقرارات الشخصيتني. نساء مطلوبات :حول أيان هريس عيل: تتحدى ديربا سكروجينز الرواية البطولية التي رسمتها (أيان هريس عيل) حول نفسها يف روايتها (امللحدة) وت ُشَ كِّك يف صدق نواياها .تتوقف يف عدة لحظات عىل طريقة رسد أيان لقصة حياتها ،دون اإلغفال عن النظر إىل تواطؤها مع جهات أمريكية نافذة معروفة بعدائها للمسلمني.
48
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
أعتقد شخصياً أنه ينبغي محاسبة أيان عىل ترصيحاتها املختزلة واملحدودة ،القامئة عىل التعميم ،وتواطؤها مع جهات سياسية ذات أسس عقائدية و لها عالقات بانتهاكات حقوق اإلنسان يف فلسطني مثل اللجنة األمريكية اليهودية ( .)AJC1ومع ذلك ،ينبغي أن ال ننتقص من جراءتها وتجربتها الفريدة. يف (نساء مطلوبات) ت َُسلِّ ُط ديربا سكروجينز الضوء بشكل محدود عىل الجانب الوصويل يف شخصية أيان وت ُ َركِّ ُز عىل الكشف عن الجوانب االنتهازية يف شخصيتها حسب رأى الكاتبة ،األمر الذي انتقص -برأيي- من تناولها لحياة أيان. نساء مطلوبات :حول عافية ِصدّ يقي يتتبع كتاب سكروجينز خيوط نشأة عافية ِص ّديقي وحياتها العائلية
AJC is a Jewish 1 advocacy group established on .1906 ,11 November [It is one of the ]5[]1 oldest Jewish advocacy organizations in the united states
ما بين عالمين
وإقامتها يف الواليات املتحدة .فحكاية عافية هي مثال قوي عىل أمناط التنشئة االجتامعية الشائعة حالياً بني بعض األرس ،وطريقة تربية الفتيات يف أوساط العائالت املسلمة ذات املكانة االجتامعية النخبوية .ويُال َح ُظ االنفصام يف الرتبية ما بني الحفاظ عىل التقاليد اإلسالمية امل ُحافظة من ناحية ودفع الفتيات إىل التعلّم عىل الطراز الغريب كجزء من السلطة واملكانة االجتامعية. يف رسد حكاية عافية ،تتأمل ديربا سكروجينز يف حيثيات العالقات ّ مرشف ومنظامت امل ُ َع َّق َدة بني الحكومة الباكستانية خالل حكم برويز أصولية جهادية كالقاعدة ،وتشري إىل مواقف الجيش وجهاز االستخبارات الباكستاين املتضاربة إزاء اإلسالميني من ناحية ،ومحاوالتهم منهم إلرضاء حلفائهم األمريكيني.
(نساء مطلوبات) هو كتاب بارع ويستحق القراءة .حيث يتضمن الكتاب معلومات قيمة ومقاطع مؤثرة قامئة عىل بحث جيد .فهو كتاب يعكس حالة االستقطاب والتشظِّي التي تعيشها مجتمعات دول الغالبية املسلمة ،عرب رسد مواقف امرأتني فريدتني والخيارات التي ات ّخذنها.
بقلم :هالة الكارب
من االنجليزية :اليز اغازريان
ومع أ َّن ديربا سكروجينز ترسم صورة شيقة ومتناسقة ملحطات يف حياة عافية قبل انخراطها يف صفوف القاعدة وغريها من الجامعات اإلسالمية ،نجدها تواجه صعوبة يف كشف النقاب عن جوانب من شخصيتها والعوامل التي دفعتها باتجاه حمل راية األصولية اإلسالمية. ومع ذلك ،ينجح الكتاب يف تحديد عدة نقاط تح ّول يف حياة عافية ،مبا يف ذلك مت ُّردها عىل منظومة الزواج واألمومة ،ورفضها أن تشكل تلك العوامل لهويتها. وت ُ َب ِّ ُي ديربا سكروجينز كيف أ َّن عافية تعاملت مع أجندة االصوليني وتبشريهم بأهمية عودة املرأة إىل املنزل ٍ بتحد كبري .حيث يشري الكتاب إىل طموح عافية السيايس وتل ُّهفها لالنخراط يف صفوف الجهاد املُتَ َخ َّيل. كام يكشف الكتاب عن توجهاتها املثالية والساذجة إىل َح ٍّد ما فيام يتعلق مبنظورها نحو الجهاد يف ِظ ِّل الواقع الحايل .ومن ناحية أخرى نستشف من التوثيق لسرية عافية يف الكتاب التناقض الذي حملته عافية ما بني طموحها السيايس والشخيص من ناحية ،وخنوعها ملنظومة فكرية تنتقص من وجودها كإنسان وسعيها من أجل التح ُّرر. اآلن ،وبعد مرور ما يزيد عىل عقدين من الزمان عىل انخراط عافية يف الجامعات الجهادية ،تظهر موجة جديدة من الشابات اللوايت انضممن لتنظيامت إسالمية جهادية .ويذكر أ َّن هناك جامعات متش ِّددة مثل تنظيم الدولة اإلسالمية يف العراق والشام (داعش) ما يزال يحاول توظيف قصة عافية واعتقالها الستقطاب اإلناث يف تنظيامتهم.
Deborah Scroggins, 1 Wanted Women: Faith, Lies, and the War on Terror: The Lives of Ayaan Hirsi Ali and Aafia Siddiqui (New ,York: Harper Collins .)2012 Deborah Scroggins, ٢ Emma’s War: A True Story (New York: .)2004 ,Vintage Books Ayaan Hirsi Ali, ٣ Infidel (New York: Atria .)2007 ,Paperback املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
49
إلى ياسين مع كل االمتنان شاهيناز سبيل
يف هذا املقال ،تروي شاهيناز سبيل -وهي شابة سودانية نشأت ما بني السودان وكندا ورشق أفريقيا-عالقتها مع َجدِّ هَا الذي كان شخصية مؤثرة و مهمة يف نشأتها .تروي شاهيناز كيف كافح َجدُّ هَا للحفاظ عىل لت فيه الهويات هويته السودانية وظل ُم ْخلِ َصاً لقيمه يف وقت تَ َعطَّ ْ االجتامعية والثقافية يف السودان بسبب صعود اإلسالم السيايس امل ُ َتشَ دِّ د. ربطتني مع َج َّدي لوالديت (ياسني) عالقة عميقة رغم أنني مل أكن محظوظ ًة مبا يكفي ألقيض املزيد من الوقت معه؛ حيث ت ُ ُو ِّ َف عندما كنت يف الثالثة عرشة من العمر .وعىل الرغم من ذلك ،فإ َّن جدى ال يزال حارضا ً يف كل تفاصيل حيايت بحيويته وصوته العايل الذي ال يزال يَ ِر ُّن يف أُذين ما بني حني وآخر .فقد كان ياسني يَتَ َوقَّ ُع ويَتَ َم َّنى األفضل دون مساومة لكل فرد من أفراد عائلته ،مبا فيهم أنا. كان َج ِّدي أباً ألرسة كبرية وصاخبة .وعند كل صباح كان َج َّدي يناديني ألُحرض له عصاه الخشبية ناعمة امللمس جيدة الصنع قبل أن يتوجه إىل السوق يف وسط مدينة الخرطوم ،حيث أصبح َج َّدي يف أواخر سنوات عمره تاجر جملة بعد أن هجر مهنة الزراعة بسبب ظروفه الصحية. وأي يشء أسايس كان َج َّدي يبيع مجموعة متنوعة من السلع الجافة ّ ميكنه الحصول عليه بكميات كبرية :من السجائر إىل أكياس األرز .وما يثري اإلعجاب يف َج َّدي أنه مل يتوقف عن العمل إىل آخر يوم يف حياته، وكان حينذاك يف الثامنني من عمره .كان َج َّدي استثنائياً يف شغفه بالناس وبتفاصيل الحياة االجتامعية .وكان ال يَ َّد ِخ ُر جهدا ً يف زيارة أهله وأصدقائه ،وكان يكره رؤية الناس بعيدين عنه . ال أذكر أ َّن جدى كان يعود من السوق خايل اليدين؛ فهو دامئاً ما س ،سوا ًء أكان كيساً من الربتقال أو املوز أو كان يأيت ُم َح َّم َ ًل بكل ما يَتَ َي َّ ُ البطيخ أو الشوكوالتة أو السكر والبصل .لقد أخذ َج َّدى دوره كعائل لألرسة عىل محمل الجد ،حتى بعد أن أصبح أبناؤه الخمسة -مبا فيهم ج َّدي دامئا ً ُم ْعتَ ِم َدا ً عىل نفسه حريصا ً الرسم :حسين ميرغني -السودان أمي -مستقلني ماليّاً .فقد ظ ََّل َ عىل إكرام ضيوفه وأصدقائه .وكان يستاء بشدة من فكرة أنه قد يحتاج ياسني عىل مبادئه املتحررة من أوهام اإلسالم السيايس وطقوسه التي يوماً ما إىل االعتامد عىل اآلخرين للعناية به. تغلغلت يف بنيات املجتمع السوداين االجتامعية والثقافية .فقد كان من شهد ياسني سنوات من االضطراب يف تاريخ السودان الحديث بدأت بني القالئل الذين قابلتهم يف السودان ممن احتفوا وثابروا عىل االحتفاظ منذ األيام األوىل لالستقالل ،مرورا ً بنظام جعفر منريي العسكري ،وانتها ًء بقناعاتهم يف ظل واقع مييل إىل إسكات التنوع وتبجيل السلوك والتفكري بالصعود املستمر لإلسالم السيايس .وحينام أتأ ّم ُل سريته وتفاصيل الجامعي. حياته ،أُدر ُِك اآلن كم كان عليه أن يقاتل بجد للحفاظ عىل حريته وعىل استقاللية شخصيته يف ٍ وأنا أُدر ُِك اآلن كم كان َج ِّدي وحيدا ً يف ِظ ِّل ذلك الخضم الهائل من بلد كان يتغري بشكل عميق وجذري .لقد حافظ
50
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
ما بين عالمين
التحوالت الثقافية االجتامعية التي فُرِضَ ْت عىل مجتمعات السودان منذ حتي آخر أيامه عىل طريقته يف مساعدة عائلته ومجتمعه وأصدقائه. بداية التسعينيات ،وال أملك سوى أن أُقدر مقاومته وقوة روحة .فقد يل أن أعرتف -هنا -أنّه عىل الرغم من لطف َج َّدي ومحبته يل، َص َّم َم َج ِّدي عىل الحفاظ عىل سودانيته وإسالمه كام يعرفهام منذ أن وع َّ ُولِ َد ،فلم يساوم أو ينساق لسطوة قيم اإلسالم السيايس التي َه َّمشَ ْت فقد شعرت كطفلة يف أحايني كثرية باالستياء من وجودي يف السودان. ففي ذلك الوقت ،مل أستطع فهم ديناميكيات العالئق االجتامعية؛ فقد ت َ َديُّ َن السودانيني وهوياتهم الثقافية وتقاليدهم. ُ كنت السودان. إىل أتيت عندما املاء، من للتو ت ج ر خ أ سمكة مثل كنت ِ ْ ُ َ ْ ُ أالحظ مبزيد من الدهشة كيف يتفاعل أفراد األُرسة مع بعضهم بعضاً، ظل َجد َّى دوماً فخوراً بإرثه كما هو وبثقافته. ما بني األصوات الصاخبة والنقاشات التي ال تنتهي حول كل يشء ،وتلك وعندما أنظر إلى الوراء تجدني جد مندهشة لرجل التحوالت العفويّة ما بني الضحك العايل وأصوات الغضب الحادة .مل عادي مثل ياسين -مزارع وتاجر بسيط ،لم يغادر أستطع أن أفهم ملاذا يقوم األشخاص األكرب ِس َّناً يف العائلة دامئا بإعطاء السودان في حياته -استطاع أن يكتسب تلكم األوامر وطرح تصوراتهم للحقائق بتلك الطريقة الجامدة والديكتاتورية. الشخصية المتماسكة والقوية. فمن املؤكد أ َّن الصغار يتمتعون بالحب والتدليل ،ولكن يف املقابل ،هم لقد رفض َج َّدي أن يتم إخضاعه أو تخويفه ،وخاصة من ِقبَل مثقلون بتطلعات وتوقعات أفراد العائلة املمتدة .فغالباً ما يكون من املُتَشَ ِّد ِدين الدينيني ،وظ ََّل ُم َحا ِفظاً عىل ُح ِّريَّ ِته ،وناضل يف الوقت ذاته حق األهل األكرب ِس َّناً أن يتخذوا قرارات نياب ًة عن أطفالهم قد يكون لها أي خيار عىل أن تتمتع عائلته بالحرية نفسها. لدي ّ بالغ األثر عىل حياتهم فيام بعد .وعىل كل حال ،مل يكن َّ تعلمت أن أتقبل الطرق يف ذلك الوقت ،ولكن مع ت َ َق ُّد ِمي يف السن، ُ ومتاشياً مع قيمه ،سمح يل َج َّدي أن أُف ِّك َر ب ُح ِّريَّة يف مستقبيل ،وذلك الدرامية التي ينتهجها أفراد عائلتي يف التعبري عن مشاعرهم وآرائهم، وافرتضت أ َّن هذا السلوك رمبا عندما عاملني ليس كامتداد لنفسه ،بل كفرد مستقل وأنا بعد طفلة ورصت أرصد تلك الطرق بنوع من امل ُتعة، ُ صغرية أرادتْ أن تكون ُح َّر ًة يف صنع قالع الطني ،وجمع الصخور ،وركوب هو جزء من تقاليد العائلة! فعلت الدراجات ،وقراءة كتب الديناصورات .فقد أَ َح َّب َج َّدي كل ما ُ ُ أدركت وأثناء األوقات التي قضيتها في السودان بلطف وتف ُّهم .ويف ِظ ِّل مجتمع ذكوري ال يزال يحمل مشاعر االستياء ً فتئت تكتسبها النساء كان ياسني ُم َرا ِقبَاً أيضا أ ّ ن التوقعات تختلف ما بين األوالد والبنات؛ تجاه مساحات التحرر التي ما ْ فالسودان بلد يتمتع فيه الرجل بحرية غير محدودة جيدا ً وناقدا ً قاسياً أكرث من كونه آمرا ً وناهياً .وقد كان هذا السلوك غري عادي بالنسبة لرجل بخلفيته وواقعه الثقايف ،األمر الذي أصبح الحقاً في حين تستمد فيه المرأة مشروعية وجودها ُ من موافقة الرجال في أسرتها .وهذا النمط موضع تقدير كبري ِم ِّني. ومن ناحية أخرى ،فقد كان َج َّدي أيضاً -وإىل حد ما -رجل زمانه. ومن الواضح أ َّن معظم الرجال السودانيني من جيله يسرتشدون بنهج مامثل ،حيث اهت ّموا وضاعفوا من أه ّمية ِفكرة وجود مالذ مجتمعي ال ترتبط فيه فكرة ال ُحريّة مبفهوم ال ُحريّة الفرديّة ولكنها تشري ببساطة إىل قدرة الشخص عىل مساعدة مجتمعه .فالرجل الحق هو ذلك الشخص الذي يساعد ويتحمل مسؤولية من حوله يف املقام األول .وقد كان ياسني واحدا ً من هؤالء الرجال الذين كانوا ِ يفتخرون بدعم أرسهم ومجتمعاتهم ،الرجال الذين يعاملون جميع األطفال من حولهم وكأنّهم أطفالهم .ويف عامل اليوم -حيث تغريت ِقيم املجتمع -قد تبدو آراء َج َّدي مثالية يف أحسن األحوال ،وذلك مع ظهور مجتمع أكرث فردانية .إالّ أ ّن غي من طريقة حياته ،فقد ظ ََّل َو ِف َّياً هذا التح ّول مل يثني َج َّدي من أن يُ ِّ َ
الصحي َّة بين الجنسين يتم من العالقات غير ِّ ويقه باعتباره جزءاً من الهُوية الدينية والثقافية تس ِ للسودانيين.
ويف هذا السياق ،كان َج َّدي واحدا ً من الرجال السودانيني القليلني ٍ تهديد لِ ُحريّتي جدا ً الذين تفاعلوا معي بشكل ِص ِّحي وموضوعي دون أو قمعٍ لشخصيتي .لقد كان ياسني حاسامً وواضحاً يف آرائه ،إال أنّه كان موضوعياً وميتاز مبقدرة عالية عىل النقاش واملحاورة ،حيث كُ ّنا نقيض كنت أشعر أوقاتاً كثرية معاً ونحن نتَ َح َّدثُ يف شتّى األُمور .وحتى عندما ُ بأنني متخلفة عن نظرايئ وأقراين الذين يعملون بجد ،كانت كلامته وابتسامته تهدئ من روعي .لقد كان َج َّدي يذكرين دامئاً بأ َّن هناك طرقاً مختلفة للتفوق ،وكان ال يرى بأ َّن هناك سبباً يُ ْج ِ ُب املرء عىل السري يف املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
51
طريق ال يتفق وإرادته .فبالنسبة له ،أن تكون ُح َّرا ً يعني أن تكون صادقاً مع نفسك .فهذا هو الدرس الذى الزمني ،باإلضافة إىل دروس أُخرى كثرية تعلَّمتُها منه. وأو ُّد بشكل خاص أن أذكر قصة حدثت خالل التحضري لعيد األضحى. وكام هو الحال مع معظم األُرس السودانية ،فالعيد يوم مهم .ففي كنت -كالعادة -أذهب مع َج َّدي إىل السوق الختيار صباح العيد الباكر ُ شاهيناز سبيل :طالبة الخروف الكبري مبا يكفي إلطعام كل أفراد األُرسة والضيوف .وأت َذكَّ ُر أول كنت خائفة ونافرة قليالً من فكرة تدرس التاريخ والعلوم مرة ذهبت معه الختيار الخروفُ ، كنت أتابع َج َّدي مثل السياسية يف كندا، املشاركة يف اختيار الحيوان املُراد قتله .ومع ذلكُ ، ظله ،وأتأمله وهو يدور حول الخرفان ،ويقوم بعمليات فحص دقيقة يف جامعة بروك. وهي شاعرة وكاتبة للتأكد من سالمة الخروف من أي عيوب خلقية ،كام كان يقوم بفحص أسنانه وفرائه .أخذ َج َّدي يدي ووضعها عىل ظهر أحد الخراف وسألني قصة قصرية ،تنرش إن كان يجب أن نأخذ ذلك الخروف ايل البيت؟ أخذتُ أتأمل يف الخروف أعاملها اإلبداعية يف املختار كام كان يفعل َج َّدي ،واكتشفت أ َّن الخروف كان أنثى! ال أعرف مدونتها الشخصية ملاذا :لكنني بدأت فجأة يف الرصاخ واالحتجاج مطالب ًة أن يجد َج َّدي عىل اإلنرتنت عىل ِ ً ً بأي شكل القصة هذه ي ح و ت ال ً). ا (بنت ا خروف وليس ً) ا (ولد آخر ا خروف ُ ِّ ْ الرابط التايلhttp:// : justasudanesepoet.من األشكال ،بأ َّن اإلناث من الخراف يجب أن يتم تجنيبهن الذبح ،ولكن كوين طفلة ،كل ما كنت أهتم به يف تلك اللحظة هو أ َّن هذا املخلوق blogspot.com الذى أمامي أنثى خروف صغرية مثيل .وقد وافق َج َّدي عىل الفور عىل طلبي بِالرغم من ُسخريِة خايل الذى كان يرافقنا. قد تبدو هذه القصة ليست ذات قيمة ،ولكنها يف الحقيقة -ومن وجهة نظري -تكشف عن تعاطف َج َّدي وت َ َف ُّه ِمه لعواطفي ،وذلك أمر غري سائد يف السودان ،حيث يتم تجاهل املشاعر الشخصية وكل القضايا العاطفية إىل الحد الذي ينتهي بالرجال إىل عدم قدرتهم عىل التعبري عن عواطفهم .وباملقابل ،غالباً ما تُقَابَ ُل محاوالت النساء للتعبري عن مشاعرهن وآرائهن بالسخرية والنفور .لقد كان َر ُّد فعل َج َّدي -الذي وضع محنتي يف الحسبان -غري عادي يف هذا السياق .فتَ َف ُّهم َج َّدي يل، أسهم -بالتأكيد -يف بناء ثقتي بنفيس كفتاة صغرية؛ فكل ما كنت أريده حقاً هو أن ت ُْس َم َع أرايئ ،وأن ت ُؤ َخ َذ أفكاري وتصورايت عىل محمل الجد. وحينام يفقد معظم الناس شخصاً عزيزا ً لديهم ،فإنهم يركنون إىل ت َ َذكُّر اإليجابيات .ولكن عندما فقدتُ َج َّدي ،مل أستطع أن أمنع نفيس من أن أفكر يف أخطائه وما كان ميكن أن يفعله بشكل مختلف .مل يكن ياسني مثالياً كجد أو أب أو رجل ،ولكنه كإنسان كان جوهرة نادرة يف بحر من الحىص .مل يكن ث َ ِريَّاً بشكل خاص ،ومل يرتك حساباً مرصفياً مليئاً باملال أو يرتك ممتلكات ،ومع ذلك فقد تَ َ َّك َن -عىل نحو ما -من ترك إرث ال يقدر بثمن.
52
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
لقد منحني َجد َّي ه َِبة المقاومة والتفاعل المرن مع الحياة والقدرة علي تجاوز الصعاب بكبرياء وكرامة .لقد وجد ياسين ثروته في أصدقائه، وفي عائلته ،وفي مواقفه النبيلة في خ َِض ِّم األيام الحالكة ،وفي مغامراته الخاسرة والرابحة ،وقبل كل شيء في شخصيته الواضحة والقوية وغير االعتذاريةَ . وظ َّل كما هوُ ،مت َّ ِ سقَ اً مع نفسه وآرائه، وأفعاله ،حتي آخر لحظات حياته.
أي عارض يلوح يف األفق ،حتّى ال جاهد َج َّدي برشاسة وبشدة ملقاومة ِّ يخرتق روحه .كان ج ّدى تقريباً نرجسياً يف بعض األحيان ،إالّ أنني أعتقد أ َّن ذلك كان رضورياً .ففي ِظ ِّل ذلك الواقع القايس ،فعىل املرء أن يتمحور حول نفسه ملقاومة تيارات التَّشَ ُّد ِد والالموضوعية .شكرا ً لك يا َج َّدي قاتلت بشجاعة ورشف من أجل حريتك ،بينام أعطيتنا كل القوة ألنك َ لنبحث عن حريتنا .ما أقىس غيابك .حتامً سنفتقدك ونشتاق إليك دوماً.
بقلم :شاهيناز سبيل
من االنجليزية :فيصل الباقر
بين الخاص و العام
ترويض النمرة -سرد شخصي في مقاومة البطريركية يُسرا عكاشة
باملواضيع خارج دائرة النقاش ،بدعوى عدم إمكانية الوصول لخالصات رفضت أن من النقاشات التي أثريها .وقد ظهرت أ َّول بوادر مت ُّر ِدي عندما ُ أع َّد الشاي ألخي األكرب و كان عمري حينذاك اثنتي عرشة سنة. انخرطت يف املنتديات واألنشطة الطالبية وبعد دخويل الجامعة، ُ وبدأتُ أعود إىل املنزل بعد مغيب الشمس ،وهذا أمر آخر ٍ مناف لألعراف داخل أرسيت .وتسبَّ َب مت ُّر ِدي وعنادي يف العديد من الخالفات العائلية، إال أ َّن ذلك مل يث ِنني عن السعي الكتشاف العامل واملعارف الجديدة، اكتسبت املعرفة النسوية التي صارت فيام بعد جزءا ً من هويتي حيث ُ ألي امرأة يجب ال أمرين هناك ن أ ر ك ب م ر عم منذ ّمت ل وتع وشخصيتي، ّ َّ ٍ ٍ ُ ِّ َُ أن تساوم فيهام :استقاللها االقتصادي ،وامتالكها لجسدها وإرادتها. التقيت بشاب أصبح فيام بعد رشيك ويف سن الخامسة والعرشين، ُ حيايت ،حيث تزوجنا بعد عامني من لقائنا .وال أزال أجزم أ َّن زوجي هو الرجل النسوي (الفمنست) الوحيد الذي التقيته يف حيايت .حيث ميتاز بالنظر إىل أوضاع النساء السودانيات يف القرن الواحد والعرشين -مبا زوجي بخصائص قلام توجد بني الرجال من املجتمعات التقليدية ،مثل: يُرسا عكاشة: يف ذلك شخيص -نجد أنّ أفضل تصوير لواقعنا امل ُ َعاش يكمن يف مرسحية العطف ،والحساسية ،والتواضع ،والصرب ،واملقدرة عىل حل االختالفات ُمد ّونة وصحفية (ترويض النمرة) لـ(وليم شكسبري) .تلك املرسحية التي كُ ِت َب ْت يف القرن دون فقدان التحكُّم يف النفس. وناشطة سودانية السادس عرش والتي تُ َج ِّسدُ كل أمناط كراهية وتحقري النساء .وبحسب تكتب عن حقوق تزوجنا بشكل ُمبَ َّس ٍط و ُمختَ َص واستأجرنا منزالً صغريا ً يف جنوب املرسحية ،عندما ترفض (كاثرينا) الزواج من (برتيكو) الرجل الذي اإلنسان والقضايا السياسية االجتامعية ابتغاها ،تتع َّر ُض ألسوأ أنواع التعذيب النفيس والجسدي حتى تضطر الخرطوم .وكان منزلنا رغم صغر حجمه دافئاً ومفتوحاً للجميع ،نُر ِّح ُب حظيت مبنحة للدراسة يف للخضوع يف النهاية وتصبح عروسه املُطيعة .ويكافئ والد (كاثرينا) فيه بأصدقائنا وزمالئنا .وبعد عام من زواجي ُ يف السودان ورشق أفريقيا ،بالرتكيز عىل ابنته عىل طاعتها وقبولها الزواج من (برتيكو) مبنحها النصيب األكرب من اململكة املتحدة وات َّفقنا عىل أنه المجال لرفض هذه الفرصة املغرية. غادرتُ السودان تارك ًة خلفي زوجي ومنزلنا الصغري عىل أمل العودة ،غري حقوق املرأة ،والسالم ،ثروته خصامً عىل نصيب شقيقاتها األخريات. مدرك ٍة أ َّن حاىل سوف يتغري لألبد يف غضون بضعة أشهر فقط. وحقوق النازحني. ً وكنت آخر من تزوج من بني ً، ا عام وثالثني ا واحد العمر من اآلن أبلغ ُ كنت أالحظ أخوايت ،كام أنّني الوحيدة من بني نساء األرسة امل ُ ْمتَ َّدة التي انخرطت يف وعندما كانت تصلني الصور من زوجي وأنا خارج البالدُ ، بلغت الثالثة والعرشين من تناقُص وزنه املستمر ،ومالمح اإلعياء البادية عليه .وتصورتُ أن ذلك النشاط السيايس من منظور يساري .فعندما ُ لت مساري املهني من الصيدلة إىل النشاط املدين املجتمعي قد حدث رمبا ألنه ال يجيد الطبخ فأرسلت له وصفات سهلة اإلعداد، عمري ح ّو ُ ووضعت جانباً شهادة الرشف من ُمشَ ِّد َد ًة عىل رضورة أن يبدأ يف تعلُّم إعداد الطعام الص ِّحي .إال أ َّن صحة مع تركي ٍز عىل الدراسات النسوية. ُ الدرجة الثانية من كلية الصيدلة بجامعة الخرطوم ،وبدأتُ بتلقِّي زوجي استمرت يف التدهور ،حيث تم تشخيصه الحقاً برسطان القولون من املرحلة الثالثة. دارسات يف النسوية وحقوق اإلنسان واالقتصاد السيايس. وكثريا ً ما يعتربين الناس فتا ًة متمردةً ،فرغم نشأيت وسط أرسة سودانية محافظة من الطبقة الوسطى ،فإ َّن مت ُّر ِدي كان قد بدأ يف عمر ُم َب ِّكرٍ ،إذ وناقشت الدين والسياسة تساءلت دوماً عن جدوى األعراف االجتامعية، ُ ُ واألخالق بشكل منفتح ،لدرجة أ ّن والدي وضع قامئة ألفراد األرسة
كان مرض زوجي نقطة تح ُّو ٍل رئيسية يف حيايت .فعالوة عىل حزين وأملي وخويف من الفقدان ،فقد بدأ البعض من األرسة واملعارف يعتقدون أ َّن مرض زوجي يعني بالرضورة ضعفه وبالتايل ضعف الدعم املعنوي الذي طاملا تلقيته منه .اعترب البعض يف محيطي العائيل واملهني أ َّن املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
53
تلقيت كنت أتناول الطعام (الحالل) إبّان وجودي هناك .وبعدها الفرصة قد حانت إلخضاعي والنيل مني. ُ إن ُ ٍ محارضات ُمطَ َّولة عن احرتام ثقافة البلد املحافظ الذي نقيم فيه وأ َّن فالنساء املتم ِّردَات يف املجتمعات البائدة والتقليدية ُه َّن أول من مظهري س ُي َع ِّرضُ ني لشبهات الرشطة ،ألنني أبدو وفق قولهم كـ(بائعة يتع َّرض للهجوم يف أوقات األزمات والحرب ،حتى من أفراد أرسهن .هوى)!! بالتخل عنهن ويتع َّرضن يف أحيانٍ كثرية ِّ كام أ ّن املجتمعات تعاقبهن وذات يومٍ -وبينام كُ َّنا أنا وزوجي نسري نحو موقف السيارات بعد لالغتصاب ونهب املمتلكات ،عقاباً لعدم خضوعهن لألعراف والتقاليد، كام أنهن يحرمن من حامية العشرية .غري أنني مل أف ِّك ُر ولو للحظة ،أنني إجراء فحص مسربي للقولون -كان زوجي يشعر بالدوران فرتكته يستند عىل كتفي ،وعندما رآنا أخو زوجي الذي كان يتوىل القيادة غضب وثار، سوف أتع َّر ُض لتجربة مشابهة يف القرن الواحد والعرشين . وقال إننا يجب منتنع عن إظهار املشاعر علناً .وكانت هذه واحدة من كان زوجي يعمل يف بعض الوظائف ال ُح َّرة املتعلقة بتأهيل ذوي جملة أحداث ُمشابهة وقعت قبل أن ننتقل من منزل األرسة الكبرية، كنت أنا طالب ًة أعيش عىل منح ٍة تدفع الحد بعد أشهر قليلة. اإلعاقة وحقوق اإلنسانُ ، األدىن من األجور .فكالنا مل يكن ميلك سوى القليل من املال لتلبية وواجهت نفس االزدراء مع الطاقم الطبي وأفراد األمن يف املستشفى الرضورات املعيشية ،كام مل يكن لدينا تأمني ِص ِّحي ملقابلة تكاليف العالج. كنت أُرافق زوجي يف لذلك كان جل اعتامدنا عىل دعم األرسة املمتدة ومساهامت األصدقاء ،التي كان يتعالج فيها زوجي .ويف أحد األيام -بينام ُ والذي لواله ما تَ َ َّك َّنا من النجاة يف ذلك الحنيَ .رت ّ َب ْت أُرسة زوجي أمر جلسة العالج الكيميايئ -تجرأ أحد عامل األمن -سوداين الجنسية -وأمرين عالجه يف مدينة ديب يف دولة اإلمارات أل َّن خدمات عالج الرسطان ضئيلة بارتداء مالبس الئقة ،قائالً إنّه ويف حال قدومي مرة تالية ،وأنا أرتدي و ُم َكلِّفَة وغري متاحة يف البالد .وخالل أسبوع من تشخيص مرضه انتقلنا مثل تلك املالبس (غري الالئقة من وجهة نظره) فلن يسمح يل بالدخول. إىل دولة اإلمارات العربية املتحدة ،حيث استضافنا أخو زوجي املقيم ويف إحدى امل َّرات كان علينا اإلرساع إىل قسم الحوادث باملستشفى، هناك .وبعد أقل من شهر انتقلت أرسة زوجي لإلقامة يف ديب. أل ّن أنف زوجي كانت تنزف بغزارة .وبينام كُ َّنا يف غرفة االنتظار طلب ُ لم أكن في حاجة إلى وقت طويل ألدرك أ ّ مني أحد أفراد األمن االبتعاد عن زوجي ،والذهاب إىل غرفة انتظار ن بعض أصهاري ال ي ُرحّبون بي وبوجودي المستمر إلى جوار النساء. زوجي .فقد َعب ََّر الرجال عن اإلنزعاج من مشاركتي في إبداء الرأي في عالج زوجي ،إذ كانوا يتوقّعون وفقاً ألعرافهم -أن تتوارى النساء عن ت ََصد ُِّرالمعامالت والوقوف جانباً،
وفي حاالت أخرى كثيرة ،عندما أحتاج لقضاء الليل في المستشفى ،كان ي ُط َل ُ ب مني أن أتركه وحيداً، لكونهم ال يسمحون بالمبيت في المستشفى، سوى للمرافقين الذكور.
وذلك بغض النظر عن عالقة املرأة باملريض أو معرفتها باملرض. كنت أقاوم بشدة يف كل مرة كل السلوك العدايئ من قبل وتصاعد اختاليف مع الرجال من أرسة زوجي لرفيض التزحزح من جوار إال أنني ُ ورفضت أن أنصاع أو أبارح مكاين ،وأخربتُ موظفي زوجي وإرصاري عىل إبداء الرأي يف طُ ُرقِ عالجه .ق َّررتُ الرتكيز يف املعركة طاقم املستشفى، ُ التي نخوضها أنا وزوجي واستثامر كل معرفة ميكن أن تقع عليها يدي ،املستشفى أن يستدعوا الرشطة إلخراجي قرسا ً من الغرفة التي بها لكونها معركة حياة أو موت .وازدادت ِح َّد ُة الخالفات بيني وأرسة زوجي زوجي. نت اسمي يف أوراق املستشفى باعتباري أقرب عندما اكتشفوا أنني د َّو ُ تظاهر بعض الرجال يف مجتمعات االغرتاب بأنهم أصدقاؤنا ،ولكنهم األقربني .ووضح جل ّياً ،أنهم ال يُ ِق ُّرون بأهليتي ،الكتساب ذلك الحق. مع األسف -اعتربوا أ َّن مرض زوجي فرص ًة وسانح ًة مناسب ًة للحصولوباإلضافة إىل كل ذلك ،مل يجد مظهري وطريقة تفكريي القبول بني ِم ِّني عىل بعض الخدمات الجنسية ،أو بدء عالقة حميمة .وقد حاول وصلت من اململكة املتحدة سألني أصهاري البعض إقناعي أ َّن مقرتحاتهم -تلك -إنَّ ا تنبع من دوافع نبيلة ،والقصد أفراد األرسة امل ُ ْمتَ َّدة .وحاملا ُ
54
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
بين الخاص و العام
منها -كام يزعمون -هو أنَّهم يريدون أن يجعلوين قويّةً ،وراضي ًة جنسياً. سيايس معروف ،ادَّعى صداقة زوجي لفرتة وحاول التح ُّرش يب أحدهم ٌّ مرارا ً ،ورغم رفيض العنيف لكنه مل يفهم أ ّن (ال) تعني (ال) ،و يف إحدى يل إال أنَّه فوجئ املرات يف نهاية مارس ٢٠١٧حاول مهاجمتي واالعتداء ع َّ بقويت ومقدريت عىل الدفاع عن نفيس.
كان مر ُّد ُه إىل االمتيازات التي اكتسبتها خالل حيايت كامرأة عاملة ومستقلة اقتصادياً ومتعلِّمة قادرة عىل امتالك قراري .لكن العديد من النساء يف محيطي -لألسف -ليس لديهن خيارات للمقاومة .هذا إضافة ولست نادمة إىل أنني أعي متاماً مثن التم ُّرد عىل سلطة األعراف السائدة ُ عىل دفع هذا الثمن.
فتلك التح ُّرشات ،ومحاولة االغتصاب -من وجهة نظري -مدفوعة بثالث فرضيات :االفرتاض األ ّول هو أنّه ،مبا أنني حسب وعيهم املحدود أن أكون (نسوية) ،هذا يعني بالرضورة أنني ( ُمتَ َح ِّر َرة جنسياً)، واالفرتاض الثاين هو أنّني رصتُ ال أملك حياة جنسية مع زوجي بسبب رفضت قبلت أو ُ مرضه وهي فرصة ،أ ّما االفرتاض الثالث ،فهو يف حالة ُ هذه العروض املزرية ،فإنني سألوذ بالصمت ،ولن أقول كلم ًة واحد ًة أو أخوض معارك علنية ،وأين لن أدّخر جهدا ً يف تجنيب زوجي املعاناة من أي ضغوط إضافية. ِّ
َت يل تجربتي عىل مدى السنوات األربع املاضية مدى ويف املقابل كَشَ ف ْ صالبة ومح َّبة أمي وأيب ودعمهام غري املرشوط يل تحت كل الظروف وعىل مدى كل الخيارات التي اتخذتها .إضافة إىل أصالة العديد من األصدقاء ،وبعض أقاريب وأصهاري .وبالتأكيد فإ َّن مح َّبة زوجي وصالبته ووقوفنا معاً أمام كل التعقيدات التي تع َّرضنا لها كانت حجر الزاوية يف متكيني من الصمود واملقاومة.
وكان مرض زوجي قد حدث بعد فرتة قصرية من نرشي لسلسلة من (التدوينات) بعنوان (الرشطة النسوية) ،كان الغرض منها هو الكشف عن التمييز الجندري وكراهية النساء يف خطاب املعارضة السودانية، تحدثت عن نفاق بعض األفراد من املعارضة ،وقد ويف بعض التدوينات ُ ٍ قُو ِبلَت كتابايت ب َر ِّد فعلٍ ٍ رشس ومعاد للحركة النسوية بشكل عام ،ويل بشكل خاص .مثالً يف الليلة التي سبقت خضوع زوجي لعملية جراحية كربى ،كَتَ َب أحد الصحفيني منشورا ً يف حسابه يف فيسبوك قائالً" :ترى ماذا تفعل النسويات عندما ميوت أزواجهن؟ هل يتزوجن للم ّرة الثانية؟".
بقلم :ي ُسرا عكاشة
من االنجليزية :فيصل الباقر
هذا الكم من االستفزاز واالستهانة بالظروف التي أعيشها مع زوجي أشعرين بحزنٍ عميق؛ أل َّن أشخاصاً ال يعرفونني شخصياً وعن قُرب ،ال يتورعون يف الذهاب إىل أبعد ما يكون ليسببوا األذى ملن يختلفون معهم يف الرأي .فكيف ميكن ألناس بهذا القدر من التخلُّف وضيق األفق أن ميتلكوا القدرة عىل االلتزام بالدميقراطية مبدأً ومامرسةً؟! لقد أظهر يل مرض زوجي األهمية القصوى ألن تكون النساء مستقالت اقتصادياً قادرات عىل التحكم يف قراراتهن .وقد اخرتتُ االنسحاب من العديد من املعارك من أجل الفوز يف املعركة الكربى ،وهي معركة الحفاظ عىل حياة زوجي وعىل كرامتي. والحق يقال إ َّن قدريت عىل املقاومة والصمود أمام قهر السلطة البطريركية الراسخة تحديدا ً يف ِظ ِّل الظروف الصعبة التي كُ َّنا نعيشها، املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
55
الرسم :روني اقوانق -يوغندا
أفتقده كثيراً؛ فقد كان حب حياتي
حول تجارب النساء والفتيات في جماعة بوكو حرام أودهارنايت أنسبرو
اختطفت جامعة بوكو حرام اإلرهابية املئات من النساء و الفتيات ،إال أنَّ ْ بدأت حملتها العسكرية ضد الحكومة النيجريية يف عام 2009م، منذ أن ْ بعض النساء والفتيات قد انخرطن يف صفوف املجموعة طوعاً مام أثار التساؤالت حول كيفية مساعدتهن عند عودتهن إىل ديارهن. قبل أربع سنوات خلت ،كانت عائشة مامان تدرس دبلوم املحاسبة النيجريية عام 2009م ،ظلت بوكو حرام تختطف املئات من النساء عندما هاجمت بوكو حرام بلدتها (باما) يف شامل رشق نيجرييا .وهي والفتيات ،1وترغمهن عىل العمل يف خدمة الجامعة حيث يتم تزويجهن اآلن أم تبلغ من العمر 25عاماً وزوجة سابقة ألحد قواد جامعة بوكو قرسا ً وت ُف َر ُض عليهن املشاركة يف أعامل العنف التي ترتكبها الجامعة ،مبا يف ذلك تنفيذ الهجامت االنتحارية.2 حرام. فمنذ أن بدأت الجامعة املسلحة حمالت العنف ضد الحكومة
56
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
اِال أ َّن تجربة عائشة مامان كانت مختلفة؛ فهي واحدة من ضمن
بين الخاص و العام
العديد من النساء اللوايت اخرتن طوعاً الزواج من أحد أعضاء تلك الجامعة اإلرهابية. وتروي عائشة قصة لقائها بزوجها ،وذلك عندما وفَّ َر لها وألرستها ملجأ
أثناء فرارهم من قريتهم يف شامل رشق نيجريا نحو الحدود الكامريونية يل كثريا ً وعىل أهيل" ،وعندما واصل والداها وت ُ َر ِّد ُد عائشة" :كان يشفق ع َّ طريقهام إىل مايدوجوري (عاصمة والية برنو) اختارت عائشة البقاء زوجة رابعة مع ذلك الرجل املنتمي إىل بوكو حرام ،وتقول" :لقد وقعت يف حبه وكان يعاملني معاملة طيبة؛ لذلك تزوجته عندما طلبني للزواج". مكثت عائشة مامان مدة ثالث سنوات مع زوجها يف غابة سامبيسا ْ (معقل الجامعة يف والية برنو) إىل أن استعادت القوات الحكومية ت مامان ومعها حوايل 60من املنطقة يف العام املايض ،3ومن ث َّم نُقلِ ْ نساء بوكو حرام إىل مرفق حكومي يف مايدوجوري للخضوع لربنامج نبذ التطرف الذي تديره منظمة نيم .4وحتى تاريخ إجراء هذه املقابلة ال تزال عائشة مامان تتحدث بحزن بالغ عن حياتها مع زوجها من بوكو حرام ،حيث تقول" :كان طيبا ً للغاية معي ،أفتقده كثريا ً؛ فقد كان حب حيايت ،لكن ال جدوى من الشوق إليه ،ألنني أعرف أنني لن أراه أبدا ً". يف السنوات األخرية ،أبرزت التقارير اإلخبارية محنة الفتيات اللوايت اختطفن وأصبحن رهائن لدى جامعة بوكو حرام ،ال س َّيام الـ 276فتاة من مدرسة واحدة يف بلدة تشيبوك ،حيث أثارت عملية االختطاف حملة واسعة يف وسائل اإلعالم االجتامعية العاملية أُطلِ َق عليها اسم" :أعيدوا إلينا بناتنا" التي حظيت بدعم واسع من شخصيات عامة مثل املغنية بيانيس وميشيل أوباما .إال أنه وىف املقابل فقد أوىل املجتمع الدويل واملحيل اهتامما ً ضئيالً بالفتيات من أمثال عائشة مامان اللوايت رغم انخراطهن يف صفوف بوكو حرام طوعا ً ال يزلن ضحايا لآلثار النفسية والجسدية جراء تجربة العيش مع الجامعة ،حيث أنهن ظللن أسريات لحياتهن السابقة ومعاناتهن من األذى الجسدي والنفيس الذى لحق بهن.
الحكومة النيجريية واملنظامت غري الحكومية ومجموعات املجتمع املدين عن كيفية العمل مع نساء بوكو حرام ،وكيفية مناقشتهن ودعوتهن إىل نبذ التطرف ،وما الذي سيحدث ألولئك النساء عندما يعدن إىل ديارهن. وتقول الطبيبة النفسية فاطمة أكيلو (مديرة منظمة نيم)( :إ َّ ن النساء ينخرطن في بوكو حرام ألسباب معقدة وعديدة ،إال أ َّ ن الفقر واألمي َّة واإلرادة المستلبة كلها عوامل تسهم في انخراط النساء في صفوف الجماعة،
حيث يأيت مقاتلو بوكو حرام إىل القرى يف نيجريا وهم يحملون الكثري من املال للتفاخر ونيل االحرتام ،وبالتايل يقدمون مناذج لشخصيات ت ُ َع ِّ ُب عن أحالم الفتيات الفقريات" .وتواصل فاطمة أكيلو" :إنَّ الفتيات يتزوجن من رجال من بوكو حرام يف الغالب ألنهن يشعرن أنَّ هؤالء الرجال يستطيعون متكينهن اقتصاديا ً" ،حيث تتمتع النساء زوجات القادة يف بوكو حرام بحياة يسرية مقارنة بحياة النساء الفقريات يف قرى شامل نيجريا ،كام أنهن يتمتعن بسلطة نسبية عىل مجموعات األسريات األخريات من النساء والفتيات الاليت يخدمنهن عىل قدم وساق .و تؤكد فاطمة أكيلو أنه ميكن للنساء من داخل الجامعة أيضا طلب الطالق من أزواجهن إذا مل يشعرن بأنهن يُ َعا َملْن معاملة كرمية .وتواصل قائلة" :إن النساء الاليت تجذبهن طرق بوكو حرام غالبا ً ما يكن نساء منحدرات من مجتمعات تقليدية فقرية وقاهرة للنساء ،إال أنهن مبجرد أن يرصن جزءا ً من الجامعة كزوجات للمجاهدين يصبح لديهن سلطة ونفوذ اجتامعي ويحظني بحياة أفضل نسبيا ً مقارنة بنمط الحياة يف مناطقهن األصلية". وتشري فاطمة أكيلو إىل أنَّ الكثري من الفتيات اللوايت ليس لديهن أي أمل يف التعليم أو الحياة األفضل قد يتطلعن بالفعل إىل الزواج من مقاتيل بوكو حرام ،إال أنهن ومبجرد انضاممهن إىل الجامعة يجدن أنفسهن يف مواجهة أعامل القتل الروتينية واإلرهاب التي تقوم بها الجامعة حيث أنه ومن املعروف أن العديد من الفتيات قد شاركن
بالفعل يف تلك األعامل .وتقارن فاطمة أكيلو تجربة انخراط الفتيات يف وترسد الباحثات االجتامعيات وعامالت اإلغاثة اللوايت يعملن مع جامعة بوكو حرام بظواهر االنخراط يف العصابات اإلجرامية ،حيث "ال النساء ممن أُطْلِ َق رساحهن أو ُح ِّر ْرنَ من قبضة الجامعة قصصاً عن يشعر األعضاء بأي جرم أو ذنب تجاه الجرائم التي يرتكبونها" .وتواصل بعض الحاالت التي متاثل حالة عائشة مامان ،ويوجهن تساؤالتهن إىل قائلة" :عندما تكون جزءا ً من مجموعة ،فإنك تعتاد عىل طبيعة األشياء
" 1تلك األسابيع الرهيبة يف معسكرهم" ،بوكو حرام: عنف ضد النساء والفتيات يف شامل رشق نيجرييا ،هيومن رايتس ووتش 27 ،أكتوبر .2014 https://www.hrw.org/ /27/10/2014/report those-terrible-weekstheir-camp/bokoharam-violence-againstwomen-and-girls ٢نيجرييا :النساء ومترد بوكو حرام ،مجموعة األزمات الدولية ،التقرير 5 ،242 ديسمرب ،2016 https://www. , crisisgroup.org/africa/ west-africa/nigeria/ nigeria-women-andboko-haram-insurgency ٣بوهاري :اسرتداد آخر قاعدة لبوكو حرام يف غابة سامبيسا ،الجزيرة ووكاالت األنباء 24 ،ديسمرب ،2016 https://www.aljazeera. com/news/2016/ buhari-boko-harambase-retaken-sambisaforest-16122412809113. html
املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
57
التي كنت ستدينها لو كنت يف وضع مختلف حيث أن هناك نوعاً من الفكاك من قبضة املنظومات العقائدية وتأثريها". التدجني الذي يحدث نفسياً وعاطفياً. ويهدف (برنامج منظمة نيم لنبذ التطرف) إىل أن تعود الفتيات إىل مجتمعاتهن وه َّن قادرات عىل استئناف بعض من مظاهر الحياة و تواصل فاطمة أكيلو قائلة: الطبيعية .ومع ذلك ،فإ َّن املجتمع ليس دامئاً عىل استعداد لقبولهن، "إن بعض الفتيات في منظمة نيم قد ذكرن أن الجماعة قد طلبت منهن قتل أحد والديهن كشرط لالنضمام" .كما أقرت نساء أخريات بأنهن قد ساعدن في تجميع األجهزة المتفجرة اليدوية الصنع
سواء ك َّن قد انضممن لبوكو حرام اختيارا ً أم قرسا ً .وقد سلَّط تقرير صدر مؤخرا عن مجموعة إنرتناشونال ألريت 5الضوء عىل اإليذاء املزدوج الذى تتعرض له الفتيات اللوايت اختطفتهن جامعة بوكو حرام ،فضالً عن أطفالهن الذين ولدوا -يف الغالب -نتيجة لالغتصاب أو الزواج القرسي. إضافة إىل أ َّن جميع الفتيات قد شهدن الكثري من الفظائع واالغتياالت حيث تعاين الفتيات وأطفالهن من وصمة العار املزمنة ويُ ْنظَ ُر إليهن وقطع الرؤوس .وحسب قولهن ،فقد أصبحت تلك الفظاعات امورا ً وأطفالهن عىل أنهم يحملون جينات بوكو حرام اآلمثة. عادية. وتروي حواء مييل التي تبلغ من العمر 13عاماً (من برنامج نبذ وتؤكد عائشة مامان أنها شهدت مقتل العديد من السجناء وأنها التطرف) ،أنها قد ُز ِّو َج ْت قرسا ً إىل أحد مقاتيل بوكو حرام ،حيث تقول: اعتادت عىل ذلك .وتضيف قائلة" :إنها تراهم -أي ضحايا بوكو حرام" -إ َّن الحياة مل يعد لها معنى بعد أن تحررتُ من بوكو حرام" .وذلك ميوتون مرارا ً وتكرارا ً يف ذهنها ،مثل رشيط الفيديو الذي يعمل بشكل ألنها تعتقد أنها لن تتمكن من العيش داخل مجتمعها مرة أخرى بسبب مكرر". وصمة العار .وتقول" :يعتقد الناس أننا انخرطنا يف صفوف بوكو حرام طوعاً ،ولكن هذا كذب ،لقد فكرتُ كثريا ً يف االنتحار". وقد اختارت بعض صديقات عائشة أن يصبحن انتحاريات ،كام تقوم منظمة نيم حالياً بتشكيل فريق من األطباء النفسيني والقادة فعلت إحدى زوجات زوجها السابق ،حيث أرادت -حسب قول عائشة- إرضاء الله وسلوك الطريق اآلمن إىل الجنة. الدينيني والباحثني االجتامعيني ملساعدة املجتمعات املحلية عىل إعادة دمج الفتيات وقبولهن مرة أخرى يف املجتمع ،إال أن موارد منظمة نيم تتلقى النساء والفتيات -يف برنامج منظمة نيم -املشورة النفسية محدودة للغاية؛ وذلك نظرا ً لنزوح أكرث من مليوين شخص بسبب القتال وإعادة الرتبية الدينية عىل يد رجال دين مستنريين ،حيث يحاول رجال يف شامل نيجريا ،إضافة إيل ضعف وتشتت موارد حكومة والية برنو الدين تفكيك املعتقدات التي نقلتها الجامعة للفتيات والتي تربر القتل التي تحاول جاهدة توفري الحامية والخدمات األساسية التي تحتاجها وغريه من أعامل العنف ،بافرتاض أنها تتم باسم اإلسالم .وتساعد جلسات النساء .ويف بعض الحاالت ،تتحفظ رشطة مكافحة اإلرهاب يف نيجرييا املشورة النفسية وإعادة الرتبية الدينية الفتيات والنساء عىل التصالح عىل النساء والفتيات اللوايت ُح ِّر ْر َن من بوكو حرام يف ظروف غري إنسانية مع أنفسهن وإيجاد طريق للوصول إىل الوعي بحجم الفظاعات التي وخطرية ،مام يزيد من إعاقة فرصهن يف اسرتداد عافيتهن النفسية ارتكبتها الجامعة ونبذ العنف والتنكيل باآلخرين .و تقول فاطمو أكيلو :والجسدية .6 "إ َّن األمل معقود يف أن ال تعود هؤالء الفتيات إىل الجامعة مرة أخرى، ولكننا ال نعرف ما سيحدث عندما يعدن إىل املجتمع الكبري ،حيث ميكن وتقول فاطمة أكيلو إ َّن منظمتها تعمل مع الحكومة وتدعم أنشطتها أن ينضم املرء إىل أي منظومة أيدلوجية برسعة فائقة ،ولكن من الصعب املناهضة لإلرهاب ،لكنها تشري إىل أ َّن االستجواب العنيف للنساء
58
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
أودهارنايت أنسربو متخصصة يف قضايا النزاعات االهلية وتعمل كاتبة صحفية وميرسة مع املنظامت غري الحكومية والقطاع الخاص ،وقد ساعدت اليونيسيف مؤخرا عىل وضع برنامجها املتعلق ببناء السالم ،وأجرت أول دراسة وطنية عن أثر الربنامج التدريبي ملعلمي املدارس الحكومية اللبنانية؛ وذلك بهدف مساعدتهم عىل معالجة اآلثار الصادمة الناجمة عن النزاع لدى طالبهم الالجئني.
بين الخاص و العام
والفتيات اللوايت تعرضن لصدمات نفسية بالغة قد يؤدي إىل نتائج عكسية .وتقول" :إن هناك حاجة ماسة إىل فهم جذور األسباب التي تجذب النساء والفتيات إىل الجامعات املسلحة يف املقام األول؛ وذلك ملواجهة تلك االشكالية بشكل حقيقي وف َّعال" .وتضيف قائلة" :إ َّن هذا عمل طويل األمد ويحتاج إىل تضافر جهود العديد من املؤسسات الحكومية وغري الحكومية" .أ َّما يف الوقت الراهن ،فأن عبء إعادة تأهيل الفتيات اللوايت يُ َح َّرر َن من قبضة بوكو حرام يقع عىل عاتق منظامت املجتمع املدين مثل منظمة نيم التي متثل املالذ الوحيد املتاح ألولئك النساء. وحسب قول عائشة مامان" :عىل الرغم من أنني أفتقد زوجي إال أنني أحس بالفرق الذي يحدثه برنامج إعادة التأهيل؛ فنحن هنا نشعر باألمان واالحرتام .وبينام يرفضنا املجتمع ،يظل برنامج إعادة التأهيل هو الجهة الوحيدة التي تقبلنا بكل إشكاالتنا ومل تفقد األمل يف مساعدتنا".
أ ُ ِعي َد نرش هذه املقالة بإذن من ( :نيوز ديبيل) التي نرشت القصة مسبقاً عىل موقعها عىل اإلنرتنت يف 6يناير 2017م .وميكن االطالع عىل املقالة األصلية عىل العنوان التايلhttps://www.newsdeeply.com/ : womenandgirls/articles/2017/03/06/love-life-women-marry.boko-haram لالطالع عىل األخبار املهمة عن قضايا النوع االجتامعي يف العامل النامي ،ميكنك االشرتاك يف قامئة الربيد اإللكرتوين للنساء والفتيات.
بقلم :أودهارنايت أنسبرو
من االنجليزية شمس الدين عثمان
4ملزيد من املعلومات ،يُ ْرجى االطالع عىل موقعها عىل العنوان التايل: http://www. neemfoundation.org. ng/who-we-are/aboutneem 5كياميريس توغود" ،الدم اآلسن" :تصورات األطفال املولودين من العنف الجنيس املتصل بالنزاعات ،والنساء والفتيات املرتبطات ببوكو حرام يف شامل رشق نيجرييا، إنرتناشونال ألريت ،فرباير .2016 6األطفال الذين ميوتون يف االحتجاز العسكري يف نيجرييا :منظمة العفو، الجزيرة 11 ،مايو ،2016 http://www.aljazeera. com/news/2016/05/ nigeria-childrenmilitary-detentionamnesty-160511065132 html.576 املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
59
صور و حكايات
حين تصدح المسارح طرب ًا مبدعات من القرن اإلفريقي
وُلِد ْ َت شمس ابوبكر ،المُلَقَّبَة بـ(غدودو عروه) (-)Guduudo Cawo عام .1935وقد بُثَّ ْ ت أغنيتها األولى عام 1952على إذاعة هرجيسا الصومالية ،لتصبح بذلك أول امرأة تزاول العمل الموسيقي في الصومال .وفي ذلك الوقت ،لم يكن ُمتَاحَاً للمرأة الصومالية الغناء علناً أو على وسائل اإلعالم ،لذلك قررت (شمس) االستعانة باالسم الفني (غدودو عروه) .ومع مرور الوقت ،نالت أغانيها إعجاباً شعبياً ،وأصبح بإمكانها الخروج إلى المأل .توفيت (غدودو عروه) عام .2017وما زال الشعب الصومالي يتذكر أعمالها وأغانيها المُفَْعَمة بالمشاعر والسالم، ويعتبرها أم المطربات الصوماليات.
شمس أبوبكر ()Shamis Abokar
إعداد أيان ،ogdt lpمدونة وناشطة
وُلِد ْ َت حليمة خليف عمر ،المعروفة أيضاً باسم (مغول) Magool في نهاية األربعينيات ،وتوفيت عام 2004في هولندا .وقد بدأت الغناء في سن ُمبَكِّرَة ،وتُعَدُّ من أوائل المغنيات الصوماليات .وقد نالت لقب (ملكة الصوت) ،وبرزت نجوميتها أثناء عروضها مع فرقة (وابيري) الصومالية .وعُرِفَ ْ ت بأغانيها المؤمنة بالوحدة اإلفريقية ،وردََّد الناس أغانيها أثناء االستعمار وبعد استقالل الصومال ،وخاصة أغنيتها (يا إفريقيا النائمة) التي نالت شعبية كبيرة .وتصف في أغانيها معاناة الشعب اإلفريقي تحت االستعمار .وقد كانت صوتاً وحدوياً محبوباً بين مختلف األجيال ،وخاصة في وطنها إفريقيا. محام وناشط في مجال حقوق اإلنسان. إعداد :جوليد جمعةٍ ،
60
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
حليمة خليف عمر ()Halimo Khalif Omar
مغنية موهوبة ،وشاعرة غنائية ،وملحنة صومالية شابة .تقيم في هرجيسا ،الصومال .سطع نجمها عام 2010حين انضمت إلى فريق هورن ستار (خيديجاها خيسكيه) .وقد حظي إبداعها في مجال تطوير الموسيقى الصومالية المعاصرة بإعجاب واهتمام كبيرين .وال يتقَبَّل المجتمع الصومالي دوماً خوض المرأة للمجال الموسيقي (كتابة األغاني واأللحان) ،ويعتبر ذلك ِحْكرَاً على الرجال .ولكن حمدة تحدَّت هذه الصور النمطية وأثبتت نفسها بإبداعها الملفت .ففي واقع يعاني من التحديات الكثيرة ،تغرُِّد حمدة بأغانيها المطربة لتذكرنا َّ بأن هناك بوادر أمل. محام وناشط في مجال حقوق اإلنسان إعداد :جوليد أحمد جمعةٍ ، حمدة عبدي أحمد كينال
بدأت خديجة محمد وزينب خليفة بالغناء معاً في فرقة (ثنائي النغم) في الستينيات .وتميزت الفرقة بأدائها ألغاني التراث ومزجها بالموسيقى العصرية الحديثة .وتنحدر زينب خليفة من األبيض في كردفان ،بينما وُلِد ْ َت خديجة محمد في منطقة عد الفرسان في دارفور ،وكلتاهما من الجزء الغربي من السودان حيث تنتشر أغاني التراث .واستمرت فرقة (ثنائي النغم) في الغناء حتى منتصف الثمانينيات ،مؤدية عروضاً في مناطق مختلفة من السودان. إعداد :المرأة في اإلسالم ثنائي النغم ،مركز األرشيف السوداني
تُعَدُّ (تحية زروق) من رائدات التمثيل المسرحي والتلفزيوني والسينمائي في السودان .وقد تركت أعمالها بصمة واضحة في المسرح السوداني .وقد ساهم نجاحها على تشجيع غيرها من النساء في السودان على خوض مجال التمثيل وتحدِّي الصور النمطية عن تمثيل المرأة .وقد تقاعدت خالل التسعينيات بعد أكثر من ثالثة عقود من اإلبداع. إعداد :المرأة في اإلسالم
تحية زروق -مركز السودان ألبحاث المسرح
منى محمود هي ممثلة مسرحية سودانية اشتهرت بدورها في مسرحية (سفر الجفا) ،التي حققت نجاحاً كبيراً وعُرِ َ ضْ ت في مختلف المدن السودانية خالل السبعينيات. إعداد :المرأة في اإلسالم
منى محمود -مركز السودان ألبحاث المسرح
املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
61
النساء في مهب الفتاوى السر السيد
تهدف هذه املقالة إىل التوقف عند الفتوى الخاصة بحكم (سفر الرس السيد :كاتب املرأة بال محرم ،والحكم الرشعي يف الرفقة املأمونة) .واملقالة يف سعيها وناقد مرسحي هذا تنطلق من فرضية مفادها :أنّ معظم الفتاوى املتعلقة بالنساء وإعالمي سوداين. عضو مؤسس التحاد تنبني عىل أساس وحيد هو فكرة الغواية ،حيث يرى أصحاب هذه الكتاب السوداين .وله الفتاوى أنّها خُلق فطري وطبيعي تختص به النساء أكرث من الرجال، وألنّه فطري وطبيعي ،يشتعل متى ما توفَّر رشط وجود املراة مع عدة كتب وبحوث وإسهامات يف مجاالت رجل أو رجال من غري محارمها ،وهو ما يعني متى ما كانت خارج ُعشِّ ها ،الذي هو بيت والدها أو زوجها ،وال يشفع لها تديُّنها وورعها املرسح السوداين. مهتم بقضايا الجندر مهام عال وامتاز ،وال تربيتها مهام كانت متينة وواعية .ولعل ما يسند افرتاضنا هذا ،هو مئات الفتاوى التى تتخذ من النساء مجاالً لها بدءاً واإلسالم ومساهم راتب مع العديد من من خروجها من البيت ،مروراً بنوع وطبيعة املالبس التى يجب أن تلبسها ،وانتها ًء مبشيتها وحدود تزينها .وستشري املقالة -يف اتجاه هدفها مجموعات املجتمع هذا -إىل أهمية الفتوى ،وموقعها وخطورتها ،واملحاذير التي تكتنفها، املدين يف السودان وما تقوم به من أدوار يف حياة الفرد واملجتمع ،كام ال تنىس أن تتوقف والرشق األوسط. عند الطريقة التي يُب َنى بها ما ميكن تسميته بـ(خطاب الفتوى). تُعت ََب ُر الفتوى من التقاليد اإلسالمية الراسخة ،فال تكاد تخلو حياة أي زمان ومكان من الفتوى ،لذلك فهي احتياج حتمي المسلمين في ِّ حيثما كانت هناك حياة تنهض على قانون التغيير الذي يطال كل شيء، بما أنّه سنة من سنن الله سبحانه وتعالى ،ومن هنا يمكن القول ،إ ّ ن الفتوى فعل ضروري وممارسة فكرية ذات طبيعة إبداعية ،وكيف ال، وهي الوسيلة الوحيدة التي تمنح المسلم فرصة أن يكون ُمت َّ ِ سقَ اً مع كُل ّ ِّيات دينه ،ومع ما يطرأ عليه من ُمستَجِ د َّات في حياته اليومية ،وال نصاً واضحاً من القرآن الكريم أو السنة ُ يجد َّ المطهّرة تتموضع عبره هذه المستجدات.
ومن هنا أستطيع القول إ ّن الفتوى هى تعبري عن احتياج حيايت آين، خل ٌق شجاعٌ ،وألنّها كذلك ،أحاطها كبار علامء اإلسالم فعل ّ ولهذا هي ٌ باملحاذير ،وجعلوا لها الكثري من القواعد .ولعله من املناسب هنا اإلشارة إىل بعض ما قاله الفقهاء والعلامء يف شأن الفتوى .فقد قال الهيثم بن جميل" :شَ هِدتُ مالكاً ُس ِئ َل عن مثانٍ وأربعني مسألة فقال يف اثنتني وثالثني منها ال أدري" .و ُرو َِي عن ابن مسعود وابن عباس قولهام" :من أفتى يف كل ما يُسأل فهو مجنون". ويف الضوابط املعارصة بشأن الفتوى ،نشري إىل ما يُع َر ُف" :بـ(ميثاق الفتوى) ،الذي صدر مبكة املكرمة بدعوة من رابطة العامل اإلسالمي، وهو يتكون من ثالثة أبواب رئيسية تتضمن 41مادة ،تتناول مبادئ وأساسيات الفتوى ومجاالتها .ومام جاء يف هذا امليثاق ،نذكر بعضاً مام جاء يف الباب الثاىن ،املادتني 13 :و 14وهو الباب الخاص بأهم املشكالت التي تواجه الفتوى يف العرص الحديث .فقد جاء يف الفقرة
62
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
(د) من املادة 13صدور بعض الفتاوى املخالفة ألصول االعتقاد ،وكليات شع من األحكام بنصوص ثابتة قطعية. الرشيعة ،ومبادئ األخالق ،وما ُ ِّ وجاء يف الفقرة (ز) من املادة نفسها ،تعارض بعض الفتاوى يف املسائل املتجانسة ،وما يسببه ذلك أحياناً من الحرية والشك لدى العامة .أ ّما يف املادة ،14فقد جاء يف الفقرة (ح) ،ويف سياق أه ّم أسباب مشكالت الفتوى يف العرص الحارض ،ما نصه ،عدم فهم بعض املتصدرين للفتوى، وفقه الواقع ومآالته ،وعدم مراعاتهم ملا قد تحدثه هذه الفتاوى من املفاسد واألرضار".٣ وال يكتمل هذا التمهيد دون اإلشارة إىل االجتهاد الجامعي ،وتفضيله من قبل واضعى امليثاق ،إذ أنّه وعىل َح ِّد قولهم" :إ ّن مؤسساته وهيئاته، تضم عددا ً من الفقهاء املؤهلني ،وأهل الخربة .فالفقهاء ،يُعلِّمون النصوص ومدلوالتها ومقاصدها ،وال ُخرباء يُع ِّرفون الواقع ومآالته، والحكم الرشعيُ ،مركّب من العلم بالنصوص ،والعلم بالواقع" .وإن كان مثة مالحظة هنا ،فهي يف عبارتهم "االجتهاد الجامعي أقرب إىل الحق" إذ األدق هنا ،من وجهة نظرنا ،أن نقول أقرب إىل الصواب ،ال أقرب إىل الحق .فاالجتهاد كام هو معلوم ،يتحرك يف املسافة بني الخطأ والصواب ،ال بني الحق والباطل ،لذلك كان للمجتهد أجر يف الحالتني، مع تفاوت بني األجرين .ونالحظ كذلك ،مجانبتهم ال ِّدقّة ىف تجريدهم للفقهاء من إمكانية معرفتهم بالواقع ،وحرصهم يف معرفة النصوص ومدلوالتها ومقاصدها ،وقد يعود األمر هنا ،رمبا ،إىل خلل يف الصياغة: إذ رمبا كان املقصود عدم معرفة الفقهاء للتخصص يف املجال موضوع الفتوى ،كتخصص الطب أو تخصص االقتصاد مثالً .فالفرق شاسع بني عدم املعرفة بالتخصص امل ُ َح َّد ِد ،وعدم املعرفة بالواقع ،ولكن يبدو أ ّن مؤسسات اإلفتاء ،وهذا ما نلحظه كثريا ً ،إ ّن الواقع الذي تعنيه ،ليس هو الواقع الذي نعرفه ،خاصة وأنّها ت ُع ِّرف الفتوى كام جاء يف امليثاق بأنّها "اإلِخبار بحكم الله عن دليل ملن سأل" .هذا التعريف املربك للفتوى، ينتقل بها من مجرد إخبار برأي ،قد يقابله رأى آخر يف نفس املسألة، موضوع الفتوى إىل ُحكم الله ،األمر الذي يعنى وفقاً لهذا التعريف ،أ ّن امل ُف ِتي ،يقوم مبهمة هي من اختصاص األنبياء وحدهم ،إذ أ ّن اإلخبار بحكم الله مناط باألنبياء وحدهم ،إذ ال أحد يستطيع أن يقول هذا حكم الله ،إالّ بوحي منه سبحانه وتعاىل. موقع الفتوى: نشري إىل أ ّن الفتوى يف واقعنا املعارص ،خاصة يف ظل سيادة املؤسسات ذات الطابع الدعوي ،وىف ظل سيادة وقوة اإلسالم الحريك ،والجامعات اإلسالمية ،وتأثريها الكبري عىل مجمل أوجه الحياة يف مجتمعات املسلمني املعارصة ،أصبحت واحدة من آليات الفرز ،والرتتيب السيايس والثقايف. ُغي منطاً ثقافياً وسلوكياً ظ ََّل راسخاً فقد أصبح باستطاعة الفتوى أن ت ّ
وجهات نظر
كاريكاتير الريح امبدي -السودان
مئات السنني ،كام باستطاعتها ،أن تبث الكراهية ،بل ،وتشجع القتل بني فئات املجتمع الواحد ،كتلك الفتاوى التى تحض عىل عدم التعامل اليومى :كإلقاء التحيّة واملشاركة يف املناسبات االجتامعيّة مع املواطنني النصارى ،وغريهم من غري املسلمني ،بل مع املواطنني املسلمني ،من أصحاب املذاهب والجامعات األخرى ،وقد يصل األمر أحيانا إىل استباحة دمائهم وأموالهم ونسائهم .هذا املوقع االستثناىئ للفتوى ،ش ّجعت عليه عوامل كثرية ،منها التطور الكبري الذي شهدته وسائط االتصاالت ،ونخص بالذكر هنا اإلنرتنت وما يتميز به من رسعة يف نرش املعلومات ،وما يتمتع به من ُحريّة تص ُعب معها السيطرة عىل ما يُ َبثُّ عربه. النجومية التى تحققت لبعض الدعاة وما يتمتعون به من قبول ،فرضت على الكثيرين منهم أن يتحولوا إلى رجال فتوى ،مما أضعف الثقافة الدينية عند غالبية المسلمين ،وفى الوقت نفسه ،تزايدت المستجدات التى فرضتها الحياة المعاصرة ،والتى يثير الكثير منها أسئلة تتصل بالدين وبالتدي ُّن، وغياب الح ُِّري َّات ،واختالل ميزان العدالة االجتماعية في بلدان المسلمينّ ، وحد َّ مكن لثقافة التقليدَ ، من مساحات الفكر النقدى.
كذلك ،هيمنة النظرة التقليدية واملحافظة عىل أكرثية املؤسسات املعن ّية بإنتاج املعرفة الدينية .نرش العديد من الكتب الخاصة بالفتاوى
بصورة فردية ،ككُتب الشيخني العثيمني وعبد الحي يوسف ،أو بصورة مؤسسية ،كتلك التي تصدرها الهيئات واملجمعات الفقهية ،وغلبة النظرة التجزيئية يف الفكر اإلسالمي املعارص ،وغياب الرؤية الكُليّة يف التعاطي مع الدين ،كل ذلك ،مكّن للفتاوى أن تحتل موقع التلقي املعريف عن الدين وعالقته بالحياة ،فأصبح التديُّن يقوم عىل وصفات يف مختلف شئون الحياة :فهناك فتاوى العقائد ،وفتاوى املعامالت ،وفتاوى العبادات ،وهذه نفسها ،تُف ََّصل أكرث ،فنجد فتاوى العلوم الطبيعية، وفتاوى التسلية والرتفيه ،وفتاوى اللباس والزينة ،وفتاوى األعياد واألعراس ...وميىض التفصيل أكرث ،لنجد( ،فتاوى النساء) :فقد صدر عد ٌد من الكتب تحت هذا العنوان. هذه الوصفات اليومية املشتملة عىل كل يشء ،غيبت عن الدين رحمته وسعته وتفتّحه وإنسانيته وحولته اىل (كاتلوج) ،بل غيبت رؤيته الكلية للوجود ولإلنسان وللطبيعة والتاريخ ،حيث هنا أصبحت الفتوى رغم أهميتها والحاجة إليها يف الكثري من األحيانُ -مه ِّد َدا ً من ُم َه ِّددَاتاألمن امل ُجتمعي يف تجلياته املختلفة ،خاصة ،وأ ّن معظم الذين يتص ّدون لإلفتاء ،دُعاة معروفون وحاصلون عىل شهادات عليا يف مجاالت العلوم اإلسالمية املختلفة. فتوى ُحكم سفر املراة بِال ُمحرم: صدرت هذه الفتوى من مجمع الفقه اإلسالمي يف السودان ،ونُرشت املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
63
"ضمن كتاب (فتاوى املجمع) :الكتاب األول" ،٤الذي أصدره مجمع الفقه العامة وردها استفتاء عن الحكم الرشعي يف الرفقة املأمونة ،وما هي اإلسالمي ،وهو مؤسسة فقهية تابعة لرئاسة الجمهورية .ليست هناك رشوط الرفقة املأمونة وضوابطها؟ وما الرضورة التى تبيح السفر بال إشارة لتاريخ صدور الفتوى ،وال لتاريخ نرش الكتاب .الفتوى صادرة ُمحرم؟ ،فجاءت إجابتها كاآلىت: بتوقيع الشيخني :األستاذ محمد إبراهيم محمد ،رئيس دائرة فقه األُرسة، ال يجوز ملسلمة السفر بغري ُمحرم ،وأوردت الروايات اآلتية :الرواية واألستاذ الدكتور أحمد خالد بابكر( ،األمني العام). األوىل :ثبت عن النبي (ص) إنّه قال" :ال يحل المراة تؤمن بالله واليوم اآلخر ،أن تسافر مسرية يوم وليلة ليس معها حرمة" .الرواية الثانية" :ال خطاب الفتوى: يحل المراة تؤمن بالله واليوم اآلخر ان تسافر مسرية ثالث ليا ٍل إال ومعها نصاً ،وما ذو محرم" .الرواية الثالثة" :ال يحل المراة تؤمن بالله واليوم اآلخر ،أن املقصود هنا الطريقة التي بُ ِنيَ ْت بها الفتوى ،حتّى صارت ّ يكتنف هذا البناء من تح ُّيزاتِ ، وح َيل تحيكها وتنهض عليها اسرتاتيجية تسافر سفرا ً يكون ثالثة أيام فصاعدا ً ،إالّ ومعها أبوها ،أو ابنها ،أو زوجها، الخطاب .ولعل ما سأبدأ به هنا ،هو ،الكيفية التي اشتغلت بِها الفتوى أو أخوها ،أو ذو محرم منها" .الرواية الرابعة" :ال يحل المراة مسلمة ،أن تسافر مسرية ليلة ،إالّ ،ومعها رجل ذو حرمة منها" .الرواية الخامسة" :ال عىل النص األسايس ،أي الروايات ،وصوالً للحكم النهايئ ،أي الفتوى. يحل المرأة تؤمن بالله واليوم اآلخر ،أن تسافر مسرية يوم واحد ليس سبب هذه الفتوى كام جاء يف الكتاب املذكور آنفا ،أ ّن دائرة الفتوى لها ذو حرمة".الرواية السادسة" :ال يحل المرأة تؤمن بالله واليوم اآلخر،
-30كاريكاتير الريح امبدي -السودان
64
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
وجهات نظر
تسافر يوماً إالّ مع ذي محرم" .الرواية السابعة" :ال يحل المرأة تؤمن والذي ،يتصل بتعدد الروايات ،واختالفها زيادة ونُقصاناً ،يف املوضوع بالله واليوم اآلخر أن تسافر مسرية يوم وليلة ،إالّ مع ذوي محرم منها" .الواحد .فهم يرون ،أ ّن هذا االختالف يف الروايات ،كام جاء يف حيثيات فتوى امل ُج ّمع ،مردّه الختالف السائلني ،واختالف املواطن ،وليس يف النهي ونالحظ يف هذه الروايات ما يىل :ليس هناك ات ِّفاق يف املدة التي عن الثالثة ،ترصيح بإباحة الليلة أو الربيد. بسببها يُ َح َّر ُم عىل املراة السفر من دون محرم .يف بعض الروايات متت قال البيهقي ،رحمه الله ،كأنّه (ص) ُس ِئ َل عن املرأة تسافر ثالثاً بغري اإلشارة إىل هوية املرأة (مسلمة) أو (امرأة مسلمة) ،وىف البعض اآلخر ِ ِ وسئ َل عن وسئ َل عن سفرها يومني بغري محرم ،فقال الُ . جاءت بصيغة مطلق امرأة "ال يحل المرأة" .يف واحدة من الروايات مل محرم؟ فقال الُ . ترد عبارة "تؤمن بالله وباليوم اآلخر" ،ويف واحدة من الروايات ،تم تعيني سفرها يوماً ،فقال ال .وكذلك الربيد –انظر اىل كأنه -أ ّما الحافظ رحمه الله ،فقد قال :وقد عمل أكرث العلامء يف هذا الباب باملطلق ،الختالف امل ُحرِم باألب واالبن والزوج واألخ ،بينام ىف األُخريات مل يتم التعيني. التقييدات .وكذلك أورد استثناءاتهم لسفر املرأة من غري محرم ،والتي متثّلت يف خروجها من دار الكفر ،إىل دار اإلسالم ،أو إذا اصابها داء موقع املفتي: ُعضال ،ال يتأىت عالجه إالّ بالسفر ،وهى ال تجد ُمحرماً أو ال متلك نفقة يُ َع ِّر ُف ميثاق الفتوى املفتي بأنّه هو "امل ِ ُخب بِحكم الله عن دليل سفر املحرم .وكذلك ،أن تكون املرأة يف مكان مخوف ،ال تأمن فيه عىل ملن سأل عنه" ،وهذا تعريف من وجهة نظرناُ ،مرب ٌِك وغري دقيق ،شأنه نفسها ،فتنتقل إىل مكان آمن ،ونحو ذلك من األحوال .الواضح من شأن تعريف الفتوى الذي علَّقنا عليه يف ثنايا هذه املقالة .أ َّما موقع كل هذا الكالم ،أ ّن علّة النهي ،هي السفر نفسه ،إذ أ ّن الرِفقة املأمونة املفتي ،فنعني به الكيفية التي يجيب بها عن سؤال امل ُستفتي ،وىف فتوانا نفسها ،عىل حد قول بعض هؤالء الفقهاء ،ال تكون إالّ يف َح ّجة الفريضة هذه (عدم جواز سفر املرأة من غري محرم) ،يَتَ َح َّد ُد موقع املفتي يف فقط ،وال تشمل حج التطوع ،وال السفر للتجارة ،أو ِ السياحة ،وما اشبه الطريقة التي نظر بها إىل النص األصىل ،أي الروايات ،وصوالً إىل اإلخبار ذلك ،مام اعتاده الناس ،وبكلمة واحدة ،كام يف قول ابن حجر الهيثمى، بحكم الله عن دليل .وفقاً لتعريفهم ،نجد أ ّن املفتي عامدا ً أو غري عامد ،الوارد يف حيثيات فتوى امل ُجمع :يُ َح َّر ُم عليها السفر مع غري ُمحرم ،وإن تعي ،و ُمعارص ،ق َُص السفر ،وكان آمناً ،ولو لطاعة ،كنفل الحج أو العمرة ،ولو مع قد تغاىض عن موقع امل ُستفتي ،والذي هو شخص ُم ّ استصحب بالرضورة وهو يسأل عن ،وضع املرأة اآلن ،ورضورات سفرها نساء من التنعيم .وهكذا نالحظ ،أ ّن موقع امل ُفتي إتكأ ،عىل اشتغال إذ أنّه يسأل عن مسألة واقعية يعيشها اآلن ،تتحكم فيها سياقات الفقهاء عىل الرواية ،و ِمن ث ّم ،بنى خطاب فتواه ،وفات عليه أوالً ،أنّه مل ُم َح َّددَة ،ورشوط ذاتية وموضوعية ،تَتَ َح َّد ُد من خاللها ،وضعية املرأة يشتغل هو عىل الرواية ،وفقاً لرضورات ورشوط واقعه ،وواقع املستفتي، ووضعية النساء يف عرصه ،وفات عليه ثانياً ،أ ّن أساس امل ُشكلة يكمن اآلن ،وطبيعة العرص الذي تعيش فيه. يف وجود املحرم أو عدمه ،وليس يف السفر يف َح ِّد ذاته ،ليكون السؤال فهي مثال ،تسافر اآلن من أجل التعليم ،ومن أجل العمل ،ومن أجل املركزي هو :ما هي رضورة وجود املحرم؟ واالجابة امل ُم ِكنة والوحيدة العالج ،ومن أجل السياحة .وهى اآلن تعمل يف كل مجاالت العمل ،من هنا هيِ : الحامية ،ببعديها املبارش ،والذي يعني درء خطر الطريق بكل الوظائف الدستوريّة ،إىل الوظائف العاديّة ،كام أنّها تنشط يف مختلف ما ميكن أن يحمله من معنى يف ذلك العرص ،وغري املبارش ،والذي يعني املجاالت السياسية والثقافية واالجتامعية ،وتستخدم وسائل تنقُّل رسيعة درء ال ِغواية ،وكل هذا مؤسس عىل افرتاض ضمني ،يستبطنه خطاب وآمنة ،من وإىل بلدها ،وأعني هنا ،أمن وتأمني التنقّل ،يف الرب والبحر الفتوى ،هو :ضعف النساء املطلق ،لذلك جاء يف ثنايا الفتوى ،قول والجو ،بدءا ً من ضوابط التنقّل من مكان إىل آخر ،وانتها ًء بأمن املطارات املفتي يف ص" :145والعلة يف هذا النهي ،والله تعاىل أعلم ،أ ّن املرأة واملوانئ الربية والبحرية ،وفوق كل هذا ،تتمتّع بترشيعات ،وأعني ُهنا ُم َع َّرضَ ة للفتنة ،وانفرادها سبب للمحظور ،أل ّن الشيطان يجد السبيل املرأة السودانية ،ال تُ ّيز بني املواطنني بسبب النوع ،وكذلك ت ُتيح ُحريّة بانفرادها ،ف ُيغري بها ويدعو إليها" .وهكذا ،فوجود امل ُحرم ،هو ما يقطع التنقّل للمواطنني كافة ،وفق إجراءات ورشوط ،ليس من بينها النوع ،بل السبيل أمام الشيطان ،ال إميان املرأة ،وال موقفهاِ ،علامً بأن املرأة ،ووفقاً من حقِّها أن تصبح رئيساً للبالد ،كام يشري الدستور السوداين االنتقايل للقرآن الكريم ،الذي مل يكن له حضور يف هذه الفتوى ،ضَ ِمن لها فرصة لسنة ،2005عىل سبيل املثال .إضافة إىل أ ّن السائل يشهد ،وبشكل أن تدخل ِضمن الذين ال يجد عليهم الشيطان سبيالً ،ونقصد قوله تعاىل: "....إالّ عبادك منهم املخلصني" ،وال أظن أ ّن أحدا ً يحرص هؤالء العباد ىف أي محرم. متواتر ،سفر الدستُوريّات وغريهن ،من دون ِّ الرجال فقط ،وأيضاً تدخل ىف الذين قال عنهم الله تعاىل "....والحافظني هذا هو الوضع ،أو فلنقل الواقع بشكل عام الذي انطلق منه فروجهم والحافظات أع ّد الله لهم مغفرة وأجرا ً عظيام" .وفات عليه امل ُستفتي ،وهو ما مل ي ِعره املفتي كبري اهتامم ،وهو يورد تلك الروايات ،ثالثاً ،أ ّن استناده عىل املدونة الفقهية التقليدية ،والذي جاء عىل طريقة والتي ،ومن شدة تغاضيه وإغفاله لواقع امل ُستفتي ،مل يعمل فكره وقع الحافر عىل الحافر ،يضعه أمام أسئلة حرِجة منها :كيف نُ َح ِّدد دار يف االشتغال عليها ،بل اكتفى مبا جاء يف ما ميكن أن نُس ّميه بِامل ُدونّة الكفر ودار اإلسالم يف واقعنا املعارص؟ وفات عليه رابعاً ،وهذا هو األهم: الفقهية التقليديّة ،فأورد كل ِحججِها ،وهو جهد مقدر من أولئك الفقهاء هو أنّه مل ينظر إىل هذه الفتوى ،وما ميكن أن ترتكه من أثر ىف حياة ويثمنون عليه ،بدءا ً مام قالوه فيام يتعلق مبا يُع َر ُف بِضبط الرِواية ،املسلامت املعارصات ،وبالتايل ،يف ُمجتمعات املسلمني ،إذ ال يُعق َُل عىل املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
65
سبيل املثال ،أن تسافر امراة مسلمة ،تشغل منصب وزير الخارجية ،أو مديرة جامعة ،تحت حامية ابنها ،الذي ال يتجاوز عمر الثامنة عرشة، ليحميها من حبائل الشيطان ،أو أن تكون ُمحتاجة إىل رفقة مأمونة ،يف وسائل تنقّل ،ويف موانئ ،فيها من إجراءات السالمة والحامية ،ما فيها. وأخلص إىل أ ّن هذه الحيثيات ،والتي أدَّت يف األخري إىل القول بأنّه "ال يجوز للمرأة السفر ،إالّ بصحبة ُمحرم ،هو الذكر ،البالغ ،العاقل، الذي يحرم نكاحه عىل التأبيد" ،وبالرغم من ِصدورها من مجمع الفقه اإلسالمي ،التابع لرئاسة الجمهورية ،والذي ي ّدعي ،أنّه يتب َّنى املنهج الوسطي ،يؤسفني أن أقول ،إنّها جاءت مخالفة لبنود الدستور السوداين، وإنّها مل تنظر إىل هذا الحق اإلنساين الحيويُ ،مستصحبة الرؤية ال ُكلّية لِ ُمراد الدين ،القامئة عىل "أ ّن اإلجامع قد وقع عىل أ ّن التكليف مبا ال منفي عن الشارع ،وكذلك التكليف مبا فيه مشقة أو حرج ،عىل يُطَاقٌّ ، ٥ حد قول اإلمام الشاطبي" .كام أنّها ،مل تنظر لسفر النساء كاحتياج ُمعارص ،تفرضه رضورات مجتمعية ،وفردية ،تتحقق من خاللها الكثري من املصالح التي تنفع البالد والعباد .ومن قبل ومن بعد مل تنظر إىل املرأة كشخصية مسئولة لها إرادتها ومعرفتها وأنها قادرة عىل حامية نفسها ،ويبقى يبقى السؤال :ما الهدف من إصدار فتوى تتصادم مع أبسط ُمقومات الحياة املعارصة ،وال ميكن التق ُّيد بها ،والعمل عىل ضوئها؟ فنحن نرى اآلن ،أ ّن غالبية مطارات وموانئ العامل ،ال تشرتط املحرم ،أو الرِفقة املأمونة لسفر املسلامت ،كام أ ّن بلد امل ُستفتي ،وهذا هو األهم ،ال يشرتط وجود املحرم ،أو الرفقة املأمونة ،لسفر النساء. فال يزال سفر املسلامت السودانيات مستمرا ً ،من دون محرم أو رفقة مأمونة ،ولكن ماذا نقول يف هذا الذهن الرجايل ،الذي ال يزال ُم َهي ِم َناً عىل طرائق التفكري ىف حقول اإلسالم املختلفة.
بقلم :السر السيد
1د.عثامن محمد النضيف، جمع ورصد وتحقيق- :دائرة الفتوى..بعض فتاوى الهيئة- النارش:هيئة علامء السودان- االمانة العامة -بدون تاريخ ص.7 ٢د.عثامن النضيف، "ترتيب"-ميثاق الفتوى.. القواعد والضوابط -إعداد رابطة العامل اإلسالمي -النارش: هيئة علامء السودان -األمانة العامة -بدون تاريخ ص.3 ٣املصدر السابق نفسه ص.33/32 ٤فتاوى املجمع :الكتاب األول -منشورات مجمع الفقه االسالمي -السودان- بدون تاريخ -فتوى حكم سفر املراة بال محرم من ص 142إىل ص148 ٥د.أمني حسن عمر- اإلسالميون والدولة :حوارات ىف الرشيعة والدولة املدنية والدستور -سلسلة كتاب الخرطوم -هيئة الخرطوم للصحافة والنرش -الطبعة األوىل 2014ص 193
66
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
وجهات نظر
نادي الدرَّاجات
ركوب الدر َّاجة في طريق المساواة سة مبادرة نادي النساء السودانيات للدر َّاجات ؤس َ مقابلة مع إيناس ُمز َّ ِّملُ ،م ِّ
اشرتكت يف دورة تدريبيه للنساء املهاجرات، ُ لتعلُّم كيفية ركوب الدراجة .وعاد ًة ما يستغرق األمر بضعة أشهر للنساء املتد ِّربات ،لتعلُّم كيفية قيادة وركوب الدراجة ،لكنني التقطتها برسعة كبرية ،وذلك -رمبا -ألنني اعتدتُ عىل ركوب الد َّراجة أثناء طفولتي.
الصورة :لنساء نادى ادراجات فى احد االنشطة
عىل الرغم من أنَّ املرأة السودانية كانت س َّباقة يف قيادة السيارات منذ أواخر أربعينيات وخمسينيات القرن املايضّ ،إل أنَّ األعراف االجتامعية ما زالت تعوق النساء من ركوب الد َّراجات .ومع صعود اإلسالم السيايس يف البالد أصبحت النساء ُمس َتب َعدَ ات بشكل متزايد من الفضاء العام ،وقد انعكس ذلك ،يف وجود ازدياد مستمر يف قامئة السلوكيات (غري املحتشمة) أو (غري املقبولة أخالقياً) .ورغم كل ذلك تزداد كثافة وجود النساء يف شوارع الخرطوم املزدحمة أسوة بالرجال، ويف الفرتة األخرية بدأت أعداد قليلة من النساء يف ركوب الد َّراجات داخل مساحات محدودة من شوارع العاصمة.
ويف أثناء فرتة وجودي يف هولندا بدأتُ أُف ِّك ُر يف فُ َر ِص ركوب الد َّراجات يف السودان. فالدراجة ت ُعتَ َ ُب وسيلة نقل ممتازة يف البيئات الحرضية املكتظة بالسكان مثل الخرطوم؛ فهي رخيصة ،وال تأخذ الكثري من املساحة ،وال ت ُل ّوثُ البيئة ،كام أنّها ال ت ِ ُصد ُر ضوضاء ،باإلضافة إىل أنها وسيلة رائعة للنساء لتحسني صحتهن ،كام س االنتقال ملسافات قصرية. أنها ت ُ َي ِّ ُ ِ كنت تركبني الد َّراجة عندما ِ ذكرت أن ِّك ِ ِ توقفت؟ كنت طفلة؛ ملاذا لدي دراجة حمراء جميلة. حينام ُ كنت (بنتاً صغرية) يف السن ،كانت َّ ُنت أُ ِح ُّبها ،بل وفخورة جدا ً بها .ولكن عندما بلغ عمري الـ( )12عاماً، وك ُ ُ أُ ِخذَت تلك الد َّراجة مني وأ ِ عطيَت لـ(ابن ع ّمي) ،وذلك أل َّن ركوب الد َّراجة كان يُعتَ َ ُب غري مناسب لفتاة يف تلك السن -سن املراهقة.- غضبت كثريا ً من تلك امل ُعاملة التمييزية ،وشعرتُ أنها غري عادلة. وقد ُ وقد جعلني – ذلك التمييزُ -مد ِركَ ًة بأمل االختالف يف املعاملة بني األوالد والبنات يف املجتمع السوداين .نعم ،فقد أُ ِ عطيَ ْت دراجتي العزيزة لـ( ابن زلت أتذك ُر متاماً أنه عندما زرناهم بعد بضعة عمي) الذي مل ير َع َها .وما ُ رأيت الد َّراجة ُملقاة باملنزل يف حالة سيئة ،فشعرتُ بالحزن. أشهرُ ،
إيناس ُم َّز ِّمل ،شابة سودانية ،تبلُغ من العمر 29عاماً ،درست يف ِ فكرتك لـ( مبادرة النساء السودانيات لركوب كيف ترجمت جامعة الخرطوم ،وتعمل حالياً يف برنامج األمم املتحدة للبيئة ،وهي ؤس َسة مبادرة النساء السودانيات لركوب الد َّراجات .تحدّ ثت إيناس الد َّراجات) لتصبح حقيقة؟ ُم ِّ ُم َّز ِّمل ،يف مقابلة مع (صيحة ،)SIHA /عن أصول وتحدِّ يات مبادرة اشرتيت دراجة عندما ُعدتُ إىل الخرطوم من رحلتي إىل هولندا، راكبات الد َّراجات السودانيات. ُ هوائية .لقد كان األمر صعباً؛ نظرا ً أل َّن الد َّراجات املُخ ََّص َصة للـسيدات ال توص ِ ميكن الوصول إليها بسهولة يف السودان .ومبجرد رشائها ،أخذتُ الد َّراجة لت إىل فكرة إنشاء نا ٍد للنساء لركوب الد َّراجات؟ كيف َّ مع شقيقتي وبنت أختي الصغرية إىل (الساحة الخرضاء) ،وهي أكرب بدأ كل هذا يف عام 2013عندما سافرتُ إىل هولندا ألغراض مهنية .حديقة يف املدينة. رأيت الكثري من الرجال والنساء ومبجرد أن وصلت هولندا وغادرتُ املطارُ ، ُ واألطفال يركبون الد َّراجات؛ ففي هولندا يُعتَ َ ُب ركوب الد َّراجات جزءا ً فت عىل ومن خالل عميل يف هولندا إلذاعة هولندا العاملية ،تع َّر ُ من ثقافة البلد ،وهناك ممرات خاصة للدراجات بجانب الطرق .ففى امل ُنارصة عرب اإلنرتنت .لذا أنشأتُ صفحة عىل ( الفيسبوك ) بعنوان كل صباح ،يتدفق املئات من البالغني واألطفال إىل العمل واملدارس عىل (مبادرة النساء السودانيات لركوب الد َّراجات) ونرشتُ بعض الصور رسوج الد َّراجات ،بغض النظر عن الظروف الجوية .وخالل زياريت الثانية لصديقاىت ،وأنا عىل الد َّراجة .وكانت ردود األفعال ،والتفاعل مع املبادرة لهولندا ،بدأتُ يف ركوب الد َّراجات مثيل مثل مواطني البلد .وقبل ذلك فوق تصوراتنا وتوقُّعاتنا .ففي غضون أيام قليلة ،تلقّت الصفحة أكرث املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
67
ومن املهم اإلشارة ،إىل أننا -ومن ناحية أخرى -نحصل عىل الكثري من التشجيع من الناس الذين يُق ِّد ُمون لنا كل أنواع املساعدة والدعم واملشورة .وبعض النساء يوقفن سياراتهن عندما يشاهدننا يف الشارع ويسألن كيف ميكنهن االتصال واالنضامم إىل نادي نساء الد َّراجات. ما هي أسباب نجاح هذه املبادرة ؟
من ألف إعجاب ،ث ُ ّم رسعان ما وصلت إىل ثالثة آالف من (اإلعجابات) بعد بضعة أسابيع .ومن خالل تلك الصفحة ،بدأنا يف تنظيم اجتامعات أسبوعية يف الساحة الخرضاء .ويف بعض األحيان كانت تظهر أكرث من 150امرأة يف مكان تج ّمعنا .ويف ذلك الوقت ،كانت لدينا ثالث دراجات فقط ،وكان علينا أن (نتناوب) عىل تعليم بعضنا البعض كيفية حفظ التوازن فوق الد َّراجة وكذلك كيفية قيادتها والدوران بها. كانت ردود الفعل عىل مبادرتكم عىل الفيسبوك إيجابية .فكيف كانت ردود فعل وسائل اإلعالم والجمهور العام؟ عموماً ،وجدت مبادرتنا ترحيباً كبريا ً من قبل الجمهور .ومنذ البداية تلقّينا الكثري من االهتامم من وسائل اإلعالم املحلية والدولية ،مبا يف ذلك قنوات وفضائيات مثل :الجزيرة ،والعربية ،و(إم يب يس) ،وهيئة ُشتْ مقاالت عديدة حولنا يف اإلذاعة الربيطانية (البي يب يس) .وقد ن ِ َ الصحف السودانية ،كام طُلِ َب مني املشاركة يف بعض الربامج الحوارية يف التلفزيون القومي عن النساء يف الرياضة .وقد تلقينا الكثري من الدعم من الشخصيات العامة السودانية ،والفنانني ،والعبي كرة القدم، والناشطات ...إلخ. لكن يف الحدائق والشوارع العامة يف الخرطوم حيث منارس رياضة ركوب الد َّراجات ،تكون ردود األفعال مختلطة .وغالباً ما يُفَا َجأ الناس برؤية السيدات والشابات عىل الد َّراجات .ويف بعض األحيان ،تكون ردود الفعل سلبية ،وقد تع َّرضنا للعديد من املضايقات والتح ُّرشات اللفظية. هل ميكنك التحدُّ ث عن أشكال التح ُّرش التي تواجهكن عادة؟ تأيت معظم التعليقات السلبية من الرجال من املا َّرة ،ولكن بعض النساء أيضاً ينتقدننا .ونحن نعي متاماً أننا نفعل شيئاً جديدا ً يتعارض مع األعراف املتعارف عليها ،كام نعرف أ َّن التغيري يحتاج إىل وقت ،إال أنَّنا -ومن ناحية أخرى -متفائلون بإمكانية قبول املجتمع للنساء راكبات الد َّراجات؛ ففي غضون بضعة أشهر ،اعتاد الناس –بالفعل -عىل رؤية النساء يركنب الد َّراجات يف الساحة الخرضاء يف الخرطوم.
68
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
يأيت جزء من النجاح من حقيقة أننا نُل ِّبي احتياجاً حقيقياً للنساء الشابات من الطبقة املتوسطة يف الخرطوم .حيث يُ َق ِّد ُم النادي للنساء فرص ًة لاللتقاء يف األماكن العامة ومامرسة الرياضة وتعلُّم قيادة الد َّراجة املمتع ،وبينام ال ميكن التحكُّم يف املضايقة اللفظية والتح ُّرش ،تش ُعر النساء بأنهن محميات ألنهن ميارسن ركوب الد َّراجات يف مجموعة. ويتيح نادي الد َّراجات للنساء التواجد يف الفضاء العام ودون تكلفة ت ُذكَ ُر ،حيث أ َّن معظم األنشطة الرياضية يف الخرطوم تكون يف األماكن املغلقة ،وعادة ما تكون مكلفة للغاية. كام أ َّن النساء اللوايت انضممن للمبادرة ُمتَ َح ِّم َسات لتقديم منوذج إيجايب للمجتمع .فنحن ال نقوم فقط مبامرسة ركوب الد َّراجات ،بل ننظم أيضاً فعاليات لنرش الوعي حول البيئة والنظافة والوعي مبخاطر التغيري املناخي وعدم جمع النفايات وأهمية املساحات الخرضاء يف املدن، وندعو الناس إىل ت َ َح ُّمل مسؤولية الح ِّد من آثار التغيري املناخي ،حتى نتمكن -جميعاً -من االستمتاع باملساحات العامة النظيفة والخرضاء واآلمنة .ففي فلسفتنا ،يبدأ حل املشكالت البيئية بالتزام كل فرد بحامية بيئته املحيطة. س نجاحنا هو أننا نُشَ ِّج ُع حقوق املرأة ،وحامية البيئة وأعتقد أ َّن ِ َّ بطريقة بناءة ،ال تتعارض مع الحساسيات الثقافية ملعظم السودانيني. ونحن ال نعارض الثقافة السودانية ،إنّ ا نشعر أننا نُ َثِّلُ َها من خالل جنوحنا إىل البساطة ورعاية البيئة. ما هي خطة املبادرة للمستقبل؟ نحن جمعية ُمست ِقلَّة ،وليك نبقى عىل قيد الحياة ،نعتمد عىل الت ُّربعات من العضوات .ولكن االفتقار إىل التمويل الكايف يُ َح ِّج ُم -يف توسعنا .ومن خالل السفارة الهولندية ،ت َّرب َعت املنظمة الوقت الحايلُّ - الهولندية املعروفة باسم (أعط د َّراجة )Give a Bikeبخمس دراجات جديدة متاماً دعامً لقضيتنا .ولكننا -مع ذلك -نحتاج إىل املزيد من الد َّراجات ،كام نحتاج ملب ًنى لحفظ الد َّراجات ،ورمبا أيضاً نحتاج لعدد قليل من املهنيني/ات -غري املتفرغني/ات -الذين يتم توظيفهم/ن والتعاقد معهم/ن لتدريب أعضائنا ولتنظيم األنشطة .وعموماً ،وعىل الرغم من التحديات التى تواجهنا ،نشعر بالتفاؤل ،حيث يتزايد عدد النساء الاليت ينضممن إىل النادي كل يوم!
أجرت المقابلة :المبادرة اإلستراتيجية لنساء القرن األفريقي (صيحة)SIHA-
من االنجليزية :فيصل الباقر
وجهات نظر
حول تأثير التز ُّمت العقائدي في إقصاء المسلمين من المعرفة التقدم العلمي ص ُّ و ُفرَ ِ
فوزية فريد الشرفي
"الناس ال يقتلون بعضهم البعض من أجل الفوئد املادية فحسب ،بل أيضاً بسبب التز ُّمت واالستعالء العقائدي .فليس هناك ما هو أخطر من اليقني َس العامل من جميع جوانبه بأنَّ املرء وحده عىل حق .ويف القرن الواحد والعرشين ،ينبغي أن يكون واضحاً لك ُِّل واحد ِم َّنا أنَّه ال يوجد نظام واحد ُيف ِّ ُ وتفاصيله .وقد ساعد النهج العلمي عىل دحض فكرة الحقيقة غري امللموسة واألبدية".
هذا النص -الذي أصبح مشهورا ً الحقاً (املمكن واملتحقق) للعامل والتنمية املستدامة من بني القضايا الكثرية التي ت ُ َناق َُش حالياً يف املحافل (فرانسوا جاكوب) ،الحائز عىل جائزة نوبل يف الطب -يرصد بدقة كبرية الوطنية والدولية التي ستؤثر عىل األجيال القادمة. جوهر العلم ،ويُ َذكِّ ُرنَا بأ َّن العلم هو نقيض التز ُّمت العقائدي ،حيث ولذلك يجب على البلدان األفريقية أن تتحول من يرفض العلم كل الحقائق امل ُؤكَّ َدة ويتطور من خالل التجريب والتناقض ِجة حقيقية للعلم واملثابرة والشجاعة الفكرية ،وهي ِشيَ ٌم تقاسمها املفكرون والعلامء كونها مجرد ُمتَفَ ِّر َجة لتصبح ُمنْت َ والتكنولوجيا .وهذا التحول ينطوي على تغيير في الذين سطَّروا تاريخ البرشية. والواقع أ َّن العلامء الجريئني الذين أسهموا يف التطور البرشى عىل َم ِّر العصور وضعوا سمعتهم وحياتهم عىل املحك ليناهضوا امل َُسل ََّم ِت القامئة .ومن أشهرهم( :جاليليو) الذي ُح ِك َم عليه بالسجن مدى الحياة لنظرياته التي تدعم نظاماً شمسياً محوره الشمس ،و(جيوردانو برونو)،1 وهو فليك آخر ،أُحر َِق حيَّاً لنظريته عن الكون الالنهايئ ،و(هيباتيا) ،وهي عاملة رياضيات وفيلسوفة بارزة ،كان يُ ْنظَ ُر إىل فكرها عىل أنَه (وثني) يف مرحلة النزاع الديني ،ف ُق ِتل َْت بعنف يف اإلسكندرية من قبل املسيحيني املتعصبني يف القرن الرابع امليالدي. وكام يَتَبَ َّ ُي من هذه األمثلة ،فإ َّن التق ُّدم العلمي ال يتأيت ببساطة؛ فهو يَتَطَل َُّب ُح ِّريَّ ًة فكري ًة ال ميكن لها أن تزدهر إال يف ِظ ِّل املجتمعات الدميقراطية حيث تنظر مؤسسة الدولة إىل جميع املواطنني -رجاالً ونسا ًء -عىل قدم سواء ،ويُ َعا َملُو َن عىل قدم املساواة .إ َّن تحقيق ال ُح ِّريَّة الفكرية هو عملية استباقية تنطوي عىل رفض التز ُّمت والركود الفكري من خالل التشكيك املستمر والبناء يف التواصل بني التقليد والحداثة. ويف عامل يسيطر فيه العلم عىل عملية صنع القرار عىل الصعيد الكوين، ال ميكن للبلدان األفريقية واإلسالمية ودول جنوب الكرة األرضية بشكل عام أن تتخلف عن الركب .فال بُ َّد من تقليص الفجوة العلمية بني البلدان املُتَ َق ِّد َمة وما يُ َس َّمى بـ(الجنوب العاملي) إذا أُ ِريْ َد للبلدان النامية أن متتلك األدوات الالزمة للتأثري عىل القرارات التي تُتَّ َخ ُذ بشأن مستقبل الكوكب .وت ُ َع ُّد إدارة املوارد املائية والطاقات املتجددة وتَغ َُّي املناخ
العقلية.
وينبغي أال ت ُ ْعتَ َب املعارف سلعة ،و ُم ْنتَ َجاً يسهل الوصول إليه و ُمستَهلَ َكاً ،ولكن كمحاولة مشرتكة ،وانعكاس للرتاث الفكري الغني لإلنسانية .ومن خالل هذا النهج فقط ميكننا بناء مجتمع معريف ،يتم فيه إنتاج املعلومات ومعالجتها وتحويلها ونرشها واستخدامها إلنتاج املعارف وتطبيقها من أجل الجميع.2 ولهذا الغرض ،يجب عىل البلدان األفريقية أن تتصدى لجميع أشكال التط ُّرف الديني التي تنترش يف القارة .وإذا كان العلم قامئاً عىل التفكري النقدي ،فإ َّن اليقني هو بصمة األصوليني الذين يتشاركون -بغض النظر عن أصولهم العقائدية -يف الكراهية الشائعة الستقالل العلم .ومييل األصوليون الدينيون إىل اتِّخَاذ الرؤية الرجعية نفسها نحو العلوم .حيث إنهم يَ َّد ُعو َن امتالك الحقيقة ،ويسعون إىل فرض تفسريهم الخاص للنصوص امل ُ َق َّد َسة ،وإسكات أولئك الذين يكافحون من أجل حرية الرأي والدين.
د .فوزية فريد الرشيف :هي فيزيائية وأستاذة جامعية تونسية يف جامعة تونس .شغلت منصب وزير الدولة للتعليم العايل يف عام 2011م، وهي مؤلفة للعديد من الكتب التي نرشها أوديل جاكوب، مبا يف ذلك (العلم املح ّجب) 2013م، و(األسئلة املقدسة) .2017
وقد وضع األصوليون اإلسالميون -عىل وجه الخصوص -خطاباً جديدا ً حول العلم ،مؤكِّدين أ َّن االكتشافات العلمية الرئيسة كانت ُمتَ َوقَّ َعة َت يف النصوص املقدسة .وباستخدامهم لنهج علمي زائف .ولسوء و ُو ِصف ْ الحظ ،فإ َّن خطابهم املنترش عىل اإلنرتنت وشاشات التلفاز ،يجد ترحيباً لدى العديد من الشباب املسلمني. املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
69
الرسم :احمد ابوشريعة -السودان
ويتجل يف كل مكان؛ فهو ُمتَ َج ِّذ ٌر يف تكنولوجيا َّ حالياً ،العلم موجود، االتصاالت والهواتف املحمولة والحواسب اآللية وغريها من األدوات أي شباب التي نستخدمها كل يوم .فالشباب املسلمون -مثلهم مثل ِّ آخرين -هم مستهلكون منتظمون لهذه املنتجات املتطورة للعلوم الحديثة .غري أنه يف عامل يُ َح ِّركُه العلم ،ميكن اعتبار التطور التكنولوجي أداة هيمنة من البلدان املُتَ َق ِّد َمة النمو .ومن خالل النظر إىل النص املقدس كمصدر لك ُِّل املعرفة ،مبا يف ذلك العلم ،يُ َق ِّد ُم اإلسالميون خطاباً ُمضَ ل َِّلً للشباب املسلمني يقصيهم من اإلسهام يف التطور العلمي .ونتيجة لذلك ،يواجه عدد متزايد من الطلبة يف تونس وخارجها صعوبات يف االنتقال الفكري ما بني العلم وامل ُعتَقَد .إ َّن عدم الثقة يف العلم يتزايد برسعة يف العامل اإلسالمي حيث أ َّن التز ُّمت العقائدي يؤثر يف فهم ووعي الشباب بالنظريات العلمية.3
ينبغي للمرء أن ال ي ُقَ ِّل َل من تأثير السلفية وعزم أنصار العلم الزائف ومكافحة العلوم في تشكيل عقول أطفالنا .فاألصوليون الدينيون يناصرون ِبهمَّة ٍ ِ لحذف نظرية داروين من الكتب المدرسية ،بهدف االستفراد بالتأثير على المجتمع وفرض تصوراتهم القاصرة.
إ َّن املعارك القانونية التي دارتْ يف الواليات املتحدة منذ (قضية قرد سكوبس) الرمزية 5يف عام 1925م د�لَّل َْت عىل التفاين والقدرة املالية للحركات األصولية املسيحية املُتَ َز ِّمتَة بفرض رؤيتها الخاصة للعلوم أو ما يُ َس َّمى بـ(علم الخلق) 6أو (التصميم الذيك) .7وكذلك ال تسلم البلدان األوروبية من مجموعات األصوليني املسيحيني كام هو ُم َوث ٌَّق من قبل املجلس األورويب يف تقرير يحث الدول األعضاء عىل معارضة تدريس ومع ذلك فمن املهم أن ن َُسلِّ َط الضوء عىل أ َّن التالعب يف تفسريات قصة الخلق كمبدأ علمي.8 الكتب املقدسة لصالح التز ُّمت ليس قارصا ً عىل األصولية اإلسالمية؛ فعىل ويجب عىل املدافعني الحديثني عن البحث العلمي مواجهة خطاب سبيل املثال ،يعترب املتطرفون الهندوس أ َّن النظريات العلمية الحديثة من ميكانيكا نيوتن إىل الفيزياء -كلها َو َردَتْ يف نصوصهم املق َّدسة .األصوليني الدينيني والتح ُّدث بصوت عا ٍل و ُمتَّ ِح ٍد .وعلينا أن ننهض إلدانةإ َّن التواطؤ األيديولوجي بني املذاهب األصولية الدينية ينعكس أيضاً يف مخاطر النهج املُتَ َز ِّم ِت يف تفسري العامل الطبيعي .ومن مسؤوليتنا أن ندعو الرفض األجوف لنظرية داروين للتطور من قبل الربوتستانت اإلنجيليني إىل فَصلٍ واضح بني األطر الالهوتية واألطر العلمية من أجل الحفاظ عىل واألصوليني املسلمني .4وهذا النفور املتنامي ضد نظرية داروين يف العامل العلم كناقل للمعرفة .ويُشَ ك ُِّل بناء مجتمع املعرفة ت َ َح ِّديَاً رئيساً لجعل اإلسالمي يُ َع ُّد أكرث إثارة للدهشة ،حيث أ َّن مسألة التطور البيولوجي التطور العلمي والتكنولوجي ُم َح ِّركَاً للتق ُّدم العاملي .ويحتاج املسلمون قد ُدر َِس ْت ونُو ِقشَ ْت من قبل عدد من العلامء املسلمني خالل حقب -عىل وجه الخصوص -إىل تحرير أنفسهم من التز ُّمت الديني من أجل مختلفة من التاريخ اإلسالمي ،إال أنَّه ويف السبعينيات فقط ،ومع بروز التأثري عىل القرارات امل ُ ِه َّمة املتعلقة مبستقبل الكوكب .كام هم يف حاجة ظواهر اإلسالم السيايس ،أصبحت املسألة مثرية للجدل. ماسة إىل تقديم جيل جديد من العلامء من اإلناث والذكور القادرين
70
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
وجهات نظر
عىل التفكري والتحليل النقدي .وللقيام بذلك ،من الرضوري -يف رأيي- أن نعمل عىل إصالح عالقتنا بالدين ،ويف الوقت ذاته أن نُؤكِّ َد ُم َج َّد َدا ً متسكَنا باإلعالن العاملي لحقوق اإلنسان ،حيث يُ َك ِّر ُس اإلعالن العاملي ُّ ُشتكَة لإلنسانية التي تتجاوز الحدود الوطنية والثقافية .وإعادة للقيم امل ََ تأكيد التزامنا به يُ َع ُّد نقطة االنطالق للسامح بالقراءة املتطورة للنصوص اإلسالمية. إ َّن فهمنا لإلسالم يجب أن يسرتشد بحقيقة أ َّن القرآن يتضمن دروساً بشأن املجال الكوين ورسائل وإرشادات تحتاج جميعها إىل التعامل معها وفق حارضنا امل ُ َعاش .ومن ث َ َّم ،ينبغي أال ندع األصوليني يشوهون فهمنا للدين باسم النسبية الثقافية .وينبغي عدم استخدام الخصوصيات الدينية والثقافية لتربير الخروج عن القيم األخالقية العاملية املُتَّفَقِ عليها مثل املساواة بني الجنسني وكرامة اإلنسان .ونحن -املسلمني -بحاجة إىل املطالبة ب ُح ِّريَّ ِت َنا الفكرية ،والحق يف التشكيك ،ويف نقد وتفكيك املفاهيم السائدة من حولنا ،واملشاركة يف إنتاج املعرفة العلمية. وينطبق ذلك بصفة خاصة عىل النساء اللوايت اِستُب ِعد َن تاريخياً من املجاالت العلمية .حيث يزدهر العلم بحشد الطاقات واملوارد الفكرية لك ٍُّل من النساء والرجال .ويف هذا الصدد ،ميكن للمرء أن يستند عىل عمل امل ُصلِح التونيس الكبري (الطاهر الحداد) ،الذي اقرتح تفسري القرآن 9 ُش يف عام مع أخذ تطور املجتمع بعني االعتبار ،وذلك يف كتابه ،الذي ن ِ َ 1929م( ،امرأتنا يف الرشيعة اإلسالمية واملجتمع) ،حيث يُ َجا ِد ُل الحداد ليس فقط من أجل تحرير املرأة بل من أجل مساواتها القانونية أيضاً. وهو يدعو إىل نظام مدريس يُ َركِّ ُز عىل نقل املعرفة العامة للدين والتاريخ. ويدافع أيضاً عن حقوق الفتيات يف التعليم ،وأ َّن التعليم يجب أن يشمل تدريس (العلوم امل ُحكمة) ويقول" :إ َّن الواجب يدعونا اليوم أكرث من أي وقت مىض إلخراج النساء من ظلامت القرون املاضية واعتبارهن ِّ عضوات ورشيكات متساويات يف حياتنا ،ذلك هو مثن خالصنا وحريتنا". إ َّن االستثامر يف تطوير النظام التعليمي وفق متغريات العرص والتطور الذي يحدث كل يوم يف عاملنا هو أفضل َر ٍّد عىل األفكار الرجعية لألصوليني الدينيني .حيث أنَّه من املهم والرضوري أن يعزز نظامنا التعليمي التفكري النقدي وأسس املساواة بني الرجل واملرأة .وينبغي أن ينبني نظامنا التعليمي عىل ثقافة ال ُح ِّريَّة والتسامح والسالم بدالً عن التمييز والعنف .وعلينا أن نُ َر ِّب أطفالنا كمواطنني مدركني لتحديات العامل ،وملتزمني ببناء مستقبل البرشية .وهذا هو أساس التق ُّدم. بقلم :فوزية فريد الشرفي
من االنجليزية :شمس الدين عثمان
1
جيوردانو برونو (-1548 1600م) ،هو الفيلسوف اإليطايل ،الفليك ،عامل الرياضيات ،واملؤمن بالخوارق الذي توقعت نظرياته العلوم الحديثة. 2جريوم بينده ،نحو مجتمعات املعرفة ،منشورات اليونسكو2005 ،م. 3فوزية فريد الرشيف ،العلم املحجب ،إد .أوديل جاكوب، 2013م ،الفصل .3 4املرجع نفسه .الفصالن 4و .5 ( 5قضية قرد سكوبس) هي قضية قضائية أمريكية اِت ُّ ِه َم فيها مدرس مبدرسة ثانوية بانتهاك قانون بتلر بوالية تينييس ،الذي َج َّر َم تعليم نظرية تطور اإلنسان يف املدارس التي متولها حكومة الوالية. 6علم الخلق هو محاولة لتقديم قصة الخلق الواردة يف سفر التكوين كحقيقة علمية محضة. 7التصميم الذيك ،هي نظرية أ َّن املسألة ،واألشكال املختلفة للحياة ،والعامل ت َّم إنشاؤها بواسطة عمل هادف من عامل ذيك. 8أخطار قصة الخلق يف التعليم ،لجنة الثقافة والعلوم والتعليم ،مجلس أوروبا، 2007م. 9الطاهر الحداد ،امرأتنا يف الرشيعة اإلسالمية واملجتمع، تونس ،الدار التونسية للنرش؛ طراد.تحت عنوان (املرأة، الرشيعة اإلسالمية واملجتمع، تونس) ،البيت التونيس للنرش ،ودار النرش التونسية، 1978م. املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
71
ما بين العقيدة والحب والحرية:
لماذا تنضم بعض النساء في كينيا إلى تنظيم الشباب؟ فاتمية عظمية بادرودين
يبذل تنظيم الشباب املسلح -الذي يجعل من الصومال مقراً له -جهداً متزايداً من أجل تجنيد املرأة ضمن صفوفه .ويف هذا املقال تحاول الباحثة فاتيمة عزمية بادوردين الكشف عن بعض ديناميات تجنيد النساء والفتيات يف تنظيم الشباب يف إقليم كينيا الساحيل .وتسعى الباحثة أيضاً لتحليل األسباب التي تدفع باملرأة الكينية لاللتحاق بصفوف الجامعة ومناقشة مسألة (التجنيد الطوعي.)١ ت ُ َق ِّد ُم التقارير اإلعالمية صورا ً مختلفة عن النساء والفتيات الاليئ ينضممن لتنظيم الشباب .فالبعض يصورهن عىل أنهن (عرائس جهادية) مدفوعات برغبة الزواج من املقاتلني اإلسالميني .٢والبعض اآلخر يهتم بالرتكيز عىل األدوار املتعددة التي تؤديها النساء داخل الجامعة مقاتالت و ُمجندات أو عميالت ينقلن األخبار للجامعة أو ُمسا ِه َمت يف تقديم الدعم املايل أو الحريك .وقد َسلَّط َْت بعض الكتابات الضوء عىل مشاركة النساء والفتيات يف تدبري الهجامت اإلرهابية وتشكيل الخاليا.٣ إال أ َّن املشاركة املبارشة للمرأة يف أعامل العنف التي يقوم بها تنظيم الشباب ات َّضَ َح ْت بشكل سافر خالل العام ،2016وذلك عندما هاجمت ثالث نساء املقر املركزي لرشطة مدينة ممبسا الساحلية .فتلك الواقعة بالتحديد أجربت السلطات األمنية الكينية عىل إعادة النظر يف أدوار النساء يف تنظيم الشباب باعتبارهن ميكن أن يَ ُك َّن فاعالت يف أعامل العنف أو انتحاريات محتمالت.٤
إلجبار النساء والفتيات لالنضامم إىل التنظيم .وعليه ميكن القول إ َّن انخراط النساء يف تنظيم الشباب يتم ما بني االنضامم إىل التنظيم طوعاً أو عن طريق اإلجبار والتخويف والخداع. حيث يرتكز خطاب الجامعة للنساء والفتيات عىل دور النساء والفتيات كحاميات للعقيدة وذلك بتسليط مزيد من الضوء عىل أدوراهن ك ُمعينات لألزواج واألبناء واألقارب الذكور يف االضطالع بالتزاماتهم العقائدية خاص ًة الجهاد .ويرفد تنظيم الشباب هذا الخطاب بروايات تاريخية وقصص عن زوجات الرسول (ص) وعن نساء أخريات ذوات نفوذ يف التاريخ اإلسالمي؛ وذلك لتسهيل عملية تجنيد املرأة يف أجريت معهن أوضحت إحدى الفتيات الاليت صفوف التنظيم .٥وكام ُ ْ مقابالت خالل عميل البحثي ،أن النساء يُت َوقَّ ُع منهن أن يُ ْس ِه ْم َن يف جهود تنظيم الشباب من خالل دعم الرجال يف جهدهم لبناء الدولة اإلسالمية .ويتضمن هذا املوقف الداعم من قبل النساء تجنيد الرجال والنساء من مجتمعاتهم أو حثهم عىل االنضامم إىل تنظيم الشباب والهجرة إىل مواقع الجهاد من أجل حامية وحدة األمة .وكام هو الحال مع الحركات اإلسالمية املتطرفة يستخدم تنظيم الشباب كل ال ُح َج ِج املُضَ لِّلَة يف تجنيد األعضاء الجدد؛ وذلك عن طريق إساءة استغالل مفاهيم العقيدة والتدين.٦
ورغم أ َّن العديد من األوراق البحثية تحدثت عن أدوار النساء والفتيات وتجنيدهن يف تنظيم الشباب بصورة جيدة إال أنه ال بُ َّد من االعرتاف أ َّن هناك ندرة كبرية يف املعلومات املستقاة من مصادر بحثية تتسم بالدقة؛ ولذا تعتزم هذه املقالة محاولة ردم الفجوة املعرفية وتقع مسألة الهجرة ضمن الخطاب امل ُْستَ ْخ َدم يف التجنيد للجهاد املاثلة ،وذلك من خالل تقديم نظرة ثاقبة يف مسارات التجنيد واألسباب حيث ت ُ َر ِّو ُج الجامعة إىل أنه من واجب املسلم (الحق) هجر األرايض غري التي تدفع بالنساء لالنضامم إىل تنظيم الشباب . اإلسالمية وااللتحاق بأرض املسلمني .وت ُ َح ِّر ُض هذه الفكرة املتطوعني عىل ت ُ َج َّن ُد النساء والفتيات يف تنظيم الشباب بعدة طرق طوعية أو إجبارية .الذهاب إىل املناطق التي تقع تحت سيطرة الجامعة. ففي حالة التجنيد الطوعي ت ُ َع ِّ ُب املتطوعة عن رغبتها يف االنضامم إىل وعند مراجعة دوافع النساء والفتيات املنضامت إىل التنظيم تشري التنظيم اإلرهايب انطالقاً من وحي دوافع عقائدية أو شخصية أو مادية. وعىل العكس من ذلك فأ َّن امل ُ َج َّن َدة غري املتطوعة قد تقع يف مصيدة املتطوعات يف تنظيم الشباب إىل مسألة الهجرة باعتبارها مسألة مركزية أي معرفة ُم ْس َبقَة ،وذلك عن طريق تلقيها أكرث من إشارتهن إىل الجهاد .ولذا يلعب مفهوم الهجرة دورا ً كبريا ً تنظيم الشباب من دون ِّ ٍ أي فُ َرص حياتية أخرى .وكذلك يف حشد النساء؛ وذلك ألنه ينطلق من الفكرة التي يُ َر ِّو ُج لها اإلسالم وعودا ً بالعمل أو الزواج أو التعليم أو ِّ يف حاالت التجنيد اإلجباري للنساء ت ُْستَخ َد ُم آليات الخداع أو االختطاف السيايس السلفي واملتطرف بشكل عام وفحواها أنه ال يُ ْس َم ُح للنساء باملشاركة يف القتال ولكن بدالً عن ذلك تشارك النساء يف الجهاد عن طريق دعم مجهودات املجاهدين الرجال. ويشجع التنظيم مشاركة النساء والفتيات في أعمال العنف؛ وذلك عن طريق استخدام ُم َب ِّر َر ٍ ات عقائدية وأيديولوجية تنهض على تفسيرات ورؤى التنظيم.
72
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
فاتيمة عزمية بادوردين باحثة ومحارضة بشعبة العلوم االجتامعية بجامعة ممبسا التقنية يف كينيا.
وجهات نظر
وبالنسبة للمجندات من النساء والفتيات فإ َّ ن مجرد وصفهن بالـ (مدافعات عن العقيدة) يعطي معنى كبيراً لحياتهن.
وينطبق هذا عىل حال (أمينة )٧التي انضمت إىل تنظيم الشباب عىل أمل أن تجد الثواب يف اآلخرة .وقد كانت أمينة تعتقد بأن حياتها قبل انضاممها إىل الجامعة املسلحة كانت تتمحور حول املتع الدنيوية، ولكن كانت أمينة ترغب يف خدمة الله والوفاء بالتزاماتها الدينية ،وقد أقنعها ُم ِج ِّن ُد َها للتنظيم بأ َّن أيديولوجية الشباب هي (الدين الحقيقي)، وأنَّها بانضاممها إىل تنظيم الشباب تساهم يف حامية األمة اإلسالمية و تؤدي واجبها نحو الله. ويث ُِّل الزواج أحد العوامل الرئيسية التي تسهم يف تجنيد النساء َُ والفتيات يف تنظيم الشباب .ويف هذا الصدد ميكن مالحظة أربعة سيناريوهات متعددة الحدوث .السيناريو األول :قد ترغب املرأة يف الزواج من ٍ شخص معروف عنه تدينه ولكن دون أن تعلم بأ َّن الرجل قد ت َ َع َّه َد بالوالء إىل تنظيم الشباب الحقاً .السناريو الثاين :قد تضطر املرأة أوضحت يل للزواج من شخص ما بسبب الضغوط االجتامعية ،وذلك كام ْ أجريت معهن مقابلة ،حيث قالت: إحدى النساء الاليت ُ "إ َّ ن معظم الرجال يتوقعون الزواج من فتيات صغيرات في العمر ،وعندما تتعدى المرأة سن ال 25فإنها -غالباً -ما تجد نفسها في وضع ال يتيح لها باي اختيار الزوج ،ويصير من المتوقع منها أن تقبل ِّ رجل يعرض عليها الزواج".
و يف الغالب تقع هؤالء النساء ضحايا ألزواج مرتقبني ينتمون إىل تنظيم الشباب .السيناريو الثالث :يحدث لبعض النساء أو الفتيات الاليت يُ ْستَ ْد َر ْج َن عن طريق الوعود بالزواج من رجال أغنياء ،ويف الكثري من هذه الحاالت تقع املرأة ضحية ملجندي الشباب الذين يتخفون يف أزياء رجال أثرياء يحملون جنسيات أو وظائف من دول الخليج العريب أو أوروبا .وأخريا ً :فأ َّن بعض الفتيات والنساء يقعن ضحية آبائهن وأولياء أمورهن حيث يُ َز َّو ْج َن قرسا ً بسبب الفقر والرغبة يف تقليل األعباء املادية لرجال من التنظيم .ويف بعض األحيان تتم غواية الوالدين باملهر املعروض عليهم أو قد يُضَ لِّلُهم ت َ َديُّن العريس. ومبجرد الزواج من رجال منتمني إىل تنظيم الشباب غالباً ما تجد النساء أنفسهن محارصات .وعىل حد قول إحدى النساء الفاعالت يف حقوق املرأة يف ممبسا" :غالبا ما يستطيع األزواج يف مجتمعنا إقناع زوجاتهم بااللتحاق بتنظيم الشباب ،وقد يستخدمون مختلف الوسائل إلقناع زوجاتهم أو إجبارهن عىل االلتحاق بالتنظيم أو معاونته .والسائد هو أ َّن الرجال يستخدمون -يف الغالب -املرجعيات الدينية والفقهية التي تنص عىل أن تتبع املرأة زوجها وت ُ ْخلِص له .وت ُ َع ِّ ُب حالة (نعمة) عن هذا النموذج بامتياز ،حيث ذكرت بأنها قررت االنضامم إىل تنظيم الشباب يك تحافظ عىل متاسك أرستها وكذلك يك ال يتخىل عنها زوجها .ورغم أ َّن
واقع الحال يقول إن نعمة انضمت إىل التنظيم طوعاً ،لكن انخراطها أساسه أنها تريد املحافظة عىل عالقتها مع زوجها. ويَ ْستَ ْه ِد ُف ُم َج ِّن ُدو تنظيم الشباب -أيضاً -النساء الاليئ تأثرن بالحمالت األمنية ملناهضة اإلرهاب .فانتشار الغارات العنيفة واالعتقاالت التعسفية واالختفاء القرسي وعمليات القتل خارج نطاق القضاء بواسطة قوات األمن الكينية ،كلها أصبحت عوامل ت ُ َغذِّي حاالت االستياء ضد جهازالدولة؛ فالنساء الاليئ فقدن أحد األقارب مثل األب ،أو األخ ،أو الزوج ،أو االبن ،يَ ْس ُه ُل إقناعهن باالنضامم إىل تنظيم الشباب .ويف بعض الحاالت ت ُ َق ِّر ُر املرأة بشكل مستقل التنفيس عن غضبها أو السعي إىل االنتقام من الدولة من خالل االنضامم إىل الجامعات املتطرفة .ويف داخل الجامعة تتعرض املرأة لغسيل الدماغ والتلقني من قبل امل ُ َج ِّن ِدين الذين يُ َع ِّززُون من رغبة النساء يف االنتقام .ولذلك ميكن القول إنه حتى يف حال انضامم بعض النساء مبحض إرادتهن إىل التنظيم ،يبقي من الرضوري مبكان التشكيك يف إمكانية النساء يف اتخاذ قرار مستقل متاماً عند تحليلنا ألمناط وطرق التجنيد وعالئق القوى التي تحكم عالقات النساء والرجال يف املجتمع. وي َُعد ُّ نفوذ األقران وضغوطاتهم أيضاً من العوامل التي تدفع بالنساء والفتيات إلى الوقوع في أحضان األيديولوجيات المتطرفة.
ويشجع مفهوم (األخوات) الذي ت ُ َر ِّو ُج له اآللة الدعائية لتنظيم الشباب يف جذب النساء والفتيات داخل شبكات صداقات تتبني قضايا وأيدلوجية تنظيم الشباب .وتعمل شبكات الصداقة عرب اإلنرتنت ومجموعات (األخوات االفرتاضية) أيضاً عىل خلق شعور باالنتامء املشرتك يُ َس ِّه ُل تجنيد النساء والفتيات للتنظيم. وت ُ َع ُّد اإلغراءات املالية -أيضاً -من ضمن عوامل الدفع التي تساعد عىل تجنيد األعضاء الجدد؛ فالعديد من النساء ينخرطن يف التنظيم اعتقادا ً منهن أ َّن ذلك من شأنه مساعدتهن مالياً واالرتقاء مبكانة األرسة أو ملجرد السامح لهن بحياة مريحة .كام نجد أيضاً أ َّن النساء املتورطات يف نزاعات عائلية والاليت يعشن أزمات شخصية أو رصاعات نفسية يصبحن -بصفة خاصةُ -م َع َّرضَ ات للوقوع يف أيدي الجامعات املتطرفة. وتتنظيم الشباب -مثله مثل الكثري من الجامعات املتطرفة األخرى- يُ َق ِّد ُم للنساء الاليت يشعرن بتجاهل أو رفض أرسهن لهن ،يُ َق ِّد ُم لهن عاطفة مفعمة باألمل واالنتامء وإحساساً بالتحرر والتمكني؛ فقد َذكَ َرتْ (منرية) -عىل سبيل املثال -أنها قد انضمت إىل تنظيم الشباب من أجل الحصول عىل دخل ومن أجل ان ت ُْصب َِح مستقلة بذاتها وأن ت ُثب َِت لزوجها الذي تركها بأنها قادرة عىل إعالة نفسها .وباملثل ،فقد ذكرت (ليليان) بأنها قد قررت االنضامم إىل تنظيم الشباب انتقاماً من والديها عىل تجاهلهام لها .فهذه األمثلة تدعم وجهة نظراألكادميية الكندية (مايا بلووم) التي أكَّدَتْ أ َّن النساء ينخرطن يف العنف املتطرف ألسباب شخصية يف الغالب.٨
1تأسس هذا املقال عىل منطني من املعلومات األولية جمعتها فاتيمة بادوردين: ( )1بحث ميداين خاص بإطروحة دكتوراة (ديسمرب 2015إىل يونيو )2017و()2 مبحث خاص بالعائدات أو املنشقات عن تنظيم الشباب (مايو 2017إىل نوفمرب .)2017و قد أجرت الباحثة مقابالت مع النساء العائدات و أفراد من أرس املجندات وقيادات نسائية وشبابية وقيادات تعبوية من املجتمع. ٢جواكني بوانا ،و وليز أوكتيش( ،الدولة :العرائس الجهادية و ارتباطاها مع الدولة اإلسالمية يف العراق و الشام) ستاندارد ديجيتال7 ، مايو.2015 ، https://www. standardmedia.co.ke/ article/2000161310/ state-jihadi-brideshave-links-withisisaccessed%20 20.02.2018 ٣ستيوارت ويتنغهام (األرملة البيضاء سامانثا لوثويت قتلت ٍ 400 شخص يف عهد اإلرهاب ضد الغرب) ،مريور، .2015 ،17 https://www.mirror. co.uk/news/world-news/ white-widow-samanthalewthwaite-has-5714810 ( ٤قتل متفجرات انتحاريات خالل هجوم انتحاري عىل رئاسة مركز رشطة ممبسا)، كابيتال نيوز 11 ،سبتمرب، .2016 https://www.capitalfm. co.ke/news/2016/09/ female-bombers-killedfoiled-attack-mombasa/central-police-station
املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
73
لإلنضامم إىل تنظيم الشباب انطالقاً من اعتقادهن بأ َّن قيم أزواجهن تحتل املوقع األسمى مقارنة بقيمهن ووجهات نظرهن الشخصية .ومن هذه الناحية فإنه ميكن اعتبار تلك املجموعة من النساء قد اخرتن طوعاً االنضامم إىل التنظيم.٩ ومن ناحية أخرى ميكن اإلشارة هنا ايل فرضية (جيني هكاريب) أستاذة القانون التطبيقي يف جامعة ديوك ،التي تقول" :إنَّه من الرضورة مبكان تحدي االعتقاد السائد القائل بأ َّن النساء إمنا يشاركن يف التطرف العنيف فقط بسبب انقيادهن األعمى للرجل ."١٠فالنساء عادة ما ينجذبن للجامعات من أمثال تنظيم الشباب بوحي من عوامل عديدة تشمل عدم املساواة أو الحرمان أو جاذبية القضية ،يف حني أ َّن بعض النساء يقمن طواعية باختيار وتبني نهج وأهداف الجامعة املتطرفة. وقد تختار املرأة االنضامم إىل التنظيامت املتطرفة وسيلة للهرب من أعباء األدوار الجندرية التقليدية وللوصول إىل مواقع السلطة والقوة والقيادة التي ما كان سيتثنى لها الوصول إليها ضمن بنية املجتمعات املحافظة .فالنساء الاليئ يتعرضن لعنف بنيوي يف مجتمعاتهن يسعني للحصول عىل انتامء يف وسط جامعات ت َ َّد ِعي وقوفها مع متكني املرأة .إذن قد يصبح االنضامم إىل تنظيم الشباب -يف بعض األحيان -وسيلة تتمكن من خاللها املرأة من تحرير ذاتها من وضعية الخنوع التي تخضع لها ضمن األرسة واملجتمع.
الرسم :ابراهيم سيد -السودان
مناذج متفردة لنساء قررن االنضامم إىل وتُ َث ُِّل الحاالت املذكورة َ تنظيم الشباب مبحض إرادتهن .ومع ذلك ،فإ َّن فكرة انضامم النساء طوعاً للتنظيم هي فكرة قابلة للنقد والنقاش ،حيث أ َّن وضع النساء يف املجتمع يف كينيا -ويف ممبسا بالتحديد -يجعل موضوع استقالليتهن وقدرتهن عىل اتخاذ القرار مبعزل عن وصاية الرجال وتأثري املجتمع من حولهن مثارا ً للتساؤل. وميكن القول إ َّن قدرة النساء والفتيات عىل اتخاذ قرارات ُح َّرة ومستقلة ت ُ َق ِّي ُد َها الطبيعة البطريركية/األبوية للمجتمع ،وإ َّن االستقاللية ال تتامىش مع حاالت اإلذعان املفرط املفروضة عىل املرأة .وبالطبع ،فإ َّن اإلذعان املفرط أو الخنوع إمنا يشري إىل أ َّن اختيارات املرأة ومفاضلتها يف حقيقة األمر ال تتم إال بواسطة آخرين .ولكن -ومع كل هذا -يستحيل إنكار حقيقة أ َّن بعض النساء يرغنب يف وضع أنفسهن يف موقع التابع أو قبول وضعية اإلذعان .وكام أوضحنا سلفاً ،فإ َّن بعض النساء قد تطوعن
74
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
وىف كل األحوال يجب أخذ هذه الظاهرة بالجدية املطلوبة ملا لها من مآالت وخيمة؛ فقد تجد النساء والفتيات أنفسهن يقمن بكل ما هو ممكن من أجل أي مجموعة إرهابية أخرى تحت تعزيز أهداف تنظيم الشباب أو ّ ذريعة (تحرر كاذب) .لذا فإنه من الرضوري مبكان تفكيك خطاب (التحرر الكاذب) الذي ت ُ َر ِّو ُج له تلك الجامعات املتطرفة من أمثال تنظيم الشباب؛ وذلك عن طريق استخدام مناظري نسوية موضوعية وذات صلة لرفد املرأة بآفاق حقيقية للتحرر.
بقلم :فاتيمة عزمية بادوردين من االنجليزية :فيصل الباقر
٥اتصال شخيص ،قيادة شبابية ،ذكر ،ممباسا 7 ،مايو، .2017 ٦تقليدياً ارتبط مفهوم الهجرة بهجرة الرسول وأصحابه إىل املدينة تجنباً للعداءات التي لحقت بهم يف مكة. ٧
لدواعي عدم الكشف عن الهوية ،استبدلت األسامء الحقيقية لألشخاص بأسامء مستعارة.
٨مايا بلووم ،املرأة واإلرهاب: القنبلة (فالدلفيا :دار نرش جامعة بنسلفانيا) 2011 ، ٩أندريا ويسلوند( ،نكران الذات واملسؤولية عن الذات: هل يتوافق اإلذعان مع االستقاللية؟) ،فيلسوفيكال ريفيوو:)2003( 112 ، .77-37 ١٠جني هكريب( ،عندما تصبح املرأة إرهابية) ،النيويورك تاميز 21 ،يناير.2015 ، https://www.nytimes. com/2015/01/22/ opinion/when-womenbecome-terrorists.html
وجهات نظر
النساء وتحديات اإلسالم السياسي في إندونيسيا المعاصرة دينا افريناتي
متر إندونيسيا املعارصة -اليوم -بحقبة مليئة بالتحديات؛ إذ تشهد يف عدد من املحاوالت التي يبذلها اإلسالمويون لتغيري الدستور والقوانني الدكتورة دينا أفريانتي :هي زميلة البالد تج ُّدد ظهور التعبري عن الدين اإلسالمي علناً كجزء من مكونات لرتسيخ قيم اإلسالم التقليدي كأيدلوجية للدولة.٢ الهوية الوطنية للبالد .فقد أصبح الدين اإلسالمي يف أكرب دولة إسالمية أبحاث ما بعد وحالياً متيل أعدا ٌد متزايدة من املسلمني اإلندونيسيني إىل املغاالة يف من حيث السكان املرجعية الرئيسة للمجتمع اإلندونييس للتم ُّعن يف الدكتوراه يف معهد القضايا االجتامعية والثقافية والسياسية .وعندما رشعت إندونيسيا يف التعبري علناً عن ت َ َديُّ ِنهِم ،وال يقترصون عىل استهالك املواضيع الدينية الدين والسياسة واملجتمع ( )IRPSيف إصالحاتها الدميقراطية عام ،1998وضعت النسويات املسلامت والنساء علناً بل وينادون بتطبيق السياسات والقوانني العامة املرتكزة عيل متسق مع النزوع العاملي تجاه الجامعة الكاثوليكية الناشطات آماالً عراضاً يف اقرتاب تَ َحقُّقِ مبادئ املساواة الجندرية وحرية العقيدة .ومن الواضح أ َّن هذا األمر ٌ النساء والتسامح وترسيخ القيم الدميقراطية عىل أمل أن ت ُشَ ك َِّل املبادئ التَ َديُّنِ الجامهريي إال أنه أيضا يعكس -وبنفس القدر -التأثري املتزايد األسرتالية .وت ُ َركِّ ُز األساسية بنية الدولة اإلندونيسية .فقد ت ََص َّد َرتْ النساء لسنوات عدة للوهابية عيل اإلسالم يف إندونيسيا ،وهي حركة أصولية وسلفية يف أبحاثها عىل النوع االجتامعي ،والسياسة ،حراك التغيري يف إندونيسيا ،وت َ َح َّملْ َن عبئاً باهظاً ج َّراء العنف واالغتصاب املقام األول تحظى بتمويل عا ٍل نَبَ َع ْت من اململكة العربية السعودية. واسع النطاق الذي صاحب انهيار نظام الرئيس سوهارتو .١ومع إنشاء حيث أث َّ َرت الطريقة الوهابية -إىل حد بعيد -يف ظهور منظامت اإلسالم والتعليم اإلسالمي، املفوضية الوطنية للقضاء عىل العنف ضد النساء أو (كومناس بريميبوان) ،السيايس املتطرفة مثل عسكر الجهاد ،ومجلس املجاهدين ،وحزب والعالقات الدولية، يف العام ،1998الذى تبعه إنشاء منظمة املرأة الوطنية وفروعها التي العدالة االجتامعية السيايس اإلسالمي .ووفقاً للباحث اإلندونييس وحقوق اإلعاقة يف املجتمعات اإلسالمية .امتدت عرب البالد ،ساد اعتقاد لدى الكثريين أ َّن املساواة الجندرية قد املسلم :نورهايدي حسن ،فإ َّن هذه املنظامت متيز نفسها من املؤسسات صارت قريبة املنال .إال أ َّن واقع الحال -مع األسف -قد أثبت العكس .اإلسالمية اإلندونيسية األخرى بـ"التزامها الصارم بالتطهريية ،وقيم وهي أيضا تابعة اإلسالم السلفي ،واملغاالة يف إظهار التَّ َديُّنِ يف الفضاء العام".٣ لجامعة رشيف هداية الدميقراطية و صعود اإلسالم السيايس: الله اإلسالمية يف وتستنكر الناشطات من النسويات املسلامت وناشطات حقوق جاكرتا .وهي مؤلفة تقتيض الدميقراطية إتاحة الفرص املتساوية لكل املجموعات السياسية املرأة واملجتمع املدين صعود اإلسالم السيايس باعتباره ُم َه ِّد َدا ً للمساواة كتاب( :املرأة وقانون والثقافية والدينية -مبا يف ذلك املجموعات املحافظة -للتعاطي والتأثري والدميقراطية ،حيث أ َّن املجموعات السياسية والدينية املحافظة تدفع الرشيعة يف شامل إندونيسيا -املنظامت يف تشكيل الخطاب الجامهريي والسياسات العامة .وقد شهدت الفرتة بتفسري لإلسالم يُ ِ خض ُع النساء ويُ َقيِّ ُد ُه َّن يف داخل املنزل .ويف األعوام غري الحكومية املحلية االنتقالية يف أعقاب انهيار نظام سوهارتو االستبدادي تزايدا ً ُمطَّ ِر َدا ً املاضية نَظَّ َم الدعاة الدينيون اإلسالمويون سلسلة من الحمالت التي يف األحزاب واملجموعات السياسية ذات األيدولوجيات املتباينة ما بني تدعم ت َ َع ُّد َد الزوجات وفرض النقاب عىل النساء وتشويه األعضاء النسائية وإصالح املجموعات اليسارية واالشرتاكية أو الليربالية أو مجموعات ميينية كلها التناسلية (خفض اإلناث) والزواج امل ُ َبكِّر .وإضافة إىل التزايد امللحوظ القانون اإلسالمي يف آتشيه) ،الذي نرشته تتنافس يف الفضاء السيايس .وبعد عقدين من الدميقراطية يف إندونيسيا يف ارتداء النقاب ،فقد دار جدل كثيف حول استخدام منصات التواصل يالحظ املرء النمو املتصاعد للنزعة التقليدية والصعود املنتظم للدين االجتامعي عرب اإلنرتنت للرتويج لتَ َع ُّد ِد الزوجات .وت َّم تدشني تطبيق روتليدج يف عام جديد للهاتف الذيك عام 2017يتيح للرجل املتزوج البحث عن زوجات السلفي يف القطاعني الترشيعي والقضايئ. .2015 إضافيات ،كل ذلك دومنا اعتبار لقانون الدولة اإلندونيسية الذي يُ َنظِّ ُم وقد نتج هذا التطور من مزيج من العوامل .أوال :إخفاق الدميقراطية ويح ُّد من ت َ َع ُّد ِد الزوجات (قانون الزواج رقم .)1974/1وقد أثارت هذه الغربية والرأساملية االقتصادية يف تعزيز العدالة االجتامعية واملساواة الحمالت قلق املسلمني املعتدلني من ناحية ،ومن ناحية أخرى فقد يف بلد مزدحم بالسكان قليل املوارد مثل إندونيسيا ،إذ يؤمن كثري من وجدت تلك املنابر رواجاً واسعاً بني أعدا ٍد متزايدة من النساء ممن اإلندونيسيني أ َّن الفساد واآلفات املجتمعية ،ما هي ّإل من مثار الثقافة وافقن عىل الرأي القائل بأ َّن واجبهن هو البقاء يف املنزل لخدمة األزواج الغربية .وىف الغالب فإ َّن وجهة النظر هذه ما هي إال ردَّة فعل من ورعاية األطفال. تفش ظاهرة كراهية املسلمني التي انترشت املسلمني اإلندونيسيني تجاه ِّ الحركة النسوية اإلسالمية اإلندونيسية: يف مختلف أنحاء العامل والرتويج إىل ربط اإلسالم باإلرهاب والعنف. و َحر ٌِّي بنا هنا مالحظة أ َّن الهوية الدينية اإلسالمية ظل َّْت دوماً جزءا ً من الفضاء العام يف إندونيسيا التي يلعب فيها اإلسالم دورا ً مركزياً يف تشكيل الثقافة والروابط االجتامعية .ويُ َ ِّب ُر هذا الرابط -من منظور اإلسالمويني يف إندونيسيا -الحاجة لتأسيس (دولة إسالمية) .ويتجىل هذا
إ ّن ازدياد القبول باإلسالم السلفي يُ ْنظَ ُر إليه باعتباره ِر َّد ًة سياسية ثقافية واجتامعية بني النسويات املسلامت واملسلمني املعارصين الذين ظلّوا يحاربون املامرسات الدينية السلفية عقودا ً مبا يف ذلك ت َ َع ُّدد الزوجات وعزلة النساء داخل املنزل ،وذلك منذ السنوات األوىل املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
75
إ ّن الحمالت السياسية التى متارسها وتديرها هذه الجامعات كاألبوية وكراهية النساء ت ُ َع ِّر ُض للخط ِر التقد ُم امل ُ ْح َر ُز نحو املساواة بني الجنسني وحقوق املرأة يف إندونيسيا. التحديات املعارصة التى تواجهها املرأة املسلمة اإلندونيسية: ومع دخول إندونيسيا يف مرحلة أكرث محافظة ،ألقت التطورات يف الحراك السيايس الضوء عىل العديد من التحديات التي تواجهها النساء. ومل تعد قصص النساء اللوايت تعرضن لـ(الجلد) يف مقاطعة آتشيه بزعم ارتكاب الخيانة الزوجية أو الزنا أو الفاحشة ،تجد رصخة عامة أو تُ ِث ُري غضب الجمهور .ويُ ْنظَ ُر اآلن إىل الجلد (الرضب) كشكل من أشكال العقوبة املتسقة مع اإلسالم ،وبالتايل مقبولة اجتامعياً .وهناك عدد قليل من الناس يجرؤ عىل إدانة هذه املامرسة باعتبارها جزءا ً من تفش كراهية النساء والتفسري األبوي لإلسالم .وعىل سبيل املثالُ :ح ِك َم ِّ عىل امرأة يف مقاطعة آتشيه مؤخرا ً مبائة جلدة للـ(خلوة) ،أى( :أنّها ُو ِجدَتْ عىل مقربة من رجل مل يكن زوجها) .ومبوجب القانون الجنايئ اإلسالمي لعام ، 2014أصبحت عقوبة (الخلوة) مائة جلدة ،وهي زيادة كبرية عن العرش جلدات املنصوص عليها يف القانون السابق لعام .2003وباإلضافة إىل ذلك ،يجب تنفيذ عقوبة (الجلد) أمام املسجد بعد لحركة استقالل إندونيسيا .٤ويف مواجهة هذه التحديات فإ َّن النسويات صالة يوم الجمعة .ويُ ْنظَ ُر إىل جعل العقاب يف مكان عام وعىل مرأى املسلامت يف إندونيسيا ،اعتمدن مقاربة شبيهة باالسرتاتيجية التى من الجمهور عىل أنه وسيلة إلثناء اآلخرين عن خرق القانون اإلسالمي. اعتمدتها النسويات يف الرشق األوسط وشامل أفريقيا .حيث تحتوى هذه ِ ص مؤيدو اإلسالم السيايس يف مقاطعة أتشيه عىل أ َّن تطبيق املقاربة عىل إعادة قراءة وتفسري وبناء التقاليد اإلسالمية بطريقة تتحدى ويُ ُّ الفهم املؤيّد لكراهية النساء (امليسوجينية) واألبوية (البطريركية) ،كام الرشيعة يستند إىل الحقوق والحريات التي متنحها الحكومة املركزية ألهل أتشيه ليعيشوا وفقاً للمبادئ اإلسالمية التي اختاروها .ولذلك يُ َر ِّو ُج لهام السلفيون وكوادر اإلسالم السيايس. أي انتقاد من جانب النسويات املسلامت واملجتمع املدين ونشطاء فإ َّن َّ وقد بدأ هذا الجهد يف أوائل التسعينيات ،بالتعاون مع أكادمييات حقوق اإلنسان -وخاصة عىل املستوى الوطني -يُ ْرف َُض ويُ ْعتَ َ ُب بال أساس. مسلامت معتدالت تخ ّرجن من مؤسسات التعليم العاىل اإلسالمية وقد ت ََس َّب َب حادث آخر مؤخرا ً يف غضب شعبي عارم؛ وذلك عندما التابعة للدولة باإلضافة إىل جامعات غربية ورشق أوسطية بينام ص َح أحد قضاة املحكمة الرشعية يف سومطرة الشاملية يف كتاب أصدره استلهمت تلكم األكادمييات والناشطات مؤلفات النسوية اإلسالمية التى َ َّ كتبتها فاطمة املرنيىس ،وأمينة ودود ،وزيبا مري حسينى ،وأصغر عيل ويف مقابالته مع وسائل اإلعالم الوطنية أ َّن أسلم طريقة للرد عىل زيادة إنجنري .ومن ناحية أخرى انخرطت واستلهمت النسويات اإلندونيسيات معدل الطالق هي مطالبة النساء بالخضوع الختبارات العذرية قبل التقاليد املحلية اإليجابية يف العمل عىل تعزيز حقوق املرأة .وعىل سبيل الزواج .٥وذلك العتقاده أ َّن الطالق ينتج من عدم االلتزام مبؤسسة الزواج. املثال ،فيام يتعلّق بـالحجاب (نقاب الوجه) مثالً ،ت ُ َجا ِد ُل النسويات ولسوء الطالع فإ َّن هذا القايض ليس هو أول مسؤول عمومي يسمح املسلامت بأ ّن هذه املامرسة القادمة من الرشق األوسط إمنا هي تعبري لقناعاته العقائدية بالتأثري عىل آرائه حول املصلحة العامة والنظام العام. عن الثقافة أكرث من كونها ضمن تعاليم اإلسالم .وت ُسلّ ُط النسويات الضوء عىل تواريخ الحركة النسوية يف إندونيسيا عندما ارتدت القيادات ففي عام ،2015قَ َّر َر مثانية قضاة من املحكمة الدستورية رفض طلب النسوية املسلمة خالل فرتة االستعامر (شاالً متواضعاً) لتغطية شعرهن .مراجعة قضائية ق َّد َمه خرباء الصحة ونشطاء املجتمع املدين من أجل ش َن إىل أ ّن النساء يف إندونيسيا لعنب دورا ً مهامً كقائدات رفع الحد األدىن لسن الزواج للفتيات من 16إىل 18سنة .٦وقد ق َّد َم وباملثل ،يُ ِ ْ ت َ َح ُّر ٍر يف أجزاء عديدة من البالد ،مبا يف ذلك مقاطعة (آتشيه) اإلسالمية .امللتمسون معلومات علمية عن املخاطر الصحية والنفسية املرتبطة وأص امللتمسون يف بالزواج و( َح ْمل) الفتيات ما قبل سن الثامنة عرشةَّ َ . َت ،ما زالت النسويات طلب املراجعة عىل عدم موامئة سن الزواج الحايل مع عدد من القوانني وعىل الرغم من بعض النجاحات التي ت َ َح َّقق ْ املسلامت يف إندونيسيا يصارعن -اليوم -للتصدى لخطاب الفاعلني الوطنية ،مبا يف ذلك قوانني التعليم ،وحقوق اإلنسان ،وقانون حامية السياسيني والدينيني الذين يروجون لإلسالم السلفي واإلسالم كدولة الطفل ،وحتى مع الدستور اإلندونييس. وأيديولوجية سياسية قادرة عىل حل جميع األمراض االجتامعية واالقتصادية والقانونية والسياسية يف املجتمع .وقد أصبحت النساء وبدالً من اتباع توصيات النشطاء والقانونيني ،أصدر القضاة قرارهم -لألسف -من املجموعات املستهدفة بدعاوى السلفية واإلسالم السيايس .بنا ًء عىل آراء املنظامت التي تتخذ من التفسري السلفي لإلسالم ُمتّ َكأً
76
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
1االجرنال سوهارتو :هو رئيس إندونيسيا من العام 1967إىل العام ،1998وقد متيز نظامه االستبدادي بالتحكم املركزي وقمع املعارضة والفساد املسترشي. 2أرسكال سامل( :تحدي الدولة العلامنية :أسلمة القانون يف إندونيسيا الحديثة) ،مطبعة جامعة هاواي.2008 ، 3نورهايدى حسن( ،اإلميان والسياسة :صعود عسكر الجهاد يف عرص االنتقال يف إندونيسيا) ،إندونيسيا ،رقم ( ،73نيسان /أبريل :)2002 ص .169-145 4ت َّم تب ِّني إعالن االستقالل اإلندونييس يف 17أغسطس .1945وقد شكَّل اإلعالن بداية الثورة الوطنية اإلندونيسية ،وهي مقاومة دبلوماسية ومسلحة ضد القوات الهولندية ،حتى اعرتف هولندا -رسمياً- باستقالل إندونيسيا يف عام .1949
5ملزيد من املعلومات ،يرجى االطالع عىل: https://www. voaindonesia.com/a/ komnas-perempuankecam-usul-uji.4024852/-keperawanan html؟utm_source=dlvr. _it&utm medium=twitter
الرسم :احمد ابو شريعة -السودان
لها ،مثل منظامت :املحمدية ،ونهضة العلامء ،٧ومجلس العلامء الوطني اإلسالموية العاملية بـ(نجاح) و(ببطء) ملؤسسات الدولة والقضاء يف (وهو مؤسسة شبه حكومية) .وقد جادلت هذه املنظامت بأ َّن الزواج إندونيسيا. يجب أن ُ َيا َر َس وفقاً لـ(املعتقدات الدينية) .ومتاشياً مع هذه الحجج وعىل الرغم من التق ُّدم الذى أحرزته النسوية اإلسالمية عىل مدى أكَّ َد القضاة أ َّن اإلسالم ال يهتم بالحد األدىن لسن الزواج ولكن مع ما يُ ْع َر ُف بـ(العقل و البلوغ) أي( :عا ِقل وبالِغ) .وبهذا ت ُ ْعتَ َ ُب الفتاة راشدة العقود الثالثة املاضية ،تحتاج الحركة النسوية املعارصة إىل تب ِّني عندما تكون سليمة العقل وقادرة عىل التمييز بني (السيئ والج ّيد) ،واحتضان اسرتاتيجيات جديدة ،مبا يف ذلك التواصل مع النساء املشاركات يف املؤسسات الدينية السلفية والعمل عىل استقطابهن؛ فقد ي ُك ّن وهي مرحلة تصلها الفتيات حسب تقديراتهم من سن الـ.16 قادرات عىل التأثري يف تَطَ ِّور العقيدة اإلسالمية لدى النساء املنتميات وهناك حجة أخرى قَ َّد َم َها القضاة ،وهي أ َّن العامل يشهد -يف الوقت إىل األحزاب السياسية اإلسالمية أو املنتميات ألكرب منظمتني إسالميتني يف الراهن -ت ََسا ُر َعاً يف امل ُغريات والغواية بني الشباب بسبب تحسني الوصول إندونيسيا ،وهام :املحمدية ونهضة العلامء. إىل التكنولوجيا واملعلومات .وهذه التطورات -وفقاً آلراء القضاة -يجب لقد م َّك َن ْت تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت النساء اإلندونيسيات أن ت ُ َو َّجه من خالل الزواج الرشعي وفقاً للتعاليم الدينية ،وت َ َج ُّن ِب إنجاب من التع ُّرف عىل الثقافات اإلسالمية بشكل منفتح ،كام ت َ َع َّرفْ َن أيضاً األطفال خارج إطار الزواج. عىل أشكال التَّ َديُّنِ والتقوى املتسامحة وعىل النسوية اإلسالمية ونهج اإلسالم السيايس واإلسالم السلفي .إ َّن التحدي الرئييس الذي تواجهه املرأة ماهو مستقبل املرأة املسلمة اإلندونيسية؟ اإلندونيسية اآلن يتمثل يف إيجاد طريق خاص بها ،يُ َع ِّز ُز حقوق املرأة، عىل ضوء التطورات السابق ذكرها يتعني عىل املسلمني اإلندونيسيني بينام يحرتم الثقافة اإلندونيسية. املعتدلني أن يردوا عن طريق إعادة النظر يف موقع اإلسالم والعقيدة يف بقلم :د .دينا أفريانتى دولة إندونيسيا الحديثة .إذ ت ُ َوضِّ ُح األمثلة املذكورة أعاله -بدقة -كيفية من االنجليزية :فيصل الباقر اخرتاق العقل السلفي لإلسالم وت َ َوغُّله ،وهو ُم ْستَ ْو ًحى -يف الغالب -من
6كيىل بوشانان :املحكمة ترفض إلتامسني/طلبني يتحديان قانون الزواج ،مكتبة الكونغرس 25 ،يونيو .2015 http://www.loc.gov/law/ foreign-news/article/ indonesia-court-rejectstwo-challenges-to/marriage-act 7ت ُ ْعتَ َ ُب املحمدية ونهضة العلامء من أكرب املنظامت اإلسالمية يف إندونيسيا .وقد تأسست املحمدية يف عام 1912وتلتها نهضة العلامء يف عام .1926يف حني ت ُ ْعتَ َ ُب املحمدية منظمة إسالمية حديثة ونقية ،يُ ْنظَ ُر إىل نهضة العلامء عىل أنها أكرث تقليدية .وتضطلع املنظمتان بأدوار مهمة يف التنمية االجتامعية واالقتصادية والسياسية يف إندونيسيا. ويؤكد عامل األنرثوبولوجيا األمرييك روبرت هيفرن أ َّن املنظمتني لعبتا دورا ً كبريا ً يف تعزيز الدميقراطية يف إندونيسيا .للحصول عىل معلومات إضافية ،يُ ْرجى االطالع عىل :روبرت هيفرن، (اإلسالم املدين :املسلمون والدميقراطية يف إندونيسيا) مطبعة جامعة برينستون، .2000
املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
77
#تهشيم البطريركية :ما بين الحلفاء والمعارضين تغريد شمس الدين عابدين
الكاتبة :تغريد شمس الدين عابدين :هي أم ومهندسة معامرية و ُم َد ِّونَة من السودان. غاضبة عىل الظلم، ومستلهمة للقيم اإلنسانية ،ولها كتابات منشورة يف املونيتور وبامبازوكا نيوز. ميكنك الحصول عىل املزيد من كتابتها عىلtaggysudan. : blogspot.com
يف بالد ال تزال حذرة ومسرتيبة تجاه الحركة النسوية ،حيث تستخدم الشخصيات الدينية فيها مصطلح (العلامنية) بشكل متناوب مع مصطلحي (اإللحاد) و(الشيوعية) ،فإ َّن إعالن الحرب عىل النظام األبوي/ البطريريك ال يتالءم مع العديد من الناس. والشاهد يف هذا األمر أ َّن إسهامايت يف وسائل التواصل االجتامعي التي أقرنها مع هاشتاق #[ SmashThePatriarchy#تهشيم األبوية] تحظى بإقبال ضعيف إذا جاز التعبري مقارنة باألخبار أو الحكايات األخرى التي أنرشها عىل املنصات نفسها .فام يقرب من ٪90من أصدقايئ عىل متابعي متواضعي الفيسبوك ( )Facebookيعرفونني شخصياً ،يف حني أ َّن َّ العدد يف منصة تويرت ( )Twitterهم يف الغالب من الغرباء بالكامل، ولكن تُقَاب ُِل هاتان املجموعتان حملة سحق األبوية بالالمباالة نفسها، ويبدو أنه من الواضح أ َّن (تحطيم النظام األبوي) ال يحظى بالكثري من الدعم.
ويف الواقع ،نجد أنَّه ويف الحقب االخرية أ َّن النساء تأث ّرن بشكل غري متناسب بالحريات املبتورة ورصن أكرث عرضة للرصاعات اإلقليمية .حيث أ َّن دوائر القمع تعمل ِض ّدهن بشكل منتظم .فنجد أ َّن الرجال ضحايا الرصاعات يبحثون عن من هم دونهم لتفريغ شحنات القهر الذي تعرضوا له الستعادة إحساسهم بالسيطرة وتظل النساء هن املتلقيات لالضطهاد املزدوج. وال يقتصر هذا (االضطهاد بالوكالة) على دائرة األسرة والمجتمع ،فالقوانين المعادية للنساء ُسمَّى بـ(قانون النظام العام ) ،تسمح مثل ما ي َ أي ألي شخص ،بأن يعلن نفسه (مستاء) من ظهور ِّ ِّ أنثى في المجاالت العامة أو الخاصة.
وعىل هذا ميكنه تقديم شكوى للرشطة ،واعتامدا ً عىل كيفية تطبيق القانون املبهم ،ففي أسوأ السيناريوهات ،ميكن تغريم األنثى املعنية هل يا ترى أ َّن شعار تهشيم األبوية يحتاج إىل توضيح أكرث ،ومسألة أو سجنها أو جلدها .ويف أفضل السيناريوهات ،سوف ت ُضَ يِّ ُع السيدة أو أنني أطالب بإزالة األنظمة التي ال تخدم النساء (يف أحسن األحوال) الفتاة وقتها يف لعبة فاضحة وتُ َع ِّر ُض نفسها لالبتزاز. وتعمل عىل قمعهن بشكل نشط يف أسوأ األحوال ،هو أمر يحتاج إىل وبالرغم من جسامة هذه االنتهاكات ،فإنَّ ِني ال أرى أ َّن هذه القوانني الكثري من الدقّة؟ إ َّن موقفي هذا ليس هجوماً عىل الرجال بشكل عام، ولكن عىل األُطُ ِر القانونية واالجتامعية التي تُفَضِّ لُ ُه ْم وتنحاز لهم بشكل أو النظام الحايل هي أخطر عنارص البطريركية .فهناك فعالية أكرث شؤماً أعمى مام ينجم عنه وجود خلل اجتامعي واضح. تحدث يف السودان بانتظام ،تتمثل يف انتشار مجموعات سامرسة قهر النساء بالوكالة ،هؤالء الذين قفزوا إىل عربة االضطهاد إلثبات ذواتهم ورمبا كان شعار تهشيم األبوية دراماتيك ّياً مثالً ،ولكن السؤال يبقى ،وتف ُّوقهم الزائف حيث يوجد هؤالء يف مختلف منعرجات الحياة يف هل سيكون الناس أكرث انفتاحاً للتآكل التدريجي للبطريركية أو األبوية ،السودان. بدالً من الدعوة إىل مواجهتها وتهشيمها؟ وهل ينبغي لنا أن نُ َح ِّذ َر من وعىل الرغم من اختالف سناريوهات البطريركية فإ َّن منطها يبقى مواجهة نظام يستعبد املرأة وينحاز لتف ُّوق الرجال؟ وهل لنا أن نأمل يف ظل هذا الوضع يف إمكانية الحصول عىل املزيد من الحريات دون تكبُّد متطابقاً وتربيراتها مو َّحدة ،فهي تستند بشكل أسايس عىل متويه الدين عناء املواجهة وأن نأمل يف ظهور حلفاء أقوياء. والثقافة لخلق منط تفكري يؤسس ملرشوعيتها ،فنجد مثالً أ َّن أسطورة تف ُّوق الذكور بشكل عام عىل اإلناث يتم ترسيخها بشكل دؤوب يف اإلجابة :بالطبع ،وحتامً ال. القوانني واملامرسات والخطاب اليومي ،ثم أسطورة تف ُّوق الذكور املستعربني عىل غريهم ،ثم تف ُّوق األثرياء من الرجال عىل الفقراء الذين يحظون بالرثوة التي أعطاها الله لهم حيث يجب أن ال يجرؤ أحد عىل في السودان وفي ظل النظام الحالي تمسك السلطة البطريركية انتزاعها منهم .كام ال ميكن الطعن يف امتيازاتهم باعتبارها منحة من بمفاصل األمور في المجتمع إلى درجة االختناق .فقد ولّت األيام أي محاولة ملواجهة تلك االمتيازات هي مواجهة مع التي كان يمكن للسودان والسودانيين فيها أن يتباهوا بحيازة النساء السامء .وتصبح ّ لحقوق التصويت والتمثيل السياسي .حيث لم ت ُ الدولة ومواجهة مع الدين ومواجهة مع الله. عد هناك قفزات وخطوات واسعة تجاه حقوق النساء في العقود األخيرة.
78
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
"كيف تجرؤ؟"" ،هل أنت وثني علامين؟" ،حيث ميكن للمرء أن يسمع
وجهات نظر
الرسم :حسين ميرغني -السودان
ذلك ،عندما يطعن يف امتيازات السلطة يف السودان وهنا يحدث انهيار النساء الناشطات يف حقوق املرأة يف شبكات التواصل أنفسهم مدانني بتهمة عدم القيام بوظيفتهم يف السيطرة عىل زوجاتهم ،وستوصم النساء تام للتواصل وبرسعة الربق. غري املتزوجات باعتبارهن عانسات عاجزات عن الزواج وحاقدات. فبفضل سماسرة ووكالء البطريركية المنتشرون عبر وسائل التواصل االجتماعي ،ال يتعي ُّن على القابضين على السلطة تكب ُّد عناء الدفاع عن أنفسهم؛ فوكالء السلطة البطريركية القابضة قادرون على الفتك بكل الحجج ،دون حتى استدعاء للمنطق أو إظهار الحجج المضادة.
أي فرصة يف النقاش املوضوعي. ويف ِظ ِّل تلك الفوىض تضيع ّ وما يثير حفيظتي أكثر هو وكالء البطريركية من النساء .فمن ناحية أنا أفهم تماماً تشب ُّث الرجال الموروث بالسلطة ،واستعالءهم ُ المزمن، َّ إل أنني ال أستطيع أن أفهم النساء اللواتي يدعمن هذا النظام الذي ويكرس لإلبقاء عليهن تحت وطأة السلطة يقمعهن وي ُقعِ د بهن ِّ األبوية.
أي يشء ممكن وغري ممكن للتص ِّدي ألي حيث لن يتو ّرعوا عن فعل ِّ رأي موضوعي .فسوف يبحثون عن ملفات وسائل اإلعالم االجتامعية بالطبع ،فإ َّن هذا الوضع ليس حرصا ً عىل السودان .إ َّن رصخات قوى الخاصة بـ(الليرباليني) وتحديدا ً النساء عىل شبكة اإلنرتنت .وسينقبون أي معلومات ميكن أن يجدوها تُ َ ِّك ُنهم من مامرسة املزايدة بالقيم اليمني املتط ِّرف ضد النسوية تكتسب مرشوعية جديدة يف جميع أنحاء عن ِّ ٍ وعندئذ يجد الرجال أزواج العامل .إال أنني أُ ُِّ واألخالق مثل" :ملاذا ِ ص عىل أ َّن النسوية لها أهميتها القصوى يف السودان يف أنت خارج املطبخ؟".
املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
79
ِظ ِّل القهر العام الذى يحدث لكل رشائح املجتمع .لذا يجب االستامتة يف الحفاظ عىل الحراك النسوي يف السودان. واملثري للتفاؤل أ َّن الحركة النسوية يف السودان ،رغم كل الصعاب، ترفض أن تنزوي أو تختفي ،وينض ُّم العديد من الحلفاء الجدد إىل املعركة وبعضهم من الرجال الذين يرفعون أصواتهم معلنني تضامنهم ومجاهرين مبواقفهم التضامنية مع النساء .فالعديد من الشباب ينسبون نجاحهم ورفاهيتهم وحياتهم إىل النساء القويات من حولهم .وهناك أيضاً رجال أكرب سناً وآباء يستنكرون ما آلت إليه األمور يف السودان والخوف الذي يالزمهم عىل بناتهم ج َّراء أجواء الكراهية والعنف املؤسس ضد النساء. والرجال الحلفاء يُق ُّرون بأ َّن النظام األبوي السائد حالياً يف السودان هو نظام جائر كام أنهم يعون متاماً أ َّن املجتمع ال ميكن أن يزدهرَّ ،إل من خالل نظام يدعو إىل املساواة والعدالة بني الجنسني.
(كُره الرجال) .نحن بحاجة إىل تح ِّدي السياسات واأليدولوجيات القدمية التي تسعى ألن تج ّرنا للوراء ،وترتكنا يف الخلف .ومن ناحية أخرى يجب أن ال نقيص الوكالء من الحوار ،وأن نحاول قدر اإلمكان البحث عن األدوات الالزمة إلعادة الرتبية ونرش الوعي ومتكني النساء يف املجتمعات املحلية وإنشاء روابط اجتامعية وثقافية .إ َّن مساهمة النساء أساسية للنمو املستدام يف املجتمعات السودانية واألفريقية واإلسالمية عىل َح ٍّد سواء. لقد تعلّمنا كمسلمني ،منذ طفولتنا وىف سن ُمبكِّرة ج ّدا ً ،أسامء الله الـ .99ومن بني هذه األسامء (الحكم) أي القايض النزيه ،و(العدل) لتجسيد العدالة ،و(الحق) لتجسيد الحق ،وهذا يُ َع ِّز ُز من إمياين بالله العادل ،مام يؤكِّد ص َّحة هذا النضال من أجل العدالة واملساواة .إ ّن إمياين بعدالة اإلسالم يؤطِّ ُر موقفي ضد البطريركية ،وهو موقف ملتزم ومأخوذ بوعي وعن دراية ،وليس مجرد موضة أو مقاومة طائشة.
وىف املقابل ،من املهم االنتباه إىل أ َّن املساواة ليست مجرد عامل زائف، آمل أن أرى مالمح التحول خالل حيايت .وآمل أن أرى مجتمعاً يُ َفك ُِّك ولكنها أساس لعامل أفضل .تقول األمم املتحدة يف أهدافها اإلمنائية املستدامة :إ َّن "املساواة بني الجنسني ليست مجرد حق أسايس من أوارص البطريركية بصدد خلق بيئة من االندماج والسالم والتنمية .وحتى حقوق اإلنسان ،بل هي أمر رضوري لعامل يسوده السالم واالزدهار يحدث ذلك سوف أواصل بذلك يف الهاشتاق SmashThePatriarchy# واالستدامة" .وتتحرك حركات مثل MoreWomenMorePeace#أي :الذي ال يحظى حتّى اآلن بشعبية. (املزيد من النساء – املزيد من السالم) يف جميع أنحاء العامل كاعرتاف بدور املرأة يف بناء سالم دائم. وعىل الرغم من الدعم املتزايد من الرجال ،هناك عدد من العقبات التي يجب التغلُّب عليها .ففي السودان ،غالباً ما يتم رفض الحركة النسوية واملساواة وأسس العلامنية ،باعتبارها بُ ًنى غربية ُم َص َّم َمة الستعامر املجتمعات الساذجة ثقافياً .كام يتم تضخيم وشخصنة االنتقادات الالذعة ،بني النسوية اإلسالمية والنسوية الغربية .ويف ِخضَ ِّم ذلك تحاول القوى األبوية بشدة إقناعنا بأ ّن الحركة النسوية واملساواة بني الجنسني (ليست لنا) ،بينام يزدهر التعصب وكراهية النساء والقبلية دون رادع. إ ّن حركة ( #تهشيم البطريركية) ،مطلوبة ،ونحتاجها كمجتمع ،من أجل التنمية والنمو واملساواة والعدالة .ونحن بحاجة إىل أن يفهم الجميع أ َّن (النسوية) ليست كلمة سيئة ،واملساواة بني الجنسني ال تعني
80
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
بقلم :تغريد شمس الدين عابدين من االنجليزية :فيصل الباقر
وجهات نظر
الطريق إلى األمام:
ضرورة إحياء انخراط النساء في العلوم االسالمية فداء عبده
ومن منظور العلوم اإلسالمية املجردة فإ َّن الباحث والعامل باملجال هو الشخص الذي اكتسب املعرفة يف ذلك املجال ،مبا يف ذلك امتالك مجموعة املهارات املتقدمة يف البحث واالستنتاج .باإلضافة إىل ذلك، يسعى الباحثون والعلامء املختصون مبعرفة الدين اإلسالمي إىل التمسك بالقيم واألخالق األساسية إلميانهم .وميكن القول أ َّن التعريف ال يحمل أي دالالت جندرية . بشكل عام ّ
الرسم :ابراهيم سيد -السودان
وإذا نظرنا إىل العلوم اإلسالمية من وجهة نظر غربية ،فإ َّن فهم العلوم واملدارس اإلسالمية والوعي بها هو أمر أصبح رضورياً حيث أ َّن الدين اإلسالمي أصبح ضمن منظومة الثقافة العاملية بانتشار املسلمني يف مختلف بقاع العامل مبا يف ذلك الغرب .ويتطلب هذا الوضع من املفكرين والباحثني يف مجال الدراسات اإلسالمية أخذ هذه العوامل يف االعتبار عند مقاربة تطور الدراسات اإلسالمية وتطبيقاتها .ويتيح هذا املنحى للمسلمني إنهاء العزلة وتب ِّني التغيري اإليجايب ،وذلك وفق الحكمة النبوية" :خريكم خريكم ألهله وأنا خريكم ألهيل" ،1مبعنى أ َّن (أفضلكم أولئك الذين هم أفيد لبعضهم بعضاً) .ومن املهم الوعي أ َّن الحديث لت نفسها عىل النبوي موجه لألمة كافة وليس ملجموعات بعينها فَضَّ ْ أساس العرق أو العمر أو الجندر.
فداء عبده :هي معلمة يف العلوم اإلسالمية ملختلف املؤسسات يف سيدين ومديرة االتصاالت لجمعية النساء املسلامت ،وهي منظمة أسرتالية غري ربحية.
فالعلوم هي وسيلة لتحقيق غاية ،وهذه الغاية هي مجتمع متناغم يُنظَ ُر إىل الدراسات اإلسالمية باعتبارها مجاالً محصورا ً عىل الرجال. لكن املعرفة -بالطبع -ال تعرف العرق أو النوع االجتامعي ،وهذا ليس مبني عىل االحرتام والثقة وليس التطابق والتشابه .فالفروقات بني البرش ُم ْع َ َت ٌف ومحتفى بها يف التقاليد اإلسالمية والنص القرآين املقدس واملعرفة مفهوماً ثورياً. السليمة والوعي .فاملعرفة من أدوات التحرر وليس العكس .ولهذا فمن الرضوري أن تحيي النساء املسلامت إرث الدراسات اإلسالمية السبب ،فإنّه من األهمية مبكان أن يُو َجد النساء والرجال معاً يف مختلف املجاالت العلمية مبا يف ذلك حقل العلوم اإلسالمية. النسوية ،ال ِسيَّام يف السياق العاملي الحديث. فاملعرفة ،واملعرفة وحدها هي مفتاح التب ُّحر يف العلوم .وال يجب تعريف التمكُّن يف العلوم وفق الجندر مثلام ال يتم اكتساب املعرفة وفقاً لالنتامء ل ِعرقٍ أو ثقافة محددة .إذ يتم تعريف التمكُّن يف العلم من خالل قياس املعرفة املكتسبة لدى الشخص ومهاراته وخرباته.
ومما ال شك فيه أن اإلسالم ظل عقوداً مطولة ديناً متمحور حول استعالء الذكور وتفضيلهم .وبناء على ذلك فأ َّ ن الدراسات اإلسالمية ُ د إنتاج التقاليد اإلسالمية احت ُ ِك َرت من قبل الرجال قروناً عديدة وأعِ ي ْ َ والفقه وفق المنطق البطريركي.
املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
81
إال أ َّن هذا التصور -إضافة إىل قصوره وفق معطيات الوقت الذى نعيشه -يغفل عمدا ً أدوار النساء وتأثريهن يف صياغة ونقل التقاليد والعلوم اإلسالمية وىف الثقافة األمية بشكل عام ،بدءا ً من السيدة خديجة والسيدة عائشة بنت أيب بكر ،التي ت ُ ْعتَ َ ُب واحدة من أعظم السلطات املعرفية ،وهى املعلمة لبعض أعظم العلامء الذين أنتجهم اإلسالم عىل اإلطالق من الذكور واإلناث.
وتقوم النساء حول العامل اليوم بحمالت من أجل املطالبة باملساواة يف التمثيل يف مختلف املجاالت العملية والعلمية .وبالنسبة للمرأة املسلمة ،لن يتحقق هذا إال إذا استطاعت النساء التداخل واالنخراط يف العلوم اإلسالمية وتوظيفها لنيل الحرية واملساواة .فنحن النساء بحاجة ألن نعيد امتالك هويتنا اإلسالمية. وعندما متتلك النساء الثقة يف معارفهن حول عقيدتهن يصبحن قادرات عىل هدم سطوة البنية البطريركية التي اختطفت اإلسالم وامتلكته وطوعته ملصالحها .وعندها فقط ميكن أن نأمل يف مجتمع يُتيح للجميع الفرص املتساوية .إ َّن متكني املرأة املسلمة من تأكيد هويتها اإلسالمية يُع ِّز ُز من قدرتها عىل تحقيق ذاتها ،وىف استلهام و إحياء إرث النساء العاملات يف التاريخ اإلسالمي.
إ ّن وجود النساء يف مناصب العلوم اإلسالمية ليس مفهوماً جديدا ً، إذ ميكننا ذكر العديد من األمثلة هنا ،مثل عمرة بنت عبد الرحمن (األنصارية) 2التي ا ُ ْعتُ ِ َبتْ من أعظم علامء عرصها ،لدرجة أ َّن الخليفة يف تلك الفرتة -عمر بن عبد العزيز - 3نفسه كان ينصح الناس رجاالً ونساء بأنهم إذا أرادوا تعلُّم السرية النبوية فيجب عليهم الذهاب إىل الـ(عمرة) .وال ميكن مناقشة العلوم الدراسية يف اإلسالم دون ذكر فاطمة ِ ُشتْ هذه املقالة يف األصل عىل اإلنرتنت يف 23فرباير 2018من بنت محمد الفهرية التي َّأس َس ْت ما يُ ْع َر ُف اآلن بجامعة فاس التي ت ُ ْعتَ َ ُب *ن َ من أعرق الجامعات يف العامل خالل القرن التاسع يف فاس باملغرب .وهذا قِبل هيئة اإلذاعة األُسرتالية. بعض ما حققته النساء أسوة بالرجال يف الحقب املبكرة للدولة اإلسالمية؛ فقد كانوا يبنون املؤسسات التي تضمن املساواة يف الوصول إىل التعليم بقلم :فداء عبده حيث تأسست تلك املنشآت عىل مبادئ الحرية واملساواة. ي إشكالية في التاريخ اإلسالمي تجاه تعليم الرجال من قِ بل لم تُر َْصد ْ أ ّ النساء أو العكس .إذ يسعى الباحث عن المعرفة إلى تحقيقها من أفضل المصادر التي يمكنه الوصول إليها.
فقد عملت النساء بالتدريس يف املساجد ،واملؤسسات التعليمية، ومن بيوتهن لنرش املعرفة .وال ميكن إغفال القيمة الفريدة التي تجلبها النساء للعلوم اإلسالمية. والبُ َّد للنساء من خوض مجاالت العلوم اإلسالمية والتمسك بقول الرسول" :طلب العلم فريضة عىل كل ُمسلم" 4أي "السعي وراء املعرفة واجب" .إذ ال يوجد متييز عىل أساس العرق أو الجندر أو العمر أو املكانة االجتامعية.
82
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
من االنجليزية :فيصل الباقر
1املعجم الوسيط – ص 5937 2عمرة بنت عبد الرحمن: هي تلميذة عائشة بنت أيب بكر ،زوجة النبي ،وهى عاملة وخبرية ىف شؤون الفقه والحديث النبوى . 3ولد عمر بن عبد العزيز يف عام 63هجرية " /682 683م " ،وتويف ىف العرشين من رجب عام 101هجرية، (فرباير 720م) يف املدينة املنورة( ،اآلن اململكة العربية السعودية) ،بالقرب من حلب ،سوريا. 4سنن ابن ماجه – ص ( 224من كُتب األحاديث النبوية) .
ملف العدد:
جنسانية المرأة في المجتمعات اإلسالمية
ما بين الهوس والتحريم
الرسم :سارة مكي احمد املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
83
النساء ومعاناة الهجران
نقيبة باراكزاي
نقيبة باراكزاي :نالت استحساناً واسعاً لتقريرها التحلييل عن اإلحباط الجنيس للنساء اللوايت يتزوج أزواجهن أكرث من وقضت امرأة. ْ باراكزاي أكرث من عرشة أشهر يف أداء عمل مثري عن السالم، حيث ظل َّْت تواجه سوء املعاملة وحتى التهديد بالقتل أثناء عملها.
تقول (زارمينا) التي تبلغ من العمر 36سنة ،وتعيش يف مدينة (هرات) العاصمة اإلقليمية لغرب أفغانستان مع زوجها (جمعة جول) تزوجت من جمعة منذ 17 الذي يعمل (سائقاً) -وزوجته الثانية" :لقدُ سنة ،ولكن بعد مرور ست سنوات عىل زواجنا ت َ َز َّو َج زوجي من فتاة أخرى" .ومنذ ذلك الوقت رفض زوجها مامرسة الجنس معها .وتسرتسل زارمينا قائلة" :إنه ألمر ٍ قاس أن تشعري وكأنك أرملة عىل الرغم من أ َّن زوجك ال يزال عىل قيد الحياة" .وتضيف" :أجد صعوبة بالغة يف التعبري عام يجيش حقيقة بداخيل". تقول زارمينا إنها ظَل َّْت أكرث من عرش سنوات تشعر بأنها غري محبوبة رغبت يف عالقة حميمة مع ومرفوضة و ُم ْحبَطَة .وتضيف قائلة" :كلام ُ وحاولت االقرتاب منه كان يقابل رغبتي بالرفض ،فأذهب وأُقَ ِّب ُل زوجي ُ القرآن الكريم وأطلب الصرب والغفران من الله؛ ألنَّه من غري املمكن أن أغادر منزيل وأُشبع رغبايت مع رجل آخر". ومام زاد الطني بلة ،أ َّن رازمينا تعيش يف منزل صغري مع جمعة وزوجته الثانية ،وغرفهم مقابلة لبعضها البعض مبارشة .ووفقاً لذلك قالت زارمينا إنه من الواضح أ َّن زوجها وزوجته الثانية كانا يتمتعان ْ عانيت منه خالل بحياة جنسية نشطة" .فالجزء األسوأ من حيايت الذي ُ السنوات اإلحدى عرشة املاضية هو أن أستيقظ يف الصباح وأرى الزوجة الثانية لزوجي تستحم بعد مامرسة الجنس يف الليلة السابقة مع زوجي". ووفقاً لتشريعات الفقه التقليدي اإلسالمي ،يحق للرجل أن يتزوج أربع زوجات كحد أقصى .إال أ َّ ن القرآن الكريم ن َّ َص صراحة على شرط العدل ،ثم ن َّ َص على استحالة تطبيق العدالة عند الزواج بأكثر من واحدة.
الرسم :هانا بيرزوايك -الواليات المتحدة
الرشيعة يسمح للزوجة طلب الطالق إذا كان زوجها غري قادر عىل تلبية احتياجاتها .ويقول عبد الواحد عاصمي ،مدير مصلحة الحج والشئون الدينية يف مدينة هرات" :إ َّن إشباع الرغبة الجنسية يُ ْعتَ َ ُب إحدى غايات الزواج يف اإلسالم .وعندما يحرم الزوج زوجته من املامرسة الجنسية فإنه سيكون ُم َح َاس َباً بسبب هذا الفعل أمام الله" .وكذلك يُضيف" :عندما تشتيك املرأة من أ َّن زوجها يرفض مامرسة الجنس معها ،يحق للمحكمة أن تأمر بطالقهام" .إال أ َّن الضغط االجتامعي والخوف من العار وعدم تعاطف النظام القضايئ بشكل عام يجعل قلة من النساء فقط يلجأن إىل القانون.
إال أ َّن مدارس الفقه التقليدية قد تجاهلت ذلك عمدا ً .ويصدق النص املقدس مبا ال شك فيه يف استحالة العدل بني أكرث من زوجة ،حيث أنَّه وعىل أرض الواقع دامئاً ما تُ ْرف َُض الزوجة األُوىل عندما يتزوج زوجها بامرأة أخري .وعىل الرغم من أ َّن مناقشة األمور الحميمية بشكل رصيح ت ُ ْعتَ َ ُب من امل ُ َح َّر َمات يف مجتمع أفغانستان املحافظ ،فقد ت َ َح َّدثَ معهد تقارير الحرب والسالم ( )IWPRإىل عدد من النساء يف مدينة هرات الغربية من الاليئ ذكرن أ َّن الزواج الثاين للزوج قد َد َّم َر حياتهن .وفضالً عن سخطهن املرير ج َّراء سنوات من الحرمان من الحميمية وعطف وتقول (نفيسة) ذات األربعني ربيعاً ،التي تعيش يف حي (ناوأباد) "تزوجت الرشيك ،ذكرتْ بعض النساء بأنهن قد ُح ِر ْم َن كذلك من فُ َر ِص إنجاب مبدينة هرات -وهي متزوجة من عبد القيوم ملدة 25سنة:- ُ أنجبت طفيل الثالث كنت أبلغ من العمر 15عاماً .ولكن عندما ُ املزيد من األطفال .ويتفق معظم علامء اإلسالم عىل أنه من املحظور عندما ُ عىل األزواج التوقف عن مامرسة الجنس أكرث من أربعة أشهر ،وأ َّن قانون تز َّو َج زوجي مرة أخرى .ومل ميارس الجنس معي طيلة السنوات التسع
84
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
ملف العدد :جنسانية المرأة في المجتمعات اإلسالمية ما بين الهوس والتحريم
عرشة املاضية" .وتضيف قائلة" :يف بعض الليايل عندما أرغب يف أن أكون بالحق يف حرمانهن من الجنس" .فالعديد من النساء يف هرات لديهن قريبة من زوجي ،أقوم بإعداد رسيره يف غرفتي ،لكنه مييض ُج َّل وقتة فكرة خاطئة مفادها أنه ما دام أ َّن اإلسالم قد سمح للرجال بالزواج من مع الزوجة الثانية .وعندما ات َِّص ُل به من غرفتي أتلقى اإلهانة والرفض" .العديد من النساء ،فإ َّن الرجال لديهم الحق أيضاً يف حرمان الزوجة األوىل والثانية من املعارشة بعد زواجهم للمرة الثالثة والرابعة". وتقول نفيسة أيضاً إ َّن زوجها ييسء معاملتها ،وأحياناً يرضبها .وبعد وتقول (سمية) ذات الثالثني ربيعاً والتي تزوجت من داؤود عندما خمس سنوات عىل هذا املنوال ،أرسلها زوجها للعيش يف منزل أخيها يف كانت تبلغ من العمر 12عاماً" :،يوجد َمث ٌَل مشهور ىف هرات يقول: منطقة (آسفي أباد) يف هرات .وتابعت قائلة: (الزوجة الصغرية دامئاً لها اليد العليا) ،لذا ال أريد أن ميارس زوجي "خالل هذه السنوات الـ ،15لم َي ُزر ْ عبد القيوم منزل الجنس مع زوجته األوىل". أخي لرؤيتي ولم يحاول أن يكون حميماً معي"، ْ وأضافت بأ َّ ن زوجها قد رفض أيضاً دعمها مالياً.
قالت سمية ،التي تعيش يف الحي السادس يف هرات ،إنها كانت تشعر بالغرية والكره الشديد للزوجة األُوىل لزوجها ،مضيف ًة أنه كان من وتعمل نفيسة اآلن يف غسل املالبس والخياطة ،وتؤدي دواماً للعمل الشائع يف مجتمعها أن يكون للرجال ثالث أو أربع زوجات" .لقد مرت يل ،ولكنني ال أعتقد أنني يف مصنع معالجة الفستق لكسب ما يكفي إلطعام أطفالها وكسائهم 18 .سنة منذ أن تزوجت من داؤود ومل يتزوج ع َّ أجابت نفيسة قائلة :قد سمحت له ق ُّط مبعارشة (نور بيبي) ،زوجته األوىل". ولدى سؤالها عن سبب بقائها متزوجة إىل اآلن، ْ "مل أطالب بطالق زوجي ألنني امرأة مسلمة ،وطالق الزوجة عن زوجها يُ ْعتَ َ ُب ُم ْن َك َرا ً ووصمة عار". ووفقاً لعبد الباري ،رئيس التحقيقات الجنائية مبركز رشطة هرات، إ َّن املشكلة واسعة االنتشار .وقال" :إ َّن الكثري من الرجال الذين لديهم وتذكر محبوبة جامشيدي ،مديرة قسم شئون املرأة يف هرات ،أ َّن عدة زوجات ينتهكون حقوقهن برفضهم ملعارشتهن" .وأشار عبد الباري امتناع الرجال عن معارشة زوجاتهم تُ َث ُِّل إحدى الشكاوى الشائعة" .تأيت إىل أنَّه من املستحيل الحصول عىل فهم واضح للقضية حيث أ َّن قلة النساء إىل مكتبي ويسألنني كيف يتثني لنا إشباع رغباتنا عندما ميتنع من النساء فقط تقدمن بشكاوى رسمية للرشطة .وأضاف قائالً" :هرات هي مقاطعة تهيمن عليها عادات وثقافات عميقة الجذور ،لذا نادرا ً أزواجنا عن مامرسة الجنس معنا؟". ما يأيت الناس إىل الرشطة يف مثل هذه الحاالت" .وأضاف قائالً "وعندما وقد أ َّم َن ْت معاري ميهانديار ،املدعي العام التي تتعامل مع قضايا يتم تقديم مثل هذه الشكاوى يتم متريرها إىل املرشدين االجتامعيني العنف ضد املرأة يف مكتب النائب العام يف هرات ،عىل أ َّن رفض الرجال للتحكيم" .واستطرد قائالً" :تحرتم الرشطة العادات القبلية املحلية ،لذلك مامرسة الجنس مع زوجاتهم ُ َيث ُِّل مشكلة حقيقية ،وذلك عىل الرغم ال نطلب من السلطات القضائية التدخل يف مثل هذه الحاالت". وقالت" أل َّن مجتمعنا تهيمن من أ َّن املرأة تجد صعوبة يف الحديث عنه. ْ عليه التقاليد املحافظة ،متتنع النساء من املجاهرة بأحاسيسهن وتأثري ومع ذلك ،فقد ت َ َح َّدثَ معهد تقارير الحرب والسالم إىل امرأة قررتْ ات ِّخاذ إجراءات قانونية يف محاولة منها للضغط عىل زوجها ليقيم عالقة الحرمان عليهن". حميمية معها .ويف حديثها ملعهد تقارير الحرب والسالم ذكرت املراة مت بشكواها إىل مركز الرشطة ،طلبت املرأة البالغة س ِّج ُل النساء بأنها بعد أن تق َّد ْ وتتابع معاري مايهانديار القول" :ت ُ َ من العمر 30عاماً ،وهي من سكان منطقة (بكر أباد) يف هرات ،عدم قضاياهن على أنها عنف ،ولكن عندما نجري التحقيقات األولية نجد في بعض األحيان أ َّن السبب الكشف عن شخصيتها. الحقيقي هو أ َّ ن أزواجهن يرفضون ممارسة الجنس معهن".
ويقول عبد القادر رحيمي ،رئيس املكتب اإلقليمي للجنة األفغانية املستقلة لحقوق اإلنسان" :من املؤسف أ َّن الكثري من النساء غري واعيات بحقوقهن الرشعية والقانونية؛ ولذلك يعتقدن أ َّن أزواجهن يتمتعون
ُ تزوجت من زوجي ،ضابط حيث قالت المرأة" :منذ عشر سنوات، الشرطة ،ومنذ عامين تزو ََّج زوجي للمرة الثانية ،ومنذ ذلك الوقت ُ ُ طلبت كتبت أنَّه لمدة عامين لم يعاشرني .وفي خطاب الشكوى، من زوجي حقي في المعاشرة ،لكنه لم يرفض طلبي فحسب ،بل ضربني ً أيضا". املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
85
وقالت إنَّه عىل الرغم من أ َّن اإلسالم قد منحها خيار إنهاء زواجها ،زوجي يلومني ويعايرين بأنني كبرية يف السن وقد أوضح أنه يل يريد إال أنها تخىش أن يؤدي ذلك فقط إىل جعل حياتها أسوأ ،وذلك "بسبب أن يعيش مع زوجته البالغة من العمر 24عاماً" .وقالت صيد بيبي والدي ال يريدانني أن أقوم بذلك؛ لذا ال أستطيع أن أُطلق إنها تشعر بالخجل الشديد من طلب الطالق ،وتخىش من جلب العار حقيقة أ َّن َّ عىل نفسها وعائلتها .وأضافت" :لن أسامح زوجي أبدا ً لعدم اضطالعه زوجي". مبسؤولياته كزوج يل لسنوات عديدة". وبعد هذه املقابلة مبارشة ،شاهد مراسل معهد تقارير الحرب والسالم زوج املرأة وهو يواجهها ويه ِّددُها بإطالق النار عليها إذا عادت إىل منزله .وأيضاً صاح يف وجهها قائالً" :لقد أهنتني وأحرجتني أمام زماليئ بالشكوى بأنني حرمتك من الجنس". بقلم :نقيبة باراكزاي والحقيقة أ َّن أغلب النساء يعانني يف صمت ،ويشعرن بعدم قدرتهن عىل تغيري أوضاعهن.
من االنجليزية :فيصل الباقر
أ ُ ِع ْي َد نرش هذا املقال بإذن من معهد تقارير الحرب والسالم ،والذي تزوجت (صيد بيبي) -وهي من سكان (غوزار بارامان) يف هرات -كان قد نرش املقال عىل صفحته مبوقعه اإللكرتوين يف 23يناير .2017 ْ زوجها أحمد عندما كانت يف الثامنة عرشة من عمرها .وهي اآلن تبلغ من العمر 44سنة ،وقالت إ َّن زوجها ال تستهويه امرأة يف سنها .وتقول صيد بيبي" :ذهب أحمد إىل إيران قبل 14عاماً وتز َّوج للمرة الثانية من فتاة إيرانية .وبعد هذا الزواج الثاين ،اعتاد املجيء إىل هرات مدة 10أو 12يوماً فقط خالل موسم الصيف .وعندما مكث أحمد يف هرات ،مارس الجنس معي مرة أو مرتني فقط" .وتابعت صيد بيبي القول" :كل عام كنت أطلب منه الحضور إىل هرات مرة واحدة عىل األقل كل شهرين، ُ لكن ذلك مل يحدث قطُّ". ويف العام املايض ،طل ََّق أحمد زوجته اإليرانية وعامل صيد بيبي بلطف خالل زيارته السنوية الصيفية .وقالت صيد بيبي" :إال أنه وبعد أيام قليلة من وصوله إىل هرات ،عقد زواجه الثالث من فتاة تبلغ من العمر 24عاماً كانت إحدى جاراتنا" ،مضيف ًة أ َّن حياتها قد ازدادت سوءا ً بسبب هذا االتحاد األخري .حيث كان الثالثة يتقاسمون منزالً ،وكانت غرفة صيد بيبي تقع يف مقابل غرفة زوجها وزوجته الثالثة .وقالت إنها ميكنها أن تسمع كل حديثهم الرومانيس وأ َّن ذلك كان ُم ِهيْ َناً ومؤملاً لها بشكل غري محتمل. وقالت صيد بيبي" :منذ زواجه الثالث مل ينظر زوجي إ َّيل ،بل وظ ََّل
86
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
ملف العدد :جنسانية المرأة في المجتمعات اإلسالمية ما بين الهوس والتحريم
قراءة في انعكاسات العقل السلفي على التشريعات السودانية
اعتماد الحمل وسيلة إلثبات الزنا عثمان مبارك
ارتبط تجريم الجنس يف الترشيعات السودانية الحديثة ارتباطا وثيقاً الكاتب :عثامن مبارك ،محامٍ وباحث بالعقلية السلفية ومساومات اإلسالم السيايس يف الوصول إىل دفة الحكم. قانوين :درس القانون وقد بدأتْ أوىل خطوات تجريم الجنس لغري املتزوجني بعد تعديل قانون يف جامعة الخرطوم ،عقوبات السودان يف العام 1983م ،ذلك التعديل الذى صار يُ ْع َر ُف وحصل عىل املاجستري الحقاً بقوانني سبتمرب ،وهي حزمة من التعديالت والقوانني أصدرت خالل السنوات األخرية من حكم الرئيس السوداين األسبق جعفر منريي، من جامعة أسيكس الذى أعلن حينذاك ما أسامه بالرشيعة اإلسالمية ،ون ََّص َب نفسه إماماً يف بريطانيا .وهو عىل املسلمني .وقد ساعد يف صياغة تلك القوانني وتنفيذها مجموعة من مهتم بقضايا املرأة وقضايا حرية األديان الفاعلني يف نظام النمريى الذى كان متحالفاً يف ذلك الحني مع تنظيامت: األخوان املسلمني/الجبهة اإلسالمية وأحزاب األمه والحزب االتحادي ومنظور التقاليد الدميقراطي منذ العام 1 1977تحت مظلة اتفاقية املصالحة الوطنية. اإلسالمية .قاد فريق وقد ُع ِّ َي يف أعقاب توقيع تلك االتفاقية الدكتور حسن الرتايب -زعيم الدفاع يف عدد من جبهة امليثاق سابقاً ،ورئيس الجبهة اإلسالمية القومية ال حقاً -مستشارا ً قضايا الراي العام لديوان النائب العام. من ضمنها قضية مريم يحيى وقضية تول الجبهة اإلسالمية لسدة الحكم يف السودان يف العام ويف أعقاب ِّ القساوسة وقضيه ،1989أصدر النظام السوداين القانون الجنايئ لسنة 1991م ،الذي هو هدم الكنائس يف يف جوهره نسخة من قوانني سبتمرب 1983م ،حيث ت َّم تقنينه بإضافة الخرطوم. آليات تنفيذية مثل ترشيعات النظام العام الوالئية التي مبوجبها ت َّم إصدار حزمة من القوانني املبهمة تنفذها دوائر رشطة النظام العام 1اتفاقية املصالحة الوطنية وت ُ َركِّ ُز عىل تجريم السلوك الشخيص للمواطنني عرب مواد مثل الرشوع وقعت يف 1977/7/7م يف الزنا ،ورقص النساء أمام الرجال ،وغريها من املواد القانونية التي تُ َج ِّر ُم مبدينة بورتسودان بني وتنتهك خصوصية األفراد واألرس وعالقات النساء والرجال . نظام منريي ،االخوان
املسلمني والحزب االتحادي الدميقراطي التي نصت عىل رضورة إحداث إصالحات سياسية بالبالد، ٢ذا رمى الرجل امرأته بالزنا ومل تعرتف بذلك ومل يرجع عن رميه فقد رشع لهام اللعان ويجب اللعان يف حالتني: أ -الحالة األوىل :إذا رمى امرأته بالزنا كأن يقول لها: ِ زنيت أو رأيتك تزنني وليس عنده أربعة شهود يشهدون مبا رماها به ،وإذا قال لها :يا زانية ،فالجمهور أنه يالعن خالفًا ملالك. ب -الحالة الثانية :أن ينفي حملها منه فيقول :هذا الحمل ليس مني أو ينفي ولدًا له منها.
فيها فرص النساء يف الدفاع عن أنفسهن .كام نُالحظ أ َّن وسيلتني من الوسائل األربع تخصان املرأة دون الرجل ،وهام :الحمل ،ونكول الزوجة عن ميني اللعان إذا العنها زوجها. فبالنسبة للحمل فهو الوسيلة األيرس لشد الوثاق عىل املرأة ،وأ َّما اللعان فهو سلطة مطلقة للرجل وسالح ُشع يشهره وقتام يشاء سوا ًء بادِّعاء الزنا أو نفي النسب .وبتبني امل َ ِّ السوداين للحمل واللعان وسيلتني إلثبات الزنا تتجىل بوضوح التوجهات األيديولوجية التي كان مسعاها يف األساس وضع املرأة تحت وصاية أي من القرارات التي تخصها أو تخص الرجل ،حيث يُ َح َّر ُم عليها اتخاذ ٍّ أرستها مبا يف ذلك الخروج من البيت بغري إذن وليها إن مل تكن متزوجة، أو إذن زوجها إن كانت متزوجة .ويظل هذا اإلذن -بعد الحصول عليه- مرشوطاً مبصاحبة املحرم يف حالة خروج النساء إىل األماكن العامة. ُشع فأ َّن حزمة إال أنه ورغم تضييق الخناق عىل النساء من قبل امل َ ِّ الترشيعات السودانية قد باءت بالفشل عىل مستوى املامرسة ،حيث مل تفلح تلك الترشيعات يف الحد من حركة النساء أو من وجودهن يف الحياة العامة؛ فاملرأة يف السودان تعمل يف الحقل والسوق وتشغل الوظائف الرسمية مبختلف درجاتها ،ولها الحق يف السفر خارج البالد وداخلها دون ُمحرم.
ويعود الفشل الذى صاحب الترشيعات السودانية ألسباب عديدة وموضوعية :أولها أ َّن تلك الترشيعات ال عالقة لها بالواقع املعاش ومن يطالع الترشيعات السودانية الحالية املتعلقة بتجريم الجنسانية وتطورات الحياة أو متطلباتها؛ فاملرأة يف السودان سبق أن خطت يالمس بوضوح ال لبس فيه تجليات العقلية السلفية املنغلقة؛ وذلك خطوات متقدمة يف مجال الحقوق ،بحيث أصبح من العسري وضعها يف ُشع إلثبات جرمية الزنا ،التي تهدف بشكل قالب مامثل لثقافة مجتمعات عاشت يف حقب تاريخية بائدة. يف القواعد التي وضعها امل َ ِّ مبارش إىل تجريم املرأة دون الرجل .فقد ن ََّصت املادة ( )62من قانون اإلثبات لسنة 1994م عىل أربع وسائل إلثبات جرمية الزنا ،وهي: ُشع السوداين ومن هذه الزاوية ،يتبني الخطل واالزورار يف اعتامد امل َِّ للحمل وسيلة من وسائل إثبات جرمية الزنا .وميكن تصور هذا اإلشكال /1اإلقرار، يف حالة أن تسافر امرأة إىل إحدى الدول التي ال تعتمد الوالية عىل املرأة /2شهادة أربعة رجال عدول، رشطاً لصحة الزواج مثل تونس ومرص وغريها ،أو الدول التي ال تجعل /3الحمل لغري املتزوجة إذا خال من شبهة، من الدين سبباً لسلب إرادة املرأة يف اختيار زوجها. /4نكول الزوجة عن ميني اللعان بعد حلف زوجها ميني اللعان .٢ وأوضح مثال لهذه الواقعة :سابقة حكومة السودان //ضد //مريم ونالحظ بشكل واضح أ َّن وسائل اإلثبات األربع هي وسائل تكاد تنعدم يحيى إبراهيم ودانيال واين بسينسو ،حيث قُ ِّد َمت السيدة مريم املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
87
للمحاكمة التهامها مبخالفة املادة 125من القانون الجنايئ لسنة 1991م (ال ِّردَّة) واملادة ( 146الزنا) .هذا وقد أدانتها محكمة املوضوع بارتكاب جرمية الزنا ألنها حبىل من زواج ال يَ ْعتَ ُّد به القانون ،طبقاً ألحكام البند ( )3من املادة 145الذي يُ ْق َرأ عىل النحو التايل( :ال يُ ْعتَ َ ُب النكاح املجمع عىل بطالنه رباطاً رشعياً) .وقد ألغي هذا الحكم يف مراحل أعىل ألسباب مختلفة ،ولكنه يبقى مثاالً عىل أ َّن الحمل َس َب ٌب يف إدانة املرأة بارتكاب جرمية الزنا وإن كانت قد تزوجت زواجاً صحيحاً.
ُشع السوداين عندما تناول مسألة تجريم ونخلص مام ت َ َق َّد َم أ َّن امل َ ِّ الجنسانية يف الترشيعات السودانية مل يضع يف االعتبار تعقيدات الواقع السوداين التي تفرض سيناريوهات مل تخطر عىل بال الفقهاء التقليديني الذين عاشوا يف سياقات ثقافية وتاريخية مغايرة ونائية عن الوضع الحايل يف السودان .وقد ات َّضح للعديد من الفاعلني داخل النظام القانوين السوادين الحايل عمق تلك اإلشكالية .كام ذكر القايض عبد الرحمن رشيف، قايض املحكمة العليا سابقاً ورئيس املحكمة الدستورية حالياً ،للقامئني عىل أمر الترشيع بالعدول عن قاعدة إثبات الزنا بالنكول عن ميني اللعان والحمل ،وذلك عند نظره يف قضية حكومة السودان /ضد /خ ف / إعدام2006/60/م ،وأشار إىل ما ملسه من مشاكل عملية يف تطبيق القانون.
وتظهر مشكلة اعتامد الحمل وسيلة إلثبات الزنا ،من زاوية أخرى، ففي الحاالت التي تهاجر فيها املرأة إىل املدن بسبب الكوارث الطبيعية والحروب واملجاعات ،وكذلك الظروف االقتصادية التي تجرب األزواج عىل الهجرة إىل املجهول بحثاً عن الرزق ،ويرتكون خلفهم زوجات حوامل فمسألة تجريم الجنسانية كام ُو ِجدَتْ يف الترشيعات السودانية وأطفاالً .وينطبق الحال ذاته عىل النساء املهاجرات والالجئات إىل تعتمد عىل الفقه اإلسالمي التقليدي يف حقبة التدوين ما بني القرن السودان من دول مجاورة بسبب الظروف ذاتها. الثامن والقرن الثاين عرش ،وذلك دون مراعا ٍة للتباين الكبري بني الظرف و قد ظهرت هذه اإلشكالية جليَّاً يف قضية الفتاة اإلثيوبية التي ت َ َع َّرضَ ْت املوضوعي التاريخي واالجتامعي واالقتصادي والثقايف الذي ا ُن ِت َج فيه ذلك ُشتْ هذه الواقعة عىل وسائل الفقه والظرف املوضوعي للمجتمع السوداين وقت إصدار تلك القوانني. الغتصاب جامعي يف العام 2014م ،ون ِ َ التواصل االجتامعي (واتساب وفيسبوك) ،حيث ات ّضح أثناء املحاكمة حيث أدَّى هذا التكريس الدوغاميئ إىل اختالل كبري يف الترشيعات َت أنها حامل قبل واقعة االغتصاب الجامعي بعدة أشهر .األمر الذي حدا السودانية مام أدَّى إىل اغرتابها عن املجتمع وقضاياه وبالتايل أُضْ ِعف ْ بالنيابة أن تفتح دعوى جنائية منفصلة يف مواجهتها ألنها حامل من غري بل وتالشت فعالية القوانني السودانية يف تكريس العدالة. زواج ،وذلك عىل الرغم من أنها دافعت بأنها متزوجة يف إثيوبيا وجاءت كام أ َّن تلك الترشيعات قد وضعت النساء واملجتمع السوداين يف وضع إىل السودان بسبب الظروف االقتصادية املرتدية ،وعىل الرغم من أ َّن قانون اإلجراءات الجنائية لسنة 1991م قد نص عىل أ َّن إجراءات سري متناقض ومتنافر مع بنية الدولة الحديثة والتزاماتها الدولية والتطور املحاكمة يجب أن تبدأ بقضية االتهام ثم الدفاع (املادة ،)136وعىل املطَّرِد للنساء وأدوارهن يف املجتمع ،حيث ال تزال النساء ُم َوا َج َهات ُشع الرغم من أ َّن املادة )2( 141من القانون نفسه تنص عىل وجوب شطب بترشيعات تدعو ألحكام الجلد والرجم ،كل ذلك بسبب اعتامد امل َ ِّ الدعوى الجنائية إذا مل يُ َق ِّدم االتهام بينة كافية يف مواجهة املتهم ،إال أ َّن ملعايري ُم ْختَلَّة مثل الحمل إلثبات جرمية الزنا. نص املادة ( )62من قانون اإلثبات لسنة 1994م يقلب املشهد بحيث ال يحتاج االتهام إال إلثبات واقعة الحمل ،ليقع بعدها العبء األثقل عىل املتهمة لتثبت واقعة زواجها من زوجها الذي قد ال تعلم له مكاناً ،هذا مع العلم بأ َّن الزواج يف أرياف السودان وغريه من الدول األفريقية يف بقلم :عثمان مبارك الغالب األعم ال يتم بوثائق رسمية صادرة من الدولة. يقتيض مبدأ التطور أن يكون الترشيع الالحق أفضل من السابق، غري أ َّن قانون اإلثبات الذي صدر بعد ثالث سنوات من صدور قانون اإلجراءات الجنائية ت َ َح َّر َك خطوة إىل الوراء عندما اعتمد مذهب اإلمام مالك يف اعتبار الحمل بينة عىل الزنا ،ليلقي بعبء اإلثبات يف قضية الزنا عىل املرأة . وعىل الرغم من أ َّن التقاليد اإلسالمية -وىف مراحل تاريخية متعددة- قد أتاحت منافذ عديدة لتجنب تجريم النساء خشية الوقوع يف فخاخ ص عيل املظامل ولتعقيد قضايا الجنسانية ،حيث نجد مثالً أ َّن ابن حزم يُ ِ ُّ وجوب التفريق بني ما إذا كان الزوجان غريبني أو معروفني ،فإن كانا غريبني أو ال يُ ْع َرفَان فال يشء عليهام ،وال يُ ْع َر ُض لهام ولو قامت البينة عىل الوطء ،وال يُ َكلَّفَان إقامة البينة عىل النكاح .ولكن اإلمام مالك ُشع السوداين قد يوجب عليهام أن يثبتا الزوجية .ومن الواضح أ َّن امل َ ِّ تواطأ يف اختيار أكرث النصوص تَشَ ُّد َدا ً ومفارقة لتعقيدات الواقع.
88
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
رسالة مفتوحة
السباحة ضد التيار
رسالة مفتوحة حول تجربتي مع التحر ُّش الجنسي في السودان
إلى كل األسر في السودان وكل بقاع العالم: أكتب إليكم هنا ألرشككم يف قصتي ومعانايت كشابة من السودان وجدت نفسها يف مواجهة تعقيدات إشكالية التح ُّرش الجنيس، التي وضح يل عرب تجربتي الشائكة أنها إشكالية يف غاية التعقيد ،وهي جزء من متثُّالت العنف السائد واملقبول ضد النساء والبنات يف السودان. أدرس القانون يف جامعة الخرطوم يف سنتي الثالثة .وقد بدأت معانايت ومتاعبي يف هذا البلد اسمي بدور ،وعمري 21عاماًُ ، زلت يف طور الطفولة وعىل أعتاب املرحلة الثانوية عندما بدأت أستمع إىل حيك صديقايت و ُه َّن يرسدن ما يتعرضن له من وأنا ما ُ املضايقات والتح ُّرش اللفظي ،ويف بعض األحيان محاوالت التع ِّدي الجسدي من الرجال يف األماكن العامة .وعادة ما يحدث ذلك يف الطريق إىل املدرسة أو يف املوصالت العامة. كنت ورفيقايت دامئاً محاطني بخطر التح ُّرش فام حدث يل ليس أمرا ً فريدا ً أو مختلفاً ،فهو شأن كل بنت تعيش يف السودان .فقد ُ الجنيس املبني عىل أساس النوع. ورغم أ َّن النساء يف بلدي قد استطعن أن يحرزن بعض التق ُّدم ،ومت َّك َّن من نيل العديد من الحقوق اإلنسانية ،وأصبحن منخرطات بشكل متسا ٍو يف العمل والتعليم ،إلَّ أ َّن ذلك مل يقلل من حجم االنتهاكات التي يتعرضن لها ،بل يبدو أنه كلام ازداد عدد النساء يف الحياة العامة صار التح َّرش أعنف ،واملتحرشني أكرث جرأة .كام أ َّن القوانني واألعراف يف بلدي ظلت متواطئة مع سلوكيات وتقاليد قهر النساء ،وتصوير التح ُّرش بهن وكأنه أمر عادي .وأكرث من ذلك يُنظَ ُر إىل جرائم التح ُّرش التي يرتكبها الرجال باعتبارها مسؤولية النساء والبنات وليس جرماً ارتُ ِك َب بحقهن. تعرفت عىل املواثيق الدولية الخاصة بالحقوق املدنية والسياسية واالجتامعية ،وامليثاق عند دخويل كلية القانون يف العام 2014 ُ األفريقي ،ومواثيق حقوق النساء واألطفال .وحينذاك رصتُ متفائلة وواثقة من نفيس ،وتص َّورتُ بسذاجتي -حينذاك -أنني آمنة من مخاطر ومضايقات التح ُّرش يف ِظ ِّل مؤسسة أكادميية تحرتم وتُ َعلِّم القيم العليا ،عىل األقل وأنا داخل أسوار الجامعة .وهنا اكتشفت أ َّن الجامعة ما هي إال امتداد للشارع وأ َّن التح ُّرش الذي يحدث عىل املأل يف كانت املفاجأة التي مل أكن أتوقعها إذ ُ الشوارع ضد البنات والنساء يحدث يف الخفاء داخل أسوار الجامعة. القراء والقارئات األعزاء: أكتب إليكم هذه الرسالة ألخربكم عن املوقف الغريب الذى حدث يل مع أحد أساتذيت يف كلية القانون يف جامعة الخرطوم. ُ فت ُض عىل مرتاديها والغريب يف القصة -من وجهة نظري -أنها حدثت داخل حرم الجامعة وىف مباين كلية القانون ،الكلية التي يُ ََ عرفت الحقاً أنه يف ذات الرصح يتم االعتداء عىل من أساتذة وطالب حامية حقوق األفراد يف املجتمع .ولكن مع األسف فقد ُ حقوق الكثريات من الطالبات حيث يتعرضن للتح ُّرش واالنتهاكات. كان األستاذ املذكور يُ َد ِّر ُس َنا مادة (مدخل القانون) يف السنة األوىل ،وكان لديه منط سلويك غريب ،فمنذ لحظة دخوله إىل قاعة املحارضات حتى يبدأ بطرد الطالبات (وليس الطالب) من القاعة بحجج سخيفة وغري موضوعية ،وبنهاية املحارضة يكون األستاذ املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
89
قد طرد خمساً أو ستاً من الطالبات ،وقبل مغادرته القاعة يعلن بالصوت العايل" :بلِّغوا أولئك الطالبات الاليت طُرِد َن أن يحرضن إ َّيل يف مكتبي ،ويف حالة عدم حضورهن الرجاء إبالغهن عدم حضور املحارضة القادمة". كنت أجلس وقد ظ ََّل هذا السلوك مالزماً لألستاذ املذكور يف كل محارضاته .ويف أحد األيام -وىف أثناء إحدى محارضاته -أذكر أنني ُ منفردة يف نهاية القاعة وفجأة ودون سبب أشار إ َّيل قائالً" :اسكتي أيتها الجالسة يف الخلف" ،فرددتُ عليه قائلة" :أنا ما قاعدة أتكلم يا فخرجت من املحارضة .وبعد نهاية املحارضة قابلني زماليئ وأخربوين أ َّن األستاذ طلب أن أقابله يف مكتبه، أستاذ" ،فقال يل" :اطلعي بره". ُ ِ دخلت وكان هو بصدد الدخول خلفي مبارشة فقال يل" :أنت ،اطلعي بره ذهبت مل أجده .وعندما حان موعد املحارضة القادمة وعندما ُ ُ وما تحرضي معي املحارضة ألنك مل ِ تأت إىل مقابلتي يف املكتب؛ لذا لن تحرضي معي أي محارضة" .عندها ق َّررتُ من صميم قلبي أنني لن أذهب إليه يف املكتب أبدا ً ،خاصة بعد أن أخربتني إحدى زمياليت قائلة" :إ َّن هذا الدكتور سيئ األخالق ويتع َّدى عىل البنات خاصة يف مكتبه". أي طالب مل يحرض ثالث محارضات للامدة التي يُ َد ِّر ُسها سيُح َر ُم من وقبل امتحانات نهاية العام أصدر األستاذ إعالناً مكتوباً ي َن ُّص عىل أ َّن َّ وركضت خلفة ألعرتض لدي خيار سوى مقابلته .انتظرت أمام الباب بعد إحدى محارضته حتي خرج ُ االمتحان" ،ويف تلك اللحظة مل يكن َّ عىل حرماين من االمتحان وأ َذكِّ ُره أنه هو الذى منعني من حضور محارضاته .التفت األستاذ إ َّيل ودون أي تحذير ،وضع يده عىل كتفي دخلت ورشحت له موقفي ،نظر إ َّيل األستاذ ومل يتح َّدث ،ولكنني فقمت برسعة بإنزال يده من كتفي وقلت له" :أنت أستاذ وأنا طالبتك"، ُ ُ املحارضة التالية ومل مينعني. ويف السنة األوىل عند موعد تسليم األوراق البحثية املطلوبة يف املق َّرر الذي يُ َد ِّر ُسه رفض استالم ورقتي دون أن ينظر إليها ،وقال يل" :إ َّن لت يف ورقتي وأعدتُ تسليمها له ،نظر إليها وقلَّبها بني يديه ،وقال يل" :أنا لن أستلم هذه الورقة منك" .ويف عملك ناقص" ،وكنت كلام ع َّد ُ ذهبت للمسجل الستكامل إجراءات الدفع ودخول االمتحان .عندها أخربين امل َُس ِّجل أ َّن األستاذ املذكور ق َّر َر أنني لن يوم االمتحان النهايئ ُ أدخل االمتحان .حينذاك أصابني التوتر والفزع ،واتصلت عىل والدي ليحرض ملساعديت والحديث مع امل َُس ِّجل حول هذا األمر غري العادي. وبعد مرور 30دقيقة عىل بدء االمتحان وقبل حضور والدي سمحوا يل بدخول االمتحان بعد أن مىض نصف الزمن .وعندما خرجت وجدتُ ُ فرويت له ما حدث .تح َّدثَ والدي مع امل َُس ِّجل وطلب منهم توضيح موقفهم حول منعي من دخول االمتحان .عندها والدي قد حرض ُ سمحوا يل بالجلوس لالمتحان مرة أخرى (امتحان بديل). قبل ظهور النتيجة النهائية وجدتُ اسمي ومعي إحدى عرشة طالبة وطالب واحد من زماليئ ُم َعلَّ َقاً يف لوحة الكلية لحضور امتحان شفهي (هذا األمر مل يحدث يف الكلية من قبل وغري موجود بل هو بدعة ابتدعها هذا األستاذ) ،وذلك تحت دعاوى أ َّن االمتحان الشفهي يعطينا فرصة لتحسني النتيجة النهائية .وفعالً عقد األستاذ امتحاناً شفهياً ،حيث َذكَ َرت بعض الطالبات أ َّن األستاذ تح َّر َش بهن لكنهن فضَّ لن الصمت خوفاً من أن يرسنب ،وكان عدد الطالبات الاليئ امتح َّن قرابة العرشين طالبة. وتك َّر َر موضع عقد االمتحان الشفهي بالنسبة إ َّيل مع األستاذ نفسه يف السنة الثانية حيث كان يُ َد ِّر ُس َنا اإلجراءات الجنائية .فعندما حان ُفتض أن يكون يف الساعة الثانية ظهرا ً حيث ذهبنا جميعنا أمام مكتب األستاذ ولكنه موعد االمتحان يوم 28يناير 2018الذي كان من امل َ َ وكنت أنا أول من قابله .وعند دخويل من باب املكتب أمرين األستاذ أن أترك حقيبتي قام بتأجيل االمتحان إىل الساعة الرابعة تقريباً ُ دخلت طلب مني أن أغلق الباب ،وبدأ يف طرح األسئلة وأنا جالسة يف مواجهته .وقد جرى االمتحان وهاتفي يف الخارج ففعلت .وعندما ُ وأجبت عن جميع األسئلة .وعندما أتت جزئية تحليل القضايا طلب مني أن أحرض إىل الجهة األخرى حتى ذلك الوقت بصورة طبيعية ُ فوقفت كام طلب مني يف املكان الذى ح َّددَه يل ،وبعد أقل من دقيقه بدأ من املكتب ،وأن أقف يف مواجهته وهو يقوم بطرح االسئلة ُ كنت أقوم بدفع يده بعيدا ً وأحاول الرتكيز .وأخريا ً فاض يب الكيل فحذَّرته بصوت عا ٍل أُ َذكِّ ُره مبضايقتي ووضع يده عىل جسدي ويف كل مرة ُ رصيف األول لن يتجرأ يف ت بعد َّه ن أ ظننت وقد االمتحان. وواصل مساعديت يحاول إنه ال ً قائ بأنَّه أستاذ وأنني طالبته .فقابل تحذيري بالتوبيخ ُ ُّ ِ هب واقفاً فجأة وذهب بات ِّجاه مكتبته وكأنَّه يبحث عن مرجع حتى دقائق عدة متض مل االستمرار يف محاوالته للتح ُّرش مرة أخرى ،إال أنَّه َّ مت ألفسح أو كتاب (حسب تص ُّورِي) ،وعندما عاد ليجلس يف مكانه فجأة ألصق جسده يب ،ويف البداية حقيقة ارتبكت وبكل عفوية تق َّد ُ ُ ظننت أ َّن املساحة ضيقه وأنه مل يستطع الدخول ،إال أنه حاول مرة أخرى االلتصاق يب. له الطريق ألننى ُ األعزاء القارئات والقراء: يف تلك اللحظة مل أمتالك نفيس وأصابني االشمئزاز فقمت بدفعه بقوة حتى كاد أن يسقط عىل األرض .والغريب يف األمر أنه مل يُ ِ بد أي انفعال لدفعتي القوية ،بل وبربود شديد ع َّد َل من هندامه وجلس عىل كرسيه وطلب مني أن أواصل يف االمتحان ،أال أنني رفضت وأخربته أنني ال استطيع أن انظر إليه وأنني أريد الخروج فورا ً .وعندها بدأ يتجادل معي ويُ َر ِّددُ :أنَّ ُ درجتي ضعيفة وأنه ال يريدين أن أرسب وقال يل" :ملاذا تضعني بيننا حواجز ،تعايل واجليس هنا" وهو يشري إىل ح ْجره .ازداد احسايس باالشمئزاز وأخربته أنني ال أريد أن أنجح بتلك الطرق امل ُق ِّززة وأنني وأفضل الرسوب .بعدها صمت ومل يضايقني إىل أن انتهى االمتحان.
90
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
واخذت أبحث كنت يف حالة من الغضب واإلرهاق النفيس، استم َّر امتحاين قرابة الساعة وعرش دقائق ،وعندما ُ خرجت ُ ُ ً، ا أحد أي من أساتذيت ألبلغهم مبا حدث يل فلم أجد وذهبت إىل مكتب عميد الكلية ألبلغه مبا حدث يل ومل أجده النَّ ُ عن ٍّ وقابلت أصدقايئ وصديقايت وكنت يف ضيق شديد جدا ً وحالة من الغضب حتى أنني مل أستطع البكاء الوقت كان قد تأ َّخ َر ُ ُ وحكيت لهم ما حدث. من الطالب ُ وقررت أنه البُ َّد يل من رفع شكوى رسمية إىل السيد مدير الجامعة أمضيت لييل أف ِّك ُر وأتناقش مع أصدقايئ وزماليئ، ُ ُ عرفت من بعض طالبات املستوى األول صغريات السن أنَّ عددا ً منهن قد بواسطة عميد الكلية .وقد ازداد غضبي عندما ُ تع َّرضن لتحرشات األستاذ املذكور مام زاد من إرصاري عىل أن أُقَ ِّد َم الشكوى واتفقنا حينذاك أن نُ َق ِّد َم شكوى جامعية تحوي كل الطالبات الاليت تعرضن للتح ُّرش من قبل األستاذ املذكور ،إال أنَّ عددا ً من زمياليت خفن وتراجعن ألسباب مختلفة عن االنضامم إىل القضية ضد األستاذ ،ومن ضمن تلك األسباب :الخوف من سلطة األستاذ أو من إدارة الجامعة أو من أرسهن الذين ميكن أن يرفضوا ويستنكروا موقفهن ،بل وقد يُتَّ َهمن باعتبارهن املسؤوالت عن جرمية األستاذ وهو أمر وارد وشائع الحدوث يف السودان ،فانتهى األمر بأن قدمنا الشكوى أنا وأربع من طالبات املستوى األول يف يوم االثنني 29يناير .2018 ت َّم تشكيل مجلس محاسبة يف يوم 7فرباير وإيقاف األستاذ ملدة فصل درايس كامل إىل حني اكتامل التحقيق معه ،و ُم ِن َع من دخول الكلية وما زالت اللجان ت ُ َحق ُِّق ما يقارب الخمسة أشهر منذ تاريخ رفع الشكوى .كانت اللجنة األوىل تتكون من 3اساتذة وكانت لجنة فاعلة وعادلة حيث استمعوا إلينا بشكل ُمتَ َف ِّهم وعادل ،إال أنَّ األستاذ قام بالطعن فيها وقال إنها غري محايدة فشُ ِّكلَت لجنه ثانية .وكانت اللجنة الثانية مخالفة منذ تكوينها حيث أنها تكونت من 6أشخاص يف حني أنَّه البُ َّد أن يكون عدد أفراد اللجنة عددا ً فرديا ً ،كام أنَّها قد مارست معنا كل أشكال االبتزاز األخالقي ومحاوالت تصويرنا وكأننا كنت أخرج من منزل أرسيت دون إذن؟ عم إذا ُ املسؤوالت عن جرم االستاذ .أذكر أنَّ أحد األسئلة التي وجهتها يل تلك اللجنةَّ : فكان ردي بأنه سؤال ليست له عالقة بالتحقيق. أخربنا أرسنا بطرق اللجنة امللتوية وما نتعرض له من مزايدات أخالقية وتهديد خفي ،فقامت األرس مبخاطبة اللجنة مبارشة وطالبوها بقرار واضح وعاجل .وقد أخربت أرسنا ادارة الجامعة أنه ما مل يتم الوصول إىل قرار عادل و ُم ٍ رض فسوف نذهب إىل القضاء. القراء والقارئات: فت عىل أشياء مل تكن تخطر ببايل من ضمنها موقف املجتمع خالل الفرتة السابقة ُ شعرت أنني قد نضجت مائة عامٍ ،وتع َّر ُ عم حدث لنا من انتهاكات وطالبنا السالب تجاه حامية البنات والنساء ومحاوالت تجرمينا وإدانتنا ملجرد أننا أفصحنا َّ بإيقافها ومعاقبة املنتهكني .واملؤسف يف األمر ،أنَّ غالبية األرس تسلك املسلك نفسه ،فهم يُف َِّضلون أال يعرفوا أنَّ بناتهم يتعرضن للتح ُّرش عىل أن يواجهوا حقيقة أنَّ العديد من البنات يتعرضن للتح ُّرش يف أماكن الدراسة والعمل. وأيضا ً يف الفرتة السابقة منا إىل علمنا أنَّ إدارة الجامعة كانت تعلم متاما ً بإشكاليات وسوابق هذا األستاذ منذ العام 2006 حيث غادر الجامعة لألسباب نفسها .أال أنَّه عاد مرة أخرى بعد سبع سنوات .كل ذلك ينبئ عن تواطؤ املجتمع واملؤسسات يف حامية املتح ِّرشني ومحاولة تنميط التح ُّرش كفعل عادي ومقبول. األعزاء القارئات والقراء: أنا اآلن ال علم يل مبا سيحدث وماذا سيكون قرار اللجنة؟ وهل س ُيس َم ُح لألستاذ املذكور بالتدريس مرة أخرى أم ال؟ وهل ستتم إدانته أم ال؟ لكنني شخصياً ُمص ِّم َمة عىل امليض يف هذه القضية إىل آخر املشوار ،وسأظل أثابر يف جهدي لتحقيق العدالة ومقاومه التح ُّرش الجنيس ضد النساء والبنات يف السودان خالل سنوات حيايت املقبلة قدر استطاعتي.
بدور فتح الرحمن أحمد الكاتبة :بدور فتح الرحمن أحمد ،طالبة باملستوى الثالث كلية القانون ،جامعة الخرطوم .ناشطة سياسية، وعضو يف جمعية (سودانيات) ،وهي جمعية تهتم بقضايا الطالبات يف الجامعة واملرأة يف املجتمع.
املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
91
الرسم :حنا بيرزوايك -الواليات المتحدة
عندما تُ َج َّر ُم الضحية ايان خليفة حمد
أيان خليف محمد: ُولِدَتْ و ترعرعت يف كينيا ،وهي ُم َد ِّونَة وناشطة تعيش يف الصومال منذ .2014 ولـ(أيان) شغف بحقوق املرأة وتعليم األطفال ،وتعمل حالياً يف منظمة غري حكومية مقرها الصومال تدافع عن السالم وحقوق اإلنسان.
92
ماذا كُ ْن ِت ترتدين؟ وأين كُ ْن ِت؟ وكم كانت الساعة يف ذلك الوقت؟ وما الذي دفعك إىل الخروج؟ هذه هي بعض األسئلة العامة التي عادة ما ت ُ َو َّج ُه إىل املرأة ضحية االغتصاب عندما تجرؤ عىل الكشف عن ال ُجرم الذى ت َ َع َّرضَ ْت له .وهي األسئلة ذاتها التي سمعتها (عناب )1الصومالية ،البالغة من العمر 17 ربيعاً ،عندما َعلِ َم والداها بخرب ت َ َع ُّر ِض َها لالغتصاب. ففي الصومال -كما هو الحال في الكثير من بلدان أفريقيا والشرق األوسط -عاد ًة ما ت ُ َل ُم الضحية وكأنها هي التي قامت -بمحض إرادتها -بوضع ْ تخاذلت عن حماية نفسها في موقع الخطر ،وأنها نفسها من األذى.
"ثم بدأ بعد ذلك يف ت َ َح ُّس ِس جسدي .ال أزال أذكر ذلك بوضوح تام. فقد ذكر يل بأننا بصدد فعل يشء ما معاً نظري املال الذى أعطاين إياه، يل أن ال أُخ ِ َْب احدا ً بذلك ،وأن يكون ذلك رسا ً بيننا " .وبالنسبة ولكن ع َّ لطفلة يف الثالثة عرشة من العمر فإ َّن امتالك مبلغ من املال تترصف فيه كيفام شاءت هو أمر مثري جدا ً .وبالنسبة لعناب ال يوجد سبب يجعلها ترفض به العرض من رجل تعرفة منذ والدتها وتناديه بلقب (خايل). "كيف كان يل أن أعلم بأنه كان ينوي إيذايئ؟ فقط لو كان هناك شخص أخربين وأعلمني أنه بقبويل لذلك املبلغ املايل ،كُ ْن ُت بصدد التنازل وهربت بعيدا ً بأرسع ما رفضت لكنت -يف ذلك الوقت- ُ ُ عن مستقبيلُ ، ميكن" ،هكذا قالت بحرسة ،ث ُ َّم أضافت" :يف تلك اللحظة كل ما أذكره هو أنني كلام حاولت أن أرصخ كان يضع يده عىل فمي .وأخريا ً غادر لكنه ألي شخص". ح َّذ َر ِن مرارا ً وتكرارا ً بعدم إفشاء ما حدث ِّ
لقد ت َ َع َّرضَ ْت عناب لالغتصاب وهي ال تزال طفلة يف الثالثة عرشة من عمرها ال تعي مبخاطر العنف الجنيس .وقد كانت عناب تعيش مع أرستها يف إحدى قرى الصومال الجنويب ،وحسب روايتها تقول عناب: "كنت معتادة عىل أخذ أغنام والدي للرعي بها يومياً ،واللعب مع رفيقايت يف املساحات الظليلة التي ال تبعد كثريا ً عن قريتنا .ولكن يف ذلك اليوم بالتحديد مل يكن هناك شخص غريي باملكان كام مل يكن هناك شخص كان بوسعه إيقافه عن استغالل براءيت وطفولتي".
فالعنف الجنيس منترش بصورة كبرية يف الصومال ،وال ت ُ ْعتَ َ ُب حالة عناب حدثاً شا َّذا ً أو ُم ْن َعزِلَ ً .فعدم املساواة وغياب النظام العديل الفاعل واستحكام التقاليد املظلمة ،إضافة إىل عرشات السنني من الرصاع ،كلها عوامل تُ َع ِّر ُض النساء والفتيات بصفة خاصة للعنف الجنيس .فالخوف من االغتصاب من قبل العصابات املسلحة أو قوات األمن أو األقرباء أصبح واقعاً يومياً بالنسبة للكثري من النساء والفتيات يف الصومال. وأصبح العنف الجنيس أمرا ً طبيعياً إىل حد كبري.
ففي ذلك اليوم ،كانت عناب تقيض وقتها بالرسم عىل األرض عندما اقرتب منها ذلك الرجل .وتقول عناب" :جلس بالقرب مني وناولني مبلغ ألفي شلن 2صومايل حيث بدا يل يف ذلك الوقت وكأنه مبل ٌغ كب ٌري .وقد أي يشء عن املال ومل أحصل يف حيايت عىل مبلغ ُ كنت طفلة ال أعرف َّ بذلك الحجم (هكذا تتذكر عناب املوقف بصوت ٍ باك).
لقد تَ َح َّول َْت حياة عناب -كام وصفتها هي -بعد ذلك الحدث إىل (جحيم) ،فمنذ اللحظة التي عرف فيها والداها بأنها حامل كانت تتعرض للرضب يومياً ويُطْل َُب منها كشف اسم والد طفلها (ابن الحرام) .وكانت عناب بصفة خاصة غري ُم ْد ِركَ ٍة للسبب أو الكيفية التي أصبحت بها حامل .و بعد أيام من الرضب والحرمان من الطعام ،أجربها والدها عىل
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
ملف العدد :جنسانية المرأة في المجتمعات اإلسالمية ما بين الهوس والتحريم
السم حتى تتخلص من الجنني الذي -بحسب الوالد -ال طائل منه زالت ت ُ َذكِّ ُرين بأ َّن األطفال أبرياء وهبة من الله ويجب أن ال يُ َعانُوا بسبب تناول ُّ أفعال اآلخرين". سوى جلب العار للعائلة. انتهى األمر بعناب بالزواج من رجل كهل كان عىل ِعلْمٍ بكل إشكاالتها. وعىل الرغم من هذا التحول الرتاجيدي يف حياتها إال أ َّن عناب تعترب نفسها محظوظة ،وتقول" :أنا عىل األقل محظوظة أل َّن معظم الفتيات الاليئ يَتَ َع َّرضْ َن لالغتصاب أو اإلنجاب خارج الزواج ال يحظني بالزواج، كام أنني سعيدة أل َّن ابني وجد شخصاً يناديه بـ(أيب)".
إ َّن النساء الاليئ ينجنب خارج إطار الزواج الرشعي يتعرضن للعزلة يف املجتمع الصومايل التقليدي ويُ ْرفَضْ َن من قبل األرسة واألقارب؛ فالحمل الذي يحدث خارج إطار الزواج يُ ْعتَ َ ُب مصدرا ً للعار ليس لألرسة فقط بل وللعشرية كلها .ويف أغلب األحوال ال يختلف َر ُّد الفعل إذا كان الحمل قد حدث بسبب عالقة تر ٍ اض أو بسبب االغتصاب .ويف البالد التي ت ُ ْعتَ َ ُب ِ فيها األمهات غري املتزوجات ُم ْذنبَات أو يُ َص َّو ْر َن كبائعات هوى تضطر و كام يتضح من قصة عناب املأساوية ،فداللة (املرأة املحظوظة) يف س ِّه َّن ،وينتهي األمر بالبعض منهن إىل أغلب النساء إىل الهروب من أُ َ ِ رشد بينام يجنح البعض اآلخر إىل التخيل عن املواليد عن طريق الصومال تصبح -لألسف -مسألة يف غاية النسبية. حياة الت ُّ اإلجهاض عرب الطرائق التقليدية الخطرة مام يودي عادة بحياة الغالبية من النساء ،أو إىل االنتحار تج ُّنباً للذل والوصم. السم. ويف حالة عناب ،فقد آثرت الهروب بعد ان أُ ْج ِ َبتْ عىل تناول ُ حاولت الحصول عىل مكان وتقول" :مل أحتمل الوضع أبدا ً بعد ذلك؛ لقد ُ فذهبت إىل بيت عمتي التي كان تعيش يف مدينة قريبة. ألجأ إليه، ُ وأصبحت عمتي حاميتي ،وعن طريق مساعدتها بدأتُ أستوعب ما ْ حدث يل ،وتذكَّرتُ ذلك اليوم املشؤوم الذي قاد إىل تغيري حيايت لألبد".
بقلم :أيان خليف محمد
من االنجليزية :محمد الفكي
َّ تكشفَ ت الحقيقة وعرف الجميع أ َّ ن وحتى بعد أن عناب قد ت ََعر ََّض ْ ت لالغتصاب من قبل خالها شقيق تتلق الدعم الالزم من والديها والدتها ،إال أنها لم َ اللذين قررا تجاهل الجُرم الذى ا ُ ُ ِ ب في حق ك ْت ر َ ابنتهما تجنُّباً للعار.
"لقد كانا يودان تج ُّنب حالة الوصم املزدوجة :اغتصايب وحقيقة أ َّن املغتصب كان هو خايل"َ ،ذكَ َرتْ ذلك بحرسة بادية. اَنْ َج َب ْت عناب طفلها يف بيت عمتها ،حيث ُولِ َد مريضاً يعاين من آثار يتحسن السم الذي أُ ْج ِ َبتْ عىل تناوله أثناء فرتة الحمل .وتقول " :مل َّ ُّ كنت أشعر بالحرج كلام وضعي بعد الوالدة ،بل ازداد تأزّماً ألنني ُ خرجت من املنزل ،وكان الناس يشريون نحوي وينظرون إ َّيل بازدراء، ُ كنت أف ِّك ُر يف التخيل عن طفيل ألنني شعرتُ فشَ َع ْرتُ بالعزلة .وأحياناً ُ وكأنه هو السبب يف تعاستي .لكن يرجع كل الفضل لعمتي التي ما
1تم استبدال اسم صاحبة القصة باسم مستعار ،من أجل حجب هويتها الحقيقية. 2يعادل املبلغ دوالرا ً أمريكياً واحدا ً. املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
93
زواج الطفالت في السودان
ما بين تعنت السلفية وآفاق اإلصالح ليف تونسون ليف تونيسني مديرة أبحاث ىف معهد كريستيان ميشلسن، بريغن ،الرنويج. وهي عاملة يف مجال العلوم السياسة تهتم باألبحاث عن املرأة والسياسة واإلسالم يف مناطق الرشق األوسط وشامل أفريقيا ،كام قامت بنرش مقاالت دولية مع دور نرش مثل :دار نرش جامعة ديوك، وروتليدش ،وبريل، ودار نرش جامعة أكسفورد ،وبالقريف ماكميالن ،وتايلر فرانسيس .وتخصصت الكاتبة يف شئون السياسة السودانية منذ أكرث من عرش سنوات ،حيث أجرت العديد من األبحاث امليدانية ،باإلضافة إىل عملها محارضة يف جامعة األحفاد للبنات بأمدرمان ،السودان.
94
هناك 15مليون فتاة ت ُ َز َّو ُج سنويّاً قبل بلوغ سن الـ 18سنة ،ويحتل السودان صدارة الدول األفريقية يف زواج الطفالت .1ففي السودان فإ َّن %10.7من النساء يف الفئة العمرية 49-15يُ َز َّوج َن قبل بلوغ سن الـ 15 سنة ،يف حني ت ُ َز َّو ُج %38منهن قبل بلوغ سن الـ 18سنة.2
عند سن الثامنة عرشة ،نجد أ َّن قانون األرسة لسنة 1991يسمح رصاحة للويص الذكر بعقد "زواج متييزي [للقارص]" يف حاالت "املصلحة الغالبة"، وبإذن من القايض .وهنا يُ َح ِّد ُد القانون سناً محددة وينص عىل أ َّن ُش ُع لقانون "التمييز يتم تحقيقه يف سن العارشة" ،وبالتايل جعل امل َ ِّ األرسة سن العارشة هي الحد األدىن الذي ميكن فيه التعاقد مع شخص عىل الزواج.8
نصت يف ويف الوقت الذي نجد فيه أ َّن ثلثي الدول األفريقية قد َّ ترشيعاتها عىل أن يكون الحد األدىن لسن الزواج هو سن الـ 18سنة أو ما فوق ،أدرجت الجهات الحكومية املتنفذة يف السودان األمر يف آفاق اإلصالح الحكومي -الحد األدىن للزواج هو سن الثامنة عرشة جدول أعاملها الترشيعية ،ولكن محاوالت الحكومة لتحديد الحد األدىن لسن الزواج بـ 18سنة قُوبل باحتشاد ديني محافظ مناهض يعترب زواج يُ َع ُّد قانون الطفل لسنة 2010هو الخطوة األويل نحو رفع الحد األطفال أمرا ً أقرته الرشيعة .وكذلك تعرضت محاوالت الحكومة للنقد األدىن لسن الزواج إىل 18سنة .ويُ َع ِّر ُف القانون الطفولة بانها متتد حتي من قبل الحركة النسوية يف السودان التي رأت أ َّن اإلصالح الترشيعي غري سن الثامنة عرشة ،ويُشَ ك ُِّل هذا عالمة فارقة وحدثاً مثريا ً للجدل بدرجة ٍ كاف لتوفري الحامية القانونية للطفالت.3 كبرية ،وذلك نظرا ً أل َّن الفقه اإلسالمي التقليدي يُ َح ِّد ُد الطفولة عاد ًة بسن البلوغ .ويشري البلوغ يف التقاليد القانونية اإلسالمية إىل الشخص الذي بلغ مرحلة النضج أو البلوغ .أ َّما بالنسبة للفتاة فتبلغ مبجرد بدء نزول قانون األرسة السوداين للمسلمني لسنة :1991 الدورة الشهرية أو يف سن مبكرة عندما تبلغ التاسعة من العمر. َع ِم َل قانون األرسة السوداين للمسلمني لسنة 1991عىل تقنني زواج وال يعتقد املصلحون اإلسالميون الذين دفعوا بسن البلوغ حتى سن األطفال وشَ َّج َع عىل مامرسته .ويجادل اإلسالميون املحافظون والسلفيون وبعض علامء الدين بأن زواج األطفال من شأنه أن مينع العالقات الجنسية الثامنة عرشة أ َّن هذا املوقف يناقض اإلسالم أو دستور .2005بل عىل امل ُ َح َّر َمة .4ونظرا ً أل َّن الطفالت -حسب منظورهم -تتطور لديهن الحوافز العكس من ذلك ،فهم يعتمدون يف موقفهم هذا عىل تفسري إسالمي الجنسية عند البلوغ ،لهذا السبب ي َّد ِعي هؤالء بأ َّن الزواج املُبَكِّر من لسن الرشد أكرث تقدمية ويجادلون وفقاً لذلك بأن اإلصالح اإلسالمي تفش الفتنة يتامىش مع مقاصد الرشيعة وقانون الحقوق املنصوص عليه يف دستور شأنه أن مينع وقوع الزنا .ووفقاً لوجهة النظر االسالمية ،فإ َّن ِّ الجنسية وسط املجتمعات الحديثة اليوم مرجعه إىل التخيل عن الزواج ،2005وكذلك مع اتفاقية حقوق الطفل .وبحسب مدارس الفقه السنيّة امل ُ َبكِّر يف املجتمع الغريب .ويعتقد هؤالء بأنه من شأن الزواج يف هذه كافة ،فإنّه يتحتم عىل الشخص من أجل الحصول عىل األهلية القانونية الحالة أن يضمن عدم حدوث عالقات الجنسية خارج املؤسسة الزواجية .والقدرة عىل إبرام التعاقدات بلوغ سن الرشد أو النضوج الفكري حتى ولذا يرى هؤالء أ َّن أنسب فرتة للزواج هي مبجرد الوصول إىل سن البلوغ .يتمكن من التعامل مع ممتلكاته وشئونه الخاصة.9 ٍ حديث 5يُق ُّر بخطوبة الرسول ولدعم مثل هذا املوقف يشري هؤالء إىل وبالتايل فإنه وفقاً للمصلحني اإلسالميني فإ َّن مجرد الوصول إىل سن محمد من عائشة عندما كانت يف السادسة من عمرها ،ولكن تؤكد بعض األدلة إىل أنه مل يقرتب منها إال بعد بلوغها التاسعة من عمرها ووصولها البلوغ (أو النضج الجنيس) بدون بلوغ رشط الرشد أو النضج الفكري ال يؤهل الشخص للدخول يف عقد الزواج .وعالوة عىل ذلك فإنهم يدعون مرحلة البلوغ. إىل أ َّن الحد األدىن لسن الزواج -مع أخذ كل من البلوغ والرشد يف االعتبار- التناقض بني قانون األرسة لسنة 1991والتزامات الدولة اإلقليمية ينبغي أن يُ َح َّد َد بسن 18سنة .وترشح أمرية الفاضل (إحدى املدافعني عن اإلصالح ووزيرة الشئون االجتامعية السابقة وممثل السودان يف والدولية: االتحاد األفريقي) ترشح -يف مقابلة معها -موقف اإلصالحيني قائلة: هناك تناقضات جسيمة بني قانون األرسة السوداين وقانون الطفل "إ َّن سن الثامنة عرشة كحد أدىن للزواج ال يتناىف مع قوانني الرشيعة؛ لسنة 2010من ناحية ،وبني دستور السودان لسنة 6 2005واتفاقية فقد وافانا العلامء املسلمون بفتوى 10تدعم الثامنة عرشة كحد أدين حقوق الطفل من ناحية أخرى .7ففي حني ينص قانون الطفل -وفقاً للزواج ]...[ .ومفهوم البلوغ يف اإلسالم يشري إىل الشخص الذي بلغ التفاقية حقوق الطفل -عىل انتهاء فرتة الطفولة وبداية مرحلة الرشد مرحلة النضج وتح ّمل املسؤوليات كاملة مبوجب القانون ،لكن النضج
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
1يشتمل زواج االطفال عىل أي زواج رسمي أو غري رسمي يكون فيه الطرفان يف عمر أقل من 18سنة.
موضع جدل ونزاع .وقد أدَّى ذلك إىل االحتشاد املضاد لعملية اإلصالح من قبل املحافظني داخل الحزب اإلسالمي الحاكم وخارجه .ومن ناحية أخرى ت َ َع َّر َض مقرتح اإلصالح امل ُ َق َّدم من الحكوميني واملوالني للحزب الحاكم أيضاً النتقادات واسعة النطاق من قبل الحركة النسوية يف السودان. التعبئة املضادة من قبل املحافظني الدينيني: الرسم :حسين ميرغني -السودان
يف اإلسالم يجب أال ينحرص فقط يف عالمات البلوغ (النضج الجنيس) ،بل [البد أن يتضمن] النضج الفكري .وليس هناك من سبب مينع تحديد النضج الفكري بسن 18سنة."11 وبحسب إفادات بعض اإلصالحيني الحكوميني الذين أجريت معهم مقابالت ،كانت االسرتاتيجية الرصيحة للدولة هي عدم إدراج الحد األدىن لسن الزواج ضمن قانون الطفل لسنة 2010؛ أل َّن ذلك من شأنه أن يكون مثريا ً للجدل بدرجة كبرية .ومع ذلك -ومبا أ َّن قانون الطفل أصبح يتضمن أحكاماً تحمي األطفال من جميع أشكال التمييز يف املادة 5 (ج) -يرى اإلصالحيون بأ َّن مامرسة زواج األطفال قد تم تقنينها بالقانون. وباإلضافة إىل ذلك ،فإ َّن قانون الطفل يجب أن يكون له السيادة عىل جميع القوانني األخرى؛ فعىل سبيل املثال ،تنص املادة 3من القانون أي أي حكم آخر يف ِّ سابق الذكر عىل أ َّن "أحكام هذا القانون تسود عىل ِّ قانون آخر ،عند عدم اتساقه ،إىل حد إزالة هذا التناقض" .ووفقاً لوجهة نظر اإلصالحيني ،فإ َّن هذا يعني حتمية إصالح قانون األرسة لسنة 1991 كخطوة طبيعية ،وجعل سن الثامنة عرشة مبثابة سن الرشد مبوجب قانون الطفل ،باعتبارها الحد األدىن لسن الزواج .وإذا كان زواج األطفال قد أُعترب شكالً من أشكال التمييز ،فإنَّه بذلك يتناقض بوضوح مع قانون الطفل لسنة .2010وهكذا حاول اإلصالحيون إصالح زواج األطفال من خالل الباب الخلفي عىل أمل أال يالحظ ذلك الناشطون السلفيون.
بالطبع كان املحافظون الدينيون من أوائل ألي تعديل يف زواج األطفال عندما املعارضني ِّ تح َّدى مصلحو الحكومة تفسريهم للرشيعة .وقد اشتملت مجهودات التعبئة املضادة عىل بيانات عامة يف وسائل اإلعالم ويف الربملان بواسطة كل من السياسيني املحافظني والسلفيني ،باإلضافة إىل محاوالت التقايض بواسطة املجموعات السلفية .و يرتكَّز املناهضون لإلصالح يف الكتلة املحافظة داخل الحزب الحاكم التي يقودها عضو الربملان السابق (دفع الله حسبو) الذي تربطه وشائج قوية مع الحركة السلفية .12ففي رأي حسبو" :وفقاً لإلسالم ميكن للفتاة أن تعطي املوافقة عىل الزواج يف سن البلوغ" .13ومن ضمن األشياء التي قام بها هي محاولته هو واتباعه االحتكاك باإلصالحيني الحكوميني خالل مداوالت جلسات الربملان ويف وسائل اإلعالم ،وبصفة خاصة قاموا مبالحقة أمرية الفاضل واتهامها بأنها تتبع األجندة الغربية بشكل أعمى وأنها قد اصبحت بذلك علامنية، ذلك التعبري الذي يحمل مدلوالت سالبة بني أرباب الحركات اإلسالمية يف السودان . وقد تحركت السلطات الدينية أيضاً -مبا يف ذلك إحدى الهيئات الدينية البارزة يف السودان -برسعة ضد عملية إصالح زواج األطفال.14 فعىل سبيل املثال ،قام رئيس هيئة علامء السودان شبة الحكومية السيد محمد عثامن صالح ،مبباركة زواج الطفالت أمام املأل ،وأفادت التقارير بأنه قد أشار قائالً" :بأن اإلسالم يشجع الشباب عىل الزواج حامية لهم من الشذوذ الجنيس ومخاطر العزوبية من أجل سعادتهم واملحافظة عىل التكاثر".15
وعىل الرغم من مجهودات اإلصالحيني ،إال أ َّن مناهضة رفع سن ومع ذلك ،أصبحت سريورة اإلصالح أكرث إشكالية مام توقعه اإلصالحيون الحكوميون؛ فبمجرد إدراج بند اإلصالح يف سياق إصالح الزواج إىل سن الثامنة عرشة ال زالت قوية إىل الحد الذي بدأ فيه بعض قانون األرسة وحقوق املرأة بدالً من حقوق الطفل أصبح زواج الطفالت نشطاء املحافظني املطالبة بإلغاء قانون الطفل لسنة .2010
2سامية النقر ،ورشيف بامكار ،وليف تونيسني، "الفتيات ،زواج األطفال و التعليم يف والية البحر األحمر ،السودان :وجهات النظر حول حرية الفتاة لالختيار" ،سودان ربورت .2017 3يتأسس هذا املقال عىل معلومات منتقاة من حوارات أجريت خالل فرتات عمل بحث ميداين عديدة يف السودان من .2017-2008 4مقابلة مع الشيخ عبد الجليل الكاروري ،إمام مسجد الشاهد وعضو هيئة علامء السودان (وهي الهيئة التي أصدرت فتوى تجيز زواج األطفال) 21 ،نوفمرب، .2013 5حديث يف صحيحي البخاري ومسلم. 6للمزيد من املعلومات، يرجى االطالع عىل فقرات املساواة بني الجنسني املتعلقة بعدم التمييز ،املادتني 31 و.)1( 32 7صدّق السودان عىل اتفاقية حقوق الطفل يف عام 1990 وبروتوكوليها االختياريني يف عام ، 2005ولكنه أحد البلدان القليلة يف العامل التي مل توقع أو تصادق عىل اتفاقية القضاء عىل التمييز ضد املرأة ( .)CEDAW 8للمزيد من املعلومات، يرجى االطالع عىل القسم )2( 40من قانون األحوال الشخصية اإلسالمي لسنة .1991 9يس.جي آدمز" ،البلوغ"، املوسوعة القرآنية( .تحرير) جني دامني ماك أولفي (ليدن: بريل.)2017 ، 10وهو الرأي القانوين أو التفسري املتخصص الذي ميكن أن يعطيه فقيه مؤهل يف القضايا املتعلقة بالرشيعة اإلسالمية. 11مقابلة مع أمرية الفاضل، الوزيرة السابقة لوزارة الرعاية والضامن االجتامعي، 25يوليو.2013 ، 12مقابلة مع دفع الله حسبو 20 ،نوفمرب.2013 ،
املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
95
مببدأ نقض الزواج عند بلوغ سن الرشد كام هو شائع ضمن الفقه الحنفي .18ففي حال السامح بذلك يحق للفتاة التي تصل إىل سن البلوغ/الرشد رفض عقد الزواج الذي تم نيابة عنها عندما كانت قارص. وبحسب د .عائشة الكارب ،رئيسة املنظمة السودانية لألبحاث والتنمية: "إ َّن النقطة الحاسمة املتعلقة بزواج األطفال هي التخلص من الوالية."19
موقف الحركة النسوية السودانية خارج دائرة السلطة: يف حني تؤيد الناشطات السودانيات رفع الحد األدىن لسن الزواج إىل 18سنة ،إال أنهن يرين أن يكون ذلك جزءا ً من اإلصالح الشامل لقانون األرسة لسنة .1991 ومن منظامت املجتمع املدين الرائدة يف حملة اإلصالح القانوين هي (املنظمة السودانية لألبحاث والتنمية) التي ت ُشَ ك ُِّل جزءا ً من الحملة الدولية "فتيات ال عرائس" .وبحسب وجهة نظر الناشطات النسويات، يُ َع ُّد زواج االطفال انتهاكاً ضد املرأة كام هو منصوص عليه يف إعالن القضاء عىل العنف ضد املرأة ( ،)1993وبالتايل ،فإ َّن اإلصالح الشامل لقانون األرسة يُ َع ُّد الخطوة املفتاحية للقضاء عىل مثل هذا االنتهاك. وقد ابتدرت الناشطات النسويات حوارا ً حول الجوانب التمييزية يف قانون األرسة املسلمة يف مطلع العام .16 2000و قبل عدة سنوات قامت املنظمة السودانية لألبحاث والتنمية بصياغة قانون بديل لألرسة يُ ْع َر ُف باسم( :قانون عادلة) ،يهدف إىل تعزيز املساواة بني الجنسني من أجل دعم الحقوق املدنية للمرأة.17
وعىل الرغم من أ َّن الناشطات النسويات قد رحنب بتحرك الحكومة لترشيع سن 18حدا ً أدىن لسن الزواج ،إال أنهن ما زلن حذرات تجاه جهود اإلصالحيني من النظام الحاكم بدعوي أ َّن اإلصالح لن يكون له سوى تأثري ضئيل ما مل ت ُلغَى الوالية يف الزواج. بقلم :ليف تونيسين
من االنجليزية :محمد الفكي
13مقابلة مع دفع الله حسبو. 14منظامت غري حكومية تعرتض عىل قبول زواج األطفال من قبل رجال الدين السودانيني التابعني للحكومة ،سودان تربيون22 ، أكتوبر http://www. .2012 sudantribune.com/spip. php?article44301 15ريم عباس" ،حان الوقت لتصبح الفتاة السودانية فتاة ،و ليس عروساً" إنرتبرس سريفيس 10 ،يوليو.2017 ، 16بلقيس بدري ،وأكولدا م .تاير ،اإلصالح القانوين يف السودان :مجموعة أوراق عمل (أم درمان ،السودان، جامعة األحفاد للبنات، .)2008 " 17تقارير حول مؤمتر قانون األحوال الشخصية يف السودان" ،و"نحو عدالة نوعية يف السودان :قانون األرسة املقرتح" ،املنظمة السودانية لألبحاث و التنمية (الخرطوم :سورد .)2012
وتعتقد العديد من الناشطات النسويات بأن الكثري من الجوانب املتعلقة بالزواج بحاجة إىل مراجعة وتعديل .وتؤكد الناشطات النسويات أ َّن مجرد رفع الحد األدىن لسن الزواج -كام يقرتح اإلصالحيون من الحزب الحاكم -لن يكون له سوى تأثري ضئيل ما دام قانون األرسة املسلمة ينص عىل أن للويل الذكر سلطة التعاقد يف الزواج يف حالتي كل من النساء البالغات والفتيات الق َُّص .وعليه ،ما مل تكن املرأة قادرة عىل التعاقد بنفسها يف الزواج ،فسوف تظل قوامة الرجل ووصايته جامثة عيل صدور النساء ومعيقة لقدرتهن عىل اتخاذ القرار.
18محمد مسعود" ،املساوة النوعية و فقه الوالية" ،يف: النوع والعدالة يف قانون األحوال الشخصية اإلسالمي: العدالة و االخالق يف التقاليد القانونية االسالمية‘ (تحرير). لريا الرسني ،زيبا مري حسيني، كريستيان مو ،كاري فوغت (تاوريست :)2013،ص.130 .
وباإلضافة إىل ذلك ،فإ َّن قانون األرسة الحايل لسنة ،1991ال يسمح
19مقابلة مع عائشة الكارب، 25مايو.2011 ،
96
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
ملف العدد :جنسانية المرأة في المجتمعات اإلسالمية ما بين الهوس والتحريم
المرأة والجنسانية في المجتمعات اإلسالمية
تحريم غير ُم َبر َّر ٍ
كيت كينغزفورد كيت كينغزفورد: كاتبة وباحثة يف قضايا النوع يف الرشق األوسط وشامل أفريقيا .تناولت أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه موضوع (انتامءات النساء والتغيري االجتامعي يف الحرض الزنجباري).
"يف البلدان العرب-إسالمية ،يُ َعدُّ الجنس نقيض الرياضة؛ فالكل يتحدث والروحية للجنس .وترى شريين الفقي بأنه من وجهة نظر هؤالء الشيوخ عن الرياضة إال أنَّ القليل جداً منهم ميارسها .ولكن بالنسبة للجنس ،الكالسيكيني فإ َّن "الجنس الباهت ليس من اإلسالم يف يشء". فإنَّ الكل ميارسه ولكن ال أحد يرغب يف الحديث عنه". وعىل عكس الكثري من املواد اإلباحية (البورونغرافيا) املعارصة، لخ ََّص ْت طبيبة مرصية يف االقتباس السابق -الذي نقلته عنها شريين احتفلت النصوص العربية يف العصور الوسطى باملتعة الجنسية املتبادلة، الفقي يف كتابها الرائد( :الجنس والقلعة) -واحدة من أعظم املشاكل مع الرتكيز بقدر كبري عىل متعة اإلناث أُسوة مبتعة الذكر .وكانت اللذة أمضت شريين الفقي الجنسية تُ َناق َُش من حيث الجوانب الصحية والرومانسية ،مع فوائدها االجتامعية املسكوت عنها يف الرشق األوسط .١وقد ْ سنوات عديدة يف البحث يف قضية الجنس يف الدول العرب-إسالمية العقلية والجسدية والروحية .وكان ال ُق َّراء يُشَ َّج ُعو َن عىل مامرسة جنسية طارح ًة العديد من األسئلة التي ال يقدر عىل صياغتها إال القليل من متطورة وت َ َعلُّم كيفية إعطاء املحبوب االستمتاع كوسيلة لتعميق عالقة الناس .وحتى مع ثورات الربيع العريب التي ساهمت يف فتح الحوار عن الحب بني األزواج .وكان الحب والجنس يعامالن كظاهرتني متكاملتني. حقوق اإلنسان يف جميع البلدان ،ظَل َّْت قضية الحقوق الجنسية -وخاصة إذن ما السبب الذي جعل التعبير عن الحب أمراً تلك املتعلقة باملرأة -من امل ُ َح َّر َمات. ُمخْجِ َل ً في المجتمعات العرب-إسالمية المعاصرة؟ بالتأكيد لم تكن الكتابة عن الجنس في ذلك الوقت ي ُن ْ َظ ُر إليها على أنها شيء (قذر) أو ُم ِ سيء للدين.
ففي حني يُ ْس َم ُح للرجال بقدر من الحرية الجنسية وحرية التعبري ،إال أ َّن الجنس بالنسبة للمرأة يُ ْعتَ َ ُب مسألة خطرية ،وتتعرض املرأة ألشكال الضبط االجتامعي كافة ،ابتدا ًء من الترشيعات واألحكام االجتامعية بل عىل العكس ،فقد َع َّ َبت املخطوطات األيروسية يف العصور املتعلقة بالزي ،إىل الرقابة اليومية لسلوك النساء بواسطة األرس واملجتمع الوسطى عن الجنس عىل اعتبار أنه هبة إالهية ،ومصدر للفرح وليس بصفة عامة. الخجل. ويف بعض املناطق ،ت ُ ْعتَ َ ُب مامرسة برت األعضاء الجنسية للمرأة وسيلة ِ وقد ا ْعتَ َ َب العلامء العرب الكالسيكيون الرغبة الجنسية للمرأة أمرا ً رضورية لضبط رغبات املرأة .ومن ناحية أخرى نجد أنه عىل املستوى اليومي ال يجد الكثري من الناس جهات نافذة يتوجهون إليها بتساؤالتهم طبيعياً وجميالً وليس شيئاً يجب كَ ْبتُهُ .فقد جاء يف موسوعة (جامع عن قضايا الجنس ،وينحرص الحديث عن موضوع الجنس يف إطار العفة اللذة) املخطوطة يف بغداد يف أوخر القرن العارش بواسطة عيل بن واإلنجاب والتحذير من امل ُ َح َّر َمات .وحتى يف إطار عالقات الزواج يشعر نرص الكاتب ،أ َّن الرغبة الجنسية للمرأة لها دور مركزي .٣فالجنس أكرب األزواج بالحرج والخجل الشديد الذي مينعهم من إجراء حوار مفتوح بكثري من كونه مجرد رضورة للتكاثر ،ولكنه شكل من أشكال الفن يبدأ وصادق عن حياتهم الجنسية. باملغازلة ،ورسائل الحب ،واملحادثات العاطفية والرومانسية ،ويتطور مع املداعبة الشاملة .ووفقاً البن نرص ،فإ َّن النشوة الجنسية املتزامنة هي والغريب أ َّن هذه النزعة التطهريية املزعومة ت ُ ْعتَ َ ُب ظاهرة حديثة أفضل طريقة "لضامن الحب واملودة املتبادلة" ،لذا يجب عىل الرجال نسبياً ،ومثلها فكرة أ َّن الدين يقوم عىل الجهل الجنيس والتَّ َز ُّمت .ففي أن يتعلموا كيفية إرضاء رغبات املرأة من أجل ضامن السعادة الزوجية. حقيقة األمر نجد تاريخياً أ َّن الثقافة اإلسالمية قد احتفت بالجنسانية وكذلك بعد املجامعة يجب أن يستمر الزوج يف تقبيل زوجته ومحادثتها قروناً عديدةً .وكذلك فقد َح ِفلَت املخطوطات العربية واإلسالمية للتأكُّد من أنها تشعر باالرتياح والتقدير. الكالسيكية باألوصاف املحتفية باإلثارة واملتعة الجنسية .٢والعديد من وت ُ َع ُّد مخطوطة (الروض العاطر) للشيخ النفزاوي املكتوبة يف القرن هذه املخطوطات قد كتبها شيوخ دين من أمثال جالل الدين السيوطي وهو شيخ صويف عاش يف القرن الخامس عرش ،وله كتابات غزيرة ىف الخامس عرش ،خالصة وافية أخرى للنصائح والقصص الرصيحة وواسعةمسائل الجنسانية ،-واحتوت العديد من املخطوطات الكالسيكية عىل النطاق مثل (كاماسوترا) الهندية ،مع فصول كاملة تحتوي أوصافاً مناقشات رصيحة عن تقنيات مامرسة الجنس وعن األبعاد العاطفية ُملَطَّ َف ًة لألعضاء التناسلية الذكرية واألنثوية وغريها الكثري .وبينام كان املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
97
الرسم :صالح ابراهيم -السودان
األوروبيون يف ذلك الوقت سيشعرون بالفزع من ازدهار الحضارة اإلسالمية وانفتاحها ،كانت املتعة الجنسية املتبادلة ت ُ َع ُّد واحدة من امتيازات الحضارة وليست مصدرا ً للعار. فام الذي تغري إذن؟ وملاذا ال يزال الحديث عن الجنس أمرا ً يف غاية الصعوبة؟ فبعد مرور قرون قليلة عىل ظهور كتاب النفزاوي (الروض العاطر) ،بدأ النفوذ السيايس والثقايف للعرب يف التدهور .ويف الوقت ذاته بدأت املجتمعات العربية واإلسالمية تتحول إىل مجتمعات ُم َحا ِفظَ ٍة و ُم ْن َغلِ َق ٍة ،خاصة فيام يتعلق باملوقف من الجنس.
فعىل الرغم من املحاذير والتابوهات التي تحيط بالنقاشات الرصيحة عن الجنسانية إال أنه يف بعض املجتمعات اإلسالمية ت ُ ْد َم ُج مسائل الجنس يف األعراف االجتامعية ،كام أ َّن الفكرة التي تنظر إىل الجنس عىل اعتباره شيئاً جديرا ً باالحتفاء واالستمتاع به ال تزال ح َّية إىل حد كبري. ومن األمثلة عىل ذلك مجتمعات املسلمني يف جزيرة (زنجبار) الواقعة يف املنطقة الساحلية لرشق أفريقيا ،حيث تُ َث ُِّل مامرسة الـ(السينغو) -وهي أمسية يتخللها التدليك واإلرشادات الجنسية والرتابط النسايئ -جزءا ً من املامرسات الثقافية للمرأة تتزامن مع مراسم الزواج .وعىل العكس من املخطوطات األيروسية التي كانت سائدة يف العرص العبايس والعصور الوسطي ،تعود مامرسة الـ(السينغو) بجذورها إىل األعراف املحلية األفريقية والثقافة الشفاهية التي ت ُ َع ِّ ُب عن نفس التعايش ما بني الديني والجنيس واملتعة الحسية والحب والزواج.
لكن لرمبا قد حان الوقت اآلن لتغيري بعض من هذه التابوهات. وكام جاء يف طرح شريين الفقي يف سفرها (الجنس والقلعة) ،فإ َّن العودة إىل النقاشات الرصيحة عن الجنس واالستمتاع بالحياة التي م ّيزت وتحظى شخصية (الكونغوي) -وهي عبارة عن امرأة ُم ِس َّنة تؤدي دور املخطوطات الكالسيكية يجب أن تكون عنارص أساسية يف عملية التغيري ُم َعلِّ َمة الجنس -باحرتام كبري ،وتُ ْعتَ َ ُب خبرية يف فن الزواج الناجح ،وبالتايل االجتامعي اإليجايب. ٤ تتمتع بسلطة دينية .ومن املتوقع أن تكون النساء غري املتزوجات وبما أ َّ عدميات الخربة الجنسية ويجهلن مثل هذه األمور ،ولكن بعد الزواج ن العديد من األعراف االجتماعية التي تحد من حرية المرأة في التعبير تستند إلى أ َّ ت ُ ْعتَ َ ُب الزوجة مسؤولة -إىل حد كبري -عن الحياة الجنسية للزوجني ،سوا ًء ن فيام يتعلق بإرضاء زوجها أو ت َ َف ُّهمِ متعتها .فقبل أيام قليلة من الزواج، الجنسانية األنثوية هي خطر ماحق ،يصبح النقاش الصريح في هذا المنحى خطوة أساسية نحو الدفاع تقيض (الكونغوي) ومجموعة من األقارب اإلناث أمسية مع العروس ويث ُِّل هذا اللقاء انتقاالً طقسياً من حالة إىل أخرى ،حيث تُ َق َّد ُم العروس عن حقوق المرأة. َُ إىل عاملي :الجنسانية وزمالة النساء الناضجات ،وبذا ت ُؤكَّ ُد هويتها ويف املقابل ما تزال هناك بعض من املساحات تتمتع مبواقف إيجابية االجتامعية كزوجة وكمسلمة. حيال الجنسانية النسوية يف السياق اإلسالمي ضمن الثقافة املحلية.
98
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
ملف العدد :جنسانية المرأة في المجتمعات اإلسالمية ما بين الهوس والتحريم
وت ُ َغل ُِّف (الكُونغوي) خطابها -أثناء تعليمها للعروس عن الجنس- بلغة ُم ْستَ َم َّد ٍة من األعراف اإلسالمية ،مع الرتكيز عىل الحديث النبوي الذي ينص عىل أ َّن "الزواج هو نصف الدين" .٥وإ َّن العالقة الجنسية يجب االستمتاع بها يف الزواج .ويف حديث آخر ُذكِ َر أ َّن الرسول قد قال: "ال يقعن أحدكم عىل امرأته كام تقع البهيمة وليكن بينكام رسول" .٦و الرسول الوارد يف الحديث بحسب تفسريه هو" :القبلة والكالم الط ّيب". وهكذا يتشابك الوالء الديني مع االحتفاء بالحسية واإلغراء واملتعة املتبادلة. وتتعلم العروس -كجزء من تدريبها يك تصبح زوجة مسلمة صالحة- كيفية خلق َج ٍّو مثري عن طريق ارتداء األزياء األنيقة ،ومسح بدنها بزيوت خاصة كـ(اليالنغ يالنغ) ،وارتداء الخرز حول خرصها ،ونرث العطور وأزهار الياسمني يف غرفة النوم .وال تتعلم العروس فقط احرتام زوجها وكيفية منحه للمتعة ،ولكن يك تحقق هي أيضاً املتعة لنفسها. ويتميّز طقس (السينغو) ب َج ٍّو من االحتفالية حيث تنخرط بقية الفتيات يف الغناء والرقص وإلقاء النكات املليئة باإليحاءات الجنسية .فالجنس األنثوي ميثل مصدر فرح يجب االحتفاء به. وتعكس ممارسة (السينغو) روح النصوص العربية الكالسيكية عن الجنس ،وت ُ ْ ضفِ ي إحساساً بالبهجة ومزيجاً من الغواية الرومانسية مع الفكاهة الدنيوية ،والقبول بأن المرأة لها الحق في التعبير عن رغبتها.
بأي حال من االحوال أ َّن املجتمع السواحييل و لكن كل هذا ال يعني ِّ يُشَ ِّج ُع املرأة عىل التعبري اإليجايب للجنس األنثوي يف كل األجواء إن كان ذلك من جانب الزي أو السلوك أو الحديث الرصيح ،بل هو بعيد عن هذا كل البعد .و لكن مع ذلك ،فإ َّن استمرار مثل هذا الطقس (السينغو) من شأنه أن يتيح للمرأة عىل األقل فرصة واحدة للتعبري عن وجودها عم إذا كان ذلك س ُي َ ْت َج ُم إيل واقعٍ يف غرفة كذات جنسية ،بغض النظر َّ النوم بعد الزواج أم ال. فاملامرسات الثقافية التي تحتفي بالجنس األنثوي يف اإلطار االسالمي، مثل طقس سينغو العروس يف زنجبار ،كانت و ال تزال جزءا ً من األعراف االجتامعية .وال يُ َع ُّد قبول النشاط الجنيس للمرأة وخلق مساحة لألزواج لالستمتاع بحياة جنسية أفضل شيئاً جديدا ً يف الثقافات العرب-إسالمية، ولكنه ُ َيث ُِّل شيئاً ُمه َِّمً ميكن استعادته .إ َّن فتح املجال واسعاً إلجراء مناقشة حرة ومفتوحة عن النشاط الجنيس يف العامل اإلسالمي يُ َع ُّد أمرا ً حيويَّاً لحرية التعبري ،ولحقوق املرأة ،ولعالقات شخصية صحية.
ولكن هذا ال يعني التخيل عن األخالق ،أو رفض الثقافة أو الدين. وت ُ َق ِّد ُم مواقع مثل (الحب ثقافة) ٧مساحات إلكرتونية للشباب ملناقشة القضايا املتعلقة بالجنس يف سياق يتضمن الحساسية الثقافية ،حيث ميكنهم طرح األسئلة وإيجاد إجابات دقيقة من دون إصدار أحكام ضدهم .إ َّن تحدي التابوهات الجنسية قد يساعد يف العودة إىل روح العلامء املسلمني الكالسيكيني الذين احتفلوا باللذة وتنوع التجربة الجنسية كام هو الحال يف ك ٍُّل من( :جامع اللذة) ،و(الروض العاطر). بقلم :كيت كينغزفورد
من االنجليزية :محمد الفكي 1
شريين الفقي ،الجنس والقلعة( ،لندن :فينتتش، .)2013 ٢كُ ِت َب العديد من هذه املخطوطات إبَّان الخالفة العباسية (1258 – 750 هـ) -العرص الذهبي لإلنتاج الفكري العريب الكالسييك – أو يف قرون بعد ذلك من العصور الوسطى وحتى نهاية القرن الخامس عرش. ٣برينيال مايرين( ،إمتاع املحبوب :الجنس والحب الحقيقي يف ملخص األيروسية العربية يف العصور الوسطى)، يف املحبوبة يف االدب الرشق أوسطي (تحرير) .عيل رضا كورانقي ،وهنادي السامن، ومايكل بريد (لندن :توريس، .)2018 ٤كاترينا دايل مثبسون( ،كيف تكونني زوجة مسلمة صالحة: نساء ميارسن سلطة دينية خالل األعراس السواحيلية)، مجلة الدين يف أفريقيا 41 (.448-427 :)2011 ٥الرتمزي ،حديث .3096 ٦شريين الفقي ،الجنس والقلعة. ٧
منرب (الحب ثقافة) يوفر مساحة إلكرتونية للشباب حيث يتناقشون يف قضايا الحب والجنس والعالقات والحصول عىل معلومات خالصة عن الصحة والحقوق الجنسية باللغة العربية. للمزيد ابحث يفwww. : lmarabic.com املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
99
األمهات غير المتزوجات وتحديات المعاش الواقع ُ صفية الصديق
الكاتبة :صفية الصديق :صحفية وكاتبة سودانية تخ َّرجت من جامعة الخرطوم قسم اإلعالم وحصلت عىل املاجستري يف الصحافة من الجامعة نفسها. وهي متعاونة مع العديد من الصحف ومنظامت املجتمع املدين.
حكت صديقتي التي تعيش يف إحدى مدن الشامل النييل قصة مؤملة حدثت يف مدينتهم النائيةَ .ص َد َر يف منتصف الليل من أحد املنازل املجاورة صوت وكأنه رضب عىل صخو ٍر عتية ،مل يجد له أهل الحي تربيرا ً .ويف الصباح أعلن الجريان أن ابنتهم ذات الثالثني ربيعاً قد ماتت أي عزاء كعادة أهل وقرروا تشييع جثامنها بال مراسم ومل يقيموا لها َّ البالد .ومل ِ رس َب الرس الخفي حيث نبأ إىل أهل ميض وقت طويل حتى ت َّ الحي أ َّن الصوت الذي دوى يف منتصف الليل قبل وفاة الفتاة كان صوت رسب اصطدام جسدها حيث أُل ِق َيت ُع َّدة مرات عىل األرض بعد أن ت َّ خرب حملها بدون زواج إىل أهلها الذين قرورا وأدها كام يف العصور البالية وبالتاىل إنهاء حياتها وجنينها .ورغم أمل الجريان وأهل البلدة إال أ َّن تواطؤهم مع جرم قتل الفتاة بدا واضحاً ال لبس فيه وكأنه أمر طبيعي وفعل البُ َّد منه.
الرسم :نصر الدين الدومة -السودان
اإلجهاض املتكرر: حص تبلغ حواء اآلن من العمر خمسني عاماً ،وقد خاضت عددا ً ال يُ َ من عمليات اإلجهاض ورمي األجنة يف قنوات مياه الزراعة أو يف أماكن النفايات أو دفنهم يف املساحات املهجورة ،ألنها حبلت عددا ً من املرات من دون زواج كأم بدون زوج ،قصة حواء كانت من القصص امل ُرعبة يف تلك القرية الصغرية من قرى الجزيرة يف وسط السودان ،فالجميع يعلم مبوضوع عالقاتها مع عدد من الرجال إال أ َّن أحدهم مل يعرتف ألي من أبنائها .وتقول حواء إنها كانت ترغب يف إنجاب يوماً ما بأبوته ٍّ األطفال لكن أيَّاً من الرجال الذين ارتبطت بهم كانوا يرفضون االعرتاف بالطفل ويرفضون مواجهة املجتمع أو تقنني عالقتهم بها .وتروي حواء: لدي رغبة "ال علم يل وال إمكانيات بكيفية منع نفيس من الحمل وليس َّ يف أن أعيش دون عالقة وبوضعي هذا لن يقبلني املجتمع ولن يقبل أن يتزوجني أحد .وكيف يل أن أواجه طفيل بأ َّن ليس لديه أب؟ وكيف يل أن أعطيه حقه يف الصحة والتعليم والرعاية وهو بال هوية؟!! والنتيجة أنني اآلن يف الخمسني من العمر وضاعت فرصتي يف أن أكون أ َّماً".
هذه هي النظرة لألمهات غري املتزوجات يف مجتمعات وسط وشامل السودان ،حيث يواجهن مصائر غري معروفة وقيودا ً كثرية منها الديني واالجتامعي والثقايف ،ورغم أ َّن قضية األمهات غري املتزوجات هي واقع موجود ألسباب كثرية منها إشكاالت االغتصاب والعنف الجنيس املسكوت عنه يف مجتمعات السودان .وإشكاليات االعتداء عىل الطفالت دون سن الثامنة عرشة ،وكلها أمور وإشكاالت شائعة ،أو الوعود الزائفة من الرجال بالزواج من الشابات الاليت طال انتظارهن وما زلن يَتُق َن إىل الحياة األرسية .وىف السنوات األخرية صارت العديد من النساء الشابات يرغنب يف إنجاب أو تب ِّني األطفال دون الدخول يف التزامات الحياة الزوجية وهنالك مجموعة أخرى من األمهات غري املتزوجات من فئة رشدات الاليت يف الغالب يُن ِج َنب بدون وعي .ويف كل هذه الظروف املت ِّ تواجه األمهات غري املتزوجات مصائر مظلمة وجائرة محكومة بتصورات املجتمع للدين ،واألهم تصورات املجتمع لدونية وال إنسانية املرأة، األمهات العازبات وتعقيدات تبني األطفال: والنظرة القارصة لجنسانية النساء وحقوقهن اإلنجابية التي يتم التعامل معها باعتبارها ُو ِج َدت فقط لتلبية احتياجات الرجال وفق قيم املجتمع قصة أخرى ترويها إحدى األمهات الشابات" :كنت عائدة ليالً من التقليدي .وليك توائم النساء ما بني واقعهن وتصورات املجتمع الجائرة تلجأ العديد من النساء إىل حلول قاسية وخطرة لتج ُّنب العار والتجريم إحدى املناسبات االجتامعية وإذا يب أتفاجأ بجمع غفري من الناس معهم مجموعة من القوات الرسمية ليتضح أنهم وجدوا طفالً رضيعاً القانوين واملجتمعي.
100
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
ملف العدد :جنسانية المرأة في المجتمعات اإلسالمية ما بين الهوس والتحريم
كثريا ً من املشاكل والتساؤالت من ابني عندما بدأ يكرب وبدأ يسألني عمن هو أبوه ،وأ َّن أصدقاءه بالروضة والحقاً املدرسة يطلقون عليه لدي إجابات (ود املرة) يقصدون أنه ابن امرأة وليس له أب .مل يكن َّ كنت أقول له إ َّن والدك قد ت ِّ وواجهت ُوف، ُ عىل تساؤالت ابني .وكثريا ً ما ُ مشكلة حقيقية يف تسجيله يف السجل املدين للمواليد فهم ال يعرتفون بالتب ِّني ومل يوافقوا عىل إعطائه اسم عائلتي والتي هي باألساس رافضة متكنت من تسجيله باسم والد وهمي للفكرة .وبعد الكثري من الجهد ُ حتى أضمن له حقَّه يف التعليم والرعاية الصحية. ملفوفاً بقطعة قامش ويف حالة صحية يُ َ تطوعت بحمل الطفل رث لها. ُ مع الرشطة ألقرب مستشفى وكانت نتيجة الفحوصات أنه يعاين من التهاب حاد ونسبة شفائه قليلة ،ويف هذه الحاالت فإ َّن الطفل يف الغالب يكون عرضة للموت أل َّن املستشفيات ال ت ُِول األطفال فاقدي الرعاية األبوية عناية كافية لعدم وجود أبوين ،ولعدم وجود من يتكفل بالدفع للمستشفى .مل أستطع ترك الطفل حديث الوالدة وحده يف املستشفى، وبعد ُع َّدة أيام من املكوث معه قررتُ أن أتبناه .مكثت معه باملستشفى أي قريب طلبت من ألسابيع حتى استعاد صحته ،وعندما مل يظهر للطفل ُّ أفراد الرشطة بأن أتبناه رسمياً ،وفعالً تم منحي األوراق الرسمية بدون تلك اإلجراءات الروتينية لألرس البديلة (هي أرس تقوم برتبية األطفال فاقدي الرعاية األرسية بعد إجراءات من دور الرعاية) ،أخذت الطفل معي إىل املنزل ،وعندما أخربتُ أهيل بقصته خريوين بني البقاء معهم أو التخلُّص من الطفل .كنت يف تلك األيام حديثة التخرج وأمتلك القليل من َّنت وبصعوبة من املال ،ق َّررتُ ترك املنزل ،ومبساعدة بعض األصدقاء متك ُ استئجار منزل يف األطراف القص ّية للمدينة يف منطقة معزولة ال تسكنها الكثري من األرس وذلك ألتجنب األسئلة ع َّمن هو والد الطفل .ورغم ذلك ضت لكثري من التح ُّرشات؛ فالعديد من مل أسلم من املجتمع فقد تع َّر ُ الرجال مبا يف ذلك زماليئ يف العمل حيث كانوا يعتقدون أنني أنجبت الطفل من عالقة غري رشعية باعتباري أ َّماً غري متزوجة .ومن املالحظ أنَّه كان من الصعب عىل الجميع تف ُّهم أنني قد تبنيت هذا الطفل طوعاً واختيارا ً باعتباري راشدة وواعية بخيارايت وأن يل مطلق الحرية يف تب ِّني أي عدد من األطفال ما دمت قادرة عىل تربيتهم مبفردي .وقد واجهت
إشكاالت التبني واإلطار القانوين التمييزي السائد: وفق إفادة إحدى العامالت االجتامعيات يف دور رعاية األطفال فاقدي الرعاية األرسية أ َّن األمهات غري املتزوجات يواجهن تعقيدات عديدة .فعىل الرغم من أ َّن املجتمع يتقبّل أن يعيش األطفال دون رعاية أمهاتهم لكن املجتمع نفسه ال يتق ّبل حتى اآلن فكرة وجود األطفال وسط األرس أو أن تربيهم األم الحقيقية .ورغم أ َّن العديد من النساء الشابات يرغنب يف تبني األطفال دون زواج إال أ َّن املجتمع ال يزال يرفض أن تتبني امرأة شابة وغري متزوجة طفالً بينام يتقبل املجتمع فكرة تبني األطفال من قبل النساء غري املتزوجات كبريات السن والآليت هن يف العادة ليس لديهن القدرات الجسدية والصحية لرتبية األطفال ال ُّرضَّ ع وصغار السن وهو أمر موضوعي .حيث ارتبطت فكرة التبني يف املجتمع السوداين بعدم القدرة عىل اإلنجاب دون النظر إىل الجوانب اإلنسانية. إ َّن موضوع األمهات غري املتزوجات أصبح أمرا ً واقعاً الرتباطه مبتغريات الحياة االجتامعية .فالعديد من النساء والرجال صارت لهم أراء سلبية تجاه مؤسسة الزواج ويف الوقت نفسه ترغب النساء يف أن يك َّن أمهات. وبينام يتمتع الرجال بامتيازات قانونية واجتامعية متك ّنهم من تسجيل أكرب عدد من األطفال بأسامئهم وأسامء أرسهم .تواجه جميع األمهات غري املتزوجات بأ َّن القانون ال يسمح له ّن بنسبهم إليه ّن حيث تعطيهم دار الرعاية أو األرسة البديلة اسامً ُمتَ َخ َّيالً ،وعليه يواجه الطفل املُتَ َب َّني سلسلة من التعقيدات االجتامعية والرسمية ،فإن شاءت األقدار وتزوج وأنجب الطفل امل ُت َب َّنى أبناء فإ َّن إثبات نسب أطفاله يتطلب شهادة املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
101
أحد أفراد األرسة من جهة األب تحديدا ً (العم) وأل َّن االبن باألساس ألم غري متزوجة وليس لديه أقارب مام يجعل حياة األطفال املتبنني من قبل نساء وهم غري قليلني غاية يف التعقيد .حيث يظل هؤالء األطفال تالحقهم أزمة الهوية والوصمة االجتامعية (ود حرام ،أو بت حرام) طوال حياتهم". تواصل العاملة االجتامعية قائلة" :وفق تجربتي يف العمل بدور رعاية األطفال والطفالت فاقدي الرعاية األبوية فإ َّن أغلب األمهات ال يرغنب للتخل ِّ التخل عن أبنائه ّن إال أ َّن ضغط املجتمع واألرسة يضطره ّن يف ِّ عنهم ،فإنني أتذكَّر أ َّن هنالك طفلة بإحدى دور الرعاية كانت تجد اهتامماً خاصاً من إحدى النساء التي كانت تزورها بانتظام ،وتحرض لها املالبس والعطور ،وتشرتي لها الذهب والفواكه ،وتذهب معها باستمرار إىل الحدائق ،وتأخذها إىل منزلها وعندما بلغت الفتاة سن الخامسة عرشة اكتشفت أنها تتواصل مع أمها الحقيقية إال أ َّن األم رفضت االعرتاف بها خوفاً من املجتمع.
بإجراء عمليات الوالدة الطبيعية والقيرصية لألمهات غري املتزوجات بدون (تخدير) أو إتباع أي إجراءات سالمة لألم والطفل كعقوبة منهم حتى ال تكرر ذلك الفعل (املعيب) ،هذا غري أ َّن األطباء ال يجرون العملية إال بحضور قوة رسمية وإثبات أ َّن الفتاة (حامل بالحرام) يف محارضهم، وبعد ذلك يتابعونها حتى تكمل فرتة الوالدة ويعودون لتطبيق عقوبة الزنا عليها ،وهذا يف رأيي نابع من هوس الرشف والعذرية املوجود يف املجتمع السوداين". الوصمة االجتامعية والخوف من التجريم:
دكتور محمد يوسف أحمد املصطفى ،أستاذ علم االجتامع بجامعة الخرطوم يرى أ َّن مشكلة األمهات غري املتزوجات يف السودان نابعة من تفسريات الدين اإلسالمي تحديدا ً يف مجتمعات وسط السودان ،وأضاف أ َّن غري املسلمني ليس لديهم ذات اإلشكاالت وال تعترب هذه قضية معقدة ويضعون لها معالجات مختلفة .وال يُنظَ ُر لألمهات باعتبارهن مجرمات. ويضيف د .يوسف أ َّن األمهات غري املتزوجات أصبحن يشكلن ظاهرة متزايدة عىل مستوى العامل والبد لإلطار القانوين السوداين أن يتعامل مع آراء الشباب يف مواقع التواصل االجتامعي: تلك الظاهرة مبوضوعية يف اإلطار القانوين واالجتامعي .إ َّن ما يحدث يف استطالع منشور يف مجموعة بالفيسبوك تضم نساء ناشطات يروين يف السودان هو نكران األب كامالً للمولود خارج إطار الزواج يف حني ال أي ُم َس َّمى. تجارب األمهات غري املتزوجات يف السودان وما يواجهن من تعقيدات يسمح القانون برغبة األم باالحتفاظ بالطفل تحت ِّ جاءت أغلب الردود أ َّن التجربة مناسبة يف ظل التعقيدات الذكورية وال ميكن لنا أن نرتك قضية األم غري املتزوجة دون أن نبحث يف قضية املوجودة باملجتمع السوداين ،وجاءت إحدى الردود بأ َّن املجتمع ال يتسامح مع األمهات غري املتزوجات وال يتسامح مع الشابات الاليت يتبنني النشأة االجتامعية لألطفال والطفالت من هذه العالقة ،ففي الغالب وه ّن قادرات عىل اإلنجاب وتزيد" :يف مجتمع مشوه كمجتمعنا ال أُشَ ِّج ُع سواء أكان قرار األم أن تنجب بدون زواج أو أنجبت دون قرار نتيجة النساء عىل اإلقدام عىل أن يصبحن أمهات ،وحتى إن حدث حمل يجب لعالقة غري مخطط فيها لإلنجاب ،ففي كل هذه األحوال ينكر اآلباء إجهاضه حتى ال يواجه الطفل بالوصمة االجتامعية وإهانة األم بالقانون أطفالهم وتبقى األم مواجهة بتلك اإلشكالية املعقدة .وبالتأكيد ينعكس "لدي كل ذلك عىل التكوين النفيس للبنات واألبناء ،وبهذا ينشأ جيل جديد الذي يعاقبها بح ِّد الزنا جلدا ً أو رجامً" ،وتقول متداخلة أخرىَّ : إحدى املعارف أنجبت قبل الزواج من خطيبها إال أنها هي من تخلَّت نشأة ناقصة يغيب فيها دور األب ومن يقوم مقامه ،ولذا وحتى تتوازن عن الطفلة وبعد أن تزوجت رفضت تربيتها ،ويف رأيي هذا خضوع وتتفاعل األجيال القادمة مع بعضها ال بُ َّد أن يتقبل املجتمع سوى بالقانون مسالة األم غري املتزوجة وأن يُ َق ِّدم لألمهات غري املتزوجات دعامً لسطوه املجتمع". مؤسسياً وتتم تسوية أوضاعهن وتحميل األباء املسؤولية عن األطفال. تعقيدات صحية وامتناع عن تقديم الخدمات: ليست كل شعوب السودان ت ُ َج ِّر ُم األمهات غري املتزوجات وأطفالهن: الربوفيسور جمعة كُندة كومي -مهتم بقضايا النساء وناشط مدين- ويف مقابلة مع طبيبة أخصائية قالت" :إ َّن األمهات غري املتزوجات يواجهن واقعاً صحياً ُمعقَّدا ً ،تحديدا ً يف حاالت الوالدة ،فإ َّما أن تكذب يذهب لترشيح القضية من منظور الثقافة السودانية قائالً" :هي قضية وتقول أ َّن والد الطفل غري موجود وتُخر ُِج متثيلية ُمحكَمة لتفلت من ُمت َعلِّقَة بالحقوق وال ُح ِّريات الفردية وحق املرأة يف التحكُّم يف جسدها، عقاب األطباء والرشطة ،أو أن تعرتف وتحتمل ما يرتتب عىل ذلك ،حيث لكن ما مل يفتح السودان كمجتمع وحكومة الفرص لإلنسان لتفجري أ َّن هنالك ُعرفاً سائدا ً يف املستشفيات الحكومية وهو أ َّن األطباء يقومون طاقاته الذهنية والثقافية والجسدية ال ميكن لنا أن نسري خطوة يف
102
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
ملف العدد :جنسانية المرأة في المجتمعات اإلسالمية ما بين الهوس والتحريم
طريق التنمية حتى يف حال حدوث استقرار سيايس .وهذه القضايا ال تنفصل عن بعضها ،فمسألة عقاب النساء ألنجابهن أطفاالً خارج إطار الزواج هي ضمن األيدلوجية السياسية واالجتامعية التي تؤسس لتحطيم املرأة وتحميلها مسئولية إنجاب األطفال وكأ َّن الرجل مل يكن رشيكاً يف إنجاب الطفل .وتحمل النساء كامل املسئولية .هذا التكتم والتكريس لتجريم األمهات غري املتزوجات يف السودان يحدث ال َّن هناك رفض وانغالق من مناقشة التعقيدات االجتامعية التي تحدث يف السودان بشكل عام ،وهذا التكتُّم مينعنا من التوصل إىل حلول .ويواصل د .كندة: "إ َّن تعميم فكرة تجريم األمهات العازبات هو تعميم مخل؛ أل َّن الثقافة السودانية ليست كتلة واحدة ،بل متع ِّددَة الثقافات واألفكار وهذه التعددية سمحت بدرجات متفاوتة بتق ُّبل فكرة األم املفردة ،إذ نجد أ َّن هناك تفاوتاً ما بني ثقافات قبائل جبال النوبة وقبائل الوسط يف قصة تق ُّبل األمهات غري املتزوجات ،حيث تتق َّبل العديد من مجتمعات جبال النوبة األمهات العازبات .إال أ َّن هنالك قيودا ً يف النسب ،حيث أ َّن الطفل غالباً ما يتم نسبه لجده أو خاله ،أو ألبيه إن اعرتف به .لكن مل يحدث أي من قبائل جبال النوبة مبا يف ذلك املجموعات املسلمة أن أقدمت ٌّ عىل إجهاض األطفال أو قتل األمهات غري املتزوجات .فهذه األمناط من العادات موجودة يف مجتمعات شامل ووسط السودان ،إذ تتواطأ األرسة للتخلص من الطفل ،و َم َر ّد هذا إىل أ َّن املجتمع يتعامل بعنف مع األم غري املتزوجة بل ويرفضها متاماً ويحرمها من الحياة والزواج وهي عملية مباحة ومقبولة اجتامعياً أكرث من إعطاء األم الحق يف رعاية طفلها. وعملية التخلُّص من األبناء دامئاً تقوم بها النساء ألنه ّن املتهامت بخيانة رشف العائلة وعليه ّن معالجة األمر.
املتزوجة عقابها الرجم بالحجارة حتى املوت ،وغري املتزوجة الجلد مائة جلدة ،ويُفَضِّ ُل الدين التخلُّص من األبناء باعتبارهم ُمجاهرة بالخطأ وخطرا ً عىل املجتمع .وتكمن اإلشكالية هنا يف أ َّن قتل املولود الربيء باسم اإلسالم يُ َع ُّد جرمية أكرب من جرمية الحمل خارج إطار الزواج. ويواصل الشيخ قائال :إ َّن مامرسة الجنس قبل الزواج يعتربه الدين حراماً إال أنه غريزة إنسانية وكذلك اإلنجاب غريزة إنسانية فلامذا العقاب عىل الغريزة بالقتل الذي هو باألساس حرام وحرمته ال تهاون فيها من داخل النص القرآين. إن تجريم اإلنجاب لغري املتزوجات هو أمر يُفَضِّ ُل علامء الدين التقليديني واملهيمنني السكوت عليه ومعالجته بطرق غري إنسانية وأحياناً إجرامية أال وهي التخلّص من األطفال وإبعادهم عن األم ،رغم أنها قضية موجودة بحكم تطور الحياة ،وواجب علامء الدين املواءمة ما بني النصوص الدينية وواقع البرش املعاش .مع العلم أ َّن النصوص اإلسالمية تتيح ذلك .إال أ َّن هذه القضية هي إحدى القضايا املسكوت عنها يف الدين مثلها وقوم لوط الذين ذكرت النصوص أ َّن الله خسف بهم األرض وخلَّص البرشية منهم ،وهذا يجعلنا نتساءل من أين أىت القوم ذوي امليول املثلية املوجودين اآلن؟ كل هذه املسائل املتعلِّقة بالجنسانية تتطلب البحث واملراجعة وعمق النظر يف داخل النصوص املق َّدسة التي ال تحظر علينا التفكري أو التجديد. مالحظة:
فَضَّ َل عدد من األشخاص الذين حاورهم هذا املوضوع عدم اإلفصاح وتتعامل القبائل السودانية ذات األصول األفريقية مع األم غري عن أسامئهم. املتزوجة بطريقة عملية ومختلفة حيث تعترب قضية اإلنجاب والحمل خارج الزواج هي قضية مجتمع وليست قضية أفراد ،ويرجح االهتامم بوضع الطفل الوليد قبل أي يشء حيث يحرص املجتمع عىل رعاية الطفل وحاميته ويسمون مسألة الحمل خارج الزواج (كرس بيت) ،ويطلبون بقلم :صفية الصديق من األب االعرتاف بالطفل ودفع غرامة ،ويف هذه الحالة يذهب املال لخال البنت وأهلها لجهة أمها .ويف تقديري أ َّن هذه املعالجات هي معالجات منفتحة وأكرث واقعية مقارنة مبا يحدث لألمهات العازبات يف مجتمعات الوسط. موضوع يتطلب مراجعة النصوص الدينية:
يرى أحد شيوخ الصوفية وامل ُج ِّد ِدين يف قضايا الدين أ َّن الرأي اإلسالمي التقليدي فيام يخص األمهات غري املتزوجات هو التجريم ،فالزانية املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٤
103
بريد القراء 9 770231 104143
العدد ٢٠١٧ / ٣
"تتضمن مجلة (املرأة يف اإلسالم) إسهامات غنية يف مجال الفكر النسوي واإلسالم عىل نطاق واسع .ومن أفضل ما مييز هذه املجلة هو أنَّها توفِّر منربا ً ومساح ًة للنساء املسلامت للتعبري بأصواته ّن عن حقوق املرأة يف اإلسالم .إنَّها مجلة جيدة جدا ً لك ُِّل من يرغب يف االطِّالع عىل الشؤون النسوية وعالقتها بالدين والتقاليد من منظور عابر للقطاعات واملناهج". سوغاندا بارمار ،باحثة نسوية ،بريطانيا
خيار النضال و ليس الهروب زيبا مري حسيني و املطالبة باملساواة من داخل التقاليد اإلسالمية
مواريث النساء في االسالم د .زاهية بنت سامل جويرو تناقش مواريث النساء ما بني النص و التأويل
الترابي و النساء ملف العدد: النساء داخل المنظومة السلفية
"إ َّن املوضوعات التي عالجها العدد الثالث من مجلة (املرأة يف اإلسالم) كانت متنوعة ومفيدة للغاية .وتأخذك املجلة من موضوع شيق إىل آخر ،بطريقة سلسة للغاية .ومن املوضوعات التي جذبتني املقابلة مع الروائية ليىل أبو العال ،التي كانت ابنة َصفِّي يف جامعة الخرطوم ،وكيفية إقدامها عىل تناول مسائل الدين والهوية يف كُتُ ِب َها. وتعكس مجلة (املرأة يف اإلسالم) الواقع املرير الذي تواجهه املرأة عىل ع َّدة أصعدة ،واالستغالل الذي متارسه عليها بعض األطراف باسم الدين والثقافة .وعىل الرغم من التَّح ِّديَّات العديدة ،آمل أن تواصل (صيحة) جهودها يف تسليط الضوء عىل وجهة نظر وقضايا املرأة ذات العالقة باإلسالم". منال عبد الحليم ،ناشطة يف مجال حقوق املرأة ،السودان وترعرعت يف َج ٍّو من ت َ َع ُّد ِد األديان والثقافات يف القرن اإلفريقي ،شهدتُ التَّح ِّديَّات الجمة التي تواجهها "باعتباري ُولِدْتُ ُ النساء يف مجتمعاتنا الذكورية .وأجز ُم أ َّن غالبية نساء منطقتنا ما زلن عىل هامش الهامش ،عىل الرغم من عطائه ّن الكبري ودوره ّن الحيوي يف حضاراتنا التي تنحدر إىل مئات السنني .وبالنسبة للنسويات املؤمنات بقضية املرأة مثيل يف إفريقيا وخارجها ،ت ُ َع ُّد مجلة (املرأة يف اإلسالم) عنواناً تق ُّدمياً ومصدرا ً موثوقاً للمعلومات .لذلك يعطيكم العافية يا فريق (صيحة) وإىل األمام!". د .زاري مريم فري ،ناشط ومؤسس الشبكة البيئية والرعوية يف القرن اإلفريقي .شاعر ومحارض يف وحدة التخطيط التنموي ،كلية لندن الجامعية ( ،)University College Londonاململكة املتحدة. "أصبح للحركات النسوية ص ًدى عميقاً يف املجتمعات اإلسالمية ،بل باتت واقعاً ملموساً ال ميكن االستهانة به .وت ُ َع ُّد مجلة (املرأة يف اإلسالم) الصادرة عن (صيحة) ،مثاالً رائعاً عىل النقاش الحيوي حول مسائل النساء املسلامت .حيث متنح جمهورها نهجاً إيجابياً للتفكري التجديدي حول اإلسالم واستعادة حقوق املرأة التي انتُ ِز َع ْت منها باسم الدين .وتتميز مجلة (املرأة يف اإلسالم) مبعالجتها لشؤون املرأة :االجتامعية واالقتصادية والدينية والقانونية والثقافية والفنية .ومتنح املجلة مساحة للنساء ملشاركة تجاربه ّن الحياتية مع غريه ّن من النساء بحكمة وثقة ،وبروح من التدعيم املتبادل". حوا جيمس ،ناشطة يف مجال حقوق املرأة ،السودان.
"مجلة رائعة من حيث املحتوى والعرض .تتناول أحد أكرث املوضوعات الشائكة والجدلية يف مجتمعاتنا ،وتحديدا ً املرأة ،بأسلوب تق ُّدمي .حيث تفعل ذلك يف ِظ ِّل واقعٍ من الجهل والضبابية الذي أخذ يستهدف الدين ويش ِّوه معانيه ،ويرجعنا عصورا ً إىل الوراء .إ َّن السعي إىل التنوير هو مسرية مستمرة وصعبة ،وتتطلب الصرب واإلرادة واإلرصار .إ َّن املهام التي أخذتها هذه املجلة عىل عاتقها هي مهمة للغاية وينبغي دعمها ورعايتها لكونها متثّل إضافة نوعية يف الثقافة والتنوير". نارص الرس ،قارئ ُمطّلع عىل مجلة (املرأة يف اإلسالم) ،السودان.
104
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
إصدارات صيحة تجريم النساء في السودان :بانتظار إصالحات جذرية
"تفتح مجلة (املرأة يف اإلسالم) املجال لآلراء واألصوات املتنوعة التي ال تنظر إىل الدين باعتباره يُ َ ِّب ُر عدم املساواة ،وتكشف النقاب عن الكثري من التقاليد والطقوس الزائفة .وأنا أق ِّدر مساعيها يف تسليط الضوء عىل إنجازات املرأة بشكل عابر للزمان واملكان ،وفتح باب النقاش حول ع َّدة أمور كانت مخفية و ُمب َه َمة يف السابق .كل ما أكتبه هنا يعكس آرايئ الشخصية .بانتظار املزيد!". هويدة عبد اللطيف محمد ،قارئة ملجلة (املرأة يف اإلسالم) ،السودان.
ُ نه َجة تتحد َّى المرأة السودانية جمل ًة من سياسات التمييز الم َم َ ار ُ س وفق القوانين الجائرة .حيث أصبحت المرأة ضدها والتي ت ُ َم َ د َف ًة بشكل متزايد في حمالت االعتقال والتحقيق واألحكام ُمستَه َ الظالمة ُ ُس ِّل ُط الم َم َ سة ضدها .واِنطالقاً من التجربة السودانية ،ي َ ار َ هذا التقرير الضوء على التجارب الشخصية لنساء وقعن ضحي ًة لألحكام العشوائية ،خاص ًة الطالبات ،والمدافعات عن حقوق اإلنسان ،والنساء المهاجرات ،وبائعات وصانعات المشروبات واألطعمة. (التقرير صادر باللغة االنجليزية)
االتجار بالمرأة :بين ظروف الفقر والصدمة النفسية
أشركونا في أرائكم عبر مواقع التواصل االجتماعي انضموا لقائمة المغردين @sihanet journal@suhanet.org womeninislamjournal.com
تهاجر مئات النساء والفتيات من إثيوبيا يومياً للعمل في دول الخليج العربي ودول الشرق األوسط بشكل شبه قانوني وتحت الستار أحياناً .تتناول هذه الورقة انتهاكات حقوق اإلنسان التي تواجهها النساء عامالت المنازل في تلك الدول حيث يتم االتجار بهن واستغاللهن إلى أقصي درجة .كما تتطرق الورقة إلى اآلثار النفسية والجسدية واالجتماعية الناجمة عن االنتهاكات التي تحدث لهن بعد عودتهن إلى ديارهن. (التقرير صادر باللغة االنجليزية)
المرأة ليس لها مكان تحت ظالل أشجار السنط
راسلونا ِ حول رأيكم في هذا العدد ولكل صاحبة وصاحب رأى مهتم بالكتابة والبحث والتوثيق في قضايا النساء والفتيات وقضايا الجندر في المجتمعات
المسلمة ،يمكنكم مراسلتنا بما تودون نشرة ويخاطب
رؤية اإلصدارة من أبحاث وأوراق أكاديمية ومقاالت رأي او استعراض لتجارب شخصية للفائدة العامة وحوارات موثقة ولوحات فنية وكاريكاتير وشعر .المجلة تستقبل الكتابات
باللغة العربية واللغة االنجليزية.
يتناول هذا التقرير الميل إلى الت َّ َمد ُّن والهجرة المتزايدة إلى المدن المركزية في المجتمع الصومالي ،وعواقب ذلك على المرأة وعالقات النوع االجتماعي .حيث أ َّ ن الهجرات إلى المدن لها آثا ٌر سلبية وإيجابية على المرأة الصومالية .وي َُر ِّك ُز التقرير على البائعات ُ َج ِّو َلت في إقليم أرض الصومال (صوماليالند) ،ويندرج البحث المت َ الوارد فيه ضمن سلسلة المبادرات التي تقوم بها (صيحة) لتمكين النساء العامالت في القطاع غير الرسمي في القرن اإلفريقي. (التقرير صادر باللغة االنجليزية)
journal@suhanet.org
womeninislamjournal.com
لالطالع علي مطبوعات صيحة زوروا موقعنا علي االنترنتwww.sihanet.org : 201٧ املرأة يف اإلسالم العدد ٢٠١9 ٣٤
105
العدد 2019 - 4
صيحة
شبكة إقليمية تعمل
تقوم صيحة
بتنفيذ برامج بناء
في منطقة القرن اإلفريقي منذ
قدرات في داخل المجتمعات
بجد من اجل االرتقاء بواقع حال
أوائل تسعينيات القرن الماضي،
المحلية على مستوى القواعد
النساء والفتيات في منطقة
تضم في عضويتها أكثر من 80
الشعبية ،وذلك بتوفير الدعم
من منظمات المجتمع المدني
المباشر للنساء والفتيات االتي
القرن اإلفريقي ،ونؤمن بأن اِرادة النساء والفتيات والناشطين في
والمنظمات والمجموعات ُ
يعشن في ظروف الفقر والنزاعات
مجاالت حقوق المرأة ،تقف دوم ًا
النسائية.
المسلحة .كما تعمل علي
صامدة في وجه القمع واالنغالق
تعزيز والدفاع عن حقوق النساء
السياسي والتقاليد التي تفرض
والفتيات من خالل انشطة
قيودها على النساء .ونحن
جيبوتي ،اريتريا ،أثيوبيا ،الصومال
المناصرة ،واالنخراط في مشاريع
ندعوكم للتضامن معنا.
وارض الصومال وجنوب السودان
التأهيل ورفع المقدرات.
تعمل صيحة
في كل من:
والسودان و يوغندا وفي مدن
صيحة
الساحل الكيني .رؤيتنا تقوم علي
تُشكل منشورات
ترسيخ حقوق النساء والفتيات
كتيبات إرشاد وتدريب ونشرات
في اِقليم القرن األفريقي في
وبحوث ومجالت ،مصادر للمعرفة
سلمية وعادله و العيش في بيئة ِ
واالسهام في نشر الوعي ورفع
ممارسة حقوقهن كبشر على قدم
القدرات ،ويستخدمها المهنيون
المساواة.
والناشطون والجهات المانحة
تعمل صيحة
في سبيل تحقيق
داخل المجتمعات المحلية في ترابط وثيق ما بين المعرفة األكاديمية والمناصرة.
العدد ٢٠١9 ٤املرأة يف اإلسالم
من
وصناع القرار في مختلف دول
هذه الرؤية من خالل شبكة راسخة
106
نحن نعمل في شبكة صيحة
العالم ومنطقة القرن االفريقي.