الراصد التنويري عدد 2

Page 1

‫دورية تعنى برصد الفكر التنويري االسالمي‬ ‫العدد ‪ / 2‬خريف ‪2008‬‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫د‪ .‬نجاح كاظم‬ ‫هيئة التحرير‬ ‫هاجر القحطاني (المملكة المتحدة)‬ ‫فالح حسن السوداني (العراق)‬ ‫عبد اللطيف طريب (المغرب)‬ ‫االخراج الفني‪:‬‬ ‫رياض راضي‬ ‫أساس مهمتنا‪:‬‬

‫تأسيس فكر انساني دميقراطي واسالمي من‬ ‫خالل احلفاظ على احلوار الفاعل وتطويره‬ ‫لوحة الغالف‪:‬‬ ‫الفنان حسن المسعودي‬ ‫أحسن من درٍ ومرجان‬ ‫انسان بإنسان‬ ‫أث ُر‬ ‫ٍ‬ ‫(والبة ابن احلباب ـ القرن الثامن)‬

‫‪Al-Rasid Al-Tanweeri‬‬ ‫‪P. O. Box: 5856‬‬ ‫‪London WC1N 3XX‬‬ ‫‪United Kingdom‬‬

‫في هذا العدد‬ ‫االسالم التنويري بني االحادية والتعددية ‪ ......................................................‬ص ‪5‬‬ ‫التنوير العربي‪ ..‬ما مصيره؟ ‪ .....................................................................‬ص ‪10‬‬ ‫خالد ابو الفضل‪ :‬هلنحنبحاجةالىثورةفكرية؟‪ .....................................‬ص‪12‬‬ ‫كيف ميكن تفعيل الفكر التنويري االسالمي؟ ‪ .........................................‬ص ‪18‬‬ ‫هل صدام االسالم والغرب امر ال مفر منه؟ ‪ ..................................................‬ص ‪24‬‬ ‫ازدواجية احلركات االسالمية ‪ ....................................................................‬ص ‪29‬‬ ‫هل يتوافق االسالم واحلداثة؟ ‪ .....................................................................‬ص ‪30‬‬

‫‪Phone:‬‬ ‫‪(+44) 20 7724 6260‬‬ ‫‪inquiry@islam21.net‬‬ ‫‪www.islam21.net‬‬ ‫‪www.enlightenment.‬‬ ‫‪islam21.net‬‬

‫االندماج او التالشي‬

‫الحرب ضد االرهاب‬

‫المساواة وحرية االقليات‬

‫للمراسلة‬

‫ص ‪22‬‬

‫ص ‪26‬‬

‫ص ‪16‬‬

‫‪jamal@islam21.net‬‬


‫مبتدأ الكالم‬

‫الحوار بين اإلنسان وأخيه‪:‬‬ ‫ضرورة قرانية‬ ‫العنف هو الوجه املغاير للحوار‪ ،‬وقدرته على تطوير قدرات املسلمني‬ ‫في اجتاهات شتى‪ .‬وغالب ًا ما يتفاقم العنف مع غياب الدميقراطية‬ ‫وجلوء بعض فرق املسلمني إلى «السيف» بفعل قراءة قروسطية ألحكام‬ ‫الدين‪ ،‬حتد من تبلور مناخ حوار حقيقي؛ على أساس أن احلوار اجلاد‬ ‫الفاعل سمة القرن احلادي والعشرين‪.‬‬ ‫ال يتبلور احلوار إال مع النضج االجتماعي‪ ،‬وتوافر عوامل موضوعية‬ ‫متعاضدة معه‪ .‬ولعل التجربة األوروبية‪ ،‬فض ًال عن اليابانية‪ ،‬بعد‬ ‫كارثة احلرب الكونية الثانية ومقتل أكثر من ‪ 60‬مليون ًا من البشر‪،‬‬ ‫الدليل األكثر سطوع ًا على أهمية احلوار وما ينتج عنه لصالح حياة‬ ‫إنسانية كرمية‪.‬‬ ‫عانى املسلمون طوي ًال من سلسلة حروب وقتل‪ ،‬لكنهم ـ على ما‬ ‫يظهر ـ لم يدركوا بعد فهم كيف أن احلوار الراسخ الرصني أداة فاعلة‬ ‫لتأكيد التسامح وقبول الرأي اآلخر‪ ،‬وتعزيز دوره في بناء املعرفة‬ ‫وتنميتها وتطورها باجتاهات عدة‪.‬‬ ‫غياب احلوار مع املختلف (ليس ثمة حوار مع املتفق) سيؤدي‬ ‫حتم ًا إلى قطع سبل االنفتاح ووصد أبواب املراجعة الفكرية وتشخيص‬ ‫األخالل والعيوب‪ .‬من هنا يتبدى احلوار مع اآلخر من ضرورات تطور‬ ‫احلياة ضمن في مسار صحي وصحيح‪.‬‬ ‫بغياب احلوار يبرز العنف جلي ًا بوصفه الرد األكثر فاعلية على‬ ‫تغطية سمة ضعف مسلمني ووهنهم‪ ،‬من دون التفكر مبدى الدمار‬ ‫واخلراب واخلسارات والتناقضات الناجمة عنه‪ ،‬التي تنعكس سلب ًا على‬ ‫املسلمني كلهم حيثما كانوا‪.‬‬ ‫حتول القتل في األعوام القليلة املاضية في العاملني العربي‬ ‫ً‬ ‫مقتصرا‬ ‫واإلسالمي‪ ،‬إلى ظاهرة اجتماعية‪ ،‬بعدما كان نهج ًا سياسي ًا‬ ‫على أنظمة سياسية وتنظيمات متصلة بها بطريقة أو بأخرى‪ .‬ومع‬ ‫استمرار أفعال القتل واتساع دائرتها لتطال الكثير من املدنيني األبرياء‬ ‫من نساء وأطفال ـ من دون أن ينجو منها مسلم أو غير مسلم كما‬ ‫هي احلال في العراق والسعودية ومصر وأفغانستان وتركيا وباكستان‬ ‫واجلزائر وبريطانيا وفرنسا وأميركا ـ تزداد الصورة قتامة وظالم ًا حني‬ ‫تعلن جماعات مسلحة أنها متارس كل هذا القتل حتت ذريعة الدفاع‬ ‫عن اإلسالم‪ ...‬أو «اجلهاد» ضد احملتل!‬ ‫هذا احلال يتطلب إيجاد آلية أو طريقة تساعد على قبول تعدد‬ ‫األديان والطوائف‪ ،‬فض ًال عن غير املؤمنني بأية ديانة‪ ،‬كخطوة مسؤولة‬ ‫‪4‬‬

‫حتمل هم تأسيس مبدأ اإلقرار باحلوار وحق االختالف‪ ،‬كما يأمرنا القرآن‬ ‫الكرمي‪ ،‬من خالل التي هي أحسن‪.‬‬ ‫يكمن جوهر تلك اآللية بتواصل اإلنسان مع اآلخر بد ًال عن نفيه‬ ‫أو قتله‪ ،‬وإحالل السلم محل احلرب‪ ،‬واحملبة والتسامح إزاء احلقد‬ ‫والكراهية‪.‬‬ ‫اآللية التي نقصدها نرى ثقلها وفاعليتها في رحم املجتمع عندما‬ ‫تتراكم عوامل التثقيف والنضج برعاية الدولة‪ ،‬التي تضع على راس‬ ‫واجباتها تنفيذها وتفعليها في وجوه احلياة اليومية‪.‬‬ ‫ال يختلف اثنان على أن احلوار سمة القوة واحلكمة والثقة بالنفس‪،‬‬ ‫هذا من جانب‪ ،‬ودليل ساطع ال يقبل التأويل على أمة اإلنسان التي‬ ‫دعا إليها القرآن «وما أرسلناك إال رحمة للعاملني»‪ .‬لذا صرنا شعوبا‬ ‫وقبائل لنتعارف‪ ،‬أي لنتحاور‪ ،‬ولنتبادل معارفنا وخبراتنا‪ ،‬ونتعاون‬ ‫على اخلير من اجل اجلميع‪ .‬وهذه هي إنسانية اإلسالم اجلليلة‪ .‬لهذا‬ ‫فوحدة االنسان من وحدة الله‪ ،‬ووحدة الله هي مركز الكون والوجود‪،‬‬ ‫كما يعتقد املسلمون‪.‬‬ ‫ثم أن ما من شك في أن احلوار بني اإلنسان وأخيه اإلنسان ميثل‬ ‫أساس التفاعل احلياتي مع أهل الكتاب وغيرهم‪ ،‬كما دعا إليها‬ ‫القرآن‪ .‬ومن هذا املنطلق استطاع فالسفة مسلمون أوائل إيجاد تناغم‬ ‫بني فلسفة ارسطو القدمية والعقائد اإلسالمية‪.‬‬ ‫بيد أن احلال اختلف اليوم كلي ًا‪ .‬إذ يتبلور الفكر السائد حاضراً‬ ‫ليوجد عالم أحادي متكامل بذاته‪ ،‬حيث على املسلمني مواجهة حتد‬ ‫كبير متمثل بالتعايش السلمي املشترك مع غير أهل الكتاب‪ ،‬بد ًال‬ ‫عن االقتصار على القبول بأهل الكتاب وحسب‪ .‬مبعنى اخر أن بوسع‬ ‫اإلميان ومنطق احلاضر أن يلتقيا في نقاط وان يتباعدا في أخرى‪ ،‬بد ًال‬ ‫عن السعي إلى إلغاء اآلخر وطمس هويته‪.‬‬ ‫قراءة متأنية في آي القرآن العظيم ستبني لنا أن ثمة مساحة متاحة‬ ‫لغير أهل الكتاب‪ .‬يقول تعالى في محكم كتابه‪ ،‬وهي نزر قليل‬ ‫من وفر كبير‪« ،‬فذكر إمنا أنت مذكر لست عليهم مبسيطر» الغاشية‬ ‫‪22- 21‬؛ «وقل احلق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر‬ ‫أنا اعتدنا للظاملني نارا»‪ ،‬الكهف ‪29‬؛ و«لكل جعلنا منكم شرعة‬ ‫ومنهاج ًا»‪ ،‬املائدة ‪.48‬‬

‫د‪ .‬نجاح كاظم‬


‫فكر‬

‫اإلسالم التنويري‬ ‫بين األحادية والتعددية‬ ‫هاجس التنوير واالستنارة كامن في نسيج االسالم‬ ‫النص القرآني يقر بتعددية أنساق البشر ومصالحهم‬ ‫تتسع الدراسات اإلسالمية راهنا وتكتسب أبعادا‬ ‫ومديات متعددة في سياق تعاظم الهجوم ضد اإلسالم‬ ‫والسجال بينه وبني أطراف معظمها يتحدر من الغرب‪.‬‬ ‫وفي هذا وذاك تفصح عن نفسها مشكالت ومعضالت‬ ‫نظرية جديدة‪ ،‬إضافة إلى أخرى قدمية‪ .‬وهذا من طبائع‬ ‫األمور‪ .‬فالواقع مبثابة حالة مفتوحة‪ ،‬يضع أمام البشر‬ ‫من املهمات واألسئلة والتساؤالت ما يجب اإلجابة‬ ‫عنه‪ .‬وفي حال عدم االستجابة لذلك‪ ،‬يحدث خلل‬ ‫واضطراب يتحوالن إلى أزمة في ظروف معينة قد‬ ‫تطرح أسئلة خطيرة‪ ،‬باالعتبار التاريخي واملعرفي‬ ‫التأسيسي أو (االبيستيمولوجي)‪ .‬ولعل أخطر هذه‬ ‫األسئلة يتحدد في مثل الصيغة التالية‪ :‬من اين نبدأ‬ ‫في تصويب املوقف‪ ،‬من الواقع أم من النص؟ وميكن‬ ‫النظر إلى املرحلة املعاصرة على أنها أكثر املراحل‬ ‫قلقا وإثارة وإشكالية في التاريخ اإلسالمي عموما‪،‬‬ ‫واإلسالمي العربي على وجه اخلصوص‪.‬‬ ‫فلقد رفعت العوملة معركتها مع اإلسالم إلى‬ ‫سقفها‪ ،‬وذلك في سياق املهمة الكبرى التي وضعتها‬ ‫على عاتقها‪ :‬تفكيك الهويات التي دللت على أنها‬ ‫مثمرة تاريخيا وبناءة (مثل العقالنية والتاريخية‬ ‫والقيم الدينية املستنيرة واحملفزة على التقدم البشري)‬ ‫من طرف‪ ،‬وإحياء الهويات التي دللت على أنها‬ ‫معيقة للتقدم البشري (مثل الطائفية واملذهبية الدينية‬ ‫الضيقة واإلثنية والعشائرية وغيرها) من طرف آخر‪.‬‬ ‫تعمقان النظر إلى ما نحن‬ ‫ثمة مالحظتان اثنتان ّ‬ ‫اآلن بصدده‪ .‬تقوم املالحظة األولى على أن العداء‬ ‫العوملي (االميريكي خصوصا) من اإلسالم هو – في‬ ‫الثري النفطي‪ ،‬أي‬ ‫أساسه – موقف عداء من اإلسالم ّ‬ ‫اإلسالم املصاحلي‪ .‬وهذا بدوره يضع يدنا على قاعدة‬ ‫منهجية مهمة تظهر في الشريعة كما في القانون‬ ‫الوضعي وهي‪ :‬العقائد تتأسس على املصالح‪ .‬وفي‬

‫هذا السياق‪ ،‬يبرز اسم الع ّز بن عبد السالم كواحد من‬ ‫ابرز من اسس لهذه القاعدة ّ‬ ‫ونظر لها‪.‬‬ ‫اما املالحظة الثانية فتتحدد في أن العوملة‪ ،‬بلسان‬ ‫بعض ممثليها من أمثال هنتنغتون وكالوس‪ ،‬إذ تضع‬ ‫اإلسالم أمامها كهدف استراتيجي ينبغي ترويضه‪،‬‬ ‫فأنها تنتقي منه ما يستجيب ملصاحلها وظيفيا‪.‬‬ ‫وفي هذه احلال‪ ،‬تقوم بعملية تلفيقية وانتقائية تنتج‬ ‫مبقتضاها ما يروق لها حتت اسم «اإلسالم»‪ .‬فهي‬ ‫تبحث هنا وهناك وهنالك عن شذرات «إسالمية»‬ ‫يطلقها بعض اإلسالميني في كتاباتهم‪ ،‬لتعلن أنها‬ ‫وضعت يدها أخيرا على ما يسوغ مقولتها الشاملة‬ ‫اجلامعة والتي جرى تسويقها في معظم بقاع العالم‪،‬‬ ‫وهي مقولة «اإلرهاب»‪ .‬فبمقتضى هذا األخير‪ ،‬يجري‬ ‫تقسيم البالد والعباد إلى فريق ميارسه (أي اإلرهاب)‬ ‫بعد أن ينتجه‪ ،‬معرضا بذلك العالم إلى االضطراب‬ ‫والفوضى والتحارب من طرف‪ ،‬وفريق آخر يدفع ضريبته‬ ‫في أمنه وثروته ومستقبله من طرف ثان‪ .‬والطريف‬ ‫الواقعي في ذلك ان تلك الشذرات «املختارة» قد‬ ‫تقدم ما يرغب فيه املنافحون عن العوملة ومقولتها في‬ ‫اإلرهاب من رؤية متخلفة رجعية عن العصر بقضاياه‬ ‫املختلفة من االقتصاد إلى السياسة فالثقافة فاملرأة‬ ‫الخ‪ ...‬وحينذاك يجري تقدمي تلك الشذرات بوصفها‬ ‫«اإلسالم» من حيث هو وفي جوهره‪.‬‬ ‫إن تلك الرؤية االنتقائية وامللفقة لإلسالم‪ ،‬التي‬ ‫تقدمها اإليديولوجية العوملية املؤمركة والتي جتد بعض‬ ‫أسسها الكبرى لدى مجموعات من املستشرقني في‬ ‫الغرب منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر‪،‬‬ ‫تفصح عن نفسها عبر عمليتني اثنتني كلتاهما تقود‬ ‫إلى األخرى‪ .‬أما العملية األولى فتقوم على انتزاع‬ ‫الفكر اإلسالمي املتكون في اعقاب «عهد النزول»‬ ‫وفي التجادل والتثاقف معها‪ ،‬من سياقه التاريخي‪،‬‬

‫ولصالح الرؤية االنتقائية وامللفقة املذكورة واملناهضة‬ ‫للفحص التاريخي‪ ،‬بحيث يبدو هذا الفكر وكأنه لقيط‪،‬‬ ‫يتحرك دون ضوابط ونواظم تتعلق بحقه التاريخي‬ ‫ومرجعيته الفكرية‪ .‬لكن العملية الثانية تسير باجتاه‬ ‫آخر‪ ،‬وان ظلت ذات عالقة مبسار العملية األولى‪ .‬أما‬ ‫هذا االجتاه فهو ذو نسيج ق َيمي أي يتمثل بكونه‬ ‫ْ‬ ‫حكم قيمة‪ .‬ها هنا سيقال ما قاله مستشرقون أمثال‬ ‫ارنست رينان ودي بور وما صاغه الشاعر كيبلينغ‬ ‫في املقولة التالية‪ :‬الشرق شرق والغرب غرب‪ ،‬وال‬ ‫يلتقيان‪ .‬أ ّما أ ّال يلتقيا‪ ،‬فألن كال منهما ميثل «بنية»‬ ‫بذاتها‪« :‬البنية الغربية» بعقالنيتها واتساقها‬ ‫وانصياعها للقانون والقيم املجتمعية املثمرة للتقدم‪،‬‬ ‫و»البنية الشرقية» بعاطفيتها وانفالشها وخروجها‬ ‫على مثل تلك الضوابط‪.‬‬ ‫واملهم في ذلك ان يقال كذلك‪ ،‬ان البنية الغربية‬ ‫تتأسس على الدميقراطية واحترام حقوق اإلنسان‬ ‫واالقرار بالتعددية وباحلرية‪ ،‬اي مبا ال تقر به البنية‬ ‫الشرقية‪ ،‬مبا فيها اإلسالم‪ ،‬وليد الشرق وصانعه‪،‬‬ ‫مبعنى ما في هذا املَ ْع ِقد من املسألة نكون وجها لوجه‬ ‫أمام واحدة من اكبر املوضوعات‪ ،‬التي حتولت إلى‬ ‫نقطة سجال بني املفكرين اإلسالميني‪ ،‬وبني كثير من‬ ‫املستشرقني واملفكرين واملثقفني العرب‪.‬‬ ‫أما املوضوعة املعنية فتتمثل في «التعددية»وفي‬ ‫موقف اإلسالم منها (واملقصود باإلسالم هنا النص‬ ‫األصلي املع ّبر عنه بالقرآن والسنة النبوية)‪ .‬وقد جنح‬ ‫فريق من أولئك إلى القول بان اإلسالم «دين التوحيد»‬ ‫وهذا أقصى ما يعرف به أو ُيع ّرف‪ ،‬ما يفضي إلى‬ ‫القول بان مفهوم «احلقيقة» عنده ما هو إال جتسيد لـ‬ ‫«توحيديته» وعلى هذا‪ ،‬يصبح محاال أن ينظر إلى‬ ‫ّ‬ ‫مشخصة على وفق التاريخ اإلنساني‬ ‫تلك احلقيقة‬ ‫وشروطه ومقتضياته‪ ،‬لتظل متأ ّبية على هذا التاريخ‪،‬‬ ‫‪5‬‬


‫ومن ثم ليظهر ما يبدو حقيقيا واقعيا من حيث هو‬ ‫وهم زائف‪.‬‬ ‫في ضوء ذلك املوقف اإلطالقي والتجريدي‬ ‫والالتاريخي‪ ،‬يكتب فهمي جدعان معلنا ما يلي‪:‬‬ ‫تنتمي «احلقيقة» أصال إلى عالم األزل واألبدية الذي‬ ‫يفارق متاما وقائع التاريخ ويعلو عليه‪ ،‬وال يخضع‬ ‫لقانون الصيرورة الصارم‪ .‬وهي حني تتجسد في‬ ‫اإلنسان فإمنا تعانق الزمان وحتل فيه‪ ...‬والذي يقع‬ ‫ضحية هذا التجسد هو احلقيقة نفسها ألنها ستفقد‬ ‫براءتها األولى التي جاءتها من أفق املطلق‪ ...‬إن ما‬ ‫حدث في تاريخ اإلسالم ال يشذ عن هذه القاعدة‪ .‬وإ ّال‬ ‫فكيف نفسر تلك االنحرافات املتفاوتة في اخلطورة‬ ‫والعمق التي متت في عهوده وازمنته املتباعدة فضال‬ ‫عن املتقاربة؟» ويتابع الكاتب مقررا‪« :‬لقد قال‬ ‫معظم مفكري اإلسالم احملدثني إن (املسلمني ليسوا‬ ‫مسلمني)‪ .‬والكلمة صائبة متاما ولكن األصوب أن‬ ‫يقال أنهم لم يكونوا ولن يكونوا مسلمني ابدا‪ ،‬مبعنى‬ ‫أنهم سيظلون دوما بعيدين عن جتسيد االسالم –‬ ‫احلقيقة‪ ،‬أو اإلسالم الوحي في التاريخ – الزمان‪،‬‬ ‫الن ما يدخل في الزمان ال يلبث أن تعتريه صروفه‬ ‫وأقداره وألن احلقيقة – الوحي تفارق عالم اإلنسان‬ ‫وتعلو عليه»(‪.)1‬‬ ‫ان ذلك النص الذي ينطلق صاحبه من موقع‬ ‫افالطوني وآخر كانطي (نسبة إلى الفيلسوف األملاني‬ ‫كانط)‪ ،‬يطيح بـ «احلقيقة» وبـ «اإلسالم» كليهما‬ ‫في آن معا‪ .‬وفي أحسن األحوال‪ ،‬يرى الباحث فهمي‬ ‫جدعان أن احلقيقة اإلسالمية موجودة‪ ،‬ولكنها غير‬ ‫قابلة للتجلي والتمظهر في املستوى اإلنساني‪،‬‬ ‫ومن ثم يغدو «التوحيد» في اإلسالم توحيدا «في‬ ‫ذاته»‪ ،‬أي غير قابل الن يكون توحيدا «لنا» نحن‬ ‫البشر‪ .‬وحديث على «التعددية» واحلال كذلك يصبح‬ ‫مستحيال‪ .‬ومن الضروري القول ان االنطالق من‬ ‫مثل ذلك «التوحيد» يفضي إلى مفهوم «العدم»‪،‬‬ ‫باالعتبار الفلسفي‪ .‬ذلك أن الوجود إن ُنظر اليه‬ ‫مطلقا‪ ،‬فهو مغلق؛ واملطلق املغلق هو مبثابة عدم ال‬ ‫ميكن حتديده وضبطه اال مبعنى السلب‪.‬‬ ‫وإذا كان هنالك من يختزل اإلسالم إلى حقيقة‬ ‫مطلقة بذاتها ولذاتها ومن يرى أنها تفقد «براءتها‬ ‫األولى» حني تتجسد في اإلنسان‪ ،‬محوال اإلسالم‬ ‫على هذا الطريق إلى حالة متعالية على الوجود‬ ‫واإلنسان‪ ،‬فان اجتاها آخر انطلق من القرآن والسنة‬ ‫ليؤكد أن «التوحيد» واإلقرار بهما وحدهما يؤسسان‬ ‫للخالص في حياة املسلم‪ .‬فقد جاء في اآلية الكرمية‬ ‫(‪48‬؛ سورة النساء)‪« :‬إن الله ال يغفر أن يشرك به‬ ‫ويغفر مادون ذلك ملن يشاء»؛ في هذا املستوى من‬ ‫املسألة ميكن احلديث عن «توحيد» إسالمي يجمع‬ ‫حتت رايته كل من يعلن انتماءه لإلسالم‪ ،‬بغض النظر‬ ‫‪6‬‬

‫عما قد يكون من اختالفات في الرأي حول نقطة‬ ‫أو أخرى‪ .‬فهو مستوى قابل للتحقق في حياة البشر‬ ‫(املسلمني)‪ ،‬نظرا إلى أن حقيقة هذا التوحيد هي في‬ ‫متناول هؤالء‪ ،‬بعكس «احلقيقة» السابقة‪ ،‬املطلقة‬ ‫التي ال مجال فيها للتشخيص والتخصيص‪ ،‬ومن‬ ‫ثم لألنسنة في حقلها‪ .‬وإذا بلغنا هذه احللقة املركزية‬ ‫في التأسيس للتوحيد اإلسالمي الذي يطال احلقلني‬ ‫الالهوتي واإلنساني‪ ،‬فإننا في الوقت ذاته – نكون‬ ‫قد وجلنا مستوى التعددية في «النص املقدس»‪.‬‬ ‫ولعلنا نرى أن هذا النص إن استنكف عن الولوغ‬ ‫في حياة البشر‪ ،‬فقد حتول إلى نص الهوتي تقوم‬ ‫السلب‪ .‬وهذا ما‬ ‫العالقة بينه وبني أولئك على سبيل ّ‬ ‫ال نواجهه في النص القرآني الكرمي عموما وخصوصا‪:‬‬ ‫فلقد أتى «هدى للناس» ‪،‬و «دعوة للحق» و»إلى‬ ‫الصراط املستقيم»‪ .‬وملا كان البشر مختلفي املصالح‬

‫يمثل االستحقاق في‬ ‫الدعوة الى الديمقراطية‬ ‫مبادئ الحرية والتداول‬ ‫السلمي للسلطة‬ ‫وتكوين مجتمع مدني‬ ‫وثقافي مفتوح‬ ‫والفهم‪ ،‬ويعيشون في مجتمعات مختلفة في التكوين‬ ‫االقتصادي والسياسي والتعليمي وكذلك ـ بقدر أو‬ ‫آخر ـ في األهداف القريبة والبعيدة (االستراتيجية)‪...‬‬ ‫الخ‪ ،‬فقد غدا من الضرورة مبكان أن يأتي ذلك النص‬ ‫ـ الكتاب ـ مقرا بتلك التعددية في األنساق املذكورة‬ ‫وغيرها‪ ،‬كي يحافظ على مصداقية كونه «أتى رحمة‬ ‫للناس»‪.‬‬ ‫على ذلك‪ ،‬يستطيع الباحث تأكيد أن الكتاب‬ ‫ـ القرآن الكرمي ـ قدم نفسه عبر عملية جتادل بني‬ ‫املطلق والزمني‪ ،‬والغيبي واإلنساني‪ ،‬ومن ثم بني‬ ‫الوحي والتاريخ‪ ،‬مؤكدا ـ في هذا ـ كونه «منتميا‬ ‫إلى السماء»‪ ،‬بقدر ما هو ملتصق باألرض التصاقا‬ ‫ّ‬ ‫ومشخصا‪ .‬وهذا ما اقترب من مالحظته بعض‬ ‫كثيفا‬ ‫(‪)2‬‬ ‫الباحثني رمبا كان جاك بيرك من ضمنهم ‪ .‬ويظهر‬ ‫ذلك جليا في اآلية القرآنية احلصيفة التالية‪ :‬ولو‬ ‫شاء ربك جلعل الناس أ ّمة واحدة! وبالتوافق الوظيفي‬ ‫الداللي‪ ،‬فقد أدرك بعض الصحابة أهمية ذلك النظرية‬ ‫والعملية‪ ،‬فنبهوا الى أخذه بعني االعتبار ضمن مفهوم‬ ‫«التعددية»‪ .‬فاخلليفة الرابع يشير إلى ذلك ضمنا‬ ‫حني يقول‪ :‬القرآن إمنا هو خط مسطور بني دفتني‬ ‫فهو»حمال‬ ‫ال ينطق‪ ،‬إمنا يتكلم به الرجال‪ ،‬ومن ثم‬ ‫ّ‬

‫أوجه»(‪ .)3‬وكان الرسول الكرمي قد وضع يده بعمق‬ ‫على فكرة التعددية‪ ،‬منطلقا في ذلك من فكرة‬ ‫«االختالف» ودورها في التأسيس ملفهوم «األحادية»‬ ‫معمق‪ .‬فالفكرتان كلتاهما «التعددية»‬ ‫على ضوء ّ‬ ‫و»األحادية» متثالن حالتني ضروريتني لتأسيس نسق‬ ‫فكري أو آخر يراد له أن يكون منفتحا غير مغلق‪،‬‬ ‫ومرنا غير متشدد‪ .‬وهما ـ إلى ذلك تقومان على‬ ‫عالقة جدلية متضايقة تشترط الواحدة منها الثانية‪،‬‬ ‫مبقتضاها وفي ضوئها‪ .‬ومهم أن يقال في ـ هذا‬ ‫السياق ـ أن هذه اخلصوصية للعالقة املذكورة تستمد‬ ‫مسوغها من «احلكمة اإللهية»‪ ،‬التي تقصد أن تكون‬ ‫التعددية تشخيصا لألحادية‪ ،‬وان تكون هذه األخيرة‬ ‫ناظما لتلك‪ .‬في هذه احلال يصح القول أن مرجعية‬ ‫«األحادية» تكمن في مبدأ التوحيد اإلسالمي (وهو‬ ‫املبدأ األقصى والكوجيتو املنهجي والنظري)‪ ،‬في حني‬ ‫تكمن مرجعية «التعددية» في املجتمع اإلنساني‪ ،‬في‬ ‫اجلماعة اإلسالمية‪ ،‬مبا ينشأ فيها وعنها من مشكالت‬ ‫اقتصادية وسياسية وثقافية وتعليمية وغيرها‪ ،‬مع‬ ‫اإلشارة إلى وجود حالة نسبية من انغماس املقدس في‬ ‫البشري العادي وبشخص النبوة‪ .‬وها هنا يظهر املأثور‬ ‫النبوي في صيغة مكثفة الفتة‪ ،‬حني يؤكد النبي الكرمي‬ ‫واملفصل‪ ،‬الذي يعيشه‬ ‫ضرورة معرفة واقع احلال احملدد‬ ‫ّ‬ ‫أعضاء اجلماعة ا ملذكورة‪ ،‬كي ال يبقى املرء في حالة‬ ‫عامة من النصوص العمومية واإلجمالية‪ .‬وهذا يقود‬ ‫إلى اآلليات التي بواسطتها ميكن بلوغ ذلك «احملدد‬ ‫واملفصل»‪ ،‬ونعني بذلك»االجتهاد» و»التأويل» ورمبا‬ ‫كذلك «التفسير»‪ .‬فاحلديث النبوي الشهير بـ «حديث‬ ‫ال ُرو ْيبضة» يوضح من هو ذلك املسلم‪ ،‬الذي يكتفي‬ ‫باملبادئ واجلمل والشعارات العامة‪ ،‬مهمال ما ميس‬ ‫اخلصوصيات التي تهم الناس‪ ،‬وتصنع جانبا هاما‬ ‫من تاريخهم(‪.)4‬‬ ‫نصل اآلن إلى نقطة دقيقة من مسألة «التعددية‬ ‫«في األصل اإلسالمي (القرآن والسنة)‪ ،‬وتظهر في‬ ‫مستويني اثنني‪ .‬فاملستوى األول فيفصح عن نفسه‬ ‫بصيغة العالقة بني املذاهب املختلفة في اإلسالم‬ ‫نفسه كمنظومة من املبادئ واالعتقادات وسواه من‬ ‫املنظومات الدينية وغير الدينية‪ .‬ها هنا نواجه وضوحا‬ ‫مقطوعا به حني يعلن القرآن ان الله ذاته لم يشأ أن‬ ‫يجعل «الناس أمة واحدة» مببادئ عامة واحدة وبأفهام‬ ‫متماثلة ومبصالح متطابقة‪ .‬ويقدم فخر الدين الرازي‬ ‫تعليال دقيقا وطريفا لهذه «املشيئة الربانية»‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫«لو كان القرآن محكما بالكلية‪ ،‬ملا كان مطابقا إال‬ ‫ملذهب واحد‪ ،‬وكان تصريحه مبطال لكل ما سوى‬ ‫هذا املذهب‪ .‬وذلك ما ينفر أرباب املذاهب عن قبوله‬ ‫والنظر فيه»(‪ .)5‬ونحن نرى تلك االختالفات ضمن‬ ‫اإلسالم ذاته ماثلة في مصدرين اثنني‪ ،‬واحد معرفي‬ ‫يتجسد في درجة التقدم املعرفي العلمي لدى الشخص‬


‫املسلم صاحب العالقة؛ وآخر يتجلى في املصالح‬ ‫االقتصادية والسياسية واالجتماعية وغيرها في حياة‬ ‫هذا األخير‪.‬‬ ‫أما املستوى الثاني فيعلن عن نفسه في العالقة‬ ‫بني اإلسالم وغيره من األديان واملذاهب‪ .‬فإذا كان‬ ‫املستوى األول يتعلق بالنسق الواحد ذاته بحيث‬ ‫يظهر حوارا مع الذات‪ ،‬فان املستوى الثاني هو مبثابة‬ ‫حوار بني الذات واآلخر‪ .‬وهنا يلح القرآن على أن ما‬ ‫يحتكم الناس إليه وهو العقل‪ ،‬هو نفسه املعيار‬ ‫املنهجي ملصداقية «اآلخر»‪ .‬وبذلك تبرز الدعوة حلوار‬ ‫عقلي مع اجلميع للوصول إلى «كلمة سواء» تلتقي‬ ‫عندها األطراف املتقاطبة‪ .‬فمعرفة االختالف واإلقرار‬ ‫به ميثالن مدخال إلى احلوار‪ ،‬على أساس من الندية‬ ‫الغي»‪ ،‬يغدو لزاما‬ ‫واالحترام‪ .‬وحني يظهر «الرشد من ّ‬ ‫على اجلميع أن يقروا بالنتائج الصائبة ويدفعوا بها‬ ‫إلى األمام في سبيل تقدم البشرية ومنائها‪ .‬وملا كان‬ ‫التقدم في العلم واملعرفة مفتوحا‪ ،‬فقد تعينّ على من‬ ‫قارب الصواب واحلقيقة في مرحلة أو حلظة ما من‬ ‫التاريخ أن يدقق ثانية في مواقعه عمقا وسطحا؛ إذ‬ ‫لعلها أو لعل بعضها قد جرى جتاوزه وغدا غير قادر‬ ‫على االستجابة ملقتضيات ذلك التقدم دومنا عنت أو‬ ‫تشدد أو ممانعة؛ ذلك ألن «احلكمة ضالة املؤمن» في‬ ‫ضوء مبدأ تغ ّير األحكام بتغير األزمان‪.‬‬ ‫وإذا م ّيزنا بني «اإلسالم» و«الفكر اإلسالمي»‬ ‫فقد تعينّ على منتجي هذا األخير من مفكرين وفقهاء‬ ‫ومجتهدين أن يكونوا أكثر تواضعا في إنتاجهم‬ ‫الفكري‪ .‬إذ كما كان أسالفهم رجاال‪ ،‬فهم كذلك رجال‬ ‫ال يصح وضعهم فوق الشك املعرفي والنقد واملراجعة‪.‬‬ ‫بل هنالك من يرى ضرورة النظر العقلي النقدي لكل‬ ‫ما يصدر عن «الدين» و«الفكر الديني» بهدف‬ ‫التعميق أوال‪ ،‬وتقريبه من اآلخر بكيفية عقلية مرنة‬ ‫ثانيا‪ .‬لكن واقع احلال التاريخي يقدم صورة تختلف‪،‬‬ ‫بقدر أو بآخر‪ ،‬عن ذلك املطلب التاريخي النقدي‪.‬‬ ‫فقد نشأت أوضاع اجتماعية وسوسيوثقافية وأخالقية‬ ‫ومعرفية أسهمت في تراجع اإلبداع العقلي في النظر‬ ‫إلى العالقة بني األحادية والتعددية‪ .‬وكان ذلك مبثابة‬ ‫التأكيد املضخم على األحادية على حساب التعددية؛‬ ‫ما أوقف عملية ضخ الدماء النقية واالستفزازات‬ ‫احملفزة على التجدد وإعادة النظر والبناء‪ :‬لقد رفض‬ ‫االختالف في الرأي ضمن اإلسالم ذاته‪ ،‬وترهل احلوار‬ ‫بني اإلسالم واآلخرين من دعاة التيارات السوسيولوجية‬ ‫والفلسفية واألخالقية؛ بل لعله حتول أحيانا إلى‬ ‫صراع مفتوح قطفت ثماره العجفاء نخب فقهية دينية‬ ‫وأخرى علمانية‪ ،‬حيث حولته إلى فزّاعة في وجه القوى‬ ‫املستنيرة احل ّية في األوطان‪.‬‬ ‫وكذلك ثمة مسألة ذات مساس مباشر وعميق‬ ‫مبحور العالقة بني األحادية والتعددية في اإلسالم‪ ،‬أال‬

‫وهي مسألة القراءات املتعددة أو التعددية القرائية‪.‬‬ ‫فمن موقع كون النص القرآني قائما في بنية تستدعي‬ ‫التأويل في أحوال غير ضئيلة بل نطالب كذلك بالتوجه‬ ‫إليها تأويليا كي تُفهم مقاصدها الدقيقة(‪ ،)6‬فان‬ ‫احتمال وجود عدة قراءات ملسألة واحدة أصبح واردا‪.‬‬ ‫وقد اشرنا في ما سبق إلى أن تلقف النص القرآني‬ ‫لدى قارئه يتم عادة عبر قناتني اثنتني على األقل‪،‬‬ ‫هما قناة املستوى الفهمي املعرفي؛ وقناة املصالح التي‬ ‫تس ّوغها اإليديولوجيا‪ ،‬إضافة إلى القناة التي يظهر‬ ‫فيها املستوى النفسي واألخالقي واألثني‪.‬‬ ‫في هذه احلال يصح القول أن القراءات كلها‪،‬‬ ‫التي تنطلق من اإلسالم ويعلن أصحابها انتماءهم‬ ‫له‪ ،‬متتلك حدا معينا من الشرعية النصية؛ مبعنى أنها‬ ‫جتد في اإلسالم عموما وفي النص القرآني بنحو خاص‬ ‫مرجعيتها‪ .‬وهنا ال تصح املفاضلة بينها‪.‬‬ ‫لكن تلك القراءات إذا ما وضعت في مستوى‬ ‫النظر االبيستيمولوجي (املعرفي التأسيسي)‪ ،‬فإنها‬ ‫جتد نفسها أمام السؤال اآلتي‪ :‬أيها لديه القدرة على‬ ‫حتقيق االستجابة لشروط التقدم العلمي واملعرفي‪،‬‬ ‫وكذلك في صعيد االستجابة حلياة الناس املادية‬ ‫االقتصادية والسياسية واالجتماعية وغيرها؟ ها هنا‬ ‫جند أنفسنا أمام سؤال املصداقية املعرفية واالجتماعية‬ ‫التاريخية‪ .‬وهنا تبرز األفضلية بني تلك القراءات‪،‬‬ ‫وإذا قلنا أن اقل هذه األخيرة استجابة لتلك املصداقية‬ ‫هي التي ترفض التعددية لصالح أحادية ْ‬ ‫قطع ّية وحيدة‬ ‫اجلانب ومفعمة بالتكفير والتشدد ورفض التسامح‪،‬‬ ‫فيما أن أكثرها استجابة للمصداقية املذكورة هي‬ ‫التي تنظر لألحادية والتعددية من حيث هما وجهان‬ ‫مؤسس على العقل واحترام اآلخر‬ ‫اثنان ملوقف واحد ّ‬ ‫من كل األطراف‪ ،‬وعلى التسامح والدعوة املفتوحة‬ ‫حلوار عقالني دميقراطي مستنير(‪ )7‬وجها لوجه أمام‬ ‫السؤال احملوري اآلتي‪ :‬إذا كان اإلسالم على ذلك‬ ‫النحو‪ ،‬أي يتضمن إمكانية أن ُيقرأ مبقتضى مبدأ‬ ‫تؤسس‬ ‫التعددية القرائية أوال‪ ،‬وبإقرار بوجود «قراءة ّ‬ ‫على شرائط الدعوة لالعتراف باآلخر‪ ،‬ثانيا‪ ،‬بكل‬ ‫ما يستدعيه هذه االعتراف من املساواة‪ ،‬وبتأكيد‬ ‫أولوية القراءة العقلية املنغمسة في مصالح البشر‬ ‫املتغيرة ثالثا‪ ،‬ويفتح باب املشاركة في إنتاج هذه‬ ‫القراءة من قبل الالحقني كما هو احلال بالنسبة إلى‬ ‫السابقني رابعا‪ ،‬وباحترام اخلالف واالختالف مع ذوي‬ ‫العقائد الدينية والوضعية األخرى خامسا؛ نقول‪:‬‬ ‫إذا كان األمر كذلك‪ ،‬فان املجازفة بالقول بان هذا‬ ‫اإلسالم‪ ،‬على األقل‪ ،‬ال يقف عثرة في وجه اثنني من‬ ‫استحقاقات املرحلة العربية واإلسالمية الراهنة ورمبا‬ ‫كذلك ما يأتي بعدها من مراحل‪ .‬أما االستحقاق‬ ‫األول فيتمثل في الدعوة إلى الدميقراطية‪ ،‬مبا تنطوي‬ ‫عليه من مبادئ احلرية والتداول السلمي للسلطة‬

‫وتكوين مجتمع سياسي ومدني متسم بحراك سياسي‬ ‫وثقافي مفتوح‪ .‬ويأتي االستحقاق الثاني ليفصح عن‬ ‫نفسه بصيغة الدعوة إلى العقالنية واحلداثة واملشاركة‬ ‫العاملية في صوغ عالم إنساني جديد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫مجتمعا يدعو إلى القول بان هاجس‬ ‫إن ذلك‬ ‫التنوير واالستنارة كامن في نسيج اإلسالم املذكور‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫فبأخذه بالتعددية واحلرية املفتوحة املضبوطة‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى تأكيده إنسانية اإلنسانية واحترامها والدفاع عنها‬ ‫ضمن رؤية منغمسة في األرض كما في السماء‪ .‬في‬ ‫ذلك كله ما يدعونا إلى اخللوص الستنباط أولي حاسم‪،‬‬ ‫هو أن اإلسالم املقروء على هذا النحو املتقدّ م إمنا هو‬ ‫أيديولوجيا تنويرية ال جتد غضاضة في التشارك مع‬ ‫اآلخرين ممن يحملون هذا املوقف ويدافعون عنه(‪.)8‬‬ ‫هوامش وإحاالت‬ ‫‪ 1‬ـ فهمي جدعان ـ أسس التقدم عند مفكري اإلسالم في‬ ‫العالم العربي احلديث‪ ،‬بيروت ‪ ،1979‬ص ‪ 46‬ـ ‪.50‬‬ ‫‪ 2‬ـ انظر جاك بيرك ـ حينما كنت أعيد قراءة القرآن‪ ،‬ترجمة‬ ‫وائل غالي‪ ،‬ضمن مجلة (القاهرة‪ ،‬سبتمبر‪/‬أيلول ‪،1995‬‬ ‫ص‪.)34‬‬ ‫‪ 3‬ـ تاريخ الطبري ـ جزء ‪ ،5‬دار املعارف مبصر ‪1963‬‬ ‫ص ‪.66‬‬ ‫‪ 4‬ـ جاء في االعتصام للشاطبي (تعريف محمد رشيد‬ ‫رضا بجزئني‪ ،‬اجلزء الثاني‪ ،‬مصر‪ ،‬ص (‪ 173‬ـ ‪ :)174‬إن‬ ‫يصدق فيهن‬ ‫النبي (ص) قال‪« :‬قبل الساعة سنون خداعا‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫ويكذب فيهن الصادق‪ ،‬ويخ َّون فيهن األمني‪ ،‬ويؤمتن‬ ‫الكاذب‬ ‫اخلائن وينطق فيها الرويضبة ـ قالوا هو الرجل التافه احلقير ـ‬ ‫في أمور العامة»‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ فخر الدين الرازي ـ تفسير‪ ،‬اجلزء الثاني‪ ،‬ص ‪.107‬‬ ‫وفي هذا السياق‪ ،‬يرى طه حسني انه «ال غرابة في أن تختلف‬ ‫مذاهب القوم في القرآن باختالف املوضوعات وباختالف املقامات‬ ‫أيضا‪ ،‬إمنا الغرابة في مذهب واحد»‪( .‬طه حسني‪ :‬مرآة اإلسالم‪،‬‬ ‫ط‪ ،4‬القاهرة‪ ،‬ص‪ .)105‬ولعلنا نورد في هذا احلقل‪ ،‬أن عليا‬ ‫بن أبي طالب كان يأخذ على الصحابي ابن عباس انه يحاجج‬ ‫خصومه (أي خصوم علي من اخلوارج) بالقرآن‪ ،‬ويدعوه إلى غير‬ ‫ذلك‪« :‬فخاصمهم وال حتاججهم بالقرآن فانه ذو وجوه ولكن‬ ‫خاصمهم بالسنة»‪( .‬ضمن السيوطي ـ اإلتقان في علوم القرآن‪،‬‬ ‫بيروت ‪،1979‬ج‪ ،1‬ص ‪.)51‬‬ ‫‪ 6‬ـ يتضح ذلك خصوصا من «آية التأويل» التي يبرز‬ ‫التأويل فيها ذا طابع إشكالي بسبب االختالف في إعراب‬ ‫حرف «الواو» فيها‪ :‬ال يعلم تأويله إال الله والراسخون في العلم‬ ‫يقولون آمنا» انظر حول ذلك‪ :‬طيب تيزيني‪ :‬النص القرآني أمام‬ ‫إشكالية البنية والقراءة ـ دمشق‪ ،‬دار الينابيع ‪ ،1997‬ص‪235‬‬ ‫ـ ‪.261‬‬ ‫‪ 7‬ـ انظر كيفية تص ّير الشريعة معرفة مؤرقة حافزة على‬ ‫التقدم عموما‪.‬‬ ‫‪ 8‬ـ ‪De Boer - Geschichte der Philosophie‬‬ ‫‪.im Islam, Stuttgart 1901, s.40‬‬ ‫‪ 9‬ـ انظر في ذلك‪ :‬طيب تيزيني ـ بيان في النهضة والتنوير‬ ‫ـ دار الفارابي‪2005 ،‬؛ وكذلك مقالة ‪ Kant‬الشهيرة بعنوان‬ ‫‪.Was ist Aufklärung:‬‬

‫األستاذ الدكتور طيب تيزيني‬ ‫‪www.ibn-rushd.org/forum/Tisini.htm‬‬

‫‪7‬‬


‫بحث‬

‫جيران على كوكب واحد‬ ‫ضرورة معرفة االنسان الخيه االنسان كشريك لبناء االرض‬ ‫التخلي عن مسؤوليتنا في القرية الكونية خرق لوثيقة الجوار‬ ‫مع أن هذه احلقيقة واضحة في كتاب الله وهدي‬ ‫األنبياء‪ ،‬لكنها لم تكن واضحة على األرض في‬ ‫أي مرحلة من مراحل التاريخ كما هي اليوم‪ ،‬بعد‬ ‫ثورة املعلومات واالتصاالت التي عززت فكرة القرية‬ ‫الكونية‪ ،‬وأكدت إخاء اإلنسان لإلنسان على الرغم‬ ‫من إرادة احلرب الباطشة التي تتناوب على إشعالها‬ ‫في األرض قوى متقابلة في الشر من الشرق والغرب‬ ‫والشمال واجلنوب‪ ،‬ولكن أدنى قدر من الثقافة صار‬ ‫يدعو اإلنسان إلى معرفة أخيه اإلنسان شريك ًا ال بد‬ ‫منه لبناء األرض وتسخير خيراتها في منافع العباد‬ ‫والبالد‪.‬‏‬ ‫جيران على كوكب واحد حقيقة أكدها القرآن‬ ‫الكرمي‪« :‬يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى‬ ‫وجعلناكم شعوب ًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند‬ ‫الله أتقاكم إن الله عليم خبير‪ »،‬وشرحها السيد‬ ‫املسيح بقوله «اإلنسان أخو اإلنسان أحب أم كره»‪،‬‬ ‫ودلت لها حقائق العلم احلديث التي درست طبائع‬ ‫اإلنسان وحاجاته ومقاصده وأكدت األصل القرآني‬ ‫الكبير الذي دلت له عشرات اآليات‪ :‬فطرة الله التي‬ ‫فطر الناس عليها ال تبديل خللق الله‪ ،‬وكل مولود‬ ‫يولد على الفطرة‪ ،‬أو كما مت التعبير عن هذه احلقيقة‬ ‫في مؤمتر األديان األخير بعنوان عريض‪ :‬أسرة واحدة‬ ‫حتت الله!‏‬ ‫الناس وفاقيون وفروقيون‪ ،‬منهم من يبحث عن‬ ‫املشترك ومنهم من يبحث عن املختلف‪ ،‬ومن عجائب‬ ‫القدر أن ك ًال من الفريقني يجد بغيته وشواهده في‬ ‫العقل والنقل‪ ،‬وال يخفي كاتب هذه السطور انحيازه‬ ‫إلى تيار الوفاقيني الذين يؤمنون باإلخاء اإلنساني‬ ‫في األرض‪ ،‬ويؤمنون بأن الله خلق العالم من أجل‬ ‫‪8‬‬

‫نهاية سعيدة‪ ،‬ويؤمنون بكلمة إقبال‪:‬‏‬ ‫لم ألق في هذا الوجود سعادة كمحبة اإلنسان‬ ‫لإلنسان‏‬ ‫ملا سكرت بخمرها القدسي لم أحتج إلى تلك‬ ‫التي في احلان‏‬ ‫وعلى الرغم من اختالف األعراق واألديان‬ ‫والثقافات ولكن احلقيقة التي تؤكدها جتارب التاريخ‬ ‫شرحها من قبل الشاعر العربي بقوله‪:‬‏‬ ‫والناس للناس من عرب ومن عجم بعض لبعض‬ ‫وإن لم يشعروا خدم‏‬

‫وهذه احلقيقة هي التي شرحها الصوفي العارف‬ ‫بقوله‪ :‬الناس للناس والكل بالله‪.‬‏‬ ‫اجلميل كاسمه‪ ،‬واملعروف كرسمه‪ ،‬واخلير كطعمه‪،‬‬ ‫وهي حقائق شرحها نص نبوي كرمي رفعه الرسول إلى‬ ‫ربه‪ :‬ليس كل مصل يصلي وإمنا أتقبل الصالة ممن‬ ‫تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارمي وآوى‬ ‫الغريب ورحم املصاب وكسا العريان‪.‬‏‬ ‫إن فعل اخلير كاملسك ينفع حامله وبائعه‬ ‫ومشتريه‪ ،‬ولو أن تلقى الناس بوجه طلق‪ ،‬وغفر الله‬ ‫لبغي من بغايا بني إسرائيل رأت كلب ًا يلحس الثرى‬ ‫من العطش فنزلت ً‬ ‫بئرا فمألت خفها ماء فسقت‬ ‫الكلب فشكر الله لها فغفر لها‪.‬‏‬ ‫وما ألحد عنده من نعمة جتزى إال ابتغاء وجه‬ ‫ربه األعلى ولسوف يرضى‏‪.‬‬ ‫جيران على كوكب واحد حقيقة شرحها النبي‬ ‫الكرمي بقوله‪( :‬ما من مسلم يغرس غرس ًا فيأكل‬ ‫منه طير أو إنسان أو بهيمة إال كان له به صدقة)‪،‬‬ ‫وشرحتها نصوص القرآن الكبيرة الظاهرة‪( :‬فمن‬ ‫ً‬ ‫خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة‬ ‫يعمل مثقال ذرة‬ ‫ً‬ ‫شرا يره)‪.‬‏‬ ‫وحني مضى التعصب إلى غايته في منع اخلير‬ ‫عن املختلف في املذهب أو الدين أو السلوك راح‬ ‫النبي يضرب لهم أروع األمثلة من األفق اإلنساني‬ ‫البعيد‪:‬‏‬ ‫قال رجل ألتصدقن الليلة بصدقة فخرج بصدقته‬ ‫فوضعها في يد زانية فأصبح الناس يتحدثون‪:‬‬ ‫تصدق على زانية! فقال‪ :‬اللهم لك احلمد على‬ ‫زانية! ألتصدقن الليلة بصدقة‪ ،‬فوضعها في يد‬ ‫غني فاصبحوا يتحدثون‪ :‬تصدق على غني! قال‪:‬‬


‫اللهم لك احلمد على غني! ألتصدقن الليلة‪ ،‬فخرج‬ ‫فوضعها في يد سارق‪ ،‬فأصبحوا يتحدثون‪ :‬تصدق‬ ‫الليلة على سارق! فقال‪ :‬اللهم لك احلمد على زانية‬ ‫وعلى غني وعلى سارق‪.‬‏‬ ‫وهنا أخبر النبي الكرمي أن الرجل أتي (أي‬ ‫أوحي إليه) فقيل له‪ :‬أما صدقتك فقد قبلت‪،‬‬ ‫وأما الزانية فلعلها أن تستعف بها عن زنا‪ ،‬ولعل‬ ‫الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله‪ ،‬ولعل السارق أن‬ ‫يستعف بها عن سرقته‪.‬‏‬ ‫وهنا أختار لشرح هذه احلقيقة عند أهل الله‬ ‫كالم العارف الكبير أبي احلسن النوري حني سأله‬ ‫حيران بن األضعف فقال‪ :‬يا معلم‪ :‬ما مراد الله من‬ ‫خلقه؟‏ أجاب ً‬ ‫فورا‪ :‬ما هم عليه! قال مندهش ًا‪ :‬أو‬ ‫يريد من الكفرة الكفر؟ قال أفيكفرون به وهو كاره؟‏‬ ‫ثم قال‪ :‬أخبرني ماذا أراد الله باختالف الشيع‬ ‫وتفريق امللل؟ قال أراد إبالغ قدرته وبيان حكمته‬ ‫وإيجاب لطفه وظهور عدله وإحسانه‪.‬‏‬ ‫وكل قبيح إن نسبت حلسنه أتتك معاني احلسن‬ ‫فيه تسارع‏‬

‫الناس على دين‬ ‫ملوكهم فكرة‬ ‫استبداد وقهر تنتمي‬ ‫الى عصر االباطرة‬ ‫والقياصرة وليس الى‬ ‫عصر األنبياء‬

‫يكمل نقصان القبيح جماله فما ثم نقصان وال‬ ‫ثم باشع‏‬ ‫إن إحساسي بإخاء اإلنسان لإلنسان لم يكن‬ ‫نتيجة قراءة سياسية‪ ،‬فأنا معك متام ًا أن عصر‬ ‫احلروب الكولونيالية السابق واحلروب األمريكية‬ ‫اليوم ال تترك مجا ًال لتفكير كهذا‪ ،‬ولكن ذلك في‬ ‫احلقيقة كان نتيجة التأمل في مشهد واحد ال يزال‬ ‫يرتسم في خاطري مذ عرفت الله‪ ،‬وهو يقيني بروحه‬ ‫سبحانه التي ينفحها كل يوم في روح اإلنسان‪،‬‬ ‫وميينه سبحانه التي مسحت جبني خلقه‪ ،‬ويوم حشد‬ ‫املالئكة في مشهد عظيم‪ ،‬وقدم للجمهور الكبير‬ ‫في املأل األعلى مشروعه في األرض املسمى آدم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ونورا من نوره‪ ،‬وأمر املالئكة جميع ًا‬ ‫سرا من سره‪،‬‬ ‫أن يخروا له ساجدين‪ ،‬لم يكن آنذاك نبي وال‬

‫كتاب‪ ،‬وال وحي وال شريعة‪ ،‬ولكن اإلنسان كان‬ ‫مح ًال للتكرمي‪ ،‬وعلى اإلنسان أن يكتشف سره في‬ ‫ذاته‪ ،‬متاما كما عبر إقبال على لسان آدم‪:‬‏‬ ‫إن سري‪ ...‬يوم نادى مهرجانه أمر الكل‬ ‫فخروا‪ ...‬فحباني صوجلانه!‏‬ ‫وحني يعتز اإلنسان مباضيه املجيد في حضن‬ ‫املأل األعلى‪ ،‬ال يرى في هبوطه من السماء إال‬ ‫ً‬ ‫استمرارا لرسالة شريفة خلق من أجلها‪ ،‬وهي أن ميأل‬ ‫العالم بالعبادة واحلب‪ ،‬فيسأل في مترد‪:‬‏‬ ‫ما الذي تفعله العباد في قصر السماء؟‬ ‫بني سجاد وريحان وبخور وماء؟‏‬ ‫هم من اخللد سكارى وأنا أحفر حلدي‏‬ ‫ً‬ ‫شريدا أعصر الصخر لوحدي‏‬ ‫أحمل الدنيا‬ ‫أنا ملا أعبد الله بحرماني وجوعي‏‬ ‫لن ترى في املأل األعلى كمثلي في خضوعي‏‬ ‫قل ملن يسأل عني أنا شيخ احلضرتني‏‬ ‫إن ً‬ ‫عبدا لوعته األرض عبد مرتني‏‬ ‫إن فكرة اجلوار اإلنساني على الكوكب ليست‬ ‫فكرة بلهاء تعفينا من التزام احلقوق‪ ،‬وحتولنا إلى‬ ‫مجرد دراويش على طرف الكوكب نرقص في الغسق‪،‬‬ ‫ونهز الرؤوس في الضحى كعنزة الزمخشري إلرادة‬ ‫املستبد‪ ،‬بل هو تشارك ومسؤولية‪ ،‬وكفاح وجراح‪،‬‬ ‫ودمعة وابتسامة‪ ،‬وحني نتخلى عن مسؤوليتنا في‬ ‫القرية الكونية فنحن إذن من يخرق وثيقة اجلوار‪،‬‬ ‫ورمبا كان أوضح شرح ملسؤولية اجلوار ما عبر عنه‬ ‫الرسول الكرمي‪ :‬مثل القائم في حدود الله والراتع‬ ‫فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب‬ ‫بعضهم أعالها وبعضهم أسفلها فكان الذين في‬ ‫أسفلها إذا استقوا املاء مروا على من فوقهم‪ ،‬فقالوا‬ ‫لو أننا خرقنا في نصيبنا خرق ًا فلم نؤذ من فوقنا‪،‬‬ ‫فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميع ًا وإن‬ ‫أخذوا على أيديهم جنوا وجنوا جميعا‪.‬‏‬ ‫جيران في كوكب األرض‪ ،‬عنوان كبير حلقائق‬ ‫في األرض تتعزز كل يوم‪ ،‬ويكتشف اإلنسان كل‬ ‫يوم أنه أحوج ألخيه اإلنسان من ذي قبل‪ ،‬وأن فكرة‬ ‫صبغ البشرية بلون واحد‪ ،‬وأن الناس على دين‬ ‫ملوكهم هي فكرة استبداد وقهر تنتمي إلى عصر‬ ‫األباطرة والقياصرة‪ ،‬وليس إلى عصر األنبياء الذين‬ ‫بشروا في األرض بقول الله تعالى‪ :‬لكل جعلنا‬ ‫منكم شرعة ومنهاج ًا‪ ،‬ونادوا في العالم بحقيقة‬ ‫عميقة بعيدة الغور‪ :‬ولو شاء ربك آلمن من في‬ ‫ً‬ ‫جميعأ أفأنت تكره الناس حتى يكونوا‬ ‫األرض كلهم‬ ‫مؤمنني؟‬

‫د‪.‬محمد الحبش‬ ‫عن موقع مركز الدراسات االسالمية‬

‫نحو حوار‬ ‫جاد وصريح‬ ‫مع نهاية احلرب الباردة مطلع‬ ‫تسعينات القرن املاضي مت تسليط‬ ‫الضوء على اإلسالم كعدو بديل محتمل‪،‬‬ ‫خاصة اثر بروز الكثير من املنظمات‬ ‫االسالموية التكفيرية املتطرفة في‬ ‫بقاع متمايزة من العالم‪ .‬وفي ظل‬ ‫تفاقم ذلك التجاذب اصطدم املسلمون‬ ‫في اوروبا على واقع مغاير المس الكثير‬ ‫من تفاصيل حياتهم اليومية‪ .‬وسرعان‬ ‫ما انبثقت جلان وافكار ومنظمات تعمل‬ ‫على تقدمي االسالم احلقيقي للغربيني‪،‬‬ ‫في محاولة جادة لفتح بوابة التفكير‬ ‫والوصول الى مساحات مشتركة بني‬ ‫كل االديان كخطوة اساسية للعيش‬ ‫املشترك‪.‬‬ ‫سلسلة طويلة من االجنازات حتققت‪،‬‬ ‫وثمة الكثير من العمل املشترك الذي‬ ‫ينتظر ترجمة حتقيقه‪ ،‬خصوصا بعد‬ ‫شيوع اإلرهاب ووصوله إلى أوروبا وتورط‬ ‫فيها افراد من اجليل الثاني للجالية‬ ‫املسلمة الذين ولد في اوروبا واستقى‬ ‫العلم من مدارسها‪ ،‬مما يعني فشل‬ ‫جوانب من مشاريع االندماج‪ ..‬وتأكيد‬ ‫الشعور بالتهميش وااللغاء‪.‬‬ ‫تفعيل العمل املشترك وتطويره‬ ‫ليصل إلى مستوى احلوار اجلاد والصريح‪،‬‬ ‫وحتديد مجاالت عمل واضحة تسعى إلى‬ ‫مواجهة املشاكل املزمنة والعميقة‪،‬‬ ‫وتوسيع دائرة األنشطة لتشمل أكبر‬ ‫شريحة من املسلمني‪ ،‬مبا يساهم في‬ ‫دمجهم مع اجملتمع االوروبي واخراجهم‬ ‫من حالة التجاهل واالنعزال والعيش على‬ ‫هامش اجملتمع‪ ..‬باعتبارها اخلطوة االهم‬ ‫في محاربة االرهاب واحلد من العنف‬ ‫والتطرف والتخلي متاما ً عن نظرية احلق‬ ‫املطلق مقابل الباطل املطلق‪.‬‬ ‫ولعل من الضروري القول ان االسالم‬ ‫املتنور والعقالني هو اول ضحايا االرهاب‪..‬‬ ‫واكثر املتضررين من نتائجه‪ ،‬فليس‬ ‫باالمكان قطف ثمار املوت من شجرة‬ ‫احلياة‪.‬‬ ‫المحرر‬ ‫‪9‬‬


‫دراسة‬

‫«التنوير العربي» ما مصيره؟‬ ‫لم يشكل التنويريون تيارًا مترابطًا يرتكز على انتاج معرفة جديدة‬ ‫مهد القرن الماضي بخطوة او بعدة خطوات للتنوير المقبل‬ ‫هل هناك تنوير عربي؟ هل فشل هذا التنوير؟‬ ‫ما هذا النكوص إلى مزيد من اجلهل‪ ،‬والتعصب‪،‬‬ ‫والتزمت في الثقافة العربية؟!‬ ‫كل هذه التساؤالت القلقة تقفز إلى ذهني كلما‬ ‫ت اجلهود التي قام بها بعض املثقفني العرب في‬ ‫تذكر ُ‬ ‫القرن التاسع عشر‪ ،‬وهذا ما يجعلنا بحاجة إلى تتبع‬ ‫تاريخي ملرحلة مهمة في الثقافة العربية‪ ،‬خاصة في‬ ‫مصر التي كانت مركز احلراك الثقافي العربي‪ .‬ولعل‬ ‫األرضية التي أسست ألفكار كثير من املثقفني العرب‬ ‫تهيأت مع احلملة الفرنسية (نابليون) إلى مصر؛ ما‬ ‫نتج عنه اختراق أفكار الثورة الفرنسية لبنية الفكر‬ ‫العربي‪ ،‬كما تشير الباحثة فهم ّية شرف الدين‪.‬‬ ‫صحيح أن هناك محاوالت إصالحية لكثير من‬ ‫املثقفني الرواد أمثال الطهطاوي‪ ،‬واألفغاني‪ ،‬ومحمد‬ ‫عبده‪ ،‬والكواكبي‪ ،‬وجورجي زيدان وغيرهم‪ ،‬لكنها لم‬ ‫ً‬ ‫كثيرا بعدهم؛ حيث لم تتماسك احملاوالت‬ ‫تستمر‬ ‫التنويرية لبعض املثقفني واملبدعني العرب في فترة‬ ‫الحقة‪ ،‬ومنهم طه حسني‪ ،‬وسالمة موسى‪ ،‬ومحمد‬ ‫حسني هيكل‪ ،‬وأحمد أمني‪ ،‬وأحمد لطفي السيد‪،‬‬ ‫وجنيب محفوظ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫ومن حق أولئك املثقفني أ ّال نبخسهم جهودهم‬ ‫التي قدموها في سبيل االرتقاء بالثقافة العربية‬ ‫رغم السلبيات‪ .‬ولكن من املهم أيض ًا أن َ‬ ‫ينظر لتلك‬ ‫اجلهود داخل سياقها التاريخي؛ فليس منطقي ًا أن‬ ‫نحكم بالفشل على بدايات جتربة «التنوير» العربية‬ ‫التي لم تتضح لنا متام ًا‪ ،‬ولم تستمر‪ ،‬ولم تكتمل‪ ،‬إذ‬ ‫كانت اجلهود أشبه بالفردية‪ ،‬فلم ّ‬ ‫يشكل التنويريون‬ ‫ً‬ ‫تيارا مترابط ًا يرتكز على إنتاج معرفة جديدة انطالق ًا‬ ‫من توجهات فلسفية‪ .‬فالقاسم املشترك بني كثير‬ ‫منهم هو تأثرهم بالثقافة الغربية‪ ،‬خاصة الفرنسية‪،‬‬ ‫وبالتالي بفلسفة األنوار األوروبية‪ .‬إال أنهم لم ميارسوا‬ ‫‪10‬‬

‫القطيعة املعرفية التي تؤدي لنقد عميق لإلرث الثقافي‬ ‫وشوائبه‪ ،‬على الرغم من جهود بعضهم في الترجمة‪،‬‬ ‫وفي محاولة إدخال وتطبيق بعض املناهج الفلسفية‬ ‫على بعض جوانب الثقافة العربية‪ ،‬مثلما فعل‬ ‫الدكتور طه حسني في كتابه «في الشعر اجلاهلي»‬ ‫مستفيدا من املنهج الفلسفي ّ‬ ‫ً‬ ‫الشكي (الديكارتي)‪،‬‬ ‫إذ كانت جتربته تلك مبثابة هزة قوية لبعض مس ّلمات‬

‫ليس من المنطقي‬ ‫ان نحكم بالفشل‬ ‫على بدايات تجربة‬ ‫التنوير التي لم‬ ‫تتضح تماما ولم‬ ‫تكتمل بعد‬

‫التراث‪ ،‬ولكن األمر آل إلى مصادرة الكتاب ورفع‬ ‫قضية ضد صاحبه انتهت «بحفظ األوراق إداري ًا»‬ ‫بطلب من رئيس نيابة مصر!‬ ‫اتبع كثير من املثقفني بشكل ملحوظ أسلوب‬ ‫االقتراب من اخلطاب اإلسالمي بطرح املوضوعات‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬ومن أولئك‪ :‬طه حسني ومحمد حسني‬ ‫هيكل وأحمد أمني وعباس محمود العقاد وغيرهم‪ ،‬ما‬ ‫خلق أزمة في التوجه الفكري لديهم‪ .‬ويشير الباحث‬ ‫األملاني (يورغن فازال) إلى جدل بني بعض الباحثني‬ ‫فسرها بتخلي‬ ‫الغربيني حول هذه األزمة‪ :‬فهناك من ّ‬

‫املثقفني الليبراليني عن قيمهم «التقدمية» التي‬ ‫يتبنونها‪ ،‬واتخاذهم موقف ًا (إسالمي ًا) رومانسي ًا غير‬ ‫واضح املعالم‪ .‬غير أنّ هناك من عارض هذا الرأي‬ ‫ً‬ ‫مشيرا إلى أن موقف املثقفني الليبراليني لم يتغير‪،‬‬ ‫حيث إن املؤلفات ذات الصبغة اإلسالمية لبعض‬ ‫املثقفني لم تكن موجهة للنخبة املثقفة بقدر ما كانت‬ ‫إرضاء لذوقهم‪ ،‬وكذلك تفادي ًا‬ ‫موجهة لعامة الناس‬ ‫ً‬ ‫لردود األفعال الرسمية والشعبية كالتي حدثت لعلي‬ ‫عبد الرزاق أو طه حسني‪ ،‬معتبرين أن تلك االجتاهات‬ ‫فرضتها حاجة املجتمع والوضع السائد آنذاك‪ .‬ولكن‬ ‫هناك حتوالت أخرى‪ ،‬اقتصادية واجتماعية وسياسية‪،‬‬ ‫أ ّثرت على املجتمع املصري عامة‪ ،‬ومنها تنامي حركة‬ ‫اجلماهير املعتمدة على احلماسة والعاطفة‪ ،‬فتحول‬ ‫توجه بعض املثقفني من الصالونات األدبية ودوائر‬ ‫النقاش إلى «الشارع» بعد أن ظهرت حاجة املجتمع‬ ‫املتزايدة إلى هوية مخالفة للنموذج الغــربي الذي‬ ‫كرس ـ في املرحلة االستعمارية ـ صورة املغتصب‬ ‫واملناقض للدين والقيم العربية‪ ،‬فكان مشروع الهوية‬ ‫«اإلسالمية» مرشح ًا للبروز في ظل تنامي التوجهات‬ ‫السلفية‪ ،‬فأصبحت جماعة «اإلخوان املسلمني» في‬ ‫أربعينيات القرن املاضي من أهم عوامل التأثير‬ ‫االجتماعي والسياسي في مصر‪.‬‬ ‫ولكن احملك الرئيس يكمن في املثقف ذي التوجه‬ ‫التنويري‪ ،‬حيث لم يستطع (التحول) إلى أسلوب‬ ‫جديد أكثر فاعلية ليقوم بدوره الثقافي في ظل هذه‬ ‫التغيرات‪ ،‬فالصفة «النخبوية» والدور «الطليعي»‬ ‫املتوهم بقيا في الذهن فنتج عن ذلك ازدياد العزلة‬ ‫واالنسالخ‪ ،‬فتعمقت الهوة بينه وبني املجتمع لعقود‪،‬‬ ‫وخاصة بعد تغير األنظمة السياسية بفعل االنقالبات‬ ‫العسكرية املسماة بـ «الثورات» العربية‪ ،‬حيث توجه‬ ‫كثير من املثقفني العرب إلى الفكر اليساري‪ ،‬فكانت‬


‫«األصولية» اإلسالمية مستمرة في أخذ موقعها‬ ‫كبديل أيديولوجي‪ .‬وازداد هذا الشعور بعد الهزمية‬ ‫العربية في حرب ‪ 67‬التي أحدثت فراغ ًا وجداني ًا‬ ‫ت فكرة الهوية اإلسالمية‬ ‫جماهيري ًا‪ ،‬وبالتالي من ْ‬ ‫لصالح بعض جماعات «اإلسالم السياسي»‬ ‫فتمكنت من التغلغل في املؤسسات والنقابات‬ ‫املهنية‪ .‬وبعد تنامي نشاط اجلماعات اإلسالمية‬ ‫وسيطرتها على عقول كثير من أفراد املجتمع‪،‬‬ ‫وتهديدها ملوقع السلطة السياسية في مصر وغيرها‪،‬‬ ‫تطورت األمور إلى إلصاق وصف «إسالمي» بكثير‬ ‫من مجاالت احلياة االجتماعية‪ ،‬فأصبح من السهل‬ ‫حتويل أي خالف اجتماعي أو سياسي‪ ،‬إلى خالف‬ ‫ديني؛ وبذلك لم يبق مكان للنقد الذاتي اإلسالمي‪،‬‬ ‫فظهر التعصب والتطرف في املجتمع بشكل واضح‪،‬‬ ‫حتى إن بعض السلطات السياسية بدأت تزايد على‬ ‫التمسك بالدين فتستعمل قوتها ملعاقبة منتقدي‬ ‫الفكر الديني بصرف عن النظر عن (السلبيات) في‬ ‫طروحاتهم‪.‬‬ ‫فبخالف قضايا أخرى ـ كإهدار دم نصر حامد‬ ‫أبو زيد‪ ،‬وطعن جنيب محفوظ ـ جند مث ًال أن قضية‬ ‫سجن الكاتب املصري عالء حامد ثمان سنوات‪،‬‬ ‫سبقها حملة ضد الكتاب مدعومة من األزهر‪.‬‬ ‫وعندما تأخرت الداخلية املصرية في تصديق احلكم‬ ‫دعت السلطات العليا إلى تنفيذ احلكم صراحة‪ .‬أما‬ ‫اغتيال الكاتب فرج فودة عام ‪ ،92‬فقد قابله تأييد‬ ‫من قبل الشيخ محمد الغزالي‪ ،‬إذ أكد أن (مثل هذا‬ ‫الشخص يستحق عقوبة اإلعدام التي يتوجب على‬ ‫الدولة تنفيذها‪ ،‬وعندما ال تقوم الدولة بتنفيذ العقوبة‬ ‫ويقوم أحد املواطنني بأداء هذه املهمة‪ ،‬فال يوجد في‬ ‫اإلسالم عقوبة على هذا الفعل)!‬ ‫يتضح لي أنّ أوضاع املثقفني العرب في أواخر‬ ‫القرن العشرين‪ ،‬وبدايات احلادي والعشرين‪ ،‬لم تكن‬ ‫أفضل حا ًال من أوضاع نظرائهم في القرن التاسع‬ ‫عشر إنْ لم تكن ازدادت ً‬ ‫سوءا‪ .‬ولذا أقول‪ :‬إنّ التنوير‬ ‫ً‬ ‫العربي لم ِ‬ ‫ينته ولم يفشل؛ ألنه لم يبدأ أصال! فاملئة‬ ‫مهدت‬ ‫سنة املاضية‪ ،‬بكل جهود مثقفيها‪ ،‬قد تكون ّ‬ ‫للتنوير ـ سواء بخطوة أو بعدة خطوات ـ لكنها‬ ‫بالتأكيد غير كافية‪ .‬وعلى الرغم مما نشهده من‬ ‫طروحات نقدية لبعض املفكرين العرب املبنية على‬ ‫املناهج العلمية احلديثة‪ .‬فمعركة التنوير مع اجلهل‬ ‫العربي حتتاج ـ عدا اجلهد والتضحية ـ إلى الكثير‬ ‫من الوقت!‬

‫ينشط «املنبر الدولي للحوار االسالمي» في لندن منذ سنوات بتطوير منهج لدورة‬ ‫تدريبية تستهدف الشباب املسلم في الغرب والعالم االسالمي حتت عنوان «النجاح في‬ ‫عالم مضطرب»‪ .‬معتمدا على خبراء في مجاالت حديثة لتطوير الذات‪.‬‬ ‫بدات الفكرة بالتدريب على عدة مهارات اساسية لتطوير القابليات الفردية في‬ ‫العمل والتفكير‪ ،‬ثم حتولت في العام املاضي الى دورة متكاملة لتشكيل نظرة جديدة‬ ‫للنفس واحلياة ودور الفرد في «عالم مضطرب» عبر التركيز على ستة مفاتيح اساسية‬ ‫الدارة الذهن‪ ،‬مفاهيميا وعمليا‪.‬‬ ‫نظمت الدورة‪ ،‬بنسختها اجلديدة ‪ ،‬عدة ورشات تتبنى صيغة املشاركة الفعالة في‬ ‫عدة دول عربية‪ ،‬وستواصل جولتها في بلدان اخرى حتى كانون الثاني‪/‬يناير من العام‬ ‫املقبل حيث تقيم اول ورشة موسعة لتدريب املدربني في الشرق االوسط ‪ ،‬ببيروت ‪.‬‬ ‫ولكن‪ ..‬هل ميكن فعال «النجاح» في هذا «العالم املضطرب» الذي نعيش فيه؟‬ ‫رمبا يعتمد ذلك على تعريف «النجاح» وعلى ادراك «االضطراب» ومداه في العالم‬ ‫اليوم‪ .‬اي جناح؟ في العمل ‪ -‬في املوهبة؟ في احلياة اخلاصة؟ ام في املسيرة العلمية؟‬ ‫واي عالم؟ بلدي؟ منطقتي؟ محيطي الثقافي؟ ام محيطي املذهبي؟ ام العالم كما يتم‬ ‫تعريفه باملصطلحات احلديثة عبر «العوملة» حيث الكل يعيش في قرية صغيرة يؤثر ويتاثر‬ ‫‪ ،‬طبعا على قدر السلطات التي ميلكها؟‬ ‫رمبا تختلف التعريفات وقد تتباين في ترتيب االولويات‪ ،‬لكننا ننطلق من املتفق عليه‪.‬‬ ‫ونحرث معا‪ ،‬عبر صيغة الورشات التشاركية‪ ،‬ارض اذهاننا وانفسنا‪ ،‬ما شكلها وما‬ ‫اثر وما يؤثر فيها‪ .‬نقوم بذلك مستفيدين من اخر ما توصلت له املعرفة االنسانية في‬ ‫مجال التعرف على النفس وادارة الذهن‪ ،‬ونتميز مبقاربة خاصة للمكون الديني في اذهاننا‬ ‫مشددين على مركزية الوحي في االديان‪.‬‬ ‫العالم الذي نعرفه «باملضطرب» هو عاملنا االنساني الذي يتداخل مع عاملنا اخلاص‬ ‫بشكل ال مفر منه‪ ،‬ويتجلى اضطرابه في فنت ومشاكل ال تخفى‪.‬‬ ‫نتعلم في الدورة التدريبية املتقدمة «للمنبر الدولي للحوار االسالمي» كيف نعيد‬ ‫التوازن الى نظرتنا الى انفسنا‪ ،‬والقيمة حلياتنا ووقتنا احملدود كافراد على هذه الكرة‬ ‫االرضية ‪ ،‬كيف نعي ونحرك املعادلة الصعبة بني احلياة والدين‪ .‬كما نفكك الدوائر الثالث‬ ‫املتداخلة التي نتحرك فيها (النفس ـ احمليط ـ والعالم) ونرسم النفسنا ـ الثقاقية‬ ‫(مبكانها داخل ومع اجلماعة) دورا جديدا يعي حقائق وارقام التاريخ واجلغرافيا وليس اوهام‬ ‫عقد املركزية في الكون او الشعور بالدونية‪.‬‬ ‫ولعل السؤال الذي يبرز جليا ً هو‪ :‬هل ميكن النجاح في عالم مضطرب؟‬ ‫نعم‪ ،‬ميكن ادراك املعادالت التي تعزز الفرص في معرفة النفس واالخر والبحث ما‬ ‫بينهما عن دور واقعي ينجح في حتقيق اهدافه‪.‬‬

‫سعود البلوي‬

‫هاجر القحطاني‬

‫صحيفة «الوطن» السعودية‬

‫النجاح في عالم مضطرب‬

‫مديرة البرامج ـ المنبر الدولي للحوار االسالمي‬

‫‪ 7‬آذار (مارس) ‪2008‬‬

‫‪11‬‬


‫مقابلة‬

‫خالد أبو الفضل‪:‬‬ ‫نحن بحاجة إلى ثورة فكرية!‬ ‫ليس من مهام الدولة تحديد العالقات بين اهلل والمؤمنين‬ ‫اظهر الدين مرونة هائلة فيما يتعلق بحياة المسلمين كأقلية‬ ‫خالد أبو الفضل مفكر إسالمي معاصر يعيش‬ ‫في اميركا‪ ،‬وأحد مشاهير رجال القانون املسلمني‬ ‫األميركيني‪ ،‬لديه تفسيرات حديثة ومعاصرة لعالقة‬ ‫الدين باحلضارة الغربية املعاصرة‪ .‬مونيكا يونغ‬ ‫منيب تعرفنا به‬ ‫ليس هناك أمل في حتقيق الدميقراطية في‬ ‫الشرق األوسط وال في اندماج األقلية املسلمة‬ ‫في املجتمعات الغربية بدون ثورة فكرية تستمد‬ ‫من امليراث التاريخي لإلسالم‪ .‬فكما يقول خالد‬ ‫أبو الفضل ـ أحد مشاهير رجال القانون واحملامني‬ ‫املسلمني األمريكيني ـ إن هذا امليراث يكمن في‬ ‫املقام األول في اإلعتراف بثراء اإلسالم في تعدد‬ ‫طرق التفسير وممارستها‪.‬‬ ‫ويوضح أبو الفضل ما املقصود باملرونة في‬ ‫التأويل من خالل تفسيره العصري للقرآن‪ ،‬حيث‬ ‫يرى أن مبدأ احلاكمية اإللهية ـ حيث يعتبر االسالم‬ ‫أن الله هو احلاكم الوحيد وأنه هو السلطة املطلقة‬ ‫ـ اليستبعد الوساطة البشرية‪ .‬ومع أن القرآن لم‬ ‫يفرض نظاما معينا للحكم إال أنه وضع بعض‬ ‫األسس االجتماعية والسياسية مثل العدالة والرحمة‬ ‫والتسامح‪ ،‬وسن الشورى كأساس لنُظم احلكم غير‬ ‫االستبدادية‪.‬‬ ‫وتعتبر الدميقراطية الدستورية التي حتافظ على‬ ‫احلقوق الفردية ـ من وجهة نظره ـ قوة كبرى تنمي‬ ‫هذه القيم‪ .‬وألن الدميقراطية تساوي بني جميع الناس‬ ‫في احلقوق السياسية‪ ،‬فهي برهان على املكانة‬ ‫اخلاصة لالنسان بني املخلوقات االلهية‪ ،‬كما أنها‬ ‫متكن االنسان من حتمل املسؤوليات‪ .‬ويرى هذا‬ ‫‪12‬‬

‫التعرض للمدنيين باألذى يتناقض‬ ‫صراحة مع الشريعة اإلسالمية حتى لو كان‬ ‫من أجل تحرير الوطن‬ ‫املفكر أن الطاعة العمياء للسلطة البشرية كالتي‬ ‫يفرضها احلكم الدكتاتوري ال مكان لها في احلياة‬ ‫الدميقراطية‪.‬‬ ‫نقاط خالف‪ :‬الدين والدولة‬

‫ونقطة اخلالف حول جوهر نظرية أبو الفضل‬ ‫تكمن في أن الشريعة ـ أي القانون السماوي ـ‬ ‫ليست مجموعة قوانني أخالقية‪ ،‬بل أنها دستور‬ ‫إلهي يشمل مبادئ ومناهج تهدف إلى حتقيق املثل‬

‫السماوية العليا‪ .‬ويضيف قائال‪:‬‬ ‫«ميكننا أن نتناقش حول إرادة الله ما شئنا‪،‬‬ ‫وأنا أشجع املسلمني على تلك املناقشة وعلى أن‬ ‫يكتشفوا إرادة الله‪ .‬وعندما نقبل قانونا وتقوم‬ ‫الدولة بتطبيقه فإن ذلك اليعني أنه ميثل إرادة‬ ‫الله‪ .‬وإذا منحنا الدولة السلطة أن تنوب عن الله‬ ‫فإن ذلك اليعتبر دميقراطية ولكنه شكل من أشكال‬ ‫األيديولوجية‪ ،‬وهذا يتعارض مع الشريعة اإلسالمية‬ ‫ألن الله ليس له شريك يكافئه»‪.‬‬


‫مشاكل اندماج المسلمين مع المجتمعات االوروبية كانت ثقافية‬ ‫ولهذا ينبغي أن تشمل الشريعة املسائل‬ ‫العقائدية التي ال تكون خاضعة للدولة‪ .‬كما أنه‬ ‫ليس من مهام الدولة حتديد العالقات بني الله وبني‬ ‫املؤمنني‪.‬‬ ‫الدولة والحجاب‬

‫و ُيعد أبو الفضل من رواد احلركة النسائية‬ ‫االسالمية التي ترفض كل الدعوات املتزمتة مثل‬ ‫لبس النقاب‪ ،‬وفي هذا يقول أبو الفضل‪« :‬إن ما‬ ‫تدعيه الوهابية بالنسبة للنساء يعكس األولويات‬ ‫وال يستند إلى مصادر قدمية أصلية‪ ،‬وأنه التوجد‬ ‫نصوص تقول بأن الدولة ميكنها أن جتبر النساء على‬ ‫لبس احلجاب»‪ .‬وعلى سبيل املثال تطلب الوهابية‬ ‫من النساء أن يطعن أزواجهن طاعة عمياء‪ ،‬وعلى‬ ‫هذا يضيف أبو الفضل قائال‪:‬‬ ‫«إن ذلك يعتبر عندي عبودية حيث يصبح‬ ‫األزواج مثل معبودا ثانيا» وعليه فال عجب أن‬ ‫رجال الدين الوهابيني ال يتقبلون نقد أبو الفضل‬ ‫للعمليات االنتحارية واإلرهاب الذي يستهدف‬ ‫املدنيني‪ ،‬ويوضح ذلك بقوله‪:‬‬ ‫«إن التعرض للمدنيني باألذى يتناقض صراحة‬ ‫مع الشريعة اإلسالمية حتى لو كان من أجل حترير‬ ‫الوطن‪ ،‬وهذا يتحتم على ا ُخللق اإلسالمي‪ ،‬بل‬ ‫ويصبح أكثر حتمية في املواقف الصعبة»‪.‬‬ ‫ويتضح السبب جليا في كراهية رجال الدين‬ ‫املسلمني وخاصة الوهابيني املتزمتني في السعودية‬ ‫لتفسيرات خالد أبو الفضل أن الوهابيني أسسوا‬ ‫حكمهم االستبدادي باحتكارهم تفسير الشريعة‪،‬‬ ‫ويرون أن آرائه تهدد رؤيتهم لإلسالم‪.‬‬ ‫وبدل من االعتراف بثراء اإلسالم في تعدد‬ ‫طرق التفسير فإنهم يرفضون كل خطوة في طريق‬ ‫الدميقراطية‪ .‬وعالوة على ذلك فإن نقد أبو الفضل‬ ‫للوهابيني يكمن في أنهم يدّ عون ألنفسهم احلق في‬ ‫احتكارهم التفسير دون أن يعتمدوا على منهجية أو‬ ‫فهم للشريعة اإلسالمية‪ .‬في حني جند أن الوهابيني‬ ‫يستفزهم نقد أبو الفضل جدا ألنه يستند في آرائه‬ ‫على مراجع إسالمية قدمية أصلية يشير فيها إلى‬ ‫األحاديث الشريفة‪.‬‬ ‫ويضيف أبو الفضل أن «ما يجري في السعودية‬ ‫ـ حيث يصبح رأي ثالثة من الفقهاء كقانون سماوي‬ ‫ـ يناقض األحاديث الشريفة‪ ،‬ويعتبر الوهابيون‬ ‫اإلميان بالدميقراطية واملطالبة بها هرقطة‪ ،‬ولهذا‬ ‫ينظرون إليه على أنه ملحد»‪ .‬وعالوة على أن‬

‫جميع أعماله ممنوعة في السعودية فإن البروفيسور‬ ‫في الشريعة االسالمية يتلقى منذ سنوات تهديدات‬ ‫بالقتل من الوهابيني النشطاء‪.‬‬ ‫األمر الذي اليثنيه عن مهاجمة الوهابية بقوله‪:‬‬ ‫«إن الوهابية حركة استبدادية التعرف احلب وترفض‬ ‫املوسيقى والفن واجلمال واحلنان وكل ما هو إنساني‪،‬‬ ‫والوهابية مذهب فظ وقاسي وعدواني مثل الصحراء‬ ‫نفسها»‪.‬‬ ‫ويرى أن اإلنتشار الواسع للوهابية أحد أسباب‬ ‫مشاكل إندماج األقليات املسلمة في الغرب وفي‬ ‫املجتمعات العلمانية‪ ،‬وأن الوهابية تغلغلت بشدة‬ ‫في الواليات املتحدة األمريكية وأوروبا وبني رجال‬ ‫الدين املصريني‪ .‬وعلى الرغم من أنها لم تصبح‬ ‫مذهبا سائدا في مصر وسوريا إال أن السعوديني‬

‫ليس هناك أمل‬ ‫في تحقيق‬ ‫الديمقراطية في‬ ‫الشرق األوسط‬ ‫وال في اندماج‬ ‫األقلية المسلمة في‬ ‫المجتمعات الغربية‬ ‫بدون ثورة فكرية‬ ‫بدأوا في السبعينات في نشر مذهبهم باستخدام‬ ‫دوالرات النفط‪.‬‬ ‫وقد كان ذلك ممكنا ألن املؤسسات اإلسالمية‬ ‫تفككت بعد فترة اإلستعمار ورمبا استطاع املتزمتون‬ ‫أن ميلؤوا هذا الفراغ السياسي بأموالهم‪ .‬وبعد‬ ‫أحداث احلادي عشر من سبتمبر ‪ /‬أيلول أصبحت‬ ‫هذه القدرة املادية مقيدة‪.‬‬ ‫وعالوة على ذلك فإن اجلزء األكبر من اجليل‬ ‫األول للمهاجرين رفضوا االندماج بسبب اتباعهم‬ ‫املذهب الوهابي الذي يقول بعدم تبعية املسلم‬ ‫ملجتمع غير إسالمي‪ .‬وهنا يقول أبو الفضل‪:‬‬ ‫«لقد كانت املعرفة اإلسالمية للجيل األول‬ ‫بسيطة في الغالب‪ ،‬أضف إلى ذلك أن اجليل األول‬ ‫كان ال يزال مرتبطا بتقاليد ولغة البلد التي أتى‬ ‫منها‪ .‬وقد أسسوا مراكز إسالمية‪ ،‬أو باألحرى‬

‫مراكز ثقافية‪ .‬ونشأت املشاكل عندما نظر اجليل‬ ‫األول إلى اجليل الثاني والثالث على أنهم أشبه إلى‬ ‫الفرنسيني والبريطانيني أو األملان من أصولهم»‪.‬‬ ‫ويضيف أن األسباب التى خلقت مشاكل في‬ ‫عملية اإلندماج كانت ثقافية‪ ،‬وألن احلد الفاصل‬ ‫بني الثقافة والدين ليس واضحا‪ ،‬نشأت صراعات‬ ‫بني األجيال أدت في الغالب إلى صراعات في‬ ‫الوالء داخل األسرة‪.‬‬ ‫الدين واالندماج‬

‫وال يرى املفكر اإلسالمي أن الدين يشكل عقبة‬ ‫أمام االندماج‪ .‬وقد أظهر الدين وأحكام الشريعة‬ ‫اإلسالمية مرونة هائلة فيما يتعلق بحياة املسلمني‬ ‫كأقلية‪ ،‬وأنهم مطالبون فقط بقدر قليل من الشريعة‬ ‫مثل أداء الصالة والصوم وإيتاء الزكاة‪ .‬وإذا ادرك‬ ‫املسلمون ثراء اإلسالم في تعدد طرق التفسير وهذه‬ ‫املرونة فإنهم سوف يعتبرون أنفسهم فرنسيني وأملان‬ ‫وبريطانيني وفي نفس الوقت مسلمني حقيقيني‪.‬‬ ‫وعالوة على هذا سوف يشجعهم ثراء اإلسالم‬ ‫في تعدد طرق التفسير على التعامل مع مجتمعهم‬ ‫اجلديد بدال من العيش في عزلة‪ .‬وهذا يعني –‬ ‫على سبيل املثال – أن املسلم واجب عليه أن‬ ‫يساعد احملتاجني في أملانيا وليس احملتاجني في‬ ‫بلد منشأه‪.‬‬ ‫كما يرى أبو الفضل أنه ال داع للمطالبة بإسالم‬ ‫أوروبي‪ ،‬ويقول‪« :‬لقد أعطى الدين والشريعة‬ ‫اإلسالمية كل شيء ـ مثل التسامح وقبول تعدد‬ ‫املذاهب ورفض التعسف واملشاركة في احلياة اليومية‬ ‫مبا ال يتعارض مع املبادئ األخالقية والرحمة واحلب‬ ‫ـ حتى يستطيع املسلمون أن يعيشوا في مجتمع‬ ‫علماني دميقراطي متعدد املذاهب»‪.‬‬ ‫وفي املقابل يجب على األوروبيني أن يتجنبوا‬ ‫التعميم في احلديث عن اإلسالم‪ ،‬وبدال من ذلك‬ ‫يجب أن يتناقشوا مع املسلمني ويشغلوا أنفسهم‬ ‫بصحيح اإلسالم‪ .‬والتعميم يولد اخلوف من املسلمني‬ ‫داخل املجتمعات‪ ،‬وهذا ما يجعل املسلمني يشعرون‬ ‫بأنهم مرفوضني‪ .‬ويقول أبو الفضل أن «مشكلة‬ ‫اليهود» في أوروبا بدأت بالتعميم في احلديث عن‬ ‫اليهود‪.‬‬

‫مونيكا يونغ منيب‬ ‫• ترجمة عبد اللطيف شعيب‬ ‫•عن موقع‪www.qantara.de :‬‬ ‫‪13‬‬


‫أفق‬

‫حوار األديان‬ ‫هناك فرصة كبيرة للحوار مع االخر للكشف عن المواقع المعطوبة‬ ‫الكثير من القيم المشتركة متواجدة في الديانات السماوية‬ ‫أرى بداية ومن النظرة األولى في جذور‬ ‫الديانات اإلبراهيمية الكبرى الثالث سلسلة‬ ‫كبيرة من األمور اجلوهرية املشتركة بينها‪ .‬نحن‬ ‫نؤمن بنفس اآلله الذي نشعر جتاهه باملسئولية‬ ‫عما نفكر فيه ونفعله وبغض النظر عن البناء‬ ‫العقائدي الفوقي اخلاص بذلك املذهب أو ذاك‬ ‫وعن التصورات والتجارب الفردية املختلفة‪.‬‬ ‫وبالطبع جتمعنا الصلة بحقيقة ما وراء علم‬ ‫الوجود بديانات أخرى أيضا‪ ،‬كالبوذية مثال حيث‬ ‫ال تُذكر هذه احلقيقة‪ ،‬أو الهندوسية التي تبدو‬ ‫هذه احلقيقة فيها ألول وهلة كامنة خلف ما ال‬ ‫يحصى من الصور‪ .‬أما في اليهودية واملسيحية‬ ‫واإلسالم فيبرز ما هو مشترك جليا وغالبا‬ ‫ما نفاجأ بأنه يعبر عن نفسه مبفهوم مشترك‪.‬‬ ‫وعالوة على ذلك فإن لنا تاريخ ديني مشترك‬ ‫باإلضافة إلى شخصيات نبوية نعتبرهم أسالفنا‬ ‫املشتركني‪ .‬هذا وتربطنا نفس القيم األخالقية‬ ‫إذا انطلقنا من أننا ننظر إلى الصدق والنزاهة‬ ‫واحملبة والسالم واالعتدال والتآخي واحترام‬ ‫الغير خاصة من هم اكبر سنا واالستعداد لتقدمي‬ ‫العون وما شابه ذلك ـ فحتى هذه املصطلحات‬ ‫مشتركة بني دياناتنا في لغاتها األصلية أو على‬ ‫األقل قريبة من بعضها البعض ـ على أنها مثل‬ ‫تستحق الطموح لتحقيقها‪ ،‬وإذا رفضنا ما قد‬ ‫سبق وإن ُاعتبر ذميما في الوصايا العشر في‬ ‫اإلجنيل وما ال يستحسن فضال عن ذلك في‬ ‫أي حضارة في العالم‪ .‬وكثيرا ما تربطنا حتى‬ ‫تعبيرات دينية متشابهة‪ ،‬إذا بقيت حية حتى‬ ‫يومنا هذا‪ ،‬كالصلوات اليومية املنتظمة والصيام‬ ‫وتطبيق حب الغير بشكل عملي‪ .‬ومهما كانت‬ ‫االختالفات كبيرة فإنه جند تشابها وتأثيرات‬ ‫‪14‬‬

‫متبادلة وال سيما في التطور التاريخي لتقاليدنا‬ ‫الدينية‪.‬‬ ‫وإذا إستعرضنا اآلن التاريخ يتبني لنا أنه‬ ‫كان هنالك في شتى الطوائف وفي كل األزمنة‬ ‫أشخاص وضعوا مصالح نفوذهم اخلاصة في‬ ‫أعلى سلم األولويات ولم يتورعوا عن أي شيء‬ ‫في سبيل أن يظفروا بها‪ .‬وال ريب في أنهم‬ ‫قد جنحوا مرارا وتكرارا في استغالل الدين أو‬

‫التعلم من التاريخ‬ ‫يعني مراجعة‬ ‫القيم والسلوكيات‬ ‫بشكل واعي‬

‫املذهب ـ وهو على األرجح اإليديولوجيا في يومنا‬ ‫هذا ـ ألغراضهم وتسخير أصحاب مبادئ ومثل‬ ‫سليمي النية ألهدافهم‪ .‬ويصل موقف الدفاع عن‬ ‫هذا االستغالل في هذه األيام إلى حد أن املرء‬ ‫ال يكاد أن يكون قادرا على التمييز أحيانا بني‬ ‫احلق والباطل‪ .‬وأحسن مثال على ذلك هو الشرق‬ ‫األوسط وأمريكا الالتينية وغيرهما من املناطق‬ ‫املشابهة في العالم‪.‬‬ ‫أن نتعلم من التاريخ وأن نشكك بخلفية‬ ‫تقاليدنا اخلاصة يقودنا في بادئ األمر حتما إلى‬ ‫منطقة غير معروفة‪ .‬هناك أحداث في تاريخنا‬ ‫نخجل منها لدرجة أننا نود كتمانها أو أن نلقي‬

‫اللوم فيها على عاتق غيرنا أو أن نتحول إلى‬ ‫النقيض أو نرغب في التقوقع في أوهام‪ ،‬كما‬ ‫أن هنالك قسط من األسى على ما خسرناه في‬ ‫الطريق وعلى ما يفصح عنه غيرنا‪ ،‬كما كان ال‬ ‫بد في الواقع لنا نحن أيضا أن نفعل‪ .‬وهناك‬ ‫االرتباك من أن ليس أمامنا هدف ملموس نصب‬ ‫أعيننا‪ ،‬بل نحن ملزمون أوال بالقيام بأعمال‬ ‫ريادية لتمهيد الطريق‪ .‬وهنا بالذات تكمن‬ ‫فرصة كبيرة في احلوار‪ .‬فإذا مت الكشف عن‬ ‫مواضعنا املعطوبة‪ ،‬وإن كان ذلك أحيانا بصورة‬ ‫مؤملة‪ ،‬فسنتعرف من جهة أخرى على الروابط بني‬ ‫األمور ولعلنا نعثر على إشارات أولية جديدة‬ ‫من أجل حتقيق مطلبنا اخلاص‪ .‬أن نتعلم من‬ ‫التاريخ ال يعني املبالغة في الشفقة على النفس‬ ‫أو االستسالم التام فهذا لن يغير شيئا في نهاية‬ ‫املطاف‪ .‬بل يتضح لنا من التاريخ على األرجح‬ ‫أمران‪:‬‬ ‫‪ .1‬أن احملاولة املتغطرسة إلحراز مصالح‬ ‫نفوذ أنانية لن جتدي على املدى البعيد شيئا‬ ‫سوى اخلالفات والدمار‪ ،‬الذاتي أيضا؛‬ ‫‪ .2‬أن الناس يرتكبون أخطاء وبإمكانهم‬ ‫التعلم منها ولذا ينبغي عليهم دوما أن يكونوا‬ ‫على استعداد ملمارسة النقد الذاتي وللبدء من‬ ‫جديد‪.‬‬ ‫التعلم من التاريخ يعني تناول التصورات‬ ‫والقيم والسلوكيات اخلاصةبشكل واعي والنظر‬ ‫إليها في سياق مناسب‪ .‬عندئذ سنرى أننا ال‬ ‫نعيش على كومة من الصدف التعسفية‪ ،‬نقابلها‬ ‫نحن بدورنا بتعسفنا اخلاص‪ ،‬وإمنا بنظام عضوي‬ ‫نشكل نحن قسما منه‪ ،‬وحيث يجد كل شئ‬ ‫مكانه اخلاص رغم أنه خاضع للتغيرات املنوطة‬


‫باحلياة سيان إن كان هذا كائنات حية أو ظواهر أو‬ ‫قوانني طبيعة أو قيم أخالقية وحتميات اجتماعية‪.‬‬ ‫واملفتاح لهذه التجربة اإلنسانية تقدمه من الكتب‬ ‫املقدسة لدياناتنا الثالث وكتابات ومأثورات من‬ ‫ديانات أخرى إذا أمعنا النظر فيها‪ .‬إذا عدنا‬ ‫إلى هذه اجلذور وإذا إنتهينا من تناول في تاريخنا‬ ‫وتقاليدنا بإدراك وبارتباط مع أخواتنا وإخواننا من‬ ‫األديان األخرى فسينتهي األمر بنا‪ ،‬وكما ذكرنا من‬ ‫قبل‪ ،‬إلى منطقة جديدة‪ ،‬ولكننا حتى عند ذاك نتبع‬ ‫مثال الشخصيات النبوية من قبلنا‪ .‬ولرمبا نفهم في‬ ‫تلك اللحظة لقاءهم املباشر بالعلو‪ ،‬اللقاء الذي‬ ‫يشهدون هم عليه والذي ال ندركه نحن بهذه الصورة‬ ‫بالذات ولكن بإمكاننا وال شك أن نعيشه بأسلوبنا‬ ‫اخلاص املتواضع إذا متكنا من التعرف على تلك‬ ‫الوحدانية التي تكشف عن نفسها في التنوع‪ .‬ولرمبا‬ ‫عثرنا عندها على هويتنا احلقيقية كبشر‪ .‬على أي‬ ‫حال ينفتح هنا كنز غير محدود من احلوافز التي‬ ‫توسع أفقنا وتقربنا إلى تفاهم حقيقي على قاعدة‬ ‫ثابتة‪ .‬ولهذا ال أملك سوى أن أحتدث رغم كل‬ ‫التناقضات واالختالفات ورغم كل اخلالفات الراهنة‬ ‫عن وحدة علوية جتمع األديان‪ .‬وال يسعني إال أن‬ ‫أنطلق من أن الناس جميعا أينما كانوا في رحلة‬ ‫جتاه هدف واحد‪ ،‬من املهم أال يقفوا بل أن يواصلوا‬ ‫رحلتهم بشكل دؤوب وصبور‪.‬‬ ‫أود أن أختتم قولي هذا مستشهدا بآيات من‬ ‫القرآن‪ ،‬خاصة وأني أرى أن هذه اخلاطرة تتجلى من‬ ‫خالله خير جالء‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ين َما َو َّصى ب ِ​ِه ُنوحا َوال ِذي أ ْو َح ْينَا‬ ‫َش َر َع لَ ُكم ِ ّم َن ِ ّ‬ ‫الد ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يموا‬ ‫سى أنْ أ ِق ُ‬ ‫ِإلَ ْي َك َو َما َو َّص ْينَا ب ِ​ِه ِإ ْب َر ِاهي َم َو ُمو َسى َو ِعي َ‬ ‫يه َك ُب َر َع َلى املُ ْ‬ ‫ين َوال َت َت َف َّر ُقوا ِف ِ‬ ‫شر ِ​ِك َ‬ ‫ني َما تَدْ ُعوهُم‬ ‫ِّ‬ ‫الد َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يه َ من َي َ‬ ‫يه الله َي ْج َتبِى ِإل ِ‬ ‫ِإلَ ِ‬ ‫شا ُء َو َي ِ‬ ‫ب‬ ‫هدى ِإل ْي ِه َمن ُي ِني ُ‬ ‫(‪َ )13‬و َما َت َف َّر ُقوا ِإال ِمن بَ ْع ِد َما َجا َء ُه ُم ِ‬ ‫الع ْل ُم بَ ْغ َيا‬ ‫َ‬ ‫س ًّمى‬ ‫بَ ْين َُهم َولَ ْوال َك ِل َم ٌة َس َب َق ْ‬ ‫ت ِمن َّر ِ ّب َك ِإلَى أ َج ٍل ُّم َ‬ ‫ين ُأو ِر ُثوا ِ‬ ‫ّلَ ُق ِ‬ ‫ب ِمن بَ ْع ِد ِهم لَ ِفي‬ ‫ض َى بَ ْين َُهم َو َّ‬ ‫إن ا ّلَ ِذ َ‬ ‫الك َت َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫اد ُع َوا ْست َِق ْم ك َما أ ِم ْر َ‬ ‫ب (‪َ )14‬ف ِلذ ِلك َف ْ‬ ‫َش ٍ ّك ِم ْن ُه ُمرِي ٍ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫َوال َت َّتب ِْع َأهْ َوا َءه ُْم َو ُق ْل آ َمن ُ‬ ‫ت بمِ َا أن َز َل الله ِمن ِك َت ٍ‬ ‫َ‬ ‫عم ُلنَا َولَ ُكم‬ ‫َو ُأ ِم ْر ُ‬ ‫ت ْ‬ ‫ألع ِد َل بَ ْين َُك ُم الله َر ُّبنَا َو َر ُّب ُكم لَنَا أ َ‬ ‫َأ ْع َم ُل ُكم ال ُح َّج َة بَ ْي َننَا َوبَ ْين َُك ُم الله َي ْج َم ُع بَ ْي َننَا َو ِإلَ ْي ِه‬ ‫امل َ ِ‬ ‫ص ُير (‪ )15‬سورة الشورى‪ ،‬اآليات ‪13‬ـ ‪.15‬‬

‫حليمة كراوزن‬ ‫ترجمة مصطفى السليمان‬ ‫عن الصفحة الشخصية حلليمة كراوزن‬ ‫«‪www.geocities.com/Athens/‬‬ ‫‪Thebes/8206/hkrausen/studies.‬‬ ‫‪»htm»\t«_blank‬‬

‫الحوار‪ ..‬جوهر الحياة‬ ‫احلوار هو تبادل احلديث بني كيانني أو أكثر‪ .‬وإذا كان هذا التعبير رائجا في مجال‬ ‫الدراما منذ احلضارات اإلغريقية والهندية وغيرها‪ ،‬إال أن «حوارات» فالطون تستوقف َم ْن‬ ‫يتابع اصل هذا التعبير‪ ،‬النطوائها على فكرة «اخلالف ‪ »disagreement‬بني السقراطيني‬ ‫ّ‬ ‫«حل خالفات»‪ .‬تنهض تلك «احلوارات»‬ ‫ومخالفيهم‪ .‬لذا كانت تلك احلوارات تسير باجتاه‬ ‫على إمكانية أن يدرك احملاوِر استحالة فرضياته‪ ،‬ليحاول بعدها التدقيق بفرضيات أخرى‪،‬‬ ‫تطرح هي األخرى للفحص بالدقة نفسها‪ .‬وهكذا تتواصل «احلوارات»‪ ،‬في القسم‬ ‫األعظم منها‪ ،‬بهذا النحو بال انتهاء‪ ،‬كما لو في احلياة احلقيقية‪.‬‬ ‫مفهوم «احلوار» يفترض‪ ،‬إذاً‪ ،‬وجود «خالف» ينتظر على الدوام حال؛ أو يطرح نفسه‬ ‫بديال من «الصدام»‪ ،‬أو الصراع‪ ،‬أو النزاع‪ ...‬والى ذلك من املفاهيم التي تنطوي‪ ،‬بدرجة أو‬ ‫بأخرى‪ ،‬على «عنف حقيقي»‪.‬‬ ‫ويبدو أن املفهوم الفلسفي هذا رُ ِّحل بقوة‪ ،‬في تسعينيات القرن املاضي‪ ،‬إلى اجملال‬ ‫«الثقافي»‪ ،‬وحتديدا بني اإلسالم الذي شكل مؤسسات سوسيو ثقافية واستبطنها‪،‬‬ ‫والغرب‪ ،‬بوصفه نسقا سوسيو ثقافيا واقتصاديا وسياسيا ـ وضعيا ـ ّ‬ ‫تلفع بعباءة‬ ‫«عقيدة»‪.‬‬ ‫لقد اختزل عرب ومسلمون «الغرب كله» بدول معدودة‪ ،‬تتصدر «املواجهة» و»اجلبهة»‪،‬‬ ‫واختزل غربيون «قراءات اإلسالم كلها» بنسخة واحدة تقريبا‪ ،‬اختطفت نسخ وأصوات‬ ‫كثيرة‪ .‬على أنها نسخة حتتاج إلى مساحة اكبر بكثير من هذه السطور لفحصها‬ ‫مبوضوعية‪ ،‬في حواضنها العربية واملسلمة‪ ،‬بل حتى الغربية‪.‬‬ ‫أما داخل أسوار «دار اإلسالم» نفسها‪ ،‬فكان لظهور اجلماعات التكفيرية والسلفية ـ‬ ‫بهذا املعنى ـ في منتصف القرن السابع عشر امليالدي‪ ،‬أن أدى إلى عنف جتلى بأبشع صوره‬ ‫في هجمات مسلحة على مسلمي الداخل ـ آخر الداخل ـ في أوقات معينة‪ ،‬منذ ذلك‬ ‫التاريخ حتى اليوم‪ .‬أي انه سبق عنف هذه احلركات املوجه ضد آخر اخلارج‪.‬‬ ‫واحلال هذه‪ ،‬هناك مستويان من «اخلالف» أو «الصراع»‪ :‬األول خارجي؛ بني دول غربية‬ ‫بعينها وتنظيمات سياسية ال تفيد من اإلسالم إال قدرة إحدى مقوالته‪« ،‬اجلهاد»‪ ،‬على‬ ‫التجنيد والتعبئة‪ .‬لهذا ال جتدها تطرح مشروع إدارة جملتمعاتها بنحو واضح ودقيق ومحدد؛‬ ‫بل أن هويتها يشكلها «السيف» وليس الفكر‪.‬‬ ‫واملستوى اآلخر داخلي؛ يتمثل بظهور التيارات «السلفية» و»التكفيرية»‪ ،‬التي لم‬ ‫تتورع عن «شرعنة» العنف واستخدامه‪.‬‬ ‫هذان املستويان أنتجا بدورهما مقولة «العدو البعيد والعدو القريب»‪ ،‬التي ظهرت في‬ ‫أدبيات السلفيني اجلدد في القرن العشرين‪ .‬االمر الذي يفرض على «املتنورين» و»املعتدلني»‬ ‫كما على «العلمانيني» و «الليبراليني» التثقيف على هاتني اجلبهتني‪ ،‬كما هو احلال‪ .‬وال‬ ‫مجال في عالم اليوم‪ ،‬إن اخترنا البقاء فيه بشرا يسهمون ببنائه وجعله مكانا أكثر‬ ‫مقبولية‪ ،‬إالّ بحوار ال ينتهي يسلِّم أوال بأحقية وجود تنوع‪ ،‬اختالفات‪ ،‬ويتجه حلل خالفات‪،‬‬ ‫فهذا هو جوهر احلياة‪.‬‬

‫فالح حسن السوداني‬ ‫‪15‬‬


‫ورشة عمل‬

‫شبكة «يارنجان» لإلسالم الليبرالي في إندونيسيا‪:‬‬

‫المساواة وحرية األقليات‬

‫االسالم في اندونيسيا متداخل مع التقاليد المحلية وبقايا الحضارات‬ ‫اضطهاد االقليات يتنافى مع مبادئ االسالم‬ ‫قبيل أحداث احلادي عشر من سبتمبر‪/‬‬ ‫أيلول ‪ 2001‬اجتمعت مجموعة صغيرة من‬ ‫املثقفني املسلمني في إندونيسيا للقيام بتكوين‬ ‫ثقل مضاد للحركات اإلسالمية املتطرفة في‬ ‫بلدهم‪ ،‬وقاموا بتكوين شبكة «يارجنان»‬ ‫لإلسالم الليبرالي‪ .‬تقرير كريستينا شوت‪.‬‬ ‫بإدخال النظام الدميقراطي بعد إستقالة‬ ‫الديكتاتور السابق سوهارتو عام ‪1998‬‬ ‫ازدهرت حرية الرأي مرة أخرى في هذا البلد‬ ‫الذي يعد أكبر تكتل إسالمي في العالم‪ .‬وألن‬ ‫لكل شيء إيجابي عيوب أيضا‪ ،‬فقد ظهرت هذه‬ ‫املجموعة هنا إبان ظهور األقلية من اإلسالميني‬ ‫الراديكاليني التي أصت أيضا تعبر عن رأيها‬ ‫بصوت عال‪ ،‬لذلك كان الوقت مناسبا لتأسيس‬ ‫الشبكة‪ ،‬كما يقول أوليل أبشر عبد الله‪:‬‬ ‫«إننا تناقشنا منذ مدة طويلة حول منظمة‬ ‫إسالمية ليبرالية‪ ،‬وفيما بعد رأينا تنامي اإلسالم‬ ‫الراديكالي بعد اإلصالح في إندونيسيا‪ ،‬وقد‬ ‫كان ذلك في التوقيت املناسب»‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن املجموعة قليلة نسبيا‪،‬‬ ‫إال أنها ذات نفوذ قوي وتتمتع بأقصى جدية‬ ‫بني املسلمني املتدينني‪ ،‬فمعظم األعضاء‬ ‫املؤسسني كانوا ملتحقني باملدارس اإلسالمية‬ ‫ودرسوا فيما بعد العلوم اإلسالمية‪ .‬وفي معظم‬ ‫مملوء‬ ‫جامعات إندونيسيا املنفتحة واجهوا عاملا‬ ‫ً‬ ‫بتأويالت جديدة لتعاليم الدين وواقع احلياة‪.‬‬ ‫واليوم تندد املجموعة باالسالم «احلرفي»‪،‬‬ ‫أي الذي يخضع للتفسير احلرفي للنص‬ ‫‪16‬‬

‫أشكال العبادات‬ ‫وطرق آدائها التي‬ ‫تخدم المظهر‬ ‫الخارجي‪ ،‬التهم بشئ‪،‬‬ ‫وال يهم سوى القيم‬ ‫التي تختفي ورائها‬

‫القرآني‪ ،‬وهم يرون أن التفسير احلرفي سوف‬ ‫«يقضي على اإلسالم»‪ ،‬وهذا ما يعتبرونه‬ ‫أكبر مشكلة من مشاكل الراديكاليني‪ ،‬ذوي‬ ‫التفسيرات العقيمة‪ ،‬احلكرية‪ ،‬والرجعية‪.‬‬ ‫فالشريعة اإلسالمية يجب أن تفسر في السياق‬ ‫وفي ظل تطور املجتمع والزمن‪.‬‬ ‫اإلسالم المعتدل‬

‫كما أن اإلسالم في إندونيسا ما زال‬ ‫معتدال جدا وذلك فيما يخص االندماج مع‬ ‫التقاليد احمللية وبقايا احلضارات والديانات‬ ‫القدمية‪ ،‬ولهذا جند أوليل يقول‪:‬‬ ‫«إنني أجد التركيبات امللفقة إيجابية‬

‫جدا ألنها حافظت على شخصية اإلسالم‬ ‫اإلندونيسي اخلاصة وحالت دون التعريب‬ ‫املتزايد‪ .‬وإننا ال منثل اإلسالم التقليدي‬ ‫املعتدل بتاتا‪ ،‬ألنه متعصب جدا في أصوله‬ ‫ومن السهل جدا أن يساء استخدامه من قبل‬ ‫احلركات الراديكالية»‪.‬‬ ‫وتتفق شبكة «يارجنان» لإلسالم الليبرالي‬ ‫في نقاط عديدة مع مبادئ جمعية نهضة‬ ‫العلماء واجلمعية احملمدية ـ كبرى املنظمات‬ ‫االندونيسية املعتدلة والتي متثل ‪ 70‬مليون‬ ‫مسلم ـ ومع ذلك تنتقد اجلمعية بعض النقاط‬ ‫الفردية التي تراها رجعية مثل عدم املساواة بني‬ ‫الرجل واملرأة‪.‬‬


‫فشبكة»يارجنان» لإلسالم الليبرالي ترى‬ ‫أن أي نوع من اضطهاد األقليات يتنافى مع‬ ‫مبادئ اإلسالم‪ ،‬ولهذا تبذل الشبكة جهدها في‬ ‫سبيل احلرية الدينية وحرية الرأي وحقوق املرأة‪،‬‬ ‫وهدفها في ذلك هو تقوية الدميقراطية وممارسة‬ ‫سياسة إنسانية عادلة ذات قواعد اجتماعية‪.‬‬ ‫صدمة سبتمبر لم تكن مفاجأة‬

‫ويقول أوليل الذي يدير أيضا معهد احلرية‬ ‫في جاكارتا‪« :‬إن أهدافنا األولى لم تتغير‬ ‫كثيرا بعد أحداث احلادي عشر من سبتمبر‪/‬‬ ‫أيلول ‪ 2001‬واالعتداء في جزيرة بالي‪ ،‬ومع‬ ‫أنها كانت صدمة بالنسبة لنا إال أنها لم تكن‬ ‫مفاجأة‪ ،‬فقد تنبأنا بذلك من ذي قبل وبدأنا‬ ‫عملنا على هذا األساس»‪.‬‬ ‫«ومن الضروري طبعا أن يعاقب القضاء‬ ‫الراديكالية العنيفة‪ ،‬إال أنه من الواجب أيضا‬ ‫محاربة تلك األفكار التي تكمن وراء ذلك‬ ‫بأفكار مضادة‪ ،‬وقد بدأنا هذا الكفاح بالفعل‬ ‫مع أنه مؤلم في كثير من األحيان»‪.‬‬ ‫وقد عانى رئيس الشبكة بنفسه من هذا األلم‬ ‫إثر مقال نشره في الثامن عشر من نوفمبر‪/‬‬ ‫تشرين الثاني ‪ 2002‬في كبرى اجلرائد اليومية‬ ‫في إندونيسيا (كومباس)‪ .‬فأصدرت الهيئة‬ ‫الشعبية لعلماء إندونيسيا في مدينة باندونغ‬ ‫غرب جاوا فتوى بجواز قتل العالم اإلسالمي‬ ‫الذي يدعو إلى اإلصالح اإلجتماعي‪.‬‬ ‫وكان قد صرح في املقال املذكور «إننا‬ ‫نحتاج إلى تفسير لإلسالم يفرق بني التعاليم‬ ‫التي تأثرت باحلضارة العربية وبني غيرها‪.‬‬ ‫والقيم العامة ال بد من تطبيقها في ظروف‬ ‫معينة من احلياة‪ ،‬مثل حياة العرب أو حياة‬ ‫املاليزيني أو حياة سكان آسيا الوسطى‪ .‬أما‬ ‫أجزاء اإلسالم التي تعبر عن حضارة محلية‬ ‫فهي ال تعنينا بشيء‪».‬‬ ‫جوهر اإلسالم هو األساس‬

‫وقد أثار أوليل مبقاله جدال واسع النطاق‬ ‫وهاجم األصوليني لتركيزهم على الشريعة‪،‬‬ ‫بينما دافع عن الذين يختارون دينهم عن‬ ‫قناعة‪ ،‬وتابع في املقال قائال‪:‬‬ ‫«إن اإلسالم يعرض مبدأ عاما وشامال‬ ‫يوجد أيضا في املسيحية والهندوسية‬ ‫والبوذية والكونفوشيوسية واليهودية والطاوية‬ ‫أو الديانات احمللية‪ ،‬ومن املمكن أيضا أن‬ ‫يتواجد جوهر اإلسالم في املاركسية‪ .‬وأنا ال‬ ‫أعير الشكل اهتماما‪ ،‬ولكن يهمني الفحوى‪.‬‬

‫فأشكال العبادات وطرق آدائها التي تخدم‬ ‫املظهر اخلارجي‪ ،‬التهم بشئ‪ ،‬وال يهم سوى‬ ‫القيم التي تختفي ورائها»‪.‬‬ ‫وفيما بعد أنكرت الهيئة الشعبية للعلماء‬ ‫إصدار فتوى للقتل على اإلطالق‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫فإن رئيس شبكة»يارجنان» لإلسالم الليبرالي‬ ‫وأسرته يعيشون في خوف دائم من الهجمات‬ ‫احملتملة‪.‬‬ ‫وهذا ال يثني أوليل أبشار عبد الله‬ ‫وزمالءه عن نشر أفكارهم في وسائل اإلعالم‬ ‫اإلندونيسية الهامة‪ .‬وشبكة «يارجنان» تقدم‬ ‫بشأن هذا املوضوع عروضا كثيرة للقراءة على‬ ‫صفحات اإلنترنت وتقوم أيضا بنشر كتب‬ ‫متخصصة‪ ،‬وإلى جانب ذلك تقوم املجموعة‬ ‫بعقد سلسلة للحوارات وتقدم برنامج إذاعي‬ ‫كل أسبوع‪.‬‬ ‫حوار األديان والتسامح الديني‬

‫كما أسست شبكة اإلسالم الليبرالي‬

‫تبذل الشبكة‬ ‫جهدها في سبيل‬ ‫الحرية الدينية وحرية‬ ‫الرأي وحقوق المرأة‬ ‫وتقوية الديمقراطية‬ ‫وممارسة سياسة‬ ‫إنسانية عادلة ذات‬ ‫قواعد اجتماعية‬

‫شبكة معلوماتية عاملية‪ ،‬وهي ليست متصلة‬ ‫باملجموعات الليبرالية في البالد اإلسالمية‬ ‫فقط‪ ،‬بل أيضا مبنظمات غير إسالمية‪.‬‬ ‫ومبناسبة انتخاب البابا اجلديد صرح السيد‬ ‫أوليل في مقابلة مع صحيفة جاكرتا بوست‪:‬‬ ‫«نظرا لإلستياء الذي يضمره الغرب جتاه‬ ‫العالم اإلسالمي بعد أحداث العنف التي تقوم‬ ‫بها جماعات متطرفة‪ ،‬فإن ثمة حوار لألديان‬ ‫بات مهما‪ ،‬ولكن على أن ال يتركز في أوروبا‬ ‫وأمريكا فقط‪ ،‬بل عليه أيضا أن يدعوا‬ ‫للتسامح الديني في البالد اإلسالمية»‪.‬‬

‫كريستينا شوت‬ ‫عن موقع «قنطرة»‬

‫القرآن‬ ‫والتعايش اإلنساني‬

‫تزايد االهتمام في السنوات األخيرة مبوضوعات القيم‬ ‫اإلنسانية خاصة من منظور ديني‪ ،‬ففي ظل األحداث‬ ‫الدولية التي شهدها العالم املعاصر‪ ،‬وتصاعد موجات‬ ‫التطرف والعداء باسم الدين‪ ..‬برزت للوجود خطابات حتاول‬ ‫إعادة األمور إلى نصابها‪ ،‬غايتها إبراز اجلوانب القيمية‬ ‫واألخالقية للرساالت السماوية ومنها رسالة اإلسالم‪.‬‬ ‫ومن أكثر املواضيع اهتماما في هذا الصدد‪ ،‬التعايش‬ ‫والتسامح وحقوق اإلنسان واالعتراف باآلخر‪ ،‬وغيرها من‬ ‫املفاهيم التي أصبحت تؤطر احلقل املفاهيمي للخطاب‬ ‫الديني املعاصر‪.‬والتي كتب فيها وعنها الكثير‪.‬‬ ‫واملالحظ أن معظم هذه الكتابات كانت محكومة‬ ‫باألجواء التي حتدثنا عنها‪ ،‬املتسمة بردود األفعال في‬ ‫الغالب حتت ضغط الهجوم على اإلسالم واالستغالل‬ ‫السياسي واإلعالمي لتشويه صورته‪...‬فكان الرجوع إلى‬ ‫نصوص الوحي‪ ،‬وإثبات بطالن مثل هذه االتهامات‪.‬‬ ‫وفي غمرة هذا التدافع‪ ،‬تقام املؤمترات واحملاضرات‬ ‫والندوات‪ ...‬للحديث عن أخالقيات التعايش والتسامح في‬ ‫اإلسالم الذي احتضن ثقافات مختلفة في تاريخه‪ ،‬إلى‬ ‫غير ذلك مما ال خالف فيه‪ .‬غير أن حضور هذه املفاهيم اليوم‬ ‫في سياق التدافع مع اآلخر‪ ،‬جعلتنا نتغافل عن االلتفات‬ ‫إلى املعاجلة القرآنية لترسيخ هذا السلوك اإلنساني‪،‬‬ ‫مكتفني بترديد املقوالت القرآنية ـ النتائج ـ دون التنبه‬ ‫إلى البناء التربوي الذي اتخذه القرآن وفق منهاجيته‬ ‫اخلاصة لتربية اإلنسان والوصول به إلى املرتقى األخالقي‬ ‫للتعايش اإلنساني‪ .‬وهو ما أردنا مطارحته في هذا املقال‪.‬‬ ‫سيما وأن ما يقع أحيانا بني بعض الدعاة املسلمني‪ ،‬من‬ ‫مشاحنات وتالسن ينبئ عن تعصب البعض لرأيه وعدم‬ ‫قبول االختالف والرأي اآلخر‪ ،‬دليل على عدم رسوخ قيم‬ ‫التسامح والتعايش‪ ،‬وسنرى أن البناء القرآني لهذه القيم‬ ‫انطلق من الدائرة الداخلية للمجتمع اإلسالمي ليصل‬ ‫إلى الدائرة العاملية اإلنسانية‪ ،‬وفق منطق محكم لسلم‬ ‫املراقي األخالقية‪.‬‬ ‫غالبا ما يتم االستدالل في سياق احلديث عن‬ ‫خلق التعايش في اإلسالم باآلية ‪ 13‬من سورة احلجرات‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َاك ْم ِم ْن ذ َ​َك ٍر وَأُن ْ َثى وَ َج َعلْن ُ‬ ‫َّاس إن َّا خَ لَ ْقن ُ‬ ‫َاك ْم‬ ‫« يَا أيُّهَ ا الن ُ ِ‬ ‫هَّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الل أتْقَاك ْم إ ِ َّن‬ ‫ش ُعوبًا وَ َق َبائِل لِ َت َعار َ ُفوا إ ِ َّن أكرَ َمك ْم ِع ْن َد ِ‬ ‫َ‬ ‫هَّ‬ ‫يم خَ ِبي ٌر «‪ .‬غير أن طبيعة هذا املوضوع أخالقية‬ ‫الل َعلِ ٌ‬ ‫و تربوية بالدرجة األولى‪ .‬وإن كانت تستند إلى اجلانب‬ ‫املعرفي‪ ،‬والذي هو في هذه احلالة إخبار من اهلل عز وجل(‬ ‫وحي )‪ .‬فلنتأمل البناء األخالقي لقيم التعايش من خالل‬ ‫هذه السورة‪.‬‬ ‫فقد سعى اخلطاب القرآني إلى غرس قيم التعايش‬ ‫والقبول لآلخر‪ ،‬ضمن دوائر االختالف األضيق‪ ،‬داخل اجملتمع‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬ليخوله بعد ذلك‪ ،‬القدرة على استيعاب كل‬ ‫آخر‪ ،‬غريب عن مجتمعه ودينه وثقافته‪ .‬وفق سلسلة‬ ‫من التوجيهات‪ ،‬تعالج بالتدرج أزمات االجتماع اإلنساني‪،‬‬ ‫وترتقي به نحو األفق اإلنساني الرحب‪...‬‬ ‫فما أحوجنا إلى اإلفادة املنهجية من املعاجلة‬ ‫القرآنية لهذه املواضيع‪ ،‬لتأسيس ثقافة أخالقية متأصلة‬ ‫من املرجعية القرآنية‪ ،‬التي هي في حقيقة األمرمرجعية‬ ‫إنسانية‪.‬‬

‫عبد اللطيف طريب‬

‫أستاذ باحث في الدراسات اإلسالمية ومقارنة األديان‬

‫‪17‬‬


‫وجهة نظر‬

‫كيف يمكن تفعيل الفكر التنويري‬ ‫اإلسالمي مجدداً؟‬ ‫مهمة هي التحوالت التي عرفها الفكر االسالمي في القرن الماضي‬ ‫يبدأ التغيير مع تحويل الوعي االسالمي من الفردي الى الوعي الجماعي‬ ‫ثمة سؤال يفرض نفسه بإحلاح‪ ،‬عندما نتحدث‬ ‫عن فكر تنويري إسالمي معاصر‪ .‬يتمحور حول‬ ‫مدى العالقة باجلهود التنويرية السابقة‪ ،‬هل‬ ‫نتحدث عن تأسيس أم امتداد؟‬ ‫فكما هو شأن األمم األخرى‪ ،‬تأتي األفكار‬ ‫النهضوية والتنويرية في حلظات االنعطاف الكبرى‬ ‫في مسيراتها التاريخية‪ .‬حصل ذلك بشكل‬ ‫متقارب زمنيا فيما يخص التنوير اليهودي‪ ،‬الذي‬ ‫بدأ مع موسى مندلسون (‪ 1729‬ـ ‪،)1786‬‬ ‫وكذلك التنوير املسيحي الذي قاده مارتن لوثر‬ ‫(‪ 1483‬ـ ‪.)1546‬‬ ‫وقد عرف عاملنا العربي اإلسالمي األمر نفسه‪،‬‬ ‫عندما استيقظ نهاية القرن التاسع عشر على‬ ‫إيقاع مدافع االستعمار‪ ،‬فكانت األفكار الرائدة‬ ‫حملمد عبده وابن باديس واألفغاني ومحمد بن‬ ‫العربي العلوي وغيرهم‪،‬‬ ‫إال أن التيار العام بقي عصيا على التطويع‬ ‫التنويري‪ ،‬مما جعل البالد العربية مبختلف تشكيالتها‬ ‫وتياراتها الفكرية املعاصرة تدخل ما ميكن اعتباره‬ ‫نفقا مسدودا‪ ،‬نرى معامله بادية اليوم في أعمال‬ ‫العنف العدائية واالقتتال الطائفي‪ ،‬وغياب رؤى‬ ‫استراتيجية واضحة حلل األزمات املعاصرة‪...‬‬ ‫وغيرها من األمور التي استدعت من جديد سؤال‬ ‫التنوير اإلسالمي‪ ،‬بحثا عن قواعد متينة تعمل‬ ‫على رفع التحديات املعاصرة‪ ،‬املطروحة على‬ ‫العقل اإلسالمي انطالقا من املرجعية اإلسالمية‪،‬‬ ‫بعيدا عن االدعاءات الفارغة والشعارات اجلوفاء‪.‬‬ ‫فكيف ميكننا بعث هذا الفكر التنويري اجلديد؟‬ ‫‪18‬‬

‫وهل من الالزم أن يرتبط بإسهامات عصر النهضة‪،‬‬ ‫ويشكل امتدادا لها؟‬ ‫قام الباحث التونسي احميدة النيفر‪ ،‬برصد‬ ‫ألفكار التجديد والتحديث التي عرفها عاملنا‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬في مقاالت ثالث بعنوان عام ‪« :‬قرن‬ ‫من املراجعات والتحوالت» نشرت في شهري آيار‬ ‫(مايو) وحزيران (يونيو) املاضيني‪ ،‬ناقش فيها‬

‫اثارة حوار مكثف‬ ‫كفيل باعادة‬ ‫النظر في طبيعة‬ ‫المجتمع وفي‬ ‫مهمة مؤسساته‬ ‫االجتماعية والثقافية‬

‫هذه املسألة من زاوية تنظر في دعوى اجلمود‬ ‫الفكري املالزم للمسلمني‪ ،‬وانعدام أي حت ّول في‬ ‫تص ّورهم‪ ،‬أو أ ّية مراجعة لقيمهم‪ .‬وقد اتسمت‬ ‫محاولته باجلدة والتدقيق‪ ،‬ألنها قامت على‬ ‫اقتفاء حركة األفكار في البالد العربية‪ ،‬في سياق‬ ‫تاريخي محدّ د (نهاية القرن التاسع عشر وبداية‬

‫القرن العشرين)‪.‬‬ ‫وفي ما يلي عرض ملقالته الثالثة‪ ،‬التي‬ ‫تلخص جهود التنوير اإلسالمي املعاصر على مدى‬ ‫قرن‪،‬بعنوان‪ :‬قرن من املراجعات والتح ّوالت‪ ..‬على‬ ‫دروب «العروة» و«املنار»‪.‬‬ ‫«كان إنشاء األفغاني وعبده مجلة «العروة‬ ‫الوثقى» عام ‪ 1884‬حدثا تاريخيا‪ ،‬فتح مسارب‬ ‫انداحت منها حركة لألفكار ظ ّلت متّسعة عبر‬ ‫أجيال‪ .‬بعد ذلك مبا يناهز القرن‪ ،‬أصدر رضوان‬ ‫السيد والفضل شلق مجلة «االجتهاد»‪ ،‬فكانت‬ ‫فرعا متم ّيزا من تلك احلركة األولى التي و ِإن لم‬ ‫تعمر‪ ،‬فقد ح ّركت السواكن وق ّلبت األنظار‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫في غضون هذا القرن ظهرت عناوين ملجالت‬ ‫فكرية عملت لإلصالح أو التجديد من مداخل‬ ‫ورؤى متنوعة ومتباينة‪ .‬ورغم أن أعمار هذه‬ ‫املجالت كانت قصيرة في الغالب‪ ،‬فإن أثرها‬ ‫كان حاسما في تطوير األفكار ومراجعة املناهج‬ ‫وحتديث أساليب التعبير‪ .‬ال ميكن لذلك‪ ،‬عند رصد‬ ‫التحوالت الفكرية‪ ،‬أن نقارن أثرها بأثر الكتب‬ ‫التي انتهجت نهجا نقديا في الفترة ذاتها‪.‬‬ ‫كانت املجالت متم ّيزة أساسا بدورية الصدور‪،‬‬ ‫ثم بوضوح التبويب ويسر اللغة‪ ،‬مما جعل األفكار‬ ‫فيها قريبة املأخذ لفئات واسعة من املجتمع‪ .‬من‬ ‫هذه الزاوية كانت أبلغ ً‬ ‫أثرا وأشد منافسة للخطاب‬ ‫التقليدي املسجدي‪ ،‬رغم دوريته وسهولة عباراته‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يتعذر الوقوف على حجم التح ّوالت‬ ‫لذلك‪ ،‬فإ ّنه‬ ‫التي عرفها الفكر العربي اإلسالمي في قرن من‬ ‫الزمن من دون تناول ما أحدثته املجالت من حركة‬


‫وعي ضخمة تثبت تهافت دعوى اجلمود املالزم‬ ‫أي حت ّول في‬ ‫للفكر العربي اإلسالمي وانعدام ّ‬ ‫التص ّور أو أ ّية مراجعة للقيم في عالم املسلمني‪.‬‬ ‫بدأت هذه الظاهرة اإلعالمية ّ‬ ‫مبكرة نسبيا‪،‬‬ ‫فاختير لها اسم «مجلة»‪ ،‬املشتق من فعل ّ‬ ‫«جل»‬ ‫«ع ُظم»‪ ،‬إبرازا ألهمية الغاية واملضامني‪ .‬اعتنى‬ ‫أي َ‬ ‫البعض منها بالعلوم العصرية (« َيعسوب الطب»‬ ‫في مصر) أو بالسلوك احلضاري («مرآة األخالق»‬ ‫في سوريا) أو بالنهوض املؤسساتي («الرائد» في‬ ‫تونس) أو مبجال القيم والتراث («اإلحياء» في‬ ‫اجلزائر)‪ .‬هذه العناوين األولى وغيرها كانت مؤشرا‬ ‫على بروز حركة فكرية غايتها معرفة العصر وجتاوز‬ ‫ما يعرقل تلك املعرفة‪ .‬تواصلت هذه احلركة في طور‬ ‫أول حتى اندالع احلرب العاملية األولى‪ ،‬فتعددت‬ ‫ثمرات املطابع‪ .‬وحازت مصر قصب السبق‪ ،‬إذ ظهر‬ ‫فيها أكثر من ‪ 270‬عنوانا‪ .‬واحتل لبنان املرتبة‬ ‫الثانية بـ‪ 58‬مجلة‪ ،‬بينما اقتصرت أقطار عربية‬ ‫أخرى‪ ،‬مثل تونس وسوريا واجلزائر واملغرب‪ ،‬على‬ ‫نسب أقل‪.‬‬ ‫من هذه البراعم األولى ميكن متابعة نبض‬ ‫خافت لكنه واعد بحياة ثقافية وفكرية تتجاوز‬ ‫بؤس االنحطاط بانفتاح املجال لتداول أفقي‬ ‫للمعلومات واألفكار أثمر مناظرات وسجاال‪.‬‬ ‫كان أ ّول مكسب لهذه املرحلة هو والدة‬ ‫«رأي عام» سعـــت إليه خاصة املجالت قصد‬ ‫إعادة صيـــاغة التصـــورات القائمة على ثنائية‬ ‫املـــوجــــه‬ ‫«اخلاصــــة» و«العـــامة»‪ .‬باإلخبـــار‬ ‫َّ‬ ‫والتثقـــيف والتســــاؤل أمكن لذلك الفضـــاء غير‬ ‫املنضبط املعــــروف بـ «العامــــة» و«الدهمــاء» أن‬ ‫تتح ّول أجزاء منه بصورة تدريجية إلى فئة تـــطالع‬ ‫وتنــــاقش‪ ،‬مما ب ّوأها مكانة جديدة متم ّيزة‪ .‬بفضل‬ ‫املجالت الثقافية والفكرية غادرت «العامة» مجال‬ ‫التهميش ومساندة النسق التقليدي‪ ،‬مطالبة بأكثر‬ ‫من صحافة اخلبر احملض وخطاب الكتب والدروس‬ ‫التعليمية التقليدية‪ .‬هل نعجب بعد ذلك من‬ ‫االنزعاج الشديد الذي ع ّبر عنه عدد من شيوخ‬ ‫العلم في تونس ومصر والشام مما كانت تنشره‬ ‫بعض املجالت‪ ،‬داعني احلكومة إلى حظرها أحيانا‬ ‫بشن حمالت عدائية ضدها‪.‬‬ ‫أو ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالعودة إلى «العروة» ومتابعة خطاب جل ما‬ ‫نشر في هذه املرحلة تتضح ثالث أفكار كبرى‪:‬‬ ‫أ ـ إعادة االعتبار للذات الثقافية والدينية‬ ‫ملواجهة املطامع االستعمارية‪.‬‬ ‫ب ـ س ّر تف ّوق الغرب في تنظيماته السياسية‬ ‫واعتماده العلم واملعرفة‪.‬‬ ‫ج ـ املخالفة الصريحة لسلوك املسلمني‬ ‫وتص ّوراتهم ملصدري الدين الثابتني‪.‬‬

‫محصلة هذه األفكار هي القطع مع الذهنية‬ ‫ّ‬ ‫اجلبرية‪ ،‬بالتأكيد على أن لإلنسان استعدادا‬ ‫للوصول إلى احلقائق عن طريق الدليل‪.‬‬ ‫تواصل هذا املسار الفكري في طور ما بعد‬ ‫احلرب األولى مع مجلة «املنار» حتى مشارف احلرب‬ ‫العاملية الثانية‪ ،‬معتنيا بقضايا التربية والتعليم‪،‬‬ ‫وبالر ّد على الشبهات وبعالقة اإلسالم بأوروبا‪،‬‬ ‫ما م ّيز خطاب «املنار» وجملة من العناوين التي‬ ‫نسجت على منواله هو‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ إعادة النظر في تفسير النصوص القرآنية‬ ‫في ضوء قيم العدل ومصالح العباد‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ الدعوة إلى االجتهاد‪ ،‬ونقد املذاهب الفقهية‬ ‫لتركيزها نزعة تقليد‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ حتليل واقع املسلمني وإعادة النظر في‬ ‫العالقة مع اآلخر‪.‬‬ ‫أتاح هذا اجليل الثاني من املجالت اعتماد‬ ‫خطاب رأي وتقومي ومراجعة‪ ،‬وطرح تساؤالت‬ ‫متنوعة وإثارة حوار مك ّثف أعاد النظر في طبيعة‬

‫يمكن متابعة‬ ‫نبض خافت لكنه‬ ‫واعد بحياة ثقافية‬ ‫وفكرية تتجاوز‬ ‫بؤس االنحطاط‬ ‫بانفتاح المجال‬ ‫لتداول أفقي‬ ‫للمعلومات واألفكار‬ ‫املجتمع وفي مهمة مؤسساته االجتماعية والثقافية‬ ‫وفي عالقته باملاضي ورموزه وباحلاضر املسكون‬ ‫بالتحدي األوروبي‪.‬‬ ‫أما أبرز فروع اجليل الثالث من ورثة «العروة»‬ ‫و «املنار» فقد ظهر مع سبعينيات القرن العشرين‬ ‫مستمرا إلى اليوم‪ ،‬معتمدا خطابا جتديديا سؤاله‬ ‫احملوري هو‪ :‬كيف يكون االنخراط في حداثة‬ ‫فكرية وسياسية من دون القطع مع التراث الثقافي‬ ‫والديني؟‬ ‫إن كان هذا الطور قد شهد بروز حركة إحيائية‬ ‫سلفية وخطاب هو ّية نضالي آذن بزوال االنبهار‬ ‫التحديثي‪ ،‬فقد ناهضها اخلط التجديدي الذي‬ ‫يحيل في إشكالياته الفكرية على املرجعية‬ ‫اإلسالمية العامة واملقاصدية مع رفض األيديولوجية‬

‫الوثوقية‪ .‬يظهر هذا في مجلتني مصريتني هما‪:‬‬ ‫«املسلم املعاصر» و «اليسار اإلسالمي»‪.‬‬ ‫اعتنت األولى منذ انطالقها عام ‪1975‬‬ ‫بإشكالية املعاصرة قصد التم ّيز عن احلركة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬واعتمدت مدخلي االجتهاد والتنظير‪،‬‬ ‫ثم أضافت إليهما إسالمية املعرفة‪.‬‬ ‫أما مجلة «اليسار اإلسالمي» فقد رفعت‬ ‫شعار «النهضة اإلسالم ّية»‪ ،‬متبنية إشكالية‬ ‫واحدة هي الثورة التي ال ميكن أن تتحقق‪ ،‬في‬ ‫نظرها‪ ،‬إال بتحويل الوعي اإلسالمي من وعي فردي‬ ‫إلى وعي اجتماعي‪ .‬إنه جتاوز مقولة املعاصرة ذات‬ ‫املنحى النخبوي مبا يتيح للمسلمني أن يكونوا‬ ‫فاعلني في األحداث الثورية الكبرى التي حت ّرك‬ ‫العالَم‪ .‬بعدهما ظهرت بتونس عام ‪ 1982‬مجلة‬ ‫«‪ ،»21/15‬داعية إلى املثاقفة منطلقة من رؤية‬ ‫تقدمية تستوعب الفكر العربي اإلسالمي مبختلف‬ ‫توجهاته‪ ،‬مستفيدة في ذلك من التيارات الكبرى‬ ‫في احلضارة املعاصرة‪ .‬من ث َّم أصبح التجديد لديها‬ ‫هو التغلب على التناقضات الفكرية الداخلية‪،‬‬ ‫والتحكم في البيئة اخلارجية مبا يحقق اإلبداع‬ ‫عن طريق تف ّوق حضاري يستعيد به املجتمع زمام‬ ‫املبادرة التاريخية التي افتقدها‪.‬‬ ‫رابع النماذج ظهر مع مجلة «االجتهاد» ببيروت‬ ‫عام ‪ ،1988‬معتنيا بقضايا الدين واملجتمع‪،‬‬ ‫مر ّكزا على القضايا التاريخية واالقتصادية‬ ‫واالستراتيجية‪ .‬أما إشكالية البحوث فيها فكانت‬ ‫وحدة التاريخ التي تعتمد نظرة شاملة وعالئقية‬ ‫للتاريخ اإلسالمي ومراكزه املدينية‪ .‬يضاف إلى‬ ‫ذلك مك ّونات وعي النخب املعاصرة مبا يعتمل من‬ ‫حراك ثقافي في الغرب‪.‬‬ ‫هذه املجالت باختالف زوايا النظر فيها التقت‬ ‫على تقدمي الوعي على الوقائع‪ ،‬معتبرة أن أساس‬ ‫التجديد هو القراءة احلضارية لإلسالم التي تكشف‬ ‫عن حرصه الدائم على الدخول في حوار مع الواقع‬ ‫التاريخي باعتبار أن نصوصه املقدسة محتاجة‬ ‫باستمرار إلى تفسير‪.‬‬ ‫تلك هي‪ ،‬باقتضاب‪ ،‬رحلة األفكار عبر املجالت‬ ‫املواكبة «نهر احلضارة املتعرج»‪ ،‬واملستفيدة في‬ ‫تط ّورها من موقع املنطقة العربية في قلب العالَم‬ ‫القدمي وفي محاذاة أوروبا»‪.‬‬

‫احميدة النيفر‬ ‫باحث تونسي‬ ‫صحيفة «العرب» القطرية‬ ‫‪ 5‬حزيران (يونيو) ‪2008‬‬

‫‪19‬‬


‫رؤية‬

‫مالك شبل واإلصالح الديني في اإلسالم‬ ‫المسلمون بحاجة ماسة الى تفسير جديد لكل الموروث القديم‬ ‫مصير المجتمعات االسالمية يتوقف على نتائج المعركة بين النقل والعقل‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا موقع‬ ‫أخذ املفكر اجلزائري مالك شبل يحتل‬ ‫املنظر االسالمي السالم التنوير في الساحة الثقافية‬ ‫الفرنسية‪ .‬فقد صدرت له خالل بضع سنوات فقط‬ ‫عدة كتب متشي في هذا االجتاه‪ ،‬ككتاب‪ :‬بيان من‬ ‫اجل اسالم التنوير‪ .‬سبعة وعشرون مقترح ًا الصالح‬ ‫االسالم (‪ ،)2004‬ثم‪ :‬االسالم والعقل‪ .‬معركة‬ ‫األفكار (‪ ،)2005‬ثم قبل اسبوعني او ثالثة كتاب‬ ‫جديد حتت عنوان‪ :‬االسالم مشروحا من قبل مالك‬ ‫شبل (‪ .)2007‬في كل هذه الكتب وسواها يحاول‬ ‫هذا املفكر اجلزائري الشاب (‪ 53‬سنة) ان يواجه‬ ‫اجلمهور الفرنسي والغربي عموم ًا باحلقائق التالية‪:‬‬ ‫االسالم دين كبير ذو تراث حضاري عريق وليس دين‬ ‫عنف وتفجيرات‪ ،‬كما يشيع حالي ًا من خالل وسائل‬ ‫اإلعالم الكبرى‪ .‬غالبية املسلمني اصبحوا اآلن بني‬ ‫فكي كماشة‪ :‬فك جماعات االرهاب من داخله وهي‬ ‫أقلية قليلة‪ ،‬وفك العداء الغربي لكل ما هو عربي او‬ ‫مسلم واالشتباه فيه واخلوف منه‪ .‬االسالم في املاضي‬ ‫كان مبدع ًا في مجاالت عديدة‪ ،‬فهو الذي قدم‬ ‫للبشرية علم اجلبر‪ ،‬وعلم احلساب‪ ،‬وصناعة العطور‪،‬‬ ‫واملطبخ الشهي‪ ،‬واملوسيقى‪ ،‬وبعض ًا من اجمل قصائد‬ ‫الشعر العاملي‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬والطب‪ ،‬وحتى تقنيات‬ ‫السقاية والري واستصالح األراضي‪.‬‬ ‫بعد ان يذكر مالك شبل اجلمهور األوروبي بكل‬ ‫هذه احلقائق واخرى غيرها‪ ،‬نالحظ انه يعترف بأن‬ ‫العالم العربي ال يعيش أفضل حاالته في الوقت‬ ‫الراهن‪ .‬هذا أقل ما ميكن أن يقال‪ .‬ولكن مبا ان‬ ‫االسالم سمح بإنشاء حضارة ضخمة في املاضي‪،‬‬ ‫فإن هذا يعني انه ليس هو سبب التخلف احلالي‪،‬‬ ‫كما يزعم بعضهم‪ .‬وامنا الفهم اخلاطئ له هو السبب‪.‬‬ ‫وينبغي التفريق بني االسالم من جهة‪ ،‬والتأويالت التي‬ ‫قد تشيع عنه في هذا العصر أو ذاك من جهة أخرى‪.‬‬ ‫‪20‬‬

‫ففي العصر الذهبي شاع تأويل منفتح عقالني‪،‬‬ ‫متفاعل مع احلضارات األخرى‪ .‬ولكن بدءا من‬ ‫عصر االنحطاط أخذ يسود التأويل اآلخر‪ :‬أي الفهم‬ ‫اجلامد‪ ،‬املنغلق‪ ،‬املتعصب‪ .‬وهذا الذي ورثناه حاليا‪.‬‬ ‫وبالتالي فاالسالم الذي أدخل العرب في التاريخ‪،‬‬ ‫بعد ان كانوا نكرة ال ميكن حتميله مسؤولية املأزق‬ ‫احلالي الذي نعاني منه‪ .‬ال ينبغي ان نسقط على‬ ‫كل تاريخ االسالم جرائم التطرف احلالي‪ ،‬فباالضافة‬ ‫الى ان هذا ظلم فإنه مضاد للحقيقة التاريخية‪.‬‬ ‫وبالتالي ينبغي االعتراف بأن املسؤول االول عن هذا‬ ‫الوضع هو الفهم املتزمت واخلاطئ للرسالة القرآنية‬ ‫واالسالمية‪ .‬وال ميكن ان نخرج من هذا املأزق اال‬ ‫بإعادة تأويل النصوص التأسيسية الكبرى‪ ،‬على‬ ‫ضوء العلوم احلديثة‪ :‬كعلم التاريخ‪ ،‬وعلم اللغويات‬ ‫أو االلسنيات‪ ،‬وعلم االنتربولوجيا‪ ،‬وعلم االديان‬ ‫املقارنة‪ ،‬الخ‪ ..‬ينبغي تأسيس كليات جديدة في‬ ‫اجلامعات العربية لتدريس هذه العلوم باالضافة الى‬ ‫الفلسفة‪.‬‬ ‫وبالتالي فنحن بحاجة الى اجتهاد جديد أو‬ ‫تفسير جديد لكل موروثنا القدمي‪ ،‬لنفض الغبار عنه‬ ‫ومتييز الصالح من الطالح‪ .‬نحن بحاجة الى غربلة‬ ‫شاملة لكل التراث العربي االسالمي‪ ،‬من أجل طرح‬ ‫كل ما عفى عليه الزمن‪ ،‬واالبقاء على القيم الروحية‬ ‫واالخالقية العليا فقط‪ .‬وبعد ان نتخفف من أعباء‬ ‫التراث املتراكم بكل ثقله على ظهرنا‪ ،‬ميكننا ان‬ ‫ننطلق بكل خفة وقوة لصنع احلضارة من جديد على‬ ‫هذه األرض التي هجرتها احلضارة منذ زمن طويل‪.‬‬ ‫اذا لم نقم بذلك فإن االصالح الديني في االسالم‬ ‫سوف يواجه عراقيل كثيرة وسوف يظل التنوير الديني‬ ‫مستحيال‪.‬‬ ‫كل هذا الكالم جيد ويستحق التأييد في رأيي‪،‬‬

‫ولكن الشيء الذي ال أفهمه لدى مالك شبل هو‬ ‫قوله‪ :‬لكي ينجح هذا التأويل اجلديد والشامل‬ ‫لالسالم ينبغي ان تكون هناك جلنة عليا مشكلة‬ ‫من كبار علماء الدين املسلمني‪ ،‬وكذلك من كبار‬ ‫االختصاصيني في العلوم احلديثة التي ذكرناها‬ ‫آنفا‪.‬‬ ‫فكيف ميكن ان يساهم رجال التقليد في حتقيق‬ ‫هذه الطفرة النوعية في فهم االسالم واصالح الفقه‬ ‫القدمي؟ أليسوا هم سبب املشكلة؟ فكيف ميكن اذن‬ ‫ان يكونوا هم احلل؟ نالحظ ان مالك شبل يتردد‬ ‫في تشخيصاته وطروحاته احيانا‪ .‬يحصل ذلك كما‬ ‫لو انه يخشى القطيعة مع املاضي بشكل كامل‪،‬‬ ‫أو باالحرى مع ممثلي املاضي الذين يسيطرون على‬ ‫الشارع حالي ًا‪ ،‬وهذا مفهوم في الواقع‪ ،‬فالقطيعة‬ ‫سوف جتيء على مراحل ال دفعة واحدة‪ .‬ولكن يبقى‬ ‫املنظور العام الذي ينطلق منه هذا املفكر اجلزائري‬


‫سليم ًا ال غبار عليه‪ .‬فهو يقول مث ًال في كتابه األخير‪ ،‬بأن‬ ‫معركة التنوير في االسالم ال تزال رازحة‪ ،‬حيث تركها فولتير‬ ‫في القرن الثامن عشر‪ .‬وهذا يعني ان التفاوت التاريخي‬ ‫الكائن بني الغرب والعالم االسالمي يبلغ قرنني من الزمن‪.‬‬ ‫وهذا ما كنت قد أوضحته في كتابي «مدخل الى التنوير‬ ‫األوروبي» قبل فترة‪ .‬فالتنوير أمامنا وليس خلفنا على عكس‬ ‫األوروبيني‪ .‬ولكن التنوير العربي االسالمي لن يكون نسخة‬ ‫طبق األصل عن التنوير األوروبي‪ .‬وامنا ينبغي ان يحصل داخل‬ ‫تراثنا ومن خالل التفاعل أو التصادم الطبيعي معه‪ .‬وسوف‬ ‫يحصل ذلك بشكل تدريجي‪ ،‬وخطوة‪ ،‬خطوة‪ .‬وأول مبدأ‬ ‫يقترحه مالك شبل لهذا التنوير هو‪ :‬تغليب املعرفة العقالنية‬ ‫على كل أنواع املعارف الغيبية أو الالهوتية أي ًا تكن‪.‬‬ ‫فالعقل هو سيد االحكام‪ ،‬وهو الذي صنع مجد احلضارة‬ ‫احلديثة كما القدمية‪ .‬وينبغي على املسلمني ان يتبعوه اذا ما‬ ‫أرادوا اخلروج من املأزق الذي يتخبطون فيه حالي ًا‪ .‬ولكن‬ ‫االصوليني السلفيني يرفضون ذلك بالطبع ألنهم يغلبون النقل‬ ‫على العقل‪ .‬ولذا فإن املعركة الفكرية معهم أمر محتوم ال بد‬ ‫منه‪ ،‬ولن تنتهي إال بغالب ومغلوب‪ .‬وكل مصير املجتمعات‬ ‫العربية االسالمية يتوقف على نتائج هذه املعركة الدائرة حالي ًا‪،‬‬ ‫التي قد تصبح ضارية أكثر فأكثر‪ .‬ولكن ال بد مما ليس منه‬ ‫بد‪ .‬اشتدي أزمة تنفرجي‪..‬‬ ‫هناك مبدأ آخر يلح عليه مالك شبل‪ ،‬من أجل التنوير‬ ‫واالصالح أال وهو‪ :‬ال ميكن للمسلمني ان يخرجوا من محنتهم‬ ‫احلالية إال اذا شرعوا بتطبيق املنهجية التاريخية على القرآن‬ ‫الكرمي والنصوص التأسيسية االخرى‪ .‬ينبغي ان نقرأ القرآن‬ ‫بروحه وجوهره‪ ،‬ال بحرفيته أو شكالنيته اخلارجية فقط‪ .‬هناك‬ ‫مقاصد عميقة للقرآن الكرمي وهي التي ينبغي ان تهمنا‬ ‫بالدرجة األولى‪.‬‬ ‫ً‬ ‫اخيرا فإن مالك شبل يدعو إلى قطع حبل السرة بني الدين‬ ‫واالستخدام السياسي أو االنتهازي له‪ .‬وهو هنا يسير على‬ ‫خطى الشيخ علي عبد الرازق ويدين ذلك اخللط املستمر بني‬ ‫السلطة الدينية والسلطة الدنيوية‪ .‬ويرى انه خلط مضاد لروح‬ ‫االسالم وجوهره‪ .‬فالنبي عليه الصالة والسالم لم يكن ملك ًا‬ ‫ً‬ ‫قائدا روحي ًا واخالقي ًا للبشرية‪ .‬وبالتالي من‬ ‫سلطوي ًا وامنا كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فصاعدا ينبغي على الشيخ ان يظل إماما في املسجد‪،‬‬ ‫اآلن‬ ‫وعلى العاهل ان يهتم بشؤون السلطة واملواطنني‪ .‬وال ينبغي‬ ‫تلويث الدين بكل نزاهته وتعاليه باملناورات أو الضرورات‬ ‫السياسية املتقلبة‪ .‬على هذا النحو يسحب املفكر اجلزائري‬ ‫البساط من حتت أقدام املتزمتني وقادة االسالم السياسي‬ ‫ويعيد األمور الى نصابها‪ .‬وبالتالي فلن تصلح أمور الدنيا‬ ‫قبل ان تصلح أمور الدين‪ ،‬ألن الدين في مجتمعاتنا هو الذروة‬ ‫املقدسة التي تعلو وال يعلى عليها‪ .‬وواضح ان اخللل وصل‬ ‫ليس الى الدين‪ ،‬معاذ الله‪ ،‬وامنا الى فهم الدين أو باالحرى‬ ‫عدم فهمه على حقيقته وبشكل صحيح‪.‬‬

‫هاشم صالح‬

‫صحيفة «الشرق االوسط»‬

‫‪ 10‬نيسان (ابريل) ‪ 2007‬العدد ‪10360‬‬

‫•‬ ‫•‬

‫متابعات مغاربية‬ ‫ نظمت جامعة موالي سليمان باملغرب‪ ،‬بالتعاون مع مركز دراسات املعرفة‬ ‫واحلضارة‪ ،‬واملعهد العاملي للفكر اإلسالمي والرابطة احملمدية للعلماء‬ ‫واجمللس العلمي احمللي‪ ،‬ندوة دولية بعنوان‪« :‬املنهج النقدي في القرآن‬ ‫الكرمي واملراجعات الفكرية للتراث اإلسالمي»‪ ،‬شارك فيها علماء وأساتذة‬ ‫ومختصون من املغرب وخارجه وذلك في االسبوع االخير من شهر حزيران‬ ‫(يونيو) في رحاب الكلية ‪.‬‬ ‫ اعلنت وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية في املغرب عن جائزة محمد السادس‬ ‫للفكر والدراسات اإلسالمية لدورة ‪1430‬هـ‪2009/‬م في موضوع «الوحدة‬ ‫اإلسالمية بني الضرورة الدينية واحلضارية وبني العوائق املذهبية»‪ .‬وطرحت‬ ‫الورقة املؤطرة للموضوع أبعاد التوافق بني املذهبني السني والشيعي‪ ،‬على‬ ‫أساس احلوار الهادف‪ ،‬وحتديد املبادئ واألهداف املشتركة والشروط املوضوعية‬ ‫مع احترام احلد األدنى من االختالف في الفروع‪ ،‬وذلك من أجل إخراج العالم‬ ‫اإلسالمي من اآلفاق الضيقة واالنقسامات التي تستنزف قواه‪ .‬للمزيد من‬ ‫املعلومات يرجى االطالع على املوقع‪www.islam-maroc.ma :‬‬

‫•‬

‫ من املقرر ان يتم اإلعالن عن الفائز باجلائزة العاملية للدراسات اإلسالمية‬ ‫بتونس للعام احلالي‪ ،‬واخملصصة إلثراء الفكر االجتهادي وتشجيع العلماء‬ ‫والباحثني على إبراز الصورة السمحــة لإلسالم وجتلية قيم الوسطية‬ ‫واالعتدال والتسامح التي مت ّيزه‪ ،‬إضافة إلى اإلسهام في تفعيل احلوار بني‬ ‫احلضارات واألديان‪.‬‬

‫•‬

‫ نظم املعهد االعلى للحضارة االسالمية بتونس مؤخرا ً ندوة علمية حتت‬ ‫عنوان‪« :‬التنوير عند علماء الزيتونة في النصف االول من القرن العشرين»‬ ‫وركزت اعمال الندوة على البعد التنويري في فكر الشيخ محمد الطاهر‬ ‫بن عاشور الذي عرف مبشروعه‪« :‬مقاربة املسالة االسالمية من الزاوية‬ ‫احلضارية والفكرية»‪.‬‬ ‫ ساهم في الندوة عدد من الباحثني الذين اشاروا في اوراقهم املقدمة الى‬ ‫اهمية دور الشيخ بن عاشور في التشديد على العقل باعتباره الركيزة‬ ‫االهم في االصالح والتنوير‪ ،‬داعيا ً في كل كتاباته الى ضرورة االجتهاد‬ ‫واالستنباط والنظر واالستدالل‪ ،‬قاصدا ً بذلك نهضة املسلمني واصالح‬ ‫عقيدتهم من خالل بناء انسان جديد يتخذ من العلم واملعرفة والتربية‬ ‫وسيلة نحو ذلك‪.‬‬ ‫ وأكد احملاضرون ان الشيخ بن عاشور سلط الضور في مجمل حياته‬ ‫وكتبه ومحاضراته‪ ،‬على مفهوم التسامح باعتباره قيمة عليا من القيم‬ ‫االسالمية‪ ،‬ناهيا ً عن الصراعات املذهبية والطائفية‪ ،‬وصوال ً الى انهاء حالة‬ ‫الصراع بني االديان االخرى‪ .‬مشددا ً في الوقت ذاته على اهمية احلوار مع االخر‬ ‫اخملتلف باعتبارها سمة حضارية‪ ،‬واالنصات للمخالف‪ ،‬بدال ً من االنغالق‬ ‫واالنكفاء على الذات‪ ،‬حيث ان اعالء صرح احلضارة االنسانية مسؤولية‬ ‫جماعية مشتركة بني كل االقوام واالديان والشعوب‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫محور‬

‫اإلندماج أو التالشي‬ ‫الوحدة الوطنية ال يمكن ان تقضي على التنوع‬ ‫الجماعات التي تصر على التمايز الكامل عن غيرها تنتهي الى التالشي‬ ‫إن الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة‬ ‫مقولة معروفة في تراثنا الفلسفي‪ ،‬فإذن ميكن أن‬ ‫نتصور وحدة واختالف ًا مع ًا‪ .‬ورمبا يكون االختالف‬ ‫ضرورة مفهومية وعملية للوحدة‪ ،‬ألن الواحد‬ ‫املطلق في واحديته ـ وهو مستحيل ـ مستقطب‬ ‫بالفسحة ال بالوحدة‪ ،‬ألن الوحدة هي استقطاب‬ ‫ً‬ ‫حصرا‪ .‬إذن من دون ابتذال‬ ‫املختلف أو املتعدد‬ ‫جدلي مادي (ديالكتيك) كما شاهدنا منذ كارل‬ ‫ماركس حتى انهيار النظام السياسي الشيوعي‬ ‫على أنقاض النظام املعرفي املاركسي‪ ،‬ميكن أن‬ ‫يكون لدينا تصور لوحدة وصراع املختلفات‪،‬‬ ‫والذي هو صراع أقرب الى احلوار‪ ،‬إذا افترضنا أن‬ ‫أهداف احلوار ونتائجه ليست منحصرة في االتفاق‬ ‫على أساس التسوية‪ .‬بل رمبا حتققت غاية احلوار‬ ‫في تغليب فكرة على فكرة أو رأي على رأي أو‬ ‫معرفة على معرفة طوع ًا أو سلم ًا‪ ...‬وهذا ضابط‬ ‫منهجي ال يعفينا من واجب االستمرار في احلوار‪،‬‬ ‫ألن في ذلك تعطي ً‬ ‫ال للفكر‪ ،‬هو ال فكر مقابل‬ ‫الفكر اإلشكالي أو الصراعي اإلقصائي‪ ،‬الذي‬ ‫قد ال يعطل ولكن حركته تضر أكثر مما تفيد‪...‬‬ ‫واحلوار والسجال أو الصراع‪ ،‬بشرط غائية املعرفة‬ ‫وحريتها‪ ،‬قد يكون أو هو كائن في مقام الضرورة‪،‬‬ ‫خاصة إذا ما أخذنا مبفهوم احلقيقة املركبة واملعرفة‬ ‫املركبة‪ ،‬بحيث نفسح مكان ًا معرفي ًا لآلخر واملعرفة‬ ‫األخرى‪ ،‬مع العلم أن املعرفة الشخصية تتبدل‬ ‫فتصبح املعرفة السالفة معرفة أخرى وكأنها معرفة‬ ‫اآلخر وكأن الذي كان عارف ًا بها وأصبح عارف ًا مبا‬ ‫هو مختلف عنها كائن آخر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫إن ك ً‬ ‫رصيدا من عناصر املعرفة‬ ‫ال منا ميلك‬ ‫املوزعة بني اجلميع من دون استثناء‪ ،‬والتي‬ ‫يتسابق في ميادينها اجلميع من دون استثناء‪،‬‬ ‫وإن كان فرد أو طرف أو مذهب ميلك نسبة أكبر‬ ‫من املعارف أو احلقائق واقع ًا أو حسب ما يدعيه‪،‬‬ ‫فإن ما ميلك اآلخرون‪ ،‬ومهما يكن قلي ً‬ ‫ال في نظر‬ ‫غيرهم‪ ،‬فإنه كثير بذاته‪ ،‬ألن الكيف داخل في‬ ‫‪22‬‬

‫ضمن الكم في املعرفة‪ .‬وليس العدد هو املعيار بل‬ ‫املعنى‪ ،‬وفي املعرفة ينقص املعنى بقدر ما يحط من‬ ‫قيمة ما ال يعرفه من احلقائق‪ .‬إذن فالشراكة في‬ ‫املعرفة توسع مساحتها‪ ،‬وقد تتضيق هذه املساحة‬ ‫باالتفاق من دون أن تتوقف املعرفة عن احلركة‪،‬‬ ‫فيطغى مظهر الوحدة على مظهر االختالف أو‬ ‫التعدد أو الصراع‪ ،‬من دون أن ينفيه‪ ،‬ألنه إذا ما‬ ‫نفاه يكون قد أسس له أو لتجديده بشكل أقسى‬ ‫وأقل معرفة‪ .‬ما يعني أن الوحدة املعرفية التي‬ ‫هي أقل إحلاح ًا من الوحدة الوطنية مث ً‬ ‫ال‪ ،‬ال يجوز‬ ‫أن تقضي على التنوع‪ ،‬وال ميكن لها أن تقضي‬ ‫على هذا التنوع‪ ،‬بل قصاراها أن تنقل االختالف‬ ‫من صعيد التناقض التناحري اإللغائي إلى صعيد‬ ‫التكامل‪.‬‬ ‫هذا هو فضاء أو معنى التسامح‪ ،‬الذي ال‬ ‫بد من تخليصه من محموله السلبي الذي يشير‬ ‫إلى أن القبول باآلخر أو الفكرة األخرى يقوم‬ ‫على ذرائعية غير معرفية‪ .‬ألن املضمون الفعلي‬ ‫للتسامح قد يكون هو قبول اآلخر أو الفكرة‬ ‫األخرى على عواهنها‪ .‬من هنا يقترب مفهوم‬ ‫التسامح من خطر كونه استعالئي ًا‪ .‬في حني أن‬

‫تعبير السماحة قياس ًا على (الشريعة السمحة)‬ ‫قد يكون أقرب إلى تظهير املضمون املوضوعي‬ ‫لقبول اآلخر والرأي اآلخر‪.‬‬ ‫على أنه ال بد من االنتباه إلى أن هناك‬ ‫آخر ْين‪ ،‬هناك آخر هو شخص آخر‪ ،‬وهناك آخر‬ ‫ذاتي‪ ،‬هو ذاتك‪ ،‬معرفي ًا هكذا‪ ،‬طاملا أن املعرفة‬ ‫متجددة أو متغيرة‪ ،‬ألنها متحركة وإال انتهت إلى‬ ‫جهالة‪ ،‬فإذن أنت اليوم غير أنت باألمس املعرفي‪،‬‬ ‫فماذا تصنع باملعرفة املاضية أو املنقضية التي هي‬ ‫ذاتك‪ ،‬هل تقتلها؟ هل تلغيها؟ وهي التي أفضت‬ ‫بك منهجي ًا إلى املعرفة الالحقة! لقد اخترعنا‬ ‫النقد الذاتي كصيغة لالحتفاظ بالذات وتسويغها‬ ‫وجتاوزها من خالل استيعابها‪ ،‬نحن مدعوون إلى‬ ‫اعتماد هذا األسلوب في التعاطي مع اآلخر‪ ،‬الذي‬ ‫ندير االختالف عنه أو معه‪ .‬هذا إذا ما سمونا إلى‬ ‫مستوى اإلقرار بأن اآلخر شرط معرفي ووجودي‬ ‫للذات‪ ،‬لألنا اخلاصة والعامة‪ ،‬وأن الذات كذلك‬ ‫شرط معرفي ووجودي لآلخر‪.‬‬ ‫واآلخر واملعرفة األخرى حتدينا املعرفي اجلميل‪،‬‬ ‫والذي من دون وعيه نتكلس‪ ،‬ننعزل‪ ،‬وفي عزلتنا‬ ‫وقطيعتنا ننكب على إنتاج وعي التمايز عن اآلخر‪،‬‬ ‫أي وعي الفقر املعرفي الذي يؤدي إلى االنقراض‬ ‫وهو الكامن وراء حضارات كانت ثم بادت‪ ...‬في‬ ‫النهاية‪ .‬أنا ال ألغي اآلخر إ ّال مبؤثرات انتمائية‬ ‫إلى جماعة ما كأني أحمي حدود اجلماعة الفكرية‬ ‫صدّ ًا‬ ‫أو الدينية أو املذهبية‪ ،‬عندما أنصب نفسي َم َ‬ ‫ملنظوماتها الفكرية والقيمية ضد الرياح اللواقح‪،‬‬ ‫أي اآلتية من أصقاع ومناخات‪ ،‬أخرى قريبة أو‬ ‫بعيدة‪ .‬ومن هنا يصح القول بأن اجلماعات التي‬ ‫تصر على التمايز الكامل عن غيرها إمنا تنتهي‬ ‫الى التالشي‪ ،‬واالندماج هو احلل األمثل أو األقل‬ ‫ً‬ ‫ضررا‪ ،‬وهو غير الذوبان القاتل واملستحيل‪.‬‬

‫هاني فحص‬

‫صحيفة «المستقبل» البيروتية‬ ‫‪ 16‬كانون ثاني (يناير) ‪2005‬‬


‫فعاليات‬ ‫‪ t‬اقام «املنبر الدولي للحوار االسالمي» ثالث ورشات تدريبية‬ ‫وذلك في‪:‬‬ ‫مدينة الناصرية ‪ -‬جنوب العراق ‪ /‬ايار (مايو) ‪2008‬‬ ‫محافظة الشرقية ‪ -‬مصر ‪ /‬متوز (يوليو) ‪2008‬‬ ‫الدار البيضاء ‪ -‬املغرب ‪ /‬اب (اغسطس) ‪2008‬‬

‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫‪ t‬اقيمت الورشات على مدى يومني تدريبيني بواقع خمس‬ ‫ساعات يوميا ً وشارك في كل منها ما بني ‪ 15‬ـ ‪ 20‬متدربا ً من اجلنسني‪،‬‬ ‫وذلك ضمن فعاليات مشروع (اسالم ‪ ) 21‬لتدريب الشباب املسلم‪.‬‬ ‫‪ t‬تتبنى املادة التعليمية للورشة مقاربة علمية \ عصرية‬ ‫ـ قرانية ملنهج ادارة النفس والذهن ورفع مستوى الكفاءة في‬ ‫العمل وحتفيز الطاقات الكامنة لدى الشباب املسلم من اجل اداء‬ ‫افضل على الصعيدين اخلاص والعام عبر منهج مدروس متسلسل‬ ‫ومترابط املفاهيم والتطبيقات العملية‪ .‬وتعتمد هيكلية محددة‬ ‫بستة عناوين تشكل ثالث حصص متكاملة‪.‬‬ ‫تتناول العناوين الثالثة االولى ما ميكن دعوته باملفاتيح االساسية‬ ‫ملعرفة وادارة النفس والذهن‪ ،‬مع تشديد خاص حول املرجعية القيمية‬ ‫للقران الكرمي في السلوك الفردي واجلماعي ومركزية الوحي في‬ ‫املسار الديني للتجربة االنسانية‪.‬‬ ‫‪ t‬فيما تتناول العناوين الثالثة الالحقة مفاتيح لتشكيل‬ ‫وتبني نظرة موضوعية ـ علمية لدور وموقع الفرد املسلم واجلماعة‬ ‫املسلمة ضمن خارطة املشترك االنساني ‪ .‬سواء بفرادة هذا الدور او‬ ‫مساهمته التكميلية لدور اجملموع البشري‪ .‬وبالتالي تعيد تاسيس‬ ‫النظرة الى االنا واالخر من خالل منظور قيمي قراني ونظرة تاريخية‬ ‫وقائعية‪ .‬كما تركز على اعادة تعريف وتفكيك مفهوم وفكرة العمل‬ ‫العام واهميته ضمن سياقني ‪ :‬السياق القيمي القراني وسياق‬ ‫املمارسة العلمية للعمل العام في العالم احلديث‪.‬‬ ‫‪ t‬ومن اجل متكن الفرد من ادارة عمله ورفع مستوى فاعليته‬ ‫وتاثيره يتم التدريب في القسم االخير من الورشة ـ العنوان السادس‬ ‫ـ على مهارات العمل املؤسسي ومهارات التواصل احلديث‪.‬‬ ‫تقام الورشات التدريبية املتقدمة ملشروع (اسالم ‪)21‬‬ ‫‪t‬‬ ‫باللغتني االنكليزية والعربية عبر برنامجني االول للشرق االوسط‬ ‫والثاني الوروبا ـ بريطانيا والعالم املتحدث باالنكليزية عامة‪.‬‬ ‫وفيما يلي العناوين الستة للورشة‪:‬‬ ‫رسم خارطة احلياة ‪ /‬ادارة النفس والذهن ‪ /‬مرجعية القران الكرمي‬ ‫‪ /‬الصراع البشري ‪ /‬الشان العام ‪ /‬مهارات العمل املؤسسي والتواصل‬ ‫احلديث‬ ‫ملزيد من املعلومات ميكنكم مراسلة «املنبر الدولي للحوار‬ ‫االسالمي» على البريد االلكتروني‪:‬‬ ‫‪najah@islam21.net‬‬ ‫‪hajar@islam21.net‬‬ ‫‪23‬‬


‫ترجمة‬

‫هل ِصدام اإلسالم والغرب‬ ‫أمر ال مفر منه؟‬ ‫هناك جدار يفصل بين العالم المسلم وبقية ثقافات العالم‬ ‫تحول المسجد من التعبير عن مظلوميات دنيوية الى مظلوميات دينية‬ ‫التي حفظت املعرفة الكالسيكية في باكر العصور‬ ‫الوسطى‪ ،‬وابتكرت العلوم الطبية والفلكية‪ .‬واليوم‪،‬‬ ‫هناك ‪ 15‬مليون مسلم يعيشون في أوروبا؛ ولو‬ ‫بقيت معدالت النمو على حالها احلاضر‪ ،‬سيشكل‬ ‫املسلمون حوالي خمس السكان في أجزاء من أوربا‬ ‫الغربية‪.‬‬

‫نظريا‪ ،‬ليس هناك صراع حضارات‪ ،‬ألن ليس‬ ‫هناك حضارات محضة‪ .‬فمجتمعات آسيا وما وراء‬ ‫األطلسي تعج باالختالفات في القيم واملعتقدات‬ ‫والعادات‪ ،‬في ما بني تلك املجتمعات وبني املجتمع‬ ‫الواحد نفسه‪ .‬وما العالم املسلم بأقل تنوعا‪.‬‬ ‫فاملسلمون االندونيسيون بالكاد يشبهون أخوتهم في‬ ‫الدّ ين السعوديني‪ ،‬على الرغم من ارتباطهم بالكتاب‬ ‫نفسه‪ .‬واألحزاب السياسية األندونوسية واملاليزية‬ ‫معتدلة جوهريا‪ ،‬بينما تعيق احلكم السعودي مؤسسة‬ ‫التيارات الخطرة لدى‬ ‫رجال دين محافظة جدا‪ .‬وللنساء حقوق أكبر في‬ ‫المسلمين والغربيين‬ ‫تركيا وقطر منها في اليمن‪ .‬والدين في سوريا ليس‬ ‫تهدد بتحويل الحوار‬ ‫ّ‬ ‫عامال كبيرا في القانون احمللي والسياسة احلكومية‪،‬‬ ‫لكنه حاسم في السودان‪ .‬بل‪ ،‬في مستوى أوسع‪،‬‬ ‫األكاديمي حول‬ ‫يتجادل املسلمون شيعة وسنّة‪ ،‬في أماكن عديدة‪،‬‬ ‫صراع الحضارات الى‬ ‫في أصالة التزام بعضهم الديني‪.‬‬ ‫حقيقة واقعة‬ ‫كأفراد‪ ،‬يختلف املسلمون عن بعضهم بعضا‬ ‫باجلنسية‪ ،‬واالنتماء العرقي‪ ،‬واملستوى االجتماعي‬ ‫ـ االقتصادي‪ ،‬واملهنة‪ ،‬وبالطبع‪ ،‬اجلنس‪ .‬في الوقت‬ ‫من جانب آخر‪ ،‬كان علماء وجتار أوروبيون‬ ‫نفسه‪ ،‬يشترك املسلمني في احلداثة نفسها كما‬ ‫احلال في الغرب‪ .‬ويعتمدون على التقنيات نفسها‪ ،‬يسافرون بنحو واسع إلى العالم املسلم‪ ،‬ابتداء من‬ ‫وأغوتهم العقائد نفسها ـ االشتراكية‪ ،‬القومية‪ ،‬عصر النهضة فصاعدا‪ .‬واستعمر املسلمون شبه‬ ‫الرأسمالية ـ كما جرى عند األوروبيني‪ ،‬ومتولعون اجلزيرة اآليبيرية‪ ،‬وصقلية‪ ،‬ودول البلقان‪ ،‬في حني ن ّفذ‬ ‫باأللعاب الرياضية نفسها ومنشغلون «بلعبها» األوربيون حمالت صليبية حربية‪ ،‬وبعدها‪ ،‬مغامرات‬ ‫إمبراطورية ـ ومارسوا احتالالت طويلة ـ في شمال‬ ‫كاآلخرين‪.‬‬ ‫وما كان هناك جدار يفصل بني العالم املسلم أفريقيا املسلم‪ ،‬والشرق األوسط وجنوب شرق آسيا‪.‬‬ ‫وبق ّية ثقافات العالم‪ .‬هناك تاريخ طويل متشابك‪ ،‬هذا ك ّله يقترح بأنّ العالم املسلم ليس كتلة واحدة‬ ‫ومأساوي أحيانا مع الغرب‪ ،‬خالله تغلغل أحدهما منسجمة‪ ،‬وكله ميثل «حضارة» واحدة أخرى محكومة‬ ‫في اآلخر تغلغال عميقا‪ .‬فاألكادميية اإلسالمية هي بالضرورة بـ «صراع احلضارات»‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫لكن‪ ،‬هل أمكن لهذا احلال أن يتغير؟‬ ‫نعم‪ .‬فالتيارات اخلطرة‪ ،‬التي تعشعش بني‬ ‫ظهراني كل من املسلمني والغربيني‪ ،‬تهدّ د بتحويل‬ ‫اللغو األكادميي حول صراع احلضارات إلى حقيقة‬ ‫واقعة‪ .‬واألكثر خطورة من بني أولئك هم أصحاب فكرة‬ ‫«األمة»‪ ،‬مبعنى امليل املتزايد للشباب املسلمني إلى‬ ‫الظن بأنهم جزء من مجتمع موقوف للحرب يتخطى‬ ‫احلدود الوطنية ـ أي أنهم امة ـ بينما يستخ ّفون‬ ‫باالنتساب إلى احملل ّية‪ .‬باملقابل‪ ،‬عززت هذه النزوة‬ ‫الشكوك الغربية حول رغبة املسلمني بالعيش في‬ ‫الغرب مندمجني في مجتمعاته ومحترمني قيمه‪.‬‬ ‫وكل طرف اآلن يقسر غريزيا األحداث اجلارية إلى‬ ‫فهمه الصارم جدا ملصاحله‪ .‬وهكذا‪ ،‬فمن منظور‬ ‫املسلمني‪ ،‬يظهر إقدام التحالف الغربي على إسقاط‬ ‫«صدام حسني» ال يتصل باالستقرار االستراتيجي أو‬ ‫بالدميقراطية في العراق‪ ،‬بل أن األمر يتعلق باضطهاد‬ ‫األمة اإلسالمية‪ ،‬متاما كما إميان الكثير من املسلمني‬ ‫مبا يفعل الهنود في كشمير‪ ،‬والروس في الشيشان‪،‬‬ ‫أو اإلسرائيليني في فلسطني‪ .‬وفي اجلانب اآلخر‪،‬‬ ‫ُي َ‬ ‫نظر إلى العنف اجلهادي واللهجة املتشددة ليس‬ ‫على أنهما رد على ظروف خاصة‪ ،‬بل بوصفهما خلال‬ ‫جوهريا في اإلسالم‪.‬‬ ‫دعونا نبتدئ بأصحاب فكرة «األمة»‪ .‬لطاملا‬ ‫كان اإلسالم عنصرا أساسيا في الهوية املسلمة‪.‬‬ ‫على أن املسلمني اآلن يزيدون الضغط على هويتهم‬ ‫الدينية ليضعوها فوق انتماءاتهم املجتمعية‪ ،‬بل‬ ‫فوق املواطنة‪ ،‬أو العشيرة أو الطبقة االجتماعية‪.‬‬ ‫وعوملة الهوية املسلمة هذه‪ ،‬تساعد في إحياء‬


‫فلسطني قبل ‪ 800‬عام خلت‪ .‬على هذا األساس‪،‬‬ ‫ليس مفاجئا إن انبثقت حاجة املسلمني إلى إحياء‬ ‫التقوى واستعدادهم للقتال من اجل كرامة اإلسالم‪،‬‬ ‫على راس األجندة‪.‬‬ ‫ما كان اتساع هذه النزوة أن يكون عفويا‪.‬‬ ‫فالنخب احلاكمة في اخلليج‪ ،‬بخاصة في العربية‬ ‫السعودية‪ ،‬املشبعة بنسخة إسالم ِصدامي‪ ،‬واملمتنة‬ ‫إلى رجال الدين احملافظني على ما قدموه لها من‬ ‫دعم سياسي‪ ،‬م ّولت املساجد واملدارس املنتشرة‬ ‫من أمريكا الشمالية إلى آسيا الوسطى‪ ،‬وأرسلت‬ ‫واألئمة املتماشني مع أفكارهم إلى‬ ‫آالف املعلمني‬ ‫ّ‬ ‫املجتمعات املسلمة في العالم اجمع‪ .‬وحلت هجمات‬ ‫‪ 11‬من سبتمبر‪/‬أيلول لتكون رمز مقاومة رهيب لدى‬ ‫الشباب املسلم الغاضب‪ ،‬بل إن احلرب على اإلرهاب‬ ‫أعطتهم إشارة تؤكد التصورات الشعبية عن قيام‬ ‫حرب غربية ضد اإلسالم‪.‬‬ ‫كانت أوروبا حاضنة لهذه املشاعر ملدة طويلة‪.‬‬ ‫فتمثيل املسلمني في أوروبا الغربية اقل من‬ ‫استحقاقاتهم في البرملانات‪ ،‬ومداخيلهم هي األوطأ‪،‬‬ ‫وهم أدنى مستوى تعليميا من السكان األوروبيني‬ ‫األصليني واجلماعات املهاجرة األخرى‪ .‬وأجيال‬ ‫املهاجرين العمال املبكرين‪ ،‬يشعرون باالمتنان‬ ‫خلالصهم من الظروف السيئة في الشرق األوسط أو‬ ‫شمال أفريقيا أو جنوب آسيا‪ ،‬فقبلوا هذه الشروط‬

‫مصلحة مشتركة يتطابق فيها أهل شمال أفريقيا‬ ‫مع صراعات املسلمني في آسيا الوسطى‪ ،‬واملسلمني‬ ‫األوروبيني مع النزاعات في الشرق األوسط‪ .‬إن هذا‬ ‫االمتداد يكتسب قوة من احلس املشترك باملظلومية‪،‬‬ ‫وهو‪ ،‬على األرجح‪ ،‬ما يغذي الفهم بأنّ هناك‪ ،‬في‬ ‫الواقع‪ ،‬حضارتان في صراع‪ .‬إن حس املسلمني‬ ‫بالهوية املشتركة واملصير يترافق مع تصور عدد من‬ ‫املسلمني بان العالم غير املسلم على حد سواء غير‬ ‫مبال بهم ـ ومتحد ضد اإلسالم‪.‬‬ ‫ليس ذلك احلال مجرد انطباع‪ .‬ففي استطالع‬ ‫للرأي جرى في يونيو‪/‬حزيران من العام ‪،2003‬‬ ‫اتفقت الغالبية الكبيرة التي متثلت بثمان مجموعات‬ ‫مسلمة من اصل تسع خضعت للمسح‪« ،‬اتفاقا‬ ‫كامال» على عبارة‪« :‬أشعر بتضامن أكثر هذه‬ ‫األيام مع الشعوب املسلمة في العالم كله »‪.‬‬ ‫وكان املوقف نفسه بالنسبة لـ‪ %80‬أو ما يزيد من‬ ‫الذين املُستَط َلعني في أندونيسيا وباكستان‪ ،‬بينما‬ ‫اتفق على األقل ‪ %70‬على هذا الرأي في لبنان‪،‬‬ ‫ونايجيريا‪ ،‬واألردن‪ .‬وأظهرت الغالبية في الكويت‪،‬‬ ‫والسلطة الوطنية الفلسطين ّية‪ ،‬تضامنا‬ ‫واملغرب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عميقا مع ذلك‪.‬‬ ‫وستقوى هذه الديناميكية فقط بانتشار التلفزيون‬ ‫الفضائي واالتصال باإلنترنت‪ ،‬تلك التقنيات التي‬ ‫توجد الترابط والسياق الضروري لألفراد املسلمني‬ ‫لإلميان واالنتماء لهذه «األمة املتخ ّيلة»‪ .‬وازدادت‬ ‫سرعة الصور التحريضية للعنف املمارس ضد‬ ‫مسلمني‪ ،‬منطلقة جتوب العالم أجمع‪.‬‬ ‫القيم المتميزة التي‬ ‫على أن هناك قضايا حقيقية‪ .‬فالشرق األوسط‬ ‫يحملها المسلمون‬ ‫العربي منفصل عن االقتصاد العاملي‪ ،‬على الرغم من‬ ‫األوروبيون ينبغي‬ ‫ازدياد منوه السكاني‪ .‬وبلغ معدل البطالة اإلقليمية‬ ‫يتحسن احلال على امتداد سنوات‬ ‫حوالي ‪ ،% 25‬ولن‬ ‫تحسن الثقافة‬ ‫أن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مقبلة‪ .‬والشعوب ترهقها حكومات متسلطة فاسدة‪،‬‬ ‫األوروبية‪ ،‬وتجعل من‬ ‫وتخنقها بيروقراطية غير كفوءة‪ .‬واملسلمون متشوشون‬ ‫المسلمين مواطنين‬ ‫بالصراع العنيف من الشيشان مرورا بفلسطني حتى‬ ‫كشمير‪ ،‬بينما يرون احلكام املسلمني قابعني ال‬ ‫لهم وزنهم فيها‬ ‫يفعلون شيئا غير إثراء أنفسهم‪ .‬وعلى مدى سنوات‪،‬‬ ‫كان املسجد هو املكان الوحيد الذي يسجلون فيه‬ ‫ف أنْ حت ّول هذا احلال من التعبير األوروبية‪ ،‬بينما يركزون على روابطهم بـ «البالد‬ ‫معارضتهم‪ .‬ومن أس ٍ‬ ‫عن مظلوميات دنيوية إلى مظلوميات دينية‪ .‬في القدمية»‪ .‬وعلى أية حال‪ ،‬فان أحفادهم ينظرون إلى‬ ‫تلك األثناء‪ ،‬جاء انشقاق السلطة الدينية‪ ،‬ليمكن عاملهم هذا بعدسة مختلفة جدا‪ .‬فتراهم في الوقت‬ ‫مستوع ْبني ومنضوين و ُمش َركني في ثقافة‬ ‫نصبوا أنفسهم شيوخا من توجيه عينه‬ ‫َ‬ ‫الراديكاليني ومن ّ‬ ‫النص الديني املقدس وتطبيقه على املشكالت أوروبا؛ لكنهم منفصلني عن مجتمعها‪ .‬وفي بحثهم‬ ‫جانبي تفسيرها ووصف دوائها‪ .‬عن هوية تخصهم‪ُ ،‬عرِضت عليهم املشاركة في‬ ‫املعاصرة في كل من‬ ‫ْ‬ ‫وكانت النتيجة أن تعاظمت قناعة املسلمني بأنهم مجتمع مسلمني متخيل‪ ،‬لكنه ُملزِم‪ ،‬ومتخط للحدود‬ ‫محاصرين ألنهم وحكامهم قد قطعوا صالتهم بشريعة الوطنية‪ ،‬معركته معركتهم‪ .‬ومن سخرية القدر‪ ،‬أن‬ ‫الله وبان أعدائهم ـ األميركان وحلفاؤهم الغربيون ـ هذه العاطفة قد أثيرت من خالل إضعاف الهو ّيات‬ ‫حتركهم النوازع نفسها التي قادت الصليبيني لغزو الوطنية األوروبية املنفصلة التي دفع إليها الدمج‬

‫األوروبي‪ .‬وطبقا للذين خضعوا الستطالع الرأي‬ ‫ذاك‪ ،‬فان أعدادا كبيرة من هؤالء الشباب يعتقدون‬ ‫بأ ّنهم مسلمني أوال‪ ،‬ومواطنني أوروبيني فقط بوصفها‬ ‫والء ثقافيا‪.‬‬ ‫ضرورة إدارية بدال من أن تكون ً‬ ‫ّ‬ ‫أما األوربيني األصليني‪ ،‬الذين تتجذر قيمهم‬ ‫املادية والعلمانية عموما في ارث التنوير (لوك‪،‬‬ ‫أو ديدرو وفولتير‪ ،‬فهذا يعتمد على أي جانب من‬ ‫القنال اإلنكليزي يعيشون)‪ ،‬يتزايد شعورهم بان القيم‬ ‫املسلمة ال تتناغم مع ما لهم من قيم‪ .‬فهم يسألون‪:‬‬ ‫أين هي احلفاوة املسلمة باحلرية الفردية‪ ،‬واملساواة‬ ‫بني األجناس‪ ،‬وحرية اخليار؟ جاءت تفجيرات مدريد‬ ‫‪ 2005/11/3‬لتبلور هذه الشكوك‪.‬‬ ‫واحلقيقة هي أنّ غالبية مسلمي أوروبا قد ر ّوعهم‬ ‫ويفضلون االندماج على العزلة‪ّ .‬‬ ‫هذا الهجوم‪ّ ،‬‬ ‫مفكرون‬ ‫بارزون‪ ،‬مثل طارق رمضان‪ ،‬أستاذ الدراسات‬ ‫اإلسالمية والفلسفة في جامعة فريبورغ‪ ،‬وحفيد‬ ‫مؤسس األخوان املسلمني‪ ،‬يحاججون بنحو بليغ ـ‬ ‫ومقنع ـ بان القيم املتميزة التي يحملها املسلمون‬ ‫حتسن الثقافة األوروبية‪ ،‬وجتعل‬ ‫األوربيون ينبغي أن ّ‬ ‫من املسلمني مواطنني لهم وزنهم فيها‪ .‬ونصيحته‬ ‫إلى املسلمني األوروبيني هي«اعرفوا من انتم‪ ،‬وماذا‬ ‫تريدون أن تكونوا‪ ،‬وابدأوا احلديث والعمل مع غيركم‪.‬‬ ‫أوجدوا قيما مشتركة واعملوا مع مواطنيكم على بناء‬ ‫مجتمع يقوم على التنوع واملساواة‪ .‬وفي اللحظة التي‬ ‫تفهم فيها أن ليس هناك تناقضات بني أن تكون‬ ‫مسلما وأن تكون أميركيا أو أوروبيا‪ ،‬فانك ستثري‬ ‫مجتمعك»‪.‬‬ ‫الظن والشكوى‪ ،‬خانق‪ .‬إذ‬ ‫لكن مناخ سوء‬ ‫ّ‬ ‫إن رمضان نفسه ُر ِفض من الدخول إلى الواليات‬ ‫املتّحدة‪ ،‬حيث كان من املفترض أن يحصل على‬ ‫األستاذية في جامعة بارزة‪ ،‬بسبب روابطه املزعومة‬ ‫بناشطني‪ .‬وتسممت السياسة الهولندية مبقتل ثيو فان‬ ‫كوخ على يد ناشطني مسلمني‪ ،‬ألنهم وجدوه مستفزا‬ ‫لهم‪ .‬لرمبا تثبت هذه اجلرمية وأثرها أنها مؤشر بالنسبة‬ ‫ألوروبا والعالقات بني املسلمني وغير املسلمني‪ ،‬وفي‬ ‫مستوى واسع جدا‪.‬‬ ‫على الرغم من كل شيء‪ ،‬ما زال في طاقة‬ ‫األوربيني واألميركيني ـ ومواطنيهم املسلمني ـ تبنّي‬ ‫احلوار الذي متناه طارق رمضان‪ ،‬حوار يغني بدال من‬ ‫أن يدمر‪.‬‬

‫ستيفن سيمون*‬ ‫ترجمة‪ :‬فالح حسن‬

‫(*)ستيفن سيمون محلل بارز في مؤسسة راند ومشارك‬ ‫في تأليف كتاب «عصر اإلرهاب املقدس»‪ ،‬الذي نال جائزة‬ ‫مجلس العالقات اخلارجية‪ .‬عمل السيد سيمون‪ ،‬لسنوات عدة‪،‬‬ ‫في وزارة اخلارجية األميركية‪ .‬ونشر هذا املقال في نيوزويك‬ ‫بولسكا في ‪ 23‬كانون الثاني ‪.2005‬‬

‫‪25‬‬


‫رأي‬

‫المسلمون و«الحرب ضد اإلرهاب»‬

‫المبادئ الخمسة لمستقبل اإلسالم‬ ‫على المسلمين ترسيخ حضورهم في شتى ميادين الحياة‬ ‫من الضروري تعزيز اهمية الموسيقى واالدب والفن لدى المسلمين الشباب‬ ‫تطالب الصحفية البريطانية الشابة فارينا علم‬ ‫الرجوع إلى القيم الدينية اإلسالمية ـ التي تفضل‬ ‫احلوار على العنف والفضائل االجتماعية على‬ ‫احلماس الديني املتعصب ـ وترى في ذلك إحدى‬ ‫اإلمكانيات لتهدئة غضب الشباب املسلم‪.‬‬ ‫إنهم ينادون بأن «اإلسالم يعني السالم»‪،‬‬ ‫مركزين في ذلك على أن «اإلسالم يرفض اإلرهاب»‪،‬‬ ‫ويصيحون منددين بأن «الغالبية العظمى من‬ ‫املسلمني ترفض العنف»‪ .‬ولقد عانى زعماء مسلمني‬ ‫في بريطانيا العظمى وفي أماكن أخرى من صعوبات‬ ‫في الفصل بني اإلسالم وبني التأويالت التي تنادي‬ ‫بالعنف بعد أحداث احلادي عشر من سبتمبر‪/‬أيلول‬ ‫‪ 2001‬على وجه اخلصوص وحتى قبلها‪.‬‬ ‫وال عجب‪ ،‬أنه غالبا ما يتم ربط االسالم باإلرهاب‬ ‫ـ روتينيا ـ في األذهان بطريقة ساذجة ومفتعلة‪ .‬ولكن‬ ‫طقوس اإلنكار الواهنة قد ساعدت على تفادي سؤال‬ ‫يطرحه املسلمون بصيغة حادة بعد احلادي عشر من‬ ‫سبتمبر‪/‬أيلول‪ ،‬أال وهو ملاذا يتأثر أغلب املسلمني‬ ‫ببالغة دعاة اجلهاد من العلماء ـ املؤولني اإلسالم‬ ‫تأويال حرفيا ـ ومببرراتهم الدينية‪.‬‬ ‫أسباب هذا التطور تعتبر واضحة جدا للعيان‪،‬‬ ‫فالبالد «اإلسالمية» مثل أفغانستان والعراق‬ ‫وفلسطني ما زالت محتلة‪ ،‬وحتكم بعضها أنظمة‬ ‫مستبدة يساندها الغرب‪ .‬فعلى ما يبدو أن املسلمني‬ ‫لم يواكبوا العصر احلديث‪.‬‬ ‫وقد انتقل «احلرب ضد اإلرهاب» في املقام األول‬ ‫إلى قلوب وعقول املسلمني في جميع أنحاء العالم‪،‬‬ ‫ولم يعد على ساحات القتال التقليدية‪ .‬وال ينبغي‬ ‫أن تكون إجابتنا على هذا التطور التشبث بعقائد‬ ‫معينة وال حتى التقرب من العنف‪ ،‬بل علينا أن نثبت‬ ‫حضورنا في تلك امليادين اخلطرة اجلديدة من خالل‬ ‫‪26‬‬

‫املنتمي إلى ما بعد احلداثة‪ .‬يرفض أبو جحجاج‬ ‫العمليات اإلرهابية املوجهة ضد املدنيني‪ ،‬ولكنه ال‬ ‫يرى حرجا في استعمال هذه الوسيلة من قبل ضحايا‬ ‫االستبداد‪ .‬وهو يرى أن «احلفاظ على األسس‬ ‫األخالقية ال تشغلهم على األقل في حرب قذرة»‪،‬‬ ‫وعليه فيجب مكافحة النار بالنار‪ ،‬ولتحمل الرياح‬ ‫اللهب حيثما أرادت‪.‬‬ ‫هذا من الخطأ‬

‫إعادة صياغة الرسالة احلقيقية لعقيدتنا‪.‬‬ ‫الرجوع إلى الوراء‬

‫ويعد دياب أبو جحجاح من أولئك املفكرين الذين‬ ‫يقتربون من «احلرب ضد اإلرهاب» وذلك بابراز ظواهر‬ ‫القمع املنتشرة في العالم العربي (وفي الغالب العالم‬ ‫اإلسالمي) حتى اليوم‪ .‬وهذه الرؤية جتبر القارئ على‬ ‫إدراك املسألة من وجهة نظر الضحية‪.‬‬ ‫ويرى أبو جحجاح أن األشكال املختلفة للقمع‬ ‫من اقتصادية وسياسية واجتماعية تقوي كل يوم‬ ‫لهيب الغضب الذي يظهر بازدياد على الشباب‬ ‫العرب و(املسلمني)‪ .‬وهذا الغضب يصيب البالد‬ ‫التي تعيش فيها األقلية املسلمة التي تعبر عن‬ ‫مشاعرها مثلما يصيب البالد التي يشكل املسلمون‬ ‫فيها الغالبية العظمى للسكان‪.‬‬ ‫واملشكلة تكمن هنا في أن أبي جحجاح (وبعض‬ ‫أمثاله من املفسرين اآلخرين) يتبنون مبدأ النسبية‬

‫وعلى الصعيد العاطفي جند لبراهني أبو جحجاح‬ ‫مغزى دون أدنى شك‪ ،‬كما جند التعاطف مع‬ ‫املسلمني اآلخرين ـ األمة اإلسالمية ـ في نفس املوقف‬ ‫له أهمية قصوى لدى الشباب املسلم املتأثر بالعوملة‪.‬‬ ‫وهنا يجب علينا أن نتفهم سبب االهتمام الشديد من‬ ‫جانب الشباب املسلم في مدينة برادفورد باألوضاع‬ ‫في غزة‪ ،‬ذلك ألن الهويات الفردية تكتسب أشكالها‬ ‫وصورها من خالل الواقع العاملي‪.‬‬ ‫ومع ذلك فهناك خطورة في هذه اللغة املنمقة‪،‬‬ ‫ألننا كلما ابتعدنا عن القيم األدبية واألخالقية‬ ‫كلما أصبحنا عرضة الستعمال العنف واإلرهاب‪ .‬إن‬ ‫تعاملنا مع اإلرهاب واالضطهاد ال بد أن يكون مبنيا‬ ‫على قراءة صحيحة للشارع وأيضا على األسس‬ ‫واملبادئ الدينية واألخالقية في اإلسالم كما نعرفها‬ ‫منذ عصر النبوة‪.‬‬ ‫وماذا ميكننا أن نقدم للشباب املسلم في البالد‬ ‫احملتلة‪ ،‬الذين يزدادون غضبا ويصابون باإلحباط‬ ‫جراء ما يرونه على أنه حرب عاملية تشن ضد‬ ‫اإلسالم؟ وهنا نقدم خمس مبادئ عملية‪:‬‬ ‫الصراحة في الحوار‬

‫إنه ال بد من إحياء العلوم اإلسالمية‬


‫الكالسيكية وأيضا احلوارات األخالقية مرة أخرى‪،‬‬ ‫ألن تطور التشريع اإلسالمي وعلوم الدين والشريعة‬ ‫والروحانيات كان مصبوغا بصبغة معتدلة ومتأثر‬ ‫بحتمية التوصل إلى «حل وسط»‪.‬‬ ‫فبدون الرجوع إلى القيم الدينية ـ التي تفضل‬ ‫احلوار على العنف والفضائل االجتماعية على‬ ‫احلماس الديني املتعصب ـ لن يصبح في مقدورنا أن‬ ‫نهدئ من ثورة الغضب في الشارع العربي‪.‬‬ ‫وكما يذكر فؤاد نهدي فإن اإلسالم السياسي‬ ‫املعاصر يقدم اإلسالم السياسي املعاصر ديانة لتموت‬ ‫من أجلها ويقدم اإلسالم الكالسيكي ديانة لتعيش‬ ‫من أجلها‪ .‬ولوال اإلسالم الكالسيكي ملا كانت تلك‬ ‫اإلجنازات العظيمة التي حققتها احلضارة اإلسالمية‬ ‫(والتي يفخر اإلسالميون بها ويعتزون بها)‪..‬‬ ‫واليوم فنحن بصدد إسالم «بروتستانتي»‪،‬‬ ‫يكاد يبعد كل البعد عن ماضينا الزاخر بامكانيات‬ ‫التأويل‪ .‬واإلسالم التقليدي ـ الذي طوقته القوى‬ ‫املستعمرة وفيما بعد أولئك الذين يدعون باملصلحني ـ‬ ‫قد حل محله اليوم اإلسالم الوهابي‪ ،‬الذي يقوم على‬ ‫تفسير النصوص القرآنية تفسيرا حرفيا‪.‬‬ ‫وهذه احلركة (الوهابية) هي التي هدمت احملاريب‬ ‫األربع في مكة‪ ،‬وفي خالل العقود األربعة املاضية ـ‬ ‫مدعومة بدوالرات بترولية وكم هائل من املنشورات‬ ‫ـ سيطرت على جزء كبير من احلوارات الدينية في‬ ‫االسالم وأحكمت قبضتها‪ ،‬خاصة في بالد الغرب‬ ‫والعالم العربي‪.‬‬

‫الوسيلة‪ ،‬إال أن اإلسالميني اليوم ال يعرفون الرحمة‬ ‫مطلقا‪ .‬وعلى الرغم من ذلك فإن نداءاتهم تقرع في‬ ‫اآلذان وكأنها إسالمية‪ ،‬إال أنها في احلقيقة غاية في‬ ‫الدنيوية وتخدم املصلحة الشخصية‪.‬‬ ‫وإذا لم نضع حدا لهذه االجتاهات‪ ،‬نكون بذلك قد‬ ‫جعلنا من الدين مسخة وأصبح اإلسالم شيئا مؤقتا‪.‬‬ ‫وسيفقد اإلسالم دوره باعتباره الطريق األصلي القومي‬ ‫حلياة البشر‪ ،‬إذا فقد املضمون الدنيوي وإذا اقتصر‬ ‫على لغة ثورية تقوم على نظام غير أخالقي وغير‬ ‫أدبي‪.‬‬ ‫إن الروحانية اإلسالمية‪ ،‬أي الصوفية‪ ،‬تعتبر‬ ‫اجلزء املكمل حلياة املسلم الدينية‪ .‬وقدم أولياء وشيوخ‬ ‫الصوفية نظرة منهجية ملعرفة الله تستند على تالوة‬ ‫االبتهاالت‪ ،‬التدرب على تطوير شخصية ورعة قومية‪،‬‬ ‫بغية إذالل األنا وتكريس النفس خلدمة املجتمع‪ .‬ومن‬ ‫املمكن ان تصبح الصوفية اليوم ـ بتركيزها على القيم‬ ‫االسالمية املشتركة ووضع األهداف السامية نصب‬ ‫عينيها ـ مبثابة قوة كبيرة مضادة لإلسالم السياسي‬ ‫املجاهد‪.‬‬ ‫واألمر ال يتعلق هنا بفهم اإلسالم على أنه‬

‫يجب ان يكون‬ ‫تعاملنا مع العنف‬ ‫ًا على االسس‬ ‫مبني‬ ‫الدينية واالخالقية‬ ‫الدعاية للروحانيات‬ ‫إنه ملن األهمية مبكان إحياء السلوك األخالقي‪،‬‬ ‫فقضية التعاطف مع سلوكيات بن الدن وكل من‬ ‫يحذو حذوه تكمن في أنهم يستخدمون هنا لغة‬ ‫اإلسالم ويوجهون النداء إلى األمة في حني أنهم‬ ‫يغضون الطرف في الوقت نفسه عن األسس األخالقية‬ ‫واألدبية لهذا الدين‪ .‬ولكن الثورة العاطفية والغضب‬ ‫لن تساعد على معاجلة هذا املوقف الراهن‪.‬‬ ‫وعلينا أن نعود إلى الطريق الذي يوصل إلى‬ ‫النبي محمد باعتباره نواة العقيدة اإلسالمية‪،‬‬ ‫فاالسالم السياسي يرى النبي كقائد محارب‪ ،‬مع‬ ‫أنه كان كذلك ولكنه لم يكن محاربا فقط‪ .‬فكانت‬ ‫دعوته تكمن في تقومي البشرية من خالل عبادة الله‬ ‫وتقديس ذاته العلية‪.‬‬ ‫وطبقا لتعاليم النبي محمد يجب علينا أن‬ ‫معتد سيء‬ ‫نتمسك باألسس األخالقية حتى ولو أمام ٍ‬ ‫السلوك‪ .‬وكما ورد في القرآن الكرمي أنه «رحمة‬ ‫للعاملني»‪ ،‬فالرحمة هي الصفة املميزة للنبي‪ ،‬وكان‬ ‫حبه العميق جتاه اخلالق سبحانه وجتاه إخوانه في‬ ‫الدين باعثا له في كل تصرفاته‪ ،‬فكان رسول السالم‬ ‫وسياسي‪ ،‬وكرمي وفي غاية احلماسة‪.‬‬ ‫ومع أن النبي لم يأخذ البتة مببدأ الغاية تبرر‬

‫يقف مكتوف األيدي جتاه األمور‪ ،‬فعلى العكس‬ ‫جند الصوفيني ـ على سبيل املثال ـ قد شاركوا في‬ ‫كثير من احلروب ضد االستعمار في مقدمة اجلبهة‪،‬‬ ‫أمثال عبد القادر اجلزائري في اجلزائر وعمر املختار‬ ‫في ليبيا وشامل الداغستاني في القوقاز‪ .‬وكان‬ ‫اإلخالص في املبادئ عندهم أهم من النصر السياسي‬ ‫أو العسكري‪.‬‬ ‫وجوب فصل الدين عن الدولة‬

‫ال بد من إبعاد علماء الدين عن سلطة الدولة‪،‬‬ ‫فالدول التي ميثل املسلمون فيها أغلبية السكان‬ ‫عليها أن تتوقف عن تدخلها في الشؤون الدينية‪.‬‬ ‫فالتقاليد اإلسالمية تتطلب عالقة قومية بني علماء‬ ‫الدين وبني الدولة حتى يتمكن كل منهما مراقبة‬ ‫اآلخر‪ .‬واملجتمعات اإلسالمية حتتاج إلى العلماء‬ ‫كقوة محركة داخل املجتمع‪ ،‬والدولة عليها أن تنسلخ‬ ‫عن الدين وتنشغل بشؤونها اخلاصة‪.‬‬ ‫وقد حذرت التعاليم اإلسالمية الكالسيكية‬

‫علماء الدين من التقرب الكبير من السلطة‬ ‫السياسية‪ ،‬وكثير من مشاهير العلماء قد هربوا قدميا‬ ‫من بالط السلطان حتى يحافظوا على نزاهتهم وال‬ ‫يعرضوا حريتهم للخطر‪.‬‬ ‫وهذا ال يعنى أن على العلماء الذين يشغلون‬ ‫اليوم مناصب سياسية أن ميسكوا عليهم ألسنتهم‪،‬‬ ‫فكثير من العلماء يشغلون مناصب رفيعة في الدولة‪،‬‬ ‫مثل مفتي اجلمهورية الشيخ علي جمعة مبصر‪.‬‬ ‫و»الدولة اإلسالمية» تتطلب بكل املفاهيم‬ ‫موقفا إسالميا روحيا على أسس من الرحمة والعدالة‬ ‫والعفة‪ ،‬بدال من اليوتوبيا‪.‬‬ ‫عليكم أن تفخروا بالحضارة‬

‫عليكم بوضع أجندة ثقافية للمسلمني الشباب‪،‬‬ ‫فقد قلل العلماء احلرفيون ‪ -‬على مدى سنني طويلة‬ ‫– من أهمية املوسيقى والفن واألدب (خاصة في بالد‬ ‫الغرب‪ ،‬حيث أصبح اجلدال حول حل سماع املوسيقى‬ ‫أو حرمتها موضوعا محببا)‪ ،‬في حني أن املجتمعات‬ ‫اإلسالمية أتت بالعديد من القدرات الفنية والثقافية‬ ‫املتعددة املعاني على مدى التاريخ‪.‬‬ ‫وقد مر مالكولم إيكس مبرحلة تطور كبيرة‪ ،‬حيث‬ ‫كان محام للدفاع عن حقوق الزنوج وأصبح مسلما‬ ‫سنيا جمع بني الكفاح العاملي ضد سياسة االحتالل في‬ ‫افريقيا وجنوب شرق أسيا مع رغبة الزنوج األمريكيني‬ ‫في النضال من أجل حقهم في تقرير املصير‪.‬‬ ‫وبعد أن رفض التعاون مع األمريكان البيض‬ ‫على مدى عدة أعوام من حياته حتالف مع‬ ‫مجموعات كثيرة وشتى‪ ،‬مثل اليهود والهندوس‬ ‫والبوذيني والبيض واآلسيويني والزنوج واإلشتراكيني‬ ‫والشيوعيني والرأسماليني‪ .‬وكان على اقتناع بأن‬ ‫اإلسالم يأمر البشر باحلركة اجلماعية حلل مشاكلهم‪،‬‬ ‫ولكي يضع نهاية للعنصرية تعاون مع كل من كان‬ ‫على استعداد لذلك‪ .‬ونحن اليوم بحاجة ماسة إلى‬ ‫مثل هذا التحالف عن ذي قبل‪.‬‬ ‫فاإلرهاب يجب أن ينهزم‪ ،‬ولن يكون ذلك إذا‬ ‫ما استخدم املرء نفس الوسائل مثل القنابل ورصاص‬ ‫البنادق وانكار حقوق اإلنسان‪ .‬وعلينا أال نتوجس‬ ‫خيفة من أن نسير في الطريق الوسط وأن نتجنب‬ ‫اإلسالم احلرفي‪ ،‬مثلما فعل مالكولم إيكس مع‬ ‫الشعور باألفضلية على اآلخرين كما حدث مع‬ ‫الزنوج وأطلق عليها منتدى الزنوج «‪House‬‬ ‫‪ .»negroism‬فاملسلمون ـ وجميع البشر على وجه‬ ‫األرض ـ يحظون مبا هو أفضل من ذلك‪.‬‬

‫فارينا علم*‬

‫ترجمة عبد اللطيف شعيب‬ ‫صدر املقال على موقع ‪opendemocracy‬‬ ‫* فارينا علم صحفية من أصل بنغالديشي‪،‬‬ ‫مقيمة في لندن وترأس حترير مجلة ‪Q-news‬‬ ‫‪27‬‬


‫تجارب‬

‫اد حسين‪ :‬علينا الوقوف ضد من اختطف‬ ‫إيماننا وأساء إلى تسامح ديننا‬ ‫حرف واستغل‬ ‫يمكن ان يكون االسالم القوة االكثر خطرًا لو ّ‬ ‫المتطرفون يسعون لسلخ ديننا عن سماحته‬ ‫اد حسني‪ 33 ،‬عام ًا‪ ،‬مؤلف كتاب «اإلسالموي‬ ‫‪ »The Islamist‬الصادر باللغة اإلنكليزية‪ ،‬الذي‬ ‫أثار الكثير من اآلراء بعدما سلط مؤلفه الضوء على‬ ‫جتربته احلياتية كمسلم بريطاني‪ ،‬وارتباطه بتجمعات‬ ‫إسالمية متطرفة‪ ،‬في السادسة عشرة من عمره‪،‬‬ ‫ودعوته إلى التسامح ونبذ الكراهية ومعرفة الذات‬ ‫من خالل معرفة اآلخر‪.‬‬ ‫يقول الكاتب‪:‬‬ ‫«لم تبلور قضية الهوية واالنتماء أي مشكل لدى‬ ‫عائلتي‪ ،‬فنحن ننتمي إلى إنكلترا‪ ...‬فهي الوطن‪.‬‬ ‫قدم والدي إليها‪ ،‬وهو في الثالثني من عمره‪ ،‬حينما‬ ‫كانت الهند حتت االستعمار البريطاني‪ ،‬واستطاع أن‬ ‫ً‬ ‫صغيرا يقدم وجبات هندية سريعة في‬ ‫يدير مطعم ًا‬ ‫منطقة «المي هاوس»‪ ،‬شرقي لندن‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أننا عائلة مسلمة ملتزمة‪،‬‬ ‫إال أن والدي دائما ما كان يرتدي بذلة من ثالث‬ ‫قطع‪ ،‬ويفخر بانتمائه إلى التاج البريطاني‪ ،‬في حني‬ ‫كانت والدتي تصحبنا لرؤية «بابا نويل» في أعياد‬ ‫امليالد‪.‬‬ ‫كانت اآلصرة األسرية التي جمعتنا حميمة‪ .‬ولم‬ ‫تكن مدرستي االبتدائية تبعد عن منزلنا سوى ‪3‬‬ ‫دقائق‪ ،‬فكنت اشعر دائما أنها ملحقة مبنزلنا ذاك‪.‬‬ ‫والدي يقدمان مساعدات ملدير املدرسة وطاقمها‬ ‫كان‬ ‫َّ‬ ‫التدريسي في السفرات املدرسية واملعارض الفنية‪...‬‬ ‫كانت أيام ًا سعيدة وجميلة‪.‬‬ ‫بدأت منذ تلك األعوام بكتابة قصص قصيرة‬ ‫حظيت بإعجاب املعلمة التي أخذت تطبعها على‬ ‫اآللة وتوزعها على التالميذ‪.‬‬ ‫نصحني مدير املدرسة بعدم االلتحاق بالثانوية‬ ‫اخلاصة بالفتيان‪ ،‬حيث كان اغلب طالبها من‬ ‫العائالت البنغالديشية املهاجرة حديث ًا إلى إنكلترا‪،‬‬ ‫‪28‬‬

‫لكن أبي أصر على التحاقي بتلك الثانوية‪ .‬رفض‬ ‫املدير وإصرار أبي أدخلني في حيرة‪ .‬فكان القرار‬ ‫األخير ألبي في أن التحق بثانوية «ستيبني غرين»‪.‬‬ ‫شعرت بالغربة منذ أيامي األولى في تلك الثانوية‪،‬‬ ‫وأحسست بالوحدة وبأنني أغرد خارج السرب‪ .‬فكنت‬ ‫أمتنى عودة أيامي اجلميلة في مدرستي االبتدائية‬ ‫متعددة األثنيات واألديان‪.‬‬ ‫في الثانوية جرت األمور على غير عادة ما كان‬ ‫في املدارس البريطانية‪ .‬فقد كان املدير قاسي ًا ومدرس‬ ‫الرياضة يزعق في وجوهنا على الدوام‪ ،‬وترك غالبية‬ ‫التالميذ مقاعد الدراسة في سن السادسة عشرة‬ ‫ليعملوا في مطاعم هندية‪ ،‬أو في أسواق شعبية‪،‬‬ ‫او في املصانع املنتشرة في الضواحي‪ .‬بصراحة كانت‬ ‫حياتي على شفير هاوية حقيقية في تلك الثانوية‪.‬‬

‫لكن األسوأ هو الذي سيأتي الحقا‪ ،‬حيث كنت‬ ‫موضع سخرية التالميذ بسبب نظارتي الطبية‪ ،‬إذ كان‬ ‫الطلبة القادمون من قرى وأرياف بنغالدش يعتقدون‬ ‫أن ارتداء النظرات الطبية مقتصر على كبار السن‪.‬‬ ‫علي لقب «صاحب النظارات»‪.‬‬ ‫وأطلقوا ّ‬ ‫لم أكن انتمي إلى تالميذ الصف‪ ،‬أو إلى‬ ‫العصابات‪ ،‬التي شكلها التالميذ في املدرسة‪...‬‬ ‫ً‬ ‫وحيدا‪ .‬بعد التجمع الصباحي‪ ،‬كان التالميذ‬ ‫كنت‬ ‫يهربون في الغالب من املدرسة متوجهني إلى شارع‬ ‫اكسفورد التجاري لسرقة حاجيات رخيصة وبسيطة‪.‬‬ ‫ولم تكن الهيئة التدريسية تعر أهمية تذكر ملا‬ ‫يجري‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأتذكر جيدا أن صف العلوم‪ ،‬الذي كان حتت‬ ‫إشراف مدرس مساعد‪ ،‬كانت املياه تغمر املكان‪،‬‬ ‫ونيران املختبر متوهجة‪ ،‬في حني كانت الكراسي‬ ‫مهشمة‪ ...‬هكذا كان حال الثانوية‪.‬‬ ‫في يوم ما وفي عامي اخلامس عشر‪ ،‬وبعد‬ ‫انتهاء الدوام‪ ،‬وخالل انتظار والدي الذي تأخر قلي ًال‪،‬‬ ‫شاهدت احد الطلبة‪ ،‬الذين كانوا يهربون من املدرسة‪،‬‬ ‫عائدا وهو ملطخ بالدماء ألنه سار في منطقة‬ ‫«معادية» على وفق تقسيمات عصابات املدرسة‪...‬‬ ‫وكان ممكنا أن أكون أنا الضحية‪.‬‬ ‫في تلك األيام‪ ،‬كنت ابحث عن معنى للحياة‪.‬‬ ‫وظننت أن اإلسالم األصولي قد يكون حال بالنسبة‬ ‫لي‪ .‬بدأت خطوتي األولى مع اإلسالمويني بالقراءة‪،‬‬ ‫حيث التقيت بإسالموي آسيوي مولود في إنكلترا‪،‬‬ ‫وكان يرتدي دائما الكوفية (الغترة) الفلسطينية‬ ‫ويتردد على مسجد احلي‪ ،‬حيث أعطاني مجموعة‬ ‫كتب‪ ...‬أنا املولع بالقراءة! ولم ارغب حينها أن يعرف‬ ‫والدي بأمر تلك الكتب‪.‬‬ ‫م ّثل لي االنضمام إلى تلك اجلماعة الهوية‬


‫والقوة الروحية‪ ،‬لذا انتميت إلى تنظيم متطرف يدعى‬ ‫«حزب التحرير»‪ .‬وفي العام ‪ 2005‬أديت فريضة‬ ‫احلج‪ ،‬وأردت أن أكون قريبا من مكة واملدينة الستمد‬ ‫القوة الروحية من املكان‪ .‬هناك أدركت أن اإلسالم‬ ‫ً‬ ‫خطرا على األرض قاطبة‬ ‫ميكن أن يكون القوة األكثر‬ ‫لو ُح ِّرف واس ُت ِغل‪.‬‬ ‫زرت مسجد الرسول في املدينة املنورة وطفت في‬ ‫املكان بعد صالة الفجر‪ ...‬وجدت كل شيء تغمره‬ ‫روحية طاهرة‪ ...‬حتى الهواء‪ .‬كان ثمة مجموعة‬ ‫من املسلمني الشيعة بدأوا‪ ،‬بعدما أدوا الصالة في‬ ‫املسجد‪ ،‬مبدح الرسول وخصاله احلسنة‪ ،‬غير أن احلرس‬ ‫السعودي وبعض الهيئات الدينية املشرفة على املكان‬ ‫منعتهم من أداء هذه الطقوس وطردتهم بالقوة من‬ ‫املسجد‪ .‬اعتقدت أن وجودي في هذا املكان سيقربني‬ ‫إلى اخلالق ورسوله‪ ،‬لكني كنت شاهد عيان على‬ ‫احلقد والكراهية املتزايدة بني املسلمني‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫سألت احد احلراس باللغة العربية‪ :‬ل َم فعلتم هذا‬ ‫بهؤالء الناس؟‬ ‫أجابني‪ :‬هل تعلم َم ْن هم هؤالء؟‬ ‫ـ إنهم مسلمون‬ ‫ـ كال‪ ،‬إنهم شيعة‪.‬‬ ‫برق في راسي أن اإلهانة التي كنت أتعرض إليها‬ ‫على يد تالميذ تلك الثانوية إمنا سببها اختالفي‬ ‫عنهم‪ .‬وهنا‪ ،‬في هذا املكان الطاهر‪ ،‬يتعرض الشيعة‬ ‫لإلهانة ويطردون من بيت الله ببساطة ألنهم مختلفون‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫دفعتني تلك احلادثة ألقول‪ :‬علينا الوقوف‬ ‫ضد من اختطف إمياننا وأساء إلى تسامح ديننا‪،‬‬ ‫لذا وضعت كتاب «اإلسالموي» ألنقل إلى القراء‪،‬‬ ‫بخاصة املسلمني منهم‪ ،‬ما يحدث عادة حني يحاول‬ ‫البعض سلخ الدين عن سماحته‪.‬‬ ‫بعد مدة قصيرة من نشر الكتاب ولدت لي ابنة‬ ‫أسميتها «كميلة»‪ ،‬اسم مشترك بني العرب واإلنكليز‬ ‫«كميلة – كاميال»‪ ،‬ألث ّبت دليال على التكامل بني‬ ‫الثقافات واألديان‪ .‬أمتنى أن تنشأ ابنتي «كميلة»‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن أجواء الكراهية واإلساءة إلى املرأة‪ ،‬فعلى‬ ‫املسلمني احترام أخواتهم وبناتهم‪.‬‬ ‫واليوم‪ ،‬هناك مساجد ال يرغب القائمون عليها‬ ‫أن أؤدي صالتي فيها‪ ،‬بخاصة بعد صدور كتابي‬ ‫علي املضي في مسيرتي لتوعية‬ ‫هذا‪ .‬مع ذلك‪ّ ،‬‬ ‫املسلمني بضرورة اقتالع احلقد والكراهية ومعاداة‬ ‫اآلخر من قلوبهم‪.‬‬ ‫«كميلة» تعني الكامل بالعربية‪ ،‬وهذا ما أسعى‬ ‫إليه بعد والدتها وصدور الطبعة األولى من كتابي‬ ‫األول‪.‬‬ ‫مجلة «ذي صاندي تايمز» اللندنية‬ ‫‪ 10‬آب (اغسطس) ‪2008‬‬

‫ازدواجية الحركات االسالمية‬ ‫في دائرة التخبط السياسي‬ ‫في دائرة االعتدال تنتظم عملية املراجعة‪ ،‬ويشتغل العقل احلركي <>عقل العصبة>>‬ ‫باملفاهيم املبدئية اجلديدة>> املشاركة والتفاعل>> واملفردات األصولية اجلديدة>>املصالح‬ ‫واملفاسد وفقه األولويات>> وتنتقل احلركة اإلسالمية من تبني املفاهيم العامة ذات الصلة‬ ‫بالنظرة إلى الواقع واجملتمع إلى املفاهيم اخلاصة ذات الصلة بالسياسة واملؤسسات‪ ،‬فينتقل‬ ‫مفهوم التعايش والتفاعل مع اجملتمع ـ وهي املفاهيم التي كانت حصيلة نقد لعقلية املفاصلة‬ ‫والعزلة ـ إلى مفهوم املشاركة السياسية‪ ،‬كما تؤدي املفاهيم األصولية اجلديدة مثل>>فقه‬ ‫األولويات>> و>>فقه املوازنات>> و>>فقه الترجيح بني املصالح واملفاسد>> أدوارا وظيفية‪ ،‬إذ تعني‬ ‫في طرح قضية املشاركة في املؤسسة التشريعية والتنفيذية للتداول الفكري‪.‬‬ ‫حتصل احلركة اإلسالمية ـ في هذه الدائرة ـ نظرة أكثر واقعية عن األطراف الفاعلة في الواقع‬ ‫ووزنها السياسي‪ ،‬وطبيعة احلراك االجتماعي‪ ،‬وتتعرف على منهجية صناعة القرار السياسي‪،‬‬ ‫ويدخل إلى مفرداتها وألول مرة مفهوم السقف السياسي‪ ،‬ومفهوم اإلقدام واإلحجام‪ ،‬ومفهوم‬ ‫استثمار الهوامش وتوسيعها‪ ...‬إنها بكلمة‪ ،‬تدخل إلى قلب السياسة‪ ،‬فيتجه عقلها النظري‬ ‫إلى إعادة طرح سؤال املرجعية اإلسالمية‪ ،‬فتراجع كل اإلجابات اجلاهزة التي حصلتها في الدائرة‬ ‫العقائدية والتبشيرية‪ ،‬ألنها ال تسعفها في كسبها السياسي‪ ،‬وال يحصل من وراء تبنيها سوى‬ ‫التخبط في ازدواجية خطيرة بني ممارسة سياسية متقصدة‪ ،‬وخطاب عقائدي غير مطمئن‪.‬‬ ‫بعض احلركات اإلسالمية تستمر‪ ،‬بقصد‪ ،‬في استصحاب هذه االزدواجية‪ ،‬وترى أن اخلطاب‬ ‫العقائدي هو من آليات التحشيد اجلماهيري الذي ينفع في تقوية املوقع التفاوضي خلط االعتدال‬ ‫السياسي‪ ،‬لكن غالبية حركات االعتدال السياسي اإلسالمي تسعى إلعادة النظر في هذا‬ ‫اخلطاب العقائدي‪ ،‬وتتبنى مفهوما جديدا ملسألة املرجعية اإلسالمية‪.‬‬ ‫ال تقطع حركات االعتدال السياسي اإلسالمي في تعاملها مع النصوص الشرعية مع‬ ‫املنطقات األصولية ولكنها‪ ،‬تنتظم بعمق في التراث األصولي‪ ،‬وتدعو إلى تدشني زمن أصولي‬ ‫جديد‪ ،‬تلعب فيه النظرية املقاصدية دورها في الربط بني النص والواقع‪.‬‬ ‫لم تعد احلركة اإلسالمية في دائرة االعتدال ـ مرتهنة لداللة النصوص التفصيلية‪ ،‬ولم يعد ـ‬ ‫بفعل هذا التحول الفكري واملنهجي ـ املنتوج الفقهي عبئا ثقيال عليها‪ .‬إنها حني تطرح قضية‬ ‫املرجعية اإلسالمية‪ ،‬فإنها ال تعني أكثر من تفعيل املنهج املقاصدي لفهم الواقع ومعاجلة‬ ‫إشكاالته وإبداع اختيارات وبرامج للتنمية اجملتمعية قادرة على املنافسة ومتسمة بصفات‬ ‫اإلغراء واجلذب‪ ..‬لم تعد املرجعية اإلسالمية ـ ضمن دائرة االعتدال ـ منتوجا فقهيا إسالميا‬ ‫مبسوطا ‪ ،‬ولم تعد مجرد إحالة إلى التجربة التاريخية لألمة‪ ،‬وإمنا صارت مقاصد عامة لفهم‬ ‫الواقع‪ ،‬وأداة منهجية لالنخراط فيه‪ ،‬وقواعد كلية لالقتراح والتدبير‪.‬‬ ‫تتجاوز احلركة اإلسالمية في دائرة االعتدال عقل>> العصبة>> وتدرك أنه يستحيل عليها‬ ‫أن تكون بديال عن الواقع‪ ،‬وتعي أن عليها أن تنفتح على مؤسسات اجملتمع إذا أرادت فعال أن تغير‬ ‫الواقع‪ .‬وهكذا يصير عقل ال>>العصبة>> عقال <>سياسيا>> يرى أن املؤسسة هي مفتاح تغيير‬ ‫الواقع‬ ‫‪.‬للمرء أن يالحظ‪ ،‬أنه بقدر اقتراب احلركة اإلسالمية من الواقع ‪ ،‬بقدر ما ينضج التفكير‬ ‫احلركي اإلسالمي‪ ،‬بحيث تفصل عموماته‪ ،‬وتطرد مراجعاته‪ .‬وبقدر ما ينفصل التفكير احلركي‬ ‫عن الواقع حتت أي تبرير فكري‪ ،‬بقدر ما يكون خطابه غارقا في العمومية‪ ،‬وتكون ممارسته مدعاة‬ ‫للتشكك ‪.‬‬

‫بالل التليدي‬

‫صحيفة «التجديد» ( المغرب )‬

‫‪29‬‬


‫قضايا‬

‫هل يتوافق اإلسالم والحداثة؟‬ ‫االسالموية السياسة غالبًا ما تستند الى قيم المجتمع الذكوري‬ ‫تمثلت أهم تحوالت الحداثة بتكريس المساواة بين الرجال والنساء‬ ‫أمر صعب ومع ّقد التعرض ملوضوعة اإلسالم‬ ‫واحلداثة‪ .‬ال تزعم هذه املقالة تفسير إشكالية كان‬ ‫لها احلظ الوافر من الدراسات‪ ،‬أو اإلتيان بإجابات‬ ‫تلخص املسألة قلي ً‬ ‫عليها‪ ،‬إمنا هي ببساطة ّ‬ ‫ال‪،‬‬ ‫على الرغم من أنها بهذا تخاطر في االنزالق إلى‬ ‫تسفيهها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫باملعنى املقبول عموما‪ ،‬تشير كلمة «حديث»‬ ‫ومنها تُشتق كلمة «حداثة»‪ ،‬إلى ما يتصل بالزمن‬ ‫احلاضر‪ً .‬‬ ‫وإذا‪ ،‬فهذا التعبير من أضداد الـ«قدمي»‬ ‫أو الـ «ممُ ات»‪ .‬على أننا إن عدنا إلى التاريخ‪،‬‬ ‫ألدركنا بسرعة أن احلداثة تتأرخ في العصر القدمي‪،‬‬ ‫وبالتحديد في عصر احلضارة اإلغريقية‪ .‬فقد كان‬ ‫بداع من إرسائهم أول نسق‬ ‫اإلغريق رواد احلداثة ٍ‬ ‫سوسيوـ سياسي في العالم‪ُ ،‬مك َّرس لفصل الدين‬ ‫عن الدولة‪ .‬فصار التنظير عندها في إدارة املدينة‬ ‫َوقف ًا على املفكرين والفالسفة‪ ،‬على ِمنْوال أرسطو‬ ‫وأفالطون‪ ،‬الذين أطالوا البحث في شأن اجلمهورية‬ ‫(‪ ،)res publica‬التي تعني «الشأن العام»‪.‬‬ ‫عالوة على ذلك‪ ،‬لعل بوسعنا القول أن احلداثة‬ ‫ُوجِ دت ُمذ صار العقل القيمة األساسية التي بهداها‬ ‫ينقل اإلنسان خطاه‪ .‬وهذا يعني القول بأن احلداثة‬ ‫تالزم حرية الفرد‪ .‬وكان الفرد في ِ‬ ‫القدَ م ذائب في‬ ‫احل ّيز الفئوي الذي متثله القبيلة أو العشيرة‪ ،‬فكان‬ ‫يشاطر اجلماعة املندرج فيها صاحلها ويبذل نفسه‬ ‫من أجلها‪ .‬وعلى الرغم من أن احلياة الروحية لم‬ ‫تكن مقصاة عن ذلك احل ّيز‪ ،‬إال أنها غدت شأن ًا‬ ‫شخصي ًا بحصر املعنى‪ .‬وكان رجال الدين بطبيعة‬ ‫احلال يعنون بذلك اجلانب‪ ،‬محاذرين من التدخل في‬ ‫إدارة املدينة‪ ،‬الذي كان شأن ًا زمني ًا‪ .‬وطبع ًا‪ ،‬جرفت‬ ‫هذا النسق الدميقراطي موجة لَ ِ ّم األنصار التي أشار‬ ‫بها الدينان التوحيديان‪ .‬وهذا هو سبب ذبول احلداثة‬ ‫على مدى العصر الوسيط األوروبي الذي شهد علو‬ ‫يد إعادة تنشيط الباراديغم(النموذج) الديني‪ ،‬على‬ ‫جميع مظاهر احلياة األخرى‪ .‬وما محاكم التفتيش‪،‬‬ ‫التي أعقبت ذلك‪ ،‬إ ّال نتيجة تَعدّ ي الدين على‬ ‫ميدان ح ّيز الدولة املؤسساتي‪ .‬وتوجب انتظار مجيء‬ ‫قرن األنوار وثورة العام ‪ 1789‬الفرنسية حتى يتصل‬

‫‪30‬‬

‫الغرب بحداثته مرة أخرى‪ .‬فكانت العودة إلى منط‬ ‫التفكير العقالني‪ ،‬ثمرة «العقل ‪ ،»Raison‬هو‬ ‫من صنيع الفالسفة الذين جدّ دوا طرائق التأ ّمل في‬ ‫العالم‪ ،‬مثل ديدرو وفولتير وروسو‪ .‬ثم أن والدة‬ ‫اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان حدثت في رحم‬ ‫هذه احلركة الفكرية التي ال سابقة لها‪ .‬بيد أن‬ ‫هذه الصحوة لم جت ِر بني ليلة وضحاها‪ .‬إذ اندلعت‬ ‫صراعات كبيرة‪ ،‬وحدثت حروب مرعبة دامت قرون ًا‪،‬‬ ‫ضد ظالمية رجال الدين (وهم الذين حرقوا غاليلو)‪،‬‬ ‫فما كان حتطيم النظام الذي أقامته الكنيسة باألمر‬ ‫الهني‪ .‬فقد كانت الكنيسة‪ ،‬كما نعلم‪ ،‬تتولى تدبير‬ ‫شؤون الشعوب األرضية‪ ،‬وهو ما كان قد فسح‬ ‫املجال لسيادة ما يدعى باحلق اإللهي‪ .‬وعلى هذا‬ ‫األساس‪ ،‬جمع احلاكم بني مهام البابا ومهام امللك‬ ‫مؤسس ًا بذلك االستبدادية عقيد ًة للدولة‪ .‬وتأسست‬ ‫الشرعية ال على الدميقراطية املباشرة كما كان احلال‬ ‫لدى اإلغريق األقدمني‪ .‬ولنلحظ أن احلركة التي‬ ‫حملت احلداثة شهدت اتساع ًا في أوروبا في القرنني‬ ‫التاسع عشر والعشرين‪ .‬وأحد أكبر التحوالت التي‬ ‫بلغتها احلداثة كانت بال شك تكريس املساواة بني‬ ‫حقوق الرجال وحقوق النساء‪ .‬لكن عندما يتعلق‬ ‫سجل أن هذه البلدان لم‬ ‫األمر ببلدان اإلسالم‪ُ ،‬ن ّ‬ ‫تشهد التطور التاريخي نفسه‪ .‬فالعقل هنا يقوم‬ ‫بعوامل عدة‪ .‬ففي البدء‪ ،‬ال وجود في األرض‬ ‫املسلمة لرجل الدين‪ ،‬الذي يجسد إدارة وتراتبية‬ ‫العبادة‪ ،‬وكذا احلال في ما يخص النسق اإلقطاعي‪،‬‬ ‫الذي كان أصل تأسيس دول أوروبا‪ .‬إذ إن العالم‬ ‫املسلم بعامة‪ ،‬والعالم العربي بخاصة‪ ،‬استغرق في‬ ‫ُسبات طويل‪ :‬من قرون من االنحطاط حتى الصدمة‬ ‫الكولونيالية‪ .‬ومن سوء حظ بلدان املسلمني أنْ كان‬ ‫ً‬ ‫قسرا‪ُ ،‬مذ ُفرِضت‬ ‫عليها الولوج في احلداثة كما‬ ‫بالعنف القيم التي نقلها احملتل إليها‪ .‬فالفردانية‪،‬‬ ‫وشفرات السلوك الغربية‪ ،‬واللغة والثقافة األجنبيتان‪،‬‬ ‫هي‪ ،‬كحال مظاهر كثيرة جديدة‪ ،‬أ ّثرت في أهل تلك‬ ‫البلدان أكثر مما استبطنوها‪ .‬وكان من آثار الصدمة‬ ‫الكولونيالية التي أنتجت في قلب املجتمعات‬ ‫اإلسالمية قيم ًا عديدة‪ ،‬أنْ دفعت بهذه املجتمعات‬

‫إلى تبني طرائق سلوك تلفيقية‪.‬‬ ‫ومن هنا يتأتى ذلك القلق الوجودي الذي‬ ‫وصفه احملللون النفسانيون بـ»التيه الهوياتي»‪.‬‬ ‫عليه‪ ،‬فاإلسالموية السياسية بوصفها أيديولوجيا‬ ‫مترابطة تستند إلى قيم املجتمع األبوي‪ ،‬ذلك‬ ‫ً‬ ‫مكانة كبيرة للجنس الذكوري‪،‬‬ ‫املجتمع الذي ُيفرد‬ ‫ُقدم للمسلمني الضالني وسيلة في أنْ يتجمعوا حول‬ ‫ت ِّ‬ ‫نواة متحجرة‪ ،‬متكونة من شيفرة الشرف القدمية‪،‬‬ ‫واألساطير‪ ،‬وإرث ثقافة األجداد‪ .‬إذن‪ ،‬يقوم جناح‬ ‫هذه األيديولوجيا على أساس لفظ الثقافة خارجية‬ ‫املنبت‪ ،‬ثقافة أدخلت الريبة تلقاء الهوية األصلية‬ ‫امل ُتوهَمة‪ .‬وهنا يفهم عدد من احملللني أن املجتمع‬ ‫التقليدي املوجود في كل أصقاع بلدان املسلمني‪،‬‬ ‫بوصفه مجتمعا متخطيا للحدود الوطنية‪ ،‬على‬ ‫أنه تعبير عن األممية اإلسالموية‪ .‬ولم تشذ اجلزائر‬ ‫عن هذه الظاهرة‪ .‬إذ أراد اإلسالمويون فيها إعادة‬ ‫تأسيس النسق األبوي ووضعوا برنامج ًا لدعوة‬ ‫النساء العامالت للزم بيوتهن‪ ،‬إنْ هم افلحوا في‬ ‫االستيالء على السلطة فيها‪ .‬لكن برغم رفض‬ ‫اجلزائريون احلداثة االجتماعية‪ ،‬جتدهم يستهلكون‬ ‫منتجات الغرب وتقنيته‪ ،‬كما حال الشعوب املسلمة‬ ‫األخرى في العالم العربي واإلسالمي‪ .‬فقد اجتاحت‬ ‫ح ّيزهم الوطني السيارات‪ ،‬واألجهزة املنزلية‪ ،‬وأدوات‬ ‫املعلوماتية واملستلزمات من كل ضرب ونوع‪.‬‬ ‫وهكذا ُيختَزلون رغم ًا عنهم في استهالكهم هذا‪.‬‬ ‫فال تدع احلداثة التي تتناغم اليوم مع العوملة‪ ،‬أي‬ ‫هامش مناورة للشعوب التي تقرر أو تُدّ عي أنها‬ ‫تدير ظهرها إليها‪ .‬ذلك أن التموضع في هامش‬ ‫غفلة‬ ‫احلداثة َي ْع ِدل ترك املرء نفسه لها لتلقفه على ٍ‬ ‫منه‪ .‬وفوق ذلك‪ ،‬يقع القطع بني قبول استهالك هذه‬ ‫املنتجات عالية التقنية‪ ،‬وهي من عمل الغرب‪ ،‬وبني‬ ‫رفض مبادئ هذا الغرب نفسه‪ ،‬الفلسفية والثقافية‪.‬‬ ‫وليت هذه البلدان تفيد من أمر فصل املجالني الديني‬ ‫عن السياسي ويكون مبستطاعها األمل ذا يوم مبصير‬ ‫وطني يختص بها‪.‬‬

‫لربي غرايين‬


‫إصدارات‬ ‫منطلق ًا من استعراض احملاوالت اجلادة في شأن التجديد تاريخي ًا عبر قراءة‬ ‫نقدية باعتبارها اخلطوات األهم في مسار تأسيس رؤية جتديدية متمايزة‬ ‫واخلوض في غمارها بهدف الوصول إلى حلول ناجعة متوشجة بأواصر عدة‬ ‫ومتينة مع حاضرنا املاثل‪.‬‬

‫كيف يتجدد الفكر اإلسالمي؟‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا عن املـــركز الثقـــافي‬ ‫صـــدر‬ ‫العربي في بيـــروت كتاب لزكي امليالد حتت‬ ‫عنوان‪« :‬اإلسالم والتجديد ـ كيف يتجدد الفكر اإلسالمي»‪ .‬يضـــم الكتاب‬ ‫سبعة فصول‪ ،‬اخلمسة األولى أكدت وجهات نظر خمسة مفكرين غربيني‬ ‫وعرب شاعت في أعوام متباعدة خالل القرن العشرين‪ ،‬ومنهم‪ :‬محمد إقبال‪،‬‬ ‫السير هاملتون جب‪ ،‬محمد البهي‪ ،‬أمني اخلولي‪ ،‬وحسن الترابي‪.‬‬ ‫ومتثلت فكرة امليالد في عرض رؤى هؤالء املفكرين حول جتديد اإلسالم‬ ‫وتطوره خالل العقود التي ظهرت فيه‪ ،‬استعراض أهم احملاوالت في هذا‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا وهي‪ :‬إسهامات‬ ‫اخلصوص‪ .‬ويعدد املؤلف ثالثة مقومات أساسية برزت‬ ‫اجليل اجلديد من املثقفني اإلسالميني حول قضية التجدد الديني‪ ،‬وتأثيرات‬ ‫أحداث ‪ 11‬أيلول (سبتمبر) ‪ ،2001‬واهتمام النخب غير الدينية في مسألة‬ ‫جتديد الفكر اإلسالمي‪.‬‬ ‫يعرف امليالد التجديد بأنه «تعبير عن نقد ومفارقة» ومن هذا املنطلق‬ ‫يتناول املفاهيم املرتبطة بالتجديد الديني‪ ،‬خاصة ما يتعلق بالنسيج الفكري‬ ‫الذاتي من جهة‪ ،‬والنسيج الفكري املوضوعي من جهة أخرى‪ ،‬واحملتويان على‬ ‫ثالث عالقات مهمة وهي‪ :‬عالقة الفكر مع ذاته‪ ،‬وعالقة الفكر مع عصره‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مؤكدا أن قضية التجديد في الفكر‬ ‫وأخيرا عالقة الفكر مع ذاته وعصره مع ًا‪،‬‬ ‫اإلسالمي تستوجب تغليب نزعة احلداثة على النزعة التراثية املاضوية التي‬ ‫طاملا حدت من شروط التجديد ومعطياته‪.‬‬ ‫ولكن هل يحتاج التجديد حق ًا إلى صدمة لبلوغ أهدافه؟ في هذا الشأن‬ ‫يؤكد امليالد بأن التجديد بحاجة ماسة لصدمة كبيرة وملحوظة توازي حملة‬ ‫نابليون العسكرية على الشرق‪ ،‬في الوقت ذاته ظهور شخصيات إصالحية‬ ‫من طراز خاص‪ ،‬إضافة إلى التحرر من التبعية والتقليد وإتباع االجتهاد‬ ‫والريادة ليس على مستوى الفكر الديني فحسب‪ ،‬بل على جميع الصعد‬ ‫العلمية واإلبداعية واحلياتية‪.‬‬ ‫وفي الفصل السابع من الكتاب‪ ،‬وهو األخير‪ ،‬يقدم امليالد مشروعه اخلاص‬ ‫حول التجديد‪ ،‬مستعرض ًا أبعاد ذلك املشروع ومالمحه األكثر أهمية‪.‬‬ ‫يقدم الكتاب رؤية مغايرة في قضية التجديد في الفكر اإلسالمي‪،‬‬

‫أوروبا واإلسالم‪...‬‬ ‫تاريخ من سوء التفاهم‬ ‫ميثل كتاب «أوروبا واإلسالم‪ ...‬تاريخ من‬ ‫سوء التفاهم» للمؤرخ اإليطالي فرانكو كارديني‪ ،‬الصادر عن دار شرقيات‬ ‫القاهرية بترجمة الدكتور عماد بغدادي‪ ،‬بحث ًا أكادمييا مهم ًا في حتليل ونقد‬ ‫ً‬ ‫مرورا بعصر‬ ‫ابتداء من العصور الوسطى‬ ‫مسار العالقة بني أوروبا واإلسالم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫التنوير ولغاية العصر احلديث‪.‬‬ ‫يتناول املؤلف في الفصل األول من كتابه وعنوانه‪« :‬نبي وثالث قارات»‬ ‫قضية استمرار الصدام بني املسيحية واإلسالم‪ ،‬رغم أن احلداثة في أوروبا‬ ‫فصلت الدين عن الدولة‪ ،‬إال أن معظم األوروبيني ينظرون بقلق للنفوذ املتزايد‬ ‫للحركات اإلسالمية‪ ،‬ما يسهم في ترسيخ الفكرة القدمية‪ ،‬التي مفادها أن‬ ‫اإلسالم هو العدو األول للحضارة الغربية‪.‬‬ ‫يرفض املؤلف في دراسته املقارنة بني أوروبا واإلسالم ألنها تقوم بني مصطلح‬ ‫جغرافي وديانة سماوية‪ ،‬ويرى أن املقارنة الصحيحة من الضروري أن تكون بني‬ ‫أوروبا وآسيا وذلك بسبب التناقض الشاخص بني العاملني‪ ،‬في إطار الصراع بني‬ ‫الشرق والغرب والذي يسبق التطاحن بني اإلسالم وأوروبا مبدة زمنية طويلة‪.‬‬ ‫ويسلط الكتاب الضوء على أن اإلسالم لم يكن مجرد ديانة بل حتمل‬ ‫قوانينه نظام ًا اجتماعي ًا متخم ًا بالقواعد واألحكام التي يقارب بعضها ما‬ ‫يعرف اليوم بالدستور‪ ،‬ليسافر هذا النظام إلى أوروبا عبر التجارة والغزو‬ ‫اجلزئي‪ ،‬إلى جانب العلوم والترجمات ومؤلفات املسلمني‪ ،‬غير أن احلروب‬ ‫الصليبية واألندلس والغزو التركي لشرق أوروبا‪ ،‬اسهم في تعزيز الفكرة السائدة‬ ‫بأن العرب واملسلمني هم الغزاة في الثقافة األوروبية‪ ،‬لذا ارتبط اإلسالم لدى‬ ‫األوروبي باألتراك وجيوشهم‪ ،‬وال يزال لدى شريحة غير قليلة من األوروبيني‪.‬‬ ‫ويشير الكتاب كذلك إلى املنعطفات احلرجة التي شهدتها عالقة أوروبا‬ ‫‪31‬‬


‫باإلسالم‪ ،‬خاصة في القرنني التاسع عشر والعشرين املاضيني ولغاية إعالن وعد‬ ‫بلفور وتأسيس دولة إسرائيل‪.‬‬ ‫ويعزو الكتاب األسباب احلقيقية التي ساهمت بتأجيج العداء بني‬ ‫األوروبيني واإلسالم‪ ،‬إلى املعلومات غير الدقيقة التي ترسبت في الثقافة‬ ‫األوروبية اجلمعية عن اإلسالم خالل القرون املاضية‪.‬‬

‫فصلية «التسامح»‬ ‫في عددها الجديد‬

‫مسلمون في مواجهة اإلسالم‪...‬‬ ‫مسيحيون في مواجهة المسيحية‬ ‫يسلط كتاب د‪ .‬احمد بسام ساعي الصادر‬ ‫حديث ًا بعنوان «مسلمون في مواجهة اإلسالم‪...‬‬ ‫مسيحيون في مواجهة املسيحية»‪ ،‬في فصوله الثمانية‪ ،‬الضوء على عالقات‬ ‫بشكل خاص‪،‬‬ ‫بشكل عام‪ ،‬واإلسالم واملسيحية‬ ‫الشرق اإلسالمي والغرب‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محاو ًال إيجاد لغة خطاب موضوعية للبحث العلمي بني اجلانبني‪ ،‬منطلق ًا من‬ ‫التنظير لقواعد قراءة اآلخر‪ ،‬داعي ًا إلى شحذ ما يسميه بـ«القراءة الفراغية»‬ ‫للنصوص التي تتم بـ«استحضار الغائب واستبعاد احلاضر» في محاولة جادة‬ ‫للتخلص من تأثير الزمن احلاضر على تلك القراءة‪ ،‬واستحضار الثقافة الغائبة‬ ‫للنصوص املقروءة‪.‬‬ ‫يتناول الكتاب في فصله الثاني لغة اخلطاب املستخدمة في البحوث‬ ‫العلمية في عدد غير قليل من اجلامعات العربية والغربية‪ ،‬لقراءة خطاب اآلخر‬ ‫ومعرفة جوهره‪.‬‬ ‫ويفرد الفصل الثالث من الكتاب مساحة واسعة لبحث العالقات بني‬ ‫املسلمني والغرب‪ ،‬بشقيها‪ :‬التصادم والتقارب من خالل النصوص وتطبيقها‪،‬‬ ‫رابط ًا كل ذلك بالصورة املشوهة لإلسالم في األصول الثقافية للغرب‪ ،‬وأثر‬ ‫املسلمني أنفسهم‪.‬‬ ‫يناقش الكتاب في الفصل الرابع مبدأ احلركية والثبات في اإلسالم‪ ،‬فيما‬ ‫يحلل في الفصل املتبقية االعتدال والتطرف في التربية الدينية في النصوص‬ ‫اإلسالمية واملسيحية‪ ،‬وقضية االلتزام واحلرية‪ ،‬إلى جانب مسالة مساواة املرأة‬ ‫مع الرجل‪.‬‬ ‫ويشير املؤلف في ختام كتابة إلى أخطاء الشعوب العربية واإلسالمية‬ ‫وأخطاء حكوماتهم‪ ،‬منبها إلى أن أي حوار بني الشرق والغرب من الضروري أن‬ ‫يبدأ في األسرة ثم بني اجلار وجاره‪ ،‬بني زميل العمل وزميله‪ ،‬بني املسلم واملسلم‪،‬‬ ‫بني املسلم وغير املسلم‪ ،‬وصو ًال إلى احلوار املفترض بني احملكوم واحلاكم‪.‬‬ ‫ويشغل الدكتور احمد بسام ساعي منصب رئيس أكادميية أكسفورد‬ ‫للدراسات العليا وهو أحد مؤسسي جمعية علماء االجتماعيات املسلمني في‬ ‫بريطانيا وعضو في مجلسها االستشاري‪.‬‬

‫‪32‬‬

‫العدد ‪ 21‬شتاء ‪ 2008‬من فصلية «التسامح» الصادرة عن وزارة‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا‪ .‬ضم العدد الكثير من املواد‬ ‫العمانية‪ ،‬صدر‬ ‫االوقاف والشؤون الدينية ً‬ ‫ومنها‪ :‬اخالقيات السلوك الديني واشكاالته حملسن اخلوتي‪ ،‬مسألة الكبائر‬ ‫وظهور الفرق في االسالم حملمد شتيوي‪ ،‬االصولية في االديان لعامر احلافي‪،‬‬ ‫الفتنة واخواتها في النص والوعي والتاريخ لرضوان السيد‪ ،‬االخالق من وجهة‬ ‫نظر اسالمية لعبدالرحمن الساملي‪ ،‬الفكر االخالقي عند ابي حيان التوحيدي‬ ‫حملمد اجلبر‪.‬‬ ‫وحتت باب االسالم والعالم كتب عزالدين عنابة «املسلمون في ايطاليا»‪،‬‬ ‫ابراهيم القادري بوتشيش «مالحظات حول تاريخ اليهود في سبتة»‪.‬‬ ‫رئيس التحرير عبدالرحمن الساملي كتب في افتتاحية العدد‪« :‬لم يكن‬ ‫ممكن ًا مواجهة ظواهر التشدد في االسالم املعاصر بالطريقتني اللتني تعارفنا‬ ‫عليهما خالل العقد املنصرم‪ :‬بالقول تارة ان االسالم بطبيعته يأبى الغلو‬ ‫والتطرف‪ ،‬وبالقول تارة اخرى‪ :‬ان سائر الديانات في العالم تشهد وعي ًا متأزم ًا‬ ‫وانشقاقات ال تختلف في قليل وال كثير عما نعرفه في قلب ديننا وعلى‬ ‫حواشيه منذ عقود‪.‬‬ ‫وال ميكن تصحيح الوعي وحتريره من التأزم اال من طريقتني‪ :‬النهوض‬ ‫القائم على التنمية واالستقرار ووجود النخب امللتزمة والعارفة باوضاع املسلمني‬ ‫واوضاع العالم‪ ،‬واحلق ان النقص واضح في االمرين‪ ،‬لكن اعباء القيام بذلك ال‬ ‫تقارن باالعباء الناجمة عن العنف والتشدد والتطرف واالنشقاقات»‪.‬‬

‫االحادية الفكرية‬ ‫في الساحة الدينية‬ ‫يركز حسن موسى الصفار في كتابه بعنوان‪« :‬االحادية الفكرية في الساحة‬ ‫الدينية» الى اهمية ارساء مفهوم االعتراف باالخر كون احادية الفكر تتعارض‬ ‫مع جوهر االسالم‪ ،‬وال سبيل لبناء مجتمع اسالمي متطور اال من خالل االنفتاح‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن التهميش واالضطهاد‪.‬‬ ‫على االخر واالعتراف به ومحاورته‬


‫وفي مقدمة الكتاب يتناول الصفار قضية االختالف باعتبارها من االمور‬ ‫ً‬ ‫مستندا الى ان االختالف‬ ‫البديهية داخل الدين الواحد او حتى املذهب الواحد‪،‬‬ ‫نتيجة طبيعة لتفاعل االنسان العاقل مع النص او مع القراءة او التفسير‪ ،‬رغم‬ ‫ان النصوص املقدسة ثابتة‪ ،‬لكنها في الوقت ذاته انها اكثر النصوص القابلة‬ ‫ً‬ ‫مشيرا الى ان االختالف يخضع اساس ًا الى اختالف الزمان‬ ‫لتعدد القراءات‪.‬‬ ‫واملكان والتمايز العلمي والثقافي بني القراء‪.‬‬ ‫ويناقش الصفار في كتابه ان االنسان معرض الستعباد فكري يصادر حقه‬ ‫في ان يكون بالصورة التي يختارها‪ ،‬وهذا ما يعارض رغبة اخلالق عزو جل‬ ‫بحرية املخلوق‪ ،‬واال ملا خلقه قاب ًال للخطأ واوجد مبدأ الثواب والعقاب‪ .‬ومن‬ ‫ً‬ ‫بعيدا‬ ‫هنا يشير الصفار الى اهمية حق االنسان في اجناز القراءة اخلاصة به‬ ‫عن وصد العقول بالشمع االحمر الن الله تعالى يريد املؤمنني بكامل وعيهم‬ ‫وحريتهم‪.‬‬ ‫ويرى املؤلف ان اختفاء احلرية افسح املجال لظهور االرهاب الفكري وحول‬ ‫الكثير من الدول االسالمية وغير االسالمية الى ساحة صراع‪ ،‬دون ادنى معرفة‬ ‫بأن عاملنا حتول الى قرية صغيرة بسبب التطور التكنولوجي والثورة املعرفية‬ ‫التي انتجها عدد من الشعوب واالمم بعد عقود من التواصل واحلوارات فيما‬ ‫بينها‪ ،‬لذا فاحلوار هو احلاضنة االساسية للتطور‪.‬‬ ‫ويدعو الصفار الى اهمية البحث الطويل عن احلقيقة في محاولة جادة‬ ‫لتجديد املجتمعات االسالمية وتعزيز الثقة بالنفس واعادة قراءة التاريخ‬ ‫ومواجهة االخطاء بروح بناءة وشجاعة ودفع املسلم الى مواكبة عصره والتفاعل‬ ‫معه‪.‬‬

‫نحن والقرآن‪:‬‬ ‫مقدمات في أصول التدبر‬ ‫«نحن والقرآن»‪ ،‬كتاب متميز للدكتور‬ ‫مصطفى بوهندي‪ ،‬صدر عن مطبعة النجاح‬ ‫اجلديدة بالدار البيضاء‪ .‬واملؤلف أستاذ متخصص في علم التفسير ومقارنة‬ ‫األديان بجامعة احلسن الثاني‪ ،‬وله العديد من الكتب واملقاالت والدراسات‪.‬‬ ‫ينطلق الدكتور بوهندي في كتابه من سؤال إشكالي هام وهو‪ :‬إلى أي حد‬ ‫استطاع علم التفسير أن يعني القارئ على التعامل اجليد مع النص القرآني؟‬ ‫فبالرغم من اجلهود الكبيرة التي قام بها العلماء املسلمون على مر العصور‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مثارا عن دوره في‬ ‫والتي أسست للصرح الشامخ لهذا العلم‪ ،‬ما زال السؤال‬ ‫مساعدة الناس على تبني املعاني القرآنية»‪ .‬واعتمادا على ما تراكم للمؤلف‬ ‫من دراسات سابقة في هذا املجال‪ ،‬يقرر أن وجود عقائد ومفاهيم وأفكار‬ ‫منحرفة‪ ،‬راجع باألساس‪ ،‬إلى العلوم اإلسالمية نفسها‪ ،‬وعلى رأسها علم‬ ‫التفسير»حيث ساهمت ببعض قواعدها‪ ،‬وأصولها‪ ،‬ومناهجها‪ ،‬ومصادرها‪،‬‬ ‫ورجاالتها في رواية هذه األخبار‪ ،‬والترويج لها‪ ،‬وتزكيتها‪ ،‬وتقديسها‪ ،‬ورفعها‬ ‫إلى درجة النص النازل من السماء‪ ،‬بل إلى درجة تأطير النص القرآني نفسه‪،‬‬ ‫فال يفهم إال في ضوئها»‪.‬‬

‫من هنا تأتي أهمية املقاربة التي يطرحها الدكتور بوهندي‪ ،‬إذ بدال من‬ ‫االشتغال مبضامني التراث التفسيري واخلوض في إشكاالته كما هو شأن العديد‬ ‫من الدارسني املعاصرين‪ ،‬انصب اهتمام الكاتب على مستوى علم التفسير‬ ‫نفسه‪ ،‬مفاهيمه وآلياته ومناهجه وأصوله‪ ،‬معتبرا « أن مشكلة الناس مع‬ ‫القرآن الكرمي قد بدأت عندما حتولت آياته من أدلة وبراهني تخاطب عقل‬ ‫اإلنسان ـ كل إنسان ـ وحتاور لبه وقلبه وجوارحه‪ ،‬إلى مقاطع مقدسة يحرم‬ ‫التفكير فيها ومدارستها‪ ،‬و ينوب عنه في تفسيرها رجال شهدت لهم مؤسسة‬ ‫اجلماعة باإلمامة واملشيخة‪ ،‬وسلمت لهم دون غيرهم حق االجتهاد والتفكير‪».‬‬ ‫وقد قسم كتابه إلى أربعة أبواب ‪ :‬الباب األول‪ :‬التفسير والتأويل‪ ،‬والباب‬ ‫الثاني‪ :‬النسخ ‪ ،‬والباب الثالث‪ :‬التفسير النبوي‪ ،‬والباب الرابع‪ :‬تفسير‬ ‫الصحابة‪ .‬يقع في ‪ 167‬صفحة من القطع املتوسط‪.‬‬

‫جهود محمد رشيد رضا‬ ‫االصالحية‬ ‫عن جامعة آل البيت صدر كتاب بعنوان‪:‬‬ ‫«محمد رشيد رضا – جهوده االصالحية ومنهجه العلمي» ملجموعة من الكتّاب‬ ‫والباحثني الذين سلطوا االضواء‪ ،‬عبر مشاركتهم‪ ،‬على املراحل الهامة من‬ ‫مسيرة الفكر العربي واالسالمي‪ ،‬من خالل دراسة شخصية االصالحي الشيخ‬ ‫محمد رشيد رضا وتأثيراته على مجمل التكوينات الفكرية والسياسية‪ ،‬فض ًال‬ ‫عن الروحية‪ ،‬اذ اعتبروه من القمم االصالحية البارزة اثناء مرحلة االنتقال‬ ‫التي شهدتها املنطقة مطلع القرن املاضي‪ ،‬خاصة بعد اصدار مجلته «املنار»‬ ‫من القاهرة والتي غدت عالمة متميزة في نقل افكاره في فترة زمنية اتسمت‬ ‫بالتغييرات احلاسمة في تاريخ املنطقة‪.‬‬ ‫برز الشيخ رضا كرمز تنويري اثر اعالن خصامه مع السلطنة العثمانية‬ ‫التي كان يدعمها حتت تأثير العقيدة االسالمية‪ ،‬وذلك بعد تنامي العصبية‬ ‫التركية وبروز فكرة الطورانية بوضوح‪ ،‬لينادي بعدها باالصالح السياسي‬ ‫والديني والدعوة الى اسالم متخم باملنظومات والعلوم واالجتهاد على مختلف‬ ‫االصعدة‪.‬‬ ‫وتناولت املشاركات مقاصد الشيخ رضا املتمثلة باصالح البشر من خالل‬ ‫تأسيس تشريع يخدم االنسانية من اجلوانب الروحية من دون اغفال اجلوانب‬ ‫االجتماعية والسياسية‪ ،‬وصو ًال الى اجلانب االقتصادي‪.‬‬ ‫محمد رشيد رضا استطاع اجلمع بني االصالة واحلداثة النتاج اسالم حضاري‬ ‫يستطيع مواكبة العصر والصمود بقوة امام متغيرات احلياة‪ ،‬حيث اشارت‬ ‫البحوت التي ضمها الكتاب الى التكوين املعرفي لدى الشيخ والناجتة من‬ ‫البحث عن نقاط التجاذب واالختالف بني الثقافتني االسالمية والغربية‪ ،‬وتعزيز‬ ‫القواسم املشتركة بينهما‪ ،‬وهو بذلك يؤكد املنهج الذي اسسه جمال الدين‬ ‫االفغاني وتابعه من بعده محمد عبده‪.‬‬ ‫‪33‬‬


‫قالوا‬

‫قالوا‬ ‫• املسلمون موجودون في ثالث مناطق رئيسة‪ :‬املسلمون في البالد اإلسالمية‪،‬‬ ‫واملسلمون في البلقان وأوروبا‪ ،‬واملسلمون في القوقاز‪ .‬املسلمون في البلقان‬ ‫وروسيا من أصول محلية‪ ،‬بينما املسلمون في أوروبا هم خليط من اجليل الثاني‬ ‫والثالث‪ .‬واملسلمون في أوروبا ميكنهم تعلم أصول البقاء من املسلمني في‬ ‫البلقان الذين اختاروا احلداثة غير املتناقضة مع اإلسالم‪ ...‬وهم يفعلون ذلك منذ‬ ‫أكثر من ‪ 100‬عام‪.‬‬ ‫فكرت كراتشيتش‬

‫مفكر إسالمي من سراييفو‬

‫• الرسول محمد (ص) كان من أعظم الشخصيات في التاريخ اإلنساني‪ ،‬فهو‬ ‫لم يكن صاحب دعوة لديانة توحيدية فحسب‪ ،‬إمنا كان مناديا ً باألخالق السامية‪،‬‬ ‫نصر الضعيف على القوي والفقير على الغني‪ ،‬وعمل على حماية املعدمني‪.‬‬ ‫الكاتبة اإليطالية ريتا دي ميليو‬

‫في كتابها «اإلسالم‪ ...‬ذلك المجهول في الغرب»‬

‫• اإلسالم يحث على احلوار مع اآلخر‪ ،‬وهذا ليس منوذجا ً جديدا ً وإمنا دعوة‬ ‫قرآنية‪ .‬واإلسالم على مدى القرون املاضية عاش مع األديان واحلضارات األخرى في‬ ‫سالم ومودة‪.‬‬ ‫أنس الشفقة‬

‫رئيس الهيئة اإلسالمية في النمسا‬

‫• يعد احلوار مع الغرب حتديا ً كبيرا ً يواجه كل مسلم في القرن احلادي‬ ‫والعشرين‪ .‬وجناح احلوار يتوقف على استعداد الطرفني للتحاور والتفاهم‪،‬‬ ‫واملقصود باالستعداد هنا هو نية احلوار وإرادة فهم اآلخر ومحاولة التعرف عليه‬ ‫واحترامه‪ .‬كما يقوم احلوار على االحترام املتبادل واإلنصاف والعدل ونبذ التعصب‬ ‫والكراهية‪.‬‬ ‫د‪ .‬محمد قيراط‬

‫جامعة الشارقة‬

‫• استطاعت اوروبا ان تخرج من حروبها الدينية بدرس عميق متثل في حتييد‬ ‫الدين عن احلروب وبالكف عن مواصلة االقتتال الديني‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫محسن الخوني‬

‫باحث واكاديمي تونسي‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.