العدد ( )26صيف ( 2015السنة السابعة)
)Issue 26 / Summer 2015 (Vol 7
)Issue 26 / Summer 2015 (Vol 7
العدد ( )26صيف ( 2015السنة السابعة)
هل تنجح الصوفية في مواجهة التطرف؟
عالمنا المضطرب والعودة إلى قيم السالم
20
14
Al-Rasid Al-Tanweeri P. O. Box: 5856 London WC1N 3XX United Kingdom
حوار مع الصحافي المتخصص في الشأن العربي واإلسالمي عبدالحسن األمين
22 Phone: (+44) 20 7724 6260
ثقافة االعتدال في أفغانستان
للمراسلة alrasid@islam21.net www.islam21.net
26 من مهام المنبر:
املساهمة في خلق وتطوير حوار معاصر حول شؤون املسلمني رئيس التحرير د .نجاح كاظم مديرة التحرير هاجر القحطاني
هيئة التحرير عبد علي السعيدي (العراق)
عبد اللطيف طريب /
د .يـامن نـوح (مصر) موالي محمد اسماعيلي (المغرب)
االخراج الفني :رياض راضي الطباعةMBG INT-London :
ﻣﺒﺘﺪأ اﻟﻜﻼم
العرفان والتصوف وتعمير الذات طرقت سمعي كلمة الصوفية أول مرة حين كنت في مقتبل العمر ..وظلت عالقة في ذاكرتي بأن اتباعها يؤثرون لبس الصوف الخشن للتقشف والزهد ..وتبين لي لغويا ً فيما بعد إنها احدى المعاني التي قيلت في االثر بشأن الصوفية ،والتي تشير أيضا ً إلى الصفاء ،أو من الصفة ،إذ ان التصوف يعني االتصاف بمحاسن األخالق وترك المذموم منها .والصوفية هي منهج أو طريق يسلكه العبد للوصول إلى الخالق ،أي الوصول إلى معرفته والعلم به وذلك عن طريق االجتهاد في العبادات واجتناب المنهيات، وتربية النفس وتطهير القلب. وكم هي مفارقة جميلة عندما تعرفت على العرفان من صديق لي يدعى عرفان في بداية مشوار حياتي .والعرفان في االصطالح عبارة عن المعرفة الحاصلة عن طريق المشاهدة القلبية ،ال بواسطة الحسية ..فهو العلم باهلل تعالى واسمائه وصفاته وتج ّلياته .فالتصوف والعرفان العقل وال التجربة ّ هما سلوك وتعبد وزهد وروحانية حقيقية تتوالد مرارا ً وتتسامى علواً. وينبري السؤال الجوهري ،وهو :هل روحانيات التعبد والتنسك التي اتسعت مؤخرا ً بتقاليدها وعاداتها الموروثة تمثل البديل المغاير للعنف الذي تشهده المنطقة في أكثر من بقعة؟ ربما تصح االجابة هنا بنعم ..ولكن كيف نفسر انغماس بعض فرق الصوفية كالنقشبندية في أعمال القتل واإلرهاب والتطهير العرقي ،مع إعالن تحالفها مع «داعش» في الموصل؟ مما الشك فيه ان الجماعات السلفية والوهابية قد نشرت الرعب والقتل والدمار واضعفت وحدة المسلمين في ظل قراءة مثلومة واستنتاج خاطىء لنهج اإلسالم وتعاليمه ،حيث اعلنوا ان اهلل وحده له الحق في البت في المسائل التي تهم مصير المجتمع المسلم ،لكنهم برعوا في الوقت ذاته بتكفير اآلخر المختلف :دينياً ،مذهبياً ،نهجاً ،وقراءة. لكن مواصلة القول براحة ودعة بأن هذا ليس من اإلسالم ومن دون أدنى وعي للمحتوى الذهني لهذه المجاميع التي تكرر ظهورها على مر العصور ،ال يخفف من وطأة االزمة وشدتها ،بعدما زحف الرعب إلى قلوب الناس وشاعت صور القتل البشعة وحز الرؤوس وحرق االحياء وسبي النساء ،إلى جانب نهب وتدمير التاريخ اإلنساني في محاولة الحداث الصدمة وترويع االبرياء وبسط سلطة القهر والظالمية. أعتقد ان الروحانية والتدين (قل الدين ان شئت) على اختالف واضح .فاألول هو االعتقاد النافذ من معرفة الذات وطهارة القلب وتزكية النفوس وتصفية األخالق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الدنيوية واألبدية .ومن عرف ذاته فقد عرف ربه .الروحانية هي الحياة والوالدة التي تتجدد وتلد كل لحظة من حياتنا عملية التسامي والترافع .بينما الثاني هو مناسك وتقاليد موروثة غلب عليها طابع العادات واالعراف واالدلجة الخالية من نقاء القلب الباعث للطاقة الروحية وكشف الجوانب المضيئة والمظلمة في النفس اإلنسانية. اما التطرف فيمثل فقدانا ً للتوازن الداخلي ،وبدال ً من اعالن الحرب لتعزيز ذلك التوازن ونماء الطاقة الروحية عن طريق القلب والوعي ..اعلن الوهابيون والسلفيون الحرب على اآلخر باستخدامهم المفرط للطاقة الجسدية ،مولدين بذلك موجات من الدمار والعنف .وكما قيل إذا مات القلب ذهبت الرحمة وإذا مات العقل ذهبت الحكمة وبالتالي موت الضمير وفناء كل شىء. انها سحابة ذاتية داخلية قاتمة يتركز قوامها في حلقة مفرغة من الحقد منتجة في النهاية الفناء للذات واآلخر .وشتان بين حياة مقبلة على المستقبل ،وموت بغير حق. وتنبع هنا اهمية قراءة الذات وهيام القلب في روحانيات شباب مسلمي وعرب المستقبل حتى يتسنى لهم المعرفة الحقيقية لقيمة مرادفات امثال التصوف والعرفان عندما تصل مسامعهم للمرة األولى 4
ﻧﺠﺎح ﻛﺎﻇﻢ
دﻳﻦ اﻟﺤﺐ ﻓﻲ زﻣﻦ اﻟﻜﺮاﻫﻴﺔ
سياحة في رحاب التصوف المعرفي اﻧﺘﺼﺎر اﻫﻞ اﻟﺒﺎﻃﻞ ﻻ ﻳﺘﺄﺗﻰ إﻻ ﻣﻦ ﺗﻘﺎﻋﺲ اﻫﻞ اﻟﺤﻖ ﻟﻦ ﻳﺘﻌﺎﻳﺶ اﻟﺒﺸﺮ ﺑﺴﻼم ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻨﻌﻤﻮا ﺑﺎﻟﺴﻼم اﻟﺪاﺧﻠﻲ
ﻋﺒﺪﻋﻠﻲ اﻟﺴﻌﻴﺪي أستاذ جامعي ومدرب على «مهارات النجاح في عالم متغير» ـ العراق
«صير الرومي طيني جـــوهـراً»... ّ
اﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﺤﻤﺪ أﻗﺒﺎل اﻟﻼﻫﻮري
يمكننا الزعم أن الموروث الصوفي متمث ًال بمشروعه القائم على وحدة الوجود الذي حمل لواءه الحالج والسهروردي ومن بعدهم محي الدين بن عربي وموالنا جالل الدين الرومي ومن حذا حذوهم وسار في خطاهم من رؤوس المتصوفة االخرين هو األكثر جدارة في مواجهة أزمات عصرنا الراهن خصوصا استفحال نزعة التطرف واإلرهاب السلفي. وقبل الطوف في رحاب التصوف المعرفي والتزود من منابعه الدفاقة بكل ما لذ وطاب من معاني الحب الكوني والتعايش على اساس وصال المعنى والسعي الدائب للسمو بالنفس والمجتمع إلى مستوى الكمال عبر نافذتي الدين والفن في ثنائية تشكل أجمل وأعذب ما في الوجود ،قبل ذلك البد من استعراض موجز ألبرز مالمح األزمة التي يعاني منها اإلنسان المعاصر خصوصا في شرقنا المتوسط على وجه التحديد. أصل ازمة المسلم المعاصر ،كما أتصور ،هي الشعور الطاغي بالخواء الروحي والتصحر الوجداني والتيه المعرفي ..والسبب األبرز وراء مأساة اإلنسان المعاصر في تيهه هو سيادة الخطاب األيديولوجي الذي أحال الدين ،وهو معراج الروح وملهم الخيال اإلبداعي وملهب أشواق القلب والق الضمير ،إلى مؤسسة تدعي الحاكمية على نوايا الناس قبل سلوكياتهم في سعي محموم لتديين كل الوجود اإلنساني بد ًال من أنسنة الدين كي يتناغم مع الوجود .يقول الدكتور عبد الجبار الرفاعي في هذا السياق « :أن األيديولوجيا نسق مغلق ،يغذي الرأس بمصفوفة معتقدات ومفاهيم ومقوالت نهائية ،تعلن الحرب على أية فكرة ال تشبهها ،حتى تفضي إلى إنتاج نسخ متشابهة من البشر ،وتجييش الجمهور على رأي واحد ،وموقف واحد ،وكأنها تتمثل
قول فرعون « َقا َل ِف ْر َع ْو ُن َما ُأر ُ ِيك ْم ِإ َّال َما َأ َرى». األيديولوجيا جزمية ،همها تنميط وتدجين ونمذجة الشخص البشري ،لذلك تقدم جواب ًا واضح ًا لكل سؤال ،وكأنها ال تدري أن أسئلة ثقيلة كأسئلة المبدأ والمصير ،ما لبثت منذ جلجامش مفتوحة .يتعطل التفكير حين تغلق األسئلة المفتوحة .األيديولوجيا تق ّوضها األسئلة المفتوحة ،لذلك ال تبقي في فضائها أي سؤال مفتوح ،وتحرص أن تقدم إجابات نهائية لكل سؤال مهما كان» (حوار مع مؤسسة الفكر اإلسالمي )2015/2/15وهذا بالضبط ما نعيشه اليوم ولهذا البد لنا من البحث عن المضاد النوعي للتطرف المؤدلج والمتلبس بالدين من خالل العودة لمنابع التصوف العقالني والعرفاني الذي كان داعية االبتعاد عن األدلجة وعن االنتماءات الضيقة واالنتماء للمعنى الذي هو وحده الضمانة لخلق مجتمع مثالي متحضر متعايش سلمي ًا ومتوازن روحيا ولن يتعايش البشر بسالم ما لم ينعموا بالسالم الداخلي ولن يصلوا للسالم الداخلي ما لم يعيشوا حالة التوازن الروحي والعاطفي الذي توفره التجرية الصوفية العرفانية. ولعل من اخطر مظاهر أدلجة الدين هو سيادة الخطاب السلفي المتطرف والمعبأ والمدعوم باالموال وبتغطية إعالمية ملحوظة ..لم تعد خافية على احد ،ويكفي المتابع ان يقرا كتاب «داعش دولة الرعب» لجسيكا تيرن وجي .أم .بيركر الصادر هذا العام باللغة اإلنكليزية ،حيث يكشف فيه المؤلفان بالوثائق واألرقام عن األسباب الداخلية والخارجية التي اسهمت في تكون وتمويل تنظيم «داعش» القائم على الرعب وارتباطه العقائدي بالفكر الوهابي السلفي القائم باألصل على قطع الرؤوس كحكم شرعي يمارس علن ًا بعد صالة الجمعة وفي اماكن عامة يحضرها الناس لتنفيذ احكام المتورطين بجرائم االغتصاب والقتل والسطو المسلح وادمان 5
المخدرات وامتهان السحر والشعوذة (داعش دولة الرعب 2015 /ص )210ثم يؤكد المؤلفان الحقيقة المرعبة أن «داعش» وبالتعاون مع اخواتها «تسعى لتطهير العالم بأكمله من جميع الذين ال يتفقون مع ايديولوجيتها» (ص .)233وهذا يعني أن نسبة % 90من العالم ينتظرون الذبح على يد دعاة دولة الخالفة في ثوبها الداعشي الجديد، تلك الحقيقة التي اكدها الباحث والروائي المصري يوسف زيدان عام 2010في كتابه «الالهوت العربي» حيث قال« :تولد الحركات العنفية المتطرفة مسلحة بتراث فقهي فرعي غالبا ما يتم بعثه من الضفاف المتشددة ،وحين تتمكن تسعى إلسكات الجميع ،وفكر ابن تيمية مثال جيد على ذلك( »...ص.)216 وهنا يتبين أن ايديولوجية التطرف قائمة على النقيض تمام ًا من نزعة التصوف .فاألولى متشبعة حد العظم بنزعة اإللغاء واإلقصاء لآلخر المخالف ولو بالمفخخات واألحزمة الناسفة ،كما انها تدعو وبشكل محموم لما يمكن أن نسميه دين الكراهية في نزعة تكفيرية في غاية التطرف ،وفي ادعاء وقح بأنها تمتلك الله دون بقية البشر ،في حين أن مفتيها نفسه ال يزال يؤمن بأن األرض ال تدور، ويعتبر أن الصعود للقمر هو من فبركات واكاذيب هوليوود!! .وهنا تبرز أهمية الرجوع للتراث الصوفي العرفاني الذي ال يزال يملك الكثير من األجوبة الشافية لمشاكل وازمات عصرنا الراهن ،كما يؤكد ذلك الدكتور نصر حامد ابو زيد في كتابه الرائد «هكذا تكلم ابن عربي». ويأتي تركيز هذا المقال على محي الدين بن عربي وجالل الدين الرومي أكثر من غيرهما كونهما األكثر شمو ًال ومنهجية في طرحهما لمشروع التصوف الذي يعد في جوهره «ثورة ضد المؤسسة الدينية التي حولت الدين إلى مؤسسة سياسية اجتماعية مهمتها األساسية الحفاظ على األوضاع السائدة ومساندتها من خالل آليات إنتاج معرفية ثابتة يقف على رأسها اإلجماع ويليه القياس ،إذ يختلف المتصوفة عن الفقهاء والمتكلمين في آليات استنباط المعرفة وانتاجها ،فيحاول الصوفي عبر تجربته الروحية التواصل مع مصدر المعرفة بد ًال من االنشغال بالنصوص الشرعية التي مزقت االختالفات المذهبية داللتها ( »...نصر حامد ابو زيد ،هكذا تكلم ابن عربي ،2002 /ص .)23 يختلف مفهوم الدين لدى المتصوفة عن مفهومه لدى الفالسفة ورجال الالهوت والفقهاء 6
وعلماء االجتماع ،وحين يشير الدين لدى الفالسفة الالهوتيين إلى النظام والنسق في بعده الجمعي ولهذا فهم يهتمون بالعقائد كأنساق معرفية وقضايا ايمانية مجردة ،أما تركيز الفقهاء فيتمحور حول الدين كمجموعة من األوامر والنواهي التي يتحقق خالص اإلنسان بإتباع األوامر واجتناب النواهي، كذلك ينظر علماء االجتماع للدين من خالل حركة المجتمع كونه ظاهرة اجتماعية ،في حين يختلف المتصوفة عن جميع أولئك في فهمهم للدين على انه تجربة روحية ذاتية تتعلق بالفرد وقدرته على التحليق في فضاءات المعرفة متسلح ًا بالحب لله وخلقه واالحتراق بنار العشق حد التوهج .يقول الرومي بهذا الخصوص : «كنت نيئًا ،ثم ُأنضجتُ ،واآلن أنا محترق». ويرى أن كل شيء في الصوفية يقوم على الحب و ُيبنى عليه ،فيقول : «الحب هو ذاك اللهب الذي عندما يتأجج يحرق َّ كل شيء ،وال يبقى ثمة إال الله» ويشترك المتصوفة في الدعوة لدين الحب الذي يؤكد أن مهمة الدين األساسية هي التأسيس لحاكمية الضمير من خالل التأكيد على الوجود اإلنساني واحترام حاجاته األساسية من الداخل .فقضية الدين هي قضية قلب يحتاج لمن يمنحه فرصة ّ تعشق جماليات الوجود التي تمثل تجليات الحق (الله) باحترام حريته في التفكير واالعتقاد حيث «الطرق إلى الله بعدد انفاس الخالئق» الحديث النبوي الذي ً كثيرا .العقيدة برأيهم هي دين حب يؤكده المتصوفة ينبض به القلب ال فكرة يفرضها سوط السلطان أو رأي الفقيه ،ولهذا فالناس احرار فيما يعتقدون وبناء على ذلك تنتفي شرعية جميع الحروب التي ُشنت باسم الدين ومصادرة عقائد االخرين ،حتى لو كانت وثنية ،والدليل ان الوثنيين عاشوا في ظل اإلسالم ابان تألقه في حماية المسلمين معززين مكرمين ولم تحل بهم المصائب حتى اطلت نزعة
دﻳﻦ اﻟﺤﺐ أﺻﻞ ﻛﻞ اﻷدﻳﺎن واﻟﻌﻘﺎﺋﺪ اﻟﺴﻤﺎوﻳﺔ ﻗﺒﻞ ﺗﺰﻳﻴﻔﻬﺎ ﺑﺎﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ
التطرف والغلو والتكفير والعنصرية الدينية بشكلها الممنهج على يد الغزالي في أحيائه لعلوم الدين على اساس ايديولوجي الغائي اقصائي كانت من ثماره المعاصرة افكار المودودي والندوي وسيد قطب والتي مهدت لظهور القاعدة واخواتها بشكل أو بآخر. يقول ابن عربي في أبياته الشهيرة في ديوانه ترجمان األشواق: لقد صار قلبي قابال كل صورة فمــــرعى لغــــزالن ودير لرهبان وبيت ألوثـــان وكعبة طـــــــائف والـــواح تــــوراة ومصحف قرآن أدين بدين الحــب أنى توجهت ركائبــه فالحــب ديني وإيماني دين الحب أصل كل األديان والعقائد السماوية قبل تزييفها باأليديولوجيا ،ذلك الدين الذي يجتمع في رحابه سكنة الدير والطائفون حول الكعبة وعبدة األوثان ،وتتعانق فيه التوراة مع اإلنجيل والقرآن في لوحة ساحرة بألوان طيفها الرباني الذي يسع في فسحته الناس كافة ويفيض فضله على الجميع دون تمييز ،وهنا تعكس لوحة دين الحب لدى الصوفية سمفونية الوجود التي رسمتها كلمات الله في قوله «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم »....وفي قول نبيه الكريم «ال فضل لعربي على اعجمي إال بالتقوى» فليس ثمة رائحة للتمييز سوى التفاضل الذي هو سنة الحياة في كل زمان ومكان .فمن غير المنطق وال الحكمة ان «يستوي الذين يعلمون والذين ال يعلمون» وليس في دين الحب سوى رائحة األخ ّوة في حوار التعارف والتعايش مع احترام التمييز والكفاءة ،رغم انتماء الناس لملل ونحل وقبائل مختلفة .جميع األديان والطوائف واالنتماءات تلتقي في قلب من يدين بدين الحب كونه يعي تمام ًا األصل الوجودي الذي تستقي منه شوقها الوجودي وقلقها المعرفي وتوقها للمطلق الكامل وعوالمه المفعمة بالجمال والجالل. يعتمد المتصوفة الكبار في دعوتهم لدين الحب على حديث قدسي في غاية األهمية في دالالته المعرفية المرتبطة بفلسفة الخلق أن الله تعالى يقول« :كنت ً كنزا مخفي ًا فأردت ان اعرف ت الخلق لكي أعرف» ويصلون إلى نتيجة فخلق ُ مذهلة تتناغم مع حركة الوجود في واقعها أن الله لم يخلق الخلق إال ليأنس بهم من خالل معرفتهم لعظمة ما هو عليه من حب ورحمة وعطاء بال حدود .فلم يخلقهم ليجعل حياتهم كابوس ًا ،كما هي
عليه عبر ممارسات الذين يقتلون الناس ويخربون الحياة باسمه ،أنه الكنز المخفي ..كنز للفيض وللرحمة والعطاء والحب المطلق .يقول الباحث السوري أحمد الحسين نق ًال عن ابن الرومي :إن طريق الحب في الصوفية يؤدي إلى بلوغ السالك مرحلة اإلنسان الكامل أو اإلنسان الك ِّلي ،الذي هو قلب الكون والذي يكون قاد ًرا على أن يكتشف في نفسه ذلك «الكنز المخفي» ،بحسب الحديث القدسي ،الذي يبحث عنه اإلنسان في مكان آخر عب ًثا ،بينما هو في داخله. كما أن من بين أهم اركان دين الحب لدى العارفين هو التخلي عن الجنة كونها تفقد الوصال مع المعشوق (الله) لذته حين تربطه بمنفعة متبادلة وحينها تنطفي شعلة توهجه حين يتم التعاطي مع الدين كنوع من التجارة مع الله ،وهم بهذا يستندون لملهم المتصوفة جميعا علي بن ابي طالب في قوله الشهير «إلهي ما عبدتك خوف ًا من نارك وال طمع ًا في جنتك ولكنني وجدت اهال للعبادة فعبدتك»... كما أنهم يدعون بقوة إلى تحرير اإلنسان من عبودية االنتماءات بغية االنتماء للمعنى الذي في وصاله يجتمع اتباع الديانات والمذاهب كلها دون خالف وال حرج .يقول جالل الدين الرومي« :يا أيها
المسافر ال تضع قلبك عند منزل من المنازل» ويقول البسطامي« :غب عن الطريق تصل إليه» في تأكيد على تحرير اإلنسان من عبودية االنتماءات الضيقة التي هي مصدر ازمات العالم اليوم ،خصوصا حين يغدو االنتماء للطريق أو الطريقة المتمثلة بالمذهب والمفتي والشيخ مدعاة لتصنيم أفكاره ومنحها مرتبة الكمال ومن ثم النظر لآلخر بعيون المذهب ومفتي المذهب .ومن هنا تأتي مكانة القول الصوفي البالغ األهمية في بالغة ساحرة تدعو إلى أن نتجاوز االنتماء الضيق كي نصل لالنتماء
ازﻣﺔ اﻟﻤﺴﻠﻢ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﺑﺎﻟﺸﻌﻮر اﻟﻄﺎﻏﻲ ﺑﺎﻟﺨﻮاء اﻟﺮوﺣﻲ واﻟﺘﺼﺤﺮ اﻟﻮﺟﺪاﻧﻲ واﻟﺘﻴﻪ اﻟﻤﻌﺮﻓﻲ
للحق وللوجود كله الذي يشكل «حضرة الحق» وفق فلسفة المتصوفة والذي تتعدد طرق الوصول اليه بتعدد البشر على اختالف قدراتهم ومواهبهم واشواقهم. ولعل من اهم مالمح دين الحب لدى المتصوفة الكبار ومن اهم ركائزه هي تأكيده الكبير على أهمية الفن كونه الجناح الذي يحلق به العارف في رحلته في عوالم الوجود نحو الوصال بالحق، ولهذا نجد أن جميع المتصوفة الكبار إن لم نقل كلهم شعراء مرهفون وفنانون بارعون في العديد من الفنون كالموسيقى والرسم والعمارة ..كلماتهم تحمل زخم ًا معرفي ًا وعاطفي ًا يملك األسماع ويأسر القلوب واألرواح في داللة واضحة على عمق تجربتهم وجمالها وعظمتها .يقول الدكتور نصر حامد ابو زيد في كتابه المشار إليه مسبق ًا ما نصه «إن استدعاء ابن عربي مع غيره من إعالم الروحانية في كل الثقافات ـ يمثل مطلب ًا ملح ًا ،لعلنا نجد في ً مصدرا تجربته ،وفي تجاربهم ،ما يمكن أن يمثل لإللهام في عالمنا ..إن التجربة الروحية هي مصدر التجربة الفنية ـ الموسيقى واألدب وكل الفنون 7
السمعية والبصرية والحركية -فهي اإلطار الجامع للدين والفن .هذه اهمية استحضار ابن عربي في السياق العام .لكن استحضار ابن عربي في السياق اإلسالمي -واستعادته من افق التهميش إلى فضاء المتن مرة اخرى – ال يقل اهمية ،وذلك بسبب سيطرة بعض االتجاهات واألفكار والرؤى السلفية على مجمل الخطاب اإلسالمي في السنوات الثالثين األخيرة من القرن العشرين( ».هكذا تكلم ابن عربي ،ص .)26 ويولي المتصوفة في دعوتهم لدين الحب اهتمام ًا بالغ ًا بقيمة الجمال وأثره في االرتقاء بالحس والذوق الفني لإلنسان ،ويؤكدون ذلك عبر حضورهم الواسع في مجاالت الفن والثقافة والحياة االجتماعية بشكل عام وهم يقرأون الحديث النبوي: «الله جميل ،يحب الجمال» بطريقتهم الفريدة في قراءة النصوص ،إذ يعلق ابن عربي على ذلك الحديث بقوله« :إذا كان الله يحب جمال الصور فألنها مرآة جماله مثلما هي مرآة الوجود». ويؤكد الرومي إن تأمل الجمال الذي هو مرأة لجمال الله يسهم في تش ّبع المتأمل بالقداسة التي لها أثرها اإليجابي على الروح وأن الفن المستند إلى الجمال يسهم في اعادة خلق للجمال من منظور بشري له داللته في االرتباط بالجمال بمعناه اإللهي المقدس. 8
ونود ان نختم هذا المقال باقتباس بالغ الدقة واإليجاز للدكتور عبدالجبار الرفاعي في حوار اجرته معه مؤسسة الفكر اإلسالمي ،حيث يقول« :إما التصوف المعرفي «الفلسفي» والعرفان النظري فإنه أنتج قراءة للنصوص خارج إطار المناهج وأدوات النظر الموروثة ،التي اخترعها الشافعي واألشعري وغيرهما ،ثم أضحت مقدسة ،ومنح المسلم أفق ًا رحب ًا في التأويل ،وإنتاج قراءات تتوالد منها على الدوام قراءات حية ،في فضاء يواكب متغيرات الحياة ..والخالص من توثين الحروف وإهدار المقاصد ،والتمسك باألشكال ونسيان المضامين، والغفلة عن الحاالت والغرق في الصفات ..كما أعاد التصوف المعرفي «الفلسفي» والعرفان
اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﺗﺠﺮﺑﺔ روﺣﻴﺔ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻔﺮد وﻗﺪرﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﻠﻴﻖ ﻓﻲ ﻓﻀﺎءات اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻣﺘﺴﻠﺤﴼ ﺑﺎﻟﺤﺐ ﷲ
النظري االعتبار للذات المستلبة ،والعالم الجواني المطموس للشخص البشري ،وع ّبد دروب القلب في رحلته األبدية نحو الحق تعالى ،وانشغل بإرواء الظمأ االنطولوجي للروح( »...تاريخ الحوار )2015 /2/13 وخالصة ما نود التوصل إليه أننا بحاجة إلشاعة هذا الدين الذي سيستظل به الجميع وبملء إرادتهم امنين مطمئنين ،والترويج له من خالل المناهج التربوية ووسائل اإلعالم والتواصل االجتماعي والندوات والحوارات والبحوث والدراسات ،واألهم من كل ذلك أن يتم تناول رواد مدرسة دين الحب من خالل الفن المرئي والمسموع كالسينما والمسرح ً تأثيرا في والتلفزيون ألنها األقرب للناس واألكثر المتلقي ،فكما يتم أنتاج عمل درامي ضخم عن الحجاج ينبغي أن يكون هنالك عمل أضخم منه ّ عن الحالج ،وكما يتم تناول عمر بن العاص في مسلسل طويل يتوجب ان تكون هناك مسلسالت تعكس الفكر الفذ والحياة المعطاء والمواقف التاريخية لرواد التصوف كابن عربي وجالل الدين الرومي وأمثالهم ،ويمكن من خالل مشروع كهذا ان تتراجع نزعة «دين الكراهية والعدوان» وان تتالشى النها تفتقر لمنطق وجاذبية ومشروعية دين الحب، ولعل من بيدهم األمر ان يهتدوا بالقول الذي معناه اإلجمالي أن انتصار اهل الباطل ال يتأتى إال من تقاعس اهل الحق
«وتلك األيام نداولها بين الناس»... ﻫﺎﺟﺮ اﻟﻘﺤﻄﺎﻧﻲ التغيير من ثوابت الكون ،وينقرض من ال يقدر على التكيف بينما يسود األرض االقدر على التأقلم والتعلم. ترتقي البشرية سلم الحضارة بمعاناة وتدفع غاليا ً ثمن تعلمها ،فيطغى اإلنسان ويفسد في األرض ويسفك الدماء ثم يتعلم من تجاربه. فهل نتعلم من تجربة مكلفة مسيئة لإلسالم ومدمرة للمسلمين ،تنتشر نارها في هشيم مجتمعاتنا وتتركنــــا معــاقين «بالتطرف الديني» و«العصبيات العرقية والمذهبية». كيف اخترقت ثقافة داعش شباب المسلمين وكيف نجحت دعوتها إلى الموت وكيف سادت دولتها وحكمت مدن العراق وسورية؟ هل تستمد «داعش» قوتها من حيل الدعاية ومن اللعب على نزعات وغرائز بدائية وحاجات نفسية مثل الخوف والغضب والوعد واألمل والتفاخر واالنتماء؟ أو في تقديمها خطابا بسيطا ً ومحددا ً في عالم مركب ومعقد وغامض؟ هل يستجيب لها فقط من يشعر بالضياع في عالم متغول يطحن خصوصيته طحناً؟ هل ان «داعش» طريق إلى «التخندق الفج» ضد عالم مادي قاس يسحق الشباب بقوة دورانه وطاحونته؟ كشفت فتنة «داعش» عن عجز وهشاشة العديد من مدننا ،وعن فشل المؤسسات الدينية التقليدية والسياسية في اعداد جيل الشباب لمواجهة تحديات العصر. يشعر الشباب كل يوم بالذل في طلب لقمة عيشهم ،وبالتهميش المستمر في مدنهم ،والضياع في «سباق الفئران» في مدن ال ترحم ،وبتشريعات ال تخدمهم ،يدركون عجز حكوماتهم ومجتمعاتهم عن اللحاق بركب الحضارة وال يرون في االحزاب والمنظمات من يعينهم في صناعة مستقبل افضل.
تمتد جذور أزمة الشباب عميقا ً في فقر ثقافي وضعف قيمي وتخبط رؤى وهشاشة هويات وضعف قدرة على التعلم وعجز عن التكيف والتواصل مع العالم. فحين يزداد الظلم في بلداننا ،وتتناسل الحروب وتمتأل مخيمات الالجئين بالماليين ،وحين تتسع رقعة االحزان بالتواصل الرقمي وبانتشار صور القتل والعزاء والفضائح ،وحين يختنق الناس باالحباط والعجز وقلة الحيلة وحين يهرع الشباب إلى القوارب عبر المتوسط فيغرق المئات منهم وينجو آالف ويبقى خلفهم ماليين في بحث مستمر عن مفر وملجأ. حينئذ ،تتطفل الحركات الشاذة على االزمات، وتنتعش على شعور الفرد باالنهاك واليأس والغضب، وتستغل عجزه عن فهم العالم وتناقضاته وعدم قدرته على تحمل آالمه ،ثم تعزله في بيئات شاذة وتخدره وتقفل حواسه فيتوقف عن التواصل مع بيئته الطبيعية ،وعن النمو والتعلم وتصحيح األخطاء ثم تموت تدريجيا عنده االفكار والعواطف واالحالم والرؤى وتتالشى دوافعه فيعزف عن االنخراط في مسيرة الحضارة نحو «ارتقاء النوع البشري» ،وما بين داعش وزوارق الهروب في البحر المتوسط وزوايا الدروشة، ينتشر تجار السوء والمخدرات وتتوالد منابر الشعوذة الدينية. فأين مفر الشباب من ثقافة عاجزة ومجتمعات منهكة وحكومات مستبدة سحقت كرامتهم وأفقدتهم أمانهم وسلبتهم حرياتهم وسرقت أحالمهم؟ ال خيار ألي منا في الهرب من مسؤولية انقاذ اجيالنا اليافعة من هذه البيئات الشاذة ومثيري فتن العصبيات ومنابر الجهل والشعوذة ،انه مسار شاق، لكننا نعلم يقينا انه سيقودنا الى مستقبل افضل Hajar@islam21.net 9
رأس الحالج :أسئلة في معنى التطرف أﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻔﺰ اﻟﻨﺎس ﻫﻮ ﻣﺼﺪر ﻫﺬه اﻟﺪﻣﻮﻳﺔ اﻟﺒﺸﻌﺔ ﻟﺪاﻋﺶ ﻻ ﺷﻲء ﻳﻌﻠﻮ ﻓﻮق اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺤﺪدﻫﺎ ﻛﻞ ﻓﺮد ﻟﺬاﺗﻪ
ﻳﺎﻣﻦ ﻧﻮح أخصائي وباحث انثروبولوجي ومؤسس بيت النجاح في القاهرة ـ مصر
10
«يا حالج ،لقد فتحت في اإلسالم ثغرة ال يسدها إال رأسك»
»اﻟﺠﻨﻴﺪ« اﻟﺼﻮﻓﻲ اﻟﻤﻌﺮوف وﺷﻴﺦ اﻟﺤﻼج ذات ﻳﻮم يشيع اليوم الحديث عن الصوفية بوصفها «وجه ًا مقبو ًال» للتدين ،أو صورة ذات رونق مبهر لإلسالم تغري بتتبعها ،أو بوصفها المنطقة التي يمكن أن يلتقي عندها اإلسالم بغيره من األديان ،أو حتى بوصفها نافذة للهروب من الواقع .وفي سياق هذه المحاوالت المختلفة للتعامل مع الصوفية يأتي هذا المقال الذي يحاول اإلجابة على السؤال المحوري لملف العدد :هل يمكن أن يكون التصوف حال لمشكلة التطرف؟ لنبدأ بـ «الحالج» اجترح الحالج ـ الصوفي العظيم ـ أفكاراً ومقوالت ق ّلبت عليه حتى المتصوفة أنفسهم ،في وقت كانت األزمات السياسية تعصف بدولة الخالفة العباسية من شتى االتجاهات ،فالحالج هو الذي قال له شيخه الجنيد غاضبا« :أية خشبة ستفسدها» في إشارة إلى موته مصلوب ًا ،وهو الذي قال له الوزير ً مستفزا من بعض مقوالته الدينية علي بن عيسى الجريئة والمربكة« :ما أحوجك إلى أدب» في إشارة إلى التأديب بالقتل ،وهو نفسه قد صاح ذات يوم بسوق بغداد بعدما تملك منه الوجد« :أيها الناس، اعلموا أن الله قد أباح لكم دمي فاقتلوني.. اقتلوني تؤجروا وأسترح ..اقتلوني تكتبوا عند الله مجاهدينُ ، ً شهيدا» ،وهو الذي يوم قطعوا وأكتب أنا يديه ،في مقدمة عملية إعدام استمرت ثالثة أيام متصلة ،غسل وجهه بدمائه وقال« :ركعتان في العشق ال يجوز وضوؤها إال بالدم»!!! لقد زاد الحالج في العشق ،وزاد في تعبيره الجريء عما يدور بعقله وقلبه ،بشكل صادم ومربك، أعلى مما يمكن أن يحتمل مجتمعه الذي مزقته الفتن. نعم ،لقد «تطرف» الحالج ،تطرف في العشق والوجد اإللهي ،تطرف في فرض حالته على
المجتمع ،كفرد – إنسان مفرد ،يسعى إلى الله بجنون ،تطرف في الصدق واالستماتة على الوصول، تطرف في «توريط» مجتمعه في أزمته الروحية، تطرف حتى هددت «فتنته» سالمة المجتمع ،فقطع المجتمع رأسه!!! أيهما إذن المتطرف حقا :هل من فتح الثغرة بمقوالته وأفكاره الجامحة وح ّير الناس وكاد يفتنهم، أم من سدها بقطع الرقاب والجلد والصلب؟ أم أن الموقف هنا «تطرف وتطرف مضاد»؟ أيهما هو البادئ إذن؟ وأيهما إذن «تطرف محمود» وأيهما «تطرف مرذول»؟ أم أن كل «تطرف» مرذول؟ «داعش» والنظام العالمي في المقابل من «التصوف» ذلك الوجه الرائج والمحبب للتدين ،يقبع تنظيم «داعش» بوجهه العابس ،ودمويته التي ال ترحم ،وقسوته المقيتة. وأكثر ما يستفز الناس في مسألة «داعش» هو الحديث عن مصدر هذه الدموية البشعة :هل هي من اإلسالم حق ًا كما يقول البعض؟ أم أن اإلسالم بريء منها وما هي إال صنيعة سوء الفهم والتفسير كما يقول آخرون؟ وبغض النظر عما تمثله داعش بالنسبة لإلسالم وتعاليمه ،وبغض النظر أيض ًا عن معرفة مصدر الوحشية والدموية في ممارساتها ،حاول معي أن تنظر إلى «داعش» باعتبارها ظاهرة تحتاج إلى
»ﻟﻘﺪ ﺟﺎءت دوﻟﺔ اﻟﺤﺐ وأﻧﺎ أﺻﺒﺤﺖ دوﻟﺔ راﺳﺨﺔ« ﺟﻼل اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺮوﻣﻲ
التحالفات الدولية الكبرى ،االتفاقيات ،الفيتو، إسرائيل ،مشروع اإلسالم السياسي بامتداداته الدولية ،تعريف األقليات ،منظومة حقوق اإلنسان الدولية...إلخ .أعني اختصارا :القرن العشرين بكل ما فيه. لقد بالغ هذا النظام في الظلم ،بالغ في رعاية مصالح فئات بعينها على حساب ماليين البشر الذين يموتون في المجاعات التي يمكن للعالم أن يمنعها ،والنزاعات األهلية التي يمكن للعالم أن يحلها ،لكنه ال يفعل ،لماذا؟ ألن هذا العالم لديه «نظام» يجب اتباعه .وبطبيعة الحال ،ليست «داعش» بطبيعة الحال هي البديل «العادل» لهذا النظام «الظالم».
تفسير وفهم ،بعد قليل من االجتهاد في تحييد ً مؤيدا لها أو رافض ًا. مشاعرك تجاهها سواء كنت «داعش» ..ذلك التحرك العابر للحدود ،والذي يطعن في كل مسلمات العالم ،ال يمكن فهمه إال باعتباره هجمة دموية متطرفة على «نظام العالم» الذي ترك الساحة لتشكل نظام جديد لم تتضح بعد معالمه ،لكن األكيد أنه سيناسب المتغيرات التي طرأت على وعي الناس وأفكارهم وقيمهم ،وتنامي الشبكات االجتماعية عابرة الحدود ،والتواصل والتنظيم عن بعد ،والفضاء االلكتروني ...الخ. ال يجب أن يفهم من حديثي السابق أي محاولة للدفاع عن داعش أو تبرير ممارساتها ،قطعا ليس ذلك هو المقصود ،إنما المقصود هو فقط محاولة النظر إلى داعش في سياق أوسع ،ومحاولة فهم ذلك الحضور من حيث داللته على اهتزاز «النظام» الذي يحكم العالم اليوم.
أقصد بـ «نظام العالم» أشياء كثيرة :مفهوم الدولة وتعريفها ،حدود سلطتها على المجتمع والفرد ،نظام السوق ،ثقافة االستهالك ،سلطة رجال األعمال ،الشركات عابرة القارات ،سايكس ـ بيكو،
ﻟﻴﺲ ﺑﺈﻣﻜﺎن اﻟﺘﺼﻮف أن ﻳﻜﻮن أﻓﻘﺎ ﻟﺘﺄﺳﻴﺲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ،أو ﺣ ًﻼ ﻟﻠﺼﺮاﻋﺎت واﻟﺤﺮوب
الفرد والمجتمع /الذات واآلخر /المفرد والجمع يمكن فهم مقولة الحالج« :أنا الحق» على وجهين ،وجهها األول الذي يعرفه كل ّ مطلع على أفكاره ،بما تعنيه من إنكار وجود كل شيء إال الله ،بمعنى الفناء الكامل فيه وإنكار وجود أي شيء ـ حتى الذات الفردية ـ سوى الله ،فالله بهذا المعنى هو كل شيء وال شيء غيره. بينما يمكن فهم نفس العبارة على الوجه اآلخر تمام ًا ،وهو على األغلب الوجه الذي فهمه العامة حينها بمعنى إنكار اآلخر تمام ًا ،واحتكار الذات الفردية للحقيقة ،والتيه الكامل في الذات ،إلى حد «التأله» وهي التهمة التي رمي بها الحالج بالفعل وما زالت تطارد اسمه حتى اليوم. ويبدو أن هذه هي روح العصر اليوم :الفردية المطلقة ،الكفر بكل ما هو إمالء من الخارج ،سواء كان هذا الخارج المجتمع ،أو الثقافة أو الدين أو حتى الدولة .كل ما هو ليس نابع ًا من الفرد فال قيمة له اليوم ..ال شيء يعلو اليوم فوق الحقيقة التي يحددها كل فرد لذاته :هواياته ،عالقاته، أسلوب حياته؛ بكلمات أبسط :الفرد اليوم يتمرد على المجموع! والربط بين مقدمة الحالج والحديث عن روح العصر الفردية ربما يساعدنا على تفسير الرواج العالمي لكل ما له عالقة بالصوفية( ،)1روايات وكتب وموسيقى ...الخ؛ ليس للعالم حديث اليوم سوى عن الصوفية والمتصوفة ،كل ذلك صورة من تمرد «الفرد» على «المجتمع» (أو بمعنى أدق ً ممتدا حتى يشمل العالم على «اآلخر»؛ كل آخر بنظامه وسياساته واقتصاده) هل بدأت تتضح الصورة أمامنا اآلن؟ 11
التصوف والمجتمع سؤالنا األول كان :هل يصلح التصوف إذن كإجابة أو حل لمشكالت التطرف؟ واإلجابة التي أقترحها هنا هي بالنفي، فالتصوف إنما هو «حالة معاينة للحقيقة الفردية» وهي بطبيعة الحال حالة غير نظامية ،أي متمردة ،فردية وذاتية تماما في طبيعتها ،أي ال يمكن تعميمها، وبالتالي ال تصلح ألن تكون «نظاما» إلدارة المجتمعات ،ولو صاغ «التصوف» قوانين وأنظمة لإلدارة ،لتحول إلى نوادي للدراويش والمجاذيب ،كما هو حال غالبية الجماعات الصوفية التي نراها اليوم. وبينما يحتاج المجموع /المجتمع اإلنساني إلى «قوانين» وإلى «نظام» ثابت (ستاتيكي) ومعياري لتعريف «الحقيقة» و«القيم» ليدبر به شؤونه ،تأتي «الحقيقة» التي يطرحها التصوف «دينامية» ومتحركة بشكل متواصل ،تهدف دائما إلى توسيع رقعة الوعي الفردي للمتصوف في رحلته باتجاه الحقيقة المطلقة ،باتجاه الالنهاية. «دولة الحب» نموذج مثالي مستحيل، وحلم جميل غير قابل للتحقق في هذه الدنيا ،فالتصوف يعزز المحبة والسالم في معناهما الفردي ،ويمكن أن يكون لذلك جذاب ًا للقلوب التي تعبت من الصراع والعراك والقسوة في هذا العالم ،لكن التصوف ال ينشئ ً «دستورا» وال يؤسس للوائح، «دولة» وال يصنع على العكس ،التصوف يؤسس لمبدأ «ال معيارية الحقيقة» ،فالمتصوفة هم القائلون« :الطرق إلى الحق تتعدد بعدد أنفاس الخلق» ،بمعنى أن لكل فرد «حقيقته الخاصة» بينما في المقابل ال يصلح هذا المبدأ لتطبيقه على مستوى إدارة المجتمع، فإدارة المجتمعات تحتاج إلى تعاريف معيارية للحقيقة ،تعاريف محددة للصواب والخطأ ،ما يجب وما ال يجب ،حتى ولو كانت قاصرة قياس ًا إلى الحقيقة الفلسفية الصوفية الواسعة ،لكن كونها معيارية وثابتة – مؤقتا -يعطي للمجتمع ما يحتاجه من مؤسسات وأنظمة. يؤسس التصوف للتسامح ،بينما يدار المجتمع على أساس «التوافق» وتدعو الصوفية للمحبة، بينما تحتاج المجتمعات إلى «العدالة» ،فالحالج الذي أعدوه للقتل ،دعا لقاتليه وهو على صليبه، في مشهد يمكن أن يعد في عرف الناس (المجموع) 12
المحبة والتسامح اللذين يرسخهما التصوف في قلوبنا ،لكن ليس بإمكان التصوف أن يكون أفقا لتأسيس مجتمع ،أو ح ًال ً دستورا لتأسيس للصراعات والحروب ،أو دولة. التطرف بإمكاننا إذن أن نخرج من الرحلة السابقة بتعريف للتطرف يمكنه أن يجيب على بعض األسئلة التي طرحناها سابقا. فالتطرف في هذا السياق هو :تغ ّول الفردي على الجماعي أو العكس .فالفرد مطالب من قبل مجتمعه بدرجة ما من «االلتزام» واالنصياع ألنظمة وقواعد ،تتعدد مصادرها من الدين إلى الثقافة إلى العرف ،وفي المقابل يحتاج الفرد من المجتمع وقوانينه أن تحفظ له مساحة خاصة يمارس فيها حريته ويعبر فيها عن ذاته ،لكن تبقى اإلشكالية دائما في تحديد هذه الحدود بين الفرد والمجموع.
قمة الجنون ،بينما في قلب الحالج وفي «حقيقته الخاصة» هو قمة السالم والمحبة :تخيل قانون ًا يلزم المقتول بأن يدعو لقاتله بالتوفيق!!! بإمكاننا ـ كأفراد ـ أن نصل إلى سالم نفسي أكبر عن طريق التصوف ،وبإمكاننا كأفراد أن نقترب من الله أكثر عن طريق التصوف ،وبإمكاننا أن نحل مشكالتنا ومشاحناتنا مع جيراننا وأصدقائنا بفضل
»واﷲ ﻳﺎ ﺣﻼج ﻛﻢ أﺣﺒﻚ ،وﻟﻮ ﺣﻀﺮﺗﻚ ﻟﺒﻜﻴﺘﻚ ﻛﻤﺎ ﺑﻜﺎك ﻣﺤﺒﻮك ،وﻟﺒﻜﻴﺘﻚ ﻛﻤﺎ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻘﺎدم ﻣﻦ زﻣﺎن اﻟﻌﺠﺰ واﻹﺣﺒﺎط، وﻟﺴﺄﻟﺘﻚ ﻛﻤﺎ وددت دوﻣﺎ :أﻳﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻳﺎ ﺣﻼج؟ أﻳﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻳﺎ ﺣﻼج؟« )ي .ن(
خاتمة ولذلك نقول بأن هذا التدافع بين الفرد والمجموع من سنن الكون األزلية ،وستبقى إلى النهاية هذه الجدلية في دوران ،ينتصر ً قاهرا الفرد في مساحاته الحرة، المجموع أحيان ًا ويتمرد الفرد أحيان ًا ،كما يحدث اليوم وكما تمرد الحالج وكما تتمرد وول ستريت ،طاعن ًا في مسلمات النظام وطاعن ًا في حقيقته القاصرة ،دافع ًا إياها إلى مستوى أعلى من الحقيقة ،أو من حقيقة إلى حقيقة أخرى أكثر اتساق ًا مع العصر وقيمه )1كأن هذا الجمهور العريض للصوفية يريد التصوف مقلوب ًا ،فهو ال يطلب منه فناء الذات في اآلخر المطلق كما عني الحالج بعبارته على وجهها الصحيح ،وإنما يطلب هذا الجمهور من التصوف معناه الظاهري ،أي المعنى الذي فهمه العامة حينها ،وهو على العكس تماما :التمركز الشديد حول الذات واالنفصال عن كل آخر ،ولذا ترى رواج الصوفية مسألة ظاهرية أقرب إلى «الموضة» :روايات وموسيقى وصور وحفالت ،دونما الخبرة الروحية العميقة التي هي جوهر التصوف في األساس ،ودونما كذلك البعد االجتماعي للتصوف الذي كان يحدو بالمتصوف إلى االنخراط الحقيقي في قضايا المجتمع ،وهذا تجده لدى المتصوفة منذ إبراهيم ً مرورا بالحالج وحتى الجيالني ،وقد انخرطوا جميعا بن أدهم في قضايا اجتماعية كالفقر واالستعمار (قتال المحتل).. الخ ،بينما الرائج اليوم من التصوف ،الجالبيب الواسعة وأغطية الرأس المولوية وموسيقى الناي التركية
الذين جعلوا القرآن عضين ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻄﻴﻒ ﻃﺮﻳﺐ ال شك ان اإلجرام الذي يمارس اليوم باسم اإلسالم في مناطق عديدة من العالم ،أوقع الكثيرين في صدمة وحيرة بسبب بشاعة الجرائم المقترفة ،من حرق األحياء حيناً ،وجزهم بالسكاكين أحيانا أخرى ،ناهيك عن التسويق االعالمي الذي يتعمده مرتكبو هذه الجرائم أنفسهم ،ليتحول تاليا ً إلى صك اتهام مباشر لإلسالم، مهما فند المفندون واظهروا من حجج لتبرئته من كل هذا االجرام. ولعل هذا ما دفع بالعديد من المهتمين ،إلى البحث عن بدائل جاهزة لتسويق صورة اإلسالم الحقيقية ،بما يساهم في محو تلك الصورة السيئة من جهة ،ويروج لبديل يحاصر ويحد من نمو التطرف الحالي من جهة أخرى. وعلى هذا األساس تم االحتفاء بالتصوف والصوفية، وإحياء الطرق والزوايا القائمة على هذا الموروث االصيل في الثقافة العربية اإلسالمية ،بما يكتنزه من تراث غني بمفاهيم المحبة والسالم والخير ،والقائم على تصالح اإلنسان مع ذاته ومع غيره. في اعتقادي ان هذا التوجه مهما بدا مقنعا ً على مستوى التصور النظري ،إال أنه بالطريقة التي يطرح بها ال يملك أن يكون حالً لمشكلة الغلو والتطرف القائمة حاليا في أوطاننا .وذلك ألسباب منها :فكرة استدعاء نموذج جاهز في التراث مقابل نموذج آخر له حظه من الموروث أيضا ،فمشاكل الواقع التي أفرزت اإلرهاب والتطرف أعقد بكثير من أن تحل باستبدال نموذج بآخر. إذ رغم ما يحمله التراث الصوفي من منزع إنساني أقرب إلى روح اإلسالم مما هو قائم اليوم عبر تيارات تكفيرية متشددة ،إال أن التراث اإلسالمي واإلنساني عموما ليس سوى تجارب بشرية لالسترشاد واالستئناس في معالجة المشكالت المعاصرة وليس الوصفة الكاملة ألمراض عصرنا مهما كانت صالحة لزمانها وعصرها.
كان ينبغي االلتفات إلى السياق التاريخي الذي ظهر فيه التصوف ،والتساؤل عن أسباب ظهوره وعوامل انتشاره ،حيث يرى الكثيرون أن االنحراف والفساد اللذين اعتريا الحياة اإلسالمية إبان العصر العباسي األول كانا سببا ً في ظهور من عرفوا بالمتصوفة بمظهر مناقض لهذا الواقع يقوم على تطهير الباطن واالستعالء بالروح التي هي حقيقة اإلنسان. وفي تشخيصه التحليلي لنظم الثقافة العربية اإلسالمية ،وقف الراحل محمد عابد الجابري على البنيات ّ المشكلة للعقل العربي ،والممثلة في العقل الثالث البياني والعقل العرفاني والعقل البرهاني ،وبحسب الجابري فإن االنحسار الذي شهدته الثقافة اإلسالمية كان بسبب تأثير العرفان والبيان ،وأن سبيل استعادة نهضة عربية وإسالمية ال يتم إال ببعث الجانب البرهاني من الثقافة اإلسالمية. وبغض النظر عن موقف الجابري وتحليله الذي يرتبط بسياق خاص ،فإن كل اتجاه من هذه االتجاهات الثالثة ،كان يجد تأصيله في نصوص القرآن والسنة ،ويستعمل اآليات واألحاديث في مقارعة خصومه من باقي االتجاهات ..وإذا رجعنا إلى القرآن الذي هو مصدر تأسيس الرؤية الكونية لإلنسان المسلم ،نجده يخاطب في اإلنسان عقله وروحه وجسده ،وهي األسس الثالثة التي تقوم عليها شخصية اإلنسان ،إذ يعالجها القرآن في تكامل ووحدة كاملة ،لكن األهواء صرفت الناس بعد ذلك إلى اإليمان بجزء وتأويل ما عداه ،وإعادة تفسير اإلسالم على أساسه .وتلك معضلة تعضية القرآن التي وقع فيها بعض أهل الكتاب الذين أرادوا التعامل مع القرآن بقبول بعضه وترك بعضه اآلخر، فنزل فيهم قوله تعالى« :كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون». taribabd@yahoo.fr 13
ﻋﻴﻦ اﻟﺮاﺻﺪ
والتطرف؟ هل تنجح الصوفية في مواجهة التشدد ّ اﻟﺘﻄﺮف ﻟﻴﺲ ﻣﺮﺗﺒﻄﴼ ﺑﺎﻹﺳﻼم، ﺑﻞ ﺑﻘﺮاءات وﺗﺄوﻳﻼت ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ اﺿﻄﻠﻌﺖ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﺑﻤﻬﻤﺔ ﻧﺸﺮ اﻹﺳﻼم ﻓﻲ أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ
إعداد:
عبداللطيف طريب 14
بعين ثاقبة ،ينظر فريق «الراصد التنويري» الى المشهد الثقافي والفكري في المنطقة العربية وما جاورها ،وضمن اطار ثيمة بعينها ،يطرح اسئلة محددة ليفهم من اين تأتي مساهمات الك ّتاب والمفكرين ولماذا تاتي وكيف تأتي ،وكيف يمكن قراءتها في سياق الصورة الكبرى السئلة المرحلة وأزماتها واشكاليتها. وفي هذا العدد ،يسعى الفريق الى رفد القارئ المهتم بصورة بانورامية متسعة ،تعين على تطوير تفكير اكثر اتساقاً بشأن ما يطرح من قضايا ،ال سيما في خضم هذا الضخ الالمتناهي لالفكار واالقوال والجدليات ،الغث منها والسمين ،نحو الفضاء العام لقراء العربية ،مخترقا بالطبيعة حتى فضاءاتهم الخاصة. ال يدعي الفريق ،االلمام الكامل بهذه الصورة ،ويتواضع للزعم ان هذا المسعى الشك يبقى غير كامل وخاضعاً بشكل طبيعي النحيازات البشر ونسبية اي قراءة او تأويل لواقع معين ،على ذلك سيسعد الفريق جدا ان يتفاعل القراء مع هذا التقرير ،وان يساهموا في تطويره بأي فكرة او مقترح. التصوف كما العرفان ،تيار ظهر في بدايات ً جديدا لفهم اإلسالم العصر العباسي مؤسس ًا طريق ًا والوصول إلى الله ،يقوم على معرفة الحقيقة مقابل الشريعة عند الفقهاء .وتكرس هذا االتجاه في البيئة العربية ـ اإلسالمية حتى صار من مرتكزاتها األساس .يؤكد ذلك التقسيم الثالثي المشهور للراحل محمد عابد الجابري في تحليله لنظم الثقافة العربية اإلسالمية إلى بياني وبرهاني وعرفاني. والعرفان بحسب الدارسين والمختصين شامل للتصوف ،ويتفقان معا في المسلك الباطني لمعرفة الحقائق والتربية الروحية. وما يهمنا اليوم في هذا المقام ،هو رصد كيفية حضور هذا المكون في ثقافتنا وبيئتنا المعاصرة، خصوصا من زاوية استدعائه كمنقذ من معضلة التطرف الديني أو كنقيض لمنظومة التطرف والتشدد الذي اجتاح العالم العربي واإلسالمي وال يزال. وقد شهدت السنوات األخيرة ظهور كتابات عديدة وتنظيم ملتقيات ومؤتمرات دولية في هذا االتجاه ،فض ًال عن دخول المعطى الصوفي في حسابات بعض الحكومات لتوظيفه في محاربة داء
التطرف .وأظهرت قراءات عديدة الدور الذي يمكن أن تلعبه الطرق الصوفية في تصحيح صورة اإلسالم، بعد أن شوهته الجماعات المتشددة .فالطرق الصوفية تر ّكز على التربية الروحية التي تجعل وتجمل له العالم. اإلنسان راضي ًا عن نفسه ّ وفي هذا الصدد نقلت صحيفة «العرب» عن عدد من الخبراء دعوتهم إلى توظيف الموروث الصوفـــي في مواجهـــة األصولية ،الفتـــين إلـــى
اﻹرﻫﺎب ﻳﺤﻤﻞ ﻋﻘﺎﺋﺪ ﻓﺎﺳﺪة وﻧﻬﺞ ﺗﻜﻔﻴﺮي ﻣﺘﻌﺼّ ﺐ وﻧﻤﻂ دﻣﻮي ﻣﺪ ّﻣﺮ
أن أنصـار الطـــرق الصوفية ،وهـم بالماليين ،على قدرة حقيقية على هزيمة الجماعات المتشـددة مثل الســـلفية الجهادية واإلخوان باعتماد خطاب ديني إيجابي يراهن على التربية الروحية. في مواجهة التطرف الديني نشر موقع «قنطرة» مقا ًال لـ «بيات شتاوفر» بعنوان« :الطرق الصوفية في المغرب :مواجهة التطرف الديني بالتصوف» حيث أشار إلى قصة مغني الراب ريجيس الذي أسلم واعتنق الطريقة القادرية البودشيشية ،مبين ًا أن قصة هذا الشاب استرعت اهتمام سياسيين بارزين على ضفتي المتوسط جعلتهم يهتمون بنوع اإلسالم الذي تقدمه الطرق الصوفية ،يقول« :غدا التساؤل الذي يطرح نفسه بينهم هو ما إذا يمكن لطريقة صوفية تقليدية أن تكون وسيلة لتأطير شباب الضواحي المصابين باإلحباط ومشاعر القهر وتحويل اهتمامهم عن مسلك الحركات الدينية المتطرفة ،بل وصرفهم عن االنتماء إلى تلك المجموعات اإلسالموية الراديكالية؟». ونشرت شبكة «رؤية» االخبارية مقا ًال بعنوان: «التصوف في خطط مكافحة التشدد والتطرف» ضم آراء من وصفتهم بالخبراء ،وأوردت على لسانهم «إن هناك صحوة صوفية في شمال أفريقيا تمتد من مصر وصو ًال إلى موريتانيا وتشمل مالي
والنيجر والسنغال ،وإنّ هدفها إنقاذ صورة اإلسالم مما لحقها من تش ّوه على أيدي جماعة اإلخوان والمجموعات السلفية». وتس ّلط دراسة لمازن الشريف ،نائب رئيس اتحاد الطرق الصوفية بتونس ،الضوء على ضرورة االهتمام بالفكر الصوفي في تونس ،التي تأتي ً مؤكدا كأول مصدّ ر للمتطرفين في سوريا والعراق. أن تونس ،تواجه كغيرها من دول العالم ،خطر اإلرهاب وما يحمله من عقائد فاسدة ونهج تكفيري متعصب ونمط دموي مد ّمر ،ال يحتاج إلى عمليات ّ عسكرية لمحاربته ،بل إلى استراتيجيات خاصة تنبع من أعماق المجتمعات المتض ّررة. ونشر موقع أقطاب للطرق الصوفية بالمغرب مقاال بعنوان« :التصوف في مواجهة التطرف..
ﺗﻜﺮﺳﺖ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻴﺌﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻟﺘﻐﺪو ﻣﻦ ﻣﺮﺗﻜﺰاﺗﻬﺎ اﻷﺳﺎس
هل ينجح؟» لحسين الرواشدة ،تطرق فيه إلى تجذر التصوف في البالد المغربية ،حيث أشار إلى ان «التراث الصوفي المغربي قد تجذر في «التربة» المغربية وامتد إلى خارجها ،كما ساهم أيض ًا في تشكيل الشخصية المغربية واثرائها ،ومن االعتبارات أيض ًا ما تبذله الدولة المغربية من جهود لمواجهة التطرف بالتصوف ،ومع ان هذه المسألة تبدو اشكالية وسط النخب السياسية ،اال ان الحكومة نجحت الى حدّ بعيد في توظيف «الزوايا» لملء الفراغ الديني ومواجهة تيار االسالم السياسي، وال ادري اذا كان بمقدور هذه التجربة المغربية ان تعمم على غيرها من البلدان االسالمية ،أو إذا ما كان بمقدور «التصوف» ان يطرح نفسه كحل وكبديل ،أو ان يجيب عن اسئلة «المجتمع» خاصة اسئلة الشباب ،مع انني ادرك تمام ًا ان هروب بعض الشباب في بلداننا االسالمية إلى الزوايا الصوفية قد اتسع في السنوات الماضية ..ليس اقتناع ًا بفكرة التصوف ،وانما هروب ًا من االحباط «السياسي» ومن االنسدادات االقتصادية واالجتماعية أيضا. من الالفت ـ بالطبع ـ ان في المغرب أكثر من ()35 طريقة ومشيخه صوفية .كما أشار الكاتب إلى أن ً وزيرا لألوقاف ـ وهو «اختيار السيد احمد التوفيق ينتمي الى الزاوية البودشيشية دليل على انحياز الدولة المغربية لخيار التصوف في مواجهة االسالم 15 15
السياسي والمتطرف أيض ًا». ونشر موقع «ميدل ايست اونالين» ملخص ًا من بحث عمر البشري بعنوان« :التصوف واإلرهاب» عن مركز المسبار للدراسات والبحوث في دبي ،جاء فيه« :إن توظيف التسامح الصوفي في مواجهة التطرف السياسي ا ُالصولي الحزبي يبقى محكوم ًا بمحدودية فعاليته ألن ك ًال من الزاوية وحركات التدين المعاصر؛ ال تستثمر في المشترك ،بل كل منهما له اختياراته ومخاطبوه أو مريدوه الذين يتم ً بعيدا عن التقاطع على هذا المستوى، استهدافهم مع أن الدين هو العنوان الكبير والمشترك بين هذه األطراف ،إال أن الرهانات تكاد تكون غير ذات صلة ،فلكل مشروعه وبرنامجه واستراتيجيته» في االتجاه ذاته ،تم تنظيم مؤتمرات وملتقيات دولية لهذه القضية ،ومن أبرزها الندوة الدولية التي احتضنها المغرب يومي 10و11حزيران (يونيو) 2015حول «دور أهل التصوف في حماية المجتمعات من التطرف» وتضمن برنامج ً عددا من المواضيع وعلى الخصوص الملتقى دور أهل التصوف في حماية المجتمعات من التطرف ،وأهمية انفتاح أهل التصوف لمعالجة التشدد والتطرف ،والطرق الصوفية بساحل العاج وطرق مواجهتها للجماعات المتطرفة ،وأهمية التربية الروحية في نبذ العنف والتشدد والتطرف. كما اشتمل على مواضيع عدة كالطرق الصوفية في السنغال ومواجهة الفكر المتشدد ،والحركات المتشددة ..محاولة لفهم عناصر التمدد واالنتشار، ودور التصوف في مكافحة التطرف ،والتطرف أسبابه وعالجه في ضوء التربية والسلوك ،والثوابت الدينية المساهمة في تحصين مجتمعات غرب إفريقيا ضد التطرف .وأكد المشاركون وهم باحثون وأكاديميون من المغرب وكوت ديفوار والسنغال والسودان ومالي ولبنان والنيجر واليمن وفلسطين واالردن وإيطاليا وبريطانيا والهند وباكستان ،على ضرورة اضطالع الطرق الصوفية والزوايا بدورها في تصحيح المفاهيم الخاطئة التي تفضي إلى التعصب الطائفي المؤدي إلى التطرف .وشدد المشاركون في هذا اللقاء ،على أن التطرف ليس مرتبط ًا باإلسالم كديانة سماوية توحيدية ،بل يتعلق بقراءات وتأويالت سياسية دينية بشرية للقرآن الكريم والسنة النبوية. وفي نواكشوط ،نظمت عدة هيئات صوفية ً مؤتمرا افتتح األربعاء 8نيسان (أبريل) 2015 من قبل وزير الشؤون اإلسالمية والتعليم األصلي 16
أحمد ولد أهل داوود حول موضوع «التصوف أمان من التطرف» وهدف المؤتمر بحسب القائمين عليه إلى إحياء التراث وتطبيق الدين اإلسالمي ً بعيدا عن الغلو والتطرف الذي ينتهجه الحنيف البعض لتشويه الدين اإلسالمي .وألقيت خالل المؤتمر محاضرات أشارت إلى الدور الهام للطرق
ﺑﺎﻻﻣﻜﺎن ﻫﺰﻳﻤﺔ اﻟﺘﻄﺮف ﺑﺎﻋﺘﻤﺎد ﺧﻄﺎب دﻳﻨﻲ إﻳﺠﺎﺑﻲ ﻳﺮاﻫﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮﺑﻴﺔ اﻟﺮوﺣﻴﺔ
الصوفية في نشر الدين اإلسالمي في عدد من الدول األفريقية. ونظم المركز األكاديمي الدولي للدراسات الصوفية والجمالية في المغرب ،ندوة دولية حول «التصوف المغربي في امتداداته الكونية» بمدينة فاس ،بمشاركة باحثين من 25دولة عربية وأجنبية، ناقشوا على امتداد أربعة ايام ،القضايا المرتبطة بالحركات الصوفية ،وأجمعوا على أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الحركات الصوفية في حياة األمة اإلسالمية ،على ضوء ما يواجهها من تحديات داخلية وخارجية ارتباط ًا بتنامي ظاهرة اإلرهاب الذي يتدثر بغطاء ديني. البعد السياسي في استدعاء التصوف وفي المغرب شدد الباحث محمد ضريف المتخصص في الحركات اإلسالمية على أن الدولة المغربية بدأت تستعد لمواجهة المد المتطرف بعد عام 1979ولعبت على تناقضات الحقل الديني، إذ استعملت التيار السلفي الوهابي لمواجهة
التشيع وفي عام 2001بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الواليات المتحدة تبين للدولة أن الخطر قادم من التيارات السلفية ،وهنا بدأت تفكر في اعادة توجيه دور الزوايا وان هذا االتجاه الجديد للزوايا يصب في مجال اهتمام الدولة ،حيث تبين لها أن االسالم الرسمي ممكن تدعيمه من طرف الحركات المتصوفة ألنه يقترب من تصورها وأصبح مطلوب ًا من التصوف أن يقدم تصور الدولة عن اإلسالم المنفتح المعتدل الذي ال يتدخل في السياسة. واليوم تراهن السلطة في الرباط بقوة على الطرق الصوفية من أجل التصدي للتطرف الديني في شكله السلفي المندفع نحو العنف. ومما تجدر اإلشارة إليه في هذا السياق ،انخراط الواليات المتحدة االمريكية في الدعوة إلى هذا التوجه الصوفي في العالم اإلسالمي سواء من الناحية السياسية ،أو عبر مراكز الدراسات واالبحاث .فقد نشر مركز «كارنجي» دراسة اعتبرت جزءا من توجه
تنتهجه اإلدارة األمريكية وتحث عليه حكومات منطقة آسيا الوسطى (أوزبكستان ،تركمانستان، طاجيكستان ،قرغيزستان ،كازاخستان) بالعمل على جذب الحركات الصوفية إلى صفها واستخدامها كمنافس للحركات اإلسالمية األخرى التي يتم نعتها بالراديكالية والتطرف والتعصب
ﺗﺮاﻫﻦ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﺑﻘﻮة ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺘﺼﺪي ﻟﻠﺘﻄﺮف ﻓﻲ ﺷﻜﻠﻪ اﻟﺴﻠﻔﻲ اﻟﻤﻨﺪﻓﻊ ﻧﺤﻮ اﻟﻌﻨﻒ
والوهابية ،والتي تقول عنها هذه الحكومات إنها دخيلة على المنطقة ،وإن الصوفية هي التي تمثل اإلسالم الشعبي للمنطقة. ومن ضمن المراكز التي سارت في هذا االتجاه مركز «نيكسون للدراسات» في العاصمة األمريكية الذي عقد ندوة بحثية في آذار (مارس) 2004ناقش فيها كيفية إسهام الصوفية في تحديث ودمقرطة العالم اإلسالمي ،وكيف يمكن للواليات المتحدة أن تستفيد من الصوفية في آسيا الوسطى. وعبر الباحث بمعهد السالم األمريكي «روبن رايت» في مجلة «نيويورك تايمز» في عددها الصادر 20آب (أغسطس) 2012عن هواجس أمريكا من «التطرف اإلسالمي» بقوله« :ال تخافوا ً محذرا من سائر اإلسالميين ،خافوا السلفيين».. سميه« :هالل سلفي جديد يتشعب من ظهور ما ُي ِّ مشيخات الخليج إلى بالد الشام وشمال إفريقيا، هو أحد المنتجات الجانبية األكثر تجاه ًال والمثيرة للقلق من الثورات العربية .وبدرجات متفاوتة يتح ّرك هؤالء المتشدّ دون في الفضاء السياسي الذي كان يحتله المسلحون ،والذين هم أقل رواج ًا اآلن. ِّ ً مشك ًال جديدا وكالهما أصوليون يفضلون نظام ًا على غرار اإلسالم األول». وكان مفاجئا في مصر بعد الثورة وتصاعد القوى اإلسالمية من إخوان وسلفيين ،اإلعالن عن تأسيس حزب من الصوفيين وهو حزب النصر الصوفي برئاسة محمد صالح زايد ،والذي أوضح ،أن المسلمين «ابتلوا» بالتطرف من أغلب المذاهب ،ما أدى إلى تمزق األوطان العربية ،وأصبحت الصراعات الطائفية والحروب األهلية هي عنوان المسلمين، ً مشيرا إلى أن المستفيد األول من تلك الصراعات
هو الغرب. وأشار زايد ،إلى أن الجماعات السلفية الجهادية تحارب الجيش المصري في سيناء، وغيرها من المناطق المختلفة في الجمهورية ،وهي بعيدة كل البعد عما وصانا به الرسول صلى الله عليه وسلم ،الذي قال إن خير جنود األرض في مصر. وشدد زايد ،على ضرورة أال تكون هناك أي جماعات متشددة في مصر ،وكذلك حل أي أحزاب ً مؤكدا أن ذلك هو تم تأسيسها على أساس ديني، طريق الوصول لبر األمان والنجاة من الفتن الطائفية. والسؤال اآلن :هل تنجح الطرق الصوفية فع ًال في الدور الذي أنيط بها ،سواء العتبارات دينية أو سياسية؟ 17
تظهر بعض التحليالت صعوبة نجاح هذه التجربة .ففي مقال بعنوان« :هل ينجح المتصوفون في مواجهة التط ّرف؟ نظرة على التجربة الموريتانية» يقول الباحث في الفكر اإلسالمي محمد المهدي ولد محمد البشير« :ال أعتقد أن التصوف في موريتانيا يمكن أن يساهم إسهام ًا يذكر في محاربة التطرف ،لسببين :فكري وعملي .السبب الفكري يكمن في أن المتطرفين يستقون مواقفهم من إيديولوجية تقوم على العداء العقائدي للمتصوفة ،وهذا ما يجعل مساحة التفاهم بينهم تضيق إلى درجة تبادل التكفير واالتهامات بالتضليل والتبديع .ويتجلى ذلك كله في الجفاء الشديد بين التيارات السلفية والطرائق الصوفية. وما دامت السلفية المعتدلة ال تتفاعل مع المتصوفة فمن المستبعد أن تجد دعواتهم أرضية في بيئات السلفية المتطرفة أو العنيفة» .ومن األسباب أيض ًا التي قد تحول دون تحقق ذلك حسب صاحب المقال عينه ،انخراط كثير من الصوفية في سلك التبعية لألنظمة السياسية« ..عبر الزمن ،تحولت الطرائق الصوفية إلى جزء مساعد على استمرار األنظمة السياسية في موريتانيا وإلى وسيلة يلجأ إليها الحكام أيام االنتخابات» .ويضيف« :بعد سيطرة االستعمار التامة وتجذر مؤسساته اإلدارية واألمنية والقضائية في طول البالد وعرضهاُ ،أخضعت الطرائق الصوفية والقبائل واإلمارات واخترق بعضها ُ وأضعف بعضها اآلخر وضُرب بعضها ببعض. وبعد االستقالل ،ورثت الدولة المستقلة الحالة الصوفية وفق المحددات السابقة مما أضعف أدوارها اإلصالحية وحصرها في أبعادها الروحية واالجتماعية ،وحولها الى رافعة سياسية للحكام يتم استغاللها في المواسم االنتخابية والتحالفات السياسية مقابل جملة امتيازات». الصوفية بين الهوية واالعتدال وفي بحث تحت عنوان« :الصوفية ..بين الهوية واالعتدال واإلنسانية» طرح الباحث األمريكي أبو بكر كروليا سؤا ًال منطقي ًا حول استعداد الصوفية وقابليتها لالنخراط في المشروع األمريكي ،عندما تساءل« :هل تقوم المجتمعات الصوفية في الغرب واألماكن األخرى بإعداد نفسها أيديولوجي ًا لبناء وجهة نظر عالمية واالنخراط بصدق مع الغرب لوضع إطار أخالقي ومعنوي إلقامة العدل والمساواة..؟» ..إال ان الباحث اكتفى بعرض السؤال وأعرض عن الغوص في أعماق اإلجابة ،تارك ًا ذلك للصوفية أنفسهم؟ 18
وانتقل الباحث إلى القضية األهم في الجانب اآلخر ،ليتناول طبيعة الشريك األمريكي وفرص
ﻟﻠﺼﻮﻓﻴﺔ ﻗﺪرة ﻫﺎﺋﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﻤﺮار واﻟﻌﻄﺎء ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﻤﺘﻐﻴﺮات
نجاح مثل هذه الشراكات مع المتصوفة ،فيقول مب ّين ًا عن حكومة الواليات المتحدة« :يجب أن تكون واعية لحقيقة أنها شريك في العالم، وأنه ال يمكن حتى للصوفية التفاوض أو الحوار مع شريك تقتصر مصلحته على بناء عالم من المصلحة الذاتي على أساس الهيمنة والسلطة»! ثم ب َّين الباحث أن االستراتيجية األمريكية ـ الصوفية صائرة إلى فشل حتمي على المدى الطويل بسبب طبيعة الشريك األمريكي ،حيث يقول« :سياسة الحكومة األمريكية إلدماج «الصوفية المعتدلة» و«المسلمين التقليديين» أو «الحكومات الصديقة» ستحقق بعض النجاح، لكن نهجها األصيل في سياستها «السياسية» و«االجتماعية» ليس له استدامة على المدى
الطويل إلقناع المسلمين ،وذلك بسبب فرط استخدام القوة األمريكية التي تضر أكثر مما تسعى إلى تحقيقه من أهداف ثقافية متعددة وأهداف تعددية للسالم والعدالة». إذن؛ فالمصالح الذاتية هي المحرك للمشروع األمريكي طبق ًا لما يراه الباحث، االدعاء؟ فما سيحدّ د فرص نجاح وليس الحرص على إشاعة العدل والسالم كما هو ِّ «المشروع األمريكي ـ الصوفي» هو مدى استعداد الشريك األمريكي للتنازل عن مبدأ استغالل اآلخر وترك الهيمنة والتسلط في مقابل التعامل مع شريكه بمبدأ الندية وعدم االزدواجية وااللتفاف. ويرى الدكتور عصام البشير األمين العام لمركز الوسطية والتواصل الحضاري من السودان أن الوسطية عالج للتطرف السلفي والشطح الصوفي ،وذلك ضمن برنامج تلفزيوني. وفيما يتعلق بالتنابز بين السلفية والصوفية ،يقدر البشير أن «المطلوب هو تحقيق التالزم بين الظاهر والباطن؛ فأهل التصوف اعتنوا بقضايا أعمال الباطن مثل الحقائق والرقائق والدقائق ،والسلفيون المعاصرون ركزوا على ظاهر االتباع، والحقيقة هو المزج بين علم الظاهر والباطن ،فاآلية الكريمةَ {:و ِث َيابَ َك َف َط ِّه ْر} أخذ منها الفقهاء مشروعية طهارة الثوب ،وأخذ منها أهل الرقائق مشروعية طهارة الباطن ،ولكن تالزم الظاهر والباطن هو المعادلة التي عالجها السلف .وعلى هذا كان المتقدمون من أهل التصوف مثل بشر الحافي ،ومعروف الكرخي ،وأبي سليمان الداراني ،والحارث المحاسبي ،واإلمام الجنيد ،الذي كان يقول« :طريقنا هذا مسدود ،من لم يقرأ القرآن ويكتب الحديث ال يقتدى به في علمنا هذا». وأخيرا ،نشير إلى أهم الكتب التي صدرت في اآلونة األخيرة وتتناول هذه القضية، أهمها كتاب «الغلو في الدين ..ظواهر من غلو التطرف وغلو التصوف» للصادق عبدالرحمن الغرياني ،والذي يقول في مقدمته« :هذا الكتاب يتناول وجوه ًا في الغلو ،منها ما يحسب على الدين ،على أنه تضحيات وبذل ،أو طاعات وقرب، وما هو إال إساءة إلى الدين وأهله ،ونبذ لتعاليمه وشرعه ،وهذا مركب غلو التطرف واإلفراط ،ومنها ما هو ،تشويه وتحريف ،وتلبيس وتدليس ،وهذا مسلك غلو التفريط والتضليل». كما أصدر مركز «المسبار» للدراسات والبحوث كتابه الدوري السابع والخمسين لشهر أيلول (سبتمبر) بعنوان «التصوف المعاصر :أفغانستان ،السودان ،العراق، إيران» ليكشف عن مدى التنوع والتجدد داخل الطرق والتيارات والمدارس الصوفية، ويختبر مضمون الكتاب قدرة التصوف على االستمرار والعطاء في ظل المتغيرات، وما يمكن أن يقدمه لمكافحة «اإلرهاب» وما يستطيع أن يبرزه من قيم بدأت تنزوي
ﻫﻨﺎك ﺻﺤﻮة ﺻﻮﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﺷﻤﺎل أﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻫﺪﻓﻬﺎ إﻧﻘﺎذ ﺻﻮرة اﻹﺳﻼم ﻣﻦ اﻟﺘﻄﺮف واﻟﺘﺸﺪد
وثيقة الميثاق العظيم تعتبر وثيقة ماغنا كارتا (الميثاق العظيم) احدى الوثائق األكثر شهرة في التاريخ ،حيث صاغت النظام السياسي في بريطانيا .وكانت ملهمة لعدد من الوثائق منها الدستور األميركي ( )1791واإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان ()1948 واالتفاقية األوروبية لحقوق اإلنسان ( )1950مرورا ً بزعيم االستقالل الهندي المهاتما غاندي ،وصوال ً إلى نلسون مانديال في جنوب افريقيا. قدمت الوثيقة للمرة األولى إلى الملك جون في حزيران (يونيو) 1215من قبل رئيس أساقفة كانتربري في رانيميد على ضفاف نهر التيمز في ضاحية ساري غربي لندن .وافق الملك على مطالب النبالء المتمردين عليه وقبل وثيقة الماغنا كارتا التي اشتقت اسمها من عبارة التينية ترجمتها (الميثاق العظيم) التي أخضعت ألول مرة النظام الملكي لسيادة القانون ،وأقر الملك بأنه يخضع للقانون ،وليس فوقه ونصت الماغنا كارتا على حق المواطنين في المحاكمات العادلة وخفض الضرائب عن الذين ليس لهم تمثيل في البرلمان .ورغم انه قد تم إلغاء معظم بنودها في الحاضر القائم ،اال إنها ال تزال حجر الزاوية في الدستور البريطاني. مثلت ماغنا كارتا أول دستور مكتوب في تاريخ أوروبا ،وهي أسست لمساواة كانت لعقود حكرا ً على الطبقة المخملية، في حين لم يمتلك أغلب المواطنين اإلنكليز أي صوت أو تمثيل في الحكومة وقد أصبحت ماغنا كارتا رمزا ً للحرية لهؤالء الذين يتوقون إلى حياة أفضل. و في عام 1776انتفضت شعوب المستعمرات اإلنكليزية في أستراليا ،نيوزيالندا ،كندا ،جنوب أفريقيا ،و روديسيا الجنوبية (زيمبابوي حالياً) باعتبار ماغنا كارتا نموذجا ً لمطالبها في الحرية واالستقالل عن التاج البريطاني. صدرت الماغنا كارتا ثانية في القرن الثالث عشر ولكن بنسخة ذات أحكام أقل ،حيث ألغيت بعض األحكام الموجودة في النسخة األولى ،لكنها تبقى الوثيقة األهم في تحديد سلطات الحاكم وجعلها تحت سلطة القانون. وتوجد اليوم ثالث من النسخ المكتوبة من هذة الوثيقة التاريخية ،واحدة منها في كاثدرائية سالزبري ..وتعرض النسخ الثالث في المكتبة البريطانية بمناسبة مرور 800عام على اعالنها. تنبع اهمية الوثيقة للمنطقة العربية بعد األحداث التي شهدتها واعتالء قوى الظالم المشهد التي حاولت إعادة عقارب الساعة إلى الوراء عبر قطع رقاب البشر وقتل اآلخر المختلف وتهجير المكونات وتهريب وتهشيم االثار واالتجار بالنساء
اﻟﻤﺤﺮر 19
عالمنا المضطرب وحتمية العودة لقيم السالم والمحبة ﻋﺮف اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن ﻓﺘﺮة اﻹزدﻫﺎر ﻻﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻣﻨﻔﺘﺤﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮ ﺑﺎﻟﻎ اﻹﻋﻼم اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻓﻲ رﺳﻢ ﺻﻮرة واﺣﺪة ﻣﺴﻴﺌﺔ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ
ﻣﻮﻻي ﻣﺤﻤﺪ اﺳﻤﺎﻋﻴﻠﻲ كاتب وأكاديمي مغربي، ومدير مركز النجاح والتنمية في مراكش ـ المغرب
20
يبدو أن كل يوم تشرق فيه الشمس على هذا ً توترا واضطراب ًا وحروب ًا وقت ًال العالم ،إال ويزداد وسفك ًا للدماء ،وكأن البشر يؤكدون تهمة المالئكة عندما قالوا للحق سبحانه وتعالى بعد أن اخبرهم انه جاعل في األرض خليفة «أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك». لقد أصبحت مشاهد الذبح والقتل مألوفة في وسائل إعالمنا المرئية والمكتوبة ،وكأن األمر أصبح ً قدرا ال مفر منه ،وما يزيد الطين بلة أن أكثر البقع المشتعلة في العالم مسلمة أو يدعي ساكنوها أنهم مسلمون. وظهرت في السنوات األخيرة مجموعات متطرفة تتبنى التيار المتشدد والتفسير المغلق للدين اإلسالمي ،فاستباحت البالد والعباد ،وأعطت لنفسها الحق في أن تقتل من تشاء وتعفو عن من تشاء وكأنها الحاكمة بأمر الله ،فشاهدنا أعما ًال روعت اآلمنين في أكثر من مكان في الكرة األرضية ،وها هي نسخة أكثر تطرف ًا تطل برأسها اليوم تدمر كل شيء أتت عليه بأمر قادتها ومسيريها ومموليها .وقد شاهد الجميع المشاهد المروعة التي بثتها هذه الطغمة اإلرهابية ،عبر وسائل اإلعالم العالمية إلعدامات بأشكال وأنواع ،أدخلت الخوف إلى قلوب العباد ،خاصة بعد احتاللها ألجزاء من العراق وسوريا ،فالله وحده يعرف إلى أين سينتهي هذا السيناريو المتطرف والمدمر ،ومن من الناس المسالمين الذين سيدفعون فاتورة تطرف هؤالء الجهالء في مكان آخر من هذه األرض التي أصبح البؤس والقتل والذبح هي شعاراتها التي تتكرر عشرات بل مئات المرات في اليوم ،وقد صدق الحق سبحانه وتعالى عندما قال« :ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون». فاإلنسان فع ًال يتحمل مسؤولية جمة فيما وصلت إليه األمور في وقتنا الراهن ،ألنه تخلى عن القيم
التي جاء اإلسالم وغيره من الديانات لترسيخها، وذهبت قيم التسامح والمحبة والتآلف والتراحم أدارج الرياح ،وانتهت إلى تفسيرات جديدة ،مخالفة تماما لما هو أصلها ،فأصبحنا نجد من يدافع عن القتل بإسم الدين ويجيز إزهاق األرواح وهو يستدل بالقرآن والسنة واإلجماع ،فيحق لنا أن نتساءل: هل أتى هذا الدين السمح المتسامح من أجل أن يحرر الناس من براثين الجهل واألمية والقتل ونفي اآلخر ،أم أنه فقط جاء لكي يعلمنا كيف نقتل ونذبح اآلخرين الذي يخالفوننا الملة والدين؟ قطعا لم يأت النبي محمد عليه الصالة والسالم إال لكي يكرس قيم التسامح والمحبة وقبول اآلخر مهما كان هذا اآلخر ،ومهما بلغت درجة اختالفنا معه ،ألنه في ً نظيرا لنا في الخلق أو أخا لنا في األخير يبقى اإلسالم ،كما قال اإلمام علي كرم الله وجهه. عاشت األمة اإلسالمية لحظات تاريخية مهمة، سادت فيها قيم السالم والمحبة والتسامح وقبول اآلخر ،مما جعل اإلبداع العلمي واإلبتكار يصل إلى أعلى درجاته ،فقد عرف المسلمون في فترة اإلزدهار ،أنهم كانوا منفتحين على غيرهم من أتباع الديانات األخرى ولم تكن لديهم أدنى حساسية مع توجهات اآلخرين ودياناتهم ،فكان التفاعل جيدا معهم ،وكان النجاح في بناء عالقات طيبة معهم،
ﻣﻦ دون ﻗﺒﻮل اﻵﺧﺮ ﺳﺘﺒﻘﻰ داﺋﺮة اﻟﻌﻨﻒ واﻟﻘﺘﻞ واﻟﺪﻣﺎر ﺗﺪور ﺑﻼ ﺗﻮﻗﻒ
بل أكثر من ذلك فقد بلغت المعامالت التجارية والمالية ذروتها ،وحرص كل جانب أن ال يفقد ثقة الجانب اآلخر ،فسادت تلك الروح الجميلة المتعاونة والفاضلة التي كانت صورة رائعة ما زال المسلمون يتباهون بها إلى حد اآلن. والن الوضع الحالي يصدق فيه قول القائل إن فاقد الشيء ال يعطيه ،إذ فقد عدد كبير من المسلمين تمثل تلك القيم الرائعة ،التي صبغت سلوك أجدادهم في عصور مضت ،فلم نعد نرى في المسلمين غير تلك الصورة المقززة التي تدل على العنف والنفي والقتل وسفك الدماء ،صورة زكتها لألسف أفعال أشخاص ال يفهمون شيئا من دينهم، وإذا فهموا ففهمهم اعوج غير مستقيم ،صورة استغلها البعض في إعالم الغرب ووسائل تواصله المتنوعة والكثيرة ،وبالغ في رسم صورة واحدة عن المسلمين ال ثانية لها ،بأنهم أولئك القوم الذين يجب نبذهم الن سلوكياتهم متوحشة وال تمت إلى اإلنسانية بصلة ،وهي لألسف صورة موجودة إلى حد كبير لدى الغالبية العظمى من غير المسلمين ،فأي غباء وأية صورة مدمرة لإلسالم وأتباعه تلك التي يرسمها له كل يوم أولئك الجهلة من المسلمين. من المؤكد أن ال أحد في كل هؤالء الذين يقاتلون بعضهم البعض سيفوز في األخير ،فلم يقع طيلة تاريخ البشرية أن حربا اندلعت وفاز فيها احد األطراف دون أن يقدم أية خسارة في مواجهة الطرف
اآلخر ،فالخسارة تكون كبيرة ومن جميع األطراف والجوانب ،وحتى مفهوم اإلنتصار الذي يدعيه طرف على طرف فيه ما فيه ،فالحرب تأتي على األخضر واليابس ،وما يزيد من فداحة هذا األمر ،أن الجميع مدرك أن الحرب والقتل والدماء ال نتيجة جيدة لها، ومع هذا العلم المسبق ،لم ال يجلس هؤالء الناس ويتحاورون ويبحثون عن كلمة سواء التي تحدث عنها القرآن ،الكلمة السواء التي يلتقي في ظلها الجميع دون تمييز أو نيل من حقوق أو إقصاء، فالكلمة السواء يتساوى فيها الجميع وال فضل ألحد على أحد بدينه أو جنسه أو انتمائه أو غيرها من العناوين الزائفة التي تنتفي تحت مظلة اإلنسان
ﻣﻦ اﻟﻤﺤﺰن ﻫﻨﺎك ﻣﻦ ﻳﻘﺘﻞ ﺑﺈﺳﻢ اﻟﺪﻳﻦ وﻳﺠﻴﺰ إزﻫﺎق اﻷرواح وﻫﻮ ﻳﺴﺘﺪل ﺑﺎﻟﻘﺮآن
ومظلة النفس الواحدة بتعبير البرنامج التدريبي «مهارات النجاح في عالم متغير». لقد حان الوقت لكي يعود اإلنسان إلى رشده، ويعمل على التخلص من كل تلك التصرفات والسلوكات التي تؤكد أنه سبب أزمة هذا العالم، ويعمل على تأسيس منظور جديد لإلنسان خليفة الله على هذه األرض ،خليفة يحترم وجود غيره من إنسان وحيوان ونبات وجماد ،إنسان ارتباطه األكبر بالمطلق في هذا الوجود ،ارتباط بخالق هذا الوجود الذي اختاره ليكون خليفة له ويمثله في هذه األرض خير تمثيل ،ومن دون ذلك سيقع لكل جيل جديد ما وقع ألبن آدم عندما قتل أخاه وندم على الفعل ً شديدا ولم يعرف حتى أن يواري سوأة أخيه ندم ًا حتى بعث الله غراب ًا يريه كيف يفعل ذلك. إنها اللحظة التاريخية التي يجب أن نتوجه فيها إلى الله ،وندق ناقوس الخطر ويقبل بعضنا بعضا حتى نحد من الحروب والقتل وسفك الدماء، ونعود كما أقوام أخرى نراها أمام أعيننا كل يوم، إلى قانون السلم والالعنف والمحبة وقبول اآلخر، ألنه دون ذلك ستبقى دائرة العنف والقتل والدمار تدور بال توقف وسنبقى صانعين ألجيال معطوبة تائهة ،فنؤجل تحقيق استخالفية الله في أرضه إلى أن تقوم الساعة ،حينها سندرك أننا خنا الثقة واألمانة التي تعهدنا بحملها أمام خالق الوجود ربنا عزل وجل 21
ﻋﺒﺪاﻟﺤﺴﻦ اﻷﻣﻴﻦ اﻟﺼﺤﺎﻓﻲ اﻟﻤﺘﺨﺼﺺ ﺑﺎﻟﺸﺄن اﻟﻌﺮﺑﻲ واﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟـ »اﻟﺮاﺻﺪ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮي«:
اإلسالم قطارنا السائر نحو الحداثة وليس من حل خارج إطاره يشير الصحافي المتخصص بالشأن العربي واإلسالمي عبدالحسن األمين ،إلى ان الصوفية ظهرت في ظل ازدهار الدولة ،وتسلحت بالزهد ،لكن كيف لها ان تتسلح حاضرا ً بالزهد في بالد فيها ماليين العاطلين عن العمل؟ واصفا ً إياها بأنها بقايا لماض واستمرارية لعادات وتقاليد أكثر مما هي فتح جديد .ويؤكد األمين ان الحداثة ليست كافية لسد حاجة وضعنا ،واإلسالم من جانبه تخلف عن العصرنة ،لهذا يجب ان يكون اإلسالم قطارنا إلى الحداثة. وحول شيوع اإلرهاب يقول ان فراغا ً كبيرا ً تشهده المنطقة تتغذى منه داعش ،وهناك ممثل واحد حاليا ً لإلسالم في العالم هو داعش ،اما الممثلون اآلخرون فهم خارج الصورة ،ويعزو التحاق الشباب بمنظمات إرهابية إلى انعدام مثال للشباب يحتذى به على صعيد العالم العربي واإلسالمي .اما في الغرب فلم يعرف الشباب المسلم هويته ،وانه يعيش في اغتراب .التقته «الراصد التنويري» وكان معه هذا الحوار..
اﻻﺳﻼم ﻻ ﻳﻔﺮق ﺑﻴﻦ ﺣﺎﺟﺎت اﻟﺮوح وﺣﺎﺟﺎت اﻟﺠﺴﺪ ﻻﺷﻚ ان ﻓﺮاﻏﴼ ﻛﺒﻴﺮﴽ ﺗﺸﻬﺪه اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺗﺘﻐﺬى ﻣﻨﻪ داﻋﺶ 22
• هل يمكن للعرفان والتصوف تقديم حلول حقيقية للتطرف الذي يهدد العالم اإلسالمي عموما والشرق األوسط خصوصاً؟ ـ سؤال وجيه ،نحن في عصر ال تتجه أموره نحو الروحيات ،عصر تغلب عليه التحوالت المادية .فاإلسالم ليس دين ًا يفرق بين حاجات الروح وحاجات الجسد .تلك الروحيات نشأت في عصور مختلفة عن عصورنا الحالية .فالمقاربات التاريخية تهمل حاجات أساسية ،لذا حين نتفحص تيارات في مجتمع تعرض إلى هزيمة كبيرة قبل قرن أو قرنين ،وما زالت هذه التيارات مستمرة في ظل كل التغييرات التي شهدتها المنطقة ،هذا يعني انها موجودة بقوة في تفاصيل الحياة المجتمعية. أنا ال أجد التصوف والعرفان اال في مجاالت
محددة ،وهي تظل مهما تطورت بقايا لماض واستمرارية لعادات وتقاليد أكثر مما هي فتح جديد .ال نسمع اآلن بتيارت التصوف على عالقة بما يجري ،لكننا يمكن ان نرى ان االبتعاد عن السياسة يذهب إلى جوانب الصوفية الحديثة كالغناء والشعر والطقوس الدينية ،لذلك تزداد هذه الظاهرة باالبتعاد عن السياسة نحو االبداع الفكري والثقافي ،وغالب ًا ما تنتشر تلك االبداعات في ظل وجود أزمة. ً الخيار اإلنساني ما زال ضائعا ،لهذا يتم اللجوء إلى الدين ،الن الروحيات هي الملجأ األكثر أمان ًا بسبب األزمة التي تحيط بنا .هذا اللجوء هو بمثابة الهروب من العنف نحو مساحات آمنة لحفظ التراث الفكري من التشتت.
• ارتبط التطرف والعنف مع بعض فرق التصوف كالنقشبندية ،مثاال ً ال حصراً، وتعاونها مع داعش في احتالل الموصل في العراق صيف ،2014كيف تفسر هذه الظاهرة؟ ـ الواضح ان هذه الفرق بمظهرها الجديد فقدت سماتها الروحية ،وبقيت تحتفظ بروح العشائرية، ً بعيدا عن جوهر التصوف .لذا فهي خارج روحية التصوف ،وأبقت على التصوف كشكل. • ما هو التصوف الحقيقي برأيك؟ ـ هو الفلسفة العربية اإلسالمية التي لم يكن لديها المنحى المادي النها كانت تعيش حالة صراع مع السلطات ،وحضور تلك السلطات كان قوي ًا ،لذا ذهبت الحالة الصوفية إلى مناطق فكرية حيادية ،كانشاء مدرسة أو ميتم حفاظ ًا على استقاللها من السلطة من جهة ،وعدم رفع السالح بوجهها من جهة أخرى. الصوفية كانت في مرحلة من مراحلها صوفية مقاتلة في الدولتين العثمانية والصفوية كالطريقة البكداشية ،إذ كانت في البداية أقرب إلى تنظيم عسكري .وفي ظل غياب العدو الخارجي تحول الصراع إلى صراع داخلي .وإثر االرهاق الذي بان على كال الدولتين بدأ الغرب يدق أبواب المنطقة. وما زالت البكداشية مستمرة في بعض دول البلقان. في بعض المراحل كان الحكام يدعمون الفرق الصوفية لتشتيت انظار الناس عن القضايا التي تهم الرأي العام ،لهذا حصلت الكثير من هذه الجماعات على رعاية الحكومات في محاولة ً بعيدا ،مما أفقدها الكثير من لجذب االنظار جوهرها. • هل ثمة فارق شاخص بين الصوفية
اﻟﺮوﺣﺎﻧﻴﺎت ﻫﻲ اﻟﻤﻠﺠﺄ اﻷﻛﺜﺮ أﻣﺎﻧﴼ ﺑﺴﺒﺐ اﻻزﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻨﺎ ﻛﻤﺴﻠﻤﻴﻦ
والعرفان؟ ـ العرفان أصله إيراني ،كما ان الفلسفة اإليرانية اصلها عرفاني ،وهناك من يخلط العرفان بالصوفية الن مصدرهما الرؤيوي واحد ،في حين أن الفارق بينهما واضح: التصوف يقوم على الزهد وهو طريقة أساسها تزكية النفس ،واإلعراض عن الدنيا من أجل الوصول إلى الكمال. أما العرفان فهو مذهب فكري فلسفي في طريقه إلى معرفة الحق (أي الله َّ جل وعال .وقد قيل رأس الحكمة مخافة الله) يتجاوز العلوم التي نحوزها بفضل الحواس الخمس ،ويسلك منهج اإلشراق والكشف والشهود سبي ًال إلى معرفة حقائق األمور وأسرار العلوم. لم تصل العرفانية إلى العرب بصورة واسعة بسبب قلة الترجمة ،ولموقف السلطات الحاكمة التي تبتعد عادة عن الثقافات واألفكار واالنتاج اإلبداعي. • حاضراً ..لم تعد األجيال الجديدة معنية بالتصوف والصوفيين ،كيف يمكن ان ننتشل الصوفية من النسيان ،كيف يمكن انتشالها من أفق الهامش إلى فضاء الحياة؟ ـ هذا السؤال يطرح مهمة ،وهذه المهمة هي من مسؤولية المجتمع للحفاظ على الصوفية باعتبارها السالح ضد التطرف الذي يطرح اإلسالم
بصورة سلبية .لكن المعضلة تكمن في الثقافة الشعبية التي لم يتم ربطها حتى اآلن بشكل موضوعي بالثقافة اإلسالمية ،لهذا فالجمهور يعرف الدين بشكله الخارجي ،وليس له القدرة على الدخول إلى الجوهر. البعض يقارن بين اإلسالم والحداثة .الحداثة ليست كافية لسد حاجة وضعنا ،واإلسالم من جانبه تخلف عن العصرنة ،لهذا يجب ان يكون اإلسالم قطارنا إلى الحداثة ،ولعل محاوالت السيد محمد باقر الصدر في ربط اإلسالم بالحداثة كانت مثمرة، لكن تلك المحاولة قتلت من قبل المعتنقين قبل االعداء .لذلك يمكن ان نشير إلى عرفانية السيد الخميني التي كان لها االثر المهم مما شهدت ً بعيدا عن إيران .أتحدث هنا عن لحظة التغيير
ﻟﻢ ﺗﺼﻞ اﻟﻌﺮﻓﺎﻧﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﻌﺮب ﺑﺼﻮرة واﺳﻌﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﻗﻠﺔ اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ وﻣﻮﻗﻒ اﻟﺴﻠﻄﺎت اﻟﺤﺎﻛﻤﺔ
23
المسار الذي اتخذته الثورة. • من خالل تجربة شخصية شعرت ان للصوفية التأثير الواضح المعالم على المتلقي غير المسلم أكثر بكثير من المتلقي المسلم ..كيف تفسر ذلك؟ ـ المثقف الغربي حين يهتم باإلسالم يفتش عن الطقوس والعادات ،باحث ًا عن الغريب وغير الظاهر في تلك الطقوس .برأيي المسيحي الحقيقي هو صوفي ،كون المسيحية األولى هي صوفية. وهناك من يقول ان الصوفية هي تفاعل مسيحي ـ إسالمي .فالغربي غالب ًا ما يهتم بما هو غير مكتشف. • تحولت الصوفية في الكثير من البالد اإلسالمية إلى مشهد سياحي ،حيث فقدت ثيمتها الحقيقية وجوهرها المرتبط بالزهد والعبادة والتقرب إلى الخالق بالمحبة ..كيف تفسر ذلك؟ ـ الصوفية على امتداد تاريخها حفظت اإلسالم ،فهي ساهمت في أسلمة افريقيا وحافظت على اإلسالم في قلب آسيا .ومع انهيار الدولة اإلسالمية المركزية انحسرت الصوفية أيض ًا. المهدية في السودان مثا ًال ،وفرق أخرى في المغرب العربي ،اما في المشرق العربي الذي يشهد اآلن هجمة تكفيرية متطرفة ،فيعاني بشكل كبير من الفراغ الذي يحيط به مما ساهم بانحسار الصوفية واقتصارها على مشاهد من الفن والشعر والغناء. • هل تعتقد ان فشل التيارات السياسية اإلسالمية ترك فراغا ً كبيرا ً مما دفع الشباب إلى االتجاه نحو جماعات التطرف؟ ً كبيرا تشهده المنطقة تتغذى ـ الشك ان فراغ ًا منه داعش .هناك ممثل واحد حالي ًا لإلسالم في العالم هو داعش ،اما الممثلون اآلخرون فهم خارج الصورة .الصورة الجميلة لإلسالم طوقت كما في الجزائر وغزة ،إضافة إلى الثورة اإليرانية التي تم حصارها وفرضت عليها العقوبات ،وتجربة االخوان المسلمين في مصر بين الفشل وعدم السماح لها بالتواصل .هكذا يراد ان ينظر العالم لإلسالم في صورة داعش ..وهي نظرة ضد اإلسالم. • هل هناك من أمل للخروج من هذا المأزق؟ 24
ـ الصورة الوحيدة التي تهزم داعش تتمثل بأن داعش خطر حقيقي على الجميع ،لهذا من الضروري االتفاق على محاربتها والقضاء عليها. ال يمكن معالجة داعش من خالل المصالح الضيقة لهذا الطرف أو ذاك ،كذلك التناقضات المستمرة بين قوى المنطقة غير مفيدة في دعم الجهد للقضاء على داعش. داعش من بقايا نظام صدام حسين وتنظيم القاعدة ،وهذا ما يصب في مجرى تشويه صورة اإلسالم .العالج ليس سه ًال وليس هناك من دواء سحري وفاعل لهذه االشكالية ..وها نحن ندور في دائرة حلزونية الخروج منها صعب. • هل تعتقد ان داعش فاشية جديدة تعيشها المنطقة؟ ـ تعيش المنطقة حرب ًا كونية فعلية ..وهذا ما يمنح داعش فرصة للتنفس .ذات األمر تكرر مع النازية في الحرب العالمية الثانية ،رغم اختالف الناس والحكومات واآلراء بشأنها.
• لماذا لداعش جاذبية اللتقاط الشباب برأيك؟ ـ ليس هناك مثال للشباب يحتذى به على صعيد العالم العربي واإلسالمي ،خاصة السني منه .اما في الغرب فلم يعرف الشباب المسلم هويته ،وانه يعيش في حالة اغتراب .فغياب المثال هو أحد األسباب.
ﻣﺤﺎوﻻت اﻟﺴﻴﺪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺎﻗﺮ اﻟﺼﺪر ﻓﻲ رﺑﻂ اﻹﺳﻼم ﺑﺎﻟﺤﺪاﺛﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺜﻤﺮة
• هل تحولت داعش برأيك إلى اخطبوط تمتد مجساته اإلرهابية إلى أمكنة متباعدة؟ ـ العمليات التي تنسب لداعش تخفي خلفها الكثير من العقول التي ال يمثلها داعش .عمليات مختلفة تمام ًا لكنها ترتبط بداعش ،في الكويت مث ًال تحرك ارهابي دموي ضد مسجد شيعي ،وفي تونس عملية تستهدف السياحة والحاق االذى بها، وفي فرنسا ضد مصنع ومديره ..إذن ما الجامع بين هذه العمليات؟ هناك من يخطط وينفذ أكثر وأهم من داعش، وهنا تنبري نظرية المؤامرة التي ال يمكن تجاهلها. منفذو العمليات عادة كانوا سجناء ويطلق سراحهم ويرفع الحظر عنهم قبل تنفيذ العمليات بمدة زمنية ليست طويلة.
بالمقابل يرى الشباب ان السلفية هي أقرب إلى خيمة في صحراء ،الن السلفيين افاقهم محدودة ولم يستطيعوا إغناء الشباب المسلم بالوعي ،كما ان علومهم خالية من أي روحانيات، وليس هناك سوى التخلف واالنفصال عن العصر. ناهيك عن أسباب أخرى كثيرة.
• بدأت الصوفية في الظهور والتوسع في العصور العباسية األولى ،وذلك بسبب حياة الترف والبذخ ،فكانت الصوفية بديالً رفع راية الزهد والعبادة المجردة ..ما رأيك؟ ـ ظهرت الصوفية في ظل ازدهار الدولة، وتسلحت بالزهد ..واآلن كيف لها ان تتسلح بالزهد في بالد فيها ماليين العاطلين عن العمل. في مصر على سبيل المثال يلجأون إلى الصوفية هرب ًا من قسوة الحاضر .وفي أمكنة أخرى تمثل فرق التصوف نقطة توازن بين الحالة الشعبية العامة والحاكم. • ساهمت الفوضى في قلب الموازين في المنطقة ،مع فشل البدائل ،خاصة الروحية منها ..كيف ترى هذا االمر؟ ـ توجد حالة من الفوضى في العالم اإلسالمي، أكثر الالجئين في العالم هم من المسلمين .الهجرة اسبابها أمني واقتصادي ،الن معظم الدول في
ً كثيرا وانهار أمنها. المنطقة قد تراجع اقتصادها كذلك لوجود مجتمعات فقدت بوصلتها ،والبدائل الفكرية فشلت تمام ًا وأدت إلى نتائج كارثية.. لذا ال يختلف المهاجر المسلم عن أي مهاجر آخر عبر التاريخ. الفوضى هي المشكلة التي تساهم بانهيار القيم والتقاليد وتقلب الموازين ،وفي ظل هذه الفوضى تتعرض االقليات الدينية والمذهبية إلى هجمة عنيفة لم يعرف التاريخ بمثلها ..حتى في أعتى العصور وأكثرها ظالمية .هذه الهجمة من دون حدود ..وخالية من الحرج. االقليات كانت على الدوام في جوهر األحداث وغير مستبعدة ،ما عدا فترات محدودة ،بل استطاعت بناء دول وحضارات كالفاطميين .وقد كتب األقباط عنهم مرجع ًا مهم ًا بعنوان« :سماحة الفاطميين» .وهناك تجارب اخرى امتازت بالنجاح. • في ظل االحداث الجسام التي تشهدها المنطقة والعصف الذي يحيطها ..هل بامكان اإلسالم ان يقدم حالً ناجعا ً للعبور إلى شواطىء االمان؟ ـ نعم ،بامكان اإلسالم ان يقدم الحل ،الن ليس هناك من حل خارج اطار اإلسالم .فاإلسالم يشكل نسيجها االجتماعي ووجدانها النفسي ،فالمنطقة تعيش أزمة عميقة فاما ان نرضخ أو نعيش شركاء. هذه المهمة طرحت على المسلمين منذ قرنين، لكن الحركة االصالحية لم تنجح وحصدت الفشل تلو اآلخر. من الضروري العمل على ايجاد الحل الذي يتفاعل مع األفكار .فالعالم مبني على التفاعل، لهذا ال خيار لنا في البحث عن حل خارج اطار اإلسالم
بطاقة
ﺳﺎﻫﻤﺖ اﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻓﻲ أﺳﻠﻤﺔ اﻓﺮﻳﻘﻴﺎ وﺣﺎﻓﻈﺖ ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم ﻓﻲ ﻗﻠﺐ آﺳﻴﺎ
• • • • •
ولد في جنوب لبنان. استغرقت القضية الفلسطينية كأكثر ابناء جيله ،كل اهتمامه بالشأن العام صحافي وكاتب عمل في عدد من الصحف والمجالت ،وترأس تحرير مجلة «النور» الصادرة في لندن. نال على بحثه المعنون« :الطباعة والصحافة في المشرق العربي» شهادة دكتوراه دولة من جامعة ليل الفرنسية. له العديد من المقاالت والدراسات المتخصصة في الشأن العربي واإلسالمي. 25
اﻟﺘﺼﻮف وﺛﻘﺎﻓﺔ اﻻﻋﺘﺪال اﻟﻌﺮﻳﻘﺔ ﻓﻲ أﻓﻐﺎﻧﺴﺘﺎن
الصوفيون المنسيون في جبال الهندوكوش األفغانية ﻟﻔﺘﺮة زﻣﻨﻴﺔ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻛﺎن اﻹﺳﻼم اﻷﻓﻐﺎﻧﻲ ﻣﺼﺒﻮﻏﴼ ﺑﺼﺒﻐﺔ اﻟﺘﺼﻮف ﻻ ﻳﺰال اﻟﺘﺼﻮف ﻳﻠﻌﺐ دورﴽ ﻣﺤﻮرﻳﴼ ﻓﻲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻟﺪى اﻷﻓﻐﺎن
موقع «قنطرة»
26
لفترة طويلة من الزمن أثر الصوفيون في تشكيل السياسة والمجتمع في أفغانستان .واليوم ال يعرف سوى القليلين عن هذا اإلرث الصوفي العريق .فهل بإمكان المتصوفة األفغان اإلسهام مساهمة مهمة حتى في استقرار البالد؟ الكاتب األلماني المختص في الثقافة اإلسالمية ماريان بريمر يحاول اإلجابة لموقع «قنطرة» على هذا السؤال في تقريره التالي. تتبادر لدى الكثيرين عند ذكر اسم أفغانستان أفكار حول األصوليين المتشددين وثقافات القبائل المتحاربة التي ظلت متخلفة ال أمل يرجى منها. والقليلون فقط يربطون هذا البلد الواقع في جبال الهندوكوش بالتصوف ـ أي بالجانب الصوفي في اإلسالم والذي كان يتمتَّع لفترة طويلة من الزمن في بالد وسط وجنوب آسيا بأهمية كبيرة .ويوجد اليوم مراقبون أقل يمكن أن ينظروا إلى أفغانستان باعتبارها مهد ثقافة إسالمية معتدلة ومرهفة ،ثقافة لعبت ً دورا مهم ًا في الشعر والموسيقى. ً ارتباطا وثيق ًا بتاريخ مع أن أفغانستان ترتبط التصوف .إذ إن هذا البلد يعتبر مسقط رأس كبار الصوفيين المسلمين مثل الشاعر االيراني الخواجة عبدالله األنصاري وحكيم سنائي وجالل الدين الرومي وعبدالرحمن الجامي .وال تزال مدينة هرات األفغانية ـ التي اشتهرت باعتبارها مركز الشعر الصوفي ـ حتى يومنا هذا تحمل اسم «أرض األولياء».
لماذا ال توجد منشورات حول الصوفيين؟ ربما يتساءل المرء لماذا ال يوجد في النقاش العام الدائر حول اإلسالم وأفغانستان سوى القليل ً جدا من المنشورات حول الصوفية ،ال سيما وأن هناك ً كبيرا من المسلمين في جنوب آسيا يرتبطون قسم ًا
على نحو ما بطريقة من الطرق الصوفية .فهل يعود ذلك ـ ربما ـ إلى كون المراقبين من الخارج يحبون النظر إلى التصوف وإلى جميع التقاليد الصوفية على أنها غريبة عن العالم وغير مناسبة للعصر؟ في خريف عام ،2014أي في السنة التي انسحبت فيها القوات الدولية من أفغانستان ،ألقى كتاب صدر تحت عنوان« :األولياء المحاصرون» الضوء على التقاليد الروحية العريقة في أفغانستان.
ﻻ ﻳﺰال اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻳﻨﻈﺮ إﻟﻰ أﻓﻐﺎﻧﺴﺘﺎن ﺑﺎﻋﺘﺒﺎرﻫﺎ ﻣﻬﺪ ﺛﻘﺎﻓﺔ إﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻌﺘﺪﻟﺔ وﻣﺮﻫﻔﺔ
ومؤلف هذا الكتاب هو الباحث األمريكي في علم األجناس والسالالت الخبير في التصوف كينيث ليزيو ،يتحدث في هذا الكتاب حول أبحاثه التي أجراها في فترة التسعينيات حول طريقة صوفية أفغانية ،ويدمجها في تاريخ التصوف وتاريخ أفغانستان. تم إرسال كينيث ليزيو في عام 1990من قبل الحكومة األمريكية إلى أفغانستان ضمن إطار مشروع للحدِّ من إنتاج األفيون .وبعد أن خاب أمله من األكاديمية األمريكية ،التي كانت تتجاهل التصوف أو أنها كانت تنظر إليه فقط ضمن سياق الشؤون السياسية أو االقتصادية ،بدأ كينيث ليزيو البحث عن جماعات صوفية ال تزال حية في أفغانستان. وقد وجد ضالته في المناطق القبلية الواقعة على الحدود األفغانية ـ الباكستانية ،لدى زاوية صوفية استمر وجودها لقرون من الزمن .وشيخ هذه الزاوية بير سيف الرحمن كان شيخا من شيوخ الطريقة النقشبندية ،التي نشأت في القرن الرابع عشر الميالدي في أفغانستان .التقى كينيث ليزيو لدى هذه الجماعة الصوفية أشخاصا ودودين طيبين ومتعلمين ،كانوا يتحدون تهديد األصوليين ويحافظون على تقاليدهم .وكتابه يعتبر تقري ًرا فريدً ا من نوعه حول عام من التعايش مع صوفيين أفغان. نشر اإلسالم عن طريق التصوف في جنوب آسيا انتشر اإلسالم قبل كل شيء عن طريق التصوف .ولفترة طويلة من الزمن كان اإلسالم األفغاني مصبوغا قبل كل شيء بصبغة التصوف. وفي المقابل يعتبر التطور باتجاه األصولية ظاهرة حديثة تعود إلى الحرب ضد السوفييت في فترة الثمانينيات. يرتبط التصوف بتاريخ أفغانستان في كثير من النواحي .وفي حين أن حياة الزهد كانت تميز في األعوام األولى أسلوب حياة الصوفيين في أفغانستان ،فقد تولى هؤالء الصوفيون بعد فترة قصيرة مناصب مهمة في المجاالت الدينية (الروحية) والدنيوية في أفغانستان ،حيث أصبح متصوفة الطريقة النقشبندية مستشارين لدى الملوك واألمراء ،وكانوا يتولون اإلشراف على التعليم الديني الروحي لمئات اآلالف من المسلمين هناك. وتقليديا كان يتم تتويج الملوك األفغان بوجود شيخ صوفي كبير .كذلك شارك الصوفيون مرارا وتكرارا في الثورات على الحكام العلمانيين. وعندما وصل الملك أمان الله في عام 1919تحت
تأثير من االستعمار إلى السلطة ،رأى الصوفيون أن مكانتهم في المجتمع باتت مهددة .أقر الملك أمان الله في أفغانستان برنامج تحديث ،أراد من خالله الحدَّ من تأثير الدين والقانون القبلي في البالد. وفي وحدة نادرة اتحد األصوليون والصوفيون ضد مخططاته .وبعد إسقاط أمان الله لم يحاول أي حاكم آخر طيلة عقود من الزمن المساس بمكانة التص ُّوف والقبلية في المجتمع األفغاني. الصوفيون كوسطاء سالم وعلى الرغم من أن بعض الصوفيين قد انضموا في منتصف التسعينيات إلى حركة طالبان ،ولكن ً كثيرا ما كان يتم قمع الصوفيين في عهد حكم حركة طالبان ،حيث اضطهدت حركة طالبان وبصورة خاصة مريدي الطريقة ِ الج ْشتية ،المعروفة بحبها
ﺑﻌﺪ ﺳﻴﻄﺮة ﻃﺎﻟﺒﺎن ﺗﺮاﺟﻊ دور اﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ ﻛﻔﺎﻋﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﺼﻴﺮ اﻟﺒﻼد
للموسيقى .ونتيجة لذلك تراجع دور الصوفيين كفاعلين في مصير البالد ولكن مع ذلك فإن التصوف ال يزال يلعب دوراً محور ًيا في الحياة الدينية لدى األفغان .وعلى العكس مما عليه الحال في بلدان إسالمية أخرى فإن التصوف في أفغانستان ال يم ِّثل ظاهرة نخبوية، بل ينتشر لدى جميع طبقات المجتمع .فأغلبية المواطنين األفغان ـ حتى وإن لم يكونوا ينتمون رسمي ًا لطريقة صوفية ما ـ ينظرون إلى اإلسالم من خالل نظارة صوفية. ً وهذا التقييم ـ مرتبطا مع معرفة قوة التصوف التاريخية في سياسة أفغانستان ـ جعل المؤرخة األفغانية هيالنة ملكيار تطالب في لقاء إعالمي بدور أكثر فعالية للصوفيين كوسطاء سالم في أفغانستان. انتقدت هيالنة ملكيار المجتمع الدولي على عدم إدراكه قدرات الصوفيين .وذلك ألنها ترى أن هناك وسيلة فعالة لمحاربة التطرف تكمن في تقديم الدعم الهادف إلى اإلسالم الصوفي .وضمن هذا السياق تقول هيالنة ملكيار إن هذا سوف ي َوفر على ً جهودا كثيرة .واألهم من ذلك :هو أن من الغرب شأن هذا العمل أن ُيقرب مرة أخرى األفغان ـ الذين مزقتهم الحرب ـ من جذورهم الثقافية الثرية
ﻣﺎرﻳﺎن ﺑﺮﻳﻤﺮ ﺗﺮﺟﻤﺔ :راﺋﺪ اﻟﺒﺎش 27
اﻟﺴﻨﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻟﻠﻀﻴﺎء
النور ..ديمومة الحياة والقلب النابض لتطورها التقني كنت مغرم ًا في عامي األخير من دراستي لبكالوريس الهندسة االلكترونية في احدى جامعات مانشستر البريطانية ،بالقوانين الرياضية االربعة لعالم الفيزياء االسكتلندي جيمس كالرك ماكسويل في الكهرومغناطسية التي حققها في القرن التاسع عشر، وتأثير إنجازاته على استيعابنا للضوء غير المرئي، حيث ايقظت لدي الرغبة الشديدة لمعرفة الكثير عن الكهرومغناطسية وآثارها الجمة على حضارة االنسان المعاصر .ووعيت فيما بعد ان ماكسويل وقبله نيوتن وغاليلو وكيبلر وبيكون وغيرهم من علماء اوروبا الالمعين لم يكن بمقدورهم اكتشاف اعمالهم العلمية الكبيرة لوال البحوث الرائدة في الضوء وارساء مفاهيم المنهج التجريبي العلمي في القرن العاشر من قبل العالم البصري الجليل أبوالحسن ابن الهيثم. وتبنت األمم المتحدة عام ،2013وبدعوة من جمعية الفيزياء االوروبية ،أن يكون العام الحالي 2015السنة العالمية للضياء .ويعود سبب اختيار هذا العام باعتباره معلم ًا لسلسلة من المناسبات، أهمها كما يبدو ،مرور 1000عام على اصدار ابن الهيثم عمله الضخم والرائد لكتاب «المناظر» في الضوء ،و 150عام ًا العمال جيمس كالرك ماكسويل في الكهرومغناطسية ،التي مهدت الطريق الكتشافات تكنولوجية مهمة امثال «الهواتف الجوالة» ،والذكرى المئوية الدماج سرعة الضوء ،كجزء اساسي عند وصفنا الفضاء والوقت ،مع معادالت انيشتاين في النظرية النسبية. الضوء أساسي لوجودنا على األرض ،حيث يسافر الضوء الواهب للحياة 93مليون كيلومتر من الشمس إلى األلياف البصرية البقاء عالمنا متص ًال ،وجعل جميع جوانب حياتنا اليومية حيوية .وما يميزنا عن باقي الكواكب في مجرتنا الفضائية هو مسافة الشمس النموذجية عن األرض لدعم الحياة على وجه البسيطة. يبعث الضوء في اإلنسان شعور االفتنان والسحر ،والتحديق المركز في لهيب شمعة أو 28
اﻟﻤﻠﻒ ﻣﻦ اﻋﺪاد: ﻧﺠﺎح اﻟﺮاﺿﻲ
رؤية كتل نارية أو حريق البراكين ..تدفعنا إلى السكوت ،ثم تجعلنا مندهشين ذاتي ًا ويقظين ذهني ًا .وهذا الشعور له جذوره التاريخية والدينية والروحانية ..ونظرة سريعة على األعراف األساسية والتقاليد لهذا الشعور تؤكد كيف أن المفهوم هو واحد من تلك التعبيرات المشتركة والتجارب المتعددة في التاريخ البشري .فعند اإلغريق عناصر استدامة الحياة هي النار والنور ،كذلك ثمة اهمية للنور في اعتقادات البوذية والهندوسية واضحة للغاية ،إضافة إلى النار والنور في تقاليد الزرادشتية كمفهومين شاملين الستيعاب الديانة ،أو خطاب الله لموسى في رؤية النار «انك في الوادي المقدس طوى »...وفي تراث المسيحية هناك اهتمام هائل بالنور في حياة اإلنسان كما في االنجيل «أنظروا ان النور الذي فيك ال ينبغي أن يصبح ظالما» .أما مفهوم النور فله موقع متميز في القرآن كما سنرى بعد قليل ..فض ًال عن حضور رمز النور في تقاليد الصوفية والعرفان والشعور التي تثيره الكلمة في روحانية المسلم. ولعل العبارة المستخدمة «تسليط الضوء على امر أو موضوع »...في اللغة العربية وغيرها من لغات البشر ما هي اال إشارة الهمية النور وعالقته في الكشف عن األشياء ..بكلمات أخرى الترابط بين النور واالنفتاح .وكما هو معهود عالقة األخير بالحركة والدينامية ومن ثم التغير والتطوير ،ناهيك عن عالقة النور بالتنوير ..تنوير ذاتك هو امتالكك للنور الداخلي الممكن في تداخل تنوير الوعي الداخلي مع الوعي الخارجي وتجلياته الجمة في تفاعل الذات مع االخر. ويستمر الضوء في العالم المادي النبهار العلماء والمفكرين ،حيث أحدثت تكنولوجيا الضوء ثورة في العالم الحديث كتداخلها الهائل في التكنولوجية االلكترونية أو االلياف البصرية ،على سبيل المثال ال الحصر ،والتطور الهائل في تقنيات التصوير وانعكاسات كل ذلك على حياة ومدنية اإلنسان المعاصر
ابن الهيثم ..الشخصية المحورية في تاريخ البصريات ابو العلي الحسن بن الحسن بن الهيثم ،ويعرف ً اختصارا بابن الهيثم، ويطلق عليه في الغرب اسم «الحسن» .ويشار إليه أحيان ًا باسم البصري نسبة إلى البصرة التي كانت آنذاك جزءا من إمارة آل بویِه التابعة لإلمبراطورية العباسية. وعادة ما يسمى بـ «أبو البصريات الحديثة» ً حاضرا أو ببساطة «الفيزيائي» وينظر إليه باعتباره شخصية محورية في تاريخ البصريات والضوء .وسمي شرف ًا بـ «بطليموس الثاني» في أوروبا القرون الوسطى بسبب اثار أعماله وبحوثه. قدم ابن الهيثم مساهمات رائدة خصوصا في مبادئ البصريات وفهم آلية الضوء .وفض ًال عن ذلك فقد عمل في فلسفة الالهوت .وتشير معظم المصادر إلى انه كان شخصية مهمة في مدرسة المعتزلة التي نشأت في البصرة ،بينما تؤكد مصادر أخرى انه كان من االشاعرة. يعكس عمله الضخم والرائد في كتاب «المناظر» من سبعة مجلدات اهتمامه الخاص بالضوء ،وكان أول من اقترح بأن سرعة الضوء محدودة ،كذلك أول من اقترح وبشكل صحيح ،ان أصل اشعة الضوء تقع خارج عين المراقب ،وتتم الرؤية عند سقوط األشعة على األشياء ثم انعكاسها لترى من قبل أعيننا. ويقول البروفيسور جيم الخليلي في كتابه «باحث المسار» أن ابن الهيثم «ينبغي اعتباره أعظم فيزيائي في العالم بين حقبتي أرخميدس ونيوتن .وقبل نيوتن كان هناك ابن الهيثم» وسميت حفرة ابن الهيثم على سطح القمر تكريم ًا له ،كما في كوكب .59239 أثرت اعماله على عدد من أبرز مفكري
وعلماء أوروبا العصور الوسطى امثال روجر بيكون الذي ذكره باسم «الحسن» .وشكلت ترجمة كتابه «المناظر» إلى الالتينية التأثير البالغ ،ليس على أعمال روجر بيكون ،فحسب ،وانما على روبرت كروستوستيا ،ويتلو ،جيامباتيستا ديال بورتا، ليوناردو دافينشي ،غاليليو غاليلي ،وكرستيان هيغنز ،رينيه ديكارت ،فيرما ويوهانس كيبلر وغيرهم. وفي الوقت ذاته اثرت أعمال ابن الهيثم على • • • • • •
كتابات ابن رشد في علم البصريات ،واالهم ربما على عالم الفلك االيراني الالمع كمال الدين الفارسي (المتوفي في حدود )1320في كتابه تنقية المناظر (مراجعة لكتاب البصريات البن الهيثم). وبحث ابن الهيثم في كتب المتكلمين المعتزلة، لتعليل ظاهرتـــي االنعكاس واالنكســـار البصرية، اللتيـــن اقترضتا مـــن مفاهيم الديناميـــة لالعتماد (السعي أو الجهد) والتوليد (مراعاة نوع الجنس) بدي ًال للسببية األرسطية. وصل إلى القاهرة في عهد الخليفة الفاطمي، الحكيم ،راعي العلوم ،خصوصا علم الفلك .وقد اقترح ابن الهيثم على الخليفة مشروع هيدروليكي لتنظيم فيضان مياه نهر النيل ،وهي مهمة مبكرة ومعقدة وتتطلب بناء سد ،لكنه اقتنع فيما بعد بعدم جدوى تقنيته المقترحة للمشروع ،وتقول األخبار بأنه بعد اتخاذ قراره بعدم اكمال المشروع وخوف ًا من غضب الخليفة ،فقد تظاهر ابن الهيثم بالجنون وبقى تحت اإلقامة الجبرية من عام 1011 حتى وفاة الحكيم في .1021تمكن في هذه الفترة من توثيق وكتابة دراساته وبحوثه ،خصوصا كتاب «المناظر» الضخم. واصل ابن الهيثم االقامة في القاهرة ،في حي جامعة األزهر ،حتى وفاته عام 1040
ولد لعائلة عربية في 1تموز (يوليو) في 965م في البصرة ،العراق عمل معظم حياته قريبا ً من بالط الخالفة الفاطمية في القاهرة برع في مجال البصريات والرياضيات وعلم الفلك والفلسفة والفيزياء والطب وتطوير ما يسمى اليوم بالمنهج التجريبي العملي. كتب أكثر من 200كتاب تناول فيها مختلف المواضيع العلمية. تم االحتفاء به في ذكرى مرور 400عام على تطوير التلسكوب عام 2008 توفي في القاهرة التي قضى فيها جزءا كبيرا ً من حياته في 6آذار (مارس) 1040م 29
لفظ النور في القرآن الكريم ورد لفظ «النور» في القرآن الكريم في آيات كثيرة ،وتجلى في معان معنوية ومادية عديدة ،كما توجد سورة بكاملها في محكم الكتاب تسمى بالنور ،فض ًال عن أن النور هو احد اسماء الله الحسنى .وجاءت كلمة «النور» في القرآن في خمسة وأربعين موضع ًا ،وفي جميعها وردت بصيغة االسم ،ولم يرد لفظ «النور» بصيغة الفعل مطلق ًا، كما جاء ذكر الضياء في الكتاب ثالث مرات. ويقول أهل اللغة ان معنى كلمة النور مستمد من النون ،والواو ،والراء الدال على إضاءة ،واضطراب، وقلة ثبات ،فاالضطراب يعني سريع الحركة ،ومنها النار والنور التي تعني االضاءة .ويقال نا َر الشيء، وأنار ،واستنار :إذا أضاء .ويذكر ان النور مأخوذ ت النار :تبصرتها ،إذا قصدت من النار ،وتنور ُ نحوها .ومنه ال َّن ْور :زهر الشجر ونواره وأنارت الشجرة :أخرجت ال َّن ْور .ويستعار النور في مواضع تدل عليها القرينة ،فيقال :أنار شخصا كالمه :إذا أوضحه .والمنارة :مفعلة من االستنارة أو منار األرض :حدودها وأعالمها ،وسميت بذلك ،لبيانها وظهورها. وتجسدت كلمة «النور» في القرآن في عدة معان معنوية كاإلسالم والهدى وااليمان والقران والحق والعدل ..ومن اجمل االيات الكريمة «الله نور السماوات واألرض» أو «أفمن شرح الله صدره لإلسالم فهو على نور من ربه» أو «الله نور السماوات واألرض مثل نوره كمشكاة في مصباح.».... «قد جاءكم من الله نور» أي أنار الله محمد (ص) به الحق ،أو بمعنى (العدل) من ذلك «وأشرقت األرض بنور ربها». كما يعني لفظ «النور» بمعناه المادي كذلك، أي ضياء ألهل األرض كما في «هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا .»...وجاء ذكر الضياء في القرآن «ولقد اتينا موسى وهارون الفرقان وضياء 30
وذكرا للمتقين» أو« ...قل ارايتم ان جعل الله عليكم الليل سرمدا يوم القيامة من اله غير الله ياتيكم بضياء افال تسمعون» ويبـــدو ان التفســيرات والمفاهيم التاريخية والحديثة اال ما ندر منها تركز على الجانب المعنوي والروحي لمسالة النور وتهمل الجانب المادي ذا العالقة مع حياة اإلنسان وواقعه العملي ودور ذلك لسبر أعمق لمفاهيم االعتقاد وعباداته .والقراءات التاريخية في األعم كانت تهدف لتفسير معاني اآليات وكلماتها على انفراد وليس النظرة الشاملة لكل اآليات المشتركة في لفظ «النور» للخروج بمفاهيم جديدة .فالعقل المتسائل يبحث عن حذق أكبر لمعاني أكثر دسامة في استنباط مفاهيم عميقة ونافذة عن النور في الوصول لقناعات وقراءات ذات تداخالت أوسع في حياته المعاصرة العملية والروحية. فذكر «النور» على صيغة اسم في آيات ً حصرا ،النه هبة الله ،خالق النور، القران ،مثا ًال ال لعبده ،بينما ما يقوم به اإلنسان من فعل ،كصاحب ارادة وخيار ،في تسخير هذة الهبة لحياته وأعماله وواقعه ،مما يجعل الفعل بمثابة النور. وذكر النور على شكل مفرد ،بينما الظلمات تأتي على شكل جمع ألن النور حق والحق واحد .بينما الظلمات متعددة المصادر كاإلنسان
والطبيعة .والنور مصدره واحد يبدأ من نقطة واحدة تنبعث لتكبر وتنتشر وعندما تنطفأ تعود لنقطة ً ً ومجسدا ارتباط موحدا مادي ًا غير منقسم االنبعاث، الجزء مع الكل ،تنكشف وتتجلى للعيان عند االنتشار ،وتعود وتطوى على ذاتها عند االنطفاء واالختفاء ..أو الخروج من الظلمات إلى النور كالحركة من الموقع النسبي إلى الموقع المطلق.. من االدراك النسبي إلى االدراك المطلق ...الحركة نحو الله .وفي الدنيا هناك ظلمات كثيرة ال نتمكن من رؤية النور كام ًال ،بسبب العتمة او الالعدل، فض ًال عن الغيب للكشف عن االمور كامال.. وسستتم االضاءة الشاملة عند العودة الى الرب الكريم يوم الميقات الموعود. والقراءة الشافية للقرآن تبين ان النور كالمعرفة .فالمعرفة توعي اإلنسان وتحسن وضعه وتعينه على أمور حياته وتكشف لعقله األمور الغامضة ،بينما الحال مع النور هو تسخير الضياء لتجلي ذات اإلنسان وما حولها من األشياء المبهمة... القراءة االولية للقرآن توحي ان جوهرالكتاب يتمحور حول اإلنسان ومدعم من قبل المعرفة والنور ..أو بصياغة أخرى اركان القرآن قائمة على اإلنسان وتسخير المعرفة والنور لسعادته في أرضه وما بعدها
النور والتنوير الـــنـــور هـــو االنـــــارة والتبصر والــتــاء والــيــاء المضافــــــة للكلمــــة ،كما فــي التنوير وهــو تملكنا لــالنــارة الــداخــلــيــة ،أي لتنوير أمــر ما ال بد منه يكـــون ذاتيـــ ًا .فالنـــــور هــــــــو االداة الخارجيـــــــة والــتـنــويــرهــو االداة الــداخــلــيــة ..الــتـنــويــر يعني تشخيص الضوء (النور) داخــل ذواتــنــا ،لغرض االنــارة واالستنارة ..التنوير يعني معرفة الذات والصحوة الداخلية ألدراك ما لدينا من قوة يمكن تسخيرها المور الخير والحياة ..امتصاص النور الخارجي لكثافة تنوير الــذات الداخلي وافرازتها الخارجية هي عملية متجددة ومستمرة بالتسامي والتعالي .فالتنوير ليس تناغم ًا مــع مشيئة الله فحسب ،وإنــمــا االعــتــراف بقيمة ذواتنا الحقيقية ،واالعتقاد بقوة أكبر في الكون ،في ادراك ذواتنا كمصدر للقوة االيجابية ،واستخدامها يومي ًا في الواقع العملي لصالح الذات واآلخرين.. أي النور واحد النه نص الله للكون ،بينما التنوير هــو سياقات اإلنــســان المتعددة والمختلفة في الحياة. ويتبدى التنوير كعمليات معرفة ما هو أكبر من الحياة ،وما هو أكبر من رؤية االمور بأعيننا المادية ،أو تحسس الصكوك المادية حول ذواتنا. أي التواصل بين الداخل والخارج ..وينبع التنوير كأهمية ليس لتحرير الذات من ادران الماضي فحسب وانما لتحقيق النفوس الفاضلة ،ولكن من هو الفاضل حقا ألنه كما يقال «كل قديس له ماض وكل آثم له مستقبل» ..عندئذ يصبح التنوير إعادة اكتشاف النقاء األصيل والتراث النبيل والنجاح المديد. التنوير كما عبر عنه فيلسوف التنوير األلماني، امانويل كانط« ،يجرأ ليعرف» عصر المقاربة العقلية والفلسفية واألدبية الجديدة التي نقلت البشرية من عصر الظلمات إلى النور ،وقوله دعونا نفتح األضواء التي اعطت للعصر االوروبي الجديد لفظ التنوير كمعني مادي ومجازي.
فالتنوير ميز مرحلة المقاربة العلمية والعقلية ألمور السياسة واالقتصاد والمجتمع والدين ولم تكن غاية بحد ذاتها ،وإنما اداة للتحرر من الظالم ..والخروج من ظلمات الكهوف إلى نور الشمس الساطع. الفيلسوف والشاعر الصيني آلو تزو الذي عاش في الصين في القرن السادس قبل الميالد يقول «معرفة االخر هي حكمة ،ومعرفة الذات هي التنوير» .فالنور هو المعنى المجازي للحكمة في معرفة االخر ،بينما التنوير هو مسار الباحث الكتشاف الذات ..ويتسامى التنوير من تواصل الذات مع اآلخر وافرازات ذلك في تحول الذات من حالة إلى أخرى. ويساهم التنوير في تبديد ظالمات الجهل والتخلف ويمثل الرمز المستخدم مجازي ًا للتجريب والتفعيل ،والتنوير هو االنارة الداخلية الضاءة الخارج في معرفة بعض الحقيقة ،واكتشاف العين الداخلية التي أعماها تلوث دنياها ويفتحها لرؤية واقع حقيقي من أن الحياة لحظة لن يمكن أن تكون هي نفسها ،ويبدأ الشخص المستنير للعيش من المعرفة التي اكتسبها في التعامل بحكمة وعقل ،من خالل االنارة داخليا ،مع
اآلخر أو الواقع أو الفكرة خارجي ًا ،وكما قيل «انارة المصباح الحد ما هو اال انارة مسارك الخاص بك». يشخص بعض الكتّاب العرب وبدقة واقعنا اليوم في انطفاء األضواء وتعتيم النور ما يجسد بحق وحقيقة عصر الظلمات اذ اخذنا بنظر االعتبار مجاميع السلفية والوهابية الجهادية واالحتراب األهلي .فالظلمات عكس النور ،واذا كان النور ينم عن حركة ودينامية ،كما وضحنا ،فالظلمات هي الالحركة أو الحركة في حدود الفراغ ..ومع داعش والقاعدة وغيرهما تصبح الحركة في حدود الخراب ...من دمار التفجير والقنابل .واذا كان ً مستمدا من الظلم فلك في قطع معنى الظلمات الرقاب وسفك الدماء وقتل االبرياء من النساء واالطفال ،خصوصا ،كاهداف سهلة في عملياتهم ً تجسيدا لقمة الال عدل .وعدم رؤية الضياء أو الالقدرة في امتصاص النور خارج ذواتهم هو الظالم بعينه في تيه الطريق واستبدال الرحمة والشفقة القرآنية بالكراهية لهذه المجاميع ،وفقر االنارة الداخلية في ذواتهم ينم عن عجز ذهنيتهم كدليل مادي في عدم التعامل بإنسانية وكرامة مع اآلخر.. وهذا هو اقصى العدمية لبني ادم 31
اإلضاءة وتكنولوجيا الضوء الـــــضـــــوء اســــاســــي للوجود ،وهو في كل مكان وتقنيات الضوء ،هو القلب الــنــابــض ،للتكنولوجيا الراقية. وغريزة حب االستطالع مــكــنــت اإلنــــســــان عــبــر الــــتــــاريــــخ ،فــــي تــســخــيــر الضوء وتحقيق تقنياته الهائلة وتقدمها في هذا المضمار. وتعني اإلضاءة سبر الجديد السرار الكون، وكل شيء نعرفه عن الكون تقريب ًا تعلمناه من خالل دراسات الضوء .فتقنيات الضوء تمكننا من الرؤية عندما يحل الظالم ،وعلى التواصل عبر المسافات الشاسعة ،وحضور التكنولوجيات الفوتونية ً متجسدا في االتصاالت الضوئية، وتطبيقاتها وفي الطاقة الشمسية وفي تطبيقات الطب كما في اشعة اكس أو سي ار تي لمسح وتصوير االورام أو التشوهات في الجسم البشري .ويعول الكثير على تقدم التكنولوجيا الضوئية لحل مشاكل الطاقة مستقب ًال. يقول علماء الفيزياء «أن الضوئية والفوتونية هما مركز المجتمع الحديث وتمثالن المستقبل الواعد له». ويقول األمين العام لألمم المتحدة بان كي مون بمناسبة السنة العالمية للضوء «بأنه الرمز الموحد الدال على الحكمة ويثير الخيال في جميع أنحاء العالم» ،ويزيد «نحن نسعى جاهدين للقضاء على الفقر وتعزيز الرخاء المشترك ،يمكن للتكنولوجيا الضوئية ان تقدم حلو ًال عملية للتحديات العالمية». ويرى آخرون ان تأثير السنة العالمية للضوء سيتم من خالل التفاعل بما فيه الكفاية بين التجمعات المختلفة ،وليس فقط العلوم والهندسة في العالم ،ولكن أيض ًا بالفنون والثقافة وانعكاسات 32
كل ذلك على مجتمعاتنا المعاصرة. وحصاد الطاقة الضوئية ،كما تثبت البحوث الحديثة على أن من شأنها أن تمنحنا الطاقة النظيفة .واإلضاءة بواسطة الصمامات الباعثة للضوء هي فرصة رائعة لتطوير العالم النامي والمضي قدم ًا لتجاوز شبكات الكهرباء للسماح للناس للقراءة في الليل. ومن المفيد القول ان نصف الناس في العالم ال يمكن أن يروا بوضوح ،ويحتاج 2ـ 3مليار نسمة إلى نظارات ال يمتلكونها .وما زالت التطويرات جارية النتاج تكنولوجيات مفيدة للنظارات القابلة ذاتي ًا في تصحيح الرؤية لتلك المليارات من الناس. وتقنيات االلياف البصرية هي االخرى قطعت شوط ًا هائ ًال في التطور والتطبيق في نقل المعلومات وتقنيات التصوير الذي سيكون مركز بحثنا تصل على اعتاب اجهزة وكاميرات ثالثية األبعاد ،مما يجعل عصرنا بجد عصر الصورة والميديا. الضوء الجيد مرتبط بالسالمة واحد ونصف مليار من المليارات السبعة من سكان األرض خياراتهم محدودة ألنهم ال يتمكنون من الوصول إلى الشبكة الكهربائية الممهدة اإلضاءة .الحياة تتوقف عندهم بعد غروب الشمس وال تتمتع بالخيارات التي نعتبرها من المسلمات في حياتنا اليومية كمتعة قراءة كتاب أو مشاهدة التلفزيون أو الدراسة أو الدردشة الجميلة مع األصدقاء واالحبة وغير ذلك .وهؤالء البشر في العالم النامي غالبا ما يكونون معتمدين على مصابيح الكيروسين المدخنة والخطرة .وتذكر التقارير الطبية عن االضرار البالغة لهذه المصابيح فيما يتعلق بالتلوث البيئي خصوصا داخل البيوت، فض ًال عن أمراض التنفس ،حيث توضح عن موت مليون ونصف من الناس سنوي ًا من هذه االمراض. كما تقول احصائيات جامعة بروان في الواليات
المتحدة ان مصابيح الكروسين مسؤولة عن 70في المئة من الحرائق في منازل يوغندا. ابعد مما تراه العين انهمك العلماء ،عبر القرون الطويلة، منذ الحسن ابن الهيثم ولغاية اليوم في ً جزءا اساسي ًا ميكانكية التصوير ،وأصبح التصوير من حياتنا اليومية ،وال تزال أجهزة التصوير تستخدم كأدوات حيوية للبحوث والتطبيقات العلمية المتقدمة .وتشير التقديرات إلى ان سكان العالم التقطوا أكثر من تريليون صورة في العام ً كبيرا من هذه الماضي ،وبدون أدنى شك ان قسم ًا الصور كان للحيوانات األليفة وسلفي (شخصية)
فانها تجسد مركزية تقنيات الصورة في مدنية عالم اليوم. وتكنولوجيا التصوير كما يبدو من أكثر التكنولوجيات تشابه ًا مع بيولوجيا الجسد البشري وتخصيصا لألداء الوظيفي لعين اإلنسان ،وتعمل الكاميرات الحديثة على غرار العين البشرية ،حيث تستخدم عدسات لتشكيل الصور ،وتوظف فتحات مثل بؤبؤ العين للحد من كمية الضوء الساقط على مادة حساسة للضوء داخل الكاميرا التي تعمل كشبكية العين .وتتمع العين البشرية بايجابية متميزة وهي تحسسها للضوء المستقطب ودون الحاجة الدوات إضافية عند مالحظة الضوء من المصادر الطبيعية كالشمس ذات الضوء غير المستقطب ،ولكن العين البشرية ذات محدودية حيث ال تتمكن من رؤية المسافات الشاسعة أو تحسس الضوء في موجاته خارج نطاق ضيق من الطيف الكهرومغناطيسي كاألشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية .وهناك حدود لمدى حساسية العين للكثافات المنخفضة وسرعة نبضات الضوء .ولحسن الحظ فان العين البشرية قادرة على إدراك العالم في ثالثة أبعاد ،األمر الذي يصعب ً عصرا تكراره مع الكاميرات .والتحدي هذا جسد ً جديدا من التصوير ومع تطور التكنولوجيا وحلول مرحلة التصوير الرقمي ،الديجتيال المتقدم ،حيث ً صورا طورت التجارب البصرية تكنولوجيا تلتقط لالشعة تحت الحمراء باستخدام مجسات قادرة على بعدين وثالثة ابعاد .ونظام تصوير النجاز صور فيديو بسرعة نبضات الضوء .وأجهزة ً صورا ثالثية ضوئية تجعل من الممكن أن تلتقط األبعاد باستخدام كاميرا واحدة وثابتة ،وهو نهج يرفض تصوير الستيريو ويسمح بأجهزة هاريدوير أكثر بدائية الستخدامها بدال من ذلك .وهذه هي المراحل المبكرة لكاميرات الحواسيب والمتوقع في القريب العاجل أن تكون لها تطبيقات واسعة النطاق مثل رؤية االشياء حول الزوايا أو إنشاء كاميرات ثالثية األبعاد مستخدمة طابعات ثالثية األبعاد. وقد طور العلماء تقنيات تصوير مع أوقات كشف فتحات الكاميرات قصيرة للغاية للعدسات بمدى بيكوثانية وفمتوثانية التي يمكنها التقاط صور الضوء المتحرك باطول موجية قصيرة ً جدا وحتى تسجيل لقطات فيديو لحركة الضوء، ويعرف هذا االنجاز الرائع بـ «تصوير الضوء في الطيران» 33
»اﻟﻤﺴﻠﻢ اﻟﻨﺎﻗﺪ« ﻓﻲ ﻋﺪدﻫﺎ اﻟﺠﺪﻳﺪ
مصادر القوة في عالم متناقض ومضطرب ناقش العدد الجديد من فصلية «المسلم الناقد» الصادرة باالنكليزية القوة واشكالها المتنوعة في عالم اليوم .حيث أشارت افتتاحية العدد التي كتبها كل من ضياء الدين سردار وميرل وين ديفيز إلى ان القوة ال تبقى ساكنة في ايد المسلمين ،حيث ينظر للسلطة وتصورها كقوة لجميع علل العالم اإلسالمي ،تلك القوة التي تميزت بالجنون لدى المسلمين ،كما لدى غيرهم ..في عالم معقد متناقض ومضطرب.. وهي النقطة المهمة التي ناقشها ادم كيرتز، صانع االفالم ،ببراعة لفليمه الوثائقي الشهير «قوة الكوابيس» حين قارن بين صعود قوى التطرف االسالمي وبروز المحافظين الجدد وحاجة كل منهما إلى اسطورة العدو الخطر لتعزيز قاعدة قوته ،كذلك زيادة الفجوة بين الفقراء واالغنياء حتى في العالم المتقدم، والتطرف الهندوسي ومحاولتهم لجعل الهند خالية من المسيحية واالسالم بحلول عام .2021 وتسأل الفصلية في افتتاحيتها :هل نجاح ً مباشرا االمبراطوريات المسلمة كان نتاج ًا للعالقة المتبادلة بين االعتقاد والقوة ،هل القوة السياسية وحكم الشعوب ،بغض النظر عن العرق واللون واللغة واالثنية والتاريخ المشترك، هو المناسب والضروري المصاحب لالعتقاد الصحيح؟ فالجواب واضح ودقيق لالسالميين على مختلف منابتهم ..القوة تنتمي للمؤمنين ً مبررا الحقيقيين والنقيين ،حينها يغدو كل شي للحصول والمحافظة على القوة بغض النظر عن ً مقتصرا على مدى بشاعة ذلك .وهذا ليس المضطربين نفسي ًا امثال الدولة االسالمية، 34
الذين يمجدون قطع رؤوس األبرياء ،أو مذابح أطفال المدارس من قبل طالبان أو اختطاف البنات وبيعهم كعبيد من قبل بوكو حرام ،بل هي العقيدة األساسية لجميع المتشددين. كل االسالميين عندهم «أجندة جامدة وغير مرئية تقدم على االعتقاد الحقيقي وال تترك مجا ًال للحوار ،ناهيك عن مفاوضات من أي نوع» ،كما يالحظ نجاح كاظم .في عصر داعش والمجاميع اإلرهابية الضخمة المماثلة الخطوط بين التنوعات اإلسالموية العنفية والمختلة وغير العنفية ،أصبحت غير واضحة ،كما يرى عبدالوهاب افندي .برنبي روجرسون يناقش حلم الخالفة ويكتب «هي واحدة من أقوى األحالم الي شخص مهتم باحياء الثقافة اإلسالمية ،بل هي أيض ًا أقدم وأكثر زندقة» في معالجته لخالفات االموية والعباسية والعثمانية ،معرج ًا
ً معددا صفاتها االجتماعية على الخالفة الراشدة، الحميدة .ويستعرض ماليس رويثفن مسألة االسالم والدولة بأنها تنطوي على جدلية بين علم االجتماع والميتافيزيقيا ،وبين المجتمع المحلي والمجتمع الدنيوي والمحاوالت المستمرة الرامية لوضع نفسها في عالم أخالقي معين .اما كيشا علي فتطرقت إلى عالقة الرسول محمد بزوجته ً دورا محوري ًا في خديجة الكبرى التي لعبت لحظات مهمة في حياة النبي محمد ،وتصفها بمثالية مقنعة لدعاة المساواة في الزواج. حسين احمد عالج مؤسسة الجيش في باكستان «البطريرك النهائي ،ورمز الرجولة الباكستانية ،واألكثر صدقا واألكثر أمانة» أي الصادق األمين كما كان الرسول يكنى ،لذا فحامي الدولة يجب ان يسمح له في اي عمل يراه مناسب ًا. اما ساجد ميجك فكتب عن معاهدة دايتون الموقعة في 14كانون األول -ديسمبر 1995 التي قسمت البالد إلى بلدين صغيرين :جمهورية الصرب واتحاد البوسنة – كروات ،مشبه ًا الوضع بهيدرا برؤوس ثالثة. ويتناول نزار باهراوي العنصرية والعرقية في ماليزيا ،وناقش نجاح كاظم طغيان السلفية، وبويد تونكن قوة الكلمة ،ودراسة عميقة لهنزل توماس عن قوة التعليم ويرى ان «مشاكل المسلمين بضمنها قضايا القوة تتشابك بعمق مع عدم قدرتهم على التواصل مع اآلخرين» كما يناقش دور التعليم في تطوير المهارات العليا للذهن .وشمل العدد فسحة عن قوة الثقافة وبعض القصص القصيرة ومراجعات للكتب، وأختتم بدراسة عن فشل تجربة حكم األخوان في مصر وقائمة القوة التي هي ليست قائمة!
إﺻﺪارات الدين وأسئلة الحداثة
عن «مركز دراسات فلسفة الدين» و«دار التنوير» في بيروت ،صدر كتاب« :الدين وأسئلة الحداثة» ،حيث يتضمن الكتاب نقاشات فتح بابها المفكر العراقي المعروف عبدالجبار الرفاعي مع مجموعة من المفكرين المهتمين بالبحث في الدين ..ومع كل ما اتفق عليه المفكرون ،لكن رؤاهم ال تتطابق في كيفية اعادة بناء التفكير الديني ،وال تفضي مواقفهم الى المقوالت والمفاهيم ذاتها. المفكرون هم :محمد أركون ،عبدالمجيد الشرفي ،مصطفى ملكيان ،حسن حنفي ..وجاء اختيار عبدالجبار الرفاعي لهم بوصفهم ينتمون إلى أكثر من جيل ،وكذلك تتنوع مواطنهم والمجتمعات التي ولدوا ونشأوا فيها ،فمصطفى ملكيان الذي لم يتجاوز العقد السادس من العمر ،يناقشه الرفاعي حول «فلسفة الدين وعلم الكالم الجديد» ،وجهود االيرانيين في تحديث التفكير الديني اليوم .فيما يناقش الرفاعي مؤسس «مختبر الدراسات الدينية في تونس» عبدالمجيد الشرفي عن مالمح وآفاق ما ينشده هو وتالمذته من آفاق تتخطى االتباع في الدراسات الدينية. ويواصل الرفاعي مع حسن حنفي مناقشة وجه َة «الهوت التحرير»، وتشديده على وصل العقيدة بالحياة االجتماعية ،وتحويلها الدين الى أيديولوجيا نضالية ،والعمل على إعادة بناء التراث في سياق أيديولوجيا للمقاومة والثورة .وأخيرا يناقش الرفاعي محمد أركون في الحديث المطول معه ،عن أبعاد محاولته فيما يسميه «نقد العقل اإلسالمي» وما ترمي إليه كتاباته التي يصطلح عليها« :اإلسالميات التطبيقية».
االجتهاد في نصوص القرآن
يتابع د .محمد شحرور قراءته المعاصرة للتنزيل الحكيم ،وذلك بتطبيق منهجه فيما يتعلق بموضوع المحكم والمتشابه في كتابه بعنوان« :أم الكتاب
وتفضيلها» الصادر حديث ًا عن دار الساقي ،متتبع ًا المفاهيم التي تحملها هذه اآليات حول هذين المصطلحين ،وما يرتبط بهما من مواضيع ذات عالقة كالتأويل واالجتهاد .ويحاول الكاتب في بحثه اإلجابة عن سؤال طالما شغل المدارس الفقهية المختلفة :لماذا جاء اإلجتهاد في تفصيل اآليات المحكمات ولم يأت في كل الرسالة؟ وما الغاية من اإلجتهاد في تفصيل الرسالة فقط؟ في مسعى لحل اإلشكاالت الموجودة في المنظومة التراثية بشأن هذا الموضوع. يقدم المؤلف دراسة معاصرة لعملية االجتهاد في نصوص التنزيل الحكيم، انطالق ًا من نسخ كل االجتهادات اإلنسانية السابقة في تفصيل المحكم من ً بعيدا عن القراءة التراثية هذه النصوص ،وإعادة االجتهاد فيه بروح معاصرة، األحادية الملزمة وراثي ًا .تلك القراءة التي أوقفت التاريخ وصيرورته عند لحظة معينة ،ما جعل الثقافة العربية اإلسالمية هشة ضعيفة يستحيل صمودها أمام ثقافات الدول األخرى المتطورة اال بممارسة العنف ،من خالل قطع الرؤوس والرجم والجلد ،إلثبات وجودها. يناقش الكتاب في الفصل األول االشكاليات الناتجة عن مفهوم المحكم والمتشابه عند بحثه مسألة األحرف السبعة وعملية جمع التنزيل، ويتناول الفصل الثاني لتفصيل الكتاب (التنزيل الحكيم) ودور األخير في تطوير اللغة العربية والتفصيل العلمي للكتاب وسبب تسمية السورة المحكمة في التنزيل الحكيم ،بينما يعالج تفصيل الفصل الثالث اآليات المحكمات وآيات تفصيل العبادة وآيات تفصيل المحرمات وآيات تفصيل األوامر والنواهي وآيات تفصيل التكاليف .يقع الكتاب في 460صفحة من القطع الكبير.
أساطير مصر الشعبية
ضمن مشروع «مكتبة األسرة» الذي تنفذه الهيئة العامة للكتاب في القاهرة ،يأتي كتاب «األساطير المتعلقة بمصر في بعض كتابات المؤرخين المسلمين» للدكتور عمرو عبدالعزيز منير ،في محاولة إلثارة الوعي بالتراث ً استنادا إلى رؤية تلتمس في الماضي التفسير الشعبي للتاريخ، الحضاري، أو ما يمكن أن نسميه البعد الثالث للدراسات التاريخية ،أي التفسير النفسي والوجداني ورؤية الجماعة اإلنسانية لذاتها وللكون والظواهر واألحداث من حولها. يحتوي الكتاب على تسعة فصول ،األول يتناول أبعاد العالقة بين التاريخ واألسطورة وأوجه االئتالف واالختالف بينها ،ويتحدث الفصل 35
الثاني عن األساطير والحكايات المرتبطة بأصل اسم مصر وأصول المصريين أنفسهم ،وخصص الفصل الثالث لعرض المادة الفولكلورية التي تدور حول «فضائل مصر» أما الفصل الرابع فهو عن األساطير والحكايات التي تناولت الحضارة المصرية القديمة ،ويعدد الفصل الخامس األساطير والحكايات التي تناولت الدفائن والكنوز المصرية والفراعنة .الفصل السادس يستعرض أساطير أصول المدن المصرية القديمة .وجمع الفصل السابع بين الحديث عن عمران مصر وما دار عنه من حكايات شعبية ،إضافة إلى الحديث عن العجائب الموجودة على أرضها .وفي الفصل الثامن حديث عن األساطير والحكايات التي تناولت النيل ومصادر المياه في مصر ،ويضم الفصل األخير حكايات الموروث الشعبي المتعلق بالشخصية المصرية.
ديمقراطية العالم الثالث
في كتابه الصادر عن «الدار العرب ّية للعلوم ناشرون» و«دار العرب للنشر والتوزيع» تحت عنوان« :معوقات الديمقراطية في العالم الثالث» يرى د .عبدالجبار عبدالله أن أغلب دول العالم سواء أكانت راضية أم مضطرة تحاول أن تأخذ بالنهج الديموقراطي .ويطرح المولف إشكال ّية :أين مكانة الديموقراطية في دول العالم الثالث؟ ويعتبر أ ّنها غير موجودة على الرغم من أ ّنها أكثر المصطلحات شيوع ًا ،كما أن مسارها مشوه بوجود معوقات داخلية وخارجية وتحقيقها مرهون بقدرة هذه الدول وقادتها وشعوبها على تجاوز هذه المعوقات. ويصف الكاتب مسار الديمقراطية بأنه مشوه بوجود معوقات عديدة، داخلية وخارجية وأن مستقبل اتمام مطلب الديمقراطية فيها وانجازه مرهون بقدرة هذه الدول وقادتها وشعوبها على تجاوز هذه المعوقات. وفي طريقه إلى إثبات فرضيته ،يحاول المؤلف اإلجابة عن أسباب غياب الديمقراطية ،والمعوقات التي تقف حجر عثرة أمامها ،والبحث في أشكالها وطبيعتها واآلثار التي تتركها ..فبدأ بتعريف الديمقراطية والنظام الديمقراطي وشروط تحقيق النظام الديمقراطي ،وسلط الضوء على الظاهرة االستعمارية في مسألة الديمقراطية في العالم الثالث ،وتناول أهم السمات التي تتسم بها النظم الديمقراطية في العالم. وبين المؤلف السمات االقتصادية للعالم الثالث ،وتأثير العامل االقتصادي في السياسي ،ومن ثم حدد اآلثار التي يتركها الفقر والغنى في ً وأخيرا درس المعوق االجتماعي والثقافي ،بعد حصره في مسألة الديمقراطية، تحديد فكرة المجتمع التعددي ...والبحث في مظاهره وأشكاله ،ومن ثم اآلثار التي تركها في مسألة الديمقراطية.
36
استعادة الشريعة
صدرت حديثا ،باللغة االنكليزية ،دراسة جديدة لبروفيسور القانون االسالمي في جامعة كاليفورنيا ،خالد ابو الفضل ،تحت عنوان: «المنطق مع الله :استعادة الشريعة في العصر الحديث» ولعل المعرفة الوثيقة والدقيقة للتقاليد الفكرية والحضارية الغربية واإلسالمية ،ما يمنح الكتاب نكهة خاصة. ينقسم الكتاب إلى ثالثة اجزاء ،يعدد فيها المشاكل الكثيرة التي تمزق انسجة المجتمعات االسالمية .جاء الجزء االول بعنوان« :الحلم االسالمي وفوضى الحالة المعاصرة» اما الجزء الثاني فكان بعنوان« :ثقافة القبح ومحنة اإلسالم المعاصر» والجزء الثالث «استعادة الشريعة في العصر الحديث». يناقش الكتاب الكابوس اإلسالمي ،كذلك مشكلة السلفية والوهابية، ً مشيرا إلى ان التزمت السلفي ،المدعوم مالي ًا من السعودية ،ساهم بانتشار الوهابية ،مما ساهم باخالل الطاقة االخالقية الكامنة للتراث اإلنساني في اإلسالم .الجدير ذكره ان أبو الفضل خدم في مجلس ادارة «هيومن رايت ويغ» والمفوضية االمريكية للحرية العالمية ،وحاز على عدة جوائز بضمنها جائزة جامعة اوسلو لحقوق اإلنسان.
فلسفة القرن العشرين
عن دار جداول للنشر والترجمة صدر كتاب جديد بعنوان« :تاريخ الفلسفة في القرن العشرين» لكريستيان دوالكومبان ،ترجمة حسن أحجيج ،وفي كلمة الغالف نقرأ :هل يتعين على الفالسفة أن يهتموا بتاريخ الفلسفة؟ عندما تريد إعادة قراءة المئة سنة األخيرة من الفلسفة الغربية يجب أن تكون قراءة نقدية ،إذ يستحيل عليها أن تقدم نفسها على أنها قراءة «محايدة» أو «غير ملتزمة» ألن التاريخ ،أو إعادة البناء ،هو طريقة واحدة من بين طرق عدة أخرى لقراءة النصوص ،كما يعتقد البعض أن الفلسفة ليس لها تاريخ ،وأنها تمثل التعميق األبدي لسؤال واحد لم يحظ ً أبدا بإجابة نهائية :ذلك أنه يتعين على أي فيلسوف أن يبدأ كل شيء انطالق ًا من الصفر ،وألنه يعتقد أن المكانة التي تشغلها الفلسفة هي مكانة علم مستقل بذاته ومحكوم عليه أن يتقدم
بخطى بطيئة ،لكنها ثابتة :وبذلك ستكون دراسة أخطائه الماضية أقل جدوى من البحث عن حقائق جديدة.
تحرير الدين من البدواة
يعيد الباحث الجزائري أحمد دلباني في كتابه «رمل اليقين» الصادر عن دار التكوين ،مظاهر الشلل التاريخي التي نعيشها قبل وبعد «الربيع العربي» إلى بنية سوسيو ـ ثقافية راسخة لم تتزحزح منذ قرون ..بنية مرتبطة أساس ًا بالمجتمع األبوي وعالقات اإلخضاع التي تميزه ،من دون أن يستثني االستبداد السياسي والعنف من هذه المنظومة. ً ّ ويستبعد دلباني إمكانية ترسيخ الحداثة عربيا ،من دون تجاوز التخلفوالقمع طارح ًا األسئلة الشائكة حول امكانية تحرير الدين من البداوة وانتشال الحياة ً مسترشدا بمقولة فولتير الشهيرة «ال يكفي أن نقطع رأس الدينية من األصولية ً الملك كي نقول إننا قمنا بثورة» الفتا إلى أن نقد المستبد العربي وإزاحته من المشهد ،ال يكفيان لصناعة تاريخ جديد ومختلف ،من دون خلخلة قاعدة االستبداد والطغيان وقمع الفرد. يؤكد الباحث في كتابه ان على العالم العربي أن يدشن عهد ثقافة جديدة تنسلخ من هيمنة الديني في أشكاله الفقهية التقليدية في مسعى حقيقي ً مشددا في الوقت ذاته على أن المصالحة مؤجلة بين العقل لالرتقاء باإلنسان، ً اإلسالمي والديمقراطية ،نظرا إلى عوائق تاريخية وراهنة تتعلق بثقافة إلغاء السؤال والحرية والمراجعة النقدية .وهذا ما يؤكد صعوبة مثل هذه المصالحة بين العقل اإلسالمي والديمقراطية ،طالما أنه ينفي أسئلة حقوق اإلنسان والعلمانية والمساواة ،ورفض استبدال التشريع الديني بالتشريع المدني ،ذلك أن الدين السياسي هو تعبير صارخ عن الرغبة في لجم العقل وإدانة الحرية والتعددية الثقافية والسياسية باسم المقدّ س وثقل الماضي الذي لم يتع ّرض للمراجعة والتفكيك.
سوسيولوجيا العنف واإلرهاب
يحاول الباحث العراقي إبراهيم الحيدري في كتابه «سوسيولوجيا العنف واإلرهاب» الصادر عن دار الساقي ،اإلحاطة بجذور العنف واإلرهاب تاريخي ًا،
ومعرفة أسباب دوافعهما ،إلى جانب تحليل األسباب والعوامل المختلفة التي تدفع اإلرهابي إلى تفجير نفسه وسط دار عبادة ،أو مشفى ،أو سوق شعبي، أو مدرسة لألطفال ،أو مجلس عزاء. يشير الحيدري إلى ان اإلرهابي يعتمد على منظومة فكرية ودينية وسياسية تس ّوغ أعمال العنف وتمنحه الشرعية لذا يغدو طبيعي ًا ،وعودة اإلنسان إلى حالته البدائية األولى. تستند المنظمات اإلرهابية إلى نصوص صلبة تقدم النص الثابت على العوامل اإلنسانية واالجتماعية المتصفة بالحركية والتغيير ،وتفرض قراءة تجمد النص، احادية على قراءات أخرى محتملة للنص ،ما يؤدي بالتالي إلى ّ بالترافق مع الفشل الملموس في تقديم أي حلول عملية ،وقمع دموي ملفت للرأي اآلخر. والحيدري هو كاتب وباحث عراقي .صدر له «تراجيديا كربالء»« ،صورة الشرق في عيون الغرب»« ،النظام األبوي وإشكالية الجنس عند العرب»، «النقد بين الحداثة وما بعد الحداثة»« ،علي الوردي ..شخصيته منهجه وأفكاره االجتماعية «.
الشرعية الدستورية في العراق
يشرح كتاب «الشرعية الدستورية في العراق» لرزگار جرجيس الشواني، والصادر حديث ًا عن دار الحكمة في لندن ،أسباب عدم االستقرار الذي الزم العراق منذ نشأته األولى ولغاية اآلن ،وتفسير عدم تمكن دساتيره العديدة من الوصول إلى تحقيق الوئام الوطني والرضا العام ،ومن ثم محاولة رسم مالمح عامة لشرعية دستورية تنهض به وتحقق تطلعاته ،أرض ًا وشعب ًا. ويستعرض الكتاب غايات إنشاء الدول التي تعيش في كنفها الشعوب، ليلتقيا معا من أجل تكوين جسم سياسي يبغي الخير العام ،هذا الخير الذي لن يبلغ تمامه ولن يستوي على سوقه من دون استقرار ،استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي ،وهذا األخير ال بد من وجود ما يرسم مالمحه العامة وأطره الحاكمة. ويعزز الكاتب رأيه بأهمية وجود الدستور ليعيش الشعب في ظالله والسماح بانتشار نوره ،ليغدو حاكم ًا ال محكوم ًا ،باني ًا ال هادم ًا ،ويتأتى ً معبرا عن الشعب وتطلعاته ،ومحتوي ًا لألنظمة هذا عندما يصبح الدستور السياسية والقانونية واالجتماعية ،وآذن ًا بتواجدها وتطورها ،عندها نكون أمام ً مشيرا في الوقت نظام قانوني وسياسي محكوم وفق ًا لشرعية دستورية كاملة. ذاته إلى إن الشرعية الدستورية كفيلة بتحقيق االستقرار والبعد عن االنهيار، وتعزيز القدرات سواء بالنسبة للبلدان أم األفراد ،والتحصين ضد التدخالت والمانع من االنزالق في أتون الصراعات ..إنه روح دولة القانون وأساسها المتين. 37
أفـكـار بصـوت هـادئ
العرفان ..العشق االلهي في امتداد اإليمان زﻳﻨﺐ ﻋﻠﻲ في ظل الضمور الفكري وانفالت العنف واإلرهاب على مساحة واسعة من دول إسالمية عدة ،يولد السؤال المفصلي ،وهو :هل بإمكان العرفان ان يكون بلسما ً شافيا ً لجراحنا ،أو لبعضها على األقل؟ أعتقد ان بإمكان العرفان ان يحد من اضداده المتمثلة بالكراهية وضيق األفق ورفض اآلخر ،وبإمكانه أيضا ً ان يجعل من المخلوق كائنا ً يتوشح مع الخالق بأوثق االواصر الروحية ..في محاولة لمعرفة الذات وايجاد السالم الروحي في ظل ضياع واضح على الصعيد البشري. يمثل تحرر اإلنسان من هذه الغواسق الظلمانية ،بغض النظر عن دينه ،الخطوة األهم في مسار حياته ،كذلك تمثل البوصلة التي تشير نحو النجاة الفردي ..وصوال ً إلى التأثير في جوهر األحداث التي تالمس تفاصيل حياته. وبناء على هذا يستطيع العرفاني بسعة أفقه وشيوع حبه ،ان يتجاوز أسوار الطائفية والمذهبية واألثنية ،محوال ً ذلك العشق اآللهي إلى تيار يرفد المؤمنين بالوئام والتآخي في كل زمان ومكان ،متجاوزا ً الكراهية نحو فسحة واسعة االمتداد من اإليمان والمحبة. البد من االعتراف ان العرفان يقودنا صوب االعتراف بعطايا الخالق وإبداعه وقدرته ومننه ،بما يعزز وجود اإلنسان روحيا ً ويخدم قضاياه االساسية ،تحديدا ً بما يتعلق بأفكاره وتطورها ،ويرفد حياته ويجسد معانيها على أكثر من صعيد ومستوى ،كذلك يحد من الضغينة والشرور الكامنة في أعماق بني البشر ،وهذا ما يحدد قيمة العالقة بين المخلوقات من اجل حياة خالية من كل ما يعكرها. تتحرك أغلب الديانات في مساحتها الروحية ضمن الصوفية ،فهناك تصوف في الديانات الهندية والصينية واليهودية والمسيحية ،ربما تعتبر الصوفية ارتباط روحي بين المسيحية واإلسالم ،باعتبار ان المسيحية األولى كانت زاهدة بامتياز .فاألصل الذي يستند إليه العرفان هو عالقة العشق بين الخالق والمخلوق ،عالقة تمتلك من الخصوصية والذاتية ،بقدر ما تمتلك من مشتركات وتشابهات ،وعلى هذا االساس ردد العرفانيون والمتصوفة بشكل مجرد ان الطريق إلى اهلل بعدد أنفاس الخالئق ..وهذا يعني لدى العرفان ان الحقيقة واحدة لكنها تتشكل وفقا ً لمحبة المخلوق لخالقه. يعي العرفاني تماما ً ماهيتة احترام اآلخر والتعايش معه ،بغض النظر عن كل انتماء ،وهي بمثابة الخطوة األولى في مسيرة اإليمان بالقيم الروحية العليا .لهذا فالعرفاني يرتبط بحالة عشق مع كل األشياء ..باعتبارها الطريق لعشق الخالق من جهة ،وعشق المخلوق وأهميته باعتباره ظل اهلل على األرض ،من جهة أخرى. تميل النفس البشرية في بعض حاالتها إلى الخروج من القوقعة الدنيوية والسباحة في فضاء روحي واسع. وتوفر العرفانية تجربة انفتاح الذات على المعنى المخفي للوجود .ولعل هذا االنفتاح متجسد بقدرة التواصل بين الذات والوجود. وبقصد التخفي استعاضت الصوفية عن اللغة بالدالالت والرموز، واستنبطت لغتها الخاصة باعتبار ان اإلنسان هو كلمة الخالق ،وان العالم ليس إال إنسانا ً كبيراً. العرفان نزوع بشري وحاجة إنسانية ال عالقة له بأي دين أو معتقد وال يستطيع اإلنسان ان يترجمه اال بوجود مساحة حياتية ملموسة ،لذا فإن الجهة التي توفر هذه الفسحة هي الديانات التي تتحرك في مساحات معنوية، مهما كانت ضيقة ،المتالكها هذه المساحة ،بغرض الوصول إلى رضا المحبوب، والتواصل بصورة مباشرة مع الحق ومصدر اإللهام الروحي. ليكن الختام بداية ثانية.. أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني «ابن عربي»
38
The International Forum for Islamic Dialogue (IFID) • A Non-profit organization based in London- United Kingdom. We depend primarily, in implementing activities across the world, on establishing working partnerships with nongovernmental organizations that share our vision and goals. • The International Forum for Islamic Dialogue (IFID) believes that the way to a better future for Muslims lies through the efforts of modernization and enlightenment which renew a sound relationship between Muslims and their current geographical location in addition to their heritage. • Thus, IFID concentrates primarily on developing a culture of dialogue among Muslims themselves, and aims to build bridges between the trends of modernization in contemporary Islamic thought across the world and create opportunities for dialogue between them. • IFID believes that attempts to modernise Islam cannot be effective without understanding the Muslim mind (in the current time), but also believes that the approach to the Muslim mind not be effective without approaching the religious component, leading thus to a need to re-read the founding text for this religious component and specifically the Holy Quran. • IFID also attempts to bridge the gap between the elite and social change by adopting a method of training workshops based on contemporary values and methods of empowerment, modernization, and effective civic participation in public affairs. To achieve this goal it uses participatory workshops that target the basic foundations to plant these values and approaches to the elements of civic culture in general among contemporary Muslims, especially younger generations.
Current Activities 1. IFID developed a course for skills “Success in a changing world”, aimed at young Muslims from varying and different backgrounds. Training sessions adopt the latest training methods on the development of thinking skills and raising the efficiency of performance on the individual and community levels. The approach is characterized by a unique component of the impact of religious thinking and behaviour of the individual and groups. The Forum has two programs (The Arab Programme for Arabic-speaking countries) and (The English Programme for Britain and the English-speaking countries). 2. IFID established and supervises the work of a network of volunteers involved in the training session on skills for “Success in a changing world”,
which includes members from Egypt, Iraq, Morocco, Sudan, Tunisia, Algeria, Bahrain, and Lebanon. And the Network is to pursue the development and implementation of training programs in the countries concerned. 3. IFID publishes and distributes a Arabic magazine “Al Rassid Al Tanweeri” or the “Enlightened Monitor” and a magazine ((Islam 21)) in English. The magazines are concerned with monitoring the latest versions of enlightened thought in the Islamic world. 4. IFID established a website in Arabic and another in English to monitor the latest versions of enlightened thought in the Islamic world and the website is updated regularly. www.ifidonline.com/m1. 5. IFID established a Website dedicated to its Training Course Network in the Arab region (Skills for Success in a Changing World). The website has an Arabic news section that includes documentation of visits to the countries concerned in addition to the Graduate Forum. 6. IFID established a Website dedicated to its training course programme for skills to “Success in a changing world” that includes an English news network and documentation of the training courses in Britain and Europe in addition to the Graduate Forum. 7. IFID organizes educational/ social trips for graduates of training courses in London - United Kingdom. 8. IFID founded a (Research Unit) for the purpose of research and issuing papers on the education received by Muslims in the West from official sources (government schools) and informal (civil, educational institutions, mosques, etc.). 9. IFID organises seminars for researchers and those involved in the affairs of efforts to modernize religious thought and public education and education for Muslim generations.
Past Activities:
1. “Friday Notes” Entries are generally articles written by Muslims from several countries, on issues of contemporary Islamic concern. These articles are sent by e-mail on Friday, to all the participants in our site. 2. Hosting seminars dealing with specific aspects related to the current rate of Muslims and the dissemination of the proceedings and the results and submitting them to individuals or organizations concerned. 3. “Islam youth 21” publications, which focuses on the Islamic identity of Muslim youth perspective.
alrasid@islam21.net www.islam21.net Al-Rasid Al-Tanweeri P. O. Box: 5856, London WC1N 3XX, United Kingdom Phone: (+44) 20 7724 6260