الراصد التنويري عدد 6

Page 1

‫العدد (‪ )6‬خريف ‪( 2009‬السنة الثانية)‬

‫)‪Issue 6 / Autumn 2009 (Vol 2‬‬


‫األهداف الرئيسية للمنبر الدولي‬ ‫للحوار اإلسالمي‪:‬‬

‫مهمة المنبر الدولي‬ ‫للحوار اإلسالمي‬ ‫يتبنى المنبر الدولي للحوار اإلسالمي‬ ‫‪ IFID‬االلتزام بالحث على نهوض‬ ‫المجتمعات المسلمة من خالل تشجيع‬ ‫القراءة العصرية فيهـا‪ ،‬والدفع باتجاه‬ ‫العلوم والتثقيف‪ .‬ويهدف المنبر إلى‬ ‫إحيـــاء روح المبـادرة وتشجيع النشاطات‬ ‫الفكرية والتربوية‪ ،‬التي تفضي إلى نمو‬ ‫منظومة عقلية حديثة يرتجى منها إيجاد‬ ‫حلول لقضايا اجتماعية واقتصادية‬ ‫وأخالقية يشهدها عصرنا الحالي‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ فكريا‬ ‫• تحريك وتطوير وتوفير أفكار جديدة؛‬ ‫وتوليد حوار ديناميكي تشتد الحاجة‬ ‫إليه في عصرنا هذا‪.‬‬ ‫ • تقديم ُكتّاب جدد ومفكرين بغية‬ ‫تنشيط نقاش جاد في قضايا‬ ‫الملحة‪.‬‬ ‫المسلمين‬ ‫ّ‬ ‫• توثيـق‪ ،‬وإصـدار ونشـر مطبوعات‬ ‫فكرية وتربوية‪.‬‬ ‫• العمل من أجـل إنشاء شبكة عالمية‬ ‫من المفكـرين والمؤسسات‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ تربويا‬ ‫• توعية الفرد المسلم بالقيم المدنية‬ ‫والديمقراطية‪ ،‬ونهج التسامح‬ ‫والالعنف‪.‬‬ ‫• تدريب الشباب المسلم‪ ،‬والقادة‪،‬‬ ‫والمعلمين‪ ،‬على القيم المدنية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫• إنشاء شبكة عالمية للنشطاء‬ ‫المسلمين المدنيين‪.‬‬ ‫إيجازا‪ ،‬يتمثل هدف هذا المنبر في‬ ‫إرساء فكر إسالمي إنساني‪ ،‬وديمقراطي‬ ‫عـن طريـق إدامة وتطوير حوار دينامكي‬ ‫في القضايا االجتمـاعيـة واألخـالقيـة‬ ‫ذات الصلة‪.‬‬

‫> التعريف بالكتاب اإلسالميين المستنيرين وتشجيعهم وإتاحة‬ ‫منبر لهم لعرض فكرهم ومن ثم دفعهم إلى نقاش حول القضايا‬ ‫اإلسالمية الرئيسية المطروحة على الساحة‪ ،‬أي تكوين شبكة‬ ‫من العقول واألقالم اإلسالمية بهدف النقاش وتبادل األفكار‬ ‫والخبرة حول أهم التحديات التي تواجه المسلمين اليوم وأهم‬ ‫احتياجاتهم‪.‬‬ ‫> طرح أفكار جديدة خالقة ورائدة إلعمال الفكر اإلسالمي المعاصر‬ ‫وتوليد جدل ونقاش تمس إليه الحاجة في عالم المسلمين‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫> تعزيز ودعم ومساندة الجهود التي يقوم بها اإلسالميون‬ ‫المستنيرون ذوو الفكر الحر نحو قراءة وفهم عصريين لإلسالم‬ ‫وقيمه المتعلقة بقضايا مثل حقوق اإلنسان والديمقراطية‬ ‫والتعددية ونبذ العنف‪ ،‬والحياة العامة والحقوق المدنية‬ ‫والمؤسسات الحديثة والدراسات اإلسالمية في المستقبل‪،‬‬ ‫وأسلحة الدمار الشامل وغيرها‪.‬‬

‫األنشطة الرئيسة للمنبر الدولي للحوار اإلسالمي‪:‬‬ ‫> إطالق مشروع "مقاالت الجمعة"‪ ،‬وهو عبارة عن إرسال مقاالت‬ ‫مختصرة ولكنها مكثفة بآقالم مجموعة من الكتاب اإلسالميين‬

‫ ‬

‫> ‬

‫> ‬ ‫> ‬ ‫> ‬

‫> ‬

‫المعروفين من عدد من الدول اإلسالمية تتعرض بالنقد والتحليل‬ ‫لهموم المسلمين المعاصرة‪.‬‬ ‫وتُرسل هذه المقاالت عبر شبكة المعلومات الدولية اإلنترنت إلى‬ ‫البريد اإللكتروني لمجموعة مختـــارة ولكنـــها كبيرة العدد‬ ‫من المشتركين‪ .‬وفي نهاية كل عام تٌجمع هذه المقاالت بين‬ ‫دفتي كتاب‪.‬‬ ‫تعديل وتحسين وتحديث موقع «‪ »islam21.net‬على شبكة‬ ‫المعلومات الدولية اإلنترنت‪ .‬ويشمل هذا التحديث الجوانب‬ ‫الفنية والمحتوى والدعاية للموقع والروابط الخاصة بمواقع‬ ‫مماثلة والتي يمكن إضافتها للموقع‪.‬‬ ‫االنتهاء من وضع "دليل تعليمي" حديث وعلمي ومرن يآخذ بعين‬ ‫االعتبار االحتياجات التعليمية للمسلمين‪ ،‬من أجل أن يستخدمه‬ ‫األئمة ومعلمو التربية الدينية‪.‬‬ ‫نشر فصلية «‪ »islam21‬والتي تتناول موضوعات معينة بقدر من‬ ‫التركيز‪.‬‬ ‫استضافة منتديات النقاش التي يتحدث فيها مفكرون إسالميون‬ ‫عن موضوعات معينة تخص واقع المسلمين في وقتنا الراهن‪.‬‬ ‫وسيتم طبع محاضر هذه المناقشات وتوزيعها على مجموعة‬ ‫معينة من األفراد والمنظمات‪.‬‬ ‫نشر فصلية «‪ »islasm21 Youth‬والتي تركز على الهوية اإلسالمية‬ ‫من منظور الشباب‪.‬‬


‫العدد (‪ )6‬خريف ‪2009‬‬

‫‪Issue 6 / Autumn 2009‬‬

‫نشاطات‬

‫االسالم السياسي‬ ‫بين المعارضة‬ ‫والمقاومة‬ ‫د‪ .‬شفيق ناظم الغبرا‬

‫‪5‬‬

‫‪19‬‬ ‫‪Al-Rasid Al-Tanweeri‬‬ ‫‪P. O. Box: 5856‬‬ ‫‪London WC1N 3XX‬‬ ‫‪United Kingdom‬‬ ‫‪Phone:‬‬ ‫‪(+44) 20 7724 6260‬‬

‫الفكاهة‬ ‫في العالم االسالمي‬ ‫اندريا لوغ‬

‫‪32‬‬ ‫االسالم‪ ..‬التوحيد‬ ‫والوحدة والدولة‬

‫‪inquiry@islam21.net‬‬

‫هاني فحص‬

‫‪www.islam21.net‬‬

‫‪25‬‬

‫للمراسلة‬

‫‪jamal@islam21.net‬‬ ‫من مهام المنبر‪:‬‬

‫تأسيس فكر انساني دميقراطي واسالمي من خالل احلفاظ على احلوار الفاعل وتطويره‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫د‪ .‬نجاح كاظم‬

‫هيئة التحرير‬ ‫هاجر القحطاني (المملكة المتحدة)‬ ‫فالح حسن السوداني (العراق)‬ ‫عبد اللطيف طريب (المغرب)‬

‫االخراج الفني‪:‬‬ ‫رياض راضي‬

‫لوحة الغالف‪:‬‬

‫الفنان أحمد نصيف‬


‫مبتدأ الكالم‬

‫االسالم السياسي‪ ..‬هل من معنى حقيقي؟‬ ‫ال يختلف اثنان ان بامكان املسلمني ان يلعبوا ً‬ ‫دورا حاسم ًا في استقرار‬ ‫النظام االخالقي لعالم مضطرب من خالل التطبيق الفاعل الخالق االسالم‬ ‫وتقدمي مناذج ساطعة للعالم اجمع‪ .،‬فوجود املسلمني املؤمنني كعناصر اخالقية‬ ‫في مؤسسات الدولة ضرورة بالغة مع امتالكهم مهارات وقدرات وكفاءات‬ ‫مطلوبة‪ ،‬في خطوة هامة للمساهمة في تطوير وتنمية املؤسسات السياسية‬ ‫واالجتماعية‪.‬‬ ‫وقد جنحت بعض االحزاب االسالمية في حتقيق بعض اخلدمات‬ ‫االجتماعية للطبقات الفقيرة اكثر من املؤسسات الرسمية‪ ،‬ولكن كانت ثمة‬ ‫اسباب تكمن خلف تلك اجلهود وهي حتقيق قاعدة سياسية‪ ،‬لذا لم تتمكن‬ ‫تلك اجلهود‪ ،‬او بعضها على االقل‪ ،‬من اجناز مؤسسات اجتماعية متطورة‬ ‫تنمو مع املجتمع وتصبح كتلة واحدة متراصة‪.‬‬ ‫جتارب االسالميني السياسيني على صعيد االفراد واملؤسسات والدول‬ ‫تشير الى فشل ذريع في احلكم‪ ،‬اذ لم يقدموا سوى بدائل سيئة‪ ،‬اضافة الى‬ ‫تهالك على السلطة وفساد مالي واداري وغش واستبداد‪ ،‬علم ًا ان االستبداد‬ ‫الديني غالب ًا ما يكون اقل رحمة واكثر جرم ًا من االستبداد السياسي بسبب‬ ‫تلفعه باملقدس واستغالل الدين كواجهة لردع وقمع االخر املختلف‪.‬‬ ‫وفي هذا االطار ثمة سؤالني اساسني يتطلب نقاشهما دقة بالغة وهما‪:‬‬ ‫االول‪ :‬هل تعريف االسالم السياسي يتمثل بالدعوة الى قيام دولة‬ ‫اسالمية او دينية؟‬ ‫الثاني‪ :‬هل الدعوة الى قيام دولة مدنية يعني غياب اثار ثقافة الدولة‬ ‫الدينية مبفهومها التقليدي حتى عند اولئك الذين يرفضون وجودها؟‬ ‫يتضح ان مناداة معظم االحزاب االسالمية السياسية‪ ،‬بقيام دولة مدنية‬ ‫وليست دينية‪ ،‬لكن قيام تلك الدولة يتطلب وجود املجتمع املدني ومؤسساته‪،‬‬ ‫بينما في واقع احلال ان منظمات املجتمع في مساحة غير قليلة من العالم‬ ‫االسالمي مهمشة من قبل الدولة واملؤسسات الدينية‪ ،‬التقليدية منها على‬ ‫وجه اخلصوص‪ ،‬فض ًال عن وجود مجاميع ومؤسسات وميليشات تعمل‬ ‫ملصاحلها‪ ،‬وتقف بالضد من عمل املجتمع املدني‪.‬‬ ‫غالب ًا ما يعرف االسالم السياسي مبن يطالب فقط بقيام دولة اسالمية‪،‬‬ ‫وهو تعريف مبتور للمصطلح‪ .‬فاالحزاب االسالمية السياسية تستخدم‬ ‫االسالم كواجهة جلذب الناخبني لقوائمها وحتقيق املآرب السياسية وتكريس‬ ‫الظواهر التراثية املالئمة لنهجها‪ ..‬وما ينطبق على السياسة يتماثل ايض ًا مع‬ ‫الثقافة الفقهية السياسية‪.‬‬ ‫وال بد من القول ان معظم االحزاب االسالمية السياسية تتخلف في مزاوجة‬ ‫االسالم مع ثقافة الدميقراطية‪ ،‬سوى في الشكل السطحي‪ ،‬لذا هناك عوز‬ ‫كلي للعقالنية والوعي السياسي واحلس املشترك لتطوير اخلطاب السياسي‬ ‫للحركات االسالمية‪ ،‬غير ان معظمها متأثرة‪ ،‬ان لم تكن عاملة‪ ،‬باصول‬ ‫الفقه التراثي الذي ال يستند الى مفاهيم االخر بغية التكامل‪ ،‬االمر الذي‬ ‫يعمل بالضد من الوعي السياسي باعتباره احد اهم دعائم الدولة املدنية‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫كذلك تعتقد احلركات االسالمية السياسية انها صاحبة الشرعية‬ ‫ألكثرية اتباعها وبحجة دفاعها عن االسالم باعتبار ان املجتمع يقع حتت‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن‬ ‫خيمة توجهها الديني‪ ،‬اي شرعيات القبيلة او فردانية التوجه‪،‬‬ ‫تلك القائمة على املوضوعية والعقد االجتماعي والوفاق الوطني‪ ،‬شرعيات‬ ‫غير زمنية او قانونية تسلم لالستبداد بامناطه اجلديدة‪ .‬وفي هذا االطار‬ ‫نتساءل‪ :‬ما ذنب االقليات غير املسلمة‪ ،‬رغم صغر حجم متثليها النسبي‬ ‫داخل املجتمع‪ ،‬وكيف نضمن عدم حتيز االحزاب االسالمية ازاء املواطنني وفق ًا‬ ‫النتمائهم الديني او املذهبي‪.‬‬ ‫ولعل جتربة الرسول (ص) في «ميثاق املدينة» بضمان حقوق االقليات‬ ‫غير املسلمة كاليهود وبعض القبائل الوثنية‪ ،‬كذلك جتربة اخلليفة الرابع علي‬ ‫ً‬ ‫مصرا على‬ ‫(ع) الذي لم يرض ببيعة نخبوية مقتصرة على مجموعة محددة‪،‬‬ ‫بيعة جتمع عليها االمة‪ ،‬النه يرى في اخلالفة ً‬ ‫عقدا اجتماعي ًا بينه وبني االمة‬ ‫جمعاء‪.‬‬ ‫ومن التجارب احلاضرة لالسالميني في احلكم هي احتكار السلطة‬ ‫السياسية والدينية عبر تعيني شخصيات غير كفوءة مهني ًا بسبب والئها‬ ‫السياسي او التزامها الديني‪ ،‬مما ادى بالتالي الى سوء اداري وغياب‬ ‫التنمية االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬وتفشي الفقر مع غياب واضح للحرية‪،‬‬ ‫وكانت النتيجة اتساع الفوضى والعنف واخلراب وشلل اصاب مرافق الدولة‬ ‫ومؤسساتها وزيادة االستقطاب والتمزق واستخدام الدين كواجهة العمال غير‬ ‫مشروعة‪ ،‬الى جانب التمتع بالسلطة حتت يافطات اسالمية‪ ،‬حتى الحت‬ ‫اسئلة كبيرة بدأ املسلمون قبل غيرهم بطرحها وتتمثل مباذا جنى الناس من‬ ‫حكم االسالميني وشعاراتهم؟‬ ‫وجود اسالميني في سدة احلكم ال يضمن باية صورة من الصور‪ ،‬استئصال‬ ‫الفساد واحلد من التهالك على السلطة وايجاد حلول عملية ملشاكل البالد‬ ‫والعباد‪ ،‬مبجرد ان القائمني عليها يتلفعون بعباءة اسالمية‪ .‬وما ينطبق‬ ‫على االسالميني يتكرر بذات الصورة على العلمانيني‪ ،‬من خالل املؤسسة‬ ‫العسكرية وغيرها من املؤسسات التي ركزت على الدكتاتورية وحتالفت مع‬ ‫انظمة غير شرعية ضد مجتمعاتها‪.‬‬ ‫ويكمن احلل االمثل بوجود مؤسسات ذات ضوابط حتد من بعض نوازع‬ ‫الطبيعة االنسانية وتوازن حدود السلطة وتفصل بني السلطات وتوفر الشفافية‬ ‫وترسخ الوعي لدى اجلميع بأن الدولة املدنية هي خلدمة املواطنني على اختالف‬ ‫عقائدهم الدينية‪ ،‬مما يحقق احد اهداف االسالم وذلك بحفظ كرامة االنسان‬ ‫وحريته‪..‬‬ ‫«ولقد كرمنا بني ادم‪ »..‬االسراء ‪17‬‬ ‫ً‬ ‫«لو شاء ربك المن في االرض جميعا افانت تكره الناس حتى يكونوا‬ ‫مؤمنني» يونس ‪99‬‬

‫د‪ .‬نجاح كاظم‬


‫االسالم السياسي‪ :‬بين المعارضة والمقاومة‬ ‫افرزت االنظمة غير‬ ‫الديمقراطية في المنطقة‬ ‫معارضة تعتمد على الدين‬ ‫وتطبيقه‬ ‫مسار المنطقة العربية هو نحو‬ ‫االنفتاح الفكري والعقائدي وبناء‬ ‫السالم واحترام االقليات وفصل‬ ‫الدين عن الدولة وفصل‬ ‫الحقوق عن الدين واحترام‬ ‫الحريات‬

‫د‪ .‬شفيق ناظم الغبرا‬ ‫موقع “شفاف الشرق االوسط” االلكتروني‬

‫الكثير منا في الصف الليبرالي ميتلك حساسية‬ ‫جتاه استخدام الدين في السياسة وجتاه االسالم‬ ‫السياسي‪ .‬ولكن هذا التيار اصبح يتمتع بوجود‬ ‫حقيقي في كل ارجاء العالم العربي‪ .‬فبعضنا يخلط‬ ‫كل يوم كما خلطت االدارة االمريكية االخيرة بني‬ ‫االسالم السياسي وبني التطرف واالرهاب‪ ،‬وبعضنا‬ ‫ً‬ ‫عدوا‬ ‫االخر يرى في كل ممارسة لالسالم السياسي‬ ‫للتقدم وللمستقبل وللحضارة وللمدنية‪ .‬في تعاملنا‬ ‫مع االسالم هناك الكثير من ضعف في احلوار‪ ،‬وعدم‬ ‫رغبة في االستماع‪ .‬فلو اقمنا انتخابات مفتوحة‬ ‫وصادقة في كل العالم العربي السس االسالميون‬ ‫حكومات اسالمية في معظم الدول العربية‪ .‬على‬ ‫االقل لو اقمنا انتخابات نزيهة سيكون هذا التيار‬ ‫اكبر اقلية ويحقق بالتالي االغلبية النسبية‪ .‬ان اهمال‬ ‫التعامل السياسي البناء مع التيار في الكثير من‬ ‫الدول العربية يساهم في زيادة حدته وتطرفه ورفضه‬ ‫للطرف االخر كما ويساهم في تأخير عملية انضاج‬ ‫التطور الدميقراطي في البالد العربية‪ .‬علينا ان نفكر‬ ‫بطريق اخر مع االسالم السياسي واال ساهمنا بادخال‬ ‫منطقتنا مبزيد من العنف والتراجع‪.‬‬ ‫لقد افرزت االنظمة غير الدميقراطية التي تعرفها‬ ‫منطقتنا معارضة بقوة مراسها وعنادها وعسكرية‬ ‫احكامها‪ .‬هكذا تتواجه انظمتنا بامر يصعب‬ ‫معارضته‪ :‬معارضة تعتمد على الدين وتطبيقه‪ .‬رمبا‬ ‫لو كانت انظمتنا العربية اكثر مرونة واكثر استعدادا‬ ‫لتداول السلطة لتغير املوقف ولكانت قوى املعارضة‬ ‫لدينا اكثر مرونة هي االخرى كما هو احلال في تركيا‬ ‫وكما تتطور االوضاع بني االسالميني العراقيني الذين‬ ‫حتولوا نحو املرونة في الصف الشيعي والسني بنفس‬ ‫الوقت‪ .‬مبعنى اخر هكذا نظام سياسي عربي شديد‬ ‫التمسك بالسلطة والقوة سوف يفرز بطبيعة احلال‬ ‫معارضة شديدة املرأس شديدة التعصب واملغاالة‪ .‬بل‬ ‫ميكن القول بأنه كلما قامت في عاملنا انظمة امنية‬ ‫اكثر قوة حتولت املعارضة الى منط اكثر تشددا‪ .‬هذا‬ ‫وهو الواقع الذي افرزه النظام العربي في العقدين‬ ‫االخيرين‪.‬‬ ‫ولقد تعزز دور التيار االسالمي العربي من خالل‬ ‫اخر مواجهتني بني هذا التيار واسرائيل‪ .‬فقد جنح‬

‫حزب الله‪ ،‬بطريقة او بأخرى‪ ،‬في مواجهته في عام‬ ‫‪ ،٢٠٠٦‬كما جنحت حماس بطريقتها في املواجهة‬ ‫مع اسرائيل‪ ،‬فما استطاعت اسرائيل ان تأخذه‬ ‫بساعات عام ‪ ١٩٦٧‬من الدول العربية لم تنجح في‬ ‫اخذه من حماس ابان شهر من القتال‪ .‬ان معركة غزة‬ ‫كانت حرب عربية اسرائيلية يخوضها الفلسطينيون‪،‬‬ ‫ولكنها كانت ايضا حرب التيار االسالمي السني ضد‬ ‫اسرائيل بعد ان خاض التيار االسالمي الشيعي حربه‬ ‫عام ‪ .٢٠٠٦‬في احلربني كانت الوسائل مختلفة‪،‬‬ ‫وطرق التضحية مختلفه‪ .‬وفي اجلوهر اصبح االسالم‬ ‫السياسي سلطة مواجهة ودولة مواجهة ميتلك جبهة‬ ‫قتالية اضافة الى حتوله ملعارضة شعبية ورئيسية‬ ‫في دول عربية شتى‪ .‬هذا كله ساهم في املراحل‬ ‫االخيرة في زيادة شرعية التيار االسالمي وانتشاره‬ ‫في الشارع العربي‪.‬‬ ‫لكن هل سينتهي التاريخ العربي باالسالم‬ ‫السياسي؟ بالتأكيد لن ينتهي هناك‪ .‬فالتيار‬ ‫االسالمي ميثل مرحلة وال ميثل نهاية‪ ،‬كما ميثل قوة‬ ‫ستلعب دورها في انهاء واقع النظام العربي كما‬ ‫نعرفه حتي االن‪ .‬فاالسالم السياسي قوة سياسية‬ ‫ستفرض على الدول ان تتعامل مع احلل الدميقراطي‬ ‫في نهاية املطاف‪ .‬فاملستقبل ومسار املنطقة العربية‬ ‫هو نحو االنفتاح الفكري والعقائدي وبناء السالم‬ ‫واحترام االقليات وفصل الدين عن الدولة وفصل‬ ‫احلقوق عن الدين واحترام احلريات‪ .‬فهذا االطار‬ ‫سيكون جزءا طبيعي ًا من كل بناء هادف للتنمية‬ ‫في ظل وعي االفراد بحقوقهم‪ .‬ولكن هذا ال يعني‬ ‫ان ال نرى ان هذه املرحلة التاريخية تتضمن ً‬ ‫دورا‬ ‫خاص ًا لالسالم السياسي في مشروع املقاومة‬ ‫واملعارضة وحترير االراضي احملتلة اضافة الى مشروع‬ ‫التنمية وبناء الدول‪ .‬ان االسالم السياسي جزء من‬ ‫التشكيلة السياسية واالجتماعية واالنسانية التي‬ ‫تتطلب حوارا وتعامال بناء‪ .‬رمبا عندما يصل االسالم‬ ‫السياسي بواسطة صناديق االقتراع للحكم في اكثر‬ ‫من بلد تكون بداية تعديله الطروحاته كما حصل في‬ ‫تركيا وكما قد يحصل في العراق وفي مواقع اخرى‪.‬‬ ‫ان الطريق فيه اكثر من مجرى مبا يساهم بعملية‬ ‫تغيير شاملة‬ ‫‪5‬‬


‫اإلسالم السياسي في لحظة الوالدة‬ ‫كان البنا أول من اعتبر مسألة‬ ‫السلطة مسألة عقدية ال‬ ‫اجتهادية وأنها من األصول ال‬ ‫من الفروع‬ ‫حركة األخوان المسلمين جاءت‬ ‫كجواب خاطئ على أزمة‬ ‫حقيقية يعاني منها وعي‬ ‫النخبة اإلسالمية‬ ‫تحولت “الشريعة” في وعي‬ ‫اإلسالميين إلى ما يشبه‬ ‫أيديولوجيا النخبة‪ ،‬التي لم‬ ‫تعد تقتصر مهمتها على‬ ‫إعادة الشريعة إلى السلطة‪،‬‬ ‫بل إلى إعادة اإلسالم إلى‬ ‫األمة‪ /‬الجمهور أيضًا انتشاله‬ ‫من(الجاهلية)‬

‫شمس الدين الكيالني‬ ‫صحيفة «املستقبل» البيروتية‬

‫‪6‬‬

‫لعل تصدع الدولة العثمانية في احلرب‬ ‫العاملية األولى‪ ،‬وتقسيم املشرق العربي وفرض‬ ‫االنتداب واحلماية الغربية عليه‪ ،‬ومن ثم إلغاء‬ ‫تركيا الكمالية ملؤسسة اخلالفة في‪ 13‬آذار‬ ‫عام‪ ،1924‬كان وراء انكماش اإلصالحية‬ ‫اإلسالمية بخطابها املنفتح على الثقافة‬ ‫األوروبية احلديثة‪ ،‬وعلى مفاهيم الدميقراطية‬ ‫والدولة الدستورية‪ ،‬وبروز أطروحات اإلسالميني‬ ‫اجلدد‪.‬‬ ‫فقد خ ّلف انهيار وتصدع اخلالفة فراغ ًا هائ ً‬ ‫ال‬ ‫على مستوى املرجعيات العليا‪ ،‬تأزم معه الفكر‬ ‫اإلصالحي اإلسالمي‪ ،‬وولد سلسلة من املراجعات‬ ‫الفكرية‪ ،‬انبثقت عنها احلركة اإلسالمية املعاصرة‬ ‫برهاناتها على بناء عاملية إسالمية ثانية‪،‬‬ ‫تستعيد بها النسق الشرعي للخالفة اإلسالمية‪.‬‬ ‫وقد عبر عن هذا التحول‪ ،‬على الصعيد النظري‪،‬‬ ‫رشيد رضا الذي جسده بكتابه (اخلالفة العظمى)‬ ‫بانتقاله إلى موضوعات السياسة الشرعية‪ ،‬كما‬ ‫ع ّبر عنه‪ ،‬على مستوى احلركة االجتماعية‪ ،‬جماعة‬ ‫األخوان املسلمني في مصر‪ ،‬التي تأسست في‬ ‫آذار‪1928‬م وهي اجلماعة األم ملعظم التيارات‬ ‫اإلسالمية واحلركية اإلسالمية‪ ،‬فكانت دعوتها‬ ‫إلى الدولة اإلسالمية‪ ،‬أو تطبيق الشريعة‪ ،‬مبثابة‬ ‫رجع بعيد لقيام اجلمهورية العلمانية الكمالية‪،‬‬ ‫ولبناء الدولة الوطنية‪ /‬القومية‪ .‬فأنفق الفكر‬ ‫اإلسالمي الكثير من طاقاته في محاولة‬ ‫استعادة صورة اخلالفة الضائعة بصيغتها‬ ‫القدمية‪ ،‬لهذا أتت الردود عنيفة من اإلسالميني‬ ‫على أطروحات (علي عبدالرازق) التي اعتبر‬ ‫فيها اخلالفة مؤسسة وضعية يعود تقرير أمرها‬ ‫إلى األمة‪ ،‬بينما انتهى اإلسالميون اجلدد‪،‬‬ ‫في توجهاتهم اجلديدة‪ ،‬إلى وضع (الشريعة)‬ ‫في مقدمة أطروحاتهم ومطالبهم‪ ،‬على حساب‬ ‫مرجعية األمة‪ ،‬بل في مواجهة األمة‪ ،‬وفي الوقت‬ ‫نفسه أعلوا من شأن (طليعة) األمة (الفتية‬ ‫الذين آمنوا بربهم)‪ ،‬أي النخبة املتمثلة بجماعة‬ ‫األخوان املسلمني‪ ،‬أو جماعة التكفير والهجرة‬ ‫في ما بعد‪ ،‬أو أمثالهم‪ ،‬ووضعوا هؤالء في‬ ‫مرتبة املؤمتنني على الشريعة واملمثلني احلقيقيني‬

‫لإلسالم وألمة املسلمني‪ ،‬مثلهم في ذلك مثل‬ ‫األحزاب الشيوعية في نظرتها إلى عالقتها‬ ‫التمثيلية مع الطبقة العاملة‪ ،‬أو مثل األحزاب‬ ‫القومية (العقائدية) في نظرتها إلى عالقتها‬ ‫باألمة‪.‬‬ ‫فأمام خشية اإلسالميني‪ ،‬في الثالثينات‬ ‫واألربعينات‪ ،‬على اجلمهور من التغريب‪ ،‬وعلى‬ ‫اإلسالم من هذا اجلمهور‪ ،‬نأوا باإلسالم عن‬ ‫(األمة) حينما لم يعودوا يأمتنون األمة‪ /‬اجلمهور‬ ‫على اإلسالم‪ ،‬ومتسكوا بالشريعة كمالذ له ولهم‪،‬‬ ‫حينها حتولت “الشريعة” في وعي اإلسالميني إلى‬ ‫ما يشبه أيديولوجيا النخبة‪ ،‬التي لم تعد تقتصر‬ ‫مهمتها على إعادة الشريعة إلى السلطة‪ ،‬بل‬ ‫إلى إعادة اإلسالم إلى األمة‪ /‬اجلمهور أيض ًا‪،‬‬ ‫وإلى انتشال هذا اجلمهور من(اجلاهلية)!‪.‬‬ ‫لذا فإن حركة األخوان املسلمني جاءت كجواب‬ ‫خاطئ على أزمة حقيقية يعاني منها وعي‬ ‫النخبة اإلسالمية‪ ،‬هذا اجلواب اخلاطئ أبعدها‬ ‫عن هاجس الدميقراطية‪ .‬غير أن حركة األخوان‬ ‫املسلمني غدت أهم احلركات اإلسالموية وأكثرها‬ ‫ً‬ ‫تأثيرا في انتشار وتأطير الفكر اإلحيائي على‬ ‫الصعيد العربي واإلسالمي‪ّ ،‬‬ ‫ركزت في بداياتها‬

‫على الطابع الدعوي والثقافي العام‪ ،‬وعلى‬ ‫املسائل الشعائرية والرمزية وقضايا الهوية‪،‬‬ ‫غير ان هذا لم مينع البنا من صياغة مفاهيم‬ ‫سياسية عامة تنبئ بالراديكالية السياسية‪،‬‬ ‫فعلى الرغم من أنه لم يعارض دستور‪،1923‬‬ ‫الليبرالي في مصر‪ ،‬فقد شدّ د على “ان اإلسالم‬ ‫ّ‬ ‫وبشر بالدولة اإلسالمية‪،‬‬ ‫مصحف وسيف‪،‬‬ ‫ووضع في مقدمة اهتماماته‪ ،‬إقامة “احلكومة‬ ‫اإلسالمية احلقيقية”‪ ،‬لتكون نواة أو نقطة‬ ‫انطالق للوصول بالتدريج وعبر مراحل متهيدية‬ ‫إلى دولة اخلالفة اجلامعة‪ .‬فصار قيام (الدولة‬ ‫اإلسالمية) التي تطبق الشريعة‪ ،‬لدى البنا‪،‬‬ ‫واجب ًا شرعي ًا وليس شأن ًا تدبيري ًا فرعي ًا اجتهادي ًا‬ ‫كما كان علية احلال عند الفقه السني على مر‬ ‫تاريخه‪ ،‬وعند الفقه الشيعي اإلخباري في زمن‬ ‫الغيبة‪ .‬وبذلك كان البنا أول من اعتبر مسألة‬ ‫السلطة‪ ،‬في املجال السني‪ ،‬مسألة عقدية ال‬


‫اجتهادية وأنها من األصول ال من الفروع‪.‬‬ ‫واحلال‪ ،‬اننا إذا عاينا املفاهيم اجلديدة التي‬ ‫أضافها البنا و(اإلخوان) جند‪ ،‬أن ما يقبع خلف‬ ‫تلك املفاهيم‪ ،‬هي حقيقة أن اإلسالميني باتوا‬ ‫يتصورون أن اإلسالم في خطر‪ ،‬ليس من الثقافة‬ ‫الغربية فقط بل من احلكام وأيض ًا من اجلمهور‪/‬‬ ‫األمة الذي أصبح ميا ًال للقوميني أو اليساريني‪،‬‬ ‫ولم يعد يؤمتن على اإلسالم‪ .‬لذا أرادت أن تفرض‬ ‫حمايتها له ولو بالقوة‪ ،‬فاجتهت استراتيجيتهم‬ ‫إلى استالم السلطة وتطبيق الشريعة وهذا معنى‬ ‫قول حسن البنا‪“ :‬اإلسالم دين ودولة ومصحف‬ ‫وسيف”‪.‬‬ ‫وعلى الرغم مما أظهره من حرص على التكيف‬ ‫مع الفكرة الدستورية التمثيلية‪ ،‬واالنتخابات‬ ‫البرملانية‪ ،‬فقد أدخلنا البنا بأطروحاته تلك في‬ ‫مجال فكري مبتدع ال يشبه اإلسالم في قرونه‬ ‫املاضية‪ ،‬يقوم على الدعوة ضمني ًا إلى‪ :‬استيالء‬ ‫نخبة إسالمية (اإلخوان املسلمني) على السلطة‬ ‫لتفعيل اإلسالم في املجتمع وإعادته إلى السلطة‬ ‫ولو بالقوة‪ ،‬وهو ما يغاير اإلسالم املتعارف عليه‪.‬‬ ‫فبينما كان إسالم املذاهب الفقهية املعروفة‪ ،‬يرى‬ ‫أن اجلماعة (اإلجماع)‪ ،‬هي أساس املشروعية‪،‬‬ ‫ومناط املرجعية‪ ،‬وحاضنه للنص والشريعة‬ ‫وشارح لهما‪ ،‬وبالتالي متلك سلطة املرجعية‪،‬‬ ‫نقل اإلسالميون اجلدد‪ ،‬مع البنا‪ ،‬العصمة إلى‬ ‫(الشريعة)‪ ،‬والناس ‪/‬اجلماعة بنظرهم قد هجروا‬ ‫اإلسالم‪ ،‬فقلبوا في مواقفهم تلك أطروحات‬ ‫الفقه التقليدي رأس ًا على عقب‪ ،‬ففي حني‬ ‫اعتبر أهل السنة الشأن السياسي شأن ًا تدبيري ًا‬ ‫فرعي ًا واجتهادي ًا‪ ،‬وليس شأن ًا عقائدي ًا‪ ،‬اعتبره‬ ‫ً‬ ‫جزءا من الدين‪ ،‬ال ألن احلاكم‬ ‫اإلسالميون‬ ‫مقدس‪ ،‬بل ألنه مكلف مبهمة مقدسة تتعلق‬ ‫بتطبيق شرع الله‪ ،‬ومتسكوا مبرجعية الشريعة في‬ ‫الشأن السياسي على حساب والية األمة على‬ ‫نفسها‪ .‬كما أنشأ البنا نفسه التنظيم السري‬ ‫(التنظيم اخلاص)‪ ،‬الذي قام بدوره بالعديد من‬ ‫االغتياالت‪ ،‬ودعا إلى حل األحزاب لدمجها في‬ ‫هيئة دينية واحدة‪ ،‬فمهد لسلطة احلزب الواحد‪.‬‬ ‫وهكذا مهد اإلسالميون في مرحلة البنا إلى‬ ‫بزوغ احلركة اإلسالمية التكفيرية‪ ،‬التي‬ ‫توجتها أطروحات سيد قطب عن الدولة الدينية‬ ‫الثيوقراطية‪ ،‬دولة احلاكمية املعصومة‪ ،‬لتدشن‬ ‫تلك األطروحات اللحظة الثانية في جتربة‬ ‫اإلسالم السياسي‪ ،‬التي ُأستبيحت فيها األرواح‬ ‫والنفوس والزرع والضرع!‬

‫"اسالميو السياسة" أم "سياسيو المسلمين"؟‬ ‫تنحو املؤسسات السياسية والصحفية في الغرب الى اطالق تسمية «االسالم السياسي»‬ ‫على اجملموعات «السلفية» و«االصولية» ودعاة العودة الى نظام «اخلالفة» االسالمية وكذلك اي‬ ‫منتج الي شكل من اشكال التوفيق بني متطلبات العصر وممكناته في العمل السياسي وبني‬ ‫ثوابت التراث والتجربة التاريخية للمسلمني‪.‬‬ ‫وبينما ميكن تفهم وصف ممارسة سياسية ما وصفا دينيا لغرض التعريف وحسب‪ ،‬فان‬ ‫االشكالية تبرز حني يتم اخللط بني «السياسيني املتدينني» و«سياسيي االحزاب االسالمية»‪.‬‬ ‫وتكمن االشكالية هنا في ان املمارسات اخلاطئة والسلبية لسياسيي االحزاب االسالمية‬ ‫تنعكس على تعريف العالقة بني الفرد واجملتمع من جهة وبني املكون الديني بالغ االهمية‬ ‫واحلساسية في صيرورة االنسان ومسار الشعوب‪ ،‬من جهة اخرى‪.‬‬ ‫بعبارة اخرى‪ ،‬يتم حصر «الدين» في زاوية «الصراع على النفوذ ومصادر القوة» في التجربة‬ ‫االنسانية‪ ،‬وهو صراع طبيعي يشهده اي اجتماع بشري بدءا من االسرة‪ .‬وميكن قراءته في ضوء‬ ‫علم االجتماع احلديث ومقوالته‪ ،‬اخلاضع بدوره للمراجعة والتطوير باستمرار‪.‬‬ ‫وهذا االبتسار اخملل يقوم به اجلانبان‪ ،‬اجلانب الذي يوظف ما للدين من سلطة على الوجدان‬ ‫الفردي واجلمعي لتحقيق تفوق في لعبة الصراع على النفوذ والقوة‪ ،‬واجلانب الذي يحاكم او‬ ‫يحاول ان يلغي اي دور للمكون الديني في حياة الفرد واجلماعة بناء على اخللط بني النسبي‬ ‫(التجربة البشرية) واملطلق (الوحي) ودوره في تشكيل وعي اعلى لالنسان الى جانب العقل‪.‬‬ ‫كال الطرحني يساهم في تشويه الوعي واعاقة العقل‪ ،‬وفي حالة «االحزاب االسالمية» ثمة‬ ‫خطل بنيوي يكمن في التعريف‪ ،‬فما يكرسه «التحزب السياسي» اساسا هو االجتماع على‬ ‫رؤية واسلوب في العمل السياسي محدد ومتعني ال يشمل باي حال «الناس كافة» وال ميكن له‬ ‫ذلك النه نتاج اجتهاد بشري نسبي وغير مطلق‪ ،‬فضالً عن كونه محكوما بعاملي الزمان واملكان‪.‬‬ ‫بينما حتيل كلمة «االسالمي» الى العالقة مع الدين او الديانة بشكل عام‪ .‬وقد يكون مفهوما‬ ‫مثال ان تتم االحالة الى االنتماء الثقافي او اجلغرافي او حتى الفكري لدى االحزاب كما هو احلال مع‬ ‫«احلزب الشيوعي» على سبيل املثال الذي تظلله فلسفة معينة ورؤية كونية ومنظومة قيمية‬ ‫محددة وواضحة جتعل باالمكان مساءلة جتربته في ضوئها‪ .‬لكن هذا ال ينطبق على االحالة الى‬ ‫«الدين» بحكم وجود عامل «الوحي» الذي يتجاوز االنساني النسبي الى االلهي املطلق ما يخرجه‬ ‫من نطاق التحديد بالزمان واملكان ويجعل من املتعسر مساءلة جتربته الرتباطها باملقدس‪.‬‬ ‫ناهيك عن ان عالقة االنسان بالنص املقدس او الوحي‪ ،‬شابها الكثير من التشويه وسوء‬ ‫الفهم وتاثرت باهواء السالطني واحلكام‪ ،‬وهي بشكل طبيعي تخضع الجتهادات البشر واحوال‬ ‫اجملتمعات من تقدم او تخلف‪.‬‬ ‫لكن هذا ال يقترح باي حال‪ ،‬التجاهل الساذج الثر النص املقدس على تشكيل امناط التفكير‬ ‫والسلوك عند املؤمنني به‪ ،‬بل في الواقع يعيدنا الى نقطة البدء حيث التفريق بني «املتدين» مبا‬ ‫يعنيه من التزام وممارسة فردية الثار هذه العالقة مع الوحي (او حتى التجربة الدينية كاملة) وبني‬ ‫«االسالموي» مبا يعنيه من انتساب حزبي الى حركة سياسية التزمت اجتهادا انسانيا حول رؤية‬ ‫الدين (في الغالب من وجهة نظر مذهبية ‪ /‬فئوية معينة) الى نظم حكم الناس وبناء الدول‬ ‫واجملتمعات‪.‬‬ ‫رمبا ما ميكن اقتراحه هنا هو حترير النص املقدس من اشتراطات الزمان واملكان والقراءات‬ ‫التعسفية الضيقة‪ ،‬وحترير العقل االنساني من اشتراطات الوسطاء في عالقته مع النص‬ ‫املقدس‪ .‬وااللتفات الى اجتراح صيغ عملية ملا «ينفع الناس» من اشكال تنظم عالقاتهم وتضمن‬ ‫مصاحلهم تكون خاضعة لالدوات املعرفية والتقنية لزمانها ومكانها ويرفدها «النص املقدس»‬ ‫برؤية كونية ومنظومة قيمية حتكم االفراد قبل اجلماعة في تعاملهم مع االنسان وحياته على‬ ‫االرض‪.‬‬

‫هاجر القحطاني‬

‫‪Hajar@islam21.net‬‬ ‫‪7‬‬


‫اإلسالم السياسي‪ :‬مأزق الثنائيات (النص والعقل)‬ ‫التيارات االسالمية ما زالت عاجزة‬ ‫عن الظهور بمقاربة معرفية‬ ‫بين بنيتها الدينية وضرورات‬ ‫الدولة المدنية‬ ‫االحزاب الدينية تمتلك نخبًا‬ ‫سياسية لكنها ال تمتلك نخبا‬ ‫ثقافية قادرة على البحث عن‬ ‫الحلول المعرفية للتناقضات‬ ‫هل تمكن االسالم السياسي‬ ‫خالل انتقاله من المعارضة‬ ‫الى السلطة من التعاطي‬ ‫مع الثنائيات الضاغطة بشكل‬ ‫معقول‪ ،‬ونجح بإعادة بناء‬ ‫ذاته بعيدًا عن الخطاب‬ ‫االيديولوجي؟‬

‫عمار السواد‬ ‫صحيفة «الصباح» البغدادية‬

‫‪8‬‬

‫تنبع اغلب حتديات االسالم السياسي‬ ‫في العالم من طريقة التعاطي مع ثنائيات‬ ‫النص والعقل‪ ،‬التراث واحلداثة‪ ،‬سلطة الله‬ ‫املطلقة وسلطة الشعب غير املكتسبة‪ ،‬اخلالفة‬ ‫والدميقراطية‪ ،‬االنفتاح واالنغالق‪.‬‬ ‫ورغم محاولة الكثير من رواد التوفيقية‬ ‫االسالمية رفع التقاطع بني طرفي هذه الثنائيات‪،‬‬ ‫والسعي للوصول الى رؤية متوازنة تفي مبتطلبات‬ ‫املعاصرة واملاضي‪ ،‬رغم ذلك لم يستطع االسالم‬ ‫السياسي بتياراته املختلفة ايجاد صيغة توازن‬ ‫حقيقية ومناسبة وسليمة‪ .‬وحتى وقت قريب‬ ‫كانت القوى االسالمية في مصر والسعودية‬ ‫وايران والعراق والشام وباكستان تتعامل مع‬ ‫الدميقراطية واحلداثة وسلطة الشعب والعقل مبنطق‬ ‫ينطوي على اخلشية والريبة ليصل في بعض‬ ‫االحيان ولدى بعض القوى الى مستوى املساواة‬ ‫بني تلك القضايا والكفر‪ .‬وهذا ال يعني ان اليات‬ ‫تعاطي االسالم السياسي مع الثنائيات واحدة‬ ‫ومتشابهة‪ ،‬بل هناك اختالفات في طبيعة الرؤية‬ ‫ومساراتها بني تيار واخر ومن بلد الى اخر‪ .‬فحركة‬ ‫االخوان املسلمني في مصر مرت بتغييرات في‬ ‫الية التفكير‪ ،‬وانتقل االخوان من مرحلة القطيعة‬ ‫الكاملة مع مؤسسات الدولة الى مرحلة تركيز‬ ‫املعارضة للسلطة احلاكمة من خالل املشاركة‬ ‫مبؤسسات الدولة‪ ،‬في حني ان االسالم السياسي‬ ‫السعودي بقي يؤسس لسلفيته وانتقلت بعض‬ ‫فصائله من التحالف مع سلطة العشيرة الى‬ ‫التصدي لها واتهامها بالوالء للكافر‪ .‬ويشهد‬ ‫منطق التيار االسالمي في ايران تغييرات مستمرة‬ ‫يفرضها الشعور العارم لدى النخب والكثير من‬ ‫الشرائح الشعبية باحلاجة امللحة للتغيير‪ ،‬ولذلك‬ ‫انتقلت ايران من مرحلة وحدة الرؤية الدينية‬ ‫للدولة في ثمانينيات القرن املاضي الى ثنائية‬ ‫االصالحيني واحملافظني‪ .‬وتعتبر التجربة التركية‬ ‫هي االكثر مرونة في التعاطي مع االخر الثقافي‪.‬‬ ‫ولكن تبقى االزمة حاضرة‪ ،‬رغم سعة التغييرات‬ ‫وعمقها‪ ،‬فباستثناء تركيا‪ ،‬لم يتمكن اي من‬ ‫التيارات االسالمية املعاصرة من التوصل الى‬

‫حل معرفي ملأزق الثنائيات الضاغطة‪ ،‬حتى‬ ‫االسالم التركي لم يتمكن من التوصل الى حل‬ ‫معرفي حقيقي‪ ،‬بل انه قفز عليه‪ ،‬مختارا طريق‬ ‫السكوت عن التناقضات ليتعايش بطريقة واخرى‬ ‫معها رغم انها تناقضات‪ .‬ولهذا جند ان تركيا‬ ‫تشهد بني الفينة واالخرى مأزقا بني علمانية‬ ‫الدولة واسالمية االحزاب احلاكمة‪ ،‬وينتهي املأزق‬ ‫باقصاء االسالميني‪.‬‬ ‫في العراق‪ ،‬لم تعش التيارات االسالمية‪،‬‬ ‫لغاية التغيير‪ ،‬مأزق الثنائية بالشكل الذي‬ ‫عاشته تيارات اسالمية اخرى‪ ،‬وذلك بسبب‬ ‫انها انقطعت من االرض والواقع الذي تنتمي‬ ‫اليه‪ ،‬وبقيت تعيش في فضاء املعارضة دون‬ ‫القدرة على املساس باالرض والهبوط اليها‪،‬‬ ‫طبعا السبب الرئيس هو ان النظام السابق قطع‬ ‫اغلب خيوط التواصل بينها وبني قواعدها‪.‬‬ ‫وعندما تقطع خيوط التواصل تصبح االحزاب‬ ‫بعيدة عن تناقضات الواقع‪ .‬وايضا ان االحزاب‬ ‫السياسية العراقية كانت تعارض نظاما مستبدا‬ ‫دكتاتوريا‪ ،‬فتمكنت من توحيد جهودها مع‬ ‫املعارضة غير االسالمية في هذا االجتاه‪ .‬وبقي‬ ‫التيار االسالمي يعيش بعيدا عن ثنائية املعاصرة‬ ‫واملاضي‪ ،‬وبقيت ايديولوجيته سليمة من الكثير‬ ‫من حتديات املعاصرة‪ ،‬مستحضرا النص في‬ ‫طرق تفكيره واليات عمله‪ ،‬ضمن خالفات بني‬ ‫اطرافه حول تفسير النص املقدس بني طرف مؤيد‬ ‫لوالية الفقيه واخر معارض لها‪ ،‬لكن ماذا عن‬ ‫املرحلة الالحقة للتغيير‪ ،‬اي عندما انتقل االسالم‬ ‫السياسي من املعارضة الى السلطة؟ هل متكن‬ ‫هذا التيار من التعاطي مع الثنائيات الضاغطة‬ ‫بشكل معقول؟ وهل جنح باعادة بناء ذاته بعيدا‬ ‫عن اخلطاب والبرامج االيديولوجية السابقة؟ وقبل‬ ‫اخلوض في االجابات هناك قضيتان اساسيتان‬ ‫ينبغي فهمهما‪:‬‬ ‫اوال‪ :‬ان التغيير في العراق‪ ،‬وعملية بناء‬ ‫دولة ما بعد صدام قامت بفعل ارادة اميركية‬ ‫غلفت بغطاء بناء الدميقراطية في العراق باجتاه‬ ‫التأسيس لتجربة نوعية ميكن تعميمها على‬


‫الشرق االوسط‪.‬‬ ‫فلم يكن امام اي من اطراف املعارضة‬ ‫السابقة‪ ،‬االسالمية او العلمانية‪ ،‬خيارات‬ ‫متعددة سوى التماشي مع بعض مقوالت‬ ‫املعاصرة مثل الدميقراطية‪.‬‬ ‫ثانيا‪ :‬ان الواقع الشعبي كان‪ ،‬الى ما قبل‬ ‫عام‪ ،‬مطبوعا بالتدين العام‪ ،‬السباب كثيرة‪ ،‬ال‬ ‫يسعنا احلديث عنها هنا‪ .‬لذلك فان التيارات‬ ‫االسالمية وجدت نفسها امام وضعني‪ ،‬احدهما‬ ‫يدفع نحو املعاصرة‪ ،‬وهو الوجود االميركي القوي‪،‬‬ ‫واالخر يدفع باجتاه التمسك بخيار االيديولوجيا‬ ‫الدينية‪ ،‬وهو الواقع الشعبي ذو االكثرية املتدينة‬ ‫واملقاد من قبل املرجعية‪ ،‬سواء مرجعية السيد‬ ‫السيستاني‪ ،‬او مرجعية الشهيد محمد الصدر‬ ‫مبقوالتها املتغلغلة في وجدان الطبقة الفقيرة‬ ‫من الشيعة‪ .‬وهنا برزت الثنائية بشكل حاد‪،‬‬ ‫فرضت نفسها على تيارات االسالم السياسي‪،‬‬ ‫فهي متتلك قاعدة شعبية دافعة‪ ،‬ولكنها تواجه‬ ‫قوة تدفع باجتاه دولة مدنية معاصرة قائمة‬ ‫على اسس علمانية دميقراطية‪ .‬ورغم مرور اربع‬ ‫جتارب مهمة في عملية بناء النظام السياسي‬ ‫في العراق وهي جتارب (مجلس احلكم‪ ،‬احلكومة‬ ‫املؤقتة‪ ،‬اجلمعية االنتقالية‪ ،‬البرملان الدائم)‪،‬‬ ‫فان التيارات االسالمية ما زالت عاجزة عن‬ ‫الظهور مبقاربة معرفية توائم بني بنيتها الدينية‬ ‫وضرورات الدولة املدنية‪ .‬فهي تسعى للتمسك‬ ‫بطرفي الثنائية بدون وضع اسس معرفية حتدد‬ ‫االوليات وتكشف عن حجم التوائم بني طرفي‬ ‫املعادلة الثنائية في العراق‪ .‬وما ورد في‬ ‫الدستور يعبر عن حالة من الفوضى في التعامل‬ ‫مع املقوالت‪ ،‬فالدستور ينص على منع تشريع‬ ‫اي قانون او اصدار اي قرار يتعارض مع ثابت‬ ‫من ثوابت الشريعة‪ ،‬وفي الوقت ذاته ينص على‬ ‫منع اصدار اي قانون وقرار يتعارض مع حقوق‬ ‫االنسان واحلريات املدنية في البالد‪ .‬هذه املادة‬ ‫الدستورية تعبر عن التخبط في التعامل مع‬ ‫ثنائية احلداثة والتراث‪ ،‬فاالسالميون قفزوا على‬ ‫حاالت التقاطع التي قد حتدث في املستقبل‬ ‫بني الثوابت الدينية واحلريات املدنية وحقوق‬ ‫االنسان‪.‬‬ ‫والتقاطعات بني ثنائيتي الثوابت واحلريات‬ ‫ال ميكن حلها عبر هذا النص الدستوري‪ ،‬النه قفز‬ ‫عليها‪ ،‬واجتازها‪.‬‬ ‫واي حل ال بد وان يستند الى اعادة صياغة‬

‫معرفية خلطاب وبرامج القوى االسالمية في‬ ‫العراق‪ .‬منوذج اخر من التخبط‪ ،‬هو ما طرحه‬ ‫حزب الفضيلة ومرجعيته الدينية‪ ،‬عندما‬ ‫عارضوا استخدام الرموز الدينية في االنتخابات‬ ‫واصدرت املرجعية الدينية للحزب بيانا استنكرت‬ ‫فيه استخدام الرموز الدينية‪ ،‬ولكنها في البيان‬ ‫ذاته اكدت على ان املرجعية الدينية والسياسية‬ ‫متحدة وال ميكن فصلهما‪ .‬منوذج ثالث‬ ‫للتناقضات وعدم القدرة على بناء رؤية رصينة‬ ‫توائم بني الثنائيات‪ ،‬يكمن في اسالمية احلزب‬ ‫االسالمي واندفاعاته باجتاه الشعارات القومية‪،‬‬ ‫فهذا احلزب يؤمن باالسالم كايديولوجيا‪ ،‬ولكنه‬ ‫يناقض نفسه بالرؤية القومية التي تدفعه باجتاه‬ ‫التقارب مع العرب على حساب االخرين‪.‬‬ ‫ويعاني احلزب االسالمي من تناقض اخر هو‬ ‫ذاك القائم بني ثابت مشروعية املقاومة املسلحة‬ ‫الذي يؤمن به ومنبعه الشرعي هو مقاتلة احلاكم‬ ‫الكافر‪ ،‬وبني االنخراط في املؤسسات التي‬ ‫يحميها االحتالل الكافر‪ .‬منوذج رابع يكمن في‬ ‫العالقة بني املرجعية الدينية والدولة في خطاب‬ ‫املجلس االعلى االسالمي‪ ،‬فلم يقدم لنا املجلس‬ ‫االعلى حتى االن صيغة معرفية مناسبة لتلك‬ ‫العالقة بني ثنائيتي الدولة املدنية ودور املؤسسة‬ ‫الدينية‪ .‬منوذج اخر يكمن في عجز حزب الدعوة‬ ‫عن تقدمي مشروع كامل يبرر معرفيا ما يطرحه‬ ‫رئيس احلزب باعتباره رئيسا للوزراء من مواقف‬ ‫تقترب من عملية بناء الدولة املدنية مع ان احلزب‬ ‫لم يستطع ان يوضح مديات ايديولوجيته الدينية‬ ‫في برنامج سياسي واضح وصريح‪ .‬هذه النماذج‬ ‫وسواها‪ ،‬متثل مستوى التناقض في بناء العالقة‬ ‫مع الثنائيات القائمة‪ ،‬وهذا التناقض ال يرفع‬ ‫بالطريقة التركية القائمة على اساس القفز على‬ ‫وضع احللول االولية‪ ،‬وليس بالنموذج االيراني‬ ‫القائم على اساس التمسك بصناديق االقتراع‬ ‫حتت رقابة الولي الفقيه‪ ،‬وال بالنموذج السعودي‬ ‫القائم على اساس التعامل مبنطق السلفية مع‬ ‫احلياة املعاصرة‪ .‬امنا يحتاج الى وضع اسس‬ ‫معرفية جديدة تضعها النخب الثقافية انطالقا‬ ‫من استحقاقات وتراكمات الزمان واملكان‪.‬‬ ‫خصوصا وان االغلبية املتدينة التي كانت‬ ‫موجودة بعد التغيير ما عادت قائمة بنفس‬ ‫قوتها وحجمهما‪ .‬ولكن هذه االحزاب متتلك نخب ًا‬ ‫سياسية ولكنها ال متتلك نخبا ثقافية قادرة على‬ ‫البحث عن احللول املعرفية للتناقضات‬

‫حتى وقت قريب كانت‬ ‫بعض القوى االسالمية‬ ‫تتعامل مع الديمقراطية‬ ‫والحداثة بمنطق ينطوي‬ ‫على الخشية والريبة ليصل‬ ‫في بعض االحيان الى‬ ‫مستوى المساواة بين تلك‬ ‫القضايا والكفر‬ ‫يحتاج االسالم السياسي‬ ‫الى وضع اسس‬ ‫معرفية جديدة تضعها‬ ‫النخب الثقافية انطالقا‬ ‫من استحقاقات‬ ‫وتراكمات الزمان‬ ‫والمكان‪ .‬خصوصا‬ ‫وان االغلبية المتدينة‬ ‫التي كانت موجودة‬ ‫بعد التغيير ما عادت‬ ‫قائمة بنفس قوتها‬ ‫وحجمهما‬

‫‪9‬‬


‫‪( ‬اإلسالم السياسي)‪ :‬أهي مرحلة األفول؟‬ ‫ليس ممكنا بناء سيناريوهات‬ ‫لمستقبل الحركات اإلسالمية‬ ‫بناء على نتائج االنتخابات في‬ ‫العالم العرب‪ ،‬فهي ال تكفي‬ ‫لتقدير وزن ظاهرة هي في‬ ‫جوهرها أقرب إلى حركة‬ ‫اجتماعية قاعدية منها إلى‬ ‫تيار سياسي‬ ‫الحركات اإلسالمية المعتدلة‬ ‫تستمد نفوذها من دورها‬ ‫المجتمعي‪ ،‬فاألرجح أن شيئا‬ ‫من اإلصالح السياسي يمكن‬ ‫أن يحد من هذا النفوذ‬

‫د‪ .‬وحيد عبد المجيد‬ ‫صحيفة «اوان» الكويتية‬

‫‪10‬‬

‫ما زالت احلركات اإلسالمية األصولية حتظى‬ ‫مبساحة كبيرة من االهتمام اإلعالمي واألكادميي‬ ‫والسياسي في بالدنا العربية‪ ،‬كما في غير قليل‬ ‫من الدول الغربية‪ .‬حضورها ظاهر في الكتب‬ ‫والدراسات والتقارير التي تصدر عنها‪ ،‬كما‬ ‫في تغطية أخبارها ونشاطاتها في وسائل إعالم‬ ‫مختلفة‪.‬‬ ‫ويظهر هذا «املزاج» اجلديد في كتابات‬ ‫وتغطيات إعالمية وحوارات في وسائل إعالم‬ ‫ومراكز أبحاث عربية وغربية على حد سواء‪.‬‬ ‫مجلة «االيكونومست» البريطانية ب َّشرت في احد‬ ‫اعدادها االخيرة بتراجع «اإلسالم السياسي» في‬ ‫مصر‪ .‬ولكنها قصدت احلركات األكثر تطرفا‪ ،‬فيما‬ ‫رأت أن دور املعتدلني ازداد‪ .‬وهي خلطت‪ ،‬بذلك‪،‬‬ ‫بني «اإلسالم السياسي» الذي يشير إلى من ُيطلق‬ ‫عليهم معتدلون‪ ،‬و«اإلسالم السلفي اجلهادي»‬ ‫الذي يعتبر مرجعية املتطرفني‪.‬‬ ‫غير أنه‪ ،‬وبعيدا عن هذا اخللط‪ ،‬يبدو االعتقاد‬ ‫في تراجع احلركات اإلسالمية في مجملها آخذا في‬ ‫االنتشار‪ .‬وقد زادت نتائج االنتخابات النيابية‪،‬‬ ‫التي ٌُأجريت أخيرا في لبنان والكويت بصفة خاصة‪،‬‬ ‫االقتناع بذلك‪ .‬وزودت أصحاب هذا الرأي مبا‬ ‫يعتبرونه حجة واقعية‪ ،‬فقد تراجع اإلسالميون في‬ ‫االنتخابات الكويتية‪ ،‬وعجز حزب الله وحلفاؤه عن‬ ‫انتزاع األغلبية في االنتخابات اللبنانية‪ ،‬ويتوقع‬ ‫أصحاب هذا الرأي تراجع اإلسالميني في بالد‬ ‫أخرى في الفترة القادمة‪.‬‬ ‫ولكن هذا التوقع يبدو متعجال‪ ،‬ألنه يقوم على‬ ‫قراءة مختلف عليها لواقع احلركات اإلسالمية‪،‬‬ ‫فهذه القراءة التي جتزم بتراجع اإلسالميني‪ ،‬أو‬ ‫ترجح ذلك‪ ،‬حتتاج إلى مراجعة ألن الدليل‬ ‫حتى ّ‬ ‫التجريبي الرئيسي الذي تعتمد عليه هو بطابعه‬ ‫متغير‪ ،‬فنتائج االنتخابات‪ ،‬أي انتخابات‪،‬‬ ‫تعطي مؤشرا يتعلق باملدى القصير أو املتوسط‬ ‫على األكثر‪ ،‬كما أن هذا املؤشر يصعب االعتماد‬ ‫عليه في معظم بالدنا العربية لصعوبة االطمئنان‬ ‫إلى أن نتائج االنتخابات فيها تعبر عن االختيار‬ ‫الشعبي‪ ،‬فاالنتخابات في لبنان والكويت تعتبر‬

‫استثناء بشكل ما في هذا السياق‪ ،‬ولذلك ميكن‬ ‫اعتبار نتائجهما مؤشرا ذا داللة‪ ،‬بخالف احلال‬ ‫مثال في االنتخابات التونسية التي س ُتجرى بعد‬ ‫شهور‪.‬‬ ‫فليس ممكنا بناء سيناريوات ملستقبل احلركات‬ ‫اإلسالمية أو غيرها بناء على نتائج االنتخابات‬ ‫في العالم العربي‪ ،‬وحتى إذا كانت هذه االنتخابات‬ ‫أفضل حاال‪ ،‬فهي ال تكفي لتقدير وزن ظاهرة هي‬ ‫في جوهرها أقرب إلى حركة اجتماعية قاعدية منها‬ ‫إلى تيار سياسي‪.‬‬ ‫فقد تغلغلت احلركات اإلسالمية األصولية‬ ‫املعتدلة في املجتمعات العربية اعتمادا على‬ ‫عمل اجتماعي قاعدي‪ grassroats ‬في املقام‬ ‫األول‪ ،‬ولم يكن عملها السياسي إال رأس جبل‬ ‫اجلليد الظاهر‪ ،‬أما اجلبل نفسه فقد يكون عبر‬ ‫تراكم العمل االجتماعي‪ ،‬اخلدماتي‪ ،‬الدعوي‬ ‫في املجتمع‪ ،‬وخصوصا في أوساط شرائح الدنيا‬ ‫والوسطى‪.‬‬ ‫وهذه «بضاعة» ال ميكن أن تكسد في البالد‬ ‫التي تعجز الدولة فيها عن تقدمي املقدار الضروري‬ ‫من الرعاية االجتماعية‪ ،‬أو ال تضع ذلك ضمن‬ ‫أولوياتها‪ ،‬إما خلطأ في سياسة حكومتها‪ ،‬وإما ألن‬ ‫هذه السياسة منحازة إلى فئات اجتماعية أعلى‪.‬‬ ‫ولذلك فعندما يؤكد بعض املبشرين بتراجع‬ ‫احلركات اإلسالمية أو أفولها‪ ،‬يبدو هذا‬ ‫التقدير أقرب إلى التفكير الرغبوي‪wishful ‬‬ ‫‪ thinking‬منه إلى قراءة دقيقة للواقع‪ .‬فكساد‬ ‫بضاعة ما‪ ،‬أي تراجع الطلب عليها‪ ،‬يحدث حني‬ ‫يجتذب غيرها هذا الطلب‪ ،‬ولكي يحدث مثل ذلك‬ ‫في البالد العربية التي يرتفع فيها معدل الفقر‬ ‫والتهميش‪ ،‬ينبغي أن تتبنى حكوماتها سياسة‬ ‫اجتماعية أكثر انحيازا إلى الفئات األضعف‪.‬‬ ‫وبالرغم من أن احلركات اإلسالمية املعتدلة‬ ‫تستمد نفوذها من دورها املجتمعي‪ ،‬فاألرجح أن‬ ‫شيئا من اإلصالح السياسي ميكن أن يحد من هذا‬ ‫النفوذ‪ ،‬فبعض هذه احلركات يكتسب تعاطفا من‬ ‫جراء احلصار السياسي املفروض عليها‪ ،‬واملالحقة‬ ‫التي يتعرض لها بعض أعضائها‪ ،‬فتبدو كما لو‬


‫أنها مضطهدة‪ ،‬وهذا فضال عن أن وضعها حتت ضغط‬ ‫أمني مستمر يساعدها على التماسك ويكتم اخلالفات‬ ‫في داخلها‪ ،‬إذ يصبح االنغماس في أي خالف في‬ ‫مثل هذا الظرف نوعا من الترف‪ ،‬ولذلك يصعب‬ ‫تصور أن يحدث في جماعة «اإلخوان املسلمني» في‬ ‫مصر مثال انشقاق كبير من النوع الذي ضرب حركة‬ ‫مجتمع السلم (حمس) اجلزائرية منذ مؤمترها العام‬ ‫الرابع في العام املاضي‪ ،‬وبلغ ذروة جديدة في األسابيع‬ ‫األخيرة‪.‬‬ ‫فقد وفر انفتاح نظام احلكم على هذه احلركة‪ ،‬التي‬ ‫متثل امتدادا لتيار «اإلخوان املسلمني»‪ ،‬أجواء طبيعية‬ ‫عملت فيها منذ تأسيسها في العام ‪ .1991‬وفي هذه‬ ‫األجواء‪ ،‬تنامى اجلانب السياسي في نشاطها فلم تعد‬ ‫حركة دعوية ـ اجتماعية باألساس‪ .‬وأصبح لها برنامج‬ ‫سياسي بدا أكثر عصرية بعد تعديله عندما غيرت‬ ‫اسمها من «حركة املجتمع اإلسالمي» إلى «حركة‬ ‫مجتمع السلم» في العام ‪.1998‬‬ ‫وألن اخلالف بني الناس هو من طبائع األمور‪،‬‬ ‫فال ميكن أن تخلو جماعة «طبيعية» من تباينات‬ ‫في داخلها‪ ،‬وهذا هو ما يحدث في كثير من األحزاب‬ ‫واحلركات السياسية‪ ،‬وفي بعضها تتفاقم اخلالفات‬ ‫ً‬ ‫أخيرا‪.‬‬ ‫كما حدث في حركة «حمس»‬ ‫ولذلك فليس مستحي ًال أن يتراجع «اإلسالم‬ ‫السياسي»‪ ،‬ولكن هذا مرهون بتغيير الظروف‬ ‫االجتماعية ـ السياسية التي أدت إلى انتشاره‪،‬‬ ‫وخصوص ًا إذا أدت سياسة أوباما جتاه العالم اإلسالمي‬ ‫إلى مصاحلة حقيقية‪.‬‬ ‫فإلى جانب العوامل الداخلية التي تغذى‬ ‫«اإلسالم السياسي» عليها‪ ،‬ساهم الغضب من‬ ‫السياسة األميركية في دعم نفوذ حركات إسالمية‬ ‫جنحت في استثمار هذا الغضب الذي بلغ أوجه في‬ ‫عهد اإلدارتني السابقتني‪.‬‬ ‫وقد بدأ أوباما في حتسني صورة أميركا عبر خطابه‬ ‫التصاحلي‪ ،‬ولكن اخلطاب ال يكفي ما لم يقترن بتغيير‬ ‫ملموس في اجتاهات السياسة األميركية جتاه قضية‬ ‫فلسطني بصفة خاصة‪ .‬صحيح أن العالم اإلسالمي‬ ‫أنصت إلى خطاب أوباما من القاهرة في ‪ 4‬يونيو ـ‬ ‫متوز املاضي‪ ،‬ولم يلتفت إلى شريط أسامة بن الدن‬ ‫الصوتي الذي مت بثه في الوقت نفسه تقريبا‪.‬‬ ‫ولكن هذا ليس دلي ًال حتى اآلن على تراجع‬ ‫اإلسالميني‪ ،‬بخالف ما ذهب إليه توماس فريدمان‬ ‫في «نيويورك تاميز» قبل مدة قصيرة‪ ،‬وإمنا هو مؤشر‬ ‫إلى إمكان أن يؤدي تغيير حقيقي في السياسة‬ ‫األميركية‪ ،‬حني يحدث‪ ،‬إلى مثل هذا التراجع‬

‫"إسالمات" سياسية‬ ‫شاع تعبير اإلسالم السياسي ‪ L’islam politique‬في أواخر ثمانينيات القرن املاضي‪ ،‬في‬ ‫دراسات غربية وعربية تتناول التنظيمات السياسية‪ ،‬أو التيارات اإلسالمية اإليديولوجية‪،‬‬ ‫التي تزعم السعي إلى إقامة دولة قوا َم حكمها مبادئ اإلسالم وتعاليمه‪ ،‬سواء في مستوى‬ ‫بلد معني أو في مستوى “األمة”‪ ،‬ذلك الكيان اليوتوبي‪ .‬إال أن بعض الكتاب الغربيني‪،‬‬ ‫الفرنسيني بخاصة‪ ،‬يبدون أنهم يؤثرون تعبير “اإلسالموية ‪ ،”islamisme‬الذي حتف به‬ ‫داللة الـ”عنف‪ ”،‬ويشدد على الصفة السياسية لدى تلك التنظيمات واحلركات أكثر من‬ ‫تشديدها على مظهرها الديني اخلالص‪.‬‬ ‫لكن إذا كانت التنظيمات التي متارس نشاطا سياسيا‪ ،‬وتتشكل بنيتها التنظيمية‬ ‫على صورة األحزاب احلديثة‪ ،‬وترفع في الوقت نفسه شعار اإلسالم دين ودولة‪ ،‬توضع كلها‬ ‫حتت مسمى “اإلسالم السياسي”‪ ،‬إال إنها ال تتشابه مع بعضها البعض في جتاربها‪ .‬فمراحل‬ ‫حتول حزب “الرفاه” التركي‪ ،‬الذي تأسس في العام ‪ 1970‬باسم “ملي نزام”‪ ،‬ثم صار “ملي‬ ‫سالمت”‪ ،‬بعد أن حظر مرات عدة‪ ،‬ال تشبه حتوالت “اإلخوان” الفكرية والتنظيمية في مصر‪،‬‬ ‫بخاصة بعد ما تعرض له من حمالت قمع بعد العام ‪ ،1954‬وانشقاقاته وما حث عليه من‬ ‫تشكيل تنظيمات أخرى‪ ،‬كـ”اجلهاد” التي ال جتد غير االنقالب اجملتمعي والسياسي سبيال‬ ‫إلصالح مصر‪ .‬كما أن جتربة اإلسالميني‪ ،‬اإلخوان‪ ،‬في العملية السياسية في األردن ال تشبه‬ ‫جتربة “اجلبهة اإلسالمية لإلنقاذ” في العملية السياسية في اجلزائر‪ .‬وهذه التجارب تختلف‬ ‫عما شهدته وتشهده “جماعتي إسالمي” الباكستانية‪ .‬وجتارب هؤالء ـ وهم مسلمون‬ ‫سنة ـ ال تتفق مع جتارب وتوجهات أحزاب إسالم سياسي شيعية‪ ،‬كالتي في العراق وإيران‬ ‫ولبنان‪ ،‬بخاصة‪.‬‬ ‫هذه تنظيمات إسالم سياسي حزبية‪ .‬وهناك حركات إسالم سياسي‪ ،‬يطلق عليها‬ ‫في األدبيات الغربية “تنظيمات جهادية”‪ ،‬أي عنيفة أو تتوسل العنف لبلوغ غاياتها أو‬ ‫فرض وجودها‪ ،‬تختلف‪ ،‬بدورها‪ ،‬عن تلك التنظيمات احلزبية في طبيعة بناها التنظيمية‬ ‫ووسائلها وأهدافها‪ ،‬وقد ظهرت على املسرح العاملي بشدة بعد اعتداءات احلادي عشر من‬ ‫سبتمبر‪ ،‬وراحت تتوالد‪ ،‬كالقاعدة في بالد الشام‪ ،‬والقاعدة في بالد املغرب العربي‪ ،‬والقاعدة‬ ‫في اجلزيرة العربية‪ ،‬والقاعدة في بالد الرافدين‪ ،‬الخ‪.‬‬ ‫إذن ال بد من االنتباه إلى أن لإلسالم السياسي أشكال تتباين وتتنوع على وفق املناخ‬ ‫السياسي الذي يحكم البلد الذي تتشكل فيه وتعمل‪ ،‬حتى وإن ادعت بعضها بأنها‬ ‫متخطية للحدود الوطنية وتشتغل في مستوى “األمة” و”عامة املسلمني”‪ .‬فهي تبقى‬ ‫حتمل الصبغة احمللية‪ .‬هذا فضال عن اختالف خطابات تلك األشكال‪ ،‬ومواقفها‪ ،‬وأهدافها‪،‬‬ ‫ووسائلها‪ ،‬باختالف هويتها املذهبية‪ .‬ولعل املثال عن ذلك يتجسد في ممارسة أشكال اإلسالم‬ ‫السياسي للحكم في السودان‪ ،‬السعودية‪ ،‬إيران‪ ،‬أفغانستان‪ ،‬واألراضي الفلسطينية‪ ،‬كما‬ ‫في طبيعة العالقات بينها واملواقف من بعضها البعض‪.‬‬ ‫وال بد من االلتفات أيضا إلى أن أشكال اإلسالم السياسي متزج بني طبيعتني‪ ،‬كما يرى‬ ‫الباحث الفرنسي في احلركات اإلسالمية‪ ،‬اوليفييه روا ‪ :Olivier Roy‬إنها كلها متزج بني‬ ‫طبيعة حزب سياسي وحركة اجتماعية‪.‬‬ ‫لذا فان احلديث عن إخفاق أشكال “اإلسالم السياسي” أو جناحها‪ ،‬ودواعي بروزها الصارخ‪،‬‬ ‫ومدى شرعيتها‪ ،‬يستدعي دراسة كل جتربة منفردة في إطار السياق السياسي واالجتماعي‬ ‫والثقافي‪ ،‬حيث تنشأ وتنشط‪ .‬إذ أن هذا املشهد من التعقيد إلى درجة أن تلك األشكال‪ ،‬لم‬ ‫تعد تنشد الوصول إلى السلطة في بلد معني حسب أو مواصلة القبض عليها‪ ،‬مبعنى أنها‬ ‫لم تعد تكتف بـ”متثيل الدين سياسيا” أو تأكيده وسيلة حكم‪ ،‬إمنا صارت تقدم نفسها‬ ‫بأنها “التمثيل احلقيقي الوحيد” للدين اإلسالمي برمته‪ ،‬أصوال وفروعا‪.‬‬

‫فالح حسن السوداني‬

‫‪faleh67hassan@yahoo.com‬‬

‫‪11‬‬


‫بناء الدولة اليكون إ ّال عبر المصالحة مع الدين‬ ‫اصبح النظام السياسي االسالمي‬ ‫قرينًا للتعصب الديني‪ ،‬وهو‬ ‫النظام الذي اعتمد خالل تاريخه‬ ‫الطويل مبدا التسامح الديني‬ ‫عندما كان خصومه منهمكين‬ ‫في انشاء محاكم تفتيش‬ ‫وتجهيز حمالت (تطهير) عرقي‬ ‫وديني‬ ‫ال يزال الكثير من االسالميين‬ ‫ينظر الى الديمقراطية باعتبارها‬ ‫مشروع غربي يرتبط بالكفر‬ ‫والقهر‬ ‫الديمقراطية بالرغم من نشأتها‬ ‫الغريبة‪ ،‬تعتبر نظامًا حياديًا قاب ًال‬ ‫للتبني في العالم االسالمي‬

‫ظاهرة االحزاب الدينية في الشرق االوسط‬ ‫نشأت بقوة بعد فشل االحزاب السياسية ذات الطابع‬ ‫العلماني واليساري وهذا ال يعني انها غير موجودة‬ ‫قبل هذا التاريخ بل ميكن القول انها كانت تبحث‬ ‫عن شرعية لها بعد الغاء اخلالفة العام (‪،)1924‬‬ ‫اذ قـام تعارض وتناقض بني االنتمـاء التاريخـي‬ ‫والعقيدي ـ الشرعي القدمي ـ لدار االسالم والوالء‬ ‫املفترض للوطن احملدود‪ ،‬بني االرتباط باجلماعة او‬ ‫(االمة) املعنوية الكبيرة والتبعية الرض محددة كما‬ ‫يرى ذلك املفكر محمد عابد اجلابري‪ .‬من جراء ذلك‬ ‫يبرز الدور الذي يلعبه االسالم في مجاالت احلركة‬ ‫السياسية ومستوياتها الرئيسة الثالثة‪:‬‬ ‫‪ -1‬الداخلي‪ ،‬قضية االسالم واصول احلكم او‬ ‫جدلية االصالة واملعاصرة‪.‬‬ ‫‪ -2‬االقليمي وجدلية الديني والقومي‬ ‫‪ -3‬العاملي وما يطلق عليه (دار االسالم ودار‬ ‫احلرب) وارتباط ذلك مببدأ اجلهاد وبظاهرة االحياء‬ ‫االسالمي في العالقات الدولية او جدلية احلرب‬ ‫والسالم‪.‬‬ ‫هذه االسئلة القلقة التي جتتاح املنطقة‪ ،‬نحاول‬ ‫ايجاد مقاربات لها عبر تصورات وافكار الباحثني‬ ‫والكتاب‪.‬‬ ‫حرية الفرد‬

‫كاظم الحسن‬ ‫صحيفة «الصباح» البغدادية‬

‫‪12‬‬

‫يرى الباحث زكي احمد‪ ،‬ان موقف اغلب‬ ‫اجتاهات اخلطاب االسالمي احلديث هو الرفض املطلق‬ ‫للدميقراطية باعتبارها ـ كما يقول محمد املبارك ـ‬ ‫نظام ًا سياسي ًا اقترنت بافكار ومفاهيم عن االنسان‬ ‫واملجتمع‪ ،‬وانبثقت عن فلسفة ال يقبلها االسالم وقد‬ ‫تتعارض مع فلسفته ونظرته في كثير من نقاطها‪.‬‬ ‫فالدميقراطية مبنية على فكرة اساسية هي ان الفرد هو‬ ‫االصل في الدولة‪ ،‬وهي امنا خلقت ملصلحته وله حرية‬ ‫مطلقة في تصرفاته سواء في فعاليته االقتصادية او‬ ‫الفكرية‪ ،‬والدولة مهمتها مقصورة على تنسيق حرية‬ ‫االفراد حتى التتصادم‪.‬‬ ‫ان هذه الفلسفة تختلف عن نظرة االسالم‬ ‫ً‬ ‫كبيرا فهي تؤدي الى املساواة بني االميان‬ ‫اختالف ًا‬ ‫واالحلاد في مجال الفكر وبني االباحية والتقييد في‬ ‫مجال السلوك اخللقي وبني الرأسمالية املترفة لطاغية‬ ‫والتقييد ملصلحة اجلماعة واالسالم ال يقبل التسوية‬

‫بني هذه االجتاهات‪ .‬في حني يرى السيد محمد حسن‬ ‫االمني‪ ،‬ان الدميقراطية بالرغم من نشأتها الغريبة‪،‬‬ ‫تعتبر نظام ًا حيادي ًا‪ ،‬اي من صنف العلوم واالدارة‬ ‫والتنظيمات التي تشكل منجزات قابلة للتبني‬ ‫دون ان يكون في تبنيها خطر على مكونات الهوية‬ ‫اخلاصة‪ ،‬فضال عن الفرص الكبيرة التي تتيحها‬ ‫الطالق مخزونات الهوية وعناصر االبداع الكامنة‬ ‫في عقل االمة وروحها‪.‬‬ ‫اسلمة المجتمع‬

‫يشير الباحث عبداللطيف الهرماسي‪ ،‬الى ان‬ ‫اهتمام الباحثني بظاهرة االسالم السياسي‪ ،‬بدأ منذ‬ ‫نهاية السبعينيات‪ ،‬ولقد تعددت التسميات املرافقة‬ ‫لتلك احلالة وهي‪ :‬الظاهرة االسالمية‪ ،‬الصحوة‬ ‫الدينية‪ ،‬االسالم السياسي‪ ،‬االسالم الراديكالي‪،‬‬ ‫التطرف الديني‪ ...‬الخ‪.‬‬ ‫وايا كانت التسميات واملصطلحات فهي تلك‬ ‫الظاهرة املتمثلة بعودة التدين او مظاهرة التدين‪،‬‬ ‫وعودة االسالم الى قلب الصراعات االجتماعية‬ ‫والسياسية وبروز تيارات وحركات تستهدف من‬ ‫خالل الدعوة الدينية او العمل السياسي اعادة‬ ‫اسلمة املجتمع واعادة تنظيمها وتوجيه مسارها طبق ًا‬ ‫املبادئ الشريعة‪.‬‬ ‫ان اية مقاربة علمية لالسالم السياسي املعاصر‬ ‫تتنافى بالضرورة مع كل تصور جامد واطالقي‬ ‫لتعبيراته‪ ،‬اي احلركات االسالمية املختلفة‪ ،‬ان‬ ‫احلركات االسالمية حركات اجتماعية تخضع لقانون‬ ‫التطور وحتمل خصوصيات املجتمعات التي تنشأ‬ ‫فيها وهي كذلك حركات تفتقر الى التجانس في‬ ‫مرجعياتها وبرامجها واساليب عملها السياسي‪.‬‬ ‫مبدأ التسامح‬

‫يعزو الكاتب سيف الدين عبدالفتاح‪ ،‬رفض‬ ‫فكرة الدميقراطية من قبل بعض التيارات االسالمية‬ ‫الى ارتباطها بالعلمانية السيئة السمعة لدى هذه‬ ‫التيارات‪ ،‬التي تراها مناقضة لفكرة ضمن نسقها‪،‬‬ ‫وهي (سيادة الشريعة وحاكميتها) بينما هي ترى‬ ‫ً‬ ‫استبعادا للدين او تهميش ًا لدوره في‬ ‫في العلمانية‬ ‫مناحي احلياة كافة‪ ،‬ومنها العملية السياسية‪.‬‬ ‫يذهب الباحث لؤي صافي‪ ،‬الى ان مفهوم الدولة‬


‫االسالمية اكتسب في العقود االخيرة مالمح دخيلة‬ ‫ادت الى تشويه معاملها ووسمها بسمات غريبة‬ ‫عنها‪ .‬فقد اصبح النظام السياسي االسالمي قرين ًا‬ ‫للتعصب الديني‪ ،‬وهو النظام الذي اعتمد خالل‬ ‫تاريخه الطويل مبدا التسامح الديني عندما كان‬ ‫خصومه منهمكني في انشاء محاكم تفتيش وجتهيز‬ ‫حمالت (تطهير) عرقي وديني‪.‬‬ ‫ويحمل الفكر العلماني مسؤولية التشويه‬ ‫الذي طرأ على معالم النظام االسالمي‪ً ،‬‬ ‫نظرا الى‬ ‫اسقاطه نتائج التجربة السياسية الغريبة على الواقع‬ ‫التاريخي االسالمي وال يستثني الفكر االسالمي‬ ‫املعاصر الذي حاول اعادة تشكيل احملتوى املعرفي‬ ‫املوروث باستخدام قوالب فكرية مستعارة من جتربة‬ ‫مغايرة‪ ،‬ال تتناسب مع البعد التاريخي العميق‬ ‫والثري في احملتوى الديني‪.‬‬ ‫جدل الدين والسياسة‬

‫يحدد الكاتب عبداالله بلقزيز‪ ،‬اجلدل الصاخب‬ ‫حول مفهوم الدولة وطبيعة نظامها لدى فريقني‪:‬‬ ‫يتحدث البعض عن العلمانية وعن وجوب اقرار‬ ‫نظامها وكأننا نعيش في كنف الدولة الدينية على‬ ‫مثال دولة الكنيسة التي اوجبت قيام نقيضها في‬ ‫اوروبا النهضة‪ .‬ويتحدث البعض االخر عن وجوب‬ ‫اخضاع الدولة للدين واقامتها على اركان الشريعة‬ ‫وكأننا امام دولة علمانية حقيقية على مثال الدولة‬ ‫احلديثة في اوروبا تتغذى املفارقة االولى من كونهم‬ ‫يتمثلون منوذج ًا مرجعي ًا خارجي ًا (الدولة احلديثة‬ ‫في اوروبا وفي فرنسا بالذات)‪ ،‬من خالله يفكرون‬ ‫في املجال السياسي العربي اليوم‪ ،‬دون االنتباه‬ ‫الى خصائصه او مكانة الدين في احلياة العامة‪.‬‬ ‫واملقارنة الثانية تتغذى من كونهم يفكرون في مثال‬ ‫للدولة لم يتحقق حتى في االسالم االصل‪ ،‬ويتمثلون‬ ‫من خالله املجال السياسي املعاصر ولو اردنا ان‬ ‫نلخص جوهر اخلالف لدى الفريقني‪ ،‬فاننا نقول ان‬ ‫كال منهما يفكر في الصلة بني الدين والسياسة‬ ‫ً‬ ‫تفكيرا ال تاريخي ًا‪ ،‬فيذهب احدهما ويصورة على‬ ‫انه انقطاع كامل‪ ،‬متجاهال التاريخ املعاصر‪ ،‬فيما‬ ‫يذهب الثاني الى اعتبارها عالقة اتصال كامل‬ ‫متجاهال التاريخ الفعلي لتلك العالقة في املاضي‪.‬‬ ‫صراع النفي‬

‫يذهب الباحث برهان غليون الى ان االسالم‬ ‫يشكل مركز صراع وسجال عنيفني في املجتمع‬ ‫العربي االسالمي املعاصر‪ ،‬ويكاد تقدير املواقف‬ ‫فيه يختلف من النقيض الى النقيض فهناك من‬

‫يعتبر االسالم السبب االول في التخلف واالستبداد‬ ‫واالنهيار العربي‪ ،‬وال يقبل باقل من ازالته من‬ ‫الوجود شرط ًا للتقدم االجتماعي والسياسي‪ .‬وهناك‬ ‫من يعتقد ان االسالم هو املنبع االول واالخير لكل‬ ‫القيم واخليرات‪ ،‬وان التمسك به مبرر احلياة واملخرج‬ ‫الوحيد‪ ،‬وان تخلف العرب واملسلمني وتراجعهم‬ ‫وهزميتهم امام الدول واالمم االخرى نابع من التخلي‬ ‫عن االسالم‪ ،‬ويدعو الى تطبيق الشريعة والعودة‬ ‫الى الدين والسياسة الدينية والشرعية‪ ،‬باعتبارها‬ ‫الشرط الضروري للخروج من الوضع الراهن‪ ،‬والخراج‬ ‫الدولة ذاتها من املأزق الذي تعيشه ‪ :‬مأزق هيبة‬ ‫السلطة ومشروعية ادائها‪.‬‬ ‫فهو يؤمن انه من دون االسالم والقيم والشرائع‬ ‫املرتبطة به والنابعة منه لن يكون مصير االمة اال‬ ‫الفناء واالحتواء من الدول الغريبة والضياع فيها‪.‬‬ ‫كل هذا يجعل من االسالم بالضرورة موضوع‬ ‫ً‬ ‫مجددا من‬ ‫خالف عنيف ويطلق الصراع التاريخي‬ ‫حول االسالم وداخله وفي معناه‪ ،‬حتى اصبح في‬ ‫الواقع من املستحيل مقاربة موضوعة االسالم‪.‬‬ ‫دولة االسالم‬

‫يلخص الكاتب عبدالله النفيسي نظرية االحزاب‬ ‫الدينية في املجال السياسي‪ ،‬في ان الطريق الى (دولة‬ ‫االسالم) هي باعادة الثقة بـ(افكار االسالم) وذلك‬ ‫من ناحيتني‪ :‬العمل الثقافي والعمل االسالمي‪ .‬فال‬ ‫بد من تثقيف ماليني من الناس بشكل جماعي‬ ‫بالثقافة االسالمية وتوليد الصراعات الفكرية بينهم‬ ‫على هذا االساس‪ .‬ومن املهم ان تبادر االحزاب‬ ‫في هذه املرحلة الى تقلد دوره في الصراع الفكري‬ ‫من حيث التصدر للمناقشة والرد على الشكوك‬ ‫واحلصول على التأييد‪.‬‬ ‫وبرغم تركيز احلزب الديني على الفكر واهماله‬ ‫البارز موضوع التربية‪ ،‬لم يظهر ادبياته اهتمام ًا‬ ‫مبوضوع احلرية كمفهوم وكمشكل سياسي تتفرع‬ ‫عنه مشكالت عدة في مجال احلكم واالجتماع‬ ‫واالقتصاد‪.‬‬ ‫ولقد حددت معظم االحزاب االسالمية‪ ،‬مهمتها‬ ‫في نشر االفكار دون تطبيقها‪.‬‬ ‫امتالك الحقيقة‬

‫يحذر الكاتب خالد شوكت‪ ،‬من العمل خارج‬ ‫التاريخ‪ ،‬داخل اجلماعة املغلقة‪ ،‬حتى وان كانت‬ ‫كبيرة تغني عن املجتمع احمللي والدولي‪ ،‬الن ذلك‬ ‫يتنافى مع الرسالة االسالمية ويؤدي الى السقوط‬ ‫في هامش الواقع بالتعامل الضيق النافر ولو بحجة‬

‫احملافظة على االميان وهجران املفكر ومقاومة الفساد‪،‬‬ ‫وهو اهم تراجم الالوعي الواقعي والتاريخي‪ ،‬وابرز‬ ‫املخاوف التي يستطيع اثارتها في ما يخص العقلية‬ ‫االسالمية املعاصرة‪ ،‬العاملة والصدامية التي تعني‬ ‫مهاجمة الشرائح غير املندرجة ضمن السياق احلركي‬ ‫بقصد او بدون قصد‪ ،‬ظاهرة تنمي الى النسق‬ ‫السابق‪ ،‬اذ هي نتائج ملعيار (امتالك احلقيقة)‬ ‫املتراكم في الذات االسالمية اجلديدة‪ ،‬والذي تكاثر‬ ‫بتركز البعد احلزبي واحلركي‪.‬‬ ‫ان منطق الفرقة الناجية املتجدد بصيغ حاضرة‬ ‫في املخيال االجتماعي‪ ،‬ذي املضمون املتحرك‬ ‫(زندقة‪ ،‬تكفير‪ ،‬تفسيق) يحضر بقوة في اخلطاب‬ ‫االسالمي العامي(الشعبي) مناقح ًا في كثير من‬ ‫االحيان ولكن ليس بالقوة املطلوبة من طرف النخبة‬ ‫وجهاز التسير‪ ،‬ويستعمل في توجهات ثنائية‬ ‫متنافرة بني فصائل احلركة االسالمية‪.‬‬ ‫مفهوم الديمقراطية‬

‫يقول الباحث االسالمي فهمي هويدي‪ ،‬ان‬ ‫الدميقراطية عند البعض في زماننا ال ينظر اليها‬ ‫كنظام للحكم يقوم على احلرية واملشاركة السياسية‬ ‫والتعددية وغير ذلك فحسب‪ ،‬وامنا كرمز ملشروع‬ ‫غربي يرتبط بالكفر والقهر والذل بحق العرب‬ ‫واملسلمني ويذكر الباحث قصة شهيرة عن املفهوم‬ ‫الشعبي للدميقراطية (ثمة قصة مشهورة في مصر‬ ‫باملضمون ذاته‪ ،‬حيث يروى ان احمد لطفي السيد‬ ‫رشح نفسه في انتخابات اجلمعية التأسيسية في‬ ‫مصر‪ ،‬على مبادئ الدميقراطية في محافظة الدقهلية‬ ‫قبل احلرب العاملية االولى‪ ،‬وعندما اراد خصمه ان‬ ‫يهدم دعايته‪ ،‬اشاع ان الدميقراطية التي يدعو اليها‬ ‫الباشا فكرة غربية تسمح للمرأة بان تتزوج اربعة‪،‬‬ ‫اي تتساوى مع الرجل في زواجه من اربع نساء)!‪.‬‬ ‫ويورد مالحظاته عن الدميقراطية التي تتمثل‬ ‫مببدأ االنطالق من االحتكام الى املرجعية الغربية‬ ‫واعتبارها املصدر الذي يقاس به معيار الصالح‪،‬‬ ‫وكذلك هل يجوز ان نطبق النموذج الغربي‬ ‫للدميقراطية‪ .‬ويعتقد بوجود سبع ركائز للدولة‬ ‫االسالمية وهي‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ الوالية لالمة‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ املجتمع مكلف ومسؤول‬ ‫‪ 3‬ـ احلرية حق اجلميع‬ ‫‪ 4‬ـ املساواة‬ ‫‪ 5‬ـ االخر املختلف ـ له شرعيته‬ ‫‪ 6‬ـ الظلم محرم ومقاومته واجبة‬ ‫‪13‬‬ ‫‪ 7‬ـ القانون فوق اجلميع‬


‫الكتاب المقدس يعلمنا كيف نمشي إلى السماء‪ ،‬ال كيف تمشي السماء‬ ‫المعرفة تبدأ دائما بالسؤال‪،‬‬ ‫ويقودنا السؤال للتوغل‬ ‫فيما هو مسكوت عنه او‬ ‫مجهول او ممنوع التفكير‬ ‫فيه‬ ‫تحديث التفكير الديني‬ ‫يتطلب تساؤالت جديدة‪،‬‬ ‫ومراجعات نقدية للتراث‬ ‫اية محاولة للتحديث‬ ‫واالصالح ال تنبثق من اسئلة‬ ‫عميقة سرعان ما تضمحل‬ ‫وتتالشى‬

‫د‪ .‬عبدالجبار الرفاعي‬

‫‪14‬‬

‫تتبدى الرموز واالشارات والعالمات والتعبيرات‬ ‫املقدسة‪ ،‬واملشاعر واالحاسيس واملعتقدات واملفاهيم‬ ‫والرؤى الدينية في مجاالت حياتنا بأسرها‪ ،‬وال يفلت‬ ‫منها أي حقل ثقافي‪ ،‬أو معرفي‪ ،‬أو فني‪ ،‬أو أدبي‪،‬‬ ‫أو سياسي‪ ،‬أو إجتماعي‪ ،‬أو إقتصادي‪ ،‬فهي متتزج‬ ‫بكل شيء‪ ،‬وتتجلى في األزياء واللباس‪ ،‬والطعام‬ ‫والشراب‪ ،‬ومختلف أمناط العالقات البشرية‪ ،‬واللغة‬ ‫والنصوص الشفاهية واملدونة‪ .‬وحتى لو تعمد شخص‬ ‫استبعادها فإنها تبقى مضمرة وال تختفي‪ ،‬بل‬ ‫يستبطنها قلمه او لسانه‪ ،‬عبر إستبدالها بألفاظ ال‬ ‫حتيل الى تلك املضامني مباشرة‪ ،‬لكنها تظل كامنة‬ ‫مستترة فيها‪.‬‬ ‫كما إن املجتمعات الغربية التي عملت منذ‬ ‫فترة طويلة على نفي الدين وتعبيراته من عاملها‪،‬‬ ‫لم تستطع إجتثاث رموزه املكتظة بها القالئد‪،‬‬ ‫واحللي‪ ،‬واأللبسة‪ ،‬والتماثيل‪ ،‬واللوحات الفنية‪،‬‬ ‫واألشكال والرسوم املعمارية للمباني‪ .‬وما زال الشعر‬ ‫والنثر والفلسفة وغيرها من املعارف اإلنسانية‬ ‫تستخدم مصطلحات ميتافيزيقية‪ ،‬وألفاظا حتيل‬ ‫إلى ميثيولوجيا وأفكار مقدسة‪ .‬ورمبا ال نعثر على‬ ‫فيلسوف‪ ،‬أو مفكر‪ ،‬أو أديب‪ ،‬أو فنان‪ ،‬أو مصلح‬ ‫في التاريخ القريب للغرب لم يشتغل على تأويل‬ ‫النصوص املقدسة واستنطاقها اثباتا أو نفيا‪ .‬ومن‬ ‫النادر ان جند انتاجا معرفيا أو ابداعيا لم يقارب‬ ‫موضوعة امليتافيزيقيا وما تشى به من مقوالت‪،‬‬ ‫أو يقف منها موقفا محايدا‪ ،‬من دون ان يغور في‬ ‫مدياتها‪ ،‬ويسعى لتفسيرها وتبريرها‪ ،‬أو تفكيكها‬ ‫وتقويضها‪ .‬بل ان أشهر املفكرين املناهضني‬ ‫للدين؛ اتخذت الظواهر الدينية مساحة هامة من‬ ‫كتاباته‪ ،‬وشدد على أن حترير األرض يبدأ من حترير‬ ‫السماء‪.‬‬ ‫وال يتطلب التدليل على ما سبق سوى القاء‬ ‫نظرة عاجلة على الفكر الغربي احلديث واملعاصر‪،‬‬ ‫ليتضح مدى انشغاله بكل ما يرتبط بالظواهر‬ ‫الدينية‪ ،‬واالستغراق في تأويلها وفهمها من مداخل‬ ‫متنوعة‪ ،‬فتارة جتري مقاربتها انثروبولوجيا في‬ ‫انثروبولوجيا الدين‪ ،‬واخرى سوسيولوجيا في علم‬ ‫إجتماع الدين‪ ،‬وثالثة سيكولوجيا في علم نفس‬ ‫الدين‪ ،‬ورابعة لسانيا ودالليا في الهرمنيوطيقا‬

‫والسمنطيقا الدينية‪ ،‬و‪ ...‬الخ‪ .‬وال تكف العلوم‬ ‫االنسانية الراهنة عن إجتراح قنوات ومسالك جديدة‬ ‫لدراسة متثالت املقدس في الوعي والسلوك‪ ،‬وما‬ ‫يفيض به ويضمره الالوعي اجلمعي والفردي من‬ ‫االلهام‪ ،‬واالنكشاف‪ ،‬واالشراق‪ ،‬واالنخطاف‪،‬‬ ‫واالحتاد‪ ،‬والوحدة‪ ،‬واجلذبة‪ ،‬والرعشة‪ ،‬والسكرة‪،‬‬ ‫والنشوة‪ ،‬والصحوة‪ ،‬وغيرها من احلاالت والتجارب‬ ‫الروحية‪ .‬أما بحث وحتليل اثر الدين كعامل فعال‬ ‫في احلياة السياسية واالجتماعية واالقتصادية‬ ‫والثقافية‪ ،‬فهو أحد أهم مشاغل ورش البحث‬ ‫ومختبرات العلوم االجتماعية‪.‬‬ ‫إن ميزة الفكر الغربي منذ انطالق عصر النهضة‪،‬‬ ‫هي كسر احتكار املعرفة الدينية‪ ،‬وحتريرها من دائرة‬ ‫الكهنوت الكنسي‪ ،‬واتاحتها للجميع من تالمذة‬ ‫ودارسني وباحثني‪ ،‬وكل من يسعى للتعرف عليها‪،‬‬ ‫باعتبارها شأنا عاما يتغلغل في املجال الشخصي‬ ‫واالجتماعي للبشر‪ ،‬وتظهر آثاره في حياة الفرد‬ ‫واألسرة واملجتمع والدولة‪ ،‬ومنذ ذلك احلني تفشت‬ ‫االستفهامات احلائرة‪ ،‬وخضعت الظواهر الدينية‬ ‫للتساؤل‪ ،‬وأعلن بعض املفكرين أن حقيقتي االنسان‬ ‫والكون امنا تشرحهما قوانني الطبيعة وسنن النفس‬ ‫واملجتمع‪ ،‬وليستا كامنتني في النص املقدس‪.‬‬ ‫وصار بإمكان غاليلو أن ُيعلن في دفاعاته أمام‬ ‫محكمة التفتيش إن «الكتاب املقدس يعلمنا كيف‬ ‫منشي إلى السماء‪ ،‬ال كيف متشي السماء» وغاص‬ ‫العقل في عذابات األسئلة ومتاهات الشك‪ ،‬وزحزح‬ ‫اجلزميات واليقينيات املتوارثة‪ ،‬وخرج بالتدريج إلى‬ ‫فضاءات رحبة‪ ،‬تخطت تكرار املواقف واألفكار‪،‬‬ ‫وأنفتحت على مالم يفكر فيه‪ ،‬بل متادت إلى‬ ‫إقتحام ونبش احملضور التفكير فيه‪.‬‬ ‫وجتاوز التفكير الديني للمرة األولى الترسيمات‬ ‫املغلقة‪ ،‬وكشف عن ان الكتاب املقدس متثل في‬ ‫جتسيدات تاريخية عديدة‪ ،‬وان تأويالته تنوعت‬ ‫بتنوع الفرق‪ ،‬فليس هناك تدين صحيح وآخر‬ ‫خاطىء‪ ،‬وامنا هناك جتليات مختلفة للنص ذاته في‬ ‫املجتمع والتاريخ‪ ،‬وال ميكن فصل فهم النص وتأويله‬ ‫عن منط التمدن السائد في املجتمع‪ ،‬ومستوى تطور‬ ‫العلوم واملعارف البشرية‪ ،‬وان ألفاظ النص ال تفيض‬ ‫بذاتها باملعاني‪ ،‬من دون أفق انتظار املتلقي‪،‬‬


‫وتطلعاته‪ ،‬وآماله‪ ،‬وأحالمه‪ ،‬ورؤيته الكونية‪ ،‬وخلفياته‪،‬‬ ‫ومرجعياته‪ ،‬ومسبقاته الذهنية‪ .‬كل ذلك تصوغه درجة‬ ‫تطور العلوم واملعارف البشرية‪ ،‬وبكلمة موجزة ان منحنى‬ ‫فهم الدين يتشكل في إطار فهم الطبيعة وتقدم املعارف‬ ‫اإلنسانية‪.‬‬ ‫هكذا استفاق الالهوت‪ ،‬وباستفاقته دخلت البشرية‬ ‫عهدا جديدا حترر فيه العقل من قيوده‪ ،‬وانطلقت املعرفة‬ ‫لتخوض في كل شيء بال كوابح أو محرمات‪ ،‬وإنخرطت‬ ‫كل مشاغل التفكير في مجاالت التساؤل واإلعتراض‪،‬‬ ‫وتخلص اإلنسان من عبء الذاكرة‪ ،‬الذي يعطله عن‬ ‫اإلعتماد على فهمه اخلاص في التعرف على نفسه والعالم‬ ‫من حوله‪.‬‬ ‫لقد إستطاع الالهوت اجلديد ان يرسم حدود املقدس‬ ‫والدنيوي‪ ،‬وعرفنا على األقنعة التي تخلع على مساحة‬ ‫شاسعة مما هو دنيوي لتجعله مقدسا‪ ،‬مثلما شدد على‬ ‫ان حاجة االنسان للمقدس أبدية‪ ،‬وان تفجرات القدسي‬ ‫في العالم ال تتوقف أو جتف‪ ،‬وكما ال تطاق احلياة من‬ ‫دون مقدس‪ ،‬كذلك ال تطاق حينما تتسع حدود املقدس‬ ‫فتبتلع كل ما هو دنيوي‪ ،‬ويخلع على كل ماهو دنيوي‬ ‫لباسا دينيا‪ ،‬وال يترك للعقل واخلبرة البشرية مجاال تتجلى‬ ‫فيه ابداعاته واكتشافاته ومكاسبه املتنوعة في مختلف‬ ‫حقول احلياة‪.‬‬ ‫ان املعرفة تبدأ دائما بالسؤال‪ ،‬ويقودنا السؤال للتوغل‬ ‫فيما هو مسكوت عنه او مجهول او ممنوع التفكير فيه‪،‬‬ ‫واية محاولة للتحديث واالصالح ال تنبثق من اسئلة‬ ‫عميقة ومحورية سرعان ما تضمحل وتتالشى‪ .‬كما ان‬ ‫االستفهامات العميقة تستدعي القلق املعرفي الذي‬ ‫مينح عملية التفكير الشرط الضروري لالبداع والدميومة‬ ‫والديناميكية‪ ،‬والتفكير ال ينمو ويتطور من دون تلك‬ ‫االستفهامات‪ ،‬والفكر احلي هو الذي ال يكف عن اجتراح‬ ‫االسئلة‪ ،‬ويتحرر من االجوبة املتكررة التي يغيب عنها‬ ‫القلق‪ .‬وال سبيل جلني معطيات النزعة االنسانية في‬ ‫الدين‪ ،‬اال باخلالص من التفسيرات املتعسفة القمعية‬ ‫للنصوص‪ ،‬وتخطي املفاهيم واملقوالت املغلقة في الالهوت‬ ‫الكالسيكي‪ ،‬وامنا يتحقق ذلك بفتح باب االجتهاد في‬ ‫علم الكالم‪ ،‬وحتديث التفكير الديني‪ ،‬ومحاولة بناء‬ ‫الهوت عقالني مستنير‪ .‬وحتديث التفكير الديني يتطلب‬ ‫تساؤالت جديدة‪ ،‬ومراجعات نقدية للتراث‪ ،‬تفضي الى‬ ‫التحرر من الصورة النمطية لإلله‪ ،‬التي تشكلت في سياق‬ ‫االستبداد والقصور السلطانية‪ ،‬والصراعات الدامية والفنت‬ ‫واحلروب العديدة بني الفرق واملذاهب‪ .‬والسعي لترسيخ‬ ‫صورة لإلله‪ ،‬تستوحي صفات الرحمة واحملبة والسالم‪،‬‬ ‫ونحوها من صفات الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل‬ ‫شئ‪ ،‬وكتب على نفسه الرحمة‪ ،‬وتستلهم ما يتحلى به الله‬ ‫تعالى من صفاته اجلمالية‪ ،‬واسمائه احلسنى‬

‫تحوالت الحركات اإلسالمية‪ ..‬مراجعة أم تراجع؟‬ ‫يلحظ املتتبع لتاريخ احلركات اإلسالمية اليوم ما أحدثته من طفرة هائلة في‬ ‫نوعية خطابها‪ ،‬وفي مواقفها السياسية بالدرجة األولى‪ ،‬إذ اختفى احلديث عن «اخلالفة‬ ‫اإلسالمية» وخفت الكالم عن «تطبيق الشريعة اإلسالمية» لصالح مبادئ ورؤى فرضها‬ ‫نظام العوملة على الساحة الدولية‪ ،‬مثل احلديث عن التسامح والدميقراطية والتعايش بني‬ ‫الثقافات واحلوار بني األديان‪ ...‬وطورت هذه احلركات باملوازاة مع ذلك خطابا «جتديديا» خالل‬ ‫العقدين األخيرين خاصة‪ ،‬فكانت مراجعات جماعات التكفير والهجرة في مصر‪ ،‬والشبيبة‬ ‫اإلسالمية في املغرب التي أفضت بها التحوالت إلى املشاركة السياسية في البرملان‪.‬‬ ‫والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو ما مبررات هذه التحوالت؟ وما مصداقية هذه‬ ‫املراجعات؟‬ ‫يكتسب هذا السؤال مشروعيته انطالقا من عناصر ثالثة‪ :‬أولها‪ :‬استناد اخلطاب‬ ‫احلركي منذ بدايته على ما ميكن تسميته بـ «الوثوقية» في آرائه ومواقفه من خالل االستناد‬ ‫إلى نص «شرعي» سرعان ما تنسحب مشروعيته على هذا اخلطاب نفسه‪ ،‬فتحيد به عن‬ ‫أية إمكانيات حقيقية للنقد أو التصحيح أو التعديل‪ ،‬وهي السمات الواجب مواكبتها‬ ‫لكل مشروع يروم النجاح‪ .‬ثانيها‪ :‬املناخ الدولي الذي حدثت في ظله هذه املراجعات‪ ،‬والتي‬ ‫حاولت التناغم واالنسجام معه مبا يفسر التأثير اخلارجي لهذه التحوالت أكثر من غيره‪.‬‬ ‫أما األمر الثالث واألهم‪ ،‬فهو أن أغلب هذه املراجعات حدثت بعد االصطدام بعنف األنظمة‬ ‫احلاكمة و متسكها القوي بالسلطة‪ ،‬يفسر ذلك خروج هذه املراجعات من داخل السجون‬ ‫أو بعد مغادرتها‪ ،‬زد على ذلك ما خلفته نتائج هذا االصطدام مع األنظمة‪ ،‬من يأس وإحباط‬ ‫وفقدان الثقة في جناح املشروع اإلسالمي كما كان متصورا‪.‬‬ ‫كل هذه القرائن تدفعنا إلى التفكير في احتمال أن تكون املراجعات اضطرارية من أجل‬ ‫التكيف مع ظروف الواقع الداخلية واخلارجية‪ ،‬وإنتاج خطاب مساير للتحوالت‪ .‬فماذا لو لم‬ ‫تصطدم هذه احلركات بقوة وبطش األنظمة احلاكمة؟ ماذا لو سهل عليها تسلم السلطة‬ ‫دون عوائق تذكر؟ هل يتعلق األمر حقا مبراجعات أم تراجعات؟ بل إن البعض يذهب إلى‬ ‫احلديث عن تنازالت أملتها املصالح التي أفادت منها هذه احلركات في إطار تفهمها لقواعد‬ ‫اللعبة السياسية مع األنظمة‪.‬‬ ‫وميكن لقائل أن يقول‪ :‬ما العيب في أن يكون الواقع مصححا لألفكار والنظريات‬ ‫والتصورات‪ ،‬وسببا في مراجعتها ونقدها؟ واجلواب‪ :‬أجل‪ ،‬لكن الذي حدث في جتربة احلركات‬ ‫اإلسالمية هو تغيير في مواقف‪ ،‬وإعالن مبادئ‪ ...‬مواقف جديدة من «اآلخر» الذي هو غالبا‬ ‫«النظام احلاكم»‪ ،‬وبذلك ظهرت قناعات التعددية واملشاركة البرملانية‪ ،‬والتبادل الدميقراطي‬ ‫للسلطة واإلصالح بدل التغيير اجلذري‪ ...‬ولكن ماذا عن املنهجية الفكرية ومرجعية البناء‬ ‫الفكري؟ هل متت مراجعة نقدية لطرق التفكير وآليات إنتاج اخلطاب؟ هل تخلخلت هذه‬ ‫البنية الثقافية املرجعية وأفرزت جتديدا حقيقيا بناء على أصول فكرية جديدة؟ لم يحصل‬ ‫شئ من ذلك‪.‬‬ ‫إن هذا ما جعل التحوالت والتراجعات تظهر بقوة عند نخب احلركات اإلسالمية أكثر‬ ‫من ظهورها في صفوف القواعد الشعبية واجلماهير التي هي السند األقوى للحركة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وهو مأزق آخر ترتب عنه التباس املواقف‪ ،‬واتهام هاته النخب باخليانة والعمالة‬ ‫لألنظمة واخلروج عن اخلط األصيل‪ ...‬وتسبب في انشقاقات داخل صفوف هذه احلركات‪ .‬مما‬ ‫يستدعي وقفات من التأمل عندما يظهر بعض اإلسالميني الفخر مبراجعاتهم وحتوالتهم‬ ‫إلبراز قدرتهم على التطور ومسايرة العصر‪ ،‬األمر الذي ال ميكن فهمه في ظل االستناد إلى‬ ‫األصول الفكرية واملنهجية نفسها‪ ،‬وعدم القيام بأية مراجعات حقيقية بشأنها‪.‬‬ ‫إن غرضنا هنا ليس هو تبخيس ما قامت به هذه احلركات من أدوار إيجابية في اجملتمع‪،‬‬ ‫وال التشكيك الكلي في حسن نوايا الدعاة ورغبتهم في اإلصالح‪ ،‬ولكن الغرض األساس‬ ‫هو أن نقدم نظرة من زاوية أخرى تعني على الفهم الدقيق لألمور‪ ،‬والتشخيص األدق ملكامن‬ ‫اخللل‪ ،‬حتى ال نتوهم التطور واإلصالح‪ ،‬ونحن ال نراوح مكاننا‪.‬‬

‫عبد اللطيف طريب‬ ‫‪taribabd@yahoo.fr‬‬

‫‪15‬‬


‫اإلسـالم السـياسـي والديمـوقراطيـة‪ :‬قـراءة فـ‬ ‫من حق اإلسالم السياسي ان‬ ‫يلعب ديموقراطيته الخاصة‬ ‫بشرط حفاظه على حقوق‬ ‫الناس‬ ‫سر نجاح الحركة اإلسالمية في‬ ‫تركيا يكمن في احترامها إلرادة‬ ‫الشعب التركي وقراره االنتخابي‬ ‫االسالم السياسي في مرحلة‬ ‫اختبار سواء كان في السلطة‬ ‫أو في المعارضة أو خارجهما‪..‬‬ ‫وغالبًا ما تأتي تجارب االسالم‬ ‫السياسي من خارج المنطقة‬ ‫العربية لتقدم تجاربها التعددية‬

‫محمد زاهد جول‬ ‫صحيفة «احلياة»‬

‫‪16‬‬

‫كان النتصار الثورة اإلسالمية في إيران وإعالن‬ ‫اجلمهورية اإلسالمية عام ‪ ،1979‬أثر كبير على‬ ‫تطور مفهوم اإلسالم السياسي في العصر احلديث‪ ،‬بل‬ ‫جتسده على ارض الواقع في أول جناح لثورة إسالمية‬ ‫تصل الى السلطة السياسية احلاكمة من طريق ثورة‬ ‫جماهيرية واسعة‪ .‬لقد كان ارتقاء الثورة الى مستوى‬ ‫إعالن اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية على أيدي رجال‬ ‫الدين والعلماء واملراتب الدينية اخلاصة باملدرسة‬ ‫الشيعية املتمثلة آنذاك بآية الله اخلميني والعديد من‬ ‫اآليات واحلجج واملجتهدين واألصوليني واحملافظني‬ ‫من حوله‪ ،‬لقد كان ذلك حدث ًا غير عادي من أحداث‬ ‫القرن العشرين‪ ،‬وكذلك كان في نظر غالبية املسلمني‬ ‫في األرض قمة االنتصار‪ ،‬الذي انتظره املسلمون‬ ‫بكافة قومياتهم وتياراتهم الفكرية والسياسية‪ .‬وكان‬ ‫ال عجب ان جتد الثورة اإلسالمية اإليرانية التأييد‬ ‫العارم من العالم اإلسالمي عموم ًا‪ ،‬ومن احلركات‬ ‫اإلسالمية السياسية على وجه اخلصوص‪ ،‬فقد وجدت‬ ‫فيها أم ًال حقيقي ًا في وصول احلركات واألحزاب‬ ‫اإلسالمية الى السلطة ايض ًا‪.‬‬ ‫وكذلك شهد انتصار الثورة اخلمينية في ذلك‬ ‫الوقت ضجة إعالمية عاملية كبرى‪ ،‬ودخلت ايران في‬ ‫مجابهات عديدة مع الغرب ومع الواليات املتحدة‬ ‫خصوص ًا التي اعتبرتها اجلمهورية اإلسالمية‬ ‫اإليرانية الشيطان األكبر‪ ،‬مما رفع املخاوف امام الدول‬ ‫الغربية من اإلسالم السياسي‪ ،‬وباألخص ان العديد‬ ‫من احلركات اإلسالمية السياسية والعسكرية كانت‬ ‫شديدة العداء للغرب وألميركا بسبب تدخلها املباشر‬ ‫وغير املباشر في الشؤون العربية واإلسالمية‪ ،‬وبسبب‬ ‫دعمها الكبير وغير العادل إلسرائيل‪.‬‬ ‫وخالل ثالثة عقود من انتصار الثورة اإلسالمية‬ ‫في إيران وقعت أحداث عاملية جسام‪ ،‬ضخمت‬ ‫املخاوف من اإلسالم السياسي في الغرب السياسي‬ ‫او ًال‪ ،‬ثم في الغرب االجتماعي ثاني ًا‪ ،‬ونقصد بالغرب‬ ‫السياسي موقف الدول الغربية الرسمية من اإلسالم‬ ‫عموم ًا ومن احلركات واألحزاب اإلسالمية خصوص ًا‪.‬‬ ‫أما املوقف الغربي االجتماعي فهو موقف الشارع‬ ‫األوروبي واألميركي حيال ما يجري من أحداث‬ ‫سياسية وأمنية‪ ،‬في البالد الغربية واإلسالمية‪،‬‬

‫وبالتحديد في أوروبا وأميركا‪ ،‬كان املتهم األول‬ ‫بها احلركات واألحزاب اإلسالمية‪ ،‬التي اصطلح‬ ‫على وصفها باإلسالم السياسي‪ً ،‬‬ ‫نظرا الى أهدافها‬ ‫السياسية أو أعمالها اجلهادية‪.‬‬ ‫كانت نقطة االنطالق لهذه احلركات اإلسالمية‪،‬‬ ‫حركات اإلصالح الديني السلمي في أواخر عهد‬ ‫اخلالفة العثمانية‪ ،‬مع جمال الدين األفغاني‬ ‫والكواكبي ومحمد عبده وغيرهم‪ ،‬في نهاية القرن‬ ‫التاسع عشر وبداية القرن العشرين‪ ،‬فهذه احلركات‬ ‫لم تكن فردية وال حزبية‪ ،‬ولكنها تخاطب اجلماهير‬ ‫وتدعو الى اإلصالح الذي ُيح ِّسن أحوال املسلمني في‬ ‫الداخل واخلارج‪ ،‬وهذه احلركات اإلصالحية لم تكن‬ ‫تهدف الى قلب نظام اخلالفة السياسي وال القضاء‬ ‫عليه‪ ،‬فرسائل األفغاني ومحمد عبده وكتب الكواكبي‬ ‫في أم القرى ومصارع االستبداد كانت تعالج أوجه‬ ‫تدع الى الثورة إطالق ًا‪ .‬ولكن تدخل‬ ‫الضعف ولم ُ‬ ‫الغرب في إسقاط اخلالفة العثمانية‪ ،‬واحتالله للبالد‬ ‫العربية واإلسالمية إثر احلرب العاملية األولى‪ ،‬فرض‬ ‫على احلركات اإلسالمية اإلصالحية أن تتحول الى‬ ‫حركات حترير ومقاومة لالستعمار‪ ،‬ومعها حركات‬ ‫حترر وطنية وقومية كانت أقل شأن ًا من احلركات‬ ‫اإلسالمية في مقارعة االحتالل وحترير البالد منه‪.‬‬ ‫ولكن نتائج تلك الثورات التحريرية لم تكن عادلة‬ ‫سياسي ًا‪ ،‬فقد أعاق االستعمار وصول احلركات‬ ‫اإلسالمية اجلهادية الى السلطة السياسية‪ ،‬مما ّ‬ ‫مكن‬ ‫احلركات واألحزاب الوطنية والقومية من الوصول الى‬ ‫سدة احلكم وحدها‪ ،‬وقد أيد هذا التوجه الكولونيالي‬ ‫احلكومات الديكتاتورية في بالد املسلمني الى‬ ‫االستبداد في احلكم وقمع كل أنواع املعارضة‪،‬‬ ‫فتحولت احلركات اإلسالمية اجلهادية التي أحرزت‬ ‫النصر على االستعمار الى قوى ُمضطهِ دة‪ ،‬وحرمت‬ ‫من حق املعارضة السياسية السلمية في العديد من‬ ‫البالد اإلسالمية مبا فيها الدول العربية وإيران وتركيا‬ ‫وغيرها‪ ،‬وأعلنت معظم تلك الدول واحلكومات في‬ ‫البالد املسلمة إنها دول علمانية‪ ،‬وال تسمح بتأسيس‬ ‫احزاب سياسية على أسس دينية‪ ،‬علم ًا بأن غالبية‬ ‫سكان تلك البالد هم مسلمون‪.‬‬ ‫في هذه الظروف اصبحت احلركات اإلسالمية‬


‫ـي التـجربتين اإليرانية والتركية‬ ‫ممنوعة من السياسة ومن االعتراف العلني بها إال‬ ‫ما ندر‪ ،‬بل مارست بعض األنظمة الديكتاتورية‬ ‫العسكرية أقسى أنواع القمع لها‪ ،‬فسجنت وأعدمت‬ ‫العديد من قادة احلركات اإلسالمية‪ ،‬فكان اخليار‬ ‫الوحيد لبعض احلركات اإلسالمية مواجهة هذه‬ ‫األنظمة بالقوة املادية ما أمكن وبقدر املستطاع‪ ،‬إما‬ ‫دفاع ًا عن النفس أو انتقام ًا من الظاملني املستبدين‪،‬‬ ‫وأصبح هدف بعضها الوصول الى السلطة السياسية‪،‬‬ ‫سواء باالنقالب املباشر أو غير املباشر‪ ،‬وباألخص بعد‬ ‫فشل تلك األنظمة احلاكمة من حتقيق تقدم البالد‬ ‫داخلي ًا‪ ،‬بل وفشلها في حماية دولها امام املشروع‬ ‫الصهيوني ـ اإلمبريالي‪ ،‬فكانت هزمية العام سبعة‬ ‫وستني من القرن املاضي ضربة قاصمة للمشروع‬ ‫القومي العربي‪ ،‬وكانت نقطة متقدمة في صعود‬ ‫املشروع السياسي اإلسالمي في ما ُعرف بالصحوة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬أو األصولية او اإلسالم السياسي‪،‬‬ ‫وأصبح الوصول الى السلطة السياسية هدف ًا من‬ ‫أهداف احلركات واألحزاب اإلسالمية السياسية‪ ،‬ولو‬ ‫بالطرق السلمية ومن طريق االنتخابات وصناديق‬ ‫االقتراع‪.‬‬ ‫الى هذه املرحلة ميكن اعتبار الغرب مساهماً‬ ‫سلبي ًا في صعود اإلسالم السياسي‪ ،‬ألنه وقف‬ ‫ً‬ ‫مساندا لألنظمة واحلكومات الديكتاتورية حفاظ ًا‬ ‫على مصاحله او ًال‪ ،‬وخشية من املستقبل الغامض‬ ‫لصعود احلركات واألحزاب اإلسالمية الى سدة‬ ‫احلكم‪ ،‬بغض النظر عن القدرة العسكرية لتلك‬ ‫الدول‪ ،‬سواء كانت نووية أو غير نووية‪ ،‬وإمنا‬ ‫بسبب وجود عدو استراتيجي للحركات اإلسالمية‬ ‫في البالد اإلسالمية واملتمثل في دولة إسرائيل‪،‬‬ ‫والتي متثل في الوقت نفسه حليف ًا استراتيجي ًا‬ ‫للغرب‪ .‬فساهم الغرب وإسرائيل من حيث ال يعلمان‬ ‫في صعود التيار اإلسالمي السياسي في العالم‬ ‫أجمع‪ ،‬وتصدره شعبي ًا التأييد للوصول الى السلطة‬ ‫السياسية عاج ًال أم آج ًال‪ ،‬مما تطلب من الغرب‬ ‫وإسرائيل ان يعيدا النظر في التعامل مع اإلسالم‬ ‫السياسي بحكمة واتزان‪.‬‬ ‫ولكن املساهمة األكبر التي ساهم الغرب بها‬ ‫في صعود اإلسالم السياسي‪ ،‬هو تبنيه لبعض هذه‬

‫احلركات اإلسالمية السياسية في مواجهة االحتالل‬ ‫السوفياتي ألفغانستان‪ ،‬فأمد هذه احلركات‬ ‫اإلسالمية السياسية واجلهادية باملال والعتاد‬ ‫واخلبرات العسكرية املتطورة‪ ،‬ما أهلها خلوض‬ ‫حرب كونية مع أكبر ترسانة عسكرية في أوروبا‬ ‫الشرقية وحلف وارسو على اإلطالق‪ ،‬لقد كان هذا‬ ‫الدعم للحركات اإلسالمية السياسية واجلهادية في‬ ‫أفغانستان وخارجها‪ ،‬مساهمة إيجابية كبرى من‬ ‫الغرب لصعود اإلسالم السياسي‪ ،‬الذي ال ميكن‬ ‫تفكيكه بنفس السهولة التي مت بها تكوينه‪ ،‬عند‬ ‫زوال احلاجة إليه‪.‬‬ ‫وبعد سقوط االحتاد السوفياتي سعت احلركات‬ ‫اإلسالمية اجلهادية الى إقامة دولة إسالمية في‬ ‫أفغانستان‪ ،‬أو إمارة إسالمية حتكم بالشريعة‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬في ظروف كانت الواليات املتحدة حتتاج‬ ‫فيها الى هذا النموذج من احلكم اإلسالمي‪ .‬وفي‬ ‫مرحلة كانت تبحث عن عدوها البديل عن االحتاد‬ ‫السوفياتي‪ .‬فكانت تبحث عن عدو ايديولوجي‬ ‫وسياسي وعسكري في آن‪ ،‬فوجدت بعض دوائر‬ ‫املكر في الواليات املتحدة ضالتها في اإلسالم‬ ‫ً‬ ‫حتديدا‪،‬‬ ‫واملسلمني‪ ،‬وفي إمارة أفغانستان اإلسالمية‬ ‫كعدو محتمل ومطلوب‪ ،‬وميكن تضخيم العداء‬ ‫املتبادل معه والتحكم به‪ ،‬لعوامل وأسباب تاريخية‬ ‫ومعاصرة‪.‬‬ ‫في هذه املرحلة‪ ،‬استفادت احلركات اإلسالمية‬ ‫من عداء الواليات املتحدة لها‪ ،‬واتخذت موقف ًا‬ ‫معادي ًا من الغرب عموم ًا ومن أميركا على وجه‬ ‫اخلصوص‪ ،‬في محاولة منها لكسب اكبر شعبية‬ ‫إسالمية لها‪ ،‬ولتبدو رافعة لواء اجلهاد ضد احملتلني‬ ‫الغربيني وضد االستعمار األميركي اجلديد‪ ،‬فكسبت‬ ‫تأييد املجتمعات اإلسالمية وباألخص قطاع الشباب‬ ‫منه‪ ،‬من دون ان تكسب تأييد الدول اإلسالمية لها‬ ‫ً‬ ‫نادرا‪ ،‬بل دخلت بعضها في صراع مع األنظمة‬ ‫إال‬ ‫في البالد العربية واإلسالمية‪ ،‬وباألخص الدول التي‬ ‫متنع نشوء أحزاب دينية إسالمية على أراضيها‪،‬‬ ‫على رغم سماح بعضها نشوء احزاب سياسية في‬ ‫دولها‪.‬‬ ‫كان العالم العربي انخرط في مراحل سابقة في‬

‫هذا النوع من الصدام بني األوساط الدينية وحركات‬ ‫اإلسالم السياسي من جهة واألحزاب العلمانية‬ ‫واليسارية واالشتراكية والقومية من جهة أخرى‪،‬‬ ‫وبسبب العنف الذي مورس ضد حركات اإلسالم‬ ‫السياسي او احلركات اإلسالمية‪ ،‬بدت تلك املرحلة‬ ‫صراع ًا بني الدول العلمانية واحلركات اإلسالمية‪،‬‬ ‫منعت فيها احلركات اإلسالمية من املشاركة‬ ‫السياسية املباشرة وغير املباشرة‪ ،‬فقد منعت هذه‬ ‫القوى من تشكيل أحزاب سياسية‪ ،‬ولو كانت راغبة‬ ‫في املشاركة في االنتخابات على مستوى مجالس‬ ‫الطلبة في اجلامعات‪ ،‬أو على مستوى مجالس‬ ‫البلديات احمللية‪ ،‬أو املجالس النيابية والبرملانية‪،‬‬ ‫من دون ان يكون لها أهداف في الوصول الى‬ ‫السلطة أو حق املنافسة عليها من باب أولى‪.‬‬ ‫وفي بداية القرن اجلديد ـ احلادي والعشرين ـ‬ ‫جاءت إدارة أميركية ميينية ومحافظة ومتدينة الى‬ ‫سدة السلطة في الواليات املتحدة واستثمرت حالة‬ ‫العداء املشحونة بني املسلمني والغرب عموم ًا ومع‬ ‫الواليات املتحدة خصوص ًا‪ ،‬فوجهت اصابع االتهام‬ ‫إلى املسلمني بعد كل تفجير يستهدف املصالح‬ ‫األميركية أم الغربية‪ ،‬سواء كان ذلك داخل الواليات‬ ‫املتحدة أو خارجها‪ ،‬وقد بلغ هذا العداء ذروته في‬ ‫أحداث ايلول (سبتمبر) ‪ ،2001‬والتي على أثرها‬ ‫قسمت اإلدارة األميركية العالم الى محور للخير‬ ‫وآخر للشر‪ ،‬وخرجت احلمالت العسكرية األميركية‬ ‫في حرب عاملية‪ ،‬في أكبر حترك عسكري عرفه‬ ‫التاريخ البشري‪ ،‬رافعة لواء احلرية والدميوقراطية‬ ‫وحقوق اإلنسان‪ ،‬مدعية مشاريع التغيير اخلارجية‬ ‫الغربية‪ ،‬واصفة بعضها مبشاريع اإلصالح ضد‬ ‫الفساد‪ ،‬الذي تتبناه دول الثمانية‪ ،‬أو مشاريع‬ ‫الشرق األوسط الكبير أو غيرها‪.‬‬ ‫وفي مقابل ذلك زادت من إجراءات تشويه‬ ‫اآلخر اإلسالمي فيما تصفه باإلسالم الفاشستي‪،‬‬ ‫واملسلمني اإلرهابيني واملتطرفني‪ ،‬فاحتلت الواليات‬ ‫املتحدة وحلف «الناتو» وأتباعهما بعض بالد‬ ‫ً‬ ‫حصارا‬ ‫املسلمني احتال ًال كام ًال‪ ،‬وحاصرت غيرها‬ ‫اجتماعي ًا واقتصادي ًا وسياسي ًا وعسكري ًا‪ ،‬ولكن‬ ‫أخطرها محاربة اإلسالم إيديولوجي ًا واجتماعي ًا‪،‬‬ ‫وذلك بتخويف شعوب العالم والغرب من اإلسالم‪،‬‬ ‫في ما عرف في الغرب باإلسالموفوبيا‪ ،‬والتي شارك‬ ‫بها ولألسف بابا الفاتيكان السابق في اكثر من‬ ‫مناسبة‪ ،‬وزعماء سياسيون على كراسي املسؤولية‪،‬‬ ‫فض ًال عن احلمالت اإلعالمية في اإلساءة الى رموز‬ ‫اإلسالم ومقدسات املسلمني‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫المساهمة األكبر للغرب في‬ ‫صعود اإلسالم السياسي‪،‬‬ ‫هو تبنيه لبعض الحركات‬ ‫اإلسالمية السياسية في‬ ‫مواجهة االحتالل السوفياتي‬ ‫ألفغانستان‬ ‫ما زالت ظاهرة محاربة‬ ‫اإلسالم إيديولوجيًا واجتماعيًا‬ ‫قائمة‪ ،‬وذلك بتخويف شعوب‬ ‫العالم والغرب من اإلسالم‪،‬‬ ‫في ما عرف باإلسالموفوبيا‬ ‫الجمهورية اإلسالمية في‬ ‫إيران اليوم أمام تحديات‬ ‫كبيرة‪ ،‬هي بالدرجة األولى‬ ‫تطوير تجربتها الديموقراطية‬ ‫ومؤسساتها الدستورية‪،‬‬ ‫وأساسه احترام تعدديتها‬ ‫الفكرية والثقافية والمدرسية‬

‫‪18‬‬

‫من هذا املنطلق‪ ،‬نقول ان اإلسالم السياسي‬ ‫اإليراني بعمومه أمام حتد كبير‪ ،‬وأن االنتخابات‬ ‫اإليرانية األخيرة كانت امام حتد دميوقراطي وفق‬ ‫الدستور اإليراني وليس وفق الدساتير الدميوقراطية‬ ‫الغربية‪ ،‬وإذا كان التوجه األميركي اجلديد ليس فرض‬ ‫نظام للحكم من دولة على أخرى‪ ،‬فكذلك ينبغي‬ ‫التعامل مع نتائج االنتخابات اإليرانية األخيرة‪،‬‬ ‫بأنها جزء من النظام السياسي اإليراني الذي ص ّوت‬ ‫عليه الشعب اإليراني‪ ،‬وعلى الغرب ان ال يكرر‬ ‫أخطاءه في التعامل مع اإلسالم السياسي‪ ،‬وباألخص‬ ‫وهو في السلطة السياسية وبيده القوة القانونية‬ ‫والسياسية والعسكرية‪ ،‬فقضايا االنتخابات في‬ ‫الدول اإلسالمية شأن داخلي لكل دولة‪ ،‬وما ميكن‬ ‫تقدميه هو املساعدة ملن يطلبها بالطرق الديبلوماسية‬ ‫املعتمدة‪.‬‬ ‫في املقابل‪ ،‬على اجلمهورية اإلسالمية في‬ ‫ايران ان تستفيد من التجربة الدميوقراطية في تركيا‬ ‫احلديثة‪ ،‬وهي في ظل برملان تركي غالبية أعضائه‬ ‫من التيار اإلسالمي‪ ،‬وحكومة يرأسها حزب العدالة‬ ‫والتنمية‪ ،‬الذي يوظف ثقله اجلماهيري في خدمة‬ ‫قضايا الشعب التركي الداخلية واخلارجية‪ ،‬دون‬ ‫توتر داخلي وال توتر خارجي‪ ،‬فض ًال عن ان اإلسالم‬ ‫السياسي في تركيا لم يصل الى السلطة السياسية‬ ‫من طريق الثورة االنقالبية‪ ،‬وإمنا من طريق الثورة‬ ‫الدميوقراطية اي من طريق صناديق االقتراع التي‬ ‫تع ّبر عن إرادة الشعب وقناعاته‪ ،‬وليس من طريق‬ ‫اجليش وال القوى األمنية‪.‬‬ ‫واإلسالم السياسي في مرحلة اختبار سواء كان‬ ‫في السلطة أو في املعارضة او خارجهما‪ ،‬وجتارب‬ ‫اإلسالم السياسي الديوقراطي تأتي من خارج الوطن‬ ‫العربي‪ ،‬ويقدم ذلك فائدة الى هذه الدول والشعوب‬ ‫اإلسالمية من جتارب دولها في الدميوقراطية‪ ،‬ومن‬ ‫تقبل التعددية السياسية‪ ،‬وتقبل اآلخر الداخلي‬ ‫واخلارجي‪ .‬فإذا احتكم اجلميع الى االنتخابات‪ ،‬فال‬ ‫ينبغي جتاهل ما متثله أصوات التعددية السياسية‪،‬‬ ‫سواء كانت بني أحزاب أو جماعات إسالمية أو‬ ‫علمانية‪ ،‬كما هو احلال مع التجربة اإلسالمية‬ ‫الدميوقراطية في تركيا‪ ،‬فالشعب التركي املسلم كان‬ ‫ً‬ ‫وأخيرا‪ ،‬فإذا ع ّبر عن اختياره‬ ‫وحده صاحب القرار أو ًال‬ ‫بحرية بانتخاب حزب إسالمي أو علماني فهذا قراره‪،‬‬ ‫وال يكره على اختيار آخر‪ ،‬وهذا سر جناح احلركة‬ ‫اإلسالمية في تركيا‪ ،‬وهو احترامها إلرادة الشعب‬ ‫التركي وقراره االنتخابي مما اضطر الطرف اآلخر‬ ‫العلماني للدعوة الى جتاوز الدميوقراطية‪ ،‬والقيام‬ ‫بأعمال وسلوكيات غير دميوقراطية‪ ،‬مما اكسب احلركة‬

‫اإلسالمية في تركيا احترام الداخل وحمايته‪ ،‬واحترام‬ ‫العالم اخلارجي وتقديره‪ ،‬وباألخص العالم الغربي‪،‬‬ ‫بحكم موقعها اجلغرافي وانتمائها األوروبي‪.‬‬ ‫واألمر في إيران أسهل‪ ،‬فكل املتنافسني من داخل‬ ‫اإلسالم السياسي‪ ،‬اي الذين يؤمنون باإلسالم دين ًا‬ ‫ومنهج حياة وحكم‪ ،‬ومن الذين يؤمنون باجلمهورية‬ ‫ً‬ ‫ودستورا‪ ،‬وحتى لو وجد عند‬ ‫اإلسالمية نظام ًا‬ ‫بعضهم محاولة لتغيير الدستور‪ ،‬فهذا من حقهم‪،‬‬ ‫ألن الذين وضعوا الدستور أول مرة هم من الشعب‬ ‫اإليراني ايض ًا‪ ،‬وكل حتسني أو تعديل للدستور‬ ‫سيعرض على الشعب اإليراني‪ ،‬والتغير الدميوقراطي‬ ‫املطلوب هو من داخل الدولة‪ ،‬وليس من خارجها‪،‬‬ ‫وإذا فشل التغيير الدميوقراطي من الداخل‪ ،‬فهو الذي‬ ‫يفتح الباب على مصراعيه ألن يأتي التغيير غير‬ ‫الدميوقراطي من اخلارج‪.‬‬ ‫اجلمهورية اإلسالمية في إيران اليوم أمام‬ ‫حتديات كبيرة‪ ،‬هي بالدرجة األولى تطوير جتربتها‬ ‫الدميوقراطية ومؤسساتها الدستورية‪ ،‬وأساسه احترام‬ ‫تعدديتها الفكرية والثقافية واملدرسية وال أقول‬ ‫الطائفية وال العرقية‪ ،‬فمواطني الدولة الواحدة هم‬ ‫سواء امام الدستور في الدولة العادلة‪ ،‬وأمام حتد‬ ‫إسالمي كبير‪ ،‬فاملسلمون في العالم أجمع يتطلعون‬ ‫الى هذه اجلمهورية واالنتخابات التي جترى فيها‬ ‫بعني الرضا إذا حافظت على إرادة الشعب املسلم‬ ‫وغير املسلم في إيران‪ ،‬وإذا ع ّبر كل مواطن عن رأيه‬ ‫وإرادته بكل حرية وأمن وسالم‪.‬وإن معاجلة األزمة‬ ‫االنتخابية الراهنة امام حتد عاملي ليعرف العالم‬ ‫ان اإلسالم السياسي ال يخشى إرادة الشعب‪ ،‬ألن‬ ‫منبعه هو الشعب نفسه‪ ،‬وكل تغيير دميوقراطي فيه‬ ‫هو معبر عن إرادة إسالم سياسي جديد‪ ،‬يتفاعل مع‬ ‫مستجدات عصره وزمانه ومكانه‪ ،‬فاإلسالم السياسي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واحدا‪ ،‬وال صورة منطية واحدة‪ ،‬ولكل‬ ‫اجتهادا‬ ‫ليس‬ ‫واحدة منها ايجابياتها وسلبياتها‪.‬‬ ‫من حق اإلسالم السياسي ان يلعب دميوقراطيته‬ ‫اخلاصة بشرط حفاظه على حقوق الناس‪ ،‬كما انه‬ ‫ليس من حقه ان ينتهك الدميوقراطيات العاملية‬ ‫في مجال حقوق اإلنسان‪ ،‬وباألخص امام الشعوب‬ ‫واملجتمعات األوروبية واألميركية‪ ،‬وال أقول امام‬ ‫الدول الغربية‪ ،‬التي لها أهدافها وأجندتها اخلاصة‬ ‫في التعامل مع هذه األزمة اإليرانية الراهنة‪ ،‬فعلى‬ ‫اإلعالم اإليراني ان ال يتجاهل مخاطبة الشعوب‬ ‫اإلسالمية والعاملية‪ ،‬وعدم جعلها تقف ضده‪ ،‬فإن‬ ‫لم يكسبها جلانبه‪ ،‬بحكم عدالة قضاياه التي يؤمن‬ ‫بها‪ ،‬فعليه أال يجعلها تقف وراء املغرضني‪ ،‬الذين‬ ‫يتربصون باملسلمني‬


‫نشاطات‬

‫ورشة لمدة ثالثة ايام في مدينة دمياط المصرية‬

‫تدريب ‪« ‬المدربين» ‪ ‬في الدار البيضاء‬ ‫ً‬ ‫استمرارا لبرنامج تدريب مدربي شبكة ‪« ‬الشرق االوسط» ‪ ‬ملهارات‬ ‫النجاح في عالم متغير‪ ،‬اقام املنبر الدولي للحوار االسالمي ورشتني لثالثة‬ ‫ايام‪ ‬في مدينة الدار البيضاء باملغرب في االيام ‪ 17-16-15‬متوز(يوليو)‬ ‫‪ ،2009‬وشارك في الورشة مجموعة من الشباب من كال اجلنسني‪.‬‬

‫عقد املنبر الدولي للحوار االسالمي ورشة في مدينة دمياط شمالي القاهرة بتاريخ‬ ‫‪ 26- 25-24‬متوز (يوليو) ‪ 2009‬‬ ‫وشارك في اليومني االولني لكال الورشتني شباب من اجلنسني‪ ،‬فيما مت تخصيص‬ ‫اليوم الثالث ملناقشة مالحظات املدربني ومتابعة ادائهم‪ .‬وقد أقيمت الورشة بالتعاون‬ ‫مع جمعية مصر للثقافة واحلوار في مدينة دمياط ضمن مشروع تدريب مدربي شبكة‬ ‫مهارات النجاح في عالم متغير في الشرق األوسط‪.‬‬

‫ورشة باللغة االنكليزية ضمن برنامج الدورة التدريبية ‪ ‬الخاص ببريطانيا واوروبا‬

‫نظم املنبر الدولي للحوار االسالمي ورشة باللغة االنكليزية ضمن برنامج‬ ‫الدورة التدريبية ‪« ‬مهارات النجاح في عالم متغير» اخلاص ببريطانيا واوروبا‪.‬‬ ‫وذلك في السادس والعشرين من ايلول (سبتمبر) ‪.2009‬‬ ‫وهدفت الورشة الى التعريف بالدورة واملفاهيم االساسية التي تشكل مادتها‬ ‫ومقاربتها العلمية‪ ،‬باالضافة الى متيزها بالبرمجة القرآنية‪.‬‬ ‫حضر الورشة «‪ »30‬مشارك ًا من املهتمني الشباب من اجلنسني‪ ،‬من كل من‬

‫مدينة لندن‪ ،‬ليدز‪ ،‬ومانشستر البريطانية‪ .‬وسيخضع عدد من املشاركني ممن ابدوا‬ ‫رغبتهم وحماسهم‪ ،‬لتدريب مكثف في االشهر االربعة املقبلة لتأهيلهم كمدربني‪.‬‬ ‫سيشمل برنامج التدريب املكثف حصص ًا اسبوعية مع لقاءات على الشبكة‬ ‫االلكترونية شهريا‪ ،‬الى جانب اقامة ورشة تدريبية كاملة للشباب مبساهمة‬ ‫مباشرة من اخلاضعني للتدريب‪ ،‬وثم يختتم البرنامج مبخيم ليومني مع املدربني‬ ‫ومشاركني من الشباب املسلم في بريطاني‪.‬‬ ‫‪19‬‬


‫بين الحركات الوسطية والسلفية الراديكاليـ‬ ‫التيار السلفي يملك من القدرة‬ ‫على محاصرة «الحركات‬ ‫الوسطية» وابتزازها لفرض‬ ‫استراتيجيته في التغيير‬ ‫تخطئ حركات التوجهات‬ ‫الوسطية إذا اعتقدت بأنها‬ ‫يمكن أن تتعايش مع التيارات‬ ‫السلفية‬

‫صالح الجورشي‬ ‫موقع «تونس اونالين نت»‬

‫‪20‬‬

‫قد ال تكون املعركة التي دارت بني حركة حماس‬ ‫وجماعة «جند أنصار الله» األخيرة‪ ،‬رغم أنها حسمت‬ ‫عسكريا بسرعة لصالح احلكومة املقالة‪ ،‬وانتهت مبوت‬ ‫زعيم املجموعة عبداللطيف موسى الذي أعلن عن‬ ‫قيام «إمارة إسالمية» مبدينة غزة‪،‬‬ ‫وما املناوشات املسلحة التي تشنها حاليا فلول‬ ‫هذه اجلماعة سوى مؤشر على ما ستلقاه مؤسسات‬ ‫حماس وحكومتها من تخريب وتشكيك في إسالمها‬ ‫وشرعية سياساتها من قبل التنظيمات السلفية‬ ‫الراديكالية‪.‬‬ ‫وإذا استثنينا التقارير اإلسرائيلية واألميركية‬ ‫واألوروبية‪ ،‬فإن حركة حماس تصنف ضمن احلركات‬ ‫املعتدلة‪ ،‬أو ما يسمى داخل األوساط احلركية بـ‬ ‫«الدائرة الوسطية»‪ ،‬ويقصد بذلك احلركات والتيارات‬ ‫التي تتجنب اللجوء إلى العنف في مسعاها‬ ‫للوصول إلى السلطة‪ ،‬ومتيل في أطروحاتها الدينية‬ ‫والسياسية إلى جتنب «الغلو»‪ ،‬وتقبل باالحتكام‬ ‫إلى صناديق االقتراع والتكيف املتفاوت فيما بينها‬ ‫مع ضرورات احلداثة والعمل املؤسساتي‪ ،‬ومن هذه‬ ‫الزاوية‪ ،‬فإن حركة حماس ذات الوالء التاريخي حلركة‬ ‫«اإلخوان املسلمني»‪ ،‬قبلت باللعبة الدميقراطية‪،‬‬ ‫وخاضت االنتخابات الرئاسية والتشريعية‬ ‫ببرنامج سياسي وصفه الكثيرون يومها بكونه‬ ‫«براغماتي ًا»‪ ،‬إلى جانب متسكها بنهج املقاومة‪.‬‬ ‫لقد بينت التجارب قدميها وحديثها أن احلركات‬ ‫العقائدية تفتح الباب آلي ًا لوالدة حركات من‬ ‫نفس طبيعتها‪ ،‬تتقاطع معها في بعض القناعات‬ ‫واألهداف‪ ،‬لكنها تقف إلى ميينها لتزايد عليها‪،‬‬ ‫وتعمل على تهيئة نفسها حتى تكون بدي ًال عنها‪،‬‬ ‫ومبا أن حركة حماس ذات التوجه اإلسالمي قد‬ ‫انتقلت من صفوف املعارضة إلى واجهة السلطة‪ ،‬فقد‬ ‫أنعش ذلك التنظيمات الدينية الصغيرة واملنافسة‪،‬‬ ‫التي ارتفع صوتها خالل السنوات األخيرة مثل‬ ‫حزب التحرير واملجموعات السلفية‪ ،‬التي أصبحت‬ ‫بدورها تستسهل عملية الوصول إلى السلطة لفرض‬ ‫قناعاتها وتصوراتها حول الدين والدولة‪ ،‬وبدال من‬ ‫قيام هذه األطراف بدعم اجلهود العقائدية والسياسية‬ ‫حلماس بحكم وجود قواسم مشتركة بينها‪ ،‬نراها قد‬

‫غ ّلبت خالفاتها اإليديولوجية مع احلكومة املقالة‪،‬‬ ‫وأخذت تشكك في الرؤية الدينية التي تنطلق منها‬ ‫حركة حماس لتبرير اختياراتها السياسية‪ ،‬ومبا أن‬ ‫تنظيم القاعدة قد جعل من القضية الفلسطينية‬ ‫ً‬ ‫محورا رئيسي ًا من محاور خطابه التحريضي‪ ،‬فقد‬ ‫وجد في «البراغماتية اجلزئية» التي انتهجتها حركة‬ ‫حماس للتكيف مع ضرورات املرحلة مدخ ًال للهجوم‬ ‫عليها‪ ،‬وممارسة أقصى درجات الضغط من أجل‬ ‫ابتزازها أو بناء شرعية داخل غزة على حسابها‪.‬‬ ‫لقد حاولت حركة حماس جتاهل هذه اجلماعة وغيرها‪،‬‬ ‫كما أنها‪ ،‬وحتت تأثير شق من داخلها‪ ،‬سرعت أحيانا‬ ‫اخلطى في اجتاه ما يسمى بخيار «أسلمة القطاع»‬ ‫في مسعى الحتواء الضغوط الدينية والسياسية التي‬ ‫متارسها هذه اجلماعات‪ ،‬وفي هذا السياق ميكن فهم‬ ‫األحداث املتعلقة مبحاولة «فرض احلجاب»‪ ،‬والتركيز‬ ‫على اخلطاب الدعوي لتنقية املجتمع الغزاوي مما‬ ‫يعتبره البعض «ظواهر اجتماعية غير إسالمية»‪،‬‬ ‫وهي محاوالت تعارضت مع مبدأ احلريات الشخصية‪،‬‬ ‫وأظهرت حركة حماس في مظهر اجلماعة الدينية وليست‬ ‫حزبا سياسيا أو حركة وطنية تعمل على استيعاب‬ ‫كل املجتمع الفلسطيني مبختلف تنوعاته وفئاته‪.‬‬ ‫وما حصل حلماس تكرر مع غيرها في أكثر من بلد‬ ‫عربي أو مسلم‪ ،‬فالتيار السلفي الراديكالي ميلك من‬ ‫القدرة على محاصرة «احلركات الوسطية» وابتزازها‬ ‫من أجل أن يفرض عليها استراتيجيته في التغيير‪،‬‬ ‫أو أن يضعفها ويقصيها تدريجيا ليحتل مكانتها‪،‬‬ ‫ويتجه رأسا إلى محاولة افتكاك السلطة وتأميم الدولة‪.‬‬ ‫لقد حدث ذلك من قبل أن يولد تنظيم القاعدة‪،‬‬ ‫ففي مصر‪ ،‬قامت (اجلماعات اإلسالمية) في‬ ‫محاولة إلفراغ حركة اإلخوان املسلمني من شبابها‪،‬‬ ‫بعد أن أصيبت هذه األخيرة بشلل حركي وعجز‬ ‫سياسي‪ ،‬وقد كادت أن تنفرد هذه اجلماعات بقيادة‬ ‫الساحة الدينية لوال األخطاء االستراتيجية التي‬ ‫وقعت فيها نتيجة تبنيها ملنهج العنف العشوائي‪.‬‬ ‫وتكررت التجربة في الساحة اجلزائرية‪ ،‬حني جنحت‬ ‫«جبهة اإلنقاذ» في سحب البساط من «حركة‬ ‫مجتمع السلم» التي أسسها الشيخ املرحوم محفوظ‬ ‫نحناح‪ ،‬وكادت أن جت ّير كامل الساحة الدينية لصالح‬


‫ــة‪ :‬هل التعايش ممكن؟‬ ‫مشروعها الغامض‪ ،‬وكانت النتيجة الدخول‬ ‫في مواجهة مسلحة مع النظام اجلزائري أدت‬ ‫إلى كارثة بشرية وسياسية‪ ،‬وكلما استمر‬ ‫التوغل في العنف املسلح‪ ،‬كانت القيادة‬ ‫امليدانية تنتقل إلى املجموعات األشد تطرف ًا‬ ‫وعنف ًا حتى أصبحت اجلبهة ً‬ ‫أثرا بعد عني‪.‬‬ ‫وما يجري في الصومال ليس سوى سيناريو‬ ‫آخر‪ ،‬تعمل املجموعات الراديكالية املسلحة‬ ‫من أجل فرضه على هذا البلد الفقير واملفكك‪،‬‬ ‫ضد اجلناح الذي أراد أن يحول صيغة‬ ‫احملاكم اإلسالمية إلى مشروع وطني جامع‪.‬‬ ‫وخالصة القول‪ ،‬تخطئ حركات اإلسالم‬ ‫السياسي ذات التوجهات الوسطية إذا اعتقدت‬ ‫بأنها ميكن أن تتعايش مع التيارات السلفية‬ ‫الراديكالية‪ ،‬صحيح أنه يجمعهما الكثير من‬ ‫مكونات اخلطاب العقائدي واألخالقي‪ ،‬لكن‬ ‫يفرق بينهما أسلوب العمل ومنهج التغيير‪،‬‬ ‫وللمنهج تأثير حاسم على األوضاع ومجريات‬ ‫األحداث‪ ،‬وهو احملدد لطبيعة املصالح‬ ‫ورهانات أطراف الصراع حول السلطة والثروة‪.‬‬ ‫إن «احلركات الوسطية»‪ ،‬جتد نفسها‬ ‫في حتديد املوقف من ظاهرة السلفية‬ ‫الراديكالية أمام ثالثة احتماالت‪:‬‬ ‫أو ًال‪ :‬العمل على االحتواء األيديولوجي‬ ‫للتيار السلفي‪ ،‬ويعني ذلك توسيع دائرة‬ ‫االهتمام بالشؤون العقائدية‪ ،‬وتنظيم حمالت‬ ‫أوسع ومكثفة تدور حول املسائل األخالقية‪.‬‬ ‫ويعتقد من يؤمن بهذا االختيار أن من‬ ‫شأن ذلك أن يقطع الطريق أمام اجلماعات‬ ‫الراديكالية‪ ،‬ويجعل من حركات اإلسالم‬ ‫السياسي ذات التوجه الوسطي مبثابة اجلهة‬ ‫األكثر شرعية للدفاع عن اإلسالم وحمايته‪،‬‬ ‫لكن مشكلة هذا التوجه أنه يجر احلركات‬ ‫السياسية إلى مزالق عديدة‪ ،‬ويحولها ‪ -‬في‬ ‫حالة وصولها إلى احلكم‪ -‬إلى سلطة دينية‬ ‫ورقابية وعقابية متعارضة مع حرية العقيدة‬ ‫والتدين‪ ،‬كما أن هذا التوجه هو انتقال إلى‬ ‫ملعب احلركات السلفية الذي حتسن مت ّلك‬

‫أدواته مبا اكتسبته من قدرات سجالية على‬ ‫انتقاء النصوص وتوظيفها لصالح أهدافها‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬خيار املواجهة‪ :‬وهذه املواجهة ميكن‬ ‫أن تبدأ فكرية وسياسية‪ ،‬لتنتقل فيما بعد‬ ‫إلى مواجهة مسلحة كما حدث في أكثر‬ ‫من مكان‪ ،‬وال شك في أن اللجوء إلى لغة‬ ‫السالح يعتبر أسوأ االحتماالت‪ ،‬لكنه غير‬ ‫مستبعد‪ ،‬خاصة إذا بادرت اجلماعات السلفية‬ ‫برفع السالح‪ ،‬وشرعت في إنشاء قوة عسكرية‬ ‫موجهة ضد خصومها‪ ،‬ولعل هذا اجلانب هو‬ ‫الذي دفع بالشيخ يوسف القرضاوي إلى‬ ‫إضفاء الشرعية على ما أقدمت عليه حكومة‬ ‫حماس ضد جماعة «جند أنصار الله»‬ ‫ثالث ًا‪ :‬أن تعمل احلركات الوسطية على تطوير‬ ‫رؤيتها للعمل السياسي‪ ،‬وذلك بالفصل بني‬ ‫مفهوم احلزب من جهة وبني مفهوم اجلماعة‬ ‫الدينية والوعظية من جهة ثانية‪ ،‬وأن تدرك هذه‬ ‫احلركات بأن العمل على أسلمة املجتمعات هو‬ ‫املدخل لتوفير بيئة صاحلة إلنعاش اجلماعات‬ ‫السلفية‪ ،‬فهو مجالها احليوي وخطابها املفضل‬ ‫الذي يجعلها أم َيل إلى ضبط شروط اإلميان‪،‬‬ ‫وحتديد درجات صحة العقائد وضبط السلوك‬ ‫الفردي‪ ،‬كما أنه يرسخ القول بأن أفضل‬ ‫طريقة لتجسيد اإلسالم هي تطبيق الشريعة‬ ‫من خالل افتكاك السلطة وإقامة احلدود‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫املراهنة على‬ ‫واملؤكد أن احلركات اإلسالمية‬ ‫االندماج السياسي ال تزال مترددة في‬ ‫تقدير حجم التحديات واملخاطر التي متثلها‬ ‫اجلماعات السلفية اجلديدة عليها وعلى‬ ‫مستقبلها احلركي والسياسي‪ ،‬إن مصلحتها‬ ‫احليوية تقتضي منها أن تظهر خطوط التمايز‬ ‫بينها وبني التيارات الراديكالية حتى ال‬ ‫تختلط األوراق‪ ،‬ألن تعومي االختالفات بحجة‬ ‫تغليب القواسم املشتركة‪ ،‬لن يؤدي عملي ًا إال‬ ‫إلى تفخيخ هذه احلركات‪ ،‬واستدراجها نحو‬ ‫املناطق الرمادية‪ ،‬التي ستجعل منها الوجه‬ ‫اآلخر للتيارات السلفية املتشددة‪ ،‬وهو ما‬ ‫يعتقده الكثير من خصوم هذه احلركات‬

‫في ظاهرة اإلسالم السياسي‬ ‫تعتبر ظاهرة اإلسالم السياسي من الظواهر التي القت‬ ‫وتلقي بظاللها على احلياة السياسية واالجتماعية والفكرية‬ ‫في الوطن العربي‪ .‬وال شك أن الصراع واجلدل مع طروحات وأفكار‬ ‫التيارات واجلماعات اإلسالمية هو صراع وجدل فكري وسياسي‬ ‫حتكمه قوانني الصراع واألضداد في كل زمان ومكان‪.‬‬ ‫وهنالك فرق بني اإلسالم كدين وبني االيديولوجيا‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬فالدين قيم ورحابة صدر وانفتاح ورحمة وإنسانية‬ ‫وعدالة ومساواة وسماحة وقبول باجلدل واالجتهاد والرأي‬ ‫املضاد ويدعو لذلك‪ .‬اما االيديولوجيا فهي تكفير وعنف‬ ‫ودكتاتورية وحتزب وتعصب وحتجر وإرهاب ورفض لوجهة النظر‬ ‫األخرى‪ ،‬ويستطيع أإلنسان أن يكون متدينا ً وعلمانيا ً في اّن‬ ‫ألن العلمانية هي باألساس موقف من احلياة وليس من الدين‪.‬‬ ‫ويجب أن ال يغيب عن اذهاننا امر اساسي وهو بأنه من حق كل‬ ‫إنسان ممارسة الشعائر الدينية وتبني العقائد التي تتماشى‬ ‫مع قناعاته وموروثاته ولكن ليس من حقه أن يفرض هذه‬ ‫القناعات على االّخرين بقوة السالح‪ ،‬وباحلديد والنار والعنف‬ ‫واإلرهاب‪.‬‬ ‫ان اعمال القتل وممارسات القمع واإلرهاب الفكري التي‬ ‫تقوم بها احلركات واملنظمات واجلماعات الدينية السياسية‬ ‫واالصولية تسيء وتش ّوه الصورة احلقيقية واملشرقة لإلسالم‬ ‫املتنور‪ ،‬اإلسالم الذي يحض على الثورة االجتماعية ومقاومة‬ ‫الفقر واجلهل والتخلف والفساد والقهر والظلم واالضطهاد‪،‬‬ ‫وأننا ال ننسى صرخة الفاروق عمر بن اخلطاب «متى استعبدمت‬ ‫الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا» او صيحة ابي ذر الغفاري‬ ‫«عجبت ملن ال يجد القوت في بيته كيف ال يخرج الى الناس‬ ‫شاهرا ً سيفه»‪.‬‬ ‫أن تاريخنا اإلسالمي وحضارتنا العربية اإلسالمية ال عالقة‬ ‫لهما بالطروحات والصياغات السلفية االصولية‪ ،‬وهما يحفالن‬ ‫باالجنازات في مجال الفكر والثقافة والتنوير الديني‪ ،‬وهناك‬ ‫حركات دينية ثورية وعقالنية وإصالحية ساهمت في تقدمي‬ ‫منوذج اصيل جلوهر اإلسالم ومتردت وثارت على القهر اإلنساني‬ ‫واالستبداد السياسي كالقرامطة والزجن واملعتزلة والشيعة‬ ‫والظاهرية وغيرها من احلركات‪ .‬ومن الضروري االشارة الى‬ ‫اسهامات رجاالت عصر النهضة في اعالء راية اإلسالم وتطوير‬ ‫الرؤية العقالنية البعيدة عن التزمت والتعصب‪ ،‬ودورهم في‬ ‫إصالح األمة بالتحليل العمي‪ ،‬والتحليل العقلي واالستقراء‬ ‫واالستنباط‪.‬‬ ‫واخيرا ًفأن اإلصالح احلقيقي واالنبعاث الفعال لروح‬ ‫اإلسالم سيبدأ بالفصل بني الدين والسياسة والتخلص من‬ ‫ذهنية التحرمي والتكفير‪ ،‬والتحرر من قيود السلفية والتمسك‬ ‫باملوقف العقالني وجتديد الفكر الديني بحيث ينسجم مع‬ ‫احلداثة ويتساوق مع العلمانية وينسجم مع الدميقراطية‬ ‫ويتماشى مع العلم احلديث والتكنولوجيا املتطورة‪.‬‬

‫شاكر فريد حسن‬

‫موقع «التجديد العربي»‬

‫‪21‬‬


‫المشروع اإلسالمي في خطر‬ ‫اإلسالميون أمام استحقاق‬ ‫فعلي في ملفات حقوق‬ ‫اإلنسان والحريات العامة‬ ‫االستبداد باسم الدين أشد‬ ‫خطورة ومرارة من االستبداد‬ ‫العلماني ألنه يحيط نفسه‬ ‫بقدسية إلهية‬ ‫مجتمعاتنا في شوق إلى‬ ‫اإلسالم الذي يفكر في بناء‬ ‫المزيد من المصانع وليس بناء‬ ‫المزيد من السجون‬

‫جمال سلطان‬ ‫صحيفة «املصريون»‬

‫‪22‬‬

‫يحتاج التيار اإلسالمي إلى بذل املزيد من‬ ‫اجلهد التنظيري واجلهاد العملي إلزالة هواجس‬ ‫املجتمع والنخبة والتيارات السياسية والفكرية‬ ‫األخرى من مسألة موقفه من احلريات العامة ومن‬ ‫حقوق اإلنسان ومن العدالة والقانون واحترام احلق‬ ‫في االختالف‪.‬‬ ‫كنا ندافع قبل سنوات عن اإلسالميني‬ ‫باعتبار أنهم املجني عليهم وأنهم ضحية البطش‬ ‫السلطوي في كل مكان وأنهم «اجلنس» املستباح‬ ‫في الدول اإلسالمية قاطبة‪ ،‬وكان الكالم صحيحا‬ ‫بالطبع‪ ،‬ولكن اآلن‪ ،‬وبعد ظهور جتارب وممارسات‬ ‫في فلسطني ولبنان والعراق وإيران وأفغانستان‬ ‫والصومال والسودان‪ ،‬لم يعد هذا الدفاع مقبوال أو‬ ‫كافيا إلزالة االلتباس وإزالة الهواجس من غياب‬ ‫هذا امللف عن اهتمامات اإلسالميني‪ ،‬بطبيعة احلال‬ ‫حرك هذا اخلاطر عندي ما حدث في رفح األسبوع‬ ‫املاضي واستباحة ميليشيات حماس «اإلسالمية»‬ ‫دماء إخوان لهم من «اإلسالميني» على خلفية نزاع‬ ‫له إرث طويل من اخلالف الفكري والسياسي‪ ،‬كما‬ ‫أفزعني جدا ما قرأته من تصريحات وتعليقات لعدد‬ ‫من الرموز اإلسالمية في تبرير ما وقع وصمت آخرين‬ ‫عن التعليق هروبا من مواجهة املشكلة‪ ،‬فضال عن‬ ‫التعليقات الكثيرة التي كشفت عن أن اإلسالميني‬ ‫يعيشون فراغا حقيقيا في هذه املسألة‪.‬‬ ‫لم يعد الهاجس هنا وقفا على التيارات األخرى‬ ‫املخالفة للتيار اإلسالمي‪ ،‬بل إن هذا الهاجس‬ ‫أصبح مطروحا داخل فصائل التيار اإلسالمي‬ ‫ذاته‪ ،‬وأصبح من املعتاد أن تستمع في املجالس‬ ‫اخلاصة إلى كالم لشخصيات إسالمية دعوية‬ ‫أو فكرية تبدي قلقها من «احلال» إذا ما توسد‬ ‫احلكم هذا الفصيل اإلسالمي أو غيره‪ ،‬بل إن هناك‬ ‫من يبدي مخاوف جدية من أن مستويات القمع‬ ‫السلطوي آنذاك ستكون أكثر مرارة وعنفا من القمع‬ ‫السلطوي الذي متارسه النظم العلمانية‪ ،‬املوضوع جد‬ ‫ال هزل فيه‪ ،‬واإلسالميون أمام استحقاق فعلي في‬ ‫ملفات حقوق اإلنسان واحلريات العامة‪ ،‬البعض‬ ‫منا ما زال يتحدث عن اتهامات باخلروج على ولي‬ ‫األمر لتبرير أي مذبحة ترتكب باسم اإلسالم‪ ،‬وعن‬

‫مبررات ولي األمر في اعتقال اآلالف من أجل بسط‬ ‫األمن والسيطرة‪ ،‬والبعض يتحدث عن جواز اقتحام‬ ‫املساجد وضربها بالصواريخ واملدفعية ملطاردة‬ ‫اخلارجني على «السلطة الشرعية»‪ ،‬والبعض ما‬ ‫زال يستسهل «شيطنة» املخالف بجعله يحمل‬ ‫كل موبقات الصفات واملعاني والسلوكيات لتبرير‬ ‫استباحة دمه وعرضه ووجوده‪.‬‬ ‫هذا كالم خطير للغاية‪ ،‬وهو نسخة طبق األصل‬ ‫من اخلطاب القمعي االستبدادي الذي تعاني منه‬ ‫األمة طوال نصف قرن على األقل‪ ،‬فقط نكسوه‬ ‫بكساء إسالمي‪ ،‬ونوشيه ببعض اآليات واألحاديث‬ ‫املختارة واملنتزعة من منظومة متكاملة في الفكر‬ ‫السياسي‪.‬‬ ‫وقد حدثني كثيرون من الدعاة والكتاب يبدون‬ ‫قلقهم مما أسموه «االستبداد باسم الدين» معتبرين‬ ‫أنه أشد خطورة ومرارة من االستبداد العلماني ألنه‬ ‫يحيط نفسه بقدسية إلهية تضاعف من ثقله وآالمه‬ ‫وتضعف من قدرة األمة على مقاومته أو رفضه‪.‬‬ ‫مجتمعاتنا في شوق إلى اإلسالم وشريعته‬ ‫وسماحته وأمانه‪ ،‬ولكن مجتمعاتنا التي عانت‬ ‫طويال من االستبداد والقمع والسجون واملشانق‬ ‫واسترخاص الدم واملطاردات األمنية‪ ،‬تتشوق إلى‬ ‫اإلسالم الذي يحقق لها العدل واألمان وسيادة‬ ‫القانون وحماية حقوق اإلنسان ودعم احلريات‬ ‫العامة‪ ،‬اإلسالم الذي يفكر في بناء املزيد من‬ ‫املصانع وليس بناء املزيد من السجون‪ ،‬وفي تفجير‬ ‫ينابيع املياه واخلير من البر والبحر وليس تفجير‬ ‫املزيد من أنهار الدم‪ ،‬اإلسالم الذي يرسي دعائم‬ ‫السالم االجتماعي وينشر احلب والتسامح وليس‬ ‫الذي يؤسس ألحقاد وصراعات وتصفيات دموية‬ ‫ال يرى لها نهاية‪ ،‬اإلسالم الذي تسع مظلة العدل‬ ‫فيه والعطاء من يتفق معك أو يختلف‪ ،‬وليس‬ ‫الذي تقسم فيه املناصب والعطايا واحلقوق على‬ ‫من يوالون هذا الفصيل أو ينضوون حتت لوائه‬ ‫ويحرم منه «اآلخرون»‪ ،‬اإلسالميون في حاجة إلى‬ ‫مراجعات شاملة وجادة وأمينة‪ ،‬إذا أرادوا حماية‬ ‫صورة املشروع اإلسالمي من املزيد من التشويه‬ ‫الذي حلق به أمام أنفسهم وأمام العالم‬


‫مرض «القابلية لالستعمار» المزمن‬ ‫القابلية لإلستعمار ما زالت جاثمة‬ ‫على عقولنا وولدت في ال‬ ‫وعينا مرضا آخر ال يقل خطورة‬ ‫منها‪ ،‬وهو التسليم بأن التفوق‬ ‫األوروبي واألمريكي هو الغالب‬ ‫التاريخ ال يرحم من يتعامل معه‬ ‫بأي شكل من أشكال التخلف‬ ‫والرجعية واالنهزامية‬ ‫الخلل يكمن في المسلمين‬ ‫الذين تخلوا عن جميع األفكار‬ ‫النيرة في الدين الحنيف‬ ‫المسالم‬

‫موالي محمد إسماعيلي‬ ‫(خاص بالراصد التنويري)‬

‫شخص املفكر اجلزائري األستاذ مالك بن نبي مشكالت‬ ‫احلضارة التي تعانيها األمة اإلسالمية من طنجة إلى جاكارتا‪،‬‬ ‫في مجموعة نادرة من كتبه القيمة التي ال يقرأها إال القليل‬ ‫القليل من الناس‪ ،‬أما الذين يفهمون ما يقول فهم أقل من‬ ‫القليل‪ ،‬ومن بني األفكار التي حتدث عنها فكرة « القابلية‬ ‫لالستعمار» التي يؤكد عبرها مالك بن نبي أن دخول املستعمر‬ ‫إلى الدول املتخلفة‪ ،‬ليس من منطق أنه قوي وميتلك عتادا‬ ‫حربيا متطورا أو جنودا مدربني بشكل جيد‪ ،‬ليس هذا ما‬ ‫جعلهم يحتلون أرضنا‪ ،‬إن ما جعلهم يحتلون أرضنا هو نحن‪،‬‬ ‫فقبل أن يشرع املستعمرون في حتركاتهم االستعمارية‪ ،‬كانت‬ ‫نفسية اخلنوع واالنهزام قد تشكلت لدى العرب واملسلمني‪،‬‬ ‫مما سهل على املستعمر مأموريته‪ ،‬فتمكنت آلته املدمرة من‬ ‫السيطرة على البالد املتخلفة في كل أرجاء العالم في وقت‬ ‫قياسي‪.‬‬ ‫عندما خرجت هذه الفكرة إلى الوجود قامت جمعية علماء‬ ‫اجلزائر ضد مالك بن نبي متهمة إياه أنه يشرعن لالستعمار‬ ‫وال يحمله املسؤولية كاملة فيما ارتكبه من مجازر في حق‬ ‫اجلزائريني‪ ،‬وهو ما أدى بها إلى مطالبة السلطات اجلزائرية‬ ‫آنذاك مبنع كتاب « وجهة العالم اإلسالمي» الذي ألفه مالك‬ ‫بن نبي وحتدث فيه عن فكرته اخلالصة القابلية لالستعمار‪.‬‬ ‫لكن وبعد مرور مدة ليست بالقصيرة أدرك املسلمون أن‬ ‫كالم مالك بن نبي كان صحيحا‪ ،‬وأن املشكلة األولى التي‬ ‫جتعل كفتي امليزان مختلتني هي جرثومة القابلية لالستعمار‬ ‫املستوطنة في عقولنا منذ عصور االنحطاط األولى عند فقدان‬ ‫األندلس وبداية نهاية اإلمبراطورية العثمانية‪ .‬وقد وقف‬ ‫املفكرون عند أهمية هذه الفكرة وتأكدوا أنه بدون معاجلتها‬ ‫كمرض أصابنا ويصيبنا فلن تكون األمور على ما يرام‪ ،‬لكن‬ ‫لألسف الشديد لم يستطع الكثير من املسلمني في العالم حتى‬ ‫اآلن‪ ،‬أن يتحرروا من القابلية لالستعمار‪ ،‬رغم أنهم حصلوا‬ ‫على االستقالل‪ ،‬لكنهم بقوا على حالهم بدون شخصية وال‬ ‫هوية وال محاوالت ذاتية للنهوض من اثار االستعمار‪ ،‬اذ‬ ‫لم يستوعبوا بعد منطق السفينة التي حتكم هذا العالم‪ ،‬رغم‬ ‫أن اإلسالم يؤكد دائما على السننية كمبدأ أساسي وضرورة‬ ‫احترامه لضمان سير جيد للمستقبل دون عراقيل ومشاكل‬ ‫تعيق املسيرة السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬فالسننية‬ ‫هي التي آمنت بها بعض الدول في جنوب شرق آسيا مثل‬ ‫ماليزيا وسنغافورة واندونيسيا واستطاعت في وقت قياسي‬ ‫أن تسجل نفسها في منظومة الدول املتقدمة التي متتلك‬ ‫اقتصادات قوية‪ ،‬وتنافس بشكل جدي وملموس كبريات‬ ‫اإلقتصادات العاملية‪ ،‬فهؤالء فهموا الدرس جيدا وتأكدوا‬

‫أن التبعية العمياء لألقوى لن متكنهم من صنع شخصيتهم‬ ‫األصلية‪ ،‬ولن جتعل جتاربهم تتجاوز املربع األول‪ ،‬إنهم‬ ‫استوعبوا الدرس واستطاعوا أن يضمنوا ألنفسهم مكانا في‬ ‫مصاف الدول الكبرى اقتصاديا وثقافيا وسياسيا‪.‬‬ ‫القابلية لإلستعمار ما زالت جاثمة على عقولنا وولدت‬ ‫في ال وعينا مرضا آخر ال يقل خطورة منها‪ ،‬وهو التسليم‬ ‫بأن التفوق األوروبي واألمريكي هو الغالب‪ ،‬ومهما حاولنا‬ ‫أن نواجههم فلن نستطيع‪ ،‬وترسخ بذلك هذا املرض مما شكل‬ ‫لدينا إحساسا عميقا بأن الدول املتخلفة حكم عليها القدر‬ ‫أن تكون في الصف األخير دائما وأن التاريخ يحتم عليها‬ ‫أن حتمي ظهور أصحاب الصفوف األولى‪ ،‬وأن تبقى وفية‬ ‫بتزويدهم باملواد اخلام من أجل أن يضمنوا تفوقهم الدائم‬ ‫وهيمنتهم الكاملة‪.‬‬ ‫يتبجح الكثير من املنتسبني إلى الدين اإلسالمي بقوة‬ ‫أفكاره وعامليتها‪ ،‬ويقولون بأنه دين يؤسس للطريقة املثالية‬ ‫للعيش في مجتمع العدالة واملساواة‪ ،‬ال يكل هؤالء من‬ ‫ترديد أن اإلسالم هو أعظم الديانات في هذا الوجود‪ ،‬نعم إن‬ ‫اإلسالم هو أعظم دين في هذا الكون‪ ،‬وهو الدين الذي ميتلك‬ ‫منظومة أخالقية واقتصادية واجتماعية وسياسية متكاملة‬ ‫يكمل بعضها بعضا‪ ،‬لكن ملاذا تخلفنا نحن وتقدم اخرون‬ ‫من اصحاب ديانات اخرى‪ ،‬إذا هناك خلال ما في مستوى‬ ‫معني؟‬ ‫اخللل هو في املنتسبني إلى اإلسالم الذين تخلوا عن‬ ‫جميع األفكار النيرة في اإلسالم‪ ،‬تخلوا عن دراسة تعاليم هذا‬ ‫الدين احلنيف املسالم‪ ،‬و لم يعملوا على جعلها حتيا من أجل‬ ‫مصلحة الشعوب‪ ،‬تخلوا عن التعامل مع الرسالة احملمدية‬ ‫كرسالة منقذة للعالم دون أي إقصاء أو أي نفي للمخالفني في‬ ‫الرأي والعقيدة والعرق‪.‬‬ ‫إذا استطاع املسلمون وغيرهم التخلص من فكرة القابلية‬ ‫لالستعمار‪ ،‬وآمنوا مكانها بفكرة القابلية لصنع احلضارة‬ ‫والتاريخ ضمن إميان بسننية إالهية مؤطرة لعملهم‪ ،‬وعلم‬ ‫ومعرفة يزودان العقل مبا يحتاجه من حرية وانطالق وتفكير‪،‬‬ ‫وإميان مطلق بحرية اإلنسان واألفكار واملعتقدات‪ ،‬حينها‬ ‫نستطيع أن ننطلق انطالقة جديدة‪ ،‬انطالقة كلها فن وإبداع‬ ‫ونظرة مشرقة إلى املستقبل‪ .‬فالتاريخ ال يرحم من يتعامل معه‬ ‫بأي شكل من أشكال التخلف والرجعية واالنهزامية‪ ،‬وسيجل‬ ‫بفخر من يسعون لصناعته صناعة حقيقية مثمرة‪ ،‬عمادهم‬ ‫في ذلك هو علم حقيقي وسلم يعم األمكنة واألزمة‪ ،‬فالعالم‬ ‫يقاس مبا فيه من أفكار وال يقاس مبا فيه من أشياء‪ ،‬كما اكد‬ ‫املفكر مالك بن نبي‬

‫‪23‬‬


‫إحياء «الخالفة اإلسالمية» في لندن‬ ‫اإلسالم ال يعارض الديمقراطية‬ ‫وهناك قدر مشترك بين الشورى‬ ‫والديمقراطية‬ ‫يعيش البعض من الشباب‬ ‫المسلم في أعرق ديمقراطية‬ ‫(بريطانيا) بينما يحلم بعودة‬ ‫الخالفة!!‬ ‫الديمقراطية‪ ..‬تلك الوصفة‬ ‫السحرية التي مكنت اإلنسان من‬ ‫تفجير طاقاته ليكتشف ويخترع‬ ‫ويبدع ويصنع معجزات علمية‬ ‫وحضارية غيرت حياة البشرية‬

‫عبدالحميد األنصاري‬ ‫صحيفة «االحتاد» الظبيانية‬

‫‪24‬‬

‫كنت بصحبة اإلعالمي والكاتب القطري‬ ‫املعروف د‪ .‬أحمد عبد امللك‪ ،‬نتجول في‬ ‫شارع «إدجورد رود» شارع العرب في لندن‪،‬‬ ‫واستوقفتني طاولة منصوبة على الرصيف‬ ‫عليها كتب عربية والتف حولها شباب عرب‬ ‫يروجونها‪ ،‬اقتربت منهم ووقع بصري على كتيب‬ ‫بعنوان «الدميقراطية نظام كفر»‪ .‬وقفت متسائ ً‬ ‫ال‬ ‫بدهشة‪ :‬كيف تكون الدميقراطية نظام كفر؟!‬ ‫سارع الشباب وأجابوني‪ :‬ألنها جتعل احلاكمية‬ ‫للشعب‪ ،‬واإلسالم جعل احلاكمية لله وحده‪ .‬‬ ‫وهكذا استدرجنا حلوار على غير استعداد‬ ‫ً‬ ‫محاورا‪ :‬إن‬ ‫حول اإلسالم والدميقراطية‪ ،‬قلت‬ ‫اإلسالم ال يعارض الدميقراطية وهناك قدر‬ ‫مشترك بني الشورى والدميقراطية في اختيار‬ ‫الناس حلكامهم وممثليهم ومراقبتهم‪ ،‬واإلسالم إذ‬ ‫أمرنا بالشورى إال أنه لم يلزمنا بنظام محدد‪ ،‬ألن‬ ‫األنظمة تتطور بتطور املجتمعات‪ ،‬واإلسالم أتى‬ ‫بقواعد عامة في السياسة واالقتصاد واالجتماع‬ ‫هي «الثوابت»‪ ،‬ولم يأت بأنظمة تفصيلية ألنها‬ ‫وبناء عليه ال مانع من اإلفادة‬ ‫من «املتغيرات»‪،‬‬ ‫ً‬ ‫من التجارب الغربية في السياسة واالقتصاد‪،‬‬ ‫ما دامت ال تتعارض مع الثوابت اإلسالمية‪ .‬‬ ‫امتدت املناقشات على قارعة الطريق دون أن‬ ‫حتقق ثمرة‪ ،‬فهؤالء الشباب هم من حزب التحرير‬ ‫اإلسالمي في بريطانيا‪ ،‬يروجون لنظام اخلالفة‬ ‫اإلسالمي بدي ً‬ ‫ال عن الدميقراطية‪ ،‬وينشطون‬ ‫إلحيائها ويرون في اخلالفة احلل املنشود‬ ‫ملشكالت العالم اإلسالمي‪ .‬وقبل أن نفترق‬ ‫ً‬ ‫منشورا كانوا يوزعونه على املارة العرب‬ ‫سلمونا‬ ‫مبناسبة الشهر الفضيل‪ ،‬وأهدوني الكتيب الذي‬ ‫كان مثار اخلالف راجني أن أقرأه فيما بعد‪ .‬‬ ‫بعد عودتي قرأت املنشور والكتيب‪،‬‬ ‫فهالتني كمية األوهام والهواجس ونظريات‬ ‫التآمر ومشاعر الكراهية والعداء حلضارة الغرب‪،‬‬ ‫أما املنشور فهو خطاب حتريضي ضد الغرب في‬ ‫عقر داره‪ ،‬إذ يقول‪ :‬إننا نذكر أمتنا في هذا‬ ‫الشهر كيف انتصرنا على األوروبيني في ‪28‬‬ ‫رمضان ‪92‬هـ‪ ،‬وكان املسلمون على بعد ‪30‬كم‬

‫من باريس الكفر وماخور البغاء‪ ..‬ويطالب‬ ‫املنشور املسلمني بالعمل على إقامة اخلالفة‬ ‫كفرض ديني القعود عنه معصية‪ ،‬بل ويطالب‬ ‫باستخدام القوة لرد سلطان األمة املغتصب من‬ ‫أجل عقد البيعة لرجل منها خليفة للمسلمني‪،‬‬ ‫أما الطالب والشباب فعليهم االنضمام حلزب‬ ‫التحرير ليتعلموا اإلسالم‪ ،‬وأما بقية املسلمني‬ ‫فعليهم نصرة احلزب وترويج كتبه ومنشوراته!‪ ‬‬ ‫يتحسر املرء على طاقات الشباب املتحمس‬ ‫املهدرة! هؤالء يعيشون في أعرق دميقراطية‬ ‫ويحلمون بعودة اخلالفة!! ولو كانوا في ظل هذه‬ ‫اخلالفة كما يتصورونها‪ ،‬ملا استطاعوا الترويج‬ ‫لبرنامجهم مثلما تسمح الدميقراطية الغربية بنشر‬ ‫أفكارهم وبرنامجهم‪ .‬أما الكتيب الذي يصف‬ ‫الدميقراطية بأنها كفر ويحرم أخذها أو تطبيقها‬ ‫أو الدعوة إليها‪ ،‬فأمره أعظم وأشد خطورة‬ ‫على الناشئة‪ ،‬ويبدو أن مؤلفه (عبد القدمي‬ ‫زلوم) أحد منظري احلزب‪ ،‬حيث يبدأ بالهجوم‬ ‫على الدميقراطية التي يسوقها الغرب الكافر‬ ‫في بالد املسلمني‪ ،‬ويقول بالنص‪« :‬يحرم على‬ ‫املسلمني أخذ الدميقراطية أو تطبيقها أو الدعوة‬ ‫إليها حترمي ًا جازم ًا»! يتناسى املؤلف أن التحرمي‬ ‫اجلازم لله وال بد له من نص قاطع‪ ،‬فأين هذا‬ ‫النص بتحرمي الدميقراطية؟! يلخص املؤلف أسس‬ ‫الدميقراطية فيما يأتي‪ :‬‬ ‫‪ .1‬الدميقراطية من وضع البشر وليست من‬ ‫الله‪ ،‬فال صلة لها بأي دين‪ ،‬‬ ‫‪ .2‬وهي تفصل الدين عن احلياة والدولة‪ ،‬‬ ‫‪ .3‬وتقوم على أساس سيادة الشعب وأنه‬ ‫مصدر السلطات‪ ،‬‬ ‫‪ .4‬وتعتمد على أصوات األكثرية في اختيار‬ ‫احلكام وممثلي الشعب في القرارات التشريعية‪ ،‬‬ ‫‪ .5‬وتنادي باحلريات العامة (العقيدة‪،‬‬ ‫الرأي‪ ،‬التملك‪ ،‬احلرية الشخصية)‪ .‬‬ ‫وفي رأي املؤلف أن هذه األسس مخالفة‬ ‫لإلسالم‪ ،‬فالشعب ال ميلك السيادة في اإلسالم‬ ‫والسيادة لله وحده‪ ،‬وليس من حق األمة التشريع‪،‬‬ ‫ولو اجتمعت على إباحة الربا والزنا أو تبني‬


‫احلريات العامة فال يساوي إجماعهم جناح‬ ‫بعوضة‪ ،‬وال يحق لألمة عزل احلاكم ولو كان‬ ‫ظامل ًا ألن طاعته واجبة‪ ،‬أما قاعدة األكثرية‬ ‫التي تقوم عليها الدميقراطية فغير معتبرة‬ ‫شرع ًا‪ ،‬ألن األمور التشريعية بيد اخلليفة‬ ‫وحده وليس عليه أن يرجع ملجلس األمة‪،‬‬ ‫كما أن رأي املجلس ولو باإلجماع غير ملزم‬ ‫له‪ .‬أما احلريات العامة في الدميقراطية فهي‬ ‫مصدر ويالت البشرية وانحدار املجتمعات‬ ‫الدميقراطية إلى مستوى البهائم‪ ،‬حيث‬ ‫ممارسة اجلنس أصبحت مباحة كشرب املاء‪،‬‬ ‫وفي الصيف تغتنم النساء األوروبيات بروز‬ ‫الشمس ليستلقني في احلدائق عاريات‪،‬‬ ‫واإلسالم يرفض هذه احلريات األربع‪ .‬‬ ‫وفي جرأة غير محمودة يقرر املؤلف أنه‬ ‫«ال توجد في اإلسالم حرية إال حرية حترير‬ ‫العبيد»‪ ،‬ألن املسلم مقيد في جميع أفعالة‬ ‫في الشرع وليس ً‬ ‫حرا‪ ،‬ولذلك يكون من‬ ‫التضليل أن يقال إن الدميقراطية من اإلسالم‪،‬‬ ‫ويتساءل املؤلف‪ :‬كيف استطاع الغرب‬ ‫الكافر أن يسوق الدميقراطية لدى املسلمني؟!‬ ‫ويجيب بأن الغرب وضع خطة جهنمية لغزو‬ ‫العالم اإلسالمي تبشيري ًا وثقافي ًا‪ ،‬إلبعاد‬ ‫املسلمني عن دينهم والقضاء على دولة‬ ‫اخلالفة‪ ،‬وساعدتهم في ذلك النخبة املثقفة‬ ‫ورجال السياسة‪ ،‬وبعض الدعاة اإلسالميني‬ ‫الذين قالوا إن النظام الدميقراطي ال يناقض‬ ‫اإلسالم وأن احلريات العامة من اإلسالم‪ ،‬مع‬ ‫أنهما يناقضان اإلسالم كلي ًا‪ .‬‬ ‫هذا أبرز ما جاء في هذا الكتيب في‬ ‫تكفير الدميقراطية واحلضارة الغربية والدعوة‬ ‫لنظام اخلالفة اإلسالمية‪ ،‬وللقارئ أن يتساءل‬ ‫ومبنطق بسيط‪ :‬إذا كانت الدميقراطية بكل‬ ‫هذه الشرور والسيئات فكيف حقق الغرب‬ ‫تقدمه املذهل في كافة ميادين احلياة؟! كيف‬ ‫حققوا الفتوحات العلمية املدهشة والتي من‬ ‫ثمراتها ما تنعم به البشرية اليوم؟!‪ ‬‬ ‫أليس ذلك بفضل الدميقراطية؟ تلك‬ ‫الوصفة السحرية التي مكنت اإلنسان من‬ ‫تفجير طاقاته ليكتشف ويخترع ويبدع‬ ‫ويصنع معجزات علمية وحضارية غيرت‬ ‫حياة اإلنسان وجعلته يخترق حواجز الزمان‬ ‫واملكان؟! هل كان باإلمكان حتقيق أي إجناز‬ ‫تقني أو تقدم علمي أو تطور معرفي لوال‬ ‫قيم الدميقراطية؟! هل كان للغرب أن يحقق‬

‫السالم االجتماعي واالنتقال السلمي للسلطة‬ ‫بغير األسلوب الدميقراطي؟! ثم ملاذا تركيز‬ ‫املؤلف على سلبيات الغرب وأين ايجابيات‬ ‫احلضارة الغربية؟!‪ ‬‬ ‫وإذا كان الشباب املسلم في الغرب ال‬ ‫يرون في احلضارة الغربية إال اإلباحية واملادية‬ ‫ففيم بقاؤهم هناك؟! وإن تعجب فأعجب‬ ‫لشباب عرب ينعم مبناخ احلرية‪ ،‬لكنه يسعى‬ ‫إلى نظام قهري يصادر احلريات باسم اخلالفة!‬ ‫ما قيمة هذه اخلالفة في ميزان اإلسالم؟ هل‬ ‫حتققت في ظلها مبادئ العدالة واملساواة‬ ‫والشورى أم كان اإلسالم مجرد شعار أو قناع‬ ‫إلخضاع البالد والعباد؟!‪ ‬‬ ‫اخلالفة التي يدعو إليها حزب التحرير‬ ‫نظام قهري امتد ألف عام‪ ،‬ولم يجن املسلمون‬ ‫منه إال جه ً‬ ‫ال وفرقة وصراعات دموية‪ ،‬وكانت‬ ‫السبب في تخلف املسلمني قرون ًا طويلة!‬ ‫القول بأن اخلالفة فريضة والقعود عنها‬ ‫معصية‪ ،‬نوع من الهذيان‪ ،‬إذ لم يتعبدنا‬ ‫الله بنظام اخلالفة ألنه صورة من صور احلكم‬ ‫أمالها منطق العصور الوسطى‪ ،‬مثلها مثل‬ ‫النظام الفارسي والرومي‪ ،‬وإذا استثنينا فترة‬ ‫اخلالفة الراشدة فال جند لألمة ً‬ ‫دورا في اختيار‬ ‫احلاكم على امتداد ‪ 1000‬عام!‪ ‬‬ ‫وفي ظل هذه اخلالفة ران الصدأ على‬ ‫العقل اإلسالمي وتوقفت طاقات التجديد‬ ‫وانحدرت األوضاع‪ ،‬فأية خالفة يسعى حزب‬ ‫التحرير إلى إحيائها‪ ،‬هل هي اخلالفة األموية‬ ‫أم العباسية أم العثمانية؟!‪ ‬‬ ‫يذكرني صاحب هذا الكتيب الذي ال‬ ‫يرى في حضارة الغرب ودميقراطيته إال ظالم ًا‬ ‫وجهالة‪ ،‬بالتشبيه الذي ذكره املفكر السعودي‬ ‫إبراهيم البليهي حني قال‪ :‬إن هؤالء الذين ال‬ ‫يرون في حضارة الغرب إال اجلانب السيئ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫قصرا عظيم ًا فلم يلفت‬ ‫مثلهم مثل الذي دخل‬ ‫نظره فيه إال مكان القمامة‪ ،‬ترى أي نفسية‬ ‫سوية ترضى بالتنازل عن نظام ميلك فيه الفرد‬ ‫حريته وتقرير مصيره‪ ،‬إلى نظام ال ميلك فيه‬ ‫الفرد أيه حرية؟!‪ ‬‬ ‫إن من يرفضون الدميقراطية إمنا يحكمون‬ ‫على مجتمعاتهم باجلمود واالنعزال‬ ‫والتهميش‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن أنهم يسيؤون إلى‬ ‫دينهم‪ ..‬إذ ال عبور لفجوة التخلف إال‬ ‫بالدميقراطية‪ ،‬وال جتديد للخطاب اإلسالمي‬ ‫إال بتبني قيم احلداثة والدميقراطية‬

‫اإلسالم‪ ...‬ال ّتوحيد‬ ‫والوحدة والدولة‬ ‫اإلسالم دين توحيدي‪ ،‬تتح ّول الوحدة في أدب ّياته‬ ‫الى معادل للتوحيد‪ ،‬وقد س ّيجها بالشريعة التي‬ ‫تنبع من التّوحيد وتنتهي إليه‪ ،‬ولكن وحدوية اإلسالم‬ ‫غير إلغائية‪ ،‬أو أن الوحدة أساسا ً غير إلغائية‪ ،‬أي انها‬ ‫ال تلغي أطرافها املك ّونة مهما تعددت‪ ،‬وال تهمل‬ ‫اخلاص من أجل العام‪ ،‬بل تضبطه به‪ ،‬وحتول اخلاص‬ ‫الى عامل إثراء للعام‪ ،‬وشرطا ً موضوعيا ً للحوار الدائم‬ ‫القائم على أساس أن االختالف سنّة أو قانون كوني‪.‬‬ ‫التعدد والتن ّوع املستوعب باالميان‬ ‫ونقرأ مشهد‬ ‫ّ‬ ‫ومعيارية التّقوى‪ ،‬واملتح ّرك على مساحات مفتوحة‬ ‫ومتجددة من املعرفة في اآلية‪( :‬يا أيُّها النّاس‬ ‫ّ‬ ‫ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا ً‬ ‫إنّا خلقناكم من‬ ‫ٍ‬ ‫وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند هّ‬ ‫الل أتقاكم)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫امللح على‬ ‫حد أن اإلسالم‬ ‫ويصل االنتباه الى‬ ‫ّ‬ ‫التعدد ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوحدة ال يضع مشروع الدولة الواحدة استقطابا ً‬ ‫التعدد‪ ،‬مع حفظ‬ ‫أو مآال ً حصريا ً لها‪ ،‬وعندما يصل‬ ‫ّ‬ ‫والسلوك‪ ،‬الى اقتضاء الدولة‬ ‫نصاب االميان في الوعي ّ‬ ‫املركزية او الدول الطرف ّية (الوطنية)‪ ،‬على أساس‬ ‫من الفوارق النوع ّية األصلية أو املتراكمة من خالل‬ ‫العملية التاريخية‪ ،‬فإن الوحدة الداخلية‪ ،‬على‬ ‫موجبات العقيدة ونظم األفكار والقيم واملصالح‪،‬‬ ‫تقع موقع القبول‪ ،‬حتى من دون إغالق الباب أمام‬ ‫البحث عن أنساق وحدوية مالئمة لزمانها‪ ،‬وفي حدود‬ ‫إقليمية متفاوتة في اتساعها طبقا ً للمصلحة‪.‬‬ ‫وهنا يقع اإلسالميون احلاملون مشروع الدولة‬ ‫لألمة‪ ،‬في مدى السؤال املنهجي‬ ‫اإلسالمية املطابقة ّ‬ ‫عن األولوية التي يعطيها اإلسالم‪ ،‬ما إذا كانت‬ ‫للسلطة الدولة أم للدعوة‪ ،‬ومن هذا السؤال يتف ّرع‬ ‫سؤال منهجي آخر‪ ،‬عما إذا كان اإلسالم في مصادره‬ ‫التأسيسية وفي حركته التاريخية‪ ،‬قد وصف دولته‬ ‫أم مجتمعه املنشود‪ ،‬وترك مسألة الدولة في حدود‬ ‫ّ‬ ‫تتشكل‬ ‫ضروريات االجتماع اإلسالمي‪ ،‬أي أنها‬ ‫الداعية واملتاحة والنماذج السائدة‪،‬‬ ‫بحسب الظروف ّ‬ ‫معدلة على مقتضى اخلصوصيات؟‬ ‫مطابقة لها أو‬ ‫ّ‬ ‫ولع ّله هنا ّ‬ ‫بالذات ميكننا أن من ّيز العوملة عن العاملية‬ ‫اإلسالمية في املستوى السياسي‪ ،‬أي مستوى‬ ‫الدولة العاملية العابرة للدول واألفكار والشعوب‬ ‫والثقافات واحلساسيات‪ ،‬باعتبار أنها تهديد للنواظم‬ ‫االجتماعية العظمى‪ ،‬من ناظم العقيدة الى ناظم‬ ‫األمة أو القومية أو الوطنية‪ ،‬الى سائر النواظم‬ ‫ّ‬ ‫املتراكبة أو املتراتبة أو املتداخلة؟‬

‫هاني فحص‬

‫مجلة «االسبوعية»‬

‫‪25‬‬


‫الكتاب بين الماضي والحاضر في الواقع العراقي‬ ‫اثبتت التجربة االنسانية في كل‬ ‫المراحل التاريخية من حياة االمم‬ ‫السالفة والحاضرة ان العقل‬ ‫البشري له القدرة على استجواب‬ ‫كل ما مطروح امامه‪ ،‬سواء‬ ‫كان ذلك سياسيًا او دينيًا‬ ‫حاضرًا وبعد ان طوت الحقبة‬ ‫المظلمة من تاريخ الكتاب في‬ ‫العراق‪ ،‬هل بدأ الكتاب يتنفس‬ ‫الصعداء‪ ،‬وهل بدأ العراقي يقرأ‬ ‫ما يرغب أن يقرأ دون رقيب؟‬ ‫في الوقت الذي يفتح العالم‬ ‫ذراعيه الستقبال كل جديد‬ ‫ومفيد تصاب دور بيع الكتب‬ ‫العراقية بالعمى الثقافي الذي‬ ‫يسير باالنسان عكس اتجاه‬ ‫عقارب الساعة‬

‫محمد نبيل حسن عودة‬ ‫خاص بالراصد التنويري‬

‫‪26‬‬

‫يعكس الكتاب عقلية القارئ وعمق ثقافته‬ ‫وماهية القضايا الفكرية التي تهمه‪ .‬فالكتاب هو في‬ ‫ادق تعبير مرآة ذات القارئ‪ .‬في هذا االطار عانت‬ ‫الساحة العراقية في احلقبة البعثية من هيمنة الدولة‬ ‫على املسار الفكري والثقافي الن الدولة اعتقدت ان‬ ‫مبقدورها خلق انسان يؤمن مبا تبشر له‪ ،‬متناسية ان‬ ‫العقل البشري ال يخضع بسهولة الى اية عملية تقنني‬ ‫فكري كون االنسان ميتلك قدرات ابداعية تستطيع‬ ‫ان تستجوب ما يقدم لها بالترغيب والترهيب ويكون‬ ‫قناعات فكرية خاصة به عن كل ما يدور حوله وعن‬ ‫الوجود االنسان وعالقته بالوجود الكوني حتى وان لم‬ ‫يستطع التصريح بتلك القناعات خوفا على حياته‪،‬‬ ‫وبالذات ان كانت يعيش في ظل اجواء ارهابية على‬ ‫الصعيدين الفكري والسياسي‪ .‬فكل شيء كان‬ ‫خاضع ًا لديوان رقابة املطبوعات‪ ،‬وكل ما كان يدخل‬ ‫الى العراق من كتب ومجالت كان مير في أروقة‬ ‫ذلك الديوان لتجرى عليه عملية جراحية وفق ثوابت‬ ‫حددتها السلطة مسبقا للعاملني هناك‪ ،‬وكان أغلبهم‬ ‫من البعثيني املتقدميني في املسار احلزبي وميتلكون‬ ‫مستوى ثقافيا جيدا‪ ،‬الى جانب جهاز املراقبة احلزبي‬ ‫ابتداء‬ ‫الذي امتد في كل أروقة املجالس الثقافية‪..‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مرورا باملدراس‬ ‫من املقهى التي يتردد عليها املثقفون‬ ‫واملعاهد والكليات‪ ،‬وصو ًال الى القاعات التي كانت‬ ‫تستضيف النشاطات الثقافية‪ ،‬اذ كانت تخضع‬ ‫لرقيب مبقدوره أن يتسبب في نهاية حياة طالب أو‬ ‫أديب من خالل تقرير يدين فكره او ممارسته‪.‬‬ ‫اثبتت التجربة االنسانية في كل املراحل‬ ‫التاريخية من حياة االمم السالفة واحلاضرة ان العقل‬ ‫البشري له القدرة على استجواب كل ما مطروح‬ ‫امامه‪ ،‬سواء كان ذلك سياسي ًا او ديني ًا‪ .‬ومن هنا‬ ‫جند ان تاريخ الفكر االنساني لم يتوقف عند مرحلة‬ ‫زمنية بالرغم من الضغوط التي مارستها ضده جهات‬ ‫متعددة (دينية كما حدث في اوروبا أو سياسية كما‬ ‫حدث في االحتاد السوفيتي وغيره من الدول الشمولية‬ ‫واحادية احلزب)‪ .‬وما زال العقل االنساني يناضل‬ ‫من اجل التخلص من كل اسباب القهر الفكري بكل‬ ‫اشكاله الذي يبلور الشكل املؤسساتي ابرز صوره‬ ‫منذ فجر االنسانية وحتى يومنا هذا‪.‬‬ ‫منذ فترة طويلة تخلصت اووربا من التعسف‬ ‫الفكري واحترمت االنسان وبجلت قدراته الفكرية‬ ‫مبختلف اجتاهاتها‪ ،‬لذلك استطاع االنسان االوروبي‬

‫ان يك ّون اكبر منتج فكري ًا وسياسي ًا الن مجتمعاته‬ ‫ال تتنكر لتجربته وال حتتقرها مهما كانت صغيرة‪.‬‬ ‫ومن هنا ايضا تولدت قناعة حماية املنتج الفكري من‬ ‫خالل حماية حقوق املؤلفني في كافة مجاالتها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حاضرا ميثل العسف الفكري‬ ‫ما يحدث في العراق‬ ‫املؤسساتي‪ .‬فالدولة ومن يدور في فلكها متتلك من‬ ‫االمكانيات ملمارسة هذا العسف بصور واشكال‬ ‫متعددة وحتت ذرائع شتى‪ .‬فمن فلسفة التنشئة‬ ‫والتربية التي تتذرع بها الى فلسفة حماية الواقع‬ ‫من التاثيرات اخلارجية‪ ،‬الى السيطرة على منافذ‬ ‫بيع الكتاب ودعمها ملا تستورده من كتب وحتديد‬ ‫نوعياتها‪ .‬وثمة هدف واحد من تلك العمليات وهو‬ ‫محاولة خلق انسان ذيلي ميكن مصادرة قدرته الفكرية‬ ‫والهيمنة عليه من خالل سلب امكانيته التفكيرية‪،‬‬ ‫ومن ثم حتويله الى اداة تأمتر مبا يريد أن يحققه ذلك‬ ‫النظام املؤسساتي‪ ،‬ولو حتى الى حني‪.‬‬ ‫وهنا يصبح هاجس االنسان الواعي احلفاظ على‬ ‫حياته من خالل التزامه الصمت وعدم اجلهر مبا يؤمن‬ ‫به حتى يجد متنفسا يستطيع أن يطرح ما يراه أمام‬ ‫من يشاطره الرأي دون رقيب او حسيب‪ .‬فاذا كانت‬ ‫االنظمة الشمولية متتلك ألجهزة االمنية التي تطارد‬ ‫الكاتب واملفكر وتتبع خطواته التى تقوده الى السجن‬ ‫بذرائع شتى‪ ،‬فان في بعض البلدان تنتهي املطاردة‬ ‫باطالق رصاصة على من يشق عصا الطاعة‪ ،‬ويبدأ‬ ‫بتوعية الناس وارشادهم الى حقوقهم وما هو مهدور‬ ‫منها‪ .‬فالرصاصة الصامتة اقصر طريق وأفضل وسيلة‬ ‫للتخلص من املناوئني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ولكن هل بامكان الرصاصة حقا ان تغتال الفكر‬ ‫وحتاصر املفكرين؟ يبدو اجلواب جلي ًا مع سقوط عدد‬ ‫غير قليل من االنظمة القمعية التي متتلك الكثير‪..‬‬ ‫الكثير من الرصاص الذي عجز متام ًا عن حمايتها‬ ‫امام فكرة واحدة ال غير‪.‬‬ ‫سخر النظام البعثي كغيره من االنظمة التي‬ ‫حتاول أن تهتم بصناعة االنسان فكريا ـ وهي مخطئة‬ ‫بذلك ـ كل القدرات املالية من الثروة الوطنية لتحقيق‬ ‫ذلك الهدف‪ .‬فقدم للكتّاب احملفزات املالية لشراء‬ ‫ذممهم لتمجيد ما يؤمن به‪ ،‬وفتح املئات من دور‬ ‫بيع الكتاب واتخمها بكتبه لتقدميها للمواطن باسعار‬ ‫زهيدة إن لم تكن مجان ًا‪ .‬كما وبدأ مبراقبة دور بيع‬ ‫الكتب االخرى لسيطرة على نوعية كتبها‪ ،‬باملقابل‬ ‫متابعة رواد تلك الدور‪ ،‬الى أن قرر في نهاية املطاف‬


‫االستيالء على كل دور بيع الكتب وجعلها خاضعة له مباشرة‪.‬‬ ‫وبالرغم من كل ذلك لم يحقق أي جناح يذكر في بلورة إنسان يؤمن‬ ‫كلي ًا بها‪ ،‬باستثناء حفنة انتهازية منتفعة مزيفة الثقافة والضمير‪ ،‬الى‬ ‫جانب شريحة غير واعية تصفق لكل من نقر لها على الدف‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حاضرا وبعد ان طوت احلقبة املظلمة من تاريخ الكتاب في العراق‪،‬‬ ‫هل بدأ الكتاب يتنفس الصعداء‪ ،‬وهل بدأ العراقي يقرأ ما يرغب أن‬ ‫يقرأ دون رقيب عتيد؟‬ ‫االجابة على هذا‪ ،‬وان تبدو الول وهلة بنعم لسقوط القيود على ما‬ ‫يتوفر من كتاب في دور الكتب‪ ،‬إال أن املتتبع ملا تبيعه دور الكتب‬ ‫في العراق يشكك في صحة تلك االجابة‪.‬‬ ‫فاملطلع على ما هو معروض في دور بيع الكتب بالعراق يصاب‬ ‫باحليرة والذهول ويتبادر الى ذهنه اكثر من سؤال‪ .‬صحيح ان الرقيب‬ ‫قد غاب‪ ،‬لكن هناك توجه الغراق سوق الكتاب العراقي بكتب‬ ‫ً‬ ‫وجودا لها‬ ‫تتعامل مع االخرة قبل الدنيا‪ ،‬كتب تستلهم من اخلرافات‬ ‫وال عالقة لها بالفكر الديني السليم‪ .‬هناك على ما يبدو توجه خطير‬ ‫الرجاع العراق الى العصور املظلمة‪ .‬فالكتب التي تاتي الى العراق‬ ‫وباالطنان ال تتعدى التعامل بالثواب والعقاب‪ ،‬أذكر منها‪ :‬النار‪،‬‬ ‫اجلحيم‪ ،‬العقاب‪ ،‬البرزخ‪ ..‬وغيرها من الكتب التي حتاول ان تسلب‬ ‫االنسان دوره الفاعل في احلياة‪ .‬ورغم غياب الرقيب فان التوجه االخير‬ ‫الخطر وطئة على االجيال التي تنمو وتترعرع فيه النها ستكون اجيال‬ ‫مسلوبة االرادة تعيش في عالم ملئ باخلرافات واالوهام‪.‬‬ ‫لعل أخطر ما يعانيه االنسان هو سلب ارادته النه سيكون اداة‬ ‫طيعة تصدق بسهولة بكل ما يبثه املسيطرون عليها‪ ،‬هذا اذا أخذنا‬ ‫في نظر االعتبار احمليط الديني املقفل الذي يعيشه االنسان العراقي‬ ‫والذي يجعل تخديره وقيادته اسهل بكثير من أؤلئك الذين يعيشون‬ ‫في بيئة دينية سلمية‪.‬‬ ‫الكثير من الناس يجهلون أن وظيفة الدين االساسية هي التعامل‬ ‫مع االنسان وواقعه اليومي‪ ،‬وحتقيق العدالة االنسانية هي من أولى‬ ‫وظائف الدين فلذا جعل الله سبحانه وتعالى العدل في املرتبة الثانية‬ ‫بعد التوحيد مباشرة وقبل النبوة‪ .‬فالدين ال يشتغل في فراغ بل هو‬ ‫للناس كلها وهمومهم‪ ،‬االمر الذي دعم االسالم التعلم واالطالع وجعله‬ ‫من اولى اولوياته‪ :‬اطلب العلم ولو كان بالصني‪.‬‬ ‫فالكتب التي تتعامل مع الفكر واالقتصاد واالدارة والعلم‬ ‫ليس لها وجود في دور بيع الكتب العراقية‪ ،‬وال نعلم ان ستصدر‬ ‫بحقها فتوى حترميية في يوم ما الننا طالبنا بضرورة االنفتاح على‬ ‫كل العلوم‪.‬‬ ‫في الوقت الذي يفتح العالم ذراعيه الستقبال كل جديد ومفيد‬ ‫تصاب دور بيع الكتب العراقية بالعمى الثقافي الذي يسير باالنسان‬ ‫عكس اجتاه عقارب الساعة‪ ،‬لذا فالتضييق على الكتب الفكرية‬ ‫والعلمية وفتح باب التمويل الالمحدود لنوعية خاصة من الكتب‬ ‫يجب ان ال يسكت عنه أولي االمر‪ ،‬الن ذلك ال يصب في مصلحة‬ ‫احد‪ ،‬خاصة بعدما اصبح العالم قرية صغيرة تنتقل فيها املعلومة بيسر‬ ‫وسهولة‪ ،‬متمني ًا ان يستفيد العراقيون من هذا االنفتاح ليتبصروا‪،‬‬ ‫ليس في امور أخرتهم فقط كما يريد لهم البعض‪ ،‬وامنا في امور‬ ‫دنياهم التي يعيشونها‪ ،‬وإال فانهم سيصبحون ضحايا ارهاب فكري‬ ‫من نوع أخر‬

‫•‬

‫متابعات مغاربية‬ ‫ من الندوات التي أثارت نقاشات فكرية كثيرة مبوسم أصيلة الثقافي‬ ‫خالل اب ـ اغسطس املاضي‪« ،‬البعد الثقافي في االحتاد من أجل‬ ‫املتوسط‪ :‬أوروبا واملغرب العربي»‪ ،‬حيث ناقش خبراء وباحثون ملدة‬ ‫يومني احملاور اآلتية‪« :‬الثقافة املتوسطية‪ :‬أية خصوصية» و»كيف ميكن‬ ‫إدراك اإلشكالية الثقافية وتنوعها على ضفتي املتوسط؟» و«ما الدور‬ ‫الثقافي الذي ميكن أن يلعبه االحتاد من أجل املتوسط في التقارب بني‬ ‫االحتاد املغاربي واوروبا» ‪.‬‬

‫•‬

‫ نظمت مجلة «اإلحياء» التي تصدرها الرابطة احملمدية للعلماء باملغرب‬ ‫ندوتها العلمية األولى بعنوان‪« :‬من أجل إعالم ديني مغربي رائد‪ :‬الواقع‬ ‫والرهانات والتحديات»‪.‬‬ ‫ ناقشت الندوة مفهوم اإلعالم الديني و األدوار التي ينبغي أن يضطلع‬ ‫بها‪ ،‬إضافة إلى التكوينات الضرورية إلخراج كفاءات إعالمية قادرة على‬ ‫النهوض بهذه األدوار‪.‬‬

‫•‬

‫ نظمت الشبكة املغربية للمثقف النظير الدورة الوطنية األولى لتدريب‬ ‫املدربني الشباب في مجال التثقيف بالنظير على مهارات التواصل‬ ‫واإلقناع‪.‬‬ ‫ وأوضح بالغ للشبكة أن الدورة تدخل في إطار برنامج الشراكة ‪ 2007‬ـ‬ ‫‪« 2011‬الشباب واملراهقون» بني احلكومة املغربية وصندوق األمم املتحدة‬ ‫لإلسكان‪ .‬وأضاف البالغ أن الدورة ستعرف مشاركة ‪ 25‬شابة وشابا‬ ‫من مختلف جهات اململكة ميثلون مؤسسات وقطاعات حكومية‬ ‫وجمعيات للمجتمع املدني‪ ،‬يدربهم فريق يضم شبابا مؤطرين على‬ ‫املستويني الوطني والدولي‪.‬‬

‫•‬

‫ نظم املعهد األوروبي للبحر املتوسط مطلع شهر ايلول ـ سبتمبر‬ ‫‪ 2009‬مبدينة برشلونة ندوة دولية حتت عنوان‪« :‬النساء والتربية بحوض‬ ‫البحر املتوسط»‪ ،‬خصصت لتقييم وضعية حقوق املرأة في دول حوض‬ ‫البحر األبيض املتوسط‪ .‬وذلك مبشاركة خبراء وفاعلني سياسيني وممثلي‬ ‫احلركة اجلمعوية من العديد من دول حوض البحر املتوسط من بينها‬ ‫املغرب‪.‬‬

‫•‬

‫ مثلت «العالقة بني اإلسالم واحلداثة في ضوء متغيرات العصر» محور‬ ‫مسامرة رمضانية بتونس انتظمت في التاسع من ‪ 9‬ايلول ـ سبتمبر‬ ‫املاضي في إطار منتدى الفكر السياسي للتجمع الدستوري الدميقراطي‬ ‫بحضور وزير الشؤون الدينية بوبكر االخزوري ومفتي الديار التونسية‬ ‫الشيخ عثمان بطيخ‪.‬‬ ‫ ومت في الندوة طرح العديد من اإلشكاليات ذات الصلة باملوضوع وبسط‬ ‫جملة من املبادئ اجلوهرية التي تتصل بشروط االجتماع البشري على‬ ‫غرار احلرية والتعددية والعقالنية والعدالة والتعايش مع اآلخر وذلك‬ ‫استنادا إلى مبادئ الدين اإلسالمي احلنيف وثوابته‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫الغرب واإلسالم في تجربة الكتابة‬ ‫أذعن الغرب إلى إرادة العصر‬ ‫التي تقضي بضرورة معاينة‬ ‫الواقع في الشرق والغرب بعين‬ ‫واقعية من جهة‪ ،‬وإنسانية من‬ ‫جهة أخرى مستعيدًا الموروث‬ ‫اإلنسي مرة أخرى‬ ‫أحداث ‪ 11‬سبتمبر وضعت‬ ‫العالقة االنسانية بين الشرق‬ ‫والغرب على محك التلف‬ ‫والضياع واالنهيار‬

‫د‪ .‬رسول محمد رسول‬ ‫خاص بالراصد التنويري‬

‫‪28‬‬

‫منذ عام ‪ ،1999‬بدأ اهتمامي بدراسة العالقة‬ ‫بني الغرب والشرق‪ .‬وفي ذلك الوقت‪ ،‬كانت خطى‬ ‫األبحاث الغربية في هذا احلقل قد قطعت أشواط ًا‬ ‫باجتاه ترطيب العالقة بني الطرفني‪ ،‬وكان املفكرون‬ ‫الغربيون ينشطون من أجل بناء رؤى إيجابية‪،‬‬ ‫خصوص ًا في أوروبا‪ .‬لذلك راق لي أن أتابع تلك‬ ‫الرؤى درس ًا وحتلي ًال‪ ،‬وأخذت أتأ َّمل الكيفية التي بدأ‬ ‫بها «التعالي الغربي» يتم استدراجه نحو واقع العالم‬ ‫اجلديد الذي استيقظ يوم ًا على نظريتني؛ نظرية‬ ‫«نهاية التاريخ»‪ ،‬ونظرية «صدام احلضارات»‪ ،‬وكان‬ ‫البديل الشرقي قد نسج نظريات «حوار احلضارات‬ ‫والثقافات واألديان» حتت مسمى «التعارف»‪،‬‬ ‫وكان الغرب‪ ،‬وفي ظل حمى الصراع بني هذه الرؤى‬ ‫الثالث‪ ،‬قد أذعن إلى إرادة العصر التي تقضي‬ ‫بضرورة معاينة الواقع في الشرق والغرب بعني واقعية‬ ‫ً‬ ‫مستعيدا املوروث‬ ‫من جهة‪ ،‬وإنسانية من جهة أخرى‬ ‫اإلنسي مرة أخرى‪.‬‬ ‫في هذا اخلضم‪ ،‬كان كتابي «اإلسالم والغرب‪:‬‬ ‫استدراج التعالي الغربي» قد نشر في عمان ـ األردن‬ ‫عام ‪ ،2000‬لكن طول التأ ُّمل في هذه اإلشكالية‬ ‫كان قد قادني‪ ،‬ومن جديد‪ ،‬إلى استكمال دراسة تلك‬ ‫الرؤى الغربية ذات الطابع اإليجابي في شأن العالقة‬ ‫بني الغرب والشرق أو بني الغرب واإلسالم‪ ،‬فكان‬ ‫كتابي الثاني «الغرب واإلسالم‪ :‬قراءات في رؤى ما‬ ‫بعد االستشراق» بيروت ‪ .2001‬وكانت عبارة «ما‬ ‫بعد االستشراق» ذات رنني ّ‬ ‫أخاذ‪ ،‬خصوص ًا وأنها‬ ‫كانت «تدل»‪ ،‬وليس فقط «تعني»‪ ،‬بأننا إزاء حقل‬ ‫فكري جديد جتاوز الكثير من يقينيات االستشراق‬ ‫َّ‬ ‫يتحكم في مسارات النظر حول‬ ‫التقليدي الذي كان‬ ‫العالقة بني الغرب واإلسالم‪.‬‬ ‫إال أن كل ذلك األمل بعالقة من نوع آخر‪،‬‬ ‫مختلفة ومغايرة إيجاب ًا‪ ،‬عالقة مساملة‪ ،‬إنسانية‪،‬‬ ‫عاملية‪ ،‬تواصلية‪ ،‬قد وضعته أحداث احلادي عشر‬ ‫من سبتمبر‪ 2001 /‬على محك الضياع والتلف‬ ‫واالنهيار‪ ،‬فعاد الغرب من جديد ينضِّد رؤاه على‬ ‫مائدة االستشراق التقليدي أو االستشراق القدمي أو‬ ‫العنصري‪ .‬لكن األمر ال يخلو من تأ ُّمالت فلسفية‪،‬‬

‫تأ ُّمالت عقلية أو لنقل عقالنية‪ ،‬خصوصا تلك‬ ‫التي نضَّدها فالسفة من طراز «جان بودريار ‪1929‬‬ ‫ـ ‪ 2007‬في كتابه «روح اإلرهاب»‪ ،‬وجاك دريدا‬ ‫‪ 1934‬ـ ‪ 2004‬في كتابه «ماذا حدث في ‪11‬‬ ‫سبتمبر»‪.‬‬ ‫بإزاء ذلك وغيره‪ ،‬كان اجلدال قد تفاقم بني الشرق‬ ‫والغرب م َّرة أخرى‪ ،‬ورمبا على نحو أعنف‪ ،‬فصار‬ ‫ِّ‬ ‫املفكرون العرب منشغلني أكثر بحدود هذه العالقة؛‬

‫العالقة بني اإلسالم والغرب‪ ،‬في ظل تداعيات ذلك‬ ‫احلادث اجللل‪.‬‬ ‫بدا لي أن «التعارف» احلضاري والثقافي‬ ‫والديني قد ُثلم هندامه بعد ذلك احلادث‪ ،‬وفي ظل‬ ‫إيقاظ طروحات االستشراق الكالسيكي القائمة على‬ ‫العنصرية والكره وخشية اآلخر‪ ،‬وهذا ما بحثته في‬ ‫كتابي «نقد العقل التعارفي» الذي نشرته في بيروت‬ ‫عام ‪ ،2005‬والذي لم يخرج عن كل اجلدال اخلاص‬ ‫بالعالقة بني الغرب واإلسالم‪.‬‬ ‫كان «التعارف» بكل أشكاله قمين ًا بخروج‬ ‫الكوكب األرضي من أزمة احلادي عشر من سبتمبر‪،‬‬ ‫لكن احلركات العنصرية في الغرب األوروبي‬ ‫واألمريكي ما كانت ترضى بالتعارف كطريق نحو‬ ‫عالم آمن‪ .‬وهذا ما يدعو إلى مواصلة النظر‪ ،‬في كل‬ ‫فرصة متاحة‪ ،‬مبآالت العالقة بني الطرفني‬


‫إصدارات‬

‫البدايات االولى لتأسيس االسالم‬

‫ً‬ ‫أستاذا في‬ ‫يبحث الفرد لويس دي برميار‪ ،‬الذي كان قبل وفاته عام ‪2006‬‬ ‫جامعة بروفانس ومدرس ًا وباحث ًا في معهد األبحاث والدراسات‪ ،‬حول العاملني‬ ‫العربي واإلسالمي‪ ،‬في كتابه الصادر مؤخرا عن دار الساقي بعنوان‪« :‬تأسيس‬ ‫اإلسالم‪ :‬بني الكتابة والتاريخ» (ترجمة عيسى محاسبي)‪ ،‬مسألة تأسيس‬ ‫اإلسالم من منظور تاريخي محاو ًال طرح فرضيات جديدة حول مرحلة ظهور‬ ‫الديانة اإلسالمية وانتشارها إنطالق ًا من كتابات تاريخية إسالمية وأجنبية‬ ‫ً‬ ‫واعتمادا على النقوش والوثائق والنصوص املبكرة التي وجدت في الرقعة‬ ‫قدمية‪،‬‬ ‫اجلغرافية التي انتشر عليها اإلسالم في عقوده األولى‪.‬‬ ‫سعى الكاتب الى اعادة فحص الدين االسالمي منذ البدايات االولى‬ ‫للتأسيس‪ ،‬مستندا الى الوثائق التي وصلت الينا من املؤرخني املسلمني وغير‬ ‫املسلمني‪ ،‬وخصوصا الذين اعتمدوا كتابات تتصل بالسيرة النبوية وجمع‬ ‫االحاديث املنسوبة الى الرسول (ص) وهذا ما جعله ينطلق في بحثه من محاولة‬ ‫كتابة سيرة النبي وصوال الى «جمع القرآن»‪ .‬ويشير الكاتب الى ان معظم‬ ‫الوثائق التي منتلكها حاليا واملستخدمة في قراءة املراحل االولى لالسالم ‪،‬‬ ‫يغلب عليها كونها مصادر ادبية مكتوبة باللغة العربية‪ ،‬فيما يندر وجود‬ ‫مصادر اجنبية في هذا اخلصوص‪ ،‬وهي عبارة عن سرديات متقطعة صادرة عن‬ ‫اكثر من «مخبر»‪ ،‬وكل حادثة لها اسناد عن االشخاص الذين تناقلوا اخلبر‬ ‫جيال عن جيل‪ ،‬وليس ادل على ذلك من شيوع هذا التعبير‪« :‬حدثنا فالن عن‬ ‫فالن‪ .»...‬يضاف الى ذلك ان معظم هذه املرويات وصلت الينا بعد قرنني على‬ ‫حصول احلدث‪ ،‬في فترة كان النقل الشفهي هو االساس في تأليف الكتب‪ .‬‬ ‫حتتل الكتابة عن السيرة النبوية موقعا مركزيا في التأريخ لالسالم‪،‬‬ ‫ويختلط فيها ما قاله الرواة مع االحاديث املنسوبة الى الرسول (ص) ثم‬ ‫اعتماد بعض النصوص القرآنية‪ ،‬حيث اتسمت الكتابات االولى عن اصول‬ ‫االسالم بالروايات عن احلمالت العسكرية التي قادها الرسول ضد عبادة الوثنية‬ ‫في اجلزيرة العربية‪ ،‬ثم الحقا في احلمالت اخلارجية لنشر الدين‪.‬‬ ‫سلط الكاتب الضوء على ملا يعرف بـ «السنّة»‪ ،‬وهي مد ّونة من النصوص‬ ‫على شكل احاديث منسوبة الى الرسول‪ ،‬وتشكل اليوم جزءا من النص الديني‬ ‫االسالمي‪ ،‬وحتوي االحاديث مجموعة ضخمة من االقوال واالفعال واملسالك‬ ‫التي تعزى جميعها الى النبي‪ ،‬والتي اطلقها خالل مسيرته الطويلة في تأسيس‬ ‫الدين اجلديد‪ .‬تعتمد هذه االحاديث على اسناد من الصحابة او املقربني من‬ ‫الرسول‪.‬‬

‫المسلمون والديمقراطية‬

‫هذا ليس كتاب ًا في العقيدة‪ ،‬وإمنا هو كتاب في االعتقاد‪ ،‬ليس كتابا في‬ ‫التنظير لعالقة اإلسالم بالدميقراطية من باب ما ينبغي أن يكون‪ ،‬وإمنا هو كتاب‬ ‫عن املسلمني وكيف يتعاملون مع الدميقراطية وبدائلها قبوال أو رفضا‪ .‬ويجتهد‬ ‫الكتاب الصادر عن دار الشروق حتت عنوان‪« :‬املسلمون والدميقراطية ـ دراسة‬ ‫ميدانية» للدكتور املعتز بالله عبد الفتاح‪ ،‬في اإلجابة عن السؤال التالي‪ :‬هل‬ ‫هناك عداء حقيقي بني املسلمني والقيم الدميقراطية؟‬ ‫فإذا كانت شعوب العالم األخرى تناضل من أجل الدميقراطية‪ ..‬فلماذا ال‬ ‫نفعل مثلهم؟ ويشير املؤلف بداية إلى ما يعتبره اتفاقا على أعراض املشكلة‪،‬‬ ‫وان كان من املثير للتأمل واخلالف هو رصد أسبابها‪ ،‬فهناك شبه إجماع إن‬ ‫لم يكن إجماعا على تراجع الدميقراطية في العالم اإلسالمي‪ ،‬واملؤشرات على‬ ‫ذلك عديدة ليس أقلها ذلك الذي يشير إلى ارتفاع نسبة الدول اإلسالمية‬ ‫من بني إجمالي الدول غير الدميقراطية من ‪ %25‬عام ‪ 1975‬إلى ‪ %55‬عام‬ ‫‪.2007‬‬ ‫يتمثل السؤال املركزي للكتاب في التالي‪ :‬هل قيم وتوجهات املسلمني متثل‬ ‫عائقا في سبيل عملية التحول الدميقراطي في الدول ذات األغلبية املسلمة؟‬ ‫وإذا كانت اإلجابة بنعم‪ ،‬فألي مدى ترتبط النظرة السلبية للدميقراطية باإلسالم‬ ‫كدين يعتنقه وميارس شعائره املسلمون؟‬ ‫وإذا كانت اإلجابة بال‪ ،‬فما هي العوامل األخرى التي تقف حجر عثرة في‬ ‫مواجهة حتول دميقراطي حقيقي وأصيل في العالم اإلسالمي؟‬ ‫في تناوله ملوضوعه يقسم املؤلف مواقف قادة الرأي إلى فئات ثالث‬ ‫هي مواقف اإلسالميني التقليديني ومواقف اإلسالميني التحديثيني ومواقف‬ ‫العلمانيني‪ .‬ثم يتناول العوامل والفاعلني الذين يشكلون توجهات املسلمني نحو‬ ‫الدميقراطية من خالل حتليل املعلومات املتاحة ملعرفة تأثير العوامل الدميوغرافية‬ ‫مثل الدخل والتعليم والسن واجلنس على توجهات املسلمني جتاه عناصر‬ ‫الدميقراطية‪.‬‬ ‫ومن االستنتاجات املثيرة للتأمل التي يقدمها الكتاب أن دعم املشاركة‬ ‫والتنافس السياسي على سبيل املثال ال يعني بالضرورة دعما للتسامح‬ ‫السياسي‪ ،‬وأن دعم الدميقراطية ال يعني بالضرورة أن الشعوب على استعداد‬ ‫لتقدمي تضحيات ثمينة في سبيل حتقيقها‪.‬‬ ‫‪29‬‬


‫موسوعة لتقارب أديان‬ ‫ومعتقدات الشعوب‬

‫منذ أمد غير قصير لم حتظ املكتبات العربية بإطاللة لعمل تراثي أكادميي‬ ‫يجمع بني دفتيه نحو ما يتجاوز ثمانية آالف مادة اشتملت على مسح كامل‬ ‫لكل ما تزخر به األديان السماوية الثالثة وديانات الشرق األقصى وديانات‬ ‫العالم القدمي من (بالد فارس إلى بالد ما بني النهرين والتيوتون ‪ -‬األملان‬ ‫والدمناركيون واإلنكليز ‪ -‬وقبائل املايا واالزتيك) وما عرف في استراليا وآسيا‬ ‫وأفريقيا‪ ،‬ذلك فض ًال عن التناول املفصل للممارسات والطقوس النوعية التي‬ ‫تفرضها تلك الديانات‪ ،‬إنها موسوعة «أديان ومعتقدات شعوب العالم» التي‬ ‫أصدرتها مطبوعات «دار الكلمة» في القاهرة وقامت بتحريرها نخبة هائلة‬ ‫من األكادمييني واملتخصصني في العلوم الدينية وفلسفات األديان وتاريخها‪،‬‬ ‫ومنحت املوسوعة اهتمام ًا مكثف ًا ألكبر الديانات مثل‪ :‬الهندوسية والبوذية‬ ‫واملسيحية واليهودية واإلسالم‪.‬‬ ‫تدفع قضية اثارة االديان ومقارنتها نحو تساؤالت تبدو من بداهات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جديرا بالتأمل والعبور إلى فضاءات لغة خاصة‬ ‫مجددا‬ ‫الفكر‪ ،‬لذا يكون طرحها‬ ‫متثل القاسم املشترك نحو اخلروج من بوتقة الصراعات العقائدية والطائفية أو‬ ‫حتى حتجيمها‪ ،‬اضافة الى كونها محاولة لتالقي العقائد لتصبح هي العاصم‬ ‫من طوفان الفنت التي جتتاح العالم‪ ،‬باعتبار إن أكثر املشكالت السياسية التي‬ ‫تكتنف أرجاء العالم وتطوقه هي ذات مغزى ديني‪ ،‬فلو كانت هناك حوارية‬ ‫دينية تعتمد قيم العدل واملساواة والتسامح والتآلف بني بني البشر الختفت‬ ‫معاني الصراع والتنافر والتنابذ والفرقة والتعصب والعنصرية‪ ،‬عم ًال بتلك‬ ‫املقولة التي أفرزتها التجربة التاريخية للمسيرة اإلنسانية من أن الصراعات‬ ‫الدينية قد هدمت من الكرة األرضية أضعاف ما فعلته احلروب والزالزل‪.‬‬

‫مأزق االصالح العربي‬

‫عن دار األنوار البيروتية صدر للزميل جناح كاظم كتاب بعنوان‪« :‬مأزق‬ ‫االصالح العربي»‪ .‬يستعرض الكتاب حالة التراجع الواضح الذي يعانيها‬ ‫‪30‬‬

‫العرب‪ ،‬اذ ما زالوا يراوحون في مكانهم‪ ،‬ولم يبرحوا النقطة التي وصلوها‬ ‫قبل عقود خمسة‪ ..‬وهم في حال املراوحة‪ ،‬ال يزالون يقاومون اجلديد ويسوغون‬ ‫العتيق‪ ،‬ويحاكون البعيد متام ًا‪.‬‬ ‫يناقش الكتاب جذور االستبداد الديني والعنصري متطرق ًا الى مضاعفات‬ ‫التراجع على أصعدة ومستويات عدة‪ ،‬كما يحاول الكتاب في الوقت ذاته‬ ‫الى اعادة تصور معماري اجتماعي قائم على ضرورات أربع وهي‪ :‬دور‬ ‫املرأة‪ ،‬اصالح الناس من خالل نظم التعليم والتربية‪ ،‬تطوير مؤسسات البحث‬ ‫والتطوير‪ ،‬ومراجعة تقييم استمرارية املعمارية اجلديدة‪ ،‬كما يدعو الكتاب الى‬ ‫احلاجة لنظام معرفي جديد‪.‬‬ ‫يستخدم د‪ .‬جناح في كتابه أمثلة عملية واقتباسات لتسهيل مهمة القارئ‬ ‫ً‬ ‫مسندا ذلك بجداول مبنية على أسس علمية‪.‬‬ ‫وربطه مع التحليل‪،‬‬ ‫يعرج املؤلف على العامل اخلارجي باعتباره أحد أسباب تراجع العرب‪ ،‬غير‬ ‫انه يتعامل مع العامل الداخلي بتفصيل كبير كونه أحد أهم مسببات األزمة‪،‬‬ ‫دون ان ينفي الرابطة بينهما‪ ،‬ودون ان يهمل في الوقت ذاته احلكومات العربية‬ ‫كونها اجلزء االهم من املشكلة وليست ً‬ ‫جزءا من احلل‪ ،‬اذ ال ميكن ان يتطور‬ ‫العرب باي صورة من الصور في ظل النخب احلاكمة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مشددا على احلاجة املاسة‬ ‫ويركز الكتاب على غياب الضمير لدى العرب‪،‬‬ ‫لوجود ضمير عربي جديد مبالمح انسانية االعتقاد‪ ،‬باعتبارها اخلطوة االولى‬ ‫جلعل املشاعر والضمير واالنسانية ً‬ ‫جزءا من االعتقاد‪.‬‬ ‫يضم الكتاب ثالثة فصول وهي‪ :‬مأزق الفكر‪ ،‬ردة اجتماعية‪ ،‬واالزمة‬ ‫السياسية‪ ،‬اضافة الى اخلامتة‪.‬‬

‫االمام علي‪ ..‬العدل والذكر‬

‫يعتبر االمام علي بن ابي طالب اهم سلطة روحية وفكرية في االسالم بعد‬ ‫الرسول (ص) فهو صهر النبي وابن عمه واخلليفة الرابع في املجتمع االسالمي‬ ‫الناشيء‪ ،‬على ضوء تلك الثوابت يناقش كتاب «العدل والذكر ــ تعريف‬ ‫بروحانية االمام علي» للباحث رضا شاه كاظمي‪ ،‬ترجمة سيف الدين القصير‪،‬‬ ‫الصادر حديث ًا عن دار الساقي باالشتراك مع معهد الدراسات االسماعلية في‬ ‫لندن‪.‬‬ ‫يضم الكتاب ثالثة اقسام‪ :‬القسم االول يقدم شخصية االمام وعامله‬ ‫الروحي‪ ،‬مع التركيز على املبادئ االخالقية والفكرية لتعاليمه‪ ،‬فيما يستعرض‬ ‫القسم الثاني مفهوم االمام للعدالة‪ ،‬مسلط ًا الضوء على رسالته الشهيرة ملالك‬ ‫بن االشتر‪ .‬اما القسم الثالث فيناقش االدراك الروحي عبر تذكر اخلالق‪ ..‬وهو‬ ‫محور فعالية املتصوفة‪.‬‬


‫ويعترف املؤلف في مقدمته ان "الغاية من الكتاب هي التفكر في اقوال‬ ‫االمام من موقع املراقب املوضوعي‪ ،‬ولكن من "الداخل" اي من باب االلتزام‬ ‫باملبادئ الروحية للعقيدة االسالمية‪ .‬وقد جرت محاولة هنا لتقييم اقوال االمام‬ ‫جلهة كونها تعاليم اسالمية في جوهرها وتعاليم عاملية تتجاوز احلدود التي‬ ‫حتدد التقاليد الدينية املختلفة"‪.‬‬ ‫يحمل رضا شاه كاظمي شهادة الدكتوراه في علم االديان املقارن من جامعة‬ ‫كنت‪ ،‬ويعمل حاليا باحثا مساعدا في معهد الدراسات االسالمية في لندن‪ ،‬وله‬ ‫عدد من املؤلفات‪ ،‬اضافة الى اعمال الترجمة‪.‬‬ ‫ومن مقدمة الكتاب‪« :‬يعود أحد أسباب ضآلة ما كتبه الغربيون حول‬ ‫احملتوى الفكري لتراث االمام علي بن أبي طالب حتى اآلن الى املسألة‬ ‫االشكالية املتعلقة بصحة مجموعة التعاليم الضخمة املنسوبة اليه في التراث‬ ‫االسالمي‪ ،‬لذل؛ كان من املناسب الدخول في تفاصيل رؤيتنا لتعليم الروحانية‬ ‫في هذه املجموعة‪ ،‬افتتاح الكتاب بلمحة موجزة عن هذه االشكالية»‪.‬‬

‫موسوعة اللغات العراقية‬

‫صدر عن مجلة «ميزوبوتاميا» كتاب موسوعي بعنوان‪« :‬خمسة آالف‬ ‫عام من كالم الرافدين عن اللغات العراقية القدمية واحلالية أشرف على‬ ‫الكتاب الروائي العراقي املقيم في سويسرا سليم مطر‪ ،‬وهو مؤلف القسم‬ ‫األكبر من فصوله‪ ،‬باإلضافة إلى مشاركة الكثير من الباحثني والباحثات‬ ‫العراقيات‪ .‬والكتاب مليء بالصور التوضيحية واخلرائط واجلداول‬ ‫والوثائق‪.‬‬ ‫يقول مطر في املقدمة‪« :‬ها نحن أخيرا نقدم أول وأكبر موسوعة‪ ،‬ليس‬ ‫فقط بالنسبة للغات العراقية‪ ،‬بل هي أول موسوعة من هذا النوع تصدر‬ ‫بالعربية في كل العالم العربي والعالم الثالث‪ .‬رغم إمكانياتنا احملدودة‬ ‫ماديا وأكادمييا‪ ،‬وإصرار جميع مؤسسات دولتنا النفطية وأحزابنا العتيدة‬ ‫على عدم دعمنا‪ ،‬فإن امتالكنا للضمير الوطني وتشجيع العراقيني لنا‬ ‫يجعلنا ننجح مبثل هذه املشاريع الضخمة التي حتتاج إلى مؤسسات أكادميية‬ ‫متخصصة‪.‬‬ ‫حرصنا على تقدمي كل اللغات العراقية الكبيرة والصغيرة‪ ،‬القدمية‬ ‫واحلالية‪ ،‬وكذلك التعريف املمكن بكل لغة ومكوناتها وميراثها الكتابي‪.‬‬ ‫وهذه اللغات هي‪ :‬السومرية واالكدية‪ ،‬اآلرامية ـ السريانية‪ ،‬العربية‪،‬‬ ‫الكردية (السورانية والبهدنانية)‪ ،‬التركمانية‪ ،‬الفيلية‪ ،‬املندائية‪ .‬أما‬ ‫بالنسبة لليهودية فإننا سلطنا الضوء على ثقافتها املكتوبة أساسا باآلرامية‬ ‫العراقية‪ ،‬ثم العبرية‪ .‬وخصصنا امللف األخير لباقي ثقافات الوطن‪ :‬العامية‪،‬‬

‫اليزيدية‪ ،‬الشبكية‪ ،‬السوداء‪ ،‬األرمنية‪ ،‬الشيشانية‪ .‬يتوجب التوضيح أننا‬ ‫بتعريفنا لهذه اللغات العراقية وميراثاتها ال نبتغي أبدا التقليل من دور‬ ‫(اللغة العربية)‪ ،‬بل إننا من دعاة االعتزاز باللغة العربية‪ ،‬فهي اللغة‬ ‫الرئيسية الرسمية لشعبنا‪.‬‬

‫تجديد الفكر الديني‬

‫سالمة موسى‪ ..‬العلمانية والدين‬

‫يعد كتاب الدكتور أحمد ماضي «سالمة موسى‪ ..‬العلمانية والدين»‬ ‫الصادر عن مؤسسة االنتشار العربي في بيروت‪ ،‬خطوة هامة في العودة‬ ‫املتزايدة إلى فكر عصر النهضة‪ .‬فسالمة موسى من وجهة نظر املؤلف كان‬ ‫ً‬ ‫واحدا من أبرز التنويريني الذين ميكن االعتماد عليهم لتأسيس ثقافة نقدية‬

‫معاصرة‪.‬‬ ‫والقضية االهم التي يستعرضها املؤلف في مناقشته لفكر سالمة‬ ‫موسى هي قضية العلمانية والدين‪ ،‬وذلك القتناعه بأن احللول التي قدمها‬ ‫موسى للعالقة بني الدين والسياسة ميكن للفكر العربي املعاصر أن يستفيد‬ ‫منها ويوظفها في مواجهة املشكالت املتفاقمة على الساحة الثقافية‪.‬‬ ‫يستحضر املؤلف سالمة موسى للرد على االجتاهات التفكيرية‬ ‫واإلقصـــائية التي حتاول تقـــدمي فهم منغلق وماضوي للدين‪ ،‬ألن موسى‬ ‫كان يدعو لدين مــــوضوعي ومنطـــقي متفتح‪ ،‬يدخل في تكوينه كل‬ ‫العلوم احلديثــــة والفلســــفات مبختـــلف اجتاهاتهـــا ناهيك عن حكـــمة‬ ‫الشعـــوب‪ ،‬ويرفض كل دين يقــــوم على االستئثار والبعد الواحد وإقصاء‬ ‫اآلخر‪ ،‬ألن الديـــن عنده تدخـــل فيه عدة مكـــونات تشـــكل نظريته في‬ ‫الدين‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫املكون االجتماعي واالقتصادي والفكري والعلمي‪ ،‬كما العالقة بني‬ ‫الدين واملجتمع عند موسى عالقة جدلية‪ ،‬كل منها يؤثر في اآلخر ويغير‬ ‫فيه‪ .‬ولذلك فإنه عندما يحارب الغيبيات واخلرافات والعقائد البالية‬ ‫املنتشرة في املجتمع العربي‪ ،‬فانه يعمل على تنقية كل من الدين واملجتمع‬ ‫من تلك السلبيات‪.‬‬ ‫أما فيما يتعلق بعالقة الدين بالسياسة فإن موسى علماني وشديد‬ ‫اإلعجاب بالتجارب العلمانية في آسيا وأوربا‪ ،‬والسيما جتربة أتاتورك في‬ ‫تركيا‪ .‬إذ اعتبرها حركة لم تقتصر على التغيير في نظام احلكم بل جتاوزته‬ ‫إلى التغيير في املجتمع‪.‬‬ ‫فأتاتورك من وجهة نظر موسى نهض بالشعب وأخرجه إلى النهضة وك ّون‬ ‫مجتمع ًا عصري ًا وفصل الدين عن الدولة‪ ،‬فالدين يفصل بني احلالل واحلرام‪،‬‬ ‫وهذا ليس موضوع السياسة املعاصرة‪.‬‬ ‫‪31‬‬


‫الفكاهة في العالم اإلسالمي‬ ‫بعد أحداث احلادي عشر من سبتمبر ‪/‬‬ ‫أيلول ‪ 2001‬وبعد النزاع الذي تفجر حول الرسوم‬ ‫الكاريكاتورية الدمناركية ترسخت في الغرب صورة‬ ‫للعالم اإلسالمي باعتباره عامل ًا متجهم ًا ال يعرف‬ ‫شيئ ًا اسمه املزاح أو السخرية‪ .‬غير أن تلك الصورة‬ ‫خاطئة متام ًا مثلما تبني أندريا لوغ‪.‬‬ ‫«عندما تقف الباكستانية شازيا ميرزا على‬ ‫خشبة املسرح في لندن وهي ترتدي حجاب ًا أسود‬ ‫ومالبس محتشمة فإن مظهرها يثير‬ ‫االستغراب لدى معظم املشاهدين‪.‬‬ ‫امرأة ـ بل ومحجبة ـ تطلق نكات ًا‬ ‫بالنسبة إلى كثيرين في الغرب‬ ‫يبدو املرح والسخرية والتهكم أشياء‬ ‫تكاد تتناقض مع الثقافات العربية‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬ففي زمن اإلرهاب والنزاع‬ ‫حول الرسوم الكاريكاتورية سادت في‬ ‫وسائل اإلعالم الغربية صورة للعالم العربي‬ ‫واإلسالمي تختزله في رجال دين متشددين‬ ‫ونساء محجبات‪ ،‬وغالب ًا ما ينسى الناس في الغرب‬ ‫أن الفكاهة تنتشر أيض ًا حتت احلجاب‪ ،‬وأن احلكام‬ ‫السلطويني أو العاملني في أجهزة الرقابة لم ينجحوا‬ ‫يوم ًا في اجتثاث جذور املرح والفكاهة من املجتمع‪.‬‬ ‫سخرية الذعة من المستبدين‬

‫وبالفعل فإن النظم السلطوية ـ وهي النظم التي‬ ‫تسود معظم البلدان العربية في الوقت الراهن ـ هي‬ ‫التي أفرزت أكثر الساخرين واملتهكمني حد ًة ولذاعة‪.‬‬ ‫غير أن أصحاب تلك النكات السياسية أو الدينية‬ ‫يخاطرون في الظروف احلالية بحياتهم‪ ،‬أو بحريتهم‬ ‫إذا واجهوا عقوبة السجن‪ .‬الكاتب املغربي إدريس‬ ‫كسيكس مث ًال يعلم متام العلم كيف يكون رد فعل‬ ‫احلكام على الفكاهة غير املرغوب فيها‪ ،‬وذلك بعد‬ ‫أن قام في مجلته بنشر سلسلة طويلة عن النكات‬ ‫املغربية‪.‬‬ ‫عقب نشر املقاالت لقي كسيكس هجوم ًا من‬ ‫جانب األصوليني والدولة في آن‪ ،‬ثم قامت السلطات‬ ‫مبنع املجلة من الصدور‪ .‬في أعقاب ذلك ُرفعت‬ ‫وحكم على كسيكس‬ ‫قضية ضد ناشر املجلة‪ُ ،‬‬ ‫‪32‬‬

‫تساؤل‪ ،‬ناهيك عن أن يفعل أجانب بذلك‪.‬‬ ‫متتلك الثقافة العربية تراث ًا غني ًا للغاية من‬ ‫ً‬ ‫األدب الساخر املرح‪ .‬غير أن ً‬ ‫كبيرا من ذلك‬ ‫جزءا‬

‫بالسجن ملدة ثالثة أعوام‪ ،‬ثم صدر بعد ذلك قرار‬ ‫بوقف تنفيذ العقوبة‪ .‬هذا رغم أن موطن إدريس‬ ‫كسيكس ُيعتبر ليبرالي ًا إلى حد ما إذا قورن بالدول‬ ‫العربية األخرى‪.‬‬ ‫ال هذر بعد اليوم‬

‫ُيصعب على كثيرين في الغرب أن يضحكوا‬ ‫على النكات العربية ألنهم ال يعرفون سوى القليل‬ ‫عن الشخصيات املؤثرة في املجتمع‪ ،‬كما أنهم‬ ‫يجهلون الظروف السياسة والدينية واالجتماعية‬ ‫التي أفرزت تلك النكات‪ .‬على اجلانب اآلخر فإن‬ ‫املسلمني يشعرون سريع ًا باإلهانة عندما يضحك‬ ‫الناس في الغرب على نكات تتخذ من اإلسالم‬ ‫موضوع ًا‪ .‬توماس باور‪ ،‬الباحث في معهد الدراسات‬ ‫املتقدمة في برلني‪ُ ،‬يرجع ذلك إلى عدة عوامل‪،‬‬ ‫ويقول‪« :‬لم يتخل املسلمون بالطبع عن الضحك‪،‬‬ ‫غير أنهم في موقف سياسي ال يدعو إلى املرح‪.‬‬ ‫إنهم يرغبون في إظهار وحدة صفهم‪ ،‬ألنهم يشعرون‬ ‫بأنفسهم منذ عصر االستعمار وحتى اليوم في حالة‬ ‫دفاع عن النفس‪ ،‬وفي هذا املوقف الدفاعي ال يريد‬ ‫الناس وضع القيم» اإلسالمية األساسية موضع‬

‫التراث ال ميكن نشره اليوم في البالد العربية‪ ،‬ألنه‬ ‫سيقع على الفور ضحية الرقابة‪ .‬أما في املاضي‬ ‫ـ يقول الباحث في العلوم اإلسالمية توماس باور‬ ‫ـ فقد كان باستطاعة الكاتب أن يكتب وينشر‬ ‫بحرية أكثر بكثير من اليوم‪ ،‬حتى فيما يتعلق‬ ‫باملوضوعات الدينية‪.‬‬ ‫ويرى الباحث في معهد برلني للدراسات‬ ‫املتقدمة أن ذلك العصر لم يكن يعرف احملرمات‪:‬‬ ‫«غير أن الناس في العالم اإلسالمي قد اعتمدوا‬ ‫منذ عهد االستعمار فهم ًا طهراني ًا شبيه ًا‬ ‫باملفاهيم السائدة في العصر الفيكتورياني‪،‬‬ ‫وهو ما أدى إلى أن موضوع اجلنس اليوم‬ ‫ـ وعلى العكس من املاضي ـ قد أصبح‬ ‫شبه محرم»‪.‬‬ ‫أما الباحث أولريش مارتسولف فيرى أن‬ ‫النظرة الغربية جتاه العالم العربي نظرة قاصرة للغاية‪،‬‬ ‫تغلب عليها العوامل االقتصادية والسياسية‪ ،‬وال‬ ‫تكاد الثقافة تؤثر فيها‪ .‬ولهذا يدعو اخلبير ليس‬ ‫فقط إلى تذكر الروافد املشتركة بني الثقافة العربية‬ ‫اإلسالمية والثقافة األوربية‪ ،‬بل إلى االقتداء بها‬ ‫أيض ًا‪.‬‬ ‫من الثابت أن النكات العربية قد دخلت عبر‬ ‫مصادر عديدة إلى التراث األوروبي‪ .‬ومن تلك‬ ‫املصادر املهمة احلجاج مث ًال الذين سافروا إلى‬ ‫املشرق في عصر احلمالت الصليبية‪ ،‬ومن هناك‬ ‫أحضروا أشياء عديدة‪ ،‬أو التجار الذين كانوا في‬ ‫اتصال مباشر مع دول شرق البحر املتوسط‪.‬‬ ‫سيستمر الناس في الثقافة العربية في إطالق‬ ‫النكات والضحك في املستقبل أيض ًا – حتى‬ ‫وإن كان ذلك يستدعي شجاعة عظيمة في البالد‬ ‫السلطوية‪ :‬هذه هي احلقيقة‪ ،‬سواء أراد املرء في‬ ‫الغرب معرفة ذلك أم ال‪.‬‬

‫أندريا لوغ‬

‫ترجمة‪ :‬صفية مسعود‬ ‫موقع «قنطرة»‬


‫حلقة وصل‬

‫السالم علبكم ورحمة الله ويركاته‬ ‫اتقدم بالشكر اجلزيل اجلميل لإلخوة القائمني على‬ ‫هذا املجهود الكبير الكرمي وأضرع إلى ‪ ‬الله لهم بتكليل‬ ‫جهودهم يالنجاح والفالح‪ ،‬ولعملهم بالقبول واملثوبة اجلزيلة‬ ‫اجلليلة من الله‪ ‬جل جالله‪ .‬أرجو التكرم بحجز مكان لي‬ ‫في هذا النشاط املبارك‪.‬‬

‫‪ ‬د‪ .‬عبد السالم مريش‬

‫حتية احترام‬ ‫شكر على اجلهود التي‪ ‬تقومون بها‪ ‬للرقي بالشباب‬ ‫العربي بغية اكتساب مهارات جديدة متكن من تطوير الذات‬ ‫واملجتمع‪ ..‬مع متنيات بالنجاح وامتنى صادقا االستفادة‬ ‫منها باملغرب‪ ،‬كما ميكننا احتضان تلك الورشات‪ ‬والتكفل‬ ‫بها‪ .‬‬

‫السعدي مصطفى‬

‫‪Salam Alykom,‬‬ ‫‪Recently i have come across‬‬ ‫‪issue no 3 & 5 of your Rasid‬‬ ‫‪Altanweeri publications, i have‬‬ ‫‪been impressed with the content‬‬ ‫‪and style of the publication, in‬‬ ‫‪addition to the richness of their‬‬ ‫‪articles, i would appreciate if you‬‬ ‫‪can send me the remaining issues‬‬ ‫‪and also copies of your other‬‬ ‫‪recent publications such as Islam‬‬ ‫?‪21 issues‬‬ ‫‪Thank you in anticipation‬‬ ‫‪Regards‬‬ ‫‪Lukman Faily - UK‬‬

‫‪inquiry@islam21.net‬‬

‫مدير مركز التنمية احمللية ـ املغرب‬ ‫وصلني العدد اخلامس من مجلة الراصد التنويري‪ .‬االفتتاحية كانت جيدة وكذلك املقاالت االخرى‪ .‬من يقرأ لكم البد له أن‬ ‫يشكركم على جهودكم من أجل خلق وتكثيف احلوار على الصعيدين الديني و احلضاري‪ .‬في كتاب للالهوتي السويسري هانز كونغ‬ ‫شعار رائع وهو‪ :‬ال سالم ما بني الشعوب بدون تسامح ما بني االديان واحلضارات‪ .‬وهذا ينطبق على نهجكم التنويري‪.‬‬

‫د‪ .‬فالح الراضي‬ ‫املانيا‬

‫‪33‬‬


‫قالوا‬ ‫• من الضروري تكثيف احلوار بني الثقافات واحلضارات لتالفي أي أفكار شاذة‬

‫تدعو لفكرة الصراع بني احلضارات‪.‬‬

‫البروفسور جون سبوزيتو‬

‫أستاذ الدراسات اإلسالمية واألديان في جامعة جورج تاون‬

‫• ال يوجد في الشريعة اإلسالمية ما مينع املرأة من تولي أرفع املناصب‬

‫القيادية ما دامت توافرت فيها الصفات املناسبة واخلبرة الالزمة‬

‫الدكتورة فائزة شبراماليسى‬

‫عميدة كلية أصول الدين في جامعة علوم القرآن بجاكرتا‪،‬‬ ‫عضو مجلس العلماء في إندونيسيا‬

‫• "العاملية اإلسالمية» ال تعني انفراد احلضارة اإلسالمية بالعالم‪ ،‬وإلغاءها‬

‫«حلضارة اآلخر» بل إنها تعني التفاعل والتدافع والتسابق مع اآلخر‪ ،‬مع تأكيد‬ ‫أن التعددية احلضارية والتنوع الثقافي واحترام حق االختالف بني الشعوب واألمم‬

‫والقبائل‪.‬‬

‫الدكتور حمزة كيونغ‬

‫استاذ دراسات الشرق االوسط بجامعة شوسيان في كوريا اجلنوبية‬

‫• اجلهاد االسالمي املطلوب في هذه املرحلة ال يعني الغزو‪ ،‬بل مناهضة‬

‫التخلف والسعي لالرتقاء بأساليب احلياة في العالم االسالمي‪ .‬وهذا يعني‬

‫تغيير مفهوم اجلهاد الى انتزاع حق احلياة بكرامة وليس املوت في املعارك‪.‬‬

‫الداعية التنويري جمال البنا‬

‫قالوا‬

‫‪34‬‬

‫•‪ ‬يوجد في الغرب عدد من اخلرافات التي تدور حول اإلسالم‪ ،‬بقدر ما يوجد‬

‫مسلمون يروجون خلرافات تدعم تص ّورات الغرب غير السليمة‪ ..‬وال ميكن التغلب‬

‫على مثل هذه التص ّورات إال َّ عندما يجتمع أشخاص سليمون بأشخاص‬ ‫سليمني‬

‫الروائي البريطاني حنيف قريشي‬


The International Forum for Islamic Dialogue (IFID)

IFID was established in 1994 as a UK based non-profit organization. It is an independent voice calling for an enlightened and modern understanding of Islam. We believe that Muslim democrats can potentially become a stabilizing and a constructive force in developing institutions, modernizing Muslim societies and playing their full role in world peace. The key to a better future for Muslim nations lies in developing interpretations of Islam, Muslim thought and attitudes that are compatible with the contemporary world. IFID was founded by Dr Laith Kubba, who served as it’s first executive director (1994 to 1998). He was succeeded by Dr Mansoor Al-Jamri. IFID’s current director is Dr Najah Kadhim. IFID aims to: • Identify, encourage and introduce new, enlightened Muslim writers to engage in debate and discussion on key Islamic issues and establish a network for the sharing of ideas and experiences on the challenges faced by Muslims today. • Initiate innovative ideas that provoke contemporary Islamic thought and generate much needed debate and dialogue. • Assist and strengthen the efforts of enlight-

ened and liberal Muslim democrats in propagating a modern understanding of Islam and it’s values, focusing on human rights, democracy, pluralism, non-violence, civil rights, modern institutions and in identifying future trends and strategies. IFID Objectives: 1. The "Friday Note" - whereby, concise articles, by known Muslim writers from a number of countries, address contemporary Muslims concerns. These are emailed on Fridays, to our online community. Each year a collection of these articles are published in book form. 2. To improve and update "Islam21.net" Web site. 3. To produce an "educational guide", catering to the needs of Muslims, that is modern, scientific, and flexible - to be used by teachers of religion and by Imams. 4. To publish the quarterly "Islam21" journal, focusing on specific themes. 5. To host Seminars, addressing specific topics relevant to current Muslim reality and to publish and circulate them to individuals and organizations. 6. To publish the quarterly Islam21 Youth, focusing on Muslim Identity from a youth perspective.


‫لمحة عن تاريخ‬ ‫المنبر الدولي للحوار اإلسالمي‬ ‫تأسس المنبر الدولي للحوار اإلسالمي في العام ‪1994‬‬ ‫كمنظمة غير ربحية‪ ،‬متخذا من العاصمة البريطانية لندن مقرا‬ ‫رئيسا له‪.‬‬ ‫والمنبر صوت مستقل يدعو إلى فهم اإلسالم بنحو متن ّور‬ ‫وعصري‪ .‬ذلك إننا نعتقد أن بوسع المسلمين الديمقراطيين أن‬ ‫يصيروا قوة استقرار وبناء لتطوير مؤسسات عامة‪ ،‬ومجتمعات‬ ‫مسلمة حديثة‪ ،‬وان يلعبوا دورا بارزا في إشاعة السالم في العالم‪.‬‬ ‫فمفتاح باب مستقبل أفضل لألمم المسلمة مرتبط بتطوير‬ ‫قراءات عصرية لإلسالم‪ ،‬والفكر اإلسالمي‪ ،‬والموقف المتالئم مع‬ ‫عالمنا المعاصر‪.‬‬ ‫ونعتقد أيضا أن بمقدور المؤسسات العامة الحديثة تطوير‬ ‫مهارات المهنيين‪ ،‬وبهذا تسهم في تحديث المجتمعات‬ ‫المسلمة‪.‬‬ ‫أسس المنبر الدولي للحوار االسالمي وتولى إدارته التنفيذية‬ ‫الدكتور ليث كبة من العام ‪ 1994‬حتى العام ‪ ،1998‬ليأتي الدكتور‬ ‫منصور الجمري‪ ،‬مديرا تنفيذيا ثانيا‪ ،‬من العام ‪ 1999‬حتى العام‬ ‫‪ .2001‬واآلن يتولى الدكتور نجاح كاظم منصب مديره التنفيذي‪.‬‬

‫من كتّ اب العدد‪:‬‬ ‫د جناح كاظم ‬

‫د‪ .‬شفيق ناظم الغبرا ‬

‫شمس الدين الكيالني ‬

‫هاجر القحطاني‬

‫ ‬

‫عمار السواد ‬

‫د‪ .‬وحيد عبد املجيد ‬

‫فالح حسن السوداني ‬

‫كاظم احلسن‬

‫ ‬

‫د‪ .‬عبد اجلبار الرفاع ي عبداللطيف طريب ‬

‫محمد زاهد جول ‬

‫صالح اجلوشي‬

‫موالي محمد اسماعيلي ‬

‫عبداحلميد االنصاري‬

‫ ‬

‫ ‬

‫شاكر فريد حسن ‬

‫جمال سلطان ‬

‫ ‬

‫هاني فحص ‬

‫محمد نبيل حسن عودة د‪ .‬رسول محمد رسول ‬

‫أندريا لوغ‬

‫‪inquiry@islam21.net‬‬ ‫‪www.islam21.net‬‬ ‫‪Al-Rasid Al-Tanweeri P. O. Box: 5856, London WC1N 3XX, United Kingdom Phone: (+44) 20 7724 6260‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.