الراصد التنويري عدد 4

Page 1

‫التعددية والمجتمع المعاصر‬ ‫هل مجتمعاتنا عنصرية؟‬ ‫النص في الخطاب التنويري‬ ‫التعددية والسقف االسالمي‬ ‫حوار مع الطيب تيزيني‬ ‫التحدي االسالموي‬ ‫الحق االنساني‬ ‫الدين وأدوات العصر‬ ‫أولوية الحرية‬ ‫فعاليات‬ ‫إمامة المرأة‬ ‫إصدارات‬


‫مهمة المنبر الدولي‬ ‫للحوار اإلسالمي‬

‫األهداف الرئيسية للمنبر الدولي‬ ‫للحوار اإلسالمي‪:‬‬

‫يتبنى المنبر الدولي للحوار اإلسالمي‬ ‫‪ IFID‬االلتزام بالحث على نهوض‬ ‫المجتمعات المسلمة من خالل تشجيع‬ ‫القراءة العصرية فيهـا‪ ،‬والدفع باتجاه‬ ‫العلوم والتثقيف‪ .‬ويهدف المنبر إلى‬ ‫إحيـــاء روح المبـادرة وتشجيع النشاطات‬ ‫الفكرية والتربوية‪ ،‬التي تفضي إلى نمو‬ ‫منظومة عقلية حديثة يرتجى منها إيجاد‬ ‫حلول لقضايا اجتماعية واقتصادية‬ ‫وأخالقية يشهدها عصرنا الحالي‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ فكريا‬ ‫• تحريك وتطوير وتوفير أفكار جديدة؛‬ ‫وتوليد حوار ديناميكي تشتد الحاجة‬ ‫إليه في عصرنا هذا‪.‬‬ ‫ • تقديم ُكتّاب جدد ومفكرين بغية‬ ‫تنشيط نقاش جاد في قضايا‬ ‫الملحة‪.‬‬ ‫المسلمين‬ ‫ّ‬ ‫• توثيـق‪ ،‬وإصـدار ونشـر مطبوعات‬ ‫فكرية وتربوية‪.‬‬ ‫• العمل من أجـل إنشاء شبكة عالمية‬ ‫من المفكـرين والمؤسسات‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ تربويا‬ ‫• توعية الفرد المسلم بالقيم المدنية‬ ‫والديمقراطية‪ ،‬ونهج التسامح‬ ‫والالعنف‪.‬‬ ‫• تدريب الشباب المسلم‪ ،‬والقادة‪،‬‬ ‫والمعلمين‪ ،‬على القيم المدنية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫• إنشاء شبكة عالمية للنشطاء‬ ‫المسلمين المدنيين‪.‬‬ ‫إيجازا‪ ،‬يتمثل هدف هذا المنبر في‬ ‫إرساء فكر إسالمي إنساني‪ ،‬وديمقراطي‬ ‫عـن طريـق إدامة وتطوير حوار دينامكي‬ ‫في القضايا االجتمـاعيـة واألخـالقيـة‬ ‫ذات الصلة‪.‬‬

‫> التعريف بالكتاب اإلسالميين المستنيرين وتشجيعهم وإتاحة‬ ‫منبر لهم لعرض فكرهم ومن ثم دفعهم إلى نقاش حول القضايا‬ ‫اإلسالمية الرئيسية المطروحة على الساحة‪ ،‬أي تكوين شبكة‬ ‫من العقول واألقالم اإلسالمية بهدف النقاش وتبادل األفكار‬ ‫والخبرة حول أهم التحديات التي تواجه المسلمين اليوم وأهم‬ ‫احتياجاتهم‪.‬‬ ‫> طرح أفكار جديدة خالقة ورائدة إلعمال الفكر اإلسالمي المعاصر‬ ‫وتوليد جدل ونقاش تمس إليه الحاجة في عالم المسلمين‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫> تعزيز ودعم ومساندة الجهود التي يقوم بها اإلسالميون‬ ‫المستنيرون ذوو الفكر الحر نحو قراءة وفهم عصريين لإلسالم‬ ‫وقيمه المتعلقة بقضايا مثل حقوق اإلنسان والديمقراطية‬ ‫والتعددية ونبذ العنف‪ ،‬والحياة العامة والحقوق المدنية‬ ‫والمؤسسات الحديثة والدراسات اإلسالمية في المستقبل‪،‬‬ ‫وأسلحة الدمار الشامل وغيرها‪.‬‬

‫األنشطة الرئيسة للمنبر الدولي للحوار اإلسالمي‪:‬‬ ‫> إطالق مشروع "مقاالت الجمعة"‪ ،‬وهو عبارة عن إرسال مقاالت‬ ‫مختصرة ولكنها مكثفة بآقالم مجموعة من الكتاب اإلسالميين‬

‫ ‬

‫> ‬

‫> ‬ ‫> ‬ ‫> ‬

‫> ‬

‫المعروفين من عدد من الدول اإلسالمية تتعرض بالنقد والتحليل‬ ‫لهموم المسلمين المعاصرة‪.‬‬ ‫وتُرسل هذه المقاالت عبر شبكة المعلومات الدولية اإلنترنت إلى‬ ‫البريد اإللكتروني لمجموعة مختـــارة ولكنـــها كبيرة العدد‬ ‫من المشتركين‪ .‬وفي نهاية كل عام تٌجمع هذه المقاالت بين‬ ‫دفتي كتاب‪.‬‬ ‫تعديل وتحسين وتحديث موقع «‪ »islam21.net‬على شبكة‬ ‫المعلومات الدولية اإلنترنت‪ .‬ويشمل هذا التحديث الجوانب‬ ‫الفنية والمحتوى والدعاية للموقع والروابط الخاصة بمواقع‬ ‫مماثلة والتي يمكن إضافتها للموقع‪.‬‬ ‫االنتهاء من وضع "دليل تعليمي" حديث وعلمي ومرن يآخذ بعين‬ ‫االعتبار االحتياجات التعليمية للمسلمين‪ ،‬من أجل أن يستخدمه‬ ‫األئمة ومعلمو التربية الدينية‪.‬‬ ‫نشر فصلية «‪ »islam21‬والتي تتناول موضوعات معينة بقدر من‬ ‫التركيز‪.‬‬ ‫استضافة منتديات النقاش التي يتحدث فيها مفكرون إسالميون‬ ‫عن موضوعات معينة تخص واقع المسلمين في وقتنا الراهن‪.‬‬ ‫وسيتم طبع محاضر هذه المناقشات وتوزيعها على مجموعة‬ ‫معينة من األفراد والمنظمات‪.‬‬ ‫نشر فصلية «‪ »islasm21 Youth‬والتي تركز على الهوية اإلسالمية‬ ‫من منظور الشباب‪.‬‬


‫دورية تعنى برصد الفكر التنويري االسالمي‬ ‫العدد ‪ / 4‬ربيع ‪2009‬‬ ‫رئيس التحرير‬

‫د‪ .‬نجاح كاظم‬

‫هاجر‬

‫هيئة التحرير‬

‫القحطاني (المملكة المتحدة)‬

‫فالح حسن السوداني‬ ‫عبد اللطيف طريب‬

‫(العراق)‬ ‫(المغرب)‬

‫االخراج الفني‪:‬‬ ‫رياض راضي‬

‫من مهام المنبر‪:‬‬

‫في هذا العدد‬

‫تأسيس فكر انساني دميقراطي واسالمي من‬ ‫خالل احلفاظ على احلوار الفاعل وتطويره‬ ‫لوحة الغالف‪:‬‬

‫الفنان كاظم حيدر‬ ‫(‪ 1932‬ـ ‪)1985‬‬

‫‪Al-Rasid Al-Tanweeri‬‬ ‫‪P. O. Box: 5856‬‬ ‫‪London WC1N 3XX‬‬ ‫‪United Kingdom‬‬

‫من االسالم هو احلل الى الدميقراطية ‪ .................................................‬ص ‪10‬‬ ‫االقرار بالتعددية طريق الى حضارة انسانية ‪ .....................................‬ص ‪11‬‬ ‫شبكات العمل االسالمية االسيوية ‪ ..................................................‬ص ‪14‬‬ ‫التعددية الدينية بني النص والواقع ‪ ....................................................‬ص ‪17‬‬ ‫مقاربة بني االديان والعقل ‪ ....................................................................‬ص ‪22‬‬ ‫معارك الثقافة في مكان والنهضة في مكان اخر ‪ ...........................‬ص ‪26‬‬ ‫في رحيل الشيخ املنشد حمزة شكور ‪ ..............................................‬ص ‪32‬‬

‫‪Phone:‬‬ ‫‪(+44) 20 7724 6260‬‬ ‫‪inquiry@islam21.net‬‬ ‫‪www.islam21.net‬‬ ‫‪islam21.net‬‬

‫تالقي األديان‬

‫إعادة التفكير‬

‫إمامة المرأة‬

‫للمراسلة‬

‫ص ‪12‬‬

‫ص ‪24‬‬

‫ص ‪27‬‬

‫‪jamal@islam21.net‬‬


‫مبتدأ الكالم‬

‫التعددية والمجتمع المعاصر‬ ‫التعددية تأكيد واقرار وتسليم لعالم متنوع ومختلف‪ ،‬وغدت احدى‬ ‫ثوابت الية احلياة املعاصرة‪ .‬وكيفية نتعامل ونتفاعل معها سيقود‪،‬‬ ‫بشكل وبآخر‪ ،‬الى بلورة امللكية الذاتية واالحترام والتسامح واحلوار‬ ‫واملرونة في حوارنا وتعايشنا مع االخر‪.‬‬ ‫تعبر االختالفات او املتعددات عن ذواتهما في الهويات الثقافية‬ ‫والبرامج االقتصادية واالعتقادات الدينية والتجمعات االثنية واالنظمة‬ ‫السياسية وغيرها‪ ،‬فلم يعد كافي ًا تشخيص التعددية وامنا كيفية‬ ‫ً‬ ‫حاضرا‪ ،‬كما كانت في املاضي‬ ‫جتسيدها عملي ًا باعتبارها حقيقة واقعة‬ ‫وستكون في املستقبل‪.‬‬ ‫وال تعني االختالفات او التعدديات عالمات الفشل او دالئل‬ ‫اخلطأ او عدم القدرة في الوصول الى جواب واحد كما يرى البعض‪.‬‬ ‫فالسياق التعددي الثقافي‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬هو عنصر ضروري‬ ‫لترجمة القيمة املوضوعية في الواقعني السياسي واالخالقي‪ ،‬كما ان‬ ‫السياق التعددي االقتصادي‪ ،‬كمثال ثان‪ ،‬هو حالة اساسية الحداث‬ ‫احلركية في االسواق احمللية والعاملية‪.‬‬ ‫ليس من الضروري ان تتناسق خصائص التعددية او تقبل بطبيعة‬ ‫احلقيقة او الثقافة وغيرها من املختلفة منها‪ ،‬وامنا تتسامح وحتترم او‬ ‫تتحاور وتفسح املجال لذات احلقيقة باعتبارها تعددية فاعلة جتسد‬ ‫عملي ًا املساحة املشتركة‪.‬‬ ‫وتشير التعددية الى اشياء عدة تقدم كل منها سؤا ًال مختلف ًا عن‬ ‫االخر‪ .‬اسئلة متمايزة تصل الى اجوبة مختلفة لتشكل صورها عن‬ ‫احلياة‪ .‬االسئلة املتعددة ستقود حتم ًا ألجوبة متقدمة تنعكس في جدتها‬ ‫على املجتمع‪ ،‬في الوقت ذاته متثل التعددية التنافس والتنوع « َولَ ْوال‬ ‫ت َو َم َساجِ د‪.»..‬‬ ‫ض َّل ُهدِّ َم ْ‬ ‫ت َص َو ِام ُع َو ِب َي ٌع َو َص َل َوا ٌ‬ ‫َد ْف ُع ال َّل ِه الن َ‬ ‫َّاس بَ ْعضَ ُهم ِب َب ْع ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫ض َّل َف َسدَ ِ‬ ‫األ ْرض‪.»..‬‬ ‫« َولَ ْو َال َد ْف ُع ال ّل ِه الن َ‬ ‫َّاس بَ ْعضَ ُه ْم ِب َب ْع ٍ‬ ‫فالتنوع يخلق التزاحم والتنافس وهي مسحة املجتمعات احلية‪.‬‬ ‫وهنا البد من القول ان داخل حركية اي مجتمع يتفاعل معسكران‬ ‫متناقضان (التضاد والتناسق) نتيجة التنافس والتزاحم‪ ،‬ويعمالن على‬ ‫افراز افكار جديدة‪ ..‬مما يؤدي التضاد الى احلركة والعمل ثم التناسق‪،‬‬ ‫هكذا تبدو سنة احلياة كما ترغب اردة الله‪ ،‬لذا فان املختلفات مع‬ ‫املتغيرات تقود الى اسس الترتيبات‪.‬‬ ‫ويأتي التنظيم من احلركة املستمرة للتضادات والتناسقات في منح‬ ‫حاالت اخرى او جديدة قد يكون وجودها في التضاد ضد التناسق او‬ ‫يكون حدوث احلالتني مع ًا في آن‪ .‬فاحتمال حدوث الشيء او عدمه ال‬ ‫يعني عدم التنظيم او الصدفة‪ ،‬كما يعتقد كثير من الناس‪ ،‬او عدم‬ ‫‪4‬‬

‫وجود هدف وراء هذا الكون‪ .‬فكلما تطور العلم احلديث اثبت لنا ان‬ ‫االمناط او النماذج الرياضية الداعمة له اذا لم تكن صحيحة فهي‬ ‫ليست بالضرورة تقع في خانة االخطاء‪ .‬وجود التضادات والالتضادات‬ ‫(التناسقات) في حلظة‪ ،‬واستقالل الواحدة عن االخرى في حلظة ثانية‪،‬‬ ‫يعني افراز اوضاع او حاالت جديدة او احتماالت مغايرة‪ .‬والنسبية في‬ ‫عدم حدوثها ال تنفي باملقابل مطلق حدوثها‪ ،‬كما انها في ادراك او فهم‬ ‫احلاالت اجلديدة ال ينفي اصل املطلق او السرمدي‪.‬‬ ‫وتعكس النسبية حالة االنسان وفهمه وترجمته للحقيقة‪ ،‬املصنعة‬ ‫بشري ًا واملدونة قدمي ًا على اساس انها احلقيقة‪ ،‬وفي هذا قصرها او عدم‬ ‫قدرة تواصلها مع زمن اللحظة االنية‪ ،‬مما يحد من امتدادها بني ثنايا‬ ‫املستقبل‪ ..‬وفي ذلك ينجلي محدوديتها بشكل واضح‪.‬‬ ‫وتعريف احلقيقة احد اصعب االسئلة التي واجهت الفلسفة وما‬ ‫زالت‪ ،‬اذ ينظر لها ويجري ادراكها بطرق ووجوه مختلفة‪ .‬فقراءة االنسان‬ ‫او ترجمته لالحداث تكون نسبية مما يحيطها ومتثل اشكال متعددة‬ ‫للحقيقة التي تقود الى بعض احلقيقة املقدسة واملطلقة املتجسدة في‬ ‫الله عزوجل‪ .‬هذا في اجلانب الفلسفي‪ ،‬اما في اجلانب العملي فان‬ ‫التعددية باشكالها املختلفة كالسياسية واالقتصادية واالجتماعية‬ ‫وغيرها تؤدي الى التطوير والتنمية التي تهدف بالتالي ليس الى‬ ‫الغنى املادي فحسب‪ ،‬بل ايجاد مساحة واسعة من احلرية والقدرة‬ ‫الكافية على اختيار حياة يشعر بظلها االنسان بقيمته‪ ،‬مما يشكل‬ ‫ً‬ ‫حافزا او قاسم ًا مشترك ًا لكل اجناس البشر‪ ،‬فقراء ام اغنياء‪ ،‬دول‬ ‫متطورة واخرى متخلفة‪ ،‬لهذا فالتعددية قضية انسانية صرف متنح حرية‬ ‫االختيار وتسهم بصورة واخرى في سعادة االنسان‪ .‬باملقابل سيتمكن‬ ‫النظام املجسد للتعددية من القدرة على والدة افكار ثقافية واجتماعية‬ ‫متطورة وقادرة على التمايز والتأثير‪.‬‬ ‫ً‬ ‫موقف االسالم من التعددية واضح متاما‪ ،‬وتبلور في تعددية‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وح َوال َّن ِب ِّي َ‬ ‫ني ِمن‬ ‫رساالت السماء « ِإ َّنا أ ْو َح ْينَا ِإلَ ْي َك َك َما أ ْو َح ْينَا ِإلَى ُن ٍ‬ ‫بَ ْع ِده‪ »..‬الى جانب التعددية االثنية والثقافية « ِل ُك ٍّل َج َع ْلنَا ِم ُ‬ ‫نك ْم‬ ‫ِش ْر َع ًة َو ِم ْن َهاجا‪ »..‬والتنوع البشري في اخللق « َو ْاخ ِتال ُ‬ ‫ف َأ ْل ِسن َِت ُك ْم‬ ‫َو َأ ْل َوا ِن ُك ْم‪ »..‬او تنوع املعرفة واهميتها ومتايزها « َّل ْو َكا َن ا ْل َب ْح ُر ِمدَ اداً‬ ‫ِّل َك ِل َما ِ‬ ‫ت َر ِّبي لَن َِفدَ ا ْل َب ْحر‪.»..‬‬ ‫اذا فالتعددية وفقا العتقاد املسلمني هي ضرورة لسنة احلياة‬ ‫وترجمة الرادة الله عزوجل‪ ،‬ومن يرفضها‪ ،‬كما يؤمنون‪ ،‬فامنا يرفض‬ ‫ارادة اخلالق اجلليل‪.‬‬

‫د‪ .‬نجاح كاظم‬


‫مراجعة‬

‫نعم‪ ..‬مجتمعاتنا عنصرية!‬ ‫مجتمعاتنا تدعي الكمال‪ ،‬وال تريد أن تعترف بنقائصها‬ ‫لم نكتسب بعد الشجاعة لنقد الذات وتصحيحها‬ ‫«ذاكرة امرأة» شريط وثائقي تونسي‪ ،‬حصل على‬ ‫التانيت الفضي في الدورة األخيرة ملهرجان قرطاج‬ ‫السينمائي الذي اختتمت فعالياته في تونس قبل حوالي‬ ‫ثالثة أسابيع‪ ،‬ويتضمن الشريط حوارا مع سيدة متقدمة‬ ‫في السن‪ ،‬تسرد جوانب من سيرتها‪ ،‬منذ أن كانت طفلة‬ ‫صغيرة تبحث عن اإلله فوق سطح منزلهم إلى يومنا هذا‬ ‫حيث تتمنى أن تدفن بعد موتها في أرض تونس التي‬ ‫أحبتها‪.‬‬ ‫هي في األصل يهودية قدمت من فرنسا مع أسرتها في‬ ‫الثالثينيات‪ ،‬قبل أن تعتنق اإلسالم‪ ،‬وتتزوج من تونسي‬ ‫مسلم كان يناضل في صفوف احلزب الدستوري الذي قاد‬ ‫احلركة الوطنية ضد االستعمار الفرنسي‪ ،‬ومشكلة هذه‬ ‫املرأة أن احمليطني بها من التونسيني لم يعاملوها بشكل‬ ‫جيد‪ ،‬ولم يطمئنوا إلسالمها‪ ،‬وبقوا يتعاملون معها بحذر‬ ‫شديد باعتبارها يهودية‪ ،‬حتى إن بعض زميالتها في‬ ‫املستشفى الذي كانت تعمل به حاولن إقناعها بأنه ال‬ ‫يجوز لها أداء فريضة احلج بحجة أنها يهودية! وجتددت‬ ‫مأساتها مع ابنها الذي يحمل اسم محمد مع لقب ألب‬ ‫يهودي مجهول‪ ،‬فوجد نفسه من جهة مرفوضا من قبل‬ ‫التونسيني املسلمني‪ ،‬ومن جهة أخرى منبوذا من قبل اليهود‬ ‫الذين تبرؤوا منه بسبب كونه يحمل اسم رسول اإلسالم‪،‬‬ ‫فهو يعاني من أزمة هوية دفعته للبحث بدون جدوى‬ ‫عن أصوله‪ ،‬واإلعالن بوضح عن كراهيته للعرب الذين‬ ‫يرفضونه وال يعترفون بانتمائه الشرعي لتونس ولإلسالم‪.‬‬ ‫الشريط مؤثر‪ ،‬ومثير‪ ،‬ويعكس بدرجة عالية معضلة‬ ‫عدم تسامح شرائح واسعة من املجتمع التونسي‬ ‫جتاه املختلف عنه‪ ،‬أو الذي انحدر من أصول عرقية‬ ‫ودينية مغايرة‪ ،‬وهي حالة مرضية يرفض االعتراف بها‬ ‫املجتمع التونسي‪ ،‬رغم وجودها بنسب مرتفعة أحيانا‪.‬‬ ‫وقد تزامن هذا الشريط مع مسلسل تلفزيوني مت بثه‬ ‫خالل شهر رمضان‪ ،‬وتابعه التونسيون بكثافة‪ ،‬ويعرض‬ ‫املسلسل لقصة شاب تونسي ينتمي إلى إحدى أسر‬ ‫سكان مدينة تونس العاصمة التي ال يزال بعض أفرادها‬ ‫يعتقدون بأنهم األصل واملرجع‪ ،‬في حني يتعاملون بتعال‬

‫شديد جتاه بقية السكان‪ ،‬وأعلم هذا الشاب والدته بأنه‬ ‫سيقدم لها البنت التي أحبها والتي يريد أن يتزوجها‪.‬‬ ‫فرحت األم كثيرا‪ ،‬لكنها ما إن وجدت نفسها أمام فتاة‬ ‫سوداء اللون‪ ،‬حتى أصيبت بصدمة قوية‪ ،‬ورفضت رفضا‬ ‫قاطعا أن توافق على زواج ابنها من بنت زجنية‪ ،‬وهي‬ ‫أيضا ظاهرة غريبة واسعة االنتشار في املجتمع التونسي‪،‬‬ ‫حيث تعتبر الزيجات املختلطة من احلاالت النادرة‪.‬‬ ‫ت إحدى أجمل‬ ‫وأذكر أني عندما كنت طفال‪ ،‬أح َب ْ‬ ‫بنات احلي شابا وسيما أسود اللون‪ ،‬وفي يوم الفرح‬ ‫حتول احلفل إلى مأمت حيث لم تتحمل أسرة العروس رؤية‬ ‫أصهارها اجلدد بلونهم األسمر‪ ،‬ولم تستعد أنفاسها إال‬ ‫بعد فسخ اخلطوبة‪.‬‬ ‫هذا العمالن الفنيان لم جتمع بينهما من حيث‬ ‫التوقيت سوى املصادفة‪ ،‬لكنهما جاءا ليكونا مبثابة املرآة‬ ‫العاكسة لبعض عورات املجتمع‪ ،‬فاملجتمع التونسي مثله‬ ‫مثل بقية املجتمعات في العالم‪ ،‬يدعي الكمال‪ ،‬وال يريد‬ ‫أن يعترف بنقائصه وعنصريته الدفينة‪ ،‬أو يقر برفضه‬ ‫املستبطن للمختلف‪ ،‬حتى ولو كان هذا املختلف هو جزء‬ ‫أصيل من الوطن املشترك‪ ،‬أو أنه اندمج كليا في ذات‬ ‫النسيج املوحد‪ ،‬ولهذا عندما تأتي شهادة صادقة ومؤثرة‬ ‫من الداخل‪ ،‬لترفع الغطاء عن املكبوت وتسلط األضواء‬ ‫على عالم املسكوت عنه‪ ،‬يحصل شيء من التململ‪،‬‬ ‫وتتولى الذات إنكار اتهامها بالتمييز‪ ،‬أو التقليل من‬ ‫أهمية الظاهرة‪ ،‬فتعمل مرة أخرى على إخفاء مشاعرها‬ ‫احلقيقية حتت غطاء من التنزيه والتعالي املغلوط‪ ،‬لم‬ ‫نتعود كأفراد ومجتمعات على االعتراف باخلطأ‪،‬‬ ‫ولم نكتسب بعد الشجاعة لنقد الذات وتصحيحها‪.‬‬ ‫حدثتني إحدى قريباتي عن جتربتها الشخصية بعد‬ ‫مشاهدة هذا املسلسل‪ ،‬وهي أستاذة فرنسية‪ ،‬متفتحة‪،‬‬ ‫وقد درست لفترة طويلة محورا في البرنامج يتعلق‬ ‫بالعنصرية‪ ،‬وكانت أثناء إلقاء الدرس تتحمس أحيانا‬ ‫وهي تعلم تالميذها املواقف البطولية لكبار الكتاب‬ ‫والشعراء والثوريني التقدميني املناهضني للتمييز‪ ،‬لكن‬ ‫في إحدى املناسبات‪ ،‬فاحتها ابنها الذي كانت تنتظر‬

‫بفارغ الصبر زواجه بأنه قد يختار زميلة له في الدراسة‬ ‫سوداء اللون‪ ،‬فإذا بها دون أن تشعر انتفضت قائلة له‪:‬‬ ‫«كل شيء إال وصيفة»! وهي كلمة شائعة االستعمال في‬ ‫تونس ال تدل فقط على سواد اللون‪ ،‬ولكنها حتمل شحنة‬ ‫عنصرية قبيحة‪ ،‬باعتبارها مرادفة لكلمة العبد التي ال‬ ‫تزال بعض املجتمعات العربية ترددها بدون أي حرج!‬ ‫قالتها قريبتي بكل عفوية‪ ،‬ولم تتفطن للخطأ الفادح‬ ‫الذي ارتكبته إال بعد أن ذكرها ابنها مبواقفها التقدمية‬ ‫التي كانت ترددها بحماس أمام تالمذتها‪.‬‬ ‫موقف قريبتي‪ ،‬ذكرني بقصة يعرفها البعض‪ ،‬فقد‬ ‫ُعرضت على الدكتور حسن الترابي ظاهرة اجتماعية‬ ‫أصبحت تستوجب اإلعالن عن فتوى جريئة‪ ،‬لقد سئل‬ ‫الرجل عن النساء السوداوات في الواليات املتحدة‬ ‫األميركية الالئي يعلن إسالمهن وهن متزوجات‪:‬‬ ‫هل يبقني على عالقاتهن الزوجية أم ينفصلن عن‬ ‫أزواجهن‪ ،‬وقد قضى الترابي يومها بجواز احلفاظ على‬ ‫عالقة الزوجني‪ ،‬مما أثار عليه زوبعة رهيبة حيث اتهم‬ ‫بأنه يسمح بزواج املسلمات من غير املسلمني‪ ،‬في أن‬ ‫الترابي أسس موقفه على االستقاللية املالية والقانونية‬ ‫والنفسية التي تتمتع بها املرأة األميركية مما يجعلها‬ ‫في مأمن من تأثير الزوج على معتقداتها‪ ،‬لكنه الحظ‬ ‫أيضا أن بعض من طلنب الطالق‪ ،‬بقني بدون زواج‪،‬‬ ‫ألن البيض ممن دفعوهن نحو االنفصال بحجة االلتزام‬ ‫بأحكام اإلسالم ليسوا على استعداد للتزوج بزجنيات!‬ ‫إن اإلصالح االجتماعي ال يقل أهمية عن اإلصالح‬ ‫السياسي‪ ،‬بل ال ميكن أن يتعمق اإلصالح الدميقراطي‬ ‫في مجتمع ما إال بقدر اجلهد الذي يبذل في سبيل وضع‬ ‫حد لالزدواجية التي تالزم سلوك األفراد واجلماعات جتاه‬ ‫املختلف‪ ،‬سواء أكان هذا املختلف امرأة‪ ،‬أو له قشرة‬ ‫مغايرة‪ ،‬أو حامل دين آخر‪ ،‬أو له رأي سياسي مناقض‪،‬‬ ‫أو يتحدث بلغة أو لهجة مختلفة عن اللغة السائدة‪.‬‬

‫صالح الجورشي‬

‫صحيفة «العرب» القطرية‬ ‫‪5‬‬


‫دراسة‬

‫النص في الخطاب التنويري‬ ‫الوعي التنويري نصوصي معقلن‪ ،‬بعيد عن الجمود والتقليد‬ ‫التنوير اإلسالمي لم يأت من فراغ‪ ،‬وإنما هو نتاج طبيعي للعصرنة‬ ‫يخدع النصوصيون التقليديون اجلماهير بكثرة‬ ‫إيرادهم للنصوص‪ .‬وهذا جزء من ممارسة اخلداع النفسية؛‬ ‫حيث يتصورونهم األشد وفاء للنص؛ ألنهم األكثر‬ ‫ً‬ ‫(استشهادا بالنص)‪.‬‬ ‫يحاول النصوصيون التقليديون إيهام اجلماهير‬ ‫املتدينة أنهم وحدهم االوفياء للنص املقدس‪ ،‬ومن ثم‬ ‫األوفياء للدين‪ ،‬بينما اآلخرون‪ ،‬وهم بقية األصوات غير‬ ‫التقليدية‪ ،‬ال مينحون النص املكانة التي يستحقها‪ ،‬في‬ ‫عالم املعرفة‪ ،‬وفي عالم الواقع‪ ،‬ومن ث َّم‪ ،‬فهم ـ حسب ما‬ ‫يصورهم به التقليديون ـ إما جاهلون بالنص أو متجاهلون‬ ‫له‪ ،‬وهم بهذا التصنيف الظالم‪ ،‬قد خانوا النص‪ ،‬ونابذوا‬ ‫الدين وهذه تهمة التهم للخطاب التنويري‪.‬‬ ‫التقليدية حتاول تقسيم احلراك الفكري املشتبك مع‬ ‫الديني إلى‪ :‬نصوصية سلفية تقليدية‪ ،‬هي املعبر ـ في‬ ‫تصورهم ـ عن الدين‪ ،‬وعقالنية حتررية‪ ،‬تشتبك مع الديني‬ ‫بعد ازورار واضح عن النص‪ .‬وهذا التقسيم يريد أن يصل‬ ‫إلى نتيجة تخدم التقليدية إيديولوجيا‪ ،‬وذلك عندما‬ ‫تؤكد أنها املعبر الشرعي والوحيد عن الدين‪ ،‬معززة ذلك‬ ‫بحديث االفتراق املضطرب ً‬ ‫سندا‪ ،‬واملتعذر ـ عق ًال ـ أن‬ ‫يدرج في سياق االفتراق‪.‬‬ ‫ما حتاول التقليدية السكوت عنه‪ ،‬أن التقسيم ليس‬ ‫بهذه الثنائية الدوغمائية املشحونة باألبعاد اإليديولوجية‬ ‫التي متتد في عمرها إلى أكثر من أربعة عشر قرن ًا‪ .‬احلقيقة‬ ‫العلمية‪ ،‬كما الواقعية‪ ،‬أن الظاهرة اإلسالمية‪ ،‬نصوص ًا‬ ‫وأحداث ًا‪ ،‬خضعت لعدة قراءات‪ ،‬يستحيل حصرها في‬ ‫سبعني أو مئة‪ ،‬أو حتى ألف‪ .‬كما أن التقليدية ذاتها‬ ‫ليست قراءة واحدة‪ ،‬بل هي عدة قراءات‪ ،‬ولكل مذهب‬ ‫وفرقة وطائفة‪ ،‬درجات من التقليدية‪ ،‬التي حتاول ـ من‬ ‫‪6‬‬

‫داخلها ـ ممارسة هذا التقسيم الثنائي‪ ،‬والتأكيد على أنه‬ ‫التقسيم الوحيد املوجود‪.‬‬ ‫هذه الثنائية التي حتاول النصوصية التقليدية اإليهام‬ ‫بأنها ثنائية إميانية‪ ،‬أحد أطرافها‪ :‬منافق‪ /‬كافر‪ .‬ال تريد‬ ‫التقليدية النصوصية أن تعترف مبأزقها النصوصي مع‬ ‫الواقع‪ ،‬وأنها ليست إشكالية نص‪ ،‬وإمنا هي إشكالية‬ ‫غياب العقل في التعاطي مع النص‪ .‬ال بد أن تتحول هذه‬ ‫الثنائية ـ في هذه اجلزئية خاصة ـ إلى ثنائية‪ :‬نصوصية‬ ‫عقالنية‪ ،‬ونصوصية غير عقالنية‪ .‬نصوصية تعتقد أن‬ ‫فاعلية النص ال تتحقق إال من خالل العقل‪ ،‬ونصوصية‬ ‫تقليدية آلية‪ ،‬تعتقد أن فاعلية النص ال تتحقق إال من‬ ‫خالل تغييب العقل‪.‬‬ ‫النصوصية التقليدية جتد نفسها من خالل العداء‬ ‫املضمر للعقل‪ .‬وجودها ال يتحقق في مجتمع مشبع‬ ‫بالعقالنية‪ ،‬يعي تلك املسافة التي ال بد من قطعها بني‬ ‫الوجود املتعالي للنص‪ ،‬وبني الواقع املتعني‪ .‬لهذا‪ ،‬تفترض‬ ‫التقليدية أن كل دعوة لعقلنة اخلطاب الديني‪ ،‬هي دعوة‬ ‫لنقض اخلطاب الديني ذاته‪ ،‬وليس لتطويره فحسب‪.‬‬ ‫ما ال تريد التقليدية أن تعترف به أن الوعي التنويري‬

‫إذا أردنا للنص أن يمارس‬ ‫فاعليته الحقيقية في الواقع‪،‬‬ ‫علينا أن نعتقه من أسر الفهم‬ ‫التقليدي الذي ال يزال يفهم‬ ‫النص كمجرد خطاب مباشر‪،‬‬ ‫يتكرر في الزمان والمكان‬

‫اخلاص باإلسالم‪ ،‬هو وعي نصوصي‪ ،‬ولكنه وعي نصوصي‬ ‫معقلن‪ ،‬بعيد عن اجلمود والتقليد‪ ،‬وعي يضع النص في‬ ‫كيميائية خاصة‪ ،‬حتمل في تركيبتها حتوالت (العقل =‬ ‫الوعي) البشري‪ ،‬وحتوالت الشرط الواقعي‪ ،‬فيخرج من‬ ‫خالل ذلك تنصيص خاص بالزمان واملكان‪ ،‬ميكن له أن‬ ‫يتكرر ـ بتنوع ـ في كل زمان ومكان‪.‬‬ ‫النص يحتوي على بعدين‪ُ :‬بعد متعال‪ ،‬عابر للزمان‬ ‫واملكان‪ ،‬ذي طابع نظري عام‪ ،‬أو شبه نظري‪ ،‬وبعد‬ ‫تفصيلي‪ ،‬مشدود إلى الواقع التاريخي الذي كان النص‬ ‫استجابة له البعد األول‪ ،‬وعلى ضوء القراءة املقاصدية‪،‬‬ ‫ومراعاة الشرط الواقعي‪ ،‬هو البعد الذي ميكن استحضاره‬ ‫اآلن‪ ،‬أما البعد اآلخر‪ ،‬فهو ُبعد تاريخي (باملفهوم القا ّر‬ ‫للتاريخ) يستحيل عليه عبور الزمان واملكان‪.‬‬ ‫إذا أردنا للنص أن ميارس فاعليته احلقيقية في‬ ‫الواقع؛ فال بد أن نفهم هذين البعدين‪ ،‬أي أن نعتقه‬ ‫من أسر الفهم التقليدي الذي ال يزال يفهم النص كمجرد‬ ‫موجه إلى‬ ‫خطاب مباشر‪ ،‬يتكرر في الزمان واملكان‪ّ ،‬‬ ‫قارئ سلبي‪ ،‬خال من األبعاد املعرفية‪ ،‬ومتجرد من تطوره‬ ‫التاريخي‪ .‬وهذا فهم يقتل النص ـ بالغاء انفتاحه على‬ ‫تنوعه وتطور احلياة البشرية؛ موضوع خطاب النص ـ وهو‬ ‫يظن أنه يقوم بإحيائه‪.‬‬ ‫يتهم التقليديون اخلطاب التنويري بأنه خطاب يلغي‬ ‫النص؛ عندما يتعارض مع الواقع‪ ،‬وهذا اتهام يتكرر‪،‬‬ ‫نتيجة سوء فهم‪ ،‬أو تعمد إساءة فهم اخلطاب التنويري‪،‬‬ ‫بإنتاجه داللة النص‪ ،‬من خالل املعرفة والواقع‪ ،‬هو األشد‬ ‫التزام ًا بالنص؛ ألنه األشد استبطان ًا له‪ ،‬واألقرب إلى كليات‬ ‫النص (النص هنا‪ :‬مجموع النص املقدس‪ ،‬وليس مفرداته)‬ ‫وهي الكليات املرتبطة باملقاصد العامة واألزلية للرسالة‪.‬‬


‫بل يصرح التقليديون بأن ً‬ ‫جزءا من (صوابيتهم) مستمدة من‬ ‫هذه الكثرة في االستشهاد‪ .‬طبع ًا‪ ،‬ال يهم اجلماهير (كيفية)‬ ‫االستشهاد؛ ألنها ال تتوقع اخلداع في هذا املضمار‪ ،‬ومن‬ ‫هؤالء بالذات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫اخلداع بالكثرة‪ ،‬ليس شيئا يتم في اخلفاء‪ ،‬وإمنا هو‬ ‫شيء معلن‪ ،‬بل هو جزء من آلية الهجوم على اخلطاب‬ ‫ً‬ ‫كثيرا عن‬ ‫التنويري‪ ،‬ذي املنحى الليبرالي‪ .‬نسمع ونقرأ‬ ‫افتخار التقليديني بأن مقوالتهم متخمة بالنصوص‪ ،‬وأن في‬ ‫كل سطر يكتبونه نص ًا ما‪ ،‬وأن خصومهم التنويريني‪ ،‬تكاد‬ ‫تخلو مقوالتهم من النصوص‪ .‬وكما قال لي أحدهم‪ :‬إنك‬ ‫تكتب مقا ًال مطو ًال يناهز الثالثة آالف كلمة‪ ،‬ليس فيه‬ ‫آية وال حديث‪ ،‬بينما ال يخلو سطر أو سطران لي آية أو‬ ‫حديث‪ .‬هكذا قال‪ .‬وحسب هذا الفهم‪ ،‬فهو أشد إسالمية؛‬ ‫ألنه األكثر نصوصية!‬ ‫كون اخلطاب التقليدي‪ ،‬ال يكثر من إيراد النصوص في‬ ‫مقوالته‪ ،‬حقيقة‪ .‬لكن‪ ،‬ماذا وراء هذه احلقيقة؟! جزء من‬ ‫احترام اخلطاب التنويري للنص‪ ،‬أنه ال ميتهن النص في كل‬ ‫سياق‪ ،‬وهو ال يورده كدليل‪ ،‬إال عندما يكون دلي ًال بالفعل‪،‬‬ ‫وليس مجرد تالعب بعواطف اجلماهير‪ .‬كثير من الذي يقال‬ ‫في معظم القضايا‪ ،‬ال يحتاج لدليل نصي‪ ،‬وإمنا لدليل عقلي‬ ‫وضع النص ـ اعتساف ًا ـ في موضع الدليل العقلي أو‬ ‫التجريبي الواقعي‪ ،‬ملجرد االحتماء بالنص‪ ،‬خيانة للنص‪،‬‬ ‫من جهة‪ ،‬وخيانة ملتلقي اخلطاب التقليدي من جهة أخرى‪..‬‬ ‫استغباء اجلماهير‪ ،‬حالة مالزمة لتيار النصوصية‬ ‫التقليدية‪ ،‬الذي ميارس اإلقناع من خالل عملية (قص‪/‬‬ ‫لصق) عشوائية أو شبه عشوائية‪ ،‬وإخراجها في صورة‬ ‫اخلطاب الشرعي الوحيد‪ ،‬املع ِّبر عن إرادة اإلسالم‪ .‬بينما يتم‬ ‫تصوير النصوصية التنويرية‪ ،‬بأنها جتاوز للنص‪ ،‬أو إلغاء‬ ‫له‪ ،‬أو قفز عليه‪ ،‬في محاولة لتشويه اخلطاب التنويري‪.‬‬ ‫حقيقة أن التنوير اإلسالمي‪ ،‬هو االمتداد العصري‬ ‫لإلسالم‪ ،‬يجري تغييبها اليوم في واقعنا الذي يحاول‬ ‫التقليديون التهامه ‪ .‬التنوير اإلسالمي ليس غريب ًا‪ ،‬ولم يأت‬ ‫من فراغ‪ ،‬وإمنا هو النتاج الطبيعي لعملية التقاء اإلسالم‬ ‫بالعصر‪ ،‬أي بكل مكونات العصر‪.‬‬ ‫النصوصية التقليدية ميكنها أن تعيش في مخيالها‪،‬‬ ‫ومتارس االرتهان إلى تفاصيل املاضي فيما وراء الواقع‪.‬‬ ‫أما أن حتاول َموءضعة ماضويتها في واقع لم تأخذ به عند‬ ‫مقاربتها للنص‪ .‬التقليدية‪ ،‬عندما ألغت الواقع‪ :‬املعاصرة‬ ‫من معادلة تأويل النصوص؛ ألغت ـ آلي ًا ـ قدرتها على‬ ‫االشتباك اإليجابي مع الواقع‪ .‬تأويل يلغي الواقع‪ ،‬تنتج عنه‬ ‫بالضرورة‪ ،‬رؤية تعجز عن رؤية الواقع‪ ،‬بل تصطدم به على‬ ‫نحو كارثي‪ ،‬كما هو حال النصوصية التقليدية اليوم‪.‬‬

‫محمد بن علي المحمود‬ ‫صحيفة «الرياض»‬

‫التعددية‪ ..‬هل من سقف اسالمي؟‬ ‫تشكل املفاهيم املع ّرفة واملك ّرسة مكونا اساسيا من مكونات التفكير في ذهن االنسان‪ ،‬ويشيد‬ ‫عليها تصوراته واستنتاجاته وافتراضاته وسواء وعى الفرد ذلك ام لم يع فانه يفهم نفسه ومحيطه‬ ‫من خالل االطر التي ترسمها هذه املفاهيم‪.‬‬ ‫يقال “لتغيير حياتك غير ذهنك“ والواقع ان الذهن‪ ،‬اذا مت تفكيكه‪ ،‬في جزء منه هو عبارة عن هذه‬ ‫املفاهيم املكرسة التي اكتسبناها‪ ،‬مرة اخرى‪ ،‬بوعي او بغير وعي‪.‬‬ ‫فاذا كان االمر كذلك‪ ،‬فهل ما يشكل ذهننا مقدس؟ او بعبارة اخرى‪ ،‬ماالذي يجعلنا نقاوم بشدة اي‬ ‫هزة ملا يؤسس لتفكيرنا من مفاهيم‪ ،‬وهل يستقيم مع املنطق التشبث مبا اكتسبناه بعشوائية من‬ ‫محيطنا االولي الذي نشانا فيه؟ خصوصا بشان ثالثة امور نعتبرها اساسية في رسم حياتنا وحتديد‬ ‫خياراتنا‪ .‬النظرة الى النفس ‪ /‬االنسان‪ ،‬النظرة الى احلياة ‪ /‬ككل‪ ،‬والنظرة الى الدين‪.‬‬ ‫يؤكد علم النفس ان االنسان مييل بشكل طبيعي الى خلق ما ميكن تسميته “مناطق راحة”‬ ‫سلوكية وذهنية ونفسية‪ ،‬تعينه على امتصاص تغييرات احمليط واعادة انتاجها بحيث ال تشكل ارباكا‬ ‫نفسيا او سلوكيا او ذهنيا له‪.‬‬ ‫وبالتالي فبقدر ما تتسع “مناطق الراحة“ هذه وبقدر ما تضيق وبقدر ما تتمتع به من مرونة وبقدر‬ ‫ما تعانيه من تشدد‪ ،‬تتسع وتضيق رؤيتنا للعالم‪.‬‬ ‫يرى االنسان العالم من خالل مكونات ذهنه ويحكم عليه من خالل معايير ترسمها دوافعه اخلفية‬ ‫واملعلنة واحتياجاته‪ ،‬من هنا يكون تلقينا ملا يحدث حولنا في الواقع مرتبطا مبا هو متشكل مسبقا‬ ‫من مفاهيم وتصورات في اذهاننا ونحن نختار املعنى الذي ينسجم مع هذه االرضية املعدة مسبقا‬ ‫ونضفيه على االشياء واالحداث‪.‬‬ ‫ورغم هذه احلقيقة‪ ،‬يجد االنسان تبريرا لرفض اخيه االنسان ـ االخر‪ -‬واقصائه محاكما اياه بناء‬ ‫على هذه املعايير التي ميكن تسميتها بـ “احمللية الصنع”‪.‬‬ ‫هذا الذهن احملكوم‪ ،‬ببنائه املفاهيمي‪ ،‬احملدود في النهاية والعشوائي في الغالب‪ ،‬يقع احيانا في فخ‬ ‫الـ ”التعسف” و”االكراه” و”االقصاء” و”تزكية االنفس” ونعرف نحن املسلمني‪ ،‬ان االخيرة ـ تزكية االنفس‬ ‫ـ حسب ثقافتنا القرانية هي شان من شؤون اخلالق جل وعال مما ال ميلك االنسان اليه سبيال‪.‬‬ ‫على املنوال نفسه تنتج اجلماعات معاييرها الضيقة وتطرد خارجها من ال تنطبق عليه هذه‬ ‫املعايير‪.‬‬ ‫عليه‪ ،‬فان اجلماعات‪ ،‬كما هم االفراد‪ ،‬ميكن ان تعاني من ضيق االفق او اتساعه‪ ،‬وكلما ضاق االفق‬ ‫عند اجلماعات كلما تكرست عزلتها وتراجعها وكلما اعادت انتاج شرها وخيرها في دائرة مغلقة ال‬ ‫يتبدل فيها سوى الزمن‪.‬‬ ‫في حني تنفتح اجلماعات‪ ،‬املرنة‪ ،‬على اجلديد وتكتشف افاقا جديدة للتعامل مع احمليط واملتغيرات‬ ‫تدخلها في دائرة االبداع والتطور‪.‬‬ ‫ويبقى من املفيد‪ ،‬التذكير ان االفراد واجلماعات‪ ،‬بحاجة دائما الى ارض صلبة من املعتقدات االساسية‬ ‫الراسخة واالصيلة املصدر‪ ،‬تتفق عليها وتبني عليها صروحها احلضارية املنفتحة على التحديث‪.‬‬ ‫مبعنى ان االمم‪ ،‬كما هم االفراد‪ ،‬درجت على االتفاق على مصدر ـ دينيا كان ام وضعيا ـ تتواضع على‬ ‫حتديده سقفا اعلى تضع في ظله منظومتها القيمية التي حتكم سلوكها وتنظم عالقاتها‪.‬‬ ‫في ضوء ذلك‪ ،‬ميكن ان يطرح سؤال هنا ‪ :‬ما هو هذا السقف الذي اتفقت عليه “االمة االسالمية”‪،‬‬ ‫وهل ينعكس هذا االتفاق على املنظومة “القيمية “ التي حتكم حركة هذه “االمة“ جتاه نفسها وجتاه‬ ‫االخر؟‬ ‫ويتناسل سؤال اخر هنا‪ ،‬رمبا بتفصيل اشد وهو ‪ :‬هذا السقف ‪ -‬املفترض االتفاق عليه ـ كيف يحدد‬ ‫النظرة الى االخر وكيف يحدد التعامل مع مفردة “التعددية“ داخل وخارج اجلماعة “االمة االسالمية”؟‬

‫هاجر القحطاني‬

‫مديرة البرامج ـ املنبر الدولي للحوار االسالمي‬ ‫‪Hajar@islam21.net‬‬ ‫‪7‬‬


‫حوار‬

‫حوار مع المفكر الطيب تيزيني‪:‬‬

‫التطرف نتاج غياب الحريات والديمقراطية‬ ‫ال يوجد صراع أديان إال إذا كان خلف هذه األديان مصالح‬ ‫حين يغيب الحراك الثقافي والسياسي واالجتماعي تحل محله قوة بديلة‬ ‫يرى املفكر الطيب تيزيني‪ ،‬أستاذ العلوم السياسية والفلسفية في جامعة دمشق‪ ،‬أن احلركات اإلسالمية األصولية تقطف ثمار غياب‬ ‫احلرية في العالم العربي‪ .‬كما يرفض فرضية الصراع بني األديان ويشدد على أن هذا الصراع ميثل في الواقع صراع هيمنة على الثروات النفطية‬ ‫في العالم اإلسالمي‪ .‬عفراء محمد التقته في دمشق وكان معه هذا احلوار‪..‬‬ ‫• غالباً ما يجري احلديث عن ثقافة عربية‬

‫رغم االختالف الكبير بني الدول العربية وتكريس‬ ‫هوياتها القطرية منذ استقاللها‪ ،‬أليس من‬ ‫األفضل احلديث عن ثقافات عربية؟‪ ‬‬

‫ـ ميكن القول إن هناك وحدة وتعددية للثقافة‬ ‫العربية في الوقت ذاته‪ ،‬لكن يجب عدم حصر هذا‬ ‫باحدى اجلهتني‪ .‬من هنا وعلى الرغم من حتدثنا عن‬ ‫ثقافة واحدة بالعموم‪ ،‬إال أن هناك جتليات مختلفة؛‬ ‫فاختالف هذه التجليات يأتي من خصوصيات‬ ‫الوضعيات التي تنشأ فيها هذه الثقافة العربية‪.‬‬ ‫فحني نزور املغرب مث ًال سنواجه ثقافة عربية لكن‬ ‫بخصوصيات نشأت عبر مراحل مديدة من التاريخ‬ ‫املغربي‪ .‬‬ ‫هناك ناظم عام وجتليات مختلفة بحال الثقافة‪،‬‬ ‫ما يعني أن هذه الظاهرة تعبير ثراء وتشتت في‬ ‫الثقافة العربية‪ .‬فكلما استوعبت الثقافة حالة‬ ‫اجتماعية ما‪ ،‬ظهرت بغنى أكثر مما لو ظهرت‬ ‫بصيغة واحدة؛ فمث ًال لو حتدث املغربي واملوريتاني‬ ‫والسوري بصيغة واحدة‪ ،‬فهذا سيكون ً‬ ‫فقرا في اللغة‬ ‫بوصفها أداة تعبيرية‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫ظلت الثقافة العربية‬ ‫تتحرك ضمن محوري التقدم‬ ‫والحرية‪ .‬ورغم ذلك ظل‬ ‫التخلف العربي قائمًا ومعه‬ ‫كون‬ ‫نشأ االستبداد الذي ّ‬ ‫بنية جديدة تكاد تكون‬ ‫مغلقة على ذاتها‬ ‫إذن احلديث يأخذ بهذا أو ذاك شرط أن يوضع‬ ‫في سياق عالقة بني العام واخلاص؛ أي بني العام‬ ‫خاص ًا واخلاص مندرج ًا في إطار عمومي‪ .‬فنحن‬ ‫منتلك هذه الثقافة ولكن إمكانية التعبير عنها‬ ‫مختلفة اختالف العالقات االجتماعية والسياسية‬ ‫واإلنسانية والنفسية السيكولوجية‪ ،‬ثم الفهم الفني‬ ‫األخالقي‪.‬‬

‫• ما أهم اإلشكاليات والتحديات التي‬

‫تواجه املثقفني العرب في الوقت الراهن؟‬

‫ـ في احلقيقة مع نشأة النظام العاملي اجلديد‬ ‫«العوملي» أصبح احلديث عن هذا األمر ذا بعد جديد‬ ‫مختلف إلى حد كبير عما كان عليه قبل ذلك‪ ،‬إذ‬ ‫نشأ هذا النظام في بدايات القرن العشرين‪ .‬فإذا كنا‬ ‫نتحدث عن إشكاالت للثقافة العربية قبل نشأة هذا‬ ‫النظام‪ ،‬إشكاالت ملخصة مبسألتي التقدم واحلرية‪،‬‬


‫فإننا اآلن نتحدث عن مشكالت جديدة‪ ،‬في مقدمتها‬ ‫مشكالت تتعلق بالوجود والتاريخ‪ .‬واآلن بعد أن نشأ‬ ‫النظام العاملي أثر على ثقافات العالم من ضمنها‬ ‫الثقافة العربية‪ .‬وهذا التأثير عميق ال يفهم إال بعد‬ ‫أن نستوعب ما هو هذا النظام العاملي اجلديد و ِل َم‬ ‫أثر بهذه الكيفية الهائلة على الثقافات العاملية‪ .‬‬ ‫هذا النظام العاملي يسعى إلى ابتالع الطبيعة والبشر‬ ‫وحتويلهم إلى سلع‪ .‬كما أنه يعمل على إعادة بناء‬ ‫العالم وحتويله إلى سوق بعد أن كان السوق حق ًال‬ ‫من حقول العالم‪ .‬ويترتب على ذلك إسقاط الهويات‬ ‫التي تشكلت عبر التاريخ وتختزل اللغات إلى لغة‬ ‫أساسية كبرى هي اإلنكليزية وبالتالي لم نعد أمام‬ ‫أوطان متعددة وإمنا أصبح هناك منط واحد‪ .‬‬ ‫• كيف ترى مهمة املفكر العربي أمثالك في‬

‫التصدي لهذه اإلشكاليات؟‪ ‬‬

‫ـ السؤال املركزي الذي طرحه املفكرون واملصلحون‬ ‫في عصر النهضة هو‪ِ :‬ل َم تأخر العرب وتقدم الغرب؟‬ ‫وقد أجيب عن ذلك بأنه يجب دخول غمار التقدم‬ ‫التاريخي وحتقيق احلرية‪ .‬لكن طوال هذه الفترة‬ ‫املديدة ظلت الثقافة العربية تتحرك ضمن محوري‬ ‫التقدم واحلرية‪ .‬ورغم ذلك ظل التخلف العربي قائم ًا‬ ‫ومعه نشأ االستبداد الذي كون بنية جديدة تكاد‬ ‫تكون مغلقة على ذاتها‪ .‬هذا ال يعني أن الثقافة‬ ‫العربية هي بذاتها مغلقة وأن اإلنسان العربي ال‬ ‫يبدع‪ .‬إن النهضة العربية احلديثة لم تستطع أن حتقق‬ ‫أهدافها الكبرى؛ ألن النظام الغربي الرأسمالي كان‬ ‫سباق ًا في التقدم التاريخي‪ .‬‬ ‫• هل يعيش العرب اليوم «خارج دائرة‬

‫التاريخ»؟‪ ‬‬

‫ـ حني نشأت النهضة العربية في القرن التاسع‬ ‫عشر كان هناك من سبقها وحاول أن يحاصرها وهذا‬ ‫ما نسميه تواطئا تاريخي ًا بني بنيتني واحدة قوية‬ ‫وأخرى ضعيفة مسيطر عليها‪ .‬هناك رهانات على‬ ‫إخراج العرب من التاريخ؛ ألن العرب يجدون أنفسهم‬ ‫أمام حالة متدفقة ال يستطيعون أن يستجيبوا‬ ‫بقدر مناسب لهذا التحول‪ .‬وهنا يوجد سؤال يأخذ‬ ‫خصوصيته الزمانية‪ :‬هل نستطيع أن ننجز ما علينا‬ ‫ً‬ ‫أن ننجزه اليوم وليس ً‬ ‫موجودا‬ ‫غدا؟ الغد لم يعد‬ ‫بالنسبة ملن لم يجب عن أسئلته‪ .‬هنا يبرز السؤال‬

‫التالي‪ :‬هل نستطيع أن نبقى في التاريخ وهل يبقى‬ ‫التاريخ مفتوح ًا أمامنا أم أنه أغلق وبالتالي فإن‬ ‫فوكوياما انتصر في مقولته «التاريخ قد أغلق»‪.‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫• مصطلح «أسلمة» اجملتمعات العربية‬

‫يهيمن على اخلطابني العربي والغربي‪ .‬كيف‬ ‫تفسرون هذه الظاهرة؟‪ ‬‬

‫ـ حني يغيب احلراك الثقافي والسياسي‬ ‫واالجتماعي في بلد ما حتل محله قوة بديلة‪ .‬من‬ ‫هنا حني أخفقت املشاريع النهضوية العربية العلمانية‬ ‫الدميقراطية برز اخليال الديني األصولي‪ ،‬الذي يرفض‬ ‫التعددية ويؤسس على وحدانية الوجود وبالتالي‬ ‫على اجلميع أن يصبحوا مسلمني‪ .‬كما يريد أصحاب‬ ‫هذه النظرية أن متر العلوم االجتماعية والطبيعية‬ ‫واالقتصادية في إطار هذه األسلمة‪ .‬اإلسالم واألديان‬ ‫األخرى لها حضورها احملترم‪ .‬لكن أن يهيمن اآلخر‬

‫حين أخفقت المشاريع‬ ‫النهضوية العربية العلمانية‬ ‫الديمقراطية برز الخيال‬ ‫الديني األصولي‪ ،‬الذي يرفض‬ ‫التعددية ويؤسس على‬ ‫وحدانية الوجود وبالتالي على‬ ‫الجميع أن يصبحوا مسلمين‬ ‫على املجتمع ويجعله تابع ًا حلركة واحدة؛ يعني‬ ‫ذلك أن يؤسس للخراب وللموت السريري‪ .‬لذلك‬ ‫يجب مواجهة نظرية أسلمة املجتمعات عبر البدائل‬ ‫الوطنية الدميقراطية العلمانية‪.‬‬ ‫• لكن من يتحمل مسؤولية ازدياد التطرف‬

‫الديني في مجتمعاتنا؟‪ ‬‬

‫ـ الداخل العربي هو املسؤول أو ًال‪ ،‬ألن املشكالت‬ ‫العظمى في الداخل العربي كمشكلة العمل واحلرية‬ ‫والثقافة لم حتل بعد‪ .‬نالحظ املاليني من الشباب‬ ‫يعجزون عن تلبية احتياجاتهم اليومية‪ ،‬ما يجعلهم‬ ‫يبحثون عن بديل‪ .‬هذا البديل يتلخص بثالث‬ ‫رحالت أولها رحلة إلى السماء‪ ،‬حيث يجد نفسه‬

‫أصبح داعية من دعاة السماء؛ مبعنى أن اإلسالم هو‬ ‫الذي يقدم احلل‪.‬‬ ‫أما الرحلة الثانية فهي رحلة إلى الداخل فمن‬ ‫ال يستطيع أن يكتشف خالص ًا حلياته في العالم‬ ‫الطبيعي االجتماعي يدخل عوالم ال نهاية لها‪،‬‬ ‫اعتقادا منه أنه وصل إلى احلل‪ .‬وتأتي الرحلة‬ ‫الثالثة إلى أبواب السفارات األجنبية بسبب‬ ‫االعتقاد أن الثالوث املقدس ـ احلريــة والكــرامة‬ ‫والكفــاية املاديــة ـ موجود في الغرب‪ .‬لكن األمر‬ ‫ً‬ ‫معقدا وهؤالء الناس الذين فقدوا‬ ‫في الغرب أصبح‬ ‫آمالهم يعيشون أزمة عظمى بسبب أن الداخل ال‬ ‫يحتملهم واخلارج يقف في وجههم‪ .‬ومن هنا تقطف‬ ‫احلركات اإلسالمية الثمار وتؤسس بنفس الوقت‬ ‫لفكرة املوت بسبب قانونها الذي يقول إن السلف لم‬ ‫يترك شيئا للخلف وإذا واجهتنا مشكلة يجب العودة‬ ‫إليهم وهذا يعني اخلروج من التاريخ‪ .‬‬ ‫• كيف تقيمون أطروحة «الصراع بني‬

‫األديان» وهل تستطيع جهود احلوار بني الثقافات‬ ‫واألديان التخفيف من وطأة هذا الصراع؟‬

‫ـ قال هانتغتون إن هناك ثماني حضارات؛‬ ‫متتاز اثنتان منها باخلطورة وهما احلضارة اإلسالمية‬ ‫والصينية وأن القرن اجلديد سيكون صراع ًا بني‬ ‫األديان‪ .‬وبكيفية أولية جند أن ما يعنيه إمنا هو‬ ‫تعبير عن وجود أديان متتلك في بالدها الثروة‬ ‫النفطية الهائلة‪ .‬إن الصراع هو حول املنطقة املدججة‬ ‫بالثروات الهائلة وليس مع اإلسالم النظري‪ ،‬الذي‬ ‫يوجد في بلدان فقيرة كموريتانيا مث ًال‪.‬‬ ‫من جانب آخر ال نقول إن هناك صراعا بني‬ ‫األديان‪ ،‬ألن كل دين له خصوصيات البلد الذي‬ ‫انتشر فيه‪ .‬هناك إمكانية للتعايش بني األديان؛‬ ‫ألنها أتت لتقول عن كل دين بأنه من ميلك احلقيقة‬ ‫التامة وبالتالي يكمن احلل في اإلقرار بهذا الواقع‬ ‫وعدم الدخول في الصراعات‪ ،‬ألن كل إنسان يعتقد‬ ‫أنه ميلك احلقيقة‪.‬‬ ‫ال يوجد صراع أديان إال إذا كان خلف هذه‬ ‫األديان مصالح‪ .‬ومن هنا تعني مقولة هانتغتون أن‬ ‫األمر يتعلق بصراع على املصالح في البلدان التي‬ ‫يلعب فيها اإلسالم ً‬ ‫دورا مهم ًا‪ .‬‬ ‫عن «قنطرة»‬ ‫‪9‬‬


‫وجهة نظر‬

‫التحدي االسالموي‪:‬‬

‫من «اإلسالم هو الحل» الى الديمقراطية والتعددية‬ ‫بعض الحركات االسالموية تعارض بصريح العبارة العملية الديمقراطية‬ ‫حركات النهضة الشعبية وقعت في قبضة حكام مستبدين‬ ‫في الدور الذي يلعبه اإلسالمويون اآلن في حياة‬ ‫العالم العربي وسعيهم ليكونوا بديال للحركات القومية‬ ‫األخرى التي قادت بلدانها الى اإلخفاق ينبغي عليهم‬ ‫التأكيد على أن وصولهم للسلطة سوف يكون مبنيا‬ ‫على الدميقراطية والتعددية واحترام مبادئ حقوق‬ ‫اإلنسان للنهوض بالعالم العربي من سباته الطويل‪.‬‬ ‫انتظرت املجموعات واملنظمات االسالموية في‬ ‫العالم العربي طوي ًال لتنفتح لهم أبواب السلطة على‬ ‫مصراعيها‪ ،‬على األقل‪ ،‬ان لم يتمكنوا من احلكم أو‬ ‫املشاركة به‪ ،‬فمن أجل القيام بنشاطاتهم السياسية‬ ‫بحرية وبدون خوف من القمع واملالحقة والتهميش‬ ‫املتعمد الذي كانوا عرضة له في العقود األخيرة‪.‬‬ ‫يعتقد مؤيدو العقائد السياسية االسالموية أنهم‬ ‫أكثر كفاءة لقيادة األمة من هؤالء الذين ينتمون إلى‬ ‫سياسات أخرى غزت العالم العربي خالل القرن املاضي‪.‬‬ ‫ان هذه احلركات قد زحفت الى السلطة بشعبية ساحقة‪،‬‬ ‫اال أنها فقدت ديناميكيتها التي كانت تتمتع بها في‬ ‫بادئ األمر‪ ،‬وفشلت في حتقيق وعودها بقيادة الشعوب‬ ‫العربية الى نهوض سياسي فعلي وانتعاش اقتصادي‪.‬‬ ‫عوض ًا عن ذلك وقعت حركات النهضة الشعبية‬ ‫هذه في قبضة حكام مستبدين‪ ،‬وابتعدت ايديولوجي ًا‬ ‫عن الواقع وباتت ملطخة بالفساد‪ ،‬تخدم بالدرجة‬ ‫األولى مصالح شخصية لنخبة معينة من الناس‪.‬‬ ‫يدعي االسالمويون ان الوقت قد حان لتوليهم‬ ‫السلطة ويلمحون بشكل غير مباشر الى ان زمن‬ ‫الليبراليني العرب قد و ّلى‪ .‬فبالرغم من ان هؤالء قادوا‬ ‫الصراع ضد االستعمار ليحققوا االستقالل‪ ،‬إال أنهم‬ ‫تراجعوا مع ظهور القوميني العرب وااليديولوجيات‬ ‫‪10‬‬

‫اليسارية املتطرفة رغم أن الليبراليني العرب يخوضون‬ ‫معركة صعبة‪ ،‬ان لم تكن مستحيلة السترجاع مكانتهم‬ ‫وهيبتهم السابقة‪.‬‬ ‫في الواقع‪ ،‬ان نظرات الشك التي تالحقهم وكأنهم‬ ‫ً‬ ‫“طابورا خامس ًا” خلدمة مشروع “الشرق‬ ‫يشكلون‬ ‫األوسط الكبير” األميركي الذي يستهدف العروبة‬ ‫كإطار لسياسة اقليمية أو كتعبير عن الهوية الثقافية‪،‬‬ ‫جعل تعبير “الليبرالية اجلديدة” يكتسب صبغة‬ ‫سلبية‪.‬‬ ‫وبالنتيجة‪ ،‬فان الذين قد يصنفون أنفسهم في هذه‬ ‫اخلانة مشغولون ً‬ ‫جدا في الدفاع عن سمعتهم الشخصية‬ ‫ووالئهم لشعوبهم لدرجة انهم غير قادرين على تكريس‬ ‫أنفسهم الستقطاب الشعب الى آرائهم وجتنيد أعضاء‬ ‫جدد في أحزابهم السياسية الهشة‪.‬‬ ‫الحق في الحصول على فرصة‬

‫في الوقت نفسه بدأت األرضية تتهاوى حتت أقدام‬ ‫الليبراليني التقليديني يوم ًا بعد يوم‪ ،‬فتقوقعوا في‬ ‫أبراجهم اخلطابية العاجية‪ ،‬غير قادرين على الصمود‬ ‫في وجه جاذبية القوميني العرب والتوجهات االسالموية‬ ‫وقدرتهم التنظيمية‪.‬‬ ‫يعتقد االسالمويون ان زمن القوميني العرب قد‬ ‫و ّلى أيض ًا ألنهم أثبتوا أنهم غير قادرين على حماية‬ ‫املكاسب املهمة التي مت حتقيقها في الفترة التي سبقت‬ ‫وتلت التحرير الوطني‪.‬‬ ‫كما ترى غالبية االسالمويني ان لها احلق في‬ ‫اثبات قدرتها على النجاح حيث فشلت احلركات‬ ‫وااليديولوجيات السياسية األخرى‪ .‬إذ ان شعارهم‬

‫“االسالم هو احلل” يعني لهم ان حقهم ليس سياسي ًا‬ ‫فقط ولكنه ضروة سماوية حتمية‪ .‬يظهر ذلك جلي ًا‬ ‫في عقلية األعضاء الشبان املتحجرة وفي كتابات‬ ‫ً‬ ‫مرورا مبحمد قطب وصو ًال الى أنور‬ ‫عديدة لسيد قطب‬ ‫اجلندي‪.‬‬ ‫وتنظم اجلماعات االسالموية بشكل متزايد‬ ‫حمالت دعائية متشددة في العالم العربي ترتكز على‬ ‫نقاط عدة‪ .‬ففي الصدارة يأتي “خيار املقاومة”‪ .‬انها‬ ‫جماعة اسالمية‪ ،‬على حد قولهم‪ ،‬حملت راية املقاومة‬ ‫ضد االحتالل االسرائيلي في فلسطني ولبنان وهضبة‬ ‫اجلوالت وضد االحتالل األميركي في العراق‪.‬‬ ‫عالوة على ذلك‪ ،‬فقد نقلت تلك العناصر‪ ،‬حتت‬ ‫مظلة تنظيم القاعدة‪ ،‬املعركة الى خندق العدو‪ .‬إذ‬ ‫أجبرت العمليات االرهابية في اخلارج الغرب على‬ ‫اتخاذ موقع الدفاع‪ .‬وترحب بعض الكتل االسالموية‬ ‫بها كخطوة كبيرة ومهمة الى األمام الحباط مخططات‬ ‫الغرب لتهميش املنطقة‪ ،‬وفي حترير األراضي العربية‬ ‫واالسالمية واعادة أمجاد وكبرياء املنطقة‪.‬‬ ‫شعبية عريضة‬

‫ويشيرون أيض ًا الى الثقة املتزايدة التي اكتسبها‬ ‫االسالمويون “املعتدلون” في صفوف الشعوب العربية‪.‬‬ ‫والنجاح في االنتخابات البرملانية والبلدية في السنوات‬ ‫األخيرة‪ ،‬في الكويت واألردن واملغرب والبحرين‬ ‫والسعودية ومصر مثال كدليل على تنامي هذه الثقة‪.‬‬ ‫وأيض ًا في أنحاء أخرى من العالم العربي يكتسب‬ ‫االسالمويون‪ ،‬سواء عن طريق نشاطات سرية أو بطرق‬ ‫شرعية‪ ،‬دعم ًا شعبي ًا قوي ًا‪.‬‬


‫في سوريا مث ًال‪ ،‬يعتبر االخوان املسلمون من أقوى القوى‬ ‫الشعبية املعارضة‪ ،‬ومن املتوقع أن يصلوا الى سدة احلكم في‬ ‫حال سقوط النظام‪.‬‬ ‫كما جنح االسالمويون في كسب نسبة ال بأس بها من‬ ‫التعاطف من خالل تصوير أنفسهم ضحايا للقمع السياسي‬ ‫والديني أحيان ًا‪ .‬وتعزز ادعاءاتهم التقارير الدولية ملراقبة‬ ‫انتهاكات حقوق االنسان واالضطهاد الديني في العالم‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫طاملا انهم يقدمون ثمنا غاليا في صراعهم ضد األنظمة‬ ‫الشمولية الطاغية‪ ،‬فهم الورثة الشرعيون للحكم بعد انهياره‪،‬‬ ‫حسب قولهم‪.‬‬ ‫ينظر بعض االسالمويني‪ ،‬في أحسن احلاالت‪ ،‬نظرة ضيقة‬ ‫ً‬ ‫جدا الى الدميقراطية وأساليبها‪ .‬رمبا يؤكدون على مشاركتهم‬ ‫في االساليب الدميقراطية واحلكم الدميقراطي‪ ،‬اال أن اصرارهم‬ ‫على حقهم في تولي احلكم يتنافى مع اميانهم أنهم على رأس‬ ‫قافلة اخلبرات السياسية العربية احلديثة‪.‬‬ ‫في الواقع‪ ،‬ال يعزز هذا االعتقاد صورة املنظمات‬ ‫واملجموعات السياسية االسالمية لدى الشعب بأنها تؤمن‬ ‫فع ًال بالتعددية السياسية ومببدأ تدوير السلطة‪ .‬وما يعزز هذه‬ ‫الشكوك هو ان شريحة مؤثرة من احلركات االسالموية تعارض‬ ‫بصريح العبارة العمليات الدميقراطية‪ ،‬كما هو واضح في عدد‬ ‫كبير من الكتب األصولية في العالم العربي‪.‬‬ ‫رفض األساليب الديمقراطية‬

‫ونذكر أيض ًا ان أمين الظواهري‪ ،‬الرجل الثاني في تنظيم‬ ‫القاعدة كان قد انتقد االخوان املسلمني في مصر ملشاركتهم في‬ ‫االنتخابات البرملانية األخيرة‪ .‬ال أحد ينكر أن االسالموييني‬ ‫حالي ًا يشكلون أكبر قوة خطابية ديناميكية معارضة‪ ،‬وانهم‬ ‫جنحوا في استقطاب قاعدة عريضة من التأييد الشعبي‪ .‬وال‬ ‫يستطيع أحد أن ينكر شرعية رغبتهم في تقدمي األعمال‬ ‫اخليرية للشعب وحصولهم على االعتراف الرسمي والرخصة‬ ‫الشرعية لتمكنهم من القيام بذلك بشكل أفضل‪ ،‬وخاصة‬ ‫انهم أفلحوا في فرض أنفسهم كقوة وطنية‪.‬‬ ‫مع ذلك‪ ،‬ينبغي عليهم اذا كانوا يريدون فعال املساهمة‬ ‫في تقدم الشعب وحمايته من مصائب أخرى تغيير نظرتهم‬ ‫السياسية جذري ًا‪ .‬يجب مثال التخفيف من تالهثهم وراء‬ ‫السلطة بأية وسيلة كما يجب أن يظهروا صدق اميانهم في حق‬ ‫التوجهات واحلركات السياسية األخرى في االستمرار والعمل‪،‬‬ ‫مثلما ينبغي عليهم تطوير قدراتهم على التعاون البناء مع‬ ‫العالم اخلارجي‪.‬‬ ‫فضال عن ذلك‪ ،‬عليهم وضع برنامج سياسي محدد‬ ‫مدروس بتمعن للنهوض بالعالم االسالمي من حالة االنحطاط‬ ‫والتشرذم احلالية‪ ،‬والتأكيد على ان اعتالئهم السلطة لن يغير‬ ‫فجأة أشكال القمع السياسي واالجتماعي املألوفة‪.‬‬

‫عمار علي حسان‬

‫ترجمة منال عبد احلفيظ شريده‬ ‫صحيفة “االهرام ويكلي” املصرية‬

‫التعددية‪ ..‬طريق إلى حضارة إنسانية‬ ‫يعد مفهوم التعددية ‪ Pluralism‬من املفاهيم التي تشتغل في أكثر من مجال معرفي‬ ‫ونشاط إنساني كعلوم االجتماع وعدد من حقول الفلسفة‪ ،‬كالفلسفة السياسية والنظرية‬ ‫السياسية‪ ،‬واملنهج‪.‬‬ ‫وبداع من هذا الطيف الواسع من اجملاالت‪ ،‬ال جند سهال إيراد تعريف محدد قابل لالنطباق‬ ‫على آليات اشتغال مفهوم الـ”تعددية”‪ .‬وراج هذا املفهوم في التداول العام في السنوات‬ ‫األخيرة القترانه بنوع حكم ـ الدميقراطية ـ يفرض نسقه وجود “التعددية” كعنصر حاسم‬ ‫في اشتغاله‪.‬‬ ‫أما اصطالح “التعددية الدينية ‪ ”Religious Pluralism‬فهو اآلخر ينطوي على مفاهيم‬ ‫عدة‪ .‬لكن ما يهمنا هنا هو أن هذا االصطالح ينطوي على فكرة أن األديان كلها متساوية ولها‬ ‫احلق في الوجود من دون مناقشة نسبة صحتها‪ ،‬التي ستفضي إلى إطالق حكم ما عليها‪،‬‬ ‫وهذا ما تترتب عليه تبعات اجتماعية وسياسية‪.‬‬ ‫لكن لعل من املمكن مالحظة فكرة تنبجس حال التفكير مبفهوم التعددية‪ :‬قبول التنوع‬ ‫على أساس املساواة في احلقيقة وشرعية اإلفصاح عن الذات ومنح هذا احلق نفسه لآلخر؛‬ ‫وهذا كله من دون صراع أو إضرار أو “ضرار”‪.‬‬ ‫من هنا يرى بعض الكتاب والباحثني‪ ،‬في مجال املسيحية حتديدا‪ ،‬أن مفهوم التعددية‬ ‫الدينية مواز أو مرادف ملفهوم التسامح ‪ .Tolerance‬بيد أن آخرين يجدون أن “التعددية الدينية”‬ ‫تشدد على أن جميع األديان‪ ،‬اليهودية واملسيحية واإلسالم‪ ،‬وحتى ديانات وضعية كالهندوسية‬ ‫والسيخية‪“ ،‬حقيقية” بقدر متساو وكلها صحيحة ألنها تعبير عن ارث ثقافي ينبغي “القبول”‬ ‫به و”اإلقرار” به‪.‬‬ ‫لكن تاريخ األديان يعج بالرفض املتبادل للشرعية‪ ،‬وشهد عهودا طويلة من التصارع واإللغاء‬ ‫َّصارَى َعلَى‬ ‫س ِت الن َ‬ ‫املتبادل منذ عهود سحيقة‪ :‬بسم اهلل الرحمن الرحيم “وَ َقالَ ِت الْ َي ُهودُ لَ ْي َ‬ ‫س ِت الْ َي ُهودُ َعلَى َ‬ ‫َ‬ ‫َاب َك َذلِ َك َقا َل الَّ ِذي َن ال ي َ ْعلَ ُمو َن‬ ‫ش ْي ٍء وَ َقالَ ِت الن َ‬ ‫ش ْي ٍء وَ ُه ْم ي َ ْتلُو َن الْ ِكت َ‬ ‫َّصارَى لَ ْي َ‬ ‫ِم ْث َل َق ْولِ ِه ْم َفاللهَّ ُ ي َ ْح ُك ُم ب َ ْين َُه ْم ي َ ْو َم الْ ِق َيا َم ِة ِفي َما َكان ُوا ِفي ِه يَخْ َتلِ ُفو َن‪( ”،‬البقرة‪.)113 :‬‬ ‫وتختزل هذه اآليات أيضا صراع مذاهب في إطار كل دين من األديان السماوية الثالثة‪،‬‬ ‫جتد في رفض مذاهب أخرى تشاركها الدين نفسه وتندفع إللغائها‪ .‬ففي اليهودية هناك‬ ‫حيث ّ‬ ‫التعارض في كثير من مسائل “الشريعة ‪ “ Halakha‬بني السفاردمي ـ اليهود األملان حتديدا ـ‬ ‫واالشكناز ـ الشرقيون‪ ،‬وفي املسيحية فالتعارض والتنازع بني البروتسانتية والكاثوليكية‬ ‫قد خرج من النصوص ليكون مادة تقارير صحافية وتلفزيونية زمنا ً طويالً خاصة أثناء النزاع‬ ‫بني ايرلندا وبريطانيا؛ أما في اإلسالم فنزاع السنة والشيعة يخبو زمنا ليتجلى قتال برصاص‬ ‫وأحزمة ناسفة ومفخخات‪.‬‬ ‫وفي اإلسالم‪ ،‬كما في األديان األخرى أيضا‪ ،‬اجتهد بعض الشيوخ في إلغاء حق التعددية‬ ‫ورفض التسامح مع أديان أخرى من خالل تفسيرهم قوله جل وعال‪ :‬بسم اهلل الرحمن الرحيم‬ ‫للهَّ‬ ‫صالحِ ا ً َفلَ ُه ْم‬ ‫الصاب ِ ِئ َ‬ ‫اآلخرِ وَ َع ِم َل َ‬ ‫َّصارَى وَ َّ‬ ‫“إ َّن الَّ ِذي َن آ َمنُوا ْ وَالَّ ِذي َن َهادُوا ْ وَالن َ‬ ‫ني َم ْن آ َم َن بِا ِ وَالْ َي ْو ِم ِ‬ ‫أ َ ْج ُر ُه ْم ِعن َد رَب ِّ ِه ْم وَال َ خَ ْو ٌف َعلَ ْي ِه ْم وَال َ ُه ْم ي َ ْحزَنُو َن‪ )62( ”،‬البقرة؛ و “إ َّن الَّ ِذي َن آ َمنُوا ْ وَالَّ ِذي َن َهادُوا ْ‬ ‫ِ‬ ‫للهّ‬ ‫صالحِ ا ً َفالَ خَ ْو ٌف َعلَ ْي ِه ْم وَال َ ُه ْم ي َ ْحزَن ُو َن‪”،‬‬ ‫اآلخرِ و َع ِم َل َ‬ ‫والصابئون وَالن َ‬ ‫َّصارَى َم ْن آ َم َن بِا ِ وَالْ َي ْو ِم ِ‬ ‫للهَّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ين وَلَ ْم‬ ‫د‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫وك‬ ‫ل‬ ‫ت‬ ‫َا‬ ‫ق‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ذ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫اك‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫“ال‬ ‫بـ‬ ‫يتفكروا‬ ‫أن‬ ‫دون‬ ‫(‪ )69‬املائدة؛ من‬ ‫ْهَ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ ِ ِ َ ْ ُ ِ‬ ‫ِّ ِ‬ ‫َ‬ ‫للهَّ‬ ‫َ‬ ‫لمْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يُخْ رِ ُج ُ‬ ‫ني (‪ )8‬إِنمَّ َا يَنْهَ اك ُم‬ ‫ط َ‬ ‫ْس ِ‬ ‫ْسطوا إِل ْي ِه ْم إ ِ َّن ا يُ ِح ُّب ا ق ِ‬ ‫وكم ِّمن دِيَارِك ْم أن ت َ َب ُّرو ُه ْم وَتُق ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ين وَأخْ رَ ُج ُ‬ ‫اللهَّ ُ َع ِن الَّ ِذي َن َقاتَلُ ُ‬ ‫اج ُك ْم أن ت َ َولَّ ْو ُه ْم‬ ‫وكم ِّمن دِيَار ِ ُك ْم وَ َظا َه ُروا َعلَى إِخْ رَ ِ‬ ‫وك ْم ِفي ال ِّد ِ‬ ‫وَ َمن ي َ َت َولَّ ُه ْم َفأُوْلَ ِئ َك ُه ُم َّ‬ ‫الظالمِ ُو َن(‪ ”،)9‬املمتحنة‪.‬‬ ‫هكذا تصير تعاليم األديان‪ ،‬في أزمنة وحقب معينة‪ ،‬مادة ألغراض السياسة واحلاكم‪.‬‬ ‫مبعنى أن تفسير النص الديني يقع في خدمة أغراض سياسية بدال عن أن يكون جزء من‬ ‫منظومة تضبط السلوك اإلنساني‪ .‬وهذا ما عانته أديان كثيرة‪ ،‬السيما اإلسالم‪ .‬فاإلسالم‬ ‫وسنّة‪ ،‬ودان إلغاء اآلخر وإقصاءه‪ ،‬وما‬ ‫احلنيف‪ ،‬دين الرحمة والعدل اإلنساني‪ ،‬أكد التسامح نصا ُ‬ ‫قصة أصحاب األخدود في سورة البروج إال موقف واضح من إلغاء اآلخر وتسقيطه وقتله‪ .‬كما‬ ‫كان فهم اإلسالم للتعددية راقيا بوصفها مساواة بشرية‪ :‬ألم يعد البشر نظراء في اخللق؟‬

‫فالح حسن السوداني‬ ‫‪faleh67hassan@yahoo.com‬‬

‫‪11‬‬


‫رؤية‬

‫تواصل أفضل بين األديان السماوية‬ ‫الثالثة من أجل السالم‬ ‫عدم فهم تأثير المعتقد الديني يعني الفشل في فهم عالمنا الحديث‬ ‫المعتقد الديني ستكون له أهمية الفكر السياسي في القرن العشرين‬ ‫طوال حياتي في املناصب العامة راودتني حقيقة‬ ‫واحدة بقوة متنامية‪ :‬أال وهي أن عدم فهم قوة تأثير‬ ‫املعتقد الديني يعني الفشل في فهم عاملنا احلديث‪.‬‬ ‫لنستعرض احلقائق باختصار‪ :‬هنالك ما يربو على‬ ‫بليوني مسيحي في جميع أنحاء العالم‪ ،‬وحوالي‬ ‫بليون و‪ 500‬الف مسلم‪ ،‬وما يفوق ‪ 900‬مليون‬ ‫هندوسي‪ ،‬و‪ 400‬مليون بوذي‪ ،‬و‪ 24‬مليونا‬ ‫من السيخ‪ ،‬و‪ 16‬مليون يهودي‪ .‬وهذه األرقام‬ ‫ال تشمل أتباع املعتقدات الدينية األخرى‪،‬‬ ‫وهي أرقام متزايدة ّ‬ ‫باطراد في أغلب املناطق‪.‬‬ ‫وما برح أتباع الديانات املختلفة يتقربون من بعضهم‬ ‫البعض أكثر فأكثر‪ .‬وقد عاش املسيحيون واملسلمون‬ ‫واليهود في مناطق عديدة في الشرق األوسط إلى‬ ‫جانب بعضهم البعض طوال عقود من الزمن‪ .‬لكن‬ ‫هذا االختالط بني أتباع األديان بات اآلن ميثل جزءا‬ ‫من الواقع الدميوغرافي في مناطق أخرى عديدة من‬ ‫عاملنا اليوم‪ .‬ففي بريطانيا ميكن للمرء أن يشاهد‬ ‫في أي شارع من مئات شوارعها صورة مصغرة عن‬ ‫أديان العالم ال تفصلها عن بعضها البعض سوى‬ ‫أمتار قليلة‪.‬‬ ‫لقد أصبحنا في هذا العالم املتعولم بشكل متزايد‬ ‫أكثر ترابطا مع بعضنا البعض‪ ،‬لكننا كذلك في حالة‬ ‫ً‬ ‫حدودا‬ ‫أكبر من عدم اليقني‪ .‬فما كانت تعتبر سابقا‬ ‫واضحة املعالم لألصل العرقي والثقافة والهوية عادة‬ ‫ما تبدو اآلن عائمة املعالم‪ ،‬حيث أن االتصاالت‬ ‫‪12‬‬

‫يمكن أن يكون المعتقد الديني‬ ‫إما قوة سلبية تباعد ما بين الناس‬ ‫أو أنه يلعب دورا بنّاء من خالل‬ ‫التفاهم والحوار ما بين األديان‪،‬‬ ‫ويجمع الناس في تعايش سلمي‬ ‫اإللكترونية والهجرة وتدفق التجارة العاملية جميعها‬ ‫تعرضنا ألفكار مختلفة عما توارثناه‪ ،‬وتكشف‬ ‫ً‬ ‫أبدا من قبل‪.‬‬ ‫أمامنا تقاليد رمبا لم نصادفها‬ ‫وفي عالم كهذا يصبح دور املعتقد الديني أكثر أهمية‬ ‫من أي وقت مضى‪ ،‬حيث أنه إما يلعب دورا إيجابيا‬ ‫ويساعد في تعميق التفاهم ألجل الصالح العام‪،‬‬ ‫أو ميكن استغالله ليصبح وسيلة تكرس االختالف‬ ‫واالنشقاق وإغفال «اآلخرين» وعدم الثقة بهم‪.‬‬ ‫وبالتالي فإن املعتقد الديني ستكون له في القرن‬ ‫احلادي والعشرين نفس األهمية التي احتلها الفكر‬ ‫السياسي في القرن العشرين ـ بل أكثر من ذلك‪.‬‬ ‫ومن هذا املنطلق قمت بتأسيس جمعية األديان‬ ‫في بريطانيا بهدف التعاون مع اآلخرين من أتباع‬ ‫األديان العظيمة لتسخير كامل طاقاتهم لتكريس‬

‫قيمنا املشتركة وحتويل عاملنا ليصبح عاملا أفضل‬ ‫للجميع‪.‬‬ ‫لهذا السبب كذلك تشرفت جدا بدعوتي‬ ‫للمشاركة في احتفال إهداء املركز املعمداني اجلديد‬ ‫في املوقع املعمداني الرسمي في األردن ـ وهو حدث‬ ‫مبارك يقام في موقع ميتد تاريخه عميقا في الزمن‪.‬‬ ‫إنه املوقع الذي يعتقد بأن يوحنا املعمدان قام بتعميد‬ ‫السيد املسيح فيه‪ ،‬وسيكون مفتوحا أمام جميع‬ ‫الطوائف املسيحية التي تتبع تقاليد العماد‪.‬‬ ‫إن هذا املوقع وهذا املركز يعكسان سخاء امللك‬ ‫عبدالله الثاني والعائلة املالكة في االردن‪ .‬وهما‪،‬‬ ‫بكل روعتهما‪ ،‬مجرد مثال على التزام العائلة الدائم‬ ‫ببناء عالقات أفضل بن أديان العالم‪ .‬كما يبرهن‬ ‫املركز كيف ميكن لبلد غالبية ابنائه من املسلمني‬


‫أن يحترم األديان األخرى ويسمح لها بحرية العبادة من دون أن ينتقص ذلك شيئ ًا‬ ‫من وحدته‪ .‬بل على العكس أنا واثق أن ذلك يعزز وحدته‪ ،‬حيث أنه ميثل االنفتاح‬ ‫والتسامح والقبول باآلخرين‪ ،‬وهو متاما ما يدعو إليه القرآن الكرمي‪.‬‬ ‫إن فكرة حتويل املوقع املعمداني إلى مقر عاملي يقصده احلجاج املسيحيون هي‬ ‫وتنم عن أفق واسع‪ :‬مهمة ألنها تقر مبكانة الدين املسيحي في تاريخ‬ ‫فكرة مهمة جدا ّ‬ ‫ً‬ ‫الشرق األوسط‪ ،‬وهي مهمة كذلك ألن فيها إدراكا بأن هذه املنطقة كانت موطن‬ ‫األديان السماوية الثالثة طوال قرون من الزمن‪ .‬إنها منطقة كانت في القسم األكبر‬ ‫من ذلك التاريخ موقعا للعالقات بني األديان‪ ،‬ليس مبجرد احلديث عنها‪ ،‬بل كذلك‬ ‫معايشتها يوما بعد يوم‪ :‬على األرض وفي الشوارع وفي األسواق وفي العالقات‬ ‫اليومية بني اجليران‪.‬‬ ‫بالطبع كانت وما زالت هنالك أوقات يسودها التوتر واالضطرابات‪ .‬ففي تلك األوقات‬ ‫من الطبيعي أن مييل املرء إلى رؤية العالم عبر عيون دينه أو أصله العرقي أو ثقافته وتقاليده‪.‬‬ ‫قرأت مؤخرا كتاب الكاتب اللبناني أمني معلوف «احلروب الصليبية بعيون العرب»‪،‬‬ ‫وهو تصحيح رائع لبعض أحداث التاريخ التي بدت مغايرة متاما ملا تعلمته في طفولتي‪.‬‬ ‫لكن يبينّ التاريخ أن أتباع الديانات الثالث قد وجدوا سبال في أغلب األزمنة‬ ‫للتعايش مع بعضهم البعض محققني مصاحلهم املتبادلة وازدهارهم املشترك‪.‬‬ ‫إننا بحاجة ألن نعود إلى تلك األيام ونبني على ذلك التاريخ ألجل صالح منطقة‬ ‫الشرق األوسط وكذلك‪ ،‬وبالنظر إلى قيمتها الرمزية‪ ،‬ألجل صالح العالم بأسره‪ .‬وهذا‬ ‫هو أحد األسباب التي دعتني أنا وجمعية األديان التي أسستها للتعاون مع جمعية‬ ‫التعايش وجامعة كامبريدج من أجل تأسيس «دار إبراهيم» لتكون ملتقى ألتباع‬ ‫األديان الثالثة‪ ،‬وميكن من خاللها استكشاف وإثراء اجلذور والقيم املشتركة لهذه‬ ‫األديان‪.‬‬ ‫أكن احتراما كبيرا ملبادرة العالم الواحد التي أطلقتها مؤسسة «آل البيت»‬ ‫إنني ّ‬ ‫امللكية للفكر اإلسالمي منذ عامني‪ .‬وقد أصدر حتالف الكنائس اإلجنيلية مؤخرا ردا‬ ‫يحمل الكثير من املراعاة ملشاعر املسلمني استجابة لتلك الدعوة لالنخراط في حوار‬ ‫أوسع بني اإلسالم واملسيحية‪ .‬وتشير كل من الدعوة األصلية والرد عليها إلى أمر‬ ‫احلب املزدوج‪« ،‬أن نحب الله ونحب جيراننا»‪ ،‬الذي يعتبر أرضية مشتركة ممكنة‬ ‫للحوار بني هذين الدينني العظيمني‪.‬‬ ‫أعتقد بأننا إذا حملنا تلك الفكرة في بالنا‪ ،‬وإذا غرسنا عملنا وحوارنا في ذلك‬ ‫االعتقاد‪ ،‬فإن محاوالتنا جتاه حتقيق احترام أعمق وتفاهم أكمل ما بني األديان ‪ -‬وهي‬ ‫محاوالت إنسانية ليست على درجة من الكمال ـ ال ميكن أن تواجه الفشل‪ ،‬بل إنها‬ ‫لن تفشل أبدا‪.‬‬ ‫إن أحد أهداف العوملة هي أنها تق ّرب الناس من بعضهم البعض‪ .‬وفي مثل هذه‬ ‫الظروف ميكن أن يكون املعتقد الديني إما قوة سلبية تباعد ما بني الناس ـ مبعنى أن‬ ‫الدين يصبح وسيلة إلغفال فهم اآلخرين ـ أو أنه يلعب دورا بنّاء من خالل التفاهم‬ ‫واحلوار ما بني األديان‪ ،‬ويجمع الناس في تعايش سلمي‪ .‬أعتقد أن الفهم األفضل‬ ‫لألديان األساسية يعتبر واحدا من أهم املساهمات الفردية التي ميكننا تقدميها ألجل‬ ‫السالم‪ .‬واآلن فقط بدأنا نفهم مدى أهمية فهم األديان بالنسبة الى مستقبلنا‪.‬‬ ‫واجب علينا أن ننجح‪ .‬إذ أن تعاون األديان العظيمة مع بعضها البعض في‬ ‫سياق تفاهم مشترك ألجل حتسني الصالح العام ميكنه أن يساهم أكبر مساهمة في‬ ‫القرن املمتد أمامنا‪ .‬ومن خالل تعاون هذه األديان مع بعضها البعض ميكن جعل القرن‬ ‫احلادي والعشرين أكثر ثراء بالنفس والطموح‪ ،‬وأكثر تركيزا على العدل االجتماعي‪،‬‬ ‫وأكثر حساسية للضمائر ولتحسني أحوال اجلميع‪.‬‬ ‫توني بلير ـ رئيس الوزراء البريطاني السابق‬ ‫صحيفة «احلياة»‬

‫الحق اإلنساني‬ ‫شرع اهلل تعالى لالنسان احلقوق التي من شأنها حتقيق‬ ‫سعادته وحفظ مصاحله‪ ،‬فكان القرآن الكرمي هو األسبق في تقرير‬ ‫حقوق اإلنسان التي تتغنى بها حضارات اليوم‪ ،‬واألشمل جلميع‬ ‫أنواع احلقوق واألكثر عدالة واحتراما لإلنسان‪ ،‬ومن احلقوق التي‬ ‫نص عليها القرآن الكرمي حق احلياة واملساواة واحلرية وامللكية‬ ‫والتعليم والعمل واألمن وحقوق األسرة والضمان والتكافل‬ ‫االجتماعي‪ .‬وتكاملت الصيغة النهائية لدستور حقوق اإلنسان‬ ‫بنزول الدساتير اإللهية التي أولت تلك احلقوق اهتماما عظيما‬ ‫انطالقا من مبدأ تكرمي اإلنسان خليفة اهلل في األرض إلنسانيته‬ ‫احلقة التي ال تتكامل إال بعد أن حتق له احلقوق املوجبة إلنسانيته‬ ‫ولفطرته البشرية‪ ،‬فحقه في احلياة وفي حرية التفكير والتعبير‬ ‫من مصاديق اإلكرام له وطلب املساواة والسالم وعدم االعتداء‬ ‫وحب الفضيلة وازدراء كل ما من شأنه التقليل من كرامته حق‬ ‫مشروع له مكفول مبا شرعه اهلل وتعالى له ويجب أن تكفله له‬ ‫أيضا القوانني الوضعية ولنتوسع في حق احلرية املكفولة ضمن‬ ‫حقوقه اإلنسانية نظرا ملا به احلرية هي في جوانب التفكير‬ ‫والتعبير واحلوار التي تربط مع بعضها ارتباطا وثيقا ألنها تتبع‬ ‫من مصدر واحد هو العقل البشري جوهر اإلنسان املميز‪ .‬اإلسالم‬ ‫يقر بأن من العدل تأتي احلقوق‪ ،‬وتضمن سائر املقررات واحلريات‬ ‫املشرعة لبني اإلنسان‪ ،‬وإذا ما اغتصبت حقوق اإلنسان الطبيعية‬ ‫وصودرت حرياته‪ ،‬فإن ذلك يعني تفشي الظلم والطغيان وما‬ ‫يترتب على ذلك‪ ،‬من اضطهاد ومعاناة ألبناء الشعوب واألمم‪ ،‬سواء‬ ‫من املسلمني أو غيرهم‪ ،‬وكل ذلك يعني اإلخالل بالسلوك والنظام‬ ‫اإلنساني وتغييب العدل‪.‬‬ ‫إن جميع احلقوق تستقى من حرية اإلنسان‪ ،‬وتصبح مضمونة‬ ‫بتنفيذ الواجبات والتكاليف في االجتماع والسياسة‪ ،‬واجملتمع‬ ‫السليم والسعيد هو الذي تكون فيه احلريات واحلقوق مكفولة‪.‬‬ ‫لقد دعا اإلسالم منذ بزوغ فجره إلى صيانة حقوق اإلنسان ورفع‬ ‫شعارها في جميع اجملاالت‪ ،‬كما انه دعا الى حرية التفكير‪ ،‬ولم يلغ‬ ‫الطاقات العقلية التي وهبها اهلل لالنسان‪ ،‬فهو يقر اقرارا صريحا‬ ‫وواضحا بحرية الفكر وانطالق النفس من كل خرافة ووهم‪ ،‬ودعا‬ ‫بقوة الى نبذ ما كان عليه السلف اجلاهلي من ضالالت وتقاليد‬ ‫وهمية جائرة وسياسات ذات نزعة تسلطية‪ ،‬فهو قرر العبودية هلل‬ ‫وحده‪ ،‬وهي التحرر الواقعي من اخلضوع للغير‪.‬‬ ‫غير ان بعض املتأسلمني لالسف حولوا معاني الرحمة والرأفة‬ ‫والسالم التي يكررها النص القرآني وراحوا يؤولونها مبا تخدم‬ ‫مصاحلهم اجلشعة وتسيء الى االسالم‪.‬‬

‫محمد صادق عبود‬

‫صحيفة “الصباح” البغدادية‬ ‫‪13‬‬


‫ورشة عمل‬

‫شبكة العمل اإلسالمية اآلسيوية‪:‬‬

‫إعادة اكتشاف رسالة اإلسالم االجتماعية‬ ‫اإلسالم يرمز للمساواة واألخوة ليس في المساجد‪ ،‬بل في المجتمع‬ ‫يجب علينا وضع حلم العدالة االجتماعية بصورة عملية موضع التنفيذ‬ ‫يرمز اإلسالم مبفهومه الصحيح للمساواة واألخوة‪،‬‬ ‫ليس فقط في املساجد‪ ،‬بل كذلك خارج نطاق‬ ‫املجتمع اإلسالمي كما يرى محمد عبد الصبور‪،‬‬ ‫السكرتير العام لشبكة العمل اإلسالمية اآلسيوية‬ ‫في بانكوك‪ .‬يوغي سيكاند التقاه في تايالند‬ ‫وحتدث إليه حول الرؤية االنسانية لإلسالم‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫رجل يستحق احملبة وهو أصيل وطني رائع ـ‬ ‫هكذا ميكن وصف محمد عبد الصبور البالغ من‬ ‫عاما؛ رجل يحمل رسالة‪ .‬وهو‬ ‫العمر خمسة وخمسني ً‬ ‫مؤسس شبكة العمل اإلسالمية اآلسيوية التي ت َتّخذ‬ ‫من بانكوك مق ًرا لها ويعتبر سكرتيرها العام‪ .‬ونشطاء‬ ‫هذه الشبكة يناضلون من أجل العدالة االجتماعية‬ ‫واحلوار بني األديان‪ .‬واالسم املختصر لشبكة العمل‬ ‫اإلسالمية اآلسيوية هو «أمان» ‪ AMAN‬الذي‬ ‫يعني «السالم» باللغة العربية وبالعديد من اللغات‬ ‫املشابهة‪ .‬وقد التقيت مبحمد عبد الصبور في مكتبه‬ ‫البسيط في ضاحية من ضواخي بانكوك‪.‬‬

‫الباكستاني قام بحرق وقتل الكثيرين منهم»‪ .‬‬ ‫«وهذا العمل جعله يقيم ا ِتّصاالت مع‬ ‫صندوق التنمية الثقافية اآلسيوية ‪ACFD‬‬

‫خواص القيم الدينية في آسيا‪ ‬‬

‫ولد محمد عبد الصبور في قرية تقع في املنطقة‬ ‫التي كانت تعرف في السابق باسم شرق باكستان‬ ‫ويطلق عليها في يومنا هذا اسم بنغالديش‪ .‬وبدأ‬ ‫املدمرة التي أ َّدت إلى تأسيس هذه الدولة‬ ‫بعد احلرب ِّ‬ ‫اجلديدة العمل لصالح جمعة غير حكومية تستقر‬ ‫هناك‪ .‬ويقول محمد عبد الصبور‪« :‬كنت أعمل قبل‬ ‫ِّ‬ ‫كل شيء من أجل العائالت الهندوسية في سيلهيت‬ ‫‪ Syhlet‬الواقعة في شمال بنغالديش‪ ،‬هذه‬ ‫العائالت التي تض َّررت كثي ًرا ج َّراء احلرب‪ .‬فاجليش‬ ‫‪14‬‬

‫اإلسالم يضمن حقوق‬ ‫اإلنسان ِّ‬ ‫لكل الناس وليس‬ ‫فقط للمسلمين‪ .‬وهو يعلِّمنا‬ ‫احترام اآلخرين‪ .‬ويجب علينا‬ ‫إعادة النظر في الكثير من‬ ‫مبادئ إيماننا القديمة‬

‫الذي يعتبر شبكة من النشطاء واملتع ِّلمني اآلسيويني‬ ‫ذوي خلفيات دينية مختلفة‪ ،‬كانوا يبحثون عن‬ ‫حلول آسيوية خاصة من أجل مشكالت آسيا التي‬ ‫أيضا خاصة من نوعها ّ‬ ‫تعتبر ً‬ ‫وكل ذلك بإلهام من‬ ‫القيم الدينية اآلسيوية الطبيعية‪ .‬وفي عام ‪1979‬‬ ‫مت انتخاب محمد عبد الصبور في مجلس رئاسة‬ ‫صندوق التنمية الثقافية اآلسيوية وكان حتى ذلك‬ ‫أصغر أعضاء هذه الشبكة‪ .‬وهاجر إلى بانكوك‪،‬‬ ‫حيث بقي يقيم فيها حتى يومنا هذا‪ .‬‬ ‫ِّ‬ ‫متذك ًرا‪« :‬أثناء ِّ‬ ‫كل تلك‬ ‫يقول محمد صادق‬ ‫األعوام التي كنت أعمل فيها لصالح صندوق‬ ‫التنمية الثقافية اآلسيوية كنت أعجب مرا ًرا وتكرا ًرا‬ ‫بكيفية عمل املسيحيني والبوذيني والهندوسيني على‬ ‫جبهات مختلفة متام االختالف وأل َّنهم ال يفعلون‬


‫ذلك فقط بإلهام من تص ّوراتهم الدينية‪ ،‬بل أل َّنهم‬ ‫ِّ‬ ‫جيد‪ .‬وكانوا يناضلون من‬ ‫ينظمون عملهم بشكل ِّ‬ ‫أجل التضامن ضمن طوائفهم ومن أجل حقوق املرأة‬ ‫ويعارضون َّ‬ ‫كل أشكال التمييز والقمع على املستوين‬ ‫احمللي والدولي»‪.‬‬ ‫أسير الروتين اإلقطاعي‪ ‬‬

‫وثم يتابع قائ ًال‪« :‬ولكن في الوقت نفسه‬ ‫اكتشفت بدهشة مدى تخ ّلف املسلمني من هذه‬ ‫َّ‬ ‫ومنظمات البر‬ ‫الناحية؛ إذ توجد لديهم جمعيات‬ ‫واإلحسان اخلاصة بهم من أجل جمع املال للمساجد‬ ‫ِّ‬ ‫يشكل‬ ‫واملدارس‪ .‬ولكن على الرغم من أ َّن هذا‬ ‫بطبيعة احلال واجبات ضرورية‪ ،‬إ َّال أ َّنه ال يكفي من‬ ‫ناحية أخرى من أجل معاجلة املسائل االجتماعية‬ ‫امللحة»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ويضيف‪« :‬كنت أعرف الكثير من املنظمات‬ ‫واجلمعيات اإلسالمية التي كانت‬ ‫تتحدث عن‬ ‫َّ‬ ‫العدالة‪ ،‬بيد أ َّن ذلك كان يحدث في أغلب احلاالت‬ ‫بصيغة كتب أو محاضرات‪ .‬وتع َّرفت من خالل العمل‬ ‫املشترك مع نشطاء اجتماعيني مسيحيني وبوذيني‬ ‫وهندوسيني على أ َّنه كان يجب علينا بدورنا نحن‬ ‫املسلمني بذل جهود عملية؛ كان يجب علينا وضع حلم‬ ‫العدالة االجتماعية بصورة عملية موضع التنفيذ»‪ .‬‬ ‫بدأ محمد عبد الصبور في عام ‪ 1990‬احلديث مع‬ ‫العديد املتع ِّلمني املسلمني في العديد من البلدان‬ ‫اآلسيوية من أجل فعل ذلك‪ .‬واجتمعت مجموعة‬ ‫صغيرة منهم من الهند وباكستان وبنغالديش‬ ‫وتايالند في شهر أيلول‪/‬سبتمبر من العام نفسه‬ ‫في شيانغ ماي ‪ Chiang Mai‬في شمال تايالند‬ ‫وهكذا مت تأسيس أمان‪ ،‬شبكة العمل اإلسالمية‬ ‫اآلسيوية‪ .‬ومت تعيني الفقيه اإلسالمي املشهور‬ ‫أصغر علي إجنينير ‪Asghar Ali Engineer‬‬ ‫من مومباي رئي ًسا للشبكة ومت انتخاب محمد عبد‬ ‫عاما لها‪ .‬وحسب قول عبد الصبور‬ ‫الصبور سكرتي ًرا ً‬ ‫فإ َّن هدف الشبكة «في األساس هو إيصال األفكار‬ ‫اإلسالمية إلى الشباب املسلم»‪ .‬‬ ‫«الفهم الصحيح لإلسالم»‪ ‬‬

‫كثي ًرا ما جتعل اإلمكانيات املالية احملدودة‬ ‫املتو ِّفرة لدى هذه الشبكة من عملها مغامرة متعبة‪.‬‬ ‫ومحمد عبد الصبور يرى أ َّنه من الضروري إشراك‬ ‫علماء املدارس اإلسالمية في العمل وبشكل أقوى‬ ‫ً‬ ‫نظرا إلى التأثير‬ ‫بكثير مما مت حتى اآلن‪ ،‬وذلك‬ ‫الكبير الذي ميارسه هؤالء العلماء التقليديون على‬ ‫الكثير من أبناء الطوائف اإلسالمية‪ .‬‬ ‫ويقول محمد عبد الصبور‪« :‬املدارس اإلسالمية‬

‫ضرورية وهذا أمر واضح َّ‬ ‫كل الوضوح‪ ،‬لكن الطلبة‬ ‫يحتاجون إلى إطالعهم بشكل أكثر شمو ًال على‬ ‫عدد كبير من املسائل الراهنة‪ ،‬وهنا يكمن النقص‬ ‫لدى الكثيرين»‪ .‬‬ ‫ّ‬ ‫ويضيف‪« :‬إ َّن الفهم الصحيح لإلسالم يع ِلمنا‬ ‫هذا بشكل ال ميكن إساءة فهمه‪ .‬فاإلسالم يرمز‬ ‫للمساواة واألخوة ليس فقط في املساجد‪ ،‬بل كذلك‬ ‫في املجتمع‪ .‬ولكن تتم ممارسته في يومنا هذا على‬ ‫هذا النحو في حاالت نادرة جدً ا‪ .‬واإلسالم يضمن‬ ‫حقوق اإلنسان ِّ‬ ‫لكل الناس وليس فقط للمسلمني‪.‬‬ ‫وهو يع ِّلمنا احترام اآلخرين‪ .‬ويجب علينا إعادة‬ ‫النظر في الكثير من مبادئ إمياننا القدمية‪ ،‬من‬ ‫أجل إعادة اكتشاف ما أعتبره جوهر رسالة اإلسالم‬ ‫االجتماعية»‪.‬‬

‫يجب علينا االستمرار في‬ ‫ضد ِّ‬ ‫كل أشكال‬ ‫رفع أصواتنا ّ‬ ‫ضد األمية والتمييز‬ ‫االضطهاد‪ّ ،‬‬ ‫في مجتمعاتنا‪ .‬وال ّبد على‬ ‫المستوى العالمي من االستمرار‬ ‫في مقاومة اإلرهاب والحرب‬

‫«يجب أن يسير العلم والعمل يدا بيد»‪ ‬‬

‫وفي هذا الصدد تبرز ضرورة التعاون الوثيق مع‬ ‫العلماء املسلمني التقليديني‪ ،‬وذلك أل َّن الكثيرين‬ ‫منهم ما يزالون يخطئون في تقدير رسالة القرآن‬ ‫السمحة‪ ،‬حسب تعبير محمد عبد الصبور‪ .‬فإذا فهم‬ ‫فهما‬ ‫صحيحا فسيجد أ َّن األمر يتع َّلق‬ ‫ً‬ ‫املرء القرآن ً‬ ‫فيه ً‬ ‫أيضا بحقوق املرأة واحملتاجني واملضطهدين‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى حقوق معتنقي الديانات األخرى‪ .‬‬ ‫ومحمد عبد الصبور مقتنع بأ َّنه «يجب أن تسير‬ ‫األبحاث والنشاطات والعلم والعمل يدً ا بيد‪ ،‬حتى‬ ‫حتدث بإعجاب عن خطط‬ ‫يكونوا ف َّعالني»‪ .‬وثم َّ‬ ‫شبكة العمل اإلسالمية اآلسيوية‪ ،‬أمان بالتعاون مع‬ ‫جامعة إندونيسية للبدء بعد فترة قريبة مبنح درجات‬ ‫املاجستير في تخصص الدراسات السلمية‪ .‬‬ ‫ويتم متويل اجلزء األكبر من نشاطات شبكة‬ ‫العمل اإلسالمية اآلسيوية‪ ،‬أمان من قبل جمعيات‬ ‫َّ‬ ‫ومنظمات غير حكومية غربية معظمها مسيحية‬ ‫وكذلك من قبل مؤسسة بوذية ت َتّخذ من اليابان‬

‫مق ًرا لها؛ وكذلك يتم دعم مجلة أمان مبعونات مالية‬ ‫تقدمها َّ‬ ‫منظمة أكشن آيد ‪ .Action Aid‬وعلى‬ ‫ِّ‬ ‫الرغم من أ َّن محمد عبد الصبور حاول إيجاد مصادر‬ ‫متويل جديدة من خالل مخاطبته العديد من محبي‬ ‫َّ‬ ‫واملنظمات املسلمة‬ ‫اإلنسانية املسلمني واجلمعيات‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫يقدموا املساعدة‪ ،‬إال أ َّنه كان حتى‬ ‫الذين ميكن أن ِّ‬ ‫اآلن قليل النجاح‪ .‬‬ ‫ويقول متأ ّ ِس ًفا إلى حدّ ما‪« :‬ميكن أن يتب َّرع‬ ‫الكثيرون منهم بأموال من أجل املساجد واملدارس‬ ‫أو من أجل دعم مللهم ونحلهم وتص ّوراتهم عن‬ ‫اإلسالم‪ ،‬ولكن ليس من أجل هذا النوع من املساعدة‬ ‫العملية»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وثم ِ‬ ‫«ربا ال يكونوا على‬ ‫يفكر بصوت مرتفع‪ :‬مَّ‬ ‫علم بأ َّن هناك شيئًا كهذا» عن إسهامه في تشجيع‬ ‫التسامح مع األديان األخرى «أنا ال أستطيع تص ّور‬ ‫أي من الشيوخ الو َهّابيني الذين يرصدون دوالراتهم‬ ‫النفطية ملبادرات ِّ‬ ‫حتفز اإلمبريالية الغربية والعقيدة‬ ‫اإلسالمية السلفية‬ ‫املتشددة أو التط ّرف؛ وكذلك ال‬ ‫ِّ‬ ‫أستطيع تص ّور كيف يبذلون جهودً ا من أجل حقوق‬ ‫املرأة واملعمورة أو التضامن بني املسلمني ومعتنقي‬ ‫الديانات األخرى‪ .‬وهذه هي على وجه التحديد‬ ‫األهداف التي ك َّرست شبكة العمل اإلسالمية‬ ‫اآلسيوية‪ ،‬أمان نفسها من أجل حتقيقها»‪ .‬‬ ‫«يجب علينا االستمرار في محاولة كسب‬ ‫َّ‬ ‫املنظمات اإلسالمية واملسلمني األثرياء إلى جانبنا‪.‬‬ ‫ورمبا يكون البعض يريدون بالفعل املساعدة ولك َنّهم ال‬ ‫يعرفون كيف يتو َّفقون في فعل ذلك»‪ ،‬على حدّ قول‬ ‫محمد عبد الصبور الذي يتابع قائ ًال‪« :‬وباإلضافة‬ ‫إلى ذلك يجب علينا االستمرار في رفع أصواتنا‬ ‫ضدّ ِّ‬ ‫كل أشكال االضطهاد‪ ،‬ضدّ األمية والتمييز‬ ‫في مجتمعاتنا‪ .‬وال بدّ على املستوى العاملي من‬ ‫االستمرار في مقاومة اإلرهاب واحلرب‪ِّ ،‬‬ ‫بكل الصور‬ ‫اإلسالمية وعلى املستويني احمللي والدولي‪ .‬وعند‬ ‫ذلك فقط نستطيع إسماع آرائنا ومطالبنا»‪ .‬‬ ‫وثم أضاف عندما عاد إلى السؤال عن املتب ِّرعني‬ ‫قائ ًال‪« :‬نحن ال نستطيع إقامة عالقات باألموال‪.‬‬ ‫أشخاصا بسطاء أصيلني ويعملون‬ ‫ونحن نحتاج‬ ‫ً‬ ‫بحماس وبدوافعهم اخلاصة‪ ،‬ويتم َتّعون بقدر حسن‬ ‫من االستعداد للتضحية وال يقدمون على فعل شيء‬ ‫إ َّال عندما يتقاضون أجره»‪ .‬وقال لي مضي ًفا عندما‬ ‫يحدد‬ ‫أردت النهوض‪« :‬وهذا هو بطبيعة احلال ما ِّ‬ ‫التد ّين»‪ .‬‬

‫يوغي سيكاند‬

‫ترجمة‪ :‬رائد الباش ـ عن «‪»Quntara‬‬ ‫‪15‬‬


‫قضايا‬

‫الدين والتواصل مع ادوات العصر‬ ‫اإلسالم في اعتداله وتسامحه يبعد عن المجتمع شرور التطرف‬ ‫المطلوب تربية الفرد ليتعرف على حقوقه ويؤدي واجباته‬ ‫يجب االعتراف بأهمية الدين في حياة الفرد‬ ‫واملجتمع والشعوب‪ ،‬فهو القيم واملبادئ والعبادات‬ ‫والطريق القومي لكسب احلياة في الدنيا واآلخرة‪ ،‬كما‬ ‫يجب أيض ًا أال ننكر أهمية الدين كمنهج وسلوك‬ ‫واختبار في الدنيا وعالقة فردية مع الله لضمان‬ ‫مرضاته ورجاء رحمته للوصول إلى الصراط املستقيم‬ ‫ومن ثم دخول اجلنة‪ ،‬ومن املهم كذلك التأكيد على‬ ‫أن الدنيا دار ممر في حني أن اآلخرة دار مقر‪ ،‬أي أن‬ ‫الدنيا طريق لآلخرة‪.‬‬ ‫البد من التأكيد على أن الدين ال ميكن تهميشه‬ ‫ألنه جزء متغلغل في نفوس وقلوب البشر بشكل‬ ‫عام‪ ،‬حتى بعض منكري هذه احلقيقة‪ ،‬يعودون بعد‬ ‫فترة من التأمل إلى رحاب الدين لهدأة النفس‬ ‫وطمأنة القلب بهذا اإلميان بالدين كعنصر إيجابي‬ ‫في التعامل مع مجريات احلياة اليومية للناس‪.‬‬ ‫الشعوب بحاجة إلى الدين ال تقل في أي حال‬ ‫من األحوال عن احلاجات املعاشية من مأوى وبنية‬ ‫حتتية تشمل توافر املياه والكهرباء والصرف الصحي‬ ‫والطرق والنقل‪...‬إلخ‪ ،‬ودخل مناسب‪ ،‬والشعور‬ ‫باألمن واألمان واالستقرار‪ ،‬وتعليم وصحة وخدمات‬ ‫وتوثيق وتأمني‪ ،‬ومن ثم ممارسة حقهم في احلياة‬ ‫واحلريات بأنواعها‪ ،‬ثم عليهم واجبات جتاه أسرهم‬ ‫ومجتمعاتهم ودولهم‪ ،‬كل هذا يدفع الدول‪ ،‬حكومات‬ ‫ومحكومني‪ ،‬إلى العمل لتحقيق ذلك كله‪.‬‬ ‫فإذا ما متت ترجمة كل ما سبق إلى واقع معيش‪،‬‬ ‫ً‬ ‫واقتصادا‬ ‫فسنجد أن األمر ال يخرج عن كونه سياسة‬ ‫ً‬ ‫ونظرا‬ ‫وجتارة وثقافة وشؤون ًا اجتماعية وأمن ًا ودفاع ًا‪.‬‬ ‫‪16‬‬

‫إلى أن الدول ال حتيا وحدها في هذا الكون فإن‬ ‫التعامل بينها أمر حتمي تفرضه ظروف احلياة‬ ‫مبجاالتها املختلفة‪ ،‬ويقول احلق سبحانه وتعالى‪:‬‬ ‫ّاس إ َّنا َخ َل ْقنَا ُك ْم ِّم ْن َذ َك ٍر ُوأ ْن َثى َو َج َع ْلنَا ُك ْم‬ ‫« َيا أ ُّي َها ال َن ُ‬ ‫َ‬ ‫ُش ُعوب ًا َو َق َبا ِئ َل ِل َت َعار ُفوا إ َّن ْأك َر َم ُك ْم ِعندَ ال َّل ِه أ ْت َقا ُك ْم‬ ‫ِإ َّن ال َّل َه َع ِلي ٌم َخبِي ٌر» (سورة احلجرات‪.)13 :‬‬ ‫لذلك تتبنى الدول املسؤولة عن شعوبها‬ ‫استراتيجــيات وسياسات وبرامج متنوعة‪ ،‬وفي‬ ‫كــافة مناحي احلياة‪ ،‬إلدارة العمـــل بالــــدولة‬ ‫داخلــــي ًا وخارجي ًا‪ ،‬ومن هنا جند أن هناك تواص ًال‬ ‫وتكام ًال واضح ًا بني هذا العمل ومتطلبات الدين‬ ‫الذي ال تنفصل تعاليمه‪ ،‬وبالذات اإلسالم‪ ،‬عن‬ ‫شؤون احلياة في كل مجاالتها‪ ،‬ألن اإلسالم في‬ ‫اعتداله وتسامحه يبعد عن املجتمع شرور التطرف‬ ‫ألنه دين الله وهو مصداق لقوله تعالى‪« :‬إن الدين‬

‫البد من التأكيد على أن‬ ‫الدين ال يمكن تهميشه ألنه‬ ‫جزء متغلغل في نفوس‬ ‫وقلوب البشر بشكل عام‪ ،‬حتى‬ ‫بعض منكري هذه الحقيقة‪،‬‬ ‫يعودون بعد فترة من التأمل‬ ‫إلى رحاب الدين لهدأة النفس‬ ‫وطمأنة القلب‬

‫عند الله اإلسالم»‪ ..‬اآلية‪.‬‬ ‫فالدين له وظيفة سامية ولديه القدرة على إضفاء‬ ‫صبغة املبادئ األخالقية واإلنسانية على مجاالت‬ ‫احلياة املختلفة من سياسة واقتصاد واجتماع‬ ‫وغيرها‪ ،‬فمن هذا املنطلق ال ميكن أن يصبح مطية‬ ‫لتحقيق أهداف سياسية كما هو معروف في عالم‬ ‫امليكافيللية‪ .‬أي مبعنى أن يتحول الدين من غاية‬ ‫سامية إلى وسيلة دنيوية‪ ،‬بل إن الدين في معانيه‬ ‫الرفيعة ميكن أن يكون عامل دفع التخاذ سياسات‬ ‫ً‬ ‫بعيدا‬ ‫ترفع من شأن املجتمعات التي حتترم األديان‬ ‫عن مؤثرات البشر الشخصية‪ .‬وليس هناك أي‬ ‫تعارض بني الدين كعقيدة وممارسة حياتية لدى‬ ‫الشعوب قاطبة وبني االعتماد على أدوات العصر‬ ‫وظروفه وبيئته التي تتيح للشعوب احلياة الكرمية‬ ‫والرفاهية االجتماعية‪ ،‬ويتلخص ذلك في اآلتي‪:‬‬ ‫* نصوص لتنظيم العالقات الدولية‪ ،‬ومواثيق‬ ‫ومعاهدات دولية وعاملية وافقت عليها معظم‬ ‫الشعوب منذ عصبة األمم وحتى اآلن‪ ،‬تكفلها‬ ‫منظمات دولية من املفروض أن تضمن االستقرار‬ ‫واألمن العامليني دون حتيز أو الكيل بأكثر من‬ ‫مكيال‪ ،‬ألن في الدين كذلك من املبادئ التي تذم‬ ‫هذا السلوك املتناقض‪.‬‬ ‫* مواثيق ومبادئ اتفقت عليها وتبنتها كل‬ ‫دولة وفق ظروفها‪ ،‬لتنظم عالقاتها اخلارجية مبا‬ ‫يسمح لها بتحقيق مصاحلها االقتصادية والتجارية‪،‬‬ ‫وفق ما يفرضه السوق العاملي من قيود وما يسمح‬ ‫به من حرية حركة‪.‬‬


‫* أصبحت احلكومات هي املمثل الشرعي للدول‪،‬‬ ‫ومن ثم تتحمل عبء إدارة الدولة‪ ،‬لذلك فإن تشكيلة‬ ‫احلكومات انعكاس طبيعي ملوزاييك تركيبة املجتمع‪ ،‬وهي‬ ‫عادة تركيبة مختلفة عرقي ًا وديني ًا ومذهبي ًا‪ ،‬وتتصرف في‬ ‫إطار املصلحة العليا للوطن واملواطن‪.‬‬ ‫* إن احلكم وإدارة الدولة يخضعان لقوى السوق‬ ‫اإلقليمية والدولية وفق صور تأخذ أشكا ًال مختلفة من‬ ‫تعاون أو منافسة أو صراع أو حتالف أو تهديد أو حرب‪.‬‬ ‫* العالم اليوم عبارة عن مبنى سكني واحد‪ ،‬نتيجة‬ ‫للتطورات في االتصاالت وشبكات املعلومات ووسائل‬ ‫اإلعالم‪ ،‬والدول تقطن في طوابق مختلفة‪ ،‬فاملتطور منها‬ ‫في الطوابق العليا يحلق في سماء التقدم التكنولوجي‬ ‫واالقتصادي والعسكري‪ ،‬و«النامي» منها يقطن الطوابق‬ ‫املقامة حتت األرض في تلوث بيئي وصراع داخلي وتفكك‬ ‫وانهيار للدولة‪ ،‬وما بينهما يحاول البقاء على قيد احلياة‬ ‫إما بادعاء التنمية أو محاولة النجاة من األزمات الدولية‬ ‫التي تضرب اقتصاده ونظامه املالي‪ ،‬وليس األمس‬ ‫ببعيد‪.‬‬ ‫* االعتماد املتبادل بني الدول املختلفة اليوم‪ ،‬يفرض‬ ‫عليها التعاون والتنسيق ملواجهة التحديات والتهديدات‪.‬‬ ‫* إن الدول وهي تتلمس طريقها لتوفير احلاجات‬ ‫األساسية لشعوبها‪ ،‬وتتجه نحو حتقيق التنمية الشاملة‪،‬‬ ‫تتعامل وفق متطلبات من ميلك هذه احلاجات‪ ،‬خاصة أن‬ ‫الدولة ال متلك كل أدوات التقدم وال تستطيع أن تصنع كل‬ ‫شيء‪ ،‬ومن ثم تعيش مبعزل عن بقية العالم‪.‬‬ ‫* التحديات والتهديدات واملخاطر التي تواجه الدولة‬ ‫في عالم اليوم يصعب التعامل معها بصورة فردية بل‬ ‫حتتاج إلى جهد جماعي‪.‬‬ ‫من املمكن أن نسترسل في توصيف واقع العصر الذي‬ ‫نعيش فيه‪ ،‬وفي هذه احلالة سنحتاج الستعراض النظريات‬ ‫السياسية واالجتماعية واالقتصادية التي تربط بني شعوب‬ ‫األرض وتصوغ طبيعة عمل املنظومة الدولية بر َّمتها‪ ،‬ولكن‬ ‫األهم من ذلك كله هو ضرورة التعرف على مسؤولية الدين‬ ‫والعقيدة الدينية في هذه املسألة‪.‬‬ ‫فرأس املال البشري هو عماد األمم‪ ،‬وهو املسؤول األول‬ ‫عن نهضتها وتنميتها وحمايتها والدفاع عن مصاحلها‪،‬‬ ‫لذلك فإن املطلوب تربية الفرد ليتعرف على حقوقه ويؤدي‬ ‫واجباته ويتعامل مع غيره مبا ميليه عليه دينه وعقيدته من‬ ‫رحمة وتسامح وود ومبادئ وقيم سامية لضمان مجتمع آمن‬ ‫ومستقر‪ ،‬وهو األمر الذي تقره جميع األديان السماوية‪.‬‬

‫د‪ .‬طارق سيف‬ ‫صحيفة “االحتاد”‬

‫التعددية الدينية بين النص والواقع‬ ‫شهد التاريخ القدمي منه واحلديث صراعات دموية ومآسي إنسانية‪ ،‬ناجتة في‬ ‫معظمها عن اعتبار « اآلخر « اخملتلف عقائديا ومذهبيا‪ ،‬مستباح الدم ومشروعا للقتل‬ ‫والتعذيب والنفي‪ ...‬وال يزال الواقع املعاصر يجر خلفه هذه الرواسب التاريخية الثقيلة‪،‬‬ ‫رغم تطوير الفكر اإلنساني احلديث ملفاهيم العيش املشترك واالعتراف بحقوق اإلنسان‪،‬‬ ‫واإلميان بالتعددية الفكرية والثقافية والدينية‪...‬هذه األخيرة ال تزال تشكل بؤرة التوترات‬ ‫والصراعات ومصدرا ألفكار التطرف واإلرهاب‪ ،‬التي يتردد صداها اليوم في أعمال تفجيرية‬ ‫وممارسات قتل جماعي هنا وهناك‪.‬‬ ‫إن اإلنسان ال ميكنه القيام مبثل هاته اجلرائم في حق «اآلخر» ما لم يتمثل ذلك في‬ ‫ذهنه (العقل الباطن) الذي يتشكل مبا يتربى عليه من قيم ومفاهيم وتصورات ورؤى‬ ‫وأفكار ‪....‬فالفكر الذي يتشكل ضمن ثقافة مانوية أنوية‪ ،‬تعلي من الذات وحتتقر الغير‪،‬‬ ‫وتعتبر احلقيقة معها فقط دون اآلخرين‪ .‬ال شك أنه سيكون فكرا متطرفا ومتعصبا‬ ‫وعنيفا‪ ،‬يتحول بفعل املمارسة إلى سلوك ثم إلى عادة‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن اهتمامنا ينبغي أن‬ ‫يصوب نحو العقول لتخليصها مما «برمجت» عليه من أفكار وتصورات جتاه النفس واحلياة‬ ‫و»اآلخر»‪ ،‬والعمل على توسيع آفاق تصوراتها ورؤاها وأفكارها‪...‬‬ ‫وهو ما فعله النص القرآني قبل ‪ 14‬قرنا‪ ،‬حني قرر بداية أن االختالف طبيعة بشرية «وَلَ ْو‬ ‫َ‬ ‫َه ْم» ‪ ،‬بل‬ ‫ني إِلاَّ َم ْن ر َ ِح َم رَبُّ َك وَلِ َذلِ َك خَ لَق ُ‬ ‫اح َد ًة وَلاَ يَزَالُو َن ُمخْ َتلِ ِف َ‬ ‫شا َء رَبُّ َك لجَ َ َع َل الن َ‬ ‫َّاس أ ُ َّم ًة وَ ِ‬ ‫ذكر أن اختالف األلسنة و األلوان آية من آيات اهلل‪ ،‬واالختالف في اللسان ـ اللغة ـ تعبير‬ ‫عن اختالف الثقافة ككل‪ ،‬واإلميان باالختالف يستلزم اإلميان باحلرية واالنفتاح‪ ،‬إذ كلها‬ ‫مفاهيم تتجاور معانيها وتتقارب لتؤثت مفهوم التعددية كما هو متداول اليوم‪.‬‬ ‫وتتجلى أهمية الطرح القرآني ملوضوع االختالف واحلرية‪ ،‬عندما يقرر أقصى مراتب‬ ‫التحرر اإلنساني‪ ،‬ممثال في اعتبار الكفر واإلميان مشيئة اختيارية لإلنسان « َف َم ْن َ‬ ‫شا َء‬ ‫َفلْ ُي ْؤ ِم ْن وَ َم ْن َ‬ ‫شا َء َفلْ َي ْك ُفرْ»‪ .‬وأن مهمة األنبياء هي تبليغ الرسالة للناس فقط وليس‬ ‫إجبارهم على اعتناقها ‪ ،‬ولذلك اعترف القرآن بوجود أديان رغم حكمه ببطالنها « لكم‬ ‫دينكم ولي دين»‪ ،‬إذ األديان متساوية في حق الوجود ‪ ،‬وألصحابها احلق في الدعوة ملا‬ ‫يعتقدون في حرية‪ ،‬والناس أحرار في اختيار ما يأخذون وما يدعون ‪.‬‬ ‫وغني عن البيان‪ ،‬أن هذا الذي جاء به القرآن هو نفسه ما جاء في اإلجنيل والتوراة‪ .‬غير‬ ‫أن التاريخ املسيحي يشهد كيف قامت احلروب الصليبية ضد مبادئ اإلجنيل القائمة على‬ ‫احملبة والسالم‪ ،‬وكيف حرف اليهود نصوصهم األصلية خلدمة معتقداتهم وعلى رأسها‬ ‫عقيدة الشعب اخملتار‪...‬ولم يسلم التاريخ اإلسالمي بدوره في تفاعله مع الواقع من هذا‬ ‫الداء‪ ،‬فقد أنشأ املسلمون نصوصا مقوضة ملبادئ احلرية والتعددية‪ ،‬حني نسبوا للرسول‬ ‫الكرمي مقولة ( من بدل دينه فاضربوا عنقه) وهي مقولة ال تصح إطالقا‪ ،‬كونها ال تتوافق‬ ‫مع أصل الرسالة التي جاء بها عليه الصالة والسالم‪ ،‬وال ميكن لرسول اهلل أن يناقض‬ ‫الوحي اإللهي الذي أقر حرية االعتقاد من جهة‪ ،‬ولم يرتب على املرتد عقوبة دنيوية من‬ ‫جهة أخرى‪.‬‬ ‫واملثير لالنتباه‪ ،‬أن التراجع عن األفق اإلنساني لنصوص الرساالت السماوية ليس أمرا‬ ‫خاصا بهذه النصوص املقدسة فحسب‪ ،‬بل هي ظاهرة يسجلها اإلنسان اليوم حتى ضد‬ ‫النصوص القانونية احلقوقية التي أنتجها مبحض إرادته‪.‬‬ ‫في كل األمثلة املشار إليها سابقا‪ ،‬كانت السياسة تتدخل لتحريف املبادئ اإلنسانية‬ ‫عن مساراتها األخالقية‪ .‬لذلك فاجملتمع املدني مطالب بأخذ دوره‪ ،‬خاصة على املستوى‬ ‫الدولي‪ ،‬وذلك ببذل جهد أكبر لتفعيل دور املؤسسات احلقوقية الدولية في صون حقوق‬ ‫الناس وضمان حرياتهم‪ ،‬واقتراح آليات وضوابط متكن من حفظ هاته املبادئ من العبث و‬ ‫الفساد‪.‬‬

‫عبد اللطيف طريب‬ ‫‪taribabd@yahoo.fr‬‬

‫‪17‬‬


‫فكر‬ ‫موقف الالمباالة لإلنسان العربي من ظاهرة منظمات المجتمع المدني‪:‬‬

‫التركيز على أولية الحرية‬

‫أهمية العامل الديني تبدو واضحة األثر والتأثير في الحاضر والماضي‬ ‫الحرية هي القيمة العليا في العقيدة اإلسالمية وال يعلو عليها أية قيمة‬ ‫حني أدعو إلى “إصالح فكري ثقافي ديني‬ ‫أو ًال” إمنا أفعل ذلك ً‬ ‫ردا على دعاة اإلصالح‬ ‫السياسي الذين يتجاهلون ـ لسبب أو آلخر ـ أهمية‬ ‫العامل الديني في تشكيل الثقافة العربية والوعي‬ ‫العربي‪ ،‬أهمية تبدو واضحة األثر والتأثير في‬ ‫احلاضر واملاضي‪ ،‬أهمية الينفع التجاهل في نفي‬ ‫وجودها‪ .‬فاإلصالحات يجب أن تسير ـ كما أرى‬ ‫ـ على نسق في وقت واحد مع ًا وليس على رتل‪.‬‬ ‫بعبارة أخرى اليجوز ـ بل الميكن عملي ًا ـ إخضاع‬ ‫اإلصالحات لقائمة أولويات‪.‬‬ ‫من هنا‪ ،‬يصبح واضح ًا متام ًا ما أعنيه بقولي‬ ‫إن الدين هو املُك ّو ُن األساسي في الثقافة العربية‪،‬‬ ‫وإن أي إصالح ثقافي في العالم العربي البد وأن‬ ‫مير عبر بوابة إصالح ديني‪ ،‬اعتدت أن أسميه في‬ ‫كتاباتي “إصالح ًا ديني ًا” ‪ ،‬يتم من خالل قراءة‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن‬ ‫األحكام والنصوص الدينية قراء ًة معاصر ًة‬ ‫التفاسير واالجتهادات التراثية‪.‬‬ ‫لقد حتالف ـ منذ القرن السابع امليالدي ـ‬ ‫هامانات املؤسسة الدينية مع فراعني املؤسسة‬ ‫السياسية على حتويل ما جرى من أحداث وما‬ ‫ساد من ثقافة وفقه في القرنني السابع والثامن‬ ‫إلى دين يقر االستبداد ويكرسه‪ ،‬ويربط طاعة‬ ‫احلاكم املستبد بطاعة الله والرسول‪ ،‬ويلزم الناس‬ ‫بطاعة “ولي األمر” وفق تعاليم تلبس أحيان ًا لباس‬ ‫احلديث النبوي (والندري هل هي أحاديث نبوية أم‬ ‫أموية؟!) وأحيان ًا أخرى لباس األحكام الفقهية‪.‬‬ ‫هذه الثقافة التراثية الفقهية بالذات – التي‬ ‫امتدت وتراكمت زهاء ثالثة عشر قرن ًا‪ً ،‬‬ ‫بدءا من‬ ‫‪18‬‬

‫معاوية وانتهاء بالسلطان عبد احلميد العثماني‬ ‫ً‬ ‫مرورا باألمويني والعباسيني والفاطميني واأليوبيني‬ ‫واملماليك والعثمانيني هي التي نعيشها ونعيش‬ ‫عليها اليوم ونحن نتاجها املباشر‪.‬‬ ‫وحني أطاح أتاتورك بنظام اخلالفة منذ قرن‬

‫المك ّو ُن األساسي‬ ‫الدين هو ُ‬ ‫في الثقافة العربية‪ ،‬وإن أي‬ ‫إصالح ثقافي في العالم‬ ‫العربي البد وأن يمر عبر‬ ‫بوابة إصالح ديني‪ ،‬يتم من‬ ‫خالل قراءة األحكام‬ ‫والنصوص الدينية قراء ًة‬ ‫معاصر ًة بعيدًا عن التفاسير‬ ‫واالجتهادات التراثية‬ ‫تقريب ًا‪ ،‬لم يكن ذلك غيرة على الدميوقراطية‬ ‫والعدل واملساواة التي ذبحها حكم الفرد املستبد‬ ‫باسم اخلالفة‪ ،‬فقد ذهبت اخلالفة كشكل‪ ،‬وبذهابها‬ ‫ذهب مفهوم شرعية االستبداد‪ ،‬وبقي مضمونها‬ ‫االستبدادي حي ًا في الفكر العربي واإلسالمي‬ ‫وبالتالي في األنظمة العربية كافة‪ ،‬فمصطلح‬ ‫املستبد العادل ما زال شائع ًا في الثقافة العربية‬

‫اإلسالمية‪ ،‬ومازالت األنظمة العربية إلى اآلن‬ ‫تعيش نقصان الشرعية وهذا ما جعل كثير من‬ ‫الناس إلى اآلن اليقاومون احلكم االستبدادي إذا‬ ‫مت حتت شعار مايسمى العدالة أو الوطنية‪ ،‬األمر‬ ‫ً‬ ‫عددا من الظواهر الميكن تفسيرها‬ ‫الذي يفسر لنا‬ ‫بدونه‪.‬‬ ‫إن مفهوم (كل شيء مكتوب سلفا)ً‬ ‫والتخريجات حول هذا املوضوع التي نسمعها‬ ‫دائم ًا هي التي حولت اإلنسان العربي املؤمن‬ ‫إلى آلـة فالعمر محدود والرزق مكتوب‪ .‬كذلك‬ ‫عدم وجود إحساس عميق وراسخ بقيمة احلرية في‬ ‫الوعي اجلمعي اإلنساني التراثي عامة والعربي‬ ‫واإلسالمي خاصة‪ ،‬هذه القيمة التي تبلورت‬ ‫جوانبها وأخذت معانيها على مختلف املرتسمات‬ ‫في العصور احلديثة‪ .‬أما تراثي ًا فقد اختلطت مع‬ ‫العدالة واملساواة‪ .‬فالثورة الفرنسية – كما أراها‬ ‫– حركة إصالح ضخمة تهدف في جوهرها إلى‬ ‫املساواة‪ ،‬ومثلها الثورة البلشفية في روسيا‪ ،‬حركة‬ ‫إصالح تهدف إلى العدالة‪.‬‬ ‫ظلت احلرية زمن ًا طوي ًال ال تعني في الفكر أكثر‬ ‫من نقيض للرق‪ ،‬فاحلر هو الذي اليباع ويشترى في‬ ‫أسواق النخاسة‪ .‬لكننا النشك ً‬ ‫أبدا في أن عمر بن‬ ‫اخلطاب‪ ،‬ثاني اخللفاء الراشدين‪ ،‬حني أطلق منذ‬ ‫أكثر من ثالثة عشر قرن ًا عبارته املشهورة «متى‬ ‫ً‬ ‫أحرارا»‪ ،‬كان‬ ‫استعبدمت الناس وقد ولدتهم أمهاتهم‬ ‫سابق ًا لعصره في استشفاف معنى العدالة واملساواة‬ ‫ضمن مصطلح احلرية‪ ،‬فهو لم يقصد استنكار‬ ‫استعباد الناس بالرق‪ ،‬بدليل أن نظام الرق كان‬


‫ً‬ ‫سائدا في عصره‪ ،‬ولم نسمع أنه فعل شيئ ًا كخليفة‬ ‫إللغائه‪.‬‬ ‫وبرغم ذلك بقي في التراث الفقهي اإلسالمي‬ ‫أن احلر هو نقيض الرق ال أكثر من ذلك‪ .‬وكانت‬ ‫موريتانيا (وهي دولة عربية إسالمية) هي آخر دولة‬ ‫في العالم ألغت الرق عام ‪ 1967‬بقرار سياسي‪ .‬ولعل‬ ‫انعدام الشعور لدى اإلنسان العربي بأنه يعيش في‬ ‫ظل أحكام عرفية تتجدد آلي ًا كلما انتهت مدتها‪،‬‬ ‫تزعم السلطات احلاكمة املستبدة أنها الزمة حلماية‬ ‫الناس من أخطار الصهيونية حين ًا‪ ،‬والشيوعية‬ ‫حين ًا‪ ،‬والعلمانية حين ًا‪ ،‬وطمس الهوية القومية حين ًا‬ ‫واحلضارة الغربية الفاسدة أحيان ًا أخرى‪ .‬وسبب قبول‬ ‫الناس وعدم شعورهم باألحكام العرفية والطوارئ‬ ‫هي القاعدة الفقهية (باب سد الذرائع) فاألحكام‬ ‫العرفية وحالة الطوارئ هي اجلانب السياسي لباب‬ ‫سد الذرائع‪.‬‬ ‫ً‬ ‫والسؤال اآلن هو‪ :‬كيف ميكن ـ بعيدا عن‬ ‫األطر املوروثة ـ استنباط مفاهيم مثل‪ :‬التعددية‪،‬‬ ‫احلقوق الدستورية‪ ،‬االنتخابات‪ ،‬التمثيل البرملاني‪،‬‬ ‫فصل السلطات‪ ،‬حقوق املرأة‪ ،‬املساواة وتكافؤ‬ ‫الفرص‪ ..‬وغيرها‪ ،‬من القرآن األصل‪ ،‬وزرعها في‬ ‫العقل العربي املسلم بد ًال من جذور رسختها قرون‬ ‫وقرون من االستبداد السياسي والديني والثقافي‬ ‫واملعرفي؟ مثل‪ :‬الكافر‪ ،‬املرتد‪ ،‬الزنديق؟‬ ‫ومن هنا يجد املتأمل املراقب الدارس نفسه أمام‬ ‫معان وتطبيقات إصالحية‪ ،‬تختلف واحدتها عن‬ ‫األخرى باختالف املنادين باإلصالح والداعني إليه‬ ‫أو الرافضني له‪ .‬أما أنا فأقول إن لإلسالم احلالي‬ ‫أربعة جوانب‪ :‬قيمي وشعائري وتشريعي وجانب‬ ‫رابع هو اجلانب السياسي وفيه تكمن املأساة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مجسدا باملثل العليا‬ ‫أما اجلانب القيمي ـ‬ ‫عموم ًا في التنزيل احلكيم وبالوصايا العشر‬ ‫خصوص ًا في سورة األنعام ‪153 ،152 ،151‬‬ ‫ـ فليس محل خالف‪ ،‬ألنها قيم يحترمها البوذي‬ ‫ويقدسها املسيحي بذات الدرجة التي يحترمها‬ ‫فيها املسلم ويقدسها‪.‬‬ ‫وأما اجلانب الشعائري ـ مبا فيه من صالة‬ ‫وصيام وزكاة وحج ـ فهو أيض ًا ليس محل خالف‪،‬‬ ‫إذ لكل ملة شعائرها التي تشبه في املضمون شعائر‬ ‫كل امللل األخرى وإن اختلفت في الشكل‪ .‬فاملسلم‬ ‫يصلي ويصوم‪ ،‬واملسيحي يصلي ويصوم‪ ،‬املسلم‬ ‫يزكي ويحج إلى الكعبة في مكة‪ ،‬والبوذي يتصدق‬ ‫وله مكان مقدس به يحج إليه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حصرا في اجلانبني‬ ‫تبقى اإلشكاالت قائمة‬ ‫التشريعي والسياسي‪ ،‬ليس بني األمة اإلسالمية‬ ‫واألمم األخرى وحسب‪ ،‬بل بني طوائف ومذاهب األمة‬

‫اإلسالمية ذاتها‪ .‬ففيهما يتجلى ـ تطبيق ًا وممارسة‬ ‫ـ االنحراف والتحريف في فهم التنزيل السماوي‬ ‫املوحى‪ ،‬وفيهما يتجسد الفقه التراثي كأداة من‬ ‫أدوات االستبداد الديني تدعم االستبداد السياسي‬ ‫وتبرره‪ ،‬وجتعل من هامانات املؤسسة الدينية حراس ًا‬ ‫على جسر العالقات بني اإلنسان وربه‪ ،‬وبينه وبني‬ ‫اآلخرين‪ ،‬المير أمر في االجتاهني إال بإذنهم‪ .‬أو‬ ‫كأداة بيد من ميارس العنف باسم االسالم معارض ًا‬ ‫رجال الدين والسياسة مع ًا‪ ،‬علم ًا أن كليهما يحمل‬ ‫نفس املرجعية‪ ،‬وكالهما انتقائي يختار من التراث‬ ‫ما يناسبه وما يؤيد موقفه‪.‬‬ ‫ثمة من يظن أن باإلمكان حتقيق إصالحات‬ ‫يتم فيها استبعاد العامل الديني‪ ،‬أو حتييده‪ ،‬كما‬ ‫حصل في الغرب‪ ،‬وأن باإلمكان إقناع الناس بأن‬ ‫حاجتهم إلى برملانات وتعددية حزبية وصحافة أكبر‬ ‫من حاجتهم إلى مجالس لإلفتاء‪ .‬لهؤالء أقول‪،‬‬ ‫إن الدين في املنطقة العربية واإلسالمية هو املكون‬ ‫األساسي للثقافة واحملرك األساسي للسلوك‪ .‬وال بد‬ ‫لتأصيل وترسيخ هذه املفاهيم من إصالح إبداعي‬ ‫ً‬ ‫جزءا منه‪ ،‬خاصة وأن‬ ‫ديني لتصبح هذه املفاهيم‬ ‫رسوخ الفقه التراثي التقليدي يقاوم ويعرقل أية‬ ‫محاولة لإلصالح والتصحيح‪.‬‬

‫كيف يمكن استنباط مفاهيم‬ ‫مثل‪ :‬التعددية‪ ،‬الحقوق‬ ‫الدستورية‪ ،‬االنتخابات‪ ،‬التمثيل‬ ‫البرلماني‪ ،‬فصل السلطات‪،‬‬ ‫حقوق المرأة‪ ،‬المساواة وتكافؤ‬ ‫الفرص‪ ،‬وزرعها في العقل‬ ‫العربي المسلم بدالً من جذور‬ ‫رسختها قرون وقرون من‬ ‫االستبداد السياسي والديني‬ ‫والثقافي والمعرفي؟‬ ‫في ضوء هذا كله أقول‪ :‬أعطني وعي ًا فكري ًا‬ ‫لدى الناس بأهمية احلرية والعدالة واملساواة‪،‬‬ ‫والتركيز على أولوية احلرية كما أرادها الله لهم‬ ‫في تنزيله احلكيم‪ ،‬وعي ًا رافض ًا ألوهام اجلبرية التي‬ ‫حتوله إلى دمية على مسرح عرائس‪ ،‬يقاتل في‬ ‫سبيل حرية اآلخرين ورفع الظلم عنهم‪ ،‬بغض النظر‬ ‫عن انتمائهم الديني والعرقي والسياسي‪ ،‬ولن‬ ‫تبقى في ضوء هذا الوعي إشكاالت تضطرك إلى‬

‫البحث عن إصالحات‪ .‬وستنقلب األطروحة التراثية‬ ‫السابقة إلى “حاكم يخاف من الرعية خير للرعية‬ ‫من حاكم تخافه‪”.‬‬ ‫وبالتالي فإني أرى أن مقدمة أي دستور يصدر‬ ‫في بلد عربي مسلم أن حتتوي مايلي‪ :‬‬ ‫احلرية هي القيمة العليا في العقيدة اإلسالمية‬ ‫وال يعلو عليها أية قيمة وهي كلمة الله التي سبقت‬ ‫ألهل األرض جميع ًا‪ ،‬وفيها تتجلى عبادية اإلنسان‬ ‫لله‪ ،‬العبودية اإلنسان لله‪ .‬فعبودية اإلنسان حتى‬ ‫لله غير مطلوبة أص ًال والكفاح بكل أنواعه في‬ ‫سبيل حرية االختيار حتى ولو كان املستبد مسلم ًا‬ ‫مؤمن ًا هو اجلهاد في سبيل الله‪ .‬ألنه إلعالء كلمة‬ ‫الله التي سبقت وهي حرية االختيار التي تتجلى في‬ ‫قوله تعالى (وما خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون)‬ ‫أي يطيعونه مبلء إرادتهم ويعصوه بحرية اختيارهم‪.‬‬ ‫واحلرية التُعرف إال بالطرف املقابل لها‪ ،‬فآدم ع َّبر‬ ‫عن حريته باملعصية ال بالطاعة‪ ،‬ولو أطاع مباشرة‬ ‫ملا عرفنا بأنه ميلك حرية االختيار‪.‬‬ ‫إن أحسن آلية توصل إليها املجتمع اإلنساني‬ ‫ملمارسة األمر باملعروف والنهي عن املنكر هي‬ ‫املعارضة ومنظمات املجتمع املدني وحرية التعبير‬ ‫السلمي والنشر واإلعالم ألن الدولة هي املؤسسة‬ ‫التي حتتاج ألن تُؤ َمر باملعروف وتُنهى عن املنكر‬ ‫حيث بيدها املال واجليش واألمن والقرارات‪.‬‬ ‫والعدالة كقيمة إنسانية تأتي بالدرجة الثانية‬ ‫بعد احلرية‪ .‬ألن األحرار يستطيعون أن يقيموا‬ ‫عدالة ‪ ،‬بينما املستع َبدين الذين الخيارات لديهم‬ ‫يحتاجون إلى العدالة‪ .‬واليوجد في مجتمع األحرار‬ ‫شيء اسمه اجلهاد في القلب‪ ،‬فمنظمات املجتمع‬ ‫املدني متارس األمر باملعروف والنهي عن املنكر‬ ‫باللسان والصحافة واملنظمات غير احلكومية‬ ‫وكل وسائل اإلعالم واالجتماعات والتظاهر وهي‬ ‫كلها وسائل سلمية‪ ،‬والدولة مبؤسساتها التشريعية‬ ‫والقضائية والتنفيذية متارس األمر باملعروف والنهي‬ ‫عن املنكر باليد‪ .‬وإذا أرادت الدولة أن متارس هذا‬ ‫بنفسها‪ ،‬فهذا يعني أنها ستوجد مؤسسة أمنية‬ ‫اسمها (األمر باملعروف والنهي عن املنكر)‪.‬‬ ‫املقال صيغة مختصرة حملاضرة ألقاها محمد‬ ‫شحرور في مؤمتر‪ :‬حقوق اإلنسان وجتديد اخلطاب‬ ‫الديني‪ ،‬كيف يستفيد العالم العربي من جتارب‬ ‫العالم اإلسالمي غير العربي؟‬ ‫تقسيم العالم إلى دار كفر ودار إسالم دون أن‬ ‫يدخل املستبد في خانة الكفر اساءة متعمدة للدين‬

‫د‪ .‬محمد شحرور‬ ‫‪19‬‬


‫فعاليات‬

‫تأسيس‬ ‫شبكة‬ ‫«مهارات‬ ‫النجاح‬ ‫في عالم‬ ‫متغير»‬ ‫للشرق‬ ‫االوسط‬ ‫تشكلت في بيروت خالل الورشة التي اقامها املنبر الدولي‬ ‫للحوار االسالمي للفترة ‪ 4‬ـ ‪ 8‬كانون الثاني (يناير) ‪ 2009‬شبكة عمل‬ ‫اجرائية من املعنيني بدورة (مهارات النجاح في عالم متغير) من اجل‬ ‫تطوير ونشر الدورة‪ .‬وقد خلص املشاركون التوصيات النهائية التي‬ ‫خرجت بها الورشة كالتالي‪:‬‬ ‫ •تضم الشبكة اداريني مختصني ومدربني ومنسقني‬ ‫ومساندين وميسرين ومساهمني في حتقيق اهداف الدورة‪.‬‬ ‫ •تسعى الشبكة الى توسيع نشاطها وتنمية نفسها‬ ‫ومواردها البشرية واملادية عبر متطوعني ومتبرعني‬ ‫ومستفيدين من الدورة‪.‬‬ ‫حددت الشبكة اهدافها مبا يلي‪:‬‬ ‫تكوين مدربني من خالل اقامة دورات ميدانية في املغرب واجلزائر‬ ‫وتونس ومصر والسودان والعراق ولبنان‪.‬‬ ‫بناء قدرات محلية لتبني وتنفيذ دورات محلية ودعم فرق‬ ‫متخصصة في اجلمعيات احمللية املتبنية للدورة‪.‬‬ ‫تشكيل فضاء وموقع الكتروني مشترك واعالم خاص للمعنيني‬ ‫بالدورة‪.‬‬ ‫‪20‬‬

‫مسؤولية املنبر الدولي للحوار االسالمي‬ ‫ •يتولى املنبر الدولي للحوار االسالمي سكرتارية عمل‬ ‫الشبكة ومتابعة االتصاالت لتنفيذ النشاطات واالستفادة‬ ‫من قدرات اعضائها‪.‬‬ ‫ •يلتزم املنبر مهمة السيطرة النوعية على املادة وتأهيل‬ ‫املدربني وتصديق شهادات خريجي الدورة‪.‬‬ ‫ •يسعى املنبر الى شراكات عمل مع مراكز وجمعيات‬ ‫محلية مناسبة القامة دورات وتأهيل مدربني وتشكيل فرق‬ ‫عمل مختصة بالدورة‪.‬‬ ‫ •يدعم املنبر جهود اعضاء الشبكة الرامية الى نشر الدورة‬ ‫وتاسيس مراكز تدريبية محلية ومراكز متخصصة ومواقع‬ ‫الكترونية‪.‬‬ ‫شارك في ورشة بيروت من الفترة ‪ 4‬ـ ‪ 2009/1/8‬ممثلون عن كل‬ ‫من‪ :‬املغرب ‪ /‬العراق ‪ /‬السودان ‪ /‬مصر‪ /‬تونس ‪ /‬لبنان ‪ /‬اجلزائر‬ ‫ادار الورشة فريق املنبر الدولي للحوار االسالمي من لندن‪.‬‬


‫فعاليات‬ ‫«مهارات النجاح في عالم‬ ‫متغير» في «اكاديمية‬ ‫الشرطة» في الخرطوم‬

‫معهد «اسالم المعرفة» يستضيف‬ ‫ورشة «مهارات النجاح في عالم متغير»‬ ‫في ودمدني والخرطوم بالسودان‬ ‫بالتعاون مع معهد اسالم املعرفة‬ ‫في السودان واملركز دراسة االسالم‬ ‫والدميقراطية ـ واشنطن‪ ،‬نظم املنبر‬ ‫الدولي للحوار االسالمي ورشتني‬ ‫تدريبيتني في كل من والية ود مدني‬ ‫واخلرطوم العاصمة في الفترة من ‪ 27‬ـ‬ ‫‪ 29‬كانون الثاني (يناير) ‪.2009‬‬ ‫شارك في كال الورشتني باحثون‬ ‫شباب وطلبة دراسات عليا ومسؤولون‬ ‫في منظمات اجملتمع املدني والوزارات‬ ‫احلكومية‪ .‬وتفاعل املشاركون مع‬ ‫الورشتني اللتني اعتمدتا اسلوب‬

‫املشاركة الفعالة والتواصل املباشر مع‬ ‫املشاركني‪.‬‬ ‫والقت فقرة «النسق القيمي‬ ‫القرآني» جتاوبا ً كبيرا ً من قبل املشاركني‬ ‫العتمادها مقاربة مختلفة للقران الكرمي‬ ‫وتفعيل اثره في حياة الفرد واجلماعة‪،‬‬ ‫كما تفاعل املشاركون مع اسلوب‬ ‫الورشة في طرح مفاهيم علمية‬ ‫عميقة لتغيير النفس واجملتمع من‬ ‫خالل معادالت ميسرة سهلة التطبيق‪،‬‬ ‫التي متيز منهج ومادة «مهارات النجاح‬ ‫في عالم متغير»‪.‬‬

‫كما استضافت «اكادميية الشرطة» في اخلرطوم فريق‬ ‫«مهارات النجاح في عالم متغير «ليومي ‪ 29‬ـ‪ 30‬كانون‬ ‫الثاني (يناير) ‪ ،2009‬وشارك في الورشة ضباط من الشرطة‬ ‫السودانية‪ ،‬تفاعلوا بشكل كبير مع الدورة واسهموا في‬ ‫جناحها املتميز باستجاباتهم للتمارين وتعليقاتهم على‬ ‫االفكار وتطبيقاتها العملية‪.‬‬ ‫وقد حققت الورشة الكثير من األهداف التي رسمتها‬ ‫وخططت لها‪ ،‬إذ كانت املساهمة من قبل املشاركني في‬ ‫احلوارات الدائرة داخل الورشة فعالة ومفيدة وصبت في‬ ‫مجرى الفهم احلقيقي لتعاليم االسالم وقيم القرآن الكرمي‬ ‫في تفاصيل احلياة اليومية لالنسان املسلم‪.‬‬

‫مهارات النجاح في عالم متغير‬ ‫للمرة األولى باللغة العربية‬ ‫نظم املنبر الدولي للحوار االسالمي ورشة عمل في العاصمة البريطانية‬ ‫لندن باللغة العربية حتت عنوان «مهارات النجاح في عالم متغير» وهي املرة‬ ‫األولى التي ينظم فيها املنبر ورشة بلغة الضاد‪ .‬شارك فيها عدد من أبناء‬ ‫اجلالية املسلمة في لندن من جنسيات مختلفة‪ ،‬إذ ساهم تنوع االنتماء‬ ‫للمشاركني بإغناء الورشة بنقاشات هادفة وفاعلة هدفت الى تعزيز قراءة‬ ‫علمية ملنهج ادارة النفس والذهن ورفع مستوى الكفاءة في العمل وحتفيز‬

‫الطاقات الكامنة لدى املسلم من أجل أداء أفضل على الصعيد العام واخلاص‪،‬‬ ‫من خالل منهج مدروس ومترابط‪ ،‬الى جانب عدد من التطبيقات العملية‪.‬‬ ‫وتناولت الورشة التي أقيمت في قاعة األبرار ما ميكن دعوته باملفاتيح‬ ‫األساسية ملعرفة الذات مع التشديد اخلاص حول املرجعية القيمية للقرآن‬ ‫الكرمي في السلوك الفردي واجلماعي ومركزية الوحي في املسار الديني‬ ‫للتجربة االنسانية‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫قراءة‬

‫في التسامح‬

‫مقاربة بين األديان والعقل الحديث‬ ‫الطريق الطويل الذي قطعه تاريخ التفسير التقليدي قاد إلى التزمت‬ ‫نحن بحاجة الى عقل يسعى الستكمال األبعاد الحقيقية للواقع‬ ‫يبدأ محمد اركون في بحث له حتت عنوان‪« :‬في‬ ‫التسامح‪ :‬مقاربة ُمقا َرنة بني األديان والعقل احلديث»‬ ‫بإيراد تعريفات املعاجم لهذين االصطالحني‪ .‬فـ «طبقا‬ ‫لقاموس ويبستر ‪ Webster‬تعني مفردة «تسامح‬ ‫تفهم أو تساهل إزاء معتقدات‬ ‫‪« »tolerance‬إبداء ّ‬ ‫أو ممارسات تختلف أو تتعارض مع معتقدات الذات‬ ‫أو ممارساتها‪ ،‬والقبول با َحليدَ ان عن معايير معينة»‪،‬‬ ‫فيما «إباحة التسامح ‪ »toleration‬تعني «سياسة‬ ‫تنتهجها حكومة ما تبيح مبوجبها ممارسة صيغ‬ ‫معتقدات دينية وعبادات غير معتمدة رسميا»‪ .‬أما‬ ‫قاموس ليتره ‪ Littré‬الفرنسي (القرن ‪ )19‬فيشير‬ ‫إلى األصل الفلسفي‪ ،‬لهذه التعابير‪ ،‬في وجوه تعارض‬ ‫آراء معينة مع آرائنا»‪.‬‬ ‫يالحظ اركون وجود «التعارض القدمي» بني‬ ‫مقامني‪ :‬أولهما املقام الذي يستخدم العقل املستنير‪،‬‬ ‫الذي يصفه بـ»أداة الدولة احلديثة»‪ ،‬ما دام إن «‬ ‫من بني ما تتسامح معه هو تنوع أشكال املعتقدات‬ ‫الدينية»‪.‬‬ ‫ويشير اركون إلى أن املعاجم التي سبقت انتصار‬ ‫التنوير‪ ،‬سياسي ًا وثقافي ًا‪ ،‬تبرز في تعريفها هذين‬ ‫االصطالحني وجود «عقيدة حقة» واحدة‪ ،‬راوحاها الله‬ ‫تعالى إلى نبي اصطفاه وتولت حمايتها من بعده‪ ،‬من‬ ‫غيرها املعتقدات األخرى والعقائد «الباطلة»‪ ،‬سلطات‬ ‫ومؤسسات دينية‪.‬‬ ‫أن التسامح والال تسامح كما يرى اركون «قضايا‬ ‫دائمة وعميقة حا ّلة في بنية مواقف العقل»‪ ،‬وتتمثل‬ ‫«برسم حدود العقل التنويري وجتاوز عقبة الظالمية‬ ‫اجلديدة‪ ،‬التي تتفشى اليوم حتت مسمى العودة إلى‬ ‫الدين»‪.‬‬ ‫«ما دام هناك عقل ما يرى نفسه سامي ًا‪ ،‬متسلحاً‬ ‫‪22‬‬

‫ترسيم مجال الال متسامح معه بوضوح‪ً ،‬‬ ‫وإذا يصعب‬ ‫إدراك كنه الال متسامح معه وغرضه ووظائفه‪ .‬بل ثمة‬ ‫صعوبة أخرى تنهض من جراء شيوع فلسفة ليبرالية‪،‬‬ ‫يفسرها أفراد على أنها حرية ال تعيقها مسؤوليات ما‪،‬‬ ‫تأتي باحلقوق كلها من دون أن تستدعي ما يقابلها من‬ ‫إلزامات شخصية أو مدنية‪ .‬فدميقراطية اليوم املتسامحة‬ ‫لم تو ِّلد نسبية واسعة االنتشار فحسب؛ بل سببت أيضا‬ ‫تفكك كامل ضروب القيم واملزايا األخالقية‪.‬‬ ‫عنف‪ ،‬ومقدس‪ ،‬وحقيقة‬

‫بيقينيات راسخة تستند إلى وحي الهي أو ميتافيزيقيا‬ ‫كالسيكية (أو باألحرى‪ ،‬يستند إلى اقترانهما مع‬ ‫بعضيهما)‪ ،‬يسهل تعريف حدود التسامح‪ ،‬وحصر‬ ‫منطقة الال متسامح معه فيه‪ .‬فحسب ما ترى الفلسفة‬ ‫الوسيطة والالهوت‪ ،‬فان العبودية لم يكن متسامح‬ ‫معها ‪ tolerable‬وحسب‪ ،‬بل معترف بها قانون ًا‪.‬‬ ‫فالنساء‪ ،‬واألطفال‪ ،‬والكفرة‪ ،‬واألجانب‪ ،‬كانوا في‬ ‫املرتبة الدنيا‪ ،‬وال ينتفعون من كامل الوضع القانوني‬ ‫املمنوح للذكر‪ ،‬والبالغ‪ ،‬واملؤمن العاقل‪ ،‬وهو ما‬ ‫يقابل أوضاعهم‪ .‬إال أن العقل احلديث عدّ ل احلدود‬ ‫بني املتسامح معه ‪ tolerable‬والال متسامح معه‬ ‫‪ .intolerable‬وعلى أية حال‪ ،‬لم تشمل تعريفاته‬ ‫اجلديدة النساء‪ ،‬واألطفال‪ ،‬واألجانب‪ ،‬واملؤمنني من‬ ‫خارج حظيرة الكنيسة الكاثوليكية‪ .‬ودفعت احلروب‬ ‫الدينية‪ ،‬التي اندلعت بني الكاثوليك والبروتستانت‪،‬‬ ‫جمهرة من الفالسفة إلى صياغة مفهوم جديد للتسامح‬ ‫‪ .tolerance‬ولم تُد َخل الشعوب املُستَع َمرة في هذه‬ ‫األخالقيات اجلديدة إال بعد احلرب العاملية الثانية‪.‬‬ ‫فالواقع إن العنصرية ظلت محددا يجمع السياسات في‬ ‫بلدان الغرب حتى يومنا هذا‪ .‬كل هذا يجعل من الصعب‬

‫«كان القصد من وراء املالحظات التي طرحناها‬ ‫حتى اآلن اإلعداد لنقد أكثر جذرية ألفكار التسامح‬ ‫‪ tolerance‬وإباحة التسامح ‪ toleration‬من خالل‬ ‫حتليل انثروبولوجي للمفاهيم الثالثة التي تعرضنا لها‬ ‫في ما سبق‪ .‬وسنرى هنا كيف أن القوى املترابطة في‬ ‫ما بينها‪ ،‬والتمثيالت احمليطة بهذه املفاهيم الثالثة‬ ‫تشتغل في مستويات متباينة في الفعاليات اإلنسانية‬ ‫واملؤسسات جميعها‪ .‬ففي هذا املنظور‪ ،‬يظهر التسامح‬ ‫‪ tolerance‬وإباحة التسامح ‪ toleration‬على‬ ‫أنهما محاوالت أخالقية لتخفيف اآلثار الكارثية‬ ‫الناجمة عن العنف‪ ،‬ويفهمان بوصفهما أداة ضرورية‬ ‫وشرعية ومقدسة‪ ،‬من اجل حماية‪ ،‬ورمبا توسيع احلقيقة‬ ‫املقدسة املتسامية ـ أو باال حرى‪ ،‬املعلمنة ـ التي تنادي‬ ‫بها جماعة‪ ،‬أو مجتمع‪ ،‬أو امة ما‪ .‬ثمة مثاالن مهمان‬ ‫سيكفيان إليضاح هذه األطروحة االنثروبولوجية‪ :‬اآلية‬ ‫‪ 5‬من سورة التوبة‪ ،‬واآلية ‪ 256‬من سورة البقرة‪ ،‬من‬ ‫القرآن‪ .‬فكثيرا ما تُذكر هذه اآليات بغرض «تبيان»‬ ‫كيف أن القرآن دعا إلى التسامح الديني قبل زمن‬ ‫طويل من ظهوره في التاريخ احلديث‪.‬‬ ‫ونورد في ما يأتي اآليات املعنية‪ ،‬وبحسب‬


‫التسلسل املذكور‪:‬‬ ‫«فإِذا ان َس َل َخ َ‬ ‫ني َح ْي ُ‬ ‫األ ْش ُه ُر الحْ ُ ُر ُم َفا ْق ُت ُلو ْا المْ ُ ْشر ِ​ِك َ‬ ‫ث‬ ‫َو َج مُّ‬ ‫ص ُره ُْم َوا ْق ُعدُ و ْا لَ ُه ْم ُك َّل َم ْر َصٍد َفإِن‬ ‫دتُوه ُْم َو ُخ ُذه ُْم َو ْاح ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الصال َة وآ َت ُوا ال َّزكا َة فخلوا َسبِيل ُه ْم ِإ َّن الل َه‬ ‫تَا ُبو ْا َوأقا ُموا َّ‬ ‫َغ ُفو ٌر َّر ِحي ٌم»‪ ،‬التوبة (‪.)5‬‬ ‫« َال ِإ ْك َرا َه ِفي الدِّ يِنِ َقد ّت َبينَّ َ ال ُّر ْشدُ ِم َن ا ْل َغ ّي َف َم ْن‬ ‫َي ْك ُف ْر بِا َّل ُ‬ ‫ت َو ُيؤ ِْمن ب ِ‬ ‫طاغو ِ‬ ‫ِالله َف َق ِد ا َْستَم َس َك بِا ْل َُع ْر َو ِة‬ ‫ا ْل ُوث َقى َال ِ‬ ‫صا َم لَ َها َوالل ُه َس ِمي ٌع َع ِلي ٌم»‪ ،‬البقرة‬ ‫انف َ‬ ‫(‪.)256‬‬ ‫«تتوافر ثالث قراءات ممكنة‪ ،‬متعارضة متدافعة‪،‬‬ ‫تنطبق على مواقف العقل الثالثة املذكورة في‬ ‫أعاله‪ :‬املوقف الديني‪ ،‬التقليدي أو األرثوذكسي‪،‬‬ ‫الذي يب ّينه ويل ّقنه العقل الديني؛ واملوقف الوضعي‬ ‫التاريخي الواقعي‪ ،‬وهو نتاج عقلية متنورة تستنكر‬ ‫الرؤية «الدوغمائية‪ ،‬املضادة للنزعة اإلنسانية‬ ‫‪ ،antihumanist‬الظالمية»‪ ،‬املنتمية «للذهنية‬ ‫الوحشية‪ ،‬أو البائدة‪ ،‬أو البدائية أو الهمجية»؛‬ ‫والتأويل التاريخي‪ ،‬االنثروبولوجي‪ ،‬السيميائي‪،‬‬ ‫اللساني‪ ،‬النفساني‪ ،‬الذي يحبذه العقل الصاعد‪.‬‬ ‫فمثل هكذا عقل يسعى إلى استكمال أبعاد حقيقة‬ ‫معقدة بعثرها العقل الوضعي‪ ،‬التاريخي ـ وهي أبعاد‬ ‫يتعذر التفكير فيها ‪ ،unthinkable‬وتبقى غير‬ ‫َّ‬ ‫مفكر فيها ‪ unthought‬من جانب العقل الديني‪.‬‬ ‫وهذه األبعاد هي‪ :‬املعرفة األسطورية‪ ،‬الدمج الطقسي‬ ‫وترميز احلقيقة‪ ،‬والشرعنة السياسية للسلطة القائمة‬ ‫من خالل عنف مقدَّ س ومقدِّ س‪.‬‬ ‫«من منظور التفسير التقليدي‪ ،‬اآلية ‪ 5‬من سورة‬ ‫التوبة‪ ،‬يشار إليها على أنها «آية السيف»‪ .‬ففي حني‬ ‫أن سورة التوبة هي األخيرة حسب التسلسل التاريخي‪،‬‬ ‫ُيع َت َقد أن اآلية ‪ 5‬تلغي اثر سور كثيرة سابقة عليها‬ ‫أكثر تساهال‪ ،‬بخاصة جتاه «أهل الكتاب»‪ ،‬الذين‬ ‫أعطوا مقاما متدنيا في اآلية ‪ 29‬من السورة نفسها‬ ‫ِالله َو َال بِا ْل َي ْو ِم ِ‬ ‫ين َال ُيؤ ِْمنُو َن ب ِ‬ ‫اآلخ ِر َو َال‬ ‫« َقا ِت ُلو ْا ا َّل ِذ َ‬ ‫ين الحْ َقِّ ِم َن‬ ‫ُي َح ِّر ُمو َن َما َح َّر َم الل ُه َو َر ُسو ُل ُه َو َال َي ِدينُو َن ِد َ‬ ‫ب َح ّتّى ُي ْع ُطو ْا الجْ ِ ْز َي َة َعن َي ٍد َوه ُْم‬ ‫ذين ْأوتُو ْا ا ْل ِكتَا َ‬ ‫ا َّل َ‬ ‫َص ِ‬ ‫اغر ُونَ»‪ .‬وطبقا للفهم الالهوتي األرثوذكسي للخطاب‬ ‫القرآني‪ ،‬بوصفه التمثيل املوثوق والكالمي لإلرادة‬ ‫اإللهية وتعاليمها‪ ،‬فان األوامر امللموسة‪ ،‬الدقيقة‪،‬‬ ‫التي تعطيها اآلية ليست موضع سؤال‪ .‬إنها تتطبق‬ ‫ً‬ ‫معيارا شرعي ًا ملزم ًا‪.‬‬ ‫ببساطة في املجتمع بوصفها‬ ‫قسم الفقهاء األرض املسكونة إلى‬ ‫وعلى هذا األساس ّ‬ ‫«دار اإلسالم» و«دار احلرب»‪ .‬و ُق ِّسم البشر أيضا إلى‬ ‫فئات تراتبية‪ .‬وكان املؤمنون (املسلمون التقليديون)‬ ‫وصنِّف أهل الكتاب (وهم‪ ،‬بصفة رئيسة‪،‬‬ ‫على رأسهم‪ُ .‬‬ ‫اليهود واملسيحيون) على أنهم حتت حمايتهم (بذمتهم‪،‬‬ ‫أهل الذمة)‪ .‬ويتعارض مع كال هاتني الفئتني «الكفرة»‬ ‫او( املشركون) الذين ينبغي معاملتهم على وفق ما‬

‫جاءت به اآلية اخلامسة‪ .‬وكما اشرنا في ما سبق‪،‬‬ ‫فاملؤمنون أنفسهم‪ ،‬حتت الشرع اإلسالمي‪ُ ،‬يق َسمون‬ ‫إلى راشدين‪ ،‬ذكور مسؤولني وأحرارا؛ ونساء وأطفال؛‬ ‫وأخيرا‪ ،‬عبيد‪ ،‬ومن بينهم ذكور‪ ،‬وإناث وأطفال‪ .‬ومييل‬ ‫التفسير التقليدي إلى عزو بعض تفاصيل هذه اآلية‬ ‫إلى ممارسات كانت رائجة لدى العرب على عهد النبي‪،‬‬ ‫على سبيل املثال ما يسمح في احلرب‪ ،‬ومن بينها‬ ‫أشكال الهجمات املمكنة كلها والقبض على األعداء‬ ‫في غير الشهور ا ُحل ُرم‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فان هذه اإلحالة إلى‬ ‫الزمن الكرونولوجي‪ّ ،‬‬ ‫اخلطي‪ ،‬للتاريخ األرضي ال يؤثر‬ ‫في قبول اآلية قيد املناقشة بوصفها جزءا كامال من‬ ‫كالم الله املوحى‪ ،‬النازل من السماء (التنزيل)‪.‬‬ ‫«بوسعنا تتبع الطريق الطويل الذي قطعه تاريخ‬

‫من اجل التشديد على البعد‬ ‫الديني للنقاش وإخفاء القضايا‬ ‫السياسية واالجتماعية والثقافية‬ ‫في هذه المسالة على أنها‬ ‫استسالم غير مشروط‬

‫التفسير التقليدي الذي قاد إلى النسق املتزمت من‬ ‫املعتقدات واملنكرات التي ندعوها باإلسالم‪ .‬إال آن‬ ‫لآلية اخلامسة بعدان اثنان متمفصالن بقوة في اخلطاب‬ ‫القرآني نفسه‪ ،‬ووسعها كثيرا ومنهجها شيوخ التأويل‬ ‫عبر توالي األزمان‪ ،‬وحتت ضغط احلاجات االجتماعية‬ ‫املتغيرة والضغوطات السياسية‪ .‬فالبعد األول أمر‬ ‫صارم باستخدام العنف املادي ضد الوثنيني‪ ،‬الذين‬ ‫كانوا يرتبطون مع جماعة املؤمنني مبعاهدة‪ .‬وقد ّ‬ ‫فك‬ ‫الله هذه املعاهدة ورسولهُ‪ .‬أما ال ُبعد الثاني‪ ،‬فهو اجلزء‬ ‫األقصر الذي يكرر الدعوة باستمرار «حتى يعودوا إلى‬ ‫الله ورسوله ويعطوا اجلزية»‪ .‬ويفهم اخلصوم هذه الدعوة‬ ‫دع ْون «الوثنيون» من اجل التشديد على البعد‬ ‫(و ُي َ‬ ‫الديني للنقاش وإخفاء القضايا السياسية واالجتماعية‬ ‫والثقافية في هذه املسالة) على أنها استسالم غير‬ ‫مشروط‪ .‬أما ممانعتهم فينبغي حتليلها وتأويلها في‬ ‫السياق االنثروبولوجي اخلاص بسيادة التماسك القبلي‬ ‫(العصبية)‪ .‬إذ ُي ِ‬ ‫دخل اخلطاب القرآني معيارا جديدا‬ ‫روحيا باإلطالق لتقييم الصواب واخلطأ‪ ،‬وهما عنصرا‬ ‫احلق والباطل في الصراعات الالحقة التي اندلعت بني‬ ‫عائالت املشايخ املنافسة‪ ،‬والقبائل والعشائر‪ .‬وهذه‬

‫األقسام االجتماعية مسماة بأسمائها‪ ،‬إال أن دائما ما‬ ‫يرافق ذكرها حتذير بـ» لزم اجلماعة التي لن تتفرق»‪.‬‬ ‫ووضع هذا املعيار اجلديد بالغيا‪ ،‬و ُبني دالليا‪ ،‬وتعزز‬ ‫ُ‬ ‫س أسطوريا‪ ،‬وجتدر سياسيا‬ ‫روحيا‪ ،‬و ُد ِم َج طقسيا‪ ،‬وأ َّس َ‬ ‫ومعياريا عبر ‪ 114‬سورة وآالف اآليات التي تتألف‬ ‫منها‪.‬‬ ‫«إن نظرية اجلهاد ومعايير ما تسمى بالشريعة‬ ‫اإلسالمية هي نتاج التلقي الثاني‪ .‬فقد جرى هذا احلال‬ ‫على الرغم من حقيقة أن فقهاء‪ ،‬وش ّراع‪ ،‬ومفسرين‪،‬‬ ‫ومؤرخني وكتاب سير‪ ،‬خالل القرون الثالثة األولى التي‬ ‫تلت بزوغ الظاهرة القرآنية‪ ،‬بنوا كلهم معا إطارا فقهيا‬ ‫متزمتا للتلقي والتأويل لكامل املعرفة التي يفترض‬ ‫أنها جاءت من كالم الله وسنة النبي (التي أضاف‬ ‫إليها اإلمامية واإلسماعيلية الشيعة سيرة األئمة)‪.‬‬ ‫وجند أكثر البناء منهجية جرى إنتاجه إلى جانب‬ ‫هذه اخلطوط هو األدب الذي وضع على أصول الفقه‬ ‫(املصادر التأسيسية ومنهجيات الشريعة)‪.‬‬ ‫«في اإلسالم واملسيحية‪ ،‬اللذان بنيا كنسقني‬ ‫من املعتقدات واملنكرات في اإلطار نفسه وباألدوات‬ ‫الهرمنوطيقية نفسها‪ ،‬ال ينظر للعنف املادي املستخدم‬ ‫في احلرب املقدسة‪ ،‬التي تدعى أيضا بحرب العدل‪،‬‬ ‫على انه شرعي وحسب‪ ،‬إمنا هو فوق ذلك مقدس‪ ،‬وعلى‬ ‫هذا األساس‪ ،‬يب ّرز قوة ُمقدِّ سة‪ .‬أما احلال في اليهودية‬ ‫فمختلف قليال‪ ،‬بسبب من أن اليهود عاشوا أقليات‬ ‫تابعة ولم يتمكنوا من وضع نظرية باحلرب املقدسة حتى‬ ‫قيام دولة إسرائيل‪ ،‬مع أنهم طوروا استراتيجية تأويلية‬ ‫مبقاومة أشكال الهيمنة كلها‪ .‬فأولئك الذين يقضون في‬ ‫هذه احلرب يعدّ ون شهداء‪.‬‬ ‫العوامل السياسية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬واالقتصادية‪،‬‬ ‫التي يضيئها نهجنا «احلديث» في التحليل‪ ،‬واملعرفة‪،‬‬ ‫والتأويل‪ ،‬والشرعنة‪ ،‬والتواصل‪ ،‬ينطبق بالتأكيد على‬ ‫املؤمنني‪ .‬إال أنها ال تُلحظ‪ ،‬ألنها متوارية حتت مفردات‬ ‫ِ‬ ‫مؤسطرة‪ ،‬متسامية‪ ،‬وجودية‪،‬‬ ‫ُمقدِّ سة‪ ،‬روحانية‪،‬‬ ‫يدميها العقل الديني‪ ،‬كما يفعل العقل الكالسيكي‬ ‫امليتافيزيقي‪ .‬فما ادعوه باجلذور الفكرية لمِ ا أصبح غير‬ ‫متسامح معه ‪ intolerable‬بالنسبة لنا‪ ،‬موجودة في‬ ‫هذه األنشطة االستطرادية اخلاصة بالعقل البشري‪ ،‬الذي‬ ‫يح ّول أحداثا عرضية‪ ،‬ومؤقتة‪ ،‬ومحدودة‪ ،‬وتركيبات‬ ‫خيالية‪ ،‬وروايات ُمؤ ْس ِطرة‪ ،‬وتعريفات تعسفية‪ ،‬ومبادئ‬ ‫غير َّ‬ ‫منظمة إلى جواهر خالدة‪ ،‬ومواد ال تدرك ويقينيات‬ ‫مطلقة‪.‬‬

‫محمد اركون‬

‫ـ نشر البحث كامال في مجلة قضايا‬ ‫إسالمية معاصرة التي تصدر عن مركز دراسات‬ ‫فلسفة الدين‪ ،‬بغداد‪ ،‬السنة الثانية عشرة‪،‬‬ ‫العدد ‪ 37‬ـ ‪ ،38‬صيف وخريف ‪.2008‬‬ ‫‪23‬‬


‫رأي‬

‫أما آن لنا أن ُنعيد التفكير‬ ‫في بعض مفاهيمنا؟‬ ‫يجب أن ُيعاد التفكير في مفهوم الجهاد‪ ،‬وإعادة مضامينه اإليجابية‬ ‫لم ال يكون الحوار والتثاقف مث ً‬ ‫ال بين المختلفين جزءا من الجهاد؟‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا‪ ،‬وما حدث قبل‬ ‫ما حدث في مومباي‬ ‫ذلك‪ ،‬وما قد يحدث بعده‪ ،‬يوجب علينا إعادة‬ ‫التفكير في مفاهيم كثيرة تسيطر على عقول‬ ‫الكثير منا‪ ،‬فتحدد نظرتهم إلى العالم من‬ ‫ً‬ ‫مبررا لسلوكيات معينة‪،‬‬ ‫حولهم‪ ،‬وتكون دافع ًا أو‬ ‫تنفرنا من العالم‪ ،‬وتنفر العالم منا‪ .‬كثيرة هي‬ ‫هذه املفاهيم‪ ،‬فهي نتيجة تراكم تاريخي ثقافي‬ ‫طويل األمد‪ ،‬ونتيجة مراحل تاريخية مرت بها‬ ‫فجمدت هذه املفاهيم وفق فهم‬ ‫املنطقة والعالم‪ُ ،‬‬ ‫مرحلة معينة‪ ،‬وتفسير حقبة معينة‪ ،‬نتيجة ظروف‬ ‫معينة‪ُ ،‬‬ ‫وأعطيت صفة الثبات واإلطالق‪ ،‬فكانت‬ ‫وبا ًال علينا وعلى العالم‪ ،‬حني حتولت إلى مؤطر‬ ‫ودافع لسلوك معني‪ ،‬بالنسبة لنا وللعالم أجمع‪.‬‬ ‫هذه املفاهيم ٌأعطيت في كثير من مضامينها‬ ‫ً‬ ‫أبعادا دينية‪ ،‬ولو أننا حللناها إلى منتهاها‬ ‫األخير‪ ،‬لوجدنا أن البعد الديني ملثل هذه املفاهيم‬ ‫قد ُدفع خارج حدوده األصلية‪ ،‬و ٌحمل أكثر مما‬ ‫ُيحتمل‪ ،‬وذلك ألغراض ليس من الضروري أن‬ ‫تكون أغراض ًا دينية في كثير من األحوال‪ ،‬وفي‬ ‫مختلف املراحل التاريخية‪ .‬فمث ً‬ ‫ال مفهوم الردة‪،‬‬ ‫الذي ُألبس رداء ديني ًا كام ً‬ ‫ال وضافي ًا‪ ،‬مع أنه‬ ‫يتعارض متام التعارض مع نصوص قرآنية ال‬ ‫غموض فيها وال لبس‪ ،‬مثل قول احلق‪« :‬ال إكراه‬ ‫في الدين قد تبني الرشد من الغي فمن يكفر‬ ‫بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة‬ ‫الوثقى ال انفصام لها والله سميع عليم» (البقرة‪،‬‬ ‫‪ ،)256‬أو قوله‪« :‬وقل احلق من ربكم فمن شاء‬ ‫‪24‬‬

‫أتمنى أن نعيد‬ ‫النظر والتفكير‬ ‫في مفهوم‬ ‫لم نجن منه إال‬ ‫كره اآلخرين لنا‪،‬‬ ‫وتدمير أنفسنا‪،‬‬ ‫في عصر يتقارب‬ ‫فيه البشر من‬ ‫بعضهم البعض‬ ‫فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظاملني‬ ‫ً‬ ‫نارا أحاط بهم ُسرادقها وإن يستغيثوا يٌغاثوا‬ ‫مباء كاملهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت‬ ‫مرتفق ًا» (الكهف‪ .)29 ،‬العقاب املنصوص‬ ‫عليه هنا هو عقاب يوم احلساب‪ ،‬وليس قبل‬ ‫ذلك‪ ،‬حتى أن العقاب املنصوص عليه هنا هو‬ ‫بحق الظاملني‪ ،‬وبحق غير املؤمن بالله على وجه‬ ‫اإلطالق‪.‬‬ ‫وفي عهد الرسول الكرمي‪ ،‬صلى الله عليه‬ ‫وسلم‪ ،‬لم جند تطبيق ًا ملا ُسمي الحق ًا حد الردة‪ ،‬بل‬ ‫كان التطبيق على مجرمني ارتدوا عن اإلسالم‪،‬‬

‫بعد أن ارتكبوا جرائم في حق اآلخرين‪ .‬مثل هذا‬ ‫املفهوم‪ ،‬أي مفهوم الردة‪ ،‬يجب إعادة التفكير‬ ‫فيه‪ ،‬إلعادة التوازن والتعايش احلضاري بيننا‬ ‫وبني بعضنا البعض‪ ،‬وبيننا وبني العالم ككل‪،‬‬ ‫وليس في ذلك خروج على شرع أو دين‪ ،‬طاملا‬ ‫أن القرآن واضح في هذه املسألة‪ ،‬وطاملا أن السنة‬ ‫ال تؤكد بشكل قطعي العقاب الدنيوي ملسألة‬ ‫الردة‪ ،‬وطاملا أن ميثاق حقوق اإلنسان الصادر‬ ‫عن األمم املتحدة‪ ،‬والذي ُيشكل دستور عالم‬ ‫اليوم‪ ،‬ملن ُيريد أن ينتمي إلى عالم اليوم‪،‬‬ ‫يؤكد كرامة اإلنسان بوصفه إنسان ًا‪ ،‬دون بقية‬


‫اإلضافات الالحقة للوالدة‪ ،‬من لون أو عرق أو‬ ‫دين أو جنسية‪.‬‬ ‫من هذا املنطلق فإني أمتنى أن نعيد النظر‬ ‫والتفكير في مفهوم لم جنن منه إال كره اآلخرين‬ ‫لنا‪ ،‬وتدمير أنفسنا‪ ،‬في عصر يتقارب فيه البشر‬ ‫من بعضهم البعض‪ ،‬أو هم في الطريق إلى ذلك‪،‬‬ ‫فيما نحن‪ ،‬أو الذين يدمرون العالم باسمنا‪،‬‬ ‫ُيبعدوننا عن العالم بأفعالهم‪ ،‬التي هي نتيجة‬ ‫فهم محور ومشوه‪ ،‬تراكم عبر األجيال‪ ،‬ليكتسب‬ ‫ثبات ًا ليس له من الثبات إال اسمه‪ ،‬وأقصد‬ ‫ً‬ ‫تبريرا لكل فعل‬ ‫بذلك مفهوم اجلهاد‪ ،‬الذي يقف‬ ‫مدمر ودموي يقوم به بعض املسلمني‪ ،‬باسم كل‬ ‫املسلمني‪ ،‬وكأنهم حصلوا على توكيل من كل‬ ‫هؤالء املسلمني‪ .‬وإذا أردنا احلقيقة املرة‪ ،‬فهي أن‬ ‫الكثير من املسلمني يتعاطفون مع هذه األعمال‪،‬‬ ‫وإن كانوا ال يقومون بالفعل‪ ،‬وكل ذلك نتيجة‬ ‫مفاهيم محتلة لعقول مستلبة من قبل ثقافة‬ ‫ُجمدت‪ ،‬وأغراض ُخططت‪ .‬أخذت أفكر في مفهوم‬ ‫اجلهاد‪ ،‬وبحثت فيه قلي ً‬ ‫ال‪ ،‬فال أدعي أنني فقيه‬ ‫في هذا املجال‪ ،‬ولكنها تأمالت ما بعد أحداث‬ ‫مومباي‪ .‬لقد أراد الله لإلنسان أن يكون خليفته‬ ‫في األرض عندما خلق آدم‪ ،‬وأسكت املالئكة‬ ‫املعترضني على خلق أبو البشر بالقول‪« :‬إني‬ ‫أعلم ما ال تعلمون»‪ ،‬وخالفة األرض عمارتها‪،‬‬ ‫أي التمدن وصناعة احلضارة‪ ،‬فهل ُيعقل‪ ،‬واحلالة‬ ‫هذه‪ ،‬أن يأمر اخلالق مخلوقه بالتدمير‪ ،‬وهو الذي‬ ‫ما خلقه إال للعمارة والبناء؟ وقفت عند هذا األمر‬ ‫طوي ً‬ ‫ال‪ ،‬ووصلت إلى قناعة مفادها أنه ال بد من‬ ‫أن هنالك سوء فهم‪ ،‬ثقافيا كان سوء الفهم هذا أو‬ ‫تاريخيا أو عصريا‪ ،‬أو أنه من املمكن أن يكون‬ ‫املفهوم ثابت ًا‪ ،‬ولكن املضمون متغير‪ .‬فال شك في‬ ‫أن اجلهاد ذروة سنام اإلسالم‪ ،‬وليس هناك خالف‬ ‫على ذلك‪ ،‬ولكن السؤال هو‪ :‬ما هو اجلهاد؟ هل‬ ‫يكون من اجلهاد العدوان‪ ،‬ومخالفة قول احلق‪:‬‬ ‫«من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من‬ ‫قتل نفس ًا بغير نفس أو فساد في األرض فكأمنا‬ ‫قتل الناس جميع ًا ومن أحياها فكأمنا أحيا الناس‬ ‫جميع ًا‪( »..‬املائدة‪ .)32 ،‬وهل من اجلهاد نفي‬ ‫اآلخر ملجرد أنه مختلف في الدين أو املعتقد أو‬ ‫املذهب؟ وهل من اجلهاد تدمير عمارة اآلخرين‬ ‫عندما تعجز الذات عن فعل فعلهم‪ ،‬وهم يحققون‬ ‫بذلك خالفة اإلنسان على األرض‪ ،‬ملجرد أنهم من‬ ‫غير املسلمني‪ ،‬وأحيان ًا هم من املسلمني ولكن‬ ‫ليس وفق نظرة «املجاهدين»‪ ،‬إال أنهم يبقون في‬

‫النهاية من بني آدم املكرمني في البر والبحر‪،‬‬ ‫واملفضلني على كثير من خلق الرحمن؟ وهل من‬ ‫علي وعلى أعدائي يا رب‪،‬‬ ‫اجلهاد نهج سياسة ّ‬ ‫كما فعل بعض احملسوبني على اإلسالم في‬ ‫نيويورك ومدريد ولندن ومومباي وغيرها‪ ،‬وكما‬ ‫سيفعلون إن لم تُعد املفاهيم إلى أصلها وشمولها‬ ‫ومتغيراتها؟ عالمات استفهام كثيرة أخذت حترق‬ ‫الذهن بعد كل عملية «جهادية» يقوم بها هذا‬ ‫الفصيل أو ذاك من فصائل املتمسحني باإلسالم‬ ‫ً‬ ‫مبررا‪ ،‬فأجد أن اإلجابة ال بد أن تكون بالنفي‪،‬‬

‫فال ميكن أن يأمر خالق البشر واحلجر مبا ُيخالف‬ ‫مشيئته األولى حني خلق اإلنسان‪ ،‬كل الناس‪،‬‬ ‫خلالفته في األرض‪ ،‬وال ميكن أن يصدر الشر‬ ‫والقبح والكراهية‪ ،‬عن منبع اخلير واجلمال واحلب‪.‬‬ ‫يجب أن ُيعاد التفكير في مفهوم اجلهاد‪،‬‬ ‫وإعادة مضامينه اإليجابية التي طغت‬ ‫عليها التأويالت والتفسيرات واالستخدامات‬

‫هل من الجهاد نفي اآلخر‬ ‫لمجرد أنه مختلف في الدين‬ ‫أو المعتقد أو المذهب‪ ،‬وهل‬ ‫من الجهاد تدمير عمارة‬ ‫اآلخرين عندما تعجز الذات عن‬ ‫فعل فعلهم‪ ،‬لمجرد أنهم‬ ‫من غير المسلمين؟‬

‫واالختزاالت السلبية‪ ،‬التي حولته من مفهوم‬ ‫شامل للجهد واملجاهدة‪ ،‬أي بذل أقصى اجلهد‬ ‫في الوصول إلى الغاية‪ ،‬إلى مجرد مفهوم حربي‪،‬‬ ‫ومحرض لفعل عنفي‪ ،‬رغم أن املعنى أوسع وأشمل‬ ‫من ذلك بكثير‪ .‬فمن معاني اجلهاد التي قال بها‬ ‫السابقون مجاهدة النفس‪ ،‬كأعلى مراتب اجلهاد‪.‬‬ ‫وهناك بر الوالدين كفعل جهادي‪ ،‬وكذلك احلج‬ ‫نوع من اجلهاد‪ ،‬وغير ذلك من أبواب كثيرة ميكن‬ ‫أن يشتملها مفهوم اجلهاد واجلهد واملجاهدة‪ ،‬أما‬ ‫الفعل العنفي كنوع من اجلهاد‪ ،‬فهو مبرر في حالة‬ ‫الدفاع عن النفس بشكل أساسي‪ ،‬وحني تكون‬

‫بقية الوسائل للدفاع عن النفس غير ُمجدية‪،‬‬ ‫ويصبح كالطالق‪ ،‬حالل بغيض في هذه احلالة‪.‬‬ ‫ليس املجال هنا حقيقة هو مجال شرح مفهوم‬ ‫اجلهاد وتطوره‪ ،‬فهذا موجود في بطون الكتب‪،‬‬ ‫بقدر أن القضية متعلقة بتجديد مفهوم اجلهاد‪،‬‬ ‫وتفجير تلك املعاني واملضامني احلضارية التي‬ ‫ميكن أن تكون كامنة فيه‪ ،‬وحالت دون ظهورها‬ ‫محاوالت االختزال واالستغالل والتبرير‪ ،‬التي‬ ‫ليس من الضروري أن تكون هي ذات املعاني‬ ‫التي يتضمنها املفهوم‪ ،‬حني النظر إليه نظرة‬ ‫شاملة‪ ،‬أو أن تكون بعض هذه املعاني وقتية حني‬ ‫تفسيرها‪ ،‬ولكن الوقت غير الوقت‪ ،‬والزمان غير‬ ‫الزمان‪ ،‬بل ولم يعد اإلنسان هو ذات اإلنسان‪،‬‬ ‫رغم ثباته كخليفة للقادر في أرضه‪.‬‬ ‫من ذلك‪ ،‬لم ال يكون احلوار والتثاقف مث ً‬ ‫ال‬ ‫بني املختلفني جزءا من اجلهاد‪ ،‬فال أرى مثل احلوار‬ ‫تضمن ًا للجهد واملجاهدة‪ ،‬ملا فيه من قيم الصبر‬ ‫والتسامح واالنفتاح‪ ،‬وهي قيم حتتاج إلى الكثير‬ ‫من اجلهد كي ميارسها احملاور‪ ،‬خاصة ذاك الذي‬ ‫لم ينشأ في بيئة تشجع احلوار واملتحاورين‪ .‬ولم‬ ‫ال يكون نبذ العنف كوسيلة حلل املشاكل بني بني‬ ‫اإلنسان‪ ،‬نوع ًا من اجلهاد‪ ،‬فكظم الغيظ‪ ،‬والدفع‬ ‫باحلسنى‪ ،‬وغيرها من وسائل ضبط النفس‪ ،‬حتتاج‬ ‫إلى جهد جهيد‪ ،‬وبذل أقصى اجلهد في الوصول‬ ‫إلى الغاية‪ ،‬وهذا في ظني نوع من أنواع اجلهاد‪،‬‬ ‫فلماذا اإلصرار على العنف وكأنه طريق اجلهاد‬ ‫الوحيد‪ ،‬بل أن صنع احلضارة‪ ،‬واإلسهام في صنع‬ ‫احلضارة‪ ،‬وهو أمر ليس بالسهل‪ ،‬بل يحتاج‬ ‫إلى بذل اجلهد اجلهيد‪ ،‬وقمة اإلخالص والتفاني‬ ‫والعطاء‪ ،‬فلم ال تكون هذه القيم هي مناط اجلهاد؟‬ ‫نشر احملبة بني الناس‪ ،‬حب الوطن‪ ،‬حب اإلنسان‪،‬‬ ‫حب اآلخرين‪ ،‬أمور حتتاج إلى جهد‪ ،‬فرمبا ال يكون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫شريرا‪ ،‬وعلى اختالف‬ ‫خيرا وال‬ ‫اإلنسان بطبعه‬ ‫مفاهيم اخلير والشر‪ ،‬بل هما مع ًا يتصارعان في‬ ‫ذات واحدة‪ ،‬فإن كبح جماح الشر املعتمل في‬ ‫داخل الذات‪ ،‬يحتاج إلى جهد ومثابرة‪ ،‬وهذا نوع‬ ‫من اجلهاد‪ .‬اجلهاد مفهوم واسع‪ ،‬فلماذا جنعله‬ ‫أسير الرؤية الواحدة‪ ،‬والتفسير الواحد‪ ،‬واجلماعة‬ ‫الواحدة‪ ،‬فتتلوث عقول كثيرة مبا لم ينزل الله به‬ ‫من سلطان‪ ،‬فنخسر أنفسنا‪ ،‬ونخسر عامل ًا بأسره‬ ‫من حولنا؟‪ ..‬هذا‪ ،‬وطابت لكم األيام‪.‬‬

‫د‪ .‬تركي الحمد‬

‫صحيفة “الشرق األوسط” اللندنية‬ ‫‪25‬‬


‫أفق‬

‫امينة ودود وإمامة المرأة‪:‬‬

‫التسامح والمساواة في ممارسة الدين‬ ‫يبدو أن المسلمين ال يطيقون التغيير وردود فعلهم تكون عنيفة‬ ‫التفسيرات المتعلقة بالدين من الممكن أن تتغير بمرور الوقت‬ ‫اجلدل حول أمينة ودود‪ ،‬أستاذة الدراسات‬ ‫اإلسالمية بجامعة فيرجينيا كومونولث‬ ‫االمريكية‪ ،‬التي قامت مؤخرا بإمامة املصلني‬ ‫في صالة اجلمعة في نيويورك مستمر‪ .‬الباحث‬ ‫األندونيسي لطفي السيوكاني يكتب عن ردود‬ ‫الفعل‪.‬‬ ‫انتقد الدكتور يوسف القرضاوي زميلته‬ ‫بأنها جتاهلت التقاليد اإلسالمية ذات التاريخ‬ ‫الذي امتد أربعة عشر قرنا من الزمان‪ .‬وانتقدها‬ ‫أيضا املفتي العام في السعودية عبد العزيز آل‬ ‫الشيخ ـ كما ذكرت وكالة أالنباء ـ بوصفها بـ‬ ‫«عدو اإلسالم»‪ ،‬الذي «يتجاوز حدود الله»‪.‬‬ ‫وتصدرت الصحف املصرية والسعودية تقارير عن‬ ‫الصالة في صفحاتها الرئيسة ووصفت السيدة‬ ‫أمينة ودود بـ «املرأة املجنونة» التي تشارك كفار‬ ‫الغرب في االساءة لإلسالم‪.‬‬ ‫وردود الفعل هذه مثيرة للقلق جدا‪ ،‬وتبني‬ ‫أن املسلمني ال يطيقون التغيير وردود فعلهم‬ ‫تكون عنيفة إذا كان التغيير ميس إقامة الشعائر‬ ‫الدينية التقليدية‪ .‬وأحيانا تكون ردود الفعل‬ ‫متطرفة للغاية‪ ،‬فعالوة على اإلحتقار والنقد‪،‬‬ ‫وجدت أمينة ودود نفسها تواجه تهديدات بالقتل‬ ‫ألنها ـ كما يقال ـ أساءت إلى اإلسالم‪.‬‬ ‫المغاالة في ردود االفعال‬

‫إن املغاالة في ردود فعل علماء املسلمني‬ ‫‪26‬‬

‫بعض رجال‬ ‫الدين المسلمين‬ ‫والمثقفين يرون‬ ‫اليوم أن عدم تقلد‬ ‫النساء الوظائف‬ ‫الدينية يرجع إلى‬ ‫طبيعة المجتمع‬ ‫العربي الذي يسيطر‬ ‫عليه الرجال‬ ‫واملثقفني تؤكد على استيائهم املطلق لالستفادة‬ ‫من التاريخ‪ .‬ومبثل هذه العقلية كاد علماء‬ ‫املسلمني في أوائل القرن العشرين أن يحكموا‬ ‫باسم الدين بالكفر على فوائد البنوك وعمل املرأة‬ ‫وحتديد النسل وبعض اإلجنازات التقنية‪ .‬فالتطور‬ ‫التاريخي ال بد وأن يتخطى مثل هذه العقلية‬ ‫املتصلبة التي تقف حائال أمام كل تغيير‪ ،‬وما‬ ‫هي إال مسألة وقت حتى يتقبل املسلمون «املرأة‬ ‫اإلمام» التي تؤم الصالة‪.‬‬ ‫وملا أجاز املصلح الديني اإلمام محمد عبده‬

‫آنذاك بحل فوائد البنوك واجه نقدا من رجال‬ ‫الدين املصريني‪ ،‬كما واجه الشيخ علي عبد‬ ‫الرازق النقد أيضا عندما قال بأن اخلالفة ليست‬ ‫إسالمية‪ .‬ومع ذلك فإن تلك اآلراء املثيرة للجدل‬ ‫أصبحت مقبولة لدى كثير من املسلمني‪.‬‬ ‫المجتمع الذكوري‬

‫بعض رجال الدين املسلمني واملثقفني يرون‬ ‫اليوم أن عدم تقلد النساء الوظائف الدينية يرجع‬ ‫إلى طبيعة املجتمع العربي الذي يسيطر عليه‬


‫الرجال‪ ،‬وبعبارة أخرى إن ما يكمن وراء ذلك ليس‬ ‫حكم إلهي ولكن تركيبة ثقافية اجتماعية‪.‬‬ ‫وحتى الدكتور خالد أبو الفضل أستاذ‬ ‫الشريعة بجامعة كاليفورنيا يرى أن القرآن ال‬ ‫يحرم ـ ضمنيا ـ إمامة املرأة للرجال في الصالة‪.‬‬ ‫وفي إندونيسيا يرى الشيخ حسني محمد‪ ،‬من‬ ‫مدينة سيربون‪ ،‬أن املرأة يجوز لها فعال أن تؤم‬ ‫الصالة اجلماعية من الرجال والنساء‪ ،‬وأن الفصل‬ ‫بني الرجال والنساء أثناء الصالة ال أساس له من‬ ‫الصحة طاملا أن هذا األمر ال يحدث في أقدس‬ ‫بقعة في العالم اإلسالمي‪ ،‬أي في املسجد احلرام‬ ‫مبكة‪.‬‬ ‫ومما ميكن تعلمه من قضية أمينة ودود هو أن‬ ‫املسلمني بالكاد يتقبلون وجهات النظر املختلفة‪،‬‬ ‫خاصة إذا ما كان األمر يتعلق بالدين‪ .‬صحيح أن‬ ‫أمينة ودود استطاعت أن تؤم صالة اجلمعة ألنها‬ ‫تعيش في أمريكا‪ ،‬كما أنه لم يكن من السهل‬ ‫وجود مكان للصالة بسبب التهديدات التي جاءت‬ ‫من الدوائر األصولية‪.‬‬ ‫وأخيرا اضطروا للصالة في الكنيسة‬ ‫االنغليكانية‪ ،‬حيث كانت قوات األمن حتمي‬ ‫املصلني‪ .‬ولو كان األمر في بلد مسلم ملا حدث‬ ‫ذلك على وجه اإلطالق‪ .‬ويبدو أنه من السهل‬ ‫على املسلمني أن يفكروا في استخدام العنف أو‬ ‫التهديد به للتعبير عن عقيدتهم الدينية‪ .‬واجلمع‬ ‫بني عدم التسامح والتعصب لن ميكن السكوت‬ ‫عنه طويال‪.‬‬

‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫•‬

‫الحاجة للتسامح‬

‫السيدة أمينة ودود تستحق مساندتنا‪ ،‬إذ أن‬ ‫األمر ال يتعلق أوال وأخيرا باملساواة بني اجلنسني‬ ‫أو بشكل إقامة الشعائر الدينية‪ ،‬ولكن يتعلق‬ ‫أساسا بالتسامح في التقاليد الدينية‪ .‬ولكي‬ ‫يحظى املسلمون بشيء من احلرية والدميقراطية‪،‬‬ ‫فإنه لزاما عليهم أن يرضوا بأن بعض اآلراء‬ ‫والتفسيرات املتعلقة بالدين من املمكن أن تتغير‬ ‫مبرور الوقت‪.‬‬

‫لطفي السيوكاني‬

‫ترجمة عبد اللطيف شعيب‬ ‫حقوق طبع النسخة العربي «قنطرة» ‪2005‬‬ ‫صدر املقال في موقع ‪liberal islam network‬‬

‫•‬

‫متابعات مغاربية‬ ‫ خلدت مؤسسة الثقافات الثالث واألديان الثالث في حوض املتوسط يوم العاشر من أذار‬ ‫(مارس) باشبيلية الذكرى العاشرة لتأسيسها‪ .‬وهي مؤسسة هدفها حتقيق التقارب‬ ‫بني املغرب وإسبانيا ودعم التفاهم بني شعوب املتوسط‪.‬‬ ‫ نظمت جمعية جسور يوما دراسيا بعنوان‪":‬ملتقى النساء املغربيات"‪ ،‬وذلك لدارسة‬ ‫حصيلة وآفاق خمس سنوات من تطبيق قانون األسرة‪ .‬وقد تولى أساتذة متخصصني‬ ‫شرح فصول وقضايا القانون اجلديد‪ ،‬وفككوا الظروف الصعبة التي تعيق تطبيقه على‬ ‫أرض الواقع‪ ...‬منها على سبيل املثال الفصل ‪ ،،49‬ومسطرة احلَ َكم في الطالق والشقاق‪.‬‬ ‫كما متت اإلشارة إلى أن ‪ 400‬مادة تطبق بالتراث الفقهي واإلحالة في بعض القضايا على‬ ‫القانون القدمي‪.‬‬ ‫ في ختام منتدى تونسي مصري مشترك احتضنته العاصمة التونسية في السابع عشر‬ ‫من شباط (فبراير) حتت عنوان "اإلعالم الديني وحتديات العصر"‪ ،‬سلط املشاركون الضوء‬ ‫على طرق حتسني البرامج الدينية لتقدمي خطاب متزن بهدف محاربة التطرف‪ .‬واقترح‬ ‫اخلبراء توفير التكوين والتدريب ملنتجي البرامج الدينية ومزيد من تفعيل الفضائيات‬ ‫وتعزيزها بالكفاءات القادرة على تقدمي خطاب ديني متزن يحمي الشباب والناشئة من‬ ‫التعصب وينمي لديهم روح النقد العقالني وإعمال الفكر‪ .‬وتطرق املشاركون على مدى‬ ‫يومني إلى عدة مواضيع تتعلق"بصورة اإلسالم في اإلعالم الديني املكتوب" و "أثر البعد‬ ‫اإليديولوجي في البرامج الدينية" و"الفكر الديني في الفضائيات العربية" و"مظاهر‬ ‫االختالف في تناول املسألة الدينية عبر شبكة اإلنترنت"‪.‬‬ ‫ اختتمت في نهاية كانون الثاني (يناير) أعمال الدورة الثامنة للمؤمتر اإلسالمي لوزراء‬ ‫اإلعالم مبصادقة املشاركني على إعالن الرباط الذي يدعو إلى جعل االعالم في الدول‬ ‫االسالمية في خدمة احلقيقة والتعبير عن هموم وانشغاالت املواطنني‪ .‬كما دعا اإلعالن‬ ‫إلى حتلي اإلعالم في البلدان اإلسالمية بأقصى قدر من املهنية واملوضوعية في نقل‬ ‫الوقائع واألحداث‪ ،‬والتعاطي مع القضايا السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية‬ ‫في ظل احترام التعددية والتنوع في الرأي ونهج متواصل لالنفتاح على العصر‪ ،‬مع‬ ‫التشبث بثوابت األمة واحلرص على ممارسة واسعة للحرية بروح عالية من املسؤولية‪.‬‬ ‫ومن جانب آخر اعتبرت الوثيقة أن تصحيح صورة اإلسالم في وسائل اإلعالم األجنبية‬ ‫وإبراز قيمه السمحة وموروثه الثقافي الغني وحضارته العريقة‪ ،‬ال ميكن أن يؤتي ثماره‬ ‫إال عبر تفاعل إعالمي رصني مع العالم اخلارجي‪ ،‬من خالل خطاب مالئم وآليات تواصل‬ ‫تنسجم مع ذهنيته‪.‬‬ ‫ انعقدت‪ ‬على مدى يومي ‪ 24‬و ‪ 25‬من كانون الثاني (يناير) مبدينة الرباط‪ ‬الدورة األولى‬ ‫للمجلس العلمي املغربي ألوروبا‪ .‬وقد عكف اجمللس على‪ ‬دراسة مجموعة من احملاور‬ ‫املدرجة ضمن جدول أعماله‪ .‬وخلص اجمللس إلى حتديد أهدافه العامة‪ ،‬وفي مقدمتها‬ ‫املساهمة في احلوار املفتوح بني كافة الديانات والعقائد‪ ،‬مع االنفتاح على مختلف‬ ‫الثقافات املكونة للمجتمع األوروبي واإلسهام في حتقيق األمن الروحي للمسلمني‬ ‫وحتصني الشباب من الزيغ واالنحراف‪ ،‬ومساعدتهم على الفهم الصحيح لإلسالم‬ ‫ومقاصده‪ ،‬مبا يتناسب ومفهوم املواطنة و تعميق وعي مسلمي أوروبا بقيم اإلسالم‬ ‫املثلى القائمة على التسامح واالعتدال والتعاون على البر والتقوى ونبذ اإلثم والعدوان‪،‬‬ ‫والعمل على متكني املرأة من اكتساب املعارف الدينية واالجتماعية وحتقيق اندماجها‬ ‫على النحو األمثل داخل البيئات التي تعيش فيها‪ ،‬ومشاركتها في حتقيق أهدافه‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫قراءة‬

‫العالم اإلسالمي ‪ ...‬معارك الثقافة في‬ ‫مكان والنهضة في مكان آخر!‬ ‫تنبني المسألة الثقافية على إن إصالح الفكر مقدمة للتغيير‬ ‫المعارك الفكرية واآليديولوجية المتزمتة هي الوجه اآلخر للتخلف‬ ‫ما زال أمامنا الكثير من الدروس لنتعلمها‬ ‫من جتربة النهوض في جنوب شرق آسيا (ماليزيا‬ ‫وسنغافورة واندونيسيا بشكل خاص) وكمثقف‬ ‫ينتمي للعالم اإلسالمي ثمة شيء يعنيه في هذه‬ ‫التجربة املثيرة التي ال يزيد عمرها عن ثالثة‬ ‫عقود‪ ،‬أقصد معركة احلداثة مع الثقافة اإلسالمية‬ ‫«التقليدية» تلك املعركة التي بدأت منذ القرن‬ ‫التاسع عشر وما زالت مستمرة إلى اليوم‪.‬‬ ‫وعبر قرن ونصف قرن انتقل النقاش حول التحديث‬ ‫واإلصالح الديني والفكري الفلسفي من حوار إلى‬ ‫معارك فكرية‪ ،‬وسرعان ما وجد املتعاركون سالحهم‬ ‫في أيديولوجيات جذرية أكلت من عمر الثقافة‬ ‫العربية واإلسالمية أكثر من نصف قرن‪ ،‬ليستفيقوا‬ ‫في بداية التسعينيات وقد هزمت األيديولوجيات‬ ‫التحديثية وانكشفت أوهامها‪ ،‬لتخلف سنوات‬ ‫الضياع هذه وراءها فراغ ًا هائ ًال سرعان ما مألته‬ ‫أيديولوجيا العنف الديني السياسي‪ ،‬لنتتقل من‬ ‫معركة الهوية إلى ضياع الهوية‪ ،‬وإلى دوامة العنف‬ ‫ً‬ ‫وحيدا للتعبير عن «احلوار» لشعوب أصبحت‬ ‫سبي ًال‬ ‫جميعها متوترة ويخنقها هاجس املؤامرة والهزمية‪.‬‬ ‫تنبني املسألة الثقافية برمتها في العالم العربي‬ ‫على مسلمة تقول إن إصالح الفكر مقدمة للتغيير‪،‬‬ ‫وتبدو املقايسة التاريخية مع النسق األوروبي في‬ ‫النهضة ‪ -‬والتي أسستها املدرسة اإلصالحية‬ ‫(األفغاني وعبده) نهاية القرن التاسع عشر ومطلع‬ ‫القرن العشرين ‪ -‬هي القاعدة البديهية التي حكمت‬ ‫مجمل الفكر العربي احلداثي‪ ،‬واإلسالمي اإلصالحي‬ ‫والتجديدي‪ ،‬فيما القاعدة األساس التي يقوم‬ ‫عليها الفكر اإلسالمي الكالسيكي هي املقايسة‬ ‫مع التجربة التاريخية لظهور اإلسالم وصعوده‬ ‫‪28‬‬

‫األول‪ ،‬وهي بهذا تستند على أساس أن اإلصالح‬ ‫الفكري يسبق النهضة عبر فكرة إصالح العقيدة‬ ‫وفروعها في الوالء والبراء والدولة اإلسالمية‪.‬‬ ‫الشيء الذي جنده مقلوب ًا رأس ًا على عقب‪ ،‬ان النهضة‬ ‫في جنوب شرق آسيا تسبق اإلصالح الفكري ال‬ ‫العكس‪ ،‬في ماليزيا مث ًال لم يطرح التجديد الديني‬ ‫ً‬ ‫كبيرا في النهوض‪،‬‬ ‫إال بعد أن قطعت ماليزيا شوط ًا‬ ‫وطرح كاستجابة ملتطلبات التنمية وليس ليؤسس‬ ‫لها‪ ،‬بل ليسهل حركتها‪ .‬ومن الطريف أن املعارك‬ ‫الفكرية الكبرى الثقافية والفكرية التي شغلت‬ ‫ً‬ ‫مرورا بسنغافورة‬ ‫مثقفي أرخبيبل املاليو من ماليزيا‬ ‫فأندونيسيا كانت في مرحلة االحتالل‪ ،‬حيث كان‬ ‫التخلف ميثل الطابع األساس للحياة هناك‪ ،‬وكلما‬ ‫تقدمت النهضة تراجع املتعاركون وتقلصت ساحاتهم‪،‬‬ ‫وهكذا حتى أصبحت املسألة الفكرية والثقافية‬ ‫أحد أقل األشياء اهتمام ًا وشغ ًال ألبناء املاليو‪.‬‬ ‫ال شك أن الفارق في نوعية ومستوى النهضة بني‬ ‫ماليزيا وسنغافورة من جهة وأندونيسيا من جهة‬ ‫أخرى بحيث بدت األخيرة أقل نهوض ًا يفسر ِل َم‬

‫معركة الحداثة مع الثقافة‬ ‫اإلسالمية «التقليدية» بدأت‬ ‫منذ القرن التاسع عشر وما‬ ‫زالت مستمرة إلى اليوم‪ .‬وعبر‬ ‫قرن ونصف قرن انتقل النقاش‬ ‫حول التحديث واإلصالح الديني‬ ‫والفكري الفلسفي من حوار‬ ‫إلى معارك فكرية‬

‫املسألة الفكرية والثقافية تبدو أكثر حرارة فيها‪،‬‬ ‫فاملسافة في النهضة هي املسافة ذاتها التي تتحرك‬ ‫فيها املعارك الثقافية‪ ،‬وعندما أدت أزمة املضارابات‬ ‫املالية في أسواقها في آب (أغسطس) عام ‪1997‬‬ ‫إلى انهيار النهضة أالندونسية بعد خضوعها لشروط‬ ‫البنك الدولي عادت أندونيسيا إلى معارك الثقافة‪،‬‬ ‫وهي اليوم من أكثر الدول في جنوب آسيا حراك ًا‬ ‫فكري ًا‪ ،‬لكن هذا احلراك الفكري ما عاد بهذا الزخم‬ ‫إال مع تراجع التنمية وإحباط النهضة فيها‪ ،‬وتبدو‬ ‫املسألة كما لو أن املعارك الفكرية واآليديولوجية‬ ‫هي الوجه اآلخر للتخلف هنا! التجربة النهضوية‬ ‫في جنوب شرق آسيا قد تكون حلت معضلة املسار‬ ‫احلتمي للتقدم‪ ،‬الذي لم ُير إال من خالل تاريخ‬ ‫الغرب أو تاريخ صدر اإلسالم‪ ،‬ولطاملا قلنا إن‬ ‫احلتميات التاريخية (في هذا املوضوع بالذات) هي‬ ‫في الواقع تعميات عن إمكانات أخرى ليس إال‪.‬‬ ‫إذا صح أن مسألة النهضة في العالم العربي‬ ‫هي أقرب في معطياتها ومقدماتها إلى التجربة‬ ‫اإلسالمية في جنوب آسيا فهذا يعني أن األجدى نقل‬ ‫املعارك الثقافية إلى الساحة السياسية‪ ،‬فالنهضة‬ ‫تبدأ من السياسة‪ ،‬حيث رأس أفعى التخلف‪ ،‬فقرار‬ ‫النهوض قرار سياسي قبل كل شيء‪ ،‬وكل التبريرات‬ ‫للتخلف‪« ،‬اإلمبريالية» و«الصهيونية» و«العوملية»‬ ‫مجرد أكاذيب خليانة أمانة مقدرات األوطان‪..‬‬ ‫النهضة ـ من منظور جنوب آسيوي ـ حتدث في‬ ‫مكان‪ ،‬واملعارك الفكرية حتدث في مكان آخر‪ ،‬وال‬ ‫التقاء بينهما إال أن يكون احلراك الفكري الثقافي‬ ‫وليد النهوض وليس مؤسس ًا له‪.‬‬

‫عبد الرحمن الحاج‬

‫صحيفة «احلياة»‬


‫إصدارات‬ ‫وإنسانية‪ ،‬يختارون بينهما‪ ،‬ولكنها في اجتاه واحد هو عقيدة التوحيد‪ ،‬التي‬ ‫تستوجب اإلنسانية كنتيجة منطقية تترتب عليها‪.‬‬

‫كونية اإلسالم‪ ..‬رؤية‬ ‫للوجود والمعرفة واآلخر‬

‫نهاية األصولية ومستقبل‬ ‫اإلسالم السياسي‬

‫“كونية اإلسالم‪ ...‬رؤية للوجود واملعرفة واآلخر” عنوان أحدث كتاب‬ ‫صدر للكاتب والباحث املصري صالح سالم‪ ،‬وهو الثاني في سلسلة يصدرها‬ ‫عن اإلسالم بعد كتاب «محمد نبي اإلنسانية» الصادر بداية هذا العام‪،‬‬ ‫وهما مع ًا من إصدارات «مكتبة الشروق الدولية» في القاهرة‪ .‬وينقسم‬ ‫الكتاب الى ثالثة أبواب يعالج كل منها أحد االبعاد الثالثة الرئيسة‬ ‫التي تلهم اإلسالم «وعيه الكوني» وجتعل منه دين ًا إنساني ًا شام ًال‪.‬‬ ‫ففي الباب األول «عقالنية اإلسالم‪ ...‬توازن وجودي»‪ ،‬يكشف املؤلف‬ ‫عبر حتليل فلسفي عميق عن حدود التناهي بني اإلسالم وبني املبادئ‬ ‫الكلية للعقل البشري وذلك على أربعة مستويات أساسية‪ :‬أولها التصور‬ ‫التوحيدي التام لاللوهية وصو ًال الى التنزيه املطلق‪ .‬وثانيها التصور‬ ‫الوجودي الشفاف للنبوة تكريس ًا للطبيعة اإلنسانية الكاملة‪ .‬وثالثها احلضور‬ ‫التعادلي الرائق لإلنسان وصو ًال الى فعالية الذات الفردية في إطار عهد‬ ‫االستخالف اإللهي حيث التعادل بني احلرية واملسؤولية‪ .‬ورابعها الصياغة‬ ‫التكاملية لألخالق ترسيخ ًا للتوازن بني احلق والواجب‪ ،‬وبني الشاهد والغيب‪،‬‬ ‫وبني الروح واجلسد‪ .‬وإذ جتمع هذه املستويات بني توحيد األلوهية‪ ،‬وأنسنة‬ ‫النبوة‪ ،‬وتعادلية اإلنسان‪ ،‬وتوازن األخالق‪ ،‬فإنها جتعل من اإلسالم نقطة‬ ‫ذروة تاريخية في مسار اجلدل التاريخي الطويل والعميق بني العقل واإلميان‪.‬‬ ‫وفي الباب الثاني «عاملية اإلسالم‪ ...‬جهاد حضاري» يطرح املؤلف‬ ‫للنقاش معنى ومبنى وإشكاليات ظاهرة اجلهاد في اإلسالم كوجه آخر‬ ‫لعامليته وسعيه‪ ،‬كدين إنساني‪ ،‬الى تبشير اإلنسانية كلها باعتبارها‬ ‫شريك ًا متضامن ًا في عهد االستخالف اإللهي لإلنسان على األرض‪.‬‬ ‫أما الباب الثالث «تسامح اإلسالم تعايش إنساني»‪ ،‬فيعرض لرحلة العقيدة‬ ‫اإللهية في التاريخ اإلنساني باجتاه توحيد األلوهية وإنسانية الدين‪ .‬ويختتم‬ ‫املؤلف بجدل اإلسالم كشريعة ثالثة في الدين التوحيدي مع اليهودية واملسيحية‪،‬‬ ‫كاشف ًا عن إدراك محمد الذي كان من الشفافية ليتبني حقيقة أولية وهي‬ ‫أن املعركة واحدة ضد الوثنية والعنصرية مع ًا‪ ،‬فإذا ما جنح في تبليغ عقيدة‬ ‫التوحيد‪ ،‬وأدرك الناس جميع ًا أن إلههم واحد أحد مطلق التنزيه‪ ،‬فسوف‬ ‫يدركون بالتبعية مساواتهم أمامه‪ُ ،‬‬ ‫وأخ ّوتهم فيه ‪ -‬جل شأنه ‪ -‬راعي ًا لهم‪ ،‬على‬ ‫تلك األرض‪ ،‬إذ استخلفهم على ذلك الكون‪ .‬ومن ثم لم تكن معركة اإلسالم‬ ‫في اجتاهني على نحو يقسم جهد املؤمنني به‪ ،‬أو يتصارع ضمائرهم بني توحيد‬

‫صدر عن دار رياض الريس للنشر كتاب نهاية األصولية‬ ‫ومستقبل اإلسالم السياسي من تأليف الكاتب فرج ال َع ّشة‬ ‫ينقسم الكتاب إلى قسمني‪ :‬األول‪ُ ،‬كتب على فترات‪ ،‬وحتى واقعة‬ ‫هجمات احلادي عشر من سبتمبر ‪ .2001‬فيما ُكتب القسم الثاني‬ ‫بعد تلك األحداث‪،‬التي وضعت اإلسالم واملسلمني في عني العاصفة‪.‬‬ ‫يتناول القسم األول أفكار اإلسالم السياسي املتطرف واملعتدل‪ .‬فيستقري‬ ‫طبيعة اخلطاب األصولي ومنطقه الشمولي‪.‬ويجتهد في تفكيك بنيته‬ ‫األبوية االستبدادية‪،‬وتصورات مشروعه اإليديولوجي وبرامجه السياسية‪.‬‬ ‫في القسم الثاني من الكتاب يتناول الكاتب واقع اإلسالم السياسي‪،‬ما بعد‬ ‫هجمات احلادي عشر من سبتمبر‪/‬أيلول ‪،2001‬وما ترتب عليها من حروب‬ ‫ويختم الكتاب بفصل ينصب على حتليل روح اإلسالم في فضائه احلضاري‪،‬‬ ‫انطالقا من كون اإلسالم‪ ،‬كنص ديني روحي‪ ،‬حم ّال أوجه‪ ،‬كما أبان األمام‬ ‫على‪ ،‬وألنه كذلك‪ ،‬جنده عرضة لقراءات تأويلية متعددة‪ ،‬متقاطعة‪ ،‬ومتضاربة‪،‬‬ ‫بحيث ميكن لألصولي املنغلق املتطرف ان يستخرج لنفسه تأويال يرضي إمياناته‬ ‫الغليظة ويسوغ له إقصاء الغير‪/‬املختلف‪ ،‬وكأن الله خصه برخصة مقدسة‬ ‫للقتل‪ !.‬كما يجد فيه املعتدل ما يعتدل به‪ ،‬والوسطي ما يتوسط به‪ ،‬التنويري‬ ‫ما يتجاوز به ظالميته‪.‬‬

‫المفكرون االحرار في االسالم‬

‫يؤكد كتاب املستعرب الفرنسي دومينيك اورفوا الصادر عن دار الساقي‬ ‫بعنوان‪“ :‬املفكرون االحرار في االسالم” ترجمة جمال شحيد ومراجعة د‪ .‬مروان‬ ‫الداية‪ ،‬البعد االنفتاحي والنقدي للحضارة العربية واالسالمية في املجال الديني‬ ‫قبل ان تنغلق على نفسها مع سيطرة الفكر الفقهي واالصولي الذي قادها الى‬ ‫عتمة االنحطاط‪ .‬وقد اختار الكاتب كل من ابن املقفع والرازي واملعري وابن‬ ‫‪29‬‬


‫ً‬ ‫مشيرا‬ ‫الريوندي والوراق وم ّليون وحنني بن اسحق وحيوية البلخي وابن كمونة‪،‬‬ ‫الى الفكر احلر هو ظاهرة ذاتية وعميقة في احلضارة االسالمية‪ ،‬وان انحصرت‬ ‫في نخبة من املفكرين النقديني الذين كانوا ضحية القمع الذي طال نتاجاتهم‪..‬‬ ‫وصو ًال الى حياتهم‪ ،‬والصقت بهم تهم الزندقة والكفر‪.‬‬ ‫ويتناول املؤلف في كتابه التدرج التاريخي لظهور النقد الديني لدى‬ ‫االديان السماوية‪ ،‬اذ ظهر النقد الديني في العالم الغربي في فترة متأخرة‬ ‫وانتصر بسرعة‪ .‬اما في العالم االسالمي فقد ظهر في فترة مبكرة ً‬ ‫جدا‪ ،‬لكنه‬ ‫سرعاب ما انحسر واختفى ازاء تغلب القوالب الدينية اجلاهزة واالفكار املسبقة‬ ‫التي حتد من اي اجتهاد‪.‬‬ ‫املفكرون الذين استعرضهم الكتاب لم يكونوا من معارضي النظام‬ ‫االجتماعي‪ ،‬وان يكن قد اقترح بعضهم على املستوى املذهبي حلو ًال تأويلية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫متعثرا‪ ،‬وشادوا‬ ‫غير انهم ساهموا في التأكيد على نقاط يقف امامها الفكر‬ ‫عمارة ذهنية ضخمة لم تتوقف عن االستكمال‪ ،‬رغم انغالقها على نفسها‪ ،‬اال‬ ‫ان ما يثير االهتمام انهم انتصروا حلرية الفكر على مدى سنوات طويلة‪.‬‬ ‫يذكر ان اروفوا مستعرب فرنسي معاصر وباحث متخصص في االسالم‬ ‫واستاذ الدراسات االسالمية في جامعة تولوز‪ .‬يقع الكتاب في ‪ 248‬صفحة‬ ‫من القطع الكبير‪.‬‬

‫ثم دعوة إلى أن ترفع النخب السياسية العربية درجة انتباهها إلى ما تأخذ‬ ‫مجتمعاتنا إليه بعض اخليارات السياسية االنتحارية من فنت وحروب أهلية‬ ‫تدمر البقية الباقية من تلك املجتمعات‪ .‬وعليه فإن الكتاب يشكل صرخة‬ ‫في وجه الفتنة‪ ،‬وصرخة ضد االنتقائية األيديولوجية في التفكير وضد اخلمول‬ ‫النظري والكسل املعرفي‪.‬‬ ‫ويعتبر عبد اإلله بلقزيز أن املجتمع ولد مرتني في تاريخ النوع اإلنساني‪،‬‬ ‫مرة كمجتمع طبيعي التحم فيه األفراد بروابط النسب واجلوار فقامت جماعات‬ ‫طبيعية كانت‪ ،‬في سلم التطور‪ ،‬دون املجتمع مرتبة لغياب مبدأ التنظيم‬ ‫الذاتي فيها‪ ،‬ومن دون أن يعني ذلك حكم ًا غياب أشكال بدائية أو ابتدائية‬ ‫من تقسيم العمل فيه‪.‬‬ ‫وولد املجتمع مرة ً‬ ‫ثانية حني قامت فيه الدولة؛ وتلك كانت والدته احلقيقية‬ ‫كمجتمع‪ ،‬ألنه من خاللها فقط أمكنه أن يحقق تنظيمه الداخلي‪ ،‬ويقسم العمل‬ ‫فيه‪ ،‬ويوزع السلطة بني أفراده فئاته‪.‬‬

‫الدين والدولة في مصر‬

‫جدلية التوحيد واالنقسام في‬ ‫االجتماع العربي‬ ‫ترجع فكرة كتاب عبداالله بلقزيز الصادر عن الشركة العربية لالبحاث‬ ‫والنشر حتت عنوان‪« :‬الدولة واملجتمع – جدليات التوحيد واالنقسام في‬ ‫االجتماع العربي املعاصر» إلى مالحظة حال االستفحال املتزايد لالنسداد‬ ‫السياسي الذي ترزح فيه البلدان العربية املعاصرة فيمنعها من التقدم أو من‬ ‫فتح األفق نحو التقدم‪ ،‬ويضغط على حالة االستقرار السياسي واالجتماعي‬ ‫فيها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ال يقدم الدكتور عبد اإلله بلقزيز في هذا الكتاب بحثا نظريا في الدولة‬ ‫واملجتمع‪ ،‬مع أنه يدعو إلى وجوب تدشني تفكير نظري في مسائل الدولة‬ ‫والسلطة واملجتمع املدني في الفكر العربي‪ ،‬لكنه يقدم تأم ًال في جدلية التوحيد‬ ‫واالنقسام التي تشتغل في نسيجه الداخلي باحتدام‪ ،‬وتضعه مع ظاهراته‬ ‫املختلفة في حال من املراوحة املديدة بني التماسك النسبي والتشظي املتسع‬ ‫نطاق ًا‪.‬‬ ‫ويدعو عبد اإلله بلقزيز في كتابه إلى ثالثة مطالب‪ ،‬تتحدد في الدعوة‬ ‫إلى تفكير حقيقي في مسألة الدولة على األصول النظرية واالرتفاع عن مستوى‬ ‫كالم العموميات السائبة والكف عن الثرثرة األيديولوجية في مسائل االجتماع‬ ‫السياسي‪ .‬ودعوة إلى نقد مزدوج‪ ،‬للدولة وللمجتمع على السواء‪ ،‬وإلى القطيعة‬ ‫مع النظرة االنتقائية إلى املوضوع‪.‬‬ ‫‪30‬‬

‫يركز كتاب «الدين والدولة في مصر »‪ ،‬للدكتورعبداملنعم سعيد الصادر‬ ‫عن دار نهضة مصر‪ ،‬بشكل مباشر على قضية الدين والدولة في مصر‪ ،‬وبالرغم‬ ‫من أن هناك اعتقادا كبيرا من الكثيرين أن هذه القضية برغم تعقيداتها‬ ‫ال تشكل أولوية على العديد من القضايا امللحة في مصر‪ .‬إال أن املؤلف‬ ‫وكأنه كان يدرك السؤال فأوضح في مقدمة كتابه بأن موضوعه يتمحور حول‬ ‫احلياة الفكرية والسياسية في مصر املعاصرة‪ ،‬مشيرا إلى أنه بالرغم من أهمية‬ ‫موضوعات أخرى مثل الثروة والسلطة‪ ،‬والوطنية والقومية‪ ،‬وثنائيات أخرى‬ ‫متعددة‪ ،‬إال أن عالقة الدين بالدولة في مصر تظل على رأس هذه القضايا في‬ ‫احلياة العامة للمصريني بل حتكمها‪.‬‬ ‫ويتحول املؤلف إلى زاوية «السياسة» فيشير إلى مقاله بعنوان «تقرير عن‬ ‫االنتخابات املصرية» إلى أن هذه االنتخابات لم تكن أهميتها في استجابتها‬ ‫للظروف اخلارجية والداخلية احمليطة مبصر‪ ،‬أو في أنها أول انتخابات ال تشهد‬ ‫تدخ ًال أمنيا مباشرا‪ ،‬أو في أنها انتخابات جرت مراقبتها من خالل اجلماعات‬ ‫املدنية املصرية‪ ،‬ولكن أيضا في تعبيرها عن قائمة األعمال السياسية املصرية‬ ‫التي باتت تشمل إعادة النظر في الدستور املصري أي في أسس النظام‬ ‫السياسي املصري كله‪.‬‬ ‫وكان ذلك في حد ذاته ميثل نقلة كيفية في التفكير السياسي املصري انتقل‬ ‫فيه من التغيير جلزئيات صغيرة إلى شمولية التغيير الذي يعاد فيه صياغة‬ ‫التوازن بني السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية‪ ،‬وتغيير سلطات رئيس‬ ‫اجلمهورية‪ ،‬وإعادة توزيع السلطات بني مركز احلكم في القاهرة وأطرافه في‬ ‫األقاليم‪ ،‬والبحث عن طرق جديدة لالنتخابات تكفل متثي ًال أفضل لألحزاب‬


‫السياسية واملرأة واألقليات‪.‬‬ ‫وفي مقالة «مصر في مفترق الطرق» يرى املؤلف أن التحديات التي‬ ‫تواجهها مصر تتطلب بنية سياسية قوية ال يوجد على شرعيتها شائبة واحدة‬ ‫ألن القرارات املقبلة صعبة‪ ،‬وسوف تتطلب من الدولة قرارات قاسية‪ ،‬وفي مقالة‬ ‫بعنوان «أحزاب قوية وعفية» يؤكد الدكتور سعيد أنه لن تقوم للدميقراطية قائمة‬ ‫في مصر ما لم يكن لدينا أحزاب قوية وعفية‪.‬‬ ‫وفي ختام للكتاب‪ ،‬يرى الدكتور عبد املنعم سعيد‪ ،‬أن القضية ليس قبول‬ ‫احلركات االسالمية الشرعية وفق الصورة التي أعلنوا بها عن أنفسهم حتى هذه‬ ‫اللحظة ألنها ظلت في جوهرها تدور حول حزب ديني مغلف بشعارات مدنية‪،‬‬ ‫وإمنا البحث فيما إذا كان اإلخوان على استعداد لطرح صيغة جديدة تطابق ح ًقا‬ ‫وقو ًال مع ما يدعونه من الدعوة إلى حزب مدني‪.‬‬

‫الخيال الخالق في تصوف ابن‬

‫تعما العالم‪ ،‬خاصة في الدول النامية‪ ،‬اذ يستعرض في فصوله اشكال الفساد‬ ‫املالي واالقتصادي واالداري والسياسي لظاهرة‪ ،‬وارتباطها بانتشار الفقر‪.‬‬ ‫ويعتمد الكتاب منهج التحليل االقتصادي لتفسير ظاهرة الفساد‪ ،‬في محاولة‬ ‫لتعريفها والسيطرة عليها‪.‬‬ ‫ويسلط املؤلف في منت كتابه الضوء على الفساد يؤدي الى نتائج سياسية‬ ‫واقتصادية في منتهى اخلطورة‪ ،‬ومنها انخفاض مستوى االداء احلكومي واشاعة‬ ‫اجواء من عدم الثقة‪ ،‬كذلك ينشر االحساس بالظلم‪ ،‬ويؤدي تالي ًا الى تقويض‬ ‫الشرعية السياسية للدولة‪.‬‬ ‫يشير رئيس وزراء لبنان االسبق سليم احلص الذي كتب مقدمة الكتاب‪،‬‬ ‫الى ان” مكافحة الفساد باتت قضية في منتهى احليوية‪ ،‬وال بد ان تطبق باوسع‬ ‫معانيها في كل مجال وعلى كل صعيد‪ .‬ومن مقتضيات املكافحة الفصل بني‬ ‫السلطات‪ ،‬ال سيما بني السلطتني االشتراعية والتنفيذية‪ ،‬كذلك تطوير نظام‬ ‫تربوي ثقافي صالح وقطاع اعالمي موضوعي مستقل وفاعل‪ ،‬فماذا لدينا من‬ ‫كل ذلك في الوطن العربي‪.‬‬ ‫“قرارات االصالح كلها قرارات سياسية‪ ،‬ولذلك كان االصالح السياسي‬ ‫هو املدخل الطبيعي لالصالح الشامل‪ .”...‬يقع الكتاب في ‪ 160‬صفحة من‬ ‫القطع الصغير‪.‬‬

‫عربي‬ ‫م ّر ما يقرب من نصــف القرن على صدور الطبعة االولى من هذا الكــــتاب‬ ‫“اخل ّيال اخلالق في تصــوف ابن عربــي” الذي يعتبر نقــطة حتول حاسمة في‬ ‫التجــربة الفكرية لهنــري كوربان‪ .‬والتي كانت أبحاثه عن ابن عربي ثمــرة جــهود‬ ‫استطاع من خاللها أن يخرج قاضي قرطبة وصاحب كتاب “الفتوحات املكية”‬ ‫من التهميش الذي عاناه طويال‪ ،‬سواء في الدراسات العربية االستـــشراقية‬ ‫أو لدى الباحثني العرب وقتها‪ً .‬‬ ‫نظرا لتعــقد كتابات الشـيخ األكبر وسيادة‬ ‫النظرة الطرقية للتصوف العربي واإلسالمي‪ ،‬لذا ظل ابن عربي شبه مجهول في‬ ‫الغــرب كــما في العالم العربي‪ ،‬قبل أن يســلط عليه كوربان األضــواء ويعيد‬ ‫له مكانته املتــميزة في الفــكر العــربي واإلســالمي‪.‬‬ ‫‪ ‬إزاء ذلك كله تكتسي هذه الطبعة اجلديدة‪ ،‬الصادرة عن منشورات اجلمل‪،‬‬ ‫ترجمة فريد الزاهي‪ ،‬أهميتها اخلاصة والراهنة في تسليط الضوء على احد اهم‬ ‫املتصوفة العرب‪.‬‬

‫مكافحة الفساد في العالم‬ ‫العربي‬ ‫يعالج كتاب “الفقر والفساد في العالم العربي” لسمير التنّير والصادر‬ ‫حديث ًا عن دار الساقي‪ ،‬العالقة اجلدلية بني ظاهرتي الفقر والفساد اللتني‬

‫دور الحضارة العربية اإلسالمية‬ ‫في تكوين الحضارة االوروبية‬

‫يدعو الكاتب عاطف علبي في كتابه املعنون “احلضارة العربية اإلسالمية –‬ ‫دورها في تكوين احلضارة االوروبية” الصادر عن املؤسسة اجلامعية للدراسات‪،‬‬ ‫إلى احترام احلقيقة التاريخية التي تؤكد الدور الذي لعبه مفكـــــرو العرب‬ ‫واإلســـــالم في تـــشكيل الهــــوية الثــــــقافية ألوروبا‪.‬‬ ‫كمـــــا يدعـــو إلى االعتــــراف بـــأن العــــالقـــــة بيـــــن العـــــرب والغــــرب‬ ‫ال ميكن أن تتـــــم بشـــــكل صحيح‪ ،‬إال إذا تــــم االعتـــــراف بهـــــذا اإلرث‬ ‫املنســــي للعرب‪ .‬‬ ‫ويتقصى عبر فصول الكتاب املؤثرات احلضارية العربية‪ ،‬من بغداد إلى‬ ‫دمشق‪ ،‬حيـــث هضـــمت احلضارات القدمية‪ ،‬ومت العمل على تطويرها‪ ،‬وقد‬ ‫نشطت حركة التعريب عن الســــريانية واليونانية والفارسية‪ .‬وإلى صقلية‬ ‫ودورها في نقل احلضارة العربية واإلسالمــــة إلى الغرب‪ .‬وإلى األندلس ودورها‬ ‫املماثل كجسر ثقافي بني العرب والغرب‪ ،‬مبا في ذلك دور طليطلة كمركز‬ ‫للترجمة‪.‬‬ ‫ويقدم الكاتب الكثير من الشواهد على أفكاره ومقوالته‪ ،‬كما يناقش‬ ‫ً‬ ‫مستحضرا أقوال‬ ‫العديد من النظريات الغربية التي يضعها في مواجهته‪،‬‬ ‫مشاهير الغرب والعرب في آن‪.‬‬ ‫‪31‬‬


‫فنون‬

‫شكور‪:‬‬ ‫في رحيل الشيخ حمزة ّ‬

‫سيد اإلنشاد الصوفي‬ ‫الموسيقى وسيط تستطيع الروح عن طريقه التقرب الى الجوهر االلهي‬ ‫يعتقد المتصوفون أن الحياة كلها ما هي إال حركات دائرية النهائية‬ ‫في الرابع من شباط (فبراير) ‪ 2009‬رحل في‬ ‫دمشق عن خمسة وستني عام ًا الشيخ حمزة َ‬ ‫شكور‪،‬‬

‫أحد أشهر املنشدين الصوفيني في املوسيقى العربية‪.‬‬ ‫حلظات أخاذة عندما كان الشيخ حمزة ّ‬ ‫شكور‬ ‫يبدأ إنشاده‪ ،‬وعبر اإلنشاد ُيدخل الناس في حالة‬ ‫شبيهة بالوجد اإللهي‪ .‬لم يكن يتمتع مبوهبة في‬ ‫اإلنشاد فحسب‪ ،‬بل كان ميلك صوت ًا قوي ًا عذب ًا‬ ‫عريض ًا جعل مبقدوره أن ميثل مقاب ًال لفرقة أوركسترا‬ ‫كاملة وأن ميأل املكان كله بصوته‪.‬‬ ‫كان يستمد فطرته املوسيقية من الطاقة الروحية‬ ‫التي كانت جتذب املستمعني إلى تراث الصوفية‬ ‫الزاهد‪ .‬أما صوته العريض القوي والعذب للغاية فقد‬ ‫ً‬ ‫واحدا من أشهر املنشدين في العالم العربي‪.‬‬ ‫جعله‬ ‫ً‬ ‫مبكرا‬ ‫ولد حمزة شكور عام ‪ 1944‬في دمشق‪.‬‬ ‫حصل الصبي على تدريب أساسي متعمق في فن‬ ‫الغناء وترتيل القرآن وجتويده وفق التراث الشعبي‬ ‫في سوريا‪ .‬كان والده مؤذن املسجد في احلي الذي‬ ‫يعيش فيه‪ ،‬وكان هو الذي ع ّلم ابنه بنفسه أسس‬ ‫اإلنشاد الديني‪ .‬وفي عمر العاشرة خلف حمزة والده‬ ‫في هذا املجال‪.‬‬ ‫حتى نهاية حياته لم يكن مبقدور ّ‬ ‫شكور أن يقرأ‬ ‫النوتات املوسيقية‪ .‬لكنه كان يستطيع أن يؤدي‬ ‫آالف من األناشيد التي كانت نصوصها وأنغامها‬ ‫محفورة في ذاكرته ً‬ ‫حفرا‪ .‬في دائرة املتصوفة بدأ حمزة‬ ‫شكور االهتمام بأداء أناشيد احلب الصوفي التي ما‬ ‫زالت تتمتع في العالم العربي مبكانة عالية‪ .‬تعمق‬ ‫الشيخ ّ‬ ‫شكور في دراسة التراث املوسيقى الروحي في‬ ‫‪32‬‬

‫اإلسالم‪ ،‬وسرعان ما أصبح مطرب ًا معروف ًا يتسابق‬ ‫الناس على سماعه‪ ،‬كما ذاعت شهرته عندما قام‬ ‫بتسجيل عدد كبير من األناشيد الدينية لإلذاعة‪.‬‬ ‫بعد ذلك تولى قيادة رابطة املنشدين في اجلامع‬ ‫األموي الكبير بدمشق‪ ،‬أحد أهم األماكن املقدسة‬ ‫في البالد اإلسالمية‪ ،‬وكان يقود فرقته في املناسبات‬ ‫الدينية الرسمية وهو ما جعل شهرته تترسخ في‬ ‫سوريا‪.‬‬ ‫طائفة المولوية‬

‫ً‬ ‫عضوا في مدرسة اإلنشاد الشعبية‬ ‫كان شكور‬

‫في دمشق‪ .‬وكان يشعر بالقرب من طائفة املولوية‪،‬‬ ‫أو «الدراويش الراقصني»‪ .‬كان شكور يسعى إلى‬ ‫احلفاظ على تراثهم ومواصلته‪ .‬وقد اشتهرت هذه‬ ‫اجلماعة برقصاتها الدينية التي تُعتبر رمز التصوف‬ ‫الشرقي‪ ،‬وفيها يدور الراقصون حول أنفسهم مبصاحبة‬ ‫املوسيقى واألناشيد العربية القدمية‪ ،‬مرتدين أزياءهم‬ ‫البيضاء وتنوراتهم الواسعة الشبيهة بالناقوس‪،‬‬ ‫وعلى الرأس طرابيش في لون شعر اجلمال‪.‬‬ ‫ويعتقد املتصوفون أن احلياة كلها ما هي إال‬ ‫حركات دائرية النهائية‪ ،‬منها ينبثق كل شيء‪،‬‬ ‫وفيها يفنى كل شيء‪ .‬عبر رقصات طقسية يرمزون‬


‫اختار فايس أغنيات ذات إيقاعات وأنغام ثرية‬ ‫متعددة كانت تتيح حلمزة شكور أن يبرز من خاللها‬ ‫قدرته على االرجتال املوسيقى‪ .‬واهتمت الفرقة‬ ‫على نحو خاص بإبراز الوحدة املوسيقية لألغاني‬ ‫الشعبية‪.‬‬

‫إلى هذا الينبوع الروحي للموسيقى الصوفية‪ .‬فإذا‬ ‫دخل الراقص في حالة نشوة ووجد‪ ،‬فإنه يعتقد أنه‬ ‫بذلك ُرفع إلى العشق اإللهي‪ ،‬وأنه قد أمسى ً‬ ‫جزءا‬ ‫من احلركة اإللهية األبدية‪.‬‬ ‫الوجد والتأمل عبر اإلنشاد‬

‫هذه الفرق الصوفية تتقابل في أماكن معينة‬ ‫ُيطلق عليها «زاوية»‪ ،‬وتعمل على احلفاظ على‬ ‫تراث األناشيد األصلية‪ ،‬وهم يقسمون األناشيد إلى‬ ‫وصالت ومقامات وإيقاعات مختلفة‪ .‬وميتلك اجلامع‬ ‫األموي الكبير في دمشق أرشيف ًا غنائي ًا خاص ًا‪،‬‬ ‫وفيه تحُ فظ الوصالت الدينية التي ُيطلق عليها‬ ‫«نوبات»‪ ،‬وهو مصطلح كان يستخدم في األصل‬ ‫وعرفت فيما بعد‬ ‫لألغاني التي نشأت في األندلس ُ‬ ‫باسم موشحات‪.‬‬ ‫كان املطرب الشيخ حمزة شكور يختار من التراث‬ ‫الديني أناشيد الذكر وأغاني مولد النبي وينشدها‬ ‫في املعتاد بصحبة جوقة موسيقية‪ .‬كان إنشاده‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تأثيرا عظيم ًا‪ .‬كان استخدامه‬ ‫مؤثرا في النفس‬

‫لإليقاعات املوسيقية يتم بتفشف كامل‪ .‬وهكذا كان‬ ‫ينجح في نقل جمهور املستمعني حوله شيئ ًا فشيئ ًا‬ ‫إلى حالة الوجد والوله أو يجعلهم يغرقون في تأمل‬ ‫عميق‪.‬‬

‫تقريب الروح البشرية من اهلل‬

‫مد الجسور نحو الغرب‬

‫في عام ‪ 1983‬أسس حمزة شكور مع الفرنسي‬ ‫جوليان فايس فرقة «الكندي»‪ ،‬وعبرها جنح في‬ ‫نقل هذا النوع من املوسيقى إلى أوروبا وأمريكا‪.‬‬ ‫تخصصت الفرقة في املوسيقى الشعبية من منطقة‬ ‫األندلس العربية‪ ،‬ومن تراثها قدم أغنيات تتناول‬ ‫موضوعات دينية ودنيوية على حد سواء‪ .‬وكان‬ ‫شكور يعتمد طريقة تقليدية في األداء‪ ،‬أما فايس‬ ‫فقد زود الفرقة بتخت عربي‪ ،‬ضم آالت عربية أصيلة‬ ‫مثل العود والناي والقانون إلى جانب آالت إيقاع‬ ‫مختلفة‪.‬‬

‫كان الشيخ حمزة شكور رج ًال ورع ًا يحمل لقب ًا‬ ‫ديني ًا‪ .‬رغم ذلك لم يقتصر في فنه على األناشيد‬ ‫الدينية‪ ،‬بل قدم العديد من األغاني الدنيوية‪ .‬في‬ ‫هذه النقطة كان الشيخ يتبع تقاليد فرق الصوفية‬ ‫ً‬ ‫جزءا ال يتجزأ من الطقوس‬ ‫التي تعتبر املوسيقي‬ ‫الدينية‪ ،‬وتنظر إليها باعتبارها وسيط ًا تستطيع‬ ‫الروح عن طريقه التقرب إلى اجلوهر اإللهي‪.‬‬ ‫وكان الشيخ يفضل على نحو خاص االرجتال في‬ ‫ً‬ ‫واحدا من قالئل‬ ‫املوشحات واملواويل والليالي‪ .‬كان‬ ‫يتقنون قواعد الطرب العربي األصيل‪ ،‬وكان يستطيع‬ ‫بحدسه املوسيقي تقدمي أغنيات تتالءم مع احلالة‬ ‫الوجدانية التي يعيشها جمهوره‪ ،‬وبذلك كان يلهب‬ ‫حماس اجلمهور وينتزعه من دنياه انتزاع ًا‪.‬‬

‫سليمان توفيق‬

‫ترجمة‪ :‬صفية مسعود‬ ‫عن موقع «قنطرة»‬

‫‪33‬‬


‫قالوا‬

‫• هناك مفاهيم مغلوطة عن االسالم لدى كثير من قادة الفكر والثقافة‬

‫قالوا‬ ‫االوروبية روج لها املستشرقون الذين ساهموا في صياغة املناهج الدراسية في‬

‫املدارس واجلامعات‬

‫الدكتورة ستاال فان دي ويترنغ‬

‫استاذة الدراسات االسالمية في جامعة امستردام احلرة‬

‫• اوروبا بحاجة اليوم الى استراتيجية بعيدة املدى لتنمية ثقافة احلوار‬

‫ورعايته بني مختلف االديان والثقافت والشعوب‬

‫مصطفى تسيرتش‬

‫املفتي االكبر في البوسنة والهرسك‬

‫• هناك ما يسمى باخلطوط احلمراء في كل ثقافة‪ ،‬ولكن هناك فرقا ً بني أن‬

‫تكون هذه اخلطوط هي القاعدة أو أن تكون هي االستثناء الذي يحاول املثقفون‬ ‫أن يقللوا من مساحته‪ ،‬في ثقافتنا العربية مساحة التابو عالية جدا ً وتكاد‬

‫تقلص املسموح به‪ ،‬سواء كان هذا التابو دينيا ً أو سياسيا ً أو ثقافيا ً‬

‫نصر حامد ابو زيد‬

‫مفكر اسالمي مصري‬

‫• التفاعل ال يعني املماثلة وتقليد االخر في ركائزه وأمناط معيشته‪ ،‬وإمنا‬

‫هو عبارة عن حركة داخلية ـ ديناميكية ـ جتري في عروق اجملتمع واألمة متحفزة‬ ‫للبناء والتطوير‪ ،‬ومتتلك االستعداد النفسي الكافي لتكوين حالة تثا ُقف أو‬

‫تفاعل مع اجلانب احلضاري اآلخر‪.‬‬

‫الدكتورة مريم آيت أحمد علي‬

‫رئيسة قسم العقائد واألديان في جامعة ابن طفيل (املغرب)‬

‫• ال ميكن فصل قضية احلرية الدينية ـ بصفة خاصة ـ عن مبدأ احلرية‬

‫بصفة عامة‪ ،‬كما أن االستبداد بكل صوره ـ دينية كانت‪ ،‬أو سياسية ـ ليس‬ ‫مبعزل عن حالة التردي احلضاري التي وصل إليها العالم اإلسالمي‪ ،‬والعربي منه‬

‫على وجه اخلصوص‪.‬‬

‫الدكتور محمد الحداد‬

‫صاحب كرسي اليونسكو للدراسات املقارنة لألديان‬

‫‪34‬‬


The International Forum for Islamic Dialogue (IFID)

IFID was established in 1994 as a UK based non-profit organization. It is an independent voice calling for an enlightened and modern understanding of Islam. We believe that Muslim democrats can potentially become a stabilizing and a constructive force in developing institutions, modernizing Muslim societies and playing their full role in world peace. The key to a better future for Muslim nations lies in developing interpretations of Islam, Muslim thought and attitudes that are compatible with the contemporary world. IFID was founded by Dr Laith Kubba, who served as it’s first executive director (1994 to 1998). He was succeeded by Dr Mansoor Al-Jamri. IFID’s current director is Dr Najah Kadhim. IFID aims to: • Identify, encourage and introduce new, enlightened Muslim writers to engage in debate and discussion on key Islamic issues and establish a network for the sharing of ideas and experiences on the challenges faced by Muslims today. • Initiate innovative ideas that provoke contemporary Islamic thought and generate much needed debate and dialogue. • Assist and strengthen the efforts of enlight-

ened and liberal Muslim democrats in propagating a modern understanding of Islam and it’s values, focusing on human rights, democracy, pluralism, non-violence, civil rights, modern institutions and in identifying future trends and strategies. IFID Objectives: 1. The "Friday Note" - whereby, concise articles, by known Muslim writers from a number of countries, address contemporary Muslims concerns. These are emailed on Fridays, to our online community. Each year a collection of these articles are published in book form. 2. To improve and update "Islam21.net" Web site. 3. To produce an "educational guide", catering to the needs of Muslims, that is modern, scientific, and flexible - to be used by teachers of religion and by Imams. 4. To publish the quarterly "Islam21" journal, focusing on specific themes. 5. To host Seminars, addressing specific topics relevant to current Muslim reality and to publish and circulate them to individuals and organizations. 6. To publish the quarterly Islam21 Youth, focusing on Muslim Identity from a youth perspective.


‫لمحة عن تاريخ‬ ‫المنبر الدولي للحوار اإلسالمي‬ ‫تأسس المنبر الدولي للحوار اإلسالمي في العام ‪1994‬‬ ‫كمنظمة غير ربحية‪ ،‬متخذا من العاصمة البريطانية لندن مقرا‬ ‫رئيسا له‪.‬‬ ‫والمنبر صوت مستقل يدعو إلى فهم اإلسالم بنحو متن ّور‬ ‫وعصري‪ .‬ذلك إننا نعتقد أن بوسع المسلمين الديمقراطيين أن‬ ‫يصيروا قوة استقرار وبناء لتطوير مؤسسات عامة‪ ،‬ومجتمعات‬ ‫مسلمة حديثة‪ ،‬وان يلعبوا دورا بارزا في إشاعة السالم في العالم‪.‬‬ ‫فمفتاح باب مستقبل أفضل لألمم المسلمة مرتبط بتطوير‬ ‫قراءات عصرية لإلسالم‪ ،‬والفكر اإلسالمي‪ ،‬والموقف المتالئم مع‬ ‫عالمنا المعاصر‪.‬‬ ‫ونعتقد أيضا أن بمقدور المؤسسات العامة الحديثة تطوير‬ ‫مهارات المهنيين‪ ،‬وبهذا تسهم في تحديث المجتمعات‬ ‫المسلمة‪.‬‬ ‫أسس المنبر الدولي للحوار االسالمي وتولى إدارته التنفيذية‬ ‫الدكتور ليث كبة من العام ‪ 1994‬حتى العام ‪ ،1998‬ليأتي الدكتور‬ ‫منصور الجمري‪ ،‬مديرا تنفيذيا ثانيا‪ ،‬من العام ‪ 1999‬حتى العام‬ ‫‪ .2001‬واآلن يتولى الدكتور نجاح كاظم منصب مديره التنفيذي‪.‬‬

‫من كتّ اب العدد‪:‬‬ ‫ ‬

‫د‪ .‬نجاح كاظم ‬

‫صالح الجورشي ‬

‫ ‬

‫ ‬ ‫عفراء محمد‬

‫عمار علي حسان ‬

‫هاجر القحطاني محمد بن علي المحمود‬ ‫ ‬ ‫توني بلير‬

‫فالح حسن السوداني‬

‫ ‬

‫محمد صادق عبود يوغي سيكاند ‬

‫د‪ .‬طارق سيف ‬

‫عبداللطيف طريب‬

‫ ‬

‫د‪ .‬محمد شحرور د‪ .‬محمد اركون ‬

‫د‪ .‬تركي الحمد ‬

‫عبدالرحمن الحاج‬

‫ ‬

‫لطفي السيوكاني ‬

‫سليمان توفيق‬ ‫‪inquiry@islam21.net‬‬ ‫‪www.islam21.net‬‬

‫‪Al-Rasid Al-Tanweeri P. O. Box: 5856, London WC1N 3XX, United Kingdom Phone: (+44) 20 7724 6260‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.