طائر الفينيق العدد الحادي عشر، شتاء 2021

Page 1

‫طائرالفينيق‬

‫العدد الحادي عرش‪ /‬شتاء‪2021 /‬‬

‫‪Phoenician‬‬ ‫‪Bird‬‬ ‫‪winter Issue 11‬‬ ‫َب ْيوت‬

‫رجل‬ ‫يف خاطري ٌ‬

‫سلامن زين الدين‬

‫د‪ .‬هويدا رشيف‬

‫جائحة كورونا والثّقافة بني اإلبداع‬ ‫والجمود‬

‫ما هي األطعمة الّتي تحتوي عىل‬ ‫الكوالجني؟‬

‫تعرفوا يف هذا العدد مع الدكتور‬ ‫الصيديل‪ :‬ماهرحسن عن‬ ‫اإلنفلونزا‪ ...‬حقائق ومعلومات‬

‫أرسار املرأة الرتقية ورس تف ُّردها‬ ‫بالعزف عىل آلة اإلمزاد التي ُتنع‬ ‫عن الرجل‬

‫بعض الرجال وجودهم رضورة‬ ‫الستمرار الفضيلة‬

‫الحوار الش ِّيق الذي أجراه األستاذ‬ ‫الحوار‬ ‫طارق الكناين‪ :‬مع الشاعر القدير‬ ‫واملبدع ‪:‬حامد الشمري‬

‫د‪ .‬درية كامل فرحات‬

‫مريم باجي‬

‫سليمة مليزي‬

‫عمر شبيل‬

‫مالءايت تبقى دو ًما جافة دون بلل‬

‫أصبحنا غرباء‬

‫حسن عيل البطران‬

‫مليكة مسعود بوربڨة‬

‫أشكلة أفهوم الثقافة الوطنية اللبنانية وتحدياتها الراهنة واملستقبلية‬ ‫د‪.‬ماغي عبيد‬


‫د‪.‬هويدا رشيف‬ ‫د‪.‬در ّية كامل فرحات‬ ‫د‪.‬فاطمة البزال‬ ‫د‪.‬ماغي عبيد‬ ‫د‪.‬هالة أبو حمدان‬ ‫د‪.‬هيبة عبد الصمد‬ ‫د‪.‬رياض الدليمي‬ ‫د‪.‬ليىل محمد سعد‬ ‫د‪.‬باسلة زعيرت‬ ‫د‪.‬نبال رعد‬ ‫د‪.‬طالل الورداين‬ ‫د‪.‬ماهر حسن‬ ‫أ‪.‬عمر شبيل‬ ‫أ‪.‬حكمت حسن‬

‫الهيئة الثقاف ّية‬

‫أ‪.‬حامد خضري الشمري‬ ‫أ‪.‬وفاء يونس‬ ‫أ‪.‬مليكة مسعود بوربڨة‬ ‫أ‪.‬نُهى املوسوي‬ ‫أ‪.‬سليمة مليزي‬ ‫أ‪.‬مريم باجي‬ ‫أ‪.‬سناء حاموش‬ ‫أ‪.‬لبنى رشارة بزي‬ ‫أ‪.‬زينة الجوهري‬ ‫أ‪.‬حسن عيل البطران‬ ‫أ‪.‬زهراء املوسوي‬ ‫أ‪.‬زينب رايض‬ ‫أ‪.‬حسن بو حنان‬


‫طائر الفينيق‬ ‫مجلة أدب ّية‪ ،‬شعريّة‪ ،‬فلسف ّية‪ ،‬فكريّة‪ ،‬متنوعة‬ ‫فصلية‪،‬ص تصدر يف مدينة نيويورك بالواليات األمريك ّية املتحدة‬ ‫‪Magazine Founder: Dr. Hassan A Farhat, MD‬‬ ‫‪Senior Arts Director: Assad Kamran‬‬

‫الهيئة اإلدارية‬ ‫رئيس التحرير د‪ .‬حسن فرحات‬ ‫مريم باجي‪ :‬مراسلة وسفرية املجلة يف املغرب العريب‬ ‫جميع الحقوق محفوظة‬ ‫‪All rights reserved.2021 . No reproduction, copying or‬‬ ‫‪passing without expressed consent from the founder‬‬ ‫‪of magazine. For permission or writing opportunities‬‬ ‫‪please contact:Submissions@7eloarabiamagazine.com‬‬

‫تخصهم وحدهم ال غري‪.‬‬ ‫اآلراء واألفكار املطروحة يف صفحات املجلة من قبل الك ّتاب ُّ‬


‫افتتاحية‬ ‫طائرالفينيق‬

‫رئيس التحرير‪ /‬د‪ .‬حسن فرحات‬

‫شعر‬

‫بكائي ٌة بثوب الحياة‬ ‫عمر شبيل‬

‫َب ْيوت‬

‫سلامن زين الدين‬

‫‪10‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪14‬‬

‫رجل‬ ‫يف خاطري ٌ‬

‫‪21‬‬

‫الحب بنريان القداسة‬

‫‪22‬‬

‫العالمات الصامتة‬

‫‪23‬‬

‫تك القُرب أم أورثتني ال َّتعبا‬ ‫أورثْ َ‬

‫‪24‬‬

‫هيئة إنسان‬

‫‪25‬‬

‫د‪ .‬هويدا رشيف‬

‫د‪ .‬رياض الدليمي‬ ‫نهى املوسوي‬

‫د‪ .‬فاطمة البزال‬

‫حكمت حسن‬


‫ص‬

‫افتتاحية‬

‫املحتويات‬

‫طائرالفينيق‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫د‪ .‬حسن فرحات‬

‫بكائي ٌة بثوب الحياة‬ ‫عمر شبيل‬

‫فلسفة‬ ‫أشكلة أفهوم الثقافة‬ ‫الوطنية اللبنانية وتحدياتها‬ ‫الراهنة واملستقبلية‬ ‫د‪.‬ماغي عبيد‬

‫شعر‬

‫بَ ْيوت‬ ‫سلامن زين الدين‬

‫فن‬ ‫اللوحات الثالث‬ ‫بريشة الفنانة‬ ‫حنان بوحسن‬

‫العب بنريان القداسة‬ ‫د‪ .‬رياض الدليمي‬ ‫هيئة إنسان‬ ‫حكمت حسن‬

‫د‪ .‬فاطمة البزال‬

‫ما يل أراك‬ ‫لبنى رشارة‬

‫آه ‪..‬لو كان األم ُر يل‬ ‫الكاتبة وفاء يونس‬

‫ومىض‬ ‫نبال رعد‬

‫اصبحنا غرباء‬ ‫مليكة مسعود بوربڨة‬

‫الحبيب‬ ‫زينه الجوهري‬

‫دوي ذاك الدوي‬ ‫سناء الحاموش‬

‫أورثْتكَ القُرب أم أورثتني التَّعبا‬

‫ويبقى األمل‬ ‫زهراء املوسوي‬

‫بعض الرجال وجودهم‬ ‫رضورة الستمرار الفضيلة‬ ‫عمر شبيل‬

‫ظواهر أسلوبية يف شعر ارسار املراة الرتقية ورس‬ ‫َّ‬ ‫تفردها بالعزف عىل آلة‬ ‫زهرة الحر‬ ‫د‪ .‬ليىل محمد سعد االمزاد التي متنع عن‬ ‫الرجال سليمة مليزي‬ ‫بريوت‪ ،‬الكتاب‪ ،‬االنفجار‬ ‫عمر شبيل‬ ‫مطالعة يف كتاب ‪ :‬شذرات‬ ‫من خطاب محب‬ ‫حكمت حسن‬

‫اللغة العربية وآفاق‬ ‫النهوض‬ ‫د‪ .‬طالل الورداين‬ ‫الشاعر جوزيف حرب‬ ‫د‪ .‬فاطمة البزال‬ ‫قصص قصري ًة جدًا‬ ‫حسن عيل البطران‬

‫الصيديل الدكتور ‪ :‬ماهر حسن‬

‫تغذية وجامل‬ ‫ماهي األطعمة التي‬ ‫تحتوي عىل الكوالجني؟‬ ‫مريم باجي‬

‫أقالم واعدة‬

‫أدب‬ ‫آذان الحكام لها حيطان جائحة كورونا والثّقافة بني‬ ‫اإلبداع والجمود‬ ‫د‪ .‬هالة أبو حمدان‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬درية كامل فرحات‬

‫صحة‬ ‫اإلنفلونزا ‪...‬حقائق‬ ‫ومعلومات‬

‫العالمات الصامتة‬ ‫نهى املوسوي‬

‫حوارات‬ ‫حوار مع الشاعر‬ ‫حامد الشمري‬ ‫طارق الكناين‬

‫يف خاطري رجل‬ ‫د‪ .‬هويدا رشيف‬

‫ع‬

‫املواطنية‬ ‫مريم أحمد إختيار‬ ‫العــودة إىل الجـــذور‬ ‫د‪ .‬هيبة عبد الصمد‬

‫املواطنة‬ ‫مروى محمد عباس‬

‫املواطن‬ ‫مجد عبد الله‬ ‫الصفدي‬ ‫املواطنه عرب تحمل‬ ‫املسؤولية‬ ‫ماريه عيل سيف‬

‫سكينتي‬ ‫د‪ .‬هويدا رشيف‬ ‫الصباح‬ ‫بانتظار ّ‬

‫زاوية اللغة‬

‫باسلة زعيرت‬ ‫م ّروا يف البال‬ ‫زينب رايض‬

‫أحرف الجواب‬

‫أرسة التحرير‬


‫فلسفة‬

‫أشكلة أفهوم الثقافة الوطنية اللبنانية وتحدياتها الراهنة‬ ‫واملستقبلية‬ ‫د‪ .‬ماغي عبيد‬

‫أدب‬

‫‪40‬‬ ‫‪40‬‬

‫بعض الرجال وجودهم رضورة الستمرار الفضيلة‬

‫‪55‬‬ ‫‪55‬‬

‫آذان الحكام لها حيطان‬

‫‪56‬‬

‫جائحة كورونا والثّقافة بني اإلبداع والجمود‬

‫‪59‬‬

‫العــودة إىل الجـــذور‬

‫‪62‬‬

‫ظواهر أسلوب َّية يف شعر زهرة الحر‬

‫‪67‬‬

‫ارسار املراة الرتقية ورس تفردها بالعزف عىل آلة االمزاد التي‬ ‫متنع عن الرجل‬

‫‪94‬‬

‫عمر شبيل‬

‫د‪ .‬هالة أبو حمدان‬

‫أ‪.‬د‪ .‬درية كامل فرحات‬ ‫د‪ .‬هيبة عبد الصمد‬

‫د‪ .‬ليىل محمد سعد‬

‫سليمة مليزي‪ /‬الجزائر‬


‫ما يل أراك‬

‫‪28‬‬

‫آه ‪..‬لو كان األم ُر يل‬

‫‪29‬‬

‫ومىض‬

‫‪31‬‬

‫لبنى رشارة‬

‫الكاتبة وفاء يونس‬ ‫نبال رعد‬

‫اصبحنا غرباء‬

‫مليكة مسعود بوربڨة‬

‫الحبيب‬

‫زينه الجوهري‬

‫‪32‬‬ ‫‪33‬‬

‫دوي ذاك الدوي‬

‫‪34‬‬

‫ويبقى األمل‬

‫‪36‬‬

‫صحة‬

‫‪38‬‬ ‫‪38‬‬

‫سناء الحاموش‬

‫زهراء املوسوي‬

‫اإلنفلونزا ‪ ...‬حقائق ومعلومات‬

‫الصيديل الدكتور ‪ :‬ماهر حسن‬


‫حوارات‬

‫حوار مع الشاعر حامد الشمري‬

‫طارق الكنان‬

‫أقالم واعدة‬

‫املواطنة‬

‫مروى محمد عباس‬

‫املواطن‬

‫مجد عبد الله الصفدي‬

‫املواطنة‬

‫مريم أحمد إختيار‬

‫‪118‬‬ ‫‪118‬‬ ‫‪121‬‬ ‫‪121‬‬ ‫‪123‬‬ ‫‪124‬‬

‫املواطنه عرب تحمل املسؤوليه‬

‫‪125‬‬

‫اللوحات الثالث بريشة الفنانة‬

‫‪127‬‬ ‫‪127‬‬

‫ماريه عيل سيف‬

‫فن‬

‫حنان بوحسن‬

‫زاوية اللغة‬ ‫أحرف الجواب‬ ‫أرسة التحرير‬

‫‪130‬‬ ‫‪130‬‬


‫سكينتي‬

‫د‪ .‬هويدا رشيف‬

‫بريوت‪ ،‬الكتاب‪ ،‬االنفجار‬ ‫عمر شبيل‬

‫‪96‬‬ ‫‪98‬‬

‫اللغة العربية وآفاق النهوض‬

‫‪100‬‬

‫الصباح‬ ‫بانتظار ّ‬

‫‪102‬‬

‫مطالعة يف كتاب ‪ :‬شذرات من خطاب محب‬

‫‪103‬‬

‫الشاعر جوزيف حرب‬

‫‪106‬‬

‫م ّروا يف البال‬

‫‪109‬‬

‫د‪ .‬طالل الورداين‬ ‫باسلة زعيرت‬

‫حكمت حسن‬

‫د‪ .‬فاطمة البزال‬ ‫زينب رايض‬

‫جدا‬ ‫قصص قصري ًة ً‬

‫‪112‬‬

‫تغذية و جامل‬

‫‪116‬‬ ‫‪116‬‬

‫حسن عيل البطران‬

‫ماهي األطعمة التي تحتوي عىل الكوالجني‬ ‫مريم باجي‬


‫ما العم ُر‪ ،‬ما نحن‪ ،‬ما معنى العبـور به أليـس أ ّولُـــ ُه وهـمــــاً وآخــ ُر ُه؟‬ ‫حتى ولـو َ‬ ‫نـلـبــس ُه َرث ّـاً ومهتــــرِئـــــــاً‬ ‫زال بالـتـرقيعِ أكثـ ُر ُه‬ ‫نظـل‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫وكـلّـمــــا من ُعـرا ُه َح َّـل واحــد ًة‬ ‫هذا الحطا ُم الذي قد ُس َّن من َح َ ٍ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫رواحـلُـنـا‬ ‫إ َّن الــذي تـتـح ّرا ُه‬

‫ظل َ‬ ‫طوال العم ِر خمرت َنا‬ ‫والوه ُم َّ‬ ‫يا عا ُم َ‬ ‫أرثيك‪ ،‬ك ّنا يف الطريق معاً‬ ‫ينطق يب‬ ‫فإ ْن َرث َ ْيتُ َك كان‬ ‫الجرح ُ‬ ‫ُ‬ ‫قلـــب يف جنــازتِــــ ِه‬ ‫فكم مت ّر َد‬ ‫ٌ‬ ‫شئت يا ق َدري‬ ‫ُخ ِذ‬ ‫الطريق إذا ما َ‬ ‫َ‬ ‫ّأن تشائني كوين ِ‬ ‫أنت يا ط ُرقي‬ ‫نزيف والضيا ُء به‬ ‫وهل يُوارى ٌ‬

‫ظل من عم ٍر نُـ َز ِّر ُر ُه‬ ‫رحنا مبا ّ‬ ‫من طني أجسادنا كانت مقاب ُر ُه‬ ‫الناس أَنْ ُه ُر ُه‬ ‫هو الرساب وتغري َ‬ ‫رص ُه‬ ‫نَسقي ونُسقَى وت ُغرينا معا ُ‬ ‫ُ‬ ‫الدرب تزج ُر ُه‬ ‫حقوق‬ ‫بعض ال َعدا ِء‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫والجرح يبدو عىل ِ‬ ‫الس ِّك ِني آث َ ُر ُه‬ ‫ُ‬ ‫شوقاً إىل خنج ٍر قد كان ينح ُر ُه‬ ‫ِ‬ ‫باملوت آخ ُر ُه‬ ‫والدرب ليس يُرى‬ ‫ُ‬ ‫الدرب أخط ُر ُه‬ ‫ومنجى‪ ،‬فأغىل‬ ‫أذى‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫وسال َ‬ ‫الدرب أطه ُر ُه!!‬ ‫هموم‬ ‫فوق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫شع ر‬

‫عمر شبيل‬

‫بكائي ٌة بثوب الحياة عىل ج ّث ِة ‪2021‬‬


‫ا‬

‫حية‬ ‫فتتا‬

‫طائر الفينيق‬

‫رئيس التحرير‪ /‬د‪ .‬حسن فرحات‬

‫تعب عن عودة الحياة إىل الطائر املحرتق يف رحلة رمزية لطائر‬ ‫أسطورة طائر كانت ِّ‬ ‫احرتق عشه ثم ُولِ َد من الرماد طائر آخر لتجديد الحياة‪ ،‬وهكذا تكون الوالدة‬ ‫حالة إعادة الحياة يف أشياء الطبيعة كلها‪ .‬وكان لهذه األسطورة داللةترمز لعدم‬ ‫الرضوخ للموت‪ ،‬وإن كان املوت عند الفينيق هو مرحلة من مراحاللحياة تعتمد‬ ‫عىل البناء وتحدي الفناء‪.‬‬ ‫خطرت يل عوامل هذه األسطورة الفينيقية‪ ،‬وأنا أجمع موا ّد مجلة طائر الفينيق‬ ‫ألصدر عددها الجديد‪ ،‬وعرفت من رمزية األسطورة أن هذه املجلة يجب أالّ متوت‪،‬‬ ‫وشدتني إىل الحياة رغم الصعوبات التي يشهدها العامل‪،‬وهي ت ِ‬ ‫حطب األوبئة‬ ‫ُحض‬ ‫َ‬ ‫والجشع املادي إلحراق كل املنجزات التي بناها اإلنسان يف عمره الحضاري املنطلق‬ ‫من بدء الكينونة وحتى احرتاق آخر صفحة يف كتاب يدعو إىل إعامر الحياة‬ ‫وتشييد البناء الذي يحتوي عىل كل إبداعات الوجود‪ .‬ال بد من الفينيق‪ ،‬وال بد لشواطئ فينيقيا التي يتكئ عىل شواطئها وطني من أن تعبق‬ ‫بالحياة ثانية لرنى باخرة قدموس آخر يعلم أوروبا الكتابة والقراءة‪ ،‬وال بد من جربان خليل جربان لتُتْىل مزامري “نب ِّيه” يف تلك البالد التي يجب أن‬ ‫تعود إليها الروح ليتساوى سري اإلنسان عىل جرس نعربه شئنا أم أبينا‪ .‬ستبقى مجلة الفينيق مجلتكم يا أحبتي وستبقى الثقافة وحدها دربنا‬ ‫الجتياز الظالم الذي تفرشه الرشور عىل دروبنا‪ .‬سيبقى الضوء دليلنا ألن الله “نور الساموات واألرض”‪ .‬وسنبقى محرضني عىل مواجهة كل ما‬ ‫يعيق السالم الكوين الذي نسعى إليه لتسود العدالة واملساواة عىل األرض التي أحرقها قابيل يوم قتل أخاه هابيل‪.‬‬ ‫ونغتنم الفرصة يف افتتاحية هذا العدد من املجلة ‪ ،‬ونحن جميعا نواجه جائحة فريوسية سببها فريوس كورونا املتجدد( كوفيد‪ )19-‬الذي اجتاح‬ ‫كل بقعة يف هذا الكون ‪ ،‬والذي حصد أرواحا كثرية ‪ ،‬ودم ّر االقتصاد العاملي ‪ ،‬وال زال يفتك بأرواح الناس ‪ ،‬عىل أمل أن اللقاحات املص ّنعة يف بعض‬ ‫الكل ‪ ،‬للح ِّد من انتشار هذا الوباء الفتّاك ‪ ،‬وال ننىس أحبة لنا فقدناهم ج ّراء اصابتهم بالفريوس‬ ‫الدول ‪ ،‬تكون ذا فاعلية طويلة األمد ويف متناول ِّ‬ ‫اللعني ‪ ،‬وال ب ّد من توجيه التحية للجيوش البيضاء الذين يقفون يف الخطوط االماميّة للتصدي لهذا العدو الغري مريئ‪ .‬ونسأل الله الشفاه العاجل‬ ‫لالطباء واملمرضني وجميع املصابني الذين يعانون من أعراض الكورونا ومنهم من حالتهم حرجة ‪ ،‬والرحمة والغفران للذين توفوا نتيجة مضاعفات‬ ‫حتمي عىل هذا العدو ‪ ،‬واىل موعد اعالن خالء البرشية منه‪ ،‬ال ب ّد لنا‬ ‫هذا الفريوس والصرب والسلوان الهاليهم وذويهم ومحبيهم ‪ .‬نأمل بانتصار‬ ‫ِّ‬ ‫التمتع بروح الوعي واملسؤولية االخالقية واالنسانية واالميان ّية‪ ،‬واالخذ بالتوصيات الطب ّية التي تصدر عن الهيئات الصحة العاملية واملحلية فيام‬ ‫يتعلق بالوقايّة للح ِّد من االنتشار الواسع وامل ّدمر لفريوس كورونا املتج ِّدد»‬


‫وكل أمنـيـ ٍة كانـت تساورنا‬ ‫ُّ‬

‫َس َّوتْ مقاب َرنا ك ْوناً نُ َع ِّم ُر ُه‬

‫ُ‬ ‫تكس ُه‬ ‫جلجامش ُع ُمرا ً وقر ُن “ثور السام”‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫يف السور قد صاغها‬ ‫“أوروك” ِ ُ‬ ‫وراح مي ُخ ُر بحرا ً للخلو ِد عىل‬ ‫َ‬

‫وهم وكانت ميا ُه ِ‬ ‫املوت مت ُخ ُر ُه‬ ‫ٍ‬ ‫خيلِ الزمانِ ‪ :‬أنا مويت سأع ُرب ُه‬

‫واحتازها املتنبي وهو يرص ُخ يف‬ ‫عمى‬ ‫ِْ‬ ‫ور ّدها عن ره ِني‬ ‫املحبسي ً‬

‫عم ُر العباق ِر ليس املوتُ يُ ِ‬ ‫بص ُه‬

‫والق ُرب يف دير “مار رسكيس” تُ ْخ ِصبُ ُه‬

‫بحب ال يُغاد ُر ُه‬ ‫“سلمى كرامي” ٍ‬ ‫أخصب الق َرب‪ ،‬وال ِق ّمتُ تَ ْنط ُر ُه‬ ‫ما‬ ‫َ‬

‫ِ‬ ‫املوت يابس ٌة‬ ‫وحولَ ُه شجراتُ‬

‫وليس فيه سوى ضو ٍء يعاق ُر ُه‬

‫قلــب الل ِه حانتَـ ُه‬ ‫“نَـ ِبـِيُّـ ُه” كــان‬ ‫ُ‬ ‫عت‬ ‫روح األلوه ِة من فَ ّخارِنا ُص ِن ْ‬ ‫ُ‬

‫اليـبـرح الل ُه شيئاً‪ ،‬وهو ِ‬ ‫فاخ ُر ُه‬ ‫ُ‬

‫فأس َك َر ُه‬ ‫َس َكبْ ُت حبّي عىل جرحي ْ‬

‫ِ‬ ‫عاص ُه‬ ‫والك ْر ُم يسكبُ ُه يف‬ ‫الكأس ِ ُ‬

‫رأيت موتاً يعاين من جنازتِـ ِه‬ ‫ُ‬

‫يرج املوتَ يع ُرب ُه‬ ‫فقلت ٌ‬ ‫ُ‬ ‫جيل ُّ‬

‫سل ْكتُــ ُه أ َّمتي كانت بال قـ َد ٍم‬

‫تهفو إىل وطنٍ أغنا ُه أفق ُر ُه‬

‫يشمت يب جسمي وأزج ُر ُه‬ ‫كل ما يحوي دمي وفمي واليو َم‬ ‫أعطيْتُها َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫جفاف به‬ ‫وقلت‪ :‬إ ّن رساباً ال‬ ‫ُ‬

‫َّت مواط ُر ُه‬ ‫ُّ‬ ‫يظل يغري فامً َجف ْ‬

‫‪1/15/2021‬‬ ‫*****‬


‫وال عـنــا ٍد بال َهــ ٍّم يُسامــٍ ُر ُه‬ ‫وراح يحنو عىل جرحي ويغ ُم ُر ُه‬ ‫ُ‬ ‫أواص ُه‬ ‫أشتاق‪ ،‬والعم ُر قد ُحل َّْت ِ ُ‬

‫تعـب‬ ‫أ َرقْتُ ُه‪ ،‬مل أنَـ ْم يوماً بــال ٍ‬ ‫وكنت أصحو إذا ما زارين وطني‬ ‫ُ‬ ‫نـذرتُ عمـري ألشواقٍ ‪ ،‬فهـا أنـذا‬ ‫وكنت أريث ملن مل يَ ْص ُف جوه ُر ُه‬ ‫أح َب ْب ُت يف غربتي حتى األُىل ظَلَموا‬ ‫ُ‬ ‫النزيف يعاين من غزارتِــــــــ ِه فـلـيس يـجـمـ ُعــ ُه إالّ تـفـ ّجــ ُر ُه‬ ‫د ِع‬ ‫َ‬ ‫والده ُر يُ ْس ِك ُرين حيناً وأُ ْس ِك ُر ُه‬ ‫و ّز ْع ُت حزين عىل الدنيا فأث َملَها‬ ‫ِ‬ ‫رس ُه‬ ‫والعم ُر أجد ُر ُه‬ ‫خطوب ب ِه‬ ‫أعشق العم َر سهالً ال‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫باملوت أي ُ‬ ‫تأس ُه‬ ‫والقلب‬ ‫والروح ال تكتيس إالّ إذا َع ِريَ ْت‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يصبح ح ّرا ً حني ُ ُ‬

‫عيني أنـ ُهــ ُر ُه‬ ‫هذا الحن ُني الذي تطغى مناب ُع ُه‬ ‫قد كان تنبع من َّ‬ ‫علم الش ُّط‪ ،‬يف صدري بواخ ُر ُه‬ ‫شعاً ُسفُني ولْ َي ِ‬ ‫ورغ َم هذا سأبقى ُم ْ ِ‬ ‫رسه‬ ‫ال يش َء يع ُرب يف جرحي سوى د ِم ِه‬ ‫ُ‬ ‫روح األلوه ِة فيه وهو يك ُ‬ ‫قيس من ليال ُه ُ ْيط ُر ُه‬ ‫ال ُ ْي ِر ُع‬ ‫الحب يف الت ْوبا ِد من مط ٍر إن مل يك ْن ُ‬ ‫ُّ‬ ‫فرحت أرشبُ ُه والدهــ ُر يعرص ُه‬ ‫دنا‪ ،‬وناولني حزناً ألرشبَــــــ ُه‬ ‫ُ‬ ‫ض الحزن يف األرواح أنْ َد ُر ُه‬ ‫تحس أحزاناً مجرب ًة‬ ‫وقال‪ :‬ال ُ‬ ‫فأنْ َ ُ‬ ‫فقلت له ْم خذوا ِ‬ ‫الضام َد‪ ،‬فجرحي ال أغ ِّ َُي ُه‬ ‫هم خاصموين عىل جرحي‬ ‫ُ‬ ‫رس ُه‬ ‫والجرح‬ ‫ورحت أميش‪ ،‬وجرحي يف الطريق معي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يصبح جرحاً حني تخ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫“جلجامش” قد كان يف جسدي مييش إىل ج ِّد ِه واملوتُ ينط ُر ُه‬ ‫وألف‬ ‫ُ‬ ‫طالت تغاد ُر ُه‬ ‫أ ّن الحياة وإ ْن‬ ‫ومل تك ْن حا ُن “سيدوري” لتُ ْق ِن َع ُه‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫“أوروك” للدنيا تُ َع ِّمر ُه‬ ‫وسو ُر‬ ‫قد م َّر منك عىل الدنيا ف ٌم ود ٌم‬ ‫“ننسو ُن” أمك كم غ ّذت َْك من دمها لكنام املوتُ يف اإلنسانِ جوه ُر ُه‬ ‫عنك عىل الف ّخا ِر ملحم ًة مل تُبْ ِق َ‬ ‫قرأتُ َ‬ ‫منك سوى ط ٍني ت َُس ِّو ُر ُه‬ ‫لك ّن أمني ًة َرف ّْت عىل ج َد ٍث تعلو عىل القرب والحفّا ُر يحف ُر ُه‬ ‫رض ُه خصباً مجام ُر ُه‬ ‫بنت لهف ِتنا‬ ‫يا ُع ْم ُر‪ ،‬إ َّن األماين ُ‬ ‫ُ‬ ‫والقلب أن ُ‬


‫(‪)2‬‬ ‫وت‪ ،‬يَ ْعرو ُه الظَّام ُء‬ ‫ال َب ْح ُر‪ ،‬يا بَ ْي ُ‬ ‫إىل َم ِ‬ ‫نارات امل ُ ُد ْن‪،‬‬ ‫روح يُ ْغر ُِق َم َّد ُه َوال َج ْز َر‬ ‫َويَ ُ‬ ‫يف أنْوارِها‪،‬‬ ‫َج ْري ًـا عىل نَ ْه ِج ال ُبحو ْر؛‬ ‫موح‬ ‫ف َُيا ِو ُد امل َ ُّد ال َج ُ‬ ‫ُصخو َر ِك الشَّ ّم َء‬ ‫ِ‬ ‫تاريخ ِك امل َ ْحفو ِر‬ ‫ع ْن‬ ‫الصخو ْر‪،‬‬ ‫يف ُص ِّم ُّ‬ ‫َويُرا ِو ُد ال َج ْز ُر ال َخ ُ‬ ‫جول‬ ‫رِمال َِك الشَّ قرا َء َع ّم َخ َّبأتْ ُه‬ ‫م ْن ِح ِ‬ ‫كايات ال ُعصو ْر‪،‬‬ ‫َويَعو ُد ك ٌُّل م ْن ُهام ِب ِقالد ٍة‬ ‫يَ ْزهو بِها جِي ُد ال َّز َم ْن‪.‬‬


‫بَ ْيوت‬

‫سلامن زين الدين‬

‫(‪)1‬‬

‫اللَّ ْي ُل أطْ َو ُل‬ ‫م ْن قَناديلِ الكَال ْم‪،‬‬ ‫يح‪ ،‬يا بَ ْيوتُ ‪ ،‬أ ْعتى‬ ‫َوال ِّر ُ‬ ‫ِ‬ ‫أناشيد املَطَ ْر‪.‬‬ ‫م ْن‬ ‫الس َف ْر‬ ‫م ْن أيْ َن يل لُ َغ ٌة ُم َج َّن َح ُة َّ‬ ‫ت َ ْرقى إىل َجلَلِ املَقا ْم؟‬ ‫الص ْم ُت باتَ َجر َمي ًة ال تُ ْغتَ َف ْر‪.‬‬ ‫َو َّ‬ ‫الم‬ ‫َوأنا أُ َح ّد ُق يف الظَّ ِ‬

‫َوال أرى‪،‬‬ ‫يح تَذْروين كَأوراقِ الشَّ َج ْر‪.‬‬ ‫َوال ّر ُ‬ ‫الص ْم ُت‪ ،‬يا بَ ْيوتُ ‪ ،‬يَف َْتِ ُع الظَّال َم‪،‬‬ ‫ال َّ‬ ‫يح ال َغرا ْم‪.‬‬ ‫َوال الكَال ُم يُطار ُِح ال ّر َ‬ ‫لك َّن َص ْوت َِك ِ‬ ‫ساط ٌع‪،‬‬ ‫َو َد ِو َّي َص ْم ِت ِك يُ ْو ِق ُظ ال ُّدنيا‬ ‫عىل َص ْو ِت ال َخطَ ْر‪.‬‬


‫(‪)4‬‬ ‫وت‪ ،‬أك َ ُْب‬ ‫ال َخطْ ُب‪ ،‬يا بَ ْي ُ‬ ‫م ْن قَصائِ ِدنا الّتي ت َ ْج َ ُّت أ ْح ُرفَها‪،‬‬ ‫َوتَشْ َه ُر َع ْج َزها الشِّ ْعر َِّي‬ ‫يف سا ِح الكَال ْم‪.‬‬ ‫بريوت‪ ،‬أ ْع َم ُق‬ ‫َوال ُج ْر ُح‪ ،‬يا‬ ‫ُ‬ ‫طاب عا ِب ٍر يَطْفو عىل‬ ‫م ْن ِخ ٍ‬ ‫َسطْ ِح ال َّندا َم ِة َوالتَّفا َه ِة َواملَال ْم‪.‬‬ ‫امت‬ ‫ْ‬ ‫هل تَق ِْد ُر ال َكلِ ُ‬ ‫أ ْن ت ُ ْحيي َمالكًا طا ِه ًرا‬ ‫أ ْودى ِب ِه َغ ْد ُر اللِّئا ْم؟‬ ‫هل تُ ْر ِج ُع ال ُخطَ ُب ال َبلي َغ ُة‬ ‫ْ‬ ‫لِلْ َمدي َن ِة َس ْن َدرا األنْقى‬ ‫م َن اللَّ ْو ِز الشَّ ِ‬ ‫فيف‪،‬‬ ‫عىل ذُرى نَ ْيسا َن‪،‬‬ ‫السال ْم؟ (‪)1‬‬ ‫يف ُع ْر ِس َّ‬ ‫ميل أبًا‬ ‫هل يُ ْر ِج ُع الشِّ ْع ُر ال َج ُ‬ ‫اس الّذي ما َ‬ ‫زال يَأْ ُم ُل‬ ‫لِ َع ّب َ‬ ‫َع ْو َد َة ال َح ّم ِل م ْن ت َ ْح ِت ال ُّركا ْم؟ (‪)2‬‬ ‫َم ْن يُ ْخ ِم ُد ال َج ْم َر الَّذي‬ ‫يك رامي‬ ‫أ لْقى ِب ِه ال َك ْع ُّ‬ ‫ُلوب ِ‬ ‫أح َّب ٍة َدأبوا عىل‬ ‫يف ق ِ‬


‫(‪)3‬‬ ‫وت‪،‬‬ ‫الب‪ ،‬يا بَ ْي ُ‬ ‫َو َ ُّ‬ ‫خيل‪،‬‬ ‫يَ ْف ِت ُن ُه ال َّن ُ‬ ‫َويَ ْستَ ِب ُّد ِب ِه ال َحن ُني‬ ‫إىل َم ِ‬ ‫قامات الشَّ َج ْر‪،‬‬ ‫وح يَ ْنشُ ُد وا َح ًة‬ ‫ف َ​َي ُ‬ ‫التحا ِل‬ ‫يُلْقي َعصا َّ ْ‬ ‫ت َ ْح َت ِظاللِها‬ ‫َويَ ُ‬ ‫ذوق شَ ْه َد التَّ ْم ِر‬ ‫خيل‪،‬‬ ‫يف كَ َن ِف ال َّن ْ‬ ‫س ُج َخ ْيلَ ُه‬ ‫روح يُ ْ ِ‬ ‫َويَ ُ‬ ‫عن ال ُّرطَ ِب ال َج ِن ِّي‬ ‫بَ ْحثًا ِ‬ ‫َوع ْن َع ِ‬ ‫ناقيد املَطَ ْر‪.‬‬ ‫روب إلَ ْي ِك‪،‬‬ ‫وإذا ال ُّد ُ‬ ‫ّالت أ ْح ِص َن ٍة‬ ‫وت‪ ،‬شَ ال ُ‬ ‫يا بَ ْي ُ‬ ‫َوأَنْها ٌر ِلَ ْع ِ‬ ‫هيل‪.‬‬ ‫الص ْ‬ ‫راس َّ‬


‫َوالتَّفْج َري َوالتَّ ْدم َري َوالتَّ ْهج َري‪،‬‬ ‫تاح املَكا ْن‪.‬‬ ‫يَ ْج ُ‬ ‫(‪)6‬‬ ‫عام‪،‬‬ ‫م ْن أ ل ِْف ٍ‬ ‫يَ ْن َبي ِ‬ ‫ض امل ُ َق َّد ُس‪،‬‬ ‫الخ ْ ُ‬ ‫كُلَّام آ َن األوا ْن‪،‬‬ ‫األص ِّم‪،‬‬ ‫َويُعاج ُِل التِّ ِّن َني بِال ُّر ْم ِح َ‬ ‫ِبطَ ْع َن ٍة نَ ْجال َء يَ ْح َفظُها ال َّزما ْن‪.‬‬ ‫أص ُّم يَشَ ُّك ُه‪،‬‬ ‫فَلِك ُِّل تِ ِّن ٍني َ‬ ‫ض ُر ْم ُح ُه‪،‬‬ ‫َولِك ُِّل ِخ ْ ٍ‬ ‫إ ْن شَ َّك ُه يف ث َ ْو ِب تِ ّن ٍني لَع ٍني‬ ‫السدى‪.‬‬ ‫َم َّز َق ال ُّر ْم ُح َّ‬ ‫(‪)7‬‬ ‫وت‪َ ،‬ع ْن ِك‬ ‫فَلْتَ ْنفُيض‪ ،‬بَ ْي ُ‬ ‫غُبا َر إ ْعصا ِر ال َّردى‪،‬‬ ‫عوم‪،‬‬ ‫َولْتَ ْن َهيض م ْن َصلْب ِ​ِك امل َ ْز ِ‬ ‫َمث َْل إلَ َه ٍة‪،‬‬ ‫َالصل َْب تُ ْع ِق ُب ُه ال ِقيا َم ُة َوال َّندى‪.‬‬ ‫ف َّ‬ ‫ض ِك كُلَّام‬ ‫َس َنكو ُن ِخ ْ َ‬ ‫التِّ ِّن ُني غا َد َر كَ ْه َف ُه‪.‬‬ ‫الصدى‪.‬‬ ‫َس َنكو ُن‪ ،‬إ ْن َص ْو ٌت َعال‪َ ،‬ر ْج َع َّ‬


‫إ ْخام ِد َج ْم ِر اآل َخري َن؟‬ ‫الصغ َري َة‬ ‫َو َم ْن يُلَ ّق ُن د َمي َة ال َب ْي ِت َّ‬ ‫بَ ْع َض ْأسا ِر ال َغام ْم؟ (‪)3‬‬ ‫ّأن لِ ِجلْب َري امل ُ َع ّنى‬ ‫أ ْن يَ َّ‬ ‫روس ُه‪،‬‬ ‫زف َع َ‬ ‫أ ْو أ ْن تُسا ِم َر ُه َس َح ْر؟‬ ‫روس ُحلْ َوةٌ‪،‬‬ ‫َو َس َح ْر َع ٌ‬ ‫ما الشَّ ْم ُس يف َريْعانِها؟‬ ‫َوما ال َق َم ْر؟‬ ‫عاث َْت بِها ك َُّف الظَّال ْم‪)4( .‬‬ ‫وت‪،‬‬ ‫بَ ْي ُ‬ ‫إ َّن كَال َمنا ُع ْه ٌر‪،‬‬ ‫َو إ َّن ِخطابَنا كُ ْف ٌر‪،‬‬ ‫َو إ َّن قَصي َدنا نَ ْ ٌث‪،‬‬ ‫فَام َج ْدوى الكَال ْم؟‬ ‫(‪)5‬‬ ‫عام‪،‬‬ ‫م ْن ألف ٍ‬ ‫يَ ْربُ ُض التِّ ِّن ُني ِ‬ ‫داخ َل كَ ْه ِف ِه‬ ‫ُم َ َتبِّ ًصا ب ِ​ِك‪ ،‬يا أم َريتَنا‪ ،‬ال َّدوائِ َر‪،‬‬ ‫ُمطْلِقًا لِ ُخ ُيو ِل ظُلْ َم ِت ِه ال ِعنا ْن‬ ‫يَتَ َق َّم ُص ال ِّزل َ‬ ‫ْزال َواإل ْعصا َر‬


‫رجل‬ ‫يف خاطري ٌ‬

‫د‪ .‬هويدا رشيف‬

‫رجل‬ ‫يف خاطري ٌ‬ ‫ليس كالرجال‬ ‫هبط من الغيمة‬ ‫الزرقاء وحياً‬ ‫مخض الربيع ّيف‬ ‫يوم الثناء‬ ‫يف خاطري هب ٌة عط ّي ٌة هديّ ٌة‬ ‫أحيت قلباً حزيناً مستاء‬ ‫رشب خمر الندى‬ ‫من شفتني حمراوتني‬ ‫روت سنيني العطشاء‬ ‫يف خاطري‬ ‫أم ٌري من بيلسان‬ ‫غربل حرر قشور األمل‬ ‫غمر أرسار قلبي‬ ‫بألوان العطاء‬ ‫يف خاطري‬ ‫عب ٌري ملتهب‬ ‫أمثر عمري‬ ‫بالطأمنينة واألماين‬ ‫بالحب والوفاء‬ ‫ّ‬ ‫يف خاطري‬ ‫روح تراقص أذين‬ ‫ٌ‬ ‫بأجمل الكلامت‬ ‫وعبارات الحياء‬

‫أنت فكريت املطلقة‬ ‫التي تطوف يف نور الشمس‬ ‫وتطفو عىل وجه البحار‬ ‫وتسعى يف الليايل املقمرة‬ ‫لتدفء نفيس‬ ‫من برد الشّ تاء‬ ‫ناديتني بااليقونة بالشّ قية‬ ‫بالجنية باملالك‬ ‫أناديك بال ّروح‬ ‫وال ّدم وال ّنفس العلياء‬ ‫يف خاطري‬ ‫أنت آدم‬ ‫وإن ما كان قبيل رساب‬ ‫كل ما كان قبلك‬ ‫فإن ّ‬ ‫محض هراء‬ ‫فيك ق ّويت‬ ‫ومنك شغفي‬ ‫السامء‬ ‫وبك ارتقيت ّ‬ ‫يا شيزوفرينيا حرويف‬


‫(‪)8‬‬ ‫وت‪،‬‬ ‫بَ ْي ُ‬ ‫ص‪،‬‬ ‫يا َعشْ تا َر هذا ال َع ْ ِ‬ ‫يا َو َجعي القَدي َم‪،‬‬ ‫عىل ال َّزما ْن‪.‬‬ ‫ال تَ ْج َزعي يا ُحلْ َويت‬ ‫فَأَدونُ ِك امل َ ْغدو ُر ٍ‬ ‫آت بَ ْغتَ ًة‬ ‫لِ ُيطَ ِّه َر ال َح َر َم امل ُ َق َّد َس‬ ‫م ْن َخنازي ِر املَكا ْن‪.‬‬ ‫ْص‬ ‫َواللَّ ْي ُل‪ ،‬يا بَ ْي ُ‬ ‫وت‪ ،‬أق َ ُ‬ ‫م ْن قَناديلِ الكَال ْم‪،‬‬ ‫يح أ ْو َه ُن‬ ‫َوال ِّر ُ‬ ‫ِ‬ ‫أناشيد املَطَ ْر‪.‬‬ ‫م ْن‬ ‫اب ال َحام ْم‪.‬‬ ‫ِأس ِ‬ ‫َس ُن َزيِّ ُن ال ُّدنْيا ب ْ‬ ‫َس َيكو ُن ما ِشئْنا‪،‬‬ ‫َولَ ْو كَ ِر َه ال َق َد ْر‪.‬‬ ‫السبت‪ ،‬يف ‪.2020 / 8 / 15‬‬ ‫ّ‬ ‫الحوايش‪:‬‬

‫‪1‬ـ ألكسندرا نجار ابنة الثالث سنوات التي شوهدت مرا ًرا تشارك‪ ،‬وترفع العلم اللبناين‪.‬‬ ‫الحمل عيل مشيك الذي قىض ضحية اضطراره إىل العمل اإلضايف مقابل خمسة‬ ‫‪2‬ـ ع ّباس مشيك ابن ّ‬ ‫آالف لية لبنانية فقط للساعة الواحدة‪.‬‬ ‫‪3‬ـ رامي الكعيك اإلطفايئ املقدام الذي قىض مع زمالء آخرين له يف إطفاء الحريق‪.‬‬ ‫السامء قبل أن ت ّ‬ ‫ُزف إىل عريسها جلبري قرعان‪.‬‬ ‫‪4‬ـ سحر فارس العروس التي ُزف َّْت إىل ّ‬


‫العالمات الصامتة‬

‫الصحو لحظة سلّمت أحالمي إىل الجدران‪،‬‬ ‫فقدت ّ‬ ‫جدراين التى تلتقط مالمحي يف العتمة والربد‪.‬‬ ‫الصح َو وأنا أغ ّنى مواعيدي يف املجاز‪،‬‬ ‫فقدْتْ ّ‬ ‫يك ال تر ّددها أفواه ضباع مذؤوبة‪،‬‬ ‫مواعيدي التي هشّ مها االنتشاء غري الكامل بالحياة‪.‬‬ ‫الصحو لحظة خلعوا عن العامل قميص الطفولة‪،‬‬ ‫فقدت ّ‬ ‫وأصبح الوجود د ّوامة تدور بني‬ ‫قميص مردوخ وجلجامش‬ ‫وقميص انكيدو‪ ،‬وقميص عثامن وقميص يوسف‪...‬‬ ‫مات الصحو‪،‬‬ ‫وأسئلة املسافر مرارات صمت‬ ‫مات يف شكل إشارات تهتز يف الفراغ‬ ‫وهو يسأل‪:‬‬ ‫أيّها الربق الخاوي‬ ‫نص مجنون ؟ّ!‬ ‫ملاذا ال تو ِقظ ّ‬ ‫كل تلك القطارت الالّ متحركة يف ّ‬ ‫ملاذا ال متأل شقوق الجس َد الذي تص ّدع من عبث األكوانِ بد ّن الحياة ؟!‬ ‫يف حاالت الصحو‬ ‫كل صدع كائن داخلك‪،‬‬ ‫الصدع يف الجدران ‪ّ ،‬‬ ‫ما عاد ّ‬ ‫يتكثّف بإلحاح العالمات الصامتة ‪ ،‬واألضواء‪،‬‬ ‫التي تناديك‪ ،‬وال تنهض‪ .‬انت الذي ال تبحث أب ًدا‪.‬‬ ‫رصه ّن اليك‬ ‫أرسل طيورك إىل الجهات األربع و ّ‬ ‫واصغِ بانتباه أش ّد ‪ ،‬فحني تصغي تسمع صوتني‪.‬‬ ‫صوت العنق املقطوع الذي يلتهمه الدم‪،‬‬ ‫تجسد الكامن دامئًا يف موسيقى قمح العامل‬ ‫جسد لحظة ّ‬ ‫الل ّ‬ ‫وصوت يُرتجم رصاخ التّ ّ‬

‫نهى املوسوي‪ :‬بريوت‪1-31-2021 :‬‬


‫العب بنريان القداسة‬

‫د‪ .‬رياض الدليمي‬

‫ابحثُ عن امرأ ٍة مجوسي ٍة‬

‫تعلمني كيف اعبثُ بالنار‬ ‫أرتب طقويس‬ ‫كيف ُ‬ ‫حطب الذكريات‬ ‫أجم ُع‬ ‫َ‬ ‫وهشي َم الخطوات‬ ‫أصبح عاشقاً‬ ‫ت ُعلمني كيف ُ‬ ‫محرتفاً للجم ِر‬ ‫قديساً محتاال‬ ‫ألعب بنريانِ القداسة‬ ‫ُ‬ ‫ال أخىش شهق ًة مكبوت ًة‬ ‫من ِ‬ ‫ألف عام‬ ‫أو بركاناً متفجرا ً اِستوط َن اآله‬ ‫سأرضب دفويف‬ ‫ُ‬ ‫أَرت َدي قمصان القداس‬ ‫ِ‬ ‫وأنت تطوف َني يف جذوة اللهب‬ ‫سأغنى أغنية محارب‬ ‫أرتل بصمت‬ ‫ُ‬ ‫لعيونك الخرض‬ ‫ارقص رقص َة نريوز‬ ‫ُ‬ ‫افتح مالح َم للفصول‬ ‫ُ‬ ‫وجنائن للوسام ِة‬ ‫تناسخي بسواد الفساتني‬ ‫ِ‬ ‫عطورك‬ ‫احكمي بسلط ِة‬ ‫انأ الكاهن الصعلوك‬ ‫ِ‬ ‫عشقك ‪ ،‬عند البزوغ‬ ‫سأُ َعم َد‬

‫األرض‬ ‫ُ‬ ‫أقبل َ‬ ‫أزر ُع لهايث عند البياض‬ ‫أمط ُر رضايب‬ ‫فوق القمم الوردي ِة‬ ‫يا امرأة‬ ‫فج ّري الرباكني‬ ‫زَلز ِّل خويف‬ ‫اقبض عىل السنني‬ ‫ّ‬ ‫أهج ّري أوطان التعاسة‬ ‫جففي الوقت‬ ‫بأوجاع النبض‬ ‫ال تأففي من سعري النار‬ ‫وال من صهيل سبابة‬


‫هيئة إنسان‬ ‫حكمت حسن‬

‫كدأب املوج عىل رسم الخرائط‬ ‫وارتحال الشّ اطىء ال ّدائم‬ ‫ولدت‬ ‫ما بني صخب األرض ال ّنازف‬ ‫الساكن‬ ‫واقتباس الجذوع ّ‬ ‫أردت أن أحبو‬ ‫الت ّددات‬ ‫تنكّرت يل ّ‬ ‫ما بني سكون وسكون‬ ‫كربت قم ًرا يهجع ال ّنور فيه‬ ‫ضيا ًء مستعا ًرا‬ ‫الحب‬ ‫يبادله ّ‬ ‫ُينع عنه سأم الوداع‬ ‫هناك‬ ‫ما بني ضوء وضوء‬ ‫تل ّمست خريطة املوج األحاديّة‬ ‫فككت إزارها‬ ‫تبعتها‬ ‫انحنى الشّ اطىء لوداعي‬ ‫نادتني الغابات‬

‫رسقتني الغيوم‬ ‫أولدين القمر‬ ‫واعدته‬ ‫رسمت له ال ّزهور‬ ‫ترك آثاره‬ ‫نشي ًجا عىل لحن الشّ اطىء‬ ‫وري ًحا هوجاء‬ ‫تقلّبت الوجوه‬ ‫كل يشء ٍبدائ ًّيا‬ ‫أحالت ّ‬ ‫بدائ ًّيا‬

‫من كتاب قيد الطبع‬ ‫‪2017/3/27‬‬


‫تك القُرب أم أورثتني ال َّتعبا‬ ‫أورثْ َ‬

‫د‪ .‬فاطمة البزال‬

‫هوب ال ُعم ِر ُم ْح ِ‬ ‫تطبا‬ ‫يا من غدا يف ُس ِ‬ ‫أورث ْتني اله ّم ُم ْذ را َح ْت طالئ ُع ُه‬ ‫السحبا‬ ‫تستوط ُن‬ ‫القلب أو تستمط ُر ُّ‬ ‫َ‬ ‫اب خلوتِنا‬ ‫كنت‬ ‫األنيس ويف محر ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كل التّكايا ت ُيض ُء كال ّرؤى ل َهبا‬ ‫ُّ‬ ‫أذقتني من جموح الحب أعذب ُه‬ ‫يل الوقت محتسبا‬ ‫ورحت تُحيص ع ّ‬ ‫ك ّنا إذا ش ّعت ُ‬ ‫ألق‬ ‫اآلمال يف ٍ‬

‫وآخ ٌر يف حنايا ال ّروح يطرقني‬

‫جوى يف القلب منسكبا‬ ‫ألفيْت ّ‬ ‫كل ً‬

‫الغريب عىل دا ِر بها لعبا‬ ‫ط ْرق‬ ‫ِ‬

‫واللحظ إذ يرتوي من ِ‬ ‫شمس غ ّرت ِه‬

‫ٍ‬ ‫ظل يذك ُرها‬ ‫وشوشات ّ‬ ‫يُصغي إىل‬ ‫وينتحي جان ًبا ال يُحس ُن الطّلبا‬

‫وح يف شُ ُغلٍ‬ ‫صوتان يف خلدي وال ّر ُ‬

‫للقلب ما ِ‬ ‫نص ٍب‬ ‫أبقت األيا ُم من َ‬

‫يعب ِصف الهوى ويرشف الحببا‬ ‫ّ‬

‫فق ْم توضأ ِ‬ ‫القلب إن وجبا‬ ‫بنزف‬ ‫ِ‬

‫تقبل العتبا‬ ‫تجري ب ِه سن ٌن ال ُ‬

‫صوتٌ ي ّنئ عىل أطر ِ‬ ‫اف مسغبتي‬

‫ال تشرتِ ال ُغرم إما كنت متلف ُه‬

‫ما زل ُْت أل ِز ُم ُه يك يُرجئ الطلبا‬

‫بُر ُء الجراح غدا يف ال ّروح ملتهبا‬

‫مدى‬ ‫عينا ُه واسعتان كالرغيف ً‬ ‫ينضج ‪ ،‬الحطبا‬ ‫ما عدْتُ أجم ُع ‪،‬حتى َ‬

‫وع ْد إىل حرض ٍة مسكون ٍة لهبا‬ ‫اج خبا‬ ‫ْ‬ ‫أشعل رؤاك بها إذا الرس ُ‬


‫هيئة إنسان‬ ‫حكمت حسن‬



‫آه ‪..‬لو كان األم ُر يل‬

‫الكاتبة وفاء يونس‬

‫لَو كا َن األَم ُر بيدي ‪،‬‬ ‫لَ ُزرتُ زوايا الوطنِ ‪،‬‬ ‫زاوي ًة زاوي ًة‬ ‫حت أُفتِّش‪،‬‬ ‫و ُر ُ‬ ‫عن األطفا ِل‬ ‫امل َعذّب َني‬ ‫َوالفقرا ِء‬ ‫واملُعوزي َن‬ ‫والكادح َني‬ ‫رشدي َن‬ ‫وامل ّ‬ ‫والجيا ِع‬ ‫ومكسوري الخواط ِر‬ ‫لَو كا َن األم ُر بيدي‬ ‫لرحت أجم ُع‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُمر َهقي لُقم ِة العيش ‪،‬‬ ‫ألُق ّد َم لهم‬ ‫خريات ال ّدنيا‪،‬‬ ‫لعلّني أُريحهم ِمن الذ ّ​ّل‬ ‫وسارقي البال ِد‪،‬‬ ‫الذين ظلموا شعبنا‬ ‫رسقوه‪..‬حارصوه‬ ‫ج ّوعوه‪..‬وقهروه‪..‬‬ ‫والدولة‬


‫ما يل أراك‬

‫لبنى رشارة‬

‫ما يل أراك‬ ‫كل اشيايئ‬ ‫يف ّ‬ ‫يا أمالً أتاين‬ ‫بهيئ ِة برش‬ ‫أتيت تنري‬ ‫َ‬ ‫عتم َة ساميئ‬ ‫املدلهمت‬ ‫وتطرد‬ ‫ّ‬ ‫من ليايل السهر‬ ‫أراك عيوناً تراين حزينة‬ ‫تبلس ُم جراحي‪..‬‬ ‫تكفكف دموعي‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ومتحو الضجر‬ ‫أيا قدرا ً‪..‬‬ ‫ما أجمله !‬ ‫صاغه اإلله العزي ُز املقتدر‬ ‫ال تجعلِ األيّام‬ ‫متيض‪ ..‬ومتيض‪..‬‬ ‫وترتك األماين‬ ‫عرض ًة للهدر‬ ‫فأحالمي التي‬ ‫زرعتها يداك‬ ‫محال ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫‪..‬محال‬ ‫تنبت من غري عطرك‪..‬‬ ‫أن َ‬ ‫واملطر !‬


‫ومىض‬ ‫عا ٌم عىل العرشين أطْ َب َق و ْج َد ُه‬ ‫راميا عىل قلبي غشا ًء يُ ْك ِم ُد‬ ‫ُح ْز ٌن وآال ٌم وشكوى وال ّن َذ ْر‬ ‫من الف َر ِح يُقاتِ ُل وي ْج َه ُد‬ ‫ما للسنني متُ ُّر وهي عام َر ٌة‬ ‫الص ْ ُب وال َجلَ ُد‬ ‫كأنّها م ْخ َ ٌب فيه ّ‬ ‫ِم ْن ُم ِّر أيَّا ِمها نق ِْط ُف أغىل غلّ ِتها‬ ‫القلب وأخرى كأنّها الشّ ه ُد‬ ‫فحينا ُير ِم ُر‬ ‫ُ‬ ‫عصار ٌة من ال ّرو ِح والف ْك ِر م ًعا‬ ‫وقلب كواه الق ْر ُب والبع ُد‬ ‫ٌ‬ ‫الس ِ‬ ‫اعات حتّى كأنّها‬ ‫تُ َقل ُِّب ّ‬

‫تول ملحوقَ ًة َخلْفَها بَ َر ُد‬ ‫ّ‬ ‫تشكو فال حثيثا وال نجوى‬ ‫وت َ ْركَ ُن حني ي ْد ِركُها ال ِو ُّد‬ ‫ت ُصا ِر ُع ض ْعفَها حنقا وقتال‬ ‫و َغ ْفلَ ُة ال ُع ْم ِر لها ِ‬ ‫الص َم ُد‬ ‫الواح ُد ّ‬

‫نبال رعد‬

‫من وحي احداث عام ‪٢٠٢٠‬‬


‫يف برجها العاجي‬ ‫ال تسمع‬ ‫أن َني ال َناس ‪،‬‬ ‫ورصاخ املتألّمني‬ ‫قذفتنا يف الهاوية‬ ‫واسرتاحت‪...‬‬ ‫لو كان األمر بيدي‪،‬‬ ‫لخلقت املُعجز َة‬ ‫ُ‬ ‫رحت املعذّبني‪...‬‬ ‫وأَ ُ‬ ‫َولكني أعل ُم‪،‬‬ ‫أ ّن الكتاب َة عن الجوعِ‪،‬‬ ‫ال ت ُنهي ال ُجو َع‬ ‫وال ت ُّس ُد الجو َع‪،‬‬ ‫اآلالم‪،‬‬ ‫والكال ُم عن ِ‬ ‫يَزي ُد من اآلالم‬ ‫َوال يشفيها‪...‬‬ ‫وها إين‬ ‫ٍ‬ ‫بصوت عا ٍل‪،‬‬ ‫اع ُد‬

‫َحتى تستفيق ال ّرحمة‬ ‫ُلوب القُساة‪،‬‬ ‫يف ق ِ‬ ‫فرتتاح روحي املتعبة‬ ‫ُ‬ ‫َرتاح أقالمي‪،‬‬ ‫َوت ُ‬ ‫وقصائدي‪.‬‬


‫الحبيب‬

‫زينه الجوهري‬

‫صائد الهوى فاجأين‬ ‫وعلق قلبي بشباكه‬ ‫لعامل األحالم حملني‪..‬‬ ‫وطار يب يف الكون وأفالكه!‬ ‫كالما› من حبه أشبعني‬ ‫فأعادين طفلة‬ ‫ابتدأت معها حياته‪...‬‬ ‫يا من فتحت فؤادي بضمة‬ ‫وزرعت الرياحني‪..‬‬ ‫يف نبضاته‬ ‫فكنت الروح لجسدي‬ ‫ولقلبي أصبحت دقاته!!‬ ‫«يا ملكا‪...».‬‬ ‫عىل عرش فؤادي اعتىل‬ ‫وخبأ حب الكون يف صفحاته‬ ‫أسمعتني أناشيد الهوى‬ ‫ومنت بني زهراته‪.‬‬ ‫فكنت لقلبي الدوا‪..‬‬ ‫ولوتني الحب زفراته‪..‬‬ ‫عىل وجهك أطبقت جفني‬ ‫وحملني قلبك‬ ‫ألنام بني طياته ‪//‬‬


‫اصبحنا غرباء‬

‫مليكة مسعود بوربڨة‬

‫بني كل نافذة و اخرى سفر اىل مواعيد‬ ‫املوت‬ ‫من الندى الساكن انفاس الزجاج‬ ‫ارتشف صربي‬ ‫كم راقصت انامل شظاياي‬ ‫عىل سحر حرف‬ ‫بطقوس التعب ادفن صربي‬ ‫بضع صور تغازل ذايت‬ ‫الطرق كل الطرق تهيات‬ ‫لرحلة العيون و اغرتاب ممل‬ ‫يا صديقي استصاغ الشيب حزين‬ ‫ما عاد بالليل سواد‬ ‫استصاغت العتمة دموعي‬ ‫ما عاد بالجفون ضياء‬ ‫استصاغ الصمت صمتي‬ ‫ماعادت مدين خرضاء‬ ‫تعال نلهم الضوء الفرح‬ ‫و نغزو فضاءات الحياة‬ ‫نزرع الحب مبدائني و مدائنك الشهباء‬ ‫ها انا بني الصلب و الرتائب‬ ‫لوطن ميوتصصصجاهدة احاول حفر نهري‬ ‫باوردة تنوء‬ ‫ملا صمتك يسكن وجهي‬ ‫يف كل اغرتاب‬


‫دوي ذاك الدوي‬ ‫سناء الحاموش‬


‫دوي ذاك الدوي‬ ‫سناء الحاموش‬

‫همس وكالم وصخب ‪..‬‬ ‫ومل تستفق املدينة ‪...‬‬ ‫ايها النيام انهضوا ‪...‬‬ ‫ليلكم الطويل كيف يرحل‪..‬؟‬ ‫وانتم نيام ‪..‬‬ ‫هبوا ‪ ...‬املدينة سبية ‪..‬‬ ‫والبحر يف عويل ‪..‬‬ ‫انغرزت يف قلبه دماء ندية‬

‫وبال مدينة ‪...‬‬ ‫اين مصابيح الهدايا ؟‬ ‫تحمي مدينة من عتمها الطويل‬ ‫ال مل نستفق منذ ذاك الدوي‬ ‫مل تستفق ااملدينة‬

‫ال يفراقنا‪ ..‬مل متسح خطواتنا‬ ‫عىل الطرقات الدماء عن عيوننا‬ ‫زحمة وضجيج‬ ‫ومل تستفق املدينة ‪..‬‬

‫قدمها الشيطان للشيطان هدية ‪...‬‬ ‫فحيح يف الظالل ‪...‬‬ ‫ومل تستفق بعد املدينة ‪....‬‬ ‫دوي ذلك الدوي‬ ‫يرتدد صداه المتناهيا ‪..‬‬ ‫مع كل خفقة ‪...‬مع كل رمشة عني ‪..‬‬ ‫ذلك الدوي اغتال املدينة ‪...‬‬ ‫ومنذ ذلك اليوم ‪...‬‬ ‫صار الناس بال وجوه ‪..‬‬

‫و ما من يد متسح عن عيوننا الدماء ‪//‬‬


‫امللل‬ ‫ونغرق من بعدها يف ْ‬ ‫أمل!!!!‬ ‫فأي ْ‬ ‫ُّ‬ ‫الجمل‬ ‫ْ‬ ‫وما ذَا تفيد‬ ‫وماذا يفيد العمل!؟‬ ‫امللل!!!‬ ‫اذا كان ما سوف يأيت ْ‬ ‫خطوة تلو خطوة‬ ‫نجوب ومنيش ومن بعد هذا نضيع نضيع نعم سنضيع‬ ‫قطرة تلو قطرة‬ ‫وننزف اعامرنا‬ ‫ياشفافية الروح ردي النجيع‬ ‫شعرة تلو شعر ْة‬ ‫نشيب‪..‬فنهرم‬ ‫وندخل يف نفق العاديات املريع‬ ‫أال تدركون‬ ‫بأن الحياة خلل؟!‬ ‫انظروا حولكم جيدا‬ ‫انه الهم وه ٌم‬ ‫وفيه نقيض والف نقيض‬ ‫فيا فرحاً ليس يتبعه غري آ ْه‬ ‫فأي هناء يدوم‬ ‫وأي هوى ليس فيه كلوم؟‬ ‫وأي أمان سيبقى‬ ‫ونحن نراقب موت النجوم!!!‬ ‫وأي حياة وال يشء فيها اكتمل‬ ‫وما الحلم فيها سوى ومضة وميوت‬ ‫خلل؟‬ ‫أليس إذا ً يف األمور ْ‬


‫ويبقى األمل‬ ‫لحظة تلو لحظة‬ ‫‪..‬ونكب‬ ‫ّ‬ ‫نشب ُ ُ‬ ‫ثم نشيخ‪...‬‬ ‫ويبقى األمل‬ ‫كلمة تلو كلم ْة‬ ‫نسمع‪ ..‬نحفظ ما صار فينا‬ ‫ومن ثم ننىس‪..‬‬

‫زهراء املوسوي‬

‫ا‬

‫ومن بعد هذا تضيع‬ ‫ْ‬ ‫الجمل‪.‬‬ ‫حجر بعده حجر ٌ‬ ‫نشيد ونبني واعامرنا تتهد ْم‪...‬‬ ‫ومن بعد هذا يخيب العمل‬ ‫وأعامرنا غفوة فوق كتف الزمان‬ ‫قلق‬ ‫وس ْي ُل ْ‬ ‫مواس ُم حزنٍ َ‬ ‫فأي أمان!!!‬ ‫ُّ‬ ‫ومن بعد هذا‬ ‫يكون ْ‬ ‫الخلل‪..‬‬ ‫نظرة تلو نظر ْة‬ ‫نحب‪..‬ونعشق‪..‬ث ّم نهيم‬ ‫ليلة‪..‬تلو ليل ْة‬ ‫مع الحزن نسهر‬ ‫ننتظر الحدث الذي سوف يأيت‬ ‫قبل ٌة تلو قبل ْة‬ ‫ونحسن ظنا بعمر عقيم‬


‫الكورتيزون‬ ‫هو مضاد التهاب ومسكّن ويخفّف أعراض الحساسية ‪ .‬له عوارض جانبية كثرية ‪ ،‬لذلك ال ينصح باستعامله‬ ‫من دون استشارة طبيب ‪.‬‬ ‫من هذه العوارض ‪:‬‬ ‫ قرحة املعدة ونزيفها ‪.‬‬‫ هشاشة العظام والكسور مع أقل صدمات ‪.‬‬‫السكر يف ال ّدم ‪.‬‬ ‫ ارتفاع نسبة ّ‬‫ ارتفاع ضغط ال ّدم ‪.‬‬‫السمنة املرض ّية يف منطقة البطن‪.‬‬ ‫ ّ‬‫ تج ّمع ال ّدهون أعىل الكتف ‪.‬‬‫ مت ّدد الجلد وظهور خطوط حمراء ‪.‬‬‫ ظهور الشّ عر يف الجسم ‪.‬‬‫ قلّة ال ّرغبة الجنس ّية ‪.‬‬‫مالحظة ‪ :‬تختلف هذه العوارض بني األشخاص حسب م ّدة استعامل الكورتيزون ‪ ،‬نوع الكورتيزون‬ ‫وعيارالكورتيزون‪.‬‬ ‫الصيديل الدكتور ‪ :‬ماهر حسن‬ ‫البنية ‪2021/1/29 :‬‬


‫حة‬ ‫ص‬

‫اإلنفلونزا ‪ ...‬حقائق ومعلومات‬

‫الصيديل الدكتور ‪ :‬ماهر حسن‬

‫ إ ّن فريوس اإلنفونزا من أكرث األمراض املعدية انتشارا‪.‬‬‫إ ّن نزلة الربد العادية تسبّب رشح واحتقان يف الحلق‪ ،‬لك ّن اإلنفلونزا مرض خطري يسبّب ارتفاع يف درجات‬‫الحرارة ورعشة وسعال وإحساس بضعف شديد وتكسري يف الجسم ‪.‬‬ ‫ ميوت حول العامل سنويّا مئات اآلالف مبرض اإلنفلونزا لذا ال يجب االستهانة به‪.‬‬‫ تنتقل العدوى عن طريق استنشاق ال ّرذاذ املح ّمل بالفريوس من املريض ‪ ،‬عن طريق العطس ومالمسة‬‫السعال والتعطيس‪.‬‬ ‫األسطح املل ّوثة بالفريوس ‪ ،‬وهنا تظهر أهميّة غسل األيدي وتغطية الفم واألنف عند ّ‬ ‫ تطعيم اإلنفلونزا يتك ّون من أكرث من ساللة من الفريوس ‪ ،‬ونتيجة الطّفرات يف الفريوس نحتاج طعام جديدا‬‫سنويّا‪.‬‬ ‫الساللة ‪.‬‬ ‫ املناعة ضد اإلنفلونزا ّ‬‫تتغي ّ‬ ‫تقل بعد التّطعيم بع ّدة شهور ‪ ،‬لذلك يجب التطعيم سنويا حتّى لو مل ّ‬ ‫ موانع التّطعيم نادرة كحساسيّة البيض ‪.‬‬‫ تحتاج التّطعيم ضد اإلنفلونزا حتّى لو أصابتك هذا املوسم ‪ ،‬ألنّك تكون مع ّرضا للعدوى بساللة أخرى ‪.‬‬‫ تطعيم اإلنفلونزا آمن للحوامل واألطفال أكرث من ستة أشهر‪.‬‬‫أقل ح ّدة وسيحميك التّطعيم من املضاعفات الخطرية ‪.‬‬ ‫ ميكن أن تصيبك اإلنفلونزا بعد التّطعيم لك ّنها ستكون ّ‬‫ إ ّن تطعيم اإلنفلونزا ال يحمي من نزالت الربد كام يعتقد البعض ‪.‬‬‫الصدر وكبار‬ ‫والسكري وحساس ّية ّ‬ ‫ إ ّن تطعيم اإلنفلونزا أولوية للحوامل وأصحاب األمراض املزمنة كالقلب ّ‬‫الس ّن ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الضعيفة ‪.‬‬ ‫ جرعة التّطعيم قد تختلف مع األطفال ومرىض زرع األعضاء وذوي املناعة ّ‬‫السوائل ‪،‬‬ ‫ إذا أصابتك االنفلونزا استرش طبيبك عن بداية العالج املضاد للفريوسات وتناول الكثري من ّ‬‫ويفضل البقاء يف املنزل لل ّراحة ‪ ،‬ومنع انتشار العدوى لآلخرين حتّى مرور ‪ 24‬ساعة عىل زوال الحرارة بدون‬ ‫ّ‬ ‫مسكّنات أو خافض للحرارة ‪.‬‬


‫بإشكاليتني مختلفتني‪ ،‬ال بد من الكشف عن أرضيتهام الفكريةواالجتامعية والسياسية‪ ،‬إشكاليتني ال‬ ‫ميكن الجمع بينهام‪ ،‬ال عىل الصعيد اإليديولوجي وال حتى االبستمولوجي‪ .‬من هنا أتت القطيعة‬ ‫بينهام‪ ،‬وهي ال تقع يف الفكر الفلسفي فحسب‪ ،‬بل يف الفكر الديني ‪،‬وحتى يف الطريقة‬ ‫التي يق أر بها هذا أو ذاك ‪.‬مت ّيز لبنان بكونه بلد التعددية الطائفية التي بلغت بعددها‬ ‫ح َّد تسع عرشة طائفة‪ ،‬وهي ترجع بأصولها إىل اليهودية واملسيحية واإلسالم‪ .‬وتاريخ لبنان يرتبط ارتباطًا جوهريًا‬ ‫سلم و‬ ‫باملنطقة العربية التي شهدت سيطرة اإلسالم‪ ،‬وسعت بشكل حثيث إىل جعل العامل العريب بأعرافه وإتنياته ً‬ ‫عربيًا‪ .‬لذا تبدو الطوائف األخرى كاليهودية واملسيحية وكأنها أقليات دينية (‪.)P,1986 ,25Rabbath‬لهذا شهدت أزمة‬ ‫الهوية يف لبنان أوجها مع قيام دولة لبنان الكبري‪ ،‬فدارت النقاشات والسجاالت‪ ، ،‬وفُتح باب الجدل عىل مرصاعيه‪،‬‬ ‫وتضاربت امراء وتقاطعت اإلشكاليات حول تيارين وخصوصيتني و قافتني‪ :‬اإلسالم الرشقي من جهة واملسيحية الغربية من جهة مقابلة‪ .‬تالقيا‪ ،‬لكنه لقاء التصادم والتنايف ال لقاء الجدل‬ ‫التوليدي‪ .‬هذا اللقاء الصدامي برز عند رواد هذه األمة ومفكريها من أمثال محمد عبده وفرش أنطون وغريهم الكثري ممن ال يتسع املجال لذكرهم‪ .‬ولو رجعنا إىل تاريخ تلك الفرتة‬ ‫لرأيناها تعج باالنقسامات واإليديولوجيات املتناقضة واملتعارضة إذ «ميكن تصنيف اإليديولوجيات اللبنانية بكونها «العروبة» يف وجه «التعريب»‪،‬‬ ‫و»االنعزالية» يف وجه «االتحاد العريب»‪ ،‬و»اإلسالم» يف وجه الغرب «املسيحي» و»املحافظني املسيحيني» يف وجه «التقدم يني املسلمني»‪ .‬إنها مرشوع خطري جدًا»(‪1998,611Watfa‬‬ ‫‪ .).p ,‬وهذا ما مييز لبنان مبعامله الثقافية التي ت ازمنت مع خالفات فكرية أسهمت يف خلق تناقضات جوهرية بني اللبنانيني حول مسائل قافية متعددة ومتنوعة‪ .‬ولعل من أهمها‬ ‫أزمة الكيان وإشكالية الهوية‪ ،‬هذا الخالف الذي اتخذ أبعادًا طائفية وال سيام أنهاستند إىل خلفية نظرية كانت قد قامت عليها الجامعات الدينية يف تشكيل تواريخها أو حتى تاريخ‬ ‫الوطن الذي جمعهم‪.‬‬

‫تكمن أهمية هذه الورقة البحثية يف كونها تقدم رص ًدا تحليليًا ابستمولوجيًا ألفهوم الثقافة بعامة‪ ،‬والثقافة الوطنية‪ ،‬والهوية الوطنية اللبنانية بخاصة‪،‬‬ ‫محلل ًة لتحدياتها الداخلية والخارجية التي تعرتض عملها‪ ،‬وتقدم الرؤى والتصوارت ملواجهة مثل هذه التحديات ال ارهنة واملستقبلية‪ .‬من هنا إمياين‬ ‫بأهمية الفلسفة بوصفها رضورة حتمية يف خلق قافة وطنية كلية‪ ،‬إذ كيف لنا أن نأيت بثقافة وطنية لبنانية شاملة‪ ،‬جامعة ‪،‬وبهوية وطنية لبنانية‪ ،‬يصبح‬ ‫الوالء فيهام للبنان ال للطائفة‪ ،‬أو املذهب والعرق واالمتدادات الخارجية اإلقليمية والدولية‪.‬‬ ‫ما أحوجنا اليوم إىل فلسفة نتخذ فيها العقل هاديًا ومرش ًدا فنتخلص من التعصب والطائفية‪ ،‬ونعمل بوحي التفكري الفلسفي الذي يحررنا من املذهبية‬ ‫والقبلية والعشائرية‪ ،‬وينقذنا من املذهبية امليليشيوية حتى تصبح قافتنا الوطنية قبل كل الثقافات األخرى‪ ،‬وهويتنا األصيلة اللبنانية فوق كل الهويات‬ ‫األخرى‪ .‬وما أحوجنا إىل فالسفة يعيدون للبنان قافته الوطنية اللبنانية األصل والهوية‪ ،‬ولألمة العربية اإلسالمية حضورها املنتج والفاعل‪ .‬لهذا كان ال بد‬ ‫من طرش اإلشكالية امتية‪ :‬ما مفهوم الثقافة الوطنيةا ما مكوناتها اللبنانيةا ما تحدياتها الداخلية والخارجيةا ما السبل اميلة لتجاوز تحدياتها ال ارهنة‬ ‫واملستقبليةا وكيف لها أن تصبح «أنا «كلية وطنية شاملة جامعة منتجة وفاعلةا وأي قافة وطنية ألي ت ارث حضاري لبنانيا وسيكون محو َر ورقتي البحثية‬ ‫العناوي ُن اآلتية‪:‬‬


‫‪76‬‬

‫( دراسات جام ّعية يف اآلداب والعلوم اإلنسانية (مؤمتر العلوم اإلنسانية وإعادة بناء الثقافة الوطنية) ‪ -‬ماغي عبيد‬

‫د‪.‬ماغي عبيد‬

‫سفة‬ ‫فل‬

‫أشكلة أفهوم الثقافة الوطنية اللبنانية وتحدياتها الراهنة‬ ‫واملستقبلية‬ ‫امللخص‬

‫يحاول هذا املقال املعنون بـ «أشكلة أفهوم الثقافة الوطنية اللبنانية وتحدياتها الراهنة واملستقبلية» أن يقدم رص ًدا تحليل ًيا إبستمولوج ًيا وفق منهج التحليل‬ ‫الفلسفي والسوسيو أنرتبولوجي يف تحليل مصطلحات الثقافة والهوية الثقافية الوطنية وإشكالياتها‪ .‬وذلك يف محاول ٍة لرصد التحديات الداخلية والخارجية‬ ‫التي تواجه أفهوم الثقافة الوطنية اللبنانية وتح ّد من فاعليتها يف تكوين الوعي الوطني لدى األجيال بأهمية الوطن‪ ،‬وكيفية الحفاظ عليه‪ ،‬والعمل عىل‬ ‫تنميته‪ ،‬واإلسهام الفاعل يف بنائه والنهوض به‪ .‬وكل ذلك يف ظل العوملة ومتغي ارتها العاملية واإلقليمية التي تعصف بالعاملني العريب واإلسالمي مهدد ًة‬ ‫وجودهام االجتامعي والثقايف والسيايس‪ ،‬وفق منهجية تسعى إىل تخطي التحديات وتجاوزها‪ ،‬والنهوض بالفعل الثقايف الوطني اللبناين عىل الصعيدين‪:‬‬ ‫سعي إىل وضع تصوارت قد تساعد يف مواجهة تحديات الثقافة الوطنية اللبنانية‪ ،‬وبالتايل الهوية اللبنانية يف ضوء ما‬ ‫النظري والعميل‪ .‬وي ارفق ذلك ٌ‬ ‫ستتوصل إليه ورقتي البحثية من نتائج وتصوارت ومقرتحات‪ ،‬إذ تقدم الرؤى والتصوارت ملواجهة مثل هذه التحديات ال ارهنة واملستقبلية‪.‬‬ ‫مـن هنـا‪ ،‬وإميانًـا منـي بأهميـة الفلسـفة بوصـفها ضـرورة حتميـة فـي خلـق قافـة وطنيـة كليـة قـادرة علـى تشكيل «أنا» كلية لبنانية‪ ،‬إذ كيف‬ ‫لنا أن نأيت بثقافة وطنية لبنانية شاملة‪ ،‬جامعـة‪ ،‬وبهويـة وطنيـة لبنانيـة‪ ،‬كـي يصبح الوالء فيها للبنان ال للطائفة أو املذهب والعرق واالمتدادات الخارجية‬ ‫االقليمية والدولية‪ .‬لهذا كان ال بد مـن طـرش اإلشـكالية امتيـة‪ :‬مـا أفهـوم الثقافـة الوطنيـةا مـا مكوناتهـاا مـا تحـدياتهاا مـا السـبل اميلـة لتجـاوز‬ ‫تحـدياتها ال ارهنـة واملسـتقبليةا كيـف لهـا أن تصـبح «أنـا» كليـة وطنيـة جامعـة منتجـة وفاعلـةا وأي قافـة وطنيـة ألي ت ارث حضاريا وكيف لنا أن‬ ‫نصل إىل تحقيق التعايش السلمي اللبنانيا ما مندرجاته وآلياتـه ورهاناتـه‬ ‫‪---------------------------------------------‬‬

‫(*)الجامعة اللبنانية‪ ،‬كلية امداب والعلوم اإلنسانية‪.‬‬ ‫يف ظل العوملة وتبعاتها‪ ،‬ورهانات اإليديولوجيا والتكنولوجيا؟ فهل بات املطلوب العمل عىل نحو كوكبي؟‬ ‫الكلامت املفاتيح الهويات املتصارعة‪ ،‬اإليديولوجيات املتناحرة‪ ،‬تحديات الثقافة الوطنية‪ ،‬األنا الكلية اللبنانية ‪،‬املواطنة‪ ،‬العمل عىل نحو كوكبي‪.‬‬ ‫مقدمة‪ :‬إن ما مييز فك ًرا فلسف ًيا من غريه ليس املوضوع الذي يتناوله وال النظريات التي يدافع عنها‪،‬‬ ‫إمنا بحسب إميل برهييه ‪« :E. Brehier‬إن األهم من ذلك هو النظر إىل الروح التي يصدر عنها النظام الفكري الذي ينتمي إليه»‪.) ,1935Bréhier.( ..‬‬ ‫من هنا نرى أن هناك روحني أو نظامني فكريني يف ت ار نا الثقايف اللبناين‪ ،‬وبكيفية أعم‪ ،‬هناك الفكر النظري يف املرشق‪ ،‬والفكر النظري يف املغرب‪ ،‬مع‬ ‫العلم بأنه داخل االتصال الظاهري هناك انفصال يصل حد القطيعة األبستمولوجيا بني اإل نني‪ ،‬قطيعة تقع يف املنهج واملفاهيم واإلشكالية‪ ،‬إذ يتعلق األمر‬


‫‪79‬‬

‫دراسات جام ّعية يف اآلداب والعلوم اإلنسانية (مؤمتر العلوم اإلنسانية وإعادة بناء الثقافة الوطنية) ‪ -‬ماغي عبيد‬

‫‪ ،‬التخفيف من التمييز العنرصي‪ ،‬رشعة حقوق اإلنسان‪...‬إال أنه شهد أبشع أنواع التطهري العرقي ومعسك ارت االعتقال‪،‬‬ ‫وهذا ما دفع بالتأمل الفلسفي يف القرن العرشين إىل معاودة طرش السؤال مجد ًدا عن هوية الفرد وحرمة الكائن‬ ‫البرشي‪ ،‬وسالمته الجسدية والفكرية‪ .‬وإذا بالقرن الواحد والعرشين يبرش بعبودية من نوع آخر‪ ،‬عبودية مادية وفكرية‬ ‫‪ ،‬وارتهان الهوية وخضوعها ال تحررها كام يتوقع‪ ،‬فتختزل الشاشات اآلراء‪ ،‬وترتهن التكنولوجيا الهوية‪ ،‬ويستعبد العلم‬ ‫العامل‪ .‬وإذا ببداهة األفراد قد تنتقص بحكم خضوعهم لنسق اآلالت‪ ،‬وحتمية العلم‪ ،‬فأتت النتيجة أن فقد اإلنسان نسقه‬ ‫البرشي‪ ،‬وخرجت الهوية يف تكوينها من جوهرها‪ ،‬والتصقت باألع ارض التي أضفت عليها أبعا ًدا‪ ،‬فأصبحت تابعة لها‬ ‫وموسومة بها‪.‬‬ ‫وها هي التكنولوجيا تخترص كل األعراض وتعرب إىل الجوهر‪ ،‬فتحدد الهوية التي سعى إدغار موارن‪ Edgar Moran‬يف كتابه «املنهج» إىل التعريف بها‪،‬‬ ‫طار ًحا السؤال الراهن املرتبط باملفارقات وبتوزع الوجود اإلنساين بني البناء والهدم‪ ،‬وبقدرة اإلنسان الالمتناهية عىل اإلبداع والتسامي من جهة‪ ،‬وعىل‬ ‫التحطيم والعنف من جهة أخر ى‪ .‬بناء عىل هذه املفارقات يرى إدغار موارن أن الهوية اإلنسانية هوية قامئة عىل الكرثة‪ ،‬كرثة تتجىل يف كون اإلنسان كائ ًنا‬ ‫صان ًعا‪ ،‬كائ ًنا اقتصاديًا‪ ،‬كائن املعرفة‪ ،‬وكائن االنفعاالت والرغبة‪ ،‬وهو الكائن ِّ ِ‬ ‫الخي واألكرث رشو را ً‪ .‬لذا من الواجب تعيني هويته هوي ًة مركب ًة يف ظل واقع‬ ‫إنساين يكون بحد ذاته مركبًا‪ ،‬ومنفت ًحا عىل الفوىض واألزمات والاليقني‪ ( .‬موارن‪ ،‬املنهج‪( ،‬ص‪ )52‬هذه الهوية املركبة هي نتاج لرتابط أبعاد ثالثية تشكل‬ ‫حقيقة الوجود اإلنساين‪ :‬البعد البيولوجي‪ ،‬والبعد االجتامعي والبعد الثقايف‪ ،‬مع التأكيد عىل الرتابط والتالزم بني هذه األبعاد‪( .‬ص‪ )54‬تتضافر جميعها مع‬ ‫ما تحمله من خصوصية بغية تشكيل الهوية التي تأخذ بدورها حدو ًدا ثالثة‪ :‬الفرد واملجتمع والنوع‪ .‬هذا الفرد يحمل داخل خصوصيته الفردية البيولوجية‬ ‫املتوار ة كامل البعد الثقايف املميز للنوع اإلنساين‪ ،‬وكامل الخصائص القيمية واالجتامعية املميزة للمجتمع الذي ينتمي إليه ‪.‬إ ن العديد من الفالسفة‬ ‫طرحوا هاجس املساءلة هذا‪ ،‬وأحكموا بصائرهم النقدية إىل درجة ُرفعت فيها مسألة الهوية إىل مصاف الوعي اإلشكايل‪ ،‬باعتباره رشطًا رضور يًا من رشوط‬ ‫قيام العقل النقدي والنهوض الفكري يف سياق وعي كوين جديد ملسألة الهوية‪ ،‬الذي ال ينحرص يف مسألة الرضورة والحرية‪ ،‬بل يتعداها إىل رضورات أخرى‪،‬‬ ‫وتشكالت عدة‪ ،‬تساهم جميعها يف تحديد ماهيتها‪ ،‬فإذا باالغرتاب واإلرهاب وما عداهام من حركات أشبه بر َّدات فعل واستجابة لواقع يغيل ويشتيك من‬ ‫ضياع الهويات‪ .‬وبالتايل القول مبفهوم ثابت للهوية هو قول مغلوط‪ ،‬أل نه مرشوع غري منجز‪ ،‬تساهم به قوى عديدة‪ ،‬منها‪ :‬قوى محافظة‪ ،‬وقوى التحول‪،‬‬ ‫بدل من أنها مرشوع تاريخي تساهم يف إنجازه عوامل عدة كالتكنولوجيا وغريها‪.‬‬ ‫فتخلق منها أزمة‪ ،‬هي أزمة لهوية يُعتقد أنها تكونت واكتملت سلفا‪ً ،‬‬ ‫أول‪ ،‬وملقومات هذه الذات ثان ّيا ‪ ،‬والنتامئه إىل مجتمع وأمة‪ ،‬وإىل اإلنسانية جمعاء لذا‪« :‬ال بد من‬ ‫وال بد من االعرتاف بأن الهوية هي وعي اإلنسان لذاته ً‬ ‫مواجهة مع الذات ومع اآلخر مع اليقني أن مواجهة اآلخر‬ ‫ال تنفصل عن كونها مواجهة مع الذات»‪(.‬بركات ‪ ،2004،‬ص‪.)41‬‬


‫‪78‬‬

‫(دراسات جام ّعية يف اآلداب والعلوم اإلنسانية (مؤمتر العلوم اإلنسانية وإعادة بناء الثقافة الوطنية) ‪ -‬ماغي عبيد‬

‫ً‬ ‫أوال‪ :‬مسوغات البحث‪ :‬اإلجابة عن التسا ؤالت‪ ،‬ورفد املختصني يف حقل الثقافة الوطنية بد ارسة تحليلية ألفهوم الثقافة والهوية الوطنية اللبنانية‪ ،‬تربز‬ ‫التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه هذه الثقافة‪ ،‬واالرتقاء بأفهوم الثقافة الوطنية‪ ،‬وتعزيز الوالء الوطني والقيمي والسلويك لدى النخب والجمهور‪.‬‬ ‫وسنعمد إىل استخدام املنهج الوصفي التحلييل القائم عىل تحليل األفاهيم وتحديد ماهيتها‪ ،‬ومدى مطابقة الفكر للواقع‪.‬‬

‫أ‪ -‬ما معنى الهوية؟‬ ‫لعل السؤال عن ماهية الهوية ال يخرج عن حدود التساؤل حول «ما اإلنسان»ا وما هو إنسان ي يف اإلنسانا إذ إن سؤال الهوية يتطلب النظر إليها بوصفها‬ ‫وحدة متنوعة‪ ،‬تجمع يف ناياها منوذج اإلنسان الذي متثله والثقافة التي يحملها يف جدلية تجمع الوحدة والكرثة‪ .‬وهي بحسب سارتر‪ Sartre‬مرشوع يف‬ ‫سامء املمكنات ‪،‬مرشوع محكوم عليه بأن يكون حرا ‪ ،‬فاإلنسان ليس شيئًا آخر غري ما يصنعه بنفسه‪ .‬والهوية هي خالصة تفاعل بني عوامل باطنية تخصه‬ ‫وحده‪ -‬تصارع لتبقى‪ ،‬وعوامل أخرى متعلقة باملحيط الخارجي (سارتر ‪ ،1996،‬ص‪)90‬‬ ‫من هنا‪ ،‬ال ميكن الحديث عن هوية فردية خالصة تتشكل داخل األنا األعىل‪ ،‬وتكون عىل نحو يستبعد حضور امخر املختلف ويستدعيه بع ًد ا اجتامع يًا‪.‬‬ ‫وإذا ما كان قاموس أكسفورد‪ Oxford‬قد حددها بأنها‪:‬‬ ‫«حالة الكينونة املتطابقة بأحكام‪ ،‬واملتام ثلة إىل حد التطابق التام أو التشابه املطلق» ( «‪,Shapira, U.K.‬‬ ‫‪ ،)2008‬فإن معجم روبري‪ Robert‬يعرفها بكونها‪« :‬امليزة الثابتة للذات) ‪ ,)1967Robert(»».‬يحتمل هذا التعريف معنيني يسعى فولتري ‪ Voltaire‬يف معجم‬ ‫املفاهيم الفلسفية لتوضيحهام بالقول‪« :‬إنها ميزة ما هو متام ل‪ ،‬سواء تعلق األمر بعالقة االستمرارية التي يقيمها فرد مع ذاته‪ ،‬أو من جهة العالقات التي‬ ‫يقيمها مع الوقائع عىل اختالف أشكالها‪ ) , 2004Voltaire(« .‬تشرتك هذه التحديدات يف تسليط الضوء عىل ماهية االستمرارية والتطابق واملام لة‪ ،‬فتبدو‬ ‫الهوية وكأنها مجموعة من امليزات الثابتة املكونة للشخص أو للكل ‪،‬كام أنها تحدد صورة للشخص عن ذاته‪ ،‬والصورة التي يحملها عن نفسه‪ ،‬وتقود إد اركه‬ ‫موضوعاً يف إطار عالقاته باآلخر‪ .‬لهذا نر ى أ ن املعجم الوسيط الصادر عن مجمع اللغة العربية قد ع ّرفها بكونها‪« :‬حقيقة اليشء أو الشخص التي متيزه عن‬ ‫غريه‪( .‬الوسيط ‪ )1988،‬كذلك يذهب الجرجاين إىل تعريفها بالقول‪:‬‬ ‫«الحقيقة املطلقة املشتملة عىل الحقائق اشتامل النواة عىل الشجرة يف الغيب املطلق‪( ».‬الجرجاين ‪.)2006،‬‬ ‫لعل هذه التعريفات عىل أهميتها تربز صعوبة حرص الهوية يف مفهوم محدد‪ ،‬والسبب يف ذلك قد يرجع إىل ما يحيط بها من حيثيات وممي ازت تجعلها‬ ‫متعددة يف وجوهها ومظاهرها‪ ،‬وهذا ما يدعونا إىل التساؤل‪ :‬هل تتحدد هويات األشخاص من خالل الثبات واملطلقا وهل الصريورة الهي ارقليطية تنطبق‬ ‫عىل الهويةا أوليست الرسعة والتغيري هام سامت العرص؟‬ ‫يذهب كنط ‪ Kant‬يف كتابه «أسس ميتافيزيقيا األخالق» إىل‪« :‬أن االنسان هو أكرث من مجرد معطى طبيعي‪ ،‬إنه ذات لعقل عميل أخالقي يستمد من‬ ‫رشع لنفسه مبادئ يلتزم بها مبحض إ اردته‪ ،‬وهو ما يعطيه الحق يف إلزام اآلخرين باحرتامه‪ .‬وما‬ ‫كرامة أي قيمة داخلية مطلقة تتجاوز كل تقويم‪ .‬عىل أن ي ّ‬ ‫دام هذاالعقل األخالقي ومقتضياته كون ًيا‪ ،‬فإن االنسانية جمعاء تجثم بداخل كل فرد مام يستوجب احرتامه ومعاملته كغاية ال كوسيلة ( كنط ‪ )2009،‬إ َّن‬ ‫العقل ميز ًة جوهرية لإلنسان وعالمة فارقة له‪ ،‬عىل اعتبار أنه ميده باملعرفة واألخالق والكرامة ويؤمن اندماجه يف الجامعة‬ ‫َ‬ ‫كنط قد ك ّرس يف عرص األنوا ِّر‬ ‫و تَظَ ُّهر الهوية لديه‪ .‬لكن ‪،‬عىل الرغم من أن القرن العرشين شهد تحس ًنا للرشط البرشي‪ ،‬وملظهر الهوية اإلنسانية مقارنة مع عرص األنوار‪ :‬إلغاء الرق‪،‬‬


‫‪81‬‬

‫(دراسات جام ّعية يف اآلداب والعلوم اإلنسانية (مؤمتر العلوم اإلنسانية وإعادة بناء الثقافة الوطنية) ‪ -‬ماغي عبيد‬

‫فالحضارة إذا‪ ،‬هي ليست نتاج شعب مبفرده‪ ،‬إمنا هي مزيج من حضارات و ثقافات متعددة ومتنوعة‪ ،‬تتشابك‬ ‫وتتداخل مشكِّل ًة بذلك هذا الت اركم الثقايف الواعي الذي ينعكس تطوار عىل جميع مناحي الحياة‪ .‬ويعترب الرتاث‬ ‫من الركائز األساسية ألي عمل إنساين‪ ،‬فمنه تنطلق الشعوب لتش ِّيد بنا َءاتها الفكرية‪ ،‬وفيه اختصار لفلسفات الشعوب‬ ‫االجتامعية‪ .‬وبالتايل فالثقافة ال ميكن حرصها بالبعد املادي‪ ،‬وال عىل أنها التاريخ الكيل للثقافة‪ ،‬بل هي ظاهرة متعددة‬ ‫الجوانب‪ ،‬تحتوي ما حققه اإلنسان من تقدم مادي ومعريف وسلويك مها اريت‪ ،‬وهي تنتقل إىل األفراد واملجتمعات بالرتبية‬ ‫والتعليم‪ .‬والرتاث هو الحافظ والحاضن للفلسفة والتاريخ ‪ ،‬وللفن واللغة ‪ ،‬وللسياسة وجميع أنواع املعارف‪ ،‬وبصورة أدق‬ ‫هو املستودع أو الخ َّزان الذي تضع فيه اإلنسانية أ مثن ما عندها من علوم و ثقافات وآداب‪ ،‬لهذا عندما تسا َءل املفكر‬ ‫اللبناين كامل الحاج‪ :‬أين ثوابت الفلسفة التي تعرب عن ذاتنا القومية؟ أين مقومات فلسفتنا؟ كان الجواب‪« :‬إنها من‬ ‫موايض التاريخ» (الحاج‪ ،1974 ،‬ص‪ )745‬وبخاصة الرتاث الوطني الذي هو مبثابة الدم الذي يجري يف عروق كل مواطن‪،‬‬ ‫تحل يف الذوات الجزئية‪ ،‬فتبث فيها الوعي واملعرفة‪ ،‬وعىل هذا فإن‪« :‬كل‬ ‫هو الروح أو الذات الكلية العامة والشاملة التي ّ‬ ‫عمل عام أو خاص‪ ،‬ميثل صفة مصلحية وطنية أو عاملية أخذت من املايض ويجب الحفاظ عليها وحاميتها لتوريثها ألجيال‬ ‫املستقبل لكونها تنتمي إىل الرتاث «(‪.).P,1977 ,1L’Orient-Le Jour‬‬ ‫إ ّن التدرج املنطقي يتطلب منا عرض لتحديات هذه الثقافة الوطنية‪ ،‬وبخاصة مسألة الهويات املتصارعة‬ ‫‪،‬واإليديولوجيات املتناحرة‪ ،‬والعصبيات املتقاتلة يف مجتمع لبناين يعاين عقدة التناقضات‪ ،‬وإشكاليات التعددية‬ ‫والوحدة‪ ،‬وجدلية املغبونية والخوف‪ ،‬يف ظل نظام‪ :‬طائفي‪ ،‬برملاين وح ّر ‪ .‬وال بد أن نعرض كيف لهذه التحديات الراهنة‬ ‫واملستقبلية‪ ،‬وبخاصة عالقة املثقف بالسلطة‪ ،‬وتقاطعها مع بروز العوملة وتبعاتها‪ ،‬أن تقود قافتنا الوطنية إىل بر األمان‪.‬‬ ‫وهنا ال بد من بعض التصوارت للمعالجات املمكنة ملواجهة تحديات الثقافة الوطنية‪ ،‬وصولً إىل إبراز أن مستقبل ثقافتنا‬ ‫الوطنية وهويتنا اللبنانية رهن بأزمتني إيديولوجية وتكنولوجية‪.‬‬


‫‪80‬‬

‫(دراسات جام ّعية يف اآلداب والعلوم اإلنسانية (مؤمتر العلوم اإلنسانية وإعادة بناء الثقافة الوطنية) ‪ -‬ماغي عبيد‬

‫وعىل هذا‪ ،‬ال ميكن اختزال الهوية اإلنسانية يف نظرية واحدة متجانسة‪ ،‬من هنا رضورة فلسفة الهوية التي تطرش الطابع اإلشكايل‬ ‫للشخص باعتباره ماهية وجوه ًرا تحيط بهام حيثيات متغرية ‪ ،‬ومن ثم السري يف اإلشكالية إىل هوية وطنية فكونية يساهم العلم‬ ‫والتكنولوجيا يف تشكيلها وعوملتها‪ ،‬مع العلم بأن محددات الهوية تربز يف إطار اإللزام وليس االختيار‪ ،‬إذ يبدو أن اللحاق باألمة أمر‬ ‫مفروض فتحدد الهوية وفقها‪ .‬وقد طرحت الثورة الفرنسية هذه املحددات وحرصتها يف بعد ي‪ :‬اللغة واألرض وما يستتبعهام من‬ ‫خاصية قافية وإ اردة جامعة لنشوء القومية مبعناها السيايس والوطني االجتامعي‪( .‬تايلر‪ ،‬ص‪ .)15-14‬من هنا‪ ،‬فإن فلسفة الهوية‬ ‫هي ذلك الجهد الفكري الذي يُستخدم فيه طريق النظر الفلسفي‪ ،‬يف مناقشة املفاهيم األساسية التي تقوم عليها الهوية‪ ،‬ومحاولة‬ ‫رسم صيغ وصور ملا ينبغي أن تكون عليه الهوية يف تشكلها‪.‬‬ ‫ب_ماهية الثقافة الوطنية‪ :‬يُنظر إىل الثقافة عىل أنها تعبري عن هوية مجتمع ما‪ ،‬مبا ميتلك من خصوصية دينية ولغوية وأخالقية‪،‬‬ ‫لذا هي من أبنية الوعي اإلنساين األعىل املتعلقة بأنشطة اإلنسان‪ ،‬وهي بامتالكها للعمومية الوظائفية يف جميع الثقافات تقارب‬ ‫الفلسفة بكونها أ ًما للعلوم ومبوضوعها املحتوي للمعرفة والقيم والوجود‪.‬‬ ‫والثقافة بحسب تايلور ‪ « :Taylor‬كل مركب يشتمل عىل املعرفة واملعتقدات والفنون واألخالق والقانون‪ ،‬وغري ذلك من‬ ‫اإلمكانيات والعادات التي يكتسبها الفرد باعتباره عضوا ً يف مجتمع)»(‪ ,)135Brehier(. )15‬واملتتبع لتطور مفهوم الثقافة‪،‬‬ ‫صقل وتهذيباً وتنشئة وتسوية وتقو ًميا‪ ،‬مبعنى أنها عملية متدرجة تبدأ من‬ ‫ومعناها يف اللغة العربية يرى أنها ال تخرج عن كونها ً‬ ‫الفرد‪ ،‬لتنتهي إىل املجتمع والدولة‪ ،‬والحضارة عامة‪ ،‬غريأنه ال بد من التمييز بني العلم والثقافة من جهة‪ ،‬والثقافة والحضارة من‬ ‫جهة أخرى‪ ،‬وال سيام أن الثقافةوإشكاليات أفاهيمها قامئة يف النسق املعريف اإلبستمولوجي‪ ،‬ويف منهجها وموضوعها‪.‬‬ ‫غري أن ما مييز العلم من الثقافة‪ ،‬هو أن العلم عاملي لجميع األمم‪ ،‬ال يقترص عىل أمة دون أخرى‪ ،‬وال يختص بأمة دون‬ ‫أخرى‪ ،‬وهو املعرفة املستندة إىل االستقراء واالستنباط باستخدام األدوات العلمية‪ :‬كاملالحظة والتجربة واالستنتاج‪ ،‬يف حني أن‬ ‫الثقافة غالبًا ما تكون خاصة بأمة دون أخرى‪ ،‬وهي مبا متتلك من خصوصيات ومميزات متيزها عن غريها من األمم األخر ى‪ ،‬يف‬ ‫آدابها وتاريخها ‪،‬ويف سري أبطالها ولغتها ‪ ،‬ويف فقهها وفلسفتها وسائر معارفها غري التجريبية‪ .‬وعىل هذا‪ ،‬فالثقافة إنسانية الطابع‪،‬‬ ‫وإنسانيتها ال تنفي فرادتها وخصوصيتها‪ ،‬وهويتها املميزة لفرد من فرد آخر‪ ،‬أو ملجتمع من مجتمع آخر ‪،‬بل ألمة أو حضارة من‬ ‫أمة وحضارة أخرى‪ ،‬بل لكائن برشي من غريه من الكائنات األخرى‪ .‬وبالتايل فهي نسق من القيم املرتبطة بأفراد مجتمع معني قد‬ ‫يكتسبون خربات مختلفة‪ ،‬لذا من املتوقع أن تنطوي قافة مجتمع من املجتمعات عىل قدر من عدم التجانس واالئتالف تفرضه‬ ‫االختالفات الفطرية واالقليمية والدينية والطبقية واملهنية‪( .‬نبي ‪ ،1984،‬ص‪)30-25‬لهذا فالثقافة يف صورتها املعجمية ال تخرج عن‬ ‫كونها حصيلة فكر األمة ووجدانها‪ .‬وهذا ما مييزها من الحضارة التي « هي نظام اجتامعي‪ ،‬يعني االنسان عىل الزيادة من إنتاجه‬ ‫الثقايف»( ديوارنت ‪ ،1988،‬ص‪ ،)3‬لهذا يتبادر إىل الذهن التساؤل اآليت‪ :‬هل ميكن القول بوجود حضارة خالصة هي نتاج لشعب‬ ‫معني وحكر عليه‪ ،‬أي إنها مل تتأ ثر بغريها من الحضا ارت األخرى؟‪ .‬وهل هذا الشعب املنتج لهذه الحضارة هو شعب ٍ‬ ‫صاف‪ ،‬مل‬ ‫يختلط بغريه من الشعوب األخرى؟‬


‫‪83‬‬

‫( دراسات جام ّعية يف اآلداب والعلوم اإلنسانية (مؤمتر العلوم اإلنسانية وإعادة بناء الثقافة الوطنية) ‪ -‬ماغي عبيد‬

‫عمد الفالسفة اللبنانيون إىل إبراز الثقل اإليديولوجي للواقع‪ ،‬إذ إن شارل مالك أ بثت أن ما هو محسوس ليس‬ ‫بحاجة إىل إثبات‪ ،‬يف حني أن ما هو معقول فقط يتطلب براهني وأدلة إل ثبات ذلك‪ ،‬مؤك ًدا أن لبنان هو كيان يستمر‪،‬‬ ‫والعامل يعرتف له بحقه بالوجود واالستمرار (مالك‪ ،‬ص‪ .)9‬يذهب كامل الحاج املفكر اللبناين إىل تأكيد أن لبنان كيان‬ ‫سياسـي وبكل مـا للكلمـة مـن معنـى‪ ،‬إنـه األرض واالقتصاد‪ ،‬اللغـة والتاريخ ‪،‬كام أنـه املاضـي ‪ ،‬والحارض واملستقبل‪،‬‬ ‫وهـو ال يتوانـى عـن اإلشـادة بلبنان مـر د ًدا‪ « :‬إن الرتكيب القـومـي للبنـان‪ ،‬والتجـارب الدهـريـة التـي مـ ر بها‪ ،‬خـالل‬ ‫أول وآخـرا بالقيـم الروحيـة‪ ...‬كل ذلك‬ ‫أجيـال وأجيـال‪ ،‬والذهنيـة الصافيـة التـي اكتسبهـا بفضل تلك التجـارب‪ ،‬ومتسكـه ً‬ ‫جعل الفكر سباقًا بني أشقائه العرب‪(»...‬الحاج ‪،‬ص‪ .)50-49‬لبنان الدولـة التي اعرتفت بها أمم العالـم أجمـع واملنبثق‬ ‫مـن أقايص التاريـخ ومـن نتاج الجغرافيا هـو بالنسبـة إلـى مريديـه حقيقـة ثابتة أساسيـة ومقدسة‪ .‬إنـه «مسلك‬ ‫سحـر ي» (‪ )49Saqr, P‬قـد يـذوب فـي العـدم أو فـي العنف‪ ،‬إذ يجـد البعض فيـه أنـه «تاريخ حرب ال تنتهي أب ًدا»‬ ‫(‪. )117Briere, P‬‬ ‫صحيح أن األمور يف تاريخ لبنان الحديث تزامنت مع هذه التوقعات‪ ،‬لكن ما حصل كان بسبب غياب الحوار الحقيقي‬ ‫ٌ‬ ‫بني طريف النزاع‪ ،‬هذا الواقع الذي كان عليه لبنان واللبنانيون الذين كان يتنازعهم منزعان‪ :‬إرضاء دول الجوار‪ ،‬واملصالح‬ ‫جيل بعد جيل‪ ،‬حتى لتكاد‬ ‫املتغرية للقوى العظمى‪ ،‬إضافة إىل قضية الفلسطينني‪ .‬وتبقى أزمةالكيان قامئة ومتوارثة ً‬ ‫أصل مشكلة واحدة هي مشكلة وجوده التاريخي»‬ ‫تصل إىل حدود كل فرد بذاته‪ .‬و‪ »:‬يقيننا بأن الوجدان اللبناين يعاين ً‬ ‫(موارين‪ ،1994 ،‬ص‪ .)13‬وهذا ما أدى إىل وجود أزمة فعلية عىل صعيد التعريف بالهوية التاريخية‪« :‬وإذا كانت أزمات‬ ‫لبنان هي دامئًا أزمات هوية فهذا يعني أن لبنان ليس واق ًعا قامئًا بذاته‪( »...‬ص‪ .)7‬ومن هن تطرح إشكالية حقيقية وهي‪:‬‬ ‫فعل هو عر ّيب االنتامء والهوية؟ أم إنه ينتمي فعليًا إىل عامل آخر مكتفيًا مبقولة أنه ذو وجه عر ّيب؟‬ ‫ألبنان ً‬ ‫يكاد يجمع معظم الباحثني واملفكرين عىل أن إشكالية املجتمع اللبناين تكمن يف حقيقـة تحديد ماهية الهويـة التاريخية‪،‬‬ ‫ولعل أشد مـا يثري االستغراب والعجب أن قيامة لبنان كانت تحتضن داخلها بذور نقيضها بدليل أن أبناءها مل يجمعوا‬ ‫عب عن استيائه من هذا الوضع مرد ًدا‪« :‬لعل من أشد األمور‬ ‫يو ًما عىل فكرة! حتى إن أحد املفكرين اللبنانيني كان قد ّ‬ ‫التي تؤملني وتدهشني يف وقت م ًعا‪ ،‬هذه املناظرات التي تدور أحيانًا كثرية يف لبنان‪ ،‬حول الثقافة وألوانها واتجاهاتها‬ ‫وما يالئم منها وما ال يالئم‪ .‬وإمنا يؤملني من هذه املناظرات أن أكرثها‪ ،‬إذا مل أقل كلها‪ ،‬مشوب بأغراض سياسية حزبية»‪...‬‬ ‫(لحود‪ ،1993،‬ص‪.)88‬‬


‫‪82‬‬

‫( دراسات جام ّعية يف اآلداب والعلوم اإلنسانية (مؤمتر العلوم اإلنسانية وإعادة بناء الثقافة الوطنية) ‪ -‬ماغي عبيد‬

‫ثانيا ‪ :‬تحليل إشكاليات وأزمات وأفاهيم الثقافة والثقافة الوطنية اللبنانية‪ ،‬والهوية الوطنية اللبنانية‬ ‫لعل إشكالية املناهج املستخدمة يف الد ارسات الثقافية تعترب من أهم اإلشكاليات والتحديات التي تواجه الثقافة بعامة‪،‬‬ ‫والثقافة الوطنية بخاصة ‪ ،‬وال سيام تعدد املنهجيات التي تحول املوضوع الثقايف إىل طريقة بحث منهجية‪ ،‬وبالتايل‬ ‫أصبحت الثقافة توصف مبنهجها ال مبوضوعها تب ًعا للمنهج املستخدم فيها‪ .‬وهذا ما أورث هوة بني املوضوع ومنهجيته‪،‬‬ ‫خاصا بها‪،‬‬ ‫وأورث فقرا ً يف النتاج الثقايف الوطني مقارنة بالنتاج الثقايف العاملي‪ ،‬عىل اعتبار أن الثقافة تتطلب منه ًجا كل ًيا ً‬ ‫يف حني أن املنهج املستخدم يف د ارستها منهج جز ّيئ ‪ ،‬وهذا ما يجعلها يف أزمة‪ .‬كام أنه ال ميكن إغفال أن استخدام مناهج‬ ‫العلم الثابتة‪ ،‬كاملنهج التجريبي الذي يصلح يف العلوم الطبيعية ‪ ،‬ويف الد راسات الثقافية املتغرية يؤدي إىل إحداث هوة‬ ‫بني املوضوع الثقايف واملنهج العلمي‪ ،‬فيأيت الناتج الثقايف لهذا االستخدام ممسو ًخا ومشو ًها‪ ،‬إذ إن التناقض بني املوضوع‬ ‫واملنهج يتمثل يف إذابة املنهج للخصوصية الثقافية لتتبع عمومية املعرفة‪ ،‬كام أن استخدام مناهج ليست نابعة من بيئتها‬ ‫الثقافية يؤدي إىل التناقض بني املوضوع الثقايف والواقع املعرب عنه‪ .‬ولعل اإلشكالية الكربى ال تكمن فقط يف تحديات‬ ‫املنهج واملوضوع‪ ،‬بل يف أزمة اللغة العربية‪ ،‬وعدم مواكبتها للتقانة املعارصة‪ ،‬وبخاصة طغيان العامية عىل الفصحى‪ ،‬لهذا‬ ‫قائل‪ »:‬حتى هذه اللحظة كانت كلمة الثقافة مستبعدة من القاموس املعجمي التداويل‬ ‫أطلق جورج طرابييش رصخته ً‬ ‫ومل يكن معناها سوى معناها القامويس الذي يحدده لسان العرب‪ ...‬فلوال اللقاء مع الحدا ثة الغربية لظلت كلمة الثقافة‬ ‫تعني يف القرن الثامن عرش والتاسع عرش ما عنته يف القرن الثاين الهجري» (طرابييش‪ ،2009 ،‬ص‪)95‬‬ ‫وعىل هذا‪ ،‬فمعالجة مشكالت الثقافة العامة تتطلب منه ًجا ينبع من طبيعتها الكلية الخاصة بها‪ .‬إن جميع ما ورد من‬ ‫إشكاليات وأزمات تتقاطع يف الثقافة الوطنية اللبنانية مع أزمة اإليديولوجيا‪ ،‬إضاف ًة إىل عقدة تناقضات هذا املجتمع‬ ‫واملتمثلة يف املواقف املتباينة إ زاء انتامء لبنان الحضاري‪ ،‬فام هذا االنتامء؟ وبالتايل أفيه حضارة واحدة أم تعددية‬ ‫حضارية ؟‬ ‫أ‪ -‬إشكالية الكيان والهوية‪ :‬ككل عمل فكري فلسفي ال بد من التعرض للواقع اللبناين وجو ًدا وهوية‪ ،‬كيانًا ونظا ًما‪ ،‬ومن‬ ‫أوىل القضايا التي طرحها الفكر وسعى إليجاد الحلول لها كانت مشكلة التناقضات املوجودة يف املجتمع اللبنانـي مـن‬ ‫رصاع ‪ :‬ميني‪ -‬يسار‪ ،‬ليربالية‪ -‬اشرتاكية‪ ،‬رجعية‪ -‬تقدمية‪ ،‬طائفية‪ -‬الطائفية‪ ،‬أغنياء‪-‬فقراء‪ ،‬حرية‪ -‬عبودية‪ ،‬رش ق‪ -‬غرب‪،‬‬ ‫إميان‪ -‬إلحاد‪ ،‬مواالة‪ -‬معارضة‪ ،‬مقاومة‪ -‬عاملة‪ .‬جميع هذه التناقضات والتباينات ترجع بأصولها إىل أزمة أساسية أال وهي‬ ‫إشكالية الكيان‪ ،‬فهل هناك كيان اسمه لبنان ؟ وهل لهذا الكيان اللبناين‪ ،‬باعتباره انتامء عقل ّيا لدولة مستقلة وس ّيدة‪ ،‬أن‬ ‫يشكل مادة تاريخية ذات مغزى ؟‬


‫‪85‬‬

‫(دراسات جام ّعية يف اآلداب والعلوم اإلنسانية (مؤمتر العلوم اإلنسانية وإعادة بناء الثقافة الوطنية) ‪ -‬ماغي عبيد‬

‫وسط املتغريات الحاصلة يف املنطقة أضحت الجمهورية اللبنانية وميثاقها الوطني الذي شكل العلّة الفاعلة يف وجودها‪،‬‬ ‫إطا رين جديدين‪ ،‬إل ثبات أن لبنان الدولة يؤدي أدوارا مهمة‪ ،‬تجعل استمراريته أم ًرا مل ًّحا ورضوريًا‪ ،‬فلبنان كام هو‬ ‫معروف هو بلد التقاء الرشق لـلغرب‪ ،‬وتعايش املسيحية واإلسالم‪ ،‬كذلك هو أرض حاضنة لكل األقليات املضطهدة‪ ،‬سع ًيا‬ ‫الحرتام خصوصياتها‪ ،‬عىل اعتبار أنه بلد الحريات العامة والخاصة‪ ،‬أرض الثقافات والتثاقف‪ .‬ولعل األهم بني كل ذلك‬ ‫حل ّإل بلبنان جديد‪ ،‬علمي وقـادر‬ ‫أنه‪« :‬يف قلب العامل العريب‪ ...‬عامل استقرار رابط» «(‪ .(.P ,1964 ,269Chiha‬لهـذا ال ّ‬ ‫عىل تخطي مفاهيم الذّمية فـي املجتمع املسيحي‪ ،‬والسلفيـة فـي املجتمع اإلسالمي‪ ،‬واالنطالق بلبنان جديـد عىل أسس‬ ‫فلسفية وعقالنية ‪،‬دميقراطية وإنسانية‪.‬‬ ‫ب‪ -‬أزمة اإليديولوجيا يف لبنان‪ :‬إن تاريخ املجتمع اللبناين ميلء بالرصاعات اإليديولوجيةوالتناقضات العقائدية‪ ،‬ومل‬ ‫يستطع استقالل لبنان يف العام ‪ 1943‬إلغاء هذه الرصاعات التي حكمت لبنان منذ نشوئه‪ ،‬بل عىل العكس من ذلك‬ ‫هي أتت كإطار يحتوي هذه الرصاعات والتناقضات التي تش ّعبت واحتدمت ‪ ،‬وتسارعت وتريتها‪ .‬لذا فالد ارسة تتطلب‬ ‫بحثا عميقًا يف حقيقة هذه الظاهرة بأبعادها النظريةوالعملية‪ .‬من املالحظ أن الرصاع العقائدي واإليديولوجي يف لبنان‪،‬‬ ‫إمنا هو انعكاس ألزمة الهوية‪ ،‬إذ مل نلمس إجام ًعا لدى اللبنانيني‪ ،‬ولو ملرة واحدة‪ ،‬حول هوية لبنان‪ ،‬بل تجد البعض يرى‬ ‫أن الهوية الجامعية واالجتامعية للمواطن اللبناين تتمثل بطائفته‪ ،‬وأُخر رأوا فيها هوية قومية‪ ،‬وهي بنظر فريق ثالث‬ ‫سورية‪ ،‬ويف نظر فريق رابع عربية‪ ،‬يف حني أن آخرين يسمونها بالهوية الطبقية‪ .‬والحل لن يكون مجديًا ما مل يستند إىل‬ ‫نظرة فلسفية شاملة‪ ،‬أي إىل إيديولوجية تحمل يف طياتها أزمات واقع املجتمع اللبناين‪ ،‬وحلولها تكمن يف التساؤل عن‬ ‫هذا الواقع‪ ،‬وما هو عليها وما املستقبل املنتظر؟ وكيف له أن يتحول؟ ولِ َم؟‪.‬‬ ‫إن اإليديولوجية التـي من الواجب تحقيقها يف املجتمع اللبناين هي إيديولوجية لبنانية تتجاوز إطار الطائفية والتسوية‬ ‫أو التوازن‪ ،‬صيغة تحقق التعايش الحق‪ ،‬القائم عىل االندماج يف وحدة مجتمعية حيث تسود عالقة جدلية بيـن األطراف‬ ‫املتعايشة‪ ،‬تبنى عىل االتفاق والتوافق ال الغلبة لطرف عىل آخر‪ ،‬إمنا إقامة مجتمع جديد عىل أنقاض القديم والحايل‪.‬‬ ‫وللخروج من هذا الواقع الطائفي هناك مسلكان أو طريقان‪ :‬إ ما االنفصال أو الوحدة ‪ ،‬وبخاصة أن التعايش الطائفي‬ ‫الفعيل يف لبنان يعمل دامئًا وتاريخ ًيا َ‬ ‫خالف ما تقتضيه إيديولوجية التعايش الطائفي‪ .‬وتشكيل لبنان يجب أن يكون عىل‬ ‫أسس وطنية‪ ،‬يكون الوالء فيها للوطن ال إليديولوجية أخر ى‪ ،‬وبخاص ٍة أن التضاد والتناقض قائم بني سلطتي الطوائف‬ ‫والدولة‪ ،‬بني سلطة كلّية وشاملة‪ ،‬وأخرى جزئية تحلم بأن تقيم دولة ضمن الدولة‪ ،‬هام إذًا عىل تناقض وتضاد‪ ...« :‬وهام‬ ‫سلطتان متنافستان‪ ،‬ويف العمق متناقضتان‪ ،‬يف سعيهام إلعادة إنتاج األبناء عىل صورة األباء‪ .‬ولن يتم تحويل املشكلة من‬ ‫مشكلة تعدد تربوي طوائفي إىل مشكلة تن ّوع تربوي ثقايف إ لّ بقدر ما يتم تجاوز الفوارق التي تفصل الطوائف بعضها‬ ‫(نصار‪ ،2000 ،‬ص‪.)41‬‬ ‫عن بعض يف تص ّور األمة والوطن والدولة والوجود الطائفي نفسه‪ّ ».‬‬


‫‪84‬‬

‫( دراسات جام ّعية يف اآلداب والعلوم اإلنسانية (مؤمتر العلوم اإلنسانية وإعادة بناء الثقافة الوطنية) ‪ -‬ماغي عبيد‬

‫إزاء هذا االنقسام الحاصل حول الكيان اللبناين كان ال بد من بروز قطبني أو طرفني‪ :‬أحدهام يرى يف لبنان جز ًءا من محيطه العريب‬ ‫مستن ًدا يف ذلك إىل التا ريخ والجغرافيا يف إعالن هذا االنتامء والدفاع عنه ‪،‬يف حني أن الطرف اآلخر عمل عىل إ ثبات خصوصية‬ ‫صحيح أن امليثاق الوطني هو الحصيلة األساسية والجوهرية‬ ‫لبنان الثقافية والتاريخية مؤك ًدا متيّزه وفرادته عن محيطه العريب‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫حل آن ًيا‪ ،‬وهو أىت نتاج توازن إقليمي أكرث مام هو تعبري عن حالة نضوج داخلية‪ ،‬وبخاص ٍة‬ ‫ألي نتاج مستقبيل‪ ،‬لكنه مع ذلك بقي ً‬ ‫نضال ود ًما يف سيل خيال وطني معارص ‪ ) P,1966 ,28Hourani(.‬استخدمه بعض‬ ‫أن املجتمع اللبناين ما زال يدفع منه ً‬ ‫السياسيني الذين اتسموا بالشبهات والتسويات‪ ،‬إذ ليس لدى اللبنانيني ما يجعلهم يجمعون عىل التأويل نفسه بالنسبة إىل العروبة‬ ‫قصد بها حسن جوار فحسب ؟حتى امليثاق الذي يكرس النظام الطائفي عىل اعتبار أنه‬ ‫قصد بالعروبة تلك الهوية الثقافية أم يُ َ‬ ‫‪،‬أيُ َ‬ ‫نوع من توازن السلطة هو بالتايل ال مييز سوى طائفتني املسيحية واإلسالم‪.‬‬ ‫ولو رجعنا إىل تاريخ هاتني الطائفتني لوجدنا تباي ًنا ثقاف ًيا كب ًريا يصل إىل حد التناقض والتعارض بني مجموعات متعددة من رشائح‬ ‫املجتمع اللبناين‪ ،‬حتى لتبدو وكأنها أشبه باملونادات ‪ Les Monades‬التي تحدث عنها ليبنتز‪ .Leibniz‬بني هذه املونادات املتنازعة‬ ‫عاش لبنان أزمة الهوية وإشكالية الكيان‪ ،‬وخضع بالتايل لصريورة الرفض والتأكيد‪ ،‬اإل ثبات والنفي‪ ،‬مع العلم بأن اتفاق الطائف أىت‬ ‫ليحسم الجدل مؤك ًدا أن‪:‬‬ ‫«لبنان عريب الهويـة واالنتامء» (رسحال ‪ ،1993،‬ص‪ .)15‬إ ال أن الحسم بقي عىل مستوى النص الدستوري نظريًا‪ ،‬ولـم ير َق إىل‬ ‫أيضا عىل مستو ى الغاء الطائفية السياسية‪ ،‬وهو هدف‬ ‫مستوى التطبيق الفعيل‪ ،‬ليس عىل مستوى هوية لبنان فحسب‪ ،‬بل ً‬ ‫وطني أسايس‪ ،‬لذا من الواجب تعزيز الوحدة الوطنية بني اللبنانيني وتعميق روح اإلمناء الوطني عرب تحقيق االنصهار الوطني‬ ‫وتجاوز الطائفية (بكاسيني ‪ ،1993،‬ص‪ ).216‬وال ننىس أ ن القضية أعمق من تغيري نص أو إ ثباته‪ ،‬إنها تاريخ من الرتاكم الثقايف‬ ‫والفكر ي‪ .‬ومبا أن الفلسفة ليست منفصلة عن تاريخها وناسها‪ ،‬وتاريخ املجتمع اللبناين هو تاريخ التناقضات الطائفية بني املسلمني‬ ‫واملسيحيني‪ ،‬ففي حني أن املسيحي‪...« :‬يرى أن دولته الثقافية ال بد لها من أن متر بالواسطة الغربية كاملة دون أن يعني ذلك‬ ‫بالنسبة إليه االغرتاب‪ ،‬أما املسلم فال يزال مرتد ًدا أمام هذه الوساطة خوفًا عىل هويته» (موارين‪ ،‬ص‪ .)129‬ولعل الغريب يف األمر‪،‬‬ ‫أن املجتمع اللبناين ‪،‬عىل الرغم من كل هذه الرصاعات اإليديولوجية‪ ،‬يكاد يخلو من إيديولوجية متكاملة‪ ،‬وهذا إن د ل عىل يشء‬ ‫إمنا يدل عىل الخطر الذي يواجه مجتمعنا ومؤسساتنا ‪ ،‬وأحزابنا وسياساتنا يف التاريخ املعارص‪.‬‬ ‫باختصار‪ :‬إذا كانت املسيحية يف لبنان تجد أن واقع أهل الذِّمة مرفوض بتاتا‪ ،‬ويف املقابل يعلن املسلمون رفضهم لدولة علامنية‪،‬‬ ‫ملموسا‪ ،‬ألنه ال خالص‬ ‫حتم إىل الالمركزية السياسية‪ ،‬إىل أن تسود فكرة الدولة العلامنية‪ ،‬وتصبح واق ًعا‬ ‫فإن لبنان بذلك سيذهب ً‬ ‫ً‬ ‫للبنان العلمي التقدمي الجديد إ ال بها ‪.‬‬


‫‪87‬‬

‫( دراسات جام ّعية يف اآلداب والعلوم اإلنسانية (مؤمتر العلوم اإلنسانية وإعادة بناء الثقافة الوطنية) ‪ -‬ماغي عبيد‬

‫فعن أي سيادة يتكلمون ولبنان مرتهن ألنظمة ومشاريع إقليمية ودولية؟ كيف له أن يحقق حريته وهو ليس س ّيد‬ ‫نفسه؟ وكيف له أن يحقق وحدته الوطنية واأليادي الخارجية تسعى إىل رشذمته وتفتيته؟ كيف للبنان أن يكون واح ًدا‬ ‫موح ًدا‪ ،‬وكل طائفة فيه تستقوي عىل األخرى بقوى خارجية تؤمن لها استمراريتها ووجودها يف مقابل فئات الشعب اللبناين‬ ‫األخرى؟ وتبقى هناك إشكاليات وتحديات عديدة تواجه املجتمع اللبناين يف تشكالته وتركيبته‪ ،‬منها إشكالية التعددية‬ ‫والوحدة‪ ،‬وجدلية املغبونية والخوف‪ ،‬ونظام لبنان الطائفي الربملاين الحر‪ .‬لكن ضيق الوقت ال يسمح لنا بتسليط الضوء عىل‬ ‫هذه القضايا كلها‪ ،‬وتبقى اإلشكالية التي ت ُطرح‪ :‬هل الدولة اللبنانية هي صنيعة الشعب اللبناين؟ وهل هي متح ّررة من‬ ‫تأ ثريات الخارج فيها؟‬ ‫الخامتة‬ ‫مستقبل التعايش السلمي و ثقافتنا الوطنية وهويتنا اللبنانية‪ :‬أزمة إيديولوجيا أم تكنولوجيا أم العمل عىل نحو كوكبي؟‬ ‫مام تق ّدم‪ ،‬نستنتج أن لبنان ليس كام يدعي البعض «غلطة تاريخية»‪ ( ،‬خليفة ‪ ،1997،‬ص‪ )15‬بل هو كام يصفه إدمون‬ ‫ربّاط «بلد ذو سيامء خا صة»‪) .P ,1986 ,1Rabbath( .‬‬ ‫وصحيح أنه قد يشارك بقية الكيانات‬ ‫صحيح أنـه يرتبط مع العامل العريب بروابط التاريخ واللغة والثقافة والتجارة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫املحيطة واملجاورة خصائصه‪ ،‬لكنه يتميز من غريه بنوعيته التي تجعله ظاهرة فريدة يف العامل العريب‪ ،‬وهي نتاج أوضاع‬ ‫اجتامعية وسوسيو‪ -‬ثقافية أكرث منها سياسية‪ .‬من هنا‪ ،‬ال خالص للبنان إ ال بإيديولوجية لبنانية حقّة‪ ،‬تكون نتاج الشباب‬ ‫أول وأخ ًريا‪ ،‬خارج حدود األحزال والطوائف واملذاهب‪،‬‬ ‫اللبناين املثقف والواعي‪ ،‬املؤمن بلبنان‪ ،‬حتى يكون االنتامء للوطن ً‬ ‫إذ يتم تجاوز اللعبة الطائفية وتوازناتها التي لعبت بلبنان وما زالت‪ .‬وال خالص للبنان من أزماته وتحقيق تعايشه‬ ‫السلمي إال بوقف التدخالت اإلقليمية والدولية عن أرضه‪ ،‬وحامية سيادة الدولة من خالل الحفاظ عىل األمن والسالم‬ ‫اللبنانيني‪.‬‬ ‫ولن يتحقق ذلك ما مل يُ َع َّدل الدستور عرب إلغاء الطائفية السياسية‪ ،‬والرتكيز عىل مفهوم املواطنية الحقة‪ ،‬وإبراز معنى‬ ‫الهوية الوطنية والثقافة الوطنية اللبنانية يف «أنا» كلية جامعة‪ ،‬يكون الوالء فيها للبنان الوطن قبل أي اعتبا ارت أخر‬ ‫ى‪ .‬إنها هذه األنا اللبنانية التي تجمع يف ذاتها ثقافتها الوطنية الحاضنة لألصالة واملعارصة‪ ،‬مانعة للنقل‪ ،‬معتمد ًة عىل‬ ‫العقل وسيل ًة لإلبداع والتطور‪ ،‬آخذ ًة من الرتاث القديم عونًا لها يف حل أزمات واقعها املعارص‪ ،‬ومن الرتاث املعارص أدواته‬ ‫املساهمة يف تطوير الرتاث‪ ،‬لعل الرتاث بذلك يتحول إىل واقع وحياة‪ ،‬ولعل الفلسفة تتحول إىل رسالة وقضية‪ ،‬فتُذهب‬ ‫التفرق َة بني الثقافتني الغربية والعربية وتوحدهام‪ ،‬ليتوافقا وروح العلم والعرص‪ ،‬وينتهي بذلك الوضع القائم والفراغ‬ ‫الحاصل‪ ،‬ونصل إىل تحقيق فكرة اإلنسان املتكامل الحامل لثقافته الوطنية‪ ،‬ولهويته الوطنية ال لهويات معوملة استهالكية‬ ‫يف عامل افرتايض‪،‬حيث ثقافة الشاشة ال الكلمة‪ ،‬وحيث اإلعالمي السطحي نتاج الفوتوشوب والفايسبوك والواتساب‪ ،‬ال‬ ‫املثقف األصيل امللتزم قضايا شعبه ووطنه وأمته‪ ،‬وحيث ثقافة التواصل االجتامعي ال ثقافة الكتاب واملؤسسات الثقافية‬


‫‪86‬‬

‫( دراسات جام ّعية يف اآلداب والعلوم اإلنسانية (مؤمتر العلوم اإلنسانية وإعادة بناء الثقافة الوطنية) ‪ -‬ماغي عبيد‬

‫اإليديولوجية املارونية ترى يف املجتمع اللبناين أنه متعدد أو تعددي‪ ،‬وأن الدولة ال بد من أن تقوم عىل التعاقد والرتايض‪ ،‬مستفيدة‬ ‫من صيغة العام ‪ 1943‬التسسووية ‪ ،‬رشط ألّ تحصل تغيريات تهدد حرية وجودها ‪،‬وت ّدعي الخوف من الرجوع إىل واقع أهل‬ ‫الذمة‪ ،‬وبالتايل الحرية لديها ليست مضمونة‪ ،‬يف حني أن اإليديولوجية اإلسالمية تقابلها بادعاء مضاد أال وهو الغنب والدونية‬ ‫من عدم متثيلها يف الدولة‪ ،‬ويف املؤسسات العامة‪ .‬من هنا فإن التعارض والرصاع بني املنطقني سيبقيان ما بقيت اإليديولوجية‬ ‫اإلسالمية التكفل حرية مضمونة للمسيحيني وبخاص ٍة املوارنة‪ ،‬كذلك ما دامت اإليديولوجية املارونية ال تفصح عن شكل الكيان‬ ‫اللبناين املستقل بغية التخلص من العوامل التي قد تؤدي إىل استثارة املسلمني ومعارضتهم‪.‬فالتعارض بني اإليديولوجيتني قائم‬ ‫رض عىل الصعيدين اإلقليمي والعاملي‪.‬‬ ‫بالدرجة األوىل عىل النظرة الدينية األساسية‪ ،‬ومن ثم الشخصيةاالجتامعية تاريخ ًيا‪ ،‬وحا ٌ‬ ‫جميع ما ورد ذكره من تداعيات كان لهادورها يف اتصاف النظام السيايس اللبناين بالطائفية من جهة وبتثبيت اإلقطاع السيايس‬ ‫والعائيل من جهة أخرى يف أساس السلطة يف املجتمع اللبناين‪ .‬واملواقف من الطائفية تتباين بني طرفني‪ ،‬األول ينظر إليها عىل أنها‬ ‫هي السبب يف قيام كيان اسمه لبنان‪ ،‬وبالتايل فهي بناءة ال هدامة‪ ،‬والثاين ينظر إليها عىل أنها السبب يف قيام حروب أهلية لبنانية‬ ‫بني فرتة وأخرى‪ .‬وإ ازء اختالف وجهات النظر هذه كان البد من طرح اإلشكالية اآلتية‪ :‬ما طبيعة الطائفية؟ أب ّناءة هي أم هدامة؟‬ ‫ينبغي لإليديولوجية اللبنانية أن تسعى لحل املشكالت العملية لواقع املجتمع اللبناين‪ ،‬وبخاصة رضورة تغيري الطبقة السياسية‬ ‫الحاكمة وأسلوب حكمها وإدارتها‪ ،‬وإحالل فكرة الوحدة الوطنية التي تحمل يف طياتها التعدد واالختالف‪ ،‬مبا يؤدي إىل التميّز‬ ‫والوحدة‪ .‬ولن يكون ذلك ما مل تقم الفلسفة بدورها يف إعادة تشكيل املجتمع اللبناين عىل أسس علمية وإنسانية راقية‪ ،‬إذ إنه‬ ‫عىل عاتقها تقع مسؤولية قيادة الشعوب نحو األفضل ‪ ،‬وبخاص ٍة أنها هي ا لـتي تعلم الحوار البناء‪ ،‬والتفكري النقدي والعلمي‬ ‫واملوضوعي‪ ،‬كام أنها تعلم قبل كل يشء قبول أآلخر‪ .‬قد يرى البعض أن الفلسفة انتهى دورها اليوم يف ظل العلم والعوملة‪ ،‬لكن ما‬ ‫مل ينتبهوا إليه أن‪...« :‬حكمة الشعوب ال تغني عن حكمة العقل الفلسفي الذي وظيفته أن يستكشف حقيقة اإلنسان والوجود‪،‬‬ ‫وأن يستخلص مـا يجب أو ما يحسن السعي إليه سياس ًيا ليك يحقق اإلنسان إمكاناته ويبلغ بذلك سعادته» (ص‪.)276‬‬ ‫قد يرتاءى للبنانيني أن للمجتمع اللبناين أهمية بني دول العامل الكرب ى‪ ،‬فيستخدمون مفردات «قيادات» و»مرجعيات ‪»،‬و»‬ ‫أحزاب» و»تيا رات»‪ .‬ويف حني أن البعض يرى فيه أنه مجتمع «قبائل» و»عشائر»‪ ،‬فإن البعض اآلخر يجد فيه أنه «مزرعة» أو‬ ‫«جبنة»‪ ،‬تعمد الفئات املتنافسة واملتصارعة إىل تقاسمها! لذا مل يكن من املستبعد إطالق شعار «الوحدة الوطنية «يف رد فعل عىل‬ ‫االنقسام والترشذم‪ ،‬وانعدام لغة الحوار واملصالحة‪ ،‬عرب انغالق كل طائفة بل كل حزب عىل ذاته‪ ،‬وإطالق عدائه تجاه اآلخر‪ .‬لبنان‬ ‫بلد الحرية واالنفتاش‪ ،‬بلد التقاء الثقافات والحضا رات أصبح اليوم يتغنى بالحرية التي جرادوها من معناها الواسع والفضفاض‪،‬‬ ‫لتختص بفئة معينة‪ ،‬فهي ليست للجميع‪ ،‬واألصعب من ذلك أنهم ربطوها بالسيادة واالستقالل‪.‬‬


‫‪89‬‬

‫(دراسات جام ّعية يف اآلداب والعلوم اإلنسانية (مؤمتر العلوم اإلنسانية وإعادة بناء الثقافة الوطنية) ‪ -‬ماغي عبيد‬

‫ويبقى السؤال‪َ :‬من املخ ّول أن يقوم بعملية اإلصالح هذه ؟إنهم باختصار النخبة الواعية واملثقفة من مفكري لبنان‬ ‫وفالسفته الذين ميتلكون القدرات واملؤهالت التي تخ ّولهم بناء وطن عىل أسس عقالنية وعلمية‪ ،‬والذين مل يفسدهم‬ ‫املجتمع بعد ‪.‬ذلك أ نه لن تقوم قيامة للبنان إ ال بالوحدة الوطنية الحقّة والصادقة‪ ،‬ال بشعا رات حرفية ظاهرية‪ ،‬إمنا‬ ‫اإلميان بها روحي ًة وجو ًهرا سعيًا إىل تجاوز الطائفية ومشكالتها التي ح ّولت اللبنانيني إىل فئات متنابذة ينفي بعضهم‬ ‫بعضا‪ .‬وللتخلص من الطائفية ال بد من سيادة قانون واحد يُط ّبق عىل الجميع بعي ًدا من االحتكا رات الطائفية‬ ‫ً‬ ‫واالمتيازات املذهبية ‪ ،‬واستنا ًد ا إىل مبدأ النزاهة والكفاءة‪ .‬ولن يكون ذلك إ ال بالتخيل عن الدميقراطيّة التوافقية التي‬ ‫أدت دورها يف تهدئة املجتمع وتسوية أوضاعه لفرتة ما‪ ،‬لكنها مل تعد صالحة اليوم ألنها تحمل يف ذاتها االنقسامات‬ ‫الطائفية‪ .‬فلِ َم التمسك بالدميقراطية التوافقية؟‬ ‫ولِّ َم ال نبحث عن دميقراط ّية إنسانية فلسفية يكون اإلنسان فيها الوسيلة والغاية‪ ،‬دميقراطية اجتامعية تقوم عىل أسس‬ ‫علمية نظرية وتطبيقية تعنى بقضايا املواطنني عىل مختلف األصعدة‪ ،‬فتساهم يف تأمني مستلزماتهم االجتامعية وتعالج‬ ‫أزماتهم من شيخوخة وبطالة وطبابة ‪ ،‬وتهتم بالخدمات االجتامعية وتعمل عىل حامية النساء واألطفال والشيوخ هكذا‬ ‫إذًا نستطيع الوصول إىل دولة عادلة وشاملة‪ .‬لبناء دولة عادلة ال ب َّد من حاميتها من مطامع الكبار ‪ ،‬وبخاصة أننا يف زمن‬ ‫العوملة الذي تسعى أمريكا بواسطته اليوم إىل فرض سيطرتها عىل دول العامل‪.‬‬ ‫لذا‪ ،‬عىل اللبنانيني السعي إىل حامية وطنهم عرب تطبيق الدميقراطيّة العادلة والصحيحة ال املبالغة يف دميقراطية مثالية‬ ‫وال التطرف يف خلق مواطنني مثاليني‪ ،‬بل العمل عىل إرساء قواعد الدميقرطية الصحيحة واملعتدلة‪.‬‬ ‫املارجع العربية‬ ‫ بركات‪ ،‬حليم( ‪ ،)2004‬أزمة الحداثة والوعي التقليدي‪ .‬بريوت‪ :‬رياض الريس للكتاب والنرش‪.‬‬‫ بكاسيني‪ ،‬جورج( ‪.)1993‬أسارر الطائف‪ -‬من عهد أمني الجميل حتى سقوط الجنارل )ط‪ .(1‬بريوت‪:‬‬‫دار التعاونية الطباعية ‪.‬‬ ‫ تايلر‪ ،‬بيرت( ‪ ،)2000‬الجغارفيا السياسية‪) .‬ط‪ ،(1‬ج‪ ،1‬سلسلة عامل املعرفة )‪ ،(283‬الكويت‪ :‬املجلس الوطني للثقافة والفنون‬‫وامداب‪.‬‬ ‫ الجرجاين( ‪ .)2006‬معجم التعريفات‪ .‬بريوت‪ :‬مؤسسة الرسالة للطباعة والنرش والتوزيع ‪.‬‬‫ الحاج كامل‪ ،‬يوسف( ‪ ،)1969‬لبنان بني إسارئيل والصهيونية ‪،‬محارضة ألقيت يف بش ر ي بدعوة من عصبة شباب بش ري‪10،‬آب‪.‬‬‫ ‪(1974‬موجز الفلسفة اللبنانية‪ .‬جونية )‪.‬‬‫ خليفة‪ ،‬نبيل( ‪ .)1997‬مدخل إىل الخصوصية اللبنانية )ط‪ .(1‬جبيل‪ :‬منشوارت بيبلوس‪.‬‬‫ ديوارنت‪ ،‬ول وايريل( ‪ .)1988‬قصة الحضارة ‪).‬تقديم محي الدين صابر‪ ،‬تر‪ .‬زيك نجيب محمود( ج‪ ،1‬مج‪ ،1‬بريوت‪ -‬تونس‪ :‬دار‬‫الجيل‪.‬‬


‫‪88‬‬

‫(دراسات جام ّعية يف اآلداب والعلوم اإلنسانية (مؤمتر العلوم اإلنسانية وإعادة بناء الثقافة الوطنية) ‪ -‬ماغي عبيد‬

‫ولعل أزمة لبنان هي يف جزء منها أزمة حضارية تنطوي عىل قضايا الهوية والثقافة الوطنية‪ ،‬والحرية‪ ،‬وحقوق اإلنسان‪ .‬ومشكلة‬ ‫لبنان تكمن يف أنه يسعى دامئًا إىل إ ثبات ذاته‪ ،‬وتأكيد هويته‪ ،‬والدفاع عن مصالحه ليضمن استمراره ووجوده‪ ،‬يف ظل جريان‬ ‫لديهم آ ارء مختلفة‪ .‬ورصاع الحضا ارت اتخذ عند هنتنغتون شكل جدلية «نحن» ضد «هم» واملقصود به الخري يف مقابل الرش‪،‬‬ ‫املتضمن تصوار للعامل املتغري‬ ‫والحرية يف مقابل العبودية‪ ،‬ورصاع الثقافات وتعايشها كام دعا إىل ذلك ها رالد موللر مبفهومه الكوين َ‬ ‫يف ظل عوملة تتطلب التفكري والعمل عىل نحو كوكبي‪ ،‬مبعنى املشاركة يف بناء املجتمع العاملي‪ ،‬وقيادة املصري املشرتك من خالل‬ ‫«اإلنسان العاملي» (املسكيني ‪ ،2001،‬ص‪ )118‬صانع املستقبل‪.‬‬ ‫هذا اإلنسان هو أمام االمتحان العسري والتحدي الكبري‪ ،‬امتحان يثبت معه بلوغه سن الرشد وقدرته عىل تدبر مشكالته بشكل‬ ‫يح ّد من العنف‪ ،‬ويسعى إىل تعايشه السلمي مع اآلخر املختلف‪ ،‬فيقلّل من األخطار املحدقة باملصري ‪،‬ويعزز الوحدة االجتامعية‬ ‫الوطنية باحرتامه لواقع التعددية الدينية والثقافية ‪،‬ويبني مرشو ًعا ثقاف ًياجدي ًد ا يرفض الطائفية التي تقسم أبناء الوطن الواحد‬ ‫واألرض الواحدة عىل أسس مذهبية أو عرقية أو طائفية يف إطار الثقافة الوطنية الواحدة‪ ،‬ونرش ثقافة املواطنة املتساوية ‪،‬ويعمل‬ ‫عىل صياغة منظومة قانونية وسياسية للمواطنني كافة عىل قاعدة االعرتاف بكل الخصوصيات والهويات‪ ،‬وبالتعاطي اإليجايب‬ ‫مع مقتضيات التعددية الثقافية ‪،‬ويؤمن بأن التعددية الثقافية هي الرابطة الوطنية املشكلة للهوية الوطنية‪ ،‬والبنيان األسايس‬ ‫الذي يعزز االجتامع الوطني املأزوم بالخيا ارت املتناقضة للمفاهيم املتحركة والسامت غري املتاميزة إال بخصوصية من يس ّوق لها‪،‬‬ ‫فتتجاوز» السيندوس» مرشو ًعا آلليات تصالحية عىل مبانٍ ومرتكزات إميانية بالخوف منه وعليه‪ ،‬فتؤطر غيابه بأدوات استدعاء‬ ‫حضوره يف تغري الظروف حوله وفيه ومنه ‪،‬حت ى تؤسس أزمة التصنيف املختلف واملؤتلف املتناقض عىل معايري إلغاء الطائفية‬ ‫سست للسينودس من أجل لبنان‪ ،‬تقيض بالتعايش بني من أغفلوا‬ ‫السياسية وأسسه وآلياته باعتباره أمنوذ ًجا ا عقائد يًا لرهانات أ‬ ‫ْ‬ ‫سلمية الحق يف الحوار‪ ،‬وأزمة قبول اآلخر ‪.‬‬ ‫وهكذا أشكل األمر يف التفسري واملقاربة واملقارنة واملساومة عىل حق الكل يف اآلخر‪ ،‬وهو حق اإلنسان يف إغفال معايري تطبيق‬ ‫املراحل االنتقالية ملا أ سسنا‪ ،‬والتفسري العشوايئ للامدة ‪ 95‬من الدستور‪.‬‬ ‫والتعددية الثقافية هي الجذر الثقايف لبناء مواطَنة تحقق االندماج االجتامعي‪ ،‬سعيًا إىل هوية وطنية عامدها الثقافة الوطنية‬ ‫املعبة عن حياة املجتمع و ثقافته االجتامعية والسياسية بكل تنوعاتها وتعداداتها ومكوناتها‪ ،‬وتخطيطًا ملستقبل ميكن تحقيقه مع‬ ‫ّ‬ ‫ما يشمله من الالمتوقع والالمتعني‪ .‬ولكن ما الوسائل املتوافرة للقيام بهذه العملية؟‬ ‫من أوىل الوسائل التي من الواجب توافرها الرتبية السليمة بروحية فلسفية تعلم اإلنسان كيفية التفكري الحر‪ ،‬املوضوعي والبناء‪،‬‬ ‫والثقافة الفلسفية واالجتامعية‪ ،‬بل السياسية الواعية التي تجعل اإلنسان سيّد نفسه ال تاب ًعا ملرجعية أو رئاسة‪ ،‬فاملوقف الحر‬ ‫يتطلب احرتام ‪ .‬وما ينسحب عىل الفرد يجري عىل املجتمع‪ ،‬إذ لن يحقق املجتمع حريته إن كان خاض ًعا لسلطة متارس عليه‬ ‫أيضا لن يحقق حريته وسيادته إ ال متى تسلم الحكم فيه أحرار ال يأبهون لسيّد أو آلمر‪ .‬وإنسانية اإلنسان ال‬ ‫الرتهيب‪ .‬والوطن ً‬ ‫تتحقق إ ال بالحوار مع اآلخر عرب تبادل األفكار والقبول باالختالف والتن ّوع‪.‬‬


‫عمر شبيل‬

‫دب‬ ‫أ‬

‫بعض الرجال وجودهم رضورة الستمرار الفضيلة‬

‫جبوتها إالّ برجال‬ ‫كلام ف ّك ْرتَ بالدنيا وظروفها وتقلبات أحوالها تدرك أنّها ج ّبار ٌة وصعبة املراس‪ ،‬وأنّك ال تستطيع مواجه َة َ‬ ‫رسلني‪،‬‬ ‫أفاضل‪ ،‬يُكلَّفون من لَ ُد ْن حكيم عليلم لضبط َهيجان الحياة ول ْج ِم عواصفها الرشسة‪ ،‬وليس بالرضورة أن يكونوا ُم َ‬ ‫مرسلون‪ ،‬ولو مل يكونوا أنبياء‪ .‬إنهم موجودون يف كل زمان‬ ‫ولكنهم يف توجيه أمور الحياة وتغليب الخري عىل الرش هم َ‬ ‫إلضاءة مصابيح العمل الصالح والفكر الصالح والفضيلة‪ ،‬وحني تخلو مرحلة زمنية من وجودهم تح ُدثُ ت َ​َصدُّعاتٌ كبرية يف‬ ‫البناء االجتامعي واألخالقي‪ ،‬وتسري الحياة إىل نهاية وجودها الذي كان عليه أن يرقى بإنسانية اإلنسانْ‪.‬‬ ‫أقول هذا الكالم بعد تع ُّريف الحميم عىل شخصية الدكتور حسن فرحات ابن الجنوب البار الذي يحمل ِس ٍ‬ ‫امت حسين ّي ًة‪،‬‬ ‫الخلق كلَّهم ُ‬ ‫ُ‬ ‫عيال الله‪،‬‬ ‫أبر ُز ما فيها االنتصا ُر للحق ورفض الدن ّي ِة ولو بباملن ّية‪،‬‬ ‫والوقوف يف الصف األمامي مع املؤمنني بأن َ‬ ‫َ‬ ‫لنتعارف أي لنتثاقف باملعرفة‪ ،‬ولنؤ ِم َن أ ّن الثقافة اإلنسانية هي التي‬ ‫وأ ّن أح ّبهم إىل الله أنف ُعهم لعياله‪ .‬وأ ّن الله خلقنا‬ ‫تجعل الضياء منترصا ً عىل الظالم‪ ،‬وأن الله خلقنا لنتعل َم‪ ،‬ألنه هو الذي علَّمنا ما مل نعل ْم‪ .‬حمل الدكتور حسن فرحات‬ ‫وظل مؤمناً بانتصار الروح عىل املا ّدة‪ ،‬مل يأبَه بناطحات السحاب‪ ،‬ألن إميانه كان بالروح اإلنسانية‬ ‫رو ِح الرشق إىل الغرب‪َّ ،‬‬ ‫أوالً وأخريا ً‪ .‬وروحاني ُة الرشق جعلته يؤمن أن السالم هو الدرب الذي يجب أن متيش عليه اإلنسانية لتصنع حضارتها‬ ‫الخالدة التي تؤمن بأن اإلنسان أخو اإلنسان‪ .‬ويؤمن أن حراسة السالم تقوم عىل الوعي اإلنساين الذي يزجر الرش ويطرده‬ ‫من النفس املظلمة‪.‬‬ ‫الغربة مل تغري الدكتور حسن فرحات بل ظلّت القري ُة تخفق يف صدره‪ ،‬وظلت «يارون» الجنوبي ُة الهوى واملنى موجود ًة‬ ‫يف صدره وموجود ًة يف حقائبِه أينام تو ّجه‪ .‬كان الجنوب ِقبل َة صالة قلبه اململوء بالحنان إىل زمان القرية ورفاق الطفولة‬ ‫التي كانت تجمعهم مدرسة القرية‪ ،‬والتي كانت يف وجدانه أش ّد حضورا ً من كل جامعات العامل‪ .‬مل ينس «يارون» وال‬ ‫أزقة طفولته فيها‪ ،‬ومل تزل هذه القرية طفلة قروية تحلم بفتاها املوجود يف أقايص الدنيا‪ .‬حتى لكأنها فيه‪ ،‬ولكأنه فيها مل‬ ‫يربحها أبدا ً‪ .‬من القرية رشب الصفاء ومن شمسها عرف النقاء‪ ،‬ومل ْ‬ ‫تزل أمه فيه‪ ،‬وقد عجزت أجهزة املوت عن نقلها من‬ ‫قلبه املتخم بحبها الذي ال يحول وال يزول‪.‬‬ ‫وهناك يف البالد البعيدة وخلف املحيطات‪ ،‬راح طائر الفينيق يح ّرضه عىل إصدار مجلة باسمه‪ .‬مجلة روحها الرشق ومن‬ ‫الغرب أخذت العلم وانتمت إليه‪ .‬وهي مجلة رائد ٌة واعدة يخط سطورها أقالم رشقية مملوءة بروح الرشق ونبل انتامئه‬ ‫هت إىل صدرها‪ .‬إنها شجرة زيتون ال رشقية وال غربية‬ ‫لحضارة ما زالت حتى اليوم تصارع الفناء رغم كل السهام التي ُو ّج ْ‬ ‫ألنها تحمل كل ما يف الرشق والغرب من قيم جميلة‪.‬‬ ‫دمت يا دكتورنا الغايل رمزا ً لإلنسان الطيب الذي يحمل رسالة ال تقل نفعاً عن مبضع الجراح يف ميينك‪ .‬ودمت لناجميعاً‬ ‫‪2021/2/10‬‬


‫‪90‬‬

‫( دراسات جام ّعية يف اآلداب والعلوم اإلنسانية (مؤمتر العلوم اإلنسانية وإعادة بناء الثقافة الوطنية) ‪ -‬ماغي عبيد‬

‫ سارتر‪ ،‬جان بول (‪ ،)1996‬الوجود والعدم‪) .‬تر‪ .‬عبد الرحمن بدو ي( ط‪ .)1‬القاهرة‪ :‬دار امداب‪.‬‬‫ رسحال‪ ،‬أحمد( ‪ ،)1993‬وثيقة الطائف للوفاق الوطني ودستورية الجمهورية اللبنانية )ط‪ .(1‬بريوت ‪،‬املكتبة العرصية‪.‬‬‫ ط اربييش‪ ،‬جورج( ‪ ،)2009‬هرطقات عن الحداثة والدميقارطية والعلامنية واملامنعة العربية‪ ) .‬ط‪ (1‬بريوت‪ :‬دار الساقي ‪.‬‬‫ كنط‪ ،‬إميانويل( ‪ .)2009‬أسس ميتافيزيقيا األخالق (ط‪ .)1‬تر‪ .‬محمد فتحي الشنيطي(‪ .‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية للطباعة‬‫والنرش والتوزيع‪.‬‬ ‫ لحود‪ ،‬عبدالله( ‪ ،)1993‬لبنان عريب الوجه عريب اللسان (ط‪ .)1‬بريوت‪ :‬دار العلم للماليني‪.‬‬‫ مالك‪ ،‬شارل(‪ ،)1974‬لبنان يف ذاته‪ .‬بريوت‪ :‬مؤسسة بد ارن ورشكاه‪.‬‬‫ املسكيني‪ ،‬فتحي(‪ )2001‬الهوية والزمان ‪.‬بريوت‪ :‬دار الطليعة‪.‬‬‫ املعجم الوسيط (‪ )1988‬مجمع اللغة العربية (ط‪ )3‬القاهرة‪ - .‬موارن‪ ،‬إدغار)‪ .(2009‬النهج) ‪،‬تر‪ .‬هناء صبحي(‪ .‬أبو ظبي‪ :‬أبو‬‫ظبي للثقافة والت ارث‬ ‫ موارين‪ ،‬أنطوان حميد) ‪ .(1994‬يف هوية لبنان التاريخية )ط‪ .(1‬بريوت‪ :‬دار النهار‪.‬‬‫ بن نبي‪ ،‬مالك( ‪ .)1984‬مشكلة الثقافة ‪.‬القاهرة‪ :‬دار الفكر‪.‬‬‫ ن صار‪ ،‬ناصيف (‪ ،)2000‬يف الرتبية والسياسة‪ -‬متى يصري الفرد يف الدول العربية‪ ،‬مواطاناا(ط‪.)3‬‬‫بريوت‪ :‬دار الطليعة‪.‬‬ ‫املراجع األجنبية‬ ‫‪.Bréhier , (1935). Histoire de la philosophie,tome 1, Paris‬‬‫‪-Brière ,Claire (1985). Liban, Guerres Ouvertes 1920-1985, Paris: Editions amsay‬‬‫‪.Chiha Michel (1964). Politique Intérieure, Beyrouth, Editions du trident‬‬‫‪.Hourani , Albert, (1966). In Leonard Binder, Ed Politics In Lebanon, New York‬‬‫‪L’Orient-le jour,(1997). “Qu’est-ce que le patrimoine” Beyrouth, Janvier. -.Nouveau Petit‬‬‫‪.Robert, (1967). Dictionnaires Le Robert, France‬‬ ‫‪Rabbath, Edmond (1986). La Formation historique du Liban politique et constitutionnel,.‬‬‫‪.Beryrouth : Publications de l’université libanaise‬‬ ‫‪.Saqr, Etienne (1970). Les dimensions du nationalisme Libanais, Liban , Kaslik‬‬‫‪.Shapira, Norma (2008). Oxford Picture Dictionary, 2ème edition, U.K‬‬‫‪.Voltaire (2004). Dictionnaire Philosophique, London : Penguin Books Limited‬‬‫�‪Watfa, Mohammad(1998). Limites de la modernité et émer‬‬‫‪gence socio-confessionnelle, Cas du Liban, Tome2. Beyrouth : dépar‬‬‫‪tement des publications de l’université libanaise sections des facult‬‬ ‫‪.es‬‬


‫تنعكس معاناة عمر شبيل الشخصية عىل قصائده‪ .‬فهي زاخرة باملعجم اللغوي للحزن واألمل‪ .‬ترتدد كثريا ً عبارات الصلب‬ ‫والصالب واملصلوب وجرح املصلوب والصليب والجلجلة‪ ،‬والشهادة‪ ،‬وقطع اليد‪ ،‬والدم وال ُّنطع ‪ ،‬وأذى املسامر‪ ،‬والقتيل‬ ‫والقاتل‪ ،‬وعاصمة الحزن‪ ،‬واملحزون‪ ،‬والقهر والخوف والبكاء والدمع والجوع‪ .‬يرصخ قائالً‪« :‬يا أبتي‪ ،‬هذا القهر املوجود‬ ‫بصدري‪ ،‬كيف أم ّزقه؟»(ص‪.)22‬لكن الشّ عر عنده ليس فقط مج ّرد تهوميات ذاتيّة أو تجلّيات وجدانيّة‪ ،‬بل هو قضية‪،‬‬ ‫يح ّمله هموم الوطن واألمة‪ .‬قصائده مسكونة بهاجس العروبة وفلسطني‪ .‬يقول‪« :‬وأنا يا أبتي روحي عربية‪ /‬وجراحي‬ ‫القدس املصلوب ُة فيه» (‪ )23‬وديوانه الذي بني أيدينا «آذان الحكام لها حيطان»‬ ‫روح عروبت ِه‪ /‬من مل تكن‬ ‫عربية‪ /‬لن يفهم َ‬ ‫ُ‬ ‫تتصدره القدس‪ ،‬بآالمها وعذاباتها وضياعها‪ .‬من الصفحة األوىل تطالعنا آالم املسيح يف صلبه‪ ،‬وصمود «عهد التميمي» يف‬ ‫معتقلها‪ .‬فعري القدس ال يغطيه سوى عباءة «عهد»‪ ،‬والرؤوس ال يرفعها إال الشهداء‪ ،‬وزمام الناقة لن يسلمها إال من كان‬ ‫مثل العباس‪ ،‬يحمل الراية ولو قطعت يده‪ .‬يؤمله انحياز العامل ملغتصب فلسطني يف حني ال يصدر عن العرب سوى الكالم‪.‬‬ ‫الصالب من دمه؟‪».‬وملاذا يا هذا الوط ُن العريب‪/‬ال‬ ‫املصلوب‪ /‬ويسقي‬ ‫جرح‬ ‫ِ‬ ‫رص َ‬ ‫يقول‪« :‬لكن‪ ،‬يا ُ‬ ‫َ‬ ‫قدس‪ ،‬ملاذا العاملُ‪ /‬ال يب ُ‬ ‫َ‬ ‫أرجائك إال جعجع ًة‪ /‬من غري طحني؟» (‪)8-7‬‬ ‫يُسم ُع يف‬ ‫كل هذا للتعبري عن وجعه ووجع أمته التي اختلط فيها العريب بالعربي‪ ،‬وأصبح الدوالر فيها»يحكم أكرث من ذي‬ ‫ّ‬ ‫القرنني»(‪ .)9‬قدسها سبية‪ ،‬والعرب « تخلَّوا عن قبلتهم وتوجه كل منهم‪ /‬صوب ترامب»(‪ ،)12‬تخلوا عن نخوتهم حتى‬ ‫«أن عهد التميمي صارت هي الرجل يف أمة عاقر من الرجال»(الهامش ‪ .)13‬هو عاتب كثريا ً عىل ما آلت إليه الظروف‬ ‫وكل هذا التعب نابع من حرسته عىل وطنه‪ ،‬ألنه ال يزال بال مسافة‪ .‬فال مسافة‬ ‫يف وطنه‪ ،‬هوحزين وقلق و ُمت َعب‪ّ ،‬‬ ‫حضارية قطعها أو يريد أن يقطعها ويعربها‪ .‬يف وطنه اليوم‪ ،‬ال قيمة لإلنسان‪ ،‬ال معنى للحضارة‪ ،‬يرضبنا التخلف من‬ ‫كل حدب وصوب‪ .‬يقول‪« :‬قل‪ :‬يا أبتي‪ /‬هل نخرج من «أملوت»؟(‪)18‬يف إشارة مجازية رمزية إىل الفكر اإلرهايب املشابه‬ ‫لفكر فرقةحسن الصباح‪ ،‬والذي انترش يف بلداننا‪ .‬برأيه‪ ،‬لن يصلح حال األمة ما مل « يقتل يف قلعته حسن الصباح»(‪.)34‬‬ ‫ف»جميع عواصمنا تورا بورا»‪« ،‬ه ّدمها الساس ُة باإلذعانِ ‪ ،‬وبالطغيان» (‪ .)18‬وهكذا يضع عمر شبيل يده عىل الجرح‬ ‫بنى‬ ‫عل األمل يفتح أعيننا عىل سبب مآزقنا‪ .‬ما نعيشه هذه األيام من رصاعات‬ ‫ويغرز إصبعه فيه عميقاً ّ‬ ‫ُ‬ ‫يكشف عن ً‬ ‫وتعصب أعمى وادعاء بامتالك الحقائق‪ .‬وحكام ح ّولوا الوطن إىل سجن‪ .‬يقول‪:‬‬ ‫اجتامعية رث ّة‪ ،‬قوا ُمها قناعاتٌ نهائية ثابتة ّ‬ ‫رص يف‪ /‬هذا الوطن العريب الواسعِ‪ /‬إال املخ َرب والس ّجان»(‪ .)19‬هي أنظمة استخدمت املخربين ومل‬ ‫« يا ولدي‪ :‬ال‪ ،‬لن تب َ‬ ‫ِ‬ ‫تكتف بأن تجعل للحيطان آذاناً‪ ،‬بل أكرث من ذلك‪ :‬جعلت آلذانها حيطاناً (كام يشريعنوان الكتاب)‪ ،‬فال تسمع صوت الحق‬ ‫وال تصغي لصوت الضمري وال يصل إليها رصاخ شعوبها‪.‬لكن هؤالء الحكام هم أيضاً سجناء‪ .‬ليسوا أحرارا ً يف ترصفاتهم‪،‬‬ ‫«أرأيت ملاذا يا ولدي‪ /‬يتساوى يف هذا الوطنِ املسجونُ‪ /‬مع السجان!»(‪)20‬‬ ‫تحكمهم تبعيتهم وخوفهم ومصالحهم‪:‬‬ ‫َ‬


‫آذان الحكام لها حيطان‬

‫بقلم د‪ .‬هالة أبو حمدان‬

‫يف عامل مدلـهم تغطّي فيه الغربان املتعملقة عني الشّ مس‪ ،‬ويصري‬ ‫األسود فيه لوناً خفّاقاً ال تـخطئه عني‪ ،‬وإزاء انفجار املفاهيم‬ ‫واملصطلحات واتساع رقعة الحريق يف الذاكرة‪ ،‬وإحساس فاجع‬ ‫بالخذالن وفقدان القيم‪ ،‬يسعى عمر شبيل للتعبري عن قداسة‬ ‫الوطن‪ ،‬هادفاً لتحقيق مناعة الحضور يف مواجهة شتى الضغوط‬ ‫املحيطة به‪ ،‬فتصبح الكتابة متنفّساً له يف عامل متدهور‪ ،‬ملتاث‬ ‫وضنني‪ .‬وهو يتسلّح دامئا‪ ،‬ولو يف أشد املواقف خرساناً وانكسارا ً‪،‬‬ ‫بالروح االنتصارية العالية والتزام الكتابة الهادفة‪ ،‬مع الوعي‬ ‫االستثنايئ بشائكية الواقع الحضييض‪ ،‬املتقلّب واملتفجر‪.‬‬ ‫القصيدة األوىل يف ديوانه « زيت قناديل القدس دماء» تبيك وجع القدس وضياعها بعد وعد ترامب املشؤوم‪ .‬هي القدس‬ ‫التي تضيئها دماء شهدائها‪ .‬هي القدس التي تساوت فيها األرض والسامء منذ صلب فيها يسوع بن اإلنسان‪ ،‬منذ صارت القبلة‬ ‫األوىل‪ ،‬منذ ركب فيها البدوي العريب الضوء بُراقاً وصعد حتى المس ِسدرة املنتهى‪ .‬هي القدس عربية ال يتكلم الله فيها إال اللغة‬ ‫ستظل « ترتّل قرآناً عربياً‪ /‬ال لح َن به» (‪ .)24‬يرثيها‪ ،‬وهي املصلوبة‪ ،‬أم املصلوب‪ ،‬ويعلن يف يومها موت العرب الذين‬ ‫العربية والتي ّ‬ ‫قتلوا اإلنسان يف داخلهم وكذّبوا األنبياء (‪ .)24‬هم خصيان‪ ،‬عمالء‪ ،‬كذّابون‪ ،‬خيانتهم مشعة‪ ،‬واضحة‪ .‬يقاتلون إرسائيل باملؤمترات‬ ‫أوضح‪ /‬بصم ُة إرسائيل» (‪.)32‬‬ ‫وبالكلامت واألشعار التي تكتب بحرب أمرييك‪ .‬يخاطبهم‪ « :‬أآلن عليكم صارت َ‬ ‫ويعب من خالل لغة موزونة عن مكنونات‬ ‫تجربته الشعرية غنية بأسئلة القلق واملكان والزمان والوطن واإلنسان والرؤيا‪ ،‬يعيشها‪ّ ،‬‬ ‫وعيه الباطني الذي يحمل أكرث من قلق‪ .‬يحمل ما هو أبعد من ذلك وأعمق‪ .‬يحمل نوعاَ من الهاجس الوجودي الذي ال يهدأ وال‬ ‫اقب‪ /‬هذي األشياء‬ ‫ينكفئ‪ .‬يحمل أسئلة تالمس جوهر اإلميان‪ّ ،‬‬ ‫متس ما ُح ِّرم حتى عىل التفكري‪ .‬يقول‪« :‬من كان يص ّد ُق أن الله ير ُ‬ ‫ويسكت»‪ )9(.‬إنه سؤال بسيط لكنه أصعب األسئلة عىل اإلطالق ألنه يفتح الباب للنقاش حول أساس الدين والعدل اإللهي‪،‬‬ ‫املحب الذي يخاف ضياع البوصلة‪ .‬أتراه عاتباً عىل الله ألنه ترك شعبه‬ ‫ويحمل يف طياته إمياناً معذباً بني الشك واليقني‪ ،‬إميان ّ‬ ‫يصلب آالف املرات؟ هل الله هو من كان يوحي لبوش ليامرس جنونه علينا؟ يسأل‪« :‬من كان يص ّدق أن الله‪ /‬يف ّوض رباً آخ َر‬ ‫صف قاتل الطفل الفلسطيني «اآلثم» ألنه «ألقى حجرا ً‬ ‫يقصف‪ /‬شعباً بالفسفور األبيض؟»(‪ .)9-8‬يتساءل ملاذا يقف الله يف ّ‬ ‫حتى َ‬ ‫اب حتى يدفن ُه‪ /‬ويواري‬ ‫رب‪ ،‬ومل تسمح‪ /‬لغر ٍ‬ ‫لري ّد رصاصة»؟(‪ ،)15‬ألنه «ارتكب الشهادة» (‪ .)28‬يعاتب عمر ربّه‪« :‬فلامذا تقتله يا ِّ‬ ‫سوءتَ ُه؟»(‪ .)15‬ويف مكان آخر‪« :‬أخربين‪ ،‬يا أبتي‪ ،‬هل أثِ َم الطفل؟»(‪)15‬‬


‫جائحة كورونا والثّقافة بني اإلبداع والجمود‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬درية كامل فرحات‬

‫تع ّد الثّقافة من العوامل املهمة يف بناء املجتمعات وتق ّدمها‪ .‬وثقافة أي مجتمع هي‬ ‫مجموعة القيم العامة واملشرتكة بني أفراده‪ ،‬وهي التي مت ّيز ُهويته املجتمع ّية‪ ،‬لذلك‬ ‫الحضاري من خالل نشدان ثقافتها‪.‬وألن الثّقافة هي مرآة‬ ‫‪ ،‬فإ ّن املجتمعات تنشد التّقدم‬ ‫ّ‬ ‫املجتمع فإ ّن االستمرار باألنشطة الثّقاف ّية يُشري إىل حضارة املجتمع‪ ،‬لكن قد يواجه‬ ‫املجتم ُع ظروفًا قاسية من أزمات اقتصاديّة أو أمنيّة أو صحيّة‪ ،‬وهذا ما عاىن منه العامل‬ ‫أجمع بعد انتشار جائحة كورونا‪ ،‬فام هو تأثري هذه الجائحة عىل الثّقافة؟‬

‫وكيف استطاعت املجتمعات مواجهتها للحفاظ عىل استمرارية أنشطتها الثّقافية؟ إشكالية مهمة‪ ،‬تركت أث ًرا عىل‬ ‫املنتديات الثّقافية وعىل املثقفني الذين رأوا أنّهم مبواجهة عد ّو عطّل أهدافهم وأعاملهم‪ ،‬ويف الوقت عينه جعلهم يقفون‬ ‫الصحة الفكريّة‬ ‫الصحة الجسديّة‪ ،‬والثّاين الحفاظ عىل ّ‬ ‫بني أمرين‪ ،‬كالهام مهامن الستمرار الحياة‪ ،‬األ ّول الحفاظ عىل ّ‬ ‫االجتامعي‪،‬‬ ‫الضوي للحفاظ عىل سالمة الجسم من وباء الكورونا ات ّباع التّباعد‬ ‫الثّقافيّة‪ ،‬ويف زمن الجائحة‪ ،‬أصبح من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫لقاءات وتج ّمعات‪ ،‬فباتت معضل ًة أرقّت مضجع املثقفني واملفكّرين‪ .‬وميكن القول‬ ‫والحفاظ عىل سالمة الفكر يتطلّب‬ ‫إ ّن الصمت والهدوء خيّام عىل القطاع الثقايف وأنشطته مع بداية جائحة كورونا‪ ،‬تأثرا ً بقرارات اإلغالق وتدابري الصحة‬ ‫السلطات الحكوم ّية يف أغلب دول العامل‪ ،‬تجنباً لتفيش أكرث فداح ًة لجائحة فريوس كورونا‪ .‬فبتنا نرى‬ ‫والوقاية التي اتخذتها ّ‬ ‫السينام ولقاعات املرسح وللمكتبات العامة‪ ،‬وللمتاحف‪.‬‬ ‫إغالقًا لدور ّ‬ ‫أيضا ثقافة الكتاب‪ ،‬وصناعة نرش الكتب‪ ،‬فسمعنا عن الغاء معارض الكتاب يف‬ ‫ومل يقف ّ‬ ‫الضر عىل هذه األنشطة بل طال ً‬ ‫بعض ال ّدول كام حدث يف لبنان‪ ،‬فلم يعقد هذا املعرض يف ختام عام ‪ ،2019‬ولن تشهد قاعة املعرض يف ختام عام ‪2020‬‬ ‫أي احتفال ّية من احتفاليات معرض الكتاب الذي كان يع ّد مهرجانا ثقاف ًّيا متن ّوع األنشطة‪ .‬ورمبا مل يتوقّف األمر عىل لبنان‪،‬‬ ‫كل موسم من مواسمه‪ .‬ومل يكن‬ ‫فحتى معارض الكتاب التي أقيمت يف بالد أخرى مل يكن لها هذا الوهج الذي اعتدناه مع ّ‬ ‫هذا الوضع املأزوم يف وطننا العريب فقط‪ ،‬فإذا تت ّبعنا الوضع يف العامل سنجد أ ّن ترضر القطاعات املرتبطة بالثّقافة والفنون‬ ‫طال معظمها‪ ،‬تقول «أودري أزوالي» املديرة العامة لليونسكو‪ ،‬إن الوباء كان مدم ًرا للثقافة والفنون‪ .‬يف الغالبية العظمى‬ ‫من دول العامل أغلقت املؤسسات الثقافية كل ًيا أو جزئ ًيا‪ ،‬وال يزال العديد منها مغلقًا حتى يومنا هذا‪ ،‬وقد ال يُفتح أبواب‬ ‫بعضها مرة أخرى‪ .‬وتشري إىل أ ّن القضية األكرث إلحا ًحا هي أ ّن عد ًدا ال يحىص من الفنانني واملثقفني ت ُركوا من دون أي‬ ‫دخل‪.‬‬


‫رض ب ِه‪ /‬أخربين من خرق اليوم سفينتنا؟‪ /‬قل يل‪ :‬من أغرق من‬ ‫نقرأ يف القصيدة األوىل‪« :‬يا أبتي‪ ،‬مجم ُع بحرينا ال خ َ‬ ‫فيها؟»(‪ )16‬هي بالطبع سلسلة من الكنايات تشري إىل أن من أغرق الوطن ليس سوى الخيانة والتخاذل‪ .‬يخاف أن تؤدي‬ ‫اآلالم بالشعب إىل االستسالم ومن ثم إىل ّ‬ ‫الذل والهوان‪ .‬يقول‪« :‬يا أبتي‪ :‬إ ّن يسو َع عىل جبلِ الزيتونِ ‪ /‬يبايع قاتله من ش ّد ِة‬ ‫أخف من اإلذالل»(‪.)17‬هل من سبيل إلقناع اإلنسان املعذب الذي يرمز‬ ‫نفعل يك نقنع ُه؟ ‪/‬‬ ‫أوجا ِع املسامر‪...‬ماذا ُ‬ ‫فالصلب ُّ‬ ‫ُ‬ ‫إليه «بيسوع» بأن يصمد؟ هل من سبيل ليعرف أن املوت واملقاومة أرشف من الحياة بذلّة؟ فالنرص ال يأيت بالتسليم بل‬ ‫غالب إال الله‪ /‬نعم‪ /‬لك ّن الله يقول‪ /:‬وأعدوا‪ « )21(»...‬نزل القرآ ُن عىل‬ ‫بالسيف‪ ،‬والله ينرص من أع ّد وواجه‪ « :‬قالوا‪ :‬ال َ‬ ‫والسيف معاً يف غار حراء»(‪.)22‬‬ ‫اإلنسان محمد‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الثوب د َمك»(‪ .)41‬يفخر بالطفل املمسك بالحجر‪« ،‬يشحذ‬ ‫يجرتح من الهزمية صمودا ً وقيامة‪ « .‬لن تهز َم حني يكون ُ‬ ‫يحمل‪ /‬يف يده حجرا ً سيعي ُد الله إىل املسجد» (‪.)38‬‬ ‫بالجرح السكني» (‪ ،)36‬يخاطب العذراء قائالً‪ « :‬يا مري ُم إن فلسطينياً ُ‬ ‫ِ‬ ‫روح القدس‪ /‬لينف َخ ِ‬ ‫يرفض أن يتكرر صلبنا‪ .‬يقول لها‪ « :‬وإذا ما ِ‬ ‫بيديك الجذ َع‪ ،‬وه ّزي النخل‪/‬‬ ‫فيك مخلّصنا‪ /‬فخذي‬ ‫جاءك ُ‬ ‫يساق ُط بني ِ‬ ‫فلسطيني‪ُ /‬‬ ‫يعرف كيف يقو ُم‪ ،‬وكيف ميوتُ ‪ /‬وال يُصلَب»(‪ .)38‬هي صورة مجازية استخدم فيها الشاعر‬ ‫يديك‬ ‫ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫رمز العذراء وولدها ليقول إن الفلسطيني املقاوم ولو مات‪ ،‬ميوت عزيزا ً‪ ،‬ال يقوى عد ّوه عىل صلبه‪.‬‬ ‫بـحق علامً من أعالم الشّ عر‪ ،‬ميتلك قدرة فائقة عىل ترصيف الكالم فرتاه يـُخضع اللّغة ملشيئته تـامماً‪.‬‬ ‫يُع ّد عمر شبيل ّ‬ ‫فهي تارة حزينة وطورا ً ثائرة‪ ،‬أحياناً صاخبة وأخرى رصينة‪ ،‬لكنها يف كل الحاالت محملة بوجع إنساين وهم وطني كبري‪.‬‬ ‫يل أو ذايتّ‪ ،‬ومنها ما هو يف خارج الذات‪ ،‬فإن‬ ‫وإذا كانت الكتابة الشعرية سف ٌر بني عوامل ال حدود لها‪ ،‬منها ما هو داخ ٌّ‬ ‫وطني وقومي جارف‪ ،‬وبثقافة دينية عميقة‪ .‬يحمل‬ ‫بـحس‬ ‫شعر عمر شبيل ينبع من ذاته ّ‬ ‫ليعب عن القضايا الكبرية‪ .‬ميتاز ّ‬ ‫ّ‬ ‫إرث التاريخ العريب واإلسالمي دون أن يتقوقع يف رشانق املذهبية والطائفية‪ .‬عالقته بالله خاصة جدا ً‪ .‬تخرج عن األطر‬ ‫ظل مؤمناً بها حتى يف أقىص‬ ‫الدينية التقليدية‪ ،‬لتصبح عبادته حوارا ً رصيحاً مبارشا ً مع الخالق‪ .‬عروبته هي أيقونته التي ّ‬ ‫غيابه يف السجن‪ .‬هذا السجن الجاثم يف الحضور الدائم يف الذاكرة‪ .‬تستبد به الذكريات فيناوشها ويتحايل عليها‪ .‬يستنجد‬ ‫كل ميناء يجد قصيدة يف انتظاره‪ ،‬فيأخذها ويعرب بها ظلامت املعاين‪ ،‬وصوالً إىل‬ ‫بالتاريخ ليستخلص فنون االنتصار‪ .‬يف ّ‬ ‫حيث يجد فجرا ً يف انتظاره‪.‬‬


‫تبحث عن مدينة فاضلة افرتاضيّة ‪،‬لتكون ب ّر األمان والنجاة مام وصلنا إليه يف عرصنا ‪ ،‬والتخلص من لعبة األمم التي نرشتالهلع يف حياتنا ‪ ،‬وملن يكون ذلك إال‬ ‫عرب العودة إىل الجذور وإىل ااألرضص‬ ‫وإذا كانت هذه ال ّرواية تستند يف بناء أحداثها إىل الجائحة‪ ،‬فإ ّن تصفّح وسائل التّواصل يشهد نشاطًا ملحوظًا من األدباء‪ ،‬فنشهد إصدارات جديدة‪ ،‬ويشري‬ ‫البعض إىل أ ّن الحجر يف البيت جعلهم متفرغني للكتابة‪ ،‬فيذكر الدكتور عبد املجيد زراقط أ ّن روايته «طاحونة الذئاب» هي وليدة هذا الحجر‪ .‬ومل يكن األمر‬ ‫حلول‬ ‫السدي‪ ،‬إنّ ا تع ّددت ال ّنتاجات‪ ،‬من شعر ونقد وأدب أطفال‪ .‬وعىل غرار كثري من القطاعات واملؤسسات التي استخدمت ً‬ ‫رصا عىل اإلبداع األد ّيب ّ‬ ‫مقت ً‬ ‫مبتكرة لتجاوز ما فرضته جائحة كورونا من تحديّات‪ ،‬ال يبدو أن مجال ال ّنرش والتوزيع يستثني نفسه من حلول العامل االفرتايض‪ ،‬ليتمكن من تجاوز حالة ال ّركود‬ ‫االستثنائية يف سوق الكتاب‪ ،‬ويواصل رفد الجمهور بآخر اإلصدارات‪ ،‬بعد توقف جميع معارض الكتاب التقليدية حول العامل‪.‬‬ ‫وشكّلت فكرة املعرض ال ّرقمي أحد الحلول ال ّنوعية‪ ،‬وتحديًّا لكورونا‪ ..‬تنظّم دار نرش قطريّة املعرض ال ّرقمي األول للكتاب العريب بأوروبا‪ ،‬ويأيت تنظيم هذا‬ ‫قمي بنرش الثّقافة والكتب العربيّة يف العامل‪ ،‬يف ظل الظّروف غري املسبوقة التي تعاين منها معارض الكتاب العريب التّقليديّة‪ ،‬وإلغاء جميع معارض‬ ‫املعرض ال ّر ّ‬ ‫الكتاب حول العامل أو تأجيلها‪ .‬وإذا كانت معارض الكتاب التّقليديّة إحدى أبرز املناسبات لرتويج نتاجات دور ال ّنرش العرب ّية وتحقيق عوائد مال ّية تعزز‬ ‫متنفسا من حالة التّوقف االضطراري‪ ،‬لتقليل خسائر نالت من‬ ‫الرقمي املوجه ألوروبا‬ ‫حضورها يف سوق النرش‪ ،‬إال أنّها ميكن أن تجد يف مثل هذا املعرض‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫كافة عنارص طباعة الكتاب وتوزيعه‪ .‬ويف الختام ميكن القول إنّه عىل اإلنسان مواجهة األزمات مهام استعصت ومهام صعبت‪ ،‬فإذا كان لهذا الوباء هذا التّأثري‬

‫السلبي‪ ،‬فإ ّن إرادة اإلنسان وعزميته تجعله يخرج من عنق ال ّزجاجة‪ ،‬وهذا ما كان يجعلنا نصارع لتعزيز الثّقافة‪ ،‬والبحث عن سبل اإلبداع والتّألّق‪ .‬‬ ‫ّ‬


‫املادي ملنتجيها‪ ،‬وهو ما‬ ‫وتجعلنا هذه األزمة نقف أمام معضلة مهمة هي مدى قدرة الثّقافة والفنون عىل تأمني الوضع‬ ‫ّ‬ ‫يجب أن تفكر فيه ال ّدول أو ال ّنقابات الثّقافيّة وذلك تحفي ًزا الستمرار العمل الثّقا ّيف‪ .‬وهذا الوضع يتطلّب أن نقف وقفة‬ ‫جادة ملعالجة ما ترت ّب عىل الجائحة إن كان من جمود لألنشطة الثّقاف ّية‪ ،‬وإن كان من أجل مواجهة األزمات املاديّة التي‬ ‫طالت املثقفني أو قطاعات الثّقافة‪.‬‬ ‫لبي لجائحة‬ ‫والحياة ال ب ّد من أن تستمر‪ ،‬ولكل يشء وجهان‬ ‫السلبي منه واإليجا ّيب‪ ،‬فام ذكرناه سابقًا ميثّل التّأثري ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصعاب بشكل عام‪ ،‬فبدأ اإلبداع واالبتكار من جانب‪،‬‬ ‫كورونا‪ ،‬فإ ّن جائحة كورونا أثبتت قدرة اإلنسان عىل مواجهة ّ‬ ‫ومن جانب آخر التّحدي للكورونا رغبة يف البقاء وبقاء الفكر‪ .‬فمع بدايات اإلغالق لجأت املتاحف يف معظم أرجاء‬ ‫العامل إىل تفعيل ال ّزيارة االفرتاضية‪ ،‬فانترشت ال ّروابط التي تسمح للجالس يف بيته أن يستفيد من ثورة العرص أي الشّ بكة‬ ‫االجتامعي وذلك‬ ‫العنكبوت ّية‪ ،‬فنقوم بجولة داخل املتحف الذي نريده‪ .‬فانتقلت العديد من املتاحف إىل وسائل التّواصل‬ ‫ّ‬ ‫إلرشاك جمهورها عرب اإلنرتنت‪ .‬وانترش «الهاشتاغ» عرب «تويرت» ‪ MuseumFromHome#‬وأصبج مشهو ًرا‪ ،‬وبشكل خاص‬ ‫مؤسسات مختلفة من خالل إشادة خاصة من قبل‬ ‫بالنسبة إىل املتاحف التي تشارك محتواها بطرق مبتكرة‪ .‬اختريت ّ‬ ‫االجتامعي‪.‬‬ ‫الصناعة وذلك السرتاتيجيّتها ال ّناجحة املتعلّقة مبحتواها املنشور عىل وسائل التّواصل‬ ‫محليل ّ‬ ‫ّ‬ ‫وأيضا بدأ التّو ّجه يف نرش ال ّروابط للكتب التي ميكن قراءتها ‪ ، on line‬نعم إنّها طريقة نواجه بها التّقوقع يف البيت‪ ،‬من‬ ‫ً‬ ‫خالل ال ّدعوة إىل القراءة والعودة إىل الكتب حتى لو كانت الكرتونيّة‪ .‬وإذا كان التّوجه إىل الكتاب االلكرتو ّين قد بدأ منذ‬ ‫أيضا مع سوء الوضع‬ ‫سنوات‪ ،‬فإ ّن الحاجة إليه يف هذه املرحلة تزداد‪،‬‬ ‫خصوصا مع البقاء يف البيت‪ ،‬ورمبا تالءم هذا األمر ً‬ ‫ً‬ ‫االقتصادي يف لبنان‪ ،‬فكان الكتاب االلكرتوين مالذًا ومنجا ًة من فقدنا الكتاب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫املنصات‬ ‫الساحة الثّقاف ّية من إقامة ال ّندوات واألمسيات واملؤمترات عرب ّ‬ ‫ومن مظاهر التّح ّدي لوباء الكورونا‪ ،‬ما برز عىل ّ‬ ‫ولعل لقاءنا اآلن أمنوذ ًجا عىل ذلك‪ .‬واملتصفّح ألخبار العامل يرى الكثري من األمثلة التي‬ ‫االجتامعي‪ّ ،‬‬ ‫وعرب مواقع التّواصل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفلسطيني محمود فطافطة الذي خ ّط عىل جداره‬ ‫تدل عىل مواجهة الكورونا‪ ،‬وما لفتني هو ما قام به الشّ اب والكاتب‬ ‫ّ‬ ‫ايض عرب الفيس بوك «من مل يستطع التّضحية ببذل الدم‪ ،‬فإ ّن الجهاد بالقلم متاح للكثريين»‪ ،‬ودعوته هذه كانت‬ ‫االفرت ّ‬ ‫ليحثّ اآلخرين عىل الكتابة والقراءة وتثقيف الذّات‪ ،‬ال سيام إذا ما كانت الكتابة تتعلّق مبوضوع يشغل العامل أجمع‬ ‫وهو فريوس كورونا‪ ،‬وقد استطاع أن يع ّد سلسلة من الكتب كان أ ّولها كتاب «كورونا معلومات وأرقام»‪ ،‬وقد تألّفت هذه‬ ‫السلسلة من ‪ 8‬كتب‪ ،‬صدر منها ‪ 5‬وهناك ‪ 3‬أخرى تحت ال ّنرش‪.‬‬ ‫ومل يتوقّف اإلبداع عند هذا الحد‪ ،‬فوجدنا إبداع األدباء يستم ّر‪ ،‬فالكلمة ال ب ّد ان تخرج من جحرها وتنطلق إىل العامل‪،‬‬ ‫فسمعنا الكثري من األدباء الذين ألّفوا ال ّروايات محاولني تقديم صورة عن هذا الوباء وكيفية مواجهته‪ ،‬ويحرضين اآلن‬ ‫رواية معايل ال ّدكتور طراد حامدة التي ق ّدم فيها رؤية استرشافيّة يف عملية التّخلّص من الوباء‪ .‬ورواية «صيف البالبل»‬


‫والجذور إذا ما رويت متوت‪ ،‬ويف يد خليل ُولد األمل الذي به سوف يروي جذوره ولو بعد حني‪ .‬وبذلك يتغلب عىل‬ ‫الفراغ الذي يقوده إىل «العدم» الغامض الذي فيه يضيع اإلنسان واليه ينتهي وجوده‪ .‬االّ أ ّن هذا اإلنسان كائن بذاته‬ ‫وليس تابعا إىل أية ق ّوة خارج إرادته‪ .‬وبذلك يكون هو األصل للوجود وال يشء موجود خارج نطاق وعيه‪.‬واذا ما استسلم‬ ‫لواقع فرضته عليه الظّروف‪ ،‬أصبح الالّيشء مبعنى إالّ إنسان‪ .‬ويف ال ّرواية‪ ،‬موضوع بحثنا‪ ،‬نجد البطل خليل يصارع ويحاول‬ ‫بكل طاقته البرشيّة أن يطرد القلق من حياته ويرمي أثقال الفراغ بعيدا عن حياته ليبدع معنى لوجوده كإنسان يحيا من‬ ‫ّ‬ ‫الضعفاء‪.‬‬ ‫أجل الحياة ويبعث االمل يف نفوس ّ‬ ‫رساما موهوبا‪ ،‬إال أنه مل يستغل موهبته ليعيش‪ .‬إىل ان ساقته الظروف إىل لقاء «ثريا»‪ ،‬املرأة التي‬ ‫فرغم ان خليال كان ّ‬ ‫السعي وراء تحسني أوضاعه علّهام يوما يجتمعان يف بيت واحد زوجا وزوجة‪ .‬تال ذلك مساعدته لها‬ ‫أحب‪ ،‬إذ حثته عىل ّ‬ ‫ووقوفه بجانبها واحتضان تعاستها بحرارة حبّه وحنانه عليها‪ .‬ومع توايل األحداث يعرف القارئ أن لرثيا طفلة صغرية‬ ‫اختطفتها من أحضانها عمتها وهذا ما س ّبب يف أول محاولة النتحارها والّتي باءت بالفشل‪ .‬وليزرع األمل يف نفسها‬ ‫الضائعة‪ ،‬فقد وجد لها عمال تقوى به عىل ظروفها‪ .‬ث ّم أىت اليوم املشؤوم حيث كانا قد تواعدا فيه عىل اللقاء ومل تأت‪.‬‬ ‫لقد انقلبت بها الس ّيارة ونقلت إىل املستشفى عىل أثر إصابة عمودها الفقري الذي تس ّبب بشللها‪ .‬هذه الحادثة كانت‬ ‫السبب الثاين ملحاولتها االنتحار بعد أن أصيبت بحالة انهيار عصبي حني علمت باستحالة شفائها‪ .‬خليل يصاب باإلحباط‬ ‫خاصة أنّه فقد أ ّمه وحبيبته يف أوقات متزامنة‪ .‬يسافر خليل هروبا من‬ ‫اذ يشعر بأنّه قد فقد االمل يف ّ‬ ‫كل األشياء حوله‪ّ ،‬‬ ‫اآلالم التي أملت به بعد حادثة أمله‪ ،‬ثريا‪ ،‬ثم مرض أمه فموتها علّه يقوى عىل الظروف‪ .‬لكنه يعود فور علمه بوقوع‬ ‫األحداث يف بلده لبنان اذ يشعر مبدى املسؤول ّية امللقاة عىل عاتقه كمواطن لبنا ّين ملتزم‪ .‬فحقيقته كإنسان تجعله‬ ‫مواجها ال متجابنا‪.‬‬ ‫لكن تسلسل األحداث الرسيعة اإليقاع يف الرواية ال يقل أهمية عن العديد من املواقف اإلنسانية التي أشارت اليها القصة‬ ‫بشكل مبارش‪ .‬فكانت مواقف دقيقة دقّت نواقيس ال ّرهبة يف قضية اإلنسان وعالقته بذاته ومبا يدور حوله من أحداث‬ ‫واشخاص ومعطيات‪ .‬وجميل جرب تناول يف هذه الرواية الكثري من القضايا اإلنسانية الحساسة التي أعطتها الكثري من‬ ‫ال ّرونق وال ّرقي اإلنساين‪ ،‬منها االنتحار والفقر وظلم املجتمع وعالقة اإلنسان بالطبيعة وباآلخر‪.‬‬

‫هناك مسألتان متم ّيزتان كانتا ركنني ال يستهان بهام إذ يشريان إىل النزعة اإلنسانية يف الرواية‪ .‬ولقد اعبرتت النزعة‬ ‫اإلنسانية مبثابة‪« :‬ثورة حقيقية» عىل حد قول ال ّداوي يف كتابه موت اإلنسان (الداوي ص ‪ .)190 :‬إنها ثورة اإلنسان عىل‬ ‫الحياة وتقاليد املجتمعات واستضعاف القوي ملن هو أضعف‪ .‬فأ ّول ما يصطدم به اإلنسان هو املجتمع اذ يجد فيه ما‬ ‫يعيق ح ّريّته فيثور لل ّدفاع عنها والثبات وجوده ‪ .‬والنزعة اإلنسانية‪« :‬هي كل فلسفة تخص اإلنسان مبكانة ممتازة يف هذا‬ ‫العامل‪ .‬وتعزو اليه القدرة عىل املبادرة الحرة واإلبداع‪ ،‬وتعتربه متحلّيا بالوعي وباإلرادة‪ ،‬وبالتايل مسؤوال عن افعاله وعن‬ ‫تحريره» (الداوي ص ‪.)191 :‬‬


‫العــودة إىل الجـــذور‬

‫دراسة وتحليل يف رواية»قلق» لجميل جرب‬

‫بقلم‪ :‬الدكتورة هيبة عبد الصمد‬

‫أستاذة مساعدة يف اللغة االنكليزيّة ‪ /‬الجامعة اللبنان ّية‬

‫«الجذور التي طال تفتييش عنها خارج عني قد تبزغ يف اعامقي‬ ‫وتنمو وتتأصل‪ .‬والقلق الذي حاولت‪ ،‬عبثا‪ ،‬خداعه لسوف أعرصه‬ ‫حربا وأصباغا‪ ،‬فلعيل ال استمر ال يشء»‪.‬‬ ‫بهذه الكلامت اختتم جميل جرب روايته «قلق»‪ ،‬وبهذه السطور‬ ‫وجد بطل الرواية الخيط الرفيع بينه وبني معنى وجوده كإنسان‪.‬‬ ‫فمن هو هذا اإلنسان؟ وما هي ما ّهية وجوده؟ وهل يعقل أن‬ ‫يولد اإلنسان ويحيا دون أن يصري شيئا؟ وملاذا يصري ؟ وملن؟ وإىل‬ ‫أي مدى يستطيع اإلنسان أن مي ّد جذوره ويثبت وجوده كإنسان‬ ‫مت ّيز بعقله عن سائر املخلوقات؟‬

‫يلج‬ ‫يقول الفيلسوف هايدجر بأن اإلنسان يف ذاته هو كائن ملقى يف العامل‪ .‬وال يشء أكيد يف مصريه سوى املوت‪ .‬إنه كائن ّ‬ ‫يفس‪ ،‬ويغيب بعد وجوده يف عدم آخر أصعب تفسريا من األول‪ .‬وخليل‪ ،‬بطل رواية «قلق»‪ ،‬إنسان‬ ‫الحياة من عدم ال ّ‬ ‫ظهر منذ املشهد األول يف الر ّواية مظهر اإلنسان امللقى» يف العامل وحيدا يتخ ّبط بني وحدة املكان وقسوة الزمان‪ .‬فال يعي‬ ‫يف وجوده سوى هذا « الفراغ» الذي يحيط به ويكبّل حريته وقدرته عىل االنطالق‪ .‬ولكن هل هذا هو مفهوم اإلنسان‬ ‫الصعبة التي مر‬ ‫لإلنسان؟ وهل وجود اإلنسان يف هذا العامل ليس سوى انتظار لقو ّة املوت التي ال تقهر؟ إن تجارب خليل ّ‬ ‫بها مل تكرسه بل خلقت منه إنسانا قويا وجد جذوره يف ذاته التي وجدها بعد أن تص ّدعت يف غياهب القلق ومتاهات‬ ‫الضياع‪.‬‬ ‫رسب القلق إىل‬ ‫حكاية خليل مل تبدأ مع بداية الحدث يف الرواية‪ .‬إن حكايته كانت قد بدأت يوم «ألُقي» يف العامل حيث ت ّ‬ ‫حياته من كل مجهول تحتضنه لحظات املستقبل‪ .‬فكان بحثه عن االستقرار والسكينة والهروب من ظروف الحياة القاهرة‬ ‫مصدرا النزعاجه الدائم وحزنه األزيل‪ .‬إن خليال تدحرج يف د ّوامة الفراغ يبحث عن ذاته ليحققها وما إن وجد من ميأل هذا‬ ‫الفراغ حتى اصطدم بواقع الظروف االجتامعية التي حبسته يف حلقة مفرغة من جديد‪ .‬فَ َق َد خليل كل الذين باألمس‪،‬‬ ‫ولفرتة زمنية محدودة‪ ،‬كانوا قد مألوا عليه حياته ودنياه‪ .‬ويف ختام مأساته قرر ان ينتفض ويزيل غبار االنكسار عنه‬ ‫القوي بأ ّن «اإلنسان كالنبتة ال يعيش بدون جذور» (جرب ص‪.)50 :‬‬ ‫الميانه‬ ‫ّ‬


‫قصة غرام قويّة تعكس حب اإلنسان لذاته البرشية وثقته مبقدرته عىل وعي الوجود من خالل وعيه لذاته‪ .‬فأم خليل‪:‬‬ ‫انها ّ‬ ‫«غريبة يف تعلقها باألرض انه الغرام بالذات وال بد لكل إنسان من يشء يتعلق به (جرب ص‪ .)70 :‬وهذا اليشء هو الجذور‬ ‫التي مىض خليال أكرث من نصف عمره يبحث عنها خارج ذاته ومل يجدها االّ حني تصالح مع نفسه وق ّرر كإنسان ان يبحث‬ ‫وتتأصل‪ .‬ورمبا هذا هو الفرق الشاسع بني تعلّق أ ّمه بالجذور‪ ،‬أصل اإلنسان‪ ،‬األرض‪ ،‬وبني تعلق‬ ‫عنها يف أعامقه حيث تنبت ّ‬ ‫أدى به إىل الفراغ ألن ما تعلّق به من أشياء‬ ‫خليل بالالّيشء او بالزوال‪ .‬فتعلّقه برثيا أ ّدى به إىل الفراغ‪ .‬وتعلّقه بأ ّمه أيضا ّ‬ ‫جذورها مل تكن متتد إىل أبعد من العدم‪ ،‬من املوت‪ .‬والنتيجة هي حتام أن يعي ذاته‪ .‬فبني أرساب الوحدة سافر وخلف‬ ‫افاق الح ّرية غ ّرد لريسو عىل مرفأ القلق األبدي‪ .‬فيقول بعد عودته إىل بيت أمه ُقريب وفاتها‪« :‬بقي يل هذا الجذر فتوارى‪،‬‬ ‫رصت وحدي‪ ...‬وحدي‪ ...‬يلفّني الفراغ حتى اهدايب‪ ،‬وينحرين القلق‪ :‬قلق إىل يومي‪ .‬وإىل غدي وإىل ما بعد غدي» (جرب ص‪:‬‬ ‫‪.)150‬‬ ‫يفسمبسؤولية مبارشة تجاه بقيّة الناس الذي يلزمهم‬ ‫وتقول الفلسفة الوجودية يف القلق عىل لسان سارتر بأن ‪»:‬القلق ّ‬ ‫القلق ذاته‪ .‬إنه ليس بحاجز يفصلنا عن العمل بل هو جزء منه» (سارتر ص‪ .)23 :‬ويضيف سارتر بأن «القلق ال يؤ ّدي إىل‬ ‫السكون‪ ،‬بل إنه قلق بسيط يختربه كل الذين تح ّملوا مسؤوليات» (سارتر‪ :‬ص ‪ .)22‬وخليل رجل تح ّمل مسؤولية من أحب‬ ‫وق ّدر أوضاعهم وخاف عليهم ويقلقه رحيلهم ولك ّنه غري مستسلم‪ .‬رغم أن القلق يحلّق يف سامء حياته ويشكل خطرا عىل‬ ‫مساره يف سياق يومياته‪ .‬وقد يكون هذا القلق هو ال ّدافع الّذي يحثّه عىل العمل أكرث وهذا يدعم قول الوجوديّني بأ ّن القلق‬ ‫يجعل اإلنسان يعمل أكرث أل ّن القلق مرافق للعمل‪ .‬فحني يعمل اإلنسان يقلق وحني ال يعمل ال يقلق‪.‬‬ ‫والقلق ال ّدائم عىل من يحب‪ ،‬أ ّدى بخليل إىل حالة من اإلحباط لفرتة غري وجيزة‪ ،‬فلم يجد رفيقه سعيدا سبيال إال أن ينصحه‬ ‫يكس به جليد وحدته‪« :‬فتّش لك عن جذر ثابت يا خليل‪ .‬ال يجوز ان تبقى وحدك» (جرب‬ ‫بأن يبحث عن جذر ثابت أصيل ّ‬ ‫ص‪ .)165 :‬ولكن مبا ان اإلنسان « كالنبتة ال ميّد جذوره إال حيث يوامئه املناخ‪ .‬ويكاد يستحيل عليه كام يستحيل عليها أن‬ ‫يعيش يف غري بيئته» (جرب ص‪ ،)146 :‬فلقد قرر خليل ان يفعل شيئاً ما وأن يواجه ال أن يهرب‪ .‬واملواجهة تبدأ بأن يبتعد‬ ‫لعل أفعل شيئا‪ .‬لعيل أكون‬ ‫هذا اإلنسان عن اإلحباط والحزن وأن يتصالح مع نفسه ويع ّززها بالثقة لعلّه يصري شيئا‪ّ « :‬‬ ‫شيئا» (جرب ص‪ .)201 :‬والشّ عور باإلحباط قد يعتّم بريق الحياة ويُبعد اإلنسان عن شعوره بأنّه إنسان‪ .‬وكام يصفه نديم‬ ‫نجدي‪« :‬ان الشعور باإلحباط ال يضاهي كربه شعورا آخر لخيبة نفسك من نفسها الحاملة كانت بتحقيق األمر الذي ظننته‬ ‫كافيا لل ّرىض عىل النفس‪ .‬فتحقق ومل ترض» (نجدي ص ‪ .)105 :‬وخليل أراد العمل‪ ،‬أراد الحبيبة‪ ،‬أراد األم‪ ،‬وأراد الوطن‪.‬‬ ‫خاصة يف ال ّزمن املفقود‪ .‬واذا وجد‪ ،‬فقد‬ ‫وبتحقيقه ما كان يصبو اليه مل يرض ألن ال ّنفس دامئة البحث عام هو مفقود ّ‬ ‫فَ َق َد هذا اليشء مبج ّرد وجوده فتفرغ النفس للبحث عن آخر‪ .‬وكل ما تبحث عنه نفس اإلنسان من اجل تحقيق الذات‬ ‫هي اشياء خارج الذات‪ .‬وكام يقول سارتر‪« :‬إن اإلنسان ال يحقّق وجوده اإلنساين بإتجاهه نحو ذاته‪ ،‬بل بسعيه نحو غاية‬ ‫خارج ّية هي يف ح ّد ذاتها تحرير له وتحقيق لوجوده»‪( .‬سارتر ص‪.)60 :‬‬


‫فاملسألة األوىل يف رواية «قلق» هي هوية ثريا‪ .‬ثريا هي املرأة التي تع ّرف بها خليل يف أحد ال ّنوادي اللّيل ّية حيث تو ّرط‬ ‫السوء بها‪ .‬إال أ ّن حدس خليل ومضيّه وراء شعوره بصدقها قلب املقاييس وجعل خليال‬ ‫القارئ‪ ،‬كام خليل واصحابه‪ ،‬بظ ّنه ّ‬ ‫يرى ما عجز مجتمع بأرسه أن يراه‪ .‬فاإلنسان يحكم عىل اآلخر من خالل املرآة التي تعكس وضع هذا اآلخر اإلنساين‬ ‫تلف صورته الحقيقيّة بظالم يأكل ال ّنور اإلنسا ّين بداخله‪ .‬وأصحاب خليل كلّهم تهالكوا عىل‬ ‫قبل ان يقرأ ظروفه التي ّ‬ ‫سمعة ثريّا وشكّوا بها ومبصداقية ح ّبها لخليل‪ .‬حتى صديق خليل املق ّرب منه ويدعى سعيد‪ ،‬حذّر خليال أكرث من مرة‬ ‫ونصحه باالبتعاد عنها ألنه يرى انها ال تليق به‪ .‬وهناك بعض أقارب خليل الذين رأوه معها اذ اخربوا أ ّمه بأنه يرصف عىل‬ ‫متتص ماله وشبابه» (جرب ص‪ .)74 :‬فكان حكم أ ّمه عىل ثريا غياب ّيا كحكم الناس‬ ‫مومس‪ »:‬راقبي ابنك فهو يعشق رقّاصة ّ‬ ‫عليها‪ .‬ولك ّن إنسانية خليل أضاءت شعلة الحقيقة يف قلبه وعينيه فرأى ثريا اإلنسانة املظلومة واملعذّبة‪ ،‬وأىب ان يكون‬ ‫واملجتمع حليفا عليها‪ .‬فق ّرر الوقوف بجانبها ونرصها وإن أ ّدى ذلك إىل شعوره بالقلق من ج ّراء تح ّمله عبء مسؤول ّيتها‪.‬‬ ‫فمن وجهة نظر الوجوديّني‪ ،‬ا ّن اإلنسان غري مفصول عن اآلخر‪ .‬هويصنع نفسه من هذا اآلخر ويحقّق به وجوده‪ .‬وإذا‬ ‫كانت النتيجة رصاع ثريا مع املوت يف نهاية الرواية‪ ،‬فذاك ألنه قدرها‪.‬‬ ‫والقدر هو دامئا األقوى حتّى عىل الحب‪ .‬هذا الحب الذي ت ّحول إىل مح ّبة يف قلب خليل إذ يقول» ت ّحول حبي لها إىل‬ ‫محبة‪ .‬رصت اشعر قربها اآلن شعور األخ نحو اخته» (جرب ص ‪ .)181:‬انه هذا الحب الذي ب ّدله يف يوم من األيام ومأل‬ ‫فراغ حياته ورسقه من وحدته وجعله إنسانا ينظر إىل الحياة نظرة أمل ومت ّن «‪ :‬أسائلني احيانا ملاذا ا ّحبها‪ ..‬فإذا الجواب‪:‬‬ ‫أحبّها ألين يف ساعة ما شعرت ان شيئا قد تبدل ّف وأين رصت انظر إىل الحياة غري نظرة‪ .‬حتى طريقة مشيي تغريت بعد أن‬ ‫عرفتها‪ .‬خطاي صارت تنقر االرض بعزم ورصت اتنفس بغري ضيق (جرب ص ‪.)115 :‬‬ ‫فالحب حكاية طويلة أ ّولها اإلنسان وآخرها اإلنسان‪ .‬والحب هو هذه الجذور التي تعلّقه بالحياة اكرث واكرث وتخلق منه‬ ‫بدعة إنسان‪ .‬والحب ايضا يجعل من اإلنسان نبع عطاء يضيف إىل وجوده معنى ‪ »:‬ما أحىل ان يفعل اإلنسان شيئا‪ ،‬أن‬ ‫يحس أن لوجوده شأنا» (جرب ص‪ .)78 :‬الحب هو كل ما ج ّدد يف خليل حني ساعد ثريا وأ ّمن لها عمال رشيفا تساعد به‬ ‫نفسها عىل مقاومة ظروفها األليمة العسرية‪ .‬فاإلنسان بطبيعته يحتاج إىل ان يكون شيئا ما‪ ،‬يحتاج إىل يشء ما يح ّرك‬ ‫احاسسيسه وينقله من عامل الفراغ والالوجود إىل عامل موجود‪ .‬فهو‪« :‬يحتاج دامئا إىل ما يصوب إليه حسه‪ .‬إىل ما يجعله‬ ‫محور الدائرة يف حياته» (جرب ص ‪ .)81 :‬ا ّن اإلنسان يجعل من وجوده محورا لوجود اآلخرين ومن اآلخرين محورا‬ ‫لوجوده‪.‬‬ ‫أما املسألة الثانية التي تشري إىل النزعة اإلنسانية العميقة يف هذه الرواية هي عالقة اإلنسان بالطبيعة وإميانه بوجوده من‬ ‫خاللها‪ .‬وهذه العالقة تربز واضحة يف شخصية أم خليل أو عىل األقل كام أظهرها لنا خليل‪ .‬إنها املرأة العجوز التي ترتبص‬ ‫تتحدى املوت من خالل تعلّقها مبصدر الحياة ‪ ،‬باالرض الطيبة‪ .‬تلك الطبيعة الطبي ّعية‬ ‫للقدر بتسل ّحها بجذورها‪ ،‬والتي‬ ‫ّ‬ ‫التي مل تدنّسها يد اآللة وال ضجيج أشباح املدينة‪.‬‬


‫ظواهر أسلوب َّية يف شعر زهرة الحر‬ ‫الدكتورة ليىل محمد سعد‬

‫عري عند الشّ اعرة زهرة الحر(**) باالستناد‬ ‫يتناول هذا البحث دراسة الظّواهر األسلوبيّة وفنون البديع يف الخطاب الشّ ّ‬ ‫إىل املنهج األسلو ّيب وذلك للوقوف عند بنى الخصائص األسلوب ّية ومحاورها ال ّدالل ّية وجاملياتها الفن ّية التي مت ّيز بها خطابها‪.‬‬ ‫فانصب‬ ‫لقد ات ّخذت األسلوبيّة الحديثة من الشّ عر ميدانًا خصبًا لتطبيق ال ّنظريّات األسلوبيّة ال ّرائدة يف ساحات ال ّنقد‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫والسامت األسلوب ّية التي استخدمتها‬ ‫اهتاممي عىل دراسة الظّواهر األسلوب ّية يف شعر زهرة الح ّر وتوظيفها للّغة الشّ عريّة‪ّ ،‬‬ ‫الصوتيّة وتركيباتها ودالالتها وتفاعالتها وخصائصها الشّ كالنيّة من أجل‬ ‫يف خطابها من خالل تتبّع البنى اللّغويّة وايقاعاتها ّ‬ ‫اظهار طاقاتها التّحويليّة‪.‬‬

‫(املحسنات املعنويّة ‪ /‬اللّفظيّة) وشمل دراسة‬ ‫ألَّفت هذا البحث من مبحثني‪ُ ،‬عني املبحث األول بدراسة ألوان البديع‬ ‫ّ‬ ‫والتديد واملبحث الثاين‬ ‫الصدر عىل العجز والتّرصيع ولزوم ما ال يلزم ّ‬ ‫والسجع والتّوازن‪ ،‬ورد ّ‬ ‫بنى التّضاد والتّقابل والجناس ّ‬ ‫تط ّرقت إىل ألوان البنية التّكراريّة وأمناطها‪ ،‬وختمتها بنتائج أوجزت فيها ما توصلت إليه‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫متهيد‬

‫يتميز الخطاب األد ّيب عن بقية الخطابات األخرى باألسلوب‪ ،‬وسامته األسلوب ّية هي عنارص إبداع ّية فيه‪ ،‬فريى ابن‬ ‫وكل طريق ممتد فهو أسلوب‪ .‬قال‪ :‬واألسلوب الطّريق والوجه‬ ‫للسطر من ال ّنخيل‪ :‬أسلوب‪ّ .‬‬ ‫منظور أ ّن األسلوب «ويقال ّ‬ ‫بالضم‪ :‬الف ّن‪ .‬يقال فالن أخذ يف أساليب من القول أي‬ ‫واملذهب‪ ،‬يقال‪ :‬أنتم يف أسلوب سوء‪ ،‬ويُجمع أساليب‪ .‬واألسلوب ّ‬ ‫أفانني منه‪)1(».‬‬ ‫ويف اللّغات األوروب ّية إ ّن كلمة أسلوب (‪ )le style‬اشتقت من األصل الالتيني (‪ )Stilus‬مبعنى ال ّريشة‪ ،‬ث ّم انتقل عن‬ ‫طريق املجاز إىل املفاهيم تتعلّق بالكتابة‪ ،‬والتّخطيط‪ ،‬وبعدها إىل التّغريات اللّغويّة األدبيّة عند الخطباء‪)2(.‬‬ ‫أ َّما يف االصطالح‪ ،‬فقد أثار مفهوم األسلوب اهتامم ال ّنقاد والباحثني يف مجاالت األدب‪ ،‬وكرث الحديث حوله‪ ،‬واختلفت‬ ‫اآلراء واالت ّجاهات‪ ،‬ومن أبرز ال ّنقاد الغربيني العامل اللُّغوي واملفكر الفرنيس (الكنت دي بوفون ‪ )Buffon‬الذي قرن‬ ‫األسلوب بذات الكاتب‪ ،‬وقال «إ َّن األسلوب من ال ّرجل نفسه‪ )3(».‬كام استند يف نظريته إىل «أ ّن املعاين وحدها هي‬ ‫املجسم ُة لجوهر األسلوب‪ ،‬فام األسلوب سوى ما نُض ِفي عىل أفكارنا من نَ َس ٍق وحركة‪)4(».‬‬ ‫ِّ‬


‫وما تحقيق وجود اإلنسان يف الحياة سوى اثبات بأنه يشء ما ألن الّاليشء قد ينتمي إىل أي يشء دون ان يحتاج إىل‬ ‫الجذور‪ .‬أ ّما الذي يريد ان يكون شيئا يف هذه الحياة يجب ان يقوى عىل الظروف وان يبصم قدما يف عامل الوجود الذي‬ ‫أىت اليه ومنه ينتقل‪ ،‬والغموض يكتنف الرحلة بأكملها‪.‬‬ ‫يستحق‬ ‫متسك بالحياة طرد اليأس والقلق وفهم ماه ّية وجوده وقيمته كإنسان‪ .‬أما رصاع البقاء فهو فقط ملن‬ ‫ّ‬ ‫واإلنسان اذا ّ‬ ‫الحياة ويؤمن بأنها مواقف تح ّدي‪ ،‬كلّام اتعبتنا تعمقت جذورنا بها اكرث‪ .‬واملوج الذي ال يبتلع الضحيّة يخلق منها س ّدا‬ ‫عتيدا‪.‬‬

‫املصادر واملراجع‬ ‫‪ -1‬ال ّداوي‪ ،‬عبد الرزاق‬ ‫موت اإلنسان يف الخطاب الفلسفي املعارص‪( .‬هيدجر‪ ،‬ليفي سرتوس‪ ،‬ميشيل فوكو) دار الطليعة – بريوت‪ .‬ك‪1992 ،1‬‬ ‫‪ -2‬جرب‪ ،‬جميل ‪.‬‬ ‫قلق (راوية) ‪ .‬منشورات دار الطليعة – بريوت‪.‬‬ ‫الطبعة األوىل‪ .‬ك ‪1961 2‬‬ ‫‪ -3‬سارتر‪ ،‬جان بول‪.‬‬ ‫الوجودية فلسفة إنسانية ‪ .‬ترجمة حنا دميان‬ ‫دار بريوت‪1954 .‬‬ ‫‪ -4‬نجدي‪ ،‬نديم‪.‬‬ ‫إضاءات نيتشوية‪( .‬ما قبل الكالم ‪ ...‬وما بعده)‬ ‫دار الفارايب – بريوت‪ .‬الطبعة األوىل ‪2002‬‬ ‫بريوت‪2018/11/10 /‬‬


‫ ال ّتضاد بني االسم واالسم‬‫السياق‪ ،‬ويسهم يف تفاعل ال ّدوال وتشابك‬ ‫إ َّن التّضاد بني األسامء يغني بنية القصائد بوصفه ربطًا للعنارص الفاعلة يف ِّ‬ ‫االيحاءات وال ّدالالت‪ ،‬ويؤ ّدي التّضاد دو ًرا أساس ًيا يف إظهار املفارقات بني األنا واألنت‪ ،‬الذّات الشّ اعرة والخالق‪ ،‬الق ّوة‬ ‫والضعف‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫عن غريي وعن نفيس‬ ‫«أعيش غريبة يا بـح ُر ‬ ‫ُ‬ ‫وعن يومي وعــن مستقبيل اآليت وعـــن أمـيس‬ ‫تحت أشعــة الشمس‬ ‫أنا يف غرب ِة الغــرباء ‬ ‫بني الجنِ واألنــس»‪)12(.‬‬ ‫أفتش عن وجو ٍد ضا َع ‬ ‫ُ‬ ‫تجتمع متواليات األسامء املسكوكة بني (غريي ‪ #‬نفيس ‪ /‬يومي ‪ #‬مستقبيل ‪ #‬أميس ‪ /‬الجن ‪ #‬األنس) لرتسم صورة الذّات‬ ‫بالضياع‬ ‫الضائعة وسط غربة نفسيّة تعاين املأساة والشّ قاء تفتّش عن ذاتها ووجودها وسط األحاسيس الغامرة ّ‬ ‫الشّ اعرة ّ‬ ‫الوجودي واإلحساس املتاليش‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫عري‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫وتنصهر بنية التّضاد ال ّدال ّيل وتتفاعل يف جسد الخطاب الشّ ّ‬ ‫أنا عب ٌد رغم أين أنا ح ٌّر‬ ‫س‬ ‫«أنا لغ ٌز يا الهي أنا ِ ٌ‬ ‫رب م ُّر‬ ‫رش‬ ‫أنا ُحل ٌو وأنا يا ّ‬ ‫أنا خ ٌري بني أمثايل و ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫صفات استق ُّر‪)13(».‬‬ ‫أي‬ ‫فعىل ِّ‬ ‫الضياع والعجز عن ّ‬ ‫فك األلغاز الوجوديّة‪.‬‬ ‫يظهر التّضاد بني (عبد ‪ /‬حر – خري ‪ /‬رش – حلو ‪ /‬مر) لتأكيد ّ‬ ‫السعادة (سعي ًدا) إىل شقاء (شق ًيا)‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫وتتح ّول َّ‬ ‫فيها فبات شقيًا‪)14(».‬‬ ‫«وكان قلبي سعي ًدا‬ ‫فالذّات الشّ اعرة تتذكّر الذّكريات املاضية التي تلوح يف حارضها وتعكس بنية التّضاد االسمي سيطرة داللة الشّ قاء‬ ‫والفراغ يف واقعها‪.‬‬ ‫وأيضا تقول‪:‬‬ ‫ونها ًرا فام وج ْدنَا سعي ًدا‪)15(».‬‬ ‫ليل‬ ‫السعاد ِة ً‬ ‫«وبحثنا عن َّ‬ ‫السعادة‬ ‫يتح ّرك التّضاد ال ّزمني ً‬ ‫(ليل ‪ /‬نها ًرا) يف خطني أساسني هام‪ :‬خ ّط البحث والتّفتيش وخط الفقدان ما ينفي قيم َّ‬ ‫البرشي‪.‬‬ ‫يف الوجود‬ ‫ّ‬ ‫ويف سياق ال ّنفي والتّأكيد‪ ،‬تقول‪:‬‬ ‫نعيم وجحيم‬ ‫«ليس يف ال ّدنيا نــعــي ٌم وح َد ُه‬ ‫إ َّن يف ال ّدنيا ً‬ ‫َ‬ ‫إ َّن يف ال ّدنيا رحيقًا وسموم‪)16(».‬‬ ‫خالـص‬ ‫رحيق‬ ‫ليس يف ال ّدنيا ٌ‬ ‫ٌ‬


‫املؤسس لعلم األسلوب الذي يربط بني اللّغة ومكوناتها وأبنيتها وقيمها‪ ،‬فيقول‪« :‬إ َّن‬ ‫ويُع ُّد شارل بايل (‪ّ )Charles Bally‬‬ ‫مهمة علم األسلوب ال ّرئيسة يف تقديري تتمثل يف البحث عن األمناط التّعبرييّة التي ترتجم يف فرتة معينة حركات وشعور‬ ‫السامعني والقراء‪ )5(».‬ويعزو فونتانياي‬ ‫املتحدثني باللّغة‪ ،‬ودراسة التّأثريات العفويّة الناجمة عن هذه األمناط لدى ّ‬ ‫الظّاهرة األسلوبيّة إىل «عبقرية اللّغة‪ ،‬إذ تسمح باالبتعاد عن االستعامل املألوف فتوق ُع يف نظام اللّغة اضطرابًا يُصبح هو‬ ‫نفسه انتظا ًما جدي ًدا‪)6(».‬‬ ‫كام نظر ال ّنقاد العرب يف مفهوم األسلوب‪ ،‬ومنهم أحمد الشّ ايب الذي فكّك الظّاهرة األدب ّية وأضاف «وأخ ًريا نجد‬ ‫العبارة اللّفظيّة التي قد تس ّمى األسلوب (‪ )style‬وهي الوسيلة الالزمة لنقل أو إظهار (كذا) ما يف نفس األديب من تلك‬ ‫يعب عن العقل والعاطفة‪ )8(».‬ومنهم من اعترب‬ ‫العنارص املعنوية ‪ ...‬ومن هنا نستطيع أن نع ّرف األدب بأنّه الكالم الذي ّ‬ ‫«األسلوب مجموعة ألوان يصطبغ بها الخطاب ليصل بفضلها إىل اقناع القارئ وإمتاعه وش ّد انتباهه وإثارة خياله‪)9(».‬‬ ‫كل ملمح من مالمح ال ّن ّص‬ ‫ولكل أديب طريقته التّعبرييّة الخاصة وسامته األسلوب ّية‪ ،‬وما يهمنا أ ّن األسلوب ّية تدرس ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومحسنات لفظيّة‪ ،‬وتستفيد من علم ال ّداللة وال ّنحو واملعجم والبالغة‬ ‫اللّغويّة من أصوات وتراكيب وصيغ رصفيّة وصور‬ ‫ّ‬ ‫والعروض والقوايف وذلك للكشف عن سامت األسلوب جميعها يف الخطاب‪ .‬وال تغفل اللّغة بل «ترتكز عىل اللّغة لذاتها ال‬ ‫ملا تحمله من دالالت أل ّن هذه من املمكن إبالغها بطرق كثرية غري طرق اللّغة األدبيّة‪)10(».‬‬ ‫ما العنارص األسلوب ّية التي اتكأت عليها الشّ اعرة لرسم بواطن مشاعرها وأفكارها ورؤاها من قضية اإلنسان واملجتمع‬ ‫والكون الوجودي؟‬ ‫عري‬ ‫ ألوان البديع يف الخطاب الشّ ّ‬‫حسب أحد الركائز البنية املوسيق ّية ال ّداخلية‪،‬‬ ‫يُع ُّد البديع ركن من أركان البالغة وسمة أسلوبية يف الشّ عر العر ّيب‪ ،‬كام يُ ُ‬ ‫يلجأ الشّ عراء إىل توظيفه وهذا ما يؤكده عبد القاهر الجرجاين بأ ّن له الهدف املنشود الذي يخدم فكرة الشّ اعر‪ ،‬فيقول‬ ‫«أن يكون وراء ذلك نكتة تطلب وعائدة عىل املعنى تراد وتقصد‪ ،‬ترفع من شأنه وتضخم من قدره‪ ،‬ويقرتن حظه من‬ ‫الفصل بخطها ويجئ حسنة من حسنها‪ ،‬وإال كان حمل اللّفظ عىل البديع منقصة وشي ًنا‪ )11(».‬وقد أفرطت الشّ اعرة‬ ‫عري‪.‬‬ ‫زهرة الح ّر من استخدام األلوان البديعية يف خطابها الشّ ّ‬ ‫‪ -‬ال ّتضاد‬

‫عري محو ًرا أساسيًا‪ ،‬ينسجم مع الوحدات التّقابليّة وال ّدالليّة لرسم صورة الذّات ومواقفها‬ ‫يشكّل التّضاد يف الخطاب الشّ ّ‬ ‫وحاالتها ال ّنفس ّية وأفكارها وتأمالتها يف الكون ويف الوجود‪ ،‬وقد تط ّرقت إىل دراسة التّضاد يف شعر زهرة الحر وللكشف‬ ‫عن ديناميات األضداد ودالالتها وتحوالتها‪.‬‬


‫فكل ما يسري يف الكون من توازن‬ ‫الفعلي «عال ‪ /‬دنا» داللة أ َّن الخالق ال يُخفى عليه أمر‪ّ ،‬‬ ‫يظهر التّضاد التّنافري بني‬ ‫ّ‬ ‫بأمره‪.‬‬ ‫ ال ّتقابل االسم واالسم‬‫يُحسب ‪ Roman Jakobson‬جاكوبسون أ َّن «الوحدات اللّسانيّة مرتبطة بعضها ببعض بوساطة منظومة تقابالت‬ ‫ثنائ ّية‪ )23(».‬فيام يوافق ‪ John Lyons‬ليونز «عىل أن التّقابل الثّنا ّيئ أحد أهم املبادئ التي تحكم بنية اللّغات‪)24(».‬‬ ‫عري منظومة التّقابالت الثّنائيّة بني الوحدات الشّ عريّة وتعكس محاور الذّات الشّ اعرة والله‪،‬‬ ‫وتظهر يف الخطاب الشّ ّ‬ ‫والصعود‪ ،‬العقل والجهل‪ ،‬البقاء والفناء‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫الهبوط ّ‬ ‫رب تحت ِ‬ ‫أنت فوق ِ‬ ‫العرش َج ْه ُل‬ ‫عقل‬ ‫العرش ُ‬ ‫«يا إلهي َ‬ ‫وأنا يا ّ‬ ‫وأنا يف الجهلِ ما يل قط ِف ْع ُل‪)25(».‬‬ ‫فاعل‬ ‫أنــت فــي العــقـــلِ إلــ ٌه ٌ‬ ‫َ‬ ‫تتقابل ضامئر ال ّرفع املتصل (أنا ‪ #‬أنت) كام تتقابل ال ّدوال (فوق ‪ #‬تحت ‪ /‬عقل ‪ #‬جهل)‬ ‫ فعل‬‫‪ +‬فاعل‬ ‫أنا تحت العرش جهل‬ ‫‪#‬‬ ‫أنت فوق العرش عقل‬ ‫يرسم توازن التّقابل ال ّدال ّيل العالقة التّنافريّة بني العلو والهبوط للتّأكيد عىل جهل الذّات الشّ اعرة‪ ،‬وعدم قدرتها عىل‬ ‫فعل يشء‪.‬‬ ‫مريي‪ ،‬وتتفاعل مع التّقابالت ال ّدالل ّية‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫وتتكثّف بنية التّقابل ّ‬ ‫الض ّ‬ ‫وأنا عب ٌد حق ٌري يف هوان‪)26(».‬‬ ‫رب قادر مقتد ٌر‬ ‫«أنت ٌّ‬ ‫رب قادر ‪ /‬أنا عبد حقري) للتّكثف داللة قدرة رب العاملني عىل فعل أي يشء‪ ،‬وعجز الذّات الشّ اعرة‪.‬‬ ‫ورد التّقابل (أنت ٌّ‬ ‫وتقول يف موضع آخر‪:‬‬ ‫القوي وكلُّنا ضعفا ُء‪)27(».‬‬ ‫أنت‬ ‫«ومي ُّد كل العاملني بعونه‬ ‫ُّ‬ ‫التاكيب (أنت القوي ‪ /‬كلنا ضعفاء) داللة أ ّن الرب مي َّد االنسان بعونه‪ ،‬وهو يوسم بالقوة يف‬ ‫يختزن التّقابل االسمي بني ّ‬ ‫مقابل نحن ‪ /‬البرش يغلب علينا الضعف‪.‬‬ ‫وتحتشد ال ّدوال التّقابلية وتنصهر مع التّوازن يف حركة متنامية لتحقيق االنسجام يف الخطاب‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫«أنـــا مــثــلك يا بحـ ُر ويل م ٌد‪ .‬ولــي جــز ُر‬ ‫ويب خيــ ٌر ويب شــ ٌر‬ ‫وبــي نفــ ٌع ويب ضـ ٌر‬ ‫الضــعـف وأنـت العـ ُّز والكــبــ ُر‬ ‫ولكني أنــا‬ ‫ُ‬


‫ورد الطّباق بني (نعيم ‪ #‬جحيم ‪ /‬رحيق ‪ #‬سموم) ما ينفي وجود نعيم ال ّدنيا وحده ويؤكد حضور ال ّنعيم والحجيم يف‬ ‫التسيمة اآلتية‪:‬‬ ‫الحياة ويضع محور ال ّدنيا بني قطبي التّقابل ال ّدال ّيل كام يف ّ‬ ‫جحيم‬ ‫ال ّدنيا‬ ‫نعيم‬ ‫سموم‬ ‫رحيق‬ ‫ويظهر التّضاد يف قولها‪:‬‬ ‫ال دي ُن تفرق ٍة وال بغضا ِء‪)17(».‬‬ ‫«فالدي ُن دي ُن محبّ ٍة وأخو ٍة‬ ‫يتجىل الطّباق بني األسامء (مح ّبة – أخوة) ‪( /‬تفرقة – بغضاء) ويؤكد أ ّن االديان الساموية هي رحمة لل ّناس‪ ،‬كام يختزن‬ ‫دعوة الذّات الشّ اعرة إىل اعتناق املحبّة واالبتعاد عن التفرقة والعصبيات واألحقاد‪.‬‬ ‫كام ي ِر ُد التّضاد بني القوة (أقوياء) والضعف (الضعفاء)‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫«ال تد ْع فوق الرثى يا سيدي أقويا ًء يأكلو َن الضعفا ْء‪)18(».‬‬ ‫تيش بنية التّضاد االسمي بزمن ّية الغلبة لألقوياء‪ ،‬لذا ترفع دعوتها إىل الخالق يك ال يأكل األقوياء الضعفاء حتى يع َّم‬ ‫العدل عىل هذه األرض‪ ،‬فاألرض لجميع خلق الله‪.‬‬ ‫وبأسلوب إنشايئ يتلّون بصيغتي اإستفهام والّنداء تتساءل‪:‬‬ ‫السباتَ »(‪)19‬‬ ‫«هل هو املوت يا إلهي عد ٌّو أم‬ ‫ٌ‬ ‫صديق يُلْقي علينا َّ‬ ‫يظهر الطّباق االسمي بني (عدو ‪ #‬صديق) داللة الحرية والخوف من سطوة املوت‪.‬‬ ‫ ال ّتضاد بني الفعل والفعل‬‫يل من خالل ثنائية الحياة واملوت‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫يظهر التّضاد الفع ّ‬ ‫نـمـت فأبا ٌة وس َط ميدانِ ‪...‬‬ ‫نعش فـكـرا ٌم فــي مـواطننا وإن‬ ‫«فإن ْ‬ ‫ْ‬ ‫الغاصب الجاين‪)20(».‬‬ ‫باسم العروبة نحيا أو منوتُ فال فرق إذا هزمنا‬ ‫َ‬ ‫الفعلي (نعش ‪ #‬منت) (نحيا ‪ #‬منوت) للتّأكيد عىل العيش بكرامة‪ ،‬فأبناء الوطن يدافعون عن‬ ‫يجمع التّضاد بني‬ ‫ّ‬ ‫بكل إباء ساحات ال َّردى ويقدمون أرواحهم ودمائهم فدا ًء للعروبة‪.‬‬ ‫وطنهم‪ ،‬يخوضون ِّ‬ ‫يل قول الشّ اعرة‪:‬‬ ‫ومن أمثلة التّضاد الفع ّ‬ ‫بعت رصانتي ورشيتُ ُه‪)21(».‬‬ ‫كنت أعل ُم أ َّن قل َب َك يُشرتى باملا ِل ُ‬ ‫«لو ُ‬ ‫(الشاء والبيع) لتعكس‬ ‫بعت) لتضع محور القلب يف تناقض قائم عىل عملية تجاريّة ّ‬ ‫يل بني (يُشرتى ‪ُ #‬‬ ‫ورد التّضاد الفع ّ‬ ‫صورة واضحة عن زيف مشاعر الرجل وعدم اخالصه‪.‬‬ ‫وتقول يف موضع آخر‪:‬‬ ‫و َدنا فال يخفى عليه خفاء‪)22(».‬‬ ‫تضاءلت‬ ‫«يا من عال فالكائنات‬ ‫ْ‬


‫ما فجر يف أعامق الشّ اعرة الشعور باملأساة‪ ،‬ومتثل عبارة «أنا الاليشء» أعىل درجات التّضاد بني يشء واليشء‪ ،‬قيمة وال‬ ‫قيمة‪ ،‬الرتباطها بالجوهر الوجودي‪ ،‬ويتعمق االحساس بالتاليش واالنكسار‪.‬‬ ‫ ال ّتقابل الفعل واالسم‬‫عري‪ ،‬وتتقابل األفعال مع‬ ‫يقوم التّقابل بدور حيوي فاعل يف تأسيس الوجه األهم يف البنية الحرك ّية يف الخطاب الشّ ّ‬ ‫األسامء يف بناء متوازن‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫«ومل أفقه ظواهـرهــا ومل أعرف خوافيها‬ ‫ومل أفرح بحارضها ومل أحزن ملاضيها‪)31(».‬‬ ‫والتكيب االسمي كام يف الجدول التايل‪:‬‬ ‫يل ّ‬ ‫يظهر التّقابل بني ّ‬ ‫التكيب الفع ّ‬ ‫التكيب االسمي (االسم ‪ +‬ضمري متصل ‪ /‬ها)‬ ‫التكيب الفعل (أداة جزم ‪ +‬فعل مضارع) ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ظواهرها ‪ #‬خوافيها‬ ‫مل أفقه ‪ +‬مل أعرف ‬ ‫حارضها ‪ #‬ماضيها‬ ‫مل أفرح ‪ #‬مل أحزن ‬ ‫عري‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫وتتقابل ال ّدوال الشّ عريّة يف ال ّن ّص الشّ ّ‬ ‫ُ‬ ‫األعامل‬ ‫اختلفت به‬ ‫وكالهام‬ ‫والسال ُم محبّ ٌة‬ ‫«الحرب ٌ‬ ‫ْ‬ ‫بغض َّ‬ ‫ُ‬ ‫والحرب تهد ُم ما بَ َن ْت ُ‬ ‫أجيال‬ ‫فالسل ُم يبني ما تــهـــ َّد َم حولَ ُه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫استغالل‪)32(».‬‬ ‫عنف وال‬ ‫إن السال َم هو املعامل ُة التـي‬ ‫ما شابَ َها ٌ‬ ‫والسلم‪ ،‬البغض واملح ّبة‪ ،‬البناء والهدم‪ ،‬عنف وال عنف‪،‬‬ ‫يظهر التّقابل من خالل ثنائية االختالف واالئتالف‪ ،‬الحرب ّ‬ ‫استغالل وال استغالل‪.‬‬ ‫الحرب بغض ‪ #‬السالم مح ّبة‬ ‫السلم يبني ما تهدم ‪ #‬الحرب تهدم ما بنت‪.‬‬ ‫تعكس التّقابالت ال ّدالل ّية فكرة رفض الذّات الشّ اعرة للحرب والهدم والعنف واالستغالل وتؤكد العيش حياة يسودها‬ ‫السالم واملحبّة والبناء بعي ًدا من كل األحقاد واالستغالل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويف موضع آخر تقول‪:‬‬ ‫حي‪)33(».‬‬ ‫رب الحياة واملوت يُحيي‬ ‫«وهو ُّ‬ ‫ومييـت وهــو فــي الكون ُّ‬ ‫يت ويبعث األحيا َء واألحيا َء‪)34(».‬‬ ‫رب الحياة واملوت يُحيي‬ ‫وي ْ‬ ‫َ‬ ‫«وهو ُّ‬ ‫يعكس التّقابل فكرة الحياة واملوت والبعث‪ ،‬وإميان الذّات الشّ اعرة بأ ّن الله هو رب كل يشء يف الكون‪ ،‬يحيي ومييت‬ ‫كل يشء‪.‬‬ ‫ويبعث األحياء وله القدرة عىل ّ‬


‫أنا فــقــ ٌر وأنت غـنى وهل ساوى الغنى الفقر‬ ‫أنا زبـــد بال جــدوى وأنت العــمـق والغو ُر‬ ‫رص‬ ‫أنا َحــ ٌد وأنت مـــدى‬ ‫بـعـيـ ٌد مــا له ح ُ‬ ‫أنا يف زورق النسيان فالعب فيــه يا بح ُر‪)28(».‬‬ ‫التسيمة اآلتية‪:‬‬ ‫تظهر التّقابالت املتضادة بني االسامء يف قطبني متضادين كام يف ّ‬ ‫أنت (الطبيعة ‪ /‬البحر)‬ ‫أنا (الذّات الشّ اعرة)‬ ‫م ّد ‪ #‬جزر‬ ‫رض ‪ +‬رش ‪ #‬نفع ‪ +‬خري‬ ‫العز‬ ‫الضعف‬ ‫غنى‬ ‫فقر‬ ‫العمق‬ ‫زبد‬ ‫مدى‬ ‫حد‬ ‫أيضا‪:‬‬ ‫وتقول ً‬ ‫تعدو أمامي واملنون ورايئ‪)29(».‬‬ ‫«تلك الحياة بحلوها ومريرها‬ ‫تتقابل ال ّدوال االسمية (الحياة ‪ /‬املنون – حلوها ‪ /‬مريرها – أمامي ‪ /‬ورايئ) لل ّداللة عىل انتظار املوت‪.‬‬ ‫كام تتكثّف البؤر ال ّدالل ّية للتضاد االسمي يف الخطاب‪ ،‬ويلعب التّضاد ال ّزمني محرك األزمنة عىل تأزم الذّات بني املعرفة‬ ‫والجهل‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫أفــتــش فيه عن ذايت‬ ‫ُ‬ ‫«ألـــوذ بـــزورق بـــا ٍل ‬ ‫عن املعلوم واملجهــو ِل يف املايض ويف اآليت‬ ‫تناقض األيَّــام يف تــقــرير حــااليت‬ ‫جــهــلت َ‬ ‫ُ‬ ‫وحــي بــيــن أمـوات‬ ‫فــمــيــت بــيـن أحــياء ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫وجــهـــل خــلفه عــلـ ٌم وعــلـــ ٌم قـــيـد اثبات‬ ‫ٌ‬ ‫والالَّيشء مــأسـايت‪)30(».‬‬ ‫مجهول ‬ ‫أنا الاليش ُء يا‬ ‫تتنامى فاعلية التّضاد بني االسامء (املعلوم ‪ #‬املجهول ‪ /‬املايض ‪ #‬اآليت ‪ /‬ميت ‪ #‬حي ‪ /‬أحياء ‪ #‬أموات ‪ /‬جهل ‪ #‬علم)‬ ‫الصوتيّة وتظهر حدة التّضاد يف محور البنية‬ ‫لتكوين حركة داخلية مع الحركة اإليقاعيّة املتوازية والتّقابالت والتّجانسات ّ‬ ‫اللّغويّة من خالل مخاطبة املجهول والتفتيش عن الذّات وسط الضياع والتناقض‬


‫وتقول يف موضع آخر‪:‬‬ ‫وكل يف مصالِ ِح ِه ُمطالِ ْب‪)41(».‬‬ ‫ٌّ‬ ‫واملرج النوادي‬ ‫الهرج‬ ‫ُ‬ ‫«وساد ُ‬ ‫الحق يف زمن سيطرت فيه مطامع املذاهب ومناصبها‪،‬‬ ‫ورد الجناس بني كلمة (الهرج ‪ /‬املرج) لل ّداللة عىل سيطرة ضياع ّ‬ ‫فكل طائفة تغني عىل وتر مكاسبها‪.‬‬ ‫وأيضا تقول‪:‬‬ ‫ً‬ ‫«أنا حل ٌم يا إلهي أنا حل ُم ليس يل فيه عىل االطالقِ عل ٌم‪)42(».‬‬ ‫ورد الجناس يف أ َّول اللفظ بني املفردتني (حلم ‪ /‬علم)‪.‬‬ ‫الصويتّ يف الحرفني يف وسط اللفظ‪ ،‬تقول‪:‬‬ ‫ويرد الجناس ّ‬ ‫وخالق ما يس ُري وما يط ُري‪)43(».‬‬ ‫كل يش ٍء‬ ‫خالق َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫«وأنت الله ُ‬ ‫يل التشاكل اإلنسا ّين ‪ /‬اإلنسان الذي يسري عىل‬ ‫تريد الشّ اعرة التأكيد عىل أ ّن الله خلق كل يشء‪ ،‬ويختزل التّجانس الفع ّ‬ ‫األرض والحيواين ‪ /‬الحيوان الذي يطري يف الفضاء‪.‬‬ ‫شعري‪:‬‬ ‫وتقول يف بيت‬ ‫ّ‬ ‫كنت أعب ُد رهبة فلشانِ ‪)44(».‬‬ ‫كنت أعب ُد رغب ًة فلغاي ٍة‬ ‫أو ُ‬ ‫«إن ُ‬ ‫كيبي لل ّداللة عىل حرية‬ ‫حوي ّ‬ ‫يظهر الجناس بني املفردتني (رغبة ‪ /‬رهبة) ويتآزر مع التّوازن ّ‬ ‫واملعجمي وال ّن ّ‬ ‫الصويتّ‬ ‫والت ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذّات الشّ اعرة وعدم توازنها وخوفها من عقاب الخالق‪.‬‬ ‫ّفظي يف «أعداد الحروف فقط‪ )45(».‬فتقول‪:‬‬ ‫ويأيت الجناس ال ّناقص من خالل اختالف الل ّ‬ ‫أي يشء يف وجو ٍد فيه وجو ُدك جود‪)46(».‬‬ ‫«أنا لوالك مل أكن َّ‬ ‫يظهر الجناس ال ّناقص يف االختالف بزيادة حرف واحد (وجود ‪ /‬جود) ما يوسم دالالت كرم الخالق و ُجوده يف هذا‬ ‫الوجود‪.‬‬ ‫أيضا‪:‬‬ ‫وتقول ً‬ ‫متتص مايئ ودمايئ وتروي فيه النواةَ‪)47(».‬‬ ‫«وجذو ُر األشجا ِر ُّ‬ ‫يأيت الجناس ال ّناقص بزيادة حرف واحد يف أ َّول اللفظ بني (مايئ ‪ /‬دمايئ) ما يوحي بالخوف من املوت ومصري الجسد‬ ‫الفاين‪.‬‬ ‫ويظهر جناس االشتقاق من خالل الجمع بني ركني اللّفظتني‪ ،‬وقد ورد يف قولها‪:‬‬ ‫«ذهبت بنا ريح الضياع إىل البعيد األبعد‪)48(».‬‬ ‫يرد التّجنيس من خالل التّباين يف منط اللفظتني (البعيد ‪ /‬األبعد) من دون فاصل بينهام لل ّداللة عىل الشّ كل املوسوم‬ ‫بايحاءات الغرق يف صحراء الضياع والتّيه‪.‬‬


‫ الجناس‬‫هو «أن يحدث تجانس أي تشابه بني كلمينت يف النطق ويكون معناهام مختلفًا‪ )35(».‬وهو نوعان‪ :‬جناس تام «هو‬ ‫ما اتفق فيه اللفظان يف أمور أربعة هي‪ :‬نوع الحروف‪ ،‬شكلها‪ ،‬عددها‪ ،‬ترتيبها‪ ».‬وجناس غري تام وهو «ما اختلف‬ ‫فيه اللفظان يف نوع الحروف أو شكلها أو عددها أو ترتيبها‪».‬ومن أرضبه‪ :‬الجناس املضارع «الذي يكون فيه الحرفان‬ ‫املختلفان متقاربني يف املخرج‪ ،‬ويكونان إ َّما يف أ َّول اللفظ أو يف وسطه وإ َّما يف آخره‪ )36(».‬والجناس الالحق «الذي يكون‬ ‫مي‬ ‫فيه الحرفان املختلفان غري متقاربني يف املخرج ويكونان ً‬ ‫أيضا إ َّما يف أ َّول اللّفظ‪ )37(».‬وإن اختلفا يف عدد الحروف ُس ّ‬ ‫(ناقصا) وإن اختلفا يف الهيئة فهو عىل رضبني (املح ّرف) و(املصحف) وإن اختلفا يف الرتتيب سمي مقلوبًا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حسب «موسيقى حقيقية تنبع من اختيار الشّ اعر لكلامته وما‬ ‫يوفر الجناس للقصيدة الجانب املوسيقي الداخيل‪ ،‬ويُ ُ‬ ‫وكل حركة بوضوح‬ ‫كل حرف ّ‬ ‫فيها من تالؤم يف الحركات والحروف‪ ،‬وكأن للشاعر أذنًا داخلية وراء أذنه الظّاهرة تسمع ّ‬ ‫تام‪ )38(».‬وقلام استخدمت الشّ اعرة الجناس التّام‪ ،‬فأكرثت من استخدام الجناس غري التّام بأرضبه املتعددة‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫«وحدي بأودية الفراغ عىل الجليد الجلمد‪)39(».‬‬ ‫الصوت ّيتني نربزه عىل مستوى الوحدات‬ ‫ّفظي بني «الجليد ‪ /‬الجلمد» لك َّن االختالف بني الوحدتني ّ‬ ‫يربز التّجانس الل ّ‬ ‫الصوتيّة يف الجدول التايل‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫منط التّباين ال ّدال ّيل‬ ‫الصو ّ يت‬ ‫الصوت ّية املتباينة ‬ ‫التّجانس الل ّ ‬ ‫منط التّباين ّ‬ ‫ّفظي الوحدات ّ‬ ‫الجليد الجلمد ‬

‫ي ‬

‫م ‬

‫حنيك‬

‫أسناين – لثوي‬

‫الوحدة ‪ /‬سيطرة‬ ‫الجمود‬

‫يل فتقول‪:‬‬ ‫كام يربز التّجانس االسمي ‪ /‬الفع ّ‬ ‫«ومل يَ ُسد طمع فيها وال حس ٌد وال انتقا ٌم وال حق ٌد وال ثأر‪)40(».‬‬ ‫لقد استعملت الشّ اعرة التّجانسات بني االسمني «حسد ‪ /‬حقد» كذلك بني االسم والفعل «يَ ُسد ‪ /‬حسد»‪ ،‬ونربز التّباين‬ ‫الصو ّيت يف الجدول التايل‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫منط التّباين ال ّدال ّيل‬ ‫الصويتّ ‬ ‫الصوتيّة املتباينة ‬ ‫منط التّباين ّ‬ ‫ّفظي الوحدات ّ‬ ‫التّجانس الل ّ‬ ‫الحسد ‪ /‬الحقد‬ ‫لهوي ‬ ‫لثوي ‬ ‫ق ‬ ‫س ‬ ‫حسد حقد ‬ ‫سيطرة األطامع‬ ‫حلقي‬ ‫حنيك ‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫حسد ‬ ‫يسد‬ ‫يوحي التّجانس بداللة سيطرة بنية الطمع اإلنسا ّين والحسد واالنتقامات واألحقاد والثّأر يف املجتمع اإلنسا ّين‪.‬‬


‫عري عىل الشكل اآليت‪:‬‬ ‫السطر الشّ ّ‬ ‫تتكون األسجاع املتوازية من كلمتني أو ثالث كلامت يف ّ‬ ‫اليقني‬ ‫السميعا‬ ‫السناء‬ ‫العظيم‬ ‫الحياة‬ ‫الخبري‬

‫ملنيع‬ ‫البهاء‬ ‫الكريم‬ ‫النجاة‬

‫املتني‬ ‫البديع‬ ‫الرجاء‬ ‫الحليم‬ ‫السعادة‬ ‫البصري‬

‫والعمودي للضمري (أنت) (‪ 22‬مرة) باالضافة‬ ‫األفقي‬ ‫عري من مكونات أسلوبية تجمع بني التّكرار‬ ‫ّ‬ ‫كام يتشكل ال ّن ّص الشّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫البديعي (لزوم ما ال يلزم) فالتزمت بأصوات (الياء ‪ /‬النون) (املتني – املبني – املعني – املكني – األمني – اليقني)‬ ‫إىل اللّون‬ ‫ّ‬ ‫الصوفيّة‪.‬‬ ‫وتسهم الخصائص األسلوبيّة يف خلق نغم عابق بال ّنفحة ّ‬ ‫ ال ّتوازن‬‫عري‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫تتوازن األسطر الشّ عريّة وتنصهر البنية الشّ كليّة مع البنية العميقة للخطاب الشّ ّ‬ ‫ضيق الحدو ْد ‪..‬‬ ‫«كلُّنا ُموث َُق اليديْ ْن كل ُّنا ُ‬ ‫‪...‬‬ ‫كل آمالِنا ‪َ ..‬ه َد ْر‬ ‫ُّ‬ ‫كل أحال ِمنا ‪ ..‬هرا ْء‬ ‫ُّ‬ ‫‪...‬‬ ‫كل يش ٍء إىل ْ‬ ‫حي إىل فنا ْء‪)54(».‬‬ ‫ُّ‬ ‫زوال‬ ‫ُّ‬ ‫كل ٍّ‬ ‫وعمودي لل ّداللة عىل بنية العدم وال ّزوال والهالك‪ ،‬فكل يشء إىل زوال‬ ‫أفقي‬ ‫تسري البنية التّكراريّة ملفردة ّ‬ ‫ّ‬ ‫(كل) بشكل ّ‬ ‫وفناء‪.‬‬ ‫ومن أمثلة التّوازنات التي يتوازن فيها صدر البيت مع عجزه قولها‪:‬‬ ‫وال شبي ًها له يف َخلْ ِقه أح ُد‪)55(».‬‬ ‫«وال رشيكًا له يف ُملْ ِكه أب ًدا‬ ‫الصوفيّة عند الذّات الشّ اعرة‪.‬‬ ‫تتوازن البنية ّ‬ ‫التكيبيّة وال ّنحويّة لل ّداللة عىل االبتهاالت ّ‬ ‫عري‪:‬‬ ‫ً‬ ‫وأيضا تتوازن ّ‬ ‫التاكيب يف البيت الشّ ّ‬ ‫«فام الحضار ُة إالَّ من حوارضنا وال الكرام ُة إال من بوادينا‪)56(».‬‬ ‫تتوازن ال ّدوال الشّ عريّة يف شكل هنديس يتساوى فيه صدر البيت مع عجزه للتأكيد عىل حضارة العرب وأمجاده‬ ‫التّاريخية‪ ،‬وتتكثّف البؤر ال ّدالليّة يف قولها‪:‬‬ ‫دمعت عني الشي ْم‪)57(».‬‬ ‫«إن ضحكنا ضحكت س ُّن الندى أو بكينا‬ ‫ْ‬


‫وتقول أيضً ا‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫والجــاهـــل‬ ‫ْ‬ ‫املــجهول‬ ‫وتكلَّم‬ ‫مضـض‬ ‫«سكت الكري ُم به عىل‬ ‫َ‬ ‫‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫والقاتـــل‪)49(».‬‬ ‫ْ‬ ‫واملــقــتول‬ ‫القــتــل‬ ‫ُ‬ ‫وطني وما أدراك ما وطــني‬ ‫عري‪ ،‬مبشاركة أداة العطف‬ ‫يظهر التّجانس االشتقاقي من خالل التّنوع يف البنى ّ‬ ‫الصف ّية الواردة يف عجز البيت الشّ ّ‬ ‫(الواو) كام يف الجدول التايل‪:‬‬ ‫البيت‬ ‫‪01‬‬ ‫‪02‬‬

‫الصف ّية‬ ‫الصف ّية ال ّركن الثالث بنيته ّ‬ ‫الصف ّية ال ّركن الثاين بنيته ّ‬ ‫ال ّركن األول بنيته ّ‬ ‫‬‫ ‬ ‫‬‫اسم فاعل‬ ‫اسم مفعول الجاهل‬ ‫املجهول‬ ‫اسم فاعل‬ ‫اسم مفعول القاتل‬ ‫املقتول‬ ‫مصدر‬ ‫القتل ‬

‫تتن ّوع الكلامت املتجانسة بني اسم مفعول (املجهول ‪ /‬املقتول) واسم فاعل (الجاهل ‪ /‬القاتل) واملصدر (القتل) وقد‬ ‫والسامت الجامل ّية‪ ،‬فاألديب‬ ‫استخدمت الشّ اعرة هذا ال ّنوع من التّجنيس بنظام‬ ‫هنديس يبدو فيه التّناسق واالنسجام ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحق «هو من ميلك القدرة عىل ملِّ أطراف التجربة وتكثيفها والجمع بني االنغامس يف طياتها والقدرة عىل بلورتها‬ ‫ّ‬ ‫والتكيب والصورة التي تكرس حاجز األلفة والرتابة وتتحرك بحرية يف اآلفاق‪،‬‬ ‫وتجسيدها يف عمل أديب قوامه األلفاظ ّ‬ ‫وتربط فيام بينها ربطًا قوامه االنفعال واالحساس الجاميل‪)50(».‬‬ ‫السجع‬ ‫ ّ‬‫السجع برضبه املتوازي وفيه «تتفق‬ ‫السجع يف الكالم هو أن «تأتلف أواخره عىل نسق كام تؤلف القوايف‪ )51(».‬ويرد ّ‬ ‫ّ‬ ‫عري‬ ‫السجع يف الخطاب الشّ ّ‬ ‫اللّفظة األخرية من الفاصلة مع نظريتها يف الوزن وال ّروي (أو القافية)‪ )52(».‬ومن أمثلة ّ‬ ‫قصيدة «اليقني» التي تقول فيها‪:‬‬ ‫القوي املتني‬ ‫وأنت العــلـي‬ ‫«إلــهــي إلهـــي أنت اليقـيـن‬ ‫ُّ‬ ‫وأنت البــديــ ُع وأنت املبني‬ ‫وأنت السمــي ُع وأنت املـنـي ُع‬ ‫وأنت الرجا ُء وأنت املعني‬ ‫وأنت البــهـا ُء‬ ‫وأنت الســنا ُء َ‬ ‫َ‬ ‫وأنت الحـلـي ُم وأنت املكني‬ ‫وأنت الكــري ُم‬ ‫وأنت العظي ُم َ‬ ‫‪...‬‬ ‫وأنت السعاد ُة أنــت األمني‬ ‫فأنت الحيا ُة وأنت النــجــا ُة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وأنت الحقــيـق ُة أنت اليقني‪)53(».‬‬ ‫وأنت الخب ُري وأنت البص ُري‬ ‫َ‬


‫عري‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫ونجد ً‬ ‫مثال عىل النوع األ َّول من حيث توافق آخر كلمة أول كلمة من البيت الشّ ّ‬ ‫أنت الذي بالعاملني رحيم‪)64(».‬‬ ‫«فارح ْم عبادك يا إلهي كلّهم‬ ‫رب العاملني رحمة العباد‪.‬‬ ‫تختزن صيغة ال ّنداء «يا إلهي» الحميمية وطلب ال ّرحمة أل ّن من صفات ّ‬ ‫أيضا‪:‬‬ ‫وتقول ً‬ ‫وسجدْتُ للشيطانِ حني عبدت ُ ُه‪)65(».‬‬ ‫وركعت يف محرا ِب ِه‬ ‫«وعبدتُ ُه‬ ‫ُ‬ ‫تتوافق الكلمة األخرية من عجز البيت (عبدته) مع الكلمة األوىل من صدر البيت (عبدته)‪.‬‬ ‫وتقول يف بيت آخر‪:‬‬ ‫وقد وصفوه بالباب اإللهي‪)66(».‬‬ ‫باب جو ٍد‬ ‫«فبابُ َك يا إلهي ُ‬ ‫عري‪.‬‬ ‫السطر مع ّ‬ ‫يتوافق ّ‬ ‫السطر الشّ ّ‬ ‫التكيب (فبابك يا إلهي) يف أول ّ‬ ‫التكيب االسمي (الباب اإللهي) يف آخر ّ‬ ‫ومن أمثلة رد العجز عىل حشو املرصاع األ َّول‪ ،‬تقول‪:‬‬ ‫والتجارب‪)67(».‬‬ ‫دروسا يف الرويَّة‬ ‫يوم‬ ‫التجارب ّ‬ ‫«تعلِّ ُمنا‬ ‫كل ٍ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫الصدر‪.‬‬ ‫تتوافق كلمة األخرية (التجارب) يف عجز البيت بردها (التجارب) يف حشو ّ‬ ‫الصدر قولها‪:‬‬ ‫ومن أمثلة رد العجز عىل آخر الحشو يف ّ‬ ‫«كيف أميض وليس يل من دليلٍ‬ ‫الدليل‪)68(».‬‬ ‫ُ‬ ‫أنت يا إلهي‬ ‫فلتك ْن َ‬ ‫توافق الكلمة األخرية (الدليل) من البيت كلمة من ال ّن ّصف األول (دليل)‪.‬‬ ‫املصاب‪)69(».‬‬ ‫وإن متنا فقد عظُ َم‬ ‫صاب‬ ‫«إذا عشنا فيا ل ُه من ُم ٍ‬ ‫ُ‬ ‫الصدر (مصاب)‪.‬‬ ‫تتوافق الكلمة األخرية من العجز (املُصاب) مع الكلمة األخرية من ّ‬ ‫ومن أمثلة رد العجز عىل صدر املرصاع الثّاين قولها‪:‬‬ ‫«إ َّن يف ِ‬ ‫األرض موعدي ومعادي ليس يحيا بالطني غ ُري الطنيِ‪)70(».‬‬ ‫عري (الطني) بردها إىل حشو املرصاع الثاين (الطني) لل ّداللة عىل أن موعد الشّ اعرة‬ ‫تتوافق الكلمة األخرية من البيت الشّ ّ‬ ‫هو املوت وفناء الجسد‪.‬‬


‫والصوت ّية مع سمة التّقابل والتّوازن للتأكيد عىل مجد العرب وتاريخه املرشق‪.‬‬ ‫تنصهر البنية ال ّنحويّة واملعجم ّية ّ‬ ‫وأيضا‪:‬‬ ‫ً‬ ‫كل مرايئ‪)58(».‬‬ ‫والدار داري رغ َم ّ‬ ‫كل مكاب ٍر‬ ‫«فاألرض أريض رغ َم ّ‬ ‫أيضا‪:‬‬ ‫وتقول ً‬ ‫«األرض أريض والسام ُء ساميئ واملا ُء مايئ والهوا ُء هوايئ‪)59(».‬‬ ‫حب الوطن وال ّدفاع عنه عىل ال ّرغم من كل املجازر التي تحصل عىل أرضه والتمسك‬ ‫يعكس التّوازن بنية التأكيد عىل ّ‬ ‫به‪.‬‬ ‫أيضا‪:‬‬ ‫وتقول ً‬ ‫واإلخالص ميداين‪)60(».‬‬ ‫«والتّضحياتُ شعاري والعطا ُء يدي وال ّن ّص ُح قويل‬ ‫ُ‬ ‫والصدق واألخالق العاليّة وااللتزام باملثل‬ ‫يؤكد التّوازن عىل انتشار القيم اإليجابيّة ال ّنابضة بالتّضحية والعطاء والكرم ّ‬ ‫العليا‪.‬‬ ‫أيضا‪:‬‬ ‫وتقول ً‬ ‫ضعف والرصا ُع قذارة والقتل عا ٌر والدما ُر ُ‬ ‫زوال؟»(‪)61‬‬ ‫«فالحرب ٌ‬ ‫ُ‬ ‫والصاع والقتل والدمار‪.‬‬ ‫تتوازن الجمل بشكل‬ ‫هنديس لرتتيل بنية رفض الحرب ّ‬ ‫ّ‬ ‫ ال ّتصدير‬‫ّفظي املكررين أو‬ ‫الصدر عىل العجز وقد سامه ابن رشيق‬ ‫رد ّ‬ ‫صاحب العمدة بالتّصدير‪ ،‬وهو أن يكون أحد الل ّ‬ ‫ّ‬ ‫املتجانسني أو امللحقني بهام اشتقاقًا «يف آخر البيت واآلخر يف صدر املرصاع األول أو يف حشوه أو يف آخره أو يف صدر‬ ‫عري عند زهرة الحر‪.‬‬ ‫السمة األسلوبيّة يف الخطاب الشّ ّ‬ ‫املرصاع الثاين‪ )62(».‬وقد كرثت هذه ّ‬ ‫أفقي آلخر كلمة من عجز البيت «أنا» التي تتوافق مع تكريرها يف صدر‬ ‫إذ يرد تصدير الطّرفني من خالل نسق تكراري ّ‬ ‫التكيبيّة‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫البيت مرتني‪ ،‬فتتكثّف البنية اإليقاعيّة وتتضافر مع البنية ّ‬ ‫وعويل يف دجى الليل أنا‪)63(».‬‬ ‫«أنا حل ٌم أنا أشالء منى‬ ‫عري‪ ،‬وتختزن بنية األحالم وتاليش األماين والجراح‪ ،‬فالذّات الشّ اعرة تعاين‬ ‫تحسب مفردة «أنا» بؤرة مركزيّة يف البيت الشّ ّ‬ ‫العناء والشّ قاء يف الحياة‪ ،‬فتصبح األنا بني املفتاح والقفل‪ ،‬بني األحالم يف عامل الخيال والعذابات يف عامل الواقع‪.‬‬ ‫حلم ‪ /‬عامل األحالم ‪ /‬تتمنى نعيم الهناء يف الحياة‬ ‫أنا‬ ‫أشالء منى ‪ /‬انطفاء األمنيات وتالشيها‬ ‫أنا‬ ‫عويل ‪ /‬جراحات وغياب لحياة هانئة مستقرة‬


‫التديد‬ ‫ ّ‬‫هو «أن يأيت الشّ اعر بلفظة متعلّقة مبعنى ثم يرددها بعينها متعلّقة مبعنى آخر يف البيت نفسه‪ ،‬أو يف قسيم منه‪)77(».‬‬ ‫العسكري املجاورة وهي عنده «تردد لفظتني يف البيت ووقوع كل واحدة منهام بجنب األخرى أو قري ًبا‬ ‫ويسميه أبو هالل‬ ‫ّ‬ ‫منها من غري أن تكون إحداهام لغ ًوا ال يحتاج إليها‪)78(».‬‬ ‫والتديد ف ّن من فنون البديع قوامها التّكرار واإلعادة‪ ،‬يؤلّف مظه ًرا من مظاهر املوسيقى فتنصهر ال ّداللة باإليقاع ومتت ّد‬ ‫ّ‬ ‫التديد يف شعر زهرة الحر قولها‪:‬‬ ‫تدريجيًّا يف نسق أسلو ّيب يحقّق االنسجام الخطا ّيب بني ال ّدوال املرددة‪ ،‬ومن أمثلة ّ‬ ‫«رب هبها يل وهبني إليها وليكن يف الهبات عيش رغيد‬ ‫ّ‬ ‫وأعطني نعمة الحياة و َه ْبني راحة النفس فالحياة رصي ُد‪)79(».‬‬ ‫ترتدد كلمة (هبها ‪ /‬أمر) و (هبني ‪ /‬أمر – مكرورة يف البيت األول والثاين) يف صدر البيت وترد كلمة (الهبات ‪ /‬اسم‬ ‫التديد تأثري وجامل وفائدة تع ّزز داللة طلب ال ّنعم من الله وراحة ال ّنفس فالذّات الشّ اعرة تهوى‬ ‫يف عجز البيت ولهذا ّ‬ ‫الحياة‪.‬‬ ‫عري‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫وترتدد ال ّدوال الشّ عريّة يف جسد الخطاب الشّ ّ‬ ‫مــا فـــي بــنــيه ٌ‬ ‫عاقل‬ ‫مدرك ْ‬ ‫القــاتـــل‬ ‫ْ‬ ‫القتيل وشع ُب ُه‬ ‫ُ‬ ‫«وطني‬ ‫‪...‬‬ ‫والكذب أضحى َ‬ ‫ُ‬ ‫والقائل‬ ‫ْ‬ ‫القول‬ ‫والصدق فيه َ‬ ‫اغتيل من زمــنٍ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫والجــاهـــل‬ ‫ْ‬ ‫املــجهول‬ ‫وتكلَّم‬ ‫مضـض‬ ‫سكت الكري ُم به عىل‬ ‫َ‬ ‫‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫والقاتل‪)80(».‬‬ ‫ْ‬ ‫واملــقــتول‬ ‫القــتــل‬ ‫ُ‬ ‫وطني وما أدراك ما وطــني‬ ‫عري عىل صورة تتوزع فيها لفظة (القتيل – القاتل ‪ /‬القتل – املقتول – القاتل) وترتبط‬ ‫يُبنى ّ‬ ‫التديد يف ال ّن ّص الشّ ّ‬ ‫الوطني‪ ،‬فأبناء‬ ‫فضل عن التّوافق املوسيقي إال أنها تؤكد عىل البعد‬ ‫بالتديدات (القول – القائل ‪ /‬املجهول – الجاهل) ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصدق وسيطر الكذب‪ ،‬وساد القتل‪.‬‬ ‫الوطن ال يدركون ما يحصل عىل أرضه‪ ،‬واغتيل ّ‬ ‫وأيضا تقول‪:‬‬ ‫ً‬ ‫رب ر ٌ‬ ‫واهب الرزق وخري الرازقني‪)81(».‬‬ ‫ازق ذو قدر ٍة‬ ‫«أنت ٌّ‬ ‫ترت ّدد يف صدر البيت (رازق) ويف عجزه (الرزق ‪ /‬الرازقني) لتؤكّد قدرة رب العاملني عىل الخري والرزق‪.‬‬ ‫وتقول يف بيت شعري‪:‬‬ ‫«يا م ْن َعال وت َعاىل فوق كل ُعىل ومل يشأْ أن يُتساوى َخلْق ُه فَ َعال‪)82(».‬‬ ‫يرت ّدد الفعل (عال ‪ /‬تعاىل) يف مقابل االسم ( ُعىل) لل ّداللة عىل االقرار بربوبية املنزهة واالختالف بني منزلة الخالق ومنزلة‬ ‫العبد‪.‬‬


‫ ال ّترصيع‬‫هو ما كان عروض البيت «تابعة لرضبه ويعود سبب التّرصيع إىل اإلعالم أن الكالم يتعلّق بالشّ عر (الكالم املوزون) غري‬ ‫النرث‪ )71(».‬وللتّرصيع وظيفة إيقاع ّية وأخرى جامل ّية متيز القصيدة العرب ّية‪ ،‬ومل تغفل الشّ اعرة زهرة الحر هذه الوسيلة‬ ‫اإليقاعيّة‪ ،‬ومن أمثلة القصائد املرصعة املطلع التي تقول فيها‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫رب إنَّ َك فوق ِ‬ ‫الساموات واألرضني معبو ُد‪)72(».‬‬ ‫العرش موجو ُد ويف‬ ‫«يا ُّ‬ ‫الصويتّ بني صوت ال ّدال (موجود ‪ /‬معبود)‪ ،‬ولهذا التّرصيع وقع ملا يشتمل عليه من‬ ‫يظهر التّرصيع من خالل التآلف ّ‬ ‫مامثلة صوت ّية تع ّزز توزيع ال ّداللة يف البيت‪ ،‬والتأكيد عىل عبادة الخالق‪.‬‬ ‫أيضا‪:‬‬ ‫وتقول ً‬ ‫ِ‬ ‫العرب من هذي النع ْم‪)73(».‬‬ ‫للمجد تحدوها الهم ْم أين ح ُّظ‬ ‫«أم ٌم‬ ‫ِ‬ ‫الصويتّ (أمم ‪ /‬الهمم ‪/‬‬ ‫يتجىل التّرصيع من خالل فونيم امليم (الهمم ‪ /‬النعم) كام يظهر ّ‬ ‫التصيع من خالل االمتداد ّ‬ ‫النعم) لل ّداللة عىل تاريخ األمة العابق باألمجاد‪.‬‬ ‫ لزوم ما ال يلزم‬‫البديعي قصيدة‬ ‫وهو «مجيء قبل حرف ال ّروي وما معناه من الفاصلة ما ليس يالزم‪ )74(».‬ومن أمثلة هذا اللّون‬ ‫ّ‬ ‫«القناعة» التي تقول فيها‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫الخـــيــال ا َّيل مـــ َّد َجــ َناح‬ ‫ـــل‬ ‫َحــ َم َ‬ ‫فــلــربا‬ ‫الجناح فر ِاشتي‬ ‫«م ّدي‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫وتــنــهــضــ ُه يـــ ُد األصبا ِح‬ ‫ــســ ٌم‬ ‫ُ‬ ‫ريان من قُــبــلِ الشــعــاع يـقلُّه نَ َ‬ ‫َ‬ ‫ومـــال عىل الشَ ـــذَا الفوا ِح‬ ‫ِد َعـــ ًة‬ ‫ندي الزه ِر ح ّط رحــالَــ ُه‬ ‫وعىل ٍّ‬ ‫الحب الرصاح ونشو ِة األمل املتاح ويف الصبَّا املمرا ِح‪)75(».‬‬ ‫يف غمر ِة ّ‬ ‫عري االلتزام بثالثة حروف‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫وقد التزمت الشّ اعرة هنا بحرف الحاء وقبلها األلف‪ ،‬ويأيت يف الخطاب الشّ ّ‬ ‫ومل أج ْد يف طريقي من يحاربُني‬ ‫واألرض تـرهبُني‬ ‫رب ثائر ٌة‬ ‫ُ‬ ‫«يا ّ‬ ‫فال يـحــ ّرك كــفــ ْي ِه ويـرضبني‬ ‫أم ُّر بالجــبلِ ال َعــايل واضـــربُ ُه‬ ‫ُ‬ ‫وال أرى تــحــتـها حيًّا يجاوبني‬ ‫األرض طغيانًا واشتمها‬ ‫واخرق َ‬ ‫صـميم ِ‬ ‫النفس تت ِعب ُني‬ ‫لثور ِة يف‬ ‫واألرض مـنــطَل ٌَـق‬ ‫رب ثائر ٌة‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫يا ّ‬ ‫م ّني ويف أضلع بالنــا ِر تلهبني‬ ‫كل جارحـ ِة‬ ‫أحسها يف دمي يف ّ‬ ‫في ِه وال ه َو يغريني ويعج ُبني‪)76(».‬‬ ‫كل وجو ٍد ليس يل ِصلَ ٌة‬ ‫كرهت ّ‬ ‫ُ‬ ‫تلتزم الشّ اعرة بثالثة حروف وهي حرف الباء والنون والياء ما يسهم يف خلق دفق ايقاعي يرسم جاملية القصيدة‬ ‫العربية‪.‬‬


‫تتخذ التّكراريّة يف البيتني الشّ عريّني موض ًعا أفق ّيا يتجىل يف تكرار كلمة (عهد) ثالث مرات يف البيت األول وتكرير كلمة‬ ‫إيقاعي ارتبط بداللة تذكر األيام املاضية التي تعصف بجوارح الذّات الشّ اعرة‬ ‫(أذكره) ثالث مرات ما أسهم يف خلق جو‬ ‫ّ‬ ‫والسعيدة‪.‬‬ ‫حيث كانت الحياة الهائنة ّ‬ ‫أيضا‪:‬‬ ‫وتقول ً‬ ‫وحب البقاء‪)90(».‬‬ ‫حب الحياة‬ ‫وحب العطاء ّ‬ ‫ّ‬ ‫«فإين أح ّبك ّ‬

‫وحب الكرم والبذل ورفض املوت‪.‬‬ ‫وحب الحياة ّ‬ ‫حب الخالق ّ‬ ‫الحب ليشمل ّ‬ ‫أفقي ينرش امتداد ّ‬ ‫تتك ّرر كلمة ّ‬ ‫الحب بشكل ّ‬ ‫الضمري املتكلّم بصيغة املفرد يف قولها‪:‬‬ ‫ومن أمثلة التّكرار‬ ‫األفقي‪ ،‬تكرار ّ‬ ‫ّ‬ ‫ثقل‪)91(».‬‬ ‫فأنا ما يل بهذي األرض ُ‬ ‫لست أدري من أنا‬ ‫«من أنا؟ ُ‬ ‫والضياع يف الوجود‪.‬‬ ‫يرتبط التّكرار‬ ‫األفقي (أنا) ثالث مرات يف اظهار دالالت الحرية ّ‬ ‫ّ‬ ‫وعمودي‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫أفقي‬ ‫كام يتكرر ّ‬ ‫ّ‬ ‫الضمري املخاطب بصيغة املفرد بشكل ّ‬

‫ِ‬ ‫األنـس والجانِ‬ ‫ورب‬ ‫َ‬ ‫«أنت الحقيقة‪ ،‬أنت الخـــالـــق الباين‬ ‫وأنت ريب‪ُّ .‬‬ ‫وضعت ثقليهام يف ِ‬ ‫كـف ميــزان‬ ‫أنت وقـد‬ ‫َ‬ ‫رب السامء ورب األرض َ‬ ‫ُّ‬ ‫ورب العـامل الثـاين‬ ‫َ‬ ‫ربُ الكائــــنــات ومـا يف الكائنات ُّ‬ ‫وأنت بالحق ّ‬ ‫عـقل انــســـان‬ ‫وليس يرقى إليه ُ‬ ‫ربُ املدى املجهول واقعــه‬ ‫َ‬ ‫وأنت ّ‬ ‫فالفرقدان أمام العرش‪ ،‬عــبـدان‬ ‫وربُ الليل أنت همــا‬ ‫ُّ‬ ‫رب النهار ّ‬ ‫بني الحياة وبني املوت من شانِ‬ ‫ورب املوت أنت وما‬ ‫ّ‬ ‫ربُ الحياة ُّ‬ ‫حي بهذا العامل الفاين‪)92(».‬‬ ‫يفنى الوجود وتبقى واح ًدا أحـــ ًدا‬ ‫وأنت ّ‬

‫الضمري (أنت) مبعدل تسع مرات للتأكيد عىل‬ ‫(رب) ‪ 11‬مرة مع تكرير ّ‬ ‫يتوزع التّكرار يف ال ّن ّص الشّ ّ‬ ‫عري بني تكرير مفردة ُّ‬ ‫رب كل يشء يف الوجود‪ ،‬وهو القادر عىل فناء كل األشياء‪ ،‬والبقاء لله وحده‪،‬‬ ‫رب العاملني هو الذي خلق الكون وهو ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫ويربز هذا النوع التّكراري يف قصيدة أخرى‪ ،‬فتقول‪:‬‬

‫رب السامء واألرض والكـون‬ ‫«أنت ُّ‬ ‫ربُ املالئكة والحور والولـدان‬ ‫أنت ّ‬ ‫ربُ االنسان والحيوان والطيـر‬ ‫أنت ّ‬ ‫ورب الفــيــايف‬ ‫أنــت ّ‬ ‫ربُ الثــرى ُّ‬ ‫ربُ اآلبــــاء واألمـــهـــات‬ ‫أنـــت ّ‬ ‫أنت يا رب كل يشء عىل األرض‬

‫أنــت املــهــم ُني املعبو ُد‬ ‫َ‬ ‫لــــديــــك عـــبــي ُد‬ ‫كــــل‬ ‫ٌّ‬ ‫َ‬ ‫مـــنـــك جــنــود‬ ‫والكـــل‬ ‫ُّ‬ ‫والتــّـراب الذي إليه نعو ُد‬ ‫أنت والـــ ٌد وال مولو ُد‬ ‫وال َ‬ ‫أنت الوحي ُد‪)93(».‬‬ ‫وفوق السام ِء َ‬


‫عري‬ ‫ ألوان البنية ال ّتكراريّة يف الخطاب الشّ ّ‬‫عري كام يُحسب «نقطة مركزية يف القصيدة التي‬ ‫يُع ُّد التّكرار ظاهرة أسلوب ّية له حضوره الفعال يف الخطاب الشّ ّ‬

‫عري‬ ‫تحتويه‪ ،‬تربط كثري من ال ّدالالت واألفكار به عرب الخيوط التّعبرييّة املختلفة‪ )83(».‬ويتجىل التّكرار يف الخطاب الشّ ّ‬ ‫عند زهرة الحر بألوان مختلفة وأمناط متنوعة‪.‬‬ ‫ تكرار األصوات‬‫الصويتّ يف قولها‪:‬‬ ‫عري‪ ،‬وقد ظهر التّكرار ّ‬ ‫إن تكرار ّ‬ ‫الصوت له موقعه الخاص يف الخطاب الشّ ّ‬ ‫ورازقًا غري مرزوقٍ ل ُه ُ‬ ‫الرزق‪)84(».‬‬ ‫«يا خالقًا غري مخلوقٍ له ال َخل ُْق‬ ‫الصوت املجهور‬ ‫الصوت املهموس (القاف) مبعدل ست مرات‪ ،‬وهو من األصوات االنفجاريّة يف مقابل تكرار ّ‬ ‫يتك ّرر ّ‬

‫الصوت املجهور يتناسب مع‬ ‫(الراء) مبعدل خمس مرات وهو «صوت مك ّرر»(‪َّ )85‬‬ ‫الصوت املهموس عىل ّ‬ ‫ولعل ارتفاع ّ‬ ‫الصوفيّة عند الشّ اعرة‪.‬‬ ‫ال ّنفحة ّ‬ ‫عري‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫وللصوت املهموس ترديدات يف الخطاب الشّ ّ‬ ‫وقتيل‬ ‫قاتل ُ‬ ‫كان يف األرض ُ‬ ‫وقـــيـــل‬ ‫ُ‬ ‫«منذ كــنـا وكــان قـــال‬ ‫‪...‬‬ ‫قاتل مقتوال‪)86(».‬‬ ‫سمعت العويال صار قابيل ً‬ ‫يا صدى األرض هل‬ ‫َ‬ ‫عري لل ّداللة عىل التّطاحن بني أبناء البرش‪.‬‬ ‫تتكثّف البؤرة ال ّدالل ّية لرتديد فونيم (القاف) يف ال ّن ّص الشّ ّ‬ ‫عري‪:‬‬ ‫ويتك ّرر صوت القاف يف البيت الشّ ّ‬ ‫وكرهت الدماء واألشال َء‪)87(».‬‬ ‫ملــلـت القــتـــال والقتل فوقي‬ ‫«قد‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وأيضا‪:‬‬ ‫ً‬ ‫القلوب بحقدهـم والحق ُد صفق ُة خارس ُ‬ ‫ووبال‪)88(».‬‬ ‫«قتلوا املح ّب َة يف‬ ‫ِ‬

‫الصوت املجهور (الباء) لنفي قيم املح ّبة من قلوب البرش وسيادة‬ ‫الصوت املهموس (القاف) خمس مرات يف مقابل ّ‬ ‫يرتدد ّ‬ ‫للصاخ يف وجه‬ ‫الحقد‪ ،‬وما ارتفاع هذا ّ‬ ‫عري إال لتعبري الذّات الشّ اعرة عن حاجتها ّ‬ ‫الصوت املهموس يف رشايني الخطاب الشّ ّ‬ ‫التقاتل بني أبناء البرش بعدما امتألت قلوبهم باألحقاد‪.‬‬ ‫ تكرار الكلمة‬‫الصوتيّة فاعلية يف‬ ‫أفقي‬ ‫وعمودي ولهذه الظّاهرة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ظهرت يف الخطاب الشّ ّ‬ ‫عري االكثار من ظاهرة تكرار الكلامت بشكل ّ‬

‫األفقي قول الشّ اعرة‪:‬‬ ‫مزج اإليقاع بال ّداللة‪ ،‬ومن أمثلة التّكرار‬ ‫ّ‬ ‫عهدَ الهنا عهدَ الهوى ِ‬ ‫«أح ّبابَنا ق ْد كان عهدكُم‬ ‫الرغد‬

‫زلت أذك ُر ُه واذك ُرهُ‬ ‫ما ُ‬

‫وأظــــل أذكـــــ ُرهُ إىل األبد‪)89(».‬‬ ‫ُّ‬


‫ونربز نسق التّكرار الهنديس‪:‬‬ ‫قتل شقي ِق ِه‬ ‫َ‬ ‫َم ْن عل َ​َّم االنسا َن‬ ‫أكل رفي ِق ِه‬ ‫َم ْن عل َ​َّم الحيوان َ‬ ‫َم ْن عل َ​َّم األطيا َر صي َد ضعا ِفها‬ ‫والسيطرة لإلضاءة عىل‬ ‫يختزن ال ّنسق التّكراري للتساؤالت بنية القتل والنهم والرش والطمع والضعف والطغيان والهيمنة ّ‬ ‫فكرة الخلل الذي يتأصل يف الحياة البرشيّة‪.‬‬ ‫ ال ّتكرار االستهال ّيل‬‫كل بيت من مجموعة أبيات متتالية‪ ،‬ووظيفة هذا التّكرار «التأكيد واثارة‬ ‫هو تكرار كلمة واحدة أو عبارة يف أ ّول ّ‬ ‫عري‪ )97(».‬ومن أمثلة التّكرار االستهال ّيل‬ ‫السامع للموقف‬ ‫الجدي‪ ،‬ملشاركة الشّ اعر إحساسه ونبضه الشّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫التّوقع لدى ّ‬ ‫قصيدة (ظالل األمس)‪:‬‬ ‫األمس عن ِ‬ ‫«حدّ ثيني يا ظالل ِ‬ ‫النفس بالعود ِة لو يـــجدي التم ِني‬ ‫قد أُم ِّني‬ ‫أمس وع ّني‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّـــحف املرنِ‬ ‫أنـــ ًة خـــافـــتــ ًة يف آخر الل‬ ‫واحرص أن تنقُذي ما أبقَت األشجا ُن مني‬ ‫يـــدي مـــن أما َّين األثر‬ ‫وص َو ْر لـــم أجـــ ْد بــيـــن‬ ‫كلَّــمــا مـــ َّرت بــنـــفيس ذكرياتٌ َ‬ ‫َّ‬ ‫حطِّمي إ ْن ِ‬ ‫ِ‬ ‫األمـــس ألحانًا غر ْر‬ ‫شئت قيثاري وال تبقي الوتــــ ْر واســـمعيني من نشيد‬ ‫حدّ يثني عـــ ْن بـــالدي عـــن مق ِّر األنبيا ْء عن طن ِني الوحى يدوي بني ٍ‬ ‫والسامء‬ ‫أرض َّ‬ ‫ِّـــيـــب يف لبنان للداء دواء‬ ‫فـــبـــالدي جــــنــــ ُة الخلد ومه ُد الشّ عرا ْء وال َّنـــدى والط‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫تحت ال ّدوايل‬ ‫بــساط‬ ‫حدّ يثني عـــن لــيالينا الجميالت الخوايل عن‬ ‫ِ‬ ‫العشب إذ يجم ُعنا َ‬ ‫عن ربـــو ٍع فـــ َّج َرتْ فـيها ينابي ُع الجامل ومغانٍ لــــم ْ‬ ‫تزل يف خاطري مجىل خيايل‬ ‫ِ‬ ‫الحي إ ْذ مير ْح َن يف ضو ِء القــمـ ْر‬ ‫حدّ يثني عن‬ ‫أحاديث العذارى يف الســم ْر عن بنات ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هــــازئـــات بالقد ْر عـــابثات ال يــعـــانـــيــــن همو ًما أو ضج ْر‬ ‫باســمــات لألمـــاين‬ ‫الحب أحىل ما يكون عـــن جـــنـــون مــــا عرفنا أنه كان جنون‬ ‫حدّ يثني عن حديث ّ‬ ‫كل ما فينا اضطراب وظنون يف ظنونٍ‬ ‫وقلوب يف عيون‬ ‫قــلوب‬ ‫ وعـــيـــو ٌن فـــي‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫جـــنـــبي قــل ًبا مل يَ ْ‬ ‫ذق قط الهناء‬ ‫إ َّن فـــي‬ ‫حدّ يثني وامألي سمعي عن املايش غناء‬ ‫َّ‬ ‫فاسمــعينا نـــغــــمة الخلد وألحا َن السامء‪)98(».‬‬ ‫قد ملل َنا َويْك يا دنيا تالحــني الشـــقـــاء‬


‫وأفقي‪ ،‬فتقول‪:‬‬ ‫ويتك ّرر ضمري الرفع املتح ّرك بصيغة الجمع بشكل متعامد‬ ‫ّ‬ ‫قلب واح ٌد خـــافق يف كل أحشاء ود ْم‬ ‫«نحن يف لبنان ٌ‬ ‫نحن عز ٌم وثبات وحجى وانتفاضات أسود يف األجم‬ ‫وحب ووفــا نحن أخالق وخري وكـــرم‪)94(».‬‬ ‫نحن إميا ٌن ّ‬

‫الصو ّيت‬ ‫التاكم ّ‬ ‫إن امتزاج الظّاهرة التّكراريّة يف القصيدة أكسب الخطاب فاعليّة من خالل تفاعل ّ‬ ‫كيبي والتّوازن ّ‬ ‫الت ّ‬ ‫والحب والوفاء‬ ‫الوطني وعىل أخالق اللبنانيني وقيمهم ال ّنابضة بالخري والكرم‬ ‫الحس‬ ‫يف البيت األخري وذلك للتأكيد عىل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والصدق‪ ،‬ينتفضون يف وجه الظّلم كاألسود‪ ،‬يدافعون عن الوطن بعزم وثبات‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويف قصيدة «رثاء جامل عبد النارص» تقول‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫طــويل يوم ال نستطيع إالَّ الــبــكا ُء‬ ‫ً‬ ‫جمـــال‬ ‫نـبكيك يا‬ ‫«سوف‬ ‫ٌ‬ ‫حالك ال يرو َن فيه الضــيا ُء‬ ‫لــيـــل‬ ‫ٌ‬ ‫يوم يأتــي عىل العروبـــ ِة‬ ‫يوم تــزدا ُد وطـــأ ُة الشــ ِّر شـــ ًرا ونرى الخ َري مدب ًرا مــسـتا َء‬ ‫ِ‬ ‫تغذي األوطــا َر واألهـــوا َء‬ ‫والحقد‬ ‫النفوس بالسو ِء‬ ‫يوم تغيل‬ ‫ُ‬ ‫الشـــقــيـــق أخاه ويرى االبــ ُن يف أبيه العدا َء‬ ‫يوم يُردي األخ‬ ‫ُ‬ ‫فالحب ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫يخـفــف البـغضا َء‬ ‫أجوف ال‬ ‫قول‬ ‫القــلـــوب‬ ‫يوم تقسو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫فال يــفــقــهــو َن إالَّ الجفا َء‬ ‫يوم يعــمـــي الجفا ُء أفئد َة الناس‬ ‫يـحب إال الدما َء‬ ‫يوم يغدو االنسا ُن‬ ‫ِ‬ ‫كالذئب و ْحشً ا ضــاريًا ال ّ‬ ‫يوم تطغى الحكا ُم فالحك ُم لألقوى ولو كـــان كـــاذبــ ًـا مـشَّ ا َء‬ ‫يزرعون الشـــقا َء يف كل ٍ‬ ‫أرض ث َّم ال يحصدو َن إال الشقا َء‪)95(».‬‬

‫إيقاعي‬ ‫ترتبط البنية التّكراريّة الزمنية (يوم) تسع مرات بسلسلة من األفعال بصيغة الحارض التي تسهم يف خلق جو‬ ‫ّ‬ ‫والسلب والقتل‪ ،‬فقست القلوب‬ ‫يتناسب مع دالالت الواقع ال ّراهن‪ ،‬حيث تضاءلت قيم الخري واملح ّبة وسيطرت قيم ّ‬ ‫الش ّ‬ ‫فسا َد الجفاء‪ ،‬وغدا كالذّئب املتوحش‪ ،‬وسيطر الشّ قاء يف أرض البرشيّة‬ ‫وغذّتها البغضاء وابتعد االنسان عن أخيه الناس َ‬ ‫جمعاء‪.‬‬ ‫أفقي وتتوازن بشكل جز ّيئ ويظهر التّشاكل اإلنسا ّين‪/‬‬ ‫والصوتيّة ّ‬ ‫وتتكرر البنية املعجميّة ّ‬ ‫والتكيبيّة وال ّنحويّة بشكل ّ‬ ‫الحيوا ّين يف قولها‪:‬‬ ‫حرصا عىل اليشء الخسيس الفاين‬ ‫قــتــل شـقي ِق ِه‬ ‫َ‬ ‫«من علَّ َم االنسا َن‬ ‫ً‬ ‫شـــ َر ًها لــيـــشـــب َع ن ْه ُم ُه الحيواين‬ ‫أكــــل رفيـ ِق ِه‬ ‫َ‬ ‫م ْن علَّ َم الحيوان‬ ‫حتَّى تـــمـــا َدى البـــا ُز يف الطغيانِ ‪)96(».‬‬ ‫َم ْن علَّ َم األطيا َر صي َد ضعا ِفها‬


‫‪-‬‬

‫خامتة‬

‫محسنات معنوية وأخرى لفظية كام‬ ‫لقد عمدت الشّ اعرة زهرة الح ّر إىل توظيف فنون البديع ورضوبه املتنوعة من ّ‬ ‫عري‪.‬‬ ‫استثمرت تقنية التّكرار وبأمناط متعددة وتفاعلت البنية البديعية والتّكراريّة مع البنية ال ّدالل ّية يف الخطاب الشّ ّ‬

‫لقد أفرطت من استخدام التّضاد والتّقابالت التي شكلت املحور االسايس انسجمت مع التّقابالت ال ّدالل ّية ورسمت‬ ‫صورة الذّات الشّ اعرة ومواقفها من الحياة والكون والوجود‪ ،‬وأظهرت املفارقات بني األنا‪ /‬االنسان واألنت‪ /‬الخالق كام‬ ‫نفت البنية التّضاديّة وجود ال ّنعيم الحيا ّيت وسيطرت زمن ّية الغلبة للقوة كام أوحت إىل دعوة اعتناق املح ّبة واالبتعاد عن‬ ‫البرشي منذ الخليقة‪.‬‬ ‫املتأصلة يف البنيان‬ ‫األحقاد ونبذ العصبيات ورفض الحرب والتّقاتل ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصوفيّة وعبادة الخالق‬ ‫اختزنت بنية ال ّدوال املتجانسة واملسجعة واملتوازنة أنغام إيقاعيّة عزفت تالحني ال ّنفحات ّ‬ ‫الواحد األحد ووسمته بال ّرزق والجود والكرم والقدرة واألبعاد الوطن ّية ومتزيق أبناء بنريان الفنت واألحقاد وسيادة القتل‪.‬‬

‫وكان للتّكرار يف شعر زهرة الحر سمة أسلوبية بارزة تحقّقت من خالل مزج اإليقاع بال ّداللة وايحاءات الصور املكررة‬ ‫تح ّولت أحيانًا إىل مفتاح لفهم القصيدة‪ ،‬وكان للبينة التّكراريّة بألوانها وبأمناطها املتع ّددة تفاعل يف سياقات دالليّة‪،‬‬ ‫للصاخ يف وجه‬ ‫عكست ارتفاع ترديدات األصوات املهموسة عىل األصوات املجهورة للتّعبري عن حاجة الذّات الشّ اعرة ّ‬ ‫الصوتيّة التّكراريّة للفونيامت‬ ‫التّقاتل والتّنابذ بعدما امتألت قلوب البرش بالحقد والطّمع والشّ جع‪ .‬وتآزرت البنى ّ‬ ‫السعيد والحارض املنهزم‪ ،‬فاملايض مايض الذّكريات الجميلة‪ ،‬مايض‬ ‫والكلامت والعبارات لرسم صورة تناقض ّية بني املايض ّ‬ ‫والسلب وقسوة القلوب والكذب‬ ‫األمة املجيد واملطرز بالبطوالت‪ ،‬مايض الع ّزة واإلباء‪ ،‬أما الحارض فسيطرت فيه بنى ّ‬ ‫الش ّ‬ ‫والوطني‪.‬‬ ‫االجتامعي واإلنسا ّين‬ ‫الضمري واألخالق والقيم اإليجاب ّية والخلل الذي أصاب البنيان‬ ‫وغياب ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقد استطاعت الشّ اعرة أن تجمع من الظّواهر األسلوب ّية يف خطابها ما يؤكد قدرتها عىل نسج األلوان البديع ّية‬ ‫شعري عسكت اللفتات الجامليّة واملحاور ال ّدالليّة لرسم صورة االنسان ومواقفه من قضايا العرص‬ ‫والتّكراريّة يف نسيج‬ ‫ّ‬ ‫واملجتمع وال ّدين واإلنسان‪.‬‬ ‫‪ -‬هوامش البحث‬

‫(*) دكتورة يف الجامعة اللبنانية – كُل َّية اآلداب والعلوم اإلنسان ّية – الفرع الخامس‬ ‫(**) زهرة ال ُحر‪ :‬شاعرة من شعراء جبل عامل‪ ،‬ولدت يف صور جنويب لبنان سنة ‪ ،1917‬وترعرعت وسط عائلة أنجبت‬ ‫علامء وفقهاء وأدباء وشعراء‪ ،‬أنشدت الشّ عر واعتلت به منابر الخطابة وصدور املجالت األدبيّة األشهر يف لبنان (العرفان)‬ ‫ويف العامل العريب (الرسالة)‪ .‬ذاع صيتها كشاعرة جبل عامل وكرائدة من رواد تحرر املرأة العربية وتقدمها‪ ..‬وكعضو مؤسس‬ ‫ونشيط يف الجمعيات النسائية واملجالس الثقافية والرصوح الرتبوية يف الجنوب اللبناين‪ ..‬انتخبت كأ ٍّم مثالية وقُلَّدت‬ ‫جل جالله (شعر مع السرية الذّاتية)‪.‬‬ ‫أوسمة‪ .‬آثارها األدب ّية‪ :‬قصائد منسية (شعر) سنة ‪ - 1970‬رياح الخريف (شعر) – ّ‬


‫عري يف حركة تناسق ّية هندس ّية لها دورها ال ّدال ّيل‬ ‫السطر الشّ ّ‬ ‫تضغط الشّ اعرة عىل تكرير (ح ّديثني) ست مرات يف بداية ّ‬ ‫عري وتشحنه من خالل تأكيد املفارقة ال ّدالليّة بني املايض الجميل والحارض املأساوي‪ ،‬كام تتشكّل البنية‬ ‫يف ال ّن ّص الشّ ّ‬ ‫ِ‬ ‫واألنت املخاطبة‪ /‬ال ّدنيا‪ ،‬فالذّات تضع ال ّدنيا يف صورة تشخيص ّية تطلب إليها أن تعود‬ ‫التّكراريّة من األنا‪ /‬الذّات الشّ اعرة‬ ‫إىل املايض وتنبش منه صور وذكريات وألحان تزداد فاعليتها ال ّدالليّة من كل تكرير للتّعبري عن جامل لبنان ولياليه ما‬ ‫يضع املحور لبنان بني األمس واليوم‪ ،‬فاألمس جميل يخلو من الهموم واألرق حيث كانت البالد مهد الشّ عراء ومقر األنبياء‬ ‫ويسوده األمن واألمان واليوم حارض تعيس ميلؤه االضطراب والشقاء واالشجان التي تأكل بواطن النفس البرشية ‪.‬‬ ‫ ال ّتكرار الدائري‬‫وهو لون من ألوان التّكرار‪ ،‬إذ يقوم الشّ اعر بتكرار كلمة تحمل عنوان القصيدة‪ ،‬وتشكل حركة دائريّة‪ ،‬لها متيزها‬ ‫وتفردها‪« ،‬بحيث يؤدي تكرارها يف بداية كل مقطع من مقاطع القصيدة وتكون غايته إظهار داللة الكلمة املفتاح أل ّن‬ ‫الكلمة املفتاح تعمل عىل تنظيم ال ّنسق بتامزجها بفاعلية التّعبري وتآزرها مع حركية التّصوير ثم تشابكها بفكر القصيدة‪،‬‬ ‫بحسبانها ركيزة تشكيلها وجوهر قولها‪ )99(»..‬ويهدف من ورائها إىل توجيه القصيدة لتأكيد موقف ما‪ .‬وللتّمثيل عىل‬ ‫هذا النوع التّكراري الدائري نأخذ قصيدة «عودة»‪:‬‬ ‫«غ ًدا يعــود فــال يأس يخــامـــرين وال دمــــو ٌع وال هــــــــــ ٌّم وال ُ‬ ‫أرق‬ ‫واأللق‬ ‫قلب املـــرو ِج وعــا َد النور‬ ‫الصـــبــاح إىل‬ ‫غ ًدا ي ُعو ُد كام عــا َد‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫غ ًدا يــعـــو ُد كام عــــادتْ زنــابقُنا مع الـــربيــــعِ وعا َد الورد والحبّ ُق‬ ‫قـــلــق‬ ‫غ ًدا يــعــو ُد إلـــى قــلــبـــي فيمأله ح ّبا كأن مل يك ْن بُـــعـــ ٌد وال‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫بســــاط بــــه من عطر ِه عبَ ُق‬ ‫الفـــيض اســحبّــ ُه عىل‬ ‫سأرتدي ثو َيب‬ ‫َّ‬ ‫األفق‬ ‫الدرب أزها ًرا مـــضــ َّوعة وأنـــثُـ ُر‬ ‫وأفرش‬ ‫ُ‬ ‫الطيب حتى ينتيش ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يسبح الشف َُق‬ ‫غ ًدا يعو ُد ووجهي‬ ‫ِ‬ ‫بالشحوب ط َوى زه ًوا ويف ماء عيني ُ‬ ‫ـــق‪)100(».‬‬ ‫فقد يالقي ً‬ ‫غ ًدا إذَا جاء يا يو َم اللـــقـــا ِء غــ ٌد‬ ‫خيال ما بـــ ِه ر َم ُ‬ ‫الصف ّية للفعل (عاد‪ /‬يعود) ومعناه (جاء) مسبوق بالفاصل‬ ‫يتهندس تشكيل التّكرير ال ّدائري انطالقًا من ترديد البنية ّ‬ ‫مني (غ ًدا) املشحون بزمنيّة املستقبل ويأتلف مع العنوان (عودة‪ /‬االسم) بدفقات إيقاعيّة تتشكّل من ضمريين‬ ‫ال ّز ّ‬ ‫الصاع القائم بني الذّات‪ /‬ال ّزمن‪ ،‬وتتنامى دائرة التّكرار ومتت ّد طاقة‬ ‫الضمري (أنا) ّ‬ ‫متناوبني هام ّ‬ ‫والضمري (هو) لإلشارة إىل ّ‬ ‫عري لتعكس داللة املايض الذي يعبق بال ّدوال «الصباح – ال ّنور – األلق – زنابقنا – حبّا»‬ ‫الكلمة املفتاح يف جسد ال ّن ّص الشّ ّ‬ ‫الحب بني األنا‪ /‬الذّات والهو‪ /‬ال ّرجل‪ ،‬يبددها حارض الذّات الشّ اعرة املشحون بتذكّر عودة أمل‬ ‫إنّها العاطفة املسرتجعة أليام ّ‬ ‫الذكريات ووجعها وقلقها‪ ،‬إال أ َّن استبدال الفعل (عاد) بالفعل (جاء) يف املقطع األخري يوحي بغياب اليأس والهم والبُعد‬ ‫واألرق وال ّدموع ويفتح عامل التّخلّص من أمل الذّكريات املاضية‪.‬‬


‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.91‬‬ ‫(‪َّ )25‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.93‬‬ ‫(‪ّ )26‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.124‬‬ ‫(‪ّ )27‬‬ ‫(‪ )28‬رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.29‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.26‬‬ ‫(‪َّ )29‬‬ ‫(‪ )30‬رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.32‬‬ ‫(‪ )31‬رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.32‬‬ ‫(‪ )32‬رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.138‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.69‬‬ ‫(‪ّ )33‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.70‬‬ ‫(‪ّ )34‬‬ ‫(‪ )35‬محمود أحمد حسن املراغي‪ ،‬علم البديع‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة والنرش‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪1992 ،2‬م‪ ،‬ص ‪.109‬‬ ‫(‪ )36‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.114‬‬ ‫(‪ )37‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.115‬‬ ‫(‪ )38‬شوقي ضيف‪ ،‬يف ال ّنقد األد ّيب‪ ،‬مطبعة دار املعارف مبرص‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪.97‬‬ ‫(‪ )39‬رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.74‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.112‬‬ ‫(‪ّ )40‬‬ ‫(‪ )41‬رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.143‬‬ ‫(‪ )42‬قصائد منسية‪ ،‬ص ‪.20‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.103‬‬ ‫(‪ّ )43‬‬ ‫(‪ )44‬قصائد منسية‪ ،‬ص ‪.27‬‬ ‫(‪ )45‬الخطيب القزويني‪ ،‬االيضاح يف علوم البالغة‪ ،‬تحق‪ :‬محمد عبد القادر الفاضيل‪ ،‬املكتبة العرصية‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط سنة‬ ‫‪ ،2009‬ص ‪.377‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.120‬‬ ‫(‪ّ )46‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.121‬‬ ‫(‪ّ )47‬‬ ‫(‪ )48‬رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.73‬‬ ‫(‪ )49‬رياح الخريف‪ ،‬ص ص ‪.167 – 166‬‬ ‫(‪ )50‬فايز الداية‪ ،‬جامليات األسلوب الصورة الفن ّية يف األدب العريب‪ ،‬دار الفكر املعارص‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط سنة ‪1996‬م‪ ،‬ص‪.37‬‬


‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة سلب‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.319‬‬ ‫‪.340 :p ,1989 ,1e ED J. mazaleyrat G. molinie: vocabulaire de la stylistique pres.u. Paris France‬‬ ‫شكري ع ّياد‪ ،‬علم األسلوب مدخل ومبادئ‪ ،‬دار التنوير للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ ،1‬سنة ‪ ،2013‬ص ‪.19‬‬ ‫عبد السالم املسدي‪ ،‬األسلوبيّة واألسلوب‪ ،‬دار الكتاب الجديد املتحدة‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ ،5‬كانون الثاين سنة ‪ ،2006‬ص‬

‫(‪) 1‬‬ ‫(‪ )2‬‬ ‫(‪ )3‬‬ ‫(‪ )4‬‬ ‫‪.53‬‬ ‫(‪ )5‬صالح فضل‪ ،‬علم األسلوب مبادئه واجراءاته‪ ،‬دار الرشوق‪ ،‬مرص‪ ،‬ط ‪ ،1‬سنة ‪ ،1998‬ص ‪.21‬‬ ‫(‪ )6‬عبد السالم املسدي‪ ،‬األسلوب ّية واألسلوب‪ ،‬ص ص ‪.81 – 80‬‬ ‫(‪ )7‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.88‬‬ ‫(‪ )8‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.88‬‬ ‫(‪ )9‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.66‬‬ ‫(‪ )10‬عبدالله الغذامي‪ ،‬الخطيئة والتكفري من البنيوية إىل الترشيحية‪ ،‬الهئية املرصية للكتاب‪ ،‬مرص‪ ،‬ط ‪ ،4‬سنة ‪،1998‬‬ ‫ص ‪.20‬‬ ‫(‪ )11‬عبد القاهر الجرجاين‪ ،‬أرسار البالغة‪ ،‬قراءة وتعليق‪ :‬أبو فهد محمود محمد شاكر‪ ،‬مطبعة املدين بالقاهرة ودار‬ ‫املدين بجدة‪ ،‬ط سنة ‪ ،1991‬ص ‪.11‬‬ ‫(‪ )12‬رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.35‬‬ ‫(‪ )13‬قصائد منسية‪ ،‬ص ‪.20‬‬ ‫(‪ )14‬قصائد منسية‪ ،‬ص ‪.59‬‬ ‫(‪ )15‬رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.59‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.87‬‬ ‫(‪َّ )16‬‬ ‫(‪ )17‬رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.155‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.149‬‬ ‫(‪ّ )18‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.121‬‬ ‫(‪ّ )19‬‬ ‫(‪ )20‬رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.121‬‬ ‫(‪ )21‬قصائد منسية‪ ،‬ص ‪.88‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.124‬‬ ‫(‪ّ )22‬‬ ‫(‪ )23‬دانيال تشاندلِر‪ ،‬أسس السيميائية‪ ،‬تر‪ :‬طالل وهبه‪ ،‬مركز الوحدة العربية‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ ،1‬سنة ‪ ،2008‬ص ‪.162‬‬ ‫(‪ )24‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪161‬‬


‫(‪ )77‬ابن رشيق‪ ،‬العمدة يف محاسن الشّ عر وآدابه‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.566‬‬ ‫(‪ )78‬أبو هالل العسكري‪ ،‬كتاب الصناعتني‪ :‬الكتابة والشّ عر‪ ،‬تحق‪ :‬مفيد قميحة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط ‪ ،1‬سنة ‪،1981‬‬ ‫ص ‪.466‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.120‬‬ ‫(‪ّ )79‬‬ ‫(‪ )80‬رياح الخريف‪ ،‬ص ص ‪.167 – 166 – 165‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.140‬‬ ‫(‪ّ )81‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.65‬‬ ‫(‪ّ )82‬‬ ‫(‪ )83‬فهد نارص عاشور‪ ،‬التّكرار يف شعر محمود درويش‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنرش‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ ،1‬سنة‬ ‫‪ ،2004‬ص ‪.36‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.146‬‬ ‫(‪ّ )84‬‬ ‫(‪ )85‬كامل برش‪ ،‬علم اللّغة العام واألصوات‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مرص‪ ،‬ال ت‪ ،.‬ص ‪.98‬‬ ‫(‪ )86‬رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.64‬‬ ‫(‪ )87‬رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.67‬‬ ‫(‪ )88‬رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.134‬‬ ‫(‪ )89‬قصائد منسية‪ ،‬ص ‪.50‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.129‬‬ ‫(‪ّ )90‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.91‬‬ ‫(‪ّ )91‬‬ ‫(‪ )92‬رياح الخريف‪ ،‬ص ‪ .25‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.89‬‬ ‫(‪َّ )93‬‬ ‫(‪ )94‬رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.125‬‬ ‫(‪ )95‬رياح الخريف‪ ،‬ص ص ‪.228 – 227‬‬ ‫(‪ )96‬قصائد منسية‪ ،‬ص ‪.26‬‬ ‫(‪ )97‬عصام رشتح‪ ،‬ظواهر أسلوب ّية يف شعر بدوي الجبل‪ ،‬منشورات اتحاد الكتّاب العرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬سنة ‪ ،2005‬ص ‪.8‬‬ ‫(‪ )98‬قصائد منسية‪ ،‬ص ص ‪.44 – 43‬‬ ‫(‪ )99‬عصام رشتح‪ ،‬ظواهر أسلوب ّية يف شعر بدوي الجبل‪ ،‬ص ‪ ،30‬وتسميه نازك املالئكة ‪ /‬تكرار التقسيم‪.‬‬ ‫(‪ )100‬قصائد منسية‪ ،‬ص ص ‪.63 – 62‬‬


‫(‪) 51‬‬ ‫(‪ )52‬‬ ‫(‪ )53‬‬ ‫(‪ )54‬‬ ‫(‪ )55‬‬ ‫(‪ )56‬‬ ‫(‪ )57‬‬ ‫(‪ )58‬‬ ‫(‪ )59‬‬ ‫(‪ )60‬‬ ‫(‪ )61‬‬ ‫(‪ )62‬‬ ‫(‪ )63‬‬ ‫(‪ )64‬‬ ‫(‪ )65‬‬ ‫(‪ )66‬‬ ‫(‪ )67‬‬ ‫(‪ )68‬‬ ‫(‪ )69‬‬ ‫(‪ )70‬‬ ‫(‪ )71‬‬ ‫‪.184‬‬ ‫(‪ )72‬‬ ‫(‪ )73‬‬ ‫(‪ )74‬‬ ‫(‪ )75‬‬ ‫(‪ )76‬‬

‫محمود أحمد حسن املراغي‪ ،‬علم البديع‪ ،‬ص ‪.127‬‬ ‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.130‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.82‬‬ ‫َّ‬ ‫قصائد منسية‪ ،‬ص ص ‪.31 – 30‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.81‬‬ ‫َّ‬ ‫رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.129‬‬ ‫رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.124‬‬ ‫رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.153‬‬ ‫رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.151‬‬ ‫رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.191‬‬ ‫رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.133‬‬ ‫أحمد مصطفى املراغي‪ ،‬علوم البالغة‪ ،‬املكتبة العرصية‪ ،‬صيدا‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط سنة ‪ ،2009‬ص ‪.301‬‬ ‫رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.77‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.90‬‬ ‫ّ‬ ‫قصائد منسية‪ ،‬ص ‪.88‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.98‬‬ ‫ّ‬ ‫رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.145‬‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.134‬‬ ‫ّ‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.143‬‬ ‫ّ‬ ‫رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.50‬‬ ‫ابن رشيق‪ ،‬العمدة يف محاسن الشّ عر وآدابه‪ ،‬ج ‪ ،1‬تحق‪ :‬محمد قران‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط ‪ ،1‬سنة ‪ ،1988‬ص‬ ‫جل جالله‪ ،‬ص ‪.63‬‬ ‫َّ‬ ‫رياح الخريف‪ ،‬ص ‪.124‬‬ ‫محمود أحمد حسن املراغي‪ ،‬علم البديع‪ ،‬ص ‪.125‬‬ ‫قصائد منسية‪ ،‬ص ‪.70‬‬ ‫قصائد منسية‪ ،‬ص ‪.22‬‬


‫(‪ )14‬القزويني الخطيب‪ ،‬االيضاح يف علوم البالغة‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد القادر الفاضيل‪ ،‬املكتبة العرصية‪ ،‬صيدا‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫طبعة سنة ‪.2009‬‬ ‫(‪ )15‬املسدي عبد السالم‪ ،‬األسلوب ّية واألسلوب‪ ،‬دار الكتاب الجديد املتحدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬كانون‬ ‫الثاين ‪ /‬يناير ‪.2006 /‬‬ ‫(‪ )16‬املراغي محمود أحمد حسن‪ ،‬علم البديع‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة والنرش‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة ثانية‪1992 ،‬م‪.‬‬ ‫(‪ )17‬املراغي أحمد مصطفى‪ ،‬علوم البالغة‪ ،‬املكتبة العرصية‪ ،‬صيدا‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة سنة ‪.2009‬‬ ‫(‪.1989 ,1e ED J. mazaleyrat G. molinie: vocabulaire de la stylistique pres.u. Paris France )18‬‬


‫مصادر البحث‬ ‫زهرة الحر‪:‬‬ ‫ قصائد منسية‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬سنة ‪.1970‬‬‫ رياح الخريف‪ ،‬املجلس الثقايف للبنان الجنويب‪ ،‬ال طبعة‪ ،‬ال تاريخ‪.‬‬‫جل جالله (شعر) مع السرية الذّاتية‪ ،‬ال دار‪ ،‬ال طبعة‪ ،‬ال تاريخ‪.‬‬ ‫ َّ‬‫مراجع البحث‬ ‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬دار إحياء الرتاث العر ّيب‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬ال تاريخ‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ابن رشيق‪ ،‬العمدة يف محاسن الشّ عر وآدابه‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد قران‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬سنة ‪.1988‬‬ ‫(‪ )3‬برش كامل‪ ،‬علم اللّغة العام واألصوات‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مرص‪ ،‬ال تاريخ‪.‬‬ ‫(‪ )4‬تشاندلِر دانيال‪ ،‬أسس السيميائية‪ ،‬ترجمة‪ :‬طالل وهبه‪ ،‬مركز الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬ ‫ترشين األ َّول سنة ‪.2008‬‬ ‫(‪ )5‬الجرجاين عبد القاهر‪ ،‬أرسار البالغة‪ ،‬قراءة وتعليق‪ :‬أبو فهد محمود محمد شاكر‪ ،‬مطبعة املدين بالقاهرة ودار‬ ‫املدين بجدة‪ ،‬طبعة سنة ‪.1991‬‬ ‫(‪ )6‬الداية فايز‪ ،‬جامليات األسلوب الصورة الفنيّة يف األدب العريب‪ ،‬دار الفكر املعارص‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة سنة‬ ‫‪1996‬م‪.‬‬ ‫(‪ )7‬رشتح عصام‪ ،‬ظواهر أسلوبيّة يف شعر بدوي الجبل‪ ،‬منشورات اتحاد الكتّاب العرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬سنة ‪.2005‬‬ ‫(‪ )8‬ضيف شوقي‪ ،‬يف ال ّنقد األد ّيب‪ ،‬مطبعة دار املعارف مبرص‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫(‪ )9‬عاشور فهد نارص‪ ،‬التّكرار يف شعر محمود درويش‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنرش‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة أوىل‪،‬‬ ‫سنة ‪.2004‬‬ ‫(‪ )10‬العسكري أبو هالل‪ ،‬كتاب الصناعتني‪ :‬الكتابة والشّ عر‪ ،‬تحقيق‪ :‬مفيد قميحة‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬ ‫سنة ‪.1981‬‬ ‫(‪ )11‬عيَّاد شكري‪ ،‬علم األسلوب مدخل ومبادئ‪ ،‬دار التنوير للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬طبعة أوىل‪ ،‬سنة‬ ‫‪.2013‬‬ ‫(‪ )12‬الغذامي عبدالله‪ ،‬الخطيئة والتكفري من البنيوية إىل الترشيحية‪ ،‬الهئية املرصية للكتاب‪ ،‬مرص‪ ،‬الطبعة الرابعة‪،‬‬ ‫سنة ‪.1998‬‬ ‫(‪ )13‬فضل صالح‪ ،‬علم األسلوب مبادئه واجراءاته‪ ،‬دار الرشوق‪ ،‬مرص‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬سنة ‪.1998‬‬


‫كانت سيدة حكيمة القبائل الصحراوية‪ .‬حزنت كثريا عىل الدمار الذي‬ ‫لحقت به املنطقة بسبب الحروب الدامية ‪ ،‬فأرادت أن تنزوي وتجلس‬ ‫وحيدة بعيدة عن قبيلتها يك تفكر يف حل لوقف هذه الحرب ‪ ،‬فاتخذت‬ ‫من مغارة يف جبل االهاقار أو الهوقار مسكناً لها‪ ..‬مر ًة وهي نامئة هبت‬ ‫ريح خفيفة فحملت معها ذرات من الرمال اىل املغارة فأحدثت صوتاً‬ ‫جميالً حرك يف مشاعرها بعضا من الفضول واالبداع ‪ ،‬فانتبهت اىل شجرة‬ ‫امام الكهف ‪ ،‬فأخذت منها قطعة خشبية نحتتها‪ .‬عىل شكل‪ .‬آلة الكامن‬ ‫وأخذت من شعر اإلبل خيوطا‪ .‬فجسدتها يف آلة موسيقية‪ .‬وبدأت تعزف يف الحان عذبة وصلت اىل املحاربني فأثارت‬ ‫انتباههم فرتكوا النبال والسيوف وهم يستمعون اىل هذا الصوت العذب الجميل‪ .‬الذي‪ .‬سحرهم‪ ،‬فاتجهوا نحو هذا‬ ‫الصوت فوجدوا املرآة الحكيمة تعزف عىل هذه االلة الغريبة التي كان لها الفضل يف ميالد نهضة جديدة من التفاهم‬ ‫والبحث عن العيش الكريم ‪ ،‬يسودها الصلح والتسامح ووقف الحروب الدامية التي كانت بني القبائل الصحراوية‪،‬‬ ‫ومنذ ذلك الوقت أصبح الرجل الرتقي يحرتم املرآة‪ ،‬ويقال أن عاداتهم أنهم يحرتمون قرار املرآة النبيلة مهام كان اختالف‬ ‫اآلراء‪...‬‬ ‫صحراء الجزائر التي تحمل بني جبالها الغريبة واوديتها وواحاتها التي تبهر السائح تقع الصحراء الجزائرية التي صنفت‬ ‫كأكرب متحف طبيعي يف العامل ‪ ،‬يقع يف الجنوب الرشقي للجزائر‪ ,‬عبارة عن هضبة صخرية بركانية شاهقة‪ ,‬تقع عىل‬ ‫علو نحو ألف مرت عن سطح البحر‪ ,‬تتشكل من سالسل جبلية بركانية ذات أشكال بديعة‪ ,‬تفننت الطبيعة يف نحتها عىل‬ ‫مدار ماليني السنني منذ أيام الزواحف العمالقة‪ .‬لذلك صنفت منظمة اليونسكو عام ‪ 1982‬هذه الصحراء الجزائرية كإرث‬ ‫إنساين عاملي‪ ,‬بل و أبعد من ذلك‪ ,‬تم تصنيف املنطقة كأكرب متحف طبيعي مفتوح عىل الهواء الطلق يف العامل‪ ,‬الحتوائه‬ ‫عىل نحو ثالثني ألف نحت و رسم حجري إلنسان ما قبل التاريخ‪ ,‬و بقايا أشجار حجرية عمالقة كانت الديناصورات‬ ‫تتجول تحت ظاللها ذات مرة‪ ,‬و كل ذلك ممتد عىل مساحة تقدر بثامنني ألف كيلومرت مربع‪.‬‬


‫ارسار املراة الرتقية ورس تفردها بالعزف عىل آلة االمزاد التي متنع عن الرجل‬

‫سليمة مليزي‪ /‬الجزائر‬

‫اسطورة املرأة الرتقية التي تتميز بالعزف عىل آلة (اإلمزاد) ‪ ،‬اآللة اللغز كام يحلو للبعض تسميتها‪ ,‬إنها آلة وترية‬ ‫تشبه إىل حد ما الكامن‪ ,‬و التي يصدر منها ذلك اللحن الغامض الضارب يف عمق التاريخ‪ ,‬و املعرب بصدق عن روحها و‬ ‫روحانيتها‪ ،‬تعود اىل ازمنة غابرة وصحراء ساحرة جاملها رسمدي ساحر ال متناه‪ ...‬غموض و ألغاز و قصص من املايض‬

‫السحيق‪ ...‬جامل متوحش و مخميل يف آن واحد ‪ ،‬يطفى السحر عىل افكار السائح الذي انربه بهذا الجامل الالمتناهي‬ ‫يف أجمل صحراء تربعت عىل عرش جامل الطبيعة العذراء القاسية ‪ ،‬التي نرثت اتساعها من حكايات وأساطري مل تفهم‬ ‫بعد ‪ ،‬وبقية تقرأ عىل مشارف النذور‪ ،‬من أجل حل لغز الرجل االزرق الذي رفض عطر مريا وتشبث بعطر املرأة‬ ‫الرتقية القوية ‪ ،‬الحديث عن اإلميزاد ارتبط دوما بالقصص و األساطري التي خطها الطوارق و توارثوها يف ثقافتهم حول‬ ‫البدايات األوىل لهذا اللون املوسيقي و آلته املميزة‪ ,‬و لعل أشهر هذه األساطري تلك التي تحيك أنه و يف زمن غابر أين مل‬ ‫يكن هنالك قانون قوي يحكم و ينظم عالقات الناس‪ ,‬و مل تكن هناك أعراف تسري مصالح و عالقات القبائل و الشعوب‪,‬‬ ‫نشبت حرب رضوس بني قبائل الصحراء بسبب نبع للامء‪ ,‬و قد استمر القتال لوقت طويل‪ ,‬حيث نزلت لعنة ذلك النزاع‬ ‫عىل الناس‪ ,‬فحولت عيشهم إىل مرارة و أمل‪ ,‬و فرقت شمل األقارب و األحباب‪ ,‬فهجر البالد قوم كثري و مل يبق فيها سوى‬ ‫من أجربته ظروف الحرب عىل البقاء‪.‬‬ ‫لقد تيتم الشباب الذين رسعان ما تحولوا إىل مقاتلني يأخذ الواحد منهم مكان األب أو الشقيق األكرب الشاغر يف ساحات‬ ‫املعارك‪ ,‬التي كانت قد ارتوت بدماء الجريان و اإلخوة األعداء إىل درجة أن األجيال الالحقة من املحاربني صارت تقاتل‬ ‫بعضها البعض دون أن تعلم جوهر الرصاع و سببه األصيل‪ ,‬بسبب تراكم األحقاد و الضغائن التي حولت الجميع إىل كتل‬ ‫من الكره و نريان من التعصب القبيل األعمى‪ ,‬فصار الرجل يعيش من أجل أن ينتقم‪.‬‬ ‫والحكاية حول هذا النوع من املوسيقى يختلف حولها املؤرخون عن ظهور هذا النمط املوسيقي الفريد من نوعه يف‬ ‫شامل إفريقيا‪ ,‬إال أن الدراسات األنرثُبولوجية ركزت اهتاممها كثريا عىل دراسته و تحليله‪ ,‬كونه يعترب من الرتاث املعنوي‬ ‫األخري تقريبا‪ ,‬الذي مل يتأثر بأي عوامل خارجية احتكت بها حضارة الطوارق العريقة‪ ,‬فهو و بحسب العارفني بأرساره‬ ‫مل يتغري‪ ,‬و بقي محافظا عىل طبيعته األصلية منذ قرون‪ ,‬إضافة لكونه نوعا من املوسيقى الطقوسية و الرمزية التي لها‬ ‫ارتباط عميق و متجذر يف تاريخ املنطقة الطويل‪ ،‬واملرأة الرتقية التي تعترب العازفة األوىل و األخرية لإلمزاد‪ ,‬إذ أن حمل‬ ‫آلة اإلمزاد يكاد يكون أمرا محرما عىل الرجل يف مجتمع الطوارق‪ ,‬الذي ت ُعترب فيه املرأة هي الركيزة األساسية التي يقوم‬ ‫عليها البناء االجتامعي‪ ،‬وتهيئ السهر والسمر لزوجها بالعزف عىل هذه االلة الغريبة والرجل يرقص لها‪...‬‬



‫سكينتي‬

‫د‪ .‬هويدا رشيف‬

‫واألمل‪،‬تنسقت بأفكارها ‪،‬نُظّمت بنظمها وترت ّبت بأحالمها وتسجلت برؤاها وولدت من أسفارها مع‬ ‫ديوان من التّجربة‬ ‫ّ‬ ‫البرش ‪.‬كاملة بني ناقيص العقول ‪،‬ت ُنعت بالبالدة حيناً والحيوية أحياناً أخرى ألنها قامئة عىل التّوازن والقياس غري مشوشة‬ ‫السهم يف الهدف‪.‬‬ ‫السديم‪،‬تصيب إصابة ّ‬ ‫ّ‬ ‫سكينتي‬ ‫تنقب وتبحث وتكتب وتصف وتفهم وتبلّغ شعورها لتكون صدى الحياة‪.‬اليش ّنفها صوت املايض لتستطي َع مخاطبة‬ ‫املستقبل‪.‬تعيا أمام التّكلم عن القشور وتفصح أمام اللّباب ومن حسناتها ال تستطيع إخفاء سيئاتها طويالً‪.‬‬ ‫سكينتي‬ ‫دمعة ملتمعة يف أجفاين‪،‬تخرب عام يسترت يف قلبها ‪،‬هدفها أن ت ّ‬ ‫ُزف عروساً عند املالئكة ‪،‬فسكينتها ال ّدنيا واآلخرة ألنهام من‬ ‫كل ما صنعت يداه القدسيتان‪.‬‬ ‫يحب ّ‬ ‫صنع الله والله ّ‬ ‫سكينتي‬ ‫باسلة الروح‪،‬ظهرت من سباتها العميق وزفت بنضوجها وت ّوجت بصرب أعاملها وتحملها وخلدت بحكمها بعدما تقمصت‬ ‫حب ‪..........‬وخلفت تعاليمه مهللة بقدومه بعد ميض ثلث عمرها ‪.‬‬ ‫سكينتي‬ ‫تلطم النفس البرشية ‪،‬مثرة ناضجة نالت شهوتها من النامء ‪،‬ذرة هامئة فوق القلوب املتعبة تبث فيهم رذاذ اإلطمئنان‬ ‫واألمل‪.‬‬ ‫سكينتي‬ ‫خمرية عشقي ‪،‬تربت عىل الدقة ‪،‬يسودها النظام ‪،‬تنحر وتلحد يف زوايا األدعية والقنوط ‪،‬تتأمل بعناية وتنظر بدراية إلىى‬ ‫الساكن يف أحشائها ‪.‬‬ ‫عني محبيها نظرة محب غائر يف حزنهم املتواري لتولد فيهم العزمية واإلتكال عىل الباري ّ‬ ‫سكينتي‬ ‫منح من عطايا الخالق تتق ّدم إليه بالشّ كر والثّناء ‪،‬متدح بفطنة ‪،‬تحيي ال ّنفس بكلمة طيّبة ‪،‬تلوم برت ّو وتنعش الجسد‬ ‫بعناق ومتسح عن القلوب األضغان وكأن شيئاً مل يكن‪.‬‬ ‫سكينتي‬ ‫وردي متفتح عىل خبايا‬ ‫السعيد بثغر ّ‬ ‫فاكهة الجنة ‪،‬حلم من أحالم األغرار (ال تجربة لديهم )‪،‬ترشق بنجم املحبة واألمل ّ‬ ‫الدنيا والنقائض‪،‬التي ليست بالخطايا فتُعرف وال بالفضائل فتُنصف‪.‬‬


‫لقد أعطى الزمان املعريف بريوت مزايا مل تستم َّر يف غريها‪ ،‬وظلت مدينة جالبة وليست مجلوبة‪ ،‬وظلت تجذب الفكر‬ ‫اإلنساين من أقايص األرض ليقيم فيها‪ ،‬ألنها تحمل روحها الرشقية الروحية ممهورة بأعىل ما يف الغرب من أناقة ورقي‬ ‫ووعي يقيم انسجاماً بني الفكر والسلوك‪ ،‬والحياة والجامل‪ ،‬وظلت د ْوحاً مخضالّ ملن طاردته وعورة املكان والزمان‪.‬‬ ‫وظلت بريوت مقرا ً لكل فك ٍر مل يجد من يُؤويه بحدب وحب وسالم‪ .‬لقد تحولت املعرفة التي بنت بريوت مكاناً وسالماً‬ ‫يأوي إليه كل من أراد أن يفرغ فيها كل ما فيه من شحنات معرفية‪.‬‬ ‫هدفت بريوت كثريا ً عرب التاريخ‪ ،‬لقد استُ ِ‬ ‫هدف ما تكتنزه من وعي‪،‬‬ ‫إنها بريوت الكتاب‪ ،‬أعني بريوت اإلنسان املعريف‪ .‬واستُ ْ‬ ‫وقد أكسبها وعيها قوة تقاوم كل من أراد أن يلغيها كتاباً ومعرفة‪ ،‬ووقف الغزاة عند قدميها حفاة من الخلق والوعي‪،‬‬ ‫وحتى من السالح‪ .‬واملعرفة تقاوم ألنها سالح‪ ،‬والجهل ينهزم‪ ،‬ولو ملك أعتى األسلحة‪ .‬وهذا ما جعل بريوت عصيّ ًة عىل‬ ‫الزوال‪ .‬فاملعرفة دامئاً تكون نقيض املوت والزوال‪.‬‬ ‫دامئاً ذو النعمة محسود‪ ،‬وهذا ما جعل بريوت محسودة من قوى الرش كلها ألنها كانت تتطلع إىل األمام‪ ،‬ومن طبيعة‬ ‫الرش أن يتطلع دامئاً إىل الوراء‪ ،‬وألنها ظلت تتأنق طوال التاريخ وتسمو عىل كل ما كان يُل ُّم بها كان ال بد من رضبة‬ ‫صاعقة لهذه املدينة الخالدة فكان االنفجار‪ .‬واالنفجار يف حقيقته كان يهدف إىل قتل ما تعنيه بريوت‪ ،‬كان يهدف أوالً‬ ‫لقتل الكتاب وقتل الجامل والسالم الذي منحته هذه املدينة لكل فكر مالحق من أعدائه‪ .‬لقد كان االنفجار يف حقيقته‬ ‫أكرث من سالح تدمريي‪ ،‬لقد كان محاول َة إلغا ٍء ملدينة الكتاب واملعرفة والجامل‪ .‬كان االنفجار يريد إزالة ما تعنيه بريوت‪،‬‬ ‫وقد يخطئ من يفكر أن االنفجار كان تخريبيا فقط‪ ،‬لقد كان يهدف إىل إغراق بريوت يف البحر ليطمنئ ال ُّرب الرشير‪.‬‬ ‫االنفجار كان سالح أعداء اإلنسانية‪.‬‬ ‫وألن بريوت مكتنزة باملعرفة فقد قامت مبارشة من موتها‪ ،‬لتقول‪ :‬أنا العنقاء‪ .‬أنا لن أموت أل ّن أبنيتي تسكن يف الرؤوس‬ ‫ِ‬ ‫رجليك غزيرا ً بالحياة‪ .‬ولن متويت يا ابنة الدهر إذا‬ ‫وليس يف املكان املنفجر‪ .‬بريوت‪ ،‬إ ّن نه َر املوت سوف يبقى يجري تحت‬ ‫الشاطئ مات‪ ،‬فاملوت يا بريوت أحياناً مشيمة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫رجليك غزيرا ً بالحياة‪ .‬ولن متويت يا ابنة الدهر إذا الشاطئ مات‪ ،‬فاملوت يا‬ ‫بريوت‪ ،‬إ ّن نه َر املوت سوف يبقى يجري تحت‬

‫بريوت أحياناً مشيمة‪.‬‬


‫بريوت‪ ،‬الكتاب‪ ،‬االنفجار‬ ‫عمر شبيل‬

‫ما الذي يجمع بني بريوت والكتاب واالنفجار؟ سؤال يتك َّو ُن‬ ‫جوابه من خصوصية منسجمة ومتنافرة‪ ،‬ومؤتلفة ومختلفة‪،‬‬ ‫ومتصارعة عىل أيّها األبقى‪ .‬بريوت منذ ولدت من ِ‬ ‫رحم البحر‬ ‫مل تكن والدتها قيرصية‪ ،‬بل كانت والدة طبيعية بعد زواج‬ ‫البحر والساحل اللبناين يف عرس املراكب املاخرة البحر من‬ ‫الرشق إىل الغرب‪ ،‬وكانت مراكب هذا العرس الخالد معبّأة‬ ‫بجواهر املعرفة قبل األرجوان واألقمشة الفاتنة‪ ،‬ومنذ‬ ‫املجذاف األول صارت بريوت كتاباً يحمل الحرف‪ ،‬وكان الحرف يحفر دالالته املعرفية يف العقل األورو‬ ‫يب أكرث من األرجوان الذي فتنهم بجودته‪ .‬واستمرت بريوت كتاباً متح ِّوالً يف إنسان يسافر من مدرسة الحكمة إىل نيويورك‬ ‫بعض كنائسها مزام َري من كتاب النبي لجربان خليل جربان‪ ،‬حتى لكأنه إنجيل مستعاد‪ ،‬ملسيح مستعاد يلقي حكمته‬ ‫لرتتل ُ‬ ‫من عىل جبل الزيتون وقانا الجليل‪ ،‬وكان يف هذا الكتاب كل ما كان يحمله الرشق من صفاء ووجدان ونبوغ ونبوة‪.‬‬ ‫كل يشء‪ ،‬والكتاب تح ّول إنساناً‪ ،‬واستطاعت بريوت‪ /‬اإلنسان أن متخر عباب البحر‬ ‫أروع ما يف بريوت أنها صارت كتاباً قبل ِّ‬ ‫لتلبنن العامل باملعرفة التي مل تتأخر يوماً عن كونها يف املقدمة دامئاً‪ .‬وأصبحت بريوت مطبعة تصدر الكتب لكل أنحاء‬ ‫العامل‪ .‬وصارت تغري الناس بإدمان القراءة واملعرفة‪ .‬ولهذا مل تعد بريوت يف عقول الناس أبنية وساحالً وبحرا ً‪ ،‬وإمنا غدت‬ ‫ذاكر ًة لإلنسان الحامل بتطوير معارفه‪ ،‬وصارت مكتبات بريوت مطبوعة وتتجول أسامؤها يف أذهان املثقفني‪ .‬وصارت زيارة‬ ‫بريوت عند الناس تعني زيارة املعرفة والعلم‪ ،‬وخرجت بريوت من ذاكرة املدن املأهولة بالناس فقط لتغدو عاصمة ثقافية‬ ‫للعقول التواقة إىل الوصول إىل الضوء‪.‬‬ ‫قليلة هي املدن يف التاريخ اإلنساين التي خرجت من محدودية املكان والزمان لتصبح ذاكرة ال تربح العقول والقلوب‬ ‫بتقلبات الزمان وانهيار املكان‪ .‬أثينا هي إحدى املدن التي لن تتحول إىل دمار وآثار دارسة‪ ،‬حتى ولو غزتها كل جيوش‬ ‫العامل‪ .‬إنه يشء آخر إنها أرسطو وسقراط وأفالطون‪ ،‬إنها تلك الفلسفة التي مل يستطع عقل مهام تفتَّ َح أن يتامدى عليها‬ ‫وأن يلغي حضورها‪ ،‬اإلسكندرية مدين ُة ذاكرة أكرث من كونها مدينة مكان الرتباطها بالفكر اإلنساين املبدع‪ .‬وبريوت كانت‬ ‫مدينة ذاكرة‪ ،‬وملّا تزل‪ ،‬وما متتاز به بريوت عن مدن الذاكرة األخرى أنها ظلت طوال عمرها تح ِّول الزمن زمناً معرفياً‬ ‫وباستمرار‪ ،‬عىل الرغم من كل سهام الجهل والتخلف التي ُص ِّوبت إىل صدرها‪..‬‬



‫اللغة العربية وآفاق النهوض‬

‫د‪ .‬طالل الورداين‬

‫بني عامل الطبيعة وعامل اإلبداع تستلهم اللغة مكانتها فهي بأهلها ترقى برقيهم وتسقط بسقوطهم لقد وقعت الواقعة‬ ‫فرتانا نواجه الخطر املحدق بهذه اللغة حيث اإلهامل وادارة الظهر والتلهي بقشور وفقعات التسمن وال تغني وترانا‬ ‫نركض وراء أقالم مأجورة تتآمر وترشع لنفسها التطاول عىل هذه اللغة املباركة فتأخذها اىل حيث تشاء وتجر االجيال‬ ‫خلفها علام ان هذه اللغة عصية عىل االنقياد فكل من وجد يف نفسه شيئا من الخربة األولية انربى للتنظري حول ما يظنه‬ ‫سبقا مع العلم ان هذه اللغة تحمل حصانة من القرآن الكريم ‪.‬‬ ‫وتكتسب صفة الخلود وال ميكن ألحد مهام عال شأنه ان يطمس هويتها وأهليتها او النيل منها فنحن جميعا نتحمل‬ ‫املسؤولية ذلك بالقيام بخطة إنقاذية ينربي لها أهل الخربة واإلبداع والجهابذة املشهود لهم يف حقل اللغة العام وان‬ ‫يتحمل العرب مجتمعني مسؤولياتهم بإقامة مؤمترات تواكب أوجاع اللغة وترهالتها اضافة اىل ان يأخذ اإلعالم العريب‬ ‫دوره يف تثبيت مفاهيم مشرتكه توجه اىل الناشئة وتقديم الجوائز للمبدعني منهم وتشجيعهم عىل الكتابة باللغة الفصحى‬ ‫زد عىل ذلك تنمية الحس االخالقي الذي ينبع من القيم العربية والقرآن الكريم وتحفيز الوعي العام بأهمية لغتنا‬ ‫ودفع االقالم الواعدة عىل الكتابة وتنشيط الدورة الدموية للغة وتثبيت املعارف واملهارات والكفايات الخاصة بها‬ ‫ان امالنا تتجدد باستعادة اللغة العربية مكانتها بني اهلها والناطقني بها واحداث صدمات واعدة تتجىل باالنحياز الصادق‬ ‫ألنفسنا وللغتنا التي هي نواة اساسية ومكون حقيقي من مكونات وجودنا فمتى تحلينا باملسؤولية ونزعنا الخوف‬ ‫والتقوقع عن ذواتنا ورسنا يف خطة انقاذ فيها كل التبرص والحكمة وصلنا معا اىل الهدف وحققنا معا مستقبل لغتنا‪.‬‬ ‫وأورثنا أبناءنا أبجدية عربية تيضء حروفها كل اآلفاق الحاملة بحياة مليئة بالكرامة والعزة والسؤدد‬


‫مطالعة يف كتاب ‪ :‬شذرات من خطاب محب‬

‫ل روالن بارت‪ /‬فيلسوف فرنيس‬

‫حكمت حسن‬

‫ليس كتابا نظاميا ما عنونه روالن بارت شذرات من خطاب محب‬ ‫وترجمه بدقة وأناقة الدكتور عيل نجيب إبراهيم‬ ‫(الكتاب ‪ ،‬عىل نحو مثايل‪ ،‬رشاكة ‪ :‬إىل القراء جميعا!)‬ ‫يقدم بارت عصارة من فكر ‪ ،‬نقد وأدب يصعب إرجاعها إىل مكوناتها األوىل ‪ .‬وهذا أمر مسلم به ما دام التأليف ابتكارا‬ ‫لعالقات جديدة بني األجزاء املختلفة يف كل موحد متجانس ‪.‬والحق أن التأليف عىل طريقة بارت متحو املؤلف لصالح‬ ‫عملية الكتابة ذاتها وهي التي تشكل بيت القصيد‪ .‬أثار بارت وهو املفكر اإلشكايل جدال حول كثري من قضايا النقد‬ ‫الحاسمة‪ ،‬وعىل رأسها قضية موت املؤلف‪ .‬وقد حرر بارت النص من سلطة املؤلف وجعل القارىء›يشارك يف إنتاجه‪.‬‬ ‫وقد اخرتت من بعض شذراته هذه املقتطفات‪:‬‬ ‫(مخالف )‬ ‫نيتشه يف يوتوبيا سقراط ‪ :‬أوال يكون املحب معاكسا صعبا يبحث طوال حياته ‪ ،‬عن منطه؟ يف أي زاوية من الجسد‬ ‫الخصم ينبغي أن أقرأ حقيقتي؟‬ ‫روالن هافاس‪ :‬أنا مجرب عىل أن أجعل من نفيس مح ّبا ‪ ،‬شأن الناس جميعا ‪...‬لكن حني تكون العالقة أصيلة ‪ ،‬يتزعزع‬ ‫النمط الجامد‪...‬‬ ‫(االنتظار)‬ ‫فينيكوت ‪:‬الكائن الذي أنتظره ليس واقعيا ‪ .‬ما أشبهه بثدي األم يف نظر الرضيع‪ ،‬أبتدعه وأعيد ابتداعه باستمرار ‪ ،‬من‬ ‫قدريت عىل الحب ‪ ،‬انطالقا من حاجتي إليه‪.‬‬ ‫( النظارات السوداء)‬ ‫بلزاك‪ :‬من العسري أن تتصور إخفاء عشق ما إخفاء كامال ‪ ،‬ليس ألن الكائن البرشي بالغ الضعف ‪ ،‬بل ألن العشق يف‬ ‫الجوهر ُجعل ليكون مرئيا‪.‬‬ ‫يف وسعي أن أفعل أي يشء بلغتي ‪ ،‬ال بجسدي ‪ .‬فام أحجبه باللغة يسفر عنه الجسد‪ .‬جسدي طفل عنيد ‪ ،‬ولغتي راشد‬ ‫متحض يف امتياز‪.‬‬ ‫ّ‬


‫الصباح‬ ‫بانتظار ّ‬

‫باسلة زعيرت‬

‫رس‬ ‫أحرضت حقيبة حزنها‪،‬بعرثت دفاتر العتمة املستبيحة حرم َة روحها‪،‬قلّبت صفحاتها‪ ،‬ورشعت تبحث بني كلامتها عن ّ‬ ‫هذا الغموض الّذي يعرتيها‪...‬فتاه فكرها ما بني صمت وصمت‪...‬‬ ‫للصبح رشوق ولل ّنور ابتهال؟تراءى لها العمر‬ ‫قرأت سرية ليلها الطّويل وتساءلت‪:‬متى أستفيق من إغامءة الظّلمة؟أما ّ‬ ‫الضجر القاتل‪...‬‬ ‫خارطة ضياع مرصود وال ّدروب مقفرة ّإل من عواء ّ‬ ‫طفل صغ ًريا‬ ‫إسرتسل القلق بني جوانبها‪،‬فإذا بوجه طفو ٍّيل يعرب مخ ّيلتها املتعبة‪،‬أرسعت تتلقّف األثر‪،‬رأت الكون ً‬ ‫ينوح‪،‬ميوء‪،‬وميضغ الجرح قوت ًا‪،‬ركضت نحوه‪،‬ك ّورته يف حضنها‪،‬وجلست تهدهد أحالمه الربيئة‪،‬تداعب شعره األملس‪،‬وتطبع‬ ‫كل وجنة قبل ًة محرتق ًة‪...‬‬ ‫عىل ّ‬ ‫الصفحات‬ ‫فجأة أصابها الذّعر‪،‬تل ّمست يديها‪،‬تلفّتت حولها فلم تجد الطّفل‪...‬أدركت أنّها تض ّم الفراغ‪ ...‬وعادت تقلّب ّ‬ ‫الصباح‪...‬‬ ‫وتقرأ منتظرة حلول ّ‬



‫(املحادثة)‬ ‫اللغة جلد ‪ ،‬أحك لغتي باآلخر ‪ ،‬كام لو أنني أمتلك كلامت يف شكل أصابع‪ ،‬ترتعش لغتي رغبة‪...‬أن تتحدث حبا ‪ ،‬يعني أن‬ ‫تبذل بذال ال يحده حد ‪ ،‬يعني أن متارس عالقة ال تبلغ ذروة النشوة‬ ‫(االنبعاث)‬ ‫ما أعيه بجسدي هو املدوي يف داخيل ‪ :‬مثة يشء دقيق وحاد يوقظ ‪ ،‬عىل حني غرة ‪ ،‬هذا الجسد الذي كان ‪ ،‬يف غضون‬ ‫ذلك ‪ ،‬مستغرقا يف املعرفة العقلية لوضع عام‪ :‬تفعل الكلمة ‪ ،‬والصورة ‪ ،‬والفكرة فعل رضبة السوط‪.‬‬ ‫( توحد)‬ ‫عندما منيض معا ‪ ،‬سوف يفكر واحدنا عوضا عن اآلخر ‪ ،‬كام لو كنا لفظتني يف لسان جديد وغريب ‪ ،‬يباح فيه إباحة‬ ‫مطلقة استخدام لفظة بدال من لفظة أخرى ‪ ،‬سيكون هذا التوحد بال حدود‪ ،‬ليس لضخامة اتساعه ‪ ،‬بل لالمباالة إبداله‪.‬‬ ‫( إيروس من دون أصل)‬ ‫بحسب األوريف ّيات ‪ ،‬ليس إليروس أم وال أب‪ ،‬فهو ينحدر من الالنهاية ‪ ،‬ونظرا ألن إيروس محمول إىل إيقاع ال نهاية له ‪،‬‬ ‫فوظيفته هي أن يصلنا بهذه الحركة( إيروس ‪ ،‬هو ذاك الذي ال يعرف الراحة داخيل‪ ،‬إيروس هو التيه)‬ ‫(هلوسات لغوية)‬ ‫ليست الكلامت مجنونة أبدأ( هي عىل األكرث شهوية) الرتكيب هو املجنون‪.‬‬ ‫كل سمة تركيبية تؤثر ّيف‪ ،‬بعدم متامها ‪ ،‬عىل طريقة ترقب محري‪ .‬إن شئتم أال تكون الجمل مخيفة‪ ،‬فأكملوها‪.‬‬ ‫(لعبة التمرير)‬ ‫التشكيل بصمة ِشفرة ‪ ،‬وميكن ان منأل هذه الشفرة كام نشاء‪....‬كل تشكيل يتشظى ‪ ،‬ويرتج وحيدا مثل عالمة موسيقية‬ ‫من دون لحن‪ ،‬او يتكرر ‪ ،‬حتى اإلمتالء كعالمة موسيقية سائبة‪.‬‬ ‫(نغمة سائبة)‬ ‫يف بداية ظواهر الهلوسة ال توجد ‪ ،‬بحسب فاغرن ‪ ،‬نغامت بل إشارات ‪ .‬وهو إمنا يبحث عن السيميائية املوسيقية من‬ ‫أجل اإلشارات‪.‬‬ ‫(نقطة ثقافة)‬ ‫املنطقة‪ ،‬متاما مثل الثقافة ما قبل التاريخية التي ترجع إليها الخريطة ‪ ،‬تدعيها وحدها نقطة ‪-‬البرئ‪ -‬التي متنحها اسمها ‪.‬‬ ‫وكام يف االكتشافات القدمية ‪ ،‬حصل أنني يف هذه النقطة استخرجت او رشبت من الكان ‪ ،‬او روسيربوك‪..‬‬ ‫هذا الكتاب جدير بالقراءة‪ /‬البنية ‪1/20/2021 /‬‬


‫وما «دواة املسك «إال فيض عطائك التي غذّت « قلامً واحدا ً يف ثالث أصابع « ‪ .‬وكم نزف هذا القلم رحيقاً يف الكلامت‬ ‫املنسابة عىل صفحات أقل ما فيها وضوح الرؤية والتي تفتح مساحات الرؤيا عىل بوابات الفكر املستنري الذي ال يقف‬ ‫جمعي به ّم األ ّمة وه ّم املبادئ النبيلة واإلنسانية الحقّة‬ ‫عند مذهب وال عند طائفة وال عند قوم ّية مح ّددة بل التزام‬ ‫ّ‬ ‫وه ّم الجرح الجميل الذي ال يحتاج أي ضامد أضف إليها ه ّم الوطن النازف أملاً وغربة حيث طرقت أسامعنا ودقّت عىل‬ ‫صفحات قلوبنا كلامتك التي تعرب عن عروبتك وانتامئك ‪:‬‬ ‫«سأظل أفخر أنني عريب « ‪ ،‬يف زمن صار بعض العرب وصمة عار عىل جبني األمة وصار أبو رغال ( العميل الذي ّ‬ ‫دل‬ ‫ّ‬ ‫أبرهة أين مكة ) له جنود مج ّندة يطلقها أىن شاء وحيث أراد ‪ .‬نعم جوزيف حرب عريب وهواه جنويب حاك من قلوب‬ ‫محبيه الوالهة ترابه ونرث عليه دماء الشهداء يف خلطة سحريّة أنبتت عزا ً وكرامة وإباء ‪.‬‬ ‫فرتاب الجنوب املشغول «بقلوب « ال تضاهيه «إسوارة العروس « املشغولة بالذهب « وأي معنى يرسي يف سحر هذه‬ ‫النغامت التي شغلت قلوب محبّي الوطن ‪.‬‬

‫ينس كربالء ‪ ،‬كربالء حيث تلتقي األرض بالسامء‬ ‫جوزيف حرب العرويب الذي يفخر بعروبيته ‪ ،‬جنويب الهوا واملنشأ مل َ‬ ‫وحيث الحق ال يسطع ومضه املق ّدس إال بالشهادة وكام يقول يف قصيدة بكائية رأس الحسني ‪ »:‬الجنوب مشبع بهام ‪،‬‬ ‫مشبع بالحسني ‪ ،‬ويا لوطن يلتقي فيه حقا السامء واألرض ‪ ..‬وشهادتا الدين والدنيا «‪ .‬والجنوب مبقاومته وصموده‬ ‫ألنه‬ ‫ٌ‬ ‫يشبه كربالء ألن الروح الحسينية الكربالئية سكنت يف أعامقه وحركت ما خمد من نريان لتقذفها بوجه املحتل الغاصب‬ ‫لكل معاين الجامل ‪ ،‬والحرية هي إحدى معاين الجامل ‪ .‬فالحسني (ع) ُخ ّي بني السلّة والذلّة وما زال صوته يصدح «‬ ‫هيهات منا الذلة « هذه الرصخة املدويّة كانت َوقودا ً للمقاومني الذين نسجوا منها عباءة للحرية ورفضوا العيش بذل مع‬ ‫املحتل ‪ .‬فمدرسة كربالء تعلّم النرص واإلباء ومقولة غاندي مح ّرر الهند غري خفية عىل أحد « تعلّمت من الحسني كيف‬ ‫أكون مظلوماً فأنترص « ‪.‬‬ ‫مل ِ‬ ‫يرتض جوزيف حرب أن تكون مسيحيته ناقصاً منها الحسني (ع) لتكتمل قداسة الرسالة ‪ .‬فالحسني يف قصيدته‬ ‫الخالدة «بكائية رأس الحسني « ‪ « :‬شهيد عقيدة باعها بربه واشرتاها بدنياه ‪ ،‬وكانت نسبة أن تعيش هي غداً ‪ ،‬من‬ ‫نسبة أن ميوت هو اليوم»‪.‬‬ ‫وتحرضين أبيات الشاعر عمر شبيل يف مطولته «إىل الحسني شاهدا ً وشهيدا ً «حيث يقول ‪:‬‬ ‫رأيتك مطعوناً عىل الفجر تتيك ‪ /‬تصيل صالة الجرح فينا وتصهل‬ ‫ُحمل‬ ‫ومن يومها ما زلت يا طاهر الرثى ‪ /‬تعلّمنا كيف العقيدة ت ُ‬ ‫الحب الذي يختزنونه للحسني (ع) يف نجاواهم ؟‬ ‫رس ّ‬ ‫فأية عالقة تربط هؤالء الرائني بالحسني (ع) ؟ وما ّ‬


‫الشاعر جوزيف حرب‬

‫د‪ .‬فاطمة البزال‬

‫عبقري من بالدي ‪ ،‬تنقل عىل صهوة جواده يف سهل ممر ٍع أخرض ‪ ،‬ينرث كلامته فتغدو قصائد‬ ‫الشاعر جوزيف حرب‬ ‫ّ‬ ‫ملحمي أسطوري مل تغب عنه عنارص‬ ‫تزيّن عنق الزمان ‪ ،‬فيها عبق املايض وأنس الحارض واستباق للمستقبل بنفس‬ ‫ّ‬ ‫الطبيعة التي عشقها وعاش تفاصيلها‪.‬‬ ‫امليض والغوص يف بحر ألالئه الخف ّية واملسترتة خلف وشاح رقيق من الكلامت‬ ‫كل ما يف شعره يغري ويح ّرض عىل ّ‬ ‫العازفة عىل الجرح من غري ضامد ‪ .‬ضامد جرحه كان قصائ َد أسمعت الدهر أنني الناي الذي زاره قصباً وعاد يح ّن إىل‬ ‫الغابة التي قُطع منها (زرتك قصب فليت ناي ) و» شيخ الغيم « يتوكأ عىل عكازه ليصل إىل املدى األبعد واألرحب يف‬ ‫رحلة الريح التي تنساب عرب األفق ‪،‬إىل فضاء الالزمن والالحدود (شيخ الغيم وعكازه الريح ) ‪ .‬وكم كان أجمل ما يف‬ ‫األرض أن تبقى عليها يا جوزيف حرب لتهبنا شعرا ً عصيا عىل النسيان ‪.‬‬ ‫كل ما فيها‬ ‫شاعرنا كان يتمنى عاملاً خا ٍل من الدماء ‪ ،‬عاملا ينظر إىل الشوكة فرياها وردة ال أن يقطع لسان الوردة ليقتل ّ‬ ‫‪.‬فعب عن مكنونات نفسه بقصيدة‬ ‫من براءة ويقيض عىل ّ‬ ‫كل بارقة أمل تلوح يف الظالم ‪.‬أحزنه هذا العامل مبرارته وقساوته ّ‬ ‫عنوانها « مرارة « من ديوان « أجمل ما يف األرض أن أبقى عليها «حيث يقول ‪:‬‬ ‫مصلوب هذا العامل ‪ ،‬منذ ال َبد ِء ‪ ،‬عىل ‪/‬‬ ‫يحزنني هذا العامل يف سريته املكتوب ِة ‪ /‬بالرمحِ املغموس مبحرب ٍة ‪ /‬من ‪ /‬دم ِه ‪/،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ميزانِ قضا ٍة ‪ ،‬وصوالج ٍة ٍ‬ ‫عشب في ِه‬ ‫مللوك ما أبقوا فيه جناحاً ‪ / ،‬أو سنبل ًة ‪ .‬قطعوا منه ُ ‪ /‬لسان الوردة ‪ /.‬ما تركوا إصبع ٍ‬ ‫‪ /‬لخاتم ماء ‪.‬‬ ‫جوزيف حرب جفّت «محربتك «(املحربة ) إال من اآلمال التي غرستها يف دروب ال َوعر فأنبتت زهورا ً ورياحني يف طريق‬ ‫مجدب ٍة إال من ينابيع األمل التي ترتقرق مسيالً من الكلامت الدافقة يف بحر حضورك الالهويت ‪.‬‬ ‫يقول يف ملحمة « املحربة «‬ ‫بعيني ‪ ،‬إمنا ما قد تراه ‪ /‬الروح ‪ ،‬عينك ال تراه ‪ /.‬كالزهر تقرأ ال تف ّتح‬ ‫بروحي ال‬ ‫كل ال ّنص ‪.‬عدت إليه ‪ /‬مرات‬ ‫أحببت ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ز ِّر ِه ‪ / ،‬لكن شذاه ‪.‬‬ ‫رسها وسحرها غريك ‪ ،‬تتنقل بني حروفها وترسم‬ ‫إنك تسمع بأذن القلب وترى بروحك لغة داخل اللغ ِة بحيث ال يعلم ّ‬

‫وتتنسم شذاها عندما تلمس نضارة أزهارك اليانعة يف حدائق الفكر واألدب ‪ .‬فالرؤية الثانية رمبا تقتل‬ ‫أبجدياتها بروحك ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الدهشة املتمثلة يف الرؤية األوىل فتعود إىل النص بروحك ال بعينك ليختلط نبض إحساسك املرهف برصير القلم وتسطع‬ ‫أحب ما ال ُيرى م ّرتني» ‪ .‬هذه الرؤية اليقينية التي تتعامل مع بروق الذات‬ ‫من بينهام الرؤيا ‪.‬و كام يقول بودلري ‪ّ »:‬‬

‫للوصول إىل املعرفة الحقيق ّية ‪ .‬و»كلّام اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة « كام يقول النفري ‪.‬‬


‫م ّروا يف البال‬ ‫زينب رايض‬

‫حدث أن كنا أثناء الحرب األهلية اللبنانية يف منطقة ليست منطقتنا‪ ،‬وحدث أن توترت املصالح بني املتحاربني‪ ،‬وأخذ‬ ‫املوت عىل الهوية مأخذه‪ ،‬وصودف أننا كنا بجرية قوم بلغت إنسانيتهم مبل ًغا يجب بعده أن تكتب عن هؤالء الناس ألنك‬ ‫تحبهم حب الراد للجميل‪ ،‬وحب املعرتف بحسن الصنيع‪ ،‬وحب اإلنسان لنظريه يف الخلق‪.‬‬ ‫ليل يف منزلهم خوفًا من القصف‪،‬‬ ‫عندما اشتد تبادل القصف بني الجهات األربع رضخنا لطلب أحد الجريان بأن ننام ً‬ ‫وجزعا من العصف الذي قد يصيب أحد املوتورين‪ ،‬فريسلنا إىل السامء بحد السكني‪.‬‬ ‫خافت أمي علينا إذ كانت هي راعية البيت‪ ،‬بعد أن حورصنا يف منطقة سكننا «الرشقية»‪ ،‬وبقي والدي الدريك بعي ًدا يف‬ ‫مركز خدمته يتوسل الهاتف طريق ًة لإلطمئنان علينا‬ ‫قبلت أمي كل القبول أن ننام عند أخيها «رسكيس أيوب» و الذي كانت شهرته مامثلة لشهرة أمي ‪ ،‬وكان من أصالة‬ ‫الرجل أنه كان ينادينا «خالو» وذلك لطأمنة أمي أنها مبنزلة أخته وأنها يف بيته آمنة‪.‬‬ ‫أيضا أن الجار املالصق لبيتنا كان يوميًا يناول أمي ربطة الخبز أو نصفها بعد أن يقسمها بني عائلتيهام‬ ‫وبعض مام أذكر ً‬ ‫ٌ‬ ‫يف زمن كانت لقمة العيش فيه مغمس ًة بالويل والليل‪...‬وسمعته مرة يقول لها‪« :‬ال تخايف يا أم عيل لبفوت راس والدي‬ ‫بطال والدك»‪ .‬وملا سألتها ماذا يقصد «عمو الياس» قالت أن ال خطر علينا‪.‬‬ ‫أعاننا الله وهربنا من أتون الخطر بهمة أيب وأحد أصدقائه من أبناء الله ورجعنا اىل قريتنا ساملني‪.‬‬ ‫برجوعنا زغردت جديت لسببني اثنني أولهام هو عودتنا من فم الطائفية ساملني‪ .‬أما الثاين فهو بقاء جدي حيّا‪ ،‬اذ كان هذا‬ ‫الجد الفطري العنفوان يخطط لالنتقام ألرواحنا بعد أن رست إشاعة أننا غادرنا ظاهر األرض بال عودة‪.‬‬ ‫ويف هدو ٍء بني عاصفتني ذهب أهيل لنقل أثاث املنزل ‪ ،‬فوجدوا أن الجريان قد حافظوا عىل البيت بأن انتخبوا أحد الشبان‬ ‫أيضا أن ورود الرشفة ما زالت ريانة وعىل حالها‪ ،‬من اخرضا ٍر وحياة‬ ‫ليمكث فيه خوفًا من السطو و الرسقة‪ .‬ووجد أهيل ً‬ ‫إال أنها علت لتشكر ساقيها وراعيها‪.‬‬ ‫لهم يف القلب ذكرى واشتياق وجميل لن ننساه أبدا أولئك الذين يدينون بدين اإلنسانية وحسن السرية والجرية‪.‬‬


‫ويف نفس القصيدة يقول جوزيف حرب ‪:‬‬ ‫« كربالء ‪ ..‬يا مساحة املرارة وموشحة الحزن وغرف الغامم العراقية ‪ ،‬وشبابة الفرات التي ب ّحت وما رشبت ‪ ،‬وحارسة‬ ‫الدف من وجه رباب ‪ ..‬والحنان من فؤاد سكينة ‪ ..‬ومن فاطمة الذراع‬ ‫املصابيح التي اشتعلت بزيت الجنة ‪ ،‬خذي ْ‬ ‫حوايش الريح ‪ ،‬واملئي األباريق ‪ ،‬ومدّ ي الوسادة الزينب ّية ‪،‬فلقد أقبل الليل ‪،‬‬ ‫العف ‪ ..‬ومن زينب ر ّقة األخت ‪ ،‬ور ّققي‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫يدي «‪.‬‬ ‫ورجعت من كوفة الزمن القديم ‪ ..‬هبيني كربالء أرح رأس الحسني عىل ّ‬

‫جوزيف حرب أيها الكبري والنادر يف زمن التقوقع الطائفي واملذهبي حيث عادت كل طائفة إىل داخل رشنقة اختارتها‬ ‫مقص الحرب « لننقض ما حاكته الفنت بنا من بعد غزل أنكاثا ونبني أساسا ثابتاً دعامته الفكر‬ ‫مبحض إرادتها ‪،‬هبنا « ّ‬ ‫املستنري املح ّمل بكل املبادئ والقيم الجميلة ‪ .‬جوزيف حرب ندري أن « زعلك ط ّول « ولكن وعدتنا وقلت « رح نبقى‬ ‫سوا « وتأملنا أن نبقى سوياً وننهل من معينك الرصف علام وأدبا ‪.‬ظنناك متزح و مل نكرتث بكالمك عندما قلت « طالع‬ ‫فل « حتى غادرتنا بصمت ممتلئ بالكالم والعربوالحكم ومضيت قرب مبادئك دون أي ضجيج ‪ .‬عرفت كثريا ً وكنا‬ ‫ع بايل ّ‬ ‫نأمل أن تقول كثريا ً أيضاً فحكمك صار لها الدهر منشدا عىل قول املتنبي ‪.‬وأختم ببيتني من قصيدة « القليل الكثري «‬ ‫«ما عاب غصناً أن يكون نحيال ‪ /‬ورساج ليلٍ أن يكون ضئيال‬ ‫ما الغيم إال قول بح ٍر واسعٍ ‪ /‬فاعرف كثرياً يك تقول قليال ‪».‬‬ ‫الشاعر جوزيف حرب‬


‫م ّروا من هنا‪ ،‬تاركني‬ ‫وراءهم أحىل ذكريات‬ ‫املكان!!‬



‫‪ -7‬جبال يكسوها الثلج ‪..‬‬ ‫الصمت ‪..‬؟‬ ‫مل ّ‬ ‫ قبل السفر سألها ‪..‬‬‫جمع حقائبه ومل ينس أكياس التّمر وكتابه األخري‪.‬‬ ‫ثم نظر إىل قص ِة شعرها وخرج‪!..‬‬ ‫‪ 8‬أبجورة‬ ‫فجأة تهدا ٔ قاعة السينام‪،‬‬ ‫تُضاء االٔنوار‪..‬‬ ‫الفيلم مرضوب ‪،!.‬‬ ‫‪ 9‬ملوحة مياه‬ ‫جمعهام قارب صياد‪،‬‬ ‫السميكات عىل الشاطىء !‪.‬‬ ‫بعد سبعة ا ٔشهر تكاثرت ُ‬ ‫‪ 10‬مخالب أنثى طري‬ ‫يشرتي حاممة ‪ ،‬فتهرب إىل طري ا ٓخر يرفع جناحيه فوق جدار الجريان‪.‬‬ ‫‪ 11‬يشء من جزء‬ ‫حينام ا ٔهداها سلسال الذهب‪ ،‬دمعت عيناها‪،‬‬ ‫استغرب ملا وصله ذلك ‪!..‬‬ ‫جمعت ا ٔخواتها وقرا ٔت الفاتحة‪،‬‬ ‫ونذرت لله نذ ًرا إن تطابقت النتائج الطبية ستهديه إحدى عينيها ‪!..‬‬ ‫‪ 12‬بالهة ‪!..‬‬ ‫بصوت رخيم ‪ ،‬وبلباقة متثاقلة قلد صوت االٔسامك املهاجرة ؛ ملا سمعوه ُسجن بتهمة التجسس‪!!..‬‬ ‫‪ 13‬انحناءة‬ ‫تصفق خلفي‪،‬‬ ‫حينام ا ٔلتفت نحوها‪ ،‬تجاوزتني ومل تلتفت إ ّيل‪ ،‬بقيت ا ٔنا ا ٔلتفت إىل االٔمام‪ ،‬عباءتها مازلت طويلة‪!!..‬‬


‫جدا‬ ‫قصص قصري ًة ً‬

‫مالءايت تبقى دو ًما جافة دون بلل‬

‫حسن عيل البطران‬

‫‪ 1‬ريش‬ ‫أرسلت إليه عق ًدا‪ ،‬بدأ يغيل املاء يف اإلبريق هربت الحاممة من القفص‪ ،‬اغتالها ق ّناص ماهر‪!..‬‬ ‫‪ 2‬ألبسته ظال ًما ‪!..‬‬ ‫اتهمته بالظّالم ‪..‬‬ ‫ابتسم‪ ،‬أضاء املكان ‪..‬‬ ‫خجلت من نفسها‪ ،‬لبس كاممته وفنح الباب خلفه‪ ،‬لحقت به‪ ،‬دموعها تتتابع عىل وجنتيها ‪!..‬‬ ‫‪ 3‬مطالبة بالعذر الرشعي‬ ‫تغي لونها‪..‬‬ ‫سيارته الجديدة ّ‬ ‫مادة حارقة أُريقت عليها‪ ،‬زوجه الثّالثة؛ ذات ال ّنمش مل تصم ذلك اليوم ‪..‬‬ ‫‪ 4‬العد التصاعدي‬ ‫ينظر إىل املروحة وهي تدور برسعة هائلة حركة دائرية‪ ،‬تتح ّرك يف الوقت نفسه ميي ًنا ويسا ًرا‪ ..‬يرتاءى يف خياله رقصها‬ ‫وحركاتها األنثويّة ذات الغنج وامليوعة الهادئة ‪!..‬‬ ‫يقطع التّيار عن املروحة ‪ ،‬تتوقف حركتها‪ ،‬تتالىش من خياله نهائ ًيا مع توقف املروحة‪ ،‬يبدأ بالع ّد التّنازيل‪ ،‬تدخل عليه‬ ‫زوجه وتشاركه يف الع ّد‪ ،‬لك ّنها تع ّد تصاعديًا ‪!!..‬‬ ‫‪ 5‬املسار فيه انحناءات‬ ‫أريد الهروب إىل القرص يف الجهة املنخفضة ‪ ،‬رمضاء الطريق ملتهبة‪ ،‬رجل من بعيد يصفّق يل مرة‪ ،‬ويلوح بيده تارة أخرى‪،‬‬ ‫أنظر إليه‪ ،‬أجرب عينيي عىل الهروب بعي ًدا عن مساره ‪ ،‬نداء يتموج منه نحوي‪..‬‬ ‫أمسك عصاي وأسند ظهري عىل عربة (حامرة) قدمية‪ ،‬يهطل املطر‪ ،‬أصحو من غفويت‪ ،‬ال أرى شيئًا وال أعرف شيئًا ‪!..‬‬ ‫‪ 6‬لون كله أنوثة‬ ‫املقاهي مليئة بالبرش‪..‬‬ ‫كل تجمع نسا ّيئ به ا ٔلوان متداخلة وتحمل جاذبية ورائحة وضياء‪ ،‬لك ّنه‬ ‫يحتار هو إىل ا ٔي لون يجلس ويراجع عدد نبضاته‪ّ .‬‬ ‫يجد نفسه بجانب ذات الفستان االٔصفر‪ ..‬يتساءل مع نفسه مل اللون االٔصفر تحدي ًدا ‪..‬؟!‬ ‫يتذكّر أنّها قابلته يف مم ٍر ضق ٍ وسط الحارة ذات ضحى‪ ،‬رسقت عيناه صد ًرا يطفح ا ٔنوثة‪!..‬‬



‫‪ 14‬خيال فن وقت الظهرية‬ ‫خيال ا ٔناملها يف لوحة تشكيلية معلّقة عىل الحائط املواجه للمدخل‪ ،‬يراها كل من يزور ذلك املكان‪ ،‬حينام تلتقي بها‬ ‫شخصيًا تقبل ا ٔصابعها اليرسى وتتحايش ا ٔن تلمس ا ٔصابع يدها اليمنى‪!..‬‬ ‫تتساءل ملاذا ‪..‬؟‬ ‫ت ُرتك االٕجابة إىل ا ٔن تلتقي بها وقت ظهرية‪!..‬‬ ‫‪ 15‬تورية‬ ‫علمت بذلك‪ ،‬تخلت عني ‪!!..‬‬ ‫بعت كل يشء‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫من ا ٔجلها‪ُ ،‬‬ ‫‪ 16‬استحامم فوق عتبة‬ ‫ا ٔجربته عىل االستحامم‪،‬‬ ‫رفض إال بعد قضم التفاحة‪ ،‬قدمتها له يف صحن‪ ،‬ا ٔكلها وطلب فراولة ‪..‬‬ ‫ال متلك فاكهة الفراولة‪ ،‬استبدلتها بجحة صفراء‪ ،‬تذكر صاحبة الفستان االٔصفر والعتبات النافرة‪ ،‬ا ٔكل الجحة وقرشتها دون‬ ‫ا ٔن يشعر ‪!!..‬‬


‫الفواكه الحمضية و األفوكادو_ بذور كتان‬ ‫عندما تالحظني ظهور التجاعيد وانكسار األظافر وتساقط شعرك فهذه إحدى عالمات نقصان الكوالجني يف جسمك يف‬ ‫جسدك وجب عليك تناول األغذيةالتي تساعد يف إعادته لنسبته الطبيعية‪.‬‬


‫ت‬ ‫وج‬

‫مريم باجي‬

‫ذية‬ ‫غ‬

‫ماهي األطعمة التي تحتوي عىل الكوالجني‪:‬‬

‫امل‬

‫ينتش يف مناطق ُمختلفة من الجسم كالعظام واألوتار واألربطة ‪ ،‬و يحتوي الكوالجني‬ ‫الكوالجني نوع من الربوتينات ِ ُ‬ ‫عىل مجموعة من األحامض األمينية ‪ ،‬كام يلعب دو ًرا ها ًما يف الجسم إذ يساعد عىل منح أنسجة الجسم املختلفة القوة‬ ‫واملرونة التي تتناسب مع بنية و وظيفة كل منها‬ ‫عندما تنخفض نسبة الكوالجني يف الجسم فإن الجسم يتأثر سلبا ‪ ،‬و يؤدي انخفاض مستويات الكوالجني إىل‬ ‫ضعف يف عضالت الجسم‪.‬‬ ‫تقلص الكتلة العضلية‬ ‫اإلصابة مبشاكل هضمية قد تنتج عن ترقق البطانة الداخلية للقناة الهضمية‬ ‫ظهور التجاعيد عىل البرشة‬ ‫آالم يف املفاصل‬ ‫تشنج و تصلب يف أربطة وأوتار الجسم‬ ‫لجسم مفعم بالحيوية و النشاط و بعيد عن أي خلل و ضعف وجب أن تكون نسبة الكوالجني فيه طبيعية ‪،‬‬ ‫و يستحسن تناول األغذية التي تحتوي عىل الكوالجني و من أمثلة ذلك‪:‬‬ ‫ الدجاج و الديك الرومي و السمك ‪ :‬تعد اللحوم البيضاء مصدرا مهام للكوالجني ‪-‬‬‫‪ -‬مرق العظام واللحوم‪ :‬يع ّد َم َرق العظام مصدرا ً جيّدا ً للربوتينات التي تُساعد عىل تكوين الكوالجني ‪-‬‬

‫ الخضار الورقية‪ :‬تع ّد الخرضاوات الورقية من األغذية املُحتوية عىل العنارص امله ّمة إلنتاج الكوالجني‪ ،‬و تعد الورقيّات‬‫الخرضاء الداكِنة مثل السبانخ وامللفوف والكيل أهمها‪:‬‬ ‫ منتوجات الصويا ‪ :‬فول الصويا ‪،‬حليب الصويا ‪ ،‬زبدة الصويا ‪-‬‬‫ الكاجو‪ :‬يع ّد الكاجو أحد املصادر الغذائية الغن ّية بال ّنحاس إذ يحتوي كل‪ 28‬ميكروغراما منه‪ ،‬عىل ‪622‬‬‫ميكروغراماً من النحاس‪ ،‬وت َك ُمن أهمية النحاس يف الحفاظ عىل املكونات البنائية يف الجسم كالكوالجني واإليالستني‪ ،‬فقد‬ ‫يقل مستوى ال ّنحاس يف‬ ‫يَص ُعب تعويض التالف من األنسجة الضامة أو الكوالجني الذي يُشكل الدعم للعظام عندما ّ‬ ‫الوظيفي يف املفاصل‪ ،‬وعندها تبدأ أنسجة الجسم بالتّحلّل‬ ‫الخلل‬ ‫مم قد يؤدي إىل حدوث بعض املشاكل مبا فيها ُ‬ ‫الجسم‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬

‫ عشبة جينسنغ و الكزبرة بياض البيض‬‫الثوم‪ :‬ميكن أن يع ّزز الثّوم إنتاج الكوالجني يف الجسم‪ ،‬حيث يحتوي عىل نسبة عالية من الكربيت الذي يساعد عىل‬ ‫تكوين الكوالجني ومنع تكس ُريه‬


‫وهنا أدعو إىل ترجمتها إىل لغات العامل الحية لريى املتلقون كم هم عظامء شعراء العرب!‬ ‫س‪:‬طارق الكناين ‪ :‬هل فاز الشمري بجوائز خالل مشاركاته يف املسابقات ؟‬ ‫ال أحفل باملسابقات ألنني عىل يقني تام بأن (املسابقات) مسابقات ألن نتائجها مقررة ( مسبقا )‬ ‫وأرى إن أعظم جائزة فزت بها هي محبة عشاق الشعر وعاشقاته وهذه املحبة ال رياء فيها وال محاباة ألنها نابعة من قلوب تعشق الحياة والجامل‬ ‫س‪:‬طارق الكناين ‪:‬أين تضع نفسك مع مجايليك ؟‬ ‫كثريا ما كنت أقول‪ ،‬وأكرر اآلن ما قلت‪ (:‬كل من عليها أحسن مني ) ولهذا أضع نفيس وراء آخر واحد فيهم‪.‬‬ ‫س‪ :‬يقال إن الشاعر يسكنه الوطن ‪...‬أين تقف أنت من هذه العبارة ؟‬ ‫الشاعر الذي ال يسكنه الوطن ليس شاعرا‪ ،‬وال خري يف ما كتب ويكتب وال يستحق إال اإلزدراء‪ .‬ومن املؤسف أن نرى (بعض) هؤالء الشعراء اللقامني قد‬ ‫خانوا وطنهم وتعاونوا مع املحتل لتدمريه لقاء كمية من األعالف الخرض‪ .‬وحني استلموا مكافأة عاملتهم‪ ،‬وسنحت لهم الفرصة تركوه وخرجوا غري مأسوف‬ ‫عليهم‪ .‬لقد ريض هؤالء بخبز الذل يف أوجرتهم النتنة تلك‪ .‬ويرشفهم أن يكونوا هناك محض حاويات يتقيأ فيها السكارى ويلقون نفاياتهم بعد منتصف‬ ‫الليل‪.‬‬ ‫واملضحك يف هؤالء إنهم كثريا ما يتحدثون عن الوطن والوطنية ويدونون بطوالتهم يف املعارك الطاحنة التي يخوضونها خلف لوحة املفاتيح‪ .‬املعارضون‬ ‫العريضون ال يهمهم من يقود القطيع بل ما يرمى لهم من فتات‪.‬‬ ‫س‪ :‬طارق الكناين ‪:‬لنعد للرتجمة قليال ‪:‬قرأت لك عدة قصائد عاملية ترجمتها للعربية فكانت ترجمة رائعة حقا وضعتنا يف أجواء القصيدة متاما ؟ فهل‬ ‫ترجمت من العربية إىل االنكليزية ومن هم الشعراء الذين ترجمت لهم؟‬ ‫سبق يل أن ترجمت إىل اللغة اإلنكليزية ونرشت الجزء األول من ديوان ‪:‬‬ ‫( نقوش عىل أسوار بابل)‬ ‫‪Inscriptio on the Walls of Babylon‬‬ ‫الذي ضم قصائد بابلية وعراقية وعربية ألربعة وأربعني شاعرا وشاعرة وصدر يف طبعتني األوىل يف العراق‪ ،‬والثانية يف الواليات املتحدة األمريكية تعهدت‬ ‫بها الشاعرة العراقية املبدعة األستاذة رائدة جرجيس‪ ،‬رئيسة منظمة الكلمة الرائدة‪ .‬وسيصدر قريبا بعون الله الجزء الثاين الذي يضم مئة قصيدة ترجمتها‬ ‫ونرشتها حرصا ً يف موقع ( وتريات قصيدة النرث )‬ ‫س‪:‬طارق الكناين‪ :‬حني يضيق علينا األفق ويدلهم الخطب تبدأ قريحة الشاعر بنرث الدرر وكام يقول البعض إن الشعراء يولدون من رحم الشقاء ‪....‬وها أنت‬ ‫ترى اليوم ما يحدث يف الوطن من بالء ‪....‬ترى ماهي بصمة الشمري التي وضعها عىل جدار االحداث ؟‬ ‫كنت يف قلب الحدث عندما صمت كثري من ( شعراء أ ُحد ) الواقفني دوما وراء التل ينتظرون نتائج املعركة وال يهمهم من يقتل‪ ،‬أو يستشهد‪ ،‬وال يعنيهم‬ ‫يشء سوى جمع الغنائم‪.‬‬ ‫أنا أول من هجا ( الخليعة أبو بعر البغدادي )‪ ،‬حني ألقى خطبته املشؤومة يف الجامع النوري بقصيدة ( عاممة الشيطان ) وجلدت بقصيدة ( األنجسان‬ ‫) السلجوقيني اللذين تواطآ مع الدواعش وذيولهم ‪ ،‬وكانا السبب الرئيس ىف سقوط املوصل ‪ .‬وهجوت الكلب العقور‪ ،‬سليل الخيانة والغدر الذي تقتسم‬ ‫معه رغيف الخبز‪ ،‬وال يحرس بيتك أو بيته‪ .‬وكتبت قصيدة ( زنادقة ) عن لصوص الربملان والحكومة كلهم بال استثناء‪ .‬وكتبت عن ثورة الشباب التي وأدها‬ ‫املندسون ‪ ،‬وكتبت عن الذيول مبختلف انتامءاتهم ووالءاتهم‪.‬‬ ‫ولو كتب أحد شعراء األحزاب هذا لرأيتهم يرقصون حوله كام ترقص ال ِق َردة عند شجرة املوز أو فوقها‪.‬‬


‫طارق الكناين‬

‫ات‬ ‫وار‬ ‫ح‬

‫حوار مع الشاعر حامد الشمري‪.‬‬

‫س‪:‬طارق الكناين‪ :‬يف البداية أريد أن اسأل السؤال التقليدي ‪ :‬من هو حامد الشمري؟‬ ‫مل يكن هذا سؤاال تقليديا عىل اإلطالق‪ ،‬بل هو من الصعوبة مبكان بحيث ال أستطيع أن أجيب عنه بدقة‪ .‬ولو سألت غريي عني‪ ،‬لكان رده أكرث إقناعا‪ .‬قد‬ ‫يعرف املرء ما حواليه لكنه يبقى عاجزا عن معرفة نفسه عج َزه عن رؤية عينيه وعج َزهام عن رؤية بعضهام البعض‪ .‬ومع ذلك ال بد من اإلجابة للتخلص‬ ‫من الفخ املحكم الذي نصبته يل بخرباتك اإلعالمية‪ ،‬وإمكانياتك املرتاكمة فأقول بأنني ( ولدت بال ذيل‪ ،‬ومل تعتد يداي عىل طرق باب أحد ) تاركا كثريا من‬ ‫الطارئني يستجدون‪ ،‬عرب وسائلهم الخاصة التي يتقنونها‪ ،‬دعوة هنا أو هناك ليعودوا بغنامئهم من الصور التي توثق ارتقاءهم بعض املنابر حتى لو كانت‬ ‫عىل مقربة من مكبات النفايات‪ .‬وال أستثني‪ ،‬دون أن أعمم ‪ ،‬من هذا األمر نون النسوة ألن الزواحف ينشطون كثريا يف هذا املنفسح‬ ‫س‪:‬طارق الكناين‪ :‬كيف بدأت شاعرا ومبن تأثرت؟‬ ‫طرق بابنا ذات يوم شاب جميل‪ .‬كان يف غاية التهذيب واألناقة حتى إنني ما زلت أتذكر لون عينيه الوامضتني‪ ،‬ووجنتيه اللتني مل أجد شبيها لهام يف‬ ‫أرقى أنواع التفاح‪ .‬مل يكلم أحدا منا‪ ،‬رمبا لفرط حيائه‪ ،‬لكنه اقرتب مني وهمس يف أذين فلم أسمع ما قال؛ بل سمعت شيئا يشبه حفيف أجنحة أثريية‬ ‫‪ ،‬ثم غادرنا واختفى فجأة مثل شعاع خاطف‪ .‬وهنا وجدتني أمسك بقلمي وأكتب أول محاولة يف الشعر وأنا طالب يف املرحلة املتوسطة ‪ .‬ويف املرحلة‬ ‫اإلعدادية كان املتنبي أستاذي األول فقد وجدت فيه فخامة الشعر وعظمة الطموح الذي مل ينكفىء أو ينطفئ حتى آخر لحظة يف حياته‪ .‬وقد تأثرت بعده‬ ‫بالجواهري ونزار قباين وحفظت كثريا من شعر هؤالء وغريهم‬ ‫س‪:‬طارق الكناين‪ :‬كتبت العمود ما األقرب إليك قصيدة العمود أم قصيدة النرث؟‬ ‫كتبت قصيدة التفعيلة‪ ،‬والقصيدة العمودية ومل أخطئ يف الوزن مطلقا قبل أن أدرس العروض الذي أضاف إيل شيئا كثريا ً من الناحية الفنية‪ .‬وقد كتبت‬ ‫النص النرثي كذلك لكنني موقن إن الشعر شعر‪ ،‬والنرث نرث‪ .‬قد يتفوق النص النرثي عىل كثري من قصائد الفلني العمودية التي تكتب من اليسار إىل اليمني‪،‬‬ ‫ومل تعد الذائقة تستسيغها لكنه يبقى نرثا‪ ،‬وهذا مام ال يعيبه‪ ،‬وال أدري ملاذا ميتعض بعض فرسان النرث إذا ما وصف أحدهم بأنه ناثر‪ .‬كن ناثرا ثنرث الآللئ‬ ‫خري من أن تكون شاعرا يصفق له الجمهور بحرارة حني ينتهي من إلقاء قصيدته ألنه انتهى من إلقاء قصيدته‬ ‫س‪ :‬طارق الكناين‪ :‬لك تجربة غنية يف الرتجمة والشعر ولك اصدارات عديدة أي اصدار منها أقرب إىل قلبك وملاذا؟‬ ‫بدأت الرتجمة وأنا طالب يف الصف األول بقسم اللغة اإلنكليزية يف كلية اآلداب بجامعة بغداد‪ ،‬ونرشت أو قصيدة مرتجمة يف مجلة (الثقافة) التي كان‬ ‫يرأس تحريرها أحد أساتذة الكلية الدكتور الراحل صالح خالص رحمه الله‪ .‬وكنت‪ ،‬وال أزال‪ ،‬أميل إىل ترجمة الشعر دون غريه حتى إن بعض القصص‬ ‫القليلة التي ترجمتها كانت أقرب إىل الشعر منها إىل النرث‪ .‬وقد ترجمت مئات القصائد من مختلف قوميات العامل حتى إن بعض هذه القوميات مل تكن‬ ‫معروفة أو يسمع بها أحد من قبل مثل الننت واليوكاكري والجوكجي والياكوت والكبارد والياكوت وغري ذلك‪.‬‬ ‫وأسعى حاليا إىل جعل العام القادم ‪ ٢٠٢١‬عاما لنرش عدد من الدواوين املرتجمة‪ .‬أما أي اإلصدارات أحب إىل قلبي فليس مبقدوري أن أفرق أو أفاضل بني‬ ‫أي منها‪.‬‬ ‫س‪ :‬طارق الكناين‪ :‬ماهي الوسيلة التي تجعل من الشاعر عامليا؟‬ ‫الشاعر عاملي يف األصل ألن القصيدة ال تحتاج إىل جواز سفر‪ ،‬أو تأشرية لتهبط يف أي مطار أو تقلع منه‪ .‬وال أحد يطلب منها إبراز أوراقها الثبوتية يف‬ ‫أي معرب أو حاجز‪ .‬وتقف يف هذا الزمن امللوث ثالثة أسباب وراء عاملية الشاعر وهي املال والسياسة والجنس فاملال يشرتي قوافل من الطبالني والنقاد‬ ‫املأجورين وشتى وسائل اإلعالم لتجعل من القميء عمالقا‪ ،‬ومن األمي األبله مفكرا مبدعا ‪ ،‬ومن املنحط مالكا ‪ .‬وبوسع املال أن يجند عددا كبريا من‬ ‫املرتزقة ليجعلوا هذا املوما إليه أو ذاك شاعرا عابرا للقارات واألزمن أما السياسة فهي وباء كل إبداع حني تدس أنفها املشوه فيه‪ .‬ولو الحظت بإمعان‬ ‫لوجدت إن الغالبية العظمى من الشعراء ( الكبار ) هم صنيعة أحزاب ‪ .‬وأجزم إن بعض الشعراء كبار ألنهم كبار فعال‪ ،‬وبعضهم كبار ألن وراءهم أحزابا‬ ‫فاشلة تنفخ فيهم لتمتطيهم‪ ،‬أو مناصب راقية تغري النقاد املتسولني للكتابة عنهم‪.‬‬ ‫ويشكل الجنس‪ ،‬مبختلف متظهراته‪ ،‬ركنا أساسيا يف هذه املعادلة حيث حلت يف الصدارة ( بعض ) الشاعرات من ( املكتوب لهن ) واملوثقة رسقاتهن‪،‬‬ ‫اللوايت ال يفقهن يف الرصف والنحو والبالغة والعروض والنرث شيئا‪ ،‬وال ميتلكن إال أدوات الزينة‪ ،‬وخربة مرتاكمة يف فن الدغدغة عن بعد‪ ،‬واستخدام وسائل‬ ‫التواصل بطرق خاصة‪ .‬هؤالء ال يعدن من بلد عريب أو أجنبي حتى يتهيأن للسفر إىل بلد آخر ليشاركن يف هذا املحفل أو ذاك بقصائد كتبها لهن ( املضحوك‬ ‫عليهم ) حتى أصبحن شاعرات عامليات بطريقة مزيفة‪ ،‬يف حني انزوت كثري من الشاعرات املبدعات الحقيقيات ألنهن ال يتنازلن عن كربيائهن للزواحف‬ ‫ممن يعانون من عقدة االنثى‪ ،‬والجوع النفيس‪ ،‬والتصحر العاطفي‪ .‬ال عاملية بال ترجمة‪ .‬ومن املفجع حقا إن لدينا شعراء مبدعني يبزون كثريا من الشعراء‬ ‫العامليني بنصوصهم لكنهم ظلوا حبييس املحلية ألن أصواتهم بقيت مكتومة‪.‬‬


‫واع‬

‫دة‬

‫اإلسم ‪ :‬مروى محمد عباس‬ ‫السنه ‪ :‬الثانية ‪ /‬الجامعة اللبنان ّية‬ ‫الشعبة ‪ :‬ب‬ ‫الدكتورة ‪ :‬مرياي حمدان‬

‫الم‬ ‫أق‬

‫املواطنية‬

‫‪2021-2020‬‬

‫يعب مفهوم املواطنية عن هوية جامعة تطغى عىل الهويات املحلية ‪ ,‬و عىل إنتامء الفرد إىل مجتمع سيايس يشارك يف‬ ‫ّ‬ ‫نشاطاته ‪.‬‬

‫و املواطنية ‪ ,‬هي منظومة حقوق وواجبات‪ ,‬ينظر من خاللها إىل املواطنني كأفراد لهم فرص و حقوق متساوية يف الدولة‬ ‫‪ .‬حيث‪ ,‬أن تاريخ مبدأ املواطنة هو تاريخ سعي اإلنسان من أجل اإلنصاف و العدل و املساواة ‪ .,‬فقد إرتبط حق املواطنة‬ ‫عرب التاريخ بحق املشاركة يف النشاط اإلقتصادي و التمتع بتمراته ‪ ,‬كام إرتبط بحق املشاركة يف الحياة اإلجتامعية ‪ ,‬و‬ ‫أخريا» حق املشاركة الفاعلة يف إتخاذ القرارات الجامعية امللزمة ‪ ,‬و تويل املناصب العامة ‪ ,‬فضال» عن املساواة أمام‬ ‫القانون ‪.‬‬ ‫تدل الهوية عىل الرابط القانوين بني اإلنسان و األرض التي يعيش عليها ‪ ,‬و تشري إىل مسألة اإلنتامء إىل الوطن ‪ ,‬و إىل‬ ‫الجنسية ‪....‬كام ترمز إىل الرابط القانوين بني اإلنسان و السلطات التي تتوىل إدارة شؤون املساحة الجغرافية ‪ ,‬أو األرض‬ ‫التي يعيش عليها ‪.‬‬ ‫إن والدة كيان لبناين ‪ ,‬و دولة أدت إىل والدة الجنسية اللبنانية ‪ ,‬التي تعد عوامل أساسية لتحقيق مبدأ املواطنية ‪ .‬اضافة‬ ‫إىل أن وضع الدستور اللبناين ‪ ,‬وتحديد حدوده ‪ ,‬و إعطاء بطاقة هوية ‪.....‬جميعها أسباب ‪ ,‬بلورت فكرة املواطنية يف‬ ‫لبنان مع اإلنتداب الفرنيس ‪ ,‬لكن الشعور باملواطنية بدأ بالظهور قبل الحصول عىل اإلستقالل ‪ ,‬و خري دليل عىل ذلك هو‬ ‫إنتخاب الشيخ بشارة الخوري رئيسا» للجمهورية ‪ ,‬عىل الرغم من معارضة املندوب السامي آنذاك ‪.‬و يف ذلك دليل عىل‬ ‫تطبيق مفهوم السيادة قبل الحصول عليه‪ ,‬و السيادة رشط من رشوط تحقيق املواطنية ‪.‬‬ ‫فالدستور االلبناين جاء عام ‪ , 1990‬تحت العناوين التالية ‪:‬أولها ‪ ,‬الحقوق و الواجبات و املساوات بني املواطنني ‪ ,‬حيث‬ ‫تضمنت مقدمة هذا العنوان ‪ ,‬أرض لبنان أرض واحدة لكل اللبنانيني ‪ .‬فلكل لبناين الحق يف اإلقامة عىل أي جزء منها ‪ ,‬و‬ ‫التمتع به يف ظل سيادة القانون ‪ ,‬فال فرز للشعب عىل أساس أي إنتامء كان ‪ ,‬و ال تجزئة و ال توطينن ‪.‬‬


‫س‪:‬طارق الكناين ‪:‬ماهي نصيحتك للشعراء الجدد وماذا تقول لهم ؟‬ ‫لسنا قيمني عىل الشعراء الشباب ألنهم سيشقون طريقهم اإلبداعي الشاق بأنفسهم ‪ .‬ومنهم من يواصل تسلقه ويبلغ‬ ‫الهدف‪ ،‬ومنهم من يخفق فيتوقف ويرتاجع‪ ،‬أو يستأنف املحاولة‪.‬‬ ‫وإذا كان ال بد يل أن أقول شيئا ما لهم فأنا أنصحهم بأن يتعلموا العروض؛ فال شعر بال وزن وقافية وإيقاع مهام حاول‬ ‫إيها َمهم من ال يفقهون شيئا فيها‪ .‬وليس هذا األمر عسريا أو مستحيال حتى أن بوسعهم االعتامد عىل السامع ألن الشعر‬ ‫جاء أوال ثم استُنبط منه علم العروض‪ .‬وليس عيبا إذا عجز الناثر عن ذلك ألن لنصه النرثي جامله األخاذ‪.‬‬ ‫كام أحب أن أذكرهم بأنه ليس مطلوبا منهم أن يكتبوا كل يوم ثالثة نصوص عىل األقل‪ ،‬أو ديوانا كل شهر فكلام تأنوا يف‬ ‫الكتابة‪ ،‬جاء وليدهم معاىف دون الحاجة أن يوضع يف حاضنة الخدج‪ .‬وعليهم أال يكتبوا لينرشوا‪ ،‬أو ليك يحصلوا عىل مزيد‬ ‫من بصامت اإلعجاب والتعليقات ألن الجزء األعظم منها يدفع مثل رضيبة قرسية دون قراءة النص‪ .‬أنرشوا ( ليتعلقوا )‬ ‫بكم ال ( ليعلقوا) عليكم ألن التعليقات التي توضع أسفل نصك سبق أن وضعت بالحرف الواحد أسفل مئات النصوص‬ ‫األخرى لغريك‪.‬‬ ‫وال تعولوا عىل ما يقوله النقاد الدمج عن نصوصكم أو مجموعاتكم ألن معظمهم طارئون عىل النقد باستثناء قلة منهم ال‬ ‫يطلقون أحكامهم النقدية جزافا‪.‬‬


‫املواطن‬

‫مجد عبد الله الصفدي‬

‫ان املواطنة هي االنتامء للوطن و املشاركة فيه ‪,‬و تعبري عن العالقة القامئة بني الدولة و االفراد‪.‬فمن خالل املواطنة‪,‬يصبح‬ ‫هناك عالقة قوية بني االفراد و الدولة الحاكمة ‪,‬و ذلك من خالل احرتام القوانني و االلتزام بها‪.‬و املواطنة هي التي تجعل‬ ‫املواطنني يحصلون عىل حقوقهم املدنية و السياسية و االجتامعية و االقتصادية ‪.‬‬ ‫ليك تكون املواطنة فعالة‪,‬فهي يجب ان تقوم عىل عدة مقومات‪,‬منها‪,‬الوالء للوطن‪.‬وهذه هي من اسمى املقومات عىل‬ ‫االطالق‪,‬الن الوطن من اغىل االشياء التي ميلكها االنسان يف حياته‪.‬‬ ‫‪,‬و تقديم الوالء للوطن يكون عرب االلتزام بالواجبات اتجاه هذا الوطن و تقديم النفع له باي طريقة كانت‪ ,‬و الننىس‬ ‫الدفاع عنه و الشعور بالفخر لالنتامء اليه‪.‬‬ ‫املساواة و تكافؤ الفرص هي ايضا من اهم املقومات التي تقوم عليها املواطنة‪.‬فعندما يصبح كل افراد املجتمع متساويني‬ ‫يف الحقوق و الواجبات و الفرص بغض النظر عن معتقداتهم الدينية ‪,‬سيصل الوطن اىل التطور و السمو اكرث فاكرث مام‬ ‫سيساعد عىل التخفيف من حدة الرصاعات و املشاكل التي قد تنشاة بني االطراف التي تختلف يف االراء و االفكار‪.‬و هذا‬ ‫كله يتحقق عن طريق القضاء العادل و النزيه ينصف الجميع‪.‬‬ ‫ان املواطنة تتمتع بالعديد من الخصائص منها ‪ ,‬امكانية االكتساب و الفقدان‪ .‬فاملواطنة ميكن ان تكتسب و تصنع‪.‬فعن‬ ‫طريق الحصول عىل جنسية بلد معني ‪,‬يصبح الشخص الحامل للجنسية يتمتع بالحقوق و الواجبات يف الدولة اي يكون‬ ‫لديه مواطنة‪.‬و ميكن هذه املواطنة ان ت ُسحب من صاحبها‪,‬بسبب غياب الوالء الذي يعترب من اهم مقومات املواطنة‬ ‫مثل ما ذكرنا سابقا‬ ‫ان املواطنة متيزها صفة مهمة جدا‪,‬اال و هي انها تتمتع بعالقة تبادلية ‪.‬فهذه العالقة تكون متبادلة بني الفرد و‬ ‫موطنه‪,‬وميكن ان تتغري عرب الزمن‪ .‬ان املواطنة تساعد عىل نجاح الدولة و تقدمها و تتطورها ‪,‬من خالل احرتام الراي‬ ‫االخر و املساواة يف الحقوق و الواجبات‪.‬‬ ‫فكل هذه االعامل تحقق املصلحة العامة مام يؤدي اىل وجود مجتمع راقي يفضل مصلحة وطنه عىل مصلحته الفردية‪.‬‬ ‫فالوطن لن يتتطور اال اذا تحرر من القيود الطائفية التي تحكمه ‪,‬و عاش الجميع فيه يقدمون له كل الوالء و الحب و‬ ‫االحرتام‪.‬‬


‫ثانيها‪ ,‬الهوية ‪ ,‬متحورت مقدمة هذا العنوان حول ‪ ,‬لبنان عريب الهوية واإلنتامء ‪ .‬و آخرها ‪ ,‬السلطات ‪ ,‬حيث ورد يف‬ ‫مقدمتها ‪ ,‬الشعب مصدر السلطات و صاحب السيادة ميارسها عرب املؤسسات ‪.‬‬ ‫مام تقدم ‪ ,‬يظهر أن الدستور جاء معربا» عن نظام يضمن التساوي بني املواطنني ‪ ,‬و الحريات األساسية املتوفرة يف أية‬ ‫دميقراطية ‪ ,‬و دور املؤسسات الذي يطغى عىل دور األفراد ‪.‬‬ ‫املواطنية تعني ‪ ,‬التوازن يف منظومة الحقوق و الواجبات بني الدولة و املواطن ‪ ,‬بكل األبعاد السياسية ‪ ,‬و اإلقتصادية ‪ ,‬و‬ ‫اإلجتامعية ‪ .‬فام هو حق للمواطن هو واجب عىل الدولة ‪ ,‬و ما هو حق للدولة هو واجب عىل املواطن ‪.‬‬


‫املواطنه عرب تحمل املسؤوليه‬ ‫ماريه عيل سيف‬

‫األربعاء ‪٢٠٢١_١_٢٠‬‬ ‫املواطن‪:‬هو اإلنسان الذي يقيم يف الوطن ويحمل أسمه ويعمره ويدافع عنه ‪...‬فاملواطن الصالح هوا لجندي األول ألمن‬ ‫بلده وان من واجبات اإلنسان احرتام النظام الذي وضعته الدولة لتنظيم حياة الناس وتدبري شؤونهم ؛فيجب عىل اإلنسان‬ ‫رجال كان أو آمراه أن يدرك جيد أن الحفاظ عىل ممتلكات الوطن واجب وطني وأنا املساس بها ليست من أخالق‬ ‫املواطنة ألصالحه فا لحفاظ عليها هو الحفاظ عىل ثروة وطنك التي هي عامل من عوامل االستقرار االجتامعي واستمرار‬ ‫لحركة وطنك التنموية‪.‬‬ ‫إن من األهمية أن يكون اإلنسان له إحساس فيام حوله واإلحساس يتحقق يف جميع الترصفات وسبيل اإلحساس هو‬ ‫الحفاظ يعني التحفظ أيا كان وذلك بحسن الترصف‪ ,‬الوطن‪ :‬هو مكان اإلنسان ومقرة ‪،،،‬وإن املواطنه صفه املواطن الذي‬ ‫ينتمي للوطن وبإنتامئه هذا يرتتب عليه واجبات الوالء‪ ،‬والدفاع‪ ،‬و اداء العمل‪ ،‬ويرس له حقوق حق التعليم‪ ،‬والرعايه‪،‬‬ ‫والعمل‪ ،‬وعليه فإن املواطنه هي عالقه وطيده محدده بدستور وقوانني تربط بني الفرد ودولته‪ ،‬رشط ان تضمن له‬ ‫املساواة بني املواطنني‪ ،‬والعيش املشرتك‪ ،‬والنظام الدميقراطي‪.‬‬ ‫تتمثل قيمة املساواة بني املواطنني يف البلد من خالل حصول الجميع بشكل متسا ٍو‪ .‬أهم ما يحتاج إلية الوطن اليوم هو‬ ‫الفرد املسئول اجتامعياً‪ ،‬أو مبعنى آخر الفرد الذي يؤدي دورة ويقوم بواجباته‪ ،‬بغري حاجة إىل توجيه أو رقابة من شخص‪،‬‬ ‫أو جهات‪.‬‬ ‫ال ميكن تخيل مجتمع به رشيحة كاملة ال تقوم بدورها املنوط بها يف الوطن‪ .‬وال ميكن تخيل مجتمع ينعدم لدى أفراده‬ ‫الضمري واملسئولية نحو أنفسهم وما حولهم‪ ،‬وينعدم لديهم اإلحساس بقضايا املجتمع والوطن‪ ،‬والنهوض باألمانات‬ ‫امللقاة عىل عواتقهم‪ .‬فاإلميان بأهمية دور املسئولية الشخصية واالجتامعية والقانونية ومامرستها هي جزء من استمرار‬ ‫املجتمعات واألفراد وبقائها والحفاظ عىل توازنها‪ .‬فاملجتمع ال ميكن أن يقوم بتعيني مراقب لكل فرد يف تنفيذ واجباته‪،‬‬ ‫وما يتطلب منه يف عمله‪ ،‬ويف الدور الذي يقوم بيه ليخدم املجتمع‪ ،‬ويف إتباع النظام العام‪ ،‬فالبد أن يكون لدى كل فرد‬ ‫قدر محدد من املسئولية يف أداء واجبه‪ ،‬والقيام بدورة‬


‫املواطن‬

‫الجامعة اللبنانية‪.‬‬ ‫معهد العلوم االجتامعية‪.‬‬ ‫الفرع الثالث‪.‬‬

‫الدكتورة ‪ :‬مرياي ابو حمدان‬ ‫الطالبة ‪:‬مريم أحمد إختيار‬

‫السنة ‪ :‬الثانية‬ ‫العام الجامعي ‪2021 -2020 :‬‬

‫فاملواطنة بشكل عام هي املكان الذي ينتمي إلية الفرد ويحمل جنسيته ‪ ،‬ويكون مشاركا» بصناعة القرار الذي يسعى‬ ‫إىل بلورة وتطوير بلده ‪ .‬فهو بالوقت الذي يتمتع فية بحريتة وحقوقه فهو يخضع تلقائيا» للقوانني ‪ ،‬والدساتري التي ينص‬ ‫عليها ويرشعها قانون البلد ‪.‬‬ ‫فاملواطنة هي العالقة بني الفرد واملجتمع ‪ ،‬فالنتائج التي تصدر عنهم هي التي تحدد وطنية الفرد تجاه مجتمعه ‪.‬‬ ‫ففي الدول الدميقراطية يحق ملن يحمل الجنسية أن يشارك يف حقوق املواطن السياسية واالجتامعية ‪ ،‬أما يف الدول الغري‬ ‫دميقراطية فهي تعتربها مجرد تبعية‪.‬‬ ‫فالوطنية هي حب الوطن أهال» وأرضا» وعدم التخيل عنهم مهام ساءت الظروف ومساندتهم والسعي إىل خدمة‬ ‫مصالحهم ‪.‬‬


‫فن‬

‫اللوحات الثالث بريشة الفنانة‬

‫حنان بوحسن‬

‫للعينني لغة حوار يعجز املعجم عن ترجمتها‪ ٬‬ولربيقها رس‬ ‫انعكاس الضوء من الروح عرب األثري‪ ...‬لوحتي بعنوان (أمل)‬

‫أمل‬


‫أن الشباب لهم مكانتهم ودورهم يف إطار عملية التنمية‪ ،‬والتحديث التي متر بها مجتمعاتهم وبخاصة مجتمعات العامل‬ ‫الثالث فهم القوة العقلية التي تستطيع استيعاب ما يساعد عىل التجديد والتحديث واالنتامء هو بداية تحول الشاب إىل‬ ‫إنسان مخلص ألمته وقوميته‪ ،‬والتالحم بني الفكر والتنظيم يجعله إنساناً مؤمناً بأهداف أمته ساعياً إىل تحقيقها‪ ،‬وبحكم‬ ‫هذا االنتامء فإن درجة الشعور باملسئولية تضيق وتتسع طبقاً للشعور باالنتامء‪ .‬والشعور باالنتامء يتأسس عرب التفاعل‬ ‫االيجايب بني الدولة واملواطنني‪ ،‬هذا التفاعل الذي يشكل يف مضمونه مفهوم املواطنة والتي متثل النواة الصلبة لتحقيق‬ ‫املسئولية االجتامعية‪ ،‬ويتطلب تربية الشباب وفقاً ملفهوم املواطنة‪ ،‬تنمية معرفة الفرد مبجتمعه‪ ،‬وتفاعله إيجابياً مع‬ ‫أفراده بشكل يسهم يف تكوين مواطنني صالحني متمكنني من حامية املجتمع والحفاظ عىل أمنه‬ ‫وأمان ِه وانطالقاً من ذلك فإن املسئولية االجتامعية ال تتأسس إال بإفساح الطريق للمشاركة الفعالة‪ ،‬تلك التي متثل الرتبة‬ ‫الخصبة لتنمية املسئولية ويتطلب استنباط املسئولية االجتامعية كام ال ننفى إن الدولة تضع مخطط وضح نظري قانوين‬ ‫لحقوق املوطن وهذا هو قلب املسئولية االجتامعية ولكن املفرقات التي تحدث يف تطبيقاتها من قبل املسئولني وتراجع‬ ‫فهم املسئولني ينتج عنه آثار ضارة بالبناء االجتامعي‪.‬‬ ‫فهناك تغريات اقتصادية جعلت الشباب يف مجتمع اليوم يعيش يف ظل أزمة اقتصادية‪ ،‬تتجسد يف اختالل توزيع الدخل‬ ‫ولكن رغم كل ذلك علينا أن نحافظ عىل نظامنا ووطننا من خالل تحمل كل إنسان املسؤولية عن فعل قام به يف املايض‬ ‫وخلف وراءه آثارا ً معينة وهو الذي يتحمل تبعة هذه اآلثار والنتائج املسئولية االجتامعية هي وعى الفرد بالواجبات‬ ‫والدور الذي يؤديه ويقوم به تجاه املجتمع والصالح العام ويتحمل نتائجها‪ ،‬لتعود عليه يف صورة حقوق يستفاد منها”‪.‬‬


‫الحرية بفرد الجانحني بالتحليق دون التعرث بشوائب األرض‪ ٬‬واملبهر مزيج األلوان الساحر مبنتهى الرتتيب والتناسق‪...‬‬ ‫لوحتي بعنوان (الحرية)‬

‫الحرية‬


‫الطبيعة هبة الله لنا بأتقن تأليف بكل عنارص الحياة بنكهة الياسمني والرياحني حيث الحياة‪ ...‬لوحتي بعنوان‬ ‫(ارتواء الروح)‬

‫ارتواء الروح‬



‫أجل‪َ ،‬ج ْيِ‪ ،‬وال‪ ،‬وكالّ‬ ‫نعم‪ ،‬بىل‪ ،‬عىل إي‪ْ ،‬‬

‫غة‬ ‫لل‬

‫أرسة التحرير‬

‫ية ا‬ ‫زاو‬

‫أحرف الجواب‪:‬‬

‫‪ 5‬ــ نعم‪ :‬هي حرف تصديق‪ ،‬نقول‪ :‬أقبل األستاذ‪ ،‬فتقول نعم‬ ‫وتكون لإلعالم واالستفهام والوعد‪ :‬نقول‪ :‬هل جاء املدرس؟‪ ،‬فتقول‪ :‬نعم‪ .‬وللوعد‪ :‬هل تزورين؟ فتقول نعم‪.‬‬ ‫وتأيت «نعم» للتوكيد‪ ،‬كقولنا‪ :‬نعم‪ ،‬هذا موقفي‪ .‬وهي لإلعالم أيضاً‪.‬‬ ‫وحرص سيبويه «نعم» بالوعد والتصديق‪.‬‬ ‫*****‬ ‫«ألست بربكم؟ قالوا‪ :‬بىل»‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ 6‬ــ بىل‪ :‬حرف جواب ال تأيت إالّ بعد نفي‪ ،‬كقوله تعاىل‪« :‬أَ َومل تؤمن؟ قال بىل»‪ ،‬و‬ ‫*****‬

‫‪ 7‬ــ إي‪ :‬بكرس األلف وتسكني الياء‪ .‬هي حرف جواب مبعنى «نعم»‪ ،‬وتأيت قبل القسم عند الجميع‪ ،‬كقوله تعاىل‪:‬‬ ‫للقسم‪.‬‬ ‫«ويستنبئونك ٌّ‬ ‫أحق هو‪ ،‬قل إي وريب إنه لَ َح ٌّق»‪ .‬إي هنا هي توكيد َ‬ ‫*****‬ ‫‪ 8‬ــ أ َج ْل‪ :‬بسكون الالم حرف جواب مثل «نعم»‬ ‫*****‬ ‫‪ 9‬ــ َج ْيِ‪ :‬حرف جواب مبعنى «نعم»‪ .‬وهو مبني عىل الكرس‪ .‬واستعملت عند العرب مبعنى حقاً‪ ،‬وكأنها اليمني‪ .‬تقول‪َ :‬ج ْيِ‬ ‫ألزو َرنّ َك‪ ،‬أي حقاً ألزو َرنَّ َك‪.‬‬ ‫*****‬ ‫‪10‬ــ ال‪ :‬من معانيها كونُها َ‬ ‫جواب مناقضاً لـ «نعم»‪ ،‬وهي لنفي الجواب‪ .‬و»ال» حرف الجواب تُحذ َُف ال ُج َم ُل بعدها‬ ‫حرف‬ ‫ٍ‬ ‫كثريا ً‪ ،‬كقولنا‪ :‬هل زارك زي ٌد؟ فتقول‪ :‬ال‪ .‬واألصل‪ :‬ال‪ ،‬مل يز ْرين‪.‬‬ ‫*****‬ ‫لت يف القرآن‬ ‫‪ 11‬ــ كَالّ‪ :‬حرف جواب للردع والزجر‪ .‬حني ييس ُء إليك أحدهم تزجره‪ ،‬وتقول له‪ :‬كالّ‪ ،‬لن أر ّد عليك‪ .‬واستع ِم ْ‬ ‫الكريم مبعنى حقاً‪« :‬كالّ‪ ،‬إنّ اإلنسان لَيطغى أنْ رآه استغنى»‪.‬‬


ISSN 2694-6025


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.