الراصد التنويري عدد 8

Page 1

‫العدد (‪ )8‬ربيع ‪( 2010‬السنة الثانية)‬

‫)‪Issue 8 / Spring 2010 (Vol 2‬‬


‫األهداف الرئيسية للمنبر الدولي‬ ‫للحوار اإلسالمي‪:‬‬

‫مهمة المنبر الدولي‬ ‫للحوار اإلسالمي‬ ‫يتبنى المنبر الدولي للحوار اإلسالمي‬ ‫‪ IFID‬االلتزام بالحث على نهوض‬ ‫المجتمعات المسلمة من خالل تشجيع‬ ‫القراءة العصرية فيهـا‪ ،‬والدفع باتجاه‬ ‫العلوم والتثقيف‪ .‬ويهدف المنبر إلى‬ ‫إحيـــاء روح المبـادرة وتشجيع النشاطات‬ ‫الفكرية والتربوية‪ ،‬التي تفضي إلى نمو‬ ‫منظومة عقلية حديثة يرتجى منها إيجاد‬ ‫حلول لقضايا اجتماعية واقتصادية‬ ‫وأخالقية يشهدها عصرنا الحالي‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ فكريا‬ ‫• تحريك وتطوير وتوفير أفكار جديدة؛‬ ‫وتوليد حوار ديناميكي تشتد الحاجة‬ ‫إليه في عصرنا هذا‪.‬‬ ‫ • تقديم ُكتّاب جدد ومفكرين بغية‬ ‫تنشيط نقاش جاد في قضايا‬ ‫الملحة‪.‬‬ ‫المسلمين‬ ‫ّ‬ ‫• توثيـق‪ ،‬وإصـدار ونشـر مطبوعات‬ ‫فكرية وتربوية‪.‬‬ ‫• العمل من أجـل إنشاء شبكة عالمية‬ ‫من المفكـرين والمؤسسات‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ تربويا‬ ‫• توعية الفرد المسلم بالقيم المدنية‬ ‫والديمقراطية‪ ،‬ونهج التسامح‬ ‫والالعنف‪.‬‬ ‫• تدريب الشباب المسلم‪ ،‬والقادة‪،‬‬ ‫والمعلمين‪ ،‬على القيم المدنية‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫• إنشاء شبكة عالمية للنشطاء‬ ‫المسلمين المدنيين‪.‬‬ ‫إيجازا‪ ،‬يتمثل هدف هذا المنبر في‬ ‫إرساء فكر إسالمي إنساني‪ ،‬وديمقراطي‬ ‫عـن طريـق إدامة وتطوير حوار دينامكي‬ ‫في القضايا االجتمـاعيـة واألخـالقيـة‬ ‫ذات الصلة‪.‬‬

‫> التعريف بالكتاب اإلسالميين المستنيرين وتشجيعهم وإتاحة‬ ‫منبر لهم لعرض فكرهم ومن ثم دفعهم إلى نقاش حول القضايا‬ ‫اإلسالمية الرئيسية المطروحة على الساحة‪ ،‬أي تكوين شبكة‬ ‫من العقول واألقالم اإلسالمية بهدف النقاش وتبادل األفكار‬ ‫والخبرة حول أهم التحديات التي تواجه المسلمين اليوم وأهم‬ ‫احتياجاتهم‪.‬‬ ‫> طرح أفكار جديدة خالقة ورائدة إلعمال الفكر اإلسالمي المعاصر‬ ‫وتوليد جدل ونقاش تمس إليه الحاجة في عالم المسلمين‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫> تعزيز ودعم ومساندة الجهود التي يقوم بها اإلسالميون‬ ‫المستنيرون ذوو الفكر الحر نحو قراءة وفهم عصريين لإلسالم‬ ‫وقيمه المتعلقة بقضايا مثل حقوق اإلنسان والديمقراطية‬ ‫والتعددية ونبذ العنف‪ ،‬والحياة العامة والحقوق المدنية‬ ‫والمؤسسات الحديثة والدراسات اإلسالمية في المستقبل‪،‬‬ ‫وأسلحة الدمار الشامل وغيرها‪.‬‬

‫األنشطة الرئيسة للمنبر الدولي للحوار اإلسالمي‪:‬‬ ‫‪ 1.‬‬ ‫‪ .2‬‬ ‫‪. 3‬‬ ‫‪ .4‬‬ ‫‪ .5‬‬

‫‪ .6‬‬

‫‪ .7‬‬

‫ ‬

‫‪ .8‬‬

‫تعضيد ونشر الدورة التدريبية للمنبر عبر توسيع عمل شبكة العالم‬ ‫العربي لـ «مهارات النجاح في عالم متغير» وتأسيس البرنامج‬ ‫التدريبي باللغة االنكليزية لبريطانيا واوروبا‪.‬‬ ‫تطوير «دليل تعليمي» حديث وعلمي ومرن يآخذ بعين االعتبار‬ ‫االحتياجات التعليمية للمسلمين‪ ،‬من أجل أن يستخدمه الشباب‬ ‫واألئمة ومعلمو التربية الدينية‪.‬‬ ‫نشر فصلية «الراصد التنويري» العربية‪.‬‬ ‫نشر فصلية «‪ »islam21‬والتي تتناول موضوعات معينة بقدر من‬ ‫التركيز‪.‬‬ ‫استضافة منتديات النقاش التي يتحدث فيها مفكرون إسالميون عن‬ ‫موضوعات معينة تخص واقع المسلمين في وقتنا الراهن‪ .‬وسيتم‬ ‫طبع محاضر هذه المناقشات وتوزيعها على مجموعة معينة من‬ ‫األفراد والمنظمات‪.‬‬ ‫تعديل وتحسين وتحديث موقع «‪ »islam21.net‬على شبكة المعلومات‬ ‫الدولية اإلنترنت‪ .‬ويشمل هذا التحديث الجوانب الفنية والمحتوى‬ ‫والدعاية للموقع والروابط الخاصة بمواقع مماثلة والتي يمكن‬ ‫إضافتها للموقع‪.‬‬ ‫إطالق مشروع «مقاالت الجمعة»‪ ،‬وهو عبارة عن إرسال مقاالت‬ ‫مختصرة ولكنها مكثفة بآقالم مجموعة من الكتاب اإلسالميين‬ ‫المعروفين من عدد من الدول اإلسالمية تتعرض بالنقد والتحليل‬ ‫لهموم المسلمين المعاصرة‪.‬‬ ‫وتُرسل هذه المقاالت عبر شبكة المعلومات الدولية اإلنترنت إلى‬ ‫البريد اإللكتروني لمجموعة مختارة ولكنها كبيرة العدد من‬ ‫المشتركين‪ .‬وفي نهاية كل عام تٌجمع هذه المقاالت بين دفتي‬ ‫كتاب‪.‬‬ ‫نشر فصلية «‪ »islam21 Youth‬والتي تركز على الهوية اإلسالمية من‬ ‫منظور الشباب‪.‬‬


‫العدد (‪ )8‬ربيع ‪( 2010‬السنة الثانية)‬

‫)‪Issue 8 / Spring 2010 (Vol 2‬‬

‫حوار مع‬ ‫المفكر المغربي‬ ‫د‪ .‬المصطفى تاج‬ ‫الدين‬

‫االسالميون‬ ‫والمنظمات‬ ‫الدولية‬

‫‪18‬‬

‫‪9‬‬ ‫‪Al-Rasid Al-Tanweeri‬‬ ‫‪P. O. Box: 5856‬‬ ‫‪London WC1N 3XX‬‬ ‫‪United Kingdom‬‬ ‫‪Phone:‬‬ ‫‪(+44) 20 7724 6260‬‬

‫نشاطات المنبر الدولي‬ ‫للحوار االسالمي‬

‫‪21‬‬ ‫السينما االندونيسية‬ ‫توفق بين‬ ‫الدين والعشق‬

‫‪inquiry@islam21.net‬‬ ‫‪www.islam21.net‬‬

‫‪31‬‬

‫للمراسلة‬

‫‪jamal@islam21.net‬‬ ‫من مهام المنبر‪:‬‬

‫تأسيس فكر انساني دميقراطي واسالمي عبر احلوار الفاعل وتطويره‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫د‪ .‬نجاح كاظم‬

‫هيئة التحرير‬ ‫ ‬ ‫هاجر القحطاني (المملكة المتحدة)‬

‫فالح حسن السوداني (العراق)‬

‫ ‬ ‫عبد اللطيف طريب (المغرب)‬

‫محمد طلبة (مصر)‬

‫االخراج الفني‪ :‬رياض راضي‬ ‫لوحة الغالف‪:‬‬ ‫الفنان ثامر داود السوداني‬


‫مبتدأ الكالم‬

‫المسلمون‪ ..‬التفتت في عصر العولمة‬ ‫يتحرك العالم االسالمي‪ ،‬والعربي على وجه اخلصوص‪ ،‬بخطى‬ ‫بطيئة‪ ،‬مخلفة فرق وطوائف متناحرة ومتنافرة متضي الى هاوية‬ ‫التدمير الذاتي‪ ،‬وبعكس حركة العالم السائر باجتاه التطور‬ ‫والتقدم واالنفتاح والتكامل ضمن كيانات كبيرة‪.‬‬ ‫ومتثل العوملة في القرن احلادي والعشرين ظاهرة متطورة‬ ‫تعكس احدى مواصفات مجتمع شديد التعقيد‪ ،‬وحتمل بني‬ ‫طياتها السلبيات وااليجابيات مع ًا‪ ،‬وهي ظاهرة تغور في عمق‬ ‫الفاعلية االنسانية وال ميكن عكسها بسبب تطور القواعد واالنظمة‬ ‫االقتصادية‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن الترتيبات املالية املرتبطة بالسوق‪.‬‬ ‫وجوهر سلبيات العوملة يكمن في سيطرة اقتصاديات البلدان‬ ‫املتقدمة على الشعوب النامية‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن احلد من تطور‬ ‫اقتصاديات واسواق وانتاج الشعوب الفقيرة والضعيفة‪ ،‬مما‬ ‫يجعلها في منافسة غير منصفة مع القوى املتطورة خالل عملية‬ ‫تفاعالت العوملة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫لكن يصعب حقا تفهم الشك املبالغ من قبل املسلمني للعوملة‬ ‫باعتبارها املنعطف االهم في تاريخ البشرية املعاصر‪ ،‬وتكمن‬ ‫اسباب الشك في عدم قدرتهم على دراسة ايجابيتها وما ميكن‬ ‫االستفادة منها‪ ،‬خاصة في الدول التي هي بحاجة الى توطني‬ ‫التكنولوجيا وريادتها القتصاد فاعل النسان املجتمع املعاصر‪،‬‬ ‫والتدفق احلر للمعلومات لتوسيع االفاق واملدارك والتجارب في‬ ‫حرية التعبير والنقد‪ .‬ولن تستطيع اية امة من االمم االسالمية‬ ‫االنعزال في عصر العوملة حتى لو ارادت ذلك‪ ،‬كما انها ال‬ ‫تتمكن من فعل اي شيء‪ ،‬وان رغبت ذلك‪ .‬وما يهم املسلمني‬ ‫في عملية العوملة هو مشاركتهم الفاعلة‪ ،‬االمر الذي يزيد من‬ ‫مساهمة املنظمات او املوسسات غير احلكومية لتركيز دورها‪،‬‬ ‫خاصة العاملة ضمن قضايا اساسية تهم االنسان كالبيئة واملناخ‬ ‫والصحة العامة وغيرها‪.‬‬ ‫وتناسب العوملة النظرة العاملية للقرآن وامكانية نشر قيمه‬ ‫بوجود الوسائل واالدوات املناسبة بني ابناء البشر واملساهمة في‬ ‫تعزيز النظام االخالقي العاملي املرتبك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واحدا‪ ،‬كما يعتقد الكثير‬ ‫فكرا‬ ‫وال متثل العوملة ثقافة او‬ ‫من املسلمني‪ ،‬امنا تقدم ثقافة كونية مشتركة يتكون اطارها من‬ ‫الثقافات الذاتية لشعوب االرض‪ ،‬وتدعو كذلك للتعددية والتنوع‬ ‫في االديان والثقافات واختالفهما كظاهرة او سنة طبيعية في‬ ‫‪4‬‬

‫احلياة ال يجوز جتاوزها‪.‬‬ ‫رفض املسلمني الواضح للعوملة وتهويل سلبياتها ناجت عن ثقافة‬ ‫ً‬ ‫غزوا‬ ‫ذهنية مهيمنة تعتبر ان كل ما يأتيها من خارج ثقافتها‪،‬‬ ‫وحتدي ًا يجب مقاومته ومحاربته‪ .‬لذا ال ميكن التمييز بني التقليد‬ ‫الذي يعني النقل غير الواعي واملكتمل‪ ،‬والتأثير الذي يحوي بني‬ ‫ً‬ ‫جديدا لواقع‬ ‫طياته مضمون ًا يستطيع ان ينمو ويكبر ليصبح ابداع ًا‬ ‫متجسد في فجوة افكار وفراغ قيادات وانحسار مفاهيم‪.‬‬ ‫كما ميكن القول ان املسلمني لم يستطيعوا تطوير القيم القرآنية‬ ‫املنسجمة مع نظرة االنسان او ذات عالقة بعاملية التوجهه‪ ،‬كما‬ ‫في مفهوم االمة‪ ،‬على سبيل املثال ال احلصر‪ ،‬حيث لم يخرج‬ ‫املفهوم من بعده الفكري التاريخي القائم على دار احلرب ودار‬ ‫االسالم الى بعده االجتماعي احلضاري الستيعاب ضمن اطاره‬ ‫العالقات االجتماعية بني ابناء البشر من مسلمني واخرين‪.‬‬ ‫ويعكس االستحواذ في ذهنية الفرد واملجتمع على الداخل‬ ‫(املتشابه) عن االخر (املختلف) الداخلي او (اخلارجي)‪ ،‬مما يعزز‬ ‫االنكفاء على الذات والعزلة والشعور بالهزمية واالحباط واالذالل‬ ‫ومحاولة التعويض عنها باحلقد والكراهية كنوع من اعادة الثقة‬ ‫املفقودة بالنفس ومحاولة التغطية على حالة الضعف‪ ..‬وهذا ما‬ ‫يشتت املسلمني الى طوائف صغيرة في البلد الواحد‪ ،‬ودفعهم الى‬ ‫عصر ما قبل القبيلة عكس ما تقوم به عملية العوملة وجتمعاتها‬ ‫الكبيرة‪.‬‬ ‫وهنا تأتي الدعوة للحكومات واملجتمعات واملؤسسات واالفراد‬ ‫املسلمني في العمل حثيث ًا الفراز نظم معرفية وتربوية وتعليمية‬ ‫قائمة على العقل والتفكير املوضوعي واالبداع والتطور والبناء‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن التلقني وظاهرة الصوت واحلقد‬ ‫والتداخل مع ابناء البشر‪،‬‬ ‫والكراهية وقيم املوت واالنتحار‪ ،‬اضافة الى انشاء مؤسسات‬ ‫عصرية تعمل على تطوير خبرات االنسان وادواتها املنسجمة‬ ‫مع روح وحركة املجتمع املعاصر‪ ،‬واطالق العقل للمباشرة في‬ ‫تأسيس علوم جديدة كاصول العقل او مبادىء املعرفة او علم كالم‬ ‫جديد قائم على احملبة والتسامح وغيرها من القيم االنسانية‪،‬‬ ‫عندئذ نكون قد بدأنا املسيرة الطويلة في طريق االنفتاح والتطور‬ ‫والتكامل‬

‫د‪ .‬نجاح كاظم‬


‫متى نقبل العولمة؟‬ ‫من الضروري ترك الكتب‬ ‫المبثوثة فيها افكار‬ ‫الشقاق والضغينة والبحث‬ ‫في اعماق االسالم‬ ‫االسالم لم يرفع السيف اال‬ ‫الجل دفع المظالم عن‬ ‫االخرين ورد االيذاء عنهم‬

‫وجدان عبدالعزيز‬ ‫صحيفة «الصباح» العراقية‬

‫بعد أحداث ‪ 2001/9/11‬بات من‬ ‫املفروغ منه دراسة الفكر اإلسالمي دراسة‬ ‫عمودية والتخلي عن الدراسات األفقية‬ ‫التي أصبحت ثقيلة جدا على كاهل اإلسالم‬ ‫واملسلمني معا‪.‬‬ ‫ففي الدراسة العمودية ما يغني ويدفع الى‬ ‫التعمق من اجل الوصول إلى آللئ اإلسالم‬ ‫والتي اعتقد جازم ًا هي احللي الواجب ارتداؤها‬ ‫كي نسوغ التمسك بدالة اإلسالم ورسوله‬ ‫محمد املصطفى‪ ،‬ونبدأ بالفرضيات ثم تعميقها‬ ‫بالنصوص وفق الدرس احلديث لهذه النصوص‪،‬‬ ‫لنجد أنفسنا وجه ًا لوجه امام حقائق التجرد‬ ‫والغوص إلى األعماق من خالل الدوال املهمة‪..‬‬ ‫يقول الله تعالى‪( :‬ال إكراه في الدين قد تبني‬ ‫الرشد من الغي)‪.‬‬ ‫بعد هضم هذا النص والنزول إلى األعماق‬ ‫تكون االستقامة باجتاه تنظيف أعماق اإلنسان‬ ‫نفسه ليكون بيئة خصبة إلميان سليم مدعوما‬ ‫بقوله‪( :‬ولست عليهم مبسيطر) هنا مثلما حترر‬ ‫اإلنسان في املفهوم اإلمياني البد له إن ينشد‬ ‫احلرية لغيره وفق الوعي الذي دخله عموديا‬ ‫وصحت نفسه ورقت باحلب‪.‬‬ ‫يقول املصطفى‪( :‬ال يؤمن أحدكم حتى‬ ‫يحب الخيه ما يحب لنفسه)‪.‬‬ ‫من هذا املنطلق أدعو للثقافة العمودية في‬ ‫اإلسالم وترك كل املشعوذات واإلضافات التي‬ ‫جاءت كاجتهاد في مللمة جماعة إسالمية معينة‬ ‫ضد جماعة إسالمية أخرى‪ ،‬حيث تُفرش منابر‬ ‫العداوة بالديباج واحلرير من قبل أعداء اإلسالم‪،‬‬ ‫وتؤلف الكتب بتأصيل الفكر املتطرف ملصالح‬ ‫ضيقة ال تسعها رحاب اإلسالم الواسعة وتضيق‬ ‫بها ضرعا‪ ،‬وحينما تكون احلداثة في الدراسات‬ ‫اإلسالمية والنزول عميق ًا في لبة اإلسالم رحاب‬ ‫القرآن وجتريد الدارس احلديث من الدراسات‬ ‫األفقية املبلبلة ألساسيات املنطلق اإلمياني‬ ‫الذي دعا له القرآن الكرمي‪ ،‬حني ذاك جند‬

‫الذات اإلسالمية احلقيقية وهي تبشر باحلقوق‬ ‫وفرض الواجبات التي تالئم فطرة اإلنسان في‬ ‫تقبل احلق واخلير وااللتزام املتقابل‪.‬‬ ‫وضمن السياق العمودي يقول اإلمام‬ ‫علي (ع) عن الذين يعيشون في ظل احلكم‬ ‫اإلسالمي آنذاك‪( :‬دماؤهم كدمائنا واموالهم‬ ‫كأموالنا) ألنهم صنفان (إما أخ لك في الدين‬ ‫أو نظير لك في اخللق) وهذا قصدي في‬ ‫الدراسة العمودية أي اخلروج من النظرة الضيقة‬ ‫غير املجردة إلى نظرة تؤصل األبعاد لنموذج‬ ‫اإلنسان الذي يريد خلقه اإلسالم‪ .‬فالواجب‬ ‫التقاط ماهو يؤدي لهذا كنموذج جاذب تلتف‬ ‫حوله اجلماعة والتفر منه م ّثل احلقوق وتنفيذ‬ ‫الواجبات جتاه نفسه وجتاه اآلخرين‪ ،‬بل قد‬ ‫أكون متطرف ًا وأنا اكره هذا حينما أقول دعوة‬ ‫نصوحة في ترك مئات الكتب املبثوثة فيها‬ ‫أفكار الشقاق والضغينة والدجل والشعوذة أي‬ ‫ترك هذا والنزول مجردين إلى أعماق اإلسالم‬ ‫حتى نكون في حاضرة الدين النصوح‪ ..‬ونرى‬ ‫اللون األبيض‪ ،‬لنستعير كل ما يدمي بياضه‪،‬‬ ‫وما أحوج مناهجنا التربوية والثقافية لهذه‬ ‫الدراسات العمودية البعيدة عن ثقافة االختالف‬ ‫والعداوة لكسب ذات الذات وذات اآلخر وهو‬ ‫ً‬ ‫مضادا يجعلنا متى نقبل العوملة‬ ‫أراه لقاح ًا‬ ‫ومتى نحاججها بايجاد الدوال التاريخية التي‬ ‫تؤكد أصالة وعمق مسارنا احلضاري التسامحي‬ ‫وااللتفات إلى حقيقة املسار التاريخي للرسول‬ ‫وللخلفاء والصحابة‪ ،‬بأن اإلسالم لم يرفع‬ ‫السيف إال ألجل دفع املظالم عن اآلخرين‬ ‫ورد اإليذاء عن املسلمني ومفردات التاريخ‬ ‫احلقيقي احليادي يؤكد هذا‪ ،‬بل مفردات املنهج‬ ‫اإلسالمي في احلرب والسلم‪ ،‬وهي أدلة مبرهنة‬ ‫وثابتة ال يداخلها شك مريب‪.‬‬ ‫فمتى يكون الوعي وعيا باجلوهر ال يقبل‬ ‫ثقافة القشور والدعوات الفئوية والطائفية؟‬ ‫اعتقد حينما نكون على جادة الطريق أعاله‬ ‫‪5‬‬


‫تطوير الخطاب االسالمي في بعده االنساني‬ ‫االسالم دين يتوفر على‬ ‫قدر كبير من المرونة‬ ‫والقابلية على التعايش‬ ‫مع االخر‬ ‫حث االسالم اتباعه على‬ ‫البحث عن المشتركات‬ ‫االنسانية كأساس للتعايش‬ ‫المشترك‬

‫سعيد الشهابي‬ ‫خاص بالراصد التنويري‬

‫‪6‬‬

‫األفكار التي تخلد عبر القرون واالجيال‬ ‫هي تلك القادرة على جتديد نفسها بشكل‬ ‫متواصل‪ ،‬فال تضعف امام مستجدات الزمن‪،‬‬ ‫وال تستسلم امام ضغوط الواقع‪ ،‬وال تتراجع‬ ‫امام زحف االفكار االخرى‪ .‬وفي منظورنا فان‬ ‫الطرح الديني عموما قادر على جتديد نفسه‪.‬‬ ‫وندعي ان االسالم دين يتوفر على قدر كبير من‬ ‫املرونة والقابلية للتعايش مع اآلخر االنساني‪،‬‬ ‫والفكري والعقيدي‪ .‬وبذلك استطاع احتواء‬ ‫االجتهادات املتعددة ضمن االطر التي رسمها‪.‬‬ ‫انها اطر واسعة قادرة على استيعاب طيف‬ ‫واسع من التعددية الفكرية والفقهية بشرط ان‬ ‫يكون هناك التزام بأدب االسالم في التعامل‬ ‫مع اآلخر‪ .‬وحتتوي صحائف التاريخ مناذج‬ ‫من املمارسة االسالمية الراقية في انسانيتها‬ ‫مع املواطنني من غير املسلمني‪ .‬فمثال املناخ‬ ‫الذي كان في األندلس سمح لغير املسلمني‬ ‫بالبروز والشهرة والنبوغ‪ ،‬واتاح خلق التسامح‬ ‫االسالمي جلميع الشعوب والديانات ان تعمل‬ ‫جنبا الى جنب دون عصبية او قهر‪ .‬ويحدثنا‬ ‫التاريخ عن موسى بن ميمون الذي نشأ في‬ ‫ظل دولة املوحدين باالندلس‪ ،‬واعتنق االسالم‪،‬‬ ‫وتلقى علمه مباشرة من ابن األفلح ومن أحد‬ ‫تالميذ ابن‪ ‬الصائغ‪ .‬وتلقى من ابن رشد بشكل‬ ‫غير مباشر‪ ،‬اذ عكف على دراسة مؤلفاته ‪13‬‬ ‫عاما‪ .‬وحتى هذه اللحظة يعتبره البعض فيلسوفا‬ ‫وطبيبا اسالميا‪ ،‬بينما يعتبره اليهود منهم‪.‬‬ ‫وهذه داللة على قدرة االسالم على احتضان‬ ‫اآلخرين‪ ،‬واحترامه لقناعاتهم الدينية وعدم‬ ‫اجبارهم على تغيير دينهم‪ .‬وتشير املصادر الى‬ ‫ان ابن ميمون عندما هرب الى القاهرة اشتكى‬ ‫للحاكم من اكراه تعرض له لتغيير دينه من‬ ‫اليهودية الى االسالم‪ ،‬فسمح له احلاكم باختيار‬ ‫أحدهما ان شاء‪ ،‬فعاد الى اليهودية‪ .‬وليست‬ ‫هذه هي احلالة الوحيدة‪ .‬بل ان الطبيب حنني بن‬

‫إسحاق العبادي الذي كان مسيحيا احتضنته‬ ‫احلضارة‪ ‬االسالمية وعينه اخلليفة املأمون‬ ‫مسؤوال عن «بيت احلكمة» وديوان الترجمة‪،‬‬ ‫وكان يعطيه بعض الذهب في مقابل ما يترجمه‬ ‫الى‪ ‬العربية من الكتب‪.‬‬ ‫هذه مؤشرات لقدرة االسالم على احتضان‬ ‫غيره‪ ،‬واحترامه ضمن عقيدته‪ .‬وتؤكد السيرة ان‬ ‫االمام علي بن أبي طالب غضب كثيرا عندما‬ ‫رآى يهوديا أعمى يتسول في مكة‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫استخدمتموه في شبابه واهملتموه في كبره‪،‬‬ ‫اجعلوا له ما يسد حاجته من بيت املال‪ .‬وعلي‬ ‫هو القائل‪ :‬الناس صنفان‪ :‬اما أخ لك في الدين‬ ‫او نظير لك في اخللق‪ .‬عاملية االسالم هذه حقيقة‬ ‫في اخلطاب األسالمي‪ ،‬أكدها القرآن الكرمي في‬ ‫آياته الكثيرة التي تقول‪ :‬يا أيها الناس‪ ،‬وفي‬ ‫اعالن النبي محمد (ص) عن رسالته‪« :‬قل يا‬ ‫ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا الذي‬ ‫له ملك السماوات واالرض الاله اال هو يحيي‬ ‫ومييت فامنوا بالله ورسوله النبي االمي الذي‬ ‫يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون»‪.‬‬ ‫اما التجديد هنا فيقصد به استيعاب مقاصد‬ ‫الشريعة في ضوء املوضوعات املستجدة‪ ،‬وطرح‬ ‫خطاب او حلول قادرة على التعايش مع الواقع‬ ‫مع االحتفاظ بنقاء العقيدة والتحرك ضمن‬ ‫أطرها الشرعية‪.‬‬ ‫كيف ميكن للخطاب االسالمي املعاصر‬ ‫ان يجدد نفسه ليكون انعكاسا حقيقيا لروح‬ ‫الرسالة االسالمية‪ ،‬بعيدا عن‪ ‬الشوائب التي‬ ‫طرأت‪ ‬عليها خالل مسيرة اربعة عشر قرنا؟‬ ‫ثمة اربعة محاور اساسية ميكن ان تكون مدخال‬ ‫للتجديد املطلوب في اخلطاب االسالمي ليكون‬ ‫منسجما مع الروح احلقيقية لالسالم‪:‬‬ ‫‪1.1‬تأكيد عاملية االسالم من خالل اخلطاب‬ ‫القرآني الواضح‪ ،‬وانه عقيدة لكافة البشر‪،‬‬ ‫تتجاوز احلدود الطبيعية او املصطنعة‪،‬‬


‫ومنها العرق واللون واللسان واجلنس‪« :‬يا‬ ‫أيها الناس إ ّنا خلقناكم من ذكر وأنثى‬ ‫وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم‬ ‫عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)»‪.‬‬ ‫‪2.2‬تأكيد حرية املعتقد ملن يعيش في كنف‬ ‫الدولة االسالمية‪ ،‬وهو ممارسة كانت سائدة‬ ‫في العصور االولى لالسالم‪ ،‬عندما كان غير‬ ‫املسلمني يعملون ضمن الدولة االسالمية‬ ‫بدون ان يضطروا لتغيير عقيدتهم‪ .‬وفي‬ ‫القرآن الكرمي ما يعني على ذلك‪ ،‬خصوصا‬ ‫اآليات التي تخاطب أهل الكتاب‪ " :‬قل يا‬ ‫أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا‬ ‫التوراة واإلجنيل وما أنزل إليكم من ربكم"‬ ‫(املائدة ‪ ،)68‬وقوله تعالى‪َ " :‬ولَ ْو َأ َّن ُه ْم‬ ‫َأ َقا ُموا ال َّت ْو َرا َة َواإلنجْ َ‬ ‫ِيل َو َما ُأ ْن ِز َل ِإلَ ْيهِ ْم ِم ْن‬ ‫َر ِّبهِ ْم أل َك ُلوا ِم ْن َف ْو ِقهِ ْم َو ِم ْن تحَ ْ ِ‬ ‫ت َأ ْر ُج ِلهِ ْم"‬ ‫(املائدة ‪.)66‬‬ ‫‪3.3‬ان االسالم ال يحترم عقائد اآلخرين فحسب‪،‬‬ ‫بل مينع التعرض لدور عبادة أتباع االديان‬ ‫االخرى‪ ،‬ويحميها من االعتداء‪" :‬ولوال دفع‬ ‫الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع‬ ‫وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله‬ ‫كثيرا"‪ .‬كما مينع التعرض بالشتم والتهكم‬ ‫باآلخرين وعقائدهم‪ " :‬وال تسبوا الذين‬ ‫يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير‬ ‫علم" (األنعام‪.)108:‬‬ ‫‪4.4‬لتأكيد االخوة االنسانية‪ ،‬حث االسالم‬ ‫أتباعه على البحث عن املشتركات‬ ‫االنسانية كأساس للتعايش السلمي‬ ‫ب‬ ‫والتعامل املشترك‪ُ « :‬ق ْل َيا َأهْ َل ا ْل ِكتَا ِ‬ ‫ت َ​َعالَ ْوا ِإلَى َك ِل َم ٍة َس َو ٍاء بَ ْي َننَا َوبَ ْين َُك ْم َأال َن ْع ُبدَ‬ ‫ِإال ال َّل َه َوال ُن ْ‬ ‫شر َِك ب ِ​ِه َش ْيئًا َوال َيت َِّخ َذ بَ ْعضُنَا‬ ‫بَ ْع ً‬ ‫ضا َأ ْربَا ًبا ِم ْن ُدونِ ال َّل ِه َفإِ نْ َت َو َّل ْوا َف ُقو ُلوا‬ ‫َ‬ ‫س ِل ُمونَ »‪.‬‬ ‫ا ْش َهدُ وا بِأ َّنا ُم ْ‬ ‫‪5.5‬ان االسالم أعطى للعقل دورا رئيسيا‬ ‫في صياغة املواقف ورفض الدعاوى غير‬ ‫املؤسسة على الدليل والبرهان‪َ « ::‬و َقا ُلوا‬ ‫صا َرى‬ ‫لَ ْن َيدْ ُخ َل الجْ َ َّن َة ِإ اَّل َم ْن َكانَ هُودً ا َأ ْو َن َ‬ ‫ِت ْل َك َأ َما ِن ُّي ُه ْم ُق ْل هَاتُوا ُب ْرهَا َن ُك ْم إِنْ ُكن ُت ْم‬ ‫ص ِ‬ ‫اد ِق َ‬ ‫ني»‪ .‬وفي احلديث القدسي «أول ما‬ ‫َ‬ ‫خلق الله العقل قال له ‪ :‬أقبل فأقبل وقال‬ ‫له أدبر فأدبر قال ما خلقت خلقا أكرم علي‬ ‫منك فبك آخذ‪ ،‬وبك أعطي وبك الثواب‬ ‫وبك العقاب»‬

‫امة «ابراهيم»؟‬ ‫ليس بعيدا ً عن سؤال «العوملة» وسؤال «املسلم اليوم» ما حدث مؤخرا في‬ ‫ورشة تدريبية لدورة «النجاح في عالم متغير» في مدينة عربية‪.‬‬ ‫ففي احد التمارين ضمن حصة «البرمجة القرانية» يقوم املتدربون بقراءة‬ ‫تدبرية جماعية لاليات القرانية التي ترد فيها كلمة «االسالم» ومشتقاتها مثل‬ ‫«مسلمني»‪« ،‬اسلم»‪« ،‬مسلم» و«مسلمون»‪.‬‬ ‫ليس من اجل استنباط احكام شرعية من النص القراني امنا من اجل تشكيل‬ ‫رؤية كونية تعيد للعقل املسلم رحابته‪.‬‬ ‫انطالقا من االميان بالدور املركزي الذي يلعبه النص القراني في تاسيس العقل‬ ‫العربي – املسلم ‪ ،‬فان منهج الدورة احلريص على تنمية فعالة للشباب املسلم‬ ‫جعل اعادة الصلة بالقران الكرمي مكونا ً اساسيا ً من مكونات املادة العلمية‬ ‫للدورة‪.‬‬ ‫وعادة ما يطلب من املتدربني رصد هذه الكلمات في سورة «ال عمران» حيث‬ ‫االيتان البارزتان «ومن يبتغ غير االسالم دينا فلن يقبل منه وهو في االخرة من‬ ‫اخلاسرين» (ال عمران ‪ ،)85‬و«ان الدين عند اهلل االسالم» (ال عمران ‪ )19‬وليس خافيا ً‬ ‫ما مت حتميله لهاتني االيتني من مدلوالت عديدة ليس اخرها استغاللهما للبحث‬ ‫عن شرعية اقصاء «االخر» وطرده من «سعة رحمة اهلل»‪.‬‬ ‫وكما في الورشات االخرى‪ ،‬طلب من املشاركني رصد االيات التي تشير الى‬ ‫االسالم سعيا ً العادة تعريفه في ضوء الرؤية القرانية له‪ ،‬بعيدا ً عن حمولة‬ ‫التاريخ والتراث السياسي للمسلمني‪ .‬ودون الدخول في التفاصيل الفنية لهذا‬ ‫التمرين‪ ،‬فان اسئلة طرحتها االيات الكرمية في هذه السورة ظلت عالقة في‬ ‫اذهان اجلميع‪.‬‬ ‫االسئلة التي ظلت عالقة في االذهان هي‪ :‬ملاذا هذا التركيز على شمولية‬ ‫االسالم؟ وفيما اذا كان هذا يعني بالضرورة (افضلية) التباع محمد (ص) ام احالة‬ ‫الى (قبول االخر) و(استيعابه) االمر الذي فشلت فيه االقوام التي سبقت‪ ،‬وفيما‬ ‫اذا كان باالمكان التوفيق بني استيعاب االخر وعدم الشعور بالفوقية‪ ،‬واخيرا ً‬ ‫ما هو (االسالم) االبراهيمي الذي سبق اليهودية واملسيحية‪ ،‬وان كان ما انتجه‬ ‫املسلمون االن من تصنيف لديانتهم يخضع الشتراطات االنثروبولوجيا وحركة‬ ‫التاريخ والبعد البشري النسبي في التفاعل مع النص املقدس‪ ،‬اقرب الى (اليهودية‬ ‫والنصرانية) كما نفاهما اهلل عن ابراهيم في االية ‪ 67‬من سورة ال عمران « َما َكا َن‬ ‫سلِ ًما وَ َما َكا َن ِم َن المْ ُ ْ‬ ‫ني»‪ .‬ام‬ ‫شرِ ِك َ‬ ‫يم ي َ ُهودِيًّا وَال َ ن ْ‬ ‫َصرَانِيًّا وَلَ ِكن َكا َن َح ِني ًفا ُّم ْ‬ ‫إِبْرَا ِه ُ‬ ‫اقرب الى املفهوم القراني لالسالم؟‬ ‫اسئلة يطرحها العقل املسلم في ضوء ايات الكتاب احلكيم وفي ضوء تاريخ‬ ‫املسلمني وواقعهم‬

‫هاجر القحطاني‬ ‫مديرة البرنامج التدريبي في املنبر الدولي للحوار االسالمي‬ ‫‪Hajar@islam21.net‬‬ ‫‪7‬‬


‫اإلسالميون والمنظمات الدولية‬ ‫ثمة حاجة العادة التفكير‬ ‫والتقييم لحصيلة العقود‬ ‫الثالثة الماضية في عمل‬ ‫المنظمات الدولية‬ ‫ضرورة االنفتاح على‬ ‫التجارب الرائدة في‬ ‫التعامل مع المنظمات‬ ‫الدولية في المنطقة‬ ‫العربية‬

‫مصطفى الخلفي‬ ‫صحيفة «التجديد» املغربية‬

‫‪8‬‬

‫ثمة موقف مهيمن عند قطاع معتبر من التيارات‬ ‫اإلسالمية رافض ومحكوم بالنظرية التآمرية جتاه‬ ‫املنظمات الدولية‪ ،‬فيضعها جميع ًا في سلة واحدة‬ ‫ويناصبها العداء باعتبارها مصدر الشرور احلاصلة‬ ‫اليوم في العالم اإلسالمي‪ ،‬وإن الشواهد املدعمة لهذا‬ ‫املوقف من الكثرة التي جعلت املجادلة حوله خاسرة‪،‬‬ ‫السيما عند النظر حملصلة العديد من املؤمترات األممية‪،‬‬ ‫خاصة املتعلقة بقضايا األسرة واملرأة والسكان منها‪،‬‬ ‫حيث يبرز السعي احملموم لتوظيف آلية املنظمات‬ ‫الدولية لفرض منوذج أحادي لألسرة والقيم‪ ،‬أو عند‬ ‫النظر حلالة العجز عن صياغة قرارات عادلة في‬ ‫القضايا العربية واإلسالمية‪ ،‬بحيث أن الصورة‬ ‫النمطية السائدة هي أن هذه املنظمات ليست سوى‬ ‫أدوات في السياسة اخلارجية للقوى العظمى الغربية‬ ‫لتنميط العالم وفق رؤيتها للكون واحلياة واإلنسان‪،‬‬ ‫وذلك بغض النظر عن طبيعتها سواء منها األممية‬ ‫املتسمة مبشاركة الدول فيها‪ ،‬أو املدنية املنتهجة‬ ‫آلليات الضغط كاحلقوقية واالجتماعية‪ ،‬أو ذات الدور‬ ‫االقتصادي التدخلي كصندوق النقد الدولي‪ ،‬وأن هذا‬ ‫االختالف يؤطره التقاء موضوعي‪ ،‬وأحيانا مالي‪ ،‬مثل‬ ‫العالقة الشرطية بني االستجابة للتوصيات األممية في‬ ‫قضايا املرأة والتنمية‪ ،‬وبني القروض املمنوحة من قبل‬ ‫البنك الدولي‪.‬‬ ‫وموقف الرفض هذا واملوروث في جزء منه من‬

‫التجربة اليسارية لعقد الستينيات‪ ،‬أنتج ظاهرتني‪،‬‬ ‫األولى ظاهرة الغياب عن الفعل املباشر إال من حاالت‬ ‫استثنائية مثل جهود رابطة العالم اإلسالمي في املجال‬ ‫األممي‪ ،‬أو عند بروز فعالية املنظمات احلقوقية كمنظمة‬ ‫العفو الدولية أو منظمة «هيومن رايتس ووتش» في‬ ‫طرح قضايا االنتهاكات اجلسيمة التي تعرضت لها‬ ‫حركات إسالمية في بعض دول املغرب العربي‪ ،‬وحالة‬ ‫الغياب هاته تشهد عليها مثال محدودية الهيئات ذات‬ ‫اخللفية اإلسالمية املسجلة في املجلس االقتصادي‬ ‫واالجتماعي باألمم املتحدة‪ ،‬في حني أن الواقع يكشف‬ ‫عن حتول هذه الفضاءات إلى ساحة صراع حاد حول‬ ‫القرار والسياسات والتوصيات‪ ،‬وقسم كبير من القرار‬ ‫احمللي أو القطري في قضايا حيوية يصنع هناك‪،‬‬ ‫ليصبح دور احلكومات احمللية متابعة التنفيذ ورفع‬ ‫التقارير الدورية عن مستوى التطور‪ ،‬السيما في ظل‬ ‫التنامي امللحوظ لسطوة التقارير الدولية اخلاصة بتقدمي‬ ‫مؤشرات ترتب وضعية الدول باملقارنة مع دول أخرى‪.‬‬ ‫املثال البارز والذي نعيش آخر فصوله حاليا‪ ،‬هو‬ ‫التحضيرات اجلارية لعقد اجتماع أممي في إطار املجلس‬ ‫االقتصادي واالجتماعي خاص مبتابعة توصيات املؤمتر‬ ‫العاملي حول املرأة ببكني ‪ 1995‬والتي عقد اجتماع لها‬ ‫حتت اسم (بكني ‪ )5 +‬في ‪ 2000‬وبعدها (بكني ‪)10+‬‬ ‫في ‪ 2005‬ثم حاليا (بكني ‪ )15 +‬الذي سيعقد نهاية‬ ‫الشهر املقبل‪ ،‬والذي يكشف عن حالة من االستماتة‬


‫في توجيه النمط العام احلاكم لسياسات األسرة واملرأة‬ ‫في العالم‪ ،‬وذلك وفق سياسة اجلرعة املتدرجة‪ ،‬في حني‬ ‫بقي املوقف هو مواجهة ما يصدر عن هذه االجتماعات‬ ‫واحلفاظ على ما رفع من حتفظات‪ ،‬أما التأثير واالنفتاح‬ ‫على خبرات املنظمات الشبيهة من حيث األساس‬ ‫الديني سواء منها اإلجنيلية أو الكاثوليكية فقد بقي‬ ‫ً‬ ‫محدودا‪ ،‬واحملصلة هي أن التجاهل والغياب والتقوقع‬ ‫في خانة الرفض كان مبثابة تيسير لعمل اجلهات القائمة‬ ‫وراء التوجهات الفكرية واحلضارية للمشاريع املطروحة‪،‬‬ ‫ومما عمق منه أن حالة الرفض اكتسبت طابعا موسميا‬ ‫واحتجاجيا سهل بالتالي حتمله واحتواءه‪.‬‬ ‫ما العمل؟‬

‫الواقع أن هناك حاجة إلعادة التفكير والتقييم‬ ‫حلصيلة العقود الثالثة املاضية في هذا املجال على‬ ‫أساس أربعة محاور أساسية‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ التمييز بني املنظمات خاصة بعد بروز املنظمات‬ ‫التخصصية كمنظمة الشفافية العاملية أو منظمات‬ ‫حماية البيئة أو مناهضة العوملة والتي تعلي من شأن قيم‬ ‫إنسانية‪ ،‬وسهل حتديد نقاط التقاء ومساحات للعمل‬ ‫املشترك في الساحة الدولية‪ ،‬ونسج عالقات تواصل‬ ‫وتفاعل معها‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ دراسة خبرات التحالفات الدولية التي تنشأ‬ ‫حسب بعض احملاور كقضايا األسرة والتي جتمع‬ ‫التوجهات ذات اخللفية الدينية‪ ،‬واستيعاب خبرتها في‬ ‫التدافع القيمي على املستوى الدولي‪ ،‬وطبيعة املبادرات‬ ‫واملفردات املؤطرة الشتغالها‪.‬‬ ‫‪ 3‬ـ بناء املعرفة باآلليات الدولية في التأثير‬ ‫والتدافع وسبل الضغط وقنواته‪ ،‬واالنفتاح على‬ ‫التجارب الرائدة مثل جتربة املعهد الكاثوليكي لألسرة‬ ‫وحقوق اإلنسان ومجموعة البحث التابعة له اخلاصة‬ ‫بقضايا األسرة واملنظمات الدولية‪ .‬وفي املقابل دراسة‬ ‫جتربة بعض املنظمات ذات املاضي اليساري والتي اجته‬ ‫بعضها لالستقواء بتلك املؤسسات األممية والدولية‬ ‫الستصدار قرارات لتغيير الوضع الداخلي للدول العربية‬ ‫واإلسالمية‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ جتاوز املنطق احملافظ في التدافع في الساحة‬ ‫الدولية واكتساب منطق جتديدي يعمل على التقدم‬ ‫للمساهمة في مواجهة املشكالت اإلنسانية واملساهمة‬ ‫التي ميكن للفكر اإلسالمي املعاصر أن يقدمها في‬ ‫معاجلتها‪ ،‬مبا يساعد على جتاوز ردود الفعل الدفاعية‬ ‫واالحتجاجية‪.‬‬ ‫وهي محاور ميكن االشتغال عليها من تدشني مرحلة‬ ‫جديدة في فاعلية الهيئات ذات اخللفية اإلسالمية في‬ ‫املجال الدولي عامة واألممي خاصة‬

‫مفارقة الواقع العربي المسلم‬ ‫على غالف النسخة الفرنسية من كتاب بنجامن باربر «اجلهاد في مواجهة‬ ‫عالم ماك» وضعت صورة مفارقة تظهر امرأة ّ‬ ‫منقبة‪ ،‬ال يظهر من وجهها سوى‬ ‫عيناها املكتحلتني‪ ،‬ممسكة بعلبة «بيبسي كوال» تختزل هذه الصورة مسارين‬ ‫متعارضني‪ :‬مسار التشدد اإلسالمي ومسار عالم ماك‪ ،‬األمركة‪ ،‬وإن شئت‬ ‫العوملة‪.‬‬ ‫برز احلديث في املنطقة العربية في العقدين األخيرين احلديث عن «ضرورة‬ ‫مواجهة العوملة» ويكفي أن تكتب عبارة «اإلسالم والعوملة» في محرك البحث‬ ‫غوغل حتى يوضع بني يديك حوالي مليون نص بني «مقالة» و«رأي حر» و«ندوة» أما‬ ‫اذا كتبت العبارة نفسها باالنكليزية فسيكون ناجت البحث ضعف العدد بالعربية‪،‬‬ ‫وال يغيب حضور كتّاب عرب وباحثون عنها أيضا‪ .‬أما لو بحثنا بالفرنسية لوجدنا‬ ‫أن العدد ال يتجاوز اخلمسمائة‪ ،‬غالبيتها نصوص أو تعليقات كتبها عرب أو من‬ ‫أصول عربية‪.‬‬ ‫تنطلق مقاالت أو آراء حرة كثيرة من بني هذا العدد الهائل‪ ،‬من رؤية «إسالمية»‬ ‫تتباين درجة تشددها وقراءتها لواقعها في السياق العاملي احلاضر‪ .‬والالفت أن‬ ‫الكثير منها‪ ،‬بخاصة العربية‪ ،‬تعد «اجملتمعات» العربية «مجتمعا واحدا» لذا فهي‬ ‫تدعو‪ ،‬بنحو أو بآخر‪ ،‬هذا «اجملتمع العربي» إلى مقاومة العوملة أو رفضها بسبل‬ ‫تقترحها‪ .‬كل هذا واجملتمعات العربية‪ ،‬على تنوعها ثقافيا ً واجتماعيا ً وسياسياً‪،‬‬ ‫تستعمل نتاجات احلداثة الغربية‪ ،‬التي أشيعت بفضل العوملة‪ ،‬بخاصة وسائط‬ ‫االتصال االلكترونية‪ .‬وتكفي اإلشارة إلى أن دولة اإلمارات العربية املتحدة تعد‬ ‫اجنح أمنوذج عربي لالندماج بالعوملة‪ .‬وال تكاد دولة عربية تخلو من وجود لشركات‬ ‫متعددة اجلنسيات‪ .‬هذا هو واقعنا العربي املسلم‪ :‬مفارقة‪.‬‬ ‫الالفت أن غالبية تلك املقاالت واآلراء احلرة‪ ،‬السيما العربية‪ ،‬توحي بأنها تتعامل‬ ‫مع تعدد اجملتمعات العربية في املستويات كلها على أنها «جماعة اجتماعية‬ ‫واحدة يربطها حس مشترك وغايات وجودية واحدة‪ ،‬أي أمة ‪ ،community‬أو‬ ‫مجموعة اجتماعية متالحمة مع بعضها مرتبطة بأنشطة احلياة كلها ‪a‬‬ ‫‪ ،cluster of people‬وال تتعامل معه مبفهوم اجملتمع ‪ ،society‬الذي ينطوي على‬ ‫مفهوم التنظيم وأسلوب احلياة املنسجم والصالح العام باملعنى احلديث؛ مبعنى‬ ‫أنها تتجاهل خصائص اجملتمعات العربية املتباينة‪ ،‬بالضبط كما تريد العوملة‬ ‫تذويب تلك اخلصوصيات‪ ،‬بفتحها اجملتمعات على بعضها»‪.‬‬ ‫اجملتمعات العربية املسلمة اليوم جزء من مجتمعات العالم املتعددة وليس‬ ‫جزءا من بعضها‪ .‬لذا ال يتاح للعرب واملسلمون «نفي» هذا الواقع‪ .‬وهذا ما يحيلنا‬ ‫إلى املفارقة التي يوجدها تعارض الواقع باحللم‪ :‬واقع استعمال منتجات احلداثة‬ ‫وحلم الثقافة املتمركزة على ذاتها املنقطعة عن اآلخرين‪ .‬هذا التعارض يحيل‬ ‫دوما إلى داللة تلك الصورة على كتاب باربر‬

‫فالح حسن السوداني‬ ‫‪faleh67hassan@yahoo.com‬‬

‫‪9‬‬


‫العولمة ظاهرة وفضاء كوني معاصر‬ ‫التحوالت التي يشهدها العالم‬ ‫اجمع تشير الى انحالل عالم‬ ‫قديم وتكوين عالم جديد‬ ‫العقل العربي مدعو الى‬ ‫المساهمة بفعالية في‬ ‫المعطى العالمي الجديد عبر‬ ‫التحدي المعرفي‬

‫جاسم الصغير‬ ‫صحيفة «الصباح» العراقية‬

‫‪10‬‬

‫مير العالم أجمع بفترة انتقالية منذ سنوات ادى‬ ‫ً‬ ‫جديدا للدول‬ ‫الى ظهور انساق ميكن ان تشكل فضاء‬ ‫واملجتمعات في القرن الواحد والعشرين كظاهرة‬ ‫العوملة‪ ،‬مع ان االرهاصات لهذه التحوالت بدأت‬ ‫منذ اواسط القرن املنصرم‪ ،‬اال انها ترسخت بعد‬ ‫تسعينيات القرن املنصرم وسقوط النظام الشيوعي‬ ‫في االحتاد السوفيتي وزوال االنظمة االشتراكية في‬ ‫دول اوروبا الشرقية وظهور فضاء سياسي جديد‬ ‫للقطب الواحد املتمثل بالواليات املتحدة االميركية‬ ‫كقوى اولى ووحيدة تهيمن على العالم‪ ،‬وهي احلقيقة‬ ‫امللموسة الوقائع سواء مت قبول ذلك او رفضه‪ ،‬اال‬ ‫انها حقيقة على ارض الواقع وان تشكل العالم ما‬ ‫ً‬ ‫مستمرا ومتفاع ًال مع هذه التحوالت ومع ما‬ ‫زال‬ ‫ميليه هذا التحول ليس في واقع السياسة‪ ،‬بل في‬ ‫اندثار قيم اصبحت تشكل عبئا على املجتمعات‬ ‫واالنظمة وتشكل قيم ًا جديدة يتطلبها الواقع اجلديد‬ ‫وهي تساهم في احلداثة والتحديث التي يتطلبها هذا‬ ‫التحول للدول واملجتمعات معا‪ ،‬خاصة التي تخلفت‬ ‫عن هذا التحديث واحلداثة املطلوبة‪ .‬وحسب توصيف‬ ‫الدكتور اسماعيل قبرة «ان مستقبل البشرية خالل‬ ‫القرن الواحد والعشرين ستحدده اميركا باعتبارها‬ ‫قوة عسكرية هائلة ومجتمع ًا ديناميكي ًا‪ ،‬واليابان‬ ‫باعتبارها النموذج الكامل لالنطباع والقدرة على‬ ‫العمل اجلماعي بانسجام وتناسق» (مجلة شؤون‬ ‫عربية ـ العدد ‪ 81‬ـ آذار ‪ 1995‬ـ ص ‪.)113‬‬ ‫ان التحوالت التي يشهدها العالم اجمع تؤشر‬ ‫انحالل عالم قدمي وتكوين عالم جديد املتمثل مبرحلة‬ ‫العوملة‪ ،‬ذلك الوافد اجلديد على العالم اجمع‪ ،‬لذا‬ ‫فان العوملة رسمت وربطت جميع انساق العالئق‬ ‫في العالم واثرت في مفاهيم ومتغيرات احلياة‪،‬‬ ‫وهي ظاهرة جديدة قد استقرت على ارض الواقع بل‬ ‫وارست سماتها عليه‪ ،‬وهذا جلي جدا في العالقات‬ ‫الدولية بني الدول وتأثيرها على السيادة التي تغير‬ ‫مفهومها وشكلها مع حقبة العوملة وحتول العالم فعال‬ ‫الى قرية صغيرة يؤثر احدهما في االخر بفعل انتشار‬ ‫تقنيات العصر من ثورة تكنولوجيا كبرى واالنفتاح‬

‫االعالمي الكبير مما ساهم في اعادة تشكيل القيم‬ ‫والواقع احلياتي‪ ،‬وهذا امر اصبح واقع ًا حياتي ًا‬ ‫مألوف ًا للمجتمعات في الدول املتقدمة املوسومة بدول‬ ‫ومجتمعات الرفاه وكجزء من حتوالت ما بعد احلداثة‬ ‫وعالم سياسي جديد‪.‬‬ ‫اما احلال في اوضاعنا العربية ومجتمعاتنا املقهورة‬ ‫وهي متأثرة بالطبع بهذه الظاهرة‪ ،‬لكنه مع االسف‬ ‫الشديد التأثر املنفعل وليس التأثير الفاعل‪ ،‬النها‬ ‫لم تدخل حتى الى عالم احلداثة بعد‪ .‬فالوضع يختلف‬ ‫كليا عن تلك الصورة اجلميلة املوجودة في مجتمعات‬ ‫الرفاه املتقدمة‪ .‬فالدول واالنظمة واملجتمعات العربية‬ ‫هي في احلقيقة ما زالت بعيدة عن سيمائيات هذا‬ ‫التحول املعرفي والسياسي املتمثل بالعوملة‪ ،‬وهذا‬ ‫يعود السباب عديدة بعضها يتعلق باجلانب السياسي‬ ‫املتخلف وحضور االستبداد‪ ،‬وبعضها يتعلق باجلانب‬ ‫البنيوي لثقافتنا السياسية واالجتماعية ورسوخ‬ ‫الثقافة الغيبية واالسطورة واخلرافة‪ ،‬حيث عوامل‬ ‫التخلف والتردي حاضرة وكامنة في سرائرنا العميقة‬ ‫مع االسف الشديد‪ ،‬وهذا يحيلنا الى سؤال مهم جدا‬ ‫وهو‪ :‬ما ذكره االستاذ سهيل عروسي عن توقف‬ ‫العقل العربي او ما يسميه البعض استقالة العقل‬ ‫في التفاعل مع مفاهيم العصر وسمات ثقافتها‬ ‫املنشودة ان العوملة والثقافة التي ترافقها تتطلب ان‬ ‫تكون متسمة باملوضوعية والعقالنية‪ ،‬وهي سمات‬ ‫تنسجم مع التحديث الذي تنشده التحوالت الكبرى‬ ‫في التاريخ‪.‬‬ ‫ان العقل العربي هو مدعو الى املساهمة في‬ ‫هذا املعطى العاملي اجلديد والتحدي املعرفي املعاصر‬ ‫والسيما انها تشكل حتدي ًا تفرض ذاتها على العالم‬ ‫العربي سياسي ًا وثقافي ًا‪ .‬يقول الدكتور عبداالله‬ ‫بلقزيز ان هناك حتديات فكرية ومعرفية‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ حتد فكري‪ :‬يتلخص في ان التغيرات الهائلة‬ ‫التي تشكل العالم املعاصر مسرح ًا لها تتحرك‬ ‫بوتيرة غير اعتيادية وتطيح بكل النظم واملؤسسات‬ ‫والثوابت والقيم والعالقات املوروثة كي تعيد تشكيل‬ ‫مشهد الصراعات العاملية‪ ،‬ونسق جديد من العالقات‬


‫الدولية لم يعد مقبو ًال االستمرار في تأمل لوحة معطيات العالم‬ ‫املعاصر والعدة النظرية التقليدية واملوروثة نفسها‪.‬‬ ‫‪ -2‬حتد معرفي‪ :‬انه من باب اولى االعتراف باحلاجة‬ ‫الى بذل مجهود ابتدائي كتأسيس شرطي قبل بلوغ الهدف‬ ‫املتمثل باعادة فرضيات التحليل ومنظومات التصور‪ ،‬وليس‬ ‫ً‬ ‫جهدا معرفي ًا‪ ..‬اي ابستمولوجيا لتصحيح آلة‬ ‫ذلك اجلهد اال‬ ‫اشتغال النظر وتطوير جهاز انتاج املعرفة ونبذ النزعات النصية‬ ‫امليتافيزيقية والنزعات املطلقية الوثوقية والنزعات الرومانسية‬ ‫الثورية والتجزيئية السطحية وغيرها هي حصيلة تلك الثقافة‬ ‫واملعرفة السياسية التي اعمل فيها النظام املعرفي التقليدي‬ ‫تأليف ما بني االخالط املتنافرة (الثقافة العربية‪ ،‬امام حتدي‬ ‫البقاء ـ مجلة شؤون عربية ـ عدد‪ 79‬ـ ايلول ‪ 1994‬ص‬ ‫‪.)84‬‬ ‫اننا كي نستطيع التعامل مع العوملة كظاهرة وواقع‬ ‫حياة يجب ان منارس انزياحات فكرية في ادواتنا الذهنية‬ ‫والسلوكية‪ ،‬وان التفاعل مع معطيات العصر ومنها العوملة‬ ‫والقيم او املتغيرات اجلديدة امر لم يعد من احلكمة التهرب‬ ‫منه او دس الرأس في الرمال كما يفعل املستسلمون او ذوو‬ ‫التفكير النكوصي او الرفض لظاهرة ومناصبتها العداء وهي‬ ‫ماثلة امام اعيننا وحواسنا كما يفعل االجتاه االصولي‪ ،‬بل‬ ‫في استيعابها وفي حتديد موقعنا السليم من هذه الظاهرة‪،‬‬ ‫والتفاعل مع متغيراتها وقيمها كي نستطيع التفاعل مع‬ ‫مستجدات ومتغيرات هذا العصر يتطلب حضور الدمقرطة‬ ‫وخطابات التغيير السياسي والثقافي واالجتماعي‪ ،‬وافول‬ ‫مفهوم السيادة في عالم اصبح ال يحفل او يهتم بها انها‬ ‫التحديات التي تغير مجرى حياتنا‪ ،‬ونحن لسنا مخيرين بني‬ ‫الرفض او القبول‪ ،‬بل بني كيفية التعامل مع هذه التحديات‬ ‫وخفض مستوى الهدر في جميع شؤون حياتنا التي لم تعد‬ ‫تستوعب او حتمل أي هدر اضافي‪ ..‬والن االفعى التي ال تغير‬ ‫جلدها متوت‪ ،‬كما يعبر الشاعر ادونيس‪ ،‬ومن هنا التأكيد على‬ ‫تبني سمات العصر املاثلة اليوم كي نضمن لنا مكان ًا الئق ًا‬ ‫بني مجتمعات العالم‪ ،‬كل هذا يشكل دعوة الى كل مفكري‬ ‫االمة في املساهمة في هذا اجلهد الوطني‪ ،‬وهو يشكل امتحان ًا‬ ‫وحتدي ًا للثقافة العربية في ضرورة خوض غمار هذا التحدي‬ ‫والتفاعل معه وفي االفادة من حتوالت العصر في رفد االنسان‬ ‫بقيم العصر من مواطنة وحرية او حق االختالف الفكري وترسيخ‬ ‫الثقافة والتوجهات املدنية والتفاعل مع املعطيات العاملية‬ ‫والدولية من منظور واسع علمي ومعرفي وليس من منظور‬ ‫اخالقي ضيق‪.‬‬ ‫ان ما يأتينا من الغرب يجب رفضه باعتبار الغرب‬ ‫مصدر الشرور في نظر العرب‪ ،‬كما يوضح الكاتب الدكتور‬ ‫شاكر النابلسي‪ ،‬وان استطعنا بلوغ هذه الذهنية احلية نكون‬ ‫قد ساهمنا في تغيير الواقع املعرفي واحلياتي لالنسان نحو‬ ‫االفضل كي نرى انفسنا ونرى العالم باحلجم الطبيعي‪ ،‬كما‬ ‫يقول املفكر محمد جابر االنصاري وهذا امر نبغيه جميع ًا‬

‫المسلمون ومنهج االحتماء‬ ‫من خطر االحتواء‬ ‫يكثر في السنوات األخيرة احلديث عن إشكالياتنا االقتصادية‬ ‫والسياسية واالجتماعية الكبرى بتوصيف ال يخلو من تناقض‪ ،‬مبا‬ ‫يحدثه من تقابالت ثنائية من قبيل "اإلسالم والدميقراطية" و"اإلسالم‬ ‫والعلمانية" و"اإلسالم واحلداثة" و"اإلسالم والعوملة"‪ ..‬وبديهي ان‬ ‫اإلسالم باعتباره دينا ً سماويا ً ال يقابله عقال ً إال ما يشترك معه في‬ ‫خصائصه مثل املسيحية واليهودية مثال‪ .‬باملنطق نفسه‪ ،‬نقول إن‬ ‫احلداثة والعوملة وغيرها من املفاهيم هي مفردات اشتقت ضمن سياق‬ ‫التطور االقتصادي واالجتماعي والسياسي والثقافي لدى الغرب‪ .‬وهنا‬ ‫تكون املفارقة واضحة وجلية‪ ،‬فنحن نقارن اإلسالم املصدر بالعوملة‬ ‫يساوي املنتوج البشري‪ .‬وهي مفارقة معبرة‪ ،‬داللتها األولى واإليجابية أن‬ ‫اإلسالم هو محور اهتمام املسلمني وركيزة تفكيرهم وأساس وحدتهم‪.‬‬ ‫وداللتها السلبية أننا ال منلك اليوم مشاريع حقيقية نستطيع وضعها‬ ‫مقابل ما أنتجه اآلخر‪ .‬وتلك حيلة ابتكرناها على مدى عقود ـ بوعي أو‬ ‫بغير وعي ـ لتبرير العجز والقعود‪ .‬تبعا لهذا النهج‪ ،‬ال يبقى للمسلمني‬ ‫سوى االحتماء باإلسالم‪ ،‬إذ هو السبيل الوحيد للتحصن من نذر االحتواء‬ ‫أيا كان مصدره‪.‬‬ ‫إن املفاهيم املشتقة من سياق واقع حضاري تعبر عن حيوية هذا‬ ‫الواقع وإيجابيته‪ ،‬وعندما تنتقل إلينا تلوكها األلسنة ضمن واقع آخر‬ ‫جامد‪ ،‬فتتحول إلى لغة ميتة فاقدة لشرعية الوجود‪ .‬ولذلك مرت‬ ‫سنوات عديدة بل عقود‪ ،‬ونحن نشتغل على مفاهيم ميتة بدل مشاريع‬ ‫حية‪ .‬فراكمنا خطابات ولم نراكم جهوداً‪ ،‬فأنى لنا بالنتائج‪.‬‬ ‫إننا في غياب الفعل واحلركة املرتبطة بواقع مجتمعنا وحاجاته‬ ‫وآماله‪ ،‬ليس لنا إال أن نكون صيدا ً سهال ً ملن يحسن ذلك‪ .‬ومن قواعد‬ ‫التنمية البشرية أن من ال يخطط‪ ،‬يُخطط له‪ .‬ومن قواعد اإلبداع‬ ‫والتفكير اإلبداعي‪ ،‬التخلص من العقلية اآلبائية‪ ،‬التي ال ترى اجملد إال‬ ‫فيما صنعه األجداد‪ .‬والتي دفعت البعض بتفكيرهم السلبي اليوم‪ ،‬إلى‬ ‫التنبؤ بسقوط النظام االقتصادي الغربي‪ ،‬بدل االهتمام مبا ميكن تقدميه‬ ‫وإنتاجه‪ ،‬وهي حيلة تعفي أصحابها من االنخراط في العوملة بإيجابية‪،‬‬ ‫ومن التفكير في بدائلها أيضا‪.‬‬ ‫والعالم اليوم ال يعترف وال يهتم بنبوءات العجزة‪ ،‬وال بخطاباتهم‪،‬‬ ‫بل إنه غير معني بلغة املوتى عموما‪ .‬إنه ماض في التبشير بعوملة‪،‬‬ ‫صفتها اإليجابية واملعلنة‪ ،‬حتول العالم إلى قرية صغيرة‪ ،‬وصفتها‬ ‫اخلفية واملضمرة‪ ،‬أن العالم يتحول إلى امبراطورية كبيرة‪ .‬ال مكان فيها‬ ‫ملن يتحدث عما يحدث‪ ،‬بل ملن يصنع ما يحدث‪ ،‬أو على األقل يساهم‬ ‫فيه‬

‫عبداللطيف طريب‬

‫‪taribabd@yahoo.fr‬‬ ‫‪11‬‬


‫عالم معولم حقا!‬ ‫نشاطات التجار‬ ‫والمستكشفين‬ ‫العرب والمسلمين‬ ‫في العصر العباسي‬ ‫وعالقاتهم مع‬ ‫العالم القديم كانت‬ ‫مثاال للعولمة‬ ‫اجتياز األفكار واأللسن‬ ‫والثقافة الشعبية‬ ‫للحدود الوطنية أحد‬ ‫ابرز وجوه العولمة‬ ‫في عصرنا الراهن‬

‫فالح فزع‬ ‫خاص بالراصد التنويري‬

‫‪12‬‬

‫اتسع مفهوم العوملة بسبب تعدد أوجه املجاالت‬ ‫التي تطالها‪ .‬كان هذا املفهوم يقتصر إلى حد ما على‬ ‫السياق االقتصادي من خالل وصفه انفتاح اقتصادات‬ ‫العالم على بعضها (التبادل التجاري‪ ،‬واالستثمار‪،‬‬ ‫وانتقال األيدي العاملة‪ ،‬وما إلى ذلك)‪ ،‬ثم سرعان‬ ‫ما متدد ليعني «تكامل» أو «اندماج» مجتمعات‬ ‫العالم وثقافاته مع بعضها بفضل االقتصاد أيضا‬ ‫وتطور شبكات االتصاالت‪ .‬بل أن بعض الكتّاب‬ ‫والباحثني وجد في نشاطات التجار واملستكشفني‬ ‫العرب واملسلمني في العصر العباسي وعالقاتهم‬ ‫مع العالم القدمي مثاال عن وجه من وجوه العوملة‪،‬‬ ‫فضال عن أن الضرورة النسبية لتعلم العربية‪ ،‬بالنسبة‬ ‫للمسلم غير العربي‪ ،‬وأداء احلج قد أوجدت نوعا من‬ ‫الثقافة الكوزموبوليتية‪.‬‬ ‫إال أن موسوعات كثيرة معنية ترى في العوملة‬ ‫اشتغال جملة عوامل (اقتصادية‪ ،‬تكنولوجية‪،‬‬ ‫سوسيوثقافية‪ ،‬سياسية‪ ،‬وبيولوجية) وال تغفل‪ ،‬بل‬ ‫قل أن بعضها يشدد على تخطي األفكار واأللسن‬ ‫والثقافة الشعبية (ما يطلق عليه باملثاقفة) للحدود‬ ‫الوطنية كأحد ابرز وجوه العوملة في عصرنا الراهن‪.‬‬ ‫على أساس هذا املفهوم األخير صار كثيرون يصفون‬ ‫عاملنا الراهن بالقرية الكونية كتشديد على أن أجزاء‬ ‫ً‬ ‫واحدا‬ ‫العالم املختلفة كلها تشكل مجتمع ًا إنساني ًا‬ ‫مرتبط باالتصاالت االلكترونية‪ ،‬ال سيما االنترنت‪.‬‬ ‫أي أن هناك عوملة قدمية وأخرى حديثة‪ .‬هذا على‬ ‫سبيل محاولة التعريف وليس النظر النقدي‪.‬‬ ‫على وفق هذه الفكرة‪ ،‬ليس هناك من تعارض‬ ‫ظاهر أو «صدام» مباشر بني الثقافات‪ ،‬ومن بينها‬ ‫ثقافات املسلمني‪ .‬لذا يتجه كتّاب ومفكرون إلى‬ ‫معارضة «العوملة» بـ «النزعة اجلهادية»‪.‬‬ ‫في آذار (مارس) من العام ‪ ،1992‬كتب عالم‬ ‫السياسة األميركي‪ ،‬بينجامن باربر‪ ،‬مقاال في مجلة‬ ‫اتالنتك بعنوان «اجلهاد في مقابل عالم ماك»‪،‬‬ ‫(طور أفكاره في كتاب بالعنوان نفسه ونشر في‬ ‫العام ‪ )1995‬رأى فيه أن هناك مستقبالن محتمالن‬ ‫وراء ما كان يحدث كالهما «بائس» وغير دميقراطي‪.‬‬ ‫أما األول‪ ،‬حسب ما يعتقد‪ ،‬فهو إعادة توزيع جموع‬ ‫البشر على قبائل من خالل احلرب وسفك الدماء؛‬ ‫وهذا يعني تهديدا بلبننة دول تتخندق فيها ثقافة‬ ‫ضد ثقافة‪ ،‬شعب ضد شعب‪ ،‬عشيرة ضد عشيرة ـ‬ ‫أي جهاد باسم عقائد مفهومة فهما ضيقا ضد أي‬

‫نوع من أنواع التكافل‪ ،‬أي نوع من أنواع التعاون‬ ‫االجتماعي والتبادلية املدنية‪ .‬أما الثاني فهو اندفاع‬ ‫القوى االقتصادية والبيئية التي تلحف باالندماج‬ ‫والتشاكل‪ ،‬وتخدر العالم مبوسيقى سريعة وكومبيوترات‬ ‫سريعة ووجبات سريعة ـ بوجود محطة (ام تي في)‬ ‫وماكنتوش وماكدونالد‪ ،‬التي تدفع الشعوب إلى‬ ‫شبكة عاملية متجانسة جتاريا‪ ،‬أي عالم ماك واحد‬ ‫مشدود إلى بعضه بالتكنولوجيا والبيئة واالتصاالت‬ ‫والتجارة»‪ .‬ويطلق باربر على هذين املسارين «قوى‬ ‫اجلهاد ‪ »forces of Jihad‬و«قوى عالم ماك‬ ‫‪ »forces of McWorld‬اللذان يراهما يشتغالن‬ ‫بشدة متوازية واجتاهات متعارضة‪ ،‬األول تسوقه‬ ‫بغضاء ضيقة أفق‪ ،‬والثاني تعميم األسواق‪ ،‬األول‬ ‫يعيد إنشاء احلدود األثنية واإلقليمية القدمية التي‬ ‫كانت قائمة في الدولة نفسها‪ ،‬واألخر يجعل من‬ ‫احلدود الوطنية هشة سهلة االختراق من اخلارج‪ .‬ويقول‬ ‫إن هناك شيئا واحدا مشترك بني املسارين إال وهو أن‬ ‫أيا منهما ال يقدم أمال للمواطنني املتطلعني إلى سبل‬ ‫عملية حلكم أنفسهم دميقراطيا‪ .‬فإذا كان مستقبل‬ ‫العالم يتمثل بتباري زوبعة اجلهاد الطاردة عن املركز‬ ‫ضد ثقب عالم ماك األسود املندفع نحو املركز‪ ،‬فال‬ ‫يرجح أن تكون النتيجة دميقراطية‪.‬‬ ‫في العام ‪ ،2002‬كتب عالم السياسة‪ ،‬جوزف‬ ‫ناي‪ ،‬مقاال يعارض فيه «العاملية» بـ «العوملة» ليع ّرف‬ ‫العوملة بنقيضها؛ وكيف أن كال من هذين املفهومني‬ ‫يصوغان عاملنا الراهن‪ .‬يرى ناي أن العاملية تصف‬ ‫واقع الترابط أو االتصال‪ ،‬بينما العوملة تستحوذ على‬ ‫السرعة التي بها تتزايد هذه االتصاالت أو تنخفض‪.‬‬ ‫وعلى سبيل املعارضة بني املفهومني‪ ،‬يقول إن‬ ‫العوملة تشير إلى زيادة درجة العاملية أو انخفاضها‪.‬‬ ‫وهي تركز على قوى هذه التغيرات أو ديناميتها أو‬ ‫سرعتها‪ .‬ويعتقد أن العاملية ظاهرة لها جذور قدمية‪.‬‬ ‫لذا فاملسألة ال تتعلق بقدم العاملية‪ ،‬إمنا باألحرى مبدى‬ ‫«ضعفها» أو «سمكها»‪ .‬ويضرب مثال عن العاملية‬ ‫الضعيفة أو الهزيلة بـ «طريق احلرير»‪ ،‬الذي كان يوفر‬ ‫رابطة اقتصادية وثقافية بني أوروبا القدمية واسيا‪ .‬أما‬ ‫التحول من العاملية الضعيفة إلى العاملية السميكة‬ ‫فيتمثل بالعوملة ـ وان مدى سرعة وصولنا إلى ذلك‬ ‫ميثل معدل العوملة‪.‬‬ ‫املمتع أننا اشترينا احد الكتب املذكورة هنا عبر‬ ‫االنترنت!‬


‫االسالم والعولمة‬ ‫االسالم اقرب الى‬ ‫العالمية الن القرآن‬ ‫اشتمل على ايات‬ ‫عدة تحمل معان‬ ‫ومقاصد شمولية‬ ‫عالمية في غاياتها‬ ‫رفض العولمة‬ ‫في العالم العربي‬ ‫واالسالمي بني على‬ ‫منطلقات واعتبارات‬ ‫سياسية خاطئة‬

‫د‪ .‬غالي عودة‬ ‫موقع «جراسا نيوز» االلكتروني‬

‫لقد وقف فريق من املسلمني موقفا سلبيا جتاه‬ ‫«العوملة» حتسبا لتأثير ال حتمد عقباه على اإلسالم‬ ‫يحمله هذا التعبير‪ .‬لكنه قد فات هذا الفريق أن‬ ‫اإلسالم هو الدين املعولم منذ نزول الرسالة على‬ ‫محمد (ص) مبكة واملدينة قبل ما ينوف على اربعة‬ ‫عشر قرنا‪ .‬ولقد سمعنا تعبيرات مثل «اإلرهاب‬ ‫اإلسالمي» و«التعصب اإلسالمي» و«التطرف‬ ‫اإلسالمي»‪ ،‬لكن لم يكن هناك أي إشارة إلى‬ ‫«عوملة إسالمية» أي أن مناهضي اإلسالم لم‬ ‫يتهموه بـ»العوملة» مطلقا‪ ،‬ألنها ميزة إسالمية‬ ‫إيجابية وخاصية إسالمية بال منازع‪ .‬وهنا ال بد‬ ‫من اإلشارة إلى أن املسيحية أيضا تشارك اإلسالم‬ ‫خاصية العوملة إلى حد ما كما سنرى‪ .‬‬ ‫وقد تكررت اإلشارة إلى عوملة اإلسالم في كثير‬ ‫من اآليات القرآنية‪ ،‬وميكن استنباط هذا املفهوم‬ ‫من سلسلة من اآليات التي تشير إلى أن هدف‬ ‫الرسالة هو البشرية قاطبة‪ ،‬أي أن الرسالة فوق‬ ‫العاملية وسبقت باتساعها الالمحدود مفهوم العوملة‬ ‫بقرون عدة‪.‬‬ ‫ظاهرة العوملة التي ترددها وسائل اإلعالم جميعا‪،‬‬ ‫عن وعي أحيان ًا أو دون وعي أحيان ًا كثيرة‪ ،‬ليست‬ ‫استراتيجية سرية أو أجندة خفية صممتها قوة ما‪،‬‬ ‫أو تآلف قوى معينة بهدف حتقيق مصالح عسكرية‬ ‫أو اقتصادية أو تكنولوجية أو أمنية خاصة‪ .‬جاءت‬ ‫هذه الظاهرة التي عرفت باللغة العربية بـ «العوملة»‬ ‫نتيجة لتطورات عاملية فاقت طاقة أي دولة أو‬ ‫مجموعة دول مهما عظمت قوتها‪.‬‬ ‫هذه الظاهرة تزامنت مع التطور التكنولوجي‬ ‫الهائل الذي اجتاح العالم وتزامن مع انهيار‬ ‫االحتاد السوفييتي‪ ،‬وثورة وسائل االتصال التي‬ ‫غطت وربطت كافة أرجاء املعمورة عبر اإلنترنت‬ ‫والتليفونات اخللوية‪ ،‬وغطت عاملنا بالبث الفضائي‬ ‫التلفزيوني واإلذاعي‪ ،‬بحيث لم يعد على ظهر الكرة‬ ‫األرضية مكان ال يستطيع اإلنسان االتصال منه‬ ‫ببقية أرجاء املعمورة بسهولة ويسر كاملني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫لم تأت العوملة بالترابط العاملي سياسيا أو‬ ‫اقتصادي ًا فقط‪ ،‬بل أمني ًا وبيئي ًا وصحي ًا وفي كل‬ ‫جزئية من حياة األفراد واألمم‪ .‬كما جاءت مبنظومة‬

‫قوانني غير مكتوبة فرضت نفسها على الدول‬ ‫جميعا‪ ،‬كبيرها وصغيرها‪ ،‬غن ِّيها وفقيرها‪ .‬وللمرة‬ ‫األولى في تاريخ البشرية‪ ،‬نرى التزام ًا وتضامن ًا‬ ‫معوملني للحيلولة دون اإلضرار بالبيئة‪ ،‬أو انتشار‬ ‫األوبئة الفتاكة كالسارس واإليبوال وإنفلونزا اخلنازير‬ ‫وحمى الطيور واإليدز‪ ..‬هذه األمراض أصبحت‬ ‫عابرة للحدود في عالم بلغت عوملته أن يشار إليه بـ‬ ‫«قرية صغيرة» حق ًا‪.‬‬ ‫العوملة‪ ،‬بهذا املنظور اإلنساني‪ ،‬ليست غريبة‬ ‫أو جديدة على اإلسالم‪ ،‬وليست مرفوضة إسالمي ًا‪،‬‬ ‫ولكن يبدو أنها جديدة ومرفوضة لدى فريق من‬ ‫املسلمني فوجئ بالتعبير غير النمطي «عوملة»‪،‬‬ ‫تبعه جهل وإغفال واضحني خلصائص التعاليم‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬ولعمق وإحاطة الرسالة اإلسالمية‬ ‫السمحاء‪ ،‬واهتمامها ليس بشأن أمة معينة بل‬ ‫بشؤون األمم‪ ،‬وأبعد من ذلك بشؤون «العاملني»‪،‬‬ ‫أي ما نعرف من املخلوقات وما ال نعلم عنه شيئا‬ ‫بعد‪.‬‬ ‫إن العوملة أو الكوننة أو غيرها من البدائل‬ ‫واملشتقات اللغوية العربية قصد بها الكرة األرضية‪.‬‬ ‫إن لفظة العوملة تلك ال تختلف في شيئ من معانيها‬ ‫عن كلمة «عابرا لألمم» أو دوليا‪ ،‬التي لم يرفضها‬ ‫املسلمون حني ظهرت في بداية القرن العشرين‪ ،‬أو‬ ‫حني ملعت كتعبير مدهش في السياسة الدولية بعد‬ ‫احلرب العاملية الثانية‪ .‬الفرق بني الكلمتني يكمن‬ ‫فقط في اشتقاقهما من أصلني مختلفني‪ .‬رسالة‬ ‫اإلسالم أكبر وأوسع من كلتي اللفظتني ومعنياهما‪،‬‬ ‫ألنها ليست رسالة لعاملنا فقط‪ ،‬بل رسالة للبشر‬ ‫على هذه األرض‪ ،‬وملن هم في األكوان واألفالك‬ ‫األخرى‪ ،‬وهي رسالة لكل زمان ومكان أيضا‪ .‬رسالة‬ ‫للمخلوقات جمعاء في احلياة الدنيا وفي اآلخرة‪.‬‬ ‫جاءت الرسالة موجهة إلى مخلوقات أخرى‬ ‫غير اإلنسان‪ ،‬مثل اجلن‪« :‬وما خلقت اإلنس واجلن‬ ‫إال ليعبدون» (الذاريات‪ ،)56 ،‬وفي شمولية هذه‬ ‫اآلية ذروة العوملة اإلسالمية التي جاءت بها الرسالة‬ ‫الغراء قبل أربعة عشر قرنا‪ ،‬حني كانت البشرية‬ ‫عاجزة عن تصور مدى التشابك والترابط بني األمم‬ ‫واملخلوقات‪ ،‬وقبل أن يكتشف اإلنسان وسائل‬ ‫‪13‬‬


‫االتصال السلكي والالسلكي‪ ،‬وقبل اكتشاف‬ ‫وسائل املواصالت احلديثة التي قصرت املسافات‬ ‫كالطائرات والسفن والسيارات‪ ،‬وقبل أن يبدأ‬ ‫اإلنسان غزو الكواكب‪.‬‬ ‫وحقيقة أن اإلسالم كعقيدة دينية عاملية‪ ،‬أو‬ ‫معوملة‪ ،‬ال يتعامل فقط مع عالم اإلنسان الداخلي‪،‬‬ ‫عقيدته وآخرته وسلوكه؛ بل وعامله الدنيوي‪ :‬شؤونه‬ ‫السياسية واالقتصادية واحلياتية بشكل عام‪.‬‬ ‫عقيدة جاءت للبشر كافة ولإلنسانية جمعاء‪ ،‬وال‬ ‫تناقض بني املدى الرسالي اإلسالمي وبني بزوغ‬ ‫«نظام عاملي جديد» أو ظاهرة جديدة كـ «العوملة»‪،‬‬ ‫ألن اإلسالم يعلن ويسعى إلى أن يكون هو ذلك‬ ‫النظام العاملي اجلديد العادل مع دخول البشر‬ ‫كافة فيه واعتناقهم ملبادئه وقبولهم لتعاليمه‪،‬‬ ‫واالنضواء حتت شريعته السمحاء‪ .‬هذه اخلاصية‬ ‫اإلسالمية العاملية هي «العوملة» احلقيقية التي‬ ‫يشترك فيها اإلسالم واملسيحية أكثر من أي دين‬ ‫آخر‪ .‬فهنا في هاتني الديانتني جند أن «مؤسسة‬ ‫الدعوة» في اإلسالم و «مؤسسة التبشير» في‬ ‫املسيحية من أقوى وأنشط املؤسسات‪ ،‬وهما‬ ‫نشاطان مشروعان في الديانتني‪ ،‬كل منهما يحث‬ ‫أتباعه للقيام بالدعوة والتبشير بالشكل الذي يراه‬ ‫مناسبا‪ .‬وهما‪ ،‬أي الدعوة والتبشير‪ ،‬هما اآلليتني‬ ‫اللتني أدتا بالديانتني لالحتكاك والتصادم نتيجة‬ ‫سعيهما لالمتداد والتوسع واالنتشار عاملي ًا‪ ،‬أي‬ ‫سعيا لبلوغ مرحلة «العوملة»‪.‬‬ ‫وليس مستغربا أن يكون اإلسالم أقرب للعاملية‬ ‫أو العوملة‪ ،‬رغم حتفظ أو رفض بعض املسلمني‬ ‫للعوملة‪ ،‬ألن القرآن قد اشتمل على العديد من‬ ‫اآليات التي تنزلت حتمل معان ومقاصد شمولية‬ ‫عاملية في غاياتها إلى أقصى احلدود‪ .‬فهي‬ ‫تخاطب بني اإلنسان بغض النظر عن انتماؤهم‬ ‫القومي أو العرقي أو معتقداتهم‪ .‬وقد وصف القرآن‬ ‫الرسول بأنه أرسل للعاملني كافة؛ «وما أرسلناك إال‬ ‫رحمة للعاملني» (األنبياء‪« ،)107 ،‬وما أرسلناك‬ ‫إال كافة للناس بشيرا ونذيرا» (سبأ ‪ .)28‬من‬ ‫هاتني اآليتني يتضح جليا أن الرسالة السمحاء ال‬ ‫تخاطب بني البشر بل مخلوقات أخرى‪ .‬ولم تتوقف‬ ‫عند هذا احلد‪ ،‬بل سمت فوق ذلك وغزت عوالم‬ ‫أخرى‪ ،‬ال يحيط بها اإلنسان‪ ،‬مبخاطبتها اخلليقة‬ ‫بأسرها‪.‬‬ ‫التجديد واالجتهاد في اإلسالم يشكالن عملية‬ ‫دينامكية ال تتوقف‪ ،‬ألنه في توقف تلك العملية‬ ‫جتميد حلقيقة أن اإلسالم هو «الوحي األخير»‪ ،‬أو‬ ‫‪14‬‬

‫أنه مواكب جلميع العصور‪ ،‬وأن الرسالة األخيرة‪ ،‬أو‬ ‫النداء اإللهي األخير‪ ،‬يجب أن يعم عاملنا الصغير‪،‬‬ ‫وكوننا احملدود بالسماء الدنيا‪ .‬هذا اجلديد أو‬ ‫التجدد في اإلسالم ميكن تلمسه في االجتهاد‬ ‫والتأويل والتفسير‪ ،‬تلك املعاول الفكرية التي تفتح‬ ‫اآلفاق لفهم النصوص وإدراك ا ِحل َكم والتعاليم التي‬ ‫جاء بها دين الفطرة‪ .‬وبالتالي فإن الرفض الذي‬ ‫جوبهت به الدعوة إلى نظام عاملي جديد من ناحية‪،‬‬ ‫أو مفهوم العوملة في العالم العربي واإلسالمي‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬هي رفوض باطلة‪ ،‬ألنها قامت‬ ‫على حجج واهية مرجتلة‪ ،‬حجج وذرائع تتعارض‬ ‫الرسالي الرحيب‪ ،‬واالمتداد‬ ‫مع املدى اإلسالمي‬ ‫ْ‬ ‫الكوني لإلسالم‪ ،‬والتعاليم اإلسالمية التي لم ُت َنزَّل‬ ‫ملخاطبة أمة بعينها‪ ،‬بل نزلت تخاطب كافة األمم‪،‬‬ ‫وذهبت مذهب ًا أشمل وأعم من ذلك‪ ،‬تنزلت للعاملني‬ ‫سواء كانوا من اإلنس أو اجلن أو غير هذين‬ ‫اجلنسني من مخلوقات كما تشير كثير من اآليات؛‬ ‫«إن هو إال ذكر للعاملني» (يوسف ‪ .)104‬إن‬ ‫الرفض الذي أبداه بعض املسلمني‪ ،‬ال يشير لشيء‬ ‫سوى التخوف املقرون باحلرص والنية احلسنة‪ ،‬لكنه‬ ‫يشير أيضا إلى عجز عن استيعاب قدرة اإلسالم‬ ‫على مواكبة واحتواء املفاهيم واألفكار واملستجدات‬ ‫التي تبلغها البشرية بحكم تطورها وارتقائها‪.‬‬ ‫إن الشمولية واإلحاطة التي متيزت بهما رسالة‬ ‫اإلسالم تبدو معها كلمة «عاملية» أو «عوملة»‬ ‫محدودة وقاصرة أمام الداللة واإلشارة واملدى‬ ‫الذي تقصده وتسعى إليه رسالة اإلسالم كهدى‬ ‫للعاملني‪.‬‬ ‫ولرؤية الداللة العظمى للفظة العاملني ال بد‬ ‫للقارئ من مراجعة اخلطاب اإلسالمي العاملي‬ ‫وتكرار تلك اللفظة في سياقات شاسعة املعنى‬ ‫واملدلول في سور وآيات متعددة‪ .‬كما أن طبيعة‬ ‫اإلسالم العاملية أو املعوملة إلهيا منذ بدء اخلليقة‪،‬‬ ‫تبدو أجلى ما ميكن في رحابتها من خالل البشرى‬ ‫التي جاء بها القرآن الكرمي‪« :‬ولقد كرمنا بني آدم»‬ ‫(اإلسراء ‪ .)70‬هنا يبدو املقصد اإللهي الشمولي‬ ‫األعم في كامل جالئه‪ ،‬فالتكرمي ليس ألمة أو‬ ‫جلماعة بل لبني آدم‪ .‬أو هل هناك عوملة تقارب في‬ ‫أفقها هذه احلقيقة التي بشرت بها رسالة اإلسالم؟‬ ‫كرمنا بني آدم على إطالق املعنى وجزالة املدلول‪.‬‬ ‫هذا االتساع الذي ال يقاوم لم يقصد به املسلمون‬ ‫أو املسيحيون أو اليهود أو البوذيون‪ ،‬بل تكرمي‬ ‫اإلنسان‪ ،‬أو اجلنس البشري‪.‬‬ ‫أال تبدو العوملة محدوة أمام هذا االنطالق‬

‫الكوني في املعنى واملقصود؟ ملاذا نرفض العوملة‬ ‫معللني رفضنا باحلرص على الدين؟ إن رفضنا ال‬ ‫يعدو أن يكون منبعه كامنا في قصور معرفتنا‬ ‫وليس قصورا في ديننا‪« .‬اإلسالم دين الفطرة»‪،‬‬ ‫هذه عوملة إسالمية‪ ،‬وهذا املعنى هو احلصن املتني‬ ‫الذي يذيب التخوف على اإلسالم‪ ،‬ويفتح الطريق‬ ‫المتداد دين الفطرة والتسامح واحملبة والرأفة‬ ‫باإلنسان واحليوان والطبيعة بأكملها‪.‬‬ ‫من املؤكد أن التحفظ أو رفض النظام العاملي‬ ‫اجلديد والعوملة في العالم العربي واإلسالمي بني‬ ‫على مفاهيم ومنطلقات واعتبارات وتفسيرات‬ ‫سياسية خاطئة‪ ،‬تقوم في كثير من جوانبها على‬ ‫قناعات فردية ـ شخصية ـ ايديولوجية ـ وضعية‪،‬‬ ‫وبعبارة أكثر مباشرة لم تكن مبنية على أسس‬ ‫عقالنية أو عقيدية تتجلى فيها األسس اإلنسانية‬ ‫ـ اإلسالمية‪ .‬ألن األسس العقائدية‪ ،‬أو العقيدية‬ ‫اإلسالمية هي العاملية والعقالنية في أصولها‬ ‫وطبيعتها‪ .‬تنبع عقالنيتها من اآليات التي ال‬ ‫حصر لها تدعو اإلنسان للتعقل والتفقه والتبصر‬ ‫والتأمل في الكون واخلليقة‪ ،‬ومبادئ الرسالة‬ ‫السرمدية املتجددة ً‬ ‫أبدا‪.‬‬ ‫وقد أعطت السنوات العشر املاضية لقضية‬ ‫العوملة أبعادا ذات طبيعة مباشرة ومالمسة للحياة‬ ‫السياسية والدينية واالقتصادية والعسكرية‬ ‫والبيئية والصحية واألمنية‪ ،‬حتى أنه لم يعد في‬ ‫العالم مكان محصن أمام أي كارثة تقع في أي‬ ‫مكان في أي قارة في العالم‪ .‬إن هذا الترابط‬ ‫الكوني لم يخرج في ذرة من محتواه عن رسالة‬ ‫اإلسالم ودعوته للتضامن البشري الذي يفوق في‬ ‫أبعاده املباشرة وغير املباشرة لفظة «العوملة»‪.‬‬ ‫هذه العوملة اإلسالمية بسخاء وجزالة مفاهيمها‬ ‫تقود إلى نشر السالم واألمن والتعاون والتضامن‬ ‫بني البشر انطالقا من مبدأ التعارف بني بني‬ ‫اإلنسان‪« ،‬وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا‪»...‬‬ ‫(احلجرات ‪ .)13‬هذا املبدأ بحد ذاته قيمة أخالقية‬ ‫رفيعة‪ ،‬يحفز عوامل هامة وضرورية الستقامة احلياة‬ ‫اإلنسانية التي من أبرزها‪ :‬وحدة املصالح البشرية‪،‬‬ ‫واملصير البشري املشترك‪ ،‬والتفاهم والتسامح‬ ‫اإلنساني‪ .‬وتذهب العوملة اإلسالمية مذهبا ابعد‬ ‫من ذلك‪« :‬وال تستوي احلسنة وال السيئة ادفع‬ ‫بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه‬ ‫ولي حميم» (فصلت ‪ .)34‬إن التمعن في هذه‬ ‫اآلية الكرمية يكشف لنا دبلوماسية إسالمية ال‬ ‫تُقاوم‪ ،‬ومعاول نصر متصل يقوم على التسامح‬


‫والرحمة والتفاهم واأللفة‪ ،‬وليس على التطرف‬ ‫واالغتيال والعنف ورفض اآلخر عشوائي ًا‪.‬‬ ‫إن ما حدث في الواليات املتحدة األمريكية‬ ‫في احلادي عشر من سبتمبر ‪ ،2001‬وتكرر حدوثه‬ ‫في أوروبا وإفريقيا‪ ،‬وأيضا في العاملني العربي‬ ‫واإلسالمي من أعمال عشوائية إرهابية حملت‬ ‫إساءة لإلسالم وللمسلمني بقدر ما حملت من آالم‬ ‫وأضرار للشعوب التي استهدفتها‪ .‬تساءل عن هذه‬ ‫الكارثة أحد املسلمني اإلجنليز باستغراب شديد‬ ‫فقال في كتاب بعنوان‪ :‬اإلسالم واحلوار الكوني‬ ‫(أو العوملي) «أمام هذا الرقم املرعب من القتلى‬ ‫املدنيني‪ ،‬كيف ميكننا قياس املعاناة البشرية؟»‬ ‫أليس في تلك املمارسات ما يتناقض مع اإلرشاد‬ ‫القرآني الذي يقول‪« :‬من قتل نفسا بغير نفس أو‬ ‫فساد في األرض فكأمنا قتل الناس جميعا‪ ،‬ومن‬ ‫أحياها فكأمنا أحيا الناس جميعا» (املائدة‪)32 ،‬؟‬ ‫أليس في تلك املمارسات خروجا على اإلرشاد‬ ‫العلوي «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك‬ ‫وبينه عداوة كأنه ولي حميم»‪.‬‬ ‫ال ميكن إنكار أنه قد وقعت في عصور سابقة‬ ‫أفعال واعتداءات إرهابية مماثلة في مسوغاتها‬ ‫ووسائلها وغاياتها قام بها أوروبيون وآسيويون‬ ‫ضد أمم مختلفة‪ ،‬قوبلت بالشجب واالستهجان‬ ‫والرفض حتى لدى من قام بها‪ .‬وال ميكن النظر‬ ‫إلى احلروب الصليبية وتفسير أغراضها وغاياتها‬ ‫إال من منظور االعتداء وجتاوز أبسط األعراف‬ ‫والقواعد اإلنسانية‪ .‬‬ ‫إن رفض العنف واستهجانه اللذين أجمع العالم‬ ‫عليهما ليسا إال جزءا من مدلول «دين الفطرة»‬ ‫الذي تنزل لإلنسان البسيط والعا ِلم والفيلسوف‬ ‫دومنا أي فرق بينهم‪ .‬‬ ‫إن اختطاف اإلسالم وارتهانه‪ ،‬والتحدث‬ ‫باسمه وحتريف تعاليمه السمحاء شر يجب على‬ ‫كل مسلم التصدي له‪ ،‬وفضح أمره وسوء غرضه‪،‬‬ ‫ومقاومته باليد‪ ،‬أو باللسان‪ ،‬أو بالقلب‪ ،‬ألنه‬ ‫منكر غريب عن الدين والرسالة الغراء‪ .‬إن مقاومة‬ ‫االنحراف نحو العنف والتطرف يأتي استجابة‬ ‫لدعوة الرسول الكرمي‪« :‬من رأى منكم منكرا‬ ‫فليغيره بيده‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم‬ ‫يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك أضعف اإلميان»‪ .‬هذا النداء‬ ‫للتغيير هو عاملي بحد ذاته‪ ،‬ألنه إرشاد للبشرية‪،‬‬ ‫وتتساوى في منظوره وتعاليمه كافة املجتمعات‪.‬‬ ‫هذا التغيير في جوهره يعنى اإلصالح والسلم‬ ‫والعدالة في العالم بأسره‬

‫متابعات عراقية‬ ‫•‬

‫ نظم منتدى الفكر اإلسالمي في كردستان‪ ،‬ندوة حول «التجديد في قضايا‬ ‫فكرية معاصرة» ضمت بحوثا تناولت موضوعات متنوعة أبرزها املوقف‬ ‫اإلسالمي من العوملة والتعايش بني األديان في كردستان ومحاربة الفكر‬ ‫املتطرف ومبشاركة العديد من الباحثني واألكادمييني في الشأن اإلسالمي‪.‬‬ ‫ وقال الدكتور عرفات كرم األمني العام ملنتدى الفكر اإلسالمي إن «العديد من‬ ‫البحوث طرحت في الندوة حول املنهج الفكري ملنتدى الفكر اإلسالمي في‬ ‫إقليم كردستان واملوقف اإلسالمي جتاه اخملتلفني في الدين وكيفية التعامل‬ ‫مع العوملة من منظور إسالمي»‪.‬‬ ‫ وأشار إلى إن املنتدى يسعى من خالل هذه الندوات «محاربة الفكر املتطرف‬ ‫في اإلقليم»‪ .‬يذكر أن املنتدى الفكر اإلسالمي هو مؤسسة فكرية مستقلة‬ ‫تأسست في إقليم كردستان العراق في العام ‪.2007‬‬

‫•‬

‫ نظم مركز اجلنوب للدراسات اإلستراتيجية‪ ،‬في ‪ 11‬آذار (مارس) على قاعة‬ ‫املركز الثقافي بالناصرية محاضرة بعنوان‪( :‬العوملة في الفكر العربي‬ ‫املعاصر) قدمها الدكتور صالح اجلابري استعرض فيها مختلف توجهات‬ ‫املفكرين العرب في التعامل مع هذه الظاهرة‪.‬‬ ‫ وأكد صالح املوسوي املدير التنفيذي للمركز أن احملاضرة استعرضت «موقف‬ ‫اإلسالميني األصوليني من جميع الطوائف ورفضهم لفكرة العوملة‪ ،‬فضال‬ ‫عن موقف بعض مثقفي الفكر املاركسي الذين تناولوا العوملة من ناحية‬ ‫اقتصادية»‪.‬‬ ‫ ويعتبر مركز اجلنوب للدراسات اإلستراتيجية الذي تأسس في العام ‪،2006‬‬ ‫من املراكز املدنية البحثية التي يـتناول امليــادين السياسية واإلنسانية‬ ‫واالقتصادية بالدراسة ووضع التصورات واألطروحات املدعمة بالوثائق‬ ‫واإلحصائيات‪.‬‬

‫•‬

‫ اوضح رئيس البرملان العراقي‪ ،‬إياد السامرائي‪ ،‬خالل مشاركته في مؤمتر دور‬ ‫األديان في ‪ 20‬من كانون األول (ديسمبر) ‪ 2009‬الذي عقد في فندق الرشيد‬ ‫ببغداد لتعزيز األمن والسالم بالعراق‪ ،‬أن «الدستور العراقي ضمن حقوق‬ ‫األديان وحرية ممارسة املذاهب لطقوسها الدينية»‪ ،‬مشيرا إلى أن «سمة‬ ‫األديان في اجملتمعات هو التواصل فيما بينها‪ ،‬خاصة بعد أن أصبح العالم‬ ‫قرية واحدة»‪.‬‬ ‫ وقال السامرائي إن عالقات العراق بدول اجلوار والعالم انعكاس للمشاكل‬ ‫التي عانى منها مجتمعه خالل الفترة املنصرمة‪ ،‬لكنه متكن من جتاوزها من‬ ‫خالل مواجهة التحديات والتغلب عليها‪.‬‬

‫•‬

‫ نظمت جمعية تنمية املرأة في مدينة النجف االشرف ندوة حتت عنوان‪« :‬املرأة‬ ‫بني النص القرآني وإشكاليات الواقع» بالتعاون والتنسيق مع دار القران في‬ ‫مدينة الكوفة املقدسة‪ .‬متحورت الندوة حول االجتهادات الفقهية السائدة‪،‬‬ ‫ملعرفة ماهية االلتباسات الواقعة‪ .‬وقد حضرها العديد من ذوي االختصاص‬ ‫األكاديمي من الرجال والنساء‪.‬‬ ‫‪15‬‬


‫العولمة وأثرها على إشكالية التقليد‬ ‫والحداثة في االسالم‬ ‫البعض من رجال الدين‬ ‫لم يطوروا فكرًا جديدًا‬ ‫ولم يدمجوا في‬ ‫خطابهم وقائع جديدة‬ ‫الحداثة السياسية هي تلك‬ ‫المجسدة بالديمقراطية‬ ‫البرلمانية المترافقة مع‬ ‫النمو االقتصادي‬

‫د‪ .‬منى فياض‬ ‫صحيفة «اوان» الكويتية‬

‫‪16‬‬

‫العوملة ليست اختراع ًا حديث ًا برز فجأة‪ ،‬انها‬ ‫ظاهرة قدمية‪ ،‬فبالط امبراطور الصني املغولي قبالي‬ ‫خان كان يضم الوان ًا متنوعة من البشر من مختلف‬ ‫االقوام على ما نقل ماركو بولو الشهير‪ .‬والبريد‬ ‫اليومي في العالم القدمي كان شغا ًال بسرعة تبلغ‬ ‫العشرين مي ًال يومي ًا‪ .‬اجلديد اآلن هو مدى اتساع‬ ‫العوملة وشمولها الكرة االرضية كوحدة متصلة‬ ‫ومعرفتنا ووعينا لهذا البعد والتماسنا اليومي له‬ ‫عبر معرفتنا مبا يجري في جميع انحاء الكرة وتبادل‬ ‫التأثر‪.‬‬ ‫وما كان ممكنا طرح مسألة حداثة‪ /‬تقليد لوال‬ ‫ظاهرة العوملة املتزايدة والتحديات التي تطرحها على‬ ‫الثقافات االخرى‪ .‬فما هي اشكالية احلداثة والتقليد‬ ‫وموقع االسالم منها في اطار العوملة املتوسعة لتطال‬ ‫مختلف اوجه وجودنا؟‬ ‫الفهم احلالي للتقليد على انه مجرد غياب‬ ‫للحداثة وان هذه االخيرة هي التحرر من التقليد رمبا‬ ‫يحتاج الى اعادة نظر أو اعتباره على االقل كتحليل‬ ‫مبسط‪ .‬وبحسب هذه الوجهة فان كل ما يظهر في‬ ‫الغرب من جديد هو حداثة‪ ،‬اما في املجتمعات غير‬ ‫الغربية فاحلداثة تفسر دائما على انها شيء براني‬ ‫قادم من الغرب‪ ،‬ما يجعل هذه الثنائية تقع في اطار‬ ‫غرب‪ /‬ال غرب‪ .‬من هنا يصبح التقليد هو احلالة‬ ‫السابقة على دخول الكولونيالية‪ ،‬ومن هنا ايضا‬ ‫يصبح الصاق التقليد باملجتمعات غير االوروبية‬ ‫هو نوع من اسقاط للنقد املوجه للحالة االقتصادية‬ ‫واالجتماعية السائدة في تلك املجتمعات من منظور‬ ‫غربي‪ .‬وهنا جند تأثير املفهوم الفيبري للمجتمع‬ ‫التقليدي في اعتبار التراث على انه تقليد؛ والتراث‬ ‫بحسب فيبر (هو نظام موروث ابوي وبدائي) ما‬ ‫يعني انه استبدادي وسلطاني ونخبوي‪.‬‬ ‫املسألة الثانية التي حتتاج الى مراجعة هي‬ ‫الطريقة التي مت التعامل فيها مع مفهوم احلداثة‬ ‫كظاهرة ماهوية ذات خواص ثقافية فالتة من عقال‬ ‫الزمن؛ فعندما دخلت احلداثة كعنصر تصنيف في‬ ‫العلوم االجتماعية وضع االسالم في الطرف املقابل‬

‫لها‪ ،‬وصار هناك نوعان من القواعد املعيارية‪ ،‬هما‬ ‫ما يتعلق باحلداثة من ناحية وما يتعلق باالسالم من‬ ‫ناحية ثانية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫واعتبر االسالم بدوره واحدا من ادوات التصنيف‬ ‫في العلوم االجتماعية ما نتج عنه ثنائيتان‪ :‬تاريخية‬ ‫(معاصرة) وماهوية (اسالم‪ /‬حداثة)‪ .‬والغيت فكرة‬ ‫ان التمسك بالتقليد ممكن في سياق احلداثة نفسها‬ ‫ولنتذكر هنا منوذجا (اليابان والصني)‪.‬‬ ‫محدد آخر يؤثر في النظرة الى جدلية حداثة ـ‬ ‫تقليد هو ان العقالنية ال تزال تطبع مفهوم احلداثة‬ ‫حتى اليوم بحسب (اوليفييه روا) وال يزال التحليل‬ ‫يخضع للترسيمة القدمية لعصر االنوار التي ترى ان‬ ‫معنى التقدم يكون واحدا والذي يعني ان احلداثة‬ ‫السياسية هي تلك املجسدة بالدميوقرطية البرملانية‬ ‫مترافقة مع النمو االقتصادي وحترر االخالق‬ ‫والعلمانية‪.‬‬ ‫وهذه الترسيمة يتبناها العالم االسالمي الذي‬ ‫يعتبر متسكه الراهن بتقليديته اخلاصة‪ ،‬تلك‬ ‫التقليدية التي تقف على النقيض من العقالنية‬ ‫االوروبية‪ً ،‬‬ ‫امرا ايجابي ًا‪ ،‬لكن عني الرضا هذه سوف‬ ‫تظل رومانسية وعاطفية‪ .‬لقد كان لعدد من الكتّاب‬ ‫العرب في مطلع القرن العشرين‪ ،‬مثل محمود حقي‬ ‫واحمد شوقي‪ ..‬متاما مثل هذه النظرة “الرومانسية”‬ ‫حيث جددوا رسمي ًا التمسك بالتراث الوطني‪ ،‬لكن‬ ‫دون ان يكونوا هم انفسهم ملتزمني بذلك في حياتهم‬ ‫اخلاصة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من التمسك املعلن بالتقليد يبدو‬ ‫أن االسالميني انفسهم يشكلون اآلن جزءا مكون ًا‬ ‫من مسار علمنة الدين‪ .‬انهم يشكلون خطوة نحو‬ ‫«ازالة السحر عن العالم» فبرفضهم التغريب‪ ،‬الذي‬ ‫اضحى مكتسب ًا عملي ًا ‪ ،‬يعبرون عن ميتة االصالة‬ ‫بلغة الذي نستعير منه نفسها‪ ،‬اي غير االصيل‪.‬‬ ‫النهم‪ ،‬ولهذه احلداثة يستعيرون رفض العودة الى‬ ‫التراث احلقيقي باسم سيرة موهومة‪ :‬يرفضون التدين‬ ‫الشعبي‪ ،‬القرية‪ ،‬التصوف‪ ،‬والفلسفة‪ .‬يرفضون‬ ‫ويهدمون هم انفسهم ما شكل احلضارة االسالمية‬


‫ويساهمون في انتصار حضارة «وجبات االكل‬ ‫السريعة»‪.‬‬ ‫وفي سياق هذه النظرة يقسم (اوليفييه روا)‬ ‫االجتاهات السائدة في العالم االسالمي الى‬ ‫‪ 3‬فئات‪ :‬االسالميون املعتدلون ـ السلفيون ـ‬ ‫الراديكاليون‪.‬‬ ‫وهم جميعهم يتحركون ضمن سياق العوملة‬ ‫واحلداثة‪ .‬فالفئة االولى‪ ،‬اي املعتدلون يتحركون‬ ‫داخل مشهد وطني‪ ،‬فحماس لم تقم بانتقاد عرفات‬ ‫على مدى اسالميته بل على وطنيته وسياسته‪.‬‬ ‫اما النموذج التركي‪ ،‬ففي حني ينتمي اردوغان‬ ‫الى حزب اسالمي ولكننا جنده يعمل اآلن بتعابير‬ ‫دميوقراطية وليس بتعابير دينية وهو يستعيد قيما‬ ‫اخالقية‪ .‬ويخالف (روا) اعتقاد الكثيرين في ان‬ ‫عوملة االسالم تتم عبر اصالحات دينية حصرية‪،‬‬ ‫ويجد ان هذا ال معنى له‪ ،‬الدوغما استمرت في‬ ‫الكنيسة لكن كان هناك اعادة موضعة وتغيير عبر‬ ‫املوقف السياسي وهذا ما يحصل اآلن في االسالم‪.‬‬ ‫التغيير لن يحصل على مستوى االفكار الدوغمائية‬ ‫لكن على مستوى ممارسة االسالم او التدين االسالمي‬ ‫اليومي‪ .‬عبر قبول الدميوقراطية وحتويل التعاليم‬ ‫الدينية الى قيم اخالقية‪ .‬وهذا ما جنده حاصال في‬ ‫تركيا اآلن‪ ،‬ممارسة اسالم او تدين عصريني‪.‬‬ ‫الفئة الثانية من املسلمني اي السلفيني‪ ،‬جند‬ ‫انه على قاعدة السلفية يرفضون الثقافة التقليدية‬ ‫ويص ّفون الدين من كل ما هو غير ديني‪ :‬فهم‬ ‫ضد املوسيقى وضد الشعر وضد كل التعابير‬ ‫اجلمالية‪ ...‬لكن هذه السلفية هي نتاج عاملي على‬ ‫مستوى آخر‪ :‬فالفاست فود حالل كذلك املوسيقى‬ ‫الكالسيكية‪ ،‬االمر الذي يتماشى مع العوملة لذلك‬ ‫يندهش الشباب في ضواحي باريس بالسلفية اذ‬ ‫يفسرون عبرها شعورهم بالالتثاقف او باالنفصال‬ ‫الثقافي ويظلون ميارسون حياتهم اليومية العادية‪.‬‬ ‫الراديكاليون‪ :‬الزرقاوي وبن الدن اعلنوا حربا‬ ‫غير مرتبطة بالنضال الوطني‪ .‬عبدالله عزام اخذ‬ ‫ً‬ ‫معتقدا ان الصراع‬ ‫املتطوعني الى افغانستان‬ ‫الفلسطيني اذا بقي صراعا وطنيا فهو ال يهمه‬ ‫ابدا لذلك توجه الى افغانستان‪ .‬لذا جند ان هؤالء‬ ‫املناضلني هم بَدْ و ُم َعوملون تنقلوا من البوسنة الى‬ ‫كشمير الى الشيشان الى افغانستان‪ ..‬ولم يذهبوا‬ ‫الى فلسطني وعندما ذهبوا الى الفلوجة فألنه جهاد‬ ‫على املوضة وليس من اجل اقامة دولة اسالمية‬ ‫عراقية بل لضرب االميركان‪ .‬هذه انواع من‬ ‫العوملة‪.‬‬

‫وهذا ما يطلق عليه جان ليكا «االرهاب املعولم‬ ‫ومن دون برنامج حكم محلي»‪.‬‬ ‫إن عودة االسالميني الى التراث ليست سوى‬ ‫فكرة تسيرهم كما يفعل البراديغم او «اخليال‬ ‫السياسي االسالمي» املوجود بالفعل ويتردد في‬ ‫كتابات العلماء‪ ،‬وهو ظاهر في نصوص السلف من‬ ‫مصلحي القرن التاسع عشر وهو ليس «البراديغم»‬ ‫احلصري بالطبع‪ ،‬وتكفي مراجعة كتابات العلماء‬ ‫واالستماع الى اخلطب في املساجد حتى نقبل وجود‬ ‫«خيال سياسي اسالمي» يرزح حتت سيطرة مثال‬ ‫أول هو اجلماعة االولى للمؤمنني ابان عهد الرسول‬ ‫واخللفاء الراشدين االربعة‪ .‬هذا النموذج يقدَّ م ملناضلي‬ ‫االسالم السياسي كمثال للمجتمع االسالمي‪.‬‬ ‫مجتمع مساواتي‪ ،‬تعادلي‪ ،‬بدون فروقات‪ ،‬في ظل‬ ‫قيادة رجل ال يش ّرع لكنه يتلو الوحي‪ .‬جهد اخليال‬ ‫االسالمي على تبهيت ما هو جديد‪ ،‬دون اي مجابهة‬ ‫له‪ ،‬على العكس هم غالبا ما منحوا احلكام فتاوى‬ ‫تشرع لهم اقامة نظام دولتي جديد‪ ..‬سوف يلومهم‬ ‫االسالميون الحق ًا لهذه احملاباة‪.‬‬ ‫واملوضوع انهم لم يطوروا فكرا جديدا ولم‬ ‫يدمجوا في خطابهم وقائع جديدة ـ باستثناء قلة من‬ ‫علماء الشيعة‪ .‬الى اليوم التزال الزمانية خطاب‬ ‫العلماء واملاللي تشكل معطى بارزا‪ .‬التاريخ‬ ‫معاناة واجلديد حادث (عرضي) ال يستأهل اكثر‬ ‫من فتوى من وقت آلخر‪ ،‬والتحديث يحصل على‬ ‫االرض الى جانب اخلطاب القدمي‪.‬‬ ‫فالتحديث جرى خارج أي اطار مفهومي‪ :‬جرى‬ ‫في النزوح الريفي ‪ ،‬الهجرة‪ ،‬االستهالك‪ ،‬التبدل‬ ‫والتغير في السلوك العائلي‪ :‬االدوار الوالدية‪،‬‬ ‫انخفاض عدد الوالدات‪ ،‬تأخر سن الزواج‪ ..‬وايضا‬ ‫في السينما واملوسيقى والثياب‪ .‬حصل التحديث‬ ‫ايضا باقامة دولة لكنها هشة وفاسدة تقوم على‬ ‫توزيع املغامن‪.‬‬ ‫اذا كانت احلركة االسالمية قد عرفت منوها‬ ‫ابتداء من االربعينات وعرفت تغيرا في املفاهيم‬ ‫لكنها تخضع لسوسيولوجيا مشتركة‪ ،‬فمن وجهات‬ ‫النظر السوسيولوجية والفكرية تنحدر هذه احلركات‬ ‫من العالم احلديث‪ ،‬حتى احلشود التي تتبعها ليست‬ ‫تقليدية‪ ،‬فهي تعيش في العالم احلديث‪ -‬االستهالك‬ ‫والصعود االجتماعي‪ -‬هذه الفئات تركت‪ ،‬حني‬ ‫غادرت القرية‪ ،‬االشكال القدمية للتضامن وللتراحم‬ ‫واحترام االجداد وافتتنت بقيم االستهالك التي‬ ‫تعمقها وترسخها واجهات املراكز املدينية الكبرى‪.‬‬ ‫اضحى عالم هؤالء هو عالم السينما‪ ،‬املقاهي‪،‬‬

‫اجلينز‪ ،‬كرة القدم‪ ،‬ولكنهم يعيشون هشاشة املهن‬ ‫الصغيرة والبطالة وغيتوات الهجرة‪ ،‬واحلرمان من‬ ‫العصي عليهم‪.‬‬ ‫مجتمع االستهالك‬ ‫ّ‬ ‫ومن االمثلة العملية عن حتوالت الظاهرة‬ ‫االسالمية فيما يتعلق بالعوملة هناك عدة أمثلة دا ّلة‬ ‫على االنخراط في ديناميات العوملة‪.‬‬ ‫لقد بدأت احلركات االسالمية تتجاوز مشكلة‬ ‫الثقافة وصارت تتفاعل مع الثقافات الفرعية‬ ‫اكثر من تلك السائدة في املجتمعات العربية؛ وما‬ ‫يساعدها على ذلك عدة عوامل‪ :‬ثورة االتصاالت‪،‬‬ ‫اقتصاد السوق‪ ،‬امناط جديدة للمجتمع‪ ،‬تراجع‬ ‫الدولة الوطنية‪.‬‬ ‫لقد استفاد االسالميون كثيرا من ثورة املعلومات‬ ‫وهم االكثر توظيفا ملعطيات هذه الثورة في االذاعات‬ ‫احمللية وانتشار الدش وتوظيف تقنية االنترنت‪ .‬كما‬ ‫يحصل ضرب للنظرية املعرفية االسالمية التقليدية‬ ‫عبر حتصيل معرفة مباشرة ـ ظاهرة الدعاة خارج‬ ‫املؤسسات الدينية ـ التعليم العصامي‪.‬‬ ‫ـ االنفتاح على السوق‪ ،‬لم يجد ممانعة اسالمية‬ ‫بل هناك متهيد اسالمي للخصخصة واعادة الهيكلة‬ ‫ال جتد لها ممانعة‪.‬‬ ‫ـ رصد منو نزعة نيوليبرالية في عموم احلالة‬ ‫االسالمية ـ ال مانع من انسحاب الدولة من‬ ‫االقتصاد‪.‬‬ ‫ـ مصاحلة الدين والثروة ـ في السبعينات كانوا‬ ‫يأتون الى االسالم من احزمة الفقر وكانت هناك‬ ‫فكرة العدالة االجتماعية ـ بينما اخيرا جند ان عمرو‬ ‫خالد (عبر التلفزيون) يجد لهم مساحات وقضايا‬ ‫ويعيد االعتبار الى ان كون املسلم غنيا ال يشكل‬ ‫اي مشكلة دينية‪.‬‬ ‫ـ دخول الدعوة االسالمية نفسها منطق السوق‬ ‫ـ نشأ حولها اقتصاديات كبيرة من الكاسيت الى‬ ‫محالت احلجاب الى البنوك االسالمية واشكال‬ ‫استثمارات‪ ،‬وكأن الدعوة نفسها دخلت منطق‬ ‫السوق‪ .‬كما تسجل حالة دينية متزايدة في الطبقات‬ ‫العليا والبرجوازية‪ ..‬وبعد ان كانوا ضد حقوق‬ ‫االنسان صار هناك اآلن (حركة سواسية ـ اخوان)‬ ‫انشاء مراكز واعتماد معادلة يتم التفاعل معها في‬ ‫مساحة مناهضة للعوملة ـ ما يعني تفهم االسالميني‬ ‫لدور املنظمات العاملية يحصل دون مشكلة‪ .‬وعلى‬ ‫ارضية مجتمعات غارقة في االسالم حتى اذنيها‪،‬‬ ‫هناك املوجة االخيرة من النسوية ـ االسالمية وتفعيل‬ ‫دور املرأة وحقوقها ودخولها الوظائف العامة التعليم‬ ‫ومطالبة بدور لها في الدعوة‬ ‫‪17‬‬


‫المفكر المغربي الدكتور المصطفى تاج الدين‪:‬‬

‫نحتاج الى اعادة تفسير القرآن الكـــ‬ ‫الشريحة المثقفة او‬ ‫النخبة عامل حاسم‬ ‫في انجاح مشاريع‬ ‫التنوير‬ ‫التراث جزء من نسيجنا‬ ‫الثقافي لكن علينا‬ ‫ان نحد من سلطته‬ ‫وان نتوجه الى‬ ‫اعمال العقل‬

‫حاوره‪ :‬موالي محمد إسماعيلي‬ ‫‪18‬‬

‫في بيئة فقيرة ولد الدكتور املصطفى تاج الدين ليجد نفسه مضطرا للتفكير في مستقبل ينتشل األسرة‬ ‫من براثن الفقر واحلاجة‪ ،‬انخرط في صفوف حركة اإلصالح والتجديد املغربية والتي كان تسمى آنذاك جمعية‬ ‫اجلماعة اإلسالمية‪ .‬قرأ العقاد وطه حسني ومحمد عبده ومالك بن نبي‪ ،‬فبدأت طريقة تفكيره تختلف عن‬ ‫االخرين‪ ،‬ومن ثم تعددت دوائر مفاهيمه املؤسسة ليبدأ في إعالن أفكاره والدعوة إلى القراءة والتفكير ومواجهة‬ ‫ماكينة التنظيم املنمطة لألفكار واألشخاص‪ .‬التقاه موالي محمد اسماعيلي في ابو ظبي‪ ،‬حيث يشغل الدكتور‬ ‫تاج الدين منصب أستاذ الثقافة اإلسالمية والتفكير اإلبداعي وعميد كلية اآلداب والعلوم االجتماعية بجامعة‬ ‫احلصن العامرة‪ ،‬وكان معه هذا احلوار‪..‬‬ ‫ـ قمتم بالتدريس في العديد من اجلامعات‬ ‫في ماليزيا والسعودية وسلطنة عمان واآلن‬ ‫في أبو ظبي‪ ،‬هل حتدثوننا عن هذه التجارب‬ ‫املتنوعة؟‬ ‫• هي جزء من احلياة التي يبحث فيها اإلنسان‬ ‫عن مصدر للرزق الكرمي‪ .‬لقد حاولت الرجوع إلى‬ ‫املغرب بعد التجربة املاليزية األولى‪ ،‬لكنني تنبهت‬ ‫إلى أن أقسام اللغة العربية والدراسات اإلسالمية‬ ‫أضحت مغلقة أمام من ميلك االستقاللية‪ .‬وألنني‬ ‫تركت ماليزيا بسمعة طيبة فقد فتحوا لي املجال‬ ‫من جديد فالتحقت باجلامعة اإلسالمية العاملية‪،‬‬ ‫فكان أن تفتحت آفاقي على البحث األكادميي‬ ‫وعلى التدريس باللغة اإلنكليزية والتي وفقت‬ ‫بحمد الله في إتقانها‪ .‬ثم التحقت بجامعة‬ ‫ظفار بسلطنة عمان إلى جانب فريق من اجلامعة‬ ‫األمريكية ببيروت‪ ،‬حيث ترأست جلانا كثيرة مبا في‬ ‫ذلك رئاسة قسم اللغات والترجمة وعضوية مجلس‬ ‫رئاسة اجلامعة‪ ،‬ثم اجتهت إلى جدة حيث درست‬ ‫مهارات االتصال في اللغة اإلنكليزية والتفكير‬ ‫النقدي‪ ،‬وأخيرا وجدت نفسي بابو ظبي أستاذا‬ ‫للثقافة اإلسالمية والتفكير اإلبداعي والنحو‬ ‫والصرف وعميدا لكلية اآلداب والعلوم االجتماعية‬ ‫بجامعة احلصن العامرة‪.‬‬ ‫استفدت من هذه التجارب أن الرزق بيد الله‬ ‫وأن لو اجتمع الناس بقضهم وقضيضهم على أن‬

‫مينعوك رزقا كتبه الله لك فلن يفلحوا‪ ،‬وتعلمت‬ ‫أن أتعلم من الناس وأن أفكاري ال بد أن جتد‬ ‫لها مستمعني قادرين على االستفادة منها وهو‬ ‫ما حصل في ماليزيا مع طالبي من املسلمني وغير‬ ‫املسلمني‪ ،‬ومع طالباتي في السعودية‪.‬‬ ‫ـ تشتغلون على العديد من املواضيع‬ ‫الفكرية اخملتلفة ونشرمت العديد من الدراسات‬ ‫والبحوث‪ ،‬فما هي القضايا الفكرية التي‬ ‫يشتغل عليها الدكتور تاج الدين؟‬ ‫• أشتغل اآلن على اإلمام الفراء رائد املدرسة‬ ‫الكوفية في النحو واملفسر العبقري‪ ،‬كما أشتغل‬ ‫على مفهوم الكفر في القرآن وعلى القيم اإلنسانية‬ ‫في القرآن وعلى مناهج استدخال التفكير اإلبداعي‬ ‫والنقدي في برامج الدراسات الدينية‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إلى مشاريع ترجمة مختلفة‪ ،‬ومشروع كبير عن‬ ‫مشكلة توقف العقل العربي عن إنتاج املعرفة‪.‬‬ ‫ـ كيف تعرفون «مفهوم التنوير» من‬ ‫وجهة نظركم؟‬ ‫• التنوير هو الوظيفة األساسية جلميع األديان‬ ‫السماوية وجلميع الفلسفات‪ ،‬وهو الهدف الذي‬ ‫تسعى إليه كل حركات التغيير الفكري واالصالح‬ ‫االجتماعي في العالم‪ .‬فهو ببساطة إخراج الناس‬ ‫من الظلمات إلى النور فاجلهل ظالم والعلم نور‬


‫ــريم وال وساطات بيننا وبين الخالق‬ ‫مرجعية على األقل في املجال السني‪ .‬أما بالنسبة‬ ‫للتفسير الواحد للدين فإن هذا املنزع كان موجودا‬ ‫في التراث ومتكن‪ ،‬على الرغم من قلة أتباعه‪،‬‬ ‫من خلق رأي عام مؤمن مبطلقية املعرفة الدينية‬ ‫ومركزية العالم في نقل املعرفة الصحيحة عن الله‬ ‫والرسول‪.‬‬

‫أعتقد أن األمة‬ ‫العربية أمة‬ ‫تجسيمية وليست‬ ‫رمزية وهو ما‬ ‫يصيبني احيانا‬ ‫بنوع من اإلحباط‬ ‫واالستبداد ظالم والدميوقراطية نور والعبودية ظالم‬ ‫واحلرية نور والفساد ظالم والصالح نور وهكذا‪.‬‬ ‫فإن التنوير عودة بالناس إلى أصل الفطرة التي‬ ‫جبلوا عليها‪ ..‬أقصد احلرية في االختيار والتزود‬ ‫من معني العلم وطلب املساواة اإلنسانية وحتمل‬ ‫املسؤولية االجتماعية في اإلصالح‪.‬‬ ‫ـ هل ميكن احلديث عن تنوير عربي‬ ‫وإسالمي في الوقت الراهن؟‬ ‫• ال ميكن الفصل في عملية التنوير بني‬ ‫مجاالت اإلصالح والتغيير‪ .‬فال ميكن احلديث‬ ‫عن تنوير سياسي ضمن إطار ثقافي غير تنويري‪،‬‬ ‫وال ميكن إجناح التنوير الثقافي في غياب إرادة‬ ‫للتحديث السياسي لبلوغ الدميوقراطية‪ .‬وفيما‬ ‫يتعلق بوجود تنوير إسالمي حاليا فإنني أعتقد ان‬ ‫هناك خطابات تنويرية متفرقة لكنها لم تخلق رأيا‬ ‫عاما بعد‪ ،‬فمن الصعب اآلن احلديث عن شرعية‬ ‫اجتماعية ودينية للخطاب التنويري والذي يقاوم‬ ‫من قبل املؤسسات الصحوية التقليدية والسلفية‬

‫ومن قبل السلطة ايضا‪ ،‬وإن اتفقت مع خطابات‬ ‫التنوير‪ ،‬إال أنها حاليا تعيش حلظة حتالف‬ ‫موضوعي واضح مع اخلطاب التقليدي واملمثل‬ ‫في احلركات اإلسالمية املسيسة وكذا االجتاهات‬ ‫السلفية والصوفية احملافظة‪.‬‬ ‫ـ البعض حتدث عن تنوير سياسي وتنوير‬ ‫ديني وغيرهما‪ ،‬كيف ميكن احلديث عن تنوير‬ ‫ديني في ظل ما تعيشه األمة اإلسالمية‬ ‫من بروز تيارات فكرية وعقدية تتبنى العنف‬ ‫وتقصي اآلخر وتؤمن بتفسير واحد للدين ؟‬ ‫• هذه احلركات موجودة دائما‪ ،‬حيث أشار‬ ‫ابن خلدون إلى بعضها وانتقد فيها االفتقار الى‬ ‫أساس بناء الدولة وهو العصبية‪ .‬املهم إن حركة‬ ‫التنوير الديني عرفت تراجعا واضحا عن خطاب‬ ‫التنوير اإلحيائي في مصر واملغرب والشام‪،‬‬ ‫ومن الصعب اآلن أن جتد مرجعيات دينية كبيرة‬ ‫ومعترف بها ذات خطاب تنويري‪ ،‬وبعد وفاة‬ ‫الشيخ محمد الغزالي رحمه الله صرنا بحاجة إلى‬

‫ـ في نظركم ما هي حدود مسؤولية‬ ‫الشريحة املثقفة في العمل على التأسيس‬ ‫لتنوير عربي إسالمي يحترم العقل ويؤسس‬ ‫لفكر مستنير مينح صورة حقيقية عن‬ ‫اإلسالم بدال عن الصورة احلالية املرتبطة‬ ‫بالتزمت واإلرهاب؟‬ ‫• الشريحة املثقفة أو النخبة عامل حاسم في‬ ‫جناح مشاريع التنوير‪ ،‬إال أنه ينبغي التحذير من‬ ‫مشكلة التراجع لدى املثقف والذي يبدو أنه مجبر‬ ‫ومع كامل األسف على الدوران في فلك املؤسسات‬ ‫والتي ترغمه أن يقول ما تريد سواء كانت مؤسسات‬ ‫رسمية أو شعبية أو حتى معارضة‪ ،‬لذلك فمسؤولية‬ ‫املثقف كبيرة جدا وإليه يعود ميراث النبوات وعلى‬ ‫أكتافه مسؤولية إعادة احلياة للقيم والعقل‪ .‬املثقف‬ ‫املسلم ملزم اآلن بتحديد موقفه الواضح من االرهاب‬ ‫مهما كانت مسوغات العمل اإلرهابي‪ .‬إن قتل‬ ‫الناس أو إجبارهم على التدين من خالل قناة العنف‬ ‫اجلسدي أو الرمزي أمور لن يقبلها مثقف ملتزم‪.‬‬ ‫ـ في احلديث عن التنوير تبرز مشكلة‬ ‫النص التراثي الذي يتهمه املشتغلون على‬ ‫مفهوم التنوير بتكبيل العقل وتقزمي دوره‬ ‫وجعله تابعا للنص بشكل أعمى‪ ،‬ما رأيكم‬ ‫في أصحاب هذا االجتاه‪ ،‬وكيف تنظرون‬ ‫ملشكلة العقل والنقل؟‬ ‫• من الواضح أن ثقافتنا اإلسالمية ثقافة‬ ‫نصية‪ ،‬حيث ساهم النص في تكبيل العقل وإيقاف‬ ‫مسيرته في البناء واالكتشاف‪ .‬وال أقول هذا عن‬ ‫‪19‬‬


‫النص بوصفه تنزيال‪ ،‬بل عن النص بوصفه تأويال‪.‬‬ ‫اكتسحتنا الروايات واملسانيد والصحاح ولم تترك‬ ‫لنا مجاال إلعمال العقل‪ .‬ولك أن تتصور واقعنا‬ ‫الفكري البائس الذي يردد فيه علماء ودعاة أن‬ ‫النبي علمنا حتى كيف نقضي حاجتنا وكيف‬ ‫نضاجع زوجاتنا؟؟؟ مع أن احليوانات وبغريزتها‬ ‫اإللهية ال حتتاج إلى من يعلمها ذلك‪ .‬لقد حتولنا‬ ‫بفعل هيمنة النص إلى روبوهات تردد ما ال تعيه‬ ‫وإلى كائنات سلبية تنتظر الفتوى في كل أمر‬ ‫تقصده أو عمل تبتغيه‪.‬‬ ‫التراث جزء من نسيجنا الثقافي لكن علينا‬ ‫أن نوقف سلطته علينا وأن نتوجه إلى إعمال‬ ‫عقولنا كما فعل أجدادنا أنفسهم‪ ،‬علينا أن نطلق‬ ‫التراث وأن نتصادق معه أي أن تقتله بوصفه أبا‬ ‫وأن نبقي عليه بوصفه صديقا‪.‬‬

‫المثقف المسلم‬ ‫ملزم االن بتحديد موقفه‬ ‫الواضح من االرهاب مهما‬ ‫كانت مسوغات العمل‬ ‫االرهابي‪ .‬فقتل الناس او‬ ‫اجبارهم على التدين من‬ ‫خالل العنف امور لن يقبلها‬ ‫مثقف ملتزم‬

‫ـ برزت على الساحة الفكرية في العالم‬ ‫العربي مجموعة من املشاريع الفكرية‬ ‫املتنوعة‪ ،‬ما هي املشاريع التي ترون أنها‬ ‫تستحق أن تسمى مشاريع فكرية والتي تتوفر‬ ‫على رؤية ومنهج واضحني لدى أصحابها؟‬ ‫• أعتقد أن مفكري احلركات اإلسالمية ال‬ ‫ميلكون مشاريع فكرية‪ ،‬لكنهم ميلكون مشاريع‬ ‫سياسية ستعود بالشر على اإلسالم نفسه‪ .‬فمشروع‬ ‫الترابي الفكري قتلته السياسة والبراغماتية‬ ‫‪20‬‬

‫ومشروع الغنوشي غامض بني سلفية سلطوية‬ ‫ميثلها الشخص وأفكار حتررية متثلها كتبه‪ .‬أما‬ ‫املفكرون املستقلون فيحملون مشاريع فكرية مهمة‬ ‫ليس في جزئياتها ولكن في مضامينها التحريرية‬ ‫العامة‪.‬‬ ‫في املغرب انتهى مشروع اجلابري الكبير‬ ‫الى سلفية غير مبررة‪ ،‬أما مشروع طه عبد‬ ‫الرحمن فهو مشروع قائم على وعي طائفي غير‬ ‫إنساني يقيمه على مفهوم التفضيل املنافي للقيم‬ ‫اإلنسانية العاملية‪ .‬وهناك مشروع مهم لنصر‬ ‫حامد أبوزيد وآخر لعبد اجلواد ياسني وشحرور‬ ‫وأركون وفضل الرحمن وكلها مشاريع مهمة وبناءة‬ ‫ملفكرين وبناءة‪ ،‬لكن يبدو ان أوان قطف ثمارها‬ ‫لم يحن بعد‪.‬‬ ‫ـ يعاني العالم العربي واإلسالمي من‬ ‫مشكلة انحسار القراءة‪ ،‬ما هي احللول التي‬ ‫ترونها ضرورية لرفع أعداد القراء في املنطقة‬ ‫العربية واإلسالمية؟‬ ‫• األمة اإلسالمية خرجت من احلرف والكلمة‬ ‫لكنها توقفت عن القراءة حينما اعتقدت أن‬ ‫القراءة ليست فرضا دينيا بل مطلب ًا إنساني ًا‪.‬‬ ‫الذين يقرأون في العالم العربي أغلبهم يفعلون‬ ‫ذلك حلاجات إيديولوجية أو دينية وليس حلاجة‬ ‫املعرفة‪ .‬أما احللول املقترحة فتتعلق بضرورة رفع‬ ‫مستوى فكر الناس وتعليمهم قوة الرمز وفاعليته‬ ‫في صناعة الواقع‪ .‬أعتقد أن األمة العربية أمة‬ ‫جتسيمية وليست رمزية وهو ما يصيبني احيانا‬ ‫بنوع من اإلحباط‪.‬‬ ‫ـ ما هي األمور التي نحتاجها كأمة‬ ‫القرآن لتحقيق نهضة حقيقية تليق بعاملية‬ ‫الكتاب العزيز وجتعله حقا كتابا صاحلا لكل‬ ‫زمان ومكان؟‬ ‫• نحتاج إلى إعادة تفسير القرآن‪ ..‬إلى‬ ‫قراءته وكأنه ينزل من جديد وأن نفهم واقعنا‬ ‫املعقد الستقطار دالالت الكتاب العزيز وفق أفقنا‬ ‫املعرفي الذي جتاوز أفق أجدادنا مبراحل كبيرة‪.‬‬ ‫ال نريد وساطات تراثية بيننا وبني كتاب الله‪.‬‬ ‫فهو ميسر للذكر ومبني وثر وعامر بأسرار املعرفة‬ ‫الرحمانية‪ .‬أعتقد أننا إذا هتكنا حجاب كتب‬ ‫التفسير التقليدية والتي تقف حاجزا بيننا وبني‬ ‫الكتاب فإننا سنقول شيئا جديدا وسنبرهن على‬ ‫الهداية األبدية للقرآن الكرمي في هذا العصر‬

‫مـهــارات النــــ‬ ‫في دورات مســ‬

‫بدا املنبر الدولي للحوار االسالمي‬ ‫في شباط (فبراير) ‪ 2010‬بتنظيم دورات‬ ‫مسائية خاصة بدورة النجاح في عالم‬ ‫متغير للشباب املسلم في لندن‪ ،‬ومت اعتماد‬ ‫برنامج ميتد لثالثة اسابيع ويتكرر ثالث‬ ‫مرات في ‪ 4‬اشهر‪ ،‬مبعدل ثالث امسيات في‬ ‫االسبوع تتوزع على ايام االثنني – الثالثاء –‬ ‫االربعاء‪ ،‬حيث مت تخصيص يوم االثنني ملادة (‬ ‫ادارة النفس) فيما يتم التدريب على مادة (‬ ‫البرمجة القرانية) ايام الثالثاء و( املشاركة‬ ‫االجتماعية ) ايام االربعاء‪ .‬كما مت تقسيم‬ ‫املشاركني الى مجموعات تغطي اجملموعة‬ ‫الدورة كاملة بحضورها ثالثة اسابيع ‪.‬‬ ‫وسيشارك املتدربون بعد انهاء التدريب‬ ‫في رحلة تستغرق يومني الى خارج لندن‬ ‫للتعارف بني اعضاء اجملموعات ومتابعة‬ ‫التدريب التشاركي مع فريق مدربي املنبر‬ ‫الدولي للحوار االسالمي‪.‬‬


‫نشاطات‬

‫ــجاح في لنــدن‬ ‫ــائـيــــــة‬

‫اجتماع التعضيد لـ «شبكة مهارات النجاح‬ ‫في عالم متغير» في اسطنبول‬

‫ً‬ ‫تعضيدا لعمل شبكة مهارات النجاح في عالم‬ ‫متغير ـ البرنامج العربي ـ اجتمع ‪ 30‬مشارك ًا على‬ ‫مدى ثالثة ايام متواصلة‪ ،‬في مدينة اسطنبول خالل‬ ‫الفترة ‪ 27‬ـ ‪ 29‬كانون االول (ديسمبر) ‪ ،2009‬حضر‬ ‫اللقاء اعضاء الشبكة القادمون من كل من‪ :‬مصر‪،‬‬ ‫تونس‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬السودان‪ ،‬املغرب‪ ،‬العراق‪ ،‬باالضافة‬ ‫الى الواليات املتحدة االمريكية‪ ،‬وفريق املنبر الدولي‬ ‫للحوار االسالمي في لندن‪ ،‬فض ًال عن اعضاء جدد من‬ ‫املانيا‪ ،‬ايران‪ ،‬ومناطق البصرة وكردستان العراق‪ .‬واللقاء‬ ‫هو الثاني العضاء الشبكة بعد اللقاء التاسيسي االول‬ ‫الذي انعقد في بيروت مطلع ‪.2009‬‬ ‫واطلق على االجتماع االخير تسمية (اجتماع‬ ‫التعضيد) الذي أكد على تعزيز االرتباط بني‬ ‫االعضاء‪ ،‬والتعرف على جتارب التدريب في البلدان‬ ‫املشاركة‪ ،‬والتعريف بالتطورات التي متت على منهج‬ ‫الدورة من قبل فريق املنبر‪.‬‬

‫ومت تقسيم املشاركني الى اربع فرق عمل ساهمت‬ ‫بوضع خطط عمل بشان االهتمامات الرئيسة للشبكة‬ ‫وخرجت كل فرقة مبخطط تفصيلي وجدول زمني لعملها‬ ‫للعام ‪.2010‬‬ ‫وقد مت حتديد منسق لكل فرقة عمل يتولى متابعة‬ ‫تنفيذ اخلطط وتواصل االعضاء‪ .‬ومن املقرر ان جتتمع‬ ‫الشبكة مرة ثالثة في نهاية ‪ 2010‬ملراجعة اجناز املهام‬ ‫والتخطيط للعام املقبل باذن الله‪.‬‬

‫«النجاح في عالم متغير»‬ ‫في زيوريخ باللغة العربية‬

‫دورة مكثفة في تونس‬ ‫للمرة الثانية‬ ‫بالتعاون مع ممثلني عن اجلالية العربية في سويسرا مت تنظيم دورة مكثفة‬ ‫ليومي السادس والسابع من اذار (مارس) لشباب اجلالية العربية في زيوريخ‪.‬‬ ‫وقد تفاعل املشاركون من اجلنسني مع املقاربة العملية التي يتبناها منهج الدورة‬ ‫للصلة بالقران الكرمي كنص مؤسس لتفكير املسلمني وكذلك املقاربة املعاصرة‬ ‫الشكالية الهوية لدى الشباب املسلم في اوروبا‪.‬‬

‫في الفترة من ‪ 19‬ـ ‪ 22‬اذار (مارس) استضاف منتدى اجلاحظ في تونس‬ ‫فريق تدريب «مهارات النجاح» من املنبر الدولي للحوار االسالمي‪ ،‬حيث اقيمت‬ ‫دورة مكثفة ليومني شارك فيها اكثر من ‪ 24‬شاب ًا وشابة من املهتمني بالتنمية‬ ‫البشرية‪ .‬في ختام اليوم الثاني من الدورة مت لقاء متابعة بني فريق التدريب من‬ ‫املنبر وجلنة «النجاح في عالم متغير» املكونة من الشباب الذين شاركوا في‬ ‫الدورة ليكونوا النواة الرئيسة للبرنامج في تونس‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫ال ينبغي تغيير اإلسالم وإنما تغيير المسلمين‬ ‫ليس ثمة من قرينة نصية‬ ‫في القرآن تبيح ان يقتل‬ ‫المرء نفسه وان يقتل من‬ ‫ثم االبرياء‬ ‫ال يسعنا النفاذ الى داللة‬ ‫غالبية االيات القرآنية‬ ‫اال باعادة تأطيرها في‬ ‫السياق التاريخي الذي‬ ‫نزلت فيه‬

‫الطاهر بن جلون‬ ‫صحيفة «القدس العربي»‬

‫‪22‬‬

‫تتحدد السمة املميزة لكل دين في كونه‬ ‫محافظا؛ إذ يطبع بكيفية نهائية وغير قابلة‬ ‫للجدل قيمه ورسالته‪ .‬يتعلق األمر مبعتقد وثوقي‬ ‫مقدس وغير قابل للتغيير واملساءلة‪ .‬إنه املعطى‬ ‫الدائم للديانات التوحيدية والتي ميكن باالحتكام‬ ‫إليه للمؤمن الذي نصفه باملخلص وامللتزم أن يلفي‬ ‫نفسه حرا في تأويل النصوص وإضفاء معنى‬ ‫مسؤول ومنطقي عليها‪ .‬قد يحدث أيضا أن نرفض‬ ‫العقل وأن نلوذ بقراءة حرفية تؤثر املنطوق؛ وهو‬ ‫ما يؤدي إلى انحرافات جتد متثيلها في األصولية‬ ‫والتطرف‪.‬‬ ‫ال يقصي اإلميان بالله مطلقا حرية التفكير‪،‬‬ ‫بل يثيرها على العكس من ذلك ويحث اإلنسان‬ ‫على اللياذ بها كي يكون اإلميان متأسسا على‬ ‫قيمة أساسية تتمثل في احلرية‪ .‬حقيق باإلشارة أن‬ ‫تاريخ اإلسالم يحفل مبحاوالت تروم عقلنة التفكير‬ ‫والفعل اإلسالميني‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يعطي‬ ‫التيار االعتزالي للقرآن تأويال متشبعا بالقوة‬ ‫السيادية للعقل مبا أن الله هو أيضا عقل‪ .‬وفي‬ ‫مقابل هذه املدرسة ينتصب ممثلو احملافظة والتقليد‬ ‫الذين يرفضون بعنف التصور الذي يعتبر اإلنسان‬ ‫مخيرا‪ .‬سوف يستشرف هذا اجلدال ذروته في القرن‬ ‫التاسع عندما مت الشروع في االهتمام بطبيعة‬ ‫الكالم اإللهي‪ .‬هل القرآن مخلوق (العقالنيون)‬ ‫أم ُمنزّل (التقليديون)؟ يتعلق األمر واحلالة هاته‬ ‫برؤيتني متعارضتني إلى العالم‪ ،‬وقد كانت الغلبة‬ ‫في النهاية ألنصار االجتاه احلرفي والتقليدي‪،‬‬ ‫ذلك أن اإلسالم السائد راهنا في منطقة اخلليج‬ ‫يتبع فكر محمد عبدالوهاب (القرن الثامن عشر)‬ ‫والتيار الوهابي الذي ميثل نظاما صارما يطبق‬ ‫الشريعة أي القانون الوثوقي وفق الشكل الذي‬ ‫ظهرت به في القرن الثالث؛ وهو ما يوحي بأن‬ ‫العالم لم يتغير ولم يتطور قط‪ .‬يتحدد السؤال‬ ‫اجلوهري في اإلحاطة علما بكيفية قراءة القرآن‬ ‫والتفكير فيه‪ .‬هل ينبغي في هذا السياق الركون‬ ‫إلى القراءة السطحية أم نحتفي في البدء واملنتهى‬ ‫بقوة هذا الكالم الذي يكمن ثراؤه في استعماله‬ ‫للرمز واملجاز‪.‬‬

‫نلمس في السياق الراهن أن مغاالة احلركيني‬ ‫األصوليني وجهلهم اجللي باملعنى اجلوهري للقرآن؛‬ ‫أي تأويله اإلنساني والعقالني واملنسجم مع‬ ‫اقتضاءات العصر تسفر عن عقم في اإلنتاج‬ ‫وتسيء ليس فقط إلى اإلسالم وإمنا إلى مشروعهم‬ ‫املجتمعي‪ .‬سوف يعترض البعض بأننا نشهد‬ ‫تزايدا مطردا للنساء احملجبات وتضاعف وتيرة‬ ‫التردد على املساجد والتشديد آنا بعد آن على‬ ‫الهوية اإلسالمية في مواجهة الغرب‪ .‬صحيح أن‬ ‫التيار احملافظ آخذ في االكتساح‪ ،‬لكن دعاة‬ ‫إسالم هادئ ومعتدل وصحيح يتضاعفون باطراد‪.‬‬ ‫رمبا ال يعبرون عن ذواتهم باستمرار ويفتقرون إلى‬ ‫وسائل إعالم وال يجرؤون على مواجهة املتشددين‬ ‫القادرين على إصدار فتاوى أو أوامر باالغتيال أو‬ ‫على األقل التكفير بتهمة الردة‪.‬‬ ‫يلزمنا أن نبدأ قبل متثل الكيفية التي يكون بها‬ ‫إسالم جديد ممكنا في تفكيك آليات <السلفيني>‪.‬‬ ‫لقد أدركوا بسرعة أنه يلزمهم االستحواذ على‬ ‫وسائل اإلعالم وخصوصا التلفزيون واإلنترنت‪.‬‬ ‫وفي هذا السياق‪ ،‬نالحظ أن غالبية القنوات‬ ‫التلفزيونية الفضائية التي تغرق العالم اإلسالمي‬ ‫هي في ملك جلماعات اسالمية معروفة بعلو كعبها‬ ‫في الدعاية والدمياغوجيا‪ .‬متكن شاب مصري وسيم‬ ‫يرتدي لباسا أوروبيا شأن عارض أزياء من أن‬ ‫يغزو قلوب املاليني من النساء املسلمات في‬ ‫كل أنحاء العالم‪ .‬وهو ما يشكل ظاهرة مثيرة‬ ‫للدهشة‪ .‬يتعلق األمر بعمرو خالد وهو واعظ‬ ‫يستلهم أسلوب املبشرين والوعاظ اإلجنيليني‬ ‫األمريكيني وينسجم بطبيعة احلال مع الذهنية‬ ‫العربية التقليدية واحملافظة‪ .‬يتميز الرجل عالوة‬ ‫على ذلك بإتقانه احلديث مع النساء واستعماله‬ ‫الكلمات املناسبة وسوقه أمثلة من احلياة اليومية‬ ‫وقدرته>على اإلغواء بحسنه وذكائه‪ .‬لقد جنح في‬ ‫مسعاه؛ ألنه أجنز القطيعة مع الصورة العتيقة‬ ‫للفقهاء امللتحني الذين يستعملون اللغة الوثوقية‪.‬‬ ‫بيد أنه تنبغي اإلشارة إلى أن الساحة تعج إلى‬ ‫جانب عمرو خالد مبتدخلني آخرين ونساء وأساتذة‬ ‫جامعات‪ .‬وهم يلعبون برمتهم على وتر التعارض‬


‫مع احلضارة الغربية التي يستفيدون منها بشكل‬ ‫شخصي‪ .‬وهم ما يفتأون يؤكدون بأن كل اآلالم‬ ‫واملشاكل جتد حال لها في القرآن‪ .‬وما من شك‬ ‫في أن هاته الفكرة التبسيطية تخلف آثارا‬ ‫مدمرة؛ ألنها تنزع املسؤولية عن اإلنسان ـ وهو‬ ‫ما يشكل النقيض لروح اإلسالم ـ وجتعله طوع‬ ‫أمر األشخاص الذين يفكرون عوضا عنه‪.‬‬ ‫ال يتعلق األمر فحسب باستخالص دالالت‬ ‫محرفة وإمنا بأخطاء وأكاذيب يتم تأكيدها بقوة‬ ‫ومبعزل عن أي شرح أو تفسير‪ .‬وسوف منثل‬ ‫لذلك باحلجاب‪ .‬نشهد منذ عدة عقود االنتشار‬ ‫املتزايد للحجاب بني الفتيات والذي يستشرف‬ ‫ذروته في ارتداء البرقع أو النقاب الذي ال عالقة‬ ‫له باإلسالم وإمنا هي عادة مستمدة من تقاليد‬ ‫بلدان مثل أفغانستان أو باكستان كانت حتجب‬ ‫نساءها وفق هذا الشكل قبل دخولها اإلسالم‪ .‬لقد‬ ‫فرض القرآن احلجاب في ظروف خاصة ودقيقة‪.‬‬ ‫وكان محمود حسني وهو اسم مستعار لكاتبني‬ ‫فرنسيني من أصول مصرية قد ألفا عام ‪2009‬‬ ‫كتابا صغيرا والفتا لالنتباه بعنوان «التفكير في‬ ‫اإلسالم» وصدر عن دار كراسي بباريس‪ .‬يروي‬ ‫هذان الكاتبان كيف فرض احلجاب على النساء‬

‫في املدينة املنورة‪ .‬كان على النساء أن يخرجن‬ ‫يجن الليل لقضاء حاجاتهن‪،‬‬ ‫من املدينة حني‬ ‫ّ‬ ‫وكن يتعرضن ملضايقات بعض عدميي األخالق‪،‬‬ ‫فأفضني بغضبهن إلى أزواجهن الذين حتدثوا‬ ‫بدورهم إلى النبي‪ .‬وكان من جراء هاته احلوادث‬ ‫أن نزلت عليه اآلية القرآنية‪َ .‬يا َأ ُّي َها ال َّنب ُِّي ُق ْل‬ ‫أل ْز َواجِ َك َوبَنَا ِت َك َو ِن َس ِ‬ ‫ني ُيدْ ِن َ‬ ‫اء المْ ُؤ ِْم ِن َ‬ ‫ني َع َل ْيهِ َّن ِم ْن‬ ‫َ‬ ‫جالبِيبِهِ َّن َذ ِل َك َأ ْد َنى أنْ ُي ْع َر ْف َن فال ُي ْؤ َذ ْي َن َو َكانَ‬ ‫يما‪ .‬اآلية ‪ 59‬من السورة ‪.33‬‬ ‫ال َّل ُه َغ ُفو ًرا َر ِح ً‬ ‫نعرف من جهة أخرى أن اإلسالم قد طرح عبر‬ ‫كل األزمنة العالمات الدينية الفارقة؛ إذ جتد‬ ‫األخالق اإلسالمية أساسها في التستر واحلياء‬ ‫والصمت أيضا‪ .‬ذلك أن العالمة الدينية الفاضحة‬ ‫من قبيل اإلفصاح عن الهوية اإلسالمية بواسطة‬ ‫ارتداء ثياب حتجب كل اجلسد مرادفة في اإلسالم‬ ‫للنفاق‪ .‬ونحن نعرف كيف يدين الله املنافقني‬ ‫وأمثالهم؛ أعني أولئك الذي يحرفون رسالته في‬ ‫أفق استغالل متعصب وإيديولوجي‪ .‬ليس ثمة‬ ‫من قرينة نصية في القرآن تبيح أن يقتل املرء‬ ‫نفسه وأن يقتل من ثم األبرياء‪ .‬ليس للجهاد من‬ ‫معنى مشروع إال في سياق حرب يكون عليك أن‬ ‫حتارب فيها كي تنجو بجلدك وتذود عن بالدك‪.‬‬

‫ثمة من جهة أخرى معنى آخر للجهاد يتمثل في‬ ‫اجلهد املبذول من أجل فهم الكالم اإللهي وتأويله‬ ‫بطريقة ذكية‪.‬‬ ‫ينبغي المرأة ترغب في الدخول إلى مسجد أو‬ ‫كنيس أو كنيسة أن ترتدي ثيابا محترمة والئقة‪،‬‬ ‫ومن هنا داللة النصح بحجب الشعر الذي يعتبره‬ ‫بعضهم عنصرا إيروتيكيا‪ .‬لكن نزوع املرأة إلى‬ ‫حجب نفسها من رأسها إلى أخمص قدميها‬ ‫بحيث تتحول إلى ما يشبه <الشبح األسود>‬ ‫وال تتيح للرؤية أي سنتمتر من جسدها يفضح‬ ‫مغاالة ورياء يناقضان روح ونبل اإلسالم‪.‬‬ ‫يلزمنا من أجل تصحيح أو إلغاء هاته‬ ‫الصورة الكاريكاتورية لإلسالم الكثير من الوقت‬ ‫والدميقراطية السياسية‪ ،‬ذلك أنه في غياب حرية‬ ‫التفكير واجلرأة والعقالنية سوف يستمر اخللط‬ ‫بني اإلسالم وما ال عالقة له به و ما لم يكنه؛‬ ‫إذ ما أكثر اجلرائم التي ترتكب باسمه‪ .‬لكن‬ ‫بصرف النظر عن اإليديولوجية القاتلة لطالبان‬ ‫ورجال القاعدة ثمة مشكلة سياسية حقيقية في‬ ‫غالبية البلدان اإلسالمية‪ .‬وما دامت الدميقراطية‬ ‫احلقيقية ال توجه احلياة السياسية فسوف يستمر‬ ‫املتطرفون في االستفادة من هاته الثغرة من‬ ‫‪23‬‬


‫أجل فرض سيادة أطروحاتهم واستقطاب الشباب‬ ‫الذين لم تعد لهم ثقة في احلكام الذين ينتخبون‬ ‫بنسبة ‪ 90‬في املئة والذين يسلمون غالبا السلطة‬ ‫إلى أبنائهم‪ .‬هكذا‪ ،‬إذن‪ ،‬تكون املشكلة سياسية‬ ‫وليست دينية وذلك رغم عجز دعاة العلمانية ـ‬ ‫احترام األديان مع فصلها عن حلقة السياسة ـ عن‬ ‫إسماع صوتهم‪.‬‬ ‫يلزمنا أن نؤكد شأن محمود حسني حقيقة‬ ‫مؤداها أنه ال يسعنا النفاذ إلى داللة غالبية اآليات‬ ‫القرآنية إال بإعادة تأطيرها في السياق التاريخي‬ ‫الذي نزلت فيه‪ ،‬ثم كيف يسعنا الزعم بعد انصرام‬

‫ال يقصي االيمان باهلل‬ ‫مطلقًا حرية التفكير‪ ،‬بل‬ ‫على العكس يثيرها‬ ‫ليكون االيمان متأسسًا‬ ‫على قيمة اساسية تتمثل‬ ‫في الحرية‬

‫أربعة عشر قرنا بضرورة االلتزام باملعنى احلرفي‬ ‫لكل اآليات‪.‬‬ ‫لقد تغير العالم مند عصر الرسول على جميع‬ ‫األصعدة‪ .‬وما يفتأ اإلسالم في جوهره يشجع الذات‬ ‫اإلنسانية على أن تتأقلم مع العالم وأن تطلب‬ ‫العلم ولو في الصني وأن تتعرف على الشعوب‬ ‫األخرى بحكم أن اختالفها يشكل قيمة مضافة‬ ‫وثراء‪ .‬نترقب من اخلطباء اآلخرين أن يتدخلوا من‬ ‫أجل تخليص اإلسالم من هاته الصورة الفظيعة‬ ‫واملغلوطة التي جتعله دائما على خطأ وحتوله إلى‬ ‫خطر على الشعوب األخرى‪ .‬وينبغي من أجل‬ ‫استشراف هذه الغاية أن نقوم مبراجعة املقررات‬ ‫الدراسية وإرساء الدميقراطية‪ .‬ويشكل ذلك لعمري‬ ‫برنامجا شبه طوباوي‬ ‫‪24‬‬

‫ترجمة‪ :‬عبد المنعم الشنت‬

‫•‬

‫متابعات مغاربية‬ ‫ زار حوالي ‪ 30‬قياديا ً شابا ً من أوروبا والواليات املتحدة‪ ،‬املغرب مطلع شهر‬ ‫اذار (مارس) في إطار برنامج لألمم املتحدة حول حتالف احلضارات‪ ،‬حسب ما‬ ‫أوردته وكالة املغرب العربي لألنباء‪ .‬البرنامج الذي ينظم في إطار التعاون‬ ‫مع جامعة الدول العربية ومنظمات أخرى يشجع التبادل الثقافي بني‬ ‫شباب الدول العربية والغربية‪.‬‬

‫•‬

‫ أعلن املشاركون في مؤمتر دولي نظم في تونس العاصمة عن ضرورة دعم‬ ‫تنمية الشباب من خالل املزيد من التعاون بني الشمال واجلنوب على‬ ‫الصعيد العاملي‪ ،‬وكذلك بني االحتاد األوروبي والعاملني العربي واإلسالمي‪.‬‬ ‫ وبحسب البيان اخلتامي الصادر عن املشاركني في «املنتدى الدولي حول‬ ‫الشباب واملستقبل»‪ ،‬الذي تواصل بني ‪ 14‬و‪ 16‬كانون الثاني (يناير) من‬ ‫الضروري «دعم البناء املعرفي للشباب وتطوير مؤهالتهم ومهاراتهم‬ ‫التخصصية واحلياتية وتنمية قدراتهم على التدبـير املسـتقل والتصرف‬ ‫الرشيد واحلل الناجع للمشكالت»‪.‬‬

‫•‬

‫•‬

‫•‬

‫ في تقريرها السنوي حول حقوق اإلنسان في العالم‪ ،‬اشادت جهات‬ ‫اميركية رسمية عدة باجلهود التي تبذلها املؤسسات املغربية في مجال‬ ‫النهوض بالتسامح بني الديانات‪ .‬واشار التقرير الى «تواصل تشجيع‬ ‫التسامح واالحترام بني مختلف الديانات»‪ ،‬بدليل أن «الطائفة اليهودية‬ ‫تعيش في أمن وطمأنينة مبجموع التراب املغربي»‪ .‬وذكر بأن أفراد هذه‬ ‫الطائفة عاشوا‪ ،‬على الدوام‪ ،‬في «جو من الطمأنينة»‪ ،‬مضيفا أن‬ ‫املواطنني املغاربة من الديانة اليهودية ميارسون شعائرهم الدينية بكل‬ ‫حرية‪.‬‬ ‫ أطلقت ‪ 40‬جمعية نسائية مغربية محلية مببادرة من منتدى الزهراء‬ ‫للمرأة املغربية نداء ملناهضة استغالل املرأة بكل صوره‪ .‬وأوصى املشاركون‬ ‫في الندوة التي نظمت يوم ‪ 4‬اذار (مارس) باملكتبة الوطنية في الرباط‬ ‫بشراكة مع املنظمة اإلفريقية حملاربة السيدا‪ ،‬بتبني مقاربة شمولية‪،‬‬ ‫تربوية وثقافية وتنموية واجتماعية وإعالمية وأمنية وقانونية‪ ،‬تركز على‬ ‫األسباب واالختالالت األساسية التي تفرز هذه الظاهرة‪ ،‬وتسهم في‬ ‫التوعية مبخاطرها‪ ،‬وفي مقاومة كل أشكال التطبيع معها‪ .‬كما طالبوا‬ ‫بسن قوانني حلماية النساء من العنف بكافة أشكاله‪.‬‬

‫ دعا مشاركون في يوم دراسي بالرباط في ‪ 25‬شباط (فبراير) موضوع‬ ‫«تدبير الشأن الثقافي باملغرب‪ :‬الواقع واآلفاق» إلى وضع خطة متويلية‬ ‫وطنية للتنمية الثقافية تعتمد املقاربة التشاركية بني كل املتدخلني‬ ‫الثقافيني العموميني وشبه العموميني واخلواص وباقي املعنيني‪ ،‬وذلك‬ ‫على أساس برامج تعاقدية واضحة‪.‬‬ ‫ وأكد املشاركون ضرورة ربط التنمية بالثقافة باعتبارها مقاربة ناجعة‬ ‫تقطع مع مفهوم «اخلدمة الثقافية» وتعوضها بـ «تشكيل الوعي‬ ‫الثقافي»‪.‬‬


‫مجلة «قضايا اسالمية معاصرة» في العدد الجديد‬

‫بغداد ـ عبد العليم البناء‪:‬‬

‫رهانات الدين والحداثة‬

‫عن مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد صدر‬ ‫العددان ‪ 41‬ــ ‪ 40‬من املجلة الفصلية «قضايا‬ ‫اسالمية معاصرة» وهي مجلة متخصصة تعنى‬ ‫بالهموم الفكرية للمسلم املعاصر‪ ،‬صاحب امتيازها‬ ‫ورئيس حتريرها املفكر العراقي الدكتور عبد اجلبار‬ ‫الرفاعي‪.‬‬ ‫كرست املجلة «رهانات الدين واحلداثة»‬ ‫موضوع ًا اساسي ًا‪ ،‬مت تناوله من عدة زوايا‪ ،‬وعبر‬ ‫رؤى ووجهات نظر متعددة‪ ،‬باعتبار هذه الرهانات‬ ‫ً‬ ‫محورا‬ ‫متفاعلة ومتداخلة مع احلداثة‪ ،‬التي باتت‬ ‫مهما في مختلف ميادين الفكر واملعرفة والفلسفة‪.‬‬ ‫ومن باب اولى البد ان يكون للدين حضوره في‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن التزمت الذي‬ ‫احلداثة شك ًال ومضمون ًا‪،‬‬ ‫جعل البعض يلبس الدين لبوسا مغايرة جلوهره‪.‬‬ ‫في هذا السياق جاءت كلمة التحرير الدريس‬ ‫هاني بعنوان «تديني احلداثة ام تخليق احلداثة»‬ ‫وبعنوان فرعي «النزعات السلفية املقنعة في الفكر‬ ‫العربي املعاصر»‪ .‬ومن خالل مدخل ارتكز على ان‬ ‫«العالقة بني الدين واحلداثة والغرب هي عالقة‬ ‫ملتبسة» مرورا مبناقشة «الدين واحلداثة من منظور‬ ‫سلفية الفكر العربي املعاصر» وصوال الى معاجلة‬ ‫قضية «احلداثة ومغالطة سؤال التخليق» ليخلص‬ ‫من خالل ذلك الى ان «النزعة السلفية في الفكر‬ ‫العربي واالسالمي ستظل في منتهى حماستها‬ ‫عائقا من عوائق التقدم في الفكر الديني وفي فهم‬ ‫احلداثة»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫نقرأ بعد ذلك حوارا فكريا مهما مع املفكر‬ ‫الفرنسي ريجيس دوبريه حتت عنوان «ما يوحدنا‬ ‫يتجاوزنا نحو االفضل كما نحو االسوأ» اجراه‬ ‫فريديك لينوار وجنيفيه سوارز‪ ،‬ويصب في هذا‬ ‫السياق من خالل تسليط الضوء على ابرز ارائه‬ ‫الفكرية في كتابه االخير «اللحظة االخوية»‪ ،‬وهو‬ ‫ً‬ ‫جديرا باالعتبار من نتائج ابحاثه‬ ‫كتاب يعد تركيب ًا‬ ‫السابقة حول «املقدس في السياسة» ومن تأمل في‬ ‫حدود «الدين املدني اخلاص بحقوق االنسان»‪.‬‬ ‫كما نقرأ حوارا اجراه حسن عثمان مع الدكتور‬

‫عبداملجيد الشرفي الشخصية الفكرية التي جتاوزت‬ ‫بطروحاتها البحثية ما هو اكادميي الى هو معرفي‬ ‫ً‬ ‫بعيدا عن االيديولوجيا‪ .‬وقد عرف الشرفي بتجاوزه‬ ‫أطر تقاليد البحث املتداولة اجلامدة‪ ،‬حيث تبرز من‬ ‫خالل اعماله فكرة ان «الدين منتج للمعنى»‪.‬‬ ‫وفي باب دراسات نقرأ دراسة للدكتور رضوان‬ ‫السيد يتناول فيها‪« :‬من اإلصالح الى اإلحياء‪:‬‬ ‫مصائر مواريث التفكير النهضوي اإلسالمي»‪ .‬ومن‬ ‫ترجمة فاطمة بكوش نقرأ دراسة اوليفييه روا عن‬

‫البد ان يكون للدين‬ ‫حضوره في الحداثة شك ًال‬ ‫ومضمونًا‪ ،‬بعيدًا عن‬ ‫التزمت الذي جعل‬ ‫البعض يلبس الدين لبوسا‬ ‫مغايرة لجوهره‬

‫(‪)1‬‬

‫«حداثة وعلمانية وعودة الديني» التي يطرح فيها‬ ‫عدة تساؤالت عن اختراقات متبادلة بني الديانات‬ ‫االسالمية واملسيحية وغيرها‪.‬‬ ‫ويعود الدكتور عبداملجيد الشرفي الباحث‬ ‫واالستاذ اجلامعي التونسي ليدلي بدلوه في هذا‬ ‫اجلانب احلساس واحليوي عبر دراسته «الثالوث‬ ‫الصعب‪ ...‬االسالم واحلداثة والعلمانية» وفيها‬ ‫يقدم قراءة للتطورات الفكرية االسالمية وعالقتها‬ ‫باحلداثة والعلمانية‪ .‬اما الدكتور طارق رمضان‬ ‫فيخوض عبر دراسته «املسلمون في ظل العلمانية»‬ ‫عبر عودة التشنج في الغرب ازاء ما يسمى اليوم‬ ‫«اخلطر االسالمي» اجلديد بعد ان صار وجود‬ ‫ً‬ ‫بارزا للعيان في املجتمعات‬ ‫املسلمني واملسلمات‬ ‫الغربية ‪.‬‬ ‫ومن ترجمة مشتاق احللو نقرأ دراسة مهمة‬ ‫للدكتور محسن اجلوادي بعنوان «االميان والعقالنية»‬ ‫تناول فيها «تبرير مصاديق املعتقدات الدينية‬ ‫واالميان بالله تعالى» باعتبارها طرق ًا مختلفة‬ ‫مستعرض ًا ابرزها‪.‬‬ ‫اما الدكتورعبد اجلبار الرفاعي فيتناول في‬ ‫دراسته «ازمنة التحديث في ايران ‪ 1800‬ــ ‪»1979‬‬ ‫ويقدم فيها استقراء ودراسة وحتليال لتيارات واجتاهات‬ ‫ومدارس ورموز االصالح والتحديث في ايران خالل‬ ‫الفترة املذكورة‪ ،‬التي تنتهي زمنيا عند حدود الثورة‬ ‫االسالمية بقيادة االمام اخلميني عام ‪.1979‬‬ ‫ويختم دراسات العدد من مجلة «قضايا اسالمية‬ ‫معاصرة» ابراهيم العبادي بدراسته التي جاءت حتت‬ ‫عنوان «احلرية الدينية والصناعة الفقهية» التي‬ ‫مثلت مراجعة نقدية مللف العدد ‪ 39‬ــ ‪ 40‬وهو ما‬ ‫دأبت املجلة عليه في كل اعدادها السابقة‪.‬‬ ‫ونعتقد ان هذا العدد مبلفه عن «رهانات الدين‬ ‫ً‬ ‫جتاوزا للمحذورات بأنواعها‬ ‫واحلداثة» كان اكثر‬ ‫املختلفة‪ ،‬فضال عن احلاجة املاسة له كموضوع مركزي‬ ‫يعرض حضوره في جميع ساحات العمل الديني‪،‬‬ ‫وفي املقدمة منها االسالمي‪ ،‬ال ميكن االستغناء عن‬ ‫مراجعتها وقراءتها بدقة وعناية تامتني‪ ،‬حلساسيتها‬ ‫املفرطة‪ ،‬السيما لدى الغرب بكل اجتاهاته الفكرية‬ ‫واالجتماعية والسياسية والفكرية وغيرها‬ ‫‪25‬‬


‫ارسطوطالية ابن رشد واثرها في تطوير‬ ‫الالهوت المسيحي لـ «فالح الراضي»‬ ‫في دراسة باللغة االملانية حتت عنوان‬ ‫«ارسطوطالية ابن رشد واثرها في تطوير‬ ‫الالهوت املسيحي» الصادرة نهاية العام‬ ‫‪ ،2009‬يقدم الدكتور فالح الراضي شرح ًا‬ ‫ألهم ُأسس فكر إبن ُرشد ونقاط االختالف‬ ‫اجلوهرية بينه وبني الفيلسوف أبو حامد‬ ‫الغزالي (املتوفي سنة ‪ ،)1111‬معرج ًا في‬ ‫الوقت ذاته على حياة وأفكار فالسفة وعلماء‬ ‫اسالميني كبار امثال الكندي والفارابي وإبن‬ ‫سينا وغيرهم‪ .‬فيما يحتوي اجلزء الثاني من‬ ‫الدراسة على تقدمي ألفكار أهم الالهوتيني‬ ‫املسيحيني وهو توماس األقيني‪ ،‬ثم يستعرض‬ ‫افكار الهوتيني كاثوليك استقوا مجمل أفكار‬ ‫إبن ُرشد ودافعوا عنها مثل زيكر برابانت الذي‬ ‫قتلته أيادي َكنَسية عام ‪ 1284‬بسبب افكاره‬ ‫أالرسطو ُرشدية‪ .‬وال ينسى الكاتب دور ممن‬ ‫سبقوا تلك احلقبات ومهدوا لها كالبرت الكبير‬ ‫وأبيالرد‪ ،‬ما يلبث ان يعود املؤلف في نهاية‬ ‫جولته الى الفيلسوف العربي اليهودي موسى‬ ‫إبن ميمونه (املتوفي سنة ‪ )1204‬في القاهرة‬ ‫والذي كان له الدور امللحوظ في نشر فلسفة‬ ‫أرسطو في الفكر أالوروبي عبر االندلس بفضل‬ ‫إبن رشد‪.‬‬ ‫تتناول الدراسة فكر إبن ُرشد العقالني‬ ‫الذي أكد على ان اولوية الفكر في الوصول‬ ‫إلى احلقائق وتطورها النسبي‪ .‬وتأتي الدراسة‬ ‫في الوقت الذي يترسخ فيه التخلف الفكري‬ ‫في معظم البلدان العربية واالسالمية‪ ،‬مع تزايد‬ ‫التزمت الديني والتطرف الطائفي واالرهاب‬ ‫باسم االسالم‪.‬‬ ‫في ظل ظروف كهذه ال يزال إبن ُرشد‬ ‫ُيكفر و ُيتهم بالزندقة‪ ،‬فيما أكتشفت أوروبا‬ ‫في القرون الوسيطة أفكاره النيرة ودرستها في‬ ‫جامعاتها‪ ،‬اذ اهتم الفيلسوف االسالمي املترجم‬ ‫‪26‬‬

‫لفلسفة أرسطوطاليس املتوفي سنة (‪ 322‬ق‪.‬‬ ‫م) واملُتمم لها‪ .‬لذا ُدرس تراث هذا الفيلسوف‬ ‫االغريقي الكبير في نطاق أرسطوطالية إبن‬ ‫ُرشد الذي ُسمي في أوروبا باملعلم الثاني بعد‬ ‫ً‬ ‫تقديرا له‪.‬‬ ‫أرسطو‬

‫بدون أفكار إبن ُرشد‬ ‫ال يمكن للغرب أن يتصور‬ ‫بدايات نهضته وحقب تنويره‬ ‫وال زخم فكري وفلسفي‬ ‫لديسكارت أو سبينوزا أو فولتير‬ ‫أو كانط وغيرهم‬

‫ويؤكد املؤلف الدكتور الراضي بأن الغرب‬ ‫تبنى فكر إبن ُرشد مبقولته الشهيرة «ال نشوء‬ ‫وتطور للفكر االنساني بدون نسغ العقل»‬ ‫ليصل إلى عصور النهضة وحقب التنوير‪،‬‬ ‫بينما فرط الشرق االسالمي بابداعات املفكر‬ ‫الكبير ليضع اقدامه على عتبات التأخر واجلهل‬ ‫والتخلف والضياع‪ .‬وما زال جاثم ًا عندها‪.‬‬ ‫هجر الشرق كتب إبن ُرشد التي ُحرقت وكاد‬ ‫هو أن ُيحرق لوال هروبه من قرطبة إلى مراكش‪،‬‬ ‫فلم تبدد نيران احلريق ظالم عصور االنحطاط‪.‬‬ ‫فيما عاش املسلمون في ظل امليتافيزيقات‬ ‫(املاورائيات) البعيدة متام ًا عن جوهر االسالم‪،‬‬ ‫كذلك انشغالهم بالطقوس السطحية أكثر من‬ ‫ً‬ ‫بعيدا الى‬ ‫تعاليمه االنسانية اجلليلة‪ .‬وذهبوا‬ ‫دنيا السماء النائية أكثر من حاضر ومستقبل‬ ‫هذه االرض وناسها‪.‬‬ ‫كتب ذات مرة جوزيف بيبر مؤرخ حياة‬ ‫وفكر توماس االقيني املتوفي سنة ‪ 1274‬الذي‬ ‫ُيعتبر اهم الهوتي أوروبي في القرون الوسيطة‪،‬‬ ‫ومن الذين تأثروا بفكر إبن ُرشد وأخذ ألكثير‬ ‫منه ولو مبنحنيات مسيحية‪« :‬بدون أفكار‬ ‫إبن ُرشد ال ميكن للغرب أن يتصور بدايات‬ ‫نهضته وحقب تنويره وال زخم فكري وفلسفي‬ ‫لديسكارت أو سبينوزا أو فولتير أو كانط‬ ‫وغيرهم»!‬ ‫اال يكفي أالعتراف بفضل إبن رشد من قبل‬ ‫مفكر اوروبي مسيحي ألن ُنصاب نحن العرب‬ ‫واملسلمون باخلجل بعدما جتاهلنا وظلمنا مفكر‬ ‫بهذا احلجم شكل املنعطف االهم في الفلسفة‬ ‫االنسانية؟‬ ‫ميكن احلصول على نسخة من الكتاب عبر‬ ‫االتصال ببريد املؤلف االلكتروني‪:‬‬ ‫‪el_radhi@hotmail.com‬‬


‫إصدارات‬

‫تاريخ النظم في حواضر االسالم‬

‫يتناول الكتاب الصادر عن دار الشروق القاهرية بعنوان‪« :‬تاريخ النظم‬ ‫االسالمية» للدكتور فاروق عمر فوزي‪ ،‬النظم (املركزية) في عواصم احلضارات‬ ‫اإلسالمية في كل من املدينة املنورة ودمشق وبغداد وسامراء‪ ،‬وتتبع تطورها‬ ‫التاريخي وما استجد فيها من مظاهر ومفاهيم‪.‬‬ ‫ويؤكد الكاتب ان املسلمني غالب ًا ما يعبرون عن النظرية السياسية من خالل‬ ‫التاريخ‪ ،‬فالعرض التاريخي يحمل في طياته موقف ًا من النظرية السياسية‪،‬‬ ‫ولعل هذا القول ينطبق على النظم اإلسالمية‪ .‬فالباحث يجد في كتب التاريخ‬ ‫العامة معلومات متناثرة عن التطور التاريخي العملي لتلك النظم‪ ،‬أما ما‬ ‫كتبه املاوردي وغيره من كتّاب السياسة الشرعية والعلماء والفالسفة فهو يهتم‬ ‫بالنظرية والشروط والتبرير أكثر من التطور العملي‪.‬‬ ‫يحتوي الكتاب على ستة فصول‪ ،‬اضافة الى املقدمة‪ ،‬وهي‪ :‬نظام اخلالفة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫واخيرا النظام‬ ‫نظام الوزارة‪ ،‬نظام اإلدارة‪ ،‬نظام القضاء وتوابعه‪ ،‬النظام املالي‪،‬‬ ‫العسكري‪.‬‬

‫االنتماء للمكان الذي يعيش فيه ويساهم ببنائه‪ ،‬فالنظرة االنسانية والعامة‬ ‫للقرآن واالسالم ال تعارضان كون االنسان جزءا فاعال من مجتمعه‪ .‬لكن‬ ‫املسلمني الذين يعيشون في اوروبا يظلون دائما عرضة التهام الوالء املزدوج‬ ‫للوطن الذي يعيشون فيه‪.‬‬ ‫فرمضان يرى ان االسالم واملسلمني قادرون على التعايش في مجتمعات‬ ‫غربية‪ ،‬ومن هنا يؤكد على اهمية انخراط املسلمني بثقة واخالص في مجتمعاتهم‬ ‫الغربية واحدث ما يقول عنه "ثورة في الثقة" وتطوير موقف ايجابي قائم على‬ ‫تكييف تراثهم‪.‬‬ ‫يعترف املؤلف ان االسالم يعاني من مشكلة مسلمني وان ابناءه مطالبون‬ ‫بالتفكير اجلاد ولكن هذه الدعوة للتفكير النقدي من جانب املسلمني ال تعفي‬ ‫الغرب ايض ًا من اللوم والنقد‪.‬‬ ‫يذكر ان طارق رمضان منفتح على الثقافة الغربية بصفته ابنها الشرعي بعد‬ ‫والدته في سويسرا‪ ،‬واضافة الى كونه حفيدا حلسن البنا‪ ،‬مؤسس جماعة االخوان‬ ‫املسلمني في مصر‪ ،‬لذا يرى ان جتربته كحلقة وصل بني الشمال واجلنوب‪ ،‬مما‬ ‫ً‬ ‫مؤكدا ان‬ ‫يعني انه يدافع عن اسالمه بالتوازي مع دفاعه عن ثقافته االوروبية‪،‬‬ ‫هناك الكثير من املشتركات بني االسالم واملسيحية واليهودية‪ ،‬وحتى اجلماعات‬ ‫الالدينية امللحدة وذات التوجه االنساني لتجسيد حياة تعددية ال تتعارض فيها‬ ‫الهويات مع االنتماء الروحي‪.‬‬

‫ابن خلدون‪ ..‬فيلسوف التاريخ‬ ‫ازمة الهوية في "ايماني"‬ ‫لطارق رمضان‬

‫عن دار جامعة اوكسفورد للنشر صدر للمفكر االسالمي طارق رمضان‬ ‫كتاب حتت عنوان‪" :‬امياني" هو اشارة الى ازمة املثقف املسلم ومصارعته مع‬ ‫هوية يحملها وسياق يعرف نفسه من خالل اطروحة االنا واالخر او الهوية‬ ‫املتمركزة حول نفسها سواء كانت اوروبية او امريكية‪ ،‬وهو انعكاس ملا يحدث‬ ‫اليوم في اوروبا وما يجري من حتوالت على صعيد الهوية السياسية‪.‬‬ ‫واشار رمضان في كتابه الى انه ال يوجد في الدين ما مينع املسلم من‬

‫حتاول زينب محمود اخلضيري في كتابها "فلسفة التاريخ عند ابن خلدون"‬ ‫الصادر عن دار التنوير للطباعة والنشر في بيروت‪ ،‬القاء نظرة عصرية على‬ ‫ً‬ ‫مفكرا‪ ،‬دون انتزاعه من خلفياته الفكرية‪ ،‬ومن ظروف‬ ‫فكر ابن خلدون‪ ،‬بوصفه‬ ‫عصره التاريخية‪ ،‬مشيرة الى أن ابن خلدون فيلسوف للتاريخ‪ ،‬اذ أن الفكرة‬ ‫الشائعة عنه أنه مؤسس علم االجتماع‪ ،‬مع انه كان أو ًال وقبل كل شيء‬ ‫فيلسوف ًا للتاريخ‪ ،‬وله منهجه في دراسة التاريخ ونقده للمناهج السابقة على‬ ‫منهجه‪ ،‬وتنبه إلى العوامل املختلفة التي تؤثر في تطور التاريخ‪ ،‬وأهمها‬ ‫العوامل االقتصادية والطبيعية والدينية‪.‬‬ ‫جلأ ابن خلدون في دراسته للتاريخ إلى االستناد إلى العقل والتجربة‬ ‫اإلنسانية وليس إلى العقيدة‪ ،‬ورأى أن فلسفة التاريخ تقوم على املماثلة‬ ‫العضوية بني الفرد واملجتمع‪ ،‬إذ أن الفرد مير مبراحل مختلفة في منوه البيولوجي‬ ‫‪27‬‬


‫من الوالدة إلى شباب والكهولة ثم املوت‪ ،‬وكذلك املجتمع‪ ،‬حيث الدولة لها‬ ‫أعمار طبيعية مثلها في ذلك مثل األفراد‪ .‬وعمر الدولة ال يزيد على ثالثة‬ ‫أجيال‪ ،‬ومت ّر مبراحل طبيعية محكومة بقانون اجتماعي‪ ،‬ألنها تتفق مع طبيعة‬ ‫األشياء‪ .‬وفي هذا االطار تدرس اخلضيري مفهوم الدولة عند ابن خلدون‪،‬‬ ‫بوصفها اإلطار املناسب والضروري للحياة االجتماعية اإلنسانية‪ ،‬وهي مت ّر بعدة‬ ‫ً‬ ‫وأخيرا اإلسراف والتبذير‪.‬‬ ‫أطوار وهي‪ :‬التأسيس‪ ،‬التوسع‪ ،‬االزدهار‪ ،‬القنوع‪،‬‬ ‫وتأتي املرحلة األخيرة املتوجة لنهاية الدولة‪ ،‬حيث تقوم قبيلة بدوية ذات‬ ‫عصبية قبلية قوية بالهجوم واإلجهاز على الدولة املفككة وتستلم السلطة بقوة‬ ‫عصبيتها‪ .‬وهكذا تبدأ دورة اجتماعية جديدة في حركة حلزونية أبدية حسب‬ ‫القانون االجتماعي ملسيرة التاريخ‪.‬‬

‫وصولهم الى سدة السلطة‪ .‬وحتت هذا الهاجس مت جتنيد الكثير حتت دوافع‬ ‫طائفية‪ .‬فالفكر الوهابي تغلغل في مفاصل النظام ضمن مناخ سياسي‬ ‫واجتماعي متأزم‪.‬‬ ‫يحتوي الكتاب على معلومات قيمة ومفصلية حاول فؤاد ابراهيم‬ ‫استخدامها ليغدو كتابه ملم ًا بكل الدالالت املتربطة بالظاهرة على الصعيد‬ ‫التاريخي واحلاضر املاثل‪.‬‬

‫الحب في القرآن‬

‫العالقة بين الدين والسياسة في‬ ‫السعودية‬

‫ً‬ ‫مؤخرا عن دار الساقي حتت عنوان‪:‬‬ ‫يطرح فؤاد ابراهيم في كتابه الصادر‬ ‫« السلفية اجلهادية في السعودية» السؤال االكثر اهمية وهو‪ :‬من استند‬ ‫الى االخر‪ :‬العائلة احلاكم السعودية ام املؤسة الدينية املتشددة التي تتخذ‬ ‫من الوهابية نهج ًا لها؟ ويخلص إلى أن اإلطار التاريخي الذي حكم ثنائية‬ ‫الدين والدولة الذي س َّوغ املشروعية لكال الطرفني‪ ،‬فالفقهاء يستمدون ق ّوتهم‬ ‫من الدولة‪ ،‬والدولة تستقي شرعيتها منهم منذ عام ‪ 1932‬ولغاية يومنا‬ ‫هذا‪.‬‬ ‫استعرض املؤلف الكثير من السياقات التاريخية لنشأة السلية في‬ ‫السعودية‪ ،‬معرج ًا على افقها الفكري وامتداها اجلغرافي ابتداءا من حادثة‬ ‫احلرم املكي عام ‪ 1979‬التي كان نتيجتها ظهور االستقطاب احلاد بني‬ ‫االجتاهني التقليدي والتحديثي الذي عكس بدوره العالقة بني الدين والسياسة‬ ‫في اململكة‪.‬‬ ‫يتناول ابراهيم حرب اخلليج الثانية باعتبارها احلدث االهم الذي شكل‬ ‫االنشقاق االول في احلركة السلفية‪ ،‬حيث احتفظت هيئة كبار العلماء‬ ‫بعالقتها مع السلطة‪ .‬في املقابل بدأ إعداد العدّ ة العقائدية والرمزية‪،‬‬ ‫إلعالن اجلهاد األصغر‪ ،‬ضد الداخل واخلارج ذلك الذي استخدم سابق ًا‬ ‫في افغانسان‪ ،‬مستوحية الكثير من افكار ابن تيمية في تكفير املجتمع‬ ‫والدولة‪ ،‬خاصة اثر عودة الكثير من املسلحني من افغانستان وفشل الدولة‬ ‫ومؤسساتها باحتوائهم‪ ،‬ليمتد عنفهم في الداخل لينتقل بعدها إلى العراق‬ ‫بعد سقوط نظام صدام‪ ،‬اثر صدور سيل من الفتاوى لتكفير الشيعة وحترمي‬ ‫‪28‬‬

‫ال يعوق القرآن الكرمي النفس عن نيل شهواتها ولكن باعتدال وعقل وحتت‬ ‫مظلة اإلميان بالله‪ ،‬لذا جاء كتاب الله متخما باحلب واحملبة‪ ،‬هذا ما يذكره د‪.‬‬ ‫محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه املعنون‪" :‬احلب في القرآن" الصادر عن‬ ‫دار الفكر في دمشق‪ .‬وقد قسم املؤلف كتابه إلى فصول بدأها باحلديث عن‬ ‫حب الله لإلنسان ثم تالها بفصل عن حب اإلنسان لله‪ ،‬ثم حب اإلنسان ألخيه‬ ‫اإلنسان ثم ختم بدور احلب في حياة اإلنسان‪ .‬يقول الله تعالى ( َولَ َقدْ َك َّر ْمنَا‬ ‫بَ ِني َآ َد َم َو َح َم ْلنَاه ُْم ِفي ا ْل َب ِّر َوا ْل َب ْحرِ) اإلسراء (‪ )70/17‬وهي آية تتضمن املكانة‬ ‫املتميزة لإلنسان الذي أمر الله املالئكة بالسجود له‪.‬‬ ‫ويعرف د‪ .‬البوطي احلب بأنه التعلق بالشيء على وجه االستئناس به‬ ‫واالستيحاش لفقده‪ ،‬وهو معنى غير وارد في حق الله‪ ،‬فحب الله لإلنسان‬ ‫هو الرضا عنه واملغفرة له‪ ،‬ومصير هذا احلب منوط باملصير الذي يتخذه‬ ‫اإلنسان جتاه التكاليف التي شرفه الله بها والوصايا التي أمره بها وهو‬ ‫ما يقرره البيان اإللهي في أكثر من مناسبة‪ ،‬فمن ذلك ؛ قوله (إِنَّ ال َّل َه‬ ‫ب ال َّت َّوا ِب َ‬ ‫ِين) البقرة (‪ )222 / 2‬وفي قوله تعالى‪( :‬إِنَّ‬ ‫ب المْ ُت َ​َط ِّهر َ‬ ‫ني َو ُي ِح ُّ‬ ‫ُي ِح ُّ‬ ‫ب المْحُ ْ ِس ِن َ‬ ‫ين‬ ‫ب ا َّل ِذ َ‬ ‫ني) البقرة (‪ )195 /2‬وفي قوله‪( :‬إِنَّ ال َّل َه ُي ِح ُّ‬ ‫ال َّل َه ُي ِح ُّ‬ ‫وص) الصف (‪ )5/61‬وهي محبة‬ ‫ص ٌ‬ ‫ُي َقا ِت ُلو َن ِفي َسبِي ِل ِه َ‬ ‫ص ًّفا َك َأ َّن ُه ْم ُب ْن َيا ٌن َم ْر ُ‬ ‫َ‬ ‫تشمل املذنبني التائبني‪ .‬هذه احملبة فطرة أودعها الله في اإلنسان ( َو ِإ ْذ أ َخ َذ‬ ‫ت ِب َر ِّب ُك ْم‬ ‫َر ُّب َك ِم ْن بَ ِني َآ َد َم ِم ْن ُظ ُهور ِ​ِه ْم ُذ ِّر َّيت َُه ْم َو َأ ْش َهدَ ه ُْم َع َلى َأ ْن ُف ِسهِ ْم َألَ ْس ُ‬ ‫َقا ُلوا بَ َلى َشهِ دْ َنا َأنْ َت ُقو ُلوا َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة ِإ َّنا ُكنَّا َع ْن ه َ​َذا َغا ِف ِل َ‬ ‫ني) األعراف‬ ‫(‪.)172/7‬‬ ‫ويجيب املؤلف عن سؤال حب الله املطلق كيف يكون؟ فاحلب عادة يكون‬ ‫بني املتناسبني من جنس واحد أو يكون إلى أماكن وديار تدرك باحلواس‪ ،‬بقوله‪:‬‬ ‫أن كل ما يعتري النفس اإلنسانية من أشواق إلى أنواع اجلمال اإلنساني‬ ‫والطبيعي هو من جتليات حب الله‪ ..‬والشوق إلى املجهول هو من جتليات حب‬ ‫الله‪ ..‬ومن أحب الله فإنه سيحب عباده جميعا‪ .‬وللتحابب بني الناس قانونان؛‬ ‫حتابب ديني بني املؤمنني‪ ،‬وحتابب إنساني عام‪ .‬ويحذر املؤلف من قصر احلب‬ ‫بني عباد الله‪ ،‬االمر الذي يحد من حب الله‪.‬‬


‫السيدة مريم في القرآن الكريم‬

‫يعرض كتاب «السيدة مرمي في القرآن الكرمي ـ قراءة أدبية» للكاتبة‬ ‫ُحسن عبود عن دار الساقي‪ ،‬سورة السيدة مرمي وقصتها في القرآن‬ ‫الكرمي‪ ،‬وتناص صورتها وقصتها في املوروث املسيحي‪ ،‬مؤكدة مركزية‬ ‫اللقاء الكبير بني الديانتني في شخصية مرمي‪ ،‬حيث يولج الكتاب‬ ‫ً‬ ‫جديدا في دراسة السورة القرآنية كخطاب قابل للتحليل‪ ..‬‬ ‫حق ًال‬ ‫ترى الكاتبة ان قصة شخصية مرمي‪ ،‬هي كقصتي اصحاب الكهف وذي القرنني‪،‬‬ ‫ال تتكرر في القرآن الكرمي مثلما تتكرر قصص كثير من الشخصيات الكتابية‬ ‫كآدم وابراهيم وموسى وغيرهم في اكثر من سورة‪ .‬كما ترى عبود‪ ،‬ان هناك‬ ‫ً‬ ‫سردا بيوغرافي ًا ملرمي‪ ،‬يظهر بشكل بانورامي مشهدي مط ّوق بخطاب كالمي في‬ ‫«سورة آل عمران»‪ ،‬وآل عمران هو نسب مرمي العائلي الذي وضع على املستوى‬ ‫نفسه مع النسب اإلبراهيمي‪.‬‬ ‫تؤكد عبود في دراستها شكل السورة‪ ،‬ان رحلة السيدة مرمي (الى املكان القصي)‬ ‫تشكل العمود الفقري لبناء القسم القصصي‪ ،‬لذا ليس من الصعب ان نتخيل‬ ‫الدور الرئيس الذي كانت تلعبه السيدة مرمي في محيط ثقافي عربي مسيحي‪،‬‬ ‫محيط يقدّ س األنثى خلصوبتها عموما‪ ،‬ومرمي ألمومتها على وجه اخلصوص‪ .‬‬ ‫الكاتبة عبود‪ ،‬سعت في كتابها الى قراءة عصرية‪ ،‬مهتمة بتجديد اخلطاب‬ ‫الديني للمرأة املسلمة‪ ،‬االمر الذي فتح املجال امام تأويالت جديدة تتمسك‬ ‫باملساواة في التكليف االلهي لألنبياء والصدّ يقني وبينهم السيدة مرمي‪ ،‬وكذلك‬ ‫البشر اجمعني وبينــــهم املرأة املسلمة اليوم‪ .‬فاالستجابة هي فعل قراءة تدخل‬ ‫فيها املشاركة والتفاعل واالضافة‪ ،‬وقد تفاعلت الكــــاتبة مع دراسات أدبية‬ ‫سبقتها إليها الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)‪ ،‬وهـــي اول امرأة‬ ‫اجتهدت في تطبيق منهجية أدبيــة للتفسير القرآني‪ ،‬فأضافت عبود الى جهد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جديدا وقراءة جديدة‪.‬‬ ‫جهدا‬ ‫بنت الشاطئ‪،‬‬

‫الدعوة الى تفسير حداثي لالسالم‬

‫يحمل كتاب "امرأة أملانية مسلمة" الصادر باللغة االملانية للمياء قدور‪،‬‬ ‫في مضمونه حتدي ًا للقارئ االملاني الذي يرى ان املرأة ال تتمتع بحقوق كافية‬

‫في االسالم‪ .‬اذ تدعو املؤلفة في كتابها الى احلداثة والى منهج ليبرالي في‬ ‫تفسير القرآن الكرمي بصورة موازية مع العصر‪ ،‬مؤكدة في الوقت ذاته على‬ ‫اهمية االجتهاد في التفسير‪ ،‬لكنها تنتقد فكرة ان االسالم ثابت ال يتغير‪،‬‬ ‫ذلك ان جمود التفسيرات واالجتهادات ستجعل االسالم دائما عرضة للهجوم‬ ‫والتشكيك من قبل الغربيني‪ ،‬اذ ان عدم مسايرة التغيرات احلادثة في التفسير‪،‬‬ ‫سيبعد الدين عن العالم الواقعي الذي نعيشه‪ ..‬ويبعد الدين عن الواقع مما‬ ‫يشكل صعوبة في اسلوب الدعوة لالقتناع به‪.‬‬ ‫حاولت املؤلفة في الكتاب ان تقدم حلو ًال تتمثل من وجهة نظرها في كيفية‬ ‫تطبيق التفسيرات اجلديدة على ارض الواقع والتقليل من التناقض الظاهر بني‬ ‫الدين واحلداثة وذلك من خالل وضع االحكام القرآنية في ظل سياق تاريخي‬ ‫وموضوعي ميكن من خالله الكشف عن املعنى احلقيقي حتى يصبح التفسير‬ ‫مالئما للواقع‪.‬‬ ‫حتذر ملياء قدور في الكتاب ايضا من مسألة الرفض اجلماعي لالسالم‬ ‫من قبل الغرب‪ ،‬كذلك ايضا من اصرار املتشددين االسالميني علي التمسك‬ ‫بالتقاليد واالصرار عليها دون االخذ في االعتبار التجديد والتحديث‪ ،‬وترى ان‬ ‫اصرار كل جانب على موقفه لن يثمر عن اي حل في اطار احلوار بني الطرفني‬ ‫الذي من الضروري ان عن هدف واضح بني اجلانبني‪.‬‬ ‫اجلدير ذكره ان الكاتبة هي شابة املانية الهوية عاشت وترعرعت في املانيا‪،‬‬ ‫ولدت عام ‪ 1978‬في املانيا السرة مسلمة مهاجرة من سوريا‪ ،‬تعلمت اصول‬ ‫الدين في نطاق االسرة ودرست فيما بعد علوم االسالم في اجلامعة ثم تأهلت‬ ‫للعمل كمدرسة تربوية للتربية االسالمية في املدارس االملانية‪.‬‬

‫سبات الثقافة العربية‬

‫يلفت الباحث اجلزائري احمد دلباني في كتابه املوسوم‪« :‬سفر اخلروج ‪-‬‬ ‫اختراق السبات األيديولوجي في الثقافة العربية» الصادر عن دار التكوين في‬ ‫دمشق‪ ،‬إلى ما يعتمل في رحم الثقافة العربية الطليعية من أفكار مغايرة تسعى‬ ‫الختراق جدار السكونية واخلروج من وصاية النظام املعرفي املغلق‪ ،‬في محاولة‬ ‫لتعرية البنية األساسية لهذه الثقافة التي تضمر عنف ًا إزاء حرية البحث ومغامرة‬ ‫اخلروج من االسوار املغلقة‪ ،‬منبه ًا إلى أن العقل العربي ظل أسير املرجعية‬ ‫جهة ثانية‪ ،‬على مدى عقود طويلة‪.‬‬ ‫الدينية من جهة‪ ،‬واملرجعية األيديولوجية من ٍ‬ ‫يتمحور الشرخ العميق في بنية الثقافة العربية املعاصرة في انتقالها من‬ ‫زمن الشمولية إلى زمن التفكك واملغايرة‪ ،‬وانتقالها تالي ًا من سيادة املرجع‬ ‫االيديولوجي إلى متاهة الوجود والتاريخ‪.‬‬ ‫يشير دلباني في كتابه إلى منوذج مختلف للفكر النقدي العربي الذي مي ّثل‬ ‫استراتيجية نقدية ولدت على أنقاض خراب األيديولوجيات والفكر الشمولي‬ ‫في محاولة لتفكيكه من الداخل‪.‬‬ ‫‪29‬‬


‫فن المديح والسماع‬

‫سفر روحاني على جناح الوجدان‬ ‫يعود فن المديح في‬ ‫المغرب الى منتصف‬ ‫القرن السابع للهجرة‬ ‫وانطلق من مدينة فاس‬ ‫فن المديح والسماع‬ ‫مورث حضاري اسالمي‬ ‫يزيد عمره على اكثر من‬ ‫‪ 14‬قرنًا‬

‫حسن سعودي‬ ‫موقع «وكالة املغرب العربي لألنباء» بتصرف‬

‫‪30‬‬

‫فن املديح والسماع موروث حضاري إسالمي‬ ‫يزيد عمره على اكثر من ‪ 14‬قرن ًا‪ ،‬وسفر روحاني‬ ‫وتأثير فني وجداني على كل مريد سالك‪ ،‬ظهر في‬ ‫عهد الرسول الكرمي‪ ،‬واستمر وتطور وتوسع منتق ًال‬ ‫من جيل إلى جيل‪ ،‬حتى صار إحدى وسائل تسامي‬ ‫الروح وعوامل تهذيبها لتأثيره الفني والوجداني‪.‬‬ ‫األصل في املديح والسماع ما يدل على عموم‬ ‫الغناء واملوسيقى‪ ،‬ويؤدى بأن ينشد فرد أو أكثر‬ ‫قصيدة لشيخ من مشايخ التصوف بأصوات تترنح‬ ‫لها األسماع وتتمايل لها األجساد‪ ،‬وينتهي كل‬ ‫مقطع برد جماعي من املريدين سواء بالتهليل أو‬ ‫بالصالة على النبي املصطفى‪ ،‬بينما يستمر املنشد‬ ‫في تغيير األحلان من حني آلخر‪.‬‬ ‫وبدايات فن السماع واملديح باملغرب تعود إلى‬ ‫منتصف القرن السابع للهجرة عندما استحدثت أسرة‬ ‫العازفني‪ ،‬التي كان رجاالتها من أعالم مدينة فاس‬ ‫ورؤسائها‪ ،‬عادة االحتفال باملولد النبوي‪ ،‬وسرعان ما‬ ‫انتقل هذا االحتفال إلى األوساط الشعبية فكانت‬ ‫تقام احلفالت في الزوايا وحتى في املنازل‪ ،‬ويتم فيها‬ ‫التغني بالقصائد واملقطعات الشعرية املديحية‪.‬‬ ‫وفي هذه املجالس الروحانية يتناشد املسمعون‬

‫بأصواتهم‪ ،‬هذه القصائد واملقطعات والقدود‪ ،‬على‬ ‫أساس األنغام و"الطبوع" املتداولة في املوسيقى‬ ‫األندلسية وذلك دون مصاحبة آلية‪ ،‬فتصغي "اآلذان‬ ‫عند ذلك بحسن االستماع إلى محاسن السماع"‪.‬‬ ‫على أن طبع "رمل املاية" يبقى‪ ،‬حسب البعض‪،‬‬ ‫"أفضل هذه الطبوع وأكثرها رواج ًا لكونه أقدر على‬ ‫استجالء معاني التعظيم واجلالل التي تليق بشخص‬ ‫الرسول األعظم"‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ازدهارا‬ ‫وإذا كان فن السماع واملديح قد شهد‬ ‫ً‬ ‫كبيرا في العهد املريني فإنه تهيأ له مع حلول‬ ‫العهد العلوي أن يستكمل خصائصه األدبية‬ ‫والفنية وأضحى مما يعنى به ملوك الدولة وعلية‬ ‫القوم وعامتهم على السواء‪ ،‬ومما يدل على ولع‬ ‫شديد بهذا الفن وعظيم وقعه في نفوس اجلميع ما‬ ‫يقام له من احتفاالت ومهرجانات ومنها "مولديات‬ ‫طنجة"‪ ،‬التي جمعت على مدى أربعة أيام نخبة‬ ‫من أملع املنشدين واملسمعني املغاربة والعرب‪.‬‬ ‫واملنحى نفسه سار عليه الفنان السوري عمر سرميني‪،‬‬ ‫حيث يقول "أن فن املديح والسماع في العالم العربي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مقروءا ومتداو ًال بشكل كبير‪ ،‬بالرغم من‬ ‫ما زال‬ ‫االختالف الذي قد يالحظ بني بعض األعمال املقدمة‬


‫ً‬ ‫مبرزا التغيرات الكثيرة‬ ‫باملغرب أو املشرق العربيني‪،‬‬ ‫التي مر بها هذا الفن مبختلف جهات العالم العربي‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬ومساهمة امللحنني من حلب وغيرها في‬ ‫إثراء املكتبة العربية الدينية والغزلية منها في سياق‬ ‫مدح الرسول عليه الصالة والسالم‪.‬‬ ‫وذكر سرميني باجتهادات الكثير من شعراء‬ ‫القصيدة واألناشيد الدينية واملدائح النبوية في هذا‬ ‫املجال‪ ،‬وامللحنني الذين منهم من وضع هذا الشعر في‬ ‫قالب األنشودة ومنهم من وضعه في قالب القصيدة‬ ‫أو املوشح‪ ،‬وبدور الزوايا‪ ،‬املنتشرة بحواري وأزقة‬ ‫العديد من املدن العربية‪ ،‬في احلفاظ على هذا التراث‬ ‫العريق‪ ،‬ثم بالتحوالت التي شهدها هذا الفن مع‬ ‫املنشدين الشباب‪ ،‬الذين أضحوا يهتمون باإليقاع‬ ‫السريع والكلمة السهلة‪ ،‬لكن ذلك‪ ،‬يضيف سرميني‪،‬‬ ‫أمر وقتي وليس غذاء دسم ًا للروح‪.‬‬ ‫وفي ارتباط األغنية الدينية بالسماع واملديح‪،‬‬ ‫أشار سرميني‪ ،‬الذي يعد أحد األسماء املرموقة على‬ ‫الساحة السورية‪ ،‬إلى أن هذه العالقة قدمية ووطيدة‬ ‫ً‬ ‫مستشهدا في ذلك بالقدود احللبية والدينية‪.‬‬ ‫جدا‪،‬‬ ‫وأبرز أنها كلمات غزلية أو‪ ،‬بالعكس‪ ،‬دينية‬ ‫وكالهما جميل‪ ،‬ويقوم الشعراء بكتابة وصياغة‬ ‫كلمات دينية جديدة على قد كلمات األغنية أو‬ ‫املوشح الغزلي‪ ،‬مهيب ًا في األخير باخللف احلفاظ‬ ‫على هذا املوروث الفني اجلميل حتى يبقى للمديح‬ ‫النبوي والسماع الصوفي رونقه وهيبته‪.‬‬ ‫وفن السماع واملديح ليس حكرا على الرجال‪ ،‬بل‬ ‫تنشده وتغنيه النساء أيضا‪ ،‬وخير مثال على ذلك‬ ‫لال رحوم البقالي ومجموعتها للحضرة الشفشاونية‪،‬‬ ‫والتي قالت عنها هذا الفنانة‪ ،‬في تصريح لوكالة‬ ‫املغرب العربي لألنباء‪ ،‬أنها لون صوفي روحي رباني‬ ‫نبع من حضرة الزاوية البقالية املوجودة بشفشاون‪،‬‬ ‫التي حتيي كل عام املولد النبوي من خالل هذا‬ ‫اللون من اإلنشاد الذي يؤديه الرجال في الفضاءات‬ ‫العامة‪ ،‬فيما تؤديه النساء بالبيوت‪ ،‬ونقلته اجلدات‬ ‫إلى األجيال الالحقة‪.‬‬ ‫وعموما‪ ،‬إذا كانت فنون املوسيقى تتجسد في‬ ‫وحدة العناصر فإن املوسيقى الدينية تبقى محملة‬ ‫بأساليب أدائها وتقاليد مرتبطة باملراسيم واملناسبات‬ ‫الدينية التي تنشد فيها وفق جملة من املواصفات حتدد‬ ‫ماهية موسيقى الصوفية‪ ،‬وموسيقى اآلذان وترتيل‬ ‫القرآن‪ ،‬وفن السماع واملديح‪ ،‬الذي ازدهر باملغرب‬ ‫بفضل الزوايا التي حافظت على تقاليدها وأضافت‬ ‫عليه موازين معينة‪ ،‬وأفضى ذلك إلى انبثاق أنساق‬ ‫خاصة بكل منطقة‪ ،‬ومت االعتناء باملوارد التي تتناول‬ ‫مولد الرسول وما أحاط بهذا احلدث العظيم‬

‫السينما االندونيسية‬ ‫توفق بين الدين والعشق‬ ‫يتوقع ان تفوق ايرادات فيلم‬ ‫«آيات احلب» وهو أكثر االفالم‬ ‫شعبية في اندونيسيا‪ ،‬اوسع بلد‬ ‫مسلم سكانا‪ ،‬اكثر افالم هوليوود‬ ‫وبوليوود شعبية‪ ،‬بعدما حظي‬ ‫باعجاب النقاد‪ ،‬خاصة وانه يحاول‬ ‫معاجلة صورة االسالم الذي اقترن‬ ‫بالعنف واالرهاب منذ ‪ 11‬سبتمبر‬ ‫‪.2001‬‬ ‫واجتذب الفيلم لغاية اآلن ‪ 29‬مليون مشاهد‪ ،‬ويحاول بطل الفيلم الشاب املتدين‬ ‫فهري التعلق بقيمه االسالمية‪ ،‬في الوقت الذي تتحول فيه حياته الرغيدة الى جحيم‬ ‫امام عينيه‪.‬‬ ‫فكر فهري‪ ،‬الذي درس القرآن في جامعة االزهر مبصر‪ ،‬مليا قبل اختيار زوجته من بني اربع‬ ‫فتيات‪ ،‬ووقع اختياره على عائشة‪ ،‬احملجبة ذات العينني السوداوتني‪ .‬وبعد فترة وجيزة‪ ،‬صارت‬ ‫عائشة حامال مما اسعد فهري‪ ،‬لكن سعادته ما لبثت ان تبخرت عندما اتهم باالغتصاب‪،‬‬ ‫وزج به في السجن‪ ،‬علما ان عقاب االغتصاب االعدام شنقا‪.‬‬ ‫والشخص الوحيد الذي بامكانه انقاذ فهري باثباث براءته‪ ،‬صديقته املقربة ماريا التي‬ ‫تعيش ازمة عاطفية بسببه‪ ،‬وتتوسل عائشة الى زوجها ليتخذ ماريا‪ ،‬وهي قبطية‪ ،‬زوجة‬ ‫ثانية لينجو بحياته‪ ،‬فيفعل بعد تردد‪ ،‬ويحاول انصاف زوجتيه معا‪ .‬يذكر ان تعدد الزوجات‬ ‫مسموح في اندونيسيا لكنه مثير للجدل‪.‬‬ ‫وفي أكثر مشاهد الفيلم تأثيرا ينتقد رجل مصري امرأة محجبة بعدما تركت مقعدها‬ ‫في القطار لسائح أمريكي مسن‪ ،‬قائال انه كافر وان بلده يشن حربا على املسلمني في‬ ‫أفغانستان والعراق‪ ،‬فيتدخل فهرى ويقول للرجل ان تصرفه يتنافى مع تسامح االسالم‪.‬‬ ‫وقالت ايني سودرجات ( ‪ 42‬عاما) عند خروجها من قاعة السينما انها «تأمل في‬ ‫أن يعلم هذا الفيلم املسلمني املزيد عن دينهم‪ ،‬خاصة كيفية التعامل مع زوجاتهم»‪.‬‬ ‫وتوافقها الرأي نينا تريانا ( ‪ 29‬عاما) قائلة‪« :‬أحببت الفيلم‪ ،‬فهو يظهر االسالم على انه‬ ‫دين سالم ويحثنا على التعاون مع بعضنا مهما كان ديننا»‪.‬‬ ‫ويعتبر «آيات احلب» اول فيلم اندونيسي يجمع بني موضوع الدين والثقافة الشعبية‬ ‫على الشاشة العريضة‪ .‬ويتطلع االندونيسيون البالغ عددهم حوالي ‪ 235‬مليونا‪ ،‬الى‬ ‫احياء اجلانب الروحي في مجتمعهم‪.‬‬ ‫واشار مخرج الفيلم هاتنج بارامانيتو البالغ من العمر ( ‪ 32‬عاما) الى ان "البعض يقرن‬ ‫االسالم بالعنف‪ ،‬وانا أردت اظهار اإلسالم بصورة ايجابية‪ ،‬فهو مبني على احلب والصبر‬ ‫والتضحية»‪.‬‬ ‫ويتوقع ان يحقق «آيات احلب» املقتبس من رواية حبيب رحمان شيرازي اعلى ايرادات‬ ‫في اندونيسيا‪ ،‬تفوق ايرادات فيلم «تيتانيك» الذي حقق رقما قياسيا في تاريخ السينما‬ ‫اإلندونيسية‪.‬‬ ‫موقع ‪ gulf don‬األلكتروني‬

‫‪31‬‬


‫حلقة وصل‬

‫‪ ..‬ردود سريعة ‪..‬‬ ‫ثقافة تعود باالمة الى رشدها‬ ‫وصوابها‬ ‫االخ االستاذ جناح كاظم احملترم‬

‫‪inquiry@islam21.net‬‬

‫السالم عليكم ورحمة الله وبركاته‬ ‫ارجو ان تكونوا بخير وعافية‬ ‫وشكر الله سعيكم وجهودكم اخليرة من‬ ‫اجل ثقافة اسالمية تنويرية‪ ،‬تعود باالمة الى‬ ‫رشدها وصوابها‬ ‫نحن في صحيفة «املثقف» مستعدون‬ ‫للتعاون معكم‪ ،‬ونشر دراساتكم‬ ‫واعالناتكم‪.‬‬ ‫والى مزيد من التعارف والتعاون‬ ‫تقبلوا احترامنا وتقديرنا‬

‫رئيس تحرير‬ ‫صحيفة «المثقف»‬

‫محمد سعيد (لندن) حليمة منصور (اخلرطوم) عبداالمير‬ ‫اخلياط (العراق) احمد عبداحلق (مصر) مصطفى فاضل‬ ‫(مانتشستر) سليم عبدالوهاب (املغرب) فادي حامت (بيروت)‬ ‫• نشكر تواصلكم معنا خدمة للفكر التنويري‪،‬‬ ‫متمنني لكم دوام النجاح‪.‬‬

‫كل التقدير لجهودكم المثمرة‬

‫بسمه تعالى‬ ‫االعزاء في مجلة «الراصد التنويري»‬ ‫حصلت على العدد املاضي من مجلتكم من احد االصدقاء‪،‬‬ ‫وارغب ان اكتب بعض االراء‪ .‬فاملجلة جيدة من حيث احملتوى‬ ‫والفكرة والشكل واقترح تخصيص باب للترجمات اخلاصة‬ ‫بالفكر االسالمي التنويري‪ ،‬وهي كثيرة ً‬ ‫جدا‪ ،‬وذلك لالطالع‬ ‫القراء عليها‪ ،‬واقترح ايض ًا اضافة باب تعريف او جولة ملدينة‬ ‫اسالمية او معلم اسالمي‪.‬‬ ‫مع كل التقدير لعملكم وجهودكم املثمرة‬

‫ماهر جبار عطا‬

‫ديترويت (امريكا)‬

‫‪Dear Friends in IFID,‬‬

‫‪Salaam,‬‬ ‫‪Thank you very much for your email and the introductory information on the IFID, which I found‬‬ ‫‪it very interesting, as I have been looking for such initiative to counter the new extremist and violence‬‬ ‫‪approach of islam today. I think the extremist approach created by Ibn-Ladin have hijacked the islamic‬‬ ‫‪movement and have cost every muslim and islam a great deal of loss & hate, as based on bloody‬‬‫‪minded & backward thinking. We (the muslim & arabic professional) people in the UK, who have spent‬‬ ‫‪most of their life in the UK would support such approach and I personally would like to support your‬‬ ‫‪movement. Please let me know if there will be a meeting in Manchester in near future so that I can attend‬‬ ‫‪to discuss how can we help the movement to be more effective and achieve this esteem target to make‬‬ ‫‪pure, scientific and advance islam prevails again.‬‬ ‫‪God bless and help for your nobel cause.‬‬ ‫‪Thanks with kind regards‬‬ ‫ ‬ ‫‪Dr Ahmed Al-Sened CEng, FIMechE‬‬ ‫ ‬ ‫‪Manchester, UK‬‬ ‫‪32‬‬


‫هدم‪ ‬وازالة الصروح الطائفية‬

‫خدمة المعرفة الدينية النقدية‬ ‫السالم عليكم‬ ‫ارجو ان جتدكم رسالتي في تالق ثقافي‬ ‫توصلت بنسخة من مجلتكم واشكركم على نشر مقال لي حول‬ ‫مقدمات في نقد وعينا بالنهضة‪.‬‬ ‫ودمتم دائما في خدمة املعرفة الدينية النقدية‪ ،‬وانا مستعد دائما‬ ‫للتعاون معكم‪.‬‬

‫يوسف محمد بناصر‬ ‫باحث‪ ‬ـ املغرب‬

‫زيادة عدد الصفحات وإضافة أبواب أخرى‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬ ‫يسعدني جدا ان اكون من متابعي فعاليات ونشاطات املنبر‬ ‫الدولي للحوار االسالمي وحول كيفية طرح القضايا التي تتبنى افكارا‬ ‫جديدة وموضوعية تتعلق باالخص واقع املرأة ذلك الكائن الضعيف‬ ‫وما تتعرض له من مشكالت والنهوض بها والوصول بها الى أعلى‬ ‫درجات الرقي‪.‬‬ ‫وأحب ان أوكد بأني من مؤيدي هدم‪ ‬وازالة املباني والصروح‬ ‫الطائفية التي شيدت بني السنة والشيعة‪ ،‬تلك الصروح‪ ‬التي جعلت‬ ‫من بلدي العراق باحة من الدم واجلهل والفقر‪ ‬واالجرام‪ .‬‬ ‫ارجو ان يسعني الوقت لقراءة الراصد التنويري االطالع اكثر على‬ ‫منهاجكم املوقر‪ ،‬وارجو ان احل عليكم ضيف خفيف‪.‬‬ ‫وفي اخلتام سالم‬

‫نادية عبداهلل‬

‫اطلعت على أعداد من نشرة «الراصد التنويري» ووجدتها ممتعة‬ ‫ومهمة في الوقت نفسه‪ :‬انتقاء املقاالت‪ ،‬متابعة اإلصدارات املتعلقة‬ ‫باهتمام النشرة‪ ،‬ومحتواها املقتضب بتركيز؛ مع أن من املهم‪ ،‬رمبا‪،‬‬ ‫زيادة حجمها قليال‪ ،‬وإضافة أبواب أخرى‪ .‬مع ذلك تبقى النشرة عمال‬ ‫يستحق الثناء‪ ،‬فكرة ومحتوى‪ .‬ويبقى أن األكثر أهمية يتمثل مبدى‬ ‫التأثير الذي حتدثه لدى القراء‪ ،‬أو لدى جمهورها املستهدف‪ ،‬أو على‬ ‫األقل مدى النقاش الذي تثيره بني أوساط معينة‪.‬‬

‫سالم موسى إبراهيم‬ ‫إعالمي ـ العراق‬

‫‪Dear brothers and sisters‬‬

‫‪Salam Alaykoum.‬‬ ‫‪I recently saw your magazine (Al Rasid Al‬‬ ‫‪Tanwiri) online and would like to express my‬‬ ‫‪thanks. It’s with magazines like this that we can‬‬ ‫‪learn about the pure Islam against those who‬‬ ‫‪teach with extremist and violent ways.‬‬ ‫‪I hope you keep the magazine filled with great‬‬ ‫‪articles so that more muslims will learn the true‬‬ ‫‪Islam.‬‬ ‫ ‬ ‫‪Thank You‬‬ ‫ ‬ ‫‪Mr. A Al-Mansoori‬‬

‫‪33‬‬


‫افكار بصوت هادئ‬ ‫‪34‬‬

‫العرب والحراك السياسي البريطاني‬ ‫حاتم طه‬ ‫انطلق ماراثون االنتخابات البرملانية البريطانية‬ ‫ليبدأ املربع االول من التنافس السياسي بني‬ ‫االحزاب بهدف احلصول على النسبة االكبر من‬ ‫اصوات الناخبني حتت خيمة الدميقراطية‪ ،‬وضمن‬ ‫نهج سليم يحترم حقوق املواطن ومطالبه وحرية‬ ‫اختياره‪.‬‬ ‫مساحات واسعة من الوعود احململة بحلول‬ ‫اقتصادية واجتماعية‪ ،‬لكن السؤال االهم الذي يبرز‬ ‫جليا ً هو‪ :‬اين نحن العرب من هذه املعادلة؟‬ ‫قبل االجابة على هذا السؤال املشروع ينبغي‬ ‫التعرف مليا ً على حجم اجلالية العربية في بريطانيا‬ ‫ومعرفة مدايات تأثيرها‪ ،‬اذ انها من اجلاليات الكبيرة‬ ‫عدداً‪ ،‬لكنها‪ ،‬مع االسف‪ ،‬غير فاعلة‪ ،‬االمر الذي‬ ‫يهمش افرادها ويحد من عملية تفاعلهم احلياتي‬ ‫مع اجملتمع البريطاني على كل الصعد‪ ،‬ويعزلهم‬ ‫عن فحوى الصراع السلمي املشروع ضمن التركيبة‬ ‫السياسية‪.‬‬ ‫ثمة مسافة واضحة املعالم بني العربي املهاجر‬ ‫واحمليط الذي يحيا فيه‪ ،‬اذ انه يحمل على كاهله‬ ‫هاجس اخلوف من العمل السياسي والدخول الى‬ ‫معتركه‪ ،‬رغم ابتعاده االف االميال عن مصدر‬ ‫ذلك اخلوف واملتمثل باالنظمة القمعية اجلاثمة‬ ‫على انفاس البالد والعباد‪ ،‬اضافة الى ان‬ ‫املستوى التعليمي او االكادميي‬ ‫لعدد غير قليل من ابناء اجلالية‪،‬‬ ‫ال يرتقي الى مستويات عالية‪،‬‬ ‫كما ان شريحة واسعة من‬ ‫ابنائها وصلت الى االوطان‬ ‫البديلة السباب اقتصادية‬ ‫بحتة‪ ،‬االمر الذي يحد من‬ ‫تفاعلها مع احلراك اجملتمعي‬ ‫بكل الوانه‪ ،‬ويقلص من فرص‬ ‫البحث عن حقوقها املطلبية‪.‬‬

‫ينبغي ان ال ننسى في هذا االطار اجلانب الديني‬ ‫املتزمت الذي يغلف حياة بعض شرائح اجلالية‪ ،‬االمر‬ ‫الذي يؤثر سلبا ً على انخراطهم في تركيبة اجملتمع حتت‬ ‫حجج وذرائع واهية تتلبس لبوس الدين زورا ً وبهتاناً‪،‬‬ ‫واملتمثلة بالنظرة السلبية للمجتمع واالنعزال عنه‬ ‫والقوالب الفكرية اجلامدة ضد مؤسساته‪ ،‬مما يحرم‬ ‫الكثير منهم من املشاركة احلقيقية في تغيير اجتاه‬ ‫البوصلة السياسية في البالد‪.‬‬ ‫ميكن القول ان اجلالية العربية بكل تنوعها االثني‬ ‫والثقافي‪ ،‬بامكانها ان تبلور تيارا ً هاما ً في مفصل‬ ‫احلياة البريطانية‪ ،‬على غرار اجلاليات االسيوية التي‬ ‫استطاعت ان حتجز البنائها الكثير من املقاعد‬ ‫في اعلى هرم الهيئات التشريعية والتنفيذية‪،‬‬ ‫االمر الذي يدفعنا الى السؤال عن مدى جدية‬ ‫البريطانيني العرب بالتأثير في املعترك السياسي‬ ‫والثقافي كخطوة اولى نحو االنخراط في احلياة‬ ‫بكل تفاصيلها ضمن دائرة التأثر والتأثير في اطار‬ ‫القوانني والقيم املرعية‪.‬‬ ‫ومن خالل جتربة شخصية عشتها في احدى‬ ‫الدول االوروبية‪ ،‬استطيع القول دون مواربة ان‬ ‫العرب ما زالوا يحملون هموم مكانهم االول‪ ،‬بكل‬ ‫تفاعالته‪ ،‬مما يبعدهم عن اشتراطات مكانهم‬ ‫الثاني‪ ،‬وهو االهم‪ ،‬كونه احلاضنة احلاضرة‬ ‫واملستقبلية حلياتهم وحياة ابنائهم‬ ‫واحفادهم‪.‬‬ ‫تأتياهميةمشاركةالعربفي‬ ‫االنتخابات البرملانية البريطانية‬ ‫النها تنطوي على دفعهم الى‬ ‫اتون احلراك السياسي والتفاعل‬ ‫مع املتغييرات االجتماعية بغية‬ ‫التغيير االيجابي مبا يخدم اجلالية‬ ‫باعتبارها جزء ال يتجزأ من نسيج‬ ‫اجملتمع البريطاني‪.‬‬


The International Forum for Islamic Dialogue (IFID)

IFID was established in 1994 as a UK based non-profit organization. It is an independent voice calling for an enlightened and modern understanding of Islam. We believe that Muslim democrats can potentially become a stabilizing and a constructive force in developing institutions, modernizing Muslim societies and playing their full role in world peace. The key to a better future for Muslim nations lies in developing interpretations of Islam, Muslim thought and attitudes that are compatible with the contemporary world. IFID was founded by Dr Laith Kubba, who served as it’s first executive director (1994 to 1998). He was succeeded by Dr Mansoor Al-Jamri. IFID’s current director is Dr Najah Kadhim. IFID aims to: • Identify, encourage and introduce new, enlightened Muslim writers to engage in debate and discussion on key Islamic issues and establish a network for the sharing of ideas and experiences on the challenges faced by Muslims today. • Initiate innovative ideas that provoke contemporary Islamic thought and generate much needed debate and dialogue. • Assist and strengthen the efforts of enlightened and liberal Muslim democrats in propagating a modern understanding of Islam and it’s values, focusing on human

rights, democracy, pluralism, non-violence, civil rights, modern institutions and in identifying future trends and strategies. IFID Objectives: 1. Expanding and consiledating the “Success in a Changing World” network in the Middle East & North Africa as well as establishing the Uk education programme. 2. To develope an “educational guide”, catering to the needs of Muslims, that is modern, scientific, and flexible - to be used by youth, teachers of religion and by Imams. 3. To publish the quarterly Arabic magazine “alrasid altanweeri”. 4. To publish the quarterly “Islam21” journal, focusing on specific themes. 5. To host Seminars, addressing specific topics relevant to current Muslim reality and to publish and circulate them to individuals and organizations. 6. To improve and update “Islam21.net” Web site. 7. The “Friday Note” - whereby, concise articles, by known Muslim writers from a number of countries, address contemporary Muslims concerns. These are emailed on Fridays, to our online community. Each year a collection of these articles are published in book form. 8. To publish the quarterly Islam21 Youth, focusing on Muslim Identity from a youth perspective.


‫لمحة عن تاريخ‬ ‫المنبر الدولي للحوار اإلسالمي‬ ‫تأسس المنبر الدولي للحوار اإلسالمي في العام ‪1994‬‬ ‫كمنظمة غير ربحية‪ ،‬متخذا من العاصمة البريطانية لندن مقرا‬ ‫رئيسا له‪.‬‬ ‫والمنبر صوت مستقل يدعو إلى فهم اإلسالم بنحو متن ّور‬ ‫وعصري‪ .‬ذلك إننا نعتقد أن بوسع المسلمين الديمقراطيين أن‬ ‫يصيروا قوة استقرار وبناء لتطوير مؤسسات عامة‪ ،‬ومجتمعات‬ ‫مسلمة حديثة‪ ،‬وان يلعبوا دورا بارزا في إشاعة السالم في العالم‪.‬‬ ‫فمفتاح باب مستقبل أفضل لألمم المسلمة مرتبط بتطوير‬ ‫قراءات عصرية لإلسالم‪ ،‬والفكر اإلسالمي‪ ،‬والموقف المتالئم مع‬ ‫عالمنا المعاصر‪.‬‬ ‫ونعتقد أيضا أن بمقدور المؤسسات العامة الحديثة تطوير‬ ‫مهارات المهنيين‪ ،‬وبهذا تسهم في تحديث المجتمعات‬ ‫المسلمة‪.‬‬ ‫أسس المنبر الدولي للحوار االسالمي وتولى إدارته التنفيذية‬ ‫الدكتور ليث كبة من العام ‪ 1994‬حتى العام ‪ ،1998‬ليأتي الدكتور‬ ‫منصور الجمري‪ ،‬مديرا تنفيذيا ثانيا‪ ،‬من العام ‪ 1999‬حتى العام‬ ‫‪ .2001‬واآلن يتولى الدكتور نجاح كاظم منصب مديره التنفيذي‪.‬‬

‫من كتّ اب العدد‪:‬‬ ‫ ‬

‫د‪ .‬جناح كاظم ‬

‫وجدان عبدالعزيز ‬

‫سعيد الشهابي ‬

‫هاجر القحطاني‬

‫ ‬

‫مصطفى اخللفي ‬

‫فالح حسن السوداني ‬

‫جاسم الصغير ‬

‫عبداللطيف طريب‬

‫ ‬

‫فالح فزع ‬

‫د‪ .‬غالي عودة ‬

‫د‪ .‬منى فياض ‬

‫موالي محمد اسماعيلي‬

‫ ‬

‫الطاهر بن جلون ‬

‫عبدالعليم البناء ‬

‫حسن سعودي ‬

‫حامت طه‬

‫‪inquiry@islam21.net‬‬ ‫‪www.islam21.net‬‬ ‫‪Al-Rasid Al-Tanweeri P. O. Box: 5856, London WC1N 3XX, United Kingdom Phone: (+44) 20 7724 6260‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.