دورية تعنى برصد الفكر التنويري االسالمي العدد / 2خريف 2008 رئيس التحرير د .نجاح كاظم هيئة التحرير هاجر القحطاني (المملكة المتحدة) فالح حسن السوداني (العراق) عبد اللطيف طريب (المغرب) االخراج الفني: رياض راضي أساس مهمتنا:
تأسيس فكر انساني دميقراطي واسالمي من خالل احلفاظ على احلوار الفاعل وتطويره لوحة الغالف: الفنان حسن المسعودي أحسن من درٍ ومرجان انسان بإنسان أث ُر ٍ (والبة ابن احلباب ـ القرن الثامن)
Al-Rasid Al-Tanweeri P. O. Box: 5856 London WC1N 3XX United Kingdom
في هذا العدد االسالم التنويري بني االحادية والتعددية ......................................................ص 5 التنوير العربي ..ما مصيره؟ .....................................................................ص 10 خالد ابو الفضل :هلنحنبحاجةالىثورةفكرية؟ .....................................ص12 كيف ميكن تفعيل الفكر التنويري االسالمي؟ .........................................ص 18 هل صدام االسالم والغرب امر ال مفر منه؟ ..................................................ص 24 ازدواجية احلركات االسالمية ....................................................................ص 29 هل يتوافق االسالم واحلداثة؟ .....................................................................ص 30
Phone: (+44) 20 7724 6260 inquiry@islam21.net www.islam21.net www.enlightenment. islam21.net
االندماج او التالشي
الحرب ضد االرهاب
المساواة وحرية االقليات
للمراسلة
ص 22
ص 26
ص 16
jamal@islam21.net
مبتدأ الكالم
الحوار بين اإلنسان وأخيه: ضرورة قرانية العنف هو الوجه املغاير للحوار ،وقدرته على تطوير قدرات املسلمني في اجتاهات شتى .وغالب ًا ما يتفاقم العنف مع غياب الدميقراطية وجلوء بعض فرق املسلمني إلى «السيف» بفعل قراءة قروسطية ألحكام الدين ،حتد من تبلور مناخ حوار حقيقي؛ على أساس أن احلوار اجلاد الفاعل سمة القرن احلادي والعشرين. ال يتبلور احلوار إال مع النضج االجتماعي ،وتوافر عوامل موضوعية متعاضدة معه .ولعل التجربة األوروبية ،فض ًال عن اليابانية ،بعد كارثة احلرب الكونية الثانية ومقتل أكثر من 60مليون ًا من البشر، الدليل األكثر سطوع ًا على أهمية احلوار وما ينتج عنه لصالح حياة إنسانية كرمية. عانى املسلمون طوي ًال من سلسلة حروب وقتل ،لكنهم ـ على ما يظهر ـ لم يدركوا بعد فهم كيف أن احلوار الراسخ الرصني أداة فاعلة لتأكيد التسامح وقبول الرأي اآلخر ،وتعزيز دوره في بناء املعرفة وتنميتها وتطورها باجتاهات عدة. غياب احلوار مع املختلف (ليس ثمة حوار مع املتفق) سيؤدي حتم ًا إلى قطع سبل االنفتاح ووصد أبواب املراجعة الفكرية وتشخيص األخالل والعيوب .من هنا يتبدى احلوار مع اآلخر من ضرورات تطور احلياة ضمن في مسار صحي وصحيح. بغياب احلوار يبرز العنف جلي ًا بوصفه الرد األكثر فاعلية على تغطية سمة ضعف مسلمني ووهنهم ،من دون التفكر مبدى الدمار واخلراب واخلسارات والتناقضات الناجمة عنه ،التي تنعكس سلب ًا على املسلمني كلهم حيثما كانوا. حتول القتل في األعوام القليلة املاضية في العاملني العربي ً مقتصرا واإلسالمي ،إلى ظاهرة اجتماعية ،بعدما كان نهج ًا سياسي ًا على أنظمة سياسية وتنظيمات متصلة بها بطريقة أو بأخرى .ومع استمرار أفعال القتل واتساع دائرتها لتطال الكثير من املدنيني األبرياء من نساء وأطفال ـ من دون أن ينجو منها مسلم أو غير مسلم كما هي احلال في العراق والسعودية ومصر وأفغانستان وتركيا وباكستان واجلزائر وبريطانيا وفرنسا وأميركا ـ تزداد الصورة قتامة وظالم ًا حني تعلن جماعات مسلحة أنها متارس كل هذا القتل حتت ذريعة الدفاع عن اإلسالم ...أو «اجلهاد» ضد احملتل! هذا احلال يتطلب إيجاد آلية أو طريقة تساعد على قبول تعدد األديان والطوائف ،فض ًال عن غير املؤمنني بأية ديانة ،كخطوة مسؤولة 4
حتمل هم تأسيس مبدأ اإلقرار باحلوار وحق االختالف ،كما يأمرنا القرآن الكرمي ،من خالل التي هي أحسن. يكمن جوهر تلك اآللية بتواصل اإلنسان مع اآلخر بد ًال عن نفيه أو قتله ،وإحالل السلم محل احلرب ،واحملبة والتسامح إزاء احلقد والكراهية. اآللية التي نقصدها نرى ثقلها وفاعليتها في رحم املجتمع عندما تتراكم عوامل التثقيف والنضج برعاية الدولة ،التي تضع على راس واجباتها تنفيذها وتفعليها في وجوه احلياة اليومية. ال يختلف اثنان على أن احلوار سمة القوة واحلكمة والثقة بالنفس، هذا من جانب ،ودليل ساطع ال يقبل التأويل على أمة اإلنسان التي دعا إليها القرآن «وما أرسلناك إال رحمة للعاملني» .لذا صرنا شعوبا وقبائل لنتعارف ،أي لنتحاور ،ولنتبادل معارفنا وخبراتنا ،ونتعاون على اخلير من اجل اجلميع .وهذه هي إنسانية اإلسالم اجلليلة .لهذا فوحدة االنسان من وحدة الله ،ووحدة الله هي مركز الكون والوجود، كما يعتقد املسلمون. ثم أن ما من شك في أن احلوار بني اإلنسان وأخيه اإلنسان ميثل أساس التفاعل احلياتي مع أهل الكتاب وغيرهم ،كما دعا إليها القرآن .ومن هذا املنطلق استطاع فالسفة مسلمون أوائل إيجاد تناغم بني فلسفة ارسطو القدمية والعقائد اإلسالمية. بيد أن احلال اختلف اليوم كلي ًا .إذ يتبلور الفكر السائد حاضراً ليوجد عالم أحادي متكامل بذاته ،حيث على املسلمني مواجهة حتد كبير متمثل بالتعايش السلمي املشترك مع غير أهل الكتاب ،بد ًال عن االقتصار على القبول بأهل الكتاب وحسب .مبعنى اخر أن بوسع اإلميان ومنطق احلاضر أن يلتقيا في نقاط وان يتباعدا في أخرى ،بد ًال عن السعي إلى إلغاء اآلخر وطمس هويته. قراءة متأنية في آي القرآن العظيم ستبني لنا أن ثمة مساحة متاحة لغير أهل الكتاب .يقول تعالى في محكم كتابه ،وهي نزر قليل من وفر كبير« ،فذكر إمنا أنت مذكر لست عليهم مبسيطر» الغاشية 22- 21؛ «وقل احلق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر أنا اعتدنا للظاملني نارا» ،الكهف 29؛ و«لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاج ًا» ،املائدة .48
د .نجاح كاظم
فكر
اإلسالم التنويري بين األحادية والتعددية هاجس التنوير واالستنارة كامن في نسيج االسالم النص القرآني يقر بتعددية أنساق البشر ومصالحهم تتسع الدراسات اإلسالمية راهنا وتكتسب أبعادا ومديات متعددة في سياق تعاظم الهجوم ضد اإلسالم والسجال بينه وبني أطراف معظمها يتحدر من الغرب. وفي هذا وذاك تفصح عن نفسها مشكالت ومعضالت نظرية جديدة ،إضافة إلى أخرى قدمية .وهذا من طبائع األمور .فالواقع مبثابة حالة مفتوحة ،يضع أمام البشر من املهمات واألسئلة والتساؤالت ما يجب اإلجابة عنه .وفي حال عدم االستجابة لذلك ،يحدث خلل واضطراب يتحوالن إلى أزمة في ظروف معينة قد تطرح أسئلة خطيرة ،باالعتبار التاريخي واملعرفي التأسيسي أو (االبيستيمولوجي) .ولعل أخطر هذه األسئلة يتحدد في مثل الصيغة التالية :من اين نبدأ في تصويب املوقف ،من الواقع أم من النص؟ وميكن النظر إلى املرحلة املعاصرة على أنها أكثر املراحل قلقا وإثارة وإشكالية في التاريخ اإلسالمي عموما، واإلسالمي العربي على وجه اخلصوص. فلقد رفعت العوملة معركتها مع اإلسالم إلى سقفها ،وذلك في سياق املهمة الكبرى التي وضعتها على عاتقها :تفكيك الهويات التي دللت على أنها مثمرة تاريخيا وبناءة (مثل العقالنية والتاريخية والقيم الدينية املستنيرة واحملفزة على التقدم البشري) من طرف ،وإحياء الهويات التي دللت على أنها معيقة للتقدم البشري (مثل الطائفية واملذهبية الدينية الضيقة واإلثنية والعشائرية وغيرها) من طرف آخر. تعمقان النظر إلى ما نحن ثمة مالحظتان اثنتان ّ اآلن بصدده .تقوم املالحظة األولى على أن العداء العوملي (االميريكي خصوصا) من اإلسالم هو – في الثري النفطي ،أي أساسه – موقف عداء من اإلسالم ّ اإلسالم املصاحلي .وهذا بدوره يضع يدنا على قاعدة منهجية مهمة تظهر في الشريعة كما في القانون الوضعي وهي :العقائد تتأسس على املصالح .وفي
هذا السياق ،يبرز اسم الع ّز بن عبد السالم كواحد من ابرز من اسس لهذه القاعدة ّ ونظر لها. اما املالحظة الثانية فتتحدد في أن العوملة ،بلسان بعض ممثليها من أمثال هنتنغتون وكالوس ،إذ تضع اإلسالم أمامها كهدف استراتيجي ينبغي ترويضه، فأنها تنتقي منه ما يستجيب ملصاحلها وظيفيا. وفي هذه احلال ،تقوم بعملية تلفيقية وانتقائية تنتج مبقتضاها ما يروق لها حتت اسم «اإلسالم» .فهي تبحث هنا وهناك وهنالك عن شذرات «إسالمية» يطلقها بعض اإلسالميني في كتاباتهم ،لتعلن أنها وضعت يدها أخيرا على ما يسوغ مقولتها الشاملة اجلامعة والتي جرى تسويقها في معظم بقاع العالم، وهي مقولة «اإلرهاب» .فبمقتضى هذا األخير ،يجري تقسيم البالد والعباد إلى فريق ميارسه (أي اإلرهاب) بعد أن ينتجه ،معرضا بذلك العالم إلى االضطراب والفوضى والتحارب من طرف ،وفريق آخر يدفع ضريبته في أمنه وثروته ومستقبله من طرف ثان .والطريف الواقعي في ذلك ان تلك الشذرات «املختارة» قد تقدم ما يرغب فيه املنافحون عن العوملة ومقولتها في اإلرهاب من رؤية متخلفة رجعية عن العصر بقضاياه املختلفة من االقتصاد إلى السياسة فالثقافة فاملرأة الخ ...وحينذاك يجري تقدمي تلك الشذرات بوصفها «اإلسالم» من حيث هو وفي جوهره. إن تلك الرؤية االنتقائية وامللفقة لإلسالم ،التي تقدمها اإليديولوجية العوملية املؤمركة والتي جتد بعض أسسها الكبرى لدى مجموعات من املستشرقني في الغرب منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، تفصح عن نفسها عبر عمليتني اثنتني كلتاهما تقود إلى األخرى .أما العملية األولى فتقوم على انتزاع الفكر اإلسالمي املتكون في اعقاب «عهد النزول» وفي التجادل والتثاقف معها ،من سياقه التاريخي،
ولصالح الرؤية االنتقائية وامللفقة املذكورة واملناهضة للفحص التاريخي ،بحيث يبدو هذا الفكر وكأنه لقيط، يتحرك دون ضوابط ونواظم تتعلق بحقه التاريخي ومرجعيته الفكرية .لكن العملية الثانية تسير باجتاه آخر ،وان ظلت ذات عالقة مبسار العملية األولى .أما هذا االجتاه فهو ذو نسيج ق َيمي أي يتمثل بكونه ْ حكم قيمة .ها هنا سيقال ما قاله مستشرقون أمثال ارنست رينان ودي بور وما صاغه الشاعر كيبلينغ في املقولة التالية :الشرق شرق والغرب غرب ،وال يلتقيان .أ ّما أ ّال يلتقيا ،فألن كال منهما ميثل «بنية» بذاتها« :البنية الغربية» بعقالنيتها واتساقها وانصياعها للقانون والقيم املجتمعية املثمرة للتقدم، و»البنية الشرقية» بعاطفيتها وانفالشها وخروجها على مثل تلك الضوابط. واملهم في ذلك ان يقال كذلك ،ان البنية الغربية تتأسس على الدميقراطية واحترام حقوق اإلنسان واالقرار بالتعددية وباحلرية ،اي مبا ال تقر به البنية الشرقية ،مبا فيها اإلسالم ،وليد الشرق وصانعه، مبعنى ما في هذا املَ ْع ِقد من املسألة نكون وجها لوجه أمام واحدة من اكبر املوضوعات ،التي حتولت إلى نقطة سجال بني املفكرين اإلسالميني ،وبني كثير من املستشرقني واملفكرين واملثقفني العرب. أما املوضوعة املعنية فتتمثل في «التعددية»وفي موقف اإلسالم منها (واملقصود باإلسالم هنا النص األصلي املع ّبر عنه بالقرآن والسنة النبوية) .وقد جنح فريق من أولئك إلى القول بان اإلسالم «دين التوحيد» وهذا أقصى ما يعرف به أو ُيع ّرف ،ما يفضي إلى القول بان مفهوم «احلقيقة» عنده ما هو إال جتسيد لـ «توحيديته» وعلى هذا ،يصبح محاال أن ينظر إلى ّ مشخصة على وفق التاريخ اإلنساني تلك احلقيقة وشروطه ومقتضياته ،لتظل متأ ّبية على هذا التاريخ، 5
ومن ثم ليظهر ما يبدو حقيقيا واقعيا من حيث هو وهم زائف. في ضوء ذلك املوقف اإلطالقي والتجريدي والالتاريخي ،يكتب فهمي جدعان معلنا ما يلي: تنتمي «احلقيقة» أصال إلى عالم األزل واألبدية الذي يفارق متاما وقائع التاريخ ويعلو عليه ،وال يخضع لقانون الصيرورة الصارم .وهي حني تتجسد في اإلنسان فإمنا تعانق الزمان وحتل فيه ...والذي يقع ضحية هذا التجسد هو احلقيقة نفسها ألنها ستفقد براءتها األولى التي جاءتها من أفق املطلق ...إن ما حدث في تاريخ اإلسالم ال يشذ عن هذه القاعدة .وإ ّال فكيف نفسر تلك االنحرافات املتفاوتة في اخلطورة والعمق التي متت في عهوده وازمنته املتباعدة فضال عن املتقاربة؟» ويتابع الكاتب مقررا« :لقد قال معظم مفكري اإلسالم احملدثني إن (املسلمني ليسوا مسلمني) .والكلمة صائبة متاما ولكن األصوب أن يقال أنهم لم يكونوا ولن يكونوا مسلمني ابدا ،مبعنى أنهم سيظلون دوما بعيدين عن جتسيد االسالم – احلقيقة ،أو اإلسالم الوحي في التاريخ – الزمان، الن ما يدخل في الزمان ال يلبث أن تعتريه صروفه وأقداره وألن احلقيقة – الوحي تفارق عالم اإلنسان وتعلو عليه»(.)1 ان ذلك النص الذي ينطلق صاحبه من موقع افالطوني وآخر كانطي (نسبة إلى الفيلسوف األملاني كانط) ،يطيح بـ «احلقيقة» وبـ «اإلسالم» كليهما في آن معا .وفي أحسن األحوال ،يرى الباحث فهمي جدعان أن احلقيقة اإلسالمية موجودة ،ولكنها غير قابلة للتجلي والتمظهر في املستوى اإلنساني، ومن ثم يغدو «التوحيد» في اإلسالم توحيدا «في ذاته» ،أي غير قابل الن يكون توحيدا «لنا» نحن البشر .وحديث على «التعددية» واحلال كذلك يصبح مستحيال .ومن الضروري القول ان االنطالق من مثل ذلك «التوحيد» يفضي إلى مفهوم «العدم»، باالعتبار الفلسفي .ذلك أن الوجود إن ُنظر اليه مطلقا ،فهو مغلق؛ واملطلق املغلق هو مبثابة عدم ال ميكن حتديده وضبطه اال مبعنى السلب. وإذا كان هنالك من يختزل اإلسالم إلى حقيقة مطلقة بذاتها ولذاتها ومن يرى أنها تفقد «براءتها األولى» حني تتجسد في اإلنسان ،محوال اإلسالم على هذا الطريق إلى حالة متعالية على الوجود واإلنسان ،فان اجتاها آخر انطلق من القرآن والسنة ليؤكد أن «التوحيد» واإلقرار بهما وحدهما يؤسسان للخالص في حياة املسلم .فقد جاء في اآلية الكرمية (48؛ سورة النساء)« :إن الله ال يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك ملن يشاء»؛ في هذا املستوى من املسألة ميكن احلديث عن «توحيد» إسالمي يجمع حتت رايته كل من يعلن انتماءه لإلسالم ،بغض النظر 6
عما قد يكون من اختالفات في الرأي حول نقطة أو أخرى .فهو مستوى قابل للتحقق في حياة البشر (املسلمني) ،نظرا إلى أن حقيقة هذا التوحيد هي في متناول هؤالء ،بعكس «احلقيقة» السابقة ،املطلقة التي ال مجال فيها للتشخيص والتخصيص ،ومن ثم لألنسنة في حقلها .وإذا بلغنا هذه احللقة املركزية في التأسيس للتوحيد اإلسالمي الذي يطال احلقلني الالهوتي واإلنساني ،فإننا في الوقت ذاته – نكون قد وجلنا مستوى التعددية في «النص املقدس». ولعلنا نرى أن هذا النص إن استنكف عن الولوغ في حياة البشر ،فقد حتول إلى نص الهوتي تقوم السلب .وهذا ما العالقة بينه وبني أولئك على سبيل ّ ال نواجهه في النص القرآني الكرمي عموما وخصوصا: فلقد أتى «هدى للناس» ،و «دعوة للحق» و»إلى الصراط املستقيم» .وملا كان البشر مختلفي املصالح
يمثل االستحقاق في الدعوة الى الديمقراطية مبادئ الحرية والتداول السلمي للسلطة وتكوين مجتمع مدني وثقافي مفتوح والفهم ،ويعيشون في مجتمعات مختلفة في التكوين االقتصادي والسياسي والتعليمي وكذلك ـ بقدر أو آخر ـ في األهداف القريبة والبعيدة (االستراتيجية)... الخ ،فقد غدا من الضرورة مبكان أن يأتي ذلك النص ـ الكتاب ـ مقرا بتلك التعددية في األنساق املذكورة وغيرها ،كي يحافظ على مصداقية كونه «أتى رحمة للناس». على ذلك ،يستطيع الباحث تأكيد أن الكتاب ـ القرآن الكرمي ـ قدم نفسه عبر عملية جتادل بني املطلق والزمني ،والغيبي واإلنساني ،ومن ثم بني الوحي والتاريخ ،مؤكدا ـ في هذا ـ كونه «منتميا إلى السماء» ،بقدر ما هو ملتصق باألرض التصاقا ّ ومشخصا .وهذا ما اقترب من مالحظته بعض كثيفا ()2 الباحثني رمبا كان جاك بيرك من ضمنهم .ويظهر ذلك جليا في اآلية القرآنية احلصيفة التالية :ولو شاء ربك جلعل الناس أ ّمة واحدة! وبالتوافق الوظيفي الداللي ،فقد أدرك بعض الصحابة أهمية ذلك النظرية والعملية ،فنبهوا الى أخذه بعني االعتبار ضمن مفهوم «التعددية» .فاخلليفة الرابع يشير إلى ذلك ضمنا حني يقول :القرآن إمنا هو خط مسطور بني دفتني فهو»حمال ال ينطق ،إمنا يتكلم به الرجال ،ومن ثم ّ
أوجه»( .)3وكان الرسول الكرمي قد وضع يده بعمق على فكرة التعددية ،منطلقا في ذلك من فكرة «االختالف» ودورها في التأسيس ملفهوم «األحادية» معمق .فالفكرتان كلتاهما «التعددية» على ضوء ّ و»األحادية» متثالن حالتني ضروريتني لتأسيس نسق فكري أو آخر يراد له أن يكون منفتحا غير مغلق، ومرنا غير متشدد .وهما ـ إلى ذلك تقومان على عالقة جدلية متضايقة تشترط الواحدة منها الثانية، مبقتضاها وفي ضوئها .ومهم أن يقال في ـ هذا السياق ـ أن هذه اخلصوصية للعالقة املذكورة تستمد مسوغها من «احلكمة اإللهية» ،التي تقصد أن تكون التعددية تشخيصا لألحادية ،وان تكون هذه األخيرة ناظما لتلك .في هذه احلال يصح القول أن مرجعية «األحادية» تكمن في مبدأ التوحيد اإلسالمي (وهو املبدأ األقصى والكوجيتو املنهجي والنظري) ،في حني تكمن مرجعية «التعددية» في املجتمع اإلنساني ،في اجلماعة اإلسالمية ،مبا ينشأ فيها وعنها من مشكالت اقتصادية وسياسية وثقافية وتعليمية وغيرها ،مع اإلشارة إلى وجود حالة نسبية من انغماس املقدس في البشري العادي وبشخص النبوة .وها هنا يظهر املأثور النبوي في صيغة مكثفة الفتة ،حني يؤكد النبي الكرمي واملفصل ،الذي يعيشه ضرورة معرفة واقع احلال احملدد ّ أعضاء اجلماعة ا ملذكورة ،كي ال يبقى املرء في حالة عامة من النصوص العمومية واإلجمالية .وهذا يقود إلى اآلليات التي بواسطتها ميكن بلوغ ذلك «احملدد واملفصل» ،ونعني بذلك»االجتهاد» و»التأويل» ورمبا كذلك «التفسير» .فاحلديث النبوي الشهير بـ «حديث ال ُرو ْيبضة» يوضح من هو ذلك املسلم ،الذي يكتفي باملبادئ واجلمل والشعارات العامة ،مهمال ما ميس اخلصوصيات التي تهم الناس ،وتصنع جانبا هاما من تاريخهم(.)4 نصل اآلن إلى نقطة دقيقة من مسألة «التعددية «في األصل اإلسالمي (القرآن والسنة) ،وتظهر في مستويني اثنني .فاملستوى األول فيفصح عن نفسه بصيغة العالقة بني املذاهب املختلفة في اإلسالم نفسه كمنظومة من املبادئ واالعتقادات وسواه من املنظومات الدينية وغير الدينية .ها هنا نواجه وضوحا مقطوعا به حني يعلن القرآن ان الله ذاته لم يشأ أن يجعل «الناس أمة واحدة» مببادئ عامة واحدة وبأفهام متماثلة ومبصالح متطابقة .ويقدم فخر الدين الرازي تعليال دقيقا وطريفا لهذه «املشيئة الربانية» ،فيقول: «لو كان القرآن محكما بالكلية ،ملا كان مطابقا إال ملذهب واحد ،وكان تصريحه مبطال لكل ما سوى هذا املذهب .وذلك ما ينفر أرباب املذاهب عن قبوله والنظر فيه»( .)5ونحن نرى تلك االختالفات ضمن اإلسالم ذاته ماثلة في مصدرين اثنني ،واحد معرفي يتجسد في درجة التقدم املعرفي العلمي لدى الشخص
املسلم صاحب العالقة؛ وآخر يتجلى في املصالح االقتصادية والسياسية واالجتماعية وغيرها في حياة هذا األخير. أما املستوى الثاني فيعلن عن نفسه في العالقة بني اإلسالم وغيره من األديان واملذاهب .فإذا كان املستوى األول يتعلق بالنسق الواحد ذاته بحيث يظهر حوارا مع الذات ،فان املستوى الثاني هو مبثابة حوار بني الذات واآلخر .وهنا يلح القرآن على أن ما يحتكم الناس إليه وهو العقل ،هو نفسه املعيار املنهجي ملصداقية «اآلخر» .وبذلك تبرز الدعوة حلوار عقلي مع اجلميع للوصول إلى «كلمة سواء» تلتقي عندها األطراف املتقاطبة .فمعرفة االختالف واإلقرار به ميثالن مدخال إلى احلوار ،على أساس من الندية الغي» ،يغدو لزاما واالحترام .وحني يظهر «الرشد من ّ على اجلميع أن يقروا بالنتائج الصائبة ويدفعوا بها إلى األمام في سبيل تقدم البشرية ومنائها .وملا كان التقدم في العلم واملعرفة مفتوحا ،فقد تعينّ على من قارب الصواب واحلقيقة في مرحلة أو حلظة ما من التاريخ أن يدقق ثانية في مواقعه عمقا وسطحا؛ إذ لعلها أو لعل بعضها قد جرى جتاوزه وغدا غير قادر على االستجابة ملقتضيات ذلك التقدم دومنا عنت أو تشدد أو ممانعة؛ ذلك ألن «احلكمة ضالة املؤمن» في ضوء مبدأ تغ ّير األحكام بتغير األزمان. وإذا م ّيزنا بني «اإلسالم» و«الفكر اإلسالمي» فقد تعينّ على منتجي هذا األخير من مفكرين وفقهاء ومجتهدين أن يكونوا أكثر تواضعا في إنتاجهم الفكري .إذ كما كان أسالفهم رجاال ،فهم كذلك رجال ال يصح وضعهم فوق الشك املعرفي والنقد واملراجعة. بل هنالك من يرى ضرورة النظر العقلي النقدي لكل ما يصدر عن «الدين» و«الفكر الديني» بهدف التعميق أوال ،وتقريبه من اآلخر بكيفية عقلية مرنة ثانيا .لكن واقع احلال التاريخي يقدم صورة تختلف، بقدر أو بآخر ،عن ذلك املطلب التاريخي النقدي. فقد نشأت أوضاع اجتماعية وسوسيوثقافية وأخالقية ومعرفية أسهمت في تراجع اإلبداع العقلي في النظر إلى العالقة بني األحادية والتعددية .وكان ذلك مبثابة التأكيد املضخم على األحادية على حساب التعددية؛ ما أوقف عملية ضخ الدماء النقية واالستفزازات احملفزة على التجدد وإعادة النظر والبناء :لقد رفض االختالف في الرأي ضمن اإلسالم ذاته ،وترهل احلوار بني اإلسالم واآلخرين من دعاة التيارات السوسيولوجية والفلسفية واألخالقية؛ بل لعله حتول أحيانا إلى صراع مفتوح قطفت ثماره العجفاء نخب فقهية دينية وأخرى علمانية ،حيث حولته إلى فزّاعة في وجه القوى املستنيرة احل ّية في األوطان. وكذلك ثمة مسألة ذات مساس مباشر وعميق مبحور العالقة بني األحادية والتعددية في اإلسالم ،أال
وهي مسألة القراءات املتعددة أو التعددية القرائية. فمن موقع كون النص القرآني قائما في بنية تستدعي التأويل في أحوال غير ضئيلة بل نطالب كذلك بالتوجه إليها تأويليا كي تُفهم مقاصدها الدقيقة( ،)6فان احتمال وجود عدة قراءات ملسألة واحدة أصبح واردا. وقد اشرنا في ما سبق إلى أن تلقف النص القرآني لدى قارئه يتم عادة عبر قناتني اثنتني على األقل، هما قناة املستوى الفهمي املعرفي؛ وقناة املصالح التي تس ّوغها اإليديولوجيا ،إضافة إلى القناة التي يظهر فيها املستوى النفسي واألخالقي واألثني. في هذه احلال يصح القول أن القراءات كلها، التي تنطلق من اإلسالم ويعلن أصحابها انتماءهم له ،متتلك حدا معينا من الشرعية النصية؛ مبعنى أنها جتد في اإلسالم عموما وفي النص القرآني بنحو خاص مرجعيتها .وهنا ال تصح املفاضلة بينها. لكن تلك القراءات إذا ما وضعت في مستوى النظر االبيستيمولوجي (املعرفي التأسيسي) ،فإنها جتد نفسها أمام السؤال اآلتي :أيها لديه القدرة على حتقيق االستجابة لشروط التقدم العلمي واملعرفي، وكذلك في صعيد االستجابة حلياة الناس املادية االقتصادية والسياسية واالجتماعية وغيرها؟ ها هنا جند أنفسنا أمام سؤال املصداقية املعرفية واالجتماعية التاريخية .وهنا تبرز األفضلية بني تلك القراءات، وإذا قلنا أن اقل هذه األخيرة استجابة لتلك املصداقية هي التي ترفض التعددية لصالح أحادية ْ قطع ّية وحيدة اجلانب ومفعمة بالتكفير والتشدد ورفض التسامح، فيما أن أكثرها استجابة للمصداقية املذكورة هي التي تنظر لألحادية والتعددية من حيث هما وجهان مؤسس على العقل واحترام اآلخر اثنان ملوقف واحد ّ من كل األطراف ،وعلى التسامح والدعوة املفتوحة حلوار عقالني دميقراطي مستنير( )7وجها لوجه أمام السؤال احملوري اآلتي :إذا كان اإلسالم على ذلك النحو ،أي يتضمن إمكانية أن ُيقرأ مبقتضى مبدأ تؤسس التعددية القرائية أوال ،وبإقرار بوجود «قراءة ّ على شرائط الدعوة لالعتراف باآلخر ،ثانيا ،بكل ما يستدعيه هذه االعتراف من املساواة ،وبتأكيد أولوية القراءة العقلية املنغمسة في مصالح البشر املتغيرة ثالثا ،ويفتح باب املشاركة في إنتاج هذه القراءة من قبل الالحقني كما هو احلال بالنسبة إلى السابقني رابعا ،وباحترام اخلالف واالختالف مع ذوي العقائد الدينية والوضعية األخرى خامسا؛ نقول: إذا كان األمر كذلك ،فان املجازفة بالقول بان هذا اإلسالم ،على األقل ،ال يقف عثرة في وجه اثنني من استحقاقات املرحلة العربية واإلسالمية الراهنة ورمبا كذلك ما يأتي بعدها من مراحل .أما االستحقاق األول فيتمثل في الدعوة إلى الدميقراطية ،مبا تنطوي عليه من مبادئ احلرية والتداول السلمي للسلطة
وتكوين مجتمع سياسي ومدني متسم بحراك سياسي وثقافي مفتوح .ويأتي االستحقاق الثاني ليفصح عن نفسه بصيغة الدعوة إلى العقالنية واحلداثة واملشاركة العاملية في صوغ عالم إنساني جديد. ِ مجتمعا يدعو إلى القول بان هاجس إن ذلك التنوير واالستنارة كامن في نسيج اإلسالم املذكور. ْ فبأخذه بالتعددية واحلرية املفتوحة املضبوطة ،إضافة إلى تأكيده إنسانية اإلنسانية واحترامها والدفاع عنها ضمن رؤية منغمسة في األرض كما في السماء .في ذلك كله ما يدعونا إلى اخللوص الستنباط أولي حاسم، هو أن اإلسالم املقروء على هذا النحو املتقدّ م إمنا هو أيديولوجيا تنويرية ال جتد غضاضة في التشارك مع اآلخرين ممن يحملون هذا املوقف ويدافعون عنه(.)8 هوامش وإحاالت 1ـ فهمي جدعان ـ أسس التقدم عند مفكري اإلسالم في العالم العربي احلديث ،بيروت ،1979ص 46ـ .50 2ـ انظر جاك بيرك ـ حينما كنت أعيد قراءة القرآن ،ترجمة وائل غالي ،ضمن مجلة (القاهرة ،سبتمبر/أيلول ،1995 ص.)34 3ـ تاريخ الطبري ـ جزء ،5دار املعارف مبصر 1963 ص .66 4ـ جاء في االعتصام للشاطبي (تعريف محمد رشيد رضا بجزئني ،اجلزء الثاني ،مصر ،ص ( 173ـ :)174إن يصدق فيهن النبي (ص) قال« :قبل الساعة سنون خداعاَّ ، َّ ويكذب فيهن الصادق ،ويخ َّون فيهن األمني ،ويؤمتن الكاذب اخلائن وينطق فيها الرويضبة ـ قالوا هو الرجل التافه احلقير ـ في أمور العامة». 5ـ فخر الدين الرازي ـ تفسير ،اجلزء الثاني ،ص .107 وفي هذا السياق ،يرى طه حسني انه «ال غرابة في أن تختلف مذاهب القوم في القرآن باختالف املوضوعات وباختالف املقامات أيضا ،إمنا الغرابة في مذهب واحد»( .طه حسني :مرآة اإلسالم، ط ،4القاهرة ،ص .)105ولعلنا نورد في هذا احلقل ،أن عليا بن أبي طالب كان يأخذ على الصحابي ابن عباس انه يحاجج خصومه (أي خصوم علي من اخلوارج) بالقرآن ،ويدعوه إلى غير ذلك« :فخاصمهم وال حتاججهم بالقرآن فانه ذو وجوه ولكن خاصمهم بالسنة»( .ضمن السيوطي ـ اإلتقان في علوم القرآن، بيروت ،1979ج ،1ص .)51 6ـ يتضح ذلك خصوصا من «آية التأويل» التي يبرز التأويل فيها ذا طابع إشكالي بسبب االختالف في إعراب حرف «الواو» فيها :ال يعلم تأويله إال الله والراسخون في العلم يقولون آمنا» انظر حول ذلك :طيب تيزيني :النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة ـ دمشق ،دار الينابيع ،1997ص235 ـ .261 7ـ انظر كيفية تص ّير الشريعة معرفة مؤرقة حافزة على التقدم عموما. 8ـ De Boer - Geschichte der Philosophie .im Islam, Stuttgart 1901, s.40 9ـ انظر في ذلك :طيب تيزيني ـ بيان في النهضة والتنوير ـ دار الفارابي2005 ،؛ وكذلك مقالة Kantالشهيرة بعنوان .Was ist Aufklärung:
األستاذ الدكتور طيب تيزيني www.ibn-rushd.org/forum/Tisini.htm
7
بحث
جيران على كوكب واحد ضرورة معرفة االنسان الخيه االنسان كشريك لبناء االرض التخلي عن مسؤوليتنا في القرية الكونية خرق لوثيقة الجوار مع أن هذه احلقيقة واضحة في كتاب الله وهدي األنبياء ،لكنها لم تكن واضحة على األرض في أي مرحلة من مراحل التاريخ كما هي اليوم ،بعد ثورة املعلومات واالتصاالت التي عززت فكرة القرية الكونية ،وأكدت إخاء اإلنسان لإلنسان على الرغم من إرادة احلرب الباطشة التي تتناوب على إشعالها في األرض قوى متقابلة في الشر من الشرق والغرب والشمال واجلنوب ،ولكن أدنى قدر من الثقافة صار يدعو اإلنسان إلى معرفة أخيه اإلنسان شريك ًا ال بد منه لبناء األرض وتسخير خيراتها في منافع العباد والبالد. جيران على كوكب واحد حقيقة أكدها القرآن الكرمي« :يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوب ًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير »،وشرحها السيد املسيح بقوله «اإلنسان أخو اإلنسان أحب أم كره»، ودلت لها حقائق العلم احلديث التي درست طبائع اإلنسان وحاجاته ومقاصده وأكدت األصل القرآني الكبير الذي دلت له عشرات اآليات :فطرة الله التي فطر الناس عليها ال تبديل خللق الله ،وكل مولود يولد على الفطرة ،أو كما مت التعبير عن هذه احلقيقة في مؤمتر األديان األخير بعنوان عريض :أسرة واحدة حتت الله! الناس وفاقيون وفروقيون ،منهم من يبحث عن املشترك ومنهم من يبحث عن املختلف ،ومن عجائب القدر أن ك ًال من الفريقني يجد بغيته وشواهده في العقل والنقل ،وال يخفي كاتب هذه السطور انحيازه إلى تيار الوفاقيني الذين يؤمنون باإلخاء اإلنساني في األرض ،ويؤمنون بأن الله خلق العالم من أجل 8
نهاية سعيدة ،ويؤمنون بكلمة إقبال: لم ألق في هذا الوجود سعادة كمحبة اإلنسان لإلنسان ملا سكرت بخمرها القدسي لم أحتج إلى تلك التي في احلان وعلى الرغم من اختالف األعراق واألديان والثقافات ولكن احلقيقة التي تؤكدها جتارب التاريخ شرحها من قبل الشاعر العربي بقوله: والناس للناس من عرب ومن عجم بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
وهذه احلقيقة هي التي شرحها الصوفي العارف بقوله :الناس للناس والكل بالله. اجلميل كاسمه ،واملعروف كرسمه ،واخلير كطعمه، وهي حقائق شرحها نص نبوي كرمي رفعه الرسول إلى ربه :ليس كل مصل يصلي وإمنا أتقبل الصالة ممن تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارمي وآوى الغريب ورحم املصاب وكسا العريان. إن فعل اخلير كاملسك ينفع حامله وبائعه ومشتريه ،ولو أن تلقى الناس بوجه طلق ،وغفر الله لبغي من بغايا بني إسرائيل رأت كلب ًا يلحس الثرى من العطش فنزلت ً بئرا فمألت خفها ماء فسقت الكلب فشكر الله لها فغفر لها. وما ألحد عنده من نعمة جتزى إال ابتغاء وجه ربه األعلى ولسوف يرضى. جيران على كوكب واحد حقيقة شرحها النبي الكرمي بقوله( :ما من مسلم يغرس غرس ًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إال كان له به صدقة)، وشرحتها نصوص القرآن الكبيرة الظاهرة( :فمن ً خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة يعمل مثقال ذرة ً شرا يره). وحني مضى التعصب إلى غايته في منع اخلير عن املختلف في املذهب أو الدين أو السلوك راح النبي يضرب لهم أروع األمثلة من األفق اإلنساني البعيد: قال رجل ألتصدقن الليلة بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبح الناس يتحدثون: تصدق على زانية! فقال :اللهم لك احلمد على زانية! ألتصدقن الليلة بصدقة ،فوضعها في يد غني فاصبحوا يتحدثون :تصدق على غني! قال:
اللهم لك احلمد على غني! ألتصدقن الليلة ،فخرج فوضعها في يد سارق ،فأصبحوا يتحدثون :تصدق الليلة على سارق! فقال :اللهم لك احلمد على زانية وعلى غني وعلى سارق. وهنا أخبر النبي الكرمي أن الرجل أتي (أي أوحي إليه) فقيل له :أما صدقتك فقد قبلت، وأما الزانية فلعلها أن تستعف بها عن زنا ،ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله ،ولعل السارق أن يستعف بها عن سرقته. وهنا أختار لشرح هذه احلقيقة عند أهل الله كالم العارف الكبير أبي احلسن النوري حني سأله حيران بن األضعف فقال :يا معلم :ما مراد الله من خلقه؟ أجاب ً فورا :ما هم عليه! قال مندهش ًا :أو يريد من الكفرة الكفر؟ قال أفيكفرون به وهو كاره؟ ثم قال :أخبرني ماذا أراد الله باختالف الشيع وتفريق امللل؟ قال أراد إبالغ قدرته وبيان حكمته وإيجاب لطفه وظهور عدله وإحسانه. وكل قبيح إن نسبت حلسنه أتتك معاني احلسن فيه تسارع
الناس على دين ملوكهم فكرة استبداد وقهر تنتمي الى عصر االباطرة والقياصرة وليس الى عصر األنبياء
يكمل نقصان القبيح جماله فما ثم نقصان وال ثم باشع إن إحساسي بإخاء اإلنسان لإلنسان لم يكن نتيجة قراءة سياسية ،فأنا معك متام ًا أن عصر احلروب الكولونيالية السابق واحلروب األمريكية اليوم ال تترك مجا ًال لتفكير كهذا ،ولكن ذلك في احلقيقة كان نتيجة التأمل في مشهد واحد ال يزال يرتسم في خاطري مذ عرفت الله ،وهو يقيني بروحه سبحانه التي ينفحها كل يوم في روح اإلنسان، وميينه سبحانه التي مسحت جبني خلقه ،ويوم حشد املالئكة في مشهد عظيم ،وقدم للجمهور الكبير في املأل األعلى مشروعه في األرض املسمى آدم، ً ً ونورا من نوره ،وأمر املالئكة جميع ًا سرا من سره، أن يخروا له ساجدين ،لم يكن آنذاك نبي وال
كتاب ،وال وحي وال شريعة ،ولكن اإلنسان كان مح ًال للتكرمي ،وعلى اإلنسان أن يكتشف سره في ذاته ،متاما كما عبر إقبال على لسان آدم: إن سري ...يوم نادى مهرجانه أمر الكل فخروا ...فحباني صوجلانه! وحني يعتز اإلنسان مباضيه املجيد في حضن املأل األعلى ،ال يرى في هبوطه من السماء إال ً استمرارا لرسالة شريفة خلق من أجلها ،وهي أن ميأل العالم بالعبادة واحلب ،فيسأل في مترد: ما الذي تفعله العباد في قصر السماء؟ بني سجاد وريحان وبخور وماء؟ هم من اخللد سكارى وأنا أحفر حلدي ً شريدا أعصر الصخر لوحدي أحمل الدنيا أنا ملا أعبد الله بحرماني وجوعي لن ترى في املأل األعلى كمثلي في خضوعي قل ملن يسأل عني أنا شيخ احلضرتني إن ً عبدا لوعته األرض عبد مرتني إن فكرة اجلوار اإلنساني على الكوكب ليست فكرة بلهاء تعفينا من التزام احلقوق ،وحتولنا إلى مجرد دراويش على طرف الكوكب نرقص في الغسق، ونهز الرؤوس في الضحى كعنزة الزمخشري إلرادة املستبد ،بل هو تشارك ومسؤولية ،وكفاح وجراح، ودمعة وابتسامة ،وحني نتخلى عن مسؤوليتنا في القرية الكونية فنحن إذن من يخرق وثيقة اجلوار، ورمبا كان أوضح شرح ملسؤولية اجلوار ما عبر عنه الرسول الكرمي :مثل القائم في حدود الله والراتع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعالها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا املاء مروا على من فوقهم ،فقالوا لو أننا خرقنا في نصيبنا خرق ًا فلم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميع ًا وإن أخذوا على أيديهم جنوا وجنوا جميعا. جيران في كوكب األرض ،عنوان كبير حلقائق في األرض تتعزز كل يوم ،ويكتشف اإلنسان كل يوم أنه أحوج ألخيه اإلنسان من ذي قبل ،وأن فكرة صبغ البشرية بلون واحد ،وأن الناس على دين ملوكهم هي فكرة استبداد وقهر تنتمي إلى عصر األباطرة والقياصرة ،وليس إلى عصر األنبياء الذين بشروا في األرض بقول الله تعالى :لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاج ًا ،ونادوا في العالم بحقيقة عميقة بعيدة الغور :ولو شاء ربك آلمن من في ً جميعأ أفأنت تكره الناس حتى يكونوا األرض كلهم مؤمنني؟
د.محمد الحبش عن موقع مركز الدراسات االسالمية
نحو حوار جاد وصريح مع نهاية احلرب الباردة مطلع تسعينات القرن املاضي مت تسليط الضوء على اإلسالم كعدو بديل محتمل، خاصة اثر بروز الكثير من املنظمات االسالموية التكفيرية املتطرفة في بقاع متمايزة من العالم .وفي ظل تفاقم ذلك التجاذب اصطدم املسلمون في اوروبا على واقع مغاير المس الكثير من تفاصيل حياتهم اليومية .وسرعان ما انبثقت جلان وافكار ومنظمات تعمل على تقدمي االسالم احلقيقي للغربيني، في محاولة جادة لفتح بوابة التفكير والوصول الى مساحات مشتركة بني كل االديان كخطوة اساسية للعيش املشترك. سلسلة طويلة من االجنازات حتققت، وثمة الكثير من العمل املشترك الذي ينتظر ترجمة حتقيقه ،خصوصا بعد شيوع اإلرهاب ووصوله إلى أوروبا وتورط فيها افراد من اجليل الثاني للجالية املسلمة الذين ولد في اوروبا واستقى العلم من مدارسها ،مما يعني فشل جوانب من مشاريع االندماج ..وتأكيد الشعور بالتهميش وااللغاء. تفعيل العمل املشترك وتطويره ليصل إلى مستوى احلوار اجلاد والصريح، وحتديد مجاالت عمل واضحة تسعى إلى مواجهة املشاكل املزمنة والعميقة، وتوسيع دائرة األنشطة لتشمل أكبر شريحة من املسلمني ،مبا يساهم في دمجهم مع اجملتمع االوروبي واخراجهم من حالة التجاهل واالنعزال والعيش على هامش اجملتمع ..باعتبارها اخلطوة االهم في محاربة االرهاب واحلد من العنف والتطرف والتخلي متاما ً عن نظرية احلق املطلق مقابل الباطل املطلق. ولعل من الضروري القول ان االسالم املتنور والعقالني هو اول ضحايا االرهاب.. واكثر املتضررين من نتائجه ،فليس باالمكان قطف ثمار املوت من شجرة احلياة. المحرر 9
دراسة
«التنوير العربي» ما مصيره؟ لم يشكل التنويريون تيارًا مترابطًا يرتكز على انتاج معرفة جديدة مهد القرن الماضي بخطوة او بعدة خطوات للتنوير المقبل هل هناك تنوير عربي؟ هل فشل هذا التنوير؟ ما هذا النكوص إلى مزيد من اجلهل ،والتعصب، والتزمت في الثقافة العربية؟! كل هذه التساؤالت القلقة تقفز إلى ذهني كلما ت اجلهود التي قام بها بعض املثقفني العرب في تذكر ُ القرن التاسع عشر ،وهذا ما يجعلنا بحاجة إلى تتبع تاريخي ملرحلة مهمة في الثقافة العربية ،خاصة في مصر التي كانت مركز احلراك الثقافي العربي .ولعل األرضية التي أسست ألفكار كثير من املثقفني العرب تهيأت مع احلملة الفرنسية (نابليون) إلى مصر؛ ما نتج عنه اختراق أفكار الثورة الفرنسية لبنية الفكر العربي ،كما تشير الباحثة فهم ّية شرف الدين. صحيح أن هناك محاوالت إصالحية لكثير من املثقفني الرواد أمثال الطهطاوي ،واألفغاني ،ومحمد عبده ،والكواكبي ،وجورجي زيدان وغيرهم ،لكنها لم ً كثيرا بعدهم؛ حيث لم تتماسك احملاوالت تستمر التنويرية لبعض املثقفني واملبدعني العرب في فترة الحقة ،ومنهم طه حسني ،وسالمة موسى ،ومحمد حسني هيكل ،وأحمد أمني ،وأحمد لطفي السيد، وجنيب محفوظ ،وغيرهم. ومن حق أولئك املثقفني أ ّال نبخسهم جهودهم التي قدموها في سبيل االرتقاء بالثقافة العربية رغم السلبيات .ولكن من املهم أيض ًا أن َ ينظر لتلك اجلهود داخل سياقها التاريخي؛ فليس منطقي ًا أن نحكم بالفشل على بدايات جتربة «التنوير» العربية التي لم تتضح لنا متام ًا ،ولم تستمر ،ولم تكتمل ،إذ كانت اجلهود أشبه بالفردية ،فلم ّ يشكل التنويريون ً تيارا مترابط ًا يرتكز على إنتاج معرفة جديدة انطالق ًا من توجهات فلسفية .فالقاسم املشترك بني كثير منهم هو تأثرهم بالثقافة الغربية ،خاصة الفرنسية، وبالتالي بفلسفة األنوار األوروبية .إال أنهم لم ميارسوا 10
القطيعة املعرفية التي تؤدي لنقد عميق لإلرث الثقافي وشوائبه ،على الرغم من جهود بعضهم في الترجمة، وفي محاولة إدخال وتطبيق بعض املناهج الفلسفية على بعض جوانب الثقافة العربية ،مثلما فعل الدكتور طه حسني في كتابه «في الشعر اجلاهلي» مستفيدا من املنهج الفلسفي ّ ً الشكي (الديكارتي)، إذ كانت جتربته تلك مبثابة هزة قوية لبعض مس ّلمات
ليس من المنطقي ان نحكم بالفشل على بدايات تجربة التنوير التي لم تتضح تماما ولم تكتمل بعد
التراث ،ولكن األمر آل إلى مصادرة الكتاب ورفع قضية ضد صاحبه انتهت «بحفظ األوراق إداري ًا» بطلب من رئيس نيابة مصر! اتبع كثير من املثقفني بشكل ملحوظ أسلوب االقتراب من اخلطاب اإلسالمي بطرح املوضوعات اإلسالمية ،ومن أولئك :طه حسني ومحمد حسني هيكل وأحمد أمني وعباس محمود العقاد وغيرهم ،ما خلق أزمة في التوجه الفكري لديهم .ويشير الباحث األملاني (يورغن فازال) إلى جدل بني بعض الباحثني فسرها بتخلي الغربيني حول هذه األزمة :فهناك من ّ
املثقفني الليبراليني عن قيمهم «التقدمية» التي يتبنونها ،واتخاذهم موقف ًا (إسالمي ًا) رومانسي ًا غير واضح املعالم .غير أنّ هناك من عارض هذا الرأي ً مشيرا إلى أن موقف املثقفني الليبراليني لم يتغير، حيث إن املؤلفات ذات الصبغة اإلسالمية لبعض املثقفني لم تكن موجهة للنخبة املثقفة بقدر ما كانت إرضاء لذوقهم ،وكذلك تفادي ًا موجهة لعامة الناس ً لردود األفعال الرسمية والشعبية كالتي حدثت لعلي عبد الرزاق أو طه حسني ،معتبرين أن تلك االجتاهات فرضتها حاجة املجتمع والوضع السائد آنذاك .ولكن هناك حتوالت أخرى ،اقتصادية واجتماعية وسياسية، أ ّثرت على املجتمع املصري عامة ،ومنها تنامي حركة اجلماهير املعتمدة على احلماسة والعاطفة ،فتحول توجه بعض املثقفني من الصالونات األدبية ودوائر النقاش إلى «الشارع» بعد أن ظهرت حاجة املجتمع املتزايدة إلى هوية مخالفة للنموذج الغــربي الذي كرس ـ في املرحلة االستعمارية ـ صورة املغتصب واملناقض للدين والقيم العربية ،فكان مشروع الهوية «اإلسالمية» مرشح ًا للبروز في ظل تنامي التوجهات السلفية ،فأصبحت جماعة «اإلخوان املسلمني» في أربعينيات القرن املاضي من أهم عوامل التأثير االجتماعي والسياسي في مصر. ولكن احملك الرئيس يكمن في املثقف ذي التوجه التنويري ،حيث لم يستطع (التحول) إلى أسلوب جديد أكثر فاعلية ليقوم بدوره الثقافي في ظل هذه التغيرات ،فالصفة «النخبوية» والدور «الطليعي» املتوهم بقيا في الذهن فنتج عن ذلك ازدياد العزلة واالنسالخ ،فتعمقت الهوة بينه وبني املجتمع لعقود، وخاصة بعد تغير األنظمة السياسية بفعل االنقالبات العسكرية املسماة بـ «الثورات» العربية ،حيث توجه كثير من املثقفني العرب إلى الفكر اليساري ،فكانت
«األصولية» اإلسالمية مستمرة في أخذ موقعها كبديل أيديولوجي .وازداد هذا الشعور بعد الهزمية العربية في حرب 67التي أحدثت فراغ ًا وجداني ًا ت فكرة الهوية اإلسالمية جماهيري ًا ،وبالتالي من ْ لصالح بعض جماعات «اإلسالم السياسي» فتمكنت من التغلغل في املؤسسات والنقابات املهنية .وبعد تنامي نشاط اجلماعات اإلسالمية وسيطرتها على عقول كثير من أفراد املجتمع، وتهديدها ملوقع السلطة السياسية في مصر وغيرها، تطورت األمور إلى إلصاق وصف «إسالمي» بكثير من مجاالت احلياة االجتماعية ،فأصبح من السهل حتويل أي خالف اجتماعي أو سياسي ،إلى خالف ديني؛ وبذلك لم يبق مكان للنقد الذاتي اإلسالمي، فظهر التعصب والتطرف في املجتمع بشكل واضح، حتى إن بعض السلطات السياسية بدأت تزايد على التمسك بالدين فتستعمل قوتها ملعاقبة منتقدي الفكر الديني بصرف عن النظر عن (السلبيات) في طروحاتهم. فبخالف قضايا أخرى ـ كإهدار دم نصر حامد أبو زيد ،وطعن جنيب محفوظ ـ جند مث ًال أن قضية سجن الكاتب املصري عالء حامد ثمان سنوات، سبقها حملة ضد الكتاب مدعومة من األزهر. وعندما تأخرت الداخلية املصرية في تصديق احلكم دعت السلطات العليا إلى تنفيذ احلكم صراحة .أما اغتيال الكاتب فرج فودة عام ،92فقد قابله تأييد من قبل الشيخ محمد الغزالي ،إذ أكد أن (مثل هذا الشخص يستحق عقوبة اإلعدام التي يتوجب على الدولة تنفيذها ،وعندما ال تقوم الدولة بتنفيذ العقوبة ويقوم أحد املواطنني بأداء هذه املهمة ،فال يوجد في اإلسالم عقوبة على هذا الفعل)! يتضح لي أنّ أوضاع املثقفني العرب في أواخر القرن العشرين ،وبدايات احلادي والعشرين ،لم تكن أفضل حا ًال من أوضاع نظرائهم في القرن التاسع عشر إنْ لم تكن ازدادت ً سوءا .ولذا أقول :إنّ التنوير ً العربي لم ِ ينته ولم يفشل؛ ألنه لم يبدأ أصال! فاملئة مهدت سنة املاضية ،بكل جهود مثقفيها ،قد تكون ّ للتنوير ـ سواء بخطوة أو بعدة خطوات ـ لكنها بالتأكيد غير كافية .وعلى الرغم مما نشهده من طروحات نقدية لبعض املفكرين العرب املبنية على املناهج العلمية احلديثة .فمعركة التنوير مع اجلهل العربي حتتاج ـ عدا اجلهد والتضحية ـ إلى الكثير من الوقت!
ينشط «املنبر الدولي للحوار االسالمي» في لندن منذ سنوات بتطوير منهج لدورة تدريبية تستهدف الشباب املسلم في الغرب والعالم االسالمي حتت عنوان «النجاح في عالم مضطرب» .معتمدا على خبراء في مجاالت حديثة لتطوير الذات. بدات الفكرة بالتدريب على عدة مهارات اساسية لتطوير القابليات الفردية في العمل والتفكير ،ثم حتولت في العام املاضي الى دورة متكاملة لتشكيل نظرة جديدة للنفس واحلياة ودور الفرد في «عالم مضطرب» عبر التركيز على ستة مفاتيح اساسية الدارة الذهن ،مفاهيميا وعمليا. نظمت الدورة ،بنسختها اجلديدة ،عدة ورشات تتبنى صيغة املشاركة الفعالة في عدة دول عربية ،وستواصل جولتها في بلدان اخرى حتى كانون الثاني/يناير من العام املقبل حيث تقيم اول ورشة موسعة لتدريب املدربني في الشرق االوسط ،ببيروت . ولكن ..هل ميكن فعال «النجاح» في هذا «العالم املضطرب» الذي نعيش فيه؟ رمبا يعتمد ذلك على تعريف «النجاح» وعلى ادراك «االضطراب» ومداه في العالم اليوم .اي جناح؟ في العمل -في املوهبة؟ في احلياة اخلاصة؟ ام في املسيرة العلمية؟ واي عالم؟ بلدي؟ منطقتي؟ محيطي الثقافي؟ ام محيطي املذهبي؟ ام العالم كما يتم تعريفه باملصطلحات احلديثة عبر «العوملة» حيث الكل يعيش في قرية صغيرة يؤثر ويتاثر ،طبعا على قدر السلطات التي ميلكها؟ رمبا تختلف التعريفات وقد تتباين في ترتيب االولويات ،لكننا ننطلق من املتفق عليه. ونحرث معا ،عبر صيغة الورشات التشاركية ،ارض اذهاننا وانفسنا ،ما شكلها وما اثر وما يؤثر فيها .نقوم بذلك مستفيدين من اخر ما توصلت له املعرفة االنسانية في مجال التعرف على النفس وادارة الذهن ،ونتميز مبقاربة خاصة للمكون الديني في اذهاننا مشددين على مركزية الوحي في االديان. العالم الذي نعرفه «باملضطرب» هو عاملنا االنساني الذي يتداخل مع عاملنا اخلاص بشكل ال مفر منه ،ويتجلى اضطرابه في فنت ومشاكل ال تخفى. نتعلم في الدورة التدريبية املتقدمة «للمنبر الدولي للحوار االسالمي» كيف نعيد التوازن الى نظرتنا الى انفسنا ،والقيمة حلياتنا ووقتنا احملدود كافراد على هذه الكرة االرضية ،كيف نعي ونحرك املعادلة الصعبة بني احلياة والدين .كما نفكك الدوائر الثالث املتداخلة التي نتحرك فيها (النفس ـ احمليط ـ والعالم) ونرسم النفسنا ـ الثقاقية (مبكانها داخل ومع اجلماعة) دورا جديدا يعي حقائق وارقام التاريخ واجلغرافيا وليس اوهام عقد املركزية في الكون او الشعور بالدونية. ولعل السؤال الذي يبرز جليا ً هو :هل ميكن النجاح في عالم مضطرب؟ نعم ،ميكن ادراك املعادالت التي تعزز الفرص في معرفة النفس واالخر والبحث ما بينهما عن دور واقعي ينجح في حتقيق اهدافه.
سعود البلوي
هاجر القحطاني
صحيفة «الوطن» السعودية
النجاح في عالم مضطرب
مديرة البرامج ـ المنبر الدولي للحوار االسالمي
7آذار (مارس) 2008
11
مقابلة
خالد أبو الفضل: نحن بحاجة إلى ثورة فكرية! ليس من مهام الدولة تحديد العالقات بين اهلل والمؤمنين اظهر الدين مرونة هائلة فيما يتعلق بحياة المسلمين كأقلية خالد أبو الفضل مفكر إسالمي معاصر يعيش في اميركا ،وأحد مشاهير رجال القانون املسلمني األميركيني ،لديه تفسيرات حديثة ومعاصرة لعالقة الدين باحلضارة الغربية املعاصرة .مونيكا يونغ منيب تعرفنا به ليس هناك أمل في حتقيق الدميقراطية في الشرق األوسط وال في اندماج األقلية املسلمة في املجتمعات الغربية بدون ثورة فكرية تستمد من امليراث التاريخي لإلسالم .فكما يقول خالد أبو الفضل ـ أحد مشاهير رجال القانون واحملامني املسلمني األمريكيني ـ إن هذا امليراث يكمن في املقام األول في اإلعتراف بثراء اإلسالم في تعدد طرق التفسير وممارستها. ويوضح أبو الفضل ما املقصود باملرونة في التأويل من خالل تفسيره العصري للقرآن ،حيث يرى أن مبدأ احلاكمية اإللهية ـ حيث يعتبر االسالم أن الله هو احلاكم الوحيد وأنه هو السلطة املطلقة ـ اليستبعد الوساطة البشرية .ومع أن القرآن لم يفرض نظاما معينا للحكم إال أنه وضع بعض األسس االجتماعية والسياسية مثل العدالة والرحمة والتسامح ،وسن الشورى كأساس لنُظم احلكم غير االستبدادية. وتعتبر الدميقراطية الدستورية التي حتافظ على احلقوق الفردية ـ من وجهة نظره ـ قوة كبرى تنمي هذه القيم .وألن الدميقراطية تساوي بني جميع الناس في احلقوق السياسية ،فهي برهان على املكانة اخلاصة لالنسان بني املخلوقات االلهية ،كما أنها متكن االنسان من حتمل املسؤوليات .ويرى هذا 12
التعرض للمدنيين باألذى يتناقض صراحة مع الشريعة اإلسالمية حتى لو كان من أجل تحرير الوطن املفكر أن الطاعة العمياء للسلطة البشرية كالتي يفرضها احلكم الدكتاتوري ال مكان لها في احلياة الدميقراطية. نقاط خالف :الدين والدولة
ونقطة اخلالف حول جوهر نظرية أبو الفضل تكمن في أن الشريعة ـ أي القانون السماوي ـ ليست مجموعة قوانني أخالقية ،بل أنها دستور إلهي يشمل مبادئ ومناهج تهدف إلى حتقيق املثل
السماوية العليا .ويضيف قائال: «ميكننا أن نتناقش حول إرادة الله ما شئنا، وأنا أشجع املسلمني على تلك املناقشة وعلى أن يكتشفوا إرادة الله .وعندما نقبل قانونا وتقوم الدولة بتطبيقه فإن ذلك اليعني أنه ميثل إرادة الله .وإذا منحنا الدولة السلطة أن تنوب عن الله فإن ذلك اليعتبر دميقراطية ولكنه شكل من أشكال األيديولوجية ،وهذا يتعارض مع الشريعة اإلسالمية ألن الله ليس له شريك يكافئه».
مشاكل اندماج المسلمين مع المجتمعات االوروبية كانت ثقافية ولهذا ينبغي أن تشمل الشريعة املسائل العقائدية التي ال تكون خاضعة للدولة .كما أنه ليس من مهام الدولة حتديد العالقات بني الله وبني املؤمنني. الدولة والحجاب
و ُيعد أبو الفضل من رواد احلركة النسائية االسالمية التي ترفض كل الدعوات املتزمتة مثل لبس النقاب ،وفي هذا يقول أبو الفضل« :إن ما تدعيه الوهابية بالنسبة للنساء يعكس األولويات وال يستند إلى مصادر قدمية أصلية ،وأنه التوجد نصوص تقول بأن الدولة ميكنها أن جتبر النساء على لبس احلجاب» .وعلى سبيل املثال تطلب الوهابية من النساء أن يطعن أزواجهن طاعة عمياء ،وعلى هذا يضيف أبو الفضل قائال: «إن ذلك يعتبر عندي عبودية حيث يصبح األزواج مثل معبودا ثانيا» وعليه فال عجب أن رجال الدين الوهابيني ال يتقبلون نقد أبو الفضل للعمليات االنتحارية واإلرهاب الذي يستهدف املدنيني ،ويوضح ذلك بقوله: «إن التعرض للمدنيني باألذى يتناقض صراحة مع الشريعة اإلسالمية حتى لو كان من أجل حترير الوطن ،وهذا يتحتم على ا ُخللق اإلسالمي ،بل ويصبح أكثر حتمية في املواقف الصعبة». ويتضح السبب جليا في كراهية رجال الدين املسلمني وخاصة الوهابيني املتزمتني في السعودية لتفسيرات خالد أبو الفضل أن الوهابيني أسسوا حكمهم االستبدادي باحتكارهم تفسير الشريعة، ويرون أن آرائه تهدد رؤيتهم لإلسالم. وبدل من االعتراف بثراء اإلسالم في تعدد طرق التفسير فإنهم يرفضون كل خطوة في طريق الدميقراطية .وعالوة على ذلك فإن نقد أبو الفضل للوهابيني يكمن في أنهم يدّ عون ألنفسهم احلق في احتكارهم التفسير دون أن يعتمدوا على منهجية أو فهم للشريعة اإلسالمية .في حني جند أن الوهابيني يستفزهم نقد أبو الفضل جدا ألنه يستند في آرائه على مراجع إسالمية قدمية أصلية يشير فيها إلى األحاديث الشريفة. ويضيف أبو الفضل أن «ما يجري في السعودية ـ حيث يصبح رأي ثالثة من الفقهاء كقانون سماوي ـ يناقض األحاديث الشريفة ،ويعتبر الوهابيون اإلميان بالدميقراطية واملطالبة بها هرقطة ،ولهذا ينظرون إليه على أنه ملحد» .وعالوة على أن
جميع أعماله ممنوعة في السعودية فإن البروفيسور في الشريعة االسالمية يتلقى منذ سنوات تهديدات بالقتل من الوهابيني النشطاء. األمر الذي اليثنيه عن مهاجمة الوهابية بقوله: «إن الوهابية حركة استبدادية التعرف احلب وترفض املوسيقى والفن واجلمال واحلنان وكل ما هو إنساني، والوهابية مذهب فظ وقاسي وعدواني مثل الصحراء نفسها». ويرى أن اإلنتشار الواسع للوهابية أحد أسباب مشاكل إندماج األقليات املسلمة في الغرب وفي املجتمعات العلمانية ،وأن الوهابية تغلغلت بشدة في الواليات املتحدة األمريكية وأوروبا وبني رجال الدين املصريني .وعلى الرغم من أنها لم تصبح مذهبا سائدا في مصر وسوريا إال أن السعوديني
ليس هناك أمل في تحقيق الديمقراطية في الشرق األوسط وال في اندماج األقلية المسلمة في المجتمعات الغربية بدون ثورة فكرية بدأوا في السبعينات في نشر مذهبهم باستخدام دوالرات النفط. وقد كان ذلك ممكنا ألن املؤسسات اإلسالمية تفككت بعد فترة اإلستعمار ورمبا استطاع املتزمتون أن ميلؤوا هذا الفراغ السياسي بأموالهم .وبعد أحداث احلادي عشر من سبتمبر /أيلول أصبحت هذه القدرة املادية مقيدة. وعالوة على ذلك فإن اجلزء األكبر من اجليل األول للمهاجرين رفضوا االندماج بسبب اتباعهم املذهب الوهابي الذي يقول بعدم تبعية املسلم ملجتمع غير إسالمي .وهنا يقول أبو الفضل: «لقد كانت املعرفة اإلسالمية للجيل األول بسيطة في الغالب ،أضف إلى ذلك أن اجليل األول كان ال يزال مرتبطا بتقاليد ولغة البلد التي أتى منها .وقد أسسوا مراكز إسالمية ،أو باألحرى
مراكز ثقافية .ونشأت املشاكل عندما نظر اجليل األول إلى اجليل الثاني والثالث على أنهم أشبه إلى الفرنسيني والبريطانيني أو األملان من أصولهم». ويضيف أن األسباب التى خلقت مشاكل في عملية اإلندماج كانت ثقافية ،وألن احلد الفاصل بني الثقافة والدين ليس واضحا ،نشأت صراعات بني األجيال أدت في الغالب إلى صراعات في الوالء داخل األسرة. الدين واالندماج
وال يرى املفكر اإلسالمي أن الدين يشكل عقبة أمام االندماج .وقد أظهر الدين وأحكام الشريعة اإلسالمية مرونة هائلة فيما يتعلق بحياة املسلمني كأقلية ،وأنهم مطالبون فقط بقدر قليل من الشريعة مثل أداء الصالة والصوم وإيتاء الزكاة .وإذا ادرك املسلمون ثراء اإلسالم في تعدد طرق التفسير وهذه املرونة فإنهم سوف يعتبرون أنفسهم فرنسيني وأملان وبريطانيني وفي نفس الوقت مسلمني حقيقيني. وعالوة على هذا سوف يشجعهم ثراء اإلسالم في تعدد طرق التفسير على التعامل مع مجتمعهم اجلديد بدال من العيش في عزلة .وهذا يعني – على سبيل املثال – أن املسلم واجب عليه أن يساعد احملتاجني في أملانيا وليس احملتاجني في بلد منشأه. كما يرى أبو الفضل أنه ال داع للمطالبة بإسالم أوروبي ،ويقول« :لقد أعطى الدين والشريعة اإلسالمية كل شيء ـ مثل التسامح وقبول تعدد املذاهب ورفض التعسف واملشاركة في احلياة اليومية مبا ال يتعارض مع املبادئ األخالقية والرحمة واحلب ـ حتى يستطيع املسلمون أن يعيشوا في مجتمع علماني دميقراطي متعدد املذاهب». وفي املقابل يجب على األوروبيني أن يتجنبوا التعميم في احلديث عن اإلسالم ،وبدال من ذلك يجب أن يتناقشوا مع املسلمني ويشغلوا أنفسهم بصحيح اإلسالم .والتعميم يولد اخلوف من املسلمني داخل املجتمعات ،وهذا ما يجعل املسلمني يشعرون بأنهم مرفوضني .ويقول أبو الفضل أن «مشكلة اليهود» في أوروبا بدأت بالتعميم في احلديث عن اليهود.
مونيكا يونغ منيب • ترجمة عبد اللطيف شعيب •عن موقعwww.qantara.de : 13
أفق
حوار األديان هناك فرصة كبيرة للحوار مع االخر للكشف عن المواقع المعطوبة الكثير من القيم المشتركة متواجدة في الديانات السماوية أرى بداية ومن النظرة األولى في جذور الديانات اإلبراهيمية الكبرى الثالث سلسلة كبيرة من األمور اجلوهرية املشتركة بينها .نحن نؤمن بنفس اآلله الذي نشعر جتاهه باملسئولية عما نفكر فيه ونفعله وبغض النظر عن البناء العقائدي الفوقي اخلاص بذلك املذهب أو ذاك وعن التصورات والتجارب الفردية املختلفة. وبالطبع جتمعنا الصلة بحقيقة ما وراء علم الوجود بديانات أخرى أيضا ،كالبوذية مثال حيث ال تُذكر هذه احلقيقة ،أو الهندوسية التي تبدو هذه احلقيقة فيها ألول وهلة كامنة خلف ما ال يحصى من الصور .أما في اليهودية واملسيحية واإلسالم فيبرز ما هو مشترك جليا وغالبا ما نفاجأ بأنه يعبر عن نفسه مبفهوم مشترك. وعالوة على ذلك فإن لنا تاريخ ديني مشترك باإلضافة إلى شخصيات نبوية نعتبرهم أسالفنا املشتركني .هذا وتربطنا نفس القيم األخالقية إذا انطلقنا من أننا ننظر إلى الصدق والنزاهة واحملبة والسالم واالعتدال والتآخي واحترام الغير خاصة من هم اكبر سنا واالستعداد لتقدمي العون وما شابه ذلك ـ فحتى هذه املصطلحات مشتركة بني دياناتنا في لغاتها األصلية أو على األقل قريبة من بعضها البعض ـ على أنها مثل تستحق الطموح لتحقيقها ،وإذا رفضنا ما قد سبق وإن ُاعتبر ذميما في الوصايا العشر في اإلجنيل وما ال يستحسن فضال عن ذلك في أي حضارة في العالم .وكثيرا ما تربطنا حتى تعبيرات دينية متشابهة ،إذا بقيت حية حتى يومنا هذا ،كالصلوات اليومية املنتظمة والصيام وتطبيق حب الغير بشكل عملي .ومهما كانت االختالفات كبيرة فإنه جند تشابها وتأثيرات 14
متبادلة وال سيما في التطور التاريخي لتقاليدنا الدينية. وإذا إستعرضنا اآلن التاريخ يتبني لنا أنه كان هنالك في شتى الطوائف وفي كل األزمنة أشخاص وضعوا مصالح نفوذهم اخلاصة في أعلى سلم األولويات ولم يتورعوا عن أي شيء في سبيل أن يظفروا بها .وال ريب في أنهم قد جنحوا مرارا وتكرارا في استغالل الدين أو
التعلم من التاريخ يعني مراجعة القيم والسلوكيات بشكل واعي
املذهب ـ وهو على األرجح اإليديولوجيا في يومنا هذا ـ ألغراضهم وتسخير أصحاب مبادئ ومثل سليمي النية ألهدافهم .ويصل موقف الدفاع عن هذا االستغالل في هذه األيام إلى حد أن املرء ال يكاد أن يكون قادرا على التمييز أحيانا بني احلق والباطل .وأحسن مثال على ذلك هو الشرق األوسط وأمريكا الالتينية وغيرهما من املناطق املشابهة في العالم. أن نتعلم من التاريخ وأن نشكك بخلفية تقاليدنا اخلاصة يقودنا في بادئ األمر حتما إلى منطقة غير معروفة .هناك أحداث في تاريخنا نخجل منها لدرجة أننا نود كتمانها أو أن نلقي
اللوم فيها على عاتق غيرنا أو أن نتحول إلى النقيض أو نرغب في التقوقع في أوهام ،كما أن هنالك قسط من األسى على ما خسرناه في الطريق وعلى ما يفصح عنه غيرنا ،كما كان ال بد في الواقع لنا نحن أيضا أن نفعل .وهناك االرتباك من أن ليس أمامنا هدف ملموس نصب أعيننا ،بل نحن ملزمون أوال بالقيام بأعمال ريادية لتمهيد الطريق .وهنا بالذات تكمن فرصة كبيرة في احلوار .فإذا مت الكشف عن مواضعنا املعطوبة ،وإن كان ذلك أحيانا بصورة مؤملة ،فسنتعرف من جهة أخرى على الروابط بني األمور ولعلنا نعثر على إشارات أولية جديدة من أجل حتقيق مطلبنا اخلاص .أن نتعلم من التاريخ ال يعني املبالغة في الشفقة على النفس أو االستسالم التام فهذا لن يغير شيئا في نهاية املطاف .بل يتضح لنا من التاريخ على األرجح أمران: .1أن احملاولة املتغطرسة إلحراز مصالح نفوذ أنانية لن جتدي على املدى البعيد شيئا سوى اخلالفات والدمار ،الذاتي أيضا؛ .2أن الناس يرتكبون أخطاء وبإمكانهم التعلم منها ولذا ينبغي عليهم دوما أن يكونوا على استعداد ملمارسة النقد الذاتي وللبدء من جديد. التعلم من التاريخ يعني تناول التصورات والقيم والسلوكيات اخلاصةبشكل واعي والنظر إليها في سياق مناسب .عندئذ سنرى أننا ال نعيش على كومة من الصدف التعسفية ،نقابلها نحن بدورنا بتعسفنا اخلاص ،وإمنا بنظام عضوي نشكل نحن قسما منه ،وحيث يجد كل شئ مكانه اخلاص رغم أنه خاضع للتغيرات املنوطة
باحلياة سيان إن كان هذا كائنات حية أو ظواهر أو قوانني طبيعة أو قيم أخالقية وحتميات اجتماعية. واملفتاح لهذه التجربة اإلنسانية تقدمه من الكتب املقدسة لدياناتنا الثالث وكتابات ومأثورات من ديانات أخرى إذا أمعنا النظر فيها .إذا عدنا إلى هذه اجلذور وإذا إنتهينا من تناول في تاريخنا وتقاليدنا بإدراك وبارتباط مع أخواتنا وإخواننا من األديان األخرى فسينتهي األمر بنا ،وكما ذكرنا من قبل ،إلى منطقة جديدة ،ولكننا حتى عند ذاك نتبع مثال الشخصيات النبوية من قبلنا .ولرمبا نفهم في تلك اللحظة لقاءهم املباشر بالعلو ،اللقاء الذي يشهدون هم عليه والذي ال ندركه نحن بهذه الصورة بالذات ولكن بإمكاننا وال شك أن نعيشه بأسلوبنا اخلاص املتواضع إذا متكنا من التعرف على تلك الوحدانية التي تكشف عن نفسها في التنوع .ولرمبا عثرنا عندها على هويتنا احلقيقية كبشر .على أي حال ينفتح هنا كنز غير محدود من احلوافز التي توسع أفقنا وتقربنا إلى تفاهم حقيقي على قاعدة ثابتة .ولهذا ال أملك سوى أن أحتدث رغم كل التناقضات واالختالفات ورغم كل اخلالفات الراهنة عن وحدة علوية جتمع األديان .وال يسعني إال أن أنطلق من أن الناس جميعا أينما كانوا في رحلة جتاه هدف واحد ،من املهم أال يقفوا بل أن يواصلوا رحلتهم بشكل دؤوب وصبور. أود أن أختتم قولي هذا مستشهدا بآيات من القرآن ،خاصة وأني أرى أن هذه اخلاطرة تتجلى من خالله خير جالء: َ ّ ً ين َما َو َّصى ب ِِه ُنوحا َوال ِذي أ ْو َح ْينَا َش َر َع لَ ُكم ِ ّم َن ِ ّ الد ِ َ َ يموا سى أنْ أ ِق ُ ِإلَ ْي َك َو َما َو َّص ْينَا ب ِِه ِإ ْب َر ِاهي َم َو ُمو َسى َو ِعي َ يه َك ُب َر َع َلى املُ ْ ين َوال َت َت َف َّر ُقوا ِف ِ شر ِِك َ ني َما تَدْ ُعوهُم ِّ الد َ َ َ يه َ من َي َ يه الله َي ْج َتبِى ِإل ِ ِإلَ ِ شا ُء َو َي ِ ب هدى ِإل ْي ِه َمن ُي ِني ُ (َ )13و َما َت َف َّر ُقوا ِإال ِمن بَ ْع ِد َما َجا َء ُه ُم ِ الع ْل ُم بَ ْغ َيا َ س ًّمى بَ ْين َُهم َولَ ْوال َك ِل َم ٌة َس َب َق ْ ت ِمن َّر ِ ّب َك ِإلَى أ َج ٍل ُّم َ ين ُأو ِر ُثوا ِ ّلَ ُق ِ ب ِمن بَ ْع ِد ِهم لَ ِفي ض َى بَ ْين َُهم َو َّ إن ا ّلَ ِذ َ الك َت َ ُ َ َ َ ت اد ُع َوا ْست َِق ْم ك َما أ ِم ْر َ ب (َ )14ف ِلذ ِلك َف ْ َش ٍ ّك ِم ْن ُه ُمرِي ٍ َ ب َوال َت َّتب ِْع َأهْ َوا َءه ُْم َو ُق ْل آ َمن ُ ت بمِ َا أن َز َل الله ِمن ِك َت ٍ َ عم ُلنَا َولَ ُكم َو ُأ ِم ْر ُ ت ْ ألع ِد َل بَ ْين َُك ُم الله َر ُّبنَا َو َر ُّب ُكم لَنَا أ َ َأ ْع َم ُل ُكم ال ُح َّج َة بَ ْي َننَا َوبَ ْين َُك ُم الله َي ْج َم ُع بَ ْي َننَا َو ِإلَ ْي ِه امل َ ِ ص ُير ( )15سورة الشورى ،اآليات 13ـ .15
حليمة كراوزن ترجمة مصطفى السليمان عن الصفحة الشخصية حلليمة كراوزن «www.geocities.com/Athens/ Thebes/8206/hkrausen/studies. »htm»\t«_blank
الحوار ..جوهر الحياة احلوار هو تبادل احلديث بني كيانني أو أكثر .وإذا كان هذا التعبير رائجا في مجال الدراما منذ احلضارات اإلغريقية والهندية وغيرها ،إال أن «حوارات» فالطون تستوقف َم ْن يتابع اصل هذا التعبير ،النطوائها على فكرة «اخلالف »disagreementبني السقراطيني ّ «حل خالفات» .تنهض تلك «احلوارات» ومخالفيهم .لذا كانت تلك احلوارات تسير باجتاه على إمكانية أن يدرك احملاوِر استحالة فرضياته ،ليحاول بعدها التدقيق بفرضيات أخرى، تطرح هي األخرى للفحص بالدقة نفسها .وهكذا تتواصل «احلوارات» ،في القسم األعظم منها ،بهذا النحو بال انتهاء ،كما لو في احلياة احلقيقية. مفهوم «احلوار» يفترض ،إذاً ،وجود «خالف» ينتظر على الدوام حال؛ أو يطرح نفسه بديال من «الصدام» ،أو الصراع ،أو النزاع ...والى ذلك من املفاهيم التي تنطوي ،بدرجة أو بأخرى ،على «عنف حقيقي». ويبدو أن املفهوم الفلسفي هذا رُ ِّحل بقوة ،في تسعينيات القرن املاضي ،إلى اجملال «الثقافي» ،وحتديدا بني اإلسالم الذي شكل مؤسسات سوسيو ثقافية واستبطنها، والغرب ،بوصفه نسقا سوسيو ثقافيا واقتصاديا وسياسيا ـ وضعيا ـ ّ تلفع بعباءة «عقيدة». لقد اختزل عرب ومسلمون «الغرب كله» بدول معدودة ،تتصدر «املواجهة» و»اجلبهة»، واختزل غربيون «قراءات اإلسالم كلها» بنسخة واحدة تقريبا ،اختطفت نسخ وأصوات كثيرة .على أنها نسخة حتتاج إلى مساحة اكبر بكثير من هذه السطور لفحصها مبوضوعية ،في حواضنها العربية واملسلمة ،بل حتى الغربية. أما داخل أسوار «دار اإلسالم» نفسها ،فكان لظهور اجلماعات التكفيرية والسلفية ـ بهذا املعنى ـ في منتصف القرن السابع عشر امليالدي ،أن أدى إلى عنف جتلى بأبشع صوره في هجمات مسلحة على مسلمي الداخل ـ آخر الداخل ـ في أوقات معينة ،منذ ذلك التاريخ حتى اليوم .أي انه سبق عنف هذه احلركات املوجه ضد آخر اخلارج. واحلال هذه ،هناك مستويان من «اخلالف» أو «الصراع» :األول خارجي؛ بني دول غربية بعينها وتنظيمات سياسية ال تفيد من اإلسالم إال قدرة إحدى مقوالته« ،اجلهاد» ،على التجنيد والتعبئة .لهذا ال جتدها تطرح مشروع إدارة جملتمعاتها بنحو واضح ودقيق ومحدد؛ بل أن هويتها يشكلها «السيف» وليس الفكر. واملستوى اآلخر داخلي؛ يتمثل بظهور التيارات «السلفية» و»التكفيرية» ،التي لم تتورع عن «شرعنة» العنف واستخدامه. هذان املستويان أنتجا بدورهما مقولة «العدو البعيد والعدو القريب» ،التي ظهرت في أدبيات السلفيني اجلدد في القرن العشرين .االمر الذي يفرض على «املتنورين» و»املعتدلني» كما على «العلمانيني» و «الليبراليني» التثقيف على هاتني اجلبهتني ،كما هو احلال .وال مجال في عالم اليوم ،إن اخترنا البقاء فيه بشرا يسهمون ببنائه وجعله مكانا أكثر مقبولية ،إالّ بحوار ال ينتهي يسلِّم أوال بأحقية وجود تنوع ،اختالفات ،ويتجه حلل خالفات، فهذا هو جوهر احلياة.
فالح حسن السوداني 15
ورشة عمل
شبكة «يارنجان» لإلسالم الليبرالي في إندونيسيا:
المساواة وحرية األقليات
االسالم في اندونيسيا متداخل مع التقاليد المحلية وبقايا الحضارات اضطهاد االقليات يتنافى مع مبادئ االسالم قبيل أحداث احلادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001اجتمعت مجموعة صغيرة من املثقفني املسلمني في إندونيسيا للقيام بتكوين ثقل مضاد للحركات اإلسالمية املتطرفة في بلدهم ،وقاموا بتكوين شبكة «يارجنان» لإلسالم الليبرالي .تقرير كريستينا شوت. بإدخال النظام الدميقراطي بعد إستقالة الديكتاتور السابق سوهارتو عام 1998 ازدهرت حرية الرأي مرة أخرى في هذا البلد الذي يعد أكبر تكتل إسالمي في العالم .وألن لكل شيء إيجابي عيوب أيضا ،فقد ظهرت هذه املجموعة هنا إبان ظهور األقلية من اإلسالميني الراديكاليني التي أصت أيضا تعبر عن رأيها بصوت عال ،لذلك كان الوقت مناسبا لتأسيس الشبكة ،كما يقول أوليل أبشر عبد الله: «إننا تناقشنا منذ مدة طويلة حول منظمة إسالمية ليبرالية ،وفيما بعد رأينا تنامي اإلسالم الراديكالي بعد اإلصالح في إندونيسيا ،وقد كان ذلك في التوقيت املناسب». وعلى الرغم من أن املجموعة قليلة نسبيا، إال أنها ذات نفوذ قوي وتتمتع بأقصى جدية بني املسلمني املتدينني ،فمعظم األعضاء املؤسسني كانوا ملتحقني باملدارس اإلسالمية ودرسوا فيما بعد العلوم اإلسالمية .وفي معظم مملوء جامعات إندونيسيا املنفتحة واجهوا عاملا ً بتأويالت جديدة لتعاليم الدين وواقع احلياة. واليوم تندد املجموعة باالسالم «احلرفي»، أي الذي يخضع للتفسير احلرفي للنص 16
أشكال العبادات وطرق آدائها التي تخدم المظهر الخارجي ،التهم بشئ، وال يهم سوى القيم التي تختفي ورائها
القرآني ،وهم يرون أن التفسير احلرفي سوف «يقضي على اإلسالم» ،وهذا ما يعتبرونه أكبر مشكلة من مشاكل الراديكاليني ،ذوي التفسيرات العقيمة ،احلكرية ،والرجعية. فالشريعة اإلسالمية يجب أن تفسر في السياق وفي ظل تطور املجتمع والزمن. اإلسالم المعتدل
كما أن اإلسالم في إندونيسا ما زال معتدال جدا وذلك فيما يخص االندماج مع التقاليد احمللية وبقايا احلضارات والديانات القدمية ،ولهذا جند أوليل يقول: «إنني أجد التركيبات امللفقة إيجابية
جدا ألنها حافظت على شخصية اإلسالم اإلندونيسي اخلاصة وحالت دون التعريب املتزايد .وإننا ال منثل اإلسالم التقليدي املعتدل بتاتا ،ألنه متعصب جدا في أصوله ومن السهل جدا أن يساء استخدامه من قبل احلركات الراديكالية». وتتفق شبكة «يارجنان» لإلسالم الليبرالي في نقاط عديدة مع مبادئ جمعية نهضة العلماء واجلمعية احملمدية ـ كبرى املنظمات االندونيسية املعتدلة والتي متثل 70مليون مسلم ـ ومع ذلك تنتقد اجلمعية بعض النقاط الفردية التي تراها رجعية مثل عدم املساواة بني الرجل واملرأة.
فشبكة»يارجنان» لإلسالم الليبرالي ترى أن أي نوع من اضطهاد األقليات يتنافى مع مبادئ اإلسالم ،ولهذا تبذل الشبكة جهدها في سبيل احلرية الدينية وحرية الرأي وحقوق املرأة، وهدفها في ذلك هو تقوية الدميقراطية وممارسة سياسة إنسانية عادلة ذات قواعد اجتماعية. صدمة سبتمبر لم تكن مفاجأة
ويقول أوليل الذي يدير أيضا معهد احلرية في جاكارتا« :إن أهدافنا األولى لم تتغير كثيرا بعد أحداث احلادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001واالعتداء في جزيرة بالي ،ومع أنها كانت صدمة بالنسبة لنا إال أنها لم تكن مفاجأة ،فقد تنبأنا بذلك من ذي قبل وبدأنا عملنا على هذا األساس». «ومن الضروري طبعا أن يعاقب القضاء الراديكالية العنيفة ،إال أنه من الواجب أيضا محاربة تلك األفكار التي تكمن وراء ذلك بأفكار مضادة ،وقد بدأنا هذا الكفاح بالفعل مع أنه مؤلم في كثير من األحيان». وقد عانى رئيس الشبكة بنفسه من هذا األلم إثر مقال نشره في الثامن عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 2002في كبرى اجلرائد اليومية في إندونيسيا (كومباس) .فأصدرت الهيئة الشعبية لعلماء إندونيسيا في مدينة باندونغ غرب جاوا فتوى بجواز قتل العالم اإلسالمي الذي يدعو إلى اإلصالح اإلجتماعي. وكان قد صرح في املقال املذكور «إننا نحتاج إلى تفسير لإلسالم يفرق بني التعاليم التي تأثرت باحلضارة العربية وبني غيرها. والقيم العامة ال بد من تطبيقها في ظروف معينة من احلياة ،مثل حياة العرب أو حياة املاليزيني أو حياة سكان آسيا الوسطى .أما أجزاء اإلسالم التي تعبر عن حضارة محلية فهي ال تعنينا بشيء». جوهر اإلسالم هو األساس
وقد أثار أوليل مبقاله جدال واسع النطاق وهاجم األصوليني لتركيزهم على الشريعة، بينما دافع عن الذين يختارون دينهم عن قناعة ،وتابع في املقال قائال: «إن اإلسالم يعرض مبدأ عاما وشامال يوجد أيضا في املسيحية والهندوسية والبوذية والكونفوشيوسية واليهودية والطاوية أو الديانات احمللية ،ومن املمكن أيضا أن يتواجد جوهر اإلسالم في املاركسية .وأنا ال أعير الشكل اهتماما ،ولكن يهمني الفحوى.
فأشكال العبادات وطرق آدائها التي تخدم املظهر اخلارجي ،التهم بشئ ،وال يهم سوى القيم التي تختفي ورائها». وفيما بعد أنكرت الهيئة الشعبية للعلماء إصدار فتوى للقتل على اإلطالق ،ومع ذلك فإن رئيس شبكة»يارجنان» لإلسالم الليبرالي وأسرته يعيشون في خوف دائم من الهجمات احملتملة. وهذا ال يثني أوليل أبشار عبد الله وزمالءه عن نشر أفكارهم في وسائل اإلعالم اإلندونيسية الهامة .وشبكة «يارجنان» تقدم بشأن هذا املوضوع عروضا كثيرة للقراءة على صفحات اإلنترنت وتقوم أيضا بنشر كتب متخصصة ،وإلى جانب ذلك تقوم املجموعة بعقد سلسلة للحوارات وتقدم برنامج إذاعي كل أسبوع. حوار األديان والتسامح الديني
كما أسست شبكة اإلسالم الليبرالي
تبذل الشبكة جهدها في سبيل الحرية الدينية وحرية الرأي وحقوق المرأة وتقوية الديمقراطية وممارسة سياسة إنسانية عادلة ذات قواعد اجتماعية
شبكة معلوماتية عاملية ،وهي ليست متصلة باملجموعات الليبرالية في البالد اإلسالمية فقط ،بل أيضا مبنظمات غير إسالمية. ومبناسبة انتخاب البابا اجلديد صرح السيد أوليل في مقابلة مع صحيفة جاكرتا بوست: «نظرا لإلستياء الذي يضمره الغرب جتاه العالم اإلسالمي بعد أحداث العنف التي تقوم بها جماعات متطرفة ،فإن ثمة حوار لألديان بات مهما ،ولكن على أن ال يتركز في أوروبا وأمريكا فقط ،بل عليه أيضا أن يدعوا للتسامح الديني في البالد اإلسالمية».
كريستينا شوت عن موقع «قنطرة»
القرآن والتعايش اإلنساني
تزايد االهتمام في السنوات األخيرة مبوضوعات القيم اإلنسانية خاصة من منظور ديني ،ففي ظل األحداث الدولية التي شهدها العالم املعاصر ،وتصاعد موجات التطرف والعداء باسم الدين ..برزت للوجود خطابات حتاول إعادة األمور إلى نصابها ،غايتها إبراز اجلوانب القيمية واألخالقية للرساالت السماوية ومنها رسالة اإلسالم. ومن أكثر املواضيع اهتماما في هذا الصدد ،التعايش والتسامح وحقوق اإلنسان واالعتراف باآلخر ،وغيرها من املفاهيم التي أصبحت تؤطر احلقل املفاهيمي للخطاب الديني املعاصر.والتي كتب فيها وعنها الكثير. واملالحظ أن معظم هذه الكتابات كانت محكومة باألجواء التي حتدثنا عنها ،املتسمة بردود األفعال في الغالب حتت ضغط الهجوم على اإلسالم واالستغالل السياسي واإلعالمي لتشويه صورته...فكان الرجوع إلى نصوص الوحي ،وإثبات بطالن مثل هذه االتهامات. وفي غمرة هذا التدافع ،تقام املؤمترات واحملاضرات والندوات ...للحديث عن أخالقيات التعايش والتسامح في اإلسالم الذي احتضن ثقافات مختلفة في تاريخه ،إلى غير ذلك مما ال خالف فيه .غير أن حضور هذه املفاهيم اليوم في سياق التدافع مع اآلخر ،جعلتنا نتغافل عن االلتفات إلى املعاجلة القرآنية لترسيخ هذا السلوك اإلنساني، مكتفني بترديد املقوالت القرآنية ـ النتائج ـ دون التنبه إلى البناء التربوي الذي اتخذه القرآن وفق منهاجيته اخلاصة لتربية اإلنسان والوصول به إلى املرتقى األخالقي للتعايش اإلنساني .وهو ما أردنا مطارحته في هذا املقال. سيما وأن ما يقع أحيانا بني بعض الدعاة املسلمني ،من مشاحنات وتالسن ينبئ عن تعصب البعض لرأيه وعدم قبول االختالف والرأي اآلخر ،دليل على عدم رسوخ قيم التسامح والتعايش ،وسنرى أن البناء القرآني لهذه القيم انطلق من الدائرة الداخلية للمجتمع اإلسالمي ليصل إلى الدائرة العاملية اإلنسانية ،وفق منطق محكم لسلم املراقي األخالقية. غالبا ما يتم االستدالل في سياق احلديث عن خلق التعايش في اإلسالم باآلية 13من سورة احلجرات: َ َاك ْم ِم ْن ذ ََك ٍر وَأُن ْ َثى وَ َج َعلْن ُ َّاس إن َّا خَ لَ ْقن ُ َاك ْم « يَا أيُّهَ ا الن ُ ِ هَّ َ َ ُ َ ْ ُ ُ الل أتْقَاك ْم إ ِ َّن ش ُعوبًا وَ َق َبائِل لِ َت َعار َ ُفوا إ ِ َّن أكرَ َمك ْم ِع ْن َد ِ َ هَّ يم خَ ِبي ٌر « .غير أن طبيعة هذا املوضوع أخالقية الل َعلِ ٌ و تربوية بالدرجة األولى .وإن كانت تستند إلى اجلانب املعرفي ،والذي هو في هذه احلالة إخبار من اهلل عز وجل( وحي ) .فلنتأمل البناء األخالقي لقيم التعايش من خالل هذه السورة. فقد سعى اخلطاب القرآني إلى غرس قيم التعايش والقبول لآلخر ،ضمن دوائر االختالف األضيق ،داخل اجملتمع اإلسالمي ،ليخوله بعد ذلك ،القدرة على استيعاب كل آخر ،غريب عن مجتمعه ودينه وثقافته .وفق سلسلة من التوجيهات ،تعالج بالتدرج أزمات االجتماع اإلنساني، وترتقي به نحو األفق اإلنساني الرحب... فما أحوجنا إلى اإلفادة املنهجية من املعاجلة القرآنية لهذه املواضيع ،لتأسيس ثقافة أخالقية متأصلة من املرجعية القرآنية ،التي هي في حقيقة األمرمرجعية إنسانية.
عبد اللطيف طريب
أستاذ باحث في الدراسات اإلسالمية ومقارنة األديان
17
وجهة نظر
كيف يمكن تفعيل الفكر التنويري اإلسالمي مجدداً؟ مهمة هي التحوالت التي عرفها الفكر االسالمي في القرن الماضي يبدأ التغيير مع تحويل الوعي االسالمي من الفردي الى الوعي الجماعي ثمة سؤال يفرض نفسه بإحلاح ،عندما نتحدث عن فكر تنويري إسالمي معاصر .يتمحور حول مدى العالقة باجلهود التنويرية السابقة ،هل نتحدث عن تأسيس أم امتداد؟ فكما هو شأن األمم األخرى ،تأتي األفكار النهضوية والتنويرية في حلظات االنعطاف الكبرى في مسيراتها التاريخية .حصل ذلك بشكل متقارب زمنيا فيما يخص التنوير اليهودي ،الذي بدأ مع موسى مندلسون ( 1729ـ ،)1786 وكذلك التنوير املسيحي الذي قاده مارتن لوثر ( 1483ـ .)1546 وقد عرف عاملنا العربي اإلسالمي األمر نفسه، عندما استيقظ نهاية القرن التاسع عشر على إيقاع مدافع االستعمار ،فكانت األفكار الرائدة حملمد عبده وابن باديس واألفغاني ومحمد بن العربي العلوي وغيرهم، إال أن التيار العام بقي عصيا على التطويع التنويري ،مما جعل البالد العربية مبختلف تشكيالتها وتياراتها الفكرية املعاصرة تدخل ما ميكن اعتباره نفقا مسدودا ،نرى معامله بادية اليوم في أعمال العنف العدائية واالقتتال الطائفي ،وغياب رؤى استراتيجية واضحة حلل األزمات املعاصرة... وغيرها من األمور التي استدعت من جديد سؤال التنوير اإلسالمي ،بحثا عن قواعد متينة تعمل على رفع التحديات املعاصرة ،املطروحة على العقل اإلسالمي انطالقا من املرجعية اإلسالمية، بعيدا عن االدعاءات الفارغة والشعارات اجلوفاء. فكيف ميكننا بعث هذا الفكر التنويري اجلديد؟ 18
وهل من الالزم أن يرتبط بإسهامات عصر النهضة، ويشكل امتدادا لها؟ قام الباحث التونسي احميدة النيفر ،برصد ألفكار التجديد والتحديث التي عرفها عاملنا اإلسالمي ،في مقاالت ثالث بعنوان عام « :قرن من املراجعات والتحوالت» نشرت في شهري آيار (مايو) وحزيران (يونيو) املاضيني ،ناقش فيها
اثارة حوار مكثف كفيل باعادة النظر في طبيعة المجتمع وفي مهمة مؤسساته االجتماعية والثقافية
هذه املسألة من زاوية تنظر في دعوى اجلمود الفكري املالزم للمسلمني ،وانعدام أي حت ّول في تص ّورهم ،أو أ ّية مراجعة لقيمهم .وقد اتسمت محاولته باجلدة والتدقيق ،ألنها قامت على اقتفاء حركة األفكار في البالد العربية ،في سياق تاريخي محدّ د (نهاية القرن التاسع عشر وبداية
القرن العشرين). وفي ما يلي عرض ملقالته الثالثة ،التي تلخص جهود التنوير اإلسالمي املعاصر على مدى قرن،بعنوان :قرن من املراجعات والتح ّوالت ..على دروب «العروة» و«املنار». «كان إنشاء األفغاني وعبده مجلة «العروة الوثقى» عام 1884حدثا تاريخيا ،فتح مسارب انداحت منها حركة لألفكار ظ ّلت متّسعة عبر أجيال .بعد ذلك مبا يناهز القرن ،أصدر رضوان السيد والفضل شلق مجلة «االجتهاد» ،فكانت فرعا متم ّيزا من تلك احلركة األولى التي و ِإن لم تعمر ،فقد ح ّركت السواكن وق ّلبت األنظار. ّ في غضون هذا القرن ظهرت عناوين ملجالت فكرية عملت لإلصالح أو التجديد من مداخل ورؤى متنوعة ومتباينة .ورغم أن أعمار هذه املجالت كانت قصيرة في الغالب ،فإن أثرها كان حاسما في تطوير األفكار ومراجعة املناهج وحتديث أساليب التعبير .ال ميكن لذلك ،عند رصد التحوالت الفكرية ،أن نقارن أثرها بأثر الكتب التي انتهجت نهجا نقديا في الفترة ذاتها. كانت املجالت متم ّيزة أساسا بدورية الصدور، ثم بوضوح التبويب ويسر اللغة ،مما جعل األفكار فيها قريبة املأخذ لفئات واسعة من املجتمع .من هذه الزاوية كانت أبلغ ً أثرا وأشد منافسة للخطاب التقليدي املسجدي ،رغم دوريته وسهولة عباراته. ّ يتعذر الوقوف على حجم التح ّوالت لذلك ،فإ ّنه التي عرفها الفكر العربي اإلسالمي في قرن من الزمن من دون تناول ما أحدثته املجالت من حركة
وعي ضخمة تثبت تهافت دعوى اجلمود املالزم أي حت ّول في للفكر العربي اإلسالمي وانعدام ّ التص ّور أو أ ّية مراجعة للقيم في عالم املسلمني. بدأت هذه الظاهرة اإلعالمية ّ مبكرة نسبيا، فاختير لها اسم «مجلة» ،املشتق من فعل ّ «جل» «ع ُظم» ،إبرازا ألهمية الغاية واملضامني .اعتنى أي َ البعض منها بالعلوم العصرية (« َيعسوب الطب» في مصر) أو بالسلوك احلضاري («مرآة األخالق» في سوريا) أو بالنهوض املؤسساتي («الرائد» في تونس) أو مبجال القيم والتراث («اإلحياء» في اجلزائر) .هذه العناوين األولى وغيرها كانت مؤشرا على بروز حركة فكرية غايتها معرفة العصر وجتاوز ما يعرقل تلك املعرفة .تواصلت هذه احلركة في طور أول حتى اندالع احلرب العاملية األولى ،فتعددت ثمرات املطابع .وحازت مصر قصب السبق ،إذ ظهر فيها أكثر من 270عنوانا .واحتل لبنان املرتبة الثانية بـ 58مجلة ،بينما اقتصرت أقطار عربية أخرى ،مثل تونس وسوريا واجلزائر واملغرب ،على نسب أقل. من هذه البراعم األولى ميكن متابعة نبض خافت لكنه واعد بحياة ثقافية وفكرية تتجاوز بؤس االنحطاط بانفتاح املجال لتداول أفقي للمعلومات واألفكار أثمر مناظرات وسجاال. كان أ ّول مكسب لهذه املرحلة هو والدة «رأي عام» سعـــت إليه خاصة املجالت قصد إعادة صيـــاغة التصـــورات القائمة على ثنائية املـــوجــــه «اخلاصــــة» و«العـــامة» .باإلخبـــار َّ والتثقـــيف والتســــاؤل أمكن لذلك الفضـــاء غير املنضبط املعــــروف بـ «العامــــة» و«الدهمــاء» أن تتح ّول أجزاء منه بصورة تدريجية إلى فئة تـــطالع وتنــــاقش ،مما ب ّوأها مكانة جديدة متم ّيزة .بفضل املجالت الثقافية والفكرية غادرت «العامة» مجال التهميش ومساندة النسق التقليدي ،مطالبة بأكثر من صحافة اخلبر احملض وخطاب الكتب والدروس التعليمية التقليدية .هل نعجب بعد ذلك من االنزعاج الشديد الذي ع ّبر عنه عدد من شيوخ العلم في تونس ومصر والشام مما كانت تنشره بعض املجالت ،داعني احلكومة إلى حظرها أحيانا بشن حمالت عدائية ضدها. أو ّ ّ بالعودة إلى «العروة» ومتابعة خطاب جل ما نشر في هذه املرحلة تتضح ثالث أفكار كبرى: أ ـ إعادة االعتبار للذات الثقافية والدينية ملواجهة املطامع االستعمارية. ب ـ س ّر تف ّوق الغرب في تنظيماته السياسية واعتماده العلم واملعرفة. ج ـ املخالفة الصريحة لسلوك املسلمني وتص ّوراتهم ملصدري الدين الثابتني.
محصلة هذه األفكار هي القطع مع الذهنية ّ اجلبرية ،بالتأكيد على أن لإلنسان استعدادا للوصول إلى احلقائق عن طريق الدليل. تواصل هذا املسار الفكري في طور ما بعد احلرب األولى مع مجلة «املنار» حتى مشارف احلرب العاملية الثانية ،معتنيا بقضايا التربية والتعليم، وبالر ّد على الشبهات وبعالقة اإلسالم بأوروبا، ما م ّيز خطاب «املنار» وجملة من العناوين التي نسجت على منواله هو: 1ـ إعادة النظر في تفسير النصوص القرآنية في ضوء قيم العدل ومصالح العباد. 2ـ الدعوة إلى االجتهاد ،ونقد املذاهب الفقهية لتركيزها نزعة تقليد. 3ـ حتليل واقع املسلمني وإعادة النظر في العالقة مع اآلخر. أتاح هذا اجليل الثاني من املجالت اعتماد خطاب رأي وتقومي ومراجعة ،وطرح تساؤالت متنوعة وإثارة حوار مك ّثف أعاد النظر في طبيعة
يمكن متابعة نبض خافت لكنه واعد بحياة ثقافية وفكرية تتجاوز بؤس االنحطاط بانفتاح المجال لتداول أفقي للمعلومات واألفكار املجتمع وفي مهمة مؤسساته االجتماعية والثقافية وفي عالقته باملاضي ورموزه وباحلاضر املسكون بالتحدي األوروبي. أما أبرز فروع اجليل الثالث من ورثة «العروة» و «املنار» فقد ظهر مع سبعينيات القرن العشرين مستمرا إلى اليوم ،معتمدا خطابا جتديديا سؤاله احملوري هو :كيف يكون االنخراط في حداثة فكرية وسياسية من دون القطع مع التراث الثقافي والديني؟ إن كان هذا الطور قد شهد بروز حركة إحيائية سلفية وخطاب هو ّية نضالي آذن بزوال االنبهار التحديثي ،فقد ناهضها اخلط التجديدي الذي يحيل في إشكالياته الفكرية على املرجعية اإلسالمية العامة واملقاصدية مع رفض األيديولوجية
الوثوقية .يظهر هذا في مجلتني مصريتني هما: «املسلم املعاصر» و «اليسار اإلسالمي». اعتنت األولى منذ انطالقها عام 1975 بإشكالية املعاصرة قصد التم ّيز عن احلركة اإلسالمية ،واعتمدت مدخلي االجتهاد والتنظير، ثم أضافت إليهما إسالمية املعرفة. أما مجلة «اليسار اإلسالمي» فقد رفعت شعار «النهضة اإلسالم ّية» ،متبنية إشكالية واحدة هي الثورة التي ال ميكن أن تتحقق ،في نظرها ،إال بتحويل الوعي اإلسالمي من وعي فردي إلى وعي اجتماعي .إنه جتاوز مقولة املعاصرة ذات املنحى النخبوي مبا يتيح للمسلمني أن يكونوا فاعلني في األحداث الثورية الكبرى التي حت ّرك العالَم .بعدهما ظهرت بتونس عام 1982مجلة « ،»21/15داعية إلى املثاقفة منطلقة من رؤية تقدمية تستوعب الفكر العربي اإلسالمي مبختلف توجهاته ،مستفيدة في ذلك من التيارات الكبرى في احلضارة املعاصرة .من ث َّم أصبح التجديد لديها هو التغلب على التناقضات الفكرية الداخلية، والتحكم في البيئة اخلارجية مبا يحقق اإلبداع عن طريق تف ّوق حضاري يستعيد به املجتمع زمام املبادرة التاريخية التي افتقدها. رابع النماذج ظهر مع مجلة «االجتهاد» ببيروت عام ،1988معتنيا بقضايا الدين واملجتمع، مر ّكزا على القضايا التاريخية واالقتصادية واالستراتيجية .أما إشكالية البحوث فيها فكانت وحدة التاريخ التي تعتمد نظرة شاملة وعالئقية للتاريخ اإلسالمي ومراكزه املدينية .يضاف إلى ذلك مك ّونات وعي النخب املعاصرة مبا يعتمل من حراك ثقافي في الغرب. هذه املجالت باختالف زوايا النظر فيها التقت على تقدمي الوعي على الوقائع ،معتبرة أن أساس التجديد هو القراءة احلضارية لإلسالم التي تكشف عن حرصه الدائم على الدخول في حوار مع الواقع التاريخي باعتبار أن نصوصه املقدسة محتاجة باستمرار إلى تفسير. تلك هي ،باقتضاب ،رحلة األفكار عبر املجالت املواكبة «نهر احلضارة املتعرج» ،واملستفيدة في تط ّورها من موقع املنطقة العربية في قلب العالَم القدمي وفي محاذاة أوروبا».
احميدة النيفر باحث تونسي صحيفة «العرب» القطرية 5حزيران (يونيو) 2008
19
رؤية
مالك شبل واإلصالح الديني في اإلسالم المسلمون بحاجة ماسة الى تفسير جديد لكل الموروث القديم مصير المجتمعات االسالمية يتوقف على نتائج المعركة بين النقل والعقل ً مؤخرا موقع أخذ املفكر اجلزائري مالك شبل يحتل املنظر االسالمي السالم التنوير في الساحة الثقافية الفرنسية .فقد صدرت له خالل بضع سنوات فقط عدة كتب متشي في هذا االجتاه ،ككتاب :بيان من اجل اسالم التنوير .سبعة وعشرون مقترح ًا الصالح االسالم ( ،)2004ثم :االسالم والعقل .معركة األفكار ( ،)2005ثم قبل اسبوعني او ثالثة كتاب جديد حتت عنوان :االسالم مشروحا من قبل مالك شبل ( .)2007في كل هذه الكتب وسواها يحاول هذا املفكر اجلزائري الشاب ( 53سنة) ان يواجه اجلمهور الفرنسي والغربي عموم ًا باحلقائق التالية: االسالم دين كبير ذو تراث حضاري عريق وليس دين عنف وتفجيرات ،كما يشيع حالي ًا من خالل وسائل اإلعالم الكبرى .غالبية املسلمني اصبحوا اآلن بني فكي كماشة :فك جماعات االرهاب من داخله وهي أقلية قليلة ،وفك العداء الغربي لكل ما هو عربي او مسلم واالشتباه فيه واخلوف منه .االسالم في املاضي كان مبدع ًا في مجاالت عديدة ،فهو الذي قدم للبشرية علم اجلبر ،وعلم احلساب ،وصناعة العطور، واملطبخ الشهي ،واملوسيقى ،وبعض ًا من اجمل قصائد الشعر العاملي ،والفلسفة ،والطب ،وحتى تقنيات السقاية والري واستصالح األراضي. بعد ان يذكر مالك شبل اجلمهور األوروبي بكل هذه احلقائق واخرى غيرها ،نالحظ انه يعترف بأن العالم العربي ال يعيش أفضل حاالته في الوقت الراهن .هذا أقل ما ميكن أن يقال .ولكن مبا ان االسالم سمح بإنشاء حضارة ضخمة في املاضي، فإن هذا يعني انه ليس هو سبب التخلف احلالي، كما يزعم بعضهم .وامنا الفهم اخلاطئ له هو السبب. وينبغي التفريق بني االسالم من جهة ،والتأويالت التي قد تشيع عنه في هذا العصر أو ذاك من جهة أخرى. 20
ففي العصر الذهبي شاع تأويل منفتح عقالني، متفاعل مع احلضارات األخرى .ولكن بدءا من عصر االنحطاط أخذ يسود التأويل اآلخر :أي الفهم اجلامد ،املنغلق ،املتعصب .وهذا الذي ورثناه حاليا. وبالتالي فاالسالم الذي أدخل العرب في التاريخ، بعد ان كانوا نكرة ال ميكن حتميله مسؤولية املأزق احلالي الذي نعاني منه .ال ينبغي ان نسقط على كل تاريخ االسالم جرائم التطرف احلالي ،فباالضافة الى ان هذا ظلم فإنه مضاد للحقيقة التاريخية. وبالتالي ينبغي االعتراف بأن املسؤول االول عن هذا الوضع هو الفهم املتزمت واخلاطئ للرسالة القرآنية واالسالمية .وال ميكن ان نخرج من هذا املأزق اال بإعادة تأويل النصوص التأسيسية الكبرى ،على ضوء العلوم احلديثة :كعلم التاريخ ،وعلم اللغويات أو االلسنيات ،وعلم االنتربولوجيا ،وعلم االديان املقارنة ،الخ ..ينبغي تأسيس كليات جديدة في اجلامعات العربية لتدريس هذه العلوم باالضافة الى الفلسفة. وبالتالي فنحن بحاجة الى اجتهاد جديد أو تفسير جديد لكل موروثنا القدمي ،لنفض الغبار عنه ومتييز الصالح من الطالح .نحن بحاجة الى غربلة شاملة لكل التراث العربي االسالمي ،من أجل طرح كل ما عفى عليه الزمن ،واالبقاء على القيم الروحية واالخالقية العليا فقط .وبعد ان نتخفف من أعباء التراث املتراكم بكل ثقله على ظهرنا ،ميكننا ان ننطلق بكل خفة وقوة لصنع احلضارة من جديد على هذه األرض التي هجرتها احلضارة منذ زمن طويل. اذا لم نقم بذلك فإن االصالح الديني في االسالم سوف يواجه عراقيل كثيرة وسوف يظل التنوير الديني مستحيال. كل هذا الكالم جيد ويستحق التأييد في رأيي،
ولكن الشيء الذي ال أفهمه لدى مالك شبل هو قوله :لكي ينجح هذا التأويل اجلديد والشامل لالسالم ينبغي ان تكون هناك جلنة عليا مشكلة من كبار علماء الدين املسلمني ،وكذلك من كبار االختصاصيني في العلوم احلديثة التي ذكرناها آنفا. فكيف ميكن ان يساهم رجال التقليد في حتقيق هذه الطفرة النوعية في فهم االسالم واصالح الفقه القدمي؟ أليسوا هم سبب املشكلة؟ فكيف ميكن اذن ان يكونوا هم احلل؟ نالحظ ان مالك شبل يتردد في تشخيصاته وطروحاته احيانا .يحصل ذلك كما لو انه يخشى القطيعة مع املاضي بشكل كامل، أو باالحرى مع ممثلي املاضي الذين يسيطرون على الشارع حالي ًا ،وهذا مفهوم في الواقع ،فالقطيعة سوف جتيء على مراحل ال دفعة واحدة .ولكن يبقى املنظور العام الذي ينطلق منه هذا املفكر اجلزائري
سليم ًا ال غبار عليه .فهو يقول مث ًال في كتابه األخير ،بأن معركة التنوير في االسالم ال تزال رازحة ،حيث تركها فولتير في القرن الثامن عشر .وهذا يعني ان التفاوت التاريخي الكائن بني الغرب والعالم االسالمي يبلغ قرنني من الزمن. وهذا ما كنت قد أوضحته في كتابي «مدخل الى التنوير األوروبي» قبل فترة .فالتنوير أمامنا وليس خلفنا على عكس األوروبيني .ولكن التنوير العربي االسالمي لن يكون نسخة طبق األصل عن التنوير األوروبي .وامنا ينبغي ان يحصل داخل تراثنا ومن خالل التفاعل أو التصادم الطبيعي معه .وسوف يحصل ذلك بشكل تدريجي ،وخطوة ،خطوة .وأول مبدأ يقترحه مالك شبل لهذا التنوير هو :تغليب املعرفة العقالنية على كل أنواع املعارف الغيبية أو الالهوتية أي ًا تكن. فالعقل هو سيد االحكام ،وهو الذي صنع مجد احلضارة احلديثة كما القدمية .وينبغي على املسلمني ان يتبعوه اذا ما أرادوا اخلروج من املأزق الذي يتخبطون فيه حالي ًا .ولكن االصوليني السلفيني يرفضون ذلك بالطبع ألنهم يغلبون النقل على العقل .ولذا فإن املعركة الفكرية معهم أمر محتوم ال بد منه ،ولن تنتهي إال بغالب ومغلوب .وكل مصير املجتمعات العربية االسالمية يتوقف على نتائج هذه املعركة الدائرة حالي ًا، التي قد تصبح ضارية أكثر فأكثر .ولكن ال بد مما ليس منه بد .اشتدي أزمة تنفرجي.. هناك مبدأ آخر يلح عليه مالك شبل ،من أجل التنوير واالصالح أال وهو :ال ميكن للمسلمني ان يخرجوا من محنتهم احلالية إال اذا شرعوا بتطبيق املنهجية التاريخية على القرآن الكرمي والنصوص التأسيسية االخرى .ينبغي ان نقرأ القرآن بروحه وجوهره ،ال بحرفيته أو شكالنيته اخلارجية فقط .هناك مقاصد عميقة للقرآن الكرمي وهي التي ينبغي ان تهمنا بالدرجة األولى. ً اخيرا فإن مالك شبل يدعو إلى قطع حبل السرة بني الدين واالستخدام السياسي أو االنتهازي له .وهو هنا يسير على خطى الشيخ علي عبد الرازق ويدين ذلك اخللط املستمر بني السلطة الدينية والسلطة الدنيوية .ويرى انه خلط مضاد لروح االسالم وجوهره .فالنبي عليه الصالة والسالم لم يكن ملك ًا ً قائدا روحي ًا واخالقي ًا للبشرية .وبالتالي من سلطوي ًا وامنا كان ً ً فصاعدا ينبغي على الشيخ ان يظل إماما في املسجد، اآلن وعلى العاهل ان يهتم بشؤون السلطة واملواطنني .وال ينبغي تلويث الدين بكل نزاهته وتعاليه باملناورات أو الضرورات السياسية املتقلبة .على هذا النحو يسحب املفكر اجلزائري البساط من حتت أقدام املتزمتني وقادة االسالم السياسي ويعيد األمور الى نصابها .وبالتالي فلن تصلح أمور الدنيا قبل ان تصلح أمور الدين ،ألن الدين في مجتمعاتنا هو الذروة املقدسة التي تعلو وال يعلى عليها .وواضح ان اخللل وصل ليس الى الدين ،معاذ الله ،وامنا الى فهم الدين أو باالحرى عدم فهمه على حقيقته وبشكل صحيح.
هاشم صالح
صحيفة «الشرق االوسط»
10نيسان (ابريل) 2007العدد 10360
• •
متابعات مغاربية نظمت جامعة موالي سليمان باملغرب ،بالتعاون مع مركز دراسات املعرفة واحلضارة ،واملعهد العاملي للفكر اإلسالمي والرابطة احملمدية للعلماء واجمللس العلمي احمللي ،ندوة دولية بعنوان« :املنهج النقدي في القرآن الكرمي واملراجعات الفكرية للتراث اإلسالمي» ،شارك فيها علماء وأساتذة ومختصون من املغرب وخارجه وذلك في االسبوع االخير من شهر حزيران (يونيو) في رحاب الكلية . اعلنت وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية في املغرب عن جائزة محمد السادس للفكر والدراسات اإلسالمية لدورة 1430هـ2009/م في موضوع «الوحدة اإلسالمية بني الضرورة الدينية واحلضارية وبني العوائق املذهبية» .وطرحت الورقة املؤطرة للموضوع أبعاد التوافق بني املذهبني السني والشيعي ،على أساس احلوار الهادف ،وحتديد املبادئ واألهداف املشتركة والشروط املوضوعية مع احترام احلد األدنى من االختالف في الفروع ،وذلك من أجل إخراج العالم اإلسالمي من اآلفاق الضيقة واالنقسامات التي تستنزف قواه .للمزيد من املعلومات يرجى االطالع على املوقعwww.islam-maroc.ma :
•
من املقرر ان يتم اإلعالن عن الفائز باجلائزة العاملية للدراسات اإلسالمية بتونس للعام احلالي ،واخملصصة إلثراء الفكر االجتهادي وتشجيع العلماء والباحثني على إبراز الصورة السمحــة لإلسالم وجتلية قيم الوسطية واالعتدال والتسامح التي مت ّيزه ،إضافة إلى اإلسهام في تفعيل احلوار بني احلضارات واألديان.
•
نظم املعهد االعلى للحضارة االسالمية بتونس مؤخرا ً ندوة علمية حتت عنوان« :التنوير عند علماء الزيتونة في النصف االول من القرن العشرين» وركزت اعمال الندوة على البعد التنويري في فكر الشيخ محمد الطاهر بن عاشور الذي عرف مبشروعه« :مقاربة املسالة االسالمية من الزاوية احلضارية والفكرية». ساهم في الندوة عدد من الباحثني الذين اشاروا في اوراقهم املقدمة الى اهمية دور الشيخ بن عاشور في التشديد على العقل باعتباره الركيزة االهم في االصالح والتنوير ،داعيا ً في كل كتاباته الى ضرورة االجتهاد واالستنباط والنظر واالستدالل ،قاصدا ً بذلك نهضة املسلمني واصالح عقيدتهم من خالل بناء انسان جديد يتخذ من العلم واملعرفة والتربية وسيلة نحو ذلك. وأكد احملاضرون ان الشيخ بن عاشور سلط الضور في مجمل حياته وكتبه ومحاضراته ،على مفهوم التسامح باعتباره قيمة عليا من القيم االسالمية ،ناهيا ً عن الصراعات املذهبية والطائفية ،وصوال ً الى انهاء حالة الصراع بني االديان االخرى .مشددا ً في الوقت ذاته على اهمية احلوار مع االخر اخملتلف باعتبارها سمة حضارية ،واالنصات للمخالف ،بدال ً من االنغالق واالنكفاء على الذات ،حيث ان اعالء صرح احلضارة االنسانية مسؤولية جماعية مشتركة بني كل االقوام واالديان والشعوب. 21
محور
اإلندماج أو التالشي الوحدة الوطنية ال يمكن ان تقضي على التنوع الجماعات التي تصر على التمايز الكامل عن غيرها تنتهي الى التالشي إن الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة مقولة معروفة في تراثنا الفلسفي ،فإذن ميكن أن نتصور وحدة واختالف ًا مع ًا .ورمبا يكون االختالف ضرورة مفهومية وعملية للوحدة ،ألن الواحد املطلق في واحديته ـ وهو مستحيل ـ مستقطب بالفسحة ال بالوحدة ،ألن الوحدة هي استقطاب ً حصرا .إذن من دون ابتذال املختلف أو املتعدد جدلي مادي (ديالكتيك) كما شاهدنا منذ كارل ماركس حتى انهيار النظام السياسي الشيوعي على أنقاض النظام املعرفي املاركسي ،ميكن أن يكون لدينا تصور لوحدة وصراع املختلفات، والذي هو صراع أقرب الى احلوار ،إذا افترضنا أن أهداف احلوار ونتائجه ليست منحصرة في االتفاق على أساس التسوية .بل رمبا حتققت غاية احلوار في تغليب فكرة على فكرة أو رأي على رأي أو معرفة على معرفة طوع ًا أو سلم ًا ...وهذا ضابط منهجي ال يعفينا من واجب االستمرار في احلوار، ألن في ذلك تعطي ً ال للفكر ،هو ال فكر مقابل الفكر اإلشكالي أو الصراعي اإلقصائي ،الذي قد ال يعطل ولكن حركته تضر أكثر مما تفيد... واحلوار والسجال أو الصراع ،بشرط غائية املعرفة وحريتها ،قد يكون أو هو كائن في مقام الضرورة، خاصة إذا ما أخذنا مبفهوم احلقيقة املركبة واملعرفة املركبة ،بحيث نفسح مكان ًا معرفي ًا لآلخر واملعرفة األخرى ،مع العلم أن املعرفة الشخصية تتبدل فتصبح املعرفة السالفة معرفة أخرى وكأنها معرفة اآلخر وكأن الذي كان عارف ًا بها وأصبح عارف ًا مبا هو مختلف عنها كائن آخر. ً إن ك ً رصيدا من عناصر املعرفة ال منا ميلك املوزعة بني اجلميع من دون استثناء ،والتي يتسابق في ميادينها اجلميع من دون استثناء، وإن كان فرد أو طرف أو مذهب ميلك نسبة أكبر من املعارف أو احلقائق واقع ًا أو حسب ما يدعيه، فإن ما ميلك اآلخرون ،ومهما يكن قلي ً ال في نظر غيرهم ،فإنه كثير بذاته ،ألن الكيف داخل في 22
ضمن الكم في املعرفة .وليس العدد هو املعيار بل املعنى ،وفي املعرفة ينقص املعنى بقدر ما يحط من قيمة ما ال يعرفه من احلقائق .إذن فالشراكة في املعرفة توسع مساحتها ،وقد تتضيق هذه املساحة باالتفاق من دون أن تتوقف املعرفة عن احلركة، فيطغى مظهر الوحدة على مظهر االختالف أو التعدد أو الصراع ،من دون أن ينفيه ،ألنه إذا ما نفاه يكون قد أسس له أو لتجديده بشكل أقسى وأقل معرفة .ما يعني أن الوحدة املعرفية التي هي أقل إحلاح ًا من الوحدة الوطنية مث ً ال ،ال يجوز أن تقضي على التنوع ،وال ميكن لها أن تقضي على هذا التنوع ،بل قصاراها أن تنقل االختالف من صعيد التناقض التناحري اإللغائي إلى صعيد التكامل. هذا هو فضاء أو معنى التسامح ،الذي ال بد من تخليصه من محموله السلبي الذي يشير إلى أن القبول باآلخر أو الفكرة األخرى يقوم على ذرائعية غير معرفية .ألن املضمون الفعلي للتسامح قد يكون هو قبول اآلخر أو الفكرة األخرى على عواهنها .من هنا يقترب مفهوم التسامح من خطر كونه استعالئي ًا .في حني أن
تعبير السماحة قياس ًا على (الشريعة السمحة) قد يكون أقرب إلى تظهير املضمون املوضوعي لقبول اآلخر والرأي اآلخر. على أنه ال بد من االنتباه إلى أن هناك آخر ْين ،هناك آخر هو شخص آخر ،وهناك آخر ذاتي ،هو ذاتك ،معرفي ًا هكذا ،طاملا أن املعرفة متجددة أو متغيرة ،ألنها متحركة وإال انتهت إلى جهالة ،فإذن أنت اليوم غير أنت باألمس املعرفي، فماذا تصنع باملعرفة املاضية أو املنقضية التي هي ذاتك ،هل تقتلها؟ هل تلغيها؟ وهي التي أفضت بك منهجي ًا إلى املعرفة الالحقة! لقد اخترعنا النقد الذاتي كصيغة لالحتفاظ بالذات وتسويغها وجتاوزها من خالل استيعابها ،نحن مدعوون إلى اعتماد هذا األسلوب في التعاطي مع اآلخر ،الذي ندير االختالف عنه أو معه .هذا إذا ما سمونا إلى مستوى اإلقرار بأن اآلخر شرط معرفي ووجودي للذات ،لألنا اخلاصة والعامة ،وأن الذات كذلك شرط معرفي ووجودي لآلخر. واآلخر واملعرفة األخرى حتدينا املعرفي اجلميل، والذي من دون وعيه نتكلس ،ننعزل ،وفي عزلتنا وقطيعتنا ننكب على إنتاج وعي التمايز عن اآلخر، أي وعي الفقر املعرفي الذي يؤدي إلى االنقراض وهو الكامن وراء حضارات كانت ثم بادت ...في النهاية .أنا ال ألغي اآلخر إ ّال مبؤثرات انتمائية إلى جماعة ما كأني أحمي حدود اجلماعة الفكرية صدّ ًا أو الدينية أو املذهبية ،عندما أنصب نفسي َم َ ملنظوماتها الفكرية والقيمية ضد الرياح اللواقح، أي اآلتية من أصقاع ومناخات ،أخرى قريبة أو بعيدة .ومن هنا يصح القول بأن اجلماعات التي تصر على التمايز الكامل عن غيرها إمنا تنتهي الى التالشي ،واالندماج هو احلل األمثل أو األقل ً ضررا ،وهو غير الذوبان القاتل واملستحيل.
هاني فحص
صحيفة «المستقبل» البيروتية 16كانون ثاني (يناير) 2005
فعاليات tاقام «املنبر الدولي للحوار االسالمي» ثالث ورشات تدريبية وذلك في: مدينة الناصرية -جنوب العراق /ايار (مايو) 2008 محافظة الشرقية -مصر /متوز (يوليو) 2008 الدار البيضاء -املغرب /اب (اغسطس) 2008
• • •
tاقيمت الورشات على مدى يومني تدريبيني بواقع خمس ساعات يوميا ً وشارك في كل منها ما بني 15ـ 20متدربا ً من اجلنسني، وذلك ضمن فعاليات مشروع (اسالم ) 21لتدريب الشباب املسلم. tتتبنى املادة التعليمية للورشة مقاربة علمية \ عصرية ـ قرانية ملنهج ادارة النفس والذهن ورفع مستوى الكفاءة في العمل وحتفيز الطاقات الكامنة لدى الشباب املسلم من اجل اداء افضل على الصعيدين اخلاص والعام عبر منهج مدروس متسلسل ومترابط املفاهيم والتطبيقات العملية .وتعتمد هيكلية محددة بستة عناوين تشكل ثالث حصص متكاملة. تتناول العناوين الثالثة االولى ما ميكن دعوته باملفاتيح االساسية ملعرفة وادارة النفس والذهن ،مع تشديد خاص حول املرجعية القيمية للقران الكرمي في السلوك الفردي واجلماعي ومركزية الوحي في املسار الديني للتجربة االنسانية. tفيما تتناول العناوين الثالثة الالحقة مفاتيح لتشكيل وتبني نظرة موضوعية ـ علمية لدور وموقع الفرد املسلم واجلماعة املسلمة ضمن خارطة املشترك االنساني .سواء بفرادة هذا الدور او مساهمته التكميلية لدور اجملموع البشري .وبالتالي تعيد تاسيس النظرة الى االنا واالخر من خالل منظور قيمي قراني ونظرة تاريخية وقائعية .كما تركز على اعادة تعريف وتفكيك مفهوم وفكرة العمل العام واهميته ضمن سياقني :السياق القيمي القراني وسياق املمارسة العلمية للعمل العام في العالم احلديث. tومن اجل متكن الفرد من ادارة عمله ورفع مستوى فاعليته وتاثيره يتم التدريب في القسم االخير من الورشة ـ العنوان السادس ـ على مهارات العمل املؤسسي ومهارات التواصل احلديث. تقام الورشات التدريبية املتقدمة ملشروع (اسالم )21 t باللغتني االنكليزية والعربية عبر برنامجني االول للشرق االوسط والثاني الوروبا ـ بريطانيا والعالم املتحدث باالنكليزية عامة. وفيما يلي العناوين الستة للورشة: رسم خارطة احلياة /ادارة النفس والذهن /مرجعية القران الكرمي /الصراع البشري /الشان العام /مهارات العمل املؤسسي والتواصل احلديث ملزيد من املعلومات ميكنكم مراسلة «املنبر الدولي للحوار االسالمي» على البريد االلكتروني: najah@islam21.net hajar@islam21.net 23
ترجمة
هل ِصدام اإلسالم والغرب أمر ال مفر منه؟ هناك جدار يفصل بين العالم المسلم وبقية ثقافات العالم تحول المسجد من التعبير عن مظلوميات دنيوية الى مظلوميات دينية التي حفظت املعرفة الكالسيكية في باكر العصور الوسطى ،وابتكرت العلوم الطبية والفلكية .واليوم، هناك 15مليون مسلم يعيشون في أوروبا؛ ولو بقيت معدالت النمو على حالها احلاضر ،سيشكل املسلمون حوالي خمس السكان في أجزاء من أوربا الغربية.
نظريا ،ليس هناك صراع حضارات ،ألن ليس هناك حضارات محضة .فمجتمعات آسيا وما وراء األطلسي تعج باالختالفات في القيم واملعتقدات والعادات ،في ما بني تلك املجتمعات وبني املجتمع الواحد نفسه .وما العالم املسلم بأقل تنوعا. فاملسلمون االندونيسيون بالكاد يشبهون أخوتهم في الدّ ين السعوديني ،على الرغم من ارتباطهم بالكتاب نفسه .واألحزاب السياسية األندونوسية واملاليزية معتدلة جوهريا ،بينما تعيق احلكم السعودي مؤسسة التيارات الخطرة لدى رجال دين محافظة جدا .وللنساء حقوق أكبر في المسلمين والغربيين تركيا وقطر منها في اليمن .والدين في سوريا ليس تهدد بتحويل الحوار ّ عامال كبيرا في القانون احمللي والسياسة احلكومية، لكنه حاسم في السودان .بل ،في مستوى أوسع، األكاديمي حول يتجادل املسلمون شيعة وسنّة ،في أماكن عديدة، صراع الحضارات الى في أصالة التزام بعضهم الديني. حقيقة واقعة كأفراد ،يختلف املسلمون عن بعضهم بعضا باجلنسية ،واالنتماء العرقي ،واملستوى االجتماعي ـ االقتصادي ،واملهنة ،وبالطبع ،اجلنس .في الوقت من جانب آخر ،كان علماء وجتار أوروبيون نفسه ،يشترك املسلمني في احلداثة نفسها كما احلال في الغرب .ويعتمدون على التقنيات نفسها ،يسافرون بنحو واسع إلى العالم املسلم ،ابتداء من وأغوتهم العقائد نفسها ـ االشتراكية ،القومية ،عصر النهضة فصاعدا .واستعمر املسلمون شبه الرأسمالية ـ كما جرى عند األوروبيني ،ومتولعون اجلزيرة اآليبيرية ،وصقلية ،ودول البلقان ،في حني ن ّفذ باأللعاب الرياضية نفسها ومنشغلون «بلعبها» األوربيون حمالت صليبية حربية ،وبعدها ،مغامرات إمبراطورية ـ ومارسوا احتالالت طويلة ـ في شمال كاآلخرين. وما كان هناك جدار يفصل بني العالم املسلم أفريقيا املسلم ،والشرق األوسط وجنوب شرق آسيا. وبق ّية ثقافات العالم .هناك تاريخ طويل متشابك ،هذا ك ّله يقترح بأنّ العالم املسلم ليس كتلة واحدة ومأساوي أحيانا مع الغرب ،خالله تغلغل أحدهما منسجمة ،وكله ميثل «حضارة» واحدة أخرى محكومة في اآلخر تغلغال عميقا .فاألكادميية اإلسالمية هي بالضرورة بـ «صراع احلضارات». 24
لكن ،هل أمكن لهذا احلال أن يتغير؟ نعم .فالتيارات اخلطرة ،التي تعشعش بني ظهراني كل من املسلمني والغربيني ،تهدّ د بتحويل اللغو األكادميي حول صراع احلضارات إلى حقيقة واقعة .واألكثر خطورة من بني أولئك هم أصحاب فكرة «األمة» ،مبعنى امليل املتزايد للشباب املسلمني إلى الظن بأنهم جزء من مجتمع موقوف للحرب يتخطى احلدود الوطنية ـ أي أنهم امة ـ بينما يستخ ّفون باالنتساب إلى احملل ّية .باملقابل ،عززت هذه النزوة الشكوك الغربية حول رغبة املسلمني بالعيش في الغرب مندمجني في مجتمعاته ومحترمني قيمه. وكل طرف اآلن يقسر غريزيا األحداث اجلارية إلى فهمه الصارم جدا ملصاحله .وهكذا ،فمن منظور املسلمني ،يظهر إقدام التحالف الغربي على إسقاط «صدام حسني» ال يتصل باالستقرار االستراتيجي أو بالدميقراطية في العراق ،بل أن األمر يتعلق باضطهاد األمة اإلسالمية ،متاما كما إميان الكثير من املسلمني مبا يفعل الهنود في كشمير ،والروس في الشيشان، أو اإلسرائيليني في فلسطني .وفي اجلانب اآلخر، ُي َ نظر إلى العنف اجلهادي واللهجة املتشددة ليس على أنهما رد على ظروف خاصة ،بل بوصفهما خلال جوهريا في اإلسالم. دعونا نبتدئ بأصحاب فكرة «األمة» .لطاملا كان اإلسالم عنصرا أساسيا في الهوية املسلمة. على أن املسلمني اآلن يزيدون الضغط على هويتهم الدينية ليضعوها فوق انتماءاتهم املجتمعية ،بل فوق املواطنة ،أو العشيرة أو الطبقة االجتماعية. وعوملة الهوية املسلمة هذه ،تساعد في إحياء
فلسطني قبل 800عام خلت .على هذا األساس، ليس مفاجئا إن انبثقت حاجة املسلمني إلى إحياء التقوى واستعدادهم للقتال من اجل كرامة اإلسالم، على راس األجندة. ما كان اتساع هذه النزوة أن يكون عفويا. فالنخب احلاكمة في اخلليج ،بخاصة في العربية السعودية ،املشبعة بنسخة إسالم ِصدامي ،واملمتنة إلى رجال الدين احملافظني على ما قدموه لها من دعم سياسي ،م ّولت املساجد واملدارس املنتشرة من أمريكا الشمالية إلى آسيا الوسطى ،وأرسلت واألئمة املتماشني مع أفكارهم إلى آالف املعلمني ّ املجتمعات املسلمة في العالم اجمع .وحلت هجمات 11من سبتمبر/أيلول لتكون رمز مقاومة رهيب لدى الشباب املسلم الغاضب ،بل إن احلرب على اإلرهاب أعطتهم إشارة تؤكد التصورات الشعبية عن قيام حرب غربية ضد اإلسالم. كانت أوروبا حاضنة لهذه املشاعر ملدة طويلة. فتمثيل املسلمني في أوروبا الغربية اقل من استحقاقاتهم في البرملانات ،ومداخيلهم هي األوطأ، وهم أدنى مستوى تعليميا من السكان األوروبيني األصليني واجلماعات املهاجرة األخرى .وأجيال املهاجرين العمال املبكرين ،يشعرون باالمتنان خلالصهم من الظروف السيئة في الشرق األوسط أو شمال أفريقيا أو جنوب آسيا ،فقبلوا هذه الشروط
مصلحة مشتركة يتطابق فيها أهل شمال أفريقيا مع صراعات املسلمني في آسيا الوسطى ،واملسلمني األوروبيني مع النزاعات في الشرق األوسط .إن هذا االمتداد يكتسب قوة من احلس املشترك باملظلومية، وهو ،على األرجح ،ما يغذي الفهم بأنّ هناك ،في الواقع ،حضارتان في صراع .إن حس املسلمني بالهوية املشتركة واملصير يترافق مع تصور عدد من املسلمني بان العالم غير املسلم على حد سواء غير مبال بهم ـ ومتحد ضد اإلسالم. ليس ذلك احلال مجرد انطباع .ففي استطالع للرأي جرى في يونيو/حزيران من العام ،2003 اتفقت الغالبية الكبيرة التي متثلت بثمان مجموعات مسلمة من اصل تسع خضعت للمسح« ،اتفاقا كامال» على عبارة« :أشعر بتضامن أكثر هذه األيام مع الشعوب املسلمة في العالم كله ». وكان املوقف نفسه بالنسبة لـ %80أو ما يزيد من الذين املُستَط َلعني في أندونيسيا وباكستان ،بينما اتفق على األقل %70على هذا الرأي في لبنان، ونايجيريا ،واألردن .وأظهرت الغالبية في الكويت، والسلطة الوطنية الفلسطين ّية ،تضامنا واملغرب، ّ عميقا مع ذلك. وستقوى هذه الديناميكية فقط بانتشار التلفزيون الفضائي واالتصال باإلنترنت ،تلك التقنيات التي توجد الترابط والسياق الضروري لألفراد املسلمني لإلميان واالنتماء لهذه «األمة املتخ ّيلة» .وازدادت سرعة الصور التحريضية للعنف املمارس ضد مسلمني ،منطلقة جتوب العالم أجمع. القيم المتميزة التي على أن هناك قضايا حقيقية .فالشرق األوسط يحملها المسلمون العربي منفصل عن االقتصاد العاملي ،على الرغم من األوروبيون ينبغي ازدياد منوه السكاني .وبلغ معدل البطالة اإلقليمية يتحسن احلال على امتداد سنوات حوالي ،% 25ولن تحسن الثقافة أن ّ ّ مقبلة .والشعوب ترهقها حكومات متسلطة فاسدة، األوروبية ،وتجعل من وتخنقها بيروقراطية غير كفوءة .واملسلمون متشوشون المسلمين مواطنين بالصراع العنيف من الشيشان مرورا بفلسطني حتى كشمير ،بينما يرون احلكام املسلمني قابعني ال لهم وزنهم فيها يفعلون شيئا غير إثراء أنفسهم .وعلى مدى سنوات، كان املسجد هو املكان الوحيد الذي يسجلون فيه ف أنْ حت ّول هذا احلال من التعبير األوروبية ،بينما يركزون على روابطهم بـ «البالد معارضتهم .ومن أس ٍ عن مظلوميات دنيوية إلى مظلوميات دينية .في القدمية» .وعلى أية حال ،فان أحفادهم ينظرون إلى تلك األثناء ،جاء انشقاق السلطة الدينية ،ليمكن عاملهم هذا بعدسة مختلفة جدا .فتراهم في الوقت مستوع ْبني ومنضوين و ُمش َركني في ثقافة نصبوا أنفسهم شيوخا من توجيه عينه َ الراديكاليني ومن ّ النص الديني املقدس وتطبيقه على املشكالت أوروبا؛ لكنهم منفصلني عن مجتمعها .وفي بحثهم جانبي تفسيرها ووصف دوائها .عن هوية تخصهمُ ،عرِضت عليهم املشاركة في املعاصرة في كل من ْ وكانت النتيجة أن تعاظمت قناعة املسلمني بأنهم مجتمع مسلمني متخيل ،لكنه ُملزِم ،ومتخط للحدود محاصرين ألنهم وحكامهم قد قطعوا صالتهم بشريعة الوطنية ،معركته معركتهم .ومن سخرية القدر ،أن الله وبان أعدائهم ـ األميركان وحلفاؤهم الغربيون ـ هذه العاطفة قد أثيرت من خالل إضعاف الهو ّيات حتركهم النوازع نفسها التي قادت الصليبيني لغزو الوطنية األوروبية املنفصلة التي دفع إليها الدمج
األوروبي .وطبقا للذين خضعوا الستطالع الرأي ذاك ،فان أعدادا كبيرة من هؤالء الشباب يعتقدون بأ ّنهم مسلمني أوال ،ومواطنني أوروبيني فقط بوصفها والء ثقافيا. ضرورة إدارية بدال من أن تكون ً ّ أما األوربيني األصليني ،الذين تتجذر قيمهم املادية والعلمانية عموما في ارث التنوير (لوك، أو ديدرو وفولتير ،فهذا يعتمد على أي جانب من القنال اإلنكليزي يعيشون) ،يتزايد شعورهم بان القيم املسلمة ال تتناغم مع ما لهم من قيم .فهم يسألون: أين هي احلفاوة املسلمة باحلرية الفردية ،واملساواة بني األجناس ،وحرية اخليار؟ جاءت تفجيرات مدريد 2005/11/3لتبلور هذه الشكوك. واحلقيقة هي أنّ غالبية مسلمي أوروبا قد ر ّوعهم ويفضلون االندماج على العزلةّ . هذا الهجومّ ، مفكرون بارزون ،مثل طارق رمضان ،أستاذ الدراسات اإلسالمية والفلسفة في جامعة فريبورغ ،وحفيد مؤسس األخوان املسلمني ،يحاججون بنحو بليغ ـ ومقنع ـ بان القيم املتميزة التي يحملها املسلمون حتسن الثقافة األوروبية ،وجتعل األوربيون ينبغي أن ّ من املسلمني مواطنني لهم وزنهم فيها .ونصيحته إلى املسلمني األوروبيني هي«اعرفوا من انتم ،وماذا تريدون أن تكونوا ،وابدأوا احلديث والعمل مع غيركم. أوجدوا قيما مشتركة واعملوا مع مواطنيكم على بناء مجتمع يقوم على التنوع واملساواة .وفي اللحظة التي تفهم فيها أن ليس هناك تناقضات بني أن تكون مسلما وأن تكون أميركيا أو أوروبيا ،فانك ستثري مجتمعك». الظن والشكوى ،خانق .إذ لكن مناخ سوء ّ إن رمضان نفسه ُر ِفض من الدخول إلى الواليات املتّحدة ،حيث كان من املفترض أن يحصل على األستاذية في جامعة بارزة ،بسبب روابطه املزعومة بناشطني .وتسممت السياسة الهولندية مبقتل ثيو فان كوخ على يد ناشطني مسلمني ،ألنهم وجدوه مستفزا لهم .لرمبا تثبت هذه اجلرمية وأثرها أنها مؤشر بالنسبة ألوروبا والعالقات بني املسلمني وغير املسلمني ،وفي مستوى واسع جدا. على الرغم من كل شيء ،ما زال في طاقة األوربيني واألميركيني ـ ومواطنيهم املسلمني ـ تبنّي احلوار الذي متناه طارق رمضان ،حوار يغني بدال من أن يدمر.
ستيفن سيمون* ترجمة :فالح حسن
(*)ستيفن سيمون محلل بارز في مؤسسة راند ومشارك في تأليف كتاب «عصر اإلرهاب املقدس» ،الذي نال جائزة مجلس العالقات اخلارجية .عمل السيد سيمون ،لسنوات عدة، في وزارة اخلارجية األميركية .ونشر هذا املقال في نيوزويك بولسكا في 23كانون الثاني .2005
25
رأي
المسلمون و«الحرب ضد اإلرهاب»
المبادئ الخمسة لمستقبل اإلسالم على المسلمين ترسيخ حضورهم في شتى ميادين الحياة من الضروري تعزيز اهمية الموسيقى واالدب والفن لدى المسلمين الشباب تطالب الصحفية البريطانية الشابة فارينا علم الرجوع إلى القيم الدينية اإلسالمية ـ التي تفضل احلوار على العنف والفضائل االجتماعية على احلماس الديني املتعصب ـ وترى في ذلك إحدى اإلمكانيات لتهدئة غضب الشباب املسلم. إنهم ينادون بأن «اإلسالم يعني السالم»، مركزين في ذلك على أن «اإلسالم يرفض اإلرهاب»، ويصيحون منددين بأن «الغالبية العظمى من املسلمني ترفض العنف» .ولقد عانى زعماء مسلمني في بريطانيا العظمى وفي أماكن أخرى من صعوبات في الفصل بني اإلسالم وبني التأويالت التي تنادي بالعنف بعد أحداث احلادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001على وجه اخلصوص وحتى قبلها. وال عجب ،أنه غالبا ما يتم ربط االسالم باإلرهاب ـ روتينيا ـ في األذهان بطريقة ساذجة ومفتعلة .ولكن طقوس اإلنكار الواهنة قد ساعدت على تفادي سؤال يطرحه املسلمون بصيغة حادة بعد احلادي عشر من سبتمبر/أيلول ،أال وهو ملاذا يتأثر أغلب املسلمني ببالغة دعاة اجلهاد من العلماء ـ املؤولني اإلسالم تأويال حرفيا ـ ومببرراتهم الدينية. أسباب هذا التطور تعتبر واضحة جدا للعيان، فالبالد «اإلسالمية» مثل أفغانستان والعراق وفلسطني ما زالت محتلة ،وحتكم بعضها أنظمة مستبدة يساندها الغرب .فعلى ما يبدو أن املسلمني لم يواكبوا العصر احلديث. وقد انتقل «احلرب ضد اإلرهاب» في املقام األول إلى قلوب وعقول املسلمني في جميع أنحاء العالم، ولم يعد على ساحات القتال التقليدية .وال ينبغي أن تكون إجابتنا على هذا التطور التشبث بعقائد معينة وال حتى التقرب من العنف ،بل علينا أن نثبت حضورنا في تلك امليادين اخلطرة اجلديدة من خالل 26
املنتمي إلى ما بعد احلداثة .يرفض أبو جحجاج العمليات اإلرهابية املوجهة ضد املدنيني ،ولكنه ال يرى حرجا في استعمال هذه الوسيلة من قبل ضحايا االستبداد .وهو يرى أن «احلفاظ على األسس األخالقية ال تشغلهم على األقل في حرب قذرة»، وعليه فيجب مكافحة النار بالنار ،ولتحمل الرياح اللهب حيثما أرادت. هذا من الخطأ
إعادة صياغة الرسالة احلقيقية لعقيدتنا. الرجوع إلى الوراء
ويعد دياب أبو جحجاح من أولئك املفكرين الذين يقتربون من «احلرب ضد اإلرهاب» وذلك بابراز ظواهر القمع املنتشرة في العالم العربي (وفي الغالب العالم اإلسالمي) حتى اليوم .وهذه الرؤية جتبر القارئ على إدراك املسألة من وجهة نظر الضحية. ويرى أبو جحجاح أن األشكال املختلفة للقمع من اقتصادية وسياسية واجتماعية تقوي كل يوم لهيب الغضب الذي يظهر بازدياد على الشباب العرب و(املسلمني) .وهذا الغضب يصيب البالد التي تعيش فيها األقلية املسلمة التي تعبر عن مشاعرها مثلما يصيب البالد التي يشكل املسلمون فيها الغالبية العظمى للسكان. واملشكلة تكمن هنا في أن أبي جحجاح (وبعض أمثاله من املفسرين اآلخرين) يتبنون مبدأ النسبية
وعلى الصعيد العاطفي جند لبراهني أبو جحجاح مغزى دون أدنى شك ،كما جند التعاطف مع املسلمني اآلخرين ـ األمة اإلسالمية ـ في نفس املوقف له أهمية قصوى لدى الشباب املسلم املتأثر بالعوملة. وهنا يجب علينا أن نتفهم سبب االهتمام الشديد من جانب الشباب املسلم في مدينة برادفورد باألوضاع في غزة ،ذلك ألن الهويات الفردية تكتسب أشكالها وصورها من خالل الواقع العاملي. ومع ذلك فهناك خطورة في هذه اللغة املنمقة، ألننا كلما ابتعدنا عن القيم األدبية واألخالقية كلما أصبحنا عرضة الستعمال العنف واإلرهاب .إن تعاملنا مع اإلرهاب واالضطهاد ال بد أن يكون مبنيا على قراءة صحيحة للشارع وأيضا على األسس واملبادئ الدينية واألخالقية في اإلسالم كما نعرفها منذ عصر النبوة. وماذا ميكننا أن نقدم للشباب املسلم في البالد احملتلة ،الذين يزدادون غضبا ويصابون باإلحباط جراء ما يرونه على أنه حرب عاملية تشن ضد اإلسالم؟ وهنا نقدم خمس مبادئ عملية: الصراحة في الحوار
إنه ال بد من إحياء العلوم اإلسالمية
الكالسيكية وأيضا احلوارات األخالقية مرة أخرى، ألن تطور التشريع اإلسالمي وعلوم الدين والشريعة والروحانيات كان مصبوغا بصبغة معتدلة ومتأثر بحتمية التوصل إلى «حل وسط». فبدون الرجوع إلى القيم الدينية ـ التي تفضل احلوار على العنف والفضائل االجتماعية على احلماس الديني املتعصب ـ لن يصبح في مقدورنا أن نهدئ من ثورة الغضب في الشارع العربي. وكما يذكر فؤاد نهدي فإن اإلسالم السياسي املعاصر يقدم اإلسالم السياسي املعاصر ديانة لتموت من أجلها ويقدم اإلسالم الكالسيكي ديانة لتعيش من أجلها .ولوال اإلسالم الكالسيكي ملا كانت تلك اإلجنازات العظيمة التي حققتها احلضارة اإلسالمية (والتي يفخر اإلسالميون بها ويعتزون بها).. واليوم فنحن بصدد إسالم «بروتستانتي»، يكاد يبعد كل البعد عن ماضينا الزاخر بامكانيات التأويل .واإلسالم التقليدي ـ الذي طوقته القوى املستعمرة وفيما بعد أولئك الذين يدعون باملصلحني ـ قد حل محله اليوم اإلسالم الوهابي ،الذي يقوم على تفسير النصوص القرآنية تفسيرا حرفيا. وهذه احلركة (الوهابية) هي التي هدمت احملاريب األربع في مكة ،وفي خالل العقود األربعة املاضية ـ مدعومة بدوالرات بترولية وكم هائل من املنشورات ـ سيطرت على جزء كبير من احلوارات الدينية في االسالم وأحكمت قبضتها ،خاصة في بالد الغرب والعالم العربي.
الوسيلة ،إال أن اإلسالميني اليوم ال يعرفون الرحمة مطلقا .وعلى الرغم من ذلك فإن نداءاتهم تقرع في اآلذان وكأنها إسالمية ،إال أنها في احلقيقة غاية في الدنيوية وتخدم املصلحة الشخصية. وإذا لم نضع حدا لهذه االجتاهات ،نكون بذلك قد جعلنا من الدين مسخة وأصبح اإلسالم شيئا مؤقتا. وسيفقد اإلسالم دوره باعتباره الطريق األصلي القومي حلياة البشر ،إذا فقد املضمون الدنيوي وإذا اقتصر على لغة ثورية تقوم على نظام غير أخالقي وغير أدبي. إن الروحانية اإلسالمية ،أي الصوفية ،تعتبر اجلزء املكمل حلياة املسلم الدينية .وقدم أولياء وشيوخ الصوفية نظرة منهجية ملعرفة الله تستند على تالوة االبتهاالت ،التدرب على تطوير شخصية ورعة قومية، بغية إذالل األنا وتكريس النفس خلدمة املجتمع .ومن املمكن ان تصبح الصوفية اليوم ـ بتركيزها على القيم االسالمية املشتركة ووضع األهداف السامية نصب عينيها ـ مبثابة قوة كبيرة مضادة لإلسالم السياسي املجاهد. واألمر ال يتعلق هنا بفهم اإلسالم على أنه
يجب ان يكون تعاملنا مع العنف ًا على االسس مبني الدينية واالخالقية الدعاية للروحانيات إنه ملن األهمية مبكان إحياء السلوك األخالقي، فقضية التعاطف مع سلوكيات بن الدن وكل من يحذو حذوه تكمن في أنهم يستخدمون هنا لغة اإلسالم ويوجهون النداء إلى األمة في حني أنهم يغضون الطرف في الوقت نفسه عن األسس األخالقية واألدبية لهذا الدين .ولكن الثورة العاطفية والغضب لن تساعد على معاجلة هذا املوقف الراهن. وعلينا أن نعود إلى الطريق الذي يوصل إلى النبي محمد باعتباره نواة العقيدة اإلسالمية، فاالسالم السياسي يرى النبي كقائد محارب ،مع أنه كان كذلك ولكنه لم يكن محاربا فقط .فكانت دعوته تكمن في تقومي البشرية من خالل عبادة الله وتقديس ذاته العلية. وطبقا لتعاليم النبي محمد يجب علينا أن معتد سيء نتمسك باألسس األخالقية حتى ولو أمام ٍ السلوك .وكما ورد في القرآن الكرمي أنه «رحمة للعاملني» ،فالرحمة هي الصفة املميزة للنبي ،وكان حبه العميق جتاه اخلالق سبحانه وجتاه إخوانه في الدين باعثا له في كل تصرفاته ،فكان رسول السالم وسياسي ،وكرمي وفي غاية احلماسة. ومع أن النبي لم يأخذ البتة مببدأ الغاية تبرر
يقف مكتوف األيدي جتاه األمور ،فعلى العكس جند الصوفيني ـ على سبيل املثال ـ قد شاركوا في كثير من احلروب ضد االستعمار في مقدمة اجلبهة، أمثال عبد القادر اجلزائري في اجلزائر وعمر املختار في ليبيا وشامل الداغستاني في القوقاز .وكان اإلخالص في املبادئ عندهم أهم من النصر السياسي أو العسكري. وجوب فصل الدين عن الدولة
ال بد من إبعاد علماء الدين عن سلطة الدولة، فالدول التي ميثل املسلمون فيها أغلبية السكان عليها أن تتوقف عن تدخلها في الشؤون الدينية. فالتقاليد اإلسالمية تتطلب عالقة قومية بني علماء الدين وبني الدولة حتى يتمكن كل منهما مراقبة اآلخر .واملجتمعات اإلسالمية حتتاج إلى العلماء كقوة محركة داخل املجتمع ،والدولة عليها أن تنسلخ عن الدين وتنشغل بشؤونها اخلاصة. وقد حذرت التعاليم اإلسالمية الكالسيكية
علماء الدين من التقرب الكبير من السلطة السياسية ،وكثير من مشاهير العلماء قد هربوا قدميا من بالط السلطان حتى يحافظوا على نزاهتهم وال يعرضوا حريتهم للخطر. وهذا ال يعنى أن على العلماء الذين يشغلون اليوم مناصب سياسية أن ميسكوا عليهم ألسنتهم، فكثير من العلماء يشغلون مناصب رفيعة في الدولة، مثل مفتي اجلمهورية الشيخ علي جمعة مبصر. و»الدولة اإلسالمية» تتطلب بكل املفاهيم موقفا إسالميا روحيا على أسس من الرحمة والعدالة والعفة ،بدال من اليوتوبيا. عليكم أن تفخروا بالحضارة
عليكم بوضع أجندة ثقافية للمسلمني الشباب، فقد قلل العلماء احلرفيون -على مدى سنني طويلة – من أهمية املوسيقى والفن واألدب (خاصة في بالد الغرب ،حيث أصبح اجلدال حول حل سماع املوسيقى أو حرمتها موضوعا محببا) ،في حني أن املجتمعات اإلسالمية أتت بالعديد من القدرات الفنية والثقافية املتعددة املعاني على مدى التاريخ. وقد مر مالكولم إيكس مبرحلة تطور كبيرة ،حيث كان محام للدفاع عن حقوق الزنوج وأصبح مسلما سنيا جمع بني الكفاح العاملي ضد سياسة االحتالل في افريقيا وجنوب شرق أسيا مع رغبة الزنوج األمريكيني في النضال من أجل حقهم في تقرير املصير. وبعد أن رفض التعاون مع األمريكان البيض على مدى عدة أعوام من حياته حتالف مع مجموعات كثيرة وشتى ،مثل اليهود والهندوس والبوذيني والبيض واآلسيويني والزنوج واإلشتراكيني والشيوعيني والرأسماليني .وكان على اقتناع بأن اإلسالم يأمر البشر باحلركة اجلماعية حلل مشاكلهم، ولكي يضع نهاية للعنصرية تعاون مع كل من كان على استعداد لذلك .ونحن اليوم بحاجة ماسة إلى مثل هذا التحالف عن ذي قبل. فاإلرهاب يجب أن ينهزم ،ولن يكون ذلك إذا ما استخدم املرء نفس الوسائل مثل القنابل ورصاص البنادق وانكار حقوق اإلنسان .وعلينا أال نتوجس خيفة من أن نسير في الطريق الوسط وأن نتجنب اإلسالم احلرفي ،مثلما فعل مالكولم إيكس مع الشعور باألفضلية على اآلخرين كما حدث مع الزنوج وأطلق عليها منتدى الزنوج «House .»negroismفاملسلمون ـ وجميع البشر على وجه األرض ـ يحظون مبا هو أفضل من ذلك.
فارينا علم*
ترجمة عبد اللطيف شعيب صدر املقال على موقع opendemocracy * فارينا علم صحفية من أصل بنغالديشي، مقيمة في لندن وترأس حترير مجلة Q-news 27
تجارب
اد حسين :علينا الوقوف ضد من اختطف إيماننا وأساء إلى تسامح ديننا حرف واستغل يمكن ان يكون االسالم القوة االكثر خطرًا لو ّ المتطرفون يسعون لسلخ ديننا عن سماحته اد حسني 33 ،عام ًا ،مؤلف كتاب «اإلسالموي »The Islamistالصادر باللغة اإلنكليزية ،الذي أثار الكثير من اآلراء بعدما سلط مؤلفه الضوء على جتربته احلياتية كمسلم بريطاني ،وارتباطه بتجمعات إسالمية متطرفة ،في السادسة عشرة من عمره، ودعوته إلى التسامح ونبذ الكراهية ومعرفة الذات من خالل معرفة اآلخر. يقول الكاتب: «لم تبلور قضية الهوية واالنتماء أي مشكل لدى عائلتي ،فنحن ننتمي إلى إنكلترا ...فهي الوطن. قدم والدي إليها ،وهو في الثالثني من عمره ،حينما كانت الهند حتت االستعمار البريطاني ،واستطاع أن ً صغيرا يقدم وجبات هندية سريعة في يدير مطعم ًا منطقة «المي هاوس» ،شرقي لندن. وعلى الرغم من أننا عائلة مسلمة ملتزمة، إال أن والدي دائما ما كان يرتدي بذلة من ثالث قطع ،ويفخر بانتمائه إلى التاج البريطاني ،في حني كانت والدتي تصحبنا لرؤية «بابا نويل» في أعياد امليالد. كانت اآلصرة األسرية التي جمعتنا حميمة .ولم تكن مدرستي االبتدائية تبعد عن منزلنا سوى 3 دقائق ،فكنت اشعر دائما أنها ملحقة مبنزلنا ذاك. والدي يقدمان مساعدات ملدير املدرسة وطاقمها كان َّ التدريسي في السفرات املدرسية واملعارض الفنية... كانت أيام ًا سعيدة وجميلة. بدأت منذ تلك األعوام بكتابة قصص قصيرة حظيت بإعجاب املعلمة التي أخذت تطبعها على اآللة وتوزعها على التالميذ. نصحني مدير املدرسة بعدم االلتحاق بالثانوية اخلاصة بالفتيان ،حيث كان اغلب طالبها من العائالت البنغالديشية املهاجرة حديث ًا إلى إنكلترا، 28
لكن أبي أصر على التحاقي بتلك الثانوية .رفض املدير وإصرار أبي أدخلني في حيرة .فكان القرار األخير ألبي في أن التحق بثانوية «ستيبني غرين». شعرت بالغربة منذ أيامي األولى في تلك الثانوية، وأحسست بالوحدة وبأنني أغرد خارج السرب .فكنت أمتنى عودة أيامي اجلميلة في مدرستي االبتدائية متعددة األثنيات واألديان. في الثانوية جرت األمور على غير عادة ما كان في املدارس البريطانية .فقد كان املدير قاسي ًا ومدرس الرياضة يزعق في وجوهنا على الدوام ،وترك غالبية التالميذ مقاعد الدراسة في سن السادسة عشرة ليعملوا في مطاعم هندية ،أو في أسواق شعبية، او في املصانع املنتشرة في الضواحي .بصراحة كانت حياتي على شفير هاوية حقيقية في تلك الثانوية.
لكن األسوأ هو الذي سيأتي الحقا ،حيث كنت موضع سخرية التالميذ بسبب نظارتي الطبية ،إذ كان الطلبة القادمون من قرى وأرياف بنغالدش يعتقدون أن ارتداء النظرات الطبية مقتصر على كبار السن. علي لقب «صاحب النظارات». وأطلقوا ّ لم أكن انتمي إلى تالميذ الصف ،أو إلى العصابات ،التي شكلها التالميذ في املدرسة... ً وحيدا .بعد التجمع الصباحي ،كان التالميذ كنت يهربون في الغالب من املدرسة متوجهني إلى شارع اكسفورد التجاري لسرقة حاجيات رخيصة وبسيطة. ولم تكن الهيئة التدريسية تعر أهمية تذكر ملا يجري. ً وأتذكر جيدا أن صف العلوم ،الذي كان حتت إشراف مدرس مساعد ،كانت املياه تغمر املكان، ونيران املختبر متوهجة ،في حني كانت الكراسي مهشمة ...هكذا كان حال الثانوية. في يوم ما وفي عامي اخلامس عشر ،وبعد انتهاء الدوام ،وخالل انتظار والدي الذي تأخر قلي ًال، شاهدت احد الطلبة ،الذين كانوا يهربون من املدرسة، عائدا وهو ملطخ بالدماء ألنه سار في منطقة «معادية» على وفق تقسيمات عصابات املدرسة... وكان ممكنا أن أكون أنا الضحية. في تلك األيام ،كنت ابحث عن معنى للحياة. وظننت أن اإلسالم األصولي قد يكون حال بالنسبة لي .بدأت خطوتي األولى مع اإلسالمويني بالقراءة، حيث التقيت بإسالموي آسيوي مولود في إنكلترا، وكان يرتدي دائما الكوفية (الغترة) الفلسطينية ويتردد على مسجد احلي ،حيث أعطاني مجموعة كتب ...أنا املولع بالقراءة! ولم ارغب حينها أن يعرف والدي بأمر تلك الكتب. م ّثل لي االنضمام إلى تلك اجلماعة الهوية
والقوة الروحية ،لذا انتميت إلى تنظيم متطرف يدعى «حزب التحرير» .وفي العام 2005أديت فريضة احلج ،وأردت أن أكون قريبا من مكة واملدينة الستمد القوة الروحية من املكان .هناك أدركت أن اإلسالم ً خطرا على األرض قاطبة ميكن أن يكون القوة األكثر لو ُح ِّرف واس ُت ِغل. زرت مسجد الرسول في املدينة املنورة وطفت في املكان بعد صالة الفجر ...وجدت كل شيء تغمره روحية طاهرة ...حتى الهواء .كان ثمة مجموعة من املسلمني الشيعة بدأوا ،بعدما أدوا الصالة في املسجد ،مبدح الرسول وخصاله احلسنة ،غير أن احلرس السعودي وبعض الهيئات الدينية املشرفة على املكان منعتهم من أداء هذه الطقوس وطردتهم بالقوة من املسجد .اعتقدت أن وجودي في هذا املكان سيقربني إلى اخلالق ورسوله ،لكني كنت شاهد عيان على احلقد والكراهية املتزايدة بني املسلمني. ِ سألت احد احلراس باللغة العربية :ل َم فعلتم هذا بهؤالء الناس؟ أجابني :هل تعلم َم ْن هم هؤالء؟ ـ إنهم مسلمون ـ كال ،إنهم شيعة. برق في راسي أن اإلهانة التي كنت أتعرض إليها على يد تالميذ تلك الثانوية إمنا سببها اختالفي عنهم .وهنا ،في هذا املكان الطاهر ،يتعرض الشيعة لإلهانة ويطردون من بيت الله ببساطة ألنهم مختلفون أيضا. دفعتني تلك احلادثة ألقول :علينا الوقوف ضد من اختطف إمياننا وأساء إلى تسامح ديننا، لذا وضعت كتاب «اإلسالموي» ألنقل إلى القراء، بخاصة املسلمني منهم ،ما يحدث عادة حني يحاول البعض سلخ الدين عن سماحته. بعد مدة قصيرة من نشر الكتاب ولدت لي ابنة أسميتها «كميلة» ،اسم مشترك بني العرب واإلنكليز «كميلة – كاميال» ،ألث ّبت دليال على التكامل بني الثقافات واألديان .أمتنى أن تنشأ ابنتي «كميلة» ً بعيدا عن أجواء الكراهية واإلساءة إلى املرأة ،فعلى املسلمني احترام أخواتهم وبناتهم. واليوم ،هناك مساجد ال يرغب القائمون عليها أن أؤدي صالتي فيها ،بخاصة بعد صدور كتابي علي املضي في مسيرتي لتوعية هذا .مع ذلكّ ، املسلمني بضرورة اقتالع احلقد والكراهية ومعاداة اآلخر من قلوبهم. «كميلة» تعني الكامل بالعربية ،وهذا ما أسعى إليه بعد والدتها وصدور الطبعة األولى من كتابي األول. مجلة «ذي صاندي تايمز» اللندنية 10آب (اغسطس) 2008
ازدواجية الحركات االسالمية في دائرة التخبط السياسي في دائرة االعتدال تنتظم عملية املراجعة ،ويشتغل العقل احلركي <>عقل العصبة>> باملفاهيم املبدئية اجلديدة>> املشاركة والتفاعل>> واملفردات األصولية اجلديدة>>املصالح واملفاسد وفقه األولويات>> وتنتقل احلركة اإلسالمية من تبني املفاهيم العامة ذات الصلة بالنظرة إلى الواقع واجملتمع إلى املفاهيم اخلاصة ذات الصلة بالسياسة واملؤسسات ،فينتقل مفهوم التعايش والتفاعل مع اجملتمع ـ وهي املفاهيم التي كانت حصيلة نقد لعقلية املفاصلة والعزلة ـ إلى مفهوم املشاركة السياسية ،كما تؤدي املفاهيم األصولية اجلديدة مثل>>فقه األولويات>> و>>فقه املوازنات>> و>>فقه الترجيح بني املصالح واملفاسد>> أدوارا وظيفية ،إذ تعني في طرح قضية املشاركة في املؤسسة التشريعية والتنفيذية للتداول الفكري. حتصل احلركة اإلسالمية ـ في هذه الدائرة ـ نظرة أكثر واقعية عن األطراف الفاعلة في الواقع ووزنها السياسي ،وطبيعة احلراك االجتماعي ،وتتعرف على منهجية صناعة القرار السياسي، ويدخل إلى مفرداتها وألول مرة مفهوم السقف السياسي ،ومفهوم اإلقدام واإلحجام ،ومفهوم استثمار الهوامش وتوسيعها ...إنها بكلمة ،تدخل إلى قلب السياسة ،فيتجه عقلها النظري إلى إعادة طرح سؤال املرجعية اإلسالمية ،فتراجع كل اإلجابات اجلاهزة التي حصلتها في الدائرة العقائدية والتبشيرية ،ألنها ال تسعفها في كسبها السياسي ،وال يحصل من وراء تبنيها سوى التخبط في ازدواجية خطيرة بني ممارسة سياسية متقصدة ،وخطاب عقائدي غير مطمئن. بعض احلركات اإلسالمية تستمر ،بقصد ،في استصحاب هذه االزدواجية ،وترى أن اخلطاب العقائدي هو من آليات التحشيد اجلماهيري الذي ينفع في تقوية املوقع التفاوضي خلط االعتدال السياسي ،لكن غالبية حركات االعتدال السياسي اإلسالمي تسعى إلعادة النظر في هذا اخلطاب العقائدي ،وتتبنى مفهوما جديدا ملسألة املرجعية اإلسالمية. ال تقطع حركات االعتدال السياسي اإلسالمي في تعاملها مع النصوص الشرعية مع املنطقات األصولية ولكنها ،تنتظم بعمق في التراث األصولي ،وتدعو إلى تدشني زمن أصولي جديد ،تلعب فيه النظرية املقاصدية دورها في الربط بني النص والواقع. لم تعد احلركة اإلسالمية في دائرة االعتدال ـ مرتهنة لداللة النصوص التفصيلية ،ولم يعد ـ بفعل هذا التحول الفكري واملنهجي ـ املنتوج الفقهي عبئا ثقيال عليها .إنها حني تطرح قضية املرجعية اإلسالمية ،فإنها ال تعني أكثر من تفعيل املنهج املقاصدي لفهم الواقع ومعاجلة إشكاالته وإبداع اختيارات وبرامج للتنمية اجملتمعية قادرة على املنافسة ومتسمة بصفات اإلغراء واجلذب ..لم تعد املرجعية اإلسالمية ـ ضمن دائرة االعتدال ـ منتوجا فقهيا إسالميا مبسوطا ،ولم تعد مجرد إحالة إلى التجربة التاريخية لألمة ،وإمنا صارت مقاصد عامة لفهم الواقع ،وأداة منهجية لالنخراط فيه ،وقواعد كلية لالقتراح والتدبير. تتجاوز احلركة اإلسالمية في دائرة االعتدال عقل>> العصبة>> وتدرك أنه يستحيل عليها أن تكون بديال عن الواقع ،وتعي أن عليها أن تنفتح على مؤسسات اجملتمع إذا أرادت فعال أن تغير الواقع .وهكذا يصير عقل ال>>العصبة>> عقال <>سياسيا>> يرى أن املؤسسة هي مفتاح تغيير الواقع .للمرء أن يالحظ ،أنه بقدر اقتراب احلركة اإلسالمية من الواقع ،بقدر ما ينضج التفكير احلركي اإلسالمي ،بحيث تفصل عموماته ،وتطرد مراجعاته .وبقدر ما ينفصل التفكير احلركي عن الواقع حتت أي تبرير فكري ،بقدر ما يكون خطابه غارقا في العمومية ،وتكون ممارسته مدعاة للتشكك .
بالل التليدي
صحيفة «التجديد» ( المغرب )
29
قضايا
هل يتوافق اإلسالم والحداثة؟ االسالموية السياسة غالبًا ما تستند الى قيم المجتمع الذكوري تمثلت أهم تحوالت الحداثة بتكريس المساواة بين الرجال والنساء أمر صعب ومع ّقد التعرض ملوضوعة اإلسالم واحلداثة .ال تزعم هذه املقالة تفسير إشكالية كان لها احلظ الوافر من الدراسات ،أو اإلتيان بإجابات تلخص املسألة قلي ً عليها ،إمنا هي ببساطة ّ ال، على الرغم من أنها بهذا تخاطر في االنزالق إلى تسفيهها. ً باملعنى املقبول عموما ،تشير كلمة «حديث» ومنها تُشتق كلمة «حداثة» ،إلى ما يتصل بالزمن احلاضرً . وإذا ،فهذا التعبير من أضداد الـ«قدمي» أو الـ «ممُ ات» .على أننا إن عدنا إلى التاريخ، ألدركنا بسرعة أن احلداثة تتأرخ في العصر القدمي، وبالتحديد في عصر احلضارة اإلغريقية .فقد كان بداع من إرسائهم أول نسق اإلغريق رواد احلداثة ٍ سوسيوـ سياسي في العالمُ ،مك َّرس لفصل الدين عن الدولة .فصار التنظير عندها في إدارة املدينة َوقف ًا على املفكرين والفالسفة ،على ِمنْوال أرسطو وأفالطون ،الذين أطالوا البحث في شأن اجلمهورية ( ،)res publicaالتي تعني «الشأن العام». عالوة على ذلك ،لعل بوسعنا القول أن احلداثة ُوجِ دت ُمذ صار العقل القيمة األساسية التي بهداها ينقل اإلنسان خطاه .وهذا يعني القول بأن احلداثة تالزم حرية الفرد .وكان الفرد في ِ القدَ م ذائب في احل ّيز الفئوي الذي متثله القبيلة أو العشيرة ،فكان يشاطر اجلماعة املندرج فيها صاحلها ويبذل نفسه من أجلها .وعلى الرغم من أن احلياة الروحية لم تكن مقصاة عن ذلك احل ّيز ،إال أنها غدت شأن ًا شخصي ًا بحصر املعنى .وكان رجال الدين بطبيعة احلال يعنون بذلك اجلانب ،محاذرين من التدخل في إدارة املدينة ،الذي كان شأن ًا زمني ًا .وطبع ًا ،جرفت هذا النسق الدميقراطي موجة لَ ِ ّم األنصار التي أشار بها الدينان التوحيديان .وهذا هو سبب ذبول احلداثة على مدى العصر الوسيط األوروبي الذي شهد علو يد إعادة تنشيط الباراديغم(النموذج) الديني ،على جميع مظاهر احلياة األخرى .وما محاكم التفتيش، التي أعقبت ذلك ،إ ّال نتيجة تَعدّ ي الدين على ميدان ح ّيز الدولة املؤسساتي .وتوجب انتظار مجيء قرن األنوار وثورة العام 1789الفرنسية حتى يتصل
30
الغرب بحداثته مرة أخرى .فكانت العودة إلى منط التفكير العقالني ،ثمرة «العقل ،»Raisonهو من صنيع الفالسفة الذين جدّ دوا طرائق التأ ّمل في العالم ،مثل ديدرو وفولتير وروسو .ثم أن والدة اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان حدثت في رحم هذه احلركة الفكرية التي ال سابقة لها .بيد أن هذه الصحوة لم جت ِر بني ليلة وضحاها .إذ اندلعت صراعات كبيرة ،وحدثت حروب مرعبة دامت قرون ًا، ضد ظالمية رجال الدين (وهم الذين حرقوا غاليلو)، فما كان حتطيم النظام الذي أقامته الكنيسة باألمر الهني .فقد كانت الكنيسة ،كما نعلم ،تتولى تدبير شؤون الشعوب األرضية ،وهو ما كان قد فسح املجال لسيادة ما يدعى باحلق اإللهي .وعلى هذا األساس ،جمع احلاكم بني مهام البابا ومهام امللك مؤسس ًا بذلك االستبدادية عقيد ًة للدولة .وتأسست الشرعية ال على الدميقراطية املباشرة كما كان احلال لدى اإلغريق األقدمني .ولنلحظ أن احلركة التي حملت احلداثة شهدت اتساع ًا في أوروبا في القرنني التاسع عشر والعشرين .وأحد أكبر التحوالت التي بلغتها احلداثة كانت بال شك تكريس املساواة بني حقوق الرجال وحقوق النساء .لكن عندما يتعلق سجل أن هذه البلدان لم األمر ببلدان اإلسالمُ ،ن ّ تشهد التطور التاريخي نفسه .فالعقل هنا يقوم بعوامل عدة .ففي البدء ،ال وجود في األرض املسلمة لرجل الدين ،الذي يجسد إدارة وتراتبية العبادة ،وكذا احلال في ما يخص النسق اإلقطاعي، الذي كان أصل تأسيس دول أوروبا .إذ إن العالم املسلم بعامة ،والعالم العربي بخاصة ،استغرق في ُسبات طويل :من قرون من االنحطاط حتى الصدمة الكولونيالية .ومن سوء حظ بلدان املسلمني أنْ كان ً قسراُ ،مذ ُفرِضت عليها الولوج في احلداثة كما بالعنف القيم التي نقلها احملتل إليها .فالفردانية، وشفرات السلوك الغربية ،واللغة والثقافة األجنبيتان، هي ،كحال مظاهر كثيرة جديدة ،أ ّثرت في أهل تلك البلدان أكثر مما استبطنوها .وكان من آثار الصدمة الكولونيالية التي أنتجت في قلب املجتمعات اإلسالمية قيم ًا عديدة ،أنْ دفعت بهذه املجتمعات
إلى تبني طرائق سلوك تلفيقية. ومن هنا يتأتى ذلك القلق الوجودي الذي وصفه احملللون النفسانيون بـ»التيه الهوياتي». عليه ،فاإلسالموية السياسية بوصفها أيديولوجيا مترابطة تستند إلى قيم املجتمع األبوي ،ذلك ً مكانة كبيرة للجنس الذكوري، املجتمع الذي ُيفرد ُقدم للمسلمني الضالني وسيلة في أنْ يتجمعوا حول ت ِّ نواة متحجرة ،متكونة من شيفرة الشرف القدمية، واألساطير ،وإرث ثقافة األجداد .إذن ،يقوم جناح هذه األيديولوجيا على أساس لفظ الثقافة خارجية املنبت ،ثقافة أدخلت الريبة تلقاء الهوية األصلية امل ُتوهَمة .وهنا يفهم عدد من احملللني أن املجتمع التقليدي املوجود في كل أصقاع بلدان املسلمني، بوصفه مجتمعا متخطيا للحدود الوطنية ،على أنه تعبير عن األممية اإلسالموية .ولم تشذ اجلزائر عن هذه الظاهرة .إذ أراد اإلسالمويون فيها إعادة تأسيس النسق األبوي ووضعوا برنامج ًا لدعوة النساء العامالت للزم بيوتهن ،إنْ هم افلحوا في االستيالء على السلطة فيها .لكن برغم رفض اجلزائريون احلداثة االجتماعية ،جتدهم يستهلكون منتجات الغرب وتقنيته ،كما حال الشعوب املسلمة األخرى في العالم العربي واإلسالمي .فقد اجتاحت ح ّيزهم الوطني السيارات ،واألجهزة املنزلية ،وأدوات املعلوماتية واملستلزمات من كل ضرب ونوع. وهكذا ُيختَزلون رغم ًا عنهم في استهالكهم هذا. فال تدع احلداثة التي تتناغم اليوم مع العوملة ،أي هامش مناورة للشعوب التي تقرر أو تُدّ عي أنها تدير ظهرها إليها .ذلك أن التموضع في هامش غفلة احلداثة َي ْع ِدل ترك املرء نفسه لها لتلقفه على ٍ منه .وفوق ذلك ،يقع القطع بني قبول استهالك هذه املنتجات عالية التقنية ،وهي من عمل الغرب ،وبني رفض مبادئ هذا الغرب نفسه ،الفلسفية والثقافية. وليت هذه البلدان تفيد من أمر فصل املجالني الديني عن السياسي ويكون مبستطاعها األمل ذا يوم مبصير وطني يختص بها.
لربي غرايين
إصدارات منطلق ًا من استعراض احملاوالت اجلادة في شأن التجديد تاريخي ًا عبر قراءة نقدية باعتبارها اخلطوات األهم في مسار تأسيس رؤية جتديدية متمايزة واخلوض في غمارها بهدف الوصول إلى حلول ناجعة متوشجة بأواصر عدة ومتينة مع حاضرنا املاثل.
كيف يتجدد الفكر اإلسالمي؟ ً مؤخرا عن املـــركز الثقـــافي صـــدر العربي في بيـــروت كتاب لزكي امليالد حتت عنوان« :اإلسالم والتجديد ـ كيف يتجدد الفكر اإلسالمي» .يضـــم الكتاب سبعة فصول ،اخلمسة األولى أكدت وجهات نظر خمسة مفكرين غربيني وعرب شاعت في أعوام متباعدة خالل القرن العشرين ،ومنهم :محمد إقبال، السير هاملتون جب ،محمد البهي ،أمني اخلولي ،وحسن الترابي. ومتثلت فكرة امليالد في عرض رؤى هؤالء املفكرين حول جتديد اإلسالم وتطوره خالل العقود التي ظهرت فيه ،استعراض أهم احملاوالت في هذا ً مؤخرا وهي :إسهامات اخلصوص .ويعدد املؤلف ثالثة مقومات أساسية برزت اجليل اجلديد من املثقفني اإلسالميني حول قضية التجدد الديني ،وتأثيرات أحداث 11أيلول (سبتمبر) ،2001واهتمام النخب غير الدينية في مسألة جتديد الفكر اإلسالمي. يعرف امليالد التجديد بأنه «تعبير عن نقد ومفارقة» ومن هذا املنطلق يتناول املفاهيم املرتبطة بالتجديد الديني ،خاصة ما يتعلق بالنسيج الفكري الذاتي من جهة ،والنسيج الفكري املوضوعي من جهة أخرى ،واحملتويان على ثالث عالقات مهمة وهي :عالقة الفكر مع ذاته ،وعالقة الفكر مع عصره، ً مؤكدا أن قضية التجديد في الفكر وأخيرا عالقة الفكر مع ذاته وعصره مع ًا، اإلسالمي تستوجب تغليب نزعة احلداثة على النزعة التراثية املاضوية التي طاملا حدت من شروط التجديد ومعطياته. ولكن هل يحتاج التجديد حق ًا إلى صدمة لبلوغ أهدافه؟ في هذا الشأن يؤكد امليالد بأن التجديد بحاجة ماسة لصدمة كبيرة وملحوظة توازي حملة نابليون العسكرية على الشرق ،في الوقت ذاته ظهور شخصيات إصالحية من طراز خاص ،إضافة إلى التحرر من التبعية والتقليد وإتباع االجتهاد والريادة ليس على مستوى الفكر الديني فحسب ،بل على جميع الصعد العلمية واإلبداعية واحلياتية. وفي الفصل السابع من الكتاب ،وهو األخير ،يقدم امليالد مشروعه اخلاص حول التجديد ،مستعرض ًا أبعاد ذلك املشروع ومالمحه األكثر أهمية. يقدم الكتاب رؤية مغايرة في قضية التجديد في الفكر اإلسالمي،
أوروبا واإلسالم... تاريخ من سوء التفاهم ميثل كتاب «أوروبا واإلسالم ...تاريخ من سوء التفاهم» للمؤرخ اإليطالي فرانكو كارديني ،الصادر عن دار شرقيات القاهرية بترجمة الدكتور عماد بغدادي ،بحث ًا أكادمييا مهم ًا في حتليل ونقد ً مرورا بعصر ابتداء من العصور الوسطى مسار العالقة بني أوروبا واإلسالم، ً التنوير ولغاية العصر احلديث. يتناول املؤلف في الفصل األول من كتابه وعنوانه« :نبي وثالث قارات» قضية استمرار الصدام بني املسيحية واإلسالم ،رغم أن احلداثة في أوروبا فصلت الدين عن الدولة ،إال أن معظم األوروبيني ينظرون بقلق للنفوذ املتزايد للحركات اإلسالمية ،ما يسهم في ترسيخ الفكرة القدمية ،التي مفادها أن اإلسالم هو العدو األول للحضارة الغربية. يرفض املؤلف في دراسته املقارنة بني أوروبا واإلسالم ألنها تقوم بني مصطلح جغرافي وديانة سماوية ،ويرى أن املقارنة الصحيحة من الضروري أن تكون بني أوروبا وآسيا وذلك بسبب التناقض الشاخص بني العاملني ،في إطار الصراع بني الشرق والغرب والذي يسبق التطاحن بني اإلسالم وأوروبا مبدة زمنية طويلة. ويسلط الكتاب الضوء على أن اإلسالم لم يكن مجرد ديانة بل حتمل قوانينه نظام ًا اجتماعي ًا متخم ًا بالقواعد واألحكام التي يقارب بعضها ما يعرف اليوم بالدستور ،ليسافر هذا النظام إلى أوروبا عبر التجارة والغزو اجلزئي ،إلى جانب العلوم والترجمات ومؤلفات املسلمني ،غير أن احلروب الصليبية واألندلس والغزو التركي لشرق أوروبا ،اسهم في تعزيز الفكرة السائدة بأن العرب واملسلمني هم الغزاة في الثقافة األوروبية ،لذا ارتبط اإلسالم لدى األوروبي باألتراك وجيوشهم ،وال يزال لدى شريحة غير قليلة من األوروبيني. ويشير الكتاب كذلك إلى املنعطفات احلرجة التي شهدتها عالقة أوروبا 31
باإلسالم ،خاصة في القرنني التاسع عشر والعشرين املاضيني ولغاية إعالن وعد بلفور وتأسيس دولة إسرائيل. ويعزو الكتاب األسباب احلقيقية التي ساهمت بتأجيج العداء بني األوروبيني واإلسالم ،إلى املعلومات غير الدقيقة التي ترسبت في الثقافة األوروبية اجلمعية عن اإلسالم خالل القرون املاضية.
فصلية «التسامح» في عددها الجديد
مسلمون في مواجهة اإلسالم... مسيحيون في مواجهة المسيحية يسلط كتاب د .احمد بسام ساعي الصادر حديث ًا بعنوان «مسلمون في مواجهة اإلسالم... مسيحيون في مواجهة املسيحية» ،في فصوله الثمانية ،الضوء على عالقات بشكل خاص، بشكل عام ،واإلسالم واملسيحية الشرق اإلسالمي والغرب ٍ ٍ محاو ًال إيجاد لغة خطاب موضوعية للبحث العلمي بني اجلانبني ،منطلق ًا من التنظير لقواعد قراءة اآلخر ،داعي ًا إلى شحذ ما يسميه بـ«القراءة الفراغية» للنصوص التي تتم بـ«استحضار الغائب واستبعاد احلاضر» في محاولة جادة للتخلص من تأثير الزمن احلاضر على تلك القراءة ،واستحضار الثقافة الغائبة للنصوص املقروءة. يتناول الكتاب في فصله الثاني لغة اخلطاب املستخدمة في البحوث العلمية في عدد غير قليل من اجلامعات العربية والغربية ،لقراءة خطاب اآلخر ومعرفة جوهره. ويفرد الفصل الثالث من الكتاب مساحة واسعة لبحث العالقات بني املسلمني والغرب ،بشقيها :التصادم والتقارب من خالل النصوص وتطبيقها، رابط ًا كل ذلك بالصورة املشوهة لإلسالم في األصول الثقافية للغرب ،وأثر املسلمني أنفسهم. يناقش الكتاب في الفصل الرابع مبدأ احلركية والثبات في اإلسالم ،فيما يحلل في الفصل املتبقية االعتدال والتطرف في التربية الدينية في النصوص اإلسالمية واملسيحية ،وقضية االلتزام واحلرية ،إلى جانب مسالة مساواة املرأة مع الرجل. ويشير املؤلف في ختام كتابة إلى أخطاء الشعوب العربية واإلسالمية وأخطاء حكوماتهم ،منبها إلى أن أي حوار بني الشرق والغرب من الضروري أن يبدأ في األسرة ثم بني اجلار وجاره ،بني زميل العمل وزميله ،بني املسلم واملسلم، بني املسلم وغير املسلم ،وصو ًال إلى احلوار املفترض بني احملكوم واحلاكم. ويشغل الدكتور احمد بسام ساعي منصب رئيس أكادميية أكسفورد للدراسات العليا وهو أحد مؤسسي جمعية علماء االجتماعيات املسلمني في بريطانيا وعضو في مجلسها االستشاري.
32
العدد 21شتاء 2008من فصلية «التسامح» الصادرة عن وزارة ً مؤخرا .ضم العدد الكثير من املواد العمانية ،صدر االوقاف والشؤون الدينية ً ومنها :اخالقيات السلوك الديني واشكاالته حملسن اخلوتي ،مسألة الكبائر وظهور الفرق في االسالم حملمد شتيوي ،االصولية في االديان لعامر احلافي، الفتنة واخواتها في النص والوعي والتاريخ لرضوان السيد ،االخالق من وجهة نظر اسالمية لعبدالرحمن الساملي ،الفكر االخالقي عند ابي حيان التوحيدي حملمد اجلبر. وحتت باب االسالم والعالم كتب عزالدين عنابة «املسلمون في ايطاليا»، ابراهيم القادري بوتشيش «مالحظات حول تاريخ اليهود في سبتة». رئيس التحرير عبدالرحمن الساملي كتب في افتتاحية العدد« :لم يكن ممكن ًا مواجهة ظواهر التشدد في االسالم املعاصر بالطريقتني اللتني تعارفنا عليهما خالل العقد املنصرم :بالقول تارة ان االسالم بطبيعته يأبى الغلو والتطرف ،وبالقول تارة اخرى :ان سائر الديانات في العالم تشهد وعي ًا متأزم ًا وانشقاقات ال تختلف في قليل وال كثير عما نعرفه في قلب ديننا وعلى حواشيه منذ عقود. وال ميكن تصحيح الوعي وحتريره من التأزم اال من طريقتني :النهوض القائم على التنمية واالستقرار ووجود النخب امللتزمة والعارفة باوضاع املسلمني واوضاع العالم ،واحلق ان النقص واضح في االمرين ،لكن اعباء القيام بذلك ال تقارن باالعباء الناجمة عن العنف والتشدد والتطرف واالنشقاقات».
االحادية الفكرية في الساحة الدينية يركز حسن موسى الصفار في كتابه بعنوان« :االحادية الفكرية في الساحة الدينية» الى اهمية ارساء مفهوم االعتراف باالخر كون احادية الفكر تتعارض مع جوهر االسالم ،وال سبيل لبناء مجتمع اسالمي متطور اال من خالل االنفتاح ً بعيدا عن التهميش واالضطهاد. على االخر واالعتراف به ومحاورته
وفي مقدمة الكتاب يتناول الصفار قضية االختالف باعتبارها من االمور ً مستندا الى ان االختالف البديهية داخل الدين الواحد او حتى املذهب الواحد، نتيجة طبيعة لتفاعل االنسان العاقل مع النص او مع القراءة او التفسير ،رغم ان النصوص املقدسة ثابتة ،لكنها في الوقت ذاته انها اكثر النصوص القابلة ً مشيرا الى ان االختالف يخضع اساس ًا الى اختالف الزمان لتعدد القراءات. واملكان والتمايز العلمي والثقافي بني القراء. ويناقش الصفار في كتابه ان االنسان معرض الستعباد فكري يصادر حقه في ان يكون بالصورة التي يختارها ،وهذا ما يعارض رغبة اخلالق عزو جل بحرية املخلوق ،واال ملا خلقه قاب ًال للخطأ واوجد مبدأ الثواب والعقاب .ومن ً بعيدا هنا يشير الصفار الى اهمية حق االنسان في اجناز القراءة اخلاصة به عن وصد العقول بالشمع االحمر الن الله تعالى يريد املؤمنني بكامل وعيهم وحريتهم. ويرى املؤلف ان اختفاء احلرية افسح املجال لظهور االرهاب الفكري وحول الكثير من الدول االسالمية وغير االسالمية الى ساحة صراع ،دون ادنى معرفة بأن عاملنا حتول الى قرية صغيرة بسبب التطور التكنولوجي والثورة املعرفية التي انتجها عدد من الشعوب واالمم بعد عقود من التواصل واحلوارات فيما بينها ،لذا فاحلوار هو احلاضنة االساسية للتطور. ويدعو الصفار الى اهمية البحث الطويل عن احلقيقة في محاولة جادة لتجديد املجتمعات االسالمية وتعزيز الثقة بالنفس واعادة قراءة التاريخ ومواجهة االخطاء بروح بناءة وشجاعة ودفع املسلم الى مواكبة عصره والتفاعل معه.
نحن والقرآن: مقدمات في أصول التدبر «نحن والقرآن» ،كتاب متميز للدكتور مصطفى بوهندي ،صدر عن مطبعة النجاح اجلديدة بالدار البيضاء .واملؤلف أستاذ متخصص في علم التفسير ومقارنة األديان بجامعة احلسن الثاني ،وله العديد من الكتب واملقاالت والدراسات. ينطلق الدكتور بوهندي في كتابه من سؤال إشكالي هام وهو :إلى أي حد استطاع علم التفسير أن يعني القارئ على التعامل اجليد مع النص القرآني؟ فبالرغم من اجلهود الكبيرة التي قام بها العلماء املسلمون على مر العصور، ً مثارا عن دوره في والتي أسست للصرح الشامخ لهذا العلم ،ما زال السؤال مساعدة الناس على تبني املعاني القرآنية» .واعتمادا على ما تراكم للمؤلف من دراسات سابقة في هذا املجال ،يقرر أن وجود عقائد ومفاهيم وأفكار منحرفة ،راجع باألساس ،إلى العلوم اإلسالمية نفسها ،وعلى رأسها علم التفسير»حيث ساهمت ببعض قواعدها ،وأصولها ،ومناهجها ،ومصادرها، ورجاالتها في رواية هذه األخبار ،والترويج لها ،وتزكيتها ،وتقديسها ،ورفعها إلى درجة النص النازل من السماء ،بل إلى درجة تأطير النص القرآني نفسه، فال يفهم إال في ضوئها».
من هنا تأتي أهمية املقاربة التي يطرحها الدكتور بوهندي ،إذ بدال من االشتغال مبضامني التراث التفسيري واخلوض في إشكاالته كما هو شأن العديد من الدارسني املعاصرين ،انصب اهتمام الكاتب على مستوى علم التفسير نفسه ،مفاهيمه وآلياته ومناهجه وأصوله ،معتبرا « أن مشكلة الناس مع القرآن الكرمي قد بدأت عندما حتولت آياته من أدلة وبراهني تخاطب عقل اإلنسان ـ كل إنسان ـ وحتاور لبه وقلبه وجوارحه ،إلى مقاطع مقدسة يحرم التفكير فيها ومدارستها ،و ينوب عنه في تفسيرها رجال شهدت لهم مؤسسة اجلماعة باإلمامة واملشيخة ،وسلمت لهم دون غيرهم حق االجتهاد والتفكير». وقد قسم كتابه إلى أربعة أبواب :الباب األول :التفسير والتأويل ،والباب الثاني :النسخ ،والباب الثالث :التفسير النبوي ،والباب الرابع :تفسير الصحابة .يقع في 167صفحة من القطع املتوسط.
جهود محمد رشيد رضا االصالحية عن جامعة آل البيت صدر كتاب بعنوان: «محمد رشيد رضا – جهوده االصالحية ومنهجه العلمي» ملجموعة من الكتّاب والباحثني الذين سلطوا االضواء ،عبر مشاركتهم ،على املراحل الهامة من مسيرة الفكر العربي واالسالمي ،من خالل دراسة شخصية االصالحي الشيخ محمد رشيد رضا وتأثيراته على مجمل التكوينات الفكرية والسياسية ،فض ًال عن الروحية ،اذ اعتبروه من القمم االصالحية البارزة اثناء مرحلة االنتقال التي شهدتها املنطقة مطلع القرن املاضي ،خاصة بعد اصدار مجلته «املنار» من القاهرة والتي غدت عالمة متميزة في نقل افكاره في فترة زمنية اتسمت بالتغييرات احلاسمة في تاريخ املنطقة. برز الشيخ رضا كرمز تنويري اثر اعالن خصامه مع السلطنة العثمانية التي كان يدعمها حتت تأثير العقيدة االسالمية ،وذلك بعد تنامي العصبية التركية وبروز فكرة الطورانية بوضوح ،لينادي بعدها باالصالح السياسي والديني والدعوة الى اسالم متخم باملنظومات والعلوم واالجتهاد على مختلف االصعدة. وتناولت املشاركات مقاصد الشيخ رضا املتمثلة باصالح البشر من خالل تأسيس تشريع يخدم االنسانية من اجلوانب الروحية من دون اغفال اجلوانب االجتماعية والسياسية ،وصو ًال الى اجلانب االقتصادي. محمد رشيد رضا استطاع اجلمع بني االصالة واحلداثة النتاج اسالم حضاري يستطيع مواكبة العصر والصمود بقوة امام متغيرات احلياة ،حيث اشارت البحوت التي ضمها الكتاب الى التكوين املعرفي لدى الشيخ والناجتة من البحث عن نقاط التجاذب واالختالف بني الثقافتني االسالمية والغربية ،وتعزيز القواسم املشتركة بينهما ،وهو بذلك يؤكد املنهج الذي اسسه جمال الدين االفغاني وتابعه من بعده محمد عبده. 33
قالوا
قالوا • املسلمون موجودون في ثالث مناطق رئيسة :املسلمون في البالد اإلسالمية، واملسلمون في البلقان وأوروبا ،واملسلمون في القوقاز .املسلمون في البلقان وروسيا من أصول محلية ،بينما املسلمون في أوروبا هم خليط من اجليل الثاني والثالث .واملسلمون في أوروبا ميكنهم تعلم أصول البقاء من املسلمني في البلقان الذين اختاروا احلداثة غير املتناقضة مع اإلسالم ...وهم يفعلون ذلك منذ أكثر من 100عام. فكرت كراتشيتش
مفكر إسالمي من سراييفو
• الرسول محمد (ص) كان من أعظم الشخصيات في التاريخ اإلنساني ،فهو لم يكن صاحب دعوة لديانة توحيدية فحسب ،إمنا كان مناديا ً باألخالق السامية، نصر الضعيف على القوي والفقير على الغني ،وعمل على حماية املعدمني. الكاتبة اإليطالية ريتا دي ميليو
في كتابها «اإلسالم ...ذلك المجهول في الغرب»
• اإلسالم يحث على احلوار مع اآلخر ،وهذا ليس منوذجا ً جديدا ً وإمنا دعوة قرآنية .واإلسالم على مدى القرون املاضية عاش مع األديان واحلضارات األخرى في سالم ومودة. أنس الشفقة
رئيس الهيئة اإلسالمية في النمسا
• يعد احلوار مع الغرب حتديا ً كبيرا ً يواجه كل مسلم في القرن احلادي والعشرين .وجناح احلوار يتوقف على استعداد الطرفني للتحاور والتفاهم، واملقصود باالستعداد هنا هو نية احلوار وإرادة فهم اآلخر ومحاولة التعرف عليه واحترامه .كما يقوم احلوار على االحترام املتبادل واإلنصاف والعدل ونبذ التعصب والكراهية. د .محمد قيراط
جامعة الشارقة
• استطاعت اوروبا ان تخرج من حروبها الدينية بدرس عميق متثل في حتييد الدين عن احلروب وبالكف عن مواصلة االقتتال الديني.
34
محسن الخوني
باحث واكاديمي تونسي