الراصد التنويري عدد 7

Page 1

‫العدد (‪ )7‬شتاء ‪( 2010‬السنة الثانية)‬

‫)‪Issue 7 / Winter 2010 (Vol 2‬‬


‫األهداف الرئيسية للمنبر الدولي‬ ‫للحوار اإلسالمي‪:‬‬

‫مهمة المنبر الدولي‬ ‫للحوار اإلسالمي‬ ‫يتبنى المنبر الدولي للحوار اإلسالمي‬ ‫‪ IFID‬االلتزام بالحث على نهوض‬ ‫المجتمعات المسلمة من خالل تشجيع‬ ‫القراءة العصرية فيهـا‪ ،‬والدفع باتجاه‬ ‫العلوم والتثقيف‪ .‬ويهدف المنبر إلى‬ ‫إحيـــاء روح المبـادرة وتشجيع النشاطات‬ ‫الفكرية والتربوية‪ ،‬التي تفضي إلى نمو‬ ‫منظومة عقلية حديثة يرتجى منها إيجاد‬ ‫حلول لقضايا اجتماعية واقتصادية‬ ‫وأخالقية يشهدها عصرنا الحالي‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ فكريا‬ ‫• تحريك وتطوير وتوفير أفكار جديدة؛‬ ‫وتوليد حوار ديناميكي تشتد الحاجة‬ ‫إليه في عصرنا هذا‪.‬‬ ‫ • تقديم ُكتّاب جدد ومفكرين بغية‬ ‫تنشيط نقاش جاد في قضايا‬ ‫الملحة‪.‬‬ ‫المسلمين‬ ‫ّ‬ ‫• توثيـق‪ ،‬وإصـدار ونشـر مطبوعات‬ ‫فكرية وتربوية‪.‬‬ ‫• العمل من أجـل إنشاء شبكة عالمية‬ ‫من المفكـرين والمؤسسات‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ تربويا‬ ‫• توعية الفرد المسلم بالقيم المدنية‬ ‫والديمقراطية‪ ،‬ونهج التسامح‬ ‫والالعنف‪.‬‬ ‫• تدريب الشباب المسلم‪ ،‬والقادة‪،‬‬ ‫والمعلمين‪ ،‬على القيم المدنية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫• إنشاء شبكة عالمية للنشطاء‬ ‫المسلمين المدنيين‪.‬‬ ‫إيجازا‪ ،‬يتمثل هدف هذا المنبر في‬ ‫إرساء فكر إسالمي إنساني‪ ،‬وديمقراطي‬ ‫عـن طريـق إدامة وتطوير حوار دينامكي‬ ‫في القضايا االجتمـاعيـة واألخـالقيـة‬ ‫ذات الصلة‪.‬‬

‫> التعريف بالكتاب اإلسالميين المستنيرين وتشجيعهم وإتاحة‬ ‫منبر لهم لعرض فكرهم ومن ثم دفعهم إلى نقاش حول القضايا‬ ‫اإلسالمية الرئيسية المطروحة على الساحة‪ ،‬أي تكوين شبكة‬ ‫من العقول واألقالم اإلسالمية بهدف النقاش وتبادل األفكار‬ ‫والخبرة حول أهم التحديات التي تواجه المسلمين اليوم وأهم‬ ‫احتياجاتهم‪.‬‬ ‫> طرح أفكار جديدة خالقة ورائدة إلعمال الفكر اإلسالمي المعاصر‬ ‫وتوليد جدل ونقاش تمس إليه الحاجة في عالم المسلمين‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫> تعزيز ودعم ومساندة الجهود التي يقوم بها اإلسالميون‬ ‫المستنيرون ذوو الفكر الحر نحو قراءة وفهم عصريين لإلسالم‬ ‫وقيمه المتعلقة بقضايا مثل حقوق اإلنسان والديمقراطية‬ ‫والتعددية ونبذ العنف‪ ،‬والحياة العامة والحقوق المدنية‬ ‫والمؤسسات الحديثة والدراسات اإلسالمية في المستقبل‪،‬‬ ‫وأسلحة الدمار الشامل وغيرها‪.‬‬

‫األنشطة الرئيسة للمنبر الدولي للحوار اإلسالمي‪:‬‬ ‫> إطالق مشروع "مقاالت الجمعة"‪ ،‬وهو عبارة عن إرسال مقاالت‬ ‫مختصرة ولكنها مكثفة بآقالم مجموعة من الكتاب اإلسالميين‬

‫ ‬

‫> ‬

‫> ‬ ‫> ‬ ‫> ‬

‫> ‬

‫المعروفين من عدد من الدول اإلسالمية تتعرض بالنقد والتحليل‬ ‫لهموم المسلمين المعاصرة‪.‬‬ ‫وتُرسل هذه المقاالت عبر شبكة المعلومات الدولية اإلنترنت إلى‬ ‫البريد اإللكتروني لمجموعة مختـــارة ولكنـــها كبيرة العدد‬ ‫من المشتركين‪ .‬وفي نهاية كل عام تٌجمع هذه المقاالت بين‬ ‫دفتي كتاب‪.‬‬ ‫تعديل وتحسين وتحديث موقع «‪ »islam21.net‬على شبكة‬ ‫المعلومات الدولية اإلنترنت‪ .‬ويشمل هذا التحديث الجوانب‬ ‫الفنية والمحتوى والدعاية للموقع والروابط الخاصة بمواقع‬ ‫مماثلة والتي يمكن إضافتها للموقع‪.‬‬ ‫تطوير «دليل تعليمي» حديث وعلمي ومرن يآخذ بعين االعتبار‬ ‫االحتياجات التعليمية للمسلمين‪ ،‬من أجل أن يستخدمه الشباب‬ ‫واألئمة ومعلمو التربية الدينية‪.‬‬ ‫نشر فصلية «‪ »islam21‬والتي تتناول موضوعات معينة بقدر من‬ ‫التركيز‪.‬‬ ‫استضافة منتديات النقاش التي يتحدث فيها مفكرون إسالميون‬ ‫عن موضوعات معينة تخص واقع المسلمين في وقتنا الراهن‪.‬‬ ‫وسيتم طبع محاضر هذه المناقشات وتوزيعها على مجموعة‬ ‫معينة من األفراد والمنظمات‪.‬‬ ‫نشر فصلية «‪ »islam21 Youth‬والتي تركز على الهوية اإلسالمية‬ ‫من منظور الشباب‪.‬‬


‫العدد (‪ )7‬شتاء ‪( 2010‬السنة الثانية)‬

‫)‪Issue 7 / Winter 2010 (Vol 2‬‬

‫التقارب‬ ‫السني ـ الشيعي‬ ‫المستحيل‬ ‫والممكن‬

‫حوار مع‬ ‫المفكر‬ ‫د‪ .‬مصطفى‬ ‫بوهندي‬

‫بدر الشبيب‬

‫‪13‬‬

‫‪5‬‬

‫‪Al-Rasid Al-Tanweeri‬‬ ‫‪P. O. Box: 5856‬‬ ‫‪London WC1N 3XX‬‬ ‫‪United Kingdom‬‬ ‫‪Phone:‬‬ ‫‪(+44) 20 7724 6260‬‬

‫نشاطات المنبر الدولي‬ ‫للحوار االسالمي‬

‫‪21‬‬ ‫الحرية واالبداع‬ ‫في الفكر االسالمي‬

‫‪inquiry@islam21.net‬‬

‫محمد زاهد جول‬

‫‪www.islam21.net‬‬ ‫للمراسلة‬

‫‪32‬‬

‫‪jamal@islam21.net‬‬ ‫من مهام المنبر‪:‬‬

‫تأسيس فكر انساني دميقراطي واسالمي عبر احلوار الفاعل وتطويره‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫د‪ .‬نجاح كاظم‬

‫هيئة التحرير‬ ‫ ‬ ‫هاجر القحطاني (المملكة المتحدة)‬

‫فالح حسن السوداني (العراق)‬

‫ ‬ ‫عبد اللطيف طريب (المغرب)‬

‫محمد طلبة (مصر)‬

‫االخراج الفني‪ :‬رياض راضي‬ ‫لوحة الغالف‪:‬‬ ‫الفنانة سلمى العالق‬


‫مبتدأ الكالم‬

‫الخالف السني ـ الشيعي‬

‫خطوات لنزع فتيل الخصام‬ ‫مير اخلالف السني ـ الشيعي باصعب مراحله اليوم الستنفاده االفكار‬ ‫والرؤى واملواقف واالليات العملية‪ ،‬ناهيك عن دور عامل التاريخ الذي‬ ‫رسخ املشاكل واكد املفاهيم القدمية وعزز حدة االستقطاب لدى الطرفني‬ ‫مع تقادم االعوام‪ .‬اخللفية الثقافية والتراثية التاريخية ال تسمح في‬ ‫اقامة حوار موضوعي ومثمر حول اخلالف القائم على الغاء االخر وتركيز‬ ‫الذات‪ ،‬مستخدم ًا كافة الدالئل‪.‬‬ ‫بداية اخلالف كان سياسي ًا ودار حول خالفة الرسول (ص) حيث‬ ‫رأى السنة باخلالفة والشيعة باالمامة‪ ،‬وتطور فيما بعد ليغدو الهوتي ًا‪.‬‬ ‫وال بد القول ان النقاط املشتركة بني الطرفني كثيرة‪ ،‬فيما تعتبر نقاط‬ ‫االختالف قليلة‪ ،‬غير ان النقاط الهامشية تبقى في الغالب هي اكثر‬ ‫ً‬ ‫تأثيرا في مفصل العالقة بني اجلانبني‪.‬‬

‫البد من االعتراف ان املصطلحات الغابرة التي متيز بها اخلالف‬ ‫السني ـ الشيعي كالنواصب والروافض‪ ،‬كانت وال تزال العائق االهم‬ ‫لتأسيس عالقة سليمة بينهما‪ .‬كذلك توجد مشكلتني اساسيتني يتطلب‬ ‫ً‬ ‫مجددا بشجاعة وشفافية‪ ،‬بعدما فشلت جهود عدة في‬ ‫مواجهتهما‬ ‫التعامل معهما في املاضي القريب‪ ،‬وهما‪:‬‬ ‫ً‬ ‫او َال‪ :‬االعتراف بوجود مشكلة قائمة تزداد عمقا مع مرور الزمن‬ ‫ً‬ ‫بعيدا‬ ‫والدعوة بصوت عال مبواجهتها وليس طمسها او التغاظي عنها‪،‬‬ ‫عن عبارات املجاملة او الشعارات مثل «كلنا اخوة مسلمني»‪ ..‬اذ ان‬ ‫العبارات والدعوات املخلصة والطيبة لم تصل الى نتائج عملية‪ ،‬رغم‬ ‫ً‬ ‫حاضرا‪ .‬فاالستقطاب اليوم جتاوز االزدراء‬ ‫تعددها وتنوعها ماضي ًا و‬ ‫واحلقد والكراهية‪ ،‬ليصل الى مصاف القتل على الهوية‪ ،‬مثلما شهده‬ ‫العراق‪ ،‬وما زالت باكستان تشهده لغاية اآلن‪.‬‬ ‫االبعاد السياسية هي االخرى تلعب ً‬ ‫ً‬ ‫دورا فاعال في تعقيد العالقة‬ ‫بني الطرفني وتساهم في تشنج املواقف وتزمت الرؤى ودور القوى احمللية‬ ‫في عموم املنطقة‪ ،‬اضافة الى دول اجلوار‪ .‬لذا فالنيات الصادقة واجلهود‬ ‫املثابرة من قبل اجلانبني غير كافية القامة عالقة سلمية بسبب تلفع‬ ‫العالقة بالعاطفة‪ ،‬واالهم‪ ،‬رمبا‪ ،‬ان الصراع قائم على النقل وليس‬ ‫العقل‪ ،‬ولم يخضع للتحقيق والتمحيص او النقد طوال التاريخ‪ ،‬ما ادى‬ ‫الى تضخمه مع مرور الوقت‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ :‬عدم تبلور االحترام املتبادل لعقائد الطرفني ومحاولة كل‬ ‫طرف اقناع االخر باهمية ما عنده من مبادئ وافكار‪ ،‬وما يتطلب فع ًال‬ ‫احترام كل جانب حق اجلانب االخر في اخليار والقناعة لصحة العقائد‬ ‫التي يؤمن بها‪ .‬فالتقريب بني الطرفني ال يقوم على اقناع االخر‪ ..‬وامنا‬ ‫‪4‬‬

‫احترام خياره‪ .‬وفي هذا السياق يعتقد بعض السلفيني‪ ،‬ان لم نقل‬ ‫جميعهم‪ ،‬ان اية محاولة للتقريب بني الطرفني‪ ،‬ما اال بدعة من الشيعة‬ ‫لنشر عقائدهم‪ ،‬او مؤامرة على اهل السنة‪ ،‬االمر الذي يستحيل تبلور‬ ‫عالقة صحية بينهما‪.‬‬ ‫ويبقى احلوار‪ ،‬رغم صعوبة حتقيقه‪ ،‬البديل الوحيد للحد من تطور‬ ‫الفجوة بني الطرفني وتوفير املنفذ لتمزيق االمة وتشتتها‪ .‬فال غالب او‬ ‫مغلوب في هذا الصراع‪ ،‬ويضحى اخلراب سمة اجلميع‪.‬‬ ‫توعية املسلمني باخلالف ونتائجه احدى اهم الضرورات‪ ،‬فض ًال عن‬ ‫نزع فتيل التاريخ باعتباره احد مصادر املعرفة املغذية لتأصيل افكار‬ ‫التكفير والرفض وااللغاء‪ ،‬االمر الذي يتطلب‪:‬‬ ‫ االلتزام بالقرآن الكرمي باعتباره كتاب مقدس يؤمن به ويعود له‬‫جميع املسلمني على اختالف مللهم ونحلهم‪.‬‬ ‫ ايجاد آلية عملية لتسوية العالقة السنية ـ الشيعية‪ ،‬تقبل‬‫بتعدد الطوائف واملذاهب واالديان‪ ،‬ووضع الدولة االسس القانونية‬ ‫لشرعية التعددية واالعتراف بحقوق اجلميع وتأسيس عالقات احترام‬ ‫متبادلة ومساواة تامة لقبول عالقة االجتماع واالختالف في مجتمع‬ ‫واحد‪ ،‬وسن قوانني ملنع التحريض والعنف والقتل على مستوى الفتاوى‬ ‫الدينية والكتب والبيانات واخلطب‪ ..‬اي فرز املعيارية اجلوهرية لتبلور‬ ‫اطار مشترك يحدد العالقات بني االطراف املختلفة‪ ،‬ووضع استراتيجية‬ ‫الطار يهندس العالقات السنية ـ الشيعية والعمل على تطوير‬ ‫االجندات املشتركة‪ .‬ويأتي دور االعالم لنشر التوعية والتأكيد على‬ ‫اهمية رفع الشعارات املناسبة والتركيز على العيش املشترك وتعزيز‬ ‫التنوير واالنفتاح ومحاربة اجلهل‪.‬‬ ‫ولعل اهمية تأسيس وتقوية مؤسسات املجتمع املدني التي تدعو‬ ‫الى التوجه السلمي‪ ،‬وذلك الستثمار برامج عملية تعمل على التقريب‬ ‫كالندوات واحلوارات او الصالة املشتركة‪ ،‬وتنظيم فعاليات جماعية‬ ‫مشتركة حتد من التباعد والفرقة‪ ،‬واشاعة الوعي املشترك من خالل‬ ‫اللقاءات املشتركة‪ .‬عندئذ نكون قد مارسنا بالفعل الوحدة وحققنا‬ ‫لالجيال املقبلة ما نصبو اليه من اخوة حقيقية متثل اهم مرتكزات ديننا‬ ‫احلنيف‬

‫د‪ .‬نجاح كاظم‬


‫التقارب السني ـ الشيعي المستحيل والممكن‬ ‫األمة اإلسالمية جسد‬ ‫واحد ال فرق فيه بين‬ ‫سني وشيعي‪ ،‬طالما‬ ‫أن الجميع يصلي صالة‬ ‫واحدة ويتجه لقبلة‬ ‫واحدة»‬ ‫الدين أداة جمع من‬ ‫خالل النظرة الشاملة‬ ‫للقيم الدينية الحقة التي‬ ‫تعلي شأن اإلنسان والحرية‬ ‫والكرامة والعدالة‬

‫بدر الشبيب‬ ‫موقع «التوافق» االلكتروني‬

‫في الوقت الذي نشهد فيه مؤمترا للحوار بني األديان‪،‬‬ ‫وفي الوقت الذي نتحدث فيه عن سماحة اإلسالم وقدرته‬ ‫على استيعاب اآلخر‪ ،‬ونستشهد على ذلك بالدستور‬ ‫اإلسالمي األول في املدينة املنورة الذي وضعه رسول‬ ‫الله (ص) والذي دون فيه أن اليهود «أمة مع املؤمنني‪،‬‬ ‫لليهود دينهم‪ ،‬وللمسلمني دينهم» «وأن بينهم النصح‬ ‫والنصيحة والبر دون اإلثم»‪ ،‬نشهد في ذات الوقت‬ ‫أصواتا ترتفع هنا وهناك تتحدث عن استحالة التقارب‬ ‫السني الشيعي‪.‬‬ ‫ال أدري ما هذا اإلسالم اجلديد الذي اخترعناه‪،‬‬ ‫فلم يستطع استيعاب حتى من يشترك معنا في نبي‬ ‫واحد وكتاب واحد وقبلة واحدة‪ ،‬يصلي في اليوم خمسا‪،‬‬ ‫ويصوم شهر رمضان‪ ،‬ويحج بيت الله احلرام؟!‬ ‫وال أدري سر االستحالة وقد شهدناه على أرض‬ ‫الواقع متمثال في الشيخ محمد بن احلسن املعروف‬ ‫بالشيخ الطوسي (‪ 385‬ـ‪460‬هـ) ينقل في أسانيده‬ ‫عن عاملني سنيني أخذ عنهما الرواية‪ ،‬وهما‪ :‬أبو علي‬ ‫بن شاذان وأبو منصور السكري‪ ،‬وفي ابن ادريس احللي‬ ‫(‪ 543‬ـ ‪598‬هـ) كما يذكر هو في كتابه السرائر عن‬ ‫عالقته مع أحد فقهاء الشافعية‪ ،‬يقول‪ :‬وكان بيني وبينه‬ ‫مؤانسة ومكاتبة‪ ،‬وفي قيام عدد من علماء السنة مثل‬ ‫شمس الدين البيهقي وعالء الدين القوشجي بشرح كتاب‬ ‫«جتريد االعتقاد» لنصير الدين الطوسي‪ ،‬وفي اللقاءات‬ ‫واحلوارات العلمية بني السيد عبد احلسني شرف الدين‬ ‫وبني الشيخ سليم البشري رئيس األزهر حينئذ‪ ،‬وفي‬ ‫مشروع دار التقريب التي كان أعمدتها محمد حسني‬ ‫كاشف الغطاء والسيد البروجردي من اجلانب الشيعي‪،‬‬ ‫والشيخ عبد املجيد سليم‪ ،‬شيخ األزهر‪ ،‬والشيخ محمود‬ ‫شلتوت من اجلانب السني‪.‬‬ ‫وأيضا ما نشهده حاليا من عالقات متميزة بلغت‬ ‫حد التحالف بني الداعية اإلسالمي املعروف فتحي يكن‬ ‫(رئيس جبهة العمل اإلسالمي) وبني السيد حسن نصر‬ ‫الله في لبنان‪ ،‬وكذلك األمر للعالقة بني مرشد جماعة‬ ‫اإلخوان املسلمني مهدي عاكف وبني عموم الشيعة‪ ،‬هذه‬ ‫العالقة التي أغضبت طارق احلميد فكتب مقاال في‬ ‫الشرق األوسط بعنوان آية الله مهدي عاكف‪.‬‬ ‫واألمثلة في هذا املجال كثيرة‪ ،‬ولعل ما صرح به‬ ‫مفتي مصر حاليا الشيخ علي جمعة في حواره مع العربية‬ ‫نت بقوله‪« :‬يجوز التعبد باملذاهب الشيعية وال حرج‪ ،‬وقد‬ ‫أفتى بهذا شيخ األزهر الراحل محمود شلتوت‪ ،‬فاألمة‬ ‫اإلسالمية جسد واحد ال فرق فيه بني سني وشيعي‪ ،‬طاملا‬

‫أن اجلميع يصلي صالة واحدة ويتجه لقبلة واحدة»‪.‬‬ ‫كل هذه األمثلة وغيرها تدل على إمكان التقارب‬ ‫شرط االنفتاح على اآلخر وعدم محاكمة النيات‪ ،‬فالعالم‬ ‫من كال الطرفني إذا اختلفنا معه متأول واجلاهل معذور‪.‬‬ ‫لقد مرت أوروبا قبلنا بسبب التعصب الطائفي‬ ‫املقيت بحرب مذهبية طاحنة شاملة استمرت ثالثني‬ ‫عاما (‪ 1618‬ـ ‪1647‬م) بني الكاثوليك والبروتستانت‪،‬‬ ‫حصدت عدة ماليني من أرواح البشر‪ ،‬ولكنها استطاعت‬ ‫أن تتجاوز ذلك بفضل اجلهود احلثيثة ملتنوريها الذين‬ ‫ركزوا على قيم التسامح واالنفتاح والتعايش وتكافؤ‬ ‫الفرص واملواطنة الكاملة للجميع حتى وصلت أوروبا إلى‬ ‫ما ولت إليه من احتاد أوروبي وسوق أوروبية مشتركة‬ ‫وبرملان أوروبي موحد‪.‬‬ ‫إن الوصول ملا وصلت إليه أوروبا احلديثة من‬ ‫تطور بل وجتاوزه ممكن ومتيسر لنا إذا أخذنا باألسباب‬ ‫الطبيعية‪ ،‬والتي منها تغيير نظرتنا للدين‪ ،‬وحتويله من‬ ‫أداة تفرقة إلى أداة جمع من خالل النظرة الشاملة للقيم‬ ‫الدينية احلقة التي تعلي شأن اإلنسان واحلرية والكرامة‬ ‫والعدالة واحلقوق وغيرها‪ ،‬وفي هذا اإلطار ال بد من عمل‬ ‫حقيقي دؤوب يشفع األقوال باألفعال‪.‬‬ ‫فقبل ‪ 4‬سنوات‪ ،‬وبالتحديد في مايو ‪2005‬م‪ ،‬خرج‬ ‫املؤمتر اإلسالمي الدولي الذي عقد في العاصمة األردنية‬ ‫عمان‪ ،‬وحضره أكثر من ‪ 170‬عاملا من مختلف املذاهب‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬بقرار ميثل وثيقة متقدمة في العالقات‬ ‫اإلسالمية البينية‪ ،‬وكان نصه‪:‬‬ ‫«إن كل من يتبع أحد املذاهب األربعة من أهل السنة‬ ‫واجلماعة (احلنفي‪ ،‬واملالكي‪ ،‬والشافعي‪ ،‬واحلنبلي)‬ ‫واملذهبني الشيعيني (اجلعفري والزيدي) واملذهب األباضي‬ ‫واملذهب الظاهري فهو مسلم وال يجوز تكفيره ويحرم دمه‬ ‫وعرضه وماله وال يجوز أيض ًا تكفير أصحاب العقيدة‬ ‫األشعرية ومن ميارس التصوف احلقيقي وكذلك ال يجوز‬ ‫تكفير أصحاب الفكر السلفي الصحيح كما ال يجوز‬ ‫تكفير أي فئة أخرى من املسلمني تؤمن بالله سبحانه‬ ‫وتعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وأركان اإلميان وحتترم‬ ‫أركان اإلسالم وال تنكر معلوم ًا من الدين بالضرورة»‪.‬‬ ‫وقد مت تبني هذا النص في مؤمتر القمة اإلسالمية‬ ‫االستثنائية في مكة املكرمة في ديسمبر من نفس‬ ‫العام‪.‬‬ ‫اليوم ونحن في مايو ‪2009‬م‪ ،‬لو استطاع هذا القرار‬ ‫التسلل إلى مناهجنا التعليمية وإلى منابرنا اإلعالمية‬ ‫وإلى دساتيرنا وأنظمتنا العتيدة لكان احلال غير‬ ‫‪5‬‬


‫ما أروع التقارب بين السنة والشيعة وما أسوأ التباعد بينهما‬

‫(العراق نموذج ًا)‬

‫ليالي رمضان المباركة‬ ‫كانت تنظم القصائد‬ ‫الوطنية وتلقى الخطب‬ ‫الحماسية التي تدعو‬ ‫للتعاضد والوحدة والتحرر‬ ‫ما أروع التقارب بين‬ ‫المسلمين من السنة ومن‬ ‫الشيعة باألمس والذي‬ ‫كان أحد أسبابه أناس‬ ‫متسامحين فائزين‬

‫محمود شاكر شبلي‬ ‫ملتقى «البشارة الدعوي» االلكتروني‬

‫‪6‬‬

‫كثرت االحتفاالت الدينية والسياسية في‬ ‫رمضان عام ‪ 1920‬قبيل أندالع ثورة العشرين‬ ‫بأشهر واستفحل التقارب بني الشيعة والسنة بشكل‬ ‫لم يشهد له مثيل من قبل في مدن العراق جميعا‪.‬‬ ‫وفي مدينة بغداد كان األمر على أشدّ ه من‬ ‫تقارب وتوادد ومؤمترات مشتركة وأحتفاالت دينية‬ ‫تضم رجاالت الدين والسياسة واملجتمع من السنة‬ ‫ومن الشيعة‪.‬‬ ‫فمثال كان السيد محمد الصدر رجل الدين‬ ‫والسياسة املعروف يغادر منزله الكائن في‬ ‫الكاظمية يوميا حلضور األحتفاالت في اجلوامع‬ ‫السنية ويستقل عربات (التروماي) هو ومجموعة‬ ‫من مقربيه من مدينة الكاظمية حيث يسكن الى‬ ‫محلة الكرخ‪ ،‬وعندما تصل عربته منطقة الكرخ‬ ‫كان أهل السنة في محالت اجلعيفر والسوامرة‬ ‫والتكارته وغيرهم يخرجون ألستقباله مع جماعته‬ ‫بالتهليل والتكبير وحمل الشموع وعند الوصول‬ ‫للمحطة جتد األهالي بأستقباله وعلى رأسهم الشيخ‬ ‫أحمد الداود وغيره من علماء السنة املعروفني‬ ‫ويتعانق الشيخ والسيد عناقا اخويا يرمز لألخوة‬ ‫احلميمة بينهما‪.‬‬ ‫وفي تلك الليالي املباركة كانت تنظم القصائد‬ ‫الوطنية وتلقى اخلطب احلماسية التي تدعو‬ ‫للتعاضد والوحدة والتحرر وفي أحد تلك الليالي‬ ‫قام السيد حبيب العبيدي املوصلي بنظم قصيدة‬ ‫شجب فيها األحتالل األنكليزي وتطرق فيها الى‬ ‫أهل البيت (عليهم السالم) ومدحهم وذكر أسماء‬ ‫األئمة األثنى عشر واحدا بعد اخر ويقول في بعض‬ ‫أبياتها‪:‬‬ ‫يا محبي آل النبي الكرام‬ ‫أيكون العراق ملك اللئام‪ ‬‬ ‫ ‬ ‫وهو ميــــــراث خير األنام‬ ‫أفبــــــــعد األئمة األعالم‬ ‫ ‬ ‫نحن نرضى باألنكليز وصيا؟‬ ‫وكانت تعقد األجتماعات بني رجال السياسة‬ ‫سنة وشيعة لتقدمي املطالبات للحكومة األنكليزية‬

‫وتنسيق املواقف‪ .‬‬ ‫وفي مكان اخر كان (املال عثمان املوصلي)‬ ‫يقوم بدور تقريبي رائع من خالل تنقله بني الكاظمية‬ ‫واألعظمية وهو يردد قصائد وترانيم في مدح أهل‬ ‫بيت الرسول عليهم السالم وصحبه املنتجبني‬ ‫الكرام‪.‬‬ ‫وفي يوم ‪ 21‬رمضان يوم وفاة األمام علي‬ ‫(عليه السالم) قام أهل األعظمية بأرسال‬ ‫موكب عزاء الى الكاظمية ملشاركة أهلها في‬ ‫العزاء فدخلوا صحن الكاظمية وهم يهزجون‪،‬‬ ‫وكذلك قام اهل محلتي التكارته والسوامرة‬ ‫بتنظيم موكب عزاء وذهبوا ملشاركة أهل محلة‬ ‫(الشيخ بشار) الشيعية في الكرخ بأحتفالهم‪ .‬‬ ‫وبعد رمضان وفي شهر محرم ذهب موكب عزاء من‬ ‫األعظمية الى الكاظمية على منوال ما حدث في‬ ‫شهر رمضان وهم يهزجون‪:‬‬ ‫جيت أناشدكم يشيعة‬ ‫صــدك زينـب سلبــوها‬ ‫ ‬ ‫فيجيب أهل الكاظمية‪:‬‬ ‫أي وحك جدها وأبوها‬ ‫حــتى اخليــام حركوها‬ ‫ ‬ ‫وأعــدم (عبد املجيــد كنه) والــذي كان من‬ ‫صناديد بغداد الذين وقفوا بوجه األنكليز وقد جرى‬ ‫جلنازتة تشييع عظيم وقد اشترك به اهل الشيعة‬ ‫واهل السنة معا فاخرج الشيعة في التشييع اعالم‬ ‫مواكبهم احلسينية كما خرج املتصوفة في دفوفهم‬ ‫وحمل بعض الشبان الشموع بأيديهم اشارة الى‬ ‫ان الفقيد كان شابا وهذا يوم عرسه وقد حملت‬ ‫اجلنازة من داره قبل الظهر ومرت في الشوارع‬ ‫يتقدمها اهل الدفوف واالعالم ويسير خلفها‬ ‫االالف من الرجال والشبان وحاملوا الشموع وسلك‬ ‫النعش طريق (الفضل وامليدان وجادة السراي وعبر‬ ‫اجلسر القدمي الى جانب الكرخ قاصدا مقبرة الشيخ‬ ‫معروف الكرخي)‪.‬‬ ‫وبعد ذلك وفي ذكرى املولد النبوي الشريف‬ ‫والذي يحتفل به أهل األعظمية أحتفاال مهيبا‬


‫وخاصا‪ ،‬عبر أهل الكاظمية (جسر األئمة) الذي‬ ‫يربط مدينتهم مبدينة األمام أألعظم أبو حنيفة‬ ‫النعمان عبروا الى مدينة األعظمية مبواكب يحملون‬ ‫فيها املشاعل والشموع ملشاركة أخوانهم السنة في‬ ‫األحتفال‪.‬‬ ‫واستمر هذا التقارب الشديد والود بني الشيعة‬ ‫والسنة والذي سبب ازعاجا لألنكليز الذين كانوا‬ ‫يؤمنون مببدأ (ف ّرق تسد)‪.‬‬ ‫وفي مذكرات املس بيل السكرتيرة الشرقية‬ ‫للسفارة األنكليزية في العراق مت ذكر هذا التقارب‬ ‫وكيف انه سبب حيرة وأزعاجا لألنكليز‪ ،‬وقد ذكرت‬ ‫ذلك أيضا لوالدها في أحدى رسائلها وسألته‬ ‫النصح ملواجهة هذه احلالة املتفاقمة‪ ،‬وقد نشرت‬ ‫الرسائل بعد وفاتها عام ‪ 1926‬بفترة طويلة‪.‬‬ ‫وعندما أندلعت الثورة كان العراق في حالة انسجام‬ ‫أجتماعي ساهم في توحد العراقيني جتاه عدوهم‪.‬‬ ‫وأقول‪ ...‬شتّان مابني أفعال م ّ‬ ‫ال عثمان‬ ‫املوصلي التقريبية وبني أفعال بعض املتطرفني‬ ‫أمثال الزرقاوي الغريب متاما عن أخالق أهل العراق‬ ‫التسامحية التعايشية األندماجية‪ ،‬أفعال الزرقاوي‬ ‫اللعني التحريضية التي تدعو للتصارع بني السنة‬ ‫وبني الشيعة والذي أعلن صراحة وأمام املأل أن‬ ‫عدوه األول ليس األمريكان احملتلني وأمنا أهل البلد‬ ‫من الشيعة‪ ،‬وكذلك من السنة املعتدلني الرافضني‬ ‫لنهجه الدموي‪.‬‬ ‫أفعاله الدموية تلك قد أتت أ ُكلها نوعا ما في‬ ‫الفترة مابني ‪ 2004‬الى ‪ 2007‬حينما تصاعد‬ ‫التوتر بني السنة وبني الشيعة أثر مهاجمة الزرقاوي‬ ‫ألضرحة أهل بيت النبي عليهم السالم وقتله ومتثيله‬ ‫بأي شيعي يقع حتت يده وكادت أن تندلع حربا‬ ‫أهلية التبقي والتذر بني األخوان من السنة والشيعة‬ ‫لوال رحمة الله التي وسعت أهل العراق وأنبرى من‬ ‫الطرفني رجال شرفاء أستطاعوا بفضل الله أطفاء‬ ‫النار وأحباط سعيه اخلبيث‪ ..‬‬ ‫وأقول أيضا شتّان مابني أفعال محمد الصدر‬ ‫انذاك وأفعال امليليشات األجرامية جتاه أهل‬ ‫العراق ممن ال يرضون بالفرقة واليقبلون بالفحشاء‬ ‫من شرفاء أهل السنة‪ ،‬وكذلك الشيعة املعتدلني‬ ‫الرافضني لنهجها الدموي‪.‬‬ ‫أقول‪ ،‬شتان مابني دعاة احلب باألمس ودعاة‬ ‫الكراهية اليوم‪..‬‬ ‫وما أروع التقارب بني املسلمني من السنة‬ ‫ومن الشيعة باألمس والذي كان أحد أسبابه أناس‬ ‫متسامحني فائزين‪ ،‬وما أسوأ التباعد بينهما اليوم‬ ‫والذي أهم أسبابه وحوش متطرفني خائبني خاسرين‬

‫في مسالة «الفرقة الناجية»‬ ‫رمبا يشكل سؤال النجاة قلقا بينا ومستمرا لدى املؤمنني باحلياة ما بعد املوت‪ ،‬خصوصا‬ ‫عندما ياتي مقرونا بالشعور باخلطيئة وافتراض الهالك كاحتمال اول ملصير االنسان‪.‬‬ ‫ويغذي الفهم التقليدي للدين ودوره املتصور كوصفة ناجزة للخالص اجلماعي هذا‬ ‫الشعور‪ ،‬منتجا احلاجة الى التصنيف والشمول او االقصاء‪.‬‬ ‫وبشكل طبيعي تتخذ هذه التصنيفات اسماء وتوضع لها احلدود والضوابط التي‬ ‫متنح بناء عليها صكوك الغفران والقبول او توجه نذر الطرد واللعن‪.‬‬ ‫فمن اين ينبع هذا القلق؟ وهل الفهم التقليدي للدين هو فعال السبب االساس؟ ام‬ ‫ثمة عوامل اخرى سايكولوجية وغيرها تلعب دورا في تاجيجه؟‬ ‫وهل يحتاج االنسان فعال ـ كما ميكن ان يتبادر الى الذهن ـ الى هذا القلق وهذا اخلوف‬ ‫كي يستقيم سلوكه على االرض؟‬ ‫وما هي التبعات السلبية التي تترتب على هذا القلق في عالقة االنسان بنفسه؟‬ ‫بحياته على االرض؟ وبعالقته مع محيطه؟‬ ‫ثمة مسالتان هنا‪ :‬االولى قلق النجاة باعتباره سؤاال فرديا‪ ،‬والثانية ما ينتجه هذا‬ ‫القلق من امناط للتصنيف ما يحوله بالتالي الى مسالة جماعية‪.‬‬ ‫وما يلفت النظر ويدعو للتوقف هو كيف ان قلقا غير مؤكد املنشا (قلق النجاة)‬ ‫ينتج فرضية (وجود مواصفات نهائية وناجزة للنجاة) تتحول الى مسلمة‪ ،‬ثم متضي هذه‬ ‫الفرضية بشكل طبيعي تبحث عما يدعمها من نصوص (دينية) حتى وان اعتمدت حيلة‬ ‫االنتقائية‪.‬‬ ‫نرى ذلك جليا في ادبيات الديانات اخملتلفة والطوائف واملذاهب‪ .‬كل يفترض انه االقرب‬ ‫الى ضفة النجاة وان االخر اقرب الى الضالل‪.‬‬ ‫وال استحضر هنا وصفا ادق من االية القرانية التي تصف هذا املنحى االنساني بوضوح‬ ‫كامل‪« :‬وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على‬ ‫شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين ال يعلمون مثل قولهم فاهلل يحكم بينهم يوم‬ ‫القيامة فيما كانوا فيه يختلفون» البقرة ‪.113‬‬ ‫يفهم من هذه االية الكرمية ان البشر ـ بشكل عام ـ مييلون الى التصنيف والى‬ ‫االقصاء باعتماد املعتقدات الدينية مدخال‪ ،‬بينما يقول القران ان املوقف السليم من‬ ‫االمر هو ترك احلكم في ذلك هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وبوضوح شديد يحيل اهلل جل وعال‬ ‫االمر الى يوم القيامة وبذلك يرفع عن االنسان عبء مهمة تصنيف البشر واحلكم على‬ ‫صحة معتقداتهم‪ .‬ويقدم سياق هذه اآلية من االيات السابقة والالحقة خطابا تسامحيا‬ ‫(باملعنى الثقافي احلديث) ال تخطئه البصيرة ‪ .‬انظر سورة البقرة االيات من ‪ 111‬ـ ‪.120‬‬ ‫من جهة اخرى يحرض القران الكرمي‪ ،‬في خطابه النقدي ألهل الكتب السماوية التي‬ ‫سبقته‪ ،‬على االبتعاد عن احتكار الدين وكلمات اهلل ودعاوى النجاة ويحمل املؤمن به‬ ‫مسؤولية جمع الناس على كلمة سواء‪ ،‬منبها الى طبائع البشر وميولهم الى التعصب‬ ‫واالستعالء والتفرق‪.‬‬ ‫غير ان اخلطاب القراني في نفس الوقت يحتفي بالتلون والتنوع واالختالف ويكرسها‬ ‫كسنن للحياة على االرض‪.‬‬ ‫االمر الذي يفند فرضية (الفرقة الناجية الوحيدة) باملعنى االقصائي املغلق ويحيل الى‬ ‫املسؤولية الفردية في مسار االنسان نحو اهلل سبحانه وتعالى باعتبار هذا املسار صيرورة‬ ‫مستمرة تخضع حلَكم واحد هو القادر على «تزكية االنفس»‪ ،‬بينما تترك لالنسان مهمة‬ ‫احلكم على ما يعرفه‪ ،‬ويراه‪ ،‬ويصنعه لتنظيم حياته على االرض‪.‬‬

‫هاجر القحطاني‬

‫مديرة البرنامج التدريبي ‪ /‬املنبر الدولي للحوار االسالمي‬ ‫‪Hajar@islam21.net‬‬ ‫‪7‬‬


‫رؤية في الطائفية الدينية الخليجية‪:‬‬

‫اإلسالم الخليجي‪ ..‬رؤى ومنطلقات إقصائية‬ ‫الالفت في األمر أن‬ ‫التمذهب‪ ،‬أو التطرف‬ ‫الطائفي يتزامن ذلك مع‬ ‫انخفاض درجة التفاعل‬ ‫مع القضايا العامة‬ ‫يميل اإلسالميون في‬ ‫الخليج بصفة عامة‬ ‫إلى التشدد في القراءة‬ ‫الدينية‬ ‫عندما يغيب الخطاب‬ ‫العقالني‪ ،‬فإن الدين‬ ‫يتحول إلى برنامج للتشدد‬ ‫والتضييق على الحريات‬ ‫العامة‬

‫هل تعتبر حاالت التمذهب والرغبة في إشعال‬ ‫الفنت الطائفية حاال طارئة ومفتعلة مفروضة على‬ ‫املنطقة اخلليجية‪ ،‬أم هي من صنع أبناء املنطقة‬ ‫ومنسجمة مع توجهاتهم الدينية والفكرية؟‬ ‫الكاتب الكويتي‪ ،‬أحمد شهاب‪ ،‬يقدم إجابة‬ ‫لهذه التساؤالت في مقالته التحليلية اآلتية‪ .‬‬ ‫خالل السنوات السابقة برز نفر من «مشايخ»‬ ‫العنف في اخلليج بصورة غير مسبوقة‪ ،‬وانخرطت‬ ‫أعداد كبيرة من الشباب في تنظيمات موصوفة‬ ‫بالتشدد الديني والفكري‪ ،‬وأفصح العديد من‬ ‫الكتّاب واخلطابات عن ميول متطرفة وحتريضية‬ ‫لم يسلم منها كل املختلفني مع توجهات هذا‬ ‫الكاتب أو ذاك اخلطيب‪ .‬وذهب بعضهم إلى‬ ‫تأجيج املسألة الطائفية بحدة‪ ،‬وحتولت املذهبية‬ ‫في غضون سنوات قالئل إلى عقيدة جديدة‬ ‫تقف مقابل عقيدة التوحيد‪ ،‬وحتاربها وتعلن‬ ‫انتصاراتها عليها في العديد من املواقع‪.‬‬ ‫والالفت في األمر أن التمذهب‪ ،‬أو التطرف‬ ‫الطائفي‪ ،‬ليس له مذهب أو انتماء قبلي أو‬ ‫عرقي محدد‪ ،‬بل يكاد يتحول إلى حالة عامة‬ ‫وموجة عاتية جتتاح املجتمعات اخلليجية من‬ ‫أدناها إلى أقصاها‪ ،‬وجتذب أبناءها نحو مواقع‬ ‫الصدام والتفجر‪ ،‬ويتزامن ذلك مع انخفاض‬ ‫درجة التفاعل مع القضايا العامة‪ ،‬أو ما كان‬ ‫يطلق عليه في السابق ضرورات األمة‪ ،‬ملصلحة‬ ‫القضايا اخلاصة‪ ،‬وما يتفق عليه اليوم بضرورات‬ ‫الطائفة‪.‬‬ ‫الفئوية الدينية‪ ‬‬

‫احمد شهاب‬ ‫عن موقع «‪»Qantara‬‬

‫‪8‬‬

‫ضرورات الطائفة ال تعبر عن ضرورات‬ ‫مذهبية دائما‪ ،‬ولكنها تعبر عن رغبة راسخة في‬ ‫التأكيد على تصورات محددة للدين‪ ،‬وطرد ما‬ ‫عداها‪ ،‬أي التحول من الدين السماوي اجلامع‬ ‫إلى الدين الفئوي الضيق بأتباعه‪ .‬لذا فإن ميول‬ ‫بعض مشايخ التشدد في اخلليج ال تقف عند‬ ‫استعداء املذهبيات املغايرة‪ ،‬وإمنا حتاول في‬ ‫حراكها الديني اليومي أن تصنع قالبا ضيقا‬ ‫(الفرقة الناجية) يستوعب أتباعها ويحرمهم من‬

‫االتصال الفكري والروحي مع اآلخرين‪.‬‬ ‫مييل اإلسالميون في اخلليج بصفة عامة‬ ‫إلى التشدد في القراءة الدينية‪ ،‬ويظهر أن‬ ‫مزاج العادات والتقاليد املتشددة وجدت مناخا‬ ‫خصبا لزيادة التضييق على عقول الناس احلرة‪،‬‬ ‫وحصرها في زوايا محددة باسم الدين‪ .‬وأظهر‬ ‫«اإلسالم اخلليجي» مفاهيم للتدين مغالية‬ ‫في مبانيها الفكرية والعقدية‪ ،‬وال تنسجم مع‬ ‫سماحة الشريعة الغراء‪ ،‬بل وال تنسجم مع القراءة‬ ‫املنطقية للتصورات الدينية وأحكام الشريعة‪.‬‬ ‫إذ تُصر بعض التيارات اإلسالمية في اخلليج‬ ‫على االهتمام باملظاهر الدينية‪ ،‬وتعتقد أن هذه‬ ‫املظاهر هي احلصن الذي يحمي اإلنسان من‬ ‫الوقوع في اخلطأ‪ ،‬وتُعيده إلى جادة االستقامة‬ ‫والهدى‪ ،‬وإن كانت بعض تلك الوسائل التي‬ ‫ُ‬ ‫تستخدمها تُخالف أبسط مبادئ الشرع احلنيف‪،‬‬ ‫وحتاول أن تُقسر الناس على تطبيق فهم محدد‬ ‫للدين‪ ،‬وترك ما عداه‪ ،‬مبا يسلب حرية االختيار‬ ‫من الناس‪ ،‬وهو األمر الذي يخالف شرع الله‬ ‫القائم على حرية االختيار والقرار‪ ،‬والسيما‬ ‫في القضايا العبادية‪ ،‬وما يتصل بعالقة العبد‬ ‫بربه‪.‬‬ ‫أسباب المشكلة‬

‫وميكن وصف غالبية اجلماعات اإلسالمية‬ ‫في اخلليج بالتشدد املبالغ فيه في فهم القضايا‬ ‫املطروحة للحوار‪ ،‬والتعامل بغلظة وحدة مبالغ‬ ‫فيها‪ ،‬والدخول في الكثير من التفاصيل‬ ‫الهامشية‪ ،‬والتعاطي مع املسائل اخلالفية‬ ‫بطريقة متيل إلى التصادم وقطع شبكة التفاهمات‬ ‫الداخلية‪ ،‬واستجماع كل اصطالحات التكفير‬ ‫والطرد الديني عند الصراع‪ ،‬وافتعال اخلصومة‬ ‫مع اآلخرين‪.‬‬ ‫ويعود ذلك باعتقادي إلى طبيعة البيئة‬ ‫اخلليجية املغلقة من الناحيتني االجتماعية‬ ‫والثقافية‪ ،‬إذ ارتدت ُعزلتهم االجتماعية‬ ‫والثقافية على هيئة عزلة فكرية وعلمية وحضارية‬ ‫قامتة‪ ،‬فالكثير منهم ال يعترف باآلخر‪ ،‬ألنهم ال‬


‫يعرفون اآلخر من األساس‪ ،‬ولم يكتب لهم أن‬ ‫يحتكوا به إال بصورة سطحية‪ ،‬ولم يتفهموا‬ ‫دواعي اختالفه‪ ،‬وهم ال يرغبون بذلك أصال‪.‬‬ ‫أما السبب الثاني فيرجع إلى غياب‬ ‫االجتهادات الفكرية داخل املنطقة اخلليجية‪،‬‬ ‫فغياب القامات الفكرية القادرة على توليد‬ ‫األفكار وتفعيل حركة االجتهاد الفقهي‬ ‫والفكري‪ ،‬أدى إلى تصدّ ر اخلطاب اللفظي‬ ‫والكتابات املقالية ومدونات اإلنترنت ‪-‬احيانا‪-‬‬ ‫سدة التوجيه الديني والفكري‪ .‬ومن املعروف‬ ‫أن اخلطاب اللفظوي يعتمد في الغالب على‬ ‫مخاطبة العواطف واملشاعر‪ ،‬وتهميش األفكار‬ ‫اخلالقة واجلديدة‪ ،‬ألن جناح اخلطاب يعتمد‬ ‫في الدرجة األولى على تفاعل اجلمهور مع‬ ‫اخلطيب‪.‬‬ ‫«نحن وهم»‬

‫وعندما يغيب اخلطاب العقالني‪ ،‬فإن‬ ‫الدين يتحول إلى برنامج للتشدد والتضييق‬ ‫على احلريات العامة‪ ،‬ويتحول املتدينون إلى‬ ‫أجهزة رقابة تالحق الناس في مخابئهم اخلاصة‪،‬‬ ‫وتفتش في عقائدهم‪ ،‬ويكون إصدار الفتاوى‬ ‫أحد أهم وظائف رجل الدين في الدول املطلة‬ ‫على بحر اخلليج‪ .‬وكأن كل ما ينقص هذه الدول‪،‬‬ ‫هو املزيد من التحرمي والتحليل‪ ،‬ويجري ذلك‬ ‫في الوقت الذي انتقل العالم اإلسالمي‪ ،‬غير‬ ‫العربي باخلصوص‪ ،‬في سؤاله الديني إلى مرحلة‬ ‫النهوض واالنتباه والتجلي‪ ،‬عبر االستفهام عن‬ ‫طرق حتويل القيم الدينية ذات األبعاد األخالقية‬ ‫والتربوية إلى قيم سياسية ومؤسسية بالصورة‬ ‫التي تسهم في إعادة تنظيم عالقة الدولة‬ ‫والسلطة باملجتمع‪.‬‬ ‫وفي الوقت الذي يبحث فيه العالم عن صور‬ ‫الشراكة والتفاهم مع اآلخرين‪ ،‬ويحاول املسلمون‬ ‫غير العرب أن يؤكدوا موقعيتهم بني الدول‬ ‫املتقدمة‪ ،‬عبر احترام هويتهم اخلاصة من دون‬ ‫انغالق‪ ،‬أو انقطاع عن جتارب اآلخرين وعلومهم‪،‬‬ ‫وينتهجون سبل احلوار والتواصل والتالقح الفكري‬ ‫بحثا عن منافذ التطور‪ ،‬فإن التيارات اإلسالمية‬ ‫في اخلليج‪ ،‬التزال تتعاطى مع شركاء الوطن‪،‬‬ ‫فضال عن غيرهم‪ ،‬على قاعدة (مع الدين أو ضد‬ ‫الدين) في مساحاته السياسية‪ ،‬وهو ما انتهى‬ ‫إلى خنق الدين في مساحاته احلضارية‪ ،‬وهذه‬ ‫الظاهرة تكاد تعم جميع أطراف العالم العربي‪،‬‬ ‫وليس اخلليج مبفرده‬

‫طوائف تتحارب بالنيابة‬ ‫يتحدث صحفيون وكتاب عديدون‪ ،‬عراقيون وعرب وغربيون‪ ،‬عن اصل طائفي للصراع‬ ‫في العراق في ما بعد االحتالل األميركي في نيسان من العام ‪ .2003‬فمنهم من يرى‬ ‫أن الصراع كان‪ ،‬في احلقيقة‪ ،‬مستترا قبل هذا التاريخ‪ ،‬ويذهب إلى القول بان الشقاق‬ ‫موجود أصال منذ تأسيس الدولة العراقية احلديثة‪ ،‬وعمقته بشدة سياسات نظام صدام؛‬ ‫فاندفع اخلالف والتناقض إلى السطح بعد انهياره وهذا رأي تتبناه فئة قليلة من الكتاب‬ ‫العراقيني‪ ،‬وكتاب غربيون عديدون‪ .‬وآخرون يرون أن «الشيعة»‪ ،‬اثر انهيار النظام‪ ،‬اخذوا‬ ‫ّ‬ ‫«يصفون حساباتهم» مع السنة في العراق ‪ -‬وهذا رأي أغلبية الكتاب العرب‪ ،‬وسياسيون‬ ‫بل وشيوخ دين ‪ -‬بل إن أوساطا عربية سياسية وإسالموية رسمية وغير رسمية كانت ترى‪،‬‬ ‫وبعضها ال يزال مصرا على رؤيته هذه‪ ،‬في إسقاط النظام إسقاطا «للسنة» في العراق‪.‬‬ ‫املوقف األخير هو السائد في غالبية األوساط العربية‪ ،‬سياسية‪ ،‬وشعبية‪ ،‬ودينية‬ ‫منذ انهيار النظام البعثي في العراق؛ على الرغم من اختالفاتها السياسية معه‪ .‬ويبدو‬ ‫أن طبيعة الصراع الطائفي السني ـ الشيعي يخضع لسياقات البلدان التي توجد فيها‬ ‫هاتان الطائفتان‪ .‬فال يظهر الصراع العنيف بينهما إالّ حني تتدخل قوى خارجية (حركات‬ ‫طائفية دينية؛ دول تستعملهما عناصر مواجهة بالنيابة)‪ ،‬كما احلال في لبنان‪ ،‬وباكستان‪،‬‬ ‫وأخيرا العراق‪.‬‬ ‫والصراع في العراق غير قائم على خالف املقوالت الفقهية بني الطائفتني‪ ،‬إمنا على‬ ‫مواقف املتنافسني اآلخرين الذين يستثمرون السياسية في سوق «الطائفة‪ ».‬وهذا ما‬ ‫يحدث فعال ويتخذ إشكاال تتنوع بتنوع سياق العراق السياسي‪ .‬فلم يندلع العنف في‬ ‫العراق بني السنة والشيعة إالّ بعد شهور من انهيار النظام البعثي‪ .‬وهناك شواهد كثيرة‬ ‫تقترح انه ما كان ليحدث لوال إدخال جماعات متطرفة بني ثنايا اجملتمع العراقي وتوفير‬ ‫الدعم اللوجستي واالستخباري لها‪ ،‬حتقيقا لغايات غير طائفية‪ .‬وزاد من حدة العنف إعالم‬ ‫ينفذ أجندات سياسية ال شأن لها إن سقطت هذه الطائفة أو تلك في أتون احملرقة‪.‬‬ ‫فلو استعرضنا تاريخ العالقة بني الطائفتني لتبدى لنا أن العنف احلقيقي يظهر‬ ‫ساعة ظهور جماعات متطرفة أو عندما تكون السلطة السياسية سلطة الطائفة‬ ‫املفرِّقة وليس سلطة الدين اجلامع‪ .‬وقد يرى البعض في تناقضهما الفكري نوعا من‬ ‫صراع‪ ،‬أو عنف رمزي‪ ،‬إالّ أن هذا احلال يبقى في حيز احلجاج والتحاجج‪ .‬ذلك أن نصوصهما‬ ‫الفقهية أو التأويلية تظل حتترم مقامها الفكري وال تزل به إلى التحريض على العنف‬ ‫واإلقصاء‪ .‬وال يشذ عن ذلك سوى نصوص صاغها أصال متطرفون يرون في ما يقولونه‬ ‫حقا مطلقا‪ .‬فاجلماعات التي تستخدم العنف اليوم تستند إلى اآللية نفسها التي‬ ‫كانت تستخدمها جماعات تشاكلها في عهود مضت في تاريخ العرب املسلمني؛ أي‬ ‫تستند إلى موقف متطرفني بعينهم من هذه الطائفة إزاء الطائفة األخرى واسندوا ما‬ ‫يوائمهم بقراءة اختزالية لنصوص من القرآن والسنة‪ .‬فأية حركة متطرفة اليوم ال تصوغ‬ ‫لنفسها إيديولوجيا جديدة تناسب السياق التاريخي والثقافي الراهن‪ ،‬بل تنكص إلى آراء‬ ‫أولئك الذين دقوا أساس اإلقصاء العنيف‪ ،‬منذ عهود طويلة‪ .‬ولعل إحصا ًء بفقهاء العنف‬ ‫سيبني لنا كيف أن احلركات أو التيارات‪ ،‬التي ال تتردد عن استعمال العنف ضد مخالفيها‪،‬‬ ‫تختار «فقهاء» بعينهم من حقب تاريخية معينة‪ ،‬في حني تُس ِقط جمهرة من الفقهاء‬ ‫اآلخرين ألن آراؤهم ال تنسجم مع توجهات تلك التيارات املتشددة‪ .‬هكذا يبدو األمر انتقائيا‬ ‫في مستوى الفقهاء كما في مستوى النص القرآني والسنة النبوية‪ .‬فال يجد التطرف‬ ‫الطائفي سندا له بغير تلك االنتقائية‪ ،‬وال جتد التوجهات الرسمية في منطقتنا جنودها‬ ‫اجملانيني خارج أسوار قالع الطوائف‪.‬‬

‫فالح حسن السوداني‬

‫‪faleh67hassan@yahoo.com‬‬

‫‪9‬‬


‫من مساعي التقارب بين المذهبين المسلمين في العراق بعد مرور عامين على تفجير مرقدي اإلمامين في سامراء‬

‫صالة جماعية موحدة في سامراء تزامنا مع مرور‬ ‫سنتين على استهداف مرقد اإلمامين العسكريين‬ ‫وقف أهالي األعظمية‬ ‫أمام المجرمين والمفسدين‬ ‫والمفتنين‪ ...‬الذين قتلوا‬ ‫بالظن واعدموا بالشبهات‬ ‫وسفكوا الدماء بالشكوك‬

‫استهداف مرقد اإلمامين‬ ‫العسكريين يذكرنا بأهداف‬ ‫التكفيريين الذين أرادوا إشعال‬ ‫حرب أهلية وفتنة طائفية‬

‫صحيفة «الصباح»‬

‫‪10‬‬

‫دعا ممثل املرجع الديني السيد علي السيستاني‬ ‫في كربالء إلى مشاركة اجلميع في بناء مرقد اإلمامني‬ ‫العسكريني الذي تعرض للتفجير قبل عامني تعزيزا‬ ‫للوحدة الوطنية‪ ،‬فيما دعا رئيس الوقف السني‪،‬‬ ‫الدكتور أحمد عبد الغفور السامرائي املواطنني إلى‬ ‫التوحد والدفاع عن مناطقهم ضد تنظيم القاعدة‬ ‫واجلماعات املسلحة‪.‬‬ ‫وأقيمت صالة جماعية موحدة في سامراء تزامنا‬ ‫مع مرور سنتني على استهداف مرقد اإلمامني‬ ‫العسكريني‪ .‬وقال الشيخ عبد املهدي الكربالئي‬ ‫في خطبة اجلمعة بالصحن احلسيني بكربالء ان‬ ‫«استهداف مرقد اإلمامني العسكريني في مدينة‬

‫سامراء ميثل عاشوراء ثانية‪ ،‬مثلما يذكرنا بأهداف‬ ‫التكفيريني الذين أرادوا إشعال حرب أهلية وفتنة‬ ‫طائفية»‪ .‬وطالب الكربالئي بأن يشترك اجلميع في‬ ‫إعمار املرقد وعد ذلك «تعزيزا للوحدة الوطنية»‬ ‫داعيا «األخوة السنة باملشاركة في إعادة إعمار املرقد‬ ‫لكي نبني للعالم ان الوحدة الوطنية أقوى من أفعال‬ ‫التكفيريني»‪ ،‬كما طالب بان يكون إحياء ذكرى‬ ‫تفجير قبة املرقد بعيدا عن إثارة الفتنة الطائفية وكل‬ ‫ما يثير احلقد الطائفي‪.‬‬ ‫من جهته دعا رئيس الوقف السني‪ ،‬الدكتور‬ ‫أحمد عبد الغفور السامرائي في خطبة اجلمعة إلى‬ ‫التوحد والدفاع عن مناطقهم ضد تنظيم القاعدة‬

‫السيستاني يفتي بحرمة الدم السني بوجه خاص‬ ‫ويطالب الشيعة بدرء الخطر عن سنة العراق‬ ‫أعلن املرجع الديني آية اهلل السيد علي السيستاني يوم (‪ 28‬تشرين الثاني ‪ )2007‬حرمة الدم‬ ‫العراقي عامة وحرمة الدم السني بوجه خاص داعيا الشيعة إلى درء اخلطر عن السنة في العراق‪.‬‬ ‫وأفتى السيستاني بحرمة الدم العراقي في لقائه وفدا من علماء الدين السنة من محافظات‬ ‫اجلنوب وإقليم كردستان العراق وممثل عن ديوان الوقف السني يشاركون في املؤمتر الوطني األول‬ ‫لعلماء الدين الشيعة والسنة في العراق واملقرر عقده في مدينة النجف‪.‬‬ ‫وقال رئيس هيئة علماء جنوب العراق خالد املال إن سماحة املرجع األعلى السيد السيستاني‬ ‫دعا اإلخوة الشيعة إلى حماية إخوتهم السنة ودرء اخلطر عنهم في ما حذر علماء األمة من‬ ‫مخططات األعداء التي تزرع الفرقة بني أبناء العراق ماضيا إلى القول «أن إعالن حرم الدم السني‬ ‫من سماحة املرجع الديني السيد علي السيستاني ستكون له انعكاسات ايجابية على الشارع‬ ‫العراقي»‪ .‬وأوضح املال في املؤمتر الذي عقد عصر اليوم بعد الزيارة التي قام بها وفد ضم علماء دين‬ ‫من الطائفتني إلى السيد السيستاني في مكتبه في النجف أن «السيد السيستاني دعا اإلخوة‬ ‫الشيعة املوجودين بكثرة مع أخوتهم السنة أن يكونوا في حمايتهم ودرء اخلطر عنهم»‪.‬‬ ‫ونقل عن السيد السيستاني قوله في لقائه الذي استمر ساعتني «أنا خادم للعراقيني وال‬ ‫فرق بني سني او شيعي أو كردي أو مسيحي»‪ .‬وأضاف أن سماحته أبدى سروره الستعادة العراق‬ ‫عافيته ووحدته بعيدا عن أذى عصابات القاعدة والتكفير «وننقل ما أكده في أن على الشيعي‬ ‫حماية أخيه السني والسني حماية أخيه الشيعي‪ ...‬وأنا انتظر أكثر من الوحدة بينكم»‪.‬‬ ‫ونسب إلى سماحته أيضا «حتذيره علماء األمة من مخططات األعداء التي تزرع الفرقة بني‬ ‫أبناء هذا البلد الطيب»‪ .‬وقال رئيس هيئة علماء جنوب العراق خالد املال إن «ثمة رسالة نود أن‬ ‫تصل إلى جميع علماء العالم اإلسالمي مفادها إننا نطالبهم بإدانة جميع أعمال العنف التي‬ ‫ترتكب ضد العراقيني هنا وهناك واإلطالع جيدا على ما يجري في الواقع العراقي واملبادرة بإدانة‬ ‫واضحة وصريحة ملا ترتكبه عصابات القاعدة في العراق»‪.‬‬


‫واجلماعات املسلحة‪.‬‬ ‫ونقلت قناة "العراقية" الفضائية وقائع صالة اجلمعة‬ ‫من جامع ابو حنيفة النعمان في منطقة األعظمية وسط‬ ‫بغداد في خطوة عكست حجم التطور األمني الذي‬ ‫شهدته هذه املنطقة التي كانت تعد ألسابيع قليلة مضت‬ ‫إحدى املناطق االكثر سخونة في بغداد‪.‬‬ ‫وقال السامرائي في خطبته في مسجد أبو حنيفة‬ ‫الذي امتأل باملصلني «لقد وقف أهالي األعظمية أمام‬ ‫املجرمني واملفسدين واملفتنني‪ ...‬أمام الذين قتلوا‬ ‫بالظن واعدموا بالشبهات وسفكوا الدماء بالشكوك‪...‬‬ ‫واسترخصوا دماء أبناء العراق»‪ .‬وأضاف «احلمد‬ ‫لله‪ ...‬انتفض العراقيون بعد أن أدركوا املؤامرة وعرفوا‬ ‫اخلطط‪ ...‬فانتفضت صحوة الرجال وشيوخ العشائر‬ ‫وأبناء املساجد وفصائل املقاومة‪ ...‬فتغيرت األمور‬ ‫وحتقق نصر الله»‪.‬‬ ‫ودعا السامرائي إلى دعم مجلس الصحوة الذي‬ ‫شكل مؤخرا والذي لعب دورا مهما في حتقيق االستقرار‬ ‫األمني وقتاله ضد القاعدة وامليليشيات‪ ،‬وقال «وعندما‬ ‫يتحرك العراقيون اليوم ويؤسسون الصحوات فهم يقاتلون‬ ‫ويحاربون في آن واحد القاعدة ويحمون أماكنهم أيضا‬ ‫عندما يصدون ويردون امليليشيات التي تأتي من أماكن‬ ‫بعيدة إلى ديارهم‪ ...‬فال بد أن ندعمهم»‪.‬‬ ‫وهاجم السامرائي العناصر التي وصفها بـ «املجرمة»‬ ‫والتي كانت تستهدف اجلميع من دون استثناء وقال‬ ‫«لقد قتلت هذه العناصر من العلماء من خيرة خطباء‬ ‫بغداد والعراق أكثر من ‪ 98‬إماما وخطيبا‪ ...‬وقد تشرد‬ ‫أكثر من ‪ 300‬إمام وخطيب‪ ،‬بسبب أنهم دعوا الناس‬ ‫إلى التطوع في صفوف اجليش والشرطة»‪ .‬وأضاف‬ ‫«قتلوا أكثر من ‪ 50‬شيخ عشيرة من شيوخ عشائر‬ ‫العراق وتشرد وفر أكثر من خمسمائة»‪ .‬وتابع «اقسم‬ ‫بالله‪ ...‬امسكنا مخططات لهدم هذا الضريح «أبو‬ ‫حنيفة» بحجة أنها بدعة‪ ...‬واحلمد لله قبل اقل من‬ ‫سنة استطعنا ان نعثر على ذلك املخطط»‪.‬‬ ‫على صعيد متصل أعلن الشيخ صالح العبيدي‬ ‫مسؤول الهيئة اإلعالمية ملكتب الشهيد الصدر في‬ ‫النجف عن قيام صالة موحدة مشتركة اجلمعة في صحن‬ ‫الروضة العسكرية في سامراء‪ .‬وأوضح العبيدي في‬ ‫تصريح صحفي أن روضة اإلمامني العسكريني عليهما‬ ‫السالم في سامراء شهدت «صالة موحدة مشتركة بني‬ ‫السنة والشيعة وقد أ ّم الشيخ موفق اخلزرجي مدير‬ ‫مكتب الشهيد الصدر في قضاء بلد املصلني في‬ ‫صالتهم اجلماعية في املرقد الذي فجر قبل سنتني من‬ ‫هذا التأريخ»‪.‬‬ ‫وطالب الشيخ اخلزرجي في خطبته احلكومة باإلسراع‬ ‫في إعمار ضريح اإلمامني العسكريني‪ ،‬داعيا جميع‬ ‫الطوائف املختلفة إلى الوحدة‬

‫في البدء ‪ ..‬كان اإلسالم‬ ‫ال يزال املاضي يحكم عاملنا العربي واإلسالمي‪ ،‬ويتحكم بوعي منا أو بدون وعي‪،‬‬ ‫في صناعة تصوراتنا وأحالمنا‪ ،‬ويضع حدودا آلفاق مستقبلنا‪ ...‬وليس من غرابة في‬ ‫ارتباط مجتمع ما مباضيه‪ ،‬لكن املشكلة تكمن في كيفية حضور املاضي في احلاضر‪.‬‬ ‫هل نستدعي من املاضي ما يساعدنا في تطوير حياتنا واالرتقاء بها؟ هل يساعدنا‬ ‫املاضي على التميز وتقدمي اإلضافة النوعية‪ ،‬في عالم يعج بالتعدد واالختالف؟ أم أن‬ ‫هذا املاضي حاضر فينا بصورة مرضية‪ ،‬تثقل كاهلنا وتثبطنا عن السير والتقدم‪.‬‬ ‫حتضرني هاته اإلشكالية بصدد احلديث عن موضوع اخلالف السني ـ الشيعي‪ .‬ذلك‬ ‫اخلالف الذي ما انفك يجدد حضوره في مشاهد حياتنا اليومية‪ ،‬من خالل ما تسجله‬ ‫وقائع األحداث الطائفية الدموية في بلدان عديدة‪ ،‬وتنقله وكاالت األنباء والقنوات‬ ‫الفضائية اخملتلفة‪ ،‬ليتجرع املسلم طعما آخر من مرارات النكوص احلضاري‪.‬‬ ‫وفي اعتقادي أن ما يقوم به التنويريون واإلصالحيون لرأب هذا الصدع‪ ،‬لن ينجح ما‬ ‫دامت أصول هذا النزاع ضاربة في أعماق التاريخ املشترك للطائفتني معا‪ .‬ويظهر أثر‬ ‫هذه األصول وما ترتب عنها من "تشكيالت اعتقادية" حادثة عن اإلسالم عندما نتتبع‬ ‫حركة‪ ،‬وجهود التقريب بني املذهبني‪ ،‬التي انتهت اليوم إلى نفق شبه مسدود‪.‬‬ ‫إن أول ما يجب االنتباه له لتصحيح تصورنا عن هذه املسألة‪ ،‬هو االلتفات إلى‬ ‫أهمية الدرس التاريخي الذي يقدمه القرآن‪ ،‬حتى نتحرر من ثقل ما صنع في تاريخنا‪.‬‬ ‫فمن يقرأ أصول النزاع بني الطرفني في إطارها التاريخي‪ ،‬سوف يتأكد من حقيقة‬ ‫مهمة في هذا الصدد‪ ،‬وهي أن املذاهب حادثة بعد اإلسالم‪ ،‬ومهما حاول كل فريق إليجاد‬ ‫وصفات تأويلية جتعله األصح واألعمق ارتباطا بجذور اإلسالم‪ ،‬فإن القراءة املوضوعية‬ ‫املتعقلة‪ ،‬تقول ببقاء األصل على ما كان عليه‪ ،‬دون التأثر مبا استحدث وابتدع من بعده‪.‬‬ ‫وحيث أن اخلالف حادث فال عالقة له بجوهر الدين وصحة االعتقاد‪ ،‬وتبادل تهم التكفير‬ ‫على هذا األساس‪ .‬وقد آن األوان أن نقول بأن اخلالف السني ‪ -‬الشيعي هو خالف تاريخي‬ ‫ألسباب سياسية‪ ،‬وال عالقة له بالدين‪ ،‬إذ لم يتعبدنا اهلل تعالى مبا جاء بعد الرسالة‬ ‫ومتام التبليغ‪ ،‬ومن مت يكون إدخال مثل هذا اخلالف في صحة االعتقاد الديني من عدمه‬ ‫أمرا غير ذي بال‪.‬‬ ‫فضال عن ذلك‪ ،‬يعلمنا القرآن كيف نتعامل مع مثل هاته اخلالفات التاريخية‪ ،‬حني‬ ‫يحدثنا باملثل عن أقوام سابقة‪ ،‬وما كان منها ‪ ،‬وما حل بها‪ ،‬فيكون الدرس في قوله‬ ‫ُسأَلُو َن َع َّما َكانُوا‬ ‫س ْبت ُْم وَلاَ ت ْ‬ ‫س َب ْت وَلَ ُك ْم َما َك َ‬ ‫تعالى «لْ َك أ ُ َّم ٌة َق ْد خَ لَ ْت لَ َها َما َك َ‬ ‫ي َ ْع َملُو َن»‪.‬‬ ‫فاألمر إذن متعلق مبا يجب أن نقوم به‪ ،‬مبا نعمله وما نقدمه‪ ،‬وما نضيفه لتنمية‬ ‫حياتنا وتطويرها‪ ،‬فاهلل تعالى سيسألنا عما كسبناه ال ما كسبه غيرنا‪ .‬ولكن‬ ‫لألسف‪ ،‬ال يقرأ املسلمون آيات القرآن إال عبر الوسائط املتشكلة ثقافيا في التاريخ‪،‬‬ ‫وأهمها األحاديث املنسوبة إلى النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬التي ترسبت وترسخت‬ ‫في األذهان‪ ،‬حتى صارت متلك سلطة دينية أعلى من القرآن نفسه‪ ،‬حيث ال تقرأ آياته‬ ‫إال في ضوئها‪ .‬ولعل هذا هو أس املشكلة الطائفية اليوم‪ ،‬فاملسلمون جميعا لهم‬ ‫قرآن واحد‪ ،‬ولكن كل طائفة تقرأه بأحاديثها‪ ،‬التي هي في حقيقة مدلولها اللغوي‪،‬‬ ‫مجرد «أحاديث»‪ ،‬لو ُقرئت في التاريخ لظهر املصنوع منها واضحا جليا‪ ،‬ولسقط عن‬ ‫معظمها زيف القداسة الوهمي‪ ،‬وملا صح منها سوى ما وافق العقل‪ ،‬الذي هو األساس‬ ‫في قبول القرآن نفسه واإلميان به‪ .‬فكم هي آياته التي استفزتنا ونبهتنا إلى ضرورة‬ ‫التفكر وإعمال العقل‪ ،‬والتخلي عن عقلية «ما وجدنا عليه آباءنا»‪ .‬ليتنا نتعلم من‬ ‫القرآن‪ ،‬ليس فقط مجرد املعرفة‪ ،‬بل منهج املعرفة نفسه‪.‬‬

‫ ‬

‫عبد اللطيف طريب‬

‫‪taribabd@yahoo.fr‬‬ ‫‪11‬‬


‫ضروريات التعايش السني الشيعي‬ ‫القيم اإلنسانية‬ ‫والسالم االجتماعي‬ ‫البد أن تكون من‬ ‫األولويات األساسية‬ ‫للتعايش بين أي‬ ‫طائفة أو فئة‬ ‫ماهية التعايش يجب‬ ‫أن تؤخذ في ظل‬ ‫وعي بالواجبات‬ ‫والمستحقات‬

‫خالد عبداهلل المشوح‬ ‫صحيفة «الوطن» السعودية‬

‫‪12‬‬

‫احلوار مع الدكتور توفيق السيف في الزميلة‬ ‫عكاظ ماتع ومفيد وأمتنى أن نصل إلى نقطة‬ ‫التقاء لست أراها بعيدة ال سيما وأننا متفقني‬ ‫على الهدف الرئيسي وهو وحدة هذا الوطن كما‬ ‫أن الدكتور توفيق السيف ذو شعبية مؤثرة‬ ‫وعالية وميتلك قلما نافذا وخبرة طويلة عركتها‬ ‫األيام تضفي على احلوار نكهته اخلاصة‪ ،‬‬ ‫وفي البداية أود التأكيد على أن فكرة التقارب‬ ‫فكرة رائعة لكنها بعيدة املنال في ظل معرفة تامة‬ ‫باجلانب العقدي لكل طرف والتي تشكل البنية‬ ‫الرئيسة للمذهب كاإلمامة لدى الشيعة والتي‬ ‫تعتبر أحد األصول العقدية لديهم بينما هي‬ ‫من الفروع عند السنة‪ ،‬وفي املقابل املوقف من‬ ‫الصحابة وعدالتهم السيما اخللفاء األربعة منهم‬ ‫تشكل أصال عند السنة وغيرهم ممن ال أريد اخلوض‬ ‫فيه حتى ال نتحول إلى حوار عقدي صرف‪ ،‬ومفردة‬ ‫التقارب تشير بشكل كبير إلى اجلانب العقدي‬ ‫الذي يتشبث كل فريق بالتمسك به ويختلف هذا‬ ‫التمسك بناء على املوقف السياسي أو الشرعي؟!‪ ‬‬ ‫فالضاغط السياسي قد يقود بعض السنة إلى‬ ‫املجاملة الوقتية والعلنية كما أن التقية قد تقود‬ ‫الشيعة إلى نفس الشيء!‬ ‫ولهذا السبب ال بد من احلديث بشكل‬ ‫واضح ـ كما أشرت في مقالي األول (ال يوجد‬ ‫تقارب سني شيعي) ـ عن التعايش القائم‬ ‫على الوالء الكامل واملطلق لألقليات الشيعية‬ ‫ألوطانها وفي املقابل ضرورة دمج هذه األقليات‬ ‫واستيعابها سياسيا في جوانب احلياة املتعددة‪ .‬‬ ‫ولعل من ضروريات التعايش‪ ،‬املوقف الواضح‬ ‫والصريح جتاه الوالء الكامل واألولي ملن يكون؟‬ ‫للطائفي أم للوطني؟ ومعلوم أن هناك تيارات‬ ‫سنية قدمت والءها الطائفي السني كالقاعدة على‬ ‫والئها الوطني وسبق أن حتدثت عن السنة قبل‬ ‫الشيعة‪ ،‬كما أن إيقاف حمالت التكفير العلنية‬ ‫املتبادلة بني األطراف السنية والشيعية والتي تقود‬ ‫إلى مزيد من الفرقة والتأكيد على ميثاق وطني‬ ‫للتعايش تلتزم فيه الطائفتان ببث روح التسامح‬ ‫في التعامل بني الطرفني دون الولوج في اخلالفات‬ ‫العقدية من أساسيات التعايش‪ ،‬ألني أعتقد أن‬

‫هناك متاث ً‬ ‫ال في نسب التكفير بني الطائفتني ال‬ ‫كما يدعي اإلخوة في الطائفة الشيعية أن التشدد‬ ‫السني أكثر!‬ ‫ومن خالل حملة سريعة على أشهر املواقع‬ ‫اإللكترونية الشيعية جند بؤر التشدد والتكفير‬ ‫التي ال ُأبرئ منها السنة لكني ومن باب اإلنصاف‬ ‫فإن قياس أي نسبة يجب أن يكون منطقي ًا بناء‬ ‫على النسبة املئوية ألي طائفة‪ ،‬ولكي نكون‬ ‫عمليني أكثر فإن التعايش الذي نريده ليس‬ ‫تعايش السعوديني مع العمالة الوافدة املسيحية! ـ‬ ‫كما أشار زميلي الدكتور توفيق ـ ألن الشيعة في‬ ‫نظري مواطنون أصليون ال ميكن املزايدة على هذه‬ ‫النقطة التي وإن اختلفنا في جوانب كثيرة فإننا ال‬ ‫نختلف عليها‪.‬‬ ‫كما أن القيم اإلنسانية والسالم االجتماعي‬ ‫التي أشار إليها زميلي الدكتور السيف البد أن‬ ‫تكون من األولويات األساسية للتعايش بني أي‬ ‫طائفة أو فئة‪ ،‬وإذا استطعنا أن ُنك َون نافذة حية‬ ‫وقوية للتعايش بني السنة والشيعة فإنها ستكون‬ ‫طريقا لكل الطوائف األخرى‪ ،‬وماهية التعايش‬ ‫يجب أن تؤخذ في ظل وعي بالواجبات واملستحقات‬ ‫وليس من على ظهور الدبابات األمريكية التي‬ ‫وضعت اإلخوة العراقيني أمام هذا اخليار املفروض‬ ‫جبرا عليهم‪ ،‬وال عبر الصراعات الطائفية الدامية‬ ‫التي يعج بها التاريخ!‬ ‫إن مرحلة التقارب مرحلة متقدمة جدا للتعايش‬ ‫لم تصل إليها األمم األوروبية التي مضى على‬ ‫تعايشها أكثر من ‪ 60‬عام ًا وما زالت غير متقاربة‬ ‫مذهبي ًا فثمة استقاللية لكل طائفة في معتقداتها‬ ‫ومراجعها الدينية وكتبها املعتمدة ومواقفها‬ ‫حد سواء دون طمس أو‬ ‫املتشددة واملتسامحة على ٍ‬ ‫استنساخ ألي طرف آلخر‪.‬‬ ‫فكيف بحوارنا اإلسالمي الذي لم يتجاوز‬ ‫عقده األول في العصر احلاضر إذ ال يزال وليدا‬ ‫فتيا نطمع أن يقوى عوده وتشتد شوكته على يد‬ ‫أبنائنا في هذا الوطن بكل فئاته وأطيافه عبر‬ ‫تغذيتنا لسبل التعايش واالحترام الطائفي ألن أي‬ ‫تصادم ينتج عن طريق التقارب سوف يؤدي إلى‬ ‫تأخر أكبر في نزع فتيل الطائفية‬


‫المفكر اإلسالمي الدكتور مصطفى بوهندي في حوار مع «الراصد التنويري»‪:‬‬

‫العداوة بين السنة والشيعة واجهة سياسية‬ ‫تسعى الى ابقاء المسلمين في تخلفهم‬ ‫المنقذ لتصحيح العالقة‬ ‫بين السنة والشيعة يكمن‬ ‫في التدين الصحيح‬ ‫المشكلة تكمن في‬ ‫عدم اعتبار االختالف‬ ‫طبيعة إنسانية‪ ،‬وأنه إغناء‬ ‫للمجال اإلنساني‬

‫أكد الدكتور مصطفى بوهندي رئيس وحدة‬ ‫التكوين والبحث في مستقبل األديان واملذاهب‬ ‫الدينية في جامعة احلسن الثاني باملغرب‪ ،‬ان اسباب‬ ‫اخلالف السني ـ الشيعي قدمية وعف عنها الزمن‬ ‫وانقضت ولم يبق منها شيء‪ ،‬غير ان املتعصبني غالب ًا‬ ‫ما يتغافلون نعمة الله التي جاءت للناس اجمعني‬ ‫لتعزيز احلب واخلير والسالم‪ .‬واشار بوهندي الى انه‬ ‫ال ميكن أن نعيش حياتنا بلون واحد‪ ،‬فهو قاتل ومقفر‬ ‫ً‬ ‫مشددا على ان تعدد األلوان وتعدد‬ ‫بكل املعاني‪،‬‬ ‫األلسنة واختالفها مينح احلضارة اإلنسانية التطور‬ ‫واالزدهار‪ .‬التقته "الراصد التنويري" في مدينة الدار‬ ‫البيضاء وكان معه هذا احلوار‪.‬‬

‫حاوره‪ :‬عبداللطيف طريب‬

‫ـ ستون عاما ً مضت على تأسيس جماعة‬ ‫«التقريب بني املذاهب» في القاهرة‪ ،‬اعتمادا ً على‬ ‫جهود باحثني ومتنورين مخلصني من الطرفني‪،‬‬ ‫أبرزهم محمد تقي القمي‪ ،‬وشيخ األزهر آنذاك‬

‫محمود شلتوت‪ .‬وتعرض دعاة هذه املبادرة منذ‬ ‫تأسيسها إلى طعن املتعصبني واملتزمتني من‬ ‫كال الفريقني‪ .‬واستمر األمر الى يومنا احلاضر‪،‬‬ ‫ليس من األتباع فقط‪ ،‬بل حتى من علماء تبنوا‬ ‫خط التقريب‪ .‬كيف تقيم جهود التقريب‪ ،‬وملاذا‬ ‫لم حترز في نظركم التقدم املنشود‪ ،‬بل شهدت‬ ‫تراجعا ً لصالح االنغالق والتزمت؟‬ ‫• جهود التقريب التي قام بها مجموعة من الشيوخ‬ ‫والباحثني مشكورين‪ ،‬رغبة منهم في حتقيق التقارب‬ ‫السني ـ الشيعي‪ ،‬هي في احلقيقة دواء ملظاهر املرض‬ ‫الذي هو مرض عميق‪ ،‬ومحاوالت العالج اخلارجية‬ ‫لن تعاجله‪ .‬ألن املشكلة ثقافية وأخالقية وإنسانية‬ ‫كبيرة ً‬ ‫جدا ال تعالج عن طريق جتمعات اإلرادات‬ ‫احلسنة‪ ،‬مثلها في ذلك مثل مؤمترات ولقاءات احلوار‬ ‫بني األديان التي يقوم بها البعض من أجل قيم احلوار‬ ‫والتقارب وما إلى ذلك‪ ،‬ويستثمرها البعض اآلخر من‬ ‫مؤسسات ودول في الترويج والدعاية فقط‪ ،‬فيغلب‬ ‫‪13‬‬


‫طابع التمظهر والرياء‪ ،‬وال حتقق في حقيقة األمر ال‬ ‫ً‬ ‫حوارا وال تقارب ًا‪ ،‬ومن مت فال بد من احلديث عن ما‬ ‫هي املشكلة؟‬ ‫املشكلة ليست في التباعد‪ ،‬فالتباعد ناجت عن‬ ‫مجموعة من املشاكل األساسية العميقة‪ ،‬ومن أهمها‬ ‫عدم االعتراف املتبادل‪ ،‬وعدم اعتبار االختالف‬ ‫طبيعة إنسانية‪ ،‬وأنه إغناء للمجال اإلنساني وليس‬ ‫العكس‪ .‬فهذه املفاهيم اخلاطئة هي التي ينبغي‬ ‫تصحيحها قبل احلديث عن التقارب أو احلوار‪.‬‬ ‫ـ املفاهيم اخلاطئة في نظرك‪ ،‬هي أهم‬ ‫مرتكزات الفكر الطائفي‪ .‬فما هو احلل الذي‬ ‫ميكن أن تقدمه كمنفذ من الفكر الطائفي‬ ‫النزع؟‬ ‫• املنفذ هو التدين الصحيح‪ ،‬التدين الذي‬ ‫نتدين به هو تدين مغشوش من طرف الفرق‬ ‫املختلفة‪ ،‬وهو تدين طائفي وتدين باالنتماء‪ .‬فهو‬ ‫ليس إسالما لله‪ ،‬وإمنا هو إسالم للناس‪ .‬ومن مت‬ ‫فغض الطرف عن األخطاء الذاتية للفرد أو اجلماعة‬ ‫أو الطائفة‪ ،‬والتركيز على أخطاء اآلخر (الفرد‪/‬‬ ‫الطائفة ‪ /‬اجلماعة) بالتأكيد لن يعطينا إال‬ ‫تزكية الذات على حساب اآلخرين‪ ،‬وبخس الناس‬ ‫أشياءهم‪ .‬وهذان املرضان يجعالن احلديث عن‬ ‫الذات باعتبارها ذات ًا مطلقة كاملة ليس فيها أي‬ ‫نقص‪ ،‬واالستشهاد مبجموعة من اإلجنازات املاضية‬ ‫واحلاضرة‪ ،‬وربط ذلك بالنصوص املقدسة‪ ،‬فتصبح‬ ‫وكأن الذات مقدسة بخالف اآلخر الذي يبحث عن‬ ‫أخطائه‪ ،‬وتعمم هذه األخطاء على جتربة التدين مما‬ ‫يؤدي إلى شيطنة اآلخر فيصبح ليس على شيء وهو‬ ‫شر كله‪ ،‬فإذا أراد أن يكون على الصراط املستقيم‬ ‫الذي نحن عليه يجب أن ينتمي لنا‪ ،‬أن يخرج من‬ ‫تاريخه وثقافته وجغرافيته وخصوصيته لينتمي لنا‬ ‫ألن طريقنا هو الصواب‪ .‬من هنا ن فإن كل حوار‬ ‫وكل تقارب نقوم به هو شكلي ألننا في العمق ال‬ ‫ً‬ ‫حوارا وال تقارب ًا بل نريد أن يرتد اآلخر على‬ ‫نريد‬ ‫ما هو عليه‪ ،‬ليسير في طريقنا باعتباره الطريق‬ ‫املستقيم‪.‬‬ ‫ـ إذن كيف نؤسس لالختالف بني املذاهب‬ ‫على أسس منهجية علمية؟‬ ‫• أو ًال‪ ،‬ال بد أن نطبق أمر الله في الناس‬ ‫حيث يقول‪" :‬وال تزكوا أنفسكم هو اعلم مبن اتقى"‪،‬‬ ‫موضوع األتقى واألكرم هو عند الله وليس عند‬ ‫الناس‪ ،‬فنحن ال ينبغي أن نزكي أنفسنا على حساب‬ ‫‪14‬‬

‫اآلخرين ونتخذ من أنفسنا اخلصم واحلكم‪ .‬احلاكم‬ ‫والقاضي هو الله حني يرجعون إليه‪.‬‬ ‫القضية الثانية مقابلة لسابقتها‪ ،‬وهي بخس‬ ‫الناس أشياءهم‪ .‬اآلخرون ليسوا كل ما قاموا به‬ ‫باطل‪ ،‬البحث عن سوءاتهم‪ .‬يقول اإلجنيل‪" :‬بدل أن‬ ‫تنظر القذى في عني أخيك أزل اخلشبة من عينك"‪.‬‬ ‫فهؤالء ال ينظرون إلى اخلشبة في أعينهم‪ ،‬ولكن‬ ‫ينظرون إلى القذى في أعني غيرهم‪ ،‬وهذا املنهج‬ ‫البعيد عن التقوى هو املشكلة في املقارنة و املدارسة‬ ‫واحلوار وغير ذلك‪ .‬وفي ذلك يقول تعالى‪َ « :‬ولاَ‬ ‫ب‬ ‫َي ْج ِر َمن َُّك ْم َشن َ​َآ ُن َق ْوٍم َع َلى َأ اَّل ت َْع ِد ُلوا ْاع ِد ُلوا ُه َو َأ ْق َر ُ‬ ‫ِلل َّت ْق َوى َوا َّت ُقوا ال َّل َه إِنَّ ال َّل َه َخبِي ٌر بمِ َا ت َْع َم ُلونَ» وقال‪:‬‬ ‫" َو ِإ َذا َح َك ْم ُت ْم بَينْ َ النَّاسِ َأنْ تحَ ْ ُك ُموا بِا ْل َعدْ لِ إِنَّ ال َّل َه‬ ‫ِن ِع َّما َي ِع ُظ ُك ْم ب ِ​ِه"‪ .‬وعليه‪ ،‬ينبغي عندما نتحدث عن‬ ‫ذواتنا‪ ،‬أن نتحدث عن عيوبنا من أجل استصالحها‪،‬‬ ‫وعندما نتحدث عن غيرنا أن نذكر األشياء اجلميلة‬ ‫من أجل االستفادة منها‪ .‬وهنا سنحب اآلخرين‬ ‫ونتعرف بهم ونتعارف عليهم‪ ،‬وفي نفس الوقت‬ ‫سنحب ذواتنا دون تكبر أو اغترار‪ .‬وال نزكي أنفسنا‬ ‫على حساب غيرنا‪.‬‬ ‫ـ هل ميكن أن يتحقق التقارب فقط مبعاجلة‬ ‫ما يطفو من مشاكل على السطح؟ أم ال بد‬ ‫من تدارس مسائل اخلالف في عمقها؟‬ ‫• أتصور أن أول مشكل عند الفريقني معا هو‬ ‫قداسة الذات الفردية واجلماعية‪ ،‬نحن نتحدث في‬ ‫عالم أهل السنة واجلماعة عن جماعة ال تصيبها‬ ‫األخطاء ً‬ ‫أبدا‪ ،‬عن جماعة ال جتتمع على ضاللة‪.‬‬ ‫ونتحدث عن صحابة كلهم عدول‪ ،‬وال يحق أن‬ ‫نلحق بهم اخلطأ وإن لم نصرح بذلك‪ .‬وعند إخواننا‬ ‫الشيعة نحن نتحدث كذلك عن ثقافة معصومة‪،‬‬ ‫أسسها األئمة املعصومون‪ ،‬الذين ال يأتيهم الباطل‬ ‫من بني يديهم وال من خلفهم‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فنحن أمام‬

‫ثقافتني مقدستني‪ .‬واحلقيقة أن الثقافتني معا هما‬ ‫ثقافتان نسبيتان‪ ،‬ولكن حينما نتحدث عن األمور‬ ‫ً‬ ‫كثيرا على املعتقد في هذه‬ ‫بهذه القداسة يصعب‬ ‫القداسة أو تلك أن يتنازل عنها‪ .‬هذا التطهر من‬ ‫اآلخر وتطهير الذات هو الذي يشير إليه القرآن في‬ ‫قوله‪ " :‬وال تزكوا أنفسكم"‪ .‬فإذا كنا سنتعامل مع‬ ‫تاريخ غير نسبي‪ ،‬مطلق‪ ،‬مقدس لهذا الفريق أو‬ ‫ذاك‪ ،‬فإن كل من سيقترب من احلرمات يواجه بأبشع‬ ‫االتهامات‪ .‬ولذلك فكل املجددين الذين أرادوا أن‬ ‫يتدارسوا اخلالف السني‪ /‬الشيعي اتهموا باخلروج‬ ‫عن الدين‪ ،‬والتوافق مع األعداء وغير ذلك مما‬ ‫نعرفه‪.‬‬ ‫ـ هل ميكن للمجددين واملتنورين أن يحققوا‬ ‫تأثيرا ً إيجابيا ً في عاملنا اإلسالمي بغض النظر‬ ‫عن مشاكل اخلالف الطائفي؟ أم أن هذه هي‬ ‫أهم عقبة تواجه فعل التنوير واإلصالح‪ ،‬ومن مت‬ ‫تكون من أكبر أولوياته؟‬ ‫• مبجرد جعل الطائفة نسبية فقد حل املشكل‪،‬‬ ‫ألن الطائفة أو احلزب أو اجلماعة‪ ،‬هي أمور طبيعية‪،‬‬ ‫لكن عندما تصبح اجلماعة مقدسة فهذا هو املشكل‪.‬‬ ‫وموضوع التنسيب من أهم املواضيع التي نحتاجها‬ ‫إلزالة القدسية عن هذه اجلماعات‪ .‬إذا أزيل‪ ،‬فطبعا‬ ‫هذه اجلماعات مكون مهم ميكن االستفادة منه‬ ‫بالتعاون والتعارف‪ ،‬واالعتراف باالختالف الذي هو‬ ‫آية من آيات الله " َو ِم ْن َآ َيا ِت ِه َخ ْلقُ ال َّس َما َوا ِ‬ ‫ت َوالأْ َ ْرضِ‬ ‫َو ْاخ ِتلاَ ُ‬ ‫ت‬ ‫ف َأ ْل ِسن َِت ُك ْم َو َأ ْل َوا ِن ُك ْم إِنَّ ِفي َذ ِل َك لآَ َ َيا ٍ‬ ‫ِل ْل َعالمِ ِ َ‬ ‫ني"‪ .‬فال ميكن أن نعيش في العالم بلون واحد‪،‬‬ ‫اللون الواحد قاتل بكل املعاني‪ ،‬اللون الواحد مفقر‬ ‫بكل املعاني‪ .‬تعدد األلوان وتعدد األلسنة واختالفها‬ ‫هو الذي يعطي للحضارة واإلنسانية التطور‬ ‫واالزدهار‪ .‬ولذلك‪ ،‬مبجرد التنسيب‪ ،‬سيجعلنا نقبل‬ ‫الشيعة بتاريخهم وبأعيادهم وخصوصياتهم‪ ،‬ونقبل‬

‫بطاقة‬ ‫يرأس الدكتور مصطفى بوهندي وحدة التكوين والبحث في مستقبل األديان‬ ‫واملذاهب الدينية في جامعة احلسن الثاني باملغرب‪ ،‬ويشرف على مركز (أديان)‬ ‫للدراسات الدينية واإلنسانية‪ ،‬وتعتبر مساهماته في املنابر املكتوبة واملسموعة‬ ‫واملرئية داخل املغرب وخارجه‪ ،‬اضافة متميزة على صعيد البحث في االديان‬ ‫ومستقبلها‪ .‬د ّون العديد من الكتب لعل من اهمها‪« :‬التأثير املسيحي في‬ ‫تفسير القرآن»‪ ،‬و»نحن والقرآن» الى جانب دراسات عديدة نشرت في مجالت‬ ‫علمية‪.‬‬


‫السنة ونقبل كل طائفة‪ ،‬ولكن ليس بوصفها صاحبة‬ ‫احلق املطلق‪.‬‬ ‫ـ يقول تعالى‪" :‬وال تنازعوا فتفشلوا وتذهب‬ ‫ريحكم"‪ ،‬في ضوء هذه اآلية‪ ،‬ما هو أهم توجيه‬ ‫ميكن أن تقدمه لعلماء وأتباع الطائفتني؟‬ ‫• أحب أن أذكر الشيعة والسنة‪ ،‬وليسوا‬ ‫وحدهم‪ ،‬بل اليهود والنصارى‪ ،‬بل الناس أجمعني‪،‬‬ ‫باألصل املشترك الذي نحن منه جميعا‪ ،‬وهو أننا‬ ‫من نفس واحدة‪ ،‬ولذلك فقصة ابني آدم حيث‬ ‫يقتل أحد اإلخوة أخاه من أجل قربان‪ ،‬والقربان‬ ‫عبادة‪ .‬لكن أن يتقبل الله من احد وال يتقبل من‬ ‫ً‬ ‫مبررا ألن تكون عداوة ضد اآلخر ألنه‬ ‫اآلخر ليس‬ ‫لم يتقبل منه‪ .‬واحلساب عند الله‪ ،‬وال يحق أن‬ ‫يكون هذا االختالف في الدين سببا للعداوة بني‬ ‫الناس‪ .‬ميكن أن نأخذ هذا بشكل قوي ً‬ ‫جدا من‬ ‫خالل توجيه الله تعالى في مسألة بر الوالدين‪ ،‬ففي‬ ‫ذلك يقول سبحانه‪َ « :‬وإِنْ َجاهَدَ َ‬ ‫اك َع َلى َأنْ ُت ْشر َِك‬ ‫ص ِ‬ ‫اح ْب ُه َما ِفي‬ ‫س لَ َك ب ِ​ِه ِع ْل ٌم َفلاَ ت ُِط ْع ُه َما َو َ‬ ‫بِي َما لَ ْي َ‬ ‫الدُّ ْن َيا َم ْع ُرو ًفا»‪ .‬فاملطلوب وإن كان أبوك مشركا‬ ‫أال تطيعه في ذلك‪ ،‬ولكن تصاحبه في الدنيا‬ ‫معروف ًا‪ .‬فمصاحبة الناس على اختالفهم مبا فيهم‬ ‫ـ املشركني ـ باملعروف هو مطلب إالهي للناس‪.‬‬ ‫فباألحرى السنة والشيعة‪ .‬واللذان يعيشان اليوم‬ ‫حاالت من اإلسقاط التاريخي ال ينتمون إليها‪.‬‬ ‫فنحن نعيش تاريخا غير تاريخنا وقضايا غير‬ ‫قضايانا والله تعالى يقول‪َ « :‬و ْاعت ِ‬ ‫َص ُموا ب َِح ْب ِل ال َّل ِه‬ ‫يعا َولاَ َت َف َّر ُقوا َو ْاذ ُك ُروا ِن ْع َم َة ال َّل ِه َع َل ْي ُك ْم ِإ ْذ ُك ْن ُت ْم‬ ‫َج ِم ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َأ ْعدَ ًاء َفأ َّل َ‬ ‫ص َب ْح ُت ْم ِب ِن ْع َم ِت ِه ِإ ْخ َوا ًنا»‪.‬‬ ‫ف بَينْ َ ُق ُلوب ُِك ْم َفأ ْ‬ ‫مفروض في السنة والشيعة أن يتذكروا األوس‬ ‫واخلزرج‪ ،‬الذين أصبحوا بنعمة الله إخوانا‪ ،‬فكانوا‬ ‫يذكرون تاريخ عداوتهم‪ ،‬ليتذكروا فضل الله عليهم‬ ‫في تأليف قلوبهم‪ .‬نحن اآلن نحتاج إلى تأليف‬ ‫القلوب‪ ،‬ونحتاج من املسلمني أن ينفقوا من أموالهم‬ ‫للمؤلفة قلوبهم‪ .‬اليوم نحتاج إلى أن يصبح نصاب‬ ‫املؤلفة قلوبهم هو نصاب التقريب بني الناس‪ ،‬وإزالة‬ ‫العداوة املصطنعة بينهم من أجل أن يصيروا إخوانا‬ ‫كما أمرهم الله تعالى‪ .‬فموضوع العداوة بني السنة‬ ‫والشيعة هو أمر مذهبي سياسي ننت مختلق يراد‬ ‫به أن يبقى املسلمون في تخلفهم‪ .‬فلننظر إلى‬ ‫أوروبا الذين كانوا يعيشون الصراع والقتل واجلوع‬ ‫واملرض‪ ،‬لتصبح اليوم أوروبا موحدة‪ .‬فكيف نبحث‬ ‫عن مشاكل قدمية عف عنها الزمن وانقضت ولم يبق‬ ‫منها شيء‪ ،‬متغافلني نعمة الله التي جاءت للناس‬ ‫من أجل احلب واخلير والسالم‬

‫متابعات مصرية‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫ عقدت جمعية الدعوة االسالمية العاملية بالتعاون مع نادي أعضاء هيئة التدريس‬ ‫في جامعة االزهر بالقاهرة ندوة حول «دور االزهر في التقريب بني السنة والشيعة»‬ ‫شارك فيها عدد من العلماء واملفكرين والباحثني واالعالميني‪ ،‬وطالب املشاركون‬ ‫بسرعة العمل على حتقيق التقارب بني املذاهب االسالمية في ظل االزمات التي‬ ‫تواجه االمة االسالمية‪ ،‬وأكدوا بأن التقارب بني املذاهب االسالمية أصبح أمرا واجبا‪.‬‬ ‫ أعرب مفتي مصر الدكتور على جمعة – فبراير ‪ - 2009‬عن سعادته البالغة بالتطورات‬ ‫سب الصحابة على املنابر‪ .‬وشدد‬ ‫التي شهدتها الدراسات الشيعية والتي دعت ملنع ّ‬ ‫جمعة على أهمية التعاون السني الشيعي‪ ،‬مشيرا ً إلى أن التطورات اجلادة التي‬ ‫يشهدها اخلطاب الشيعي هذه اآلونة توفر البيئة املناسبة للتعاون‪ .‬وأوضح مفتي‬ ‫مصر أنه «ال حرج علىاملسلم من ممارسة التعبد على املذهب الشيعي‪ ،‬مؤكدا أنه ال‬ ‫فرق ‪ -‬في األصول ‪ -‬بني سني وشيعي»‪.‬‬ ‫ نظمت مؤسسة اجلسور بالتعاون مع ساقية الصاوي من ‪ 19‬إلى ‪ 20‬نوفمبر ‪2009‬‬ ‫برنامج تدريبي حول « الثقافة اإلسالمية» مت تقدمي املادة بلغات مختلفة‪« :‬اإلجنليزية‪،‬‬ ‫الصينية‪ ،‬األملانية‪ ،‬اإليطالية‪ ،‬اليابانية»‪ ،‬بهدف نشر الثقافة اإلسالمية ‪ ،‬وتصحيح‬ ‫املفاهيم اخلاطئة حول اإلسالم لألجانب املقيمني في مصر‪.‬‬ ‫ صدر عن الهيئة العامة للكتاب «مشروع مكتبة األسرة» كتاب «حرية الفكر‬ ‫في اإلسالم» للشيخ عبد املتعال الصعيدي‪ 1894( ،‬ـ ‪ )1966‬وهو أحد أهم الكتب‬ ‫النادرة التى صدرت في النصف األول من القرن العشرين ولعله األول في موضوعه‬ ‫الذي يصدر عن فقيه أزهرى مؤصال بالنصوص الشرعية ملكانة احلرية الفكرية في‬ ‫اإلسالم‪.‬‬

‫•‬

‫ تشهد جامعة األزهر ـ كلية الدراسات اإلسالمية والعربية بنات بالقاهرة مناقشة‬ ‫رسالة دكتوراه بعنوان «أحكام األسرة في تفاسير أهل السنة والشيعة اإلمامية‬ ‫اإلثنى عشرية» مقدمة من الباحثة وفاء محمود سعداوي لنيل درجة العاملية في‬ ‫التفسير وعلوم القرآن‪.‬‬ ‫ تأتي الرسالة في إطار توجه علمي تقريبي داخل اجلامعة العتماد التجربة الشيعية‬ ‫في مجال العلوم الشرعية كمصدر بحثي يضاف إلى التجربة اإلسالمية العامة‪،‬‬ ‫ويضيف إليها زخما معرفيا‪ ،‬ويوسع من مداركها‪ ،‬ويدعم ثراءها‪ .‬وتتطرق الرسالة إلى‬ ‫أصول االجتهاد عند الشيعة اإلمامية اإلثنا عشرية وطرقه‪ ،‬كما تلفت إلى منهج‬ ‫التفسير عند الشيعة اإلمامية اإلثنا عشرية ممثلة بعدد من التفاسير الشيعية‬ ‫اخملتلفة قدميا وحديثا‪.‬‬

‫•‬

‫ صدر عن مركز أندلس لدراسات التعصب والتسامح مبصر ‪ ،2009‬كتاب املتحولون‬ ‫دينيا‪ ..‬من محمد أسد إلى أوباما! الكتاب يحاول «تفسير التحول وحتليل عمليته‬ ‫من داخله وليس من خارجه»‪ .‬ويؤكد فيه الكاتب – هاني نسيرة ‪ -‬أن التعددية باتت‬ ‫أمرا واردا بقوة في الوقت احلالي‪ ،‬عازيا ذلك إلى ثورة االتصاالت والتواصل بني األفراد‪،‬‬ ‫واستحالة احتوائهم داخل إطار املؤسسات الدينية وحده»‪.‬‬ ‫‪15‬‬


‫المذاهب السنية وقوة الدفع السياسي‬ ‫الفاعلون السياسيون في‬ ‫حدث مرتبط مباشرة‬ ‫بصراع مذهبي‪ ،‬قد‬ ‫يمتدون بانتماءاتهم من‬ ‫المكون المحلي المسجل‬ ‫لموقف مطلبي معيشي‬ ‫بسيط‬ ‫الكساح الذي أصاب‬ ‫الجامعة العربية ناتج‬ ‫عن عجزها عن تدبير‬ ‫الدور الفكري والعقالني‬ ‫لتموقع المذاهب الدينية‬ ‫في الساحة السياسية‬

‫أحمد الخمسي‬ ‫باحث من املغرب‬ ‫عن موقع «املالحظ»‬

‫‪16‬‬

‫العبارة املكتملة التي ال تخضع حليز العنوان‬ ‫هي‪« :‬حركية املذاهب الدينية أمام تأثير قوة الدفع‬ ‫السياسي»‪.‬‬ ‫الهدف الوحيد من هذا املقال هو وضع التصور‬ ‫الذهني اجلامد عن صنمية املذاهب الدينية حتت تأثير‬ ‫حرارة احلياة السياسية‪ .‬سواء باالستفادة من الغرب‪،‬‬ ‫أو عبر التجارب املتفاوتة داخل املناطق اإلسالمية‪.‬‬ ‫فالسياسة قوة دفع للواقع نحو ممكنات املستقبل‪.‬‬ ‫وممكنات املستقبل معادلة مركبة بني تدافع الفاعلني‬ ‫السياسيني‪.‬‬ ‫والفاعلون السياسيون في حدث مرتبط مباشرة‬ ‫بصراع مذهبي‪ ،‬قد ميتدون بانتماءاتهم من املكون‬ ‫احمللي املسجل ملوقف مطلبي معيشي بسيط‪ ،‬إلى رد‬ ‫فعل السلطة الوطنية التي قد تخاف من بلواه الكامنة‬ ‫أو قد جتتهد جلعله عبرة لغيره من توالي التحركات‬ ‫املنتمية لتميزات مذهبية‪ .‬إلى ترصد خارجي اقليمي‬ ‫ملد هذا القصب الساخن باجلمرة الكافية لتحويله‬ ‫إلى نار قيد التكييف باإلطفاء أو التأجيج حسب‬ ‫املصلحة‪ .‬إلى تأويل بل واستثمار من طرف القوى‬ ‫العاملية‪ .‬والصورة هذه نفسها مرتبطة باحلالة املنتشرة‬ ‫في العالم اإلسالمي الذي ابتلي بسياسة مغرضة‬ ‫في عهد الرئيس‪ ،‬الذي أخرج اجلن من داخل القمقم‬ ‫األمريكي‪ ،‬إلى الساحة العاملية ليحول النقمة الداخلية‬ ‫إلى نعمة لفائدة سماسرة الصناعة العسكرية وشركات‬ ‫النفط األمريكية والغربية‪.‬‬ ‫فمن الهاجس الداخلي للسموأل هتنغتون‬ ‫باالنشغال بالتوسع االسبانوفوني في الواليات‬ ‫اجلنوبية اخلمس‪ ،‬بحيث تساءل على طريقة لينني‬ ‫اليسارية (من نحن؟) بنفس الصيغة لكن مبضمون‬ ‫معاكس قوامه العنصرية اليمينية خالل التسعينات‬ ‫من القرن املاضي‪ .‬وكأن منبها امبرياال قلب االنشغال‬ ‫العنصري الداخلي لهتنغتون إلى طاقة اشتغال‬ ‫عنصري على الصعيد العاملي‪ .‬فلم ير بني الديانات‬ ‫األساسية عبر العالم سوى وجهة الصراع‪ .‬وبدل أن‬ ‫يسجل وصفا محايدا‪ ،‬لتأسيس خطاب سلمي عاملي‬ ‫من موقع القوة العاملية األولى‪ .‬أفرز خطابا شبه نازي‬ ‫على صعيد العالم وهو يخطو عتبة العوملة‪ .‬فكأن‬ ‫الغرب ينتج لكل مرحلة تاريخية حتت قيادته العتيدة‬ ‫نازيتها الظرفية‪.‬‬ ‫ولعل النخب العربية املتهالكة عبر االقتراب من‬ ‫السلطة‪ ،‬لم توفر الطاقة املعارضة الكافية لتشكيل‬ ‫كرة الثلج املتعاظمة ملواجهة حالة الفراغ السياسي‬

‫املهول في الساحة العربية اإلسالمية والتي لم تنتج‬ ‫سوى رديف الفراغ في الرد على الغرب (عبد الله‬ ‫العروي‪ /‬من ديوان السياسة‪ /‬الوقاحة‪ /‬ص ‪)92‬‬ ‫سوى الهجوم بالعدمية (عبد الله العروي‪ /‬من ديوان‬ ‫السياسة‪ /‬العدمية‪ /‬ص ‪ ،)95‬بالصيغة املعروفة‬ ‫اليوم والتي ينتفي فيها صفاء الذهن ورحابة العقل ما‬ ‫دامت مندفعة في ساحة الرد على احلرب على اإلرهاب‬ ‫أو منتشية بدء مسلسل الضرب املتبادل لألعضاء‬ ‫النبيلة في كال اجلسدين اإلسالمي والغربي‪.‬‬ ‫إن املؤمترات املتكررة اليوم حول توحيد املذاهب‬ ‫الدينية في اإلسالم لم تتمكن من حتقيق التوازن بني‬ ‫السلط السياسية وبني دهاة الدعاة األصوليني‪ .‬فكأن‬ ‫الدوخة أصابت قمم القمم في العالم اإلسالمي‪ .‬مما‬ ‫يعيد إلى األذهان عودة العالم اإلسالمي إلى فترة ما‬ ‫قبل منتصف القرن ‪ 17‬في أوربا‪ .‬عندما كانت تختلط‬ ‫الصراعات املذهبية باحلروب النظامية‪ ،‬وامللخصة‬ ‫عموما بحروب املائة تارة واحلروب الدينية تارة أخرى‪.‬‬ ‫مرة أخرى أنتجت تلك احلروب خبرة األمراء السياسيني‬ ‫في تشكيل األوطان باملعنى املنفصل عن السيادة‬ ‫املذهبية‪ .‬بل في كثير من احلاالت كادت تتطابق‬ ‫سياسة امللوك مع االنتشار املذهبي الوحيد‪ ،‬مقابل طحن‬ ‫األقليات املذهبية املسيحية الناشئة أو املتبقية‪ .‬أما‬ ‫الدوخة املمتدة في الذهن‪ ،‬فهي ارتكان الذهن العربي‬ ‫اإلسالمي إلى وجهة حربية ثراتية واحدة تلك التي‬ ‫سبقت استالء املسلمني على القسطنطينية واملسيحيني‬ ‫على األندلس‪ :‬احلروب الصليبية‪ .‬بينما تشكل الغرب‬ ‫احلالي ما بعد الثورات الهولندية (‪ )1579‬واالجنليزية‬ ‫واألمريكية والفرنسية (‪.)1789‬‬ ‫إن الفكر الديني احمللي لدينا يعجز عن وضع‬ ‫اجلهد العسكري احمللي (معركة اللكوس ‪)1578‬‬ ‫ضمن الصيرورة األوربية نفسها‪ .‬الصيرورة الثورية‬ ‫التي غيرت الكيمياء الدينية في أوربا طيلة القرنني‬ ‫اللذين فصال أو وصال هزمية الكاثوليكية البرتغالية‬ ‫فوق شمال املغرب خارج أوربا من طرف شعب‬ ‫مغربي مسلم بهزمية الكاثوليكية االسبانية أولى‬ ‫من طرف مذهب مسيحي بروتستانتي ناشئ في‬ ‫هولندا (‪ )1579‬لتنتهي بهزم الكنسية الكاثوليكية‬ ‫الفرنسية من طرف الشعب الفرنسي نفسه بعدما ثار‬ ‫العموم (اجلمهور بصيغة العروي في ديوان السياسة)‬ ‫(لوتيير زيطا بصيغة الراهب سييس أحد قادة الثورة‬ ‫الفرنسية)‪.‬‬ ‫إن التوازن بني البروتستانت والكاثوليك‬


‫واألرثودوكس في أوربا اليوم‪ ،‬بناء على الصراع السياسي الديني‬ ‫داخل أوربا نفسها باألمس‪ ،‬يترك للقوى املسلمة في العالم مساحة‬ ‫فعل كبيرة في القرية الصغيرة‪ .‬تدل على ذلك التجارب الراهنة لكل‬ ‫من تركيا وماليزيا وأندونسيا ذات املذاهب السنية كما تدل إيران‬ ‫على قدرة الشيعة على االلتحاق بالتجربة التركية بناء على املناخ‬ ‫الذي ينشئه الغرب املرتعش من النهضة الصينية على حساب التلفة‬ ‫العربية السنية‪.‬‬ ‫إن التوزيع املبعثر للعمل العقالني بني املذاهب السنية في‬ ‫املنطقة العربية‪ ،‬يترك األنظمة العربية أمام مسؤولية تاريخية عن‬ ‫الترتيب املتخلف بني البلدان اإلسالمية جميعا‪ ،‬األسيوية ذات‬ ‫التأثر باحلضارة الصينية (ماليزيا‪ ،‬أندونيسيا) مقارنة مع السلفية‬ ‫العربية املتشرذمة بل واملتناحرة‪ .‬إن احلرب في اليمن ال تشكل سوى‬ ‫احليز املركز املصغر عن احلروب الدينية «املستدمية» داخل املنطقة‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫ومن الدروس العقالنية املمكن التدبر فيها وعبرها إمكانية‬ ‫التثاقف بني املذاهب السنية األربعة‪ ،‬مبا يدفع نحو التوازن املنتج‬ ‫داخل العصر‪ ،‬على الطريقة التركية‪ .‬مما يدعو عتاة غالة الدعاة‬ ‫السنة إلى طي صفحة الصراع بني العلمانية التركية والسلفية‬ ‫األزهرية أو الوهابية السعودية‪ .‬فال يبقى من العقالنية احلد األدنى‬ ‫املقنع لعموم الناس عندما يعلو الصوت القائل بالهجمة الشيعية‬ ‫على املناطق السنية في الوقت الذي ال يسمع الناس وفاقا عقالنيا‬ ‫داخل صفوف السنة‪ .‬بل يتسارع قمع السلطة ضد الدعاة وينتشر‬ ‫عمى تكفير الدعاة لينشر ظالم التلفة داخل جسد األمة نفسها‪.‬‬ ‫إن الكساح الذي أصاب اجلامعة العربية ناجت عن عجزها عن‬ ‫تدبير الدور الفكري والعقالني لتموقع املذاهب الدينية في الساحة‬ ‫السياسية‪ .‬وقد أثرت اليعقوبية الفرنسية في النخب املصرية‬ ‫الالعبة لدورين‪ :‬دور منكشف هو االصطفاف العلني وراء مبدأ‬ ‫العلمانية دون أي نضال صادق من أجل العلمانية خوفا من إغضاب‬ ‫السعودية‪ .‬والنكاية في التناحر الداخلي بني الصفوف املسلمة بناء‬ ‫على تخفي مسيحي عروبي علماني تقنوقراطي‪ .‬واحلال أن املرحلة‬ ‫احلالية تقتضي التوقف عند التجربة االنغلوسكسونية في التنوير‬ ‫والدخول إلى احلداثة من موقع املناضل الديني املعتدل والذي ينشد‬ ‫نحو حتقيق مبدأ حرية املذاهب في التواجد‪ .‬لذلك‪ ،‬يقتضي من‬ ‫السياسة الدينية في املغرب وفي املغرب الكبير إمكانية تقدمي‬ ‫بحوث حتررية في املذهب املالكي على طريق التجربة السنية التركية‬ ‫وفق املذهب احلنبلي‪.‬‬ ‫وللدول املغاربية طاقة سياسية حد أدنى وجتارب غنية مع‬ ‫احلروب الدينية‪ ،‬لتشكل طاقة دفع نحو تشكيل كيمياء التغيير‬ ‫اإليجابي داخل املذاهب السنية في املنطقة العربية‪ .‬وإال سنبقى‬ ‫نتفرج في املآسي التي يشترك فيها الغرب مبيكيافيليته مع سنة‬ ‫الشرق العربي والقارة الهندية‪.‬‬ ‫ومرة أخرى لألقطاب الثالثة في املغرب دور في توفير القوة‬ ‫االقتراحية للمغاربة في هذا الباب عبر تكييف السلوك املناسب مع‬ ‫العدالة والتنمية في املغرب‪ .‬كما عليه واجب اإلنصات لغيره من‬ ‫اليساريني والليبراليني حتت سقف العقالنية واحلرية إن كان يسعى‬ ‫فعال نحو العدالة والتنمية‪.‬‬ ‫‪ ‬فقوة الدفع السياسي موجودة وحيوية‪ .‬فإما أن حتضر إيجابا‬ ‫أو سلبا‬

‫•‬

‫متابعات عراقية‬ ‫ اوصت نحو ‪ 200‬شخصية دينية وسياسية بضرورة اعتماد احلوار‬ ‫ونبذ التطرف الديني وحترمي الدم العراقي ومواجهة الفتاوى التكفيرية‬ ‫بهدف حتقيق األمن والسالم وبناء املصاحلة اجملتمعية ومعاجلة االثار‬ ‫واالنعكاسات التي سببها االرهاب خالل السنوات املاضية وذلك في‬ ‫مؤمتر (دور االديان في تعزيز االمن والسالم في العراق) الذي عقد في‬ ‫فندق الرشيد ببغداد في ‪ 19‬من كانون االول (ديسمبر) كما اأكدت‬ ‫على أهمية نشر ثقافة التسامح والقبول باآلخر واملشاركة اجلمعية‬ ‫في بناء البالد‪ .‬وخرج املؤمتر الذي رعته جلنة االوقاف الدينية في البرملان‪،‬‬ ‫بتسع توصيات تهدف الى تعزيز احلوار والتسامح‪ ،‬ابرزها احترام الرموز‬ ‫واملقدسات والشعائر الدينية جلميع االديان واملذاهب وشجب ونبذ‬ ‫التطرف الديني الذي يقوم على استئصال االخر وحرمانه من حقوقه‬ ‫والتأكيد على اهمية تطوير املناهج التربوية واجلامعية ودور املؤسسات‬ ‫العلمية في تعزيز ثقافة التسامح والتعددية والتعايش بني مكونات‬ ‫الشعب العراقي‪.‬‬

‫•‬

‫ استضافت مؤسسة الشيخ زين الدين للمعارف اإلسالمية احملقق‬ ‫التونسي السيد محمد التيجاني السماوي وذلك في بناية املؤسسة‬ ‫في النجف األشرف‪ ،‬وحضر الندوة مجموعة من املثقفني واملهتمني‪.‬‬ ‫ وعبر التيجاني السماوي عن اهمية الندوة واهمية املكان‪ ،‬اضافة الى‬ ‫اهمية احلدث التي رافقها واملتمثل بشهر محرم احلرام‪ .‬وحتدث خالل‬ ‫الندوة عن مقومات الدين احلنيف واهمية تالحم املسلمني وضرورة ابراز‬ ‫اجلانبني العقالني والروحي منه ملا يصب في خدمة مسيرته ومسيرة‬ ‫املؤمنني‪ .‬وفي نهاية الندوة اجاب التيجاني على االسئلة التي وجهت‬ ‫اليه استكماال ً للمفاهيم التي طرحها في الندوة‪.‬‬

‫•‬

‫•‬

‫ علق املسيحيون في البصرة احتفاالتهم باعياد امليالد ورأس السنة‬ ‫امليالدية لهذا العام لتزامنها مع مناسبة ذكرى عاشوراء حيث يستذكر‬ ‫املسلمون استشهاد االمام احلسني (ع)‪ .‬وقال عضو مجلس محافظة‬ ‫البصرة رئيس جلنة شؤون املسيحيني واالقليات الدينية الدكتور سعد‬ ‫متي‪ :‬ان راعي الكنيسة الكاثوليكية في البصرة القس عماد البنا‬ ‫اصدر بيانا بهذ اخلصوص ووزعه على املؤسسات الدينية واملساجد‬ ‫واحلسينيات في البصرة اشار فيه الى تعليق جميع االحتفاالت بهذه‬ ‫املناسبة تضامنا مع اخوانهم املسلمني الذين ميارسون طقوسهم‬ ‫الدينية في ذكرى استشهاد االمام احلسني‪ .‬واشار الى ان االحتفاالت‬ ‫ستقتصر على اداء الصالة في الكنائس فقط دون استقبال املهنئني‪.‬‬ ‫ أعلن في بغداد والعاصمة األملانية برلني مع مطلع العام اجلديد عن‬ ‫تأسيس منظمة ثقافية حتت عنوان‪( :‬احلوار الثقافي بني الغرب والعالم‬ ‫اإلسالمي ) برعاية عدد كبير من منظمات اجملتمع املدني‪ ،‬يتركز اهتمامها‬ ‫في تعزيز مجتمع املعرفة والتعليم واحلوار القانوني وحقوق اإلنسان‬ ‫ووسائل اإلعالم‪ ،‬وتكمن أهداف املنظمة في‪ ‬تقريب وجهات النظر بني‬ ‫الغرب والعالم اإلسالمي‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫كلمة سماحة مفتي سوريا إلى الملتقى الوطني‬ ‫الثاني لعلماء السنة والشيعة في العراق‬ ‫رجال الدين في كل‬ ‫زمان ومكان محط‬ ‫أنظار اآلخرين في‬ ‫درء الفتنة‪ ،‬وجمع‬ ‫الشمل‬ ‫نناشد الجميع أن‬ ‫يكونوا صفًَا واحدًا‬ ‫لقطع الطريق‬ ‫على المفسدين‬ ‫والمخربين‪ ،‬وبناء‬ ‫مستقبل زاهر‬ ‫افتتح صباح االثنني ‪ 10‬تشرين الثاني (نوفمبر)‬ ‫‪ 2008‬في مدينة النجف األشرف بالعراق امللتقى‬ ‫الوطني الثاني لعلماء السنة والشيعة في العراق حتت‬ ‫شعار (وحدة األمة اإلسالمية هي سبيل العز والنصر)‬ ‫وذلك بهدف توحيد املوقف املشترك جتاه التحديات‬ ‫الفكرية والسياسية‪.‬‬ ‫وقد أكد املشاركون في امللتقى على وحدة العراق‬ ‫شعب ًا وأرض ًا وبكافة مكوناته الدينية واملذهبية‬ ‫والقومية ووحدة األمة اإلسالمية في مواجهة‬ ‫ً‬ ‫واحدا‬ ‫التحديات اخلارجية والداخلية والوقوف صف ًا‬ ‫في الدفاع عن قضاياها املصيرية‪.‬‬ ‫وجه سماحة الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين‬ ‫وقد ّ‬ ‫حسون املفتي العام للجمهورية العربية السورية رئيس‬ ‫ّ‬ ‫مجلس اإلفتاء األعلى كلمة إلى امللتقى أكد فيه‬ ‫ضرورة توحد األمة خلروج االحتالل وإعادة استقالل‬ ‫العراق‪.‬‬ ‫خاص «عالم بال حدود»‬

‫‪18‬‬

‫موقع املفتي العام‬

‫نص الكلمة التي وجهها سماحة المفتي العام إلى المؤتمر‪:‬‬

‫احلمد لله رب العاملني وأفضل الصالة وأمت‬

‫التسليم على إمام املرسلني وخامت النبيني وآله‬ ‫األطهار‪ ،‬وصحبه األخيار ومن واالهم من األبرار‪،‬‬ ‫وبعد‪:‬‬ ‫في الرحاب الطاهر‪ ،‬وقرب مرقد اإلمام أمير‬ ‫املؤمنني سالم الله عليه والرضوان‪ ،‬جتتمع القلوب‬ ‫املؤمنة مع اجتماع األرواح الطاهرة مترفعة فوق‬ ‫الظواهر واملظاهر‪ ،‬فاألمة واحدة‪ ،‬قال تعالى‪« :‬إِنَّ‬ ‫ه َِذ ِه ُأ َّم ُت ُك ْم ُأ َّم ًة َو ِاحدَ ًة»‪ .‬واإلنسان مبفهومه الشمولي‬ ‫الواسع‪ ،‬ينهض بأتباعه إلى ذروة العلياء والقوة‪،‬‬ ‫ومينح أنصاره الصمود والثبات واملنعة‪ .‬واملشروع‬ ‫اإلسالمي هو مشروع وحدوي فيه حقن للدماء‪،‬‬ ‫وحفاظ على األعراض‪ ،‬وفيه حسن االستفادة من‬ ‫اخليرات‪ ،‬وإيقاف لنزيف الهجرة من األوطان‪ .‬ونحن‬ ‫من سورية نقف معكم‪ ،‬ونشد أزركم‪ ،‬منع ًا للفتنة‪،‬‬ ‫وعم ًال على توحيد العراق شعب ًا ودولة‪ ،‬للخروج من‬ ‫آثار االحتالل‪ ،‬وإعادة السيادة الكاملة ألبناء العراق‬ ‫ً‬ ‫واحدا لقطع‬ ‫احلبيب‪ ،‬ونناشد اجلميع أن يكونوا صف ً َا‬ ‫الطريق على املفسدين واملخربني‪ ،‬وبناء مستقبل زاهر‬ ‫ومشرق بأيدي األمناء على رسالة الدين‪ .‬فاالحتالل‬


‫يهمه إن كان‬ ‫لم يأت لنصرة طائفة على أخرى‪ ،‬وال ّ‬ ‫ً‬ ‫مذهب املسلم في العراق سني ًا أو شيعيا‪ ،‬فعينه‬ ‫على ثروات البالد ويفكر في خيرات األرض‪ .‬وأي‬ ‫مشروع ُيقدم يجب أن يكون أكبر من قضية حكومة‬ ‫ُيعلن انتمائها اجلزئي‪ ،‬فاالنتماء األكبر هو املطلوب‪،‬‬ ‫ووحدة العراق هي املطلوبة‪ ،‬وما املذاهب والطوائف‬ ‫إال خدمة للدين والوطن واإلنسان‪ .‬والعلماء في كل‬ ‫زمان ومكان محط أنظار اآلخرين في درء الفتنة‪،‬‬ ‫وجمع الشمل‪ ،‬وإني ألربأ بكم أي سادة أن يكون‬ ‫ً‬ ‫مسيرا لها ومشع ًال‪.‬‬ ‫البعض محرض ًا على الفتنة أو‬ ‫والواجب التقليل من استخدام التوصيف الطائفي‪،‬‬ ‫ولو استطعنا إلغاءه‪ ،‬وخاصة عند احلوادث‪ ،‬ألن‬ ‫التصريحات الطائفية تنتج عنها ضحايا وحوادث‬ ‫جديدة‪ ،‬فاألصوات املهيجة للعواطف‪ ،‬ذات تأثير‬ ‫كبير سلبي ًا أو ايجابي ًا‪ ،‬فطوبى ملن عمل بصدق‬ ‫وحرك العواطف نحو البناء‪ .‬وأرى أن سبيل النهوض‬ ‫بعراق جديد‪ ،‬ميكن في أسس أهمها‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ حتمل املسؤوليات األخالقية والوطنية‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ االنتصار على الذات والذاتية والهوى‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ وفي اخلتام‪ :‬قلوبنا ومشاعرنا مع كل أبناء‬ ‫شعبنا في العراق الغالي‪.‬‬ ‫في‪ 11 :‬ذي القعدة ‪1429‬هـ املوافق ‪ 9‬تشرين‬ ‫الثاني ‪.2008‬‬ ‫هذا وقد شدد املشاركون في امللتقى في بيانهم‬ ‫اخلتامي الذي أصدروه في ختام اجتماعاتهم على‬ ‫أهمية ترشيد اخلطاب اإلسالمي واالسترشاد بهدي‬ ‫املرجعيات الدينية في حتقيق الوسطية واالعتدال‪،‬‬ ‫والدعوة لالستمرار في إجناح التجربة العراقية‬ ‫واحلفاظ على مكتسباتها وضرورة املشاركة العامة‬ ‫في االنتخابات وانتخاب األفضل خدمة للصالح‬ ‫العام‪.‬‬ ‫وأكدوا في بيانهم اخلتامي على سيادة العراق‬ ‫واستقالله وحفظ حقوقه وكرامة شعبه وثرواته‪،‬‬ ‫واستنكار جميع عمليات اإلرهاب التي تستهدف‬ ‫أمن البلد وشعبه من القتل والتهجير ولكافة‬ ‫أطيافه‪.‬‬ ‫ودعا البيان إلى احلوار اإلسالمي البناء في‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن‬ ‫ظل املنهجية العلمية والروح اإلسالمية‬ ‫التنازع والتفرق‪.‬‬ ‫هذا وشارك في امللتقى رئيسي ديواني الوقف‬ ‫الشيعي والسني‪ ،‬وسفير منظمة املؤمتر اإلسالمي في‬ ‫العراق حامد التني‪ ،‬واحتاد علماء كردستان ورجال‬ ‫دين من تركيا ودول عربية أخرى وجمع غفير من‬ ‫علماء العراق‬

‫األفكار وحدها ال تكفي!!!‬ ‫تأتي مقاربتي اإلصالح والتقريب بني أهل السنة والشيعة في تواز طردي يشي‬ ‫بطبيعة املشكل‪ ،‬فنحن إزاء ممارسات سياسية جرى تديينها في ظروف تاريخية‬ ‫مأزومة‪ ،‬ورغم جتاوز الطرفني لسياقات التشظي‪ ،‬إال أن األزمة أفرزت «أمراء» لالنقسام‬ ‫جتاوزت مصاحلهم حدود نظيرتها عند «أمراء احلرب»!!‪.‬‬ ‫ولم يخل اخلطاب الدعوي‪ /‬التعبوي ـ في أوقات الذروة ـ من مزايدات حتاكي الشعبي‬ ‫وتتوسل إليه عبر مماحكات لفظية واستدالالت انتزعت من سياقاتها لتوفر الغطاء‬ ‫العلمي لصراع لم تعرفه حلقات الفقهاء قدر ما شهدته قصور امللوك واألمراء!!‬ ‫وجاءت محاوالت التجاوز من قبل مجددي الطرفني تنحت مجرى للماء العذب‬ ‫وسط صخور صلبة‪ ،‬ولم يكن األمر بالعسير في شقه العلمي وإن أثبتت التجارب‬ ‫اخملتلفة تعذره في جانبه احلركي‪.‬‬ ‫وذلك ألن اخلطاب السلفي ـ على اجلانبني ـ يعبث بنسب املعادلة الصفرية ويحيل‬ ‫طرفيها إلى صياغات تتباين وفقا لطاقة اخلطاب ونقيضه مبا يستحيل معه الرصد‬ ‫والتقييم ومن ثم االشتباك وفق رؤية واضحة بامكانات اخلصم‪.‬‬ ‫نحن أمام أزمة منهج‪ ،‬تدعمه آلة إعالمية موجهة حينا ومتطوعة ـ لطبيعة‬ ‫املادة اإلثارية ـ أحيانا‪ ،‬ناهيك عن أجندات سياسية وقراءات مغرضة‪ ،‬ورؤى مضطربة‪،‬‬ ‫وميول انفعالية‪ ،‬ال ميكن التعامل معها بخطاب طوباوي يفترض قدرة الطرفني على‬ ‫متثل الوعي النخبوي‪.‬‬ ‫وإذا كانت كتابات علماء ومفكرين مثل‪ :‬محمود شلتوت ويوسف القرضاوي‪،‬‬ ‫ومحمد حسني فضل اهلل‪ ،‬ومن وافقهم تضيف إلى الفضاء التقريبي زخما رسميا‬ ‫ـ متهما في كثير من االحيان ـ فإن هذه اجلهود ـ بزعمي ـ تضيع سدى إذا لم تتحرك‬ ‫املؤسسات واجلمعيات األهلية واجلرائد واجملالت ومواقع االنترنت واملدونات‪ ،‬ومجموعات‬ ‫الفيس بوك‪ ،‬والقنوات الفضائية بشكل منظم لتقترب من املشهد أكثر ‪ :‬نقدا وحتليال‪،‬‬ ‫وتعاطفا ثقافيا وفكريا‪ ،‬ولتطرح خطابا موازيا يتمتع بقدر من التبسيط والتعبئة‬ ‫املضادة ليصل إلى رجل الشارع العادي هنا وهناك‪.‬‬ ‫وإذا كان الناس بطبيعتهم أكثر انحيازا لوالءاتهم األولى‪ ،‬فإن ثمة تصورا مختلفا‬ ‫لفكرة التقريب يقوم على التعايش والتعاون على نحو ما حدث بني املسلمني‬ ‫ومخالفيهم في امللة ـ ال في املذهب ـ على امتداد التاريخ اإلسالمي!!‬ ‫ففكرة الذوبان التي يلوكها البعض متصورا قدرة الطرفني على جتاوز قرون من‬ ‫اخلالف الذي يقترب في بعض مداراته من العقدي!!‪ ،‬فكرة مستبعده‪ ،‬يرفضها منطق‬ ‫األشياء وترفضها طبيعة التحزب اإلسالمي‪ ،‬القائم على انفراد فرقة بعينها بالنجاة‬ ‫دون غيرها من الفرق الضالة التي تتفوق كما ـ ورمبا كيفا ـ على ضالل سائر األديان‬ ‫وفرقها اخملتلفة!!‬ ‫هذا االنحياز املغلق الذي استطاع أن يوجد لنفسه سياجات نصية داخل اجلسم‬ ‫التشريعي اإلسالمي ـ وإن لم تسلم بدورها من مشرط النقد ـ لن يترك فرصة القتراب‬ ‫آمن‪ ،‬وما لم يكن التحرك في اجتاه التقريب ـ القائم أوال على مصلحة الطرفني الدنيوية‬ ‫قبل الدينية ـ حتركا حذرا ومرنا في هذه النقطة حتديدا‪ ،‬فلن يلقى سوى اخفاقات‬ ‫املاضني ـ على جدتهم ـ وسنظل في الدائرة املفرغة ذاتها‪.‬‬

‫محمد طلبة‬

‫‪ibnroshd_m@yahoo.com‬‬ ‫‪19‬‬


‫الشيعة والسنة في ‪1920‬‬ ‫الوردي‪ :‬أدرك قادة‬ ‫الحركة الوطنية ان‬ ‫حركتهم لن يكتب‬ ‫لها النجاح ما لم يتم‬ ‫لها التقارب والوئام‬ ‫بين الطائفتين‬ ‫استمر التقارب بين‬ ‫السنة والشيعة كثيرا‬ ‫بعد شهر رمضان‬ ‫فلما حل شهر‬ ‫محرم ذهب موكب‬ ‫من األعظمية إلى‬ ‫الكاظمية اشترك في‬ ‫شعائر عاشوراء‬

‫نبيل األعرجي‬ ‫صحيفة «الصباح» البغدادية‬

‫‪20‬‬

‫أعاد االحتقان السياسي والطائفي الذي طغى‬ ‫على األحداث منذ العام املاضي ومنتصف العام‬ ‫احلالي إلى األذهان كتابات الدكتور العالمة علي‬ ‫الوردي رحمه الله بشأن التقارب واملصاحلة بني السنة‬ ‫والشيعة في العراق عام ‪.1920‬‬ ‫يقول الوردي‪ :‬أدرك قادة احلركة الوطنية ان‬ ‫حركتهم لن يكتب لها النجاح ما لم يتم لها التقارب‬ ‫والوئام بني الطائفتني وجنح القادة السياسيون في‬ ‫مسعاهم جناح ًا ً‬ ‫كبيرا وظهر التقارب في صيف ‪1919‬‬ ‫عندما حضر السنة االجتماعيون مع (املجتهد محمد‬ ‫كاظم اليزدي)‪ .‬لكن األهمية السياسية لهذا التقارب‬ ‫ظهرت واضحة في شهر رمضان التالي حيث أقيمت‬ ‫االحتفاالت الدينية التي جتمع بني املولد النبوي‬ ‫على الطريقة السنية ومجلس التعزية احلسينية على‬ ‫الطريقة الشيعية‪ .‬وأطلق الوردي عليها اسم (املولد‬ ‫التعزية) وكانت تقام في مساجد السنة والشيعة‬ ‫على التعاقب‪ .‬إن أول حفلة أقيمت يوم اجلمعة ‪14‬‬ ‫ايار‪ 1920‬في جامع يقع في سوق البزازين واجتمع‬ ‫جمهور غفير من السنة والشيعة وألقى احد الوعاظ‬ ‫السنة خطبة اجلمعة ثم أعقبه الشيخ مهدي البصير‬ ‫فتال املولد النبوي ومقتل احلسني (عليه السالم)‬ ‫معا ثم في رمضان سنة ‪ 1920‬أقيمت في جامع‬ ‫آخر واكتظت ساحة اجلامع في الناس وقدر عددهم‬ ‫بعشرة آالف وتوالى اخلطباء والشعراء يدعون للوحدة‬ ‫الوطنية ذكروا جهاد النبي (صلى الله عليه وآله)‬ ‫ومقتل احلسني (عليه السالم) ثم أقيم احتفال آخر‬ ‫في جامع احليدرخانة وسط بغداد آنذاك وألقيت فيه‬ ‫الكلمات احلماسية وقصائد للشعراء ومنهم الشاعر‬ ‫عيسى عبد القادر (الذي اعتقله االنكليز لدعوته‬ ‫لالحتاد وأشار إلى عدم وجود فروق أساسية بني‬ ‫السني والشيعي) وقوله‪ :‬وبعد أقول للجاسوس منا‬ ‫جتسس ما استطعت احلاضرينا ـ وبلغ من تريد فقد‬ ‫بنينا الستقاللنا األسس املتينا‪ ...‬وبعدها خرجت‬ ‫تظاهرة من جامع احليدرخانة تطالب بإطالق سراحه‬ ‫وتعرض املتظاهرين إلى إطالق النار مما أدى إلى‬ ‫مقتل احد األشخاص‪.‬‬ ‫ويذكر الوردي انه جاء إلى الكاظمية وفد ميثل‬ ‫اليهود والنصارى من أهل بغداد وقابلوا علماء‬ ‫الكاظمية راجني إبالغ الشكر إلى امليرزا محمد تقي‬ ‫الشيرازي على وصاياه النبيلة بأهل الكتاب‪ .‬وفي‬ ‫اليوم التالي أرسل علماء الكاظمية السيد محمد‬

‫الصدر لرد الزيارة‪.‬‬ ‫كبر التقارب الطائفي بشكل لم يشهد العراق‬ ‫له مثيل واتضح ذلك بوجه عام عند مجيء وفد‬ ‫الكاظمية حلضور حفالت بغداد‪ .‬إذ كان يأتي بعربات‬ ‫الترامواي وعلى رأسه السيد محمد الصدر فإذا‬ ‫قاربت العربات أول الدور من بغداد خرج الستقباله‬ ‫أهل اجلعيفر والسوامرة وغيرهم‪ ،‬وبشكل مهيب مع‬ ‫جمهور غفير من أهل بغداد وفي مقدمتهم «احمد‬ ‫الشيخ داود» وغيره من علماء السنة فيتعانق السيد‬ ‫والشيخ عناق ًا اخوي ًا كرمز للتآخي بني الطائفتني‪.‬‬ ‫ومن مظاهر التقارب قام «املال عثمان املوصلي»‬ ‫بدور مهم إذ كان يتنقل بني حفالت بغداد واألعظمية‬ ‫والكاظمية فيترمن فيها مبدائح النبي وأهل بيته وكان‬ ‫شديد احلب ألهل البيت ينضم الشعر في مدحهم‬ ‫وكانت ترتيالته الشجية في صحن الكاظمية من‬ ‫األمور التي بقت في أذهان املواطنني في الكاظمية‬ ‫ويذكرونها مدة طويلة‪.‬‬ ‫واستمر التقارب بني السنة والشيعة كثيرا بعد‬ ‫شهر رمضان فلما حل شهر محرم ذهب موكب من‬ ‫األعظمية إلى الكاظمية اشترك في شعائر عاشوراء‬ ‫وكتبت جريدة االستقالل في ‪ 28‬ايلول ‪ 1920‬تقول‬ ‫ان «املآمت احلسينية اشترك فيها جميع املسلمني في‬ ‫هذه السنة وكانت أفواج من الشيعة تخرج ومعها‬ ‫فوج من السنة وفي اليوم العاشر من محرم ذهب‬ ‫اجلميع إلى الكاظمية لالشتراك في الواقعة»‪.‬‬ ‫يقول الوردي إن االنكليز كانوا مستائني من هذه‬ ‫االحتفاالت وهذا التقارب بني السنة والشيعة‪ .‬وقد‬ ‫كتب ولسن في مذكراته (إن جماهير بغداد صارت‬ ‫تستمع في تلك احلفالت إلى خطابات حماسية‬ ‫ونداءات حرة ميتزج فيها الدين في الوطنية وكان لها‬ ‫تأثير كبير في عشائر الفرات األوسط)‪.‬‬ ‫أما املس بيل كتبت في مذكراتها تقول (نحن‬ ‫في خضم هياج عنيف ونحن نشعر بالقلق إذ ال‬ ‫ندري هل نستطيع أن نخرج من رمضان من غير‬ ‫ان يقع اضطراب)‪ .‬وأضافت (إن املتطرفني اتخذوا‬ ‫خطة من الصعب مقاومتها وهي االحتاد بني الشيعة‬ ‫والسنة‪ ،‬أي وحدة اإلسالم فهناك اجتماعات تقام‬ ‫كل أسبوع في املساجد لالحتفال بهذا احلدث الذي‬ ‫ال مثيل له‪ ،‬وإنها زاخرة بالقصائد واخلطب التي متزج‬ ‫بني الدين والسياسة وكلها تدور حول فكرة العداء‬ ‫لالنتداب)‬


‫نشاطات‬

‫انطالقة «تدريب المدربين» في بريطانيا‬

‫ضمن خطته لتاهيل املدربني على «مهارات النجاح في عالم‬ ‫متغير» باللغة االنكليزية لبرنامج بريطانيا واوروبا‪ ،‬بدا املنبر الدولي‬ ‫للحوار االسالمي برنامجه لتدريب املدربني باللغة االنكليزية في يوم‬ ‫‪.2009/11/28‬‬ ‫ويشمل برنامج «تدريب املدربني» ست ورشات تدريب اسبوعية للفترة‬ ‫من نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) ‪ 09‬الى نهاية شباط (فبراير) ‪،10‬‬

‫باالضافة الى لقاء شهري على االنترنت‪.‬‬ ‫وكجزء اساس من التاهل كمدربني سيساهم املشاركون في تنظيم‬ ‫ورشة للشباب على مدى يومني خالل الفترة ذاتها‪.‬‬ ‫وفي ختام البرنامج سيشارك الفريق في رحلة الى منتجع في اطراف‬ ‫لندن‪ ،‬ليومني يقضونهما مع فريق املنبر وعينة من الشباب املستهدفني‬ ‫بالدورة‪ ،‬ويخضع املدربون عندها الختبار تاهلهم كمدربني‪.‬‬

‫مهارات النجاح‬ ‫في البحرين‬ ‫اقيمت ورشة «مهارات النجاح في عالم متغير»‬ ‫في العاصمة البحرينية املنامة على مدى يومي ‪12‬‬ ‫ـ ‪ 13‬تشرين الثاني (نوفمبر) ‪ .2009‬وشارك في‬ ‫الورشة شباب من اجلنسني من كل من البحرين واململكة‬ ‫العربية السعودية‪.‬‬ ‫وعبر الشباب املشاركون عن حماسهم للتعرف على‬ ‫مناهج متقدمة في تنمية الذات وتفاعلوا ايجابيا مع ما‬ ‫مييز الدورة من دمج عضوي وعملي بني احدث اخلبرات‬ ‫االنسانية في هذا املضمار واملرجعية الدينية للفرد‪.‬‬ ‫ومبشاركتهم في هذه الورشة ينضم هؤالء الشباب‬ ‫الى اقرانهم من الدول العربية واالسالمية االخرى الذين‬ ‫سبق لهم حضور ورشات مماثلة‪.‬‬ ‫ويعمل الفريق في املنبر الدولي للحوار االسالمي‬ ‫بتعضيد من شبكة «مهارات النجاح للشرق االوسط‬ ‫وشمال افريقيا» على تاسيس شبكة الكترونية موسعة‬ ‫الحتضان ومتابعة املشاركني في هذه الدورات‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫مقدمات في نـقد وعينا بالنهضة‬ ‫دفعت التجربة األولى‬ ‫للنهضة العربية بالذهنية‬ ‫والعقل اإلسالميين‪ ،‬ليعيشا‬ ‫في وضع التردي‬ ‫كيف يحضر اآلخر‬ ‫بقوة في كل أسئلتنا‬ ‫الوجودية‪ ..‬تلك التي‬ ‫تتعلق بكياننا وارادتنا‬

‫يوسف محمد بناصر‬ ‫باحث وكاتب‬ ‫جامعة السلطان موالي سليمان‬ ‫بني مالل ـ املغرب‬ ‫• خاص بالراصد التنويري‬

‫‪22‬‬

‫شكلت حلظة الصدمة للوعي العربي بداية موفقة‬ ‫لنقد الذات‪ ،‬كما أنها كانت حلظة مهمة لالشتغال‬ ‫على مسألة اإلصالحات الداخلية‪ ،‬فحملة نابليون‬ ‫على املشرق سنة ‪ 1798‬ـ ‪ 1801‬واستعمار‬ ‫اجلزائر سنة ‪ ،1830‬واستعمار جارتها تونس‪ ،‬ثم‬ ‫اختالل موازين القوى بني اآليلة التونسية واخلالفة‬ ‫العثمانية التابعة لها‪ ،‬كل ذلك شكل دعوة مباشرة‬ ‫ملراجعة الذات وتتبع اإلختالالت التي تضخمت‬ ‫وبرزت على شكل تناقضات صارخة‪ ،‬واضطرابات‬ ‫شجعت املستعمر األجنبي‪ ،‬ليطمع في التوسع‬ ‫بشكل ملحوظ‪ ،‬على حساب القوى اإلقليمية‬ ‫العربية واإلسالمية الكالسيكية‪ ،‬ويتدخل بذريعة‬ ‫إجراء اإلصالحات وحتديث جوانب من حياة الناس‪،‬‬ ‫واملؤسسات العمومية‪.‬‬ ‫كانت التجربة التونسية وفكر مفكرها خير الدين‬ ‫التونسي (‪ 1810‬ـ ‪1890‬م) أهم أمنوذج إصالحي‬ ‫مغاربي‪ ،‬حيث مكن ـ هذا األخير ـ من الكشف عن‬ ‫منظور املصلحني لواقع بلدانهم انذاك‪ ،‬كما جلى‬ ‫التحديات والصعاب التي حاصرت بناء نظرية‬ ‫إصالحية مالئمة لديهم‪ .‬فقراءة الوضع التاريخي‬ ‫لألفكار التنويرية وحركتها في السياق االجتماعي‬ ‫والسياسي‪ ،‬خصوصا في املجتمعات التي مرت‬ ‫بتجربة اإلصالح في القرنني املاضيني على األقل‪ ،‬قد‬ ‫يساعد في االستفادة من الدرس التاريخي‪ ،‬مبا يحويه‬ ‫من أخطاء ومنجزات‪ ،‬كما يساهم في جعل إمكانية‬ ‫اإلصالح اليوم ممكنة وغير مستحيلة‪.‬‬ ‫لقد تفتق وعي خير الدين التونسي على التجربة‬ ‫الليبرالية التحديثية األوروبية‪ ،‬على عكس مواطنه‬ ‫احمد فارس الشدياق (‪ 1804‬ـ ‪ )1887‬الذي‬ ‫اشتهر برحلته إلى مالطة وكتابه «الساق على الساق‬ ‫في معرفة الفرياق»‪.‬‬ ‫لعب انبهار خير الدين التونسي مبكتسبات‬ ‫التجربة األوروبية التحديثية؛ دورا أساسيا في بناء‬ ‫قناعته الليبرالية‪ ،‬فلم ينتبه ألبعاد دهشته تلك‪،‬‬ ‫ووقعها على مشروعه اإلصالحي‪ ،‬الذي تبناه فور‬ ‫رجوعه إلى موطنه‪ ،‬ألن املجتمع التونسي ‪-‬في‬ ‫تاريخه ذاك‪ -‬كان كغيره من املجتمعات العربية‪،‬‬ ‫مشبع بروح احملافظة‪ ،‬مستميت في متسكه‬

‫بالتقاليد والتراث‪ ،‬وراغب عن اجلديد إال ما يحقق‬ ‫له نشوة وفضول االكتشاف اللحظي‪ ،‬وسريعا ما‬ ‫ينساه وينقلب عليه رافضا شعارتها االصالحية‪،...‬‬ ‫فلما اصطدم املصلح خير الدين بهذه املعطيات وتنبه‬ ‫خلطورة املوقف‪ ،‬احتال على الوعي الشعبي مبفاهيم‬ ‫ملفقة‪ ،‬تعصمه من الدخول في مواجهة مباشرة مع‬ ‫معارضة جماهيرية محتملة‪ ،‬فلم يؤسس ولم ينّم‬ ‫املفاهيم اخلاصة بالسياق احلضاري اإلسالمي‪ ،‬بناء‬ ‫على ما توفر له من معرفة وثقافة محلية؛ أو ثقافة‬ ‫اوروبية الحتكاكه بأوروبا ومعارفها السياسية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬فاكتفى باستيراد مفاهيمها بنفس‬ ‫املسميات أو باإلبقاء على املضمون مع إلباسه‬ ‫حلة عربية‪ ،‬فكان الدستور والبرملان حسب رأيه هو‬ ‫اتفاق أهل احلل والعقد‪ ،‬كما حلت الشورى محل‬ ‫الدميقراطية في الشكل واملضمون‪ ،‬فكان يحلي‬ ‫ثقافة بأخرى‪ ،‬لتلبس لبوسها وتتزين مبفاتنها‪،‬‬ ‫لتكون في أجمل حلة في مظهرها وشكلها‪ ،‬ولكن‬ ‫مضمونها مضطرب‪ ،‬قلق‪ ،‬غير فاعل‪ ،‬وغير مقبول‬ ‫أساسا لالحتكام إليه‪ ،‬ألنها متهمة بأنها تعبر عن‬ ‫روح برانية تتقمص اجلسد املطهر‪ .‬بطبيعة احلال‬ ‫خير الدين لم يكن سمع بعد عن اجلغرافية الثقافية‬ ‫لكل طائفة وشعب‪ ،‬ولم يع خطورة ترحيل املفاهيم‬ ‫أو تهجيرها‪ ،‬فحاول إعطاءها جواز مرور أخضر؛‬ ‫بتجنيسها مقصديا‪ ،‬باملرافعة عنها‪ ،‬وتأكيده عدم‬ ‫تعارضها مع مصلحة اإلنسان املسلم‪ ،‬وأن تلك‬ ‫املفاهيم تخدم مصالح املسلمني عموما‪ ،‬ولو أخذت‬ ‫من الكفار أو أهل امللل األخرى‪.‬‬ ‫دفعت التجربة األولى للنهضة العربية بالذهنية‬ ‫والعقل اإلسالميني‪ ،‬ليعيشا في وضع التردي في ظل‬ ‫ثنائية مفاهيمية مثقلة باحلرج وااللتباس‪ ،‬فال ميكن‬ ‫احلديث في منصة أو محاضرة دون أن تتـعبك توأمة‬ ‫مفاهيمية غير مستساغة من بعض احملاضرين‪ .‬فقد‬ ‫ساهم إجلام املبدعني ومنعهم عن بحث مجموعة من‬ ‫القضايا العالقة بدوره في تردي الوضع اإلبداعي‬ ‫والنقد املعرفي في الوطن العربي بشكل أو اخر‪،‬‬ ‫خصوصا إذا علمنا أن إمكانية الفصل في بعض‬ ‫املسائل مبدئيا‪ ،‬قد ينهي احلاجة إلى «الثنائيات‬ ‫املفاهيمية النكدة»‪ ،‬التي تأسست عليها الثقافة‬


‫العربية املعاصرة‪ ،‬وال تزال مستمرة في التوالد‪.‬‬ ‫أعتقد أن استيراد خير الدين التونسي‪ ،‬للمفاهيم‬ ‫املتعلقة بحقل النهضة الغربية‪ ،‬بجميع مسمياتها‪،‬‬ ‫دون اخذ بعني االعتبار لسياقها التاريخي الذي‬ ‫أنضجها‪ ،‬بعدما حضن منوها وتكاثفها‪،‬جعله يسقط‬ ‫في مأزق معرفي ال يحسد عليه‪ ،‬إذ ساهم بشكل‬ ‫قوي في تشكيل أول خلية نشيطة لثنائية مفاهيمية‬ ‫في النسق اإلسالمي‪،‬ثنائية متناقضة لم تسمح وال‬ ‫تسمح للذهنية املسلمة باالنفصال عنها‪ ،‬تنتقل عبر‬ ‫األجيال أبا عن أب وجدا عن جد‪ ،‬فكلما ولد في‬ ‫الغرب مصطلح أو مفهوم وجب أن يصرخ توأمه‬ ‫الشكلي في الوطن العربي‪ ،‬ويستقبل بحماسة زائفة‪،‬‬ ‫لتتقدم املفاهيم الغربية باملراكمة والتجاوز‪ ،‬ولتستمر‬ ‫املفاهيم في النسق اإلسالمي تابعة لها‪ ،‬واخلطير‬ ‫أنها متعبة من فرط ما علق بها من لصيقات‬ ‫تقاسمها االدعاء باألحقية واألسبقية والتجذر‪ ،‬فإن‬ ‫قالت املعاصرة إني هنا قالت األصالة أنا األسبق‬ ‫واألنسب‪ ،‬وان قالت العوملة نحن هنا قالت العاملية‬ ‫أنا األجدر واألولى…‪ ،‬ثنائيات نكدة منكدة‪ ،‬تنامت‬ ‫في وضع معرفي وحضاري عربي ملوث بالطائفية‬ ‫واالزدواجية واالنكسار الثقافي‪ ،‬وضع كان خاطئا؛‬ ‫ألنه ال يستجيب للظروف الطبيعية املوضوعية‬ ‫والذاتية لوالدتها‪ ،‬فلم تراع لها سياقاتها التاريخية‬ ‫وال تطورها ومنوها املركب‪ ،‬كما أن منهج توظيفها‬ ‫أو استقطابها منهج خاطئ‪ .‬وهو ما جعل العقل‬ ‫اإلسالمي يعاني‪ ،‬إلى اليوم‪ ،‬التباسا مفاهيميا‪ ،‬ألنه‬ ‫لم يرتبط بتجربة ذاتية مع تلك املفاهيم‪ ،‬فهي خارج‬ ‫ذاته وبرانية عنه‪ ،‬كما انه لم يؤسس مفاهيمه‪ ،‬أو‬ ‫على األقل لم يحدث أو ينم ما كان عنده‪ ،‬ليتناسق‬ ‫مع حاجياته وطموحاته‪.‬‬ ‫لم يكن الوعي العربي‪ ،‬بالغرب املتمدن‬ ‫واملكتشف جلغرافيات جديدة‪ ،‬ذلك الغرب املخترع‪،‬‬ ‫املبدع والثائر‪ ،...‬قد حتقق نضجه بشكل كافي‬ ‫لينقل جتربة الغرب بكل جتلياتها وأبعادها إلى‬ ‫عامله‪ ،‬فلم ينفعه االحتكاك به مباشرة سواء بزيادة‬ ‫فضول املعرفة وتنمية غريزة التنافس فيه أو حتى‬ ‫باستعادة قدرته ووعيه التاريخي‪ .‬فاجلغرافية‬ ‫اإلسالمية بقيت في مسارها السلبي في موقفها من‬ ‫املعرفة واالستكشاف والتغيير إلى أن وطئت فرسان‬ ‫االليزيه مصر ـ وأرجو أن ال أكون متشائما وقاسيا‬ ‫في حكمي هذا ـ إن قلت أن فرسان االليزيه هم‬ ‫أيضا لم يفلحوا إال في خلخلة رقعة ثقافية معينة‬ ‫وهي مصر وبعض مناطق الشام‪ ،‬والتي استوعبت‬ ‫الدرس مبكرا‪ ،‬بخالف رقع ثقافية وجغرافية واسعة‬

‫من العالم العربي‪ ،‬ويرجع سبب عدم االستفادة إلى‬ ‫انقطاع التواصل بني تلك البلدان وانتفاء التضامن‬ ‫بينها‪ .‬بل أذهب ابعد من ذلك متسائال ‪ :‬أي‬ ‫مستقبل ثقافي وسياسي كنا نتوقعه لنا اليوم‪،‬‬ ‫بدون صدمة األمس؟ ألشارك األستاذ عبد الله‬ ‫العروي حيرته وصدمته بالواقع العربي‪ ،‬وكذا تفاؤله‬ ‫باالنفتاح على اآلخر‪،‬حينما اعتبر أنه لوال حافز‬ ‫الصدمة الذي دفع بالوعي العربي ليعانق سؤال‬ ‫النهضة‪ ،‬لبقي التأخر والتخلف جاثما على الوضع‬ ‫العربي الى وقت قريب‪.‬‬ ‫مأزق الوعي بالذات من خالل اآلخر‬

‫إن مراكمة املزيد من األسئلة‪ ،‬وتتبع بنائية املنحى‬ ‫الزمني والواقعي العربي‪ ،‬واستحضار التفصيالت‬ ‫التاريخية الدقيقة ملا وقع في الوطن العربي الى‬ ‫التاريخ القريب‪ ،‬من وقائع وأحداث ترتبط بالتغيير‬ ‫وفلسفته؛ قد ميكن من توضيح العالقة التي تفصل‬ ‫أو جتمع بني التجارب اإلصالحية في املاضي القريب‬ ‫باحملاوالت اإلصالحية املعاصرة‪ ،‬وفي اضعف‬ ‫اإلميان‪ ،‬قد ميكن ذلك من فهم سبب تعثر أغلب‬ ‫محاوالت اليوم التحديثية‪.‬‬ ‫إن االستفادة من تصورات وأخطاء املاضي‪،‬‬ ‫مدخله األساسي هو معرفة الكيفية التي طرح بها‬ ‫سؤال اإلصالح والنهوض عند أبرز املفكرين‪ ،‬ونأخذ‬ ‫كمثال؛ األمير شكيب أرسالن (‪ 1869‬ـ ‪)1946‬‬ ‫فالسؤال «األرسالني» كان جامعا ومستوعبا‬ ‫لإلشكال الذي تخبطت فيه األمة منذ قرون‪ ،‬لقد‬ ‫كان سؤاال معبرا وقلقا‪ ،‬لكنه في نفس الوقت كان‬ ‫سؤال الطموح واحللم‪»،‬ملاذا تقدم غيرنا وتأخرنا»؟‬ ‫إشكالية تأخر األمة ومعوقات تقدمها وإصالحها‬ ‫تتزاحم كل مرة‪ ،‬في املجالس الثقافية‪ ،‬لنجد أن‬ ‫إمكانية طرح السؤال‪ ،‬ال تكاد تخرج عن استعادة‬ ‫ما كان قد قيل‪ ،‬إمكانية غير مريحة للعقل مرة‬ ‫أخرى‪ ،‬فهي تعيق ابداعه ومرونة اسئلته وجرأتها‬ ‫في نفس االن‪ ،‬وهي جتعل امكانياته ضيقة أيضا‬ ‫وغير مفتوحة على آفاق رحبة‪ ،‬إنها حتمية تاريخية‬ ‫تكاد تكرر نفسها‪ ،‬كما أنها توقع ـ مرة بعد أخرى‬ ‫ـ في وهم البداية على أساس مكني وسؤال جتديدي‪،‬‬ ‫ولكنها تبقي السؤال القدمي أصيال وكامال‪ ،‬رغم‬ ‫تأخره‪ ،‬رغبة في العودة إليه دائما‪ ،‬إنها حالة تقربنا‬ ‫من مثال يبقي حتمية ما ترك األول لألخير من‬ ‫أسئلة‪ ،‬كما أنه يبدو كورقة مقامر محنك يرجع اليها‬ ‫في اخر املطاف‪ ،‬حينئذ تبقى فرصة اإلجابة عنه‪،‬‬ ‫محصورة فيما شكله اآلخر لنا من معرفة بقانون‬

‫الصدمة‪ ،‬واستعداد لتقبلها على أنها معرفة كاملة‬ ‫تبني وضعيتنا‪.‬‬ ‫في األخير‪ ،‬وبناء على ما سبق‪ ،‬إن اآلخر‬ ‫يشكل وعينا بذواتنا الى هذه اللحظة‪ ،‬ألنه يحضر‬ ‫بقوة في كل أسئلتنا الوجودية‪ ،‬أسئلة تتعلق بكياننا‬ ‫وإرادتنا؛ في «أن نكون» و»كيف نكون»‪ ،..‬إنها‬ ‫أسئلة تهمنا وتخصنا‪ ،‬أكثر مما تهم غيرنا‪ ،‬فكيف‬ ‫يتسرب إليها هو؟ لنجده غير ما مرة ينتظر معنا‬ ‫اإلجابة‪ ،‬وقد يكون هو املبادر في وضعها واإلرشاد‬ ‫إليها بله التفكير عنا‪ ،‬بل كيف نسمح له بأن ينمو‬ ‫في مكان مريح بني ثنايا محاوالتنا‪ ،‬وفي جرأة بالغة‬ ‫يسكن خصوصيتنا؟‬ ‫لقد استعاد الشيخ ابو احلسن الندوي ـ رحمه‬ ‫الله ـ (‪ 1913‬ـ ‪1999‬م) على سبيل املثال‪ ،‬السؤال‬ ‫األرسالني ليطرحه بشكل أكثر ذاتية ووثوقية؛ في‬ ‫كتابه «ماذا خسر العالم بانحطاط املسلمني»؟‬ ‫سؤال تقدم على السؤال األرسالني ببضع «خطوات‬ ‫متوهمة»‪ ،‬فلقد وضع اآلخر في موقع تساؤل‪ ،‬في‬ ‫موقع مأزق‪« :‬ماذا خسر العالم بانحطاط املسلمني»؟‬ ‫وجعل الذات تبدو أكثر نرجسية ورفعة‪ ،‬لتطمئن‬ ‫حلالتها‪ ،‬جعلها ذاتا في موقع يسمح لها بإرباك‬ ‫اآلخر‪ ،‬لتجعله يعيد حساباته ويقوم أطروحاته حول‬ ‫مسائل التقدم والتأخر واحلداثة وما بعدها‪.‬‬ ‫سؤال النهضة‪ ،‬هذا اإلشكال اخلصب لم يتوقف‬ ‫بعد عن التوالد في النسق احلضاري العربي‪ ،‬فكل‬ ‫مرة يتزاوج مبفاهيم جديدة‪ ،‬كالتقدم‪ ،‬املعاصرة‪،‬‬ ‫العوملة‪ ،‬احلداثة‪ ،‬التعدد والشراكة‪ ،..‬سؤال بيولوجي‬ ‫في واقع حضاري عربي عاقر ومجنون‪ ،‬خسر‬ ‫وجوديته وأتلف ما بقي من حضوره وخصوبته‪ ،‬في‬ ‫زقاق عالم يتشكل ويتكامل باالحتادات‪ ،‬ليرمتي في‬ ‫حضن الطائفية واحلرب األهلية واملذهبية ويحضن‬ ‫استعمار القرن ‪ ،21‬بينما تودعه األمم بالتكتل‬ ‫واحلرية والرخاء‪.‬‬ ‫مفاهيم ومعاني وأسئلة تبدو غامضة‪ ،‬فقط‪،‬‬ ‫في الواقع العربي‪ ،‬وحتتمل في وعي أبنائه جميع‬ ‫التناقضات‪ ،‬لذلك جتد لها في هذه النسقية‬ ‫املتأزمة مرتعا لعقول تنتشي بها وال يتعبها أبدا‬ ‫شرف مطاردتها‪ ،‬ومحاولة الكشف عن خباياها‪،‬‬ ‫مهما بلغت ارادة املثقفني واملفكرين والفقهاء من‬ ‫اجلهد واإلجهاد‪ ،‬لكنهم ال يضجرون من معاقرتها‬ ‫ومعاشرتها لعلها تكشف عن بعض أسرار‬ ‫وأسباب الرتابة احلضارية التي تعاني منها االمة‬ ‫االسالمية‬ ‫‪b.yosuf@gmail.com‬‬

‫‪23‬‬


‫حظر المآذن يقصي المسلمين داخل سويسرا‬ ‫هناك أربع مآذن‬ ‫فقط داخل‪ ‬سويسرا‪،‬‬ ‫فلماذا إذن أطلقت‬ ‫هذه المبادرة؟‬ ‫حملت الملصقات‬ ‫صورة امرأة ترتدي‬ ‫برقعا‪ ،‬ورسمت‬ ‫فيها‪ ‬المآذن‪ ‬كأسلحة‬ ‫على علم سويسري‬

‫طارق رمضان‬ ‫أستاذ الدراسات اإلسالمية املعاصرة‪ ‬في‪ ‬جامعة أكسفورد‬ ‫عن صحيفة «الشرق األوسط»‬

‫‪24‬‬

‫لم يكن الهدف أن تسير األمور بهذه الطريقة‪،‬‬ ‫فقد كان يقال لنا على مدار أشهر إن اجلهود التي‬ ‫تهدف إلى حظر بناء‪ ‬املآذن‪ ‬داخل‪ ‬سويسرا‪ ‬محكوم‬ ‫عليها بالفشل‪ .‬وأشارت آخر استطالعات الرأي‬ ‫إلى أن نحو ‪ 34‬في‪ ‬املائة من املواطنني السويسريني‬ ‫سوف يصوتون لصالح هذه املبادرة الصادمة‪ .‬ويوم‬ ‫اجلمعة قبل املاضي‪ ،‬وخالل اجتماع عقد‪ ‬في‪ ‬مدينة‬ ‫لوزان السويسرية‪ ،‬لم يساور أكثر من ‪800‬‬ ‫طالب وأستاذ جامعي ومواطن شك‪ ‬في‪ ‬أنه سيتم‬ ‫رفض هذا املقترح خالل االستفتاء‪ ،‬ولكن كان‬ ‫هناك تركيز على الطريقة التي ميكن من خاللها‬ ‫حتويل هذه املبادرة السخيفة إلى مستقبل أكثر‬ ‫إيجابية‪.‬‬ ‫واليوم تداعت هذه الثقة‪ ،‬حيث إن ‪ 57‬في‪ ‬املائة‬ ‫من املواطنني السويسريني قاموا مبا دعا إليه حزب‬ ‫الشعب السويسري‪ ،‬وميثل ذلك إشارة تبعث على‬ ‫القلق مفادها أنه رمبا هذا احلزب الشعبي أقرب‬ ‫إلى مخاوف املواطنني وطموحاتهم‪ .‬وللمرة األولى‬ ‫منذ عام ‪ ،1893‬متت املوافقة داخل‪ ‬سويسرا‪ ‬على‬ ‫مبادرة تقصي فئة داخل‪ ‬سويسرا‪ ،‬حيث إن جوهر‬

‫املبادرة عنصري متأله عنصرية واضحة‪ .‬وهناك أمل‬ ‫أن يرفض هذا احلظر على املستوى األوروبي‪.‬‬ ‫ومع ذلك لن تصبح النتيجة أخف وطأة‪ .‬والسؤال‬ ‫هو‪ :‬ما الذي يحدث داخل‪ ‬سويسرا‪ ،‬األرض التي‬ ‫ولدتُ‪ ‬فيها؟‬ ‫هناك أربع مآذن فقط داخل‪ ‬سويسرا‪ ،‬فلماذا‬ ‫إذن أطلقت هذه املبادرة؟ بالدي‪ ،‬مثل الكثير من‬ ‫الدول داخل أوروبا‪ ،‬تواجه ردة فعل قومية على‬ ‫النظرة اجلديدة للمسلمني األوروبيني‪ .‬واملآذن‪ ‬مجرد‬ ‫ستار‪ ،‬فحزب الشعب السويسري أراد‪ ‬في‪ ‬بادئ‬ ‫األمر تدشني حملة ضد الطرق اإلسالمية التقليدية‬ ‫لذبح احليوانات‪ ،‬ولكنه كان يخشى اختبار‬ ‫حساسية اليهود السويسريني‪ ،‬وبدال من ذلك حول‬ ‫أبصارهم إلى‪ ‬املآذن‪ ‬كرمز مناسب‪.‬‬ ‫وداخل كل دولة أوروبية توجد رموزها أو‬ ‫مواضيعها اخلاصة التي من خاللها يتم استهداف‬ ‫املسلمني األوروبيني‪ ،‬فداخل فرنسا يوجد احلجاب‬ ‫أو البرقع‪ ،‬وداخل أملانيا توجد املساجد‪ ،‬وهناك‬ ‫العنف داخل بريطانيا‪ ،‬والرسوم الكارتونية‬ ‫داخل الدمنارك‪ ،‬واللواط داخل هولندا‪ ،‬وهكذا‪..‬‬


‫ومن املهم النظر إلى ما وراء هذه الرموز وفهم‬ ‫ومعرفة ما يحدث داخل أوروبا بصورة عامة‬ ‫وداخل‪ ‬سويسرا‪ ‬على وجه اخلصوص‪ :‬على الرغم‬ ‫من أن الدول األوروبية واملواطنني هناك ميرون‬ ‫بأزمة هوية عميقة وحقيقية‪ ،‬فإن النظرة اجلديدة‬ ‫للمسلمني بها الكثير من املشاكل واملخاوف‪.‬‬ ‫وفي‪ ‬املرحلة احلالية‪ ،‬يجد األوروبيون‬ ‫أنفسهم يتساءلون‪ ،‬داخل عالم متنقل‬ ‫ومستمر‪ ‬في‪ ‬االنغماس‪ ‬في‪ ‬العوملة‪« :‬ما هي‬ ‫جذورنا؟» و«من نحن؟» و«كيف سيكون‬ ‫مستقبلنا؟» فهم يرون حولهم مواطنني جددا‬ ‫وألوانا جديدة للبشر ورموزا جديدة لم يعتادوا‬ ‫عليها‪ .‬وعلى مدار العقدين املاضيني‪ ،‬ارتبط‬ ‫اإلسالم بالكثير من القضايا املثيرة للجدل‪،‬‬ ‫مثل العنف والتطرف وحرية التعبير والتمييز‬ ‫بني اجلنسني والزواج باإلجبار‪ ،‬وهذا قليل من‬ ‫كثير‪ ،‬ومن الصعب بالنسبة للمواطنني العاديني‬ ‫أن ينظروا إلى هذا الوجود اإلسالمي اجلديد على‬ ‫أنه عامل إيجابي‪ .‬وهناك مقدار كبير من اخلوف‬ ‫وغياب واضح للثقة‪ .‬تُطرح أسئلة من نوعية‪ :‬من‬ ‫هم؟ وماذا يريدون؟ ومتتلئ هذه األسئلة بشكوك‬ ‫أكبر مع انتشار فكرة أن اإلسالم دين توسعي‪ .‬هل‬ ‫يرد هؤالء الناس أسلمة بالدنا؟‬ ‫واستحثت املخاوف واملزاعم احلملة التي‬ ‫استهدفت‪ ‬املآذن‪ .‬واجنذب املصوتون إلى القضية‬ ‫من خالل التالعب بالعواطف واللعب على وتر‬ ‫املخاوف‪ .‬وحملت امللصقات صورة امرأة ترتدي‬ ‫برقعا‪ ،‬ورسمت‪ ‬فيها‪ ‬املآذن‪ ‬كأسلحة على علم‬ ‫سويسري‪ .‬وتعني هذه املزاعم أن اإلسالم ال‬ ‫يتناسب‪ ‬في‪ ‬جوهره مع القيم السويسرية‪( .‬ويشار‬ ‫إلى أن حزب الشعب السويسري طلب من قبل‬ ‫إلغاء جنسيتي ألنني أدافع عن القيم اإلسالمية‬ ‫بصراحة شديدة)‪.‬‬ ‫وكانت استراتيجية احلرب اإلعالمية بسيطة‬ ‫ولكنها فعالة‪ .‬استثارة اخلالف‪ ‬في‪ ‬أي مكان ميكن‬ ‫أن يظهر‪ ‬فيه‪ ،‬ونشر إحساس الضحية بني املواطنني‬ ‫السويسريني‪ :‬نحن حتت احلصار‪ ،‬فاملسلمون‬ ‫يستعمروننا بهدوء‪ ،‬ونفقد جذورنا وثقافتنا‪.‬‬ ‫وقد أثمرت هذه االستراتيجية‪ .‬وتبعث األغلبية‬ ‫السويسرية رسالة واضحة إلى املواطنني املسلمني‬ ‫داخل‪ ‬سويسرا‪ ‬مفادها‪ :‬نحن ال نثق‪ ‬فيكم وأفضل‬ ‫مسلم بالنسبة لنا هو املسلم الذي ال نستطيع‬ ‫رؤيته‪.‬‬ ‫من يتحمل املسؤولية؟ ظللت أكرر على‬

‫مدى أعوام للمسلمني أنه يجب عليهم الظهور‬ ‫والعمل بصورة إيجابية داخل مجتمعاتهم الغربية‪.‬‬ ‫وداخل‪ ‬سويسرا‪ ،‬كافح املسلمون على مدار‬ ‫األشهر القليلة املاضية كي يبقوا مختبئني لتجنب‬ ‫االصطدام‪.‬‬ ‫كان سيتأتى نفع أكبر من خالل بناء حتالفات‬ ‫جديدة مع جميع هذه املنظمات السويسرية‬ ‫واألحزاب السياسية التي كانت ضد هذه املبادرة‬ ‫بصورة واضحة‪ .‬ويتحمل املسلمون نصيبهم‬ ‫من املسؤولية‪ ،‬ولكن يجب القول إن األحزاب‬ ‫السياسية داخل أوروبا وداخل‪ ‬سويسرا‪ ‬خائفة‬

‫وتخشى من اتباع سياسات شجاعة إزاء التعددية‬ ‫الثقافية والدينية‪.‬‬ ‫يبدو األمر وكأن الشعبيني قد حددوا الفكرة‬ ‫وتبعهم آخرون‪ ‬في‪ ‬ذلك‪ .‬إنهم يعجزون عن التأكيد‬ ‫على أن اإلسالم أصبح اآلن دينا سويسريا وأوروبيا‪،‬‬ ‫وأن املواطنني املسلمني «مندمجون» إلى حد كبير‪.‬‬ ‫ويجب علينا أن نقف معا‪ ‬في‪ ‬مواجهة حتديات‬ ‫مشتركة مثل البطالة والفقر والعنف‪ .‬وال ميكن أن‬ ‫نلقي بالالئمة على الشعبيني وحدهم‪ ،‬فذلك فشل‬ ‫أكبر وجنب ونقص مريع‪ ‬في‪ ‬الثقة‪ ‬في‪ ‬املواطنني‬ ‫املسلمني اجلدد‬

‫حرية تداول المطبوعات في عراق اليوم‬

‫ً‬ ‫كتب األستاذ عبد الستار جبر ً‬ ‫موجزا على املادة املعنونة «الكتاب بني املاضي واحلاضر في‬ ‫ردا‬ ‫الواقع العراقي» املنشورة في العدد املاضي من «الراصد التنويري»‪:‬‬ ‫«أتاح غياب الرقابة احلكومية على ما يستورد أو يدخل البلد من مطبوعات‪ ،‬بعد ‪ 9‬من نيسان‬ ‫‪ ،2003‬انتشار إصدارات متنوعة‪ ،‬بعضها يدعو إلى العنف ويحرض على الكراهية‪ ،‬األمر الذي‬ ‫أسهم في تأجيج الصراع الطائفي‪ ،‬وسار باجتاه معاكس ملسيرة بناء الدميقراطية الناشئة والدولة‪.‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬فسح غياب الرقابة املجال لقراءة وتداول كتب محظورة في دول عربية‪ ،‬وخلق‬ ‫مشهدا فسيفسائيا غير مسبوق لسنوات عدة في سوق الكتب من تاريخ العراق احلديث‪ ،‬يحوي‬ ‫مطبوعات متناقضة االجتاهات؛ دينية‪ ،‬علمانية‪ ،‬قومية‪ ،‬الخ‪ ،.‬فضال عن تعزيزه لثقافة استنساخ‬ ‫تلبي جميع األهواء وامليول‪ ،‬ألنها غير خاضعة للرقابة أيضا‪.‬‬ ‫في ظل هذا املناخ املفتوح لتداول اإلصدارات يتمتع املثقف العراقي بحرية ال يحظى بها أقرانه‬ ‫في مختلف دول العالم»‪.‬‬

‫عبد الستار جبر‬

‫مدير حترير مجلة األقالم العراقية‬

‫‪25‬‬


‫سجال‪ ‬المئذنة‬ ‫هل المئذنة جزء عضوي‬ ‫وجوهري من الصالة‪،‬‬ ‫بحيث ال تصح إقامتها‬ ‫إال بها؟‬ ‫ال يجوز للمسلم‪ ،‬دينيًا‪،‬‬ ‫أن يماهي بين اإلسالم‬ ‫والمئذنة بحيث يبطل إذا‬ ‫بَ ُطلت‬ ‫ظاهرة سائدة يستخدمها‬ ‫المتشددون من أجل‬ ‫تحويل اإلسالم الى مجرد‬ ‫أشكال وطقوس‬

‫‪-1-‬‬

‫ص ّلى (أو في مكان) ال مئذنة‬ ‫‪ ‬هل صالة املسلم في ُم َ‬ ‫له‪ ،‬صالة باطلة؟‬ ‫اجلواب‪ ،‬كما يقول اإلسالم‪ ،‬هو‪ :‬كال‪.‬‬ ‫ميكن املسلم أن يصلي في أي مكان يتاح له‪ ،‬سواء‬ ‫ً‬ ‫معمورا‪ ،‬أو في العراء‪ .‬فاملهم هو إقامة الصالة‪ ،‬و‬ ‫كان‬ ‫«أينما تُو ّلوا فث ّم وجه الله»‪.‬‬ ‫سأطرح السؤال‪ً ،‬‬ ‫إذا‪ ،‬بصيغة أخرى‪ :‬هل املئذنة شرط‬ ‫ال بد منه إلقامة الصالة في أي مكان؟‬ ‫ً‬ ‫استنادا الى اجلواب األول‪ ،‬هو أيض ًا‪:‬‬ ‫واجلواب هنا‪،‬‬ ‫كال‪ .‬يؤيد ذلك تاريخ املمارسة الدينية في اإلسالم‪.‬‬ ‫هكذا‪ ،‬أطرح السؤال بصيغة ثالثة أخيرة‪ ،‬توكيداً‬ ‫جلواب قاطع‪ :‬هل املئذنة جزء عضوي وجوهري من الصالة‪،‬‬ ‫بحيث ال تصح إقامتها إال بها؟‬ ‫ً‬ ‫استنادا الى ما تقدم هو‪ ،‬أيض ًا‪ ،‬كال‪ .‬وليس‬ ‫واجلواب‬ ‫في تاريخ الصالة في اإلسالم ما يناقض هذا اجلواب‪.‬‬ ‫نقول‪ً ،‬‬ ‫إذا‪ ،‬تصح الصالة في اإلسالم‪ ،‬دون مئذنة‪.‬‬ ‫وغياب املئذنة ال يعني‪ ،‬بالضرورة‪ ،‬غياب ًا للصالة أو‬ ‫لإلسالم‪.‬‬ ‫‪-2-‬‬

‫ما األصل‪ ،‬في ما يتعلق باملئذنة؟‬ ‫األصل هو أن يدعى املسلمون الى الصالة من مكان‬ ‫عال‪ ،‬لكي ُيتاح لصوت الداعي (املؤذن) أو لندائه‪ ،‬أن‬ ‫ُيسمع بشكل أوضح وأوسع‪ .‬وهي‪ً ،‬‬ ‫إذا‪ ،‬في األساس‪،‬‬ ‫مجرد وسيلة‪ ،‬وال تدخل في صلب املعتقد‪ ،‬كما هي‬ ‫الصالة‪ .‬إنها مجرد وظيفة إعالمية‪ .‬وهي‪ ،‬بوصفها‬ ‫كذلك‪ ،‬م ّرت في مراحل متعددة من التطور‪ ،‬واتخذت عبر‬ ‫العصور أشكا ًال هندسية مختلفة‪ .‬وأصبحت أكثر ً‬ ‫علوا‬ ‫وأكثر جما ًال مما كانت عليه في زمن النبوة‪ .‬صارت شك ًال‬ ‫فني ًا‪ ،‬وارتبطت بفنية املعمار اإلسالمي‪ .‬ولو كانت ركن ًا‬ ‫من أركان الدين‪ ،‬أوحي بها‪ ،‬لكان تطويرها أو تغييرها‬ ‫مروق ًا ً‬ ‫وكفرا‪ .‬ولكان احلفاظ على شكلها األول ُسنّة‪ ،‬على‬ ‫األقل‪ ،‬يجب اتباعها‪ ،‬ولكان من الضروري ديني ًا‪ ،‬تبع ًا‬ ‫لذلك‪ ،‬أن تهدم جميع املآذن التي خرجت أو تخرج على‬ ‫هذه السنّة‪ ،‬أي على شكل املئذنة األولى في عهد النب ّوة‪.‬‬

‫أدونيس‬ ‫عن صحيفة «احلياة»‬

‫‪26‬‬

‫‪-3-‬‬

‫كيف ينبغي‪ً ،‬‬ ‫إذا‪ ،‬أن نفهم االعتراض على املئذنة في‬ ‫سويسرا أو غيرها من الدول األوروبية؟‬ ‫ً‬ ‫واجلواب هو أنه ال يجوز فهمه بوصفه اعتراضا على‬

‫اإلسالم في ذاته‪ .‬إذ ال يجوز للمسلم‪ ،‬ديني ًا‪ ،‬أن مياهي‬ ‫بني اإلسالم واملئذنة بحيث يبطل إذا بَ ُطلت‪ ،‬أو بحيث ُيرى‬ ‫عدم االرتياح للمئذنة كأنه عدم ارتياح لالسالم نفسه‪.‬‬ ‫فاإلسالم شيء‪ ،‬واملئذنة‪ ،‬وإن كانت من لوازمه الوظيفية‪،‬‬ ‫شيء آخر‪ ،‬ال يدخل في ماهيته األساسية‪.‬‬ ‫ثم إن اإلسالم معترف به‪ ،‬رسمي ًا‪ ،‬في أوروبا‪ ،‬بوصفه‬ ‫أحد األديان الوحدانية الثالثة‪.‬‬ ‫االعتراض‪ً ،‬‬ ‫إذا‪ ،‬هو على اخللل أو النشاز العمراني‬ ‫ـ االجتماعي الذي حتدثه املئذنة في املدينة الغربية‪ ،‬مبا‬ ‫لها من حضور طاغ في نسيج احلياة الثقافية‪ ،‬املعمارية‪،‬‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وفي احلضور الهندسي اخلاص الذي ميثل‬ ‫احدى سمات الهوية املدنية في املدينة األوروبية‪ .‬هكذا‬ ‫تظهر املئذنة في هذا السياق كأنها نوع من التحدي أو‬ ‫نوع من خرق لبعض املبادئ والقواعد‪ .‬وسوف تبدو‪ ،‬الى‬ ‫ذلك‪ ،‬نوع ًا من مصادرة احلياة املدنية العلمانية التي دفع‬ ‫األوروبيون ثمن ًا عالي ًا للوصول اليها‪ ،‬في نضالهم الطويل‬ ‫ضد الكنيسة‪ .‬أو تبدو‪ ،‬على األقل‪ ،‬نوع ًا من التشكيك‬ ‫في هذه احلياة‪ .‬ورمبا رأى بعض العلمانيني فيها حتريض ًا‬ ‫غير مباشر‪ ،‬أو دعوة للعودة الى أحضان الكنيسة‪ .‬وفي‬ ‫هذا ما قد يفسر س ّر اللجوء في سويسرا الى االقتراع‬ ‫الدميوقراطي‪ ،‬وجتنّب قرار حكومي من فوق‪.‬‬ ‫وال أتخيل أنه سيكون مقبو ًال بناء كنيسة بناقوسها‬ ‫كني‪ ...‬في مدينة اسالمية‪ .‬ليس ألن املسلمني‬ ‫في حي َس ّ‬ ‫يكرهون املسيحيني‪ ،‬أو يرفضون املسيحية‪ ،‬أو ألنهم‬ ‫متعصبون‪ ،‬بل ألن هذه الكنيسة ستكون نوع ًا من‬ ‫تشويش احلياة اإلسالمية اليومية في هذه املدينة‪ ،‬ومن‬ ‫تشويش عاداتها وتقاليدها‪ ،‬وهذا ال ينطبق على دمشق‬ ‫مث ًال‪ ،‬أو بيروت‪ ،‬أو بغداد أو القاهرة‪ ،‬ألن املسيحيني في‬ ‫هذه املدن هم سكانها األصليون حتى قبل البعثة النبوية‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬اضافة الى أن لهم أحياءهم اخلاصة‪.‬‬ ‫إن إحلاح املسلمني على ممارسة ما كان مجرد وظيفة‪،‬‬ ‫بوصفه ركن ًا من أركان اإلسالم‪ ،‬امنا هو مشكلة ثقافية‬ ‫خطيرة داخل اإلسالم نفسه‪ ،‬قبل أن يكون موضع خالف‬ ‫مع املجتمعات األوروبية‪ .‬فهذه املمارسة تشير الى أن‬ ‫املسلمني يتمسكون بالدثار والشعار أكثر مما يتمسكون‬ ‫باألصول واحلقائق‪ .‬وهي ظاهرة سائدة يستخدمها‬ ‫املتشددون من أجل حتويل اإلسالم الى مجرد أشكال‬ ‫وطقوس‪ .‬وفي هذا كله‪ ،‬يبدو جمهور املسلمني كأنه ال‬ ‫يفهم اإلسالم بأبعاده االنسانية ـ احلضارية‪ ،‬بقدر ما‬ ‫يفهمه بوصفه طقوس ًا وعادات‪.‬‬ ‫وفي هذا ما يثير مسألة الوعي لدى هذا اجلمهور‪،‬‬


‫ومسألة العالقة بني املسلم وعصره‪ ،‬من جهة‪ ،‬واملسلم واآلخر من جهة‬ ‫ثانية‪ ،‬إنها أزمة املسلم داخل نفسه ووعيه‪ ،‬قبل أن تكون أزمته مع‬ ‫اآلخر‪ .‬هكذا يبدو أن ذلك اإلحلاح باسم اإلسالم على الشكل واملظهر‪،‬‬ ‫خصوص ًا في مجتمعات غير مسلمة‪ ،‬ليس تعدي ًا على حقوق اآلخر غير‬ ‫املسلم‪ ،‬بقدر ما هو تعدّ على اإلسالم ذاته‪ .‬إنه يكشف عن القصور في‬ ‫قراءة الوحي اإلسالمي‪ ،‬واستقصاء آفاقه وأبعادها‪ .‬ويكشف كذلك عن‬ ‫نزعة لدى جمهور املسلمني‪ ،‬تعصبية مغلقة‪ ،‬ومدمرة‪ ،‬هي تقليص اإلسالم‬ ‫واختزاله في الدثار والشعار‪ ،‬في املظاهر واالشكال‪ ،‬وإفراغه من املقاصد‬ ‫االنسانية واحلضارية الكبرى‪.‬‬ ‫إن في املدينة األوروبية فضاء هندسي ًا مدني ًا‪ ،‬وتاريخ ًا ثقافي ًا اجتماعي ًا‬ ‫مرتبط ًا به‪ ،‬وعامل ًا من الرؤى والقيم والتذوق واحلساسية‪ ،‬ال تقبل ما يعب ُ‬ ‫ث‬ ‫بها‪ .‬فالتجانس العمراني هنا خاصية أو ِسمة ثقافية ‪ -‬اجتماعية‪ ،‬الى‬ ‫جانب كونه ِس َمة هندسية ‪ -‬فنية‪ ،‬فلكل مدينة طابعها ونظامها‪ ،‬ولكل‬ ‫منطقة مالمحها وهندستها‪ .‬وهذا كله نقيض ملا يحدث في فضاءات املدن‬ ‫العربية اإلسالمية حيث ال معنى للمكان‪ ،‬خارج الشراء والبيع والربح‪،‬‬ ‫وحيث ال تاريخ ملدينة املجتمع‪ ،‬وقيمه الفنية‪ .‬ففي البلدان العربية عشوائية‬ ‫وللحس املدني‪.‬‬ ‫عمرانية وثقافية‪ ،‬وامتهان للمكان واحلياة املدنية املشتركة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وهذا كله يشكل عدوان ًا على الطبيعة وعلى اإلنسان‪.‬‬ ‫وعلينا‪ً ،‬‬ ‫إذا‪ ،‬أن ندرك أن االعتراض في املدن األوروبية على املئذنة‬ ‫ليس اعتراض ًا على املعتقد‪ ،‬وحرية االعتقاد‪ ،‬وإمنا هو اعتراض على ما ميكن‬ ‫أن يخل بالنسق العام‪ ،‬والنظام العام‪ ،‬والهوية العمرانية االجتماعية‪.‬‬ ‫ويبدو املسلمون في ردود فعلهم السريعة على هذا االعتراض‪ ،‬وفي‬ ‫تأويالتهم الدينية ـ السياسية له‪ ،‬كأنهم ال يقيمون أي وزن لثقافة اآلخر‬ ‫املضيف‪ ،‬وقيمه وأخالقياتها‪ ،‬وال يحترمون عاداته وتقاليده‪ .‬وال يدركون‬ ‫معنى أن يكون له‪ ،‬كمثلهم هم‪ ،‬هويته اخلاصة‪ .‬وفي ضوء ذلك‪ ،‬يبدو‬ ‫اإلسالم كأنه مقتحم وهجومي‪ .‬واألخطر من ذلك هو أن املسلمني يبدون‬ ‫في هذا كله‪ ،‬كأنهم يؤثرون الوظيفي العرضي‪ ،‬على اجلوهري‪ ،‬اإلنساني‬ ‫واإللهي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫واخلشية هنا هي أن يكون املسلمون وقودا في اضرام نار عمياء‪،‬‬ ‫يستخدم فيها من يضرمها أو يشجع عليها‪« ،‬كلمة حق ال ُيراد بها إال‬ ‫الباطل»‪.‬‬ ‫في ضوء هذا كله‪ ،‬يبدو لي أن من املهمات األولى للمسلمني اليوم‪،‬‬ ‫وبخاصة أولئك الذين يعيشون خارج بلدانهم في املهاجر‪ ،‬األوروبية‬ ‫وغيرها‪ ،‬بني بشر ابتكروا الثقافة الكونية الراهنة‪ ،‬عبر جتارب عظيمة‬ ‫خاضوها في جميع امليادين‪ ،‬أقول إن من املهمات األولى للمسلمني اليوم‬ ‫أن يبدأوا بااللتفات الى عوالم الداخل االنساني‪ ،‬الى عوالم الرؤى اخلالقة‬ ‫واالبداعات املتفردة‪ ،‬والبحوث املتطورة لكي يعرفوها ويتمثلوها ويندرجوا‬ ‫في آفاقها‪ .‬وعليهم ً‬ ‫إذا أن يبدأوا ببناء مآذن في قلوبهم وعقولهم‪ ،‬تصل‬ ‫بينهم وبني تراثهم احلضاري‪ ،‬وبينهم وبني تراثات اآلخر ـ مآذن تكون توائم‬ ‫ألعلى املآذن في بلدانهم األصلية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وعلى املسلمني‪ ،‬العرب خصوصا‪ ،‬أال يؤخذوا سريعا مبا يقوله أو‬ ‫يشيعه عربي مسلم مهاجر أو أكثر‪ ،‬هنا وهناك‪ .‬إذ علينا أن نعترف‬ ‫أن معظم املسلمني في اخلارج غير معنيني مبنجزات العقل‪ ،‬أو مبا يبتكره‬ ‫االنسان املعاصر‪ ،‬وينجزه في ميدان العلم والصناعة وإدارة العالم‪ .‬إنهم‬ ‫معنيون‪ ،‬على نحو خاص‪ .‬باملعيشة والعمل والكسب‪ .‬وهذا ليس عيب ًا‬ ‫عليهم‪ ،‬وليس خطأ منهم‪ .‬إنه‪ ،‬باألحرى‪ ،‬خطأ بلدانهم االصلية وعيبها‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬في هذا كله ما يضغط‪ ،‬أحيان ًا‪ ،‬على البصيرة فيضللها‪ ،‬وعلى‬ ‫البصر فيحول بينه وبني رؤية «الصراط املستقيم»‬

‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫متابعات مغاربية‬ ‫ نظم منتدى اجلاحظ محاضرة يوم‪ ‬السبت ‪( 12‬ايلول) ديسمبر ‪2009‬‬ ‫حتت عنوان‪ :‬الدميقراطية واملواطنة في الفكر االحيائي املغربي قدمها‬ ‫الدكتور امحمد مالكي‪.‬‬ ‫ اختتمت بالرباط‪ ،‬أعمال الندوة الدولية التي نظمها مركز طارق بن زياد‬ ‫لألبحاث والدراسات بالتعاون مع املؤسسة األملانية كونراد أديناور في‬ ‫املغرب‪ ،‬حول موضوع‪« :‬اإلسالم والغرب نحو آفاق حوار جديد» مبشاركة‬ ‫مفكرين وباحثني من املغرب‪ ،‬ومصر‪ ،‬وتونس‪ ،‬وأملانيا‪ ،‬وفرنسا‪ ،‬والواليات‬ ‫املتحدة‪.‬‬ ‫ أعربت املنظمة اإلسالمية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) عن‬ ‫استغرابها من نتائج االستفتاء الذي جرى في سويسرا والقاضي بحظر‬ ‫بناء املآذن في البالد‪ .‬وأكدت املنظمة في بيان لها‪ ،‬أن حظر بناء املآذن في‬ ‫سويسرا يتعارض كليا مع اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان‪ ،‬ومع االتفاقية‬ ‫الدولية حول التنوع الثقافي‪ ،‬ومع املبادرة الدولية لتحالف احلضارات‪.‬‬ ‫ في إطار االحتفال بالقيروان عاصمة للثقافة اإلسالمية ‪ 2009‬نظمت‬ ‫وزارة الشؤون الدينية يومي ‪ 28‬و‪ 29‬تشرين االول (أكتوبر) ندوة علمية‬ ‫بعنوان الفكر الديني املستنير ومقومات الهوية في عقدين من‬ ‫التغيير‪.‬‬ ‫ في إطار فعاليات معرض اجلماهيرية الدولي للكتاب‪ ،‬وحتت إشراف‬ ‫اللجنة الشعبية للثقافة واإلعالم‪ ،‬بتاريخ ‪ 19‬تشرين الثاني (نوفمبر)‬ ‫‪ 2009‬كان موعد اجلمهور الليبي مع محاضرة للمفكر املغربي أبوزيد‬ ‫املقرئ اإلدريسي في موضوع‪« :‬الغلو الديني جذوره التاريخية وأسبابه‬ ‫النفسية والثقافية»‪.‬‬

‫ نظمت جامعة سيدي محمد بن عبد اهلل بفاس ما بني ‪ 11‬و‪ 13‬كانون‬ ‫األول (ديسمبر)‪ ،‬ندوة علمية دولية في موضوع «القدس في الفكر العربي‬ ‫والدولي»‪ ،‬وذلك احتفاء بالقدس‪ ،‬عاصمة للثقافة العربية لعام ‪. 2009‬‬

‫•‬ ‫•‬

‫ على مدى ثالثة أيام انطلقت في ‪ 6‬كانون االول (ديسمبر) برعاية منظمة‬ ‫املرأة العربية‪ ،‬ورشة بتونس العاصمة تهدف إلى تبادل التجارب في‬ ‫مجاالت محاربة العنف ضد املرأة العربية‪ .‬وصاغ نشطاء في مجال‬ ‫حقوق املرأة استراتيجية حملاربة العنف ضد املرأة في العالم العربي‬ ‫تشجع احلمالت التشريعية والتوعوية والتكوين ونشر أكبر للمعطيات‬ ‫والبحث‪.‬‬ ‫ ك ّرمت مؤسسة أوبيس مؤخرا الناشطة املغربية عائشة الشنا عن‬ ‫عملها في مساعدة األمهات العازبات لتحقيق كرامتهن واكتفائهن‬ ‫الذاتي‪ .‬وحظيت عائشة الشنا مؤسسة جمعية التضامن النسوي‬ ‫بالتكرمي خالل لقاء بالدار البيضاء اجلمعة ‪ 13‬تشرين الثاني (نوفمبر)‬ ‫لالحتفال باجلائزة البالغ مقدارها مليون دوالر‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫تكريم فيلفريد مراد هوفمان‪:‬‬

‫الشخصية اإلسالمية األبرز لعام ‪2009‬‬ ‫يعتبر هوفمان الذي‬ ‫اعتنق اإلسالم عام ‪1980‬‬ ‫واحدا من المسلمين‬ ‫ً‬ ‫األكثر شهرة في ألمانيا‬

‫هوفمان‪ :‬اختياري لهذه‬ ‫الجائزة باعتباره إشارة‬ ‫واعتراف بما تم َّكن‬ ‫المسلمون عامة في‬ ‫أوروبا من القيام به من‬ ‫أجل اإلسالم‬

‫أولريكه هو ِّمل‪ ‬‬ ‫ترجمة‪ :‬رائد الباش‪ ‬‬ ‫عن موقع «قنطرة»‬

‫‪28‬‬

‫حصل السفير األملاني السابق فيلفريد مراد‬ ‫هوفمان على جائزة تعد من أهم اجلوائز في العالم‬ ‫اإلسالمي‪ .‬حيث مت اختياره من قبل جلنة جائزة دبي‬ ‫الدولية للقرآن الكرمي ليكون «الشخصية اإلسالمية‬ ‫لهذا العام»‪ .‬واعتبر األشخاص الذين حازوا في السابق‬ ‫على هذه اجلائزة أكثر من مج َّرد أشخاص بارزين‪ ،‬إذ‬ ‫كان من بينهم أ َّول رئيس جلمهورية البوسنة والهرسك‪،‬‬ ‫علي عزت بيغوفيتش‪ .‬واآلن مت تكرمي األملاني الذي‬ ‫اعتنق اإلسالم‪ ،‬مراد فيلفريد هوفمان‪ ،‬جائزة تعد من‬ ‫أهم اجلوائز في العالم اإلسالمي في دبي‪.‬‬ ‫عاما‬ ‫مراد هوفمان يبلغ عمره ثمانية وسبعني ً‬ ‫أجاب على السؤال عن سبب حصوله على هذه اجلائزة‬ ‫قائ ًال‪« :‬أنا ال أعلم بطبيعة احلال كيف مت اختياري»‪.‬‬ ‫وأضاف أ َّنه يعرف فقط أنَّ املرء يريد من خالل إبراز‬ ‫شخص مسلم من بلد غير مسلم‪ ،‬أن يفعل شيئًا‬ ‫منوذج ًيا‪ .‬وهكذا إذن كان من املمكن أن يتم اختيار‬ ‫شخص مسلم من أمريكا أو أوروبا الغربية»‪ .‬ويضيف‬ ‫«وبناء على ذلك أنا أنظر في الوقت نفسه‬ ‫قائ ًال‪:‬‬ ‫ً‬ ‫إلى اختياري لهذه اجلائزة باعتباره إشارة واعتراف‬ ‫مبا َّ‬ ‫متكن املسلمون عامة في أوروبا من القيام به من‬ ‫أجل اإلسالم»‪.‬‬ ‫فيلفريد مراد هوفمان الذي اعتنق اإلسالم عام‬ ‫‪ 1980‬يعتبر واحدً ا من املسلمني األكثر شهرة في‬ ‫أملانيا وهو أ َّول شخص أملاني اعتنق اإلسالم يتم منحه‬ ‫جائزة ضمن إطار «جائزة دبي الدولية للقرآن الكرمي»‪.‬‬ ‫وكان ذلك مفاجئًا للغاية‪ ،‬إذ لم يعلم هوفمان الذي‬ ‫يعيش في مدينة بون األملانية باختياره لهذه اجلائزة إ َّال‬ ‫قبل خمسة أ َّيام فقط من حضوره حفل توزيع اجلوائز‪.‬‬ ‫ولد هوفمان في مدينة أشافنبورغ‪ ،‬درس في البدء‬ ‫القانون في مدينة ميونخ‪ ،‬والقانون األميركي في كلية‬ ‫القانون في جامعة هارفارد وفي كامبريدج‪ .‬وعمل‬ ‫فيما بعد من عام ‪ 1961‬وحتى العام ‪ 1994‬في‬ ‫السلك الدبلوماسي ـ وشغل عدة مناصب من بينها‬ ‫منصب مدير قسم املعلومات في حلف الناتو في‬ ‫بروكسل‪ ،‬وأخي ًرا منصب السفير األملاني في اجلزائر‬ ‫وثم في املغرب‪.‬‬ ‫وهوفمان احلائز على هذه اجلائزة اهتم بشكل‬ ‫مك َّثف جدً ا بالفلسفة‪ .‬كما أ َّنه «درس الفلسفة‬ ‫مهتما بالفلسفة‬ ‫ولهذا السبب من الطبيعي أن يكون‬ ‫ً‬

‫خاصا‪ .‬وهذا واضح وملموس ً‬ ‫أيضا في كتاباته‬ ‫اهتماما ً‬ ‫ً‬ ‫األخرى»‪ ،‬اذ ان أ َّول كتاب نشره فيلفريد هوفمان حول‬ ‫اإلسالم هو كتابه «طريق فلسفي إلى اإلسالم»‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫أيضا أ َّول محاوالته‬ ‫يشكل‬ ‫عام ‪ ،1981‬والذي‬ ‫الفلسفية لالقتراب من اإلسالم؛ وهذا الكتاب حدَّ د‬ ‫كذلك موقف هوفمان كام ًال من تعاليم اإلسالم‪.‬‬ ‫اشتهر هوفمان قبل ِّ‬ ‫كل شيء بفضل الكثير من‬ ‫الكتب واملقاالت التي نشرها حول هذا الدين‪ ،‬وبفضل‬ ‫احملاضرات الكثيرة التي ألقاها حول موضوعات‬ ‫إسالمية في أوروبا الغربية والواليات املتَّحدة‬ ‫األمريكية وفي العالم اإلسالمي‪ .‬وكذلك كان تعاونه‬ ‫في إعداد ترجمة معروفة للقرآن الكرمي مت نشرها في‬ ‫ً‬ ‫وأيضا في املجلس األعلى للمسلمني‬ ‫العام ‪.1998‬‬ ‫في أملانيا‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من خدماته ومكانته الرفيعة في‬ ‫العالم اإلسالمي‪ ،‬إ َّال أنَّ فيلفريد مراد هوفمان يعتبر‬ ‫شخصا مثي ًرا للجدل‪ .‬فمج َّرد إعالنه أ َّنه اعتنق‬ ‫كذلك‬ ‫ً‬ ‫اإلسالم عام ‪ 1980‬ـ عندما كان دبلوماس ًيا رفيع‬ ‫املستوى يعمل في وزارة اخلارجية األملانية‪ ،‬يعدّ‬ ‫حتد ًيا‪ .‬وفي كتابه الذي نشره عام ‪ 1992‬حتت عنوان‬ ‫«اإلسالم كبديل» يصف هوفمان موضوعات مختلفة‬ ‫من بينها أسلوب احلياة في الغرب والتي ينظر إليها‬ ‫على أ َّنها متدهورة ـ كما أ َّنه لم يجن من هذا الكتاب‬ ‫ثمار النجاح فقط‪.‬‬ ‫وتبلغ قيمة جائزة «شخصية العام اإلسالمية»‬ ‫التي متنحها جائزة دبي الدولية للقرآن الكرمي مليون‬ ‫درهم إماراتي (ما يعادل مائة وثمانني ألف يورو)‪.‬‬ ‫وقد أعلن مراد هوفمان عن نيته التب ّرع بجزء من هذا‬ ‫املبلغ للمجلس األعلى للمسلمني في أملانيا‪ ،‬وذلك‬ ‫من أجل تأسيس مؤسسة تعمل لصاحلهم‬


‫إصدارات‬ ‫يصلح للمسلمني كما يصلح للمسيحيني ولليهود على السواء‪ ،‬ألن األديان‬ ‫الثالثة واحدة في جوهرها‪ .‬يقع الكتاب في ‪ 426‬صفحة من القطع الوسط‪.‬‬ ‫والكاتبة هي رئيسة قسم الفلسفة في كلية اآلداب بجامعة القاهرة‪.‬‬ ‫أصدرت العديد من الدراسات واملؤلفات‪.‬‬

‫ابن رشد‪ ..‬التوفيق‬

‫بين الفلسفة والدين‬

‫الرقابة في تاريخ‬ ‫التفكير العربي‬

‫تتناول د‪ .‬زينب محمود اخلضيري في كتابها املوسوم «اثر اين رشد في‬ ‫فلسفة العصور الوسطى» الصادر عن دار التنوير في بيروت‪ ،‬ابن رشد‪،‬‬ ‫بوصفه فيلسوف ًا عقالني ًا جريئ ًا‪ ،‬جعل رسالته تفسير احلقيقة العقلية الفلسفية‬ ‫التي توصل إليها املعلم األول أرسطو‪ .‬وترى أن متسك ابن رشد الشديد‬ ‫بالعقالنية لم يحل دون اهتمامه بالدين‪ً ،‬‬ ‫نظرا لعدة ظروف تاريخية‪ ،‬جتسدت‬ ‫في السيطرة‪ ،‬التي بلغت ذروتها لعلماء الكالم والفقهاء على احلياة الفكرية‬ ‫والسياسية في عصر ابن رشد‪ ،‬وفي هجوم الغزالي على الفلسفة وعلى‬ ‫الفالسفة‪ ،‬الذي ما زال ماث ًال أمام األذهان‪.‬‬ ‫وبسبب هذين العاملني وضع ابن رشد ثالثة مؤلفات هي‪« :‬فصل املقال»‪،‬‬ ‫و«منهاج األدلة»‪ ،‬و«تهافت التهافت»‪ ،‬حاول فيها التوفيق بني الفلسفة‬ ‫األرسطية‪ ،‬وهي احلق العقلي في نظره‪ ،‬وبني ما جاء في الدين اإلسالمي‪،‬‬ ‫متأ ّو ًال هذا األخير في حالة تعارضه مع ما جاءت به الفلسفة مبا يحقق الوفاق‬ ‫بينهما‪.‬‬ ‫وتختار املؤلفة من فلسفة ابن رشد ثالث مشاكل فلسفية‪ ،‬هي مشكلة‬ ‫التوفيق بني الفلسفة والدين‪ ،‬ومشكلة العالم‪ ،‬ومشكلة النفس العاقلة‪،‬‬ ‫لتدرسها عند ابن رشد أو ًال‪ ،‬ثم تدرس أثرها في فلسفة العصور الوسطى‪.‬‬ ‫وال شك في أن دراسة هذه املشاكل الثالث‪ ،‬تفضي إلى دراسة جانب كبير‬ ‫من فلسفة ابن رشد‪ ،‬وهو نفس اجلانب الذي كان له أعظم األثر فيمن تأثروا‬ ‫بالرشدية‪ ،‬كونها تشكل محور اهتمام كافة الفالسفة املسيحية املهتمني‬ ‫بفلسفة ابن رشد‪ ،‬سواء كانوا مؤيدين له أم معارضني‪.‬‬ ‫وسعت املؤلفة الى كشف احلقائق الدينية األساسية التي تتفق عليها‬ ‫األديان السماوية‪ ،‬واملجسدة في اعتبار الله واحد ويشمل بعنايته الكون‬ ‫الذي خلقه من عدم‪ ،‬والنفس اإلنسانية خالدة وثمة ثواب وعقاب في احلياة‬ ‫األخرى‪.‬‬ ‫ونتيجة لهذا االختالف بني األديان الثالثة من جهة‪ ،‬واملذهب األرسطي‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬كان على الفالسفة‪ ،‬الذين عرفوا باسم املشائني‪ ،‬على اختالف‬ ‫أديانهم‪ ،‬التوفيق بني أرسطو وبني العقيدة‪ ،‬فقدم ابن رشد لإلنسانية توفيق ًا‬ ‫عبقري ًا بني البناء الفلسفي األرسطوي الشامخ وبني الدين اإلسالمي‪ ،‬هو توفيق‬

‫‪ 15‬كاتب ًا عربي ًا شاركوا في ملف أعدّ ه موقع «األوان»‪ ،‬فكانت احلصيلة‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫شراسة‬ ‫خطوط ازدادت‬ ‫شهادات في آلية عمل الرقابة العربية وخطوطها احلمر‪.‬‬ ‫في ِّ‬ ‫ظل أنظمة قمعية ض َّيقت على أي فسحة حرية هاربة من الغرفة املظلمة‪.‬‬ ‫كأ َّننا لم نغادر عتبات القرون الوسطى‪.‬‬ ‫في كتاب «الرقابة‪ ...‬بوجوهها وأقنعهتها املختلفة» الصادر عن «دار‬ ‫عما فعله مقص الرقيب في‬ ‫بترا» و«رابطة العقالنيني العرب» جند شذرات َّ‬ ‫تاريخ التفكير العربي‪.‬‬ ‫تراهن رجاء بن سالمة‪ ،‬على انتشار الصحـــافة اإللكتـــرونية في مـــواجهة‬ ‫ً‬ ‫باكرا إلى املواقع اإللكترونية‬ ‫الرقيب‪ ،‬لكنَّها تنسى أنَّ هذا الرقيب تس ّلل‬ ‫ً‬ ‫معتبرا أن‬ ‫وحجبها‪ .‬من جهته‪ ،‬فيما يشــ ّرح هاشم صالح معنى حرية التعبير‪،‬‬ ‫هذا اإلجناز الذي نص عليه اإلعالن العــاملي حلقــوق اإلنسان‪ ،‬هو نتــاج انتصار‬ ‫احلداثة في أوروبا‪ ،‬وجزء ال يتجزأ من التراث الدميوقراطي‪ ،‬انبثق مع بداية‬ ‫عصر التنوير‪ ،‬فيما توقفت حرية التعبير في املجتمع العــربي اإلسالمي مع‬ ‫«إخماد أطروحة املعتزلة بقوة احلديد والنار» املنــاهضة لألصــولية اإلسالمية‪.‬‬ ‫ويسمي شاكر النابلسي دائرة املطبوعات والنشــر لدى األنظمة العربية «الدائرة‬ ‫ّ‬ ‫السوداء»‪ ،‬ويــروي قصــته مع مصــادرة كتبه في معظم البلدان العربية‪ ،‬ليس‬ ‫يعرف بـ «رقابة الشارع»‬ ‫على يد األنظمة البوليسيـــة فقط‪ ،‬بل عن طريق ما ُ‬ ‫في ظل اكتساح األصولية للشارع العربي‪.‬‬ ‫يش ِّبه النابلــسي هذا الوضع بالغوغاء التي كانت متـــارس سطــوتها مطلع‬ ‫القرن العشرين‪ّ ،‬ثم أجبـرت السلطات على مصادرة كــــتاب طه حســــني «في‬ ‫الشعر اجلاهلي»‪ ،‬وها هي الـيوم حتـرق كتاب علي عبد الرازق «اإلســـالم‬ ‫وأصــول احلكم»‪.‬‬ ‫ويرفض حميد زناز وجــود رقابة عـــربية بغياب أسبــــابها وهــي احلرية‬ ‫في حدها األدنى‪ ،‬طاملا أننا كعرب «لم نبرح مستــــوى الرعية»‪ ،‬ويضـــيف‬ ‫«ليــس سه ًال أن تكـــون اليوم عربي ًا عقــــالني ًا ح ّر ًا‪ ،‬في مجـــتمع يجـــ ّرم‬ ‫العقالنـية»‪.‬‬ ‫‪29‬‬


‫تجربة اإلمام علي التاريخية‬

‫في كتاب «اإلمام علي ــ في رؤية النهج ورواية التاريخ» للباحث ابراهيم بيضون‬ ‫الصادر عن (مكتبة بيسان) يحاول الكاتب التدليل على االلتباس الذي يعتري‬ ‫بعض احملطات واملفاهيم في ضوء جتربة اإلمام علي (ع)‪ ،‬كيف م َّثل التباس‬ ‫مفهوم الشورى‪ ،‬بني اجلوانب النظرية والعملية‪ ،‬مدخ ًال لصراع مفتوح على السلطة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫استاذا فياجلامعةاللبنانية‪،‬طرحه في وقائع عدة‪ ،‬كيف‬ ‫يو ّثقاملؤلفالذي يشغلمنصب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بارزا‬ ‫قسرا عن اخلالفة لثالثة عهود‪ ،‬رغم بقائه قطب ًا‬ ‫ُأبعدَ اخلليفة الرابع‬ ‫وقاضي القضاة في عهد عمر (رض)‪ ،‬يستفتيه األخير في القرارات الكبرى‬ ‫ّ‬ ‫ولعل أسوأ املراحل التي عاصرها اإلمام علي‬ ‫ويسلمه بيت مال املسلمني‪.‬‬ ‫واملسلمون عامة‪ ،‬كانت لدى انتقال اخلالفة إلى عثمان (رض)‪ .‬مع‬ ‫لكن‬ ‫احتكار قريش للخالفة‪ ،‬اتسعت الهوة بني املسلمني ومت َّرد بعضهم‪ّ .‬‬ ‫علي لم يو ّفر فرصة إلسداء النصح لعثمان‪ ،‬حقن ًا للدماء ورأب ًا للصدع‪.‬‬ ‫هكذا لم يتمكن علي من حتقيق ما كان يطمح إليه‪ ،‬بني منازعات وحروب‬ ‫وفنت ثم االستهداف املتكرر له والدسائس التي انتهت بقضائه اغتيا ًال‪ .‬ويعزو‬ ‫املؤلف ذلك إلى رفض اإلمام علي التخ ّلي عن املبادئ األولى لإلسالم‪ ،‬ما س ّبب‬ ‫سابق ًا اغتيال اخلليفة عمر‪ .‬يومها‪ ،‬قال اإلمام علي في رثاء عمر‪« :‬ق ّوم األود‬ ‫وداوى العمد وخلف الفتنة وأقام السنة»‪ .‬لكنّه‪ ،‬للمفارقة‪ ،‬سيجد اإلمام علي‬ ‫َمن يرثيه حني قال اخلليفة األموي عمر بن عبد العزيز‪« :‬أزهد الناس في هذه‬ ‫الدنيا هو علي بن أبي طالب»‪.‬‬

‫الالهوت العربي‬

‫واصول العنف الديني‬

‫ً‬ ‫مؤخرا آخر أعمال د‪ .‬يوسف زيدان (مدير‬ ‫عن دار الشروق القاهرية صدر‬ ‫مركز املخطوطات مبكتبة اإلسكندرية) كتاب بعنوان‪« :‬الالهوت العربي وأصول‬ ‫العنف الديني» وهو الكتاب الثاني بعد رواية عزازيل التي حصدت جائزة‬ ‫البوكر العربية‪.‬‬ ‫‪30‬‬

‫يشتمل الكتاب على مقدمة طويلة ُيعيد فيها يوسف زيدان النظر في‬ ‫مفاهيم أساسية تتعلق بالديانات الثالث الكبرى (اليهودية واملسيحية‬ ‫واإلسالم) وبالتصورات املرتبطة بها‪ ،‬مثل‪ :‬سماوية الدين‪ ،‬مقارنة األديان‪،‬‬ ‫ارتباط الدين بالتدين والعنف‪ ..‬ثم تستعرض فصول الكتاب جذور اإلشكال‬ ‫الالهوتي اخلاص بتصور التوراة لإلله ولألنبياء‪ ،‬ومحاولة اخلروج (املسيحي)‬ ‫من اإلشكال اليهودي‪ ،‬وهى احملاولة التي أدت إلى عدة أزمات الهوتية‬ ‫ما بني الفهم العربى للديانة املسيحية‪ ،‬والفهم املصري ‪ -‬اليوناني لطبيعة‬ ‫املسيح‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ ‬ويقدم يوسف زيدان فى الفصول األخيرة من الكتاب تصورا لعالقة علم‬ ‫العقيدة (علم الكالم اإلسالمي) بالالهوت املسيحي العربي الذي ظهر على يد‬ ‫آريوس ونسطور وغيرهما من رجال الكنيسة الذين عاشوا فى منطقة انتشار‬ ‫الثقافة العربية (الهالل اخلصيب‪ :‬سوريا والعراق) قبل ظهور اإلسالم بقرون‪.‬‬

‫الشيعة السعوديون‪..‬‬ ‫قراءة سياسية‬

‫يحاول الباحث السعــــودي إبراهيم الهطالني تقدمي قراءة تاريخية‬ ‫وسياسية لواقع الشيعة في السعــــودية في كتابه الصادر عن دار رياض‬ ‫الريس في بيروت حتت عنوان‪« :‬الشيعة السعوديون ـ قراءة تاريخية‬ ‫وسياسية»‪.‬‬ ‫يبدأ الهطالني الفصل االول من كتابه في مناقشة أصل التشيع وظروف‬ ‫ً‬ ‫مركزا على تاريخه القدمي واحلديث في منطقة اخلليج‪ .‬فيما يتناول‬ ‫نشأته‪،‬‬ ‫في الفصل الثاني العالقة بني الشيعة واحلكم السعودي‪ .‬وهي عالقة مرت‬ ‫بثالث فترات زمنية تتوازى مع األطوار الثالثة حلال الدولة السعودية‪.‬‬ ‫يستعرض الكتاب التركيبة السكانية لشيعة السعودية‪ ،‬حيث تضم ثالث‬ ‫فرق وهي‪ :‬األولى اإلمامية االثني عشرية ومكانها في منطقة اإلحساء‬ ‫ً‬ ‫وتأثيرا‪ ...‬الثانية‬ ‫والقطيف شرق ًا‪ ،‬واملدينة املنورة غرب ًا‪ ،‬وهي األكبر حجم ًا‬ ‫هي اإلسماعيلية في جنران‪ ...‬والثالثة هي الزيدية املنتشرة في بعض مناطق‬ ‫اجلنوب والغرب‪.‬‬ ‫وشهــد الصراع بني السلطة السعودية والشيعة في العقود األخيرة‬ ‫تطورات مفصلية حاول املؤلف التطرق اليها دون ان يوفق متاما في حتديد‬ ‫مقوماتها واهدافها‪ ،‬اذ دخل في منطقة محظورات متخمة بالتأويالت‬ ‫واالشكاليات‪ ،‬االمر الذي وضع الكثير من اجلهد املبذول في طيات الكتاب‬ ‫امام سؤال في غاية االهمية وهو‪ :‬هل املشكلة هي مسألة شيعة وسنّة‪ ،‬أم‬ ‫هي مشكلة مجتمع كامل حتول سلطنه دون التمتع باحلداثة والدميوقراطية‬ ‫وحقوق االنسان‪.‬‬


‫التالمس الحضاري‬

‫بين المسلمين واوروبا‬

‫يسعى كتاب «التالمس احلضاري اإلسالمي ـ األوروبي» للدكتورة إيناس‬ ‫حسني‪ ،‬الصادر عن سلسلة «عالم املعرفة» الكويتية‪ ،‬إلى اإلجابة عن بعض‬ ‫األسئلة العميقة التي تشغل بال املهتمني واملشتغلني بالعالقة بني احلضارتني‬ ‫اإلسالمية واألوروبية‪.‬‬ ‫يضم الكتاب أربعة أبواب‪ ،‬اضافة الى التمهيد‪ .‬يتناول الباب األول مصادر‬ ‫الفن اإلسالمي وتأثير الثقافة العربية والفنون اإلسالمية في النهضة األوروبية‪.‬‬ ‫اما الباب الثاني فيستعرض أوجه استفادة الغرب من الفنون اإلسالمية‪ .‬الباب‬ ‫الثالث يلقي الضوء على الفن احلديث وروح الفن اإلسالمي‪ .‬وخصص الباب‬ ‫الرابع لبيان الظالل التي ألقى بها الفن اإلسالمي على مدارس الفن احلديث‪،‬‬ ‫ويختتم الكتاب بشهادات لنقاد وفنانني من وتؤكد الكاتبة في التمهيد أن الفن‬ ‫اإلسالمي لم يولد من فراغ‪ ،‬فاإلسالم عند قيامه لم يرفض احلضارات السابقة‬ ‫كاحلضارة البيزنطية واحلضارة الساسانية‪...‬بل استفاد منهما وطور معاملهما‬ ‫مبا يخدم فلسفته اخلاصة ومعاييره اجلمالية من منطلق أن احلكمة ضالة املؤمن‬ ‫أنى وجدها فهو أولى بها‪ .‬فالفن اإلسالمي قام إذن نتيجة لعالقة جدلية ما بني‬ ‫تراث قائم وفكر محدث وفي إطار فلسفة التوحيد التي جاء بها اإلسالم‪.‬‬ ‫وتشيرالكاتبة الى أن الثقافة العربية اإلسالمية قامت بدور طليعي في بناء‬ ‫الشخصية العلمية العاملية‪ ،‬فقد كان طابع هذه الثقافة غالبا وواضحا ومؤثرا‬ ‫في عديد من املجاالت الفكرية والعلمية والثقافية‪ ،‬وكانت هذه الثقافة مبثابة‬ ‫الواسطة بني العلوم والثقافات القدمية وبني النهضة األوروبية‪ ،‬إذ لوال املثقفون‬ ‫والعلماء العرب ملا وصلت إلى الناس مؤلفات يونانية كثيرة مفقودة في أصلها‬ ‫اليوناني ومحفوظة بالعربية‪.‬‬

‫اوروبا واالسالم‪..‬‬

‫ذلك التاريخ المنسي‬

‫يبحث خالد زيادة في كتابه الصادر حديث ًا عن دار رياض الريس في بيروت‬ ‫بعنوان‪« :‬تطور النظرة االسالمية نحو اوروبا» عن اإلرهاصات األولى حلضور‬ ‫أوروبا في الوعي اإلسالمي‪ ،‬ويتع ّقب تطورها وحتوالتها وفق تقومي متصاعد‬

‫تقود القارئ إلى الزمن احلالي‪.‬‬ ‫اذ ثمة خط بياني لنظرة األوروبيني إلى املسلمني‪ ،‬كانت البداية من الكثير من‬ ‫اآلراء غير العلمية حول اإلسالم في القرن التاسع امليالدي‪ ،‬وصو ًال إلى احلروب‬ ‫الصليبية‪ ،‬ثم بروز أعمال ركزت على اجلانب العقائدي‪ ،‬وسعت إلى معرفة أكثر‬ ‫رصانة‪ .‬ومع انحسار نفوذ الكنيسة‪ ،‬انتقل االهتمام إلى أيدي أدباء ومترجمني‬ ‫وجغرافيني‪ ،‬قبل أن ينضوي هؤالء جميع ًا داخل مفهوم «االستشراق»‪.‬‬ ‫لكن أين املقابل الوعي اإلسالمي لنظرة األوروب ّيني إليهم‪ ،‬وملاذا اهتم‬ ‫األوروبيون بنا‪ ،‬ولم نق ِّلدهم‪ ،‬كيف نظر املسلمون إلى أوروبا‪ ،‬ملاذا لم ُيقدَّ ر‬ ‫ألعمالهم وجهودهم أن تنتظم في سياق متصل‪ ،‬ملاذا تأخر املسلمون في االلتفات‬ ‫إلى أوروبا‪ ،‬وما هي العوامل التي جعلت هذا االلتفات‪ ،‬ثم االحتكاك والتأثر‬ ‫والصراع‪ ،‬ضروري ًا وممكن ًا؟‬ ‫هذه االسئلة والعديد غيرها شكلت فصول الكتاب‪ ،‬وهي‪« :‬النظرة التقليدية‬ ‫إلى أوروبا»‪ ،‬صورة أوروبا الليبرالية»‪ ،‬اما في الفصل االخير ‪ ،‬فيتناول املؤلف‬ ‫آراء راهنة حول هذا اخلصوص‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يقدم املؤلف معلوماته بصورة ميتزج فيها اجلهد الوثائقي بالسرد‪ .‬وهي إحدى‬ ‫الفوائد املهمة ملثل هذه املؤلفات‪ ،‬اذ أنها تلخص التاريخ‪ ،‬وتقدم بأسلوب مش ّوق‬ ‫اخلطوط التي صنعت ذلك التاريخ‪..‬‬ ‫ويعمل املؤلف على التاريخ احلقيقي للمعايير والظروف التي حكمت نظرة‬ ‫اإلسالم إلى أوروبا‪ً ،‬‬ ‫بدءا باملؤلفات املبكرة للجغرافيني والرحالة املسلمني‪ ،‬كما‬ ‫ظهرت في املؤلفات اإلسالمية األقدم في هذا السياق‪ .‬مستعرض ًا زيادة جهود‬ ‫ابن خرداذبة وابن رستة وابن فضالن واملسعودي واإلدريسي‪ ...‬ويستنتج أن‬ ‫اجلغرافيني القدامى قدموا معلومات متضاربة عن أوروبا‪ ،‬وأهملوا أ ّنها مؤلفة‬ ‫من دول وقوى سياسية‪ .‬سننتظر حتى القرن اخلامس عشر‪ ،‬وسقوط القسطنطينية‬ ‫بيد العثمانيني‪ ،‬كي تشهد النظرة إلى أوروبا تبد ًال مهم ًا‪ْ ،‬إذ حتَّم ذاك احلدث‬ ‫كواقع قائم‪ .‬هكذا‬ ‫ف معرفته باآلخر وأن ينظر إليه‬ ‫املفصلي أن يزيد كل طر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سنعرف أن حملة نابليون بونابرت لم تكن أول احتكاك مع األوروبيني‪ ،‬وأن‬ ‫العثمانيني فعلوا ذلك قبل احلملة بقرن كامل تقريب ًا‪ .‬جتلى ذلك أثناء حكم‬ ‫السلطان أحمد الثالث (‪ 1703‬ـ ‪ )1730‬الذي أدرك ضرورة األخذ باخلبرات‬ ‫األوروبية لتحقيق بعض اإلصالحات‪ .‬وشهدت تلك الفترة تأسيس أول مطبعة‬ ‫في «استامبول» عام ‪ ،1727‬كما ُأرسل عدد من املوفدين إلى باريس ملعرفة‬ ‫ما ميكن اكتسابه من املؤسسات الفرنسية‪ .‬ثم ازداد االنفتاح في عهد السلطان‬ ‫سليم الثالث (‪ 1792‬ـ ‪ )1809‬ومحمود الثاني‪ ،‬وخصوص ًا أن الثورة الفرنسية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جديدا في صورة أوروبا وهو أن النظام السياسي فيها يقوم على‬ ‫تطورا‬ ‫أدخلت‬ ‫مبدأ احلرية‪.‬‬ ‫وعن «صورة أوروبا الليبرالية» يجرد الكاتب جتارب نظرت إلى أوروبا‬ ‫كمثال ُيحتذى به كما هي احلال عند‪ :‬رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك وخير الدين‪،‬‬ ‫آراء راهنة‪ ،‬باحث ًا في كتابات عبد الله العروي وهشام جعيط ومحمد‬ ‫كما يتناول ً‬ ‫عابد اجلابري‪ .‬ويترك النهاية مفتوحة أمام تصورات وسجاالت جديدة‪ ،‬لن تتوقف‬ ‫ما دام الواقع نفسه يعزّزها بأحداثه وتطوراته املتواصلة‪.‬‬ ‫وال ُيغفل خالد زيادة أي رأي أو وجهة نظر في موضوع كتابه‪ ..‬وال يتس ّرع في‬ ‫احلكم عليها‪ ،‬وال ينحاز لبعضها على حساب بعضها اآلخر‪ ،‬بل يكتفي بإيرادها‬ ‫ومقارنتها تارك ًا للقارئ مهمة احلكم‪ .‬في املقابل‪ ،‬يشير الكاتب إلى أن السنوات‬ ‫األخيرة «شهدت تصاعد العداء بني املسلمني والغرب‪ ،‬وبعث ذكريات التاريخ‬ ‫املنسي‪ ،‬على عكس التوقعات التي كانت تأمل جتاوز صراعات املاضي»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪31‬‬


‫الحرية واإلبداع في الفكر اإلسالمي‬ ‫الضعف الذي أصيبت‬ ‫به األمة في العصور‬ ‫الوسطى كان عامًا‪،‬‬ ‫ولم يكن في المجال‬ ‫الفكري فقط‬ ‫األجيال المعاصرة أمام‬ ‫تحدي الشعور بالحاجة الى‬ ‫النهضة والتجديد‪ ،‬وأمام‬ ‫تحدي امتالك الحرية‬

‫محمد زاهد جول‬ ‫عن صحيفة «احلياة»‬

‫‪32‬‬

‫ً‬ ‫جدلية في الفكر اإلسالمي املعاصر‬ ‫من أكثر املباحث‬ ‫بحث احلرية‪ ،‬وأوجه وجودها‪ ،‬وأشكال جتسدها‪ ،‬وتنوع‬ ‫ظهورها‪ ،‬في الفكر اإلسالمي التراثي واملعاصر‪ .‬فبعض‬ ‫التوجهات الفلسفية قدمي ًا وحديث ًا‪ ،‬ترى أن اإلميان يقوم‬ ‫على التقليد واخلوف والتسليم‪ ،‬وال يقوم على احلرية‬ ‫والعقل والتفكير‪ ،‬وإال لم يكن اميان ًا في نظرهم‪ ،‬فالصفة‬ ‫املميزة للتدين في نظر الفالسفة أنه ضد احلرية‪ ،‬وال‬ ‫يقوم على القناعة العقلية‪ ،‬وال يخضع للنقد العقلي‪،‬‬ ‫بينما ترى مدارس العقالنية في التاريخ اإلسالمي قدمي ًا‬ ‫وحديث ًا أيض ًا أن اإلميان يقوم على احلرية واإلرادة‪ ،‬وعلى‬ ‫املقدمات املعرفية والعقلية والعلمية‪.‬‬ ‫واشتهر في التاريخ اإلسالمي مصطلح «إغالق باب‬ ‫االجتهاد»‪ ،‬وهو في حقيقته ضعف عن ممارسة احلرية أو‬ ‫منع عنها‪ ،‬ونقول منع عنها‪ ،‬ألن اإلنسان بطبيعته ال‬ ‫ميتنع عما هو خير له‪ ،‬وقد حفظ لنا التاريخ اللغوي‬ ‫والفكري أن كلمة االختيار التي تعبر عن معنى احلرية‬ ‫في الكثير من امليادين الفكرية اإلسالمية‪ ،‬مشتقة من‬ ‫كلمة اخلير‪ ،‬فالساعي الى اخلير بحرية هو اإلنسان‬ ‫املالك حلق االختيار‪.‬‬ ‫وحق االختيار ال يتوقف على املوقف اإلمياني‬ ‫العقدي فقط‪ ،‬بل اإلنسان مختا ٌر في االجتهاد الفقهي‬ ‫والسياسي‪ ،‬وهو ما متثل في التراث اإلسالمي احلر‪،‬‬ ‫بتعدد املدارس العقدية واملذاهب الفقهية والفرق‬ ‫السياسية في القرون الثالثة األولى التي توصف‬ ‫بخيرة القرون‪ ،‬فاخليرة لألمة مبجموعها متثل في خيرة‬ ‫القرون في ظهور كل املدارس العقالنية املؤسسة للفكر‬ ‫اإلسالمي كله في القرون الثالثة األولى‪ ،‬وهذا دليل‬ ‫على أن ما متيزت به خيرة القرون هو احلرية الفكرية‪،‬‬ ‫وليس الثبات الفكري‪ ،‬واحلرية الفكرية هي التي و ّلدت‬ ‫احلركة الفكرية‪ ،‬وتنوع املدارس العقدية‪ ،‬وتعدد املذاهب‬ ‫الفقهية‪ ،‬التي كانت كلها تنتمي الى الدائرة اإلسالمية‬ ‫العامة‪ ،‬قبل أن تسير األمة أو تدفع نحو الضعف‬ ‫واجلمود بقرون قليلة‪.‬‬ ‫ما يلفت‪ ،‬أن الضعف الذي أصيبت به األمة في‬ ‫العصور الوسطى لم يكن خاص ًا في املجال الفكري‪،‬‬ ‫على رغم أن اجلمود الفكري كان مظهره األبرز‪ ،‬أو‬ ‫العنوان املعلن‪ ،‬فقد كان الضعف عام ًا‪ ،‬ولم يكن في‬ ‫املجال الفكري فقط‪ ،‬وكان األحرى أن ينظر الى أسباب‬ ‫الضعف العامة وعالقتها مع احلرية الفكرية‪ ،‬أي وهي‬ ‫تتزامن مع توقف نشوء مدارس العقالنية اإلسالمية‬ ‫وحصرها في ثالثة قرون أو أربعة فقط‪ ،‬وحرمان القرون‬ ‫التالية من حقها في ابداع مدارس عقالنية جديدة‬

‫ملدة عشرة قرون‪ ،‬حتى مجيء حركات اإلصالح في‬ ‫بدايات القرن الرابع عشر الهجري‪ .‬ولكن بعد فوات‬ ‫األوان أو وفاته‪ ،‬فقد أصبحت املسافة احلضارية واملدنية‬ ‫والتكنولوجية بني األمة اإلسالمية وآخرها املنافس طويلة‬ ‫ومستعصية‪ ،‬وقد حتتاج الى قرون من الزمان إلحداث‬ ‫التقارب احلضاري على األقل‪ .‬لكن‪ ،‬وحتى التقارب‬ ‫احلضاري لن يتم له النجاح ما لم تتوافر له شروطه‬ ‫األوروبية األولى وليس شروطه اإلسالمية األولى فقط‪،‬‬ ‫والفارق بينهما ان احلركة اإلسالمية األولى واجهت‬ ‫جاهلية‪ ،‬وهي متسلحة بالنبوة والوحي املسدد‪ ،‬وهو غير‬ ‫الواقع العربي واإلسالمي اليوم‪ ،‬بينما الشروط األوروبية‬ ‫للنهضة واجهت استبداد امللوك واستبداد الكنائس‪ ،‬أي‬ ‫استبداد أصحاب املصالح السياسية وأصحاب املصالح‬ ‫الدينية‪ ،‬وهو ما يشبه واقع املسلمني اليوم‪ ،‬ولو بدرجات‬ ‫متفاوتة من بلد الى آخر‪.‬‬ ‫وكانت حركات اإلصالح اإلسالمي في بدايات القرن‬ ‫الرابع عشر موفقة أيض ًا‪ ،‬ألنها توجهت الى اإلصالح‬ ‫الديني قبل غيره‪ ،‬في حركة األفغاني والكواكبي ومحمد‬ ‫عبده وغيرهم‪ ،‬ولكن سرعان ما هدأت الثورة املعرفية‬ ‫العقالنية التجديدية ملصلحة الثورات العسكرية في‬ ‫حروب التحرير من االحتالل‪ ،‬ومقاومة االستعمار‪ ،‬وطلب‬ ‫االستقالل املجتزأ‪ ،‬من دون أن تقوم بعدها حركات‬ ‫اصالحية وعقالنية وتنويرية وحداثية حقيقية‪ ،‬وامنا وهي‬ ‫ترتسم خطى االستعمار األوروبي الغربي في األشكال‬ ‫واملظاهر والعناوين‪ ،‬وليس خطى الوعي األوروبي الغربي‪،‬‬ ‫فقامت في البالد اإلسالمية دول وجمهوريات علمانية‬ ‫كررت أخطاء الدول واجلمهوريات األوروبية في صناعة‬ ‫حضارة ومدنية جافة وجامدة وقاسية‪ ،‬بل وأقل تقدم ًا‬ ‫مما قام في أوروبا‪ ،‬ما دفع الشعوب املسلمة للبحث من‬ ‫جديد عن هويتها اإلسالمية‪ ،‬التي ُسلبت منها في ثورات‬ ‫عسكرية لم يكتمل وعيها احلضاري على سنن الله في‬ ‫الكون واحلياة والتغيير‪ ،‬ولم يكتمل وعيها بحاجة الناس‬ ‫الى الدين مثل حاجتهم الى العدل واملساواة‪.‬‬ ‫ان معركة احلرية هي معركة الشعوب‪ ،‬وبقدر ما‬ ‫كانت األمة تشعر باحلاجة الى النهضة والتجديد وكانت‬ ‫تتمتع باحلرية‪ ،‬فإنها تقوم بواجباتها التاريخية بصورة‬ ‫متكاملة وبنجاح سريع‪ ،‬وبالقدر الذي ال تشعر بحاجتها‬ ‫الى النهضة أو ال تتمتع باحلرية‪ ،‬فإنها ستسير طوي ًال‬ ‫في طريق االحتالل أو االستبداد‪ .‬ان األجيال املعاصرة‬ ‫أمام حتدي الشعور باحلاجة الى النهضة والتجديد‪ ،‬وأمام‬ ‫حتدي امتالك احلرية‪ ،‬وعدم االستسالم لالحتالل اخلارجي‬ ‫أو اخلضوع أو التعايش مع االستبداد الداخل‬


‫حلقة وصل‬

‫رسالة شكر وامتنان إلى مجلة الراصد التنويري‬ ‫أطالع املجلة بني حني وأخر لكنني قررت االشتراك فيها ألنها‬ ‫فع ًال متثل رحب َة نادرة الوجود بني العرب واملسلمني في اوروبا‪..‬‬

‫رحبة للحوار الصريح امللتزم والنقد الهادف املوضوعي من أجل خلق‬ ‫كينونة فكرية جامعة أساسها هي حضارة احلوار النزيه وإحترام أراء‬ ‫اخلصوم السياسيني دون نعتهم بأعداء سياسيني وخونة وجواسيس‬ ‫جتب إبادتهم!‬ ‫كتب مرة ألفيلسوف والالهوتي الدامناركي‪ ‬كيركه كارد‪ :‬نحن‬ ‫البشر نعيش ُقدم ًا إلى االمام ولكننا النفهم الواقع واحلياة إال‬ ‫بالرجوع ذهن ًا و ً‬ ‫فكرا إلى املاضي ألستيعابه‪.‬‬ ‫ما أعنيه هو إننا بدون احلوار السليم والنقد واجللد الذاتي‬ ‫لواقعنا العربي واالسالمى املريض ال ميكننا رسم طرق جديدة‬ ‫ملستقبل جديد‪ ..‬وترك الغيبوبة املُشلة والسكرة الذاتية التي ال‬ ‫تدركها صحوة مبا كنا عليه من ماضي مجيد وال غيره‪.‬‬

‫فالح جواد الراضي‬

‫ردود سريعة‬ ‫د‪ .‬عبد الغني عماد‪ ،‬االستاذ صالح‪ ،‬د‪.‬‬ ‫عبدالسالم باجي ـ الرباط (املغرب)‪ ،‬ابراهيم‬ ‫سوسي‪:‬‬ ‫شكرنا اجلزيل على كلمات الدعم الواردة في‬ ‫رسائلكم‪ ،‬وستمضي مجلة «الراصد التنويري» في‬ ‫طريقها‪.‬‬

‫وصلني العدد اجلديد من الراصد التنويري‪..‬‬ ‫ً‬ ‫شكرا وامتنى لكم كل التوفيق والنجاح‬ ‫مع التحية‬

‫زياد الوزير‬

‫كوبلنتس (املانيا)‬

‫‪inquiry@islam21.net‬‬

‫اطلعت مبحض الصدفة على موقعكم‪ ،‬وأنا أبحث عن بعض املواضيع على اإلنترنت‪ ،‬فوجدت العدد اجلديد من مجلتكم (الراصد التنويري)‬ ‫وفوجئت في الصفحة ‪ 25‬بإشارة إلى موضوع (التعددية الثقافية والهويات املتعددة) ونسبته إلى عثمان عبد الله بصحيفة «املدينة»‬ ‫السعودية‪ ،‬في حني أن البحث خاص بي‪ ،‬وقد قدمته كورقة بحث (بنفس العنوان) في إطار املؤمتر الدولي لألمن الفكري‪ ،‬املنعقد‬ ‫مبدينة الرياض في شهر ‪ ،2009/5‬ونظمته جامعة امللك سعود وكرسي األمير نايف لدراسات األمن الفكري‪ .‬وما نشره الصحفي‬ ‫هو مقتطفات مبتورة من بحثي املذكور ‪ ..‬ولذلك وجب التنويه‪ .‬وبإمكانكم االطالع على البحث كامال من خالل الرابط التالي‪:‬‬

‫‪http://www.amnfkri.com/inf/articles-action-show-id-363.htm‬‬

‫محمد بن جماعة‬

‫ ‬ ‫كاتب وباحث‪ ،‬مدير وحدة قياس األداء بكلية اإلدارة بجامعة أوتاوا ـ كندا‬ ‫ ‬

‫‪33‬‬


‫افكار بصوت هادئ‬ ‫‪34‬‬

‫المسلمون في الغرب‪ ..‬بين الهامش والمتن‬ ‫أروى الشبيبي‬

‫هل نروم اسلمة اوروبا حقا ً أم نحاول العيش بسالم‬ ‫مع اهل البالد‪ ،‬خاصة وان الكثير من املسلمني في الغرب‬ ‫ينعمون بجنسية تلك الدول‪ ،‬وان حقوقهم موازية متاما ً‬ ‫حلقوق بقية العباد‪ .‬لكن من يرصد واقع املسلمني في‬ ‫الغرب ميكنه ان يلمس دون عناء كبير السلبية التي تغلف‬ ‫حياتهم‪ ،‬والتقوقع في الهامش بدال ً من ان يكونوا في املنت‬ ‫واجلوهر‪.‬‬ ‫مسلمو الغرب يعيشون عادة في مجتمعات منغلقة‬ ‫بافق محدود‪ ،‬بعيدون مبقدار اميال ضوئية عن احلراك‬ ‫السياسي واالجتماعي‪ ،‬وان الكثير منهم يحمل نظرة‬ ‫سلبية مسبقة ضد اجملتمعات التي يشاركوها احلياة‪،‬‬ ‫االمر الذي يحد من التجانس اخلالق‪.‬‬ ‫الكثير‪ ..‬الكثير منهم ال يقرأ صحف تلك البالد ويجهل‬ ‫تاريخ تلك اجملتمعات وال يفقه ابسط املقومات التي حترك‬ ‫مناخاتها على اكثر من صعيد‪ .‬ال ينتمي للمكان‪ ،‬وبعيد‬ ‫كل البعد عن عوامله‪ ،‬ويفسر االحداث التي متس حياته‬ ‫وفقا ً خمليلته التي حتمل قدرا ً كبيرا ً من نظرية التآمر‪ ..‬تلك‬ ‫التي تربى عليها وعاشت معه دهرا ً في وطنه االم‪.‬‬ ‫النظرة النمطية للغرب عن االسالم واملسلمني‬ ‫ساهمت هي االخرى في زيادة الشرخ‪ ،‬كذلك عززت‬ ‫اعتداءات احلادي عشر من سبتمبر عام ‪ 2001‬والهجمات‬ ‫االرهابية التي شهدتها لندن صيف عام ‪ 2006‬وحوادث‬ ‫مماثلة في عواصم اوروبية اخرى‪ ،‬الهوة بني الطرفني‬ ‫لتطفو على سطح حياتنا ظاهرة "االسالمفوبيا"‬ ‫وما حملته من اضرار مرئية واخرى مستترة‬ ‫في نسيج العالقة بني اجلاليات املسلمة‬ ‫واجملتمعات الغربية‪.‬‬ ‫لكن السؤال االهم الذي يدور في‬ ‫محور هذه القضية هو‪ :‬ماذا عسانا‬ ‫ان نفعل؟‬ ‫اجلواب ليس يسيرا ً ولكنه في‬ ‫متناول اليد ويتمثل باالنخراط‬ ‫في اجملتمعات التي نعيش بني‬ ‫ظهراينها‪ ،‬وجتاوز حاالت التوجس‬ ‫والسلبية والعمل بفاعلية‬ ‫متميزة الثراء تلك اجملتمعات‪،‬‬ ‫واضافة مساهمة جديدة الى‬ ‫قيمها في محاولة جادة صوب‬ ‫التكامل‪ ،‬كما ان التجانس في‬

‫اجملتمعات اجلديدة ال يقلل مطلقا ً من امياننا‪ ،‬باملقابل ال‬ ‫يزيدنا االنزواء تقربا ً من االسالم‪.‬‬ ‫ينبغي علينا االقرار باننا نعيش في مجتمعات قطعت‬ ‫اشواطا ً ليست قصيرة في ميادين الدميقراطية والتعددية‬ ‫وحقوق االنسان واحترام االخر‪ ،‬الى جانب اجنازاتها العلمية‬ ‫واالكادميية والثقافية في اكثر من مضمار‪.‬‬ ‫اذن ليس من املعيب ان نتعلم ونُعلم في الوقت ذاته‪ ،‬ان‬ ‫مننح ونستقي‪ ،‬وهي بال شك اوليات اجملتمعات املتحضرة‬ ‫لتبقى يقظة وحية وهي تشرع ابوابها الستقبال كل‬ ‫جديد يسعى الى تكامل مشروعها احلياتي يكل صوره‬ ‫واشكاله‪.‬‬ ‫البد من القول بأن االسالم العظيم بعيد كل البعد‬ ‫عن املظاهر اخلادعة الذي نراه في بعض شوارع الغيتوات‪،‬‬ ‫وال ميكن اختصاره بلباس او شكل‪ ،‬وليس باالمكان‪ ،‬باي‬ ‫حال من االحوال‪ ،‬احتجازه كرهينة لشعيرة‪ ،‬الننا سندفع‬ ‫بهذا الدين الذي غ ّير وجه البشرية الى مجاهل العتمة‬ ‫واالنزواء‪ ،‬وان تغدو قيمه السمحاء مرادفة للتشويه‬ ‫والتحريف‪.‬‬ ‫على املسلمني في الغرب ان يربوا اوالدهم على‬ ‫الفضيلة والتسامح واحترام االخر واستيعابه‪ ،‬ودفعهم‬ ‫الى معترك احلياة في تلك اجملتمعات‪ ،‬دون ان يتنازلوا عن‬ ‫قيمهم وتقاليدهم‪ ،‬وان يكونوا في ريادة الصدق والكفاءة‬ ‫واالبداع واملثابرة‪ ،‬بدال ً من حشو رؤوسهم باوهام وخرافات‬ ‫وافكار بالية حتد من انسانيتهم ومن‬ ‫اسالمهم‪ ...‬ومن كرامتهم كافراد‪.‬‬ ‫وفي هذا االطار يجب االعتراف‬ ‫بأن هدف الديانات السماوية‬ ‫يتمثل بانقاذ البشرية من‬ ‫اجلهل والسمو بها نحو‬ ‫حياة مشرقة مفعمة‬ ‫بالنور واالميان‪ ،‬ومن هذا‬ ‫املنطلق على املسلمني‬ ‫االرتقاء باالسالم في ارض‬ ‫لم تعرفه جيدا ً وجعله‬ ‫نبراسا ً للخير‪ ،‬وهي‬ ‫اخلطوة االولى في مسيرة‬ ‫دفع الشك والريبة‬ ‫عنه وترسيخ حقائقه‬ ‫اجلوهرية االصيلة‪.‬‬


The International Forum for Islamic Dialogue (IFID)

IFID was established in 1994 as a UK based non-profit organization. It is an independent voice calling for an enlightened and modern understanding of Islam. We believe that Muslim democrats can potentially become a stabilizing and a constructive force in developing institutions, modernizing Muslim societies and playing their full role in world peace. The key to a better future for Muslim nations lies in developing interpretations of Islam, Muslim thought and attitudes that are compatible with the contemporary world. IFID was founded by Dr Laith Kubba, who served as it’s first executive director (1994 to 1998). He was succeeded by Dr Mansoor Al-Jamri. IFID’s current director is Dr Najah Kadhim. IFID aims to: • Identify, encourage and introduce new, enlightened Muslim writers to engage in debate and discussion on key Islamic issues and establish a network for the sharing of ideas and experiences on the challenges faced by Muslims today. • Initiate innovative ideas that provoke contemporary Islamic thought and generate much needed debate and dialogue. • Assist and strengthen the efforts of enlight-

ened and liberal Muslim democrats in propagating a modern understanding of Islam and it’s values, focusing on human rights, democracy, pluralism, non-violence, civil rights, modern institutions and in identifying future trends and strategies. IFID Objectives: 1. The "Friday Note" - whereby, concise articles, by known Muslim writers from a number of countries, address contemporary Muslims concerns. These are emailed on Fridays, to our online community. Each year a collection of these articles are published in book form. 2. To improve and update "Islam21.net" Web site. 3. To develope an "educational guide", catering to the needs of Muslims, that is modern, scientific, and flexible - to be used by youth, teachers of religion and by Imams. 4. To publish the quarterly "Islam21" journal, focusing on specific themes. 5. To host Seminars, addressing specific topics relevant to current Muslim reality and to publish and circulate them to individuals and organizations. 6. To publish the quarterly Islam21 Youth, focusing on Muslim Identity from a youth perspective.


‫لمحة عن تاريخ‬ ‫المنبر الدولي للحوار اإلسالمي‬ ‫تأسس المنبر الدولي للحوار اإلسالمي في العام ‪1994‬‬ ‫كمنظمة غير ربحية‪ ،‬متخذا من العاصمة البريطانية لندن مقرا‬ ‫رئيسا له‪.‬‬ ‫والمنبر صوت مستقل يدعو إلى فهم اإلسالم بنحو متن ّور‬ ‫وعصري‪ .‬ذلك إننا نعتقد أن بوسع المسلمين الديمقراطيين أن‬ ‫يصيروا قوة استقرار وبناء لتطوير مؤسسات عامة‪ ،‬ومجتمعات‬ ‫مسلمة حديثة‪ ،‬وان يلعبوا دورا بارزا في إشاعة السالم في العالم‪.‬‬ ‫فمفتاح باب مستقبل أفضل لألمم المسلمة مرتبط بتطوير‬ ‫قراءات عصرية لإلسالم‪ ،‬والفكر اإلسالمي‪ ،‬والموقف المتالئم مع‬ ‫عالمنا المعاصر‪.‬‬ ‫ونعتقد أيضا أن بمقدور المؤسسات العامة الحديثة تطوير‬ ‫مهارات المهنيين‪ ،‬وبهذا تسهم في تحديث المجتمعات‬ ‫المسلمة‪.‬‬ ‫أسس المنبر الدولي للحوار االسالمي وتولى إدارته التنفيذية‬ ‫الدكتور ليث كبة من العام ‪ 1994‬حتى العام ‪ ،1998‬ليأتي الدكتور‬ ‫منصور الجمري‪ ،‬مديرا تنفيذيا ثانيا‪ ،‬من العام ‪ 1999‬حتى العام‬ ‫‪ .2001‬واآلن يتولى الدكتور نجاح كاظم منصب مديره التنفيذي‪.‬‬

‫من كتّ اب العدد‪:‬‬ ‫ ‬

‫د جناح كاظم ‬

‫بدر الشبيب ‬

‫محمود شاكر شلبي ‬

‫هاجر القحطاني‬

‫ ‬

‫احمد شهاب ‬

‫فالح حسن السوداني ‬

‫عبداللطيف طريب ‬

‫خالد عبداهلل املشوح‬

‫ ‬

‫احمد اخلمسي ‬

‫محمد طلبة ‬

‫نبيل االعرجي ‬

‫يوسف محمد بناصر‬

‫ ‬

‫طارق رمضان ‬

‫ادونيس ‬

‫عبدالستار جبر ‬

‫ ‬

‫محمد زاهد جول ‬

‫أروى الشبيبي‬

‫أولريكه هو ِّمل‪ ‬‬

‫‪inquiry@islam21.net‬‬ ‫‪www.islam21.net‬‬ ‫‪Al-Rasid Al-Tanweeri P. O. Box: 5856, London WC1N 3XX, United Kingdom Phone: (+44) 20 7724 6260‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.