الراصد التنويري عدد 5

Page 1

‫مسلمو الغرب والهوية‬ ‫االخر في القرآن‬ ‫االسالم والغرب‬ ‫رؤية االسالميين للعالم‬ ‫الهوية والمثاقفة‬ ‫عرب الغرب‬ ‫نشاطات‬ ‫المسلمون في بريطانيا‬ ‫الذات المفكرة والتراث‬ ‫وثيقة اليونسكو والتعددية‬ ‫متابعات مغاربية‬ ‫اصدارات‬


‫مهمة المنبر الدولي‬ ‫للحوار اإلسالمي‬

‫األهداف الرئيسية للمنبر الدولي‬ ‫للحوار اإلسالمي‪:‬‬

‫يتبنى المنبر الدولي للحوار اإلسالمي‬ ‫‪ IFID‬االلتزام بالحث على نهوض‬ ‫المجتمعات المسلمة من خالل تشجيع‬ ‫القراءة العصرية فيهـا‪ ،‬والدفع باتجاه‬ ‫العلوم والتثقيف‪ .‬ويهدف المنبر إلى‬ ‫إحيـــاء روح المبـادرة وتشجيع النشاطات‬ ‫الفكرية والتربوية‪ ،‬التي تفضي إلى نمو‬ ‫منظومة عقلية حديثة يرتجى منها إيجاد‬ ‫حلول لقضايا اجتماعية واقتصادية‬ ‫وأخالقية يشهدها عصرنا الحالي‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ فكريا‬ ‫• تحريك وتطوير وتوفير أفكار جديدة؛‬ ‫وتوليد حوار ديناميكي تشتد الحاجة‬ ‫إليه في عصرنا هذا‪.‬‬ ‫ • تقديم ُكتّاب جدد ومفكرين بغية‬ ‫تنشيط نقاش جاد في قضايا‬ ‫الملحة‪.‬‬ ‫المسلمين‬ ‫ّ‬ ‫• توثيـق‪ ،‬وإصـدار ونشـر مطبوعات‬ ‫فكرية وتربوية‪.‬‬ ‫• العمل من أجـل إنشاء شبكة عالمية‬ ‫من المفكـرين والمؤسسات‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ تربويا‬ ‫• توعية الفرد المسلم بالقيم المدنية‬ ‫والديمقراطية‪ ،‬ونهج التسامح‬ ‫والالعنف‪.‬‬ ‫• تدريب الشباب المسلم‪ ،‬والقادة‪،‬‬ ‫والمعلمين‪ ،‬على القيم المدنية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫• إنشاء شبكة عالمية للنشطاء‬ ‫المسلمين المدنيين‪.‬‬ ‫إيجازا‪ ،‬يتمثل هدف هذا المنبر في‬ ‫إرساء فكر إسالمي إنساني‪ ،‬وديمقراطي‬ ‫عـن طريـق إدامة وتطوير حوار دينامكي‬ ‫في القضايا االجتمـاعيـة واألخـالقيـة‬ ‫ذات الصلة‪.‬‬

‫> التعريف بالكتاب اإلسالميين المستنيرين وتشجيعهم وإتاحة‬ ‫منبر لهم لعرض فكرهم ومن ثم دفعهم إلى نقاش حول القضايا‬ ‫اإلسالمية الرئيسية المطروحة على الساحة‪ ،‬أي تكوين شبكة‬ ‫من العقول واألقالم اإلسالمية بهدف النقاش وتبادل األفكار‬ ‫والخبرة حول أهم التحديات التي تواجه المسلمين اليوم وأهم‬ ‫احتياجاتهم‪.‬‬ ‫> طرح أفكار جديدة خالقة ورائدة إلعمال الفكر اإلسالمي المعاصر‬ ‫وتوليد جدل ونقاش تمس إليه الحاجة في عالم المسلمين‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫> تعزيز ودعم ومساندة الجهود التي يقوم بها اإلسالميون‬ ‫المستنيرون ذوو الفكر الحر نحو قراءة وفهم عصريين لإلسالم‬ ‫وقيمه المتعلقة بقضايا مثل حقوق اإلنسان والديمقراطية‬ ‫والتعددية ونبذ العنف‪ ،‬والحياة العامة والحقوق المدنية‬ ‫والمؤسسات الحديثة والدراسات اإلسالمية في المستقبل‪،‬‬ ‫وأسلحة الدمار الشامل وغيرها‪.‬‬

‫األنشطة الرئيسة للمنبر الدولي للحوار اإلسالمي‪:‬‬ ‫> إطالق مشروع "مقاالت الجمعة"‪ ،‬وهو عبارة عن إرسال مقاالت‬ ‫مختصرة ولكنها مكثفة بآقالم مجموعة من الكتاب اإلسالميين‬

‫ ‬

‫> ‬

‫> ‬ ‫> ‬ ‫> ‬

‫> ‬

‫المعروفين من عدد من الدول اإلسالمية تتعرض بالنقد والتحليل‬ ‫لهموم المسلمين المعاصرة‪.‬‬ ‫وتُرسل هذه المقاالت عبر شبكة المعلومات الدولية اإلنترنت إلى‬ ‫البريد اإللكتروني لمجموعة مختـــارة ولكنـــها كبيرة العدد‬ ‫من المشتركين‪ .‬وفي نهاية كل عام تٌجمع هذه المقاالت بين‬ ‫دفتي كتاب‪.‬‬ ‫تعديل وتحسين وتحديث موقع «‪ »islam21.net‬على شبكة‬ ‫المعلومات الدولية اإلنترنت‪ .‬ويشمل هذا التحديث الجوانب‬ ‫الفنية والمحتوى والدعاية للموقع والروابط الخاصة بمواقع‬ ‫مماثلة والتي يمكن إضافتها للموقع‪.‬‬ ‫االنتهاء من وضع "دليل تعليمي" حديث وعلمي ومرن يآخذ بعين‬ ‫االعتبار االحتياجات التعليمية للمسلمين‪ ،‬من أجل أن يستخدمه‬ ‫األئمة ومعلمو التربية الدينية‪.‬‬ ‫نشر فصلية «‪ »islam21‬والتي تتناول موضوعات معينة بقدر من‬ ‫التركيز‪.‬‬ ‫استضافة منتديات النقاش التي يتحدث فيها مفكرون إسالميون‬ ‫عن موضوعات معينة تخص واقع المسلمين في وقتنا الراهن‪.‬‬ ‫وسيتم طبع محاضر هذه المناقشات وتوزيعها على مجموعة‬ ‫معينة من األفراد والمنظمات‪.‬‬ ‫نشر فصلية «‪ »islasm21 Youth‬والتي تركز على الهوية اإلسالمية‬ ‫من منظور الشباب‪.‬‬


‫دورية تعنى برصد الفكر التنويري االسالمي‬ ‫العدد ‪ / 5‬صيف ‪2009‬‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫د‪ .‬نجاح كاظم‬

‫هيئة التحرير‬

‫هاجر القحطاني (المملكة المتحدة)‬ ‫فالح حسن السوداني (العراق)‬

‫عبد اللطيف طريب (المغرب)‬

‫االخراج الفني‪:‬‬ ‫رياض راضي‬

‫من مهام المنبر‪:‬‬

‫في هذا العدد‬

‫تأسيس فكر انساني دميقراطي واسالمي من‬ ‫خالل احلفاظ على احلوار الفاعل وتطويره‬ ‫لوحة الغالف‪:‬‬

‫حروفية للفنان السوري‬ ‫خالد الساعي‬

‫‪Al-Rasid Al-Tanweeri‬‬ ‫‪P. O. Box: 5856‬‬ ‫‪London WC1N 3XX‬‬ ‫‪United Kingdom‬‬

‫عالقة االسالم بالغرب وافاقها املستقبلية‪ .........................................‬ص ‪6‬‬ ‫من االحياء الى كيفية التعامل مع االخر ‪ . .........................................‬ص‪10‬‬ ‫اممية اسالمية ام هوية امة‪...................................................................‬ص ‪11‬‬ ‫صورة االسالم في االعالم الغربي ‪.........................................................‬ص ‪12‬‬ ‫د‪ .‬محمد شحرور في «جتفيف منابع االرهاب» ‪...................................‬ص ‪16‬‬ ‫املسلمون في بريطانيا عبر القرون ‪.....................................................‬ص ‪21‬‬ ‫اعادة اسلمة اوساط املهاجرين في فرنسا ‪ . ......................................‬ص‪22‬‬

‫‪Phone:‬‬ ‫‪(+44) 20 7724 6260‬‬ ‫‪inquiry@islam21.net‬‬ ‫‪www.islam21.net‬‬ ‫‪islam21.net‬‬

‫التاريخ والتعددية‬

‫الموسيقى الروحية‬

‫االسالم والبيئة‬

‫للمراسلة‬

‫ص‪5‬‬

‫ص ‪28‬‬

‫ص ‪32‬‬

‫‪jamal@islam21.net‬‬


‫مبتدأ الكالم‬

‫مسلمو الغرب والهوية‬ ‫لعل السؤال االهم الذي يطرحه املسلمون في الغرب بقوة هو‪:‬‬ ‫من نحن؟ ويرتبط السؤال‪ ،‬بصورة واخرى بالهوية‪ ..‬اذن ما تعريف‬ ‫الهوية؟‬ ‫تتشكل الهوية االنسانية نتيجة التفاعل بني العقل والسلوك‪ ،‬اي‬ ‫ان االفكار داخل العقل ستعبر عن ذاتها بسلوك معني في الوقت الذي‬ ‫ستؤدي فيه محاوالت تغيير الواقع الى ظهور حتديات ومشكالت تتعلق‬ ‫باستجابة العقل لهذه االفكار‪ ،‬مبعنى التجديد حلالة تغير متصل‪ .‬ومن‬ ‫شأن هذا يجعل الهوية متسقة ومستندة الى مكونات ثابتة او ساكنة‬ ‫واخرى متغيرة‪ .‬فالعناصر الثابتة في هوية املسلم او املسلمة‪ ،‬سواء كان‬ ‫ً‬ ‫حاضرا او قبل نصف قرن‪ ،‬لم تتغير البتة‪ .‬واملسلم الطائع لربه‬ ‫االمر‬ ‫يصلي‪ ،‬كواجب‪ ،‬خمس مرات‪ ،‬وهو يفعله املسلمون منذ اكثر من الف‬ ‫عام دون ان يحدث على تلك العبادة اي تعديل او تغير‪.‬‬ ‫اما العناصر املتحركة فتمثل التغير في البيئة االسالمية او الظروف‬ ‫التي حتيط باملسلمني في حياتهم اليومية من ملبس ومأكل وتكنولوجيا‬ ‫وجغرافيا ومعلومات وبيانات وغيرها‪ .‬لهذا تنزع نظرة املسلمني الى‬ ‫انفسهم نحو تصور مثالي للهوية يعتبرها مكتملة بالفعل في شكلها‬ ‫النهائي‪ ،‬ليس بوصفها صيغة لم تكتمل بعد‪.‬‬ ‫الهوية عملية ديناميكية تتعلق بعامل الزمن وتتغير وتتفاعل مع‬ ‫التغيرات احلاصلة حولها واملتفاعلة معها‪ ،‬اضافة الى ذلك فالهوية‬ ‫قضية مركبة وليست وحدة متراصة‪ .‬وخالل عملي اجلامعي هويتي‬ ‫العملية هي االكادميية‪ ،‬وفي املساء اتابع نشرات االخبار من االقنية‬ ‫العربية ً‬ ‫نظرا خللفيتي االثنية‪ ،‬كما اؤدي واجباتي الدينية الني مؤمن‬ ‫بالدين االسالمي‪ ،‬واسافر في الوقت ذاته حول العالم بجواز سفر‬ ‫بريطاني كوني بريطاني اجلنسية‪ .‬وفي هذا االطار فالتناغم بني تلك‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن‬ ‫الهويات املتعددة يدفع نحو اداء دور مركب متناسق بينها‬ ‫الصراع والتناحر‪.‬‬ ‫السؤال الثاني الذي يتوجب طرحه هو‪ :‬هل انتمي الى بريطانيا‬ ‫او الغرب؟ واجلواب يتمثل بأن بريطانيا او الغرب ينتمي لي‪ ،‬حيث‬ ‫ً‬ ‫كثيرا من املفاهيم والقيم االوروبية اشتقت من املفاهيم االسالمية‪،‬‬ ‫ان‬ ‫كما نرى في العقالنية البن رشد‪ ،‬او حرية التفكير والتعددية‪ ،‬ومن هذا‬ ‫املنطلق يجعل من اسالمية الفرد او اجلماعة متصلة‪ ،‬بشكل وباخر‪،‬‬ ‫بالهوية االوروبية الغربية‪ ..‬ومبعنى اوضح اسالمية الفرد ال تع ّرف‬ ‫بالتضاد ونفي االخر‪.‬‬ ‫نختلف الن االختالف امر طبيعي في احلياة‪ ،‬وحتى داخل اوساط‬ ‫املسلمني‪ ،‬اذ يدعو قسم من املسلمني للبحث عن االختالف بشكله‬ ‫االستقطابي او التضادي السباب خلفيتها سياسية‪ .‬لذا فاالسالم يحث‬ ‫على العيش املشترك واهمية املساحة املشتركة‪ ،‬كما ان حركة التماثل‬ ‫‪4‬‬

‫واالتساق على شكل املوجة ليست حالة صحية في املجتمع الذي يتمتع‬ ‫بخواصه او حالته السائلة‪.‬‬ ‫السؤال االخر املتعلق بالهوية هو‪ :‬ملاذا نبحث عن االنفصال او‬ ‫العزلة في الغرب؟ هل العتقادنا بأن نظام اخالقنا متميز‪ ،‬او لعدم‬ ‫تلويث امياننا عند االختالط بغير املسلمني‪ ،‬او الننا سيكولوجي ًا لم‬ ‫نغادر موطن والدتنا او خلفيتنا الثقافية‪ ..‬او النها الية دفاع ذاتية‪،‬‬ ‫لذا نفضل حياة الغيتو واالنعزال‪.‬‬ ‫تعاني اوساط اجلالية املسلمة الكثير من املشاكل االخالقية والغش‬ ‫والتحايل واالغتصاب‪ ،‬كما هو احلال مع بقية البشر‪ ،‬كما ان التراث ذو‬ ‫اهمية بالغة للفرد او املجتمع‪ ،‬غير ان التراث الذي ال يتجدد بالتغيير‪،‬‬ ‫باعتبار التغيير جوهر احلياة‪ ،‬يصبح عادة خارج الزمان واملكان‪ ،‬جامد‬ ‫ومفصول عن املجتمع وحاجاته‪.‬‬ ‫وعلى هذا االساس تطورت الشريعة في القرون الوسطى ولم تصبح‬ ‫تراث ًا‪ ،‬حيث ظلت احكامها وقوانينها التي طورت من قبل البشر‬ ‫آنذاك‪ ،‬كما هي اليوم‪ ،‬االمر الذي ادى الى التناقض والعنف وغيرها‬ ‫من الظواهر السلبية التي نراها اليوم في عالم املسلمني‪.‬‬ ‫البد من القول ان القراءة االسالمية في عصرنا قائمة على ثوابت‬ ‫فقهية وليست قرآنية‪ .‬فالقرآن مع التعددية مثلما تشير العديد من‬ ‫اياته‪ ،‬وهو مع احلرية كما في كلماته الواضحة‪.‬‬ ‫التكامل (وليس االندماج) مع املجتمع االوروبي يعني االميان‬ ‫بثوابت القرآن في احلرية وترسيخ كرامة االنسان وتعليمه ورعايته‪.‬‬ ‫واالهم ما في التكامل هو االنشغال في الشأن العام‪ ..‬اي الفعل او‬ ‫العمل وليس الصوت‪ ،‬كما يعني االرتباط مع االخر وقضاياه العامة‪.‬‬ ‫وعدم االنشغال بالشأن العام يعني انتفاء احلضور الضروري للمسلمني‬ ‫اليجاد حلول لكثير من املشاكل ويعزز بالتالي غيابهم الواضح في‬ ‫مجاالت السياسة وامليديا والقانون وغيرها‪.‬‬ ‫واجلدير ذكره ان التعامل مع الشأن العام هو احد مصادر القوة‬ ‫كونه يعني مساواة املسلمني مع االخر ذهني ًا ونفسي ًا وعقلي ًا‪ .‬وجانب من‬ ‫دورهم في السعي الكتساب القوة هو قبولهم بفكرة التساوي‪ ،‬خاصة‬ ‫في الدول التي ميثلون فيها االقلية‪ ،‬االمر الذي يكسب املسلم احترام‬ ‫الذات الذي يؤدي بدوره الى امتالك القوة‪.‬‬ ‫وتأسيس ًا على ذلك فان امام املسلمني خطوات مهمة المتالك‬ ‫اسباب القوة بد ًال من انتظارها من االخرين‪ ،‬اذ بوسع االخر ان يجردهم‬ ‫من اسباب القوة متى شاء حتت مسميات ويافطات عدة‪.‬‬

‫نجاح كاظم‬


‫رأي‬

‫األزمنة التاريخية واختبار التعددية‬ ‫هناك من أعلن عن نشوء تاريخ وحضارة ضمن أفق جديد‬ ‫تمكنت النهضة العربية من استغالل التاريخ المفتوح للتعبير عن ذاتها‬ ‫جاء احلوار الفكري املعمق‪ ،‬الذي دار بني باحثني‬ ‫أملان وآخرين منتمني إلى بلدان مختلفة في مدينة‬ ‫إرالنفن األملانية (ذات الهوية اجلِهو ّية الفرانكية)‪،‬‬ ‫بنتائج أو بنتيجة مرموقة واحدة على األقل؛ نبني‬ ‫احلوار الذي أثرناه أمام أولئك بعد تقدمي مداخلة‬ ‫موسعة في إطار أعمال جتمع أكادميي ُيعقد هناك‬ ‫منذ حني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كان السؤال التالي مدخال للمداخلة‪ ،‬وذلك هو‪:‬‬ ‫هل ما زالت مسألة تعددية األزمنة التاريخية موضع‬ ‫اهتمام من ِقبل املؤرخني والباحثني في الدراسات‬ ‫املنهجية التاريخية‪ ،‬خصوص ًا بعد ظهور َم ْن أعلن‬ ‫عن نشوء تاريخ وحضارة ضمن أفق أو بداية جديدة‪،‬‬ ‫ب ما سبق احلدث الكبير املمثل بـ «النظام العاملي‬ ‫جت ّ‬ ‫اجلديد»؟ ويكفي هنا أن نشير إلى هنتجنتون في‬ ‫«صراع احلضارات» وإلى فوكوياما في «نهاية‬ ‫التاريخ وبداية التاريخ اجلديد احلقيقي» مبثابتهما‬ ‫مثالينْ معاصرين بارزين على ما نحن بصدده‪.‬‬ ‫لقد انطلقت أصوات جديدة يعلن أصحابها أن‬ ‫عصور التشتت التاريخي دخلت مرحلة استنفادها‬ ‫مع بداية التيار العاملي اجلديد‪ ،‬الداعي إلى اإلقرار‬ ‫ً‬ ‫أخيرا دون مكابرة ـ بحالة جديدة في العالم حتمل‬ ‫ـ‬ ‫على عاتقها توحيد العالم‪ ،‬على األقل‪ ،‬وفق‬ ‫التصور التالي‪ :‬لم ُينف ورمبا كذلك لن تبقى تعددية‬ ‫األزمنة التاريخية‪ ،‬ولكنها ستجد حالة جديدة ثابتة‬ ‫ومستدمية تتمثل في هيمنة عصر جديد يهيمن‬ ‫عاملي ًا‪ ،‬وال يستفرد العالم‪ .‬أما الهيمنة هذه‪ ،‬فتقوم‬ ‫على أن هذا العصر هو الذي مينح شرعية تواريخ‬ ‫ً‬ ‫فصاعدا من طرف‪ ،‬وأنه‬ ‫شعوب العالم‪ ،‬من اآلن‬ ‫يقدم أيديولوجي ًا ضبط هذه التواريخ من طرف آخر‪،‬‬ ‫فهو مبنظوماته املنهجية والفكرية والسياسيولوجية‪،‬‬ ‫يضع استراتيجية النظر للتواريخ املذكورة راهن ًا‬ ‫ومستقب ًال‪ ،‬ويصل في ذلك إلى حتديد وضبط حتى‬ ‫االختالفات واخلالفات القائمة بينه وبينها‪ ،‬بل هو‬

‫انطلقت أصوات جديدة يعلن‬ ‫أصحابها عن أن عصور التشتت‬ ‫التاريخي دخلت مرحلة استنفادها‬ ‫مع بداية التيار العالمي الجديد‬ ‫الذي يقدم القواعد املناسبة لوضع ذلك في اإلطار‬ ‫العمومي الصحيح كما يراه هو‪.‬‬ ‫وقد جرت مداوالت ومناقشات لتلك األفكار‬ ‫التي ظهرت في مداخالت بعض املشاركني‪ ،‬وكان‬ ‫النموذج العربي قد احتل موقع ًا ملحوظ ًا فيها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مفيدا أن أت ْينا على مرحلة ما قبل التدخل‬ ‫وكان‬ ‫االستعماري احلديث في العالم العربي‪ .‬ذلك ألن‬ ‫اإلقرار مبقولة «النهضة العربية احلديثة» يغدو ممكن ًا‬ ‫انطالق ًا من أن التاريخ العربي احلديث لم يكن بعدُ‬ ‫قد وجد نفسه أمام اجلدار االستعماري العازل عن‬ ‫التدفق التاريخي‪ .‬لقد متكنت تلك النهضة من‬ ‫استغالل اللحظات األخيرة في التاريخ العربي‬ ‫«املفتوح»‪ ،‬فقدمت نفسها وأفصحت عن بعض‬ ‫احتماالتها وآفاقها‪ ،‬قبل أن تتبلور عملية إحكام‬ ‫القبضة عليها‪ ،‬ووضعها أمام طريق يكاد يكون‬ ‫ً‬ ‫مسدودا كلي ًا‪.‬‬ ‫وإذا كان األمر لم ينته إلى «الطريق املسدود»‬ ‫أمام التاريخ العربي‪ ،‬فألن املشروع العربي أتى سابق ًا‬ ‫عليه‪ ...‬هذا ما يراه ويوافق عليه حتى مشككون في‬ ‫هذا املشروع‪ ،‬بدرجة أو بأخرى‪ .‬ولكن ما كان ممكن ًا‬ ‫ومحتم ًال‪ ،‬لم يعد كذلك في عصر الحق هو الذي‬ ‫نعيشه حتت راية «النظام العاملي اجلديد»‪ .‬وهنا تأتي‬

‫الظروف اجلديدة «القاهرة» لتبتلع تلك الشذرات‬ ‫«النهضوية» العربية احلديثة املتبقية‪ ،‬وتطرح أسئلة‬ ‫جديدة يأتي في مقدمتها السؤال التالي‪ :‬هل ثمة‬ ‫من يشكك في اهتزاز تلك «الشذرات» في الواقع‬ ‫كما في الوعي العربي املعاصر‪ ،‬مع ِّب ًرا عنه و ُمج ّ ِس ً‬ ‫دا‬ ‫في مثل احلقول التالية‪ :‬تآكل «الدولة» العربية‪،‬‬ ‫واختراق منظومة القيم األخالقية والسياسية من‬ ‫ِقبل ما ال ُيحصى من حمالت التشهير بالعروبة‬ ‫والتضامن العربي واألمن القومي والوطني‪ ،‬ومبفاهيم‬ ‫التقدم واحلرية والكرامة والعدالة‪ ،‬وبضرورة وأهمية‬ ‫احلفاظ على العائلة املتماسكة والشبيبة ا ِملعطاء‬ ‫امللتزمة بقضايا شعوبها‪ ،‬وباملرأة املكافحة ضد‬ ‫حتويلها إلى مس ّوق للسوق العوملية الكونية ومس ِّوق‬ ‫فيها‪ ،‬وغير ذلك كثير‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬ميكن اإلقرار باهتزاز ذلك كله‪ ،‬وبازدياد‬ ‫لكن‪ ،‬أال نالحظ إرهاصات أولية أولى‬ ‫احلظر عليه‪ْ ،‬‬ ‫لتفكك النظام العاملي اجلديد‪ ،‬في أزمته املالية‬ ‫خصوص ًا‪ ،‬بحيث نرى ـ على األقل ـ آفاقا تاريخية‬ ‫جديدة تظهر كذلك عربي ًا؟!‬

‫د‪ .‬طيب تيزيني‬ ‫عن صحيفة «االحتاد»‬ ‫‪5‬‬


‫دراسة‬

‫عالقة االسالم بالغرب وافاقها المستقبلية‬ ‫ثمة محاوالت لتقريب وجهات النظر بين الشرق االسالمي والغرب‬ ‫تعود أسباب الصراع الى االختالف التام بين أسس المنظومتين‬ ‫من الفائز في سباق املاراثون‪ ...‬املوجة الثانية‬ ‫ام‪ ...‬املوجة الثالثة! االهتمام مبوضوع العالقة بني‬ ‫الغرب والشرق االسالمي‪ ،‬له اولويات ذات داللة‬ ‫تتوقف عليها‪ ،‬نتائج خطيرة‪ ،‬ومصائر كونية‪ ،‬تتمثل‬ ‫في مراكز القوى‪ ،‬وعملية تبادل االدوار‪ ،‬واختالف‬ ‫االساليب والسبل لتحقيق غاية كل طرف‪ ،‬وحسب‬ ‫متطلبات املرحلة التي مير بها هذا الصراع الدائم‪.‬‬ ‫يقول املؤلف‪ :‬ان هذا الكتاب‪ ،‬كان على شكل‬ ‫مقاالت ودراسات ثقافية وفكرية ال تخلو من الطابع‬ ‫السياسي‪ ،‬كتبت ما بني عامي ‪ 1998‬و‪،2001‬‬ ‫ونشر القسم االعظم منها‪ ،‬في مجلة الوحدة التي‬ ‫تصدر باللغة العربية من قبل مؤسسة الفكر االسالمي‬ ‫في العاصمة االيرانية طهران‪.‬‬ ‫وهذه املقاالت والدراسات‪ ،‬قد ال تكون متسلسلة‪،‬‬ ‫من حيث سياقاتها مع بعضها البعض‪ ،‬او من حيث‬ ‫الوقائع واالحداث واالفكار فتالحظ في الفصل‬ ‫االول (رؤى جديدة ما زالت غامضة) املعرفة السلطة‬ ‫اجلديدة‪ ،‬ماركس وتوفلر‪ ...‬نظرات الى العالم‪،‬‬ ‫اندماج وانقسام‪ ،‬العوملة ونهاية التاريخ والتمزق‬ ‫الكبير‪ ،‬اوروبا والواليات املتحدة والعالم متعدد‬ ‫االقطاب‪ ،‬ثورة االنترنت وحتديات القيم الثقافية‪،‬‬ ‫الفساد السياسي وازمة الدميقراطية الليبرالية‪،‬‬ ‫الدين والسياسة والكنيسة في اوروبا‪ ،‬شبح النازية‬ ‫ومعضلة الثقافة االوروبية الشاملة‪ ،‬الثورة الفرنسية‬ ‫واشكاليات الشعارات املطروحة‪ ،‬الفرانكوفونية‬ ‫والعوملة وحتديات الثقافة والسياسة واالقتصاد في‬ ‫الغرب‪ ،‬الغرب والشرق هكذا يقرأ احدهما االخر‪،‬‬ ‫مقاربات بني الثورة البلشفية والثورة االيرانية‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫اما الفصل الثاني (نظرات على االسالم‬ ‫السياسي) والذي يشمل احلركات االسالمية واالسالم‬ ‫السياسي وتعدد القراءات الغربية‪ ،‬اشكالية العالقة‬ ‫بني السلطات احلاكمة واحلركات االسالمية‪ ،‬االقليات‬ ‫املسلمة في الغرب بني التهميش املقصود واالهتمام‬ ‫املدروس‪ ،‬االقليات املسلمة‪ ...‬كيف تتأقلم مع‬ ‫مجتمعاتها‪ ،‬الوجود االسالمي في اوروبا‪ ...‬من‬ ‫حتديات االندماج الى ترسيخ الهوية‪( ،‬االسالم‬ ‫السياسي) معضلة القبول وسالمة التوظيف‪ ،‬وجهات‬ ‫نظر غربية في االسالم واحلركات االسالمية‪ ،‬صور‬ ‫واهداف متعددة لالرهاب‪ ...‬مناذج من الواقع‪،‬‬ ‫النموذج الغربي والنموذج االسالمي‪ ...‬تصادم‬ ‫ام تصالح قرن ميالدي جديد يحمل صورة االمس‬ ‫الغامضة‪( ،‬اشكالية االسالم واحلداثة)‪ ...‬تأمالت‬ ‫في حتديات العصر‪ ،‬عودة الى التاريخ من زاوية‬ ‫اخرى‪ ،‬هل احملكمة االسالمية فكرة قابلة للتطبيق‪.‬‬ ‫اما الفصل الثالث (تناقضات لها دالالت) معوقات‬ ‫التنمية السياسية في العالم االسالمي‪ ،‬الدميقراطية‬ ‫ام التنمية اوال‪ ،‬امتزاج معايير الثقافة بضرورات‬

‫الشرق االسالمي‪ ،‬كان بالنسبة‬ ‫للغرب هو المنجم الذي ال‬ ‫ينتهي‪ ،‬ولما كانت العالقة‬ ‫بينهما مبنية على هذا النهج‬ ‫فمن الطبيعي أن تكون‬ ‫العالقة تصادمًا‬

‫االقتصاد والسياسة‪ ،‬ثقافة التجسس‪ ...‬الوجه االخر‬ ‫حلروب العصر‪ ،‬مراكز الدراسات وموضوعة حقوق‬ ‫االنسان‪ ،‬استئصال املسلمني على يد الهندوس‪...‬‬ ‫منوذج لـ(ماذا)؟ اقليات ال تعرف ماذا تريد‪ ،‬قراءات‬ ‫ورؤى حول السلطة في العالم العربي‪ .‬اما الفصل‬ ‫الرابع (كارثة ‪ 11‬سبتمبر‪ ...‬ملاذا؟) ملاذا من‬ ‫الغرب‪ ...‬ثم الى اين؟ ازمة القرن اجلديد واعادة‬ ‫انتاج القيم‪ ،‬ملاذا غاب منطق العقل في الغرب‪ ،‬لعبة‬ ‫االرهاب‪ ...‬هجمات ‪ 11‬ايلول والتحالفات اجلديدة‪.‬‬ ‫رغم تنوع وتفرع املواضيع لكن سيالحظ القارئ‬ ‫ذلك بعد قراءة متأنية ان ما مييزها هو انها ترتبط‬ ‫بوحدة املوضوع‪.‬‬ ‫فالعالقة بني االسالم والغرب‪ ،‬لم تكن في‬ ‫يوم من االيام قائمة على التبادل والثقة واملصالح‬ ‫املشتركة‪ .‬فالتاريخ يوضح لنا من خالل االحداث‬ ‫واحلروب والكوارث‪ ،‬سواء كانت هذه احلروب الباردة‬ ‫او احلروب املدمرة‪ ،‬ان الشرق االسالمي‪ ،‬كان بالنسبة‬ ‫للغرب هو املنجم الذي ال ينتهي‪ ،‬واحمليط الذي ال‬ ‫ينضب‪ ،‬وملا كانت العالقة بينهما مبنية على هذا‬ ‫النهج واضح املعالم‪ ،‬فمن الطبيعي ان تكون العالقة‬ ‫تصادما وصراعا‪ ،‬وحروبا نفسية‪ ،‬وحروبا علنية‪،‬‬ ‫وحروبا سرية‪.‬‬ ‫ويوضح الكاتب ان سبب هذا التصادم والصراع‬ ‫االزلي هو بسبب االختالف التام بني املنظومة‬ ‫االسالمية في جميع مجاالت احلياة الدنيوية‬ ‫واالخروية‪ ،‬واملنظومة الغربية التي تختلف كل‬ ‫االختالف عنها‪ ،‬وال توجد بينهما نقاط التقاء ميكن‬ ‫االعتماد عليها وجعلها ضمن ارضية الواقع املعاش‪،‬‬


‫واذا كانت هناك محاوالت لتقريب وجهات النظر بني‬ ‫الطرفني‪ ،‬فهي لم تكن مدعاة للتفاؤل حيث متثل حالة‬ ‫استثناء عن القاعدة‪.‬‬ ‫لكن من خالل استطراد الوقائع التاريخية‪ ،‬والغور‬ ‫في اعماق التاريخ احلديث واملعاصر ومن خالل االدوار‬ ‫ومراحل النمو التي مرت وتشكلت للطرفني‪ ،‬وتطورت‬ ‫في صيرورة استمرارية التحوالت الكبيرة في كافة‬ ‫املجاالت‪ ،‬وبهذا يستقري املؤلف فيقول من املنطقي‬ ‫ان نقاط االلتقاء نسبية جدا بالنظر الى مرتكزات‬ ‫املنظومتني اللتني ليس بينهما خط بياني واضح املعالم‬ ‫ينحو الى االلتقاء‪.‬‬ ‫وقد استعرض املؤلف ومن خالل حتليل لالحداث‬ ‫والقضايا املعاصرة التي حتدث في هذا العالم املتناقض‪،‬‬ ‫واستمرارية الصراع القائم باستناده الى وقائع تاريخية‪،‬‬ ‫جرت على ارض الواقع في ذلك الزمن‪ ،‬وما نتج عنها‪،‬‬ ‫من تداعيات وتصاعد في االزمات‪ ،‬وبهذه التحليل‬ ‫املوضوعي يكون هناك‪ ،‬تطابق وتشابه في الرؤى‬ ‫واملؤثرات ما بني احلالتني للصراع‪ ،‬رغم البعد الزمني‬ ‫واختالف الظروف واالمكانيات املتاحة‪ ،‬االستعمار‬ ‫القدمي بأدواته الكالسيكية واالحتالل املباشر للشرق‬ ‫االسالمي‪ ،‬ولكن بعد انتهاء زمن االحتالل املباشر‪ ،‬بدأ‬ ‫زمن االحتالل غير املباشر‪ ،‬واستعمل ادوات واساليب‬ ‫حديثة ومعاصرة تواكب التطور والتحوالت السريعة‪،‬‬ ‫وبدأ يفرض ويبسط نفوذه‪ ،‬من خالل احلوارات والتفاهم‬ ‫ومدارات العوملة وديناميكية احادية التدفق االعالمي‬ ‫املوجهة الى الشرق‪ ،‬واحملطات الفضائية‪ ،‬واالف املواقع‬ ‫على االنترنت‪ ،‬وبهذا اصبحت وحتولت احلروب من حروب‬ ‫تقليدية بدائية الى حروب اعالمية فاقت خطورتها كل‬ ‫احلروب السابقة‪.‬‬ ‫وبهذا يكون التحدث مبا يوافق (ركوب املوجة)‬ ‫وما تفرضه متطلبات العصرنة والعالم الذي اصبح قرية‬ ‫صغيرة كان هذا اجلهد واضحا ومرسوما بدقة واختيارا‬ ‫مالئم هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة اخرى هناك رؤى ونتائج‬ ‫توقعها املؤلف من خالل الصراع القائم‪ ،‬ما يجعل املؤلف‬ ‫يواكب املهمة بكل تفاصيلها واحداثها واحلقيقة يجب‬ ‫ان تقال ان هذه املهمة الصعبة هي من اولويات الكاتب‬ ‫املبدع و(الكاتب السياسي) بشكل خاص‪ ،‬حيث يرد‬ ‫على الكالم‪ ،‬باللغة التي يفهمها املقابل او الضد اي‬ ‫بلغتهم وباملصطلحات املناسبة‪ ،‬ويتبارى معهم على‬ ‫نفس املنوال في الوصول الى الغاية في طرح املفاهيم‬ ‫االسالمية وفق اطر حديثة ومعاصرة تواكب التطورات‬ ‫التي ال حتصى‪.‬‬

‫عبدالحسين علوان الدرويش‬

‫صحيفة «الصباح» البغدادية‬

‫«اآلخر» في الثقافة القرانية‬ ‫في احدى الورشات التدريبية التي يقيمها املنبر الدولي للحوار االسالمي في البلدان العربية‪،‬‬ ‫سالني احد املشاركني‪ :‬اذا كان القران الكرمي يشكل البوصلة االصلح التي تهدي االنسان في رحلة‬ ‫احلياة‪ ،‬فكيف ميكن تفسير جناح اخرين ليسوا مبسلمني وال يعرفون القران‪ ،‬في حياتهم على االرض؟‬ ‫ثم استدرك وان كان في النهاية جناحا نسبيا‪.‬‬ ‫بالنسبة لي كان هذا السؤال اوال مؤشرا على الزاوية التي ينظر منها (بعضنا) الى نفسه‬ ‫(نحن) والى االخر (هم)‪ .‬والى الزاوية التي ينظر منها بعضنا الى (القران الكرمي) باعتباره صك غفران‬ ‫ملن يؤمن بوجوده‪ ،‬وللقوم الذين نزل بلغتهم‪ .‬ال باعتباره كتاب "تذكرة" و"بصائر" وسنن الهية‬ ‫حتمية التحقق تضبط ايقاع حركة االنسان على االرض ومسيرته نحو الغاية التي يعلمها خالق‬ ‫هذا الكون‪ ،‬فال السنن حكر على احد وال الغاية تخص خلقا دون اخرين‪.‬‬ ‫السؤال ايضا ينطوي على التسليم بحتمية االحتكار‪ ،‬احتكار احلقيقة وايضا احتكار النجاة‪.‬‬ ‫فاذا كنا نحن على حق كيف يكون االخر‪ ،‬على الضفة االخرى على حق ايضا؟‬ ‫والواقع ان السؤال االخير صار بديهيا الى درجة تصعب مالحظة انطوائه على تناقض صارخ‬ ‫مع املفهوم القراني للهداية ‪/‬النجاة باعتباره مسارا وصيرورة ال حالة قائمة ناجزة‪ ،‬وباعتباره وعدا‬ ‫للجميع يتحقق في حال استيفاء شروطه‪.‬‬ ‫ورمبا يتبادر الى الذهن سؤاالن هنا‪ ،‬االول عن تعريف "النجاة"؟ والثاني ان كان "االنسان" كنوع‪،‬‬ ‫مؤهال الدراك شروط " النجاة" واسبابها واالخذ بها‪ ،‬دون احلاجة الرشاد من جهة اعلى خلقته وهي‬ ‫اعلم باحواله ومساراته‪ ،‬وبالتالي ان كان مؤهال النتاج معايير ثابتة للسلوك املنسجم مع الغاية‬ ‫التي يسير نحوها؟ واخيرا ‪ :‬من هو احلكم؟‬ ‫الفقرة االخيرة تنطوي على افتراضات عديدة اولها وجود تعريف او باالحرى تعريفات محددة لـ‬ ‫"النجاة" وثانيها ان االنسان اختار "النجاة" وصار واعيا بضرورتها عقليا وثالثها ان االنسان تعرف‬ ‫(ورمبا اتفق) على الغاية التي يسير نحوها وعليها يحدد معاييره للطريق القومي باجتاهها‪.‬‬ ‫قد تتناسل االفتراضات والتساؤالت هنا غير انني لست بصدد االجابة او التوسع فيها‪،‬‬ ‫واوردها في هذا العمود لغاية هي التذكير بان سؤاال ‪/‬يبدو بسيطا‪ /‬ومتداوال كالسؤال الذي طرح‬ ‫في الورشة املشار اليها في مقدمة املقال‪ ،‬كيف ينطوي على رؤية كونية مكرسة حتكم نظرتنا‬ ‫ألنفسنا واآلخر‪.‬‬ ‫عليه‪ ،‬ليس سهال الترويج ملفهوم قبول االخر ورمبا االحتفاء به والدفاع عنه ‪ /‬وليس ازدراء‬ ‫حضوره‪ ،‬دون العودة للمصدر الذي يشكل االطار املفاهيمي لذهن املسلم االن والذي يحدد رؤيته‬ ‫للكون واخللق‪.‬‬ ‫رمبا جتد الدعوة الى مسؤولية الفرد في "التدبر في آيات القران الكرمي" بعض التردد وتعيقها‬ ‫تراكمات من اخملاوف والضوابط اخملتلقة‪ ،‬غير ان ذلك يجب اال مينع اصحاب االختصاص من التحرك‬ ‫باجتاه مراجعة ومالحقة مستمرة للمفاهيم التي ترسم كيف يرى املسلم املعاصر نفسه وما‬ ‫حوله‪ ،‬وذلك مبحاولة متحيص مدى قربها او بعدها عن املفاهيم القرانية‪ ،‬حيث يؤمن املسلمون انه‬ ‫كتاب "الفصل" بينهم‪ ،‬بدل الركون الى التعاريف املكرسة ابنة اجتهادات زمانها ومكانها‪.‬‬ ‫في جواب لي على السؤال املشار اليه في املقدمة طلبت من " املشارك " اوال ان يبحث بنفسه‬ ‫في القران الكرمي عن سنن "الفالح" في احلياة على االرض‪ .‬ثم سألته سؤاال محددا‪ :‬هل تكفي‬ ‫الطبيب معرفته في اسباب االمراض واعراضها كي يكون في منجاة منها؟ وهل مينع غير عارف‬ ‫في اسباب االمراض واعراضها ان يتجنبها باستيفاء شروط احلماية منها بسبب منط حياة سليم‬ ‫نشا عليه مثال؟‬ ‫هذه مقاربة تبسيطية الهدف منها ان يبدل املتدرب الزاوية التي ينظر من خاللها لقوانني‬ ‫"الهداية" في القران الكرمي وان يعيد قراءة مفهوم القران املنزل "للناس كافة"‪.‬‬ ‫رمبا استعرت في هذا العمود الطريقة التي نثير فيها عادة االسئلة في الورشات التدريبية التي‬ ‫نقيمها للشباب املسلم لنقودهم بالتالي الى التفكير التمحيصي والتركيبي حول املفاهيم التي‬ ‫حر يعي جزءا من تركيبته وتداعياتها على سلوك الفرد‬ ‫تؤسس لذهنهم‪ ،‬ساعني الى تنمية ذهن ٍ‬ ‫وحياته‪ ،‬بدل محاولة اعطاء اجابات نهائية قد ال تكون متوفرة في كثير من االحيان‪ ،‬او قد ال تكون‬ ‫هي املقصودة بحد ذاتها‪ ،‬بل الطريق اليها‪.‬‬

‫هاجر القحطاني‬

‫مديرة البرامج املنبر الدولي للحوار االسالمي‬ ‫‪Hajar@islam21.net‬‬ ‫‪7‬‬


‫فكر‬ ‫اإلسالم والغرب‬

‫عدو؟‬ ‫طاولة للحوار أم رحلة للبحث عن ّ‬ ‫أليس من مصلحة الغرب أن يعلم أن ليس كل المسلمين متطرفين؟‬ ‫اتسام الحوار بالندية من الشروط األساسية للتخلص من آليات االمالء‬ ‫كثيرا ما يثار سؤال‪ ،‬ملاذا يكرهوننا؟ فيتم‬ ‫التغاضي عن كل تاريخ املظالم االستعمارية للغرب‬ ‫التي ما زالت اثارها الى االن‪ ،‬بل ما زالت املواقف‬ ‫من قضايا املسلمني تعبر عن حتيز واضح السرائيل‪،‬‬ ‫ووقوف دائم بالضد من املصالح العربية واالسالمية‪،‬‬ ‫كل هذا وغيره الكثير رفع من وتيرة الكراهية في‬ ‫العالم االسالمي ضد الغرب‪ ،‬مع ان االسالم يعلم‬ ‫املسلمني في كل يوم (يا أيها الناس أنا خلقناكم‬ ‫من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوب ًا وقبائل لتعارفوا إن‬ ‫أكرمكم عند الله أتقاكم)‪ .‬وفي آية أخرى (يا أيها‬ ‫الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة‪ ،‬وخلق‬ ‫ً‬ ‫ونساء‪ ،‬واتقوا‬ ‫كثيرا‬ ‫منها زوجها‪ ،‬وبث منها رجا ًال‬ ‫ً‬ ‫الذي تتساءلون به واألرحام‪ ،‬إن الله كان عليكم‬ ‫رقيب ًا) فاالسالم يدعو الى التسامح واحلوار‪ ،‬من‬ ‫منطلق القوة واالنفتاح على االخر‪ .‬واحلوار ينطلق‬ ‫من حلظة الثقة بالنفس وباالخر‪ ،‬من خالل البحث عن‬ ‫املواقف الوسطية التي تبتعد عن االطراف التي هي‬ ‫منطقة ومنطلق التطرف‪ ،‬فضال عن وجود مستلزمات‬ ‫للحوار وارضية مشتركة يجري عليها‪ ،‬فهناك من‬ ‫يتساءل كيف يؤتي احلوار ثماره في العالم اليوم بني‬ ‫الشرق والغرب أو بني الشمال واجلنوب وهو يصاحب‬ ‫الهيمنة واالستعالء‪ ،‬والظلم واجلور‪ ،‬واالحتالل ولغة‬ ‫السالح‪ ،‬إن ذلك يفقد ثقتنا بهذا احلوار‪ .‬وسؤال‬ ‫العالقة بني اإلسالم والغرب فرض نفسه بقوة في‬ ‫هذه املرحلة من مراحل التاريخ‪ ،‬خصوصا بعد أحداث‬ ‫‪ 11‬سبتمبر‪/‬أيلول ‪ 2001‬التي ساهمت في تعميق‬ ‫‪8‬‬

‫هوة اخلالف بني احلضارتني اإلسالمية والغربية‪ ،‬وفي‬ ‫إمداد نظريات الصراع احلضاري والصدام الثقافي‬ ‫عموما بوافر الشرعية وإضفاء صبغة العلمية عليها‪.‬‬ ‫فمنطق الصراع والصدام ينطلق من حتميات زائفة‬ ‫ومواقف ال عقالنية في الفكر والثقافة والسياسة‪.‬‬ ‫مستلزمات الحوار‬

‫كيف ميكن ان يكون احلوار في ظل التحيز‬ ‫واإلرهاب والعدوانية؟ وهل يكون البديل االنكفاء‬ ‫والتقوقع والعزلة؟ ان الواقع املوضوعي يحتم احلوار‪،‬‬ ‫واملنطق العقالني واالنساني يدعو للحوار‪ ،‬لكن‬ ‫كيف يكون احلوار في ظل كل املعطيات الدولية‬ ‫التي تسير نحو الهيمنة‪ ،‬وانفراد قطب واحد يريد‬ ‫ويسعى الى فرض ثقافته ومخرجاتها على العالم‪،‬‬ ‫وان استدعى ذلك استخدام القوة‪ .‬لكن مع كل هذا‬

‫عقدة الحادي عشر من سبتمبر‬ ‫أيلول ‪ 2001‬ما زالت تحكم‬ ‫العقلية الغربية وستبقى الى‬ ‫فترة قادمة‪ ،‬حتى ان تأثيرها‬ ‫امتد الى صياغة أسس جديدة‬ ‫للعالقة الخارجية الغربية مع‬ ‫العرب والمسلمين‬

‫فان طرفي املعادلة (االسالم والغرب) ال ميكن ان‬ ‫يستغنيا عن احلوار‪ ،‬اذ يقول ادورد سعيد (عالم‬ ‫االسالم اقرب الى اوروبا من كل ما عداه من األديان‬ ‫غير املسيحية‪ ،‬وقد اثار قرب اجلوار هذا‪ ،‬ذكريات)‬ ‫من هنا يصبح ضروريا تخفيف حدة التوتر على‬ ‫املستوى السياسي ـ النفسي واملساعدة على ازالة‬ ‫التحيزات املتبادلة‪ .‬وال بد من االعتراف بالتنوع‬ ‫والتعددية لدى اجلانبني بيد ان اتسام احلوار بالندية‬ ‫شرطا أساسيا للتخلص من آليات اإلمالء وفرض‬ ‫الوالية‪ ،‬ورفض اخلطاب العمودي الوعظي الذي يدعي‬ ‫التفرد بامتالك احلقيقة‪ ،‬وبالتالي ال يصبح هناك من‬ ‫هو فوق ومن هو حتت واالبتعاد عن الهيمنة وإلغاء‬ ‫املختلف‪ .‬فضال عن اعتماد نقد الذات والنفس‬ ‫والثقافة واملواقف املسبقة‪ ،‬واال ما معنى ان يبقى‬ ‫الغربيون يشعرون إنهم مهددون من قبل املسلمني‬ ‫ومن الثقافة ذات الصبغة اإلسالمية‪ ،‬واملسلمون‬ ‫يبادلونهم الشعور نفسه‪ .‬ان عقدة احلادي عشر من‬ ‫سبتمبر أيلول ‪ 2001‬ما زالت حتكم العقلية الغربية‬ ‫وستبقى الى فترة قادمة‪ ،‬حتى ان تأثيرها امتد الى‬ ‫صياغة أسس جديدة للعالقة اخلارجية الغربية مع‬ ‫العرب واملسلمني‪ ،‬حيث اعتبرت مفصل مهم يفصل‬ ‫بني عهدين من العالقات اخلارجية‪ ،‬وكذلك برزت‬ ‫احلاجة الى ضرورة وضع أسس جديدة للعالقة واحلوار‬ ‫تختلف عن تلك األسس التي كانت قبل احلادي‬ ‫عشر من سبتمبر أيلول‪ .‬كيف نستطيع ان نردم هذه‬ ‫الهوة املليئة بالشك والريبة بني الطرفني من أين جنلب‬


‫الثقة لنبعثها في قلوب ونفوس املتحاورين؟‬ ‫الذاكرة التاريخية‬

‫ان الوقائع التاريخية مليئة مبا ينغص هذه‬ ‫العالقة‪ ،‬فالكثير من احلوادث التاريخية التي متأل‬ ‫الذاكرة في عالقات الشد واجلذب والذكريات التي‬ ‫تبدأ من احلروب الصليبية وال تنتهي باالستعمار‬ ‫األوروبي في القرنني التاسع عشر والعشرين‪ ،‬ان‬ ‫العالقة بني الغرب واملسلمني تختزن في ذاكرتها‬ ‫الكثير من ذكريات االحتالل ونهب الثروات التي‬ ‫مارسها بعض احملتلني‪ ،‬لكن هل نبقى أسيري هذه‬ ‫الذاكرة وحلظاتها التاريخية‪ .‬ال بد لنا من ان نبرز‬ ‫ثقافة التسامح وقبول املختلف في ثقافتنا‪ ،‬من‬ ‫خالل رفض مواقف التطرف والعداء والكراهية لكل‬ ‫ما هو غربي‪ ،‬ونتساءل كيف ستكون حياتنا لو لم‬ ‫يكن هناك املنتج احلضاري الغربي ابتداء من الطعام‬ ‫وامللبس واملسكن واملواصالت واالتصاالت‪ .‬أليس‬ ‫من املصلحة للغرب وألوروبا ان تعلم ان ليس كل‬ ‫املسلمني أصوليني وكل املسلمني اسامة بن الدن؟ وان‬ ‫ما يقوم به بن الدن يرفضه املسلمون النه يستهدفهم‬ ‫أيضا‪ ،‬وان ما يسميه بن الدن فتوحات وغزوات‬ ‫نيويورك وواشنطن (إشارة الى إحداث احلادي عشر‬ ‫من سبتمبر أيلول) يسميه املسلمون أعما ًال إرهابية‬ ‫ال تقدم أي شيء لقضايا املسلمني بل تسيء لهذه‬ ‫القضايا‪ .‬ان املسلمني ال يسعون الى إعادة انتاج‬ ‫الفتوحات اإلسالمية املغروسة في ذاكرة األوروبي‬ ‫والتي متثل للعقل األوروبي (ان دخول املسلمني‬ ‫وفرسانهم سيخرب باريس وبرلني ولندن) من هنا‬ ‫علينا ان نفهم من ثم ننقل هذا الفهم الى االخر‪،‬‬ ‫ان ذلك العصر قد ولى وليست هناك غزوات اال‬ ‫في اذهان املخبولني املوبوئني بالكراهية واحلقد‪.‬‬ ‫وحتى يفهم الطرفان احدهم اآلخر ال بد ان نقول إن‬ ‫الطقوس الدينية وما يرافقها من مظاهر (التأسلم)‬ ‫او التنصر او التهود هو سلوك شخصي يخص الفرد‬ ‫وحده وهو الذي يختاره وعلينا في اجلانبني ان نحترم‬ ‫هذا اخليار ونحميه مهما كان هذا االختيار‪ ،‬شرطنا‬ ‫األساس في هذا عدم التجاوز على حريات وخيارات‬ ‫اآلخرين‪ ،‬فاحلجاب مثال هو خيار شخصي للمرأة ال‬ ‫ميكن ان يفرض عليها سواء احتجبت او أسفرت‪.‬‬ ‫ونقصد هنا حرمان املسلمات من احلجاب في بعض‬ ‫املدن االوروبية‪.‬‬ ‫بعد سقوط االحتاد السوفيتي وخلو الساحة من‬ ‫العدو‪ ،‬كتب البروفيسور (صمويل هنتينغتون) أستاذ‬ ‫علم احلكومات ومدير مؤسسة جون أولني للدراسات‬

‫االستراتيجية بجامعة هارفرد دراسة استراتيجية‬ ‫بعنوان‪( :‬املصالح األمريكية ومتغيرات األمن)‬ ‫وقد نشرت في املجلة نفسها في عددها الصادر‬ ‫في حزيران (يونيو) ‪ .1993‬توقع بأن الصدام بني‬ ‫احلضارات هو الذي سيسيطر على السياسة العاملية‪،‬‬ ‫حيث تشكل حدود هذه احلضارات ساحات القتال‬ ‫املقبل‪ .‬وان اخلالفات بني احلضارات ليست فقط‬ ‫حقيقية بل هي ايض ًا اساسية فاحلضارات تختلف‬ ‫عن بعضها في التاريخ واللغة والثقافة والعادات‬ ‫واهم من ذلك كله الدين‪ .‬هذه اخلالفات هي ثمرة‬ ‫قرون ولن تختفي سريع ًا وهي أعمق واهم من أية‬ ‫خالفات سياسية او أيديولوجية او حتى خالفات‬ ‫النظم السياسية‪ ،‬بل ان اخلالفات الثقافية والدينية‬ ‫هي التي تخلق اخلالفات السياسية‪.‬‬ ‫ان الصدمات األخيرة التي تعرضت لها العالقة‬ ‫بني الغرب واإلسالم‪ ،‬والتي يقع في املقام األول منها‬ ‫أحداث احلادي عشر من سبتمبر لم تصدم بترويعها‬

‫ال بد لنا من ان نبرز ثقافة‬ ‫التسامح وقبول المختلف‬ ‫في ثقافتنا‪ ،‬من خالل رفض‬ ‫مواقف التطرف والعداء‬ ‫والكراهية لكل ما هو غربي‪،‬‬ ‫ونتساءل كيف ستكون حياتنا‬ ‫لو لم يكن هناك المنتج‬ ‫الحضاري الغربي‬ ‫الواليات املتحدة فحسب‪ ،‬بل كانت مؤشرا أيضا‬ ‫على بداية عصر جديد‪ ،‬حيث شهدنا في أعقابها‬ ‫احلملة ضد اإلرهاب‪.‬‬ ‫يقول بول ماري دوالغورس رئيس حترير‬ ‫مجلة الدفاع الوطني الفرنسية واحد كبار احملللني‬ ‫الفرنسيني ( ينطلق االوروبيون في تعاملهم مع‬ ‫الظاهرة اإلسالمية عموما من خلفيات ثقافية‬ ‫وتاريخية ومن معطيات التقارب اجلغرافي‪ ،‬وفي‬ ‫العموم يخشى الفرنسيون واالوروبيون الظاهرة‬ ‫اإلسالمية ويعتبرونها تهديدا خطيرا‪ .‬وكان جلهات‬ ‫ً‬ ‫أدوارا معروفة في تأجيج وزراعة روح‬ ‫غربية كثيرة‬ ‫الكراهية واحلقد ضد كل ما هو مسلم او عربي‪،‬‬ ‫صحيح ان من قام بالعمل اإلرهابي كلهم مسلمون‬

‫ولكن ليس معقوال ان تكون الدول اإلسالمية كلها‬ ‫مسؤولة عن هذا العمل‪ ،‬فلو كان من قامت به منظمة‬ ‫بادر ماينهوف مثال هل ان أملانيا مسؤولة؟ او اذا‬ ‫قام به اجليش األحمر الياباني هل ان اليابان مسؤولة‬ ‫او اذا كانت منظمة األلوية احلمراء اإليطالية‪ ،‬او‬ ‫اجليش اجلمهوري االيرلندي السري‪ ،‬هل تساءل هذه‬ ‫الدول‪ .‬ولكن وسائل األعالم الغربية انساقت وراء‬ ‫هذه املوجة حتى قالت صحيفة اللوموند الفرنسية‬ ‫(كلنا أمريكيون) وهكذا مت استعداء الغرب كله ضد‬ ‫املسلمني كلهم‪ ،‬فتعرض الكثير من العرب واملسلمني‬ ‫الى االعتداء او الطرد من الدول الغربية او التضييق‬ ‫عليهم في املطارات واملنافذ احلدودية وفرضت شروط‬ ‫إضافية على من يريد اإلقامة‪ .‬أمام كل هذا البد من‬ ‫طرح عدة تساؤالت‪:‬‬ ‫هل اإلسالم او العرب هو من قام باعتداء احلادي‬ ‫عشر من سبتمبر؟ املسلمون ليسوا دعاة صراع‪،‬‬ ‫كذلك فهم ال يريدون االنغالق والنكوص‪ ،‬واذا‬ ‫كانت آلية االنغالق والنكوص هي الية من اليات‬ ‫الدفاع عن الهوية‪ ،‬فان عبد الوهاب املسيري عالج‬ ‫في كتابه (احلداثة وما بعد احلداثة) مفهوم الهوية‬ ‫بوصفه ليس حصنا لالنغالق عن االخر‪ ،‬ولكنه‬ ‫مفهوم يأخذ بعني االعتبار ثوابت الوجود ومتغيراته‬ ‫ويفتح الوجود على احلياة بتغيراتها وتواترها‪ ،‬وترى‬ ‫الباحثة سماح احمد فريد ان (ثقافة احلوار احد‬ ‫مقومات االبداع الثقافي الذي دعت اليه الكثير من‬ ‫احملافل الدولية قصد جتنب كوارث الصدام احلضاري‬ ‫وردا على بعض النظريات واالجتاهات التي نادت‬ ‫بصدام احلضارات‪...‬‬ ‫ان التقاء احلضارات في حد ذاته ضرب من‬ ‫ضروب االبداع الثقافي ال ميكن جتنبه او الغض من‬ ‫اهميته)‪.‬‬ ‫ومن هنا فعلينا كعرب ومسلمني ان نفهم تداخالت‬ ‫األمور‪ ،‬وعلى الغربيني من جانبهم ان يقوموا بالدور‬ ‫نفسه حتى نكون فهما متبادال لبعضنا البعض‪،‬‬ ‫وهذا ما ال ميكن حتقيقه بني ليلة وضحاها‪ ،‬بل‬ ‫يحتاج الكثير من احلوار والعمل اإلعالمي والثقافي‬ ‫من اجل التنسيق إلقامة عالقة متكافئة‪ ،‬ونؤسس‬ ‫لهذه العالقة أيضا منظمات املجتمع املدني التي‬ ‫تقدم دعما للعالقات السياسية والثقافية‪ ،‬وتكثيف‬ ‫ً‬ ‫دورا ووسيلة‬ ‫التفاعل واحلوار جدير بان يلعب‬ ‫مساعدة في تضييق الفجوة بني اجلانبني‪.‬‬

‫شمخي جبر‬

‫صحيفة «الصباح» البغدادية‬ ‫‪9‬‬


‫وجهة نظر‬

‫رؤية اإلسالميين للعالم ‪...‬‬

‫من االحياء الى كيفية التعامل مع اآلخر‬ ‫ايديولوجية التطرف مخاتلة تستخدم القول االلهي لتبرير جرائمها‬ ‫حل مشاكلنا يتوقف على طريقة نظرتنا الى اآلخر في العالم‬ ‫يتوقف جناح العرب املسلمني في مسعاهم‬ ‫للتقدم والنهضة‪ ،‬إلى حد كبير‪ ،‬على قدرتهم في‬ ‫صوغ رؤية تصاحلية مع العالم‪ ،‬تؤهلهم ليكونوا‬ ‫ً‬ ‫جزءا فاع ًال فيه‪ ،‬ال قوة سلبية حاقدة عليه تريد‬ ‫الثأر منه على مظامله‪ ،‬من دون أن يسألوا أنفسهم‬ ‫عن مسؤوليتهم عن تأخرهم‪ ،‬ولسوء إدارتهم شؤون‬ ‫بالدهم‪ .‬فبعد أن كانت اإلصالحية اإلسالمية متلك‬ ‫نظرة منفتحة ومتصاحلة مع العالم‪ ،‬استبدلتها‬ ‫اإلحيائية اإلسالمية‪ ،‬التي صعدت ما بني احلربني‬ ‫العامليتني‪ ،‬بصورة عدائية جتاه اآلخر‪ ،‬وباالنكفاء‬ ‫على الذات‪ ،‬إذ استبدلت مفهوم «الهوية» مبفهوم‬ ‫التقدم‪ ،‬حتى وصل األمر بالتيار التكفيري‬ ‫«القطبي» الى أن ينظر إلى العالم مبنظار مفهومي‬ ‫الكفر واإلميان‪ ،‬والفسطاطني‪ ،‬وحتولت لديه املشاكل‬ ‫ذات املصادر السياسية واالقتصادية مع العالم‪ ،‬إلى‬ ‫مشاكل ثقافية وحضارية نابذة‪.‬‬ ‫غدت الدعوة إلى ثقافة الهوية‪ ،‬حتت ذريعة‬ ‫احلفاظ على الذات املهدّ دة‪ ،‬مبثابة دعوة إلى «ثقافة‬ ‫طهورية»‪ ،‬ثقافة املقدس واملدنس‪ ،‬وهي‪ ،‬من أجل‬ ‫ذلك‪ ،‬ثقافة انفصالية حتاول االنفصال عن العالم‬ ‫حلفظ الذات املهددة بتهديد ُمتخيل غير محدّ د‬ ‫املعالم‪ ،‬بل تهديد مصدره العالم كله! ومن أجل ذلك‬ ‫انفصلت رموز اخليرية التي تناسب الذاتية (التقوى‬ ‫واجلهاد واالستشهاد) عن رموز الشر التي ّ‬ ‫تدل على‬ ‫‪10‬‬

‫بقية العالم «اجلاهلي» ال سيما الغرب بعلمانيته‬ ‫ودميوقراطيته التي استبدلت حكم البشر بحاكمية‬ ‫الله‪ .‬لكن انفصال تلك اجلماعات التكفيرية عن‬ ‫العالم بسبب عقائديتها الطهورية‪ ،‬هو في حقيقته‬ ‫انفصال عن الذات في تاريخها‪ ،‬انفصال عن‬ ‫املجتمع األقرب‪ ،‬والبالد األقرب‪ ،‬هو انفصال عن‬ ‫الشريك في الوطن‪ .‬وتعلل تلك اجلماعات انفصالها‬ ‫باالستناد إلى هجرة الرسول (صلى الله عليه‬ ‫وسلم)‪ ...‬فالهجرة خروج من اجلماعة (الكافرة)‪،‬‬ ‫ً‬ ‫متهيدا لعودتها‬ ‫ومحاولة لتأسيس جماعة مؤمنة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أخيرا انفصال القلة القليلة عن‬ ‫ملجاهدة الكفار‪ .‬وهو‬ ‫الكثرة الضالة‪.‬فبينما استندت مفاهيم النهضويني‬ ‫اإلسالميني عن التقدم على مقاييس املفاهيم‬

‫الفكر والمجتمع اإلسالمي‬ ‫والدولة في حاجة إلى إصالح‬ ‫كبير بالتواصل مع العالم‪،‬‬ ‫واقتباس الفكر والمؤسسات‬ ‫من الحضارة األوروبية‬

‫الغربية‪ ،‬وعلى التقدم الفعلي للغرب في املجاالت‬ ‫كافة ـ وبتلك املعايير قاسوا تقدم املسلمني وتخلفهم‬ ‫ـ فإن قراءة اجليل اجلديد من اإلسالميني‪ ،‬الذين‬ ‫واكبوا أحداث ما بني احلربني‪ ،‬وفي مقدمها أحداث‬ ‫فلسطني وأزمة الوالدة الباكستانية العسيرة الناجتة‬ ‫من االنفصال عن الهند بذريعة احلفاظ على نقاء‬ ‫الهوية اإلسالمية‪ ،‬ذهبت باجتاه جديد غيرت فيه‬ ‫اجتاه التصور وفحواه‪ .‬وكان بوسع هذا اجليل االنتباه‬ ‫ألحداث أخرى حتمل الوعود‪ :‬استقالل العديد‬ ‫من الدول العربية واإلسالمية‪ ،‬انبثاق حركة عدم‬ ‫االنحياز‪ ...‬لكن وعيه لم يسلك الطريق الواقعي‬ ‫والعقالني املنفتح على حقائق العالم‪ ،‬فقد اختار‬ ‫مسالك أخرى كشواهد لديه على صورته القامتة عن‬ ‫العالم وعن ثقافته وحضارته‪ .‬فظهرت لديه‪ ،‬بالتالزم‬ ‫مع هذه الصورة العدائية السوداوية للعالم‪ ،‬تصورات‬ ‫االستخالف والتكليف واحلاكمية‪ ،‬التي وضعت‬ ‫الوعي اإلسالمي في سياق عقائد الهوية والرسالة‬ ‫واخلصوصية‪ ،‬فما عادت مسألة التقدم كافية ملعاجلة‬ ‫اإلشكال‪ ،‬بتوجيه الطاقات نحو الظفر بدور متوازن‬ ‫وشريك في بناء العالم بالتفاعل مع احلداثة‪ ،‬بل‬ ‫صار مطلوب ًا لديه «حتقيق الذات» بالنضال املباشر‬ ‫العنيف ضد العالم‪ ،‬بعد أن حتول العالم إلى شيء‬ ‫ملتبس يثير العداء أكثر ما يستدعي التواصل‪ ،‬بل‬ ‫على ضد من التواصل‪.‬‬


‫فلقد تغيرت اإلشكالية املهيمنة في الفكر العربي‬ ‫اإلسالمي من اإلصالح إلى اإلحيائية حتت يافطة احلفاظ‬ ‫على الهوية‪ .‬كان محمد عبده يقول بالذاتية والتاريخية‬ ‫في الفكر اإلسالمي‪ ،‬لكنه كان يرى أيض ًا‪ ،‬أن الفكر‬ ‫واملجتمع اإلسالمي والدولة في حاجة إلى إصالح كبير‬ ‫بالتواصل مع العالم‪ ،‬واقتباس الفكر واملؤسسات من‬ ‫احلضارة األوربية‪ ،‬كانت إشكاليته الرئيسية قائمة على‬ ‫التساؤل‪ :‬كيف نتخلص من التخلف؟ أما إشكالية‬ ‫اإلسالميني اإلحيائيني اجلدد‪ ،‬بني احلربني‪ ،‬ومنذ حتوالت‬ ‫رشيد رضا‪ ،‬وتأسيسات مصطفى صادق الرافعي‪،‬‬ ‫وحسن البنا‪ ،‬فقد متركزت على السؤال‪ :‬كيف نحافظ‬ ‫على هويتنا في مواجهة التغريب؟ حتى غدا العالم لدى‬ ‫األجيال األخيرة من اإلسالميني التكفيرين منقسم ًا إلى‬ ‫فسطاطني‪ :‬الكفر واإلميان! لذا شاع لديهم في الستينات‬ ‫والسبعينات رفض كل وجوه الثقافة املعاصرة‪ ،‬فعملوا‬ ‫على قراءة النصوص بطريقة تدين احلضارة املعاصرة‪،‬‬ ‫بل واملجتمعات اإلسالمية نفسها‪ ،‬إدانة شاملة‪ ،‬فكانت‬ ‫النتيجة إدانة العصر كله قيم ًا وحضارات وثقافات‬ ‫وسياسيات وتنظيمات عاملية‪.‬‬ ‫لعل الكشف عن صورة املثقف اإلسالمي في‬ ‫األزمنة احلديثة‪ ،‬من شأنه أن يساعد في فهم طريقة‬ ‫تعامل هذا املثقف‪ ،‬ليس مع اآلخر الغربي وحسب‪ ،‬بل‬ ‫فهم طريقته في التعامل مع أقرانه في وطنه‪ .‬فعند‬ ‫تفكيك خطاب هذا املثقف‪ ،‬سنرى أن خطابه هذا‪ ،‬ليس‬ ‫في حقيقته الفعلية‪ ،‬سوى أيديولوجية مخاتلة تخفي‬ ‫وراء طهوريتها‪ ،‬قداستها للنصوص‪ ،‬صراع هذا املثقف‬ ‫اإلسالموي احملموم على السلطة والغلبة داخل مجتمعه‬ ‫نفسه‪ ،‬من جهة‪ .‬كما يخفي حتت ظالل القداسة والطهارة‬ ‫ً‬ ‫تبريرا مكيافلي ًا ألفعاله‬ ‫اللتني يدعي الدفاع عنهما‪،‬‬ ‫األكثر شناعة‪ ،‬أو لشرعنة اعتماده أشد الوسائل التي‬ ‫عرفها التاريخ وحشية وضراوة ضد خصومه السياسيني‬ ‫والفكريني‪ ،‬مستخدم ًا القول اإللهي لتبرير أخس األفعال‬ ‫وأشنع اجلرائم التي يرتكبها ضد العالم‪ ،‬وضد أبناء‬ ‫جلدته‪ .‬واحلال‪ ،‬فإن حل الكثير من املشكالت العربية‬ ‫الراهنة‪ ،‬يتوقف على طريقة نظر العرب املسلمني إلى‬ ‫اآلخر في العالم‪ .‬فهذه النظرة‪ ،‬تؤثر سلب ًا أو إيجاب ًا‬ ‫على إجنازهم الفعلي للتقدم والنهضة‪ ،‬فيما جناعة جهود‬ ‫املفكرين اإلسالميني في التجديد واإلصالح‪ ،‬تتعلق‬ ‫مباشرة بتغيير رؤيتهم للعالم وجتديدها‪ .‬ويصبح املطلوب‬ ‫التغيير الفكري الشامل الذي يتناول رؤية العالم‪.‬‬

‫شمس الدين الكيالني‬ ‫صحيفة "احلياة" البيروتية‬

‫"أممية إسالمية" أم "هوية امة"؟‬ ‫لعل التركيز على قراءة الهوية اإلسالمية قد برز بشدة في دراسات غربية وعربية عند‬ ‫انطالق شرارة العنف بوصفه أقوى الوسائل التي جلأت إليها جماعات إسالمية‪ ،‬في فرض‬ ‫إرادتها وتقدمي خطابها إلى "اآلخر"‪ ،‬آخر الداخل وآخر اخلارج على حد سواء‪ .‬هذا على الرغم‬ ‫من أن العنف اإليديولوجي لم يقتصر على املسلمني منذ أزمان بعيدة‪ ،‬بل أن الهجمات‬ ‫االنتحارية في العصر احلديث ولدت في سياقات غير عربية وغير مسلمة (الكاميكاز‬ ‫اليابانيون في احلرب العاملية الثانية‪ ،‬ومنور التاميل‪ ،‬مثال)‪.‬‬ ‫لكن أميكننا القول إن العنف اإلسالمي حتديدا يرتبط بشعور حاد بـ"هوية إسالمية"؟‬ ‫يحمل مفهوم "الهوية" داللة مضافة مرجعيتها االختالف‪ .‬فإذا كانت الهوية مجموع‬ ‫اخلصائص املميزة جلماعة اجتماعية معينة‪ ،‬فإن هذه اجلماعة تتقدم مختلفة بل وأحيانا‬ ‫متعارضة ـ بتلك اخلصائص نفسها ـ مع جماعات أخرى‪ .‬وملّا كانت أية جماعة اجتماعية‬ ‫تتوافر‪ ،‬طبيعيا‪ ،‬على خصائص أكثر دقة وتفصيال‪ ،‬فإننا إزاء جملة هويات أو هويات ثانوية‪:‬‬ ‫هوية ثقافية أو عرقية؛ هوية اجتماعية؛ هوية طبقية؛ هوية وطنية؛ هوية عائلية؛ الخ‪.‬‬ ‫وهذه الهويات كلها تتشكل خارج دائرة اإلرادة؛ أي أن الفرد "يشعر" بها وال "يتحكم" بها‪.‬‬ ‫فهي نتاج جمعي‪ ،‬على الرغم من املؤثرات الفردية فيه‪ .‬وعلى هذا األساس‪ ،‬تقول بعض‬ ‫النظريات املعاصرة إن لدينا جملة هويات وبان هويتنا متعددة الوجوه أو مختلفة الطابع‪.‬‬ ‫وترى األدبيات التي تعني بالهوية أننا ال نشدد على هويتنا (أو نركز عليها أو ندافع عنها) إالّ‬ ‫عندما تكون متصلة مبعتقداتنا بقوة أو جند أنها عرضة لتهديد ما‪.‬‬ ‫لو طبقنا هذه الفكرة العامة على اجملتمعات املسلمة‪ ،‬لرمبا لن نتمكن من حتديد هوية‬ ‫جتمع املسلمني كلهم‪ ،‬وهذه اجملموعات محكومة بحواضن ثقافية (مسلمون عرب بتنوع‬ ‫مجتمعاتهم؛ مسلمون غير عرب بتنوع مجتمعاتهم)؛ فضال عن أن أية طائفة مسلمة‬ ‫تنطوي‪ ،‬هي نفسها‪ ،‬على هويات فرعية أو ثانوية مسلمة أيضا‪ .‬واألكثر أهمية إن املسلمني‬ ‫في العالم ال حتكمهم الشروط نفسها‪.‬‬ ‫في خضم بدايات عالم العصر احلديث (الذي تؤشره بعض الكتابات الغربية بانهيار‬ ‫اإلمبراطورية العثمانية)‪ ،‬كانت املنطقة العربية حتديدا تشهد إحياء احلس القومي (الذي‬ ‫يقول باحثون انه جتسد بامتياز في الدولة األموية)‪ .‬فمجموعة الضباط‪ ،‬الذين كانوا من قادة‬ ‫الثورة العربية (‪ ، )1916‬كانوا قد أسسوا أول تنظيم قومي‪" ،‬جمعية العهد" في اسطنبول‪،‬‬ ‫على أساس قومي ممزوج مبشاعر دينية‪ .‬وقطع الشعور الديني الذي كان يستبطن االيديولوجيا‬ ‫القومية مراحل طويلة‪ ،‬تخللها صراع شهد في أوقات معينة تصفية دموية‪ ،‬حتى استحوذ‬ ‫املظهر الديني في نهاية املطاف على ارث املظهر القومي‪ ،‬فأعاد إطالق "األممية اإلسالمية"؛‬ ‫فقد استقطب تنظيم القاعدة‪ ،‬صاحب اخلطاب اإلسالمي‪ ،‬ـ ومبساعدة دول عربية وغربية‬ ‫ـ مسلمني من أصقاع العالم ليحاربوا في أفغانستان؛ فيما دعا صدام حسني‪ ،‬صاحب‬ ‫اخلطاب القومي‪ ،‬مسلمي العالم إلى االنضمام إلى صفه في أثناء احتالل الكويت (‪)1990‬‬ ‫ملواجهة "الصليبيني"‪ ،‬وراح يطلق "احلملة اإلميانية‪ "،‬في اجملتمع العراقي‪.‬‬ ‫واحلال هذه‪ ،‬لم تكن احلركات اإلسالمية بصدد تشكيل "هوية إسالمية" محددة‬ ‫املالمح‪ ،‬بل بنزع مميزات "هويات" اجملتمعات املسلمة وملئها مبفاهيم عامة تخلط مقوالت‬ ‫دينية (التوحيد‪ ،‬مثال) مبواقف سياسية (احلق املغتصب؛ االستعمار؛ االنحالل األخالقي؛ الخ)‪،‬‬ ‫تتخطى اخلصوصيات الثقافية لتشكل "امة" مسلمني‪ ،‬ال حدود جغرافية لها وال تعنى‬ ‫مبحددات سياقات املنتمني إليها‪ ،‬االجتماعية والثقافية واالقتصادية والسياسية‪ .‬لذا فإننا‬ ‫إزاء منظومة إيديولوجية "أممية" وليس "هوية" إسالمية‪.‬‬

‫فالح حسن السوداني‬ ‫‪faleh67hassan@yahoo.com‬‬

‫‪11‬‬


‫رؤية‬

‫صورة اإلسالم في اإلعالم الغربي‬ ‫القبول باآلخر يمهد الطريق نحو االخاء االنساني والتعايش السلمي‬ ‫التعريف بالوجه الحقيقي لالسالم يبدأ باصدار فتاوى واضحة تدين االرهاب وأتباعه‬ ‫من تابع الفيلم السينمائي الذي عكف على‬ ‫انتاجه سياسي ونائب في البرملان الهولندي ُيدعى‬ ‫غريت فيلدرز يشعر ان الفيلم بالرغم ما اثير حوله من‬ ‫ضجة اعالمية كبيرة يبدو من الناحية العملية مجرد‬ ‫صورة جديدة من سلسلة اساءات تُشن من قبل شريحة‬ ‫في العالم الغربي املتمدن ضد دين بعينه‪ ،‬وهو بهذا‬ ‫التصنيف ميثل خروجا عن النسق القدمي الذي قضى‬ ‫بالتحسس من املسلمني بوصفهم ميثلون مجتمعا بدائيا‬ ‫او حضارة متخلفة الى التوجس بل الطعن في االسالم‬ ‫بوصفه دينا من االديان ليس اال‪ ،‬او بحسب تعبير‬ ‫فيلدرز نفسه ـ نقال عن صحيفة اوبزرفر البريطانية «انا‬ ‫اكره االسالم وال اكره املسلمني»‪.‬‬ ‫وبهذا السياق التاريخي الذي ّ‬ ‫تكون بعد حقبة‬ ‫من الشجار احلضاري بني الشعوب والقوميات نكون‬ ‫قد وصلنا الى مرحلة جديدة من الصراع الديني‬ ‫اخلطير على مستوى االديان الرئيسة الكبرى في‬ ‫العالم او على االقل بني املسيحية واالسالم‪ ،‬فيما‬ ‫اصبح معروفا باالسالموفوبيا التي تطورت عن ذلك‬ ‫املفهوم الذي ظهر في ثمانينيات القرن العشرين وكان‬ ‫ُيعنى بالتمييز ضد العرب املسلمني او العرب بشكل‬ ‫عام حتى املسيحيني منهم احيانا‪ ،‬وتعهدته بالرعاية‬ ‫واالهتمام اراء مسؤول قسم التحليل واالستشراق في‬ ‫املجلس القومي االميركي سابقا صموئيل هانتنجتون‬ ‫عام ‪ 1993‬والتي تاسست على فكرة ان "الصراع‬ ‫القادم سوف لن يكون آيدلوجيا مثلما كان ابان احلرب‬ ‫الباردة بقدر ما سيكون صراعا بني احلضارات ال سيما‬ ‫احلضارة االسالمية والغربية"‪ ،‬ثم شاع هذا املفهوم الى‬ ‫درجات قياسية في أعقاب هجمات احلادي عشر من‬ ‫أيلول العام ‪ ،2001‬عندما ُاستهدفت رموز السياسة‬ ‫واملال في الواليات املتحدة األميركية‪.‬‬ ‫ومعلوم ان مصطلح الفوبيا مستمد اصال من‬ ‫مواضيع علم النفس‪ ،‬ويعبر عن نوع من انواع العصاب‬ ‫القهري‪ ،‬حيث ال ميلك املريض معه القدرة على التحكم‬

‫‪12‬‬

‫في ردود افعاله عند تعرضه ملا يخاف منه‪ ،‬فيعيش‬ ‫في حالة من الهلع وتبدو عليه اعراض من قبيل جفاف‬ ‫احللق وازدياد ضربات القلب وسرعة التنفس وشحوب‬ ‫الوجه وارتعاش االصابع الخ‪ ،‬ومخاوف املريض ال‬ ‫تستند عادة الى تهديد جدي بقدر ما تتكئ على نوع‬ ‫من االستذكار ملواقف مؤذية حدثت سابقا‪.‬‬ ‫ولكن ما الذي يدعو شعوبا ُيفترض انها وصلت‬ ‫قمما حضارية سامقة وادركت مدى خطورة العداوات‬ ‫الدينية بحكم ما وقع فيما بينها من صراعات دينية‬ ‫تاريخية الى تبني او احتضان نظرية الصراع الديني‬ ‫من جديد!‬ ‫املعنيون باخلوض في جواب هذا السؤال يعددون‬ ‫مسوغات تصلح لتعليل ايراد هذا السؤال من حيث‬ ‫االصل ولكنها ال تفلح كثيرا في تشخيص االسس‬ ‫املوضوعية التي تنبني عليها فكرة السؤال الرئيسة‪،‬‬ ‫ومبعنى اكثر دقة فان تفسيرات من قبيل‪ :‬ان صراع‬ ‫االديان هو نتيجة حتمية الطروحة صراع الثقافات او‬ ‫احلضارات‪ ،‬او انه جزء من معادلة سياسية تقضي‬ ‫بوجود عدو فان لم يوجد مثل هذا العدو على ارض‬ ‫الواقع فال بد من ايجاده او اختراعه او حتى تخيله‪،‬‬ ‫ما هي اال تفسيرات تتجنب اخلوض في ماهية االسس‬ ‫والقواعد املنطقية التي جتعل من دين ما يقف بوجه‬ ‫دين اخر في ساحة القتال‪.‬‬ ‫ذلك ان كل ما ذكر انفا يحيل مشكلة التنازع‬ ‫والصراع الى عوامل خارجية بحتة ويتحاشى النظر‬ ‫الى العوامل واالسباب الداخلية والكامنة في كل‬ ‫دين من اديان النزاع‪ ،‬ولو تاملنا في جوهر القضية‬ ‫حقا المكننا التعرف على اول تلك االسباب واكثرها‬ ‫تعقيدا واملتمثل باحتكار احلقيقة املطلقة من قبل اتباع‬ ‫كل دين ونفي اآلخر‪ ،‬وفي فرض االعتراف بالدين االخر‬ ‫فانه يجيء في احسن االحوال بصيغة االعتراف باالمر‬ ‫الواقع ال بصيغة االعتراف به مبدئيا‪ ،‬واعتراف مبثل‬ ‫هذه الهشاشة ال يندرج في خانة املسلمات وال يوفر‬

‫بيئة قانونية واجتماعية سليمة سيجر عاجال او اجال‬ ‫الى حالة من االصطراع مع اول بادرة تتغير فيها‬ ‫املوازين على االرض‪ ،‬ليصبح ما كان واقعيا في مكان‬ ‫او وزمان معني شيئا غير واقعي في مكان او زمان‬ ‫اخر‪ .‬وشواهد التاريخ قدمية وحديثة تعطي شواهد ال‬ ‫حصر لها على اجنرار اتباع الديانات الى حروب طاحنة‬ ‫على خلفية عدم اميان طرف مبا يتبناه الطرف االخر من‬ ‫رؤى وقناعات وطقوس‪.‬‬ ‫وعليه فان القبول باالخر مبدئيا على ما هو عليه‬ ‫ميهد الطريق امام االخاء االنساني ويوفر ضمانة اكيدة‬ ‫الشاعة ثقافة التعايش السلمي بني اتباع االديان‬ ‫املتباينة على املدى البعيد‪ ،‬اما اطروحات من قبيل‬ ‫السياسات الدينية املتطرفة ضد االجانب بشكل عام‬ ‫فانها مدعاة الى اغفال االنسان بوصفه انسانا وبالتالي‬ ‫النظر اليه من خالل عناوين هامشية ميكن ان تزيد من‬ ‫حدة االحتقان وتتحول الى بؤر للتوتر وفقدان السلم‬ ‫االهلي في أية حلظة زمنية مناسبة او أية حلظة يعمد‬ ‫الى خلقها املغرضون مع سبق التخطيط والترصد‪.‬‬ ‫كما ان غض النظر عن بعض االفكار التي يلتزم‬ ‫بها اتباع دين ما من اجل حتقيق غاية عظيمة من‬ ‫طراز نبذ العنف والتزام عقيدة التعايش السلمي ال‬ ‫ميكن ادراجها في خانة التنازل عن املسلمات مثلما‬ ‫يحاول ان يشيع ذلك بعض املتزمتني دينيا في اوساط‬ ‫تابعيهم او املغرر بهم‪.‬‬ ‫وغاية نبذ العنف والتعايش السلمي هذه ينبغي‬ ‫حتقيقها في املقام االول من قبل اجلاليات املسلمة‬ ‫املقيمة في الغرب [‪ ،]...‬وميكن اجمال السبل‬ ‫والوسائل املساعدة على حتقيق هذه الغاية مبا ياتي‪:‬‬ ‫** ايجاد وشائج قوية جتمع بني اجلاليات‬ ‫املسلمة من جهة ومواطني الدول التي يتواجدون‬ ‫على اراضيها بوصفهم مواطنني او مقيمني‪ ،‬وتأسيس‬ ‫مجالس وجتمعات طوعية تتكفل بادامة العالقات‬ ‫الطيبة بني املسلمني انفسهم واملسلمني وغيرهم‪.‬‬


‫** توطيد عرى التعاون مع اجلمعيات احلقوقية االجنبية التي‬ ‫تُعنى مبكافحة العنصرية ومحاربة التعصب والدفاع عن حقوق‬ ‫االقليات‪.‬‬ ‫**العمل على ادخال مواد دراسية تدعو الى نبذ العنف‬ ‫واالرهاب وحتث على التعايش السلمي بني اجلماعات املختلفة في‬ ‫مناهج التعليم بالنسبة للمدارس االسالمية اخلاصة املوجودة في‬ ‫العالم الغربي‪.‬‬ ‫** اقامة املؤمترات والندوات واملناظرات عن طريق وسائل‬ ‫االعالم املؤثرة والقادرة على تنميط الصورة ايجابيا واخراجها عن‬ ‫النمط السلبي الدارج في بعض وسائل االعالم الغربية املتحاملة‪.‬‬ ‫** التعريف بالوجه احلقيقي لالسالم واملسلمني والتبري من‬ ‫اصحاب املناهج التكفيرية‪ ،‬والضغط على مراكز ال ُفتيا في العالم‬ ‫االسالمي من اجل استصدار فتاوى واضحة تدين االرهاب واتباعه‪،‬‬ ‫وعدم االكتفاء بتصريحات مبهمة او قابلة للتأويل‪.‬‬ ‫** محاولة فك االرتباط بني مفهومي االسالم واالصوليات‬ ‫املتطرفة واالسالم والعرب‪ ،‬من خالل التعريف باملدارس االسالمية‬ ‫ذات التوجه املعتدل من جهة والتعريف بالقوميات غير العربية‬ ‫املنتمية الى االسالم كالقوميات الكبيرة القاطنة في القارة االوربية‬ ‫مثل البانيا‪ ،‬والبوسنة والهرسك‪ ...‬الخ‪ ،‬والعمل في ذات الوقت على‬ ‫فضح احلكومات االسالمية التي حتكم شعوبها باحلديد والنار وتساهم‬ ‫بشكل او باخر في خلق اجلماعات املتطرفة والترويج ايجابيا ملن‬ ‫تقف منها موقفا جيدا من مسائل احلريات العامة وحقوق االنسان‪.‬‬ ‫** التفاعل مع النسيج االجتماعي الغربي ودمج الشباب‬ ‫املسلم بنشاطات وفعاليات احلياة العامة ولكن مع االحتفاظ‬ ‫بالهوية الدينية اجلوهرية وبيان مدى اهمية البناء االسري مثال في‬ ‫تعضيد روابط املجتمع‪ ،‬واالستفادة من جتارب االقليات الدينية‬ ‫االخرى التي احرزت جناحات واضحة على هذا الصعيد‪.‬‬ ‫** تشكيل جماعات ضغط اسالمية للوقوف ضد اجلماعات‬ ‫اليمينية املتطرفة سياسيا في بلدان مثل هولندا وسويسرا والدامنارك‬ ‫وغيرها‪ ،‬ومقاومة عوامل اليأس واالحباط التي حتاول تصوير‬ ‫وجود جماعات اسالمية فاعلة في الغرب على انه ضرب من ضروب‬ ‫املستحيل‪.‬‬ ‫** اعطاء صورة ايجابية عن االسالم واتباع االساليب التربوية‬ ‫املفضية الى جتسيد تلقائي للفضائل االخالقية في سلوك االنسان‬ ‫املسلم ورفض املجموعات املسلحة العنيفة التي تشيع اخلوف بني‬ ‫الشعوب املسلمة‪ ،‬وغير املسلمة‪.‬‬ ‫** الترويج لثقافة التدين وحرية االعتقاد من خالل االستناد‬ ‫الى منطلقات الفكر االسالمي احلديث وامليثاق العاملي حلقوق‬ ‫االنسان والنظريات االجتماعية الغربية التي تُعلي من شأن االنسان‬ ‫بوصفه انسانا‪.‬‬ ‫** ضرورة االتفاق اسالميا على جتديد اخلطاب الديني بشكل‬ ‫عام واصدار فقه خاص باملغتربني ُيراعي فيه التباين الثقافي بني‬ ‫الشرق والغرب ويتجاوز اخلالفات الثانوية فيما بني املذاهب املختلفة‬ ‫ويستند في اقراره واملصادقة عليه الى مرجعية دينية او مجمع‬ ‫اسالمي رصني‪.‬‬

‫لطيف القصاب‬

‫صحيفة "الصباح"‬

‫الهوية اإلسالمية وسؤال المثاقفة‬ ‫تزايد االهتمام مبوضوع الهوية في عاملنا العربي واإلسالمي‪ ،‬في مقابل تزايد قوة‬ ‫ونفوذ نظام العوملة الكاسح للخصوصيات احمللية‪ ،‬والقائم على التنميط الثقافي‬ ‫للمجتمعات‪ .‬وهو ما ساهم في خلق وعي مقاوم للهيمنة والسيطرة للحفاظ على‬ ‫هوية مجتمعاتنا اإلسالمية‪ .‬ولم يكن من الصعب خلق مثل هذا الوعي املناضل‬ ‫والرافض ألطروحات الغرب‪ ،‬سيما وأن الثقافة العربية اإلسالمية املعاصرة‪ ،‬طورت من‬ ‫خالل احتكاكها السابق بالتجربة الغربية‪ ،‬منهجية في التفكير تقوم على الثنائيات‬ ‫املتنافرة‪ ،‬حلل القضايا و األزمات‪ ،‬سواء الداخلية منها أو اخلارجية‪ .‬فمقابل ما تسعى‬ ‫إليه العوملة من الهيمنة والسيطرة اقتصاديا وثقافيا‪ ،‬يبرز مفهوم الهوية معبرا عن‬ ‫اخلصوصيات احمللية‪ ،‬ومدافعا عن املرجعية الثقافية للمسلمني‪ ،‬وهو أمر إيجابي إذا‬ ‫ربطناه بالنية اإليجابية ألصحابه حرصا منهم على حفظ هويتنا من الضياع واالندثار‪.‬‬ ‫ولكن مثل هذا التعاطي يضيع فرصة التشخيص الدقيق لواقع املسلمني املتأزم‪،‬‬ ‫بسبب طغيان اجلانب العاطفي على حساب العقالني‪ .‬ففي حالتنا هذه‪ ،‬يتم رسم‬ ‫صورة منطية ثابتة لهويتنا‪ ،‬تضفي عليها كل ما هو مجيد ورائع‪ ،‬وال ترى فيما يصدر‬ ‫عن " اآلخر" إال عكس ذلك‪ .‬مثل هذا التبسيط تضيع معه جملة حقائق كان باإلمكان‬ ‫أن توجهنا نحو سلوك أقوم في كسب رهانات اليوم‪ ،‬ومن أمثلة هذه احلقائق التي‬ ‫ينبغي إعادة النظر فيها اليوم مسألة ثبات الهوية اإلسالمية ونقائها‪ ،‬خاصة حني‬ ‫يقرن أصحاب هذا االجتاه بني الهوية واإلسالم‪ ،‬فيكتسب مفهوم الهوية من هذا الربط‬ ‫صفات اإلسالم وخصائصه املطلقة والثابتة‪ .‬وعليه‪ ،‬تكون عبارة الهوية اإلسالمية‬ ‫معبرة عند هؤالء عن حالة ثابتة وجامدة‪ ،‬ينبغي الرجوع إليها والتحصن خلفها من‬ ‫رياح العوملة العاتية‪.‬‬ ‫ولو دققنا النظر‪ ،‬لوجدنا ذلك مخالفا للحقائق التاريخية‪ ،‬إلغفاله عملية‬ ‫املثاقفة التي جرت في التاريخ‪ ،‬وأبانت عن مرونة في استيعاب اإلسالم لهويات متعددة‬ ‫ومتنوعة‪ ،‬ومواءمته ملكاسب الثقافات السابقة واملعاصرة له‪ ،‬والتي ساهمت في‬ ‫إخصاب جتربته‪ ،‬وكانت عالمة من عالمات قوته وتفوقه‪.‬‬ ‫إن التعامل مع األوضاع الراهنة من منطلق ردود األفعال‪ ،‬يعبر عن عدم وصولنا إلى‬ ‫مرحلة الرشد بعد‪ ،‬ذلك أن املشاريع تواجه مبشاريع مماثلة‪ ،‬وهو ما يعتبر شبه غائب عن‬ ‫ثقافتنا‪ ،‬بل حتى في حالة وجود مثل هذه املشاريع‪ ،‬تبقى بدورها هائمة في إطار ردود‬ ‫الفعل العاطفية‪ ،‬بعيدا عن التفكير العقالني والروح النقدية‪ ،‬الواجب توفرهما في‬ ‫التعامل مع الوافد واملوروث على حد سواء‪ .‬وميكن التدليل على ذلك ليس فقط بالتوجه‬ ‫السلفي املنغلق على ذاته واملستهلك للقراءات التقليدية للتراث اإلسالمي‪ ،‬بل ميكننا‬ ‫أن ندرج ضمن هذا التوجه أيضا ذلك املشروع الثقافي الذي أرساه املسلمون من خالل‬ ‫مؤسسات أكادميية في الغرب‪ ،‬وأراد أصحابه أن يحل األزمة الفكرية واملنهجية عند‬ ‫املسلمني اليوم‪ ،‬واملعروف مبشروع "أسلمة املعرفة" أو "أسلمة العلوم" في صيغة‬ ‫أخرى للهروب من مواجهة املشاكل احلقيقية بتقدمي أغلفة " إسالمية" ملا أنتجه‬ ‫العقل الغربي‪ .‬فصار حديثنا عن طب إسالمي وعلم نفس إسالمي وعلم اجتماع‬ ‫إسالمي‪ ...‬دون أن جند في هذه املوضوعات جهدا لنا يذكر‪ .‬ولذلك فإن مقولة األسلمة‬ ‫وجه آخر من أوجه التعبير عن العجز العلمي واملعرفي واملنهجي وافتقاد القدرة على‬ ‫التثاقف بديال عن ثقافة املواجهة الثنائية املانوية‪ .‬فضال عن أن العلم واملعرفة ليس‬ ‫لهما دين‪ ،‬ذلك أن عملية املثاقفة التي منلك لنا رصيدا في تاريخنا اإلسالمي تتيح‬ ‫إمكانية املساهمة والتعديل واالقتراح‪ ،‬وبالتالي االنخراط في الثقافة العاملية بروح‬ ‫إيجابية متكننا من املساهمة في إغنائها من جهة‪ ،‬واإلفادة منها من جهة أخرى‪،‬‬ ‫ضمن مشروع ثقافي عربي وإسالمي يستوعب معطيات عصره‪ ,‬ويضع االستراتيجية‬ ‫العامة لقضاياه‪ .‬بغير ذلك ‪،‬ستبقى اآلراء واألفكار حتى وإن كانت سديدة ورشيدة‬ ‫مجرد صيحة في واد‪.‬‬

‫عبد اللطيف طريب‬ ‫‪taribabd@yahoo.fr‬‬

‫‪13‬‬


‫قضايا‬

‫عرب الغرب‪ ...‬أصفار متراكمة‬ ‫حين تنسحب الجاليات الى مربع الصمت والشلل تترك للمتطرفين مهمة تمثيلها‬ ‫من تناقضات الجاليات الحنين الزائف لألوطان والتشبث بالعيش في الغرب‬ ‫كلما ّ‬ ‫أطلع املرء أكثر على حال جاليات عربية‬ ‫ومسلمة في أوروبا كلما شعر باملزيد من اإلحباط‪.‬‬ ‫هناك ماليني من العرب في البلدان األوروبية ميزتهم‬ ‫األساسية انعدام الفاعلية‪ .‬ثمة شلل ذاتي مقيم ال‬ ‫يغادر جتمعاتهم كأفراد وجاليات ناجت عن مجموعة من‬ ‫التصورات واملمارسات والتجارب السابقة والتخوفات‬ ‫وطرائق التفكير‪ ،‬خالصاتها تناقضات تكبلهم وحتول‬ ‫مجاميعهم إلى أصفار متراكمة‪ .‬التناقض األول الذي‬ ‫يعيش معه وفيه عرب ومسلمو أوروبا (والواليات‬ ‫املتحدة بطبيعة احلال) هو النظرة والعالقة مع الغرب‬ ‫واملجتمع املضيف‪ .‬فالنظرة اإلجمالية سلبية حيث‬ ‫تُختزل املجتمعات الغربية إلى ُبعدها القيمي واألخالقي‬ ‫واملسلكي‪ ،‬وال ُيرى منها سوى ما ُيدرك على أنه انفالت‬ ‫واع ملستوى التحضر واحلرية‬ ‫أخالقي‪ .‬وهناك إنكار غير ٍ‬ ‫واحترام الفرد الذي وصلته هذه املجتمعات والذي جذب‬ ‫إليه املهاجرين العرب واملسلمني‪ .‬وإذا كانت املجتمعات‬ ‫الغربية مجرد تراكم من املسلكيات غير األخالقية‬ ‫فلماذا يهاجر إليها ويواصل العيش فيها هؤالء‬ ‫املاليني؟ وحتى النخبة املثقفة في تلك اجلاليات جتد‬ ‫غالبها يأنف عن النظرة املوضوعية التي ترى الصورة‬ ‫من جوانبها العديدة وتتلعثم في اإلقرار بإيجابية واحدة‬ ‫من إيجابيات املجتمعات التي يعيشون فيها خشية‬ ‫االتهام بـ"االنبهار بالغرب"‪ ،‬وكأن الشرق وأحواله‬ ‫ومظامله وبؤسه هو اجلدير باالنبهار!‬ ‫ال يرى عرب ومسلمو أوروبا كيف تتمكن هذه‬ ‫املجتمعات من إدارة نفسها بدميقراطية وسياسة حتفظ‬ ‫كرامة الفرد‪ ،‬وحتقق له مستويات رفاه مقبولة‪ ،‬وتسير‬ ‫‪14‬‬

‫ثمة أسئلة ملحة أمام الجاليات‬ ‫العربية وهي‪ :‬لماذا نقيم هنا‪ ،‬ومن‬ ‫نحن‪ ،‬وماذا نريد‪ ...‬وماذا سنقدم‬ ‫للمجتمع المضيف‪ ،‬هل نحن هنا‬ ‫مواطنون أم عابرو سبيل؟‬ ‫نظام ًا اجتماعي ًا وقانوني ًا واقتصادي ًا يقوم على الشفافية‬ ‫واحملاسبة‪ ،‬تتنافس فيه احلكومات واألنظمة وتتغير‪،‬‬ ‫وال تتي ّبس فوق قمة الهرم‪ .‬وهناك طبع ًا قائمة طويلة‬ ‫من االختالالت والفشل واالحتيال والفساد وكل ما‬ ‫ميكن أن يحدث في أي جتمع بشري‪ ،‬لكن الفرق الكبير‬ ‫هنا هو أن تلك القائمة نعرف عنها بسبب احلرية‪ ،‬وألن‬ ‫النظام يتيح كشفها حتت الشمس باإلعالم وغيره‬ ‫والتناقض الثاني الذي يعيشه أفراد تلك اجلاليات‬ ‫متعلق بإشكالية الجَ ْلد الذاتي وكراهية الذات‪ .‬فعلى‬ ‫رغم ما سبق ذكره من تخوف وابتعاد وتوجس من املجتمع‬ ‫ً‬ ‫فاسدا وغير أخالقي وستؤثر‬ ‫املضيف باعتباره مجتمع ًا‬ ‫أخالقياته في أفراد وعائالت اجلاليات العربية واملسلمة‬ ‫"النقية"‪ ،‬هناك ممارسة شبه عامة تقوم على جلد الذات‪:‬‬ ‫"العرب ما منهم خير"‪" ،‬العرب فاشلني"‪" ،‬البعد عن‬ ‫جتمعات العرب يوفر عليك الصداع" وسوى ذلك‪.‬‬ ‫ومثل هذه املقوالت وما يشبهها تسمعه طوال وعرض ًا‬

‫أينما ذهبت في أوساط هذه اجلاليات‪ .‬وقد تعتقد‬ ‫في البداية أن كراهية وجلد اآلخر ستقود إلى تضامن‬ ‫داخلي وبنية محلية متينة بني أفراد ومجموعات هذه‬ ‫ً‬ ‫وجلدا‬ ‫اجلاليات‪ ،‬لكنك تفاجأ عندما تكتشف كراهية‬ ‫للذات يعيقان حتقيق أي متاسك جماعي يقدم البديل‬ ‫المُ فترض الذي تتوق إليه هذه اجلاليات‪ .‬وهناك تلذذ‬ ‫بجلد الذات يشي بحالة سيكولوجية م َرضية‪ ،‬ويحتاج‬ ‫إلى تأمل موسع ال حتتمله هذه العجالة الصحفية‪.‬‬ ‫و"العرب" املشتومون هم مجرد وصف هالمي غير‬ ‫محدد املالمح واحلدود‪ ،‬أو حالة ما وظيفتها األساسية‬ ‫استقبال النقد‪ .‬فإذا كان الناقد يستثني نفسه بطبيعة‬ ‫احلال وبتلقائية افتراضية من انتمائه للجماعة املشتومة‬ ‫"العرب"‪ ،‬وإذا كان اجلميع ميارس اجللد واالستثناء في‬ ‫الوقت نفسه‪ ،‬فإن الطرف املشتوم "العرب" يصبح شيئ ًا‬ ‫مفرغ ًا من املضمون‪ :‬من هم "العرب" الذين يتم نقدهم‬ ‫إذا كان كل "العرب" ينقدونهم؟‬


‫التناقض الثالث الذي يعيش فيه كثيرون من أفراد اجلاليات العربية واملسلمة هو‬ ‫التمزق بني عقلية املنفى‪ ،‬واحلنني الزائف لألوطان‪ ،‬والتشبث بالعيش في الغرب‪ .‬حيث‬ ‫يعيش املهاجر العربي أو املسلم في أوروبا عشرين أو ثالثني سنة أو رمبا أكثر‪ ،‬وحالته‬ ‫الشعورية واحلياتية والوجدانية هي حالة عابر السبيل‪ .‬وتسيطر عليه فكرة العودة إلى‬ ‫الوطن‪ ،‬لكن وجداني ًا وشعوري ًا فحسب‪ ،‬بيد أنه يطردها إن جتسدت أمامه كخيار عملي‬ ‫محتمل‪ .‬وإن حدث وقام بها‪ ،‬فإنه "يحفظ خط الرجعة" للعودة إلى الغرب‪ .‬وقد تتحول‬ ‫"العودة" إلى كابوس يجب تفاديه في كل األحوال‪ .‬وعلى رغم التأوه على عدم العيش في‬ ‫الوطن وبني األهل‪ ،‬فإن أي إجازة قصيرة ال تتعدى أسبوعني في ربوع الوطن تعيد جحافل‬ ‫املتأوهني إلى رحاب "الغرب الفاسد" وكلهم تصميم على مواصلة العيش فيه‪ .‬والناجت‬ ‫العملي لهذه املشاعر املُتناقضة هو عدم االعتراف بواقع اإلقامة واالنتماء اجلديد‪ ،‬وهو‬ ‫االعتراف الذي ينهي ذلك التمزق‪ ،‬ويخلق حالة إيجابية للتفاعل مع املجتمع املضيف‬ ‫والتأثير فيه‪ .‬وبديهي أن عقلية ووجدان عابر السبيل ال ينتجان فعال خالق ًا على األرض‬ ‫ُيساعد الوطن البعيد‪ ،‬أو يخلق حالة من التعامل اإليجابي مع الوطن اجلديد‪ .‬وكل ما‬ ‫يظل يحيط باألفراد هو حالة من التشاكي والتباكي والتأوه الذي يشل احلركة فحسب‪.‬‬ ‫أما التناقض الرابع فهو ناجت عن التناقضات السابقة ومتعلق بالفعل السياسي‬ ‫والتأثيري‪ ،‬ويتلخص في العجز والشلل عن التأثير‪ .‬فهنا جند االنتقاد احلاد‪ ،‬احملق‬ ‫في معظمه‪ ،‬للسياسات الغربية جتاه العديد من القضايا العربية‪ ،‬وعلى رأسها فلسطني‬ ‫والعراق‪ .‬وجند الهجومات اللفظية التي ال تنتهي في اللقاءات العفوية االجتماعية على‬ ‫احلكومات الغربية التي تتبنى تلك السياسات‪ .‬لكن ما بعد النشاط اللفظي البيني‪،‬‬ ‫الذي ال يتخطى دوائر املعارف واألصدقاء املقتنعني أصال بنفس املقوالت النقدية‪ ،‬يتمدد‬ ‫الشلل ليحتل كل الفضاءات التي حتتمل فعال إيجابي ًا‪ .‬فعندما تنظم مسيرات أو‬ ‫مظاهرات تضامنية مع القضايا العربية التي يشتكي أولئك األفراد من مواقف احلكومات‬ ‫الغربية جتاهها فإنهم يفضلون البقاء في بيوتهم على املشاركة‪ ،‬ويراقبون ألوف األفراد‬ ‫الغربيني (من املجتمع الفاسد) يدافعون عن تلك القضايا‪ .‬وعندما نتذكر أن اجلاليات‬ ‫العربية واملسلمة تعد باملاليني‪ ،‬وأن مئات األلوف منها على أقل تقدير تعيش في أي‬ ‫عاصمة أوروبية‪ ،‬ونقارن ذلك الرقم باملشاركة العربية واملسلمة الهزيلة في املسيرات‬ ‫الكبيرة التي غالبيتها من الغربيني يدهمنا االندهاش والسؤال الكبير‪ :‬ملاذا ال يدقون‬ ‫جدران اخلزان إذن؟‬ ‫وهكذا ومع مرور السنوات الطويلة وازدياد أعداد اجلاليات العربية واملسلمة وهي‬ ‫تعيش في تناقضاتها وشللها الذاتي فإن ما يحدث هو اآلتي‪ :‬زيادة دميوغرافية مطردة‬ ‫تقوم إما على تواصل الهجرة‪ ،‬أو ارتفاع معدل الوالدات‪ ،‬يقابلها غياب اإلجابة على‬ ‫مجموعة ملحة وحيوية من األسئلة مثل‪ :‬ملاذا نقيم هنا‪ ،‬ومن نحن‪ ،‬وماذا نريد‪ ،‬وماذا نقدم‬ ‫للمجتمع املضيف‪ ،‬وهل نحن مواطنون هنا أم عابرو سبيل‪ ،‬وماذا يترتب علينا في حال‬ ‫هذه اإلجابة أو تلك‪ ،‬وما هي عالقتنا مع أوطاننا األصلية‪ ،‬وملاذا ال نعود إليها؟ وهكذا‪.‬‬ ‫ومع غياب اإلجابات على هذه األسئلة وانحدار الوعي باإلقامة والعيش هناك إلى مجرد‬ ‫االعتياش القريب من احلالة التلصصية‪ ،‬فإن العالقة مع املجتمعات املضيفة تنتظمها‬ ‫الكراهيات املتبادلة والعنصرية التي ال مناص من ازديادها‪ .‬وعندها تنسحب اجلاليات‬ ‫العريضة مباليينها إلى مربع الصمت والشلل الذاتي لتترك للمنظمات الصغيرة واملتطرفة‬ ‫مهمة متثيلها والنطق باسمها‪ .‬وعندها يصبح "أبو حمزة املصري" و"أبو قتادة الفلسطيني"‬ ‫وحركة "املهاجرون" و"حزب التحرير" هم ممثلو العرب واملسلمني‪ ...‬وهم جالبو العنصريات‬ ‫اإلضافية فوق رؤوسهم‪ ،‬هذا كله من دون تبرئة املجتمعات الغربية من عنصريات مقيمة‬ ‫ضد اآلخر‪ ،‬لكن ليس هذا موضوع احلديث عن ذلك على أهميته‪.‬‬

‫اإلسالم دين ودولة‪ ،‬شعار أثير لدى اإلسالمويني على مختلف‬ ‫مشاربهم واطيافهم ومذاهبهم‪ ،‬غير ان مفهوم الدولة كما مفهوم‬ ‫الدين قد خضع‪ ،‬شاءوا أم أبوا‪ ،‬إلى تغيرات جوهرية في مستوى‬ ‫التصور‪ ،‬وفي مستوى املمارسة‪ .‬هذا يقودنا حتما الى مفهوم هوية‬ ‫االنسان املسلم‪ ،‬أهي الصورة النمطية نفسها التي كثيرا ما‬ ‫تروجها املنظومات الفكرية االستشراقية فضال عن اآللة اإلعالمية‬ ‫والسياسية الغربية؟ أم أن املسلمني حالهم حال اجملتمعات االخرى‬ ‫ومنها الغربية هويات في هوية كبرى واحدة؟‬ ‫ليست اجلماعة املسلمة جماعة موحدة متاما‪ ،‬ينبغي االعتراف‬ ‫بذلك‪ ،‬واال فما الذي يجعل هذه اجلماعة غير منسجمة‪ ،‬بل متقاتلة‬ ‫متصارعة على احقيتها في متثيل وحيد وصحيح لالسالم؟‬ ‫اعتقد ان االسالم استطاع ان يخلق سردية كبرى خاصة به‬ ‫تختلف عن السرديات الثقافية للحضارات االخرى‪ ،‬فالعلوم التي‬ ‫نشأت في كنفه علوم ذات نشأة دينية‪ ،‬وهي مبجملها تشكل هذه‬ ‫السردية الكبرى اخلاصة باحلضارة االسالمية‪ ،‬فاذا ما اردنا احلديث‬ ‫عن هوية اسالمية وجب علينا ان نضع في حسباننا هذه السردية‬ ‫الكبرى‪ ،‬وهي قائمة على مجموعة امور‪ :‬منها ما يتعلق بالطابع‬ ‫االخروي للحياة االنسانية‪ ،‬فكل ما يصنعه االنسان وتتحرك به‬ ‫يلح‬ ‫اجملتمعات ينطبع او ينعكس في بعد آخر يتعلق بحياة اخرى‪ ،‬اذن ّ‬ ‫االسالم في سرديته الكبرى على التكليف‪ ،‬فليست رحلة االنبياء‬ ‫الى ارض الناس االعتياديني الى تكليفهم مبقتضيات تتعلق بهذين‬ ‫البعدين الدنيوي واالخروي‪ .‬فليس االكراه واجلبر من اي نوع كان وباي‬ ‫متعلق كان من صميم السردية الكبرى لالسالم‪ ،‬كال‪ ،‬بل ان الهوية‬ ‫االسالمية تتوسل العرفان بوصفه أكمل الطرق الى احلق‪ ،‬وجتعل‬ ‫الشريعة العروة الوثقى للحيلولة دون الوقوع في منزلق اخلطيئة‬ ‫والضعف البشري‪ ،‬وبهما معا يتألف النظام االسالمي‪.‬‬ ‫غير ان الصورة ليست هكذا دائما‪ ،‬ففي هذا الفهم شبه‬ ‫العلماني لالسالم‪ ،‬يكمن مشكل كبير يتمثل بكون املسلمني قد‬ ‫انتجوا نظاما هرميا للسلطات قائما على منوذج بطرياركي‪ ،‬فاخلالفة‬ ‫والسلطان االسالمي مبسوط اليد في اجلهات كافة‪ ،‬واالستبداد لوثة‬ ‫شرقية بامتياز‪ ،‬ومنط االنتاج اسيوي شرقي متتد اليه يد السلطة‬ ‫في مفاصله كلها‪ ،‬مما جعل احلقيقة العرفانية منط حياة جماعات‬ ‫هامشية تتهرب من الواقع وتعانق املثال على الطريقة الرومانطيقية‪،‬‬ ‫كما ان الشريعة‪ ،‬هي االخرى‪ ،‬اصبحت ملوية العنق لصالح رغائب‬ ‫السلطان‪ ،‬ولم تستطع اجملتمعات االسالمية احلديثة ان تتخلص‬ ‫من هذه الصورة السباب كثيرة متتد من البنية الفكرية ومتر بالبنية‬ ‫االجتماعية وال تنتهي بالطبيعة االقتصادية لهذه اجملتمعات‪.‬‬ ‫اليوم ينقسم االسالم على نفسه امام تيارين كبيرين يتنازعان‬ ‫هويته‪ :‬تيار اسالم النموذج البطرياركي بافقه املعرفي واخالقه‬ ‫القائمة الى الرجوع الى املاضي الكامل املقدس‪ ،‬وتيار اسالم ليبرالي‬ ‫قائم على حتديث املعارف ومصاحلة معطيات احلضارة االنسانية‬ ‫احلديثة التي صنعها‪ -‬شاء من شاء وابى من ابى ـ الغرب بامتياز‪.‬‬

‫د‪ .‬خالد الحروب‬

‫أستاذ النقد في كلية اآلداب‪ ،‬جامعة بغداد‪ .‬خاص بـ"الراصد التنويري"‬

‫صحيفة "االحتاد"‬

‫هوية متشظية‬

‫د‪ .‬يوسف اسكندر‬ ‫‪15‬‬


‫قراءة‬

‫د‪ .‬محمد شحرور في «تجـفـيـف منابع اإلرهاب»‬

‫المتطرفون شكلوا عصابات مافيا تعتدي‬ ‫على الناس تحت شعارات دينية‬ ‫االرهابي نموذج يستقي رؤيته من خلفية مريضة ومستهترة بالحياة‬ ‫كلمة اهلل تصبح السفلى حين يساق الناس الى المساجد كرهًا‬ ‫عن دار األهالي للنشر والتوزيع صدر الكتاب‬ ‫اجلديد للمهندس الدكتور محمد شحرور‪ ،‬وهو حلقة‬ ‫خامسة من بني سلسلة من دراسات وأبحاث الكاتب‬ ‫التي أثارت جدال كبيرا‪ ،‬وأسالت مدادا كثيرا‪،‬‬ ‫سلسلة اختار لها الدكتور محمد شحرور تسمية‬ ‫"دراسات إسالمية معاصرة"‪ ،‬بدأت سنة ‪1990‬‬ ‫بصدور الكتاب األول الذي يعتبر األساس في‬ ‫هذا املشروع الفكري‪ ،‬كان الكتاب األول "الكتاب‬ ‫والقرآن"‪ ،‬ثمرة تأمالت طويلة في القرآن الكرمي أدت‬ ‫بالكاتب إلى الدخول في أعماق التنزيل احلكيم‪،‬‬ ‫والوقوف على إشراقات جديدة‪ ،‬واستنتاجات صادمة‬ ‫غابت عن املشتغلني بالدراسات القرآنية منذ الصدر‬ ‫األول لإلسالم إلى حدود عصرنا احلالي‪.‬‬ ‫بعد الكتاب والقرآن صدر للكاتب مجموعة‬ ‫أخرى من الكتب‪ ،‬وهي حلقات أخرى ضمن مشروع‬ ‫متكامل‪ ،‬فصدر "الدولة واملجتمع" و"اإلسالم‬ ‫واإلميان" و"نحو أصول جديدة للفقه اإلسالمي‪ -‬فقه‬ ‫املرأة "‪ .‬وجاء في بداية ‪ 2008‬كتاب "جتفيف منابع‬ ‫اإلرهاب"‪ .‬والذي هو باملناسبة باكورة أعمال مؤسسة‬ ‫الدراسات الفكرية املعاصرة املشتغلة على فكر‬ ‫املهندس محمد شحرور‪.‬‬ ‫وقد قسم الكاتب مؤلفه إلى مقدمة وسبعة‬ ‫فصول‪ ،‬ينتهي بخالصات ونتائج‪ ،‬مع ملحق‬ ‫صغير وخامتة للكتاب‪ ،‬واألمر الذي يثير فضول‬ ‫املتصفح للكتاب للوهلة األولى هو عنوانه " جتفيف‬ ‫منابع اإلرهاب" متميز إلى حد كبير‪ ،‬ألنه وألول‬ ‫مرة تقترن بكلمة اإلرهاب‪ ،‬كلمتني جديدتني هما‬ ‫‪16‬‬

‫"جتفيف" و"منابع"‪ ،‬مما يؤدي إلى رسم صورة ذهنية‬ ‫عند متصفح الكتاب‪ ،‬محتواها فيه املنبع‪ ،‬وبعدها‬ ‫نضوب هذا املنبع‪ ،‬وهو تعبير جديد‪ ،‬فتجفيف منابع‬ ‫هذا املرض لم يتحدث احد عنها من قبل‪ ،‬فكل‬ ‫املصطلحات التي كانت تقترن بلفظ "اإلرهاب" هي‬ ‫من قبيل‪ ،‬مواجهة اإلرهاب‪ ،‬ومحاربة اإلرهاب‪ ،‬وال‬ ‫لإلرهاب‪ ،‬وغيرها من املصطلحات التي لم يفلح‬ ‫أحدها إلى اآلن‪ ،‬في وضع حد لهذه الظاهرة الغريبة‬ ‫التي عانى منها العالم‪ ،‬ليس فقط منذ أحداث‬ ‫‪11‬سبتمبر ‪ ،2001‬بل منذ آالف السنني‪ ،‬فالعالم‬ ‫شهد اإلرهاب في صور وأشكال متعددة‪ ،‬مما خلفت‬ ‫معتقدات لدى الكثير من الناس في هذه البسيطة‪،‬‬ ‫تعتبر مواجهة اآلخر وإزهاق روحه من الدين أو من‬ ‫امللة‪ ،‬أو من القانون‪ ،‬فكان العالم وال يزال مسرحا‬ ‫كبيرا لإلقصاء والقتل والدماء‪ ،‬حتت مبررات عديدة‬ ‫ومتنوعة‪ ،‬لكن صورته األخيرة تستدعي توقفا كبيرا‬

‫الشهادة والشهيد ال عالقة‬ ‫لهما بالموت والقتل والقتال‪،‬‬ ‫وأن الشهيد ال يمكن أن يأخذ‬ ‫هذا اللقب إال وهو على قيد‬ ‫الحياة‪ ،‬وال يوجد شيء اسمه‬ ‫عمليات استشهادية‪ ،‬بل هي‬ ‫عمليات انتحارية بامتياز‬

‫وتأمال عميقا‪ ،‬فقد أصبح اإلنسان يجهز على نفسه‬ ‫بأحزمة ناسفة‪ ،‬ويقوم بتفجير نفسه‪ ،‬ويزهق روحه‬ ‫أوال‪ ،‬وأرواح الكثيرين من الناس بدون أدنى حق‪،‬‬ ‫وبدون أي سند قانوني أو اجتماعي أو أخالقي‪،‬‬ ‫منوذج يستقي رؤيته من خلفية فلسفية مريضة‬ ‫ومستهترة‪ ،‬تنظر إلى احلياة كأنها شيء بسيط‪،‬‬ ‫وتافه‪ ،‬ومن مت فالقضاء عليها ليس أمرا خطيرا وال‬ ‫يستدعي أي نوع من احلسرة والندم على فعل القتل‬ ‫أو اإلقصاء‪.‬‬ ‫فالدكتور يعتبر أنه من الوسائل الناجعة‬ ‫حملاربة وجتفيف منابع اإلرهاب هو توضيح هذا‬ ‫اخللط العجيب الذي طال هذه املفاهيم‪ ،‬ومعاجلته‬ ‫من خالل الرجوع إلى التنزيل احلكيم‪ ،‬والوقوف على‬ ‫كل مصطلح على حدة‪ ،‬فمن خالل استعراض آليات‬ ‫التنزيل احلكيم املتضمنة لهذه املصطلحات واملفاهيم‬ ‫يصل املؤلف إلى استنتاجات جديدة وصادمة‪ ،‬فقد‬ ‫توصل إلى أن القتال ليس هو القتل‪ ،‬وأن هناك‬ ‫قتاال في سبيل وقتاال آخر ليس في سبيل الله‬ ‫مع اإلبقاء على مشروعية األخير‪ ،‬كما توصل إلى‬ ‫أن الشهادة والشهيد ال عالقة لهما باملوت والقتل‬ ‫والقتال‪ ،‬وأن الشهيد ال ميكن أن يأخذ هذا اللقب‬ ‫إال وهو على قيد احلياة‪ ،‬وال يوجد شيء اسمه‬ ‫عمليات استشهادية‪ ،‬بل هي عمليات انتحارية‬ ‫بامتياز‪ ،‬وهذا استنتاج خطير سيؤدي ال محالة إلى‬ ‫معارضة احلرس القدمي وحراس العقيدة‪ ،‬واملدافعني‬ ‫عن املصالح السياسية والذين يسعون بكل ما أوتوا‬ ‫من قوة إلى إبقاء الناس على ذلك الفهم اخلاطئ‬


‫الذي سيطر على عقلية املسلمني منذ قرون‪.‬‬ ‫وتتبع املؤلف لفظة (رهب) في التنزيل احلكيم‪،‬‬ ‫فقد ورد مع مشتقاته ‪ 12‬مرة في القرآن‪ ،‬وفي كل‬ ‫اآليات التي ورد فيها ال يوجد فيها قتال وال قتل‪،‬‬ ‫وأمثلة ذلك قوله تعالى‪" :‬وقال الله ال تتخذوا‬ ‫إلهني اثنني إمنا هو إله واحد" سورة النحل ‪،51‬‬ ‫وقوله " قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعني الناس‬ ‫واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم" األعراف ‪،116‬‬ ‫ص ‪ .23‬وغيرها من اآليات التي يؤكد املؤلف من‬ ‫خاللها أن الرهبة والرهبانية هي من مفردات التنزيل‬ ‫احلكيم ومن اشتقاقاتها "اإلرهاب" وهي ال تعني‬ ‫إطالقا احلرب والقتال‪ ،‬فقد استعمل التنزيل احلكيم‬ ‫مصطلح (الرعب)‪ ،‬ويرى الكاتب أن مصطلح‬ ‫الرعب هو الترجمة احلرفية للمصطلح اإلجنليزي‬ ‫(‪ )terror‬ومنها اإلرعاب (‪)terrorism‬‬ ‫واملرعب (‪ .)terrorist‬ص ‪.23‬‬ ‫إن كل هذه األفهام املغلوطة التي أدت إلى خلق‬ ‫شروحات جديدة ملفاهيم اجلهاد والقتل والقتال‪ ،‬أدت‬ ‫إلى شن هجوم كبير من طرف احملاربني لإلسالم‪،‬‬ ‫وكان سندهم في ذلك‪ ،‬كل تلك املؤلفات والكتب‬ ‫التي جتيز القتل والسبي والهجوم على الناس وهم‬ ‫آمنون‪ ،‬وغزو بالد اآلخرين بدعوى الفتح اإلسالمي‪،‬‬ ‫وتبليغ الدعوة اإلسالمية‪ ،‬وهنا يظهر االرتباك الكبير‬ ‫لبعض الذين يريدون جترمي هذه األمور عبر االختباء‬ ‫وراء مفهوم الوسطية‪ ،‬واملناداة بها كشعار إسالمي‬ ‫يخرجهم من املآزق الكثيرة التي وقعوا فيها‪ ،‬مثل‬ ‫أحداث ‪ 11‬شتنبر ‪ 2001‬وما تالها‪.‬‬ ‫ويستمر املؤلف في استعراض األلفاظ التي مت‬ ‫فيها خلط عجيب في التراث اإلسالمي‪ ،‬ومنها إلى‬ ‫جانب ما أشرنا إليه لفظا "العبادية" و"العبودية"‪.‬‬ ‫فاملتداول في شرح وتفسير آية "وما خلقت اجلن‬ ‫واإلنس إال ليعبدون" هو أن جميع الناس خلقهم‬ ‫الله لشيء واحد‪ ،‬هو العبادة‪ ،‬ومن مت فهم عبيده‪،‬‬ ‫واملؤلف يرفض هذا القول جملة وتفصيال‪ ،‬فالناس هم‬ ‫عباد الله وليسوا عبيده‪ ،‬ألن الفرق بني العابد والعبد‬ ‫هو أن األول ميلك حرية االختيار ثم يفعل بعدها ما‬ ‫يريد‪ ،‬والثاني ليس له أن ميلك وليس له أن يريد‪،‬‬ ‫ومبا أن أوامر التنزيل احلكيم جاءت بال إكراه‪ ،‬وعدم‬ ‫اإلكراه ال يكون إال لألحرار (العباد) ال العبيد‪ ،‬فإن‬ ‫من يقبل بها طوعا ال كرها‪ ،‬أثابه الله على ذلك‪ ،‬وأن‬ ‫الطاعة للقوانني تأتي ضمن عقد بني الدولة والناس‪،‬‬ ‫هو الدستور أو النظام األساسي‪ ،‬فكلمة الله هي‬ ‫السفلى عندما يساق الناس إلى املساجد والصلوات‬ ‫سوقا‪ ،‬أو مينعوا عنها كرها‪ ،‬وكذلك عندما حتجب‬ ‫النساء باإلكراه‪ ،‬أو ينزع عنهن احلجاب باإلكراه‪،‬‬ ‫فكلمة الله هي السفلى‪ .‬ومن مت فالناس ليسوا‬ ‫عبيدا بل عباد‪ ،‬وأن اجلهاد والقتال في سبيل حرية‬ ‫االختيار عند الناس‪ ،‬وعلى رأسها اختيار العقيدة‬

‫هما جهاد وقتال في سبيل الله تعالى‪ ،‬وهنا نصل‬ ‫إلى فهم جديد لآلية يزيل لبسا عظيما على عقول‬ ‫الناس‪ ،‬ومينحهم حرية االختيار وجتسيد عباديتهم لله‬ ‫سبحانه وتعالى دون إكراه أو إجبار‪.‬‬ ‫كما خصص الكاتب في مؤلفه فصال كامال‬ ‫ملوضوع األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬وبحث‬ ‫فيه مسائل متعلقة به كالتحرمي والنهي‪ ،‬والصغائر‬ ‫والكبائر من الذنوب‪ ،‬وبني أن هذا املوضوع شابه‬ ‫ما شاب غيره من املصطلحات واملفاهيم املتصلة‬ ‫بعالقة املسلم املؤمن بغيره من بني آدم املنتسبني‬ ‫إلى ملل‪ ‬ونحل ومذاهب أخرى‪ ،‬وفي هذا الفصل‬ ‫يعاتب املؤلف علماءنا األفاضل‪ ،‬على استمرارهم‬ ‫باحلكم بسيف األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪،‬‬ ‫وتفننهم في كم األفواه وتعطيل العقول‪ ،‬وهو سحر‬ ‫انقلب على ساحره‪ ،‬فأصبحنا نرى اجلماعات املتطرفة‬ ‫تضرب بالسيف ذاته‪ ،‬وتنهل من نفس املرجعية‪،‬‬ ‫وحتاول أن تغير بالعنف‪ ،‬فهي متارس العنف والقتل‬ ‫حتت شعارات عديدة‪ ،‬مثل النهي عن املنكر‪ ،‬والردة‪،‬‬ ‫بل جتاوزت كل هذا‪ ،‬وبدأت تعتدي على الناس‪،‬‬ ‫وشكلت عصابات مافيا جديدة حتت شعارات دينية‪.‬‬ ‫يقول الدكتور شـحرور‪ ":‬وللحفاظ على اإلسالم‬ ‫كـدين عاملي صالح للصني وموناكو معا‪ ،‬علينا‬ ‫أن نعزل السياسة عنه‪ ،‬أقول السـياسة‪ ،‬وال أقول‬ ‫املجتمع‪ ،‬ألن عزل اإلسـالم عن أي مجتمع ضرب من‬ ‫ضروب املستحيل‪ .‬ص ‪.197‬‬ ‫موضوع الوالء والبراء خصص له املؤلف أيضا‬ ‫فصال كامال في كتابه‪ ،‬وألن املجال ال يسمح‬ ‫للتفصيل في هذا املوضوع في هذه القراءة‪ ،‬نورد‬ ‫كلمة جامعة للدكتور شحرور حول موضوع الوالء‬ ‫والبراء‪ ،‬يقول فيها‪" :‬إن مسألة العداوة والبغضاء‬ ‫مسألة فقهية ال أصل لها في التنزيل احلكيم‪ ،‬وال‬ ‫أثر لها في السلوك النبوي‪ ،‬وفي ضوء ما فصلناه‪،‬‬ ‫من أن الوالء والبراء – كمصطلح يضم حتته السب‬ ‫والشتم واللعن والتكفير على املنابر ـ لم يسمع‬ ‫بهما النبي (ص) في حياته املباركة كلها‪ ،‬بل ولدا‬ ‫بعد انتقاله إلى الرفيق األعلى‪ ،‬وترعرعت بذرتهما‬ ‫لتصبح شجرة زقوم يذبح حتتها قوله سبحانه وتعالى‬ ‫"وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" احلجرات ‪.13‬‬ ‫ص ‪.229‬‬ ‫ومسألة الردة تناولها الكتاب أيضا بالتفصيل‬ ‫والشرح موضحا أن الرسول (ص) لم يقتل مرتدا‬ ‫يوما‪ ،‬وال يوجد في التنزيل احلكيم ما يشير من‬ ‫قريب أو بعيد إلى قتل املرتد وسفك دمه‪ ،‬ويكفي‬ ‫أن نورد نصا للمؤلف يقول فيه‪" :‬أما ما يذهب إليه‬ ‫البعض اليوم‪ ،‬من توسيع مصطلح الردة‪ ،‬إلى حد‬ ‫فاحش يشمل قتل تارك الصالة عمدا‪ ،‬وقتل من‬ ‫يقول جديدا لم يقل به التراث يعارض من يعتبرون‬ ‫أنفسهم أوصياء على عقول الناس ومصائرهم‪ ،‬فهذا‬

‫عندنا ليس من اإلسالم واإلميان في شيء ‪ ...‬ومع‬ ‫األسف يستعمل هذا املصطلح اآلن من قبل أكثر‬ ‫الناس قتال وفتكا من الذين يقتلون الشيوخ والنساء‬ ‫واألطفال‪ ،‬حتى دون أن يعرفوهم من هم‪ ،‬وحتى اآلن‬ ‫ال نرى من يتجرأ على إعادة النظر في املصطلحات‬ ‫الفقهية ومنها مصطلح الردة‪ .‬ص ‪.258‬‬ ‫في الفصل األخير من الكتاب وقف املؤلف‬ ‫عند " مقاصد الشريعة "‪ ،‬وبعد أن استعرض النظرة‬ ‫السائدة إلى مقاصد الشريعة عامة‪ ،‬والكليات‬ ‫اخلمس خاصة‪ ،‬والتي أصبحت بقدرة قادر شريعة و‬ ‫دينا يجب أن يبقى حتت مظلته املنتسبون إلى هذا‬ ‫الدين‪ ،‬كما وأن حتليل السالفني هو التحليل القومي‪،‬‬ ‫والشرح السديد لهذه املقاصد‪ ،‬والتي ال يجب أن‬ ‫تتغير أو تتجدد حسب زعمهم ألنها أصبحت أمورا‬ ‫ال يستقيم الدين إال باحترامها واخلضوع لها‪ ،‬وقد‬ ‫خلص الكاتب في نهاية هذا الفصل إلى قراءة جديدة‬ ‫ملقاصد الشريعة أساسها رجوع جديد إلى التنزيل‬ ‫احلكيم كما هو منهجه في كل مؤلفاته‪.‬‬ ‫كتاب "جتفيف منابع اإلرهاب" هو بحق إضافة‬ ‫نوعية إلى احلقل الفكري العربي‪ ،‬ومساهمة جادة‬ ‫وواعية وعلمية‪ ،‬ترسم معالم طريقة جديدة سديدة‬ ‫للتخلص من العنف واإلقصاء وضرب األعناق‬ ‫وتفجير وقتل األبرياء‪ ،‬وصفة أساسها قراءة معاصرة‬ ‫للمصطلحات الواردة في التنزيل احلكيم‪ ،‬والتي‬ ‫تنتمي إلى حقل العنف واملواجهة واإلقصاء‪ ،‬ويأمل‬ ‫الدكتور املهندس محمد شحرور من خالل املواضيع‬ ‫احلساسة جدا التي تناولها بالتحليل والدراسة إلى‬ ‫الوصول إلى منابع هذا املرض وجتفيفها‪ ،‬وذلك لكي‬ ‫يفتح العالم بكل مكوناته الدينية واإلثنية واملذهبية‬ ‫صفحة جديدة‪ ،‬وعالقة أفضل حتكمها املصلحة‬ ‫اإلنسانية العليا‪ ،‬وسنختم هذه القراءة بنص للدكتور‬ ‫محمد شحرور يقول فيه‪" :‬ومن هنا فنحن نرى أن‬ ‫التنادي إلى التركيز على إنسانية اإلسالم‪ ،‬هو اجتاه‬ ‫عاملي‪ ،‬وليس اجتاها حزبيا ضيقا‪ ! ‬فحقيقة اإلسالم‬ ‫ليست حقيقة رأسمالية أو اشتراكية‪ ،‬وليست حقيقة‬ ‫عمالية أو محافظة‪ ،‬بل هي حقيقة إنسانية قبل أي‬ ‫شيء آخر‪ ،‬إذ ليس ثمة باألساس حقائق مخصصة‪،‬‬ ‫وكما أنه ال يوجد حقيقة طبقية كذلك ال يوجد حقيقة‬ ‫فقهية وال حقيقة صحابية أو تراثية‪ ،‬فاحلقيقة ال‬ ‫تكون إال إنسانية‪ ،‬وكذلك القانون األخالقي ال ميكن‬ ‫إال أن يكون إنسانيا‪ ،‬فليس هناك أخالق عربية‬ ‫وأخرى عجمية‪ ،‬وإمنا هي عادات فقط ميكن جتاوزها‬ ‫ولكن بصعوبة ومع الزمن"‪ .‬ص ‪.259‬‬

‫موالي محمد اسماعيلي‬

‫باحث في الفكر اإلسالمي‪ ،‬جامعة‬ ‫القاضي عياض‪ ،‬مراكش (املغرب)‬ ‫‪17‬‬


‫دراسة‬

‫كيف يعيش المسلمون في الغرب؟‬ ‫وسائل االعالم في الغرب تصنع صورة االسالم نق ًال عن الكتب االستشراقية‬ ‫أثارت سياسة العولمة رغبة لدى الكثير من األوروبيين لمعرفة االسالم‬ ‫يعيش في أوروبا أكثر من خمسني مليون مسلم‪،‬‬ ‫يتوزعون على مختلف بقاعها املمتدة‪ .‬ويصنّف هؤالء‬ ‫املسلمون إلى ثالث فئات هي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ أوروبيون مسلمون‪ :‬مر على دخولهم اإلسالم‬ ‫سنوات طويلة‪ ،‬ولم يعد باإلمكان فصلهم عن تركيبة‬ ‫املجتمع الذي يعيشون فيه رغم محاوالت "التطهير"‬ ‫العرقي التي مرت عليهم‪ ،‬خاصة في أوربا الشرقية‬ ‫واجلنوبية‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ َمن ُيطلق عليهم "املسلمون اجلدد"‪ :‬وهم من‬ ‫أهل البلد ممن أسلموا عن طريق دعوة املسلمني لهم‪ ،‬أو‬ ‫عن طريق دراستهم لإلسالم واقتناعهم به‪ ،‬أو عن طريق‬ ‫االحتكاك باملسلمني‪ ،‬والزواج منهم بالنسبة للنساء‪.‬‬ ‫وهذا النوع من املسلمني يزيد عددهم باطراد في أوروبا‬ ‫كلها‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ املهاجرون من اجلنوب إلى الشمال خالل القرن‬ ‫العشرين الذين أصبحوا من املكونات األساسية للنسيج‬ ‫االجتماعي والثقافي احلالي للمجتمعات األوروبية‪،‬‬ ‫بعد أن توطنوا فيها بإسالمهم‪ .‬وقد أثارت سياسة‬ ‫العوملة وأحداث ‪ 11‬سبتمبر رغبة لدى األوروبيني‬ ‫وغيرهم ملعرفة اإلسالم‪ ،‬كما زادت هذه الرغبة ً‬ ‫أيضا‬ ‫عند األقليات املسلمة التي تعيش في الغرب للتدقيق‬ ‫في معرفة إسالمها من خالل مصادر معرفة اإلسالم‬ ‫التي بدأت بالنقول والدراسات االستشراقية‪ ،‬مرو ًرا مبا‬ ‫حملته الهجرات وتوطني املسلمني على هذه األراضي‪،‬‬ ‫وصوال إلى عالم العوملة من فضائيات ومواقع شبكة‬ ‫املعلومات‪ ،‬إلى الكتب املترجمة‪ ،‬وغيرها من مظاهر‬ ‫تدفق املعلومات‪.‬‬ ‫تباين في املصادر املعرفية يؤكد استطالع قمنا‬ ‫به بني عدد من املسلمني في هولندا من فئة الشباب‬ ‫من الصنفني (الرجال والنساء) أن "اإلنترنت" والكتب‬ ‫املترجمة من العربية ميثالن ‪ %55‬من مصادر معارفهم‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬في حني يعتقد املستطلعون أن االستشراق‬ ‫واإلعالم الهولندي ال أثر له عليهم‪ ،‬وال ميثل سوى ‪%4‬‬

‫‪18‬‬

‫من معارفهم اإلسالمية‪ .‬كما يؤكد االستطالع أن أثر‬ ‫األئمة على معارف الشباب ال يزيد عن ‪ ،%10‬في‬ ‫حني ما زالت تلعب املعارف السمعية واملوروث األبوي‬ ‫مهما وصل إلى ‪ .%28‬كما تأخذ‬ ‫واألصدقاء دو ًرا ًّ‬ ‫موقعا لها بني الشباب املسلم في‬ ‫الفضائيات العربية ً‬ ‫الغرب‪.‬‬ ‫غير أن هذا االستطالع لم يشمل اجليل األول من‬ ‫املهاجرين الذين لهم توجه آخر في حتصيل معارفهم‬ ‫اإلسالمية والثقافية‪ ،‬وهي شريحة ما زالت متثل حوالي‬ ‫‪ %50‬من املهاجرين‪ .‬وهذه الشريحة تعيش على‬ ‫مكتسبات وحتصيل ما تلقوه من مجتمعاتهم التي‬ ‫جاءوا منها‪ ،‬وال يزال املسجد عندهم من األهمية مبكان‬ ‫ملا يقوم به األئمة في املساجد من تأطير لهذه الفئة‪،‬‬ ‫وملا يجدونه من تناغم مع خطاب اإلمام الذي يتسم‬ ‫ـ في غالبيته ـ باالقتراب من فئة اجليل األول أكثر‬ ‫من اقترابه من فئة اجليل الثاني‪ .‬إذ ال يزال املسجد‬ ‫واإلمام يلعبان ً‬ ‫دورا مهم ًا في احملافظة على نسيج‬ ‫معني للجالية املسلمة بغض النظر عن االنقسامات‬ ‫القطرية والطائفية واملذهبية‪ ،‬وانعكاسات ذلك على‬ ‫وضع املسلمني في الغرب‪.‬‬ ‫فاملسجد ما زال يقوم بدور فعال في احلفاظ على‬ ‫هوية هذه الشريحة‪ ،‬ملا تقوم به مؤسسة املسجد من‬ ‫تنظيم لدروس توعوية وتعبوية‪ ،‬وملتابعة حاجة أبناء‬ ‫املصلني بإقامة دورات شرعية‪ ،‬وتعليم األطفال القرآن‬ ‫واللغة العربية والثقافة اإلسالمية‪.‬‬ ‫قد تكون الفترة الطويلة التي قضاها املسلمون‬ ‫في الغرب كفيلة بإنشاء عدد من املؤسسات التعليمية‬ ‫والنوادي الثقافية التي اتسع دورها في العقد األخير‪،‬‬ ‫نظ ًرا للتطورات التي تشهدها املجتمعات املسلمة‬ ‫في الغرب‪ ،‬ولعل آخرها إنشاء املؤسسات التعليمة‬ ‫اإلسالمية اخلاصة والتي متولها احلكومات في بعض‬ ‫الدول‪ .‬تطرح هذه املؤسسات التعليمية نفسها‬ ‫بديال عن النظام التعليمي الالديني أو املسيحي أو‬

‫اليهودي املنتشر في عدد من دول الغرب‪ ،‬وتعتمد هذه‬ ‫املؤسسات التعليمية على منهج الدولة‪ ،‬مع إضافة‬ ‫برنامج تكميلي قد ال يجده الطالب املسلم في املدارس‬ ‫احلكومية العامة‪.‬‬ ‫كما تركز غالبية هذه املؤسسات على تعاليم‬ ‫الدين اإلسالمي واللغة العربية‪ ،‬ويقوم على هذه‬ ‫املهمة معلمون ممن درسوا وتعلموا في الدول العربية‬ ‫واإلسالمية‪ ،‬ويتعاون األكادمييون املسلمون مع تلك‬ ‫املدارس واملعاهد إلعطاء حصص تعليمية ووضع برنامج‬ ‫تكميلي ألبناء املسلمني في خطوة نحو إيجاد التوافق‬ ‫بني االندماج والهوية‪ .‬وفي خطوة جريئة وعمالقة بدت‬ ‫في األفق بوادر جامعات ومعاهد إسالمية‪.‬‬ ‫كما كان لهذه املؤسسات التعليمية والتربوية‬ ‫أثرها في وجود املكتبة اإلسالمية التي احتواها عدد‬ ‫من اجلامعات‪ ،‬مثل مكتبة جامعة روتردام ومكتبة‬ ‫جامعة أوروبا في هولندا اللتني حتويان أكثر من ‪20‬‬ ‫ألف عنوان ألهم املصادر واملراجع اإلسالمية‪ .‬زد على‬ ‫ذلك املكتبات الكبرى لعدد من املراكز اإلسالمية‬ ‫واملؤسسات الثقافية‪.‬‬ ‫وتعتبر كتب الرقائق األكثر شيوع ًا وقراءة بني‬ ‫الشباب املسلم في الغرب‪ ،‬حسبما يذكر مسؤولو‬ ‫املكتبات اإلسالمية؛ حيث متأل تلك الكتب الفراغ‬ ‫الروحاني الذي يشعرون به في حياتهم التي يطفو‬ ‫عليها اجلانب املادي الذي انبنت عليه احلياة األوروبية‬ ‫بصفة عامة؛ فاجلانب الروحي هو اجلانب الذي يفتقده‬ ‫املجتمع الغربي بصفة عامة‪ ،‬ويستوي فيه املسلم‬ ‫حديث العهد باإلسالم مع غيره ممن يتعطشون إلى‬ ‫الناحية الروحية‪.‬‬ ‫ويعدد األستاذ محمود الصيفي ـ املدرس املساعد‬ ‫لفقه األقليات بجامعة "منخن" بهولندا ـ العوامل املؤدية‬ ‫إلى جنوح عدد من الشباب إلى كتب الرقائق قائال‪:‬‬ ‫"أول هذه العوامل هو غياب مصادر التلقي املقنعة‬ ‫في البيت ـ هذا إن وجدت املصادر أصال ـ ثم إن هذه‬


‫املصادر يغلب عليها الطابع الثقافي أو القومي أكثر‬ ‫منه الديني‪ ،‬كما أن عائق فقدان لغة التواصل في‬ ‫املسجد بني اإلمام ومرتادي املسجد يتسع باطراد‪،‬‬ ‫خاصة بني فئة املسلمني اجلدد والناشئة الذين تعوزهم‬ ‫اللغة العربية‪.‬‬ ‫هذه العوامل وعوامل أخرى جتعل كتب الرقائق‬ ‫املترجمة أو املعدة محليا حتظى بهذه األهمية‪ .‬كما‬ ‫يذكر الصيفي أنه إلى جانب الرقائق ً‬ ‫أيضا هناك رواج‬ ‫للكتب التي تتناول قضايا تؤرق الشباب؛ كمعرفة‬ ‫عموما‪ ،‬والعالقة بني اجلنسني‪ ،‬ووضع‬ ‫مبادئ اإلسالم‬ ‫ً‬ ‫املرأة في اإلسالم‪ .‬ويضيف أن اجتاه األفراد عادة ما‬ ‫يكون محددً ا لنوعية الكتاب الذي يقرءونه‪.‬‬ ‫ويرى الصيفي أن "هذه الكتب املترجمة إلى اآلن‬ ‫ال تستجيب للواقع املعيش‪ ،‬وال ترقى ملستوى التحدي‬ ‫الثقافي والفكري املفروض على األقلية املسلمة‪.‬‬ ‫فليست هناك انتقائية في املادة املترجمة مبا يتجاوب مع‬ ‫معطيات هذا الواقع بتعقيداته الثقافية واالجتماعية‬ ‫والقانونية املختلفة؛ فغالبية الكتب املترجمة ال تراعي‬ ‫وخصوصا إذا كانت من خلفية ثقافية‬ ‫هذه القضايا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫أو من بيئة تختلف في مكوناتها عن تلك البيئة التي‬ ‫يترجم لها‪".‬‬ ‫َ‬ ‫ويؤكد الصيفي أن الرقائق وحدها ال تكفي‪ ،‬وإن‬ ‫كانت مطلوبة بال شك لتقوية اإلميانيات‪ ،‬لكن اإلغراق‬ ‫فيها قد يؤدي إلى نتائج عكسية في بعض األحيان؛‬ ‫حيث يخلق نوعً ا من العزلة الالشعورية عن الواقع الذي‬ ‫ال تكاد توجد فيه أشباه هذه النماذج املسطرة على‬ ‫الصفحات‪ ،‬وهذا يخلق نوعً ا من السلبية واإلحباط‬ ‫عند املقارنة مع الواقع‪ ،‬واملطلوب أن نوجد تواف ًقا بني‬ ‫التدين واالنتماء لهذا املجتمع‪ ،‬ال االنعزال عنه"‪.‬‬ ‫ومع ذلك فإن الواقع يظل يثبت لنا مبا ليس فيه‬ ‫مجال للشك أن اإلنترنت حتولت إلى سمكة ابتلعت‬ ‫الكل‪ ،‬مبا في ذلك الكتب‪ ،‬وأصبحت املصد َر األكثر‬ ‫أهمية في احلصاد املعرفي‪ .‬واإلسالم أحد هذه املعارف؛‬ ‫فاالطالع على اإلسالم واجتاهاته املختلفة هو النافذة‬ ‫األكثر استقطا ًبا واملقدور عليها في الغرب‪ ،‬خاصة‬ ‫بني الشباب الذين يتعاملون معها في البيت واملدرسة‬ ‫والعمل وفي مواقع الترفيه‪ٌ ،‬‬ ‫كل ميكن أن يجد فيها‬ ‫مطلبه‪.‬‬ ‫وهي في الوقت نفسه مالذ للمتعطشني للبحث‬ ‫واملعرفة‪ .‬ويقول اخلبراء‪ :‬إن التاريخ البشري لم يعرف‬ ‫وسيلة أخذت وقت الشباب في الغرب مثل اإلنترنت‬ ‫في عصرنا‪ .‬والشباب املسلم في الغرب جزء من‬ ‫هذه الظاهرة التي تستميلهم إلشباع البعد املعرفي‬ ‫في مختلف اجلوانب‪ .‬وألن املسلمني ال ميثلون فك ًرا‬ ‫منهجا واحدً ا؛‬ ‫واحدً ا وال مذه ًبا واحدً ا‪ ،‬وال يعتمدون‬ ‫ً‬ ‫فإنهم مبختلف اجتاهاتهم يجدون في اإلنترنت ما‬ ‫يشبع حاجتهم املعرفية الدينية‪ .‬وترى عدة دراسات أن‬ ‫اإلنترنت بقدر ما هي مصدر معرفة مهم فإنها األخطر‬ ‫من جهة نوعية املعلومة وطرق وأسلوب تقدميها‪ .‬ففقدان‬ ‫الرقابة وضعف الوعي لدى عدد من مبحريها يؤدي‬

‫غال ًبا إلى غير املراد‪ ،‬ومن هنا ينشأ التميع واالنحالل‬ ‫كما ينشأ الغلو والتطرف‪.‬‬ ‫وبدت الفضائيات في السنوات األخيرة مصد ًرا‬ ‫مهما في نقل ونشر املعلومات‪ ،‬وأكثر فاعلية وانتشا ًرا‬ ‫ًّ‬ ‫من غيره‪ .‬كما بدا التعامل مع هذا الوسيط اجلديد‬ ‫يطرح نفسه بجدية أكثر في مجال جمع املعلومات‬ ‫والبحث عن حلول على الهواء إلشكاليات تعترض‬ ‫املسلمني في الغرب‪ .‬كما أن الفضائيات في متناول‬ ‫الكبار والصغار على السواء‪ ،‬يتابعون من خاللها‬ ‫البرامج الدينية املختلفة‪ ،‬ويبحثون عن الفتاوى على‬ ‫الهواء‪ .‬ويعد انتشارها ظاهرة الفتة للنظر؛ إذ ال يكاد‬ ‫يخلو بيت مسلم في الغرب من صحن فضائي يلتقط‬ ‫من خالله القنوات املختلفة وباللغات املختلفة وفي‬ ‫املوضوعات املختلفة‪ .‬ويذكر الدكتور تيسير اآللوسي‬ ‫ـ أستاذ األدب العربي ـ أن تأثير الفضائيات العربية‬ ‫على اجلمهور املوجود في الغرب كبير ومتنوع‪ ،‬وهو‬ ‫على متاس مباشر مع أجواء مختلفة‪ ،‬إال أنها ليست‬ ‫على مستوى تقني وتعبوي مكتمل‪ ،‬وتشوبها كثير‬ ‫من النواقص على مستوى األداء‪ ،‬كما تتحكم فيها‬ ‫ظروف محلية محكومة بسياسات محددة في كثير‬ ‫من األحيان‪ .‬كما أن ضعف قدرتها على التنسيق‪،‬‬ ‫وضعف صالتها باجلاليات في الغرب يضع العراقيل‬ ‫أمام تفعيلها بطريقة إيجابية‪.‬‬ ‫‪ ‬ويضيف اآللوسي‪" :‬إن الفضائيات متتلك أدوا ًرا‬ ‫تأثيرية‪ ،‬ولكن أحيا ًنا سلبية‪ ،‬بخاصة عند تعلق األمر‬ ‫باإلسالم واملسلمني؛ ألنها تعتمد خطا ًبا جامدً ا ال‬ ‫يتفاعل مع واقع ميتلك حراكه اخلاص واملميز‪ ،‬وهي‬ ‫ً‬ ‫خليطا من أرضية ليست متنوعة‪،‬‬ ‫عدا ذلك تعكس‬ ‫بل مختلفة متناقضة أحيا ًنا‪ ،‬وهو ما يجعل التأثير‬ ‫قائما‪ ،‬ويجرها بعيدً ا عن االعتدال والوسطية‪،‬‬ ‫السلبي ً‬ ‫في وسط حالة من عدم التدقيق في قراءة الوضع‬ ‫اإلعالمي ودراسته موضوع ًّيا وعلم ًّيا؛ حيث يعتمد‬ ‫قراءات متعجلة لغير املتخصصني‪.‬‬ ‫وتناولت أقالم املستشرقني الغربيني خالل القرنني‬ ‫املاضني بالدراسة والتحليل مختلف العلوم اإلسالمية‪،‬‬ ‫وأ ّلفت في ذلك كتبا وأعدت دراسات‪ ،‬وإن بدا تركيزهم‬ ‫منص ًّبا باألساس على اجلانب التاريخي والفلسفي أكثر‪.‬‬ ‫غير أن مؤاخذات كثيرة يطرحها عدد من األكادمييني‬ ‫واملتخصصني في الفكر االستشراقي‪ ،‬أهمها غياب‬ ‫احليادية في الغالب‪ ،‬واعتماد أسلوب التشكيك‪،‬‬ ‫وتنزيل مناهج نقدية مجردة عن اخللفية الثقافية للمادة‬ ‫املراد دراستها‪ ،‬وهو ما دعا عددً ا كبي ًرا من املسلمني‬ ‫إلى عدم التسليم بالنتائج التي وصل إليها الفكر‬ ‫االستشراقي‪ ،‬والنظر إلى اإلنتاج االستشراقي مبزيد‬ ‫من الريبة والشك لكل ما يكتبونه وما كتبوه‪ ،‬وهو‬ ‫ما استوجب من االستشراق احلديث البحث عن مداخل‬ ‫جديدة يستطيع من خاللها رفع الغشاوة التي وضعت‬ ‫على إنتاجه بالعمل حتت مسميات جديدة‪.‬‬ ‫أما عن دور االستشراق في تشكيل عقل املسلم في‬ ‫الغرب‪ ،‬وضبط صورة اإلسالم لدى الغربيني‪ ،‬فيوضحه‬

‫الدكتور يوحنا موملان ـ أستاذ الثقافة اإلسالمية‬ ‫في جامعة أوكسفورد ـ في حديثنا معه قائال‪" :‬إن‬ ‫االستشراق ليس له عالقة مباشرة بالعامة من الناس‪،‬‬ ‫ولكن تأثيره غال ًبا ما يكون على املتخصصني من‬ ‫الطلبة واملثقفني والباحثني"‪ .‬ويضيف موملان‪" :‬إن عددً ا‬ ‫من وسائل اإلعالم في الغرب تصنع صورة اإلسالم‬ ‫في ذهن العامة مبا تستقيه من معلومات من الكتب‬ ‫االستشراقية‪ ،‬وبالتالي يكون التأثير االستشراقي غير‬ ‫مباشر على العامة‪ ،‬وتأثيره أقوى على املثقفني وصناع‬ ‫الرأي والقرار من ساسة وصحفيني"‪.‬‬ ‫ضبابية الرسالة بتنوع املسلمني الذين يعيشون في‬ ‫الغرب ـ من حيث املستوى العلمي واملعرفي واألصول‬ ‫اجلغرافية‪ ،‬ثم من حيث االجتاه الديني ونوعية التدين‬ ‫الذي حتمله كل مجموعة من جهة‪ ،‬ومدى قابلية القوانني‬ ‫الغربية للتنوع‪ ،‬وقدرة هذه الدول على إدماج املسلمني‬ ‫في نسيج الدورة االجتماعية التي يعيشون فيها من‬ ‫جهة أخرى ـ بهذا التنوع تزداد صعوبة التوصل إلى‬ ‫إيجاد مصدر واحد يشبع رغبة اجلميع‪.‬‬ ‫‪ ‬في مقابل أن التنوع والتدفق الهائل يستوجب‬ ‫احلذر من الرسالة واخلطاب الذي ال يراعي اخلصوصية‬ ‫لألقليات املتوزعة‪ ،‬ثم يبتعد عن التفعيل اإليجابي‬ ‫لهذه األقليات‪ ،‬غار ًقا في مطبات القضايا اخلالفية‬ ‫والفرعية والتركيز على جلد الذات‪ .‬كما يتحتم على‬ ‫ملقي الرسالة أن يراعي في رسالته املتلقي املراد‬ ‫إيصال الرسالة إليه‪ ،‬فمنهم من ال يتكلمون العربية‬ ‫وليسوا عر ًبا‪ ،‬أو من تشبعوا بثقافة الغرب ولم يعودوا‬ ‫يحملون من العربية سوى اسمها‪ ،‬أو َمن هم من‬ ‫األميني الذين تعوزهم آلية فهم اللغة وأبعادها‪ ،‬أو‬ ‫من ال يستطيع أن ُي ِ‬ ‫عمل العقل بشكل سليم‪ .‬أ ّما‬ ‫القلة التي تتوجه الرسالة إليهم مباشرة ممن نهلوا من‬ ‫معني مصادر اإلسالم فإنهم ما زالوا مغلولي األيدي‬ ‫وما زالوا ميثلون األقلية‪ ،‬ولم يتمكنوا إلى اآلن من أن‬ ‫يأخذوا بزمام املبادرة رغم احملاوالت التي يبذلونها؛‬ ‫الستحواذ اجليل األول الذي يغلب عليه األمية وقلة‬ ‫املعرفة على ما يعتقد أنها مكتسبات يخاف أن تؤخذ‬ ‫منه ويسحب منه البساط‪.‬‬ ‫وألننا في عصر غلبت عليه املظاهر أكثر من‬ ‫األفكار‪ ،‬وتعددت فيه وسائل التدفق املعرفي التي‬ ‫يقف أمامها احلليم حيرانَ‪ ،‬خاصة مع حتول العالم‬ ‫إلى قرية يالمس فيها اجلميع ثقافة اآلخر‪ ،‬استوجب‬ ‫علينا أن نستثمر هذا الكم الهائل من الوسائط املتاحة‬ ‫إليصال الرسالة املرجوة بالطريقة املرجوة إلى املتلقي‬ ‫املرجو‪ ،‬وهذا يكون من الصعوبة مبكان إذا لم نكيف‬ ‫الدعوة مبتغيرات رمبا لم تعهدها من قبل‪ ،‬واستثمار ما‬ ‫هو متاح من فرص في سبيل رفع الشبهات‪ ،‬والظهور‬ ‫مبستوى التحدي الذي فرض على اإلسالم بعد أن‬ ‫يخرج من دائرته الضيقة ليتصدر اليوم واجهة األحداث‬ ‫العاملية‪.‬‬ ‫عن موقع "املسلمون في الغرب" االلكتروني‬

‫‪19‬‬


‫فعاليات‬

‫«مهارات النجاح في عالم متغير» في العراق‬ ‫مؤسسة الرافدين في السماوة‬ ‫تستضيف فريق "اسالم ‪"21‬‬ ‫نظم املنبر الدولي للحوار االسالمي‪ /‬مشروع‬ ‫اسالم ‪ 21‬ورشة تدريبية ملدة يومني في مدينة السماوة‬ ‫جنوب العراق‪ ،‬بالتعاون مع مؤسسة الرافدين للثقافة‬ ‫املدنية وذلك في ‪ 29‬ـ ‪ 30‬من شهر أيار (مايو)‬ ‫املاضي‪.‬‬ ‫وشارك في الورشة نشطاء وناشطات من منظمات‬ ‫املجتمع املدني الفاعلة من كل من محافظة املثنى‪،‬‬ ‫القادسية‪ ،‬كربالء وبابل‪ ،‬حيث جاءوا من مدنهم‬ ‫خصيصا للمشاركة في ورشة "مهارات النجاح في‬ ‫عالم متغير"‪.‬‬ ‫واكد املشاركون على جناعة الطرح اجلديد الذي‬ ‫تقدمه الدورة باملزاوجة بني العلوم االنسانية املعاصرة‬ ‫في مناهج تنمية الذات وبني املرجعية القرانية في‬ ‫التاسيس للذهن املسلم‪.‬‬

‫«مهارات النجاح»‬ ‫في العاصمة بغداد‬ ‫اقام املنبر الدولي للحوار االسالمي ورشة ملدة ثالثة ايام في مدينة بغداد شارك فيها عدد من النشطاء الشباب في منظمات املجتمع املدني‬ ‫والعاملني في احلقل السياسي‪ ،‬وذلك في ‪ 4 ،3 ،2‬من شهر حزيران (يونيو) ‪.2009‬‬ ‫مت تخصيص اليومني االولني ملهارات ادارة الذات ومفاتيح النجاح والنسق القيمي القراني‪ ،‬فيما خصص اليوم الثالث واالخير ملهارات التعامل‬ ‫مع الشان العام ومداخل التاثير على السياسات‪.‬‬ ‫وتفاعل املشاركون مع منهج الدورة الذي يعكس الترابط بني مرجعيات الوعي الثالث الذات‪ ،‬املثل والواقع‪ ،‬وبني بعدي وجود االنسان‪ :‬االنسان‬ ‫كفرد واالنسان كمنتم‪ ،‬حيث تتميز دورة «مهارات النجاح في عالم متغير» بالتشديد على تكامل البعدين واهمية وعيهما وتنميتهما لتحقيق‬ ‫النجاح‪.‬‬ ‫وقد مت اختيار عدد من املشاركني ليواصلوا التدرب كمدربني وبذلك ينضمون الى شبكة «مهارات النجاح في عالم متغير» للشرق االوسط التي‬ ‫تأسست مطلع ‪ 2009‬في العاصمة اللبنانية بيروت‪.‬‬ ‫‪20‬‬


‫المسلمون في بريطانيا عبر القرون‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‬

‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‬ ‫ ‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫•‪ :1386‬اإلشارة إلى علماء مسلمني في حكايات ‬ ‫كانتربري‬ ‫•القرن‪ :16 ‬جون نيلسون كان أول رجل إنكليزي ‬ ‫يعتنق الدين اإلسالمي‬ ‫•‪ ‬الثالثيـنيات مـن القـرن ‪ :17‬أسست جامعتا ‬ ‫أكسفورد وكامبريدج كرسيا للغة العربية في كل‬ ‫منهما‬ ‫•‪ :1641‬وثيقة تشير إلى "اكتشاف طائفة من‬ ‫احملمديني في لندن"‬ ‫•‪ :1649‬أول ترجمة للقرآن الكرمي إلى اللغة ‬ ‫اإلنكليزية‪ ،‬حيث ترجمه أليكسندر روس‬ ‫•‪ :1700 ‬وصول أول مجموعة كبيرة من املسلمني ‬ ‫البحارة الذين‬ ‫إلى بريطانيا قادمني من الهند‪ .‬شكل ّ‬ ‫عملت شركة الهند الشرقية على استئجارهم في‬ ‫الهند أول جالية إسالمية في مدن املوانئ البحرية‬ ‫البريطانية‪ .‬بينما أتى آخرون من مناطق متثل اآلن ‬ ‫أجزاء من بنغالدش وباكستان‪.‬‬ ‫•‪ :1869 ‬شجع افتتاح قناة السويس قدوم موجة‬ ‫جديدة من املهاجرين املسلمني إلى بريطانيا‪ .‬منو‬ ‫التجارة جلب اليمنيني والصوماليني للعمل في‬ ‫ ‬ ‫موانئ كارديف وليفربول وبولوكشيلدز ولندن‪.‬‬ ‫•‪ :1886 ‬تأسيس "أجنومان إي إسالم" في لندن‪،‬‬ ‫وأعيد تسميتها فيما بعد لتصبح "جمعية كل‬ ‫ ‬ ‫املسلمني"‪.‬‬ ‫•‪ :1887‬وليام هنري كليام‪ ،‬وهو محام من ليفربول‪،‬‬ ‫اعتنق اإلسالم أثناء وجوده في املغرب‪ .‬وقد أسس ‬ ‫مسجد ليفربول واملعهد اإلسالمي‪ ،‬كما أسس "دار‬ ‫املدينة"‪ ،‬وهي دار لأليتام في ليفربول‪ .‬وكان يرأس ‬ ‫حترير املجلة األسبوعية "العالم اإلسالمي والهالل"‪.‬‬ ‫•‪ :1889‬افتتاح أول مسجد مت بناؤه في ووكنغ‬ ‫•‪ :1910‬أمير علي‪ ،‬وهو عالم إسالمي‪ ،‬يدعو لعقد ‬ ‫اجتماع عام في فندق ريتز مطالبا بتأسيس "مسجد‬ ‫في لندن يليق بالتقاليد اإلسالمية ويليق بعاصمة ‬ ‫اإلمبراطورية البريطانية"‪.‬‬ ‫•‪ :1911‬إصدار تشريع بشأن ذبح احليوانات مينح ‬ ‫استثناء للذبح احلالل‪.‬‬ ‫•‪ :1912‬وصول خوجة كمال الدين‪ ،‬وهو محام من‬ ‫الهور‪ ،‬إلى لندن وهدفه الوحيد هو إزالة املفاهيم‬ ‫اخلاطئة حول اإلسالم‪ .‬وبدأ بعد عام بإصدار "النشرة ‬ ‫اإلسالمية"‪.‬‬ ‫•‪ :1914‬أسس لورد هيدلي‪ ،‬وهو بريطاني اعتنق‬ ‫ ‬ ‫اإلسالم‪ ،‬اجلمعية اإلسالمية البريطانية‪.‬‬ ‫•‪ :1928‬تأسيس "صندوق ائتمان نظامي" في لندن‬ ‫ ‬ ‫للنظر في عروض لبناء مسجد وسط لندن‪ .‬‬ ‫•‪ :1940‬خصصت احلكومة مبلغ ‪ 100‬ألف جنيه‬ ‫إسترليني لشراء أرض لبناء مسجد في لندن‪.‬‬ ‫•‪ :1941 ‬اشترى صندوق ائتمان مسجد شرق لندن‬ ‫ثالثة أبنية في كوميرشالرود‪ ،‬في ِ‬ ‫استبني‪ ،‬وح ّولها ‬ ‫لتصبح أول مسجد في لندن‪.‬‬

‫ ‬

‫•‪ :1944‬حضور امللك جورج السادس الفتتاح املركز ‬ ‫الثقافي اإلسالمي في ريجنتس بارك‪.‬‬ ‫•‪ :1947‬أسس ثالثة عشر سفيرا من الدول‬ ‫اإلسالمية صندوق ائتمان مسجد وسط لندن‪.‬‬ ‫قادمني‬ ‫•‪ 1950‬ـ ‪ :1960‬وصول مهاجرين مسلمني‬ ‫ ‬ ‫من الهند وباكستان بعد تقسيمهما‪ .‬شجع على هذه‬ ‫الهجرة النقص في األيدي العاملة في بريطانيا‪،‬‬ ‫خصوصا في مجال صناعات احلديد واألقمشة في‬ ‫يوركشايروالنكشاير (شمال إنكلترا)‪.‬‬ ‫ ‬ ‫•‪ٌ :1951‬قدّ ر تعداد املسلمني بحوالى ‪ 23‬ألف‬ ‫مسلم‪.‬‬ ‫•‪ 1960‬ـ‪ :1970‬وصول موجة تالية من املهاجرين‬ ‫القادمني من أفريقيا‪ ،‬أغلبهم من كينيا وأوغندا‪ ،‬‬ ‫حيث عانى الكثير من اآلسيويني هناك من التمييز‬ ‫ضدهم‪.‬‬ ‫•‪ :1961‬ارتفاع عدد املسلمني في بريطانيا إلى‬ ‫‪ 82‬ألف‪ ،‬وساهم في هذا االرتفاع استعجال الناس‬ ‫ليسبقوا دخول قانون املهاجرين من الكومنولث (لعام‬ ‫‪ )1962‬حيز التنفيذ‪ ،‬وهو قانون يحرم مواطني‬ ‫الكومنولث من احلق التلقائي لدخول بريطانيا‪.‬‬ ‫بريطانيا‪،‬‬ ‫•‪ :1966‬هناك ثمانية عشر مسجدا في‬ ‫ ‬ ‫ازداد عددهم مبعدل سبعة مساجد كل عام خالل‬ ‫السنوات العشر التالية‪ .‬‬ ‫ ‬ ‫•‪ :1971‬أصبح عدد املسلمني ُيقدّ ر بحوالي ‪369‬‬ ‫ألف مسلم‪.‬‬ ‫•‪ :1972‬عيدي أمني طرد ‪ 60‬ألف مسلم من‬ ‫أوغندا‪ ،‬استقر العديد منهم في بريطانيا‪.‬‬ ‫•‪ :1973‬تأسس املجلس اإلسالمي األوروبي ومقره‬ ‫في لندن‪ .‬إجراء أول حوار بني املسيحيني واملسلمني ‬ ‫حتت عنوان "اإلسالم في األبرشية"‪.‬‬ ‫•‪ :1974‬عني مجلس الكنائس البريطاني فريقا‬ ‫استشاريا لدراسة اإلسالم في بريطانيا‪.‬‬ ‫الحتفال‬ ‫امللكة‬ ‫•‪ :1976‬افتتاح صاحبة اجلاللة‬ ‫ ‬ ‫إسالمي‪.‬‬ ‫•‪ :1977‬افتتاح مسجد وسط لندن في ريجنتس‬ ‫بارك‪ .‬تأسيس املركز اإلسالمي في بلفاست‪.‬‬ ‫هناك حوالي ‪ 3‬آالف مسلم يعيشون في ايرلندا‬ ‫الشمالية‪.‬‬ ‫•‪ :1984‬تأسيس جمعية اإلغاثة اإلسالمية‪،‬‬ ‫وهي في يومنا هذا أكبر هيئة خيرية إسالمية في‬ ‫بريطانيا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪338‬‬ ‫هناك‬ ‫كان‬ ‫العام‬ ‫هذا‬ ‫بحلول‬ ‫•‪:1985‬‬ ‫مسجدا‬ ‫ ‬ ‫في بريطانيا‪.‬‬ ‫•‪ :1992‬نشرت "كيونيوز"‪ ،‬وهي أكبر مجلة‬ ‫إسالمية في بريطانيا‪ .‬أول محطة إذاعية رمضانية‬ ‫تبث مزيجا من اخلطب واملوسيقى الدينية وحلقات‬ ‫الدرس في برادفورد‪.‬‬ ‫•‪ :1994‬اجلمعية اإلسالمية البريطانية تنظم أول‬ ‫أسبوع للتوعية بالدين اإلسالمي‪ ،‬والغرض منه رفع‬

‫مستوى الوعي بهذا الدين ومعاجلة املفاهيم اخلاطئة‬ ‫جتاه اإلسالم‪.‬‬ ‫•‪ :1996‬صندوق ائتمان رونيميد املستقل يؤسس‬ ‫جلنة "املسلمون البريطانيون ومعاداة اإلسالم"‪.‬‬ ‫•‪ :1997‬تأسيس املجلس اإلسالمي البريطاني‬ ‫كمظلة تضم حتت جناحها مجموعة من املنظمات‬ ‫اإلسالمية‪ .‬محمد سروار يصبح أول عضو مسلم يتم‬ ‫انتخابه للبرملان (ممثال عن دائرة غوفان)‪.‬‬ ‫•‪ :1998‬اثنتان من املدارس اإلسالمية تتلقيان‬ ‫متويال من احلكومة‪ .‬تعيني أول مجموعة من‬ ‫املسلمني أعضاء في مجلس األعيان‪ :‬لورد نزير‬ ‫أحمد والبارونة بوال الدين‪.‬‬ ‫•‪ :2000‬وزارة اخلارجية وشؤون الكومنولث تشكل‬ ‫بعثة احلج السنوية لتوفير الدعم الطبي والقنصلي‬ ‫حلوالى ‪ 25‬ألف مسلم بريطاني يؤدون فريضة احلج‬ ‫إلى مكة كل عام‪.‬‬ ‫•‪ :2001‬اإلحصاء السكاني الوطني يتضمن سؤاال‬ ‫عن التوجه الديني ألول مرة بتاريخه‪ .‬عقب عمليات‬ ‫الشغب التي وقعت في مدن يوركشاير‪ ،‬أصدر‬ ‫تقرير طلبت احلكومة إعداده توصيات بشأن تعزيز‬ ‫الترابط بني اجلاليات‪ .‬احلكومة تطرح على البرملان‬ ‫قانونا بشأن توسيع قوانني العالقات بني اخللفيات‬ ‫العرقية ليشمل التحريض على الكراهية على‬ ‫أساس الدين‪.‬‬ ‫•‪ :2002‬تعيني أول إمام دائم في سجن بريكستون‪،‬‬ ‫لندن‪.‬‬ ‫•‪ :2003‬هوارد ديفيز‪ ،‬نائب محافظ بنك إنكلترا‪،‬‬ ‫يلقي خطابا تاريخيا شجع فيه على تطوير سبل‬ ‫التمويل اإلسالمي في اململكة املتحدة‪ .‬ومت تعديل‬ ‫قوانني الضرائب املتعلقة بشراء البيوت لتسهيل‬ ‫عملية تقدمي قروض إسالمية‪ .‬تطبيق قانون يج ّرم‬ ‫التمييز على أساس املعتقد الديني‪.‬‬ ‫•‪ :2004‬افتتاح بنك بريطانيا اإلسالمي في‬ ‫برمنغهام‪ ،‬وهو بذلك أول بنك إسالمي في أوروبا‪.‬‬ ‫تعيني ألب محمد أول سفير بريطاني مسلم (لدى‬ ‫أيسلندا)‪.‬‬ ‫•‪ :2005‬وزارة الدفاع تعينّ عاصم حافظ كأول‬ ‫"واعظ" مسلم في القوات املسلحة‪ .‬الهيئات اخليرية‬ ‫اإلسالمية تشارك في حملة "لنجعل الفقر أمرا‬ ‫يطويه التاريخ"‪ .‬بعد التفجيرات التي وقعت في ‪7‬‬ ‫متوز (يوليو) في لندن‪ ،‬شكلت احلكومة فرق عمل‬ ‫من املسلمني البريطانيني حتت راية "لنمنع التطرف‬ ‫معا"‪ .‬الهيئات اخليرية اإلسالمية جمعت‪ ،‬في غضون‬ ‫يومني من وقوع الزلزال في كشمير‪ 1.75 ،‬مليون‬ ‫جنيه إسترليني ضمن جهود اإلغاثة الطارئة‪.‬‬ ‫•‪ :2006‬متحف فيكتوريا وألبرت يفتتح صالة‬ ‫جديدة مخصصة للفنون اإلسالمية‪ .‬افتتاح معرض‬ ‫"‪ 1001‬اختراع" الذي يسلط الضوء على مساهمات‬ ‫العرب واملسلمني في احلياة املعاصرة‪ ،‬وذلك مبتحف‬ ‫العلوم والصناعة في مانشستر‪ .‬أمجد حسني يصبح‬ ‫أول أدميرال مسلم في بريطانيا‬

‫عن موقع‪www.fco.gov.uk :‬‬ ‫‪21‬‬


‫ترجمة‬

‫إعادة أسلمة أوساط المهاجرين في فرنسا‬ ‫القراءة الخاصة لالسالم غالبًا ما تدخل في تناقض مع علمانية الدولة‬ ‫تشهد فرنسا اوسع عملية دمج فردي في عموم اوروبا‬ ‫تعبير "مسلمون" الذي يطلق على السكان الذين‬ ‫يتحدرون من بلدان إسالمية ويعيشون في فرنسا‪،‬‬ ‫تعبير غامض‪ ،‬ألنه ينطوي على إشارة إلى فئة دينية‪،‬‬ ‫ويحمل في الوقت نفسه داللة أثنية شديدة‪ .‬فالسكان‬ ‫ذوو األصول املهاجرة املقيمون في فرنسا هم مسلمون‬ ‫عموم ًا‪ ،‬لكن باملعنى الثقافي والسوسيولوجي لهذا‬ ‫التعبير‪ ،‬مثلما هو احلال عندما نتحدث عن "كاثوليك"‬ ‫باملعنى املجتمعي‪ ،‬فاملمارسة الدينية ضعيفة لديهم‪،‬‬ ‫لكنهم ميارسون الشعائر االحتفالية في إطار الدين‬ ‫(اخلتان؛ الزواج؛ الدفن)؛ كما يكنون احتراما شديدا‬ ‫لألعياد الدينية‪ ،‬حتى وان طغى املظهر االحتفائي‬ ‫على مظهر التقوى‪ ،‬مثلما في حالة االحتفال بأعياد‬ ‫امليالد أو شهر رمضان‪ ،‬وابتداع جمهور املؤمنني ور ّقع‬ ‫أشكال ممارسة متساوقة متام ً ُا مع احلياة في فرنسا‪،‬‬ ‫حتى وان حمل هذا الوضع السلطات الفرنسية العامة‬ ‫على أن تضع بدورها عددا من التدابير القانونية‪،‬‬ ‫كاللوائح اخلاصة بذبح احليوانات على سبيل املثال‪.‬‬ ‫طبع ًا‪ ،‬اكتسبت املمارسة الدينية بهذا النحو وضوح ًا‬ ‫كان غائب ًا منذ عشرين عام ًا في فرنسا‪ ،‬وأثار االنبثاق‬ ‫الصارخ ملئات املساجد في أعوام الثمانينيات‪،‬‬ ‫انطباع ًا عن توسع سريع لإلسالم في فرنسا‪ .‬إذ كانت‬ ‫املساجد ضئيلة العدد تقريبا في أعوام السبعينيات‪.‬‬ ‫لكن ملّا استقدم العمال املهاجرون عائالتهم‪ ،‬وغادروا‬ ‫بالتالي مساكن العمال (حيث كانوا يستغلون غرفة‬ ‫واحدة من املسكن كمسجد)‪ ،‬استشعر امللتزمون ديني ًا‬ ‫من بينهم‪ ،‬احلاجة إلى وجود مسجد في احلي الذي‬ ‫يقطنونه‪ ،‬ما دام فيه كنيسة‪.‬‬ ‫يرتبط ظهور املساجد في فرنسا مع حاجة‬ ‫املهاجرين‪ ،‬الذين قرروا عدم العودة إلى بلدانهم‪،‬‬ ‫لالنخراط االجتماعي وللبحث عن وجاهة‪ .‬بيد أن‬ ‫عدد املساجد القليلة وحجمها بالقياس إلى عدد‬ ‫السكان املسلمني يؤشر بال ريب أن املسلمني ال‬ ‫يتوافرون بعد على مساحة ألماكن عبادة تتناسب‬

‫‪22‬‬

‫وعددهم‪ .‬وهكذا فاألمر أكثر من عملية اعادة أسلمة‪،‬‬ ‫إذ ترانا نشهد في وضح النهار ظهور دين كان شبه‬ ‫خفي حتى الثمانينيات‪ .‬وهكذا ليس اإلسالم في ذاته‬ ‫هو املشكل‪ .‬لكن باملقابل‪ ،‬تدخل القراءة اإلسالموية‬ ‫لإلسالم في تناقض‪ ،‬طبع ًا‪ ،‬مع أسس الدولة العلمانية‬ ‫الدميقراطية‪.‬‬ ‫أذن أن املسألة التي تطرح نفسها هنا هي‬ ‫مسألة اختراق شبكات أصولية لألوساط املسلمة‬ ‫وتعبئتها‪ .‬وعليه‪ ،‬ينبغي ال متييز بني نقطتني‪ :‬األولى‬ ‫تتعلق بشبكة الناشطني "احملترفني"‪ ،‬الذين حتركهم‬ ‫عموم ًا من اخلارج أجهزة مخابرات أجنبية (كما‬ ‫االعتداء الذي وقع في العام ‪ 1986‬في باريس)‬ ‫أو من طريق توجهات راديكالية لها إستراتيجيتها‬ ‫اخلاصة بها‪ ،‬وتبحث في الوقت عينه عن شبكات‬ ‫دعم (لوجستي‪ ،‬دعائي‪ ،‬وجتنيد) وعن وسيلة ضغط‬ ‫احلكومة الفرنسية‪ ،‬مثال كما وضع الشبكات املرتبطة‬ ‫باجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ‪ ،‬أو باجلماعة اإلسالمية‬ ‫املسلحة (اعتداء مراكش في آب (اغسطس) من‬ ‫العام ‪ ،1994‬واكتشاف عدد من مخابئ سالح في‬ ‫فرنسا في العام ‪.)1995‬‬ ‫وتخص النقطة الثانية احلركة األصولية التي‬ ‫تسعى إلى جمع السكان املسلمني وللحصول على‬ ‫أقصى التنازالت من الدولة لتتبنى رسمي ًا املمارسات‬ ‫التي تفرضها قراءتهم للشريعة‪ .‬وهذه احلركة األخيرة‬ ‫تسعى للبروز‪ ،‬وحتصل عليه كما يتبني ذلك في‬ ‫قضية احلجاب‪.‬‬ ‫باملقابل‪ ،‬تهتم الشبكة اإلرهابية بطبيعتها‪،‬‬ ‫بسريتها‪ .‬وجنوع هذه السرية على تعارض مع التعبئة‬ ‫الشعبية‪ .‬فمن اليسير مد شبكة إرهابية أو ناشطة‬ ‫بعشرات الناشطني وبضعة عشرات من املتعاطفني‪،‬‬ ‫كما بينت ذلك اعتداءات حزيران (يونيو) من العام‬ ‫‪ ،1986‬التي كان لها وقع سياسي بالغ‪ ،‬لكنها‬ ‫تكشف بأنها من تدبير جماعة صغيرة من املهمشني‬

‫ً‬ ‫جدا‪ .‬إذ أن إستراتيجية هذه الشبكات ليست فرض‬ ‫األصولية‪ ،‬بل تركيع الدولة وجعلها تساند صراع ًا‬ ‫يجري خارج األراضي الفرنسية‪ .‬ولعل مظهر هذه‬ ‫ً‬ ‫تعبيرا سياسي ًا‬ ‫املسألة كان سيتغير لو أصبح اإلرهاب‬ ‫عن "فئة"‪ ،‬على وفق أمنوذج الباسك أو شمالي ايرلندا‪.‬‬ ‫ولعل اإلرهابية اإلسالمية هي‪ ،‬بافتراض األسوأ‪،‬‬ ‫من منط عصبة "بادر" أو جماعة "الفعل املباشر"‪،‬‬ ‫جتند "اليائسني" املوجودين في هوامش متعددة من‬ ‫املجتمع‪ ،‬لكنها حتبس نفسها في الهامشية التي‬ ‫يوجد فيها ناشطوها‪ .‬إذ كي ينتقل إرهاب محتمل‬ ‫إلى مرحلة الفاعلية الشديدة ليصل إلى مستوى‬ ‫اجليش اجلمهوري االيرلندي‪ ،‬ومنظمة ايتا‪ ،‬لرمبا يلزمه‬ ‫في البداية االتكاء على "فئة" مسلمة تتمتع بشعور‬ ‫قوي بالهوية‪ ،‬ومن ثم ينبغي أن تكون هذه الفئة في‬ ‫قطيعة وفي صراع مع الدولة وبقية املجتمع‪.‬‬ ‫احلال أن هذه "الفئة املسلمة" ليست واقع ًا‪ ،‬إمنا‬ ‫هي مشروع‪ .‬وإذا ما كان هناك نقاش دائر في هذا‬ ‫الوقت بفرنسا عمن يجوز له التحدث باسم اإلسالم‪،‬‬ ‫فاحلقيقة ألن السكان ذوي األصول املسلمة لم يروا‬ ‫أنفسهم كفئة في فرنسا‪ .‬فمن جانب‪ ،‬ترانا جند‬ ‫اجلمعيات الكبيرة التي تناضل بهذه االجتاه‪ ،‬وهي‬ ‫مرتبطة في عمومها باألوساط اإلسالموية املعتدلة‬ ‫(اإلخوان املسلمون)‪ ،‬مثل احتاد املنظمات اإلسالمية‬ ‫في فرنسا‪ .‬ومن جانب آخر‪ ،‬يأمل املشرف على‬ ‫مسجد باريس الكبير بلعب دور "مفتي" فرنسا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأخيرا جند املفارقة األكبر في أن وزارة الداخلية‬ ‫(وعلينا أال ننسى أن تسميتها الكاملة هي وزارة‬ ‫الداخلية وشؤون العبادات)‪ ،‬حاولت أن تضم إلى‬ ‫مسؤولياتها‪ ،‬وحتت مسميات متنوعة‪ ،‬سلطة متثل‬ ‫ً‬ ‫بروزا هو بالتأكيد‬ ‫مسلمي فرنسا‪ .‬والنشاط األكثر‬ ‫نشاط احتاد املنظمات اإلسالمية في فرنسا‪ ،‬بل‪،‬‬ ‫كذلك نشاط منافسه "احتاد مسلمي فرنسا"‪ .‬وترمي‬ ‫هذه املنظمات أو ًال إلى جمع كل املسلمني على مبدأ‬


‫يقع في ما وراء األصل الوطني واإلثني‪ ،‬أي على‬ ‫أساس إسالم أصولي معتدل‪ ،‬وبهذا فهي في قطيعة‬ ‫مع كل ما يتصل بالثقافة الوطنية‪ ،‬أو اإلثنية‪ .‬إذن‬ ‫يدور األمر أو ًال على حتديد فئة على قاعدة دينية‬ ‫ً‬ ‫حصرا‪ ،‬وبعدها مفاوضة السلطات على توفير وضع‬ ‫قانوني استثنائي للمسلمني‪ ،‬في إطار اجلمهورية‬ ‫الفرنسية‪ .‬ومحور هجوم احتاد املنظمات اإلسالمية‬ ‫في فرنسا في ذلك يتعلق بالسماح بارتداء احلجاب‬ ‫اإلسالمي في املؤسسات التعليمية العامة‪.‬‬ ‫بيد أن ثمة رهانات أخرى لديها غير رهان‬ ‫التمثيل الديني‪ ،‬مثل‪ :‬رهانات اقتصادية (سوق‬ ‫اللحم احلالل واحلج)‪ ،‬ورهانات سياسية (تشكيل‬ ‫لوبي على الطريقة األمريكية) األمر الذي يفسر‬ ‫احتدام املنافسة بني هاتني املنظمتني‪.‬‬ ‫غير أن إستراتيجية اجلمع هذه ال تشتغل بالنحو‬ ‫املرجتى منها‪ .‬وأول األسباب في ذلك هو تبعثر‬ ‫السكان املسلمني في فرنسا وتنوعهم‪ .‬فال ميكن‬ ‫للجمع أن يجري على أسس ثقافية أو أثنية‪ :‬والسبب‬ ‫ال يرد إلى تنوع أصولهم فحسب‪ ،‬بل أيضا ألنهم‬ ‫يفتقدون إلى ما يحدد السكان املسلمني كمجموعة‬ ‫ثقافية وإثنية‪ .‬لذا فان تبعثر الفئة املسلمة في فرنسا‬ ‫هو عالمة على أن الدمج سائر في طريقه‪ .‬ففرنسا‬ ‫هي البلد الغربي الذي يشهد أقوى عملية دمج فردي‪،‬‬ ‫ويشهد بال شك اضعف تعبئة فئوية في أوروبا‪ .‬وأكبر‬ ‫معيار للدمج‪ ،‬فيما يتعلق بالسكان املسلمني‪ ،‬هو‬ ‫معيار الزيجات بني بنات "مسلمات" و"فرنسيني‬ ‫أصالء"‪ .‬واحلال هذه‪ ،‬فالنسبة اليوم هي ‪ %25‬من‬ ‫الشابات من أصل جزائري يعشن في فرنسا‪ ،‬مث ًال‪.‬‬ ‫وميكن أن نلحظ أيض ًا ضآلة عدد الشابات اجلزائريات‬ ‫األصل اللواتي يعنني مبسألة احلجاب (التي متس‬ ‫املغاربيات والتركيات أيضا)‪.‬‬ ‫لعل اإلمكانية الوحيدة لعملية اجلمع ستكون‬ ‫باالنتقال إلى إسالم أصولي جديد‪ ،‬يتنكر على‬ ‫وجه التحديد حلقيقة الثقافة األصلية (كما ثقافة‬ ‫املستقبل) بغية تأسيس هوية مشتركة قائمة على‬ ‫التقيد املتزمت بشفرة دينية (طقسية‪ ،‬ملبسية‪،‬‬ ‫وغذائية)‪ ،‬التي قد تطلب من الدولة االعتراف بالفئة‬ ‫املتشكلة بهذا املعنى‪ ،‬على أساس عقد يحدد حقوقها‬ ‫وواجباتها‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬حتى عندما حتدث عودة للدين‪ ،‬فهي دائماً‬ ‫عودة على قاعدة جد محلية تقريب ًا‪ ،‬جتري في إطار‬ ‫مساجد األحياء‪ ،‬التي عادة ما تكون متجانسة في‬ ‫شديدا ً‬ ‫ً‬ ‫جدا في‬ ‫املستوى اإلثني‪ .‬ثم أن هناك مي ًال‬ ‫اإلسالم السني‪ ،‬يتمثل برفض سلطة دينية مبنينة‪،‬‬ ‫يضاف إلى ترعرع الفئة‪ ،‬كما يضاف بال شك‬ ‫إلى وسط فرداني فرنسي ً‬ ‫جدا‪ ،‬األمر الذي يجعل‬ ‫من املسلمني امللتزمني صادين ألي تأطير مركزي‬ ‫ملمارستهم الدينية‪ .‬ومن املالئم التذكير هنا أن الدولة‬ ‫في البلدان السنية الكبيرة تتأسس كجماعة دينية‬

‫إسالمية (حتت إدارة مفتي كبير أو "إدارة الشؤون‬ ‫الدينية")‪ .‬لكن الثمن الذي كان عليها دفعه هو‬ ‫أنها وضعت هذه اجلماعة الدينية الرسمية في موضع‬ ‫ميكنها من مساومة مساندتها الدولة في مقابل أسلمة‬ ‫التشريع (كما حدث في مصر‪ ،‬وتركيا‪ ،‬وباكستان)‪.‬‬ ‫ما إلستراتيجية اجلمع التي تقودها التنظيمات‬ ‫اإلسالمية الكبيرة‪ ،‬حظ في النجاح إال إذا تلقت‬ ‫مساندة من لدن السلطات العامة‪ .‬لكن‪ ،‬حتى في‬ ‫هذه احلالة‪ ،‬ثمة مشكل يطرح نفسه‪ :‬هو مشكل حدود‬ ‫األمة‪ .‬فهل األمر نتيجة خيار فردي‪ ،‬أو باألحرى هل‬ ‫املرء مسلم ألنه ولد من أبوين مسلمني؟ عندها تصير‬ ‫الفئة الدينية مرة أخرى فئة أثنية‪ .‬وقضية احلجاب‬ ‫مثال مالئم عن ذلك‪ :‬فهل تتعلق القضية بالدفاع عن‬ ‫ممارسة خيار حر وشخصي‪ ،‬أم باألحرى تتعلق بالسعي‬

‫الشباب في المهجر‬ ‫يجد في االسالم وسطًا‬ ‫اجتماعيًا وهوية جديدة وشك ًال‬ ‫من اشكال الخالص بالمقارنة‬ ‫مع ماض من التهميش‬ ‫االجتماعي‬

‫لفرض ارتداء احلجاب على "املسلمات" جميع ًا؟ لو‬ ‫ً‬ ‫شديدا‬ ‫سمح باحلجاب‪ ،‬ألصبح ضغط العائلة واجليران‬ ‫على جميع الفتيات "املسلمات" اللواتي لم يكن‬ ‫يتمنني ارتداءه‪ .‬لكن األصوليون اجلدد يعتقدون أن‬ ‫ً‬ ‫خيارا فردي ًا‪ ،‬باستثناء وضع َم ْن يدخل‬ ‫الدين ليس‬ ‫فيه أول مرة‪ ،‬وبالطبع ال تقبل بهذه الفئوية دولة‬ ‫جمهورية علمانية‪.‬‬ ‫إذن يتضح أن النقاش يدور بني "جمع" و"دمج"‪.‬‬ ‫فلو تصورنا مفاوضات تتناول ممارسة شعائر دينية‪،‬‬ ‫فذلك يفترض أن املؤمن هو مواطن كحال أي مواطن‬ ‫آخر‪ ،‬خارج حدود تطبيق هذه الشعائر‪ ،‬وأن الدخول‬ ‫في الدين شأن حر وطوعي‪ .‬ومثل هكذا تسوية ليست‬ ‫ممكنة فحسب‪ ،‬بل هي تدور اآلن فع ًال خارج إطار‬ ‫النقاشات الرسمية‪ .‬والرهان في هذا هو "خصخصة"‬ ‫انتماء‬ ‫اإلسالم‪ ،‬أي جعله مسألة خيار شخصي وليس‬ ‫ً‬ ‫فئوي ًا‪ ،‬مثلما يتمثل الرهان في السياسة بتمرير‬ ‫تعبير سياسي جائز لإلسالم بالصيغة التي ابتدعتها‬ ‫الدميقراطية املسيحية‪ ،‬أي تشكيل حزب باسم القيم‬ ‫الدينية‪ ،‬لكنه يقبل باإلطار السياسي والقانوني الذي‬ ‫تقره العلمانية‪.‬‬ ‫في سياق غياب فئة مسلمة حقيقية‪ ،‬ال جتري‬

‫الردكلة في مستوى اجلمهور العام‪ ،‬بل في إطار‬ ‫مجموعات هامشية صغيرة‪ ،‬جتتمع في مسجد يقع‬ ‫في الضواحي الباريسية (مقترن في العادة بصالة‬ ‫رياضة) حول "مال" ندب نفسه لهذا العمل‪ ،‬وهذا في‬ ‫العموم جاء حديث ًا من اخلارج‪ ،‬لديه بضعة عشرات‬ ‫من األتباع‪ ،‬هم في العادة من الشباب الـ"بور" الذين‬ ‫جاءوا إلى إسالم يجهلون عنه كل شيء‪ .‬إنهم يجدون‬ ‫فيه وسط ًا اجتماعي ًا‪ ،‬وهوية جديدة‪ ،‬وشك ًال من أشكال‬ ‫"اخلالص" باملقارنة مع ماض من التهميش االجتماعي‬ ‫أو من اجلنوحية الصغيرة (وهنا ميكن أن يعاد تأويل‬ ‫ً‬ ‫تعبيرا عن‬ ‫االبتزاز بتعابير "الزكاة") كما يجدون فيه‬ ‫رفضهم للمجتمع الذي لفظهم‪ .‬لكن شكل تنظيمهم‬ ‫هو شكل طائفتهم وليس شكل دعوة ناشطة وإميان‬ ‫جديد‪ :‬والهدف هو االنطواء على الذات‪ ،‬واالنفصال‬ ‫عن العالم الفاسد‪ ،‬وشكل نشاطهم هو شكل القطيعة‬ ‫والسرية‪ ،‬وهكذا فهذه اجلماعات متوجسة قبل كل‬ ‫شيء من املسلمني اآلخرين‪ ،‬وبخاصة إزاء أولئك‬ ‫الذين يسعون ملأسسة اإلسالم‪ .‬وينتمي جل الناشطني‬ ‫الراديكاليني الذين جرى التحقيق معهم في فرنسا‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا‪ ،‬إلى هذه الفئة‪.‬‬ ‫تشهد الردكلة عملية حتديد ذاتي وتولد طوائف‬ ‫أو حلقات‪ ،‬وليس حركات جماهيرية‪ .‬إذ عندما ينجح‬ ‫اإلمام أو قائد اجلمعية بإنشاء حلقة من املوالني‬ ‫لشخصه في إطار املسجد‪ ،‬فهو يثير على العموم‬ ‫موقف رفض لدى قسم أوسع من "الدائرة احمللية"‪ ،‬ال‬ ‫سيما أن منصب إدارة املسجد أو اجلمعية يضع القائد‬ ‫املؤثر في تنافس مع مبتدئني آخرين من ذوي الوجاهة‪،‬‬ ‫ألنه يفترض أيض ًا إدارة املصادر املالية (أي "األعمال‬ ‫اإلسالمية ‪ "Islamo-business‬اخلاصة باحلج‬ ‫واللحم احلالل‪ ،‬واملساهمات املالية والهبات‪ ،‬بل‬ ‫حتى اإلعانات)‪ .‬وعندئذ‪ ،‬يتردد هؤالء املبتدئون‬ ‫في استغالل سمة التطرف لدى شخصية ندهم‪ .‬وبهذا‬ ‫النحو‪ ،‬اصطدم املغربي الطيب بنتيزي بسرعة بوجوه‬ ‫مختلفة معروفة في هذه الفئة بعدما فرض نفسه‬ ‫على رأس مسجد مونت ال جولي ‪Mantes-la-‬‬ ‫‪ Jolie‬في العام ‪ .1990‬وقد أستبعد من املسجد‬ ‫بقرار قضائي حكم لصالح منظمة "احتاد ايفلني‬ ‫‪ Yvelines‬اإلسالمي" في تشرين األول‪ /‬اكتوبر‬ ‫‪ ،1993‬ثم استبعد من فرنسا في مارس‪ /‬آذار‬ ‫‪ 1995‬فال ينبغي على القائد املؤثر أن يقتحم هذه‬ ‫الفئة‪ ،‬بل عليه املكوث في إطار اجلمعية الضيق‪ ،‬إن‬ ‫أراد البقاء في مكانه‪ .‬فهذه "البنية الطائفية" حتمي‪،‬‬ ‫لكمها ال تسمح بـ"االنتقال إلى السياسي"‪.‬‬

‫اوليفييه روا‬ ‫ترجمة فالح حسن‬ ‫ـ عن كتاب‪:‬‬

‫‪Généalogie de l'Islamisme، Olivier Roi‬‬

‫‪23‬‬


‫أفق‬

‫الذات المفكرة والتراث بين الهو ّية‬ ‫التراثية والهوية الكونية‬ ‫الغاء االخر ومحاربته ونفيه يؤدي الى انغالق الذات والهوية‬ ‫البحث عـن الهـوية فـي اطار عرقي ديني طائفي يـقود حتمًا الى العزلة‬ ‫أصبحت مسألة املوروث الثقافي واألصالة‬ ‫والتراث عملة رائجة في سوق املثقفني وموضة‬ ‫كل املنتديات واللقاءات الفكرية والثقافية‪،‬‬ ‫ويكفي أن نلتفت قليال إلى الوراء حتى جند كم‬ ‫شهدت احلقبة الفائتة من الطروحات واألطروحات‬ ‫في الفكر العربي بكل مستوياته‪ ،‬على مختلف‬ ‫األصعدة والطبقات الفكرية والفلسفية بكل‬ ‫األبعاد واالحتياجات‪ ،‬والتي متثلت بالكم الهائل‬ ‫من املؤمترات والندوات التي عقدت حول إشكالية‬ ‫املوروث والعالقة التي يجب أن تربط األمة‬ ‫مباضيها وموروثها الثقافي‪ .‬هذه الطروحات‬ ‫تناولت القضايا اجلوهرية األساسية في محددات‬ ‫اجلماعات واألفراد ولعل من أهم هذه القضايا‬ ‫ما يتعلق بـ "الهوية" و"التجذر التاريخي"‬ ‫و"التراث" والعمق احلضاري‪ ،‬وكل ما اتصل‬ ‫بهذه املوضوعات ومصطلحاتها املنبثقة عنها‬ ‫كاألصالة واخلصوصية واالنفصال عن الدخيل‬ ‫واألمة والوحدة والكونية‪.‬‬ ‫بدون ّ‬ ‫شك فإنّ هذا التوجه يلهب مشاعر الفرد‬ ‫العربي بشكل عام‪ ،‬ويؤجج إحساسه‪ ،‬والذي ُيراجع‬ ‫التاريخ يكتشف دون جهد أن األمم والشعوب‬ ‫تزداد انشغا ًال بتاريخها وماضيها حني يكون‬ ‫حاضرها مأزوم ًا و مؤشرات أسهمها احلضارية‬ ‫في هبوط‪ ،‬وهذا قد أشار إليه الكثير من مفكري‬ ‫‪24‬‬

‫العصر احلالي والفالسفة عبر التاريخ وال يحتاج‬ ‫إلى األدلة والبراهني للتدليل عليه‪ .‬فاألزمات‬ ‫الكبرى التي تطال "أنا" اإلنسان احلاضر تدفع به‬ ‫آل ًّيا إلى البحث عن "األنا" املاضي عبر الغوص‬ ‫والبحث عن مسوغات تاريخية تعيد لذاته‬ ‫املتصدّ عة اعتبارها من جديد عبر اجترار املاضي‬ ‫"املجيد"‪ ،‬لذلك فإن اخلطاب العربي بعد ‪1967‬‬ ‫واسعا وعميقا باإلرث الفكري‬ ‫شهد انشغاال‬ ‫ً‬ ‫والعقدي‪ .‬وقد طرحت هذه القضايا واملوضوعات‬ ‫بعمق أحيانا في ظل تشابك قوي بني عناصرها‬ ‫في مواجهة ما كان يسمى ـ بالغرب ـ وكانت‬ ‫بردة فعل عكسية لذات متصدعة‬ ‫أشبه ما تكون ّ‬ ‫تخشى على كينونتها وصيرورتها تريد مواجهة‬ ‫«اآلخر» خوفا على «األنا»‪ ،‬باحثة عن معززات‬

‫األمم والشعوب تزداد‬ ‫انشغاالً بتاريخها وماضيها‬ ‫حين يكون حاضرها مأزومًا‬ ‫ومؤشرات أسهمها الحضارية‬ ‫في هبوط‬

‫«الذات» ناعتة «اآلخر» بأوصاف شتى مص ّورة‬ ‫أفعاله بكافة املصطلحات التي راجت ومنها‬ ‫"الغزو الفكري والثقافي" و«تارة» الهجوم‬ ‫اإلعالمي وتارة "احلرب النفسية" وتارة ب‬ ‫"العوملة"‪ ،‬طارحة مصطلحات مقابلة كاألصالة‬ ‫والهوية واخلصوصية‪ ،‬وكانت األوليات الدفاعية‬ ‫في معظم األحيان تأخذ ُبعدً ا نضال ًّيا وجهاد ًّيا‪،‬‬ ‫وبدأ املفكرون سي َما اإلسالميون منهم باستجالب‬ ‫التاريخ النضالي‪ ،‬واستنفار املخزون العقدي الذي‬ ‫ُيؤصل ل"اجلهاد " ومفاهيمه و"النضال" ورموزه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وطرحت قضايا "دار احلرب" و"دار اإلسالم" من‬

‫ص ّور للشعوب أن هناك‬ ‫جديد‪ ......‬وبات ُي َ‬ ‫"مؤامرة " مدبرة يحيكها هذا اآلخر‪ .‬ونتيجة لكل‬ ‫ذلك تضخم الوعي بالذات اجلماعية‪ ،‬وباتت‬ ‫طروحات التراث ومتلكه سيدة املوقف‪ ،‬حتس ًبا‬ ‫ملستقبل غامض من العالقات مع احلضارات‬ ‫واجلماعات األخرى‪ .‬وبعدما ازداد املشهد‬ ‫خصوصا بعد أحداث‬ ‫اإلقليمي والدولي تعقيدً ا‬ ‫ً‬ ‫‪ 11‬سبتمبر خرج هؤالء "املفكرون" أنفسهم إلى‬ ‫تبرئة هذا "التراث" من املفاهيم التي طاملا حاولوا‬ ‫تثبيتها‪ ،‬وحاولوا استخراج تراث مضاد للتراث‬ ‫الذي استخرجوه سابقا‪ ،‬خو ًفا من وصفهم ب‬ ‫"اإلرهاب" وعادوا إلى تعديل موقفهم من جديد‪،‬‬ ‫مبحاولة تأصيل املفاهيم من جديد مبا يتالءم مع‬


‫املتغيرات السياسية‪ ،‬وانك ّبوا ينكشون مفاهيم‬ ‫"السالم" ومشتقاته ويبرزونها‪ .‬هذا الك ّر والف ّر‬ ‫ك ّله ال يتعدّ ى كونه ردود فعل وجدانية على‬ ‫هزائم متالحقة أفرزت تخبطا في املنظومة‬ ‫الفكرية عند املثقفني ال سيما النضاليني‬ ‫منهم‪ .‬ويزداد املشهد السياسي تعقيدا على‬ ‫الساحة العربية و"العراقية " حتديدً ا‪ ،‬ليعيد‬ ‫طرح املفاهيم "اجلهادية" منجديد‪ ،‬وجند‬ ‫أنفسنا أمام مفارقات غريبة خصوصا على‬ ‫الصعيد التاريخي‪ ،‬فاإلنسان العربي على‬ ‫العموم‪ ‬مبسلميهم ومسيحييهم ويهودهم وكافة‬

‫العزلة غالباًِ ما تكون‬ ‫اشبه بردة فعل عكسية‬ ‫لذات متصدعة تخشى‬ ‫على كينونتها‬ ‫وصيرورتها‬ ‫اثنياتهم وأعراقهم‪ ،‬يبحثون ويفتشون عن‬ ‫«هويتهم» في إطار عرقي ديني طائفي وحتى‬ ‫مذهبي يغ ّربهم ويعزلهم عوضا عن السعي‬ ‫لفهم هويتهم في ضوء الوحدة احلضارية‬ ‫التي يشكلون‪ ،‬وهذا مع وجود من يدعو إلى‬ ‫نبذ كل ذلك ورفع الوطنية فوق كل اعتبار‬ ‫غير أن الدعاة احلقيقيني لذلك ال يشكلون‬ ‫نسبة تقود الشعب إلى بر اآلمان‪ .‬وكل هذا‬ ‫املشهد البانورامي الفكري املأزوم يضعنا‬ ‫ملح‬ ‫أمام إشكالية حقيقية مطروحة وسؤال ّ‬ ‫مفاده‪ :‬هل من مؤامرة فكرية حقيقية حلضارة‬ ‫ما في مواجهة احلضارات األخرى ترمي بنا‬ ‫ملستقبل غامض من العالقات مع احلضارات‬ ‫واجلماعات أم هناك عامل تاريخي‪ ،‬وتطور في‬ ‫احلضارات الكونية تفرض نوعا عالئقيا جديدا‬ ‫بني اإلنسان واإلنسان‪ ،‬وعالقة اإلنسان باملكان‬ ‫والزمان والعالقات باملوجودات والكائنات‪،‬‬ ‫وعالقة هذه الكائنات بالوجود فتتغير املفاهيم‬ ‫واملقاييس واملفردات واألدوات‪ ‬إن كل املقدمات‬ ‫التي اشرنا لها تضعنا أمام أطروحة "التراث‬ ‫يؤكد الهو ّية"‪ ،‬هوية لكيان واحد‪ ،‬وإن وحدتها‬ ‫العضوية هذه متأصلة في التاريخ والعمق‬

‫التراثي واحلضاري‪ .‬ولكن ربط الهوية احلالية‬ ‫بالتراث املاضي يرمي بنا حال ّيا في مأزق ممكن‬ ‫أن نخرج منه إذا تغيرت منهجية التفكير و‬ ‫آلياته و ذلك عبر حتليل ال ُبعد الفلسفي‬ ‫واألنتروبولوجي لهذا الربط والبحث عن نظرة‬ ‫مغايرة يستطيع املثقف من خاللها خروج من‬ ‫هذا املأزق‪ ،‬وهي أن حديثنا عن التراث البد‬ ‫وأن يكون مبنيا على فلسفة معينة عن مفهوم‬ ‫الهوية وتعريف دقيق حملتوى املصطلح‪ ،‬فالنظرة‬ ‫إلى التراث قد ترتبط بفلسفة عن الهوية قائمة‬ ‫على رفض اآلخر أو تكون مرتبطة بفلسفة عن‬ ‫الهوية تؤدي إلى إغناء التراث وتعدده‪.‬‬ ‫• النظرة األولى‪ :‬تعتبر «اآلخر» طرفا‬ ‫منفصال عن "الذات" وبالتالي تقذف به‬ ‫خارجا وتنفيه وحتاربه وهذا سيؤدي إلى‬ ‫ً‬ ‫انغالق "الذات" فتعمد كل اثنية إلى ترسيخ‬ ‫"هويتها" وتزكي تراثها وموروثها بالقدسية‬ ‫وتظهر "الهوية" بشكلها اخلالد‪ ،‬فتصبح‬ ‫عملية إلغاء "اآلخر" حلظة بناء حاسمة في هذه‬ ‫الهوية‪.‬‬ ‫• النظرة الثانية ‪ :‬تنبني على االنطالق‬ ‫من مفهوم أنه ال وجود ل "أنا" و"هو" و‬ ‫فكرة الذات مقابل «الذات» لتتعارض معها‬ ‫غير موجودة‪ ،‬واآلخر هو أنا‪ ،‬والذات قابلة‬ ‫للتغيير والتبديل‪ ،‬وبناء عليه فإن احلضارة‬ ‫األخرى واملفاهيم واأليديولوجيات كلها وكل‬ ‫ما يحمل هذا اآلخر من مخزون حضاري ممكن‬ ‫أن يدخل وميتزج مع الذات فيغيرها ويطورها‬ ‫أو ال يطورها‪ .‬وهنا ال يعود نفي اآلخر جزء‬ ‫من منظومة بناء الهوية بل يصبح اآلخر موجود‬ ‫قائم داخل «الذات» ونتعامل معه على انه‬ ‫مكمال لنا فنتماهى معه ونتوحد به بغض‬ ‫ّ‬ ‫النظر عن اللغة أو اللون أو العرق‪ ،‬وتصبح‬ ‫الذات كونية ال تحُ د بحدود‪ ،‬ويصبح خطاب‬ ‫اآلخر هو حوار الذات‪ ،‬هوية كونية خارج‬ ‫كل الهويات‪ ،‬هوية مركبة واسعة‪ ،‬عالقتها‬ ‫مباضيها وحاضرها ومستقبلها مبنية على‬ ‫غنى تعددي ال محدود‪ ،‬تتجاوز كل احلدود‬ ‫اجلغرافية والسياسية وكل التقسيمات الدينية‬ ‫والعرقية واملذهبية واإلثنية‪..‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫مروة كريدية‪ :‬باحثة في‬ ‫االنثروبولوجيا (ليبيا)‬

‫التعددية الثقافية‬ ‫ومفهوم الهوية المتعددة‬ ‫حني نطالب اجلماعات الثقافية اخملتلفة‬ ‫بااللتزام بالقيم الدميوقراطية املشتركة‪ ،‬فهل‬ ‫كاف لتحقيق السلم االجتماعي؟ وحني‬ ‫هذا‬ ‫ٍ‬ ‫نطالب املواطنني في الدولة الواحدة‪ ،‬على اختالف‬ ‫ثقافاتهم ولغاتهم وهوياتهم بااللتزام بالقيم‬ ‫الدميوقراطية املشتركة‪ :‬فهل نكون طلبنا الكثير‬ ‫من املواطنني؟ هل ميكن إقامة هوية وطنية‬ ‫مشتركة على أساس اجلمع بني هويات اجتماعية‬ ‫مختلفة؟ ثم عرضت في البحث إطارًا نظريًّا‬ ‫ملفهوم (الهوية متعددة األبعاد)‪ ،‬يسعى لفهم‬ ‫أشكال التراكم والتزاحم بني االنتماءات‪ ،‬وحتديد‬ ‫عدد من العوامل املؤثرة فيها‪ ،‬ويدعو لالهتمام‬ ‫بتحليل العالقات والتفاعالت احملتملة بني مختلف‬ ‫السمات‪ ،‬وذلك على خالف ما تنزع إليه أغلب‬ ‫الدراسات حول الهوية نحو االهتمام بسمة واحدة‬ ‫من سمات الهوية‪ ،‬واعتبار السمات مستقلة‬ ‫بعضها عن بعض‪ ،‬ثم محاولة دراسة تلك السمة‬ ‫في اجلماعات أو املؤسسات االجتماعية‪ ،‬ومن‬ ‫خالل سياقات اجتماعية مختلفة‪ .‬وقدمت الورقة‬ ‫عرضا مدعو ًما بعدد من الرسوم البيانية جملموعة‬ ‫ً‬ ‫من املفاهيم املتعلقة بدراسة الهوية‪ ،‬كالهوية‬ ‫الفردية والهوية االجتماعية‪ ،‬والعوامل املؤثرة في‬ ‫تشكل الهوية‪ ،‬وترتيب أهمية السمات‪ ،‬وتراكم‬ ‫الهويات وتزاحمها‪ .‬وخلصت الورقة التحديات‬ ‫الكبرى للباحثني في موضوع الهوية في حتديد‪:‬‬ ‫ أين‪ ،‬وكيف‪ ،‬وملاذا تتراكم أو تتزاحم أنواع‬‫الهوية اخملتلفة ضمن سياق معني؟‬ ‫ هل ميكن رسم حدود واضحة ودقيقة للهوية؟‬‫ثم عرضت الورقة مناذج من أبعاد الهوية املتعلقة‬ ‫بالتعددية الثقافية‪ ،‬كالتجارب الشخصية‪ ،‬وتصور‬ ‫الذات‪ ،‬والترتيب االجتماعي (أو الطبقي)‪ ،‬وتصورات‬ ‫املشاعر والسلوك‪ ،‬وأمناط الروابط االجتماعية‪،‬‬ ‫وترتيب املبادئ األخالقية‪ ،‬ووضعية األغلبية‬ ‫واألقلية‪ ،‬والهوية اخملتلطة والهوية احلدودية‪ .‬ثم‬ ‫عرضت الورقة لعالقة الهوية بظاهرة العنف‪،‬‬ ‫انطالقا ً من أن شعور التضامن املتولد من االنتماء‬ ‫جملموعة ّما يؤدي في نفس الوقت إلى اخلوف من‬ ‫ّ‬ ‫ويغذي التنافر بني اجلماعات‪ ،‬وقد‬ ‫اآلخر وكراهيته‪،‬‬ ‫يتطور أكثر لينشئ استعدادًا للمواجهة والعداء‪،‬‬ ‫ورمبا املقاتلة‪ .‬وتشير الورقة إلى أن العنف إمنا ينمو‬ ‫حني يتعمق اإلحساس باحلتمية جتاه هوية يتوهم‬ ‫أنها فريدة ومتفوقة‪.‬‬

‫عثمان عبداهلل‬ ‫صحيفة "املدينة"‬ ‫‪25‬‬


‫وثيقة‬

‫وثيقة إعالن اليونسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي‬

‫الهوية والتنوع والتعددية‬

‫الدفاع عن التنوع الثقافي واجب أخالقي ال ينفصل عن احترام كرامة االنسان‬ ‫التنوع الثقافي هو التراث المشترك لالنسانية وينبغي االعتراف به‬ ‫•‪ ‬املادة (‪ :)1‬التنوع الثقافي بوصفه تراثا‬ ‫مشتركا لإلنسانية‬ ‫تتخذ الثقافة أشكاال متنوعة عبر املكان والزمان‪.‬‬ ‫ويتجلى هذا التنوع في أصالة وتعدد الهويات املميزة‬ ‫للمجموعات واملجتمعات التي تتألف منها اإلنسانية‪.‬‬ ‫والتنوع الثقافي‪ ،‬بوصفه مصدرا للتبادل والتجديد‬ ‫واإلبداع‪ ،‬هو ضروري للجنس البشري ضرورة التنوع‬ ‫البيولوجي بالنسبة للكائنات احلية‪ .‬وبهذا املعنى‪ ،‬فإن‬ ‫التنوع الثقافي هو التراث املشترك لإلنسانية‪ ،‬وينبغي‬ ‫االعتراف به والتأكيد عليه لصالح أجيال احلاضر‬ ‫واملستقبل‬ ‫• املادة (‪ :)2‬من التنوع الثقافي إلى التعددية‬ ‫الثقافية‬ ‫ال بد في مجتمعاتنا التي تتزايد تنوعا يوما بعد‬ ‫يوم‪ ،‬من ضمان التفاعل املنسجم والرغبة في العيش‬ ‫معا فيما بني أفراد ومجموعات ذوي هويات ثقافية‬ ‫متعددة ومتنوعة ودينامية‪ .‬فالسياسات التي تشجع‬ ‫على دمج ومشاركة كل املواطنني تضمن التالحم‬ ‫االجتماعي وحيوية املجتمع املدني والسالم‪ .‬وبهذا‬ ‫املعنى فإن التعددية الثقافية هي الرد السياسي على‬ ‫واقع التنوع الثقافي‪ .‬وحيث انها ال ميكن فصلها عن‬ ‫وجود إطار دميقراطي‪ ،‬فإنها تيسر املبادالت الثقافية‬ ‫وازدهار القدرات اإلبداعية التي تغذي احلياة العامة‪.‬‬ ‫• املادة (‪ :)3‬التنوع الثقافي بوصفه عامال من‬ ‫عوامل التنمية‬ ‫إن التنوع الثقافي يوسع نطاق اخليارات املتاحة‬ ‫لكل فرد‪ ،‬فهو أحد مصادر التنمية‪ ،‬ال مبعنى النمو‬ ‫االقتصادي فحسب‪ ،‬وإمنا من حيث هي أيضا وسيلة‬ ‫لبلوغ حياة فكرية وعاطفية وأخالقية وروحية مرضية‪.‬‬ ‫‪26‬‬

‫التنوع الثقافي وحقوق اإلنسان‬

‫• املادة (‪ :)4‬حقوق اإلنسان بوصفها ضمانا‬ ‫للتنوع الثقافي‬ ‫إن الدفاع عن التنوع الثقافي واجب أخالقي‬ ‫ال ينفصل عن احترام كرامة اإلنسان‪ .‬فهو يفترض‬ ‫االلتزام باحترام حقوق اإلنسان واحلريات األساسية‪،‬‬ ‫وخاصة حقوق األشخاص املنتمني إلى أقليات وحقوق‬ ‫الشعوب االصلية‪ .‬وال يجوز ألحد أن يستند إلى‬ ‫التنوع الثقافي لكي ينتهك أو يحدّ من نطاق حقوق‬ ‫اإلنسان التي يضمنها القانون الدولي‬ ‫• املادة (‪ :)5‬احلقوق الثقافية بوصفها إطارا‬ ‫مالئما للتنوع الثقافي‬ ‫احلقوق الثقافية جزء ال يتجزأ من حقوق اإلنسان‬ ‫التي هي حقوق عاملية ومتالزمة ومتكافلة‪ .‬ويقتضي‬ ‫ازدهار التنوع املبدع اإلعمال الكامل للحقوق الثقافية‬ ‫كما ُحدّ دت في املادة (‪ )27‬من اإلعالن العاملي حلقوق‬ ‫اإلنسان وفي املادتني (‪ )13‬و(‪ )15‬من العهد الدولي‬ ‫اخلاص باحلقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‪.‬‬ ‫وبناء على ذلك ينبغي أن يتمتع كل شخص بالقدرة‬ ‫على التعبير عن نفسه وإيداع أعماله ونشرها باللغة‬ ‫التي يختارها‪ ،‬وخاصة بلغته االصلية‪ .‬ولكل شخص‬ ‫احلق في تعليم وتدريب جيدين يحترمان هويته الثقافية‬ ‫احتراما كامال‪ .‬وينبغي ان يتمتع كل شخص بالقدرة‬ ‫على املشاركة في احلياة الثقافية التي يختارها وان‬ ‫ميارس تقاليده الثقافية اخلاصة‪ ،‬في احلدود التي‬ ‫يفرضها احترام حقوق اإلنسان واحلريات االساسية‪.‬‬ ‫• املادة (‪ :)6‬نحو تنوع ثقافي متاح للجميع‬ ‫إلى جانب كفالة التداول احلر لألفكار عن طريق‬

‫الكلمة والصورة‪ ،‬ينبغي احلرص على متكني كل الثقافات‬ ‫من التعبير عن نفسها والتعريف بنفسها‪ ،‬ذلك ان حرية‬ ‫التعبير‪ ،‬وتعددية وسائل اإلعالم‪ ،‬والتعددية اللغوية‪،‬‬ ‫واملساواة في فرص الوصول إلى أشكال التعبير الفني‬ ‫واملعارف العلمية والتكنولوجية‪ ،‬مبا في ذلك املعارف‬ ‫في صورتها الرقمية‪ ،‬وإتاحة الفرصة جلميع الثقافات‬ ‫في ان تكون حاضرة في وسائل التعبير والنشر‪ ،‬هي‬ ‫كلها ضمانات للتنوع الثقافي‪.‬‬ ‫التنوع الثقافي واإلبداع‬

‫• املادة (‪ :)7‬التراث الثقافي بوصفه مصدرا‬ ‫لإلبداع‬ ‫إن كل إبداع ينهل من منابع التقاليد الثقافية‪،‬‬ ‫ولكنه يزدهر باالتصال مع الثقافات االخرى‪ .‬ولذلك‬ ‫ال بد من صون التراث مبختلف أشكاله وإحيائه ونقله‬ ‫إلى االجيال القادمة كشاهد على جتارب اإلنسان‬ ‫وطموحاته‪ ،‬وذلك لتغذية اإلبداع بكل تنوعه واحلفز‬ ‫على قيام حوار حقيقي بني الثقافات‪.‬‬ ‫• املادة (‪ :)8‬السلع واخلدمات الثقافية بوصفها‬ ‫متميزة عن غيرها من السلع واخلدمات‬ ‫في مواجهة التحوالت االقتصادية والتكنولوجية‬ ‫احلالية‪ ،‬التي تفتح آفاقا فسيحة لإلبداع والتجديد‪،‬‬ ‫ينبغي إيالء عناية خاصة لتنوع املنتجات اإلبداعية‬ ‫واملراعاة العادلة حلقوق املؤلفني والفنانني وكذلك‬ ‫خلصوصية السلع واخلدمات الثقافية التي ال ينبغي‬ ‫اعتبارها‪ ،‬وهي احلاملة للهوية والقيم والداللة‪ ،‬سلعا أو‬ ‫منتجات استهالكية كغيرها من السلع او املنتجات‬ ‫• املادة (‪ :)9‬السياسات الثقافية بوصفها‬ ‫حافزا على اإلبداع‬


‫إلى جانب ضمان التداول احلر لألفكار واملصنفات‪،‬‬ ‫ينبغي أن تكفل السياسات الثقافية تهيئة الظروف‬ ‫املواتية إلنتاج ونشر سلع وخدمات ثقافية متنوعة‪ ،‬وذلك‬ ‫عن طريق صناعات ثقافية متلك الوسائل الالزمة إلثبات‬ ‫ذاتها على الصعيدين احمللي والعاملي‪ .‬ويرجع لكل‬ ‫دولة‪ ،‬مع احترام التزاماتها الدولية‪ ،‬أن حتدد سياساتها‬ ‫الثقافية وتنفذها بأفضل الوسائل التي تراها‪ ،‬سواء‬ ‫بالدعم التنفيذي أو باألطر التنظيمية املالئمة‪.‬‬ ‫التنوع الثقافي والتضامن الدولي‬

‫• املادة (‪ :)10‬تعزيز القدرات على اإلبداع‬ ‫والنشر على املستوى الدولي‬ ‫إزاء أوجه االختالل التي يتسم بها في الوقت احلاضر‬ ‫تدفق وتبادل السلع الثقافية على الصعيد العاملي ينبغي‬ ‫تعزيز التعاون والتضامن الدوليني لكي يتاح جلميع‬ ‫البلدان‪ ،‬وخاصة البلدان النامية والبلدان التي متر مبرحلة‬ ‫انتقالية‪ ،‬إقامة صناعات ثقافية قادرة على البقاء‬ ‫واملنافسة على املستوى الوطني والدولي‬ ‫• املادة (‪ :)11‬إقامة شراكات بني القطاع العام‬ ‫والقطاع اخلاص واملجتمع املدني‬ ‫ال ميكن لقوى السوق وحدها أن تكفل صون وتعزيز‬ ‫التنوع الثقافي الضامن للتنمية البشرية املستدمية‪.‬‬ ‫ويجدر في هذا اإلطار التأكيد من جديد على الدور‬ ‫االساسي الذي تؤديه السياسات العامة‪ ،‬بالتشارك مع‬ ‫القطاع اخلاص واملجتمع املدني‬ ‫• املادة (‪ :)12‬دور اليونسكو‬ ‫تقع على عاتق اليونسكو بحكم رسالتها ومهامها‪،‬‬ ‫مسؤولية ما يلي‪:‬‬ ‫أ‌‪ .‬التشجيع على مراعاة املبادئ املنصوص عليها‬ ‫في هذا اإلعالن عند إعداد استراتيجيات التنمية في‬ ‫مختلف الهيئات الدولية احلكومية‪.‬‬ ‫ب‌‪ .‬االضطالع بدور الهيئة املرجعية والتنسيقية فيما‬ ‫بني الدول واملنظمات الدولية احلكومية وغيراحلكومية‬ ‫واملجتمع املدني والقطاع اخلاص‪ ،‬من اجل االضطالع‬ ‫بصورة مشتركة بصياغة مفاهيم واهداف وسياسات‬ ‫تراعي التنوع الثقافي‪.‬‬ ‫ج‌‪ .‬مواصلة نشاطها التقنيني وعملها في مجال‬ ‫التوعية وبناء القدرات‪ ،‬في املجاالت ذات الصلة بهذا‬ ‫اإلعالن والداخلة في نطاق اختصاصها‪.‬‬ ‫د‌‪ .‬املساعدة على تنفيذ خطة العمل التي ترد‬ ‫خطوطها األساسية مرفقة بهذا اإلعالن‪.‬‬ ‫صحيفة احلرية (تونس)‬

‫•‬

‫متابعات مغاربية‬

‫ تسعى اجلمعيات ومنظمات حقوق اإلنسان املغربية إلى وضع حد ملمارسة تزويج‬ ‫القاصرات‪ .‬وانتقد ناشطون من عدة جمعيات مؤخرا الطريقة التي طبقت بها مدونة‬ ‫األسرة والتي كان من املفترض أن تضع حدا لزواج القاصرين‪.‬‬ ‫ سن الزواج القانوني في املغرب محدد في ‪ 18‬سنة لكن قضاة األسرة لهم صالحية‬ ‫السماح باالستثناءات‪ .‬حيث مكنت هذه الثغرة آالف األسر من تزويج بناتها قبل السن‬ ‫القانوني‪ .‬وبحسب إحصائيات لوزارة العدل فإنه مت تزويج ‪ 31‬ألف فتاة قاصر عام ‪2008‬‬ ‫باملقارنة مع ‪ 29847‬عام ‪.2007‬‬ ‫ استضافت تونس شهر أبريل املاضي املنتدى األورومتوسطي حول العنف ضد املرأة‬ ‫حضره مندوبون حكوميون وممثلون عن منظمات غير حكومية من البلدان العربية‬ ‫واملغاربية واألوروبية ملواجهة العنف على أساس اجلنس‪ .‬حيث أطلقوا برنامجا طموحا‬ ‫بهذا الشأن‪.‬‬ ‫وعلى مدى ثالثة أيام‪ ،‬استمرت أعمال املؤمتر الذي يدخل في إطار البرنامج األورومتوسطي‬ ‫الذي ميوله االحتاد األوروبي لتشجيع املساواة بني الرجل واملرأة واختتمت بوضع خطة عمل‬ ‫جلمع املعطيات وتقدمي املزيد من املعلومات الصحيحة والشاملة للحكومات واإلعالم‬ ‫واملنظمات غير احلكومية‪ .‬واتفق املشاركون على مقاربة موحدة جلمع املعلومات حول‬ ‫للمسوحات التي تعتزم البلدان‬ ‫العنف ضد املرأة وعلى اخلطوط الكبرى لإلطار املنهجي ُ‬ ‫املشاركة إجراءها‪.‬‬ ‫ بتنظيم من «مجلس اجلالية املغربية باخلارج»‪ ،‬استضافت مدينة الدار البيضاء املغربية‬ ‫يومي ‪ 20‬و‪ 21‬حزيران (يونيو) مؤمترا دوليا‪ ،‬حول موضوع « اإلسالم في أوروبا‪ :‬أي منوذج»‪ ،‬شارك‬ ‫فيه خبراء ومختصون وعلماء دين وفاعلون في اجملال من بلدان مختلفة قاموا بدراسة مناذج‬ ‫الدين اإلسالمي داخل بلدان املهجر وحتليل إشكالية املرجعية لدى املسلمني في أوروبا‪.‬‬ ‫ومتحورت أعمال الندوة‪ ،‬التي استمرت يومني‪ ،‬حول ثالثة مواضيع رئيسة هي‪« :‬جغرافية‬ ‫اإلسالم في أوروبا» و«اإلسالم األوروبي وإشكالية املرجعية» ثم «النموذج الديني املغربي‬ ‫والسياق األوروبي»‪ .‬كما تضمن جدول األعمال مائدة مستديرة حول موضوع املرجعية‬ ‫واملمارسات الدينية لدى النساء والشباب املسلمني في أوروبا‪.‬‬ ‫ في مؤمتر دولي حول التنوع الثقافي‪ ،‬اجتمع مطلع حزيران (يونيو) قادة سياسيون‬ ‫ومفكرون في مدينة القيروان التونسية‪ ،‬ملعاجلة كيفية احلد من الصراعات العاملية من‬ ‫خالل التواصل بني الثقافات‪ .‬وشارك في املؤمتر شخصيات ومفكرون من تونس وبلدان‬ ‫أخرى من بينهم الرئيس اإليراني السابق محمد خامتي وعبدو ضيوف األمني العام‬ ‫للمنظمة الدولية للفرنكوفونية وعمرو موسى األمني العام جلامعة الدول العربية‪.‬‬ ‫وناقش املشاركون على مدى أربعة أيام‪ ،‬ثالثة محاور رئيسة‪ ،‬خصص احملور األول لتقييم‬ ‫وضعية حوار احلضارات والتنوع الثقافي‪ ،‬أما احملور الثاني فكان حول شروط حوار احلضارات‬ ‫والتنوع الثقافي وقنواته‪ ،‬أما احملور األخير فاستعرض من خالله املشاركون التعاون الدولي‬ ‫واآلليات الكفيلة ببناء حوار احلضارات من أجل التنوع الثقافي‪.‬‬ ‫ احتضنت العاصمة العلمية للمملكة املغربية الندوة العلمية املغربية‪-‬التونسية‬ ‫املشتركة في موضوع «املذهب املالكي وأثره في توحيد ممارسة الشعائر الدينية ‪ ..‬جهود‬ ‫علماء القيروان والقرويني»‪ ،‬دعا خاللها علماء مغاربة وتونسيون إلى تعميق الدراسات‬ ‫حول هذا املذهب وحتصني مقوماته بغية مواجهة كل ما قد يستهدف بلدان املنطقة‬ ‫واإلسالم بصفة عامة‪ .‬وأجمعوا على تعزيز الوحدة ومواجهة كل االنحرافات واحملاوالت‬ ‫الهدامة‪.‬‬

‫•‬

‫ ‬

‫•‬

‫•‬

‫•‬

‫‪27‬‬


‫فنون‬

‫مهرجان فاس للموسيقى الروحية‬

‫حوار موسيقي لتعزيز التعددية‬ ‫للموسيقى قدرة على خلق مناخ ثقافي تعددي ينطلق من احترام القيم‬ ‫تتجلى أهمية الموسيقى على تحريك مشاعر االنسان بغض النظر عن دينه‬ ‫نظمت مؤسسة "روح فاس" الدورة اجلديدة من‬ ‫مهرجان فاس للموسيقى الروحية في الفترة من ‪29‬‬ ‫أيار (مايو) ولغاية ‪ 6‬حزيران (يونيو) ‪2009‬‬ ‫احلالي‪ .‬املهرجان ضم فرقا موسيقية من ضفتي البحر‬ ‫املتوسط‪ ،‬إضافة إلى فرق أخرى من أفريقيا وأوروبا‬ ‫وآسيا‪ ،‬وسعت املؤسسة املنظمة من خالله إلى إقامة‬ ‫حوار حول القيم الروحية من خالل املوسيقى‪ ،‬وخلق‬ ‫مناخ ثقافي ينطلق من التعددية واحترام القيم‬ ‫األخالقية والروحية لكل شعوب العالم‪.‬‬ ‫ُأقيم مهرجان هذا العام حتت شعار "شجرة‬ ‫احلياة" في إشارة إلى شمولية احلضارة اإلنسانية‬ ‫كوعاء تلتقي فيه مختلف الثقافات على حد قول‬ ‫املدير الفني للمهرجان جيرار كورد خيان ‪Gerard‬‬ ‫‪ ،Kurdjian‬الذي يضيف‪" :‬هذه الشجرة تنفذ‬ ‫جذورها إلى أعماق املاضي وتعلو أغصانها القوية‬ ‫في سماء احلاضر‪ ،‬إضافة إلى أنها تستمد قوتها‬ ‫من التربة اخلصبة لثقافات الغرب والشرق والشمال‬ ‫واجلنوب‪".‬‬ ‫وقد مثل مصطلح القدسية أحد محاور املواضيع‬ ‫التي متت مناقشتها كذلك في الشطر الثقافي ومن‬ ‫خالل املعارض الفنية والتشكيلية على هامش‬ ‫فعاليات املهرجان‪ .‬ويرى املدير الفني للمهرجان‬ ‫أن قدسية احلياة تتجلى في املوسيقى عبر قدرتها‬ ‫اخلارقة على حتريك مشاعر اإلنسان دون أن تكون‬ ‫هذه اجلماليات حكرا على اية ديانة أو مذهب‪ .‬ومن‬ ‫ثم‪ ‬جاء ذلك التنوع الكبير في األمناط املوسيقية‬ ‫املعروضة بني املوسيقى الكالسيكية األوروبية واجلاز‬ ‫وغناء املجموعات الصوتية‪ ‬إضافة إلى عروض‬ ‫الرقص الهندي واإلفريقي أو التراتيل الدينية‬ ‫والترانيم‪ ‬وغيرها‪.‬‬ ‫وتنوعت املشاركة األوروبية هذه العام لتقدم‬ ‫‪28‬‬

‫الفرق املدعوة‪ ،‬خاصة من اسبانيا واجنلترا وصربيا‬ ‫وفرنسا‪ ،‬باقة من األمناط املوسيقية املختلفة‪ .‬فقد‬ ‫التقت أعمال عازف كمان اجلاز الفرنسي الشهير‬ ‫ديديي لوك وود بصوت املطربة املغربية إحسان‬ ‫الرميقي كما قدمت فرقة ميلوس أغان وأناشيد من‬ ‫بلدان حوض البحر األبيض املتوسط مثل اليونان‬ ‫واملغرب واسبانيا‪ .‬وتناولت الفنانة سعاد ماسي في‬ ‫أغانيها مواضيع احلنني والهجرة واالنتماء الثقافي‬ ‫والهوية‪ .‬ومن الفاتيكان جاءت املجموعة الصوتية‬ ‫البابوية "سيكستني" للغناء ألول مرة في تاريخها‬ ‫في بلد إسالمي وذلك للقيام بأداء تراتيل إجنيلية‬ ‫للملحن السوري عابد عازريه ومبشاركة اوركسترا‬ ‫شباب املتوسط‪.‬‬ ‫جدير بالذكر أن املشاركات األوروبية عادة‬ ‫ما تأخذ "حيزا متميزا " في املهرجان‪ ،‬وذلك كما‬ ‫عبرت املديرة العامة للمهرجان فاطمة صاديقي‪.‬‬ ‫السبب في ذلك يعود من جهة إلى القرب اجلغرافي‬ ‫ألوروبا‪ ،‬وبالتالي إلى الرغبة في التعريف باإلشعاع‬ ‫احلضاري والتاريخي ملدينة فاس إلى أوروبا كما‬ ‫تؤكد صاديقي‪ ،‬إضافة إلى الرابط التاريخي‪ ‬في‬ ‫العالقات الثنائية وباخلصوص مع فرنسا التي‬ ‫تشارك عبر مؤسساتها الثقافية العاملة في املغرب‬

‫في تقدمي الدعم‪ ‬لهذا املهرجان‪ .‬‬ ‫وتعترف مديرة املهرجان صاديقي انه ال ميكن‬ ‫دائما القيام بتوزيع دعوات احلضور بشكل متساو‬ ‫بني البلدان األوروبية ألسباب تنظيمية ومتويلية‪ ،‬غير‬ ‫أنها تذكر باحلضور األملاني املرموق خالل فعاليات‬ ‫مهرجان عام ‪ 2008‬عندما عرضت‪ ‬الفرقة املوسيقية‬ ‫الشهيرة ‪ Cantus Cöln‬من مدينة كولونيا‬ ‫أعمالها الفنية وهي فرقة متخصصة في عزف أعمال‬ ‫املوسيقار الكنائسي الشهير باخ فوجدت استقباال‬ ‫وترحيبا‪ ‬حارا من طرف جمهور املهرجان‪ .‬‬ ‫وال تتجلى فعاليات "مهرجان فاس للموسيقى‬ ‫الروحية" في عروضه املوسيقية فقط‪ ،‬بل أيضا في‬ ‫التظاهرات الثقافية التي ُيطلق عليها "لقاءات‬ ‫فاس" والتي تشمل مؤمترات ومحاضرات ومناقشات‬ ‫متخصصة‪ .‬أما مواضيعها في دورة مهرجان هذا‬ ‫العام‪ ،‬فركزت على قضايا متنوعة مثل أصل الكون‬ ‫والعالقات بني املقدس والدنيوي ومبدأ اخللق والتطور‬ ‫ومسائل احلياة واملوت‪ .‬‬ ‫وشارك في مناقشتها عدد من الباحثني‬ ‫املتميزين أمثال الفيلسوف محمد أركون والباحث‬ ‫اإليطالي إميانويل آناتي‪ ،‬والباحث في الدراسات‬ ‫اإلسالمية‪ ‬فتحي بنسالمة‪ .‬كل هذه التظاهرات‬ ‫الثقافية والفنية مت عرضها جزئيا على منصة باب‬ ‫املاكينة‪ ‬الكبرى املجاور للقصر امللكي أو في بهو‬ ‫متحف قصر البطحاء أو حتت ظالل شجرة الفلني‬ ‫العتيقة وأيضا‪ ‬في الساحات الكبيرة للمدينة والتي‬ ‫شهدت على مدى أيام املهرجان‪ ‬قبوال كبير من طرف‬ ‫اجلماهير املتعطشة إلى معرفة عوالم ثقافية أخرى‬ ‫عبر موسيقى شعوبها وتراتيل أو أناشيد أديانها‪.‬‬ ‫ ‬ ‫موقع دويتشه فيله االلكتروني ‪DW-WORLD.DE‬‬


‫إصدارات‬ ‫علي الوردي‪ ..‬الشاهد االمين على‬ ‫احداث القرن العشرين‬

‫يحاول إبراهيم احليدري في كتابه «علي الوردي شخصيته ومنهجه وأفكاره‬ ‫االجتماعية» الصادر عن دار اجلمل تخليد ذكرى اسم شامخ ال يحتاج إلى‬ ‫تعريف والكتابة عن كل ما يتعلق بحياته وشخصيته ومؤلفاته وشرح وتوضيح‬ ‫أفكاره االجتماعية‪.‬‬ ‫ولعل العودة إلى الوردي الشاهد األمني على أحداث القرن العشرين‬ ‫من جديد تقدّ م مؤشرات على مصداقية أفكاره وآرائه االجتماعية في حتليل‬ ‫املجتمع العراقي وشخصية فرده‪ .‬الوردي هو نتاج اخلمسينيات من القرن‬ ‫املاضي‪،‬بخصوصياته وتناقضاته العميقة‪ .‬كان باحثا ومعلما من معالم الفكر‬ ‫االجتماعي ورائدا من رواد الفكر التنويري النقدي ليس فيها فحسب‪ ،‬بل وفي‬ ‫العالم العربي‪.‬‬ ‫شغل الوردي فراغا واسعا في احلركة الفكرية والثقافية واالجتماعية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وخلف وراءه ثروة فكرية للتعرف على الذات وإنقاذها‪ ،‬من خالل مساهماته‬ ‫اجلادة في رفد الفكر االجتماعي بآراء وأفكار نقدية جريئة قيمة حصيلتها‬ ‫ستة عشر مجلدا ومئات الدراسات والبحوث العلمية واملقاالت الصحفية في‬ ‫علم االجتماع واالنثروبولوجيا وعلم النفس االجتماعي التي أصبحت مرجعا‬ ‫هاما فتح بابا للوعي وإعادة إنتاج الوعي االجتماعي في فهم وإدراك الظروف‬ ‫املختلفة التي ساهمت في تشكيل املجتمع العراقي وشخصية فرده وتطوره‬ ‫وإلقاء الضوء على كثير من القضايا واملشاكل‪ ،‬واألزمات واحملن واحلروب التي‬ ‫عاشها العراق والفرد العراقي‪ ،‬وأوصلته إلى ما هو فيه‪.‬‬ ‫لم يثر كاتب عراقي‪،‬أو مفكر اجتماعي‪،‬مثلما أثاره الوردي من أفكار‬ ‫وآراء جريئة في املجتمع والثقافة والشخصية‪،‬أثارت بدورها ردود فعل ونقد‬ ‫وسجال واسع‪،‬تعدى حدود أروقة اجلامعات العراقية واملنتديات الفكرية‬ ‫واالجتماعية‪،‬إلى املجالس اخلاصة واملساجد واملقاهي والبيوت‪ ،‬ألنه كان يقول‬ ‫ويكتب ما ال يجرؤ على قوله وكتابته اآلخرون من حقائق اجتماعية يعري فيها‬ ‫النفس اإلنسانية‪ ،‬ال ليفضحها ـ وإمنا ليكشف عن مساوئها وخفاياها وبكالم‬ ‫سهل وبسيط ميكن فهمه من اجلميع‪،‬مع قليل من النقد والسخرية‪.‬‬ ‫تعرض الوردي للنقد والتجريح والسخط والهجوم والتهديد من اخلصوم‪،‬‬ ‫من أقصى اليمني إلى أقصى اليسار‪ ،‬من رجال الدين والسياسة واملثقفني‬ ‫التقليديني‪،‬إلى محرري املجالت والصحف الرسمية وشبه الرسمية والتي‬ ‫تسابقت لنشر املقاالت ضده وضد من يقف إلى جانبه‪.‬‬

‫زهير الجزائري‬

‫والعودة الى المكان األول‬

‫ال يخالف الروائي زهير اجلزائري العنوان الفرعي لكتابه «حرب العاجز» الصادر‬ ‫ً‬ ‫مؤخرا عن دار الساقي‪ ،‬فما يحتويه الكتاب هو «سيرة عائد‪ ،‬سيرة بلد» فع ًال‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫لكن ينبغي القول إنّ احلس الروائي ال يغيب عن الكتاب الذي أريد له أن يكون‬ ‫مد َّونة شبه توثيقية لعودة مثقف عراقي من املنفى إلى بلده بعد غياب اكثر من‬ ‫ربع قرن‪ .‬كما ال يخلو الكتاب من انطباعات شخصية للمكان‪ ،‬لكن سرعان‬ ‫ما تعقبها أفكار ومقارنات واستطرادات من نوع آخر‪.‬‬ ‫يكتب اجلزائري تفاصيل عودته‪ ،‬لكن السرد والواقع يضط َّرانه إلى كتابة‬ ‫أجزاء وحوادث وتطورات من احلياة اليومية في العراق ميتزج فيها اخلاص‬ ‫بالعام‪.‬‬ ‫يقول املؤلف “نقرأ ونكتشف ما كنا نسمعه عن أهوال العراق‪ ،‬ولكن األهوال‬ ‫هنا ملموسة ومو َّثقة ومؤرخة‪ .‬سقوط النظام كشف «التاريخ السري» حلقبة‬ ‫كاملة‪« :‬القصص القدمية التي خاف الناس من تداولها حتى في بيوتهم‪،‬‬ ‫منها وقائع احلروب وأهواؤها‪ ،‬قصص الضحايا الذين َح َّرم النظام البكاء عليهم‬ ‫وإقامة الفاحتة على أرواحهم‪ ،‬تدفقت فجأة»‪.‬‬ ‫ثمة جانب آخر ينكشف مع انخراط املؤلف في الوسط الثقافي‪ ،‬وعمله‬ ‫رئيس ًا للتحرير في صحيفة «املدى» حيث «تبرز طائفية من نوع جديد»‪،‬‬ ‫وثقافة «الداخل واخلارج»‪ .‬ورغم اندفاعه في التجربة إال أ ّنها ستنتهي بخالف‬ ‫مع مالك الصحيفة على حرية الكتابة واخلطوط احلمر‪.‬‬

‫منازعات المذاهب في العالم‬ ‫اإلسالمي اليوم‬

‫ً‬ ‫مؤخرا عن دار الساقي كتاب من إعداد حازم صاغية حتت عنوان‪:‬‬ ‫صدر‬ ‫«نواصب وروافض ـ منازعات السنّة والشيعة في العالم االسالم اليوم»‪.‬‬ ‫وتضمن الكتاب‪ :‬اشياع السنّة وأسنان الشيعة (أحمد بيضون)‪ ،‬خطوط الفصل‬ ‫‪29‬‬


‫وخطوط الوصل (حسام عيتاني)‪ ،‬الطائفية والسياسة في سورية (ياسني احلاج‬ ‫صالح)‪ ،‬الصعود الشيعي والتصادم الطائفي في السياسة واالجتماع العراقيني‬ ‫(فالح عبداجلبار)‪ ،‬البحرين في ظل النزاع الذي يحطيها (باقر النجار)‪ ،‬عن‬ ‫السعودية (فؤاد ابراهيم)‪ ،‬باكستان‪ :‬دين ودولة ومجتمع للتقلب املتواصل‬ ‫(سيد ندمي كاظمي)‪ ،‬نواصب وروافض‪ :‬مالحظات عامة في السياسة (حازم‬ ‫صاغية)‬ ‫من مقدمة الكتاب‪ُ « :‬يعد انفجار اخلالف السنّي ‪ -‬الشيعي وصراحة‬ ‫التعبير عنه في غير بلد‪ ،‬اشارة ساطعة الى بلوغ التمزق في نسيج مجتمعاتنا‬ ‫ً‬ ‫بعيدا‪ ،‬والى توسع رقعة «اآلخر» في احلياة والثقافة العربيتني واالسالميتني‬ ‫مدى‬ ‫على ما أشار‪ ،‬ذات مرة‪ ،‬الكاتب التونسي صالح بشير‪ .‬وكي نقدّ ر حجم التطور‬ ‫املؤلم هذا‪ ،‬يكفي أن نقيسه بالتكتّم واإلغفال اللذين خضع لهما طوي ًال كل‬ ‫كالم في تباين‪ ،‬أو تفاوت‪ ،‬بني أتباع «املذهبني املسلمني»‪ .‬فاحلال أن ثقافتنا‬ ‫التي تتحايل على مشكالتنا باإلنكار والتجاهل تتحمل مسؤولية كبرى عما‬ ‫آلت اليه األمور‪ .‬ذاك أننا بدل أن نواجه املشكلة على حقيقتها كان اللجوء الى‬ ‫عبارة «كلنا اخوان» الشهيرة‪.‬‬ ‫لكن نظـــرة أكثر نقدية‪ ،‬وأقل اكتراث ًا ملا كان يعلنه الطرفان‪ ،‬وبصورة‬ ‫ً‬ ‫استطرادا‪ ،‬تسمح بالقول إن املنازعة هذه‬ ‫كل منهما عن ذاته‪ ،‬وعن «اآلخر»‬ ‫متلك من عناصر االنفجار ما ال يجوز غض النظر عنه‪ .‬فهي حتتوي على‬ ‫طاقة تقويض ألكثر من بلد (العراق‪ ،‬البحرين‪ ،‬لبنان‪ ،)...‬فيما تتصل ببعض‬ ‫املوضوعات األساسية لتقدم املنطقة ككل‪ ،‬وفي رأسها احلداثة والعلمنة ومفهوم‬ ‫املواطنة»‪.‬‬

‫"العرب واوروبا" قرون‬ ‫من التاريخ المشترك‬

‫عمد الفريد شليشت‪ ،‬املتخصص في الدراسات الشرقية واملستشار الثقافي‬ ‫في وزارة اخلارجية األملانية‪ ،‬في كتابه «العرب وأوروبا» بتحليل العالقات‬ ‫املتبادلة بني العرب وأوروبا والتي لم تخل من الصراعات واختالف الرؤى على‬ ‫مدى أل َفي عام‪ .‬وقد بدأ كتابه بدراسة االحتكاكات األولية في العصور العربية‬ ‫واألوروبية القدمية‪ ،‬وأتبع ذلك بالفتوحات اإلسالمية التي وصلت اسبانيا‪ .‬وركز‬ ‫في الدراسة أيضا على حتليل احلروب الصليبية واملواقف املناقضة للدين‪ .‬كما‬ ‫وصف العالقة بني «الشرق» و«الغرب» من فترة اخلالفة العثمانية حتى أحداث‬ ‫احلادي عشر من أيلول (سبتمبر) ‪.2001‬‬ ‫وركز شيليت في دراسته بوجه خاص على اإلسالم في أسبانيا مسلطاً‬ ‫الضوء على املؤثرات الدائمة للحكم العربي اإلسالمي الطويل على التاريخ‬ ‫األسباني املليء بالصراعات والتبادل الثقافي‪.‬‬ ‫واستعرض شيليت الصراع الشرق أوسطي كعبء كبير على العالقات‬ ‫‪30‬‬

‫ً‬ ‫مؤكدا أن الصراع الشرق أوسطي لم ينتج‬ ‫األوروبية العربية في القرن العشرين‪.‬‬ ‫بأي حال من األحوال من الصراع الديني أو العقائدي‪.‬‬ ‫ويصف الباحث األملاني العالقات احلالية بني العرب وأوروبا على أنها‬ ‫خليط بني التعاون واملواجهة‪ .‬ويرى أن «احلوار الثقافي» واإلرهاب و«األصولية‬ ‫اإلسالمية» والبحث عن الهوية الشخصية أضحت اليوم موضوعات حتدد معالم‬ ‫الشرق والغرب‪ .‬كما استطاع شيليت بنظريته الواضحة وبراهينه القوية أن يرسم‬ ‫صورة تثبت تغاير احلقيقة التاريخية وتنوعها وأن «اإلسالم واملسيحية ليسا‬ ‫أخوين وحسب‪ ،‬بل هما توأمان»‪.‬‬

‫هل االستبداد ظاهرة شرقية؟‬

‫هل االستبداد ظاهرة إنسان ّية أم قدر إلهي؟ سؤال يطرحه بدر خضر في‬ ‫ّ‬ ‫مستهل كتابه «هندسة الطاغية» الصادر عن دار نينوى‪ ،‬بقصد رسم جغرافية‬ ‫لالستبداد وتاريخ الطغيان‪ ،‬في ّ‬ ‫تشكالته األولى عبر التاريخ‪ً ،‬‬ ‫بدءا من بالد‬ ‫الرافدين‪ .‬إذ تشير ال ِّر َقم البابلية إلى دور اآللهة في اإلمساك بخيوط اللعبة‬ ‫التاريخية في ثنائية الراعي والرعية‪ ،‬أو الس ّيد والعبد‪ .‬وإذا بها متتد لتطال‬ ‫كل احلضارات القدمية مبعايير وقوانني مستنسخة في معنى الطاعة واخلضوع‪.‬‬ ‫ولعل إشارة عبد الرحمن الكواكبي في «طبائع االستبداد»‪« :‬ما من مستبد‬ ‫ً‬ ‫صفة قدسية يشارك بها الله»‪ ،‬تختزل تاريخ‬ ‫سياسي إال ويتخذ لنفسه‬ ‫البشرية وتعاقب الطغاة من مصر الفرعونية إلى بالد فارس واليونان والصني‪.‬‬ ‫يبينّ الباحث العراقي الفروقات اللغوية بني الطاغية واملستبد‪ .‬الطاغية هو‬ ‫« َمن جتاوز حدود االستقامة‪ ،‬وأسرف في املعاصي والظلم والقهر»‪ .‬أما املستبد‬ ‫ّ‬ ‫واستقل»‪ .‬وسيجتمع املصطلحان في العصر احلديث‬ ‫فهو « َمن تف ّرد برأيه‬ ‫مبفردة واحدة هي الديكتاتور صاحب السلطة املطلقة‪ .‬أفالطون أول من سعى‬ ‫إلى تشريح صفات الطاغية وميوله ورغباته ليصل إلى نتيجة مفادها أنّ‬ ‫الدولة التي يحكمها طاغية ال ميكن أن تكون ح ّرة بل مستعبدة‪ .‬و لكن هل‬ ‫الطغيان صفة للشرق؟ هذا ما يؤكده الكتاب وهو يقتفي أثر الطغاة تاريخي ًا‪.‬‬ ‫االستبداد الشرقي بات مصطلح ًا متداو ًال‪ً ،‬‬ ‫نظرا إلى تناسل النماذج وحال‬ ‫االستسالم للحاكم حتت وطأة القوة والبطش‪ ،‬واملفهوم القبلي والديني للسلطة‪.‬‬ ‫ويرى بعضهم أنّ عبودية الشرق ناجتة من انعدام الوعي الذاتي للفرد‪».‬‬ ‫ّ‬ ‫تتجذر‬ ‫يتتبع بدر خضر شجرة الطغيان بفروعها املتشابكة شرق ًا وغرب ًا‪ ،‬قبل أن‬ ‫وتثمر في الشرق على شكل ديكتاتوريات مزمنة‪ ،‬من دون أن يضرب أمثلة‬ ‫محددة‪ ،‬بل يستعير حاالت مشابهة من هتلر‪ ،‬وموسوليني‪ ،‬وفرانكو‪ .‬وحني‬ ‫بشكل خاطف‪ ،‬سرعان ما ينفي صفة الطاغية‬ ‫يسا ِئل حقبة جمال عبد الناصر‬ ‫ٍ‬


‫عن الزعيم املصري‪ ،‬عبر تعداد مزاياه ومنجزاته‪ .‬ثم يعود إلى مقاربة آليات‬ ‫ً‬ ‫عمدا في منت الكتاب فكل الوقائع‬ ‫األنظمة الشمولية‪ ،‬لكن هناك نقطة مغ ّيبة‬ ‫لكن الكاتب العراقي‬ ‫واملقاربات واالستنتاجات تشير إلى شخص ّية صدام حسني‪ّ .‬‬ ‫ظل ً‬ ‫ّ‬ ‫حذرا في اإلشارة مباشر ًة إلى هذا الطاغية النموذجي‪ .‬األرجح أنه كان يعمل‬ ‫على شخصية الطاغية خالل حكم صدام للعراق‪ ،‬ولم يشأ أو يجرؤ على الوقوف‬ ‫في فوهة املدفع‪ ،‬فانكب على استحضار وقائع مشابهة من التاريخ الشرقي‬ ‫مبلحق دال بعنوان «الشخصية العدوانية»‬ ‫لالستبداد‪ .‬وأنهى فصول الكتاب‬ ‫ٍ‬ ‫التي تسعى إلى الهدم والدمار والقتل‪.‬‬

‫مواجهة الفكر االصولي‬

‫يتناول كتاب خالد نزال الصادر عن دار الطليعة البيروتية‪ ،‬بالشرح‬ ‫والتحليل الصيغ غير الدينية لالصولية‪ ،‬في الفاشية والنازية على صعيد‬ ‫التفوق العرقي ومفهوم الزعيم‪ .‬الى جانب االصولية الدينية‪ ،‬موضح ًا ان‪ ‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كبيرا اذا ما بقيت في ميدانها‬ ‫خطرا‬ ‫االفكار االصولية ال تشكل في ذاتها‬ ‫النظري‪ ،‬لكنها تتحول الى قوة مادية مهددة للمجتمع عندما تنجذب الى‬ ‫مشاريع سياسية وتأخذ على عاتقها انقاذ املجتمع وفق الرؤية التي تستند‬ ‫إليها‪ .‬اذ حتمل االصوليات هذه‪ ،‬في معظمها‪ ،‬مشاريع سياسية تهدف‬ ‫ً‬ ‫بدءا من الفرد وصو ًال الى املجموع‪ ،‬رافضة اخليار‬ ‫الى قولبة املجتمع‬ ‫الدميوقراطي في احلوار والتفاعل الفكري ـ التبادلي‪ ،‬بل تسعى الى تكريس‬ ‫وحدانية السلطة‪ ،‬والى نبذ اآلخر واستبعاد التعددية ـ املتنوعة في مختلف‬ ‫اشكالها‪ .‬هكذا‪ ،‬تبدو مشاريع هذه األصوليات مفعمة بالتعصب‪ ،‬يهيمن‬ ‫على فكرها جمود عقائدي مينع التواصل والتفاعل واالحتكام الى العقل وحق‬ ‫اآلخر في التعبير‪ ،‬وصوال الى تكفير وتخوين من ال يتوافق مع طروحاتها‪.‬‬ ‫يضم الكتاب اربعة فصول وهي‪ :‬املشترك بني االصوليات الدينية وغير الدينية‪.‬‬ ‫األصوليات غير الدينية والدور الذي لعبته في التاريخ البشري احلديث‪.‬‬ ‫االصوليات الدينية‪ .‬‬ ‫ويتضمن الفصل الرابع قراءات في فكر عدد من املفكرين والفالسفة الذين‬ ‫ّ‬ ‫صبت طروحاتهم في مقارعة الفكر االصولي منذ بداية التاريخ االسالمي حتى‬ ‫اليوم‪ ،‬اذ اختار الكاتب كل من ابن خلدون وابن رشد وابن باجه بالنظر الى ما‬ ‫متيزوا به في تقدمي فلسفة تتناقض مع الفكر األصولي ـ اإلسالمي في الطرح‬ ‫واالستنتاج‪ .‬وفي عصر النهضة العربية ـ االسالمية جرى اختيار كل من الشيخ‬ ‫علي عبد الرازق وطه حسني ومعروف الرصافي ومحمد أحمد خلف الله‪ .‬أما من‬ ‫احملدثني فقد جرى اختيار ثالثة هم‪ :‬نصر حامد أبو زيد‪ ،‬محمد أركون‪ ،‬وعبد‬ ‫املجيد الشرقي‪.‬‬

‫ملف « االرتداد» في اإلسالم‬ ‫في «قضايا اسالمية معاصرة»‬ ‫ضمن محاولة إعادة النظر في واحدة‬ ‫من أكثر القضايا الفقهية حساسية‪،‬‬ ‫أفرد العدد األخير من مجلة «قضايا‬ ‫إسالمية معاصرة» ملفه الرئيس ملناقشة‬ ‫حكم املرتد في الفقه اإلسالمي‪ ،‬حيث‬ ‫عرض تصورات نقدية جديدة لفقهاء‬ ‫ومفكرين من مصر وتونس وإيران والعراق‬ ‫ولبنان وغيرها‪ .‬اجمللة التي تصدر عن‬ ‫«مركز دراسات فلسفة الدين» في بغداد‬ ‫ويرأس حتريرها الدكتور عبد اجلبار الرفاعي‪،‬‬ ‫تناولت «أمناط اإلميان وحدود احلرية الدينية»‬ ‫ضمن مجموعة حوارات ودراسات لنخبة‬ ‫من األسماء البارزة في مجال نقد أو مراجعة الفكر الديني‪ .‬‬ ‫افتتح العدد بحوار عنوانه «احلق والعقالنية والهداية» مع املفكر‬ ‫اإليراني املثير للجدل عبد الكرمي سروش‪ ،‬وحوار آخر مع الشيخ محمد‬ ‫مجتهد شبستري وهو فقيه عرف بآرائه التي تثير موجة اعتراض عامة‬ ‫في احلوزة العلمية اإليرانية‪ ،‬حيث ناقش بجرأة واضحة حكم معظم‬ ‫الفقهاء بوجوب إعدام املرتدين‪ .‬أما الباحث املصري جمال البنا فهو‬ ‫يُ َح ِّمل مسؤولية التوجه القامع للمعتقدات األخرى‪ ،‬لفقهاء «جانبوا‬ ‫املوضوعية واألسس العلمية في استنباط األدلة التي تبيح قتل املرتد»‬ ‫وال يتردد البنا في القول إن «األصول التي وضعها القرآن والرسول أولى‬ ‫باالتباع من أقوال فقهاء خضعوا إلمالءات سياسية» في التعامل مع هذا‬ ‫املوضوع احلساس‪ .‬وإذ حاولت مرمي آيت أحمد تقدمي صورة مقارنة لتراث‬ ‫«احلرية الدينية واالرتداد في األديان السماوية»‪ ،‬تساءل املفكر التونسي‬ ‫محمد الطالبي‪ :‬هل احلرية الدينية حق أم قدر؟ مفسرا احلكم بقتل املرتد‬ ‫بوصفه ممارسة تلجأ إليها اجملتمعات لتحمي وجودها‪ ،‬لكنه في الوقت‬ ‫ذاته يدعو هذه اجملتمعات إلى فهم «أن اإلميان ما لم يكن استجابة حرة‬ ‫لدعوة غير ُمرغمة‪ ،‬فإنه يفقد كل معنى»‪ .‬‬ ‫ويخصص الباحث اإليراني محسن كاديفار مساحة استداللية‬ ‫واسعة ملناقشة «حرية العقيدة والدين في اإلسالم» ليقدم استقصاء‬ ‫خملتلف األدلة الفقهية التي استند إليها األولون للحكم بقتل املرتدين‪ .‬‬ ‫ومثل دراسة كاديفار التي قامت على أساس االستدالل الفقهي‬ ‫املضاد‪ ،‬يأتي منطق الصناعة الفقهية التقليدية ليمارس مراجعة جريئة‬ ‫لتراث األدلة اخلاصة باالرتداد في دراسة الباحث العراقي الدكتور طه جابر‬ ‫العلواني حيث متيزت بعرض نقدي شامل لتفاصيل األحكام املتعلقة‬ ‫بكل قسم من أقسام االرتداد في الفقه الكالسيكي‪ ،‬كي يدعو إلى تبني‬ ‫وجهة نظر متسامحة تتيحها األدلة القرآنية ذاتها‪ .‬وميثل عدد «قضايا‬ ‫إسالمية معاصرة» اخلاص هذا‪ ،‬محاولة جلمع أفكار فقهية مختلفة‬ ‫حاولت أن تراجع بجرأة‪ ،‬موضوع حرية االعتقاد‪ ،‬األمر الذي يتصل بسعي‬ ‫اجتاه نقدي داخل التيار الديني‪ ،‬لتقدمي صورة مغايرة عن «إسالم متسامح»‬ ‫ال يحكم بالقتل على أتباعه حني يعتنقون أفكارا أخرى‪.‬‬ ‫صحيفة «اوان» الكويتية‬

‫‪31‬‬


‫بيئة‬

‫اإلسالم والمحافظة على البيئة‬ ‫على المسلم ادراك قوانين الكون الفيزيائية والتكيف معها‬ ‫لم يقتصر االسالم على اقامة الشعائر الدينية‪ ،‬بل حدد مسؤولية الفرد تجاه العالم‬ ‫منذ سنني يدور جدل عاملي حول البيئة يربط بني املوضوعات املتعلقة بالبيئة واألخالق اإلسالمية‪ .‬ولكن إلى أي مدى ميكن أن يستقي املرء من‬ ‫اإلسالم إرشادات سلوكية للمحافظة على البيئة؟ إيرين جويرجني حاورت اخلبيرة زيجريد نوكل حول هذا الشأن‪..‬‬ ‫• ليس من املألوف أن يُذكر اإلسالم في‬ ‫سياق احملافظة على البيئة‪ .‬ما هي املفاهيم‬ ‫البيئية التي ميكن أن تُستمد من اإلسالم؟‬ ‫ـ مشاكل البيئة التي نعرفها هي ِنتاج التصنيع‬ ‫والرأسمالية‪ ،‬لهذا فإنها تعتبر حديثة العهد‪ .‬أما‬ ‫املصادر اإلسالمية فقد نشأت منذ ما يزيد على ألف‬ ‫عام وفي سياق مختلف متاما‪ .‬لهذا فليس لنا سوى‬ ‫االعتماد على تص ّورات حول العالقة بني اإلنسان‬ ‫والبيئة‪ ،‬وهي عالقة ذات طبيعة عامة‪ .‬جدير بالذكر‬ ‫في هذا املقام مصطلحات مثل‪' :‬الفطرة'‪ ،‬وتعني النظام‬ ‫الطبيعي األصلي‪ ،‬و'التوحيد'‪ ،‬ويعني وحدة اخللق‪ ،‬أي‬ ‫أن كل األشياء في العالم ترتبط مع بعضها بعضا‬ ‫في عالقة ألن جميعها من آيات الله وذات أهمية‬ ‫وقيمة وتستحق احملافظة عليها‪ .‬ويندرج حتت هذه‬ ‫املصطلحات أيضا مصطلح 'امليزان'‪ ،‬وهو حالة الكون‬ ‫املبنية وِفق نظام معني يكفل حمايته وإعادته كما كان‬ ‫عليه‪ .‬وأخيرا مصطلح 'خليفة'‪ ،‬الذي يشير إلى دور‬ ‫لي على اخلليقة‪ ،‬واإلنسان عليه أن يحافظ‬ ‫اإلنسان ك َو ّ‬ ‫على نظام اخللق وأن يستمتع بثمار األرض وأال يكون‬ ‫ّ‬ ‫مبذرا في استغالل ثرواتها ومواردها‪ .‬كما أن املأثورات‬ ‫من أقوال وأفعال النبي واملسلمني األوائل فيها أمثلة‬ ‫حتث على الترشيد واالقتصاد في استهالك الثروات‬ ‫واملوارد الطبيعية‪ ،‬وكذلك أيضا أمثلة على ال ّرفق‬ ‫باحليوان‪ ،‬وكانوا في ذلك ُقدوة لألجيال املقبلة‪..‬‬ ‫• هل في التراث اإلسالمي مفاهيم أساسية‬ ‫تخدم حماية البيئة؟‬ ‫ـ هناك أنظمة في املناطق اإلسالمية من العصور‬ ‫األولى يعتبرها املرء آليات للحفاظ على الطبيعة‬ ‫والنوع‪ ،‬وهو ما يحاول املرء إحياءه اليوم‪ .‬من هذه‬ ‫‪32‬‬

‫األنظمة ما يسمى ' َح َرم'‪ ،‬وهي مناطق ا ِحلمى‪ ،‬ومن‬ ‫بينها محميات عيون ومجرى املاء التي ال يجوز‬ ‫إعمارها بالسكان حتى ال يتل ّوث املاء‪ .‬وكانت هناك‬ ‫مروج وغابات ال يسمح باالنتفاع بها إال في أوقات‬ ‫محددة‪ ،‬على سبيل املثال بعد انتثار حبوب اللقاح‬ ‫أو أوقات اجلفاف‪ ،‬ألغراض معينة‪ .‬هذه اإلجراءات‬ ‫طي النسيان في ِخض ّم خصخصة األراضي‬ ‫أضحت في ّ‬ ‫وتكثيف الزراعة وزيادة رقعتها‪ .‬ومنذ سنوات يحاول‬ ‫املرء إعادة تطبيق هذه اإلجراءات في نطاق مشاريع‬ ‫احلفاظ على النوع والشواطئ واملياه‪.‬‬ ‫• ذكرمت في كتابكم "الالهوت البيئي لسيد‬ ‫حسني نصر"‪ ،‬ماذا يعني ذلك‬ ‫ـ لقد أثار الفيلسوف والفقيه سيد حسني نصر‪،‬‬ ‫املولود عام ‪ 1939‬ـ مثله في ذلك مثل بعض رجال‬ ‫الدين املسيحي ـ مسألة التوازن البيئي في السياق‬ ‫الديني‪ .‬وتناول املسألة من منطلق النظرة الفيزيائية‬ ‫للكون التي تعتبر الطبيعة واإلنسان واخلالق والسماء‬

‫واألرض نظاما متكامال ومتوازنا للحياة‪ .‬ويرى نصر أن‬ ‫البشر ينكرون هذا النظام منذ عصر التنوير األوروبي‬ ‫ووضعوا بدال منه نظاما يقوم على أن اإلنسان هو‬ ‫حقيقة الكون املركزية‪ .‬هذا النظام يجعل اإلنسان غاية‬ ‫الكون القصوى ويضعف ارتباطه بنظام علوي إلساءة‬ ‫استغالل الطبيعة‪ .‬كما يرى نصر أن اإلنسان مخلوق‬ ‫أناني َشرِه ولكنه في الوقت نفسه يتط ّلع إلى جتاوز‬ ‫ّ‬ ‫الوجود املادي‪ .‬هذا املخلوق لن يجد الرضى احلقيقي‬ ‫إذا لم يرتكز على نظرة كونية‪ ،‬ولهذا فإنه يبحث عن‬ ‫متنفس لهذا االستهالك املتزايد والتقنية العالية‪.‬‬ ‫وتعتبر أزمة البيئة بالنسبة له أزمة روحانية‪ .‬هذا‬ ‫التشخيص احلالي ينطبق أيضا على اإلسالم واملسلمني‬ ‫الذين يجب عليه الرجوع إلى فطرتهم األولى‪.‬‬ ‫لقد ر ّكز نصر في التقاليد الصوفية على الفرد‬ ‫الذي يجب عليه إدراك قوانني الكون الفيزيائية وأن‬ ‫يتكيف معها‪ .‬والتك ّيف مع الروحانيات سوف يحل‬ ‫محل االستهالك‪ .‬هذا التك ّيف يعتبر في الوقت ذاته‬


‫له طابع قدمي جدا ولكنه أيضا عصري جدا إذا ّ‬ ‫فكر‬ ‫املرء في الدعوات املوجودة في كل مكان إلى العدول‬ ‫عن االستهالك وتغيير أسلوب احلياة‪.‬‬ ‫• في املناقشات الدولية حول حماية البيئة‬ ‫ال يوجد للمسلمني حضور يُلفت األنظار‪ .‬ما‬ ‫السبب في ذلك؟‬ ‫ـ ال يكاد يوجد للمسلمني على وجه العموم‬ ‫متثيل سواء في املناقشات العامة أو في املنظمات‪.‬‬ ‫فاملواقف الدينية تعتبر من األمور الشخصية التي ال‬ ‫تخضع للمناقشة العامة تفاديا للفضيحة‪ ،‬أي أنها‬ ‫من املوضوعات احمل ّرمة‪ .‬إن معظم املسلمني ليسوا‬ ‫على علم بالعالقة بني الدين وحماية البيئة‪ ،‬على‬ ‫الرغم من أنهم يرونها ويعيشونها في كل مكان‪.‬‬ ‫ومؤسسة "الثقافة البينية" جتري حاليا بحثا صغيرا‬ ‫حول هذا املوضوع‪ .‬وقد اتضح من خالل هذا البحث‬ ‫حتى اآلن أن املسلمني الذين يحافظون على شعائر‬ ‫دينهم ير ْون أن الدين يحث على "احملافظة على‬ ‫الطبيعة"‪ ،‬ما يشجعهم على ممارسة ذلك في حياتهم‬ ‫اليومية‪ ،‬مثل حماية املناطق اخلضراء وحث اآلخرين‬ ‫على ذلك وترشيد استهالك املياه واالقتصاد في املواد‬ ‫الغذائية والتفكير في استهالكهم‪ .‬في هذه األثناء لم‬ ‫يقم املسلمون بدراسات ميدانية شاملة حول الوعي‬ ‫البيئي‪ ،‬فهم لم يعتبروا هذه الدراسات مهمة وجعلوها‬

‫من املوضوعات املستعصية‪.‬‬ ‫• ما الذي ميكن أن يقدمه املسلمون ملوضوع‬ ‫"حماية البيئة" الذي يحظى اليوم مبناقشة‬ ‫مك ّثفة جدا؟‬ ‫ـ كما يبدو يجب على املسلمني أوال أن يدركوا‬ ‫عالقة الدين بالبيئة‪ .‬فبالنسبة للكثير منهم ال توجد‬ ‫البتة عالقة تربط بني كليهما‪ .‬وقد يكون من املمكن أن‬ ‫تعطي فكرة "اإلسالم البيئي" دفعة لالهتمام مبوضوع‬ ‫البيئة وأن ينعكس ذلك على أسلوب احلياة والعادات‬ ‫اليومية‪ .‬إن ما يريد التنبيه إليه هو أن اإلسالم لم‬ ‫يقتصر على إقامة الشعائر الدينية‪ ،‬إمنا يقتضي‬ ‫مسئولية شخصية جتاه العالم تتعدى احلدود الدينية‪،‬‬ ‫والكل مطالب أن يبدأ بنفسه في هذا اخلصوص‪ .‬إن‬ ‫حماية البيئة واملناخ‪ ،‬بغض النظر عن كل الصيحات‬ ‫احلديثة‪ ،‬هي مسألة تدخل ضمن املراتب الروحانية‪.‬‬ ‫املرء بإمكانه أن يب ّلغ ذلك إلى مجموعة كبيرة من‬ ‫الناس ـ التي ال تعير املوضوع اهتماما ‪ -‬عن طريق‬ ‫املساجد والتكتالت اإلسالمية‪ ،‬وهنا ميكن ترسيخ‬ ‫مناقشة حماية البيئة‪ .‬كما أن من املمكن ربط هذه‬ ‫املجموعات بجماعات ومنظمات حماية البيئة عن‬ ‫طريق االنترنت‪ ،‬وبهذا ميكن أن تكون حماية البيئة قد‬ ‫حتركت خطوة إلى األمام‪.‬‬ ‫• هل يوجد في أوروبا مشاريع أو مبادرات‬

‫"إسالمية بيئية"؟‬ ‫ـ املؤسسة اإلسالمية للطبيعة وعلوم البيئة‬ ‫البريطانية تعتبر من أشهر املنظمات اإلسالمية‪.‬‬ ‫وهي منظمة غير حكومية مسجلة لدى لألمم املتحدة‬ ‫وشقيقة لالحتاد العاملي لألديان وحماية البيئة‪.‬‬ ‫واملؤسسة اإلسالمية للطبيعة وعلوم البيئة قامت‬ ‫بالتعاون مع هذه املنظمات التي تتعاون معها في‬ ‫القيام بإجراءات حلماية شواطئ إفريقيا‪ .‬عالوة على‬ ‫ذلك قامت املؤسسة من خالل مشاريعها في بريطانيا‬ ‫بنشر صورة ذات تأثير إعالمي عن اإلسالم البيئي‪.‬‬ ‫كما تبني رسائلها اإلخبارية احملترفة "اإلسالم البيئي"‬ ‫الك ّم الهائل للمناقشات التي تدور حول اإلسالم‬ ‫والبيئة‪ .‬هذه الرسائل توفر ببراعة معلومات عن‬ ‫العالقات العامة واإلجراءات العملية التي تُتخذ‬ ‫من أجل حماية البيئة‪ .‬واملؤسسة اإلسالمية للطبيعة‬ ‫وعلوم البيئة البريطانية متصلة باملنظمات احمللية‬ ‫األخرى التي نشأت في بريطانيا في األعوام املاضية‬ ‫عبر االنترنت‪ .‬وباملقارنة بذلك فإن أملانيا ال تزال دولة‬ ‫نامية في هذا اخلصوص‪.‬‬ ‫أجرت الحوار‪ :‬إيرين جويرجين‬ ‫ترجمة‪ :‬عبد اللطيف شعيب‬ ‫عن موقع "قنطرة"‬

‫‪33‬‬


‫قالوا‬

‫• من الضروري ان يعمل املسلمون على بيان موقف االسالم من االخر ومن‬

‫قالوا‬ ‫االرهاب والتعايش السلمي بني احلضارات‪ ،‬وذلك من خالل احلوار‪.‬‬

‫د‪ .‬لينا الرسن‬

‫استاذة الدراسات االسالمية في جامعة اوسلو‬ ‫ورئيسة اجمللس االسالمي السابقة في النرويج‬

‫• على اجلاليات االسالمية في اوروبا املشاركة بفعالية في الواقع السياسي‬

‫للمجتمعات التي انتقلت اليها‪ ،‬الن انتماء املسلم لدولة غير اسالمية امر جائز‬ ‫شرعاً‪.‬‬ ‫د‪ .‬محمد الشحات‬

‫االمني العام للمجلس االعلى لشؤون االسالمية بالقاهرة‬

‫• علينا تكثيف احلوار بني العالم االسالمي والغرب استجابة لقول اهلل‬ ‫تعالى «وجعلناكم شعوبا ً وقبائل لتتعارفوا» ويقتضي احلوار اعادة تقييم الصورة‬ ‫النمطية التي حتملها كل حضارة عن االخرى‪.‬‬

‫د‪ .‬فوزية العشماوي‬

‫رئيسة منتدى املرأة االوروبية املسلمة في جنيف‬

‫• الكثير من الغربيني ال يخافون من اإلسالم‪ ،‬بل من االعمال املتط ّرفة‬

‫املظلمة التي تنعكس في الكثير من االعتداءات والدعايات التي ترمي لنشر‬ ‫احلقد والعداء‪ .‬وهذا األمر يتعلَّق بأقلية صغيرة من املسلمني‪ ،‬الذين تتم إدانة‬ ‫أعمالهم وأفكارهم بشدة من قبل أغلبية املسلمني‪.‬‬

‫ماتياس روهه‬

‫قانوني املاني ومختص بالعلوم اإلسالمية‬

‫•‪ ‬اهلل ال يتكلم فقط مع األموات ولكن مع األحياء أيضا‪ .‬وإذا ما كان كالمه‬ ‫علي أن أفهمه بعقليتي الراهنة وبالنظر‬ ‫فعالً حيا ً كما يقول احلديث‪ ،‬فيتوجب ّ‬

‫إلى وضعيتي احلالية‪ .‬هذه القراءة الديناميكية هي ما أقترحه ضد قراءة جامدة‬

‫‪ ،‬متحجرة ومحافظة‪ ،‬تقتل كالم اهلل‪.‬‬

‫محمد الطالبي‬

‫مفكر اسالمي تونسي‬

‫‪34‬‬


The International Forum for Islamic Dialogue (IFID)

IFID was established in 1994 as a UK based non-profit organization. It is an independent voice calling for an enlightened and modern understanding of Islam. We believe that Muslim democrats can potentially become a stabilizing and a constructive force in developing institutions, modernizing Muslim societies and playing their full role in world peace. The key to a better future for Muslim nations lies in developing interpretations of Islam, Muslim thought and attitudes that are compatible with the contemporary world. IFID was founded by Dr Laith Kubba, who served as it’s first executive director (1994 to 1998). He was succeeded by Dr Mansoor Al-Jamri. IFID’s current director is Dr Najah Kadhim. IFID aims to: • Identify, encourage and introduce new, enlightened Muslim writers to engage in debate and discussion on key Islamic issues and establish a network for the sharing of ideas and experiences on the challenges faced by Muslims today. • Initiate innovative ideas that provoke contemporary Islamic thought and generate much needed debate and dialogue. • Assist and strengthen the efforts of enlight-

ened and liberal Muslim democrats in propagating a modern understanding of Islam and it’s values, focusing on human rights, democracy, pluralism, non-violence, civil rights, modern institutions and in identifying future trends and strategies. IFID Objectives: 1. The "Friday Note" - whereby, concise articles, by known Muslim writers from a number of countries, address contemporary Muslims concerns. These are emailed on Fridays, to our online community. Each year a collection of these articles are published in book form. 2. To improve and update "Islam21.net" Web site. 3. To produce an "educational guide", catering to the needs of Muslims, that is modern, scientific, and flexible - to be used by teachers of religion and by Imams. 4. To publish the quarterly "Islam21" journal, focusing on specific themes. 5. To host Seminars, addressing specific topics relevant to current Muslim reality and to publish and circulate them to individuals and organizations. 6. To publish the quarterly Islam21 Youth, focusing on Muslim Identity from a youth perspective.


‫لمحة عن تاريخ‬ ‫المنبر الدولي للحوار اإلسالمي‬ ‫تأسس المنبر الدولي للحوار اإلسالمي في العام ‪1994‬‬ ‫كمنظمة غير ربحية‪ ،‬متخذا من العاصمة البريطانية لندن مقرا‬ ‫رئيسا له‪.‬‬ ‫والمنبر صوت مستقل يدعو إلى فهم اإلسالم بنحو متن ّور‬ ‫وعصري‪ .‬ذلك إننا نعتقد أن بوسع المسلمين الديمقراطيين أن‬ ‫يصيروا قوة استقرار وبناء لتطوير مؤسسات عامة‪ ،‬ومجتمعات‬ ‫مسلمة حديثة‪ ،‬وان يلعبوا دورا بارزا في إشاعة السالم في العالم‪.‬‬ ‫فمفتاح باب مستقبل أفضل لألمم المسلمة مرتبط بتطوير‬ ‫قراءات عصرية لإلسالم‪ ،‬والفكر اإلسالمي‪ ،‬والموقف المتالئم مع‬ ‫عالمنا المعاصر‪.‬‬ ‫ونعتقد أيضا أن بمقدور المؤسسات العامة الحديثة تطوير‬ ‫مهارات المهنيين‪ ،‬وبهذا تسهم في تحديث المجتمعات‬ ‫المسلمة‪.‬‬ ‫أسس المنبر الدولي للحوار االسالمي وتولى إدارته التنفيذية‬ ‫الدكتور ليث كبة من العام ‪ 1994‬حتى العام ‪ ،1998‬ليأتي الدكتور‬ ‫منصور الجمري‪ ،‬مديرا تنفيذيا ثانيا‪ ،‬من العام ‪ 1999‬حتى العام‬ ‫‪ .2001‬واآلن يتولى الدكتور نجاح كاظم منصب مديره التنفيذي‪.‬‬

‫من كتّ اب العدد‪:‬‬ ‫د جناح كاظم ‬

‫د‪ .‬طيب تيزيني ‬

‫عبداحلسني الدرويش هاجر القحطاني‬

‫ ‬

‫شمخي جبر ‬

‫شمس الدين الكيالني ‬

‫فالح حسن السوداني لطيف القصاب‬

‫ ‬

‫عبداللطيف طريب د‪ .‬خالد احلروب ‬

‫ ‬

‫ ‬

‫اوليفييه روا ‬

‫مروة كريدية ‬

‫د‪ .‬يوسف اسكندر ‬

‫موالي محمد اسماعيلي‬

‫ايرين جويرجني‬ ‫‪inquiry@islam21.net‬‬ ‫‪www.islam21.net‬‬

‫‪Al-Rasid Al-Tanweeri P. O. Box: 5856, London WC1N 3XX, United Kingdom Phone: (+44) 20 7724 6260‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.