الراصد التنويري عدد 10-11

Page 1

‫عدد مزدوج (‪ )11-10‬شتاء ‪( 2011‬السنة الثالثة)‬

‫)‪Issue 10-11 / Winter 2011 (Vol 3‬‬



‫عدد مزدوج (‪ 10‬ـ ‪ )11‬شتاء ‪( 2011‬السنة الثالثة)‬

‫)‪Issue 10-11 / Winter 2011 (Vol 3‬‬

‫محمد اركون‬ ‫وتجديد‬ ‫الفكر‬ ‫االسالمي‬

‫موسيقى‬ ‫القوالي‬ ‫الصوفية‬

‫‪16‬‬

‫‪46‬‬

‫نشاطات‬ ‫المنبر الدولي‬ ‫للحوار االسالمي‬

‫‪Al-Rasid Al-Tanweeri‬‬ ‫‪P. O. Box: 5856‬‬ ‫‪London WC1N 3XX‬‬ ‫‪United Kingdom‬‬ ‫‪Phone:‬‬ ‫‪(+44) 20 7724 6260‬‬

‫‪26‬‬ ‫تفكيك الخطاب‬ ‫التحريمي للفن‬

‫للمراسلة‬ ‫‪alrasid@islam21.net‬‬ ‫‪www.islam21.net‬‬ ‫‪www.ifidonline.com‬‬

‫‪44‬‬ ‫من مهام المنبر‪:‬‬

‫تأسيس فكر انساني دميقراطي واسالمي عبر احلوار الفاعل وتطويره‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫د‪ .‬نجاح كاظم‬

‫هيئة التحرير‬ ‫ ‬ ‫هاجر القحطاني (المملكة المتحدة)‬

‫فالح حسن السوداني (العراق)‬

‫ ‬ ‫عبد اللطيف طريب (المغرب)‬

‫محمد طلبة (مصر)‬

‫لوحة الغالف‪ :‬الفنان فاضل الدباغ‬ ‫االخراج الفني‪ :‬رياض راضي‬ ‫الطباعة‪MBG INT-London :‬‬


‫مبتدأ الكالم‬

‫المؤسسات الدينية والحاجة لإلصالح‬ ‫تعاني املؤسسات الدينية من تخلف واضح في اجلوانب الفعلية والعملية‬ ‫واملنهجية والتوثيقية ما يعقد‪ ،‬بل يستحيل احيان ًا‪ ،‬عملها مع اجلامعات‬ ‫ومراكز البحوث والدراسات التي تساهم في بلورة االفكار والتصورات‪،‬‬ ‫فض ًال عن تشابك اخلبرات‪ ،‬كما توجد قطيعة مع كليات الفلسفة واملنطق‪.‬‬ ‫وبسبب املؤسسات الدينية حتولت كليات الشريعة الى عبارة عن قوالب‬ ‫اكادميية لتركيز افكار ورؤى هذه املؤسسات‪ ..‬والنتيجة الطبيعية لكل ذلك‬ ‫خطاب ديني موحد ال يختلف فيه علماء الدين عن املثقفني او العامة‪.‬‬ ‫ان تغير وتطور واقع االنسان قد يؤثر على القدسية املفترضة او السلطة‬ ‫االحادية للمؤسسات الدينية ورموزها املقدسة لدى الناس‪ .‬فالتغيير وما‬ ‫يصاحبه من تثقيف وتطور بابوابه املتعددة كمحو االمية وتوسيع القراءة‬ ‫وتقدير النتاجات االدبية والفنية‪ ،‬قد يخلخل بعض املفاهيم املغلوطة عن‬ ‫املؤسسات الدينية ويقلل من الهالة احمليطة بها‪.‬‬ ‫ويأتي السؤال جلي ًا‪ :‬اذا كان التطور والتغير يقلل من قدسية وتبجيل‬ ‫املؤسسات الدينية‪ ،‬فهل سيقلل من اهميتها؟ واجلواب كال‪ ،‬الن بامكانها‬ ‫ان تلعب ً‬ ‫دورا ايجابي ًا وفعا ًال في املجتمع فيما لو قدمت اخلدمة للناس‬ ‫واستطاعت مجاراة العصر ومتطلباته‪ ،‬شرط ان ال تتحول الى مركز سلطة‬ ‫او مال‪ .‬فاملؤسسات‪ ،‬أيا كانت‪ ،‬في حال سيطرتها على السلطة والثروة‬ ‫تساهم في ابراز اجلوانب السلبية في الطبيعة البشرية من قمع وعنف‬ ‫وفساد‪ ،‬مما يقف حائ ًال امام التغيير املنشود في املجتمع بجوانبه املتعددة‪،‬‬ ‫في الوقت ذاته يتم تركيز املفاهيم االرثوذوكسية في املؤسسات الدينية‬ ‫بشكلها السلبي للحفاظ على الوضع الراهن ملا يحمل من مصالح ودوافع‬ ‫وامتيازات‪.‬‬ ‫ولعل اجلمود في عناصر االبداع جعل قراءة النص القرآني وتفسيراته‬ ‫تعيد انتاج نفسها وال حتمل اي جديد‪ ،‬او تعكس مراحل العصر او تركيز‬ ‫سطوة معرفتها‪ ،‬كما في املنظومة الفقهية‪ ،‬او فرضها علم الكالم الذي‬ ‫قضى نحبه‪ ..‬وغير ذلك‪.‬‬ ‫وميكن القول ان التوسع في التشريع مينح الفقهاء سلطة كبيرة ما يشكل‬ ‫ً‬ ‫خطرا على حرية الفكر وزيادة مساحة الالمفكر فيه او حظر املفكر فيه‪،‬‬ ‫وزيادة هذه املساحة تعني نقصان االفكار اجلديدة تدريجي ًا‪ ،‬مما مينع من‬ ‫تدفق دماء جديدة في شرايني املجتمع‪.‬‬ ‫اصبحت املؤسسة الدينية قائمة على مجموعة من العقائد امللزمة التي‬ ‫ميتنع على الفرد التشكيك بها او انكارها لعدم السماح في مراجعتها ما‬ ‫ادى الى حتجرها‪ ،‬واالهم من ذلك يكمن في اعتبار كل ما ينتج عنها‬ ‫موازي ًا ان لم يكن اهم من النص القرآني املقدس‪.‬‬ ‫وهكذا لم تتمكن املؤسسة الدينية من تغير حالة الركود الفكرية في‬ ‫‪4‬‬

‫االمة‪ ،‬بل ساهمت في توحيد الفكر والشرع‪ ،‬كما فرضت على رجال الدين‬ ‫تبعية كاملة للمؤسسة‪ ،‬وعلى ضوء ذلك فانها تنتج علماء دين يصبحون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن العقل والفكر‪.‬‬ ‫جزءا من االعراض املزمنة ملرض التبعية والتقليد‬

‫فطالب العلم يعلن في اليوم االول لدراسته‪ ،‬أتباعه ملذهب وشجبه املذاهب‬ ‫ً‬ ‫معتبرا ان معتقداته هي الوحيدة املطابقة مع القرآن والسنة‪،‬‬ ‫الدينية االخرى‪،‬‬ ‫وان مذهبه فقط يحظى باملباركة االلهية‪ ،‬ومن هذا املنطلق تغدو نتاجات‬ ‫علماء املذهب التاريخية خالدة الى يوم القيامة‪ ..‬وبسبب ذلك تشكلت‬ ‫سياسة الهوية او االستقطاب املذهبي وتبلور عملي ًا مفهوم الفرقة الناجية‪،‬‬ ‫ما ادى الى فقدان التمييز بني القرآن وقيمه االخالقية ومثله التربوية‬ ‫العالية‪ ،‬وبني تاريخية نصوص الفقهاء‪ ،‬ما اربك مفاهيم املقدس والنسبي‬ ‫وساوى بني الزمني والالزمني او املكان و الالمكان‪.‬‬ ‫اما اخللل في القضية املنهجية فهي متجسدة في مقولة حاكمية السنة‬ ‫على القرآن او نسخها لبعض احكامه او نسخ بعض ايات القرآن بآيات‬ ‫اخرى‪ ،‬فض ًال عن شهرة مقوالت بعض كبار العلماء لتصبح فيما بعد من‬ ‫ً‬ ‫تفكيرا‬ ‫املسلمات الضرورية‪ ،‬لتكون النتيجة بالتالي رهن العقل الراهن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫واجتهادا‪ ،‬لعقل السالف‪ ،‬اي سطوة الغابر على الالحق‪ ،‬امليت على احلي‪،‬‬ ‫القدمي على املعاصر‪ ،‬ما ركز التراجع الى الوراء وجسد التخلف عملي ًا‪،‬‬ ‫واصبح السياج الدوغمائي‪ ،‬املشيد عبر قرون طويلة‪ ،‬ال ميكن اجتيازه او‬ ‫عبوره‪ ،‬وتقيد حركة العابرين وبالتالي جعلهم سجناء عقولهم وواقعهم‪.‬‬ ‫تبرز سلطة املؤسسة الدينية عند اتهام املخالفني لها بالرأي‪ ،‬اما‬ ‫بوصفهم «خارجني عن الدين» او «منحرفني» وهدر دمهم عبر اصدار‬ ‫الفتاوى اخلارجة عن نطاق العقل واملنطق القرآني او االنساني‪ ،‬وما حصل‬ ‫في العقدين االخيرين في ظل انتشار موجة العنف الظالمية وشيوع االسالم‬ ‫السياسي‪ ،‬يشير الى بروز كهنوتية خاصة عند املسلمني‪.‬‬ ‫وثمة سؤالني اساسيني بحاجة الى اجوبة ملحة وشافية وهما‪:‬‬ ‫االول‪ :‬ما هي اخلطوات االولية الحداث االصالح في املؤسسة الدينية‪،‬‬ ‫وكيف تكون بداية االصالح بعد كل قرون التخلف والتكلس؟‬ ‫الثاني‪ :‬كيف يتم جتديد املؤسسات الدينية ضمن عملها في مؤسسات‬ ‫املجتمع؟‬ ‫جتديد واصالح املؤسسة الدينية يعني جتديد اعمالها والياتها العملية‬ ‫والعقلية واستخدام ادوات حديثة في التحليل ومنهجية متطورة في‬ ‫البحث واالستقصاء‪ ..‬كما ان جتديدها يجعل منها منسجمة مع النسج‬ ‫االجتماعية والثقافية ملجتمع القرن احلادي والعشرين‪ ،‬وتكون بذلك قادرة‬ ‫على التعامل مع مفردات الزمن احلاضر بكل تفاصليه وتفاعالته‬

‫نجاح كاظم‬


‫المؤسسات الدينية والمعاصرة‬ ‫فقدت المؤسسات الدينية‬ ‫فاعليتها عندما فشلت‬ ‫في معرفة االسئلة التي‬ ‫تشغل مجتمعها‬ ‫سيتصارع الجميع لكسب‬ ‫الريادة في العالم االسالمي‪،‬‬ ‫لكن االنتصار سيكون حتمًا من‬ ‫نصيب المجدد‬

‫بدر الراشد‬ ‫صحيفة «الرياض» السعودية‬

‫عندما تضعف فاعلية املؤسسات االجتماعية‬ ‫في مجتمع ما‪ ،‬فإن عامة الناس وتلقائي ًا يفتشون‬ ‫عن بدائل لتلك املؤسسات‪ ،‬إما بصورة فردية أو‬ ‫جماعية‪ ،‬وكلما كانت احلاجة أكبر لتلك املؤسسة‪،‬‬ ‫اجتهدوا في صياغة بدائلهم‪ ،‬التي تع ّوض عن‬ ‫النقص القائم‪ ،‬وتسير حياتهم بصورة طبيعية‪.‬‬ ‫يرى الكاتب والباحث رضوان السيد‪،‬‬ ‫واملتخصص في الدراسات اإلسالمية‪ ،‬أن احلركة‬ ‫اإلصالحية اإلسالمية في القرن التاسع عشر‪،‬‬ ‫ساهمت في إضعاف املؤسسات الدينية التقليدية‬ ‫الكبرى في العالم اإلسالمي‪ ،‬كجامع األزهر في‬ ‫مصر‪ ،‬أو الزيتونة في تونس‪ ،‬أو القرويني في‬ ‫املغرب‪ ،‬كما ساهمت «احلركات اإلحيائية» والتي‬ ‫نشأت في بدايات القرن العشرين‪ ،‬في مضاعفة‬ ‫حالة الضعف التي تعيشها تلك املؤسسات‪.‬‬ ‫أي بصياغة أخرى‪ ،‬طرحت احلركة اإلصالحية‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬واحلركات «اإلحيائية» نفسها كبديل‬ ‫عن مؤسسات دينية تقليدية‪ ،‬لم تعد قادرة على‬ ‫مواكبة تساؤالت جمهورها‪.‬‬ ‫لو عدنا إلى تاريخ رجاالت النهضة العربية‪،‬‬ ‫في أواخر القرن التاسع عشر‪ ،‬لوجدناهم ممن مروا‬ ‫على تلك املؤسسات اإلسالمية التقليدية العريقة‪،‬‬ ‫فرفاعة الطهطاوي ومحمد عبده درسا ود ّرسا في‬ ‫األزهر‪ ،‬وعالل الفاسي في جامع القرويني‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫لكن املثير لالهتمام أن أولئك هُم من حملوا ه َّم‬ ‫النهضة في العالم اإلسالمي بصورة فردية‪ ،‬دون‬ ‫أن يتمكنوا من النهوض بدور تلك املؤسسات‬ ‫التقليدية رغم عراقتها‪.‬‬ ‫وفقدت تلك املؤسسات االجتماعية ‪ /‬الدينية‬ ‫فاعليتها عندما فشلت في معرفة األسئلة التي‬ ‫تشغل مجتمعها في تلك الفترة‪ ،‬فتراجعت عن‬ ‫معاصرة هموم واقعها آنذاك‪ ،‬مما اضطر أولئك‬ ‫املصلحني للعمل بصورة مستقلة عنها‪ ،‬فخلقوا‬ ‫أسئلة جديدة‪ ،‬وحاولوا اإلجابة عنها إجابات‬ ‫عصرية‪.‬‬ ‫وال ميكن إعادة االعتبار ألي مؤسسة اجتماعية‬ ‫إال من خالل العمل على تنشيطها وتفعيل دورها‪،‬‬ ‫وجعلها معاصرة لوقتها من ناحية القضايا‬

‫املطروحة‪ ،‬وطريقة معاجلة تلك القضايا‪ ،‬وبالتأكيد‬ ‫من خالل خلق حالة تواصلية أكبر مع املستهدفني‬ ‫من اجلمهور من خالل وسائل اإلعالم املختلفة‪.‬‬ ‫املؤسسات الدينية ليست استثناء بالتأكيد‪،‬‬ ‫فيوجد لها الكثير من البدائل احمللية أو الدولية‪،‬‬ ‫من تلك البدائل املؤسسات الدينية احلديثة املنتشرة‬ ‫في مختلف بقاع العالم‪ ،‬والتي تطرح رؤى فقهية‬ ‫معاصرة أو «حداثية» إن صحت التسمية‪،‬‬ ‫الرتباطها بجمهور من األقليات اإلسالمية التي‬ ‫تعيش في أوروبا أو الواليات املتحدة األمريكية‪،‬‬ ‫فظهرت شخصيات فقهية فاعلة كطه جابر العلواني‬ ‫في أمريكا‪ ،‬أو طارق رمضان في أوروبا‪ ،‬وأصبح‬ ‫لهم جمهور متابع على امتداد العالم العربي‬ ‫واإلسالمي‪.‬‬ ‫وحتاول أيض ًا احلركات اإلسالمية املختلفة‬ ‫االستفادة من أي ثغرة لترويج خطابها‪ ،‬الذي‬ ‫يتراوح بني االنفتاح والتطرف‪ ،‬حسب قادة تلك‬ ‫احلركة وجمهورها وعالقتها مع السلطة السياسية‪.‬‬ ‫كذلك يحظى بعض الفقهاء املسلمني بحضور‬ ‫فاعل على امتداد العالم اإلسالمي بصورة مستقلة‬ ‫عن أي مؤسسة‪ ،‬اكتسبوا هذا احلضور من خالل‬ ‫معاصرتهم للقضايا الدينية املطروحة‪ ،‬ومعاجلتها‬ ‫في الكتب‪ ،‬ومواقع اإلنترنت‪ ،‬والقنوات الفضائية‪،‬‬ ‫وغيرها من وسائل التواصل مع اجلمهور‪.‬‬ ‫هذه بعض البدائل التي تطرح نفسها للمؤسسات‬ ‫الدينية‪ ،‬ونختلف في تقييم هذه البدائل‪ ،‬فبعضها‬ ‫كاحلركات اإلحيائية ساهم وبصورة منهجية في‬ ‫إحباط محاوالت االنفتاح في املجتمع‪ ،‬وحاول‬ ‫تكريس الصوت الواحد في اخلطاب اإلسالمي‪ ،‬أما‬ ‫املؤسسات اإلسالمية التي تخاطب األقليات في‬ ‫ً‬ ‫كثيرا في اجتاه اإلصالح‬ ‫أوروبا وأمريكا‪ ،‬فدفعت‬ ‫والتجديد حتى في الدول العربية غير املستهدفة‬ ‫في خطابها‪.‬‬ ‫في النهاية سيتصارع اجلميع لكسب الريادة‬ ‫في العالم اإلسالمي‪ ،‬لكن االنتصار سيكون‬ ‫حتم ًا من نصيب املجدد‪ ،‬القادر على معرفة أسئلة‬ ‫املجتمعات اإلسالمية بدقة‪ ،‬ومعاجلتها بصورة‬ ‫مقنعة ومعاصرة‬ ‫‪5‬‬


‫حول تعثر اإلصالح الديني في المجتمعات العربية‬ ‫كان غياب الديمقراطية‬ ‫وسيادة المطلق السياسي‬ ‫عام ًال حاسمًا في‬ ‫تعثر االصالح الديني‬ ‫كل خطوة نحو الديمقراطية‬ ‫هي خطوة نحو توفير‬ ‫الشروط الحداث المراجعات‬ ‫الدينية الضرورية‬

‫أكرم البني‬ ‫صحيفة «احلياة»‬

‫‪6‬‬

‫ً‬ ‫كبيرا لدى‬ ‫القى اإلصالح الديني اهتمام ًا‬ ‫مفكرين وفقهاء يؤمنون بدور مهم لإلسالم في البناء‬ ‫والتغيير االجتماعي‪ ،‬من أجل خلق واقع ثقافي جديد‬ ‫ينطلق من اإلقرار بنسبية املعارف‪ ،‬ويعيد دراسة‬ ‫الفكر الديني في ضوء التجربة واملنطق وتطور العلوم‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬مبا في ذلك إعادة النظر في فهم بعض‬ ‫النصوص املرجعية واألحكام ونقد الكثير من األوهام‬ ‫واملس ّلمات اخلاطئة‪ ،‬الدينية والفقهية‪ ،‬التي عششت‬ ‫ً‬ ‫أمدا طوي ًال‪ ،‬على أمل حتقيق‬ ‫في عقول املسلمني‬ ‫االنسجام بني مقاصد الدين ومصالح املؤمنني وحقوق‬ ‫الناس جميع ًا‪ ،‬ولكن لألسف لم تكلل هذه اجلهود‬ ‫بالنجاح وتعثر مسار اإلصالح بفعل تضافر عوامل‬ ‫كثيرة أعاقت دعاته وأجهضت دورهم في تطوير حياة‬ ‫املسلمني وطرق تفكيرهم‪.‬‬ ‫كان في مقدمها احلرب الشرسة ضد فكرة‬ ‫اإلصالح الديني التي شنّتها قوى وجماعات إسالمية‬ ‫اتفقت على إلغاء دور العقل في وعي احلياة الدينية‬ ‫ومتكينها‪ ،‬ومتسكت بالتقليد ورفض االعتراف بأن‬ ‫ً‬ ‫جزءا من مضامني الفكر الذي تدافع عنه وتضفي عليه‬ ‫شيئ ًا من القداسة هو فكر بشري‪ ،‬جتاوزته املتغيرات‬ ‫ولم يعد يستجيب مشكالت املسلمني وحاجاتهم‬ ‫ً‬ ‫جهودا كبيرة لعزل‬ ‫الراهنة‪ ،‬وقد بذلت هذه اجلماعات‬ ‫اإلصالحيني وسحب الشرعية الدينية منهم‪ ،‬من خالل‬ ‫تأليب الناس ضدهم وإدانة من يتخذ فكرهم مرجع ًا أو‬ ‫التشهير بهم كخصوم وأعداء لإلسالم‪ ،‬وصل أحيان ًا‬ ‫إلى تكفير بعض رموزهم وإباحة دمه‪ ،‬زاد الطني ب ّلة‬ ‫شيوع حالة من التعصب االجتماعي وتغلغل ثقافة‬ ‫شعبية دينية جتنح إلى التقليد‪ ،‬عززت عصبيتها‬ ‫وتعصبها‪ ،‬هزائمنا الوطنية املتكررة وفشل البرامج‬ ‫القومية واالشتراكية وتغذية اإليحاء بأن مجتمعاتنا‬ ‫في حالة خطر وجودي يتطلب االستنفار الدائم لصد‬ ‫محاوالت النيل من خصوصيتنا الدينية‪.‬‬ ‫ثم‪ ،‬ما أضعف تيار اإلصالح الديني وشتّت‬ ‫جهوده‪ ،‬عجزه عن توحيد نفسه وقد نهض من منابت‬ ‫متنوعة واتبع مناهج مختلفة‪ ،‬لنشهد انقسامه إلى‬ ‫قوى واجتاهات وصلت حد التعارض والصراع‪ ،‬وزاد‬ ‫في ضعفه سلبية التيار العلماني الذي لم يأخذ‬ ‫مسألة التجديد الديني على محمل اجلد‪ ،‬ولم يبادر‬ ‫إلى دعمه‪ ،‬بل إن قطاع ًا واسع ًا منه بدا متطرف ًا أكثر‬ ‫من املتطرفني‪ ،‬واندفع إلى إشهار فك ارتباطه مع‬ ‫دعاة اإلصالح الديني على قاعدة رؤية اطالقية تدعو‬

‫إلى الفصل التام بني الدين والسياسة‪ ،‬أحيان ًا بدافع‬ ‫من نيات طيبة تتوسل قيام دولة دميوقراطية حتترم‬ ‫املعتقدات وحقوق مواطنيها‪ ،‬وغالب ًا بضيق أفق هدفه‬ ‫تصفية احلساب مع دور الدين في املجتمع‪.‬‬ ‫وكحال اإلصالح السياسي لعب املوقف من اآلخر‬ ‫ً‬ ‫دورا إضافي ًا في إعاقة اإلصالح الديني‬ ‫األجنبي‬ ‫ومحاصرة دعاته‪ .‬فاملقارنات التي قام بها املصلحون‬ ‫بني احلالة التي آلت إليها أوضاع املسلمني وبني‬ ‫التفوق الغربي‪ ،‬جعلتهم عرضة لالتهامات بالترويج‬ ‫لقيم الغرب ومفاهيمه على حساب تراثهم ومعتقداتهم‬ ‫الدينية‪ ،‬ثم ساهمت التوترات السياسية ضد نزعات‬

‫ال يصح الفصل بين‬ ‫الدعوة إلى تجديد‬ ‫الثقافة الدينية وبين‬ ‫تقدم اإلصالح السياسي‬

‫الهيمنة الغربية في تغذية مشاعر التحفظ ورفض‬ ‫التجديد‪ ،‬ورمبا كرد فعل على مواقف غربية لم تخل‬ ‫من عنصرية ونظرة استعالئية‪.‬‬ ‫وفي املقلب اآلخر‪ ،‬ساهم بقسط مهم في استمرار‬ ‫جمود الفكر الديني وانغالقه‪ ،‬القطع التاريخي حلركة‬ ‫اإلصالح الذي أحدثه املد التحرري الوطني والقومي‬ ‫والطابع البراغماتي لسياسات األنظمة العربية‪،‬‬ ‫جلهة رفضها عموم ًا إجناز إصالح ديني شامل‬ ‫مكتفية بتطويع اإلسالم الشعبي وإخضاع مؤسساته‬ ‫ملصاحلها‪ .‬وال شك‪ ،‬فهناك جهود دينية جتديدية‬ ‫كثيرة ضاعت بسبب استثمار احلكومات الضيق لها‪،‬‬ ‫حني وظفت ما قد يفيدها في معاركها السياسية‬ ‫وأهملت تكريسها في حقول التربية واألفكار والقيم‪.‬‬ ‫ونضيف أن بعض األنظمة وفي أتون صراعها ضد‬ ‫أيديولوجيات ومخاطر سياسية علمانية كانت هي‬


‫املبادرة إلى تشجيع النزعات الدينية احملافظة ولم‬ ‫مهدت الطريق‬ ‫تنتبه أو لم يكن يهمها أن تنتبه أنها ّ‬ ‫بنفسها لنمو احلركات اإلسالمية املتطرفة ومتكينها من‬ ‫فرض أفكار وممارسات خاطئة تركت ً‬ ‫آثارا سلبية بعيدة‬ ‫املدى في املجتمع‪.‬‬ ‫واألهم في هذا الصدد هو تغييب املناخ‬ ‫الدميوقراطي الضروري لنجاح اإلصالح الديني‪ ،‬فهذا‬ ‫األخير يتعلق بإعمال العقل والنقد وال ينمو إال في‬ ‫مناخ يتسم باحلرية‪ ،‬حرية التعبير واالعتقاد والبحث‪.‬‬ ‫وعليه ال يصح الفصل بني الدعوة إلى جتديد الثقافة‬ ‫الدينية وبني تقدم اإلصالح السياسي‪ ،‬بل كل خطوة‬ ‫في اجتاه تعزيز الدميوقراطية هي خطوة نحو توفير‬ ‫أفضل الشروط إلحداث املراجعات الدينية الضرورية‪،‬‬ ‫من دون أن نبخس اإلصالح الديني حقه‪ ،‬فتقدّ مه‬ ‫يساعد أيض ًا‪ ،‬في خصوصية مجتمعاتنا‪ ،‬على دعم‬ ‫الدميوقراطية ومناخ احلريات‪.‬‬ ‫لقد كان غياب الدميوقراطية وسيادة املطلق‬ ‫السياسي في سدات احلكم العربية عام ًال حاسم ًا‬ ‫في تعثر اإلصالح الديني وتوفير الشرط االنعكاسي‬ ‫لتثبيت املطلق الديني دنيوي ًا‪ .‬فحني يصادر السياسي‬ ‫حرية الفكر ويرفض اخلضوع للعقل النقدي ويستبد‪،‬‬ ‫فمن البديهي أن يطرح الديني نفسه على أنه اكبر‬ ‫من أي نقد‪ ،‬ليغدو األمر أشبه مبعادلة بسيطة تقول‬ ‫إن النجاح في تصحيح العالقة بني املطلق الديني‬ ‫وبني الدنيوي املتغير‪ ،‬ال يتحقق إال برفض املطلق‬ ‫السياسي واالستناد إلى نظام دميوقراطي يحضن‬ ‫موضوعي ًا طرائق املعرفة النسبية‪ ،‬ويبعث روحي ًا‬ ‫وسياسي ًا حقوق اإلنسان وحرياته في الرأي والتعبير‬ ‫واالجتهاد‪ ،‬ويعرف اجلميع أن أزهى فترات اإلصالح‬ ‫الديني في التاريخ العربي متت في مناخات ليبرالية‬ ‫نسبي ًا وأن أجواء احلرية هي التي ضمنت تفتح النقد‬ ‫واإلبداع وسمحت للمجتهدين بطرح أجرأ االجتهادات‬ ‫والتفسيرات الدينية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أخيرا‪ ،‬ال ميكن عاق ًال أن ينكر أهمية اإلصالح‬ ‫الديني وضرورته في مجتمعات أدمنت اجلمود‬ ‫أمس احلاجة إلى نشر العقالنية‬ ‫والتقليد وصارت في ّ‬ ‫في طرائق التفكير ومتكني الدين من تقدمي إجابات‬ ‫امللحة وفق منطق العصر‬ ‫واضحة عن أسئلة الواقع ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واحتياجاته‪ ،‬لكن يعتبر جهدا ناقصا االكتفاء‬ ‫بالدعوة إلى جتديد الفكر الديني وغض النظر عن‬ ‫تردي الشروط السياسية واالقتصادية‪ ،‬أو اعتبار‬ ‫معاجلة حالة التخلف والنهوض بها تتأتى فقط من‬ ‫انتقادنا مسلكيات دينية مريضة أو عبر قرارات‬ ‫فوقية تهدف إلى تصحيح ما يحمله الناس من أفكار‬ ‫خاطئة ومغلوطة عن الدين‪ ،‬فهناك ما يجب عمله‬ ‫لتحسني شروط حياتهم املادية والروحية وخلق املناخ‬ ‫الضامن حلرياتهم وحقوقهم وتالي ًا لتطوير أفكارهم‬ ‫وعاداتهم وأمناط حياتهم‬

‫بين سؤال الفقه وسؤال العقل‬ ‫في مطار محمد اخلامس في الدار البيضاء وقعت عيني على عنوان ملفت في احدى الصحف‬ ‫احمللية يشير الى (اغرب الفتاوى)‪ ،‬التقطت الصحيفة بفضول ألتسلى بها على منت الطائرة‪.‬‬ ‫في (اغرب الفتاوى) رصدت الصحيفة احدث الفتاوى الفقهية في السنوات االخيرة من عدة بلدان‬ ‫عربية‪ ،‬تنوعت بني السياسة‪ ،‬الفن‪ ،‬العمل‪ ،‬العالقات االجتماعية‪ ،‬االقتصاد وما الى ذلك‪.‬‬ ‫ولعل اغلبها لم يكن جديدا لي فقد كنت قد قرأت معظم ما ذكر في ذلك امللف موزعا هنا وهناك‬ ‫في وسائل االعالم العربية‪ ،‬لكنها باجتماعها معا وبالطريقة التي عرضت بها سلطت الضوء على‬ ‫ظاهرة االفتاء املنفلت الذي يبدو انه ال ينسجم مع منطق اال منطق الغرف املظلمة التي تنتجه‪.‬‬ ‫لكن سيكون مثيرا بال شك التعرف على اثار هذه الفتاوى في حياة الناس وكيف يرون الشريعة‪،‬‬ ‫والفقه‪ ،‬وهو امر يظل غير دقيق ما لم يتناوله البحث العلمي والدراسة امليدانية اجلادة‪ ،‬التي من‬ ‫الواضح غيابها في اجملتمعات املسلمة‪.‬‬ ‫من هذه الفتاوى (الغريبة على تعبير الصحيفة البيضاوية) فتوى ارضاع الكبير التي صدرت عن‬ ‫شخص ينتمي الى مؤسسة مكرسة ورصينة في العالم االسالمي وانتشرت بني الناس كالنار في‬ ‫الهشيم وفيها يحلل املفتي ارضاع املراة العاملة لزميلها في العمل (راشدان وبالغان) كي ينتفي‬ ‫اشكال االختالط او اخللوة بينهما‪!..‬‬ ‫بالطبع اثارت هذه الفتوى االشمئزاز والنفور واالستهجان واالستغراب مباشرة ودار لغط واسع‬ ‫حولها ما بني تبريرات تعسفية واستنكارات صاخبة‪ ،‬لكن السؤال الذي غلب كان‪ :‬كيف ميكن‬ ‫لشخص عاقل ان يقول كالما كهذا؟‬ ‫وتساءل الناس اي دين يعكس مثل هذا الكالم املنافي للذوق السليم والعرف والعادات ومنطق‬ ‫الناس؟‬ ‫وانا اضع خطا حتت (عاقل) و(دين) الن االمر في النهاية هو سؤال عن معيار او معايير سالمة‬ ‫الفتوى من عدمه؟ وسؤال عن العالقة بني الفتوى والعقل املستجيب لها؟ وسؤال عن مستوى متثيل‬ ‫الفقه واالفتاء للدين كما يعرفه الناس؟‬ ‫وهو سؤال يطرح اخر ابعد منه مدى‪ :‬ما هو تعريف (الدين) كظاهرة مهيمنة في اجملتمعات‬ ‫الدينية؟‬ ‫اذا عدنا الى الفتوى االنفة فان قائلها يبدو للوهلة االولى منسجما مع تقنيات اصدار الفتاوى‪،‬‬ ‫اذ اعتمد قاعدة فقهية اساسية في ذلك هي حرمة الرضيع على املرضع والعكس‪ ،‬وصاغ بناء عليها‬ ‫حكما بدا خارج كل السياقات اال سياق املعادالت ذات الطابع الرياضي البحت للفقهاء‪.‬‬ ‫وقد تشير هذه العملية الى مالحظة حدود واضحة للفقه – تقنيا‪ -‬تغفر له قصوره في االحاطة‬ ‫بالبعد احلر والديناميكي لطبيعة حياة البشر‪.‬‬ ‫ورمبا ال يختلف اثنان نظريا على هذا االستنتاج غير ان واقع عالقة الناس مع املؤسسات الدينية‬ ‫والثقافة الدينية في اجملتمعات املسلمة ال يعكس هذا الوضوح في حدود الفقه‪ ،‬بل مينح الفقهاء‬ ‫مساحات واسعة للتدخل في اغلب‪ ،‬وفي احلاالت القصوى‪ ،‬كل شؤون احلياة‪.‬‬ ‫هل هذا يعني احلاجة امللحة للفصل بني (االفتاء) كعملية فنية بحتة‪ ،‬وبني الريادة الدينية‬ ‫ملؤسسة تعنى بالشان (الديني) كعامل متحرك ومتعدد االبعاد له سلطته النافذة على عقل الفرد‬ ‫واجلماعات؟‬ ‫اذا كان االمر كذلك‪ ،‬فقد يجدر التساؤل هنا‪ :‬اي نوع من املؤسسات ميكن له ان يضطلع بهذا‬ ‫الدور؟‬

‫هاجر القحطاني‬

‫مديرة البرنامج التدريبي في املنبر الدولي للحوار االسالمي‬ ‫‪Hajar@islam21.net‬‬ ‫‪7‬‬


‫األولوية لإلصالح الديني أم لإلصالح السياسي؟‬ ‫االصالح الديني‬ ‫والسياسي ضروريان‬ ‫ومتداخالن رغم‬ ‫استقاللية كل منهما‬ ‫عن االخر‬ ‫المطلوب اصالح ديني‬ ‫ال يرهن نفسه للسياسة‬ ‫وينتسب الى ذهنيات‬ ‫العالم المعاصر‬

‫شمس الدين الكيالني‬ ‫صحيفة «احلياة»‬

‫‪8‬‬

‫ُيجمع الناس على أن هناك ضرورة لإلصالحني‬ ‫السياسي والديني‪ :‬اإلصالح السياسي ضروري لترشيد‬ ‫أمناط احلكم في بالدنا‪ ،‬لتصبح اجلماعة املرجع الرئيس‬ ‫للسياسة‪ ،‬وليكون الشعب مشارك ًا في تقرير مصيره‬ ‫ومصير بلده‪ ،‬واإلصالح الديني لالستجابة لألسئلة‬ ‫الكبرى التي طرحها العصر على الضمير الديني‬ ‫وعلى رؤية اإلنسان للكون والعالم بعد التبدالت‬ ‫املذهلة التي أدخلتها االكتشافات الكونية (من‬ ‫الثورة الكوبرنيكية الى ثورة االتصاالت واألنترنت‬ ‫ً‬ ‫مرورا بثورة أينشتاين‪ /‬النسبية) على رؤية اإلنسان‬ ‫للكون‪ ،‬التي تختلف جذري ًا عن الرؤية البطليمية‪،‬‬ ‫ورؤية خريطة املأمون للكون‪ ،‬وأيض ًا ملواكبة األسئلة‬ ‫التي طرحتها ثورات العلوم اإلنسانية املعاصرة‬ ‫املتعاقبة (علوم االقتصاد واملجتمع واألنثربولوجيا‬ ‫وعلم النفس وثورة التحليل النفسي‪ ،‬اإلبستمولوجيا)‬ ‫على اإلنسان واملجتمع واإلنسانية وعلى فهم اإلنسان‬ ‫لنفسه ولعامله اإلنساني‪ ،‬ال سيما بعد أن غدا العالم‬ ‫ً‬ ‫موحدا‪ ،‬توحده العلوم واملواصالت واالتصاالت‪،‬‬ ‫برمته‬ ‫وصورة التلفزيون‪ ،‬وتبادل السلعة واألزياء‪ ،‬والذوق‬ ‫العام‪ ،‬وأدب الكياسة االجتماعية‪ ،‬واملنهجيات‬ ‫العلمية وأساليب النظر والفكر‪ ،‬واتساع دائرة القيم‬ ‫املشتركة‪.‬‬ ‫اإلصالحان ضروريان ومتداخالن على رغم‬ ‫استقاللية كل منهما عن اآلخر‪ .‬البعض أعطى األولوية‬ ‫رجح أولوية اإلصالح‬ ‫لإلصالح الديني‪ ،‬والبعض اآلخر َّ‬ ‫السياسي‪ ،‬علم ًا أن السياسة وشؤون احلكم هما‬ ‫باألساس شأنان دنيويان‪ ،‬لغتهما املصلحة اخلاضعة‬ ‫ملتغيرات الزمان‪ ،‬وتبدالت ميزان القوى‪ ،‬بينما الشأن‬ ‫الديني يتعلق أساس ًا باألبدي وبالقدسي ومبا يرضي‬ ‫الله‪ ،‬وبالتالي فإن السياسي يتعلق بالزمني والوقتي‬ ‫بالراهن من الزمن ومبصالح العباد املتغيرة التي ال‬ ‫حتتمل التأجيل‪ ،‬بينما الديني يحتاج إلى قرارات‬ ‫متس الضمير وتطلعات الفكر البعيدة املرمى‪ ،‬ولهذا‬ ‫فعلى قراراته أ َّال تخضع لضغط اللحظة الراهنة وإ َّال‬ ‫سقطت في ما يناقض غاياتها القصوى‪.‬‬ ‫يدَّ عي اإلسالميون بطريقة يقينية ثابتة أن‬ ‫تصوراتهم عن احلكم في اإلسالم وعن اخلالفة والدولة‬ ‫اإلسالمية و(حاكمية الله) هي من األمور الثابتة‬ ‫في اإلسالم‪ ،‬وهي ال حتتاج إلى كثير عناء‪ ،‬غير‬

‫إن هذا االدعاء يناقض املمارسات الفعلية للتجربة‬ ‫السياسية اإلسالمية‪ ،‬فما ُسل سيف في اإلسالم‪،‬‬ ‫منذ عهد الصحابة إ َّال وكان وراءه – على الغالب ‪-‬‬ ‫اخلالف على السياسي واحلكم‪ ،‬وهو ما ينفي وضوح‬ ‫نظرية احلكم في اإلسالم‪ ،‬ويؤكد في املقابل على‬ ‫جذورها في مصالح اجلماعات وتصوراتها املتباينة‪،‬‬ ‫بل إن التجربة السياسية اإلسالمية تذهب باجتاه‬ ‫التأكيد على العنصر التاريخي واملصلحي‪ ،‬وعلى‬ ‫الدور احلاسم ملؤسسة السلطة ورؤيتها ملصاحلهما‬ ‫في املجال السياسي‪ ،‬هذه السلطة ورجالها الذين‬ ‫أبدوا حرصهم على أن جت ِّلل الرموز اإلسالمية فضاء‬

‫قرارات اإلصالح الديني‬ ‫تتعلق بالضمير األخالقي‬ ‫في عالقته داخل‬ ‫الطور الجديد من شبكة‬ ‫العالقات اإلنسانية‬ ‫دولتهم‪ ،‬وعلى رعاية دور العبادة من جهة‪ ،‬وأبقوا‬ ‫السلطة ومؤسساتها فوق اجلماعة وفوق املؤسسة‬ ‫الدينية من جهة ثانية‪ .‬ولعل التصورات الراهنة‬ ‫لإلسالميني عن الدولة في اإلسالم هي وليدة األزمنة‬ ‫الراهنة املأزومة‪ ،‬وأن قراءة هؤالء اإلسالميني وغير‬ ‫اإلسالميني للنصوص وللتجربة السياسية اإلسالمية‪،‬‬ ‫هي قراءة متأثرة بأهوائهم ومبصاحلهم وثقافتهم‪ ،‬ال‬ ‫سيما عندما يريدون استخدامها في الصراع السياسي‬ ‫على السلطة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫لذا فاإلصالح الديني غدا مطلوبا للغاية في‬ ‫املجال اإلسالمي ليقوم‪ ،‬على غرار ما قامت به‬ ‫الكنيسة في الغرب مبواءمة اإلميان الديني مع‬ ‫مقتضيات الصورة احلديثة للكون الفلكي والعالم‬ ‫اإلنساني بكل مندرجاته وقيمه اإلنسانية املعاصرة‪،‬‬


‫فتراجع في أوروبا الزمن الذي يصبح فيه أمثال جوردانو‬ ‫ً‬ ‫مهددا باحملرقة‪ ،‬بينما ما زال التكفيريون عندنا‬ ‫برونو‬ ‫يحولون أنفسهم إلى قنابل حتصد املئات في الشارع باسم‬ ‫الرحمن الرحيم(!) مع اعتقادهم الراسخ بأن جزاء أفعالهم‬ ‫املدمرة عند الله هو اجلنة!‬ ‫من هنا فاإلصالح الديني مطلوب‪ ،‬غير إنه من‬ ‫املجحف أن جنعله شرط ًا لإلصالح السياسي أو سابق ًا له‬ ‫وفي خدمته‪ ،‬فلكل من اإلصالحني زمنه اخلاص وأغراضه‬ ‫اخلاصة املستقلة عن اآلخر‪ ،‬من املناسب االقتناع بأن‬ ‫مشكالت املسلمني ليست مشكالت دينية حتى تحُ َّل فقط‬ ‫باإلصالح الديني اإلسالمي‪ ،‬بل هي مشكالت سياسية‬ ‫واقتصادية واجتماعية‪ ،‬ويفترض إذا أردنا حلها أن تتعلق‬ ‫قرارات املصلح الديني باألفكار الكبرى التي ميكن أن تحُ دث‬ ‫ً‬ ‫تغييرا في رؤية املسلم ِّ‬ ‫نشخص أسبابها وآلياتها لكشف‬ ‫السبل للخروج من دائرتها‪ .‬وإذا كان من طبيعة املجال‬ ‫السياسي عالقته مع املصلحي والدهري في حتوالتهما التي‬ ‫ال تتوقف‪ ،‬وهو ما يفرض عليه قرارات راهنة ومستعجلة‬ ‫ال تقبل التأخير والتسويف‪ ،‬وأن يراعي في قراراته مصالح‬ ‫الفئات املختلفة في حتوالتها‪ ،‬فإن قرارات اإلصالح الديني‬ ‫إمنا تتعلق بالضمير الديني واألخالقي في عالقته داخل‬ ‫الطور اجلديد من شبكة العالقات اإلنسانية التي بدأت‬ ‫ألكثر من قرن تكتسي طابع ًا عاملي ًا‪ ،‬في مناخ تعززت‬ ‫فيه القيم اإلنسانية وفي مقدمها مفاهيم حقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫واملشاركة‪ ،‬والدميوقراطية‪ ،‬الذي لم يعد مبقدور إي إصالح‬ ‫ديني جتاهلها‪ ،‬وعلى هذا فقراراته ال تتعلق بالزمني‬ ‫والترابي‪ ،‬وال بالراهن من املصالح وال بأثقال الصراعات وال‬ ‫باملصالح التي تقف وراءها‪ ،‬ألن الزمن الديني يتعلق مبا‬ ‫يشبه األبدي واملقدس من األهداف‪.‬‬ ‫فاملطلوب إصالح ديني ال ُيرهن نفسه للسياسة‪ ،‬وهذا‬ ‫اإلصالح يعتمد على تغيير رؤيتنا للعالم لينتسب إلى‬ ‫ذهنيات العالم احلديث واملعاصر‪ ،‬ومغادرة النظرة امللتبسة‬ ‫واملتشككة باآلخر في املجال اإلنساني والعاملي‪ ،‬واملشاركة‬ ‫في إثراء املجال الثقافي الكوني‪ ،‬وتغيير النظرة السوداء‬ ‫إلى اآلخرين في الوطن وفي اإلنسانية وإدراك أن مشكالتنا‬ ‫في عالقاتنا الدولية ال تتعلق مبشكالت (الهويات املتقاتلة)‬ ‫وال بالصراع على املجال الديني‪ ،‬بل تتعلق بالصراع على‬ ‫املصالح التي ميكن أن تحُ ل على أساس من التسويات‪ ،‬أو‬ ‫االعتراف باملصالح املتبادلة‪ ،‬أن تغيير وعينا للعالم من‬ ‫الضرورة مبكان‪ ،‬يتوقف عليه ليس جناح اإلصالح الديني‬ ‫املوعود‪ ،‬بل ثقتنا باملستقبل وبقدرتنا الذاتية على إقامة‬ ‫حوار عميق مع الثقافة املعاصرة‪ ،‬نكون فيه شركاء في‬ ‫صياغة الثقافة الكونية املعاصرة‪ ،‬وإ َّال بقينا كيان ًا مضطرب ًا‬ ‫ال يثق بنفسه وال باآلخر‪ ،‬وهوية منعزلة ومفوتة معرضة‬ ‫لالضطراب‪ ،‬قادرة على التمرد واألذى اللذين ال يفضيان‬ ‫إلى شيء سوى احلفر باألزمة وتعميقها!‬

‫إصالح الحكم يصلح المؤسسة الدينية‬ ‫ينطوي مفهوم إصالح املؤسسات الدينية في املنطقة العربية على افتراض مسبق‪ ،‬إن‬ ‫لم نقل واقع مسبق‪ ،‬بأن هذه املؤسسات تعاني ـ في مستوى متثل املقوالت الدينية راهنا ـ‬ ‫من أخطاء كبيرة تستدعي عملية اإلصالح‪ ،‬أو أن عالقة هذه املؤسسات مبؤسسات اجملتمع‬ ‫األخرى غير سليمة‪ .‬و»املؤسسة‪ »،‬بالفهم السوسيولوجي العام‪ ،‬نسق أو بنية اجتماعية‬ ‫تتوافر على قدر من االستقرار في املستوى الزمني‪ .‬على أنه ينبغي مناقشة األمر من زاوية‬ ‫حتديث اجملتمعات العربية في مستوى نظام احلكم ونسق اإلدارة‪ ،‬وهذا ينقلنا إلى مستوى آخر‬ ‫من النقاش واملعاجلة‪.‬‬ ‫ثمة بيان ظهر بإمضاء امين الظواهري في كانون األول (ديسمبر) ‪ 2001‬يؤكد كيف أن‬ ‫إدارات احلكم وثقافاتها في املنطقة العربية أنتجت منطني من ثقافة املؤسسة الدينية‪ ،‬واحدة‬ ‫ممالئة أو مساوقة للسلطة السياسية وأخرى رافضة لها‪ ،‬بل وخارجة عن العالم كله‪ .‬إذ وضع‬ ‫الظواهري أنظمة احلكم العربية في حقل اسماه بـ»العدو القريب‪ »،‬فيما وضع دول العالم في‬ ‫حقل «العدو البعيد»‪ .‬وهكذا لم يعد‪ ،‬كما يُز َعم في بعض األدبيات املسلمة‪ ،‬من وجود لـ»دار‬ ‫السالم‪ »،‬فالعالم كله صار «دار حرب‪».‬‬ ‫تردُّ كتابات كثيرة تخلُّف اجملتمعات العربية لبنية املؤسسات الدينية املسلمة وممارساتها‪،‬‬ ‫أو في نهاية املطاف ملقوالت إسالمية وللدين اإلسالمي نفسه‪ .‬هذا من دون نظر مد ّقق‬ ‫بسياقات اجملتمعات العربية املسلمة السياسية بخاصة‪ .‬فاملؤسسة الدينية خاضعة بنحو‬ ‫أو بآخر لشروط اجملتمع الذي صاغته سياسات ّ‬ ‫معقدة تنتهجها بإصرار أنظمة احلكم غير‬ ‫الدينية العربية‪ .‬فالشمولية‪ ،‬التي تتصف بها أنظمة احلكم العربية‪ ،‬تستدعي أن تكون في‬ ‫صراع دائم مع معارضات ومناوئني؛ بعدما أقامت اإليديولوجيات السياسية‪ ،‬التي متارسها‬ ‫هذه األنظمة‪ ،‬أنساقا تعليمية غير مستقلة توازي مسار النظام احلاكم‪ّ ،‬‬ ‫وحتكمت باقتصاد‬ ‫مجتمعاتها مس ّيرة احلياة اليومية‪ ،‬وح ّددت بقوة ما «ميكن التفكير فيه» وما «ال ميكن»‬ ‫ّ‬ ‫فشكلت طرائق تفكير واستبطنت احلياة اليومية‪ .‬وما املؤسسة الدينية في املنطقة العربية‬ ‫بخارجة عن سلطة أنظمة شمولية تتدخل في توجيه أنشطة احلياة اليومية وتراقبها‪ .‬فحكم‬ ‫هذا الوضع‪ ،‬بالضرورة‪ ،‬وال يزال‪ ،‬حتى أشكال املعارضات السياسية وتوجهاتها اإليديولوجية‪.‬‬ ‫وثقافة املُعارِض تتشكل على وفق ثقافة املُعارَض‪ .‬فقد أعيدت صياغة املؤسسات الدينية بيد‬ ‫أنظمة احلكم مبا يتالءم واجتاهات األخيرة وظروفها في احلكم والسيطرة‪ .‬فال ميكن احلديث عن‬ ‫مؤسسات دينية مستقلة في املنطقة العربية ـ كي نناقش إصالحها ـ مثلما ال ميكن مناقشة‬ ‫استقاللية مؤسسات اجتماعية أخرى‪ .‬والدين في نهاية املطاف مؤسسة اجتماعية‪.‬‬ ‫لعل هذا ما جعل بعض املنابر واجلوامع تسعى إلى اخلروج عن هيمنة السلطة املهيمنة‬ ‫ّ‬ ‫لتشكل سلطتها اخلاصة بها‪ ،‬وتصوغ لنفسها قراءة خاصة بها للمدونة الدينية لتعلن عن‬ ‫مواقفها من كل شيء‪ ،‬بعدما رأت أنظمة احلكم وقد سبق لها أن صاغت هي قراءتها اخلاصة‬ ‫بها بغية إدامة وجودها وتعزيز قبضتها‪.‬‬ ‫من هنا نعتقد أن احلركات املتطرفة واحلركات اإلسالموية نتاج مؤسسات دينية ّ‬ ‫شكلتها‬ ‫سياسات إدارة احلكم في هذه املنطقة‪ ،‬لذا جتد تلك احلركات تطرح نفسها دوما بديالً من‬ ‫نظام احلكم القائم في إدارة الدولة‪ .‬وبالتالي فإن إصالح املؤسسة الدينية الذي طال النقاش‬ ‫فيه‪ ،‬ويجري احلديث عن رواد تياره منذ منتصف القرن التاسع عشر‪ ،‬سيحدث فقط عمليا‪ ،‬في‬ ‫سياقنا التاريخي الراهن‪ ،‬بإصالح إدارات احلكم في املنطقة العربية التي جعلت من العالم‬ ‫كله «دار حرب»‬

‫فالح حسن السوداني‬

‫‪faleh67hassan@yahoo.com‬‬

‫‪9‬‬


‫تيزيني‪ :‬التعددية والديموقراطية‬ ‫هما الوريث الشرعي لمشروع النهضة‬ ‫يمكن مواجهة الثقافة‬ ‫الظالمية التي تنكر‬ ‫«اآلخر» بثقافة تنويرية‬ ‫انسانية متقدمة‬ ‫مقولة فوكوياما‬ ‫حول نهاية التاريخ غير‬ ‫صحيحة ألن التاريخ‬ ‫ال يمكن أن يُغلق‬

‫مروة كريدية‬ ‫موقع «ايالف» االلكتروني‬

‫‪10‬‬

‫شغل سؤال النهضة العديد من منظري القرن‬ ‫العشرين من الكتاب العرب‪ ،‬بيد ان توالي األحداث‬ ‫السياسية وانعكاساتها اجللية على الشأن الثقافي‬ ‫ادى الى تبلور رؤى فكرية أكثر واقعية ومالئمة‬ ‫لعصر التقنية املنفتح على ّ‬ ‫كل االحتماالت مبا فيها‬ ‫الوجودية‪ ،‬وفيما يرى كثيرون ان سؤال «القومية‬ ‫العربية» أفل جنمه وأن العالم اليوم جتاوز القوميات‬ ‫بكافة اشكالها في عصر العوملة‪ ،‬ما زال بعض‬ ‫مثقفي العرب يطرحون سؤال «العروبة» في عصر‬ ‫«الكوكبة» وبالرغم من ان الوقائع اظهرت جمود تلك‬ ‫النظريات‪ .‬‬ ‫الطيب تيزيني استاذ الفلسفة في جامعة دمشق‬ ‫ال يزال يرى امكانية نهضة قومية عربية وان «املشروع‬ ‫التنويري» بقدر ما أصبح راهن ًا كل الراهنية اال انه‬ ‫تعقد بحكم الظروف متهم ًا «جهات غربية» بتعطيل‬ ‫ً‬ ‫مؤكدا على ان «مراوغة‬ ‫املشروع الذي يراه ضروريا‬ ‫التاريخ» ووقائعه تؤكد ثمة ادراك ان «التاريخ‬ ‫مفتوح» وعلينا ان نسعى الى موطئ القدم الذي‬ ‫ننطلق منه‪ .‬‬ ‫وفي محاضرة جاءت بعنوان «العرب من سؤال‬ ‫النهضة إلى سؤال الوجود» عقدت في ابوظبي اشار‬ ‫الى أن اإلشكالية تكمن في كيفية حتول الفعل‬ ‫«اإلمكاني» الى فعل حقيقي وأن مقولة التاريخ أغلق‬ ‫أو انتهى التي أطلقها كثر ماتوا دون أن يدركوا أن‬ ‫نظرياتهم خاطئة وزائفة‪ ،‬من هنا يقول تيزيني ميكن‬ ‫االنطالق لفكرة التأسيس للمشروع النهضوي الذي‬ ‫يستدعي مجموعة من العناصر «فاملشروع ال ينشأ‬ ‫من صفر‪ ،‬انه ضمن السياق التاريخي»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مشيرا الى ان ّ«املوضوع مفتوح وهذه فضيلة‬ ‫كبرى‪ ،‬فليس هناك مطلقات وال ثوابت كلية تصلح‬ ‫لكل زمان ومكان‪ ،‬مما يتيح الطريق للكثير من‬ ‫التأويل واالجتهاد‪ ،‬مع أنني وصلت إلى رأي وهو‬ ‫قابل للنقاش ان ما نعيشه نحن العرب هو «حطام‬ ‫عربي»‪ .‬‬ ‫من جهة أخرى قدم تيزيني فكرة أن «النهضة‬ ‫العربية» حدثت في القرن التاسع عشر وأن نابليون‬ ‫قدم صدمات على هذا التاريخ فـ «الغزاة ال يصنعون‬

‫ً‬ ‫مبكرا‬ ‫حضارات ونهضات» ومشروع محمد علي بدأ‬ ‫وكان ينظر الى املستقبل وسوق مشروعه ابراهيم باشا‬ ‫من بعده‪.‬‬ ‫وقال «ظهرت العوملة في العقد األخير من القرن‬ ‫العشرين في جو من اجللبة العسكرية والسياسية‬ ‫احملمومة‪ ،‬على صعيد العالم‪ ،‬فكانت والدتها‪ ،‬منذ‬ ‫ً‬ ‫شاهدا على عصر جديد دموي‪ ،‬اذ جاءت‬ ‫البدء‪،‬‬ ‫حرب اخلليج الثانية مع نتائجها املدوية مبثابة إشارة‬ ‫مزمزة إلى دموية ذلك العصر‪ ،‬ومن ثم رمبا إلى‬ ‫نهاية السياسة‪ ،‬أما تفكك االحتاد السوفياتي فقد‬ ‫ً‬ ‫وتأكيدا على أن العالم لم‬ ‫أتى مواطأة على ذلك‪،‬‬ ‫يعد يحتمل «جبلني» اثنني‪ ،‬إلى أن أظهرت ثورتا‬ ‫االتصاالت واملعلومات التي أعلنت والدة «قرية كونية‬ ‫واحدة» ميكن رصد مشهدها‪ ،‬ورمبا كذلك ضبطه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مشيرا الى‪« :‬أننا في مواجهة‬ ‫بل الهيمنة عليه‪.‬‬ ‫التحديات الكبرى واملركبة‪ ،‬نرى أن هنالك مجموعة‬ ‫مداخل قد تسمح بتحقيق بنية عربية متماسكة‬ ‫ومتوازنة‪ ،‬حتقق هذه املواجهة مع اإلشارة إلى أن مثل‬ ‫هذه املواجهة ال تعني القطيعة مع «الغرب»‪ ،‬بل إن‬ ‫ما نفهمه في إطار هذه املسألة إمنا ينطلق من أننا‬ ‫نعمل على اإلفادة العظمى من تقدمه االقتصادي‬ ‫والعلمي الهائل‪ ،‬ونحاول أن نعقد صالت عميقة مع‬ ‫«الغرب» املناهض للهيمنة العوملية‪ ،‬محققني بذلك‬ ‫فع ًال هادف ًا‪ ،‬لكن حتقيق جدوى هذا وذلك مرهون أو ًال‬ ‫وثاني ًا بإعادة بناء الداخل العربي عبر تلك املداخل‬ ‫التي نلخصها بالدميقراطية‪ ،‬وبخلق حالة من التوازن‬ ‫في الثروة الوطنية والقومية‪ ،‬وكذلك مبواجهة الثقافة‬ ‫الظالمية التي تنكر «اآلخر» بثقافة تنويرية متقدمة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وأخيرا عبر خلق جسور عميقة بني األطراف العربية‬

‫وبصيغة تطبيع عربي ـ عربي يكون من مقتضياته‬ ‫انتاج حالة صحية وعميقة من التضامن العربي»‪ .‬‬ ‫تيزيني اتهم النظام العوملي الذي أدخل العرب في‬ ‫متاهة كبيرة ـ على حد قوله ـ وكأنهم أصبحوا أمام‬ ‫بنية تاريخية مغلقة‪ ،‬وهو ال يشاطر مقولة فوكوياما‬ ‫حول نهاية التاريخ ألن التاريخ ال ميكن أن ُيغلق‪،‬‬ ‫ولكن مشكلة العرب أنهم ال ميلكون مفاتيحه بسبب‬ ‫غياب احلامل االجتماعي الذي يقود النهضة‬


‫استطالع‬

‫اإلصالح الديني‪...‬‬ ‫إعادة قراءة للفكر والسلوك البشري‬ ‫اسئلة االصالح الديني‬ ‫بقيت قائمة على صعيد‬ ‫التنظير ولم تنزل الى الواقع‬ ‫منذ القرن التاسع عشر‬ ‫الحداثة تكمن في‬ ‫اعادة قراءة النص‬ ‫الديني والتاريخي‬ ‫وااليمان بمعرفة‬ ‫الذات واالخر‬

‫عن صحيفة «الصباح» البغدادية‬

‫لقد كانت الصدمة احلضارية للشرق في بداية‬ ‫اتصاله بالغرب عن طريق احلروب االستعمارية أي‬ ‫طريق العنف والهيمنة واالستالب للهوية والثروات‬ ‫او عن طريق البعثات الدراسية‪ .‬فكانت رؤية الذات‬ ‫واآلخر والواقع وتشكلت على هذا األساس الكثير من‬ ‫املفاهيم واألفكار والتصورات التي هي اآلن محل تنازع‬ ‫وجدل ويصل في بعض األحيان إلى املطالبة باإلصالح‬ ‫السياسي والديني عن طريق القوة أو التطورات‬ ‫الطبيعية الداخلية وهو ما أطلق عليه جدل اإلصالح‬ ‫الداخلي‪.‬‬ ‫من بني مشاريع اإلصالح التي نادى بها بعض رواد‬ ‫النهضة ضرورة األخذ مبنجزات احلضارة املادية وفصلها‬ ‫عن سياقها الفكري والثقافي واالجتماعي والعمل على‬ ‫تأصيلها مع التراث والفكر اإلسالمي لكي تتسق مع‬ ‫األصالة واحملافظة على قيم ومعايير األمة وهويتها‪.‬‬ ‫إ ّال أن أسئلة اإلصالح الديني‪ ،‬بقيت قائمة على‬ ‫صعيد التنظير ولم تنزل إلى الواقع‪ ،‬منذ الربع األخير من‬ ‫القرن التاسع عشر‪ ،‬الذي شهد بداية عظيمة لإلصالح‬ ‫الليبرالي (احلر) والتأويل الديني املتحرر للحياة والفكر‬ ‫العربي كما يعتقد املفكر صادق جالل العظم‪.‬‬

‫إشكالية مفهوم اإلصالح‬ ‫يقول حسني هادي صالح ـ طالب دراسات‬ ‫عليا ـ قسم الفلسفة ـ جامعة بغداد بشأن االصالح‬ ‫الديني‪« :‬طرح هذا املفهوم في القرن التاسع عشر‪،‬‬ ‫من قبل األفغاني ومحمد عبده وغيره وباألحرى لم‬ ‫يكن إصالحا دينيا بقدر ما هو إصالح العقل الذي‬ ‫يواجه الفكر الديني مثلما هو احلال عند سبينوزا‬ ‫عندما طرح رسالته إصالح العقل وميكن القول إن‬ ‫هذه التسمية خاطئة»‪.‬‬ ‫فيما يرى عدي حسن مزعل ـ طالب دراسات‬ ‫عليا ـ قسم الفلسفة ـ جامعة بغداد‪ ،‬أن «هذا املفهوم‬ ‫نشأ من التأثير اخلارجي ولم يكن نتيجة حركة إصالح‬ ‫داخلية‪ ،‬وانه ولد في أوروبا وفي أملانيا حتديدا مع‬ ‫حركة اإلصالح الديني في القرن السادس عشر بقيادة‬ ‫رجل دين ينتمي إلى املؤسسة الدينية ذاتها»‪.‬‬ ‫ويعزو فشل جتربة اإلصالح في العالم اإلسالمي‬ ‫إلى «السياسات االستعمارية للدول الغربية‪ ،‬فضال‬ ‫عن دعمها لألنظمة االستبدادية وهي أنظمة يقع على‬ ‫عاتقها فشل التجارب الدميقراطية األولى في العالم‬ ‫اإلسالمي»‪.‬‬ ‫‪11‬‬


‫الحقيقة المطلقة‬ ‫فيما يذهب إحسان التميمي ـ باحث وأكادميي‪،‬‬ ‫إلى أن «مفهوم اإلصالح الديني ينطلق من منظومة‬ ‫نصوصية‪ ،‬تؤمن بامتالك احلقيقة املطلقة‪ ،‬وتقوم على‬ ‫أسس إيديولوجية واملفهوم عائم‪ ،‬حسب رأيه‪ ،‬إذ عادة‬ ‫ما تنتهي احلركات اإلصالحية إلى هدف براغماتي‪،‬‬ ‫خاص سياسي اقتصادي‪ ،‬فضال عن عملية إلغاء‬ ‫العقل وتسييره وفقا للمراعاة افق املتلقي الذي يرغب‬ ‫في اغلب األحيان بسماع النص الديني دون الولوج‬ ‫إلى قضية السند أو صحته ومن ثم صحة املنت النصي‬ ‫الذي يستند إليها تيار اإلصالح»‪.‬‬ ‫يفصل الدكتور حسام قدوري اجلبوري ـ قسم علوم‬ ‫القرآن ـ كلية التربية ـ جامعة بغداد‪ ،‬بني املؤسسة‬ ‫الدينية واألشخاص‪ ،‬وحسب تصوره أن «مفهوم‬ ‫اإلصالح الديني ال يرتبط ارتباطا وثيقا باملؤسسة‬ ‫الدينية»‪.‬‬ ‫وأضاف اجلبوري أن «كل شخص في املجتمع‬ ‫ميتلك احلق في ترسيخ هذا املفهوم وتطبيقه ولعل‬ ‫التقسيم الفقهي املعتاد (مجتهد‪ ،‬مكلف) يساعد‬ ‫على هذا التصور الن املكلف في كل األحوال يرتبط‬ ‫تلقائيا مع املنظومة الدينية ارتباطا متكامال وبطبيعة‬ ‫احلال فان املؤسسة الدينية تتفاعل مع اإلصالح الديني‬ ‫على شكل فعل حاث على اإلصالح (األمر باملعروف)‬ ‫وفعل رادع للخطأ (النهي عن املنكر)‪.‬‬ ‫يتحفظ محمد قاسم لعيبي ـ مدرس مساعد ـ‬ ‫كلية التربية ـ قسم علوم القرآن‪« ،‬على تسمية مفهوم‬ ‫(اإلصالح الديني) ألنه يشكل موقفا يحمل بني طياته‬ ‫تداعيات قد يتخوف منها البعض ما يجعله يشكل‬ ‫حتديا مضافا إلى جملة التحديات املطروحة على ارض‬ ‫الواقع‪ ،‬لذلك من الضروري طرح تسميات جديدة لهذا‬ ‫املفهوم تتساوق والرؤية العامة ملثل هكذا مفاهيم دون‬

‫إثارة اخلوف والتردد واالرتياب كأن تكون (التجديد‪،‬‬ ‫املعاصرة‪ ...‬الخ)‪.‬‬ ‫لماذا الخوف من العلمانية؟‬ ‫وعن حالة اخلوف لدى البعض من مصطلح‬ ‫(العلمانية) يعتقد حسني هادي أن «اإلشكالية ناجتة‬ ‫من طرح هذا املفهوم مقابل اإلسالمية‪ ،‬األولى متثل‬ ‫قيم احلياة الدنيوية والتخلي عن قيم اإلسالم‪ ،‬هذا‬ ‫ما فهم عند طرحه وما نراه عندما حدثت اإلشكالية‬ ‫في بداية القرن العشرين بني جماعة املستبدة الذين‬ ‫يطلقون على أنفسهم احملافظني على القيم اإلسالمية‬ ‫مقابل أصحاب املشروطية (الدميقراطيني) الذين‬ ‫جوبهوا بنعوت اجتماعية حسب العرف العام ليخرجوا‬ ‫من ساحة الفكر اإلسالمي»‪.‬‬ ‫فيما يرى عدي حسن أن «حالة اخلوف من العلمانية‬ ‫متأتية من طبيعة البنية الثقافية لهذه املجتمعات‪،‬‬ ‫التي ما زال السواد األعظم من أفرادها يجهلون معناها‬ ‫بسبب تفشي األمية‪ ،‬وكذلك موقف املؤسسة الدينية‬ ‫التي ترى في ذلك كفر واحلاد‪ ،‬أي خروج على الدين‪،‬‬ ‫مثل هكذا وضع قائم على الهجوم والتكفير ال شك انه‬ ‫يؤدي إلى تهديد معتنقي هذه األفكار ويصل في بعض‬ ‫األحيان إلى هدر دماء البعض كما حصل مع الكاتب‬ ‫فرج فوده‪ ،‬واتهام الباحث نصر حامد أبو زيد بالردة»‪.‬‬ ‫لماذا الخوف من الثيوقراطية؟‬ ‫يذهب إحسان التميمي في تشخيصه للمعوقات‬ ‫والتحديات التي واجهت احلركات التنويرية التي‬ ‫قصدت احلداثة في إعادة قراءة النص الديني والنص‬ ‫التاريخي‪ ،‬واإلميان مبعرفة الذات واآلخر وعدم مصادرة‬ ‫فكرة القت الكثير من التعنت والتزمت قد تصل إلى‬ ‫حد النفي والتكفير وغير ذلك‪.‬‬

‫وأضاف التميمي‪ ،‬لقد متت مصادرة األفكار‬ ‫التنويرية كما هو احلال مع الفكر العلماني الذي متت‬ ‫مصادرته قبل أن تصل مفاهيمه اجلوهرية إلى املتلقي‬ ‫العربي انه خوف السلطة النصية النسقية من اآلتي‬ ‫املجهول‪.‬‬ ‫ولعل شواهد قولية وردت من بعض الشخصيات‬ ‫اإلسالمية من مثل قول اإلمام علي (ع)‪( :‬الناس‬ ‫صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في اخللق)‬ ‫لم تأخذ بعدا حتليال وموضوعيا إذ لم يتم استنطاقها‬ ‫في البعد الواقعي‪ ،‬وظلت حبيسة املتون النصية وبهذا‬ ‫حتتاج إلى إعادة قراءة مبنية على أسس موضوعية‬ ‫تفهم الذات وتستشرف اآلخر‪.‬‬ ‫ويعتقد محمد قاسم‪ ،‬أن كلمة اخلوف من القيم‬ ‫العلمانية قد تعطي أبعادا للموضوع هي في احلقيقة‬ ‫غير موجودة‪ ،‬إمنا هناك بعض التردد من قبول هذه‬ ‫املفاهيم والتعامل معها بروح ايجابية وتسمح باإلفادة‬ ‫منها وطرح السلبيات بعيدا‪ ،‬لذا نحن بحاجة إلى تقدمي‬ ‫القيم العلمانية وفقا ملعايير مناسبة لطبيعة املرحلة‬ ‫الراهنة مع احلفاظ على ثوابت املجتمع املعروفة‪.‬‬ ‫اإلصالح بين التنظير والتطبيق‬ ‫وبشأن أسئلة اإلصالح الديني التي بقيت قائمة‬ ‫على صعيد التنظير ولم تنزل إلى ارض الواقع‪ ،‬يجيب‬ ‫عن ذلك‪ ،‬حسني هادي‪ :‬تعيش الثقافة العربية قضية‬ ‫التكرار والتباعية والثبات على الرغم من حصول‬ ‫حتوالت اجتماعية واقتصادية كبيرة وواسعة ولكن‬ ‫بقيت الثقافة حركتها بطيئة وما يدلل أن التعبير‬ ‫االقتصادي واالجتماعي ليس بالضبط يناظر الثقافي‬ ‫الن هذا األخير مرتبط مبعوقات جتعله من الصعب‬ ‫جتاوزها إ ّال إذا ما عوجلت بصورة علمية ولذلك نرى‬ ‫الكثير من املفاهيم التي طرحت قبل قرن يعاد طرحها‬

‫القبانجي يدعو الحكومتين االتحادية والكردستانية إلى إيقاف هجرة المسيحيين‬ ‫دعا خطيب اجلمعة في مدينة النجف احلكومتني االحتادية والكردستانية إلى معاجلة هجرة املسيحيني من العراق والوقوف بجانبهم‪ ،‬مشيرا‬ ‫إلى هجرة عشرات اآلالف منهم خالل السنوات املاضية‪ ،‬مطالبا بإيجاد حلول للمساهمة بعودتهم وتشجيعهم على ذلك‪.‬‬ ‫وقال صدر الدين القباجني‪ ،‬خالل خطبة صالة اجلمعة التي أقيمت في احلسينية الفاطمية في النجف‪ ،‬في ‪ 15‬من تشرين األول (أكتوبر)‬ ‫املاضي‪« ،‬أدعو احلكومة االحتادية وحكومة إقليم كردستان إلى معاجلة هجرة املسيحيني من العراق‪ ،‬ال سيما في محافظة نينوى»‪ ،‬مشيرا إلى‬ ‫«مغادرة عشرات اآلالف من األخوة املسيحيني العراق بسبب التهديدات واألعمال اإلرهابية التي طالتهم»‪.‬‬ ‫وناشد القباجني املسيحيني الذين غادروا العراق إلى «العودة إليه بعد تأمني مناطقهم من قبل احلكومة االحتادية والكردستانية»‪ ،‬مشددا أن‬ ‫على احلكومتني «املساهمة بعودتهم إلى العراق»‪.‬‬ ‫وحتدث القباجني عن موسم احلج واستعدادات احلجاج العراقيني‪ ،‬داعيا «احلجاج العراقيني إلى أن يكونوا قدوة للمسلمني بوحدتهم‬ ‫اإلسالمية»‪.‬‬ ‫‪12‬‬


‫من جديد وتبقى االعتراضات مع األسف نفسها‪.‬‬ ‫في ما يؤيد عدي حسن ما ذهب إليه الباحثون واملفكرون‬ ‫العرب املعاصرون‪ ،‬من أمثال محمد عابد اجلابري‪ ،‬محمد أركون‪،‬‬ ‫هاشم صالح‪ ،‬نصر حامد أبو زيد) الذين يرون بعدم جتسد مفاهيم‬ ‫اإلصالح على األرض من خالل عدة عوامل هي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ سياسة التحديث التي اتبعت منذ أيام محمد علي قبل‬ ‫مائتي عام‪ ،‬والتي ركـزت على نقـل التقنية مـن دون الفكر الذي‬ ‫يقـف خلـف تلك التقنية وذلك نتيجة االعتقاد بإمكانية نقـل‬ ‫التقنية مع احملافظة على عقائدنا‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ خوف املثقفني العرب من الفكر الذي يدعو إلى القطيعة‬ ‫مع املاضي أي االنفصال عن التراث‪ ،‬والسبب في ذلك هو أن‬ ‫املثقفني العرب رأوا في هذه القطيعة مع املاضي‪ ،‬خيانة للذات‬ ‫أو للهوية اجلماعية ولذلك رفضوا االنخراط في هكذا مغامرة غير‬ ‫محسوبة أو مضمونة العواقب‪ ،‬على عكس فالسفة أوروبا‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ رد الفعل العنيف الذي صدر من حركة اإلخوان املسلمني‬ ‫في مصر على احلضارة الغربية منذ أواخر العشرينيات من القرن‬ ‫العشرين‪ .‬فقد شكل هؤالء جبهة متزمتة متراصة وقوية ضد‬ ‫االنفتاح الفكري لـ (محمد عبده وعلي عبد الرازق وطه حسني‬ ‫وسائر مثقفي النهضة العربية)‪.‬‬ ‫يرى الدكتور حسام‪ ،‬أن «احلكم على محاوالت اإلصالح‬ ‫الديني بالتنظير فقط فيـه ظلـم كبير لها‪ ،‬لوجـود كثير مـن‬ ‫احملاوالت اجلادة لتطبيقها وتسعفنا التجربة اإليرانية التي فيهـا‬ ‫الكثير من الشواهـد على ذلك وعلى الرغم من االنتقادات الشديدة‬ ‫املوجهة إلى الثيوقراطيني إ ّال أن التجارب العلمانية باءت بالفشل‬ ‫الذريع على مستوى اإلصالح العام»‪.‬‬ ‫اإلسالم الحقيقي‬ ‫يشدد محمد قاسم على أهمية قضية التنظير في القضايا‬ ‫األساسية التي يجب أن «تأخذ أبعادها املعروفـة وفقا ملرجعيات‬ ‫ذات صلة بالتجربة املباشرة للموضوع لذلك يبدو أن هناك ما‬ ‫يشبه الهوة بني التنظير والتطبيق على ارض الواقع فيما يخص‬ ‫(اإلصالح الديني)‪.‬‬ ‫وذلك يعود إلى جملة عوامل تسبب هذه الهوة ومنها طبيعة‬ ‫وأساليب التفكير فـي املجتمع العربي وما ينتج عنها من سلوكيات‬ ‫قد تبدو رافضة لهذه املفاهيم فضال عن توفير املناخ املناسب‬ ‫الستقبالها واملقصود هنا املناخ الفكري والثقافي الذي يسمح‬ ‫بالتعامل مع هذه املفاهيم بعقل مفتوح وروحية محايدة تسعى‬ ‫إلى التقدم والتطور وال ميكن إغفال التغيرات الدولية واإلقليمية‬ ‫التي تترك بصماتها على مجتمعنا مع مرور الزمن‪.‬‬ ‫يعرب إحسان التميمي عن قناعته بوجود أكثر من إسالم‪،‬‬ ‫فهناك إسالم روج له هـو غير حقيقي‪ ،‬وليس له صلة بالرسالة‬ ‫احملمدية وهذا اقترن مبؤسسات السلطة وإيديولوجياتها وابتدأت‬ ‫أول خيانة للعقل كما وصفها الكاتب نصر حامد أبو زيد في‬ ‫قضية رفع املصاحف في معركة صفني التي هي أول خيانة للعقل‬ ‫وهي تعبير عن تقديس النص والكشف عنه‬

‫الدين والكهنوت‪ :‬دالالت من التاريخ‬ ‫يقدم القرآن الذي جاء به سيدنا محمد عليه الصالة والسالم أهم جتربة في‬ ‫إصالح املؤسسة الدينية‪ ،‬وقد ركز في إصالحه على املؤسسات الدينية القائمة في‬ ‫عصره‪ .‬فكان التوجيه أن ال وساطة بني العبد وربه‪ ،‬وأن مهمة فئة من الناس التفقه‬ ‫في الدين لتبليغه لآلخرين ال غير‪ .‬وكانت تلك جتربة نبوية في اإلصالح الديني‬ ‫اقتضت مشيئة اخلالق أن تكون األخيرة من اهلل لإلنسان‪ ،‬الذي يبدو أنه صار مؤهال‬ ‫للقيام بتجاربه اإلصالحية اخلاصة بدال ً عن األنبياء‪ .‬وهي عملية يشهد بصعوبتها‬ ‫قلة املصلحني الدينيني على مر التاريخ‪ .‬ذلك أن املصلح الديني يجب أن يخرج من‬ ‫منظومة التعليم الديني نفسه‪ ،‬حتى يكون مستوعبا لها فكرا ً وممارسة‪ ،‬عارفا ً‬ ‫مبكامن اخللل ومستشعرا ً ملواطن الداء‪ ،‬لذلك ال ينجح كثيرون من دعاة اإلصالح‬ ‫الديني اليوم لعدم استيعابهم للمنظومة الدينية القائمة فيأتي نقدهم سطحياً‪،‬‬ ‫بال فائدة وال تأثير‪ ،‬ومثل هؤالء ال يزيدون كهنة املؤسسة الدينية إال قوة‪.‬‬ ‫أما الشرط الثاني لظهور املصلح الديني‪ ،‬فهو اعتماده زاوية نظر جديدة سواء‬ ‫في مصادر املعرفة الدينية أو في تفاسيرها وتأويالتها‪ .‬أو فيهما معا‪ .‬وبسبب اعتماد‬ ‫رجال الدين واملؤسسات الدينية على التفاسير والشروح البشرية للنص الديني‪،‬‬ ‫والتي تأخذ صبغة القداسة‪ ،‬فإن مهمة املصلح الديني لم تكن لتحقق فائدة إال‬ ‫بالفصل بني النص الديني األصل والنصوص الثانوية املوضوعة خلدمة املؤسسة‬ ‫الدينية على حساب الدين نفسه‪ .‬وهو ما يدخله حتما في صراع مع حراس «القدمي»‪.‬‬ ‫ذلك ما قام به مارتن لوثر في املسيحية عندما أعاد االعتبار للكتاب املقدس وترجمه‬ ‫ليصل إلى الناس‪ ،‬في دعوة منه إلى االستغناء عن التفسير والتأويل البابوي‪،‬‬ ‫والرجوع إلى النص في حرفيته‪ .‬وحدث ما يقابل هذا اجلهد في عاملنا العربي إبان‬ ‫عصر النهضة‪ ،‬حني ملس محمد عبده ورشيد رضا خطورة التفاسير وركام املرويات‬ ‫ومدى تأثيرها على عقول العامة‪ ،‬رغم مناقضتها الصريحة لتعاليم القرآن‪ .‬فكانت‬ ‫دعوتهم إلى اعتماد القرآن أصال تقرأ في ضوئه وتصحح كل نصوص الهوامش‬ ‫واحلواشي املتجذرة في ثقافة الناس‪ .‬لكن لألسف لم يكتب لهذه التجارب أن تصل‬ ‫إلى مداها الطبيعي‪ .‬بسبب الردة السلفية التي أعادت النصاب إلى وضعه املألوف‪.‬‬ ‫وهو ما يعني أن املسلمني بدورهم صنعوا لهم كهنوتا دينيا ترسخت معامله مع‬ ‫الزمن وأصبح من الصعوبة اختراقه في ظل ثقافة تقدس املاضي عموما‪ .‬غير أن‬ ‫الصورة ليست بهذا العموم أيضا‪ ،‬فهناك جهود تنويرية مستمرة‪ ،‬وهي في الغالب‬ ‫األعم فردية لم تأخذ طابعا مؤسساتيا‪ ،‬وميكن أن نستثني في هذا اجملال دولة‬ ‫إسالمية مثل تركيا استطاعت فيها املؤسسة الدينية ممثلة في وزارة األوقاف أن‬ ‫تقوم قبل ثالث سنوات بوضع مشروع إلعادة النظر في األحاديث النبوية‪ ،‬وهو ما‬ ‫لم يحدث في وطننا العربي الكبير بعد‪ ،‬فلم تخط مؤسساتنا الدينية نحو جتديد‬ ‫املنهجيات وإعادة النظر في التراث الديني باعتباره منتجا بشريا‪ ،‬وإعادة قراءته‬ ‫في ضوء معطيات وهموم العصر ليكون فاعال إيجابيا في حركة اجملتمع‪ ،‬ال عبئا ً‬ ‫عليه‪ .‬ومع كل ذلك‪ ،‬يجري في املؤسسات الدينية في وطننا العربي اليوم إصالح‪،‬‬ ‫لكنه من نوع آخر‪ ،‬إصالح ال يقتضي خروج مصلح باملواصفات املذكورة أعاله‪ ،‬وال‬ ‫يستلزم حدوث مخاض لوالدته‪ .‬كل ما ميكن أن جنمله عنه‪ ،‬أنه إصالح يتم في غياب‬ ‫املصلحني أنفسهم‪.‬‬

‫عبداللطيف طريب‬

‫‪taribabd@yahoo.fr‬‬ ‫‪13‬‬


‫المؤسسات الدينية وسؤال التجديد‬ ‫وجدت المؤسسة الدينية‬ ‫نفسها في مأزق كبير‬ ‫بعد االعمال االرهابية التي‬ ‫شهدها العالم‬ ‫المؤسسة الدينية‬ ‫يجب ان تنتهي من عملية‬ ‫الترقيع وتأسس لمنهج‬ ‫حقيقي للتغيير والتجديد‬

‫موالي محمد اسماعيلي‬ ‫كاتب وباحث مغربي‬ ‫خاص بـ «الراصد التنويري»‬

‫‪14‬‬

‫منذ األحداث اإلرهابية التي شهدتها الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية سنة ‪ ،2001‬واملؤسسات الدينية‬ ‫في العالم العربي واإلسالمي ترزح حتت ضغط كبير‪،‬‬ ‫وذلك من خالل اتهامها من طرف الغرب واملتنورين‬ ‫والليبراليني في العالم اإلسالمي على حد سواء‪،‬‬ ‫باملسؤولية املباشرة عن هذه األعمال‪ ،‬عبر قيامها‬ ‫لسنني طويلة بنشر األفكار املتطرفة التي تنبذ اآلخر‬ ‫وتسعى إلقصائه‪ ،‬أفكار استماتت املؤسسات الدينية‬ ‫في الدفاع عنها وتزكيتها بنصوص دينية تعتبر‬ ‫لديها مقدسة‪ ،‬وال ميكن أن تخضع ألي نقاش حول‬ ‫متنها أو سندها‪ ،‬فالفقهاء ال يزالون حتى في وقتنا‬ ‫الراهن‪ ،‬يصدرون عشرات الفتاوى التي جتيز قتل‬ ‫املخالفني دينيا وعقديا‪ ،‬بل تتجاوز ذلك إلى املطالبة‬ ‫بالقضاء على تاركي الصالة ولو كان من اإلخوة أو‬ ‫العشيرة أو اقرب األقربني‪ ،‬مثل هذه األفكار وغيرها‬ ‫شكلت الدافع األساس للمتطرفني للقيام مبجموعة‬ ‫من األعمال اإلرهابية والتفجيرات في نيويورك‬ ‫ولندن ومدريد وباريس وغيرها من املدن األوروبية‬ ‫واألمريكية وحتى بعض املدن العربية واإلسالمية‪،‬‬ ‫أماكن يعتبرها اجلاهلون من أتباع الديانة اإلسالمية‬

‫أماكن يجوز غزوها‪ ،‬والقيام بأعمال القتل والتصفية‬ ‫اجلسدية في حق أتباع الديانات األخرى واملخالفني‬ ‫بشكل عام‪.‬‬ ‫إن املؤسسة الدينية وجدت نفسها في مأزق كبير‬ ‫بعد كل األعمال املتطرفة التي شهدها العالم على‬ ‫أيدي بعض اجلهلة من املسلمني‪ ،‬لذلك قامت بالعديد‬ ‫من املبادرات من اجل حتسني صورتها لدى اآلخرين‪،‬‬ ‫وقامت بتنظيم ملتقيات فكرية وندوات دولية حول‬ ‫التسامح وحوار األديان‪ ،‬وكثر الكالم في وسائل‬ ‫اإلعالم عن تسامح اإلسالم‪ ،‬وحمله لقيم التعايش‬ ‫وقبول اآلخر‪ ،‬بل إن التحرك اخذ أبعادا اكبر عندما‬ ‫تدخلت الدول واحلكومات العربية من اجل مسح‬ ‫الصورة السيئة التي التصقت باملسلمني‪ ،‬وسخرت‬ ‫لذلك إمكانيات مادية كبيرة‪ ،‬واضطرت إلى توجيه‬ ‫رجال الدين التابعني لوزارات األوقاف لديها‪ ،‬من‬ ‫اجل تليني مواقفهم من بعض القضايا املتعلقة بقبول‬ ‫اآلخر‪ ،‬واإلنفتاح عليه والتسامح معه‪ ،‬لكن ظهر‬ ‫جليا أن رجال الدين التقليديني ال يجيدون القيام‬ ‫بتلك األدوار مما خلق مشاكل عديدة لتك اجلهات‬ ‫احلكومية‪.‬‬


‫لكن السؤال الذي يطرح نفسه اآلن‪ ،‬هل كل األعمال‬ ‫التي قامت بها الدول اإلسالمية من طنجة إلى جاكرتا أتت‬ ‫أكلها‪ ،‬أم أن األمور بقيت على حالها ولم يتغير منها شيء‬ ‫نحو األفضل؟‬ ‫إن املشكلة األساسية التي تواجه املؤسسة الدينية اليوم‪،‬‬ ‫هي أنها ما زالت تسيرها عقليات متحجرة ممن يسمون‬ ‫بالعلماء‪ ،‬فقد عمل احلرس القدمي في هذه املؤسسات على‬ ‫تصفية كل املتنورين وإزاحتهم من مواقع القرار‪ ،‬وجتريدهم من‬ ‫كل مسؤولية متكنهم من اتخاذ قرارات في اجتاه وضع تصورات‬ ‫جديدة لفهم الدين والنصوص الدينية بشكل معاصر وحديث‪،‬‬ ‫يتناغم مع متطلبات العصر وال يصطدم مع املستجدات التي‬ ‫يشهدها هذا الكون في كل حلظة من اللحظات‪ ،‬وما دامت‬ ‫املؤسسات الدينية في العالم العربي واإلسالمي حتت إمرة‬ ‫أناس تقليديني لديهم مناعة مزمنة ودائمة ضد كل تفسير‬ ‫جديد للنصوص الدينية‪ ،‬فإن وضعها سيبقى على حاله حتى‬ ‫إشعار آخر‪ ،‬ولن نرى سوى ترقيعات وتفسيرات ملتوية لبعض‬ ‫القضايا الدينية‪ ،‬وذلك نزوال عند رغبة أولياء نعمة رجال‬ ‫الدين‪ ،‬وهي تفسيرات لن تغير شيئا في الواقع‪ ،‬ولن تؤدي‬ ‫إال إلى مزيد من التطرف والغلو كرد فعل على هذه العمليات‬ ‫التجميلية غير املدروسة التي تؤدي عكس املراد منها‪ ،‬وتن ُتج‬ ‫عنها تشوهات فظيعة في الفكر والسلوك اإلنساني ملن‬ ‫يسمون املتدينني‪ ،‬ويظهر فيها الدين اإلسالمي وأتباعه في‬ ‫موقف ضعف يوما بعد آخر‪ ،‬نظرا لكل هذا اإلضطراب الذي‬ ‫ينتجه عن نفسه كل يوم‪.‬‬ ‫إن املؤسسة الدينية يجب أن تنتهي من عملية الترقيع‬ ‫التي ال تسمن وال تغني من جوع‪ ،‬وتأسس ملنهج حقيقي‬ ‫للتغيير والتجديد‪ ،‬جتديد يجب أن يطال النصوص الدينية‬ ‫عبر حذف العديد منها والتي ال تصلح لهذا الزمان‪ ،‬وإعطاء‬ ‫تفسيرات معاصرة لنصوص أخرى حتى تتالءم مع العصر‬ ‫وإكراهاته‪ ،‬فبدون عملية جتديدية حقيقة ستبقى املؤسسات‬ ‫الدينية مجرد هياكل ال روح فيها وال فعالية‪ ،‬وإن استمرت‬ ‫هكذا فلن يتطور خطابها الديني‪ ،‬ولن تدفع عنها تلك الصورة‬ ‫التقليدية لدى اآلخرين‪ ،‬والتي مفادها أن املسلمني أتباع ديانة‬ ‫عنيفة تسعى إلقصاء اآلخر والقضاء عليه بواسطة تأطير‬ ‫أتباعها وجتييشهم من اجل القيام بهذه األعمال‪ ،‬والتي‬ ‫مازالت بعض األصوات املريضة في العالم اإلسالمي تضعها‬ ‫في خانة الواجب الذي ال يكتمل دين املرء إال بالقيام بها‪.‬‬ ‫فمتى يفهم القيمون على الشأن الديني في العالم‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬أن لديهم موعدا مع التاريخ من اجل أن يوضحوا‬ ‫للناس فعال أنهم ميكن أن يتطوروا‪ ،‬وان باستطاعتهم أن‬ ‫يقرؤوا دينهم قراءة جديدة تكون فيها الفائدة للجميع‪ ،‬وإن‬ ‫أخلفوا هذا املوعد فإن دهورا من التخلف والرجعية والتطرف‬ ‫سترخي بظاللها علينا من جديد‪ ،‬فتكون حينئذ اخلسارة‬ ‫فادحة‪ ،‬وتبقى عجلة التخلف واجلهل في دورانها حتى يقضي‬ ‫الله ً‬ ‫أمرا كان مفعوال‬

‫األزهر الشريف‪ ..‬حساسية قبول االختالف‬ ‫بالنظر إلى املوقع الفكري الذي يشغله األزهر الشريف ـ املكان واملكانة ـ‬ ‫على خريطة الفكر اإلنساني‪ ،‬رمبا يدهش املدقق إذا قلنا أنه اجلامعة األكثر عراقة‬ ‫في التاريخ‪ ،‬ولعل السؤال االهم هو‪ :‬ما رصيد كل جامعات العالم مجتمعة‬ ‫أمام األزهر من النضال السياسي ومن الثورات ومن القدرة على مقاومة الطغاة‬ ‫وانتزاع حقوق العلماء املسلوبة منهم وإخضاعهم أمام العامة إلى الدرجة‬ ‫التي وصلت إلى بيعهم في عهد املماليك على يد سلطان العلماء العز بن عبد‬ ‫السالم وهو حينئذ ملوك وأمراء؟!‬ ‫األسئلة ال تنتهي واألزهر الشريف عنوان نهضة األمة وشخصيتها‬ ‫احلضارية‪ ،‬وضميرها احلي الذي ال تنفد خزائن عطاءه وإجاباته لم يكن هو اآلخر‬ ‫لينتهي‪.‬‬ ‫ولكن‪ ..‬نحن اآلن أمام واقع مؤلم يقول بأنه ما عاد األزهر يشغل حيزا ً حقيقيا ً‬ ‫ال في الزمان وال في املكان‪ ،‬تراجع دوره السياسي‪ ،‬وانطمست شخصيته‬ ‫العلمية‪ ،‬وضاعت هيبته ومصداقيته كمرجعية عليا عند الناس وأصبح معمالً‬ ‫لتفريخ التعصب واألفكار السوداء ذلك الذي كان الطلبة فيه يدرسون يوما ما‬ ‫الفلسفة واملنطق واملوسيقى بجوار الفقه والسيرة وتفسير القرآن‪.‬‬ ‫ضاعت التعددية املذهبية‪ ،‬وفقد طالب األزهر حساسية قبول االختالف‪،‬‬ ‫واختلطت املناهج الشرعية باملناهج العلمية بشكل كمي غير مدروس‪ ،‬وفقد‬ ‫األزهر بوصلته الثقافية‪ ،‬وغاب رب البيت احلقيقي تاركا أهله وماله كأل لقطاع‬ ‫الطرق‪ ،‬فصار األزهر فرعا ً من فروع البتروإسالم ـ وفق فؤاد زكريا ـ ميرر األفكار‬ ‫السوداء ويغذي بها واقع املسلمني في مشارق األرض ومغاربها‪ ،‬حتى سمعنا‬ ‫شيوخ األزهر الذين كانوا يشاركون في وضع الدساتير‪ ،‬والتدشني لسياسات‬ ‫الدولة العليا يتحدثون عن بول النبي وإرضاع الكبير‪ ،‬ويسكتون عن أشباه لهم‬ ‫يفتون ببيع آثار مصر وطمس معالم تاريخها احلضاري‪.‬‬ ‫أول جسور الثقة التي انهارت بني الناس واألزهر كان جسر الكلمة‪ ،‬التي‬ ‫اعتاد الناس صدورها عن غير هوى أو إرضاء لسلطان أو غير ذلك‪ ،‬أصبح من‬ ‫املعتاد اآلن أن يغير العالم فتواه التي كان يفتي بها طوال حياته العلمية ال عن‬ ‫نضج في شخصيته العلمية بل ألنه أصبح مسئوال عن كرسي أزهري ميثل‬ ‫الدولة وعليه إذا كان يرغب في االستمرار أن يتبنى رأي الدولة فيه‪.‬‬ ‫وألن املنهج العلمي األزهري ال يخلق متواكالً وال مدجنا ً وإمنا يأتي بعالم‬ ‫حقيقي يأبى أن يستذل‪ ،‬أو يكون تابعا ً ألحد فقد بات لزاما ً أن تتغير املناهج‪،‬‬ ‫لتصير أكثر توافقا مع طبيعة املوقف اجلديد‪ ،‬وأصبح الطالب األزهري أسير‬ ‫كتب القرون األولى وشروحها وغاب عن عصره وفلسفاته‪ ،‬وفنونه وآدابه‪ ،‬بل‬ ‫ومنجزه العلمي األزهري ذاته‪.‬‬ ‫غاب مفهوم الزمن عن فقه األزهر الشريف وتراجعت ثقافة أبناءه إلى أزمنة‬ ‫طواها النسيان وتخطتها املشيئة‪ ،‬لم يعد صاحب العمامة احلمراء بقادر على‬ ‫التواصل مع مجتمعه وعصره‪.‬‬ ‫انها «أزمة» يلزمنا لتجاوزها أن نتجاوز إرث التراجع كله‪ ،‬لنعبر فجوة احلداثة‬ ‫العميقة ونلحق بآخر عربات قطار النهضة والتقدم‪ ،‬وإال‪...‬‬

‫محمد طلبة‬

‫‪ibnroshd_m@yahoo.com‬‬

‫‪15‬‬


‫محمد أركون وتجديد الفكر اإلسالمي‪:‬‬

‫تأسيس لفكر إنسانوي عربي‬ ‫يحترم روحانية الدين‬ ‫لم يعد مقبوالً حصر‬ ‫االسالم في تجلياته‬ ‫االصولية كما هو‬ ‫شائع في الغرب‬ ‫نجاح الكتب االصولية في‬ ‫المجتمعات االسالمية ال‬ ‫يختلف كثيرًا عن نجاح‬ ‫الكتب الغربية المليئة‬ ‫باالخطاء والهلوسات‬

‫رشيد بوطيب‬ ‫عن موقع «قنطرة»‬

‫‪16‬‬

‫تكمن أهمية املفكر اجلزائري محمد أركون‬ ‫في قراءته املختلفة للفكر اإلسالمي وتاريخه‪،‬‬ ‫قراءة تختلف عن القراءة الفيلولوجية لالستشراق‬ ‫الكالسيكي وتفكك هيمنة األرثوذكسية السنية‪.‬‬ ‫ولعل هذا ما دفع أركون إلى تأسيس ما سماه‬ ‫باإلسالميات التطبيقية والتي تتجاوز منهجية‬ ‫اإلسالميات الكالسيكية اخلاصة باملستشرقني‬ ‫وتعمد إلى تطبيق علوم اإلنسان واملجتمع على‬ ‫دراسة اإلسالم بدال من االكتفاء بالدراسة الوصفية‪.‬‬ ‫رشيد بوطيب في عرض ألهم أطروحات محمد أركون‬ ‫التجديدية‪.‬‬ ‫حتما إن املثقف جزء من اللعبة احلضارية في‬ ‫املجتمعات الغربية‪ ،‬وركيزة قامت عليها هذه احلضارة‬ ‫وما زالت‪ .‬وال أحد ينكر الدور الذي اضطلع به فالسفة‬ ‫األنوار في كل من فرنسا واجنلترا وهولندا وأملانيا في‬ ‫تفكيك احلقائق السكوالئية والتبشير بعهد اإلنسان‬ ‫واحلداثة والعقل‪ ،‬بل وفي اإلعداد للثورة الفرنسية‬ ‫التي أطلقت التاريخ من عقاله وغيرت األفق الرمزي‬ ‫والفكري والسياسي واحلضاري للبشرية‪ .‬‬

‫كما ال أحد ينكر دور املثقف الغربي في تفنيد‬ ‫أوهام احلركات الفاشية كما حدث في أملانيا مع‬ ‫كتّاب مثل رائد العمل املسرحي برشيت وتوماس مان‬ ‫وأعالم مدرسة فرانكفورت النقدية أو في ايطاليا‬ ‫مع الفيلسوف الكبير أنطونيو غرامشي بل وفي نقد‬ ‫السياسات االستعمارية حلكوماتهم كما هو حال جان‬ ‫بول سارتر في فرنسا‪ .‬‬ ‫لكن املثقف العربي لم يتمكن من االضطالع‬ ‫بهذا الدور املركزي داخل املجال العربي ـ االسالمي‪،‬‬ ‫ليس ألنه لم يكن عارفا أو مدركا لدوره التنويري‬ ‫ولكن ألن املجال العربي ـ االسالمي محكوم‬ ‫بتراتبية متحجرة‪ ،‬ال مكان فيها للمثقف الدنيوي‬ ‫إال كتكنوقراط أو خادم في بالط امللك بل وكخادم‬ ‫من الدرجة الثانية‪ ،‬باعتبار أن دور املثقف في هذا‬ ‫املجال يلعبه الفقيه وحتتكره املؤسسة الدينية‪ .‬ولهذا‬ ‫سيكون من األجدى احلديث عن غياب املثقف داخل‬ ‫املجال العربي ـ اإلسالمي‪ ،‬باعتباره مجا ًال محكوم ًا‬ ‫بحقائق ثابتة وسلطة مطلقة ال تؤبد غير اخلضوع‪،‬‬ ‫وال تفرخ لغير منوذج الشيخ واملريد‪ ،‬هذا على األقل‬


‫ما يؤكده املفكر اجلزائري محمد أركون وكثير من‬ ‫املثقفني املعاصرين‪.‬‬ ‫«الفكر اإلسالمي‪ :‬نقد واجتهاد»‬ ‫في كتابه «الفكر اإلسالمي‪ :‬نقد واجتهاد»‬ ‫يتحدث أركون عن تصوره عن املثقف ودوره ورسالته‬ ‫قائال‪« :‬نقصد باملثقف هنا ذلك الرجل الذي يتمتع‬ ‫بروح مستقلة‪ ،‬محبة لالستكشاف والتحري‪،‬‬ ‫وذات نزعة نقدية واحتجاجية تشتغل باسم حقوق‬ ‫الروح والفكر فقط‪ .‬وميكننا هنا تسمية مناذج‬ ‫كبرى من املثقفني الذين مارسوا مثل هذا املوقف‬ ‫احلر واملستقل‪ :‬فمثال اجلاحظ والتوحيدي يعتبران‬ ‫من أكثرهم جرأة و«حداثة»‪ .‬وهناك أيضا الكندي‬ ‫والفارابي وابن سينا وابن رشد‪ ،‬لكيال نستشهد‬ ‫إال باألسماء الكبرى للفالسفة الذين مارسوا أيضا‬ ‫البحث الفلسفي الذي ال يحذف الفكر الديني وإمنا‬ ‫يهضمه ويتمثله»‪.‬‬ ‫لكن هذا املوقف الفلسفي أو النقدي املستقل‬ ‫اختفى من داخل الثقافة اإلسالمية بعد أن سادت‬ ‫األرثوذكسية كل مجاالت التفكير واحلياة‪ ،‬هذه‬ ‫األرثوذكسية التي أنتجت منط ًا معين ًا من املثقف‬ ‫هو الفقيه‪ ،‬احلارس األمني والشرس للتراث أو‬ ‫باألحرى لقراءة دوغمائية للتراث‪ ،‬والذي ال يفعل‬ ‫حسب محمد أركون سوى إعادة إنتاج املاضي‬ ‫وتأبيد وصاية األموات على األحياء‪ .‬وهذا ما ينعته‬ ‫أركون بالسياج الدوغمائي املغلق‪ .‬فهو سياج وليس‬ ‫فضاء‪ ،‬ليس مدينة أو ساحة تقبل بتعدد األصوات‬ ‫واألفكار وهو دوغمائي ألنه يتكلس عند يقينيات‬ ‫ومبادئ فوق التاريخ ال ميسها التغير ومغلق ألنه‬ ‫يكفر كل محاولة للتجاوز أو للتسلل خارج مضارب‬ ‫النص أو الهوية‪.‬‬ ‫كان ابن تيمية بنظر أركون أبرز ممثلي هذا‬ ‫السياج الدوغمائي املغلق في املاضي‪ ،‬منوذج ما‬ ‫برح ينبعث من جديد يقول أركون ويتابع «ويحظى‬ ‫بكل آيات التقدير والتبجيل‪ ،‬وتترسخ مكانته بكل‬ ‫وظائفه التقليدية»‪ .‬وطبعا فإن أركون يعني بذلك‬ ‫دور اإلخوان املسلمني واحلركات اإلسالموية املعاصرة‬ ‫في االنتصار لألرثوذكسية ورفض ومعاداة العلمانية‬ ‫واحلداثة‪.‬‬ ‫إن السياج الدوغمائي املغلق هو اخلطاب الديني‬ ‫الذي متحور حول الله واحلكم واجلنس والذي احتكر‬ ‫ـ وما زال ـ لنفسه حق احلديث عن هذه األقانيم‬ ‫ً‬ ‫ومكفرا كل قراءة تتعارض ورؤيته‬ ‫الثالثة‪ ،‬رافض ًا‬ ‫التمامية‪ .‬والغرو بأن القاعدة األساسية التي تقوم‬

‫عليها هذه النظرة هي الطاعة‪ ،‬طاعة املؤمنني لله‬ ‫من جهة‪ ،‬وربط طاعتهم للسلطان بطاعتهم لله‪ ،‬إذ‬ ‫كما تقول قاعدة فقهية‪« :‬حاكم جائر خير من فتنة‬ ‫داخل األمة»‪ .‬ثم إخضاع املرأة للرجل وتأبيد رؤية‬ ‫دينية ـ تقوم على مركزية ـ لألسرة وللعالقات بني‬ ‫الرجل واملرأة‪.‬‬ ‫ويسجل أركون بأن ظهور مثقفني عرب نقديني‬ ‫درسوا في الغرب لم يساهم في اختفاء هذه الرؤية‬ ‫الرجعية وال في اختفاء رجال الدين من الساحة‪،‬‬ ‫الذين نافسوا املثقفني الليبراليني وجنحوا في التأثير‬ ‫عليهم‪ ،‬إذ لم يتوفر املثقفون النقديون على قاعدة‬ ‫شعبية يستندون إليها‪ ،‬وأصبحوا معزولني واختار‬ ‫أغلبهم الهجرة أو الصمت‪ .‬يقول أركون‪« :‬ما بني‬

‫ال مكان للمثقف‬ ‫في المنطقة العربية‬ ‫اال كتكنوقراط او خادم‬ ‫من الدرجة الثانية في‬ ‫بالط السلطة‬ ‫حلظة االستقالل وحتى اليوم‪ ،‬وجدنا أن أيا من‬ ‫املجتمعات اإلسالمية أو العربية لم يسمح بظهور‬ ‫فئة من املثقفني املستقلني النقديني املؤثرين عن طريق‬ ‫ممارستهم للعمل الدؤوب واملستمر‪ ،‬إلى احلد الذي‬ ‫يتيح لهم تشكيل ذروة الهيبة الثقافية أو السيادة‬ ‫الفكرية العليا» وبلغة أخرى‪ ،‬إلى احلد الذي يتحولون‬ ‫فيه إلى مرجع فكري وروحي وأخالقي للمجتمع‪ ،‬وال‬ ‫يعود ذلك ألسباب سياسية بحتة وإلى التحالف‬ ‫القائم بني السياسة ورجال الدين وحسب‪ ،‬ولكن أيضا‬ ‫إلى طبيعة الرؤية الدينية نفسها كما يعتقد أركون‬ ‫والتي ترفض تنسيب احلقيقة واقتسامها مع آخرين‬ ‫وترفض استقاللية العقل مختزلة إياه إلى مجرد خادم‬ ‫للوحي‪ ،‬أو إلى حواش عقيمة على النص املؤسس‪.‬‬ ‫لكن على الرغم من ذلك يرى أركون بأن سطوة‬ ‫السياج الدوغمائي املغلق لم حتل دون ظهور حركة‬

‫إنسية عربية ومثقف عربي نقدي منفتح على‬ ‫الثقافات األخرى ومقبل على التعلم منها وتوسيع‬ ‫آفاقها داخل املجال الثقافي العربي اإلسالمي‪ ،‬بل‬ ‫إنه لم يتورع عن القول بأن اجلاحظ والتوحيدي كانا‬ ‫أكثر «حداثة» من عديد من املثقفني العرب اليوم‪.‬‬ ‫نقد المركزية الثقافية الغربية‬ ‫تندرج أعمال أركون في إطار ما ميكن أن نسميه‬ ‫بلغة عبد الكبير اخلطيبي بـ «النقد املزدوج‪ .‬فهو ال‬ ‫يفكك أقانيم الفكر اإلسالمي وأساطيره ومواقع‬ ‫السلطة فيه ولكنه يعمد أيضا إلى تفكيك النظرة‬ ‫املركزية الغربية إلى الثقافة اإلسالمية‪ .‬في «الفكر‬ ‫اإلسالمي‪ :‬نقد واجتهاد» يكتب أركون مفكك ًا‬ ‫اخلطاب الغربي حول اإلسالم قائال‪:‬‬ ‫"مهما يكن من أمر‪ ،‬فإنه لم يعد مقبوال‬ ‫حصر اإلسالم كله فقط في جتلياته األصولية أو‬ ‫املتزمتة أو احلركية اإلسالموية كما هو شائع جدا‬ ‫في الغرب‪ .‬وإذ أقول كالمي هذا فإني ال أنكر أبدا‬ ‫حجم الضغط االجتماعي لتلك اإليديولوجيا التي‬ ‫تستعير من اإلسالم التقليدي مفرداته وشعاراته‪...‬‬ ‫ولكن تنبغي إدانة مؤامرة الصمت التي يقوم بها كل‬ ‫املراقبني الغربيني لإلسالم املعاصر‪ ،‬مبن فيهم علماء‬ ‫اإلسالميات األكثر شهرة‪ .‬أقصد الصمت عن وجود‬ ‫فئات اجتماعية أخرى في املجتمعات اإلسالمية غير‬ ‫تيار اإليديولوجيني اإلسالمويني» ليخلص أركون إلى‬ ‫أن جناح الكتب األصولية املتطرفة داخل املجتمعات‬ ‫اإلسالمية ال يختلف كثيرا عن جناح الكتب الغربية‬ ‫حول اإلسالم املليئة باخللط واألغالط والهلوسات‪،‬‬ ‫كما لو أن جناح الطرفني مرتبط ببعضهما البعض‪،‬‬ ‫متاما كما ذهب وأوضح ذلك بيير بورديو في حتليله‬ ‫للعالقة الوطيدة بني عقالنية املركز والعقالنية‬ ‫األطرف أو ادوارد سعيد في حتليله للعالقة العضوية‬ ‫بني اإلمبريالية األمريكية والنظام العربي الرسمي‪.‬‬ ‫ينتقد أركون تلك الرؤية السائدة في الغرب والتي‬ ‫ال مير يوم دون أن نصادفها في وسائل اإلعالم على‬ ‫مختلف أنواعها‪ ،‬بل ونصادفها حتى لدى اقطاب‬ ‫اليسار الغربي‪ ،‬والتي تختزل العالم اإلسالمي إلى‬ ‫معسكر للتطرف والتزمت‪ ،‬متجاهلة القوى األخرى‬ ‫داخل هذا املجتمع والتي تناضل منذ عقود من أجل‬ ‫مجتمع مفتوح وحوار نقدي بني األنا واآلخر‪.‬‬ ‫ويندرج في إطار الرؤية الغربية التبخيسية‬ ‫واملتكلسة في أحكامها املسبقة اجتاه العالم اإلسالمي‬ ‫اإلهمال الذي يعاني منه تدريس تاريخ اإلسالم في‬ ‫الغرب كدليل على اإلهمال واالحتقار الذي منيت به‬ ‫‪17‬‬


‫بلدان الضفة اجلنوبية والشرقية للمتوسط من قبل‬ ‫بلدان الشمال‪ .‬إن األمر يتعلق برؤيا إيديولوجية‬ ‫لتاريخ حوض البحر املتوسط‪ ،‬رؤية لم تتحرر بعد‬ ‫من أدران اإلستعمار وأدواره وأحقاده‪ ،‬بل إن أركون‬ ‫يعتبرها استمرارا للرؤية الدينية املسيحية وموقفها‬ ‫من اإلسالم‪ ،‬ما يترك الباب مفتوحا على مصراعيه‬ ‫ألشباه املستشرقني الذين بدأوا ينتشرون كالفطر‬ ‫في الدول الغربية ويصدرون كتابا بعد آخر كلما‬ ‫انفجرت قنبلة هنا أو سقط صاروخ هناك للتدليل‬ ‫على أن العنف متأصل باإلسالم وعلى أن العداء‬ ‫للسامية مكون من مكونات املجتمعات اإلسالمية‬ ‫واإلسالمية فقط‪.‬‬ ‫محمد أركون ناقدا للعقل اإلسالمي‬ ‫إن اهتمامه بالفالسفة العرب وخصوصا مبسكويه‬ ‫صاحب «تهذيب األخالق» وبيئته الثقافية والتاريخية‬ ‫هو ما دفعه إلى تغيير تلك الصورة النمطية عن‬ ‫اإلسالم والتي حتاول اختزاله كما بينت ذلك الباحثة‬ ‫األملانية أورسوال غونثر في اإلسالموية والعروبية‪.‬‬ ‫لقد متيز مسكويه وآخرون غيره كالتوحيدي واجلاحظ‬ ‫وابن رشد بانفتاح كبير على احلضارات والثقافات‬ ‫األخرى ويكفي االستشهاد هنا بتلك املقولة املركزية‬ ‫البن رشد في «فصل املقال‪:‬‬ ‫«وإذا كان هذا هكذا‪ ،‬فقد يجب علينا‪ ،‬إن ألفينا‬ ‫ملن تقدمنا من األمم السالفة نظرا في املوجودات‬ ‫واعتبارا لها بحس ما اقتضته شرائط البرهان‪ ،‬أن‬ ‫ننظر في الذي قالوه من ذلك وما أثبتوه في كتبهم‪:‬‬ ‫فما كان منها موافقا للحق قبلناه منهم وسررنا به‬ ‫وشكرناهم عليه‪ ،‬وما كان منها غير موافق للحق‬ ‫نبهنا عليه وحذرنا منه وعذرناهم‪ .‬فقد تبني من هذا‬ ‫أن النظر في كتب القدماء واجب بالشرع‪.»...‬‬ ‫ال يكتفي ابن رشد في هذا املقام بالدعوة إلى‬ ‫االستفاذة من الثقافات األخرى بل يربط تلك الدعوة‬ ‫بالشرع‪ ،‬و يحولها إلى أمر شرعي أو أمر ديني‪ .‬أو‬ ‫بلغة أخرى يقلب املعادلة ويجعل النقل مبررا للعقل‬ ‫ومبررا الستعماله وانفتاحه واعتبار كل ذلك طريقا‬ ‫لـ «معرفة الله»‪ .‬لهذا ال ميكننا إال أن نتفق مع‬ ‫أركون ودفاعه عن وجود انسانوية عربية في التاريخ‬ ‫اإلسالمي رغم أنه ال ميكن مقارنتها باحلركة اإلنسية‬ ‫في أوروبا ألنها حركة حتررت نهائيا من سلطة‬ ‫الدين‪ ،‬في حني لم ير اإلنسانويون العرب تضادا بني‬ ‫احلقيقتني الدينية والعقلية‪ .‬ويخلص أركون في بحثه‬ ‫عن ميسكويه وكما بينت ذلك أورسوال غونثر في‬ ‫كتابها املتميز «أركون ناقدا للعقل اإلسالمي»‪:‬‬ ‫‪18‬‬

‫«أوال‪ :‬لقد عرف القرن العاشر حركة‬ ‫إنسية عربية وكان ميسكويه أحد ممثليها‬ ‫ثانيا‪ :‬االدعاء بأن العرب نقلوا فقط الفلسفة اليونانية‬ ‫وأن ما كتبوه كان تقليدا فقط ال ميلك أي أصالة هو‬ ‫ادعاء خاطئ‪ ،‬بل إنهم أعادوا تقييم ما كتبه اليونان‬ ‫وتوسيع آفاقه ونقده وتبيئته» (‪.)163‬‬ ‫وقد ندفع بالنتائج إلى حد أبعد من ذلك ونقول‬ ‫بأننا أحوج اليوم إلى تلك اإلنسانوية العربية أو إلى‬ ‫روحها املنفتحة التي عرفت كيف تزاوج بني الدين‬ ‫والعقل منا إلى اإلنسانوية الغربية التي انتصرت‬ ‫للعقل على الدين وملركزية عقلية اتخذت في أحايني‬ ‫كثيرة وجوها عنيفة في رفض اآلخر‪ ،‬ولعل هذا ما‬ ‫جعل أركون يقدم على تفكيك تلك العقالنوية الباردة‬

‫سطوة االفكار السلبية‬ ‫لم تحل دون ظهور‬ ‫حركة انسية عربية منفتخة‬ ‫على الثقافات االخرى‬ ‫التي أرادت أن تخرس األقاليم األخرى لإلنسان‬ ‫كالروح والدين واملتخيل واألساطير‪ .‬إنه يدعو إلى‬ ‫عدم االستهانة بالتجربة الدينية لإلنسان وعدم‬ ‫إهمال البعد الروحي واملتعالي كما تفعل الوضعية‬ ‫واملادية‪ .‬إنها فلسفات ال تأخذ بعني االعتبار أهمية‬ ‫البعد األسطوري في احلياة البشرية‪ ،‬فاألسطورة كما‬ ‫يقول أركون‪« :‬هي إحدى الطرق إلنتاج املعرفة عن‬ ‫اإلنسان»‪.‬‬ ‫آفاق العلمانية وأنفاقها‬ ‫ويندرج حديث أركون عن العلمانية في إطار‬ ‫تفكيكه لتلك العقالنوية الباردة‪ .‬لقد كان أركون‬ ‫من السباقني إلى املطالبة بإعادة النظر في مفهوم‬ ‫العلمانية املتشددة الذي أنتجته الثورة الفرنسية‪،‬‬ ‫وهو يلتقي في دعوته تلك مع فالسفة كبار على‬ ‫رأسهم يورغن هابرماس الذي أكد في آخر محاضرة‬ ‫له ما يلي‪:‬‬

‫«من يطرح السؤال عن دور الدين في مجتمع‬ ‫اليوم للنقاش‪ ،‬يسأل عن املكانة املناسبة للدين في‬ ‫الرأي العام السياسي‪ .‬وللوهولة األولى يبدو أن‬ ‫الطابع العلماني للدولة الدستورية يتعارض مع كل‬ ‫نشاط سياسي للمواطنني املتدينني أو للجماعات‬ ‫الدينية‪ ،‬الذين يعبرون عن أنفسهم كمؤمنني أو‬ ‫كمنظمات دينية‪ .‬واستنادا إلى هذا األساس يعلن‬ ‫ليبراليون مثل جان راولز أو روبرت أودي بأنه من‬ ‫واجبات املواطنة «عدم دعم قوانني أو سياسات‬ ‫أو الدفاع عنها‪ )...(،‬إذا لم تكن قائمة على‬ ‫استدالالت علمانية مناسبة أو لم تكن مستعدة‬ ‫لتقدميها»‪ .‬لكني شخصيا‪ ،‬أميل إلى أن يكون‬ ‫التواصل السياسي في املجال العمومي مفتوحا أمام‬ ‫كل مساهمة‪ ،‬وكيفما كانت اللغة التي يستعملها‪.‬‬ ‫إن السماح بالتعبير عن آراء دينية بحثة في املجال‬ ‫العمومي‪ ،‬ال ميكن االستدالل عليه فقط بالنظر إلى‬ ‫األشخاص الذين ال يتوافر لديهم االستعداد والقدرة‬ ‫على تقسيم قناعاتهم ومعجمهم إلى ما هو دنيوي‬ ‫وماهو ديني‪ ،‬بل إن هناك سببا وظيفيا لذلك‪ ،‬واجب‬ ‫أن ال نختزل في عجلة من أمرنا التعقيد البوليفوني‬ ‫للمجال العمومي املتعدد األصوات‪ .‬‬ ‫فواجب الدولة الدميقراطية أن ال تكبح الرغبة‬ ‫العفوية لألفراد واجلماعات في التعبير‪ ،‬ألنها ال‬ ‫تستطيع معرفة ما إذا كان املجتمع‪ ،‬في حال قيامها‬ ‫بالعكس‪ ،‬سينقطع بذلك عن مصادر املعنى والهوية‪.‬‬ ‫وخصوصا فيما يتعلق باملجاالت الشديدة احلساسية‬ ‫للحياة االجتماعية‪ ،‬تتمتع التقاليد الدينية بالقدرة‬ ‫على التعبير على احلدوس األخالقية‪ .‬أو ليس من‬ ‫املمكن أن يتعرف املواطنون العلمانيون في مضامني‬ ‫اآلراء الدينية على حدوسهم الشخصية‪ ،‬سواء تلك‬ ‫املخفية أم املكبوتة؟»‪.‬‬ ‫لقد كان محمد أركون سباقا إلى الدعوة إلى‬ ‫إعادة النظر في املغامرة التاريخية التي كرست‬ ‫في الغرب نهاية النظام الديني‪ ،‬دون أن يبخس‬ ‫العلمانية دورها التاريخي والتي جاءت لتضع حدا‬ ‫للحروب الدينية‪ .‬إنه يدعو إلى االنفتاح على صيغة‬ ‫جديدة للعالقة بني الدين والدولة أو إلى علمنة‬ ‫جديدة ال تتكلس في مقوالتها الرافضة للدين‬ ‫باسم احليادية واملوضوعية حتى أصبح درس األديان‬ ‫محرما في املدارس وأضحى الناس أميني بكل ما‬ ‫يخص اخلطاب الديني واألسطوري‪ .‬ولهذا يفرق‬ ‫أركون وفي صرامة بني الفكر العلمانوي أو اليعقوبي‬ ‫املتطرف في رفضه للدين والفكر العلماني املنفتح‬ ‫على أقاليم التفكير األخرى‬


‫المفكر د‪ .‬عبدالجبار الرفاعي في حوار مع «الراصد التنويري»‪:‬‬

‫تحديث التفكير الديني‬ ‫يعني تحديث المؤسسة الدينية‬ ‫أعداء التحديث هم‬ ‫السطحيون‪ ،‬ممن‬ ‫يتحدثون عن نموذج‬ ‫مشوه للدين والموروث‪،‬‬ ‫من دون ان يتعمقوا في‬ ‫دراسة الدين والتراث‬ ‫ما تشهده المؤسسة‬ ‫الدينية من تطورات‬ ‫وتحوالت‪ ،‬عادة ما تكون‬ ‫بطيئة‪ ،‬ذلك ان ديناميكية‬ ‫التغيير فيها تستبطنها‬ ‫بنية تحتية عميقة‬

‫أجرى الحوار‪ :‬هيئة التحرير‬

‫يُرجع املفكر الدكتور عبداجلبار الرفاعي في حواره مع «الراصد التنويري» حركة حتديث‬ ‫التفكير الديني الى مطلع القرن التاسع عشر‪ ،‬حتديدا ً مع رفاعة رافع الطهطاوي‪ ،‬الذي أوفده‬ ‫الشيخ حسن العطار شيخ األزهر مرش ًدا دينياً ألول بعثة طالبية مصرية الى باريس‪ ،‬ليكتشف‬ ‫التنوير االوروبي ومنجزات العقل احلديث‪ ،‬مؤكدا ً ان محاوالت حتديث التفكير الديني واصالح‬ ‫ُ‬ ‫جهضت في وقت‬ ‫النظام التعليمي لم تتوقف منذ ذلك التاريخ‪ ،‬لكن بعض تلك احملاوالت أ ِ‬ ‫مبكر‪ ،‬أو تخبطت وارتبكت وانهارت‪ ،‬ألنها لم تدرك رهانات عصرها بدقة‪ ،‬مشدداً على ان حتديث‬ ‫التفكير الديني يتطلب دراسة مسارات الدين عبر التاريخ واجلغرافيا واالجتماع البشري‪،‬‬ ‫واكتشاف طبائع التدين وأشكاله في مختلف اجملتمعات‪ ،‬واالهتمام مبقارنة األديان ونصوصها‬ ‫املقدسة‪ ،‬وأمناط مؤسساتها الدينية‪ .‬في الوقت ذاته يشير د‪ .‬الرفاعي الى ان اجملتمعات التي‬ ‫تهيمن عليها السلفية يضمحل املنطق والفلسفة وعلم الكالم والعرفان والتصوف‪ ،‬ويتهم‬ ‫من يتعاطاها باملروق والكفر والزندقة واالبتداع‪ ،‬فالدين ذا البعد الواحد الذي تنادي به اجلماعات‬ ‫السلفية يهدف الى افراغ الدين من محتواه امليتافيزيقي‪ ،‬وأهدار معظم مضامينه الروحية‬ ‫واملعنوية واالنسانية‪ .‬التقته «الراصد التنويري» وكان معه هذا احلوار‪:‬‬

‫ـ ما هي املؤسسة الدينية‪ ..‬كيف تصفها؟‬ ‫• الدين أصيل في حياة االنسان‪ ،‬وحيثما وجد‬ ‫الدين جتسد في السلوك الشخصي بشعائر وطقوس‬ ‫وممارسات تستلهم مفاهيمه‪ .‬وعادة ما يرتبط الدين‬ ‫في حياة املجتمعات بأماكن مقدسة ومعابد ألداء‬ ‫الشعائر والطقوس والتعليم الديني‪ ،‬وتتخذ هذه‬

‫األماكن مرجعية لكل ما يتصل بإدارة وتنظيم املقدس‬ ‫والشأن الديني‪ ..‬وهي نواة تشكل املؤسسة الدينية‪.‬‬ ‫وهذه ظاهرة انثروبولوجية‪ ،‬ال تنفك عن‬ ‫االجتماع البشري‪ّ ،‬حتدثنا عنها املكتشفات األثرية‬ ‫منذ فجر التاريخ‪ ،‬في حضارات وادي الرافدين‪،‬‬ ‫‪19‬‬


‫والنيل‪ ،‬والصني‪ ،‬والهند‪ ،‬وفارس‪ ،‬واثينا‪ ،‬وروما‪،‬‬ ‫واملايا‪ ،‬واألزتيك‪...‬وغيرها‪ .‬وواكبت تلك الظاهرة‬ ‫تاريخ االنسان‪ ،‬وظلت على الدوام متتد عمودي ًا‬ ‫وأفقي ًا في كافة املجتمعات‪ ،‬واستعصت على أية‬ ‫محاولة لطمسها‪ ،‬مهما كانت ضراوتها وقسوتها‪.‬‬ ‫وأخفقت دعوات ووسائل اجتثاثها‪ ،‬رغم استخدامها‬ ‫ألساليب التصفية اجلسدية والقتل العشوائي‬ ‫واالبادة اجلماعية‪ ،‬كما حدث في االحتاد السوفيتي‬ ‫السابق‪ ،‬ودول اوروبا الشرقية‪ ،‬خاصة البانيا التي‬ ‫فرض عليها انور خوجة االحلاد لعشرات السنني‪،‬‬ ‫والصني الشعبية في عهد الثورة الثقافية وقيادتها‬ ‫املعروفة بعصابة األربعة‪ ،‬الذين كان من أبرزهم زوجة‬ ‫ماوتسي تونغ‪.‬‬ ‫متأسس الدين هو حتول كل شيء يرتبط بالدين‬ ‫الى مؤسسة تدير التعليم والرعاية والتوجيه واالرشاد‬ ‫والدعوة‪ ،‬والتمويل للشأن الديني‪ .‬وما دام الدين‬ ‫متغلغ ًال في املجتمعات‪ ،‬ويتصل بوشائج عضوية‬ ‫بأمناط احلياة االقتصادية واالجتماعية والثقافية‬ ‫والسياسية واملدنية للمجتمع‪ ،‬فإن صيرورة املؤسسة‬ ‫الدينية ومتددها وانكماشها‪ ،‬وانفتاحها وانغالقها‪،‬‬ ‫وتطورها وتخلفها‪ ،‬يرتبط باالجتماع البشري‬ ‫وصيرورته‪.‬‬ ‫ـ ما اخلطوات االساسية الحداث االصالح‬ ‫في املؤسسة الدينية؟‬ ‫• للمؤسسة الدينية مهمات خطيرة‪ ،‬خاصة في‬ ‫املجتمعات التقليدية‪ ،‬وال يحدث حت ّول في مثل هذه‬ ‫املجتمعات ما لم يحدث حتول في املؤسسة الدينية‪،‬‬ ‫وال ميكن حتديث املؤسسة الدينية ما لم يتم حتديث‬ ‫ً‬ ‫تأثيرا متباد ًال بني‬ ‫تلك املجتمعات‪ ،‬مبعنى ان هناك‬ ‫طرفي املعادلة‪ ،‬ال ينفك أحدهما عن اآلخر‪ ،‬انهما‬ ‫قطبان في معادلة واحدة‪ .‬في مجتمع أمي‪ ،‬فقير‪،‬‬ ‫متخلف‪ ،‬تتفشى فيه األمراض‪ ،‬ال ميكن حتديث‬ ‫املؤسسة الدينية‪ ،‬ذلك ان هذه املؤسسة نابعة من‬ ‫املجتمع‪ ،‬هي مرآة له‪ ،‬ترتسم صورته فيها‪ ،‬مثلما‬ ‫املجتمع مرآة لها‪ ،‬ترتسم صورتها فيه‪ .‬الطالب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومتميزا في‬ ‫جادا‬ ‫الذين تلقوا تعليم ًا أساسي ًا‬ ‫االبتدائية واملتوسطة واالعدادية‪ ،‬عندما ينخرطون‬ ‫في التعليم الديني بعد التخرج من الثانوية العامة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫استعدادا على فهم واستيعاب ومتثيل ودمج‬ ‫هم أكثرا‬ ‫معارفهم التراثية التي يدرسونها في املدارس الدينية‬ ‫مبعارف العصر‪ ،‬ووصل املاضي باحلاضر‪ ،‬واالصغاء‬ ‫اليقاع العصر ورهاناته واستفهاماته‪ ،‬بينما يعجز‬ ‫املنخرطون في التعليم الديني من الطالب الذين لم‬ ‫‪20‬‬

‫يشملهم التعليم األساسي قبل التعليم الديني‪ ،‬أو‬ ‫أخفقوا ورسبوا‪ ،‬أو تلقوا تعليم ًا أساسي ًا فاش ًال‪ ،‬من‬ ‫يجسروا العالقة بني معارفهم الدينية والعصر‬ ‫ان ّ‬ ‫الذي يعيشون فيه‪.‬‬ ‫كما ان التنمية الشاملة تتطلب مسارات‬ ‫مشتركة‪ ،‬تشمل الثقافي واالقتصادي واالجتماعي‪،‬‬ ‫والسياسي ‪...‬الخ‪ ،‬فانه ال ميكن حتديث املؤسسة‬ ‫الدينية بال حتديث تربوي وتعليمي وثقافي‬ ‫واقتصادي واجتماعي وسياسي شامل‪ .‬في مجتمع‬ ‫بدوي متخلف‪ ،‬يسوده منط مغلق‪ ،‬تنبثق منه مؤسسة‬ ‫دينية سلفية تقرأ النص قراءة حرفية ساذجة‪ ،‬وتنتج‬ ‫مفاهيم مبسطة سطحية تعطيلية‪ ،‬متسخ األبعاد‬

‫في التفكير الديني‬ ‫العقلي تتوالد فيه‬ ‫االستفهامات واألسئلة‬ ‫الالهوتية على الدوام‪،‬‬ ‫وال يمكن تحديث التفكير‬ ‫الديني بال إثارة مثل هذا‬ ‫اللون من األسئلة‬

‫االنسانية للدين‪ ،‬وتستبعد امليراث الرمزي واملعنوي‬ ‫والروحي والعقلي للدين‪ ،‬مثلما هي احلركة الوهابية‬ ‫التي ما زالت متنع املرأة من قيادة السيارة في القرن‬ ‫احلادي والعشرين‪.‬‬ ‫األنساق الثقافية التاريخية الراسخة تعمل‬ ‫على حتديد طبيعة فهم النص الديني وتفسيره‪ ،‬فإذا‬ ‫كانت تلك األنساق مدنية متحضرة‪ ،‬يسودها التنوع‬ ‫واالختالف االيجابي‪ ،‬يهيمن فيها اجتاه تأويلي‬ ‫للنصوص‪ ،‬يتجاوز مداليلها الظاهرية‪ ،‬ويغوص في‬ ‫رؤياها الرمزية االشارية‪ ،‬كذلك تنتج منط ًا متسامح ًا‬ ‫انساني ًا للتدين‪ ،‬كما نالحظ في بيئة األندلس‪ ،‬التي‬

‫أنتجت تصوف محيي الدين بن عربي‪ ،‬وعقالنية ابن‬ ‫رشد‪ ،‬وفي بيئات آسيا الوسطى وبالد فارس وتركيا‬ ‫التي ظهر فيها الفارابي وابن سينا والبيروني وأبو‬ ‫زكريا الرازي والقاضي عبداجلبار الهمذاني وجالل‬ ‫الدين الرومي‪ ،‬وصدر الدين الشيرازي‪ ...‬وغيرهم‬ ‫تدلل املؤشرات االقتصادية والثقافية واالجتماعية‬ ‫والسياسية على ان املجتمع التركي اليوم من أكثر‬ ‫املجتمعات املسلمة حتديثا‪ ،‬لذلك توالد فيه منوذج‬ ‫تدين متميز‪ ،‬يراكم املكاسب واملنجزات باستمرار‪،‬‬ ‫واليكف عن التواصل مع محيطه االقليمي بفاعلية‬ ‫وثقة‪ ،‬ويصغي باهتمام ملتطلبات العصر‪ ،‬ويستجيب‬ ‫للمتغيرات املتنوعة‬ ‫ـ هل هناك منوذج او معمارية معينة‬ ‫لهيكلية االصالح املرجو داخل املؤسسة‬ ‫الدينية؟‬ ‫• املؤسسة الدينية بالغة احلساسية حيال النماذج‬ ‫املستعارة من بيئات أخرى‪ ،‬حترص على حماية‬ ‫نسقها الثقافي اخلاص‪ ،‬وأية محاولة للتحديث‬ ‫تتوكأ على استنساخ جتربة االصالح في جغرافيا‬ ‫دينية مختلفة تقاوم وجتهض‪ ،‬وحتى لو عمد دعاتها‬ ‫على توطينها متغلبني على التحديات والعوائق‪،‬‬ ‫فإنها تولد مناذج ممسوخة‪ ،‬مشوهة‪ ،‬هجينة‪ ،‬مغتربة‬ ‫عن الفضاء اخلاص باملؤسسة‪.‬‬ ‫التحديث في املؤسسة الدينية اليجد منوذجه‬ ‫في محاكاة الغير‪ ،‬وامنا يستند الى املنطق الذاتي‪،‬‬ ‫والسياقات التاريخية الدينية والثقافية واالجتماعية‬ ‫واالقتصادية لهذه املؤسسة‪.‬‬ ‫تعثر واخفاق محاوالت حتديث التفكير الديني‬ ‫خارج اطار املؤسسة الدينية‪ ،‬وعجز منجز معرفي‬ ‫غني وواسع عن اختراق هذه املؤسسة‪ ،‬والترسب‬ ‫في البنية الذهنية العميقة للدارسني‪ ،‬يرتد الى‬ ‫ان ذلك املنجز قدمه مفكرون وأكادمييون وباحثون‬ ‫ومثقفون من خارج املؤسسة‪ ،‬مبعنى انهم يفتقرون‬ ‫الى املشروعية التي ال متنحها املؤسسة ألي فرد‬ ‫من خارجها‪ ،‬وهذه املشروعية تكتسب عبر املكوث‬ ‫سنوات طويلة فيها للدراسة والتدريس والبحث‬ ‫والتبليغ واالرشاد والدعوة‪ .‬وأشير هنا الى محاوالت‬ ‫حتديث للتفكير الديني‪ ،‬نهض بها مفكرون وباحثون‬ ‫من ذوي التأهيل األكادميي اجليد‪ ،‬والتكوين اللغوي‬ ‫املتنوع‪ ،‬مضاف ًا الى خبرتهم الواسعة بالعلوم احلديثة‬ ‫ومعرفتهم بالتراث‪ ،‬ومتحور جهودهم وانتاجهم‬ ‫الفكري على كل ما يتصل بالدين وتعبيراته‬ ‫الشخصية واالجتماعية‪ ،‬مثل نصر حامد أبو زيد‬


‫ومحمد أركون وحسن حنفي‪ ،‬وعبد املجيد الشرفي‪،‬‬ ‫وغيرهم‪.‬‬ ‫تعززت ممانعة املؤسسة الدينية مبرور األيام حيال‬ ‫مساعي حتديث التفكير الديني من خارجها‪ ،‬وأضحى‬ ‫من يتعاطاها من الطالب والدارسني في املؤسسة‬ ‫ً‬ ‫موردا لالرتياب في أفكاره وسلوكه‪ .‬ولم‬ ‫الدينية‬ ‫جتد لها مسارب في وعي الناس وتفكيرهم‪ ،‬فضالً‬ ‫عن اخفاقها في التأثير على احلركات االجتماعية‬ ‫والسياسية‪ .‬خالفا جلهود العالمة السيد محمد‬ ‫حسني الطباطبائي في احلوزة العلمية في قم‪ ،‬التي‬ ‫متحورت حول استكشاف واعادة بناء املعارف الدينية‬ ‫في الفلسفة والعرفان والتفسير وعلوم القرآن وغيرها‪،‬‬ ‫في سياق املوروث‪ ،‬وهكذا محاوالت السيد الشهيد‬ ‫محمد باقر الصدر في احلوزة العلمية في النجف في‬ ‫إعادة بناء التفكير الديني في السياق ذاته‪ ،‬من‬ ‫دون إهمال ملعطيات املعرفة البشرية اجلديدة‪.‬‬ ‫ان املنجز املعرفي الغزير للطباطبائي والصدر‬ ‫وغيرهما داخل املؤسسة الدينية‪ ،‬وجد صداه في‬ ‫املؤسسة أوال‪ ،‬من خالل أجيال من التالمذة الذين‬ ‫تشبعوا مبناخات التراث‪ ،‬واستلهموا رؤيا الطباطبائي‬ ‫التحديثية‪ ،‬أو الصدر‪ ،‬ووجهوا حركة التفكير الديني‬ ‫في ضوء مرتكزاتهم ومنطلقاتهم املنهاجية‪ .‬وهكذا‬ ‫وجدنا هذا النمط من التحديث يتوغل في التفكير‬ ‫الديني في احلركات السياسية واالجتماعية‪ ،‬وفي‬ ‫وعي النخب واجلماهير‪ ،‬ويسري في التعليم الديني‬ ‫العالي في اجلامعات‪ .‬عندما تنطلق فكرة التحديث‬ ‫من داخل املؤسسة‪ ،‬ومن خالل األسماء املكرسة فيها‪،‬‬ ‫يناهضها البعض‪ ،‬غير انها تصمد وتنمو وتتجذر‬ ‫في خامتة املطاف‪ ،‬ألنها ال تفتقر للمشروعية‪ ،‬كما‬ ‫هي الفكرة اآلتية من خارج أسوارها‪.‬‬ ‫وال أعني باملشروعية هنا املفهوم امليتافيزيقي‬ ‫أو الفقهي؛ بل أعني املفهوم السوسيولوجي‬ ‫واالنثروبولوجي‪ ،‬أي ان خطيب ًا على منبر بوسعه‬ ‫تعبئة وحتريض املستمعني واعتناقهم آلرائه مهما‬ ‫كانت‪ ،‬تبعا ملا مينحه املقام الذي يصدر عنه حديثه‬ ‫من مكانة وقيمة ومشروعية‪ ،‬فيما ال ميتلك املفكر‬ ‫والباحث واملثقف خارج املؤسسة الدينية ما مينح أراءه‬ ‫هذه القيمة الرمزية‪.‬‬

‫ـ االسالم‪ ،‬نظريا‪ ،‬ال يؤمن بالكهنوتية‬ ‫كاملسيحية‪ ،‬بينما متثل املؤسسة الدينية‬ ‫جتسيدا ً شامالً لهذا الدور‪ ..‬ما رايكم؟‬ ‫• االسالم كأي دين ال ينفك عن الزمان واملكان‬

‫املؤسسة الدينية متثل الذروة الروحية العليا‬ ‫في املجتمع‪ ،‬مضاف ًا الى ادارتها وتدبيرها للشأن‬ ‫الديني‪ ،‬ومهمتها هذه تتيح لها مديونية طوعية‬ ‫بال حدود ألتباعها‪ ،‬وهي ما اصطلح عليها‬ ‫مارسيل غوشيه «مديونية املعنى»‪ ،‬مما مينحها‬ ‫فرص ًا وامكانات وامتيازات ومكاسب ال تظفر‬ ‫بها أية مؤسسة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية‬ ‫أو اجتماعية‪ ،‬أو غيرها‪ .‬وأفضل استبعاد استخدام‬ ‫مصطلح «كهنوت» هنا‪ ،‬ذلك انه مشبع بدالالت‬ ‫قدحية في الوجدان االسالمي‪.‬‬

‫واالجتماع البشري الذي يعتنقه‪ ،‬املؤسسة الدينية‬ ‫هي منط من التمثالت االجتماعية للدين‪ ،‬وهي‬ ‫ظاهرة مالزمة حلضور الدين واستمراره في احلياة‬ ‫البشرية‪ ،‬محكومة بسوسيولوجيا اجلماعة ومصائرها‬ ‫ومطامحها‪ ،‬وال تنفك عن شبكات املصالح املعلنة‬ ‫واملضمرة في املجتمع‪.‬‬ ‫وليس بوسعنا افتراض ان االسالم ينفرد عن‬ ‫غيره من األديان‪ ،‬بأنه عابر للتاريخ‪ ،‬وال يخضع‬ ‫لصيرورات االجتماع وحتوالته‪ ،‬حني يتجسد في‬ ‫احلياة الفردية واالجتماعية‪.‬‬

‫المؤسسة الدينية‬ ‫هي نمط من التمثالت‬ ‫االجتماعية للدين‪ ،‬وهي‬ ‫ظاهرة مالزمة لحضور‬ ‫الدين واستمراره في‬ ‫الحياة البشرية‬

‫ـ من يقف ضد االصالح داخل املؤسسة‬ ‫الدينية‪ :‬رجال الدين‪ ،‬السلطات الرسمية‪،‬‬ ‫العامة‪ ،‬النصوص الوضعية؟‬ ‫• أعداء التحديث هم السطحيون‪ ،‬ممن يتحدثون‬ ‫عن منوذج مشوه كاريكاتوري للدين واملوروث‪،‬‬ ‫من دون ان يتعمقوا في دراسة الدين والتراث‪،‬‬ ‫ويستكشفوا مسالكه ودروبه املتشعبة‪.‬‬ ‫أعداء التحديث هم املراهقون الراديكاليون‪،‬‬ ‫ممن يحسبون ان الهتافات والشعارات والعناوين‬ ‫الصاخبة‪ ،‬هي السبيل النخراط املجتمع في تفكير‬ ‫مغاير‪ ،‬ولم يدركوا ان عملية التغيير االجتماعي‬ ‫والتحوالت في التفكير هي عملية بالغة الصعوبة‪،‬‬ ‫ترتد الى شبكة معقدة من العوامل واملؤثرات‬ ‫املتشابكة‪.‬‬ ‫أعداء التحديث هم أؤلئك الذين يجرحون‬ ‫الضمير الديني لآلخر‪ ،‬فيتهمونه ويهجون مقدساته‬ ‫بعبارات قاسية‪ ،‬بنحو يفضي الى خشية الناس على‬ ‫معتقداتهم‪ ،‬التي هي ممتلكاتهم الرمزية والروحية‬ ‫الثمينة‪ .‬كذلك من يختزلون الدين في بعد واحد‬ ‫هم أبرز من يقفون ضد التحديث‪ ،‬عبر التشديد‬ ‫على ان االسالم يساوي املدونة الفقهية فحسب‪،‬‬ ‫هؤالء يقدمون قراءة أحادية للدين‪ ،‬تستبعد نظامه‬ ‫الرمزي واملعنوي والروحي واجلمالي والفني والقيمي‬ ‫واألخالقي‪ ،‬وتشدد على مضمونه الدنيوي‪ ،‬بل‬ ‫تسعى لقلب كل ما هو ديني الى دنيوي‪ ،‬وما هو‬ ‫دنيوي الى ديني‪ ،‬فإن الدين ذا البعد الواحد الذي‬ ‫تنادي به اجلماعات السلفية‪ ،‬فرغ الدين من محتواه‬ ‫امليتافيزيقي‪ ،‬وأهدر معظم مضامينه الروحية‬ ‫واملعنوية واالنسانية‪.‬‬ ‫من يؤمن باألثر االستثنائي للدين في احلياة‬ ‫البشرية وأبدية الدين وجتلياته ومتثالته وتعبيراته‬ ‫على مر التاريخ‪ ،‬ويستوعب معارف ذلك الدين‪،‬‬ ‫‪21‬‬


‫وميتلك رؤية شاملة للمنجزات العلمية واملعرفية‬ ‫الراهنة‪ ،‬ميكنه املساهمة بصياغة رؤية علمية‬ ‫لتحديث التفكير الديني‪.‬‬ ‫فيما ال ينبغي ملن ال يعتقد بذلك‪ ،‬ويحسب‬ ‫ان الدين والشأن الديني هما منبع كل تخلف‬ ‫وانحطاط‪ ،‬أن ينصب نفسه متحدث ًا باسم حتديث‬ ‫التفكير الديني‪ ،‬ذلك ان هؤالء ال يفقهون رسالة‬ ‫الدين في احلياة‪ ،‬ويعمل موقفهم على استفزاز‬ ‫املجتمع وتوجسه من أية دعوة لتحديث التفكير‬ ‫الديني‪.‬‬

‫ـ هل تعتقد ان تراجع دور العقل وغلبة‬ ‫النقل في بنية العلم داخل املؤسسة الدينية‬ ‫ساهم بتراجعها؟‬ ‫• االجتاهات االخبارية الظاهرية تناهض املنحى‬ ‫العقلي في التفكير الديني‪ .‬في املجتمعات التي‬ ‫تهيمن عليها السلفية يضمحل املنطق والفلسفة‬ ‫وعلم الكالم والعرفان والتصوف‪ ،‬ويتهم من‬ ‫يتعاطاها باملروق والكفر والزندقة واالبتداع‪ .‬في‬ ‫اجلزيرة العربية تناهض الوهابية العقل والعقالنية‪،‬‬ ‫وحترم تعاطي الكتب املتخصصة بذلك‪ .‬حتى هذه‬ ‫اللحظة ال نعثر على قسم لتدريس الفلسفة وامليراث‬ ‫العقلي في االسالم في جامعات اململكة العربية‬ ‫السعودية‪ ،‬كما ال نعثر في املنشورات العديدة‬

‫الصادرة عن دور النشر أو الدوريات والصحف‬ ‫السعودية كتابات فلسفية‪.‬‬ ‫في الفلسفة غالبا ما تتحول االجابات الى‬ ‫أسئلة‪ ،‬والتفكير الديني العقلي تتوالد فيه‬ ‫االستفهامات واألسئلة الالهوتية على الدوام‪ ،‬وال‬ ‫ميكن حتديث التفكير الديني بال إثارة مثل هذا اللون‬ ‫من األسئلة‬ ‫ـ ابتعدت املؤسسة الدينية عن معطيات‬ ‫العلوم املعاصرة ونتائجها املثمرة على صعيد‬ ‫االنسانية جمعاء ومتسكت بالتراث املاضوي‬ ‫بكل تفاصيله‪ ..‬الى اي مدى ساهم هذا الفعل‬ ‫بتحجيم تأثيرها داخل الشرائح املتعلمة‬ ‫والنخب االكادميية والفكرية والثقافية‬ ‫الفاعلة؟‬ ‫• تعود صلتي باحلوزة العلمية الى أكثر من‬ ‫ثالثني عاما‪ ،‬فمنذ سنة ‪ 1978‬انخرطت في‬ ‫احلوزة العلمية في النجف‪ ،‬وما زلت حتى هذه‬ ‫اللحظة متواص ًال مع احلوزة‪ ،‬عبر االشراف على‬ ‫بحوث واطروحات بعض تالمذتي‪ ،‬وقد واكبت عدة‬ ‫متغيرات في نظام التعليم الديني‪ ،‬حتكي التجاوب‬ ‫مع مقتضيات الزمان‪ ،‬واالصغاء للمستجدات‬ ‫املتنوعة‪ ،‬حدث حتول في شيء من أساليب التعليم‬ ‫وتوظيف وسائل معاصرة‪ ،‬واالفادة من احلاسوب‬ ‫مثال واستخدام االنترنيت‪ ،‬واصدار عدة دوريات‬

‫بطاقة شخصية‬ ‫ •ولد في محافظة ذي قار ـ العراق‪.1954 ،‬‬ ‫ •انخرط في دراسة العلوم االسالمية في احلوزة العلمية‬ ‫في النجف االشرف سنة ‪ ،1978‬ثم اكمل بقية دراسة‬ ‫السطوح والبحث اخلارج في احلوزة العلمية في مدينة‬ ‫قم (ايران)‪.‬‬ ‫ •حصل على شهادة البكالوريوس واملاجستير‪ ،‬فضالً‬ ‫عن الدكتوراه في الفلسفة اإلسالمية‪.2005 ،‬‬ ‫ •أصدر مجلة «قضايا اسالمية معاصرة» سنة ‪1997‬‬ ‫ويرأس حتريرها‪ ،‬وما زالت تصدر في بيروت‪ ،‬صدر منها‬ ‫أربعة واربعون عدداً‪.‬‬ ‫ •أصدر سلسلة كتب‪« :‬قضايا اسالمية معاصرة»‪،‬‬ ‫«فلسفة الدين وعلم الكالم اجلديد»‪« ،‬ثقافة‬ ‫التسامح»‪« ،‬فلسفة وتصوف»‪.‬‬ ‫ •استاذ دراسات عليا ملادة الفلسفة اإلسالمية واملنطق‬ ‫وعلم الكالم وأصول الفقه والفقه‪.‬‬ ‫ •مدير مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد‪.‬‬ ‫‪22‬‬

‫جادة تهتم بدراسة وحتليل املناهج واألدوات واملفاهيم‬ ‫اجلديدة في فلسفة العلم وعلم النفس واالجتماع‬ ‫واالنثروبولوجيا واأللسنيات ومناهج التأويل‬ ‫والقراءة في دراسة النصوص وحتليل الظواهر الدينية‬ ‫واستكشاف وتفسيرالتجارب الدينية‪ .‬فمثال نالحظ‬ ‫كتابات وفيرة تتناول علم الكالم اجلديد‪ ،‬وفلسفة‬ ‫الدين‪ ،‬وفلسفة الفقه‪ ،‬والهرمنيوطيقا وتوظيفها‬ ‫في قراءة الكتاب والسنة‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬وهي حتكي‬ ‫التفاعل بني التفكير الديني ومعطيات العلوم‬ ‫ً‬ ‫عددا من مجلة‬ ‫املعاصرة‪ .‬وميكن االطالع على ‪44‬‬ ‫«قضايا اسالمية معاصرة» صدرت في ‪ 14‬عام ًا‪،‬‬ ‫وغيرها من الدوريات املتخصصة في ذلك‪ ،‬للتعرف‬ ‫على مالمح التفاعل في الدراسات الدينية في‬ ‫املجال االسالمي الشيعي (احلوزات العلمية) بني‬ ‫مكاسب املعارف البشرية والتعليم الديني‪.‬‬ ‫نعم هناك محاوالت رائدة وهامة خارج املؤسسة‬ ‫الدينية لدراسة وحتليل الديني بتوظيف املعارف‬ ‫اجلديدة‪ ،‬غير انها تظل محدودة التأثير‪ ،‬كما أشرت‬ ‫فيما مضى‪.‬‬ ‫ال أنكر ان حجم ومستوى االفادة من املعارف‬ ‫االنسانية ما زال أقل من مستوى الطموح‪ ،‬ولوال‬ ‫شيوع دراسة الفلسفة والعرفان في احلوزات العلمية‪،‬‬ ‫ُحل ِ‬ ‫ضر أي شكل من أشكال التعاطي مع املعطيات‬ ‫احلديثة للمعرفة البشرية‪ ،‬كما يحدث في اجلامعات‬ ‫االسالمية السلفية في السعودية وغيرها‪.‬‬

‫ •منح جائزة «املؤرخ العالمة السيد حسن االمني» في‬ ‫لبنان على جهوده العلمية والثقافية‪ ،‬سنة ‪.2003‬‬ ‫ •نال اجلائزة االولى لكتاب الوحدة االسالمية في طهران‬ ‫على جهوده في الكتابة والنشر والدعوة للوحدة‬ ‫والعيش سويا ً في فضاء التنوع واالختالف‪ ،‬سنة ‪.2005‬‬ ‫ •حصل على اجلائزة االولى للشهيدين الصدرين على‬ ‫اطروحته للدكتوراه التي نظمها مكتب الشهيد‬ ‫الصدر في قم‪.‬‬ ‫ •صدر له عشرات الكتب‪ ،‬من اهمها‪ :‬مصادر الدراسة‬ ‫عن الدولة والسياسة في اإلسالم‪ / 1986 ،‬معجم ما‬ ‫كتب عن الرسول وأهل البيت في (‪ )12‬مجلداً‪1991 ،‬‬ ‫ـ ‪ / 1995‬االختراق الثقافي‪ :‬معجم ببلوغرافي حتليلي‪،‬‬ ‫‪ / 1995‬موسوعة مصادر النظام اإلسالمي‪ ،‬في (‪)10‬‬ ‫مجلدات‪ /1996 ،‬تطور الدرس الفلسفي في احلوزة‬ ‫العلمية‪ / 2000 ،‬نحن والغرب‪ :‬جدل الصراع والتعايش‪،‬‬ ‫‪ / 2002‬الدرس الكالمي والفلسفي في احلوزة العلمية‪،‬‬ ‫‪ / 2005‬حتديث الدرس الكالمي والفلسفي في احلوزة‬ ‫العلمية‪ / 2009 ،‬انقاذ النزعة االنسانية في الدين ( حتت‬ ‫الطبع )‪.‬‬


‫ـ هل باالمكان احداث االصالح في املؤسسة‬ ‫الدينية بعد كل قرون التخلف؟‬ ‫• التفكير الديني كأي حقل من حقول التفكير‬ ‫ليس ساكن ًا‪ ،‬اخلبراء في تاريخ ومقارنة األديان يعرفون‬ ‫جيدا كيف بدأ التفكير الديني لدى املجتمعات‬ ‫األولى‪ ،‬وكيف حتول وتطور مبرور الزمان‪ .‬التطور‬ ‫والتجديد سنة اجتماعية‪ ،‬من ال يتجدد ميوت‪.‬‬ ‫التفكير الديني في مختلف مجاالته‪ ،‬تأثر مبا‬ ‫يجري من حتوالت في بنية املجتمعات وثقافاتها‪،‬‬ ‫وأمناط عيشها‪ .‬فلسفة العلم تدلل على الترابط‬ ‫في املعارف والعلوم االنسانية‪ ،‬وتكشف عن ان‬ ‫املخترعات واملكتشفات في العلوم الطبيعية والعلوم‬ ‫البحتة‪ ،‬تؤثر في العلوم االنسانية‪ ،‬وحتدث حتوالت‬ ‫مفصلية ومنعطفات فيها‪ ،‬وهكذا تؤثر النظريات‬ ‫الفلسفية اجلديدة على العلوم الطبيعية وغيرها‪.‬‬ ‫املعرفة البشرية شبكة ذات نسيج متحد‪ ،‬والتفكير‬ ‫الديني أحد عناصرها‪ .‬وافتراض ان كل شيء يتغير‬ ‫ويتحول فيما التفكير الديني متخشب‪ ،‬تكذبه‬ ‫فلسفة العلم‪.‬‬ ‫ما تشهده املؤسسة الدينية من تطورات وحتوالت‪،‬‬ ‫عادة ما تكون بطيئة‪ ،‬ذلك ان ديناميكية التغيير‬ ‫فيها تستبطنها بنية حتتية عميقة‪ ،‬ومتر من خالل‬ ‫أنساق تاريخية كثيفة‪ ،‬ال تسمح بالعبور من مرحلة‬ ‫الى اخرة بسهولة‪ .‬ال يجري التغيير فيها بنحو دفعي‬ ‫آني كيفي‪ ،‬مثلما في االنقالبات والثورات‪ ،‬وامنا‬ ‫يتم التغيير فيها بنحو تراكمي تدريجي بطيء‪.‬‬ ‫ـ ما هي املقومات الفكرية لتحديث‬ ‫املؤسسة الدينية لتكون منسجمة مع النسج‬ ‫االجتماعية والثقافية جملتمعات اليوم؟‬ ‫• حتديث التفكير الديني يعني حتديث املؤسسة‬ ‫الدينية‪ .‬لتحديث التفكير الديني رافدان يستقي‬ ‫منهما‪ :‬الرافد األول هو دراسة وفهم واستيعاب‬ ‫املوروث الديني‪ ،‬واستكشاف مداراته ومدياته‬ ‫وآفاقه املتنوعة‪ ،‬واالهتمام بامليراث العقلي في‬ ‫املنطق والفلسفة وعلم الكالم‪ ،‬وامليراث الرمزي‬ ‫واالشاري والروحي في التصوف والعرفان‪ ،‬والتحرر‬ ‫من املواقف التبسيطية الساذجة في التعاطي مع‬ ‫التراث‪ ،‬والنظر اليه باعتباره كم ًا من النصوص‬ ‫التي يجب استظهارها وحفظها وتكرارها‪ ،‬وتوقف‬ ‫التفكير عند تنظيمها وترتيبها وتصنيفها‪ ،‬بال تدبر‬ ‫وحتليل وتأويل‪.‬‬ ‫أما الرافد الثاني‪ ،‬فهو االطالع على العلوم‬ ‫االنسانية احلديثة ودراستها‪ ،‬خاصة فلسفة‬

‫العلم‪ ،‬وعلم النفس واالجتماع واالنثروبولوجيا‬ ‫والقانون واحلقوق والعلوم السياسية واأللسنيات‬ ‫والهرمينوطيقا‪ ،‬وتوظيفها كأدوات في التحليل‬ ‫ومفاهيم اجرائية في قراءة النص الديني‪ ،‬وتفسير‬ ‫الظواهر الدينية في املجتمع‪ ،‬واكتشاف ومعرفة‬ ‫أمناط التجارب واخلبرات الدينية الشخصية‪.‬‬ ‫حتديث التفكير الديني يتطلب دراسة مسارات‬ ‫الدين عبر التاريخ واجلغرافيا واالجتماع البشري‪،‬‬ ‫واكتشاف طبائع التدين وأشكاله في مختلف‬ ‫املجتمعات‪ ،‬واالهتمام مبقارنة األديان ونصوصها‬ ‫املقدسة‪ ،‬وأمناط مؤسساتها الدينية‪.‬‬

‫هناك محاوالت رائدة‬ ‫وهامة خارج المؤسسة‬ ‫الدينية لدراسة وتحليل‬ ‫الديني بتوظيف المعارف‬ ‫الجديدة‪ ،‬غير انها تظل‬ ‫محدودة التأثير‬

‫ـ هل ثمة مبادرات او محاوالت اصالحية‬ ‫جادة داخل املؤسسة الدينية؟‬ ‫• ترتد حركة حتديث التفكير الديني الى مطلع‬ ‫القرن التاسع عشر‪ ،‬مع رفاعة رافع الطهطاوي‪،‬‬ ‫الذي أوفده الشيخ حسن العطار شيخ األزهر مرشدً ا‬ ‫ديني ًا ألول بعثة طالبية مصرية الى باريس‪ ،‬غير ان‬ ‫الطهطاوي كان أبرز املبعوثني الذين اكتشفوا التنوير‬ ‫االوروبي ومنجزات العقل احلديث والتنظيمات‬ ‫اجلديدة في الغرب‪ ،‬ود ّون ذلك في كتابه «تخليص‬ ‫االبريز في تلخيص باريز"‪ ،‬ثم عكف بعد عودته‬ ‫مباشرة على انشاء مؤسسة للترجمة‪ ،‬وحاول اصالح‬ ‫النظام التقليدي للتربية والتعليم‬ ‫ولم تتوقف محاوالت حتديث التفكير الديني‬ ‫واصالح النظام التعليمي منذ ذلك التاريخ‪ .‬لكن‬ ‫بعض تلك احملاوالت ُأجهِ ضت في وقت مبكر‪،‬‬ ‫أو تخبطت وارتبكت وانهارت‪ ،‬ألنها لم تدرك‬ ‫رهانات عصرها بدقة‪ ،‬أو لم تتعمق في دراسة‬ ‫التراث واكتشاف ما تراكم من طبقاته‪ ،‬أو قفزت‬ ‫على املاضي واستخفت بالتراث فتجاهلته وأهملته‪.‬‬ ‫وظلت مساعي حتديث التفكير الديني خارج‬ ‫املؤسسة الدينية ال تلقى استجابة مناسبة داخل هذه‬ ‫ً‬ ‫تطورا في منط التفكير‬ ‫املؤسسة‪ ،‬ولم حتدث حتو ًال أو‬ ‫السائد‪ ،‬خالف ًا جلهود ومساعي املجددين من الفقهاء‬ ‫وعلماء الدين‪ ،‬الذين اكتشفوا املنطق الداخلي‬ ‫للموروث‪ ،‬واستلهموا روح العصر‪ ،‬فاستدركوا ما‬ ‫ميكنهم استدراكه‪ ،‬واستأنفوا تركيب وبناء املعارف‬ ‫االسالمية‪ ،‬في ضوء متطلبات املسلم املعاصر‬ ‫وهمومه‪ .‬وال تفتقر املؤسسة الدينية على الدوام الى‬ ‫محاوالت وجهود جريئة وجادة في حتديث التفكير‬ ‫الديني‪ ،‬وعادة ما يكمل فيها الالحق ما سبقه‪.‬‬ ‫في مراجعة عاجلة حلركات االصالح الديني‬ ‫الفاعلة واملؤثرة في تاريخ األديان‪ ،‬والتي امتدت‬ ‫وترسخت عبر الزمان‪ ،‬جند احلركات املشتقة من‬ ‫املؤسسة الدينية واملتولدة منها خاصة‪ ،‬كحركة‬ ‫االصالح الديني التي قادها مارتن لوثر من داخل‬ ‫الكنيسة‪ ،‬هي ما أحدث منعطف ًا وحتو ًال هام ًا في‬ ‫تقاليد ونظام املؤسسة الدينية‪ ،‬ويظل على الدوام‬ ‫ً‬ ‫ومؤثرا في املؤسسة‪ ،‬بينما تفتقر‬ ‫صوتها مسموع ًا‬ ‫الدعوات والكتابات في االصالح من خارج املؤسسة‬ ‫الدينية الى حامل اجتماعي‪ ،‬يعتنقها ويتبناها‬ ‫ويتفاعل معها في داخل املؤسسة‪ ،‬ويستخدم‬ ‫االمكانات التي يتيحها له انتماؤه للمؤسسة‬ ‫الدينية‪ ،‬كاملنابر والشعائر واملواكب ودور العبادة‬ ‫في التثقيف على املفاهيم املفاهيم والرؤى واالفكار‬ ‫التي يدعو لها‬ ‫‪23‬‬


‫جون كالفن‏‪...‬‏ رائد اإلصالح الديني في أوروبا‪ ‬‬ ‫احدث االصالح الديني‬ ‫نقلة حقيقية ومؤثرة‬ ‫في حياة الفرد‬ ‫والمجتمع‬ ‫الدين المتصل بالحكم‬ ‫هو دين يركز على‬ ‫السياسة والسيطرة‬ ‫مما يفقده قدسيته‬

‫القس‏ رفعت فكري سعيد‬ ‫صحيفة «االهرام» القاهرية‬

‫‪24‬‬

‫نحتفل في هذه األيام بذكري مرور‏‪500‬‏ عام‬ ‫علي ميالد يوحنا‏ (‏ جون‏ ‏) كالفن‏‪ ،‬الالهوتي واملصلح‬ ‫الديني الذي ترك لسويسرا وللعالم بأسره ميراث ًا ال‬ ‫ً‬ ‫مؤثرا إلى اليوم على التفكير الغربي احلديث‏‪.‬‏‬ ‫يزال‬ ‫‪ ‬فعندما يتعلق األمر بالطريقة اجلديدة‬ ‫لالقتراب من الله أو بالعالقة بني الدين والدولة‬ ‫أو بالدميقراطية‏‪،‬‏ فمن احملتم أن نتذكر جون كالفن‏‪،‬‬ ‫ووجد املذهب الكالفيني ـ نسبة إلي جون كالفن‬ ‫ـ أرضية خصبة جدا‏‪.‬‏ فاليوم‏ يعيش وراء احمليط‬ ‫نحو‏‪15‬‏ مليونا من أتباع مذهب كالفن الذين‬ ‫يعرفون أيضا باسم‏‏ املشيخيني كما توجد مجموعات‬ ‫كالفينية في سكوتلندا وكوريا اجلنوبية‏‪ ،‬كما تنتمي‬ ‫أيضا الكنيسة اإلجنيلية املشيخية في مصر ـ‬ ‫سنودس النيل األجنيلي ـ إلى هذا املصلح العظيم‬ ‫ـ وإجماال يقدر عدد أتباع املذهب الكالفيني في‬ ‫العالم بنحو‏‪ 0‬‏‪ 5‬مليون شخص‏‪.‬‏‬ ‫الفترة التي ظهرت فيها حركة اإلصالح الديني‬ ‫في أوروبا‏ (‏القرنان اخلامس عشر والسادس عشر‏)‏‬ ‫تعتبر هي الفترة االنتقالية للفكر الديني الغربي من‬ ‫العصور الوسطى إلى العصور احلديثة‏‪ ،‬وهذه الفترة‬ ‫كان لها األثر الكبير في احلياة السياسية والدينية‬ ‫واالجتماعية والثقافية‏‪ ،‬وهذه املرحلة التاريخية التي‬ ‫ظهرت فيها حركة اإلصالح الديني البروتستانتي‬ ‫هي التي دعمت تطور الدميقراطية‏‪ ،‬والعالقة بني‬ ‫الدين والدولة فلقد رسخ كالفن مفهوم الفصل بني‬ ‫الدولة والدين‏‪ ،‬فهو نادي بأن هناك نظام ًا مزدوج ًا‬ ‫في االنسان‏‪:‬‏ النظام الروحي الذي يهتم بالروح‬ ‫وبالداخل والنظام السياسي أو املدني أو الزمني‬ ‫الذي يتم باألخالق اخلارجية وبالواجبات اإلنسانية‬ ‫واملدنية التي يجب على الناس أن يحافظوا عليها‬ ‫فيما بينهم من أجل ان يعيشوا مع بعض بنزاهة‬ ‫وبعدل وهذين النظامني يكمالن بعضهما بالرغم من‬ ‫اختالفهما‏‪.‬‏‬ ‫وهكذا يعيد كالفن صراحة للتنظيم املدني‏‪،‬‏‬ ‫مهمة إدارة الدين بشكل جيد‏‪،‬‏ ونادى بأهمية أن‬ ‫يختار الشعب من يرعاه داخل الكنيسة ولذلك فإن‬ ‫نظام الكنيسة اإلجنيلية املشيخية في جميع أنحاء‬ ‫العالم مبني بالكامل على األسس الدميقراطية بدءا‬ ‫من الكنيسة احمللية حيث يختار كل شعب راعيه‬

‫ومن ميثله في مجلس الكنيسة ‏(‏الشيوخ‏)‏ ومرورا‬ ‫باملجامع اإلقليمية ونهاية بالسنودس‏(‏ املجمع‬ ‫ت‪.‬‏‬ ‫األعلى للكنيسة األجنيلية املشيخية‏ ‏) ومبرور الوق ‏‬ ‫ترسخت هذه الطريقة الكلفينية لتنظيم املؤسسات‬ ‫في العقلية السويسرية وحتى في األوساط غير‬ ‫الدينية‏‪.‬‏‬ ‫فمؤسسات الدولة تظل مفصولة بصرامة عن أي‬ ‫هيكل ديني‏‪.‬‏ فيما تتسع مشاركة القاعد‏ة (الشعبية‏)‏‬ ‫في اتخاذ القرارات السياسية ً‬ ‫بدءا باملستوى األدنى‬ ‫ووصوال إلي املستوى األعلى‏‪.‬‏ فكل هذه‏ (‏العوامل‏)‏‬ ‫تؤدي إلى متكني الشعب وإن كانت الدميقراطية ذاتها‬ ‫لم تكن هدف احلركة البروتستانتية‏‪ ،‬فهي حركة‬ ‫إصالح ديني‏‪ ،‬تسعي لتغيير الوضع والتخلص من‬ ‫سلطة الكنيسة ومن سياستها التي كانت تعمل‬ ‫على تشويه املسيحية‏‪.‬‏ لكن العوامل والظروف التي‬ ‫اجتمعت معها في تلك الفترة‏‪ ،‬أدت إلى التأثير‬ ‫على احلياة السياسية وإلى إنعاش الدميقراطية‏‪.‬‏‬ ‫قبل ظهور حركة اإلصالح الديني في القرن‬ ‫السادس عشر‏ كان اإلنسان خاضعا لسلطة الكنيسة‬ ‫خضوعا تاما فتمكن اإلصالح الديني من حتريره‬ ‫بصورة كبيرة من السيطرة املزدوجة للكنيسة ورجال‬ ‫احلكم املدني‏‪ ،‬وحقق له كسبا في كثير من امليادين‬ ‫كان أبرزها احلرية والفردية بوصفهما مقدمتني‬ ‫ضروريتني للدميقراطية التي حملها وبشر بها العصر‬ ‫احلديث‏‪..‬‏‬ ‫فلقد أطلقت حرية العبادة وأضحت تتسم بطابع‬ ‫فردي يتمثل في جعل العالقة مباشرة بني االنسان‬ ‫وربه وأصبحت سلطة الضمير الفردية حتل محل سلطة‬ ‫الكنيسة والبابا‏ وامليل باألنسان نحو الدنيويات‏ من‬ ‫خالل جعل الدين أمرأ شخصيا وخاضعا لضوابط‬ ‫أخالقية محددة‏ والدعوة إلى قيام عالقة متوازنة بني‬ ‫احلاكم واحملكوم وعالقة الفرد بالدول ‏ة‪.‬‏‬ ‫لقد أحدث اإلصالح الديني نقلة حقيقة في حياة‬ ‫الفرد واملجتمع من حالة الهيمنة الكنسية باسم الدين‬ ‫إلى حالة حترير الفرد نسبيا من تلك الهيمنة وإعادة‬ ‫االعتبار إلى االنسان بوصفة كائنا إنساني ًا وروحي ًا‬ ‫ينبغي أن يكون حرا من الناحية العقائدية والروحية‬ ‫وال يخضع لسلطة أحد إال الله‏‪ ،‬وال ملراقبة أحد إال‬ ‫الضمير‏‪ .‬فقد جنحت املجتمعات األوروبية احلديثة‬


‫إلى فصل عالقة الدين بالدولة ومبجاالت احلياة املختلفة‬ ‫في االقتصاد والسياسة واملجتمع واألخالق‏ ‏‪ ،‬فأصبحت‬ ‫السلطة الوحيدة هي سلطة اإلنسان العاقل‏‪ ،‬وليست‬ ‫سلطة الدين ومؤسساته الروحية‏‪ ،‬فأصبح اإلنسان‬ ‫مركزا للكون‏ ‏‪ ،‬دون منازع‏‪.‬‏ فمن أهم إجنازات اإلصالح‬ ‫الديني‏ االنتقال باإلنسان من سلطة كنسية دينية بابوية‬ ‫أحادية‏ كان اإلنسان عنصرا سلبيا فيها‏‪ ،‬إلى سلطة‬ ‫مزدوجة دينية ومدنية أصبح فيها اإلنسان طرفا فاعال‏‪.‬‏‬ ‫لقد رأى كالفن وغيره من قادة اإلصالح أن الفرد‬ ‫بوصفة كائنا متدينا‏ ينبغي حتريره من سلطة رجال الدين‬ ‫والكنيسة على نحو يتيح له ممارسة نشاطه التعبدي‬ ‫بشكل فردي وحر من سلطة الطقوس الدينية الشكلية‏‪،‬‬ ‫والتركيز على البعد التقوي الداخلي فيه والذي ال‬ ‫سلطان ألحد عليه سوى الله والضمير مبعنى آخر يتعني‬ ‫لي الفرد املؤمن أن يكون إميانه إميانا فرديا خالصا‬ ‫نابعا من ذاته‏‪ ،‬وليس من سلطة خارجية‏‪ ،‬إذ ليس بوسع‬ ‫أحد معرفة حقيقة إميان أي شخص إال الشخص نفسه‏‪،‬‬ ‫فضمائر املؤمنني ال أحد يطلع عليها إال الله‏‪ ،‬وعليه‬ ‫فالعالقة بني املرء وربه ينبغي أن تكون عالقة مباشرة‬ ‫ال يتوسطها كاه ‏ن‪،‬‏ كذلك قبول التوبة وغفران الذنوب‬ ‫واخلطابا ال ميكن تفويض أحد من البشر القيام به نيابة‬ ‫عن الله‏‪،‬‏ فالله وحده غافر الذنوب واليعطي سلطانه‬ ‫ألحد من الناس على وجه األرض‏‪،‬‏ كذلك أكد قادة‬ ‫اإلصالح الديني على نبذ العنف والدعوة إلى التسامح‬ ‫بني الناس حتى مع الذين ميتلكون آراء دينية مخالفة‏‪،‬‬ ‫والرد عليهم بواسطة احلوار‏‪،‬‏ األمر الذي أفسح املجال‬ ‫الظهور أفكار متعددة ومتعارضة‏‪.‬‏‬ ‫لقد كان إصالح الدين في أوروبا بواسطة جون‬ ‫كالفن وغيره من زعماء اإلصالح مقدمة نحو اإلصالح‬ ‫الشامل في باقي امليادين‏‪،‬‏ مبعنى أن اإلصالح لم‬ ‫يقصر مهمته على إصالح املؤسسة الدينية فحسب‏‪،‬‬ ‫بل جتاوزها ليشمل إصالح الفرد واملجتمع على‬ ‫نطاق واس ‏ع‪،‬‏ إن جتربة أوروبا وما مرت به من أحداث‬ ‫تختلف عما مر به باقي العالم‏‪،‬‏ وال نستطيع أن نعمم‬ ‫هذه التجربة الدميقراطية على باقي الدول‏‪.‬‏ لكن من‬ ‫األفضل ولتجنب احلروب األهلية والدينية‏ أن يتم فصل‬ ‫الدين عن السياسية وذلك لضمان حقوق جميع أفراد‬ ‫املجتمع‪ ،‬فمن املفضل أن يبقي الدين غذاء الروح‪،‬‬ ‫حيث إن اإلنسان إذا كان مقتنعا بدينه فإنه لن يرتكب‬ ‫املعاصي واملنكرات وأي شيء مخالف لتعاليم الدين‏‪،‬‬ ‫أما الدين املتصل باحلكم فهو دين يركز على السياسة‬ ‫والسيطرة مما قد يفقده قدسيته ويجعل هدفه األساسي‬ ‫هو احتكار السلطة‏‪ ،‬فهل من دروس ميكن أن نتعلمها‬ ‫في منطقتنا العربية ونحن نحتفل بالذكرى اخلمسمائة‬ ‫مليالد املصلح العظيم جون كالفن؟‏‬

‫•‬

‫متابعات مصرية‬

‫ أقام أصدقاء الدكتور نصر حامد أبوزيد‪ ،‬حفالً لتأبني الراحل بدار األوبرا املصرية‬ ‫مساء السبت ‪ 25‬ايلول (سبتمبر) فى السادسة مساء‪ .‬حتدث في احلفل كل من‬ ‫الدكتور حسن حنفي أستاذ الفلسفة اإلسالمية بجامعة القاهرة وآمنة نصير‬ ‫وجابر عصفور رئيس املركز القومي للترجمة وعماد أبو غازي أمني اجمللس األعلى‬ ‫للثقافة‪ ،‬وفريد لم هاوس من هولندا‪ ،‬وبرهان غليون من سوريا‪ ،‬وعلى حرب من‬ ‫لبنان‪ ،‬وفيصل دراج من فلسطني‪.‬‬

‫•‬

‫ نظمت جماعة إطاللة» األدبية باإلسكندرية‪ ،‬مساء السبت املصادف ‪ 16‬تشرين‬ ‫االول (أكتوبر) ‪ ،2010‬بقاعة املؤمترات مبكتبة اإلسكندرية احلوار املفتوح بعنوان‬ ‫«ثنائية التفكير والتكفير»‪ .‬وناقش أعضاء اجلماعة فى هذا احلوار مسيرة عدد‬ ‫األدباء واملفكرين ممن حكم عليهم بالتكفير ومنهم الدكتور نصر حامد أبو زيد‬ ‫«منوذجا»‪ ،‬وادار الندوة القاص وسيم املغربى‪.‬‬ ‫ً‬

‫•‬

‫ نظمت مكتبة «ألف» في ‪ 13‬تشرين االول (أكتوبر) بالتعاون مع رابطة شباب ألجل‬ ‫القدس‪ ،‬لقاء مفتوحا مع املفكر محمد سليم العوا‪ ،‬األمني العام لالحتاد العاملى‬ ‫للعلماء املسلمني‪ ،‬وذلك مبقر املكتبة مبصر اجلديدة‪ .‬حتدث العوا خالل اللقاء عن‬ ‫حقيقة األزمة التي نشبت بينه وبني األنبا بيشوي سكرتير اجملمع املقدس مؤخرا‪،‬‬ ‫كما ناقش أيضا ملفا آخر وهو «تهويد القدس»‪.‬‬

‫•‬

‫ نظم مركز احلضارة للدراسات السياسية بالتعاون مع مركز الدراسات احلضارية‬ ‫وحوار الثقافات‪ ،‬في احلادس عشر من تشرين االول (أكتوبر) ‪ 2010‬بقاعة النهر‬ ‫بساقية عبداملنعم الصاوي‪ ،‬محاضرة بعنوان «االنتماء والعروبة‪ ..‬املؤشرات وأبعاد‬ ‫التغيير» حاضر فيها الدكتور أحمد يوسف أحمد‪ ،‬وذلك ضمن فعاليات ملتقى‬ ‫احلضارة الشهري‪.‬‬

‫•‬

‫ صدر عن املركز القومى للترجمة كتاب جديد بعنوان «اإلسالم فى أفريقيا‬ ‫االستوائية» من تأليف آى إم لويس وترجمة عبد الرحمن عبد اهلل الشيخ‪ .‬يتناول‬ ‫الكتاب عدد املسلمني فى احلزام االستوائي بالقارة األفريقية‪ ،‬حيث يؤكد املترجم‬ ‫فى مقدمته على أن عدد املسلمني جتاوز اخلمسني مليونا‪.‬‬

‫•‬

‫ أصدرت دار ميريت للنشر الطبعة العربية من كتاب «سقوط العالم اإلسالمي»‬ ‫نظرة فى مستقبل أمة حتتضر «للكاتب املصرى حامد عبدالصمد»‪ ،‬كانت الطبعة‬ ‫األملانية قد صدرت منتصف ايلول (سبتمبر) املاضي عن دار «درومر» وأثارت جدال ً‬ ‫واسعا على صفحات مجلة «دير شبيغيل» وصحيفتي «دى فيلت» و«برلني مورغن‬ ‫بوست»‪ ،‬كما جاء الكتاب على غالف مجلة «فيلت فوخي» كبرى مجالت سويسرا‬ ‫األسبوعية‪ ،‬حيث يحمل الكتاب نبوءة قاسية بانهيار العالم اإلسالمى باعتباره‬ ‫كيانا ثقافيا وحضاريا فى غضون العقود املقبلة‪.‬‬

‫•‬

‫ اطلق العاملون السابقون فى موقع «إسالم أون الين» موقعهم البديل «أون‬ ‫إسالم»‪ ،‬باللغتني العربية واإلنكليزية‪ ،‬في العاشر من تشرين االول (أكتوبر) ‪2010‬‬ ‫وذلك حتت مظلة مؤسسة «مدى» األهلية للتنمية اإلعالمية‪ ،‬وهي مؤسسة غير‬ ‫ربحية‪ ،‬مصرية املنشأ‪ ،‬عاملية اجملال والنشاط‪.‬‬ ‫‪25‬‬


‫نشاطات‬

‫تقييم اداء المدربين المحليين في مدينتي‬ ‫القاهرة ودمياط‬ ‫عقد املنبر الدولي للحوار االسالمي العديد من اجللسات اخلاصة باملدربني في كل‬ ‫من مدينتي دمياط والقاهرة مبصر‪ .‬وتبلور الغرض من تلك اجللسات تقيم اداء املدربني‬ ‫احملليني واطالعهم على اخر املستجدات في برنامج (دورات النجاح)‪ .‬والقت احملاضرات‬ ‫في املدينتني صدى طيب ًا لدى املشاركني‪.‬‬

‫جاكارتا تحتفي بورشة عمل مميزة‬

‫اح����ت����ف����ت ال���ع���اص���م���ة‬ ‫االندونيسية جاكارتا بورشة‬ ‫عمل ف��ي الفترة ‪ 24‬ـ ‪25‬‬ ‫ح��زي��ران (ي��ون��ي��و) املاضي‪.‬‬ ‫نظمت الورشة باللغة العربية‬ ‫بناء على طلب املشاركني‪،‬‬ ‫ومتيزت بتفاعل ملموس‪ ،‬االمر‬ ‫الذي دل على وجود امكانية‬ ‫لشراكة حقيقية‪.‬‬

‫‪26‬‬


‫المنبر الدولي للحوار االسالمي يقيم‬ ‫ ‬ ‫(يوم ًا مفتوح ًا) للتعريف ببرامجه في المملكة المتحدة‬ ‫اقام املنبر الدولي للحوار االسالمي «يوم ًا‬ ‫مفتوح ًا» على ‪ 24‬تشرين الثاني (نوفمبر) ‪2010‬‬ ‫في قاعة «االبرار» في لندن‪ .‬وذلك للتعريف بدورات‬ ‫(النجاح في عالم متغير) التي يقيمها املنبر الدولي‬ ‫للحوار االسالمي للشباب املسلم في بريطانيا‬ ‫والبلدان املسلمة‪.‬‬ ‫وقام فريق الشباب في املنبر بقيادة علي فاضل ـ‬ ‫منسق املشروع ـ باعداد وتنظيم فعاليات اليوم‪ .‬وفي‬ ‫كلمته الترحيبية اشار الدكتور جناح كاظم الى تاريخ‬ ‫املنبر الدولي وبدايته في عام ‪ 1994‬كمركز يسعى الى‬ ‫مد اجلسور بني املفكرين والكتّاب املسلمني املعاصرين‬ ‫وفتح حوار جاد بينهم حول قضايا املسلمني املعاصرة‪،‬‬ ‫ثم اشار الى التحول في التوجه الذي تبناه املنبر بعد‬ ‫‪ 2003‬حيث بدا التركيز على اقامة واتنظيم دورات‬ ‫تدريبية تستهدف الشباب املسلم وتسعى الى بناء‬ ‫قدراتهم الذاتية واالجتماعية باالضافة الى متكينهم‬ ‫من بناء خطاب ديني بناء ومعاصر يواجه اخلطابات‬ ‫التقليدية وخطابات التطرف‪.‬‬ ‫فيما فصلت السيدة هاجر القحطاني مديرة‬ ‫البرنامج التدريبي في املنبر في استعراض فلسفة‬ ‫دورة «مهارات النجاح في عالم متغير» واليات‬ ‫تنفيذها وجتارب تبنيها من قبل شركاء محليني في‬ ‫مختلف دول العالم االسالمي والعربي‪ ،‬مشددة على‬ ‫ان البرنامج بدا االن يكرس حضوره عبر قدرته على‬ ‫التكيف للبيئات املختلفة‪.‬‬ ‫وفي الفقرة الثانية من البرنامج مت عمل ثالث‬ ‫ورشات عمل مصغرة لعرض بعض مفاهيم مادة‬ ‫الدورة (النجاح في عالم متغير) بشكل مختصر‬

‫وذلك العطاء املشاركني في اليوم املفتوح فكرة‬ ‫موجزة عن مادة الدورة وطرق التعليم احلديثة فيها‪.‬‬ ‫اما الفقرة االخيرة فقد مت تخصيصها لالستماع الى‬ ‫تعليقات املشاركني وتقييمهم لبرنامج املنبر الدولي‬ ‫للجوار االسالمي ومادة الدورة‪ .‬وقدم بعض اعضاء‬ ‫فريق املنبر الدولي من الشباب شهادات حية عن‬ ‫جتربتهم مع الدورة واثرها على حياتهم وتفكيرهم‪.‬‬ ‫وفي اخلتام مت اخذ الصور التذكارية وفتح باب‬ ‫االتسجيل للمشاركة في دورات «النجاح في عالم‬ ‫متغير» اخلاصة بلندن املقرر ان تبدا بداية عام‬ ‫‪ 2011‬وتستمر ملدة ستة اشهر مبعدل ورشتني كل‬ ‫شهر‪ ،‬تقام كل ورشة ليومني كاملني في عطلة نهاية‬ ‫االسبوع من بداية ونهاية كل شهر‪.‬‬

‫علما ان لدورة «مهارات النجاح في عالم متغير»‬ ‫برنامجني احدهما عربي وهو يستهدف البلدان العربية‬ ‫واالخر انكليزي وهو يستهدف باقي املستفيدين في‬ ‫بريطانيا‪ ،‬اوروبا واملتحدثني باالنكليزية في البلدان‬ ‫االسالمية‪.‬‬ ‫وقد تاسست «دورة مهارات النجاح في عالم‬ ‫متغير» في العام ‪ 2003‬حتت اسم «املشاركة‬ ‫املدنية» ثم مت تبديل االسم في اجتماع شبكة‬ ‫البرنامج للعالم العربي التاسيسي االول في بيروت‬ ‫‪ 2009‬ليصبح «مهارات النجاح في عالم متغير»‬ ‫معلن ًا البدء في برنامج تدريبي طموح للشباب املسلم‬ ‫مبستوى اكبر من املشاركة وشمولية اكثر في املادة‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫نشاطات‬

‫ورشة عمل‬ ‫في كوااللمبور‬

‫نظم املنبر الدولي للحوار االسالمي ورشة عمل في كواالملبور عاصمة‬ ‫ماليزيا وذلك يومي ‪ 3‬ـ ‪ 4‬متوز (يوليو) املاضي بالتنسبق مع منظمة اخوات‬ ‫في االسالم ومنتدى النهضة االسالمي‪ .‬اجلدير بالذكر كان هناك اهتمام‬ ‫بالدورة‪ ،‬خاصة من قبل الشباب الذي يسعى لفهم مغزى العالقة بني احلداثة‬ ‫والثقافة والتقاليد‪.‬‬

‫ثالث ورش في المغرب لتقييم‬ ‫عمل المدربين المحليين‬ ‫كانت هناك ورشة من ثالث امسيات للفترة املمتدة بني ‪ 23-21‬ايلول‬ ‫(سبتمبر) املاضي خصصت لعرض اخر التحديثات للمادة‪ ‬العلمية للورش‬ ‫ولالطالع على امكانيات املدربني احملليني واجراء تقييم عام لعملهم‪ ،‬حيث‬ ‫نظم بعض املدربني احملليني باداء عرض ملدة‪ 15 ‬دقيقة لكل منهم‪ .‬كانت‬ ‫االمسيات ناجحة للغاية‪ ،‬ومت طرح اثناء فترة الورشة فكرة تاسيس بيت‬ ‫النجاح في املغرب في الفترة املقبلة‪.‬‬

‫المنبر الدولي للحوار اإلسالمي‬ ‫يشارك في مؤتمر حول ثقافة السالم‬ ‫في االسالم بالفليبين‬ ‫شارك املنبر الدولي للحوار االسالمي في مؤمتر حول ثقافة السالم في االسالم للفترة ‪ 27‬ـ ‪ 30‬حزيران (يونيو)‬ ‫املاضي والذي نظمه كل من ‪.USIP, PCID & MKFI‬‬ ‫مت خالل اعمال املؤمتر تطبيق ممارسة عملية على املدارس االسالمية في منطقة «دافاو» في اقليم منداناو املسلم‬ ‫بالفليبني‪ ،‬حيث كانت هناك ورشتي عمل قصيرة ملعلمي القران الكرمي واللغة العربية‪.‬‬ ‫‪28‬‬


‫نشاطات‬

‫لبنان يحتضن دورتين لمهارات النجاح‬

‫حصدت دورة (مهارات النجاح) في العاصمة اللبنانية‪ ،‬بيروت‪ ،‬صدى ايجابي ًا لدى املشاركني اثر الطرح اجلديد واحلرص على استثمار املعارف والعلوم‬ ‫االنسانية احلديثة في اعداد منهج تربوي للشباب املسلم حيث وظفت معتقداتهم الدينية بشكل عملي وفعال‪ .‬بلغ عدد املشاركني ‪ .13‬كما استضافت مؤسسة‬ ‫التنمية لالنسان والبيئة ممثلة املنبر الدولي للحوار االسالمي اللقاء محاضرة حول دورات النجاح في مدينة صيدا‪ .‬وعبر املشاركون عن اعتقادهم باهمية مثل هذه‬ ‫الدورات للشباب املسلم الذي يؤرقه سؤال اجلداثة واالصالة‪ .‬حضر احملاضرة ‪ 25‬شخص ًا من اجلنسني‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫آراء في «الراصد التنويري»‬ ‫الثقيل‪ ،‬إلى حمل رسالة اإلسالم للقرن احلادي والعشرين‪ .‬وفي‬ ‫«الراصد التنويري» دعوة لنقد العقل املسلم وإعادة احليوية إليه‬ ‫والدفع به لقراءة آيات القرآن وتدبرها‪ ،‬وفي نفس الوقت ربطها بقراءة‬ ‫آيات األنفس واآلفاق‪.‬‬

‫أروى الشبيبي‬

‫ ‬

‫ اديبة (لندن)‬ ‫ ‬

‫ تغيب املوضوعية وتطغى الطائفية الضيقة على اخلطاب االسالمي‬ ‫املعاصر وال ريب أن القارئ املسلم يبحث عن مادة تتميز بالعمق‬ ‫والتسامح‪ ..‬ذاك ما تهدف اليه فصلية‪( ‬الراصد التنويري) في‬ ‫سعيها على التركيز‪ ‬بحيادية‪ ‬ورصانة‪ ‬على‪ ‬كل‪ ‬ما‪ ‬ينشر‪ ‬فيها‪ ‬من‬ ‫بحوث‪ ‬ترقى الى مستوى‪ ‬النضوج‪ ‬لتنال‪ ‬بالتالي‪ ‬الثقة‪ ‬واالحترام‪.‬‬

‫ ‬

‫الدكتور محمد رزوق‬

‫ ‬

‫أستاذ الدراسات التاريخية بجامعة احلسن الثاني ـ املغرب‬

‫ ‬

‫ ‬

‫الدكتور علي المرهج‬

‫ ‬

‫أستاذ فلسفة في اجلامعة املستنصرية ببغداد‬

‫ ‬

‫ مجلة «الراصد التنويري» جهد يستحق الثناء لتعرضه‪ ،‬بهدوء‬ ‫وعلمية‪ ،‬لقضايا تواجه املجتمعات املسلمة أن إيقاعها السريع‬ ‫واملركز يناسب القارئ في هذه املرحلة‪.‬‬

‫ ‬

‫الدكتور رسول محمد رسول‬

‫ ‬

‫باحث في القضايا اإلسالمية ـ العراق‬

‫ ‬

‫على رمضان أبو زعكوك‬

‫ ‬

‫ رئيس منتدى ليبيا للتنمية البشرية والسياسية (امريكا)‬ ‫ ‬

‫رسالي وإما إعالم جتاري‪ .‬وقد وجدت في‬ ‫ اإلعالم اليوم إما إعالم‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫توجه «الراصد التنويري» خطا إعالميا بنظرة استشرافية وسعي دؤوب‬ ‫لالنتقال بأمة الكتاب والنهوض بها من حالة العالة على‪ ‬تراثها‬

‫‪30‬‬

‫ سدت املجلة ثغرة كبيرة خاصة في ظل الصراعات القائمة في العالم‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬بني متشدد في الدين ومتغرب عنه‪ .‬واملجلة من خالل ما‬ ‫تطرحه من قضايا حتاول تقريب خطابها للقراء بدعوتهم إلى املناقشة‬ ‫واحلوار‪ ،‬انطالقا من وعي تام باملتناقضات التي يعيشها املسلم‬ ‫اليوم‪.‬‬

‫ هذا اجلهد يعد إسهاما في احلوار بني املسلمني في العالم‪ ،‬وتطوير‬ ‫األفكار وحتديثها مبا يتناسب مع التطور الذي حققته الثقافات في‬ ‫مناطق العالم في مجال مناهج البحث وإعادة التفكير‪ .‬من املهم‬ ‫تطوير «الراصد التنويري» لتكون مبستوى مجلة متخصصة‪ ،‬ليكون‬ ‫دورها أكثر وقعا وحضورا‪.‬‬

‫ ‬

‫الدكتور مثيم الجنابي‬

‫ ‬

‫أستاذ الفلسفة االسالمية والتصوف في جامعة موسكو‬

‫ ‬

‫ متابعة عناوين املقاالت املتضمنة في «الراصد التنويري» تشير إلى‬ ‫جهد يتسم برؤية عقالنية ونقدية معتدلة‪ .‬وهذه من بني أهم الصفات‬


‫ما يساعد على رسم املنهاج املالئم للمسلم املعاصر‪ ،‬وغذت فيه‬ ‫قيم التسامح والتعايش مع اآلخر‪ ،‬ونبذ العنف واألفكار الظالمية‬ ‫عموما‪ ،‬متجاوزة في طرحها األطر املذهبية الضيقة إلى عاملية‬ ‫اإلسالم الرحبة‪ ..‬فمزيدا من العطاء والتألق‪.‬‬

‫اجلوهرية للتنوير‪ .‬وعموما أن وضع اسم التنوير ورصد مالمحه في‬ ‫الفكر العربي احلديث هو بحد ذاته مؤشر ايجابي كبير وغاية في‬ ‫األهمية بالنسبة للوعي العلمي واالجتماعي والسياسي‪.‬‬

‫ ‬

‫سهير شريف‬

‫ ‬

‫رئيسة التحالف النسوي القومي السوداني باملهجر (نسوة)‬

‫ ‬

‫رئيسة اجلالية السودان ّية ومركز املعلومات ـ لندن‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ تقدّ م املجلة مساهمة حقيق ّية في شتى املواضيع‪ ،‬وتتم ّيز بأنها تُر ّكز‬ ‫على قضايا في منتهى االهمية‪ ..‬تلك التي تمُ ّثل التحدي احلقيقي‬ ‫لنا جميع ًا‪ .‬أمتنى أن تُر ّكز املجلة في أعدادها املقبلة بشكل خاص‬ ‫على التوعية بحقوق املرأة والطفل وفق ًا ما جاء في القوانني واملواثيق‬ ‫الدول ّية املُتعارف عليها‪.‬‬

‫ ‬

‫ كاتب ودكتور أخصائي مقيم في املانيا‬ ‫ ‬

‫الدكتور كريم شغيدل‬ ‫ اكادميي واعالمي عراقي‬

‫ ‬

‫ ‬

‫ إن جهدا من هذا النوع قد يتطلب حجما أكبر وتقارب ًا في مواعيد‬ ‫الصدور‪ ،‬فض ًال عن توسيع شبكة التوزيع‪ ،‬هذه املالحظات ال تقلل‬ ‫من قيمتها‪ ،‬بل من أجل أن يكون إسهامها أكبر حجما في احلوار‬ ‫وحتديث األفكار وحتقيق األهداف التنويرية‪.‬‬

‫عبد اهلل اللويزي‬ ‫ أستاذ باحث في مقارنة األديان ـ املغرب‬

‫ ‬

‫ً‬ ‫مكرورا‪ ،‬طلعت علينا‬ ‫ وسط زخم إعالمي مكثف ويكاد يكون‬ ‫مجلة «الراصد التنويري» بإضافتها املتميزة‪ ،‬فقدمت من املواضيع‬

‫فالح جواد الراضي‬ ‫ ما ينقص أكثرية العرب واملسلمني هي حضارة احلوار الهادف‪...‬‬ ‫تقبل اآلراء املعاكسة بأعتبار حامل الفكرة املناقضة خصم ًا‪ ‬وليس‬ ‫ً‬ ‫عدوا سياسي ًا جتب محاربته بشتى األشكال‪ .‬أطالع مجلة «الراصد‬ ‫التنويري» منذ سنني وأرى فيها املنصة ألتي متنح الفرص من أجل‬ ‫تطوير احلوار املتمدن الذي يهدف إلى تنوير وتطوير االسالم وإحلاقه‬ ‫بتطور املجتمعات البشرية دون املساس بخصائصه الذاتية‪ .‬قال‬ ‫السياسي واملصلح االغريقي سولون القرن السادس قبل أمليالد ان‬ ‫الدميوقراطية هي التراشق بالكلمات وليس بلغة اخلناجر والسيوف‪.‬‬ ‫حتية لناشري و َكتاب املجلة وإعتراف ًا عميق ًا مبا يقوموا به من جهود‬ ‫متواصلة‪.‬‬

‫ ‬

‫الدكتور مصطفى بوهندي‬

‫ ‬

‫رئيس وحدة التكوين والبحث بكلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بالدار البيضاء‬

‫ ‬

‫ومدير مركز أديان للبحث والترجمة‬

‫ ‬

‫ ليس لنا إال أن نثمن اجلهود املبذولة في مجلة "الراصد التنويري"‬ ‫ً‬ ‫واعدا‪ .‬فمن خالل األعداد القليلة التي‬ ‫والتي نتوقع لها مستقب ًال‬ ‫اطلعت عليها تبني لي أنها تسلك مسلك ًا قومي ًا في رصد التنوير‬ ‫في عاملنا اإلسالمي‪ ،‬وشعرت بأنني واحد من العاملني فيها‪ ،‬وأن‬ ‫ً‬ ‫واحدا من مؤسسيها‪.‬‬ ‫مسارها يوافق اختياري وإن لم أكن‬ ‫‪31‬‬


‫أبو زيد في «اإلمام الشافعي وتأسيس األيديولوجية الوسطية»‬

‫تسييج النص الديني بسياج اللغة يتنافى مع مقصد كونية االسالم‬ ‫ال مجال للتحرر من‬ ‫هيمنة الداللية النصية‬ ‫للنموذج األصولي‪،‬‬ ‫إال بالتحرر من الفهم‬ ‫المحدود للنص الديني‬ ‫يعتبر الشافعي‬ ‫من أكبر دعاة تأسيس‬ ‫علم أصول الفقه تأسيسًا‬ ‫شرعيًا ولغويًا‬

‫إعداد‪ :‬د‪ .‬الحسين أخدوش‬ ‫خاص بـ «الراصد التنويري»‬

‫‪32‬‬

‫في محاولته لقراءة التجربة األصولية ألحد‬ ‫أهم اصحاب املذاهب الفقهية اإلسالمية‪ ،‬وهو‬ ‫اإلمام الشافعي‪ ،‬قام نصر حامد أبو زيد باستثمار‬ ‫املنهجية التأويلية احلديثة‪ ،‬التي تتوسل باألليات‬ ‫الداللية والهيرمنوطيقية في قراءة النصوص‬ ‫التراثية‪ ،‬وذلك ألبراز دور الشافعي في تأسيس‬ ‫األيديولوجية الوسطية‪ .‬وفي هذا العرض املوجز‬ ‫سنحاول تلخيص‪ ،‬قدر اإلمكان‪ ،‬رأيه في منوذج‬ ‫الشافعي من خالل كتابه "اإلمام الشافعي‬ ‫وتأسيس األيديولوجية الوسطية" الصادر عن‬ ‫مكتبة مدبولي‪ ،‬في القاهرة‪ ،‬وهي الطبعة الثانية‬ ‫مزيدة ومنقحة‪ ،‬ومصدرة مبقدمة طويلة للرد على‬ ‫الذين انتقدوه (‪.)1‬‬ ‫ينطلق صاحب هذا الكتاب من دعوى أساسية‬ ‫ميكن تلخيصها في ما يلي‪:‬‬ ‫يعتبر الشافعي من أكبر دعاة تأسيس علم‬ ‫أصول الفقه (النصوص) (‪ )2‬تأسيسا شرعي ًا‬ ‫ولغوي ًا‪ .‬ومن الصعب ملن يريد االنفالت من‬ ‫عقال هذا التأسيس‪ ،‬أن يتجنب املسألة اللغوية‬ ‫واإلشكاالت املرتبطة بها؛ تلك التي استثمرها‬ ‫الشافعي لإلفادة بأن العلم هو علم بالنص وفق‬ ‫قواعد اللسان العربي واحلديث ـ السنة‪.‬‬ ‫فلماذا يشدد هذا اإلمام على البيان العربي‬ ‫في الفهم والعلم باألصول؟ واألكثر من ذلك‪ ،‬ملاذا‬ ‫يعتبر اللغة العربية أكثر اتساعا مما يظن بها‪ ،‬مما‬ ‫يستوجب اعتبارها منبع طرق الداللة في النصوص‬ ‫الدينية؟ وكيف ساعد هذا التصور أصحاب‬ ‫احلديث وبعض األصوليني على رفض طرق أخرى‬ ‫للداللة‪ ،‬كالداللة العقلية والكالمية‪ ،‬مقتصرين‬ ‫على الداللة النصية واللفظية؟‬ ‫يبدأ فهم تأسيسية علم األصول عند الشافعي‪،‬‬ ‫بالنسبة حلامد أبو زيد‪ ،‬بالكيفية التي وازى بها‬ ‫هذا األخير العلم بالقرآن والسنة بالعلم باللسان‬ ‫العربي‪ .‬فمعرفة النص الديني ال تتأتى إال ملن‬ ‫حتققت له معرفة محيطة بالبيان‪ ،‬ذلك أن البيان‬ ‫هو مبنى هذا النص‪ .‬ولهذا ال يبلغ املعنى احلقيقي‬ ‫للنصوص الدينية سوى من له القدرة على أن يجمع‬

‫بني الداللة النصية والشرعية‪.‬‬ ‫وإذا كانت اللغة بهذا االتساع الداللي‪ ،‬فإنه‬ ‫يترتب عن ذلك‪ ،‬أنه ال ميكن لإلنسان املجتهد أن‬ ‫يدرك املعنى الكامل للنصوص الدينية‪ .‬وقد ترتب‬ ‫عن هذه القناعة عند الشافعي‪ ،‬أن لغة القرآن‬ ‫هي أوسع األلسن على اإلطالق‪ ،‬وهذا ما يجعل‬ ‫القرآن‪ ،‬مبا هو جتسيد لإلعجاز البياني‪ ،‬صعب‬ ‫الداللة معجز اللفظ‪ ،‬الشيء الذي حدا بالشافعي‬ ‫ليعتبر السنة دالة على القرآن ومبينة له‪ ،‬ولها‬ ‫مشروعية كبرى في فك رموزه الداللية‪ ،‬فهي جتعل‬ ‫املستحيل بيانيا ميكن تأويله وتفسيره بالسنة‪.‬‬ ‫وفق هذا الربط الداللي القائم بني نص القرآن‬ ‫ونص احلديث‪ ،‬تكتسب السنة مشروعيتها ليس‬ ‫فقط في كشف داللة القرآن‪ ،‬بل في تشكيل‬ ‫الداللة األصولية أيضا ‪ .‬وقد كان غرض "الرسالة"‬ ‫عند الشافعي‪ ،‬وضع منهج أصولي ميكن اعتباره‬ ‫أساس علم يختص بدراسة أصول الداللة الشرعية‪،‬‬ ‫كما تصورها الشافعي‪ ،‬انطالق ًا من نظريته في‬ ‫البيان‪ ،‬قصد اظهار معاني النصوص الدينية‪.‬‬ ‫فكيف يتصور الشافعي البيان؟‬ ‫البيان عند الشافعي اسم جامع ملعاني مجتمعة‬ ‫األصول‪ ،‬أو إجماال في بعضه وتفصي ً‬ ‫ال في بعضه‬ ‫األخر‪ ،‬وقد يكون بيان من القرآن للقرآن‪ ،‬أو بيان‬ ‫من السنة للقرآن‪ .‬فهو يعتبر جميع معاني البيان‬ ‫مدركة ومتقاربة االستقراء عند من يفهم لغة القرآن‬ ‫ويخاطب بها‪ ،‬أما إذا جهلها املرء‪ ،‬فإنه سيجهل‬ ‫أنواع البيان ومن ثم يجهل معاني النصوص‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬البد ملن يريد إدراك داللة النص القرآني‬ ‫أن مير بطرق العرب في البيان‪ ،‬فهي الطرق عينها‬ ‫املستعملة في القرآن‪ ،‬وإن كان بيان القرآن في‬ ‫نظره أحيانا من إعجازه‪ ،‬وهو ما ال سبيل إلى‬ ‫إدراكه إال للرسول (ص)‪.‬‬ ‫وتكتسب هذه الطرق البيانية قوتها‬ ‫ومشروعيتها‪ ،‬حسب الشافعي‪ ،‬من القول بالتالزم‬ ‫بني اللفظ واملعنى‪ ،‬ولهذا فالبيان العربي جزء‬ ‫جوهري في بنية النص الديني‪ .‬ويقسمه هذا‬ ‫األخير‪ ،‬حسب مقتضيات تصوره‪ ،‬إلى ما يلي‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ ما أبانه الله خللقه بصورة ال تقبل‬ ‫االحتمال أو الظن‪ ،‬وهذا هو املسمى بالنص‪،‬‬ ‫كفرض الصالة والزكاة وحترمي الزنا واخلمر‪ ،‬ونحو‬ ‫ذلك من الفرائض واحملرمات‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ ومنها ما قرر الله تعالى فرضه في‬ ‫القرآن‪ ،‬وترك بيان كيفيته للنبي (ص)‪ ،‬كتعدد‬ ‫الصلوات‪ ،‬ومقادير الزكاة ونحو ذلك‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ ومنها ما فرضه رسول الله (ص) ابتداء‬ ‫وليس في القرآن له نظير‪ ،‬وذلك مثل فرض القرآن‬ ‫متاما‪ ،‬ألن الله تعالى فرض في كتابه طاعة نبيه‬ ‫(ص)‪ ،‬وذلك كتحرمي أكل حلوم احلمير‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ ومنها ما فرض الله تعالى على العباد‬ ‫معرفته باالجتهاد والنظر وابتالهم بذلك‪،‬‬ ‫كاالجتهاد في معرفة القبلة عند البعد عنها‪ ،‬ألن‬ ‫التوجه إليها في الصالة فرض‪.‬‬ ‫يظهر من هذا التقسيم‪ ،‬حرص الشافعي على‬ ‫إبراز أن للنص أوجها عدة في اإلبالغ؛ فهو يدل‬ ‫بطرق مختلفة على حلول لكل املشاكل والنوازل‬ ‫التي وقعت في املاضي أو ميكن أن تقع في احلاضر‬ ‫أو في املستقبل‪ .‬وقد نوقشت طرق البيان هذه‬ ‫حتت مسمى العموم واخلصوص‪ ،‬وهو مبدأ أصولي‬ ‫لغوي طرح في سياق النقاش الدائر بني مدرسة‬ ‫احلديث والرأي‪ ،‬حول طرق الداللة الشرعية‪ .‬أما‬ ‫مدرسة احلديث‪ ،‬فهي تقول بأن احللول الدنيوية‬ ‫واألخروية موجودة في النص ويكفي فقط‬ ‫اكتشافها بالبيان‪ ،‬بينما ترى املدرسة الثانية أن‬ ‫هناك ضرورة الستعمال الرأي في بحث الداللة‬ ‫(أبو حنيفة)‪.‬‬ ‫وفي هذا السياق‪ ،‬يدافع الشافعي عن مبدأ‬ ‫وجود احللول لكل املشكالت في النص‪ ،‬مدافعا‬ ‫بذلك عن مدرسة احلديث‪ .‬وهكذا انصرف للدفاع‬ ‫عن مدرسة النص‪ ،‬فكان أن أقر بكثير من اجلهد‬ ‫العقلي‪ ،‬أن طرق الداللة في النص متعددة‪ ،‬وأن‬ ‫معنى النص مرتبط بالكيفية التي تؤدي بها اللغة‬ ‫العربية الداللة‪ .‬فمعاني الكتاب (النص) إمنا هي‬ ‫مكتسبة بطرق العرب في الداللة‪ ،‬لهذا جنده يقرر‬ ‫أنواع الداللة حسب هذا املنظور إلى‪:‬‬ ‫العام من األلفاظ الذي يبقى في إطار داللته‬ ‫على العام داخل التركيب أو السياق‪ ،‬مثل قوله‬ ‫تعالى‪( :‬الله خالق كل شيء)‪ ،‬وفيها خالف من‬ ‫حيث داللة الكل للعموم‪ .‬إنها منوذج للعام الباقي‬ ‫على عمومه‪.‬‬ ‫العام الظاهر الذي يدخله تخصيص جزئي ال‬ ‫يلغي عمومه‪ ،‬مثل اآلية‪ 120‬من سورة التوبة‪:‬‬

‫(ما كان ألهل املدينة ومن حولهم من األعراب أن‬ ‫يتخلفوا عن رسول الله وال يرغبوا بأنفسهم عن‬ ‫نفسه‪.)..‬‬ ‫العام الظاهر‪ ،‬لكن داللته هي اخلصوص على‬ ‫غير ظاهره‪ ،‬مثل اآلية‪ 173‬من سورة آل عمران‪:‬‬ ‫(الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا‬ ‫لكم فاخشوهم‪ ،‬فزادهم إميانا وقالوا حسبنا الله‬ ‫ونعم الوكيل)‪ .‬يالحظ هنا أن الداللة تراوح بني‬ ‫الوضوح والغموض‪ ،‬فالغموض والوضوح في داللة‬ ‫العموم على اخلصوص ال يرتبط بطبيعة التركيب‬ ‫أو السياق‪ ،‬بل هو مرتبط أساسا بطبيعة املتلقي‬ ‫حسب الشافعي‪.‬‬ ‫الظاهر الذي يعرف من سياقه أنه يراد به غير‬ ‫ظاهره‪ ،‬وقد فهم هذا النوع بظاهرة احلذف أو مجاز‬ ‫احلذف كما درسه اللغويون كالفراء وغيره‪.‬‬ ‫تكلم العرب بالشيء تعرفه باملعنى دون‬ ‫اإليضاح باللفظ‪ ،‬كما تعرفه باإلشارة‪ ،‬ثم يكون‬ ‫هذا عندها من أعلى كالمها إلنفراد أهل علمها‬ ‫به‪ ،‬دون أهل جهالتها‪ .‬ويتجلى هذا في االستعارة‬ ‫والكناية‪ ،‬ويعتبر هذا النوع من الداللة من أعلى‬ ‫األمناط ألن العلم به مقصور على أهل العلم دون‬ ‫اجلهلة‪.‬‬ ‫ما يتعلق بداللة األلفاظ املفردة بواسطة‬ ‫الترادف‪ ،‬فالشيء الواحد باألسماء الكثيرة‪ .‬ما‬ ‫يتعلق بداللة األلفاظ املفردة بواسطة االشتراك‪،‬‬ ‫ألن لالسم الواحد اكثر من معنى‪.‬‬ ‫إن تأسيس داللة العموم واخلصوص‬ ‫بهذا الشكل‪ ،‬كظاهرة لغوية وأصولية‪،‬‬ ‫له فائدة كبيرة بالنسبة للشافعي في ربط‬ ‫املؤسس باللسان العربي‬ ‫تأويل معنى النص‬ ‫ّ‬ ‫وحاجته إلى النص الشارح (احلديث)‪ .‬إنه‬ ‫ربط تأسيسي بني القرآن واحلديث واللسان‪.‬‬ ‫لكن ما يعاب عليه حسب أبو زيد‪ ،‬هو اعتماده‬ ‫في هذا التصنيف ألشكال الداللة على تصنيف‬ ‫املتلقني‪ ،‬وليس على رصد آليات إنتاج الداللة في‬ ‫بنية النص في حد ذاته؛ إضافة إلى ذلك اكتفاءه‬ ‫بشروح اللغويني والنحات والبالغيني‪ .‬أما احلقيقة‬ ‫املتوارية وراء كل ذلك‪ ،‬فهي محاولة تأسيس‬ ‫عروبة النص باملعنى الذي يفيد أنه ال يوجد مدخل‬ ‫غير اللسان العربي (البيان) لفهم حقيقة الدين‬ ‫اإلسالمي‪ .‬وهذا في حد ذاته يتنافى مع مقصد‬ ‫كونية الدين‪ ،‬وإمكانية أن يتل ّون بثقافات أخرى‬ ‫غير الذهنية العربية‪ .‬ولعل ما يزكي هذا نفوره من‬ ‫الشعوبية وتعصبه للغة والثقافة العربية القريشية‪،‬‬

‫كما يؤكد صاحب الكتاب في بحثه‪.‬‬ ‫وفي األخير يخلص الكاتب إلى أن الشافعي‬ ‫قد عمل على تسييج النص الديني بسياج اللغة‪،‬‬ ‫ولم يكتف بذلك فقط‪ ،‬بل متسك بحرفية النقل‬ ‫في مجال داللة احلديث على القرآن‪ ،‬نافي ًا أهلية‬ ‫العقل في تأسس الداللة‪ ،‬مكرس ًا بذلك مبدأ‬ ‫تباعد العقل والنقل وتعارضهما في مجال التأويل‬ ‫الداللي للنصوص‪ ،‬ضارب ًا بعرض احلائط مبدأ‬ ‫الداللة العقلية التي أسس لها بعض املتكلمة‬ ‫والنظار‪.‬‬ ‫إن أكبر مفارقة وضعها الشافعي‪ ،‬هي أنه‬ ‫أسس بواسطة اجتهاداته وعقالنيته األصولية‬ ‫قد ّ‬ ‫لنفي العقل‪ ،‬ومن ثم تأسيس سلطة النصوص‬ ‫وتنافي العقالنية في مجال تأويل النص الديني‬ ‫مع إدراك املعاني الدينية إدراك ًا عقلي ًا‪.‬‬ ‫وحسب أبو زيد‪ ،‬ال مجال للتحرر من هذه‬ ‫السلطة (الثقافية) والهيمنة الداللية النصية‬ ‫للنموذج األصولي‪ ،‬إال بالتحرر من الفهم‬ ‫الشافع ّيي للنص الديني‪ ،‬وذلك بربطه بالسياقات‬ ‫التاريخية والثقافية التي أنتج فيها‪.‬‬ ‫فالثابت في العلوم الدينية‪ ،‬أنها كلها ال‬ ‫تخرج عن تلك السياقات التاريخية والثقافية‬ ‫التي انتجت فيها‪ .‬إنها تاريخية‪ ،‬وال تتعالى‬ ‫على الزمان واملكان والظروف واملالبسات التي‬ ‫أنتجت فيها‪.‬‬ ‫الهوامش‬ ‫‪ . 1‬اعتمدنا في هذا العرض على الطبعة‬ ‫الثانية لكتاب أبو زيد‪ ،‬نظرا لكونها حتتوي على‬ ‫مقدمة سجالية مع املعترضني ألطروحة الكاتب‬ ‫وخاصة منهم محمد بلتجي عميد كلية دار العلوم‪،‬‬ ‫وأستاذ الفقه وأصوله‪ .‬أنظر اإلمام الشافعي‬ ‫وتأسيس األيديولوجي الوسطية‪ ،‬مكتبة الدبولي ـ‬ ‫القاهرة‪ ،‬ط ‪،1996 ،2‬‬ ‫‪ . 2‬يعتبر نصر حامد أبو زيد مفهوم النص أو‬ ‫النصوص من املفاهيم األساسية التي ترتكز عليها‬ ‫منهجيته التأويلية للتراث الديني‪ .‬ولعل هذا الفهم‬ ‫هو الذي دفعه إلى إعادة قراءة هذا التراث من زاوية‬ ‫حتليل اخلطاب الديني وكشف العالقة القائمة بني‬ ‫فهم النص ومتلك السلطة واحلقيقة‪ ،‬باعتبار هذا‬ ‫التملك إرادة معرفة وهيمنة‪ .‬أنظر بهذا اخلصوص‬ ‫كتابه‪« :‬النص والسلطة واحلقيقة» الصادر عن‬ ‫املركز الثقافي العربي‪ .‬الطبعة ‪2006 ،5‬‬ ‫‪hocine_80@hotmail.fr‬‬

‫‪33‬‬


‫رأي‬

‫خطوات ما قبل تقريب المذاهب‬ ‫التقريب بين المذاهب‬ ‫بحاجة الى علماء من شتى‬ ‫صنوف العلوم لتقريب‬ ‫الجوانب االشكالية‬ ‫تاريخ االسالم ووضعه‬ ‫الحالي مبتليان بانتهازية‬ ‫وبالدات وجهالة بعض‬ ‫المنتمين لهذا الدين‬

‫د‪ .‬علي محمد فخرو‬ ‫عن موقع «مركز البحوث املعاصرة» في بيروت‬

‫‪34‬‬

‫منذ عدة عقود ونحن نسمع عن دعوات رسمية‬ ‫ومجتمعية لضرورة تقريب املذاهب اإلسالمية‬ ‫فيما بني بعضها البعض‪.‬‬ ‫وال مي ٌّر عقد إ ُال ويكتشف أحدهم أن اخلالفات‬ ‫املذهبية اإلسالمية قد تطورت لتكون فجيعة‬ ‫طائفية مبتذلة ولتصبح من أهم األدوات التي‬ ‫يستعملها بعض ساسة احلكم واملجتمع وتستعملها‬ ‫بعض اجلهات اخلارجية‪ ،‬من مثل قوى االستعمار‬ ‫الغربي أو القوى الصهيونية العاملية‪ ،‬لتمزيق‬ ‫املجتمع العربي وتأجيل نهضته‪ .‬وال يحتاج‬ ‫اإلنسان لإلتيان بأمثلة تاريخية‪ ،‬إذ ميثل أمامنا‬ ‫السياسي البحت‬ ‫اليوم مرض الهوس الطائفي ٍّ‬ ‫وهو ينتشر باسم مذهبي الس ّنًة والشيعة ويهدٍّ د‬ ‫العالقات بني الدول واملجتمعات واألفراد‪.‬‬ ‫لكن أصحاب النوايا الط ٍّيبة من الذين‬ ‫يطرحون موضوع التقريب بني املذاهب اإلسالمية‬ ‫يحتاجون أن يواجهوا عالمات استفهام يطرحها‬ ‫الكثيرون‪ ،‬وتشمل فيما اآلتي‪:‬‬ ‫أو ًال‪ :‬هل ميكن تقريب املذاهب دون أن‬ ‫يسبق ذلك تنقية وتصحيح وإعادة تنظيم حقلي‬ ‫األحاديث النبوية واالجتهادات الفقهية؟ فاملكتبة‬ ‫العربية كانت وال تزال خصوصا في أيامنا احلالية‬ ‫تزخر بأبحاث وكتابات نقدية رصينة لتاريخ‬ ‫مسيرة احلقلني املذكورين‪ ،‬ولألسس النظرية‬ ‫والصيغ‬ ‫املعرفية التي قاما عليها‪ ،‬ولألدوات‬ ‫ٍّ‬ ‫التنظيمية التي استعملت لوضعهما في إطارين‬ ‫متماسكني‪ .‬كما أن هناك مالحظات على مدى‬ ‫صدق ًّية وموضوعية وعلم بعض األشخاص الذين‬ ‫تعاملوا مع هذين احلقلني عبر ش ًّتى العصور‪.‬‬ ‫ثم إن هناك مالحظات على اجلوانب واإلحاالت‬ ‫ًّ‬ ‫التاريخية التي اعتمد عليها حقال جمع وتوثيق‬ ‫األحاديث من جهة واستنباطات واستنتاجات‬ ‫الفقه من جهة ثانية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬وماذا عن اإلشكالية املتعلقة بطبيعة‬ ‫ونوع وتنظيم العالقة بني ما جاء في القرآن الكرمي‬ ‫من جهة وما جاء في األحاديث النبوية وإمالءات‬ ‫وكتابات الفقهاء من جهة ثانية؟ فمث ً‬ ‫ال كيف‬ ‫ستواجه إشكالية إصرار البعض على املساواة‬ ‫بني األحاديث النبوية‪ ،‬مع ما فيها من مشاكل‬ ‫املعقدة الكثيرة‪ ،‬وبني القرآن الكرمي‬ ‫اإلسناد واملنت‬ ‫ًّ‬

‫بسبب غياب مرجعية‬ ‫كبرى تصحح ما شاب‬ ‫وال يزال يشوب مسيرة‬ ‫االسالم‪ ،‬تنتشر الفوضى‬ ‫الفقهية‬

‫على أساس أن كليهما من وحي الله سبحانه؟‬ ‫وال ننسى أن دعاة املساواة لم يقبلوا فقط بنسخ‬ ‫القرآن لنفسه فقط وإ ًمنّا قد قبلوا بنسخ بعض‬ ‫ماحدث‬ ‫ماجاء في القرآن الكرمي من قبل بعض‬ ‫ًّ‬ ‫به احملدٍّ ثون‪ ،‬وهذا موضوع يحتاج إلى ٍّ‬ ‫حل أو‬ ‫تفسير مقبول‪.‬‬ ‫ثالث ًا‪ :‬فإذا أضيفت إلى ذلك مواضيع من‬


‫مثل األحاديث األحادية وتداخل األحاديث مع‬ ‫الصراعات السياسية الدنيو ًّية البحتة واحلاجة إلعادة‬ ‫ّ‬ ‫كتابة بعض فصول التاريخ العربي واإلسالمي وكثرة‬ ‫اجلهات املتنافسة واملتصارعة املسؤولة عن ضبط‬ ‫ًّ‬ ‫الشطط في احلقلني املذكورين‪ ،‬فانه نًّ‬ ‫يتبي مقدار‬ ‫حجم وتع ُّقد موضوع التقريب بني املذاهب‪ .‬ومع‬ ‫ذلك فالتقريب ممكن وضروري‪ ،‬ولكنه سيحتاج الى‬ ‫االقتراب منه بصورة مدروسة وصحيحة وتراكمية‬ ‫بد ًال من الصورة العشوائية التي سارت عليها‬ ‫احملاوالت حتى اآلن‪.‬‬ ‫رابع ًا‪ :‬إذا كان التقريب سيعتمد فقط على رجاالت‬ ‫وعلماء الفقه فانه ميكن أن يتع ًّثر‪ .‬إنه سيحتاج أيض ًا‬ ‫إلى حضور علماء التاريخ والدٍّ يانات املقارنة وال ُّلغة‬ ‫وعلوم اآلثار واالنثروبولوجيا واالجتماع والفلسفة‪ .‬إن‬ ‫هؤالء سيساعدون على تسليط األضواء على كثير‬ ‫من اجلوانب اإلشكالية أثناء النقاش والتمحيص‪.‬‬ ‫خامسا‪ :‬إن هذا املجهود سيحتاج أن يكون‬ ‫عبارة عن سيرورة نقاشية ـ بحثية عبر زمن‬ ‫مفتوح‪ .‬إنها ستحتاج أن ت ًّتصف باالستقاللية عن‬ ‫السلطات السياسية والدينية‪ ،‬وبفضاء واسع من‬ ‫احلرية األكادميية والفكرية‪ ،‬وبشفافية منفتحة على‬ ‫مؤسسية دميقراطية‬ ‫املجتمع ك ٍّله‪ ،‬وبأن تقوم على ّ ً‬ ‫مستمرة وغير موسمية‪ .‬وستحتاج من الناحية‬ ‫املادية إلى وقف ًّية مجتمعية ورسمية غير مشروطة‬ ‫بأي شروط‪ .‬وكالعادة ال ًّبد أن تنطلق في بدايتها‬ ‫ٍّ‬ ‫ومتحمسة ومضح ًّية وغير‬ ‫بجهود مجموعة مهتمة‬ ‫ٍّ‬ ‫منحازة ومنفتحة على املجتمع ك ٍّله‪.‬‬ ‫إن تاريخ مسيرة الدين اإلسالمي احلنيف ووضعه‬ ‫احلالي مبتليان بانتهازية وبالدات وجهاالت بعض‬ ‫املنتمني لهذا الدين‪.‬‬ ‫تصحح ما شاب‬ ‫وبسبب غياب مرجعية كبرى‬ ‫ٍّ‬ ‫وال يزال يشوب تلك املسيرة تنتشر الفوضى الفقهية‬ ‫ٍّ‬ ‫املتنطعون الطفيليون وتزداد هجمات األعداء‬ ‫ويكثر‬ ‫ويغوص املسلمون في وحل التخ ٌّلف والهوان وتغ ًّلب‬ ‫الهوامش وشلل اإلرادة‪ .‬إن نظرة واحدة على مخازي‬ ‫بعض احملطات الدينية تري سوء احلال الذي وصلنا‬ ‫إليه وتشرح بالصورة والصوت ما شرحناه باختصار‬ ‫شديد‪ .‬واجلواب على كل ذلك ليس صدور كتاب‬ ‫إصالحي معقول بني احلني واآلخر‪ ،‬وليس وجود‬ ‫ًّ‬ ‫محطة تلفزيونية متوازنة من بني مئات مجنونة‪،‬‬ ‫وليس انعقاد مؤمتر ثقافي إسالمي رسمي بني احلني‬ ‫واآلخر‪ .‬إن اجلواب سيحتاج أن يقوم على خطوة‬ ‫والدوران‬ ‫تاريخية كبرى ليخرج العباد من التٍّيه ًّ‬ ‫العبثي الذي طال عليه األمد‬

‫متابعات مغاربية‬ ‫•‬

‫ أطلقت وزارة الشؤون الدينية واألوقاف باجلزائر‪ ،‬مبادرة سمتها «بنك الفتوى»‪،‬‬ ‫الغرض منها «التصدي للفتاوى التي تقدمها فضائيات دينية جلزائريني‪،‬‬ ‫والتي اعتبرتها سببا‪ ،‬في تخريب بيوتهم‪ ،‬وتغيير مجرى حياتهم نحو األسوأ‪.‬‬ ‫وسعت بذلك الوزارة إلى ما اعتبرته سد فراغ كبير في مجال خدمة تقدمي‬ ‫الفتوى‪ ،‬وذلك عبر آليتني جديدتني‪ :‬األولى‪ ،‬تكمن في توظيف مرشدات دينيات‪،‬‬ ‫جتدهن النساء في املساجد لتوجيههن في قضايا دينية‪ .‬والثانية‪ ،‬تكمن في‬ ‫استحداث باب باملوقع اإللكتروني اجلديد للوزارة‪ ،‬سماه الوزير غالم اهلل «بنك‬ ‫الفتوى»‪.‬‬

‫•‬

‫ بادر نشطاء من اجلالية املغربية في دول أوروبية بهيكلة «املنتدى املدني‬ ‫ملغاربة أوروبا» عبر سكرتاريات تنظيمية متعددة‪ ،‬كما أعلن املنتدى سياسة‬ ‫مستقلة عن سياسة الرباط في اجملال الديني‪ .‬وتضمن بيانه توصية ترفض‬ ‫تدخل الدولة املغربية في الشأن الديني االسالمي ملغاربة أوروبا ودعوة الدول‬ ‫األوروبية للموافقة على إنشاء مؤسسات دميقراطية لتدبير الشأن الديني‬ ‫مبشاركة جميع منظمات املسلمني الثقافية منها واالجتماعية والدينية‪.‬‬

‫•‬

‫ أصدر املركز املغربي للدراسات واألبحاث املعاصرة أول تقرير من نوعه عن احلالة‬ ‫الدينية باملغرب‪ ،‬وهو عمل يأتي في مرحلة تشهد فيها املسألة الدينية في‬ ‫املغرب حراكا ً كميا ً ونوعياً‪ ،‬سواء جلهة املبادرات واإلجراءات التي قامت وتقوم‬ ‫بها الدولة ومختلف الفاعلني في اجملال الديني‪ ،‬أو جلهة التحديات والرهانات‬ ‫املطروحة على هذا املستوى‪ ،‬منذ تفجيرات الدار البيضاء عام ‪ ،2003‬التي‬ ‫شكلت حدثا ً مفصليا ً في طريقة مقاربة وتدبير املسألة الدينية من طرف‬ ‫الدولة‪.‬‬

‫•‬

‫ صادق مجلس وزاري يوم ‪ 8‬ايلول (سبتمبر) املاضي على مشروع قانون‬ ‫للجنسية لألمهات التونسيات املتزوجات من أجانب‪ ،‬سيسمح بحرية منح‬ ‫جنسيتهن ألبنائهن دون العودة إلى موافقة األب‪ .‬وهي خطوة اعتبرها العديد‬ ‫من التونسيني مكسبا ً جديدا ً للمرأة التونسية‪ .‬من شأنها أن جتسد الشراكة‬ ‫واملساواة بني اجلنسني‪ .‬يشار إلى أن ليبيا واجلزائر واملغرب لديها إجراءات مماثلة‬ ‫في هذا الصدد‪.‬‬

‫•‬

‫ في خطوة سابقة من نوعها‪ ،‬أعلن في االول من ايلول (سبتمبر) املاضي‬ ‫عن انضمام اإلسالمي نعمان بن عثمان قيادي اجلماعة اإلسالمية الليبية‬ ‫املقاتلة إلى مؤسسة «كويليام ملكافحة التطرف الديني» في العاصمة‬ ‫لندن‪ .‬وذكرت «كويليام»‪ ،‬التي تعتبر أول مؤسسة بحثية ملكافحة التطرف‬ ‫والتيارات األصولية‪ ،‬إن ابن عثمان الناشط السياسي واإلسالمي الليبي‬ ‫املقيم ببريطانيا‪ ،‬تعاقد مع املؤسسة ككبير احملللني ومسؤول عن االتصاالت‬ ‫االستراتيجية باملؤسسة املعنية‪ .‬وأسهم ابن عثمان في إجراء «املراجعات»‬ ‫التي قامت بها اجلماعة الليبية املقاتلة‪ ،‬التي أدت إلى إنهائها للعمل املسلح‪،‬‬ ‫وتقدميها االعتذار للدولة الليبية‪ .‬‬ ‫‪35‬‬


‫«العقالنية والمعنوية مقاربات في فلسفة الدين» للمفكر مصطفى ملكيان‬

‫هل يمكن ان يجمع االنسان التدين والعقالنية في آن؟‬ ‫الكتاب‪ :‬العقالنية واملعنوية ـ مقاربات في فلسفة الدين‬ ‫الكاتب‪ :‬مصطفى ملكيان‬ ‫ترجمة‪ :‬د‪ .‬عبداجلبار الرفاعي وحيدر جنف‬ ‫إصدار‪ :‬سلسلة فلسفة الدين ‪ /‬مركز دراسات فلسفة‬ ‫الدين ـ بغداد‪ ،‬والدار العربية للعلوم ـ ناشرون‬ ‫عدد الصفحات‪ 510 :‬صفحة‬ ‫يقع كتاب «العقالنية واملعنوية ـ مقاربات في فلسفة‬ ‫الدين» في ثالثني فصال مت اختيارها من قبل املترجمني‬ ‫ً‬ ‫شطرا مما كتبه مصطفى ملكيان في االعوام‬ ‫لتمثل‬ ‫االخيرة حول العقالنية واملعنوية‪ .‬وتلخص العبارات‬ ‫االتية رؤية ملكيان للعالقة بني هذين املفهومني‪ ،‬حيث‬ ‫يقول في املقدمة التي كتبها لهذه الترجمة‪:‬‬ ‫«على اني في الوقت الذي احسب فيه عبادة‬ ‫العقائد‪ ،‬او االنبهار مبعتقدات الذات من اخطر‬ ‫مصاديق الوثنية‪ ،‬ال أميل اطالق ًا الى حتول عقدي ال‬ ‫تباركه االدلة والبراهني‪ ،‬حتول ينبع من صرف التعبد‪،‬‬ ‫او التقليد‪ ،‬او االنخراط في دوامة روح العصر‪ ،‬او‬ ‫الضعف امام موضات الفكر املتوالدة‪ ،‬او االجنراف‬ ‫الى مهاوي الراي العام‪ ،‬او الذوبان في اجلماعة‪ .‬اذ‬ ‫اعتقد ان انسانية االنسان رهن اخالصه للدليل‪،‬‬ ‫والعيش على اساس معطيات العقل والوجدان‪ .‬ما‬ ‫ابتغيه «العقالنية» في عبارة اجلمع بني «العقالنية‬ ‫واملعنوية» ليس سوى هذه التبعية الصادقة للعقل‬ ‫والوجدان‪ ،‬ومطالبة الدليل من كل من يتقبل مطالبتنا‬ ‫اياه بالدليل‪ ،‬فبمقدار ما تفارق العقالنية مسرح‬ ‫حياتنا‪ ،‬يتسع املجال الغوال‪ :‬الزيف والعنف»‪.‬‬ ‫وقد تشير كلمتا (العقل) و(الوجدان) الى‬ ‫لب مشروع املفكر االيراني ملكيان املشتغل على‬ ‫اشكالية حاجة االنسان املعاصر الى املعنوية ـ التدين‬ ‫وحاجته الى االنسجام مع احلداثة‪ ،‬وهذا ما تعكسه‬ ‫بوضوح بعض عناوين فصول الكتاب‪ :‬معطيات‬ ‫الوحي ومكتشفات االنسان‪ ،‬الدين والعقالنية‪،‬‬ ‫التراث واحلداثة‪ ،‬االميان الديني وحيثيات النمط‬ ‫املعاصر‪ ،‬التدين العقالني‪ ،‬مقاربات في السمات‬ ‫االنسانية واملعنوية للتدين جدل العلم والدين‪.‬‬ ‫وبينما يعيد مصطفى ملكيان تعريف التدين‬ ‫في مشروعه (العقالنية واملعنوية) ال يجد ً‬ ‫مفرا من‬ ‫‪36‬‬

‫االشتغال على مفاهيم يراها جوهرية لتأسيس هذا‬ ‫املشروع ومن ثم محاولة اجتراح مقاربة خاصة به‬ ‫لسؤال االنسان في نشدان الطمانينة واالمان مما ميلك‬ ‫او يقدر ان ميلك‪ .‬ومن هذه املفاهيم «الوحي» مثال‬ ‫كثيمة مركزية‪ ،‬اذ يقول «ايا كان‪ ،‬نتوفر نحن البشر‬ ‫اليوم على فئتني من العلوم واملعارف‪ :‬املكتشفات‬ ‫االنسانية واملعطيات الوحيانية‪.‬‬ ‫االولى حصيلة مساعينا‪ ،‬والثانية ليست‬ ‫اكتسابية‪ ،‬امنا هي مبثابة عطايا ومواهب‪ ،‬اهديت‬ ‫الينا في شكل نصوص دينية مقدسة»‪.‬‬ ‫ثم يحيل فورا الى تعقيد العالقة بني هاتني‬ ‫الفئتني على مستوى التبني‪« :‬على ان االشكالية‬ ‫تكمن في مواطن تناشز‪ ،‬ميكن مالحظاتها احيانا‬ ‫بني هذه املعطيات وتلك املكتشفات‪ ،‬فاي الفئتني‬ ‫نعتمد وايهما نترك‪ ،‬اذا ما حصل التناقض‪ ،‬وملاذا‪،‬‬ ‫وكيف؟ واذا اراد االنسان ان يكون متدينا وعقالنيا‬ ‫في نفس الوقت‪ ،‬ومؤمنا واستدالليا في حني واحد‪،‬‬ ‫فكيف يتعامل مع هاتني الفئتني من املعارف‪ ،‬وهما‬ ‫ال تتسقان في العديد من احلاالت؟» ص‪18‬‬ ‫من هذه املفاهيم ايضا «مفهوم العلم الديني»‬ ‫الذي يفصل في اجابته على اسئلة بهذا اخلصوص‬ ‫في شرحه ويؤشر على احتماله لثالثة انواع‪:‬‬ ‫«النوع الذي في اطاره يتم اكتشاف مجموعة‬

‫التعاليم الدينية واملذهبية حول موضوع معني‪،‬‬ ‫واستنباطها وتنظيمها وشرحها ورمبا الدفاع عنها‪،‬‬ ‫مثل علم الكالم‪ ،‬االخالق االسالمية‪ ،‬والفقه‬ ‫االسالمي‪.‬‬ ‫النوع الذي يبحث فيه مبناهج جتريبية او عقلية‬ ‫او تاريخية حول االديان عموما او حول اديان معينة‪،‬‬ ‫مثل علم نفس الدين‪ ،‬وعلم اجتماع الدين وفلسفة‬ ‫الدين‪ »..‬ص ‪.364‬‬ ‫وهو يرى ان هذين النوعني ليسا ممكنني فحسب‬ ‫بل محبذان ومحبذان جدا‪ .‬فيما يشير الى نوع ثالث‬ ‫ويسميه «تديني الدين» او «العلم الذي يصيرونه‬ ‫دينا»‪ .‬وفي سعيه الى اعادة االعتبار الى «عملية‬ ‫االستدالل «العقلي في الوصول الى «املعنوية»‬ ‫الالزمة يقول الكاتب في جواب على سؤال اخر عن‬ ‫«العلم الديني»‪:‬‬ ‫ً‬ ‫«اذا كان العلم الديني ممكنا‪ ،‬فال محيص‬ ‫عند تعارضه مع العلوم غير الدينية‪ ،‬من الركون‬ ‫الى العلوم غير الدينية‪ ،‬النها تتوكأ على مناهج‬ ‫جتريبية وعقلية وتاريخية‪ ،‬واذا لم جننح اليها‪ ،‬نكن‬ ‫في الواقع قد شطبنا على املناهج التجريبية والعقلية‬ ‫والتاريخية‪ ،‬وحكمنا بتهافتها‪ .‬اذ ان رفض النتائج‬ ‫غير متاح اال بتخطئة العملية التي متخضت عن‬ ‫تلك النتائج‪ ،‬وتخطئة املناهج التجريبية والعقلية‬ ‫والتاريخية ال يسفر اال عن دحض حجية الدين‬ ‫والنصوص املقدسة الدينية واملذهبية‪ ،‬الن حجية‬ ‫هذه النصوص وقيمتها لم تتات اال باثبات صدق‬ ‫سلسلة من القضايا عن طريق استخدام املناهج‬ ‫التجريبية والعقلية والتاريخية واود التاكيد في هذا‬ ‫السياق على ان الذين ال يفتاون يكيكلون الكبوات‬ ‫والهفوات للمناهج التجريبية والعقلية والتاريخية امنا‬ ‫يقطعون الغصن الذي يجلسون عليه فمكانة الدين‬ ‫وحجيته ال تقوم لها قائمة اال بتلكم املناهج» ص‬ ‫‪.368‬‬ ‫غير ان انحياز الكاتب لـ «االستدالل»‬ ‫و«البرهان» و«العلم» ال يعني بالنسبة له االستغناء‬ ‫عن «عالم اوسع من عالم الطبيعة» كما يؤكد بني‬ ‫صفحات كتابه‬

‫مراجعة‪ :‬هاجر القحطاني‬


‫نجاح كاظم في «االسالم وجوهر الحداثة»‬

‫البحث عن معمارية اجتماعية حداثية في العالم اإلسالمي‬ ‫الكتاب‪ :‬اإلسالم وجوهر احلداثة‬ ‫الكاتب‪ :‬د‪ .‬جناح كاظم‬ ‫إصدار‪ :‬الرسا للنشر ـ لندن‬ ‫عدد الصفحات‪ 392 :‬صفحة‬ ‫عبر ثالثة فصول يحاول جناح كاظم في كتابه‬ ‫«االسالم وجوهر احلداثة» الصادر حديث ًا عن‬ ‫«الرسا للنشر ـ لندن» االجابة على جملة اسئلة‬ ‫اساسية تتمحور حول تخلف العرب على اصعدة‬ ‫عدة‪ ،‬وانفصامهم التام عن احلداثة ودور الدين في‬ ‫بلورة الوعي اجلمعي العام‪.‬‬ ‫يناقش الكاتب في الفصل االول املعنون‪:‬‬ ‫«االزمة الفكرية» التراجع الفكري والعقلي امللحوظ‬ ‫في املنطقة العربية‪ ،‬ويعزي االمر الى قلة االفكار‬ ‫وقدم النظام املعرفي والعودة الدائمة الى املاضي‬ ‫ً‬ ‫مجددا‪،‬‬ ‫الستخراج االفكار القدمية واعادة انتاجها‬ ‫االمر الذي يشكل على الدوام الفارق الشاخص‬ ‫بيننا وبني بقية االمم التي تسعى الستثمار احلاضر‬ ‫لتشييد املستقبل‪.‬‬ ‫يستعرض املؤلف في ذات الفصل الفكر القومي‬ ‫واصف ًا اياه بأنه يعتمد على نظم معرفية قدمية‪،‬‬ ‫ويقوم على ابراز تفوق الذات واظهار نقائض االخر‪،‬‬ ‫مع الفشل في رؤية نقائضه وحاجاته‪ ،‬ما ينطوي‬ ‫على نفسه في ابراج عاجية تتعالى على الواقع‬ ‫العملي املعاش‪ .‬ويعيب الكاتب على الفكر القومي‬ ‫ً‬ ‫مستندا‬ ‫اعتماده على النصوص التراثية وتأثره بها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الى االنتقائية في قراءة التاريخ‪ ،‬التي غالبا ما‬ ‫تتعمد جتميل مواضيع معينة وتشوه اخرى‪.‬‬ ‫ولكن من وظف النص الديني لصالح السلطة؟‬ ‫يجيب كاظم في منت الفصل االول بأن معاوية بن‬ ‫ابي سفيان اول من وظف النص الديني لصالح‬ ‫سلطته لتبدأ مرحلة جديدة تلت مرحلة اخللفاء‬ ‫الراشدين متيزت باالستبداد السياسي‪ ،‬اذ شهدت‬ ‫ً‬ ‫كبيرا بني الدين والسلطة‪ .‬ومع‬ ‫تلك احلقبة خلط ًا‬ ‫ظهور مصلحني اجتماعيني امثال جمال الدين‬ ‫االفعاني ومحمد عبده ومحمد اقبال‪ ،‬ابتدأ ما‬ ‫يسمى بعصر النهضة العربية الذي سعى النسجام‬ ‫الدين مع متطلبات احلياة املعاصرة‪ ،‬لتأتي بعدها‬ ‫مرحلة ما بعد رواد النهضة املتمثلة بابو العال‬

‫املودودي وسيد قطب‪ ..‬والعديد غيرهم‪.‬‬ ‫في الفصل الثاني‪« :‬ارتداد املجتمع العربي»‬ ‫يسلط الكاتب الضوء على االنقسام والتشتت‬ ‫والقتل بني ابناء املجتمع الواحد‪ ،‬االمر الذي يحد‬ ‫من انشاء معماريات اجتماعية جديدة يكون لها‬ ‫الدور االهم في تصميم املجتمع املدني وقيام‬ ‫املؤسسات العصرية باعتبارها احملرك احلقيقي في‬ ‫صياغة السياسة وفعالياتها‪.‬‬ ‫ويشير د‪ .‬كاظم الى ان ثمة صراع مجتمعي‬ ‫داخل العاملني العربي واالسالمي نتيجة التطرف‬ ‫واالرهاب ومشاكل البطالة والضغط السياسي‬ ‫الهائل واالنفجار السكاني وانهيار التطوير‬ ‫الزراعي وتدهور نظم التعليم لدرجة االنهيار‪ ،‬لهذا‬ ‫يدعو الكاتب الى ضرورة انشاء معمارية اجتماعية‬ ‫جديدة حتتوي على بنى اجتماعية قابلة للعمل‬ ‫والتطوير من خالل مؤسسات فاعلة وحديثة‪ ،‬كما‬ ‫تقوم على اربع ضرورات‪ 1 :‬ـ املرأة‪ 2 ،‬ـ التعليم‬ ‫احلديث والتربية‪ 3 ،‬ـ مؤسسات بحث علمي قادرة‬ ‫على انتاج االفكار وشد الوحدات االجتماعية‬ ‫باالبداع‪ 4 ،‬ـ النقد والتقومي كثقافة وممارسة‪.‬‬ ‫ويقدم الفصل ارقام ًا واحصائيات بشأن الضرورات‬ ‫املذكورة وطرق اداء دورها ضمن معمارية اجتماعية‬ ‫مغايرة‪.‬‬

‫في الفصل الثالث من الكتاب واملعنون «املأزق‬ ‫السياسي» يطرح املؤلف االزمة السياسية اخلانقة‬ ‫التي تعانيها انظمة وشعوب املنطقة على حد سواء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ساردا دور تلك االزمة في تهميش االصالح واحلد‬ ‫من االنطالق من الذات الحداث التغيير‪ ،‬اذ يرى‬ ‫ان احلكومات العربية هي جزء من املشكلة وليست‬ ‫جزءا من احلل‪ ،‬كما انه ال ميكن للمجتمع املدني‬ ‫النمو في ظل النخب احلاكمة‪ .‬فاالصالح يبدأ‬ ‫اساس ًا مع فصل السلطات الثالث‪ :‬التشريعية‬ ‫والتنفيذية والقضائية‪.‬‬ ‫ويعرج د‪ .‬كاظم في الفصل ذاته على احلركات‬ ‫االسالمية‪ ،‬شارح ًا الكثير من املالبسات التي‬ ‫حتيطها‪ ،‬حيث حاولت ملء الفراغ في الساحة‬ ‫السياسية بخبرة قائمة على التراث والفقه القدمي‪،‬‬ ‫ولم تتمكن من طرح رؤية معاصرة ومتقدمة‬ ‫موازية ملفهوم الدولة احلديثة القائمة على القانون‬ ‫ومؤسسات املجتمع املدني وتبادل السلطة سلمي ًا‬ ‫والتعددية‪ ،‬كما انها لم تعمل على اشاعة الوعي‬ ‫في االمور احلساسة النه‪ ،‬بحسب الكاتب‪ ،‬ال قيمة‬ ‫لرأي الناس في الفقه التراثي‪.‬‬ ‫يعتبر املؤلف ان املأزق السياسي للحركات‬ ‫االسالمية يكمن في برامجها السياسية النابعة‬ ‫من تصوراتها القائمة على الفكر القدمي‪ ،‬فالبعض‬ ‫منها عند الوصول الى السلطة يصطدم بواقع معقد‬ ‫وكبير ال ميكن حله فقط بشعارات العودة لالسالم‬ ‫او رفع راية «االسالم هو احلل»‪.‬‬ ‫ينبغي القول ان الكتاب يناقش بصورة‬ ‫عقالنية بعيدة عن العاطفة العديد من مفردات‬ ‫االزمة التي حتاصر حياتنا كالتحرمي املنفلت من‬ ‫عقاله‪ ،‬والتخلف املتخفي بستار الدين الذي يحد‬ ‫من اطالق الطاقات واالبداعات‪ ،‬والعنف الدموي‪،‬‬ ‫ذلك الذي ساهم بوقف دورة احلياة‪ .‬واعتمد الكتاب‬ ‫على جملة ارقام وجداول واحصائيات‪ ،‬االمر الذي‬ ‫يالمس بقدر كبير جوهر املشكلة في خطوة للوصول‬ ‫الى احللول الناجعة او االقتراب منها على اقل‬ ‫تقدير‬

‫مراجعة‪ :‬فؤاد كمال‬ ‫‪37‬‬


‫«قضايا اسالمية معاصرة» في عددها الجديد‬

‫استكمال رهانات الدين والحداثة‬ ‫ال تكاد مجلة «قضايا اسالمية معاصرة»‬ ‫التي يرأس حتريرها الدكتور عبداجلبار الرفاعي‬ ‫تتوقف عند ملف مهم اال وتعدت ذلك الى ملف‬ ‫أهم وهي تبدو‪ ،‬بهذا الصدد‪ ،‬أقرب ما تكون الى‬ ‫مؤسسة ذات مشروع حتديثي يتعلق بفهم الدين‬ ‫وجعله أكثر التصاق ًا بروح العصر‪.‬‬ ‫هذا ما دار في خلدنا ونحن نقلب العدد املزدوج‬ ‫‪ 43‬ـ ‪( 44‬صيف وخريف ‪ )2010‬املخصص‬ ‫لرهانات الدين واحلداثة وهو ملف طرق في العدد‬ ‫السابق من املجلة ‪ .‬وما يجب االنتباه له‪ ،‬هنا‪ ،‬هو‬ ‫جدة الدارسات وتنوع زاويا نظرها الى املوضوع‪.‬‬ ‫وفي هذا امللف نقرأ حوارا مع مصطفى‬ ‫ملكيان‪ ،‬وفيه يقول أن «مسار االنسان املعرفي‬ ‫مسار معرفي بينما مسار االنسان املتدين هو‬ ‫مسار التعبد والتسليم لهذا دائما أقول ال تنظروا‬ ‫الى االشخاص مباذا يؤمنون بل انظروا الى املسار‬ ‫الذي أوصلهم ملا يؤمننون به قد تكون انت انسانا‬ ‫معنويا وانا انسانا متدينا وكالنا نؤمن بوجود‬ ‫حياة بعد املوت لكن من خالل مسارين مختلفني‬ ‫توصلنا لهذه النتيجة»‪.‬‬ ‫اما املفكر الباكستاني فضل الرحمن فآثر‬ ‫الوقوف عند «التطورات احلديثة» مقارب ًا بني‬ ‫احلداثة العقلية واحلداثة السياسية واحلداثة‬ ‫واملجتمع‪ .‬يقول «من الواضح ان هذه املرحلة من‬ ‫تاريخ االسالم تختلف عن مرحلة التأثير الغربي‬ ‫على االسالم في القرن الثالث عشر الهجري»‬ ‫ولذا فانه يرى أن «عدم االستقرار الذي تال الهزائم‬ ‫واخلضوع السياسي جعل املسلم قليل القدرة نفسي ًا‬ ‫على اعاد التفكير في تراثه بطريقة بناءة وعلى‬ ‫مواجهة حتدي الفكر احلديث بعمليات استيعاب‬ ‫مبدعة وعلى ايقاف التحدي املسيحي الذي دخل‬ ‫مباشرة الى هذا التراث»‪.‬‬ ‫ويتوقف فضل الرحمن عند احلداثة العقلية‬ ‫قائ ً‬ ‫ال‪« :‬ان النقد ضد حالة املجتمع االسالمي‬ ‫ً‬ ‫املعاصرة وركوده الظاهر للعيان لقي ً‬ ‫مباشرا‬ ‫ردا‬ ‫ســــريع ًا ولكن هذا الرد كان قد عد مسبقا‬ ‫وكان مشروطا بتــوجهات احلركات االصالحية‬ ‫املبكرة»‪.‬‬ ‫‪38‬‬

‫وفي محور مقاربة من نوع مختلف كتب‬ ‫عالم االنثروبولوجيا طالل اسد عن «بنية الدين‬ ‫بوصفه صنفا انثربولوجيا» متوقفا بشكل مطول‬ ‫عند كون الدين «حالة انسانية مبكرة‪ ،‬ظهر في‬ ‫جنباتها القانون احلديث والعلم والسياسة فاصبح‬ ‫معزو ًال» رؤية أسد متحورت حول هذا املوضوع‬ ‫ً‬ ‫مركزا على‬ ‫‪ ،‬عالقة الدين بالعلوم االنسانية‪،‬‬

‫ال تكاد المجلة‬ ‫تتوقف عند ملف‬ ‫مهم‪ ،‬اال وتعدت ذلك‬ ‫الى ملف أهم‬

‫ما أسماه «الدين الوسيطي» الذي كان «يشمل‬ ‫او يغطي تصنيفات أخرى‪ ،‬اال انه ميكن حتديده‬ ‫حتليلي ًا وهذه احلقيقة هي التي جتعل من املمكن‬ ‫القول أن الدين له نفس اجلوهر اليوم كما كان له‬ ‫في العصور الوسطى»‪.‬‬ ‫طالل اسد لم يكتف بذلك امنا تتبع آراء‬ ‫عدد من الباحثني والفالسفة حول املوضوع مثل‬ ‫جيرتس وجون لوك وغيرهما وهو يرى بهذا الصدد‬ ‫ان «التصنيف التاريخي للعقائد وامللل الى اديان‬ ‫منحطة واخرى رفيعة اصبح اختيارا أكثر شعبية‬ ‫عند الفالسفة والالهوتيني واالرساليات التنصيرية‬ ‫وعلماء االنثربولوجيا في القرن التاسع عشر‬ ‫والعشرين»‪.‬‬ ‫امللف تضمن دراسات ألوليفييه روا بعنوان‬ ‫«حني يلتقي الديني بالثقافة» وتقوم الدراسة حول‬ ‫سؤال أرق الباحثني طويال ومفاده‪ :‬هل الدين جزء‬ ‫من الثقافة؟ اضافة الى اسئلة متولدة مثل‪ :‬هل‬ ‫ان اتساع ديانة ما يتحقق لصالح اتساع ثقافة‬ ‫جديدة؟‬ ‫عدا ذلك كتب أحمد زيغمي «ما ميكن‬ ‫تسميته حداثة دينية في نسق كانط الفلسفي»‬ ‫وفي الدراسة نقرأ «درج الدارسون للحقبة احلديثة‬ ‫على وصفها عادة بحقبة العقالنية كصفة دالة‬ ‫على أهم ما ميز هذه احلقبة فكريا فلسفيا ودرجت‬ ‫اجلامعات العربية على تدريس هذه احلقبة انطالقا‬ ‫من بيكون احيانا ومن ديكارت احيانا اخرى وهما‬ ‫خياران في احلقيقة يعبران عن وهة نظر باطنة‬ ‫توجه احد االعتبارين»‪.‬‬ ‫اما ابراهيم احليدري فكتب عن «مدرسة‬ ‫فرانكفورت بني احلداثة وما بعد احلداثة» في حني‬ ‫كتب قيس هادي أحمد عن «فلسفة الدين عند‬ ‫سبينوزا» وكتب عبد النور بيدار متسائ ً‬ ‫ال‪ :‬كيف‬ ‫نضفي القداسة على حياتنا؟‬ ‫وكتب علي اسعد وطفة عن «العنف الديني في‬ ‫سياق احلداثة» في وقت توقف احلاج بن احمنة دواق‬ ‫عند «احلداثة املستغنية عن الدين» واسعد قطان‬ ‫عند «العوملة والفكر الالهوتي املسيحي» واستهل‬ ‫العدد عبدالرزاق بلعقروز بدراسة تناولت «عودة‬ ‫املكبوت الديني في الثقافات املعاصرة»‬


‫إصدارات‬ ‫ضارية ال حتكم الدبلوماسية تصرفاتها‪ .‬وميكن أن نتذكر أيض ًا أن بعض مذابح‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن ساحة‬ ‫القرن العشرين املغلفة بالعقائدية والتي كانت مسرح ًا للقتل‬ ‫احلرب املعلنة‪ .‬يقع الكتاب في ‪ 512‬صفحة من القطع الكبير‪.‬‬

‫الحرب‪ ..‬انعكاس‬

‫لطبيعة االنسان وسلوكه‬ ‫العرب والمحرقة النازية‬ ‫يبدو ان ثقافة احلرب‪ ،‬رغم ادعاءات الكثير من الناشطني‪ ،‬سمة طبيعية‬ ‫وضرورية من سمات احلياة البشرية‪ ،‬اذ يؤكد مارتن فان كريفيلد في كتابه‬ ‫«ثقافة احلرب» الصادر عن دار «راندم هاوس» اللندنية‪ ،‬أن طبيعة احلرب‬ ‫تعكس طبيعة االنسان‪ ،‬في الوقت ذاته أن هناك اختالفات مهمة بني إدارة‬ ‫احلرب أو سلوكها‪ ،‬فاملجتمعات االنسانية قدمي ًا وحديث ًا متماثلة أكثر من كونها‬ ‫مختلفة‪ ،‬لذا تبدو احلرب ثقافة عابرة سرعان ما تزول لتبدأ الشعوب حياتها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن ويالتها‪.‬‬ ‫مجددا‬ ‫ومن املفهوم ان احلرب مجرد وسيلة لتحقيق أهداف سياسية‪ ،‬لكنها‬ ‫بالنسبة للكاتب مشروع إنساني وطبيعي‪ ،‬حافز يسكن الفرد‪ ،‬وهو بالتالي‬ ‫يوفر نوع ًا معين ًا من الرضا بحكم طبيعته ألولئك الذين يرتبطون به ـ الرجال في‬ ‫الغالب ــ حيث يستمتعون مبحاولة قتل أحدهم اآلخر‪ ،‬وفي أن معظم املتفرجني‬ ‫ً‬ ‫بوجه خاص‪ ،‬هي أحد أكثر‬ ‫تفتنهم تلك املشاهد‪،‬‬ ‫مشيرا الى ان احلرب‪ ،‬والقتال ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫النشاطات إثار ًة وحتفيزا التي ميكن للبشر أن ينهمكوا فيها‪ ،‬واضعة النشاطات‬ ‫األخرى في الظل‪ ،‬وغالب ًا ما تترجم تلك اإلثارة والتحفيز إلى بهجة صافية»‪.‬‬ ‫ويتساءل كريفيلد‪ :‬ملاذا هناك الكثير من شعراء احلرب العاملية األولى‬ ‫وروائيي احلرب العاملية الثانية‪ ،‬أو صحافيي فترة فييتنام ــ يلتقون مع ًا في‬ ‫اجتماعات سنوية ضخمة‪ ،‬معقب ًا ان حتى املجتمعات التي لديها تقييدات‬ ‫ظاهرة ضد الثقافة العسكرية تنفذ هذه التقييدات بصعوبة‪ ،‬حيث جند أملانيا ما‬ ‫بعد احلرب‪ ،‬التي تلعن احلرب متام ًا‪ ،‬غير واضحة مع هذا بشأن تكرمي األبطال‬ ‫العسكريني من ماضيها النازي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ال يرى كريفيلد ان احلرب ستترك لنا أي شيء قريبا‪ .‬صحيح‪ ،‬إن حلول‬ ‫األسلحة النووية واملفهوم املتصل بها عن التدمير املضمون على نح ٍو متبادل‬ ‫يبدوان قد أوقفا حروب ًا عاملية واسعة في الغرب مباليني الضحايا الفاجعة‪،‬‬ ‫جاعلني من املتابعة املمتعة خالف ذلك ً‬ ‫أمرا مكلف ًا حتى بالنسبة ألشد املناصرين‬ ‫ً‬ ‫عنادا التّباعها‪ .‬لكن حتى هنا جند لدينا إنذارين‪ :‬أن وفرة من احلروب األصغر‬ ‫الفتاكة منذ عام ‪ 1945‬قد اندلعت‪ ،‬في أماكن متنوعة كالبلقان‪ ،‬قبرص‪،‬‬ ‫هنغاريا‪ ،‬و فلسطني‪ ،‬العراق‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫وفي هذا الشأن يؤكد الكاتب أن احلرب ليست على الدوام أسوأ املغامرات‬ ‫او املشاريع البشرية‪ ،‬وأن أولئك الذين يخوضونها ليسوا بالضرورة أقل متدن ًا‬ ‫من الباقني‪ ،‬بل ثمة حروب كثيرة هي دفاعية وتنقذ األبرياء من دول او انظمة‬

‫ً‬ ‫مؤخرا‬ ‫يقول جلبير االشقر في كتابه (العرب واحملرقة النازية) الصادر‬ ‫عن دار الساقي ـ بيروت‪ ،‬ان «دولة اليهود امنا تدين بقيامها الى احملرقة»‬ ‫التي أدت الى تضاعف أعداد اليهود املهاجرين الى فلسطني فوفقا للتعداد‬ ‫البريطاني كان اليهود ميثلون عام ‪ 1931‬خمس سكان فلسطني (‪ 175‬ألف‬ ‫يهودي و‪ 880‬ألف فلسطيني) ثم شهدت معدالت الهجرة «صعودا هائال»‬ ‫عقب وصول هتلر الى السلطة عام ‪.1933‬‬ ‫ويتفق املؤلف مع الرأي القائل انه اذا كانت أملانيا املسؤول االول عن احملرقة‬ ‫فان حكومتي الواليات املتحدة وبريطانيا «ال بد من اعتبارهما متواطئتني على‬ ‫االقل في االبادة» اذ كانتا في وضع يسمح لهما بتوفير مالذ امن لالجئني‬ ‫اليهود االوروبيني‪.‬‬ ‫ويعترف االشقر وهو من أصل لبناني ويعمل أستاذا مبعهد الدراسات‬ ‫الشرقية واالفريقية بجامعة لندن‪ ،‬بأن من يشرع في الكتابة عن ابادة اليهود‬ ‫في أملانيا النازية سيكون في مواجهة «مشكلة حساسة» تتعلق باملصطلح الذي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مؤكدا بأنه موضوع «شائك‬ ‫محايدا الن االبادة مثقلة بااليحاءات‪،‬‬ ‫لن يكون‬ ‫للغاية» وأنه يهدف الى توضيح ما يعتبره تعقدا لعالقة العرب باحملرقة في‬ ‫تلقيها أو تفسيرها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ويروي جانب ًا مما يراه مؤرخون تواطؤا نازيا يهوديا قائال ان احلكومة النازية‬ ‫اتفقت عام ‪ 1933‬مع الوكالة اليهودية على تسهيل هجرة اليهود االملان‬ ‫الى فلسطني والسماح «لهم وحدهم» بتحويل جزء من أرصدتهم على شكل‬ ‫سلع مستوردة من أملانيا‪ .‬كما يسجل أن الشرطة السرية االملانية (الغستابو)‬ ‫ومصلحة االمن تعاونتا مع منظمات صهيوينة سرية في تنظيم الهجرة «غير‬ ‫الشرعية لالجئني اليهود على الرغم من احلصار البريطاني املفروض على‬ ‫الهجرة الى فلسطني» عامي ‪ 1938‬و‪ 1939‬اذ كانت فلسطني حتت االنتداب‬ ‫البريطاني منذ ‪.1920‬‬ ‫ويتساءل االشقر‪ :‬ملاذا يجب على الفلسطينيني أن يدفعوا ثمن جرائم‬ ‫النازيني؟ وفي املقابل يسجل أن املوقف الرسمي للعالم العربي استبعد بشكل‬ ‫‪39‬‬


‫«صريح أي تفكير في طرد اليهود الذين كانوا قد استقروا بالفعل في فلسطني»‬ ‫ً‬ ‫مستشهدا بكلمة ألقاها االمني العام االول‬ ‫بعد انتهاء احلرب العاملية الثانية‪،‬‬ ‫جلامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام في الرابع من كانون االول (يناير)‬ ‫‪ 1946‬في اجلامعة االمريكية في القاهرة اذ وصف اليهود بأنهم «شعب‬ ‫ضعيف ومشتت‪ .‬هو االحوج من بني جميع الشعوب الى تعاطفنا النهم أبناء‬ ‫عمومتنا املضطهدون وقد أملت بهم مصيبة الصهيونية‪ ...‬ونحن ال نزال مند الى‬ ‫اليهود يد الصداقة وال نود أن نكون شركاء في جرمية اضطهادهم‪ .‬يقع الكتاب‬ ‫في ‪ 558‬من القطع الكبير‪.‬‬

‫اآلخر في الثقافة العربية‬

‫ّ‬ ‫يتخط اآلخر عند عرب اجلاهلية احمليط القبلي‪ .‬ورغم نظرتهم إلى الفرس‬ ‫لم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والبيزنطيني من موقع «اإلعجاب الشديد»‪ ،‬بقي العالم منغلقا‪ ،‬قائما على‬ ‫«الضعف والدونية» جتاه من كانوا أكثر منهم تقدم ًا‪ .‬لكن ملاذا م ّثل التقدم‬ ‫ً‬ ‫للتوجس من اآلخر؟‬ ‫معيارا‬ ‫احلضاري‬ ‫ّ‬ ‫ال يقدّ م حسني العودات في كتابه « اآلخر في الثقافة العربية ـ من القرن‬ ‫السادس حتى مطلع القرن العشرين» الصادر حديث ًا عن دار الساقي‪ ،‬جواب ًا‬ ‫شافي ًا‪ ،‬وبصرف النظر عن مقاييس التماهي مع القوميات املتقدمة في العصر‬ ‫اجلاهلي‪ ،‬تبقى تلك املرحلة من أشد املراحل غموض ًا‪.‬‬ ‫ويلحظ الكاتب بداية التفريق القرآني بني اليهود والنصارى‪ ،‬عشية نشر‬ ‫الدعوة‪ .‬فاالفتراق لم يقم على املستوى السياسي فقط‪ .‬لقد كان للقرآن وجهته‬ ‫اخلاصة على املستوى العقائدي‪ .‬الرؤية الكوسموبوليتية التي أضفاها النص‬ ‫املقدس على اآلخر الديني‪ ،‬في سوره املتعددة‪ ،‬اعترفت بأهل الكتاب بعد ان‬ ‫ً‬ ‫تصورا شمولي ًا للمتعدد‪.‬‬ ‫ساوى بني األنا واآلخر عبر مسالك التوحيد وقدّ م‬ ‫ما إن بدأ عهد الفتوحات‪ ،‬حتى تبدّ ل املتخ ّيل جتاه املتعدد‪ .‬وحني تابعت‬ ‫الدولة اإلسالمية في العهد األموي امتداداتها مع الفتح‪ ،‬ارتسمت مقاييس‬ ‫مختلفة‪ ،‬م ّثلت انعكاس ًا للمعطى السياسي‪ ،‬ال الديني‪ ،‬ما اقتضى إعداد‬ ‫العدة األدبية والفقهية كي جتيب عن أسئلة «الواقع الثقافي واإلثني والديني»‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫كما يشير الكاتب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫صورة الشعوب القريبة على ضفتي اآلخر الفارسي والبيزنطي‪ ،‬اتخذت‬ ‫ً‬ ‫عما كانت عليه قبل الفتوحات اإلسالمية‪ .‬عندما بدأ العرب‬ ‫مسارا مختلف ًا ّ‬ ‫املسلمون بناء إمبراطوريتهم‪ ،‬ظهرت على سطح الوعي اجلمعي العادات‬ ‫ً‬ ‫منظورا إليه من قبل الذات‬ ‫القبلية القائمة على التراتب القومي‪ .‬فالفارسي‬ ‫ُ‬ ‫العربية‪ ،‬بات آخر أدنى‪ .‬ومع العصر األموي‪ ،‬كما يلفت العودات‪« ،‬نظر‬ ‫وحرموا من حقوقهم السياسية‪ ،‬رغم‬ ‫إلى الفرس من منزلة اجتماعية أدنى» ُ‬ ‫‪40‬‬

‫لكن وصول الفرس إلى السلطة في عهد العباسيني‪ ،‬أحدث انقالب ًا‬ ‫إسالمهم‪ّ .‬‬ ‫مع خروج العرب املسلمني من مجالهم بقوة الفتح‪ ،‬تغ ّيرت مقاربتهم لآلخر‪.‬‬ ‫ومنذ القرن العاشر امليالدي‪ ،‬تو ّلدت أمناط جديدة قوامها التثاقف مع اآلخر‬ ‫واالعتراف به‪ ،‬وأدركوا حينها «أن قيم اإلسالم هي قيم إنسانية ال ُيشترط‬ ‫لتحقيقها أن يكون املجتمع مسلم ًا»‪.‬‬ ‫لكن ماذا عن اآلخر األوروبي في مرآة الذات العربية؟ لم ّ‬ ‫تؤطر هذه الذات‬ ‫متثالتها عن األوروبيني إلاّ مع حروب الفرجنة‪ .‬قبل ذلك‪« ،‬كان اآلخر فارسي ًا‬ ‫وهندي ًا وبيزنطي ًا‪ ،‬ألن أوروبا لم مت ّثل ثق ًال حضاري ًا»‪ .‬ولم يشعر املسلمون بثقل‬ ‫الغرب السياسي والعسكري إلاّ مع احلروب الصليبية أو حروب الفرجنة‪ .‬وال شك‬ ‫في أنّ احلرب التي خاضتها أوروبا أحدثت صدمة استمرت حتى أواخر القرن‬ ‫ب في ديار اإلسالم‪.‬‬ ‫الثاني عشر‪ .‬آنذاك‪ ،‬بدأ الضمور احلضاري يد ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫واملفارقة أن اكتشاف العرب لآلخر األوروبي تظلل باحلمالت‬ ‫الصليبية‪ ،‬فنتج منها تداعيات ال تزال حاضرة في ذاكرتهم حتى اليوم‪.‬‬ ‫غني‬ ‫عبر املنهجية التاريخية‪ ،‬صاغ العودات كتابه بأسلوب لغوي رشيق‪ّ ،‬‬ ‫باملعلومات‪ ،‬وكثيف التوثيق‪ .‬يقع الكتاب في ‪ 316‬صفحة من القطع‬ ‫الكبير‪.‬‬

‫تفكيك الهوت القرون الوسطى‬ ‫في االسالم‬

‫ً‬ ‫مؤخرا لهاشم صالح عن‬ ‫«االسالم واالنغالق الالهوتي» الكتاب الذي صدر‬ ‫دار الطليعة في بيروت‪ .‬يتألف الكتاب من ستة فصول‪ ،‬يعالج الفصل االول‬ ‫معنى التفكيك في الفكر االوروبي‪ ،‬وفي الفصل الثاني يعيد الكاتب تفكيك‬ ‫الهوت القرون الوسطى في االسالم‪ .‬اما الفصل الثالث فيستعرض اجلهاد‬ ‫في القرآن‪ ،‬فيما ينظر الفصل الرابع الى افكار عبدالوهاب املؤدب‪ :‬االسالم‬ ‫مريض بالسلفية املتزمتة‪ ،‬فمن يشفيه؟ وفي الفصل اخلامس يقدم الكاتب‬ ‫حتلي ًال مليشيل دوس وتفكيك الهوت العنف على مستوى الديانات التوحيدية‬ ‫الثالث‪ .‬اما الفصل االخير فيناقش هاشم صالح افكار الفريد مواريا حول فقه‬ ‫اجلهاد في االسالم‪.‬‬ ‫يعتقد الكاتب اننا اصبحنا املشكلة رقم واحد بالنسبة الى العالم باسره‬ ‫بسبب‪ ،‬وفق ًا للمؤلف‪ ،‬انغالق الهوتي مستحكم وعميق اجلذور في تاريخنا‪،‬‬ ‫انغالق مؤداه بأننا احلضارة الوحيدة على وجه االرض التي تعتقد بأنها متتلك‬ ‫احلقيقة االلهية املطلقة‪ .‬ضمن هذا املنظور يحاول صالح ان يفكك اركيولوجي ًا‬ ‫وجينتالوجي ًا داء السلفية املزمن الذي يعتري االسالم‪ ،‬كذلك الهوت القرون‬ ‫الوسطى‪.‬‬ ‫ميكن القول ان الكتاب ميكن ان يعتبر اضافة جديدة للمكتبة العربية‪ ،‬ويقع‬ ‫في ‪ 370‬صفحة من القطع الكبير‪.‬‬


‫تركيا‪ ..‬صراع الدين والدولة‬ ‫في قرن‬

‫ينظر البعض إلى راهن تركيا الكمالية بوصفه «احلالة الطبيعية» لتركيا‬ ‫من ناحية التنظيم السياسي الذي وضعه كمال أتاتورك للعالقة بني الدين‬ ‫والدولة‪ ،‬ومن ناحية الهوية التركية اجلديدة كعالقة مركبة بني الزمان واملكان‬ ‫واإلنسان‪ .‬وألن تركيا بدأت تتململ في محيط اجلغرافيا وتنفض الغبار عن‬ ‫التاريخ فإن اللحظة التركية الراهنة جديرة باالهتمام واالنتباه على السواء‪.‬‬ ‫ولعل الكتاب الصادر حديث ًا عن مكتبة «جزيرة الورد» املصرية حتت‬ ‫عنوان‪« :‬الدين والدولة في تركيا املعاصرة‪ :‬صراع اإلسالم والعلمانية» للدكتور‬ ‫كمال حبيب‪ ،‬يجيب عن الكثير من االسئلة املتعلقة بالتجربة التركية‪ ،‬خاصة‬ ‫في اعوامها االخيرة‪ ،‬في محاولة لفهم ظاهرة اإلحياء اإلسالمي في إطار مغاير‬ ‫للنظريات االجتماعية املادية التي تفترض أن املزيد من التحديث والعلمنة‬ ‫سيؤدي الى اختفاء الدين‪.‬‬ ‫وينطلق حبيب في كتابه من فرضية أن تركيا تشهد محاولة للتوفيق بني‬ ‫العلمانية واإلسالمية والدميوقراطية واحلداثة وهو ما يجعل من املشروع احلديث‬ ‫عن «منوذج تركي» فالواليات املتحدة األمريكية تسعى خللق منوذج إسالمي بهذه‬ ‫املواصفات‪ ،‬ملواجهة مناذج إسالمية راديكالية أخرى تتبنى الصدام مع الغرب‪.‬‬ ‫وفي بلد يشكل املسلمون ‪ %99‬من سكانه وينص دستوره على أن‬ ‫العلمانية هي أيديولوجية الدولة‪ ،‬يتحول «الدين السياسي» الذي حتاول النظم‬ ‫اجلديدة أن تفرضه على مجتمعاتها «خللق عالم أفضل»‪ ،‬إلى بديل عن الدين‬ ‫اإللهي الذي جاءت به الرسل‪ ،‬بل إن العلمانية حتولت إلى ما يشبه «الدولة‬ ‫الدينية» في تركيا‪.‬‬

‫االسالم المعاصر في‬

‫«الهوامل والشوامل»‬

‫ً‬ ‫مؤخرا كتاب جديد للراحل محمد اركون‬ ‫عن دار الطليعة في بيروت صدر‬ ‫حتت عنوان‪« :‬الهوامل والشوامل»‪ ،‬بترجمة هاشم صالح‪.‬‬ ‫يقدم اركون في الكتاب اجوبة لـ (‪ )20‬سؤا ًال طرحها عليه مجموعة من‬ ‫الصحفيني الفرنسيني بخصوص االسالم وتاريخه وحضارته‪ ،‬محاو ًال تبديد‬

‫االفكار الشائعة في الغرب عن االسالم‪ ،‬متحاشي ًا التبجيل التقليدي املعروف‪،‬‬ ‫ويستخدم‪ ،‬عبر عدة ادوات علمية‪ ،‬طريقة التقد التاريخي والصراحة العلمية‬ ‫والتفكيك الفلسفي‪.‬‬ ‫يستعرض الكتاب اسباب انعدام املعرفة العلمية عن االسالم‪ ،‬واملعنى‬ ‫التاريخي لكلمة اسالم ومسلمني وعالقة االسالم بالعلمانية قبو ًال ورفض ًا‪ .‬وقد‬ ‫اختار الراحل اركون عنوان ًا للطبعة العربية لكتابه مقارب ًا لكتاب التوحيدي‬ ‫ومسكويه «الهوامل والشوامل» لالشارة الى االستمرارية التاريخية‪ ،‬واالنتماء‬ ‫الى اولئك املفكرين الكبار الذين ظهروا في العصر الذهبي من عمر احلضارة‬ ‫العربية ـ االسالمية‪ .‬يقع الكتاب في ‪ 260‬صفحة من القطع الكبير‪.‬‬

‫تجليات العقل لدى المعتزلة‬

‫‪ ‬يكمن اعتبار كتاب «املعتزلة ـ ثورة الفكر اإلسالمي احل ّر» لألب سهيل‬ ‫قاشا الصادر عن (دار التنوير) أطروحة ليست جديدة على املكتبة العربية‬ ‫اإلسالمية‪ .‬وال تنبع اهميتها من طرح إشكاليات تؤرق العقالنيني املعاصرين‬ ‫فحسب‪ ،‬بل مما مت ّثله من حاجة حضارية يفرضها الواقع الذي مير به اإلسالم‬ ‫الراهن‪.‬‬ ‫وعبر املنهجية التاريخية‪ ،‬يستحضر أستاذ علم اإلسالميات في «معهد‬ ‫القديس بولس للفلسفة والالهوت» في حريصا (لبنان) فكر االعتزال منذ‬ ‫نشأته‪ ،‬مقدم ًا مشهدية لتجليات العقل عندهم‪ ،‬وميكن حتديدها بثالثة عناوين‬ ‫أساسية‪ :‬القرآن‪ ،‬ونفي الصفات والتجسيم عن الذات اإللهية‪ ،‬وحرية اإلرادة‬ ‫واالختيار عند اإلنسان‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مييل الكاتب إلى تبنّي ما ذهب إليه املفكر اللبناني القتيل حسني مروة‪،‬‬ ‫عن املنابع اإلسالمية األصلية لالعتزال‪ ،‬مقدم ًا مادة كثيفة التوثيق‪ ،‬مستعرض ًا‬ ‫دراستهم للفلسفة اليونانية ومتاهوا معها بغية االستفادة من املنطق لتدعيم‬ ‫حجمهم‪ ،‬فاهتموا باملنطق األرسطي‪.‬‬ ‫التوحيد‪ ،‬والعدل‪ ،‬واملنزلة بني املنزلتني‪ ،‬والوعد والوعيد‪ ،‬واألمر باملعروف‬ ‫والنهي عن املنكر‪ ،‬خمسة أصول بنى عليها املعتزلة عدتهم العقلية‪ ،‬فأنكروا‬ ‫الشفاعة في الرسول وغيره‪ ،‬وعدّ وا مرتكب الكبيرة بني منزلتي اإلميان والكفر‪،‬‬ ‫ونفوا عن الذات اإللهية التشبه والصفات‪ ،‬وجادلوا املسيحية في التثليث‪.‬‬ ‫لكن املعتزلة الذين وصلوا الى مجدهم مع املأمون واملعتصم‪ ،‬فرضوا أفكارهم‬ ‫بالقوة والعنف‪ ،‬وساعدتهم السلطة على ذلك‪.‬‬ ‫أسباب انحسار الفكر املعتزلي‪ ،‬لم تكن عقائدية فقط‪ .‬لقد فرضوا‬ ‫توجهاتهم بالقوة‪ ،‬وأجبروا الناس على االنقياد لهم‪ ،‬وانخرطوا في السلطة‪،‬‬ ‫ومارسوا عنفهم الديني على مخالفيهم‪ .‬لكن ما هي املسببات األخرى التي‬ ‫أجهضت جتربتهم؟ أربعة أسباب يفندها قاشا في شرح هذه اإلشكالية‪ :‬سيطرة‬ ‫‪41‬‬


‫املماليك األتراك على احلكم زمن املنتصر‪ ،‬ومحاربتهم لرجال احلديث‪ ،‬ما‬ ‫و ّلد نقمة كبيرة ضدهم من احملدثني وعامة الناس‪ ،‬وفرض مذهبهم بالعنف‪،‬‬ ‫ما تنافى مع أهم أركانهم «حرية الفرد في اختيار أفعاله والدفاع عنها"‪.‬‬ ‫انهيار املعتزلة ال يقتصر على املعطيات اخلارجية فقط‪ ،‬بل ك ّفر بعضهم بعض ًا‪،‬‬ ‫وتفرقوا الى ‪ 22‬فرقة‪.‬‬ ‫يقدم األب سهيل قاشا مادة توثيقية‪ ،‬مشبعة باملصادر واملراجع‪ .‬لكن‬ ‫الكتاب لم يخرج بخالصات مفارقة ملا هو سائد‪ ،‬ميكن البناء عليها في معاجلة‬ ‫أزمة العقل النقدي في اإلسالم‪ .‬يبقى أن ما قدمه هذا الباحث والالهوتي‬ ‫العراقي مي ّثل نافذة لكل من ال يفقه شيئ ًا عن نشأة املعتزلة وأفكارهم‪.‬‬

‫لماذا فشلت حركة التنوير في‬ ‫البالد العربية؟‬

‫جنحت حركة التنوير االوروبي في ترسيخ قيمها فكري ًا وسياسي ًا واجتماعي ًا‪،‬‬ ‫اما حركة النهضة العربية احلديثة فظلت نخبوية ومحدودة التأثير والتفاعل‪ ،‬لذا‬ ‫فشلت في ايصال املجتمع الى ضفاف احلرية وتأسيس الدولة املدنية‪.‬‬ ‫من هذا املنطلق يسلط عبدالواحد املكني الضوء على ما طرأ على تلك‬ ‫احلركة من تطورات وانقاعات في كتابه‪« :‬املعادلة الصعبة ـ فشل حركة‬ ‫االستنارة احلديثة في البالد العربية» الصادر عن دار الساقي ـ بيروت‪،‬‬ ‫باالشتراك مع رابطة العقالنيني العرب‪ ،‬في الوقت ذاته يستعرض املؤلف ادوار‬ ‫الفاعلني‪ ،‬املعروفني واملهمشني‪ ،‬في تيار االستنارة واالصالح‪ ،‬خاصة في الدول‬ ‫املغاربية‪.‬‬ ‫يشير الكاتب الى ان حركة االستنارة في البالد العربية كانت أكثر فاعلية‬ ‫عند قيامها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر‪ ،‬ولكن بعد قرن ونصف‬ ‫القرن تسير االمور ً‬ ‫سيرا عكسي ًا‪ ،‬فاملوجود دون املنشود بكثير‪ .‬غير انه يؤكد‬ ‫ان ثمة جماعات صغيرة العدد تبذل الكثير من العطاء من اجل عودة نقدية‬ ‫للتراث املتراكم من دون تقديس او اسطرة‪ ،‬ومن اجل نحت مكانة وضاءة‬ ‫ً‬ ‫بعيدا من العتمة والظالم الدامس وفي منأى عن مختلف‬ ‫لالنسان العربي‬ ‫االصوليات‪.‬‬ ‫يجدر الذكر ان مواد الكتاب قد كتبت غالبيتها خالل االعوام ‪ 2007‬ـ‬ ‫‪ 2009‬ونشرت في موقع «األوان» االلكتروني‪ ،‬غير ان عالقة العرب بالنت‪،‬‬ ‫حسب الكاتب‪ ،‬ما زالت تدب في مرحلها االولى‪ ،‬وما زال عدد كبير من املثقفني‬ ‫والقراء الشغوفني ال ينفذون بيسر وانتظام الى النت‪.‬‬ ‫يحتوي الكتاب على خمسة ابواب‪ :‬في منظومة التدين املتداول في البالد‬ ‫العربية‪ ،‬ماض ال ميضي‪ ،‬السير الى الوراء والتدمير الذاتي‪ ،‬في التهميش‬ ‫والهامشية املضادة‪ ،‬رواد االستنارة احلديثة في تونس‪ .‬يقع الكتاب في ‪232‬‬ ‫صفحة من القطع الكبير‪.‬‬ ‫‪42‬‬

‫تأمالت في تحوالت العالم‬

‫يتناول عبدالعزيز جاسم في كتابه «جحيم نيوتن‪ ..‬تأمالت في حتوالت‬ ‫العالم» الصادر حديث ًا عن دار املركز الثقافي العربي في بيروت‪ ،‬مجموعة‬ ‫كبيرة من القضايا احمللية والعربية والعاملية من خالل مقاالت كتبها خالل ما‬ ‫يقارب العقدين من الزمن‪ .‬وينطلق املؤلف في كتابه من أهمية النقد باعتباره‬ ‫احلقيقة املتغيرة‪ ،‬حيث يرفض فكرة احلقيقة املطلقة كونها دلي ًال على حالة ثبات‬ ‫في التفكير‪ ،‬ومناقضة لطبيعة احلياة نفسها‪ ،‬وتأتي املكانة التي يوليها للنقد‬ ‫من احلاجة إلى بناء موقف فكري من املاضي واملستقبل على حد سواء‪.‬‬ ‫يوجه جاسم سهامه النقدية نحو احلداثة ليس من موقع إلغاء منجزها‪ ،‬وإمنا‬ ‫من موقع التقييم الضروري لفصل الوهم عن احلقيقة في النظر إلى الكثير من‬ ‫املفاهيم التي حتولت إلى مجرد شعارات تستخدم من جانب القوى العاملية‬ ‫املسيطرة‪ ،‬ومن تلك املقوالت مفهوم التقدم‪ ،‬ويقول جاسم‪« :‬إن خرافة التقدم‬ ‫املستقبلية‪ ،‬التي كانت من رهانات عصر التنوير واحلداثة مث ًال‪ ،‬قد استحالت‬ ‫ومنذ احلربني العامليتني‪ ،‬ومع الصعود الشبحي للتقنية وحظر التسلح النووي‬ ‫ولالقتصاد املعولم‪ ،‬إلى طغيان شامل»‪.‬‬ ‫ال يكتفي جاسم بنقد املفاهيم‪ ،‬وإمنا يسجل موقف ًا نقدي ًا من نتائج العوملة‬ ‫كحالة استمرارية للمركزية األوروبية في تكريس ثقافة اإللغاء‪ ،‬ويرى أن تلك‬ ‫الثقافة ال تنطلق من مواقف أيديولوجية أو عقائدية‪ ،‬وإمنا أيضا من الصراع على‬ ‫املستقبل نفسه‪ ،‬الذي يجعل كل قوة في حالة سعي إلى إلغاء اآلخر من أجل‬ ‫إزاحته عن املستقبل‪ ،‬وبهذا املعنى كما يرى جاسم لم يعد املستقبل مجرد حلم‬ ‫وإمنا قوة تضاف إلى عناصر الصراع وحتدد طبيعة الثقافة نفسها‪ .‬يقع الكتاب‬ ‫في ‪ 600‬صفحة من القطع املتوسط‬

‫الماء اساس الحضارات وانقراضها‬

‫ِ‬ ‫ستيفن سولومون «املاء» الصادر عن دار «هاربر كولنز»‬ ‫يعتبر كتاب‬ ‫ً‬ ‫منظورا إليها‬ ‫البريطانية مبثابة تقرير عن هيمنة وانقراض حضارات متنوعة‪،‬‬ ‫بعدسات مائية‪ .‬ويبدأ املسح بعهود غابرة في مصر وبالد ما بني النهرين ومناطق‬ ‫حول الهندوس والنهر األصفر‪ .‬وميضي عبر اإلمبراطورية الرومانية وإنشاء قناة‬


‫الصني الهائلة في القرن السابع والعهد اإلسالمي الذي تال ذلك‪ .‬لتأتي بعدها‬ ‫إثار التطور امليكانيكي في أوروبا القرون الوسطى التي سبقت اختراع ماكنة‬ ‫البخار في بريطانيا‪ ،‬وحلول العصر الصناعي واإلنتاج الواسع واالستهالك‪.‬‬ ‫ويتعرف القارئ من خالل فصول الكتاب على السدود والقنوات مبختلف أنواعها‬ ‫والنواعير وأدوات رفع املاء‪.‬‬ ‫وتتم ّثل أطروحة بحث الكتاب في أن احلضارات املتينة الوجود تعزّزها‬ ‫السيطرة املائية الفعالة احلقيقة‪ ،‬كما إن املاء ميتلك «قدرة استثنائية‪ ...‬على‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فعالية للتغيير»‬ ‫جاعلة منه «الوكيل األكثر‬ ‫فعل كيميائية أساسية»‪،‬‬ ‫حتفيز ردود ٍ‬ ‫ً‬ ‫بالنسبة لألرض‪ .‬ولعل احلقيقة أن املاء ال ُيعدّ مادة حافزة إال بالكاد في الظروف‬ ‫االعتيادية‪ ..‬وفي الربع األخير من الكتاب‪ ،‬يهجر املؤلف التاريخ ويتحول إلى‬ ‫نواقص املاء اآلن والتصادمات السياسية التي ميكن أن تسببها‪ .‬فالتنافس على‬ ‫ماء النيل شديد بني مصر ودزل املنبع‪ .‬وهناك سجاالت عنيفة بني تركيا وجاراتها‬ ‫اجلنوبيات حول توزيع نهري دجلة والفرات‪ ،‬وكذلك احلال بالنسبة للهند والصني‪..‬‬ ‫وفي أماكن كثيرة‪ ،‬منها الواليات املتحدة‪ ،‬وشمال أفريقيا‪ ،‬والشرق األوسط‪،‬‬ ‫فإن الطبقات الصخرية املائية التي ميكن أن يكون ماؤها قد ظل كامن ًا أكثر من‬ ‫بشكل متهور‪ ،‬من دون أي احتمال في‬ ‫عشرة االف سنة يجري استنزافها اآلن‬ ‫ٍ‬ ‫يائس‪ ،‬فهو يقدم بعض‬ ‫امتالء مجدَّ د لده ٍر أو دهرين من الزمن‪ ،‬لكن الكاتب غير‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫األسباب لألمل‪ ،‬دون ان يستعرض حروب املياه املقبلة مستقب ًال في عدد من مدن‬ ‫العالم‪ .‬يقع الكتاب في ‪ 608‬صفحة من القطع املتوسط‪.‬‬

‫اإلصالح الالهوتي المدخل األهم‬ ‫نحو اإلصالح السياسي‬

‫يسلط الكتاب الصادر عن دار الساقي بالتعاون مع رابطة العقالنيني‬ ‫العرب جلورج طرابيشي حتت عنوان‪« :‬من اسالم القرآن الى اسالم احلديث ـ‬ ‫ضوءا ً‬ ‫ً‬ ‫‪ ‬باهرا على عملية‪ ‬إعادة تأسيس اإلسالم‪ ‬القرآني في‬ ‫النشأة املستأنفة»‬ ‫إسالم‪ ‬حديثي‪ ،‬وذلك‪ ‬مع التحول املوازي‪ ‬من إسالم الرسالة‪ ‬إلى إسالم التاريخ‪، ‬‬ ‫ومن إسالم «أم القرى» إلى‪ ‬إسالم الفتوحات‪ .‬فعلى‪ ‬حني أن إسالم الصدر‪ ‬األول‬ ‫قد ر ّكز كل مجهوده «اإلبستمولوجي» على تثبيت اخلطاب القرآني في نص‬ ‫مؤسس أول‪ ،‬فإن اإلسالم القرون التالية قد صرف كل جهده باملقابل إلى تثبيت‬ ‫السنة‪ ،‬أي احلديث املنسوب إلى الرسول‪.‬‬ ‫يحاول الكتاب أن يرصد‪ ،‬بوعي ثاقب ورؤية عميقة‪ ،‬تفاصيل «االنقالب‬ ‫ً‬ ‫طردا مع االنقالب على قيم العقالنية والتحول‬ ‫الالهوتي» على قيم القرآن‬ ‫مصدرا وحيداً‬ ‫ً‬ ‫من إسالم الرسالة إلى إسالم التاريخ‪ .‬فبعد أن كان الله تعالى‬ ‫للتشريع‪ ،‬وكان الرسول مجرد متلقٍّ «مكفوف اليد من الناحية التشريعية» وبعدما‬ ‫ً‬ ‫حصرا إلى العرب غير الكتابيني لينذر «أم القرى ومن حولها»‬ ‫كان النبي مبعوثا‬ ‫فقد طرأ انقالب الهوتي مبوجبه حتول النبي من نبي «أمي» إلى نبي «أممي»‪.‬‬ ‫الرحلة في ثنايا كتاب نستكشف مغارات الغلقة الالهوتية‪ ،‬وتبرز خالصة‬

‫أساسية‪ :‬ذلك أن املسار االنقالبي الذي انتهى إلى «تغييب القرآن وتغييب‬ ‫العقل وتغييب التعددية في األيديولوجية احلديثية» والذي يظل «هو املسؤول‬ ‫األول عن أفول العقالنية العربية اإلسالمية»‪ ،‬كما يقول طرابيشي‪ ،‬يضعنا أمام‬ ‫فرضية إصالحية جديدة تتعلق بأن اإلصالح الالهوتي يعد مدخال رئيسا نحو‬ ‫اإلصالح السياسي‪.‬‬ ‫وعبر ثمانية فصول‪ ،‬يرصد طرابيشي االليات الداخلية القالة العقل في‬ ‫االسالم‪ ،‬مختتم ًا بذلك مشروعه بنقد العقل العربي‪ .‬يقع الكتاب في ‪648‬‬ ‫صفحة من القطع الكبير‪.‬‬

‫اسئلة جديدة‬

‫امام المثقف العربي‬

‫تصيب أطروحة علي حرب «املصالح واملصائر ـ صناعة حياة مشتركة»‬ ‫الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون ـ منشورات االختالف‪ ،‬القارئ‬ ‫بصدمة معرفية‪ .‬ومفاد قوله انّ العالم في حالة انسداد إنساني شامل يتعدّ ى‬ ‫أزمتي الرأسمالية وحتوالتها‪ ،‬واالشتراكية وفشلها‪ .‬مبنهج ّية علم ّية نقد ّية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مستحضرا أبرز العوامل التاريخية املُنتجة لعنف األصوليات وأسئلة الهوية‬ ‫ً‬ ‫واختناق االقتصاد العاملي وعجز البشرية‪.‬‬ ‫مؤكدا أ َّن وحدة العالم التي تن ّبأ‬ ‫ّ‬ ‫بها هيغل حت ّولت إلى نظرية طوباوية يعتريها شك العالم في ذاته وفي غده‬ ‫املقبل‪.‬‬ ‫مآزق العالم كما نقرؤها في «املصالح واملصائر ـ صناعة حياة مشتركة»‬ ‫تفرض أسئلة جديدة عن املثقف العربي ودوره‪ ،‬اذ ان العالم الراهن يحتاج إلى‬ ‫نظريات جديدة تتخطى الصدام بني املاضي واحلاضر‪ ،‬لكنه يعيش الفوضى‬ ‫السياسية أيض ًا‪ ،‬أق ّله على مستوى إدارة األزمات العاملية‪ .‬فما إن ّ‬ ‫بشر‬ ‫فرانسيس فوكوياما بنهاية التاريخ‪ ،‬حتى بدأت التحديات املتفاقمة أمام‬ ‫القطبية األحادية‪ :‬تدهور األمن العاملي‪ ،‬وتراجع الدميوقراطية‪ ،‬وصو ًال إلى‬ ‫األزمة املالية العابرة للقوميات واألديان‪.‬‬ ‫النظريات السياسية والفلسفية حلقبة ما بعد سقوط جدار برلني‪ ،‬تبدي‬ ‫الكثير من العجز املعرفي‪ .‬رمبا ألنّ الواقع الراهن كثيف التح ّول‪ ،‬أو رمبا ألن‬ ‫النظام العاملي قام على أشالء التخلف والتفاوت االقتصادي احلاد بني الشمال‬ ‫واجلنوب‪.‬‬ ‫الليبراليون من جهتهم يطالبون بتحديث البنى املجتمعية بصيغة غربية‬ ‫معدّ لة‪ ،‬فيما التراجع احلضاري عندنا‪ ،‬ديني وسياسي ومجتمعي‪ .‬فهل نحن‬ ‫في عصرنا أحوج إلى ابن خلدون يقارب واقعنا؟‬ ‫خالصة أطروحة حرب أنّ العالم في مأزق‪ .‬مأزق يطال االقتصاد والبيئة‬ ‫واألمن العاملي والتنمية والدميوقراطية واإلدارة الدولية‪ .‬واإلشكالية املطروحة‬ ‫على االنتليجسيا العربية هي عن قدرة هذه املراجعات الفكر ّية التي يدعو إليها‬ ‫حرب على صناعة غد أفضل في عالم مضطرب‬ ‫‪43‬‬


‫تفكيك الخطاب التحريمي للفن‬ ‫الفن هو المجال‬ ‫االخصب لممارسة الحرية‪،‬‬ ‫وحين تصبح المجتمعات‬ ‫فزعة من الحرية يكون‬ ‫الفن ضحية هذا الفزع‬ ‫الدين حياة‪..‬‬ ‫والحياة بدون فن هي‬ ‫حياة خواء بال معنى‬

‫عواد علي‬ ‫صحيفة «النهار» البيروتية‬

‫‪44‬‬

‫تُصنّف كتابات املفكر الراحل نصر حامد أبو زيد‬ ‫الفكرية في مجالني‪ ،‬األول‪ :‬التحليل الثقافي الذي‬ ‫ركز فيه على التراث واخلطاب اإلسالمي السلفي‬ ‫املعاصر وتفكيك بنيتهما‪ ،‬الثاني‪ :‬املقاربة التاريخية‬ ‫في تأويل النص القرآني‪ ،‬التي توصف بأنها تقع في‬ ‫نطاق «االجتهاد»‪ .‬في إطار املساهمة األولى تقع‬ ‫أطروحته حول «الفن وخطاب التحرمي»‪ ،‬التي قدمها‬ ‫في محاضرتني عام ‪ ،2008‬األولى في مسرح «دوار‬ ‫الشمس» ببيروت‪ ،‬والثانية في اجلامعة األميركية‬ ‫بالقاهرة ضمن ندوة عقدتها‪ ‬منظمة «املورد‬ ‫الثقافي»‪.‬‬ ‫يتساءل أبو زيد في بداية أطروحته‪ :‬ملاذا يسبب‬ ‫الفن فزعا خلطاب التحرمي‪ ،‬فيحاول محاصرته‬ ‫ومصادرته؟ يجيب عن تساؤله بأن الفن هو املجال‬ ‫األخصب ملمارسة احلرية‪ ،‬وحني تصبح املجتمعات‬ ‫فزعة من احلرية‪ ،‬يكون الفن ضحية هذا الفزع‪.‬‬ ‫الفن هو ممارسة أقصى مستويات احلرية‪ .‬ميارس‬ ‫اإلنسان في الفن أقصى درجات التحرر‪ ،‬يتحرر‬ ‫من قيود اجلسد في الرقص‪ ،‬من قيود الرتابة في‬

‫املوسيقى‪ ،‬من قيود املادة في الفن التشكيلي‪ ،‬ومن‬ ‫قيود اللغة التداولية في الشعر واألدب‪ .‬في الفن‬ ‫تتحقق إنسانية اإلنسان في عالقته بالكون‪ ،‬حيث‬ ‫يستعيد الفن اإلنسا َن من غربته التي فرضتها الثقافة‬ ‫مبفاهيمها وأعرافها ومؤسساتها وقيمها‪ .‬في الفن‬ ‫وحده يتحرر اإلنسان ليعيد بناء عامله ويطور ثقافته‪.‬‬ ‫من أجل هذه احلرية اخل ّالقة التي ال توجد إال في‬ ‫الفن‪ ،‬يكره املتشددون الفن على اختالف طوائفهم‪،‬‬ ‫سياسيا واجتماعي ًا وأخالقيا‪ ،‬وميارسون ضد الفن‬ ‫والفنانني كل ضروب االضطهاد‪ ،‬وفي أحسن األحوال‬ ‫يضعون في الطريق األشواك واحملاذير‪.‬‬ ‫من بني أشكال الفن الذي تنطبق عليه الفقرة‬ ‫األخيرة من إجابة أبو زيد‪ ،‬على نحو سافر ً‬ ‫جدا‪ ،‬فن‬ ‫املسرح في بدايات تأسيسه في عاملنا العربي‪ ،‬وإلى‬ ‫حد ما في الوقت الراهن‪ ،‬وسبق لي أن كتبت‪ ،‬قبل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫طويلة بعنوان «املسرح العربي‬ ‫مقالة‬ ‫خمس سنوات‪،‬‬ ‫ومحنة التأسيس» رصدت فيها املوقف العدائي‬ ‫للسلفية الدينية من التمثيل واملسرح (أو التياتر‬ ‫يسمونه سابق ًا)‪ ،‬خالل احلقبة املمتدة من‬ ‫كما كانوا ّ‬


‫النصف الثاني للقرن التاسع عشر إلى أوائل القرن‬ ‫العشرين‪ ،‬وخصوص ًا جتربة أبو خليل القباني الذي‬ ‫واجه شتى أشكال اإلرهاب والقمع على يد شيوخ‬ ‫التكفير والتعصب والتخلف في الشام للحيلولة‬ ‫دون نشر فن املسرح‪ ،‬أو استنباته في أرضنا‪ .‬فقد‬ ‫ُو ّجهت إلى التمثيل‪ ،‬في سياق محاربة هذا الفنان‬ ‫الرائد‪ ،‬عشرات النعوت التي ّ‬ ‫حتط من مكانته‬ ‫وتطعن في شرعيته‪ ،‬وتكيل للمشتغلني فيه أقذع‬ ‫األلفاظ‪ ،‬وترميهم بأبشع األوصاف‪ .‬فمن املشايخ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وزندقة‪ ،‬ومنهم من رآه‬ ‫وضاللة‬ ‫منكرا‬ ‫من َعدّ ه‬ ‫ً‬ ‫مفسد ًة ومحركا للغرائز والشهوات‪ ،‬ومنهم من اعتبره‬ ‫داعي ًا إلى املعاصي والفواحش والرذائل واملوبقات‬ ‫والبذاءات‪ ،‬ومنهم من َعدّ ه نوع ًا من اللعب واحملاكاة‬ ‫واملالهي التي ح ّرمها الله ورسوله‪ ،‬ومنهم من زعم‬ ‫أنه يقوم على الغيبة والتهتك والتدليس والتلبيس‬ ‫واألفعال التي يأباها الدين واملروءة‪ ،‬ومنهم َمن‬ ‫ّادعى أنه بدعة أساسها اخلالعة واملجون‪ ،‬وغير‬ ‫ذلك من األوصاف والنعوت والتعريفات التي ّ‬ ‫حتط‬ ‫من مكانة هذا الفن‪ ،‬وتؤ ّلب املجتمع ضده‪ .‬‬ ‫يعزو أبو زيد اخلطاب التحرميي للفن إلى ثالثة‬ ‫جذور‪ :‬حترمي أفالطون للشعر‪ ،‬النحو املعياري‪،‬‬ ‫واخللط بني احلقيقة الدينية واحلقيقة الفنية‪ .‬لقد وضع‬ ‫أفالطون «احلقيقة» في «عالم املثل»‪ ،‬وعدّ الواقع‬ ‫تشويه ًا لها مبا هو صورة انعكاسية لعالم املثل‪.‬‬ ‫ومبا أن الشاعر يتخذ مادته الشعرية من الواقع‪،‬‬ ‫الذي هو صورة مش ّوهة للحقيقة‪ ،‬فإن الشعر يصبح‬ ‫تشويه ًا مر ّكب ًا للحقيقة‪ .‬هكذا لم مييز أفالطون بني‬ ‫مستويات «احلقيقة» وجتلياتها املختلفة‪ ،‬فهناك‬ ‫«احلقيقة الفلسفية»‪ ،‬و«احلقيقة االجتماعية»‪،‬‬ ‫و«احلقيقة السياسية»‪ ،‬و«احلقيقة الثقافية»‪،‬‬ ‫و«احلقيقة الدينية»‪ ،‬و«احلقيقة الفنية»‪ .‬كل هذه‬ ‫احلقائق ال تتماثل وإن كانت تتقاطع وتتفاعل‪.‬‬ ‫مشكلة أفالطون أنه جعل من «احلقيقة‬ ‫ً‬ ‫معيارا للحكم على الشعر‪ .‬لكن‬ ‫الفلسفية»‬ ‫أرسطو انتبه الى الفارق بني احلقيقة الفلسفية‬ ‫واحلقيقة الشعرية باكتشافه وظيفة الشعر ـ الدراما‬ ‫والكوميديا على السواء ـ بأنها «التطهير» من طريق‬ ‫إثارة االنفعاالت‪ .‬ليست مهمة الشعر أن يعكس‬ ‫احلقيقة الفلسفية التي ميكن التوصل إليها بالفكر‪،‬‬ ‫إمنا يقوم الفن بوظيفة «التطهير» اإلنساني‪ ،‬فيرى‬ ‫اإلنسان عامله بشكل أكثر براءة‪.‬‬ ‫عن النحاة واللغويني‪ ،‬الذين تتبعوا الشعراء‪،‬‬ ‫أخطاء‪ ،‬يذهب أبو زيد إلى أنهم كانوا‬ ‫في ما عدّ وه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يتحولون أحيانا حراسا للقواعد التي استنبطوها من‬ ‫استقرائهم لغة الكالم والتواصل‪ ،‬اللغة العادية‪،‬‬

‫من دون إدراك ملسألة جوهرية‪ ،‬هي أن في لغة‬ ‫ً‬ ‫كسرا لقواعد هذه اللغة العادية من أجل‬ ‫الشعر‬ ‫جتاوز إطارها املعرفي إلى آفاق جمالية ومعرفية‬ ‫تتأبى قدرة تلك اللغة العادية على حملها‪ .‬فقواعد‬ ‫اللغة ال تنكسر فقط على مستوى النحو وقواعده‬ ‫املعيارية‪ ،‬بل يخترق الشعر إمكاناتها الداللية‬ ‫والتعبيرية بتوليد معان ال ميكن أن تتحقق إال‬ ‫باختراق الداللة املعيارية من طريق االستعارة‬ ‫والكناية والتشبيه‪ ،‬هذا فضال عن البناء السردي‬ ‫في القصيدة‪ .‬وهذا ما يصطلح عليه النقد احلديث‬ ‫بـ «االنزياح» الشعري‪.‬‬ ‫يستنتج أبو زيد من ذلك أن ثمة دائم ًا عالقة‬ ‫توتر بني املعياري والفني على كل املستويات‪.‬‬

‫للفن مكانة كبيرة‬ ‫في الحضارة االسالمية‪،‬‬ ‫فالصلوات واالبتهاالت‬ ‫هي نصوص ادبية‬ ‫وصياغات موسيقية‬ ‫محاكمة الفن على أساس «املعيار»‪ ،‬سواء أكان‬ ‫املعيار لغويا أم أخالقيا أم فلسفيا أم دينيا‪ ،‬هو‬ ‫خلط للمعايير وخلط للحقائق‪ :‬وهو خلط ضا ّر‬ ‫بالفن‪ .‬ويرى أبو زيد أن هذا هو أساس التحرمي في‬ ‫كل اخلطابات التي تسعى إلى تأبيد الواقع وتكره‬ ‫التغيير‪ ،‬أي تريد أن جتمد اللحظة التاريخية‪،‬‬ ‫السياسية االجتماعية الثقافية الفكرية‪ ،‬وجتعلها‬ ‫«أبدية»‪.‬‬ ‫في ما يتعلق مبوقف اإلسالم من النحت‬ ‫والتماثيل‪ ،‬يقول أبو زيد إن اإلسالم جاء دعوة‬ ‫ضد الوثنية والشرك‪ ،‬ومن هنا كان احلرص على‬ ‫حتطيم التماثيل في اجلزيرة العربية‪ ،‬لكن العرب لم‬ ‫يفعلوا ذلك في البالد التي فتحوها؛ ألنهم كانوا‬ ‫مشغولني بإقامة األمبراطورية‪ ،‬التي حتتاج إلى‬ ‫التعايش ومد جسور الثقة مع الثقافات األخرى في‬ ‫البالد املفتوحة‪ ،‬وإال ما احتفظت املعابد املصرية وال‬ ‫املعابد البوذية بتماثيلها‪.‬‬

‫واليوم‪ ،‬كما يرى‪ ،‬ال خوف على املسلمني من‬ ‫العودة إلى الشرك‪ ،‬فال مجال للتحرمي‪ .‬ويدعم رؤيته‬ ‫هذه مبا قاله محمد عبده وآخرون في بداية القرن‬ ‫العشرين؛ فأفسحوا املجال لإلبداع الفني املصري‬ ‫في مجالي التصوير والنحت‪« ،‬هكذا أبدع محمود‬ ‫مختار متثال «نهضة مصر»‪ ،‬وهكذا تبرع ف ّ‬ ‫الحو‬ ‫مصر من قليل قروشهم إلقامة متاثيل للزعيم سعد‬ ‫زغلول بعد وفاته في كل مديريات (محافظات)‬ ‫مصر احملروسة‪.‬‬ ‫‪ ‬في هذا السياق أيض ًا يكشف أبو زيد عن‬ ‫ً‬ ‫مشيرا إلى فن‬ ‫الصلة العضوية بني الدين والفن‪،‬‬ ‫العمارة‪ ،‬كما يتجلى في بناء املعابد والكنائس‬ ‫واملساجد‪ ،‬في هذين الفخامة واجلالل‪ .‬كما يتجلى‬ ‫في الفضاء الداخلي بضوئه الناعم وضمان امتداد‬ ‫الصوت في كل األرجاء‪ ،‬حرصا على وصول صوت‬ ‫الواعظ والقارئ إلى املصلني (قبل اختراع مكبرات‬ ‫الصوت‪ ،‬والتي ال تزال معظم الكنائس الكبرى في‬ ‫العالم ال تستخدمها)‪ .‬هذا باإلضافة إلى النقوش‬ ‫امللونة التي تزخرف زجاج النوافذ فتزيد الضوء‬ ‫نعومة‪.‬‬ ‫ويستشهد أبو زيد باسم مايكل أجنلو في عصر‬ ‫النهضة‪ ،‬وما أضافته رسوماته ولوحاته من عمق‬ ‫للمعنى الديني بنقله من اللغة إلى اللون والصورة‪.‬‬ ‫يخلص أبو زيد في أطروحته إلى أن الدين‬ ‫حياة‪ ،‬باملعني الشامل للحياة‪ ،‬وأنه ال يتصور حيا ًة‬ ‫بال فن؛ ألن حيا ًة بال فن هي حياة خواء بال معنى‪،‬‬ ‫ويؤكد وجود عالقة عضوية بني الدين والفن‪ ،‬واخللل‬ ‫دائم ًا يكمن في الفهم القاصر للدين‪ .‬وقد كان للفن‬ ‫مكانة كبيرة في احلضارة اإلسالمية‪ ،‬فالصلوات‬ ‫واالبتهاالت هي نصوص أدبية وصياغات لغوية‬ ‫وموسيقية‪ ،‬كما أن اخلط العربي واألرابيسك هما‬ ‫تصوير في األساس‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وعلى رغم أن التشخيص لم يكن شائعا في‬ ‫الثقافة العربية‪ ،‬فإنه لم يكن كذلك في الثقافة‬ ‫اإلسالمية‪ .‬وثمة اليوم خلط شائع بني الثقافتني‬ ‫ً‬ ‫العربية واإلسالمية‪ ،‬فهما ليس ً‬ ‫واحدا‪ ،‬بل أن‬ ‫أمرا‬ ‫ً‬ ‫أقلية في اإلسالم‪.‬‬ ‫العرب أصبحوا اليوم‬ ‫إن مكمن الداء في مجتمعاتنا العربية‪ ،‬كما يرى‬ ‫أبو زيد‪ ،‬هو «االستبداد» الذي متارسه قوى تظن‬ ‫أنها متلك احلقيقة املطلقة‪ ،‬في حني أن االستبداد‬ ‫وغياب احلرية يؤديان إلى «جتريف العقل» وجعله‬ ‫يتوقف تدريجيا عن التفكير‪ ،‬ومن ثم يحتاج في‬ ‫كل خطوة إلى مرشد يوجهه‪ ،‬وفتوى يتحرك على‬ ‫أساسها‪ .‬كما أن هذا التجريف للعقل يحول الدين‬ ‫ً‬ ‫وقودا يحترق لتدور عربة السياسة‬ ‫‪45‬‬


‫الفن َّان الباكستاني فايز علي فايز‪:‬‬

‫موسيقى الق َّوالي الصوفية‪...‬‬ ‫عالم من الموسيقى الدينية والدنيوية‬ ‫نصوص موسيقى‬ ‫القوالي تمجد اهلل‬ ‫واالنبياء واالولياء الصالحين‬

‫يعد املنشد الصوفي الفنَّان فايز علي فايز الذي ينحدر من مدينة شرقبور الباكستانية رائد‬ ‫موسيقى الق َّوالي الصوفية الكالسيكية وكذلك خليفة للموسيقار الكبير نصرت فاحت علي خان‪،‬‬ ‫إذ ميارس ف َّن موسيقى الق َّوالي الروحية املتوارثة عن األجداد منذ سبعمائة عام‪ .‬شتيفان فرانتسن‬ ‫أجرى معه احلوار التالي‪:‬‬

‫القوالي افضل‬ ‫وسيلة للدعوة الى‬ ‫التعايش السلمي بين الناس‬

‫ـ تنتشر املوسيقى الصوفية انتشارًا واس ًعا‬ ‫في جميع أنحاء العالم اإلسالمي‪ ،‬من السنغال‬ ‫وحتى إندونيسيا‪ .‬فماذا ستقول للمهت ِّمني‬ ‫األوروبيني حول خصائص املوسيقى الصوفية‬ ‫الباكستانية‪ ،‬أي موسيقى الق َّوالي؟‬ ‫• موسيقى الق َّوالي الصوفية نشأت قبل‬ ‫سبعمائة عام‪ ،‬وذلك عندما جاء بعض العلماء‬ ‫واألولياء املسلمني إلى شبه القارة الهندية‪ .‬ويتم‬ ‫أداء هذه املوسيقى في غناء جماعي‪ ،‬ونرافقه بعزف‬ ‫على آلتي أرغن وآالت إيقاعية‪ ،‬ونقوم باإلضافة‬ ‫إلى ذلك بالتصفيق حسب اإليقاع ونحن نغنِّي‪.‬‬ ‫متجد األولياء الصوفيني‬ ‫والنصوص التي نغنِّيها ِّ‬ ‫دائما طبيعة هذه املوسيقى‬ ‫واألنبياء‪ .‬وكذلك ترتبط ً‬ ‫وإلى حدّ كبير برأي املستمعني وشعورهم‪ ،‬فموسيقى‬ ‫الق َّوالي لها م ِّيزات دينية وكذلك دنيوية‪ .‬وهذه‬ ‫املوسيقى بدأت في دور العبادة‪ ،‬ولكن يتم عزفها‬ ‫في يومنا هذا ً‬ ‫أيضا في صاالت احلفالت املوسيقية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫عما إذا كانت الكلمات دنيوية أو‬ ‫ولكن‬ ‫بغض النظر َّ‬ ‫ب‪.‬‬ ‫دائما احل ّ‬ ‫دينية‪ ،‬فرسالة موسيقى الق َّوالي هي ً‬

‫أجرى الحوار‪ :‬شتيفان فرانتسن‬ ‫عن موقع «قنطرة»‬

‫‪46‬‬

‫ـ يحاول الصوفيون من خالل املوسيقى‬ ‫الوصول إلى حالة النشوة‪ ،‬إلى وحدة مع الذات‬ ‫العليا‪ .‬فكيف يتم هذا؟‪ ‬‬ ‫• نحن نستخدم في أثناء الغناء تصفي ًقا‬ ‫إيقاع ًيا مستم ًرا وآالت إيقاعية‪ ،‬ونبتكر بذلك‬ ‫حلقة دائرية ونك ِّرر من دون انقطاع كلمات مقدَّ سة‬ ‫وبعض األبيات من الشعر الصوفي‪ .‬ويتم توجيه هذه‬ ‫الكلمات املقدَّ سة بصورة مباشرة إلى املستمعني‪،‬‬ ‫الذين تتم دعوتهم إلى مرافقتنا نحن املوسيقيني في‬

‫الدخول إلى حالة نشوة‪.‬‬ ‫كثي ًرا ما يتم في األبيات الشعرية التعبير‬ ‫عن الشوق إلى معشوقة أو معشوق وعن الشعور‬ ‫باليأس بسبب البعد عن هذا الشخص‪ .‬فكيف نشأ‬ ‫ب‬ ‫ب الدنيوي واحل ّ‬ ‫هذا التوتّر الفريد من نوعه بني احل ّ‬ ‫اإللهي؟‬ ‫يتوجه الصوفيون أحيا ًنا بصورة مباشرة إلى‬ ‫َّ‬ ‫الله‪ ،‬بيد أ َّنهم يستخدمون ً‬ ‫أيضا في بعض األحيان‬ ‫تعبيرات مجازية‪ .‬وفي آخر املطاف يكون املقصود‬ ‫دائما هو الله‪ ،‬إ َّما باالسم أو بني السطور‪ .‬وهذا‬ ‫ً‬ ‫يتوقف ً‬ ‫أيضا على املستمعني الذين يجلسون أمامنا‪.‬‬ ‫وبإمكانهم اعتباره خطا ًبا موجهً ا إلى إنسان محبوب‪،‬‬ ‫دائما‬ ‫ولكن نصوص الشعر الصوفي األصلية َّ‬ ‫موجهة ً‬ ‫إلى الله‪ .‬‬ ‫تعد املناطق التي يتم فيها غناء موسيقى‬ ‫ـ ّ‬ ‫الق َّوالي في يومنا هذا من أخطر املناطق في‬ ‫العالم‪ ،‬وتعتبر احلركات األصولية املتطرِّفة‬ ‫هناك قوية ج ًدا‪ .‬فهل ميكن أن تساهم موسيقى‬ ‫الق َّوالي في نقل صورة سلمية عن اإلسالم؟‪ ‬‬ ‫• الق َّوالي هي أفضل وسيلة على اإلطالق‬ ‫من أجل الدعوة إلى التعايش السلمي بني الناس‪،‬‬ ‫إذا مت منحها في وسط ِّ‬ ‫كل هذه الصراعات فرصة‬ ‫ومجا ًال للتعبير عن ذاتها‪ .‬وهذه املوسيقى ميكن أن‬ ‫جتعل الناس لطفاء‪ .‬وموسيقى الق َّوالي تدخل مباشرة‬ ‫قلوب الناس‪ ،‬عندما نعزف أو نلقي الشعر‪ .‬وهذه‬ ‫املوسيقى ال تنشر أي شكل من أشكال اإلهانات‬ ‫أو التهديدات‪.‬‬


‫الواسطي ومقامات الحريري‬

‫ـ كثيرًا ما يتم وصفك بلقب خليفة مغنِّي‬ ‫الق َّوالي الكبير‪ ،‬نصرت فاحت علي خان الذي‬ ‫توفي عام ‪ .1997‬فهل تعتبر هذا اللقب تكرميًا‬ ‫لك‪ ،‬أم أن َّك تبتعد عنه من خالل أسلوبك اخلاص‬ ‫في أداء الق َّوالي‪ ،‬من خالل ات ِّباعك مدرسة‬ ‫مختلفة؟‬ ‫• عندما أطلقت فرقة الق َّوالي اخلاصة بي‪ ،‬كان‬ ‫واضحا جدً ا‪.‬‬ ‫التأثير الكبير لنصرت فاحت علي خان‬ ‫ً‬ ‫وباإلضافة إلى ذلك لقد تع َّلمت ً‬ ‫أيضا من أستاذ‬ ‫نصرت الذي كان معاص ًرا ألبيه‪.‬‬ ‫ـ كيف أصبحت تتعاون مع املوسيقار تيتي‬ ‫روبني؟‬ ‫• شركة انتاج اإلسطوانات قدَّ متني إلى روبني‪.‬‬ ‫والتقينا في فرنسا‪ ،‬واستمعت إلى موسيقاه والحظت‬ ‫بعد قليل أنَّ فيها الكثير من اللمسات الشرقية‪.‬‬ ‫واعتقدت أ َّننا نستطيع التعاون في إجناز شيء ما‪.‬‬ ‫وج َّربنا قواسمنا املشتركة في جلسة استغرقت نصف‬ ‫ساعة‪ ،‬ألقيت فيها بعض أبيات الشعر وكان هو‬ ‫يعزف‪ .‬وبعد ذلك نقلنا هذا العمل مع فرقة الق َّوالي‬ ‫اخلاصة بي فوق خشبة املسرح‪ ،‬وقد أعجب اجلمهور‬ ‫وشجعنا هذا العمل على حتويله إلى مشروع‬ ‫كثي ًرا‪َّ .‬‬ ‫كبير‪.‬‬ ‫ـ هل غ َّيرت أسلوب العزف التقليدي في‬ ‫عملك املشترك مع روبني؟‪ ‬‬ ‫• تيتي روبني أ َّلف املوسيقى وتبينَّ أ َّنني لن‬ ‫أضطر إلى تغيير الكثير في أسلوبي التقليدي‪ ،‬من‬

‫أجل االشتراك في هذه املقطوعات املوسيقية‪ .‬وفي‬ ‫هذه املعزوفات توجد بعض الفقرات التي حاولت‬ ‫فيها دمج جتديدات وتعديالت‪ .‬وهذه الفقرات شبه‬ ‫كالسيكية لكنها ّ‬ ‫دائما في أسلوب الق َّوالي‪.‬‬ ‫تظل ً‬ ‫ـ لقد شاركت قبل خمسة أعوام في‬ ‫برنامج عابر للثقافات (مشروع قوالي ـ‬ ‫فالمنكو)‪ ،‬وباإلضافة إلى ذلك شاركت في‬ ‫الغناء مع عازفي ترانيم أمريكيني‪ .‬فهل‬ ‫تنسجم موسيقى الق َّوالي جي ًدا مع الثقافات‬ ‫األخرى؟‬ ‫• املوسيقيون الروحيون أوجدوا موسيقى‬ ‫الق َّوالي قبل سبعمائة عام‪ ،‬ووضعوا هذا األسلوب‬ ‫بحيث يكون قاد ًرا على استيعاب األنواع األخرى‬ ‫واستساغتها‪ .‬ونحن نستطيع دمج املوسيقى شبه‬ ‫الكالسيكية من شمال الهند‪ ،‬والتهمري‪ ،‬وأناشيد‬ ‫الشعر الصوفي التي يطلق عليها اسم الكافي أو‬ ‫حتى شعر الغزل في موسيقى الق َّوالي‪ .‬ولهذا السبب‬ ‫إنَّ هذا الفن ُخلق أكثر من غيره من األساليب‬ ‫األخرى في شبه القارة الهندية ليلعب دو ًرا كبي ًرا‬ ‫ضمن سياق املوسيقى العاملية‪ .‬وفي ذلك تصبح‬ ‫اللغة ثانوية‪ ،‬مثلما أظهرت لي جتربتي في التعاون‬ ‫مع موسيقيني عامليني‪ .‬فأنا ال َّ‬ ‫أتكلم لغة عازفي‬ ‫الفالمنكو‪ ،‬وال أتكلم ً‬ ‫أيضا لغة تيري روبني‪ .‬غير‬ ‫أ َّننا نتفاهم جيدً ا من خالل املوسيقى‬

‫ترجمة‪ :‬رائد الباش‪ ‬‬ ‫مراجعة‪ :‬هشام العدم‬

‫يقول البروفيسور «م‪ .‬س‪ .‬دمياند» فى كتابه‬ ‫«الفنون االسالمية» واصفا عظمة الفنان االسالمي‬ ‫الواسطي «الشك ان الواسطي كان مصورا ً عظيما ً‬ ‫النه استطاع ان يجمع بني التأثيرات املسيحية‬ ‫الشرقية والتأثيرات االيرانية ويخلق منها اسلوبا ً‬ ‫اسالميا ً جديداً»‪ .‬‬ ‫وبقدر ما أكبر هذا الرجل عمله فدقق فى كل‬ ‫جزء من أجزاء صوره تدقيقا ً ممعنا ً فما ترك للون ان‬ ‫يطغى على لون او خلط ان يشذ عن مساره‪ ،‬تغافل عن‬ ‫نفسه واكتفى بصوره أثرا ً يدل عليه‪ ،‬بحيث لم يترك‬ ‫وراءه غير ثالثة سطور تناقلها خلفا ً عن سلف حتى‬ ‫انتهت بعد تدقيق وتنقيب فيها الى املؤرخ االستاذ‬ ‫ميخائيل عواد ليثبتها دون اضافة جديدة اليها هو‬ ‫يؤرخ للواسطي فى دراسته «يحيى الواسطي شيخ‬ ‫املصورين فى العراق» مكتفيا بقوله‪« :‬يعد يحيى بن‬ ‫محمود بن يحيى بن احلسن الواسطي في طليعة‬ ‫املصورين فى العراق فى هاتيك االيام‪ ،‬بل هو شيخهم‬ ‫وأستاذهم وإمامهم فى هذا الفن اجلميل»‪.‬‬ ‫نشأ الفنان الواسطي فى املائة السابعة‬ ‫للهجرة فى واسط من املدن الشهيرة فى العراق‬ ‫وموقعها بني البصرة والكوفة‪ ،‬وفى تلك املدينة‬ ‫العامرة تعلم التصوير ومتهر فى فنونه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ولعلنا ال جنانب الواقع والصواب كثيرا إن ذهبنا‬ ‫فى زعمنا إلى القول بأن هذا االهمال فى تثبيت‬ ‫تواريخ املبدعني فى الفنون التشكيلية االسالمية‬ ‫رمبا يعود الى النظرة املتوارثة عند املسلمني عن‬ ‫استهجان الرسم والنحت والقول بتحرميهما وحمل‬ ‫اعمال الرسامني واملزخرفني على محمل التزيني‬ ‫العرضي لباب دار او سقف او غرفة او واجهة عمارة‬ ‫مما استوجبتها حياة الترف والبذخ التى عمت ايام‬ ‫العباسيني‪ ،‬وكذلك ما استخدم من رسوم لتزيني‬ ‫الكتب‪ ،‬وان ممارسي هذه الفنون هم دون األخرين‬ ‫من املبدعني من الكتّاب والشعراء‪ ،‬وان اسماءهم‬ ‫ال تستحق الوقوف عندها فى فهرست او كتاب‬ ‫يتعقب اثارهم ويدون اسلوب تطورهم ويناقش ما‬ ‫ابدعوا ويؤرخ لهم‪ ،‬ورمبا كان الواسطي اكثر حظا ً من‬ ‫غيره من الرسامني الذين عثرنا على اعمالهم ولم‬ ‫يتسن لنا حتى معرفة اسمائهم‪ ..‬فقد اتيح له ان‬ ‫ينفرد بصفحة فى نهاية مخطوطة مقامات احلريري‬ ‫التى قام برسم تسع وتسعني صورة لها‪ ،‬كان له ان‬ ‫يدون فيها قوله «فرغ من نسخها العبد الفقير الى‬ ‫رحمة ربه وغفرانه وعفوه يحيى بن محمد بن ابى‬ ‫احلسن بن كوريها الواسطي بخطه وصوره آخر نهار‬ ‫يوم السبت سادس شهر رمضان سنة اربع وثالثني‬ ‫وستمائة»‪.‬‬

‫وليد الحمداني‬ ‫موقع «‪»stop‬‬

‫‪47‬‬


‫حلقة وصل‬

‫‪ ..‬ردود سريعة‪..‬‬ ‫أًقيم فيكم الفكر المتنور تجاه المرأة‬

‫شاكر حسني ــ لندن‪ ،‬ابرار ــ تونس‪ ،‬ابراهيم عطية ــ‬ ‫االسكندرية‪ ،‬نواف ــ الكويت‪ ،‬محمد سعيد ــ برمنغهام‪.‬‬

‫أق ّيم فيكم الفكر املتنور جتاه املرأة االسالمية‬ ‫الفاقدة للكثير من حقوقها‪ .‬ملاذا يتناسى فقهائنا‬ ‫إن أول إنسان أمن مبحمد هي خديجة؟ والذين‬ ‫يطلبون النقاب او البرقع للنساء املسلمات‬ ‫عليهم أن يتذكروا إن ألله لم يطلب منهن ذلك‬ ‫أثناء احلج وفي أقدس الرحاب االسالمية! شكر َا‬ ‫ملساعيكم‬

‫شكرنا اجلزيل على التواصل وابداء املالحظات‬ ‫القيمة‪.‬‬

‫فالح جواد‬

‫‪inquiry@islam21.net‬‬

‫بارك اهلل في جهودكم‬ ‫جزاكم الله ً‬ ‫خيرا وبارك في جهودكم من اجل‬ ‫ديننا احلنيف‪..‬‬ ‫مع الشكر‬

‫د‪ .‬رامز زكاي ـ الباني‬

‫•••‬ ‫•‬

‫جعفر حميد ـ البحرين‬ ‫ميكنك الكتابة على املوقع االلكتروني اخلاص باملنبر وهو‪:‬‬ ‫‪Islam21.net‬‬

‫•‬

‫سميرة ـ باريس‬ ‫سندرس فكرة اقامة ورش خاصة بالشباب املسلم في فرنسا‪..‬‬ ‫مع الشكر‬

‫•‬

‫علي حبيب ـ أمريكا‬ ‫ً‬ ‫لم تصلنا املادة التي ذكرتها في رسالتك‪ .‬حاول مجددا‪..‬‬ ‫تقبل تقديرنا جلهودك املثمرة‪.‬‬

‫‪Dear brothers and sisters‬‬ ‫‪Let me begin by saying what a great magazine you have here. I have been reading it‬‬ ‫‪constantly over the past few months and have come to realise that a lot of the content is‬‬ ‫‪superb comparing to other magazines of the same style. It seems like Al Rasid Al Tanweeri‬‬ ‫‪prints the right content, especially when it relates to what is happening in the real world. It’s‬‬ ‫‪things like these that unite us and allow us brothers and sisters to move forward.‬‬ ‫‪I did like the different topics that the magazine tackles and the bold ideas it addresses.‬‬ ‫‪Further it does monitor whatever enlighting in the Arab press, which is a breath of a fresh‬‬ ‫‪air.‬‬

‫‪Ali shaheen - London‬‬

‫‪48‬‬

‫ ‬


‫قراءة جديدة للنص الديني بعيداً عن التأويل‬

‫ترسيخ القيم االخالقية المحمودة‬ ‫يسعدني أن أبعث بخطابي لتحيتكم واشكركم على عملكم الراقي‬ ‫اجتاه اإلنسانية من خالل دورات التدريب الرامية إلى ترسيخ القيم‬ ‫األخالقية احملمودة وبعث روح األمل واحلاجة إلى اكتساب مهارات‬ ‫وقدرات داخل أوساط الشباب انطالقا من تعاليم الدين اإلسالمي‬ ‫السمح‪ ،‬ومرجعية القران الكرمي باعتباره الكتاب املفعم بأحكام وشرائع‬ ‫مهمة للبشرية جمعاء‪ ،‬واملربي للسلوك اإلنساني والسمو به إلى أرقى‬ ‫األعمال وأطيب اخللق‪.‬‬ ‫والسالم عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته‬

‫يونس أغاديري ـ المغرب‬ ‫مجلتكم شجرتي المفضلة‬ ‫بسم الله الرحمن الرحيم‬ ‫حتية عطرة لكم‪ .‬مجلتكم شجرتي املفضلة اجني من ثمارها العلم‬ ‫واملنفعة‪.‬‬ ‫في اخلتام لكم شكري وسالمي ولالسرة موقع املنبر‪.‬‬

‫نادية عبداهلل‬

‫االخوة االعزاء في مجلة الراصد التنويري‬ ‫تابعت االعداد الثالثة االخيرة من مجلتكم من خالل االنترنت‪،‬‬ ‫وهي بصراحة جهد يستحق الشكر ملا حتتويه من افكار جيدة تسلط‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن‬ ‫الضوء على التنوير واالنفتاح وقراءة جديدة للنص الديني‬ ‫التأويل‪ .‬وفي هذه املناسبة اذكر لكم ان محاور االعداد كانت جيدة‬ ‫ومفيدة وناقشت املسألة من كل اجلوانب‪.‬‬ ‫في باب نشاطات تابعت اقامة ورش تدريبية في السودان‪ ،‬وانا‬ ‫سوداني واقيم في مدينة امدرمان‪ ،‬لكني لم اسمع بها‪ ،‬وانا اسأل‪ :‬كيف‬ ‫ميكن االلتحاق واالستفادة من هذه الورش في حال اقامتها مرة اخرى‬ ‫في السودان؟‬ ‫كما ارغب في الكتابة في مجلة «الراصد التنويري» فيما يخص‬ ‫االسالم املتنور والتاكيد على تسامحه واعتداله‪ ،‬وما يخدم املسلمني‬ ‫وحياتهم‪ ،‬وارجو ابالغي قبل مدة مبحور العدد لغرض االعداد له‬ ‫واملشاركة على افضل وجه‪.‬‬ ‫وفقكم الله والسالم عليكم‬ ‫اخوكم‬

‫سيد احمد عبدالسالم ـ السودان‬

‫‪49‬‬


‫افكار بصوت هادئ‬ ‫‪50‬‬

‫إصالح المؤسسات الدينية‪:‬‬ ‫ضرورة ملحة‪ ..‬لكن غير كافية‬ ‫خالد الحروب‬

‫تعاني املؤسسة الدينية في العالم اإلسالمي من تكلس‬ ‫متراكم يعكس حالة الركود والتخلف التي يعاني منها‬ ‫املسلمون‪ .‬وتقف هذه املؤسسة الدينية كأحد املتهمني‬ ‫الرئيسيني في الوصول إلى حالة التخلف املذكورة‪ ,‬بسبب‬ ‫ترددها وجبنها عن تبني إجتهادات تفتح آفاقا ً حقيقية‬ ‫للمجتمعات املسلمة في تواصلها مع العالم املعاصر قيميا ً‬ ‫وحضارياً‪ .‬فعلى مدار أكثر من قرن‪ ،‬أي منذ إرهاصات اإلصالحية‬ ‫اإلسالمية في أواخر القرن التاسع عشر واتصالها بالغرب وبروز‬ ‫دعوات التحديث اإلسالمي‪ ،‬وقفت املؤسسة الدينية في معظم‬ ‫بلدان العالم اإلسالمي (األزهر في مصر‪ ،‬هيئة كبار العلماء‬ ‫في السعودية‪ ،‬احلوزة العلمية في العراق وإيران‪ ..‬وغيرها) أمام‬ ‫تيار اإلجتهاد اإلصالحي الذي حاول بكل قواه خلق مصاحله مع‬ ‫احلداثة الغربية وتطوير مفاهيم وآليات إسالمية تستوعبها‪.‬‬ ‫واملصاحلة املقصودة هنا متعلقة بالقيم وليس بالتكنولوجيا‬ ‫والعلوم التطبيقية‪ ،‬وعلى وجه التحديد القيم التي نظمت‬ ‫عالقة الدين باجملتمع والسياسة العامة واحلريات الفردية وقيم‬ ‫املساواة واملواطنة وشكل الدولة الوطنية‪.‬‬ ‫وقفت املؤسسة الدينية وال تزال في وجه التحديث‬ ‫اإلسالمي وحتت مزاعم الدفاع عن الدين قادت إلى موضعة‬ ‫الدين في مواجهة رأسية مع العصر مما ساهم في إنتاج‬ ‫إستقطاب حاد في معظم البلدان اإلسالمية بني املدافعني‬ ‫عن الدين واملدافعني عن احلداثة‪ .‬وحتالفت تلك املؤسسة‬ ‫بشكل مباشر أو ضمني مع التيارات اإلسالمية التي‬ ‫قطعت هي األخرى مع اإلصالحية اإلسالمية‬ ‫املستنيرة‪ ،‬وأجتهت نحو صيغ عداء ومواجهة مع‬ ‫احلداثة الغربية عوض اإلستفادة منها واملصاحلة‬ ‫معها‪ .‬وقد أنضم إلى هذا التحالف املبطن (على‬ ‫مستوى التمسك بالقيم التقليدية اجلامدة‬ ‫واملتكلسة) أنظمة عربية وإسالمية‬ ‫مهمة (مصر الساداتية وما تالها‪،‬‬ ‫السعودية‪ ،‬إيران‪ ،‬باكستان) وكل منها‬ ‫ألهداف أنانية خاصة بالسيطرة على‬ ‫احلكم في بلدها‪.‬‬ ‫كل ذلك أنتج منظومات قيم‬ ‫دينية وتربوية مدعومة مبناهج تعليم‬

‫متخلفة ترعاها املؤسسة الدينية‪ .‬ولهذا فإن أثر املؤسسة‬ ‫الدينية األهم ميكن رؤيته في العملية التعليمية والتربوية‬ ‫وعلى مستوى وزارات التعليم‪ ،‬حيث تلعب هذه املؤسسة دور‬ ‫احلارس على ما تتضمنه املناهج التعليمية‪ ،‬وهو دور تدميري‬ ‫في معظم األحوال‪ .‬وللتدليل على ذلك يكفي أن نالحظ غياب‬ ‫مقررات الفلسفة واملنطق وما يعزز دور العقل والنقد في‬ ‫العملية التدريسية‪ .‬ويطال ذلك الغياب التقليد اإلسالمي‬ ‫الرفيع في الفلسفة ممثالً بالغزالي وابن رشد وابن خلدون‬ ‫والفارابي وابو حيان التوحيدي وغيرهم عشرات ممن يغيبون عن‬ ‫املناهج التعليمية‪ ،‬مقابل سيطرة التوجهات النصية والنقلية‬ ‫السلفية اجلامدة‪.‬‬ ‫لهذا فإن إصالح املؤسسة الدينية فكريا ً واجتهاديا ً‬ ‫بالدرجة األولى ثم تنظيميا ً واداريا ً بالدرجة الثانية جلهة إعادة‬ ‫مأسستها في أشكال اكثر شفافية واكثر دميوقراطية يصبح‬ ‫أمرا بالغ األهمية وملحا لدرجة قصوى‪ .‬وفي ما يتعلق باإلصالح‬ ‫اإلداري وشكل األداء فإن النقطة االساسية هنا هي إعادة بناء‬ ‫هذه املؤسسة على قواعد غير أبوية وغير بطركية بحيث‬ ‫ينفتح اجملال أمام األجيال الشابة من علماء الدين كي يعبروا‬ ‫عن إجتهادات جديدة غير تلقينية وغير نصية‪ ،‬من دون اخلوف‬ ‫من مراقبة االخ االكبر‪ ،‬الشيخ أو املفتي األكبر‪ ،‬الذي صار يقلد‬ ‫دور البابا في التقليد املسيحي‪.‬‬ ‫لكن إصالح املؤسسة الدينية في العالم اإلسالمي‬ ‫هو جزء من عملية إصالحية اكبر تطال‬ ‫التعليم والسياسة واإلجتماع والنقد‬ ‫وطرق التفكير‪ .‬ومن الصعب تخيل‬ ‫حدوث اإلصالح في بقعة منعزلة في‬ ‫حني يتواصل التخلف والركود في‬ ‫بقية الفضاء اإلجتماعي والثقافي‬ ‫والسياسي‪ .‬بيد أنه ميكن القول‬ ‫أن إصالح املؤسسة الدينية قد‬ ‫يكون إحدى البدايات املشجعة‬ ‫التي متنح شرعية مباشرة أو غير‬ ‫مباشرة لعملية االصالح الشامل‬ ‫التي طال أنتظارها‪.‬‬ ‫‪ khaled.hroub@yahoo.com‬‬


The International Forum for Islamic Dialogue (IFID)

IFID was established in 1994 as a UK based non-profit organization. It is an independent voice calling for an enlightened and modern understanding of Islam. We believe that Muslim democrats can potentially become a stabilizing and a constructive force in developing institutions, modernizing Muslim societies and playing their full role in world peace. The key to a better future for Muslim nations lies in developing interpretations of Islam, Muslim thought and attitudes that are compatible with the contemporary world. IFID was founded by Dr Laith Kubba, who served as it’s first executive director (1994 to 1998). He was succeeded by Dr Mansoor Al-Jamri. IFID’s current director is Dr Najah Kadhim. IFID aims to: • Identify, encourage and introduce new, enlightened Muslim writers to engage in debate and discussion on key Islamic issues and establish a network for the sharing of ideas and experiences on the challenges faced by Muslims today. • Initiate innovative ideas that provoke contemporary Islamic thought and generate much needed debate and dialogue. • Assist and strengthen the efforts of enlightened and liberal Muslim democrats in propagating a modern understanding of Islam and it’s values, focusing on human

rights, democracy, pluralism, non-violence, civil rights, modern institutions and in identifying future trends and strategies. IFID Objectives: 1. Expanding and consiledating the “Success in a Changing World” network in the Middle East & North Africa as well as establishing the Uk education programme. 2. To develope an “educational guide”, catering to the needs of Muslims, that is modern, scientific, and flexible - to be used by youth, teachers of religion and by Imams. 3. To publish the quarterly Arabic magazine “alrasid altanweeri”. 4. To publish the quarterly “Islam21” journal, focusing on specific themes. 5. To host Seminars, addressing specific topics relevant to current Muslim reality and to publish and circulate them to individuals and organizations. 6. To improve and update “Islam21.net” Web site. 7. The “Friday Note” - whereby, concise articles, by known Muslim writers from a number of countries, address contemporary Muslims concerns. These are emailed on Fridays, to our online community. Each year a collection of these articles are published in book form. 8. To publish the quarterly Islam21 Youth, focusing on Muslim Identity from a youth perspective.


alrasid@islam21.net www.islam21.net Al-Rasid Al-Tanweeri P. O. Box: 5856, London WC1N 3XX, United Kingdom Phone: (+44) 20 7724 6260


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.