طائر الفينيق العدد العارش /خريف2020 /
هذه بريوت
د .حسن فرحات
سبع معلومات عن املضادات الحيوية
Phoenician Bird Fall Issue 10 فنانون تنبؤوا بفريوس كورونا من خالل لوحاتهم
سليمة مليزي
د .ماهر حسن
حكايتي
سجادة إبليس
د.هويدا رشيف
املجوهرات النسائ ّية
مريم باجي
حامد الشمري
األخصائ ّية الغذائ ّية مرينا شمس الدين:
تحدثنا عن فوائد زيت الزيتون
ال ّراوي والزمن واملستوى األيدلوجي يف رواية العشق األربعون
د .دريّة فرحات
الهيئة الثقاف ّية د.هويدا رشيف
أ.عبال أبو رجييل
د.دريّة كامل فرحات
أ .مريم باجي
أ.حكمت حسن
د.ماهر حسن
أ.عمر شبيل
أ.مرينا شمس الدين
د.فادي أسعد نصيف
أ.حامد خضري الشمري
أ.نُهى املوسوي
أ.سناء حاموش
د.باسلة زعيرت
أ.لبنى رشارة بزي
أ.سليمة مليزي
أ.نزهان الكنعاين
د.عيل حجازي
أ.زينة الجوهري
د.مرياي أبو حمدان
أ.نهاد طاطاريان حبيب
د.زينة زغيب
أ.حنان بو حسن
ًً
طائر الفينيق متنوعة، فكريّة، فلسف ّية، شعريّة،هي مجلة أدب ّية فصلية تصدر يف مدينة نيويورك بالواليات األمريك ّية املتحدة Magazine Founder: Dr. Hassan A Farhat, MD Senior Arts Director: Assad Kamran الهيئة اإلدارية حسن فرحات.رئيس التحرير د مراسلة وسفرية املجلة يف املغرب العريب:مريم باجي جميع الحقوق محفوظة All right reserved.2020 . No reproduction, copying or passing without expressed consent from the founder of magazine. For permission or writing opportunities please contact:Submissions@7eloarabiamagazine.com
كان من املمكن
37
ارحموا اللّغة
38
فنانون تنبؤوا بفريو س كورونا من خالل لوحاتهم
39
ديك الفجر
41
نُهى املوسوي
د.باسلة زعيرت
سليمة مليزي
د .عيل حجازي
عىل قارعة االربعني
43
العادات والقاليد اللبنان ّية يف كتاب" شو حلو مبارح" للدكتور جورج زيك الحاج
44
د .مرياي أبو حمدان
د .زينة زغيب
افتتاحية
هذه بريوت
د.حسن فرحات
أدب ال حضارة بال ثقافة نقدية -
9
11
عمر شبيل
حكايتي
د .هويدا رشيف
13
ال ّراوي والزمن واملستوى األيدلوجي يف رواية قواعد العشق األربعون
16
حني ال خيوط ممكنة
21
الفلسفة االقتصادية يف العهد النبوي
22
د .درية كامل فرحات
حكمت حسن
د .فادي أسعد نصيف
تغذية
زيت الزيتون
82
االخصائية الغذائية مرينا شمس الدين
شعر
سجادة إبليس
84
حامد خضري الشمري
إىل الراً فرحات
87
هذه الفراشة
88
عمر شبيل
سناء حاموش عيد يف زمن كورونا
89
سهام الطرف
92
لبنى رشارة بزي نزهان الكنعاين
املنهج التاريخي :شأنه وتطوره
57
قراءة ُج ّوانية يف " أحوال املاء"للشاعر سلامن زين الدين
64
قيس بن امللوح
72
إبراهيم املوصيل
74
عبال أبو رجييل عمرشبيل
أرسةالتحرير أرسةالتحرير
جامل
املجوهرات النسائ ّية
مريم باجي
صحة
سبعة معلومات عن املضادات الحيوية
د .الصيديل ماهر حسن
76 78
افتتاحية
هذه بريوت
د.حسن فرحات /رئيس النحرير ِ ْ املنازل رشفات انرثوا ال ُّر َز من عىل انرثوها عىل قافلة الشهدا ْء شهدا ِء املرفأ ..واملدين ِة الالبس ِة ثوب ِ الحدا ْد ... ِ ْ املنازل كل رشفات املناز ِل ِّ الحب من أنرثوا َّ بريوت الّتي ولدت من فج ِر التاري ْخ هذه ُ ُ يحاول قتلَها كل من وستبقى حي ًة رغم ِّ فتحت السام ُء أبوابَها بريوت الشهيدة لتستقبل شهدا َء َ والشاهد ِة عىل رداء ِة حكّا ِمها املحكومني بريوت طاهرةٌ ،لقد ط ّه َرها د ُم الشهداء من رجس أمرا ِء الفسا ِد وزباني ِة الطغيان الدم والخيانة ُع ّبا ِد املا ِل وسامرس ِة ِ بريوت معبدا ً صارت ُ صارت مسجدا ً وكنيسة ِ عناق أصوات املآذنِ كان ُ وأجراس الكنائس بداي َة لبنا َن املغسو ِل من ِ رجس شياطني املال والفسا ِد املناصب الخشبية. وبائعي الضمري يف مزا ِد ِ ناش َد ِت الحري َة منطلقاً فكان لها أن ترف َع الراي َة الحمرا ْء ْ اآلفاق راي ٌة حملها األقدمون من بني فينيقيا نحو وحملها الالحقون ذودا ً عن سياج الوط ْن
دهاليز الحياة
زينة الجوهري أفتش
نهاد طاطاريان حبيب
فن
لوحات فن ّية
الفنانة حنان بو حسن
93 94 95
أدب
ال حضارة بال ثقافة نقدية عمر شبيل
الثقافة هي والدة الحضارة مبعناها األرقى ،فال حضارة منتج ٌة تق ّدماً ،وعىل املستويات املرتبطة بتقدم اإلنسان كافّ ًة إذا مل تكن الثقاف ُة أ َّمها ون ُْس َغ كينونتها .وبهذا املعنى تغدو الثقافة بناء، برشي يقوم عىل الفكر امللتزم برقي اإلنسان وتتحول إىل إنجا ٍز ٍّ وت َغلُّبِه عىل كل ما ي ًعيق حركته إىل األرقى واألعىل واألوعى. وبهذا املعنى ال ميكن إنجاز فعلٍ حضاري متقدم مبنأى عن ٍّ ثقافة متقدمة .والثقافة املتقدمة هي التي تعي الحاجات اإلنسانية العليا الجامعة بني الحاجات املاديات يف الحياة وإنجازاتها الفكرية والروحية التي تنهض باإلنسان إىل األعىل. فإذا كانت الحضارة بناء ،فإن مداميكَها تقوم عىل ثقافة نقدية غريِ متوقفة عند املدماك األول. والبناء الثقايف الذي ينجز بناء حضارياً يجب أن يعي بدقة طبيعة اإلنسان البرشي التي تتطور بتطور اكتشافاته العقلية واملادية، وما ينتج عن هذه االكتشافات ،والتي قد تتناقض وتلغي كثريا ً من املايض إلنجاز املستقبل ،فالثورات التاريخية الكربى كانت رصاعاً حتى املوت بني املستقبل واملايض ،والسري عىل إيقاع قوافل املايض ال ِ أي مكان ،وذلك ألن املايض صار خارج يوص ُل إىل ّ الزمن .والبقاء يف املايض هو خنق للحياة ،وإلغاء لحركة التغيري الدائم فيها ،وهذا ما عنته املقولة الفلسفية .:إ ّن احتجاز حركة النهر يُ َح ِّو ُل النه َر مستنقعاً ،فالحياة مقرتنة بالحركة ،والحركة هي اخرتاق مستمر لكل ما يعرتض سريها ،ولهذا تكون نقدي ًة باستمرار. إ ّن مفهوم الثبات الحضاري هو مفهوم خاطئ إذا حرص نفسه يف املايض ،فالجديد يكون جديدا ً مبقدار قدرته عىل جعل القديم قدمياً ،هذه الحركة هي قانون الوجود الحضاري عرب التاريخ .والحضارة يف حقيقتها هي انسجام واتفاق بني الحدث التاريخي رص ليس بالرضورة أن يكون مناسباً لعرص آخر، وبني التطور البرشي االجتامعي ،ومثالية الطرح الحضاري الذي يكون مناسباً لع ٍ نفسها .واملثالية املطلقة يف مغاالتها ال تنسجم مع الحقائق االجتامعية التي متزج بني املمكن والطموح، وهذا ما أثبتتْه الحيا ُة ُ فالغلو يقتل الحضارات بالطروحات املغالية ،وهذا ما تستغله السلطات السياسية كثريا ً لتأبيد سلطتها باسم الدين ،وباسم تقليد املايض وثبوتيته ،وهي بحاجة لهذا التأبيد من أجل تأبيد سلطتها.
بريوت...
يأسك يا سيديت وفريو ُز أيقونتُك ملَ الحز ُن ُ اململوء ُة بعظم ِة التاري ِخ والحضار ِة وفخ ِر الدين ُ بريوت أنت الحارض ُة وه ُم الغائبون ُ بريوت أنت الباقي ُة وهم ذاهبون هذه هي حكم ُة ِ مجد ِك الذي ال ُ يحول وال يزول أطفالُك القادمون من ِ رح ِم الحياة هم الذين سيعيدونك أحىل وأغىل ِ ال الوافدون من الخارج بحقائب ِ مصالحهم بريوت يا مدينة السال ْم ... ويا مدينة الحياةْ... حلم ويا مدين ًة تنا ُم عىل فجيع ٍة وتصحو عىل ٍ ُ بريوت يا عروس َة الحضار ِة س َرتين زوالَهم قريباً كيف تنامني وهم ال يزالون يعيثون فيك فسادا ً ِ إنهم يفتِّتشون يف أحشائك اليو َم عن َم ْصلِ يطيل أعام َرهم ولكنهم موقوفون باسم أىس األيتام وجوع الفقراء واملطمورين يف أحشائِك ً ِ وأنت َولودة يا بريوت ستلدين حتفَهم سنميش يوماً يدا ً ٍ بيد لنبني حلم طفلٍ كانت ت ُّنئ أ ُّمه وهي تبحث عنه وال تدري هل هو يف ِ فم فم الحياة املوت أم ِ ُ بريوت أيتها العنقا ُء التي تقوم من حرائ ِقها رافض ًة املوت والبس ًة الحياة َ وسرنجع يوماً من نافذات ْ األمل ُم َح َّملني ّ بكل ما فيك من عنا ٍد وإرصا ٍر عىل الحياة بريوت أيّتها الشاهدة الشهيدة...
د .هويدا رشيف
وتكون املغاالة يف تأبيد سيطرة املايض من أنجع الوسائل لخدمة السلطات واملتسلطني .وتكون املغاالة دامئاً يف موقع الالممكن ُص عىل التمسك به ،وكان أساس بنيانها، بحكم عدم واقعيتها ،ويرض بخصوصية الفكرة املُثَبتة يف جمودية النص ،وبالفكر الذي ت ِ ُّ يقول “ول ديورانت” يف موسوعته “قصة الحضارة”“ :الدول ال تبنى عىل املثل العليا ،وإمنا ينهض بنيانها عىل طبائع الناس”. وبناء الدول امل ُثىل يف حقيقته يقوم عىل أخالقية املجتمع ،وكلام توطَّدتْ أخالقية املجتمع مبسالك ناظمة توطدت حقيقة الدولة الصحيحة .هذا مع العلم أن أخالقية أي مجتمع من املجتمعات إمنا هي أهوا ُء ُم َك ِّوين هذا املجتمع ،واألهواء قابلة للنشوء واالرتقاء كلام اتسعت مدارات الثقافة االجتامعية ،والتي ستتحول حتامً إىل سلوك حضاري ،وهذا ما عناه كثري من املفكرين الذين َع َّرفوا اإلنسان بأنه“ :كائ ٌن اجتامعي” .وهذا يعني فه َم أخالقية املجتمع الذي يعيش فيه والسعي لتطوير هذه األخالقية مبا يُناسب تطور الوعي فيه ،وقوة الواقع املتطور هي التي ت ُ َن ِّمي ِه أو تلغيه .إن واقعية القبول ال تعني االستسالم له ،ولكن يجب أن ندرك أن أخالقية أي مجتمع هي تراكم تجربته مع واقعه. شكل من أشكال النقد ،واستجابة لتطورات الحياة وعالقات الناس االجتامعية والفكرية ،وهو إن الناسخ واملنسوخ هو يف حقيقته هو ٌ حقيقة كونية تفرضها وقائع الحياة وتطوراتها ،حتى يف املقدس نفسه ،وقد جاء يف القرآن الكريم“ :ما ن ْن َسخْ من آي ٍة أو نُ ْن ِسها ِ نأت بخريٍ تعلم أنَّ اللهَ عىل كل يشء قدير” .ووضوح اآلية يقر بحتمية التغيري وعدم ثبات النص إذا اقتضت الرضورة. منها أو مثلها ،أمل ْ إن محاوالت عقلنة املقدس التي قادها الفكر االعتزايل كانت استجابة لتطور الفكر العريب ،وعالقاته التثاقفية مع أفكار الحضارات الوافدة إليه وتأثريه وتأثره بها .ويف جوهره كان الفكر االعتزايل فكرا ً نقدياً حاول عقلنة النص الديني إلنقاذه من سكونية الفكر الثبويت غري املتحرك وسلفيَّته التي تحارص العقل مبقولة“ :من تَ َ ْنطَ َق فقد تزندَ َق” ،والذي حاول تثبيت السلفية أكرث هو الفكر السلطوي الذي أُ ِلصق بالدين ملنع الناس من التمرد والتطوير والتفكري خارج ما هو كائن .لقد قُيض عىل الفكر االعتزايل ألنه كان ثور ًة ثقافية نقدية حقيقية وجدت سالحها يف الثقافة املنطلقة من العقل أوالً ،والتي جعلت العقل رائدا ً لكل تق ُّدم ،وهذا ما قصده أبو العالء املعري حني قال: كَ َذ َب الظ ُّن ال إما َم سوى العقــــــــــــلِ مشرياً يف صب ِح ِه واملسا ِء شباب أو كهولة ،وتستطيع الحضارة أن وهنا يجب أن نؤكد أ ّن الحضارات لها أعامرها كالكائن البرشي مبراحله ،وانتقاله من طفول ٍة إىل ٍ ُطيل عمرها مبقدار ما تؤمن بحركة التغيري يف صميمها .إذن فالنقد املستمر هو تطوير لنجاح التجربة الحضارية لإلنسانية كلها. ت َ والحداثة يف حقيقتها تقوم عىل الفكر النقدي الذي يرفض االستسالم السهل لكل مناهل الرتاث .والحضارة التي تنتقد ذاتها هي من أطول الحضارات عمرا ً ،ومعروف عرب مسرية التاريخ الطويلة أ ّن الصحيح نفسه هو دامئاً بحاج ٍة إىل تصحيح .فام يكون صحيحاً اليوم قد ال يكون صحيحاً غدا ً. واليقظة الساهرة هي ضامن دوام املدنية ،وهي من ُمطَ ِّو ِ الت عم ِر الحضارة ،فاألمة يجب أن تحب السالم ،وتسعى لسيادته ،أل ّن السالم هو ضامن االستقرار املتحرك إىل األمام إنسانياً وإبداعياً ،ولكن السالم هو أيضاً بحاجة إىل حامية أل ّن املصالح تستهدفه ،ولذا عىل الحضارة أن تكون ذات قو ٍة تحمي إنجازاتها الحضارية ،وهذا يعني أن تكون دامئاً عىل أهبة االستعداد للقتال ،والقتال بهذا املعنى ال يكون عدوانياً ألنه يحمي ما هو نافع للجميع .وقوة اليقظة الساهرة يجب أن تكون دامئاً َمقُو َد ًة بالحكمة ،ألن الحكمة هي أقوى أسلحة تحولت إرهاباً ومل تعد قوة. القوة ،وإذا تخلت القوة عن الحكمة يف أدائها ومامرساتها ْ والفرق شاس ٌع بني القوة واإلرهاب ،فالقوة تكون قوة مبقدار ما تعطي اإلنسانية إنجازات واقية من الجهل واملرض والتخلف ،أما اإلرهاب فهو انحدار وجهل محاط بالظالم ،وليس له من صفات القوة أي دليل .إنه عدو الحياة ،وعدو كل ما تنجزه القوة من قيم وعطاء وتقدم. والحضارة ال تدخل يف مرحلة النضج إن مل تكون محروسة بالعدالة .فالعدالة تحمي املبدع واملفكر والرأي الحر ،والظلم عد ّوها ألنه ينرش الخوف والرعب ،وال ميكن ألمة تعيش يف حالة الرعب أن تكون منتج ًة ،بل ستغدو سجناً لعقالئها ومبدعيها وأحرارها ،والحاكم الذي ال وجميل قول حافظ إبراهيم حني جاءه ٌ رسول من كرسى ،ورآه نامئاً، ٌ يحرسه عدله ال ميكن أن تحرسه الجيوش مهام امتلكت من أسلحة، وبال ُح ّراس تحت ظل الد ْو ٍح مشتمالً بعباءة كاد طول العهد يبليها ،نعم ل ّخص املوقف حافظ إبراهيم عىل لسان رسول كرسى إذ قال: أ ِم ْن َت ملّا أق ْم َت َ فيهم قري َر الع ِني هانيها َ بينهم العدل ومنت ْ ُ
حكايتي بانت من وراء نقاب املوت ظاهرة عليها مالمح الصرب واألمل ووجه فارس قوي يتكلم بال نطق ،بصمته عن شدة رجوليته ووجه فرح منشدا ً أهازيج النرص بلقاء الحياة. حكايتي اشرتت عمرها الباقي بسكات املجد سكرى بخمرة النرص وعز اإلنتصار كالسيف هيبة ووقارا ً ،هي ذلك السكت الذي يقبض عىل القلوب القوية فيرتفع عن الصغائر هابطاً من نفس كبرية إىل عمق لجة الحياة. حكايتي خيط مذ ّهب ربطته عىل زندي عرفت اليد التي غزلت حريرها واألصابع التي حاكت خيوطها فسرتها بالثقة املفقودة حاجباً وجهها املنقبض بيده املرتعشة ،تلك اليد التي أزاحت بعزمها واخالصها رؤوس األحزان وصارت ماسحة دموعها ،ألنها المست حوايش منديل عقدت أطرافه أصابع محبوبة عىل قلبها حول زند رجل جاء ليشهد أمامي بإعطايئ الحياة.
فكيف ال يكون حكايتي مع الحياة ًًوحيايت الستكامل فصول الحكايةً .
حكايتي
حكايتي
د .هويدا رشيف
حكايتي مع الحياة ،مد وجزر ،حياة مع الحياة ،يف عامل الرؤيا مقاالت طفولية مكتوبة عىل صفحة االمل املزروع عىل جبني من أعطيته وأعطاين الحياة. حكايتي ،خواطر فلسفية ذاتية ،أصف يف بعضها شعوري باالنتامء اىل سفينة الروح الضامنة للحياة،ووجبة ثقافية وخيالية دسمة يقدمها يل من اخرتته من اجل هذه الحياة بالرغم من أن نصف عمري قد قضيته فاقدة الحياة. حكايتي ،يا قلبي مكتوبة عىل جبني فضائك ،يسمعني أثريك نغامت الشذى التي ترتاقص عىل نوتات دقات قلبك الحنون فقد سطرت أغانيك وأناشيدك يف رشياين النابض بالحياة. حكايتي،إرشاقة شمس بعد أشباح من الليل القاتم ،تهمس بأرسارك وأحالمك ،فقد ترقبت صباحك صابرة بهواي نورك الذي أهواه وتهواه الحياة. حكايتي تسكت وتسمع تكلمك ،يف حلم مطمنئ تغرد فيه عصافري الجنة التي سأراها تحت قدميك. حكايتي،صارت زنبقة بيضاء متفتحة ترفع رأسها فوق الثلوج التي طوتها السنني بعد لقائه الغايل امللتصق بالحياة فولدت ّيف حوريّة ترقص عىل كتف الحياة. حكايتي رأسها منتصب أمام سكينته تتاميل مدندنة مصلية تراتيل العشق األبدي طوال الحياة. رساته وبهجة املنام السارد يف وحدته ألف حكاية وحكاية حاملة يف طياتها األماين واآلمال الستمرارية الحياة. حكايتي م ّ حكايتي أزهرت نفيس يف كل الفصول ،وأمثرت يف أطباقها ،حنان األم الرؤوم،ال عىل أطفال مضوا مع الحياة ولكن من أجل من وهبني الحياة بعد أن عربت كل صنوف املامة. حكايتي تهاليل من الشكر ألنها نظرت فلم ت َر يف طياتها سوى مثرة واحدة أبقاها الله يل ،لتؤنس روحي يف هذه الحياة. حكايتي حالوة متتصها عروقي من أحشاء العمر وأريج ترشبته قضباين من نور الشمس الدافئة التي تنعش تربتي التي منت بأريحيته وترعرعت عىل سكونه املتحدي للحياة. حكايتي شجرة نفيس املزروعة يف حقل بعيد عن سبل الزمن تدين من النجوم سقيتها بدمي ودموعي قائلة :إ ّن الدم العطوف نكهة ويف الدموع حالوة تج ّمل الحياة. حكايتي بركة يف فاهي وحق يف جويف ألن الربكة ابنة الدموع والحق ابن الحياة. حكايتي سفينة فكريت وميناء بحري ،أسري من خاللها اىل جزر املحبة ،ألجمع منها املن والسلوى وجميع األحجار الكرمية فتكون حرزا ً يل ملواجهة كل صعاب الحياة . حكايتي مليئة بنفائس األرض وغرائبها أم ّجدها بجدارة ألنها أدخلتني مدينتها مزمرة بابتسامة استحقاق الحياة. حكايتي بدايتها مع الشوق ونهايتها حضن املوت أكتب أحداثها من رضاب فاه الحياة وأسطرها عىل صفحات قلبه زارعة فيه حبي وحب الحياة. قصصا من الخيال والواقع حكايتي دنيا من اللعب ،شطرنج تنوعت نتائجها جمعت يف كتاب حيايت محتوية عىل الوان شتى من إنتاج الحياة فنجد فيها ً ومتنيات أغلبها تلخص وتهدف إىل اإلستقرار مع الحياة. حكايتي وسام مجد أثيل علقته التجارب الغابرة والحارضة عىل صدري وصدر كل من صادفني يف هذه الحياة.
ويتم توزيع ال ّرواة كام يأيت :الراوي من خارج األحداث ينقل لنا حياة إيال وعالقتها بزوجها وأوالدها ،إضافة إىل عالقتها التي بدأت مع كاتب ال ّرواية األخرى أي عزيز ،وقد بدأ التّواصل بينهام عرب الرسائل األلكرتون ّية .ويقوم شمس التّربيزي وهو الشّ خصية الرئيسة يف رواية كل من ال ّرومي وعائلته أي زوجه كريا وابنيه سلطان ولد وعالء ال ّدين ،وابنته بالتبني كيميا ،إضافة عزيز بنقل األحداث ،يساعده يف ذلك ّ الصحراء ،وبيربس املحارب السكران والبغي ورد ّ السيد /والتّلميذ ،وحسن املتس ّول وسليامن ّ إىل شخصيات تسهم يف رسم األحداث ،وهي ّ : وع ّمه. ويهدف هذا التّع ّدد إىل تقديم عامل روا ّيئ ميثّل وجهات نظر متع ّددة متشابهة ومتعارضة ،منتظمة يف سياق ينشئه را ٍو من الخارج يفتتح ال ّرواية باستهالل يرسم فيه معامل التّغيري التي ميكن أن تحصل يف حياة اإلنسان رابطًا بينها وبني الحجر امل ُلقى يف بحرية فتتأثر مت ّوجاته وتتم ّدد ،وهذا االستهالل يضع القارئ يف الجو العام لل ّروايّة ،ونرى هذا ال ّراواي يعود يف بداية رواية عزيز إىل تقديم يعرض فيه الوضع التّاريخي للفرتة التي عاش فيها ال ّرومي والتربيزي. ورمبا شعر ال ّراوي /الكاتبة بعدم قدرة القارئ لتمييز ال ّرواة ،فكان ذكر السم كل را ٍو يف بداية ما سريويه ،ومل يكن تقسيم رواية األحداث كل مشهد أو فصل يرويه أحد ال ّرواة ،يكمل لنا ما بدأه اآلخر فيكتمل الحدث من خالل تتايل الفصول ،فتع ّدد عىل ال ّرواة عشوائ ًّيا ،إذ إ ّن ّ وكل را ٍو يكمل حكاية جان ًبا من الحكاية أو يُضيف إليها وجهة نظر جديدة ،فتت ّم الرؤية من عدة زوايا أو ال ّرواة جاء متشابكًا متامسكًا ّ وجهات نظر. خصوصا مع الفصول التي ُعنونت باسم إيال “ :مل تكن تتذ ّمر .فهي ال ّزوجة املنهمكة وقد يستعمل ال ّراوي ضمري الغائب وهذا ما رأيناه ً غال ًبا يف أعاملها املنزل ّية” ،ويف موضع آخر “ ألنّه عىل ال ّرغم مام يقوله البعض ،فإ ّن العشق ليس مج ّرد شعور حلو مق ّدر له أن يأيت ويذهب برسعة .فغرت إيال فمها عندما أدركت أ ّن هذه العبارة نقيض العبارة التي قالتها البنتها يف املطبخ يف ذلك اليوم” ،ومنها أيضاً “ أ ّما يف هذا اليوم من شهر أيار فقد كانت واثقة من نفسها” ،أو “ كانت تتو ّجه إىل املطبخ ،وكانت تقول لتفسها إ ّن وجبة الفطور الجيدة تح ّدد مسار بقية اليوم” . وقد يسمح الرواي إليال أو عزيز إىل تبادل الكالم بينهام عرب الرسائل التي تواترت بينهام واستطاعت أن تقربهام إىل بعضهام البعض ،وهو ما أكّده ال ّراوي /الكاتبة يف االستهالل ”:مل يكونا يعيشان يف املدينة نفسها ،وال حتى يف القارة ذاتها .ومل تكن تفصلهام أميال كثرية فقط بل كانا كذلك مختلفني اختالف اللّيل وال ّنهار .وكان أسلوبا حياتهام مختلفني إىل درجة استحالة أن يتحمل أحدهام وجود اآلخر ،فام بالك بأن فعل .وقد حدث ذلك برسعة كبرية مل يتح إليال فيه وقت لتدرك حقيقة ما يجري ،وليك تحذر من يحب أحدهام اآلخر ،لك ّن ذلك حدث ً ّ الحب” . ّ وخصوصا من خالل الحوارات التي برزت يف ال ّرواية ،فنستطيع أن وإذا كان ال ّرواي يستعمل الغائب ّإل أنّه يتيح لشخصياته بأن تتح ّدث، ً نكتشف نفسية األبطال ومشاعرهم ،ومن األمثلة عىل ذلك الحوار الطويل الذي دار بني إيال وميشلني مسؤولة الوكالة األدب ّية ،ويف خالل هذا الحوار نرى الراوي أحيانًا يأخذ مكان الشخصية ويعرب عن مشاعرها ،فيكشف لنا تردد إيال “ لك ّن الحقيقة هي أ ّن إيال مل تكن واثقة من رغبتها يف تقييم هذا املخطوط؛ فقد كانت يف البداية شديدة الحامسة والثّقة .وكانت سعيدة ألنّها أ ّول شخص يقرأ رواية لكاتب مغمور مل تنرش بعد ،وأن يكون لها دور ،مهام كان صغ ًريا ،يف تقرير مصري هذا الكاتب .لك ّنها مل تعد واثقة اآلن من أنّها ستتمكّن من الصوف ّية ،تدور أحداثه يف زمن يعود إىل القرن الثالث عرش” .لرناه يكشف عن ّ التكيز عىل موضوع ال عالقة له بحياتها مثل موضوع ّ بالحب “ موقف ميشيل ،فيقول “ال ب ّد أ ّن ميشيل قد تب ّينت تر ّددها” .أو نراه يف موقف آخر يتد ّخل بشكل مبارش ليعلن موقفًا يرتبط ّ ومي ،فإنّه يقرع أبواب ومل ّا كان العشق جوهر الحياة وهدفها ّ السامي ،كام يذكّرنا ال ّر ّ املصدر نفسه ،ص .12 املصدر نفسه ،ص .26 املصدر نفسه ،ص .53
_____________________
املصدر نفسه ،ص .135 املصدر نفسه ،ص .10 املصدر نفسه ،ص 21إىل .23
املصدر نفسه ،ص .22 املصدر نفسه ،ص .22
ال ّراوي والزمن واملستوى األيدلوجي يف رواية قواعد العشق األربعون د .دريّة كامل فرحات
تعريف بال ّرواية: “قواعد العشق األربعون” للكاتبة ال ّرتك ّية إليف شافاق ،رواية متزج بني الحارض والتاريخ ،هي رواية داخل راوية ،تروي قصتني متوازيتني تعكس إحداهام األخرى عرب ثقافتني مختلفتني جدا وسبعة قرون متداخلة ،تنفتح ال ّرواية باستهالل تق ّدم فيها الكاتبة ملحة عن بطلة روايتها التي تطلب الطالق بعد ميض عرشين سنة عىل زواجها ،فكان هذا الطلب هو الحجر الذي أُلقي يف بحرية حياتها ،هذا الحجر الصاخب املضطرب ال يشء غري – كام تذكر الكاتبة ،-إذا ألقيناه يف ال ّنهر فإ ّن “ ال ّنهر سيعتربه مج ّرد حركة أخرى من الفوىض يف مجراه ّ الحب عادي .ال يشء ال ميكن السيطرة عليه أ ّما إذا سقط الحجر يف بحرية ،فلن تعود البحرية ذاتها مرة أخرى” .ومل يكن هذا الحجر إالّ ّ حب لرجل مختلف معها اختالفًا كب ًريا. الذي بغت إيال روبنشتاينّ ، واستطاع هذا الحجر أن يعكّر حياة إيال الرتيبة ،فهي ربة منزل كانت قد حازت عىل اإلجازة يف االدب االنجليزي ،تعيش يف نورثامبتون، أصبحت يف عقدها الرابع ،وبدأت تخطو خطواتها األوىل مع عمر األربعني ،وهي زوجة لطبيب يدعى ديفيد ،لها من األوالد فتاه جامعية فالسعادة مل تسكن قلب إيال ،فهي تعرتض عىل عالقة ابنتها بزميلها يف الجامعة، تدعى جانيت ،ومراهقان توأم أوريل وآيف .ومع ذلك ّ خصوصا يحتل االرتباط العاطفي أولية يف حياة املتزوجني، وهي تعاين بعالقتها مع زوجها ،وترى أنّه بعد سنوات من الزواج فال رضورة أن ّ ً أنّها تعرف متى يخونها زوجها لك ّنها تتجاهل ذلك. تاريخي حافل باألحداث ،من خالل ال ّرواية الثانية التي لك ّن ال ّرواية ال تقترص عىل رسد ما يحدث مع إيال وعائلتها ،إنّ ا تنقلنا إىل عامل ّ تحمل اسم “الكفر الحلو” لكاتبها عزيز أ.ز زاهار ،وما هذه ال ّرواية سوى الرواية التي طُلب من إيال أن تق ّدم مطالعة عنها للوكالة األدبية التي تقع يف بوسطن وذلك ضمن عملها كقارئة غري متفرغة ،هذا العمل الذي وجدته قبل أسبوعني من عيد ميالدها األربعني. بالصاعات ال ّدين ّية ،ويف هذه الرواية داخل ال ّرواية أو الحبكة الثانية ،تشكّل وثيقة تاريخية عن فرتة تعود إىل القرن الثالث عرش املفعم ّ الشق انترشت جيوش املغول بقيادة الصليبيون القسطنطين ّية وعاثوا فيها فسا ًدا ويف ّ فرتة مضطربة يف منطقة األناضول ففي الغرب احتل ّ العسكري جانكيز خان ،فرتة من الفوىض حيث “ كان املسيحيون يقاتلون املسيحيني واملسيحيون يقاتلون املسلمني ،واملسلمون يقاتلون ومي ويلقب مبوالنا يُحيط به آالف املريدين ،ويلتقي املسلمني” ،ويف وسط ذلك عاش عامل إسالمي جليل يعرف باسم جالل الدين ال ّر ّ ّ وتتغي حياتهام. بشمس التربيزي الدرويش الجوال ،فتتطو ّر العالقة بينهام ّ والسؤال املطروح ما هو الرابط بني أحداث الحبكتني ،وما هو القاسم املشرتك بني زمن القرن الثالث عرش وقرن الواحد والعرشين؟ ّ واأليدلوجي إ ّن اإلجابة عىل هذه اإلشكال ّية تقودنا إىل مقاربة ال ّرواية رسديًّا ،والبحث بال ّراوي موقعه وعالقاته ،ودراسة مستوى ال ّزمان ّ لل ّرواية. ال ّرواي :موقعه وعالقاته تتألّف رواية “قواعد العشق األربعون” من خمسامئة صفحة يتناوب عىل روايتها رواة ع ّدة ،بنقسمون إىل فئتني :فئة متثّل زمن الحارض، والفئة الثّانية متثّل زمن التاريخ .واملالحظ اقتصار رواة ال ّزمن الحارض عىل را ٍو خارج األحداث يتح ّدث عن إيال وعن الكاتب عزيز ،أ ّما رواة زمن التّاريخ فقد وصل العدد إىل خمسة عرش را ٍو ،وهم رواة ميثّلون شخصيات ال ّرواية املشاركة يف صنع األحداث.
_____________________
إليف شافاق ،قواعد العشق األربعون ،تر .خالد الجبييل ،ال م ،طوى للثقافة والن ّنرش واإلعالم ،ط ،2012 ،1ص .7 املصدر نفسه ،ص .31
رجعة إىل مراهقتها التي متي ّزت بالهدوء واالبتعاد عن العالقات الجنس ّية كالفتيات األخريات ،فهي مل تعرف التّم ّرد يف حارضها كام ملتتم ّرد يف مراهقتها . الشق ّية وقرأت عن البوذية والطّاويّة . رجعة تعود فيها إىل مرحلة الجامعة وكيف أدمنت فيها عىل ال ّروحانيات ّومل تقترص ال ّرجعات عليها ،إنّ ا من خالل رسائل عزيز إىل إيال تع ّرفنا الكاتبة عىل عزيز زهارا وعىل تح ّوله من املسيحية إىل اإلسالم التحال. حب ّ وكيف أصبح صوف ًّيا وعن عالقته أيضً ا مبحبوبته وتأثري وفاتها عليه ما دفعه إىل ّ السد عىل االستباق ،ويعني استرشاف أحداث الحقة لبدء زمن ال ّرواية ،وزمن ويف مقابل ال ّرجعات اعتمدت الكاتبة يف تقنيات زمن ّ الحدث ،واالستباقات قوامها اإلخبار مسبقًا بأحداث سوف تقع الحقًا ،أ ّما وظيفتها فتحضري القارئ لتق ّبل ما سوف يقع ،وإظهار الهواجس التي تسيطر عىل شخصية البطل ،أو غريه من شخصيات ،ومن ذلك ما ورد يف االستهالل عندما أشارت الكاتبة إىل أ ّن االنقالب الذي ستحب. الحب وم ّهدت لتبيان االختالف بينها وبني من ّ سيحدث يف حياة إيال كان بسبب ّ وإذا بحثنا يف زمن رسد رواية “الكفر الحلو” التي كان عىل إيال تقييمها ،فإ ّن الكاتبة بدأت القص يف زمن يبدأ من سنة ،1252ويف اللحظة التي يقتل فيها التّربيزي عىل يد قاتل مأجور ،وكان القاتل هو ال ّراوي يف هذا املشهد ،ويف املشاهد األخرى تعود الكاتبة إىل تسلسل السد يفارق زمن األحداث ،فيع ّدل ً ال ّزمن والعودة إىل سنة 1242لتسري األحداث بتوايل السنوات وصول إىل ،1248ومن املالحظ أ ّن زمن ّ يتكس أو يتقطّع أو يستدير أو يتّخذ مسا ًرا لولب ًّيا حلزون ًّيا ،لتنتهي الكاتبة الزمن مساره ،فيبطئ أو يرسع ،يقفز أو يقف ميت ّد أو يقرصّ ، كل صو ّيف ميوت، الصوف ّية “ ألّنه مقابل ّ إىل عام 1260وفيها يعلن ال ّرومي شاعريته وأنّه عىل ال ّرغم من فقده شمس ّإل أنّه يعلن استمرار ّ يولد صو ّيف آخر يف مكان ما يف العامل .إ ّن ديننا هو دين العشق وجميع البرش مرتبطون بسلسلة من القلوبز فإذا انفصلت حلقة منها ، تتغي ،تأيت كل شمس حلّت حلقة أخرى يف مكان آخر ،ومع موت ّ ّ تربيزي ،يظهر شمس جديد يف عرص مختلفن باسم مختلف .إ ّن األسامء ّ وتذهنب لك ّن الجوهر يبقى ذاته” . وت ّم االعتامد أيضً ا عىل ال ّرجعات للتع ّرف عىل التربيزي ومن حوله ،ومن ذلك: رجعة تتعلّق بشمس التّربيزي وفيها تعرفنا عىل طفولته وإىل عالقته املتبادلة مع الله وكيف كان يكلّمه ،وصولً اىل تح ّوله إىل درويش،وإىل رحالته التي ساهمت يف تشكيل مدونة “ القواعد األربعون لدين العشق” التي ال ميكن تحقيقها ّإل من خالل العشق وحده . رجعتان تتعلّقان بكيام األوىل منها ترسد فيها حكايتها مع أرستها الحقيق ّية ،والتنبؤ لها بأنّها ستصبح عاملة ،وانتقالها للعيش بيت ال ّروميوتبنيه لها .ويف الثانية تعود بذكرياتها اىل طفولتها . رجعة تتعلّق بكريا زوجة ال ّرومي ،وتنقل يف هذه ال ّرجعة زواجها وعالقتها به من خالل اهتاممها مبكتبته ورفضه ذلك ،فأدركت بأ ّن عاملالكتب مل يكن ولن يكون لها املصدر نفسه ،ص .-194 193 املصدر نفسه ،ص .215 املصدر نفسه ،ص .338-341 /331-334 /311 املصدر نفسه ،ص .10 املصدر نفسه ،ص . 39 33- عبد املجيد زراقط .يف بناء الرواية اللبنان ّية .ص .21 إليف شافاق ،قواعد العشق األربعون ،ص . 492 املصدر نفسه ،ص . 61 58- املصدر نفسه ،ص . 250 املصدر نفسه ،ص .288
_____________________
الحب – حتّى الذين يستخدمون كلمة رومانس ّية كإشارة إىل ال ّرفض واالستهجان” ،أو يف موضع آخر الجميع ،مبن فيهم الذين يتحاشون ّ الحب ،ازدادت كراهيته لك” . يذكر “ هكذا هي الحياة .فعندما تخرب أحدهم الحقيقة ،فإنّه يكرهك وكلّام تح ّدثت عن ّ فكل را ٍو منهم يروي ما م ّر به ،وما يتص ّور حدوثه، وإضافة إىل ال ّراوي من الخارج فهناك ال ّرواة األخرون من داخل رواية “الكفر الحلو” ّ فكل واحد يقوم برسد ووصف وتأ ّمل األحداث من منظوره الشّ خيص ،وقد ساهم ذلك بتط ّور األحداث وتنامي مستخد ًما ضمري املتكلّمّ ، الحبكة.
زمن الرسد يف ال ّرواية:
الفقري الذي يش ّد أجزاءها .إ ّن طريقة ميثّل ال ّزمن عنرصا من العنارص األساسيّة التي يقوم عليها ف ّن القصة ،فهو محور الرواية وعمودها ّ بناء الزمن يف النص الروايئ ،تكشف تشكيل بنية النص والتقنيات املستخدمة يف البناء ،وتاليا يرتبط شكل النص ارتباطًا وثيقًا مبعالجة عنرص الزمن ،لذلك ميكن ع ّد القص أكرث الفنون التصاقًا بالزمن ،فلو انتفى ال ّزمن ،أنتفى الحيك يف الرواية. وتبدو عالقة الزمن بالرسد واضحة يف معنى كلمة الرسد نفسها ،وبتضمن مفهوم الرسد كام يقول عبداملجيد زراقط :أربعة عنارص أولها ترتيب األحداث وتنظيمها ،وثانيها تتابع هذه األحداث متّسقة جيدة السياق ،وثالثها تشكيل الزمن اإلنساين /دميوماته ،ورابعها ميثّل بناء مخص ًصا لتنظيم تجربة اإلنسان الداخلية وهذا البناء هو نظام خاص تتميز به رواية ما من غريها وهو ما ينبغي أن تت ّم دراسته تحت ّ عنوان :بناء الزمن الروايئ ،آلية الرسد. ميكن تحديد نوعني للزمن هام: الزمني ،فالحدث األقدم هو الذي وقع أ ّو ًل ،هو الذي يؤ ّدي زمن القصة :يعني يف بعض ما يعنيه ،األحداث حسب وقوعها وفق تسلسلها ّ إىل نتائج تنجم عنه .إ ّن زمن القصة محكوم باملنطق ،أي باألسباب والنتائج ،وهو مقيد بالرتتيب املتتايل ،فال تأخري لحدث الحق وال تقديم لحدث سابق ،إ ّن األحداث يف زمن القصة مرهونة بأوقاتها. املنطقي ،واألحداث فيه ُيكن أن تذكر غري متتابعة حسب أصل ملبدأ التّعاقب والتّسلسل زمن الرسد :فقابل لإلخالل به ،إنّه ال يخضع ً ّ وقوعهان فقد يتكلّم املؤلّف عىل حدث قديم ث ّم ينتقل بعد ذلك إىل حدث قريب ،إ ّن زمن القصة مقيّد بينام زمن الرسد ح ّر. زمني :دميومة ،ودميومات وينشئ انزياح ال ّزمن مفارقات رسديّة من اسرتجاع ألحداث ماضية واستباق ألحداث الحقة ،ومن استغراق ّ أحيانًا فتتقاطع األزمنة :املايض والحارض واملستقبل . وعند دراسة زمن القصة يف رواية “قواعد العشق األربعون” ،نلحظ أ ّن ال ّرواية تنفتح عىل اللحظة الراهنة التي س ّجلتها الكاتبة بتاريخ 17أيار ،2008وتتواىل األيام مع إيال لندرك أ ّن أحداث ال ّرواية تدور يف حيّز زما ّين ميت ّد إىل ثالثة أشهر أي من أيار إىل آب ،لكنها تنطلق يف الفصل األخري لرنى أ ّن الزمن قد قطع سنة كاملة فنصل إىل السابع من أيلول من عام .2009ويتداخل مع زمن القصة هذا لجوء الكاتبة مني اآل ّيت، السديّة التي يستعني بها ّ إىل انزياحات يف ال ّزمن فتعتمد عىل االسرتجاع وهي تقنية من تقنيات املفارقة ّ السارد لكرس التّواتر ال ّز ّ بقطْعه وال ّنكوص زمان ًّيا نحو أحداث ماضية ،أي استعادة ما حدث يف املايض ،ما سبق أن حدث ،فاالسرتجاع يت ّم بوساطة التّفاعل بني الحارض واملايض ،فتنصهر املسافتان ال ّزمنيتان يف إيقاع واحد .وال ّرجعات هي عودات إىل أحداث سابقة يقتضيها إيضاح األحداث الراهنة أو إكامل رسم شخصيات ال ّرواية ،بعد إثارة فضول القارئ ،وإليهامه بحقيقة وجود تلك الشّ خصيات ،واألمثلة عىل ذلك كثرية ومنها: السابعة من عمرها ،ومن خاللها تتذكّر إيال كيف أنّها وعدت نفسها بأنّها عندما رجعة تعود فيها البطلة إىل مرحلة الطفولة وهي يف ّتتزوج فإنّها ستسعد زوجها ،وألّ تفشل يف زواجها مثل أ ّمها ،وندرك أنّها ح ّملت أ ّمها مسؤولية انتحار أبيها .
_____________________
املصدر نفسه ،ص . 27 املصدر نفسه ،ص . 52 عبد املجيد زراقط ،يف بناء الرواية اللّبنان ّية ،بريوت ،منشورات الجامعة اللبنان ّية ،ط ،1991 ،1ص .21 مشتاق عباس معن ،حركية الفضاء ال ّزمني يف جسد ال ّرواية ،الشّ ارقة/اإلمارات العرب ّية املتح ّدة ،دائرة الثقافة واإلعالم ،ط ،2001 ،1ص .39 أحمد طالب ،ال ّزمان من الفلسفة إىل األدب ،مجلة الفيصل األدب ّية ،العدد ،4مج 1426 ،1هـ ،2005،ص .43 إليف شافاق ،قواعد العشق األربعون ،ص . 138
حني ال خيوط ممكنة حكمت حسن
تتفتق األكوان تنفك لحمتها فال زمان مير أو حدوس تتجىل قد نبقى هناك ما استطعنا رسين محجوبني عن الخلق ك ّ فال يفنينا أو نؤطر العدم غيابا من أجله هنا سنطابق خاليانا نلم تشعباتها فينا نحزم بإرادتنا متاثلنا تناقضنا ونبنيه بأجساد نرضة انتظرت حلولنا منذ انعتاق الكون نجعل من تقلباتنا زمنا لنا عشوايئ الوجهة ال محدودها ومن صوتينا أنفاس خاصة جدا ال يشاركنا فيها قرب أو بعد أو التحام ندور حولها كيفام تريد ننبثق لها نورا نرتكها تغلفنا بامتداداتها الدائرية ويف نواتنا نبتدع حبا باعثا رسله نحن ومرساته فيا أكوان اقرتيب اقرتيب أكرث فقد آن أواننا حكمت حسن /البنية٢٠٢٠-١٠-٤/
الصحراء تنقل لنا فيها مأساتها التي قادتها إىل مامرسة البغاء . رجعة تتعلّق بالبغي وردة ّإنّ شخصيات ال ّرواية مل تتخلّص من ماضيها ،فكان ال ّزمن قاعدة من قواعد العشق التي قدّ مها ال ّتربيزي ،ويذكر فيها“ ،إنّ املايض تفسري/ واملستقبل وهم ،إنّ العامل ال يتح ّرك عرب ال ّزمن وكأنّه ّ خط مستقيمن مييض من املايض إىل املستقبل .بل إنّ ال ّزمن يتح ّرك من خاللنا ويف داخلنا ،ويف لوالب ال نهاية لها” .
املصدر نفسه ،ص .230 املصدر نفسه ،ص . 317
_____________________
البيئة السكانية يف يرثب قبل اإلسالم
م َّر عىل يرثب العديد من الشعوب املختلفة ،نظرا للرثوات املائية املوجودة فيها ،إضافة إىل خصوبة األرض ،إال أنه قبل هجرة النبي قبيلتي :األوس محمد عليه السالم إليها ،كان يسكنها ثالث قبائل من اليهود هي :بنو قريظة وبنو قينقاع وبنو النضري ،إضافة إىل ْ والخزرج .
اليهود يف يرثب
تذكر املصادر التاريخية روايات مختلفة لوجود اليهود يف يرثب ،إال أنها تجمع عىل أنهم جاؤوا إليها من خارج الجزيرة العربية يف عدة هجرات متوالية : وسب َِي معظم أهلها فهرب جامعة منهم وساروا إىل بالد األوىل :كانت يف سنة 589ق.م عندما اقتحم “ بختنرص “ البابيل منطقة الشام ُ الحجاز ونزلوا “ يرثب “. الثانية :كانت ما بني عامي -70 66م ،عندما هاجم القائد الروماين “ تيتوس “ فلسطني ،ودمر املنطقة ثانية ،وشتتهم وأغرق عددا ً كبريا ً منهم يف بحرية “لوط” ،ففر الناجون إىل الحجاز ووصلوا “يرثب” وأقاموا فيها مع من سبقهم. الثالثة :كانت عام 132م عندما أرسل اإلمرباطور الروماين “ هارديان “ جيشاً إىل فلسطني ،فأخرجهم منها ومنعهم من دخولها نهائياً ، وفَ َّر من نجا منهم إىل جزيرة العرب(.)5 وكانت يرثب عندما جاءها أشتات اليهود الهاربني عامرة مبجتمع يضم قبائل عربية بعضها بقية من العامليق ،وبعضها قبائل توافدت من أطراف يرثب القريبة والبعيدة .وأول من وصل يرثب من اليهود ثالث قبائل هم بنو قريظة وبنو النضري وبنو قينقاع ،ثم تبعتهم قبائل أخرى ونزل بنو النضري عند “ :وادي بطحان “ ،وبنو قريظة عند “ :وادي مهزور “ وبنو قينقاع يف الوسط ،ثم انترشوا -كعادتهم - يف أخصب بقاع املنطقة (.)6 وقد ساملوا العرب املقيمني يف يرثب أول األمر ،وأحسنوا التعامل معهم وانهمكوا يف زراعتهم وبعض الصناعات التي كانوا يتقنونها ، ودفعوا لرؤساء القبائل املجاورة إتاوة مقابل عدم مهاجمتهم ،وأقاموا تجمعات مغلقة ،وبنوا الحصون واآلطام – البيوت املرتفعة ، - وجمعوا ثروات كبرية ،وكان أحبارهم يختصون باألمور الدينية ،ويحكمون فيام يقع بينهم من خصومات (.)7 وقد اهتموا بزراعة النخيل واتسعت زراعتهم وكرثت آطامهم ،وانترشت يف األطراف الرشقية والجنوبية من يرثب ،ومل يتحمسوا لنرش عقيدتهم بني القبائل العربية الوثنية ،واكتفوا ببعض األفراد واألفخاذ ،التي مالت إليهم ثم تهودت تدريجياً ،وما لبثوا أن سيطروا عىل الحركة االقتصادية ،وأشاعوا القروض الربوية الفاحشة . وعندما وصلت قبيلتا األوس والخزرج املهاجرتني من اليمن ،كانوا هم املتنفذين يف يرثب ،فطلبوا منهم أن يسمحوا لهم بالنزول يف املناطق املجاورة ملزارعهم ،وكان اليهود يف حاجة إىل األيدي العاملة الستثامر مزارعهم وثرواتهم املتزايدة ،فسمحوا لهم بالنزول يف املناطق غري املأهولة من يرثب ،واستخدموهم يف مزارعهم (. )8
الفلسفة االقتصادية يف العهد النبوي إعداد الدكتور فادي أسعد نصيف 2020
د .فادي أسعد نصيف
مدخل
إن الدولة أواملجتمع السيايس الحديث ،تحتاج إىل مقومات أساسية من أجل االستمرار والتقدم ،كالرثوات الطبيعية (ماء – خصوبة تربة – مناخ مالئم )..إضافة إىل ذلك ،فهي تحتاج إىل استقرار سيايس ،يساعد عىل بناء املؤسسات فيها ،وال ميكن أن تغفل االستقرار األمني الذي يساعد عىل هذا التقدم. إن هذه املقومات ،هي الرافعة األساسية لبناء اقتصاد متامسك ألي مجتمع سيايس ،فاالقتصاد خليط من الرثوات الطبيعية والبرشية والسياسية املتامزجة ،ال تنفك عن بعضها ،واإلخالل يف أي مقوم منها يكون سببا يف انهيار االقتصاد ،إن مل يكن سببا يف سقوطه بشكل كامل ،ومع هذا االنهيار تتفكك هذه الدولة أو املجتمع السيايس الحديث . بعدما تقدم رأيت أن أتتبع هذه املقومات يف العهد النبوي ،ومنه عىل الخصوص “املرحلة “املرحلة املدنية” ،ألنه وبكل بساطة ال ميكن اعتبار املرحلة املكية مرحلة سياسية متكاملة ،من حيث بناء دولة سياسية باملعنى االصطالحي الكامل ،بخالف املرحلة املدنية ،التي ميكن مالحظة الدولة مبعناها السيايس املتكامل ،لذلك سيتناول هذا البحث بناء هذه الدولة االقتصادي ،واملقومات األساسية التي بُ ِن َي عليها هذا االقتصاد ،وما هي األزمات التي واجهت هذا املجتمع الحديث ؟ وكيف ووجهت هذه األزمات ؟ وقبل الخوض يف بناء هذا املجتمع السيايس الجديد – اإلسالمي – ال ب َّد من االطالع عىل الشكل االقتصادي العام يف يرثب كام كان اسمها قبل هجرة النبي محمد عليه السالم إليها ،والتي أصبح اسمها املدينة املنورة لرنى ما هي املتغريات التي طرأت عليها عموماً وعىل االقتصاد خصوصاً،والذي هو موضوع بحثنا.
أصل تسمية يرثب
يرثب هو االسم القديم الذي كان يُطلَق يف الجاهليّة عىل املدينة املن ّورة ،وهي إحدى املدن البارزة يف التاريخ القديم ،وقد حظيت بأهميّة كبرية منذ بزوغ شمس اإلسالم . قيل أن يرثب سميت بهذا االسم نسب ًة إىل “يرثب بن قاينة” ( )1أول من سكنها ،ثم تبِعه “ بنو هف “ ،و” بنو مطرويل “ وهم من أقوام “ العامليق “ ( ، )2وكان ملكهم آنذاك يُدعى “ األرقم بن األرقم “ ،ثم سكن املدينة قبائل “ األوس والخزرج” ،وهي قبائل مينيّة نزحت إىل يرثب بعد فيضان يُدعى “ :ال َعرم” حدث يف بالدهم (.)3
املوقع والرثوات املائية يف يرثب
تقع مدينة يرثب ،يف منطقة الحجاز ،شامل مدينة مكة املكرمة ،حيث تب ُعد عنها 350كلم ،ويتميز موقعها قدمياً بوقوعه يف منطقة مليئة باآلبار وعيون املاء ،من أشهر الوديان التي كانت موجودة فيها هي “ :وادي بطحان “ و “ العقيق “ ،انترشت فيها قنوات املياه مم جعلها منطق ًة زراعيّة التي من أبرزها قناة “ :مهزور” و “مذيديب “ ،وتبعاً لتوافر املياه بكرثة فقد متيّزت أرضها بالخصوبة ّ ، بامتياز (.)4
القبائل العربية يف يرثب “ األوس “ و “ الخزرج “ يتفق املؤرخون عىل أن األوس والخزرج قبيلتان قحطانيتان ،جاءتا من مملكة سبأ يف اليمن عىل إثر خراب “ سد مأرب” ،وعندما وصلتا إىل يرثب أعجبتا مبا فيها من أرض خصبة وينابيع كثرية ،وقد كان سكانها ،واليهود خاص ًة يف حاجة إىل األيدي العاملة الستثامر األرايض، فسمحوا لهم بالنزول قريباً منهم بني ال َح َّرة الرشقية وقُباء ،وكانت ظروف عملهم أول األمر قاسية ومبرور الزمن تحسنت أحوالهم ،فبدأ اليهود يخافون من منافستهم ،فتداعى عقالء الطرفني -اليهود من جهة واألوس والخزرج من الجهة األخرى -إىل عقد حلف ومعاهدة يلتزمان فيها بالسالم والتعايش والدفاع عن يرثب إزاء الغزاة ،فتحالفوا عىل ذلك ،والتزموا به مدة من الزمن ازداد خاللها عدد األوس والخزرج ،ومنت ثرواتهم ،ففسخ اليهود الحلف وقتلوا عددا ً منهم وعملوا عىل إذاللهم ،وبقي األوس والخزرج عىل تلك الحال إىل أن ظهر فيهم “مالك بن العجالن “ ( )9الذي استنجد بأبناء عمومته الغساسنة يف الشام ،فاستجابوا له وأرسلوا جيشاً كَرس شوكة اليهود، فعادوا إىل الوفاق وعاشوا فرتة أخرى حياة متوازنة ،وعندما هاجم “ تبع بن حسان “( )10يرثب ،وأراد تخريبها ،وقف الجميع يف وجهه حتى رجع عن قصده وصالَح ُهم ،ويف هذه املرحلة من الوفاق تحرك أبناء األوس والخزرج خارج الحزام الذي كانوا محتبسني فيه ،وبنوا املنازل واآلطام يف سائر أنحاء يرثب ،وتوسعوا يف املزارع وصار لكل بطن من بطونهم مواقع كثرية ،حينئذ خطط اليهود الستعادة سلطتهم عليهم بطريقة جديدة ،ترتكزعىل التفريق بينهم ورضب بعضهم ببعض ،فأعادوا التحالف معهم وجعلوا كل قبيلة منهم تحالف واحدة من القبيلتني األوس أو الخزرج ،متهيدا ً إليقاع الفتنة بينهم ،فتحالف بنو النضري وبنو قريظة مع األوسيني ،وتحالف بنو قينقاع مع الخزرجيني ،وبدأت كل فئة يهودية تسعر النار يف حليفتها عىل الطرف اآلخر ،وتذيك العداوة والشقاق بينهام ،ونجحت خطتهم واشتعلت الحروب الطاحنة بينهم واستمرت قرابة مائة وعرشين عاماً ،ومل تنته حتى جاء اإلسالم فأطفأها (.)11 صورة عامة لالقتصاد يف يرثب قبل الهجرة يظهر ،ومن خالل الصورة العامة التي عرضناها ليرثب ،أن الرصاع عىل االقتصاد بني العرب واليهود كان عىل أشُ ده ،وأن اليهود استعملوا وكعادتهم إيقاع ال ِفنت بني اإلخوة إليقاع الفرقة والخالف والحروب بينهم ،وبالتايل يسهل عليهم السيطرة ،وبخاصة من الناحية االقتصادية ،فمن ميسك بزمام االقتصاد ميسك بكل مرافق املجتمع السياسية والعسكرية والتنظيمية وغريها .ولقد كان يف يرثب حقول أساسية لالقتصاد من أهمها : أوالً :الزراعة نظ ًرا ملا تتمتَّع به أرض يرثب من اع ِتدال يف املناخ ووفرة املياه وخصوبة الرتبة ،أصبحت وبطبيعة الحال بل ًدا زراع ًّيا ،فزاول غالب َّية أهلها ال ِّزراعة عربًا كانوا أم يهودا ً ،فكان معظم سكَّان يرثب يعملون يف أراضيهم ال ّزراع َّية بأنفسهم عىل مختلف مستوياتهم ،وذلك أنه مل يكن ألكرثهم خدم يكفونهم العمل يف أراضيهم ،وقد عمل بعض الفقراء واملحتاجني الذين ال ميلكون أرايض زراعية بأجرة عند غريهم ممن ميلكون األرايض(.)12 أما املحاصيل الزراعية :فقد كان “ التَّمر” أهمها ،يليه يف األه ّمية “الشعري” حيث كان منهام غالب طعام أهلها ،وإىل جانب هذين املحصولني الرئيسني محاصيل أخرى كثرية ومتنوعة ،مثل :الخرضاوات والقمح والفواكه ،ويذكر “ياقوت” أنَّه كان يزرع بيرثب محصول مم يص َّدر إىل خارج “حب البان” ( )13ويبدو أ َّن لهذا املحصول أهمية اقتصادية ألهايل يرثب ،حيث ذكر أنَّه كان َّ زراعي يدعىّ : البلدة(.)14 ثان ًيا :ال ّتجارة كان ِ احتاف التجارة من األعامل الرئيسة التي زاولها أهل يرثب من عرب ويهود ،ويبدو أ َّن اليهود كانوا يشكّلون الغالب َّية العظمى لت َّجار كل وحب املال وتعاملهم مع غريهم من ال َّناس بال ّربا الفاحش وعدم التَّسا ُمح كان ّ يرثبَّ ، ولعل ما عرف عن اليهود من شدة الجشع ّ ذلك من أسباب سيطرتِهم عىل رؤوس األموال بيرثب ،وأنَّه كث ًريا ما كان يتع َّرض األوس والخزرج لضياع أموالهم بسبب تعا ُملهم املايل مع اليهود(.)15
السابقة ببعض األعامل األخرى مثل “ التَّعدين” وهو استخراج املعادن من األرض ،وكذلك عمل بعضهم وعمل بعضهم إىل جانب الحرف َّ يف فنون “ النحت والتصوير والنقش “ ،كام امتهن البعض “ الصيد” وعمل آخرون يف األسواق أعامالً متن ِّوعة مرتبطة بالبيع والرشاء ، كأن يعمل أحدهم “حامالً” أو “وزَّانًا” يزن للناس ما يحتاجون إىل وزنه(.)33 ّ ويستدل من بعض الروايات أنَّه كان كذلك احرتف بعض أهل يرثب مه ًنا أخرى كالخياطة والجزارة والحجامة وما شابه ذلك من أعامل ، الصبيان القراءة والكتابة(.)34 يف يرثب َمن يحرتف تعليم ِّ وكانت مهنة “ ال َّرعي” من األعامل التي كان ميارسها بعض أهل يرثب ،فقد كانت لهم ثروة ال بأس بها من اإلبل واملاشية والخيول واألغنام التي تحتاج إىل الرعي ،فكانوا يخرجون لرعيها يف املناطق الصالحة لل َّرعي ،مثل منطقة “الغابة” وغريها ،كام كان بعض سكَّان يرثب يعملون مبهنة “ االح ِتطاب” من املناطق املحيطة بها ،ويحرضون ما يستطيعون عىل جمعه لبيعه يف األسواق ،فيشرتيه الناس والصاغة الذين يستعملونه كوقود يف عملهم. الستعامله كوقود يف األغراض املنزلية ،أو لب ْي ِعه للح َّدادين َّ “السقاية “ من األعامل التي يُزاولها البعض ،وذلك ِب َحمل املاء من اآلبار البعيدة وت ْوصيلها إىل بيوت ال َّناس وأماكن عملهم كذلك كانت ِّ ،وقد مارس الصناعات والحرف السابقة جمي ُع أهل يرثب من عرب ويهود ،وكان ِ الصناعات لبعضهم غلامن وعبيد يعملون يف بعض تلك ّ والحرف لحساب ساداتِهم(.)35 هجرة النبي محمد عليه السالم وأصحابه إىل يرثب بعد كل ما القاه النبي محمد عليه السالم مع أصحابه يف مكة من معاناة ،أصبحوا أمام أمر واقع يدعوهم إىل ترك أرضهم التي نشؤوا وتربوا فيها ،والهجرة إىل أرض جديدة تكون مكانا جديدا ً لبسط وتطبيق ومامرسة تعاليم هذا الدين الجديد ،بكل أصوله وفروعه، ومن ضمنها االقتصاد الذي يتالءم مع مبادئه ،والذي هو موضوع هذا البحث . عندما قدم النبي عليه السالم إىل يرثب ،والتي أصبح اسمها “ املدينة املنورة “ ،بدأ بالعمل عىل تغيري الكثري من األمور ،بدأها ببناء املسجد واملؤاخاة بني األوس والخزرج والذين أصبح يطلق عليهم “ األنصار” ومن بعدها املؤاخاة بني األنصار و”املهاجرين” -وأطلق عليهم هذا االسم لهجرتهم من مكة إىل املدينة -وبهذه املؤاخاة صنع النبي محمد عليه السالم نسيجاً منسجامً يقوم عىل املحبة واإليثار والتضحية ،وقد وصف القرآن الكريم هذا النسيج ،فقال َ “ :والَّ ِذي َن تَ َب َّو ُءوا الدَّ ا َر َو ْ ِ الميَانَ ِمن َق ْبلِه ِْم ُي ِح ُّبونَ َم ْن َها َج َر إِلَ ْيه ِْم َو َل َيجِ دُ ونَ اص ٌة ۚ َو َمن ُي َ وق شُ َّح نَف ِْس ِه َفأُولَٰ ِئكَ ُه ُم الْ ُم ْفلِ ُحونَ “ (الحرش)9: ل أَنف ُِسه ِْم َولَ ْو كَانَ ِبه ِْم خ ََص َ ِف ُصدُ و ِر ِه ْم َحا َج ًة ِّم َّم أُوتُوا َو ُي ْؤثِ ُرونَ َع َ ٰ ومن بعدها قام بوضع “ الوثيقة “ والتي ت ُق ّن ُن التعامل بني جميع األطراف املقيمة يف املدينة :األنصار – املهاجرين – اليهود . الحياة االقتصادية يف املدينة املنورة بعد الهجرة بقدوم النبي محمد عليه السالم ومن معه من املهاجرين إىل املدينة ،إضافة إىل القبائل العربية يف املدينة التي دخلت اإلسالم -األنصار- ،أصبحوا هم األغلبية من العرب ،وقد حافظ النبي عليه السالم عىل خصوصية اليهود يف املعتقد ويف حرية الترصف يف أموالهم وممتلكاتهم ومل يفرض عليهم أي أعباء – وهذا مام تضمنته الوثيقة ،-ويف املقابل للنبي عليه السالم ومن معه الخصوصية نفسها. بدأ النبي عليه السالم بتغيري الكثري من األمور الحياتية واالجتامعية ،وذلك بنا ًء عىل التعليامت اإللهية – الوحي ، -ومن ضمن هذه املتغريات الحياة االقتصادية . املتتبع للحياة االقتصادية يف العهد النبوي ،يالحظ أن النبي عليه السالم ،مل يغري مبدئ ًّيا يف املرافق والحقول االقتصادية ،فأبقى عىل الحقول االقتصادية األساسية كام هي ،كالزراعة والتجارة والصناعة والحرف ،وإمنا كان التغيري يف طريقة التعاطي مع هذه الحقول من الناحية ال َعمالنِ َّية واألخالق َّية ،ف َقلَّم و َهذ ََّب املعاملة بني األطراف االقتصادية ،سواء كانوا مزارعني أم تجارا ً أم صناعيني أم حرفيني ،إضافة إىل تحرميه بعض طرق التجارة وبعض السلع املتداولة ،ومن هنا نرى أن االقتصاد اإلسالمي أمر بأخالقيات ونهى عن أخرى ،وفيام ييل سنتكلم عن املأمور به واملنهي عنه من أخالقيات التعامل االقتصادي يف اإلسالم :
ويبدو أ َّن التجارة كانت تأيت يف املقام الثَّاين بعد الزراعة يف يرثب ،وقد نشطت منها التجارة الداخلية التي كانت تتمثَّل يف تبادل السلع املحلية املختلفة من املنتجات الزراعية والحيوانية ألهل يرثب ،ومام يجلبه أهل البادية من خيل وإبل وأغنام ومنتجاتها من األلبان واألصواف وغريها( ،)16هذا باإلضافة إىل ما ينتجه ص ّناع يرثب من مختلف الصناعات املعدنية من أسلحة وأدوات وحيل وتحف ،وغري ذلك من الصناعات األُ ْخرى التي اشتهرت بها اليرثب (. )16 ٌ السلَع ،ومن تِلك األسواق أسواق كانت مشهورة ومعروفة يف قامت ألجل ذلك وقد ْ أسواق ع َّدة يف يرثب ْ ، لتصيف تلك املنتجات وتبا ُدل ِّ النبي عليه السالم واملهاجرين إىل يرثب ،نذكُر منها سوق “ زبالة” شامل يرثب ( ،)17وسوق “ الجرس” الجاهل َّية ،وظلَّت قامئة حتَّى قدوم ِّ يف بني قينقاع ( ،)18وكانت ت ُ ْع َرف باسمهم ف ُيقال لها سوق “بني قينقاع” وسوق “ الصفاصف” بالعصبة (.19 وقد أ َّدى وقوع يرثب عىل الطَّريق التِّجاري القديم املمت ّد عرب شبه الجزيرة العرب َّية فيام بني اليمن جنوبًا إىل الشام شامالً ،أن جعل لها حظًّا ط ِّي ًبا يف املشاركة بنصيب وافر من التِّجارة الخارج َّية لبالد العرب ،فقد ساعد موقعها وخصوبة أرضها إىل ات ّخاذها محطَّة للتجارة( ،)20فنشطت بها التجارة الربية ،كام أصبح ميناؤها القديم “الجار”( )21منفذًا لها عىل البحر ،حيث ترسو كثري من السفن التجارية القادمة من الحبشة واليمن للتبا ُدل التجاري(.)22 ثالثًا :الصناعات والحرف قامت يف يرثب بعض الصناعات ِ الضوريَّة ،لتلبية متطلَّبات الحياة ال يستطيع أي مجتمع مستق ّر البقاء بدونها ،كام قامت فيها والح َرف َّ بعض الصناعات التكميلية األخرى كصناعة الذَّهب وال ُحيل . ومن أه ّم الصناعات التي قامت فيها :تلك الصناعات التي تعت ِمد يف مواردها األ َّول َّية عىل املنتجات ال ّزراع َّية املحلّ َّية ،مثل “ تجفيف التّمور” ،وت َخزينها وإعدادها لل َبيع ،وكذلك “صنع الخ ْمر” كان من الصناعات املتقدمة لديهم ،كام است ْخدم “سعف النخيل” وأليافه يف والحص”( ، )23وغري ذلك مام يحتاجه ال َّناس الستخدامه يف األعامل ال ّزراع َّية واالس ِت ْعامالت الشخصية يف عمل أدوات كثرية مثل “القفف ْ البيوت. ومن الصناعات التي كانت شائِعة يف يرثب واعتمدت عىل اإلنتاج ال ّزراعي أيضً ا“ :حرفة النجارة” ،التي نشطت لت ْوفري متطلَّبات ال َّناس رسة( )24وما شابه ذلك مام يحتاجه الناس يف بيوتهم ،باإلضافة إىل عمل أبواب البيوت املتزايدة لقطع األثاث املنزيل كالكرايس واأل َّ والنوافذ وغريها من األشْ ياء التي يستخدم الخشب يف تصنيعها ،وقد ساعد عىل ان ِتشار هذه الحرفة توافر الخشب يف املنطقة ،حيث يكرث ش َجر “ الطرف واألثل” يف الجهة الشَّ املية من يرثب(.)25 كام قامت صناعات أُخرى اعتمدتْ عىل بعض املنتجات الحيوان َّية ،نذكر من تلك الصناعات “ :دباغة جلود الحيوانات” ()26 وخرازتها( )27بعد دبغها لتحويلها إىل أدوات نافعة الستعامل الناس ،كذلك إعداد “الصوف وتنظيفه” ()28وغزله ليصبح صال ًحا الستعامله يف صناعة “النسيج” (.)29 ومن الصناعات التي اشتهرت بها يرثب “ :الحدادة “( ،)30حيث كان الح َّدادون يصنعون اآلالت التي يحتاجها املزارعون يف أعاملهم والسكاكني ال ّزراعية ،كالفؤوس واملحاريث واملناجل ،كام كانوا يُجيدون صناعة األنواع املختلفة من األسلحة ،كالسيوف والدروع َّ ، وأدوات الصيد املختلفة وغري ذلك من األدوات املعدن َّية التي ال غنى لل َّناس عنها يف حياتهم اليومية. بالصياغة وصناعة ال ُحيل” والتُّحف املعدن َّية املختلفة ( ،)30وقد كان اليهود أكرث من اشتهر بهذه الحرفة(،)31 وكام اشتهرت أيضً ا “ ّ واختص بها بنو قينقاع ،حيثُ كانت الصياغة هي الحرفة الرئيسة لهذا الحي من اليهود ،إ ْذ يُروى أنَّهم مل يعملوا بال ّزراعة ومل تكن لهم َّ بالتَّايل أر ٍ اض زراع َّية يف يرثب ،وكانت لبني قينقاع سوق كبرية تنسب إل ْيهم ،يبيعون فيها ما يصنعون من مختلف أنواع الحيل والتُّحف يرغب فيه من املعدن َّية ْ وكانت ملصنوعاتهم شهرة واسعة يف املنطقة ،حيث كانت النساء يأْتني إىل سوقهم من مختلف الجهات لرشاء ما ْ أنواع الحيل املختلفة(.)32
رابعاً :عدم ال َحلف رص ٍف أو نَفيِه ،وال يجوز ِ الحلف يف غري هذه امل َواطن ،وبناء عىل األصل أن األَميان – الحلف ُ -شعت إلنهاء الخصومات بتأكيد وقو ِع ت َ ُّ الحلفأداة للتَك َُّسب ،وترويج ال َبضائع وإقناع املشرتي بها ،ولذلك قال عليه الصالة والسالم “ :إياكم وكرثة ِ ذلك فليس ِ الحلف يف البيع ،فإنه يُنفق ثم ميحق “( )43أي يذهب دون االستفادة منه أو تذهب بركته ،ويف هذا الحديث التحذير من كرثة الحلف بهدف البيع لف ، ض ُه اللَّ ْغ ُو َوال ِْح ُ ش التُّ َّجا ِر إِ َّن الْ َب ْي َع يَ ْح ُ ُ ،وإقناع الشاري بالسلعة ف َع ْن قَ ْي ِس بْنِ أَ ِب َغ َر َز َة قال :إن النبي عليه السالم قال “ :يَا َم ْع َ َ ِالص َدقَ ِة “(. )44 فَشُ وبُو ُه ب َّ خامسا :إتقان العمل من التعاليم اإلسالمية ال َحثُّ عىل إتقان العمل واإلخالص فيه ،حتىأصبح إتقان العمل ُخلُقًا من أخالق املسلمني ،ويف هذا يقول الله تعاىلَ “ :وقُلِ ا ْع َملُوا ف ََس َ َيى اللَّهُ َع َملَك ُْم َو َر ُسولُهُ َوالْ ُم ْؤ ِم ُنونَ ۖ َو َس ُ َت ُّدونَ إِ َ ٰل َعالِ ِم الْ َغ ْي ِب َوالشَّ َها َد ِة َف ُي َن ِّب ُئكُم بِ َا كُن ُت ْم تَ ْع َملُونَ ” (التوبة )105:واملقصود املراقبة وإتقان العمل ،ويف هذا يقول عليه الصالة والسالم ”:إنالله يحب إذا عمل أحدكم عمالً أن يتقنه “( ، )45ويف إتقان العمل الفائدة عىل كال الطرفني :البائع أوالحريف أو الصانع ،وكذلك املشرتي ،فالبائع أوالحريف أوالصانع املتقن لعمله يستفيد من خالل الدعاية التي تنترش بني الناس أنه يتقن عمله فيقبل عليه الناس ،والشَّ اري يستفيد من خالل السلعة نفسها . سادساً :نصح البائع للمشرتي النصيحة خلق امتاز به االقتصاد اإلسالمي ،فبيان حال السلعة عىل الحقيقة أمر يعطي البائع مصداقية ،كام يعطي وراحة نفسية لدى املشرتي ،فإظهار ال َع ْيب يف السلعة وكذلك املزية فيها ،حتى تبنى املعامالت والعالقات عىل أسس ثابتة سليمة ،معيارهامعرفة الحقيقة وإعامل الفكر وبلوغ االختيار ،وغايته الوصول إىل الحقيقة والرىض ،وقد حذَّر النبي عليه السالم التجار من عدم ال َّنصيحة ،ويظهر ذلك اس يَتَ َبايَ ُعو َن ، يف حديث إِ ْس َم ِع َيل بْنِ ُع َب ْي ِد بْنِ ِرفَا َع َة َع ْن أَبِي ِه َع ْن َج ِّد ِه أَنَّ ُه َخ َر َج َم َع ال َّنب ِِّي صىل الله عليه وسلم إِ َل الْ ُم َص َّل ،فَ َرأَى ال َّن َ َاس َت َجا ُبوا لِ َر ُسولِ اللَّ ِه صىل الله عليه وسلم َ ،و َر َف ُعوا أَ ْع َنا َق ُه ْم َوأَ ْب َصا َر ُه ْم إِلَ ْي ِه َ ،فق ََال “ :إِنَّ ال ُّت َّجا َر ُي ْب َعثُونَ ش ال ُّت َّجا ِر “ ،ف ْ فَق ََال َ “ :يا َم ْع َ َ َي ْو َم الْ ِق َيا َم ِة ُف َّجاراً ،إِالَّ َم ِن اتَّقَى اللَّهَ َو َب َّر َو َصدَ َق “ (. )46 سابعاً :االعتدال والقصد يف اإلنفاق اإلسالمي شؤو َن ِ جنح املسل ُم إىل الرهبانية امل ُ ْغرِقة ،وال املادية املحرق ِة ،من خالل الدعوة إىل ينظِّم االقتصا ُد الناس االجتامعي َة ،حتى ال يَ َ ُّ يم آتَاكَ اللَّهُ الدَّ ا َر ْال ِخ َر َة َو َل تَ ْن َس التوسط واالعتدال ،واتباع سبيل ْ القص ِد والتوازن يف اإلنفاق ،ونرى ذلك يف قول تعاىل َ “ :وا ْب َت ِغ ِف َ ُسفُوا إِنَّهُ َل ُي ِح ُّب اش ُبوا َو َل ت ْ ِ ن َِصي َب َك ِم َن ال ُّدنْ َيا “ (القصص ،)77 :وقوله تعاىلَ “ :يا َب ِني آ َد َم ُخ ُذوا زِي َن َتك ُْم ِع ْندَ ك ُِّل َم ْسجِ ٍد َوكُلُوا َو ْ َ س ِف َني “ (األعراف ،)31 :ويف الحديث قال عليه الصالة والسالم “ :كلُوا وارشبوا وتصدَّ قوا يف غريِ مخيل ٍة وال ٍ يحب أن الْ ُم ْ ِ رسف ،فإنَّ اللَّهَ ُّ َيرى أث َر نعم ِته عىل عبا ِد ِه “(. )47 وبهذا العرض يتبني لنا مدى ارتباط االقتصاد اإلسالمي باألخالق واملحافظة عىل الرثوة ،وهذا عكس مافعلته االقتصاديات الحديثة ،حيث ج َّردت االقتصاد من األخالق ،ب ُحجة أنالتَّعامل االقتصادي تعامل مادي ،محكوم ب ُنظم وقواعد تحدده وتفرضه عىل الجميع ،فال عالقة لالقتصاد باألخالق ،وإمنا صلة األخالق يجب أن تتوافر بني األفراد يف ِصالتهم االجتامعية . حض عليها اإلسالم ،والذي جعلها من األسس الراسخة ،هي رضورة اجتامعية ،بدونها تنهار األسس ألي وأما األخالق االقتصادية التي َّ مكون اقتصادي ،وبالتايل انهيار املكونات السياسية واالجتامعية . أخالقيات نهى عنها االقتصاد اإلسالمي مل يكتف الترشيع اإلسالمي باألمر باألخالق الحميدة يف التعامل االقتصادي ،وإمنا عمل عىل النهي والتحذير من األخالق الذميمة يف التعامل االقتصادي ،وفيام ييل عرض لبعض هذه األخالقيات التي نهت عنها الرشيعة اإلسالمية :
أوالً :نهى عن الغش والخداع الغش هو إظهار اليشء عىل غري ما هو عليه عىل الحقيقة ،وذلك بكتامن العيب وإخفائه ،فالغش خيانة وخداع ،وهو محرم يف الرشيعة اإلسالمية ،وهو مذموم عقالً ورش ًعا ،ويعترب الغش بأنواعه وصوره كافة آف ًة اجتامعية واقتصادية خطرية ،ويتع َّدى رضره مصلحة املستهلكني ،فتمتد آثاره لتشمل املنتجني واملزارعني والصناعيني ،وقد تنال صحة اإلنسان والنظام االقتصادي بشكل عام . الغش يف النشاط االقتصادي ،ككتامن العيب وعدم إظهاره ،وإننا نرى ومن صور الغش التي شاع ظهورها ،وتتناىف مع مكارم األخالق ُّ : ذلك واضحا من خالل مراقبة النبي عليه السالم بنفسه السوق ،ومتابعة ما يحصل فيه ،ونهيه عن الغش وتحذيره منه ،فعن أيب هريرة ريض الله عنه ،أ َّن رسول الله صىل الله عليه وسلم م َّر عىل صربة طعام – املكان الذي تعرض فيه السلع -فأدخل يده فيها ،فنالت بلل – أي أن السلعة املعروضة ابتلت باملاء وهو ما قد يؤدي إىل فسادها – فقال عليه الصالة والسالم “ :ما هذا يا صاحب أصابعه ً السامء يا رسول الله – أي املطر – قال :أفال جعلته فوق الطَّعام يك يراه ال َّناس ؟ من َّ غش فليس م ِّني”(. )48 الطَّعام ؟ قال :أصابته َّ ومام حذرت منه الرشيعة ويدخل يف الغش ،نقصان الكيل وامليزان ،فأمرت بالوفاء بالكيل وامليزان بالعدل ،فقال تعاىل َ “ :وأَ ْوفُوا ِّف نَف ًْسا إِالَّ ُو ْس َع َها “ (األنعام.)152 : الْكَ ْي َل َوالْ ِمي َزانَ بِالْ ِق ْس ِط الَ نُكَل ُ ثانيا :نهى عن التبذير واإلرساف والشح عملت الرشيعة اإلسالمية عىل ِ الحفاظ عىل الرثوات ،وحاربت التبذير واإلرساف فهو من العادات القبيحة التي فشَ ت بني الناس ،ونرى ذلك واضحا يف القرآن الكريم حيث قال تعاىل “ :إِنَّ الْ ُم َب ِّذرِي َن كَانُوا إِ ْخ َوانَ الشَّ َي ِ اط ِني َوكَانَ الشَّ ْيطَانُ لِ َر ِّب ِه كَفُو ًرا “(اإلرساء.)27 : النهي عن البخل والشح والتقتري ،قال تعاىل َ “ :و َل تَ ْج َع ْل َيدَكَ َم ْغلُولَ ًة إِ َ ٰل ُع ُن ِقكَ َو َل تَ ْب ُسطْ َها ك َُّل الْ َب ْس ِط َف َت ْق ُعدَ َملُو ًما َّم ْح ُسو ًرا كام جاء ُ والشح “( ،)49وقولِه تعاىل “ :فَ ِم ْن ُك ْم َم ْن يَ ْب َخ ُل َو َم ْن يَ ْب َخ ْل فَ ِإنَّ َا “(اإلرساء ، )29 :ويف الحديث الرشيف قال عليه الصالة والسالم “ :إياكم َّ يَ ْب َخ ُل َع ْن نَف ِْس ِه “ (محمد.)38 : والنهي عن البخل والتقتريِ ،ويف املقابل دعت الرشيعة إىل االعتدال بينهام ،قال تعاىل “ : النهي عن ال َرت ِف واإلرساف ، ُ وعليه ،كان ُ سفُوا َول َْم َيق ُ ُْتوا َوكَانَ َب ْ َي َذلِكَ َق َوا ًما “(الفرقان ، )67 :فاالعتدال صفة من صفات عباد الرحمن املتَّقني. َوالَّ ِذي َن إِ َذا أَنْ َفقُوا ل َْم ُي ْ ِ فإ َّن البخل من الناحية االقتصادية يقود إىل نقْص ميل الناس إىل االستهالك ،كام أن َ الرتف واإلرساف يؤديان إىل تبديد املوارد ،وكِال والقص ِد ،فالوسطية يف االقتصاد تحفظ املوارد ،ويف نفس الوقت متنع مرغوب فيه ،و ِمن هنا كانت الدعو ُة إىل االعتدا ِل ال َوضْ عني غ ُري ٍ ْ االنكامش ،وهذا ما يعود باإليجابية النافعة عىل الفرد واملجتمع . ثالثا :نهى عن صناعة وبيع األشياء املحرمة اتجهت االقتصاديات الوضعية عىل قرص عنايتها عىل الجانب املا ِّدي وحده ،فأصبح الهدف الوحيد للنشاط االقتصادي املعارصالكسب املادي ،دون مراعاة أو التفات إىل أي جانب آخر كالقيم واملبادئ األخالقية ،فقد شاع التعامل باألشياء الضّ ارة يف جميع املجاالت األطعمة واألرشبة والصناعات ،وهذا مام منعته الرشيعة اإلسالمية ،والتي مل تسمح أب ًدا بأية صورة من صور الكَسب الخبيث ،وميزت بني السلع عىل اختالف أنواعها ،فجعلت الطيب مباحاً والخبيث محرماً ،وهذا ما نراه يف قول تعاىل ُ “ :ق ْل الَ َي ْس َتوِي الْ َخب ُ ِيث َوالطَّ ِّي ُب َولَ ْو أَ ْع َج َبكَ ك ْ ََث ُة الْ َخب ِ اب لَ َعلَّك ُْم تُ ْفلِ ُحونَ “ (املائدة.)100 : ول األَلْ َب ِ ِيث فَاتَّقُوا اللَّهَ َيا أُ ِ ومن األمور الضارة بإقرار ِ الطب الحديث “الخمور” ،والذي حرمته الرشيعة تصنيعاً وبيعاً ورشباً وغري ذلك ،قال تعاىل َ “ :يا أَ ُّي َها الَّ ِذي َن اب َو ْالَز َْل ُم ِر ْج ٌس ِّم ْن َع َملِ الشَّ ْيطَانِ فَا ْج َت ِن ُبو ُه لَ َعلَّك ُْم تُ ْفلِ ُحونَ ” (املائدة ، )90:وكذلك أكل لحم س َو ْالَ َ نص ُ آ َم ُنوا إِنَّ َا الْ َخ ْم ُر َوالْ َم ْي ِ ُ الخنزير وامليتة وغريها من األطعمة الضارة ،قال تعاىل “ :إِنَّ َا َح َّر َم َعلَ ْيك ُُم الْ َم ْي َت َة َوالدَّ َم َولَ ْح َم الْ ِخنزِي ِر َو َما أُ ِه َّل ِب ِه لِغ ْ ِ َي اللَّ ِه ۖ َف َم ِن يم “ (البقرة)173: اضْ طُ َّر غ ْ ََي َباغٍ َو َل َعا ٍد ف ََل إِثْ َم َعلَ ْي ِه ۚ إِنَّ اللَّهَ َغفُو ٌر َّر ِح ٌ
رابعاً :نهى عن االعتامد عىل اآلخر يف اإلنتاج ويظهر ذلك من خالل كرثة االسترياد وقلة التصدير ،فيام نرى أن الرشيعة اإلسالمية ر ّغ َبت يف العمل واإلنتاج ،وأن يأكل الفرد من صنع يده ،وقد جا َء يف ذلك العديد من اآليات الكرمية واألحاديث النبويّة الرشيفة ،التي تحثّ عىل ذلك َ ، قال الله تعاىل َ “ :وقُلِ اع َملوا ف ََس َ َيى اللَّـ ُه َع َملَكُم َو َرسولُ ُه َوامل ُؤ ِمنونَ”(التوبة ،)105:وهذا ّ حض اإلسالم عىل العمل ،وأن يكون هذا العمل ُمتقناً أل َّن الله سيطّلع عليه ،ومن يدل عىل ّ اآليات التي حثّت فيها الرشيعة عىل العمل أيضاً ،قول ُه تعاىل ُ “ :ه َو الَّ ِذي َج َع َل لَ ُك ُم الْ َ ْر َض َذلُولً فَا ْمشُ وا ِف َم َناكِ ِب َها َوكُلُوا ِم ْن ِر ْز ِق ِه َوإِلَ ْي ِه أحب إىل الله ال ُّنشُ و ُر “(امللك ،)15:فامليش يف األرض يكون بالعمل فيها والسعي لعامرتها ،وقال عليه الصالة والسالم “ :ما أكل العبد طعاماً َّ من ك ِّد يده ومن بات كالّ ً – أي تعباً -من عمله بات مغفورا له “ (. )50 خامسا :نهى عن التسول (سؤال الناس) نهت الرشيعة اإلسالمية عن التسول وسؤال الناس ،وأمرت باالجتهاد يف العمل واإلنتاج فال يكون الفرد عالة عىل املجتمع ،ونرى ذلك مع َ الكسب الحالل ،الذي يك ُُّف صاح َبه عن املسأل ِة مهام كان نو ُع هذا العمل ،ومهام نظَر إليه الرسول عليه السالم فهو ي ُحثُّ الناس وير ِّغ ُبهم يف ِ فيحتطب عىل ظهرِه ليتص َّد َق به الناس نظرة استهانة واحتقار ،فعن أيب هريرة ريض الله عنه أن النبي عليه السالم ،قال “ :ألن يغ ُد َو أحدكم َ يسأل رجالً أعطاه أو م َنعه ،ذلك بأن الي َد العليا خ ٌري من ِ وليستغني عن الناس ،خ ٌري له ِمن أن َ اليد السفىل “ (.)51 َ النبي عليه السالم مع القادرين منهم عىل العمل والكسب وأيضا علمتنا الرشيعة كيفية التعامل مع املتسولني ،فلننظر كيف تعامل معهم ُّ النبي عليه خصوصا – فإن العاجزين لسبب أمرتنا الرشيعة باإلحسان إليهم ، -فعن أنس بن مالك ريض الله عنه أن رجالً ِمن األنصار أىت َّ ونبسط بعضَ ه ،وقَ ْع ٌب نرشب فيه السالم يطل ُُب الصدق َة ،فقال له النبي عليه السالم “ :أ َما يف بي ِتك يشء؟ ،قال :بىل ِ ،حل ٌْس نل َب ُس بعضَ ه ُ ، املاء ،فقال :ائ ِتني بهام ،فأتاه بهام ،فأخذه بيده وقال َ :من يشرتي هذين ؟ ،قال رجل :أنا آخذُهام بدرهم ،قال َ :من يزيد عىل درهم ؟ ،قال رجل :أنا آخذُهام بدرهمني ،فأعطاهام إياه وأخذ الدرهمني وأعطاهام األنصاري ،وقال ِ َ : اشت بأحدهام طعا ًما وان ِبذْه إىل أهلِك، َِ واشت باآل َخ ِر قَ ُدو ًما فأتِني به ،فش َّد فيه الرسول عو ًدا بيده ،ثم قال له :اذهب فاحتطب و ِب ْع ،وال أَ َريَ َّن َك خمس َة عرش يو ًما ،فذ َهب الرجل عشة دراهم ،فاشرتى ببعضها ثوبًا ،وببعضها طعا ًما ،فقال ُ رسول الله صىل الله عليه وسلم :هذا خ ٌري لك يحتطب ويبيع ،فجاءه وقد أصاب َ من أن تجيء املسأل ُة نكت ًة يف وجهِك يوم القيامة ،إن املسأل َة ال تصلح إال لثالثة :لذي فق ٍر مدقعٍ ،أو لذي ُغ ْر ٍم ُم ِ دم موجع “ فظع ،أو لذي ٍ ( ، )52فرنى كيف أن النبي عليه السالم ،تعامل مع السائل – املتسول -بطريقة اقتصادية راقية ،فحولت السائل الذي هوعالة عىل املجتمع وحض عىل االجتهاد بالعمل ،ولو كان بأقل الرثوات املوجودة . ،إىل فرد منتج مفيد لهذا املجتمع ،وذلك من خالل تكافل اجتامعي راقٍ ّ ، سادسا :النهي عن الربا مل يكن اإلسالم يف منعه الربا يقصد الحرب عىل األغنياء أو ضد الرثاء ،بل كان :التزام الحق والعدل يف استثامر املال ،وتوظيفه يف دفع عجلة رئيسا لالستثامر الرشيد يف االقتصاد اإلسالمي ،وذلك التنمية االقتصادية ،وتحقيق ازدهار املجتمع ورخائه ،ومن هنا كان تحريم الربا ضابطًا ً أن الربا يؤدي إىل متييز رأس املال عىل سائر عنارص اإلنتاج ،بأن يكون مستحقًّا ٍ لعائد دون مقابل من إنتاج أو عمل أو تعرض ملخاطرة . وبعبارة أخرى :فإن املعامالت الربوية تؤدي إىل استخدام النقود يف غري وظيفتها األساسية ،فتكون سلعة ت ُباع وت ُش َرتى ،يُباح تأجريها بثمن معني يسمى الفائدة ،مام مينحها القدرة عىل إنتاج نقود من غري إسهام فعيل يف العملية اإلنتاجية بالعمل ،أو التعرض للمخاطرة ،أو اإلنتاج الفعيل. وبنا ًء عىل ذلك ،فإن الربا يؤدي إىل تعطيل استخدام النقود األساس كوسيط للتبادل ،فرتكّز الرثوة يف أيدي طبقة محدودة من املجتمع ، فتصبح هي املتحكِّمة يف رأس ماله ،وذلك يرتتب عليه قلة اإلنتاج من ج َّراء توقُّف االستثامر الحقيقي ،الذي يتطلَّب بذل الجهد ومامرسة العمل من الجميع ،واالشرتاك يف تح ُّمل املخاطرة ،ومن هنا نرى كيف أن القرآن الكريم حرمه بلهجة الوعيد الشديد ملن يتعاطا ُه ويتعامل به ،فقال تعاىل َ “ :يا أَ ُّي َها الَّ ِذي َن آ َم ُنوا اتَّقُوا اللَّهَ َو َذ ُروا َما َب ِق َي ِم َن ال ِّر َبا إِن كُن ُتم ُّم ْؤ ِم ِن َني (َ )278فإِن ل َّْم تَ ْف َعلُوا َفأْ َذنُوا ِب َح ْر ٍب ِّم َن اللَّ ِه َو َر ُسولِ ِه ۖ وس أَ ْم َوالِك ُْم َل تَظْلِ ُمونَ َو َل تُظْلَ ُمونَ” (البقرة.)278-279: َوإِن تُ ْب ُت ْم َفلَك ُْم ُر ُء ُ
أخالقيات أمر بها االقتصاد اإلسالمي ضبط اإلسالم املعامالت االقتصادية ،من خالل فرض األخالقيات التعامل بني جميع األطراف ،وهذا ما كان مفقودا لدي املجتمع العريب والعاملي يف ذلك العرص ،وقد جعل هذه األخالقيات من الدين ،ومبدؤها التقوى ومخافة الله ،وميكن أن نطلق عليها الضمري الحي أو “ املراقبة الذاتية “ ،ومن هذه األخالقيات : أوالً :الصدق واألمانة من الصفات األساسية التي ركز اإلسالم عليها ،واهتم بتطبيقها صفتا “الصدق واألمانة” ،فهام من الصفات املالزمة لصدق اإلميان ،وهي من الصفات الالزمة أيضا يف امليدان االقتصادي عىل الخصوص ،وال يخفى ما لهاتني الصفتني عند امللتزم بهام عىل العمالء ،فهي تغرس الثقة يف نفوس املتعاملني بها ،ولذلك امتدح رسول الله صىل الله عليه وسلم االقتصادي ورجل األعامل الذييتصف بهاتني الصفتني ، فقال عليه السالم “ :التاجر األمني الصادقمع النبيني والصديقني والشهداء “(.)36 وال ميكن أن تقترص األمان ُة يف معناها الضَّ يق ،وهو ِح ْف ُظ الودائع ،ولك ْن لألمان ِة معانٍ أخرى ،منها :أن يحرص الفر ُد عىل أدا ِء واجبه كامالً َ ضعت بني يَ َديه. يف عمله مزارعاً كان أم تاجرا ً أم ِح َرفياًّ ،فرياعي حقوق الناس التي ُو ْ الرجل م ْن ِص َبه لقا َء منفع ٍة تعود عىل شخصه أو قرابته ،ومام يَ ُّدل عىل تلك املعاين و ِمن معاين األمانة يف االقتصاد اإلسالمي ،أال يست ِغ َّل ُ صل الله عليه وسلَّم “ إن الغادر يرفع له لواء يوم القيامة ،يُقال هذه غَد َر ُة فالن بن لألمان ِة أحاديثُ نبوي ٌة عديدة ،نختا ُر منها قولَه َّ : فالن “ ( ،)37وقال عليه الصالة والسالم “ :أال إنه ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته ،وال غدرة أعظم من غدرة إمام عامة يركز لواءه عند استه “ -أي دبره.)38(- ثانيا :الوفاء ت َحتل العقو ُد والعهو ُد يف االقتصاد اإلسالمي مكان ًة رفيعة ،فاالقتصاد اإلسالمي يقوم عىل احرت ِام العقو ِد ،التي ت َُس َّجل فيها االلتزماتُ ِ ملقاصد الرشيعة اإلسالمية ،يقول تعاىل “ :يَا أَيُّ َها ال َِّذي َن آ َم ُنوا أَ ْوفُوا بِالْ ُعقُو ِد “ املالية ،ويشرتط أن تكُو َن ُموا ِفق ًة للكتاب والسنة ،ومحقِّق ًة (املائدة ،)1:ويقول تعاىلَ “ :وأَ ْوفُوا بِالْ َع ْه ِد إِ َّن الْ َع ْه َد كَا َن َم ْس ُؤولً “ (اإلرساء.)34: ويف الحديث ق ََال َر ُس ُ اص ُدقُوا إِذَا َح َّدثْتُ ْم َ ،وأَ ْوفُوا إِذَا ول اللَّ ِه صىل الله عليه وسلم “ :اضْ َم ُنوا ِل ِستّاً ِم ْن أَنْف ُِس ُك ْم أَضْ َم ْن لَ ُك ُم الْ َج َّن َة ْ : َو َع ْدت ُ ْم َ ،وأَ ُّدوا إِذَا ائْتُ ِم ْنتُ ْم َ ،وا ْح َفظُوا فُ ُرو َج ُك ْمَ ،وغُضُّ وا أَبْ َصا َركُ ْم َ ،وكُفُّوا أَيْ ِديَ ُك ْم “ ( ، )39وقد ثبت ومن خالل كل تعامالت النبي عليه السالم أنه كان وفياًّ يف جميع أعامله سوا ًء االقتصادية موضع البحث أم يف غريها من املعامالت. ثالثاً :التسامح والتساهل من األخالق التي َح َّض عليها اإلسالم يف التعامل “التَّسامح” بوجه عام ،ويف التعامل االقتصادي عىل الخصوص ،ويتمثل هذا التسامح يف أمور عدة منها: أ -السامحة يف البيع والرشاء واملطالبة بالدين ،قال عليه الصالة والسالم “ :رحم الله عبدا ً سم ًحا إذا باع وإذا اشرتى وإذا اقتىض “()40 . س ٍة” (البقرة )280 :ويف الحديث الرشيف ،قال عليه س ٍة َف َن ِظ َر ٌة إِ َل َم ْي َ َ ب -إنظار املدين امل ُ ْعرس ،عمالً بقوله تعاىل َ “ :وإِنْ كَانَ ُذو ُع ْ َ الصالة والسالم َ “ :م ْن أَنْظَ َر ُم ْع ِساً أَ ْو َوضَ َع َع ْنهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ ِف ِظلِّ ِه يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم ال ظل إال ظله”(. )41 جـ -إقالة العقد ،أي االستجابة إىل فسخه إذا رغب املشرتي يف ذلك ،لظهور عدماحتياجه إىل املعقود أو غري ذلك ،ويف هذا يقول عليه سلم أقالالله َعرثتَه”(. )42 الصالة والسالم َ “ :من أقال ُم ً
ثالثا :تنظيم الري والحفاظ عىل الرثوة املائية ف َّوض األنصار النبي عليه السالم يف تنظيم أرض املدينة واقتصادها ،فقام النبي عليه السالم بتوجيه التعامل مع الرثوة املائية تعا ُمالً يَكفُل أقىص الفعالية لها ،ويف نفس الوقت يحفظها من التبديد ،فعندما قال له بنو حارثة من األنصار“ :يا رسول الله ،ها هنا مسارح إبلنا ،ومرعى غن ِمنا ،و َمخرج نسائنا -أي موضع السقاية -قال لهم النبي عليه السالمَ “ :من قطع شجرة ،فل َيغرس مكانها ،فغ َرسنا الغابة “ (.)57 رسل إىل األخرى ،ال مينع األعىل األسفل ،وهي وقد قىض رسول الله يف “ وادي مهزور” ( )58أن يُح َبس املاء يف األرض إىل الكعبني ثم يُ َ عملية داخلة يف باب تنظيم املياه بالنسبة للزراعة ،ويف هذا اإلطار و َرد أيضً ا عن عبد الرحمن بن الحارث أن رسول الله قىض يف سيل مهزور أن األعىل ُيسك عىل َمن أسفل منه ،حتى يبلغ الكعبني ،ثم يُرسله عىل َمن أسفل منه (.)59
خامتة
أكدت التجربة العملية ،واملشاهدات التاريخية للدول ،أن من العنارص األساسية لقوة الدول واستمراريتها االقتصاد ،وأن استمرارية هذه القوة لالقتصاد ال تكون إال بتالزمها لألمور التالية: أوال :األخالق الحميدة واالقتصاد هام عنرصان متالزمان ،وهذا ما رسخته الرشيعة اإلسالمية ،فجعلتها من قواعده وأصوله ،فال ميكن ملن يدعي اإلسالم أن ينفك عنها ،فبانفكاكه عنها ينفك عنه اإلسالم . ثانيا :أكد هذا البحث أن الرشيعة اإلسالمية هي منهج حياة ،تدوم بدوامها وتنتهي بانتهائها . ثالثا :أن الرثوات التي بني أيدينا هي أمانة ،ال بد من املحافظة عليها كام أراد الخالق وذلك بالبعد عن تبديدها . رابعاً :الدولة القوية اقتصادياً ،هي التي تبني اقتصادها داخليا ،من خالل استثامر ثرواتها ،وباكتفائها ذاتيا عىل ما عندها من الرثوات ، وهذا ما مينع عنها االرتهان إىل الخارج ،والذي من مصلحته وضع يده عىل ثرواتها . خامسا :ال ب َّد للقيادة الحكيمة من أن تعمل بكل الوسائل املمكنة ،وضمن القواعد الرشعية الصحيحة ،عىل إنهاء ظاهرة البطالة ، فالبطالة عنرص من عنارص الخراب والفساد يف املجتمعات . سادسا :الربا املحرم يف اإلسالم هو من أهم أسباب االنهيار االقتصادي . سابعا :املياه نعمة ال ب َّد من املحافظة عليها ،وإنها اليوم العنرص األهم الذي تتحارب عليه القوى العظمى . ثامنا :ما حرمته الرشيعة من مأكل أو مرشب كالخنزير والخمر ،هو ملصلحة البرش ،فباالبتعاد عن هذه املحرمات نحفظ الصحة والعقل ،وهي من مقاصد الرشيعة .
املصادر واملراجع
( )1يَ ْ ِثب :هو االسم السابق للمدينة املنورة قبل الهجرة النبوية للرسول عليه السالم ،سميت يرثب بهذا االسم عىل غالب األقوال نسبة إىل “يرثب ابن قاينة” بن مهالئيل بن إرم بن عبيل بن عوض بن إرم بن سام بن نوح . أنظر /https://ar.wikipedia.org/wiki :يرثب . ( )2العامليق :هو اسم يطلقه العرب عىل قبائل الكنعانيني واألموريني الذين كانوا يسكنون الجزيرة العربية وهم من أقدم األمم التي سكنت الجزيرة العربية ،من ذرية عمليق بن الوذ بن إرم بن سام بن نوح ،عارصوا األنبياء وتفرقوا يف البالد وحكموا بلدان كثرية :نجد ،البحرين ،عامن ،مرص ،اليمن ،سوريا ،الحجاز ،العراق .وقيل أنه كان منهم ملك مرص الذي عارص النبي يوسف .انظر :الكامل يف التاريخ ،دار الفكر – بريوت 1398 ،هـ 1978 /م ،ج ، 1ص.103 ( )3ولفنسون ،تاريخ اليهود يف بالد العرب ،مكتبة النافذة -الجيزة ،ص. 29 ( )4عبد الغني :صالح الدين ،مدن لها تاريخ ،وكالة الصحافة العربية – الجيزة – القاهرة ،ص.35-36
وإن ما وصل إليه الوضع االقتصادي من السوء سواء عىل مستوى الدولة الواحدة ،أم عىل املستوى العاملي ،يظهر بشكل َجيل كيف أن تفاقم أمر الربا بشكلٍ ألحق الرضر بالدول الفقرية ،فجعلها مك َّبلة بالديون الخارجية وفوائدها الربوية املرتاكمة ،بعد أن عجزت مواردها املحلية عن الوفاء بالتزامات ديونها الخارجية ،والتي أخفقت يف تنميتها االقتصادية ،جعلتها يف موقف ضعيف إزاء طغيان الدول الدائنة ،والتي جعلت من هذه الديون عوامل ضغط وإكراه لربط اقتصاد الدول امل َدينة بالتبعية لها ،وذلك مام أ َّدى إىل انتقال وتفش ظاهرة التض ُّخم يف كثري من الدول ،واختالل توزيع مواردها باختالف أشكالها من الدول الدائنة الفقرية إىل الدول الغنية امل َدينة ِّ ، الدخل والرثوة بني البرش. تدابري اتخذها النبي عليه السالم لتقوية االقتصاد يف املدينة .كان عىل القيادة السياسية الحكيمة واملسؤول ،النظر يف جميع اإلمكانات االقتصادية املتاحة فتطورها وتزيد من فعاليتها ،واملهملة فتعيدها إىل الحياة ،وقد تحتاج يف كثري من األحيان إىل اتخاذ تدابري قاسية عىل األفراد يف الزمن القريب ،إال أن فيها ال َّنفع عىل املجتمع عموما وعىل األفراد خصوصا يف املستقبل القريب ،وهذا ما فعله النبي عليه السالم فأجرى بعض التدابري لتطوير وتقوية الرثوات الطبيعية يف املجتمع الجديد ،ومن هذه اإلجراءات : أوالً :إنشاء سوق خاص للمسلمني عندما استقر املجتمع اإلسالمي يف املدينة املنورة ،وتوطدت دعائم الدولة فيها دعت الحاجة إىل سوق يواكب هذا االستقرار ويجاري متطلباته. فكان البد من البحث عن سوق يتوافق وضوابط الترشيع اإلسالمي الحديث ،والذي أكد عىل األخالقيات االقتصادية التي تحدثنا عنها . يف البدء ذهب النبي عليه السالم إىل مكانٍ قريب من سوق بني قينقاع ورضب “ق َّب ًة” – أي خيمة -كبرية لتكون رم ًزا وعالم ًة يتجمع ٍ حولها املسلمون للبيع والرشاء ،فاغتاظ اليهود من ذلك وقام “ كعب بن األرشف”( - )53زعيم اليهود -فهدم الخيمة وق َّوضها وقطع رصف قيم ًة ،ومل يلتفت إىل هذا السلوك االستفزازي ،بل رد عليها عمليا فقال أطنابها ،ولكن النبي عليه السالم مل يشأ أن يجعل لهذا الت ُّ متحدثا عن كعب بن األرشف وفعلته “ :والله ألرضبن له سو ًقا أغيظ له من هذا “ ويف رواية أخرى“ :ألنقلها إىل موضع هو أغيظ له من هذا “ .واختار مكانا فسيحا بأطراف املدينة بعيدا عن املحال السكنية ،وذلك باقرتاح من أحد الصحابة ،الذي قال للنبي عليه السالم :إين نظرت موضعا للسوق ،أفال تنظرون إليه ؟ قال :بىل ،فقام معه فلام رآه أعجبه وركض برجله عليه السالم ،وقال “ :نِعم سوقكم هذا ، فال َينقصن وال َيرضبن عليكم بخراج “( )54ويقصد بذلك أن تكون السوق واسع ًة فال يض ِّيق التجار بعضهم عىل بعض يف األماكن ،كام ال يجوز لو ِّيل األمر أن يفرض عىل املتعاملني فيها إتاوات أو رسو ًما أو رضائب َ خالف زكاة املال املقررة رش ًعا .وقد ظلت هذه السوق طوال عهد الرسول عليه السالم وعهد الخلفاء الراشدين عبارة عن فضاء حر من دون بناء . ثانيا :استصالح األرايض الزراعية من األمور التي عمل عليها النبي عليه السالم بقدومه إىل املدينة املنورة ،استصالح األرايض الزراعية ،وقد كانت حاجة اقتصادية ُملحة ،فبقدوم املهاجرين متجردين من كل أمالكهم ،إضافة إىل الحاجة املتزايدة عىل املوارد الغذائية ،رشع النبي عليه السالم إىل توزيع األرايض الصالحة للزراعة والتي أهملت ،فبذلك أ َّم َن املوارد الغذائية ،وأيضا العمل للمهاجرين فأنهى بذلك أزمة البطالة . فقال عليه الصالة والسالم َ “ :من أحيا أرضً ا مواتًا ،فهي له “( .)55وقد أقطع الرسول عليه السالم عيل بن أيب طالب عيونًا ب” َين ُبع” ، اشتَهرت فيام بعد بكرثة إنتاجها ،وع ِمل فيها عيل ريض الله عنه بنفسه ،كام أقطع “ الزبري بن العوام “ ريض الله عنه أرضً ا باملدينة ، استثمرها يف الزراعة يف حياة الرسول عليه السالم (.)56
( )29الواقدي ،املغازي :ج ،1ص .179 ()30الرشيف ،مكة واملدينة ،ص. 377 ()31ابن حجر ،اإلصابة ،ج، 4ص . 44 ( )32الخزاعي :عيل بن محمد ،تخريج الدالالت السمعية ،لجنة إحياء الرتاث اإلسالمي – القاهرة ، 1980 ،ص . 753 ( )33ابن سعد :محمد بن سعد بن منيع البرصي الزهري ،الطبقات الكربى ،دار صار – بريوت ،ج ، 3ص ، 356و الخزاعي ،الدالالت ، ج ، 7ص . 71 ( )34ابن حجر ،اإلصابة ،ج ، 2ص ، 5-16الطربي :محمد بن جرير ،تاريخ الرسل وامللوك ،دار املعارف -بريوت ،ط ، 2ج ، 3ص . 98 ( )35املصدر السابق . ( )36أخرجه الدارمي يف مسنده ،برقم . 2735 ( )37أخرجه الرتمذي يف سننه ،باب ما جاء أن لكل غادر لواء يوم القيامة ،ج ، 5رقم . 1581 ( )38انظر مرقاة املفاتيح رشح مشكاة املصابيخ ،كتاب اإلمارة باب ما عىل الوالة من التيسري ،ج ، 6ص.2423 ( )39أخرجه أحمد يف سننه ،ج ، 5ص. 323 ()40أخرجه البخاري يف صحيحه ،رقم 2076 ( )41أخرجه الرتمذي يف سننه ،رقم . 2418 ( )42أخرجه أبو داود يف سننه ،كتاب اإلجارة ،باب يف فضل اإلقالة ،ج ، 9ص . 258 ( )43أخرجه مسلم يف صحيحه ،رقم . 1607 ( )44انظر مرقاة املفاتيح رشح مشكاة املصابيح ،كتاب البيوع ،باب املساهلة يف املعاملة ،ج ، 5ص. 1910 ( )45أخرجه الطرباين يف األوسط ،رقم . 891 ( )46أخرجه الدارمي يف سننه ،ج ، 2ص. 247 ( )47أخرجه أحمد يف مسنده ،ج ، 10ص. 78 ()48أخرجه مسلم يف صحيحه ،كتاب اإلميان ،باب قول النبي صىل الله عليه وسلم :من غشنا ،رقم . 176 ( )49أخرجه أبو داود يف سننه ،رقم . 1698 ( )50أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب البيوع ،باب كسب الرجل وعمله بيده ،ج ، 4ص. 358 ( )51أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب الزكاة ،باب فضل الصدقة والتعفف ،ج ، 4ص . 82 ( )52انظر :مرقاة املفاتيح رشح مشكاة املصابيح ،كتاب الزكاة ،باب من ال تحل له املسألة ومن تحل له ،ج ، 4ص. 1314 ( )53كعب بن األرشف :رجل من بني النضري وقيل كان أبوه من طيء وأمه من يهود بني النضري ذكر يف سرية الرسول محمد صىل الله عليه و سلم بأنه أمر بقتله ونفذ ذلك األمر جامعة من األوس ،انظر :الصالحي الشامي ،سبل الهدى والرشاد ،ط األوىل ،دار الكتب العلمية -بريوت ،1993 ،ج 6ص . 25 ( )54انظر :مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ،كتاب البيوع ،باب ما جاء يف األسواق ،ج ، 4ص. 76 ( )55فتح الباري رشح صحيح البخاري ،كتاب املزارعة ،باب من أحيا أرضا موتا ،ج 5ن ص. 22 ( )56املصدر السابق نفسه ( )57أخرجه البخاري يف صحيحه ،ج ، 1ص . 226
( )5عيل :جواد ،املفصل يف تاريخ العرب قبل اإلسالم ،دار العلم للماليني – بريوت ،1976،ج ، 12ص. 95 ( )6املصدر السابق نفسه ،ج ،12ص. 98 ( )7املصدر السابق نفسه . ( )8السمهوري :نور الدين أبو الحسن ،الوفاء وفاء بأخبار دار املصطفى ،دار إحياء الرتاث اإلسالمي -بريوت ،ج ، 1ص. 159 ( )9مالك بن العجالن الخزرجي :سيد األوس والخزرج يف يرثب ،ذلك كان قبل اإلسالم ،اشتهر بقتله للفطيون اليهودي ،ملك يرثب حينها وكان الفطيون رجال شديدا فظاً يعتدي عىل نساء األوس والخزرج فقتله مالك بن العجالن وفر إىل الشام ولجأ إىل ملك من ملوك الغساسنة .انظر ابن األثري ،الكامل يف التاريخ ،ج ، 1ص. 584-585 ( )10تبع بن حسان بن تبان :من ملوك حمري يف اليمن .قيل :اسمه مرثد .وهو تبع األصغر ،آخر التبابعة .ملك بعد عبد كالل .وعقد الحلف بني اليمن وربيعة .وسار إىل الشام فلقيه قوم من حمري ،من بني عمرو بن عامر ،فشكوا إليه ما نزل بهم من اليهود يف يرثب (املدينة) وذكروا له سوء مجاورتهم لهم ونقضهم العهد الّذي بينهم ،فسار إىل يرثب ونزل يف سفح (أحد) وبعث إىل اليهود فقتل منهم ثالمثائة رجل ،وذلّلها لهم .وكان ملكه 78سنة ،انظر األعالم للزركيل ،ج ، 2ص.83 ( )11السمهوري :نور الدين أبو الحسن ،الوفاء وفاء بأخبار دار املصطفى ،ج ، 1ص. 165 مؤسسة األعلمي للمطبوعات -بريوت ،ج ،1ص . 181 ( )12الواقدي :محمد بن عمر ،املغازي َّ ، لب ،يستعمل استعامالت طبية ،انظر : ( )13حب البان :شجرة معروفة ،حبها أكرب من الح َّمص ،مائل إىل البياض ،طيبة الرائحة ولها ّ ياقوت ،معجم البلدان ،ج ، 5ص. 87 ( )14ياقوت :بن عبدالله الحموي ،معجم البلدان ،دار صادر – بريوت 1397 ،هـ ،ج ، 5ص .،87 ( )15ابن شبة :عمر بن شبة النمري البرصي ،تاريخ املدينة املنورة ،ج ، 1ص ،306والسمهودي ،وفاء الوفاء ،ج، 4ص. 228 ( )16الواقدي ،املغازي ،ج ،1ص .176 ( )17الزبالة :هي زبالة الزج الشاميل للمدينة ،انظر :السمهودي ،وفاء الوفاء ،ج ،4ص .1238 السنة ،ويتفاخر ال َّناس به ويتناشدون ( )18سوق بني قينقاع :كان سوقًا ً عظيم يف الجاهل َّية عند جرس بطحان يتك َّرر أكرث من م َّرة يف َّ األشعار ،انظر :السمهودي ،وفاء الوفاء ،ج ،4ص.1238 ( )19الصفاصف :موضع بني سد عبد الله بن عمرو بن عثامن ،وبني العصبة ،والعصبة :آبار عذبة يزرع عليها لبني خفاف من بني سليم ،انظر :السمهودي ،وفاء الوفاء ،ج ،4ص.1252 ( )20الرشيف :أحمد إبراهيم ،مكة واملدينة يف الجاهلية وعهد الرسول – عليه السالم ، -ص. 371 ( )21الجار :ساحل عىل شاطئ البحر القريب منها ترسو فيه السفن ،انظر :البكري :عبدالله بن عبدالعزيز ،معجم ما استعجم من أسامء البالد ومواضعها ،عامل الكتاب – بريوت ،ج ، 4ص. 355 ( )22الرشيف ،مكة واملدينة ،ص. 371 ( )23الخزاعي :عيل بن محمد ،تخريج الدالالت السمع َّية عىل ما كان يف عهد رسول الله من الحرف والصنائع والعامالت الرشع َّية ، لجنة إحياء الرتاث اإلسالمي -القاهرة 1401 ،هـ ،ص. 327 ( )24الرشيف ،مكة واملدينة ،ص. 376 ( )25ابن حجر :جامل الدين أبو املحاسن ،اإلصابة يف متييز الصحابة ،ج ، 4ص .286 ( )26ابن حجر ،اإلصابة ،ج ،4ص . 314 ( )27عيل :جواد ،املفصل يف تاريخ العرب قبل اإلسالم ،ج، 7ص. 50 ( )28املطري :محمد بن أحمد ،التعريف مبا أنست الهجرة ومن معامل دار الهجرة ،ص. 19-20
كان من املمكن نُهى املوسوي
كان من املمكن أن أفعل أشياء ال حرص لها
ألرفع سياج قلقي، السحر املدهون بزيوت قدمية، أن أقرأ قصيدة تغازل شعري تحت هالة ّ وتعود ا ّيل جسومي الكثرية ناضجة، أن أف ّجر ينابيع الخطايا، شهي فأومض يف أعامق كأس ّ الشاب. قبل أن َ رس ّ تصل اىل ّ كان من املمكن... كل م ّرة كنت أح ّدق يف مثرة الخسائر لك ّنني يف ّ وأنا جالسة يف مقهى الص ّيادين، السفن التي تحمل لحظات من تهذبوا بخلع أصحابهم، أرقب ّ الضوء عىل هاوية معنى األشياء، وأسلّط ّ األشياء التي تبدأ من األقرب، وهي تعرب مضيق األوجاع عىل رصير مجذاف ،يع ّري ظالل األحالم... كم أنت قاسية أيّتها املراىفء املنحازة للدخان الكثيف! ثقيل أيّها الالممكن حني عىل ثقوب الفراغ كم أنت ٌ ترتك الصدى يعبث بأج ّنة القصب، الصاخ والدة خالية الوفاض//. وترتك ّ
( )58وادي مهزور :أو وادي املبعوث أو وادي قريظة أحد أودية منطقة املدينة املنورة ،وهو من األودية املهمة باملدينة املنورة فهو من املصادر األساسية التي تروى األرض باملياه ملنطقة الحرة الجنوبية -حرة شوران -فبفيضانه تزيد مياه اآلبار ،ويعرف باسم وادي قريظة نسبة لسكنهم إىل جواره ،ويعرف أيضاً بوادي املبعوث ،وبعضهم يطلقون عليه وادي الفحل ،انظر :السمهودي ،وفاء الوفاء بأخبار دار املصطفى ،ج ، 1ص.186 ( )59أخرجه أبو داود يف سننه ،كتاب األقضية ،ج ،10ص . 53
فنانون تنبؤوا بفريو س كورونا من خالل لوحاتهم
سليمة مليزي
هل تنبا الفنان التشكييل ادوارد هوبر بالعزلة التي يعيشها االنسان اليوم ؟ بعد الحجر املنزيل الذي فرضه فيورس كورنا كوفيد 19؟ من خالل لوحاته التي متثل معظمها عزلة لإلنسان ،وبيوت فارغة اال من االثاث ،وشوارع مهجورة ومظلمة ..هكذا جسد الحياة الفنان االمرييك ادوارد هوبر يف أربعينيات القرن املايض ،حياة االمريكيني ، رغم أن أمريكا كانت يف ذلك الزمان مزدهرة بالفنون واملوضة والسينام واالخرتاعات ،بينام كان العامل االخر وخاصة اوروبا يف حروب دامية ،وأوبئة قاتلة ..الفنان إدوارد هوبر ولد يف 22يوليو 1882م – 15وتويف يف مايو 1967م) هو رسام أمرييك واقعي يصور املشاهد العادية من حياة املدن .تصور لوحات هوبر الفنادق والقطارات والناس الوحيدين مجهويل الهوية يف املدن الكربى ،وتجسد العزلة والصمت واغرتاب االنسان يف املدينة ،ويعتمد عىل التالعب باملساحات والضوء والظل واللون لخلق هذا البعد الدرامي. استوحى هوبر الشخصيات األنثوية يف لوحاته من زوجته جوزفني نيفيسون التي كانت زميلته يف مدرسة الفنون ،إدوارد هوبر فنان غزير اإلنتاج ،ومن بني 10لوحات من أبرز أعامله توضح مفهوم العزلة ،والحزن العميق الذي يظهر عىل وجوه الشخصيات التي رسمها ،وحتى استعامله لأللوان الغامضة ،التي تعرب عىل أن الفنان كان يتنبأ رمبا بأنه سيايت يو ُم ما ويكون فيه االنسان معزوال ، وتكون فيه الشوارع فارغة من املارة ،حيث تعرب لوحته الشهرية ( صقور الليل )عن أناس يجلسون يف مطعم رخيص يف وسط املدينة، مميت ،ويأس وغموض مخيف ،ورغبات خفية ،يبدو كل واحد منهم يف وا ٍد مختلف عن ّ صمت ٌ يف وقت متأخر من الليل ،يحيط بهم اآلخر ،وكل واحدٌ بعيد عن االخر ،تفصلهم مسافات آمان ،والكل يفكر يف عامله الخاص الغامض كغموض اللوحة ،التي تعترب أشهر لوحات هوبر ،وأكرث األعامل شهرية يف الفن األمرييك ،يقال أنه رسمها بعد قراءته لرواية «القتلة» لـ«أرنست همنجواي».
( تحيك القصة عن رجل هادئ الطباع والتواضع الذي تختبئ يف داخله ذكريات أليمة ال يرصح بها ،لكنه بدخول اثنني من القتلة اىل بلدته الصغرية ومحاولتهام النيل منه حيث نكتشف ان اندرسون الهارب من ماضيه له عالقة بهذين املجرمني عندما كان مالكام يتسابق الناس عليه يف لعبة اشبه بالقامر ،وعندما حاول الهروب اىل هذه البلدة بسبب تورطه بجرمية قتل مل يرتكبها وجد نفسه مرة ثانية امام ماضيه القاتل الذي عرب عنه قائال :انه ارتكب خطأ مرة واحدة يف حياته وال مجال للعودة ثانية اليه .من هنا نفهم ان هنالك رصاع حاد سوف تشهده هذه البلدة النائية ومع ان همنغواي قد وضع نهاية مأساوية لقصته ،هذه القصة التي تحولت اىل فيلم من اشهر االفالم يف هوليود ،الذي حاز عل لعديد من الجوائز منها جائزة اوسكار .. ) . واستوحى هوبر املطعم من مطعم حقيقي يف قرية جرينتش بنيويورك .إن عدم التفاعل بني الشخصيات هو توقيع هوبر عىل اللوحة.
ارحموا اللّغة
د.باسلة زعيرت
أرهق املفكّري َن، اللّغة ...هذا الكائ ُن العجيب الّذي َ ُ والباحث َني ،واملنهمك َني يف س ِرب أغوارِها ،كانت وما زالَت
يقف الجمي ُع عن َدها بهدف تطوي ِعها ،وجعلِها قادر ًة محطّ ًة ُ ِ حاجات العرصِ .فهل أفلحوا يف التّحكّم بزما ِمها؟ عىل تلبي ِة يتيح لهم أن جعلَها وهل متكّنوا أخ ًريا من فه ِمها ً فهم عميقًا ُ ِ وهواجسهم، مطواع ًة يف التّعبريِ عن رؤاهم الكثري ِة والكبري ِة، الفاصل ب َني َ وأحال ِمهم؟ هل اجتازت اللّغة حقًّا ذلك الجدا َر العاجي وواقعِ ال ّن ِ اليومي؟ اس برجها ِّ ِّ ٍ ٍ جمي ُعنا ُ مجسدة ،مرو ًرا بال ّرموز ،حتّى أوج َد إمياءات مرتبط ًة وصول إىل ما هي عليه اليو َم ،منذ كانت ً احل املتعاقب َة الّتي م ّرت بها اللّغة، ندرك املر َ مبدلوالت ّ َ الحرف ،وهنا بدأت رحل ٌة جديد ٌة مل تنت ِه ،ولن َ ُ معيٍ ،نظ ًرا إىل ارتباطها العميق بواقعِ الحيا ِة املتج ّد ِد باستمرارٍ ،وهنا تكمن املشكلةُ. تعرف الوقوف عن َد ح ٍّد ّ ٍ ربا تكو ُن مد ّمر ًة أكرث منها ب ّناءة ،ألنّها قد الخاطئ لتطويعِ اللّغ ِة وتطويرِها ،جعلَها عرض ًة وأس ّميها مشكل ًة أل ّن الفه َم َ مهب التّجربة الّتي ّ النتهاكات تركتها يف ِّ ال تكو ُن يف ٍ نلمس ُه يوم ًّيا .ففي املرحل ِة الحال ّية ،منذ أزم ِة كورونا ،انكب ْب ُت شغفًا عىل قراءة ال ّروايات العامل ّية املع ّربة ،وال ّر ِ ويات أيد أمين ٍة أحيانًا ،وهذا ما ُ بعضها لغ ًة عالي ًة ج ًّدا تبعث عىل التفاؤ ِل والفخرِ ،ويف ِ والعرب ّية ،ولن أذك َر أسامء هنا ،وجدْتُ يف ِ َ وتشعرك ّويل ،بل بعضها ،لألسف ،لغ ًة تث ُري البكا َء الط َ َ الجدل يف هذا املوضو ِع صار شب َه عقيمٍ ،أل َّن فئ ًة كبري ًة من ُغتفر.والغريب أ َّن بالخذالن واإلحباط ،وهذا ما أحزين ،إ ْذ وجدت لدى روائ ّيني كبا ٍر أخطاء ال ت ُ تخليص اللّغ ِة من قيو ِدها ،كام يُس ّمونها ،خرو ًجا من قوقع ِة التّ ِ ِ تقف يف الجه ِة قليد والجمو ِد، املثقّفني وجدت يف لتنطلق ح ّر ًة محلّق ًة يف عواملَ بعيد ٍة ،بينام ُ َ ِ الحفاظ عىل معج ِمها املغرقِ يف الق َد ِم .وبني هذه وتلك ،تأرج َح ِت األفكار ،و(ضاعت الطّاسة) كام يقول املقابل ِة فئ ٌة أخرى غارق ٌة يف لغ ِة الجاهل ّي ِة ،مرسف ٌة يف املثل اللّبنا ّين. بحث أنجزته ،وكان بعنوان”اللّغة بني التّ ِ ِ قليل .ففي أثناء كتاب ِة ٍ ظري واالستعام ِل التّداو َيل” ،وجدْتُ نفيس أنقّب يف كتب اللّغة الّتي تخد ُم موضوعي، الوقوف ً وهنا ،ال ب ّد من قعيد ال ّن ّ ِ نعيش اللّغةَ، االلتفات إليها ،نحن ُ خاص ٍة بالتّداول ّية ،فإذا يب أغوص يف تفاصيل نواجهها يوم ًّيا من دون ومن بينها كتاب” علم اللّغة العا ّم” لفردينان دي سوسري ،إضاف ًة إىل كتب أخرى ّ بكل تجلّياتِها ،وهي حقًّا عاملٌ واس ٌع جدًّا ،يستطي ُع أن يرسق ََك من ِ ماس ٍة إىل تطوير اللّغة ،إذ ال ميك ُن وض َعها يف صندوقٍ مغلقٍ ، لحظ ًة لحظةًّ ، نفس َك لتكونَها ،والخالص ُة كانت أنّنا بحاج ٍة ّ ِ قواعدها ،ونج ّردَها من ِ لك ّن َ أسسها .إنّها مطواع ٌة جدًّا ،ول ّينة إىل أبعد الحدود ،هذا يعني أنّنا لسنا بحاج ٍة إىل التملّص من فهمها ج ّيدًا بح ّج ِة أنّها جامدة، نفلسها من ذلك ال يعني أ ْن َ ُ وينتهك حرمتَها. فذلك ييسء إليها بعد ما ذكرتُ ،أو ّد إطالق نداء استغاثة ،أح ّبوا لغتكم ،أعطوها حقَّها من االهتامم لتعطيكم من روحها ،هي أ ُّمنا الحنو ُن الّتي تحتض ُن أفكارنَا وطموحاتِنا ،جدّدوا بقدر ما ثوابت معتمد ٍة و ُمدافعٍ عنها .وبأختصار ٍ ِ شديد :أقول :ارحموا اللَّفة... رتكب من أخطاء شائعة تحولّت تدريج ّياً إىل تستطيعون ،لكن ال تتفلّتوا من َ قواعدها ُّ ، وأخص هنا ما يُ ُ
ديك الفجر
د .عيل حجازي
السكان ،واالستامع إىل شكواهم التي مل يجرؤوا بالبوح بها عل ًنا. كان الظّالم ّ يلف القرية عند عودة الغفاري من زيارته التّفقدية ألحوال ّ رس: ومل ّا سألهم عن سبب انقطاع الكهرباء املتواصل أفاضوا له ب ّ نحن مرسورون بانقطاع الكهرباء .قال واحد منهم. رسون بذلك؟ غريب! وكيف ت ّ السلطان يستفيدون منها يف مالحقة املطلوبني م ّنا والتع ّرف إليهم. أل ّن عسس ّ عرك جبهته ،وراح يبحث عن الفانوس الذي يعينه عىل القراءة .قراءة الكتاب الكريم .ال ّناس املتعبون من العمل يف الحقول آووا إىل ال ّنوم باك ًرا ،عىل أمل رشوق شمس يوم جديد. الصغري يف ذلك الهزيع األخري من الليل .ورسعان ما سمع ال ّديك يصيح. أضاء الغفاري الفانوس ّ بالسرت يا رب ،هذا ال ّديك يصيح احتفاال برؤية ال ّنور”. “أعوذ بالله من رش الشّ يطان الرجيم ،ج ّملها ّ الصباح الباكر ،كانت دورية من العسكر تبحث عن ال ّديك .وراح رئيس ال ّدورية الذي طرق باب بيت أيب ذر يسأل عن ال ّديك الذي يف ّ صاح يف الليل. غفاري؟ أتعرف ال ّديك الذي صاح يف الليل ياّ وما يهمكم صياح ال ّديك؟السلطان الذي وصله الخرب ليال تشاءم وقال: نحن ال نهتم ،إمنا ّ ديك يستعجل طلوع الفجر ،وبزوغ نور الشّ مس ديك خطري .ال ّ شك يف أنّه أبرص نو ًرا متوه ًجا يف ذلك الظّالم .سلمنا أم ًرا باعتقال ذلك الذي أضاء نو ًرا يف الليل. عليكم أنتم إيجاد ذلك ال ّديك املجرم وذلك الرجل... رشا بوالدة نور وسط ظالم. ورسعان ما أوصلتهم عيون ّ السلطان إىل ال ّديك الذي صاح مرات عديدة مب ً سيدي ،ألقينا القبض عىل ال ّديك؛ ماذا نفعل به؟اذبحوه صبا ًحا يف ساحة القرية ليكون عربة لغريه من ال ّديكة التي تصيح من دون الحصول عىل إذن مني شخص ًيا .اذبحوه. الساحة بال ّدم وال ّريش وسط وجوم مطبق من أهل القرية... يف ّ الصباح ،امتألت ّ تلك الليلة التي أعقبت ذبح ال ّديك ،نام أهل القرية مسكونني بهموم ثقيلة مخافة أن يصبح ديك من ديكتهم ،فيلقى املصري األسود، السلطان ً السلطان، مأكول من قبلهم .ويف ّ الصباح حمدوا الله كث ًريا ،ألنهم مل يسمعوا صيا ًحا .غري أن حوافر خيول ّ مذبو ًحا عىل يد رجال ّ فانوسا يف الليل. كانت تجوب األزقة مستعرض ًة ق ّوتها .كانوا يبحثون عن رجل يضيئ ً
وصف الفنان إدوارد هوبر يف لوحاته العرشة كلها عىل وحدة االنسان كلوحة ( شمس الصباح ) وحرة يف نيويورك ) (واملطعم االيل )( فيلم يف نيويورك ) ( مقطورة يس) وحتى لوحة (نوافذ الليل) كلها تعرب عن وحدة االنسان وغربته وحزنه ،حتى لوحة ( شمس الصباح ) كانت سيدة جميلة تنظر للشمس والحزن يلف محيايها ، رغم ان بعض اللوحات ممكن ان تكون تعرب عن ضجيج الناس وحضورهم القوي ،كلوحة ( فيلم يف نيويورك) يف قاعة السينام رغم أن كان هناك فيلم للعرض ،اال أن ُه ركز كث ًريا عىل الفتاة الجميلة تبدو حزينة واقفة يف البهو بداية السلم ،تشعر من خالل وقفتها بعدم ارتياحها ،وشعورها باالغرتاب ،رغم جامل قاعة السينام وأناقتها ،وكأن قاعة السينام مظلمة ال يظهر منها اال رؤوس للبعض املشاهدين ، هنا نفرس ان الفنان ادوارد هوبر كان ينتابه حزن عميق ،أو له خيال واسع ،عن حياة اخرى تختلف عن حياة مدينة نيويورك يف الفرتة بني 1927و ، 1940التي كانت تعج بالحياة والجامل واملوضة والتطور املذهل الذي عرفته سينام هوليود ..إذا تأملنا جليا يف هذه اللوحات نجد فيها الكثري من الحزن رغم الرفاهية التي يعيشون فيها ابطال هذه اللوحات ،والفلسفة الغامضة والعميقة( رحلة يف الفلسفة) التي رمبا كان لهام االثر الكبري يف قارئته لبعض الكتب مثال : لـ«أفالطون» ،حيث رسم رجال يجلس عىل رسير ،بينام ترتاح امراة نصف عارية خلفه ويبدو عىل وجهه التجهم ،والذي يجعلنا نتساءل :هل يفكر يف الفلسفة التي قرأها يف الكتاب أم يفكر يف حقيقته ،التي مل تظهر لوحة فيها سلوكياته ما عدا اقتباسه الكبري لوجه زوجته يف بعض اللوحات ،ندرك انه رمبا تنبأ بهذا العرص الذي عزل االنسان بسبب فريوس كورنا كوفيد ، 19الذي حطم القوى العظمى يف العامل ،واثقل افكار النفوس الضعيفة التي اكتشفت فشلها يف مواجهة جرثومة ال ترى بالعني املجردة ،اثقلت كاهل اعظم دول يف العامل . املعلومات من ويكيبيديا
عىل قارعة االربعني د .مرياي أبو حمدان
رشدة ملء الجفون ال ُحمر هامت م ّ وحلّقت فوق أسطح زمانٍ ظامل وال ّريح يزأر منرصماً يقتلع أشجار حو ٍر باسق ٍ وريقات متناثر ٍة مقطّعة وراء عىل محراب االماين يجثو الحلم عىل خشبة اآلالم يو ّدع االوطان ويرنّم دعاء الحساب... أتراك تل ّوح لأليام تو ّدعها ومتحو سنني العتاب داخل أعتاب التباب أم تر ّحب بلقاء شيب م ْدقع مغيب مظلم وتربّت أكتاف ٍ جرح ال ّدهر آملك رسابيل الغراب ولّت مع دقّات املطر تكست أضغاث القلوب ّ وتناثرت أشال ًء والقدر يرتنّح سكوناً عىل خشبة الخالص قُطّع العمر إرباً ورمى الرأس يف قذارة ال ّزمان وبل ّية القلب تثقل كاهل الثّواين... أتحسب أن للقهر أيا ٍد سوداء وأحالم دكناء فارغة أم تعجزمواكب الوحدة ان تنتظر غيوم البؤس؟ الساب تحفر عميقاً ومغاوير ّ فيقف متجلّالً لغطرسة األقدار... لن تضيع ال ّروح يف زحام ال ّدجى ولن يتوه وراء أسطورة املنى هو اآلن يتسلّق مجاذيف املها
ويداعب حامئم اللؤلؤات فيالمس نعومة األصفاد متأبطاً رفيق األحالم... سال ٌم م ّني أربعني حوالً والباقي ينتظر سال ٌم اىل وشاح أفاض الوجدان التّقى وسال كال ّزبد يت ّوج ال ّروح... هناك ويف ردهة األزمنة امل ّرة ويف روضة نسيان األدوار هنيئاً ألربعني جلد ًة دارت حول األفق الغادر وحطّت رحالها عىل ضفاف الينابيع تحلم بزرقة سام ٍء نديّة مل ّبدة بأحجار ياقوت مزركشة بخيطان الذهب تل ّوح لل ّرجاء واألمل مغمورة برساج ال ّزنبق الوارف السحاب تطفو فوق زبَد األحالم وأسطورة ّ تل ّوح لألنس وال ّرجاء...
تابع أبو ذر قراءة الكتاب ،ومل ِ ميض وقت حتى توقف ،وطفق يحلّل أوضاع هؤالء ال ّناس الذين يتل ّبسهم الخوف ،إىل درجة مل يسمع معها السلطان وعيونه وعسكره .ورشع يتمتم: صوت ًا واح ًدا يعرتض عىل ترصف ّ كل سأدعوهم إىل منزيل ،وسأتلو عليهم آيات الله :بسم الله الرحمن الرحيم: السلطان حتى يستيقظ هؤالء .عىل ّ كم ديكًا سيذبح ّ “وسنم ّن عىل الذين استضعفوا يف األرض فنجعلهم أمئ ًة ونجعلهم الوارثني” صدق الله العيل العظيم... وقبل الظّهر ،سمعوا صياح ديك ،نظر الغفاري إىل قرص الشّ مس الذي مل يقارب موعد صالة الظّهر بعد وقال: ليتني أستطيع حامية هذا ال ّديك. الصاعقة ،فاحم ّر وجهه ،وقطب جبينه وقال: السلطان للخرب الذي نزل عىل بدنه نزول ّ وملا تواصل صياح ال ّديك ،ات ّسعت أذن ّ رص عىل إيقاظ من ال يزال نامئًا .أريحوين منه فو ًرا. ً ديك يصيح يف ال ّنهار ديك خطري ،إنّه ليسمتكاسل كام تقولون .فهو م ٌّ السلطان لألمر ،ورسعان ما امتألت ساحة القرية بال ّدم وال ّريش... امتثل رجال ّ السامء وقال :اللهم ألهم عبيدك ليلتقطوا إشارات ديكتهم. بىك الغفاري داخل غرفته ،ثم رفع كفيه إىل ّ الصالة متا ًما ،رشع الغفاري يؤذن .ورسعان ما رفعت ديكة كثرية أصواتها ،ورشعت تصيح يف امليقات املحدد متا ًما، ومع الفجر ،وعند موعد ّ الصالة. وهو ميقات انبالج الفجر ،وبزوغ الشمس ،وإقامة ّ
أي شاردة أو واردة .فبعد تصفّح إىل عالقتهم بالجريان واألصحاب ،صغا ًرا ،وصبي ًة ،وراشدين ،وعجزة ،وذلك من دون ّ غض الطرف عن ّ الكتاب وقراءته شط ًرا شط ًرا ،استطعنا أن نجمع العادات والتقاليد الّتي نقلتها ريشة الشاعر ،وكيف ال؟! فهو ابن بلدة “إيعات” البقاع ّية، كل من كانت النخوة رفيقته واإلميان جوهره .إنّه ابن الجبل، كل ذ ّرة تراب فيها فتقلب بني أيديهم در ًرا يتزيّن بها ّ بلدة يحرتم أهلها ّ ابن األصالة ،هو الّذي رضع العنفوان والع ّزة والرجولة وترعرع عىل القيم واملبادئ ،وشاب عىل عبارة “سلّم ديّاتك” .هذه العبارة الّـتي يجد الشاعر الدكتور جورج زيك الحاج أ ّن غيابها قد س ّبب تدهور الحياة االجتامع ّية وضياع املفاهيم اإلنسان ّية كالنخوة واأللفة واملح ّبة والعون ...أ ّما “سلّم ديّاتك” العا ّم ّية و”يسلمو” أو “سلّ ُمن” فتأيت من الفعل “سلم” وقولها مبثابة طلب إىل الله أن يبقي أيدي تظل دامئة النشاط والحيويّة والص ّحة .وقد وضع “إصبعه عىل الجرح” مفص ًحا عن سبب ضياع هذا املبدأ قائالً يف الناس سليمة حتّى ّ كلمة ألقاها يف قاعة مدرسة الرشيد-العني-بعلبك عام 1995إ ّن عبارة “سلّم ديّاتك” قد “أصابتها شظايا املدننة والعرصنة والحدثنة والتكنولوجيا الحديثة التي هي من مبتكرات “العلامن ّية” ،ورصعتها رصعات األغارب واألجانب ،وقنصتها بنادق الحرب الهمج ّية التي استهدفتها بهجومها ،محاولة انتزاع جذور األصالة منها ”.كام أ ّن الدكتور الحاج غاص يف هذه املسألة من ّق ًبا عن التعابري الّتي احتلّت مكان سابقاتها ويقول“ :هذه اﻟ”سلّم ديّاتك” استُبدلت ﺑ”شو بتأمر” أو “ق ّديش بتأمر” أو “أ ُمرنا” أو “ق ّديش برتيد؟” ...وتح ّول التعامل من تعامل بخلف ّية بريئة عميقة بإميانها وجذورها ،إىل تعامل من نوع آخر بخلف ّية تجاريّة “مصلح ّية” وطُ ّبق ،يف الريف ...يف ريفنا ،مثل وسيتهم ،ومحت عواطفهم وخطفت اللوردات الربيطان ّيني ”.Business is Business :إذًاّ ، كشت املا ّدة أنيابها والتهمت عقول البرش ّ إنسان ّيتهم وانترش قول “ما يف يا إ ّمي ارحميني”. الفكرة األوىل الّتي تصلنا عند رؤية أقسام الكتاب هي االهتامم بقدسيّة البيت ،إىل بركة البيت ،إىل الج ّدين اللّذين يجمعان شمل العائلة ويحافظان عىل استمراريّة األلفة فيها ،فإنّهام منبع املعرفة والحكمة والصواب .وهكذا كان لكبري العائلة مكانة مرفّعة ،ال يجرأ كبري مس هيبتها أو التقليل من شأنها .عندما يصدر “كبري البيت” حكمه ،ال يجرؤ أحد بعدها عىل التشاور يف القرار حتّى أو أو صغري عىل ّ ولربا التعبري عن االمتعاض غري مسموح به أيضً ا ،وذلك من مبدأ التعقيب عليه أو االعرتاض ،وكأ ّن مبدأ “نفّذ ث ّم اعرتض” هو السائدّ ، واجب االحرتام .وعىل ح ّد قول الدكتورة جيمي عازار “عندما نقرأ “وصيّة ستّي” نعود بالذاكرة إىل دور الج ّدة واملكانة الّتي تحتلّها يف العائلة ،فهي خري جليس ألفرادها ،يتمتّعون بأخبارها ويخبّئون نصائحها لحني حاجة ”.هذا املبدأ الّذي يعتربه جيل اليوم انصيا ًعا وقتل لتفكري اآلخر وح ّريته ،فمن ال يزال من الجدود اليوم قاد ًرا عىل أن يبدي رأيه يف زواج أحد األحفاد أو األوالد؟! فقضيّة وترهيبًا ً ولربا صار الكبري قديم الطراز ،بعي ًدا عن العرص طاعة الوالدين وسامع رأيهام والعمل بنصيحتهام ألنّهام أخرب وأنضج ،ولّت مع الريحّ . التعليمي املتواضع ما عادوا قادرين عىل مواجهة األحفاد الّذين هاموا يف الدراسة ،وظ ّنوا وصار رأيه غري ذي بال .إذ إ ّن الجدود باملستوى ّ أ ّن الحياة تكمن يف الكتب ،غافلني أ ّن الكتب تأيت من صلب التجارب يف الحياة ،وأ ّن الواقع ال يكتب إنّ ا يعاش! وتضيف الدكتور جيمي عازار “إ ّن وصيّة الج ّدة ،تح ّولت لوحة من ألوان الطبيعة ،لرتصد عامل ًا غفل عنه الجيل الجديد ،ألنّه نيس معنى النصيحة والصداقة ،وغاب تائ ًها بني صفحات حضارة زائفة .لذلك كانت النصيحة “بجمل” ،أ ّما اآلن فهي مجانيّة ،ويرفضها أبناء جيلنا الّذين يسايرون ركب التط ّور والتكنولوجيا”.
_____________________
يرشح الدكتور جورج زيك الحاج هذه الكلمة “العلامديّة” أنّها كلمة مركّبة من العلم واملا ّدة. جورج زيك الحاج ،اإلبداع ّية بني الفصحى والعا ّم ّية ،1999 ،ص 165 -املرجع نفسه ،ص 166
العادات والقاليد اللبنان ّية يف كتاب" شو حلو مبارح" للدكتور جورج زيك الحاج
د .زينة زغيب
طالبة دكتوراه
العادات هي “ما يعتاد اإلنسان أن يعود إليه مر ٍ ات متك ّررة ”.وتعريف التقاليد “هو ما انتقل إىل اإلنسان من آبائه ومعلّميه ومجتمعه من العقائد والعادات والعلوم واألعامل ”.فالعادات والتقاليد ممكن أن تكون عىل صعيد فرد أو أرسة أو منطقة أو بلد بأرسه. خصوصا أرض خصبة للعادات ،وهو تهت ّم الشعوب عمو ًما باملحافظة عىل عادات مت ّيزها عن غريها وتتّبع تقاليد تسم حضارتها بها ،ولبنان ً منبع التقاليد ،وميتاز الشعب اللبنا ّين بأنّه من الشعوب الّتي اهت ّمت بهذه املعتقدات وتب ّنتها عرب السنني ،ناقل ًة إيّاها من جيل إىل جيل، مس التغيري املبادئ وضعضع هذه املسرية الطويلة ،بحيث صارت تنسحب التقاليد وقد ظلّت الحال عىل ما هي عليه إىل اليوم الّذي فيه ّ أي ذكر لهذه التقاليد ،إالّ ما هو مقتضب يف ترتى فترتى حتّى بتنا نالحظ غيابها عن املناهج التعليم ّية ال بني الناس فحسب ،فام بقي ّ بعض كتب الرتبية املدن ّية ،إذ إنّها ح ٌرب عىل ورق من دون تطبيق .فلقد التزم اللبنان ّيون بالتقاليد لسنني عديدة ،حتّى شعروا باالختناق، فنفروا منها.
التغي مسؤول دون سواه ،رمبا ألنّنا كنا مسؤولني جميعاً إبّان ذلك برز أمر خطر ،أال وهو فقدان الهويّة الّتي مت ّيز اللبنا ّين ،وال يعرف لهذا ّ عن ذلك ،ومن دون استثناء :أهل الرتبية ،األدباء ،الكتبة ،األهلون ،رجاالت الدولة ،والالئحة تطول وال تنتهي .ولسنا هنا يف صدد املعاتبة الشعري “شو حلو مبارح” الحرسة الّتي يعيشها جيل “األمس” أو اللوم أو توجيه إصبع االت ّهام عىل أحد ،إنّ ا لرنصد من خالل الكتاب ّ الشعري “شو حلو مبارح” ،هو إحياء اللغة اليوم والفراغ الّذي يعيشه جيل “اليوم” .فإ ّن ما رمى إليه الدكتور جورج زيك الحاج يف كتابه ّ املحك ّية والشعر العا ّم ّي باإلضافة إىل تقديم نبذة عن حياة اللبنان ّيني يف الفرتة الغابرة والّتي تختلف عن الحياة يف هذه املرحلة ،يف لفتة الشعبي .مع العلم أنّنا حني نتكلّم عىل العادات فنحن ال نجزم أنّها كلّها صحيحة ومتايش حياة اليوم ،فاإلنسان دائم امليل لنهضة الرتاث ّ إىل التط ّور وهذا أمر ص ّح ّي ،أل ّن الرتابة تقتل والتقوقع كذلك .لك ّن موجة التغيري هذه طالت األصعدة كافّة من دون التفريق ما بني وتول م ّرة واحدة. املفيد والس ّيئ ،ودخلنا يف د ّوامة ترك العادات والتح ّرر إىل أقىص الدرجات ،وكأ ّن التقاليد تأيت دفعة دفعة ّ
“شو حلو مبارح” حكاية ٍ حواري دار بني الشاعر وج ّدته تار ًة وبني ماض مخر وأبحر بعي ًدا ،هجر وهاجر واألرجح أنّه لن يعود .بأسلوب ّ وامللح يف تلقّف املزيد عن الفرق بني أيّام الجدود وأيّامه ،يسأل عن جامل ّية األمس الشاعر وج ّده طو ًرا ،فالحفيد الهائم يف حكايا ج ّديه ّ وما تبقّى منه .وبذلك تصلنا األخبار يف أسلوب سلس ،باللغة اللبنان ّية املحك ّية لتزيد من وضوح املعنى وواقع ّية الحكايا .هذه األخرية الّتي ترسد تفاصيل الحياة اليوم ّية ،من عادات أهل البيت داخل دارهم ،وروابطهم العائل ّية ،وصوالً
املنجد يف اللغة واألعالم ،بريوت :دار املرشق ،ص 536 -املصدر نفسه ،ص 649
_____________________
“ وك ّنا َي جدّ ي نْ مات يش ختار، حتى ول ْو ج ّوات سبع بحو ْر، تحزن الضيعه، كبارها وزغار، ()... لك ْن َي جدّ ي نْ كانْ َم ِّي ْت شَ ْب أو يش َصبيي ْبعز طَلْعتها، للشب وقت يحب، َم يعود يف ّ وال للصب ّيي ّ تحط زينتها”)...( ، لتحل مكان املنازل ،حيث صار تقديم الضيافة يف أثناء العزاء بعي ًدا وتغي املعتقدات ،أنشئت الصاالت يف الرعايا ّ اليوم ومع تب ّدل الظروف ّ عن نخوة الجريان ،وصار ندل يتولّون امله ّمة ويتقاضون أجورهم مقابل ذلك .وصار أهل الفقيد مجربين عىل االهتامم مبارش ًة مبراسم الدفن وتأمني “لقمة الرحمة” ليتقاسموها مع من بقي معهم يف أيّام العزاء ،هذا إن بقي مع ّز يف الصالة أكرث من نصف ساعة .كام أ ّن مهم ،وصار مبدأ “لو األسود بر ّد امل ّيت ،ك ّنا ما منقلعو” .ويف حال كان مح ّد ًدا موعد زفاف قبل الفاجعة تبقى األمور لباس األسود ما عاد ًّ عىل حالها ،من دون تأجيل ،تحت شعار “الفرح سابق”. مسية حياة الناس ،كام يف األتراح كذلك يف األفراح .فام إن يعرف أبناء القرية برغبة أحدهم يف الزواج ،يه ّبون ملتفّني حوله كانت األلفة ّ كل تفصيل .وهنا بخاصة عند تشييد البيت ،فتصبح القض ّية قض ّية الجميع ،يتهافتون مل ّد أيدي العون يف ّ مق ّدمني ما أمكنهم من املساعدةّ ، يتو ّجه العمل بعبارات “الله يق ّويك”“ ،يعطيك العافية” “سلّم ديّاتك”. “ وك ّنا ي جدّ ي يومة ّ شب الل ْ ناوي َع فعل الخري والجازي، ضب بدّ و يش بيت ْبدَ ِر ْوتو ي ْن ْ ما كان يعرف إسمها العازي، تهب عند الفجر خمسني إيد ْ ويرمي أبو سليامن عكّازي والبيت يعمر ... ينصب (”)... والسطح ْ
باإلضافة إىل احرتام الشاعر لج ّديه ،تظهر حرسته عىل األيّام الخوايل ملج ّرد أنّه لجأ إليهام ليخرباه بها .كام نالحظ “اإلنسان ّية” عنده والّتي متثّل روح أهل الضيعة وروح اللبنا ّين األصيل .ونركّز عىل أمر حصل يف حني كانت الج ّدة توزّع أغراضها عىل األحفاد ،كام يحصل عند شاخصا أمامها رافضً ا أن تفارقه ،آخذًا منها القيم ال األمور املا ّديّة عىل أي مرياث عىل أفراد األرسة ،فلقد كان الشاعر طوال الوقت ً توزيع ّ غرار إخوته. “ ( )...يوم ّ الل س ّتي و ّز ِعت من و ْرتِتا. ( )...وحدي أنا ما ْحكيت، ِبقْيوا عين ّيي ْم َعلّقني ْبجبهتا، ِفت شو ُه ّوي ال َّز َعل ،وال ْبكيت، ال ْعر ْ تطلّ ِعت ِس ّتي بِو ّجي غْفيت، آخد معي من ورتتا: تطليعتا، وحكايتا” !!... وتقول الدكتورة جيمي عازار يف كتاب “جامل ّيات األمس يف شعر جورج زيك الحاج”“ :أ ّما ر ّدة فعل الج ّدة فقد ع ّززت رحلة الشاعر، حصته من الغلّة املعنويّة (تطليعتا وحكايتا) محتفظًا بأرساره أل ّن لقاء النظرات ولّد هالة من الصمت املق ّدس )...(،وقد اختار الشاعر ّ الحس ّ الخاصة ،فالنظرة األخرية طبعت يف قلبه قيمة الذكريات ،وق ّربت الحكاية من أفراد األرسة الّذين اتّحدوا ّ مجسدين التظاهر ّ ّ للفكرة ”.هذا األمر الّذي غاب يف أيّامنا هذه ،فاألحفاد ما عادوا قادرين عىل زيارة الج ّدين ،ملا لديهم من مشاغل يف الحياة أو أحيانًا الحس وهذه العاطفة تجاههام .وبالتايل ،فإ ّن الجلسات العائل ّية ندرت ،حتّى ال نقول بسبب الهجرة أو أحيانًا كثرية بسبب فقدان هذا ّ إنّها انعدمت ،وتف ّرقت األرسة وترشذم أهلها ،وما يؤسف أنّهم يختلفون عىل حفنة مال أو ذ ّرة تراب .فضاع ال ّدم وتب ّددت الطفولة واستولت املصلحة عىل عقول الناس فسحقت الروابط العائل ّية. بأي تفصيل ،وكانت الجثّة توضع يف دار منزل ونصل إىل عادة غادرت لبنان م ّرة واحدة ،ففي األتراح كان أهل امليت ال يشغلون بالهم ّ الفقيد ،فيأيت املع ّزون لتقديم واجب العزاء .وكانت الجارات ه ّن من يعاو ّن أهل الفقيد يف الضيافة والرتتيبات ،وحتّى أ ّن الجريان كانوا يفتحون منازلهم الستقبال الناس ،يف حال عدم ات ّساع منزل الفقيد للحشود .كام أ ّن الجريان يبقون حارضين طوال أيّام العزاء ،ويح ّدون الحي. معهم ،وكان الحداد مل ّدة سنة كاملة ،ترتدي يف خاللها النساء الثياب السوداء ،وتلغى االحتفاالت يف ّ
-املرجع نفسه ،ص 203
_____________________
-جورج زيك الحاج ،شو حلو مبارح ،2010 ،ال نارش ،ص 18-19
ّ املحال التجاريّة موجودة ،وما كان متوفّ ًرا رشاء ثياب جاهزة. أ ّما النساء فيخطن بأنفسه ّن الثياب الصوف ّية وغري الصوف ّية بحيث مل تكن فام خال بيت يف املايض من مرأة تخيط أو تط ّرز ،أ ّما اليوم فام عاد أحد من الجيل الجديد يعرف أن ميسك اإلبرة يف يده لريتق قطعة مم ّزقة حتّى قبل أن يبدأ بالخياطة ،كام أ ّن رشاء الثياب الجاهزة صار أرخص وأوفر من خياطتها. “ وس ّتك َي جدّ ي تغزل املغزال بوقت الفراغ ،تح ِّيك بصوفاتها، وتخلق ع إيدا شْ كال خلف شكال ويتف ّرجوا النسوان ع شغالتها، م ّرات كنزي مل ّوين أو شال، أو يش طاق ّيي(“ )... “ تياب الصبايا ْمط ّرزي عاإليد، وتتغندر بفساتينها “زيني”، وخلفا “مجيد” بنطلون جديد، ورشوال بو حسني من “الدميني” بلريا دهب ...وم ّرات نتفي يزيدْ (“ )... وج ّراء تزايد الهجرة وكرثة السياحة ،استورد اللبنان ّيون عادات من الغرب وحذوا حذوها ،مبا يليق مبجتمعنا وما ال يليق ،وقد طال ذلك الزي النسا ّيئ ،فام عدنا نرى النسوة ملزمات بالفستان أو بالت ّنورة ،إنّ ا رصن يرتدين الرساويل ،هذا األمر الّذي مل يكن مألوفًا االسترياد ّ يف القدم .زد عىل ذلك أ ّن الرجال ما عادوا يرتدون الرشوال بل صاروا يرتدون ما يس ّمى بال”جينز” .أ ّما ارتداء الب ّزة والرساويل الرسم ّية فاقترصت عىل املناسبات الرسم ّية واجتامعات العمل أو يف الوظائف الّتي تفرض هذا اللباس .باإلضافة إىل أنّهم يف املناسبات الرسم ّية والعرصي وابتعدوا عن اللباس الّذي يق ّيد ويأرس الراحة. واألعراس تحدي ًدا ،لجأوا إىل اللباس املريح ّ وتحض “املونة” من وتحض الطعام وتع ّد السفرة تغي دور املرأة ،فهي الّتي كانت تحيك وتخيط ّ ّ تغي املعتقدات واالختالط الحاصل ّ مع ّ الشعبي. كشك وزيتون وفاكهة مجفّفة ،فلقد أورد الشاعر جورج زيك الحاج يف شعره وصف ألنواع الطعام ّ “ وغليون جدّ ي قبلنا قاعد معو ( )...سفرة ملك متز ّيني بنتفة خَضار، وعبطة خبز ت ّنور شقرا م َق ّمرا، ونعنع طري ،وكم بصلتني كبار،
-املصدر نفسه ،ص 126
_____________________
كل عامل ،مع كل يتّكل عىل نفسه يف البناء ،فيطلب إىل متع ّهد أن يهت ّم بالورشة ،ويدفع أتعاب ّ أ ّما اليوم فام عاد أحد يسأل عن أحدّ ، الشاب قاد ًرا عىل تشييد بيت له فكرة أ ّن العامل تقاىض أج ًرا فمن واجبه أن يك ّد ويتعب .وبسبب الحالة االقتصاديّة يف لبنان ،مل يعد ّ أو رشاء قطعة أرض حتّى .فاالكتظاظ السكّا ّين ش ّجع أصحاب رؤوس املال عىل تشييد بنايات يشرتي فيها الناس شققًا وفيها ينزوون فال يزارون وال يزورون. لعل أه ّمها طلب يد الفتاة وقض ّية املهر. الشاب عىل الزواج ،هناك ع ّدة مراحل يجب أن مي ّر فيهاّ ، وبالطبع قبل أن يقدر ّ “ ( )...وهيدي اليل َم ْهرا أهلها غلّوا، ( )...وشو يومها، حطّوا هك ال َق ْيمي ،تسعني كيلو ...وأكرت شويي، و َقلْب العريس يصري ِع َّت ْيمي وإ ّم العروس تقول: يا ّ دل“ !... حق املهر هو “الصداق وهو ما يُجعل للمرأة من املال تنتفع ب ِه رش ًعا وتنفق ُه مع َّجالً أو ُم َؤ َّجالً ”.وهذه الطريقة يف املحاولة عىل حفاظ ّ ظل انخراط املرأة املرأة يف حال كان الرجل غري ج ّد ّي أو غري أمني ،ما عادت تعتمد إالّ يف بعض املناطق النائية .كام أ ّن يف أيّامنا هذه ،يف ّ اب يف رشاء أثاث البيت أو البيت حتّى ،ويف مصاريف ال ّزفاف ومرصوف البيت واألوالد ،أل ّن يف ميدان العمل ،صارت الفتاة تعاون الشّ ّ الشباب ما عادوا قادرين مبفردهم عىل تح ّمل أعباء الحياة كلّها. وقد تط ّرق الشاعر شعره إىل اللباس املعتمد يف األفراح يف الزمن املايض ،فالنساء يرتدين فساتني مع كشاكش .والكشاكش مفردها الكشكش وهو “حاشية تضاف إىل ذيل الثوب أو أطرافه أو للزركشة والزخرف”. أ ّما الرشوال فهو للرجال املتق ّدمني يف الس ّن ،باملقابل يرتدي األصغر منهم رسواالً. “عليت ع برج الشمس والغيم كشكش لفستانا(”)...
_____________________
املصدر نفسه ،ص 135 املصدر نفسه ،ص 142-143 املنجد يف اللغة واألعالم ،ط ،30 .بريوت :دار املرشق ،ص 777 -أنيس فريحة ،معجم األلفاظ اللغويّة ،بريوت :مكتبة لبنان ،ص 153
يومي طوال فرتة الربد القارس .أ ّما اليوم فام عاد أحد يخاف الجوع ،إنّ ا صار الخوف من التخمة! والخبز متواجد دامئًا يف األفران بشكل ّ والقمح متوفّر يف املتاجر ،يف أكياس محكمة الضبط تضمن جودته مل ّدة من ال ّزمن. “ ( )...ومنرق ع بو محروس عرصيات دكّانتو كانت عىل التلّه !... وناخد حلو ،وشو ّية بزورات، مجمع حالوي ورطل منّورا، قناين عصري”)...(، كان أهل القرية يتّكلون عىل بضاعة “دكّان الضيعة” حتّى يشرتوا ما يحتاجون إليه ،مع أ ّن البضاعة كانت محدودة وغري متن ّوعة .واليوم ضاعت الدكاكني الصغرية أمام املتاجر الكبرية “السوبر ماركت” ،وتن ّوعت األصناف واالخرتاعات لتبهر املستهلك حتّى بات ال يعرف ما يختار أو إىل ما يحتاج. كانت القناعة باسط ًة جناحها ويعاونها األمان السائد يف حينها ،فام كان أحد يخاف شيئًا ،ال سارقًا وال حيوانًا وال بر ًدا وال تل ّوث ًا ،يفرشون رشعني أبواب الدار ،هذا الّذي يستحيل أن يحصل اليوم لع ّدة أسباب أه ّمها :التل ّوث يف الخارج يف أيّام الصيف وينامون عىل الرشفات م ّ والرسقة. “ ( )...بع ّز دين الصيف نفرش الفرشات ع سطيحتنا سهرات مجد وع ْز ...بسط ...وكَيف (”)... ويف أيّام الشتاء ،يجلسون حول موقدة الحطب ليتدفّأوا ،مبا أنّها كانت الوسيلة الوحيدة لنرش الدفء ،لذلك فإنّهم يستع ّدون للفصل املخصص لجمع رزم الحطب ،وقد ع ّدد الشاعر بعض أنواع األشجار التي منها يقطع الحطب بجمع الحطب ،فشهر ترشين هو الشهر ّ كالحور واللزاب والرشبني .ولك ّن الحطب صار اليوم دليل رفاهية ،إذ صار الناس يدفعون مقابل رشائه من أجل وقده يف الداخون أو ما يقال لها “شوميني” ،وبالتايل فوسائل التدفئة تن ّوعت لتشمل “الصوبيا” واملدفئة الكهربائ ّية أو تلك الّتي عىل الغاز وحديثًا املك ّيف “هيرت”. “ باملوقدي، بع ّز الشتي، القصا (”)... كان الحطب عم يرسد ّ
املصدر نفسه ،ص 117 ،115 -املصدر نفسه ،ص 147
_____________________
وزيتون أخرض حدّ جنطاس اللنب، وع ّرم ع راس ال ِك ّل صحن مجدّ را “ . “ ( )...يلالّ تعا ،خلصت الصين ّيي، نتفة بصل أخرض من البستان، زعرت طري ...وبيضات مقل ّيي، وخس من أبو سمعان، ومردكوش ّ وجنطاس من لبنات جور ّيي (”)... هذا الطعام ال يزال مي ّيز السفرة اللبنان ّية ،فيأيت املغرتبون متل ّهفني لتذ ّوق هذه األطعمة .ولك ّن املطابخ العامل ّية دخلت لبناننا وخالطت األصناف مأكوالتنا التقليديّة .أ ّما الخبز فام عاد خبز الت ّنور بل صار خبز األفران ويف بعض الضيع خبز الصاج ،ودخل إىل أفراننا ما يعرف بالخبز “الفرنجي” أي “السندويش” واﻟ”باغيت”... “ ك ّنا ي جدّ ي نحصد القمحات، ونقشع ع بيدر حدّ حارتنا، وندرس سبلهن ،يتعبوا البقرات بنص غلّتنا ... ويشاركونا ّ وموسم دهب ينحط بكوارات (“ )... “ وبالجورعه ،نقسم الغالّت: ( )...القصالت للت ّنور ،والغنامت إلهن تنب ،هي رزقة الفالّح“ . الذهبي وصف ملوسم حصاد القمح بد ًءا من العمل يف البيدر لغاية درس السنابل وفصل الحبوب عن الزؤان ،والقمح ويف هذه القصيدةٌ ، ّ اللون يخ ّزن من أجل استعامله يف العجن أو الطهو يف فصل الشتاء ،وذلك حتّى يضمنوا قوتهم ويتّقوا الجوع
املصدر نفسه ،ص 23 املصدر نفسه ،ص 31-32 -املصدر نفسه ،ص 114
_____________________
بالركوة .فمن املعيب عدم تقديم القهوة وإالّ فهم الضيف أنّه غري مرغوب يف وجوده ،زد عىل ذلك تقديم بعض األطايب والّتي هي من لتصح جمل حوارض البيت ومن يدي ربّة املنزل .واأله ّم أ ّن ال ّزائر ،ساعة يريد ،ميكن أن ينزل دار املضيف من دون طلب موعد مسبق ّ رشفت” “ن ّورت” “بتجي عبيتك”. الرتحيب “أهال وسهال” “ ّ “ ( )...وينقر إبن عازار مهباجو بيت الضيايف ْمع ّزز ...ومكفي، قهوة عرب عا طول بالدّ لّه” أ ّما اليوم فصارت الزيارات نادرة بسبب انشغال الناس الدائم ،واقتناعهم بواجب أخذ الزائر موع ًدا مسبقًا ،وإالّ فال مانع من االستئذان منه وعدم استقباله. كام غابت السهرات يف األعياد ،بعد أن كانت مق ّدسة حيث يجتمع الجميع “ي ًدا واحدة” للتحضري لها ،ومتتاز الجمعة بالرقص وتحدي ًدا رقص الدبكة ،وقول الزجل بحيث ما خال بيت لبنا ّين من ق ّوال ،وكان العرق بدوره يجمع الناس حول الكركة يف أثناء “شيل العرق” .وناد ًرا ما عدنا نجد هذه الجلسات إالّ يف بعض الضيع مع غياب تا ّم لها مع أبناء املدينة. “ ( )...العوين أساس العيش يا جدّ ي، ك ّنا إذا جعنا بيكفّي رغيف، نتقاسمو... نتح ّمل الشدّ ي، نستقبل الجايي بقلب نضيف، باملرحبا والحوريب ...ور ّدي ()... “ ( )...ويتج ّمعوا صبيان وبن ّيات رقص وغنا... والكل إيد بإيد، ّ والعمت وع ّنا يجوا الخوال ّ وسكر وزجل ...مع قلّك ّ وقل!... وشيل العرق ببيوتنا بركه نوعى الصبح ،بكّري، نصيل النار،
-املصدر نفسه ،ص 129
_____________________
“ ونجمع الحطبات بتشارين نحسب حساب الربد والصقعا، يش حور ،يش ل ّزاب ،يش رشبني... شلوح الشجر شقعا ورا شقعا... وختيار ...لوال قطّع السبعني، يفزع إذا بيتفركش بوقعا، أو زكّم، وصابو الرشح تخمني... يتلفلف ،ويغفى عىل السبعا، يف شباط ناطر تنتيل السلّه“ ... وبخاصة عىل العجزة ،ملا يف الربد من إزعاج لهم ،ولشهر شباط ولفصل الشتاء عمو ًما تأثري يف نفوس الناس ،فهو كابوس عىل الجميع ّ يول وهم عىل قيد الحياة ،بسبب معتقد قديم سائد فيام خصوصا كره فهو الشهر املمقوت والّذي يربكهم ويقلق أفئدتهم ،يصلّون حتّى ّ ً بينهم أال وهو أنّه يأخذ معه العجزة ،لذا عندما ينجيل هذا الشهر يبادر من نجا إىل القول“ :لبطّو قبل ما يلبطني”. هذه العادات وهذه التقاليد عاشتها األرسة اللبنان ّية ،هي الّتي كانت تعيش تحت سقف واحد من دون تذ ّمر أحد من اآلخر ،كانوا لتصح العبارة “بيشيل اللقمة عن متّو كرمال غريو” ،من يتقاسمون اللقمة ويؤاثرون التأكّد من أ ّن الغري اكتفى حتّى يأخذوا ما يريدونّ ، دون اإلفساح يف املجال للحسد أو الطمع أن يتغلغال بينهم. “( )...وتحت السقف ،يف زْغا ْر ِغفْيان ْني راس ْوكَعب ،كانوا حال هالدار، وس ّتك ي جدّ ي راكعا ّ تصل”... مخصصة له ،ينفرد فيها ويغلق عىل نفسه بابها لتزيد الرشخ الحاصل بني اإلخوة .مع التنويه بأ ّن عدد األوالد يف مل يكن ّ لكل ولد غرفة ّ يقل عن السبعة ،عىل خالف األرس يف هذه األيّام الّتي إن رأيناها مك ّون ًة من أربعة أفراد قلنا إنّها أرسة كبرية .ومع األرسة كان ناد ًرا ما ّ ذلك ،فإ ّن التعايش بني أفراد العائلة كان مهيم ًنا ،كذلك الوضع مع الجريان .فميزة اللبنا ّين هي كرم ضيافته واستقباله الضيوف وكلمة “م ّيل” أو “ح ّول” .وإ ّن أ ّول ما يستقبلك يف بيت اللبنا ّين ،قبل أهل الدار ،رائحة القهوة الّتي تعبق يف األرجاء لرت ّحب بالزائرين وتنادي املا ّرة ،وقد ذكر الشاعر “املهباج” و”الجرن” وهام لصنع القهوة العرب ّية و”الدلّة” وهي ما تعرفه
_____________________
مبا أ ّن أجراس الكنائس كان معلّقة بحبل ،فيأيت أصحاب السواعد املفتولة لش ّدها فيسمع صوتها أبناء القرية ،وكان عرض املراجل يف أثناء “التتليت” أو “ الرتبيع” وعدم القدرة عىل ذلك مذلّة ما بعدها مذلّة ودليل ضعف وقلّة “رجولة” (ص .)125أ ّما ألعاب األوالد فهي الحي ألعابًا أخرى متن ّوعة (ص .)21وهذه لعبة “الكلّة” (ص ،)20ولعبة العروس والعريس (ص ،)43باإلضافة إىل لعبهم م ًعا يف ساحة ّ خص األوالد فالكلّة اختفت من األلعاب ندرت مع مرور السنني ،نرى قلّة تلعب الورق وأكرث الالعبني من الفئة العمريّة املتق ّدمة .وفيام ّ الحي يلعبون يف الساحة ،بل حياتهم وال يعرف عنها أبناء اليوم شيئًا ،واقترصت ألعابهم عىل األلعاب اإللكرتون ّية ،وما عدنا نرى زمرة أوالد ّ كل فرد يف بيته ،وأحد أسباب هذا األمر انشغال األهل عن أوالدهم وقلّة األمان. انعزل ّ تصب مصلحتهم .ومع مرور إذًا ،مع االنفتاح والتم ّدن والهجرة تضعضعت القيم وصار الناس يط ّوعون التقاليد عىل هواهم ،كيفام ّ كل إنسان ما يحلو له ،من دون أن يتأث ّر بآراء أحد ،مطلقني عىل العادات السنني ،غابت هذه التقاليد وحلّت مكانها رشيعة أن يفعل ّ متمسك بعادات وطنه “قد ًميا” “مع ّق ًدا” “متح ّج ًرا” “منغلقًا” يف نظر اسم جدي ًدا ،أال وهو“ ،التعقيد” .وبالتايل فقد صار ّ والتقاليد ً كل ّ الصح من املتح ّررين، ّ وبخاصة الجيل الناشئ الّذي ّ ترب بعي ًدا عن األصول ،بحيثُ وصلته املدن ّية والحضارة دفعة واحدة ،غري متعلّم ّ الخطأ ،حتّى بتنا يف زمان ،صار فيه املحتشم “أبله” ،والوقح “جريئًا” والو ّيف “غب ًّيا” والوصو ّيل “ذك ًّيا” ،وقد عاش مبدأ “الشاطر ما ميوت”. ظل هذه املعمعة ،وصل كتاب الدكتور الشاعر جورج زيك الحاج “شو حلو مبارح” ّ ليدق ناقوس الخطر ،حتّى ال تسوء الحال من يف ّ لعل املربّني يتن ّبهون إىل ضياع أسس الحياة ويحثّون الجيل الناشئ لريجع إىل األصول ،ويثريون فضوله ليبحث يف سري جيل إىل جيلّ ، جدوده ويتش ّبع منها نض ًجا وحكمة و”إنسان ّية” ،يف عرص كرث يف اإلنسان وقلّت فيه اإلنسان ّية! لقد لفظ حرب الشاعر األنفاس األخرية لحياة الضيعة ،ووضع إصبعه عىل الجرح ،جرح الرتاث العميق ،جرح الفلكلور الّذي ينزف بال انقطاع ،جرح بات ملته ًبا ال يلتئم إالً بالتئام نُتَف املتحسين عىل ماضيهم ،هذه الذكريات املنطبعة يف ذاكرة جيل ما قبل الحرب اللبنان ّية .وبالتايل ،جاء الحضارة املتبقّية يف أذهان العجزة ّ الشعر مليئًا بالحرسة والحنني ،مف ًعا بالعاطفة بعي ًدا عن الخيال ،فالذاكرة هي الّتي تكلّمت عىل واقع كان يعيشه يف طفولته أو أخربه رسا التقاليد والعادات ،فنحن مل به ج ّداه عن حال الحياة يف بلدات لبنان بأرسه .وقد أفرغ الشاعر الذكريات من خالل شعره العا ّم ّي ،كا ً علمي بحت ،ككتاب أنيس فريحة “حضارة يف طريق الزوال” ،أو كتاب لحد نعهد كتابة تاريخ وأدب يف أبيات إنّ ا يف نرث ذات أسلوب ّ خاطر “العادات والتقاليد اللبنان ّية” وغريها من الكتب .لك ّن الشاعر أضاف رونقًا عىل كالمه من خالل الحوار الّذي أوصل لنا وجهة نظره، الّتي ال يختلف عليها اثنان ،أال وهي تفضيله “األمس” عىل “اليوم” .وقد سافرنا معه عىل جناح طائر الزمن وعشنا يف ذلك “الحلم” بضع متحسين معه عىل ضياع جوهر الحياة ،رافضني العودة إىل الواقع لحظات بركة وخري وألفة ،ما عدنا نعيشها يف غربتنا الداخل ّية اليوم ّية، ّ يعب عن رأيه وحسب إنّ ا حيث املفاهيم البعيدة ّ عم نرغب فيه .فكام يقال“ :املكتوب يقرأ من عنوانه” ،وهو باختياره لعنوان كتابه ال ّ كل لبنا ّين قائلٍ “ :شو حلو مبارح”! ينقل صوت ّ وامليض يف إيجاد حلول ،بوضع خطّة جذريّة نأمل أن يصل صدى هذه الرصخة وغريها من الرصخات آذان املسؤولني ،من أجل التح ّرك ّ وكل ذلك من أجل إعادة وضع هذه املفاهيم عىل السكّة فتسري عىل قدم وساق تطال املجتمع بأرسه ،بد ًءا من األطفال ،ألنّهم املستقبلّ . رشبها الجيل الناشئ ،من منطلق املثلني القائلني“ :العلم يف الصغر كالنقش يف الحجر” و “من إىل أن يت ّ
لنص الليل بالدبكه ونبقى ّ واإلرتجايل س ّيد األشعار ( )...وهون العرق ينشال بالكركه وهونيك سلق القمح بالحلّه” املسيحي تحت شعار الوطن ّية، أ ّما الروح الوطن ّية فهي قوت اللبنا ّين ،الّذي ويف سبيل صون أرضه وعرضه ال يساوم .فيجتمع املسلم مع ّ جل ما يعرفان أ ّن لبنانهام يجمعهام. فال يهت ّم الواحد لطائفة اآلخرّ ، “ ( )...مسلم ،مسيحي ،تج ّمعوا بنهار، َت يقاتلوا الفكّر بغزو حدود، ما كان ع ّنا فرق ّ املل”!... الرجل بصفاته يه ّز الدار ،فأخالقه تزنه والعنفوان سالحه ،وعمله باألرض يزيده صالبة ورصانة ،وهو ويف حال يريد الحلفان ،ما له أع ّز من شاربيه ،ميسك بأحدهام ويقطع وعده ،وهذا دليل ع ّزة ،فال يجرؤ بعدها عىل نكس وعده ملا يرتت ّب عليه من مذلّة ج ّراء ذلك. “ يا رب تحرس شاربو بني الرجال، ت يضل يجني لقمتو، ( )...وتحال ع زندو غالل (”)... وقد اعتاد الرجل أن ينادى باسم ابنه البكر ال باسمه هو ،وهذه بعض األلقاب الّتي وردت يف شعر “شو حلو مبارح”“ :أبو سمعان” (ص “ ،)31بو أسعد “ و” بو ح ّنا “ (ص .)33من هنا كانوا يفرحون لقدوم ولد ،ويع ّدون ذلك فخ ًرا واستمرا ًرا للنسل والسم العائلة ،واملصيبة تحل عندما تولد بنت ،أل ّن مصريها مرتبط برشفها ،وهي ال تضمن استمرار العائلة ،ألنّها ستتز ّوج وتحسب عىل اسم أرسة أخرى .ولك ّن ّ حصة ب ّيا” .ويف هذه الذهن ّية تب ّدلت متا ًما اليوم ،ال بل صارت الفتاة مصدر عطف وحنان بالنسبة إىل األهل، وبخاصة الوالد فإ ّن “البنت ّ ّ هذه الحال ،ميكننا أن نتأ ّمل خ ًريا ،وبالتايل فإمكاننا أن نقول هنا “شو حلو اليوم ،صار أحىل من مبارح”! وكان الرجال يتبارون يف بعض األلعاب كاألوالد متا ًما ،وقد ذكر الشاعر بعض تلك األلعاب مثل “لعب الورق” من طرنيب وليخا وبارصة ستّات (ص )124و”سباق الخيل” (ص ،)144كام أ ّن التباري يف ّ دق الجرس كان من أه ّم نشاطات يوم األحد،
-املصدر نفسه ،ص 121-122
_____________________
املنهج التاريخي :شأنه وتطوره
عبال أبو رجييل
مقدّ مة: من املعروف أ ّن هناك مناهج عديدة ومتن ّوعة ،منها :النفيس ،األسلويب ،التكاميل وغريها ...ولكن يف بحثنا الصغري هذا ،سوف نتناول املنهج التاريخي فقط ،متكلّمني عن شأنه وتط ّوره ،ذاكرين بعض أتباعه عرب الزمن. إن لفرنسا الفضل األكرب عىل جميع الحركات األدبية .ولوالها مل يكن آلداب األمم هذا الذيوع العظيم يف مشارق األرض ومغاربها. ومم ال نزاع فيه أن الوضوح من املزايا الثمينة التي اتّصف بها الفكر الفرنيس. ّ ولكن كيف ت ّم االت ّصال بني العرب والفرنجة؟ أنكر الدكتور “برنارد لويس” ،يف كُت ِّيب صدر أخ ًريا عن “تاريخ اهتامم اإلنكليز بالعلوم العربية” ،عىل جمهرة العلامء اعتقادهم مدة
طويلة من الزمن ،أن أ ّول اتصال هام بني الثقافة العرب ّية وثقافة الفرنجة كان نتيجة الحروب الصليب ّية ،إذ قال: “ويف الحقيقة إن الحروب الصليب ّية كانت الفرصة األوىل التي سمحت باالتصال الوثيق بني الرشق اإلسالمي والغرب املسيحي .وال شك يف أنه حصل إثر ذاك تبادل ثقايف بني الفريقني .غري أن البحوث التاريخية أثبتت أن هذا التبادل الثقايف كان محدود املدى واألثر ،وأن وصول حركة الفكر والعلوم العربية إىل الغرب كان عن طريق آخر” . والواقع أن الحركة الصليبية نشأت يف فرنسا ومنت ث ّم تدفّقت وطغت عىل حدودها .إالّ أن نفوذ فرنسا األديب عاش عىل م ّر الزمن ومل أي عرص. تغب له شعلة يف ّ ولكن ،وإن يكن الفرنسيون قد حقّقوا هنا أعامالً مجيدة ،فقد استفادت فرنسا هي كذلك من االتصال الوثيق بينها وبني الرشقيني .ذلك أن التبادل الفكري رافق التبادل التجاري بني الفريقني ،وإذا بالرشق ينفذ إىل فرنسا مبعارف أطبائه وشارعيه وفالسفته ورياضييه وسائر فنونه. ومعلوم أن املدنية التي أنشأها العرب يف اسبانيا وانترشت يف سائر بقاع أوروبا ،ما لبثت أن “زالت بزوال العرب .أ ّما املدنية التي نشأت من التقاليد الصليبية يف الرشق فقد منت ،وامتدت عروقها وطوت القرون إىل ايامنا هذه”. ويف أواخر القرن الثاين عرش ،استوىل امللك الفرنيس “يف ده لوزيبيان” “ ”Guy de Lusignanعىل جزيرة قربص ،ورسعان ما أصبحت قربص الصلة الوحيدة بني الرشق والغرب.
_____________________
أبو شبكة ،الياس :روابط الفكر والروح بني العرب والفرنجة ،منشورات ،ص .21
شب عىل يشء ،شاب عليه” .كام يطرح الدكتور بضعة حلول أبرزها تربية األهل ألطفالهم وعدم تسليم هذه امله ّمة لآلخرين ،والتخفيف ّ من مشاهدة الربامج الّتي ال تحايك مجتمعنا ،وتعليم األوالد مفاهيم األلفة واملح ّبة والتعاون ،وتعويدهم سامع الحكايا القدمية وحفظ سنظل نفكّر يف “ما يف ّ الطبيعي ،وغريها من الحلول ”.فإىل متى الريفي األزجال واألشعار القرويّة واألغاين ،وإعادة التشجري إلعادة الطابع ّ ّ ظل هذا التط ّور أن نقحم بعضً ا التحس عىل املايض وقول “شو حلو مبارح”؟ هل سنقدر يف ّ يوم بريوح وبيجي متلو”؟ هل سنتخلّص من ّ من تقاليدنا ثاني ًة يف مجتمعنا؟
_____________________
للتوسع راجع كتاب اإلبداعيّة بني الفصحى والعا ّميّة ،ص 168-169 ّ -
وما كان عرص نابوليون أقل انطالقًا يف ميدان العبقرية الفكرية من عرص من تق ّدمه من الفاتحني :فقد اجتاز أوروبا إىل الرشق مع مونتني وديكارت ،مع كورناي ،راسني وموليري ،مع فولتري وروسو ،الذين دعوا إىل سيطرة العقل“ .وقد بدأ سلطان العقل يقوى منذ إخراج مونتيني (.“ )1533-1592 وفيها دعوة رصيحة لحل املشاكل اإلنسانية كلها بالعقل .ومنذ مطلع القرن السابع عرش أخذ “دمييه” يدعو إىل سيادة العقل يف اإلبداع األديب .ومع ديكارت أصبح العقل هو املبدأ األول يف الفنون األدبية ،ولرقابته تخضع املبادئ األخرى ،فباسم العقل كان نقدة األدب يفاضلون بني مثرات القرائح ،وتحت لوائه كان يسري جميع الذين ينافحون عن األديب الجديد ،فهو الذي يو ّجه املبادئ األخرى ويفلسفها. فاألدب الفرنيس يف القرن السابع عرش ،هو متعة عقلية قبل كل يشء وسلطان العقل ظاهر يف ذلك املبدأ االجتامعي الذي دعا إليه ر ّواد الصاالت األدبية ،ثم نرش نفوذه يف فرنسا كلها ،وهو مبدأ الذوق السليم ،وإن شئت فهو مبدأ االعتدال والحكمة العملية .فأنت تحسه يف أمثال الفونتني ومالهي موليري ،ويف مرسح كل من كورين وراسني ،حيث يفسح املجال لزمام العواطف أن تتكلم ،لكنها تبقى دامئًا يف قبضة العقل” . وباإلضافة إىل تقليد القدماء والطبيعة وسيطرة العقل ،تأيت املوضوعية والتج ّدد .ونتيجة االحتكاك الجديد بني الرشق والغرب ،نشأ يف لح إىل زيارة الرشق ،الذي عىل أثره نشطت حركة الرساالت التي كان لها الفضل األكرب يف تحويل نفوس أدباء فرنسا وشعرائها ،شوق ُم ّ الرشقيني إىل منابع الثقافة الفرنسية. وال نزاع يف أن مبادئ الثورة الفرنسية التي حملها بونابرت إىل مرص ،كانت أبلغ ما تأث ّر به الرشق ّيون العرب عند أ ّول إحتكاك لهم مم تق ّدمها من املبادئ ،بأنها مل مت ّيز بني الخلق إالّ بالحضارة الغربية ،واتساع آفاقهم العلمية واألدبية .مبادئ هذه الثورة التي مت ّيزت ّ مبقدار ما يتميزون بفضائلهم ومواهبهم .لقد قامت الثورة الفرنسية عىل الفلسفة الصحيحة وهي اكتشاف رشيعة الله يف املجتمع وتطبيق قوانني الشارع عليها ث ّم توجيه األعقاب البرشية من مجتمع إىل آخر فلم ترث عىل الطبيعة فتسحق هذه األعقاب تحت أنقاض قوانني ناقصة .فمن روح الله ،من الشعب والعدل واإلنسانية استمدت الثورة الفرنسية عنارص دستورها فكان دستور الحرية واملحبة والعقل”. وما يجعل تلك الثورة عظيمة حتى يف عواطفها وأهوائها ،أنها كانت فكرة وكانت تعاليمها من النقاوة بحيث لو أزلنا عنها خيال اليد الدامية التي وقّعتها ،لخ ّيل إليها أنها صادرة عن عبقرية سقراط أو رأفة أفالطون ،اللذين تتصل بهام “جذور املدارس األدبية اتصالها بالجامل والفن” .
_____________________
حاوي ،إيليا :الكالسيكية يف الشعر الغريب والعريب ،دار الثقافة ،بريوت ،1983 ،ص .24
“وكام استوىل الفرنسيون عىل قربص استولوا عىل جزيرة رودس م ّدة فرنني ،وحكموا جزيرة مالطة إىل العام .1798وهكذا بقيت فرنسا طوال قرون عديدة حامية الحضارة الغربية يف الرشق .وقد قال أحد املؤ ّرخني“ :إن فرنسا هي الفرن الذي يخبز فيه خبز اإلنسانية الثقايف” . وما إن انتصف القرن السابع عرش حتى بدأت األهداف السياسية ترشف عىل إدارة الدروس الرشقية يف “كوليج ده فرانس” .وكان مندوبو امللك آنذاك ،يع ّدون الع ّدة لهذه الدروس .وكان “أنطوان غاالن” الذي نقل ألف ليلة وليلة إىل اللغة الفرنسية من مندويب امللك يف الرشق” . وكام أن العرب خلقوا بـ”ألف ليلة وليلة” فن القصة وأخذه عنهم األوروبيون .هكذا خلقوا بـ”أهل الكهف” فن األسطورة وأخذه عنهم األوروبيون أيضً ا. لك ْن مث ّة حقيقة ال ب ّد! من تسجيلها ،وهي أن األوروبيني كانوا أحذق م ّنا يف ترتيب هذه األساطري والقصص .وقد ه ّيأ مندوبو املكتبة امللكية عهد االسترشاق الفرنيس يف زمن حملة مرص ويف مفتتح القرن التاسع عرش ،تحت إرشاف العامل الكبري “سيلفسرتده سايس ( .)1758-1838فقد بقي هذا العامل ثالثني سنة يحث عىل تنشيط الدروس العربية يف أوروبا حتى يستطاع القول بكل تأكيد إن أساتذة االسترشاق األ ّول كانوا من تالمذة ده سايس” . “ففي حني كانت الكتب العربية املطبوعة نادرة كان ده سيايس منرصفًا إىل جمع مختارات من األدب العريب شع ًرا ون ًرثا .ويف ترجمة هذه املختارات ورشحها دليل ناصع عىل علو كعب هذا املسترشق الذي أصدر طبعة ممتازة ملقامات الحريري مع تفسري ضاف لها .وكان ده سايس قد ن ّوه يف مختاراته بأهمية ابن خلدون وسواه من املؤ ّرخني العرب ،فحذا العلامء األوروبيون حذوه بأن أك ّبوا عىل دراسة هؤالء املؤ ّرخني قبل أن يقبل عليها الرشقيون أنفسهم . رشا بالبالد العربية ،بدأ منذ احتالل جيش نابوليون لِمرص ،بعد أن م ّر عىل انقطاع الفرنج عن العرب وال نزاع اتصال الفرنسيني اتصاالً مبا ً قرون عديدة. حمل نابوليون معه ثالثة عصور فسح فيها املجال النمو يف الفن وال ِعلم والفلسفة .ذلك الفن الذي هو وسيلة برشية من وسائل اإلفصاح “عن حالة الوعي وهي موقف معريف هام ،ينطلق من التجربة اإلنسانية ،ويهدف إىل مصري إنساين ،وهو مبثابة شاقول عن الرتكيز ،سامي مم ترت ّدى فيه ،إىل مناخ أكرث مالءمة ،ذلك هو مجال الحريّة ،والغبطة ،واالقرتاب من الكامل” . الدفع ،بعيد املرمى ،ينتشل الحياة ّ
_____________________
أبو شبكة ،الياس :روابط الفكر والروح بني العرب والفرنجة ،ص .29 املرجع نفسه ،ص .33
“وكان الرشقيون الذين عاشوا عهو ًدا كثرية من االضطرابات عىل مثال الفرنسيني ،فام انتهى إليهم التم ّدن الحديث وحصل ذلك إ ّال باالحتكاك املبارش بينهم وبني الحركة األدبية يف الغرب حتى كانت الرومنطيقية أ ّول جرعة رشبوها فاصطبغ بها أدبهم وال تزال متغلّبة عليه حتى يومنا هذا” . تغيت بواعث األدب الكالسييكّ ،فبعد أن كانت تحايك القدماء ،وتعتمد أ ّما مبادئ الرومنطيقية فهي“ :الفرد وعالقته باملجتمع والدينّ : تعب عن االنفعال العاطفي ،وتدعو إىل أدب ح ّر من القيود ،بعد ثورات ح ّررت الفرد املوضوعية والعقل ،أصبحت يف أدب الرومنسيني ّ عبت عن الذات التي جنحت إىل الت ّربم والشكوى من الواقع. واعرتفت له بحريته .كام ّ “وحلّقت يف عامل خيايل خلقه الرومنيس لنفسه ليشفى فيه وينعم يف ذلك الشقاء” .ثار الرومنيس عىل النظام االجتامعي ألنه خاطئ وظامل يف آن“ .ونتيجة لعالقة الرومنسيني مبجتمعهم نشأت عالقتهم بالدين ،فآمنوا بوجود إله ،لكنهم مت ّردوا عىل سلطانه ،األمر الذي جعلهم يشعرون أنهم بحاجة إىل عقيدة دينية فبنوها عىل أساس عاطفي” . مم حدا به إىل الهروب إىل الطبيعة أو إىل إله “اإلحساس بالغربة واألمل والتعاطف مع البؤساء :أحس الرومنيس بالقلق وشعر بالحزنّ ، عاطفي أو إىل داخل نفسه” . أحس باملعاناة وتعاطف مع املقهورين. فعاش يف غربة نفسية داخل عامله الخاص .ونتيجة إلحساس الرومنيس بالغربة واألملّ ، “عامل الخيال واألحالم :ونتيجة ألمل الرومنيس وشعوره بالحزن والغربة واالنطواء عىل الذات ،انطلق يف عامل الخيال الذي ميثّل له عامل ًا خاصا غري مح ّدد بزمان أو مكان” . مثال ًيا ً “الطبيعة :ضاق الرومنسيون ذر ًعا بالحزن واألمل ،فرتكوا امل ُدن ،والتمسوا العراء والسلوى يف الطبيعة التي متثّل يف نظرهم العامل الذي مل تفسده املدينة والقوانني” . “الحب :اتفق الرومنسيون جمي ًعا عىل تقديس عاطفة الحب التي اعتربوها وسيلة للتسامي ،وفضيلة من أسمى الفضائل .والحب الرومنيس يغلب عليه الحزن والشكوى .
_____________________
املرجع نفسه ،ص .87 حاوي ،إيليا :الرومانسية يف الشعر الغريب والعريب ،دار الثقافة ،بريوت ،1980ص .66
ُبش مبجيء اإلله القيم عىل الجامل ،وهذا الجامل كان أفالطون يطلبه لذاته ويرى فيه مبدأ ارتقائ ًيا بالنسبة لألنا والعامل، “فسقراط كان امل ّ متجسد يف “االنسجام والقياس” يف حني كان أرسطو يراه رم ًزا ملتصقًا بالفكر البرشي ،يستمد موضوعاته من نفوسنا وهو وذلك ألنه ّ تجسد عنده يف “النسق واملقدار” ،وهذا ما يجعل التقارب واض ًحا بني فه َمي أفالطون وأرسطو لعلم الجامل . ّ أ ّما الفن فهو عند أفالطون اكتشاف ناجم عن تذكر الخربات املاضية املكتسبة بفعل مشاركتنا للممثل ،وهو عند أرسطو نتاج مبدع لصورة جديدة مل تكن أجزاؤها معروفة قبل خلقها وإبداعها .فأرسطو كان أفالطون ًيا أكرث من أفالطون نفسه” . ومن اإلنصاف أن نعرتف بأن الفرنسيني أبناء الثورة الكربى ،مشوا عىل سنن آبائهم ،فلم يخلقوا عبي ًدا يف أي بلد من البلدان. معلوم أن الجيل الفرنيس يف أواخر الثلث األ ّول من القرن التاسع عرش ،طالب بسلوك سيايس أوسع فناء عىل منوال السياسة اإلنكليزية ومبقتىض تقاليد الثورة الكربى واإلمرباطورية وبديهي أن تجد هذه السياسة مرسح توسعها يف الرشق ،وال سيام يف مرص إذ كان محمد عيل ،وارث خطط بونابرت ومجده ،ال ينشد إالّ التعاون الفرنيس. ومعلوم أن مرص ،كانت تفتقر آنذاك إىل أمثال األدباء والشعراء الذين كانوا يبنون النهضة األدبية يف لبنان ،عىل رأسهم “أحمد فارس الشدياق” و”ناصيف اليازجي” و”بطرس البستاين” و”يوسف األسري” و”مارون النقاش”. محسوسا إالّ حني انترشت ويف تلك الحقبة ،كانت حركة الرومانتزم قد توطدت يف فرنسا ،غري أن أدباء الرشق مل يتأثروا بهذه الحركة تأث ًرا ً الحركة الصحافية يف أقطار الرشق . استهدفت هذه الحركة يف مستهلها هدم املذهب الكالسييك “فأرسفت يف تحقري من ميثّله من رجال األدب والعلم ،ويف طليعة هؤالء املمثلني أعضاء األكادميية الفرنسية ورجال “الكوميدي فرانسيز” التي كانت متمسكة مبرسحيات كورناي وراسني وموليري. وكانت سنت بوف وغروستاف بالنش من أش ّد النقاد املتحمسني للرومانتزم فكانا يقوالن برضورة إحالل مرسحيات فيكتور هيغو وألفرد ده فينيي واسكندر دمياس محل مرسحيات كورناي وراسني وموليري ،ويحمالن عىل االكادميية إلقفال بابها يف وجه ممثّل الفن الجديد كبري انحه ونوديه وهيغو” . ولكن ما كاد هؤالء النقاد يحرزون الفوز حتى ألقوا سالحهم وأعلنوا عدولهم عن النقد التقريظي إىل النقد املستقيم. والواقع أن الناقدين “سنت بوف” و”غوستاف بالنش” أنزال “فيكتور هيغو” عن عرشه ،وجعاله من أبناء األرض فيام بعد.
التخل وال نزاع يف أنه من الرضورة االطالع عىل أدب األجانب لالستفادة من كنوزه .ولكن االستفادة من هذه الكنوز ال تفيض إىل ّ التدريجي عن السجايا الوطنية “فاقتداء األدباء العرب يف تلك الحقبة من الزمن بأدباء فرنسا ،مل يفقدهم طابعهم العريب .وما كان تأثر شوقي بِفيكتور هيغو مثالً لينسيه ديباجه املثنيء” . واملعلوم أن معظم كتّاب العربية ينزعون يف “نهضتهم الحديثة إىل قراءة التليد من أدمغة الغربيني واقتباس ما يرونه حس ًنا ومالمئًا البيئة علم بالكثري مام ولدته عقول األقدمني من اليونان إىل العربانيني إىل الالتني إىل الفرس التي يعيشون فيها ،يف حني أن أدباء الغرب يحيطون ً إىل العرب ،ونرى يف ثقافتهم آثا ًرا من تلك الثقافات مطبوعة بطابع نفوسهم الخاص” .
_____________________
املرجع نفسه ،ص .102 أبو شبكة ،الياس :روابط الفكر والروح بني العرب والغرب ،ص .104
احتل مكانهم أدباء أقوى شخصية وأسلم بيانًا وأمنت لغة أ ّما بالنسبة إىل النقل ،فإ ّن األدباء املقلدون كانوا يبصقون آخر أسنانهم حني ّ وأرقى ثقافة ،ولكنهم ناقلون أو مقتبسون. وكان من عادات ذلك العرص أن الناقل ال يذكر اسم املنقول عنه .ويكفيه أن يب ّدل االسم ليملك الجسم .وقد يكون أ ّول من ات ّبع هذه القاعدة األديب مارون نقاش مؤسس فن التمثيل يف اللغة العربية .فقد نقل مرسحية “البخيل” لِموليري – وهي أول مرسحية كُتبت باللسان العريب – ومل يذكر أنها لِمؤلف “ترتوف و”امليزانرتوب”. وال شك يف أن مارون النقاش ،رحمه الله ،أراد أن ينتقم للشاعر الروماين بلوت الذي أخذ عنه موليري مرسحية “البخيل” – وهي تقليد موفق ملرسحية “االولولري” للشاعر الروماين الهزيل – فلم يذكر اسمه وال آية له” . وقد كتب املرحوم جرجي زيدان يف “مشاهري الرشق” .أن “مارون النقاش ضم إليه جامعة من أصدقائه الشبان النجباء األدباء وأخذ يعلّمهم التمثيل وألّف لهم رواية “البخيل” فعلّمهم أدوارها حتى أتقنوها ومثّلوها يف بيته بِبريوت سنة 1848يف ليلة حرضها قناصل املدينة وأعيانها فأعجبوا مبا شاهدوه من دقة التمثيل وإتقان التأليف مع حداثة هذا الفن ،فشاع خرب ذلك حتى تناقلته الصحف اإلفرنجية” . والواقع أن النقل والتأليف كانا واح ًدا يف ذلك العهد ،فكام كان راسني منرصفًا إىل نهب هومريوس ...وكورناي جا ًدا يف اقتباسه “السيد” من اللغة االسبانية ،وموليري يجاهر بقوله أنه يأخذ ملكه حيثام يجده ،هكذا رجال النهضة األدبية يف القطر العريب خالل النصف الثاين من القرن التاسع عرش ،فقد كانوا منرصفني إىل النقل واالقتباس. وكام أن أح ًدا مل يلقب راسني وموليري وكورناي بحفّاري القبور ،فلم يحرض ألحد أن يأخذ عىل نجيب الحداد مثالً نقله مرسحية “غرام وانتقام” عن “السيد” لِكورناي ...فـ”راسني و موليري و كورناي و الفونتني من جهة ،وأبطال الرومانتزم كـهيغو و المرتني و اسكندر دمياس من جهة أخرى ،كانوا سهوالً واسعة األرجاء يحق ألي أديب أن يطأها ويصطاد فيها” . ولكن إذا حق لنا أن نقول أن كورناي وراسني وموليري والفونتني ابتدعوا يف ما أتبعوا ،وخلقوا يف ما رسقوا ،وأنه لوال منقولهم لبقي األصل مجهوالً ،فال يحق لنا أن نط ّبق هذه القاعدة عىل أدبائنا الذين نقلوا املنقول إىل اللسان العريب عىل أننا ال نستطيع أن ننكر ما كان لنشاطهم األديب من الفضل عىل النهضة يف ذلك العرص .فإقدام نجيب الحداد عىل ترجمة “روائع الغرب بأرقى أسلوب كتايب عرف يومئذ، وقيام أديب اسحق الذي ابتدع طريقة يف اإلنشاء بليغة احسن فيها التطبيق بني األسلوبني الفرنجي والعريب مبشاركة سليم النقاش يف نقل املرسحيات الفرنجية الراقية ومتثيلها ونرشها ،أحدثا حركة أدبية مل يسبق مثلها يف العامل العريب وكانت فاتحة عهد خصب بالنقل واالقتباس نشأ عنه عهد خصب بالتفكري والتأليف” .
الشاعر سلامن زين الدين
قراءة ُج ّوانية يف " أحوال املاء"للشاعر سلامن زين الدين عمرشبيل
أملسه يصبح غابة” .بابلو نريودا هنا صان ٌع ون ّجا ٌر ،وجواهري وبَ ّناء ،وشاعر .هذا كالم قلب ن ّجارٍُّ ، يقول الشاعر بابلو نريودا“ :يل ُ وكل ما ُ كل حال ،لقد اختار نريودا الن ّجار ،ألنه يف يح ِّد ُد ماهية الشعر والشاعر يف آن .وبابلو نريودا هنا اختار أن يكون ن ّجارا ً ،والن ّجار صان ٌع يف ّ غابة ،والغابة هي الشعر ،وصنع الغابة شعرا ً يحتاج إىل خبري بأخشابها ،وخبري بقابلية أشجارها للتح ّوالت ،ولألدوات ،وللمخلوقات التي يجب أن تكونها أشجار الغابة ،وكيفية استمرار مخلوقاتها املتح ّولة منها ،وإليها ،وفيها ،متاماً كالناي الذي حىك عنه موالنا جالل الدين كل الرومي ،والذي استم ّر بأنينه من يوم فصلِ ِه عن غابته التي ك َّونتْ ُه .والغابة التي يصنعها الشاعر ،التصبح غابة إال بالناي امل ُض َمر يف ّ موجوداتها من حركة أخشابها إىل هدير أمواهها ،إىل سقسقة جداولها ،وحنني طيورها وزغاريدها ،وعبثها عىل أعناق األشجار املستلقية، ورياحها التي تنوح كالدهر ،وتقلّبات الفصول فيها .وقتها تصبح الغابة قصيدة ،ووطناً يجب العودة إليه ،ولكن ال ب ّد للشاعر الن ّجار من تعب عنها موجوداتها كلّها يف جوقة وجودية عجيبة .وقتها ال تبقى الطبيعة خشباً، آلة ليستطيع نقل ألحان ذواتها الكامنة فيها ،والتي ّ بل تغدو قطعة من صانعها ،وعىل الشاعر الحقيقي أن يلغي خشب ّية الغابة بالحلول فيها ،وهذا اإللغاء غري ممكن إالّ بالضوء واألمل معاً، وكل بناء غري هذا مته ّدم مهام تباهى بافتعال لتحس نبض روح الغابةّ ، وبصياغة نس ّميها البناء الشعري ،ولك ّن الصياغة مرتبطة باألمل ّ وخالق له ،ألنّه مخاض املعاناة .والن ّجار الذي يدخل الغابة عليه أن يق ّدم بني يديها نجاواه الكامنة سابق للضوء ،بل ٌ البناء .األمل يف الشعر ٌ جسدها. يف أعامقه القص ّية ،وهذا ما ندعوه اللغة الحدسية التي تسبق اللغة املبارشة ،إنّها الحدس الذي يصنع املولودات ،ويُ ّ وصناعة املولودات ترتبط بوجود اآلخر يف الشاعر وهو يصنع الغابة .والذي يدخل الغابة بال وجود اآلخر فيه يبقى وحيدا ً يف الغابة، الحب ويتح ّو ُل إىل خشب ًة فيها ،حني تكون يف الغابة يجب أن تكون مملو ًءا باآلخر ،وهذا االمتالء ال يتّسع له إال القلب .وهذا يعني أ ّن ّ وحده هو الذي يُ َؤنْس ُن الغابة ،وميأل الشاعر باملخلوقات األخرى التي تسعفه يف صنع الغابة التي ستصبح مولوده بعد والدة القصيدة. واملولود الكامن يف الشاعرهو يهب له الضوء ،وقد تفاجأ الشاعر املهجري إيليا أبو مايض حني ذهب إىل الغابة ليتخلّص من الناس ،وإذا الناس كلّه ْم يف ثيايب” .وبوجود اآلخر يوجد الضوء ،والضوء أعىل مصادر تكوينه الحب ،والحب هو الثنائية العليا التي ال به يرصخ“ :فإذا ُ تربح الشاعر الذاهب إىل الغابة وحده .فحذار الدخول إىل الغابة بال حب ،وهذا ما عناه بابلو نريودا بتحويل الخشب إىل روح ،والغابة هي الروح .وخالق هذه الغابة هو الشاعر “الن ّجار” كام أسامه بابلو نريودا. يف العوامل الشعرية الداخلية يخلق ع ّرافو الشعر وكهنتُه اآلخ َر الداخل يف غابة الشاعر ال ُج ّوانيّة ،ويجعلونه من سكّان “وادي عبقر” وآلهة جبل “ األوملب” .لقد كان عند األقدمني يقني شعري أ ّن قوى أخرى تلقن الشاعر ما يجب أن يقوله .وسبب هذا اليقني الوهمي يف رأيي هو الشعر نفسه مبا يحمل من غرابة ودهشة ورؤى غري مألوفة .كان للشعر تأثري عا ٍل عىل النفس اإلنسانية ،ولذا اختاره الناس نشيد األناشيد يف الجنائز ،ويف الحاالت الحارقة ،تلك التي تلذع الوجدان فتُخرج منه لهيبه إىل الكلمة .من هذا املنطلق حكم العرب عىل الشعر ،وميّزوا بني جيده وهجينه ،لقد كان الرثاء أمري شعرهم ،ملا يختزن من لوعة وأىس ،ومل تكن لوعتهم وحرائقهم آنيّ ًة ،بل كانت تتّسم باالستمرار لش ّدة عالقتها بالوجدان ،لقد كان الشاعر مت َّمم بن نرية يبيك كلام رأى قربا ً ،أل ّن ذلك القرب كان يذكّره بقرب أخيه مالك الذي قُ ِتل يف حرب الر ّدة ،يقول مت ّمم بن نويرة نابشاً وجدانه كلّام رأى قربا ً: ِ فالدكادك كل ق ٍرب رأيته لق ٍرب ثوى بني اللوى وقالوا أتبيك َّ فقلت لهم :إنّ األىس يبعث األىس دعوين فهذا كلُّهُ قربُ ِ مالك
كل محاوالت حصاره .وتلك محاولة متق ّدمة للشعر يف اقتحام املق ّدس. وظل الشعر حارضا ً ،وينافس املق ّدس بحضوره ،عىل ال ّرغم من ّ ّ ظل الشعر عىل ألسنة الناس مؤثّرا ً ومه ّيجاً ق ّوة مذهلة ،ووقف بق ّوة إىل جانب املق ّدس يف الدولة اإلسالمية الراشدة ،ثم خطا أكرث لقد ّ وأمت ّد امتدادا ً مذهل فاق امتداده يف الجاهلية. ً عم أهدف إىل قوله ،وهذا يعني أنّني سأعود إىل عنوان ديوان شاعرنا سلامن زين الدين ،عىل ال ّرغم من أنّه مل يبتعد يف كالمي السابق ّ جالس مع الشعر يف “أحوال املاء” .فالعنوان هو الكتاب ،وأحياناَ هو الكتاب كلّه ،وفيه تتكثف روح الكتاب وتسكب خمرة الكلامت املعصورة من ابنة كرم ينبت يف الشاعر بدءا ً. عد صو ٍّيف ،وذات ٍ “أحوال املاء” كلمتان ،األحوال واملاء .األحوال هنا ذات بُ ٍ وربا الشاعر نفسه يرى عقيدي يف آن كام أرى، بعد ٍّ وأحسّ ، ّ يف نتاجه ما ال أراه أنا ،أل ّن الشاعر حني يخرج من كتابة القصيدة يصبح أحد ق ّرائها ،وقد يحرضه ما حرض املتنبي يف “ابن ج ّني” شارح ديوانه حني قال املتنبي“ :ابن جني أعلم بشعري مني” .ويف هذا الكالم شهادة إبداعية لشعر املتنبي ،وفيه مدح لنتاج الشاعر الذي ورؤى ،كثافة الرؤيا تعطي مدى أبعد للرؤية .وهذا يكون حني يخرج الشعر من التفسري يحتمل التأويل مبا يضمر يف حناياه من وميض ً الفقهي املق َّيد ،واملق ِّيد .وشهادة أيضاً لشعر سلامن زين الدين. كلمة “األحوال” هنا مبعناها املتجاوز لصيغة املفرد ،لها دالالت يعيش ال ّرايئ قبل أن يصبح عارفاً ،واألحوال هنا بصيغة الجمع هي إشارة عميقة الداللة للمكابدة التي يعاين منها ال ّرايئ قبل أن يصل إىل مرحلة العرفان .إذن صيغة الجمع هنا هي مسرية الصويف وتَ َرقِّي ِه من مرقى إىل مرقى ،ومن مسرية املوجود بات ّجاه الواجد حتى متَّحي الفواصل بينهام ،وقتها ينطوي يف املوجود “العاملُ األك ُرب” ،ويصبح رائياً وعارفاً ،ويكون “يف قلب الله” كام يقول جربان خليل جربان يف “نب ّي ِه” .األحوال يف هذا العنوان هي مراحل التح ّول العليا ،ولذا جاءت جمعاً ،والجمع هنا هو إعادة صياغة املوجود ،ومن حال أدىن إىل حال أعىل ،والحال هنا انتقال من الوميض ،فإىل الجذب ،فإىل الحلول كل ما أراه يعرفه العقل. كل ما أعرفه يراه القلب ،ويقول القلب إ ّن ّ واملعرفة ،وقتها يقول العقل الذي رافق مواجد القلب :إ ّن ّ تفس مآل الواجد ودخوله يف املوجود ،كام أرشت سابقاً يف كتايب “جذوة من ثلوج جبل الشيخ” عن الشاعر نفسه، وهذه كلّها أحوال ّ ُّ نفسه ،عملقة الجبل جعلت فجبل الشيخ يف العنوان السابق يخرج من رمزية املكان ليصبح حاالً، والحال فيه “بتشديد الالم” هو الشاعر ُ شاعرنا عاشقاً بامتياز ،ومتخامً باألعايل ،ومزدحامً بها ،نعم ،األعايل التي يُغري بها املكا ُن الشاع َر لتقليد الطبيعة الخالقة ..أقصد الحال هنا صعود ،وأعني التق ّمص ثم الحلول ،وال أقصد التناسخ الذي هو إىل األدىن ،والذي هو عقاب الروح لذاتها بذاتها املتناسخة باألدىن. وهذا ما رميت إليه بالبعد العقيدي لكلمة أحوال ،فالكلمة تشري إىل هذا الرتباطها بكلمة “املاء” الثانية يف عنوان الكتاب .املاء هو خالق كل حي” .املاء خالق ّ التح ُّول يف هذا الكون الذي يحتوينا ،وهذا ما فهمته من النص املق ّدس يف القرآن الكريم “وجعلنا من املاء َّ كل يش ٍء ٍّ حياة ،وبهذا يحمل املاء صفة األلوهة ،وعالقته بكلمة “أحوال” ّ تدل عىل تراتب ما يخلق املاء .واملاء هو الحياة واملوت يف آن ،هو موت يف طوفان نوح ،وهو حياة بعد استواء عرش األلوهة عىل املاء بعد األيام الستة التي أت ّم الله فيها خلق هذا الكون الالمحدود .وميكننا أن نسأل ما الرابط بني الخالق واملاء ،ولِ َم استوى عرشه عىل املاء .وهذا كام أرى يعطي املاء صفة األلوهة ،وال أستغرب الحدس اإلمباين يف حضارة مرص القدمية ،وارتباط األلوهة بنهر النيل .ولكن هنا ما العالقة بني األحوال واملاء يف عنوان صديقنا سلامن زين الدين؟. أنا أرى أ ّن كلمة “األحوال” مرتبطة بالتط ّورات املتالحقة والدائبة يف كينونة ال تستق ُّر عىل حال ،وهذا التطور املتالحق هو مسرية املوجودات كلّها نحو أصلها الذي انفصلت عنه يف اليوم السابع .وكان ال ب ّد من املاء لينفخ الحياة يف ح ٍ أم مصنو ٍع من ف ّخار .وكان اإلنسان الذي اعتربه الواجد خليفته عىل األرض .وأستنتج من هذا الذي ق ّدمته أ ّن العنوان يعني مراحل سري املوجود إىل الواجد.
وأي خلل هنا يجب أن أؤكّد ،كام أؤكّد يف ّ كل ما أتناوله من نتاج أديب عىل أهمية استواء الصياغة مع الوجدان يف عملية البناء الشعريّ ، األوج يف عملية البناء الشعري ،ولك ّن شعرهم يف هذا املضامر يؤدي إىل خلل يف العملية الشعرية نفسها .لقد قرأت شعر شعراء بلغوا َ كان خالياً من األمل ،وللتعويض عن الفقر الوجداين لجأوا إىل املبالغات التي أرى أنها آفّ ُة اآلفات يف شعرنا العريب ،قدميه وحديثه .الشعر مسكوب يف أوانٍ جميلة .طبعاً عىل الشاعر أن ال يتع ّمد استحضار الوجدان من خارج ذاته ،ألنّه سينكشف. يف حقيقته هو وجدا ٌن ٌ وانكشاف ابتعاد الوجدان عن الشعر هو إخالل بالعملية الشعرية بر ّمتها .وخلو الشعر من األمل الوجداين يؤذي الشاعر مهام عظمت قدرته البنائية يف الشعر .هذا إضافة إىل أنّنا أ ّمة مجروحة ،وموتورة الخنادق ،وتكاد تكون مسلوبة الهويّة ،وأحالمها مطمورة بفسا ٍد ٍ تكويني عميق ،نحاول ،وتخذلنا املعطيات املتح ّجرة .وفينا من املآيس العميقة التي تعصف سميك سميك ،ونحن نعاين من مرحلة أ ٍمل ٍّ أىس ولوع ًة ،فكيف مي ُّر شاعر مبآيس هذه األ ّمة ،ويعرب غ َري مبا ٍل ،ث ّم بوجودنا إىل ح ّد االقتالع ،وهذا ما يجب أن ميأل الشاعر الحقيقي ً ّ وروح يحاول تغطية عقمه بافتعا ِل ٍ وهم وطني يناطح السحب برفعته وغلوائ ِه ،إ ّن فهمي للشعر يقوم عىل اختزان الشاعر روح وطنهَ ، أ ّمته وتجربتها ووجعها ليستطيع االنتقال إىل فرح شعري حقيقي .ومن هذا التو ّجه سأدخل يف شعر الشاعر سلامن زين الدين ،الذي تعامل يف شعره مع الوجع اإلنساين يف ذاته أ ّوالً ،ويف وطنه ،ويف عالقته باألشياء التي جعلته يالمس وجدانه باستمرار بدخولها فيه، ودخوله فيها يف تبادل إبداعي يجعل الرايئ واملريئ يف رحلة وجودية تؤمن بعمق بعدم فناء الروح ،تلك التي تروح لتمتطي جسدا ً آخر كل شعره وتحل فيه ،وهو يحوك شعره الجميل بتأنٍ ،وبفلسفة ال يبتعد عنها يف ّ ّ سأدخل إىل سلامن زين الدين من عنوان كتابه “أحوال املاء” .طبعاً مل أقل سأدخل إىل شعر سلامن زين الدين من عنوان كتابه ،ألنّني أعتربت أنّه هو شعره ،وهذه شهادة له يستحقّها .وحني يكون الشعر هو الشاعر نفسه فإنّك تأوي إليه مطمئناً وكاشفاً ،ومنفعالً، وألن قلت سألج من العنوان فالتعامل مع الذات الج ّوانية يكون عرب الكلامت ،عىل ال ّرغم من قصورها يف نقل الداخل كلّه إىل الكلمةّ . فألنّه أعجبني ،فالشاعر سلامن زين الدين يجيد صناعة العنوان يف دواوينه الشعرية ،ويف هذا إغراء ال يندم عىل الوقوع فيه قارئ شعره. الخاصتني ،ال يعود شعرا ً ،لقد انجذب والشع ُر إغوا ٌء وإغراء ،والعنوان هو أ ّول محاوالت اإلغواء واإلغراء .وعندما ينسحب من هاتني ّ العريب إىل الكلمة إىل مستوى ج ْعلِها سالحاً“ ،والقول ينفذ ما التنف ُذ اإل َب ُر” كام يقول األخطل التغلبي .هذا عىل ال ّرغم من حمل ِة املق ّدس “لئ ميأل أحدُكم جوفاً قيحاً خ ٌري من أن ميأله شعراً”. عىل الشعر والشعراء ،واعتبار الشعر قيحاً يف الصدر ،كام جاء يف الحديث الرشيفْ ِ : وكانت الغاية هي التحذير من الشعر لق ّوة تأثريه يف الوجدان العريب ،فقد اضطُ َر القرآن لالعرتاف بقدرة الشعر عىل اإلغراء واإلغواء: “والشعرا ُء ي َّتبعهم الغاوون” .وكم كنت أمت ّنى أن أجد تأويالً آخر لهذه اآلية التي جعلت الله يخاصم الشعراء ،عىل ال ّرغم من امتالء اإلنسان العريب يومئذ بالشعر .وهذا يعني ق ّوة الخصم /الشعر .وح ّجتي أ ّن اإلسالم مل يستطع طرد شياطني وادي عبقر من السكَن يف ظل الشعر خدين الذات العربية ،وعرف الرسول وصحابته الذين حاولوا إطفاء نار الشعر أ ّن العرب أودية النفس التي تنتج الشعر .لقد ّ اإلبل الحنني .لقد سجن الخليفة عمر بن الخطاب الحطيئة ٍ لبيت قاله يف هجاء الزبرقان بن بدر: لن يرتكوا الشعر حتى ترتك ُ الطاعم الكايس ترحل لبغيتها واقعدْ فإنك أنت دعِ املكار َم ال ْ ُ عيل نفسه ،والذي كان غاضباً ،عندما أرسل له الحطيئة من سجنه شعرا ً مؤثّرا ً يحيك فيه جوع أطفاله ألنّه مسجون ،وال ُم َ ثم بىك الخليفة ُ لهم سواه: ماذا ُ تقول ألفراخٍ بذي م َرخٍ ُزغ ِْب الحواصلِ ال ما ٌء وال شج ُر ألقيت كاس َبهم يف قع ِر مظلم ٍة فاغف ْر عليك سال ُم الل ِه يا عم ُر َ ِب الرسول العريب مح ّمد بقصيدة كعب بن زهري ،وأفرغ عليه بردته النبوية .وكان الرسول ير ّدد قول الشاعر الجاهيل عنرتة وقبل عمر أُعج َ بن شداد بإعجاب: بدت يل جاريت حتى يواري جاريت مأواها وأغض ط ْريف إنْ ْ ُّ
وربا أدركنا ذلك لقد أدرك أبو مايض كام أدرك شاعرنا سلامن زين الدين أ ّن الجامل الذي يخلق السعادة كام ٌن فينا دون أن ندريّ ، متأ ّخرين .لقد عاىن إيليا أبو مايض كثريا ً إىل أن وصل إىل الحقيقة الكربى “أن التي ضيعتها كانت معي” ،ولنستم ْع إليه وهو يقول يف قصيدة “نار القرى” متل ّهفًا وساعياً إلدراك ما ال يدرك: الوصول ِ ُ إليك يا نار القرى أنا يف الحضيض وأنت يف الجوزا ِء كيف َ ألف ِ ألف غطا ِء ألف بارص ٍة تح ُّن كام ترى لك ّن دون َِك َ يل ُ ف من األضوا ِء لو من ثرى م ّزقتها بيد الرثى لك ّنها ُس ُج ٌ ِ كل ليلة” ناقص ّ وأل ّن الزمن متح ّرك،فهو وه ٌم أيضاً ،ألنّك ال تستطيع اإلمساك بأطرافه ،وليس “كالط َولِ املُرخَى وثِ ْنيا ُه باليد” ولك ّنه “كن ٌز ٌ كام يرى الشاعر طرفة بن العبد .ولك ّن الروح وحدها هي التي تستطيع جمع ما يتم ّزق منه يف رحلته األزلية يف أضواء ال تتالىش رغم نفس ُه ،ولكن قبل موت املوت يكون القلق والتوت ّر كثافة الظالم حولها ،وتصبح هي العنقاء يف تكرار الحياة واملوت إىل أن ميوتَ املوتُ ُ ومطاعنة خيلٍ “من فوارسها الده ُر” كام يقول املتنبي زاد الطريق ،ويكون الشعر أحد أسلحة مقاومة الدهر الذي ال يلتفت إىل ضحاياه. وميت ّد صوت حزين من ذات شاع ٍر تشعر بأنّها مل تعرث عىل د ِّر الطريق ،والحزن هنا ال يلغي استمرارية البحث عن الد ّر حتى يف عامل الطني ،ويبقى السؤال أنني ناي مكسور يسأل أين تنام ألحانه التي حملها يف غربته عن الغابة .يقول سلامن“ :هل تأخّرنا /وفات الوقت صنع القدر؟” .إذا كان العجز ابتال ًء ،فإ ّن يف السؤال شوقاً ال ميوت أبدا ً، يف تغيري مجرانا /....وهل نحن األىل نصنع أقداراً لنا /أم أنّنا ُ عم ميألها رغبة قوي الحضور .والق َدر يبقى افرتاضاً ،وهذا يريح النفوس الباحثة ّ أل ّن السؤال يبقى أبعد من الجواب مهام كان الجواب ّ يجف. ملعرفة ماذا وراء هذا الرساب الذي ال ميوت ،وهو خ ّداع وظآمن رغم ا ّدعائه أنّه ماء .وال َق َد ِريَّة ّ تظل متعبة ،ولك ّنها ينبوع قلق ال ُّ ُتبت بغري حضورنا ،وألنّها كُتبت بغري حضورنا فلن نستطيع تغيري ما خطّته يد القدر ،واعرتاضنا واملتعب يف مفهوم ال َق َدر هو أ ّن أقدارنا ك ْ ليس مجدياً يف النهاية ،يقول الشاعر اإليراين حافظ الشريازي: بت بغري حضورنا ولذا فلن نقوى عىل التغيري أقدارنا كُ ِت ْ قروي ال يرى يف جبل الشيخ املقابل فتى ٍّ ويعرتف شاعرنا بأنّه مت َعب أمام قدرية مكتوبة سلفاً ،ومت َعب أيضاً من عنا ٍد مستب ٍّد به ،عناد ً قريته إال نرسا ً ميلك جناحني عنيدين مستبدين ،ال يسأمان من التحليق رغم قدرية جعلت الجبل عالياً ،وجعلت الفتى القروي عنيدا ً. فاتنات ال ُحل ِْم /عن أعامرنا /رحنا نطاردها ُ وبني عل ٍو ُمجهِد وعنا ٍد مستب ٍّد ينزف شاعرنا قدريته بتح ٍّد وعناد ،حني يقول“ :م ْذ راودتنا أنقصت ْ القوادم والخوايف/ بأجنحة النسور /لعلّنا نحظى بها /لك ّنها راحت تُخاتلنا /وتنأى كلّام منها دنونا /ال ِطرا ُد النرس أتعبها /وال عز ُم ِ الجناح” .املكابدة والعناد صديقان لدودان يظل معلّقاً /حتى يحق َّق حلمهُ /أو دونه يطوي التعب /فكأنّ ا َقدَ ُر املطارِد /أن َّ منه معاقرة ْ ْ نورس /يومي إىل يف هذه الرحلة الصعبة .الرساب ،رساب األماين القصية يغري الشاعر بامتطاء الريح ،ولك ّنام الواحات تبعد“ ،وليس مث َة ٌ قل املساعدُ ”. املطلوب َّ عسل األمان” ،وكم هو رائ ٌع قول املتنبي“ :إذا عظُ َم ُ أسباب تغريه “صعب هو املرقى إىل الجلجل ْة” .وللتعب ال ب ّد من التعب ،ولعلّه أه ّم ما يف الرحلة ،كام يقول بدر شاكر الس ّياب: ٌ ٌ بالدميومة ،والويل ملن يخلو من الوجع ،وقتها يخلو من معنى أن يكون .ولكن ال ب ّد من إيجاد مسارب لتفريغ التعب يف هذه الرحلة تتجل يف “قصيدة” و “رؤيا” .إنّهام محطّتان لالسرتاحة عىل دروب العمر املزدحمة بالتعب، املستب ّدة ،ومسارب التعب يف حياة شاعرنا ّ فالقصيدة كو ٌن آخر ،وجغرافية ال حدود لها ،وهي تتيح للشاعر أن يكون خالقاً ،وحني يخلقها تدخله يف سف ٍر قال فيه حافظ الشريازي: “ال ُب ْعدَ يف سف ٍر عىل األرواحِ” .وهذا يعني أن الخالق يرتاح من تعبه ،وهو يرى جامل مخلوقاته .إنّها تشبه تفّاحة ح ّواء يف شعر سلامن زين الدين ،وإغراؤها يعادل إغراء ح ّوا َء ِ يعرض عن “فتنتها الكربى” .ويف حرضة القصيدة يأخذ نفسها .وشاعرنا يعرتف أنّه ال يستطيع أن َ التعب معنى مريحاً ،وطعامً لذيذا ً .إ ّن مخلوقات الشاعر ه ّن بَنات ُه ،ولذا يأنس بهن ،وه َّن يخطرن مبر ٍح يف قلبه وداره ،وهذا ما عناه الشاعر عمر أبو ريشة حني رىث األخطل الصغري ،وش َّب َه قصائده ببنات الشاعر ،حني قال: بنات وحيِكَ يف أرجائ ِه ُز َم ٌر يه ُّزها امل َرتفانِ الزه ُو والخف ُر ُ
قصة تواصله بألوهة املاء ،عىل ال ّرغم من اعرتافه بأ ّن القصيدة األوىل يف الديوان تحمل عنوان الديوان “أحوال املاء” ،وهي تحيك ّ الوصول إىل غايته القصوى ال يزال نائياً ،إنّه ال يزال يف سجنه الطيني املصنوع من املاء ،وهذا ما جعله يف الجهة املقابلة التي ترصد، وترى ،وتحاول فصل التباين يف رحلة مجهدة ،م ّدتها العمر الرتايب كلّه ،وتبدو بوضوح التباينات بني أحواله وأحوال املاء ،والتي ستصل يف لت للذين يصلون .يقول سلامن زين الدين“ :للامء ٌ أحوال، سريها إىل املقامات ،واملقامات هنا هي يشء من “سدرة املنتهى” وقد ُج ِع ْ مقامات /ويل /..هو غيم ٌة تبيك عىل األرض التي ماتت /فتحيا يف الشتاء/........ /وأنا خدين املاء /،يف ّ حل وترحايل /،يف سريي وإبحاري/ ٌ وتحليقي بأجنحة العب ْري” .املاء يصنع الحياة يف هذه القصيدة ،والحياة هنا هي تكرار الفصول ،ولك ّنها ليست تجاوزا ً ،وابتعادا ً عن انطلقت منها ،إنّنا نك ّرر دورة الحياة يف الطني واملاء ،ولك ّن الخالص يكون التقص أن تعود أنت إىل النقطة التي َ طينها .وفيها تكون غاية ّ بالوصول إىل املقامات .تأ ّمل ماذا ينتج املاء الطيني ،إنه “...الدموع الهاميات /الهاطالت من السام ْء /وهو الثلوج البيض /...وهو الجداول والضفاف /وهو .”....هنا املاء خالق ،ولك ّنه يعود إىل منبعه ،وبني منبعه ومصبّه تسري الحياة عاديّ ًة ،وال ترتدي غري تكرار ذاتها/ والخامئل ْ يعب عن ذاته بأحاديّته املتح ّولة إىل األعىل ،وخلع الرتاب. أما مخلوقها الذي يشغلها ،والذي هو خليفة الله ،فله أحوال أخرى ،وهو ّ ويومئ لها الشاعر إمياء إىل املقامات “ويل ،”...وينهي بقوله“ :ويل ”.....مع نقاط بعدها لطول الرحلة صوب املقامات .هذا االفرتاق ّ يدل كل حركاته ،إنّ ا له أحوال ومقامات عىل أحاديّة اإلنسان يف سريه إىل العنرص الذي انفصل عنه ،رغم أنّه يف مسريته كان /خدين املاء /يف ّ توجد يف املاء /اإلله ،وليس يف مخلوقات املاء املتك ّررة .وحده كاملاء له أحوال ومقامات .وكيف ال ،والله اختار املاء ليجعل عرشه مستق ًّرا عليه .ولكن هل كان املاء قامئاً عىل الرياح ،كام جاء يف كالم ابن عباس؟ .إ ّن مقام املاء عىل الرياح يشري إىل حركة الكون التي ال تستقر، يفس إميان املوجودات كلّها بالحركة الكونية التي ال قرار لها أبدا ً .إ ّن فالريح حركة ،والعرش جامع بني ألوهة املاء وحركة الرياح ،وهذا ّ يفسها إلّ تراكم األحوال وتب ّدالتها يف مسريتها التي ال العالقة بني الريح واملاء والعرش لها غاية يريدها املستوي عىل عرشه ،يف حكمة ال ّ تنتهي إىل الله. بالتقص واملكابدة مع الرتكيز عىل أ ّن الجامل الحس العقيدي ّ الوجه األبرز يف شعر سلامن زين الدين هو هذا التو ّجه الذي يجمع ّ وحده هو وقود الرحلة إىل الله .إنّه يق ّر باملجاهدة ،واملكابدة ،ولك ّن فتنة الجامل تجعل املكابدة حلوة املذاق ،متاماً كشارب الخمر الذي كل شعره عىل صعوبة الرحلة، رص باستمرار يف ّ يتح ّمل مرارتها يف سبيل الوصول إىل نشوتها ،كام يرى الشاعر حافظ الشريازي .إ ّن شاعرنا ي ّ ورمبا يكون هادفاً إلغرائنا مبتعة الجامل الذي هو وحده الدرب إىل الله ،وإىل الحلول فيه .يقول شاعرنا سلامن“ :وانبجسنا من ظالم النبع أطفاالً /،ورحنا ننهب الدرب /إىل البحر الكبري” .هناك لفظتان شديدتا الداللة يف هذا املقطع ،وهام “ظالم”و”البحر” .الظال ُم هنا أبعد من املشيمة ،وال يحمل ه َّم الكفن ،ألنّه عائد إىل البحر الكبري حيث ال موت فيه ،وال فناء .إ ّن كلمة “الظالم” تحمل تجربة الطني املؤملة الدهري املمت ّدة من املشيمة للكفن ،والبحر الكبري هو الله صاحب املآب والحلول .وحني نشري إىل أمل الرحلة فإنّنا نستذكر أن َني الناي َّ للعودة إىل الغابة التي ق ُِص َف منها .إنّ “ظالم النبع” يعني الخروج من املشيمة املظلمة التي يُص َن ُع الكون كلّه فيها ،والبحر الكبري هو ولعل أمل رحلة املسافة بني املشيمة والكفن هو الذي يرصف الشاعر أحياناً عن التمتّع بفتنة الجامل“ :مل من ّت ْع ُملْغي مكابدة الطني فيناّ . ْ تقصي ِه والشكوى منه ،وهل “السعادة يف الدنيا سوى شبح؟”، اب أعيناً ولهى /بأرس ِ الجامل” ،وهذا غري دقيق ،فأعىل فنت الجامل تكون يف ّ كام يؤكّد جربان خليل جربان ،وهنا يجب التأكيد عىل ذكر جربان كلمة “الدنيا” .إ ّن تحديد انعدام السعادة يف رأيه محصور بالحياة الدنيا ،ولذا نستم ّد حضورها بصناعتها ولو ش َبحاً .وهذا يجرب الشاعر عىل اإلمياء الدائم إىل فنت الجامل يف هذه الرحلة القاسية .إنّه يشكو نلتفت شط َر الجامل املستوي /فوق ْ بقسوة من انشغاله عن فتنة الجامل بتت ّبع املجرى ،ويقول“ :شغل ْتنا فتن ُة اإلبحار عن أنفسنا /مل ذرى أعامقنا /مل ننتبهْ أنّ الذي نسعى إليه كامن فينا ./هنا يستيقظ الشاعر ليعرتف بسيطرة الوهم وبغشاوة حلوله عىل وجدانه ،لينتبه فجأة ،ويعرتف أ ّن الجامل ساك ٌن فينا ،ألنّه عنرص الله امليضء يف اإلنسان .وهنا يلتقي سلامن زين الدين مع اللفتة الرائعة للشاعر الكبري إيليا أيب مايض حني يقول يف جداوله ،يف قصيدة “العنقاء”: ومددت حتى للكواكب إصبعي ُ ف ّتشْ ُت ج ْي َب الفج ِر عنها والدجى العلم ال يجدي الفتى أنّ التي ض َّي ْع ُتها كانت معي وعل ْم ُت حني ُ
ائع قبله قول أيب متّام: ور ٌ
نأي من خراسانَ جأشَ ها و َق ْلق ََل ٌ َ وأهوال الزمانِ أُفانِها َذريني،
ُ ْض الر ْو ِض عا ِزبُهْ فقلت :اطمئ ّني أن َ ُ فأهوالُــهُ الكربى تَليها رغائ ُبـــهْ
وهذا االت ّجاه العايل يؤكّده شاعرنا ،وهو يخاطب سيزيفه العرصي حني يقول“ :فاصعدْ إىل أعامقك العليا /تجدْ ما ًء وأشجاراً /وأنواراً وقرصا /وإذا بقيت تطار ُد الدنيا /.....ستسقط يف مهاوي /وهمكَ األعمى قتيالً /تحت صخرات الند ْم”.
يظل شاعرنا مؤمناً أ ّن الصعوبات هي طريق التخطّي ،وأ ّن الضوء الحقيقي ينفجر من قلب الظالم ،ويدرك صعوبة الطريق ومع ذلك ّ ولك ّنه مؤم ٌن بالوصول“ .واذكري يا نبض قلبي /أنّ من ليل الرثى /تبزغ أنوا ُر ال ِقرى” .وشاعرنا يف ديوانه كلّه مؤم ٌن أ ّن “العاصفة تجدّ د شباب األزهار” كام يقول شارل بودلري. يحض عىل البناء يف أعامل النتاج الفكري نحن بحاجة إىل شع ٍر يبني مبقدار ما يهدم ،وال بناء إذا مل يكن هناك هدم ،والهدم هو الذي ّ واقف إىل جانب سيزيف عرصه املقاوم والفني ،وشاعرنا سلامن بجدارة شاعر يبني ويهدم .إ ّن الذي يحمل الصخرة مع سيزيف يعني أنّه ٌ والثائر والحامل لواء التغيري. نريد شعرا ً ينزل إىل قضايا اإلنسان لريفع اإلنسان .لقد سئمنا الشعر القائم عىل املبالغات التي تذهب بعيدا ً ،وتنىس أ ّن عىل الرتاب برشا ً يتعذّبون ويجوعون ويحلمون بحياة خالية من الجوع واملرض وأوبئة السياسة والشعراء الذين ح َّولوا الشعر والشاعر إىل ظاهرة األكف ،وال تالمس الوجدان اإلنساين .إ ّن الشعر ال يكون شعرا ً إالّ إذا المس قضايا اإلنسان الكربى :الحلم والحب والخبز صوتية ،تخاطب ّ كل ما هو حق. والدفاع عن ّ انطالقاً من هذا الوعي أش ُّد عىل يد شاعرنا سلامن زين الدين الذي آمن باإلنسان قضية وحلامً وثورة عىل الجوع والتخلّف ،وحني قرأت قصيدته “تذكّ ْر” أدركت ما معنى أن يكون اإلنسان شاعرا ً كبريا ً ،وسأذكر مقاطع من هذه القصيدة التي تعيش قضية اإلنسان أ ّوالً، الطعام /وت ْع ُذ ُب نفساً اب .../تذكَّ ْر /:بأنَّ شهي اش /وتبح ُر يف ُخلْ ِد ِه املنتظ ْرَ .../ “وأنت تُعاق ُر دف َء ال ِفر ِ َ إنّه يقول: بعذب الرش ِ ِ ِ وأنت تَلَ ُّذ ّ شهي /وما ٌء منريٌ /وحص ٌن حص ْني”. الرصيف ِفر ٌاش /وأنّ السامء ٌ َ لحافٍ / لقسم كبريٍ من البائس ْني /وليس لديهم طعا ٌم ٌّ أحس ْن َت يا صديقي بوقوفك شاعرا ً كبريا ً إىل جانب إخوانك عىل األرض .إنّهم هم وحدهم الحقيقة.
املرسب اآلخر يف شعر سلامن زين الدين ،والرؤيا ال تختلف كثريا ً عن القصيدة ،فإذا كانت القصيدة مكشوفة وكاشفة ،فإ ّن والرؤيا هي ُ تظل كامنة ،وال يستطيع الشاعر كشفها إالّ إذا ح ّولها إىل قصيدة ،وحني نطق لها ،وال حروف ،والرؤيا ّ مبدى أبعد ،وبلغة ال َ الرؤيا تتّسم ً يح ّولها قصيدة ميسخ كثريا ً من معاملها العصية عىل البوح والنطق .والرؤيا دامئاً يرافقها الصفاء والنقاء وحضور الحالة اإليجابية .إنّها بعيدة عن التص ّور املا ّدي ،وكان الشاعر يحاولها إىل أن تح ّولت عنده “بساطاً عسجديًّا ،وصعد به إىل الساموات العىل ورأى ما رأى، َ الذئب مع األغنام يف قلب األحوال /يف تلك الجزيرة /فرأى وألنّها نقاء وصفاء رأى فيها كائناً سويّاً ،وهناك رأى جزيرة“ ،ومىض يستطلع َ مذهب أو لون وجه /مل الحظري ْة /ورأى الغاب يغ ّني .../ورأى الناس ُفرادى وز َم ْر /ينهلون الو َّد من ينبوع ِه /مل تف ّرق بينهم /طائف ٌة أو ٌ يشب و َّد الينابيعِ كد ْر”. ْ الشاعر مؤمن هنا أن الفنون تلغي القبح الطارئ عىل الكون البديع ،وميسح بوفرة الجامل ما أفسده هبوط القبح إىل هذا الوجود، فالف ّن أساساً هو الجامل نفسه ،والقبح ال يُلغى إالّ بحضور الجامل ،وقتها يكون الف ّن خالقاً ،وال ميكن أن يكون خالقاً إال إذا كان جميالً، والله بعد استوائه عىل العرش ،ورؤية جامل ما خلق كان “بديع الساموات واألرض” .وهذا ما ذهب إليه شاعرنا سلامن يف قصيدة “رؤيا” .وكم كنت أو ُّد أالّ يصحو شاعرنا لريى القبح ال يزال قامئاً يف هذا الكون ،وحرسته هنا جميلة ،أل ّن الحرسة ستح ّرضه باستمرار للعودة إىل الرؤيا ليكون الشعر خالقاً جامالً آخر يسعفنا للوصول إىل البديع بفعل ما أبدع يف منشآته التي نحن بعض أجزائها .يعود هب من النوم رسيعاً /سائالً شاعرناً متل ّبساً الرجفة بعد مرحلة الرؤيا ليقول“ :فجأ ًة/،د ّوى ظال ٌم مستطري /،أجفل الشاع ُر من أحالمهَّ / الريح /أنّ الظلم َة البهام َء /تجتاح قناديل القرى” .إ ّن الشعر الجميل يا صديقي يُكتَب تحت أضواء قناديل القرى، عم جرى /أخربتْه ُ ّ وكانت أضواؤها الشاحبة تغرينا بالسفر إىل أعمق ما يف هذا الوجود لنعود منه ويف أيدينا قبضة من جامل. وجميل أ ّن شاعرنا تلقّى هذا الوحي ،وعاد إىل الكلمة ،ألنّها البدء .وال ب ّد من العودة إىل البدء لتصحيح مسرية الروح التي م ّرت عىل ٌ بعض مناطق القبح يف رحلتها إىل بديعها األ ّول .العودة هنا انتصار للجامل ،وانحياز إليه“ .تنهض الكلامت من النوم /إث َر ٍ طويل/ سبات ْ جميل” .القيامة هنا فعل جميل ذو حركة تصاعدية ،وهذه القيامة أصيل /وتقوم من املوت /مثل مسيحٍ ْ تغسل الوجه /يف ماء نب ٍع ْ تذكّرنا بالنار والرماد يف عنقاء جديدة ،تتقن االنتفاض من الرماد لتح ّول نارها إىل خصب يجعل نهر املوت نهر الحياة ،وتجعلنا نرى الصلب ،وصاعدا ً إىل جبل الزيتون ليهب لنا ح ّبه وتجربته الرضورية النتصار روح يسوع عىل مسامري مسيحاً جميالً خارجاً وعائدا ً من ّ الصلب القاسية ،ولعشاء جديد بال يهوذا ،وبال عشّ ارين وأنبياء كَذَبة .الكلمة هنا هي البدء ،وهي الف ّن الجميل ،ألنّه وحده املنقذ من ّ ولعل صخرة سيزيف هي نتيجة قسوة آلهة األوملب الذين انزعجوا من تح ّول الكلمة كون يجعل عىل كواهلنا صخرة سيزيف باستمرارّ . إىل نار رسقها سيزيف من األوملب للفقراء .فالكلمة نار أيضاً ،واملرقى إىل الجلجة صعب ،وما أروع الس ّياب حني قال: سيزيف ،إنّ الصخرة اآلخرون” .تأ ّم ْل معي البيت سيزيف ما أثقلَهْ / “صعب هو املرقى إىل الجلجل ْة /والصخ ُر يا يقول بدر شاكر الس ّياب: ُ ُ ٌ اآلخري لرتى كم يعاين الخلق الجميل من قبح آلهة األوملب ،الذين يريدون االستئثار بالنار ،والتي ح ّولها سيزيف من أعايل األوملب إىل موائد الفقراء .وجميل أ ّن الصخرة يف شعر سلامن زين الدين مل تقتل عناد سيزيف ،وهذا جميل ،ومطلوب فناً والتزاماً .وهذه هي رسالة وكل مكان .الوقوف مع سيزيف ليس فعالً جاملياً فقط ،وإنّ ا هو سلوك أخالقي ،ال ب ّد من تشجيع حامل الصخرة يف كل زمانّ ، الكلمة يف ّ كل زمان أل ّن األودية التي تتدحرج إليها الصخرة عميقة كعمق املوت نفسه .ويف هذا املوقف نضال سيايس واجتامعي ،وانحياز آلخذي ّ النار من سيزيف إىل مواقدهم .هذا موقف متق ّدم يف فهم شاعرنا سلامن زين الدين لرسالة الكلمة ،فهي ليست رصفاً جاملياً وكفى، يلح شاعرنا وإنّ ا هي محراث فالّ ٍح ومنجل ّ حصاد وسيف مقاتل من أجل انتصار إنسانية اإلنسان .ومن هذا الفهم املتق ّدم لدور الكلمة ُّ سيزيف /تُ ِع ُن يف التسلّق “وتروح يا وتستحق الصرب والجلَد .يقول شاعرنا: كل سيزيف أل ّن الرحلة طويلة سلامن زين الدين عىل تشجيع ّ ُ ّ ُ تعب /يرتّ ُبهُ الصعود السحيق /فحذا ِر يا والصعو ْد /وأمامك ال ُحك ُْم الذي /متيض به ُص ُعدً ا /إىل األعىل /وخلفك ه ّوة الوادي ْ سيزيف /من ٍ ُ إىل العىل /وحذا ِر من ٍ ُ كل زمان من الركون إىل الحطام ،والقبول الطريق” ،وشاعرنا هنا يحذّر سيزيف ّ منتصف السقوط موت /يح ِّتمه ْ َ باألدىن ،ألنّه يرى ما رأى املتنبي قبله: والسهل يف السهلِ أنل ما ال ُي ُ ُ فصعب العىل يف الصعب نال من العىل ذريني ْ ُ
ومن شعره يف ليىل:
مررت عىل الديار ديا ِر ليىل أُ َق ِّب ُل ذا الجدا َر وذا الجدارا ُ حب من سكن الديارا حب الديار شغ ْف َن قلبي ولكن ُّ وما ُّ
قيس بن امللوح
أرسةالتحرير
ورفيقي لعب يف قيس بن امللوح امللقب مبجنون ليىل هو يف الحقيقة ابن عم ليىل ،وقد تربيا معا يف الصغر وكانا يرعيان موايش أهلهام ْ أيام الصبا ،كام يظهر يف شعره حني قال: حجم تعلقت بليىل وهي ُ ُ ذات ذؤاب ٍة ومل يبدُ لألتراب من ثديها ُ البهم صغرييْن نرعى ال َب ْه َم يا ليت أننا إىل اآلنَ مل نكربْ ومل تك ِرب ُ ومام يذكره السيد فالح الحجية يف كتابه (الغزل يف الشعر العريب) من قصتهام“ :أحب قيس ليىل بنت سعد العامري ابنة عمه حيث نشأ معها وتربيا وكربا سويًا حيث كانا يرعيان موايش والديهام فأحب أحدهام اآلخر فكانا بحق رفيقني يف الطفولة والصبا فعشقها وهام بها. وكام هي العادة يف البادية ،عندما كربت ليىل حجبت عنه ،وهكذا نجد قيس وقد اشتد به الوجد يتذكر أيام الصبا الربيئة ويتمنى لها أن تعود كام كانت لينعم بالحياة جوارها .وهكذا هام قيس عىل وجهه ينشد األشعار املؤثرة التي خلدتها ذاكرة األدب له يف حب ابنة عمه، ثم تقدم قيس لعمه طالبا يد ليىل بعد أن جمع لها مهرا ً كبريا ً وبذل لها خمسني ناقة حمراء ،فرفض أهلها أن يزوجوها إليه ،حيث كانت العادة عند العرب تأىب تزويج من ذاع صيتهم بالحب وقد تشبب بها (أي تغزل بها يف شعره)” ،ألن العرب قدمياً كانت ترى أن تزويج املحب املعلن عن حبه بني الناس عار وفضيحة ،وهذه عادة عربية جاهلية وال تزال هذه العادة موجودة يف بعض القرى والبوادي .وقيل: بل رفض الزواج بسبب خالف وقع بني والد قيس ووالد ليىل حول أموال ومرياث ،وأن والد ليىل ظن خطأ أن عائلة قيس رسقت أمواله منه ومل يبق معه يشء ليطعم أهله .وإن كان الرأي األول أرجح وأثبت. رشا من اإلبل وراعيها ،فاغتنم والد ليىل ويف نفس الوقت تقدم لليىل خاطب آخر من ثقيف يدعى ورد بن محمد ال ُعقييل ،وبذل لها ع ً رغم عنها .ورحلت ليىل مع زوجها إىل الطائف ،بعيدا عن حبيبها ومجنونها قيس .ويقال إنه حني تقدم لها الفرصة وزوجها لهذا الرجل ً مخيوها بينكام ،فمن اختارت تزوجته ،ثم دخلوا إليها فقالوا :والله لنئ مل تختاري ور ًدا لنمثل ّن بك ،فاختارت الخطيبان قال أهلها :نحن ّ ور ًدا وتزوجته رغامً عنها. العذريُ ،فيى حيناً يف الشام وحيناً يف نجد فهام قيس عىل وجهه يف الرباري والقفار ينشد الشعر والقصيد ويأنس بالوحوش ويتغ ّنى بحبه ّ وحيناً يف أطراف الحجاز ،إىل أن ُوجد ملقًى بني أحجار وهو ميت. قيل يف قصة حبه :إنه مر يو ًما عىل ناقة له بامرأة من قومه وعليه حلّتان من حلل امللوك ،وعندها نسوة يتحدثن ،فأعجبهن ،فاستنزلنه للمحادثة ،فنزل وعقر لهن ناقته وأقام معهن بياض اليوم ،وجاءته ليىل لتمسك معه اللحم ،فجعل يج ّز باملدية يف كفه وهو شاخص فيها حتى أعرق كفه ،فجذبتها من يده ومل يدرِ ،ثم قال لها :أال تأكلني الشواء؟ قالت :نعم .فطرح من اللحم شيئا عىل الغىض ،وأقبل يحادثها، فقالت له :انظر إىل اللحم ،هل استوى أم ال؟ فمد يده إىل الجمر ،وجعل يقلب بها اللحم ،فاحرتقت ،ومل يشعر ،فلام علمت ما داخله رصفته عن ذلك ،ثم شدت يده بهدب قناعها. وروي أن أبا قيس ذهب به إىل الحج ليك يدعو الله أن يشفيه مام أملّ به من حب لييل ،وقال له :تعلّق بأستار الكعبة واد ُع الله أن يشفيك من حبها ،فذهب قيس وتعلق بأستار الكعبة وقال " :اللهم زدين للييل ح ًبا وبها كلفًا وال تنسني ذكرها أبدًا ". وحيك أن قيس قد ذهب إىل ورد زوج ليىل يف يوم ٍ جالسا مع كبار قومه حيث أوقدوا النار للتدفئة ،فأنشده قيس قائالً: شات شديد الربودة وكان ً قبيل الصبح أو ق ّبل َْت فاها َ ضممت إليك ليىل َ بربك هل وهل رف ّْت عليك قرونُ ليىل رفيف األقحوانة يف نَداها فقال له ورد :أما إذ حلّفتني فنعم. فقبض قيس بكلتا يديه عىل النار ومل يرتكها حتى سقط مغشيًا عليه.
جامل
إبراهيم املوصيل أرسةالتحرير
ولد إبراهيم املوصيل يف الكوفة عام 792م ،من عائلة فارسية عريقة يف ونشأ يف محيط عريب وكان معظم أصدقائه من العرب. يعترب من أبرز املوسيقيني واملغنيني يف العرص العبايس ،ينسب اليه تأليف 900لحن خالل حياته صنفها ابنه ( اسحق ) من بعده وابقى عىل ستامئة لحن "نادر" يتبع مدرسة "الغناء القديم" الذي كان يخوض املوصيل يف ذاك الزمن من أجلها معركة مع املحدثني أمثال "ابن الجامع" و "ابراهيم ابن املهدي". أحب الغناء منذ الصغر ،لكنه صدم مبعارضة أهله الشديدة ،فهرب إىل املوصل ،حيث تلقى دروسه املوسيقية األوىل .ذهب أيضا إىل مدينة الري يف الجنوب الرشقي من ايران فتعلم هناك الغناء العريب والفاريس وبرع فيهام. انتقل بعدها املوصيل إىل البرصة ،ثم إىل بغداد ،حيث درس الغناء عىل يدي مغن شهري يدعى "سياط".
طلبه الخليفة املهدي ( والد هارون الرشيد ) ،وجعله مطرب البالط ،ولكنه منعه عن الرشاب والفسق واملجون .لكن إبراهيم مل يذعن لألمر ،حتى بلغ الخليفة أنه دخل عىل ولديه "مويس الهادي" و "هارون الرشید" ورشب معهام .فأمر عندئذ الخليفة بجلد إبراهيم وحبسه . وبحسب الرواية فانه ملا تويف الخليفة املهدي ،كافأ "الهادي" إبراهيم املوصيل مبائة وخمسني ألف دينار ( وهو مبلغ كبري يف ذاك الوقت ) كتعويض للعقاب الذي ناله من أجله . بدوره أحب الخليفة "هارون الرشید" إبراهيم املوصيل ،فجعله ندميه ،وأغدق عليه الهبات واألموال ،فعاش املوصيل حياة ثراء وترف. يعترب إبراهيم من املحافظني عىل الغناء القديم ،ومن املتحمسني لألساليب التي اعتمدها مطرب أموي شهري يدعى "معبد" ،ولقواعد املدرسة القدمية يف فن الغناء .عارض إبراهيم طرائق الغناء الحديثة التي ابتكرها "ابن جامع" وهو مطرب من رواد عرصه و تويف إبراهيم املوصيل عام 806 م.
صحة
املجوهرات النسائ ّية مريم باجي
املجوهرات ليست ثروة أو مصدر بهجة و طاقة جاملية فقط ،هي أيضا إحدى أنواع الزينة و التفاخر بني البرش خاصة النساء .يتساءل الرجال عن أكرث أنواع املجوهرات التي تفضلها النساء خاصة عندما يتعلق املوضوع بإشرتاء هدية إلحداهن ،لكن هذا السؤال يف الحقيقة يحتمل العديد من الفرضيات و سبب ذلك اختالف الثقافة و الذوق بني النساء ،لذا قبل رشاء هدية من هذا النوع عليك ( رجل أو امرأة تهدي صديقتها ) معرفة نوع املجوهرات املحببة لدى الفتاة أو املرأة التي تريد رشاء الهدية لها .
و إذا قمنا بإلقاء نظرة يف عامل املجوهرات سنجد أن املختصني يف هذا املجال يف أغلب األحيان يقومون بتصميمها حسب ميوالت نفسية أو ثقافية ترتبط بالفرد البرشي ،فمثال هناك مجوهرات بسيطة و هناك مجوهرات ضخمة و يف أغلب األحيان مييل البسطاء و الهادئون للمجوهرات البسيطة يف حني غالبا ما مييل محبو التفاخر و االمتالك للمجوهرات ذات التصميامت الضخمة ( .يوجد أشخاص بسطاء يشرتون مجوهرات ضخمة بسبب تصميمها الفاخر) و فيام ييل تقسيامت أخرى ألنواع املجوهرات حسب ما تفضله أغلب النساء و ما نجده يف عامل املجوهرات :املجوهرات املرصعة باألحجار الكرمية و الثمينة و النادرة :أغلب النساء ميلن لهذا النوع من املجوهرات بسبب قيمتها و ندرتها و جاملها. مجوهرات الذهب :يعد الذهب بنوعيه األصفر و األبيض من املعادن النفيسة املحببة لدى النساء لعدة أسباب ،و يف الحقيقة سبب ميول النساء للذهب بكرثة يعود لثقافة اجتامعية متداولة. املجوهرات الغريبة أو املرتبطة بعالمات تاريخية أو رموز لحضارات قدمية :تستهوي النساء من النوع الغامض و املحب للمغامرة و األساطري لهذا النوع من املجوهرات ،ألنهن يعشن جوا مقاربا ملا يحببنه عند ارتدائهن هذه املجوهرات . املجوهرات املستوحاة من الطبيعة و النباتات :متيل بعض النساء لهذا النوع من املجوهرات رمبا ألنهن يعشقن الطبيعة و رمبا بسبب هواجس داخلية مرتبطة بالنباتات مجوهرات مرتبطة بدالالت الحب :يف أغلب األحيان تختار املراهقات و العاشقات هذا النوع من املجوهرات الذي يتميز بالرقة و تسيطر عليه رموز خاصة بالحب أو كتابة رومنسية مجوهرات عىل شكل حيوانات أو رؤوس الحيوانات :بعض النساء يخرتن هذا النوع من املجوهرات بشكل دائم و بعضهن يقتنينه حسبموجات املوضة فقط ،أما عامليا فإن طقم املجوهرات بشكل األفعى محبب و دائم التواجد يف سوق املجوهرات خاصة املرصع بالجواهر ،ثم تأيت بعده تصميامت ألشكال مستوحاة من حيوانات أخرى غالبا ما تكون حيوانات مفرتسة و ذات هيبة . من األفضل أيضا اختيار مجوهرات تناسبنا أو تناسب املرأة التي ستلبسها من حيث لون البرشة و اللون
-1وجع الصدر أكرث األوجاع التي يهملها الناس ،مع أنها األكرث خطرا .يقول املختصون ان استشارة الطبيب يف الوقت املناسب قد توفر الوقت واملال ،واألهم أنها قد تنقذ انسانا من املوت أو من اإلصابة بإعاقات مؤقتة أو دامئة .وينصح هؤالء مبالحظة ثالثة أعراض : وجع يف منطقة الصدر يستجد أكرث من املعتاد ،ضيق يف التنفس ووجع يف النصف األعىل من الجسم مل يسبق للمرء ان أحس به. -2الصداع الشديد قد يكون مرض الشقيقة هو السبب ،لكن إذا مل يكن مصحوبا باألعراض األخرى املعروفة للشقيقة كغباش النظر واللعيان وعدم تحمل األصوات املرتفعة .فالصداع الشديد واملفاجىء ميكن أن يكون دليال عىل متدد األوعية الدموية يف الدماغ الذي قد يسبب انفجار بعض هذه األوعية -3خفقان او ارتجاف األسنان هذه الحالة أشبه برسيان تيار كهربايئ وتعني وجود خلل كبري يف أعصاب األسنان واألرجح أن يكون ذلك لواحد من سببني ،أما أن مينا األسنان ( غالفها) قد أصابه التشقق وأما وجود نوع من العفن يف منطقة الجذر ،ويف كلتا الحالتني ال بد من حل هذه املشكلة يف أقىص رسعة ممكنة . -4وجع حاد يف الخارصة قد يكون األمر مجرد غازات ،لكن إذا تجاوز األمل حدود املعقول وكان مصحوبا بالغثيان وارتفاع درجة حرارة الجسم فهناك احتامل كبري بأن تكون الزائدة الدودية ملتهبة ويجب استصالها يف أقرب وقت. -5وجع أسفل الظهر مع تنميل يف القدمني حني يقوم أحدنا بعمل متعب وحمل أشياء ثقيلة فمن املؤكد أن يشعر ببعض اآلآلم يف أسفل الظهر وبالتايل فإن بعض املراهم قد تشفي هذه اآلآلم . لكن إذا فشلت املراهم واألدوية املسكنة األخرى ،فمن املحتمل أن يكون األمل ناتجا عن ضغط عىل أعصاب النخاع الشويك من ( ديسك ) أو أكرث ،وهي الحلقات اإلسفنجية التي تعمل كوسائد بني الفقرات .ومثل هذه األعراض ال يجب اهاملها أو تجاهلها فقد تلحق رضرا دامئا بأعصاب النخاع الشويك . -6وجع يف الساقني مع تورم املقصود هنا املنطقة املعروفة باسم بطة الساق فأي انتفاخ فيها أو احمرار مع شعور بالدفء حني ملسها ميكن أن يكون دليال عىل وجود جلطة ،لذلك ينصح األطباء كل من يواجه مثل هذه األعراض أن يتجنب قدر االمكان تدليك بطة الساق أو امليش وتجاهل األمل .فاذا حدث أن تكرست الجلطة أي كتلة الدم املتخرث فقد تنتقل أجزاؤها عرب الرشايني واألوردة إىل الرئتني فتمنع وصول األكسجني .الحل الوحيد هو االرساع اىل الطبيب املختص إلجراء الفحوصات الالزمة فاذا تأكد الطبيب من وجود جلطة ال بد من عملية جراحية أو اللجوء اىل أحد العقاقري لتمييع الدم . الدكتور الصيديل ماهر حسن /البنيه(لبنان) 2020/10/15
سبع معلومات عن املضادات الحيوية د .الصيديل ماهر حسن
- 1إن أي مضاد حيوي يأخذه الطفل ومل يظهر تأثريه بعد 48ساعة ،يلزم إجراء تحاليل أو زرع للتشخيص الصحيح ،وتغيري املضاد حسب نوع البكترييا. - 2ارتفاع درجة الحرارة ليس معناه أن تعطي مضاد حيوي. - 3حساسية األنف ليس معناها بالرضورة أن تعطي مضاد حيوي . - 4مغص البطن ليس معناه أن تعطي بالرضورة مضاد حيوي. - 5اإلسهال ليس معناه بالرضورة أن تعطي مضاد حيوي . - 6السعلة ليس معناها بالرضورة أن تعطي مضاد حيوي . - 7حساسية الصدر ليس معناها أن تعطي مضاد حيوي .
عضة كلب
إذا تعرضت لعضة كلب يجب عليك أخذ مصل التيتاتوس ومراقبة الكلب ملدة 48ساعة ،فإذا ظهرت عليه عالمات عدائية أو سيالن اللعاب بشكل كبري فيجب عليك أخذ طعم الكلب. أما إذا مل تأخذ الدواء املخصص فقد: تظهر أعراض شبيهة باالنفلونزا العادية . تبدأ املضاعفات الخطرية عندما يصل الفريوس للجهاز العصبي ،وهذا قد يستغرق عدة أشهر حينها قد تظهر أعراض الهلوسة . ثم يحدث ما يعرف ب الخوف من املاء نتيجة شلل يف عضالت البلع والفك فاملريض يجد صعوبة يف البلع وقد تصل إىل عدم القدرة عىل الكالم.أخريا من املمكن حدوث الوفاة بسبب حدوث شلل يف عضالت القلب والتنفس .
عالج التبول الالإرادي أثناء النوم
يف البداية يجب أن يطمنئ الطفل واألهل أن هذا اليشء يحصل عادة ويجب مراعاة الطفل وعدم توبيخه. تقليل السوائل بعد الساعة 7مساء تقليل السكريات بعد الساعة 5مساء ممنوع املاء قبل النوم بساعة ممكن أن نرتك الطفل ينام ساعتني ثم نوقظه للذهاب والتبول. هناك عدة أدوية تساعد عىل هذا العالج. -ال يجب أن ننىس أن الربد يزيد من هذه الحالة ،لهذا يجب أن تكون غرفة الطفل دافئة إىل حد ما .
ستة أوجاع يجب أال تهملها
وضع عدد من األطباء ستة أنواع من األوجاع قالوا أنه من الرضوري إعطاؤها اهتامما أكرث وهي عىل النحو التايل :
تغذية
االخصائية الغذائية :مرينا شمس الدين
ومن الفوائد األخرى لزيت الزيتون: • خفض مستوى الكوليسرتول املرتفع • التقليل من خطر اإلصابة بااللتهابات • ضبط مستويات السكر يف الد • تعزيز صحة الدماغ مع ذلك يجب عدم اإلكثار من تناول زيت الزيتون ألن كرثة أستهالكه قد تؤدي اىل زيادة يف الوزن. ما هو أفضل نوع من زيت الزيتون؟ يتوافر يف األسواق عدة أنواع من زيت الزيتون ،تختلف من حيث مقدار تكريرها ومعالجتها ،وبالتايل جودتها ونقائها .ومن أفضل أنواع زيت الزيتون هو زيت الزيتون البكر املمتاز الذي يستخرج بعد عرص الزيتون ميكانيكيا ودون استخدام الحرارة و هو يحتوي عىل اكرب كمية من مضادات األكسدة كام انه يتميز بطعم مميز رشاء زيت الزيتون عند رشاء زيت الزيتون من املحال التجارية ،اتبع النصائح التالية لالحتفاظ بقيمته الغذائية ألطول فرتة وتجنب فساده .لذلك عليك التحقق من بلد املنشأ ,و شهادة الصنع ,ومكوناته ,و تاريخ االنتهاء .أما عند رشائه يفضل تخزين زيت الزيتون بعيدا عن مصادر الحرارة ,ويف مكان مظلم مثل خزانة املطبخ األخصائية الغذائية مرينا شمس الدين
زيت الزيتون
االخصائية الغذائية مرينا شمس الدين
يشتهر املطبخ العريب يف منطقة حوض البحر املتوسط باستخدام زيت الزيتون يف طهي معظم األطعمة ,باالضافة اىل استخدامه يف صناعة الصابون و مستحرضات التجميل وقد أظهرت إحدى الدراسات أن نسب الوفيات لدى من يستهلكون زيت الزيتون بشكل أكرب تقل عن نسبها لدى نظرائهم ممن يستهلكونه بشكل أقل.
تحتوي امللعقة الصغرية الواحدة من زيت الزيتون عىل 45سعرة حرارية و هو خال من الكربوهيدرات أو السكريات ما الذي يجعل زيت الزيتون صحيا؟ يعترب زيت الزيتون من أفضل مصادر الدهون الصحية ،بسبب مكوناته الكيميائية ،وأهمها الدهون األحادية الغرياملشبعة التي تحمي القلب و األوعية الدموية. كام تدعم بعض الدراسات دور زيت الزيتون يف تقليل خطر االصابة برسطان الثدي و السكتات الدماغية و يتميز زيت الزيتون بالثبات تجاه األكسدة أي مقاومته للتفاعل مع األكسجني.
ومسدس الجالد محش ٌو بدم كم جذ أعناق األريج وكم التهم ورجاله املرحون نشهد أنهم برعوا بتلفيق التهم ساهمت يدحضني النقاء فأين حوتك يا خضم ؟ ورصخت بالالهوت وامللكوت والناسوت فاسترشى الصمم يا سحر هاروت وماروت ويا إرث األمم يف أي ديجور ستنكفئ اللحود وتستفيق بها الرمم ؟ يا أيها القرب الذي مازال ينعق فاغرا: هل من مزيد ؟ ناحت عليه الهام... والهامات يسحقها امل ُريد مع امل َريد وتدكه خيل الزمان الجامحات بال أعنة وعىل التخوم تطاحن األنداد فارتفعي فوق املصاحف يا سيوف ويا أسنة ورق ...ورق ورق ّ أرق الدعي وإن صدق كذب ّ ورق تقدسه القبائل والطوائف والفرق ورق إذا ما شاء أحرق واحرتق رحامك يا رب الفلق
شعر
سجادة إبليس
حامد خضري الشمري*
عينان من حجر ودم ومنارة عجفاء داهمها املحيض بغري دم تفتض عذرتها الرياح السافيات من العدم إين أحسك واقفا كالقيء متأل كل فم أقطف ! فإن ملئت ساللك بالرؤوس فال يؤرقك الندم هذا زمان العهر يف عز املحرم والحرم هذا زمان الذبح بالدوالر والقصف املهذب والركوع عىل القدم جثث تهز رؤوسها وذيولها هتفت :نعم! وحىص تقافز يف القدور وأرغفة قــُ ّدت من اللحم الطري عىل الجراح النازفة صهلت رمالك يا فرات وحمحمت وعذوق نخلك راعفة ملحا تساقط ساخنا فوق الفسائل والطيور الراجفة لن يذبحوك فإن يف ُصلب العراق ميرر نسل العاصفة لن يحملوا يف السبي رأسك عابقا لن يقطفوا كف القمر فعىل املنابر صوت ملهمة القمر الوالغات من ِ ِ الصالل الزاحف ًة كـَم ّ الجـِرا َء عينان من حجر ودم بالضم دلف الضياء إليهام وارتد يسبح َ َ
إىل الرا فرحات
عمر شبيل
أهالً ِ بك يا الرا يا زين َة العذارى بنت خريِ وال ٍد ِ بك أضا َء الدارا يا َ
من ظلْم ٍة ِ جئت له لتنرشي األنوارا من َر ِح ٍم ُمطَ َّه ٍر زا َد به افتخارا فل ُتصبحي أمري ًة ولْ ُتصبحي منارا ِ أنت التي قد زا َدنا جاملُها انبهارا يا بد َر يارونَ الذي درو َبنا أنارا
ستكربين يف غ ٍد
يزيدنا افتخارا ُ
ستسبق الصغارا غداً إىل مدرس ٍة ُ ستنسج اإلزارا تلميذ ٌة من علمها ُ ستلبس ِ السوارا عروس ٌة يف غ ِدها ُ
*العراق _
من رش ناس مل ت ُ َخلق من علق من وسوسات باضها اإلمالق يف عش ال َملَق من مبرصين بال جفون أو حدق من شدق خفاش النهار إذا تنهد وانغلق من عاكفني وراكعني وساجدين عىل ورق من رش غلامن القميء الداخلني مع الشهيق املنصتني ملن حبق ورق ورق ورق أحد أنىس األب املفجوع أهوال الك َبد فهذى يكتّم ضحكة ويبجل الند األلد: " املال ...يفديه الولد ! " املال ...يفديه الولد!" ! ال مال بعدك يا بلد ال مال بعدك يا عراق الله يا أحىل بلد فلتحرتق سجادة الشيطان دونك لألبد.
عيد يف زمن كورونا
لبنى رشارة بزي
سالماً أيها العيد بثوب زا ٍه جديد هال أتيت ٍ ُ املرشق الجميل صبا ُحك كعادت ِه يأيت ِ مبتسامً لنا.. يُحيي مكام َن األفراح فينا فهل حمل َْت معك األهازيج والورود َ ٍ ابتسامات كبرية ياما افتقدناها و ٍ وضحكات متألُ الدنيا حبورا؟ أم انّك ألِفت طع َم االحزان مثلنا واخرتت ُركناً عن أع ِني النها ِر قصيّا ها أنت ُّ تدق أبوابَنا بإرصار نفتح صدو َرنا لبهج ِتك الغ ّراء علّنا ُ كل شقاء ُغمض أعي َننا عن ِّ ون ُ األرض ِب ُح َّمى الجاهلية ّ يلف َ نارشا ً بينها رشو َر الهمجيّة ِ رصخات األمل تتعاىل من بي ِنها شتّى ف َها لو ُن الجو ِع يرس ُم لوح ًة ُسريياليّة يف أفُ ِقها قاب قوس ِني أو أدىن و عىل ِ ت َصطَب ُغ السام ُء بألوانِها القامتة كأنّ ا تنذ ُر بإعصا ٍر وفناء حائر ٌة هي النفوس ال تدري أي أرض تواري خوفها ّ فذ ّرات الوباء الحب والحياة قد أفسدت حتى َ طقوس ِّ باستطال ِة طوابريِ الجياع أر َاك أيّها الوباء امل ُفاجىء تغسل األيادي من ال ّدنس لن َ
هذه الفراشة
سناء حاموش
وجناحيها قوس قزح تدور حويل تعلمني عشق الحقول اسمع همسها... واردد يف سكوين ما تقول وتدور تدور من زهرة اىل زهرة تدور ال تتوه عن اريج يفوح تبوح للز هر بأرسار العبور من حرير الرشنقة... إىل والدة من نور وتدور .... ترتاقص نسيام زائر ًا وتعاند ريحا ثائ ًرا وحني يأيت الليل متحو قوس قزح عن جناحيها تلبس بعض القمر وتغيب. يف حديقتي تتض ّوع الزهر يرصد جناحي فراشة .. حني يكتمل الوقت متد جناحيها وتعود
سهام الطرف نزهان الكنعاين
بغري الخشوع ملعنى تفشّ َيك الجارف دون متييز بني ٍ جنس وآخر ..بني أغنيا ٍء وفقراء تحصنني يف ال ِقالع ..بني عرا ٍة يف البِيد و ُم ّ َحت َخ َلل القلوب؟ ّ فهل أصل َ تنفك َ أَيّها العيد الذي ال ّ عنك الصف ُة الرسمية للسعادة يبشنا هل جِئتنا بنبأ ّ بأ ّن املوتَ يف اليمنِ السعيد ِ قد انتهى إىل األبد؟ وا ّن ثور َة الحرمان يف عراقِ الحضارة قد شَ ارفَت عىل النهاية؟ وأ ّن بريوتَ َس َت ِج ُع أ َّم الدنيا بعد أن أثكلَتها الهجر ُة القرسية وهل َحملْت معك حفن َة ياسم ٍني دمشقية اب العروبة لتَن َرثها عىل تر ِ ِ املحيط إىل رشق الخليج؟ من غرب فيفوح عط ُر الكرام ِة الزيكّ َرشت باحة األقىص األسري فجرا ً عاطرا ً وهل ف َ س ّجاد ًةللمصلّني؟ ئت يف بالدنا العربية تنقّل أيّها الزائر ما ِش َ لَملِم أنّات الثكاىل ودمو َع الحزاىن و اجمعها... وح َني تنوي ال ّرحيل ض ْع عليها عنوا َن “ الوطن القضية” وقيارصة القرن الحادي و العرشين الذين عتوا يف األرض ُم ِ فسدين وسلّم األمان َة..أيها العي ُد السعيد املعني بالقض ّية إىل ِّ
دهاليز الحياة زينة الجوهري
عربت دهاليز الحياة ومشيت أفرحتني أحزنتني وروعتني طرت وفوق السحاب حطيت ومن شدة الفرح أبكتني! حلقت رقصت وغنيت وترانيم العشق أهدتني ويف إحدى املطبات حطيت بهوة من الحزن رمتني ... بعزف عىل قيثارة الحب حلمت.. ودهاليز أفكاره حملتني وحطتني!! وعىل هضاب الهوى ارمتيت فتزعزعت تحت قدمي ..وأردتني صارعتها ..عاركتها!.. وحىص"صغرية"أوقفتني نفضت غبار طالسمك ونفيس بنفيس أحييتني داويت جرحي من األمل بإرصار ونزعت شوك الهوى وروحي هدهدتني وطرت فوق السامء مبحبة وجددت روحي التي عشقتني..
سهام الطرف
نزهان الكنعاين
ٍ مبنعطف حورا ُء قد نَظَرت نحوي بالسق َِم منها رمتني لحا ُظ العني َ ِ اإلحساس راغب ًة القلب و َ أصابت َ أراهام ينزفانِ الوج َدَ : نزف دمي أمسيت ُجرحاّ به أشكو الهوى أَلَامّ ُ البوح للمقرونِ باألل َِم ما أجمل َ صويت تَأَ َّو َه باألشجانِ منتحباً النحيب فمي عىل مسامعها يهوى َ يرا ُه معزوف َة األشواقِ عزفت ُه عىل شدا َوتَ ِر الع ّوا ِد بال َنغ َِم أشدو لها ملتقى العينني ُمنعطفاً لعلّها َستَعي ما جا َء يف كَلِمي ُ سهم مقلتها الجرح يب من ِ فتعرف َ يل ديّ ٌة َو َج َبت بالرش ِع وال ِق َي ِم إين أرو ُم إذا ً :من طرفها ِع َوضاً رؤوس املال و ِ عىل ِ الناس واألُ َم ِم لسوف ما أَ َد ُع األحكا َم يُطلقُها قلبي ِ بأغلظ ما يف الدينِ من ق ََس ِم بأ ْن أَ َ ليس يُدركُ ُه نال مناالً َ ّإل فؤا ٌد بليل ِ الوجد مل يَ َن ِم ما إ ْن أىت موع ُد اإلدال ِء ُمحتَ َكامً الصب يف ِعظ َِم قلبي تَلَظّى بنا ِر ِ َ فقال :ال أبتغي منها سوى طَل ٍَب الروح واألحشا َء ُمغتَ َنمي أ ْن تسك َن َ ألجلها نَق ََض َ امليثاق ُمتَّفَقي للفو ِز فيها أنيس الرو ِح يف َسل َِم هذا قرا ُر فؤادي في ِه ُملتَ ِز ٌم رضيت ب ِه اإلقرا َر من َحك َِم كوين ُ
فن
لوحات فن ّية
الفنانة حنان بو حسن
لوحتي بعنوان :أنفاس ترتاقص بروح الشمس الساطعة....
أفتش
نهاد طاطاريان حبيب
ِ األيام املاضية يف صفحات ِ عن رموز رشوق لأليام القادمة أستعني عىل شيفرة رسية اعود لها ألحلل أحداث جرت وطقوس الغجر ونقش الحجر حتى أصبحت... ال أفقه من الواقع شيئاً نصوص ومعاهدات سالم!!! لقطات نادرة فيها الكثري من العجب تلك الرموز واملعادالت قبل آوانها فيها من علم التاريخ ما يوجب الحذر تزخر األماكن بوجوه حائرة قبل أن يباغتني رمش عني دامعة يا صفحات العمر الضائع يف وطن ال يصحو فيه الضمري كُل من مروا هم تجار برش فمتى تصفو لنا الحياة ابحث عن جدول ماء اغسل فيه أحداث املايض ويبقى الرساب رسابا إال أنّه يرسم لنا فسحة أمل// نهاد طاطاريان حبيب
...اندماج ألوان النار واللهب ,لوالدة فصل الربيع ,حيث ينبت بني ثناياه األمل
لوحتي بعنوان :بريوت النبض والحلم
"العدالة اإلله ّية تأخذ مجراها الطبيعي ،عندما ال يبقى هناك خيا ُر آخر يسلكه اإلنسان" "العدالة د .حسن فرحات
ISSN 2694-6025