بطاقة مكتبية
الكتاب :جربان خليل جربان -شواهد الناس واألمكنة املؤلف :هنري زغيب النارش :درغام املوضوع :أبحاث بيوغرافية اللغة :عربية عدد الصفحات 272 :صفحة القياس 24 x 17 :سنتم رقم الكتاب يف النظام الرقمي الدويلISBN 978-9953-579-03-0 : الطبعة ا ُ ألوىل :آذار 2012 الطبعة الثانية :حزيران 2012
© احلقوق حمفوظة للنارش
منشورات درغام
سد البورشية بناية درغام -شارع الفردوس ّ - ص ب 90 -1728جديدة املتن املتن 1202 - 2130 الربيد اإللكرتوينinfo@dergham.com : املوقع اإللكرتوينwww.dergham.com :
5
من هنري زغيب إيقاعات ب يف الزمن املمنوع قصائد ُح ّ سمفونيا السقوط والغفران من حوار البحر والريح أن ِ تْ ...ول َت ْن َت ِه الدنيا كِ وجه تقاسيم عىل إيقاع ِ ِم َّنصة ربيع الصيف الهندي عىل رمال الشاطئ املمنوع
ِشـعـر :طبعة أوىل ،1986طبعة ثانية ( 2002بريوت) ترجمها اىل اإلنكليزية ُ :مختارات من ِشع ِره َ عدنان حيدر ومايكل بريد طبعة أُوىل :واشنطن ،1991 طبعة ثانية :بريوت 2005 :طبعة أُوىل :واشنطن ، 1993طبعة ثانية :بريوت 2004 :طبعة أُوىل :واشنطن ، 1994طبعة ثانية :بريوت 2004 :بريوت 2001 :بريوت 2005 :بريوت 2006 :بريوت 2010 :بريوت 2012
ألنني املعبد واإلِ َل َه ُة أن ِ ت ُ صديقة البحر ميميات َح ّ ميميات َح ّ نقطة عىل الحرف ُلغاتُ اللغة
نـثـر :بريوت 1981 :طبعة أُوىل ،1998طبعة ثانية 2005 :بريوت 2003 :يف 4لغات (العربية ،اإلنكليزية ،الفرنسية ،األملانية) منشورات جامعة سرياكيوز -نيويورك 2008 :بريوت 2010 :بريوت 2011
سرية وأنطولوجيا القصة اللبنانية [يف جزءين] -بريوت 1980 َأقر ُأ من لبنان :أُنطولوجيا َّ الضيعة اللبنانية بأقالم أدبائها :بريوت 1982 طريق َّالنحل :بريوت 2001 األخَ َوين رحباين - ُ * تنسيق وتقديم املجموعة املرسحية الكاملة لألخوين رحباين [ 20جزء ًا] -بريوت 2005 :بريوت 2010 سعيد عقل إن حكى جربان ..شواهدُ الناس واألمكنة :بريوت 2012
4
ُ يالحقني َأم ُأالحقه؟
إعالن املضيفة لحظة َ عن يل ُ ت يب الجامبو ،ذاك الصباح من نيسان َ ،1985لم َي ِ جث َم ْ وصلت إىل بقد ِرما كنت أَشعر أنني أننا وصلنا إىل مطار جون كيندي يف نيويوركْ ، ُ املدينة التي عاش فيها جربان. َتولى رئاسة مانهاتن، بلغت وحني جئت أ ّ َ ودخلت مكتب جريدة الهدى التي ُ ُ ُ قريب من املبنى َتحريرها، انتبه ُ ُ ت إىل أنه ٌ وأدركت أنه املبنى 34من الشارع 28غرب ًاْ ، 28يف الشارع 9غرب ًا ،حيث سكن جربان أول وصوله اىل نيويورك يف ضيافة صديقه استقر جربان يف أمني الريحاين ،وعىل أمتار منه املبنى 51يف الشارع 10غرب ًا ،حيث ّ ُمحرتفه عرشين سنة متواصلة. جار جربان يف نيويورك ،ولو بعد 54عام ًا عىل رحيله ،وسأَذوق ما ذاقه ها أنذا إذ ًا ُ لديها وأعيش كام عاش فيها. عت روحانية جرية افرتاضية ،صحيح ،لكنها جري ُة ٍ ٍ صامتة كانت ترسي يب كلام ّ تطل ُ رست يف إىل الالفتة املعدنية التي عليها رقم الشارع عند ناصيته ( 10غرب ًا) ،أو ّكلام ُ أسفل وتنقل عابر ًا أ َِّي شار ٍع ذي عالقة ِبجربان يف هذه املدينة التي عاش فيها َّ شوارع ِ َ مانهاتن (حي الـڤيل ِْد ْج )طوال عرشين عام ًا ،منذ وصوله إليها سنة 1911حتى رحيله سنة .1931 جري ٌة كان الشعور بها يعيش معي طوال َتجوايل عىل أماكنه يف تلك اإلقامة النيويوركية التي كأنها كانت رحلة بحث ميداين عن املناخ املديني الذي عاش
7
سيدة األرز (،)1910 -1895 ُ وزرت مدرس َة ماري هاسكل يف شارع مارلبورو ،وكنيس َة ّ وز ْر ُت جثامنه فيها ،والساح َة التي عىل اسمه اليوم واللوحة التذكارية فيهاُ ، التي ُس ِّج َي ُ ت ناي جربان النحات خليل جربان وزوجته جني وعندهام وبعض ثيابه ومئا ِ ُ َ عاينت َ وشك َلت مادة كتابه البيوغرايف الشهري. جمعها خليل وزوجته َطوال سنوا ٍ ت ّ الوثائق التي َ حرتفه ،واملستشفى الذي تويف فيه، زرت الشارع الذي كان فيه ُم ُ َ ويف نيويورك ُ وقصدت ذات عالقة ِبحياته يف أَسفل مانهاتن، واألماكن التي كان َّ ُ يرتدد إليها أو هي ُ َ َود َع ْته ماري بيت ماري هاسكل وقريب ًا منه ُمتحف ت ِْل ِفري الذي أ َ ساڤانا (جورجيا) زائر ًا َ وجامعتها يف ْتشاپل ِه ّل التي أَمضيت وقصدت نورث كاروالينا لوحات جربان إليها، َ ُ الرسائل األصلية بني متع ًة طويل ًة أ ُِّقلب بني َيد َّي يف جناح أرشيڤها الغني ساعا ٍ َ ت ُم َ ّ ودفاتر يومياتها الخاصة .وحني انعقد املؤمتر األول للدراسات الجربانية جربان وماري َ رشف أَن يختارين رئيسه الپروفسور سهيل برشوئي، يف جامعة مرييلِند ( )1999كان يل ُ مؤسس ًا معاون ًا لـاالتحاد العاملي للدراسات الجربانية لِمنطقة لبنان باسم الجامعةِّ ، والرشق األوسط ،ما وطّ د عالقتي بجربان عىل املستوى املهني. وإىل مشاركايت وأنشطتي يف خمسينية جربان ( )1981ومئويته ( ،)1983جاءت فجعلت لها من مركز الرتاث اللبناين يف الجامعة اللبنانية الذكرى 125لوالدته ُ نواح مختلفة من أدب جربان وسريته. األمريكية منرب ًا ألربع ندوات أضاءت جديد ًا عىل ٍ يالحقني؟ أم ُأالحقه؟
طبعت طب َعت حياته وأدبهَ ،وتجربتي األمريكية َ مسريته األمريكية (َ )1931 -1895 ففهمت النفيس والذهني والعاطفي الذي عاش فيه، املناخ يب الكثري من معرفتي ُ َ ّ وح ْلمه -كام قال يوم ًا وطع َم ُ ميداني ًا َ حنينه إىل لبنانْ ، برشي ووادي قاديشاُ ، الغربة عن ّ أي حال ،أوىص لِميخائيل نعيمه -أن يزور وادي قاديشا من جديد ،وهو الذي ،عىل ّ برشاء دير مار رسكيس كي يسرتيح فيه عند غيابه األخري. وجبالها يف خلفية عددٍ واف ٍر وهادها وهضابها ُ األم التي تظهر ُ قوي ًا كان ُ حنينه إىل أرضه ِّ ُ السبع من لوحاته التي رسمها يف صومعته النيويوركية ،مع أن نيويورك أ ْ َطلقت ُه ،يف سنواته ْ يتخل عنها حتى األم. ولبناني ُته التي مل َّ األخرية ،إىل شهر ٍة ما كان ُممكن ًا أن يبلغها من أرضه ّ َّ عالمي ًا من لبنان. عز َمجده األمريكي ،جعلته يفتتح فجر أن يكون املبدع مواطن ًا َ وهو يف ّ
9
فيه ،عرب الناس الذين عرفوه أو عايشوا من عرفوه ،واألمكنة التي رسمت خارطة حياته. وطوال إقامتي هناك ( ،)1986 -1985ومنذ اليوم األول لوصويل إىل مانهاتن، وق َع صامت ّكلام كان يالزمني شعور مشيت يف تلك الشوارع ،فأ ََت َخ َّيل عىل أرصفتها ْ ٌ ُ وأوصلته إقامته هنا إىل العاملية لعبقري من لبنان كان َيمشيها قبل سبعة عقود، َقد َمني ْ ّ فالخلود. كنت أتساءل :لو كان أمىض حياته يف لبنان ،هل كان نال ما نال هنا ،وبلغ وغالب ًا ما ُ حيث بلغ هنا؟ يالزمني فقط وأنا يف نيويورك. غري أن جربان مل ْ عالمه .ومل أكن أدري هل أنا ً طويال قبلذاك ،يف لبنان ،كان يعيش معي وأعيش يف َ أُالحقه أم هو من يالحقني. جناح خاص به هو األكرب واألغنى بني جميع األجنحة يف مكتبي ،مبا ففي مكتبتي ٌ ووثائق أعود إليها عند كتابتي نص ًا أو حاجتي إىل وصور ومجالت يحوي من ُكت ٍ َ ب عنه َ معلومة. صد َرت يف أكثر من كتابات وعند االحتفال بخمسينيته فمئويته ،كانت يل ٌ ٌ ومتابعات َ ومجلة وإذاعة وتلڤزيون. جريد ٍة َ بي وحني طلب مني الصديق فريد سلامن ،سنة ْ ،1981 وضع ترجمة باللبنانية ّ لـالن ّ املقرر أن ُتصدِ رها لجنة كل عمل آخر وانرصفت إليها حتى ْأن ْ ُ ُ أوقفت ّ جز ُتها ،وكان من َّ جربان الوطنية يف طبعة خاصة. كتاب النحات خليل جربان جربان :حياته وعند وصويل إىل الواليات املتحدة كان ُ َشهر ،أَقرأُه وأُعيد قراءته َلس َب َبني :غوص ًا عىل حياة جربان، وعامله رفيقي طوال أ ُ فضعف امتالكي ومساعد ًة عىل َت َم ُّكني من اإلنكليزية - ُ َ وكنت َه َج ُرتها زمن ًا يف لبنان ُ ُفيد منها يف آن. إياها -حتى أَستعيدها بقراء ٍة ُ أستسيغها وأ ُ يالحقني؟ أم ُأ ُ الحقه؟
جعلت دأْيب أن أَزور األماكن التي َس َك َنها. يف الواليات املتحدة ُ الخمس عرشة األوىل شه َدت سنواتِه األمريكي َة ُز ْر ُت شوارع بوسطن وأحياء فيها ِ َ َ
8
يالحقني؟ أم ُأ ُ الحقه؟
تساؤل لعلي اليوم ،بإصداري يف هذا الكتاب كتابايت الكثرية عنه ،أَيف ما يف بايل من ٍ ّ حديث ،أَو جهت شخصي ًا أو كتابي ًا ،أَم يالحقني َّكلام دار عنه ٌ كنت أ ُ ُالحقه كيفام ّات ُ إن ُ حل ٌّي أو ُد َول ِّي. مؤمتر َم ّ َح َّلت مناسب ٌة ،أَو انعقد ٌ ت نرشتها مقاال ٍ كنت ُ جموع كتابايت عن جربان يف ربع قرنُ ، هذا الكتاب إذ ًاَ ،م ُ بعضها يف لبنان وبعضها اآلخر من جال ٍ متتالي ًة يف ُص ُح ٍ وم ّ ت ،من أمكنة كتابتهاُ : ف َ الواليات املتحدة التي كان دأْيب فيها أن أَبحث عن جربان يف إطار املكان املحدود الذي خرج منه جربان إىل َو َس َاعة الزمان. وشهادات من أصدقاء له أو ب َشهاد ٌة عىل املكان والزمان، صفحات هذا الكتا ِ ٌ ُ عارفني أو ُم َهت ّمني غرفوا من بحره أو غاصوا فيه. شواهد الناس واألمكنة. إنها هنا ُ خلودهَ ،من يبقى بعد غيا ِب ِه ساكن ًا يف ذاكرة الناس ويف تذكارات وما أَهنأ َُه وأَطْ َو َل َ األمكنة.
11
قرن من الزمن: من صومعته الصغرية َش َّع عىل العامل الكبري .ويف ما سوى ربع ٍ األول يف العربية نبذة يف املوسيقى )1905( حتى كتابه األخري يف منذ كتابه ّ يرتدد وإىل زمن اإلنكليزية آلهة األرض ،)1931( مأل زمان ًا من أدبه ال يزال ّ طويل بعد. ٍ رمال من شكل أو يف َآخر ،نكون عىل ٍ كأنه البحر ،كيفام ِس ْرنا عىل شاطئ نكاد ،يف ٍ شاطئ جربان الذي كان طليع َة التجديد يف زمن اللغة العتيقة ،وصدار َة الرؤيا يف زمن الرؤية التي كانت تبحث عن جديد. «شواهد الناس واألمكنة»
هذا الكتاب ليس دراس ًة يف أدب جربان .الكتابات عنه ال ُتحىص ،ويف معظم لغات العامل. ودراسة لغة وليس ٍ استقصاء بيوغرافي ًا ،بعدما سري ُة جربان باتت منترش ًة يف كل ٍ ً وموقع إلكرتوين. شخصيته يوط يف حاوال ْنس َج ُخ ٍ قرن صوب جربانُ ،م ً إنه رحل ٌة بدأ ُْتها قبل ربع ٍ ّ وقاب ْل ُتهم يف الواليات املتحدة خالل إقامتي األوىل فيها سنة من خالل َمن عارصوه َ ،1985ورسموا يل مالمح من ذكرياتهم عنه كام عرفوه ،ومن خالل األماكن التي يرتدد إليها ،أو ذات العالقة املبارشة بحياته يف بوسطن أو نيويورك. كان َّ وبقدرما كان ُيفرحني أن أَسمع من معارصيه مالمح عنه جديدة ،كان ُيحزنني أَن ْ أحد مالمح أخرى عن شخصيته َتضيع أُخرى مع َمن عرفوه وغابوا ومل ُ يقطف منهم ٌ التكتم الشديد والصمت الطويل. الغريبة الخاصة ذات ُّ وحسب .لذا مل رحل ٌة خاصة حميم ٌة َ صوب الرجل الكاتب ،ال صوب الكاتب ْ عالمه أ َُر ِّكز عىل أدبه دارس ًا أو ناقد ًا أو باحث ًا أو ُمحل ًِال ،بل دخلت إىل زوايا من َ ُ منشورها الخاص الذي نتج عنه ،جزئي ًا أو كلي ًا ،ذاك األدب وتلك الكتابات، ُ بعضها ،حتى فرت ٍة أخرية ،ال يزال ت وم َس َّودا ٍ أو الباقي ُمخططا ٍ ورسائل كان ُ َ ت ُ قسام كبري ًا منه يف كتاب أ ُْق ُلب َصدرت لجنة جربان الوطنية ً َمخطوط ًا حتى أ َ الصفحة يا فتى.
10
13
1 مالمحه في ذاكرة آخر معاصريه ُ أندرو َغريب: خانـتْـُه ُ كلمات الشكر فغادر المنبر باكياً ُبابه كان مفتوح ًا ،ال قلبه. وبقي ُلغز ًا بعيد ًا حتى إىل أقرب َ فتح التي تلك إال وإليه، منه الناس ّ َ وبقيت قلبه لها، َ وفتحت قلبها لهَ ، َ تنكشف ّإال معها ه حيات رس األرسار فلم ِ ُ َّ بعد غيا ِبهام مع ًا يف رسائلِه إليها (325 رسالة) ورسائلِها إليه ( 290رسالة) ودفات ِر يومياتها الحميمة ( 47دفرت ًا)، جميعها مكتبة جامعة نورث أود َع ْتها َ َ كاروالينا يف ْتشاپِّـل ِه ّل ،حيث ال أندرو غَ ريب مع الكتاب الذي ترجمه تزال َمحفوظ ًة يف جناح املخطوطات من نصوص جربان العربية النادرة .هناك اطّ َل َعت عليها ڤرجينيا قسام كبري ًا منها يف كتابها ونرشت حلو ً َ النبي الحبيب ،وعنها أخذ توفيق صايغ مادة كتابه أضواء جديدة عىل جربان. أي مالكٍ الرتاس ّيل َ ومن هذا ْ انفت َحت لنا ٌ أي ُل ْغ ٍز كان جربان ،وعىل ِّ أنوار عىل ِّ الكنز ُ وانحجبت عن الظهور طوال حارس كانت ماري هاسكل التي َمألت أيامه ولياليه، َ حتى آلهة األرض الذي صدر قبل وفاته بأُسبوعني) حيا ِته ،مع أنه (من املجنونّ وباركت ُه عيناها. قلمها ْ مل ُ ينشر نص ًا واحد ًا يف اإلنكليزية ّإال بعدما َسرى عليه ُ
15
من مجموعة ماري هاسكل لدى متحف تلفري يف ساڤانا – جورجيا
14
يسوع ابن اإلنسان – بالقلم الرصاص ( 44.5 × 70سنتم)
الذوبان الروحي – بالقلم الرصاص ( 19 × 26.5سنتم)
الذات الكربى – بالقلم الرصاص ( 20.5 × 26.5سنتم)
مريانا تبكي أمها عىل رسير املوت – زيتية ( 50.8 × 68.6سنتم)
ويف كتاب قصائد نثر (الصادر سنة 1934يف نيويورك عن ْكنوف نارش مؤلفات بارب َره جربان)َ ،ور َد يف مقدمة َ الفت عن أندرو كالم ٌ يونغ ٌ مرتجم تلك املقطوعات َغ ِر ْيب ِ االثنتي عرشة من العربية إىل اإلنكليزية. ويف كتاب غريغوري أورفيليا ورشيف املوسى أوراق أندرو غَ ريب وصليبا الدويهي :يجمع بينهما جربان الدالية -أنطولوجيا مئة عام لشعراء عرب عاشوا وكتبوا يف أمريكا( منشورات جامعة يوتا األمريكيةَ )1988 -ور َد ّأن أندرو َغ ِر ْيب كان ّأو َل من وآخر من ترجم له عىل حياته. رجم مطالع جربان العربية إىل اإلنكليزيةَ ، َت َ حية عن فرتتئذٍ مل َي ُم ّر يف بايل أن سيجيء ٌ يوم أُقابل فيه هذا الرجلَ ، آخر ذاكر ٍة ّ ُ جربان. ماساشوستس)، آمه ْر ْست ( ْ كنت يوم ًا أزور صديقي الدكتور عدنان حيدر يف ِ إىل أن ُ فسأ َُلته أن َّ وحدثني عن أندرو َغ ِر ْيب (والد صديقه األستاذ الجامعي إدموند ْ غريب)َ ، شيكوپي (قرب ْس ْپ ِر ْنغفيلد -ماساشوستس) حيث ُيميض شيخوخته صحبني إليه يف ْت ّ َي َ يف الثانية والتسعني. ت سعفه الذاكرة ّإال بشتا ٍ رت أنني سأقابل عجوز ًا قد ال ُت ُ تصو ُ يف طريقي إليه َّ مبعثر. حامل عوايف بقامة دخلت عليه سوى أنني ،حني سنديانية وصو ٍ ٍ واستقبلني ٍ َ أجش ٍ ُ ت َّ سأستمد عافية من تسعينه. َيقنت أنني ،بأربعيني، ُّ صخو ِرنا املباركة يف لبنان ،أ ُ أتكلم ،وأنا جئت أصغي إليه؟ وملاذا ّ التحقت فيها باملدرسة الروسية (كانت أنا من مواليد عيتا الفخار سنة .1898ُ التحق به ميخائيل نعيمه يف بلدته بسكنتا). ذات فروع كثرية يف قرى لبنان ،منها الذي َ واستقر يف ْس ْپ ِر ْنغفيلد .بعد سنتني ( )1913استدعاين من سنة 1911سافر أيب إىل هنا ّ
17
خلوده بعد َمامته ،و... هذا كصمت الليلَ ، عرف وهو َح ٌّي كيف ُي ِّهيئ َ الغامض ْ ُ يستمر لغز ًا. ُّ دائام يعمل عىل تهيئة موتِه ،وحيا ِته بعد موته. كأنه كان ً ف جديدٍ ، بضوء بكش ٍ كل فرت ٍة من بوابة غيابه ٍ بوجه جديدْ ، َنجح :وهو ال يزال ُي ِط ُّل ّ جديد ُيضاف إىل ما ّتم تسليطه عليه من أضواء. كل يومٍ ما زال يعيش عىل شفاهنا فكيف يكون مات ذات يوم ،هذا الذي ّ وكل وكل يوم يشغل آالف القراء والباحثني يف غري واحدة من لغات العاملّ ، وأقالمناّ ، ب حتى يبدأوا عمال املطابع بإعادة طبع مؤلفاته ،ال يفرغون من كتا ٍ يومٍ يشغل ّ حتى يكون األول َن َفد! بآخر ،وال يبلغون األخري ّ َ كنت آخر املنرصفني من مأتم يف بسكنتا ،عرص نهار عاصف ْمثلج َخ َت َم َ شباط ُ ،1988 البيت الذي كتب ودعناه الوداع األخري ميخائيل نعيمه يف الشخروب ،بعدما ّ وأودعناه َ ُ مؤلفاته. فيه معظم ّ حني حب ٍة من عنقودٍ ألقيت عىل تابوته نظر ًة أخري ًة ،خِ ْل ُتني معها َّ ود ُ ُ عت َ آخر ّ وقلت :اليوم غاب آخر رفاقه. حباته بجربان وحوله. ُ مبارك تكوكبت ّ يومها مل أكن أعرف أنني سأَلتقي الحق ًا يف الواليات املتحدة َمن سيكون هو آخر الرفاق األحياء. يف كتاب النحات البوسطني خليل جربان :خليل جربان- حياته وعامله الذي أصدره اشرتاك ًا مع زوجته جني سنة حجام ( 1974يف اإلنكليزية، ً ولعله كبري ًا من 456صفحة)ّ ، أفضل بيوغرافيا دقيقة أضاءت ورد عىل سرية جربان َ وعالمهَ ، ذِ ْكر أندرو َغ ِر ْيب بشكل الفت. أندرو غَ ريب نهار تحدّ ثتُ إليه
16
كتب الشعر املنثور يف العربية .وفيام أهالينا هناك .كان الريحاين وجربان ّأو َل من َ تفرغ للسياسة والفلسفة والرحالت، الريحاين مل يواصل مسريته الشعرية تلك بل ّ املجدد. واصل جربان وثابر عىل الكتابة بأسلوبه الحديث ِّ لتع ُّر ِفك ِبجربان؟ ما كان الدافع َ
القرب من ميويل وأحالمي .ذات كانت ُ كتاباته قوية التأثري يب وشديد َة ْ أعج َب ْتني يومٍ من 1926 ُ قرأت له يف مرآة الغرب مقطوع َة َ وع َظ ْتني نفيسَ . ريپ ْبلِكان مع فرتج ْم ُتها إىل اإلنكليزية ُ س ْپ ِر ْنغفيلد َ َ ونرشتها هنا يف جريدتنا املحلية ْ أرسلت الرتجمة إىل صديقي ميخائيل نعيمه يف نيويورك ،وكان مقال عن جربان. ٍ ُ بقصيدتني له مرفق ٍة رىض فأجابني له مكتب يف مجلة السائح، ٍ ِ وتهنئة َ َ َ برسالة ً ريپ ْبلِكان .بعد أيام دعاين إىل الغداء يف نيويورك إنكليزيتني ْ س ْپ ِر ْنغفيلد َ َّ للنشر يف ْ ووفاءه تعل َقه بجربان مست لديه ،منذ ذاك اللقاءُّ ، وعرفني بنسيب عريضة الذي َل ُ ّ َ فرتجمتها ْت لجربان يف مرآة الغرب مقطوعة أيها الليل ُ له .سنة 1928قرأ ُ إيل يقول: إىل اإلنكليزية جدد ًا إىل نعيمه فأَطْ َلع جربان عليها َ ُ وأرسلتها ُم َّ وك َتب ّ وتنق ُلها فأخربته أنك ترجمتك ،وسألني عنك ب حب كتاباته ُ ُ َ ّ لبناين ُوت ّ جربان أ ََح ّ يتعرف إليك. ترجمتك قريب ٌة جد ًا من األصل، إىل اإلنكليزية ،فقال ّإن َ وطلب أن ّ َ هت بعد الظهر إىل مكتب السائح 19 ( ركتور وتوج ُ بعد شه ٍر ُ كنت يف نيويوركّ ، ألجد نعيمه يف نقاش حاد عىل الهاتف مع جربان حول سرتيت يف أسفل مانهاتن) َ مقاال عن الكتاب، كتابه الجديد يسوع ابن اإلنسان .ويبدو أن نعيمه كان ُيعِ ُّد ً َفهم أن ويناقش جربان حول ما جاء لديه يف موعظة الجبلْ . سمع ُت ُه يقول له :أ َ ُ جعل َت ُهم يقولون كالم ًا عن يسوع كام تريد ،لكنني ال أفهم كيف ناس م بكال ف تترص ِ ٍ ْ ّ وردت هكذا من ألنها ا حرف فيها ر تغي أن تستطيع ال التي الجبل موعظة ب ف تترص ً َّ ِ َ ِّ فمِ يسوع. ومؤمن مبا عارف ما كتب، مل أعرف ما كانت أَجوبة جربان ،لكنني فهمت ّأن الرجل ٌ ُ ٌ غري قابل للجدل ،بدليل أن نعيمه أَنهى النقاش بدون قال، ٌ وواثق من أن الذي جاء يف كتابه ُ أن يلقى أجوب ًة عن أسئلته .وحني قال لجربان إنني عنده يف املكتب ،سأله جربان أن أذهب إليه .وهكذا كان :بالصابواي إىل الشارع العارش غرب ًا ،فإىل املبنى رقم ،51الطابق الثالث
19
والتحقت جئت إىل ْتشيكوپّي فولز هنا، الفخار عيتا ّ ُ ُعينه يف تجارتهُ . َ أللتحق به فأ َ حالهم التجارية حتى 1916حني مبدرسة سانت مايكل ،أُساعد أيب وأعاممي يف َم ّ كنت أُعاونه األشقاءَّ .أسس أيب َم ً وتوزع ّ حال َّ حال كبري ًا يف نيو هامپتونُ ، الـم ُّ انقسمت َ َ فتولدت عندي هواي ُة رحت أرى فيها وأتردد عىل مكتبة ٍ ٍ نفائس الكتبّ ، فيه َّ قريبة منه ُ َ التحقت بالخدمة جمع الكتب النادرة إىل جانب ُح ّبي املطالع َة والكتابة .سنة 1920 ُ حامال العسكرية حت يف السنة التالية ً ترس ُ وتطو ُ ّ عت سنة 1921يف أوكالهوما ،ثم ّ تكلفني يومها سوى 16سنت ًا مثن طوابع بريدية. جنسي ًة أمريكي ًة مل ّ طلبت فخدمت يف البحرية األمريكية سنتني طلب ْتني الدولة ُمجدد ًا إىل الجندية ُ ُ َ بعدهام ترسيحي ِب ُحجة العودة إىل لبنان لـرضورات عائلية .لكنني مل أ َُعد بل وأتاجر بها. وبدأت أشرتي الكتب الثمينة والنادرة حل أيب، ُ ُ انرصفت إىل العمل يف َم ّ ُ صم ْم ُتها لستة أشهر ،فإذا باألشهر سنة ُ 1934 عدت إىل لبنان يف زيار ٍة إىل األهل َّ مهتم ًا باألرض الستة تتمطّ ى 40سنة متواصلة عملت خاللها يف قريتي عيتا ّ ُ الفخار ّ والك ّتاب. الك ُتب ُ وصحبة ُ والزراعة ُ صم ْم ُتها لستة أشهر ،فإذا باألشهر الستة سنة ُ 1974 جئت من لبنان إىل هنا يف زيار ٍة َّ فبقيت هنا إىل اليوم. اشتعلت يف لبنان، تتمطّ ى 16سنة بسبب الحرب التي َ ُ فقاط ْع ُته: لغاية أُخرىَ ، جئت ٍ خفت أن يسرتسل به الحنني إىل الوطن وأَنا ُ ُ كيف كانت هالة جربان قبل أن تعرفه؟
امتدت ت هنا يف أمريكا كانت ُ شهرته َّ شب ْب ُ عظيمة! كانت عظيمة! حني َ نتلقف كتاباته يف مرآة الغرب( لنجيب دياب) والفنون واسعة .كنا ّ (لنسيب عريضة) ،والسائح( لعبداملسيح حداد) وجريدة النرس( لنجيب وموضع اعتزاز الجالية اللبنانية. ومحبوب ًا جد ًا، جرجي بدران) .كان معروف ًا جد ًا َ َ عيد جاء ِبجديدٍ يف مواضيعه وأسلوبه .وغالب ًا ما كانت ٌ صحف يف بريوت عهدئذٍ ُت ُ فعل سلبي ًة هناك ما ينرشه هنا ،مع أن كتاباته كانت أحيان ًا ُتثري يف بريوت ردود ٍ َ نشاط وإبان الحرب العاملية األوىل كان له يف صفوف ٌ ّ املتزمتني من رجال الدينّ . ومثله كان أمني الريحاين َعل ًام الفت يف الجالية اللبنانية ُلنرصة أهالينا يف لبنانْ . ٌ وصاحب إسهامات يف الدفاع عن كبري ًا يف تلك األيام وذا شهرة كبرية يف الجالية َ
18
عدم إىل الشهرة .ومن دالئل انزوائه َ لينرصف ّكلي ًا إىل الكتابة والرسم واإلنتاجَ ،ط َل ُب ُه َ إدراج رقم تلفونه ( )9549 Chelseaيف دليل الهاتف كي ال يكون عرض ًة إلضاعة الوقت. أزوره أي وق ٍ أجيئهّ . كان ً نزلت إىل نيويورك ُ وكلام ُ ت ُ دائام َ كنت ُ الئق الهندام يف ِّ َطر ُق ُه وأدخل ،ودوم ًا يستقبلني بذاك الصوت بدون موعدٍ فأَجد بابه مفتوح ًا ،أ ُ فيحضر القهوة اللبنانية ش ،والرتحيب اللبناين ،ويقوم إىل زاوية الستوديو ّ األج ّ الخافت َ لبنانية لديه َممهور ٍة باللكنة البرشاوية .كان ت يف اإلنكليزية وأخرى يف ٍ تحدث ،مرا ٍ َون ّ دليل يدخن كثري ًا .مل تكن تنتهي سيجارة بني أَصابعه حتى َ ِّ يشعلها بأخرى .كانت ُ أناقته َ حدثني عن الجامل .مِ ْشيته ّمتزنة وهادئة. كل يشء ،وكثري ًا ما َّ مزاجهُ :يحب الجامل يف ّ دائام مع عصاه ،وكانت تلك خارج الستوديو كان مييش ً مل أ ْ َجده يوم ًا عصبي ًا أو متوتر ًاَ . ُدرج ًة يف ذلك الزمان. هل صدَ فَ والتقي َته خارج جلساتكما الهادئة يف الستوديو؟
أعضاء الرابطة القلمية حفلة تكرميية كبرية أقامها له مر ًة واحدة :خالل ٍ ُ ( 5كانون الثاين )1929عشية عيد ميالده ،يف اليوبيل الفيض لحياته األدبية ( 25سنة: يت من ميخائيل نعيمه بطاقة دعوة إىل ذاك العشاء يف فندق ّ .)1929 -1904 تلق ُ ساعتني ماك آل ِب ْن( نيويورك). وافيت نعيمه إىل مانهاتن وذهبنا قبل املوعد بنحو َ ُ وصل قبلنا، فوجدنا جربان هناك يف سيارة واحدة ،وكان معنا نسيب عريضة، ْ َ رحب يب ودعاين إىل مساعدته يف التوقيع ْيذرع القاعة الكربى بخطواته وعصاهَّ . أصد َر ْت ُه الرابطة القلمية خصيص ًا لهذه املناسبة جامع ًة عىل كتاب السنابلَ ( وأخذت أفتح له الكتاب عىل انتحيت معه جانب ًا ت من كتابات جربان). فيه مقتطفا ٍ ُ ُ ويوقع :جربان خليل جربان ،إىل الصفحة األوىل وهو يكتب عليها :مع محبتيِّ - الخط هادئ، أن َم َه َر توقيعه عىل األربعمئة نسخة من الكتاب ،وهو أنيق ّ ٌ عميقُ ، ٌ ضمت الصالة ليلتها نحو أربعمئة شخص بني شعراء ورسامني والهندام والقيافةَّ . ومحامني ورجال أعامل من وجهاء الجالية واألمريكيني ،وتواىل فيها عىل الكالم 18 ُ خطيب ًا ،بينهم ميخائيل نعيمه ووليم كاتسفليس وعبداملسيح حداد ورشيد أيوب املنصة ُليلقي َون ْد َره حداد وإيليا أبو مايض وفيليپ حتي .وختام ًا ارتقى جربان ّ
21
استقبلني مبريول الرسم. دائام يف ما بعد). حيث جربان .كان بابه مفتوح ًا (كام الحظت ً َ ُ بعث َر ٌة يف وب يف وجهه ،أناق ٌة يف مظهرهَ ، كان َ وحده .أذكر تلك اللحظة كأنها اآلنُ :ش ُح ٌ الستوديو (كان يدعوه الصومعة ،)موقد ٌة ختيارة يف الوسط ُممتلئة رماد ًا عتيق ًا .سألني تفاصيل كثرية .كان حنون ًا يف أسئلته ،حاني ًا يف ِإصغائه، عني ،عن أحوايل ،عن عائلتي ،عن َ كثري االهتامم ِبمواطنيه يهمه جد ًا. َّ ُ كأن أمري ُّ فهمت يف ما بعد أنه هكذا كان دوم ًاَ : استئناسه يب وبرتجاميت كتابا ِته يعود يف جزء منه إىل كوين لبناني ًا. شعرت أن اللبنانيني. ُ َ عميق وتأثُّ ٍر شديد .عند قراءيت ت ثم سألني أن أقر َأ عليه ما ترجمت له .أَصغى بصم ٍ ٍ ُ وصلت إىل السطر األخري :فلم أجد عىل الرمل سوى َع َماي، مقطوعته الشهرة ،حني َ ُ أردت أعجبه أن أ َُع ِّرب كلمة الجهل( اإلنكليزية) بـالعمى فقال يل :هذا بالضبط ما ُ َ سعيد برتجمتِك .وقام فأهداين نسخ ًة من كتابه أنا كلمتي. ال ريت فك ترجمت أنت قوله. ْ ٌ َ َ الجديد يسوع ابن اإلنسان إهداء بالعربية .قبل انرصايف سألني باهتاممٍ َ وكتب يل عليه ً ووقع كتاباته يف أهلها ،وماذا يقولون عنه وعنها .كان شديد عن صورة هالته يف الجاليةْ ، الحرص عىل رأْي الناس فيه ،وبقي عىل ذينك الحرص والتسآل يف جميع زيارايت الالحقة وأشعار رسوم إليه .وذات زيارة ُ ٌ أهديته كتاب ًا ّقي ًام قدمي ًا نادر ًا من َمجموعتي الخاصة ،فيه ٌ طبعة جديدة بعمق بالغ ،وأهداين نسخ ًة من ٍ يقدرهاَ ، فارسية قدمي ٌة أعرف أنه ِّ فشك َرين ٍ إيل يف العربية. لـ النبي كانت صادر ًة حديث ًا ،كتب إهداءه َّ كيف تستحرضه اآلن يف ذاكرتك؟
حب االنزواء كان ُي ّ دائام عىل وعدم الخروج. ً َ ت وق إىل أوقا ٍ ٍ وش ٍ حزن مكتومٍَ ، يعيشها يف الطبيعة .كان واعي ًا ُ العالمية، حجمه املتصاعد إىل َ َ ما جعل لديه شعور ًا خاص ًا ليس التكبر وال الغرور بل اإلشاحة ُّ كل ما ال َيخدم تلك املسرية عن ّ
20
كتابهُ يسوع ابن االنسان إىل أندرو غَ ريب إهداء جربان َ
العربية) منشور ًة بدون اسمه يف مؤكد ًا ّأن بت خاطره ّ طي ُ نهايتهاّ . حتام هفو ُة عامل املطبعة هذه ً حداد فيها وال ْ دخل لعبداملسيح ّ وال ألحد من رفاقه .بقي عىل ب أن هدوئه وأجابني :أُحِ ّ أفكر هكذا ،وال أ َُش ُّك بهم هؤالء ّ األحبة .كان َسموح ًا ومأخوذ ًا دائام مبا هو أهم .وبالفعل، ً صدر العدد التايل من السائح ويف َص ْدر صفحته األوىل عبارة: صدرت قصيدة الصويف التي َ يف العدد املايض بدون ذكر اسم الشاعر ،هي لنابغتنا جربان خليل جربان. يف تلك الزيارة قبل األخرية، وع ْد ُته بأن أترجم مقطوعة َ الصويف إىل اإلنكليزية وأن نص من جربان برتجمة أندرو غَ ريب أُطْ لعه عىل جميع ترجاميت رحب بالفكرة، نصوصه العربيةّ . َ وات ْفقنا عىل أن أزوره يف 20آذار. ّ يومها ( 20آذار ،)1931وأنا يف طريقي إليه (مل أكن أدري أن تلك ستكون زياريت التفت فإذا به صديقي سمعت صوت ًا يناديني يف أحد شوارع مانهاتن املكتظّ ة. األخرية) ُّ ُ ألطلع ُه عىل ترجمتي اإلنكليزية قلت له إين ذاهب لزيارة جربان َس ُّلوم مكرزلُ . َ ُرسلها إىل غولدن بوك ماغازين يف نيويورك. مقطوعته الجديدة الصويف قبل أن أ َ َ فأعطيته وورلد( العامل السوري) ُ أرص أن ُ يأخ َذها وينرشها يف مجلته ذي سرييان ْ َّ يتكلم خاللها كثري ًا بل كان إياها وأكملت طريقي إىل جربان .كانت جلس ًة لنا طويل ًة مل ّ ُ انتهيت ،بادرين :سأسعى إىل يعلق .حني ُيصغي إىل ترجمتي اإلنكليزية نصوصه وال ّ ُ َ
23
صوته كلمة الشكر ،فام كاد يبد ُأ يف العربية ثم شاكر ًا يف اإلنكليزيةّ ، رج ُ حتى َح ْش َ وانهمرت دموعه ،فغادر املنرب باكي ًا من شدة التأثّ ر. بالكلامت، َ وارتجفت شفتاهَ ، سائال إياه عن وفيام كنا َن ُه ُّم مبغادرة الصالة، استوقفه مراسل نيويورك تاميزً َ انطباعاته ،ثم سأله إذا كان يوافق عىل املادة 18من الدستور األمريكي (كانت يومها واملسكرات واملرشوبات الروحية وكان يعارضها موضوع جدل ألنها متنع بيع الخمور ْ الس ْكر والرشب) فكان جواب جربان فور ًا :نعم ،أوافق عليها. املدمنون عىل ُّ يناقشني مر ًة سألت ُه إذا كان راضي ًا عن عميل .مل ْ يف زياريت إياه نهار 15متوز ُ 1929 طلبت منه أن ُيعطيني إذن ًا َخطي ًا برتجمة نصوصه نصوصه. يف كلمة من ترجاميت ُ َ يرتدد لحظة .قام إىل طاولته وكتب يل يف اإلنكليزية ِإ ْذن ًا العربية إىل اإلنكليزية .مل َّ ووقعه. َّ ريپ ْبلِكان ُ س ْپ ِر ْنغفيلد َ نصوصه العربية يف جريدة ْ َنرش ترجاميت إىل اإلنكليزية َ أخذت أ ُ أرسلت إىل هذه األخرية (ماساشوستس) ،وغولدن بوك ماغازين( نيويورك) .وحني ُ طل ُبوا أن ينرشوا ترجمتي اإلنكليزية مع األصل العريب. ترجمتي مقطوع َة األرضَ فنشروه مقلوب ًا ألن عامل املطبعة مل النص العريب منشور ًا يف َم ّ جلة السائحَ ُ أرسلت لهم ّ دائام ب .كان َسموح ًا ومنشغال ً ً تفهم األمر ومل َ يغض ْ يكن يعرف العربيةَ .ح ِز َن جربان لكنه َّ ت بعد. بغامض آخر كأنه ينتظره ومل يأ ِ ٍ
ماذا ّ تتذكر من زياراتك األخرية؟ أكان املرض يرسم عىل وجهه خطوط النهاية؟ يف زياريت قبل األخرية وصلت إىل الستوديو فبادرين: ُ فعل يب َ هاك يا أندرو ما َ إخويت وأحبائي يف الرابطة القلمية .وأراين عدد ًا من مجلة السائح فيه مقطوعته الصويف( آخر ما كتب يف
22
تفويض جربان لغَ ريب برتجمة أعماله من العربية إىل اإلنكليزية السيد أندرو غريب اإلذن الكامل (إنني بهذا ُأعطي ّ برتجمة نصويص العربية إىل اإلنكليزية 15 ،متوز )1929
َحد ْس أن وانرصفت ،وأنا ود ُعته ّ ووهن مِ ْش َيته ،لكنني مل أ ُ ُ منشغل عىل شحوبه ْ ٌ آخر ّمرة أراه. تكون تلك َ كنت خارج ًا من مقهى يف بعد ثالثة أسابيعُ ،ظ ْهر السبت 11نيسان ُ ،1931 فسمعت بائع الصحف ينادي :طبعة إضافية ...طبعة إضافية آلخِ ر ْس ْپ ِر ْنغفيلد ُ وابتعت نسخ ًة من نيويورك تاميز فإذا عىل صفحتها األوىل من مت منه خربّ . ُ تقد ُ هائل عىل الجالية وقع مأساوي ٌ تلك الطبعة اإلضافية نب ُأ وفاة جربان .كان لِموته ٌ ٌّ اللبنانية. وماذا عن كتابك بعدها؟
عليك أن حملت املخطوطة إىل كنوف فبادرين: بعد مد ٍة من وفاة جربان َ ُ اجتمعت بها للمرة وصيته. تراجع باربره يونغ .هي الوكيل ُة اليوم عىل آثاره ِّ ُ ومنفذ ُة ّ وجدتها امرأة طويلة األوىل (والوحيدة) يف صومعة جربان حيث كانت هي وابنتهاُ . الزمت جربان منذ َالت َق ْته سنة 1923 عىل بدانة ،قوية الشخصية، ُ وكنت أعرف أنها َ تسمح عيل ،كي وعرضت عليه أن تكون سكرتريته. لدى صدور النبي َ اشرتط ْ َ َ ت ّ قلت لها إن ميخائيل نعيمه بطبع كتايب لدى كنوف ،أن تكتب هي ّ مقدمة الكتابُ . صدر فرفضت يف ّ حدة وقسوة وأجابت صارم ًة :إذن لن َي ُ طلب أن يكتب املقدمةَ ، رش آخر مبا أنني أحمل أي نا ٍ أسمح لك بنرشهُ . الكتاب ،ولن َ قلت لها إنني أُصدره عند ّ يتيح لك الرتجمة ال النرش. َريتها التفويض َ تفويض ًا خطي ًا من جربان ،وأ ُ فانتف َضت :هذا ُ ت يف حرية ألن نعيمه كان عاد املولجة بالنرش وأنا أعطي ْ أنا وحدي َ وقع ُ اإلذن األخريْ . أتهي ُأ للعودة إىل لبنان ،فلم ُيعد يل ّإال القبول. إىل لبنان سنة ،1932 ُ وكنت أنا أيض ًا ّ ت يف وهكذا كان :صدر الكتاب سنة 1934مع ٍ تفو ْق ُ مقدمة منها َذ َك َر ْتني فيها بأنني َّ ت وأجرت تعديال ٍ استيعاب األصل العريب لروح جربان ونقل سحره إىل اإلنكليزيةَ . خفف ًة من عىل بعض املقطوعات (منها أيها الليل ،)ساكب ًة عليها بعض النثريةُ ،م ِّ دت إىل لبنان فكان كنوف ترجمتي شطحا ِ ت جربان الشاعري َة يف األصل اإلنكليزي .ثم ُع ُ مبعدل أربعة إيل حقوق الرتجمة مرتني كل عام (يف أول كانون الثاين وأول متوز) ّ يرسل ّ ت طويل ًة مع تكرار طبعات كتايب الذي مبلغ بقي َي ِر ُدين سنوا ٍ آالف دوالر سنوي ًا ،وهو ٌ أصبح من مجموعة جربان الكالسيكية ،ويباع مع سائر كتبه الواسعة االنتشار.
25
جسد الكلامت عملك رش ُيصدر لك هذا الكتابُ . قريب جد ًا من روحي ومل ِ نا ٍ ٌ ترتجم َ صد َر روحها .وقام إىل طاولته فأتى بنسخة من كتابه الجديد آلهة األرض( كان َ بل َ إيل واعد ًا أن ُيهديني أحد رسومه. يف ذاك األسبوع بالذات) وكتب يل إهداء ّ وقدمه ّ ً انزعاج أو مرض، سألته إن كان يشعر َبألمٍ أو عاديُ . ُ ٍ الحظت عىل وجهه ُش ُحوب ًا غري ّ غصة ،وسألني كالعادة عن رأي أبناء الجالية بكتاباته. فأشاح عن الجواب ٍ ببسمة ذات ّ َ كان جوايب عىل حجم انتظاره وفضوله ملعرفة مدى شهرته الواسعة .عندها قال يل كل شهريت بني أهلنا ،هنا ويف العامل العريب ،مل تأتِني ِبمردودِ بصوت عميق :يا أندروُّ : ت ُوك ُتب. نرشته يف العربية من مقاال ٍ كل ما ُ ٍ قرش واحدٍ لِحقوق ن ٍ رش أو طبع عن ّ ينرشون يل وال أعرف .ينقلون مقااليت وكتابايت وال يستأذنون .يستفيدون من مؤلفايت مردود من إيل قرش ًا واحد ًا .وحني أنرش هنا يف اإلنكليزية يأتيني ٌ العربية وال يرسلون ّ مقااليت وقصائدي يف الصحف واملجالت ،ومن كتبي املنشورة عند كنوف .ولوال بيعي لكنت رسومي ولوحايت ُ اآلن يف َع َوز .وغرق يف صمت طويل. فهمت منه يف تلك ُ الجلسة ملاذا مل يعد يهتم بصدور آثاره يف ّ رت ما قاله وتذك العربية، ّ ُ يل ميخائيل نعيمه حني رأيه يف ترجامت َ سأله َ األرشمندريت أنطونيوس بشري إىل العربية مؤلفاته إهداء جربان كتابه آلهة األرض إىل أندرو غَ ريب ()1931 اإلنكليزية فأجابه جربان: ليكتب ما يشاء يا ميشا. ْ ترجم ستكون روحي فيه. كيفام َ قبل أن أغادر جربان يف تلك املسوية من آذار ،قال يل :سأطلب من ألفرد كنوف إيل باملخطوطة كامل ًة يف آخر أيلول ،موسم يضم ترجامتِك نصويصُ .عد ّ إصدار كتاب ّ النرش ،فأكون َّكل ْم ُته باألمر.
24
نعيمه يعرفها عن جربان قبل التقائه إياه ،استقاها من مصد ٍر واحد :ماري هاسكل بعد عرشة أيام من وفاة جربان حني اجتمع بها صباح 21نيسان 1931أربع ساعات تستقل القطار من يف منتجع قرب َمحطّ ة القطار غراند سنرتال ستايشن ،قبل أن ّ مأتم جربان يف بوسطن. مانهاتن إىل بيتها يف ساڤانا (جورجيا) عائد ًة من حضورها َ وبعض حياتها عناوين من حياة جربان يف بوسطن ويف تلك الجلسة َل َّخصت لنعيمه َ َ معه فبنى عليها نعيمه كتابه. تابعت يف جريدة لسان الحال مناظر ًة بني نعيمه وأمني بعد ذلك بسنوات، ُ الطعن بصديقه ورد يف كتابه ،آخذ ًا عليه الريحاين .كان األخري يلوم نعيمه عىل ما َ َ كنت صديقه؟ ما زلنا جربان ،فأجاب نعيمه :أنا ُ صديقه أكثر منك .ومتى أنت َ كنت جميعنا نذكر كيف خالل اجتام ٍع يف نيويورك سحب عليك جربان العصا َ ألنك َ َ سبب لك نفور ًا بني جميع أعضاء الرابطة متأرجح املوقف بني لبناين وعريب ،ما َّ رد الريحاين يف لسان الحال بجوابه العنيف ّ وحتى يف صفوف الجالية .عندها ّ مشوهة ،فهو كالجمل األعور ال يرى من املشهور :حادث ُة نيويورك َ أوردها نعيمه َّ الطريق ّإال ناحي ًة واحدة. أحسه وكذلك قامت نقم ٌة عىل نعيمه يف نيويورك من نسيب عريضة ( ُ كنت ُّ أقرب الناس إىل جربان) ومن رشيد أيوب وعبداملسيح حداد .لكن األعنف منهم فت إليه يف مساجلة جرت جميع ًا كان الريحاينُ . تعر ُ زرته مرار ًا يف الفريكة ،وكنت ّ إنكليزي ويهودي ،فجال األمني بينهام سنة 1930يف ماساشوستس تناظر فيها مع ّ اختلف وأفحمهام ِب ُحجته القوية مدعم ًة بالفكر واملنطق .وأرى ّأن الريحاين ،ولو َ َ نبيال يف وفائه لصديقه مع جربان يف آخر حياته حول أمو ٍر ٍ سياسية ووطنية ،بقي ً كن له احرتام ًا شديد ًا ،حتى أنه امتنع عن النرش يف جربان الذي هو َ اآلخر كان َي ُّ تضامن ًا مع صديقه الريحاين الذي كان عىل الهدى( رغم شهرتها ّ واتساع قرائها) ُ خالف مع صاحبها (وصهره) نعوم مكرزل. هل ترى لعودة نعيمه إىل لبنان عالقة بغياب جربان؟
مظل ًة يف نيويورك. نعم .كان جربان ُيساعد رفاقه ويدعمهم مادي ًا .كان لهم ّ ُ انكشفت رؤوسهم .سنة ،1974قبل عوديت من لبنان إىل تفرقوا بعد وفاته كأمنا َ ّ
27
فهمت أنه يعلق. لدى عوديت إىل لبنان أخربت نعيمه بأمر باربره يونغ فلم ِّ ُ ُ خالف معها ،ويعتربها مسؤول ًة عن اختفاء وصية جربان األوىل التي ذكر كان عىل ٍ شخيص خصص مبالغ ألصدقائه يف الرابطة( كان يساعدهم مادي ًا بشكل فيها أنه َّ ّ يفسر َت َش ُّت َت ُهم بعد بشكل فردي ،ويدعم مؤسساتهم الصحافية ٍ دوري ،وهذا ما ِّ ّ ّ حد خالفات شخصية بينهم). جالتِهم ِ ف َم ّ وفاتهُّ ، وصحفهم ،وبلوغ األمر ّ وتوق َ لذا مل تظهر بعد وفاته ّإال الوصي ُة الثانية املؤرخة يف 1930/3/30وليس فيها مح نعيمه الحق ًا يف كتابه عن أثر مام كان جربان َذ َك َره لرفاقه يف الرابطةْ ( أل َ ضلع بشخصيتها وصي َتني) .وقد يكون لباربره يونغ، ّ املتسلطةٌ ، َّ جربان أنه كتب َّ الحدة أنها ،حني كان جربان يحترض، يف نص الوصية الجديدة .وهي َ بلغت من ّ استدعت نعيمه إىل املستشفى ُم ْك َره ًة عرب سلوم مكرزل بعدما كان جربان دخل َ يف الغيبوبة األخرية فلم َي ُبلغ منه نعيمه ّإال غر ..غر ..غر ..كام ورد يف كتابه نفوره منها أنه مل َيس ِّمها يف كتابه بل ذكر عنه (ص .)21 ،20 ،17وبلغ بنعيمه ُ وعلمت الحق ًا أنها بعد عرفت جربان يف سنواته األخرية. أنها شاعر ٌة أمريكية َ ُ تحججة بالخوف عليه من الرسقة ،وراحت غياب جربان رابطت يف الستوديو ُم ِّ حجة متويل متفرقة عىل اسم جربان ِب ّ تطبع ُن َسخ ًا من لوحاته وتبيعها يف معارض ّ َ مشاريع لطبع آثاره. بعد غياب جربانِ ،ل َم قامت تلك الضجة ضد نعيمه عند إصداره كتابه عن جربان؟
كنت أزوره عدت إىل لبنان يف 1934بعد سنتني من عودة نعيمه نِهائي ًا إليهُ . ُ دائام بأنه يف كتابه نزع هالة التضخيم التي لحقت بصديقه ويردد يل ً يف الشخروبّ ، كتبت عن حسنات جربان فقطَ ،لام جربان .ويف إحدى جلسايت معه قال يل :لو ُ خدمت جربان ،ألن الناس سيعتربونني َم ّداح ًا وال يأخذون كتابتي كنت موضوعي ًا وال ُ ُ كتبت عن بعض هفواته البرشية ،منها أنه كان يف آخر حياته ُيكثر من جد ّية. ّ ُ الشرب لتخفيف آالمه القاسية .المني البعض ألنني ُبحت بذلك .إمنا سيكون للناس ُ وحسناته ،وسيحفظون حسناته وهي كثرية .وقد أن يغربلوا بني ّ سيئات جربان َ ت يف كتابه ،ألنه مل يكن مطَّ لع ًا عىل حياة جربان نفسه اقرتف مبالغا ٍ يكون نعيمه ُ متستر ًا عليها جد ًا .واملعلومات التي مل يكن يف شبابه ،وال عىل حميمياته التي كان ّ
26
حتى عن مدرك أن ذاك أعرفه ،ألنني أَعرف هذاُ ، الغامض ِبق َي وسيبقى ُلغز ًا بعيد ًا ّ ٌ َ حب ٍة أقرب الناس منه وإليه .فكيف اآلن ،ومل َ غري ّ يبق من عنقود الرفاق والذكريات ُ تطرز عنه أحاديثنا؟ واحدةّ ، كل يوم؟ زال ُ وهل يكون َ يولد يف أحاديثنا ّ مات ذات يوم ،هذا الذي ما َ ْس ْپ ِرنْ غفيلد -ماساشوستس
تُ ،وت ُو ّفي يف ْس ْپ ِر ْن ْغفيلد نهار عرش سنوا ٍ * كان لقائي بأندرو َغ ِر ْيب يف 17حزيران .1990عاش بعدها َ األحد 12آذار ،2000عن 101سنة .وكان قسم الرشق األدنى يف مكتبة الكونغرس َّكرمه يف 23أيار 1991بني سلسلة احتفاالت تكرميية لِجربان بعد تدشني الرئيس جورج بوش عامذاك حديقة جربان يف واشنطن. ْت يف جريدة األنوار الخرب التايل: سنة 1995رجعت نهائي ًا إىل لبنان .ونهار األحد 19آذار ،2000قرأ ُ ُ وفاة آخر رفاق جربان َف َق َدت الجالية اللبنانية يف الواليات املتحدة واحد ًا من أبرز األدباء املهجريني ،وآخر األحياء القالئل من رعيل النهضة األدبية يف أمريكا الشاملية الذين ساهموا يف تعريف روائع جربان خليل جربان وأدباء الرابطة القلمية إىل األمريكيني ،هو أندرو َغ ِر ْيب البالغ من العمر مئة وسنة .تويف األحد ود ِفن يوم الجمعة يف مدينة ْس ْپ ِر ْن ْغفيلد يف والية ماساشوستس ،تارك ًا زوجته املايض يف 12آذار ُ السيدة منى دبغي وكرمياته أدما وماري وغالديس ونجله الپروفسور إدمون َغ ِر ْيب األكادميي والكاتب املعروف يف واشنطن. ومنجم ذهب، س ْپ ِر ْن ْغفيلد َ ريپ ْبلِك واصف ًة إياه بأنه كان أديب ًا معروف ًا َ ويوم وفاته َن َع ْت ُه صحيفة ْ وأشب َه بدائرة معارف. َ
* مجلة الناقد -لندن (العدد -25متوز )1990
29
يفكر بالعودة إىل أمريكا وسألته إن كان ّ مودع ًاُ ، زرت نعيمه يف بسكنتا ّ ماساشوستسُ ، هلق بعد يا أندرو؟ ّبإيام حققها واسع ًة يف الرشق ،فأجابنيّ : ليحقق شهرته فيها كام َّ ّ هللولو. اللولو ما ّ
مرتج َم ًة أنتَ مرتجم جربان إىل اإلنكليزية ،كيف تجد نصوص جربان اإلنكليزية َ إىل العربية؟ وتحديد ًا :النبي؟
أستعيد ّرد جربان عىل سؤال نعيمه حول ترجامت األرشمندريت أنطونيوس بشري العربية ،وال أزيد عليه .كيفام ترجموه إىل العربية ستبقى روحه وبصامته واضح ًة نقلت منه الروح بدون اهتامم لشكل اللغة ،وترجمة ُوم ّميزة .أما النبي ،فرتجم ُة بشري َ ففقدت سالسة جربان يف تعبريه البسيط املدهش ،وترجمة نعيمه غاصت عىل الفكر َ وأشدها ثروت عكاشة مل تبلغ عمق الخيال الجرباين .لذا أرى أن أفضل ترجامت النبيَّ التصاق ًا بروح جربان وبساطة لغته عىل ُعمقها ،تبقى ترجمة يوسف الخال.
القلم يف يدي ،ومل تتعب خمس ساعات من مطر الذكريات مع أندرو َغ ِر ْيب .تعِ َ ب ُ الكلامت يف فم هذا الفتى التسعيني. كل الذكريات؟ وإذا بىل (وهو آخر معارصي جربان األحياء) أتكون هذه تراه قال ّ آخر األضواء الجديدة عىل جربان؟ شعرت زرت قسم املخطوطات يف جامعة نورث كاروالينا ( ْتشا ِّپل ِه ّل) ، ُ حني ُ أقلب بني َي َد َّي النسخ األصلية لرسائل جربان إىل ماري هاسكل، بقشعريرة غريبة وأنا ِّ أشم بصامتِه عليها ،هي التي َلمسها بأصابعه الشاعرة. وغري مر ٍة ُ كدت ُّ شعرت سنديانة لبنانية، لح وحني ٍ ُ صافحني أندرو َغ ِر ْيب بتلك اليدِ ْالـكأَنها ِش ُ َ صافحت َي َد جربان. مس اليد التي َكم َ بقشعرير ِة أنني ْأل ُ وغرباء مرسعون أطياف ًا شوارع ماساشوستس العريضة املكتظّ ة غادرت ُه ،حويل ُ ُ ُ ستون بعيد يالحقني مضت ُّ طيف ٌ متالحقة ،ويف داخيل ٌ ويبتسم ْأنَ :ب ْعدَ ...ب ْعدَ ... ُ كل ستون أخرى ُّ وستميض ُّ يقال ُّ وستونات بعدها ،ولن ينكشف ُّ الرس ،ولن َ سنة َ كل ّ مكنون.
28
أستاذ فؤادُ ،أريد الدُّ خول إىل ذكرياتك القدمية .هل تسمح؟
يتبقى يف بعض ما ّ بل ُق ْل ،يا ابني ،إىل ِ أنت وشطارتك. الذاكرة .هياَ . وأنى لـشطاريت مِ ن َغ ْر ٍف ،وأنا عىل ّ شاطئ هذا األوقيانوس من السنوات؟ فؤاد خوري يف أيامه األخرية وإياه إىل األمس البعيد .إىل والدته رحت ُ ّ املنطلق األول :أرض لبنان. والطفولة .إىل َ ها نحن يف الشامل .يف مطلع القرن العرشين. كان ذلك سنة .1901وكان الطفل فؤاد يف شهره الخامس يوم حمله والده البشمزيني إىل دانڤر (كولورادو) .وهي رحلة جرجس الثانية ،بعد جرجس خوري ّ (نتذكر كامله وط َئ األرض األمريكية قبيل نهاية القرن املايض أُوىل مع أول رعيل ِ ّ برشي إىل بوسطن رحمه التي حملت عائلتها الصغرية ومنها جربان ،وهاجرت من ّ لكن جرجس رجع إىل لبنان سنة 1900ليقرتن ِب ُم َد ِّر َس ٍة من طرابلس، سنة ّ .)1895 ُوينجب منها ْبكره فؤاد. وإذ اعتاد جرجس أن يعود إىل أرضه األم كل بضع سنوات ،عاد وأُرسته الصغرية بشمزين سنة ُ ،1905ممضي ًا بضعة أسابيع يف ضيعته َقفل بعدها وحده عائد ًا إىل إىل ّ بشمزين. من ألرسته الصغرية عيش ًا آمن ًا يف ّ كولورادو ،بعدما َض َ يرتقبه :اندلعت لكن القدر كان َّ وأسس تجارة يف لبنانّ ، سنة 1910عاد مجدد ًا َّ السفر فبقي يف بشمزين حتى الحرب العاملية األوىل ّ فتوقفت تِجارته ،ومل يستطع َ متكن ،بجوازه األمريكي ،من اصطحاب أرسته الصغرية والعودة بها إىل 1920حني ّ أمريكا. كان فؤاد شاب ًا يف التاسعة عرشة ،يوم وطئت قدماه مرفأ نيويورك. وتشاء املصادفة ،قبل انتقال العائلة إىل كولورادو ،أن يلتقي جرجس يف نيويورك لـسلوم مكرزل نسيب زوجتهّ ،متى فارس ،مسؤول املطبعة يف املجلة التجاريةّ َ نسيبه: جرجس فسأل الهدى.) صاحب نعوم (شقيق َ
31
2 فؤاد خوري :صديقي جبران كان نـجم نساء، ويتذمّر من إزعاجه بـالتلفون التح ّدي. والزمن حكاي ُة َ بني ُب ْن َيتِه َ لكأنه ينسى (أو يتناسى؟!) أن األربع والثامنني من السنوات تربض عىل كتفيه ،ال ِفاه َتنوءان ،وال السنوات. كت ُ حدثني عن قبل أن أَلتقيه يف نيويورك ،كان فارس اسطفان (صاحب الهدىّ ) حدثني عنه معارص جربان ونعيمه والرابطة القلميةَّ . رئيس تحريرها فؤاد خوري ُ وصلت إىل نيويورك ،كان اسمه بني حتى إذا ب ِإ ٍ التعرف بهّ ، ُ جالل َح َّفزين إىل اإلرساع يف ُّ مفكريت. أوائل األسامء يف ّ التقيته يف مكتب الهدى .والذي يزور نيويورك وال يزور الهدى يكون (كام ُ ك َمن يزور روما وال يزور الڤاتيكان. قال يل يوسف الخال) َ عرفته .ومن هدير السنني عىل فور دخويل عرفته .من َش َيبته ُ مكتب الهدىُ ، َ وجهه الختيار. وإحساس وقار شيخوختِه قلت. وهرعت ّ أسلم عليه ُم َ ُ هذا فؤاد خوريُ ، حت ِرم ًا َ َ الشلة وكف تلك ّ وكف نعيمهَّ ، كف جربانَّ ، صافحت َّ ّأن هذه ّ ُصافحها كم َ الكف التي أ ُ املباركة من رعيل الرابطة القلمية. ونكتب ،وها هي ذي عنهم جلست إليه أقر ُأ يف تجاعيده ُص َو َر الذين قرأْنا عنهم ُ ُ أمامي شهاد ٌة حية. ت 87سنة صحاف ًة يف عامل االنتشار والجلسة إىل رئيس تحرير الهدى عابق ٌة بذكريا ِ ِ ذكريات َمن عايش األعالم الذين اللبناين (تأسست الهدى سنة ،)1898فكيف بها ُ كانوا لِمغرتبينا هداي ًة ومنار ًا؟
30
توطّ دت صداقة فؤاد مع الشاعر إيليا أبو مايض الذي كان فرتتئذٍ ال حرر يف مرآة الغرب، يزال ُي ّ جريدة َحمِ يه (والد زوجته) نجيب دياب .طلب أبو مايض من فؤاد خوري أن ينتقل إىل مرآة الغرب يساعده يف تحريرها ،فانتقل من ُ دون أن يقطع عالقته املهنية مع فؤاد خوري جالس ًا بني ُأرسة تحرير الهدى: عبد املسيح حداد وال مع سلوم إىل ميينه األب الياس شاهني، صاحب الهدى فارس إسطفان وزوجته ديانا مكرزل. ونظر ًا ملهارته (مع املراس ينضد له (يف مطبعة مرآة الطويل) يف عمليات التنضيد ،طلب إليه أبو مايض أن ِّ مقاال تقريظي ًا كتب فيه فؤاد ً الغرب )ديوانه الجداولَ فف َعل .وحني َ صدر الديوان َ ب صديقه ميخائيل نعيمه الذي ،يوم التقاه بعدها بأيام ،سأله فؤاد: أثار عليه َ غض َ كيف َوجدتَ ديوان الجداول يا مايك؟
لك ولرأي سواك؟ طالام َ الحد ،ما َ َ أنت يا فؤاد إىل هذا ّ أعجبك َ توطّ دت الصداقة بني فؤاد خوري وإيليا أبو مايض .وحني عزم هذا األخري عىل إصدار جريدته السمري ،كان فؤاد أول املساهمني فيها تنضيد ًا وتحرير ًا طوال ُصدورها، حتى احتجابها مع وفاة أبو مايض ( )1957وقرار أرملته إقفالها. عند احتجاب السمري عاد فؤاد خوري إىل مرآة الغرب التي ،بعد وفاة صاحبها، صاحبتها أنجيلينا دياب حتى قررت كانت يف عهد انحطاط ّ ظلت معه تحترض وتخرس ّ ُ حرريها. (أرملة نجيب دياب) َ ورصف ُم ّ إقفالها نهائي ًا ْ علمت باألمر ماري مكرزل (صاحبة الهدى بعد وفاة والدها سلوم مكرزل الذي َ فاستدعت إليها فؤاد مؤسسها) َ كان اشرتاها من األمرية روز أرملة شقيقه نعوم مكرزل ِّ فلبى وبقي فيها كذلك مع انتقالها من آل مكرزل إىل صاحبها خوري رئيس ًا لتحريرهاّ ، الحايل فارس اسطفان ( )1970وال يزال رئيس تحريرها.
33
عمل يقوم به هنا؟ هل لفؤاد ٌ
وماذا ُيمكن فؤاد أن يشتغل هنا يف َّالن ُيورك يا جرجس؟ سبق الشاب فؤاد أباه ُمجيب ًا باندفاع الشباب: ما الذي تراه مناسب ًا يل يا َع ّم م ّتى؟
الشاب اللبناين فؤاد خوري واقف ًا يف إدارة املجلة أقل من ساعة ،كان بعد َّ ُّ أسئلة يطرحها عىل هذا الفتى الواصل حديث ًا من التجارية يجيب سلوم مكرزل عن ٍ الطباع متى فارس حتى أوكل سلوم مكرزل إىل لبنان .ومل ِ ّ تنته الجلسة ّ املعلمّ أن يعتمد الشاب فؤاد خوري مساعد ًا إياه يف تنضيد األحرف عىل آلة اللينوتيپ التي كان اشرتاها سلوم قبل سنوات ملجلته ،وكانت ّأول لينوتيپ بالحرف العريب يف أمريكا. هكذا بقي فؤاد يف نيويورك ،وأكملت أُرسته إىل دانڤر (كولورادو). املنضدين ،ويشارك يف أمور أربع سنوات بقي يف نيويورك .أمسى من أمهر ّ توقفت املجلة التجارية ،فغادر نيويورك والتحق بالعائلة تحريرية بسيطة ،إىل أن ّ يف كولورادو .سوى أن التحاقه مل َي ُطل :ها هو نعوم مكرزل ،صاحب الهدى ،يكتب عر َف عن جدارته من شقيقه سلوم) طالب ًا إليه املجيء إىل نيويورك من إليه (بعدما َ جديد ،واملشاركة يف الهدى تنضيد ًا وتحرير ًا. وهكذا كان. وس ٍط أديب كان فرتتئذٍ يف انفتحت أمامه ٌ آفاق جديدةُّ : يف الهدىَ ، التعرف إىل َ وتطوره. أَوج عطائه ُون ُم ِّوه ُّ يرتدد عىل لقاءات الرابطة القلمية ،يصادق أعضاءها ،يحرض جلساتهم أخذ فؤاد ّ يصق ْلها لكنه يحبها. ومناقشاتهم ،تحفزه إىل ذلك فطر ٌة أدبية لديه مل ُ ومن جلساته مع أعضاء الرابطة ومصادقته إياهم ،طلب منه عبد املسيح حداد تردد فؤاد خوري الرتباطه يتولى تنضيد ّ أن ّ مجلته السائح واملساهمة يف تحريرهاَّ . جعل ْته لكن ضغوط ًا ملحاحة مارسها عليه صديقه ميخائيل نعيمه َ مع نعوم مكرزلّ . وينض ّم إىل أرسة السائح .وبقي ،يف الفرتة نفسها ،يساعد سلوم يرتك الهدىَ مكرزل يف املجلة التجارية التي أعاد إصدارها بعد َوجي ِز َت َو ّقف.
32
ميارس شيخوخته بهدوء.
بالحدة حبب ًا من جربون .مواقفه كانت تتسم ّ مايك إنسان طيب .كان َّ أقل َت ُّ كجربون .أحيان ًا كان يقسو يف نقده أحيان ًا بني أعضاء الرابطة .مل يكن واسع الصدر ِ نتاج ًا جديد ًا ولو كان ألقرب الرفاق إليه يف الرابطة .البعض كان يجد ذلك حسد ًا أحبه كثري ًا .رجاء خاص ًا :يوم تعود إىل بريوت وتزوره ،تحمل إىل لديه أو غرية .أنا ّ جبينه قبلة مني خاصة. كانت له خصومات؟
خفية غري ظاهرة .كان الجميع يحرتمون ثقافته الغنية َو ِسعة اطّ العه عىل ّ ب منه كثري ًا ،وكان ينقل منه الكثري إىل جربون. اكتس َ األدب الرويسَ . وإيليا أبو مايض؟
أوووه! عِ ْش َرة عمر .السمري كانت ناجحة صحافي ًا ومالي ًا وأدبي ًا .مل يكن إيليا يتأخر يوم ًا عن دفع حقوق املتعاملني معه ،عكس بعض أصحاب الصحف املهجرية. ّ عبد املسيح حداد؟
هاجسه األول. بقيت ُد ُي ُونه املرتاكمة َ
أمني الريحاين؟
األنفة هابه الجميع ويحرتمونه جد ًا .وهو كان عىل يشء من َ كان الكبري الذي َي ُ يف املجالس العامة. رشيد أيوب؟
متربم ًا بقسوة األيام. متشائم دائم بني الجميعَ .ق َست عليه الحياةّ ، فظل حزين ًا ّ ونسيب عريضه ،وندره حداد...،
ب البحر ّكله يف دلو؟ ملاذا ال يا ابني ،إرحم شيخوختي .تعِ ْب ُ ت .تريد أن َت ُع َّ نرتك الباقي لِجلسة أخرى؟
35
أقطفه يتعب الختيار أمامي من رشيط الذكريات .لكن األهم يف ذكرياته مل ْ ّ بعد. ماذا ّ تتذكر عن جربان ،أستاذ فؤاد؟
يتذكر الشاملية :ابن بشمزين الشاميل ّ أوهِ ...ج ُربونِ ...ج ُربون( ...قالها بلكنته ّ أخترصها لك بكلامت، ابن برشي الشاميل) .سنوات طويلة طويلة مع ًا ...كيف يل ُ ونحن نحكي منذ ساعة؟ أال نرتك ذلك ل َِمر ٍة مقبلة؟ بىل .وإمنا نكتفي اآلن بلمحات... كان ِجربون يأيت اىل إدارة السائح يف روكرت سرتيت مقر الرابطة القلمية. وضيق َن َفسِ :ضيق َّالن َفس حامال عصاه يرضب بها األرض َت َذ ُّمر ًا يتمشىً ، وكان ً دائام ّ َ والتذ ُّمر مِ ّمن أحيان ًا يستهلكون وقته عىل الهاتف بدون املتوترة الدائمةَ ، لعصبيته ّ ّ ت طويل ًة وحده ال يزعجه أحد .كان ص ن ي أن ب ي كان طائل. حِ ب عىل عمله ساعا ٍ ُ ّ َ ْ َ َّ ليلة فنها ٍر مع ًا بدون راحة. َجلود ًا عىل العمل بشكل عجيب .ال يتعب من َط ّي ٍ ب وكان ُيحب أن يتقاىض عائد ًا مالي ًا ،ولو رمزي ًا ،لقاء ّ كل ما يعمل .املال عنده َع َص ٌ دائام إىل الناس باملظهر يهتم بأناقته وخروجه ً مهم جد ًا .مل يكن ُم ِّبذر ًا لكنه كان ُّ ٌّ كل فاصلة منه. الالئق .مل يكن بوهيمي املظهر بل َ بسيط ُه عىل َذوق .كان فنان ًا يف ّ ّ وهذا ما جعل له شهر ًة ُم َّميزة يف أوساطنا ويف أوساط النساء .أسمع أحيان ًا أنه كان زاهد ًا بالنساء ومنرصف ًا إىل أمور الروحانيات .هذه!!! (يضحك الختيار أمامي صاحبنا نجم نساء متلام ّبدك. ضحكة العارف باألمور) فليسمحوا لنا بها .كان ُ وشخصية جاذبة .يف حبه ،لِام كان عليه من شهر ٍة أدبية ما ٍ ُ عرفت أحد ًا مل يكن ُي ّ السنوات األخرية من حياته -خصوص ًا آخر َع ْش ٍر -مل يعد يهتم أن يكتب يف العربية مرتج ًام إىل لغتهم وانرصف إىل الكتابة وال عاد ّ يهمه القراء العرب .ترك لهم أدبه َ باإلنكليزية التي كان أتقنها َوت َّميز فيها بأسلوب خاص .أما موارده فكان معظمها أكثر من الكتابة ودور النرش. من رسومه ولوحاته َ وصديقك ميخائيل نعيمه؟
صحته؟ أوه يس ...مايك ...نايس مان ...ما أخباره اليوم؟ كيف ّ
34
3 المونسينور منصور أسطفان مُعَاصر جبران: سم ُ ُ وأصدرت الكـتاب في القاهرة يت البدائـع والطرائـف أنـا َّ اتصل بي جبران مّرتين وهو يكـتب يسوع ابن اإلنسان هو من القرن عىل سبع خطوات .ثالث وتسعون سنة ،يحملها عىل كتفيه ومييش ،كأمنا يحمل ستين ًا نشيطة. ً تفصيال ،ال يغفل عن اسم ،ال ب السنني :ال ينسى يعوض عنه اخرتاقُ ذاكرته ُح ُج َ بعض ضعف يف سمعه ّ يغيب عن باله مكان أو تاريخ. ُ تاريخه الكهنويت ال َيحرصه كالم .خمسون عام ًا كاهن الجالية اللبنانية املارونية يف بروكلن -نيويورك. سنة 1980عاد ِنهائي ًا إىل أرضه األم ،إىل ضيعته غوسطا ّ املعلقة زنار ظالل وأضواء عىل خرص كرسوان. حمل تسعينه وعاد ،ومعه ذكرياتٌ يعكف عىل تدوينها ،خوفَ يتقدَّ م العمر به فتضعف ذاكرته. يف إحدى صفحات ذكرياته ينام جربان .هذا ما دفعني إليه. جع َله َّ يتذكر ،أو س َأرصخ أسئلتي ح ّتى َخيل ُتني س ُأعاين ْ ت ََه ُّيؤي لزيارته يف غوسطا كان عىل بعض قلق :ت َّ يصل صويت إىل منبسطات خليج جونيه. عيل جميع األسئلة .مل ت َُخنه الذاكرة يف تفصيل .حني كان أبد ًا :مل أكد ُأعلن له غرض زياريت ح ّتى َو َّفر ّ يصف يل صومعة جربان (وهو َ ويصور دخلها عند وفاة جربان) راح يشري حويل بكلتا يديه ويهندس ّ وأحس حرارة رسير جربان. أتحسس أثاث الصومعة ويتبسط ح ّتى ِخل ُتني سأقوم معه ّ ّ ّ أدون .ولو شئتُ االستماع إىل جميع ذكرياته لقضيتُ الليل يف غوسطا .شارل قرم ثالث ساعات يحكي وأنا ّ ميزة .فيليپ حبيب ُ تلميذه .أوه فيليپ! كان صغري ًاَ .ه َ ُ القدّ . م أدبية وعالقة كثرية صديقه .له معه ذكريات ُ ّ والدُ ه كان صديقي .شقيقاه كانا أيض ًا من تالميذي .كان فيليپ شاطر ًا .جاء العام املايض إىل بريوت واتّصل مهمة رسمية ِدپلوماسية. يب يريد زياريت هنا يف غوسطا .مل َأش ْأ إحراجه وهو يف ّ كتب وأوراق وذكرياتٌ طويلة .شباك غرفته يطل عىل خليج جونيه الجميل. يف غرفته ٌ َ شبابه عن شيبه يسرتسل الـبونا وأنا أكتب .أسأل وال َي َم ّل .يعرف أن استمرار لبنان يف أن ينقل ُ وسفينة تُبحر من شط أورفليس. الرسالة .وكل رسالة تحتاج ،كي تصل ،إىل مصطفى وميرتاَ ما هيك يا بونا؟ دونتُ حديثه ،وال أقاطعه. بىل هيك :أتركه يتحدّ ث ،كما ّ
37
جلسة أخرى؟؟؟ الصحاف ّي؟ أم إشباع ًا لنهمي يف أحالمي األدبية ارتحت إىل الوعد .لفضويل ِ ُ همي أن أعود َوت َع ُّقب جربان من أحد آخِ ر معارصيه؟ ال فرق يف النهاية بينهام .كان ّ لعلي بصوت إىل هاتيك األيام من مانهاتن اللبنانية فيام أنا موجود يف مطارحهاّ . حدثي أسرتجع الزمان ،وباختاليف إىل األمكنة ميداني ًا أَسرتجع املكان ،فيلتقي عندي ُم ّ املكان والزمان ،وأسرتجع اللحظة. اللحظة ...اللحظة... العد العكيس بعض حلمي ،وأنا هنا يف نيويورك ،أن أسرتجع اللحظة ،فأدخل ّ ُ لعوديت اىل لبنان. أحالم ...أحالم... أخبارها بريوت؟ ما ُ نيويورك
حرره فؤاد خوري غالف كتاب تاريخ الهدى الذي ّ
* النهار العريب والدويل1985/4/29 -
36
مكتب ُه يف الطابق األولُ ،يرقى إليه بأربع شارع واشنطن) وغالب ًا يتالقى عنده لبنانيونُ . درجات حديدية عريضة .يومها ،ما كدت أبلغ الدرجة الرابعة ويراين الحتي من عمق يهم بالخروج من املكتب. مكتبه يف تلك الغرفة الواسعة حتى نادى ً رجال ربع القامة كان ّ وسط الغرفة فبادره الحتي :أ َُع ِّرفك إىل راعي أبرشيتنا الخورأسقف ّ توقف الرجل ْ التفت يجيب الرجل منصور أسطفان الواصل منذ نحو عام إىل نيويورك .وقبل أن َ َ ثوان َعجىل أديبنا اللبناين جربان خليل جربان .ويف ٍ َإل ّي ابرهيم واستطردِّ : أقدم إليك َ أمامي َّالرجل َّالر ْبع القامة :يف ُيمناه عصا ،حول رقبته شال كشمري ،وجهه مائل تأملت ُ َ عرفت َك قبل أن أَلتقيك. باد ْر ُته: حولته الزائد ُة ُم ْقل َِقة .قبل أن ّ ُ إىل الصفرةُ ،ن ُ يتكلمَ ، أعطيتها عنوان البدائع بقي صامت ًا يف ُنحولته املتفرقةُ ، جمع ُ ُ ت مقاالتِك ّ فأكملت :أنا ْ أرشفت عىل صدوره يف مرص .عندئذٍ خرج من وراء ب َصدرتها يف كتا ٍ والطرائف وأ ُ ُ وه َم َز عصاه وخرج. صمته الشاردَ ، وشكرين يف تهذيب زائد إمنا يف اختصار زائدَ ، وقلت ل َِمن كانوا حويل :هذا الرجل لن يعيش بعين َّي َيخرج من املكتب، ُ ُ رافقت ُه َ طويال .هو َنحيف وناحل أكثر من الطبيعي .أجابني صديقي يعقوب روفايل :هذا ً الرجل ُد َّر ٌة يف َص َد َفة .وراح اللبنانيون يف املكتب ُيخربونني عن ُشهرته يف نيويورك، خصوص ًا بعد صدور كتابه النبي قبل ثالث سنوات .قالوا يل إنه ال يزور أحد ًا وال منعزال يف صومعته يعمل طوال الليل يزور ُه أحد .ال يخرج اىل أماكن عامة .يعيش ً ُ والنهار يف الرسم والكتابة. صورت ُه بأناقته البسيطة ،وقامته املربوعة ت يف ذاكريت ُ بقي ْ منذ ذاك اللقاء األول َ قليال إىل األمام. ذات الرقبة املنحنية ً ت أدبية ،إحداها دعت إليها بعدذاك أربع مرات أو خمس ًا ،يف حفال ٍ ُ التقيت جربان َ الرابطة القلمية يف قاعة إحدى الجمعيات ،تأبين ًا للراحل سليامن البستاين ،وكان جربان من خطبائها البارزين. كنت سنة 1927هاتفني جربان يسألني عن ٍ نسخة رسيانية للكتاب املقدس ُ فوعدته أله ّم ّيتها). أخربته أنها عندي (نسخة مثينة ُ ُ ُ اشرتيتها وقتئذ بخمسني دوالر ًاَ ، بالبحث عنها.
39
كنت كاهن ًا يف الثالثة والعرشين حني استدعاين رؤسائي اىل القاهرة سنة 1913 ُ خرجي من معهد الحكمة ضليع ًا يف العربية لتدريس اللغة العربية والرتجمة ،بعد َت ُّ والفرنسية (أستاذي الخوري نعمة اهلل باخوس ن ِّد املعلم عبداهلل البستاين الشهري عهدئذ). أدرس لدى مدرسة اآلباء اليسوعيني يف الفجالة ،قريب ًا من مكتبة ُ أخذت ّ فت بصاحبها اللبناين يوسف توما البستاين فطلب مني أن تعر ُ العرب التي ّ أُساعده يف التنقيح واإلرشاف عىل صدور بعض املؤلفات العربية .وذات يومٍ قال متفرقة ت يل :لجربان خليل جربان ٍ مقاالت مبعثر ٌة منشورة يف مجال ٍ ٌ وصحف ّ جمعها بني مرص ولبنان وأمريكا .أنوي َ تتولى إلصدارها يف كتاب .ما رأيك لو ّ وافقت عىل الفورُ ،تغريني ذلك؟ ُ ت له شهر ُة جربان، فانكببت أراجع مقاال ٍ ُ ت بينها 35من كتابه دمعة انتخب ُ كثري ًة ْ وابتسامة ،ومن العواصف آخر كتبه عدة، يف العربية ،ومن ومجال ٍ ٍ ت ّ صحف َ واخرتت لها رسوم ًا من جربان، َب َّو ْب ُتها ُ عنوان لهذه أفك ُر يومني يف وبقيت ّ ٍ ُ وجد ُت لها اسم البدائع املجموعة حتى ْ وأرشفت عىل طبعتها األوىل والطرائف، ُ حلة الئقة سنة ،1923بعد خالف عىل يف ّ النرش مع جرجي زيدان الذي كان هو يريد إصدارها يف منشورات الهالل. صفحة اإلعالن عن كتاب البدائع والطرائف يف تلك السنة نفسها أصدر جربان يف يف مجلة الفنون نيويورك كتابه النبي لدى كنوف. رعية سيدة لبنان يف بروكلن .وذات يوم من سنة َ 1924ت ّم نقيل إىل نيويورك َ خادم ّ جت يف مانها ِتن عىل صديقي ابرهيم الحتي (صاحب مؤسسة سفريات لبنانية، عر ُ ّ 1926 ووكيل رشكة فابر الين األمريكية للنقل البحري) .كان مكتبه يف بناية فاعور (وسط
38
ت إىل الزاوية اليرسى من باب املدخلَ :ت ْخ ٌ سجادة عجمية ،فوقه واطئ ٌ رام ُه ّ ٌ بسيط ،حِ ُ متثال املسيح املصلوب ،عن جانبه إىل الحائط لوحة زيتية قدمية وكبرية (بالحجم الطبيعي) رافقن املسيح إىل الجلجلة. للنسوة الالئي َ إىل ميني الباب (النصف األمين من الغرفة) أدوات تصوير، لوحات ُمختلفة األحجام، ٌ ُ غري مكتملة. ٌ ورسوم ُ حمام ،ألن هذا كان مشرتك ًا الغرفة يف ليس ّ للطابق ِّكله كام حال هذه الطوابق الفقرية. املونسينيور منصور اسطفان بادرت نعوم :كان فيام نغادر الغرفة، ُ ناسك ًا هذا الرجل .يعيش يف صومعة. جثامنه يف مستشفى أكملنا إىل حيث كان ْ ُ سانت ڤنسنت .بعد يومني َت َّم نقل الجثامن إىل بوسطن ( 4ساعات يف القطار) من دون الجناز حيث تقيم ،قريب ًا من جنا ٍز عندنا يف بروكلن ألن شقيقته مريانا شاءت إقامة ّ ّ وصلى عىل الجثامن كاهن الرعية هناك الخورأسقف كنيسة سيدة األرز يف بوسطنّ ، أسطفان الدويهي. موت جربان حزن ًا عميق ًا يف نيويورك وبوسطن ،مع أن الناس مل يعرفوه أشاع ُ َ املستمر .كان ذا تأثري كبري يف أدباء الجالية ومواطنيها ،خصوص ًا بعد شخصي ًا النزوائه ّ صدور كتابه النبي. كان ذلك قبل اثنتني وخمسني سنة. أتذكر ذاك الناحل النحيف، أزالّ ،كلام تحد َث عنه أحد أماميَّ ، تذكرت جربان أو ّ ُ وال ُ شديد َّالربع القامة ،بعصاه األنيقة ،وشال الكشمري حول رقبة نحيفة إىل األمامً ، رجال َ شديد االختصار. التهذيب ،لكنه ،كذلكُ ، توفي الخوراسقف منصور أسطفان يف مطلع ،1984بعد أشهر قليلة عىل هذا الحوار. * ّ * النهار العريب والدويل1983/10/10 -
41
تذك ْر َتني بنسخة ُزعجك يا أب ِ ت .هل َّ بعد أسبو ٍع َ عاد فهاتفني :أرجو أ َّال أَكون أ ُ قلت له إنني مل أجدها .قد أكون أ ََع ْر ُتها ألحدٍ ومل الكتاب املقدس الرسيانية؟ُ . اتصال له مقتضب ،وكان ذلك آخر جدد ًا ٍ وشكرين بتهذيب َ إيل بعد .اعتذر ُم َّ ُيعِ ْدها ّ َ فهمت من أحد أبناء الطائفة يف رعيتي أنه ُي َه ِّيئ كتاب ًا عن املسيح (يسوع ابن يب .ثم ُ أصدره بعد ذاك بسنة). اإلنسان الذي َ ُز ّواره كانوا أربعة أو خمسة (أبرزهم نسيب عريضة ،عبد املسيح حداد وشقيقه َحد َن ْد َره) .كنا َّ نتسقط أخباره بني الحني واآلخر .والنقطاع ِصالتِه بالناس مل يكن أ ٌ بشدة َمرضه يف أيامه األخرية. عارف ًا ّ كان صديقي نعوم مكرزل ،إىل بنايته يف مانهاتن ،اشرتى بناية أخرى يف بروكلن قريب ًة من كنيسة سيدة لبنانَ نقل إليها مكاتب الهدى ومطابعها .وذات فرتة من كل يوم. 1931مرض شديد ًا، فكنت ،بحكم صداقتنا ،أ ُ ُ َعوده تقريب ًا ّ وجهه الحزين .وقبل أن أُبادره صباح السبت 11نيسان، ُ فص َد َمني ُ دخلت عليه َ وغص يف شهقة صامتة. بالسؤال بادرين بالنبأ املفجع :صاحبنا جربان عطاك عمروَّ . حرتفه؟ َّ يت فور ًا صالة الغائب ،وما أ َْن َه ُيتها حتى بادرين :أتأيت معي نزور ُم َ صل ُ وانطلقنا اىل مانهاتن بسيارة فأجبت بـنعم فوريةَ ،ونهض نعوم كأنه مل ُيعد مريض ًا، ْ ُ أحد أبناء الرعية. مدخل واسع قرميد عتيق ،ومن تحت فوق البناية قدمية من ثالث طبقات .لها من ُ ٌ ٌ عن جانبيه َدرج مزدوج .صعدنا الطابق األول فالثاين فالثالث ،وانعطفنا ميين ًا يف رواق نطرق ُه .كان قليال .أول باب من تلك الناحية كان باب الصومعة .مل ْ طويل مظلم ً فدخلنا. مفتوح ًا ْ ضيق .قبالة الباب وسط غرفة وحيدة ،مستطيلة عىل ٍ طول الفت وعرض ِّ الباب ْ فوقه متثال العذراء (من َنحو أبيض َ طاولتان إىل الحائط املقابل :عىل ُاليمنى رششف ُ 20سنتم) تحمل الطفل عىل زندها ،عن جانبيه شمعدانان نحاسيان فيهام شموع كأس وصينية وشمعدانان نحاسيان َآخران فيهام شموع ذائبة ،وعىل الطاولة اليرسى ٌ ذائبة فوق الرششف األبيض. يف الركن ،كسائر البيوت األمريكية ،موقدة إلشعال الحطب أو الفحم الحجري أو مستدير يحمل ركوة عريض نحايس صدر الفحم الخشبي ،أمامها إسكملة صغري ٌة عليها ٌ ٌ ٌ ٌّ نحاسية للقهوة ،حولها مثانية فناجني يف قوالب نحاسية.
40
ها أنا ،صباح اليوم التايل ،يف ْس ْپ ِر ْن ْغفيلد (ماساشوستس) عند تشارلز أقابل والدته .إنها يف الثانية والثامنني .إسمها ُس َم َّية َخ ْضرا جربان .خفيف ُة السمع كثري ًا، ضعف يف الذاكرة. تعاين من صعوبة يف النطق شديدة ،ومن ٍ ات َّذك ْرتها ِبجربان: ست ْن ِط ُقهاْ . رحنا ،تشارلز وأناَ ،ن َ غص ٌ خانتها الكلامت ومل َت ُخ ْنها َّ مسكني جربان ...أال يزال حتى اليوم حزين ًا كام يبدو حني يزورنا؟ كان شاحب أتذكره إال وهو عليل .عندما يزورنا يبقى عندنا يومني أو ثالثةَ .ويحلو دائام .ال َّ الوجه ً (وتد ّلني ِبيدها املرتجفة) .هنا ،هل َترى هذا الحقل أمامك؟ مل له أن ّ يتمشى من هنا ُ الشرود واألحالم .يوم زواجنا كان هو اإلشبني كثري ُّ يكن يأكل كثري ًا .كان َ قليل الكالمَ ، تزو ْجنا يف هذه الكنيسة هناك ،هل تراها؟ كنيسة مار يف عريس ،ألنه نسيب زوجيَّ . تذكر السنة يا تشاريل؟ بارك اإلكليل يومها املونسنيور بولس صعب .هل ُ أنطونيوسَ . يهرع تشاريل اىل اإلجابة: تتذكرين جربان. 1914يا أمي .هكذا كن ِ ت تقولني يل كلام ّ وإهداء َإل ّي ِب َخ ّط يده .كلام زارنا بعد كتابان منه مسكني جربان! عندي ُ ٌ يفضل أن ينرصف إىل يطلب ّأال نعود نستقبل أحد ًا .كان ُيحِ ب الوحدة واالنفرادّ . زلت األحالم ،أو إىل الرسم والكتابة ،وال ُيحب أن يزعجه أحد ...تشاريل؟ هل ما َ عمك جربان يف نيويورك؟ تروح عند ّ ُ ألتفت اىل مزيد. ب أمل وال انتهى، العجوز الوالدة مع الحديث أن السؤال من أفهم ّ ِ ُ تشارلز: وأين والدُ ك يا تشاريل؟ وور ِس ْسرت ،عىل ثالث ساعات من هنا يف والية ماساشوستس كذلك. يف ْ هيا بنا إليه. مقدمات .يسرتسل بطرس يوسف جربان .خمسة ومثانون عام ًا .ال ينتظر أسئلة وال ّ نوستالجي: بفرح ّ سمية زوجتي بثالث سنوات .لكنني أ َْوعى منها .مسكينةَ ،د َّب أنا أكرب من ّ الخ َرف. فيها َ
43
4 جبران إشبيني في عرسي سنة 1914 التقيت خاللها صديق ًا يتيكت)، مدعو ًا اىل ٍ (كون َ مناسبة اجتامعية يف ُووت ِْر ُبري ّ ُ ُ كنت ُ يل أعرفه من لبنان. بعد حوار قصري َّقدمني اىل رجل معه: تشارلز جربان.
النحات خليل جربان يف بوسطن صافحت ُه ُ ُ وسألته إن كان ميكنه أن يصحبني إىل ّ ت أستقصيها جديد ًة عن جربان. ألتعرف إليه، وأستطلعه جديد ًا أ َُض ُّمه إىل معلوما ٍ ّ َ استفرست فأوضح: امتعض الرجل بوضوح. ُ متكبر ،متعجرف ،ال يقابل أحد ًا ،وال يعطي معلومات. ال َ أنصحك بذلك .إنه ِّ الكتابني عنده. ومنذ شه ٍر َّ تأكد يل أن َ أي كتابني؟ ّ
مخطوطتان لجربان يحتفظ بهام .ال ينرشهام وال أحد يعرفهام :أليعازر يف الحديقة ،واألعمى ،مع أنه كان ،منذ فرت ٍةَ ،و َع َد أُمي أن ينرشهام يف مئوية والدة شئت تعرف شيئ ًا جديد ًا ترص عىل الذهاب إليه؟ إذا َ جربان ( .)1983ولكن ...ملاذا َ أنت ُّ عارصاه وعرفاه جيد ًا. يتذكران؟ َف ُهام والد َّي ،يخربانك عنه ما ّ عن جربان ،ملاذا ال ُتقابل َ ُ والداك؟؟
مل أنتظر تفاصيل .فور ًا اتفقنا عىل املوعد.
42
هل كان يزوره كثريون كلما جاء بوسطن؟
كال .قليلون يجيئون للسالم عليهُ .يامزحهم ويباسطهم ،يسأل عن عيالهم وأشغالهم .يضحك أحيان ًا معهم فتنقشع عنه عالمات الحزن واملرض والتعب. وتكون جلساته معهم طويلة؟
مشغوال بذهابه يف زيارة عمل إلنهاء دائام ً أبد ًا .كان يخترص الزيارات ألنه كان ً معاملة ،أو التقاء أحد بخصوص شغل. كيف كان يأيت إىل بوسطن؟
بالرتان .كان فقري ًا ال ميكنه البذخ .وكان يعطي بعض املال ملريانا ،خصوص ًا يف أواخر حياته حني َت َح َّسن وضعه املادي. ً إجماال؟ ما كانت أحاديثه مع الناس
ويتجنب الدخول معهم يف أحاديث أدبية .كأنه حدثهم يف العموميات عاديةُ .ي ّ ّ ّ زواره. يريد أن يرتاح من الجو الذي يكون آتي ًا منه يف نيويورك .مل يكن هذا ُيزعج ّ ويتو َّددون إليه ،ويفتخرون أنهم يزورونه .لسانه حلو وحديثه حلو، حبونه َ كانوا ُي ُّ ومعاملته مع الناس صادقة ونظيفة. هل ّ تتذكر هندامه وقيافته؟
راحته .لكنه ال يخرج إال وهو يف كامل قيافته :الربنيطة يف البيت يأخذ َ دائام نظيفة ملاعة وأنيقة. األمريكية ،العصا ،الثياب ً هل كان كثري التدخني؟
يدخن كثري ًا ويرشب القهوة كثري ًا .يف الفرتة األخرية من حياته كان ُف!! جد ًاّ . أ ّ توفيت عام 1948 الع َرق ،ومريانا ُ أخته ّ ُيدمن كثري ًا رشب َ تتمزق يف صمت .مسكينة! َ يف هدوء.
45
ما القرابة بينك وبني جربان؟
قلت ذلك لألستاذ يا أبوه خليل جربان هو ابن عم أيب يوسف جربان .هل َ تشاريل؟ أين كنت تراه؟
كنت أزوره يف بوسطن عىل عندنا يف ْس ْپ ِر ْن ْغفيلد .هو إشبيني يف عريس .ومرات ُ ساعتني من عندنا. كان يأيت غالب ًا إىل بوسطن؟
شغله كثري ًا يف نيويورك .لكنه يجيء أحيان ًا عند غالب ًا؟ ال .ما كان عنده وقت .كان ُ سفر وارتباطات. أخته مريانا ،يومني أو ثالثة ويعود إىل شغله يف نيويوركً . دائام عنده َ أية صورة تحفظ عنه؟
حب أن يتمشى ،أن يكون معه شخص كان حزين ًا ً دائام َّ كأن به أ ََل ًام ُمخيف ًاُ .ي ّ قليالَ .يميش ُوي ّفكر .كان فيلسوف ًا يا كنت أُرافقه أحيان ًا فال ُيخاطبني إال ً ولو مل ّ يكلمهُ . أستاذ .مر ًة أَطْ َلعني عىل مجلة تصدر يف مرص كانت كاتب ًة عنه أنه فيلسوف. هل كان يقرأ لك نتاجه الكتايب؟
متكبر ًا .يعترب ال .أبد ًا .مل يكن ُي ْش ِر ُك أحد ًا يف كتاباته .من هذه الناحية كان ّ صديقه يف بوسطن كامل ال يحتاج رأْي أحد .أحيان ًا كان َيميش معنا ُ ّأن ما يكتبه ٌ لكن جربان كان ينزعج وال ُيجيب .مل يكن عساف جوريه ،فيسأله هذا عن نتاجه ّ ّ ّ لناس مثلنا دون مستواه الفكري. ُيحب أن يقرأ كتاباته ٍ إىل هذا الحد كان متعجرف ًا؟
وطيب ًا ،حلو يف أمور الكتابة فقط .يف األمور األخرى ،عىل العكس :كان ُمحبب ًا ِّ ب أن ُيخاطب الكبري والصغري حني ال يكون رأسه يدور يف اللسان ،حديثه لطيفُ ،يحِ ّ فكرة أو رسمة .يف جلساته مع الناس كان متواضع ًا ،بل عىل بعض َدعة وخجل.
44
5 الخفي : ماري هاسكل المالك ّ كانت تصحح مخطوطاته خفية عن زوجها العجوز املحارضون يف إحدى جلسات املؤمتر الدويل األول للدراسات الجربانية (جامعة يتحدثون مرييالند -كانون األول ّ ،)1999 عن جربان ُمشيدِ ين مباري هاسكل، صاحبة الفضل األكرب يف عنايتها به إنكليزي ًا ورعايتها إياه مادي ًا ومعنوي ًا وعاطفي ًا. شابة دامعة. يف ٍ مح ُ لفتة إىل القاعةَ ،ل ْ ت ّ رآها مثيل رئيس املؤمتر الدكتور سهيل برشوئي فأَوضح يل هامس ًا :إنها قريبة ماري هاسكل. مت منها، يف نهاية الجلسة ّ تقد ُ معرف ًا ِبخربيت الجربانية ّ وقد ُمتني إليها ِّ فباد َر ْتني ومعرفتي بتاريخ ماري هاسكلَ ، مشري ًة اىل عنقها: هذا منها. مرص ٌع ِبمهابة. كان يف عنقها عِ ْق ٌد جميل َّ
(زيتية بني مجموعتها ملتحف تلفري) ماري هاسكل ّ وهذا هو العقد الذي تلبسه اليوم إليزابيت
النسب معها؟ وما َ
47
متى زرتَه آخر مرة؟ وما كان حديثه؟ حنني غريب كام وال حدثني عن لبنان ِب ٍ يف آذار .1931قبل موته بشهر واحدَّ . يومها قال يل :أنا مشتاق إىل لبنان يا مرة من قبل .كان يحكي عن لبنان بشغفَ . بطرس. غصة ُم َّرة. أجهش العجوز أمامي يف ّ َوت َخ ْر َس َن الحوار.
* النهار العريب والدويل1985/10/28 -
46
ْس ْپ ِرنْ غفيلد -ماساشوستس
َروت يل أنها قرأَت النبي وهي يف الخامسة بعمة ْ وأحبت جربان قبل أن تعرف عالقته ّ عشرةَّ ، أمها .ونهار عيد ميالدها الثامن عرش ،أهدتها ُّأمها كتاب النبي الحبيب -رسائل الحب بني جربان وماري هاسكل ودفاتر مذكراتها( تحقيق فريجينيا حلو -منشورات كنوف -نيويورك .)1972وحني ألمها إنها تعرف جربان يف كتابه النبي، قالت ّ عمتها ماري هاسكل َ كشفت لها ُّأمها عن عالقة ّ ِبجربان .كانت إليزابيت تجهل ذلك ،فأخذت من وعمة أمهاُ ،وتمطر يومها تكتشف عامل جربان ّ والدتها بأسئلة كانت هذه تجيب عن بعضها، وتغفل اإلجابة عن بعضها اآلخر. نقال عن أمها ،كيف وأخب ْرتني إليزابيتً ، َ أبقت ماري هاسكل عالقتها بجربان رسي ًة بعد زواجها (يف 7أيار )1926من جاكوب فلورنس رسالة من جربان إىل ماري هاسكل ( 7ترشين الثاين )1918معرتف ًا بعنايتها، مدرستها ماينس ومغادرتها بوسطن (حيث ُ َف ِرح ًا بصدور كتابه اإلنكليزي األول املجنون وسنواتها مع جربان) اىل ساڤانا جورجيا (لتعيش مع زوجها العجوز) ،وكيف حني ت ُتمضيها مع جربان فيام ماينس يتابع تسافر مع زوجها اىل نيويورك ترسق أويقا ٍ أعامله يف مكاتب أخرى من مانهاتن ،وكيف كانت تراجع كتابات جربان األخرية رس ًا ُوتعيدها إليه بالربيد يف نيويورك ،وكيف كانت يف ترشين األول 1930تراجع مخطوطة أرج َع ْتها إليه آخر كتبه آلهة األرضً ليال يف صالون منزلها بعد نوم زوجها ،وحني َ ووقع معه يف نهاية ذاك الشهر عقد ًا َرسلها اىل النارش َّ ُم َص َّحح ًة يف مطلع ترشين الثاين أ َ تلقت النسخة املطبوعة من عىل كتابه التايل :حديقة النبي .وحني يف 31آذار َّ 1931 وص ْلت ُه وكتبت إليه رسالة صباح االثنني 6نيسان َ 1931 كتاب آلهة األرض ،قرأ َْته َ صحته مساء اليوم آخر ما قرأ َْته عيناه قبل أن َت َتدهور ُ ُظهر األربعاء 8نيسان فكانت َ َودت به يف الحادية التايل (الخميس) ليدخل صباح الجمعة يف الغيبوبة األخرية التي أ َ عرشة إال خمس دقائق من ليل الجمعة 10نيسان 1931يف الغرفة 316من الطابق
49
ألمي. هي َع ّمة أمي :شقيق ُة ّ جدي ّ جلسة يف صالون الجامعة. دعوتها اىل ٍ مل أَش ْأ أن أُكمل يف القاعةُ . أحد أحد أو يكتب ٌ يتحد ْث ٌ هذه أول نسيبة معروفة ملاري هاسكل .حتى اليوم ،مل َّ أي من عائلة ماري هاسكل أو من أرستها. عن ٍّ متابع جربان يف السيدة الشابة ،بعدما ُ قلت لها كم انني ٌ ُرحت أُمطر باألسئلة تلك ّ ومتتب ٌع أَماكن ماري هاسكل من مدرستها يف بوسطن ( 314شارع مارلبورو) مراحل حياتهِّ ،
منزل ماري هاسكل يف ساڤانا ( -24شارع غاستون)
مدرسة ماري هاسكل للبنات ( 314شارع مارلبورو -بوسطن)
أودعت مجموعتها الخاصة من لوحات اىل متحف أَكادمييا تلفري يف ساڤانا جورجيا (حيث َ سكن ْته بعد زواجها من جاكوب فلورنس جربان) ،اىل بيتها يف ساڤانا ( 24شارع غاستون) َ رسائلها يدي ُ ماينس ،إىل َتمضيتي نهار ًا يف جامعة نورث كاروالينا (تشاپل ِه ّل) وبني َّ ورسائله إليها ،وتفاصيل أخرى دقيقة. األصلية إليه ُ بتبسط ،إذ مل ارتاحت ملعرفتي وقالت إنها ّ ستتحدث للمرة األوىل عن عمة ِّأمها ُّ التقت َمن يعرف عن ماري هاسكل تفاصيل دقيقة. يسبق لها أن َ جدها (والد أُمها الشابة هي إليزابيت ديڤيس (من مواليد ُّ .)1956 هذه السيدة ّ والدتها َس َّم ْتها إليزابيت عىل اسم ماري) هو جون هاسكل، شقيق ماري هاسكلُ . ُ عمتها ماري إليزابيت هاسكل التي تظهر األحرف الثالثة األوىل من اسمها .M.E.Hيف ّ بعض لوحات جربان ويف إهداءات بعض كتبه العربية إليها.
48
ت نسائي ًة لتحرير املرأة وكانت تؤسس -وتقود -حركا ٍ األمريكية الجنوبية من قيودٍ ُذكورية كثرية أيامها، لبسن وكانت من أوائل النساء الجنوبيات اللوايت ْ البنطلون، ت كشفي ًة جبلي ًة يف األرياف وكانت تنظِّ م مخيام ٍ داخل املناطق الوعرة، النائية ،ورحال ٍ ت يف الطبيعة َ وكانت من الجرأة بحيث َّعلقت داخل مدرستها (يف بوسطن) لوحات جربان رغم ما فيها من ُع ْري ،وأبقت رس ّية حتى بعد زواجها ،ل ُِمامنعة َ ماري هاسكل عالقتها مع جربان ّ يف إحدى رحالتها الكشفية زوجها العجوز جاكوب فلورنس ماينس (تويف يف 3 أيلول ،1936بعد جربان بخمس سنوات). أحست سنة 1954بتدهور صحتها وبداية الضعف يف ذاكرتها ،أهدت متحف وحني َّ تلفري مجموعتها الخاصة من أعامل جربان ( 83لوحة) قبل أن تدخل يف شيخوخة مأوى توفيت فيه انفرادية ّأدت بها سنة 1959اىل خلل ّ عقيل أدخلها خمس سنوات اىل ً نهار 9ترشين األول .1964 لوحات ال نعرف شيئ ًا عنها ،ونحتاج اختصاصي ًا بجربان تبادرين تانيا بحرسة :عندنا ٌ وضعها .بعض اللوحات بدون عناوين، يتعرف إليها ويرشح لنا ظروف ْ يزورنا كي ّ وبعضها اآلخر بدون تواريخ. تعرفت اىل مائدة العشاء بطبيب يف نهاية نهاري العابق بأجواء ماري هاسكل، ُ يطبب مشارك يف املؤمتر ّقد ْمت ُه ّ إيل إليزابيت :الدكتور جوزف سيلونا من شيكاغوّ ، اهتممت له فراح يخربين كيف أراد له والداه أن ت من جربان. مرضاه نفسي ًا بقراءا ٍ ُ حول اىل دراسة الطب النفساين. يدرس الطب فالتحق بجامعة بوسطن غري مقتنِع َوت ّ وأحس بتغي ٍري صديق له كتاب النبي لجربان فقرأه تلك الليلة ويوم َت َخ ُّرجه أهداه ٌ ّ يطرأ عىل حياته .كان خائف ًا من مواجهة املجتمع بعد َت َخ ُّرجه ،فأصبح بعد قراءة النبي يشعر باملجتمع صغري ًا عىل طموحاته .بات يرى العامل ببساطة أكثر ،بعمق بدأت أكثر ،بفلسفة أوضح .شفاين جربان من َضياعي ،قال يل يف ثقة ،وأكمل :منذ ُ ُطببهم بآراء جربان يف النبي ،فأدعوهم اىل قراءته أو أقرأ لهم منه معالجة مرضاي ،أ ّ التغير يف عيونهم واالرتياح عىل وجوههم من أفكار املصطفى .وحني ً فصوال ،وأُعاين ُّ
51
الثالث يف مستشفى سانت ڤنسنت (مانهاتن) عىل أمتار قليلة من صومعته51( الشارع العارش غرب ًا). تلقيت من هدايا :هذا العِ قد يف وختمت إليزابيت :يوم زواجي ،كان أغىل ما ُ َ وأعتز بكوين ألبس عِ قد تلك املرأة العظيمة ماري تها، عم من أمي ِيه ن َهدت عنقي أ ْ ُّ َّ هاسكل. إيل صورتني كبريتني بدت فيهام ْ استأذنتني لتصعد إىل غرفتها ،وتعود حامل ًة ّ شقيقها حدها ُ ماري هاسكل مع عائلتها الكاملة .وقالت يل :هذه ماري ،وهذا َّ جديت والد أُمي .تويف من زمان ،وقبل أُسبوعني متام ًا توفيت زوجتهّ ، ّ جدي جون ُ أودري ،عن 104سنوات .كان مأمتها يف لوس أنجلس مناسب َة َت َع ُّريف اىل ُمخرجة لبنانية تكتب سيناريو فيلم عن سرية جربان وماري هاسكل ،هي التي ْأع َل َم ْتني عن فجئت معها لحضوره. هذا املؤمتر، ُ جئ ِ ت معها؟ تعنني أنها ...هنا؟
تقدمني اىل صديقتها الجديدة املخرجة اللبنانية سوال وما هي حتى كانت إليزابيت ِّ سعد. أخربتني بأنها تكتب سيناريو فيلم طويل عن سرية جربان يف ٍ جلسة رسيعة مع سوالْ ، انطالق ًا من الرسائل بينه وبني ماري ،ومن 47دفرت ًا ملاري تحوي يومياتها الشخصية عن عالقتها به. عر َف ْتني إليها إليزابيت: بينام ُ صبية َّ كنت يف حديثي مع سوال سعدّ ، انضمت إلينا ّ صديقتي تانيا ساميونس ،املسؤولة يف متحف تلفري -ساڤانا ،وتكتب حالي ًا أطروح َة دكتوراه عن ماري هاسكل. زرت متحف أكادمييا تلفري يف ساڤانا وأعرف مجموعة كنت سنة ُ 1992 وألنني ُ ت اىل الحديث مع تانيا عن أضواء جديدة عىل ماري هاسكل، أعامل جربان فيهَ ،أن ِْس ُ منها أنها: ودو َنت يومياتها معهم (إمنا ال كانت عىل مراسلة مع كثريين من رجال عرصها َّ بكثافة مراسلتها ويومياتها مع جربان)، وكانت امرأة متحررة ثائرة بالنسبة اىل بنات جيلها يف مطلع هذا القرن (هي من مواليد كولومبيا يف والية ساوث كاروالينا سنة -1873قبل جربان بعرش سنوات)،
50
6 نيويورك ولبنان بين نعيمه وجبران
أمنيتي يا ميشا أن أرى وادي قاديشا قبل أنأموت. قالها جربان يف صومعته النيويوركية مساء 16ترشين وجه صديقه الثاين 1922فيام يرسم بقلم الرصاص َ ُ ميخائيل نعيمه. وأردف كام هرب ًا من عبوس ذلك اليوم املاطر: املدنية واملتمدّ نني ،ومن نجاين اهلل وإياك من ّ ّ أمريكا واألمريكيني .وإننا سننجو بإذن اهلل .وسنعود إىل قمم لبنان الطاهرة وأوديته الهادئة .ال ُبدَّ يل ولك من جربان وميخائيل نعيمه عزة نفيس وحرية الرحيل عن هذه البالد .لن أستعيد ّ عىل صخرة يف الطبيعة فكري وراحة جسمي ّإال يف لبنان. (برية يف كاهونزي- ّ قرب مدينة نيويورك) يسأله نعيمه: ْ استقبلنا الربيع املقبل عىل كتف ما قولك لو وادي القديسني؟ ت كثري ًة هنا يف هذه البالد ال ميكنني لكن يل عالقا ٍ يا ليت ،يا ميشا ،يا ليتّ . قطعها يف شهر وال يف سنة .عندي أشغال ال ُب َّد من ْإتاممها. حلم جربان بأن يزور وادي قاديشا يف آب ،1931إمنا ...جثة بال روح. َت َح َّقق ْ
53
بدأت أعالج الفتيان والفتيات بتبسيط فصول من النبي، تعاقدت مع دائرة الصحةُ ، ُ أُعطيهم إياها فيفهمونها ويشفون من معانياتهم .وعوض زيار ٍة من 15دقيقة ،أُميض معهم نصف ساعة أحيان ًا أداويهم بأفكار جربان .ولِمن يرغبون يف مزيد ،أَقر ُأ لهم مقاطع من رسائل الحب بني جربان وماري هاسكل فيسحرهم كالمه ويرتاحون .ماري هاسكل كانت امرأة غري عادية. مكان واحد ،أربعة :إليزابيت ديڤيس ،سوال سعد ،تانيا ساميونس، يف يومٍ واحد ،يف ٍ سيد ٍة واحدة :ماري هاسكل ،املرأة التي لوال رسائلها جوزف سيلوناّ ، حدثوين عن ّ ويومياتها لغاب الكثري مام نعرفه اليوم عن شخصية جربان ومفاصل رئيسة يف مسريته َاألدبية والشخصية. كو ِلدْ ج پارك -مرييالند
من مجموعة أوراق ماري هاسكل وجربان تحت الرقم 2725 ِ ه يف دائرة املخطوطات من مكتبة جامعة نورث كاروالينا يف تشاپِل لْ (أودعَ تْها عائلة ماري هاسكل هناك سنة )1961
* النهار.2000/1/6 -
52
ب يومها ،بعد املأتم ،سار يتكسر تحت أقدامنا يف بردٍ شديد وضبا ٍ املوكب عىل ٍ ُ ثلج ّ بلغنا البيت الذي تحت الطريق ،وفيه كان نعيمه ُيميض معظم أوقاته كثيف ،حتى ْ ظل الشخروب .هناك شاء أن يكون دفنه ،ال يف مقربة عامة. يكتب أدبه الراقي يف ّ دقائق عىل وقفت لوحدي املشيعون الباب عىل جثامن الراحل الكبري، َ ُ بعدما أغلق ِّ بحزن إىل سطح ذاك البيتَ ،فوقي صخر ُة الشخروب ،وفيها مالمح مرداد ،ترنو ٍ ظلها يكتب. البيت الذي َرقد فيه إىل األبد َمن مل ُيعد قادر ًا عىل الجلوس يف ِّ رحت أفكر بذاك الحوار قبل 66سنة وفيام الثلج ُّ يرخ حافي ًا عىل وجهي وشعريُ ، يتمنيان ترشيني ماط ٍر من 1922بني صومعة نيويوركية ذات يوم يف ٍ َ صديقني كانا ّ ٍّ العودة إىل لبنان. اليوم :جربان يرقد يف برشي ،ونعيمه يرقد يف بسكنتا. عبدك بسالم ،هي ذي ْنف ُسه باتت مطمئنة. رب َ أَطلِق يا ّ كالهام اليوم انطفأ. األول عىل العامل ،واآلخر عىل ما ميكن الرتجامت أن تحمل وكالهام سيبقى مضيئ ًاّ : منه إىل العامل. والراقد يف البيت ،وأنا سطح البيت اشتد َر ُّخ الثلج عىل وجهي ورأيس، حني ّ َ ُ غادرت َ الصراع. أفكر يف ذاك ّ يومها مل أكن أعلم أنني ،أنا أيض ًا ،بعد أشهر قليلة من ذاك اليوم ،سأجيء إىل االنشدادين وما بينهام من وجيع الرصاع :أن ُتش َّدين مثلهام فريسة نيويورك، وأكون َ ُ َ يشد يب إىل لبنان. ويظل حنيني أمريكا ُبف َر ِصها الكبرية، النوستالجي ُّ ّ ّ
نيويورك
* األنوار.1992/4/3 -
55
حلم نعيمه بأن يزور وادي قاديشا يف آب ،1932ويزور جثامن صديقه َوت َح ّقق ْ جربان. غص ِة أنه مل ُيعد إىل لبنان. مات جربان يف ّ نعمة أنه عاد إليه ،إىل صنني ،إىل الشخروب ،أمىض فيه النصف وعاش نعيمه يف ِ اآلخر من عمره ،من 1932حتى انطفائه يف 29شباط .1988 ولبنان يف باله خياالت. مات جربان يف نيويورك، ُ ونيويورك يف باله خياالت. ومات نعيمِ ه يف لبنان، ُ بلغت أقايص شهرته التي َ قامت ُ بني انشداد األول إىل لبنان وبقائه يف نيويوركَ ، العامل ألنه خاطب العامل ِب ُلغة نيويورك. اآلخر إىل لبنان وإشاحته عن نيويورك ،قامت شهرته التي بلغت أقىص وبني عودة َ خاطبه ِب ُلغة الضاد. العامل العريب ،ألنه َ األول بلغ العامل بإنكليزيته ،والثاين َش ّق طريقه إىل العامل مبا يتاح للرتجمة أن تحمله إىل اإلنكليزية. لبنان ونيويورك ! هذا الرصاع... هذا الرصاع... جئت ثاني ًة إىل نيويورك (مطلع )1989كان يوجعني الحنني إىل لبنان، حني ُ حق َقه يل أمريكا. ُويعميني عن رؤية ما ميكن أن ُت ِّ ويشتد يف قلبي ونيف ،ما زال يوجعني الحنني ويقوى يب ُّ اليوم ،بعد ثالث سنوات ّ حققه يل أمريكا بعدما تسنى وضمريي وقصائدي ،لكنني مل أ َُعد متعامي ًا عام ُيمكن أن ُت ّ ت مل يكن ميكنني أن أخطوها ت ومساحا ٍ يل يف ثالث سنوات أن أحقق من عبو ِر مسافا ٍ لو مل أجئ إىل أمريكا. أمريكا الشمس ،ولبنان القمر. هذا وطن الحلم الجميل ،وتلك بالد الفرص الكبرية. عشية الذكرى الحادية والستني لغياب جربان ،أَستعيد يف سكون قلبي ما قاله يف صومعته قبل سبعني عام ًا لصديقه ميخائيل نعيمه ،وأعود بالذاكرة إىل ذلك الغروب الحزين املاطر يف بسكنتا قبل أربع سنوات ،غروب التاسع والعرشين من شباط .1988
54
وهي هذه النفحة الحنينية التي تبدو من كتاب سلمى الحفار الكزبري وسهيل برشوئي ،صفح ًة مضيئ ًة من أدبنا الذي كاألرز ،نحمله ذخر ًا يف عمرنا ،وتحمله أجيالنا املتعاقبة اىل آخر األعامر.
رسالة من جربان إىل مي زيادة ( 30أيار )1921
* إذاعة صوت لبنان -برنامج نقطة عىل الحرف -الحلقة 2004/6/22 -92
57
7 الشعلة الزرقاء بين جبران ومي زيادة رسام بريشته يف 26آذار 1931أرسل جربان من نيويورك اىل مي زيادة يف القاهرة ً آخر ما َرس َمت يده املريضة ،ومات ٍّ لكف مفتوحةّ ، تتوهج فيها شعل ٌة زرقاء ،كانت َ بعدها بأسبوعني (ليل الجمعة 10نيسان .)1931 حدت باألديبة سلمى الحفار الكزبري والباحث الدكتور هذه الشعلة الزرقاءَ ب من سهيل برشوئي اىل َع ْن َو َنة كتابهام الذي ّ حققاه :الشعلة الزرقاء ،رسائل ُح ّ جربان اىل مي زيادة. مثان وثالثون رسالة جمعاها يف هذا الكتاب الذي صدرت طبعته األوىل عام ،1979 ٍ والثانية عام 1984فالثالثة حديث ًا عن دار النهار. الرسالة األوىل اىل مي كانت يف 2كانون الثاين ،1914واألخرية أرسلها برقي ًة تلغرافية يف 17كانون األول 1930ورشح :ال أستطيع الكتابة بيدٍ مريضة .هذه الربقي ُة هي طيبة مبيالدٍ سعيد وسنة أغرودية جديدة ،وبني تلك األوىل وهذه حنان َحنو ُة ٍ ٌ ومتنيات ّ كامال من عبقري لبناين يف دردور نيويورك ،اىل سنوات األخرية ٍ صبغت عرص ًا ً مراسلة َ ُ إرث أديب هو بني األندر يف تاريخ أدبنا عبقرية لبنانية يف أقايص القاهرة ،فكان لنا ٌ الحديث. مررت بوادٍ َّذكرين يف رسالته اىل مي نهار 31كانون األول 1923كتب جربان: ُ ُحبها يف الشتاء أمام املوقد، بأودية شامل لبنان .ال أعرف أهن َأ من العيش يف األودية .أ ُّ ورائحة عود الرسو املحروق متأل البيت ،والسامء تنثر الثلج خارج ًا ،وقناديل الجليد مدالة خلف زجاج النوافذ. ّ إنه حنينه الدائم للعودة اىل لبنان ،اىل وادي قاديشا الذي مل يغادر عينيه وال قلمه تكرر هذا الحنني يف رسائله العاشقة اىل مي زيادة. وال ريشته وال خفقا ِ ت قلبه ،وكم َّ
56
طلبت َّ وفص َلت الجريدة :قبل أن تأخذ الشاعرة األمريكية قسط ًا من الراحةَ ، تحج إىل البيت الذي أبرص جربان فيه النور ،فكان لها ما أرادت .وما هي ّإال أن ّ طوال، حتى كانت واقف ًة أمام ذلك البيت البالغ خمسة أمتار عرض ًا وعرشة ً دقائق ّ قسمة من وجهها ،والدموع تربق يف عينيها .ثم حركت شفتيها والحزن يحتل ّ كل ْ قائلة: يف هذا البيت ولد جربان خليل جربان! ويف إحدى حناياه املعتمة فتح عينيه ً رسوال ملهم ًا.
وراحت تسأل:
أخشاب سقف البيت؟ هل َ أتلف ْتها األيام؟ أين ُ بعثرتْها العواصف يف اآلفاق رماد ًا؟ وأين حجارة الجدران؟ هل َ وأين الخزانة الخشبية التي َ طالما حدّ َثني عنها جربان وكانت تحوي الجوز والزبيب والتني املجفف َ فاكهة الشتاء؟ العسل والخمر ،وموقد النار الرتايب الذي كان يلتهم قضبان الزرزون بينما العواصف يف جرة َ وأين َّ أشدّ ثوراتها ورصاخها وعويلها؟ وطبق القش الذي كانوا يتناولون عليه األطعمة ،أين هو؟ الحجري َ املقتلع من سفح جبل األرز ،ما مصريه؟ والجرن ّ وأين ُ كتبه املدرسية؟ الك ّوة التي كان جربان يضع فيها َ ُ الساحة املجاورة التي كان يلعب فيها؟ وأين يستظلها حامل ًا عند الظهرية ،والتي عليها َ ٍ ربطه أبوه ً ّ ُ بعنف قصاص ًا له مرة وشجرة الجوز التي كان
النهماكه الدائم بالتصوير؟ حل به؟ كان جربان رغنه يف هدأة الليل ينفخُ أنغام ًا لبنانية شجية؟ ماذا ّ الجار الذي كان عىل ُأ ّ وأين ُ ُّ يستلذ أنغامه ويقيض الليل ساهر ًا ُيصغي إليه.
مسرعة إىل الحقول الفسيحة أين الطريق التي كان ّ ُ كل صباح يرى عليها قطعان البقر والغنم واملاعز ْ واملروج الخرضاء؟ ثم أين صخور مار جرجس؟ ومغاور وادي قاديشا؟ وأين يقع دير مار رسكيس؟ واألرز املقدس؟ وجبل ظهر القضيب الذي ّ يكلل الثلج هامته دوم ًا؟ ُ يتفجر نبع نبات والقوس ،ومار سمعان؟ من أين ّ
59
8 باربره يونغ في بشّري وبـيت جبران ومتحفه بالد جميلة ساحرة ال عجب إن أنبتت كل يوم جبراناً
الساعة 10:00صباح األحد 8 وصلت الشاعرة ترشين األول َ 1939 برشي ،يرافقها باربره يونغ إىل ّ األمري موريس شهاب (مدير املتحف الوطني عهدئذٍ ) ،وفؤاد افرام البستاين (مدير الدروس العربية يف ّكلية القديس يوسف) وديڤيد أزرق (أستاذ يف الجامعة األمريكية) .كان يف الصفحة األوىل من جريدة السياسة وأعضاء وجهاء من البلدة استقبالها ُ ُ برشي إىل يونغ باربره زيارة تابعت التي ّ مرحبني بـصديقة من لجنة جربان ّ جربان األمريكية التي تزورنا. صباح الجمعة 20ترشين األول 1939صدر العدد ( 37السنة األوىل) من جريدة سكر) وعىل صدر صفحتها برشي نايف ّ السياسة( كان يصدرها يف بريوت ابن ّ برشي موطن جربان :الكاتبة األمريكية األوىل بالخط العريض :باربره يونغ يف ّ ومتكث عرش دقائق تذرف الدموع أمام البيت الذي ولد فيه صاحب النبي، ُ روحه. ساجد ًة أمام رضيحه ِ مناجي ًة َ
58
عند البطريرك
وتركت دير مار ّقب َلت باربره يضم رفات صاحب النبيَ ، َ جدران املعبد الذي ّ {أنطون عريضة} يرافقها متوجه ًة إىل الدميان لزيارة غبطة البطريرك رسكيس ُ ِّ غبطته يف حفاوة وإكرام وطلب إليها أن رئيس اللجنة وبعض أعضائها. َ استقبلها ُ وترتب تفسر خاللها بعض الرموز املبهمة يف اللوحات ّ برشي مدة أطولِّ ، تبقى يف ّ مكثت لدى غبطته املتحف ترتيب ًا فني ًا، فاعتذرت الضطرارها إىل العودة .وبعدما َ َ نحو خمس عرشة دقيقة ،قفلت عائدة إىل بريوت.
أوردت السياسة مقطع ًا (عاطفي ًا يف حينه وطريف ًا) عن ويف العدد نفسه َ فذكرت أنه كتبه للمرة األوىل باللغة العربية سنة كيفية كتابة جربان النبيَ ، بني بالنسبة إىل ،1902وقرأَه عىل ّأمه فقالت له :إن األسلوب ضعيف جد ًا يا ّ فمزق جربان كتابه ،ثم عاد إىل كتابته ثاني ًة وثالث ًة وكان مصريه يف املرتني الفكرةَّ األخريتني كاملرة األوىل .وبعد الحرب عاد إىل كتابته باللغة اإلنكليزية ،فكان أن ظهر النبي بتلك اللغة ،يتداوله العامل يف إعجاب ما بعده إعجاب. عىل أن هذا الوصف العاطفي( غري املستند إىل حقائق تاريخية) أَعقبه يف كالم مهم ييضء عىل صفحة من جربان ،هنا نصه: ٍ العدد نفسه ٌ كانت السيدة باربره يونغ تحمل يف حقيبتها أربعة من دفاتر جربان الخاصة: جلدّ ، -1دفرت صغري من دون ْ لعله من دفاتر جربان املدرسية ،فيه صور تحارير إىل رئيس عام، إىل بطريرك ،إىل أسقف ،إىل صديق ،وما شاكل ،وتكثر فيه صور الرسائل اإلكلرييكية بنوع خاص.
-2دفرت ثانٍ أكرب من األول ،من دون ْ جلد ،عىل ورقته األوىل من دفاتر جربان خليل جربان -ترشين األول 1900وتحت هذه الجملة عىل ثالث مرات هذان البيتان:
أال ي���ا م��س��ت��ع�ير ال��ك��ت��ب دع��ن��ي وج��دتُ كتايب يف الدنيا حبيبي (كذا)
ُ ع����ار ل���ل���ك��� ْت���ب ف������إنّ إع�������اريت ُ ي���ع���ار ح��ب��ي��ب��ي ال ي���ب���اع وال ُ
ٌ ٌ شعرية منتخبة من أقوال ابرهيم بن سهل ،وابن معتوق ،والشيخ سليم حنا مجموعة ويف الدفرت الضاهرُّ ، أكثرها غري كاملة، وكلها من شعر ساحة امللوك .وييل ذلك متارين إنشائية من نثر وشعرُ ، حافلة بكثري من االستعارات والتشابيه.
61
وب َن ْحيل وشاغورة؟ ويف أي ناحية يقع حقل الحريمْ ، أي من هذه الحقول تنبت زهور البنفسج ،وبخور مريم؟ ويف ٍّ
املتهدم الصغري كل ذلك ْ سألته باربره يونغ ،وهي واقف ٌة حزين ًة دامع ًة أمام البيت ِّ الذي أنجب شاعرها جربان. في متحف جبران ومغارة قاديشا
حتى ِأس َفت لعدم وجود طلبت أن تنتقل إىل املتحف فأَخذوها إليه .وما إن رأته ّ َ تفسري بعض الرسوم الحارضون إليها طلب الخالدة. جربان رسوم يضم فني متحف ٍ ُّ َ ففع َلت. الرمزية َ توجهت إىل مغارة قاديشا يرافقها الخوري أنطونيوس جعجع ،وكانت يف ثم ّ تساءلت دخلت املغارة َ الطريق ُتظهر شديد إعجابها باملشاهد الخالبة حولها .عندما َ وخرجت سحري. انتقلت إىل عامل إن كانت مل تزل باقية يف هذا العامل أم انها َ َ ّ أنبتت وشفتاها ُت َتمتامن هذه الكلامت :إن بالد ًا جميلة ساحرة كهذه ال عجب إذا َ يف كل يوم جربان ًا. وتناولت فيه عادت باربره من املغارة إىل منزل أحد مشايخ آل عيسى الخوري َ الغداء مع املطران عبداهلل خوري ورئيس لجنة جربان سليم رحمة واملونسنيور بادري ورهط من أبناء البلدة.
على الضريح
توج َهت الكاتبة إىل زيارة رضيح جربان يف دير مار رسكيس يصحبها بعد الغداء َّ تأثرها ُأش َّده جمهور كبري .وعندما َ دخلت الكنيسة التي يرقد فيها جربان بلغ ُ وحدها يف الكنيسة. فطلبت إىل مرافقيها أن ُ فبقيت َ يرتكوها عىل انفراد .خرجوا َ َ نهضت ثم روحه. تناجي دقائق عرش نحو خشوع يف جربان رضيح أمام ت سجد َ َ حدثها عنها جربان يف وخرجت إىل فسحة الدير تتأمل األمكنة الجميلة التي طاملا ّ َ نيويورك.
60
راسلتها إىل نيويورك مقرتح ًة عليها أن تسافر إىل لبنان يف السنوات األخرية من حياتهْ ، وافقت وقدمت لها مبلغ ألفي دوالر لقاء نفقات الرحلةَ . مطو ًال عن جربانَّ ، َ وتضع كتاب ًا ّ وتركت قيمتها خمسمئة دوالرَ ، باربره يونغ عىل االقرتاح ،وقبضت ِس ْلف ًة من املبلغ ُ خرب إعالن الحرب وهي يف ُعرض البحر فلم تعبأ نيويورك يف منتصف آب املايض .فاجأها ُ الس ْلفة فراسلت َتطلب بقية نفدت منها ِ وتابعت َ سف َرها إىل بريوت .ويف لبنان َ لذلكَ ، فاعتذرت عن ذلك بسبب نشوب الحرب .عندئذ رأَت السيدة األملانية َ املبلغ من تلك ّ السيدة يونغ أن تعود إىل بالدها ملتجئ ًة إىل رئيس الجامعة األمريكية يف بريوت املسرت مواطنته الشاعرة مببلغ يساعدها عىل بلوغ نيويورك. مد َ بايارد دودج الذي َّ تعم َدت باربره يونغ هذه اإلضاءة من جريدة السياسة سنة ،1939تكشف كم َّ تكرست له آخر سبع سنوات يف أن تبدو عاشق ًة جربان ،متكرس ًة له يف غيابه مثلام ّ ورافقته منها صباح آخر يوم يف حياته (الجمعة 10نيسان ،)1931وفيام صومعته، ْ شارعني من كان َم ً حموال يف سيارة اإلسعاف إىل مستشفى سانت ڤنسنت (عىل ُبعد َ الصومعة )قال لها ُم َط ْم ِئن ًا :ال تخايف يا باربره ،أنا يف حالة جيدة .لكنه مل يكن أغمض عليه جربان عينيه، وجه آخر ٍ آخر كلامته ،وكانت باربره َ كذلك أبد ًا .كانت تلك َ َ تلحقه شقيقته مريانا التي جاءت ألنه ُظهر ذاك النهار دخل يف الغيبوبة األخرية فلم ْ ملهوف ًة بالقطار من بوسطن. النحات خليل جربان (يف كتابه خليل جربان :حياته وعامله ص )404 وعن ّ ّأن باربره ،بعد االنتهاء من مراسم دفن جربان يف بوسطن (الثلثاء 14نيسان سيدة األرز )جاءت إىل الصومعة يف نيويورك (نهار الجمعة 17 يف كنيسة ّ ِ كل أث ٍر من جربان َي ُحول دون أن يبقى منه ما ترويه هي عنه. نيسان) إلخفاء ّ وزكية لكن ماري هاسكل (ل ُِحسن الحظ) كانت َس َب َق ْتها إىل هناك مع مريانا ّ ّ وصيته التي رحمة (ابنة ملحم جربان ابن عمه) للبحث بني أوراقه عن نسخة ّ ووجدت بني األوراق مخطوطات أودعها عام 1930مكتب املحامي إدغار سپاير. َ َ ووجدت ُر َزم ًا وأعادتها إليه، عملت عليها معه ،أو وحدها جربان التي كانت َ ْ َ وأهدتها (نس َق ْتها الحق ًا مع رسائله إليها ْ ملفوف ًة َّ مرتب ًة هي َمجموعة رسائلها إليه ّ
63
-3دفرت عادي ،قليل الورقّ ، مجلد ،يتضمن كتابات إنكليزية وشيئ ًا من املحاوالت الشعرية بالعربية. منها بيتان مكتوبان تحت عنوان تحت رسمي:
خ��ي��ال فتى ي��ه��وى الحياة وال ه��ذا ُ ف���إن ب���دا ج��ام��د ًا وال��ص��م��تُ ميلكه
يكتئب (كذا) يهوى الحياة ،ويف الحالني ُ يضطرب (كذا) الحب فاتلوا عليه صالة ُ ّ
مقال طويل يف عرش صفحات كثري التنقيح والتحشية ،واألرجح وفيه هذا الدفرت ٌ نرشه يف الهالل بشأن النهضة الرشقية وإمكان التضامن بني أنه ّ مسودة مقال َ األقطار العربية. مي يقول مسودة ٍ رسالة غ ِري كاملة ،من األرجح أنها إىل َ ويف آخر هذا الدفرت ّ عيل أن فيها ها قد رجع ِ ت من لبنانِّ . أهنئكِ بذهابكِ إىل لبنان .وال أدري ما إذا كان ّ ت يف لبنان؟ ولو أهنئكِ برجوعكِ سامل ًة إىل مرص .لبنان ،لبنان ،لبنان ،قويل ماذا وجد ِ ّ ت تجيئني من أبسط اللبنانيني ومن أكثرهم تركيب ًا ،ملا ّفكر ِ بعثت إليك بالرسائل التي ُ ُ ت يل هذا االفرتاض؟) بالذهاب إىل لبنان ،أو إىل أية غفر (هال أنا- ت أن ت كن لو قط- ِ ِ ِ ّ ّ قرنة من قراين الرشق. -4دفرت كبري أكثره أبيض ،يبد ُأ من اليسار مبقاطع كثرية من آلهة األرض باللغة اإلنكليزية ،وييل ذلك محاوالت تصويرية منها رسم امرأة تحتضن ً طفال وتُرضعه ،وقد ظهر الرسم بدوائر رصاصية غاية يف الغموض والوضوح مع ًا. املدونة: مسودات قصائد ومقاالت معروفة ،أشهرها املواكب .ومن املالحظات ّ ويف هذا الدفرت ّ غريب عن الكهان .وأنا بطبعي وأحالمي ٌ تجزئة سطح األرض شغَ ل السياسة ،وتجزئة السماء شغَ ل ّ هؤالء ْ املشتغلني بالتجزئة والتقسيم ،منرصفٌ إىل الوحدة النفسية والعقلية والدنيوية والسماوية.
عودة مسرعة
ختام زيارة الشاعرة باربره يونغ إىل لبنان ،مضيئة ثم تصف جريدة السياسةَ كذلك عىل صفحة غري معروفة عنها. جاء يف نص الجريدة: يف الثاين عرش من ترشين األول عادت باربره يونغ إىل نيويورك قبل أن ُتت ِّم املهمة معلومات عن سبب عودتها املرسعة ،فإذا هي :يف وصلتنا التي جاءت من أجلها .وقد ْ ٌ رافقت جربان علمت ّأن باربره يونغ َ سيدة أملانية معجبة بجربان ّ جد اإلعجاب .ملا َ لندن ّ
62
مبهم ًة تعرفها من شقيقها جربان .وال كان ميخائيل نعيمه يعرف عن عالقة جربان وضع سري ٍة يف ِبامري هاسكل حتى التقاها يف بوسطن نهار املأتم وأبدى لها َّنيته َ العربية عن جربان ،فس َأ َل ْت ُه ُموافاتها إىل منتجع طومسون قرب محطة القطار تستقل قطار نيويورك صباح 21نيسان 1931 غراند سنرتال ستايشن قبل أن ّ دون خاللها وتعود إىل زوجها العجوز يف ساڤانا .هناك اجتمعت به أربع ساعا ٍ ت َّ َ ت عن عالقتها به وعن مرحلة جربان يف بوسطن قبل التقائه به نعيمه معلوما ٍ سنة 1911يف نيويورك ،فبنى من تلك الجلسة الطويلة ما ظهر الحق ًا يف كتابه الهام مع ماري ،كام مل يذكر جربان خليل جربان ،من دون أن يشري إىل ذاك اللقاء ّ عظمية الهيكل ،زعفرانية باربره يونغ يف كتابه ّإال (ص )15بأنها :طويلة القامة، ّ اللون ،حادة األنف ،غارقة العينني ،هي شاعرة أمريكية يف النصف األول من عقدها فتقربت منه وكانت تساعده السادسَ ، عرفت جربان آخر سبع سنوات من حياتهّ ، التقيتها مرة عنده. يف نسخ مؤلفاته ،وقد ُ بالصدق الذي كانت عليه ماري هاسكل .لذلك مل كان نعيمه مدرك ًا أنها ليست ّ يذكرها يف كتابه ّإال بهذا اإليجاز. ُ وكان عىل حق.
* النهار1999/8/17 -
65
إىل مكتبة جامعة نورث كاروالينا يف تشاپل ِه ّل) ،كام َج َم َعت ما لديها من (قد ْمتها الحق ًا إىل متحف أكادمييا تلفري للفنون لوحا ٍ ت كان جربان أهداها إليها ّ والعلوم حيث ال تزال محفوظة حتى اليوم يف أرفع درجة من الوقاية) .تلك صدرت يف نيويورك سنة 1972بتحقيق ڤرجينيا الرسائل هي الثروة الكربى التي َ واقتطف منها توفيق صايغ مادة كتابه أضواء حلو وبعنوان النبي الحبيب، َ ت من جربان ما كان ميكن جديدة عىل جربان، فأضاءت تلك الرسائل عىل صفحا ٍ َ لوالها أن يبلغنا كام َبل َغنا. كتابها هذا الرجل من لبنان( لدى كنوفَ )فذ َك َرت سنة 1945أصدرت باربره َ ليال عىل انتهت الرحلة بوقوفها ً رحلتها اىل لبنان يف اختصار وأشارت (ص )182كيف َ املطلة عىل السان جورج منتظرة أن يطلع الفجر كي رشفة أوتيل ُّبسول الكبري ّ تذهب إىل ميناء بريوت تنطلق منها عائدة إىل نيويورك. استغاللها جربان تكرار ًا بعد غيابه :كتابها ،مذكراتها ،مقاالتها عنه، وكان واضح ًا ُ استثمرتها هي ،عدا قيامها بجوالت (مدفوعة طبع ًا) إقامة أربعة معارض للوحاته ْ ُتحارض عنه يف بعض الواليات األمريكية ،كونها كانت صديقته طوال آخر سبع سنوات من حياته. وشتان ما بينها وبني َت َر ُّسل ماري هاسكل ،صاحبة الفضل األكرب عىل جربان. ّ حظ اكتشاف األضواء الهاسكلية :فلو مل تأخذ ماري هاسكل ولنا يف املصادفة ُّ رزمة الرسائل ،لكان الخطر باربره يونغ كبري ًا أن تبادر َ إىل إتالفها ،لحرصها أن تبقى املعلقة عىل وحدها النجم َة َّ ذاكرة الجربانيني ،بحجة أنها كانت ُم َيا ِو َم ًة جربان يف السنوات السبع األخرية من حياته ( .)1931 -1924وهي مل تكن تعلم شيئ ًا عن عالقته الطويلة مباري هاسكل ،وال باربره يونغ وابنتها يف محرتف جربان بعد وفاته مريانا كانت تعلمّ ،إال مالمح
64
خفف الكتابة يف العربية بعدما ذاق صدى كتابته يف اإلنكليزية حتى أنه، األخرية ّ همه يعرب كتبه اإلنكليزية ،مل يكن َي ّ حني كان صديقه األرشمندريت أنطونيوس بشري ّ أن يراجع النص العريب قبل مثوله إىل الطبع. وضمها يف كتاب وحني جمع له املونسنيور منصور أسطفان مقاال ٍ ت من الصحف َّ تعرف إليه ،وال كان َس َّماه البدائع والطرائف ،اكتفى ُبش ْكره يف إيجاز َّ مهذ ٍ ب َنهار ّ سيطلب االطّ الع عىل تلك املقاالت قبل طبعها. الغريب ،وأعطاها عنوان وحني جمع له نسيب عريضه مقاالته يف املهاجر ألمني ّ ردد له بيت ًا من إحدى قصائده: دمعة وابتسامة ،وجاء يأخذ رأيه يف االختيارَّ ، ذاك ع��ه��دٌ م��ن ح��ي��ايت ق��د مىض
كل هذا يلمسه َمن يجيء ُّ أطباعها نيويورك ويعرف َ وأجواءها القاسية وغرابتها َ َ البعيدة عن كل حنان وحنني. كنت أزور صديق ًا يف ُ لفت ْتني يف نيويورك حني َ مكتبة والده الطبع ُة األوىل العربية من النبي برتجمة األرشمندريت أنطونيوس بشري .وألن صاحب البيت كان صديق ًا لألرشمندريت، إهداء منه وعىل الكتاب ٌ عيل بالنسخة إليهَ ،ض َّن ّ ولو استعار ًة ليومٍ واحد ،ما اضطرين إىل تقلي ِبها يف البيت ّ وتصوي ِر ما أُريد منها ،غالف ًا يصحبني وصفحا ٍ ت داخليةَ ، ابنه َروح ًة ومجيئ ًا فوري ًا.
ب َ ب�ي�ن ت��ش��ب��ي�� ٍ وش���ك���وى ونُ �����واح
النبي الصفحة الداخلية لكتاب ّ كما صدر سنة 1926وهي الطبعة العربية الوحيدة التي رآها جربان عىل حياته
67
9 األرشمندريت أنطونيوس بشير ترجمتَه الطبعَة األولى من النبي: مقدماً َ ِّ جبران نابغة المهجر ورسول الشرق إلـى الغرب الكالم عىل جربان من نيويورك، غري ُه من بريوت. ُ كلام مىض عىل وجودي هنا يف اكتشفت صحة وقت أطول، نيويورك ٌ ُ هذه املعادلة. مناخه الذي عاش فيه .هنا الجو هنا ُ الذي به انطبع ومل يطبع كتاباته الذهنية واجهته وبها واجه اآلخرين. التي ْ رغم كثافة ما قيل فيه شفاه ًة وكتاب ًة خالل خمسينية غيابه ()1981 ومئوية والدته ( ،)1983يبقى ما يقال هنا ذا مناخ َآخرُ ،ب ْعدٍ َآخر .هناك ،يف املطران أنطونيوس ْبشري بريوت ،تبقى الكتابة ُك ُتبي ًة َمكتبية .هنا (األرشمندريت مرتجِ م النبي إىل العربية) تجيء نابضة. هنا نفهم ،أكثر ،كيف كانت عالقاته َبعدهم عنه) والنساء ومن أ َ بالناس (لبنانيني وأمريكيني) واألصدقاء َ(من َّقربهم إليه َ أحب ْب َنه). (اللوايت أ َّ َحب ُهن واللوايت َ أكثر ،سبب اعتزاله واحتجابه وانكفائه وانعكافه ،وملاذا يف سنواته هنا نفهمَ ،
66
َيحرتمون الرشيعة مبقدار ما تحرتم الرشيع ُة الحيا َة التي يف قلوبهم ،ويرضبون بها ُعرض الحائط إذا كانت ُتثقل إرادتهم ُوتثقل كاهلهم بنري الجهل والغباوة. ورسول الرشق إىل الغرب ،جربان املجدد الذي ُدعِ َي ِب َح ٍّق نابغ َة املهجر واألديب ِّ َ يرسين أن خليل جربان ِّ مؤلف هذا الكتاب ،هو يف مقدمة أنصار الروح هؤالء .ولذلك ُّ املفكرين خالص َة أفكاره وآرائه يف أرسار الحياة من املهد إىل أقدم إىل ّقراء العربية ّ ِّ اللحدَ ،مجموع ًة يف هذا الكتاب الصغري الطافح بثمرات عبقريته ونبوغه. وتنفر من كل تقليدٍ أجلّ :إن يف أعامق جربان ْنفس ًا تطمح إىل الجديد املفيدُ ، كتابته مرآ ًة نقي ًة تعكس بليد .فهو ال يكتب إال ما يعتقده حق ًا وصواب ًا .ولذلك تأيت ُ حلتها .بيد أن هذه حلة غري َّ تتقيد بقيود املايض أو أن تلبس َّ شخصي ًة كبرية تأبى أن َّ ظهرت يف أوج عظمتها وكامل روحانيتها يف هذا الكتاب الذي الشخصية املمتازة قد َ ّ َود َعه املؤلف خالص َة آرائه يف الحب والزواج واألوالد والبيوت والثياب والبيع أ َ والرشاء والجرائم والعقوبات والحرية والرشائع والعقل والهوى واإلثم والصداقة باملؤلف قىض نبي سامه املصطفى .وكأننا ّ والدين واملوت وغري ذلك ،عىل لسان ٍّ وإنكليزية عربية فإن ُكت َبه السابقة من حياته ٍ ٍ يستعد إلخراج هذا ِ الس ْفر النفيسّ . ّ وف ّن ،فال ترى حكمة مقدمات ملا يف هذا الكتاب من ٍ ٍ وفلسفة وشع ٍر َ ليست سوى ِّ فيه جربان الثائر الذي تراه يف العواصف واألرواح املتمردة ،وال جربان الشاعر الذي تراه يف أيتها األرض وأيها الليل وغريهام ،وال جربان املتأمل يف لكم املعلم الحكيم يف لبنانكم ويل لبناين ،ويف صورة وجه أمي وجه أمتي ،وال جربان ّ الرسام الرمزي يف جميع ما القشور واللباب واملجنون والسابق ،وال جربان ّ حفار القبور، ريشته الساحرة ،وال جربان الخيايل يف بني ليل وصباح ويف ّ أبرزته ُ مزيج من هذه العنارص جميعها ،بل هو بل ترى يف هذا الكتاب جربان الذي هو ٌ فصال من فصوله إال وترى أمامك حكم ًة من خيال خالصتها املختارة .فإنك ال تقرأ ً ُ وفلسفة ،يف بالغة وجامل. شيخ يف الحياة ،فهو العمر لكنه ٌ قال أحد كبار املفكرين الغربيني :إن جربان َح َد ٌث يف ُ متعش ٌق للحكمة والحقيقة .فكأننا به يقول :سأدرك اق للجامل ،وكالشيوخ ّ كاألحداث ّتو ٌ جميع الحقائق ،سأعرف ما ال يوجد ناقص ًا يف املوازين ،سأبكي مع الباكني ،وسأضحك مع حجتي. الضاحكني ،سأسيح يف جميع الفصول ،وحيثام ُ رست سأهتدي إىل َم ّ
69
الكتاب مطبوع يف مرص سنة َ ،1926نشره يوسف توما البستاين صاحب مكتبة وطبعه لدى املطبعة الرحامنية مبرص .غالف النسخة التي العرب بالفجالة مبرصَ ، مزق ،والنسخة عتيق ٌة جد ًا ومهلهلة .عىل الصفحة األوىل منها ،أقرأ: ضائع ُم َّ أمامي ٌ وض َعه باإلنكليزية وقد ترجمه إىل العربية األرشمندريت النبي لجربان خليل جربان َ أنطونيوس بشري .وتحتها هذه العبارة بخط صغري :إن جميع كتابات جربان تدعو تفكر ،فاألجدر بك ّأال تقرأ جربان .وأقرأ َّأنها إىل التفكري العميق .فإن كنت تخاف أن ّ للمعرب .خطوط الغالف للخطاط وأن جميع الحقوق محفوظة الطبعة األوىلّ ّ الشهري يومئذٍ نجيب هواويني. طبة عن الكتاب من 120صفحة يضم أيض ًا ملحق ًا من 40صفحة ل ُِخ ٍ ً حجام وسط ًاُّ ، جربان ألقاها يف اإلنكليزية جيمس فرنكل ونقلها اىل العربية األرشمندريت بشري. مقد ُمته عيل ،فالجديد ِّ ليست جديد ًة ّ وإذا كانت ترجمة األرشمندريت بشري َ واستغرقت من الصفحة 3إىل ردت بعنوان كلمة املرتجم، َ للرتجمة ،وهي َو َ حرفيتها ،ثم أختم باستنتاج وخالصة. الصفحة ،10أُثبتها ِب ّ مقدمة األرشمندريت بشير:
مرتجم هذا الدين عىل أثوابه الخارجية ،لكان جربان كافر ًا ،ولكان ِ لو َق َص ْرنا ِّ ولكن لو َن َظرنا يف ناقل الكفر ليس بكافرْ . الكتاب ُمخطئ ًا يف ْنقلِه إىل العربية ،وإن كان ُ املؤمنني العاملني عىل ْنشر الدين إىل جوهره دون قشوره ،لرأينا أن جربان يف طليعة ْ ِّ متحلي ًة ِبجلباب ّفتان من جرد ًة عن زخرف الوهم وبهرجة الرسمّ ، الحقيقة األزليةُ ،م َّ الفن الخالد. يف العقائد واملذاهب املنترشة يف العامل اليوم ،كام يف جميع ُن ُظمه االجتامعية، البقية الباقية من ُاللباب يف ٌ قشور يابس ٌة ُممتلئ ٌة من ُسوس املايض ،تكاد تقيض عىل ّ املحددة بكل ما لديهم من آالت الحرب أنصار املادة َّ هذه العقائد واملذاهب .هناك ُ والرش التي ورثوها عن جدودهم الغيورين عىل فريسة الناموس واألنبياء .هؤالء هم ّ الصماء ،وإن كانت الرشيعة بأهداب كني متمس أعامرهم ون قض ي األمس، لمة ظ أبناء ُ َ ُ ّ ّ أنصار الروح الرشيعة تقتل أرواحهم وتعمل عىل قهرهم وجمودهم َّ ومذلتهم .وهنالك ُ األقلية الصغرى يف الناس ،يحاربون جيوش الظُّ لمة َويحرسون يؤلفون ّ املح ِي َية الذين ّ ْ أبناء نور الغد، هم هؤالء ومعرفة. حكمة من وا ُوت أ ما بكل الحقيقة وجه عن القناع ُ ُ
68
.4رأينا أن نُ ثبت يف ترجمة النبي العربية الرسوم اإلثني عرش التي رسمها املؤلف لألصل اإلنكليزي ،هذه الرسوم البديعة التي ال ُبدَّ منها إلكمال الكتاب .فالصورة األخرية من أروع ما ٌ صنعها يف املدبرة التي وراء هذا الكون :يدٌ تعمل، وبصرية ترى ،وحولها العوامل َ تصور به القوة ّ ّ ُزين ت ما أجمل فإنه العريب العامل يف جديدٌ الرمزي التصوير من النوع هذا أن ومع مرتاكزة. حلقات ُ َّ القارئ إىل الحقيقة التي به املتاحف ودور العلم وبيوت العبادة يف العامل املتمدِّ ن .لذلك ْفل َينظر ُ كل رسم من هذه الرسوم قبل أن َي ْق ُص َر نظره عىل الرسم نفسه. َيرمز إليها ُّ
ً .5ليس النبيً حكاية يكفي بأن مير بها القارئ ُلي َ ويفهم الحقيقة املنطوية درك فحواها رواية أو َ ً وحكمة وفلسفة .فال ْ ٍ دائرة ِع ْلمٍ وأد ٍ ُ عبارة من عباراته قبل أن تقفَ عىل ترتك ب عليها ،ولكنه َ وتتفه َم العقيدة الجديدة التي ُ لديك تحملها إليك .فإن جاءت ُم َث ِّب ًتة ملا الحقيقة التي وراءها، َّ ً ْ عما ْ عرف َته و َأ ْلف َته فال ْ ترفضها بل َض ْعها يف دائر ٍة من ذاكرتك واحتفظ بها .وإن جاءت فاق َت ِب ْلها غريبة ّ متذكر ًا أنّ الذين َ حني ّ اضطهدوا غالي ِله واحتقروا آراءه الغريبة ما كانوا ليضطهدوه ثم ُعد إليها بعد ٍ لو َ عاد وعادوا إىل الحياة اليوم. أمريكا الشمالية األرشمندريت أنطونيوس بشري
استنتاجه من هذه املقدمة؟ ما الذي ميكن ُ راجعنا أول أربع ترجامت النبي إىل العربية ،نجد لرتجمة ميخائيل نعيمه إذا ْ مقدم ًة شخصي ًة ُتحاول أن تقرتب من جربان لكنها تبقى قريب ًة من نعيمه ،ونجد ّ مقتضب ًا ،ونجد ترجمة يوسف الخال لرتجمة ثروت عكاشه (مرص) كالم ًا أكادميي ًا ْعلمي ًا َ مقدم ُة األرشمندريت بشري بال مقدمة (عدا كلمة النارش دار النهار للنرش ،)فيام ّ صدرت عىل حياة جربان) تبقى هي األقرب إىل جربان زمن ًا وعاطفة. (الوحيدة التي َ يحب صديقه جربان ،ويغار عليه وعىل اسمه وشهرته وأفكاره. يتبين منها كم ّان بشري ّ ّ يفوته فهو يحرص عىل اإلمساك بيد القارئ وإلقاء األضواء أمامه عىل النص ،كي ال َ َم ْل َم ٌح أو فكر ٌة أو خاطر ٌة فلسفية. حريص أن ُي ّربئ جربان من تهمة الكفر واإللحاد ،وأن يشري إىل (كر ُجل دِ ين) وهو َ ٌ والفريسيني. عمق َتد ُّي ِنه بدين املسيح ال بدين َ الكتبة ّ وسماه نابغة املهجر ورسول الرشق إىل الغرب. وهو ُم ِّ قد ٌر هال َة جربانّ ،
71
وقال َآخر :ليس يف حياة جربان من أث ٍر للتقاليد أو الجمود ،فال هو باملتفائل مرتنم أبد ًا نبي َب ُ عيد النظرٌ ، وال باملتشائم ،وال هو بالكاهن وال بالكافر ،إنه بالحقيقة ٌّ الرشقيتني ما لن تتاح لنا رؤيته نحن أبناء ولعله يرى بعينيه بأناشيد الفن الخالدةّ . ّ دائام من الرشق. الغرب .وال غرو ،فإن معلمي اإلنسانية جاؤوا ً أديب آخر :إن جميع كتابات جربان تدعو إىل التفكري العميق ،بل ُترغم وقال ٌ تفكر فاألجدر بك أال تقرأ جربان. قارئها عىل إعامل ذهنه وعقله .فإن كنت تخاف أن ّ متلئ بأمثار الغبطة مؤلفات جربان غريه :نحن نعتقد أن ّ ٌ بستان ٌ خالد ُم ٌ وقال ُ جن ُة نور عجيب ال َي َعثر فيها حتى أعداء الحقيقة أنفسهم. والبهجة ،بل هو ّ شفتيه ابتسام ُة الرشق الجميلة، وقال آخر :إن جربان قد اقرتب من الغرب وعىل َ يقدمها إىل الغرب .فقد جاء كاملسيح يطفح قلبه عطية مثينة يف صدره لكي ّ يحمل ّ محبة. وقال أوغست رودان ،أعظم ّنحايت العرص الحارض ،بعد أن عرف جربان عندما العالم يجب أن ينتظر كثري ًا من شاعر لبنان ونابغته كان يعرض صوره يف باريس :إن َ جربان .فهو وليم باليك القرن العرشين. هذا قليل من كث ٍري مام لدينا من أقوال علامء الغرب يف مؤلف النبي ،رأينا بأن ُن ْث َبته ألبناء الرشق كي يعرفوا ّأن الغرب ُي َق ّدر النابهني من رجال الرشقُ ،وينزلهم منزلتهم من اإلعتبار .ورمبا كانت هذه أبرز ميزات الغرب عىل الرشق يف استثامر َ مواهب الناس. القراء الكرام إىل املالحظات وال ُب َّد لنا ،قبل الفراغ من كلمتنا هذه ،أن نلفت أنظار ّ التالية: يعبر عنه باأللفاظ ألنه من نوابغ املصورين ،لذلك عىل القارئ .1جربان ّ يصور فكره قبل أن ّ تعبر عنها. أن ُيعنى بدرس صور ِة ّ كل فك ٍر من أفكار املؤلف قبل أن يدرس األلفاظ التي ّ .2جربان ِّ ملؤها الفكر والشعر. خير يف شاعريته .فكل عبارة تخرج من شفتيه ُ مفكر عميق وشاعر غري ُم َّ فإذا مل ِ فكرك بصبغة فكره ،فعبث ًا تحاول أن ترافقه يف سياحاته. تشاط ْر جربان َ شعوره ،وتصبغْ َ
كل ما يف الحياة من .3ليس جربان كافر ًا بل هو مؤمن صادقٌ يف دينه ،وهو يعتقد أن الدِّ ين ُّ ٌ والتأمالت ،ورمبا كان الفرق بني ِدينه ِ بالح ْرم الثقيل ،هو كالفرق األعمال ودين الذين يرشقونه ُ ُّ والفريسيني املرائني الذين كانوا يقولون إنّ فيه شيطاناً. بني دين يسوع ودين الك َت َبة ّ
70
10 فْرنكل مُحاضراً عن جبران على حياته (:)1924 عبقري في شخصية فريدة ومعلّم جديد في القرن العشرين
خطبة جيمس فرنكل كما ترجمها األرشمندريت أنطونيوس ْبشري وأصدرها ملحق ًا يف طبعته العربية من كتاب النبي
ب أو كالمنا عىل جربان يف َت َه ُّي ٍ مل يعد جديد ًا ُ وجيلنا عرفه من الكتابات عنه منذ يف موضوعيةُ ، غيابه حتى اليوم. لكن الالفت أن نجد حديث ًا عن جربان عىل ب وموضوعية ،وخصوص ًا حياة جربان ،يف َت َه ُّي ٍ أقل من عامٍ من ذوي معرفة واختصاص ،وبعد ّ ونصف العام عىل ظهور النبي ،أي عند ّأول الجرس الذي َع َب َر ُه جربان إىل الشهرة العاملية. صديق كان األرشمندريت أنطونيوس بشري، ُ النبي جربان ،يف طبعته العربية األوىل من ّ مقدمته الخاصة) سنة 120( 1926صفحة مع ّ أفرد يف آخر الكتاب ُملحق ًا من أربعني صفحة َ نبي جربان ألقاها يف فرتة عيد عن طبة ل ُِخ ٍ ّ امليالد جيمس ْف َر ْنكِ ل ،أستاذ الفلسفة يف جامعة مِ ْت ِش َغن ،بعد صدور النبي بخمسة عرش شهر ًا (صباح األحد 28كانون األول )1924 ومثقفني أمريكيني اعتادوا حرضها جمهور أدباء ّ سامع ُمحارضات ْف َر ْنكِ ل.
73
وأرص عىل حريص عىل اإلشارة إىل أهمية النبي بني كتب جربان، وهو َّ ٌ بأقوال يف جربان من مفكرين وأدباء غربيني (صدرت عىل حياة جربان) االستشهاد ٍ أديب عىل حياته غري جربان، يندر أن عرفها ،يف لبنان أو يف عامل اإلنتشار اللبناين، ٌ ناس َجها حول شخصه بني رفاقه يدل يف وضوح عىل الهالة الكربى التي كان جربان ِ ما ُّ ٍ األقربني وبني الناس. ومصور ًا صديقه الويف شاعر ًا ومفكر ًا وهذا دليل صادق عىل تقدير األرشمندريت َ ِّ فحرص يف آخر مق ما يريده صديقه جربان، وفنان ًا .خاف ّأال يصل القارئ إىل ُع ِ َ وشدد :ال بد لنا قبل الفراغ من كلمتنا مقدمته عىل وضع تلك النقاط الخمسَّ ، هذه ،أن نلفت أنظار القراء الكرام إىل املالحظات التالية ،...كام حرص يف آخر ملحق من 40صفحة املعرب يف 120صفحة) عىل إثبات ٍ الكتاب (بعد نهاية النص َّ الكامل لِمحارض ٍة كان أستاذ الفلسفة يف جامعة مِ ْت ِش َغن جيمس النص هو ُ َ ترجمته َّ فرنكل ألقاها يف مجموعة أدباء ومفكرين صباح األحد 28كانون األول ،1924وهي من ناد ِر ما قيل يف جربان عىل حياة جربان. ِ أقربهم إليه بني أصدقاء جربان وعارفيهّ ، لعل األرشمندريت أنطونيوس بشري ُ أول من ّقدم كتابات جربان اإلنكليزية اىل قراء جرد ًا ،بل َّ لعله ُ صدق ًا وصداق ًة َوت ُّ فتوس َعت شهرته وما زالت َتطَّ رد بازدياد حتى اليوم. العربيةَّ ، نيويـورك
* النهار العريب والدويل1985/7/8 -
72
ور َدت يف ملحق الكتاب (من صفحة 4اىل وهنا ُخطبة املسرت فرنكل كام َ صفحة .)35 ُ خطبة المستر فرنكل
حتى قواه ّ عابر الصحراء املحرقة تقرصه الشمس بحرارتها القاسية ،فتخور ُ كام ُ قليل األمل يف الحياة، الهابة يف وجههُ ،فيضحي واهي العزم َ املوت من الرياح الرشقية ّ مخضلة الجوانب ،ويشعر ب ِر ّقة وكام َينفد صرب هذا الهائم املسكني ُفيقبل عىل واحة ّ آماله ،هكذا نحن ،وسط مزاحامت هذا العامل قلبه ُوي ْحيي ميت ِ النسيم العليل ُينعش ُ نتنفس الغريب املزدحم امللتصق مبحبة املادةُ ،تثقل كواهلنا املصال ُِح العمياء املتضاربةَّ ، َ ْ تهب علينا نسمة من نسامت الرشق الروحي الخالد. عندما السعيد والرجاء الحياة ّ جداول ُه وقيد الغرب أجل :بنى َ رصوح ُه َ َ ُ وأبنيته الشاهقة املتينة من فوالذٍ وحجارةّ ، وتجهزه بالقوة الالزمة فاستخدمها ُلتدير الشاردة يف مجاهل األرض، ُ مصانعه ومعامله ّ َ ومرساتهم وتوفر ،ألجل رفاهية الناس وراحتِهم ملا َ استنبط ُه من اآلالت واالخرتاعاتِّ ، ّ مدني ُتنا الحديثة. جميع الحاجات املادية التي تتزايد ّ كل يوم ،وعليها ترتكز ّ ومنافعهمَ ، كسوال بطيئ ًا يف اقتبال مثرات عبقريتنا شيد مثل هذه الرصوح .كان ً ُ الرشق مل ُي ِّ وحيه الساموية السعيدة. أحالم ُه البعيدة ،ويرى رؤى ِ ونبوغناُ . لكنه ما برح يحلم َ عنه يف التعمري وفيام وأمرها بأن تنوب ُ الغرب وضع قوى الطبيعة تحت قدميهَ ، ُ والتلذذ برؤية َمجدها غري عيني الطبيعة، ُّ بالتأمل يف جامل َ والبناء ،اكتفى الرشق ُّ املتغير .وبينام يف الغرب كان يتصاعد صفري األلوف واملاليني من اآلالت التي ال تنقطع ّ الغرب ّقدم لنا الفالسفة. الت وتأم الشعراء ترانيم الرشق يف تتصاعد كانت عملها، عن ُّ ُ ُ ُ والشعر والفلسفة، عال ًام مرتجرج ًا ً َ النبوة ّ مشغوال ُم ِّ أنعم علينا بعطايا َّ جدد ًا ،والرشق َ والوقار والسكينة والوحدة ،والعظمة الروحية التي ومنه َ بزغت أنوار الرصانة والهدوء َ والرشق الغرب غرب ًا ظل ُ أعطت العامل أشهى الثمرات العقلية والنفسية .ألجل ذلك ّ ُ رشق ًا ،ال يستطيع الواحد أن يفهم لغة اآلخر ،بل إن ِف ْك َر أحدهام ،مبيزاته الخاصة، صلة بينهام. يبدو غريب ًَا بعيد ًا عن فكر اآلخر وال َ ت مؤلفا ِ ت لكم نتيج َة دريس ّ ت بها متام ًا ،حني َبسطْ ُ شعرت بهذه الحقيقةَ ،و َوث ِْق ُ ُ أبسط لكم وفلسفته. رابندرانات طاغور َ ْ َ واليوم أَزداد ثق ًة وشعور ًا بهذه الحقيقة ،وأنا ُ والفيلسوف الفنان والرسام الشاعر جربان، خليل جربان عه وض الذي الجديد الكتاب دريس ُ َ ُ ُ ُ َ
75
طبته لجربان وكتابه النبي الصادر حديث ًا ،قبل أن خصص ُخ َ صباح ذاك األحدَّ ، يكون األرشمندريت بشري ْأنهى ترجمة النبي إىل العربية .وحني أصدرها يف مرص أثبت تلك املحارضة ملحق ًا يف الكتاب (عىل 35صفحة ،برتقيم منفصل عن (َ )1926 وقدم لها (عىل الصفحات 1و 2و 3و )4بالكلمة التالية: ترقيم صفحات الكتاب)ّ ، نص املحارضة الذي ألقاها األستاذ جيمس ْف َر ْنكِ ل يف مدينة ديرتويت ُنرتجم يف ما ييل ّ مفكريها، ِم ْت ِش َغن ،من أعامل الواليات املتحدة األمريكية ،عىل نخبة من علامء املدينة وكبار ّ لكل من كتاب النبيِّ ومؤل َفه جربان خليل جربان ،يف درس تحلييل ّيتضح ّ يصف لهم َ بلغ إليها نابغ ُة الوطن املحبوب يف املهجر لدى أبناء أمريكا .وكان يف الدرج َة التي َ طالعه َ ُي ُ نقيد القارئ ودنا أن ُندرج هذا النص يف ّ ّ مقدمة الكتاب ،غري أننا َ عد ْلنا عن ذلك لكي ال ّ بأفكار األستاذ املحارض ،فرأينا أن نجعله ملحق ًا بالكتاب يطالعه القارئ األديب بعد أن ت يقدمه له من مالحظا ٍ َيفرغ من مطالعة النبي للمرة األوىلُ ،فيمعن النظر يف ما ّ ثنى وثالث ًا ورباع ًا ،فتكون جدير ٍة باإلعجاب ُّ والتأمل ،ثم يعود بعدئذٍ إىل قراءة الكتاب َم ً خري معوان عىل له هذه املالحظات ،مع اختباره الشخيص يف درس هذا ِ الس ْفر النفيسَ ، التقاط ُد َرره الفريدة .وإننا ،إذ نؤيد األستاذ الخطيب ،نرتجم نصه يف ما ييل. ويف متن النص (أَسفل الصفحتني 14و 15من امللحق ،)الحاشية التالية: وردت علينا من الصديق جربان القراء هذه الفقر َة من ٍ رسالة َ َي ُس ُّرنا أن َ ننقل إىل ّ يف أواخر شباط ( 1926أي قبل مثول هذه الرتجمة العربية إىل الطبع بوقت قليل) ُتظهر إقبال رجال األدب عىل الكِ تاب يف جميع أنحاء العامل .قال الصديق جربان يف جزء رسالتهُّ ... : كل ما أَستطيع أن أقوله لك اآلن ،يف هذا الكتاب الصغري الذي هو ٌ رجم حتى اآلن إىل عرش من حشاشتي ،أنه بلغ الطبعة العارشة (باإلنكليزية) وأنه ُت ِ لغات أوروبية ،وكذلك إىل اليابانية والهندستانية من اللغات الرشقية -والحبل عىل الكتيب ،من ُوودرو ولسون ،إىل أكرب شاعر إنكليزي، رأي القوم يف ّ الجرار . -وأما ُ إىل أشهر كاتب فرنيس ،إىل غاندي الهندي ،إىل العامل البسيط ،إىل الزوجة واألم ،فهو مخجوال يف بعض األحايني أمام عطف أتخيله قط .ولذلك أجد نفيس ً أنتظره أو ْ مِ ّما مل ْ الناس َوك َرمهم -أخوك جربان. وإننا ،بدورنا ،ال نشك يف ّأن قراء العربية سيستقبلون النبي بالعربية -وهو مثرة نبي ُنبوغ ابن بالدهم -مبا ال ّ يقل عن األجانب َحامس ًة ،فال تنطبق عليهم اآلية :ليس ّ بال كرامة ،إال يف وطنه وبني أهله -املرتجم.
74
طيبات لذيذات يحول دون كونها رشيرة وامللذات قد تكون صالحة، ّ ُ وكونها ّ بطبيعتها: ميز بني الصالح والرشير من ّ ّ امللذات؟، لعلك ُ تسأل يف قلبك :كيف نستطيع أن نُ ّ تتعلم أن َ فاذهب إىل الحقول والبساتني ،وهنالك ّ لذة النحلة هي يف امتصاص العسل من الزهرةّ ، ولذة الزهرة هي يف تقديم عسلها للنحلة .النحلة تعتقد أن الزهرة ُ والزهرة ْتؤمن بأن النحلة رسولة املحبة ْال ُم ْح ِي َية .كلتا النحلة والزهرة ينبوعُ الحياة، تعتقد أن اقتبال اللذة وتقدميها حاجتان ال بدّ منهما ،وافتتانٌ ال غنى للحياة عنه. وطيبات األرض .لكنه يعرف هو ليس كالناسك ّ املتقشف يحتقر رفاهية العيش ّ ت تزيد يف كامل الحياة وعزمها ،وأخرى ُت ِض ُّلها وتعمل عىل فقرها طيبا ٍ كيف ُي ّميز بني ّ وذلها: ّ أخ ِبروين ،يا أبناء أورفليس ،ماذا متلكون يف بيوتكم؟ وما الذي به تحتفظون وراء هذه األبواب املوصدة؟ هل عندكم السالم ،وهو القوة الصامتة التي تُظهر عزمية ذواتكم يف أعماقكم؟ هل عندكم التذكارات ،وهي القناطر الالمعة التي تصل ُق َنن الفكر اإلنساين بعضها ببعض؟ هل عندكم الجمال الذي يرتفع بالقلب من مصنوعات كل هذا يف بيوتكم؟ أم عندكم الخشب والحجارة إىل الجبل املقدّ س؟ هل عندكم ُّ ضيفة ،ثم تصري ُم ً لرفاهية تدخل البيت ً ٍ ضيفة َحرقٌ َممزوج بالطمع الرفاهية فقط ،وت ُّ دة ً مروض ًا جبار ًا يحمل السوط بيمناه ُ فسي ً والك ّالب بيرساه تتحول ِّ عاتية عنيفة ،ثم ّ ّ ُ م َّتخذ ًا رغباتكم الفضىل أ ً حريري امللمس، يتلهى بها؟ إنّ بنان هذه الرفاهية لعوبة ّ ُّ ً هازئة بكم رستكم لكن قلبها ّ ٌّ حديدي صلد .تُهدِّ ئ من حدّ تكم لتناموا ،ثم تقف أمام َأ ّ وبجالل أجسادكم .تضحك من حواسكم املدْ ركة ،وتطرحها بني األشواك كأنها أوعية ثم يسري يف جنازتها سهلة االنكسار .إنّ التحرق للرفاهية ينحر أهواء النفس ُفيرديهاّ ، ُّ فاغر ًا شدقيه ُمرغي ًا ُمزبد ًا. غة ال ْنقدر يتكلم يف ُل ٍ من هذا القليل الذي َّقد ْم ُت ُه لكمُ ،تدركون ّأن هذا اإلنسان ّ املشقات واملصالح املادية ،فال ندرك أن نفهمها ،نحن أبناء الغرب الغارقني يف أوحال ّ تخطر لكم يتحدث عن أفكا ٍر ُ غايته الروحية البعيدة التي يرمي إليها ،ومع ذلك ّ وأعامق قلب فكرتنا أفكار َ ٌ ويل ،وعن حاجات هي حاجاتكم وحاجايتٌ ، وحاجات تبلغ َ رغم عىل الظهور يف حياتنا فنعرتف بها عندما نفوسنا ،تتكئ غافل ًة يف كياننا لكنها ُت َ يصورها لنا أمثال جربان مبثل هذا الوضوح. ّ
77
ونف ُسه العميق ُة َف ًام ينطق جد ْت فيه عاطف ُة الرشق امللتهب ُة ْ والصويف النابغة الذي َو َ مستن ًزال كثري ًا من وحي الرشق الروحي إىل الغرب املادي. بالحكمة ،وصوت ًا يرتفع ْ ب ما فيهام العبقري وعى يف هذا َعج ُ شخصيته الفريدة عزمي ًة بالغ ًة وقو ًة نادرة ،أ َ ّ ُّ وأحسن َمن قال ّإن مكان َة رودان يف والرقة املتناهية. أنهام مال ِز َمتا اللطف والوداعة ّ َ معرض وتتضح دق ُة هذه املشابهة لِمن يزور النحت كمكانة جربان يف اآلداب والفنونَّ . َ رودان يف باريس حيث الكثري من التامثيل الحجرية لهذا األستاذ النحات العظيم .ورمبا ّتتضح أكثر لِمن يزور اللوكسمبورغ ويرى أعامل رودان هناك .ففي كل عضو من كل القوة البالغة والعزم ،ظاهر ًة ال تخفى عىل أبسط عالئم ّ متثال لهذا الفنان الكبري تبدو ُ القوة يتذكرون هذا يف منحوتته الشهرية ّ املتأملني .وكثريون بينكم ّ املفكر .إن وراء ّ جزء من عمل رودان ،لطْ ف ًا و ِر ّق ًة بل التناهي يف الدقة. الجبارة ،وهي ٌ مؤلفاته لكل َمن يقرأ جربان ،إذ تنقض ّ مثل هذه الصفات وامليزات البارزة تبدو ّ ُ ُّ للرتدد أثر ال ي. قو وت شفي ت بل بسوء، مس ت ال لكنها العاصفة، انقضاض ه ورسوم َ ُّ ُ ُ ّ َ ّ وتقوم اعوجاج الحياة ،لكنها يف الوقت نفسه لطيف ٌة ال فيها عندما تحارب الضعف ّ تثري الغضب. يرافق أعامل هذا الرجل الرشقي من َأل ِِفها يراه البعض تناقض ًا مطّ رد ًا يف الروح، ُ ما ُ بالغ إىل يائها .فجربان رجل يكتب الفلسفة يف قالب شعري ّفتانّ ،إنام يف ثقة ٍ فيلسوف ِ سواه ّإال عن طريق يقدم أفكار ًا ُممتلئة بروح ّ الحكمةِّ ، الشعر والغناء ّقلام يقاربها ُ وأحالمه ّكلها عيدها، ِّ كثري األحالمَِ ،ب ُ ُ الشعر وأوزانه .وهو ،كجميع عظامء الرشقُ ، التأمل يف نجوم السامء ،بدون أن ُينسيهم أنهم أبناء فلسفة عملية :يدعو الناس إىل ُّ خالد غري َمحدود وال مرتبط بزمان أو مكان ،إمنا ال يتمتع به األرض .يؤمن بأن الخري ٌ ّإال من يجهدون ويتعبون يف الحصول عليه. يسلم بحقيقة األمل لكنه يهتف بالناس: ّ ٌ كأس األمل ،ولو َ مصنوعة من طني َج َب َل ْتهُ يدَ ا ّ الفخاري األزيل أحرقت شفاهكم، بدموعه املقدّ سة. ويؤكد: مثل اليومّ ، يخص َّ األزيل ُ كل إنسان ،وأن ّ يعرف أن اليوم ّ أمس سوى ذكرى اليوم ،وليس الغد سوى حلم اليوم. ليس ِ وجود أشياء لها صوفيته ال متنعه من أن يرى ٌ كامترل ِْنكّ . ٍ هو صويف ْ لكن ّ بوضوح َ الطيبات صوره ناسك ًا زاهد ًا .لكنه يعرف أن ّ حقيقي حوله .وكثري ًا ما مييل قارئه إىل َت ُّ
76
وتتضح عظمة الكتاب من َتعداد مواضيعه :الحب والزواج ،األوالد ،األخذ والعطاء، ّ العمل واللعب ،الفرح والحزن ،األكل والرشب ،البيع والرشاء ،البيوت والثياب، والرش ،اللذة ،الصداقة ،الجامل ،الدين، الجرائم والعقوبات ،الرشائع والحرية ،الخري ّ املوت ،الخلود ،وسواها الكثري. دعاه املصطفى، وإذا اعتربنا طريقته قصة ،فهو يبدأ ْ َ بذكر نبي مختار حبيب ُ يستقلها مرتقب ًا عودة سفينته إىل املدينة ،كي َّ انتظر اثنتي عرشة سنة يف مدينة أورفليس ّ الرتقب عائد ًا إىل الجزيرة التي ُولد فيها .وخالل السنوات االثنتي عرشة قضاها يف ُّ أرواحهم قلوبهم يعلم أبناء أورفليس ِّ واالنتظار ،كان ِّ َ ويهذبهم ّ وعشق ْته ُ أحب ْته ُ حتى ّ معلم آخر بينهم .أعطاهم ما لديه من وبات لديهم يبلغه ّ موضوع إعجا ٍ ب واحرتام مل ْ َ القليل من عطاياهم .مل يكن يجلس إىل موائدهم ،ومل يقبل ّإال َ حكمة ومعرفة ،ومل َ يفضل أن يرض أن يدخل مساكنهم التي طاملا فتحوها له من صميم قلوبهم .كان ّ َ ويلتحف السامء. الرتاب يفرتش األحراج يف ل ويتنق الغابات يجوب ّ ُ ُ َ حبه واحرتامه، وصلت وحني َ سفينته َ ُ ودنت ساعة فراق شعبه الذي نشأ عىل ّ استولت عليه كآبة افتكاره بفراق أبناء روحه ،فقال: ً وأطول منها ليايل وحديت طويلة كانت أيام كآبتي بني جدران هذه املدينة، َ وانفرادي ،ومن ذا يستطيع أن ينفصل عن كآبته ووحدته من غري أن ّ يتألم يف قلبه؟ ٌ كثرية نبضاتُ روحي التي ّفرق ُتها يف هذه الشوارع ،وكثريون أبناء حنيني الذي ميشون ً عراة بني التالل ،فكيف أفارقهم من غري أن ُأثقل كاهيل وأضغط روحي! ليس ما أفارقه ثوب ًا أنزعه عني اليوم ثم أرتديه غد ًا ،بل هي َب َش َر ٌة ُأ ّمزقها بيدي. وجع َلهُ َ وليس ْفكر ًا ُأ ِّ عطيش رقيق ًا خفوق ًا. خلفه ورائي ،بل ٌ قلب َج َّمل ْتهُ َمجاعتيَ ، وفيما هو م ّتجه إىل سفينته القاه الشعب ،صغار ًا وكبار ًا ،سائلينه أن يبقى بعدُ تتشوق لرؤية وجهك ،وقال بينهم برهة وجيزة .قال له أحدهم :ال تجعل عيوننا ّ حب ُتنا بالصمت فلم نستطع أن قلوبنا وعشق ْت َك أرواحناَّ . ُ أحب ْت َك ُ تقن َعتْ َم ّ آخرَّ : ُمزق أقنع َتها بيديها كي تُظهر لك نعبر عنها ،لكنها ترصخ إليك اآلن بأعىل صوتها ،وت ِّ ّ حقيقتها. افة خرجت من املقدس اسمها ْ عر ٌ املطرة، متوسلني ،بينهم امرأة ّ وجاء إليه كثريون ّ مدّ ت إليه ً ملؤها العطف واملحبة ،وهي كانت أول من سعى إليه وآمن به نظرة ُ عندما مل يكن له يف مدينتهم ّإال ليلة وضحاها .قالت له :قبل أن َ تفارقناُ ، نسألك
79
فيلسوف بالغ الحكمة يف قلت إن هذا الرجل ليس حال ًِام ماورائي ًا فحسب ،بل ٌ لذا ُ خفي من أرسار الحياة ومكنوناتها .ومن تحليل أفكاره وفلسفتهّ ،يتضح ّأن ِ إيضاح ما َ ت يف كل جزء من أجزائها فلسف ًة ال تنحرص يف الفرد ،بل فلسفة اجتامعية إذا َ أدرك ْ وسيلة لسعادتهم وطمأنينتهم خري الجامعات فحواها ٍ ُ ُ والشعوب وعمِ لت بها ،كانت َ عىل هذه األرض. مؤلف الكتاب الذي نجتمع اليوم لدرسه وتحليل أقول كثري ًا يف ِّ ال أستطيع أن َ عنه .نعرف أن له ُكتب ًا نفيسة يف فلسفته ،ألنني مل أستطع أن أجمع معلوما ٍ ت كثري ًة ُ اللغة اإلنكليزية ،أهمها املجنون( صدر سنة )1918وعرشون رسم ًة( صدر سنة فنان وجميع الرسوم يف رسام رمزي ٌ ،)1919والسابق( صدر سنة ،)1920وأنه ٌ ٌّ مؤلفاته تربزها ريشته الساحرة. ّ وهو معروف بأنه أعظم شعراء الرشق األدنى .ويف طليعة َت َف ُّوقه عىل ّكتاب وتأمالتها شديد ُّ وشعراء وفالسفة جاؤوا من الرشق إىل الغرب ،أنه ُ التعلق بروح بالدِ ه ُّ الضاجة الصاخبة مدنية العامل الجديد وغري ُم ٍ ّ شيح عن اإلصغاء إىل صوت ّ البعيدةُ ، وجميع اخرتاعاتها واستنباطاتها. تتجلى له هذه الحقيقة .ومع روحي وبصري ٍة عقليةّ ، ومن يطالع النبيِ بفهمٍ ٍّ طبعه ثالث ّأن النبي صدر قبل أقل من خمسة عرش شهر ًا (أيلول )1923أُعيد ُ ثبت إقبال األمريكيني واإلنكليز عىل مطالعته، مرات يف هذه الفرتة القصرية ،ما ُي ُ رغبات ُه وقلام ّيتفق ورغبا ٍ مع أنه للخاصة من األدباءّ ، ت سطحي ًة لِجمهو ٍر ال تتعدى ُ يدل قراءة روايا ٍ ومحشو ٍة باألكاذيب ،ما ّ ت وقصص غرامية مملوء ٍة باملغامرات َ عىل جامل أسلوب جربان يف تقديم حقائقه الخالدة للناس .فليس يف النبي من القصة ّإال ظاهرها ،ألنه سلسلة نصوص تعالج بحث ًا فلسفي ًا سامي ًا يف الحياة البرشية هام يشغل الناس يف وحاجاتها ورغباتها من املهد إىل اللحد .وليس يف الحياة ٌ موضوع ٌّ مسهب ًا ،يف هذا الكتاب الصغري دوائرهم العلمية العليا مل يطرقه ّ املؤلفِ ، موجز ًا أو ِ ُ بعدد صفحاته ،الكبري ببالغ حكمته وخالد آياته. َ ت ضئيل .فهو من وق يف قراءته تجعل الكتاب صفحات ة قل أن أحد ن يظن وال ٍ ّ َّ َّ ٌ ب فريدة يف العامل (الكوميديا اإللهية لدان ِته ،والفردوس الضائع مللتون، ُك ُت ٍ وكل ساعة ،إذا وكل يوم ّ وسفري أيوب وإشعيا وأكثر فصول التوراة) ُتقر ُأ مرار ًا ّ َ بلوغ جوهرها. القارئ ة غاي َ كانت ُ
78
غريب عمن يقرتف إ ْثم ًا كأنه ليس منكم ،بل ٌ طاملا َسمع ُتكم تتخاطبون يف ما بينكم ّ ودخيل بينكم .لكني أقول لكم :كما القديس والبار ال يستطيعان أن يتساميا عنكم ٌ كل منكم ،كذلك الرشير والضعيف ال يستطيعان أن فوق الذات الرفيعة التي يف ّ ينحدرا أدنى من الذات الدنيئة التي يف كل واحد منكم .وكما ورقة الشجر الصغرية ال تحول لونها من الخرضة إىل الصفرة ّإال بإرادة الشجرة ومعرفتها الصامتة تستطيع أن ّ يء بينكم أن يقرتف إمث ًا بدون إرادتكم الخفية يف أعماقها ،هكذا ال يستطيع ْال ُم ِس ُ ومعرفتكم التي يف قلوبكم .إنكم تسريون مع ًا يف موكب واحد إىل ذاتكم اإللهية .أنتم الطريق وأنتم السائرون .إذا تع ّثر أحدٌ منكم تكون عثرته ً عربة ِلمن وراءه كي ينتبهوا اىل الحجر الذي تع ّثر به ،وتوبيخ ًا ِلمن أمامه يرسعون ِبخطى ثابتة ومل ينقلوا حجر العثار من طريقه .لذا ال تستطيعون ْ وضع َحدٍّ فاصل بني األرشار والصالحني واألبرياء واملذنبني ،ألنهم يقفون مع ًا يف وجه الشمس ،كما الخيط األبيض والخيط األسود ُ األسود ينظر الحائك إىل القماشة ِّكلها ينسجان مع ًا يف نول واحد ،فإذا انقطع الخيط ثم يرجع إىل نوله يفحصه ّ وينظفه. الرشيرة ويف موضع آخر يقول :وإذا رغب أحدُ كم أن يضع الفأس عىل أصل الشجرة ّ لينظر ً جذور الشجرة الرشيرة غري أوال يف أعماق جذورها ،فسريى أن َ باسم العدالةْ ، ٌ مشتبكة مع ًا يف قلب األرض الصامت. وجذور الصالحة املثمرة املثمرة َ هذه الكلامت الخالدة تنطبق عىل من َيدينون غريهم من الناس ،كأنها رسول الرحمة ب موقعهم واملحبة ِّ وموقع قري ٍ يتصوروا َ َ يذكرهم فيها جربان ْأن ليس بالعسري عليهم أن َّ يريدون أن يحكموا عليه ،ويضعوا ذواتهم يف موضعه فيقلعوا عن دينونته. كل إنسان إىل نبي محبة وسالم .يدعو ّ ٌ واضح أن جربان ،من أول الكتاب إىل نهايتهُّ ، ْإنجاز عمله يف روح املحبة .لذا يرى أن العمل هو الصورة الظاهرة للمحبة الكاملة. مشقتكم ّ ويقول :ورثتم عن جدودكم أنّ الحياة ظلمةَ ،ف ُرحتم يف ّ ترددون ما قاله ٌ الحياة ٌ حقيقية إذا مل ْ َ ترافقها الحركة، ظلمة قبلكم جدودكم .لكني أقول لكم إن َ َ قارصة إن مل ْ ٌ عمياء ال َب َركة فيها إن مل ْ يرافقها واملعرفة ترافقها املعرفة، والحركة ُ والعمل ٌ عقيم إن مل يقرتن باملحبة .وإذا اشتغلتم مبحبة ،تربطون ذوا ِتكم العمل، َ فارغ ٌ ُ َ بربه .وما العمل املقرون باملحبة؟ هو أن بعضها ببعض، ويرتبط ُّ كل واحد منكم ّ تحوك الرداء بخيوط تسحبها من نسيج قلبك ،كأنّ حبيبك سريتديه .هو أن تبني تقصبها من مقلع حنانك وإخالصك شاعر ًا أنّ حبيبك سيسكنه .هو أن البيت بحجارة ّ
81
وأوالدنا َ ُ أن تخطب فينا وتعطينا من الحق الذي عندك فنعطيه نحن َ أوالدهم أوالدنا وأحفادهمَ ،ف َي ْث ُبت كالمك فينا عىل ّمر العصور .كنتَ يف وحدتك ترقب أيامنا ،ويف يقظتك تصغي إىل بكائنا وضحكنا عن ٍ غفلة منا .نرضع إليك أن تكشف مكنوناتنا لنا، وتُخربنا بكل ما ظهر لك من أرسار الحياة ،من املهد إىل اللحد. طلبتها .رشع يجيب ًّكال يف دوره وفق السؤال الذي طرحه، يخيب ْ أجاب سؤالها ومل ّ تسأله عن األوالد ،الغني يسأله عن العطاء، وما كان يف حاجة اىل أن يعرفه .املرأة ُ الشاب عن الصداقة ،الشاعر عن الجامل ،الكاهن عن الدين، الفالح عن العمل، ّ ّ العرافة عن الحب والزواج ،وأخري ًا عن املوت واألبدية. ّ املؤلف يف جميع مواضيع كتابه. آراء لكم َرسد أ أن الخطبة هذه يف اآلن مكنني ي ال َ ّ ُ ألية من العظات الكربى. إن قلت إذا أبالغ وال خطبه كافي ٌة أساس ًا متين ًا ٍ كل خطبة من َ ّ وسمو حكمته ،فأرشدكم املؤلف ساع فكر ّ ما ّ أود إيصاله إليكم يف خطايب اليومّ :ات ُ ّ تؤدي إىل كيف الضيقة (وما أصعب الطريق التي ّ ُ تتبعونه يف طرقه ومسالكه الصعبة ّ الحياة) بسهولة قد ال تكون لكم بغري هذه الواسطة. الفرد يف جسم أوضحت لكم قبل ٍ قليل أن لجربان فلسف ًة اجتامعية ال يضيع معها ُ ُ كل الجامعة ،وال يدرك يف كامل وحدته معنى الحياة الكامل ويبلغ ّ عزة اقتدارها .عىل ّ بحل مشاكله إنسان أن يقف وحده يف الحياةّ ، ٍ فيفكر مبقياس فك ِره الخاصُ ،ويعنى ّ ُ املؤلف: الخاصة ،ويحيا حياته وفق رغبات قلبه .ويف ذلك يقول ّ ٌ منفرد يف مقام الوحي الذي يهبط عىل رجلٍ ،ال يعري جناحيه لغريه .وكما لكلٍ منكم ٌ أرسار األرض. معرفة اهلل إياهُ ،عليه أن يكون منفرد ًا يف معرف ِته اهلل وإدرا ِكه َ روابط تربطه بإخو ٍة له يف مقيد ًا يف هذا العامل مبئات َ وعىل اإلنسان أن يعي َ كونه َّ تتكيف اإلنسانية ،لوال تأثريهم عليه ال ميكنه أن يبلغ ما هو عليه يف حياته ،وكذلك ّ وتتطور بتأثري حياته فيهم ،وإن كان غالب ًا يغفل عن هذا التأثري .لذا قالت القدماء: حياتهم ّ ال أحد يعيش وحده يف العامل أو يحيا لذاته من دون سواه .فالفرد يشارك الجميع يف قسمتهم ،والجميع يشاركون الفرد يف قسمته. أوال أخالق الناس هذه الفكرة ضمنها ً أوضحها لنا جربان بقطعة جميلة من كِتابه َّ َ وطبائعهم ،ثم الشفقة عىل من ُي َخ َّيل إلينا أنهم سقطوا دون درجة الرجل العادي من الناس .ثم يضيف توبيخ ًا لطيف ًا مؤثّ ر ًا للرجل الذي ينتفخ بروح الكربياء عىل رفاقه ألنه الرقي واآلداب مل ْيقدروا هم أن يبلغوها .ويف ذلك كتب: استطاع بلوغ درجة من ّ
80
أهال ُليعطي املحتاجني ما ُهم يف حاجة إليه من عطايا نالها .من جعله ً ويشكر اهلل الذي َ ٌ نافذة يفتحها ثم يغلقها ،مل يبلغ بعدُ كل من يعتقد أن العبادة هنا قول جربانُّ : ُ ِ نوافذه من الفجر إىل الفجر .حياتكم اليومية هي ُ هيكلكم نفسه املفتوحة هيكل َ السكة ُ كل ما لكم عندما تدخلون هيكلهاّ : والكور وهي ديان ُتكم ،فاحملوا معكم ّ ت صنعتموها ً وكل ما لديكم من آال ٍ رغبة يف قضاء حاجاتكم، واملطرقة والطنبورّ ، مرساتكم ّ بتأمالتكم فوق وملذاتكم .ألنكم ال تستطيعون أن ترتفعوا ُّ أو سعي ًا وراء ّ أعمالكم ،وال ْتقدرون أن تنحدروا بترصفاتكم أدنى من خيباتكم .ول ُت ْ رافق ُكم جميع معارفكم من أبناء اإلنسان ،ألنكم ال تستطيعون يف عبادتكم أن ت َُح ِّلقوا فوق آمالكم، بحل وال أن ت ُْن ِزلوا ذواتكم أدنى من يأسكم .وإن شئتم أن تعرفوا ّربكم فال تُعنوا ّ تأملوا حولكم تجدوه العب ًا مع أوالدكم ،وارفعوا أنظاركم إىل األحاجي واأللغاز ،بل ّ الفضاء الوسيع تبرصوه مييش يف السحاب ويبسط ذراعيه يف الربق وينزل إىل األرض ويحرك تأملوا جيد ًا ت ََروا ّربكم يبتسم يف ثغور األزهار ،ثم ينهض ّ مع قطرات املطرّ . يديه باألشجار. إميانه ُوتنزل عليه الوحي قوي َ َوم ْن يسعد مبثل هذه العقيدة الصحيحة يف الدينُ ،ت ّ خوف وال َو َجل .فاملوت ،كام الساموي ،ويستقبل الحياة بحزم وثبات ،ويقتبل املوت بال ٍ يقول جربان ،ال نقدر أن نجده ّإال يف قلب الحياة ألن الحياة واملوت واحدٌ ،كما النهر والبحر واحد. العبقري الحكيم َيبعث من أعامق قلبه أصدق اآلمال بالخلود واألبدية، هكذا نرى هذا ّ وهو ثابت اإلميان بصالح اهلل ورحمته وعدالته .وما أجمل قوله يف املوت: أكثر من ِ وقوفه عاري ًا يف الريح ،وذوبا ِنه يف حرارة الشمس؟ ال هل موتُ اإلنسان ُ تستطيعون أن ترتنّ موا باألناشيد حتى ترشبوا من نهر الصمت ،وال أن تبارشوا الصعود إىل الجبال حتى تبلغوا قننهاَ ،ولن تقدروا أن ترقصوا ح ّتى تسلبكم األرض جميع أعضائكم. قرأت هذا تتحرك نفيس من أعامقها مثلام حني ُ أيها األحبة :أصارحكم ْأن مل ّ كل هذا التأثري البالغ؟ وهل يكون له التأثري الكتاب مر ًة بعد مرة .ملاذا أثّ ر يف حيايت ّ َحد َثه هذا ُ ُجيب عن غريي لكنني أعرف ّأن ما أ َ ذاته يف حياة غريي؟ ال أستطيع أن أ َ َوضح ما بدا يل فلسف ًة ناجم عن كونه ،بكامل ّ الدقة والفن والجامل ،أ َ ُ الكتاب يف حيايت ٌ املرنمني ترانيم ة ثاني فيه أسمع ألنني ا جديد ليس أنه وأعرف الحياة. يف جديدة ً ً ّ
83
تبذر البذور ّ بدقة وعناية وتجمع الحصاد بفرح ولذة كأنك تجمعه اىل مائدة حبيبك. العمل هو الصورة الظاهرة للمحبة الكاملة. الزمه الربكة، ويوضح جربان أن عمل اليدين ،مع قداسته ،ليس ِ َ العمل الوحيد الذي ُت ُ بل مثة عمل آخر ال تقوم به اليدان: فاشرتوا من عطاياهم وال ترفضوهم ،ألنهم جاءكم ّ مغنون وراقصون وعازفون ُ وإذا َ مثلكم يجمعون الثمار والعطور ،ومع أنّ ما يقدمونه لكم مصنوع من مادة األحالم وأفضل ٍ أجمل ٍ غذاء لنفوسكم. كساء ألجسادكم فهو ُ ُ هكذا ،أيها اإلخوة ،إذا قرأْنا هذا الكتاب من صفحته األوىل إىل األخرية ،نرى يف غنية بعطايا يتدفق من ْنفس عظيمة ٍ ٍ كل سط ٍر فيض ًا روحي ًا خالد ًا ّ كل صفحة بل يف ّ ّ الحكمة واملعرفة .وحتى حني يكتب عن أمور نسميها مادية كالبيع والرشاء، فننكب عليها شداننا واألكل والرشب ،نرى يف كلامته عاطف ًة روحي ًة وقو ًة أدبي ًة َت ّ ُّ نستغرب أن تكون له املفكرين .لذا ال يندر أن نجد لدى نوابغ ّ ّ بكل ذهننا ،كام ُ ُ مواضيع روحي ًة ال أثر للامدة فيها .ويشعر الواحد يعالج هذه الجاذبي ُة للقلوب وهو ُ َ املتمرغني يف املادة، قومه واعظ منا ،نحن األمريكيني ،كأنه أمام ٍ ّ استثنائي ينادي َ ٍّ ويحثهم عىل التحرر منها وااللتجاء إىل مملكة الروح الخالدة، املستسلمني لسلطانهاّ ، عندما يسمع جربان يخاطب العرافة املطرة: ِ ِ ِ ِ حبذا لو ّ إنك ت َُص ّلني يف ِ خرياتك .ال فرحك ووفرة تصلني يف كمال ضيق ِك ويف حاجتكّ . ِ أستطيع أن ُأ ّعل ِ كلماتك ما مل َيض ْعها عىل مك الصالة باأللفاظ ،ألن اهلل ال ُيصغي إىل ِ ِ لسانك. وينطق بها يف شفتيك ْ ولجربان نظر ٌة حكيم ٌة وعقيد ٌة راسخ ٌة يف الدين :يراه ال ينحرص يف زمان ومكان. الدين حيا َة اإلنسان الديني جيد ًا بني والدنيوي ،يالزم ُ ّ وألن اإلنسان ال يستطيع التمييز ّ ّ الربهان عىل الدين كل مظاهر فكره وحياته. ُ مثاره يف ّ يف جميع طرقه ومسالكه َفتظهر ُ خارجها .لذا يقول جربان يف كتابه إن الدين وعملِه يف الوجود ،هو يف حياة اإلنسان ال َ تقدمه له الحياة ،شاكر ًا حقيق ٌة يف حياة اإلنسان إذا كان هذا يستقبل الصالح النافع الذي ّ الضار املحزن ثابت العزم شجاع ًا صبور ًا ألنه يعرف عطية اهلل ،ويستقبل ّ ف ِرح ًا واثق ًا بأنه ّ مبا يف قلبه من عاطفة الدين ّأن هذا أيض ًا هو من اهلل. تخمر التقي َ الحامل يف قلبه خمري َة الدين والفضيلة التي ّ َ وأوضح جربان ّأن اإلنسان ّ تقدمه له الحياة من عطايا ربانية بل يفرح بعطايا الحياة ما بقبول يكتفي الحياة ،ال ّ
82
واألرجح إنهام (الدفاع والدعم) ،عىل األرجح ،أقوى ما عرفه جربان يف حياته، ُ عرفه ،بفضل ذاك الصديق األرشمندريت (الحق ًا مطران نيوجرزي أول ما َ أيض ًا أنه ُ للطائفة األرثوذكسية حتى وفاته سنة ،)1966فكانت تلك البادرة لدى قراء العربية جسر بني الكتاب وبني الخلود الذي يرتع فيه اليوم. َ أول ْ أوفرها ومهام يكن من أمر ترجامت النبي الحق ًا ،قد تكون ترجمة نعيمه َ ّ أوفرها اقرتاب ًا ُلغوي ًا من إنكليزية جربان، مضمون ًا (ال ً شكال) وترجم ُة يوسف الخال َ وهن ما لكن ترجمة األرشمندريت بشري (عىل ْ وترجمة ثروت عكاشه أكثرها أكادمييةّ ، أقربها سكبه جربان يف تعث ٍر يف تعب ٍري ٍ يتخللها أحيان ًا من ُّ َّ ٍ إنكليزية شاعرية) تبقى َ جميل َ إىل قلب جربان وروحه وأفكاره. رجل مل يعرف أما ُمحارضة فرنكل ،فحسبنا من كالمه التحلييل الرصني فيها أنه ٌ جربان شخصي ًا ،وال كان مضطر ًا أن يقول فيه ما قال (وهو أستاذ الفلسفة ويعرف كبارها) لو مل يجد ّأن كتاب هذا الرجل الرشقي هو حق ًا يف مستوى كوميديا دانته َ معلم جديد يف هذا القرن اإللهية وفردوس ملتون املفقود ،وأن صاحبه هو ّ َ العرشين ،يف أقواله نسمع ترانيم املرمنني القدماء وتعاليم الحكامء واألنبياء. مكان بل يف املبكر :فها وكان معه حق يف حدسه ِّ متد ًا ال يف ٍ صوت جربان ما زال ُم ّ ُ الناس واألمكنة رشق ًا وغرب ًا ،وال يف الزمان بل عىل ّمر السنوات واألجيال.
نيويورك
* النهار العريب والدويل1985/7/15 -
85
ونفس جربان التي َو َج َد ْت سبيلها إىل االتحاد القدماء وتعاليم األنبياء والحكامءْ . َ أجد فيها االفتتان بالروح اإللهية. ْ بنفس الوجود العظمىُ ، املعلم الجديد جربان ،أسمع يف هذا القرن العرشين بشار َة النور واملحبة: من َفمِ هذا ّ أب لجميع الناس بشار َة اإلنسانية املقدسة ،وهي ِّ تعلم ّأن اإلنسان أخو اإلنسانّ ، وأن اهلل ٌ عىل السواء. ودليال جديد ًا لذا آماال ّنير ًة لقلبيً ، أستمد من هذا الكتاب ،ال وحي ًا لفكري وحسب ،بل ً ّ املفكرين يف جميع العصور كبار ّ عىل ّأن الرسالة الروحية العظمى رسال ٌة ساموي ٌة ُي ِّ سلم بها ُ الرجاء العظيم. تنقل للناس واألمصار ،وأن ألسنة األنبياء الفضية يف العامل الجديد ُ َ جيمس فرنكل ديرتويت ِ (متشغَ ن) 1924/12/28
تعليق
هذه شهاد ٌة ثانية عالية التقدير لجربان عىل حياة جربان. ت هذه كان ً نبيال من األرشمندريت أنطونيوس بشري ،صديق جربان ،أن ُي ْث ِب َ املحارضة يف آخر ترجمته النبي ،وأن َيحرص عىل تنبيه القارئ إىل معرفة الغوص عىل عامل جربان .وهو أثبت مقطع ًا من رسالة جربان إليه ُلي ْبرز مدى اهتامم الناس صّ ،مرتني يف تلك الحاشية القصرية ،عىل ْنعت جربان بـالصديق بـالنبيَ ، وح ِر َ قراء العامل يتلقى قراء العربية كتابه النبي ْ بـمثل ما ّ متمني ًا أن ّ جربانّ ، تلقاه ُ فقدم للمحارضة ناعت ًا جربان بـنابغة الوطن املحبوب يف من إجالل وإكبار ،وعاد َّ ومركز ًا ،بعد ُعزوفه عن وضع املحارضة يف أول الكتاب ،عىل كون القارئ، املهجرِّ ، بعد الفراغ من قراءة نص النبي ومحارضة فرنكل ،سيعود إىل قراءة الكتاب الد َرر وسمى الكتاب ْ وس ّمى ما فيه ُّ مثنى وثالث ًا ورباع ًاّ ، السفر النفيسَ ، الفريدة. فأي دفا ٍع هو هذا من صديق عن صديقه؟ ُّ رجال الدين؟ عليه ثار ب أدي إىل دين رجل من هذا هو دعم وأي ٍ ٍ ُ ُّ
84
كنت أحدها :الطبع ُة األوىل لـديوان إيليا أبو مايض مع ّ مقدمة من جربان ،وما ُ َل َف َتني ُ أعرف الكتاب وال ّأن جربان ّقدم لصديقه الشاعر. أزرق مجل ٌد بالكرتون السميك، الكتاب من القطْ ع الكبري ( 24×17سنتم)َّ ، ُ ُ اليدوي األسود السميك :ديوان إيليا أبو بالخط غالفه عىل التجليد، د جي القامشُ ّ ، ّ نقاط عىل مايض -الجزء الثاين، والحظت ّأن ياء مايض وياء الثاين مكتوبتان بال ٍ ُ الطريقة املرصية يف كتابة الياء من دون نقاط ،ما يدل عىل أن الخطّ اط كان مرصي ًا أو أن تلك الكتابة كانت شائع ًة يف تلك الحقبة. عيل معرف ُة سنة الصدور، مزقة ومنزوعةّ . الصفحة األوىل من الديوان ُم ّ تعذ َر ْت ّ وهي ترجيح ًا بني 1919و.1920 كئ بعدها ،عىل صفحة كاملة ،وضمن إطار مزركش طباعي ًا ،صور ُة ٍ رجل ستيني ّمت ٍ وستي) خوات ُِمه وسلسال جدي ّ الص َور أيام ّ منصة ،بانت منه (عىل عادة ْأخذ ُّ عىل ّ بقي دقائق أمام املرآة يهندس شاربيه ،ثم أرسل عينيه يف ساعته الذهبيةْ ، وحت ًام َ املصور .وتحت الصورة عبارة: غائبة قبل أن يلمع فالش غائمة تعابري بعيد ٍة ٍ ٍ ّ َ الوجيه الفاضل نعمه تادرس صاحب األيادي البيضاء عىل املشاريع الوطنية واألدبية والخريية .وعلينا أن نفهم من هذه الديباجة التبجيلية أن الخواجه نعمه تادرس هو الذي دفع تكاليف طبع الديوان. مقدمة جربان. التادرس صاحب األيادي البيضاء ،تأيت يف الصفحة الثالثة ّ بعد صورة ُ نفسه كلمة مقدمة ضمن إطار مزركش طباعي ًاَ ،ون ُّصها ( ِب َح ٍ رف ُم َش َّكل قد يكون جربان ُ َفر َض ُه لحرصه الشديد عىل إخراج كتبه) استغرق الصفحات 3و 4ونصف الصفحة .5 ت إىل النص. فلنأ ِ مقدمة جبران
ٌ فتجعله قريب ًا معروف ًا .وهو ٌ ُ فكرة القيص غ ِري املعروف تتشوق إىل الشعر ُ عاطفة ّ ِّ املدرك ف ُت َح ِّوله إىل ٍ يشء ظاهر مفهوم. تُناجي غري َ الخفي َ َّ غريب ذو َع ٍني ٍ ثالثة معنوية ،ترى يف الطبيعة ما ال تراه أما الشاعر فهو مخلوقٌ ٌ ٍ باطنية تسمع من همس األيام والليايل ما ال تعيه اآلذان. العيون ،و ُأ ْذنٍ مأساة الدهور ،ويشاهدُ ً َ ينظر الشاعر إىل ورد ٍة ٍ طفال راكض ًا وراء ذابلة فريى فيها فيسمع أغاين البالبل والشحارير ويسري يف الحقل أرسار الكون، الفراشة فريى فيه َ ُ ُ
87
11 مقدماً لديوان إيليا أبو ماضي: جبران ِّ أين الديوان؟ وأين أبو ماضي؟
إيل السيدة التي أمامي ُتصغي ّ ّ ليست عىل ولو للشعر وتأنس َ َ كثري استيعاب (لكونها مولودة يف نيويورك وال تتقن اللبنانية املحكية وال العربية املكتوبة) ،مل أكن أعرف أنها ابنة الشاعر إيليا أبو مايض، لبنانية إىل صديقة لها جاءت مع ٍ ٍ أمسية شعرية يل يف بروكلن كي ٍ تتعرف (كام قالت يل يف ما بعد) إىل ّ شاعر جاء من وطن أبيها. صديقتها يف آخر إيل ُ َّقد َم ْتها ّ فواعد ُتها عىل لقاء لديها األمسية، ْ نحكي عن والدها وننبش بعض ًا من أوراقه. غالف ديوان إيليا أبو مايض الذي كتب جربان مقدمته زاوية من كنت يف ٍ بعد يومني ُ مؤلفات. وأقلب ّ صالونها أفتح أوراق ًا ّ واملؤلفات أعرفها إمنا ترتيب وتنسيق. مهم َلة يلزمها ُ األوراق كثري ٌة ومبعثرة ُ ٌ وشبه َ
86
وإيليا أبو مايض شاعر .ويف ديوانه هذاَّ ، وحبال تربط سل ٌم بني املنظور وغري املنظور، ٌ ْ وكؤوس َم ٌ تظل ملوءة بتلك الخمرة التي إنْ مل مظاهر الحياة بخفاياها، ترتشفها ّ ٌ فتغمرهم ً َمل ُ ثانية بالطوفان. البرش ظمآنَ حتى ت ّ َ اآللهة َ جربان خليل جربان (مع توقيعه) تعليق
ما الذي ميكن قوله من هذه املقدمة؟ إنها من القليل النادر الذي كتبه جربان يف حياته خارج َ جمعتها دفتان أو كتاباته التي ْ أصدرها يف كتاب. التي َ هذا يعني أن عالقة جربان بأيب مايض ،فرت َة صدور املقطع األخري من مقدمة جربان مع توقيعه جيدة. الديوان ،كانت ال تزال ّ وإن هي كانت عىل مشارف مشارف قياد ِة جربان إطاللة جربان العاملية (قبيل ظهور النبي سنة ،)1923وعىل ِ ِ حرك ًة أدبية ّولدتها الرابطة القلمية يف أول العرشينات. حرير مرآة الغرب ل َِحميه (والد زوجته) والذين عرفوا أبا مايض منذ ّ توليه َت َ نجيب دياب ،حتى انفصالِه عن حميه وإنشا ِئه السمري وعملِه فيها وحده تنضيد ًا ناقام ،بعيد ًا وتحرير ًا ورئاسة تحرير وطباعة وحتى بعض توزيع ،عرفوه ميزانرتوپِّي ًاً تتعثر مرار ًا فتنتقل من واملقربني ،ما جعل السمريَ عن عرشة الناس ،قليل األصدقاء ّ جريدة إىل مجلة فإىل جريدة ،لكثرة الخصومات التي كانت محيقة بصاحبها. مقدمة جربان جاءت خالل اشتغال أيب مايض يف مرآة الغرب ،وقبل إنشاء ّ الرابطة القلمية( كان أبو مايض عضو ًا فيها ثم انسحب لِخالفه مع جربان عىل تكوكبت يف الرابطة وكانت من الشلة األدبية التي الصدارة) ،أي قبل خصوماته مع ّ َ رواد صومعة جربان .ومل يكن أبو مايض من رواد مكاتب فنون نسيب عريضة الشلة. التي كانت ملتقى ّ
89
ٍ هوجاء بني معركة وليس هناك شحارير وبالبل ،ومييش يف العاصفة فيخوض غمار َ جيوش األرض وفيالق السماء. يقف الشاعر أمام َشالل ،فيقول: ف��ي��ه م��ن ال��س��ي��ف الصقيل ب��ري ُ��ق��هُ ص���خ���وره ب��دم��وع��ه ي����رش أب�����د ًا َ ُ
ول����ه ض��ج��ي��جُ ال��ج��ح��ف��ل ال���ج���را ِر أت�����راه ي��غ��س��ل��ه��ا م���ن األوزار؟
أب���ك���ي وت���ص���غ���ي إىل ب��ك��ائ��ي
ال��ن��ج��وم؟ ت��ع��ش��ق رب ،ه��ل ْ ُ ي��ا ّ
َ ِ اإلف����اض����ة ق��ب��ل ال��ل��ق��اء وددتُ وب�����ـِ�����تُّ وإي�����ـ�����اك يف م��ع��زل
���م���ا ل���ق���ي��� ُت ِ َ أن���ب���س ���ك ،مل ِ ف���ل ّ م���ج���ل���س ك�������أين وإي����������اك يف ِ
ويرفع عينيه ً ليال نحو الفضاء فيرصخ: ويلتقي بحبيبه فيهمس:
كل هذه األمور من خالل ُبرقع الحياة ،وأنتَ واقف بجانبه يرى الشاعر ويسمع َّ املشوشة ،فتقول يف ال ترى غري مظاه ِرها الخارجية ،وال تسمع سوى أصوا ِتها ّ ذاتك :يا له من خيايلٍّ مجنونٍ يتمسك بخيوط العنكبوت ،ويصعد نحو النجوم عىل َّ جرته من ندى الصباح بل سلم مصنوع من أشعة القمر ،ويحاول أن ميأل ّ من الرساب. فالشاعر يصعد إىل املإل األعىل ولكن عىل َّ سلمٍ أقوى وأبقى من الجبال. إي. ُ أمتن من سالسل ويتمسك بحبالٍ غري منظورة ولكنها يصعد بعزم الروح، ُ َّ يتمسك بحبال ْ الفكر ،وميأل كأسه من عص ٍري أرقَّ من ندى الفجر. الحديد. ّ ُ والخيال هو الحادي الذي يسري أمام مواكب الحياة ميأل ها من خمرة الخيال، ُ الحق والروح. نحو ّ املسري إال عىل قدميك ،وال تستطيع الشاعر يفعل كل ذلك ،وأنتَ عىل األرض ال ُ َ الصعود إال عىل َّ َ املرسة إال سلم من الخشب ،وال ُّ الس ْكر إال من عصري العنب ،وال ّ بالربح ،وال األمل إال بالخسارة. يحن إىل طائر غريب ُيفلت من الحقول العلوية ،ولكنه ال يبلغ األرض حتى َّ ٌ الشاعر ٌ ُ فيغرد حتى يف سكوته ،ويسبح يف فضاء ال َحدَّ له وال مدى ،مع أنه يف وطنه األولّ ، قفص.
88
12 أمين الغريِّب منقّح مقاالت جبران األولى: أوحى لي من أول لقاء أنه عبقري كنت أعرف أن كتاباته األوىل من قراءايت الكثرية عن جربان سري ًة وكتابا ٍ ت ورسوم ًاُ ، األول عىل تشجيعه وإطالقه يف الوسط الـم ِ هاجر ألمني ِّ الغريب ،ذي الفضل ّ كانت يف ُ اللبناين وقراء العربية يف أمريكا الشاملية. الغريب، لذلك حني ُ الطيب يف أدب أمني ِّ وجدت يف مكتبة الهدى كتاب العرف ّ راس ٍل بينهام. ُ لهفت عند ْفتحه اىل البحث يف كتابات أمني ِّ الغريب عن جربان أو عن َت ُ وكان يل أن أجد االثنني مع ًا. صفدي التجارية( ساو الكتاب 160صفحة قطْ ع ًا وسط ًا، مطبوع يف مطبعة َ ٌ ُ الغريب كتب سعيد أمني ِّ پاولو -الربازيل) بدون ذكر السنة (ترجيح ًا )1976سن َة َ ولدك سعيد. وختمها :ساو پاولو -شباط ُ -1976 كلم ًة عن أبيه َ جمعه وتبويبه الغريب ،إبن خالة األمني .وهو ُ عن َِي ِب ْ نارش الكتاب :أديب يوسف ِّ وإعداده للطبع. العالمة امللفان املطران يوحنا شديد مقدمة الكتاب لـ صاحب السيادة ّ ّ راعي أبرشية الربازيل املارونية .وبعدها كلمة َن ْجل صاحب الكتاب إىل والدي الحبيب. بعض ما كتبه همنا من الكتاب (القسم الجرباين) أ ِ قبل الدخول إىل ما َي ّ ُوج ُز َ نفسه عن سريته :هو املولود يف الدامور يوم 1881/1/12من والد أمني ِّ الغريب ُ القوالني يف الشعر العامي. (منصور شاهني ِّ الغريب) كان معروف ًا بـشيخ ّ ذهبت الغريب بخط يده ... :بعد مغادريت املدرسة يف الدامور، ُ كتب أمني ِّ بدأت العمل مساعد ًا يف فبلغ ُتها يف أول صباح من عام .1897 ّتو ًا إىل نيويوركْ ، ُ
91
ولكن... مع هذا ،كتب جربان تلك املقدمةْ ، يركز عىل أيب مايض شاعر ًا. جاء كالم جربان يف العموميات ،ومل ِّ يكتبها يف أية آراء لجربان يف الشعر والشعراء ،كان ميكن أن َ جاءت يف املقدمة ُ مناسبة لكالمه عىل الشعر. يذك ْر جربان أبا مايض إال يف املقطع األخري ،وبأربع كلامت :وإيليا أبو مايض مل ُ لديوان شاع ٍر غ ِري معروف .مع هذا كتبها يقدم شاعر .وهذا ِ تلميح قد يستخدمه َمن ِّ ٌ وتكبره املعتاد ،وارتضاها أبو مايض. جربان ِب َ منف َّ وقيته املعروفة ُّ مهومات عامة بعد عبارة إيليا أبو مايض شاعر جاءت عبارة أخرية هي أيض ًا من ِّ يتحدث يتحدث عن شاعرية أيب مايض .ومل يكن ميكنهً ، أصال ،أن َّ تعمدها جربان كي ال ّ َّ متمتع ًا بها (ولو عىل طريقة ِشعر عن ٍ شاعرية لدى أيب مايض ،ال ألن األخري ليس ّ تصدر حركة الرابطة القلمية التجديدية) ذاك الزمان) بل ألن جربان (وهو الذي َّ االتباعية الكثرية الرسد والحوار والوصف مل يكن مقتنع ًا بطريقة أيب مايض التقليدية ّ ت ،أو املواضيع وسأل ْتني وأ ََج ْب ُتها، وقلت لها، والرشح و ...قالت يل َ وقال َف ُق ْل ُ ُ َ مدح أرشمندريت التي َ (وصف مقاطعة ملفرد ،أو ْ عالجها أبو مايض يف ديوانه هذا ْ مقفاة، غربيني ترجم ًة موزون ًة ّ ملناسبة تكرميه يف مونريال ،أو ترجمة قصائد عن شعراء ّ اعتمدها مواضيع قدمية وعتيقة أو مديح مرآة الغرب يف ذكرى تأسيسها) ،وهي َ ُ الشعراء القدامى (ولو كان جربان يف شعره املوزون املقفى -وخصوص ًا يف املواكب- تنتقص كثري ًا من شاعريته العبقرية يف النبي ويسوع وقع يف ِهنات َو ْز ّنية َوت ْق َف ّوية ِ َ فتخلى عنها حني راح يكتب يف اإلنكليزية. لكن جربان عاد ّ ابن اإلنسانّ ،) جعله هذه حاد الـأنا ،ما َ تؤدي بنا اىل مزاج جربان الذي كان َّ األربع املالحظات ّ ُ الحق ًا عىل خالف مع أيب مايض (فلم ينرش يف السمري ،)ومع الريحاين (فلم ينرش يف الهدى لخالفه مع نعوم مكرزل صاحبها وصهر الريحاين زوج أخته سعدى). كل ٍ ضوء جديد عىل كتاباته ،فتجعل منه إنها مزاجية جربان ّ تتجلى أيض ًا وأيض ًا يف ّ اللغز الذي عرف كيف ُيحيط به شخصه دون أقرب األصدقاء إليه مِ ّمن رسموا ذاك َ مزاج فأبعدوا عن كتاباته (العبقرية وال شك) َ صورته إنسان ًا عادي ًا ذا ٍ حوله هال ًة ْ ت و ...مواقف. وعادا ٍ * النهار العريب والدويل1985/7/22 -
90
نيويورك
املتعلمون بني منه يف الواقع ذاك يقوله ،ال الرسوم التي يريني إياها .كان ّ الكالم الذي ُ ُ مت قالال يف ذلك الزمان، ِ املغرتبني ً يهتم يف البحث عنه هو ما َي ّ والصحاف ُّي مثيل ُ أول ما ّ وجن َتيه. كتب شيئ ًا ُيطْ لعني عليه .عال بأقل نسب إىل األدبُ . الحياء َ سألته إذا كان َ ُ فصول صغري ٍة قرأ يل بعضها، الرتدد ،قام إىل مخد ٍع وجاء منه ببضعة وبعد ٍ ٍ هنيهة من ُّ مهي ٍإ ليكون كاتب ًا عبقري ًا. ُ فعرفت أنني أمام أديب َّ الـمهاجر منرب ًا .ورأى أول مقالة مطبوعة من ذلك الحني ّات َخذ له جريدة ُ كتبت عنه هذه أتذكر أنني ،يومئذٍ ، الـمهاجر يوم 17نوار َّ .1905 ُ باسمه يف ُ حظ هذه الجريدة أنها قادر ٌة عىل العبارة تعريف ًا له إىل قراء جريديت :من ُح ْسن ّ ت أن ّ متثل ألبنائنا يف الوطن ويف العامل العريب صور ًة َق َلمي ًة من الشخص الذي أ ِ ُعج َب ْ مدينة العلوم أعظم جرائد املدينة املعدودة يف الواليات املتحدة برسومه الرمزية ِ ُ برشي يف لبنان .نذكر والفنون (نيويورك) .هذا الشاب هو جربان خليل جربان من ّ القراء إىل صورة أفكاره السامية التي كل لقب، اسمه عاري ًا عن ّ ونوج ُه أنظار ّ ِّ الـمهاجر تحت عنوان دمعة وابتسامة .وإننا ال سنرسمها يف ّ كل عددٍ من أعداد ُ ب لبناين كثري اآلمال ،عىل سبيل التنشيط والتشجيع .فكيف بنا ُنالم يف افتخا ِرنا بشا ٍ أنفسهم ِبهذا اللبناين ل َِم ْحض أنه يعيش بينهم. ردد مفاخرة األمريكيني ِ ونحن فقط ُن ّ الغريب أمني ِّ
تصدر رسل من بوسطن إىل نيويورك مقاال ٍ وراح جربان منذئذٍ ُي ِ الـمهاجرُ ت إىل ُ الغريب ُي ْصدر يف مطبعته وعىل نفقته يف زاوية دمعة وابتسامة .ثم أخذ أمني ِّ والغ ِريب ّأن الذين كتب جربان الثالث َة األوىل يف العربية ويكتب لها مقدماتِهاَ . الخاصة َ الغريب ،رمبا إشاح ًة عام أصدروا هذه الكتب الثالثة الحق ًا َح َذ ُفوا منها ّ مقدمات أمني ِّ الغريب عىل جربان. كان فيها من نقد غالب ًا ما قسا فيه ِّ رسائل ذات داللة ،هنا واحد ٌة منها أرسلها جربان إىل الغريب وجربان ُ وكانت بني ِّ الغريب من بوسطن إىل نيويورك مساء الجمعة 5متوز :1905 ِّ أخي أمني،
ِ أكتب إليك تلك الرسالة املاضية ّإال بعد أن ولكن أنتَ تعلم بأنني مل ْ سام ْحني فقد أخطأتُ أمامكْ . كتاب من نيويورك يقول بأنك ذهبت إىل كلوسرت. وصلني ٌ َ
93
تحرير جرائد الهدى وكوكب أمريكا ،ثم رأست تحرير أنشأت الصخرة .ويف عام 1902 ُ الـمهاجر ،وكان عمري جريدة ُ خذت يناهز الحادية والعرشينّ .ات ُ لها مبد ًأ جديد ًا هو :دعو ُة أبنائنا جريدة املهاجر( نيويورك -السبت 13شباط )1909 وعىل صفحتها األوىل مقال جربان يوم مولدي الحلة الرتكية خلع ّ املغرتبني إىل ْ ُمهدى إىل ماري هاسكل باألحرف الالتينية .M.E.H التي بسببها كان األمريكيون شق هذا يظنوننا أتراك ًا ،مع أن األتراك يف بالدنا يكرهوننا وال يقيمون لنا وزن ًاَّ . ُّ الرأي عىل املرحوم نعوم لبكي ،صاحب جريدة املناظر يف الربازيل وهو من ُ أكرب كتاب عرصه ،فدعاين إىل مناظرة رصينة يف هذا املوضوع َيحكم يف ختامها طلبت منه أن كنت ال أعرف أحد ًا منهم يف مرص، ُ أربع ٌة من أعالمنا يف مرص .وملا ُ فانتخب األساتذة املشاهري :جورج زيدان ،فرح أنطون ،شبيل يقوم هو بذلك، َ ث مقاالت من َكلينا ،أجمع الشميل وداود عمون .ومتت املناظرة بكل رصانة بثال ِ أكثرهم حامس ًا لها يف نهايتها َّ الـمهاجر ،وكان ُ املحكمون األربعة عىل صحة رأي ُ فرح أنطون. الغريِّب وجبران
الغريب ،بني َمخطوطات والده ،عىل املقطع التايل يف ساو پاولو َعثر سعيد أمني ِّ خط أبيه: ِب ّ فرح جاءتني إىل نيويورك دعو ٌة من بوسطن إىل حضور ِ يف شهر ّنوار ْ 1905 حفلة ٍ برشي إىل ُيقيمها أخواين البرشاويون ،ويف الدعوة: ُ زفاف زهر ٍة عاطرة من َظ ْبيات ّ رشفوين باستقبالهم الرتحيبي كان شاب أديب نشيط من أبنائها .وبني األكارم الذين َّ الرمزي .ومعنى اليدوي شاب يف الثانية والعرشين من عمره ،يشتغل يف التصوير ٌّ ّ ّ يدل يصور األشخاص بل األفكار والتخيالتُ . رأيت يف حديثه شيئ ًا ّ ُّ ّ الرمزي أنه مل يكن ّ اهتممت باإلصغاء إليه .ودعاين إىل رؤية محله وما عىل األهمية ويوجب العناية. ُ رافقتهَ ،و َه ّمي كنت ْأل ُ ألف دليل عىل سعة اإلطالعُ . حظ يف كالمه َ فيه من رسومهُ .
92
حاد بني أبناء الجالية اللبنانية يف نيويورك :الطائفة يف فرتة ٍ الحقة وقع نزاع ّ ابنته تزوج َ لواءها جريد ُة مرآة الغرب لنجيب دياب الذي َّ األرثوذكسية (حملت َ مساعد ُه يف التحرير إيليا أبو مايض قبل أن ينشئ الحق ًا جريدته الخاصة السمري،) ُ لواءها جريدة الهدى لنعوم مكرزل زوج سعدى شقيقة والطائفة املارونية (حملت َ أمني الريحاين). وكتب جربان حولها (بدون توقيع، يف هذه الحملة َ الـمهاجر وقف َة اعتدالَ ، وقفت ُ ت أدبي ًة لحرصه ّأال ُي ّوقع َّإال مقاال ٍ ووضع ُ تصلح للجمع الحق ًا يف كتاب) َ رسام رمزي ًا ميثل مالك ًا ميد يديه إىل ً التباعد بينهم املتخاصمني كي ُيزيل ُ َويعقد الوئام. يف أواخر 1908سافر جربان إىل باريس ومل ينقطع عن مراسلة الـمهاجر وال عن الكتابة إىل الغريب (بوسطن 28 -آذار )1908 رسالة من جربان إىل أمني ّ ُ صديقه أمني. وهنا ،من رسائله إثنتان: ُ باريس 28 -متوز 1909 أخي أمني، ٌ مقالة صغرية ُأخرى َأبع ُثها إليك ،كتب ُتها أمس بعد أن سمعتُ خرب انفصالِ صديق يل عن هذه ٍ خليلته الحسناء. أمامي اآلن صفحتان من ٍ مقالة جديدة بدأتُ كتاب َتها هذا الصباح ،وسوف أبع ُثها إليك عندما تنتهي فانتظ ْر ً وتكون مثلما أريدِ . قليال يا أخي أمني. الـمهاجر ،وأريد أن ِّ الـمهاجر لن ينتقل معك َأ ُ تبشرين أن ُ طلب إليك أن تُخربين عنك وعن ُ مكتن َف ًة باملخاطر الـمهاجر يف الرشق تكون َ إىل لبنان .أقول ذلك يا أمني ألنني أعلم بأن حياة ُ واملخاوف.
سالم وألف تحية وسالم ممن يحبك. جربان
95
هذه نكتة اجتماعية بحتة :يقول الرجل ذو النظر الضئيل كيف أقدر أن أغفر لقريبي؟ فتجيبه الحقيقة قائلة :كيف تقدر أن يسمع ولكنَ ،من منا يا أمني يستطيع أن تستغفر من قريبك؟ ْ َ الحقيقة ِّ متكلمة قبل أن يرى األخبار وجه ًا لوجه؟ ّأما أنا فقد تعلمتُ أن ال أعذل صديقي قبل االستقصاء واالستطالع. ْ
تبتسم يا قرأتُ اليوم العنارص املتضاربة فاستحسن ُتها .ال ْ كل ما يكتبه جربان ،ألن األقوال واألنغام أمني ،فأنا ال أستحسن ّ أسمعها يف عامل أحالمي هي غري تلك األقوال التي أراها التي ُ ُ مخطوطة عىل الطروس .ولكن سوف أمنو يا أمني ،وأصبحُ قادر ًا حبس بعض تلك األنغام يف ظلمة الحرب. عىل ْ
غالف كتاب املوسيقى وعليه إهداء من جربان إىل ج.ب.پ (.)1905
ُ الحكاية الثالثة كان يجب ،يف هذا األسبوع ،أن تكون بني يديك صحتي يف هذه ولكن ّ من الكتاب {يقصد األرواح املتمردةّ .} األيام عاطلة جد ًا ،وأفكاري متضعضعة جد ًا ،فإياك أن تحسبني من طائفة التواين والكسل.
لو كنتُ أعلم بأنّ كلمتي عن أخينا أسعد ستصري عمومية ،لكنتُ كتبتُ أكثر من كلمة ،ألن ألسعد أعماال رشيفة َح ِر َّي ًة بالكالم الكبري والجميل .فليعش الفرقدُ الكبري ً ً طويال.
ما قولك -أدام اهلل َ فضلك -يف كتابات شبل أفندي دموس عن الجمعية العمومية يف جريدة الجامعة بـمجلس األمة؟ الـمهاجر فيها لو قام ُ وأسسوا جمعية شبيهة َ مواطنونا َّ األسبوعية؟ وماذا يقول ُ ّ أنا أعتقد أن اإلصالح ال يكون بتأسيس الجمعيات ،بل هو بارتقاء الفرد .فإذا كان ُ منحط ًا، الفرد ّ فالجمعية ال ِ املنحطني. تقدر أن تجعله مرتقي ًا .وإن كان مرتقي ًا ،ال تساعده عىل بث روحه يف نفوس سالم عليك وعىل الجميع ،من مريانا وأخيها. ٌ وأسلم ألخيك جربان
العالقة الوطيدة
ت ورسائل ،بل راح أمني يزور جربان العالقة بني االثنني مل تقترص عىل الكتابة مقاال ٍ وذات وجودِ ه مر ًة يف يف بوسطن ،وأخذ جربان يأيت إىل صديقه أمني يف نيويورك. َ عراب الطفلة مرغريت (إبنة سعدى نيويوركَ ، وقف جربان ،تكرمي ًا لصديقه أمنيّ ، شقيقة أمني زوجة نقوال الحايك) وقام يومها مبراسم العامد املطران روفائيل هواويني.
94
البُعاد
لكن هذه الغريب إىل بريوت سنة 1913وأنش َأ فيها جريدة الحارسّ . عاد أمني ِّ وأدت إىل اعتقال أمني مل َ تحظ بقلم جربان ،ورسعان ما اندلعت الحرب العاملية األوىل َّ ونف ِيهم إىل األناضول. الغريب ورفاق له ْ ٍ ِّ الغريب من املنفى إىل لبنان سنة 1919فاستأنف إصدار الحارس لفرت ٍة ،ثم عاد ِّ ملبي ًا دعوة جربائيل تقال ملساعدته يف تحرير األهرام. انتقل اىل القاهرة ِّ الغريب مل ينس مع انقطاع إرسال املقاالت ّ الغريب وجربان .لكن ِّ خف الرتاسل بني ِّ مؤ ِّبن ًا مي زياده، صديقه .فها هو عام ،1941بعد وفاة جربان ْ بعشر سنوات ،يف خطاب له َ عيت إليها يوم ًا يذكر جربان يف هذا املقطع ... :أما جربان ،فكان يقيم يف بوسطن التي ُد ُ برشي عام من نيويورك حيث ُ كنت أُصدر جريدة املهاجر ،لحضو ِر أفراح َ عروسني من ّ حاال بذكائه املمتاز ،وأنا أكرب منه سن ًا بأربع سنوات، لقيت جربان وشعرت ً ُ .1905هناك ُ كل معرفة بالقواعد واألصول الجيدة معانيها إمنا الخالية من ّ فأطْ َلعني عىل بعض كتاباته ّ وأكتب إليه عن أسباب الخطأ إيل ُألصل َِح تعابريه شج ُعته عىل املتابعة واإلرسال ّ النحويةّ . َ طبعت له بعنايتي وكيفية إصالحه .ساعده ذكاؤه عىل رسوخ هذه التعاليم يف ذهنه .ثم ُ فض ًال عن كتبه الثالثة األوىل :املوسيقى ،عرائس املروج ،األرواح املتمردةْ ، التامة َ نرشتها له ّكلها يف املهاجر .أما ما ظهر له بعد كنت قد ُ مقاالت دمعة وابتسامة التي ُ ذلك كـاألجنحة املتكرسة وما تالها ،فكان بعد عوديت من نيويورك إىل لبنان وبدون اطّ العي عليه .ثم انرصف جربان بعدها إىل الكتابة باللغة اإلنكليزية (.)... نفسه كتب تاريخ يبدو أن أمني ِّ الغريب ،يف ذلك الخطاب ،سها عن باله أنه هو ُ مولده يف الدامور عام ،1881فيكون بذلك أكرب من جربان بسنتني فقط ال أربع (جربان ولد يف 6كانون الثاين .)1883 ود َعت نقابة الصحافة توفي أمني ّ الغريب سنة ( 1971عن تسعني عام ًا ) َ ِّ تأبيني كبري له يف اللبنانية والجامعة اللبنانية الثقافية يف العامل اىل احتفال ّ تكلم فيها :ميخائيل نعيمه، بريوت (قرص األونسكو -األحد ّ )1971/11/21 فؤاد افرام البستاين ،نقيب الصحافة رياض طه ،عبداهلل النجار ،شكراهلل الجر، والعر يف الغريب، نوفل الياس ،بدوي أبو ديب ،نرصي سلهب ،كامل أسرب ّ ِّ الغريب. جوزف ِّ
97
الغريب الرسالة اآلتية: وبعد يومني من تلك الرسالةَ ، أرسل جربان من باريس إىل أمني ِّ باريس 30 -متوز 1909 أخي أمني،
مفكر ًا ِّ وجعلني أن أقف ِّ الـمهاجرَ وصلني يف هذه الرسالة ُ َ متأكد ًا ،وال أقول متأسف ًا، العدد األخري من ُ تدل عىل أملٍ يف الصدْ ر وأمانٍ يف القلب، الـمهاجر يف لبنان .ومقال ُتك يف الوداع ُّ ألنك أدرى مني مبستقبل ُ وهذا ما يجعلني أن أنظر إىل املستقبل بعني األمل واإلنتظار ،مع كل ما يف املستقبل من مرارة البعاد.
ٍ َ ٍ أمس َ الـمهاجر مل أبعث إليك مبقالة صغرية ،وكان قصدي أن إليك بعثتُ مبقالة أخرى غد ًاّ . ِ لكن ُ الـمهاجر سيبقى يف دفاتري حتى يعد تحت أجنحة أمني ِّ الغريب .والذي كنتُ أريد أن أبعثه إىل ُ ٌ جريدة ثانية. الغريب تنبت تحت أجنحة أمني ِّ
كل ما تريد أن تفعله ،وعن وقت سفرك إىل لبنان ،وعن عالقاتك واآلن، ُخربين عن ّ ُ أطلب إليك أن ت َ املادية واألدبية يف الواليات املتحدة. الـمهاجر .ولكن ملاذا أقول هذا، أنا يا أمني ،لو كنتُ اليوم يف نيويورك ،لكنت اشرتيتُ منك إدارة ُ وما ُك ِتب قد ُك ِتب؟
أطلب منك يا أمني أن تُبقي يل يف نيويورك ُم َّ ليست عندي .وعند مرورك كما ُ الـمهاجر التي َ جلدات ُ يف باريس َأدفع لك الثمن ،ففي ُم ّ حب أن أحفظها طبع ًا، الـمهاجر جميع كتابايت ،وأنا ُأ ّ جلدات ُ كل جريدة ،وخدَ ْم ُتها بقدْ ِرما استطعت. كما أريد أن أحفظ أعداد الجريدة التي أحبب ُتها أكثر من ّ ْ إحفظ يل عىل األقل َّ األخريين عند بيت فاعور أو عند السيدة ماري عيسى الخوري أو عند املجلدين َ صهرك الفاضل. الـمهاجر اليوم أصبح بني األيدي التي مل تلمس ّ قط يد جربان ،وجربان أصبح غريب ًا عن إن ُ ً الـمهاجر ستبقى ُح ً ولذيذة يا أمني. لوة الـمهاجر .لكن لفظة ُ ُ
أخوك الذي يحبك جربان
اضط ّر عام 1909 الغريب، لظروف خاصةُ ، ٍ ما يقصده جربان يف هذه الرسالة ّأن أمني ِّ الـمهاجر إىل ميخائيل رستم ونسيب كرم الضطراره إىل ّ التخلي ُم َو ّقت ًا عن جريدة ُ بشؤون شخصية َد َف َع ْت ُه للسفر إىل بعض البلدان العربية (مخائيل الطارئ إىل االهتامم ٍ رستم هو والد صديقه وصديق جربان أسعد رستم الذي ذكره جربان يف رسالته اىل أمني نهار 5متوز .)1905
96
متنفس الحرية سبب هجرة كثريين من أبنائه وأقالمه سعي ًا وراء ّ مطلع القرن وبعده ،ما َّ ويتوهج يف هواء الوطن اللبناين يف العامل. ألن املشعل ينطفئ يف دخان لبنان الوطن ّ الفت ًا الته الكتابية ،فاح عطْ ره ِ لهذا الجربان/الظاهرة الذي ،من يوم انفتحت َب ْت ُ مستقبال غري عادي. واسترشف الكثريون له ً انقسام أبناء لبنانه من يومها ،فرصخ فيهم: أوجعه استرشاف له بعد ،وهو وأي ٍ ُ ُ ُّ تكثر فيها ألم ٍة ُ لكم لبنانكم ويل لبناين ،ورصخ أكثر (كأنه يقولها اليوم) :ويل َّ وكل واحد الطوائف واملذاهب ويقل فيها الدينُ ، وتكثر فيها األحزاب والعقائدّ ، ُّ ينادي :أنا أ ُّمة.... نيويورك
* النهار العريب والدويل1985/8/5 -
99
الذود عن أفكاره. زميلنا الراحل عنيف ًا يف َّ جاء يف كلمة النقيب رياض طه :كان ُ حدة :بل جربان اشتهر لعالقته عندما قيل له إنه ُ اشتهر لعالقته بجربان ،أجاب يف ّ يب. ومن كلمة ميخائيل نعيمه... :مل ُتقم عالق ٌة بيني وبني صاحب الذكرى. وع ْد ُت من املهجر .إال أنني ،عندما أذكر ُ التقيته يف بريوت َّمر تني بعد أن َ عاد ُ الـمهاجر التي كان لها مع مطلع أذك ُر ه كصاحب جريدة أمني الغريبُ ، ِّ ُ أبعد األثر يف نشأة جربان األدبية ،وبالتايل يف نشأة ما هذا القرن يف نيويورك ُ أخذ جربان ينرش يدعونها اليوم الحركة املهجرية .عىل صفحات الـمهاجرَ ُ ت من صاحب الجريدة َأ َح َّر التشجيع وأرفع التقدير .وهو لقي ْ بواكريه التي َ جموعتيه عرائس املروج املقد مات ألقاصيص جربان األوىل يف َم َ الذي وضع ّ يرحب أجمل الرتحيب مبقطوعات جربان واألرواح املتمردة ،وهو الذي كان ِّ صدر ت بعد سنني من احتجاب الوجدانية يف مجموعة دمعة وابتسامة التي َ الـمهاجر إذ إنها الـمهاجر .مل ُي َتح يل أن ُأ ِبص َر ولو حتى عدد ًا واحد ًا من ُ ُ سمعت أتيتها عام .1916لكنني احتجبت وغادر كانت صاحبها نيويورك حني ُ ُ ُ َ ت طيب ًة عن الجريدة وعن صاح ِبها .والذي من جربان ومن غري جربان كلام ٍ س فيها ويف ختر َأ عرفه ّأن جربان مل َي َ ُ الـمهاجر لنرش بواكريه ّإال ألنه َل َم َ والرتفع عن املهاترات الطائفية والحزازات الشخصية التفهم ُّ صاحبها شيئ ًا من ُّ تنضح به أعمدة الصحف املهجرية يف تلك األيام. والنزاعات اإلقليمية مام كانت ُ ب هذا الرجل أنه ،منذ ما يزيد عن الستني عام ًا ،كان أول من استبرش الخري حس ُ ْ بكل ما ُأ و ت َِي ُه من عنه ينافح وراح األبصار إليه ه ج فو الطالع، جربان نجم يف ّ َ َّ َ ُ اجتامعي وزخمٍ بياين. وحس وق أديب َذ ٍ ٍّ ٍّ إشارة أخيرة
يف هذه النصوص صور ٌة موشورية: حسي ًا وأنا هنا يف نيويورك)، مسها ّ للصحافة املهجرية يف ذلك الزمان (أ َْل ُ بعضهم أمراضه الفئوية إىل عمق أمريكا، ّللبنانيني املنترشين والحامل ُ شبيه ِبام كان عليه يف للبنان الذي هو اليوم ،تحت االحتالل ويكتوي بنار الحربٌ ،
98
برشي كي يعرض سكتت إدڤيك ،وأردفت يل: وهنا َ ُ ذهبت مع الحويك إىل ّ يلح ْظ قرش ًا املرشوع عىل لجنة جربان بتكلفة ليس فيها سوى مثن املواد املستخدمة ومل َ واحد ًا بدل أتعابه كرمى لصديقه جربان .يومها اعتذرت اللجنة عن املرشوع الفتقارها تنفذه ،ومات الحويك ( ،)1963وال يزال املرشوع بني أوراقي. إىل املال كي ّ وملخص ًا عنه يف مجلة صوت املرأة نرشت رسوم املرشوع ورشوحه َّ َ وكانت إدڤيك َ (السنة -11العدد -4نيسان -1955ص 10و ،)11وما زالت تحتفظ به أوراقها... وتنتظر. ِ تبنيه وتنفيذه .وهو ليس ْمكلف ًا ،وميكن وال يزال املرشوع ينتظر من يبادر إىل ّ اسرتداد تكاليفه من ْرسم عىل زيارته (كام عىل زيارة أ َِّي َأثر سياحي) ،فتستقطب برشي. القطبني( جربان والحويك) زوار ًا وسياح ًا إىل ّ رائع ُة َ بالكبريين. األمر يف قرار لجنة جربان ووزارة الثقافة ،واملرشوع حضاري يليق َ فمن يبادر؟
عىل فراش مرضه األخري ،كان يوسف الحويك ( )1962 - 1883يرسم ذكرياته بالقلم الرصاص. منها هذان الرسمان وضعهما متذكر ًا َأيامه مع جربان يف باريس (:)1910-1909 األول لجربان يكتب و َأمامه فنجان قهوة وعىل حافته سيجارة مل تنطفئ، واآلخر لجربان إىل َملْ َونه وأمامه الـموديل يرسمها عىل قماشته البيضاء. الحويك قبل وفاته. وهذان هما آخر ما رسم ّ
* النهار -زاوية َ أزرار -رقم 2000/4/13 -143
101
13 جديد الحويك عن جبران كشفت يل عن مرشوع بني أوراقها بخط يوسف يف زياريت األديبة إدڤيك شيبوب َ وضعه تكرمي ًا لجربان ّمرة أُخرى ،بعد أوىل سنة 1910حني وضع له الحويك وريشتهَ ، قصتها إلدفيك الحويك تلك الزيتية الشهرية املسرتيحة اآلن يف متحف برشي ،وروى ّ دو َن ْتها يف كتابها :ذكريايت عن جربان. كام َّ املرشوع يعود اىل جلسة قدمية من أيام باريس ( )1910قال فيها جربان للحويك: حتام سأموت قبلك يا يوسف .أرجوك أن تنحت عىل قربي أسد ًا يزأر .ومل يبادر أنا ً الحويك إال الحق ًا عندما جاءت إليه لجنة جربان الوطنية (يف )1955/1/23تطلب منه إقامة أثر تذكاري لجربان ،فوضع تصميم املرشوع :حائط طوله 15م .وارتفاعه 4أمتار ،من حجر كريم ُم َّميز يف برشي .يف وسطه رأس جربان من نحاس فيض ،أكرب كل ً قليال من الحجم الطبيعي ،عن جانبه عمودان عىل رأس كل منهام مشعل يضاء ّ مؤلفات جربان ويظل ليلة مشتعال طوال الليل .عىل العمود األيرس محفور ٌة عناوين ّ ً ّ العربية ،وعىل األمين تلك التي يف اإلنكليزية .وعىل الحائط ،عن جانبي العمودين، متثل أبرز رسوم جربان .ويكون أربع لوحات بالنحاس الفيض والحجم الطبيعيّ ، هذا وسط غابة مار رسكيس قرب الرضيح .ولكي يصان من عبث األيدي واالقرتاب تشكل حوله بحرية واسعة املبارش منه ،تتحول إليه مجاري الينابيع الغزيرة حتى ّ ظل األثر املهيب. يسبح فيها األوز ويتاموج مرتاقص ًا عىل صفحة مياهها ّ سكت الحويك بره ًة وأردف إلدڤيك :مل أصمم أسد ًا يزأر كام طلب مني صديقي الحمل؟ جربان ،وأنى له أن يكون أسد ًا هو الذي ،يف ّرقة قلبه ووداعته ،كان أقرب إىل َ برشي قبل أن أموت ،كي أكون أمنية عمري يا إدڤيك ،أن أرى هذا األثر ناجز ًا يف ّ وفيت بوعدي لصديقي جربان. ُ
100
ومن َمجيد دغفل هذا ،يا عم فارس؟ َ
لبناين يف هايتي ،صاحب الربنامج العريب من إذاعة صوت الرشق ٌ صديق يل ٌّ پورت أو ْپ ِر ْنس. يف العاصمة ْ ومن أين َ وصلت رسالة جربان إىل صديقك َمجيد دغفل؟
سكر الذي كان يحتفظ بها أمان ًة من والده. من صديقه رنيه نخله َّ ومن هو رنيه سكر هذا؟ َ
مود ٌة وصداق ُة ابن نخله ّ سكر الذي كتب جربان إليه الرسالة .كانت بينهام ّ برشي عىل متن سفينة واحدة ،جربان جاء ٍ برشي .هاجرا مع ًا من ّ طفولة منذ أيام ّ إىل بوسطن وأكمل نخله إىل هايتي .وألن ابنه رنيه مولود يف هايتي وال يعرف ومجيد دغفل أرسلها العربية ،أهدى صورة الرسالة إىل َمجيد دغفل يف اإلذاعةَ ، إيل. ّ پورت أو ْپ ِر ْنس يف .1985/1/24 من نيويورك إىل ة رسل م ها قرأت دغفل. ة رسال أخذت ً َ ُ ْ ُ ُ انتقلت إىل رسالة جربان. ثم ُ تدل عىل كتاباته بىل :هو هذا خطُّ ه ،وهذه أحالمه ،وهذه أخطاؤه اللغوية التي ّ األوىل يف العربية (مل يكن َت َم َّكن منها بعد). ونسختها تحت جلست يف صالونه العم فارس مل يسمح يل بأخذها لتصويرها، ّ ُ ُ وألن ّ نظره ،وهذه هي: رسالة جبران أخي نخله،
إن غيايب عن هذه املدينة }بوسطن{ كان داعي ًا لتأخريي عن الكتابة إليك قبل اآلن .فاعزرين (كذا يف األصل) أيها الحبيب وكن أمام نفسك يب شفيع ًا.
يرسك ،وهو أنني مزمع أن أسافر إىل باريز (كذا) بعد عرشة أيام ألجل لدي ٌ ّ خرب مهم ُّ االنضمام إىل لجنة فنية تصويرية .وسوف أبقى يف مدينة الجمال واملعرفة والخيال سنة كاملة أرصفها بالكتابة والتصوير والدرس والتنقيب ،ثم أذهب إىل إيطاليا وأزور َأهم آثاراتها
103
14 رسالة غير منشورة لِجبران من سنة 1908 سوف أبقى سنة كاملة في باريز، مدينة الجمال والمعرفة والخيال تعرفت إليه هنا يف نيويورك ،حني وصل شخصان: كنت يف زيارة لبنان ٍِّي ُ ذات َأحدٍ ُ شاب من شامل لبنان وخطيبته. مهتم ِبجربان يف نيويورك ،فبادرين: يف الحديث عرف الشاب أنني ّ إذ ًا عندي هدي ٌة لك. وما الهدية؟
شئت أُرسلها لك صور ًة عنها رسالة ِب ّ خط جربان لدى فارس والد خطيبتي .إذا َ غد ًا بالربيد. كنت أقطع نحو ساعتني بالسيارة (ما أطول مل أنتظر االثنني .مساء ذاك األحد ُ طرقات ُممِ ّل ٌة ت من قصيدة ت .إس .إليوت: تذكرين ببي ٍ نيويورك مبسافاتها التي ّ ٌ الشاميل قاصدين والد خطيبته. ورافقني ذاك الشاب كجدل عقيمَ .) َ ّ مساء الخري عمي فارس. إيل وإىل سبب َمجيئنا. وعرفه ّ قالها الشاب لوالد خطيبته عند ُو ُصولِنا ّ احتاج طويل ُمامطلة .أفليس ،هو اآلخر ،ابن رشح وال هو َ كثري ٍ َ اآلخر مل ينتظر َ الشامل أرض جربان؟ العم فارس من وما هي حتى كان َيحمل ّ إيل رسالة جربان ،ومعها رسالة أخرى إىل ّ َمجيد دغفل الذي كانت الرسالة يف حوزته.
102
فرحه بالسفر من تسميته پاريس مدين َة الجامل واملعرفة والخيال، .3 ٌ واضح ُ يرسك كام لو انه يريد ومن عبارته يف الرسالة إىل صديقه نخله: ّ لدي خرب مهم ّ إرشاك أصدقائه يف َف َرحه بالسفر ،وإن هو مل ُي ْش ِرك أحد ًا ِبحقيقة َمن هي َخ ْلف كل نفقتها إىل پاريس ،وكانت ُت ِ أرسل ْت ُه عىل َ هذا السفر :ماري هاسكل التي َ رسل له ّ شهر مبلغ 75دوالر ًا. أحد من دارسيه اىل دوافع رغبته يف زيارتها .4 ُ تتم ومل ُي ِشر ٌ زيارته اآلستانة مل ّ لتحقيق بعض آمال يف النفس. متنق ًال بني جبالها يبلغنا أنه زار إيطاليا وأهم آثارها ومتاحفها ِّ .5مل ْ ّ وأوديتها. فعال بني السامء واملاء يحلم سكر يقرأ الرسالة كان جربان ً .6لحظ َة كان نخلة ّ بوصوله إىل تلك املدينة الجميلة. دائام يف باله وقلبه وعىل هدب ريشته ،ولذا َذ َك َره بـلبنان العزيز الذي .7لبنان ً بقي يحن إليه طوال حياته. سكر ذك َر ه جربان يف الرسالة من الغرية واملودة رمبا بادرة نخله ّ .8ما َ مقربني كان يرسل تكررت غالب ًا مع أصدقاء ّ يف رشاء كتب جربان ،وهي ظاهرة َّ مؤلفاته يف أمريكا الشاملية والجنوبية ويرسلون مثنها إليه. إليهم جربان بالربيد ّ والدليل :رسال ٌة سابقة إىل نخله سكر نفسه يف 28نيسان 1908أرسلها جربان ت إليك يا عزيزي نخله ،حسب إشارتك ،بثامين من بوسطن ،وفيها :قد ْ بعث ُ نسخ من كتاب األرواح املتمردة ومثلها من كتاب عرائس املروج ،فالرجاء بأن تصل إليك ساملة .عىل أنني أطلب منك أن ال تجعل االهتامم بإرسال مثنها القراء األدباء ،ألن الغرض الوضعي من تأليف الكتب يقف حاجز ًا بينها وبني ّ بالفضة والذهب بل مبا هو أسمى وأرشف .وهذا اإلملاح ،وإن غري مبارش، ليس ّ خلفية إن مل ُتكن مادي ًة فعىل األقل ُتشري إىل وضعه املادي يشري لدى جربان إىل ٍ غري واحد أشار إىل اهتامم الذي كان َيجعله غري ُم ٍ شيح عنه ،وبني رفاق جربان ُ جربان باملال.
105
ً متنقال بني جبالها وأوديتها ،ورمبا َزهبت (كذا) إىل اآلستانة لتمضية أسبوعني، ومتاحفها ُمحقق ًا بعض آمال يف النفس.
عندما يصل إليك هذا الكتاب أكون بني السماء واملاء ،بني االنهايتني (كذا) البحر والفضاء .فإن شئتَ أن تكتب إيلّ ،فابعث بالجواب إىل عنواين القديم ،أو إىل مركز السفارة العثمانية يف باريز ،عىل أنني سوف أبعث إليك بعنواين عندما أبلغ تلك املدينة الجميلة .أما إذا كان يف نفسك ً ميال (كذا) إىل زيارة لبنان العزيز ،فال تنسى (كذا) أن متر بباريز تلتقي يب ،ألنني أمتنى من أعماق نفيس أن أراك وأفرح مبحادثتك وجه ًا لوجه. ّ أودعك أيها األخ الحبيب .أذكرين دائم ًا وادعو (كذا) يل.
إقبل شكري وامتناين عىل ما أظهرته نحوي من الغرية واملودة ،وابقى (كذا) ويف الختامَ ، ألخيك.
جربان خليل جربان (التوقيع) من بوسطن 12حزيران 1908
التعليق
إىل الضعف يف اللغة ،وهو مل ُيعد جديد ًا ،يلفتنا يف الرسالة أكثر من أمر. طغت عىل اهتاممه برومنطيقية .1جربان فيها ما زال مشبع ًا ٍ ٍ رشقية غامرة َ صدرت باللغة التي يكتب فيها ويخطئ .مع أنه ،عند كتاباته هذه الرسالة ،كانت َ له يف العربية ثالثة كتب :املوسيقى ،)1905( عرائس املروج،)1907( واألرواح املتمردة )1908( خالي ًة من الهنات اللغوية .ومتى َعل ِْمنا ّأن أمني صححها قبل إرسالها اىل الطبع ،ندرك فضل الغريب ،نارش تلك الكتب الثالثةَّ ، ِّ الغريب عىل جربان يف تنصيع لغته. ِّ فر ُح جربان بالسفر إىل مدينة األحالم پاريس .وهو بالفعل (كام ذكر يف َ .2 الرسالة أعاله) سافر إليها يوم 25حزيران (بعد 13يوم ًا من تاريخ الرسالة ،وكان َذكر فيها أنه سيسافر إليها بعد عرشة أيام ،مام يدل عىل صدق حساباته وهو يكتب الرسالة) :ترك بوسطن إىل نيويورك بالقطار ،ومساء اليوم نفسه سافر من مرفإ نيويورك إىل پاريس يف الباخرة روتردام.
104
107
إشارة أخيرة
أَشار أَو مل ُي ِشر ،يبقى جربان هو اإلشارة. بل أكثر :يبقى هو اللغز الذي ما زال ينكشف فرت ًة بعد فرتة ،مر ًة يف رسالة ،مر ًة جل من غري تلك الهالة نص غري منشور ،مر ًة يف قصة عنه مِ ّمن عرفوه فيظهر فيه ّالر ُ يف ٍّ ري (!). التي كانت ُتحيط به كاتب ًا ُوت ِّنزهه عن كل َب َش ّ يتعمد ،عىل حياته ولِام بعد غيابه، من هنا السؤال غري الجرباين :أمل يكن جربان َّ أن يكون ذلك اللغز؟ نيويورك
* النهار العريب والدويل1985/8/12 -
106
109
من مجموعة ماري هاسكل لدى متحف تلفري يف ساڤانا – جورجيا
وجه – بالقلم الرصاص ( 15 × 20.5سنتم)
بدون عنوان – مائية ( 21.5 × 28سنتم)
108
ر ْأس ميشلني – بالقلم الرصاص ( 30.5 × 44.5سنتم)
شارلوت ِت ِلر – بالقلم الرصاص ( 38 × 40.5سنتم)
برشي قبل ترميمه... املتحف يف ّ
...وكما هو اليوم بعد الرتميم
منح عرش كان هذا البناء املقر الصيفي للقنصل الفرنيس .ويف مطلع القرن السابع عرش َ الدير واملحبسة إىل اآلباء الكرمليني ليزاولوا رسالتهم الروحية يف هذه ّ البرشاويون َ البناء القديم ،وعند البقعة املمتدة بني وادي قاديشا واألرز .سنة 1701هدم الرهبان َ حتى .1908 شيدوا الدير القائم اآلن وظلوا يزاولون فيه رسالتهم ّ رشقي املحبسة َّ ّ عيني جربان من طفولته :املغارة يف قلب الجبل ،املحبسة، طبع اإلطار هذا َ الكنيسة ،الدير ،الرتاث الروحي ،الطبيعة املذهلة ووادي قاديشا الساحر. ُتراه ،سنة 1895قبل أن يغادر مع أمه وشقيقتيه وأخيه بطرس إىل األرض الجديدة، َ مودع ًا ،وقال يف صمته: التفت مر ًة أخرية إىل الدير ِّ َ سأَعود؟ وهو عاد .أربع سنوات بعدها عاد إىل لبنان ومتتعت عيناه بالرؤى القاديشاوية (َّ )1902 -1898 لتنزرع الحق ًا يف ريشته وقلمه طوال منآه يف ْ أمريكا. وظل ينوي (طوال سنواته النيويوركية) أن َّ برشي (من الداخل) املتحف يف ّ يعود لينهي حياته يف لبنان!
111
1 حي من محبسة مهجورة الى متحف ّ يف 25حزيران 1895وصل جربان إىل مرف ِإ إيليس آيالند (أسفل مانهاتن -نيويورك) وهو ابن 12سنة ،يف رفقة أمه كاملة وأخيه األكرب وشقيقتيه سلطانة (غري الشقيق) بطرس، َ ومريانا. ويف 10نيسان 1931انطفأ النور يف عينيه وهو َيحلم بأن يعود إىل وادي قاديشا .لذا شقيقته مريانا برشاء دير مار رسكيس أوىص َ سرتاحه ،فإذا به عىل كتف الوادي ليكون ُم َ يضم إرثه الكبري. اليوم ُيميس َ متحفه الذي ّ يسرتيح املتحف ،يف كل مهابة ،عند ل ِْحف الفريد الذي قال عنه متد أمامه ذاك الجبلَ .ي ّ ُ جربان لصديقه ميخائيل نعيمه مساء 16 ترشين الثاين :1922أمنيتي ،يا ميشا ،أن أزور وادي قاديشا قبل أن أموت. األحب إىل قلب الناي الحجاج، ُ ُّ ندخل املتحف يف خشوع ّ يستقبلنا صوت النايُ . جربان .وتطالعنا عراقة التاريخ. (حافظ املتحف منذ 17آب 1971وال يزال) :نحن هنا يف يرشح لنا وهيب كريوز ُ بناؤها إىل ما يزيد عن ألف سنة .يف أواسط القرن السادس محبسة مار رسكيس .يعود ُ برشي :1895أرسة خليل جربان قبل سفرها إىل بوسطن ّ كاملة ،بطرس ،خليل ،جربان ،وأمامهم سلطانة
110
من صومعة جربان يف نيويورك حيث أمىض آخر عرشين عام ًا من حياته (-1911 راس .)1931بني املوجودات :صندوق ٌة خشبية ،كريس مكسورة ِّالر ْجل الرابعةَ ،ك ٍ يهيئ بيده قهوته اللبنانية لزواره)، عتيقة ،مرآ ٌة عتيقة ،ركو ُة قهوة (كان ُيحِ ّ ب أن ِّ أوان عتيقة ،متثال املسيح املصلوب. ٍ معلق ٌة عىل الجدران يف عناية وصيانة. لوحاته َّ خارج هذه الغرفةُ ، وكلامت منثور ٌة ومقاطع وأفكار خربشات دفاتر بخط جربان: ٌ ٌ ٌ يف إحدى الغرف ُ ُ صدرت .وعىل إحدى الصفحات مطلع قصة َو َج َد ُ بعضها طريقه إىل الكتب التي َ يكتبها بالقلم الرصاص. الرفيقة األثريية بدأ ُ مكتبته كبريتني من غرفة أخرى: زاويتني يف ُ َ َ التي كانت لديه يف الصومعة :عرشات الكتب يف مهدى اإلنكليزية لشعراء كبار وفالسفة وأدباء .بعضها ً املؤلف. إليه بخط ّ اللوحات املعروضة يف املتحف 160بني زيتي ومائي يقدرها ورصايص وطبشوري .واملجموعة الكاملة ّ عمال. وهيب كريوز -وهو الخبري العارف -بنحو ً 420 لولبية إىل تحت ،إىل ثمً ... نزوال يف أدراج صخرية ّ أسفل الدهليز ،إىل املغارة التي شاءها مدفنه األخري. غالف مجلة الفنون ها نحن عنده يف غرفة املحبسة التي تحتضن وعليه رمزها بريشة جربان رفاته. الفيض هنا ،داخل الكوة املحفورة يف قلب تابوته ُ ُّ يفتحه ُغالة الصخرُ :م َز َّن ٌر بسلسلتني تحميانه من أن َ طالام كان يستلقي عليه حني الزوار .هنا رسيره الذي َ زو ُاره يف نيويورك وهو مريض .املصلوب فوق َي ُع ُ وده ّ ملونة. الرسير .عىل الرسير َّتكايات َّ أرسة تحرير الفنون وبينهم جربان قرب الرسير طاولة مستديرة (كتب عليها معظم مؤلفاته اإلنكليزية والعربية) ،قبالتها الجدارية الكبرية ّ جوارير صغرية كان ذات التي كانت يف محرتفه (وله عدة صور أمامها) ّثم خزان ٌة كبري ٌة ُ َ يضع فيها بعض الريشات واأللوان وقطع ًا صغرية احتفظ بها.
113
البرشاوي يوسف طربيه رحمة يسأله أن يفاوض اآلباء عام َ 1926 كتب إىل صديقه ّ لفنه. مدفنه ومن األخري صومع ًة ّ الكرمليني عىل رشاء املحبسة والدير ،فيجعل من األوىل َ بيع العقارات َممنوع ًا عىل اآلباء الكرمليني يف ذلك الحني .لكن شهرة جربان كانت كان ُ برشي إىل مسقط رأسه. كافي ًة إلقناع رئيس الدير بالبيع طمع ًا بعودة ابن ّ وهو عاد ،إمنا ...بدون النور يف عينيه .عاد جثامن ًا يف تابوت. رذاذ يبلله ٌ عودته كانت احتفالية :ففي 23متوز ،1931ويف طقس حزين ّ عىل ّأن َ سيدة األرز )إىل مرفإ أمريكي خفيفَ ،ت ّم ْنقل الجثامن من بوسطن (مدفن كنيسة ّ ٌّ پروڤيدنس (عاصمة والية رود آيالند جارة نيويورك) ،ومن هناك أقلعت به الباخرة سينارا صوب الرشق. وشعبي. رسمي 21آبَ :رست الباخرة يف مرفأ بريوت ،وكان للجثامن استقبال ّ ٌّ البرشاويون عىل أكتافهم، برشي فحمله ّ 22آبَ : وصل الجثامن إىل مدخل ّ مكنت ووصيتهَ ،ت َّ ّ وبناء عىل رغبته ّ تتقدمهم مريانا املفجوعة التي ،مبال شقيقها الفقيد ً من رشاء البقعة املحيطة بالدير. بقي الجثامن يف دير مار يوحنا إىل أواخر 1931حتى َت ّم استصالح دير مار رسكيس. نتجول يف الدير. ّ تضم كتب جربان وكتب ًا عنه .غرفة ُوىل أ ة غرف املتحف. كل اليوم هي غرفة 16 ٌ ُّ ّ ت نبع يف قلب الصخر .غرفة لِموجودا ٍ ينبوع النبيُ تسقسق فيها ٌ مياه عذبة من ٍ
مخطوطة سكن الليل
112
مخطوطة كتابات من جربان
حي نيويوركي وأي ُة ٍ مالزمة أسمى من هذه الصومعة ،بعد عرشين سن ًة من العيش يف ٍّ ت من وهدأَة مار رسكيس ،وحكايا ٍ ظل يتوق فيه إىل سكون برشي ْ رهيب الضجيجّ ، وخب َأ يف صمته كثري ًا من البعض اآلخر. طفولته كم َر َوى بعضها لِامري هاسكلَّ ، ُسطوري بعضها أ ستعاد ٌ حكاياتُ ، كل يومٍ ،يف سكينة مار رسكيسُ ،ت ُ وال تزال ّ ٌّ واقعي ،عن فتى حاملٍ غادر تلك البقعة يف سنته الثانية عرشة ،باحث ًا عن اآلخر وبعضها َ ُ ّ ت مثين ًة ال تزال َت َت َس ْن َب ُل حامال وزنا ٍ السابع من شهر الحصاد ،وحني عاد إليها كان ً بيدر الخلود. عىل َ
التعريف بجربان يف صفحة داخلية من مجلة الفنون وفيها مبالغات فاضحة يف التعريف به
اإلعالن يف مجلة الفنون( العدد ،7السنة )3 عن صدور املواكب لجربان مع عنوانه
* مجلة َ أجنحة األرز -العدد -27أيار/حزيران 1995
115
عىل التابوت شهادة :هذا تابوت جربان خليل جربان .والجثامن َت ّم تحنيطه. وموافقة فرنسا اإلمضاء :قنصل فرنسا يف الواليات املتحدة( .كان ال ّبد من شهادتِه ِ لطة منتدِ بة ،لينتقل الجثامن من البلد الذي مات فيه جربان إىل لبنان الذي كان كس ٍ ُ فرتتئذٍ تحت االنتداب الفرنيس). ماذا عن الجثامن؟ تعرض فتح التابوت والكشف عىل الجثامن سنة .1974كان الجثامن َّ آخر مرة ّتم ُ يتذكر حافظ املتحف وهيب كريوز. لبعض اهرتاء ،عىل ما َّ وصلت من نيويورك عام َ .1932ت ّم أغراض جربان التي كانت يف صومعتهَ تستقر يف مكان قبل أن تنق َلت يف أكثر من مو ّقت ًا يف إحدى البنايات ّثم َّ ٍ ُ ّ إيداعها َ املكان الحايل (املتحف) تلبي ًة لوصية جربان التي كتبها يف 13آذار 1930واستودعها ب وكت ٍ كل ما يف ُمحرتيف من رسومٍ ُ ُمحاميه إدغار سپاير يف نيويورك .ومام جاء فيهاُّ : السيدة ماري هاسكل ماينس... ت ٍ وأدوا ٍ فنية وموجودات ،أُويص به بعد َماميت إىل ّ برشي التي أُويص َلها استنسبت ذلك ،أن وأَرغب إليها ،إذا هي َ تبعث ِبها إىل بلديت ّ َ ِب َـريع كتبي. وهكذا كان... كل ما يقوله أو يطلبه جربان. واستنس َبت ماري ذلك ،هي التي كانت ّ تقدس َّ َ عام َّ 1971عي َنت لجن ُة جربان الوطنية فريد سلامن مستشار ًا لها فكشف عىل تلك رغبته أن يدفن رسالتني َيذكر فيهام جربان َ املوجودات اآلتية من نيويورك ،ووجد بينها َ وأسندت اللجن ُة مسؤولي َة إدارة املتحف إىل وهيب كريوز الذي ما يف دير مار رسكيس. َ زال يقوم مبهمته يف أمانة علمية ووفاء كبري. وزواره ال ينقطعونّ .تم إقفاله يف 17متوز 1975بسبب منذ نشوء املتحف ّ الزوار باآلالف بعد طول إقفال. األحداثّ ،ثم أعيد فتحه عام 1992فتوافد ّ وما زال جربان يستقطب رواد ًا من العامل إىل لوحاته ،وإىل كتبه التي باتت مرتجمة إىل نحو 60لغة عاملية ،واىل متحفه الذي ْينزوي مغار ًة يف لحف الجبل تستقطب إليها الناس من كل العامل. خرج من املتحف :أمامنا الوادي املهيب ،وراءنا جربان يف صومعته اللبنانية التي َن ُ عاد إليها يالزمها كام كان يحلم.
114
برشي ،املدينة التي طاملا ومقت َنيات خاصة) يف صناديق ْ َ أرسلتها إىل لبنان باسمّ : بلدية ّ حدثها عنها جربان بشغف كبري. ّ كتبت رسالة مع تلك الطرود الكبرية التي ْ أرسلتها َبحر ًا عىل نفقتها الخاصةَ ، لبرشي ال الستغاللها تجاري ًا إىل َمن ّ برشيَ ،ت ْذ ُكر فيها أنها َت ِه ُبها ّ يهمه األمر يف ّ يتعرفوا عىل أعامله برشي أن ّ بالبيع أو أية طريقة أخرى بل كي ُيتاح ألهايل ّ جميعها من دون الخالدة .واشرتطت ،يف تلك الرسالة ،أن ُت ْح َفظ املرتوكات ُ استثناء. طويال يف إحدى ُغ َرف البلدية ،كام هي: ت ً َ فبقي ْ برشي َ وصلت تلك الصناديق إىل ّ صناديق مقفلة. جعلتها نواة وما سوى بعد سنوا ٍ حتى استأجرت البلدية ّ شقة يف بناية حديثة ْ ت ّ ت ُع ّل َقت، وعهدت إىل الفنان قيرص الجميل اختيار أ ُُطر لبعض لوحا ٍ ِ ملتحف جربانَ ، وع ِر َضت بعض أشيائه وكتبه ومخطوطاته .أما الباقي ،فبقي يف ...الصناديق. ُ حط زوار كثريين ،بينهم أدباء وباحثون َغ َر ُفوا جديد ًا وكتبوه ،حين ًا كان املتحف َم ّ عىل ما هو ،وأحيان ًا من زوايا متضاربة. برشي ،رضورة البدء يف مطلع السبعينات رأت البلدية ،ومعها مسؤولون كبار من ّ مبتحف ل ُِجربان يليق بهذا التزايد يف اإلقبال عىل كتبه واالهتامم به .وبعد فرتة من ٍ هتم باملوضوع املفاوضات بني املعنيني والدولة واألهايلّ ،تم االتفاق عىل انتخاب ٍ لجنة َت ّ فتشكلت اللجنة رسمي ًا واتخذت تدعى لجنة جربان الوطنية .وهو ما َت َّم سنة َّ 1973 فريد سلامن مستشار ًا لها. ف عن األوراق والوثائق فتح الصناديق، ْ والكش ُ أول ما قام به مستشار اللجنةُ : مستكمال أبحاثه املتحدة ً واملستنداتْ ، وحف ُظها يف ميكروفيلم .ثم سافر إىل الواليات ّ يف توثيق كامل ملتحف جربان. يف هذه األثناء ّاتفقت اللجنة مع املهندس الفرنيس ليجيه بيلري عىل وضع تصميمٍ فصمم برج ًا لولبي ًا (كربج غوغنهايم يف نيويورك) ليقام يف غابة مار للمتحفّ ، رسكيس. عدة، وعلم باألمر َ عاد فريد سلامن من الواليات ّ فرفض التصميم ألسباب ّ املتحدة َ وسط مساحة تراثية كامر رسكيس منها خط ُأ أن َي ُنشب ُبرج موغِ ٌل يف الهندسة العرصية ْ
117
2 المتحف في الخمسينية التألق. وتوهجه آخذ ًا يف ُّ خمسون عام ًا عىل غيابه ،وال يزال حضوره نابض ًاُّ ، ونتشبث بأطراف غالفاته ورسومه. نكرمه يف إحياءات ذكراه، خمسون عام ًا ُ ونحن ّ ّ وحسب .أصبح ْملك ًا للعامل يف كل العامل، مل َي ُعد جربان ُم ْلك ًا ملدينته فقط وال لوطنه ْ ب ،ال ُتقل :اهلل يف قلبي، كل جيل جديدِّ ، ونبي ُه أصبح كتاب ّ يردد معه :حني ُتحِ ّ ُّ بل قل :أنا يف قلب اهلل. ولعلنا نقول من كلامته :ال ُنقل إن جربان يف قلوبنا ،بل :نحن يف قلب جربان. ّ من الوصية إلى بشري
كل ما يف الصومعة( الرقم -51الشارع الغريب وصيته األخرية كتب جربان ّأن ّ يف ّ ومقت َنيات ،يويص به لِامري هاسكل العارش -نيويورك) من لوحات ومخطوطات وأثاث َ وهبها متمني ًا عليها ،إذا هي استنسبت ذلك ،أن تعطي بعضها َ مدينته ّ برشي التي َ عائدات كتبه. بعد اكتشاف مضمون الوصية حاولت باربره يونغ إقناع ماري هاسكل بإحراق ولعل باربره أوراق جربان ،إذ ال يجوز نرشها ،ألنها مخططات وخربشات خاصةّ . يونغ كانت ُتضمر إخفاء رسائل ماري إىل جربان -وكانت بني األوراق -لتكون ،يف ما فوافقت تنبهت اىل ذلك َ بعدَ ، محظية جربان الرئيسية .وقد تكون ماري هاسكل ّ لكن ماري ،ومعها مفتاح الصومعة ،دلفت إليها باربره رأ َْيها ،وافرتقتا تلك العشيةّ . ليال وسحبت من بني األوراق أوراقها ورسائلها إىل جربان. ً ت كان رسائلها إليه وبعض لوحا ٍ وبعدما ،قانوني ًا ،آلت إليها املوجوداتْ ،اس َت ْب َقت َ وع َدها بها ،وحزمت الباقي (من أوراق ورسوم ولوحات ومرتوكات وأثاث جربان َ
116
تعاق َدت لجنة جربان مع املهندس الفرنيس هنري التقريرين بعد ذينك الرسميني َ َ َّ غابوريو عىل التصميم والرتميم. وهكذا كانَ :ت ّم ترميم الدير ،مع املحافظة عىل طابعه وخصائصه ،وزيادة خارجية: جبوال بالرتاب والزيت ،مع غرفة وزوايا بالحجر القديم نفسه الذي ُبني به الديرَ ،م ً دهن الحجر بطريقة خاصة ،جعلت الزيادة ال َتختلف عن الحجر القديم. ْ وتم تزويد املتحف بكل ما يليق باملتحف العرصي: ّ سلبي تأثري أي أو اللوحات مساس ومن الرسقة من للحامية إلكرتونية أجهزة ّ ّ آخر. تتغير مهام كان أجهزة ضوئية لتأمني إنارة متعادلة مستمرة ليل نهار ،فال ّ الطقس يف الخارج أو اإلنارة الخارجية. (املحبب إىل جربان). تبث ،باستمرار ،موسيقى الناي أجهزة صوتية ّ ّ الغ َرف الصغرية ،لكل جها ٍز خمس ُة أزرار أجهزة صوتية يف كل واحدة من ُ إلكرتونية ّللغات الخمس (العربية ،الفرنسية ،اإلنكليزية ،األملانية ،اإلسپانية) ،يضغط تسجيال صوتي ًا ملقاطع من كتابات الداخل إىل الغرفة عىل ّزر اللغة التي يريد ،فيسمع ً (مثال :عىل مدخل املتحف ،تسجيل لرأْي جربان يف جربان نفسه عن محتويات الغرفة ً النقاد ،بأن عىل العمل الفني أن يقول كل ما يجب قوله للرائي.) ّ وما إن انتهى العمل يف ترميم الدير متحف ًا وحان التدشني حتى ابتدأت الحرب يف فتأجل التدشني ،ومات أندريه مالرو (يف .)1976/11/23 لبنان ّ مسودات غري منشورةّ : مع انطواء خمسني عام ًا عىل وفاته ،تنكشف أوراق له ُ مسودات رسائلُ ،مخطّ طات رسوم ولوحات ،مالحظات وانطباعات ،تضاف مقاالتّ ، اىل موجودات املتحف :رسيره ،مالبسه ،لوحاته ،أثاثه ،مكتبته ،مجموعات صلبان، السجادة الكبرية التي كانت يف الصومعة. فناجني قهوةّ ، دروس ُه األوىل يف يتنفس يف راحته عىل الورق: وبدا جربان يف هذه األوراق ّ ُ اإلنكليزيةَ ،مخطوطة قصيدة سكن الليل ،مرسوم جمهوري صادر يف 25أيلول وقعه شارل دباس رئيس ًا للجمهورية ،وأوغست باشا أديب رئيس ًا ،1930رقمه ّ 7287 ملجلس الوزراء ،وموسى منور وزير ًا للداخلية ،وجورج حيمري رئيس ًا لغرفة رئاسة من َِحت مدالية االستحقاق اللبناين ،من الدرجة الجمهورية ،ويف مادته الوحيدةُ : الثانية ،إىل السيد جربان خليل جربان ،املقيم يف نيويورك( كذا).
119
والجبال والوهاد املحيطة به ،ومنها أن جربان ،يف إحدى كتاباته ،أوىص بأن يكون رفاته َتحديد ًا يف دير مار رسكيس. حيلة لتعطيل مرشوح ليجيه بيلري ،فزار املدير العام للتنظيم َلجأ فريد سلامن اىل ٍ النمار) ورجاه عدم إعطاء رخصة لبناء املرشوع شارح ًا له أهمية املدين (يومها مرتي ّ صاخبة جلسة النمار فاستدعى املعنيني ،ويف ٍ ٍ ذلك تراثي ًا ومعنوي ًا و ...جرباني ًا .واقتنع ّ واعتبار منطقة مار رسكيس وتوقيفه الرخصة، املرشوع، رفض التنظيم املدين َ َ َ أبلغهم َ س. أثرية ال ُت َم ّ اقتنعت لجنة جربان باألمر ،ووافقت عىل تأسيس متحف جربان يف َح َرم دير مار رسكيس. المتحف في مار سركيس
يف دير مار رسكيس كانت تسكن عائلة متواضعة ،تعيش مام تزرعه حول الدير مسجى ينتظر. من مزروعات ُ وخ َضر تعيل األبوين والصغار .ويف داخل الدير :جربان ّ بعد قرار الرتميم ،أُخيل املكان ،وكتب فريد سلامن إىل متحف اللوڤر واملتحف الربيطاين فحظي ببعثتني. برشي لتدرس حالة البعثة الفرنسية من متحف اللوڤر ( 3خرباء) َ وصلت إىل ّ قبال ،عهدت إىل الرسام اللبناين ووضعها وكيفية تنظيمها( .وكانت اللجنةً ، اللوحات ْ إييل كنعان ترميم بعض اللوحات التي أصابها َتلف) .عادت البعثة إىل باريس ورفعته إىل وزير الثقافة فوضعت تقريرها عن وضع اللوحات وكيفية ترميمها ْ َ وعد فريد سلامن أن َيأيت إىل لبنان ليحرض تدشني متحف أندريه مالرو الذي كان َ لتؤخر برشي .مل يكن مالرو يعرف يومها ّأن الحرب اللبنانية ستندلع ّ جربان يف ّ ويدشن حتى تنتهي حرب لبنان فيأيت إىل لبنان ّ التدشني ،وأن املوت لن ُيمهله ّ متحف صاحب النبي. البعثة اإلنكليزية من املتحف الربيطاين ( 3خرباء يف علم املناخ والطقس والبيئة) برشي لتدرس حالة الدير يف قلب الصخر وخطر إساءتها إىل حالة اللوحات جاءت إىل ّ وأكدت يف تقريرها إمكان تحويل الدير متحف ًا ،رشط تأمني ترتيبات واقية مع الزمنَّ . النش والرطوبة. من ّ
118
3 بيتُُه بعد 100سنة بوسطن 7 -كانون األول :1910 تكتب يف دفرت يومياتها: ماري هاسكل ُ
ورياضي ًا رجل رخاء :ثري ًا أرستقراطي ًا اليوم حدَّ ثني خليل عن ُأرسته :عن جدّ ه ألبيه وأنه كان َ ّ عاديَّ : متفوق ًا ،وعن أبيه أنه كان ً جذاب ًا ،رهيفَ الذوق ،مهن ُته جباية رضائب الدولة. غري ّ ِّ رجال َ خصم له م َّتهم ًا إي ّاه باختالس املال من الجباية فاعتقلته السلطات العثمانية ذات وشى به يوم ًا ٌ ُغرو ٍ لكن ب عىل مرأى املحتشدين حول بيته الكبري القديم .زوج ُته كاملة واجهت الحدَ ث بشجاعةّ ، املحكمة َّثب َتت التهمة عىل خليل جربان فصادرت أمالكه :البيوت ،البساتني ،الحقول ،بيت العائلة الكبري القديم ،التماثيل ،الكتب ،التحف القدمية ،األثاث ،األمتعة ،فأصبحت العائلة ،ولو يف بيتها، ً ضيفة عىل الحكومة.
بوسطن -األربعاء 25آب :1915 تكتب ماري هاسكل: ُ
اليوم حدَّ ثني خليل عن طفولته وقال يل إن أقاربه ،بعد وفاة والدهّ ، صفوا ُممتلكاته جميع ًا ّإال البيت الحايل الذي ال يزال قائم ًا ،لكنه رازح تحت ثقل رهونات ورضائب وفوائد .وعبث ًا حاول بعض األشخاص استعادته لخليل الذي مل ِيعش فيه ً طويال ،وكان يعتمد عىل والده الذي مل يكن راضي ًا عن عمله يف الرسم والتصوير.
نيويورك 31 -آب :1918 تنقل ماري عن جربان قوله لها إنه يوم كان يف پاريس زاره القائد الفرنيس األعىل للبعثة الفرنسية العسكرية يف لبنان وسوريا عام .1886كان صديق ًا كبري ًا لوالدي خليل جربان ،ونزل ب شخصية عرفها يف حياته .وأضاف عج ُ مرار ًا ضيف ًا علينا يف بيتنا .وقال يل القائد إن والديت كاملة هي َأ َ برشي كثريين َيحلفون بقرب أمه كاملة جربان. خليل أنّ يف ّ
121
عند الجدار الذي يفصل جثامن جربان عن زواره ،هذه العبارة منه :أنت الذي حدق ًا يف قوة. مثلكّ ، حي ُ فتطل ْع يب ُم ِّ تنظر اآلن َإل ّي ،أنا ّ رس بقاء جربان نابض ًا من جيل إىل جيل. هنا ّ رس العالقة بني جربان والزمن. وهنا ّ
جربان بالطربوش يف مدرسة الحكمة (بريوت)1900 -
كاملة ُأمُّ جربان وشقيقتاه سلطانة ومريانا بكامريا داي ()1901
* النهار العريب والدويل1981/2/9 -
120
ماريانا شقيقة جربان بكامريا داي ()1901
مناقبيته الجبلية األنوف .وحقيق ُة األمر ّأن حال ًة لبنانية عام ًة جعلت األهايل تلك من ّ جميع ًا فرتتئذٍ يرفضون دفع الرضيبة اىل العثامنيني الذين خالفوا دستور 1860القايض وألن الجايب خليل جربان بتخفيف الرضائب جزئي ًا ْ ورفعها ّكلي ًا عن رؤوس املاشيةّ . وتلكأ يف تسديد الجباية، كان ذا شخصية قوية وحازمة ،تواطأ مع األهايل الرافضني ّ املترصف الذي أمر حاكم املنطقة باعتقال فوشى به َن َّمامون ُوصوليون لدى جيش ّ وسجنه. الجايبْ خليل جبران يواجه َق َدرَه
سافرت كاملة بأوالدها (بطرس وجربان وسلطانة ومريانا) إىل يف حزيران َ 1895 برشي ،وسكن يف بيت شقيقه عيد بوسطن .رفض خليل مغادرة لبنان فبقي وحده يف ّ يحتل بيته. ألن جيش املترصف كان ال يزال ّ ّ وحني الفتى جربان ( 15عام ًا) عاد إىل بريوت مع مطلع خريف ،1898زار أباه عصبي ًة برشي فوجده بائس ًا شاخ قبل أوانه (هو من مواليد )1844وازداد ُ مزاجه َّ يف ّ عمته ليىل جربان البيطار. ّ عمه عيد بل عند ّ وتسل ُطه عنف ًا ،فلم يسكن معه يف بيت ّ توفيت يف 4نيسان واألرسة يف بوسطن مل تكن هي أيض ًا رغيدة العيش :سلطانة ِّ الفاجع غادر بريوت عىل متن أول باخرة ،ثم تويف أخوه تلقي جربان النب َأ ،1902وعند ِّ َ وتوفيت ّأمه كاملة يف 28حزيران .1903 بطرس يف 13آذار ّ ،1903 وصلت ُه رسال ٌة برشي قبالة بيت أخيه عيد ،حني ْ يف 20متوز 1903كان خليل يف ساحة ّ الزوج خليل صدم ٌة هائل ٌة أثّ رت عىل النور من ولده جربان يبكي فيها َّأمه كاملة ،فأصابت َ يف عينيهَ .م َّسته عقدة الذنب يف َت َس ُّب ِبه بترشيد عائلته إىل أمريكا وانطفائها فرد ًا بعد فرد. طلب من صديقه سليم حنا الضاهر أن يكتب إىل جربان هذه الرسالة الجوابية: َ كان َ رسالتك وفيها أنكم ستعودون إىل لبنان قريب ًا ألنكم أبوك عىل ُأهبة أن يسافر إليكم حني جاءتْه وعمك عيد يف ٍ حالة يرثى كره ُتم األرض التي َو َجدْ تُم فيها َّ كل مصائب الدنيا .والحاصل اليوم أن أباك َّ لهاَ .أ ِ رس ْل اىل والدك زوج عوينات لعمر 58سنة ،ألنه مل يعد يرى.
وصلت الرسالة اىل جربان يف بوسطن فأجاب بالرسالة التالية:
ال َأ ُ كل رىض مني ،ألين أشتهي َّ طلب من والدي ّإال َالب َركة ،وهو يعلم أنَّ وجودي يف أمريكا ليس عن ً ساعة أن أكون مع أيب راعي ًا َّ ظل األشجار. أتنقل مع قطيع من الغنم من مكان إىل آخر ،أنفخ شبابتي يف ّ
123
األحد 8ترشين األول :1939 وقص َدت الشاعرة األمريكية باربره يونغ زارت لبنان َ برشي متهيد ًا لوضع كتابها هذا الرجل من لبنان إىل ّ (صدر الحق ًا لدى منشورات كنوف يف نيويورك الئق إلدراك برشي كان لها استقبال ٌ ٌ سنة .)1945ويف ّ تولت الجميع أنها صديقة جربان األمريكية .يومها َّ جريد ُة السياسة تغطية تفاصيل تلك الزيارة إىل متهدم. البيت الذي ولد فيه جربان ،وكان يومها شبه ّ تتهدم من الذاكرة. لكن الذكريات فيه وعنه ال ّ َّ رسالة من مريانا إىل شقيقها جربان فهذا البيت ،تاريخي ًا ،ليس هو الذي ُولِد فيه جربان ،لكنه عاش فيه بعض طفولته. إنه بيت عيد جربان ،شقيق خليل (والد جربان) .فعائلة خليل َت َش َّر َدت من بيتها األصيل فخام عىل َد َع ٍة وبساطةَ ،و ِر َثه الذي كان كبري ًا ً وجاه عز ٍ خليل جربان عن أبيه جربان وكان بيت ّ وزعامة. اعتقلت خليل جربان وحني السلطات العثامنية َ ُ املترصف وس َج ْنت ُه ،احتجزت املمتلكات وجاء جيش شارع تايلر يف الحي الصيني -بوسطن، َ ّ وفيه مدرسة كوينيس حيث درس جربان، واصا باشا ( )1892 -1883وصادر البيت الكبري، وكنيسة سيدة األرز ،واملنزل رقم 76 فانتقلت األم كاملة (وولداها بطرس وسلطانة) (حيث سكنت كاملة وأوالدها عند وصولهم) اىل بيت عيد (شقيق خليل) .أما الصغري جربان عمته (شقيقة أبيه) ليىل فكان يعيش أيام ًا عند َّ وعينه جربان البيطار يف مكان غري بعيد ،وأيام ًا ينام حيث ُ عمه عيدُ ، والدته يف بيت ّ يحتله جيش املترصف. رقة بيت والده ترم ُق يف ُح ٍ املالصق الذي ّ َ الصغرية ُ أنفقت كاملة وسجنه ،والغص ُة عميق ٌة يف األرسة الصغريةَ ، خالل اعتقال خليل ْ مالها إلنقاذ زوجها من براثن السجن العثامين .والتهمة الظاهرة :اختالس الجايب ً كاملة إىل الدولة أموال الرضيبة عىل رؤوس املاشية وعدم تسديدها خليل جربان َ خفي ًة أخرى :خليل جربان مل يختلِس املال وال كانت خلفي ًة ّ العثمانية .عىل ّأن لذلك ّ
122
رضبوا حجارته بالرمل ،ودهنوا بعد الحرب َّرم َم ْت ُه اللجنة فجاءت باختصاصيني َ مشبه ًا تقريب ًا أبوابه وجدرانه بالزيتّ ، وكحلوه وأعادوا إليه اإلنارة واملوسيقى واألثاث َّ مش َّب ٍه به) من أيام جربان تلك، يبق أصلي ًا( غري َ مبا كان عليه عىل أيام جربان .ومل َ حديقة جميلة صغرية يتوسطها متثال جربان بإزميل ّإال الجوز ُة الكبرية أمام البيت ،يف ٍ النحات حليم الحاج. كبري وعريض َح َّد خزانة خت ٍ البيت من داخل مؤثَّ ٌ ث يف بساطة :إىل ميني املدخل َت ٌ عال ٌ واطئ عليه للثياب ،إىل جانبه صدر من القش كانت العائلة تأكل عليه ،ثم فاصل حجري ٌ بطاقة كبرية الفخار ،ثم صندوق كبري ،ومقاعد واطئة ،لينتهي الحائط ٍ كانون نارِ ،وق ْد ٌر من ّ ُ العلو إىل السقف. قناطر ٍ البيت/الغرف َة ُ وتتوسط َ ثالث َ فيها قنديلّ . عالية من منتصف ّ بيت عاش فيه بعض ًا هكذا يكتمل املكان الجرباين الباقي َمحفوظ ًا ٍ برشيٌ : بأمانة يف ّ يضم رفاته وأعامله. من طفولته ويفاعته ،وغري بعيدٍ منه ٌ متحف ُّ حلم بالعودة إليها من منآه البعيد، برشي التي كم َ وهكذا يكون جربان عاد اىل ّ برشي عن عينيه وأحالمه من صومعته النيويوركية ،وطوال عرشين عام ًا فيها مل تغِ ب ّ وأهداب ريشته نهار ًا واحد ًا وال ليل ًة واحدة.
برشي مدخل بيت جربان يافع ًا يف ّ
برشي قنطرة بيت جربان يافع ًا يف ّ
* َ أجنحة األرز -العدد ( 47ترشين األول/ترشين الثاين )1998
125
برشي تنعى بعدها بنحو ست سنوات (يف 17حزيران ّ )1909 تلقى جربان رسال ًة من ّ إليه أباه الذي مات مستوحِ ش ًا ترهقه الديون .فكتب إىل ماري هاسكل يف 23حزيران: فقدتُ والديّ . َ توفي يف بيتنا القديم حيث َأ َبصر النور قبل خمس وستني سنة.
أرهقت ُه؟ بيته ولو بديون هل هذا يعني أن خليل جربان ،قبل وفاته ،كان ْ استعاد َ َ وكربياؤه الجبلية مل تسمح له أن يبقى عبئ ًا وعز ُة نفسه اللبنانية ُ أهي أ ََن َف ُته البرشاوية ّ عىل شقيقه عيد يف بيته؟ ليهتم بأمر املرياث، نسيبه نخلة جربان ّ بعد وفاة خليل جربان وصل من الربازيل ُ درس الرسم يف باريس) ُي ْعل ُِمه فباع البيت َ وكتب إىل ابن عمه جربان (وكان يومها َي ُ َ اضطر لبيع القليل الباقي من أمالك ِ والده خليل َليفي قسط ًا يسري ًا من الديون أنه ُ ث عىل تراكمت عليه .فأجابه جربان وز ْع ما يف البيت من أثا ٍ ٍ برسالة جاء فيهاِّ : التي َ برشيْ ،وليذكروا بالخري اسم أمي. ُمحتاجيه من أهايل ّ يومها وسكنوه. كان البيت من نصيب آل الضاهر الذين اشرتوه َ البيت بعد خليل جبران
ذاك البيت الفخم الذي ُولِد فيه جربان وتوفي فيه والده خليل ()1909 (ّ )1883 وكان َو ِر َثه عن والده ،مل ْيب َق بعدذاك ّإال هدمته عام برشي ْ 45سنة ،ألن بلدية ّ 1954لتوسيع الطريق. بيت أما بيت عيد جربان (املالصق َ يرتدد شقيقه خليل) وإليه كان جربان َّ برشي بيت جربان يف صباهّ - خالل دراسته يف معهد الحكمة (-1898 فاستملكت ُه لجنة جربان الوطنية )1902 ْ وفتحته يف مطلع األربعينات ،ثم ّرم ْمته ْ فغلفه طوال زودته بالصوت والضوء .لكن اإلهامل عاد ّ للزوار عام 1971بعدما ّ ّ سنوات الحرب يف لبنان (.)1990 -1975
124
منوذجان لِموقف جربان النوستالجي من العودة إىل لبنان. ومذكرات ماري هاسكل عنه عرشات َنامذج أُخرى باح بها لكثريين ويف رسائله ّ شقي ًا يف صومعته ،رغم بقائه فيها عرشين حول حنينه للعودة إىل لبنان ،حتى ليبدو ّ وصوال إىل بلغها فيها منذ املجنونً )1918( عام ًا ،أو يف نيويورك رغم الشهرة التي َ وفني ،أو وهالة النبي )1923( وما رافقه بعده من احتفاالت تكريم ِ ٍ تكريس أديب ّ يف الواليات املتحدة عموم ًا رغم ارتياحه إىل العيش فيها بني بوسطن (،)1911 -1895 ونيويورك (.)1931 -1911 حيادية ،كام سريته التي وضعها النحات ومن يدرس جربان جيد ًا يف موضوعية ّ البوسطني خليل جربان وزوجته جني ،ال يف شخصانية غري حيادية كام سريته التي خفيت عنه وضعها ميخائيل نعيمه وفيها أنه قريب من جربان أو األقرب إليه ،يف حني َ مقربون أمور كثرية أو أخفاها عنه جربان كام أخفاها عن سواه ممن اعتقدوا أنهم ّ منه ،وما كانت لتنكشف لوال انكشاف دفاتر ماري هاسكل يف جامعة نورث كاروالينا- تشاپّل ِه ّل ،يدرك أن جربان كان شخص ًا غامض ًا مليئ ًا باألرسار يف حياته ،ضنين ًا بها يف ذاتية نرجسية أو عقدة دفينة. خج ًال أو إيهام ًا ،أو اطمئنان ًا إىل ْأن من تلك األرسار ما غاب معه ومل ُيبح به ألحدَ ، لن يقوم بعده َمن يكشفها. قليل ،انكشف أو هو يف طريقه إىل االنكشاف. غري ٍ غري ّأن بعض ًا منها َ مرسحه محكمة فصل كان حتى اليوم خفي ًا من سريته الخاصة، من هذا األخري ٌ ُ كش َف ْته جريدة لبنان الرسمية التي ّأسسها داود قضاء البرتون عامي 1912وَ ،1913 باشا ( )1873 -1819يف بيت الدين سنة عام 1867حني كان أول مترصف عىل جبل لبنان (.)1868 -1861 مذكرات عقاريةّ يتضح منها أربع ّ يف أربعة أعدادٍ من تلك الجريدة الرسميةُ يتبل ْغ حجز ًا احتياطي ًا برشي ألنه مجهول اإلقامة ومل ّ أن جربان َف َق َد جميع أرزاقه يف ّ ين عليه وعىل عىل أمالكه ،وال َت َم َّكن (ضمن مهلة الثامنية أيام املعطاة له) من ْدفع َد ٍ برشي تدعى َم ّرون (أرملة حبيب سعد شقيقته مرياناُ ، قيمته 3375قرش ًا ّ لسيدة من ّ يدفع .وحني سند تحمله وتطالب بالحجز عىل ُممتلكات جربان إن مل َ جربان) مبوجب َ انقضت املهلة القانونية (ومل يدفع طبع ًا) ّتم طرح أمالكه باملزاد العلني فكانت من َ نصيب األكثر دفع ًا.
127
4 ألنه مجهول اإلقامة بيعت أمالكه في بشّري بالمزاد العلني أمنيتي يا ميشا أن أزور وادي قاديشا قبل أن أموت.
منكب عىل َم ْل َو َنت ِِه قالها وهو يف الصومعة لصديقه ميخائيل نعيمه ،وهو ّ بقيت منحوت ًة يف باله طوال برشي التي َ يرسم هذا األخري ،ويستذكر معه خياالت ّ حياته بني بوسطن ونيويورك ،والحق ًا َع ْن َون بها نعيمه الفصل األول من كتابه السرية عن جربان. صديق له يدعى منصور: والحق ًا كتب إىل ٍ برشي .ولكن يا برشي؟ َأو ُّد كل يومٍ أن أعود إىل لبنان وإىل ّ تسألني إن كنتُ ُأحب أن أعود إىل ّ سيبقون عىل احرتامي وأنا بينهم هناك كما يحرتمونني وأنا منصور ،إذا عدتُ إىل لبنانّ ، أتظن الناس ُ هنا بعيدٌ عنهم؟
يعقب بعدها بكلمة (ص 115من كتاب جربان ُمصلح وفيلسوف لغريغوريوس ومل ِّ مرتي -مطبوع عىل اآللة الكاتبة ،بدون تاريخ الطباعة ،وال مكان صدوره ،وال ْذكر لهذا الـمنصور يف الرسالة). ويف رسالة إىل ابن عمه نخلة جربان ،رد ًا عىل سؤال هذا األخري عن إمكان مغادرته نيويورك والعودة للعيش يف لبنان ،كتب: وصى عليها ،ومن لوحا ٍ ت يف معاريض أو يف محرتيف، ...ولكن ،يا نخلة ،أنا هنا أعيش من رسوم ُأ َ كل يوم ماذا ميكن أن أفعل أحن للعودة إليه ّ ومن كتبي يف اإلنكليزية .إذا عدتُ إىل لبنان الذي ّ أي عمل ميكن أن آتيه وأعيش منه؟. هناك؟ ّ
126
الرسائل والتلغرافات :إدارة الجريدة حكومة لبنان .ال تعاد الرسائل إىل ذويها ُن ِش َرت تنشر. أو مل َ يف الوسط تحت اسم الجريدة ،سطران :جريدة املترصفية -1327 -تصدر ثالث مرات يف األسبوع :الثلثاء والخميس والسبت. إىل الجهة اليرسى فوق :رقم السنة ،وتحته سبعة أسطر :بدل االشرتاك السنوي: يف لبنان رياالن مجيديان ،يف البالد القريبة ثالثة رياالت مجيدية ،يف سائر الجهات يضاف ريال مجيدي للربيد .أجرة اإلعالنات يف الصفحة األوىل 3غروش السطر ،ويف الصفحة الثانية والثالثة والرابعة غرشان .و 60بارة للمشرتكني. سطر طويل عليه من اليمني إىل اليسار تواريخ الجريدة وتحت كل هذه العناوين ٌ تتوزع صفحات الجريدة عىل خمسة أعمدة. الثالثة :الهجري ،العثامين ،امليالدي ،ثم ّ نسخ من أعداد هذه الجريدة أمامي؟ فامذا عن جربان يف أربع ٍ أنقل النصوص حرفي ًا كام جاءت بكل أخطائها اللغوية والطباعية. يف النسخة األوىل :السنة الرابعة -العدد -429 بعبدا الثلثاء 28شهر ربيع اآلخر سنة 3 -1330 نيسان سنة 16 -1328نيسان سنة -1912عىل الصفحة األوىل يف العمودين الثالث والرابع ،نقرأ ما يأيت:
اإلخطار الثاين
إِ خطار ثانٍ من دائرة االجراء يف قائمقامية قضا (كذا) البرتون عدد 107 إسم الدائن وصنعته ومحل إقامته وتابعيتهَ :م ُّرون أرملة برشي حبيب سعد جربانّ - إسم املديون وصنعته ومحل إقامته وتابعتيهَ :و َرثة زوجها، بعضهم (كذا) يوسف ومنصور حنا سعد وجربان ومريانا خليل ومرون جربان ،ومسيحية أرملة عيد جربان وابنتها شفيقةُّ ، برشي ،وبعضهم َمجهول اإلقامة. وليىل جربان سعد من ّ
129
عمه عيد شرب ٍ أرض ٌ برشي ،وكذلك ُّ بذلك نكتشف ْأن مل ُيعد لجربان ُ واحد ميلكه يف ّ عمه عيد كان جربان (صاحب البيت الحايل الذي نشأ فيه جربان) ،كام نكتشف أن ّ سيدة تدعى مسيحية ،له منها ابن ٌة تدعى شفيقة (معلومة تظهر للمرة متزوج ًا من ّ األوىل). انطالق ًا من هنا ،نسأل: برشي التي مل يعد أيكون هذا سبب ًا بني أسبا ٍ ب أخرى حالت دون عودة جربان إىل ّ حتى وال يؤول إليه ويطالب به ،وهو مل يذكر ذلك ألحدّ ، شرب ٍ أرض واحد ًا ُ ُ ميلك فيها َ ملاري هاسكل؟ برشي ،ألنه مل يعد أيكون هذا سبب ًا آخر ّ رشاء دير مار رسكيس عىل كتف ّ لوصيته َ برشي وال حتى قرب؟ عنده بيت يف ّ أيكون هذا سبب ًا لعودة مريانا إىل بوسطن فور ًا بعد مرافقتِها جثامن جربان إىل ذكرت باربره يونغ برشي (كام َ برشي (آب )1931وكانت منزعجة من ّ الجو العام يف ّ ّ يف كتابها ذاك الرجل من لبنان)؟ وشخصيته ،عمد ًا ووعي ًا ،ألنه شخصه أسئلة كثرية تضاف إىل ٍ هالة أحاط بها جربان َ ّ يتهيبه الكثريون كان يحب أن يعطى هذه الهالة من األرسار كي يبقى كتاب ًا ْ مغلق ًا ّ يتشبه بهم ويريد أن يكونهم يف بعده ،فال يكون َب َشر ًا سوي ًا بل من صنف ُم َلهمني كان ّ غري واحدة من مزايا شخصيته. الفصل العقاري
ما قصة الفصل العقاري من حياته؟ أمامي جريدة لبنان الرسمية .االسم: بخط كبري بني ِش َلحي غار، (لبنان) مكتوب ّ فوقهام نجمة وهالل. إىل الجهة اليمنى فوق :رقم العدد، خمسة أسطر :مركز املطبعة وتحته َ وإدارتها :يف دائرتها املخصوصة املجاورة لدار الحكومة ِب َق َصبة بعبدا .عنوان
128
جريدة لبنان الرسمية
برشي إسم الدائن وشهرته وصنعته ومحل إقامتهَ :م ّرون أرملة حبيب سعد جربانّ -
إسم املديون وشهرته وصنعته ومحل إقامته :ورثة زوجها ،بعضهم يوسف ومنصور حنا سعد، ومرون وليىل جربان وجربان ومريانا خليل جربان ،ومسيحية أرملة عيد جربان وابنتها شفيقةُّ ، برشي ،وبعضهم َمجهول َمحل اإلقامة. سعد من ّ
السندْ : حكم محكمة قضا البرتون نوع َ
السند 19متوز سنة -326عدد 246 تاريخ َ
املبلغ املستدعى التنفيذ ألجله :ثالثة آالف وثالمثاية وخمسة وسبعون قرش ًا خال الفائدة واملصارفات.
متنع عن إيفاء الدَّ ين بعدما جرت املعامالت القانونية املسنونة ،فباالستناد للمادة مبا أن املديون ّ ومر خمسة عرش يوم ًا بقي متمنع ًا ّ 58من نظام األجراءّ ،قررت هذه الدائرة إخطاره بأنه إذا َ َّ املسطر ،ومل من تاريخ نرش وإذاعة هذا اإلعالن بالجريدة الرسمية وفق ًا للمادة 59من النظام ِ يوف الدَّ ين املحرر ،تُطرح أمالكه املحجوزة مبوجب قرار صادر من هذه الدائرة رقم 17كانون الثاين سنة 1910( 326م ).عدد 107 للبيع باملزاد العمومي العلني ،وفق ًا لألصول املسنونة .وقد ُح ّرر هذا اإلعالن ثالث نسخ لنرش إحداها بالجريدة الرسمية ،والثانية تلصق عىل إيوان هذه الدائرة ،والثالثة ّ تعلق مبحل اجتماع الناس َ برشي الكائنة بها األمالك .تحرير ًا يف 27أغستوس سنة 328 َ بقص َبة ّ (.)1912
يف النسخة الثالثة :السنة الرابعة -العدد -529بعبدا الخميس 14صفر سنة 10 -1331كانون الثاين سنة -1328 23كانون الثاين سنة ،1913عىل الصفحة األوىل يف العمودين الرابع والخامس ،نقرأ ما يأيت: إخطار تفريغ
من دائرة اجراء قضا البرتون
عدد 1867
إخطار التفريغ النهائي
131
السندْ : حكم محكمة قضا البرتون نوع َ السند 19متوز سنة -326عدد 246 تاريخ َ السند 3375قرش ًا قيمة َ ُ ٌ هي إىل املديون املذكور بالغ بأن يفي ،يف خالل بتاريخ 20كانون األول سنة 1910 -( 326م ).أنْ َ ً ً مثانية أيام من تبليغه ،الدَّ ين املحرر ،فما أوىف ،وما أبلغ إىل هذه الدائرة اعرتاضا مرشوعا .وقد أبرز الدائن إعالم ًا واجب اإلجراء وفق ًا للمادة 40من نظام اإلجراء .وبناء عىل استدعائه ،وبقرار برشي .واآلن ً ُ عمال بحكم رئاسة املحكمةُ ،ح ِج َزت بالطريقة القانونية أمالك املديون املوجودة يف ّ توعز إليه هذه الدائرة ً املادة 51من النظام املذكورِ ، ثانية أن يويف دينه يف خالل مثانية أيامَ ،بدؤها يوم وصول هذا البالغ إليه .وإذا كان عند انقضاء هذه املهلة مل ِ يبين ،وفق ًا للمادة 52من يوف ومل ّ ً ً بيعها أمواال النظام املحرر، منقولة ُ هون عليه ،ومل يقدِّ م الئحة باعرتاض َأ َ مرشوع يف موضوع الدَّ ين املطلوب، املار ذكرها فيصار إىل بيع أمالكه ّ َ ليستوفى الدَّ ين من أمثانها .تحرير ًا يف 10مارث سنة 1912( 328م).
يف النسخة الثانية :السنة الرابعة -العدد -488بعبدا الثلثاء 19شوال سنة 18 -1330أيلول سنة 1 -1328ترشين األول سنة -1912عىل الصفحة الثانية يف العمودين الثاين والثالث ،نقرأ ما يأيت: إعالن
من دائرة اجراء قضاء البرتون
ملدة 15يوم ًا تُعترب بدايتها من تاريخ نرش هذا اإلعالن بالجريدة الرسمية عدد 107
130
اإلنذار بتنفيذ السند
وفائدته الذي عىل صورتهما
السند ،وإن عجزت أطلب تحليفه اليمني ال ُّثبوت :أثبت بشهود َ
مطالبي :أطلب وأستدعي إعطائي ْ الحكم باملبلغ املدَّ عى به وفائدته القانونية والعطل والرضر والرسوم وأجرة الوكالة ،ومبا أن هذه الدعوى من الدعاوى الغري قابلة االستئناف ،وال حاجة إىل التبليغات الخطية ،ألتمس إحالة عريض هذا ملحكمتكم ّ املوقرة لكي بعد أن تحفظ بقلمها السند وعن االستدعاء ،ل ُت َب ّلغ بالحال صورة عنها ملن يلزم بالجريدة الرسمية وبجلسة صورة عن َ تعقدها ،تحكم يل مبا طلبته آنف ًا وجب عرضه أفندم يف 29متوز سنة 913
بنده
بولس يوسف البيطار كريوز.
جبران الـ«مجهول اإلقامة»
يتلمس طريقه الفني واألديب عامي 1912وّ 1913 وهكذا ّيتضح أن جربان ،فيام كان َ تدعمه ماري هاسكل مبنحة 75دوالر ًا شهري ًا) ويف بوسطن يف پاريس (يدرس الرسم ُ اتساع شهرته فيها بعد صدور كتبه العربية الثالثة األوىل (املوسيقى التي بدأت تشهد َ يتمنع( باعتباره برشي عام ّ 1912 واألرواح ّ املتمردة وعرائس املروج ،)كان يف ّ مجهول اإلقامة )عن دفع مبلغ 3375قرش ًا للسيدة َم ّرون أرملة حبيب سعد جربان أمالكه مبزاد علني بلغ 7800قرش ر ِب َحه الزائد األخري حبيب زيدان برشي فتباع ُ من ّ برشي ،كام كان عام 1913 ّ برشي إليفاء دين الخوري اغناطيوس جعجع من ّ سكر من ّ يتمنع( باعتباره مجهول اإلقامة هو وأخته مريانا) عن دفع مبلغ 3744قرش ًا َّ والده خليل جربان استدانها يف 19نيسان 1900من بولس البيطار كريوز و 30بارة كان ُ يسددها. ملدة سنة ومات ومل ّ مفارقة عجيبة بني مفارقات أخرى تالحق هذا العبقري الذي مأل الدنيا بكتاباته، برشي التي فيام ٌ واحد من أرسا ِره الدفينة أنه خرس أمالكه يف أغىل بقعة عىل قلبهّ : حتى إذا عاد إليها، ظلت متأل أهداب عينيه َّ وأطراف ريشتِه حرس ًة عىل العودة إليهاّ ، َ شقيقها يف اشرتته مريانا من مال ِ ُمطفأ النور يف عينيهَ ،رق َد يف دير مار رسكيس إذ ْ
133
إنه مبوجب املادة 63من نظام االجراء ،مقتىض إخطار املديون جربان ومريانا برشي ومجهول محل إقامتهما. وار َثي خليل جربان من ّ
إنه بعد ميض مثانية أيام من تاريخ تبليغه هذا اإلخطار ،إن مل يحرض بنفسه لتفريغ أمالكه التي ُط ِر َحت للبيع باملدّ ات القانونية إليفاء دين برشي من الزائد األخري حبيب زيدان ّ سكر الخوري اغناطيوس جعجع ّ برشيّ ، وإال ف ُتباع من الزائد املرقوم باملبلغ الذي دفعه بها وقدره سبعة ّ آالف ومثامناية قرش بدون التفات ّ لتعلالت املديون بعدئذ .ولقد تحرر هذا اإلخطار بنسخ َتني لكي ّ تسلم نسخة للمديون املذكور وتعاد الثانية لهذه الدائرة َّ مبلغة إليه بالطريقة القانونية .تحرير ًا يف 6كانون األول سنة 1913( 328م).
ويف السنة الرابعة :السنة الخامسة -العدد -601بعبدا الثلثاء يف 9شهر رمضان سنة 30 -1331متوز سنة 12 -1329 آب سنة ،1913عىل الصفحة الثانية يف العمود األول ،نقرأ ما يأيت:
مقدَّ م لقائمقامية قضا البرتون
سعادتلو أفندم
املدّ عي :بولس يوسف الخوري مبارك املعروف يف بولس البيطار كريوز من برشي ّ
برشي املدَّ عى عليه :خليل جربان من ّ
الدعوى عىل جربان من بولس يوسف الخوري
132
الدعوى :إن املدّ عى عليه املذكور استدان من والدي مبلغ ثالث آالف مستحق األداء وسبعماية وأربعة وأربعني قرش ًا وثالثون بارة ،مبوجب سند ّ مؤرخ يف 19نيسان سنة 1900ملرور سنة كاملة .ومبا أن والدي خال الفائدة ّ تويف منحرص ًا إرثه ِف ّي ،وال وارث له خاليف ،ومبا أن خليل املدعى عليه املذكور تويف منحرص ًا إرثه يف ولدَ يه جربان ومريانا وال وارث له خالفهما، متمنعني عن دفع رأس املال وهما مجهولني اإلقامة ،ومع هذا مل يزاال ّ
135
جثامن شقيقها يف آب مراف َق ًة غادرتها طفل ًة سنة 1895وحني عادت إليها ِ برشي التي ْ َ ّ أحبت أن تستضاف لدى أحدٍ يف البلد ِة التي ،بفضل وال لها ا بيت ي برش يف د ج ت مل 1931 ً َِ ّ ّ بلغت أَقايص العامل. كتب شقيقهاَ ،
* النهار2004/6/4 -
134
أغراض ُوكتب عاد بها إىل تبقى له من ب منها ما ّ ٍ قصد جربان بوسطن ِّ صيفئذٍ َ يوض ُ نيويورك يف أيلول ،حتى إذا َب َل َغه ّأن يف ٍ مصممٍ بناء جديدٍ ( 51من الشارع العارش غرب ًا) َّ فأرسعت ِبجوابها: خصيص ًا للرسامني ُمحرتف ًا ال يزال شاغر ًا ،كتب اىل ماري يستشريها َ فضاؤها فسيح ،لها رشف ٌة صغرية، فور ًاِ .إ ْه َرع اىل ّ استأ ِْج ْرهاَ . الشقة َ واستأ َْج َرهاُ : جيد كام يف محرتفات باريس. ُ إيجارها 45دوالر ًا يف الشهر .النور فيها ّ نهار ذكرى جربان. قصدت املكانني، هذين إىل ُ َ غري ُممِ ّل :لكل شار ٍع طابعه الطقس ربيعي ٌ ٌّ دافئ ،والسري يف شوارع مانهاتن ُ ُ كل عند الضياع: من خشية وال ومميزاته. زاوية الفت ٌة برقم الشارع واتجاهاته. ٍ ُ عيل أن كان ) ا غرب 28 الشارع الهدى- جريدة (إدارة مانهاتن يف مكتبي من ً ّ وصوال إىل الشارع عبورها َثامين عرشة دقيق ًة ً أجتاز ً يتجاوز ُ عرش شارع ًا ال ُ نزوال َثامني َة َ العارش. كنت أتخيل جربان مشى عىل هذا خياالت كثري ٌة َتاموجت يف بايل مع كل خطوةُ : توقف عند هذا املنعطف ،قاسى هنا من َل ْفحة شمس ،هناك من َز َّخة مطر. الرصيفَّ ، وجدت البناية 26 أثر لها. ُ مه ُ ُ بلغت الشارع التاسعَ .ت ّ لت :أين البناية رقم 28؟ ال َ شفتيه ومشى (أين هذا من البشاشة قلب عابر. أول سألت .30 البناية جوارها ويف َ َ ُ استوق ْف ُته. اللبنانية عند سؤال العابر؟)َ .م ّر عجوز. َ هل أنت من سكان هذا الشارع؟ س. ِي ْ
وأين البناية رقم 28؟ هدم ْتها بلدية نيويورك .قامت مكانها اليوم هذه البناية ،26 :عىل َ كانت هناَ . طابقني لكل منهام .لذا تجد الرقم ُ 26يجاوره الرقم بناءين من َ أربعة طوابق َت ُّ حل مكان َ 30ال .28 ثانك يو. راسادا .عمرها يتجاوز ُ رحت أتأمل البناية الجديدة :صار ْاس ُمها بناية ْ پ َّ خيل األربعني عام ًا .صارت عتيقة .قد َت ْع َم ُد البلدي ُة إىل هدمها من جديد. ُ رحت َأت َّ جربان والريحاين يذرعان رصيف هذا الشارع.
137
1 أين بيت جبران في نيويورك؟ غريه من الكالم عىل جربان من نيويوركُ ، بريوت. كل زاوية من شار ٍع لها نهكة أخرى، هنا ُّ مناخ آخر عاشه ذاك الذي كان يطأها بقامته ٌ وقبعته األمريكية القصرية وأحالمه املربوعة ّ اللبنانية الكثرية. وكل الوطن يعبق يف البال -نفهم، هناُّ - كل ما كان يجول يف قلب ذلك أكثرَّ ، َ الرومنطيقي الرهيف. نفهم َلهف َة جربان هنا يف مانهاتن إىل ماري هناك يف بوسطن. أزوره. يف يوم ذكراه ( 10نيسان) ُ أحببت ُ النيويوركي :نظرةُ حننيٍ إىل لبنان جربان يف محرتفه ّ زرتها كنت ُ أزور مطارحه لعيل بها (بعدما ُ برشي) أقرتب منه أكثر. يف ّ بني ما أَختزن عن جربان يف ذاكريت أنه جاء نيويورك للمرة األوىل يف 26نيسان حرتفه 1911وسكن يف البناية رقم 164من شارع وافريل (مانهاتن) يف ٍ غرفة كانت ُم َ شقته يف البناية رقم وغرف َة نومه واستقبالِه يف آن .لذا دعاه صديقه أمني الريحاين اىل ّ قاعتها فسيح ٌة للرسم ،وينام ويستقبل يف غرفة أخرى. 28من الشارع التاسع غرب ًا ألن َ وهكذا كان.
136
يبق يشء يف الشارع يشري مل َ إىل جربان وخياالت جربان. املمدد يبق ّإال هذا الرصيف َّ ُ مل َ ت السنوات العتيقة ،يتمطّ ى بصم ِ متثائب ًا يف َف ْيء أشجار شاهدة عىل تردد مرور األحياء واألمواتِّ ، بالطات يف الشارع أصداء غيا ِبهم ٌ َ أخاديد من السنوات ها حف َر ْت َ َ ُ مدخل مبنى وورِن (هنا كانت البناية رقم 51وفيها سكن جربان 20سنة) ذكريات. لدى وصول جربان إىل مانهاتن كتب إىل ماري هاسكل: ْ جئت إىل هنا لكي أرتاح؟ إنني اإلنسان ال يعرف الراحة يف هذه املدينة .ولكن ،هل ُ سعيد جد ًا مبقدريت عىل الركض. الركض؟ بىل .نيويورك ليس فيها سوى هذا. حتى ليخال الناس َ يتدافعون للوصول إىل أعاملهمَ .ت ْس َح ُق ُهم البنايات الشاهقة ّ وتش َمخ السائر عىل األرض أن األرض تهرب به ً يتقزم مع كل خطوة ْ نزوال ،وأنه َّ البنايات الهائلة حوله كام َلت ْس َح َقه. رجني التوأ ََمني ( 110طوابق) أعىل بناية يف العامل ،والـإمپاير إنها نيويورك ُالب َ معلق يف العامل) ،نيويورك الكومپيوتر ستايت ِب ْلدِ نغ وجرس الڤرياتزانو (أكرب جرس َّ والصابواي واملسافات الطويلة والـ 17مليون ًا. للحلم ورومنسية جربان؟ نيويورك هذه ،هل من مكان ُ بعد فيها اليوم ُ تغيرت كثري ًا. تغي َرت نيويورك عن أيام جربانَّ . ّ تتنقل عىل هذا الرصيف ،يف خيال غادرت الشارع العارش ويف خيايل قام ٌة َر ْب َع ٌة َّ ُ برشي. راب ت من ة لبناني ة نكه صاح ِبها ٌ ٌ ُ ّ
نيويورك
* النهار العريب والدويل1985/4/22 -
139
انتقلت إىل الشارع العارش وهو ييل بعدها ُ السابق بشارع واحد. طويال. وقفت عند ناصية هذا الشارع ً ُ مدخله ُيمن ًة ُويرسة .هذا املدخل وطئه تأملت َ ُ جربان آالف املرات بني 1911و .1931عرشين ظل يطأُه ،ورمبا أكثر من مر ٍة يف اليوم عام ًا ّ الواحد. دخله وهو حزين .وكم مرة خرج كم مر ًة َ ت وأحالم ًا. متلئ خياال ٍ منه وهو ُم ٌ والس ْكث أڤنيو أنا بني الفيفث أڤنيو ِ ميتد الشارع (الجادتني الخامسة والسادسة)ُّ . الرصيفني. يظل ُله عىل عتيق ِّ َ شجر ٌ غرب ًا أماميٌ : پراسادا (هنا كان املبنى الذي سكنه الريحاين بناية ّ األبنية عن الجانبني ختيارة .الشارع هادئ وقدّ م شقّ ته لجربان قبل انتقاله إىل محرتفه) صامت .وكذلك العابرون. يهتم أحد من هؤالء العابرين ّأن اليوم ال ُّ يسكن هذا الشارع ،وغاب قبل 54 ( 10نيسان) ذكرى غياب عبقري من بالدي كان ُ عام ًا يف مثل هذا اليوم. ف من هذه الرومنسيات. لك ولهذه الخياالت يا صبيَ .ت َق َّد ْم َ أ َْق َن ْع ُتني :ما َ وخ ِّف ْ مت ماشي ًا عىل مهل ،وأنا أقرأ أرقام البنايات بحث ًا عن الرقم .51 َّ تقد ُ وجدت الرقم 45وإىل جانبه الرقم .55 أجد ُه. مل ْ ُ ت هذا الشارع َّ مرور أحدٍ يفيدينّ .مرت امرأة ختيارة جد ًا .قد تكون ْبن َ ترق ُ بت َ منذ 65سنة: س .كانت البناية هناَ .ه َد َم ْتها البلدية قبل عرشين عام ًا .سنة .1965ثم أُوهِ ،ي ْ قامت مكانها هذه البناية الكبرية. مت من البناية الكبرية .تحمل الرقم .45اسمها بناية پيرت ُو ْو ِر ْن .هي من ّ تقد ُ حدها ،البناية رقم .55 عرشة طوابقّ ، حلت مكان خمس ُة أبنيةَّ . وجدت جربان يف املبنى ،28وال هنا غريب! ال هناك يف الشارع املحاذي (التاسع) ُ يف العارش حيث كانت الصومعة يف املبنى .51
138
ت ت وصفقا ٍ أمريكا ،ويذهب البعض إىل أنها قلب العامل ،لِام َيجري فيها يومي ًا من عمليا ٍ العالمي. َتغ ِّير يف بورصة السياسة واالقتصاد َ أقرب إىل االكتظاظ الخليط يف أسفل جزيرة مانهاتن دسكر ُة غرينتش ڤيل ِْدجُ ، رخيصة ذات ِس َل ٍع وهيپيون ،وفيها ود وفقراء ٍ التجمع السكني .فيها ُس ٌ دكاكني ُ ُ منها إىل ُّ ُّ (نسبي ًا ،نظر ًا لغالء املعيشة القايس يف نيويورك) ،وهي ليست كثري َة الطموح إىل تتجدد بدون كثري ذوق .إنه النظافة. شوارعها مزدحمة بسيارا ٍ ت وفوىضُ ، وبيوتها ّ ُ ليال بسكارى الداون تاون بالتعبري النيويوركيَ .محطات الصاباوي فيه ِ وسخة ،تحفل ً تعج ِبهيپّيني وعبثيني وشحاذين وحشاشني ينامون عىل األرصفة ،والزوايا املسائية ّ ومتسكعني وخليط صينيني وهنود وزنوج وفقراء وصعاليك. ّ تتغير عن ذي قبل .فها ميخائيل نعيمه ،يف كتابه عن جربانِ ،يص ُفها قبل أكثر مل ّ السفىل ،استأثر حي قديم من أحياء نيويورك ُ من نصف قرن :قرية غرينتش ڤيلدج ٌّ كل نوع فجعلوه شبه صورة مصغرة لِمومنارتر يف باريس .فيه الشاعر به الفنانون من ّ واملصور والقرد البرشي. واملوسيقي واملتموسق ،والراقصة والخيزرانة، والشعرور، ّ ّ قليال عن أزياء الناس .يأتون أزياء من اللباس َتختلف ً َتجمعهم خِ َّلة واحدة ،ويبتدعون َ الرس .وكثري ًا ما يباهون ِبمظاهر الفقر ( .)...يف يف الجهر ً غريهم ّإال يف ّ أعامال ال يأتيها ُ األج ّر األحمر ،تحت رقم 51من الشارع إحدى ضواحي تلك القرية ،يف بناية قدمية من ُ العارش غرب ًاّ ،اتخذ جربان ُمحرتف ًا صغري ًا له جعله كذلك مسكن ًا. حيث كانت الصومعة
استقل جربان القطار من بوسطن إىل نيويورك .كانت شارلوت يف 26نيسان 1911 ّ حي الفنانني من جميع هيأَت له لقاءا ٍ ت ُ تيلر ّ ومجتمع ًا صغري ًا يف غرينتش ڤيلدجّ ، يقطن فيه األجناس واألنواع .سكن جربان لدى وصوله يف مبنى للشقق املفروشة كان ُ الريحاين .وبسبب ضيق املكان كان يستخدم غرفة الريحاين لريسم ،ويذهب صباح ًا إىل بيت شارلوت القريب ليتناول الفطور. ها نحن يف الشارع التاسع غرب ًاَ .ص ِّور املبنى رقم 28يا تومسون. أفه َمنا الناطور عبث ًا َب ْ املبنى َ ،26ح َّد ُه املبنى َ .30 حثنا .مل يعد للمبنى وجود .وجدنا ْ حل مكانه أربعة أبنية .وها هو اليوم يحمل إسم پراسادا ،ويعلو أن املبنى ّ 26 تسعة طوابق.
141
2 جولة في نيويورك جبران متتب ٌع مثيل ُخطى أجمل ما يعطاه يف نيويورك لعلها ٌ جولة عىل مطارحه؟ َّ ُ باحث ّ هالة عل َِقت به ،أو التصاق ًا بالواقع لكسر بعض ٍ جربان ُّ وتنقالتِه ،اقرتاب ًا َ أكثر من الرجل ْ أكثر وباألرض أكثر ،يف السري عىل األرصفة نفسها ،والوقوف عند الزوايا نفسهاَ ،ت َق ُّرب ًا تتضخم سبع ساعات األطلنطيك َ من ذاك الذي َ جعل ْتها َّ وصل ْتنا منه هال ٌة ،بينها وبيننا ُ س بعبقريتِه التي ال إىل جدل. وتكرب ،ما ْأل َحق األذى بالرجل دون ْال َم ّ جولة نيويوركية إذ ًا عىل أماكن كم قرأْنا عنها يف الكتب َو َم ْو َق ْعنا جربان ال ُب َّد من ٍ خيلتنا. ِض ْم َنها يف ُم ِّ املصور األمريكاين معي أن يتأنى يف عبث ًا َج َّم ُ عيني ولهجتي وأنا ّأنبه ّ عت َلهفتي يف ّ يتنبه إىل كتابا ٍ ت وأرقامٍِ التقاط صوره ،ويأخذ املشهد الواحد ّمرتني لضامن الصورة ،وأن ّ باردتني، أخاطبه بكل ٍ بعينني َ ُيه ُّمني ُ إيل َ حامسة وحرار ٍة ولهفة ،وهو ينظر ّ إبرازها .كنت ُ وشع منها عىل ويعجب من هذا الذي ُي ِّ حدثه عن نابغة لبناين من الرشق عاش يف نيويورك ّ آلية حيادية. كس ٍل وبرودةّ ، ينفذ اللقطات التي أطلبها منه ،يف ّ العامل .كان مييش معي ،يف َ نَ ميش يا تومسون؟
يس سري. ...وانطلقنا.
غرينيتش فيلج
نواح تتألف منها مدينة نيويورك) .وجزيرة مانهاتن نحن يف مانهاتن (إحدى خمس ٍ يدخلها يومي ًا َنحو خمسة ماليني من البرش .إنها قلب هي حركة نيويورك سيتيُ ،
140
مرشح أُنظر إىل هذا الشارع :نصف أبنيته َّ للهدم .لن يبقى يف نيويورك حي عتيق. أغيم إىل سبعني سن ًة أَلتفت إىل املبنى ُ .45 وأتذكر وصف ميخائيل نعيمه املبنى خلتّ ، للتعرف العتيق رقم :51 كنت يف َش ٍ ُ وق ُّ إىل صومعة جربان .وهي قائمة يف الطبقة شعرت الثالثة واألخرية من بناية قدمية، ُ هكذا كانت بناية الستوديو داخل دير ًاَ :م َمرات دخلتها كأين عندما ُ ٌ (الرقم 51الشارع العارش غرباً) مصباح ضئيل من الغاز كالرساديبُ ،ينريها ٌ وفيها محرتف صومعة جربان فيطرح عىل جدرانها املظْ لمة أخيل ًة تكاد سكن ًا ومحرتف ًا يف الطابق الثالث ُ وتبك ُتك ك تستوقف وتسألك عن ِ غرضك منهاّ ، َ ُ َ سكينتها .ثم صعدنا سالمل خشبية ت ألن ْ َ أقلق َ وتئن تحت أقدامنا حتى تدور دورات لولبية ّ وقفنا إىل اليسار نكاد نجفل من ّأناتها .أخري ًا ْ من رأس السلم أمام باب خشبي قاتم اللون، يف وسطه حلق ٌة من الحديد ما طرقنا بها عليه خرجت حتى انفتح .وبعد زياريت الصومعة، ُ محرتف جربان من الداخل كما تركه عند وفاته وج ِّده أكثر تحدثني عن ْفقر ساكنها ِ وهي ِّ وتعبده. مِ ام عن ُّ تقشفه ُّ وأتذكر ْمقطع ًا من رسالة جربان إىل ماري هاسكل ( 14حزيران :)191١أمامي فرص ٌة الستئجار ستوديو واسع يف املبنى 51من الشارع العارش غرب ًا .هو أكرب ثالث مرات من الستوديو الذي أنا فيه اآلن (املبنى 28من الشارع التاسع رح غرب ًا) والنور َي ُ دخله من كل الجهاتْ .مف ٌ ومالئم جد ًا للعمل .إيجاره 45دوالر ًا يف الشهر، ٌ أجعله لكي ا دوالر خمسني نحو أرصف أن وعيل ً محرتف جربان بعد وفاته ّ يبدو نظيف ًا .فهل أستأجره؟؟
143
فيام تومسون يلتقط صور ًة للمبنى سبقته إىل الشارع املالصق :العارش الجديدُ ، يتصدر زاوية أوراق غرب ًا ،الشهري الذي كان ّ مكاتيب جربان. ها هو :الفت ٌة صفراء تشري إليه ،من َط َرفه (س ْكث آڤنيو)، مسكه الجادة السادسة ِ ُت ِ ومن طرفه اآلخر الجادة الخامسة (فيفث َدخله ببعض َو َرع :كم مر ًة مشى آڤنيو) .أ ُ عىل رصيفه جربان ،آن ًا َف ِرح ًا ،وآون ًة عىل حزن وغصة ،أو منهمك ًا تحت برنيطته وفوق يلة من النبي كان يستعجل عصاه ،ب َأ ْخ ٍ يدونها. الخطى إىل الصومعة كي ّ أيتها األشجار الختيارة يف الشارع العارش غرب ًاُ ، أتذكرين عبقري ًا من بالدي، مربوعَ القامةَ ، كثري األحالم، شارد النظراتَ ، عنفواني ًا كأرز ٍة من لبنان ِ شامخة القوام؟ أجده .أجد املبنى أَبحث عن املبنى .51ال ُ َ ،45ح َّد ُه املبنى .55أتقدم من ّبواب الـ ،45 يرشح يل: أنا هنا منذ خمس عرشة سنة .وهذا يعود إىل املبنى الضخم (الـ )45من 12طابق ًا ُ سنة .1970قبله كان مبنى من مثاين طبقات يعود إىل ،1952وقبله كان مبنى من ست طبقات يعود إىل .1939املبنى الذي تسألني هد َم ْته بلدية نيويورك عام .1938كان عنه َ من ثالث طبقات عتيقة شبه متداعية .هكذا نيويوركْ :تبني يف رسعة َوتهدم يف رسعة .ال والتقدم. تتمهلُ .تواكب العرص ُّ هي ُ تسأل وال َّ
142
الفتة الشارع العارش غرب ًا وفيه البناية التي سكنها جربان
الشارع العارش غرب ًا حيث كانت بناية املحرتف يف املبنى 51
بناية وورِن التي حلّ ت اليوم مكان بناية املحرتف أيام جربان
خاص باملصارف يف الشارع الرابع عرش حي ُ ٌ انتقلت إىل يونيون سكويرٌّ : غرب ًا بني الجادة الخامسة وجادة برودواي .نصف ساعة مشي ًا عن الصومعة. حل ُ وجدت املبنى 31لكنني مل أجد أثر ًا لبنك مانهاتن تراست كومپاينّ . تتحر ك معامل نيويورك يف أخرى، مرة مرتوپوليس. ذي أوف بنك مكانه ّ رسعة ال تهدأ. َ ص ِّور يا تومسونَ .ص ِّو ْر. «پارك» القراءة والتأمل
يف أكثر من مرجع عن جربان أنه كان يخرج أحيان ًا من الصومعة إىل پارك يتأمل أو يقرأ أو يرتاح. (حديقة عامة) قرب مسكنهّ ، أشيح عنه .ها مل يكن جدير ًا أن َ كبري واسع، هو :واشنطن پاركٌ . ب ميامات تزوره باحثات عن حبو ٍ ٌ ٌ وأمان .فيه مقاعد عتيقة وجديدة جددة .أشجاره عالية غري عتيقة. وم ّ ُ زواره هيپيون وفقراء وعشاق هاربون من غفلة عن العيون ،منهم بعض كتاب ،ومنهم حديقة واشنطن پارك هنا كان يجلس جربان يف ُسويعات صفائه من يرافقهم ٌ ُ تذكار .تصلهم الشمس من بني متكسرة. متكسرة عىل أحالمّ ... األغصان أشع ًة ّ يتفسح من ضغط عمل إذ ًا هنا كان َيجلس جربانَ .يحلم ِبخياالت النبي أو ّ متواصل. الشارعني السادس والثامن غرب ًا .إذ ًا عىل أمتار من الصومعة. الپارك بني َ يتكبد املسافة. مر ًة أخرى :مل يكن جربان ّ ضيقة جد ًا ألنه كان ومرة أخرى أَكتشف كم كانت حياته َمحصورة يف رقعة ّ منرصف ًا إىل الكتابة والرسم ليل نهار ،ال وقت يضيعه يف الخروج واالجتامعيات. َ ص ِّور يا تومسونَ .ص ِّو ْر هؤالء الناس يف الپارك.
145
صومعته فيه َمحط ًة رئيسة يف تاريخه وتاريخنا األديب. ...وأستأ َْج َره .وباتت ُ (حل مكان ثالث أعود من غيمومة املايضُ . ُ أجد أمامي مبنى حديث ًا من 12طبقة ّ بنايات ،كام رشح يل البواب) يحمل إسم :مبنى پيرت ُو ْو ِرن 45 -الشارع العارش غرب ًا ولو كان ،يا تومسون .خُ ْذ صورة لـحيث كانت الصومعة. أمواله في المصارف
أملك أربعني يف وصية جربان: ُ حص ًة من حصص رشكة بناية املحرتف حيث أسكن -الرقم 51من الشارع العارش غرب ًا -موجودة يف صندوقتي للودائع لدى بنك مانهاتن تراست كومپاين -املبنى رقم 31يونيون سكوير- دفت َرا توفري يف وست نيويورك .وعندي َ مطعم بالدوتيش (هنا كان املرصف الذي فيه حساب جربان) سايد سيڤنغس بنك -املبنى رقم 422يف الجادة السادسة -نيويورك.... رحت ْأبحث .هوذا املبنى رقم ُ 422عىل الجادة السادسة ،بني الشارعني العارش والحادي عرش غرب ًا، َ قليلة من عند الزاوية متام ًا ،عىل أمتا ٍر ٍ صومعة جربان .إذ ًا كان مرصفه قريب ًا مشقة املسافة يتكبد ّ جد ًا من َ سكنه فال َّ اكتشفت ويبقى منرصف ًا إىل عمله (كم ُ بنك ميرتوپوليس ليل نهار إىل أهمية انرصاف جربان َ (هنا كان مانهاتن بنك وفيه وثيقة حصته من بناية املحرتف) رسام ،حتى أنه كان عمله كتاب ًة أو ً يطوي أحيان ًا أيام ًا وليايل ال يخرج) .ولكن هذا الرقم ( )422مل يعد فيه اليوم مرصف، يقدم السندويشات واملرطبات لجحافل الراكضني وراء بل صار فيه مطعم بالدوتيشّ الدوام والدوالر .وهو مبنى جديد من عرش طبقات.
144
رقم تلفون جبران
يطمئن إليه. يروي ميخائيل نعيمه يف كتابه أنه كان غالب ًا يتصل بجربان تلفوني ًا ّ وأكثر من مرة تروي باربره يونغ أنها كانت تتصل به تلفوني ًا لتستفرس عن أمور تهمه. يتحدث عن ويبدو أن تلفونه يعود إىل عام ،1920بدليل أن نعيمه كان ّ يفكر يف العواصف (صدرت عام )1920وكتب :صار جربان ينام بدون أن ّ َ حاجاته اليومية من أكل ورشب ولباس ومأوى .بل أصبح كل شهر يودع مبلغ ًا من فتئت تصل يف موعدها. املال يف البنك .والخمسة والسبعون دوالر ًا من ماري ما َ فاستعاض يف صومعته عن نور الغاز بنور الكهرباء ،وعن وجاق الحطب بوجاق من الغاز ،وجاء بتلفون. يهيج يب فضويل الصحايف عىل مناخي األديب والشعري فأَنصاع ببعض لذة .ومنها فضويل ملعرفة رقم تلفون جربان. قصدتها فأحالني املسؤول إىل مكتبة كيف يل ذلك؟ ليس يل إال دائرة التلفون. ُ نيويورك العامة أبحث يف امليكروفيلم عن دليل هواتف مانهاتن لتلك الحقبة التي تعود إىل أكثر من سبعة عقود. مكتبة نيويورك العامة هي األخرى عىل أمتار قليلة من الصومعة ،عند مدخل منقب ًا ،خصوص ًا عند الشارع العارش غرب ًا. وأظن جربان كان يتمشى إليها أحيان ًا باحث ًا ِّ ّ وضعه كتابه يسوع إبن اإلنسان. طلبت مايكروفيلم دليل الهاتف لعام .1920جاءتني املوظفة دخلت املكتبة. ُ ُ أقلب الفيلم ،واستدارت وكيف املايكروفيلم شاشة أستعمل كيف متني وعل ّ بالعلبة َّ ُ ذاهبة .عبث ًا رحت أفتش تحت حرف الجيم (جربان) وحرف الكاف كاهليل فعلت يف مايكروفيلم السنوات باللفظ اإلنكليزي .مل أجد السم جربان أثر ًا .وكذا ُ 1920حتى ( 1931سنة وفاته) .كنت أقع عىل األسامء نفسها املحيطة باسمه، إال عىل اسمه ،مل أجده .ورغم انزعاج املوظّ فة السبعينية من هذا املرتاد الذي ال جارست عىل يرتد عن طلب مايكروفيلم سن ًة وراء سنة وال يقع عىل مطلبهَ ،ت ّ ُ قضيتي أمامها ،وأنني مل أعثر عىل اسم أطلبه ،وأنا متأكد ْأن كان عنده رقم عرض ّ اخترص ْت جوابها: هاتف. َ إذ ًا يكون طلب عدم ذكر اسمه يف الدليل.
147
كنيسة «النبي»
(لق ُبها األديب كانت هنرييتا بودن َ ّ باربره يونغ) يف الخامسة واألربعني فصوال من سمعت للمرة األوىل ً عندما َ النبي يقرأها القس َب ْتلر داڤنپورت يف كنيسة سانت مارك (القديس مرقس) ذات أحدٍ من خريف .1923ورسعان أصبحت واحدة من تالمذة جربان ما َ كنيسة سانت مارك( القديس مرقس) وعاشقيه و ...عاشقاته. هنا كان ُيقرأ النبي عند صدوره يروي ميخائيل نعيمه يف كتابه عن جربان :يف نيويورك كنيس ٌة أسقفية (أنكليكانية) عىل اسم القديس مرقس يف حي َالبا ِو ِري هي من أقدم كنائس املدينة .يديرها قسيس إسمه وليم غِ ثري ،له نظرة ّ خاصة يف تحبيب العبادة إىل املؤمنني ،فرأى أن َيجعل من كنيسته شبه مرسح ،أو هيكل يوناين قديم ،فيه الرقص والشعر والتمثيل ،ما مل يكن راضي ًا عنه املطران، وسبب خالف ًا بينه وبني القس .ذات أحد دعاين جربان مع نسيب عريضه وعبد املسيح ّ وسيمثلون قائال إنهم سيقرأون من بعض كتاباته ّ حداد إىل كنيسة القديس مرقس هذه ً النبي ،فذهبنا. ذهبت .ومعي تومسون يركض خلفي الهث ًا وهو ال يدري حقيقة ...وأنا أيض ًا ُ اهتامم هذا الصحايف اللبناين بأماكن فيها أبنية وبنوك وكنائس و ...واشنطن پارك. رشقي الداون تاون( الناحية األكثر رقي ًا من غربها) .وكنيسة سانت حي البا ِو ِري َّ ُّ مارك جامثة عىل الجادة الثانية عند زاوية الشارع الحادي عرش رشق ًا .عالية وكبرية، مروسة وعالية ،مدخلها فخم وأنيق .ويبدو من جاللها حولها ساحة وسيعةُ ،ق َّب ُتها َّ وتقض عليها كام عىل األبنية (حجارة وبناء) أنها قدمية إمنا مل متسها بلدية نيويورك ِ العلامنية. نسيب عىل درج الكنيسة كان مؤمنون خارجنيّ .فكرت :رمبا بينهم من كان أبوه أو ٌ له حارض ًا ذات يوم من أيام قراءة النبي يف هذه الكنيسة. وفكرت :متى يف كنائسنا قراءات من فصوله؟؟ ُ َ ص ِّور يا تومسونَ .ص ِّو ْر.
146
بني الشارع العارش غرب ًا ،وركتور سرتيت: أحببت أن أقطعها نصف ساعة بالصابواي. ُ مثله. إىل الصابواي يا تومسون. ضيق وصغري. ها أنا يف شارع ركتورٌ . زقاق ّ عىل املرفأ متام ًا .البحر عىل أمتار قصرية منه، وهو عىل أمتار من أعىل ُبرجني يف العامل: توين تاور( الربجان التوأمان ،مركز واحد ُهام من 110طبقات. التجارة العاملي) ُ أكرب عدد من وهذا الحي هو الجامع َ ُ اليوم َ مؤسسات املال واملصارف والبورصة (وول سرتيت .)ومن زقاق ركتور سرتيت البناية رقم 19يف شارع رِكتور تبدو املسافة البحرية التي تفصل مانهاتن (هنا كانت مجلة السائح عن ستاتِن آيل ِْن ْد التي ينتصب يف أواخرها وتجتمع فيها الرابطة القلمية) متثال الحرية. ركتور سرتيت إذ ًا ،يف أسفل مانهاتن ،عىل السفر. البحر متام ًا .تعبق فيه رائحة البحر ورائحة املرفأ ورائحة َ هوذا املبنى 19الذي نبحث عنه .لكنه صار عالي ًا جد ًا (نحو أربعني طبقة) وكان أيام السائح من أربع طبقات كام قال يل فؤاد خوري. مرة أخرى ،ينهار واحد من تلك املعامل. ولو كان ،يا تومسون ،خذ صورة. هنا مات جبران
...هات ْف ُت ُه مساء الخميس عن برباره يونغ يف كتابها هذا الرجل من لبنان: َ البواب (وكانت هت فور ًا اىل ُمحرتفهْ . 9نيسان .أ َْق َلقني ُ توج ُ صوتهّ . أبلغتني زوجة ّ فاستدعت طبيب ًا ّقرر ْأن وجدته مريض ًا جد ًا تحمل إليه الفطور صباح كل يوم) أنها ْ َ يجب ْنق ُله إىل مستشفى القديس ڤنسنت يوم الجمعة .عند وصول سيارة اإلسعاف
149
رت فور ًا ّأن فؤاد خوري ّ تذك ُ (املعارص الوحيد الباقي حي ًا من أيام جربان والرابطة القلمية) قال يل: يتذمر من الناس الذين كان جربان ّ يزعجونه باستهالك الكثري من وقته عىل التلفون بدون طائل وال نتيجة. ينصب عىل عمله كان يحب أن ّ املكتبة العامة يف نيويورك حيث دليل الهاتف عىل ميكروفيلم ت طويل ًة بدون أن يزعجه أحد. ساعا ٍ كان َجلود ًا عىل العمل بشكل عجيب: يلة بدون راحة .وكان يفرض عائد ًا مالي ًا لكل ما يعمل، ليلة فنها ٍر َف َل ٍ طي ٍ ال يتعب من ِّ ولو رمزي ًا .كان مستهرت ًا باملادة ،لكنه مل يكن متهاون ًا. أفهم عندئذ ملاذا مل أجد رقم هاتفه يف دليل مانهاتن. تام إىل العمل اإلبداعي. تفرغ ٍ وانرصاف ّ معه حق .ال إبداع بدون ُّ َ ص ِّور يا تومسونَ .ص ِّو ْر املكتبة العامة ،طاملا لن نستطيع تصوير صفحة دليل الهاتف. «السائح»
يرتدد إىل إدارة السائح :املبنى 19من وكان فؤاد خوري روى يل أن جربان كان ّ ِركتور سرتيت .وكانت مجلة السائح لعبد املسيح حداد لسان الرابطة القلمية. وذكر نعيمه يف كتابه عن جربان ... :وإذ نحن كذلك يف إدارة املجلة ،إذا بجربان ب ِاإلشعار قائال إنه آ ٍ ّيتصل باإلدارة تلفوني ًا ً ت بعد قليل .هذا يعني أنه كان ُيحِ ُّ بوصوله. وكيف كان جربان ّ يتنقل غالب ًا يا عم فؤاد؟
كان يذهب إىل أماكن قريبة منهُ .يحب أن مييشَ .يطرق األرض بعصاه، يتنقل قليالّ ، أبعد ً عىل رأسه ّقبعته ،وقيافته ُم ّميز ٌة حني يخرج .حني يقصد أماكن َ بالصابواي (القطار الرسيع تحت األرض).
148
ينتظرين تومسون كي أَستمهله فاسرتاح عىل مقعدٍ عند املدخل ،سعيد ًا َبن ْهرة مل ْ وغ َرف الصحايف مواطنه البوليس هذا الغريب الذي يطلب منه تصوير الكنائس ُ َّ َ يصور املستشفى من خارج ،وينتظرين. املستشفى. ُ طلبت منه أن ّ أطلب من االستعالمات موظفة األرشيڤ. من الباب اآلخر عند الشارع اآلخر. جواب جديد: عند املدخل اآلخر ٌ ُ خذ املدخل الرشقي عند أول الشارع. أخري ًا ،ها أنا يف مكت ِبها .أرشح لها املوضوع .تندهش: سحب خليل جربان؟؟ ً مهال (تنحدر دفع ًة واحدة إىل ُد ْرج يف مكتبهاَ ، تفتحهَ ،ت َ حلت كتاب ُه النبي ،ال يفارق مكتبي وال مكتبتي يف البيت .كلام ّ منه كتاب ًا) هذا هو ُ تعرفت إىل هذا الكتاب منذ وأقدمها هدية .إنه كتايب املفضل. مناسب ٌة أشرتي نسخ ًة ّ ُ اكتشفت فيه جديد ًاِ .ب َم أستطيع خدمتك؟ قرأته 25سنة وال ّ أنفك أقرأ فيه .وكلام ُ ُ تعرفني أن جربان مات يف هذا املستشفى؟ نعم .يف الغرفة .316
تصوير باب الغرفة ،وتصوير بطاقة الوفاة من األرشيڤ. أريد َ التصوير هنا َممنوع .بطاق ُة الوفاة مل تعد موجودة .صارت عىل امليكروفيلم، وأنت تريد العودة إىل حالة وفا ٍة قبل أربع وامليكروفيلم َيحوي 490000اسم، َ طويال جد ًا .ال أنت تستطيع الدخول إىل غرفة وثالثني سنة .البحث يأخذ وقت ًا ً وقت أرصفه لهذا الغرض .أعتذر. امليكروفيلم ،وال أنا عندي ٌ بقيت أُغدق عليها من انتظر ْت مني أن أعتذر بدوري وأنرصف ،لكنني َل ْم. ُ َ وشخصيتها (هي يف السادسة العالية الجربانية وثقافتها لطفها وعىل الحديث ّ وكل ذلك َممزوج ِبيدي إىل والخمسني ،من مواليد 1929كام ُ علمت يف ما بعد)ّ ، كف يدها ِبحفنة دوالرات .وما هي حتى استدارت جيبي وانتقالها (رس ًا) إىل ّ ودل َفت إىل غرفة امليكروفيلم. ِ املسز سانتا ڤادجي َ املصور األمريكاين ما زال ينتظرين يف الخارج؟؟) عادت بعد ّ أقل من ساعة (هل ِّ املسز ڤادجي ومعها ورقة بيضاء عليها تدوينات.
151
إيل وهو ينزل صباح الجمعة ،نظر ّ الدرج بتؤدة وقال يل :سأكون يف خري .ال تخايف .وكانت تلك آخر تفوه بها ،وتويف يف الحادية كلامت ّ عرشة إال عرش دقائق من ليل الجمعة. وعن ميخائيل نعيمه يف كتابه سانت ڤنسنت -املستشفى الذي تويف فيه جربان عن جربان :النهار الجمعة .الساعة يرن جرس نحو الخامسة والنصفّ . يقدر أنه لن يعيش التلفون :جربان يف غيبوبة يف مستشفى القديس ڤنسنت .الطبيب ّ اىل منتصف الليل .أَرسع. يتنقل معي الهث ًا عىل تلك وكنت أنا أيض ًا أُرسع ،وهذا ... املصور األمريكاين ّ ُ ّ األرصفة ،وهو َي َلعن دِ ين الساعة التي وافق فيها معي عىل تصوير هذا الريپورتاج. مستشفى القديس ڤنسنت يفرتش بقعة كبرية تنبسط من الجادة السابعة إىل قسام كبري ًا من شارعني كبريين :الحادي عرش والثاين عرش غرب ًا. الجادة الثامنة ،ويحتل ً إذ ًا ،هو عىل شارع واحد وجادة واحدة من صومعة جربان. اهتم بكل يشء عىل حياته :أدبه ،سريته ،أصدقائه، ٌ عجيب هذا الجربان .لكأنه ّ صديقاته ،وحتى موته ،و ...تكرميه بعد موته .عرف كيف ُيهندس كل يشء سلف ًا: إبداعه ومجده. ها هو مستشفى القديس ڤنسنت (مار منصور ،بتعبرينا اللبناين) .وأذكر عن غرفة من الطبقة الثالثة. نعيمه ذِ ْك َره ّأن جربان مات يف ٍ حمس يف عىل املدخل الرئييس يستوقفني رجل البوليس .أرشح له املوضوع .أ ََت ّ وع ُبوسه مع ًا: الرتكيز عىل أهمية هذا املكان يف موضوعي .ال ينفعل .يرفع عصاه ُ املصور يبقى هنا .التصوير َممنوع. ّ مهمة ألنها... كهذا موضوع يف الصورة ... ولكن ْ ّ وزج َرين ِب َش َف ٍة واحدة: َ التصوير َممنوع.
150
وأكثر :يبقى رؤيوي ًا ،هو الذي ،قبل 75سنة ،رصخ يف وجه السياسيني مقدس ٌة النفس شعل ٌة أكرهكم يا بني ّأمي. وسامرسة األوطان :أنا ُ زرقاء ّمتقد ٌة ّ ُ ُ وتبدده تنمو باألنواء وتنري أوجه اآللهة، ونفوسكم رماد تذريه الرياح عىل الثلوج ّ ُ نفوسكم ،وألنكم العواصف يف األودية .أنا ُ أكرهكم يا بني أُمي ألنكم َتحتقرون َ أعداء اآللهة وأنتم ال ْتع َلمون. ُ ولذا أشاح عنهم وأطلق صوته عالي ًا يف الزمان :لكم لبنانكم ،و ...يل لبناين.
غالف كتاب الرابطة القلمية)1921( كما رسمه ّ وخططه جربان
نيويورك
أحد رسوم جربان يف كتاب خالد ألمني الريحاين
* النهار العريب والدويل1985/10/21 -
153
وع ُل ُّوها نحو َخمس (6×4 إنها البطاقة األصلية للمستشفىُ . عرضها نحو 3سنتم ُ إدراجها عن املريض ،و ِب َخ ّط إنش) .بيضاء اللون ،عليها الئح ٌة باملعلومات الواجب ُ اليد أجوبة عن املعلومات املطلوبة. نسخ ْته وإذ ّ ُدون حرفي ًا ما َ تعذر عيل تصوير البطاقة (لوجودها عىل امليكروفيلم) ،أ ّ عنها املسز ڤادجي: اإلسم :مسرت خليل جربان. العنوان 51 :الشارع العارش غرب ًا. تاريخ دخوله إىل املستشفى :الجمعة 10نيسان .1931 رقم الغرفة.316 : تاريخ الوفاة :الجمعة 10نيسان -1931الساعة ً 10:55 ليال. املهنة :شاعر. مدة إقامته يف الواليات املتحدة 20 :سنة يف نيويورك. َذكر/أنثى :ذكر. متزوج/عازب :عازب. ّ السن عند الوفاة 48 :سنة. ّ إسم األب :خليل. إسم األم :كاملة. مولود يف :برشي -لبنان .1883
إشارة أخيرة
ينتهي مشواري النيويوركي. أود لو أقوم بزيارة ُمامثلة ألماكنه يف بوسطن وأماكن قصته الكربى كنت ُّ وكم ُ هناك مع ماري هاسكل ،وزيارة أخرى اىل مكتبة األرشمندريت أنطونيوس بشري انتقلت اليوم إىل (املطران يف ما بعد) ،وفيها وثائق مهمة (رسائل ومقطوعات) َ َمحفوظات مطرانية القديس جاورجيوس يف نيوجرزي. جلت فيه عىل أماكنه يف نيويورك ،أعطاين بعض ُل َم ٍح عن هذا لكن املناخ الذي ُ رجال غري عادي ،وعبقري ًا العبقري الذي مهام أسقطنا عنه هالة األسطورة ،يبقى ً غري عادي.
152
أمرها) ،أحالني إىل صاحب الكتب ال ُ مبا أن ُ تدخل يف فاتورة سبع (وتالي ًا ال َي ُه ُّمه ُ يقدمه إيلِ :ب ّل سعادة. الدعوة ِّ ت من اعتذر لحظا ٍ شاب يف ربيع الربيعَّ ،يتقد حيوي ًة ويتألق وجه ًا لبناني ًا مضيئ ًاَ . ٌ ت يف السؤال وأسهب ة التعريفي مات املقد اخترصت . مستقبال ا مصافح إيل م وتقد ً ً ُ ِّ ْ ُ ضيوفه َّ ّ َّ فش َرح: عن احتفالهَ . عندي َمحل ُمجوهرات عىل الـفيفث آڤنيو يف نيويورك (أغىل شارع يف دعوت إىل هذه افتتحت فروع ًا جديدة يف خمس واليات أمريكية .لذا العامل). ُ ُ واملوزعني يف تلك الواليات تكرمي ًا لهم السهرة مئ ًة من كبار الزبائن واملوظَّ فني ِّ واحتفاء بافتتاح هذه الخمسة الفروع. ً ونُ سخ كتاب النبي عىل هذه الطاولة؟ ُكرم ضيويف ِبأفضل ما ُي ّمثل لبنان .مل أشأ لهم باق َة وردٍ تذبل بعد ُ أردت أن أ ّ فكرت أن وينسون. ُ أيام يف البيت ،وال هدي ًة جامدة قد يضعونها يف أحد أدراجهم َ أهديهم أرز ًة لبنانية َمحفورة ِبامء الذهب ،أو ُص َور ًا فوتوغرافية جميل ًة عن لبنان. خرتق بأن هذه ستبقى يف عيونهم ولن تخرتق قلوبهم، رت ّ فرأيت أن َي َ ُ لكنني ّفك ُ قلوبهم بواسطة نبي جربان .كثريون منهم يعرفون جربان ،لكن البعض ُ لبنان َ ررت أن يعرفوا ماذا أعطى لبنان العامل. فس ُ فوجئ الليلة أن يكون جربان لبناني ًاُ ، وملاذا النبي؟ سويعات ألنه األشهر يف أمريكا ،وألنه َش َغ ُ ف الكثريين منهم ،يعودون إليه يف َ سيذ ُكرون هذه وكلام عادوا إليه وفتحوه ْ وقل ِقهم وحزنهم والفرحّ . صفائهم َ مكتبة قريبة هنا يف مانهاتن، ذهبت بعد ظهر اليوم إىل ويذ ُكرون لبنان. ٍ السهرة ْ ُ ّ املدعوين. عدد عىل ) ا دوالر (35 الفاخرة الطبعة من نسخة مئة واشرتيت ً ُ ّ والجميع أخذوا نُ َسخ ًا؟
أكثر من نسخة ْ املؤسف أنني مل أش ِرت ُن َسخ ًا أكثر ألن عدد ًا من املدعوين أخذوا َ وعدتهم أن أُرسل ُليهدوها اىل أصدقاء لهم ،فبقي بعض الحضور بال النبي .لكني ُ إليهم ُن َسخهم غد ًا بالربيد الرسيعَ .ي ُه ُّمني أن َيحملوا معهم لبنان وإرثنا الحضاري .قد
155
3 نسخ النبي هدايا في كوكـتيل تناو ُل الغداء أو العشاء لدى أحد مطاعمها اللبنانية (األرز، يف نيويورك يحلو ُ ت تقدم مأكوال ٍ بيبلوس ،لبنان ،الباشا ،األمري ،البستان ،بريوتِّ ،)... ، أحبها كثريون من األمريكيني ومرتادو نيويورك ألناقة تقدميها. لبناني ًة َّ دعاين الصديق فارس أسطفان (صاحب الهدى )إىل العشاء يف مطعم وتزيينه ت لبناني ًة فلف َتني فيه َج ُّوه اللبناين وديكوره اللبناين َوب ُّثه أغنيا ٍ بيبلوسَ ، ُ ُ لبنانية من أقىص الشامل إىل أقىص الجنوب ِمناظر جدرانه ُبص َو ٍر ٍ ٍ َ مكبرة ل َ فوتوغرافية َّ ولقمة لبنانية شهية تأخذك ومن فقش املوج إىل ثلج صنني ،وبالخدمة املمتازة ٍ إىل مطاعم لبنان يف أرقى ُح َللِها. املسب ُق رضوري ًا (ألن املعليشية اللبنانية سارية حتى يف وملا مل يكن ْ الحج ُز َ مكتظ ،وفيه عجق ٌة رسعان ما تبني يل بلغنا املطعم نحو الثامنة فإذا به ٌّ نيويورك) ْ أنها ليست لبنانية. ترب َعت عليها مجموعة نسخ من عند املدخل َ لفت ْتني يف ُّ مربع ٌة ّ الرواق طاول ٌة ّ جلست خلفها حسناء أمريكي ُة الوجه لبناني ُة البسمة كأنها من صبايا النبيَ ، أورفليس. سبع (صاحب املطعم) يهرع إلينا هرع فضويل أمامي ْ فوقف ُ َ ت أَستطلع .وما كاد ْ فأجابني يف لهجة جري. ي عام بالسؤال ته، حي ت د ر قبل ه، بادرت حتى ال ب مستق حيي ًا ًِ ُ َ َ ّ َ َّ ُم ّ َ جميعهم سواسي ًة يف أسفل الفاتورة): مهنية (كأي صاحب مطعم يرى رواده َ عادية ّ صاحب مؤسسة هنا يف مانهاتن ،يقيم حفلة شاب من أصل لبناين، رجل ٍ ُ أعامل ٌّ ُ كوكتيل لزبائنه وكبار موظَّ في مؤسسته. وماذا عن كتب النبي عىل الطاولة؟
154
157
كل يوم ولو كانوا ينسوا يف مكتبتهم جربان يطالعهم ّ ينسون هذا الكوكتيل لكنهم لن َ طالعوه ذات يوم. متى كنتَ آخر مرة يف لبنان؟ أنا ال أعرف لبنان. نعم؟
أعرف لبنان إال من أحاديث أيب عنه .أيب ولدت هنا يف نيويورك .ال أبد ًا .أنا ُ ُ الن ُايورك نقوال سعادة من زحلة .جاء صغري ًا مع َ يوم هاجرا من زحلة إىل َ والديه َ دائام حارض ًا يف بيتنا: لكن لبنان كان ً كام كانت ُت َس ّمى يومها .مل َي ُع ْد أيب أبد ًا اىل لبنان ّ وس ّتي وذكرياتِهام ،ويف مباهاة أيب بأن يكون لبناني ًا حتى ّإب َان إشاحة جدي ِ يف حكايا ِ ت ّ لبنانيتهم وأ َْم َر َك ِة أسام ِئهم كي ُيبعدوا الشبهة رفاقه بني الجيل الثاين من املهاجرين عن ّ وس ّتي ،وأليب ِجدي ِ ربيت ،وال أزال وفي ًا ل ّ عن كونهم من لبنان .يف هذا الجو اللبناين ُ حب لبنان. الذي َ أورثني هذه املؤسسة الكربى ،وأورثني معها ّ رأيك يف هذا الوطن الذي مل تعرف؟ يتغير ُ ورغم الحرب فيه ،مل َّ
فباق. أغير رأيي .الحرب تنتهي أما لبنان ٍ أبد ًا .ولن ّ
مدعويه كي مل يكن الئق ًا أَن أطيل أكثر مع ِب ّل سعادة (وليم باألمريكاين) ألنه ترك ّ فصافحته مهنئ ًا: رص َف َإل ّي ،وكان عليه أن يعود إليهم، ُ ين ِ
َ حبذا نسخٌ منك ُللبنانيني أهدَ يتَ ضيوف َك نُ َسخ ًا من جربان َلي َت َذ َّكروا لبنانَّ . يعرفون أنْ ال هدية لبنانية أغىل من التي تحمل اإلبداع اللبناين.
* النهار1993/7/22 -
156
نيويورك
ت اىل الوراء ،اىل ذاك النهار التاريخي: أمام رأيت ،عدت بذاكريت مثاين سنوا ٍ ِ صدمة ما ُ يدشن الحديقة ويلقي الجمعة 24أيار ،1991والرئيس األمريكي جورج بوش واقف ِّ ٌ خطاب ًا عن ذاك الرجل من لبنان( تفاصيل االحتفال ووصف الحديقة يومها يف الصفحة 254من هذا الكتاب). فاجع بني ما أرى أمامي ،وما كانت عليه وأي ٍ فرق ٍ وأي حنني؟ ُّ أي ذكرى اليوم؟ ُّ ُّ الحديقة قبل مثاين سنوات! يابس حولنا كام فت حويل فأرى عىل وجه فريد سلامن أَسى مِ ام نعاين: أ َْل َت ُ ُ الشجر ٌ منذ دهور .الورق اليابس انهار عن الشجر العايل العاري وافرتش األرض بساط ًا تاعس ًا الربكة وسط الحديقة جاف ٌة من املاء ،والحىص يف قعرها من عفونة ورطوبة يابسةْ . وتشل َعت حجارة حفافيها املرمرية الخرضاء فلم عشش فيه العشب األخرض ِّالنتِنّ ، َّ تعد متساوي ًة كام كانت جميلة ،وال عادت متناسقة كام من قبل بل باتت كالحفايف املقاعد املهملة يف بعض ضياع لبنان املهجورة .النافورة عالها الصدأ من هجران املياه. ُ الحجرية باتت َمحطّ ًا لرباز الغربان َوت َنك البرية الصدئة ،وأحرف أقوال جربان عىل معظمها غري مقروء .ال مياه تسقسق عشش فيها الغبار والوحل فبات متكآت املقاعد ّ ُ عشش عىل زوايا رأس التمثال تحت التمثال عىل املدخل .الصد ُأ األزرق َّ املبقع الخبيث ّ (موقع مهم جد ًا يف قلب وعىل الياممات الثالث وشلح التفاح وإكليل الدالية .املكان ٌ حزين ومهجور :ال زهر ،ال شجر مورق ًا ،ال مياه ترطّ ب املدخل أو العاصمة واشنطن) ٌ تتسلل تحت الجرس الصغري الواصل رصيف الطريق مبدخل الحديقة. ّ ث يوم الخرضاوين األرزتني ال أخرض يف كل املكان سوى الباقيتني (من أصل ثال ٍ َ َ َ االفتتاح) عىل طرف الحديقة كام لتشهدا عىل أن أرز لبنان باق وال يطاله يباس. يعج باآلالف يوم افتتاحه ،بات بؤر ًة خاوية. هوذا املكان الذي كان ّ جلست فيه خالل إقامتي يف واشنطن املكان الذي كان مثالي ًا للجلوس والتأمل (وكم ُ أُحارض يف جامعة جورجتاون) بات ُسكوت ًا كصمت املقابر. الحديقة التي كانت فخر ًا للبنان ،باتت بقع ًة منسي ًة مهجور ًة عىل قارعة جادة خلت شرييل أمني عن العمل يف لجنة جربان ماساشوستس ،بعدما مات ِب ّل بارودي َوت َّ العاملية. يف طريق العودة ،اقرتح فريد سلامن :ليت السفارة اللبنانية يف واشنطن تنتدِ ب يدرسون يف واشنطن أو ڤريجينيا أو مرييلند ،فيعملون عىل ترميم املكان طالب ًا لبنانيني ُ
159
1 حديقته في واشنطن مهجورة لليباس والغربان
اسرتاحة من جلسات املؤمتر الدويل يف فرتة ٍ مرييلند (كانون األول حول جربان يف جامعة ْ األول )1999اقرتح املحامي فؤاد حنا الضاهر (رئيس لجنة جربان الوطنية) القيام بزيارة اىل حم َست حديقة جربان العامة يف واشنطنَ .ت َّ للفكرة األديبة سلمى الحفار الكزبري ،وكذلك ماريتا لوسن وفريد سلمان أربعتنا يف نهار مشمس فريد سلامن ،فانطلقنا ُ عىل غري عادة واشنطن يف كانون. تاكيس :اىل 3051جادة ماساشوستس يف واشنطن. اإلسالمي يف واشنطن ،بعده السفارة املركز أطل عن يسار الطريق ُ بعد نصف ساعة ّ ُّ الربيطانية ،قربها بيت نائب الرئيس األمريكي آل غور .واىل اليمني بقعة جرداء تتوسطها -ويا للهول!!! -حديق ُة جربان العامة. ما هذا؟ ما هذا الخراب؟ ما هذا اليـباب الجنائزي القاتل؟ أهذه حديقة جربان؟ نرتجل من السيارة ،فيام سلمى الحفار َو َج ْمنا َلحظا ٍ ت -فريد سلامن وأنا -ونحن َّ الكزبري وفؤاد حنا الضاهر يسريان من الرصيف نحو الحديقة التي يزورانها للمرة األوىل.
158
2 جبران العربي ال اللبناني؟! والعريف أمريكي من أصل لبناين. االحتفال يف الجامعة األمريكية (واشنطن)ِّ . ويف الربنامج مداخل ٌة من أستاذ أكادميي أمريكي عن ظاهرة جربان يف أمريكا. العريف الئق ًا يف تقدمياته عموم ًا .لكنه ،عند تقدميه املداخلة عن جربان ،ألقى كان ِّ ختمها بقوله ... :ويكفينا فخر ًا أن يكون الرئيس ِّ مقدم ًة طويل ًة عن صاحب النبيَ أول أديب األمريكي جورج بوش ّ دشن شخصي ًا يف واشنطن حديقة جربان الذي هو ُ اسمه حديق ٌة رسمية أمريكية. أمريكي من أصل عريب تحمل َ العريف لـابن طبع ًا ّ صفق الجمهور (ومعظمه أمريكي) لهذا املدح يكيله ِّ بالده. يقدمني إىل عند نهاية االحتفال طلبت من صديقي ،الذي دعاين إىل الحضور ،أن ّ ُ مغال َط َتني يف مقدمته :بأن جربان ليس عربي ًا وال العريف ففعل .وما كدت ْأل ِف ُت ُه إىل َ ِّ انفلش يف ُمحارضة طاووسية متعالية مدافع ًا عن وجهة حتى لبناين، لكنه ا أمريكي ً َ الضيق األعمى؟ عظم ُة جربان نظره وختمها بقوله :متى تنتهون من هذا ُّ التعصب ِّ أنه تخطاكم وتخطى هذه العصبية املحدودة. محارضته حتى إذا انتهى من الدفاع عن رأيه، حملني االحرتام عىل اإلصغاء إىل ُ ُ رسن هذا الهذر ،شاعر ًا أنني بكالمي إليه أخاطب رد ْد ُت عليه بـمحارضة مامثلة ُت َخ ِ َ كثريين يقعون يف املغالطة نفسها سهو ًا أو اعتياد ًا أو ...عمد ًا. وتوضيح ًا: إن جربان ليس أمريكي ًا من أصل لبناين كام يقول البعض بكل عفوية أو سذاجة. وليس أمريكي ًا من أصل عريب كام يقول البعض عن اعتياد أو سياق موجة أو... دولة يف املنطقة العربية. أي ٍ دس .فـالعريب قد تعني أنه من ّ
161
والسهر عليه ،ويتقاضون أتعابهم متام ًا كام لو كانوا وإعادة تنشيطه ثم يتبادلون العناية به َ ِجاري أو أي مؤسسة يتقاضون منها راتب ًا لتأمني معيشتهم. يعملون يف مطعمٍ أو َم ٍّ حل ت ٍّ عرجنا عىل مركز تجاري ضخم .وفيام فؤاد وسلمى قبل العودة اىل جامعة ْ مرييلندّ ، دخلنا فريد وأنا اىل مكتبة صغرية يف املركز يتفقدان املحال لرشاء هدايا امليالدْ ، ّ ّ تتوان ثاني ًة واحد ًة فبادرت الصبية عىل املدخل :أريد كتاب النبي من فضلك .ومل َ ُ بنسختني :أيهام تريد :الحجم الصغري وعادت املكتبة زاوية يف رف اىل انربت حتى ٍّ َ العام يف الباحة خارج ًا حيث جلسنا، اشرتيت أم الوسط؟. َ ُ النسختني .وعىل املقعد ّ فتحت نسخة الحجم الوسط فإذا هي الطبعة 138تاريخ ،1998ونسخة الحجم الصغري ُ فإذا هي الطبعة 143تاريخ .1999 حدي فابتسم ِبحزن :طبع ٌة هي الـ ،138واألخرى هي الـ،143 التفت اىل فريد ّ ُّ ترتدد َلحظ ًة واحد ًة كي تسألنا عن املؤلف أو تستفرس عن الكتاب .لحظ ٌة وصبي ٌة مل َّ َّ وانربت تأتيك بالكتاب .تعرفه جيد ًا .ألنها يومي ًا تستقبل من يطلبه منها. جر ُش فكر ًة واحدة :جربان يف أمريكا هو يف طريقنا إىل جامعة ْ مرييلند كان رأيس َي ُ األكثر مبيع ًا ،ويف الرشق ،عامل اللغة العربيةَ ،تمنع مرص كتابه النبي ،ويف وطنه ب تربوي يورد َّنصي الزواج واألبناء تصدرا يف كتا ٍ لبنان َيمنعون لوحتني منه أن ُ يتحرك يف واشنطن إلنقاذ مهابة حديقته العامة. من كتاب النبي ،وال َمن ّ ويح ُد ُس به. ُّ كل ذلك كان يعرفه جربان ْ كيف؟ ها هو قبل سبعني عام ًا (َ )1929كتب :لكم لبنانكم ويل لبناين. حد ُسه صائب ًا . وكان ْ واشنطن
* النهار2000/1/6 -
دعم لجنة حديقة * يقتيض الوفاء ،إنصاف ًاْ ،ذكر ّأن السفري اللبناين الحايل يف واشنطن أنطوان شديد َ ُ جربان العامة عىل إطالق حملة ،تعاون ًا مع دائرة الحدائق العامة يف واشنطن ،واملؤسسة العربية األمريكية للسالم ،لرتميم حديقة جربان وإعادتها إىل ما كانت عليهَ ،وت ّم إعالن ذلك خالل احتفال يف الحديقة نفسها نهار الخميس 5أيار ،2011حرضه أعضاء من مؤسيس لجنة الحديقة ،ووزير النقل املهتمني. اللبناين األصل راي لحود وسفري لبنان يف واشنطن أنطوان شديد وحشد من ّ
160
قبول أن يقال عن جربان إنه أمريكي من أصل عريب عوض فلامذا عىل لبنان ُ القول إنه لبناين عاش يف أمريكا؟ حتى الرئيس جورج بوش مل َي ُق ْلها يف خطابه .مل يقل إن جربان عريب ومل يقل إنه أمريكي .قال إنه من بالد األرز الخالد ،وأُحيطت الحديقة بثالث شجرات أرز من لبنان. حتى جربان نفسه مل َي ُق ْلها .كتب عن أمريكا واألمريكيني بكل وفاء ونبل وامتنان، شغف وشوق ومل يذكر يف سطر واحد أن أمريكا هي وطنه .وكتب عن لبنان بكل َ ونوستالجيا وجنون ومل ُي ْع ِط لبنان هوية أخرى غري لبنانية .وأكثر :يف عز سلطة األمرباطورية العثامنية كتب صارخ ًا :أنا لبناين ويل الفخر بذلك ،ولست عثامني ًا ويل الفخر بذلك أيض ًا. كان جربان يعرف متام ًا أن الهوية تعادل الحياة ،ومن دونها ال حياة. لذا حني أرسلت إليه ماري هاسكل مخطوطة املجنون )1918( بعدما ْأجرت ه ّمي اليوم لبنان ،وشعبي عليها ما استنسب ْته من تصحيحات ،أجابها يف حزن شديدَ : َ يف لبنان ،واملجاعة التي هناك يف هذه الحرب الرشسة .ال أفكر اآلن يف كتابايت عىل اإلطالق. تعلق جربان بلبنان يف ما ميلك عليه قلبه وأكثر من مرة تشري ماري يف مذكراتها إىل ُّ ومشاعره. وباربره يونغ رفيقة السبع السنوات األخرية من حياته ،يوم وضعت كتابها عنه، َع ْن َو َن ْت ُه هذا الرجل من لبنان ،ألنها كانت تعرف َت َع ُّل َقه بلبنان. النحات البوسطني خليل جربان كتابه البيوغرايف خليل جربان :حياته وحني كتب ّ لبنان وعامله( وهو رافقه يف سريته يوم ًا فيوم ًا) ،كان دائم اإلشارة إىل ما كان يعني ُ لجربان. عىل ّأن جربان نفسه ،مع كل ما يف قلبه للبنان ،حني رأى ما يفعله السياسيون بلبنانه وإىل أين سيقودونه باستسالمهم واستزالمهم ومؤامراتهم اليوضاسية وكيف يسعون ٍ وتجزيء ،أطلق رصخته الشهرية :لبنانكم ينفصل آن ًا وإلحاق وفص ٍل ٍ بلبنان إىل َض ٍّم ْ عن سورية ويتصل بها آونة ثم َيحتال عىل طرفيه ليكون بني معقود ومحلول .أما لبناين حلها األيام، فال يتصل وال ينفصل وال يتفوق وال يتصاغر .لبنانكم عقدة سياسية تحاول َّ أما لبناين فتلول تتعاىل بهيبة وجالل نحو ازرقاق السامء.)1920(
163
أوال وأخري ًا وبني بني. لبناين عاش يف أمريكا .هكذا يف كل بساطة .إنه لبناين ً جربان ّ والدليل يأتينا منه شخصي ًا :فهو أمىض حياته يف بوسطن ونيويورك مكتفي ًا بحمل يتقدم بطلب الحصول بطاقة اإلقامة الدائمة (املعروفة اليوم بالـغرين كارد )ومل َّ تورده ماري هاسكل يف مذكراتها ،وتجيء عىل ذكره عىل الجنسية األمريكية (وهذا ما ُ باربره يونغ ،وهام أقرب امرأتني إىل حياة جربان). إذ ًا هو أمىض حياته وال جنسية معه إال واحدة :الهوية اللبنانية. وبعضها وهو ليس عربي ًا عاش يف أمريكا ،كام تتداول بعضها معذور ُ وسائل إعالمٍ ُ ُ األم. مأجور .فـعر ِب ٌّي كلمة عامة تنفي انتسابه إىل بلده األصيل وأرضه ّ لكن لغة الكتابة ال تعطي هوية الكاتب :روبرت كتب يف العربية ّ صحيح أنه َ تتخلى عنه أمريكا وترىض فروست ،شاعر أمريكا العظيم ،كتب يف اإلنكليزية .فهل ّ تتخلى عنه إنكلرتا بالتعريف عنه أنه إنكليزي؟ وشكسپري كتب يف اإلنكليزية .فهل ّ وتعرف عنه أنه أمريكي ل ُِمجرد أن األمريكان يكتبون يف اإلنكليزية؟ ّ لبنان هو لبنان ،ولو هو جغرافي ًا يف منظومة الدول العربية .فلامذا إعطاؤه هوية قائال :الحرب األهلية اللبنانية ال السيئات يتنطَّ ح البعض ً املحيط السيايس؟ وملاذا يف ِّ الحرب األهلية العربية ،حتى إذا جاء الكالم عىل اإليجابيات املضيئة نزعوا عن لبنان لبنانيته ليصبح جربان أمريكي ًا من أصل عريب؟ ّ لبنان يف العامل العريب؟ فهمنا. لبنان يف آسيا؟ صحيح. يدشن حديق ًة يف واشنطن عىل هذه فرنسا يف قلب أوروپا .فلو كان الرئيس بوش ِّ يدشن أول حديقة يف أمريكا قول بوش إنه ّ اسم ڤيكتور هوغو ،هل ترىض فرنسا َ لشاعر أوروپّي؟ عز توحيد أوروپا وإلغاء الحواجز تتهيأ لتلعب الدور الريادي يف ّ وهذه أملانيا التي ّ والجامرك وتوحيد العملة ،هل ترىض بأن يدشن الرئيس األمريكي حديقة يف واشنطن عىل اسم غوته ويقول إنها حديقة شاعر أوروپّي إكرام ًا ُلدعاة الوحدة األوروپية؟ املسترشق الفرنيس هنري پري عاش 63عام ًا يف الواليات املتحدة أستاذ ًا يف كربى وظل فرنسي ًا عاش يف أمريكا .ويف جامعاتها (بينها جامعة نيويورك وجامعة ييل) ّ حفلة تأبينه ( )1988قال صديقه پيار برودان :إنه رائد اإلرث الفرنيس يف أمريكا خالل هذا القرن.
162
165
ب؟ إنعزالية؟ تعص ٌ قوقع ٌة هذه؟ ُّ حني نال ديريك والكوت جائزة نوبل لألدب (َ ،)1992أص َّر عىل اعتزازه ببالده ت يف األطلس ويف املوسوعات عن بالده عىل الخريطة (سانتا لوتشيا) .وحني َب ْ حث ُ ت أن هذه الـسانتا لوتشيا هي جزيرة صغرية يف الهند الغربية ،جنويب ْ اكتشف ُ مستقل يف منظمة املارتينيك ،كانت يف السابق مستعمرة بريطانية ،وهي اليوم عضو ٌّ مساحتها 606كلم مربع ،عدد سكانها 122ألف نسمة ،عاصمتها كاسرتيز، الكومن ِولث، ُ ْ مدينة بحرية فيها مرفأ صغري ،عدد سكانها 4354نسمة. لبنان للعامل ،أبى أن ومع أن بالده أصغر من بلدية لبنانية ومل ُت ِ عط العامل ما أعطاه ُ بقي يقال عنه إنه من الهند الغربية .ومع أنه عاش يف أمريكا وحمل الجنسية األمريكيةَ ، عىل االنتامء إىل بالده األم :جزيرته الصغرية سانتا لوتشيا. ولغطها بعبارات هذا االنتامء عرفه جربان وبقي عىل إرصاره غري آ ِب ٍه لردود الفعل ْ والتعصب وعدم االنفتاح .كان يعرف أن الشمولية والوطنية االنعزال والقوقعة ُّ والقومية والعاملية تبدأ من االنتساب إىل الجذور املحلية األوىل ،ومن هناك تأخذ التشعب. َ بالتش ُّعب ِو ْس َعام ينفتح لصاحبها ُّ إميان واحد :لبنان. وظل عىل ٍ كل هذاّ ، عرف جربان ّ وبذلك كان مواطن ًا عاملي ًا من لبنان. واشنطن
صور لجربان سنة 1929بكامريا ألفرد كنوف ( 16مم) وهو الفيلم املتحرك الوحيد الذي يظهر فيه جربان
النهار1993/7/28 -
164
شدد عىل َّأن جربان ْال ُمشارك للمرة األوىل يف مؤمت ٍر عن ٍ شخصية غري أمريكيةَّ ، تجاربه مهاجر ًا لبناني ًا ّاتخذ األرض األمريكية مسكن ًا استمد أعامله من يف حياته ِ ّ حلول لِمشاكل ثقافية وإنسانية، صمته وخالصة تجاربه إىل وضع ٍ وتوصل يف ْ لهَّ ، ويوحد البرش وعي فريدٍ لِعاملٍ جديدٍ يكرس الحواجز بني الرشق والغربِّ ، َ فصهرها يف ٍ العولمة السائدة اليوم ،بكتاباته -قبل ثالثة أرباع يف عاملٍ واحد .وهو سبق نظرية َ القرن -عن وحدة البرش والتواصل الروحي واملواطنية الشاملة وتوحيد الجنس قالئل من شعراء العامل. البرشي ،ما مل ْ يبلغ ُه ّإال ُ شدد ممثل األونسكو يف املؤمتر فرانك ميتود (مدير مكتب األونسكو يف واشنطن) َّ العولمة ،حني رشح هدف األونسكو يف جعل عام عىل أسبقية جربان يف الدعوة اىل َ مية 2000السنة الدولية لثقافة السالم بسلسة أنشطة ُتجمِ ُع عىل إنشاء عال ٍ ٍ حركة َ شاملة نحو ثقافة السالم .وجربان ،عىل ما قال ميتود ،من أبرز شعراء العامل اليوم يف ٍ عمم فكرة الجمع بني روحانية الرشق ومادية الغرب ،يف جمع ثقافة السالم ،هو الذي َّ انصها ٍر واحد لعاملٍ واحد يعيش يف كنف السالم. مرييلند) وهذا ما ّركز عليه إرنست ولسون (مدير مركز اإلمناء الدويل يف جامعة ْ طنوس (مديرة فرع لندن ومستشارة املجلس الدويل يف برنامج الدراسات والسيدة ليىل ّ ِّ واألبحاث الجربانية) انطالق ًا من مقولة جربان :ليس الغرب أعىل من الرشق ،وال الغرب أدنى من الرشق .الفارق بينهام ليس أكرب من الفارق بني النمر واألسد. انحصر مع اثنني من كبار شعراء إنكلرتا اليوم :كاثلني راين ِ الشعر يف املؤمتر َ (أكادميية تيمينوس يف لندن) والشاعر واملرسحي فرنسيس وارنر (أستاذ رشف معلمي العرص استمرار ًا ل َِخ ّط يف جامعة كامربدج) .أشارا اىل أن جربان أحد كبار ِّ الراماكريشنا واملهارييش واملهامتا غاندي يف صنع السالم عرب الالعنف ،ويف النظر إىل القوا عىل املسيحية عىل ضوء الصوفية اإلسالمية ،وهو ما أ َْل َه َم كبار شعراء العاملَ ، وقدموا إىل أطلقها أقرب الناس إليهم ،لكنهم َ ذلك ُمحارب ًة َ تعالوا عىل جميع اآلنياتَّ ، قوامها اليوم أساس ثقافة السالمُ ، العصور رغيف الحرية وغذاء الروح ،بأفكا ٍر هي َ ُ وركائزها العدالة والحرية والدميقراطية واإلميان واملنطق املساواة بني الرجل واملرأة، ُ ووحدة األديان والسالم بني الشعوب. وكانت بادرة وفاء من منظّ م املؤمتر سهيل برشوئي تجاه فريد سلامن صاحب وص ْونِه يف السنوات الصعبة من تاريخ لبنان الفضل األكرب عىل بعث إرث جربان َ
167
1 اعتراف أميركي أكاديمي به في مؤتمر دولي (كولدج مرييلند كوكب ُة َ ْ العلامء والخرباء واالختصاصيني واألكادمييني يف مؤمتر جامعة ْ لولب واحد :الدكتور سهيل برشوئي، پارك -كانون األول ،)1999كان وراء دعوتهم ٌ منشئ برنامج الدراسات واألبحاث الجربانية يف الجامعة ،وكريس جربان األكادميي ُ أدخلت جربان يف برامجها الجامعي األول يف الواليات املتحدة التي مل تكن ،حتئذٍ َ ، األكادميية ومناهجها التعليمية رسمي ًا. قيام كان يلزم ،كي يكتمل املشهد الجرباين رسمي ًا عىل الصعيد األكادميي األمريكيُ ، يتكرس جربان دولي ًا مكر ُسون من العامل حتى َّ مؤمتر دويل يشارك فيه أكادمييون َّ ب شخصي ًة أدبي ًة أمريكية من لبنان ،ويدخل بعدها يف مناهج جامعية ويف دراسات وكت ٍ مؤلفني أمريكيني غري أكادمييني. اقترص معظمها حتى اليوم عىل ّ املؤمتر الدويل األول حول جربان يف موضوع جربان شاعر ثقافة السالم ،جاء انسياق ًا مع إعالن منظمة األونسكو عام 2000السنة العاملية لثقافة السالم. حرم يف هذا اإلطار التأمت يف 14جلسة مدى أربعة أيام ( 12 -9كانون األول) يف َ مرييلند 15جلس ًة أكادميي ًة وأدبية وشعرية وفنية ،عن جربان ،أو من جربان، جامعة ْ أو مقاربات شخصية وأدبية وتشكيلية لجربان. مرييلند) غولدِ ْشتاين (عميد كلية العلوم االجتامعية يف جامعة الدكتور إروين ْ ْ ترك ُه جربان يف كتاباته ولوحاته ملاليـني قرأوا كتبه وما َّركز عىل عظيم اإلرث الذي َ جميع الشعوب من مختلف الثقافات زالوا ،متأثِّ رين بأفكاره التوحيدية الصاهر ِة َ تداوال وقراء ًة يف العامل. والحضارات ،حتى أن كتابه النبي هو اليوم بني أكثر الكتب ً مرييلند للشؤون األكادميية) الپروفسور غريغوري ِج ْف ُر ْو ْي (نائب رئيس جامعة ْ
166
2 شاعر ثقافة السالم حني اتصل يب الدكتور سهيل برشوئي ألشارك يف املؤمتر األول للدراسات أنت الجربانية ،بادرين يف اختصار: َ كشاع ٍر من لبنان ،ماذا أعطاك جربان وما الذي ال يزال يعطيك؟. شاركت يف ندوة ُرباعية أدارها ُ الشاعر االنكليزي فرنسيس وارن، ت فيها ثالث كاتبات يعِ ْشن يف تحد َث ْ ّ جربان يف الربية الواليات املتحدة :كاثرين عبدالباقي، مريم قاسم السعد ،ومي الريحاين. ت فيه ما أعطانيه جربان خالل منآي كانت مداخلتي (يف اإلنكليزية) ُأفق ًا َرس ْم ُ املؤقت يف الواليات املتحدة ( )1994 -1988وقبله يف لبنان وبعده .وهنا الرتجمة ص مداخلتي. العربية ل َِن ّ جــبران حكايتي مع ُ
كل يوم يف فكري كيف أ َِج ْي ُء إليه وهو يب؟ وإىل أين أذهب كي أُالقيه وهو يالقيني ّ ُ وذاكريت وأحالم قلمي؟ عنيت أن أقول ،وهو املدى أمامي كيف أقول ما يعنيه يل ،وهو جوهر املعنى ّكلام ُ
169
( )1989 -1973والحفاظ عليه .وهو العامل الرئيس يف تحويل دير مار رسكيس يف لوحة لجربان بعد ترميمها وإصالحها ،ويف إنقاذ كل ٍ برشي متحف ًا عرصي ًا حديث ًا ،وتأريخ ِّ ّ وصيانة آالف الصفحات املخطوطة بقلم جربان .منحه برشوئي (باسم املؤمتر الدويل األول) جائزة جربان الدولية األوىل. وكانت بليغ ًة كلمة فريد سلامن شاكر ًا :يف بالدي ،بالد األرض القدميةُ ،يقال: بعد يف وطنه .الذي عىل أرض نبي ُي َك َّرم يف وطنه .وهكذا جربان :ليس نبي ًا ُ ال َّ ضد الظلم والقهر والعبودية يف وطنه ،حيث جربان آخر، العربية اليوم ٌ ُ جربان الثائر َّ تسحق كرامة اإلنسان ،وال يزال إقطاعيو بالد ال تزال إقطاعي ٌة دينية وسياسية ُ نبيه .يف الواليات املتحدة ،هذا الشطر اآلخر من العربية ُي ِّ كتبه ويطاردون ّ حرمون َ النبي الذي َّكرس حياته لهناءة الروح ولد جربان َ ُ العاملُ ، اآلخر الذي ِّ نكرمه اليومّ ، يف املجتمع الجديد من العامل الجديد .هنا أطلق جربان ثورته الجديدة من معادلته الثالثية :العالقة مع الذات ،العالقة مع اهلل ،العالقة مع اآلخر ،مستعري ًا من يسوعِ ِـه السامية وحد َة الوجود والتجريدية ،من اليونانية الحكم َة ،من الرشق ب ،من الح َّ ُ ّ الخاصة الذاكر َة واملوهبة .لوال أمريكا َلام الروحاني َة ،من أمريكا الحري َة ،ومن ِجيناته ِ كان جربان ما هو اليوم عليهَ ،ول َما وصل إلينا جربان الذي نعرفه كام ْبتنا نعرفه. مرييلند جال املشاركون عىل معرض جمع 154صورة فوتوغرافية قبل مغادرة جامعة ْ تنقل سنة ( 1983مئوية والدة جديدة وقدمية من حياة جربان وأعامله ،وهو معرض جوال ّ عمان وبريوت وپاريس وشيكاغو ولندن وأكسفورد وواشنطن وصنعاء ،ثم جربان) اىل ّ إىل ساو پاولو ( ،)1985ونيويورك ( ،)1989ولندن ُم َج َّدد ًا ( ،)1991وزوريخ (،)1994 مرييلند. وباريس ُم َج ّدد ًا (َ ،)1996لي ُح ّط سنة 1999عند مؤمتر جربان الدويل يف جامعة ْ كتابني يف االنكليزية صدرا حديث ًا عن منشورات العامل وحمل املؤمترون معهم َ الواحد يف أُكسفورد :رسائل الحب بني جربان ومي زيادة( ترجمة وتحقيق سهيل برشوئي وسلمى الحفار الكزبري) ،وجربان الرجل والشاعر :سرية جديدة للدكتورين سهيل برشوئي وجو جنكينز. مرييلند كولدْ ج پارك- ْ
* النهار1999/12/29 -
168
ماري ( 325رسالة) وجميع رسائلها اليه ( 290رسالة) ،إضافة اىل 47دفرت ًا هي أمكنني القول مذكرات ماري هاسكل الشخصية .ومن هذه الدفاتر وتلك الرسائل َ َّإن َمن مل َيطَّ لِع عليها ،مل َير من جربان ّإال الجزء القليل. أفهم شمولية هذا هو َ العالم الذي َّقدمني اىل جربان وأنا يف الواليات املتحدة كي َ سكنه يف نيويورك، سكنه يف بوسطنَ ، وعال ّمية تفكريه .وهي ذي َمحطايت معهَ : فكره َ قراءيت رسائله ورسائل ماري هاسكل ،قراءيت مذكرات ماري هاسكل ،اطّ العي عىل كتاب َ النحات البوسطني خليل جربان ،قراءيت كتاب باربره يونغ هذا الرجل من لبنان. شغ َلني جربان وأنا يف الواليات املتحدة ،كأنني قبلها مل أكن أعرفه إال اىل هذا الحد َ غالف ًا أو عنوان ًا كبري ًا. وثالثتها العالم األمريكي جعلني أفهم َ هذا َ ثالث فرص يف حياة جربان َو َس َمت حياتهُ ، مربوط ٌة ِب َخيط واحد أ َّو ُله وآخِ ُره امرأ ٌة واحدة :جييس ْف ِرميونت ِبيل .هذه املرأة َّقد َمت إليه فرصته األوىلَ :ج َع َل ْته يلتقي ْف ِر ْد هوالند داي يف 9كانون األول 1896 فشجعه عىل الرسم َّ ونـمى والتصوير َّ الفنية فيه قدراته الدعوة إىل أول معرض للوحات جربان يف محرتف داي ( 30نيسان إىل 10أيار )1904 وأقام له يف ُمحرتفه الخاص يف بوسطن أول معرض لرسومه يف 30نيسان .1904وبإقامته ذاك املعرض فتح داي لجربان الفرصة الثانية :أن تأيت اىل املعرض يف يومه األخري َ ( 10أيار) ماري هاسكل ،املرأة التي منذ ذاك اليوم َّغيرت َمجرى حياة جربان .ومن تشجيعها إياه عىل الكتابة باإلنكليزيةَ ،فت َحت له الفرصة الثالثة الكربى يف حياته :أن يلتقي يف 26أيار 1918النارش األمريكي الشاب ألفرد كنوف لينرش له يف العام نفسه وإميان كتابه املجنون( بعدما كان َر َف َضه النارش ماكميالن) .ومن صداقته مع كنوف ِ وضع جربان كتاب السابق،)1920( هذا النارش الشاب به ِّ وحثه عىل تأليفه كتاب ًا ثاني ًاَ ، وأ َْل َح َق ُه ( )1923برائعته الخالدة :النبي الذي أطلق شهرة جربان العاملية.
171
أي مدى؟ كلام ُ هممت بالسري اىل ِّ ضالع يب يف سريته اليومية الذاتية أدبه لكنني وا ٍع كم هو ٌ ال أعرف كم أثَّ ر يب ُ َقض يف الواليات املتحدة سوى ُس ْدس ما قضاه وشخصيته الالفتة مع اآلخرين .فأنا مل أ ِ جئت عمقي ًا مثلام ُ فهمته حني ُ (قىض 36سنة وقضيت ست سنوات) ومع ذلك مل أفهمه ّ عاي َنه. اىل الواليات املتحدة، وعاين ُ وعانيت ما عاناه ْ ُ ت ما َ عشت يف الواليات بطريقة ،وبعدما كنت أفهمه ٍ ُ قبل َمجيئي اىل الواليات املتحدة ُ بقدرما كان يطبعني. فهم ُته بطريقة أخرى ،بطريقة أقرب ،أوضح ،ألنه شغلني ْ املتحدة ْ حرصت أن أزور معظم األماكن التي عاش فيها. فور َمجيئي اىل الواليات املتحدة ُ زرت الشارع حيث عاش ،ومكان تجولت مشي ًا يف مانهاتن ،يف ْ الـغرينتش ڤيلدجُ ، ُ ٍ كل مساء اىل خي ْل ُته كيف كان يعود َّ املبنى حيث سكن ( 51الشارع العارش غرب ًا)َ ،وت َّ يتسلق درجه الخشبي العتيق ،اىل الطابق الثالث من ذلك املبنى ،مبنى الفناننيّ ، سماه أصدقاؤه ُم ٍ حرتف أمىض فيه 20سنة متواصلة ( )1931 -1911مرتاح ًا إليه حتى َّ وزرت مستشفى القديس ڤنسنت قريب ًا من بيته ،عند تقاطع الشارع الصومعة. ُ الحادي عرش غرب ًا ،وفيه الغرفة 31٦يف الطابق الثالث حيث أسلم الروح عند الحادية عرشة إال عرش دقائق من ليل الجمعة 10نيسان .1931 شقة اىل متتبع ًا سريته فيها شارع ًا شارع ًا حيث عاش وانتقل من ّ ُ وزرت بوسطن ّ وزرت مدرسة ماري هاسكل يف املبنى 314من شارع مارلبورو يف بوسطن، شقة، ّ ُ ووقفت دقائق عىل َمحطة وتتبعت ماري هاسكل حتى بيتها يف ساڤانا (جورجيا)، ُ ّ تسلمِ ها برقية مريانا بوفاة جربان .ويف انطلقت اىل نيويورك عند ُّ القطار التي منها َ أودعت ماري هاسكل َمجموعتها ساڤانا زرت أكادمييا تلفري للفنون والعلوم حيث َ ُعاينها لوح ًة لوح ًة ،مام ليس موجود ًا يف الخاصة من لوحات جربان فتسنى يل أن أ َ برشي. متحفه يف ّ النحات خليل جربان الذي وضع ،مع زوجته جني ،كتابه البيوغرايف ويف بوسطن ُ زرت ّ وجلست إليه أربع ساعات أعطاين خاللها مالمح الرائع خليل جربان :حياته وعامله، ُ ت عىل بعض مل أكن أعرفها عن جربان، الناي الخاص بجربان ،واطَّ َل ْع ُ ُ وأمسكت بيدي َ أغراضه الباقية مام جمعه نسيبه النحات. أمضيت يف جامعة دعيت عام 1992إللقاء ُمحارضة يف نورث كاروالينا، وحني ُ ُ عاينت خالله جميع رسائل جربان اىل كامال نورث كاروالينا( تشاپل ِه ّل) نهار ًا ً ُ
170
يوحدون العامل من هنا كانت رسالته َ عالمية شمولية ،كام كبار الشعراء يف العاملِّ ، ب بكلمة، بقصيد ٍة، ٍ ٍ كل ع ٍ كل مكان ،يف ّ برسالة اىل اإلنسان يف ّ رص وزمان .وألنه َك َت َ لغة كل ٍ وكل زمان ،راجت كتبه يف جميع اللغات َ لكل ع ٍ العالمية الحية ،ألن قراء ّ رص ّ ّ يشعرون ّأن كالمه يعنيهم. دين للمرأة بكل ما هو أنا ،وأَبقى املرأة يف أنقى طبعني بإعالنه أنا َم ٌ وهو َ وأخذت عنه َّأن املرأة فأخذ ُت عنه أن وجه أ ُّمي وجه أمتي، الش َعلْ ، املراتب وأرقى ُّ ُ وأن الرحم هي املصدر األول اهلل َت َج َّس َد يف اإلنسان والطبيعة واألرض والقصيدةَّ ، هي ُ واملرجع األخري. الحب االنساين األكرب ،املتعايل عن اآلنيات الحب، طبعني بدعوته اىل ّ ّ وهو َ موشح ًا باالحرتام والعشق الكلي الحب الذي فيه والدونيات، االنرصاف ّ الكيل َّ ُ ُ ّ ّ بق إال مالمح الجسد وال جسد ،أنوثة والكرامة، الحب الذي َم َش َح به َ لوحته فلم َي َ ّ وق دائم، تتامهى بالرجولة، وأجساد تتعانق يف رؤيا هيوالنية ترتفع اىل اهلل يف َت ٍ ٌ ذات طابع كل َ فانترش ْت لوحاته يف العامل ،لغ ًة تشكيلي ًة َ العالم ،ولو انها ُ يفهمها ُّ عالمية ُ َ وعالم خاص. خاص َ طبعني بقدرته عىل االخرتاق :اخرتاق اللغة واخرتاق الحدود .اخرتق وهو َ تألفه العربية قبله ،جمع السالسة اىل العربية بأسلوب خاص ،أسلوب جديد ،مل ْ زمن كان يشهد خمول السهولة ،والخيال اىل العاطفة ،فأحدث صدم ًة إيجابية يف ٍ االنكليزية بشفافية خاصة مل تكن يف تقليد اللغة وتضعضع أدبها ،واخرتق اللغة ُ ّ األمريكية ،فسلب انتباه القراء منذ الطّ بعات األوىل لكتبه ،وراج كام مل يـ َُـر ْج كاتب رسالته ،فإذا كتابه النبي اليوم أوسع بث يف عرصه .بتلك اللغة األمريكية الحية َّ َ الكتب انتشار ًا يف العامل . بقيت مستوحا ًة َ وطبعني ،أنا الشاعر من بالده ومن الرشق ،بأن حياته وأعامله َ لكن كمهاجر يف ٍ أرض اختارها وطن ًا له ،وطن ًا احرتمه فبادله الوفاءّ ، من تجاربه ُ ظل لوطنه األول ،بدليل أنه مل يشأ أن يطلب الجنسية األمريكية فاكتفى والءه ّ ومات وهو ال يحمل إال جنسيته اللبنانية ،كام روت ماري ببطاقة اإلقامة الدائمة، َ العالمية هاسكل يف ّ مذكراتها .غري أنه مل يتقوقع يف لبنانيته بل ّاتسع اىل املواطنية َ متميز ًا كرس الحدود َ فعالج املشاكل الثقافية واالنسانية ،ونرش يف كتاباته وعي ًا فريد ًا ِّ بني الرشق والغرب.
173
رميونت ِبيل التي كانت أول الخيط (حني ثالث فرص َتدين لسيد ٍة واحدة :جييس ْف ْ ك َتبت اىل هوالند داي يف 25ترشين الثاين 1895تطلب منه أن يستقبل فتى يدعى كتبت اىل نفسها َ خليل جربان ،وأن يساعد يف تعليمه) ،وكانت هي ُ آخر الخيط (حني َ تذكره بـذاك الولد هوالند داي نفسه يف 11كانون الثاين 1932بعد موت جربانِّ ، الذي َّقد ُمته إليك قبل 36عام ًا ،وهو اليوم بات شاعر ًا كبري ًا.) مي شمويل إنساين. ث هذه الفرص الثالث يف حياة جربان َّأس َست إلر ٍ جرباين َ ّ عال ّ ُ طب َع ْتني يف حياة جربان حتى َلهي ُم َؤثِّ ر ٌة يب رمبا أكثر من أدب وهذه هي السرية التي َ جربان نفسه .فجربان مل يهندِ ْس حياته وحسب ،بل عرف كيف ُي ّهيئ موته كام هو يريدُ ،وي ّهيئ شهرته بعد موته كام هو ُيخطط ،وها نحن نتحدث عنه بعد 68عام ًا عىل نتحدث عنه اليوم وقبل اليوم وكل يوم. غيابه ،كأمنا ٍ بتخطيط منه ل َِما يريدنا هو أن َّ هو هذا ما يؤثِّ ر يب ،كشاع ٍر ،يف سرية جربان الذي أخذ عن الحياة األمريكية كيف يصمم حياته :برسائله ،بالرسائل إليه ،مبذكرات ماري هاسكل التي يعرف أنها ّ تكتبها فكان ،من حيث ال تشعر أنه يقصد ،يجعلها تكتب عنه ما يريدها هو أن تقول فيه ،كي تبقى بعدها لألجيال التالية صورة يريدها هو أن تكون له. طبعني يف حياته :حنينه الدائم اىل الجذور، وهو هذا ،أنا الشاعر من بالده ،ما َ برشي ،ووادي قاديشا ،هو الذي قال لصديقه ميخائيل نعيمه إذ كان جذوره ،اىل ّ يرسمه يف صومعته يف نيويورك نهار 24ترشين الثاين :1922أمنيتي يا ميشا أن أزور وادي األرز قبل أن أموت .وهو عاد إىل وادي األرز ،إمنا من دون النور يف عينيه .مات نبيه املصطفى الذي ،بعد اثنتي متعلق بذلك الحلم الذي َّ وهو ّ حققه -كام نياب ًة ْعنهُّ - فكأن عرشة سن ًة من إقامته يف مدينة أورفليسَّ ،قرر العودة من أورفليس اىل بالدهَّ ، طرف قلمه وهو يكتب النبي. لبنان كان عىل َ العالمية فانطلق من طبعني بأنه ،وهو ّ املتعلق بجذوره ،انفتح عىل آفاق َ كام َ كل كل تراث وتطال ّ جذوره اللبنانية الرتاثية الحضارية اىل عاملية شمولية تعانق ّ أخذت عنه إميانه بتخطِّ ي حدود الوطن الجغرايف اىل الوطن حضارةِ .بهذا املنحى ُ االنساينَ ،وت َخطِّ ي حدود الرتاب اىل وحدة البرش بدون حدود يف ما بينهم ،ووعي مذهب أو دِ ين ،ولذا نادى التواصل الروحي بني الناس ،ال تفصل بينهم طائفة أو ٌ فتوحيد الجنس البرشي طريق مواطن أخوه، وكل باملواطن َ كل ٍ ٍ ُ أرض ُ أرضهُّ ، العالميُّ : صالحته مع الخالق . وم َ اىل وحدة االنسان ُ
172
3 هنيئاً لك أنك من وطن جبران واألرز
جربان فتى مع العصا بكامريا داي ()1898
فتى يرتدي الكفّ ية بكامريا داي ()1898 جربان ً بقيت هذه الصورة ً طويال فوق رسير مريانا َ
مرييلند ،بلباسه الجامعي التقليدي، وقف عميد ّكلية العلوم اإلنسانية يف جامعة ْ الرسمي لتكليفي مهمتي الجديد َة رئيس االتحاد العاملي النص ّ وقرأ عىل الحضور ّ متعهد ًا القيام للدراسات الجربانية يف منطقة لبنان واملرشق .وبعدما ُ رفعت مييني ّ مهنئ ًا باسم مبسؤوليتي هذه عىل أفضل ٍ صافحني العميد ّ وجه ،وانتهى االحتفال بأن َ ورئيس االتحاد ملنطقة أركان الكلية واألساتذة الحارضون، الجامعة ،وتاله يف املصافحة ُ ُ ت أمريكا وأوروبا تقد َم ْ مرييلند الدكتور سهيل برشوئيّ ، مؤسس منرب جربان يف جامعة ْ ُ سيد ٌة َع َّرفتني إليها بـالدكتورة باربره تومسون ،أستاذ ُة اإلنسانيات يف الجامعة، مني ّ والدتها يف والية كونيتيكت ،مهنئ ًة إياها ِبعيدِ ميالدها لتخربين أنها كانت يوم ًا تزور َ الثامنني ،فباحت لها الوالدة أنها ّربتها عىل مبادئ هذا الكتاب الصغري هناك يف املكتبة. أخذت ذاك الكتاب الصغري هناك من بني الكتب، بادرت باربره إىل مكتبة والدتهاَ ،
175
العال َمانَ :ج َم َع روحانية الرشق اىل مادية الغرب فأعطى هكذا تالقى يف كتاباته َ الغرب نكهة جديد ًة وأعطى الرشق جرع َة تفك ٍري غريب كان َيحتاجه َلص ْحوته من شح َنه جربان من أفكا ِر املساواة بني الرجل واملرأة ،والعدالة، ظالمه الطويل ،مبا َ والحرية ،والدميقراطية ،واإلميان ،واملنطق ،والبيئة والحفاظ عليها ،والسالم العالمي ووحدة األديان. َ العولمة قبل أكثر من نصف قرن حدث عن َ وحدة العامل! َ عولم ُة السالم! كأنه َت ّ ووطن كوين رؤيت ُه ل عىل انطالقها يف قاموس العامل .لهذه ّكلها عاش ،فكانت له ُ ٍ ِمجتمع ّ ٍ شمويل ،وكان ذا رؤيا يف رسالته الشاعرية. مي ومواطن َ ّ عال ّ التطلع وها َنحن اليوم َنجتمع هنا حول إرثهَ ،نرى إليه من الزاويتني: ُّ ونستعيد معه املايض كي واالستعادة ،فيتصالح فيه الزمانان :املايض واملستقبل، ُ مساحة واحدة ُممتد ٍة بني اإلنسان واإلنسان ،ألنه عرف نسترشف املستقبل ،يف ٍ وصوال اىل السيادة االنسانية. كيف َيحرتم مساحات اآلخرين ً وطن الثقافة لبنان وجربان مع ًاُ : جمعنا هنا ُ لبنان ُ هكذا ال تعود مصادف ًة أن َي َ عشية سنة 2000التي جعلتها منظّ مة شاعـر وجربان والسالم، ِ ُ ُ ثقافة السالمّ ، العال ّمية لثقافة السالم. األونسكو السنة َ هذا الحوار الروحي حول ْإرث جربان ،أَحمله إليكم من لبنان الذي شاءت األونسكو عاصمته بريوت عاصمة ثقافية للعامل العريب عن سنة ،1999وها هو يطل عىل العالمية لثقافة السالمُ ،ويهدي اىل العامل جربان الذي السنة 2000سنة األونسكو َ رسم بكتاباته السالم العاملي الكوين الشامل. وحسب ،بل هو ُ سعادتنا ّأن هذا املؤمتر ليس تكرمي ًا لجربان وال اسرتجاع ًا لذكراه ْ العالم ف َ تعم ٌق يف إرث جربان الذي جمع يف كتاباته ولوحاته ثقاف ًة ُشمولي ًة للسالم َت ُل ّ ُّ لتجعله واح ًة واحد ًة من إنسانية االنسان. َ أكون من هو هذا ،أنا الشاعر ،ما أعطاين جربان بشخصه وكتاباته ولوحاته :أن َ عالمي ًا العالم ُمواطن ًا َ ُطل عىل َ لبنان دون أن أَتقوقع َمحصور ًا يف حدود بالدي ،بل أَن أ ّ وطن يؤمن بالثقافة ويعمل من لبنانً ، كل ٍ حامال ثقاف َة السالم رسال ًة من وطني اىل ّ عىل رسالة السالم. * النهار٢٠٠٠/١/٦ -
174
كولدْ ج پارك -مرييلند
العالم العالم من إيطاليا مؤسسة عىل اسم دانته شاعر إيطاليا العظيم ،ويف دول َ َ موزع ًة عىل موزع ٌة عىل َ العالم تحمل أسامء عباقرة تلك الدول َّ مؤسسات ثقافية كربى ّ العالم تخليد ًا ملبدعيها ،من پوشكني إىل موزار إىل بيتهوڤن إىل شوپان إىل سائر دول َ العباقرة ،فكيف ُيمكن ّأال يكون للبنان يف دول العامل مؤسسة ثقافية رسمية عىل اسم جربان ،هو السا ِب ُقنا إىل العامل ،فيكون للبنان الرسمي معهد جربان يف دول العامل، مؤسسة رسمية عىل اسم هذا الذي يف حياته زرع لبنان عىل ُهدب ريشته ولسان قلمه ،ومنذ غاب ما زال يزرع لبنان يف العامل ،مع كل إرشاقة شمس يولد من جديد، يتجدد ذكره الخالد ومع كل صفحة جديدة من طبعة جديدة لكتبه يف بالد جديدةَّ ، وجه لبنان! َّ ويتجدد معه ُ كولدْ ج پارك -مرييلند
* إذاعة صوت لبنان -برنامج نقطة عىل الحرف -الحلقة )2006/5/3( 494
177
رسالة من جربان إىل ْف ِرد هولند داي ( 18أيلول )1898
ْف ِرد هو ِلند داي الفنان الخليع
وطلبت منها الوالدة أن تقرأ لها فصل األوالد، فإذا به كتاب النبي لجربانَ . ففعلت االبنة متأثر ًة شديد ًا مِ ّما َتقرأ. َ كانت باربره قرأَت النبي يف صباها ،ومل تكن تدري أن والدتها متأَثِّ ر ٌة مبا فيه فصول أُخرى من هذا الكتاب الذي يروج وقيمٍ يف فصل األوالد ،ويف من ٍ َ مبادئ َ جيال بعد جيل ،وال يزال كتاب ويتلق ُف ُه القراء ً يف الواليات املتحدة طبع ًة بعد طبعةَّ ، كأن اليوم صدرَّ ، األجيال املتعاقبة ،منذ صدوره قبل اثنني ومثانني عام ًا حتى اليوم ،كأنه َ وصاحبه ّإال حضور ًا. الكتاب صاحبه ال يزال هنا ،كأن املوت مل ي ِزد َ َ
زوج الدكتورة باربره ،رئيس مركز أبحاث الرتاث يف كلية العلوم اإلنسانية لدى جامعة ئك ثالث ًا: مرييلند ،الدكتور پول شاكل كان ُيصغي إىل حديث زوجته ّ أهن َ فعقب عىل كالمهاّ : ْ رئيس اتحاد الدراسات الجربانية يف هذه الجامعة ،ثاني ًا عىل أوال عىل منصبك الجديد بيننا ً َ لبنان جميعنا عىل كتاباته ،وثالث ًا عىل كونك من َ كونك من وطن جربان ،العظيمِ الذي نشأْنا ُ رث ُم ْل ُك العامل. وحده بل هو ِإ ٌ الذي نعرفه وطن األرز الخالد .إن األرز ليس ُم ْلك ًا َ للبنان َ جربان غص ًة يف قلبي أن يكون العامل الجديد َيقدِ ُر أهمي َة َ َ شك ُرتهم عىل التهنئةَ ، وكت ْم ُ ت َّ يأخذهم قادة السياسة إىل فئويات أبناء الجيل الجديد ُ واألرز ،ويف لبنانِ ، وطن جربان واألرزُ ، وحزبيات ومذهبيات واصطفافات وآنيات زائفة زائلة ،ال يعرفون الكثري عن جربان وال عن أهمية اإلرث الذي أعطاناه التاريخ يف هبة األرز.
يف دول العامل من ْألامنيا معهد غوته عىل اسم شاعر أملانيا العظيم ،ويف دول
176
179
من مجموعة ماري هاسكل لدى متحف تلفري يف ساڤانا – جورجيا
178
التوق األكرب – مائية مع القلم الرصاص ( 20.3 × 26.7سنتم)
وجه ماري هاسكل – بالقلم الرصاص ( 26.7 × 36.8سنتم)
الجاثية والطفل – بالقلم الرصاص ( 18.4 × 24.8سنتم)
بدون عنوان – بالقلم الرصاص َّ (وقعها جربان سنة )1919
رجع هذه األصداء. نلملم بعده أصداء هذه الكلمة ،ال الكلمة تنتهي وال ُ استقبلني جوزف أوبرمان (املنتج) وشايال أوديت (مديرة الفرقة يف فيالدلفيا َ وواضعة اإلخراج والكوريغرافيا للعمل) وعدد من أعضاء الفرقة. مطول ،وكانت وثائق تدعم طروحات اإلجتامع. وكان ٌ اجتامع ّ و ...الحكاية من أولها: يف فجر السنة الجديدة ( )1983/1/1أفاقت شايال أوديت من نومها عىل حلمٍ ت ليست يف مألوف جميل رأت فيه وجه ًا جميال غريب ًا ساحر ًا ناداها إليه بإمياءا ٍ ً وجوه الرجال العاديني .طوال ذلك اليوم ،املتقطّ ع باتصاالت أصدقائها وأعضاء فرقتها تتذكر أين رأَت هذا الوجه ،من أين ظلت تحاول أن ّ ومتنياتهم لها بالعام الجديدّ ، تعرفه ،ووجه َمن يكون. هرعت إىل مكتبتِها تبحث عن كتاب. فجأ ًة ،عند املساء ،كام يف لحظة إيحاءَ ، وجد ْته. مل ُ يط ْل َب ْح ُثها حتى َ ناد ْتها يف الحلم. بىل :هذا هو الوجه .وهي هذه نظراته التي َ نزعت رشيط التلفون كي ال يزعجها كانت السهرة يف ّأولهاَ . أقفلت باب غرفتهاَ ، وأكملت يومها األول من السنة َأحد، َ الجديدة مع ذاك الكتاب :النبي لجربان خليل جربان .ومل تطبق ّدفتيه حتى كان عقربا الساعة يف غرفتها ينطبق واحدهام لكن معلنني انتصاف الليلّ . عىل اآلخر َ جفنيها مل ينطبقا حتى أدركت معنى نداء َ ذاك الوجه .ومع افرتار الفجر من شباك غرفتها ،أضمرت تلبية النداء :أن تجعل عمال مرسحي ًا كوريغرافي ًا من النبيً استعراضي ًا. أخذت تعمل عىل النص اقتطاف ًا َ باملؤلف وتطويع أداء مرسحي ،واتصلت ّ املوسيقي روس كري (واضع موسيقى مخرجة العمل شايال أوديت واملؤلّ ف املوسيقي روس كري تصويرية ألفالم ومرسحيات أمريكية)
181
1 صرخة أميركية من فيالدلفيا: يا لجنة جبران ال توقفي نبي جبران! َستعد لِمغادرة مكتبي يف الهدى النيويوركية حني عرص َنهار ٍ جمعة ٍ كنت أ ّ طويل ُ َ اتصلت يب السكرترية لتقول ّإن عىل الخط مسرت جوزف أوبرمان من فيالدلفيا َيو ّد َ إيل. ُّ التحدث ّ استفرست َع ّما ميكنني أفعله له ،فأجاب: ال اإلسم عنى يل شيئ ًا وال املكان. ُ أخذت اسمك من سفارتكم اللبنانية يف واشنطن .قالوا يل إنك تدير جريدتكم ُ تساعدنا مهتم بشؤون جربان وتكتب عنه املقاالت .أمتنى لو ُ اللبنانية يف نيويورك ،وأنك ّ حل مشكلة لنا مع لجنة جربان الوطنية يف بريوت ،حول العمل االستعرايض الذي عىل ّ أعددناه لـالنبي ثم اضطررنا إىل توقيف عرضه هنا يف فيالدلفيا.
وما املشكلة؟ مفص ًال أنا ومديرة الفرقة االستعراضية ،وأن األفضل أن نطلعك عىل املوضوع َّ نريك نسخ ًة من العمل عىل الڤيديو .نأتيك إىل نيويورك إذا شئت ،أو نستضيفك هنا يف فيالدلفيا. وقبل أن أجيب :فيالدلفيا ال أعرفها بعد واألفضل أن أزورها وأتعرف إىل الفرقة واملرسح. وأجبت: أنا عندكم بعد ٍ غد األحد. يف القطار إىل فيالدلفيا ( 150دقيقة من نيويورك) كانت السهول تنسحب هارعة يضج يب هذا الجربان أمامي ،واملساحات الوسيعة تنهدل كاملوج ،وأنا إىل نافذة القطار ّ ز َحل كتابه النبي عن قلبه ،اعترب أنه قال كلمته ،وها نحن ال نزال الذي يوم َ
180
تنحل القضية القانونية. تقرر تأجيل عروض متوز ريثام ّ خوف ًا من عواقب غري فنيةّ ويف 6آب أرسلت بيغي دين ُمحامية رشكة أوبرمان لإلنتاج (واسمها :كومونيكيتورز نِتوورك أي شبكة االتصاالت الفنية) كتاب ًا إىل املحامي كولوتيش ،هنا ترجمته الحرفية:
6آب 1984 السيد فرانك كولوتيش الشقة -2101بناية غرايبارِ -420 -ل ْك ِس ْنغتون آڤنيو -نيويورك نعرض عليكم أن متنحونا الحقوق املرسحية والسينمائية لكتاب النبي تأليف خليل جربان القتباسه مرسحي ًا وإذاعي ًا وسينمائي ًا .نحن فريق عمل متكامل ،ورصدنا لهذا املرشوع مبلغ ًا كافي ًا ،ونطمح إىل توسيع مرشوعنا ح ّتى يصبح تجاري ًا عىل غرار كربى أعمال امليوزيكال يف برودواي .نأمل أن تأخذوا طموحنا يف االعتبار. مسبق ًا للجنة جربان الوطنية مقابل إعطائنا حق استثمار هذا العمل لستة نقرتح دفع 2500دوالر ْ أشهر .ولدى انتهاء هذه املدة ندفع لها 2500دوالر لستة أشهر أخرى ،وبعدها 2500دوالر لكل تجديد ستة أشهر. جوابكم وبرهان ًا لحسن نوايانا ،نرسل مع هذه الرسالة ِش ّك ًا بقيمة 2500دوالر ،ريثما ي ِر ُدنا ُ باملوافقة ،كي نُ ْط ِل َعكم عىل املدة التي نحتاجها لتجهيز العمل بالصورة التي اقرتحناها عليكم يف هذه الرسالة .وتفضلوا بقبول االحرتام.
الش ّك يطل االنتظار :جاء الجواب ِب ٍ مل ُ ترض طموحات الفرقة ،ومعه ِّ خيبة مل ِ الشك هذه الرسالة: الذي أرسلته الفرقة برهان ًا لحسن النوايا ،ومع ِّ من :مكتب املحامي فرانك كولوتيش إىل :املحامية بيغي دين شبكة االتصاالت الفنية -338شارع فيتزووتر فيالدلفيا -پنسيلفانيا املوضوع :النبي تأليف خليل جربان رقم امللف عندنا :ث 000 -68أ.
َ املتضمن طلبكم الحقوق املرسحية والسينمائية لكتاب املؤرخ يف 6آب ،1984 وصلنا عرضكم ّ ّ النبي تأليف خليل جربان القتباسه مرسحي ًا وإذاعي ًا وسينمائي ًا ،ومع عرضكم وصلنا ِش ّك من باري
183
يؤلف موسيقى العمل .واتصلت باملمثلة شريي آلربت الشهرية يف أمريكا وطلبت إليه ّ َ بأداء األدوار الصعبة. املوحدة يف مدينة بعد سنة من التامرين َت ّم تقديم العمل عىل مرسح الكنيسة ّ النكسرت (پنسيلفانيا) يف خمسة عروض بني 12و 17شباط .1984 استقبلت العمل بنقد لكن العروض مل تكن كافية .الصحافة األمريكية َ نجح العمل ّ عال ،وتتالت االتصاالت مبديرة الفرقة لتمديد العروض وأثنت عليه بتقدير ٍ إيجايبَ ، َفت ّم ذلك يف خمسة عروض أخرى ( 7اىل 12حزيران .)1984 ليلة العرض األخري ،جاء مدير َة الفرقة َمن يعرض عليها تقديم العمل عىل مرسح فتم االتفاق بني املنتج جوزف أوبرمان واملسؤول عن املرسح عىل إليزابيت تاونّ . تقديم خمسة عروض ( 9اىل 14متوز .)1984 يستمر ،وأن مل َي ْد ِر جوزف أوبرمان وال شايال أوديت أن هذا الحلم الجميل لن ّ يف القانون بنود ًا ورشائع تعيق األحالم. انكسار الحلم
وسط االستعداد لتقديم عروض متوز عىل مرسح إليزابيت تاون ( 35دقيقة عن فيالدلفيا) يرن جرس التلفون يف مكتب جوزف أوبرمان: ّ هنا مكتب منشورات كنوف يف نيويورك. حذركم من تقديم عروض النبي يف متوز املقبل، ُن ِّ قبل حصولكم منا عىل املوافقة .نحن نارشو النبي وتالي ًا نحن مالكو حقوق نرشه واستثامره. يف اليوم التايل كان جوزف أوبرمان يف نيويورك. وحوله عىل ُمحامي استقبله مدير دار كنوفّ الدار :فرانك كولوتيش الذي َنصح بأن يتم التعامل بني املحامني (محامي أوبرمان أو محامي الفرقة) ألن العملية ذات صلة بالقضاء وال سبيل إىل الفن حني املشكلة قانونية. الكالم يف ّ
182
املنتج جوزف أو ِبرمان
فيالدلفيا -پنسيلفانيا
املوضوع :كتاب النبي تأليف خليل جربان. عن ّ ملفنا رقم :ث 000 -68أ.
نعتذر عن تأخرنا يف ّ الرد عىل رسالتك ،لصعوبة اتصالنا بلجنة جربان الوطنية يف بريوت.
وبعد مناقشة عرضكم مع موكلتنا (اللجنة) يؤسفنا إعالمكم أنها -بسبب مفاوضات جارية حالي ًا بينها وبني منتجني آخرين -ترغب يف االنتهاء من تلك املفاوضات قبل الدخول يف عرض موكلكم (أي :املرسح) حول عمل مرسحي عن كتاب النبي .مع االحرتام -روبرت وايزبن.
إىل هنا انتهت العملية القانونية لذاك الحلم الجميل ،واعتربت كوفامن أنها وصلت إىل الطريق املسدود ،وعليكم انتظار انتهاء املفاوضات بني لجنة جربان يف بريوت واملنتجني اآلخرين. سوى أن شايال أوديت مل تشأ أن ترضخ لربودة القانون وصقيع انتظاره. صباح االثنني 28كانون الثاين ( 1985بعد مرور عامني عىل حلمها الجميل) تلف عليها معطفها يف ذاك اليوم املثلج ،وتطرق الباب يف الطابق الحادي كانت ُّ والعرشين من بناية غرايبار املنتصبة وسط ل ِْك ِس ْن ْغتون آڤنيو ،الجادة النيويوركية رفضت استمهال السكرترية لتسجيل الباذخة ،طالب ًة مواجهة السيد كولوتيشَ . يشاهد وأرصت عىل مقابلته ،وأضمرت :سأدعوه إىل فيالدلفيا كي موعد الحق َ ّ العرض .الفن سيقنعه. بعد لحظات ،كانت يف مكتبه. الفظ وبعد دقائق طويلة ،كانت يف الشارع متضغ داخل معطفها كالم كولوتيش ّ الجاف: رأيي لن يتغري .أريد عرشين ألف دوالر لستة أشهر ،و 2000دوالر بدل انتقايل إىل فيالدلفيا ملشاهدة العرض ،وهذه األلفا دوالر ال تشمل مصاريف انتقايل إىل بريوت عىل نفقتكم ألقوم مبفاوضة لجنة جربان الوطنية. مضغت شايال أوديت تلك الكلامت القاسية وقذفت بها سوداء إىل الثلج األبيض َ تجرهام عىل أرض يتكسر ،كتلك الكلامت ،تحت قدمني لها كانت ُّ الذي راح ّ املبللة باملطر. نيويورك َّ
185
موليتش بقيمة 2500دوالر إىل لجنة جربان الوطنية التي طلبتم مني االتصال بها للمفاوضة .أعيد إليكم ِّ الشك إذ يلزمنا وقت لالتصال بلجنة جربان الوطنية وعرض طلبكم عليها ،ألن مستشارها العام فريد سلمان عاد إىل بريوت .وسأنقل إليه عرضكم وأنتظر جواب اللجنة عن عرضكم.
ويهمني أن ألفتكم إىل أن عرضكم ناقص ألنه مل يطرح موضوع النسبة املئوية لرشاء تلك الحقوق. ُّ ُ فعرضكم يقرتح رشاء الحقوق مقابل 2500دوالر ،ومل يذكر كم ستدفعون حقوق ًا الستثماره مرسحي ًا وسينمائي ًا ،وما النسبة املئوية التي ستدفعونها للجنة جربان؟ إنني واثق من أن اللجنة ستطرح هذه األسئلة كي تتجاوب مع عرضكم.
مع االحرتام والتقدير.
15آب 1984 فرانك كولوتيش
الطريق المسدود
طال انتظار الفرقة نتيج َة االتصال بني املحامي كولوتيش ولجنة جربان يف بريوت، فقررت الفرقة االستجابة للموضوع املادي .ويف اتصال هاتفي سأل كولوتيش عن املبلغ املطلوب ملنح الحقوق ستة أشهر ،فكان جوابه مخترص ًا جاف ًا: أي سؤال. 20ألف دوالر ،وأقفلوا يل هذا املوضوع .لن أقبل بعد اليوم ّ كان املبلغ كبري ًا عىل اإلمكانات املرصودة. بعد أيام ،عرضت الفرقة عىل املحامي كولوتيش مبلغ 7500دوالر لستة أشه ٍر فرفض. يف هذه األثناء ،كانت الفرقة اتخذت محامية لها :اآلنسة فيليس كوفامن ،لتتابع أعامل املالحقة ،فأرسلت هذه إىل كولوتيش رسالة مسهبة جمعت فيها البنود الرد القانونية إىل االندفاع الفني ،فلم ُي ِج ْبها كولوتيش بل ّكلف محامي ًا يف مكتبه ّ تسل ْمته كوفامن ،وفيه: بعد أسابيع طويلة صامتةّ ، 10كانون األول 1984
املحامية فيليس كوفمان -1500شارع لوكاست الشقة 3611
184
سأقوم مبسعاي عىل ّ خطني :أول بنرش تفاصيل اجتماعنا هذا ،يف كامل رواياته ووثائقه ،عىل صفحات النهار العريب والدويل أكثر مجالتنا انتشار ًا يف لبنان ،ضمن سلسلة أكتبها لبريوت عن جربان من نيويورك ،فيكون اإلعالم الواسع طريقي الواسعة إىل اللجنة .والخط اآلخر :اإلتصال فور عوديت إىل بريوت لقضاء بضعة أيام فيها، بصديقي فريد سلمانً ، حامال معي صور ًا عن هذه الوثائق التي أطلع ُتموين عليها، واالجتماع باللجنة للنظر يف ما ميكنها أن تفعله بواسطة محاميها يف نيويورك.
دعوين لدى ارفضاض اجتامعنا ،كان يف عيون الجميع َلمع ُة ٍ أمل ازدادت بريق ًا حني َ إىل غرفة خاصة نشاهد فيها عىل شاشة كبرية ڤيديو نبي جربان باملوسيقى والغناء والكوريغرافيا. فيالدلفيا
* النهار العريب والدويل1985/9/23 -
187
إىل هنا ...تنتهي الحكاية. الهث من حامسته يف روايتها يل بكل تفاصيلها ،قبالتي عن مييني جوزف أوبرمان ٌ شايال أوديت ذاهلة تجرش يف صمتها تلك املحاوالت ،وحويل بعض أعضاء الفرقة خيبتهم وصدمتهم. صامتون كأمنا صمتهم يروي يل بالغة َ يقطع أوبرمان هذا الصمت باستفهام استنكاري يتناسل أسئلة: ماذا تقرتح علينا يا صديقنا اللبناين؟ هل يجوز هذا التعامل مع عمل كبري يحرتم النص وصاحب النص وأولياء أمر صاحب النص؟ هل يجوز انكسار تجربة كهذه مهمة للجميع :لنا ولكم أنتم أبناء وطن جربان؟ هل يجوز أن يستعمل السيد كولوتيش صالحياته من لجنة جربان الوطنية لكرس التعاون بدل استعاملها لتسهيل التعاون؟ هذه أول محاولة يف فيالدلفيا لعمل بضخامة أعامل برودواي تصدنا؟ وهل تظن أن لجنة جربان الوطنية يف لبنان ُّ الراقية ولجربان اللبناين ،فهل ُّ من عمل أجمل إطار ًا لتقديم جربان إىل الناشئة والشباب الذين مل يتعرفوا بعد قراء ًة إىل كتاب جربان؟ وهل يتحول تتصور مدى ذيوع النبي وجربان ،حني ّ ّ الكتاب من املرسح إىل السينام ،ثم ينتقل اىل الڤيديو كاسيت ،مع كامل استعدادنا املرتتبة علينا للجنة جربان عن املرسح والسينام للمفاوضة بدفع النسبة املئوية ّ وأرشطة الڤيديو؟ هل ْنقدِ م عىل تقديم العمل ،ونرتك للمحامني تصفية القضية يف ما بينهم؟ أكسر متتاليات األسئلة ،بسؤال موجز: ُ ماذا تريدونني أفعل؟
إن للجنة جربان الوطنية يف بريوت سلطة الوصاية عىل كولوتيش ،ولها أن تعطيه اإلشارة فيعطينا الضوء األخرض لنبدأ. طلبت رت يف لحظا ٍ ّ تذك ُ ت عجىل تجربتي مع لجنة جربان الوطنية يف بريوت ،حني َ وقدمت مني، ٍ بتكليف من صديقي فريد سلامن ،ترجمة النبي إىل اللبنانية ْ ت َّ ففعل ُ املخطوطة لهم يف آذار 1981كي يصار إىل طبعها يف كتاب يصدر خالل احتفاالت لبنان بخمسينية غياب جربان ( .)1983وافقت اللجنة عىل إصدارها ونامت املخطوطة يف ملفات اللجنة. كتمت شعوري بتلك الخيبة القدمية ،وأجبت: ُ
186
صفحات من بطاقة الدعوة إىل مشهدية النبي يف فيالدلفيا
مقتبس ًا للمرسح .والنبي ،منذ ما يزيد عن خمسني عام ًا، إننا الليلة مع نبي خليل جربان َ لبساطة فيه َج ٍ ٍ ميلة تلبس مضمون ًا هو بني أغنى ما يف هذا العرص من فكر ينغرس يف قلوب الناس، األثر الكتايب الكالسيكي ُبعد ًا آخر. عميق .واألوان حان ليكتسب هذا ُ ً حولناه ً إننا ْ عمال جعلنا هذا النص الفلسفي مشهدية َ حركية عىل غري صعيد :فني ًا ،انفعالي ًا ،وروحي ًاّ . يتجسد فيه الحوار ِ والشعر والغناء والرقص ،فخرج أمين ًا لروح النص وأمين ًا للعبة املرسحية. للمرسح َّ الرسد ٌ َ راوية بني لوحات الحوار والرقص والغناء. ُفصل وكما يف األعمال الطليعية ،ت ِّ
189
2 النبيً عمال استعراضياً: كلمات المصطفى رقص وباليه وشعب أورفليس دمى متحركة ت كان عرفته من قراءا ٍ تتعرف إليهْ ، يف ما َ بلغنا عن جربان ّأن باربره يونغ ،قبل أن ّ ت من النبي خالل احتفاالت كنيسة القديس القس بتلر داڤِنپورت مقتطفا ٍ يتلوها ّ مرقس (سانت مارك) يف أسفل مانهاتِن -نيويورك .ويذكر ميخائيل نعيمه أنه حرض ت من النبي يف تلك الكنيسة. مرة ،بدعوة من جربان ،قراءا ٍ هذا يشري إىل أن النبي منذ صدوره (أيلول )1923انطلق يف ّقو ٍة وزخم ،وأخذ يكرس شهرة جربان يف األوساط األمريكية (وإن هو يعترب أن يسوع إبن اإلنسان ّ يجسد أفكاره أكثر). ّ وها نحن اليوم ،بعد 62عام ًا عىل صدوره ،أمام عمل درامي يوصل النبي أكثر ساعدت تلك القراءات يف سانت مارك عىل إىل الجمهور الذي مل يقرأْه يف كتاب ،كام َ لفت الجمهور إىل قراءة الكتاب. ث االستعراض. الغرفة مظلمة .الشاشة الكبرية البيضاء تنتظر آلة الڤيديو لنشاهد َب ّ حويل جوزف أوبرمان وشايال أوديت وبعض أعضاء الفرقة. نبدأ؟؟ نبدأ .ويدور الرشيط. الوسط حيث كلمة الفرقة (ك ِرييتِڤ يضاء املرسح عىل خلفية بسيطة .نور ّ مركز يف َ الخالقةُ )تلقيها جوانا غالس عىل متتامت موسيقية جميلة. ڤ ِِج ْن ْز ،أي الرؤى ّ من كلمتها:
188
اعتمدت من النبي وهي َ سبع عرشة لوحة تتالت أمامنا بدون فاصل بينها وال اسرتاحة، برباعة وفق التسلسل التايل َغ َز ْلتها ٍ (كام يف النص األصيل) :وصول السفينة ،الحب ،الزواج ،األوالد، العطاء ،األكل والرشاب ،الثياب، العمل ،الجرمية والعقاب والعدالة، التعليم واملعرفة ،الصداقة ،اللذة، الصالة ،لوحة غنائية :اللذة أغنية الدين ،املوت ،الوداع. الحريةِّ ، واستعان روس كري ِبمقاطع من باخ وموزار ودوبويس ،تطريز ًا ملقاطع من تأليفه ،عىل درجة َ الدمى يف مشهدية النبي عالية من مناخ جربان. وترافقت املوسيقى اإللكرتونية، َ يف انسجام لصيق ،مع كوريغرافيا نص جربان. شايال أوديت كذلكّ ، لتؤديا التعبري األنقى واألصفى كام جاء شفيف ًا يف ّ وهذا األداء َغن َِم كثري ًا من خربة كري يف التأليف املوسيقي ألفالم كربى ،ومن خربة أوديت يف إخراج أعامل مرسحية ضخمة استعراضية. شريي ألربت كان حضورها الفت ًا وقوي ًا يف دور الراوية التي متزج النص إىل التعريف إىل السخرية إىل املقاطع الغنائية القصرية ،فتحبك لوحات النبي بعضها ببعض يف لحظات بارعة. الرس ّو ونزول املصطفى) منذ وصول السفينة (رقصة ثنائية جميلة للتعبري عن ُ مرور ًا بأهايل أورفليس الذين يسألون املصطفى فيجيب ،حتى وداع املصطفى (رقصة جامعية ختامية) يتامسك العمل باملوسيقى باألداء والكوريغرافيا. العرصي الحديث َتهمس يل أوديت خالل مشهد جامعي راقص :أحاول أن أجمع ّ والكالسيكي القديم .لذا ترى اإلضاءة اإللكرتونية واملوسيقى اإللكرتونية والرقص
191
مشاهدُ الرقص جعلناها تخاطب العني لرتتاح األذن ،وجعلنا بينها لوحات أطفال يف الشارع للعودة بالزمن إىل طفولة خليل جربان يف ذاك الحي القديم من بوسطن. أما األغاين التسع فأردناها تركيز ًا عىل الحوار العميق الذي ّ يتخللها. قاربنا ،بعمل خليل جربان ،حياتَنا املعيوشة اليومية ،يف إطا ٍر جديد يجعل الكتاب أسهل ً تناوال هكذا ْ إىل جيل اليوم. وعسانا ،بعد تقديم هذا العمل عىل طريقة أعمال برودواي الراقية ،نستطيع تَحويله إىل عمل تلڤزيوين وسينمائي ُي ِّ خلد النص الجميل. يشجع عىل تقديم هذا تم فيهّ ، ْ ونؤمن أن اقتباس الكتاب للمرسح ،بالشكل الويف واألمني الذي ّ العرض يف املعاهد واملسارح الحق ًا ،ليكون مكتمل الرسالة والهدف.
عتم ٌة من جديد .ثم جينرييك رسيع يف إخراج جميل ومتقن ،فإذا أمامنا: الرقص :جينيفر شنك ،ميالين جانكنز ،كريستي رشترز ،نانيت باكني ،جوليانا أپليغيت ،لورا بيل. الجوقة :مارسيا بايسون ،وليم ديكسون ،جوانا غالس ،ريتشارد بربور ،جودي غالس ،جاال ماجيك ،جوي أبونتي ،جانيت أيشلامن ،بوب بايسون. غناء منفرد :رومني بريدغيت ،روبرتا سنغر ،ماريلو كولر ،كيتي ديلر. بطولة :شريي آلربت. التأليف املوسيقي وقيادة األوركسرتا :روس كري. تصميم الدمى :سامانتا وست. ضيوف رشف :جيم كالس ،جاال ماجيك ،دانا شليغل. الديكور :ليندا تريغو. اإلضاءة :غاري سرتود. الصوت اإللكرتوين :هارولد شاك. مديرة الكورس :رومني بريدغيت. اإلخراج :شايال أوديت. «النبي» استعراض ًا
اعتمدت شايال أوديت ،يف إخراجها هذا العمل ،عىل َج ْمع املوسيقى إىل َ الدراما إىل الغناء إىل الرقص التعبريي والباليه إىل الحوار إىل املقاطع الساخرة، وصوال إىل الدمى املتحركة ،لتجعل من النبي مشهد ًا متحرك ًا إىل جوقة الغناء، ً يف جميع املفاصل.
190
جربان الشاعري بدون إسقاط النص يف التهريج ،كام أدخلت السخرية األدائية عىل كالم جربان الفلسفي بدون إسقاط العمق الفكري يف الخفة. وكانت شريي آلربت ،يف إدارة أوديت ،ماهرة بني الكلامت واألداء ،وهي تقوم مر ًة منسجام متام ًا بدور الراوية ،ومر ًة بفاصل غنائي أو كوريغرايف .كان تعبريها الصويت ً مع تعبريها الجسدي. متمام مناخ ًا ولفتني كذلك رقص رشقي قامت به راقصة الباليه جاال ماجيك ،جاء ً َ رشقي ًا خاص ًا ما كان ميكن شايال أوديت تنفيذ عملها بدونه ،وهو جاء تحت إضاءة مألوفتني يف مناخ رقصنا الرشقي. إلكرتونية وموسيقى إلكرتونية غري َ جعلتها لفتت جويل أپليغيت يف أدائها بالباليه أغنية :اللذة أغنية الحريةْ ، وكذلك َ أوديت لوحة مستقلة. فنوع وكام َ اعتمدت أوديت عىل جديدٍ َ للعني ،اعتمد روس كري عىل جديد لألذنّ ، املؤدى .ومل العني املتا ِبعة ُوتفسد النص َّ يف إيقاعاته كي ال تتنامى إىل رتابة ُتفسد َ يعتمد عىل التأليف وحده بل عىل آالت موسيقية مميزة خاصة مبوسيقاه اإللكرتونية، ما جعل موسيقاه صدامية أكثر ،ألن إيقاع نص النبي ذو مناخ طقيس ،بينام إيقاعه تواف َق مع موسيقى الپوپ أو الهارد ميوزيك. موسيقي ًا َ أداء بعض ّ النقاد التقليديني ممن قرأوا النبي ،وجدوا يف هذا العرضً ، وموسيقى وكوريغرافيا ،اغتصاب ًا لبحر جربان الهادئ ،وصورة مهزوزة لجربان يف كتابه. زي شد َدت يل مرار ًا خالل العرض) أرادت ّ شايال أوديت (كام َّ تقدم جربان يف ّ العرص ال يف القمباز الرشقي أو املصطفى ذي اللحية الطويلة البيضاء الذي قد يصيب املشاهدين بامللل. رأيت العمل) ْمق ٌنع ألنها مل َت ُخن روح النص بل حافظت عليه بأمانة. جوابها (كام ُ ُ وقالت يل ،عىل لسان روس كري (مل أتعرف إليه ألنه مل يكن معنا خالل العرض) إنه قرأ ويقدِ م عىل وضع موسيقاه له .وهذا يبدو يتذكر عددها كي يتجارس ْ النبي مرات ال ّ (غن ْتها رومني بريدغيت منفرد ًة) ،ومن تأْليفه ظاهر ًا من تلحينه اللذة :أغنية الحريةّ موسيقى االفتتاح (وصول السفينة إىل شاطئ أورفليس) ،ويف بعض مفاصل املشاهد. ص ْنداي نيوز :مثلام الحوار ورصح للناقد جيم روث يف صحيفة َ وهو اعتمد البساطةّ . اعتمدت يف موسيقاي بساطة تدخل إىل قلوب البسيط الجميل يدخل الذاكرة برسعة ،كذلك ُ
193
التعبريي الحديث ،يف موازاة النص الشعري الكالسيكي الحامل الهادئ. ضد تيار النص، حاولت أن أسبح ّ ُ خصوص ًا يف مشاهد أوالد الطريق، الفلسفي العميق، ومشاهد الكالم ّ لتسهيل مناله .أنا أعرف ماذا يستهوي اليوم جمهور أمريكا. حرضت بصوتها شريي آلربت َ تزاو ٌج وتكل َمت بجسدها. ّ ُ لقطة أخرى من املشهدية متكامل بني تعبريها الشفوي والحلقي .ويف وتعبريها التشكييل َ أثناء مقطع كنا نشاهدها ُتلقيه، شاعركم اللبناين. استدارت نحوي (كانت جالسة أمامي) وقالت بتأثُّ ر: ٌ مذهل ُ تصدم شايال أوديت باقتباسها وتقدميها ذاك النص الشاعري الحامل وبالفعلُ : إلكرتونيتنيُ ،فت َز ِّوج ودمى وهيصة موسيقى وإضاءة يف عجقة رقص وغناء ُ ّ شعب أورفليس ،وتجعل املاكياج النغمة الشعرية بالسنتيسايزر وتجعل الدمى َ خيلة املشاهد البهلواين، كثيف ًا حتى ً ّ وصوال إىل عمق جرباين كثيف ،معتمد ًة عىل ُم ّ متام ًا كام اعتمد جربان عىل مخيلة القارئ. توج َهت وكام جربان صدم القارئ مبخيلته ،شاءت شايال أن َتصدم ا ُملشاهد مبتابعتهَّ . مدخال إىل خياله. عني املشاهد ً إىل العني :بالصور والرقص والدمى واملالبس حتى َ تكون ُ وهذا ما جعل دوروثي دوالناي ،الناقدة يف مجلة ليپ املتخصصة يف املرسح، تكتب يف نقدها العمل (كام أرانيه أوبرمان قبل العرض) :شايال أوديت تضيف إىل فن برودواي الراقي درجة جديدة من الرقي الفني( .ليپ -السنة -16العدد ّ (بتن ُّوعها اللوين حين ًا واألبيض الصلد خاص ل فع لإلضاءة وكان .)1984 آذار األول- َ ْ ٌ حين ًا آخر) ُلت َن ّبه العني إىل ما سييل من َمشاهد. مدخال إىل واىل أداء النص أدى املمثلون بأجسادهم كذلك فكانت الكوريغرافيا ً الكلمة املسموعة وأنقذت الكوريغرافيا طول مشهد األوالد مثلام أنقذت الدمى طول الرسد يف مشهد الجامل .وأدخلت شايال أوديت بعض الڤودڤيل عىل كالم
192
سأحمل اىل لجنة جربان رأيي يف العمل .انتظروا مني جواب ًا لدى عوديت من بريوت. إشارة أخيرة
من بريوت؟ وماذا عساين أحمل من بريوت غري جواب ثابت وراسخ بعد الذي شاهدته يف العمل؟ وهل سأخرج من اجتامعي مبسؤويل لجنة جربان الوطنية يف بريوت إال مبوافقتها عىل العمل ُيبلغونها إىل محاميهم يف نيويورك؟ لجنته؟ وإال فام دور لجنة جربان؟ وملاذا هي ُ حبي جربان يف العامل؟ وهل أضخم من هذا العمل تكون قدمته ل ُِم ّ أهم من أن يكون يف كل مكتبة من العامل نسخة عن نبي وهل يف عرص الڤيديو ُّ جربان؟ أقل من هذه فرصة عاملية جديدة ،حبيب ٌة إىل ْ عشق جربان الشهر َة العاملية ،وال ّ تقصر شؤونه معها حتى أن تكون محببة إىل لجنة جربان التي تتوىل شؤونه ولن ّ مادي ًا. نبي جربان باإليقاع وليس أبلغ للبنان ،يف عرص التكنولوجيا ،من أن ينترش ّ يكرسه أيض ًا وأيض ًا عبقري ًا العرصي الحديث يف العامل الذي سيشهد جربان يف عمل ّ خالد ًا من لبنان. هويّات ُ
شايال أوديت
أعامال ناجحة وشهرية، خريجة معهد نيويورك للرقص وتقنيات املرسح .أخرجت ً مقتبس ًا بينها :أُوليڤر ،غودسبل ،رجل املانشاَّ (قدمه رميون جباره نص ًا َ بعنوان صانع األحالم .)أسست مؤسسة النكسرت للفنون الجميلة لإلخراج
195
(صنداي مشاهدي النبيَ . نيوز 29 -كانون الثاين .)1984 من هنا أراد يف تنفيذه تنويع ًا بني املونوفونيك والپوليفونيك من اآلالت العرصية الحديثة. يف املناخ الطليعي نفسه اشتغلت سامانتا وست عىل حجمها بني الدمى املتحركة. ُ 12قدم ًا و 10أقدام ،كي كوريغرافيا يف مشهدية النبي تبقى عىل تناغم تصادمي مع املوسيقى والكوريغرافيا .وكان اعتامد أوديت عىل الدمى رديف ًا ألسلوب األقنعة الذي يعتمده بعض املخرجني .لكن أهايل أورفليس ،بالدمى ،اتخذوا طابع ًا أكثر خيالية مِ ّما لو كانوا ُم ّمثلني يلبسون أقنعة (خاصة يف مشهد الجرمية والعقاب الذي َّنف ْذته الدمى يف شكل ممتاز). ينتهي العرض .طوله 80دقيقة (بدون اسرتاحة) يف مناخ واحد :عرصي حديث بعيد عن الوعظ الثقيل والرسد البليد. زيفريييل من فوجئوا بيسوع يصدم العمل َمن ليس ُم َّهي ًأ له (كام صدم يسوعّ قد ُ أو أمه عىل صورة برشية يومية). تناقشنا .تبادلنا آراء. بعد العرض بقينا يف القاعةْ . كان الجميع فرحني بهذا العمل ،وعىل حجم فرحهم وثقتهم بعملهم َق َل ٌق من وقف العمل. إمكان ْ هضت ألغادر فنهضوا جميع ًا وقفة واحدة ،ويف نهوضهم سؤال واحد مل يسألوه َن ُ أجبت عنه يف إيجار وثقة: ألنني ُ
194
197
صممت رقصات الفيلم الشهري قصة والكوريغرافيا ،وقامت فيها بأعامل اختباريةَ . ستها من أبرز املعاهد الفنية للمرسح ومؤس ُ الحي الغريب( وست سايد ْستوري)َّ . ّ الغنائي الراقص يف الواليات املتحدة. روس كري
خريج معهد وستشسرت للموسيقى .درس عىل هارولد بواتريت وبن ويرب. قدم أول أعامله يف فيالدلفيا عام ( 1965كونرشتو من 16آلة) .وضع موسيقى يدرس التأليف املوسيقي لدى معاهد شعبية وراقصة وتصويرية ألفالم كثريةّ . يف نيويورك وإيطاليا وسويرسا وأملانيا .كلفته مكتبة الكونغرس كتابة أطروحة يتميز بجمعه املوسيقى الكالسيكية إىل املوسيقى الشعبية عن موسيقى األفالمّ . والراقصة. شريي آلربت
لعبت أدوار ًا كثري ًة عىل مسارح كربى يف الواليات املتحدة .أسست فرقة أصوات َ للصم الحركات عرب التعبري طرائق بتعليم متخصصة .1977 سنة للتمثيل الصمت ّ املتخصص. والبكم .واشتهرت فرقتها بهذا العمل ِ
* النهار العريب والدويل1985/9/30 -
196
فيالدلفيا
بتمهل .وفور كانت املسافة بالقطار من فيالدلفيا إىل نيويورك كافي ًة ألقرأ ُ الخطبة ُّ انكببت عىل ترجمة هذه الخطبة/ وصويل إىل مكتبي يف الهدى ،صباح اليوم التايل، ُ الحرف ّي. الشهادة ،وهنا ُّنصها ِ الخطبة
جمة تتألأل آن ،أن حزين نلتفت إىل الرشق هذه السنة ،باحثني عن َن ٍ وساخر يف ٍ َ ٌ ٌ يدمر املساكن .وال السالح والتامع ن، املد حرق ي النار لهيب إال نجد فال يف سامئه ّ َ ُ ّ ُ َ وأخبار حروب من تلك األرض الجميلة مهدِ الديانات التي يزخر حروب تأتينا فقط ُ ٌ وفظاظة ليستا يف مألوف العنف. وحشية أخبار مرعب ٌة عن ٍ ٍ الغرب بها ،بل ٌ تعرض تعرضت ل ٍ ِجراح وقسو ٍة وتشويه ،مثل ما ّ وال بقع َة يف هذا الرشق الجميل ّ له لبنان. كأفضل َستمد رسالتي إليكم صبيح َة هذا النهار، لذلك ،من وحي شاع ٍر لبناين ،أ ُّ َ ما ُيستوحى يف هذا األحد الذي يسبق امليالد .إنه خليل جربان ،الشاعر الذي من النضر لكالم يسوع أذهل الكثريين َو َر َّدهم إىل تفسريه لبنان ،والذي الجديد ِ ُ ُ يسوع. كتبه الصغرية إىل انتشار، زمن كانت خالله الديان ُة والكنائس إىل ُخفو ٍ ويف ٍ ت ،كانت ُ ُ تتواىل طبعاتها يف الناس. تعالوا نستمع إليه: كاهن ْكه ٌل وقال :حدِّ ْثنا عن الدِّ ين ،فأجاب :وهل حدَّ ْث ُت ُكم ...ثم دنا منه ٌ التأمل ّكله واألفعال كلها؟ وهل الدِّ ين ،خارج َ غري ُّ اليوم إال عنه؟ هل الدِّ ين ُ تقصب الحجارة أو غري اندهاش يف الروح حتى حني األيادي ّ ٍ ّ التأمل واألفعالُ ، تدير أقصاب النول؟ ومن يستطيع أن يفصل بني إميانه وعمله ،بني عقيدته وممارسته؟ حياتكم اليومية هي الدِّ ين ،وهي معبدُ هذا الدِّ ين ،كلما قاربتموه ُ ْادخُ ُلوه بكل ما فيكم. صغري ،حني صدر قبل ما يزيد عن أسطر من النبي .كتاب هذه ،يا إخويت، ٌ ٌ مض عرش سنوات عىل قلب واحد .مل َت ِ نصف قرن ،انزرع يف القلوب ومل يرفضه ٌ تتلقفه عرشون لغة َن َق َل ْت ُه إليها .وسنة 1970وحدها شهدت صدوره حتى كانت ّ صدور أربعة ماليني نسخة منه يف تلك اللغات ،راح الناس يقتنونها كام الكتب
199
1 ـس أميركي عن جبران في خطبة ميالدية: قِ ٌّ هذا الشاعر الذي من لبنان ابن أرز الرب وبـيبلوس الكتاب (والليل يف بالد الليل شديد ًا ُ يف القطار العائد يب من فيالدلفيا إىل نيويورك ،كان ُ الغربة أ ََش ُّد عتم ًة مام يف الوطن ولو بال كهرباء) ،كانت األمكنة تتسارع أشباح ًا كل شرب)، (واألمكنة يف بالد ُ الغربة بال ُه ّوية بينام هي يف الوطن ُ ذات ُه ّوية عند ّ (والقمر يف لبنان كتل ُة ٍ وشعر وكان القمر پالستيكي ًا باهت ًا فوق أشجا ٍر من ضجر ضوء ِ ُ وحنني). ت يف مقعدي أسرتجع حديثي إىل الفرقة يف فيالدلفيا ت عن نافذة القطار ُ وغ ْص ُ َأش ْح ُ شاهدتها يف وما ميكن أن أفعله لها يف بريوت ،وأَستعيد مشاهد من نبي جربان كام ُ العرض الجميل هناك. ملف ًا وضعت يل فيه ثم أعطتني ،عند وداعي يف فيالدلفياّ ، تذكرت ّأن شايال أوديت ْ ُ وثيق ًة قالت إنها قد َت ُه ُّمني. فعال َت ُه ّمني :شهاد ٌة من بحثت يف امللف عن هذه الـقد َت ُه ُّمني ،فإذا هي ً ّ ُ أوارص الوطن ،وال هال ُة جربان غوف ِبجربان ،ال تربطه به (مثيل) جرباين أمريكي َش ٍ ٍّ ٍّ ُ املرسومة له يف الوطن. صاحبها؟ ما هذه الشهادة؟ َ ومن ُ هي خطب ٌة ميالدية ألقاها القس جوزايا بارتليت صباح األحد 19كانون األول 1982 شاءها عنوانها َت َح َّد َث إلينا ِب ٍ يف كنيسة مونتكلري (نيوجرزي) جعل َ لهجة جديدةَ ، من وحي جربان الشاعر الذي من لبنان وأفضل ما ُيستوحى يف هذا اليوم ،األحد الذي يسبق امليالد.
198
كالم التبشير
أيها األخوة، تطل علينا سنة ،1983الذكرى املئوية األوىل لوالدة جربان .فام بعد أيام ٍ قليلة ّ ب وغليانَ ،تامم ًا كام اليوم ،وكان صباه كان لبنان يف حالة اضطرا ٍ أتعس حظّ ه :يف ُ يغذيه األتراك الذين كانوا يحتلون لبنان. أهلوه يف قتال مرير ّ الدين ،غدا الدين ،يف وطن جربان الذي قال ما قاله عن ِّ من الوقائع الحزينة ّأن ِّ مرادف كلامت أخرى :االقتتال ،االنتقام ،البغض... ، الدين يف َت َمظْ ُه ِره الطائفي ،كأنه رفض ِّ مل تكن مصادف ًة أن يكون جربان يف شبابه َ ض بيوت صالتكم ومعابدكم .سوى أنه ،مع ذلك ،كان مسحور ًا كان يقول :أ ُ َرف ُ النبي والثائر ،يسوع الغاضب الذي رفض بوجه يسوع :ال وجه املسيح ،بل يسوع ّ طغيان الكهنة عىل الفقراء .وهو يف ما بعد ،وضع كتاب ًا عن يسوعَّ ،مهد له بآراء عنه سابقة بينها رمل وزبد وفيه: ب ٍ يف ُكت ٍ ُ ثالث أعجوبات بعدُ ألخينا يسوع مل َي ِر ْد ْذك ُرها يف الكتاب :أوىل أنه كان مثلنا برشي ًا ،ثانية أنه كان ذا مرح ،وثالثة أنه كان يدرك كونه غالب ًا ولو هو انغلب. يف مكان آخر من رمل وزبد يكتب جربان: ٍ ً جنينة بني تالل لبنان. النارصي يسوعَ النصارى يف كل مئة عامٍ يلتقي يسوعُ مرة ّ ُّ يتحادثان ً طويال ،وكل ّمر ٍة ينرصف يسوعُ النارصي وهو يقول ليسوعَ النصارى: ظن يا صديقي أننا لن ن َّت ِفق وال مرة. َ أ ُّ يحن إىل وطنه وتراث وطنه، وكام ُ ظل ّ يحن إىل أورشليم ،هكذا جربان ّ ظل ّ يسوع ّ يندهش لِجامل وطنه ويثور عىل رزوح وطنه َي ْن َه ُد إىل مستقبل وطنه ويزهقه ركوده، ُ نرشها تحت ُح ْكم األتراك .لذا كانت كتاباته األوىل يف العربية مقاال ٍ ت رمزي ًة سياسية َ حر ،وأكثر من ّمرة قال: حلم ً يف صحف ليربالية من ذلك الزمان .كان َي ُ دائام بـلبنان ّ كل احتالل. أريد أن أ َ حرر ًا من ّ ُدف َن يف تراب وطني ُم َّ أفكاره أمثلة ،وآالف العرسان يختارون من كلامته ُت ْلقى يف أعراسهم، ذهب ْ ت ُ هكذا َ تكلم ضد الرشائع القدمية البالية لـالزواج الكنيس مدركني أنه مرفوض يف لبنان ألنه ّ التقليدي ،وكان مع الشباب والصبايا ممن اختاروا هم طريقهم ورفيق (أو رفيقة) تلك الطريق.
201
حمل لنارشه ْألفرد كنوف ثرو ًة طائلة .وكان جربان املقدسة .هذا الكتاب وحده َ برشي يف شامل لبنان. أوىص ّ بحصته من ذاك الريع إىل بلدته الصغرية الجميلة ّ َمن كان هذا الرجل الذي من لبنان؟ ت قريبة ماضية ،كان أخربتكم ّأن خليل جربان ،حتى سنوا ٍ ال أُودِ ُعكم رس ًا إذا ُ آخره ّن، أسطور ًة غامض ًة ساحر ًة َخ َل َق ْتها حوله َمجموع ُة ْنسوة عملن سكرتريات لديهُ ، عنوانه :ذاك الرجل من باربره يونغ ،أصدرت عنه كتاب ًا شعبي ًا رخيص ًا ال قيمة له ُ متقشف ًة تاعسة. وصورته قديس ًا عاش حياة ّ روت َ لبنانَ مشوهَّ ، سريته يف إطار ّ وعال ُمه عن منشورات نيويورك حياته َ سنة 1974صدر كتاب خليل جربانُ : النحات األمريكي خليل ابن ِ وضعه ُ عم جربانّ ، غرافيك سوسايتي يف بوسطنَ ، ابن ّ توصال إىل وضع كتاب عن خليل تقصيا ِتهام الدقيقة َّ جربان وزوجته جني .ومن خالل ّ كادعاء رجال سوي ًا .مل ينزلقا إىل وصوراه ً تفاصيل مؤذيةّ ، َ جربان َّ صححا فيه صورته َّ فجعل يرشب مثال أن جربان يف آخر حياته مل يعد َيشعر ّأن عنده ما يقوله يونغ ً َ سب َبت الخمرة موته ،كأنه راح يتعاطى الخمر انتحار ًا .هذا الحدث، الخمر حتى َّ ت عليل الجسم، شاحب الوجه ،سنوا ٍ سبب موته ،فهو ً أصال كان َ َ إن كان صحيح ًا ،مل ُي ّ طويل ًة قبل وفاته. حلقات النار يف زلت أذكر كيف كنا صغار ًا نصغي إىل كلامت جربان حول َ ما ُ نفرقها عن أقوال الكتاب املخيامت ،أو حول شموع خافتة النور يف كنائسنا .مل نكن ّ َّ نفرق كالمه بتنا وإن واليوم، سامية. عالية م بقي تبشريية هجة ل من فيها ا ِم ل املقدس، ٍ َ ّ َ َ عن كالم الكتاب املقدس ،ما زلنا َنجد فيه مناخ ًا طقسي ًا ال َيختلف كثري ًا عن مناخ الحِ َكم واملزامري. برشي ،وهي بلدة قدمية نائمة عىل أقدام أرز لبنان التاريخي الذي جربان ُول َِد يف ّ مصدرها من (باي ِبل) ُ منه اقتطع سليامن الحكيم أخشاب هيكله .وكلمة الكتابْ لبنان ،من مدينة بيبلوس ،ذات املرفإ الذي قد يكون أقدم مرافئ العامل ،منه انطلق الفينيقيون الذين أعطونا األبجدية. يتعلم اإلنكليزية، هكذا يكون جربان نش َأ عىل لغة يسوع األصلية ،ألنه ،وهو ّ فينيقي بكلامت إنكليزية ،كام جاء يف كتاب اكتشف أن الكتاب املقدس هو أدب ٌّ نسيبه خليل جربان (ص .)336
200
ويشكلون له املرقطة ،ويدخن الهوكا .وكان األوالد الرشقيون يثريون انتباهه ّ ّ جو ًا مثري ًا. توصل الحق ًا إىل أن يكون يف هذا الجو منا جربان ،يرعاه داي يف الفرتة األوىل ،حتى َّ حط اهتامم ٍ ُواله ّن جلسن إليه غارفا ٍ هو نفسه َم ّ رشقيته وموهبته .أ ُ ت من ّ نساء ْ سيدة رومنطيقية جميلة مشيقة تحرتف الشعر واملرسح. پيبديّ : كانت جوزفني َ عرفته إىل ماري إليزابيت هاسكل ،إبنة ضابط من والية كاروالينا الشاملية كان قائد ّ انتسبت ماري اىل نادي ڤريجينيا). (والية آپوماتوكس يف الكونفيديرالية الفرق َ سيريا كلوب( سان فرنسيسكو) أيام كانت كاليفورنيا أرض األحالم واألساطري. مدرسة يف بوسطن كانت تديرها يف شارع مارلبورو وحملت معها تلك الرؤى إىل ٍ َ وتجمع فيها األوالد الرباهامنيني. فأرسلته إىل پاريس عىل نفقتها يدرس الرسم ،حتى إذا عاد، َآم َنت مبوهبة جربان ْ باتت صديقته الحميمة وقارئته األوىل .الغريب أن جربان ،رغم طبيعته العاشقة يعكر بقيت عالقته مع تلك النساء أفالطونية بحتة فلم ّ والثائرةّ ، ظل عىل طهارةَ : صخب عالقة .وكانت آخر النساء :باربره يونغ ،سكرتريته الولهى به ،والتي صف َوها ْ ُ ُعن َِيت بأعامله الكتابية وأوراقه. تفتح عواطف النساء ،مل يدخل يف تفاصيل الالفت أن جربان ،حني َكتب عن ّ اكتسب كثري ًا يعرف َنه .لكنه ت متفتحا ٍ حميمياته مع نساء عرفهن ناضجا ٍ ت قبل أن ْ َ حيطهن الثقيف ،واكتسب معرفة يف السيكولوجيا والتحليل وم منهن ومن ّ ّ ّ ثقافتهن ُ والفن الجديد ،وعرف كيف يثور عىل مستعمري الشعوب ،ما ّمكنه من الثورة عىل مستعبدي شعبه يف لبنان. شخصيته
كان جربان ،يف رأس ما كانّ ،فنان ًا .تأثّ ر بالنحات الكبري أوغست رودان فظهر تأثريه يف تصاوير جربان وجوه ًا ومالمح توحي بالغيوم والصخور والتالل .ذلك أن جربان- كام رودان ووولت ويتامن وماترلينك وإدوارد كارپنرت وغريهم من مناذجه العليا -كان بتداخل البرش والطبيعة يف وحدة متامسكة متكاملة. ْيؤمن ُ لكنهن يف بالغ َن يف تصوير هالته، عرفن جربان ْ قد تكون النساء الالئي ْ وشغفن به ْ ّ متفرد ًا غري عادي. العمق مل ُيك َّن عىل ضالل، فموهبته كانت ْ ُ مذهلة ،وهو كان عبقري ًا ّ
203
ها هو يكتب يف فصل الزواج من كتاب النبي: يقيدكم .دعوا بينكم بعض فسحاتْ .فل َيرشب فليجمع ُكم ُّ ْ الحب من دون أن ّ واحدُ كم من كأس اآلخر وال ترشبا كالكما من الكأس نفسها .قفوا مع ًا وال تتالصقوا، ألن السنديانة ال تنمو يف يفء الرسوة. النشأة األولى
ثري وبيئة وسط ّ ابتدع جربان لنفسه ،وكذا انتهج مرتجموه ،هال ًة حول والدته يف َ جميلة متواضعة خاشعة مثقفة .لكن الواقع عاد فأثبت عكس ذلك .فهو ُولِد يف بلدة ٍ ّ بني جبال ووهاد وسهول .كان والده مقامر ًا ومستزل ًِام لدى أحد الزعامء السياسيني، ظلت َت ُجوع حتى الفضيحة .كانت األم سليلة أرس ٍة يتحمل مسؤولي َة أُرس ٍة َّ ّ وسكري ًا ال ّ فحملت أوالدها األربعة وجاءت بهم إىل هنا ،إىل أمريكا ،واجد ًة من الكهنة األتقياء َ ملج ًأ لها ولهم لدى أحد أنسبائهم يف الحي الجنويب الفقري من بوسطن .وهناك عاشوا ضي ٍق شديدِ يف غيتو بني َنحو خمسمئة من اللبنانيني والسوريني يف زقاق َو ِس ٍخ ِّ تبيعها ،وتغسل الفقر .راحت األم تدور عىل أبواب البيوت حامل ًة َ رشاشف وبضاع ًة ُ جنبها امليش اليومي املضني خولها أن تفتح دكان ًا صغري ًا ّ ثياب الناس ،حتى َت َك َّون لها ما ّ فأدخلته املتكبر والخجول مع ًا، ْ لكنه مل ُي ِّ جن ْبها شبح الجوع والفقر .أما صغريها خليلّ ، يتلقن فيها مبادئ اإلنكليزيةُ ،ويميض وقته الباقي يف مدرس ًة حكومية تاعسة ،راح ّ أزقة الشوارع. ّ األزقة ليظهر يف بيوتات املجتمع يطب ْعه .انسحب من ّ مناخ أوالد الشارع مل َ البوسطني ،بفضل مؤسسات خاصة يف الجوار كانت تنتخب من األوالد َمن تجده بنات أرستقراطيني رغبن ألولئك األوالد وسط آخر تديره ُ نابه ًا وذا موهبة ،وتضعه يف َ حيا ًة ُمختلفة خارج الفقر والعوز رمبا تفتح لهم آفاق ًا أخرى يف الحياة( خليل جربان -ص .)33 املحيا ال نحيال، كان خليل ولد ًا ً برونزي الوجه ،ثاقب العينني ّ البن ّيتنيَ ،حزين ّ ّ أخذت لفتت املسؤوالت موهبته ّ املبكرة يف الرسمَ . ُ يعرف البسمة ،رسعان ما َ وعرفته إىل من يعنى به ويرعاه :فردريك هوالند داي ،فنان ثري به إحداهن ّ وبوهيمي شهري يف بوسطن من املذهب الرباهامين .كان ومصور فوتوغرايف ونارش ّ ٌّ غريب ًا يف ملبسه ،غريب ًا يف هندامهُ ،محاط ًا يف غرفة عمله (الستوديو) باألرشطة
202
الوصول
وصل .كان له ستوديو يف مع صدور النبي سنة 1923أحس جربان أنه َ نيويورك ،وكان نارش كتبه ْألفرد كنوف أحد أبرز نارشين مغامرين عرفوا كيف وطن من املعجبني والقراء شبح املنفى يالحق جربان رغم ٍ ُي ْثرون .مع ذلك ّ ظل ُ خلقه له الكتاب .فها هو يهمس لصديق حميم بعض ما جال يف باله :يف مدينة نبي را ٍع بني السهول والسامءَ ، رج ٌل ٌ تاه بني الحقول وأحيان ًا بني الناسُ ، شاعرٌّ ، ظل ُيحس يف نفسه بوحدة وغربة .ومع أن الجموع َع َّدته واحد ًا من أحبهم .لكنه َّ َّ الحت سفين ٌة األزرق، األفق يف يوم، وذات نفسه. يف يشء ر يتغي مل مدينتها، بعيدٍ َ ّ ٌ تقرتب .عرف الجميع أنها سفينة الناسك الشاعر فهرعوا إىل الشاطئ حيث وقف بينهم وراح يخاطبهم: ُ أوالدكم ليسوا أوالدكم. ثم قال أحدهم :حدِّ ثنا عن األوالد ،فقال: ُ حبكم ال أبناء الحياة تَرى إىل ذاتهاَ .أتَوا من خاللكم ال منكم، فأعطوهم َّ إنهم ُ أفكاركم. ويروح آخرون يسألونه عن الصداقة واآلخرين واملوت ،وهو ُيجيبهم. واضح هنا أن جربان ،بصوت النبي ،يتوجه بكالمه إىل جميع الشعوب ٌ ت طويل ًة حتى أتاح لنفسه الكالم واألجيال .اشتغل عىل مخطوطة كتابه سنوا ٍ عىل مواضيع كبرية وشاملة كالحب والتعليم والعطاء والخري والرش .أراد يقول ما يريد قوله ،يف الوقت األقرص والكالم األقل .لذلك اشتغل عىل نصه كثري ًا ليجعله عىل اقتضاب ُم ِش ّع. هكذا مل ُيعد غريب ًا أن يجد قراؤه يف كالمه مناخ ًا من يسوع أو من الكتاب املقدس إمنا يف لهجة جديدة .فهذا الكتاب ال يحتمل إضاف ًة ولو صغرية .إنه كامل .كتاب ماليني جعلوه كتاب مخدتهم .ذلك أن النبي قال ما قاله يف جامل ساحر ،والمس أفكار الدين... الناس الذين يفتكرون ً دائام بتلك املواضيع :األهل ،الزواجِّ ، يظن أن النبي ليس كتابه ظل ُّ أحس بنفسه وصلّ ، سوى أن جربان ،وإن َّ الكبري ،ألنه كثري الطموح .كان يف الخامسة والعرشين من عمره حني كتب: جئت هذا العامل كي أكتب اسمي عىل وجه الحياة بحروف كبرية .لكن هذا ُ صديقة الكتاب الكبري مل يظهر مطلق ًا .فها جربان ،قبل سنة من وفاته ،يكتب إىل ٍ
205
بعد بلغ الثالثني حني دعاه لهذا ّ احتلت ُ أعامله الفنية أكرب غالريات نيويورك .ومل يكن ُ منضم ًا إىل جيمس أوپنهايم ليكون يف أرسة تحرير املجلة الشهرية الفنون السبعة، ّ الكبار أمثال :دوس باسوس ،أوجني أونيل ،روبرت فروست ،هـ.ل .منكِ ن ،ڤان ڤايك بروكس ،د .هـ .لورنس وسواهم. كان جربان منتشي ًا بكونه نجم الطليعة يف بوسطن .لكنه كان منتشي ًا أكثر بوطنه التوزع عنده بني ثقافة الغرب وثقافة الرشق ،دفعه إىل الشعور لبنان .ورمبا ذاك ُّ أي بيت آخر .كانت صحته السقيمة بأنه ذاك املنفي الذي ال يعيش يف بيته وال يف ّ ّ فلنتابعه يكتب يف واحدة من ضاغطتني عليه يف منفاه. وطبيعة حياته التاعسة َ ْ أجمل مقطوعاته النثرية: منفي ووحيدٌ ّ توجه دائم ًا أفكاري إىل تعذبني وحديت التي ّ منفي يف هذا العاملٌّ ... أنا ّ ٍ منفي َمملكة سحرية َمجهولة ،وتَمأل أحالمي خياالتٌ لواحة بعيد ٍة غري منظورة .أنا ٌّ منفي ألنني عربتُ األرض رشق ًا منفي عن نفيس وعن جسديٌّ . عن أهيل ووطنيٌّ . وغرب ًا فلم أجدْ مكان والديت وال أحد يعرفني أو سمع باسمي .وسأبقى منفي ًا حتى يخطفني املوت ويحملني إىل وطني. هذا املناخ الغرائبي ظهر الحق ًا عند مدخل كتابه األول يف اإلنكليزية :املجنون سجل جربان أمله من جهله كيف يتناسل الذي صدر قبل النبي بخمس سنوات ،وفيه ّ واحدهم اآلخر وأحيان ًا يستعبدون يستعبد الناس ُ الناس ُ واحدهم من اآلخر ،وكيف ْ ذواتهم بوضع فضائل موروثة بينهم تفصلهم وتباعدهم .وهذه سامها األقنعة. فلنتابعه يكتب :تريدون أن تعرفوا كيف رصت َمجنون ًا؟ هذه قصتي :ذات يومٍ، قبل ميالد آلهة كثريين ،نَ هضتُ من نوم عميق وفوجئتُ بجميع أقنعتي مرسوقة: وتقنعتُ بها يف حيوايت السبع املاضية .ركضتُ يف حيك ُتها ّ األقنعة السبعة التي كنت ّ سافر الوجه صارخ ًا :اللصوص! اللصوص اللعينون ،والناس يضحكون مني الشوارع َ َ ساحة املدينة رصخ فتى عىل وبعضهم يهرول هارب ًا إىل بيته خوف ًا مني .وحني بلغتُ الشمس للمرة األوىل، وجهي فقب َلتْ ُ َ سطح بيت :إنه مجنون .رفعتُ برصي إليه َّ َ وجهي العاري .أحسستُ واشتعلتْ روحي بالحب ألول مرة إىل الشمس التي ّقبلت َ مباركون ،اللصوص مباركونَ ، أنْ ما عدتُ أحتاج أقنعتي .رصختُ كما يف انخطافَ : الذين رسقوا أقنعتي .هكذا رصت َمجنون ًا .ويف جنوين اكتشفتُ الحرية والخالص: حرية الوحدة ،والخالص من أن يفهمني اآلخرون فيستعبدوين.
204
األمثل خالل فصل األوالد من النبي :مع أنهم معكم ،ليسوا لكمُ . أعطوهم حبكم ال أفكاركم ،ألن لهم أفكارهم .ت ُْؤوون أجسادهم ال أرواحهم ألن أرواحهم َّ ٌ ساكنة يف بيوت الغد التي لن تزوروها ولو يف أحالمكم .إجتهدوا أن تكونوا مثلهم. عبث ًا تحاولون أن تَجعلوهم مثلكم .ألن الحياة ال تخطو إىل الوراء وال تعيش يف يصو ُبها الرامي إىل نقطة األمس .أنتم األقواس التي منها خرج أوالدكم سهام ًا حية ّ يف الالنهاية .فليكن التواؤكم بني يدَ ي الرامي ،من أجل السعادة ،لتطري سهامه إىل البعيد البعيد .فالرامي يحب األسهم التي تطري لكنه كذلك يحب األقواس التي َت ْث ُبتُ بني يديه. أيها اإلخوة ،يف نهاية خطبتي ،ونحن عىل أيام قليلة من عيد ميالد يسوع، أ ََد ُع ُكم مع خليل جربان ينقل إليكم رسالة الطفل يسوع إلينا ،وهو نقلها إليكم قطعة من آخر كتاباته حديقة يف لهجة جديدة .وهذا ما حدا به إىل أن يكتب يف ٍ النبي: ٌ حقيقة مل َأ ُق ْلها لكم َبعد ،فهي ستبحث عني ها أنا ذاهب .لكنني إذا ذهبتُ ويب وتلملمني .وإذا بعدُ يب لفحة من جمال مل أنقلها إليكم ،فس ُأدعى ثانية إليكم ألعود فأقول لكم كل الذي يجب أن يقال. إشارة أخيرة
اتصلت ِبشايال أوديت عند فراغي من ترجمة هذه الخطبة امليالدية الجربانية، ُ لعلي أتحدث إليه .فقالت يل إنه املبشر ّ يف فيالدلفيا أسألها عنوان هذا القس الواعظ ّ ترك رعية مونتكلري (والية نيوجرزي) وانتقل إىل بركيل (والية كاليفورنيا) عىل الرقم اتصلت به هاتفي ًا إىل كاليفورنيا فقيل يل إنه يف إجازة ومل 1771من هايالند بولڤارد. ُ يرتك خرب ًا عن موعد عودته. يتحمس له بهذا الشكل ،وليس لبناني ًا أهمية هذا الواعظ أنه مل يعرف جربان كي ّ ليكون إميانه به عاطفي ًا .بل هو أمريكي آمن بجربان الشاعر اللبناين ،وقام بأبحاث يود معرفة عنه ليعطي إىل مستمعيه خالصتها .وهي خالص ٌة ميكن اعتامدها ملن ّ تفكري الغرب إزاء جربان.
207
وولدت ألعيش ولدت ألكتب كتاب ًا .كتاب ًا واحد ًا صغري ًا فقط. ُ له يف لهجة يائسةُ : ألهجئ الحرف األول فأقول كلم ًة حي ًة واحدة .وحني وأتعذب َّ ُ َ وجدت أنني مهي ٌأ ّ وج ْد ُتني واقع ًا عىل ظهري ،وفمي بركان ُس َّدت فوهته من هذه الكلمة ،كلمتيَ ، بصخرة ( .رسالته إىل مي زياده.)1930 - مع هذا ،بعد النبي ،حاول أن يقول .وضع مجموعة أقوال عىل ألسنة الناس يتذكرونه .ويف الكتاب يف كتاب يسوع ابن اإلنسان .جعلهم يحكون عن يسوع كام ّ فنس َج حول ذلك أساطري وهاالت .وهو من أفضل ّ يردد جربان ّأن يسوع َم َّر يف لبنان َ الكتب التي ظهرت عن يسوع يف هذا اإلطار. ويحلم به .وال هو وضع يضعه إمنا هذا الكتاب مل يكن الكتاب الذي ينتظر أن َ َ يفكر بها .سوى أنه أحسن استعامل لوحاته ورسومه يف وضعها بني دفتي اللوحة التي ّ كتبه رديف ًة لنصوصه يف اإلبداع. وخصص عائداته وعائدات كتبه ،كام ذكر يف بقي النبي حظوته الكربىَّ . برشي .كان يحلم أن يجيء َمن يستخدم تلك العائدات لتجميل وصيته ،لبلدته ّ ولكن يف معلومايت أن أحد ًا مل تلك البلدة التي لو ُس ِّو َيت لكانت فردوس ًا حقيقي ًا. ْ يقم إىل هذا العمل. تكريم إبداعي ذاتي
اغتبطت أن يكون قال كلمته للعامل من خالل النبي ،ذاك قرأت جربان كلام ُ ُ الكتاب الصغري .وها هو نفسه يقول يوم ًا لنارشه ألفرد كنوف :إن كتاب النبي ّكله ليقول شيئ ًا واحد ًا :إنكم أكرب بكثري مام تظنون ،ولن تبلغوا ذاك الكرب( خليل جربان -ص .)360 بني فصول الكتاب القصرية أرى أن فصل الزواج هو األكثر شعبية ورواج ًا، مقاطع من ذاك الفصل إيل قراءة بدليل أن العديد من العرسان يف كنيستي يطلبون ّ َ يعبر يف إيجاز رائع عن تلك الحقيقة خالل مراسم الزواج .وأُحِ ّ ب فصل األوالد ألنه ّ البيولوجية ّأن َنهر الحياة َيجري من خاللنا ال منا ،وأنه يعطي حكمة االنطالق وهي مفتاح الفن ومحور الحب .ويف رأيي أن العديد من املشاكل واملآيس العائلية ميكن َتحاشيها إذا قرأ اآلباء واألمهات كلامت هذا الشاعر اللبناين الذي أبدع يف وصف الحب
206
209
تحدث إيل بعد ،وال إىل أحد سواي حسبام أعرف ،أن كاهن ًا عندنا يف لبنان ّ مل َ يتناه ّ تحدث عنه هذا القس األمريكي ذاكر ًا لبنان يف خطبته أكثر يف كنيسته عن جربان ،كام َّ من مرة ،وذاكر ًا أرز لبنان وبيبلوس جبيل التي أعطت العامل األبجدية. ولعل جربان الذي كان يعرف ذلك ،أشاح يف آخر عقد من حياته عن الكتابة يف ّ العربية ،وانرصف إىل التأليف يف اإلنكليزية ،لغة ضمنت له العاملية والخلود والنقل إىل معظم اللغات الحية يف العامل. شاهد لنا ،وألجيال تالية مل تولد بعد. و هوذا النبيٌ
* النهار العريب والدويل1985/10/14 -
208
نيويورك
أتجاوز مضامني تلك الكتب الثالثة التي ُتعِ ني وملا كان الرقم غالب ًا أبلغ من الكالمَ ، النقاد والدارسني ،ألصل اىل حقائق عىل بلوغ جربان اإلنسان بعيد ًا عن َتحليالت ّ رقمية تشري إىل انتشار كتب جربان. وعال ُمه تأليف النحات البوسطني خليل جربان حياته َ الكتاب األول :خليل جربانُ : وزوجته جني .صدر يف آب 1974عن منشورات نيويورك غرافيك سوسايتي يف 442 غري منشور .عىل صفحة حجام كبري ًا ،حاوي ًا مع النص مئة صورة فوتوغرافية َ ً معظ ُمها ُ الغالف الخارجي األخري هذه العبارة :العبقري اللبناين -صاحب النبي وصوت شعبه يف الرشق األوسط. الكتاب الثاين :هذا الرجل من لبنان للشاعرة األمريكية باربره يونغ التي ومدونة مؤلفاته عىل رفيقته اليومية أمضت آخر سبع سنوات من حياة جربان َ َ ِّ آلتِها الكاتبة ،والعاملة بعد وفاته عىل جمع َمخطوطاته َوتحرير غري املنتهي منها ومحرتفه .وهي زارت لبنان وأمضت (كـحديقة النبي )واالهتامم بلوحاته ُ تقصت فيها منابع جربان حتى أصدرت يف 1945/1/15 برشي وبريوت أيام ًا َّ بني ّ لدى كنوف بالذات (نارش جربان يف نيويورك) كتابها يف 190صفحة قطع ًا وسط ًا ،وعىل الغالف األخري عبارة :دراسة عن خليل جربان -الشاعر والفيلسوف والفنان الذي ُولِد يف لبنان ،األرض التي أطلعت أنبياء وشعراء. الكتاب الثالث :النبي الحبيب -رسائل الحب بني خليل جربان وماري هاسكل، حققته ڤريجينيا الحلو ،وصدر يف 452صفحة مع صفحات من مذكراتها الخاصة عنهَّ . حامال رسوم ًا أصلية قطع ًا وسط ًا عن منشورات كنوف -نيويورك يف ً ،1972/3/23 جديدة لجربان وعىل غالفه األخري عبارة :خليل جربان ،املعروف يف أمريكا والرشق عدة ،أبرزها النبي أكثر الكتب وفن ٌان لبناين وصاحب َّ مؤلفات ّ شاعر ّ األوسط ،هو ٌ ُ إعادة طبع يف القرن العرشين بعد التوراة. ومن بالغة األرقام والوقائع ّأن ُن َس َخ الكتب الثالثة أمامي كانت كاآليت :األول يف طبعته الرابعة ( ،)1980الثاين يف طبعته العارشة (كانون األول ،)1961 والثالث يف طبعته الثالثة ( .)1979وملا كانت مكتبة دايتونا بيتش العامة ضئيلة الحجم نسبي ًا ،فقد تكون هذه الكتب الثالثة ،لدى مكتبات عامة كربى يدي يف هذه املكتبة يف مدن أمريكية كربى ،ذات طبعات الحقة عن التي بني ّ الدايتونية الصغرية.
211
1 ضوء من جبران في جيب كـتاب دايتونا بيتش مدينة سياحية صغرية عىل شاطئ األطليس عند خرص والية مكتبتها العامة عىل حجمها ،أي ال تحوي من الكتب فلوريدا ،ومن الطبيعي أن تكون ُ األدبية والشعرية والفكرية إال النزر اليسري مِ ّما قد َتحويه مكتب ٌة عامة كربى يف مدينة كربى ذات ْثقل أديب وشعري وثقايف ،كنيويورك أو واشنطن أو لوس أنجلس أو بوسطن. جعلني أقف مع هذا كان يل يف مكتبة دايتونا بيتش العامة ( 4000كتاب) ،ما َ مغتبط ًا أمام منارة لبنان اإلبداعي وامتدادها يف العامل. كان ذلك يوم سبت ،ويف ظني أن الناس منشغلون عن القراءة باسرتاحة الـويك هيبة وصمت. تعج بالقراء املنشغلني يف صفحات الكتب بكل ٍ إند ،فإذا يب أجد املكتبة ُّ كان يف َّنيتي أن أُطالع كتاب ًا لروبرت فروست. وقعت َول ّما كان حرف الفاء (فروست) ُمجاور ًا حرف الجيم يف األبجدية الالتينيةَ ، الرف نفسه من ذاك الجناح يف املكتبة ،وتحت حرف الجيم ،عىل كتاب عيناي يف ّ كتب جربان ثان ،ثم ثالث، حد ٍ وأكملت يف ذلك االنبهار املفاجئ حتى َ لِجربانَّ ، ُ بلغت ُ عىل ذاك الرف سبعة عرش كتاب ًا. ووقفت أمام ُك ُتب جربان ،وهي بعض ما كتبه يف أشحت عن كتاب فروست ُ ُ اإلنكليزية وما صدر من ترجامت إنكليزية عن كتبه العربية ،إضافة إىل أنطولوجيات املرتجمة ،وثالثة أصدرها نارشون أمريكيون لِمنتخبات من كتاباته اإلنكليزية والعربية َ كتب بيوغرافية صادرة عنه يف أمريكا. وألين أعرف كتابات جربان اإلنكليزية والعربية ،أثارين اإلطّ الع عىل الثالثة وش َّع يف الكتب البيوغرافية ،بلوغ ًا إىل عمق هذا الرجل الذي انطلق من لبنان َ أمريكا والعامل.
210
210
213
جيب صغري فيه بطاقة رقمية أُخرى :عىل مقلب الغالف األول من كل كتاب ٌ بالغة ّ مطبوعة تشري إىل َتتايل مستعريي الكتاب كل مرة ،مع تاريخ اإلستعارة. األقدم عليها يف كل كتاب: أ َُع ِّدد ،بدون تعليق ،وبحسب البطاقة والتاريخ َ الكتاب األول 17 :استعارة منذ .1990/8/2 الكتاب الثاين 31 :استعارة منذ .1990/7/27 الكتاب الثالث 36 :استعارة منذ .1990/7/2 هذا يعني ،بكل بساطة الرقم وبالغته ،أن 84قارئ ًا تعاقبوا عىل هذه الكتب مؤلفاته عىل ذلك الرف من املكتبة) أعدد استعارات ّ الثالثة فقط عن جربان (كي ال ّ تتعدى األربعة أشهر. يف فرتة ال ّ مكتبة صغري ٍة ،يوحي ِبام ُيمكن أن يكون عدد القراء الذين تعاقبوا وهذا ،يف ٍ كل مدينة أمريكية َتحوي أكثر من عىل سائر كتب جربان فيها .وإذا اعتربنا ّأن ّ كل يوم نتخيل عدد القراء الذين يتناولون بني أيديهم ّ مكتبة عامة واحدة ،لنا أن ّ ذكر أنه شاعر أو فنان أو مؤلفات جرباننا الخالد الذي ال َيخلو غالف ُلكتبه من ْ ٌ فيلسوف من لبنان. بالغة شفوية قبل خروجي من املكتبة: الحظت اللكنة يف لغتي اإلنكليزية املكلفة تسجيل الكتب املستعارةَ ، السيدة العجوز ّ فسألتني بكل تهذيب :من أين أنت؟. ْ فرفعت بيدي أحد الكتب الثالثة ردة فعلها، أردت اختصار الجواب ومالحظة ّ ُ ُ وأجبتها :أنا من وطن هذا الرجل. ُ ترتدد ثاني ًة واحدة حتى قالت :خليل جربان؟ إذن أنت لبناين. وأ ِ ُقسم أنها مل َّ ت برباءة العجوزات الطيبات: َ وأردف ْ األسبوع املايض كان عيد ميالد حفيديت ،وكانت هديتي لها كتاب النبي، تلق ْته من هدايا. فبادرتني بأنها أمثن ما َّ ْ ترتدد يف صمتي عبار ُة ذاك الذي ،من ت تنهيد ًة حافية، وخرجت من املكتبةَّ ، ُ َح ْمل ُ وطنه حني أَعلن :لو مل يكن لبنان وطني، شه َر ُح َّبه َ صومعته يف نيويورك عام َ ،1920 خذت لبنان وطني. ّ الت ُ دايتونا بيتش (فلوريدا)
* الحياة1990/11/16 -
212
بناء عىل القانون الدستوري ً الصادر يف 8أيار سنة 1929 بناء عىل القرار املحيل رقم ً املؤرخ يف 16كانون الثاين ّ 1080 سنة 1922 بناء عىل املرسوم رقم 2510 ً املؤرخ يف 13كانون األول سنة ّ 1927 بناء عىل اقرتاح وزير الداخلية ً وبعد استماع رأي مجلس الوزراء يرسم ما يأيت: ُ مدالية املادة األوىلُ :م ِن َحت االستحقاق اللبناين من الدرجة الثانية إىل السيد جربان خليل جربان املقيم يف نيويورك. املادة الثانيةُ :ي َنشر َّ ويبلغ هذا املرسوم حيث تدعو الحاجة إىل ذلك. بريوت يف 25أيلول 1930 اإلمضاء :شارل دباس صدر عن رئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء :اإلمضاء أوغست أديب وزير الداخلية :اإلمضاء موسى منور رئيس الغرفة :جورج حيمري.
املرسوم يف ّنصه الفرنيس
كان ُيمكن التعليق عىل هذا املرسوم بأقىص السخرية أو أقسى املرارة. لكن ْنش َره بدون تعليق ،يبقى أبلغ من كل كالم يقال عن نظرة الدولة اللبنانية
215
1 قبل وفاته بستة أشهُر: مدالية لبنانية له من الدرجة الثانية بني أوراق جربان املنقولة من ُمحرتفه يف نيويورك اىل برشي ،الورقة متحفه يف ّ رقم ،144وهي تحمل ماد ًة طريف ًة موغِ ل ًة يف سخرية صفراء حملها الزمان لِجربان. إنها ورقة املرسوم الجمهوري الذي يحمل الرقم ،7287وهو مطبوع عىل اآللة الكاتبة ،وتحمل الورقة ،يف أعالها اىل اليمني، عبارة الجمهورية اللبنانية. النص الكامل وهنا ّ للمرسوم:
املرسوم -العار
214
إن رئيس الجمهورية اللبنانية، بناء عىل الدستور الصادر بتاريخ ً 23أيار سنة 1926واملعدَّ ل مبوجب القانون الدستوري الصادر يف 17 ترشين األول سنة ،1927
2 مش أنا دخلت حديقته سنة 1992يف واشنطن ،لفتني فيها الجو العام املحيط، أول ما ُ صاهال بنظرته من رحم الحياة إىل فجر املضيف طابع ًا خاص ًا عىل متثال رأس جربان ً ُ الحياة التالية. الجو وأول ما دخلت حديقته يف بريوت (مقابل مبنى ْ ُ اإلسك َوى) لفتني فيها ُّ املحاط بأبنية وسط بريوت وطرقاته الحيوية، الهنديس العام ،النظيف األنيق الجميل، ُ رأسه بعيد ًا ،فوق ،كعصفور ضئيل يحط عىل عمود. َولفتني ُ وكلام أقرتب من التمثال وقاعدته كان يزداد الفراغ حوله كام ليرتكه وحيد ًا يف شساعة ،صغري ًا يف وساعة ،مرتوك ًا يف خواء من العراء والهواء ،ما ُيسهم كلي ًا يف ضياع مار وكل حركة املعنِق وحده ضائع ًا يف الفضاء حوله ،يرسق النظر فيه كل ٍّ الرأس ْ وكل زحام. صدمني ّأن من رأيت يف ذاك التمثال النصفي مل يكن جربان، بوصويل إىل التمثال َ وتأكد يل كاريكاتور پيار صادق قبل يومني (النهار 3 نيسان )2001حني جعل ّ التمثال ينطق فيقول مش أنا. يت ّأال تكون هذه هي النسخة النهائية بل األوىل التي يلحقها الكثري من الصقل َوت ّمن ُ وتركيز مالمح. وتقني خبري .غري أن التجريد أمر، أستاذ كبري ليس من يجادل يف أن زاڤني حاديشيان ٌ ٌّ أمر آخر. ونحت الوجوه (فن ًا خاص ًا صعب ًا ً قائام بذاته) ٌ التمثال -املأخوذ ترجيح ًا عن صورة لجربان يف ُمحرتفه البس ًا مريول الرسم األبيض -جاء بعيد الشبه عن مالمح جربان ونظراته وعينيه وشاربيه وحتى مجموع صور أكثر لجربان يف وضعيات تصفيفة شعره .رمبا كان ينقص زاڤني ُ
217
منقوال إىل عدد كبري من عز شهرته األمريكية والعالمية ً َ إىل جربان سنة ،1930وهو يف ّ العالم. لغات َ أيها املرسوم الذي من الدرجة الثانية: السيد جربان خليل جربان املقيم يف نيويورك؟ خجل َ َألم َت َ منك وأنت تصل إىل َيدي ّ
رسالة القنصل الفرنيس أن يزوره جربان ويتسلّ م املدالية
* النهار العريب والدويل١٩٨١/٢/٩ -
216
3 ال مكان لجبران في دولة جبران كل يوم ،وال يزال يولد يف العامل كأنه يوم مات ،مل ميت ليموت ،بل َ ليولد من يومها ّ لغة جديدة، كل يوم يف بالدٍ جديدة ،يف ٍ كل يوم .وأقول يف العامل ،ألنه ما زال يولد ّ ّ حي. يف ٍ طبعة من كتبه جديدة (خصوص ًا الن ِب ّي )فيبقى حي ًا أكثر مام كان وهو ّ فعلت له دولة وطنه كي تعرفه ويقدره ،فامذا َ وإذا كان العامل يقرأه ويعرفه ّ األجيال الجديدة يف وطنه؟ ألملانيا مراكز ثقافية يف العامل باسم معهد غوته ،ومهرجانها الشهري يف بايروث اسمه مهرجان ڤاغنر. وروسيني إليطاليا مراكز ُمامثلة باسم دانته ،ومسارح كربى بأسامء ڤريدي ّ وپريغوليزي وبيليني وسواهم. توزع مراكزها الثقافية يف العامل عىل اسم ثرڤانتس. إسپانيا ّ سمت مطارها يف وارسو مطار پولونيا َلم ْتك َت ِ ف بـأكادمييا شوپان للموسيقى بل ّ شوپان الدويل. يف موسكو كونرسڤاتوار تشايكوڤسكي. يف أرمينيا أكادمييا خاتشاتوريان وكونرسڤاتوار كوميداس. ِيست. يف بوداپست كونرسڤاتوار بارتوك وأكادمييا ل ْ يف سانت پيرتسبورغ كونرسڤاتوار رميسكي كورساكوڤ. كل منها اسم مؤلف موسيقي. يف باريس 20دائرة ذات 20كونرسڤاتوار ًا يحمل ٌّ امنية عىل اسم ماكس مولر. يف الهند مراكز ثقافية ْأل ّ عدا موزار الذي تزخر به متاحف وقاعات يف النمسا وخارج النمسا يف كل العامل. العال ّمية ...تطول وال تنتهي. وتطول الالئحة َ
219
متنوعة وأشكال ُمختلفة لرأسه ووجهه ونظراته ،تعطي فكرة عن نفسية جربان قبل شكل وجهه. نتمنى أن يكون متثال جربان وسط حديقته الجميلة. هكذا كنا ّ تظل ما جاء قبل يومني يف فهويته الدائمة سوف ُّ وإذا ما كان هكذا سيبقىّ ، كاريكاتور پيار صادق :مش أنا.
عن النهار ٣( نيسان )٢٠٠١
* النهار -زاوية أزرار -رقم )2001/4/5( 196
218
221
سمي مؤسساتها (يف أرضها أو يف العامل) عىل عالم ُة الدول الحضارية ،إذ ًا ،ال أن ُت ّ تنتقل بها اسم بيت بو سياسة من ُح ّكامها بل عىل أسامء مبدعيها الخالدين ،كي َ أسامء مبدعيها إىل العامل. ُ ت دول ُة لبنان لِجربان الذي ،بدون جميلها ،يغزو العامل ،وميكنها أن فعل فامذا َ ْ تنرش يف العامل مؤسسات لها ثقافية عىل اسمه فيعطيها هو الرصيد وال تعطيه رصيد ًا ليس يف حاجة إليه؟ حت ُه وسام املعارف من الدرجة الثانية! ماذا َ فعلت؟ َم َن ْ أين جربان اليوم من لبنان يف العامل؟ مراكز ثقافية عىل اسم جربان؟ ملاذا ال تكون امللحقيات الثقافية اللبنانية يف العامل َ ّ ملاذا ال تفتح السفارات اللبنانية يف العامل نوادِ َي ثقافية يف َح َرمها عىل اسم جربان بأنشطة عىل اسمه؟ وتقوم ٍ السياحية يف العامل ال َتحمل اسم جربان وهو أكرب َمخزون سياحي املكاتب ملاذا ُ ّ للبنان يف العامل؟ كل لبنان ،ال توعز الدولة إىل الجوايل اللبنانية والنوادي يوحد ّ واسم جربان ّ ملاذاُ ، اسمه وحده الثقافية اللبنانية يف دول العامل أن يكون ُ بعضها عىل اسم جربان الذي ُ يستقطب انتباه شعوب تلك الدول إىل لبنان وطن جربان؟ العالمي! تطول الئحة الـلِامذات وإمكانات استفادة الدولة من اسم جربان َ فعلت الدولة؟ ماذا َ تقيم شوارع وجادات ومتاثيل عىل أسامء بيت بو سياسة وال أحد يف العامل يشعر بهم. جومها لذا أستعري صيغ ًة أسلوبي ًة من جربان ألعيدها إليه عرصيةُ : الويل لبالدٍ ُن ُ العالم مهملون ،وال ِف ْكر لديها لتخليد إرثِها يف َ سياسيون (إذ ًا زائلون) ،ومبدعوها َ شعوبها قطعان ًا جعلونها خارج قطيع الدول التي َتجعل عىل اسم مبدعني فيها َي َ َ لسياسييها. ّ
* النهار -زاوية أزرار -رقم )2008/4/12( 542
220
م ْر ْجحني يواصل مفلح رشحهَ : تصغري مرج حنا ،تنبسط عند سفح القرنة السوداء عىل املقلب الرشقي لِجبل برشي أيام ا َمل ْكمِ ل .كانت أمالك ًا ألهايل ّ برشي ،ثم كانت ّ كل البقعة تابعة لقصبة ّ نزح الشيعة إليها من بالد جبيل فتداخلت سهل مرجحني بني التالل يف أول الربيع التبادالت التجارية بني امللكيات .من هنا ْ ُ وبرشي ،أَي عن جان َِبي الجبل رجحني َم ْ ّ حركة عبو ٍر كانت بقمته ،يف ِ مرور ًا ّ تتواصل من مطالع الربيع إىل مطالع الخريف ،مسافة تقطعها القوافل يف نحو ست قاس شتاؤها ٍ رجحني عىل علو 1712مرت ًاُ ، ساعات .وكان َ شتاء ألن َم ْ التن ُّق ُل يتعطّ ل ً وعنيف يبلغ الثلج فيه أحيان ًا ثالثة أمتار .من تلك التبادالت التجارية نشأت رشاكات رجحني يف ْملكية األرايض والتجارة .وبفضل تلك التبادالت والصداقات كان ُت ّجار َم ْ برشي وبعض أهلها لتسويق برشي ،ويجيء ُت ّجار ّ يذهبون لتسويق بضائعهم يف سوق ّ وشقيقه عيد .كانا ُيمضيان بضائعهم يف مرجحني .من أولئك األهايل :خليل جربان ُ رجحني. برشي والصيف يف َم ْ الشتاء يف ّ برشي وعيناتا ودير األحمر وأهل ِّ يشدد مفلح عىل العالقات الوثقى بني أهايل ّ عواد )... ،وهي حتى العشاير يف الهرمل َّ (عالو ،دندش ،نارص الدين ،جعفرَّ ،عالمَّ ، بقيت أقوى من التفرقة الطائفية. إبان سنني الحرب يف لبنان َ أشجار ضخم ُة الجذوع عتيق ٌة متينة .إنها من السنديان نجتازها، يف أعايل ٍ تالل كنا ُ ٌ اللزاب تعطي األوكسيجني لكل ُمحيطها. واللزاب يرشح مفلح ،ويضيف :شجرة ّ َّ ترج ْلنا من السيارة فانساب عند أعىل ٍ تلة يف املنطقة (قالها مفلح تعلو 2000مرت) َّ أخرض أخرض ،بني سلسلتني من مصغر، سهل البقاع عىل َّ منظر كام يف الخيالُ : أمامنا ٌ ُ صيفية أهل الهرمل ،والهرمل َم ْشتى البقاع، الجبال .هذه َم ْ رجحني قال مفلح هي ّ عىل 550مرت ًا ،أَي ِبمستوى القاع .وها َنحن هنا يف أعىل نقطة من جرود الهرمل .هذا فوق َّقمتا فم امليزاب والقرنة السوداء عىل الذي أمامك ،هناك ،جبل املكمل ،وهاتان ُ َ برشي. 3090مرت ًا .إىل َيمينك هناك يف البعيد عيون أرغش ،وراءها جبل األرز َوتحته ّ القموعة وتنحدر منها بالد عكار. وهذه ّ التلة وراءنا هنالكَ ،تحتها ُّ
223
مـع جبران في مرجحين ملعب صيفيّاته المتكسرة صديقُه بكى حين رأى غالف األجنحة ِّ نتغ ّدى عىل ُبحرية َم ْر ْجحني ثم نعود َ إىل األمسية الشعرية. بادرين الدكتور نزار دندش هكذا َ عضو بلدية الهرمل مفلح َّعل ْوه ُ وزميله ُ ولفظها َّعالو) وكانا َتحت (كتابتها هكذاُ ، ُ شجرة ظليلة عىل جرس الهرمل ينتظران أمسية شعرية نظَّ َم ْتها يل هناك وصويل إىل مرجحني منظر عام ٍ رابطة شباب الغد يف ملتقى عابدين. هدر االسم من ذاكريت مرجحني؟ َ العالمة فؤاد افرام البستاين َي ْذ ُكر ِمؤرخنا َّ مرتبط ًا ِب ٍ مقال ُ كنت قرأْته قبل عرشين عام ًا ل ِّ فيه ّأن جربان أمىض طفولته يف تلك القرية. أتكون هي هي؟ وانطلقنا إىل َم ْر ْجحني. يؤكدان ذلك يل حتى كانا معي يف السيارة ْ ما كاد مضيفاي ّ أتعقب خطواته من بوسطن إىل قضيتها ّ جربان؟ ست سنوات يف الواليات املتحدة ُ جدر يب أن أزور يف لبنان مكان ًا نيويورك ،أزور جميع األماكن التي َ سكن فيها .أفال َي ُ سكن فيه؟ َ بدأْنا التصعيد يف طريق ُم َتأ َْفعِ َنة (لكنها مقبولة التعبيد) فبادرين مفلح :نحن اآلن جرافاتهم ثم جاءت نتوجه إىل جرود الهرمل .القسم األخري من الطريق َّ شقه األهايل ِب ّ َّ ففلشت الزفت عىل طول الطريق. الدولة َ
222
مثال ،بطاطا.) (اتفقنا أنهاً ، ّ يؤكد أبو عقيل ( 75سنة): ّ عندنا هنا نبت ٌة تشفي َجميع أمراض الصدر. نبلغ املقهى ،نجلس تحت حامسة الحورات .يروي ِب ٍ واندفاع :كان جربان يف طفولته كل صيف مرجحني :وهدةٌ يف الجبال وصباه ي ْأيت مع َ والديه ّ رجحني .فتح أبوه خليل إىل َم ْ َقر ُب أصدقاء وعمه عيد دكان ًا .أ َ خليل كان أحمد فارس َّعلوه .كان ُيميض معه معظم أوقاته .وأحمد أَذكره كنت شاهد ًا عليها ولن وقعت قبل نحو 50سنة َ مصادف ٌة ُ جيد ًاُ . فتى حني َ كنت ً رجحني، أنساها .إسمع يا أستاذ :ذات يوم قبل خمسني سنة كنا هنا يف سهلة َم ْ طويال ،مع أنه أ ُِّم ّي ال تأمل فيه ً أحدهم من الهرمل بكتابَ . وجاء ُ أخذه أحمدَّ ، رفيق عرفته .هذا هو يقرأ مطلق ًاْ ، همرت دمع ٌة من عينيه َوت َمتم :ها هوُ . ُ وان َ املتكسرة أخذنا الكتاب من بني يديه فإذا هو األجنحة رجحنيْ . طفولتي يف َم ْ ّ العم أحمد يروي لنا كيف كانوا ثالثة :جربان وعىل غالفه صورة جربان .ثم راح ّ وذكر لنا رجحنيَ . يرسحون البقر واألغنام يف سهلة َم ْ وأحمد وصادق حمد َّعالم ِّ جب ُله َتامثيل ُمختلف َة أحمد ّأن جربان كان َيجمع الوحل عن ّ ضفة البحرية َوي ُ ويرتكها حتى تنشف يف الشمس ،ويقول لهم :سأكون فنان ًا وأصنع األشكال ُ َتامثيل وتصاويرُ .ويكمل أبو عقيل :ثم روى لنا أحمد كيف أن هذه املنطقة (جرود الهرمل) كانت عاصي ًة عىل العسكر الرتكي ،وغالب ًا ما كان الهرمليون (فتحت فيها صاعق ٌة قوي ٌة ذات يفتكون بالعثامنيني َ ُ السواحَ ويرمونهم يف هوة َّ ٍ عمقها نحو 500مرت) .وذات يوم جاء العسكر الرتكي- بلغ ُ شتاء رهي ٍ ب ُفتح ًة َ للسخرة إىل سفر برلك .هرب عسكر َز ُّن َوبه كام كنا نسميه -يريد أخذ الناس ُّ رجحني إىل مغاور الجرود ،ومعهم خليل جربان تارك ًا يف الدكان أخاه عيد رجال َم ْ وطلبنا من الذي كان بسيط ًا ساذج ًا .يف ذلك اليوم طلع جربان ّ بقرادية طويلةْ . بنصها الكامل ،وهذا هو: أحمد (يخربنا أبو عقيل) أن َّ يتذكرها ،فرواها لنا ِّ
225
رجحني ،إىل سهلِها األخرض ننحدر إىل َم ْ أكواخها أكثر من بيوتها. بيوتها قليلة، ُ الجميلُ . تصلها الكهرباء بعد. َلم ْ ظل ُل ُه نتوقف عند مقهى عروس مرجحنيُ .ت ِّ ّ مر عند أقدامها َنهر الحور أ ُ َشجار َحو ٍر عالي ٌة َي ُّ فاصال عقاري ًا بني بالد الهرمل وبالد عكار .بخطوة ً واحدة َنحن يف الهرمل ،و ِبخطوة معاكسة واحدة َنحن يف عكار. فيقد ُمني مفلح إىل أبو َعقيل نسرتيح ً قليال ِّ فهمي َّعلوه :أبو عقيل يختزن أخبار ًا عن جربان. بقايا خربة بيت خليل جربان يف مرجحني أهفو إىل َسامعه. هلم إىل وال نكاد نبدأ حتى يقرتح أبو عقيلّ : البحرية كي ترى أين كان يلعب جربان. ت ُخرض ًا نتوجه إىل البحريةَ .ت ُش ُّق السيارة مساف ًة ُترابي ًة غري قصرية ُممتلئ ًة نبتا ٍ َّ نرتجل .يرشح أبو عقيل :هذه ُبحرية نبع متوسطة العلو ْ (فلنعتربها بطاطا!؟)َّ . شاهدت العيون ُت َف ْق ِف ُق الحور .فيها عيون كثرية .وبالفعل :حني اقرتبنا من املياه ُ َ وتصب َجميعها يف هذه البحرية .يلتفت أبو عقيلَ :نحن يف قلب خور الص حت ت من َ ُّ ُّ املقدمة ،ومن هناك مرجحني .هي كسفينة فينيقية َونحن عىل متنها :من هنا عالية ّ ْ املؤخرة .يف هذه البقعة بالذات كان جربان خليل جربان ُيميض صيفياته. عالية ّ الست إنصاف ّعلوه :أنا مولودة هنا، صاحبته َنجلس يف املقهى .تقرتب ّمنا ُ ّ وعشت طفولتي وصباي عىل ضفاف هذه البحرية .يف أيام الثلج تكون مياهها دافئة، ُ ويف الصيف برود ُة مياهها تشق رأْس البطيخ .منذ طفولتي األوىل وأنا أَسمع من يصيفون مقابل بيت جدي. بيت جدي ّأنهم كانوا جريان بيت خليل جربان .كانوا ِّ بيتهم هناك حيث هذه الخربة ا ُملندثرة .طلع منهم ولد نابغة اسمه جربان راح َع ُ األمريكا. َستفه ُم منه عن جربان أكثر ويهز برأْسه َ مواف َق ًة .أ ِ كان أبو عقيل ُيصغي باهتاممٍ ّ الخرضُ مجدد ًا مر بـالنبتات ُ رجحنيَ .ن ُّ فيدعوين لالنتقال إىل مقهى عروس َم ْ
224
جد مفلح َّعلوه (عضو البلدية ،رفيقنا يف الرحلة). من أميون ،ورشيد هو ّ يكمل أبو عقيل كيف أحمد (تويف قبل نحو عرشين سنة) حكى لهم بتأثر شديد وأمالكه لبلدته أرزاقه َ حاد الذكاء .وحني علم أحمد أن جربان كتب َ أن جربان كان ولد ًا ّ برشي تأثَّ ر ففعل مثله وكتب أرزاقه وأمالكه لبيت ّعلوه .وحني قام أحمد ذات يوم ّ برشي بعد وصول جثامن جربان إليها ،ارتجل بيتني من العتابا ،هام: بزيارة ّ رضي ِ ��ح��ك ق��ال ج�بران ي��ا سلمى عَ ْ ��م��ـ��ا خ��اط��ري م��ا ش���اف ج�بران َول ّ
خ���واط���ر م���ا ل��ه��ا ب���ال�ش�رق ج�ب�ران أم���ايل ْد َف ْ��ن�� ْت��ه��ا ْ وال���م���وت ط���اب...
رت أننِي َّ وتذك ُ قرأْت يف مجلة الفصول( العدد صيف السابع- مقاال لفؤاد ً )1981 ينسب افرام البستاين ُ فيه إىل الرئيس صربي ت حامدة ذكريا ٍ متواتر ًة عن أهل تفيد ّأن الهرمل ُ أبو عقيل يدلُّ املؤلف عىل مكان بيت جربان يف مرجحني يولد يف جربان مل َ برشي بل يف وادي ّ وأن َه َر َب أبيه إىل املغاور مل يكن بسبب مجيء العسكر م (قرب طل َّالر رجحني) َّ َ ْ سناف شكوى إىل السلطة املحلية الرتكي بل بسبب حادثة أخرىَّ :قدم تاجر الغنم ّ ويتهم أحمد ّعلوه بذلك فأرسل القائمقام مفرزة بقيادة يشكو رسقة بعض أغنامه َّ رب َمن هرب مِ ن الرجال سليم العازار .عندما َ وصلت مفرز ُة الجيش إىل املكان َه َ (كمول بتصغري ْاس ُمها َتحبب ًا) زوجته كاملة رحمة وبينهم خليل جربان ،فجاءت ُ ُّ غافال َع ّما حصل .وكان الدكان ً فانتهرت أخاه عيد املهبول الساذج الذي بقي أمام ّ َ جربان شاهد ًا عىل الحادثة فنظم تلك القرادية (وهي عىل وزن سووغيتو الرسياين جناز الرجال). متداول غالب ًا يف ّ ْال َ
227
خ��������ل��������ي��������ل ج�������ب������ران َّ دش�������������������ر ال����������دك����������ان وإم��������������ي َ ����������م����������ول ك ُّ ي��������ا ع����ي����د ي������ا م���ه���ب���ول ����������م����������ود خ�������ل�������ي�������ل َح ّ ه�����������رب عَ ال�������ج�������رود وخ��������ل��������ي��������ل ح������م������ود ع���������ن أب�������������� ًا وج�����������دود َس������ل�����ام������������ه ي������خ������اف س��������ن��������اف آه ي������������ا ّ ي�������������وس�������������ف ب������ش���ي��ر م������رت������و ِب��������إي��������دا ت���ش�ي�ر أس������������ع������������د ع��������م��������ار مل���������غ���������ارة امل�����س�����ح�����ار إج������������اه������������م رش������ي������د آه ي�����������ا ص�����ن�����دي�����د أن��������������ا خ��������������وك ح����س��ي�ن ْ ب�������ق������� ُت�������ل ك��������ل ات����ن��ي�ن وأب�������������������������و ج���������������واد وزاد غ�������������������������ول َّ َح����������م����������د ب��������ي��������ذوق َد ّق������������ل������������و خ�������������ازوق ّ ْ ع�����ل�����ام وش�������������دي�������������د ون��������������ادى عَ ال������������دوام
ط������������اح ب������ال������ع������رض������ان ال��������زغ��������ار والد عَ ت�������ص�������رخ وت����������ق����������ول: خ������ي������ك وي����������ن ط����������ار؟ َّ اب���������ن ع�������م ب�������و م���ح���م���ود م����������ا ع�������������اد ان�������ذك�������ر ك�����������ان ص�������������درو ق����ل����ود ِم�����������ن زقّ ال�������ذخ�������ار م���������ن ش���������د ال�����ك�����ت�����اف َّ ����������ور ����������ج �������ن�������ا ْال ُ س�������ك َّ َ ب���������ت���������م���������و نْ �������ق���ي���ر ّ خ������ب������ر م������������ا ع��������ن��������ا َ أخ�����������������د ال�������ح�������م�������ار َو َدع����������������������و َ َ ��������ف��������ر وط ي������ه������م������در م��������ن ب���ع���ي���د َ �������ب�������ر؟ م��������ا ه��������و ْال �������خ َ أريض ب�������������راس ال����ع��ي�ن ح�������ج�������ر ب������ض�����رب������������ة َ ح������ك������م������و ال���������س���������داد ان����ف����ج����ر وم���������ن وق������ت������ا َ ط�������ب�������ع�������و َح��������م��������وق س������ل������ي������م ال����������ع����������ازار ّ ي������ت������ك������ل������م ص�����������������ار ِب�������خ�������رب�������ان ال�������دي�������ار
استفهمت من أبو عقيل عن معنى بعض الكلامت ،فإذا بـالعرضان( جمع ُ وك ُّمول هي عريض) أي صدور الجبال ،والـقلود هي جحور أو ثقوب يف الصدرَ ، والسناف هو اسم تاجر غنم ،وسليم العازار هو ضابط لبناين كاملة والدة جربان، ّ
226
مر من هنا يف جبال لبنان ،وتكمل حتى الجليل يف فلسطنيَ .ويختم أبو الجنويبَ ،ت ّ قليال :قرنة العرشة. عقيل :عند هذه القمة هناك :القرنة السوداء ،والتي إىل َيمينها ً َستفهم عن أولئك العرشة فريوي يل ّأن عرشة أشخاص رغبوا يف اختبار الشتاء عند أ َ انقضت عادوا ُيخربون ّأنهم مل يكونوا هبت الريح َمجنون ًة هائلة ،فلام َ هذه القمةّ . وعصف الريح بني الجبال. قصف الرعد ْ خائفني من املوت َبرد ًا بل أن َيموتوا من ْ يأزف الوقت لِنميض إىل أمسيتي الشعرية يف الهرمل. رفتني قليال يف ّأول طريق العودة لتصوير بقايا خربة بي ٍ نتوقف ً ت يبدو أنه كان من ُغ َ خربة كانت بيت خليل َ مستطيلتني تحت سقف ترايب عىل طراز تلك األيام .إنها اليوم ْ الست إنصاف صاحبة املقهى التي ،عند جربان بإجامع من كانوا معي ،وشهادة ّ بقنينة ٍ وارشبها يف الساحل. إحفظْ ها يا أستاذ، ماء مغادريت ،فاجأ َْتني ِ پالستيكية قائل ًةَ : ْ َّ حولها ويف مياهها صاحبك جربان. ّإنها من عيون ماء ُبحرية الحور التي كان ْيلعب َ
* النهار( عىل حلقتني) 15 :و 2001/10/17
229
بأن الثلج يف مرجحني يبلغ ثالثة ولكن إذا ْ املحدثني حويل ّ مع ُت ُه من كالم ِّ أخذنا ِبام َس ْ ب أن يكون جربان ُولِد يف يصع ُ أمتار يف الشتاء ،وجربان ولد يف 6كانون الثاين (ُ )1883 رجحني ربيع ًا وصيف ًا مع والديه .وهو برشي ،وكان يأيت إىل َم ْ شتاء َم ْ رجحني بل يف شتاء ّ نقال عن أحمد فارس َّعلوه قبل َخمسني َ القرادية( كام قال يل أبو عقيل ً نظم تلك ّ صيف آخر ٍ عام ًا) يوم كان يف العارشة أو الحادية عرشة (نحو 1893أو )1894أي َ ووصلت إىل بوابة (إال زوجها خليل) سافرت بالعائلة ّ َ أمضاه يف لبنانّ ، ألن َ والدته َ إيليس آيالند (مانهاتن -نيويورك) يف 25حزيران .1895 نوستالجياه يف رسالة اىل نسيبه نخلة جربان (يف الربازيل) جاء فيها: وجربان يذكر ُ فيك ما مل أره يف رجحني ،وأنا أرى َ ...منذ يقظتي األوىل ،منذ ُ صبي ًا ،منذ أيام َم ْ كنت ّ أنسبائي كافة.... يبادرين الدكتور نزار أعود إىل ُم رجحنيُ . ستضيفي حويل يف مقهى عروس َم ْ َّ دندشَ :نحن هنا يف قلب جرد الهرمل .وهو َمحمية طبيعية حبذا لو يصار إىل استصالحها للسياحة البيئية .نسبة األمطار فيها تبلغ 1000ملم سنوي ًا وال َتحتاج إىل ري وصيانة .تتميز ري ألن أشجارها َب ْعل َِّي ٌة تعيش وتنمو وحدها وال ّ تتطلب تكلفة ٍّ ٍّ قص األحراج .وأردف دندش جرمية من إال تشكو وال النقي هوائها ب البقعة هذه َّ ِ ّ عقمة أخذها الحور( إحدى عيون البحرية) قناين ُم َّ أنه قبل فرت ٍة مأل من نبع َ إىل ُمخترب الجامعة األمريكية فكانت النتيجة ّأنها أفضل مياه معدنية يف لبنان وعلق الدكتور دندش (وهو صالِحة للتعبئة واالستصالح بدون أية مواد مضافةّ . المرشد يف الغذاء :النافع خبري وأستاذ العلوم يف الجامعة اللبنانية وصاحب كتاب ْ ٌ السهلة التي نحن فيها هي عىل املقلب هذه : قائال اإلنسان) طعام يف والضار ً ْ القموعة من جهة أخرى .فلامذا ال ومحمية ُّ اآلخر من َمحمية إهدن من جهةَ ، رجحني فتكتمل الصورة البيئية الثالثية عوض العبور من واحة حمية َم ْ تقوم بينهام َم ّ متسائال :ماذا لو رجحني الجرداء؟ َويختم ً القموعة بصحراء َم ْ إهدن إىل واحة ُّ يرسمون هذه عدد من الرسامني ُيمضون نوع ًا من ْال ْ جاء ٌ خلوة أو السمپوزيوم هنا ُ املناظر الفريدة يف لبنان؟ أجمل من هذه البقعة؟ فيستطرد مفلح فينهرنا :وهل ُ َيطرب أبو عقيل للفكرة ُ البق ْي َعة املمتدة بني السلسلتني َّعلوه (مضيفنا باسم بلدية الهرمل) :هذه هناك فتحة َ ُ غريب حمص وطرابلس ،فوق النهر الكبري الجبليتني ،تبد ُأ من جبال العلويني ،تعرب ّ
228
231
1 جبران العاشق متى يندهكم الحب فاتبعوه ،ولو ُ مسيجٌ بالخطر( من النبي) طريقهُ َّ الحب َكتب ،كام قالئل العاشقني. يف ّ الولع كان عاشق ًا؟ حد من َ أي ٍّ ْ ولكن ...إىل ِّ كل واحدة من ثوانيهَ :محرق ٌة وجلجة؟ هل أ َ هيب االنتظار ّ حتى ّأن َّ َحرقه َل ُ اشتعاال لرؤية َل ْمح؟ ت أو َحرق ليايل بيضاء ُحرق ًة لسام ِع صو ٍ ً هل أ َ وحيد ًا عاش يف صومعته .فهل من طبائع العشاق معانق ُة الوحدة؟ عرف ُه ّن ،عن ُق ْرب أو عن ُبعد ،لفرت ٍة طالت أم َق ُص َرتَ ،بل ْغ َن اثنتي عرشة. اللوايت َ انرصافه من وجه إىل وجه آخر؟ يبدل فأي َ عاشق كان هذا الذي ّ ٍ ُّ ليجع َل ُكم كالثلج أنقياء.... كم طحن ي الحب ُّ َ ُ َ الحب جربان؟ فهل َ ط َحنُّ وج ْل َد القلق عىل الحبيبة هل َ ذاق لوع َة القهر ،ولهفة الركض وراء اللحظة الهاربةَ ، اللهفى؟ الحب كام قالئل العاشقني. مع كل هذا ،كتب يف ّ والحب. َفصل هنا بني جربان واملرأة ،وبني جربان أ ُ ّ وتبادل رسائل. جربان واملرأة :حكاي ُة عالقا ٍ ت ُ نهج حياةَ ،وت َر ْه ُبن انرصاف. جربان والحبُ : ّ حتى االنرصاف التام؟ فهل َن َه َج جربان هذا النهج؟ وهل َت َر ْه َبن ّ ّمر َتني باح لصديقه ميخائيل نعيمه :أُوىل ليقول ميشا ،أَنا نب ٌأ كاذب ،وأُخرى غريب يف هذا العامل يا ميشا. ليقول أنا ٌ
233
من مجموعة ماري هاسكل لدى متحف تلفري يف ساڤانا – جورجيا
شارلوت ِت ِلر – بالقلم الرصاص ( 35.6 × 48.3سنتم)
ُ أمٌّ وابنُ ها – بالقلم الرصاص ( 20.1 × 42.9سنتم)
232
بدون عنوان – بالقلم الرصاص ( 20.3 × 26.7سنتم)
مربر ًاّ -أن األجنحة حبيبته ،فيخربهاِّ - املتكرسة ليست من صنيع الواقع وال عالقة لها بحياته الخاصة بل هي من ْنسج الخيال حوادث وأشخاص ًا ،وقال لها إنه َّركب حروف َ اسم البطلة (سلمى كرامه) من حروف اسمها شخصية سلمى (ماري هاسكل) .مع أن يف ّ وجهي كرامه ،ل ُِم َت ّتبعي جربان ،حصيل ًة بني َ حال الضاهر وجوزفني پيبدي. تسجل أحاديثها وألنه كان يعرف أن ماري ّ معه وتكتب مذكراتها اليومية ،راح ُيخربها (كام رأى حارث البستاين) ما يريد أن يبقى ْذكر ًا منه ماري هاسكل بريشة جربان يؤكد بفضلها .ويف بضع رسائل إليها سنة ِّ 1911 (من مجموعة متحف تلفري/ساڤانا/جورجيا) حدد حيوات عديد ًة سابقةُ ،ي ّ لها أنه عاش َ بعضها :مرتني قصريتني يف سورية ،مر ًة يف مرص ست مرات أو سبع ًا يف بالد ما حتى الشيخوخةّ ، بني النهرين ،مر ًة يف إيطاليا حتى سن الخامسة والعرشين ،مر ًة يف اليونان حتى الثانية والعرشين ،مر ًة يف الهند ،ومر ًة يف بالد فارس. ومن عقدة النرسيسية لديه ،وقد تكون مؤثِّ ر ًة عليه يف عالقته مع النساء، ويخلص إيحاؤه لِامري هاسكل بأنه جاء كي ينرش رسالته إىل الحضارة الجديدة ّ خلصه إال اإلنسانية ِبمذهب اإلنسان يف حياته الواقعية ،ألن اإلنسان األريض لن ُي ّ ّ مطابق اإلنسان حامل الرسالة .ولذا كتب إىل ماري يف إحدى رسائله أن مولده ُ ٌ يوم مولد املسيح ،يف 6كانون الثاين ،وهو تاريخ والدة املسيح لدى الطوائف الرشقية. تتوقف التساؤالت. وال ّ ثالث رسائل كيف ُن ّ حلل ظاهر ًة لديه أن يكون أرسل يف يوم واحد ( 26أيار َ )1921 اسمهن ماري :ماري هاسكل ،ماري زيادة (مي) ،وماري الخوري (زوجة اىل ثالث نساء ّ
235
ولعل بني هذا الغريب وذاك النبأ الكاذب حكاي َة عمر كامل من الدخول إىل َّ رسها. الذات الكتشاف ّ رجح أَيكون ً أثر يف إشاحته عن عالقات مع النساء ،كام ّ فعال لـعقدة أوديپٌ غسان خالد يف كتابه جربان فيلسوف ًا :سيكولوجيا العبقري املريض؟ مضيف ًا ّأن تلك برفضه الجامع ،إىل عقدة النرسيسية العقدة لدى جربان أثّ رت عىل عالقاته الجنسية ْ وتالع َبه بعواطف النساء. التي ّولدت فيه عباد َة ذاته ُ ت من ظلم َلحق بها؟ ذلك أنها (كام كشف أثر آ ٍ وهل يكون لعالقته الوثقى بأمه ٌ تزوجت ثالث ًا (ال مرتني) :األوىل من عبد األحد وهيب كريوز حافظ متحف جربان) َّ طويال، رس ًا من شخص مل ُتدم عالقتها به ً رحمه (لها منه ُ ولدها :بطرس) ،الثانية ّ والثالثة من خليل جربان قبل أن تحصل عىل طالقها النهائي من الثاين ،ما أثار عليها برشي. حفيظة أهل ّ يرجح جميل جرب يف كتابه جربان يف حياته العاصفةَ ،لم أو هل يكون ً فعال ،كام ّ يفسر يف پاريس قول املوديل يكن ُيحب املرأة بل كان ُيحب ذاته يف املرأة ،وهذا ّ ليوسف الحويك عن جربان :صديقك عِ ِّن ٌني ال خري فيه ،وقوله هو ملاري هاسكل يربر إحجامه عن الوصال الجنيس إنه مل يضاجع يف حياته سوى امرأتني أو ثالث ،ما ّ موفر ًا طاقته الجسدية للعمل مع ماري هاسكل وسواها ،وعدم تفريطه بجسده ِّ اإلبداعي؟ األم هذهُ ،م ْرجع ًا ذلك إىل أن جربان مل يكن ويشري جميل جرب يف كتابه إىل عقدة ّ رجحني بينام جربان دائم يحب أباه الذي كان ْيؤثر أخاه بطرس ألنه كان يساعده يف َم ْ ّ دائام. تدلله كثري ًا وتستشعر ذكاءه فتدافع عنه ً الحلم والكسل .وكانت ّأمه يف ُف ُت ّوته ّ حبه إىل أمه .رمبا هذا ما يفرس أن تسع وكان جربان مدرك ًا أن أباه ال يفهمه فانتقل ّ إليهن :يا أمي، كن يكربنه سن ًا نساء ،بني 12 فيخاطبهن يف رسائله ّ ّ عرفهن يف حياتهّ ، ّ حلت مكان أمه بعد وفاة أمه. وحتى مريانا ّ األمّ . ويف رسومه يتكرر ُ وجه ّ فبقيت هي اختصرت ّ وإن كان األمر كذلك فهل تكون ماري هاسكل َ كل الوهج َ عالقته بها ضمن العرفان بالجميل والتقدير واملبادلة األم والصديق َة والراعية ،وتأَطَّ َرت ُ َّ والوفاء تحت تأثري عقدة األمومة؟ من جلساته وماري هاسكل تتنامى شخصية جربان اإليهاميةُ ،فيخرب ماري يصدقها منه .ويغايل يف استيهامه أنها حكايا ٍ ت يعرف سلف ًا ّأن سواها لن ّ
234
ومل يظهر ذلك يف ّأي ٍة من كتاباته.كانت سلطانة جميل ًة يرتدد عىل شقيقها ومثقفة َّ َّ ومطل َقة ،وكان يراها حني ّ صديقه أيوب .وبعدما مرضت وماتت ،حمل إليه ترسلها شقيقها أيوب كتبتها اىل جربان ومل ْ ُ رسائل كانت ْ َ ت إليه .عندها تأكد له ّأن سلطانة كانت تحبه يف صم ٍ غري واحدة كام هو أ َّ َحبها يف صمت .وبني لوحات جربان ُ استلهمها من وجه سلطانه تابت (كام قال مر ًة ملاري هاسكل). سلطانة تابت سنة 1901كما رسمها جربان حجم أمام الذي صمته ا ُمل ِ فهل كان ُقصور ًا منه ُ بالقلم الرصاص يف 9أيار 1908 عىل ورقة من مدرسة ماري هاسكل ت أحبها بصم ٍ ْ أظهرت ُه له سلطانه تابت من ُح ّ ب حتى َّ شديدٍ َكتوم بعد وفاة زوجها من دون أن يعرف ِبام شقيقها ب (صام ٍ ت هو اآلخر) ّإال بعد وفاتها حني حمل إليه ُ كانت ُتضمر له من ُح ٍّ رسائل كانت َكت َب ْتها له ومل ترسلها إليه؟ أيوب تابت َ وراسلها من بريوت حني كان وعرف جوزفني پيبودي ،وكانت تكربه بتسع سنوات، َ يدرس يف معهد الحكمة .لكنه مل ُيحافظ عليها مع أنهاِ ،شعري ًا ،ذات أهمية الفتة، حد وكان لها كتاب عنوانه النبي :قصيدة ملحمية طويلة، هيكلي ُتها شبيه ٌة ،إىل ّ َّ بعيد ،مبا أصدره جربان يف ما بعد.
رسم الوداع من جربان إىل جوزفني
پيبدي الشاعرة جوزفني َ وهي يف الثامنة عرشة
پيبدي كما رسمها جربان جوزفني َ بالقلم الرصاص
237
عيسى الخوري ّأسست صالون ًا أدبي ًا كان يختلف إليه أمني الريحاين دون إعجاب بها)، حب أثريي وعاطفة وإىل ثالثتهن بدأ الرسالة بـعزيزيت ماريَ وب َّ ث فيها عواطفه يف ّ هيولية بعيد ٍة عن الجسد؟ ٍ أحبها كان يناديها بـيا أمي؟ نفسر أن ّ وكيف ّ كل امرأة ّ معظ ُم ُه َّن يكربنه بأعوام؟ عرف نساء يف حياته َ رس أن يكون َ وما ُّ عظيام؟ جعلت منه عاشق ًا ً منهن َ اثنتا عرشة امرأة َ عرف جربان .فهل واحدة ّ تركها وعاد اىل عرف حال الضاهر يف برشي سنة 1899وكانت تكربه بسنتني .ثم َ عادت بوسطن تارك ًا يف قلبها حب ًا جعلها ترفض الزواج طوال حياتها ،فيام حياته َ حبه إياها ،أن تكون أعطته َح ْب َكة األجنحة فحفلت بأسامء كثرية .وهل يكفي ،من ّ املتكرسة؟ برشي والتقى سعيدة الضاهر (شقيقة سنة 1956قصد الصحايف رياض حنني ّ روت يل سعيدة حال) ونرش حديثه معها يف كتابه أَحاديث عن جربان ،وفيهَ ... : مددة يف فراشهاّ ،أن شقيقها اسكندر هو الذي الضاهر ،وكانت يف التسعني رضير ًة ُم َّ وأردفت :يا تنه َدت َ حال دون زواج جربان من حال ألنه من غري مقامِ نا .ثم ّ وتابعت :قبل سفر َغ ْب َننا .مني كان عارف إنو جربان بدو يصري ّ هالقد عظيم؟َ . قطرات من دموعه جربان إىل أمريكا أَهدى شقيقتي حال خامت ًا مثين ًا وقارور ًة فيها ٌ ظلت حال ُمحتفظ ًة بها إىل آخر حياتهاَ .لم وترك لها عصاه وخصل ًة من َشعرهّ ، برشي ،وصل جربان إىل بيتنا فوجد حال َت َت َز َّوج ُوت ُوفيت عمياء سنة .1955ومرة ،يف ّ تكلفت تبكي .سألها عن السبب فلم ُت ْخ ِب ْر ُه ِبام كانت تعاين من َص ّد أخينا اسكندرَّ . فأعجبه الجواب االبتسامة وأجابته :الحياة هكذا يا جربان :دمعة وابتسامة. َ تتنزهان مع جربان َ رص كانت حال وسعيدة ّ وجعله بعدها عنوان أحد كتبه .وذات ع ٍ يتجادلون بني الكروم .صادفا راعي ًا يعزف عىل نايه فقالت حال لجربان :الناس َ مطمئن البال .هنيئ ًا له .وحني قرأت ويتناحرون ،وهذا الراعي يسري وراء قطيعه ّ َ حال يف ما بعد قصيدة املواكب )1919( وفيها األبيات عن الناي يف الغابة ،قالت يل :أتذكرين يا سعيدة يوم مشوارنا مع جربان بني الكروم؟. وسنة 1901عرف جربان سلطانة تابت وكانت تكربه بخمس عرشة سنة .وهي بحبه شقيق ُة صديقه أيوب تابت (رفيقه يف معهد الحكمة .)لكنه مل ُيبح لها يوم ًا ّ حتى اكتشف بعد وفاتها أنها كانت ُتحِ ُّبه، واقترص عىل اختالجاته الخاصة دومنا إقدامٍ ّ
236
وكان عىل عطف خاص إىل موديله مارييتا (عمي) ،وهنا لوسن التي كانت تناديه أنكلّ رسال ٌة منه إليها: أمرييت الغالية،
ً رسالة أحىل مما تكتبني .وال َ أمرية سواك ال أحد يكتب ترسم صورة بنصف السحر اللذيذ الذي يف صورتك أنت. إين فخور بك كثري ًا. يا حلويت مارييتا ،مع أين لستُ يف صحة جيدة ،اضطررتُ حارضتني .حياة الشاعر ،هذه األيام ،ليست إىل إلقاء ُم َ حلم ًا يف األرض املباركة وراء البحار السبعة .للبرش ٌ ٌ ب طريقة اليوم قاسية بتحويل الشاعر إىل آلة .وال ُأ ِح ُّ هذا.
جربان وموديله مارييتا لوسن
وش َّق ُت ِك ليست كاراج ًا .أنت ٌ ت لست سيارة فورد أو رولز رويسِ ، ال يا مارييتا ،ال يا أمرية ،أن ِ أمرية وراء الجبل املسحور .ميكن األمرية أن ّ عمها يعرف َمن تتخفى مبهارة ،لكن َّ تعيش يف الربج العاجي َ تكون وأين تكون .فاألعمام ،كاألمهات ،يعرفون أكثر مما تظنني. أخشى أن ُأضطر إىل البقاء ُأسبوع ًا آخر هنا يف هذه املدينة ذات الظالل الغريبةُ . اضطررت إىل ارتباطات لكّ ، عيل إنجازها .فالبرشية ،كما قلتُ ِ حط َمت أجنحة الشعراء ،فال يستطيعون التحليق آن يشاؤون. َّ ِ عمك كثري ًا. استعذبتُ قولك يل إنّ ك اشتقت إىل ّ
ِ وأراك أن ِ سأكون سعيد ًا حني ُ وأمك .وستكون لنا ،حتم ًا ،حفلة يف املحرتف. أعود ت َّ َ بتعريف إليها. بارك ْت ِك السماء ،يا مارييتا الحلوة الغاليةّ .بلغي ّأمك تحيتي وقويل لها إين سعيدٌ ّ ُ مع أرقّ األفكار ،وألف بركة عىل روح مارييتا العذبة. عمك املخلص لك أبد ًا ّ خليل جربان نيويورك 26 -أيار 1920
اثنتا عرشة امرأة ،وال صورة لعاشقة. عشق عاصف ًا. اثنتا عرشة امرأة ،وال َ اثنتا عرشة عالقة ،وال حب.
239
يتوغل معها بعيد ًا وعرف ميشلني (إمييل ميشال) وكانت تكربه ببضعة أشهر ،ومل ّ (عكس ما ّيدعي البعض عالقة جسدية بينهام) رمبا ألن ميشلني كانت ُم َد ِّرسة يف مدرسة ماري هاسكل ومل يش ْأ أن َيجرح كرامة هذه األخرية يف عواطفها. وعرف الشاعرة األمريكية شارلوت ِتلِر ،وكانت تزيده وبقيت بسنتني ،لكن شاعريتها مل ّ تفجر فيه عشق ًا كبري ًاَ ، عالقته بها مقترص ًة عىل عالقة شاعرة بشاعر. ُ وأطول وعرف ماري هاسكل وكانت تكربه بعرش سنوات، َ ولعلها منه بـ 13سنتم (هو 163سنتم ،وهي 176سنتم) ّ عالقته بها َمألت مساحات وسيعة َنجم ُة النساء اللوايت عرفُ . بالكتابات ،ومع هذا مل يكتب لها حبيب ًة ومل يكتب فيها عاشق ًا. الشاعرة شارلوت ِت ِلر لكن وعرف ماري قهوجي وكانت تكربه بأربع سنواتّ ، يبق من وجهها فيه ّإال مالمح واضحة عالقته بها َ انكرست مبتور ًة بعد فرتة وجيزة ،ومل َ َ يف وجه املصطفى (النبي) الذي رسمه عن وجهها. تعلق ًا بها بل وعرف ماري الخوري وكانت تكربه بتسع سنوات ،فلم يلتهب ُّ بصالونها األديب يقرأ فيه أحيان ًا من نتاجه ،فيام هي كانت ترى فيه أكثر من زائ ٍر يف صالونها. هيبها فيه كان ،عن ُب ْعد، وعرف مي زيادة وكانت أصغر منه بثالث سنواتَ ،ول ُ عشقه إياها كان إشعال الكلامت يف رسائله ،وال محاول ًة ضمن أسطر الرسائل ،فيام ُ مي املرأة ذات األنوثة. خارج ذلك للوصول إىل ّ وعرف كورين روزڤلت (شقيقة الرئيس األمريكي) وكانت تكربه بثالث سنوات، لكنه مل يكن معها عىل تواصل ،رمبا ألنها مل تكن لتكتب به أو إليه أو عنه ،فبقيت عالقتهام حيادية. وعرف املسز ماسون وكانت تصغره بخمس سنوات ،وبقيت موديله لفرتة طويلة. ومل يستطع جسدها أن يلهبه عاشق ًا. وعرف أخري ًا بربارة يونغ وكانت تصغره بست سنوات .استقبلها يف صومعته كتبت ومدون ًة ورفيقة ،لكنه مل يصل معها إىل ّ سكرتري ًة ومساعد ًة ِّ الحب الكبري الذي َ هي عام يشبهه يف كتابها ذاك الرجل من لبنان ،بعد غياب جربان.
238
يبقى جربان لغز ًا كبري ًا. النحات خليل جربان ،يف الطبعة مل ُتعرف له عالقة جنسي ٌة واحدة مع امرأة ،مع أن ّ سيد ٍة الثانية من كتابه ّ البيوغرايف الشهري خليل جربان :حياته وعاملهَ ،ن َشر رسال ًة من ّ منديال عليه آثار عالقة قالت له إن جربان كان عىل ٍ ٍ جنسية مع خالتها ،وإن معها ً من تلك العالقة. وفوجئت كتابك بدأ األمر برسالة تلك األستاذة يف جامعة بوسطن جاء فيها: ُ ُ قرأت َ ِب ُخ ُل ِّوه من ذكر خالتي غيرتيد باري التي كان لها عالقة جسدية بقريبك جربان .وعندي كتبها لها .وحني التقاها خليل اكتشف عدد كبري من الصور له معها ،ومجموعة رسائل َ فعال .مل يكن 66رسالة بخط جربان إىل غيرتيد بني 1906و .1927كان ذلك اكتشاف ًا ً الرس ّية التي نجح يف إخفاء وجودها أحد يعرف غيرتيد باري .كانت امرأة جربان ّ أحد قبلذاك .كانت تسكن يف بوسطن وال يعلم أحد يذكرها ٌ عن جميع من حوله .مل ْ ت عىل ذكرها أنها كانت عشيقة جربان .بقي معها 21عام ًا عىل عالقة حميمة مل يأ ِ ألحد ،ومل يرد اسمها يف مذكرات ماري هاسكل ،وال يف رسائله إىل أصدقائه ،وال يف أحاديث الناس الذين عرفوه .أخفاها عن الجميع .كانت بينهام عالقة كاملة وظهرت كشفتها رسائلها إليه وفيها الحرارة والشوق امللتهب يف لقاءاتهام. ْ َ م ْح َرم ٌة استعملها جربان يف لحظات حميمة. مع الرسائل والصور َ وأن يرى البعض أن جربان كان يخشى( ؟!) أن يستقبل امرأة يف صومعتهّ ، التجمد الجنيس عنده ،جعله يعيش حياته خارج الجسد ،ما ّأدى به إىل اإلشاحة عن ُّ الجنس واالنرصاف عنه إىل اإلنتاج األديب والفني. باملصور ومنهم من ذهب إىل استنتاج (!) أن عالق ًة مشبوه ًة يف مطلع صباه ّ ينفر الحق ًا من الجنس طوال حياته. ْ املثيل ْف ِر ْد هولِند داي جعلت الفتى ُ والحب حياة. الجنس عالقة، عىل أن َّ َ فهل عرف جربان رعشة الحياة يف الحب الكبري؟ وإن مل يعرفه ،فهل عن إحجامٍ أم عن افتقاد؟ الظن عن افتقاد. أغلب ّ
241
الحب ،كام قالئل العاشقني. ومع هذا كتب يف ّ أي عاشق كان ،تراه ،جربان؟ ُّ وبأي عشق ،تراه ،كان ينتيش؟ ّ حب امرأة يف ذاتها بل كان يحب ذاته ي يكن مل ، ا مع ودهشة غصة يف ونقولها لعله، ً ُ ّ ليتأمل كيف أنه معشوق، حبه إياها .كان يحب أن َيعشقّ هو فيها .كان ُي ُّ حب َّ يتهيأ لحالة العاشق فرياقب ترصفاته عاشق ًا ويتابع خلجاته معشوق ًا. ويحاول أن ّ للذة أن يشعر بأنه عاشق. بَّ ، حب أن ُي َح ّ كان ُي ُّ بعد وجه أو ّربام العكس متام ًا :كان يجعل قلبه يف حالة ُحب ،ل ُِحرقته ْأن مل يجد ُ تلك الحبيبة ،فريوح يحلم بها ويرسمها يف خياله قبل أن تصل ،ويكتب فيها كأنها كائنة فعال وتصبح كلمته التي َت َج ّس َدت امرأة. وموجودة قبل أن تنوجد ً للحب ال الحب للحبيبة أو من الحبيبة أو يف الحبيبة. الحب ّ حب َّ رمبا لذلك ،كان ُي ُّ قضيته مع الجسد. وهو ،منذ بداية املسارّ ، حل ّ وعن طريق صديقته شارلوت ِتلِر اكتشف نظرية فرويد يف كتاب تفسري األحالم حول طاقة الجسد الجنسية اىل حول إعالء ّ الحب وتساميه( نظرية فرويدية ُ ترصد َت ُّ توصل جربان إىل تحويل شهوة مكتوبة، ميول ٍ ٍ َ واستنفادها يف ميادين أخرى) .هكذا ّ الخالق ،وإىل تسخري الطاقة الجنسية التحتية إىل الطاقة الجنس إىل طاقة اإلبداع ّ اإلبداعية الفوقية ،واستغالل الزخم الحيوي يف الجسد إىل الزخم الحيوي يف الفكر. تضليال منه .فهو، ت ومامرسا ٍ وما رواه عنه رفاقه من عالقا ٍ ت كان تحوير ًا منهم أو ً منذ مطلع عهده ،كان يروي ألصدقائه ما يريدهم هو أن يعرفوا عنه .والحق ًا أحجم عن الكالم وانغلق عىل أصحابه ،وأحيان ًا عىل ماري هاسكل نفسها .كان حذِ ر ًا ال يفيش بقدرما يعرفك الناس يستعبدونكُ .كن كأيب الهول يزرع أرساره .من هنا قولهْ : ألحد َ ِب َص ْمته هالة الهيبة يف الناس. وح وأخبار ،ففي مرحلة الحقة (بعد الحرب بعض َب ٍ وإذا يف رسائله األوىل َو َر َد ُ الرس البعيد بذور الرؤياّ ، العاملية األوىل) بدأ يلحظ فيه َ فتكتم وبقي للجميع ذلك ّ املغلق. وكثريون مِ ّمن كانوا أصدقاءه ،مل يكتشفوه ّإال بعد غيابه.
240
الحب تصومع: من غرائب هذا الرجل أنه كتب إىل العشاق ،وهو مل يعشق .ويف ّ الحب يطحنكم ليجعلكم كالثلج أنقياء. عانق اللحظة ،وانسحب. وظل ينقى ّ حتى َ إىل هذا النقاء َن َهدّ . وأغلب الظن أنه -وهو ذاهب -كان وحيد ًا ،كام لدى وصوله. ُ وصلت سفينته اعتالها ووحيد ًا عاد. وحيد ًا وصل املصطفى إىل أورفليس ،وحني َ أما هكذا جربان؟ وحيد ًا وصل من برشي إىل الدردور الكبري ووحيد ًا فيه قىض. لعله أمل ،يوم غادر ،أن تلده امرأة ثانية ّ وحده بدأ انتظاره ووحده أنهاه ،عىل ٍ يجد النتظاره حضور ًا يساوي االنتظار. الحب ومل يعشقوا ،لهم ملكوت االحرتاق. الذين كتبوا ُ الحب ألنهم أحبوا وانصهروا بالحب، والذين انتظروا وأمثر انتظارهم فكتبوا ّ ْفليهنأوا عن جميع العاشقني. ضوءهم جربان ،وبركان ًا لهم حِ َم ُم ُه من حجم االشتعال. ْول َي ْب َق َ كلامته يف الحب ضوء ًا رائع ًا يقرأُه العشاق يف ما بينهم أو يتلونها يف أعراسهم. ْول ْتب َق ُ يعشق. ب إىل ّ العشاق وهو مل َ هكذا يكون َكت َ الحب كام قالئل العاشقني. ب يف ّ وهكذا يكون َكت َ
* مجلة الفصول -العدد ( 7صيف )1981
243
ب .ولكن :ملاذا بني جميع ب .بل كان يسعى إىل أن ُي َح ّ ب أن ُي َح ّ كان جربان ُيحِ ّ فجرت فيه الحب الكبري؟ النساء اللوايت ِ تكرسن له ،ال واحدة منهن ّ عش ْق َنه أو ّ منهن عىل جامل؟ فهل كان يسعى إىل الجامل ،هو ْال ُم ْح ِجم عن اللمس؟ مل تكن واحدة ّ ت) منهن تبخل عليه بالعاطفة .فهل التي كان ينتظرها (ومل تأ ِ مل تكن واحدة ّ يريدها تكون معه مغايرة؟ حتى يومه األخري -ال يزال ينتظرها؟ وهل حق ًا كانّ - ّربام. يريد ّإال ما هو ال يريد جربان عاشق كبري .وعالقاته كانت سعايا ٍ ت ْ أعطته كل ما ُ سواه :الحب. َو ْفر ُة النساء ال تخلق عاشق ًا. امرأ ٌة واحدة ،امرأ ٌة/كون ،هي التي تخلق عاشق ًا خالد ًا. وانتظارها طوال افتقاد تلك املرأ ِة/الكون يجعله يرسمها واضح ًة يف الخيال، ُ ُ تصهر كلامت حياة كاملة ُ يخلقها واضحة يف الرؤياَّ ، وشد ُة الحنني إىل وصولها َ بنبضة هي األدنى إىل النبضة العاشقة. الحب ٍ ّ سي َد الحنني .ومن هذه الثالثة األقانيم خرج ثري الخيالَ ، بعيد الرؤياّ ، وجربان كان َّ عاشقها ست َت ِّو ُج ُه َ عاشق ًا كبري ًا فيام َظ َّل ينتظرها أن تصل ،ومل ِتصل ،تلك التي كانت ُ إىل األبد. ترك لها كلامته فيها وراح. لكنها مل تأ ِ بَ . ت .تعِ َ وصلت السفينة فاعتالها يف السنة الثانية عرشة ،يف السابع من شهر الحصادَ ، املصطفى ،ووحيد ًا عاد ،كام وحيد ًا جاء إىل مدينة أورفليس. عاد تارك ًا فيها كالم ًا ال متحوه كلامته يف أبنائها، األيام .وبقيت ُ كام يف امليرتا ،ضوء ًا عىل الصباحات التي تولد كل فجر. كلامته لنا هكذا جربان :بقيت ُ يف الحب ،ضوء ًا رائع ًا عىل جبني العاشقني. جربان وموديل أخرى يف محرتفه
242
ومشاهد مل وتذكارات أطياف قدمية من املحيدثة ويف لوحات شفيق ُّعبود ٌ ٌ ُ فالتج ُّذر ريشته طوال حياته ... ،ضوء آ ٍ تفارق َ ت من هناك ،من لبنان (َ )... حي ْين فينا( منى نعيم يف لوموند)2004/4/13 واالنتامء مولودان فينا ّ ويظالن َّ ب من ،1975يف جلسة َج َم َع ْتنا مع ًا (شفيق عبود وعبداهلل نعامن ذات غرو ٍ كل يوم من ُمحرتيف (الدائرة وأنا) يف حديقة اللوكسمبور ،قال لنا شفيق :أميش ّ السادسة) اىل هذه الحديقة بني الپانتيون العظيم ومجلس الشيوخ ،وال ْألتقط وعين َّي .وحني أُميض أيام ًا خيلتي َ شعاع ًا واحد ًا من ضوء ألن نور لبنان طا ٍغ يف ُم ّ لون أليام طويلة وأعود( .العبارة نفسها متام ًا قالتها يل ب خمري َة ٍ قليلة اىل لبنان أ َُع ُّ املشرقة يف لوحاتها). هلن الخال يف واشنطن سنة 1990حني ْ سأل ُتها عن ألوان الضوء ْ ضئيل من أصدقاء جمع ٌ يف كنيسة سيدة األرز( بوسطن 7آب )1931تالقى ٌ شقيقته مريانا وماري هاسكل وباربره يونغ) لنظر ِة ودا ٍع أخرية. جربان (بينهم ُ ضئيل قبل انتقال جثامن شفيق ُّعبود اىل بريوت ( 13نيسان )2004تالقى جمع ٌ پارك مونسوري لنظرة وداع أَخرية. من أصدقائه يف ْ عالمي ًا ،وحني عادا اىل وطنهام شعا َ كبريان من لبنان عاشا يف ٍ وطن مستعا ٍر وفيهام ّ أركان الذي حلام طوال حياتهام بالرجوع إليه كان يف استقبالهام أصدقاء وفنانون ال ُ ُ الدولة الذين ال يحرضون ّإال الستقبال الرسميني أو جثامينهم. احتفال يف پاريس لنقل رفات أندريه مالرو من مدفنه ذات يوم من 1997كان ٌ وقلة رجل يف مقدمة الحارضين (عىل ّقلة حضوره العلني ّ املؤقت اىل الپانتيون .وكان ٌ والت َه ُّيب ،اسمه ...جاك شرياك ،رئيس فرنسا. واجم عميق الصمت َّ ُ منحه رعايته)ٌ ، يستعيدهم ّإال جثة يف نعش ،بينام تتناهش كباره الخالدين وال ُ أ َُّي قد ٍر للبنانُ :ي َه ِّجر َ متص خرياته َقدره منذ عرشات السنني ٌ حي ٌة َت ُسوس َّ جثث َّ مقدراته باسم السياسةَ ،وت ُّ الحكم! وخريات شعبه باسم ُ نتهون جث ًة يف قرب ،والخالدين اللبنانيني ال تنطفئ ّ عزاءنا َّأن يوضاسيي الوطن َي ُ لكن َ مشع ًة يف عتمة الزمان. ويظلون عيونهم ولو أغمضوهاُّ ، َ قناديل ّ * إذاعة صوت لبنان -برنامج نقطة عىل الحرف -الحلقة )2004/4/13( 42
245
2 جبران وشفيق عبود: إشعاٌع في وطن مستعار يف العارش من نيسان 1931تويف جربان يف مستشفى سانت ڤنسنت -نيويورك. توفي شفيق عبود يف مستشفى پارييس. ويف التاسع من نيسان ( 2004بعد 73عام ًا) ّ أحباه طوال حياتهام. غريبان يف ٍ أرض غريبة غابا بعيد ًا عن ٍ وطن ّ والنور ُمطف ٌأ يف عيونهام. تتحقق لهام تلك الرغبة ّإال َحلِام بالرجوع إليه ومل ّ ُ يودعون جثامنه جمع من أصدقاء جربان ّ سيدة األرز( بوسطن) التقى ٌ يف كنيسة ّ فبرشي التي كانت تنتظر ابنها العائد جث ًة اىل مدفن. قبل نقله اىل بريوت ّ يودعون ضئيل من أصدقاء شفيق عبود ّ يف مقربة مونپارناس (پاريس) التقى جمع ٌ فالمحيدثة التي كانت تنتظر ابنها العائد جث ًة اىل مدفن. جثامنه قبل نقله اىل بريوت ْ ت يف حيثام عاشا :جربان يف نيويورك ،وشفيق عبود يف پاريس. غريبان تركا َب َصام ٍ شع عىل العامل ال من وطنه بل من الوطن املستعار. كالهام َّ جنسيته. وطن غري ٍ كل منهام يف ٍ غريبانٌّ ... ب رفضا أن يحمال ّ جربان عاش يف أمريكا ستة وثالثني عام ًا ومل يحمل ّإال الجنسية اللبنانية ،وشفيق عبود عاش يف پاريس خمسة وخمسني عام ًا ومل يحمل ّإال الجنسية اللبنانية. أموت يف لبنان ال يف هذه جربان قال لصديقه ميخائيل نعيمه :أمنيتي يا ميشا أن َ األرض الغريبة ،وعاد إليها إمنا بدون النور يف عينيه.
وشفيق عبود قال لصديقه امللحق الثقايف لدى السفارة اللبنانية يف پاريس عبداهلل نعامن: ُريد أن أُدفن يف قريتي املحيدثة .وعاد إليها إمنا بدون النور غدرين ْالموت هنا أ ُ إذا َ يف عينيه.
بقي عىل أهداب ضوء يف عينيه ٌ بعيد َ يف جميع لوحات جربان والكثري من كتاباته ٌ برشي ووادي قاديشا ونور لبنان. ريشته ونبضة قلمه ،آتي ًا من أطياف ّ
244
أنت ومن كتاب جربان البدائع والطرائف ،كتبها جربان هكذا: تعال وأَخ ِب ْرين ما َ َ متحمس يهمس يف مواطن أريد أن أنتفع من أ ُّمتي؟ أم َسيايس يقول يف ِس ّرهُ : أ َ ٌ ٌ َنت؟ أ ٌّ كنت األول فأنت ْنبت ٌة طفيلية ،وإن كنت نفسه أَنا مواطن ُ أتوق اىل نفع أ ُّمتي؟ إن َ ٌ األخري فأنت واح ٌة يف صحراء. كاتب ُخ َطب الرؤساء (يف البيت األبيض) قر َأ هذه العبار َة فأَدخلها وال ُب ّد أن يكون ُ اىل خطاب القسم (يلقيه الرئيس األمريكي الجديد عاد ًة يف العرشين من كانون الثاين الحكم من َس َل ِف ِه) ،وهو ما حصل مع جون كيندي يف 20كانون لدى َت َس ُّلمِ ِه مقاليد ُ وألن خطاب كيندي انترش عرب جميع وسائل اإلعالم يف معظم لغات الثاين ّ .1960 خطاب كيندي بتسع سنوات انترشت معه عبار ُة جربان تلك ،وهي صادر ٌة قبل َ العاملَ ، يف كتاب باإلنكليزية عنوانه جواهر من جربان ،فيه مختارات من نصوص جربان وحررها مارتن وولف ،وصدر الكتاب العربية ترجمها اىل اإلنكليزية أنطوين فارس ّ لدى منشورات سيتاديل يف نيويورك سنة .1951لكن جواهر من جربان مل يبلغ انتشارها عىل يف اإلنكليزية شهر َة كتاب النبي ،لذا مل تنترش تلك العبارة عن جربان َ لسان جون كيندي. يكون لبنان. ثالث ُة أحدا ٍ ث عن هذا اللبناين الذي ما زلنا ّ نتعلم منه كيف ُ نتعلم منه ألنه ما زال بيننا ،هو الذي ُولِد يف َبش ِّري ذات يوم وما زال يولد يف قلوبنا ّ كل يوم عاصي ًا عىل كل موت. حي ًا فينا ّ كل يومُ ،وت ُو ِّفي يف نيويورك ذات يوم وما زال ّ
* النهار -زاوية أزرار رقم )2008/12/15( 575
247
3 ليست من كيندي بل من جبران شي ْـپـ ِيل اىل رئيس يف رسالة إلكرتونية من قائد األوركسرتا الپولوين ْ ڤويت ِشك ْت ْ كنت يف وارسو نهار العيد الوطني اللبناين، الكونرسڤاتوار اللبناين وليد غلمية َور َد: ُ مرسحي پولوين أندريه ِسي ِوي ِرين (هو أيض ًا وحرضت أبرز ُم ِّمثل يف 22ترشين الثاين، ُ ّ عضو يف الكوميدي فرنسيز )يقر ُأ مقاطع بالپولونية من كتاب النبي لِجربان، احتفاء ِب ُصدور الطبعة األوىل لرتجمة النبي إىل الپولونية .وقام الكاتب الپولوين ً الشاب ستانيسالڤ سرتاسبورغر بقراءة مقاطع من كتابه عن لبنان والرشق األوسط. ت لبناني ًة رافقه فيها عازف عود ثم كان كونرشتو قصري لعازف جاز پولوين أدى معزوفا ٍ بتذوقنا املآكل اللبنانية الشهية والصحية. من لندن .كانت سهرة لبنانية رائعة انتهت ُّ وبعد أمسية موسيقية َّأد ْتها األوركسرتا السمفونية الوطنية اللبنانية بقيادة الروماين دشنت صباح بوت ِش ُيو ،قال يل السفري الروماين إن الحكومة الرومانية َّ الشاب آدريان ْ َنهار العيد الوطني اللبناين 22( ترشين الثاين) ساح ًة عىل اسم جربان خليل جربان ُمحاذي ًة َتامم ًا َمبنى وزارة الخارجية الرومانية يف قلب العاصمة بوخارست .وحني وكتابه النبي ُ سألته إن كان جربان َ مرتج ًام اىل الرومانية أجابني بنربة ُوثقىُ ... : الكتب غري الرومانية رواج ًا يف بالدنا. بني أكثر ُ قصدين اىل مكتبي يف مركز الرتاث اللبناين( الجامعة اللبنانية وذات يوم َ (زوجته اللبنانية الكندي اللبناين الجذور إرنست ّتانيس األمريكية) املحامي والباحث ُ ّ ت يل ُيمنى اسامعيل) يستفرس مني عن أسبقية العبارة الشهرية ال َت ُق ْل ماذا َ فعل ْ َّ ألمتي وكيف هي منسوب ٌة اىل الرئيس األمريكي جون أ ُّمتي ،بل ُقل ماذا ُ فعلت أنا ّ فأجبته أن العبارة واردة يف نص عنوانه العهد الجديد من كيندي فيام هي لجربانُ .
246
أمتنى العودة ألذهب إىل مرجحني وراء جبال األرز ،حيث نَ ملك مزرعة ،فأعيد ذكريات الصبا يف أحراجها. أمتنى الرجوع إىل لبنان ،إىل األرز ،ألقطف الزعرت يف الخريف ،وأرشب الحليب عند رعاة املاعز ،وأسمع صوت منجرية القصب مالئ ًا تلك الهضاب (.)...
مرجع، أي ٍ هذه الرسالة من جربان إىل صديق له يف لبنان يدعى منصور (مل يذكر ُّ أبلغ منها للداللة عىل ما كان يعصف يف قلب جربان من شوق بعد ،اسمه الكامل) ،هل ُ ُ وغمر الحنني؟ ُالبعاد ْ يف رسالة أخرى إىل صديقه فليكس فارس كتب: ُّ املدنية السائرة عىل دواليب ،وال ُبدّ من ال ُبدَّ من الرجوع إىل لبنان والتملص من هذه ّ برشي، املدنية املغتسلة بنور الشمس .بىل ،أريد أن أذهب إىل لبنان ،إىل ّ معانقة تلك ّ وأبقى ذاهب ًا.
برشي... برشيّ ... ّ
خيالها مل يربحه لحظ ًة واحد ًة طوال حياته. ُ يف 1883/1/6فتح عينيه عليها ،ويف يومٍ من حزيران 1895أغمض عينيه عىل عبري قطف منها أريج ًا زعرتها وهو يغادرها إىل بوسطن .وحني عاد إليها بعد ثالث سنواتَ ، ب (ظهرت الحق ًا يف األجنحة جدد ًا سنة ً 1902 عميق ًا ،وغادرها ُم ّ حامال منها قص َة ُح ٍّ املتكرسة )وواعد ًا إياها بالعودة إليها .لكنه غاب عنها ثالثني عام ًا وهو يحملها يف برشي وعده عينيه ،وبعيد ًا عنها أغمض عينيه (ليل الجمعة 10نيسان )1931فام وىف ّ ليسجوه يف بالعودة إليها إال جث ًة هامدة (آب )1931يوم استقبله أهلها عىل أكفهم ُّ وصيته. بناء عىل َّ مار رسكيس ً غروب 16ترشين الثاين ،1922يف محرتفه الذي كان يحلو له أن يسميه الصومعة، وكان يرسم وجه صديقه ميخائيل نعيمه ،قال له :ميشا ...ميشا ...نجاين اهلل وإياك واملتمدنني ،ومن أمريكا واألمريكيني .وإننا سننجو بإذن اهلل .وسنعود إىل املدنية ّ من ّ قمم لبنان الطاهر وأوديته الهادئة .وسنأكل من خمره وزيته ،وسننام عىل بيادره
249
4 جبران ونوستالجيا لبنان
بقيت يف ذاكرة جربان... تالل برشي كما َ
...وكما ظهرت يف لوحاته
تسألني هل َأو ُّد الرجوع إىل لبنان؟ نعم .أريد أن أرجع إىل موطن حداثتي ،إىل مهبط الوحي ،إىل ضفاف الوادي الذي منه َّ تغذت روحي. أمتنى العودة إىل مار رسكيس ألقطف زهر الصيام يف الربيع. أمتنى الرجوع ألج ِلس عىل رشفة مار جرجس التي يزلق عنها الطري ،وألرى الوادي املقدس تجري فيه مياه نهر قاديشا ف َت َبان كخيط أبيض ،وأنا أعلو خمسمئة مرت. برشي ،ألرى ً َأ ُّ ثانية موطن خليل الكافر ومرتا البانية ود أن أعود كل يوم إىل لبنان ،إىل ّ ويوحنا املجنون. برشي ألحرض حفالت أسبوع اآلالم ،تلك التي ّ خلدت يف نفيس يسوع أمتنى العودة إىل ّ املصلوب.
248
ويعمل ويشارك يف اجتامعات لتأمني اإلعانات واملساعدات املالية واإلنسانية توقف عن الكتابة والرسم والعمل يف صومعته وإرسالها إىل لبنان .وذات حقبة َّ النيويوركية لينرصف إىل َل ّم شمل الجالية عىل جمع التربعات العاجلة إىل األهايل الرازحني تحت نري اإلحتالل. أفكاره، وحسب بل حتى َ الوفية التي ّ دونت ال كلامتِه ْ وماري هاسكل (األمينة ّ تعلق مذكراتها الخاصة إعجابها من ُّ ذكرت يف ّ وكانت أقرب الناس إليه عىل اإلطالق) َ ودونت يف مفكرتها ليوم األحد :1914/12/20 جربان بشعبه يف لبنانّ . سألتُ خليل عن رأيه يف التصحيحات التي أجري ُتها له عىل كتاباته اإلنكليزية األوىل من كتابه اإلنكليزي األول املجنون ،فأجابني يف حدّ ة وحزن مع ًا :ليس يف همومي اآلن سوى لبنان وشعبي يف لبنان .وسكتَ بعدها ً طويال.
ويف رسالة من جربان إىل ماري (األحد )1916/6/11كتب :لن تكون يل حيا ٌة هموم كبرية حول لبنان .مسؤوليتي كبرية أدبية خاصة يب طوال هذا الصيف .يف قلبي ٌ أعضاؤها أمر التنسيق بينهم .إنها فرصة َوكل إيل يف مؤخر ًا وأ َ الجمعية التي َّتأل َفت َّ ُ ّ كل عمل عداه .أنا سعيد مهمة يل ،يا ماري العزيزة ،كي أخدم شعبي َّ املعذب .سأترك ّ بأن أخدم وطني وشعب وطني بالنزر القليل املتواضع الذي مينحنيه اهلل. سي ٌد ويستنهض شعبه ّ ضد مستعبديه وجالديه :لبناين ال ينفصل وال َّيتحد بل هو ِّ ُح ٌّر مستقل .ويل ألمة منقسمة إىل مذاهب وطوائف ،وكل طائفة تدعي أنها أمة. ث شعبه الخامل لينهض إىل الفجر الجديد ،فجر الحرية واإلستقالل :الحياة ويستحِ ّ وج ٌّد يالحق الكهولة ،وحكم ٌة ْتتبع الشيوخ .أما أنتم يا بني أمي عزم يرافق الشبيبةِ ، تتقلبون أطفاال َّ فرصتم ً صغرت رؤوسكم َّ جلودكم ُ وتقل َصت ُ َف ُولِدتم شيوخ ًا عاجزين ثم َ عىل األوحال وترتامون عىل الحجارة. البعاد عن قومه قلبه لكن الحنني إىل شعبه يقوى عليه وتقهره ُ ُ ّ الغربة ويعرص َ فيتفجع كأوجع ما يكون الحنان: املكسورين من ضعفّ ، مثرة ٌ مات َأهيل وأنا عىل قيد الحياة أندُ ب أهيل يف وحديت وانفرادي .ليتني ٌ يانعة يف بساتني بالدي ،أو سنبلة من القمح ٌ طائر يف فضاء بالدي .مات نابتة يف تربة بالدي ،أو ٌ حبيهم كالجاحدين. عداءهم كالجبناء ومل يكرهوا ُم ّ أهيل ألنهم مل ُي ُّ حبوا َأ َ طويال، ويعود ُالبعاد َي ُش ُّد به من جديد ويعاوده الحنني الذي مل يكن يرتكه ً ُ
251
شبابات ُرعاته وخرير ُغدرانه ...ال َّبد لنا يا ميشا ،أنت ونرسح مع قطعانه ونسهر عىل ّ كنت تعرف وأنا ،من الرحيل عن هذه البالد .فأنا لن أستعيد راحتي ّإال يف لبنان .ولو َ الصومعة التي اخرتتها فيه! هي ليست تقليدية كصومعتي هذه ،بل أصلية ،يف ضاحية برشي ،تابعة لدير مار رسكيس ،يف جبهة وادي قاديشا. من ضواحي ّ برشي ...لبنان... وادي قاديشا ...األرزّ ... أحق ًا هذا الرجل كان يعيش يف أمريكا؟ الذي كان منه يعيش طوال عرشين سن ًة نيويوركي ًة متواصل ًة يف الشقة العليا من الطابق الثالث يف املبنى الرقم 51عىل الشارع العارش غرب ًا يف غرينيتش ڤيل ِْد ْج يف وظل واحد وحضور واحد :لبنان! أسفل مانهاتن ،كان ينام ويصحو عىل خيال واحد ّ لبنان بالتصاق أمر هذا الرجل :مل يعش يف لبنان بالتصاق شديدٍ فعاش فيه ُ ٍ عجيب ُ رشقي ويل ولست عثامني ًا ويل فخر بذلك أيض ًا .أنا فخر بذلك، ُ أ ََش ّد :أنا ٌّ لبناين ويل ٌ ٌّ لبناين العواطف. أظل فخر بذلك ،ومهام ْ رشقي األخالق َّ أقصتني األيام عن بالديُّ ، ٌ َّ برشي ،وبني االنتظار واالنتظار لكأنه أمىض حياته واقف ًا عىل محطة ُّالرجوع إىل ّ وأنتج ما أنتج. ب ما َكتبَ ، َكت َ أرض لبنان ،حتى ولو رأى أفال تكون أورفليس هي نيويورك ،وجزيرة املصطفى َ عال ًام أوسع من أ ُُطر املكان والزمان، العارفون أن وراء أورفليس واملصطفى والسفينة َ صالح ًا لكل زمان وكل مكان؟ برشي وتلك الذكريات، أفال تكون سلمى كرامة بريوت استحضار ًا لِحال ضاهر ّ ضد رجال الدين رافقه ب رافقه طوال حياته ،ومن قه ٍر ّ ّ وكل ما حمله معه من ُح ٍّ موت سلمى إطار ًا رمزي ًا لنفسية جربان ذات يكون ال أو الثائرة؟ كتاباته جميع يف ُ َ األجنحة املتكرسة ،مع أن حال الحقيقية مل َت ُمت بل كانت بني النساء الخاشعات برشي بالسواد حول جثامن النبي العائد حول تابوت جربان يوم ّ تحلقت نسوة ّ إىل مار رسكيس؟ مل يكن حنني جربان إىل لبنان يوتوپّي ًا مجرد ًا من واقع .فكم مر ًة كان ضالع ًا حركٍ من أجل أهايل لبنان وإنقاذهم من ظلمٍ وجو ٍع يف حركة أو منظّ ٍ ٍ مة أو َت ُّ تحرك هو يف نيويورك، واحتالل .وعندما وقعت الظالمة العثامنية الرشسةَّ ، ومنها يف الجالية اللبنانية وهو من أبرز وجوهها يف الواليات املتحدة ،وراح يكتب
250
مدينة وخ ِب َر نيويورك :يف ٍ ولهذا نفهم رأْي أمني الريحاين يف جربان ،وهو خ ِب َره َ يروع وضجيج ُي ِص ّم ،يف ظالل ناطحات قلبها من حديد ،بني عجيج ّ من العامل الجديدُ ، الع ّد وال أقام من ال ُيحسن َ السحاب ،يف املدينة التي ُتحيص وت ِز ُن وتقيس كل يشءَ ، بسمعها إنشاء وفكر ًا وأبدع ت َ فسمع ْ يحرتم املقاييس واألوزانَ ، أمم ُتض ّن ْ َ كلمته ٌ ً حكمته الجالسون عىل عروش الحكمة بعد أن أَمسى جربان ذا وردد َ عىل الرشقَّ ، عرش بينهم. عرش بني الحكامء أمىض حياته الوميضة يرنو إىل العرش ولكن هذا الذي بات له ٌ برشي لبنان. الحقيقي الذي هو ٌ صغري عىل ّتلة من ّ كوخ ٌ ّ لبرشي أويص غيابه: بعد ته وصي يف لبنان يبقى حياته، عىل قلبه يف ولبنان هو، فها َّ ّ استنسبت بريع كتبي ،وأرغب إىل املسز ماينس (ماري هاسكل بعد زواجها) ،إذا هي َ برشي. ذلك ،أن تبعث مبوجودات ُمحرتيف أو ببعضها إىل بلديت ّ كتابها عنه ،مل َتجد كتبت َ وها هي باربره يونغ ،رفيقة سنواته السبع األخرية ،حني َ اختصار ًا لعنوانه أبلغ من هذا الرجل من لبنان ،وتقول يف إحدى صفحاته :كان حلم لوطنه ِبمستقبل َمجيد. َي ُ ِبمستقبل؟ بل بدميومة َمجيدة. بالتصاق لبنان فيه ش يف لبنان ٍ بالتصاق شديد فعاش ُ ٍ بىل :هذا الرجل من لبنان مل يعِ ْ أ ََش ّد. مل يسكن جربان لبنان لكنه كان مسكون ًا بلبنان. مل يكن جربان مواطن ًا يف لبنان لكنه بات وطن ًا للبنان يف العامل. يرد ولكن ...ال أ ََّيام وطن :إنه لبنان اإلبداع ّ الخالق َت َج َّسد يف ٍ رجل ،حني أراد أن َّ غري لبنان. لوطنه بعض الوفاء ،أعلن ْأن لو مل يكن ُ لبنان َ وطنه ،ملا كان اختار وطن ًا له َ دايتونا بيتش -فلوريدا
* النهار1993/2/5 -
253
تغم ُرها جالس حول املواقد يف ٍ ليال ُ فينحني :لكم لبنانكم ويل لبناين .لبناين َم ُ حولون طهر الثلوج .وأبناء لبناين هم ّ هيبة العواصف ُوي َج ِّل ُلها ْ الفالحون الذين ُي ّ الوعر إىل حدائق وبساتني .هم الذين يغادرون لبنان وليس لهم سوى حامسة يف أكفهم ،وأكاليل قلوبهم وقوة يف سواعدهم ،ويعودون إليه: خريات األرض يف ِّ ُ وامللح الذي ال تفسده الغار عىل رؤوسهم .هم القناديل التي ال تطفئها الرياحْ ، الدهور. وحثهم عىل املثابرة والرفض والثورة، سوى أنه ،رغم اعتزازه وميلِه إىل أبناء وطنه ِّ يبقى دائم الحزن والكآبة ،تالحقه الوحشة ومرارة الوحدة وقسوة الغربة ،مع أنه (خصوص ًا يف العرش األخرية من حياته ،ويف شكل أدق بعد صدور النبي )وجد يف جده يف وطنه .لكن التكريم يف الغربة يبقى ناقص الفرح أمريكا تكرمي ًا ما كان ميكن أن َي َ يسكن لبنان يف روحه إذا مل يشارك فيه الوطن وأبناء الوطن .رمبا لذلك ،بقي جربان ُ والقلب ،وال يعطي أمريكا سوى العقل والجسد. وها هو لبنان ال يغيب ،كام عن ثوراته ،كذلك عن أناشيده: وغ������ن أع����ط����ن����ي ال������ن������اي ِّ وأن�����ي�����ن ال�������ن�������اي ي���ب���ق���ى
ف����ال����غ����ن����ا رس ال������وج������ود ب����ع����د أن ي���ف���ن���ى ال���خ���ل���ود
ال��ل��ي��ل ويف ث���وب ال��س��ك��ونْ س��ك��ن ُ ال��ب��در ...ول��ل��ب��در ع��ي��ونْ وس��ع��ى ُ َ الحق��ول البلب��ل مـ��ا ب�ين ْإس��معي ْ َ ٍ ف��ض��اء ن َ ��ـ��ل��ول ��ف��خ��ـ��ت ف��ي��ه ال�� ُّت يف ْ
األح�������ل������ام تَ�����خ�����ت�����ب�����ي ْ األي��������������ام َ��������رص��������ـ��������د ت ْ ُ ُ ������ب األل��������ح��������انْ ي������س������ك ُ ال�������ر ْي�������ح�������انْ ن�����س�����م�����ة ّ ْ
صوره وخياالته وهو يحلم: وال ميكن أن يغيب لبنان عن َ
وما سوى ِبحنينه الجارف املوجع إىل لبنان ،استطاع استحضار سحر الطبيعة ووحيها البدر والحقل والكرمة وما إليها. فهاج فيه ْذكر ْ املهجر بصورة واحدة عن جورج صيدح ،وهو عىل ّ حق ،أن جربان مل ِ يوح إليه َ بروح رشقية صوره وال مبوضو ٍع واحد من مواضيع مقاالته وقصصهَ .ك َتبها َّكلها ٍ من َ كأنه َأص َّم أذنيه عن ضجيج الدواليب وصفري البواخر حوله .ومن العجيب أنك ال مؤلفاته اإلنكليزية طيوف الليل والفجر والوادي والنهر والضباب والبحر، تلمح يف ّ وال تسمع ناي الراعي وأناشيد الفالحني يف الكرم والبيدر واملعرصة.
252
تتلقفه ً ّ كل سؤال ،وسيدخل القلب أكثر ّكلما غدا الناس جيال بعد جيل كي تجد فيه جواب ًا عن ّ أكثر حب ًا.
ب قالت ماري هاسكل هذا الكالم؟ أم عن إميان؟ ّربام االثنان مع ًا .لذا، َأعن ُح ٍّ ختمت تلك الرسالة: وهي عرفت نسيج جربان يف ّ أدق تفاصيل قلبه والقلمَ ، طويال ً ونك أكثرً ، حب َ ّ طويال بعد أن يعود سي ّ حب الناس َ كتاب َك أكثرُ ،وي ّ كلما تقدّ َمت السنواتُ ، جسدك إىل الرتاب.
سيتحول إىل جرد شاعر أو فنان .كانت َت ْح ُد ُس أنه كانت تعرف أنه لن يكون ُم ّ ّ ظاهرة. متوهج ًا كأنه َ وصدقت يف ْ حدسها .فها جربان ،بعد طويل سنوات غيابه ،ال يزال ّ مات أمس ،كأنه مات اليوم ،كأنه مل ميت بعد ،كأنه لن ميوت أبد ًا .ذلك أنه َع َرف، دائام عىل تهيئة حي ،كيف ُي ّهيئ خلوده بعد مامته ويستمر لغز ًا .كأنه كان يعمل ً وهو ٌّ موته ،وحياتِه بعد موته. وكل قطر ٍة من إذا كل قلبه ّ رصد عليه ّ طبيعي أن يبقى جربان حي ًا يف وطنه الذي َ ٌّ وطبيعي أن يحيا خذت لبنان وطني، حتى قال فيه لو مل يكن لبنان وطني ّ قلمه ّ الت ُ ٌّ ضمهم إىل قلبه بكل حنان يف مقاله لكم لبنانكم ويل لبناين ،فهل يف قلوب لبنانيني ّ كل جنس طبيعي أن يبقى حي ًا إىل هذا ّ الحد يف أمريكا التي تصهر فيها املاليني من ّ ٌّ تكرمه بهذا الشكل ؟ تزال ال حتى فيها عاش جربان يكون أن يكفي وهل وجنسية؟ ّ مقيام فيها ،يبقى حي ًا فيها إىل اليوم ،هي التي عاش فيها املاليني ملجرد أنه كان ً وهل ّ يذكرهم اليوم أحد؟ وماتوا وال ُ العالم آخر ليلة الجمعة 10نيسان َ 1931لف َظ جربان َن َف َس ُه األخري ،كأنه يستودع َ قليال بعد ،لحظ َة راحة فوق الريحَ ،وتل ُِدين امرأ ٌة أخرى. جملة من كتابه النبيً : ڤنسنت (نيويورك) :مسرت خليل ليلتها كتب املوظّ ف يف مستشفى القديس ِ جربان ،دخل املستشفى يف الحادية عرشة صباح هذا اليوم الجمعة 10نيسان 1931 ليال ،بسبب ورم رسطاين يف الكبد. وتوفي يف الحادية عرشة ً ّ
255
5 خالدٌ في شواهد الزمان يف نيويورك َت ُّلفني أجواء مانهاتِن فأميش يف شارعه العارش غرب ًا (كان ميشيه جربان طوال عرشين عام ًا: ت آمن ْ ،)1931 -1911ويف بايل امرأ ٌة َ رع ْت ُه حياتي ًا وأدبي ًا. ِبجربان ّ حتى َ امرأ ٌة اسمها ماري هاسكل. فضل لهذه املرأ ِة املتقش ِ ِّ فة الظُّ هو ِر ٌ رئيس ال عىل األدب اللبناين وحسب، ٌ بل عىل األدب العاملي الذي نبغ فيه جربان وال يزال ينبغ كل اليوم. فضل عىل موهبته مل تكن ذات ٍ ت (ومل َت َّد ِع ذلك يوم ًا) بل عىل َقنوا ٍ تحتاجها املوهبة لتعرب إىل الضوء .فام تلتمع داخل نفق؟ قيم ُة ٍ موهبة ُ
قناع املوت عند وفاة جربان يف املستشفى ( 10نيسان )1931
الربيد نسخ َة النبي األوىل من جربان إىل ماري هاسكل يف ساڤانا مل ُ حني َح َ نفسه ( 2ترشين األول )1923رسال ًة جاء فيها: ت إليه يف اليوم ِ كتب ْ (جورجيا)َ ، سيق َتنى واحد ًا من كنوز األدب .يف لحظات ُظ ْلمتنا ويف لحظات ضعفنا ،سنف َتحه هذا ٌ كتاب ُ كتاب لن تستهلكه األجيال ،بل ستبقى كي نَ جد فيه ذاتنا ،ونجد يف داخلنا األرض والسماء .هذا ٌ
254
– النبي يف طبعته الـ ،109ومبيعاته باتت تسعة ماليني ونصف املليون نسخة، حلة جديدة تتفاوت طبعاتها بني التاسعة ونستعد إلصدار َمجموعة جربان الكاملة يف ّ ّ والخامسة عرشة ،وقريب ًا تصدر الطبعة الثانية عرشة لكتاب باربره يونغ هذا الرجل من لبنان. كومون :أال تزالون تعتربون النبي أكثر كتبكم مبيع ًا يف تاريخ وأَسأل دِ ْل ُ منشوراتكم؟ فتجيب بثقة تامة :بعد الكتاب املقدس ،كتاب النبي هو األكثر مبيع ًا بني جميع دور النرش األمريكية. سمعته من أمريكيني ضالعني يف ال أَستغرب هذا الجواب .مرار ًا قرأ ُْته ،ومرار ًا ُ الوسط األديب األمريكي .وخالل وجودي هنا يف الواليات املتحدة َوت َن ُّقيل يف جامعاتها نت أدخل ومؤسساتها الثقافية املختلفة ،عدا عرشات املنازل التي أزورها ،نادر ًا ما ُك ُ مكان ًا منها ال يكون فيه النبي. بعض ما الحظْ ُته حول تراث جربان يف الواليات املتحدةّ ،أن النبي معروف ُ أكثر من اسم صاحبه .قد يكون من َلم َيحفظ اسم كاهليل جربان( كام يلفظه األمريكيون لصعوبة لفظ الخاء العربية) إمنا َند َر َمن مل يسمع بـالنبي أو قرأه أو عرف عنه .كثريون من األمريكيني يعرفون النبي وجربان ،ويظنونه أمريكي ًا أو من الرشق األقىص .وقليلون يعرفون أنه من لبنان. مع أن هذا اللبناين الضالع اليوم يف أمريكا كام القالئل من مبدعيها ،مل يكن عىل هامش أطل من أعىل منرب سيايس أمريكي وانحنى له اثنان من الرؤساء الحياة العامة فيها .فهو َّ األمريكيني :رونالد ريغن (يوم كان يتنافس عىل قيادة العامل مع نظريه السوفيايت عهدئذ)، وجورج بوش (حني أصبح رئيس الدولة التي باتت وحدها تحكم العامل). وكيف كان ذلك؟ تأسست يف واشنطن مؤسسة جربان يف 7نيسان ( 1983مئوية والدة جربان) َّ وأخذت تعمل لتخليد األمريكية من ِب ّل بارودي رئيس ًا وشرييل أمني نائب ًة للرئيسَ ، ذكراه عىل أعىل املستويات. يف 19ترشين األول ،1984خالل جلسة عامة للكونغرس األمريكي برئاسة رونالد ريغن (الدورة الثامنة والتسعني يف تاريخ الواليات املتحدة) وافق أعضاء الكونغرس باإلجامع عىل القرار 98/537مبنح مؤسسة جربان األمريكية قطعة من 8000مرت مربع عىل أرض الدولة ،جادة ماساشوستس ،يف العاصمة واشنطن لوضع نصب تذكاري ّ
257
حول جثامنه ،يف الغرفة 316من الطابق الثالث يف شقيقته مريانا تنتحب يف َقهر ،ميخائيل املستشفى ،كانت ُ تنص برقي ًة نعيمه ِّ يهيئ مراسم الجنازة ،وباربره يونغ ُّ باسم مريانا إىل ماري هاسكل يف ساڤانا (جورجيا) ُتخربها سجى يف نيويورك يومي السبت واألحد، سي ّ أن الجثامن ُ سجى يف كنيسة سيدة األرز املارونية ُوينقل اىل بوسطن ُلي ّ ويصلى عليه الثلثاء. نهار اإلثننيّ ، ودعته أمريكا عىل الشكل الالئق. ويوم غيابهّ ، هذه الـهريالد تريبيون( السبت 11نيسان )1931 تنرش الخرب عىل رأس العمود الخامس من صفحتها األوىل تحت عنوان من ثالثة أسطر يف عمود واحد: خليل جربان ،الشاعر والفيلسوف ،مات يف السابعة واألربعني.
ويف النص:
نعي جربان كما صدر يف الـهريالد تريبيون (السبت 11نيسان )1931
خليل جربان ،الشاعر والفيلسوف والفنان اللبناينِّ ، توفي ليل أمس الجمعة يف مستشفى سانت ڤنست متأ ّثر ًا بورم رسطاين يف كبده .كان له من العمر سبعة وأربعون عام ًا .وكان يسكن يف ستوديو من املبنى 51 ً شقيقة يف بوسطن تدعى مريانا .وخليل جربان ،لدى يف الشارع العارش غرب ًا .مل يكن متزوج ًا .ترك عبقري عرصه .لكن شهرته تعدّ ت الرشق األوسط .رسومه نحو ستني مليون ًا من قراء العربية ،هو ُّ ٌ َ مرتجمة إىل اثنتي ْ احتفال بيوم عشرة لغة .قبل سنتني ،كان ٌ عرف ْتها پاريس ونيويورك ،وكتاباته َ معجبون من أملانيا وأمريكا الجنوبية. ميالده تقاطر إليه ُ
مقال عىل عمودين عن جربان الرسام وعىل الصفحة 23من العدد نفسه ٌ والفيلسوف. الخرب أيض ًا الـنيويورك تاميز عىل صفحتها األوىل من ذاك النهار. ونرشت َ َ كومون (رئيسة قسم النرش يف مؤسسة كنوف ل لوري بالسيدة اتصايل عند دِ ْ ُ أسألها عن آخر األرقام لديها من طبعات ُكتب جربان ،عادت َإل َّي بأقل النيويوركية) ُ من دقيقة تقول يل:
256
وهكذا ،عند الحادية عرشة صباح الجمعة 24أيار ،1991وقف الرئيس جورج يدشن الحديقة ويخطب فيهم عن ذاك الرجل من لبنان ،أمام بوش أمام املحتفلني ّ كل العامل. أجهزة اإلعالم التي َنق َلت َ الحدث إىل ّ عند مدخل الحديقة متثال جربان (للنحات األمريكي غوردن غراي): جامح عىل َقلق ،تنساب من رأس ٌ ٌ تحته بني ثالث أرزات مياه جاري ًة سقسقة مرات خرضاء يف ٍ ُ تتأفعن بني َم ّ برشي ،حوله ثالث ِّ تذكر بسواقي ّ إكليل من دالية مياماتِ ،ش ْل ُح تفاح، ٌ املؤلّ ف عىل مدخل حديقة جربان (أيار )1990 (وسط باحة الحديقة عنب ،خلفه ْ بني املقاعد املزروعة يف شكل دائري) أرض من حىص تتألأل تحت املياه ،حولها مثمنة األضالع ذا ِ ت ٍ نافور ُة مياه وسط بركة َّ وساحتها املغمورة بالزهر الجميل والعشب يلف النافورة َ مر املقاعد املستدير ُّ َم ّ يظلل املشهد كله بتواشيح من الحنني والذكرى .عىل مسند كل األخرض ،وشجر الحور ّ واحد من املقاعد الحجرية الستة ،عبار ٌة لِجربان من كتبه .بينها: شكل من االنتظار كل ما عدا ذلك ٌ نعيش مع ًا لنكتشف الجمالُّ ، ومنها: ِ عنارصك ،أيتها األرض ،لنصنع بها مدافع وقنابل ،وأن ِ ت من عنارصنا نستخرج تخلقني الليلك والورد، ومنها: جسدٌ بدون روح .والحرية بدون فكر :ضياع، الحياة بال حريةَ ، ومنها: ُ الهائمة يف األثري ،أليست تحسد اإلنسان عىل َألمه. األرواح عند التمثال املحفور تحته :خليل جربان شاعر وفيلسوف ،وقف الرئيس جورج بوش وقال يف خطابه :رشفٌ يل ،و َأ ْعنيها من قلبي ،أن أفتتح هذه الحديقة عىل اسم رجلٍ ِ عم َل
الشعرِّ ، الكثري من أجل ّ واألهم: وبالشعر عمل لنا جميع ًا من خالل إميا ِنه باألخُ َّوة ودعو ِته إىل الحب، ّ تذك ُرنا باألشجار التي َّ تظلل حديقة هذا الشاعر ِّ َول ِعه بالسالم .شجراتُ األرز التي ّ ظللت مكان ميالده.
259
فيها وسط حديقة عامة باسم حديقة جربان التذكارية .وجاء يف نص القرار الذي الحق ،تقدير ًا ألديب كبري أغنى املكتبات وقعه الرئيس ريغن :إن الكونغرس أعطى استثنائي ًا هذا ّ ّ
لغة ً املرتجمة إىل أكثر من خمسني ً عاملية بلغت مبيعاتُها رقم ًا قياسي ًا، القيمة َ األمريكية والعاملية مبؤلفاته ّ ح ّتى أن كتاب النبي وحده بيع منه ح ّتى اليوم 7ماليني نسخة يف الواليات املتحدة وحدها.
ويومها أعطى الكونغرس املؤسسة مهلة خمس سنوات ( )1989 -1984كي تجمع مبلغ مليون دوالر إلنجاز التمثال وتجهيز حديقة جربان التذكارية. ووردت يف القرار كلمة استثنائي ًا ألن الدستور األمريكي مينع إقامة نصب عىل يشذ عن هذه القاعدة يف واشنطن سوى اثنني: أرض أمريكية لغري األمريكيني .ومل ّ ٍ متثال ترششل املنترص عىل الحلفاء (عىل أرض السفارة الربيطانية) ،ومتثال جربان. بعد ظهر الثلثاء 17ترشين الثاين ( 1989قبل يومني من انتهاء مهلة السنوات وفد برئاسة وزير الداخلية األمريكية مانويل لوجان يحتفل رسمي ًا، الخمس) كان ٌ واحدتها من تسعة وغرس ثالث شجرات أرز، ُ تحت املطر ،بتدشني أرض جربان ْ برشي. أمتار جيء بها من غابة األرز يف ّ ويف اليوم التايل وصل إىل واشنطن فريق لوجستي هنديس إىل قطعة األرض عىل جادة ماساشوستس (مقابل السفارة الربيطانية ومنزل نائب الرئيس األمريكي، عند منتصف املسافة بني مسجد واشنطن الشهري وكاتدرائية واشنطن التاريخية)، َت ورشة العمل طوال سنتني. وابتدأ ْ انتهت الورشة يف واشنطن ،وتقرر برنامج االحتفال عىل أربعة أيام من :1991 الخميس 23أيار 12:00 -ظهر ًا :فندق ماريوت -واشنطن :استقبال الضيوف.
مساء :مكتبة الكونغرس -قراءات من جربان مع املوسيقى. ً 8:00
مساء :املتحف الوطني -استقبال رسمي. ً 8:00
مساء :احتفال فني كوريغرايف كان من املفرتض أن يقدّ مه داين توماس ،وبوفاته ً 9:00
الجمعة 24أيار 11:00 -صباح ًا :االحتفال الرسمي بتدشني حديقة جربان التذكارية.
السبت 25أيار11:00 -صباح ًا :صالة كونستيتيوشن هول -معرض لوحات جربان.
قدّ مه كايس قاسم. األحد 26أيار 10:30 -صباح ًا :اختتام االحتفال وتوزيع املداليات الجربانية التذكارية.
258
استب َقه جربان يف مجلة العامل السوري لسلوم مكرزل (وكان جربان ُّ كل هذا كان َ بعض جديده يف اإلنكليزية) حني كتب (يف عدد 25نيسان )1926إىل ينرش فيها َ اللبنانيني والعرب يف أمريكا: أن تكونَ مواطن ًا صالح ًا ،يعني أن تقف أمام أبراج نيويورك وواشنطن وشيكاغو وسان فرنسيسكو سليل شع ٍ ً ب بنى دمشق وبيبلوس وصور وصيدا ،وها أنا اآلن هنا ألبني معكم. قائال يف قلبك :أنا ُ
هاتني الشمولية والكونية وقف ميشال حلبويت (مسؤول مؤسسة انطالق ًا من َ جربان األمريكية يف هيوستن تكساس خالل العمل عىل إعداد حديقة جربان) وقال يف و ِلد جربان يف ظالل أرز لبنان ،ومل ُي ِبد أحدٌ قبله أو َ مثله هذه املقاربة للحياة ومعانيها .كان خطابهُ :
ب لبنان يف جمو ٍح مل مي ِّثل روح لبنان ،وكتاباتُه بلغَ ت أعمق ما يف القلب من معانٍ روحية وعاطفيةَ .أح َّ شعب لبنان. حبه َ يعادله ّإال ُّ
يفقدها جربان وهو يف أمريكا ،جعلت القراء األمريكيني هذه الروح اللبنانية التي مل ْ أحبوها واعتنقوها ،مع أن أدباءهم وفنانيهم وأكادميييهم ما يرون فيه مسحة غريبة ُّ شعر بذلك لكنه مل َيحِ ْد زالوا يعتربونه ً دخيال عليهم (غري أمريكي) .وقد يكون جربان َ عن إميانه .وهذا ما َرمت إليه شرييل أمني (من مؤسسة جربان األمريكية) حني قالت يف خطابها يوم تدشني الحديقة: ُ األخوة والرابط هدفنا ليس تكريم جربان وحسب ،بل العمل عىل نرش األفكار التي َ ُ زرعها يف ُك ُتبهّ : اإلنساين بني جميع الشعوب .إنّ جربان هدية اللبنانيني إىل أمريكا.
غري ّأن هذه الكينونة بني لبنان وأمريكا ّكلفته الكثري من األعصاب .ها هو يكتب يف رسالته اىل ماري هاسكل ( 6آب :)1912 أنا حائر بني َ عال َمني :لبنان وأمريكا .واالنتظار طويل ومرهق.
وها هي ،يف دفرت يومياتها ( 31آب )1914تالحظ:
ِ مذه ٌل ت ََقدُّ ُم خليل يف اكتساب اللغة اإلنكليزية .بات يكتب نثر ًا إنكليزي ًا هو يف قلب ِّ الشعر املنثور.
تراكيبها فضل كبري عىل انتقاله من الكتابة يف إنكليزية كان لتشجيع ماري هاسكل ٌ ُ مرتجم ٌة عن العربية اىل التفكري برتاكيب إنكليزية( رسالتها إليه يف 12كانون الثاين بحامسة كثرية، حته ماري ٍ نص له منشور يف اإلنكليزيةَّ ،نق ْ .)1915وهو ما ظهر يف أول ٍّ
261
ٌ كلماته املنقوشة حولنا هنا عىل املقاعدٌ ، وجميلة جد ًا ،وستبقى فينا صدى كلما ٍ زرعها يف بليغة جد ًا ت َ ٌ ٌ شاملة إىل العامل اليوم ،تُرينا العامل يتقدّ م نحو رؤيا جربان للسالم ،فنشعر بالحاجة إىل ونظرة ذاكرتنا. والتسامح .هذه الحاجة إىل السالم هي اليوم األشدّ إلحاح ًا يف املوطن الذي جاء تجديد رسالته يف السالم ُ َّ ولنتذك ْر هذه العبارة منه جربان .سنبذل جهدنا إلعادة السالم إىل ذاك الجزء الحيوي التاريخي من العامل. كلمة من ٍ الحب ٌ ٍ صفحة من ضوء .تلك اليدُ هي يدُ اهلل ،وهذه ضوء َك َت َب ْتها يدٌ من ضوء عىل من جربان: ّ ُ قلوبنا. الصفحة هي ُ
عن ذاك الجزء الحيوي التاريخي من العامل ،كان الكاتب والناقد األمريكي كلود أكثر من حيا ٍة يف واحدة: براغدون كتب (سنة )1938يف كتابه ُ قو ُة جربان ٌ نابعة من مقل ٍع كبري للحياة الروحية ،لوالها ما استطاع أن يكون بهذه الكونية ّ والشمولية .أما الجمال والجالل يف تلك اللغة التي بها كسا أفكاره تلكُ ،فهما من نحته هو وابتكاره.
احرتام ًا لهذا اإلطار الذي منه َنب َع جربان َون َبغ ،تحرص منشورات كنوف األمريكية مؤسسها ألفرد كنوف التقى جربان ونرش له املجنون عام (نارشة مؤلفات جربان منذ ُ )1918عىل أن تنرش عند رأس أغلفة كتب جربان هذه الفقرة: شاعر وفيلسوفٌ وفنان ،ولد يف لبنان ،األرض التي أنب َتت أنبياء خليل جربانٌ ،1931 -1883 : عبقري عرصهّ . َ حدود الرشق األوسط. وتأثريه وشعراء .يعتربه املاليني من أبناء العربية ّ تخطى مجدُ ه ُ مرتجم إىل أكثر من عرشين لغة ،ورسومه ولوحاته ُع َ رضت يف كربيات عواصم العامل .هنا يف عره َ ِش ُ ً ماليني أمريكيني يجدون فيها صورة ساحرة أمريكا ،حيث عاش معظم حياته ،اشتهرت كتبه ولوحاته َ يوجه فيهم العقل والقلب. نبض ِّ ذواتهم ويشعرون فيها بصدى ٍ
الكلامت القليل ُة والعميقة من نارش جربان (هو األدرى بانتشار كتبه ألنه هذه ُ رس انتشار جربان يف ينرشها ويعيد نرشها بدون انقطاع) ّ لعلها ّ تفسر ،يف إيجاز بليغَّ ، ورس بقائه نابض ًا حي ًا يف قلوب األمريكيني. أمريكاَّ ، من هنا إشار ُة الدكتور سهيل برشوئي (أستاذ كريس جربان يف جامعة مرييالند):
ظل سنوا ٍ ت َيجهله أبناء وطنه ،كان ازدياد شهرة النبي شاعر أمريكي كبري مثل روبرت فروست َّ فيما ٌ ٌّ ً يتجزأ من إرث أمريكا األديب. دليال دامغ ًا عىل مكانته يف قلوب األمريكيني ،وعىل صريورة جربان ُجزء ًا ال ّ
ٌ بساطة عىل كمية ٍ ُ ومن هنا رأي سعيد عقل: أناقة معتدلة ،تُزعج إذا زادت ،وال ميزة جربان: تعود ً نقصت .وهذا ما جعله ،وسوف دوم ًا يبقيه ،حي ًا يف قلوب األمريكيني من جيلٍ إىل جيل. أناقة إذا َ
260
يف 7آذار 1930كتبت الشاعرة التشيلية غابرييال ميسرتال إىل صديقتها إيديال بورنيل رئيسة تحرير مجلة النخل املكسيكية. : املشيعون يف كنيسة سيدة األرز يف بوسطن ،عرص الثلثاء 14نيسان ،1931حني كان ّ ُيلقون عىل جربان النظرة األخرية ،كانوا يعرفون أنه مل يغادرهم. ومساء األربعاء 29نيسان ،1931يف الحفلة التأبينية التي أقامها شارل فليرش استهل خطابه مستشهد ًا بعبار ٍة من جربان يف (قاعة متحف زوريخ يف نيويورك) ّ رمل وزبد :رب مأتمٍ بني الناس هو عرس بني املالئكة. سيد حسني ،ميخائيل نعيمه ،باربره ومثله خطباء ذاك االحتفال :كلود براغدونّ ، ُ حي بينهم. يونغّ ، شددوا عىل أنهم ال يحتفلون بإنسان مىض ،بل بإنسان ٍّ والذين صباح الخميس 23متوز 1931عىل رصيف مرفأ پروڤيدنس (عاصمة يودعون جثامن جربان عىل متن الباخرة والية رود آيالند جارة نيويورك) اجتمعوا ّ وكيلها اللبناين ابرهيم الحتي) كي تحمله سينايا( تابعة لخطوط فابر البحريةُ - برشي ،كانوا يعرفون أن الذي إىل مرفأ بريوت ومنه يأخذ طريقه إىل مثواه األخري يف ّ وتأثرياته ،فباقية وريشته روحه يف قلمه غادر أمريكا مل يكن جربان بل ُ ُ ُ جثامنه .أما ُ إىل سنوات طويلة. يتجدد رشوق ًا مع كل فجر سنوات مضت ومتيض عىل ذاك الغياب األخري ،وجربان ّ ٌ جديد ،ال يف أرضه الصغرية التي تتفيأ ظالل األرز ،بل يف هذه األمريكا الواسعة الرشهة تتحول فيها إىل أرقام مجهولة ومنسية. إىل تذويب ماليني وجوه وأسامء ّ مشع ًا عىل ّإال هو :ما زال فيها ّ جيال بعد جيل، أجيالها األمريكية ً حامال لبنانه يف أمريكا ،وزارع ًا روح ً الرشق يف جسد الغرب ،وباقي ًا يف اسام ال األفكار والقلوب واملراجع ً يزول. من هنا أنه ،يف الواليات املتحدة، جرد رجل. مل ُيعد ً رجالُ ،م َّ نعش جربان يف كنيسة سيدة األرز -بوسطن ،تستندُ إليه شقيقته مريانا صار ظاهرة. وحولها أنسباء وأصدقاء ،وخلفها باربره يونغ ظاهرة أمريكية من لبنان.
263
وشجعته حتى أهداه إىل الفنان األمريكي الكبري ألربت بنكهام رايدر ،طابع ًا إياه عىل ّ ورق خاص يف بضع ُن َس ٍخ خاصة أرسلها إىل الفنان الذي كان زار معرض جربان يف وأعجب ْت ُه إحدى لوحاته. نيويورك نهار 14كانون األول 1914 َ وقلام ،فتكتب الناقدة األمريكية من يومها أخذ ينترش يف الوسط األمريكي ريش ًة ً أليس روفايل (يف 3آذار :)1917 يقف جربان عىل الخط الفاصل بني الرشق والغرب ،بني الرمزية والتعبريية ،بني الرسم والنحت، بني ّ الشعر والنثر .إنه جديد علينا.
وبعد صدور كتابه األول يف اإلنكليزية :املجنون 25( ترشين الثاين )1918بدأت ف متزايدٍ وتدعوه إىل مناسباتها األدبية .ومن بشغ ٍ أوساط نيويورك َّ تتلقف جربان َ قطفهاّ ،أن النقد ّقدمه لألمريكيني عىل أنه عبقري عرصه وأنه ،يف الرشق األصداء التي َ األوسط ،رديف طاغور. ثم صدر ثاين كتبه يف اإلنكليزية :السابق 10( ترشين األول )1920فاتسعت شهرته أكثر ،إىل أن بلغ قمته يف النبي الذي ظهر يف 28أيلول 1923ليجعل جربان املكرسني الخالدين. من ّ بني رشوق النبي )1923( وغروب صاحبه ( )1931مثاين سنوات قضاها جربان مرشقة من التقدير األمريكي ،فأوكل إىل صديقه األرشمندريت هالة ٍ مرتبع ًا عىل ٍ ِّ مؤلفاته اإلنكليزية اىل العربية ،لينرصف هو إىل ترسيخ شهرته ترجمة بشري أنطونيوس ّ مصدِ ر ًا يف اإلنكليزية عىل التوايل :رمل وزبد 9( أيار ،)1926 وكتاباته األمريكية ْ يسوع ابن اإلنسان 7( ترشين األول ،)1928آلهة األرض 15( آذار -1931قبل بأقل من شهر). وفاته ّ تلك السنوات الثامين كانت حافل ًة بتوسيع شبكة معارفه األمريكية .ففي نيسان سيد حسني إىل املشاركة يف تأسيس مجلة الرشق 1925دعاه النارش الهندي األمريكي ّ داخال يف حلقات األدباء والفنانني األمريكيني .ويف افتتاحية العدد فلبىً ، الجديدّ األول كتب حسني :ال نجد اليوم من ُيم ّثل الرشق يف الغرب أكثر إخالص ًا وصدق ًا من خليل جربان. وعشية عيد ميالده السادس واألربعني ،دعاه إخوانه يف الرابطة القلمية ( 5كانون الثاين )1929إىل حفلة تكريم كبري يف القاعة الكربى لفندق ماك ْآل ِبن (نيويورك) يكرمون فيه أديب ًا عاملي ًا. يكرمون فيه شاعر ًا لبناني ًا َ عميدهم ،بل كانوا ّ ومل يكونوا ّ
262
المحتويات اإلهداء 5 . ............................................................................................................ المقدمة 7 . .............................................................................................................. ِّ القسم األول :شواهد الناس 13 ..................................................................... .1جربان يف ذكريات أندرو غريب .2جربان يف ذكريات فؤاد خوري . ............................................................. .3جربان يف ذكريات املونسنيور منصور أسطفان . ..................................... .4جربان إشبيني يف عريس ................................................................... .5جربان ونسيبة ماري هاسكل . ............................................................... .6جربان وميخائيل نعيمه . ...................................................................... .7جربان ومي ........................................................................................... .8جربان وباربره يونغ . ............................................................................ .9جربان واألرشمندريت أنطونيوس بشري . .............................................. .10جربان والربوفسور جيمس فرنكل . ...................................................... .11جربان وإيليا أبو مايض ......................................................................... الغريب . .......................................................................... .12جربان وأمني ّ .13جربان ويوسف الحويك ......................................................................... سكر ................................................................................ .14جربان ونخله ّ ...........................................................
15 30 37 42 47 53 56 58 66 73 86 91 100 102
265
لرئيسي ففي مسافة سبع سنوات كان َ أكرب دولة يف العامل (رونالد ريغن سنة 1984وجورج بوش سنة )1991أن يشاركا يف تكريم املبدع اللبناين الذي ،يف الحادية عرشة ّإال خمس دقائق من ليل الجمعة 31نيسان ،1931يف الغرفة 3١٦ من الطبقة الثالثة يف مستشفى سانت ينطفئ منه سوى ڤنسنت يف نيويورك ،مل ْ لهاث الجسد. ث شعلة أما فباق َي ُنف ُ ُ لهاث الروح ٍ جيال بعد جيل ،ولذا سيبقى خالد ًا الحياة ً يف شواهد الزمان. نيويورك
جثمان جربان يف بريوت ،وحول النعش أقرباء ومستقبلون، ً جالسة عند رأس النعش وتبدو مريانا شقيقة جربان (عن جريدة الربق 26 -آب )1931
مريانا شقيقة جربان بني املطران بولس عقل ووزير الداخلية آنذاك يف بريوت (جريدة الربق 26 -آب )1931
* مجلة َ أجنحة األرز -العدد -20آذار/نيسان 1994
264
نيوجرزي 197 ...................................................................................................... خطبة القس بارتلت عشية امليالد 198 ............................................................ دايتونا بيتش 209 .................................................................................................. ضوء من جربان يف جيب كتاب 210 ................................................................. بيروت 213 ........................................................................................................... .1مدالية من الدرجة الثانية 214 ................................................................... .2مش أنا217 .......................................................................................... .3ال مكان لجربان يف دولته 219 ................................................................... مرجحين221 ..................................................................................................... : ذكريات غري معروفة عن صباه يف تلك الضيعة الجبلية 222 ............................ ٌ
القسم الثالث :الخالد في شواهد الزمان 231 . ......................................... .1 .2 .3 .4 .5
جربان العاشق ..................................................................................... بني جربان وشفيق عبود .................................................................... العبارة ليست من كيندي بل من جربان ............................................ وحنينه الدائم اىل لبنان . ........................................................... جربان ُ خالد يف شواهد الزمان . .....................................................................
233 244 246 248 254
267
القسم الثاني :شواهُد األمكنة 107 ................................................................. بشّري 109 ............................................................................................................. .1 .2 .3 .4
متحفه يف برشي ................................................................................ زيارة إىل املتحف . .............................................................................. برشي بعد مئة سنة ............................................................... بيته يف ّ يعد له شرب أرض يف برشي . .......................................................... َ لم ُ ّ
110 116 121 126
نيويورك 135 ......................................................................................................... بيته يف نيويورك 136 ................................................................... .1هنا كان ُ .2جولة بالكامريا عىل أماكنه يف مانهاتن 140 ............................................... .3النبي هدايا يف كوكتيل نيويوركي 154 .................................................
واشنطن 157 .......................................................................................................
.1حديقته املهملة يف قلب العاصمة األمريكية 158 ....................................... .2جربان العريب ال اللبناين؟! 161 ..................................................................
ميريلِند 165 .......................................................................................................... .1اعرتاف عاملي به يف مؤمتر دويل 166 .......................................................... .2جربان شاعر ثقافة السالم 169 . ................................................................. .3هنيئ ًا لك أنك من وطن جربان 175 ...........................................................
فيالدلفيا 179 .......................................................................................................
.1التحضري لعمل كوريغرايف 180 .................................................................. .2العمل الكوريغرايف 188 ............................................................................
266
ɕɕ ʦ ̓ ɕ 6 ɾ ɬʢ ʂɤ˾̅ ɾ 6ɥ ˷ɞɾ6 ˃ 6 ɠ ̢ ˫ ɞɾ ˪̱ ɢ˿̱ ˴6˭ ʭ ̩ ˾ʦˮ ˫˺ʢ ɢ˄˵ɶ˪ ʤ ɞ6˭ ̜6ɼɢ˄ ̨?6̯ ː6ɼ ˭̨˨̟ ̨ ̬ ˨ ʢɥ ˾̜6 ɼɞ6̡˫ ̧̓6̹ʟ̝ ̔˪6 ʟˬ̰ ˴ɢ˾ˮ6 ɬ̨̭̰̭̱ ɞ ̢ɢɐ6 ˾̔ˮ6 >˨̬̥ɞ6ʣʥ ˴ɢɾɭ6˼ ˨˪˨˯̟6̒ ɾ6ʂɹ ̔˴ɢɬɾ ̢ɢ ̩ ˫ ɏ̯ ̜̹̓6ɷ ̘̱̟6 ̥ɾ6˨̬ ˴6ɥʤ 6̘̱̟ ʟ̢̱6˨̬ ʦ˯ ɣ˨˯̠ ɞ 6 ɾ ̯̫ ̔˪6̪˯ ˭̝ʢ ˪ɞ6ʢ ˮɬɪ˨̗ ̴ɢʢ 6ɼɢ˄ ˭̝ʥ ̣ˮ 6ˁ6̹ ˫̥̎6 ˼ ˮʢ˯ 6ʢ ɼ 6 ˁ ɢʼ˹ ̭ 6 6 ̬ ̇ ɢ 6 ̫ ̦ ˨ ˨ ̢ ʥ ̥ ̥ ̓ ˺ 6 ɶ ̢ ̭ ˬ ˨ ʟ˨ ˪ + 6 ʼ˿ ̥˨˻ ̥ɞʣʯ ʀɬ ̭́ 6ɤʢ ̈́ ̭̎˻ ̩̥6ɼ̭ ˫˯̟ʢ 6 ˸̇6ɬ ˯˺ɾ ˼̫ ˕ ˴ ̍ ˭ ˬ6 ̂ ɕ˨̬ ̠́˨̫6 ɢ6̧̎ ˮɾ6 ː ̦ ɘɴ+˵ ʣ ʟɢ ˪˨˯̟6ˬ ˪6˨̢̬˿ ɬ6̢̪̱ɠ6 ˼̰ɾ6̪ ʣ˯ ̢̱ɠ6˭ ʢ ̫6ɖ˨̰ɢ ̩ ˢʥ̨ ˪ ˶ ˂ 6 ̔ ˱ ̡ ̱ 6 ́ ̈ ˼ ɢ6̪ ˼̔ ˨́ ˺ ɢ˿ ɽ˽ ɞʢ6̯ ̹̓ ˨ʵ˨ +ɚɠ ˧ ̬6˨ ̜ʢ˯ ̟ɾ6ʂ˨̨ 6̢̪̱ɠ6˨̫ 6̈́˺̴ 6ɻ˨̨6˨̥ ̨˨̟6 ʟˬ̢ 6˼̔˪6̡ 6ɖ˭̱˪ ɪ̹̝ʤ ̢ɢ6 ̜ʤ 6̀ʣ ˫̢ ʢ +̬ ̱ ˪ ˛ ̰ ɭ ʢ ɐ ˨ ɤ ɐ ̹ ̢ 6 ̰ ˭ ː ɾ ̭ ɝ 6 ̢ ɢ 6̘ 6˼̰˄ ɢ6ˬ̬ ʂ˨̬˴ ˾˺ɝ 6̥̓ ɭ6ɻ̭ ̩̓6ˁ ̣ˮ6ɤʢ ɪ +ʼ˿ 7 ʢ 6 6 + ɾ ˁ ̥ ̝ ̴ ˁ ɢ ɣ ̞ 6 ɬ ˷ɾ ̜6˨ ̢ɢ6 ˴ ̯ ɢ6 ̅˃̄ ˀ + ʾ ɏɱ ̝ʭ ̣ˮ6̓ ̓6̪ ɞʦˮ ʢ ˾ ˬ˪̭˫̱̗ ˨̟6̯ ̩ʤ ˼ʦˮ ̫ɞʢ 6 ̢ɢ6ɤɞ˾ˈ ɼ ˙̄˒ ˀ + 6˭ ˫̜6ɽ˨̩̱ ˺̴ɢ6 6ˆ̖ɞ6 ̥ɞʣʥ 6˨̬̱ ̦̱̑̔ ˶ ɋɴ + ɍ˸ɋɬ ʙ ɘ 6̡ ɕɤ̈́ ̣ˮ6˨̥ ̧̥6̯ ɬ˨̥6ˬ ɲ ̝ʭ ̦̓6 ˨̫6ʀ ́˳+ ̱ ˼ ̅ ɋˉ 6˭ʣ ˯ ʭ ɬ˒ ˽Ɋʿ ɍ ˽ ̧6 ̥ ɞʢ ɾ6ʂ˨̬ ɕɏ̡̠́ ̓ 6 3+ɫ 6˿˯ʮ ʂɻɿ (ɺ