الراصد التنويري عدد 3

Page 1

‫هل ادركنا عصر التنوير؟‬ ‫التوفيق بين الدين والحداثة‬ ‫النص القرآني‪ ..‬لماذا؟‬ ‫التنوير ورد االعتبار للعقل‬ ‫نحن والغرب‬ ‫االصالحيون وصدمة الحداثة‬ ‫قضايا االصالح الديني‬ ‫ضعوا نهاية لالرهاب!‬ ‫اوهام الهوية المغلقة‬ ‫المعركة مع الظالمية‬ ‫المساواة كرسالة تربوية‬ ‫اصدارات‬ ‫اشكالية اندماج المسلمين‬


‫مهمة المنبر الدولي‬ ‫للحوار اإلسالمي‬

‫األهداف الرئيسية للمنبر الدولي‬ ‫للحوار اإلسالمي‪:‬‬

‫يتبنى المنبر الدولي للحوار اإلسالمي‬ ‫‪ IFID‬االلتزام بالحث على نهوض‬ ‫المجتمعات المسلمة من خالل تشجيع‬ ‫القراءة العصرية فيهـا‪ ،‬والدفع باتجاه‬ ‫العلوم والتثقيف‪ .‬ويهدف المنبر إلى‬ ‫إحيـــاء روح المبـادرة وتشجيع النشاطات‬ ‫الفكرية والتربوية‪ ،‬التي تفضي إلى نمو‬ ‫منظومة عقلية حديثة يرتجى منها إيجاد‬ ‫حلول لقضايا اجتماعية واقتصادية‬ ‫وأخالقية يشهدها عصرنا الحالي‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ فكريا‬ ‫• تحريك وتطوير وتوفير أفكار جديدة؛‬ ‫وتوليد حوار ديناميكي تشتد الحاجة‬ ‫إليه في عصرنا هذا‪.‬‬ ‫ • تقديم ُكتّاب جدد ومفكرين بغية‬ ‫تنشيط نقاش جاد في قضايا‬ ‫الملحة‪.‬‬ ‫المسلمين‬ ‫ّ‬ ‫• توثيـق‪ ،‬وإصـدار ونشـر مطبوعات‬ ‫فكرية وتربوية‪.‬‬ ‫• العمل من أجـل إنشاء شبكة عالمية‬ ‫من المفكـرين والمؤسسات‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ تربويا‬ ‫• توعية الفرد المسلم بالقيم المدنية‬ ‫والديمقراطية‪ ،‬ونهج التسامح‬ ‫والالعنف‪.‬‬ ‫• تدريب الشباب المسلم‪ ،‬والقادة‪،‬‬ ‫والمعلمين‪ ،‬على القيم المدنية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫• إنشاء شبكة عالمية للنشطاء‬ ‫المسلمين المدنيين‪.‬‬ ‫إيجازا‪ ،‬يتمثل هدف هذا المنبر في‬ ‫إرساء فكر إسالمي إنساني‪ ،‬وديمقراطي‬ ‫عـن طريـق إدامة وتطوير حوار دينامكي‬ ‫في القضايا االجتمـاعيـة واألخـالقيـة‬ ‫ذات الصلة‪.‬‬

‫> التعريف بالكتاب اإلسالميين المستنيرين وتشجيعهم وإتاحة‬ ‫منبر لهم لعرض فكرهم ومن ثم دفعهم إلى نقاش حول القضايا‬ ‫اإلسالمية الرئيسية المطروحة على الساحة‪ ،‬أي تكوين شبكة‬ ‫من العقول واألقالم اإلسالمية بهدف النقاش وتبادل األفكار‬ ‫والخبرة حول أهم التحديات التي تواجه المسلمين اليوم وأهم‬ ‫احتياجاتهم‪.‬‬ ‫> طرح أفكار جديدة خالقة ورائدة إلعمال الفكر اإلسالمي المعاصر‬ ‫وتوليد جدل ونقاش تمس إليه الحاجة في عالم المسلمين‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫> تعزيز ودعم ومساندة الجهود التي يقوم بها اإلسالميون‬ ‫المستنيرون ذوو الفكر الحر نحو قراءة وفهم عصريين لإلسالم‬ ‫وقيمه المتعلقة بقضايا مثل حقوق اإلنسان والديمقراطية‬ ‫والتعددية ونبذ العنف‪ ،‬والحياة العامة والحقوق المدنية‬ ‫والمؤسسات الحديثة والدراسات اإلسالمية في المستقبل‪،‬‬ ‫وأسلحة الدمار الشامل وغيرها‪.‬‬

‫األنشطة الرئيسة للمنبر الدولي للحوار اإلسالمي‪:‬‬ ‫> إطالق مشروع "مقاالت الجمعة"‪ ،‬وهو عبارة عن إرسال مقاالت‬ ‫مختصرة ولكنها مكثفة بآقالم مجموعة من الكتاب اإلسالميين‬

‫ ‬

‫> ‬

‫> ‬ ‫> ‬ ‫> ‬

‫> ‬

‫المعروفين من عدد من الدول اإلسالمية تتعرض بالنقد والتحليل‬ ‫لهموم المسلمين المعاصرة‪.‬‬ ‫وتُرسل هذه المقاالت عبر شبكة المعلومات الدولية اإلنترنت إلى‬ ‫البريد اإللكتروني لمجموعة مختـــارة ولكنـــها كبيرة العدد‬ ‫من المشتركين‪ .‬وفي نهاية كل عام تٌجمع هذه المقاالت بين‬ ‫دفتي كتاب‪.‬‬ ‫تعديل وتحسين وتحديث موقع «‪ »islam21.net‬على شبكة‬ ‫المعلومات الدولية اإلنترنت‪ .‬ويشمل هذا التحديث الجوانب‬ ‫الفنية والمحتوى والدعاية للموقع والروابط الخاصة بمواقع‬ ‫مماثلة والتي يمكن إضافتها للموقع‪.‬‬ ‫االنتهاء من وضع "دليل تعليمي" حديث وعلمي ومرن يآخذ بعين‬ ‫االعتبار االحتياجات التعليمية للمسلمين‪ ،‬من أجل أن يستخدمه‬ ‫األئمة ومعلمو التربية الدينية‪.‬‬ ‫نشر فصلية «‪ »islam21‬والتي تتناول موضوعات معينة بقدر من‬ ‫التركيز‪.‬‬ ‫استضافة منتديات النقاش التي يتحدث فيها مفكرون إسالميون‬ ‫عن موضوعات معينة تخص واقع المسلمين في وقتنا الراهن‪.‬‬ ‫وسيتم طبع محاضر هذه المناقشات وتوزيعها على مجموعة‬ ‫معينة من األفراد والمنظمات‪.‬‬ ‫نشر فصلية «‪ »islasm21 Youth‬والتي تركز على الهوية اإلسالمية‬ ‫من منظور الشباب‪.‬‬


‫دورية تعنى برصد الفكر التنويري االسالمي‬ ‫العدد ‪ / 3‬شتاء ‪2009‬‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫د‪ .‬نجاح كاظم‬ ‫هيئة التحرير‬ ‫هاجر القحطاني (المملكة المتحدة)‬ ‫فالح حسن السوداني (العراق)‬ ‫عبد اللطيف طريب (المغرب)‬ ‫االخراج الفني‪:‬‬ ‫رياض راضي‬ ‫أساس مهمتنا‪:‬‬

‫تأسيس فكر انساني دميقراطي واسالمي من‬ ‫خالل احلفاظ على احلوار الفاعل وتطويره‬

‫في هذا العدد‬

‫لوحة الغالف‪:‬‬

‫الفنان حسن المسعودي‬ ‫اذا كان اصلي من تراب‬ ‫فكلها بالدي وكل العاملني اقاربي‬ ‫(الصقلي)‬

‫‪Al-Rasid Al-Tanweeri‬‬ ‫‪P. O. Box: 5856‬‬ ‫‪London WC1N 3XX‬‬ ‫‪United Kingdom‬‬

‫بني الدين واجملتمع في العالم العربي ‪ ...................................................‬ص ‪5‬‬ ‫د‪ .‬محمد شحرور في حوار مع الراصد التنويري ‪ .................................‬ص‪8‬‬ ‫االصالحيون االسالميون وصدمة احلداثة ‪ .............................................‬ص‪14‬‬ ‫اوهام الهوية املغلقة والتعالي الزائف على االخر ‪ ..............................‬ص‪18‬‬ ‫اشكالية اندماج املسلمني في اوروبا ‪ ...................................................‬ص‪24‬‬ ‫اجلابري في “مدخل الى القرآن الكرمي” ‪ ..................................................‬ص‪26‬‬ ‫التعبير عن محبة اهلل ‪ ..........................................................................‬ص‪32‬‬

‫‪Phone:‬‬ ‫‪(+44) 20 7724 6260‬‬ ‫‪inquiry@islam21.net‬‬ ‫‪www.islam21.net‬‬ ‫‪www.enlightenment.‬‬ ‫‪islam21.net‬‬ ‫للمراسلة‬

‫‪jamal@islam21.net‬‬

‫نحن والغرب‬

‫ضعوا نهاية لالرهاب‬

‫المساواة كرسالة تربوية‬

‫ص ‪12‬‬

‫ص ‪16‬‬

‫ص ‪22‬‬


‫مبتدأ الكالم‬

‫هل ادركنا عصر التنوير؟‬ ‫لعل السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في احلاضر املاثل هو‪ :‬هل بدأنا‬ ‫حق ًا مرحلة او عصر التنوير في العالم العربي‪ ..‬ام ان ثمة ارهاصات مبعثرة‬ ‫وعمليات نقد متباينة لطرح افكار جريئة متباعدة في تواصلها وتالقحها‬ ‫كتباعد اطراف العالم العربي؟‬ ‫اعتقد ان ما نلمسه عن التنوير ميثل بداية في قيد التطوير والنضج‪،‬‬ ‫لكنها تبقى في الزمن الراهن غير كافية لتشكيل العصر اجلديد املرجتى‪.‬‬ ‫فعملية النقد وتيار االفكار (ان وجدا) لم يتحوال بعد الى ثقافة ميكنهما‬ ‫ان يقدما مشروع عمل في طرح البديل‪ ،‬وال يكون االجماع بالصوت وامنا‬ ‫بالفعل الستثمار املساحة االنسانية املشتركة واالستفادة من التأثير‪،‬‬ ‫تأثير االخر‪ ،‬احملتوي على مضمون باالمكان ان يتحول الى ابداع مغاير‬ ‫ً‬ ‫تقليدا او محاكاة او عملية نقل من‬ ‫مناسب للواقع اجلديد‪ ..‬اي ليس‬ ‫دون وعي‪.‬‬ ‫في صفحات الكتاب الذي د ّونته قبل ثالث سنوات‪ ،‬ولم ينشر لغاية‬ ‫االن السباب تقنية‪ ،‬اطلقت على عصر النهضة االولى تسمية عصر االزمة‬ ‫االولى‪ ،‬وذلك الن ما قام به االفغاني ومحمد عبده والعديد غيرهما كان‬ ‫ً‬ ‫كبيرا وال ميكن االستهانة به‪ ،‬غير انه لم يكن يتملك مقومات الولوج الى‬ ‫اعماق املجتمع ليحدث التغييرات التي شهدتها اوروبا ابان مرحلة التنوير‬ ‫على سبيل املثال‪ ،‬او اليابان بعد احلرب العاملية الثانية‪ ..‬والعديد من‬ ‫الدول التي شهدت النهوض واالرتقاء حديث ًا‪.‬‬ ‫اعمال املصلحني االوائل من افكار ومفاهيم وشعارات كانت في‬ ‫ً‬ ‫تقليدا او نق ًال عن الثقافة االوروبية ولم تستفد من واقع العرب‬ ‫معظمها‬ ‫ً‬ ‫واملسلمني الحداث تلك التغييرات اوال‪ ،‬وامتصاص تلك االفكار وتأهيلها‬ ‫في سياقها اجلديد ثاني ًا‪ ،‬ثم فرض نفوذها وتأثير منطقها الذاتي ثالث ًا‪،‬‬ ‫االمر الذي ادى الى هضمها بجوفية معطوبة او حملها لضبابية كبيرة‬ ‫باعدها عن الضمير والوجدان العربي واصبحت مجرد محاكاة ال غير‪.‬‬ ‫ً‬ ‫متطورا للثوابت الدينية او فرزنة‬ ‫االمر االخر هو لم يكن هناك فهم ًا‬ ‫االمور فيما يتعلق بقسم من هذه الثوابت االتية من فقه القرون الوسطى‬ ‫التي ال ميكن باي حال من االحوال التناسق مع حاضرنا املاثل‪ .‬واالهم من‬ ‫ذلك لم تتشكل طبقة او حتى شريحة اجتماعية متعلمة ومثقفة وفاعلة‬ ‫ميكن ان تكون حلقة وصل بني املصلحني واملجتمع ليأخذ االصالح دوره‬ ‫في سياق التأثير والتغيير‪.‬‬ ‫كان متوقع ًا انهيار هذا الصرح النهضوي الضعيف حاملا يتعرض الى‬ ‫اي حتد‪ .‬ومتثل التحدي االول بافكار القطبني (محمد قطب وسيد قطب)‬ ‫او املودودي مما ساهم بانحسار اثار املوجة االولى من املفكرين واملصلحني‬ ‫مثل محمد عبده والطهطاوي‪ ،‬ونسفها عملي ًا في الواقع احلياتي بسبب‬ ‫ضعف الطبقة املدنية املتعلمة وانعزالها كمجموعة نخبوية عن شرائح‬ ‫وطبقات املجتمع‪ ،‬كما انها ظلت في الوقت ذاته محافظة على الواجهة‬ ‫دون الولوج في عمق اجلوهر وقرار احملتوى‪ ،‬مما دفع االمر برمته الى بلورة‬ ‫‪4‬‬

‫عصر االزمة الثانية (الردة العقلية) ليطل القدمي بكل مبضاعفاته ويثقل‬ ‫احلاضر بتناقضاته‪.‬‬ ‫واثر جهود طويلة مت تفسير التراث بالتراث‪ ..‬اي مبعنى اخر رؤية‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن رؤية ظروف وحالة الزمن احلاضر‪ ،‬االمر‬ ‫التراث من زاوية املاضي‬ ‫الذي يدعونا لطرح السؤال االتي‪ :‬هل فكر هؤالء في اعادة فهم النص ام‬ ‫النص اناب عنهم بالتفكير‪ ..‬هل استنطقوا النص ام النص استنطقهم؟‬ ‫ولعل عدم تراكم اخلبرات واملعارف والرؤى ساهم بالتراجع والبدء من‬ ‫ً‬ ‫مجددا العتقاد كل جيل باحقية افكاره في وضع اللبنة االولى في‬ ‫الصفر‬ ‫حجر االساس‪.‬‬ ‫من جانب اخر تنامت موجة فاعلة ضد الروحانية على غرار ما حدث‬ ‫في اوروبا‪ ،‬رغم انها لم تكن ضد الدين (عدا النموذج الفرنسي) وامنا‬ ‫كانت ضد السلطة الدينية في عصر التنوير‪.‬‬ ‫الفليسوف االملاني املعاصر يورغن هبرماس يصر على ان املعركة بني‬ ‫االميان واالعتقاد والغرائز من جهة‪ ،‬والعلمانية والعقالنية والتجريبية من‬ ‫جهة اخرى‪ ..‬هي معركة خاسرة ومدمرة ذاتي ًا‪ .‬ويعتقد ان جوهر الطبيعة‬ ‫االنسانية يتشكل من االثنني‪ .‬فال ميكن حبس الطبيعة االنسانية او‬ ‫احلاجة االنسانية في العقالنية العلمية او منطق السوق فقط او ان احلاجة‬ ‫تشيد من قبل الروحانية وانتظار االخرة‪.‬‬ ‫احلاجة االنسانية وتلبية طبيعتها ال ميكن ان تقوم بدون الغنى االخالقي‬ ‫واستخالص املعرفة والعبر من الدين في كيفية استخدامها او توظيفها‪.‬‬ ‫فقيمة االنسان كمثال اول او مساواته مع اآلخر كمثال ثان‪ ،‬ونابعة من‬ ‫االعتقاد الروحاني يكون تأثيرها اكبر عن اعتقادها على اسس اخرى‪.‬‬ ‫عاملنا املعاصر واملعقد ال ميكن تفسيره بنبضة او قوة دفع احادية‬ ‫اجلانب‪ ،‬لذا فنضالنا او معاناتنا لفهم سر وجودنا على االرض او احداث‬ ‫البناء الصالح ال ميكن ان يتم اال قبلنا باالثنني‪ ،‬اي الدوافع الروحانية‬ ‫والعقالنية‪.‬‬ ‫ولعل الصعوبة االكبر بعدم تبلور عصر جديد تكمن في عدم توفر‬ ‫مصطلح يفسر ظاهرة النهضة عند العرب واملسلمني ويوافق تصوراتهم‬ ‫بالضبط‪ ،‬كما ادى مصطلح التنوير للنهضة االوروبية‪ ،‬وهي مسالة مهمة‬ ‫كونها تثير حساسية لدى الكثير‪ ،‬خاصة في فكر وتراث يلعب املصطلح‬ ‫ً‬ ‫دورا بالغ ًا فيه‪.‬‬ ‫ومن وجهة نظر شخصية ال أرى اية مشكلة في استخدام التنوير‬ ‫او النورانية او ايا من املصطلحات املتبلورة للمساهمة في عملية البدء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جديدا‪ ..‬عصر ال يوأد فيه‬ ‫عصرا‬ ‫واالنطالق فيما قدر لهذا الشأن ان يكون‬ ‫العقل او تغتال املعرفة‪ ..‬عصر ميهد لنظام معرفي جديد‪ ..‬عصر يالمس‬ ‫هموم االنسان ويفهم الثوابت‪ ،‬عندئذ يكون قد ادركنا العصر اجلديد‪.‬‬

‫د‪ .‬نجاح كاظم‬


‫فكر‬

‫بين الدين والمجتمع في العالم العربي‬ ‫التفريط بالخصوصية الدينية يقود الى خلطها بالخصوصية السياسية‬ ‫االصولية الدينية التكفيرية نشأت او ًال في مجتمعها‬ ‫يأتي نشر هذه املقالة متزامن ًا مع انعقاد «منتدى‬ ‫االحتاد الثالث»‪ ،‬الذي نظمته صحيفة «االحتاد»‪.‬‬ ‫أما العنوان الذي يتصدر هذه املقالة فهو‪ ،‬باألساس‪،‬‬ ‫أقرب إلى عنوان منتدى االحتاد املذكور‪ ،‬واحلق‬ ‫أن اإلشكالية التي يتصدى لها ذلك األخير‪ ،‬متثل‬ ‫موضوع بحث عريق في ِقدمه وفي طابعه اإلشكالي‬ ‫املر ّكب واملعقد‪ ،‬خصوص ًا في التاريخ العربي‪ ،‬كما‬ ‫في التاريخ العاملي‪ .‬وثمة مسألة جديدة بالفحص‬ ‫األولي‪ ،‬وتقوم على اإلجابة عن السؤال التالي‪:‬‬ ‫ملاذا ظهر التاريخ البشري في مرحلة أو أخرى من‬ ‫ٌ‬ ‫تاريخ لألسطورة وحدها في هذه املرحلة‪،‬‬ ‫مراحله كأنه‬ ‫أو تاريخ للفن‪ ،‬أو تاريخ للعلم أو تاريخ للدين؟‬ ‫في احلالة األولى ُيختزل تاريخ اليونان باألسطورة‬ ‫(وكذلك تاريخ الشرق)‪ ،‬وتاريخ إيطاليا بالفن‪،‬‬ ‫وتاريخ أوروبا الغربية احلديثة بالعلم‪ ،‬وتاريخ العرب‬ ‫واملسلمني بالدين‪.‬‬ ‫إن منط ًا من هذا التفكير ذو طابع اختزالي وال‬ ‫تاريخي‪ ،‬إضافة إلى أنه يجهل مصطلح «الوظيفية»‬ ‫إلدراك دور ظاهرة أو أخرى في حلظة تاريخية ما‪.‬‬ ‫ومع أن الدين ميتلك خصوصية ال ميتلكها غيره‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وحتديدا من موقع‬ ‫فهو كذلك قابل للبحث العلمي‬ ‫علم االجتماع الديني‪ ،‬وهذا األمر يصبح ذا أهمية‬ ‫خاصة‪ ،‬حني نطرح مثل العنوان‪ ،‬الذي يتصدر هذه‬ ‫املقالة‪ .‬وبذلك نكون قد أبرزنا اخلصوصية املذكورة‬ ‫نفسها إلى مستوى السؤال عنها‪ ،‬مث ًال‪ :‬لم يظهر‬ ‫«الفردوس» في الدين اإلسالمي مختلف ًا عن مثيله‬ ‫في العقيدة الزرادشتية؟ وينبغي القول إن التفريط‬ ‫في اخلصوصية الدينية ميكن أن يقود إلى خلطها‪،‬‬ ‫مث ًال‪ ،‬باخلصوصية السياسية أو العلمية‪ ،‬فيغدو كل‬ ‫شيء في كل شيء‪ .‬وقد وضع عباس محمود العقاد‪،‬‬ ‫في حينه‪ ،‬يده على َ‬ ‫خطل اخللط بني العلم والدين‪،‬‬

‫حني رأى أن ذلك يقود إلى خلط املبادئ الثابتة‬ ‫املاورائية بالقواعد العلمية النسية املتحركة‪ّ ،‬ممَا يعود‬ ‫بالضرر على األولى‪ ،‬التي ستكون‪ ،‬واحلال كذلك‪،‬‬ ‫مدع ّوة إلى التغير مع تغير نظرية علمية أو أخرى‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تعقيدا‪ ،‬حني يدور‬ ‫و ُيالحظ أن الوضع يغدو أكثر‬ ‫الكالم على الدين واملجتمع‪ ،‬فاملجتمعات مختلفة‬ ‫في عقائدها وثقافاتها وحاجاتها تبع ًا لتراثاتها‬ ‫وتواريخها وأوضاعها الراهنة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإن فكرة‬ ‫ما ميكن أن تتجلى متعددة مختلفة‪ ،‬بحسب تلك‬ ‫املعطيات‪ .‬وهنا ومن موقع علم االجتماع الديني‪،‬‬ ‫ال ُيسأل عن «صحة» املعطيات املذكورة فحسب‪،‬‬ ‫بل كذلك ورمبا بالدرجة األولى عن «املشروعية‬ ‫املجتمعية» املستمدة عادة من التقاليد والعادات‬ ‫واأليديولوجيات املهيمنة‪ ،‬أو التي هيمنت‪.‬‬ ‫وفي رأينا‪ ،‬يكمن وراء ذلك عامالن اثنان‪،‬‬ ‫يتحدد أولهما في املستوى الثقافي العمومي‪ ،‬الذي‬ ‫الناس عبره ما يأخذون من عقائد اجتماسياسية‬ ‫يتل ّقف‬ ‫ُ‬ ‫وثقافية وكذلك ما ورائية‪ .‬أما العامل الثاني‪ ،‬فيأتي‬ ‫غالب ًا على نحو ُمضْمر أو خفي‪ ،‬وهو املصالح الفاعلة‬ ‫في حياة الناس‪ .‬ومن هنا‪ ،‬جاءت التعددية الدينية‬ ‫في الفهم‪ ،‬وفي البحث عن اجلدوى املصاحلية الفردية‬ ‫أو الفئوية أو الطبقية أو الشعبية أو الوطنية أو‬ ‫القومية‪ ...‬إلخ‪ .‬وأتى ال ُبعد التفكيكي الديني مم َّث ًال‬ ‫خصوص ًا بـ «التفسير والتأويل» ليضفي على تلك‬ ‫التعددية منط ًا من اخلصوصية األنثروبولوجية ومن‬ ‫اللون احلضاري‪ .‬ولنا‪ ،‬كذلك‪ ،‬أن نأخذ اجتاه التعددية‬ ‫في املذاهب ضمن الدين الواحد (اإلسالمي)‪ ،‬مثل ما‬ ‫قام به‪ ،‬مث ًال‪ ،‬أحمد بن حنبل والع ّز بن عبدالسالم‪.‬‬ ‫وملا جاء اإلسالم وانتشر في مجتمعات مختلفة‪،‬‬ ‫وضعت املؤمنني في مواقف ُمفعمة بالدهشة حيال‬ ‫ذلك كله (كما حدث مع اخلليفة الرابع حني أعلن‬

‫أن القرآن حمال أوجه)‪ .‬فقد وجد النص الديني‬ ‫نفسه أمام استحقاقات متعددة‪ ،‬جعلت البعض ـ‬ ‫مثل اإلمام الشافعي ـ يعلن عن تغيير آرائه التي‬ ‫اكتسبها في مكة‪ ،‬بعد أن غادر إلى مصر املختلفة‬ ‫في معظم اآلراء التي هيمنت فيها‪ ،‬في حينه‪.‬‬ ‫ولم يكن في ذلك غضاضة‪ ،‬حيث اكتشفه‬ ‫رهط متتال من الفقهاء ودعوا إلى االعتراف به‬ ‫وتد ُّبره‪ .‬وفي هذه احلال‪ ،‬ميكن التمييز بني اجتاهني‬ ‫اثنني من اجتاهات متعددة محتملة في حياة النص‬ ‫واخلطاب الديني‪ :‬واحد نشأ في ظروف سياثقافية‬ ‫واجتماعية تت ّ ِسم بالرفاه املادي أو الكفاية الدينية‪،‬‬ ‫والنمو العقلي‪ ،‬والتوازن االجتماعي‪ ،‬فظهر ـ في‬ ‫ً‬ ‫تعبيرا عن التوازن واالعتدال والتسامح بني‬ ‫عمومه ـ‬ ‫الناس‪ ،‬واجتاه ثان نشأ وتبلور في ظروف من اخلراب‬ ‫االقتصادي واستباحة املؤسسات والكرامات وإخفاق‬ ‫ً‬ ‫تعبيرا‬ ‫«الدولة» في املهمات‪ ،‬فظهر ـ في عمومه ـ‬ ‫ً‬ ‫عن االضطراب ومفعم ًا بالنزعة الثأرية و ُمنطويا بقوة‬ ‫على الوعود اخلالصية‪ ،‬بقدر اإلخفاق الذي أحدثته‬ ‫الدولة واملؤسسات األخرى‪ .‬ها هنا ترتع حيثيات تلك‬ ‫الوعود اخلالصية‪ ،‬وفي مقدمتها «الدولة الدينية»‬ ‫على النمط الباكر‪ ،‬والدعوة إلى املاضي الديني‬ ‫«الذهبي» واستجراره للحاضر‪ .‬ومن شأن ذلك أنه‬ ‫جعل العالقة بني املجتمع القائم والدين املهيمن‬ ‫مؤسسة على املناوأة والثأرية عبر السالح واليد‬ ‫واللسان‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإن األصولية الدينية التكفيرية‬ ‫املهيمنة عربي ًا وإسالمي ًا لم تبتدعها النظم اجلائرة وال‬ ‫اخلارج «العدو»‪ ،‬وإمنا نشأت (أو ًال) في مجتمعها‪.‬‬

‫د‪ .‬طيب تيزيني‬

‫صحيفة «االحتاد» الظبيانية‬ ‫‪5‬‬


‫مراجعة‬

‫كيف يمكن التوفيق‬ ‫بين الدين والحداثة؟‬ ‫االسالم قابل لالصالح وهو في طريقه نحو التجديد الذاتي‬ ‫يسعى المسلمون للتوفيق بين االيمان والديمقراطية وحقوق االنسان‬ ‫اإلسالم قابل لإلصالح وهو اآلن في طريقه نحو‬ ‫التجديد الذاتي‪ .‬هذا صلب النظرية التي يطرحها‬ ‫كتاب صدر مؤخرا بعنوان “اإلسالم في منعطف‬ ‫الطريق”‪ .‬يقدّ م الكتاب انطباعات شيقة حول اجلدل‬ ‫الدائر في الوقت الراهن في صفوف املسلمني حول‬ ‫قضايا الدين والدميوقراطية وحقوق اإلنسان‪ .‬مراجعة‬ ‫مارتينا صبرا‪.‬‬ ‫كيف يو ّفق املسلمون بني عنصري اإلميان واحلداثة؟‬ ‫وكيف يجعلون اإلسالم متمشيا مع الدميوقراطية‬ ‫وحقوق اإلنسان؟ يدور في العالم اإلسالمي جدل‬ ‫حي حول النهج الصحيح في فهم الدين اإلسالمي‪.‬‬ ‫وقد دل الكتاب بناء على ما ورد فيه من مجموعة‬ ‫تتألف من ‪ 19‬سيرة حياة إلصالحيني وإصالحيات‬ ‫مسلمني على تنوع وتعددية هذا اجلدل الدائر اليوم‬ ‫ابتداء من إندونيسيا وامتدادا إلى الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫اجلدير بالذكر أن هذا اجلدل التاريخي تعود جذوره‬ ‫نوعا ما إلى عهد ظهور اإلسالم‪.‬‬ ‫إصالحيون ليبراليون وآخرون محافظون‬

‫تعمد ناشرو وناشرات هذا الكتاب تعريف‬ ‫مفهوم “اإلصالحيني” في هذا السياق على نحو‬ ‫أشمل من النهج االعتيادي حيث راعوا وجهات كال‬ ‫الليبراليني واحملافظني مستعينني في ذلك باملعني‬ ‫األصلي للمصطلح الالتيني ‪ reformare‬الذي‬ ‫يعني “استعادة الوضع السائد في املاضي”‪.‬‬ ‫لهذا فإن أبعاد البحث تتضمن سواء أفكار‬ ‫‪6‬‬

‫عالم الدين اإليراني شبيستاري التقدمية املتأثرة‬ ‫بفكر إميانويل كانت وعلم التفسير احلديث وفكر‬ ‫املثقف السويسري طارق رمضان املتسم في أغلبه‬ ‫بطابع محافظ ليشمل ذلك أيضا تيار عالم الهوت‬ ‫التحرير فريد إسحاق املنحدر من جنوب أفريقيا‬ ‫وتيار املصرية جيهان احللفاوي‪.‬‬ ‫تتألف سير احلياة من مجموعة خمسة فصول‬ ‫تتناول عناوينها أهم التحديات التي يواجهها‬ ‫اإلصالحيون املعاصرون‪ ،‬وهي اإلسالم في‬ ‫مجتمعات األغلبية غير املسلمة والعالقة بني‬ ‫اإلسالم والدميوقراطية ودور الشريعة اإلسالمية في‬ ‫الدولة احلديثة والتفسير العصري للقرآن وأهمية‬ ‫حقوق املرأة واإلنسان في القرآن‪.‬‬ ‫وضع المسلمين في أوروبا كأقلية دينية‬

‫ال أحد في صفوف كافة هؤالء اإلصالحيني‬ ‫يتبنى توجها “غربيا” بل كلهم ينطلقون في حججهم‬

‫اإلسالم مؤهل للتكيف مع‬ ‫الحداثة بالنظر لكون المسلمين‬ ‫والمسلمات يتعايشون مع هذه‬ ‫الحداثة منذ وقت طويل في‬ ‫حياتهم اليومية‬

‫من األرضية الدينية‪ .‬ويولي القراء األوروبيون غير‬ ‫املسلمني اهتماما فائقا فريدا بسير حياة الرواد‬ ‫األوروبيني الذين عظم نفوذهم وتأثيرهم‪.‬‬ ‫هذا يسري خاصة على الفيلسوف وعالم‬ ‫الدراسات اإلسالمية طارق رمضان املولود عام‬ ‫‪ 1962‬في جنيف‪ .‬في هذا السياق يدحض عالم‬ ‫الدراسات اإلسالمية في جامعة فرايبورغ‪ ،‬لودفيغ‬ ‫أمان‪ ،‬التهمة املوجهة كثيرا لرمضان بكونه “ذئبا‬ ‫في رداء حمل”‪.‬‬ ‫يقول أمان إن رمضان وإن دافع عن الشريعة‬ ‫واعتبرها أصل القوانني إال أنه يهاجم في نفس‬ ‫الوقت إدعاء رجال الدين احملافظني إلى حد التشدد‬ ‫بكونهم ميلكون وحدهم احلق في تفسير القرآن‪ .‬يتابع‬ ‫أمان بأن رمضان وإن لم ميكن اعتباره إصالحيا‬ ‫ليبراليا إال أنه ال ينتمي إلى الرجعيني‪“ :‬إنه‬ ‫محافظ يسعى إلى الوقوف مع عامة الشعب في‬ ‫النقاط التي يتضح فيها عدم قدرتهم على التعاطي‬ ‫مع مظاهر التحول”‪.‬‬ ‫لكن السؤال يطرح نفسه هنا عن األسباب التي‬ ‫جعلت ناشري هذا الكتاب يقتصرون في أبحاثهم‬ ‫على الشرق األوسط وتركيا وأوروبا‪ ،‬فال توجد أدنى‬ ‫إشارة إلى السعودية ومنطقة اخلليج العربية‪ .‬كما‬ ‫لم تأت اإلشارة إلى املغرب واجلزائر وتونس‪ ،‬إال في‬ ‫حالة وحيدة فقط متت اإلشارة فيها إلى نادية ياسني‪.‬‬ ‫رمبا كان لهذا االختيار أسبابه‪ ،‬لكن احلاجة كانت‬ ‫تتطلب تعليل ذلك في مقدمة الكتاب أو ختامه‪.‬‬


‫كما أن املرء يتساءل هنا عما إذا كان ناشرو‬ ‫وناشرات الكتاب قد أعطوا املواضيع املطروحة القدر‬ ‫املناسب من األهمية بالنسبة لكل منها‪ .‬فالفصل‬ ‫اخلاص بالشريعة لم يعط األهمية الكافية التي‬ ‫يستحقها هذا املوضوع في سياق عالقته باملجتمع‬ ‫والديناميكية الواقعية التي يحتلها داخل الدول‬ ‫العربية في أقل تقدير‪.‬‬ ‫في هذه احلالة كان من الضروري تضمني الكتاب‬ ‫على سبيل املثال سيرة حياة عاملة القانون املغربية فريدة‬ ‫بناني باعتبارها قد أثرت بحكم كونها عاملة خبيرة‬ ‫بشؤون حقوق املرأة على اإلصالحات التي جرت في‬ ‫قطاع قانون العائلة في املغرب‪.‬‬ ‫كما أن الكتاب تناول في الفصل املسمى‬ ‫“الناشطون في مجال حقوق املرأة واإلنسان” هذا‬ ‫املوضوع على نحو هامشي بالنظر إلى األهمية الكبيرة‬ ‫التي يحتلها في واقع األمر‪ ،‬يأتي باإلضافة إلى‬ ‫ذلك أن املعايير املرسومة في هذا الصدد لم تتسم‬ ‫بالوضوح‪.‬‬ ‫نموذج على الطريقة األنغلوساكسونية‬

‫إلى أين يسلك العالم اإلسالمي طريقه في‬ ‫املستقبل‪ ،‬نحو االنطواء على نفسه أم االنفتاح على‬ ‫احلداثة العاملية؟ هذا هو موضوع كلمة اختتام الكتاب‬ ‫التي كتبها عالم السياسة السويسري باتريك هيني‪.‬‬ ‫األمر ال يتعلق في نظره حول ما إذا كان اإلسالم مؤهال‬ ‫للتكيف مع احلداثة بالنظر لكون املسلمني واملسلمات‬ ‫يتعايشون مع هذه احلداثة منذ وقت طويل في حياتهم‬ ‫اليومية حتى ولو لم يتزامن ذلك بعد مع التجاوب مع‬ ‫احلداثة من قبل علم الدين واأليديولوجيا‪.‬‬ ‫أما األمر الذي يطرح نفسه فإنه يتعلق في نظر‬ ‫هيني بطبيعة منوذج احلداثة الذي ستعتمده على األجل‬ ‫البعيد املجتمعات ذات الصفة املسلمة‪ .‬يرى هيني بأن‬ ‫الفصل التام بني الدين والدولة على النمط الفرنسي‬ ‫ليس محتمال‪ ،‬كما انه ليس باألمر الذي ينبغي على‬ ‫العالم اإلسالمي أن يعتبره هدفا له‪.‬‬ ‫وهو يعتقد بأن األرجح أن ينشأ مستقبال في‬ ‫املجتمعات ذات الصفة املسلمة منوذج على النمط‬ ‫األنغلوساكسوني فيما يختص بالعالقة بني الدين‬ ‫والدولة‪ ،‬مبعنى أال تكون الدولة في حد ذاتها مبنية‬ ‫على هيكل ديني على أن يلعب الدين في نفس الوقت‬ ‫دورا هاما في املجتمع‪.‬‬

‫مارتينا صبرا‬ ‫ترجمة عارف حجاج‬

‫عن موقع «قنطرة»‬

‫«النص القراني»‪ ..‬لماذا؟‬ ‫تتميز املادة العلمية التي يعتمدها املنبر الدولي للحوار االسالمي في تنظيم ورشاته‬ ‫التدريبية مبقاربة واضحة للمكون الديني في تفكير الشاب املسلم‪ ..‬الغاية من ذلك هي‬ ‫التعرف على ما يؤسس لعملية التفكير وما يحدد دوافع السلوك لدى الشباب الذي يتلقى‬ ‫تكوينه التربوي في بيئة اسالمية‪.‬‬ ‫والهمية النص القراني املؤسس في نظرة االنسان املسلم الى نفسه والى حياته‬ ‫والى االخر ال ميكن التغافل عن اثره في تكوين ذهن ووجدان الفرد املسلم وتشكيل دوافعه‬ ‫السلوكية‪ .‬ونظرا لهذه االهمية تطرح الدورة تساؤال جادا‪ :‬كيف ميكن التعامل مع هذا النص‬ ‫االساسي في حياتنا ؟ وكيف تتم مقاربته؟‬ ‫وبينما تتم االستفادة من اخر معطيات علم النفس التطبيقي في السعي للتعرف على‬ ‫مكونات الذهن ودوافع السلوك‪ ،‬قررنا في هذه املادة العلمية للدورة التدريبية في مشروع‬ ‫(اسالم ‪ )21‬مقاربة املكون الديني مقاربة قرانية‪ ،‬اي كيف يجب ان يُقرأ النص املقدس حسبما‬ ‫جاء في القران نفسه‪ .‬والتنبيه الى ما ذكره القران الكرمي حول كيفية التعامل مع الوحي‬ ‫باعتباره منزال من لدن اخلالق‪ ،‬كما نسلط الضوء على قصص واخبار التعامل مع النصوص‬ ‫املقدسة في تاريخ االديان االلهية‪.‬‬ ‫بعبارة اخرى قررنا العودة الى النص نفسه للتعرف عليه وعلى اسلوب التعامل معه‬ ‫ال من خالل النصوص التالية عليه‪ .‬مع احلرص على اال ننفي اي نص اخر مؤسس للدين‬ ‫كمعطى حضاري ‪/‬اجتماعي‪ ،‬سياسي‪ ،‬انثروبولوجي او طقوسي‪ ،‬الن مقاربتنا ال عالقة لها‬ ‫بالتجربة الدينية بهذا املعنى وامنا باثر النصوص االساسية في حياة االنسان عبر بصمتها‬ ‫على الالشعور والشعور كونهما عنصرين اساسيني لفهم النفس االنسانية حسب علم‬ ‫النفس احلديث‪.‬‬ ‫لتقريب الفكرة ميكن احلديث عن اثر القوالب او العبارات اجلاهزة التي يستخدمها االهل‬ ‫في وصف االبناء او التعليق على االحداث اليومية والتجارب احلياتية في املراحل املبكرة‬ ‫من عمر الطفل‪ ،‬يؤكد علماء النفس ان هذه العبارات املصاغة بشكل دقيق على شكل‬ ‫امثال شعبية او احكام قطعية تشكل وعيا مبكرا للطفل وترسم جزءا من نظرته لنفسه‬ ‫ومحيطه‪.‬‬ ‫اذا متكن االنسان الراشد من تفكيك هذه القوالب والتعرف عليها بعني موضوعية‬ ‫سيساعده ذلك في فهم نفسه وتكوين ذهنه‪.‬‬ ‫ومبا ان االيات القرانية واملفاهيم القرانية ـ بقراءاتها املكرسة ـ من النصوص االساسية‬ ‫التي تستخدم في تعامالت احلياة اليومية والتعليق عليها‪ ،‬كان البد من مقاربتها بوضوح‬ ‫ودقة‪ .‬وليس هنالك اكثر دقة ووضوحا من االيات القرانية نفسها وهي تتحدث عن النص‬ ‫املقدس واثره في معادلة احلياة الطيبة التي نسعى للوصول اليها‪.‬‬ ‫ثمة ايضا بعد اخر في ادخال النص القراني الى مادة تدربيية تعتمد املعارف العصرية‬ ‫والتجربة االنسانية وهو البعد القيمي‪ ،‬حيث تشدد الدورة التدريبية ملشروع اسالم ‪ 21‬التي‬ ‫يقيمها املنبر الدولي للحوار االسالمي على البناء القيمي لشخصية االنسان‪ ،‬ايا كان مذهبه‬ ‫ودينه‪ ،‬وتتبنى االميان بضرورة تاسيس منظومة قيمية حتكم سلوك االنسان‪ ،‬ال ألسباب‬ ‫معيارية اخالقية او حتى دينية باملعنى اخلالصي لها‪ ،‬امنا ألسباب عملية وبطرق علمية‪،‬‬ ‫تشجع على قراءة النص قراءة متدبرة لغوية ضمن سياق مفاهيمي مستقى من معرفة‬ ‫وادراك لروح الديانات السماوية كما ذكر في القرآن الكرمي‪ .‬الروح باعتبارها البناء القيمي‬ ‫املشترك بني جميع الديانات‪ ..‬هذا البناء الذي يقترح حصانة للفرد واجملموع البشري من نزعات‬ ‫الشر وامليل نحو اخلراب‪.‬‬ ‫بهذا يدخل القران الكرمي ببعده التوجيهي والتعليمي‪ ،‬ال بأبعاده الفقهية او التاريخية‬ ‫او الغيبية‪.‬‬

‫هاجر القحطاني‬

‫مديرة البرامج ـ المنبر الدولي للحوار االسالمي‬

‫‪7‬‬


‫حوار‬

‫د‪ .‬محمد شحرور لـ «الراصد التنويري»‪:‬‬

‫التجديد يحتاج الى اعادة النظر‬ ‫في الثوابت واألصول‬ ‫ليس هناك فقيه مسلم قال‪ :‬اسألوا الناس ماذا يريدون‬ ‫الوعي االسالمي الجديد يجب ان يكون تيارًا بد ًال من حركة سياسية‬ ‫يعد الدكتور محمد شحرور أحد الرواد التنويريني العرب الذين طبعوا الساحة الثقافية اإلسالمية باجتهاداتهم خالل ما يقارب العقدين من الزمن‪ ،‬بدأت‬ ‫بصدور كتابه ( الكتاب والقرآن) عام ‪ ،1990‬ثم تتابع صدور كتاباته (الدولة واجملتمع) ‪1994‬و(اإلسالم واإلميان) ‪ ،1996‬ثم كتاب (نحو أصول جديدة للفقه‬ ‫اإلسالمي)عام ‪ ،2000‬وأخيرا كتاب(جتفيف منابع اإلرهاب)‪ .‬التقته «الراصد التنويري» وكان معه هذا احلوار الذي أجراه الزميل عبد اللطيف طريب‪:‬‬ ‫• قبل احلديث عن املشروع التنويري‬ ‫للدكتور محمد شحرور‪ ،‬أود أن تلخص‬ ‫لنا تقييمك ملشاريع التنوير العربي التي‬ ‫بدأت منذ عصر النهضة مع محمد عبده‬ ‫واألفغاني وغيرهم‪.‬‬ ‫ــ أعتقد أن حركة التنوير اإلسالمي رغم كل‬ ‫اجلهود التي قامت بها لم تستطع إحداث تغيير‬ ‫جذري في املجتمع العربي‪ ،‬األمور األساسية التي‬ ‫كان من املفترض أن تتوجه لها يد التغيير بقيت‬ ‫كما هي وعلى رأسها قيمة العدل التي كان من‬ ‫الواجب االشتغال عليها مقابل واقع االستبداد‬ ‫لدرجة أن أطروحة املستبد العادل إلى اليوم هي‬ ‫أطروحة مقبولة ومعتمدة‪ .‬كما لو أن هناك إمكان‬ ‫اجلمع بني االستبداد والعدل‪ .‬وهذا تناقض‪ .‬ثم‪،‬‬ ‫أريد التنويه أن عبد الرحمن الكواكبي عاصر‬ ‫محمد عبده وله كتاب (طبائع االستبداد)‪ .‬وهذا‬ ‫الكتاب مضى عليه أكثر من قرن‪ .‬وعندما نقرأه‬ ‫اليوم كأنه طبع البارحة‪ ،‬يعني منذ أن كتب عبد‬ ‫الرحمن الكواكبي كتابه إلى اليوم لم يتغير شيء‪.‬‬ ‫االستبداد بقي كما هو إن لم يكن أصبح أشد من‬ ‫ذلك‪ .‬وكان الشيء املطروح في ذاك الوقت هو‬ ‫‪8‬‬

‫شرعية اخلالفة‪ .‬وعلى هذا دار كتاب علي عبد‬ ‫الرازق (اإلسالم وأصول احلكم) الذي صدر بعد عام‬ ‫من إلغاء اخلالفة مباشرة‪ .‬أيضا لم يكن هناك طرح‬ ‫جذري ملفهوم الدولة الذي بقي ضبابيا‪ .‬لم تطرح‬ ‫حركة التنوير اإلسالمي صالحيات كيف ينتخب‬

‫احلاكم؟ صالحيات احلاكم‪ ،‬مدة حكمه‪ ..‬تاريخيا‬ ‫هذا الكالم لم يطرح إطالقا‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬أطروحة احلرية‪ ،‬ال أقول في بداية القرن‬ ‫العشرين في بداية القرن الواحد والعشرين‪ ،‬هذه‬ ‫األطروحة ما زالت بعيدة عن العقل العربي‪ .‬احلرية‬


‫إلى هذه اللحظة التي أتكلم فيها ليست قيمة في‬ ‫العقل العربي‪ ،‬والسبب هو الثقافة اإلسالمية‪ ،‬في‬ ‫الثقافة اإلسالمية احلرية ليست ذات قيمة‪ ،‬ألنه ال‬ ‫يوجد فقيه مسلم قال‪ :‬اسألوا الناس ماذا يريدون‪،‬‬ ‫هذه اجلملة غير موجودة عند فقهاء املسلمني بسبب‬ ‫أن الناس ليس لهم أي قيمة‪ ،‬والناس ليس لهم أي‬ ‫رأي‪ ،‬وال يوجد شيء اسمه حرية اختيار إطالقا‪،‬‬ ‫وهذه األمور بقيت راسخة في ثقافتنا إلى اليوم‪.‬‬ ‫لذلك نقول بضرورة اإلصالح الثقافي قبل اإلصالح‬ ‫السياسي‪ .‬خذ مثاال القاهرة ودمشق‪ ،‬ال تتجرأ‬ ‫السلطات (القوية) في هذين البلدين على نزع‬ ‫حجاب ألف امرأة‪ ،‬وفي نفس الوقت هذه السلطات‬ ‫ال تتورع عن اعتقال عشرة آالف مواطن في يوم‬ ‫واحد‪ ..‬ال تخاف! هذا األمر الثقافي‪ ..‬هذا األمر‬ ‫املرعب‪.‬‬ ‫• لنبق في السياق الثقافي‪ ،‬هناك من‬ ‫يرى أن دفعة التنوير مع رواده في بداية‬ ‫عصر النهضة كانت شيئا ما إيجابية‬ ‫لكنها لم تستمر‪ .‬بل مت التراجع عنها‬ ‫خطوات إلى الوراء‪ .‬لدرجة أن البعض‬ ‫يقول اليوم بضرورة العودة إلى تلك‬ ‫االجتهادات لالنطالق منها مرة أخرى‪.‬‬ ‫هل توافق هذا الرأي؟‬ ‫ــ كانت إيجابية في حينها‪ ،‬ولكنها بقيت‬ ‫كما هي‪ .‬الزمن تقدم وهي بقيت‪ ،‬وهي اآلن سارت‬ ‫إلى الوراء‪ .‬نعم أطروحات محمد عبده ورشيد‬ ‫رضا واألفغاني كانت مهمة في وقتها‪ ،‬واليوم ال‬ ‫تناسبنا‪ ،‬ال نحتاج إليها ألنه مضى عليها الوقت‬ ‫والزمن تغير‪ ،‬نحتاج إلى أطروحات أخرى‪.‬‬ ‫• في هذا اإلطار‪ ،‬ما الذي جعل الدكتور‬ ‫شحرور يختط لنفسه أطروحة جديدة‬ ‫ال أقول على مستوى الفكر فحسب بل‬ ‫منهجا جديدا في التعامل مع اإلسالم‬ ‫ومصادره‪ .‬ملاذا لم يجد نفسه ضمن اإلطار‬ ‫املرجعي للحركات اإلسالمية التي وجدها‬ ‫سائدة في واقعه؟‬ ‫ـــ أوال‪ ،‬أفكار اجلماعات اإلسالمية أعرفها‬ ‫كلها‪ .‬ومرجعياتها هي نفس مرجعيات األزهر وكل‬ ‫شيء اسمه مؤسسات إسالمية‪ ،‬ولكن أدخلت فقط‬ ‫النشاط السياسي إلى هذه املرجعيات‪ .‬أنا ال أرى‬ ‫فرقا بني زعيم اإلخوان وشيخ األزهر‪ ،‬سوى أن شيخ‬ ‫األزهر غير مسيس وال ميارس السياسة‪ ،‬زعيم‬ ‫اإلخوان يريد أن ميارس السياسة‪ ،‬أما املرجعية فهي‬

‫واحدة‪ .‬أريد أن أؤكد أنه إذا حصل مناظرة تلفزيونية‬ ‫بني الشيخ يوسف القرضاوي أو شيخ األزهر وبني‬ ‫أمين الظواهري علنا‪ ،‬فإن أمين الظواهري سينتصر‬ ‫عليهما‪ ،‬لسبب واحد‪ ،‬أن لهما نفس املرجعية‪.‬‬ ‫وإياكم أن تظنوا أن مرجعية القرضاوي أو شيخ‬ ‫األزهر تختلف عن مرجعية أمين الظواهري‪ .‬ولكن‬ ‫هذا األخير منسجم مع نفسه أكثر‪ .‬الفرق بينهم‬ ‫هو االنتقائية‪ .‬جماعات العنف تعتمد الفقهاء‬ ‫األربعة‪ ،‬وهؤالء أيضا يعتمدون الفقهاء األربعة‪،‬‬ ‫نفس املرجعية‪ .‬إذا لم تغير املرجعية‪ ،‬كيف جندد؟‬ ‫إياك أن تظن التجديد في أي شيء إذا لم تخترق‬ ‫األصول القائمة‪ ،‬ال ميكن أن يكون هناك جتديد كما‬ ‫يقول اينشتاين‪« :‬إنه من احلماقة أن تعتقد أنك‬ ‫ستحصل على نتائج جديدة و أنت تكرر الشيء‬ ‫نفسه»‪.‬‬ ‫• إذن من خالل هذا الكالم ميكن القول أن‬

‫هناك خطاب مزدوج‪ ،‬الخطاب‬ ‫التلفزيوني وخطاب المساجد‪،‬‬ ‫األول عالمي‪ ،‬يدعو إلى‬ ‫االنفتاح والتسامح ويقبل اآلخر‪.‬‬ ‫أما الخطاب الممثل للثقافة‬ ‫الفعلية فال يقبل اآلخر‬ ‫الدكتور شحرور كان ابن بيئته‪ ،‬فعندما لم‬ ‫جتد إمكانية للتجديد من داخل املرجعيات‬ ‫املتداولة‪ ،‬دشنت مشروعك الفكري‬ ‫مبرجعية سمتها األساسية اختراق العديد‬ ‫من الثوابت‪.‬‬ ‫ــ ألني رأيت كل املجددين في العالم‪ ،‬كل‬ ‫املجددين على اإلطالق اخترقوا األصول‪ .‬التي‬ ‫يسمونها ثوابت‪ ،‬هذه ليست ثوابت‬ ‫• باختصار‪ ،‬ما هي أهم ركائز هذا‬ ‫املشروع؟‬ ‫ـــ أنا أخذت الثوابت وافترضت أن رسول الله‬ ‫توفي منذ خمس سنوات‪ ..‬هكذا افترضت‪ ،‬ثم‬ ‫تساءلت كيف نفهم القرآن اليوم؟ وجدت أنه مبا‬ ‫أن خالق السموات واألرض وهذا كتابه له نفس‬

‫الناموس‪ ،‬نفس الدقة‪ .‬فأخذت مفهوم الدقة وألغيت‬ ‫الترادف‪ .‬فكان العمل على املصطلح عشر سنوات‬ ‫تبني أنه ال ميكن فهم القرآن ما لم نفهم مصطلحاته‪.‬‬ ‫عشر سنوات وأنا أتعامل مع املصطلح‪ ،‬أريد أن‬ ‫أتعامل مع القرآن‪ .‬ما هو القرآن؟ ال ميكن فهم‬ ‫القرآن ما لم تفهم مصطلحاته‪.‬‬ ‫• نعم‪ ،‬الدارس لكتاباتك ومشروعك‬ ‫يالحظ اهتمامك الكبير بالقرآن‪.‬‬ ‫وتأسيسك املفاهيم انطالقا من املرجعية‬ ‫القرآنية‪ .‬هل كان ذلك نتيجة معاناة‬ ‫مع التراث التفسيري دفعتك إلى نفض‬ ‫أطروحته واالعتماد املباشر على القرآن‪،‬‬ ‫أم هو مجرد اختيار محدد جملال العمل في‬ ‫القرآن من البداية؟‬ ‫ـــ هناك أطروحة يقولها التراثيون‪ .‬كلهم يقولون‬ ‫القرآن يفسر بعضه بعضا‪ ،‬متنيت أن أجد تفسيرا‬ ‫واحدا بهذا االسم‪ .‬أين جند هذا التفسير‪ ،‬غير‬ ‫موجود‪ ،‬هذه األطروحة تبني أنها «أي كالم»‪ ،‬حتى‬ ‫بالنسبة ملن يحفظ القرآن عن ظهر قلب ال يستطيع‬ ‫القيام بهذه العملية املرهقة جدا‪ .‬مع األسف الذي‬ ‫قام بترتيب القرآن الكرمي حسب األلفاظ املستشرق‬ ‫األملاني فلوجل صاحب املعجم القرآني‪ .‬كان كتابا‬ ‫منهجيا أكثر‪ .‬وأنا اعتمدته كثيرا‪ ،‬واستفدت منه‬ ‫كثيرا‪ ،‬لواله ملا أمتمت اليوم شيئا‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬يقولون لك النبي شرح القرآن‪ .‬طيب‪،‬‬ ‫فتحنا كتب التفسير‪ ،‬مثال سورة األعراف‪ ،‬سورة‬ ‫طويلة‪ ،‬سورة األنعام‪ ،‬سورة آل عمران‪ ،‬سورة يونس‬ ‫كلها سور طوال‪ ...‬أين هذا الشرح الذي شرحه‬ ‫النبي للقرآن‪ ،‬غير موجود‪ .‬فاألطروحتان ليس لهما‬ ‫أي أساس‪ .‬افتح التفاسير واقرأها‪ ،‬غير مقنعة‪.‬‬ ‫أستغرب عندما يقولون هذه اآلية تفسيرها كذا‪...‬‬ ‫غير مقنعة‪ .‬األطروحات التي حتملها احلركات‬ ‫اإلسالمية عاطفية ال أكثر‪.‬‬ ‫بدأت إذن من الصفر‪ ،‬املصحف أمامي‪ ،‬بعدما‬ ‫يئست من التفاسير كلها بدأت أعالج أمور الفقه‪.‬‬ ‫• سنأتي على موضوع الفقه بعد هذا‪،‬‬ ‫لنبق في دراساتك للقرآن‪ ،‬أنت طرحت‬ ‫منهجا جديدا في الفهم ورفضت‬ ‫التفاسير‪ ،‬هنا يتدخل مخالفوك ليقولوا‬ ‫لك أنت لست متخصصا في هذا اجملال‪.‬‬ ‫أريد أن تربط إجابتك عن هذه النقطة‬ ‫بتوضيح رأيك في التعليم الديني وما‬ ‫يثيره من إشكاالت في السنوات األخيرة‪.‬‬ ‫‪9‬‬


‫ـــ أوال‪ ،‬أنا لو كنت خريج األزهر أو خريج مدارس‬ ‫دينية ما كنت ألمتكن من كتابة عشر صفحات‪ .‬ألن‬ ‫املدرسية قاتلة للفكر‪ ،‬وهي مدارس ال جتدد نفسها‬ ‫أصال‪.‬عندما تكون ملتزما بفكر مدرسي يصعب‬ ‫عليك التفكير خارجه‪ .‬فالعلماء في هذه احلالة‬ ‫تكون لهم وظيفة أساسية عليهم القيام بها‪ ،‬وال‬ ‫يتجاوزونها‪ .‬املؤسسات الدينية مغلقة على فهم‬ ‫معني ووظيفة معينة‪.‬‬ ‫ثانيا‪ ،‬يقولون لي لست متخصصا‪ ،‬يا سيدي‬ ‫االختصاص الذي جئت به غير موجود عندكم‪ .‬قلتم‬ ‫السنة شارحة للقرآن‪ ،‬لم جند شرحا من هذا النوع‪.‬‬ ‫قلتم الناسخ واملنسوخ‪ ،‬لم يظهر شيء بهذا االسم‬ ‫وفق ما تقولون‪ .‬هناك علوم كلها وهم‪ .‬تقولون‬ ‫بوجود احملكم واملتشابه‪ 14 ،‬قرنا لم تقولوا لي أين‬ ‫هو احملكم وأين هو املتشابه‪.‬‬ ‫أنا أنطلق من أطروحة أن مفاتيح القرآن ضمنه‬ ‫وليست خارجه‪ ،‬يعني هل مفاتيح الطبيعة ضمن‬ ‫الطبيعة أم خارجها؟‬ ‫• بناء على رأيك في العلوم اإلسالمية‬ ‫التي تراها متهافتة‪ ،‬دخلت عالم الفقه‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬لتقدم دراسات وفق منهجك‬ ‫ورؤيتك‪ .‬الشيء الذي مييزك عن الكثيرين‬ ‫من دعاة التجديد اإلسالمي الذين يكتفون‬ ‫برفع شعارات التجديد واالجتهاد دون‬ ‫الدخول إلى صميم املوضوع وتقدمي بدائل‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬بالنظر إلى نتائج أبحاثك الفقهية‪،‬‬ ‫هل حتكمت في هذه األعمال إرادة اخلروج‬ ‫من مآزق الفقه اإلسالمي التقليدي ‪ ،‬أم‬ ‫يتعلق األمر بخضوع ما إلى الضغوطات‬ ‫الغربية الرامية إلى تنميط اجملتمعات‬ ‫اإلسالمية وفق نظام العوملة؟ األمر الذي‬ ‫يرجحه مخالفوك‪.‬‬ ‫ـــ أوال‪ ،‬قرأت كتاب أصول الفقه للشافعي‪ ،‬وأنا‬ ‫آسف أن أقول‪ :‬لم أر فيه أية مسحة عبقرية ( كتاب‬ ‫وسط أو أقل من الوسط)‪ .‬مثال يقول الشافعي في‬ ‫هذا الكتاب في قوله تعالى‪« :‬ويعلمهم الكتاب‬ ‫واحلكمة» احلكمة هي السنة بدون برهنة‪ ،‬أطروحات‬ ‫الشافعي في الرسالة كلها غير مبرهن عليها‪.‬‬ ‫ثانيا‪ ،‬إذا كانت الرسالة صاحلة لكل زمان‬ ‫ومكان‪ ،‬عاملية الرسالة‪ .‬أنا قلت أن إعجاز القرآن‬ ‫وصالحية القرآن هي التشابه‪ .‬ثبات النص وحركية‬ ‫احملتوى‪ .‬طيب أين إعجاز الرسالة‪ ،‬إعجاز األحكام‪،‬‬ ‫وهذا وقفت طويال عنده‪ .‬ولوال معلوماتي الرياضية‬ ‫‪10‬‬

‫ما كنت انتبهت‪ .‬انتبهت إلى احلدود‪ ،‬حدود الله‪.‬‬ ‫أن رسالة محمد تقوم على احلدود هذه صالحيتها‬ ‫لكل أهل األرض‪ .‬أنه أعطاك مثال‪ ،‬القتل حده‬ ‫اإلعدام‪ ،‬هذا حده األعلى‪ .‬التشريع اإلسالمي‬ ‫تشريع مدني إنساني يقوم ضمن حدود الله فإذا‬ ‫لم يضع لك حدودا فضع أنت حدودا‪ .‬اإلنسانية‬ ‫كلها تتجه نحو تقليد الله‪ .‬خذ تشريعات مجلس‬ ‫الكونغرس األمريكي ومجلس العموم البريطاني إذا‬ ‫لم تكن ضمن حدود الله هي تضع حدودا‪ .‬الضريبة‪:‬‬ ‫هناك حد أعلى وحد أدنى‪ .‬العقوبات‪ :‬حد أعلى‬ ‫وحد أدنى‪ ،‬سرعة السير في الطريق كذلك‪...‬‬ ‫أخذت أنا آيات األحكام وجدتها كلها حدوديات‪.‬‬ ‫الربا‪ ،‬السرقة‪ ،‬إرث الزوج والزوجة كلها متضمنة‬ ‫حلد أعلى وحد أدنى وبرهنت أن كل آيات األحكام‬ ‫في كتاب الله تقوم على احلدود‪ .‬ها أنا غيرت‬ ‫األصول‪ ،‬لم نعد في حاجة إلى فقهاء نحن في حاجة‬ ‫إلى برملان‪ .‬نحن نقول لهم اسألوا الناس عن عقوبة‬ ‫اإلعدام يقبلونها أو يحولونها إلى حد أدنى (مؤبد)‪.‬‬ ‫من بيده القرار؟ البرملان‪ /‬الناس‪ .‬كل التشريعات‬ ‫اإلنسانية ضمن حدود الله‪ .‬الغرب توصل إلى هذه‬ ‫األمور‪ ،‬تعرف ملاذا؟ ألنه ليس عندهم فقه‪.‬‬

‫التشريع اإلسالمي تشريع‬ ‫مدني إنساني يقوم ضمن‬ ‫حدود اهلل فإذا لم يضع لك‬ ‫حدودا فضع أنت الحدود‬ ‫• نالحظ أستاذ رغم اجلهود التنويرية‬ ‫املعاصرة‪ ،‬ال يزال صداها باهتا إذ لم‬ ‫تستطع زحزحة الواقع الراكد‪.‬‬ ‫ـــ أعتقد أن معظم املسلمني لم ينتبهوا أن‬ ‫التجديد والتنوير يحتاج إلى إعادة النظر في‬ ‫ما يسمى بالثوابت واألصول‪ ،‬وأعتقد أنهم لم‬ ‫يعيدوا النظر في هذه الثوابت واألصول‪ .‬فمثال‬ ‫حتى التنويريون يقولون لك‪ :‬الكتاب والسنة‪،‬‬ ‫وبالنسبة لهم مفهوم السنة هو املفهوم التقليدي‬ ‫نفسه‪ ،‬ومفهوم الكتاب هو املفهوم التقليدي‪.‬‬ ‫ومفهوم اإلجماع والقياس هو املفهوم التقليدي‪.‬‬ ‫علما أن هذه املفاهيم التقليدية ال ينتج عنها أي‬

‫جتديد‪ .‬ألن مفهوم القياس مثال هو قياس الشاهد‬ ‫على الغائب‪ ،‬وبالتالي النشاط اإلنساني الوحيد‬ ‫هو القياس‪ .‬وال ميكن للعقل القياسي أن ينتج‬ ‫معرفة‪ .‬العقل القياسي عاجز عن إنتاج املعرفة‪.‬‬ ‫وهذا العقل القياسي سمة من سمات العقل العربي‬ ‫ميينا أو يسارا‪ .‬موجود حتى عند املاركسيني الذين‬ ‫يعتقدون أن النسخة األصلية إليديولوجيتهم كانت‬ ‫هي االحتاد السوفياتي‪ ،‬وهم يريدون القياس عليها‪.‬‬ ‫وعندنا النسخة األصلية هي القرن السابع‪ ،‬وميكن‬ ‫القياس عليها‪ .‬هناك من املتنورين من يريد أن‬ ‫يتجرأ في القياس أو يلغي شيئا من القياس‪ ،‬لكن‬ ‫ليس مبدأ القياس نفسه‪ .‬أنا بالنسبة لي القياس‬ ‫هو قياس الشاهد على الشاهد وليس قياس الشاهد‬ ‫على الغائب‪ .‬القياس هو عمليات اإلحصاء‪ ،‬وعلوم‬ ‫القانون‪ ،‬وعلوم االجتماع‪ ،‬والعلوم املالية‪...‬هذا هو‬ ‫القياس الذي يقدم بينات على أمر معني‪ .‬وبالنسبة‬ ‫لي اإلجماع هو إجماع البرملان وليس إجماع الفقهاء‬ ‫أو الصحابة‪.‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬أعتقد أن هناك خطابا مزدوجا‪،‬‬ ‫اخلطاب التلفزيوني وخطاب املساجد‪ ،‬األول عاملي‪،‬‬ ‫يدعو إلى االنفتاح والتسامح ويقبل اآلخر‪ .‬أما‬ ‫اخلطاب املمثل للثقافة الفعلية فال يقبل اآلخر‪.‬‬ ‫• أال تالحظ أنه بعد أحداث ‪ 11‬سبتمبر‬ ‫وما بعدها‪ .‬أصبح العلماء الرسميون‬ ‫وغيرهم يتكلمون لغة واحدة‪ :‬االنفتاح‬ ‫والتسامح‪...‬‬ ‫ـــ املرجعية واحدة‪ ،‬الفرق بينهما االنتقاء‪.‬‬ ‫فمثال أنا أفهم أنهم إذا كانوا يريدون جتفيف منابع‬ ‫اإلرهاب فليحلوا مشكلة سورة التوبة‪ .‬لم حتل‬ ‫مشكلة آيات العنف في القرآن‪ ،‬كالهما يعتمد‬ ‫على نفس املبدأ‪ .‬املعتدل وغير املعتدل‪ ،‬قاعدة‬ ‫الناسخ واملنسوخ في فهم اآليات وفق نفس املنهج‪،‬‬ ‫أحدهما يقول آيات القتال ناسخة آليات املجادلة‬ ‫بالتي هي أحسن واآلخر يقول بالعكس ‪.‬أنا بالنسبة‬ ‫لي ال يوجد ناسخ ومنسوخ في القرآن‪.‬‬ ‫• ذكرني حديثك عن العقل القياسي‬ ‫بالتقسيم الثالثي للجابري‪ ،‬العقل البياني‬ ‫الذي من سماته األساسية القياس‪ ،‬ثم‬ ‫العقل البرهاني والعرفاني‪ .‬هذا األخير‬ ‫تنامى في السنوات األخيرة بشكل ملفت‬ ‫بعدما أصبحت األنظمة العربية تراهن‬ ‫على اخلطاب الصوفي ‪ /‬الطرقي في نشر‬ ‫قيم التسامح واالنفتاح‪.‬‬


‫ـــ املقصود حتويل الناس إلى قطيع‪ .‬أنا أرفض العقل‬ ‫العرفاني صراحة‪ ،‬قد يكون هناك عقل عرفاني‪،‬ولكن‬ ‫العقل العرفاني غير قابل للتعلم واالنتقال‪ ،‬أنا ال ميكن‬ ‫أن أقول ألحد أنك إذا صليت كثيرا وقاموا بقطع رجلك‬ ‫ال حتس‪ .‬ال ميكن أن تعلم هذا وتنقله‪.‬‬ ‫كل واحد يدعي العرفان أعتبره مخرفا حتى وإن كان‬ ‫صادقا مع نفسه‪ ،‬ألنه يحكي عن جتربة مع نفسه ال‬ ‫يستطيع نقلها للناس‪ ،‬ألنها جتربة غير علمية‪ .‬الصوفية‬ ‫في حقيقتها ثورة على االستبداد ولدت ميتة ‪ ،‬ألنها‬ ‫في األصل احتجاج على األوضاع القائمة فانسحبت‬ ‫من املجتمع نحو االنعزال‪ .‬لذلك هناك في كل البالد‬ ‫العربية شهر عسل بني الطرق الصوفية واألنظمة‪ ،‬سواء‬ ‫كانت هذه األنظمة علمانية أو غير علمانية‪.‬‬ ‫• في الدولة احلديثة يعتمد جناح اإلصالح أيا‬ ‫كان نوعه على العمل املؤسساتي‪ ،‬رغم تقديرنا‬ ‫جلهودكم الفردية وأهميتها‪ ،‬هل تعتقدون‬ ‫ذلك كافيا إلحداث الطفرة نحو التقدم‪ ،‬وهل‬ ‫هناك تفكير في عمل مؤسساتي؟‬ ‫ـــ أنا أقوم بأقصى ما ميكن أن يقوم به فرد‪ .‬لكن‬ ‫هذا غير كاف‪ ،‬مع ذلك هناك شيء أساسي‪ ،‬النظرية‬ ‫دائما يصنعها فرد‪ .‬بعد هذا البد من فريق‪ ،‬وإن شاء‬ ‫الله نحن بصدد تكوين هذا الفريق‪ ،‬وقد صار هناك‬ ‫تيار إلى حد ما منذ عشرين سنة إلى اليوم‪ ،‬هناك تيار‬ ‫في البالد العربية وإن شاء الله نحن بصدد التحول إلى‬ ‫مؤسسة‪.‬‬ ‫• يقولون أن التنويريني يتحدثون باألبحاث‬ ‫العلمية والدراسات األكادميية‪ ،‬بعيدون‬ ‫عن مخاطبة الناس بلغة يفهمونها‪ .‬متى‬ ‫يستثمر التنويريون إمكاناتهم العلمية في‬ ‫خدمة الدعوة اإلسالمية؟ أم أنهم ال يؤمنون‬ ‫باخلطاب الدعوي؟‬ ‫ـــ حتى نصل إلى مستوى الدعوة‪ ،‬أنا أأمل أن أرى‬ ‫هذا في حياتي‪ .‬أنا اآلن أحاول تهيئة دعاة يخاطبون‬ ‫الناس بلغة مختلفة متاما‪ ،‬لكن يلزمهم امتالك املنهج‬ ‫كله‪ .‬ميكنني أن أقول اآلن أني أغلقت املنهج تقريبا‬ ‫وهاهو الكتاب السابع سيصدر حول قصص القرآن‬ ‫ويغلق املنهج متاما‪ .‬هذا الوعي اجلديد يجب أن يكون‬ ‫تيارا قبل أن يصير حركة سياسية‪.‬‬ ‫• وهل من الضرورة التحول إلى حركة‬ ‫سياسية فيما بعد؟‬ ‫ـــ ليس بإرادتي‪ ،‬األمر الطبيعي هكذا‪ ،‬هذه هي‬ ‫ما آلت اليه األمور‪ .‬ولن يسألوني عنها ولن يأخذوا‬ ‫رأيي في ذلك‪.‬‬

‫التنوير يبدأ برد االعتبار للعقل‬ ‫يقترح اليوم غالبية املهتمني برصد ظاهرة العنف‪ ،‬بخاصة الذي يرفع «اإلسالم»‬ ‫شعارا‪ ،‬توليد حلظة «تنوير» في اجملتمعات املسلمة وحتريك رياحها من خالل حتديث النظم‬ ‫التعليمية أوال‪ ،‬ثم فك القيود عن حرية التعبير‪ ،‬وفسح اجملال أمام هامش دميقراطي‪ ،‬بغية‬ ‫سعار العنف‪.‬‬ ‫إنقاذ اجملتمعات العربية واملسلمة من ُ‬ ‫ويحمل غالبية دارسني ظاهرة التطرف الديني‪ ،‬وهي التي تفضي مباشرة إلى عنف‬ ‫ّ‬ ‫داخلي سرعان ما يتخطى احلدود الوطنية‪ ،‬احلكومات العربية مسؤولية ذلك ألنها تكبت‬ ‫الرأي وحتتكر السلطة وتقمع احلريات الفكرية‪ .‬لذلك يشير أولئك املهتمون إلى عملية‬ ‫«حتديث» النظم التعليمية واالقتصادية و«دمقرطة» اجملتمعات العربية بوصفهما‬ ‫ّ‬ ‫لتشكل ما ميكن أن نسميه بـ»حلظة تنوير»‪.‬‬ ‫عمليتني ضروريتني من اجل فسح اجملال‬ ‫إن النظر املتأني من داخل اجملتمعات العربية يوصل‪ ،‬رمبا‪ ،‬إلى نتيجة مفادها أن عش‬ ‫التطرف ورفض التحديث الفكري يتموضع في موروث ديني بعينه يجد له رعاية غير‬ ‫تدعي أنها‬ ‫معلنة من جانب حكومات عربية‪ ،‬على الرغم من أن بعض تلك احلكومات ّ‬ ‫علمانية أو على األقل ليست دينية‪ .‬بل أن منها صنعت‪ ،‬سواء داخل بلدانها أو خارجها‪،‬‬ ‫تيارات متطرفة مبساعدة بيئة سوسيو ثقافية محكومة بانتقائية متوارثة‪ ،‬وقراءات‬ ‫اختزالية للمدونة اإلسالمية‪ ،‬كي تستخدمها «أدوات» لنيل غايات ال عالقة لها في‬ ‫كثير من األحيان بتصورات تلك اجلماعات‪ .‬ولعل ما ذكره مدير اخملابرات (السوفييتة) واحد‬ ‫ابرز صناع القرار في روسيا إلى وقت ليس ببعيد‪ ،‬ايفغيني برمياكوف‪ ،‬في أن بعض دول‬ ‫منطقتنا تستعمل جماعات وتيارات كـ»ذراع» مضاف ألذرع «السياسة اخلارجية»‪ ،‬يوحي‬ ‫كم هي متورطة احلكومات في إجهاض محاوالت التحديث والقضاء على دعوات التنوير‪.‬‬ ‫إننا جند‪ ،‬بالعودة إلى حلظات التنوير الغربي األولى‪ ،‬أن التنوير لم يكن محض جملة‬ ‫مواقف من املقوالت السكوالتية وحسب (وهذا ما ميكن أن ميثله ليبراليون عرب)‪ ،‬بل أن ما‬ ‫جعل ذلك التنوير مشعا ومؤسسا ملقوالت جديدة اثر قطيعة حاسمة وواثقة‪ ،‬هو تشكل‬ ‫يتحصل لرواد اإلصالح‪ ،‬إسالميون‬ ‫«منظومة فكرية» اشترك فيها اجلميع‪ ،‬وهذا ما لم‬ ‫ّ‬ ‫عرب أم ليبراليون‪ ،‬منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى زماننا هذا؛ رمبا ألن االثنني لم يجدا‬ ‫حاضنة عامة‪ ،‬من األعلى إلى األسفل‪ ،‬تتبنى طروحاتهم وتطورها وتعتنقها وسيلة إلدارة‬ ‫مجتمع الدولة (املدنية) احلديثة‪.‬‬ ‫لقد أُعيد للعقل مكانته‪ ،‬في فرنسا وأملانيا القرن الثامن عشر‪ ،‬ليكون املصدر األول‬ ‫للسلطة واألساس الذي تنبني عليه‪ .‬فكان ذلك عصر األنوار‪ ، Les Lumières‬أو التنوير‬ ‫‪ .The Enlightenment‬ولم ينبجس ذلك العصر‪ ،‬الذي شكل قطيعة حضارية هائلة مع‬ ‫ما سبقه‪ ،‬من الظالم بغتة‪ .‬بل مهدت له نزعات وتيارات لعل أبرزها النزعة اإلنسانية‬ ‫‪ Humanism‬في ايطاليا وفرنسا في القرنني ‪ 14‬و ‪ 15‬وأواخر القرن ‪ 17‬الذي عرف بعصر‬ ‫العقل أو العقالنية‪ .‬ويكفي مثاال عن تلك احلاضنة املواتية هو ان كتاب الفيلسوف‬ ‫الفرنسي رينيه ديكارت‪ ،‬خطاب املنهج ‪ ،méthode la de Discours‬شكل محطة بارزة‬ ‫في سعي الفكر األوربي إلى اخلروج من عتمة التعجل واألحكام املبتسرة والركون إلى‬ ‫التفكر والتفحص وصوال إلى إرساء أخالقيات مستقرة مقبولة لدى اجلميع‪ .‬مذاك أخذت‬ ‫أفكار بناء نسق اجتماعي في مجتمعات غربية تتطور حتت رعاية إدارات حكومية‪ ،‬وهذا‬ ‫ما أوصل إلى “تكافل حكومي” يجد جتسده اآلن بأنظمة الرعاية االجتماعية والصحية‬ ‫والتعليمية‪ ...‬الخ‪.‬‬ ‫لعل اخلالص من ورطة التشدد والعنف في مجتمعاتنا يكمن في القطيعة مع‬ ‫االختزال واالنتقاء من املوروث‪ ،‬وقد يتأتى ذلك من خالل “تنوير املوروث املسلم” بالعمل على‬ ‫إعادة صياغة مقوالته على أساس العقل‪ ،‬وعندها ميكن احلديث عن “تنوير املوروث املسلم”‬ ‫و “نهضة املسلمني”‪.‬‬

‫فالح حسن السوداني‬ ‫‪11‬‬


‫رؤية‬

‫نحن والغرب‬ ‫الكثير منا ال يزال يطلق احكامًا متشددة مليئة بالحقد تجاه الغرب‬ ‫التطرف هو موقف مضاد للحضارة رافض لها ومنجذب الى الماضي‬ ‫إن التطرف ال دين له وال طائفة وال مذهب وال‬ ‫عرق‪ ،‬فعلى ضفتي العالم الشرقي والغربي‪ ،‬أو‬ ‫بالتحديد اإلسالمي والغربي ثمة متطرفون على‬ ‫املستوى العملي وعلى املستوى الفكري أو الفلسفي‬ ‫أو التنظيري‪ ،‬هذه حقيقة ير ّددها الكثيرون من‬ ‫الدارسني املستقلني‪ ،‬أو من املدافعني الدمياغوجيني‬ ‫عن السائد واملألوف واملوروث في ثقافتنا‪.‬‬ ‫غير أن الفارق يكمن في أن هؤالء الدمياغوجيني‬ ‫يستخدمون هذه الفكرة على طريقة احلق الذي‬ ‫ُيراد به الباطل‪ ،‬وذلك ألنّ مثل هذه احلقيقة حني‬ ‫غاية‬ ‫تؤخذ على إطالقها‪ ،‬فإنها تتغافل عن أم ٍر ٍ‬ ‫في األهمية‪ ،‬وهو أنّ متطرفينا أو اخلطاب األصولي‬ ‫لدينا هو اخلطاب السائد‪ ،‬هو اخلطاب الذي ّ‬ ‫يشكل‬ ‫الوعي ويستق ّر في الالوعي‪ ،‬واالستثناء لدينا هو‬ ‫االنعتاق منه نظري ًا وعملي ًا‪ ،‬وذلك بعكس الغرب‪،‬‬ ‫مريرة على مستوى‬ ‫فالغرب استطاع بعد صراعا ٍ‬ ‫ت ٍ‬ ‫الفكر والفلسفة والواقع أن يصل إلى ما هو عليه‬ ‫اليوم من سيطرة اخلطاب الفلسفي العلمي على‬ ‫مساحات الوعي والالوعي‪ ،‬واالستثناء هناك هو‬ ‫اخلطاب األصولي املتز ّمت‪.‬‬ ‫إنّ هذا الفارق مراعاته واجبة على من أراد‬ ‫أن يدرس هذه اللحظة التاريخية من عمر العالم‪،‬‬ ‫ويقارن بني حضارتني متباينتني تتقاسمان العالم‪،‬‬ ‫وتثيران فيه الزوابع والعواصف العملية والفكرية‪.‬‬ ‫قبل يومني اثنني‪ ،‬انعقدت ندوة ضمن فعاليات‬ ‫مهرجان الشرق األوسط السينمائي الدولي في‬ ‫وبقوة حلرق‬ ‫العاصمة اإلماراتية أبوظبي‪ ،‬التي تتطلع ٍ‬ ‫‪12‬‬

‫ت عالية‬ ‫املراحل التنموية‪ ،‬لتصل‬ ‫بسرعة إلى مستويا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫التصنيف عاملي ًا‪ ،‬ولتكون عالمة مميزة في قصص‬ ‫النجاح الكبرى في املنطقة والعالم‪ ،‬والتي يعدّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واحدا في حزمتها املألى‬ ‫عودا‬ ‫هذا املهرجان الدولي‬ ‫بالطموح والعزم‪.‬‬ ‫كانت الندوة مخصصة للنقاش حول “صورة‬

‫التطرف ال دين له وال طائفة‬ ‫وال مذهب وال عرق‪ ،‬فعلى‬ ‫ضفتي العالم الشرقي والغربي‪،‬‬ ‫أو بالتحديد اإلسالمي والغربي‬ ‫ثمة متطرفون على المستوى‬ ‫العملي وعلى المستوى الفكري‬ ‫أو الفلسفي أو التنظيري‬

‫املسلمني في السينما والتلفزيون”‪ ،‬واملتحدثون في‬ ‫الندوة ذوو مشارب شتى‪ ،‬ما أثرى النقاش وزاد من‬ ‫سخونة احلوار‪ ،‬أو ًال ألهمية املوضوع‪ ،‬وثاني ًا لوجود‬ ‫ت مختلفة االختصاصات والرؤى‪ ،‬ومبا أ ّنني‬ ‫شخصيا ٍ‬ ‫ّ‬ ‫كنت أحد املتحدثني في هذه الندوة‪ ،‬فإنني أحب أن‬ ‫أعرض بعض األفكار التي ينبغي أن نستوعبها في‬ ‫مثل هذه احلوارات‪.‬‬ ‫لم تزل األصوات املطالبة للغرب بتحسني صورة‬ ‫العرب واملسلمني في أعمالهم الدرامية‪ ،‬والداعية له‬ ‫أن يف ّرق بني اإلرهابيني وبني املسلمني والعرب‪ ،‬لم‬ ‫ً‬ ‫عالية في العالم العربي ومطلبها‬ ‫تزل هذه األصوات‬ ‫صحيح من حيث املبدأ‪ ،‬ولكننا ال نصنع ما نطالب‬ ‫به باملقابل‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬فنحن أو الكثير منّا‬ ‫ً‬ ‫مليئة باحلقد‬ ‫على األقل مينح الغرب أحكام ًا متشدد ًة‬ ‫والكراهية ونظريات املؤامرة التي أصبحت توزّع‬ ‫بال حساب‪ ،‬وباختصار فنحن مننح الغرب أحكام ًا‬ ‫باجلملة في ذات الوقت الذي نطلب منه أن مينحنا‬ ‫أحكام ًا باملف ّرق!‬ ‫نحن نطالب بل ونستجدي أحيان ًا أن ينظر الغرب‬ ‫ف وموضوعية‪ ،‬مع كل األخطاء‬ ‫إلينا‬ ‫بعدالة وإنصا ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫التي ارتكبناها أو ارتُكبت باسمنا‪ ،‬ولكنّنا نلعنهم‬ ‫أناء الليل وأطراف النهار‪ ،‬وهذا رمضان الكرمي قد‬ ‫و ّلى قريب ًا‪ ،‬وكانت كثير من املنابر واحملاريب فيه‬ ‫تستمطر اللعنات على الغرب‪ ،‬وليس الغرب كعد ٍو‬ ‫معتد فحسب‪ ،‬بل على الغرب ك ّله بقضه وقضيضه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وعلى حضارته التي ننعم بخيرها‪ ،‬بل وصل احلدّ إلى‬ ‫الدعاء على أطفاله ونسائه وضعفته بالفناء والبلوى‬


‫واملصائب واألمراض والنكبات‪ ،‬ما يثبت مدى بعدنا عن احلكمة التي تقول‪ :‬يا أيها‬ ‫الرجل املعلم غيره‪ ،‬هال لنفسك كان ذا التعليم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫موحدين وال عرب مجتمعني‪ ،‬فكذلك‬ ‫كما أننا لسنا شرق ًا‬ ‫واحدا‪ ،‬وال مسلمني ّ‬ ‫الغرب‪ ،‬ففي اجلانبني أصنا ٌ‬ ‫والتوجهات والرؤى والتيارات‪ ،‬ال ميكن‬ ‫ف شتى من البشر‬ ‫ّ‬ ‫واحدة إال دمياغوجي أعشى‪ ،‬ال يكاد مي ّيز ألوان الطيف‪ ،‬فهو ال‬ ‫حزمة‬ ‫ٍ‬ ‫أن يجمعهم في ٍ‬ ‫يرى منها سوى األبيض واألسود فقط‪ ،‬على أنّ الرؤية الصائبة هي الرؤية التي تؤكد‬ ‫على الفوارق وترى التمايزات بني املتشابهات‪ ،‬ومن هنا فإن رؤية البشر لبعضهم‬ ‫تؤثر فيها الكثير من املؤثرات منها التاريخ والصورة النمطية املتوارثة‪ ،‬ومنها التط ّور‬ ‫الذهني لألمم واألفراد‪ ،‬ومنها طبيعة العالقات بني الناظر واملنظور إليه مع عوامل‬ ‫أخرى منها الدينية والسياسية واالجتماعية وغيرها‪.‬‬ ‫إنّ اخلطأ األكبر لدينا ولديهم يكمن في التعميم‪ ،‬أي أننا نأخذ اجلزء فنحكم به‬ ‫على ّ‬ ‫ف للطرف اآلخر يصنعها الطرف املنظور إليه أو ًال‪ ،‬فنظرتهم‬ ‫الكل‪ ،‬ورؤية كل طر ٍ‬ ‫ً‬ ‫بداية‪ ،‬أو على األقل الصوت األعلى لدينا هو الذي‬ ‫لنا ـ مث ًال ـ نحن صنعناها‬ ‫وفعالية‪ ،‬ونحن لألسف‬ ‫بقوة وتأثي ٍر‬ ‫صنعها‪ ،‬الصوت الذي استطاع أن يصل إليهم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الشديد لم نع ّرفهم بنا كما ينبغي‪ ،‬حتى جاءهم بعض املتطرفني لدينا وصعقوهم‬ ‫بصدمة احلادي عشر من سبتمبر وغيرها‪.‬‬ ‫كما تقدّ م في أ ّول املقال‪ ،‬فإن التطرف ال دين له وال وطن‪ ،‬وقد شهد العالم‬ ‫على امتداد التاريخ واتساع اجلغرافيا أصناف ًا من التط ّرف واإلرهاب ال تحُ صى وال‬ ‫تُعدّ ‪ ،‬غير أنّ ما يجب أن نق ّر به ونستوعبه حق االستيعاب‪ ،‬هو أ ّننا في هذه اللحظة‬ ‫التاريخية من عمر العالم نحن الذين يرتفع علم اإلرهاب فوق رؤوسنا‪ ،‬ويقود جحافله‬ ‫املميتة أبناؤنا‪ ،‬وتشرعن تصرفاته الدمو ّية ثقافتنا وتراثنا‪ ،‬يجب أن نق ّر بهذه احلقيقة‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن اختالق األعذار واالختباء خلف األكاذيب‪ ،‬أو‬ ‫حتى نحسن التعامل معها‬ ‫االكتفاء باالتكاء على نظريات املؤامرة وصراع احلضارات‪.‬‬ ‫ب مأزو ٌم ومتفج ٌر‪ ،‬وأنّ‬ ‫أ ّول ما يجب أن نق ّر به هو أنّ خطابنا الديني خطا ٌ‬ ‫محكمة من املفاهيم الدينية‬ ‫منظومة‬ ‫مجتمعاتنا أضحت أسير ًة للتطرف ومر ّوجيه عبر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫التي ّ‬ ‫تغذيها أوضا ٌع سياسي ٌة واقتصادي ٌة مزرية منحت مثل هذه املفاهيم البيئة الالزمة‬ ‫للتكاثر والتأثير حتى أصبحت مسيطر ًة على رؤية وأحكام مجتمعاتنا وأفرادنا جتاه‬ ‫األشخاص واألفكار واألشياء واألمم واحلضارات‪.‬‬ ‫التطرف هو بالضرورة موقف مضاد للحضارة رافض لها‪ ،‬منجذب إلى املاضي‪،‬‬ ‫مأسو ٌر بالسائد املتل ّقى سماع ًا وحفظ ًا ونق ًال ال وعي ًا وفهم ًا وعق ًال‪ ،‬فالنموذج املثالي‬ ‫كامن في املاضي ال في املستقبل‪ ،‬وأيض ًا ليس في‬ ‫لدى املتطرفني في األعم األغلب‬ ‫ٌ‬ ‫املاضي كما كان‪ ،‬وكما حدث بل في املاضي املتخ ّيل املعدّ ل تاريخي ًا‪ ،‬ليكون على‬ ‫مقاسات املثال املتعالي‪ ،‬وميكن رؤية هذا األمر ً‬ ‫بارزا في دراسات املتطرفني املتعصبني‬ ‫أمة من األمم أو تيا ٍر من التيارات‪ ،‬ويبرز هذا بشكل أكبر‬ ‫للتاريخ بإجمال أو لتاريخ ٍ‬ ‫في تراجم الرموز وسيرهم وحياتهم‪.‬‬ ‫أحسب أننا قد وصلنا إلى مرحلة من تط ّور البشر ّية يجب أن نقتنع فيها أ ّننا‬ ‫ال نستطيع أن نبيد من نختلف معهم‪ ،‬وال أن نقصيهم وننفيهم‪ ،‬وأنّ التعايش ال‬ ‫احلل األمثل‪ ،‬وأن التعاون ال التخاصم هو املخرج األسلم‪ ،‬فلنسلك ً‬ ‫االحتراب هو ّ‬ ‫إذا‬ ‫والتقني احلديث‪،‬‬ ‫العلمي‬ ‫مسلك السالم والتعايش والتعاون‪ ،‬ولننافس على التم ّيز‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عنّا‪ ،‬بد ًال من استحضارها الدائم الذي ال‬ ‫بسالم‬ ‫ولندع صراعات املاضي ترقد‬ ‫ٍ‬ ‫يزيدنا إال خبا ًال وضياع ًا وال يعقبنا إال أمل ًا وشتات ًا‪.‬‬

‫عبداهلل بن بجاد العتيبي‬

‫قضايا اإلصالح الديني حاضرًا‬ ‫ميثل اإلصالح الديني اليوم أولوية هامة من أولويات‬ ‫السياسات احلكومية‪ ،‬وبرامج األحزاب السياسية‪ ،‬ونشاطات‬ ‫اجملتمع املدني في البالد العربية‪ ،‬كما هو احلال في املغرب الذي‬ ‫شهد في السنوات األخيرة مبادرتني في هذا الصدد‪ .‬شأنه في‬ ‫ذلك‪ ،‬شأن معظم الدول العربية‪.‬‬ ‫ورغم أن اإلصالح أمر طبيعي في كافة اجملاالت‪ ،‬إال أن صعوبات‬ ‫عديدة تعترضه خاصة حينما يتعلق األمر باجملال الديني‪ .‬فقد‬ ‫انتظرنا حتى ظهرت أحداث العنف واإلرهاب محليا ودوليا ليبدأ‬ ‫احلديث عن سبل اإلصالح في ظل الضغوطات اخلارجية التي‬ ‫ما فتئت تشير إلى مناهج التعليم الديني‪ .‬وضرورة تخليص‬ ‫الثقافة اإلسالمية من عناصر العداء والتطرف‪.‬‬ ‫ورب ضارة نافعة‪ ،‬فقد يكون لهذا املثير اخلارجي فضل كبير‬ ‫فيما نحن بصدده من ورش إصالحية في القطاع الديني‪ .‬إال أن‬ ‫هذه احملاوالت لن يكتب لها النجاح ـ في نظري ـ ما لم تتوفر‬ ‫إرادة محلية‪ ،‬قادرة على استثمار هذا املعطى اخلارجي‪ ،‬في إعادة‬ ‫فتح النقاش بني العلماء واملفكرين‪ ،‬ومطارحة القضايا الدينية‬ ‫أمام الرأي العام‪ .‬وهو ما حصل فعال‪ ،‬لكنه أخذ طابعا ظرفيا‪ ،‬إذ‬ ‫ال ينتعش إال في الفترات التي تعقب أحداث عنف هنا وهناك‪.‬‬ ‫الشيء الذي يوحي بعدم توفر رؤية واضحة واستراتيجية‬ ‫لإلصالح الديني‪ ،‬الذي في النهاية يتم بقرارات سياسية عليا‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬لقد تأخر علماء املسلمني وفقهاؤهم ‪ ،‬إذ كانوا هم األولى‬ ‫بطرح املبادرات في هذا الشأن منذ ظهور أزماته األولى‪ .‬ومع‬ ‫ذلك‪ ،‬فالكل مطالب اليوم باملساهمة في إجناح اإلصالح الديني‪،‬‬ ‫الذي ينبغي أن تفرزه نقاشات ومناظرات وحوارات علماء الدين‬ ‫مع مفكري التنوير وأصحاب املشاريع النقدية للتراث اإلسالمي‬ ‫والعقل العربي‪ ،‬حتى يكون اإلصالح مؤسسا على ثوابت‬ ‫ومرتكزات حقيقية‪ ،‬قوامها إشاعة ثقافة احلوار واالختالف في‬ ‫الرأي‪ ،‬واإلميان بالتعددية والنسبية في اآلراء‪ .‬وكلها قيم نحتاج‬ ‫إلى تربية املواطنني عليها‪ .‬ممن اعتادوا على تقديس الفقهاء‬ ‫والتعامل بنوع من التعصب آلرائهم ومذاهبهم‪ ،‬دون متييز بني‬ ‫النص ( املقدس ) واإلنتاج البشري احمليط به‪ ،‬اخلاضع للنسبية‬ ‫والتطوير واإلصالح‪.‬‬ ‫لقد ساد االعتقاد لقرون‪ ،‬وترسخ لدى العامة واخلاصة‬ ‫أن االجتهاد اإلسالمي تقوم به فئة من العلماء‪ ،‬تتوفر فيها‬ ‫شروط معينة مثل اإلملام باللغة العربية والتمكن من العلوم‬ ‫الشرعية‪ .‬غير أن منجزات احلضارة احلديثة التي نعيش اليوم‬ ‫على هامشها‪ ،‬غيرت الكثير من املفاهيم‪ ،‬وأهمها مفهوم‬ ‫العلم نفسه‪ ،‬ونظريات املعرفة‪ ،‬مما يفرض اليوم على علماء‬ ‫الدين االنفتاح على العلوم اإلنسانية اخملتلفة‪ .‬ومواكبة املنجزات‬ ‫املعرفية للحضارة احلديثة‪ ،‬حينها ميكن أن ينتجوا وعيا جديدا‬ ‫بنصوص القرآن‪ .‬نأمل حقا ذلك‪..‬‬

‫عبداللطيف طريب‬

‫أستاذ باحث في الدراسات اإلسالمية ومقارنة األديان‬

‫‪13‬‬


‫دراسة‬

‫اإلصالحيون اإلسالميون وصدمة الحداثة‬ ‫زرع االصالحيون في القرن التاسع عشر البذورة االولى لخطاب الحداثة‬ ‫يمكن وصف عصرنا الراهن بأنه عصر تقويض اليقينات وتبدد التطلعات الكبرى‬ ‫ال شك في أن صدمة احلداثة الغربية التي اجتاحت‬ ‫عالم اإلسالم على حني غرة مصحوبة بوطأة االجتياحات‬ ‫العسكرية والتدخالت السياسية والدبلوماسية األوروبية‬ ‫قد أحدثت رجات هائلة سواء على صعيد الفكر‬ ‫والثقافة أو على صعيد بنى االجتماع والسياسة في‬ ‫العالم اإلسالمي‪ ،‬وهي رجات ما زالت آثارها فاعلة‪،‬‬ ‫وتداعياتها قائمة إلى يومنا هذا‪.‬‬ ‫بدأ مشروع احلداثة في املنطقة اإلسالمية ضربا من‬ ‫«التحديث» اإلجرائي في إطار ما سيطلق عليه الحقا‬ ‫حركة التنظيمات التي فرضتها الضغوط العسكرية‬ ‫والتدخالت األوروبية املتفاقمة في الدولة العثمانية‪،‬‬ ‫وقد انطلق هذا املشروع بادئ األمر من دوائر السلطان‬ ‫ورجاالت احلكم‪ ،‬ثم ما لبث أن توسع مداه ليشمل قوى‬ ‫اجتماعية وفكرية أوسع‪.‬‬ ‫ضمن هذه األجواء العامة ولد وتطور خطاب‬ ‫اإلصالحيني اإلسالميني في القرن التاسع عشر الذين‬ ‫عملوا على مواجهة الصدمة العنيفة للحداثة الغربية‬ ‫بضرب من اإلحيائية اإلسالمية في إطار ما سمي‬ ‫بالسلفية اجلديدة‪.‬‬ ‫يتلخص مشروع اإلصالحيني اإلسالميني على ما‬ ‫بينهم من تباين واختالف‪ ،‬باملناداة إلى الرجوع للمنابع‬ ‫اإلسالمية ممثلة في القرآن والسنة الصحيحة ومثال النبوة‬ ‫واخلالفة الراشدة‪ ،‬واحلمل بشدة في نفس الوقت على‬ ‫ما اعتبروه جمودا على املاضي وتنكبا عن االجتهاد‬ ‫واستيعاب روح العصر‪ ،‬مع احلث على األخذ بأسباب‬ ‫املدنية احلديثة‪.‬‬ ‫لقد زرع اإلصالحيون اإلسالميون للقرن التاسع‬ ‫عشر وما بعده البذور األولى ملا ميكن تسميته هنا‬ ‫بخطاب احلداثة اإلسالمية‪ ،‬وذلك في إطار مسعاهم إلى‬ ‫استيعاب املدونة «احلداثية» الغربية ضمن وعاء إسالم‬ ‫أصيل يقوم على مصادره النصية األساسية ممثلة في‬ ‫القرآن والسنة النبوية وميراث الصحابة‪.‬‬ ‫كان همهم الرئيس يتلخص في استيعاب التحوالت‬ ‫اجلارية من حولهم والتي فرضتها التدخالت الغربية‬ ‫الواسعة ثم جتربة التنظيمات‪ ،‬في إطار الشرعية‬ ‫‪14‬‬

‫اإلسالمية‪ ،‬بحيث يتم وصل ما انقطع من صلة اإلسالم‬ ‫بالعالم احلديث‪.‬‬ ‫كانت نظرتهم العامة تقوم على إمكانية التواؤم بني‬ ‫إسالم عقالني ومبرأ من اجلمود والتقليد‪ ،‬وبني حداثة‬ ‫ليبرالية آخذة في التوسع بقوة اجليوش ومتدد االقتصاد‬ ‫الرأسمالي وانتشار املدارس التبشيرية الغربية وذيوع‬ ‫الصحافة وأدوات النشر‪.‬‬ ‫فقد كان اجلهد األكبر للشيخ محمد عبده مثال‪ ،‬كما‬ ‫هو جهد أستاذه األفغاني من قبله وبقية تالميذه وأتباعه‬

‫رغم المكاسب التي سجلها‬ ‫اإلصالحيون إال أنهم يظلون‬ ‫في نهاية المطاف أبناء‬ ‫عصرهم‪ ،‬وما شاع فيه من‬ ‫مقوالت ومفاهيم عامة‪ ،‬كما‬ ‫أنهم كانوا منطبعين في نفس‬ ‫الوقت بتلك العالقة المختلة‬ ‫بين غرب صاعد ومتمدد‬ ‫وعالم إسالمي مأزوم وقلق‬ ‫من بعده يتلخص في تأكيد مثل هذا التواؤم بني اإلسالم‬ ‫واملدنية احلديثة‪ ،‬وذلك ردا على بعض الكتّاب الغربيني‬ ‫مثل رينان وهانوتو وكومون وغيرهم من املستشرقني‬ ‫ممن شددوا على استحالة مثل هذا التوافق بني اإلسالم‬ ‫و«املدنية»‪.‬‬ ‫وقد وصل األمر باملستشرق الفرنسي هانوتو حد‬ ‫وصف اإلسالم باملرض والشلل واجلنون واجلذام‪ ،‬ونعت‬ ‫املسلمني بالوحوش الضارية على نحو ما سجل ذلك في‬ ‫كتابه املعنون بـ «مرض اإلسالم»‪.‬‬ ‫فعال كان لإلصالحيني فضل كبير في تقريب الكثير‬ ‫من مفاهيم احلداثة ومقوالتها إلى الوعي العام وتخليصها‬ ‫مما خالطها من غربة بسبب «أجنبية مصدرها» وذلك من‬

‫خالل مواءمتها ملقتضيات التداول العربي اإلسالمي‪،‬‬ ‫وهذا خالفا لرجال التنظيمات والنخب الليبرالية التي لم‬ ‫تشغل نفسها ـ وال هي كانت مؤهلة أصال ـ إلجناز مثل‬ ‫هذه املهمة املركبة‪.‬‬ ‫وما هو جدير بالتسجيل في هذا الصدد دور‬ ‫اإلصالحيني في تكوين ما ميكن تسميته هنا باحلامل‬ ‫االجتماعي للمشروع احلداثي اإلسالمي‪ ،‬من خالل نقل‬ ‫فاعلية اخلطاب اإلصالحي من املعاقل «التقليدية» إلى‬ ‫املؤسسات احلديثة‪ ،‬ومن جماعة العلماء إلى املثقف‬ ‫اإلسالمي احلديث‪.‬‬ ‫فقد أصبح اإلصالحيون يراهنون على «املثقف‬ ‫اإلسالمي» منتج املؤسسات احلديثة في إنفاذ مشروعهم‬ ‫اإلصالحي واستيعاب مقومات «املدنية» احلديثة بعدما‬ ‫نفضوا أيديهم من قطاع العلماء أو النخب «التقليدية»‬ ‫ويئسوا من إقناعهم بجدوى التطوير واإلصالح على‬ ‫النحو الذي طرحوه‪.‬‬ ‫ومع كل ما ذكرناه سابقا من مكاسب سجلها‬ ‫اإلصالحيون إال أنهم يظلون في نهاية املطاف أبناء‬ ‫عصرهم‪ ،‬وما شاع فيه من مقوالت ومفاهيم عامة‪ ،‬كما‬ ‫أنهم كانوا منطبعني في نفس الوقت بتلك العالقة املختلة‬ ‫بني غرب صاعد ومتمدد وعالم إسالمي مأزوم وقلق‪.‬‬ ‫بيد أن هذه املنهجية التي نهجها اإلصالحيون في‬ ‫التعاطي مع «املدنية» الغربية على جالل قدرهم‪ ،‬وعظم‬ ‫جهدهم‪ ،‬ال تخلو من وجوه قصور نظرية وتاريخية كثيرة‬ ‫ال ميكن جتاهلها أو إغماض العينني عنها‪ ،‬ورمبا ال ميكننا‬ ‫قبولها أو استساغتها اليوم‪ ،‬كيف ذلك؟‬ ‫لقد ابتلع اإلصالحيون االدعاءات الكونية للخطاب‬ ‫احلداثي من دون وعي كاف مبحدودية مقوالته ومفاهيمه‬ ‫الرائجة‪ .‬وكان أقصى ما يطمحون إليه تأسيس مشروعية‬ ‫اقتباس هذه «املدنية» املثالية وصبها في الوعاء‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬عبر إعمال آلية التشبيه والقياس‪.‬‬ ‫كانت مواقفهم العامة تصدر في الغالب األعم‬ ‫عن مسلمة نظرية مضمرة مفادها أن هذه احلداثة شيء‬ ‫مكتمل وناجز‪ ،‬ميكن إعادة تركيبها وصبها داخل الوعاء‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬شريطة أن تتوفر األرضية املناسبة حلسن‬


‫استقبالها واحتضانها‪ ،‬وأال يتم املس بثوابت الدين‬ ‫واألخالق العامة‪ .‬لقد كانوا فعال مجتهدين في اإلسالم‪،‬‬ ‫بيد أن رؤيتهم للحداثة كان يغلب عليها طابع التقليد‬ ‫على االجتهاد‪ ،‬واالجترار على االبتكار‪.‬‬ ‫عند التحقيق اجلاد في خطاب اإلصالحيني ورصد‬ ‫ميراثهم يتبني أنهم كانوا «أنواريني» وليبراليني‪ ،‬بقدر‬ ‫ما كانوا إسالميني‪ ،‬ولعل هذا ما جعلهم موضع التباس‬ ‫وإشكال بالنسبة للكثير من قراء نصوصهم ومتعقبي‬ ‫سيرهم‪.‬‬ ‫فقد كانوا يؤمنون فعال بوجود عقل كوني ومطلق‪،‬‬ ‫كما كانوا يعلقون آماال كبرى على العلوم والتقنيات‬ ‫ويؤمنون بالتقدم املطرد على طريقة األنواريني األوروبيني‪،‬‬ ‫مثلما كانوا شديدي االقتناع بالطابع الكوني واحليادي‬ ‫ملا سموه باملدنية احلديثة‪ ،‬وما كان يقلقهم حقا هو سؤال‬ ‫الهوية أكثر من أي شيء آخر‪ ،‬أي كيفية احملافظة على‬ ‫الدين واألخالق مع جلب املدنية املطلوبة التي تفوق بها‬ ‫الغرب احلديث وبز بها سائر األمم‪.‬‬ ‫ليس من اليسير اليوم قبول رؤية اإلصالحيني‬ ‫للحداثة الغربية أو ـ في احلد األدنى ـ الكثير من عناصر‬ ‫رؤيتهم العامة‪ ،‬ليس ألننا بالضرورة أكثر وعيا أو نضجا‬ ‫من أسالفنا اإلصالحيني بل ألنه قد جرت مياه كثيرة في‬ ‫نهر احلداثة الغربية سواء أكان ذلك على صعيد التجربة‬ ‫التاريخية احلية‪ ،‬أم على صعيد الفكر‪ ،‬مبا يجعلنا أكثر‬ ‫حذرا من قبول االدعاءات الكونية احلداثية‪ ،‬ورمبا أكثر‬ ‫قدرة على أخذ مسافة من هذه احلداثة ونخل مكاسبها‬ ‫من عثراتها‪ ،‬وتبني منجزاتها من هناتها وإخفاقاتها‪،‬‬ ‫قياسا بآبائنا اإلصالحيني‪.‬‬ ‫فمثل هذا التقسيم الذي نهجه اإلصالحيون‬ ‫اإلسالميون للحضارة أو املدنية بني وجهها املادي‬ ‫ووجها الروحي يظل افتراضيا ذهنيا وال عالقة له بواقع‬ ‫احلضارات واملجتمعات التي يتبني عند النظر املدقق‬ ‫أنها نسيج مترابط احللقات تتداخل فيه العوائد واآلداب‬ ‫بالصنائع‪ ،‬واألفكار بالنظم واإلجراءات‪.‬‬ ‫فاإلجراءات والوسائل مهما بدا عليها من طابع‬ ‫احليادية والكونية تظل في نهاية املطاف ضاربة بعروقها‬ ‫في مداد التاريخ وميراث التجربة والثقافة‪ ،‬أو الثقافات‬ ‫التي انصهرت ضمنها واشتغلت في أجوائها‪ ،‬وعليه‬ ‫من الصعب التسليم لإلصالحيني بأن ما سموه باملدنية‬ ‫احلديثة والتي تشمل عندهم كل ما يتعلق بالنظم‬ ‫السياسية واالجتماعية‪ ،‬والعلوم والصنائع ذات صبغة‬ ‫كونية مطلقة ومحايدة‪.‬‬ ‫فمثل هذه الوسائل واإلجراءات ليست منزلة من‬ ‫السماء‪ ،‬وال هي ولدت مكتملة‪ ،‬بل هي تخلقت في رحم‬ ‫التاريخ وفي سياق خبرات الشعوب املتتالية ومختزناتها‬ ‫الرمزية والثقافية‪ .‬صحيح أن الكثير من الوسائل‬ ‫واإلجراءات حتمل قابلية اخلروج من طور اخلصوصية‬ ‫إلى الكونية ملا تثبته واقعا من جناعة عملية‪ ،‬كما أن‬ ‫احلضارات تتفاعل وتتبادل املنافع فيما بينها‪ ،‬ما دامت‬ ‫ليست باجلزر املعزولة واملفاصلة لبعضها البعض‪ ،‬بيد أن‬ ‫احلضارات أو نظم العمران على نحو ما يذكرنا العالمة‬ ‫ابن خلدون تظل في نهاية املطاف نسيجا مترابط احللقات‬

‫واملكونات مبا ال يسمح بتقسيمها إلى مجال الروحانيات‬ ‫والقيم من جهة أولى‪ ،‬ومجال املاديات والوسائل من جهة‬ ‫أخرى‪.‬‬ ‫فوسائل املدنية أو التنظيم ليست شيئا صامتا‬ ‫وسلبيا ميكن توظيفها أو التحكم فيها على النحو الذي‬ ‫نريد أو نرغب فيه على ما يتصور اإلصالحيون‪ ،‬بل إنها‬ ‫متلك من القوة والسلطان ما قد يفوق أحيانا كثيرة سلطان‬ ‫األفكار والقيم وتتجاوز نطاق اإلرادات الفردية واجلماعية‬ ‫نفسها‪ .‬أليست احلداثة في جوهرها التحول في عالم‬ ‫الوسائل واإلجراءات من نظم إدارية وتقنية؟ أليست هذه‬ ‫الوسائل هي التي غيرت شروط الوجود اإلنساني وبدلت‬ ‫نحل العيش وأمناط القيم ومناهج التفكير؟‬ ‫يذكرنا ماكس فيبر بأن احلداثة تعني في بعد من‬ ‫أبعادها األساسية شيوع السوق الرأسمالية مبا فيها‬ ‫من مراكمة املنافسة والربح‪ ،‬وظهور اإلدارة مبا حتويه من‬ ‫عقلنة وجناعة‪ ،‬وعليه فإن هاتني القوتني اجلبارتني (أي‬ ‫السوق والبيروقراطية) بحسب عالم االجتماع األملاني‬ ‫تعيدان تشكيل أمناط حياة اإلنسان وصياغة نظام قيمه‬ ‫اخلاصة والعامة‪.‬‬ ‫فاإلنسان احلديث ـ على ما يذكر فيبر ـ الذي يولد‬ ‫وميوت في أجواء الرأسمالية والبيروقراطية الطاغية‪،‬‬ ‫يبدو مسكونا في أعماقه بأخالق تعظيم الربح وحتسني‬ ‫النجاعة أكثر من أي شيء آخر‪ ،‬كما أنه يبدو متنكبا‬ ‫بطبعه عن كل ما هو «مقدس» و«جليل» باعتباره‬ ‫شاغال عن النجاح في هذا العالم الدنيوي‪.‬‬ ‫كما أن ماركس من قبله ينبهنا إلى أن كل ما هو‬ ‫صلب يتبخر ويلني عوده في آلة احلداثة الرأسمالية‪،‬‬ ‫قاصدا بذلك أن األفكار الكبرى واألخالق الصلبة لن‬ ‫تصمد كثيرا أمام رأسمالية قاهرة ومتمركزة حول اآللة‪،‬‬ ‫وما جتلبه من تعظيم الربح وحتسني اإلنتاج‪ .‬صحيح أن‬ ‫هذه احلداثة ليست باآللهة السحرية والقاهرة‪ ،‬بيد أنها‬ ‫في نفس الوقت ليست عجينة طيعة أو صلصال أطفال‬ ‫تشكلها أناملنا على النحو الذي نرغب فيه على ما‬ ‫تصور آباؤنا اإلصالحيون‪.‬‬ ‫لم يكن اإلصالحيون على وعي كاف مبا حتمله‬ ‫احلداثة (أو املدنية بحسب تعبيرهم) من قوة ومخاطر في‬ ‫نفس الوقت‪ ،‬ورمبا يعود ذلك إلى أن األوضاع الصاخبة‬ ‫التي عاشوها وكتبوا فيها لم تتح لهم فرصة التفكير‬ ‫العميق في ظاهرة احلداثة‪ ،‬بل رأوا فيها طوق النجاة‬ ‫إلخراج العالم اإلسالمي من مأزقه‪ ،‬والكفيلة بإحلاقه‬ ‫بركب «التقدم»‪.‬‬ ‫ال ننسى هنا أن مسار احلداثة وإلى غاية طليعة‬ ‫القرن العشرين‪ ،‬أي احلقبة التي تخلق فيها خطاب‬ ‫اإلصالحيني‪ ،‬ميكن وصفها بأنها حقبة املسار املظفر‬ ‫والناجح للحداثة الغربية‪ ،‬مبا يجعل من العسير عليهم‬ ‫وقتها إدراك مخاطرها وهناتها‪ .‬لقد كان مبدأ الضرورة هو‬ ‫الدافع لهم في املناداة باقتباس هذه «احلداثة» والتبشير‬ ‫بفضائلها العامة‪.‬هل يعني ذلك أن اإلصالحيني كانوا‬ ‫مخطئني حينما نادوا باالقتباس من الغرب احلديث‪،‬‬ ‫وأخذ ما يرونه أدوية شافية للجسم اإلسالمي العليل؟‬ ‫إنهم لم يكونوا مخطئني وال واهمني من هذه الناحية‪،‬‬

‫بيد أن مسوغاتهم العامة لعملية االقتباس والتلقي تبدو‬ ‫لنا اليوم واهية وضعيفة‪ ،‬كما أن مبشراتهم املستقبلية‬ ‫التي حتولت في زمننا الراهن حاضرا محسوسا لم تعد‬ ‫تقنعنا أو تستهوينا‪ .‬لقد نهل عالم اإلسالم الواسع‬ ‫اليوم كثيرا من عباب هذه «املدنية» التي نادي بها‬ ‫اإلصالحيون‪ ،‬واتبع خطى «األمم األبية» بحسب وصف‬ ‫خير الدين التونسي في األخذ بأساليب العلوم والتقنيات‬ ‫ونظام العمارة وهندسة الطرقات‪ ،‬وحتى في املأكل وامللبس‬ ‫وفي كل شيء‪.‬‬ ‫بيد أن الهوة بيننا وبني هذه األمم تزداد اتساعا‬ ‫واملسافة تباعدا‪ ،‬فكلما خلنا أننا اقتربنا منها وجدناها‬ ‫ازدادت بعدا عنا‪ .‬مجتمعاتنا اليوم ال ترضي أحدا‪ ،‬فهي‬ ‫يأنفها «التقليديون» ألنها ما عادت أصيلة أو تقليدية‬ ‫كما يرغبون‪ ،‬ويكرهها احلداثيون ألنها ما صارت حداثية‬ ‫زاهية على نحو ما يحلمون‪ ،‬ولك أن تقول إننا اليوم إزاء‬ ‫اجتماع تقليدي مأزوم وحداثة مشوهة‪.‬‬ ‫أما على صعيد النظري أو ما ميكن تسميته هنا‬ ‫بالقيم الفكرية واألخالقية املؤسسة للحداثة فقد أضحت‬ ‫اليوم بني أيدينا الكثير من األدبيات النقدية للحداثة‪،‬‬ ‫مبا نزع عنها تلك الهالة السحرية واليقينية التي كانت‬ ‫حتاط بها‪ ،‬وهي أدبيات دونها مفكرون وفالسفة غربيون‬ ‫قبل غيرهم‪ ،‬تركز جهدهم األعظم على تعرية احلداثة‬ ‫وبيان عثراتها‪ ،‬إلى جانب تفكيك الكثير من مفاهيمها‬ ‫ومبشراتها‪ ،‬وعلى رأس ذلك مفاهيم العقالنية الصلبة‪،‬‬ ‫والتقدم‪ ،‬واإلنسانية والعلمية وغيرها‪.‬‬ ‫ولعله لهذا السبب لم تعد أجيالنا الراهنة تعلق‬ ‫تلك الثقة الزائدة على اقتباس املدنية التي أطنب آباؤنا‬ ‫اإلصالحيون في احلديث عن فضائلها ومحاسنها‪ .‬نحن‬ ‫اليوم منشغلون بالتفكير في مآزق «املدنية» وعاهاتها‬ ‫أكثر من انشغالنا مبكاسبها وانتصاراتها‪ .‬وفعال يبدو‬ ‫عصرنا الراهن مسكونا بهاجس ما سماه الفيلسوف‬ ‫الفرنسي جون فرنسوا ليوتار نهاية الروايات الكبرى‪،‬‬ ‫أي تفكيك املفاهيم الكبرى الناظمة لعصر احلداثة‪ ،‬أكثر‬ ‫مما هو معني بتشييد التطلعات وبناء األفكار والنظريات‬ ‫الكبرى‪.‬‬ ‫باختصار ميكن وصف عصرنا الراهن بأنه عصر‬ ‫تقويض اليقينيات وتبدد التطلعات الكبرى‪ ،‬بعد أن‬ ‫أضحت احلداثة تاريخا وخبرة ماثلة أمام أبصارنا ميكن‬ ‫غربلة عاهاتها من مكاسبها‪ ،‬وما عادت مبشرات‬ ‫مستقبلية تشرئب إليها أعناقنا وتخفق إليها أفئدتنا‪.‬‬ ‫وحتى في الرقعة العربية اإلسالمية لم تعد احلداثة‬ ‫مجرد تطلعات أو أحالم وردية تراود بعض حاشية‬ ‫السلطان أو النخب البيروقراطية وبعض املثقفني والوجهاء‬ ‫على نحو ما كان عليه األمر أواسط القرن التاسع عشر أو‬ ‫حتى مطلع القرن العشرين‪ ،‬بل أضحت خبرة حية وجتربة‬ ‫ماثلة أمام أبصارنا من املمكن فتح سجلها وتشخيص‬ ‫أحوالها وفك ألغازها‪ ،‬هذا إن كانت لها ألغاز أصال‪.‬‬

‫الكاتب التونسي رفيق عبد السالم‬ ‫صحيفة التجديد ـ المغرب‬

‫‪15‬‬


‫تجارب‬

‫إسالموي بريطاني سابق يتصدى أليديولوجيا «الجهاد»‪:‬‬

‫ضعوا نهاية لإلرهاب!‬

‫كيف يبرر غالة االسالمويين استخدام كل هذا االرهاب باسم الدين؟‬ ‫ان المسلمين البريطانيين مواطنون وليسوا مهاجرين يعيشون في بالد “الكفار”‬ ‫حسن بت البالغ من العمر ‪ 27‬عاما ولد في‬ ‫مدينة مانشستر البريطانية من أب وأم باكستانيني‬ ‫وكان ناشطا في مجموعة “املهاجرون” اإلسالموية‬ ‫املتطرفة‪ .‬لكنه تخلى في العام املاضي عن أفكار‬ ‫التطرف الديني‪ .‬صحيفة الـ”أوبزرفر” البريطانية‬ ‫نشرت له هذا املقال التالي ردا على الهجمات‬ ‫اإلرهابية التي شهدتها مؤخرا في بريطانيا‪.‬‬ ‫«كنت حتى فترة قليلة مضت عضوا في احتاد لم‬ ‫يكن متماسك البنيان هيكليا‪ ،‬حيث يتصرف أعضاؤه‬ ‫بصفة شبه مستقلة وكان القاسم املشترك الرئيس فيما‬ ‫بينهم هو أيديولوجيا ميكن أن نصفها على أفضل وجه‬ ‫بأنها شبكة اتصاالت تابعة حلركة اجلهاد البريطاني‪.‬‬ ‫كنت أنا ورفاقي في تلك املجموعة نضحك بصوت‬ ‫جهوري معبئ بروح االنتصار كلما تبادر إلى علمنا‬ ‫عن طريق قنوات التلفزيون مرة بعد األخرى اإلدعاء‬ ‫بأن املنبع الوحيد الذي تنطلق منه الهجمات اإلرهابية‬ ‫اإلسالموية كأحداث احلادي عشر من سبتمبر‪/‬أيلول‬ ‫أو الهجمات التي استخدمت فيها القنابل في مدريد‬ ‫ولندن ليس سوى السياسة اخلارجية التي ميارسها‬ ‫الغرب‪.‬‬ ‫كان هؤالء املعلقون الصحافيون يتولون بدال عنا‬ ‫مهمة البروباغندا السياسية من خالل اعتبار حكوماتهم‬ ‫(الغربية) بأنها اجلهة التي تتحمل ذنب ومسؤولية‬ ‫األعمال التي نقوم بها‪ .‬األهم من ذلك أنهم كانوا من‬ ‫خالل ذلك يصرفون اهتمام القراء عن اجلذور والبواعث‬ ‫احلقيقية ألعمالنا تلك وهي على وجه التحديد علوم‬ ‫الدين وفقا لرؤى اإلسالمويني‪.‬‬ ‫حتى بعد احملاوالت التي وقعت مؤخرا في لندن‬ ‫‪16‬‬

‫وغالسغو بهدف القيام بعمليات اغتيال “استراتيجية‬ ‫الهدف” من خالل استخدام سيارات مفخخة كان من‬ ‫شأنها أن تتسبب في إحلاق املوت والدمار عادت‬ ‫األضواء تسلط من جديد على السياسة اخلارجية‬ ‫الغربية واعتبارها السبب الرئيس وراء تلك األحداث‪.‬‬ ‫عمدة مدينة لندن السابق‪ ،‬كني ليفينغستون‪ ،‬أكد‬ ‫في تعقيب له بثته محطات اإلذاعة “لقد دلت حترياتنا‬ ‫حول أفكار وبواعث الشباب املسلمني الرازحني حتت‬ ‫وطأة الغربة بأن ما يعنيهم من أمر في املقام األول هو‬ ‫األحداث اجلارية في العراق ال في أفغانستان‪”.‬‬ ‫ازدواجية في رؤية العالم‬

‫لقد تركت تنظيم شبكة اجلهاد في فبراير‪/‬شباط‬ ‫‪ 2006‬ولو كنت ال أزال عضوا في التنظيم لعدت‬ ‫أقهقه ضاحكا هذه املرة أيضا‪ .‬كان محمد صديق‬ ‫خان الرأس املدبر للهجمات التي شهدتها لندن في‬ ‫السابع من يوليو‪/‬متوز ‪ 2005‬ينتمي مثلي للتنظيم‬ ‫املذكور‪ ،‬وقد التقينا ببعض مرتني اثنتني‪ .‬صحيح أن‬ ‫الغضب هيمن على نفوس الكثيرين من اإلسالمويني‬ ‫املتشددين في بريطانيا بسبب مصرع أبناء ملتهم في‬ ‫دول أخرى‪.‬‬

‫لكن هذا األمر لم يكن الدافع الرئيس لألعمال‬ ‫التي قاموا بها‪ .‬فالذي دفعني ودفع الكثيرين غيري‬ ‫من رفاقي للتخطيط ألعمال إرهابية سواء في بريطانيا‬ ‫ـ التي تشكل موطني ـ أو في غيرها من الدول كان ذلك‬ ‫الشعور الذي ساورنا بضرورة الكفاح من أجل إنشاء‬ ‫دولة تتولى في آخر املطاف نشر العدالة اإلسالمية في‬ ‫كل أنحاء العالم‪.‬‬ ‫لكن ما الذي دفعنا إلى السعي إلى حتقيق هذه‬ ‫اليوتوبيا (املشكوك بأمرها) من خالل اللجوء إلى‬ ‫استخدام العنف على نحو مستدمي؟ كيف يبرر غالة‬ ‫اإلسالمويني استخدام مثل هذا اإلرهاب باسم الدين؟‬ ‫ليس في هذه املقالة مجال لتقدمي عرض شامل‬ ‫لهذه القضية‪ .‬لكنني أود اإلشارة هنا على األقل‬ ‫إلى االزدواجية القائمة إزاء صورة العالم الراسخة‬ ‫في أذهان املتطرفني وأفكارهم‪ .‬قد يتقبل املسلمون‬ ‫على الصعيد الفردي مفهوم العلمنة أو يرفضونه‪ ،‬لكن‬ ‫علوم الدين اإلسالمية التقليدية ما زالت ال تسمح في‬ ‫الوقت احلالي على األقل على عكس احلال لدى الدين‬ ‫املسيحي بالفصل بني الدولة والدين‪.‬‬ ‫ففي مفهوم اإلسالم هناك تطابق في املضمون‬ ‫بني الدين والدولة‪ .‬كما أن تقاليد الشريعة اإلسالمية‬ ‫التي مضت قرون عديدة على نشوئها هي التي متلك‬ ‫املرجعية إزاء حتديد العالقة وطبيعة الصالت بني “دار‬ ‫اإلسالم” و”دار الكفر” كما أنها هي املعنية بوضع‬ ‫معايير التعامل في مجاالت التجارة واحلرب وفي‬ ‫أوقات السلم‪.‬‬ ‫لكن الراديكاليني اإلسالمويني يضيفون إلى هذه‬ ‫املبادىء السائدة خطوتني أخريني‪ .‬في اخلطوة األولى‬ ‫يستخدمون حجة فحواها أنه ال وجود اليوم لدولة‬ ‫إسالمية في املفهوم احلقيقي مما يتعني اعتبار العالم‬


‫بكامله مبثابة “دار كفر”‪ .‬أما في اخلطوة الثانية فهم‬ ‫يقولون إنه طاملا حتتم على اإلسالم محاربة الكفر‬ ‫تطلب األمر إعالن احلرب على العالم أجمع‪.‬‬ ‫وقد علمني وعلم الكثيرين غيري من رفاقي‬ ‫السابقني واعظون متشددون في باكستان وبريطانيا‬ ‫بأن هذا التصنيف اجلديد للعالم كـ “دار حرب” يسمح‬ ‫بالتالي لكل مسلم بنقض احلقوق اخلمسة املقدسة‬ ‫التي ضمنها اإلسالم لكل من عاشوا في ظل واليته‬ ‫وهي احلق في احلياة وامللكية واألرض والفكر واإلميان‪.‬‬ ‫هذا يعني أن كل األمور مسموح بها في حال تواصل‬ ‫العيش في دار احلرب مبا في ذلك القيام بهجمات‬ ‫جبانة تستخدم فيها روح املكر والغدر ضد املدنيني‬ ‫من الناس‪.‬‬ ‫األئمة يلتزمون الصمت‬

‫هذا الفهم املزدوج للعالم جعل مسلمي بريطانيا‬ ‫يقعون في فك دوامة إشكالية‪ .‬فقد استغل املتطرفون‬ ‫اإلسالميون على مر عقود طويلة لصالح أغراضهم‬ ‫التوتر القائم بني علوم الدين اإلسالمية ومفهوم‬ ‫الدولة العلمانية احلديثة فعمدوا إلى استخدام قوالب‬ ‫الكليشيهات كالبدء في طرح السؤال التالي “هل أنت‬ ‫بريطاني أم مسلم؟”‬ ‫لكن العامل الرئيس وراء النجاح الذي حققه‬ ‫الراديكاليون يعود بكل بساطة إلى امتناع أغلبية‬ ‫املؤسسات اإلسالمية في إنكلترا عن اخلوض في‬ ‫األمور املتعلقة بعلوم الدين في اإلسالم‪ .‬فهذه‬ ‫املؤسسات ترفض التطرق إلى املسألة الصعبة بل‬ ‫احلافلة باإلشكالية في الكثير من األحوال حول وزن‬ ‫العنف ومدلوله في اإلسالم‪ .‬بدال من ذلك ال تكل هذه‬ ‫املؤسسات من تكرار كالمها املعهود حول كون اإلسالم‬ ‫دينا مساملا وكون اإلميان قضية شخصية أمال منها‬ ‫بأن يؤدي مثل هذا الطرح في النهاية إلى وضع نهاية‬ ‫بشكل من األشكال لهذا اجلدل برمته‪.‬‬ ‫فسح ذلك مجاال واسعا حرا للمتطرفني للخوض‬ ‫في باب الفكر الديني‪ .‬إنني أدرك ذلك كل اإلدراك‬ ‫نظرا ألنني كنت أعمل في السابق على تعبئة أنصار‬ ‫جدد لألفكار اإلسالموية املتطرفة‪ .‬وقد كنا نشعر بأننا‬ ‫حققنا نصرا أخالقيا ودينيا كلما طردنا من مسجد ما‬ ‫أو فرض علينا حظر تام بدخوله‪.‬‬ ‫هناك مفكرون خارج بريطانيا حتدوهم الرغبة في‬ ‫التغلب على رجعية النهج الذي قامت عليه سياسة‬ ‫“اخلطوتني” هذه‪ .‬فقد سعى بعض علماء الدين في‬ ‫العالم العربي إلى احتواء الراديكالية الدينية من‬ ‫خالل استخدام حجة تاريخية كالتالي‪ :‬عندما عمد‬ ‫علماء الشريعة اإلسالمية إلى وضع قواعد بشأن شن‬ ‫حرب ما كانوا دوما ينطلقون من وجود دولة إسالمية‬ ‫قادرة على التعامل مع احلرب بروح املسؤولية وبطريقة‬ ‫تتماشى مع القواعد الدينية التي سنها اإلسالم‪ .‬هذا‬

‫يعني بعبارة أخرى أن املسلمني ال ميلكون بحكم كونهم‬ ‫أفرادا احلق في أن يعلنوا احلرب على العالم باسم الدين‬ ‫اإلسالمي‪.‬‬ ‫خطوة نحو الحاضر‬

‫هناك حجة أخرى تبدو في نظري ونظر غيري من‬ ‫الراديكاليني الذين خرجوا في هذه األثناء عن األفكار‬ ‫اإلسالموية أكثر عمقا ومتحيصا لكونها تتضمن‬ ‫خروجا عن الفكر العقائدي اجلامد وحتوال بالتالي نحو‬ ‫الواقعية املعاصرة‪ .‬فحوى هذه احلجة هي أن املسلمني‬ ‫لم يعودوا يعيشون بعد في عالم االستقطاب الذي‬ ‫عرفته العصور الوسطى في مجال االنتماء‪.‬‬ ‫هناك حقيقة ثابتة وهي أن املسلمني البريطانيني‬ ‫مواطنون لهذا البلد‪ .‬فنحن لم نعد بالتالي مهاجرين‬ ‫يعيشون في بالد “الكفار”‪ .‬لقد ولد اجليل الذي‬ ‫انتمي إليه في بريطانيا كما أنه ترعرع هنا والتحق‬ ‫مبدارس هذا البلد وأصبح يعمل فيه كما قرر البقاء‬ ‫هناك‪.‬‬ ‫األهم من كل ذلك أن املسلمني في بريطانيا‬ ‫أصبحوا اليوم يتمتعون على نحو لم يعرف في املاضي‬

‫نحن في حاجة إلى قواعد‬ ‫جديدة تتماشى مع روح‬ ‫العصر وإلى تعديل في فهمنا‬ ‫لحقوق المسلمين وواجباتهم‪،‬‬ ‫علما بأن بيوت هؤالء الناس‬ ‫وأحاسيسهم مغروزة على نحو‬ ‫ثابت في هذا البلد الذي يطيب‬ ‫لي أن أسميه بلد التعايش‬ ‫أبدا باحلق في حتديد وصياغة هويتهم الدينية من خالل‬ ‫الزي الذي يرتدونه وبناء املساجد اخلاصة بهم وإنشاء‬ ‫املقابر وال سيما من خالل التمتع أمام القانون بنفس‬ ‫احلقوق التي ميلكها املواطنون اآلخرون‪.‬‬ ‫لكنه ال يكفي أن نقول إن املسلمني ال يتعني‬ ‫عليهم ملجرد كونهم مواطنني لهذا البلد إال أن ميروا مر‬ ‫الكرام على الفقرات التي تضمنت في القرآن املطالبة‬ ‫بقتل الكفار‪ .‬فحني ميتنع املسلمون عن اخلوض في‬ ‫جدل بشأن هذه املطالب الثابتة التي سنتها علوم الدين‬ ‫على مر قرون طويلة عندئذ تزداد يوما بعد آخر حدة‬ ‫الهوة القائمة بني علوم الدين في مفهوم اإلسالم وبني‬ ‫العالم املعاصر‪.‬‬ ‫قد ال يطيب لنا أن نتقبل حقيقة ثابتة هي أن‬ ‫السبب في وجود عدد كبير من أنصار أبو قتادة‪،‬‬

‫(عالم دين أصولي أراد متشددون فلسطينيون مؤخرا‬ ‫مبادلته لقاء اإلفراج عن الصحفي ألن جونستون من‬ ‫محطة اإلذاعة البريطانية) يعود لكونه ضالعا في‬ ‫شؤون الدين ولكون تفسيره للدين وكون األحكام‬ ‫القانونية الصادرة عنه مبنية على حجج قوية دامغة‪.‬‬ ‫مع أنني لم أعد أؤمن في هذه األثناء على اإلطالق‬ ‫بأفكاره إال أنني أرى مع ذلك بأنها حتتل وزنا مهما‬ ‫في سياق مجموع األحكام املتعلقة بالدين اإلسالمي‪.‬‬ ‫اتهمني الكثير من املسلمني باخليانة منذ أن‬ ‫انسحبت من شبكة تنظيم اجلهاد البريطانية‪ .‬صحيح‬ ‫أنني لن أتردد في إحاطة اجلهات املسؤولة علما في‬ ‫حالة معرفتي بوجود تخطيط لتدبير عمل إرهابي ما‪،‬‬ ‫لكنني على عكس ما يروى عني هنا وهناك لست‬ ‫مرتدا غ ّير اجلبهة أو مخبرا يعمل لصالح األجهزة‬ ‫األمنية‪.‬‬ ‫بلد التعايش‬

‫في اعتقادي ميكن إزالة طابع التابوات والضبابية‬ ‫عن ملف اإلرهاب لو عمد مسلمون وغير مسلمني‬ ‫إلى املناقشة على نحو صريح منفتح حول األفكار‬ ‫التي تغذي ساعد اإلرهاب‪ .‬هذا يتطلب من املسلمني‬ ‫البريطانيني أن ينفضوا من أجل هذا الغرض اجلمود‬ ‫الذي يؤدي بهم إلى اتخاذ مواقف الدفاع السلبي‬ ‫والرفض وأن يعوا بأنه ليس من قبيل العار أن يعترفوا‬ ‫بوجود تيارات متطرفة في صفوف الطوائف املسلمة‬ ‫سواء هنا أو في أنحاء أخرى من العالم‪.‬‬ ‫لكن احتواء التابوات والضبابية في هذا السياق‬ ‫ال يتحقق طاملا اقتصرت جسور التعامل املتبادل‬ ‫على طرفني اثنني فقط هما (املنشقون) عن التيارات‬ ‫اإلسالموية املتطرفة وأجهزة أمن الدولة‪.‬‬ ‫إذا شاءت بالدنا مواجهة املتطرفني اإلسالمويني‬ ‫املمارسني للعنف والتصدي لهم على نحو فعال تطلب‬ ‫األمر من علماء الدين املسلمني أن يعيدوا أوال النظر‬ ‫في التعاليم السائدة‪ .‬فنحن في حاجة إلى قواعد‬ ‫جديدة تتماشى مع روح العصر وإلى تعديل في فهمنا‬ ‫حلقوق املسلمني وواجباتهم‪ ،‬علما بأن بيوت هؤالء‬ ‫الناس وأحاسيسهم مغروزة على نحو ثابت في هذا‬ ‫البلد الذي يطيب لي أن أسميه بلد التعايش‪.‬‬ ‫عندما تصبح هذه األرضية اجلديدة للتعاليم‬ ‫الدينية أمرا واقعا سيصبح بإمكان املسلمني في الغرب‬ ‫أن يحرروا أنفسهم من تصورات تهيمن على أذهانهم‬ ‫تتسم بالتخلف منذ عهد طويل حول العالم وأن يصيغوا‬ ‫قواعد ومقاييس جديدة للتعايش‪ .‬في هذه احلالة قد‬ ‫نصل إلى االستدالل بأن مفهوم القتل باسم اإلسالم ال‬ ‫يعدو كونه أمرا عتيقا ومخالفا لروح العصر»‪.‬‬

‫ترجمة عارف حجاج‬ ‫عن صحيفة «أوبزرفر» البريطانية‬

‫‪17‬‬


‫وجهة نظر‬

‫أوهام الهوية المغلقة‪...‬‬ ‫والتعالي الزائف على اآلخر!‬ ‫تجربة الماضي غير قادرة على ملء فراغ الحاضر‬ ‫الرؤية االيجابية للتاريخ تنعكس باالنفتاح الثقافي على االخر‬ ‫التيارات األصولية تتخلى عن الحاضر والمستقبل حفاظًا على ماضيها‬ ‫لعله صار نافلة‪ ،‬ذلك القول بأن الهوية ليست‬ ‫أقنوما ثابتا ُيعطى لألمم مرة واحدة وإلى األبد‏‏‬ ‫وبشكل يعلو على التاريخ‏‪ ،‬بل فاعلية تلك‬ ‫األمم املستمرة وهي تلتحم مبتغيرات عصرها من‬ ‫داخل روح تكوينية أو شخصية حضارية م‏ا‪.‬‏‬ ‫وألن روح األمم تعرف ثباتا نسبيا‪ ,‬ومتغيرات‬ ‫العصور قانونـها التـحول‏‪،‬‏ تقع الهوية بني شقي‬ ‫ت وعوامل تغير‪،‬‏‏ ولذا فوجودها‬ ‫رحى ركائز ثبا ‏‬ ‫التاريخي تصوغ مضموناته عمليات تشكيل‬ ‫مستمرة ومتوازن ‏ة ترفض اجلمود عند حلظة تركيبية‬ ‫بعينها‪،‬‏‏ وتأبى في املقابل االنخالع من روحها‬ ‫أو من شخصيتها التي صاغها مجموع حلظاتها‬ ‫التكوينية‏ السابقة‪ .‬الهوية إذن هي عملية تشكيل‬ ‫وئيدة أقرب إلى النحت في صخور غرانيت‏‏ حيث‬ ‫التطور بطيء جدا يفعل فعله بالتراكم‏ واالستمرار ‏‪،‬‬ ‫ك حيث التطور‬ ‫منها إلى القطع في لدائن بالستي ‏‬ ‫حاد قاطع يفعل فعلة باالنقالب والقطيعة‏‪.‬‏‬ ‫غير أن املشكلة احلقيقة هنا ال تكمن في‬ ‫اإلميان بحقيقة التطور‪ ،‬وال في االعتبار بفضيلة‬ ‫االستمرار‪ ،‬وإمنا في آلية التعرف على اآلخر‬ ‫املجاور واملختلف في خضم تاريخ واع يشهد‬ ‫هاتني العمليتني املتساوقتني‪ :‬إدراك الذات بقصد‬ ‫‪18‬‬

‫إمنائها‪ ،‬والتعرف على اآلخر بقصد تعامل أفضل‬ ‫معه‪ .‬وهنا تتمايز الثقافات‪ ،‬وتتعدد املناهج‬ ‫بفعل رؤية كل ثقافة‪ /‬أمة للتاريخ‪ ،‬ونظرتها إلى‬

‫إدراك الذات وتحديد‬ ‫مكوناتها األساسية اللغوية‬ ‫والثقافية والعرقية‬ ‫والدينية وغيرها بمثابة‬ ‫عملية مستقلة سابقة على‬ ‫التعرف إلى اآلخر‬

‫دورها فيه ومدى إيجابية هذه الدور وفاعليته في‬ ‫تشكيل الواقع احمليط بها‪ ،‬أو سلبيته وانطوائيته‬ ‫على ذاته التي تتحول هنا إلى «ماضيه» بفعل‬ ‫ضغط الواقع الراهن عليه‪ ،‬وغياب األمل في‬ ‫أي مستقبل آت لديه‪ .‬وهنا ميكن أن منيز بني‬ ‫مقاربتني نقيضني إلدراك الذات تفرض كل منهما‬

‫طريقتها في التعرف على اآلخر‪ ،‬أي أننا أمام‬ ‫إستراتيجيتني متناقضتني‪ ،‬لكل منها نقطة‬ ‫انطالق‪ ،‬وطريق خاص بها يحكم توجهها في‬ ‫صياغة الهوية‪ ،‬إما عبر مسار موجب ينطلق من‬ ‫الذات متجها نحو اآلخر‪ ،‬أو من خالل مسار‬ ‫سالب يبدأ من اآلخر متجها إلى الذات‪ ،‬وال شك‬ ‫في أن اختيار أمة ما لكلتيهما يتأثر مبجموعة‬ ‫العوامل التي كانت صاغت رؤية هذه األمة‪/‬‬ ‫الثقافة للتاريخ‪:‬‬ ‫اإلستراتيجية األولى ميكن وصفها باإليجابية‪،‬‬ ‫إذ تنطلق من الذات إلى اآلخر‪ ،‬بحيث يكون‬ ‫إدراك الذات وحتديد مكوناتها األساسية اللغوية‬ ‫والثقافية والعرقية والدينية وغيرها مبثابة عملية‬ ‫مستقلة سابقة على التعرف إلى اآلخر‪ ،‬مبعنى أن‬ ‫األمة هي وحدها التي تصوغ خصوصيتها في‬ ‫ضوء تاريخها وقسماته املميزة بكل حرية وثقة‪.‬‬ ‫ومن هذه النقطة‪ ،‬أي بعد إدراك الذات‪ ،‬تبدأ‬ ‫محاولة التعرف على اآلخر والذي يحوز في كل‬ ‫األحوال تكوينا مغايرا بنسب مختلفة لتكوين‬ ‫الذات‪ ،‬ولكن من دون أن يعوق هذا االختالف‬ ‫التعامل معه أيا كانت درجة غيريته ومفارقته‬ ‫للذات طاملا كانت تلك واثقة بنفسها‪ ،‬مدركة‬


‫تتمايز الثقافات‪ ،‬وتتعدد المناهج بفعل رؤية كل ثقافة‪ /‬أمة‬ ‫للتاريخ‪ ،‬ونظرتها إلى دورها فيه ومدى إيجابية هذه الدور‬ ‫وفاعليته في تشكيل الواقع المحيط بها‬ ‫لتكوينها‪ ،‬ناجحة في توكيدها في الواقع‪،‬‬ ‫ومتفائلة بدرجة منوها في املستقبل‪ .‬فهنا تسود‬ ‫رؤية إيجابية للتاريخ‪ ،‬تعكس نفسها في رؤية‬ ‫ثقافية منفتحة على اآلخر تستطيع قبوله‬ ‫والتعامل معه ألنها تؤمن بيقني أنه‪ ،‬مهما كانت‬ ‫نصاعة مكوناته وأشكال وجوده‪ ،‬غير راغب ورمبا‬ ‫غير قادر على تهديد مكونات وجودها‪.‬‬ ‫وأما اإلستراتيجية الثانية فيمكن وصفها‬ ‫بالسلبية‪ ،‬إذ تنطلق في مسار عكسي‪ ،‬أي من‬ ‫التعرف على اآلخر أوال نحو إدراك الذات ثانيا‪.‬‬ ‫مبعنى أن األمة ال تستطيع أن حتدد مكوناتها هي‬ ‫إال بالتعرف على مكونات اآلخر أوال‪ ،‬قبل أن‬ ‫تقوم في مرحلة ثانية بوضع نفسها موضع السلب‬ ‫الكامل لكل ما ميثله‪ ،‬لتصبح مجرد نقيض‬ ‫له على صعيد كل املكونات والرؤى واملواقف‬ ‫واألدوار التي تصورها لنفسه‪ .‬وهنا تواجه مثل‬ ‫هذه الذات التعسة مشكلتني أساسيتني‪:‬‬ ‫أوالهما هي اإلغراق التلقائي في إبراز‬ ‫التناقض مع اآلخر‪ ،‬ألنها إذ تنطلق من اآلخر‬ ‫نحو ذاتها‪ ،‬تتصور أن كل عامل مشترك مع‬ ‫اآلخر يعنى إذابة الذات فيه‪ ،‬وألنها إذ تنطلق من‬ ‫تصور طهراني للثقافة وخالصي للهوية وانطوائي‬ ‫للتاريخ‪ ،‬ال تتصور وجود عوامل مشتركة معه‬ ‫ولو بأقدار مختلفة نتيجة تواصل ما تاريخي قد‬ ‫يرجع إلى جذر ديني ولو بعيد‪ ،‬أو جذر عرقي ولو‬ ‫فرعي‪ ،‬أو قربى لغوية ولو جزئية‪ ،‬فطاملا وجد أي‬ ‫عامل مشترك فال معنى لوجوده غير أنها ذابت‬ ‫في اآلخر وتأثرت به أو حتى انسحقت أمامه‪،‬‬ ‫وهذا أمر يفزعها ويدفعها‪ ،‬من ثم‪ ،‬إلى نفي‬ ‫هذا املشترك والبراء منه من خالل حتديد ذاتها‬ ‫بنقيضه‪ ،‬فتكون لغتها مجرد سلب للغة اآلخر‪،‬‬ ‫ودينها مجرد سلب لدين اآلخر‪ ،‬وثقافتها وتاريخها‬ ‫‪ ..‬إلخ‪ .‬وهنا وإزاء حركة السلب هذه نكون بصدد‬ ‫عملية ليست فقط تلقائية بل ومتنامية إلبراز‬ ‫التناقض باعتباره الطريق الوحيد لتأكيد الذات‪.‬‬

‫وثانيتهما هي اإلغراق كذلك في كراهية‬ ‫اآلخر‪ ،‬وخصوصا كلما منا وزاد تقدمه‪ ،‬وكان في‬ ‫مستطاعه الولوج إلى مساحات أوسع في الفضاء‬ ‫اإلنساني‪ ،‬أو آفاق أكثر رحابة في التجربة‬ ‫البشرية‪ ،‬وخصوصا على صعيدي املعرفة واحلرية‬ ‫حاملي لواء التقدم التاريخي‪ .‬وذلك ألن الذات‬ ‫احلضارية هنا تقع بني شقي رحى‪ ،‬فإما مماثلة‬ ‫اآلخر في هذه اآلفاق جميعا‪ ,‬ما يعني لديها‬ ‫أنها متارس فعل الذوبان فيه‪ ،‬وإما النأي بنفسها‬ ‫عنه‪ ،‬واعتبار هذه األفاق مساحات غريبة على ما‬ ‫تعتقده أصالتها‪ ،‬ورمبا غير أخالقية قياسا إلى ما‬ ‫تتصوره فضيلتها‪ .‬غير أنها ال تقوم بهذه العملية‬ ‫عن ثقة بل عن خوف‪ ،‬وليس عن تسام أخالقي‬ ‫بل عن اغتراب نفسي‪ ،‬وليس عن زهد حقيقي بل‬ ‫عن شعور عميق باحلرمان‪ .‬وإزاء كل تلك املشاعر‬ ‫السلبية باخلوف واالغتراب واحلرمان‪ ،‬وبتصور أن‬ ‫اآلخر هو من فرضها عليها‪ ،‬ال يكون ثمة طريق‬

‫البد من وجود عوامل‬ ‫مشتركة مع اآلخر‪ ،‬ولو بأقدار‬ ‫مختلفة نتيجة تواصل تاريخي‬ ‫قد يرجع الى جذر ديني ولو‬ ‫بعيد أو جذر عرقي ولو فرعي‬ ‫أو قربة لغوية ولو جزئية‬

‫سوى كراهيته والنزوع إلى القطيعة معه‪.‬‬ ‫ومع استمرار حال تفوق هذا اآلخر‪ ،‬ومتكنه من‬ ‫السيطرة طويلة اآلجل على حركة الواقع‪ ،‬وذبول‬ ‫متنام لألمل في تغييره مستقبال‪ ،‬تبدأ الذات‬ ‫احلضارية في كراهية حاضرها‪ ،‬والتشاؤم إزاء‬

‫مستقبلها‪ ،‬فال يبقى لها من أبعاد الزمن سوى‬ ‫املاضي فتلوذ به‪ .‬ورمبا كانت هذه التجربة محض‬ ‫أوهام في بعض احلاالت فتكون أقرب إلى فلكلور‬ ‫حضاري‪ ،‬ورمبا كانت جتربة حقيقية بل وفذة في‬ ‫ريادة اإلنسانية‪ ،‬ولكن املشكلة التي تبقى قائمة‬ ‫في كال احلالني أن جتربة املاضي غير قادرة سواء‬ ‫على ملء فراغ احلاضر‪ ،‬أو على زيادة األمل في‬ ‫املستقبل‪ ،‬ألنها ببساطة غير قابلة لالستعادة وال‬ ‫فائدة حقيقية لها إال في حالة واحدة هي القدرة‬ ‫على فحصها وتفكيكها واخللوص إلى القيم‬ ‫اإليجابية التي صنعتها وجعلتها على هذا النحو‬ ‫بقصد إعادة إنباتها في تربة العصر‪ .‬غير أن‬ ‫املصادفة الصادمة والتي سرعان ما تتبني لهذه‬ ‫الذات التعسة‪ ،‬أو للتيار الغالب فيها‪ ،‬أن تلك‬ ‫القيم املوجبة التي صاغت جتربتها الزاهية في‬ ‫املاضي‪ ،‬هي نفسها العناصر الدينامية التي‬ ‫تصنع تقدم اآلخر في التاريخ الراهن‪ ،‬ولو صيغت‬ ‫في أشكال حديثة وقوالب جديدة ومسميات‬ ‫معاصرة‪ ،‬وأنها جميعا محض سنن يودعها الله‬ ‫ـ جل شأنه ـ في التاريخ حاكمة حلركة البشر‪،‬‬ ‫تكاد تشبه ـ ولكن من دون حتم ـ تلك القوانني‬ ‫التي يسكنها في الطبيعة‪ ،‬حاكمة حلركة الكون‪.‬‬ ‫ولعل القاتل هنا هو أن اكتشاف الذات ملثل هذه‬ ‫احلقيقة األساسية رمبا ال يسعدها إذ ترى فيه‬ ‫انتقاصا مما تعده خيريتها اخلاصة‪ ،‬ومن ثم تتنكر‬ ‫له ألن التفاعل مع معطياته سيما انها بينها‬ ‫وبني اآلخر‪ ،‬ويذيب هويتها فيه فال تعدو قادرة‬ ‫على التعرف إلي نفسها‪ ،‬ومن ثم فهي غالبا‬ ‫ما تتنازل عن الكشف اجلديد حفاظا على هوية‬ ‫قدمية‪ ،‬وتتخلى عن احلاضر واملستقبل حتى ال‬ ‫تغترب عن ماضيها الذي تصورته أصالتها‪ ،‬وهو‬ ‫ال يعدو غربتها في الزمن‪ ،‬وخوفها من اآلخر‪ ،‬بل‬ ‫من احلقيقة‪.‬‬

‫صالح سالم‬

‫صحيفة «الحياة» البيروتية‬

‫‪19‬‬


‫رؤية‬

‫األصولية الظالمية‬ ‫والمعركة التي ال بد منها‪..‬‬ ‫التجربة االوروبية في التنوير كانت عسيرة واستغرقت ثالثة قرون‬ ‫كل مثقف عربي ال يعتبر االصولية مشكلة اساسية لعصرنا ليس مثقفًا‬ ‫في وقت تسيطر فيه مشكلة االصولية واالصوليني‬ ‫على العالم كله ال أجد لي عزاء اال ان اغطس في‬ ‫الزمن وأعود إلى الوراء لكي ارى كيف حلت اوروبا‬ ‫مشكلتها مع اصوليتها‪ .‬كنت قد قلت في اكثر من‬ ‫مكان‪ ،‬وباالخص على صفحات هذه اجلريدة [الشرق‬ ‫األوسط]‪ ،‬ان مشكلة االصولية هي مشكلة املشاكل‪،‬‬ ‫أم املشاكل‪ .‬ولن يستطيع املثقفون العرب او املسلمون‬ ‫تشخيصها وعالجها اال بعد مرور زمن طويل‪ .‬انها‬ ‫سوف تستغرق خيرة جهودنا طيلة هذا القرن أو حتى‬ ‫منتصفه على األقل‪ .‬هناك مشاكل ليس لها حل‬ ‫في املدى املنظور‪ .‬وينبغي ان نفهم ذلك‪ .‬انها من‬ ‫الضخامة واالتساع بحيث انها تتجاوز مقدرة جيل‬ ‫واحد‪ ،‬وامنا يلزمها مرور عدة اجيال من اجل االجهاز‬ ‫عليها أو التخلص منها‪.‬‬ ‫ولكن هذا ال يبرر جليلنا ان يقف مكتوف األيدي‬ ‫امام ما يحصل‪ .‬فاملشكلة لن تنحل من تلقاء‬ ‫ذاتها‪ ،‬وامنا ينبغي ان يضطلع بها املفكرون من كافة‬ ‫االختصاصات واملشارب‪ .‬واذا ما نظرنا الى التجربة‬ ‫االوروبية في التنوير وجدنا انها كانت صعبة ومريرة‪.‬‬ ‫فاملعركة استغرقت ثالثة قرون متتالية‪ ،‬بل وحتى‬ ‫ً‬ ‫مرورا‬ ‫أربعة‪ :‬من لوثر وايراسم‪ ،‬الى هيغل ونيتشه‪،‬‬ ‫بسبينوزا وجون لوك‪ ،‬وفولتير‪ ،‬وديدرو‪ ،‬وروسو‪،‬‬ ‫وكانط وسواهم عديدون‪ .‬كل فالسفة اوروبا جيشوا‬ ‫طاقاتهم للقضاء على هذا املرض اخلطير الذي يصيب‬ ‫اي دين‪ : ‬مرض التعصب والظالمية االصولية‪.‬‬ ‫معركة مليار مسلم‬

‫وفي مقاالت سابقة كنت قد حتدثت عن بعض‬ ‫‪20‬‬

‫هذه املعارك وأبديت اعجابي اكثر من مرة بأكبر‬ ‫مغامرة شهدها تاريخ الفكر البشري‪ :‬مغامرة التنوير‬ ‫او التحرر من الدوغمائية املتحجرة‪ .‬وقلت بانها‬ ‫معركة املستقبل‪ ،‬معركة العرب‪ ،‬معركة املسلمني‪،‬‬ ‫معركة مليار شخص‪ ،‬ولكن ما كنت اتخيل انها‬ ‫ستتحول مبثل هذه السرعة الى مشكلة تهم ستة‬ ‫مليارات شخص‪ :‬اي العالم بأسره‪.‬‬ ‫هكذا اتسعت االصولية وكبرت حتى اصبحت‬ ‫بحجم العالم‪ ،‬كنا نخوض املعركة‪ ،‬نحن حفنة من‬ ‫املثقفني العرب‪ ،‬في الظل والصمت‪ ،‬كنا نخوضها‪،‬‬ ‫وال نزال‪ ،‬في ظروف غير متكافئة على االطالق‪،‬‬ ‫كنا منشي على رؤوس اقدامنا لكيال نحدث ضجيجا‬ ‫اكثر مما يجب‪ ،‬ولكيال نثير رد الفعل الهائج لالنغالق‬ ‫التاريخي الطويل‪ .‬ومع ذلك فاننا لم نسلم من‬ ‫االتهامات واالشاعات‪ ،‬واشكال اخرى من احملاربات‬

‫والضغوط التي ال داعي لذكرها هنا‪.‬‬ ‫كنت اقول وما ازال مصرا على هذا القول اكثر‬ ‫من اي وقت مضى‪ :‬كل مثقف عربي ال يعتبر مشكلة‬ ‫االصولية مبثابة املشكلة االساسية لعصرنا ليس مثقفا‬ ‫وال يستحق هذه التسمية باي حال‪ .‬فاملثقف هو ذلك‬ ‫الشخص الذي يشعر بانه مهموم بقضايا شعبه وامته‪،‬‬ ‫واذا ما انشغل بالثانويات واهمل االساسيات فهذا‬ ‫يعني انه خارج قوس‪ .‬كل املفكرين الكبار على مدار‬ ‫التاريخ هم مفكرو املشكلة الواحدة‪.‬‬ ‫انهم يهجسون بها ليل نهار‪ ،‬ينامون معها‬ ‫ويستيقظون عليها‪ ..‬انها شغلهم الشاغل وقضية‬ ‫العمر‪ .‬قد تختلف نوعية هذه املشكلة من عصر‬ ‫الى عصر‪ ،‬ولكن تبقى هناك مشكلة اساسية ال‬ ‫يستطيع ان يكتشفها او يهجس بها اال فالسفة‬ ‫الدرجة االولى‪ .‬وكنت استغرب كيف ان الكم‬ ‫االكبر من املثقفني العرب ال يعيرون هذه املشكلة‬ ‫االهتمام الذي تستحق‪ ،‬بل وال يرون فيها مشكلة‬ ‫على االطالق! وعلى الرغم من وحشية احلرب التي‬ ‫شنها االصوليون في اجلزائر والسودان وايران ومصر‬ ‫وافغانستان وسواها على املجتمع املدني وعلى روح‬ ‫العصور احلديثة وعلى الرغم من انهم دقوا اسفينا‬ ‫عميقا في صميم الوحدة الوطنية للشعب وزرعوا‬ ‫الفتنة والبلبلة‪ ،‬اال ان مثقفينا االشاوس ظلوا يغضون‬ ‫الطرف عن هذا التيار بحجة انه شعبي او ميثل‬ ‫الشعب! ولم يستشعروا حتى هذه اللحظة بضرورة‬ ‫محاربة االصوليني املتزمتني على ارضيتهم بالذات‪:‬‬ ‫اقصد ارضية التراث الديني وكيفية فهمه وتفسيره‪،‬‬ ‫فبدال من القراءة املنغلقة‪ ،‬بل واالرهابية التي يقدمها‬


‫املتزمتون عن تراثنا االسالمي‪ ،‬كان ينبغي ان نولد‬ ‫قراءة جديدة لنفس التراث كما فعل فالسفة التنوير‬ ‫االوروبي مع تراثهم املسيحي‪.‬‬ ‫فلو ان هؤالء الفالسفة قالوا بينهم وبني انفسهم‪:‬‬ ‫ان معظم شعبنا اصولي او يتبع االصوليني في‬ ‫تفسيرهم للدين‪ ،‬وبالتالي فينبغي علينا ان نلتحق‬ ‫بالشعب ونستسلم للمقادير‪ ..‬لو قالوا ذلك ملا حصل‬ ‫اي تطور في اوروبا‪ .‬كانت اوروبا ستظل جاهلة‪،‬‬ ‫متخلفة‪ ،‬تتخبط في حروبها االهلية واملذهبية حتى‬ ‫هذه اللحظة‪ .‬فالوفاء للشعب يعني انقاذ الشعب من‬ ‫تصوراته اخلاطئة‪ ،‬ومن احكامه املسبقة املكرسة منذ‬ ‫مئات السنني ال اتباعه بشكل اعمى‪ .‬هنا يكمن الفرق‬ ‫بني املثقف ورجل الشارع‪ ،‬مع احترامي لرجل الشارع‬ ‫الذي ال يستطيع تغيير وضعه‪ .‬على هذا النحو‬ ‫فهم فالسفة التنوير مهمتهم ورسالتهم ولم يدغدغوا‬ ‫عواطف الشعب او غرائزه‪ ،‬وامنا صارحوه باحلقيقة‪.‬‬ ‫وهكذا انقذوا شعوبهم من وهدة التخلف واالنحطاط‪،‬‬ ‫وارتفعوا بها الى مستوى احلضارة والتمدن والرقي‪.‬‬ ‫ليكن نيوتن‪ ..‬فكان‬

‫لكن ما معنى مفهوم التنوير يا ترى؟ وكيف ظهر‬ ‫في القرن الثامن عشر؟ وكيف تبددت امامه الظلمات‬ ‫احلالكة لالصولية؟ ال نستطيع في مقالة واحدة ان‬ ‫نعالج كل هذه االسئلة‪ ،‬ولكن سنحاول ان نقترب من‬ ‫بعضها‪ ،‬لنحاول توضيح املفهوم اوال‪ .‬في كتابه عن‬ ‫عصر االنوار في اوروبا يرى املؤرخ السويسري اولريتش‬ ‫إم هوف ان مصطلح التنوير في اللغة االنكليزية لم يظهر‬ ‫اال في القرن التاسع عشر على الرغم من ان مدلوله‬ ‫كان موجودا من قبل‪ .‬ومعلوم ان الظاهرة تسبق احيانا‬ ‫تسميتها‪ .‬وعندما ظهر هذا املصطلح راح يتنافس مع‬ ‫مصطلح آخر هو‪ :‬عصر العقل‪ .‬فالفيلسوف بيركلي‬ ‫مثال راح يتحدث عنه بشكل شاعري قائال‪ :‬هذا البحر‬ ‫من االنوار التي هجمت علينا وشقت طريقها على‬ ‫الرغم من عراقيل العبودية والشعوذات‪ ..‬وراح مفكر‬ ‫انكليزي آخر يقول‪ :‬ان هذا القرن مستنير اكثر مما كانت‬ ‫حتكم به او حتى تتصوره القرون السابقة‪ .‬واما الشاعر‬ ‫بوب فقد خلص احلركة الفلسفية والعلمية لعصره قائال‪:‬‬ ‫الطبيعة وقوانني الطبيعة كانت مخبوءة في الظل‪..‬‬ ‫وفجأة قال الله‪ :‬ليكن نيوتن‪ ،‬فكان! واصبح كل شيء‬ ‫مضاء‪ ..‬وبالتالي فإن النور اشرق على اوروبا والعالم‬ ‫كله من غربها ال من شرقها على عكس الشمس‪ .‬لقد‬ ‫جاء اوال من انكلترا الليبرالية قبل ان ينتقل الى فرنسا‬ ‫فاملانيا فسواها‪.‬‬ ‫اما املفهوم الفرنسي للتنوير فيعني‪ :‬الذكاء‪،‬‬

‫املعرفة‪ ،‬وضوح الفكر‪ ،‬ثم اصبح عالمة على العصر‬ ‫كله‪ .‬وراح الفالسفة يعتقدون ان انوار العقل الطبيعي‬ ‫وحدها قادرة على السير بالبشر نحو تقدم العلم‬ ‫واحلكمة واحلضارة‪ .‬وفي عام ‪ 1750‬اي في عز عصر‬ ‫التنوير‪ ،‬راح احد الفالسفة يقول‪ :‬اخيرا تبددت كل‬ ‫الظلمات‪ ،‬وانهمرت علينا االنوار من كل اجلهات‪ .‬ما‬ ‫اجمل هذا النور ما اجمل التقدم البشري!‬ ‫اما املصطلح االملاني الدال على التنوير بصفته‬ ‫حركة تشمل العصر كله فلم يظهر اال عام ‪:1780‬‬ ‫اي عندما كان كانط يكتب مؤلفاته الكبرى ثم ترسخ‬ ‫املفهوم في القرن التاسع عشر بالطبع‪ .‬عندئذ راح احد‬ ‫املفكرين االملان يتحدث عن حرية الفكر والصحافة‬ ‫ويقول انهما ميثالن بالنسبة للعقل‪ ،‬ما متثله االنوار‬ ‫بالنسبة للعينني‪ .‬واما هيردي الذي عاش في القرن‬ ‫الثامن عشر فكان يقول واصفا عصره‪ :‬انه عصرنا‬ ‫املستنير‪ ،‬عصرنا االكثر اشعاعا بني العصور‪.‬‬ ‫اما مفهوم التنوير في ايطاليا فهو حديث العهد‪،‬‬ ‫ولم يتشكل كتيار اال في القرن العشرين‪ .‬والواقع ان‬ ‫اوروبا اجلنوبية تأخرت عن التنوير قياسا الى اوروبا‬ ‫الشمالية‪ .‬وبالتالي فال يحق لنا ان نضع ايطاليا‬ ‫ثم باالخص اسبانيا والبرتغال على نفس املستوى‬ ‫احلضاري الذي وصلت اليه بلدان كانكلترا وفرنسا‬ ‫واملانيا وهولندا‪ ..‬نقول ذلك على الرغم من ان ايطاليا‬ ‫حلقت بالركب مؤخرا‪ :‬اي خالل اخلمسني سنة االخيرة‪.‬‬ ‫ثم تبعتها اسبانيا وكذلك البرتغال الى حد ما‪ .‬هذا‬ ‫على الرغم من ان االصولية الكاثوليكية ظلت قوية‬ ‫في بالد فرانكو وساالزا‪ ،‬وان كانت احلداثة والدميقراطية‬ ‫قد انتصرتا في العشرين سنة االخيرة‪ .‬بالطبع نسيت‬ ‫سويسرا‪ ،‬بلد جان جاك روسو‪ ،‬هذا البلد الرائع الذي‬ ‫لعب دورا كبيرا في العقالنية والتنوير‪ .‬ونسيت السويد‬ ‫والدمنارك والنرويج‪ ،‬وما كان ينبغي ان انسى‪ ..‬هذا‬ ‫هو التنوير الذي ازال الغشاوات عن االعني‪ ،‬ولكن‬ ‫املتعصبني االصوليني حاولوا عرقلتهم عن طريق االبقاء‬ ‫على الظلمات‪ ،‬على اجلهاالت العمياء‪ .‬وكان حقدهم‬ ‫على االنوار كبيرا‪.‬‬ ‫أوروبا واإلرهاب الالهوتي‬

‫واآلن اطرح هذا السؤال‪ :‬هل يستطيع مثقف‬ ‫عربي واحد ان يقول ان العصر الذي نعيشه هو عصر‬ ‫مستنير؟ اقصد العصر العربي او االسالمي بالطبع‬ ‫وليس العصر االوروبي‪ ،‬الننا نعاصر االوروبيني زمنيا‬ ‫ال فكريا وال عقليا‪ ،‬من يجرؤ على ادعاء ذلك؟ ال‪،‬‬ ‫انه عصر االصولية الظافرة‪ ،‬عصر الضجيج والعجيج‪،‬‬ ‫عصر طالبان وبقية اجلحافل الزاحفة على التاريخ‪.‬‬

‫اكثر ما نستطيع قوله هو اننا نحضر لعصر تنويري‬ ‫عربي ـ اسالمي مقبل‪ .‬صحيح اننا قد ال نراه بأم‬ ‫اعيننا‪ ،‬ولكنه آت ال ريب فيه‪ .‬وال اعتقد انه بعيد‬ ‫جدا‪ .‬فوراء االكمة ما وراءها‪ .‬ذلك ان املوجة احلالية‬ ‫سوف تنكسر او تنحسر عما قريب‪ .‬وبانحسارها سوف‬ ‫يبزغ نور جديد يكاد يخطف االبصار‪ ،‬نور انتظرناه‬ ‫طويال‪ :‬اي منذ عدة قرون! ومعلوم ان اكبر عتمة هي‬ ‫آخر عتمة‪ :‬اي تلك التي تسبق مباشرة انبالج الفجر‪.‬‬ ‫لكي نقدم مثاال تطبيقيا على صحة هذا القول‬ ‫يكفي ان ننظر الى القرن الذي سبق مباشرة عصر‬ ‫التنوير في اوروبا‪ :‬اي القرن السابع عشر‪ .‬فقد كان‬ ‫عصرا الهوتيا خطيرا‪ ..‬انه العصر الذي شهد سيطرة‬ ‫التيار املضاد لالصالح الديني‪ ،‬العصر الذي حاكم‬ ‫غاليليو‪ ،‬واجبر ديكارت على الهرب من فرنسا‪،‬‬ ‫وارعب سبينوزا‪ ..‬انه عصر احلروب املذهبية واالهلية‬ ‫التي اجتاحت اوروبا‪ .‬انه عصر االرهاب الالهوتي الذي‬ ‫ال يقل جبروتا عن ارهاب طالبان او بقية االصوليني‬ ‫احلاليني‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فبعده بعشرين سنة فقط‪ ،‬دارت رحى‬ ‫املعركة بني التنويريني والظالميني وكانت النتيجة‬ ‫لصالح التنوير‪ :‬اي لصالح توليد تفسير جديد للدين‪.‬‬ ‫وهو تفسير حتريري‪ ،‬ال قمعي وال ظالمي‪ .‬هنا يكمن‬ ‫طريق اخلالص‪ :‬بلورة فهم آخر للتراث الديني غير‬ ‫الفهم السائد واملسيطر منذ مئات السنني والذي‬ ‫يحاول االصوليون اقناعنا بانه هو وحده املمكن‪..‬‬ ‫هكذا انتصرت اوروبا على نفسها‪ ،‬وحلت عقدتها‬ ‫التاريخية املزمنة املتمثلة بذلك الصدام املروع ما بني‬ ‫العقل الالهوتي والعقل العلمي او الفلسفي‪ .‬هذا‬ ‫الصدام ما بني الالهوت القروسطي واحلداثة ال يقل‬ ‫خطورة عن اصطدام الطائرات االنتحارية ببرجي مركز‬ ‫التجارة العاملي في نيويورك!‬ ‫كنت قد نبهت اكثر من مرة الى خطورة الهوت‬ ‫القرون الوسطى او فقه القرون الوسطى‪ ،‬هذا الالهوت‬ ‫الذي يسمح ألي جاهل بان يطلق فتاوى التكفير‬ ‫والتحرمي والقتل والذبح‪ ..‬وقلت ان تفكيكه ميثل‬ ‫ضرورة ملحة وعاجلة بالنسبة لكل املجتمعات العربية‬ ‫واالسالمية‪ .‬وال ميكن لهذه املجتمعات ان تتقدم اال‬ ‫اذا فككته النه يعرقل حركتها ويشعرها في كل خطوة‬ ‫تخطوها باخلطيئة والذنب‪ .‬كما انه اصبح يشعرنا‬ ‫بالعار واخلجل واحلرج امام اآلخرين‪ .‬لكن تفكيكه‬ ‫سوف يجبرنا على الدخول في معركة حامية‪ ،‬كلما‬ ‫خف اوارها راح يشتد‪.‬‬

‫هاشم صالح‬ ‫صحيفة «الشرق األوسط»‬

‫‪21‬‬


‫ورشة عمل‬ ‫مديرة مؤسسة “رحيمة” األندونيسية‪:‬‬

‫المساواة كرسالة تربوية‬ ‫تحسين وتعزيز تعليم النساء في اندونيسيا مهمة في غاية الصعوبة‬ ‫المجموعات االصولية تستغل االزمات التي تحاصر الفقراء لتقدم لهم افكارها‬ ‫تعمل “رحيمة” وهي مؤسسة إسالمية غير‬ ‫حكومية في إندونيسيا من أجل حصول املرأة على‬ ‫املساواة على أسس دميقراطية وحديثة مثلما تقف‬ ‫ضد التفسير الذكوري للشريعة‪ .‬أريان فاريبوز‬ ‫التقى باملديرة اجلديدة للمؤسسة‪ ،‬أديتيانا ديفي‬ ‫إرداني وأجرى معها هذا احلوار‪:‬‬ ‫• ما هي أسس وأهداف “رحيمة”؟‬ ‫ـــ تتلخص إحدى أهم مهماتنا في بناء شبكات‬ ‫اتصال بني املدارس الداخلية اإلسالمية واملؤسسات‬ ‫اإلسالمية الرسمية إلرساء تصوراتنا عن الدميقراطية‬ ‫واملساواة‪ .‬إننا نولي هذا األمر أهمية خاصة ملا تتميز‬ ‫به تلك املؤسسات الدينية من تأثير بالغ على اخلطاب‬ ‫اإلسالمي في صفوف الرأي العام‪ .‬إننا قادرون على‬ ‫تعريف املسلمني في أندونيسيا بأفكارنا املعتدلة‬ ‫والدميقراطية وبتصوراتنا عن املساواة‪.‬‬ ‫إال أن األمر ال يخلو من الصعوبات حيث ال‬ ‫ترحب جميع املدارس الداخلية اإلسالمية مبهمتنا‬ ‫ً‬ ‫استعدادا للتعاون معنا‪ ،‬وهنا‬ ‫وتتقبلها وتبدي‬ ‫أركز على املدارس التي تتشبث بالتقاليد األبوية‪.‬‬ ‫لذا فإننا نتعاون فقط مع مدراء املدارس أصحاب‬ ‫التصورات التقدمية‪.‬‬ ‫وتكمن استراجتيتنا في االتصال بأولئك املدراء‬ ‫وعندما ُيفتح الباب بوجهنا في إحدى املدارس‬ ‫نقدم نشاطات تعليمية معينة‪ ،‬مثل تنظيم دورات‬ ‫تدريبية للكادر التعليمي وغيرهم من املسؤولني في‬ ‫جهاز التربية والتعليم وحثهم على مراعاة مسألة‬ ‫“اجلنس”‪ ،‬ذكرا كان أم أنثى بهدف جعلهم بتبنون‬ ‫‪22‬‬

‫أننا نرفض التفسير األبوي للشريعة من وجهة نظر‬ ‫ذكورية‪ .‬ترفض “رحيمة” اخلطاب األبوي وهذا سبب‬ ‫رفضنا ألحكام الشريعة في اندونيسيا ألنها ال متثل‬ ‫الشريعة اإلسالمية احلقيقية فهي موجهة سياسي ًا‪.‬‬ ‫مت إدراج أجزاء من الشريعة في قوانني ست عشرة‬ ‫مقاطعة اندونيسية من أصل اثنتني وثالثني بسبب‬ ‫تزايد الضغط من قبل اإلسالميني املتشددين‪.‬‬

‫األفكار التي نقدمها في تلك الدورات ليقوموا‬ ‫بنفسهم بدور الوسيط الحق ًا عن طريق توصيل تلك‬ ‫املواد إلى تالميذهم في املدارس الداخلية‪ ،‬ليس فقط‬ ‫للصبية‪ ،‬بل للفتيات أيض ًا‪.‬‬ ‫• ما هو اإلسالم الليبرالي في اندونيسيا‬ ‫من وجهة نظركم؟‬ ‫ـــ في ما يخص الشريعة حتاول «رحيمة» في‬ ‫أربع مناطق في غرب جزيرة جاوا اإلندونيسية حتسني‬ ‫وتعزيز امكانية التعليم للنساء وحقهن في أداء‬ ‫آرائهن في املشهد السياسي‪ .‬فنحن نؤمن بضرورة‬ ‫حترك املرأة واتخاذ قراراتها بنفسها وخصوص ًا‬ ‫تلك السيدات اللواتي أصبحن ضحية فال يخرجن‬ ‫من بيوتهن بسبب حترميهن من املشاركة في احلياة‬ ‫العامة‪.‬‬ ‫صحيح أن الشريعة جزء بديهي من اإلسالم‪ ،‬إال‬

‫• هل تعتقدين أن هذه الظاهرة الى‬ ‫حد ما “مستوردة من اخلارج” الى اجملتمع‬ ‫االندونيسي‪ ،‬على سبيل املثال اإلسالم‬ ‫الوهابي من السعودية؟‬ ‫ـــ في الواقع‪ ،‬أعتقد أن ثمة عناصر عديدة‬ ‫ً‬ ‫دورا هنا‪ ،‬النقطة املهمة هي أن املجتمع‬ ‫تلعب‬ ‫ً‬ ‫االندونيسي يشهد حاليا أزمة متعددة اجلوانب ـ‬ ‫سواء أكانت اقتصادية أم سياسية أم دينية‪ .‬وهنا‬ ‫يكمن السبب الرئيس لعودة البعض إلى معتقداتهم‬ ‫الدينية القدمية‪ .‬ولهذا السبب أيض ًا القت األفكار‬ ‫ً‬ ‫متزايدا لدى البعض‪.‬‬ ‫الوهابية قبو ًال‬ ‫جدير بالذكر أن األصوليني يالقون قبو ًال في‬ ‫املجتمع ليس بسبب معتقداتهم وتصرفاتهم فحسب‪،‬‬ ‫وإمنا ألنهم يقومون بتقدمي خدمات يفتقدها املجتمع‪،‬‬ ‫فهم يقدمون للناس مساعدات اقتصادية وطبية‬ ‫مجانية‪ .‬وبرأيي أنهم استطاعوا بذلك الوصول إلى‬ ‫مجتمعات أخرى تشهد أزمات متعددة‪.‬‬ ‫أجرى الحوار‪ :‬أريان فاريبورز‬ ‫ترجمة‪ :‬منال عبد الحفيظ شريده‬ ‫عن موقع «‪»qantara‬‬


‫فعاليات‬ ‫‪ t‬بدعوة من “منتدى اجلاحظ” في مدينة تونس‬ ‫وحتت عنوان‪( :‬النجاح في عالم مضطرب) نظم املنبر‬ ‫الدولي للحوار االسالمي ورشة تدريبية جديدة ضمن‬ ‫مشروع اسالم ‪ 21‬لتدريب الشباب املسلم للفترة ‪-21‬‬ ‫‪ 24-23‬تشرين الثاني – نوفمبر ‪.2008‬‬ ‫وشارك في الورشة التي اعتمدت املادة العلمية‬ ‫لدورات املشروع عشرون شابا وشابة من نشطاء‬ ‫اجملتمع املدني في تونس‪ .‬وقد تفاعل املشاركون مع‬ ‫املقاربات العلمية احلديثة لتطوير القابليات الذاتية‬ ‫التي تطرحها‪ ،‬كذلك التعامل الفريد مع النص القراني‬ ‫في اعادة تفكيك العقل املسلم وتاثير ذلك على نظرة‬ ‫الفرد املسلم لنفسه واالخر‪.‬‬ ‫ومت اختيار اثنني من املشاركني ملتابعة تدريبهما من‬ ‫قبل املنبر الدولي للحوار االسالمي ليتأهال كمدربني‬ ‫يشرفان على الورشات املقبلة في تونس‪.‬‬ ‫‪ t‬نظم املنبر الدولي للحوار االسالمي بتاريخ‬ ‫‪ 30-29‬تشرين الثاني ‪ /‬نوفمبر ‪ 2008‬ورشة استهدفت‬ ‫الشباب املسلم في لندن من مختلف االقليات‬ ‫االسالمية املقيمة في بريطانيا‪.‬‬ ‫اقيمت الورشة في قاعة (االبرار) في وسط لندن‬ ‫حيث املكتب الرئيسي للمنبر الدولي للحوار االسالمي‬ ‫وشارك فيها ثالثون شابة وشابة من نشطاء اجلاليات‬ ‫االسالمية في لندن‪ ،‬ادارها فريق مؤهل من مدربي املنبر‬ ‫الدولي للحوار االسالمي‪.‬‬ ‫وشكلت الورشة التدريبية التي كانت باللغة‬ ‫االنكليزية حتت عنوان‪« :‬احلياة‪ :‬البرنامج القرآني» احد‬ ‫نشاطات البرنامج التدريبي ملشروع (اسالم ‪ )21‬الذي‬ ‫ينظم دورات مشابهة في الشرق االوسط للناطقني‬ ‫باللغة العربية‪.‬‬ ‫تعتمد املادة العلمية لهذه الورشات على احدث‬ ‫املعارف واخلبرات االنسانية في مجال تطوير القابليات‬ ‫الفردية الدارة النفس واحلياة وكذلك العمل في الشان‬ ‫العام‪ ،‬وتتميز مبقاربة واعية للمكون الديني في تربية‬ ‫الفرد املسلم مشددة على مركزية الوحي والقران‬ ‫الكرمي‪.‬‬

‫ورشة تونس ـ تشرين الثاني‪/‬نوفمبر ‪2008‬‬

‫ورشة تونس ـ تشرين الثاني‪/‬نوفمبر ‪2008‬‬

‫ملزيد من املعلومات ميكنكم مراسلة «املنبر الدولي للحوار‬ ‫االسالمي» على البريد االلكتروني‪:‬‬ ‫‪najah@islam21.net‬‬ ‫‪hajar@islam21.net‬‬

‫ورشة لندن ـ تشرين الثاني‪/‬نوفمبر ‪2008‬‬

‫‪23‬‬


‫قضايا‬

‫إشكالية اندماج المسلمين في أوروبا‪:‬‬

‫من االختزال الديني إلى االنعزال االجتماعي‬ ‫لم تنظر المجتمعات االوروبية الى االزمات االجتماعية باعتبارها شأنًا دينيًا‬ ‫يصل عدد المسلمين االجمالي في عموم اوروبا ‪ 24‬مليونًا‬ ‫في معظم األحيان يتم اختزال اجلالية اإلسالمية‬ ‫في القارة األوروبية في هويتها الدينية وحسب‪ ،‬حيث‬ ‫تنظر احلكومات األوروبية الغربية إلى “املسلمني”‬ ‫باعتبارهم فئة ذات إشكاليات اجتماعية وذلك‬ ‫على الرغم من أن كثيرين من هؤالء ال يعتبرون‬ ‫الدين حجر األساس في هويتهم وفق حتليل املؤرخ‬ ‫األمريكي فيليب جنكينس‪.‬‬ ‫من الواضح اجللي بالنسبة ملعظم األوروبيني أن‬ ‫املهاجرين سيغيرون مجتمعاتهم‪ .‬غير أنهم يختلفون‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا تبنى روان‬ ‫حول مدى راديكالية هذا التغيير‪.‬‬ ‫ويليامز‪ ،‬رئيس أساقفة كانتربري‪ ،‬موقف ًا متطرفاً‬ ‫عندما صرح أنه “ليس هناك مفر” من تطبيق‬ ‫أجزاء من الشريعة اإلسالمية كنظام قانوني موا ٍز‬ ‫في بريطانيا العظمى‪ .‬في حقيقة األمر فإن النقاش‬ ‫هنا يدور حول أمر أساسي‪ :‬ألن تكون نتيجة‬ ‫احملاولة التي تقوم بها احلكومات األوروبية بالرد‬ ‫على “املشكلة اإلسالمية” هي إفراز جماعات أكثر‬ ‫إسالمية مما هي عليه في املعتاد؟‬ ‫بالطبع‪ ،‬إن ً‬ ‫جزءا ال ُيستهان به من سكان أوروبا‬ ‫قد نشأ أو يتحدر من مجتمعات مسلمة التقاليد‪،‬‬ ‫ورمبا يكون عددهم اإلجمالي يصل إلى ‪ 24‬مليون‪،‬‬ ‫أي ‪ 4,6‬في املائة من عدد سكان أوروبا‪ .‬غير أننا‬ ‫ال نعرف كم عدد الذين يعتبرون أنفسهم مسلمني‬ ‫من الناحية الدينية واإلثنية‪ .‬إن كل مجتمع يقدم‬ ‫ملواطنيه هويات متعددة‪ .‬وبني تلك الهويات رمبا‬ ‫تكون للطبقة أو الثقافة أو املنطقة أو العرق أو‬ ‫اجلنس أو التوجه اجلنسي أو االنتماء إلى جيل معني‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كبيرا من األملان‬ ‫عددا‬ ‫أهمية أكثر من الدين‪ .‬إن‬ ‫يعتبرون أنفسهم مسيحيني‪ ،‬ولكن ذلك ال يعني أن‬ ‫هويتهم الدينية تطغى على كافة الهويات األخرى‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫الشيء نفسه ينطبق على املسلمني‪.‬‬ ‫الهوية الدينية‬

‫منذ السبعينيات واألشخاص ذوي اخللفية‬ ‫املسلمة يحتلون مكانة متقدمة في التقارير التي‬ ‫تتناول املشاكل االجتماعية واجلرمية واالضطرابات‬ ‫والعنف والفقر في كثير من الدول األوروبية‪ .‬غير أن‬ ‫علينا أال نحاول إلباس هذه املشاكل في مصطلحات‬ ‫دينية‪ .‬فكلمة مسلم ال تعني في املعتاد في هذا‬ ‫السياق سوى‪“ :‬عضو في مجموعة إثنية هاجرت‬ ‫إلى أوروبا قبل فترة قصيرة نسبي ًا من إحدى دول‬ ‫أفريقيا أو آسيا حيث اإلسالم هو دين األغلبية‪”.‬‬ ‫كون املسلمني في كثير من األحيان يعانون من‬ ‫البطالة‪ ،‬ويعيشون في بيوت بائسة‪ ،‬أو يتعرضون‬ ‫إلى معاملة سيئة من الشرطة – كل ذلك ليس له‬ ‫أدنى عالقة بعاداتهم أو قناعاتهم الدينية‪ .‬في‬

‫التعدد هو سمة التدين‬ ‫لدى مسلمي أوروبا‬ ‫ووضعهم جميعًا تحت الفتة‬ ‫«اإلسالم» ينمي لديهم شعورًا‬ ‫بالهوية الدينية التي تفوق‬ ‫الشعور باالنتماء للدول التي‬ ‫وفدوا إليها‪ ،‬وهو ما يخالف‬ ‫هدف االندماج‬

‫املناطق املسلمة في بريطانيا العظمى مييز األشخاص‬ ‫ذوو األصل الباكستاني أنفسهم‪ ،‬ليس في مواجهة‬ ‫املسيحيني أو الكفار‪ ،‬بل في مواجهة البيض‪ .‬في‬ ‫ً‬ ‫عديدا من الفرنسيني ينظرون إلى أنفسهم‬ ‫املقابل فإن‬ ‫ً‬ ‫باعتبارهم سودا في املقام األول‪.‬‬ ‫وسائل اإلعالم تعلمت لغة االنتفاضة‬

‫رمبا يصعب اليوم أن نتذكر أن الشعوب األوروبية‬ ‫لم تبدأ في النظر إلى القالقل االجتماعية باعتبارها‬ ‫شأن ًا ديني ًا إال قبل سبع سنوات فحسب‪ .‬منذئذ‬ ‫بدأ استخدام مصطلحات دينية بد ًال املصطلحات‬ ‫اإلثنية‪ .‬في سنوات الثمانينيات عانت مدن فرنسية‬ ‫وبريطانية من العنف املرة تلو األخرى‪ ،‬وكان عدد كبير‬ ‫من املشاغبني ذوي خلفية مسلمة‪ .‬بالرغم من ذلك‬ ‫كان احلديث يدور حول جتاوزات بني “املهاجرين”‪،‬‬ ‫ولم يتحدث أحد قط عن مواجهات دينية‪.‬‬ ‫وعندما تفجرت االضطرابات في شمال بريطانيا‬ ‫في صيف ‪ ،2001‬كان جزء كبير ممن قاموا بأعمال‬ ‫الشغب من أصول باكستانية أو بنغالية‪ .‬ومع ذلك‬ ‫فإن التصنيفات الدينية خالل القالقل لم تلعب أي‬ ‫دور‪ ،‬ألنها اندلعت بسبب صراعات إثنية وشعور‬ ‫بالسخط جتاه الشرطة‪ .‬ووفق ًا للتقرير الرسمي فإن ما‬ ‫حدث كان “أسوأ االضطرابات التي فجرتها الدوافع‬ ‫اإلثنية خالل اخلمسة عشر عام ًا األخيرة في بريطانيا‬ ‫العظمي‪”.‬‬ ‫بعد بضعة سنوات فحسب واجهت قوات األمن‬ ‫الفرنسية مجموعة من الغوغائيني الذين قاموا‬ ‫بأعمال عنف في املدن وكأنها تواجه ثورة إسالمية‪.‬‬ ‫الفارق األساسي بني ما حدث في بريطانيا العظمى‬ ‫عام ‪ 2001‬وفي فرنسا عام ‪ 2005‬هو أن احلادي‬


‫عشر من سبتمبر كان قد ح ّول االنتباه في تلك الفترة‬ ‫إلى ما يطلقون عليه الصراع بني األديان واحلضارات‪.‬‬ ‫لقد تعلمت وسائل اإلعالم لغة االنتفاضة وظلت‬ ‫تتحني الفرصة الستخدامها في أوروبا أيض ًا‪ .‬بني‬ ‫عشية وضحاها حتولت مشكالت أوروبا االجتماعية‬ ‫إلى مشكالت دينية‪.‬‬ ‫ملواجهة خطر االضطرابات والقالقل والتوترات‬ ‫االجتماعية حاولت احلكومات األوروبية ـ وهذا شيء‬ ‫مفهوم ـ أن تقيم اتصاالت مع مجموعات واحتادات‬ ‫تتدعي أنها تتحدث باسم السكان املسلمني‪ .‬غير‬ ‫أن تلك املنظمات هي في معظم احلاالت أكثر تدين ًا‬ ‫ً‬ ‫وتشددا من أولئك الذين متثلهم‪ ،‬وعديد من أعضائها‬ ‫يتسمون بالرجعية في قضايا التحرر‪ .‬عندما‬ ‫تعترف احلكومات برجال دين أو مجموعات دينية‬ ‫كمتحدث رسمي ملجموعة من الناس‪ ،‬فإنها بذلك‬ ‫حتول الناس العاديني إلى أعضاء في مجموعة دينية‬ ‫ثقافية‪ ،‬وبالتالي فإن الناس يحصلون على حقوقهم‬ ‫باعتبارهم أعضاء في تلك املجموعة ال كمواطنني في‬ ‫الدولة أو كأفراد‪.‬‬ ‫الصراعات العرقية والطبقية تصبح مشكالت دينية‬

‫باإلضافة إلى ذلك فإن األشخاص ذوي اخللفية‬ ‫املسلمة يتحولون ـ بالتعريف ـ إلى مسلمني‪ ،‬وهؤالء‬ ‫تُوجه إليهم تهمة التصرف وفق ما يأمر به علماء‬ ‫الدين‪ .‬وبالرغم من أن هذه التهمة ال تتماشى مع‬ ‫الواقع‪ ،‬فإنها بالتدريج قد تؤدي باملسلمني إلى‬ ‫التصرف على ذلك النحو‪ .‬إن وسائل اإلعالم تشجع‬ ‫هذه العملية بالتحدث عن تلك اجلمعيات العرقية‬ ‫من منظور قادتها الدينيني فقط الذين بالطبع‬ ‫يريدون الوصول إلى أهدافهم اخلاصة‪ .‬وبذلك متسي‬ ‫الصراعات العرقية والطبقية مشكالت دينية‪ .‬كما‬ ‫أن األقليات نفسها بدأت متيل إلى إلباس شكواها‬ ‫زي املصطلحات الدينية‪.‬‬ ‫حتى ال نتحدث عن األهداف االجتماعية‬ ‫والسياسية للمسلمني في أوروبا نريد أن نقول‪ :‬إن‬ ‫التعدد هو سمة التدين لدى مسلمي أوروبا‪ .‬إن‬ ‫وضعهم جميع ًا حتت الفتة «اإلسالم» ينمي لديهم‬ ‫ً‬ ‫شعورا بالهوية الدينية التي تفوق الشعور باالنتماء‬ ‫على الدول التي وفدوا إليها‪ ،‬وهو ما يخالف هدف‬ ‫االندماج‪ ،‬ويرسخ من مكانة القادة الدينيني لتلك‬ ‫املجموعات‪.‬‬

‫فيليب جنكينس‬ ‫ترجمة‪ :‬صفية مسعود‬

‫نحو إسالم إعتدالي وسطي معاصر‬ ‫منذ سقوط شاه إيران في ‪ 11‬شباط من عام ‪ ،1979‬بدأت االوساط الفکرية والثقافية‬ ‫تتحدث عن کثب بخصوص ما سمي حينه بالصحوة االسالمية وما تلتها من نشوء تنظيمات‬ ‫وحرکات إسالمية ذات طابع حرکي مييل الى إستخدام العنف وجعل فلسفة املواجهة وتغيير‬ ‫الواقع بالقوة بديال للفلسفة التي کانت قائمة وقتها‪ ،‬مع مالحظة أن ذلك احلدث االستثنائي‬ ‫الذي وقع في طهران قد صادف أيضا نشوء فکر إسالمي حرکي في إفغانستان ملواجهة‬ ‫االحتالل السوفياتي حينها لذلك البلد‪.‬‬ ‫وقطعا فإن احلديث عن أيادي ومصالح أجنبية منتفعة من وراء نشوء وإنتشار هکذا‬ ‫حرکات متطرفة لم ولن يکون حديثا إعتباطيا وعرضيا وإمنا هو واقع ليس باالمکان إنکاره أو‬ ‫عدم وضعه في احلسبان‪ ،‬لکن االمر الهم الذي يجب وضعه حتت اجملهر هو حقيقة وماهية‬ ‫أهداف وبرامج هذه احلرکات املتطرفة وصيغة عدائها غير املنطقي والغريب من نوعه مع کل‬ ‫مخالف لهم کما ان سعيهم املميت لفرض آرائهم وتوجهاتهم على االطراف االخرى وعدم‬ ‫إميانهم بالرأي اآلخر وبالتالي السعي لتحجيمه وصوال الى إنهائه وحتى تصفيته‪ ،‬لکن نظرة‬ ‫موضوعية وواقعية لنوعية دور وتعامل النظام االسالمي بشکليه احلاکم والشعبي مع اآلخر‬ ‫سيما اخملتلفني دينيا وعقائديا يبني واقعا متباينا باملرة مع تلك الصيغة اجملحفة من التعامل‬ ‫الفوقي الرافض لکل نوع من أنواع القبول واملساومة وإبداء الليونة‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬وفي ظل تکالب غير مسبوق على االسالم والسعي لتصويره على أنه يجسد‬ ‫نفس القيم واملفاهيم التي تدعو إليها تلك احلرکات والتجمعات املتطرفة‪ ،‬فإن احلاجة تزداد‬ ‫لتوضيح ماهية وجوهر االسالم من حيث کونه باالساس دينا إعتداليا مرنا بإمکانه مالئمة‬ ‫ومعاصرة کل االزمنة ومواکبة متطلبات وإحتياجات مختلف االجيال‪ .‬ونحن نرى ان الدعوة‬ ‫إلسالم إعتدالي ليس ببدعة أو إختراع من عندياتنا بقدر ما هو واقع وحقيقة االسالم احملمدي‬ ‫االصيل ذاته وأن علماء ومفکري الغرب يدرکون هذه احلقيقة متاما لکنهم وفي خضم عدم‬ ‫وجود تيارات فکرية إسالمية تدعم فکرة االعتدال وتدعو إليه بقوة فقد يتراجع هؤالء أيضا عن‬ ‫مواقفهم شيئا فشيئا‪ ،‬من هنا فإننا نرى احلاجة ماسة وملحة لعقد االجتماعات والندوات‬ ‫الفکرية اخملتلفة بهذا الصدد وطرح حقيقة هذا االمر للمجتمعات االسالمية اوال ومن ثم‬ ‫إيصالها بالشفافية الالزمة للعالم‪ .‬وإننا في اجمللس االسالمي العربي نؤسس ملشروع إسالمي‬ ‫عربي وسطي معتدل يتسم بروحه االصيلة املستمدة أساسا من عمق أصالتنا وتراثنا ومن‬ ‫أعماق وجدان الفرد واالمة وهو مشروع تداف فيه قيم التسامح واحملبة واإليثار املوغلة قدما‬ ‫في تأريخنا االسالمي مع مبادئ وأفکار العصر احلديث اخلاصة بحقوق االنسان وحرية معتقده‪.‬‬ ‫وکما کان لبنان منبرا للحرية والعطاء الفکري والثقافي أبان عقود من القرن املنصرم وکان‬ ‫مثال ملشروع سياسي وفکري يشار له بالبنان‪ ،‬فإننا نعود من لبنان ذاته لندعو إلسالم إعتدالي‬ ‫وسطي يتسامى على زنخ وصدأ املذهبية والطائفية البغيضة ويجسد املعاني احلقيقية‬ ‫ومعدن وجوهر وروح االصالة في االسالم ونعتقد بقوة أننا سنثبت حضورنا ونؤکد أهمية دورنا‬ ‫في بناء فجر جديد مشرق ألجيالنا القادمة‪.‬‬

‫محمد علي الحسيني‬

‫االمين العام للمجلس االسالمي العربي في لبنان‬ ‫عن موقع “ايالف”‬

‫عن موقع «قنطرة»‬

‫‪25‬‬


‫قراءة‬

‫محمد عابد الجابري في “مدخل إلى‬ ‫القران الكريم” ‪ ...‬لم يقدم جديدًا‬ ‫قراءة الجابري للقرآن مزدوجة تقوم على الوصل والفصل‬ ‫ناقش الجابري ما توصل اليه القدماء مبتعدًا عن المصادر العقالنية‬ ‫ارتبط النقد االبستمولوجي املعاصر باملفكر العربي‬ ‫محمد عابد اجلابري‪ ،‬ورغم إسهامات وقراءات املفكرين‬ ‫العرب اآلخرين‪ ،‬فإن ما مييز قراءة اجلابري هو تعدد‬ ‫أدواته النقدية ومرجعياته‪ ،‬وتنوع اهتماماته‪ ،‬التي متتد‬ ‫من هموم الواقع املعاصر‪ ،‬كإشكاليات الدميوقراطية‪،‬‬ ‫واإلصالح‪ ،‬والنهضة‪ ،‬إلى الغوص في التراث الفكري‪،‬‬ ‫وتعقيدات املذاهب‪ ،‬والفرق‪ ،‬والصراعات السياسية‬ ‫في الفكر العربي اإلسالمي‪ .‬ومتثل ذلك في مشروعه‬ ‫األساسي «نقد العقل العربي» في أربع أجزاء‪ .‬وفي‬ ‫غمرة ردود األفعال على هذا املشروع‪ ،‬خصوص ًا اجلزء‬ ‫الرابع «نقد العقل األخالقي»‪ ،‬توقع املتابعون ملشروع‬ ‫املفكر اجلابري أن يكون اجلزء اخلامس قراءة في العقل‬ ‫اجلمالي‪ ،‬أو العقل العلمي‪ ،‬إال أن املفكر العربي‬ ‫فاجأ اجلميع فأصدر اجلزء األول من كتاب «مدخل‬ ‫إلى القرآن الكرمي» عام ‪ ،2006‬واجلزء الثاني عام‬ ‫‪.2008‬‬ ‫وكعادته‪ ،‬ال يتوقف اجلابري عند ردود األفعال‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ونادرا ما رد على االنتقادات املوجهة ألفكاره‪ ،‬رغم‬ ‫غزارة الردود‪ ،‬ووجاهتها العلمية‪ ،‬وخطورتها‬ ‫األيديولوجية‪ ،‬ومثل مشروع املفكر العربي‬ ‫جورج طرابيشي «نقد نقد العقل العربي» في‬ ‫أربعة أجزاء أيض ًا‪ ،‬أهم تلك الردود‪ ،‬والذي‬ ‫أعاد إشكالية بحث اجلابري إلى نقطة الصفر‪.‬‬ ‫وقد ساهمت سابق ًا في نقد وحتليل بعض‬ ‫إشكاليات ومفاهيم ومرجعيات اجلابري‪،‬‬ ‫إال أن الكتاب األخير «مدخل إلى‬ ‫القرآن الكرمي» اجلزء األول‪ ،‬والذي‬ ‫ً‬ ‫بعيدا من اهتمام‬ ‫جاء على غير العادة‬ ‫اجلابري األصلي بالفلسفة والتراث‪،‬‬ ‫وإشكاليات الفكر العربي املعاصر‪،‬‬ ‫جاء مخيب ًا لآلمال‪ ،‬فلم يكن مطابق ًا‬ ‫‪26‬‬

‫ملنهج اجلابري‪ ،‬وال ملصادره واستراتيجياته في القراءة‪،‬‬ ‫وال يحتوي على اجلدة واجلديد الذي يح ّفز على النقد‬ ‫واملساجلة‪.‬‬ ‫وللتدليل على ذلك‪ ،‬سأتوقف عند‬ ‫بعض النقاط خصوص ًا املصادرات املنهجية‬ ‫اعتاد املفكر اجلابري تقدمي كتبه املهمة مبقدمات‬ ‫منهجية وملخص ختامي نقدي لتحديد البدائل‬ ‫وآفاق املستقبل‪ ،‬وفي تلك املقدمات يبني أو ًال املناهج‬ ‫والدراسات السابقة التي تناولت املوضوع‪ ،‬وبيان‬ ‫أسسها وقصورها املنهجي‪ ،‬ثم يعرض منهجه وشبكه‬ ‫مفاهيمه التي عمل على تطويعها لتناسب إشكاليات‬ ‫الفكر العربي القدمي واحلديث‪ ،‬وبيان أصولها في الفكر‬ ‫األوروبي الكالسيكي واملعاصر‪ ،‬ومتثل ذلك في أهم‬ ‫إصداراته الفكرية «اخلطاب العربي املعاصر» و «نحن‬ ‫والتراث»‪ ،‬و«نقد العقل العربي»‪ ،‬حيث خصص لكل‬ ‫ً‬ ‫وأخيرا مقدمته في‬ ‫جزء منه مقدمة منهجية كاملة‪،‬‬ ‫كتابه اجلديد «مدخل إلى القرآن الكرمي»‪ ،‬إال انه‬ ‫في هذه املقدمة أحال القراء إلى املقدمات املنهجية‬ ‫السابقة‪ ،‬لتكون مفاتيح‬

‫فهم مقوالت وأفكار الكتاب اجلديد‪ ،‬والذي سيكون‬ ‫في شكل أو بآخر ممارسة نظرية تطبيقية لتلك األفكار‬ ‫املنهجية‪ ،‬ومن الكتب التي يحيلنا إليها في مقدمة‬ ‫«مدخل إلى القرآن الكرمي» املقدمة الطويلة والعميقة‬ ‫لفهم التراث في كتابه «نحن والتراث» الذي يبدأ بنقد‬ ‫املناهج الفكرية املعاصرة‪ ،‬ألنها في مجملها قراءات‬ ‫ماضوية وأيديولوجية‪ ،‬مثل القراءة السلفية التي‬ ‫أنتجت فهما تراثي ًا للتراث‪ ،‬وانتهت إلى أن مستقبل‬ ‫العرب يكمن في ماضيهم‪ ،‬وما عليهم إال استعادة هذا‬ ‫املاضي وإحياء قيمه املجيدة‪.‬‬ ‫وهناك القراءة الليبرالية‪ ،‬التي تعتمد على املعطى‬ ‫الفكري األوروبي في أصولها ومناهجها‪ ،‬وعملت على‬ ‫إخضاع التراث الفكري اإلسالمي للمناهج الغربية‪،‬‬ ‫وتفرعت عنها القراءة املاركسية التي تعاملت مع‬ ‫اجلدل واملادية كمنهج مطبق تبحث عنه وعن جتلياته‬ ‫في التراث اإلسالمي‪ ،‬ولهذا فجميع هذه القراءات‬ ‫كما يخلص اجلابري قراءات ال تاريخية تعتمد قياس‬ ‫الغائب على الشاهد‪ .‬ويقترح اجلابري لتجاوز تلك‬ ‫العثرات وأوجه القصور قراءة التراث والنص التراثي‬ ‫بطريقة جديدة مغايرة‬ ‫للسابق‪ ،‬جلعل املقروء‬ ‫ً‬ ‫معاصرا‬ ‫التراثي‬ ‫لنفسه على صعيد‬ ‫اإلشكالية واحملتوى‬ ‫واملضمون‬ ‫املعرفي‬ ‫األيديولوجي‪ ،‬وفي نفس‬ ‫ً‬ ‫معاصرا لنا‪ ،‬على‬ ‫الوقت‬ ‫صعيد الفهم واملعقولية‪،‬‬ ‫ونقل املقروء إلى اهتمام‬ ‫القارئ‪ ،‬ما يسمح بتوظيف‬ ‫التراث في إغناء ذات القارئ‬


‫وإعادة بنائها‪ .‬فقراءة اجلابري ً‬ ‫إذا قراءة مزدوجة تقوم‬ ‫ً‬ ‫معاصرا لنفسه‪،‬‬ ‫على الوصل والفصل‪ ،‬فجعل املقروء‬ ‫ً‬ ‫يعني فصله عنا وإما جعله معاصرا لنا فمعناه‬ ‫وصله بنا‪ ،‬وهدف اجلابري من ذلك حترير التراث‬ ‫من كال الرؤيتني القاصرتني التراثية والليبرالية‪.‬‬ ‫أما كيف يتم وصل القارئ العربي املعاصر بتراثه‪،‬‬ ‫فيجيب اجلابري باحلدس كرؤية استكشافية تستبق‬ ‫النتائج‪ ،‬وأساسها جدل القارئ واملقروء‪.‬‬ ‫وتفترض تلك املقدمات النظرية في حال تطبيقها‬ ‫في دراسة ظاهرة القران الكرمي أن تكون معاصرة لنفسها‬ ‫ومعاصرة لنا في الوقت نفسه‪ ،‬والهدف األساسي من‬ ‫إستراتيجية اجلابري اجلديدة ومقدماته النظرية في قراءة‬ ‫القرآن الكرمي هي الكشف عن التأويالت األيديولوجية‬ ‫الفلسفية والسياسية التي ابتعدت عن العقل القرآني‬ ‫لترمتي في أعماق الالمعقول الغنوصي والعرفاني‬ ‫الذي أشار إليه في قراءته التاريخية البنيوية للعقل‬ ‫العربي في اجلزء األول والثاني‪ ،‬وأما الهدف الثاني‬ ‫فهو التأكيد على أن اإلسالم هو دين العقل «فما‬ ‫مييز اإلسالم رسو ًال وكتاب ًا عن غيره من الديانات‪،‬‬ ‫هو خلوه من ثقل األسرار التي جتعل املعرفة بأمور‬ ‫الدين خارج تناول العقل‪ ،‬مما يجعل املعرفة الدينية من‬ ‫اختصاص فئة قليلة من الناس وحدهم رؤساء الدين‬

‫ومرجعياته ورعاته والبقية رعية ومقلدون‪ ،‬وأما الرئيس‬ ‫األول املؤسس للدين فيوضع في الغالب في مرتبة بني‬ ‫األلوهية والبشرية وأحيان ًا يرفع إلى مستوى األلوهية‬ ‫ً‬ ‫رموزا مليئة باألسرار ال‬ ‫وأما النصوص الدينية فتعتبر‬ ‫يتولى تأويلها وفك ألغازها إال العاملون بفك الرموز‬ ‫وتأويل األحالم»‪.‬‬ ‫وأما الهدف الثالث لقراءة اجلابري‪ ،‬فهو حتقيق‬ ‫احلداثة والتجديد من خالل إعادة االنتظام في التراث‬ ‫وإعادة بناء عالقتنا به بصورة حداثية‪ ،‬فاحلداثة كما‬ ‫يقول اجلابري تبدأ باحتواء التراث وامتالكه‪ ،‬ألن ذلك‬ ‫وحده هو السبيل إلى تدشني سلسلة من القطائع معه‪،‬‬ ‫والى حتقيق جتاوز عميق له لصناعة تراث جديد متص ًال‬ ‫بتراث املاضي على صعيد الهوية واخلصوصية‪.‬‬ ‫تلك هي أهم املصادرات املنهجية التي‬ ‫طبقها اجلابري في دراسة الظاهرة القرآنية‬ ‫فما هو احلصاد املعرفي والتجديد الذي أجنزه في قراءته‬ ‫اجلديدة؟ وهل‪ ‬التزم اجلابري مبصادراته ومبقدماته كما‬ ‫يتوقع القارئ؟ وقراءة القران قراءة جديدة معاصرة كما‬ ‫يقول النص نفسه‪ .‬فكيف ميكن نقل هذا النص ليكون‬ ‫ً‬ ‫معاصرا لنا؟ وهل جتاوز اجلابري القراءات السابقة على‬ ‫غزارتها وعمقها خصوص ًا عند العلماء األجالء دارسي‬ ‫علوم القرآن؟ وهل استطاع تطهير التفسير من الالمعقول‬

‫واإلسرائيليات واخلوارق التي ال يصدقها عقل؟‬ ‫ومن األهمية مبكان التنويه باستدراك اجلابري جلسامة‬ ‫املهمة فهو كما يقول «ال يدعي طرح جميع األسئلة‬ ‫التي طرحت من قبل وال جميع األسئلة اجلديدة التي‬ ‫ميكن أن تطرح ألن ادعاء االستقصاء في هذا املجال‬ ‫غرور ال يركبه إال اجلاهل» ولكنه يعد القارئ باطالعه‬ ‫على أجوبة غير قطعية وال نهائية عن أسئلة تولدت‬ ‫لديه من خالل اطالعه على األسئلة التي طرحها كثير‬ ‫من القدماء حول الظاهرة القرآنية واخلروج من شرنقتنا‪،‬‬ ‫علم ًا بأن شرنقتنا نفسها ليست سوى واحدة من حلقات‬ ‫تاريخنا الثقافي‪ ،‬وحلظة من حلظات تطور وعينا‪.‬‬ ‫لقد أقدم اجلابري على مغامرة فكرية‪ ،‬وعلى‬ ‫رغم إحساسه بالتحكم والسيطرة على موضوعه‪،‬‬ ‫فالنهايات املنطقية لقراءة الظاهرة القرآنية باملناهج‬ ‫واالستراتيجيات املعاصرة ستكون مغايرة متام ًا لتصور‬ ‫اجلابري وفرضياته املبدئية‪ ،‬وهذا ما عبر عنه إحساسه‬ ‫الضمني من خالل جتاهل اخطر معطيات املنهج‬ ‫االستشراقي في تناول القرآن‪ ،‬وأما اخليار الثاني الذي‬ ‫حاول حتاشيه‪ ،‬فهو استنساخ وتكرار القراءات السابقة‪،‬‬ ‫فآثر ال شعوري ًا السقوط في شبكة القراءات القدمية‪،‬‬ ‫واالرتهان لبنيتها املفاهيمية‪ ،‬فكرر من حيث ال يدري‪،‬‬ ‫واقتحم أبواب ًا مفتوحة‪ ،‬فعلى مدار ‪ 1300‬سنة من‬

‫فهم القرآن الحكيم ( التفسير الواضح ألسباب النزول)‬ ‫للدكتور محمد عابد الجابري‬ ‫بعد كتابه األول( مدخل إلى التعريف بالقرآن الكرمي)الذي صدر العام املاضي‪ .‬يتابع املفكر العربي الكبير محمد عابد اجلابري دراساته القرآنية‬ ‫بإصدار كتاب ( فهم القرآن الكرمي ‪ :‬التفسير الواضح حسب أسباب النزول)‪ .‬في قسمني‪ .‬صدر األول بداية سنة ‪ ،2008‬أما القسم الثاني فقد صدر‬ ‫بداية تشرين الثاني (نوفمبر) ‪.2008‬‬ ‫ينطلق اجلابري في هذا الكتاب من قناعة راسخة بأن القرآن يخاطب أهل كل زمان ومكان‪ ،‬وهو ما يفرض حسب املؤلف ضرورة اكتساب فهم‬ ‫متجدد للقرآن بتجدد األحوال في كل عصر‪ .‬وقد فسر املؤلف في هذا الكتاب القرآن معتمدا ترتيب النزول ومتتبعا مراحل الدعوة اإلسالمية‪ .‬العملية‬ ‫التي خلصها بقوله ‪ « :‬قراءة القرآن بالسيرة وقراءة السيرة بالقرآن»‪ .‬وهو ما ميكن اعتباره إضافة نوعية الحظ اجلابري افتقار املكتبة العربية إليها بعد‬ ‫مصاحبته لتفاسير القرآن املوجودة‪ ،‬القدمية منها واحلديثة‪ .‬وهكذا انصبت جهود اجلابري على إعادة بناء الترتيب الذي تعطيه اللوائح املروية في تاريخ‬ ‫نزول السور أو مناسبات نزول بعض آياتها‪ .‬واهتم املؤلف في هذا الصدد بالفصل في مسألة املكي واملدني من السور واآليات‪ ،‬ليوضح أن مسار التنزيل‬ ‫مساوق فعال ملسيرة الدعوة‪.‬‬ ‫وهكذا توصل الدكتور اجلابري إلى أن مسار التنزيل ومسيرة الدعوة خالل العهد املكي‪ ،‬مير بست مراحل‪:‬‬ ‫ـ املرحلة األولى‪ :‬النبوة والربوبية واأللوهية‬ ‫ـ املرحلة الثانية‪ :‬البعث واجلزاء ومشاهد القيامة‬ ‫ـ املرحلة الثالثة‪ :‬إبطال الشرك وتسفيه عبادة األصنام‪.‬‬ ‫ـ املرحلة الرابعة‪ :‬الصدع باألمر واالتصال بالقبائل‬ ‫ـ املرحلة اخلامسة‪ :‬حصار النبي وأهله في شعب أبي طالب وهجرة املسلمني إلى احلبشة‪.‬‬ ‫ـ املرحلة السادسة‪ :‬مابعد احلصار‪ ،‬مواصلة االتصال بالقبائل واالستعداد للهجرة إلى املدينة‪.‬‬ ‫تناول القسم األول من الكتاب املراحل الثالثة األولى‪ ،‬في حني تناول الثاني البقية‪ .‬يبدأ املؤلف كل مرحلة باستهالل يستعرض فيه مميزات املرحلة‬ ‫واألجواء التي تدور فيها السور املتعلقة بها ومواضيعها األساسية‪ ،‬قبل أن ينتقل إلى عرضها سورة سورة‪ .‬ثم يختص كل سورة بتقدمي خاص بها‪،‬‬ ‫يعقبه عرض لنص السورة التي غالبا ما يتم تقسيم آياتها‪ ،‬مع إدراج كل قسم حتت عنوان خاص‪ ،‬إضافة إلى وضع بعض معاني األلفاظ والعبارات بني‬ ‫هاللني داخل نص السورة‪ .‬وهو ما يعتبره اجلابري جزءا أساسيا من العملية التي قام بها‪ ،‬الهادفة إلى الوضوح في التفسير‪ .‬ثم يختم عرض كل سورة‬ ‫بتعليق يستعيد فيه أهم القضايا التي تناولتها في شكل خالصة مركزة‪ .‬مع إبداء الرأي في بعض املسائل‪.‬‬

‫ع‪ .‬طريب‬

‫‪27‬‬


‫الدراسات القرآنية‪ ،‬وهي أهم معالم احلضارة العربية‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬حيث جتاوز عدد عناوين الكتب املوضوعة‬ ‫في الفقه‪ ،‬والكالم‪ ،‬والتفسير‪ ،‬والبيان‪ ،‬اآلالف‪ ،‬لم‬ ‫ً‬ ‫جديدا‪ ،‬فناقش ما ناقشه القدماء‪،‬‬ ‫يضف اجلابري شيئ ًا‬ ‫وحسم ما حسموه من معنى أمية النبي‪ ،‬واإلعجاز‪،‬‬ ‫والتثليث‪ ،‬والناسخ‪ ،‬واملنسوخ‪ ،‬وترتيب القرآن‪ ،‬وجمعه‪،‬‬ ‫والقراءات السبع‪ ،‬واحلنفية‪ ،‬والوحي‪ ،‬والنبوة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫وبالتالي فلن يجد القارئ إال خيبة أمل‪ ،‬فما انتهى إليه‬ ‫اجلابري‪ ،‬ابتدأ به كبار العلماء‪ ،‬واملفسرين‪ ،‬واملتكلمني‪،‬‬ ‫واللغويني‪ ،‬في علوم القرآن كاجلرجاني‪ ،‬والزركشي‪،‬‬ ‫والقرطبي‪ ،‬والسجستاني‪ ،‬والسيوطي‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬ولم‬ ‫يتجاوز قراءات احملدثني أمثال حسن حنفي‪ ،‬ومحمد‬ ‫أركون‪ ،‬وهي قراءات على جانب كبير من احلدة‪،‬‬ ‫والصرامة‪ ،‬واملنهجية‪ ،‬والشيء املميز لقراءات هؤالء‬ ‫أنهم أكثر جرأة وصراحة في تناول النص‪ ،‬وتعرضوا‬ ‫للمسكوت عنه‪ ،‬الذي لم يقترب منه اجلابري‪.‬‬ ‫وأما أغرب املفارقات املنهجية في التطبيق على‬ ‫ً‬ ‫معاصرا‬ ‫الظاهرة القرآنية‪ ،‬فهي مقولته جعل املقروء‬ ‫ً‬ ‫ومعاصرا لنا في الوقت نفسه‪ ،‬وهي ما نادى‬ ‫لنفسه‬ ‫به كثير من علماء اإلسالم‪ ،‬بجعل القرآن يشرح‬ ‫بعضه بعض ًا‪ ،‬ليكون هذا النوع من التفسير كما‬ ‫يقول «سالحنا ضدّ الوضع سواء كان بدافع الترغيب‬ ‫والترهيب أو بدوافع مذهبية أو سياسية وهو سالحنا‬ ‫أيض ًا ضد اإلسرائيليات وأنواع املوروث القدمي السابق‬ ‫على اإلسالم» وحتولت عقالنية اجلابري الرشدية فجأة‬ ‫إلى سلفية‪ ،‬فمقولة القرآن يفسر بعضه بعض ًا على رغم‬ ‫تداولها عند الكثير من املفسرين‪ ،‬إال أنها مقولة ابن‬ ‫تيمية احلراني احلنبلي‪ ،‬شيخ السلفية الذي كفر وبدع‬ ‫الفالسفة واملنطق‪ ،‬ورفض القياس والعقل واملجاز في‬ ‫لغة القرآن‪ ،‬وتوقف عند الدالالت املباشرة‪ ،‬واستعاد‬ ‫التشبيه والتجسيم‪ ،‬وأعلنها حرب ًا ضد الفرق واملذاهب‬ ‫والديانات األخرى والفلسفة‪ .‬وما زالت حرب ًا فكرية بني‬ ‫السلفية والفرق األخرى‪ ،‬كاألشاعرة حول العقل والنقل‪،‬‬ ‫وقد كان األولى باجلابري االنسجام مع منطلقاته‬ ‫الفكرية‪ ،‬واالعتماد على مصدر آخر أكثر عقالنية‪،‬‬ ‫كما أن التجديد من الداخل‪ ،‬الذي هو هاجسه‪ ،‬والذي‬ ‫أوصله في شكل أو بآخر للسلفية وابن تيمية‪ ،‬هو‬ ‫بشكل أو بآخر خيانة للعقالنية الرشدية التي اعتمدها‬ ‫اجلابري بداية للرد على التفسيرات‪ ،‬والتأويالت الضارة‬ ‫والضالة عند املتكلمني‪ ،‬والصوفية‪ ،‬وفالسفة الغنوص‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جديدا في‬ ‫خالصة القول أن اجلابري لم يقدم شيئ ًا‬ ‫كتابه األخير‪ ،‬ولم ينجح بتطبيق مصادراته املنهجية في‬ ‫كتابه اجلديد “مدخل إلى القرآن الكرمي”‪.‬‬

‫زهير توفيق‬ ‫صحيفة “الحياة”‬

‫‪28‬‬

‫متابعات مغاربية‬ ‫•‬

‫ اعادت السلطات املغربية تشكيل الشؤون الدينية في البالد للمرة الثانية من خالل‬ ‫سلسلة جديدة من اإلجراءات واإلصالحات بهدف دعم اإلسالم املعتدل والعمل على‬ ‫قطع دابر اإلسالم السياسي املتط ّرف‪.‬‬ ‫ ويعد اإلصالح هو الثاني بعدما أعيد عام ‪ 2004‬تشكيل وزارة الشؤون الدينية اجلهاز‬ ‫التشريعي اخلاص باملساجد لعملية إصالح‪ ،‬غير أ َّن اإلصالحات احلالية تعتبر على قدر‬ ‫أكبر من األهمية‪ .‬فمن املفروض تأسيس ‪ 99‬مجلسا ً استشاريا ً بدال ً عن اجملالس البلدية‬ ‫التي يبلغ عددها ‪ 30‬مجلسا ً للمساهمة في تعزيز قيم التسامح الذي يكنها االسالم‬ ‫احلقيقي‪ ،‬حيث ستنظم تلك اجملالس االستشارية دورات واجتماعات في املساجد‬ ‫واجلامعات واملنظمات النسوية بغية التعريف بروح االسالم االنسانية واحلضارية‪.‬‬

‫•‬

‫ انعقد بني ‪ 3‬و‪ 6‬نوفمبر ‪ ،2008‬بالفاتيكان املنتدى احلواري اإلسالمي املسيحي اتفق‬ ‫الوفدان فيه على إعالن مشترك يدعو إلى احترام الشخص واختياراته املتعلقة بضميره‬ ‫ووعيه الديني ويدافع عن حق األشخاص واجلماعات في ممارسة شعائرهم الدينية‪ ،‬سواء‬ ‫بشكل شخصي أو عمومي‪ ،‬كما أدان اإلعالن النهائي «القمع والعنف واإلرهاب‪ ،‬خاصة‬ ‫منه ذلك الذي يُرتكب باسم الدين»‪ .‬واتفق املشاركون على أن يُعقد مثل هذا اللقاء في‬ ‫غضون سنتني في بلد إسالمي‪.‬‬

‫•‬

‫ ـ أطلق المشاركون في ندوة حول الشــباب والتطرف دعــوات ملحة بضــرورة فتح‬ ‫اآلفــاق أمام الشباب واإلنصات باهتمام إلى مطالبهـم وإشراكهـم في صنع القرار‪.‬‬ ‫وذلك خالل ندوة عقدت يوم ‪ 26‬سبتمبر ‪ 2008‬في العاصمة التونسية‪ ،‬خصصت‬ ‫لتدارس العوامل التي تؤدي بالشباب إلى االنزالق في اإليديولوجيات المتطرفة‪ .‬نظم‬ ‫الندوة مؤسسة دي في ميديا ومجموعة دار الصباح اإلعالمية بالتعاون مع برنامج‬ ‫مبادرة ميبي األمريكية‪.‬‬

‫•‬

‫ أصدرت مؤسسة ابن رشد للفكر احلر ببرلني بيانا صحفيا يعلن عن فوز املفكر العربي‬ ‫محمد عابد اجلابري بجائزة «ابن رشد للفكر احلر» ‪ ،2008‬على أن يتم منح اجلائزة يوم‬ ‫األربعاء املوافق ‪ 12‬ديسمبر ‪ 2008‬وهو ذكرى وفاة فيلسوف العرب األكبر ابن رشد وذكرى‬ ‫االعالن عن حقوق اإلنسان الصادر عن األمم املتحدة‪ .‬وتكرس املؤسسة جهدها لدعم‬ ‫حرية الرأي وممارسة الدميقراطية في العالم العربي مهتدية بذلك بفكر الفيلسوف ابن‬ ‫رشد (‪1126‬ـ ‪1198‬م) ودوره البارز في احلوار بني الثقافات‪.‬‬

‫•‬

‫ نظم املعهد العالي للغات التطبيقية و اإلعالمية بنابل بجامعة ‪ 7‬نوفمبر قرطاج ندوة‬ ‫عاملية حـول «التـرجمة بني التكـوين والتمهني» أيام ‪ 28‬و‪ 29‬نوفمبر ‪ 2008‬بفندق‪ ‬أبو‬ ‫نواس باحلمامات‪ .‬وانطلقت الورقة املؤطرة للندوة من اعتبار الترجمة ظاهرة لغوية‬ ‫حضارية في آن واحد‪ ،‬وأنها قوام املثاقفة‪ ،‬و أساس احلوار احلضاري بني األمم مبا تساهم فيه‬ ‫من قضاء على احلواجز اللغوية التي حتول دون فهم اآلخر واالنفتاح عليه‪ .‬وقد مت اختيار‬ ‫احملور الثالث للحديث عن الترجمة وحوار احلضارات‪ .‬ابن رشد (‪ 1126‬ـ ‪1198‬م) ودوره البارز‬ ‫في احلوار بني الثقافات‪.‬‬


‫إصدارات‬

‫السلفية والعلمانية‪ ..‬اشكاالت‬ ‫الرؤى والممارسة‬ ‫يشير محمد حسن رمضان في كتابه الصادر حديث ًا عن دار احلصاد إلى‬ ‫أن مبدأ فصل الدين عن الدولة الذي تعتمده العلمانية إمنا هو مبدأ إسالمي‬ ‫بامتياز‪.‬املشكلة‪ ،‬في أن مفهوم العلمانية قد ارتبط في أذهان الغالبية باإلحلاد‬ ‫والتحلل األخالقي‪ ،‬وهم يعتبرون أن أي توجه ينادي بالتمييز بني ما هو دنيوي‬ ‫وما هو ديني هو توجه َعلماني يجب رفضه‪ ،‬بل ومحاربته‪ .‬ويرون أن املجتمع‬ ‫يجب أن يكون إسالمي ًا‪ ..‬واالقتصاد‪ ،‬والسياستان الداخلية واخلارجية‪ ،‬والقانون‬ ‫العام‪ ،‬والتجاري‪ ،‬واجلنائي‪ ،‬وتصرفات األفراد والهيئات واملؤسسات يجب أن‬ ‫تكون كلها إسالمية‪.‬‬ ‫إن النبي صلى الله عليه وسلم حينما ُطلب منه إبداء رأيه في مسألة دنيوية‬ ‫قال‪ :‬أنتم أعلم بشؤون دنياكم‪ .‬وقال أيض ًا‪ :‬في مسائل الدنيا هم باخليار‪ ،‬إن‬ ‫أخذوا به أو تركوه ال بأس عليهم‪.‬‬ ‫ويسأل الكاتب في هذا السياق‪ :‬هل سمعتم في حياتكم‪ ،‬أو قرأمت في‬ ‫مكان ما من ذلك التراث اإلسالمي الطويل العريض‪ ،‬أن شخص ًا أتى يسأل رجل‬ ‫دين إسالمي ًا عن مسألة ما فأجابه بفتوى النبي صلى الله عليه وسلم السابقة؟‬ ‫يتمتع الكتاب باملنهجية العلمية واملعلومات الغزيرة التي تساعده‬ ‫على اخلوض في موضوع شائك‪ ،‬وأهم ما يالحظ أنه غير متعصب لفكر أو‬ ‫آيديولوجية أو طائفة معينة‪ ،‬بل يريد أن يصل إلى ما ينفع املسلمني املعاصرين‬ ‫في حاضرهم ومستقبلهم‪ ،‬ويبني ما يؤذيهم‪ ،‬وإنه ال يؤذيهم شيء بقدر ما يؤذيهم‬ ‫التناحر والتنابذ وإلصاق التهم باآلخرين بلغة اإلنشاء اللغوي بد ًال من السعي‬ ‫إلى احلقيقة بلغة العلم والوثائق واملنطق‪.‬‬

‫سبات العقل في اإلسالم‬ ‫يتابع جورج طرابيشي في كتابه اجلديد «املعجزة أو سبات العقل في‬ ‫االسالم» ما أثاره في كتابه السابق «العقل املستقيل في اإلسالم»‪ ،‬ويجري‬ ‫بحثه عن العوامل الذاتية ألفول جنم العقالنية العربية اإلسالمية‪ ،‬ليجد‬

‫نفسه أمام عامل ال متوقع‪ ،‬هو املعجزة ومنطق املعجزة في املوروث العربي‬ ‫اإلسالمي‪.‬‬ ‫ويؤكد طرابيشي على أن املعجزة في اإلسالم ليست هي التي خلقت اإلميان‪،‬‬ ‫بل إن اإلميان هو الذي خلق املعجزة‪ ،‬حيث لم تنشأ أدبيات املعجزات وتتطور‬ ‫إال بعد أن أسلم ليس فقط أهل الصدر األول والثاني‪ ،‬بل كذلك أجيال متتالية‬ ‫من سكان البلدان املفتوحة‪.‬‬ ‫ويخلص إلى القول بأنه في زماننا املعاصر‪ ،‬يبدو العالم العربي واإلسالمي‬ ‫ً‬ ‫مهددا باالرتداد نحو قرون وسطى جديدة‪ ،‬وبالتالي فإن عملية استئناف اإلقالع‬ ‫نحو احلداثة‪ ،‬التي كان الح بارقها مع عصر النهضة قبل أن يخمد‪ ،‬حتتاج إلى‬ ‫ثورة كوبرنيكية على صعيد العقل أي إلى ( مقدرة املجتمعات البشرية على‬ ‫أن جتهز نفسها بنظم متثيل ومؤسسات وعمليات وقواعد وطقوس وقيم مشتركة‬ ‫وممارسات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫واملالحظ أن جورج طرابيشي يقدم في هذا الكتاب أمورا وقضايا تستحق‬ ‫النقاش حولها‪ ،‬مع أن اإلسالم ال ميكن النظر إليه نظرة تعميمية خالل عصور‬ ‫عديدة‪ .‬فالنشأة تختلف عن املراحل الالحقة املختلفة بدورها‪ ،‬فض ًال عن‬ ‫دور اخللفاء والسالطني واألمراء الذين ساهموا في صناعة األحداث والوقائع‬ ‫التاريخية‪.‬‬

‫العقل العربي‬ ‫بين الخرافة والتيه‬ ‫يستعيد الدكتور خلف اجلراد في كتابه «اخلرافة ووأد العقالنية» «هجمة‬ ‫ارتدادية» على الفكر املستنير والعقالنية‪ ،‬لتوصيف أحوال الفكر العربي اليوم‪،‬‬ ‫ما جعل الفلسفة والعقل مدعا ًة للتشكيك والشبهات والتكفير‪ .‬وقد واكبت‬ ‫هذه املوجة من الكتابات املضادة للعقالنية في اإلسالم‪ ،‬كأنّ املطلوب في‬ ‫هذه احلقبة الظالمية حتطيم العقل والتفكير العقالني» بوصفهما رافعة للتقدم‬ ‫احلقيقي وشرط ًا أساسي ًا للنهضة العربية واإلسالمية‪ ،‬ما يفتح الباب واسع ًا‬ ‫أمام التيه والضياع واخلرافة‪ ،‬بقصد إعادة إنتاج الفنت وتأجيج األحقاد الطائفية‬ ‫واملذهبية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يوضح اجلراد أنّ العقل السياسي العربي ظل محكوما تاريخيا بثالثة‬ ‫نسق بنيوي جديد‬ ‫عناصر هي‪ :‬القبلية‪ ،‬والغنيمة‪ ،‬والعقيدة‪ ،‬إضافة إلى ٍ‬ ‫يتم ّثل في طغيان الالعقالنية واالنفعالية في اخلطاب السياسي‪ .‬أما كيفية‬ ‫اخلالص من الوالء للقبيلة باملعنى الض ّيق لهذا املصطلح‪ ،‬فيجده في تعزيز‬ ‫املنظومة وترسيخ مفهموم املواطنة‪ ،‬وردم الفجوة املعرفية ونسف األساطير‬ ‫واخلرافات والقوالب النمطية‪.‬‬ ‫وتزداد املعضلة برفض التجديد والتط ّور عبر منع تداول أفكار الطرف اآلخر‬ ‫واعتبارها محظورات تقوم على تلويث الوعي والرأي العام‪ ،‬من دون النظر إلى‬ ‫ثورة االتصاالت التي أسهمت في تد ّفق املعلومات‪ ،‬وإال فما سبب العطالة‬ ‫‪29‬‬


‫الفكرية التي نعيشها اليوم؟ يجيب اجلراد‪« :‬إقصاء الفكر احل ّر والعقالني‪،‬‬ ‫ومحاصرة الفلسفة‪ ،‬والقمع الشامل للتفكير العلمي والتجريبي والنقدي ملصلحة‬ ‫دعم الفكر الغيبي واخلرافة بأشكالها العديدة‪ ،‬حفاظ ًا على سكونية املجتمع‬ ‫وركود الفكر وأبدية السلطة ومغامنها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ولعل ما نحتاج إليه اليوم للخروج من نفق التخلف والظالم وفق اجلراد‪،‬‬ ‫هو مقاومة القداسة املطلقة التي منحناها لفقهاء يحتمون بثقافة األسالف‬ ‫وإقصاء أي فكر تنويري‪ .‬مجتمع اليوم يحتاج إلى ابن رشد جديد‪ ،‬مييط اللثام‬ ‫عن قضايا سجالية تخلخل ثبات املشهد وظالميته في ظل فتاوى تعيد إنتاج‬ ‫ثقافة التخلف والغيبيات‪.‬‬ ‫يعزو الباحث أسباب التخلف في اخلطاب الراهن الى غياب ثقافة العمل‬ ‫التنويري‪ ،‬وانحسار دور النخب بفضح ثقافة اجلهل والتكفير التي طالت‬ ‫أسماء شخصيات ثقافية اضطرت في نهاية املطاف إلى االختفاء والهروب‬ ‫من بلدانها‪ .‬ويضرب مثا ًال محنة نصر حامد أبو زيد ونوال السعداوي وآخرين‪،‬‬ ‫رغم أنّ أصحاب فتاوى التكفير استخدموا الدين استخدام ًا نفعي ًا على خلفية‬ ‫إيديولوجيات سياسية ال تركن إلى محاكمة عقلية تضع التأويل في املقام‬ ‫األول‪.‬‬

‫املؤيدة له والذائدة عن مبادئه التي يرى فيها توافقا مع (روح االسالم) باعتبار‬ ‫ان النهج الدميقراطي الدستوري اساس قومي في النظام السياسي الية دولة‬ ‫اسالمية‪ ،‬تتحقق فيه (العدالة االجتماعية) وعن طريقه تتخلص الدول من‬ ‫(سطوة االستبداد) وما يجره من ويالت‪.‬‬ ‫يعدد الكتاب مواهب الشهرستاني‪ ،‬حيث درس علم الفلك والكيمياء‬ ‫والفيزياء والرياضيات‪ .‬والف كتابا في علم الفلك عام ‪ 1910‬استعرض فيه‬ ‫تطور هذا العلم منذ القدم وحتى كشوفات عصره ومعارفه‪ .‬وقد ترجم الى‬ ‫الفارسية واالوردية والروسية كما كتب عنه ملخص بالفرنسية‪.‬‬ ‫وانسجاما مع اجتاهاته فقد راسل امام االزهر انذاك الشيخ محمد عبده‬ ‫(‪ )1905-1849‬وتبادال االراء ال سيما ان االخير كان من رواد املنهج‬ ‫التوفيقي بني الشريعة االسالمية واجنازات العلم احلديث في عصره‪ ،‬كما‬ ‫انعقدت له صالت حميمة مع رشيد رضا‪.‬‬

‫فصلية “قضايا إسالمية‬ ‫منهج الشهرستاني‬ ‫في االصالح والتجديد‬ ‫يسلط إسماعيل طه اجلابري في كتابه املعنون‪ :‬هبة الدين الشهرستاني ‪-‬‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا عن دار الشؤون‬ ‫منهجه في اإلصالح والتجديد وكتابة التاريخ الصادر‬ ‫الثقافية العامة ضمن سلسلة اطاريح جامعية‪ ،‬الضوء على حياة العالمة‬ ‫الشهرستاني ودوره البارز على اصعدة عدة‪ ،‬مما ساهمت بانارة مدارك هبة‬ ‫الدين السياسية فكرا ومن ثم مواقفا غلبت عليها النزعة التجديدية االصالحية‬ ‫ساعية بوضوح ال لبس فيه الى التخلص من براثن التخلف وقوقعة اجلمود‪.‬‬ ‫استعرض املؤلف في كتابه تطلعات الشهرستاني االنسانية املبنية على‬ ‫اسس (احملبة والسالم) بني بني الببشر جميعهم‪ ،‬وهي مسالة كانت وحدها‬ ‫هاجسا جتسد منذ وقت مبكر في كثير من مواقفه وارائه االصالحية‪ ،‬اذ عبر‬ ‫عن هذه املضامني برسالة بعثها في ‪ 6‬من ايار (مايو) ‪ 1953‬الى رئيس مؤمتر‬ ‫االديان في اليابان جاء فيها “انني كنت ايام صباي احب انتشار االلفة واالخوة‬ ‫بني عامة البشر‪ ،‬معتقدا ان حب االنسان غريزة طبيعية وفريضة شرعية‪ .‬ومنذ‬ ‫اكثر من نصف قرن ساورتني فكرة صلح االديان وتوحيد طوائف االنسان حتت‬ ‫لواء توحيد اخلالق واخوة اخلالئق”‪.‬‬ ‫هاجم االراء الشوفينية والتعصب االعم الفتا الى ما جتره مثل تلك‬ ‫االيديولوجيات املتطرفة من ويالت وحروب وسفك دماء وخراب تتعدى نطاق‬ ‫ظهورها‪ .‬مرسخ ًا مفهوم (االنسانية) في العالقات بني بني البشر التي ترتكز‬ ‫عنده على مبدا (نبذ احلروب) وسيلة حلل املشاكل العالقة بني الدول من جهة‪،‬‬ ‫واالخذ بقيم (السالم) سبيال امثل لتحقيق املطامح املشروعة بينها على وفق‬ ‫قاعدة التعاون واملصالح املشتركة من جهة اخرى‪.‬‬ ‫لعب الشهرستاني دورا بارزا في جمع املؤيدين للدستور والقى اخلطب‬ ‫‪30‬‬

‫معاصرة” في عددها الجديد‬ ‫كرست مجلة “قضايا اسالمية معاصرة” عددها اجلديد (‪ 37‬ـ ‪ )38‬صيف‬ ‫وخريف ‪ 2008‬لسؤال اشكالية‪ :‬من أين تشتق ثقافة متجيد املوت مفاهيمها؟؛‬ ‫وحاول عدد من الباحثني العرب االجابة عنه وفحص ابعاده‪.‬‬ ‫ابتدات املجلة رحلتها البحثية عن االجابة بكلمة ملصطفى ملكيان قارن‬ ‫فيها بني عنف احلب وعنف الكراهية‪ ،‬واشار الى ان “رمبا يبدو ان ليس للحب‬ ‫أية صلة بالعنف‪ ،‬لكن اإلحسان لآلخرين يستدعي الصبر على هذا العنف‪.‬‬ ‫ومقابل عنف احلب هناك عنف الكراهية‪ .‬وإذا كان عنف احلب منصب ًا على‬ ‫اإلنسان نفسه‪ ،‬فإن عنف الكراهية يستهدف “اآلخر”‪ .‬وفي باب حوارات أجرى‬ ‫رئيس التحرير الدكتور عبد اجلبار الرفاعي حوارا مع الدكتور برهان غليون‬ ‫عنوانه‪“ :‬حيث تنحسر الثقافة ينفجر العنف” أوضح فيه أن العنف هو جزء‬ ‫من الطبيعة‪ .‬الطبيعة عنيفة‪ ،‬والطبيعة قائمة على العنف‪ .‬ولم يتحول االنسان‬ ‫الى انسان ا ّال ألنه أبدع‪ ،‬يعني اخترع معايير وقيما ومفاهيم‪ ,‬وطور عواطف‬ ‫وأذواقا وحساسيات‪ ،‬أي اخترع ثقافة متكنه من االرتفاع على شرطه احليواني‪.‬‬ ‫بالثقافة والتثقيف والتأهيل انتقل االنسان من حالته الطبيعية احليوانية الى‬ ‫حالته االنسانية‪.‬‬ ‫وفي باب دراسات إستلهت املجلة امللف ببحث بعنوان “في التسامح”‬ ‫للدكتور”محمد أركون” يحدد فيه هوية الالمتسامح معه‪ .‬وفي دراسة للشيخ‬ ‫“محمد مجتهد شبستري” بعنوان “حقوق اإلنسان ونصوص األديان اإلبراهيمية‬ ‫والسيادة احلقوقية اإللهية” جند تعريفا لألمر والنهي في هذه األديان‪.‬‬ ‫أما الشاعر واإلعالمي أحمد عبد احلسني فقد تناول مفارقة “املسلم في‬ ‫حلظته العدمية” وذهب إلى إنه ميثل مسلم يحتضر في “عج ّز وأهداف ملحمية”‬ ‫اجلهادي اليوم) أنها‬ ‫ويشدد على أن مأساوية الفكرة السلفية (كما في الت ّيار‬ ‫ّ‬ ‫قائمة على مصادرة ال سبيل إلى الفكاك منها‪ ،‬مصادرة تتمثل في أن احللّ‬ ‫إنساني‪ .‬دراسة اخرى للدكتورة‬ ‫يتم بال رأي‬ ‫الذي تقترحه السلفية ميكن أن ّ‬ ‫ّ‬


‫أسماء جميل” بعنوان “األطر الثقافية للعنف املمارس ضد النساء”‪ ،‬تشرح‬ ‫فيها مفهوم العنف املمارس ضد املرأة‪ ،‬بإنه سلوك ايذائي يستهدف املرأة لكونها‬ ‫امرأة‪ ،‬ويخلق لها معاناة جسدية ونفسية مباشرة او غير مباشرة‪ .‬وينطوي هذا‬ ‫التعريف على طائفة عريضة من االفعال‪ ،‬عادة ما يتم تصنيفها الى نوعني‬ ‫رئيسيني ‪ ،‬النوع االول عنف مادي‪ ،‬والثاني عنف معنوي‪.‬‬ ‫ويصف الدكتور وجيه قانصو في دراسة بعنوان‪ “ :‬اإلستشهاد اجلهادي‬ ‫في اإلسالم بني املبدأ واملفهوم” حيث يصف منظومتني لإلميان متقابلتان ويقول‪:‬‬ ‫أننا أمام منظومتي إميان‪ ،‬قد تتفقان في الشكل واملضون‪ ،‬ولكنهما تختلفان‬ ‫في التكوين الداخلي أي في الطبيعة‪ ،‬وفي أصل مسبقاتهما وبديهياتهما وفي‬ ‫مدى ومجال نشاط كل منهما‪ ،‬بل وفي وجهة وغرض كل منهما‪.‬‬ ‫في الدراسة ما قبل األخيرة يتحدث الدكتور سعود املولى عن “العنف‬ ‫واإلرهاب في فقه الشيخ محمد مهدي شمس الدين” ويرى بأنه عند مقارنة‬ ‫لعالقة املجتمع األهلي وعلماء الدين نشهد االمام يرى ان اسوأ ما واجهته‬ ‫احلركة االسالمية العربية هو تلك ” احلالة الشاذة املرضية لعالقتها مع املجتمع‬ ‫األهلي ومع علماء الدين“ اذ متيزت بالغربة واالنفصال عن القاعدة الشعبية‬ ‫ان لم يكن مبواقف احلذر والشك والتحفظ ناهيك عن الفتور وعدم االنفتاح‬ ‫ورمبا العداء والقطيعة مع علماء الدين على اختالف مقاماتهم ورتبهم‪ ..‬ما‬ ‫زاد من ”حالة احلصار وزاد من قساوته وضاعف من الشعور بالعزلة وولد في‬ ‫شعورا ً‬ ‫ً‬ ‫حادا باملؤامرة“‪ .‬ولذلك فان الشيخ شمس الدين يدرس كل‬ ‫حاالت كثيرة‬ ‫االشكال احملتملة للعنف السياسي املسلح في االسالم‪ ،‬أكانت باسم اجلهاد‬ ‫( بكل ألوانه ومعانيه)‪ ،‬ام باسم االمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬او قتال‬ ‫البغاة‪ ،‬او حتى الدفاع عن االسالم‪ ،‬ويستنتج عدم مشروعية العنف وعدم جواز‬ ‫استخدامه وسيلة للوصول الى السلطة‪ ،‬أو لبناء موقع سياسي‪ ،‬او للتعامل في‬ ‫احلياة السياسية‪ ،‬وبالتالي يفتي االمام بحرمة العنف السياسي املسلح بكل‬ ‫أشكاله‪.‬‬

‫مفهوم التاريخانية‬ ‫في “السنة واالصالح”‬ ‫يكتب عبدالله العروي في الصفحات األولى آلخر كتبه “السنة واإلصالح”‬ ‫أن سدنة التاريخ ال يختلفون كثيرا عن سدنة املعابد‪ ،‬فالتاريخانية رؤية إلى‬ ‫العالم‪ ،‬تقوم على فكرة التقدم وتعتبر خط التاريخ تطوريا بالضرورة‪ ،‬إنها نوع‬ ‫من الداروينية التاريخية يفتك فيها اجلديد بالقدمي‪ ،‬والتاريخاني ال يقرأ في‬ ‫التاريخ‪ ،‬إال ما يريد قراءته وال يقرأ في العلم أيضا إال ما يريد قراءته‪.‬‬ ‫لكن التاريخانيني‪ ،‬والعروي ال ريب أحد وجوههم املركزية‪ ،‬يفهمون‬ ‫التاريخانية كعلم للتاريخ‪ ،‬حيث يرى العروي الفكر التاريخاني هو ذاك‪ ،‬الذي‬ ‫جتاوز أشكال التفكير “التقليدية” و”غير العلمية” ويعني بها امليثولوجيا‬ ‫والفلسفة والثيولوجيا‪ ،‬وبلغة أخرى ذاك‪ ،‬الذي جتاوز األسس التي يقوم عليها‬ ‫الفكر العربي “املعاصر”‪ ،‬حتى تلك األكثر تشدقا بالعلم‪.‬‬ ‫”العبور من التفكير إلى التأويل‪ ،‬لهو من أهم عمليات العلمنة التي‬

‫عرفها الفكر البشري‪ ،‬ألن ذلك ميثل خروجا من نفق املفاهيم إلى أفق اللغة‬ ‫واملجتمع والعالقة مع اآلخر‪.‬‬ ‫كما ينتصر العروي للمؤرخ على الفيلسوف‪ ،‬يدافع عن املؤرخ ضد الفقيه‪،‬‬ ‫متهما الفقيه بالتدليس وخدمة السلطة‪ ،‬ويرى أن دور املؤرخ يقوم على فضح‬ ‫حيل الفقيه‪.‬‬

‫االصول النفسية‬ ‫للمدينة االسالمية‬ ‫يبدأ عبدالصمد الدياملي كتابه املعنون‪« :‬املدينة االسالمية ـ االصولية‬ ‫واالرهاب» الصادر عن دار الساقي في بيروت‪ ،‬بلغة حافظت على خيط مشدود‬ ‫ً‬ ‫مستشهدا بالشعر وكتب التراث وأخبار التاريخ‪،‬‬ ‫بني األدب والعلم والتحليل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بل ربطها مبا يحدث في العالم املعاصر‪ ،‬وصوال إلى اإلحصاء وعلم االجتماع‬ ‫احلديث‪ .‬يتناول عالم االجتماع املغربي في عمله األصول النفس ّية لألصولية‪.‬‬ ‫هكذا‪ ،‬يبدأ من تك ّون املدن اإلسالمية األولى‪ ،‬وينتقل إلى حتليل دالالت‬ ‫الشكل العمراني وارتباطها باجلنسانية‪ ،‬باحث ًا في اللغة كتعبير سوسيولوجي‪.‬‬ ‫فاملدينة اسم مؤنث حتوطه ذكورية السور التي تهددها جالفة البادية والقبيلة‬ ‫من اخلارج‪.‬‬ ‫هذه األفكار تقود للحديث عن ارتباط نشوء املدينة العربية بظهور اإلسالم‬ ‫الذي استخدمها كرحم ينقله من فراغ البادية إلى العمران‪ ،‬حسبما يشير الدياملي‬ ‫في هذه املقاربة اجلنسية‪ .‬وإن كان ظهور اإلسالم قد خطط كي حتل الهوية‬ ‫اإلسالمية محل القبلية عبر التخلص من البادية‪ ،‬فقد مارست القبيلة مقاومة‬ ‫حتمي بها وجودها‪ .‬من هنا‪ ،‬أوجدت املدن العربية عشائريتها من الداخل‪،‬‬ ‫فاتخذت كل عشيرة حي ًا تعيش فيه وتتخذ في بنائه شك ًال انطوائي ًا يحفظها‬ ‫من االختراق‪ .‬وأول صور االختراق هي الزواج بغريب‪ .‬هكذا‪ ،‬منعت القبيلة املرأة‬ ‫من اختيار الشريك بذريعة احلرص على العرض‪ .‬فيما كان الوجه اآلخر للمنع‬ ‫هو اخلوف من تبدد ثروة القبيلة ملصلحة غرباء‪« .‬فاضطرت املدينة إلى أن تقنن‬ ‫استهالك املرأة العربية ساحته‪.‬‬ ‫يحمل املرأة مسؤولية اخلراب الذي يحدث‪،‬‬ ‫لهذه األسباب وغيرها‪ ،‬بدأ الرجل ّ‬ ‫فهي موضع اإلغراء والفتنة‪ ،‬وهي أيض ًا التي تضطهده بحضورها السافر في‬ ‫املدينة‪ .‬من هنا‪ ،‬جاءت ضرورة احلجب ومنها احلجاب‪ ،‬الذي تواطأت معه املرأة‬ ‫أيض ًا‪ .‬يقول الدياملي “العجز االقتصادي واالجتماعي والسياسي الذي يعانيه‬ ‫ّ‬ ‫التحكم في النساء‪ ،‬يقوده إلى التش ّبث بإسالم‬ ‫املسلم املقهور‪ ،‬ومينعه من‬ ‫يحفظ له امتيازاته الذكورية بغض النظر عن أوضاعه املادية املزرية‪ ،‬ويحفظ‬ ‫له حقه”‪.‬‬ ‫كما يربط الدياملي استخدام «العنف الرمزي» باجلماعات األصولية التي‬ ‫ً‬ ‫تبريرا ملمارسة العنف املادي‬ ‫توظفه إلحكام سيطرتها‪ ،‬عبر «تكفير املواطن»‬ ‫ضد اآلخر ومحاربة حرية املعتقد‪ .‬وكمثال على العنف الرمزي‪ ،‬يتناول الباحث‬ ‫الكتب التي تدعمها أموال النفط لتعميم الفكر االصولي وأسلمة الدول تبع ًا‬ ‫لهذا الفكر‪ ،‬ال بل صبغ اإلسالم نفسه وفق ًا لهذا النموذج‪.‬‬ ‫‪31‬‬


‫فنون‬

‫الفنانة هوليا كانديمير‪:‬‬

‫التعبير عن محبة اهلل‬ ‫محور موسيقاي وأغنياتي‬ ‫تشكل المحبة الموضوع االهم في جميع اغنياتي‬ ‫جردت الجماعات المتطرفة الناس من ادراكهم للفن والجمال بحجة ان االبداع حرام‬ ‫حتظى الفنَّانة األملانية من أصل تركي هوليا‬ ‫كاندميير بشعبية كبيرة بني الشباب املسلم في‬ ‫أملانيا‪ ،‬بسبب الكلمات الرقيقة والبسيطة التي‬ ‫تتضمنها أغانيها عن احملبة والتراحم والتسامح‪.‬‬ ‫كتبت الفنانة جتربتها مع اإلسالم في سيرة حياتها‬ ‫التي حملت عنوان “ابنة السماء”‪ .‬نعمت شيكير‬ ‫حتدَّ ثت إليها حول الفن واملوسيقى في اإلسالم‪.‬‬ ‫• هوليا كاندميير وجدت طريقة جديدة‬ ‫للتوفيق بني اإلسالم واملوسيقى يوجد‬ ‫مسلمون يعتقدون أ َّن اإلسالم يُحرِّم‬ ‫املوسيقى‪ .‬فما رأيك في ذلك؟‬ ‫ـــ أنا ال أقبل بذلك على اإلطالق‪ .‬لقد‬ ‫اهتممت في األعوام األخيرة كثي ًرا مبوضوع‬ ‫املوسيقى واإلسالم‪ .‬فالله هو أعظم فنَّان‪ ،‬كما أنَّ‬ ‫الله يحب اجلمال‪ .‬واإلسالم هو قبل ِّ‬ ‫كل شيء دين‬ ‫الوسط‪ .‬والله ال يريد تعقيد األمور على الناس ـ‬ ‫بل على العكس من ذلك‪ .‬وبعض املسلمني مييلون‬ ‫إلى التط ّرف ويهتمون بأشياء تعتبر في احلقيقة‬ ‫غير مهمة‪ .‬وهم ينسون األمور املهمة في الدين‬ ‫ويبحثون فقط عن احمل َّرمات؛ ويشيرون بس َّبابتهم‬ ‫محدِّ دين احلرام واحلالل‪ .‬وبرأيي هذا ليس من‬ ‫اإلسالم في شيء‪.‬‬ ‫اإلسالم بالنسبة لي نقيض ذلك‪ .‬فاإلسالم‬ ‫رحمة ومحبة وانفتاح وهو قبل ِّ‬ ‫كل شيء ال يعتبر‬ ‫إكراهً ا ـ وكذلك ال إكراه في الدين‪ .‬واإلسالم مينح‬ ‫الناس حرية السير في طريقهم‪ .‬وهناك الكثير من‬ ‫‪32‬‬

‫األحاديث النبوية التي تؤ ِّيد املوسيقى‪.‬‬ ‫يؤكد الكثير من املسلمني مرارا ً وتكرارا ً‬ ‫• ِّ‬ ‫على أ َّن سماع صوت املرأة يعتبر محرَّما ً‬ ‫على الرجال‪ .‬فماذا تقولني لهم بصفتك‬ ‫مغنِّية مسلمة؟‬ ‫كن يفرحن عندما‬ ‫ـــ كان في عهد النبي نساء َّ‬ ‫قبائلهن وينشدن أناشيد له‬ ‫كان النبي يأتي إلى‬ ‫َّ‬ ‫هن له من خالل الغناء‪ .‬وكان‬ ‫وكن ُيع ِّبرنّ عن ح ِّب َّ‬ ‫َّ‬ ‫الغناء أم ًرا‬ ‫طبيعيا جدً ا في ذلك العهد‪ ،‬وذلك ألنَّ‬ ‫ً‬

‫الغناء كان من اللغة‪ .‬وكان يتم التعبير باملوسيقى‬ ‫عن أشياء كثيرة‪ .‬ولكن في يومنا هذا لم يعد املرء‬ ‫يعرف ذلك‪ .‬وحتى إ ّنه كانت توجد في ذلك العهد‬ ‫كن يعملن مغنِّيات‪ .‬وقد عمل أصحاب‬ ‫جاريات َّ‬ ‫أجورهن‬ ‫النبي من أجل حصول هؤالء النساء على‬ ‫َّ‬ ‫وكانوا يسمعون لهؤالء املغنِّيات‪ .‬وكذلك كان‬ ‫بعض نساء النبي قادة جيوش ومع ِّلمات‪ ،‬كما‬ ‫لهن‪.‬‬ ‫لهن نفوذ واسع على الناس املعاصرين َّ‬ ‫كان َّ‬ ‫وال ميكن أن يتم هذا من دون أن تتحدَّ ث النساء‪.‬‬


‫وكذلك كانت زوجة النبي األولى س ِّيدة أعمال‬ ‫يكن سجينات‪ .‬ولذلك‬ ‫ناجحة‪ .‬وهؤالء النساء لم َّ‬ ‫ال أفهم من أين تأتي هذه التص ّورات‪.‬‬ ‫• ملاذا يرى املسلمون األشياء في يومنا‬ ‫هذا بشكل مختلف؟‬ ‫تشعب اإلسالم وصار يوجد اآلن الكثير‬ ‫ـــ لقد َّ‬ ‫من املذاهب واالتجِّ اهات‪ ،‬كما أنَّ هناك اتجِّ اهات‬ ‫أبعدت الناس عن احلقيقة‪ .‬وبالنسبة لي أرى‬ ‫أنَّ أعداء اإلسالم هم أكثر عددً ا بني املسلمني‬ ‫مما عليه احلال لدى غير املسلمني‪ .‬وحسب رأيي‬ ‫فإنَّ املسلمني يض ّرون بعضهم بعض ًا أشدَّ ضرر‪.‬‬ ‫وال أريد تسمية جماعات مع َّينة‪ ،‬بيد أنَّ هناك‬ ‫دائما بس َّبابتهم إلى احلرام‬ ‫كثيرين يشيرون‬ ‫ً‬ ‫والبدعة ويسدّ ون السبيل إلى رحمة الله‪.‬‬ ‫بدأت من جديد وبعد فترة استراحة‬ ‫•‬ ‫ِ‬ ‫أغان وبالظهور أمام‬ ‫موسيقية بكتابة‬ ‫ٍ‬ ‫اجلمهور‪ .‬فهل تعتبر املوسيقى التي‬ ‫تصنعينها اآلن مختلفة؟‬ ‫دائما من‬ ‫ـــ ال ـ لقد كانت موسيقاي ُمستلهمة ً‬ ‫روح اإلسالم‪ .‬والغريب كذلك هو أ َّنني ال أستطيع‬ ‫أؤد عن طيب خاطر َّ‬ ‫كل‬ ‫فعل شيء آخر‪ .‬وكذلك لم ّ‬ ‫األغاني األخرى التي قمت بتأليفها‪ .‬لقد كان الله‬ ‫دائما وحيي وإلهامي‪ ،‬وكان التعبير عن محبة الله‬ ‫ً‬

‫دائما رغبتي وحاجتي‪ .‬وكذلك ِّ‬ ‫تشكل احملبة‬ ‫مي ِّثل ً‬ ‫بالنسبة لي املوضوع األكبر في أغنياتي‪ .‬وثمة‬ ‫موضوع آخر وهو األنا‪ .‬وموضوعاتي لها صالت‬ ‫كثيرة بالدين وبالصراع الداخلي الذي يجب علينا‬ ‫جميعنا مواجهته‪.‬‬ ‫• هل يوجد في أملانيا مشهد فنِّي‬ ‫إسالمي؟‬

‫ـــ إنَّ مشهدً ا كهذا يعدّ اآلن في طور النشوء‪.‬‬ ‫ففي العام املاضي تأ َّسس املشروع اإلبداعي الذي‬ ‫الفن اإلسالمي‪ .‬وفي هذا املشروع كانت‬ ‫يع ِّبر عن ّ‬ ‫توجد مسابقة بعنوان “قدِّ م لي النبي”‪ .‬وكان ذلك‬ ‫ورائعا‪ .‬ويسعى هذا‬ ‫في احلقيقة فريدً ا من نوعه‬ ‫ً‬ ‫املشروع اإلبداعي إلى مبادرة املسلمني باحلديث‬ ‫ولكن ذلك صعب جدً ا بالنسبة لهم؛ إذ إنَّ الوعي‬ ‫الفنِّي لدى املسلمني تراجع إلى حدّ بعيد جدً ا‪ .‬وفي‬ ‫الفن اإلسالمي فريدً ا من نوعه وقد‬ ‫السابق كان ّ‬ ‫الفن؛ بيد أنَّ جماعات‬ ‫أبدع املسلمون الكثير من ّ‬ ‫سوءا وذلك من خالل‬ ‫مختلفة في اإلسالم اقترفوا ً‬ ‫للفن واجلمال‬ ‫عملهم على جتريد الناس من إدراكهم ِّ‬ ‫وإيهامهم بأنَّ اإلبداع الفنِّي أمر حرام‪.‬‬ ‫• هل يجب لهذا السبب على الفنَّانني‬ ‫املسلمني فرض إرادتهم من جديد؟‬ ‫ـــ يجب عليهم قبل ِّ‬ ‫كل شيء حترير أنفسهم‬ ‫الفن‪ .‬واملسلم امللتزم‬ ‫والسماح ألنفسهم بإبداع‬ ‫ِّ‬ ‫يرغب في فعل َّ‬ ‫كل شيء بشكل صحيح‪ .‬ولكن‬ ‫عندما ال يكون لدى الشخص املسلم معرفة‬ ‫باإلسالم فعندئذ يدع اآلخرين يض ِّللونه؛ واملرء‬ ‫يحتاج إلى الوقت حتى يحصل بنفسه على‬ ‫املعرفة‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫قالوا‬

‫• أن املسلمني لم يستغلوا مناخ احلرية املتوافر في الغرب للتعريف باإلسالم‬

‫قالوا‬ ‫احلضاري وجوانب الرحمة والرقي فيه وتقديره لآلخر‪.‬‬

‫الدكتور ابراهيم ابو محمد‬

‫رئيس املؤسسة االسترالية للثقافة االسالمية‬

‫• على املثقفني االسالميني انتقاد االفكار واملمارسات السلفية التي تعمل‬

‫على تخريب االسالم من الداخل وتفرغه من محتواه‪ ،‬كذلك عليهم االعتراف‬

‫بالتأثيرات املدمرة لـ «اجلهاد االنتحاري» باعتبارها ظاهرة عنف‪.‬‬

‫عمران قريشي‬

‫كاتب وخبير في العلوم االسالمية وحقوق االنسان‬

‫• ال بد من تفعيل احلوار بني العالم اإلسالمي والغرب لتفنيد الشبهات والرد‬

‫عليها بطريقة علمية‪ ،‬وإظهار موقف اإلسالم الصحيح من قضايا معقدة مثل‬ ‫اإلرهاب وحقوق املرأة‪ ،‬إضافة إلى تفنيد أية أطروحات تدعي حدوث صدام بني‬

‫احلضارات‪.‬‬

‫الدكتورة ليلى دسوم‬

‫مديرة املركز االسالمي في االكوادور‬

‫• الشريعة التي ولدت في القرن السابع امليالدي ال تتماشى صورتها األصلية‬

‫بكل بساطة مع واقع احلياة في القرن احلادي والعشرين‪ .‬وعلى املرء أن يعيد‬ ‫صياغتها من جديد‪ ،‬ألن تطبيق الشريعة الذي ينادي به املتشددون في الوقت‬

‫احلاضر يتعارض مع القانون الدولي املعاصر‪.‬‬

‫البروفسيور عبداهلل النعيم‬

‫استاذ القانون الدولي في اجلامعات االمريكية‬

‫• ينبغي ان ال نفقد االمل‪ ،‬وأن نسير على درب التنوير الديني كما فعلت االمم‬

‫املتقدمة واال فلن نخرج من املأزق الذي وقعنا فيه‪.‬‬

‫هاشم صالح‬

‫كاتب ومترجم سوري مقيم في باريس‬

‫‪34‬‬


The International Forum for Islamic Dialogue (IFID)

IFID was established in 1994 as a UK based non-profit organization. It is an independent voice calling for an enlightened and modern understanding of Islam. We believe that Muslim democrats can potentially become a stabilizing and a constructive force in developing institutions, modernizing Muslim societies and playing their full role in world peace. The key to a better future for Muslim nations lies in developing interpretations of Islam, Muslim thought and attitudes that are compatible with the contemporary world. IFID was founded by Dr Laith Kubba, who served as it’s first executive director (1994 to 1998). He was succeeded by Dr Mansoor Al-Jamri. IFID’s current director is Dr Najah Kadhim. IFID aims to: • Identify, encourage and introduce new, enlightened Muslim writers to engage in debate and discussion on key Islamic issues and establish a network for the sharing of ideas and experiences on the challenges faced by Muslims today. • Initiate innovative ideas that provoke contemporary Islamic thought and generate much needed debate and dialogue. • Assist and strengthen the efforts of enlight-

ened and liberal Muslim democrats in propagating a modern understanding of Islam and it’s values, focusing on human rights, democracy, pluralism, non-violence, civil rights, modern institutions and in identifying future trends and strategies. IFID Objectives: 1. The "Friday Note" - whereby, concise articles, by known Muslim writers from a number of countries, address contemporary Muslims concerns. These are emailed on Fridays, to our online community. Each year a collection of these articles are published in book form. 2. To improve and update "Islam21.net" Web site. 3. To produce an "educational guide", catering to the needs of Muslims, that is modern, scientific, and flexible - to be used by teachers of religion and by Imams. 4. To publish the quarterly "Islam21" journal, focusing on specific themes. 5. To host Seminars, addressing specific topics relevant to current Muslim reality and to publish and circulate them to individuals and organizations. 6. To publish the quarterly Islam21 Youth, focusing on Muslim Identity from a youth perspective.


‫لمحة عن تاريخ‬ ‫المنبر الدولي للحوار اإلسالمي‬ ‫تأسس المنبر الدولي للحوار اإلسالمي في العام ‪1994‬‬ ‫كمنظمة غير ربحية‪ ،‬متخذا من العاصمة البريطانية لندن مقرا‬ ‫رئيسا له‪.‬‬ ‫والمنبر صوت مستقل يدعو إلى فهم اإلسالم بنحو متن ّور‬ ‫وعصري‪ .‬ذلك إننا نعتقد أن بوسع المسلمين الديمقراطيين أن‬ ‫يصيروا قوة استقرار وبناء لتطوير مؤسسات عامة‪ ،‬ومجتمعات‬ ‫مسلمة حديثة‪ ،‬وان يلعبوا دورا بارزا في إشاعة السالم في العالم‪.‬‬ ‫فمفتاح باب مستقبل أفضل لألمم المسلمة مرتبط بتطوير‬ ‫قراءات عصرية لإلسالم‪ ،‬والفكر اإلسالمي‪ ،‬والموقف المتالئم مع‬ ‫عالمنا المعاصر‪.‬‬ ‫ونعتقد أيضا أن بمقدور المؤسسات العامة الحديثة تطوير‬ ‫مهارات المهنيين‪ ،‬وبهذا تسهم في تحديث المجتمعات‬ ‫المسلمة‪.‬‬ ‫أسس المنبر الدولي للحوار االسالمي وتولى إدارته التنفيذية‬ ‫الدكتور ليث كبة من العام ‪ 1994‬حتى العام ‪ ،1998‬ليأتي الدكتور‬ ‫منصور الجمري‪ ،‬مديرا تنفيذيا ثانيا‪ ،‬من العام ‪ 1999‬حتى العام‬ ‫‪ .2001‬واآلن يتولى الدكتور نجاح كاظم منصب مديره التنفيذي‪.‬‬

‫من كتّ اب العدد‪:‬‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫د‪.‬نجاح كاظم د‪ .‬طيب تيزيني ‬ ‫فالح حسن السوداني عبداهلل العتيبي ‬ ‫ ‬ ‫صالح سالم‬ ‫ ‬ ‫حسن بت‬ ‫ ‬ ‫س زهير توفيق‬ ‫فيليب جنكين ‬

‫ي مارتينا صبرا‬ ‫هاجر القحطان ‬ ‫رفيق عبدالسالم عبداللطيف طريب‬ ‫اريان فاريبورز‬ ‫هاشم صالح ‬ ‫نعمت شيكير محمد علي احلسيني‬

‫‪inquiry@islam21.net‬‬ ‫‪www.islam21.net‬‬ ‫‪www.enlightenment.islam21.net‬‬ ‫‪Al-Rasid Al-Tanweeri P. O. Box: 5856, London WC1N 3XX, United Kingdom Phone: (+44) 20 7724 6260‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.