اﻟﺷــورى واﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ ﺷﻘﺎق أم وﻓﺎق؟ ﺑﺣث ﻣﻘدم إﻟﻰ ﻧدوة "اﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺗراث اﻹﻓرﯾﻘﻲ" ﺳرت -اﻟﺟﻣﺎﻫﯾرﯾﺔ اﻟﻠﯾﺑﯾﺔ ﺳﺑﺗﻣﺑر )اﻟﻔﺎﺗﺢ( .٢٠٠٦ اﻟدﻛﺗور ﻋﺑد اﻟﻌظﯾم أﺣﻣد ﻋﺑد اﻟﻌظﯾم ﻛﻠﯾﺔ اﻵداب ـ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ ـ ﻓرع دﻣﻧﻬور
ﻣﺻر
ﺛﻣﺔ ﻫﺟوم ﺷـدﯾد ﻋﻠـﻰ "اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـﺔ" ﻓـﻲ أﻏﻠـب اﻟﻛﺗﺎﺑـﺎت اﻟﻔﻘﻬﯾـﺔ ،ﺣﺗـﻰ أن ﺑﻌـﺿﻬم أوﺻــﻠﻬﺎ إﻟــﻰ ﻣرﺣﻠــﺔ "اﻟﻛﻔــر" ،ﺛــم ظﻬــر رأي ﻓﻘﻬــﻲ آﺧــر ﯾــﺷﯾر إﻟــﻰ أن "اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ" ﻣــﺎ ﻫــﻰ
إﻻ اﻟ ــﺷورى ﻓ ــﻲ اﻹﺳ ــﻼم ﻣ ــﻊ اﺧ ــﺗﻼف ﻓ ــﻲ ﺑﻌ ــض اﻟﺗﻔﺎﺻ ــﯾل .وﻣ ــﺎ زال ﻟﻠﻣدرﺳ ــﺗﯾن أﺗﺑ ــﺎع وأﻧــﺻﺎر .وﻻ ﺑــد ﻣــن ﺗﻔﻧﯾــد آراء اﻟﻣدرﺳــﺗﯾن؛ ذﻟــك ﻷن ﺗﺄﺳــﯾس اﻷﺣ ـزاب ﻻ ﯾــﺗم ﻓــﻲ أي دوﻟــﺔ إﻻ ﺣﺳب أﺳس "اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ". أوﻻ ـ اﻟﺷورى وﻋﻼﻗﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﺗﺷرﯾﻊ: اﻟـﺷورى ﻓـﻲ اﻻﺻــطﻼح ﺗﻌﻧـﻲ" :اﺳــﺗﺧراج اﻟـرأي ،ﺑﻣراﺟﻌـﺔ اﻟــﺑﻌض إﻟـﻰ اﻟــﺑﻌض".١
أو ﻫﻰ" :اﺳﺗطﻼع رأي اﻷﻣﺔ ،أو ﻣن ﯾﻧوب ﻋﻧﻬﺎ ﻓﻲ اﻷﻣور اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﻬﺎ".٢
ووردت ﻛﻠﻣﺔ اﻟﺷورى ﻓﻲ اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم ﻓـﻲ ﺛﻼﺛـﺔ ﻣواﺿـﻊ؛ أوﻟﻬـﺎ ﻓـﻲ ﺧطـﺎب ﻣوﺟـﻪ ﻟــوﻟﻲ اﻷﻣــر .وﺛﺎﻧﯾﻬــﺎ ﻓــﻲ ﺧطــﺎب ﻣوﺟــﻪ ﻟﻸﻣــﺔ اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ .وﺛﺎﻟﺛﻬــﺎ ﻓــﻲ أﻣــر اﺟﺗﻣــﺎﻋﻲ .ﻗــﺎل ﻓﺗو ﱠﻛ ـ ْـل ﻋﻠَــﻰ ِ ِ ِ اﷲ ِ ﱠ ـوﻛﻠﯾن(.٣ ـﺎورُﻫم ِﻓــﻲ اﻷَ ْﻣ ـ ِـر ﻓَـ ِ َ ـﺈذا َ َ ﻋزْﻣـ َ اﻟﻣﺗَـ َ ﱢ َ إن اﷲَ ﯾُﺣـ ُ َ اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰَ ) :و َﺷـ ِ ْ ـب ُ ـت َ ََ ِ ـﻧﻬم ِ ـﺗﺟﺎﺑُوْا ﻟِـ َرﱢ ِ ـﺎﻫم ـﺎﻣوْا اﻟ ﱠ وﻣ ﱠﻣـﺎ َ َ ْ ـﺻﻼةَ َوأَ ْﻣ ُـرُﻫم ُ رزﻗَﻧ ُ اﻟذﯾن ا ْﺳ َ َ وﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰَ ) :و َ ﺷ َ ﺑﻬم َوأَﻗَ ُ ـورى َﺑ ْﯾ َ ُ َ ٤ ـﺈن أَر َ ِ ِ ِ ـﺻﺎﻻً َﻋـ ـ ْـن ﺗَـ ـ َر ٍ ﻣﻧﻬَُﻣـ ــﺎ َوﺗَـ ـ َ ُ ٍ ـﺎح اض ِ ْ ـﺷﺎور ﻓَـ ــﻼ ُﺟَﻧـ ـ َ ُ ْﯾﻧﻔﻘُـ ـ َ ادا ﻓـ ـ َ ـون( .وﻗـ ــﺎل اﷲ ﺗﻌـ ــﺎﻟﻰ) :ﻓَـ ـ ْ َ ﻋﻠﯾﻬﻣﺎ( .٥وﻋن أﺑﻲ ﻫرﯾرة ﻗﺎل :ﻗﺎل رﺳول اﷲ َ َْ ِ َ
ﻣؤﺗﻣن".٦ اﻟﻣﺳﺗﺷﺎر ُ ْ َ َ ٌ ُ َ َْ ُ " :
أـ أﻫﻣﯾﺔ اﻟﺷورى ﻓﻲ ﺣﯾﺎة اﻷﻣﺔ واﻟﺗﺷرﯾﻊ: وﻷﻫﻣﯾــﺔ اﻟــﺷورى ﻓــﻲ ﺣﯾــﺎة اﻷﻣــﺔ ،ﺳــﻣﻰ اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ﺳــورة ﻓــﻲ اﻟﻘ ـرآن اﻟﻛ ـرﯾم ﺑﺎﺳــم اﻟﺷورى ،وﻣدح أﻫل اﻟﺷورى ﻓﻲ ﻣﻌرض ﺣدﯾﺛﻪ ﻋـن ﻓـراﺋض ﻛﻠﯾـﺔ ﻓـﻲ اﻹﺳـﻼم؛ ﻟﯾـدﻟل ﻋﻠـﻰ ﻋظﯾم ﺷﺄﻧﻬﺎ وﻣﻛﺎﻧﺗﻬﺎ ،ﻓﺎﻷﻣﺔ ﺗﻌﯾش ﻋﻠـﻰ وﺟـﻪ اﻷرض ﺑﺎﻟﺧﯾرﯾـﺔ ﻣـن اﻟـﺳﻌﺎدة ﻓـﻲ ﺗطﺑﯾﻘﻬـﺎ؛ ـﺎرﻛم ،وأ ْ ِ إذا َﻛــﺎن أُﻣ ـر ُ ِ ـورﻛم ـﻣﺣﺎؤﻛمَ ،وأُ ُﻣـ ُ ُ ـﺎؤﻛم ُ ﺳـ َ َ ُ ُ ْ َﻏﻧ َﯾـ ُ ُ ْ ﻟﻬــذا اﻟﻣﺑــدأ ﻗــﺎل رﺳــول اﷲ ْ ُ َ َ َ َ ِ " : اؤﻛم ﺧ َﯾـ ُ ُ ْ َ
١ ﺷور ،ص٢٧٣ : اﻷﺻﻔﻬﺎﻧﻲ :اﻟﻣﻔردات ﻓﻲ ﻏرﯾب اﻟﻘرآن ،ﻣﺎدة َ َ ٢ﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد إﺳﻣﺎﻋﯾل اﻷﻧﺻﺎري :اﻟﺷورى وأﺛرﻫﺎ ﻓﻲ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ ،ص٤ : ٣ ٤ ٥ ٦
ﺳورة آل ﻋﻣران١٥٩ : ﺳورة اﻟﺷورى٣٨ :
ﺳورة اﻟﺑﻘرة٢٣٢ : اﻟﺗرﻣذي :اﻟﺳﻧن ،ﻛﺗﺎب اﻷدب ،ﺑﺎب إن اﻟﻣﺳﺗﺷﺎر ﻣؤﺗﻣن ١٢٥/٥ ،ﺣدﯾث ٢٨٢٢ ٢
ِ َرض َﺧﯾر َ ُ ِ ﺑطﻧﻬﺎ" .٧واﻟﺷورى ﻓﻲ اﻷﻣﺔ ﻣﺑـدأ أﺻـﯾل ،وﺻـﻔﺔ ﻟﻛ ْم ْ ﻓظﻬر اﻷ ْ ِ ْ ٌ ﻣن َ ْ َ ﺑﯾﻧﻛمُ ْ َ َ ، ﺷورى َ ْ َ ُ ْ ُ َ ﻻزﻣﺔ ،ﺑدوﻧﻬﺎ ﺗﻔﻘد اﻷﻣﺔ ﺻﻼﺣﻬﺎ ،ﺣﯾث ﺗرﺗﻛز ﻋﻠﯾﻬﺎ ﻛـل دوﻟـﺔ راﻗﯾـﺔ ﺗﻧـﺷد ﻟرﻋﺎﯾﺎﻫـﺎ اﻷﻣـن
واﻻﺳﺗﻘرار ،ﻟﺗﺣﻘﯾق ﻣﺻﺎﻟﺢ اﻷﻓراد ،واﻟﺟﻣﺎﻋﺎت ،واﻟدول.
إن إﻗـ ـ ـرار اﻟ ـ ــﺷورى ﻛﻣ ـ ــﺻدر ﻣ ـ ــن ﻣ ـ ــﺻﺎدر اﻟﺗ ـ ــﺷرﯾﻊ ﻗ ـ ــﺎﺋم ﻋﻠ ـ ــﻰ اﻟﻣ ـ ــﺻﻠﺣﺔ ودرء اﻟﻣﻔﺳدة ،ﻓﺎﻟﺗﺷرﯾﻌﺎت اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﻗﺎﺋﻣﺔ ﻋﻠﻰ ذﻟـك ﻣـن ﺟﻠـب ﻣـﺻﻠﺣﺔ ودرء ﻣﻔـﺳدة ،ﻛﻣـﺎ
ﯾﻘـول اﻟﻌـز ﺑـن ﻋﺑـد اﻟـﺳﻼم :اﻟـﺷرﯾﻌﺔ ﻛﻠﻬـﺎ ﻧـﺻﺎﺋﺢ ،إﻣـﺎ ﺑـدرء ﻣﻔﺎﺳـد أو ﺑﺟﻠـب ﻣـﺻﺎﻟﺢ .إن اﻟ ـ ــﺷورى ﺗ ـ ــﺗﻼﺣم وﺗﻧ ـ ــﺻﺑﻎ ﺑﻔﻛـ ـ ـرة ﻣﻘﺎﺻ ـ ــد اﻟ ـ ــﺷرﯾﻌﺔ اﻟﻛﻠﯾ ـ ــﺔ ،وﻟﻬ ـ ــﺎ ﻋﻼﻗ ـ ــﺔ وﺛﯾﻘ ـ ــﺔ اﻟ ـ ــﺻﻠﺔ ﺑﺎﻟــﺿرورﯾﺎت اﻟﺧﻣــس اﻟﺗــﻲ ﺗﻧﺎوﻟﻬــﺎ اﻷﺻــوﻟﯾون ﺑﺎﻟﺗﺣﻠﯾــل واﻟد ارﺳــﺔ واﻟﺑﯾــﺎن ،إذ ﻣــن اﻟطﺑﯾﻌــﻲ ﻓ ــﻲ أي ﻧظ ــﺎم ﺷ ــوري ،أن ﺗﺗﺣﻘ ــق اﻟ ــﺿرورﯾﺎت اﻟﺧﻣ ــس ،وأن ﺗﺣﻔ ــظ ﺑﻌﻣوﻣﻬ ــﺎ ،وﻫ ــذا ﻟ ــﯾس ﺧﺎﺻﺎً ﺑﺎﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺣدﯾد ،ﺑل ﯾﺷﻣل ﻏﯾرﻫم.٨
وآﯾﺔ ﺳورة اﻟﺷورى ﻣﻛﯾﺔ ،ﻣﻣﺎ ﯾدل ﻋﻠﻰ أن اﻟﺷورى ﻓﻲ اﻹﺳـﻼم ﻣﻣﺎرﺳـﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺔ ﻗﺑــل أن ﺗﻛــون ﻣــن اﻷﺣﻛ ـﺎم اﻟــﺳﻠطﺎﻧﯾﺔ .وﻫــﻲ ﻧــﺻف ﺣــﺎل اﻟﻣــﺳﻠﻣﯾن ﻓــﻲ ﻛــل زﻣــﺎن وﻣﻛــﺎن،
ﻓﻬــﻲ ﻟﯾــﺳت طﺎرﺋــﺔ وﻻ ﻣرﺣﻠﯾــﺔ ،وﻟﻘــد ﺟﻌــل اﷲ ﺳــﺑﺣﺎﻧﻪ اﺣﺗ ـرام اﻟــﺷورى ﻣــن أﺛﻣــن ﺧــﺻﺎل اﻟﻣــؤﻣﻧﯾن وﺻــﻔﺎﺗﻬم .وﻫــﻲ ﺗﺟﻌــل ﺟﻣﯾــﻊ أﻣــر اﻟﻣ ــﺳﻠﻣﯾن ،ﻓﯾﻣــﺎ ﻟــم ﯾﻧــزل ﻓﯾــﻪ وﺣــﻲ ،ﺷ ــورى ﺑﯾــﻧﻬم ،ﻓﻬــﻲ ﺣــق ﻟﻬــم ﺟﻣﯾﻌـ ًـﺎ ،إﻻ ﻣــﺎ ﻛــﺎن ﻣــن ﺷــﺄن أﻫــل اﻟﻌﻠــم واﻟﺗﺧــﺻص ﻓــﺈن اﻟﻣــؤﻣﻧﯾن ﯾﺣﻣﻠﻬـ ــم إﯾﻣـ ــﺎﻧﻬم أن ﯾـ ــردوا ﻣـ ــﺎ أﺷـ ــﻛل ﻋﻠـ ــﯾﻬم إﻟـ ــﻰ ﻣـ ــن ﯾﻌﻠـ ــم ﻛﯾـ ــف ﯾـ ــﺳﺗﻧﺑط اﻷﺣﻛـ ــﺎم ﻣـ ــن
اﻟﻧﺻوص. وﻗــد اﻧﺗﺑــﻪ ﻋــدد ﻣــن اﻟﻌﻠﻣــﺎء إﻟــﻰ وﻗــوع ﻫــذﻩ اﻵﯾــﺔ اﻟﻛرﯾﻣــﺔ "وأﻣــرﻫم ﺷــورى ﺑﯾــﻧﻬم"،
ﻛــﺻﻔﺔ ﻣــن ﺿــﻣن ﺻــﻔﺎت ﺗﻌـ ﱡـد ﻣــن اﻟﻣﻘوﻣــﺎت واﻷرﻛــﺎن اﻷﺳﺎﺳــﯾﺔ ﻓــﻲ اﻟــدﯾن وﻫــو ﻣــﺎ ﯾﻌﻧــﻲ ـﺻﻼة أﻧﻬـﺎ واﺣـدة ﻣــن ﺗﻠـك اﻟﻔـراﺋض واﻷرﻛــﺎن وﻗـﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰ "واﻟـذﯾن اﺳـﺗﺟﺎﺑوا ﻟـرﺑﻬم وأﻗـﺎﻣوا اﻟـ ﱠ
وأﻣــرﻫم ﺷــورى ﺑﯾــﻧﻬم وﻣ ّﻣــﺎ رزﻗﻧــﺎﻫم ﯾﻧﻔﻘــون" ﯾــدل ﻋﻠــﻰ ﺟﻼﻟــﺔ ﻣوﻗــﻊ اﻟﻣــﺷورة ﻟــذﻛرﻩ ،ﻟﻬــﺎ ﻣــﻊ اﻹﯾﻣﺎن ٕواﻗﺎﻣﺔ اﻟﺻﻼة وﯾدل ﻋﻠﻰ أﻧﻬم ﻣﺄﻣورون ﺑﻬﺎ.٩ ٧ ٨ ٩
اﻟﺗرﻣذي :اﻟﺳﻧن ،ﻛﺗﺎب اﻟﻔﺗن ٥٢٩/٤ ،ﺣدﯾث ٢٢٦٦ اﻟﻌز ﺑن ﻋﺑد اﻟﺳﻼم ،ﻗواﻋد اﻷﺣﻛﺎم ﻓﻲ إﺻﻼح اﻷﻧﺎم٨ /١ ، اﻟﺟﺻﺎص ،أﺣﻛﺎم اﻟﻘرآن ،ص ٢١ ٣
ﻓــﻲ ﺳــﯾﺎق ﻗوﻟــﻪ
أﻣــﺎ ﻗوﻟــﻪ ﺗﻌــﺎﻟﻰ" :وﺷــﺎورﻫم ﻓــﻲ اﻷﻣــر" ﻓﻬــو ﺧطــﺎب ﻟرﺳـول اﷲ ﻻﻧﻔَ ﱡ ِ ﻛﻧت َﻓظﺎ َ ِ رﺣﻣﺔ ﱢﻣن ّ ِ ٍ اﻟﻘْﻠ ِ ِ ـﺎﻋف ـب َ ﺣوِﻟ َ ﻏﻠﯾظَ ْ َ ـك ﻓَ ْ ُ وﻟو ُ َ اﻟﻠﻪ ِ َ ﻓﺑﻣﺎ َ ْ َ َ ﻟﻧت َ ُْ ﺗﻌﺎﻟﻰَ َ " : ـﺿوْا ﻣ ْـن َ ْ ﻟﻬم َ َ ْ ِ إن اﻟﻠّـ ــﻪَ ﯾُ ِﺣـ ـ ﱡ ﻓﺗو ﱠﻛـ ـ ْـل َﻋﻠَـ ــﻰ اﻟﻠّـ ـ ِـﻪ ِ ﱠ ـب ﻫم ِﻓـ ــﻲ اﻷَ ْﻣـ ـ ِـر ﻓَـ ـ ِ َ ـﺈذا َ َ ﻋزْﻣـ ـ َ ـﺗﻐﻔر ﻟَﻬُـ ـ ْـم َو َﺷـ ـ ِ ْ ـﻧﻬم َوا ْﺳـ ـ َ ْ ْ ـﺎورُ ْ َﻋـ ـ ْ ُْ ـت َ ََ ١٠ ِ اﻟﻣﺗوﻛﻠﯾن " ،وﻫذﻩ اﻵﯾﺔ ﺟﺎءت ﺧطﺎﺑﺎً ﻟرﺳول اﷲ ﺑﺻﻔﺗﻪ داﻋﯾـﺎً وﻫﺎدﯾ ًـﺎ ،وﻣرﺷـداً ﻣرﺑﯾـﺎً ْ ُ ََ ﱢ َ ـدا ،وﻫــذا ﻣـﺎ ﯾﻘﺗــﺿﯾﻪ أن ﯾﻛـون رﻓﯾﻘــﺎً ﺑﺎﻟﻧـﺎس ﻣﺗﻠطﻔـﺎً ﻣﻌﻬــم رﺣﯾﻣـﺎ ﻟﻬــم ﻋﻔـوًا ،ﻋــﻧﻬم وأﻣﯾـ اًر ﻗﺎﺋ ً ﻣﺗﺳﺎﻣﺣﺎ ﻣﻌﻬم ،ﺑل ﻣﺳﺗﻐﻔ اًر ﻟﻬم ﻓـﻲ أﺧطـﺎﺋﻬم وذﻧـوﺑﻬم وﻣﺳﺗـﺷﯾ اًر ﻟﻬـم ﻣراﻋﯾ ًـﺎ ﻵراﺋﻬـم .وﻫـذا ً
اﻷﻣر ﻟرﺳول اﷲ
اﷲ ﺑﻣـﺷﺎورة أﺻـﺣﺎﺑﻪ ﻫـو أﻣـر ﻟﻛـل ﻣـن ﯾﻘـوم ﻣﻘﺎﻣـﺔ ﻣـن اﻟـدﻋﺎة واﻟﻘـﺎدة
واﻷﻣ ـراء ،ﺑــل إن اﻟﻌﻠﻣــﺎء واﻟﻣﻔــﺳرﯾن ﯾﻌﺗﺑــرون أن ﻫــؤﻻء ﻣــﺄﻣورون ﻣــن ﺑــﺎب أوﻟــﻰ وأﺣــرى، ﻓﻬــم اﻷﺣــوج إﻟــﻰ ﻫــذا اﻷﻣــر وﺑﻔــﺎرق ﻛﺑﯾــر ﺟــداً ﻋــن رﺳــول اﷲ .وﻣــن ﻫﻧــﺎ ُﻋـ ّـدت ﻫــذﻩ اﻵﯾــﺔ ﻗﺎﻋـدة ﻛﺑــرى ﻓـﻲ اﻟﺣﻛــم واﻹﻣـﺎرة وﻋﻼﻗــﺔ اﻟﺣــﺎﻛم ﺑـﺎﻟﻣﺣﻛوﻣﯾن ،ﻓﺎﻟــﺷورى ﻣـن ﻗواﻋــد اﻟــﺷرﯾﻌﺔ وﻋـزاﺋم اﻷﺣﻛــﺎم وﻣــن ﻻ ﯾــﺳﺗﺛﯾر أﻫــل اﻟﻌﻠــم واﻟــدﯾن -وأﻫــل اﻟﺗﺧــﺻص ﻓــﻲ ﻓﻧــون اﻟﻌﻠــوم - ﻓﻌزﻟﻪ واﺟب وﻫذا ﻣﺎ ﻻ ﺧﻼف ﻓﯾﻪ.١١
اﻟﻧﺑﻲ
ﻗــﺎل أﺑــو ﻫرﯾـرة :ﻣــﺎ أرﯾــت أﺣــداً أﻛﺛــر ﻣــﺷورة ﻷﺻــﺣﺎﺑﻪ ﻣــن رﺳــول اﷲ
.١٢وﻋــن
ﻗﺎل ﻟﻪ أﺑو ﺑﻛر وﻋﻣر :إن اﻟﻧﺎس ﻟﯾزﯾدﻫم ﺣرﺻﺎً ﻋﻠـﻰ اﻹﺳـﻼم أن ﯾـروا ﻋﻠﯾـك زّﯾـﺎ
ﺣــﺳﻧﺎً ﻣــن اﻟــدﻧﯾﺎ ﻓﻘــﺎل :وأﯾــم اﷲ ﻟــو أﻧﻛﻣــﺎ ﺗﺗﻔﻘــﺎن ﻋﻠــﻰ أﻣــر واﺣــد ،ﻣــﺎ ﻋــﺻﯾﺗﻛﻣﺎ ﻓــﻲ ﻣــﺷورة أﺑداً .وﻛﺎن رﺳول اﷲ
ﯾﺳﺗﺷﯾر ﺣﺗﻰ اﻟﻣرأة ﻓﺗﺷﯾر ﻋﻠﯾﻪ ﺑﺎﻟﺷﻲء ﻓﯾﺄﺧذ ﺑﻪ.١٣
وﻗــد ﺛﺑﺗــت ﻣــﺷﺎورﺗﻪ ﻷﺻــﺣﺎﺑﻪّ ﻓــﻲ ﻋــدة أﻣــور ﻣﺗﺑﺎﯾﻧــﺔ ،ﻣﻧﻬــﺎ :اﻟــﺷورى ﻓــﻲ ﯾــوم اﻟﺣﺑﺎب ﺑن اﻟﻣﻧذر ،واﻷﺧذ واﻟرد ﻓﻲ ﻗﺿﯾﺔ اﻷﺳـرى .واﺧﺗﯾـﺎر ﻣﻛـﺎن ﺑدر ٢ﻫـ ،وﻗﺑول ﻣﺷورة ُ اﻟﻘﺗــﺎل ﻓــﻲ ﻏــزوة أﺣــد ٣ﻫ ـ .وﺗــﺷﺎور اﻟرﺳــول ﻣــﻊ أﺻــﺣﺎﺑﻪ ﻓــﻲ ﻛﯾﻔﯾــﺔ اﻟﻣواﺟﻬــﺔ ﻟﻸﺣ ـزاب ٥ﻫ ــ ،وﻛــﺎن رأي ﺳــﻠﻣﺎن اﻟﻔﺎرﺳــﻲ رﺿــﻲ اﷲ ﻋﻧــﻪ ﺑــﺄن ﯾﺣﻔــر ﺧﻧــدﻗﺎً ﺣــول اﻟﻣدﯾﻧــﺔ ﻟﻣواﺟﻬــﺔ
اﻷﺣزاب ،ﻓﺄﺧذ اﻟﻧﺑﻲ
ﺑرأﯾﻪ وأﻣـر ﺑﺣﻔـرﻩ واﺧﺗـﺎر ﻣﻛﺎﻧـﺎً ﻣﻧﺎﺳـﺑﺎً ﻟـذﻟك وﻫـﻲ اﻟـﺳﻬول اﻟواﻗﻌـﺔ
ﺷـﻣﺎل اﻟﻣدﯾﻧــﺔ ،إذ ﻛﺎﻧــت ﻫــﻲ اﻟﺟﻬــﺔ اﻟوﺣﯾــدة اﻟﻣﻛــﺷوﻓﺔ أﻣــﺎم اﻷﻋــداء ،واﻗﺗــرن ﺣﻔــر اﻟﺧﻧــدق ١٠ﺳورة آل ﻋﻣران١٥٩ :
١١ ١٢ ١٣
ﺳﯾد ﻗطب ،ﻓﻲ ظﻼل اﻟﻘرآن٣٩٧ /٣ ، اﻟﺗرﻣذي ،ﺳﻧن اﻟﺗرﻣذي ،رﻗم ١٦٣٦ اﺑن ﺣﺟر ،ﻓﺗﺢ اﻟﺑﺎري ﺷرح ﺻﺣﯾﺢ اﻟﺑﺧﺎري٣٤١/١٣ ، ٤
ﺟﻣﺔ ،ﻓﻘد ﻛﺎن اﻟﺟو ﺑﺎرداً واﻟرﯾﺢ ﺷدﯾدة ،واﻟﺣﺎﻟﺔ اﻟﻣﻌﯾﺷﯾﺔ ﺻـﻌﺑﺔ ﺑﺎﻹﺿـﺎﻓﺔ إﻟـﻰ ﺑﺻﻌوﺑﺎت ّ اﻟﺧــوف ﻣــن ﻗــدوم اﻟﻌــدو اﻟــذي ﯾﺗوﻗﻌوﻧــﻪ ﻓــﻲ ﻛــل ﻟﺣظــﺔ وﯾــﺿﺎف إﻟــﻰ ذﻟــك اﻟﻌﻣــل اﻟﻣــﺿﻧﻲ ﺣﯾث ﻛﺎن اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ﯾﺣﻔرون ﺑﺄﯾدﯾﻬم وﯾﻧﻘﻠون اﻟﺗراب ﻋﻠﻰ ظﻬورﻫم ،وﻻﺷـك ﻓـﻲ ﻫـذا أن ﻫـذا ﻓـﻲ ﻫـذا
ـﻲ اﻟظرف -ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺣﺎل -ﯾﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻗدر ﻛﺑﯾـر ﻣـن اﻟﺣـزم واﻟﺟـد وﻟﻛـن اﻟﻧﺑ ّ ـوس ﺑﺣﺎﺟــﺔ إﻟــﻰ اﻟ ّارﺣــﺔ ﻣــن اﻟظــرف :ﯾﻌﻠــم أن ﻫــؤﻻء اﻟﺟﻧــد إﻧﻣــﺎ ﻫ ـم ﺑــﺷر ﻛﻐﯾــرﻫم ،ﻟﻬــم ﻧﻔـ ٌ ﻋﻧــﺎء اﻟﻌﻣــل ،ﻛﻣــﺎ أﻧﻬــﺎ ﺑﺣﺎﺟــﺔ إﻟــﻰ ﻣــن ﯾــدﺧل اﻟ ـﺳﱡرور ﻋﻠﯾﻬــﺎ ﺣﺗــﻰ ﺗﻧــﺳﻰ ﺗﻠــك اﻵﻵم اﻟﺗــﻲ ﺗﻌﺎﻧﯾﻬﺎ ﻓوق ﻣﻌﺎﻧﺎة اﻟﻌﻣل اﻟرﺋﯾﺳﻲ. وﺣــﺎول اﻟﻧﺑــﻲ ﺗﺧﻔﯾــف ﺣـ ّـدة ﺣــﺻﺎر اﻷﺣ ـزاب ﻟﻠﻣدﯾﻧــﺔ ﺑﻌﻘــد ﺻــﻠﺢ ﻣــﻊ ﻏطﻔ ــﺎن ﺑﺎﻟـذات ﻟﻣـﺻﺎﻟﺣﺗﻬﺎ ﻋﻠـﻰ ﻣـﺎل ﯾدﻓﻌـﻪ إﻟﯾﻬـﺎ ﻋﻠــﻰ أن ﺗﺗـرك ﻣﺣﺎرﺑﺗـﻪ ،وﺗرﺟـﻊ إﻟـﻰ ﺑﻼدﻫـﺎ ﻓﻬــو ﯾﻌﻠم
أي ﻫـدف ﺳﯾﺎﺳـﻲ :أن ﻏطﻔﺎن وﻗﺎدﺗﻬﺎ ﻟﯾس ﻟﻬم ﻣـن وراء اﻻﺷـﺗراك ﻣـن ﻫـذا اﻟﻐـزو ﱠ
اﻷول واﻷﺧﯾـر ﻣـن ﯾرﯾدون ﺗﺣﻘﯾﻘﻪ أو ﺑﺎﻋث ﻋﻘﺎﺋدي ﯾﻘﺎﺗﻠون ﺗﺣـت راﯾﺗـﻪٕ ،واﻧﻣـﺎ ﻛـﺎن ﻫـدﻓﻬم ّ اﻻﺷــﺗ ارك ﻓ ــﻲ ﻫ ــذا اﻟﻐ ــزو اﻟﻛﺑﯾ ــر ﻫ ــو اﻟﺣ ــﺻول ﻋﻠ ــﻰ اﻟﻣ ــﺎل ﺑﺎﻻﺳ ــﺗﯾﻼء ﻋﻠﯾ ــﻪ ﻣ ــن ﺧﯾـ ـرات اﻟرﺳــول اﻟﻣدﯾﻧــﺔ ﻋﻧــد اﺣﺗﻼﻟﻬــﺎ ،وﻟﻬــذا ﻟــم ﯾﺣــﺎول ّ
اﻻﺗــﺻﺎل ﺑﻘﯾــﺎدة اﻷﺣ ـزاب ﻣــن اﻟﯾﻬــود،
ﻛﺣﯾﻲ ﺑن أﺧطب وﻛﻧﺎﻧﻪ ﺑن اﻟرﺑﯾﻊ أو ﻗﺎدة ﻗرﯾش ﻛﺄﺑﻲ ﺳـﻔﯾﺎن ﺑـن ﺣـرب ،ﻷن ﻫـدف أوﻟﺋـك
ـﯾﺎ ،وﻋﻘﺎﺋــدﯾﺎ ﯾﺗوﻗـف ﺗﺣﻘﯾﻘـﻪ واﻟوﺻــول اﻟ ّرﺋﯾـﺳﻲ ﻟـم ﯾﻛـن اﻟﻣــﺎلٕ ،واﻧﻣـﺎ ﻛـﺎن ﻫــدﻓﻬم ﻫـدﻓﺎً ﺳﯾﺎﺳ ّ ً إﻟﯾــﻪ ﻋﻠــﻰ ﻫــدم اﻟﻛﯾــﺎن اﻹﺳــﻼﻣﻲ ﻣــن اﻷﺳــﺎس ،ﻟــذا ﻓﻘــد ﻛــﺎن اﺗــﺻﺎﻟﻪ "ﻓﻘــط" ﺑﻘــﺎدة ﻋطﻔــﺎن اﻟــذﯾن "ﻓﻌــﻼً" ﻟ ــم ﯾﺗـ ﱠ ـرددوا ﻓ ــﻲ ﻗﺑــول اﻟﻌ ــرض اﻟــذي ﻋرﺿ ــﻪ ﻋﻠــﯾﻬم اﻟﻧﺑ ــﻲ
اﻟﻘﺎﺋـدان اﻟﻐطﻔﺎﻧﯾــﺎن "ﻋﯾﯾﻧــﻪ ﺑــن ﺣــﺻن ،واﻟﺣــﺎرث ﺑــن ﻋــوف" ﻟطﻠــب اﻟﻧﺑــﻲ ﺑﻌض أﻋواﻧﻬﻣﺎ إﻟـﻰ ﻣﻘ ﱠـر ﻗﯾـﺎدة اﻟﻧﺑـﻲ
ﺑﻬﻣﺎ أﺣد ،وﺷرع رﺳول اﷲ
.ﻓﻘــد اﺳ ــﺗﺟﺎب ،وﺣــﺿ ار ﻣــﻊ
،واﺟﺗﻣﻌـﺎ ﺑـﻪ وراء اﻟﺧﻧـدق ﻣـﺳﺗﺧﻔﯾن دون أن ﯾﻌﻠـم
ﻓﻲ ﻣﻔﺎوﺿﺗﻬم وﻛﺎﻧت ﺗدور ﺣول ﻋرض ﺗﻘـدم ﺑـﻪ رﺳـول اﷲ
ﯾدﻋو ﻓﯾﻪ إﻟﻰ ﻋﻘد ﺻﻠﺢ ﻣﻧﻔرد ﺑﯾﻧﻪ ،وﺑﯾن ﻏطﻔﺎن. وﻗﺑل ﻋﻘد اﻟﺻﻠﺢ ﻣﻊ ﻏطﻔـﺎن ﺷـﺎور رﺳـول اﷲ
اﻟـﺻﺣﺎﺑﺔ ﻓـﻲ ﻫـذا اﻷﻣـر ،ﻓﻛـﺎن
رأﯾﻬم ﻋدم إﻋطﺎء ﻏطﻔﺎن ﺷﯾﺋﺎً ﻣن ﺛﻣﺎر اﻟﻣدﯾﻧﺔ ،وﻗﺎل اﻟﺳﱠﻌدان :ﺳﻌد ﺑـن ﻣﻌـﺎذ ،وﺳـﻌد ﺑـن ﻋﺑــﺎدة؛ ﯾــﺎ رﺳــول اﷲ؛ أﻣـ اًر ﺗﺣﺑــﻪ ،ﻓﺗــﺿﻌﻪ أم ﺷــﯾﺋﺎً أﻣــرك اﷲ ﺑــﻪ ﻻﺑـ ﱠـد ﻟﻧــﺎ ﻣــن اﻟﻌﻣــل ﺑــﻪ ،أم ﺷــﯾﺋﺎً ﺗــﺻﻧﻌﻪ ﻟﻧــﺎ؟ ﻓﻘ ـﺎل :ﺑــل ﺷــﻲءٌ أﺻــﻧﻌﻪ ﻟﻛــم ،واﷲ ﻣــﺎ أﺻــﻧﻊ ذﻟــك إﻻ ﻷﱠﻧــﻲ أرﯾــت اﻟﻌــرب رﻣﺗﻛم ﻋن ﻗوس واﺣدة ،وﻛﺎﻟﺑوﻛم -أي :اﺷﺗدوا ﻋﻠﯾﻛم -ﻣن ﱠ ﻛل ﺟﺎﻧـب ،ﻓـﺄردت أن أﻛـﺳر ٥
ﻋﻧﻛم ﻣن ﺷوﻛﺗﻬم إﻟﻰ أﻣر ﻣـﺎ .ﻓﻘـﺎل ﻟـﻪ ﺳـﻌد ﺑـن ﻣﻌـﺎذ :ﯾـﺎ رﺳـول اﷲ ،ﻗـد ﻛﱠﻧـﺎ وﻫـؤﻻء ﻋﻠـﻰ اﻟـﺷرك ﺑـﺎﷲ ،وﻋﺑـﺎدة اﻷوﺛـﺎن ،ﻻ ﻧﻌﺑـد اﷲ ،وﻻ ﻧﻌرﻓـﻪ ،وﻫـم ﻻ ﯾطﻣﻌـون أن ﯾـﺄﻛﻠوا ﻣﻧﻬـﺎ ﺛﻣـرة ى -أي :اﻟطﱠﻌـﺎم اﻟـذي ﯾُـﺿﻊ ﻟﻠـﺿﯾف -أو ﺑﯾﻌ ًـﺎ ،أﻓﺣـﯾن أﻛرﻣﻧـﺎ اﷲ ﺑﺎﻹﺳـﻼم، واﺣدة إﻻ ﻗر ً وﻫــداﻧﺎ ﻟــﻪ ،وأﻋ ّزﻧــﺎ ﺑــك ،وﺑــﻪ ،ﻧﻌطــﯾﻬم أﻣواﻟﻧــﺎ؟ ﻣﺎﻟﻧــﺎ ﺑﻬــذا ﻣــن ﺣﺎﺟــﺔ ،واﷲ ﻻ ﻧﻌطــﯾﻬم إﻻ
اﻟ ـﺳﱠﯾف ،ﺣﺗــﻰ ﯾﺣﻛــم اﷲ ﺑﯾﻧﻧــﺎ وﺑﯾــﻧﻬم ،ﻓﻘــﺎل اﻟﻧﺑــﻲ
:أﻧــت وذاك .ﻓﺗﻧــﺎول ﺳــﻌد ﺑــن ﻣﻌــﺎذ
ﻟﯾﺟﻬــدوا ﻋﻠﯾﻧــﺎ ١٤ﻛــﺎن رد زﻋﯾﻣــﻲ اﻷﻧــﺻﺎر: اﻟــﺻﺣﯾﻔﺔ ،ﻓﻣﺣــﺎ ﻣــﺎ ﻓﯾﻬــﺎ ﻣــن اﻟﻛﺗــﺎب ،ﺛــم ﻗــﺎلْ َ : ﺳ ــﻌد ﺑ ــن ﻣﻌ ــﺎذ وﺳ ــﻌد ﺑ ــن ﻋﺑ ــﺎدة ﻓ ــﻲ ﻏﺎﯾ ــﺔ اﻻﺳﺗ ــﺳﻼم ﷲ ﺗﻌ ــﺎﻟﻰ ،واﻷدب ﻣ ــﻊ اﻟﻧﺑ ــﻲ
وطﺎﻋﺗﻪ ،ﻓﻘد ﺟﻌﻠوا أﻣر اﻟﻣﻔﺎوﺿﺔ ﻣﻊ ﻏطﻔﺎن ﺛﻼﺛﺔ أﻗﺳﺎم. اﻷول :أن ﯾﻛـون ﻫـذا اﻷﻣـر ﻣــن ﻋﻧـد اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ،ﻓـﻼ ﻣﺟــﺎل ﻹﺑـداء اﻟـ ّرأي ﺑـل ،ﻻﺑـ ﱠـد اﻟرﺿﺎ. ﻣن اﻟﺗﺳﻠﯾم ،و ﱠ اﻟﺛـﺎﻧﻲ :أن ﯾﻛـون ﺷـﯾﺋﺎً ﯾﺣﱡﺑــﻪ رﺳـول اﷲ
اﻟطﺎﻋﺔ ﻓﻲ ذﻟك.
اﻟرﺳول اﻟﺛﺎﻟث :أن ﯾﻛون ﺷﯾﺋﺎً ﻋﻣﻠﻪ ّ ﻓﻬذا ﻫو اﻟذي ﯾﻛون ﻣﺟﺎﻻً ﻟﻠ ّرأي.
ـدم وﻟــﻪ ،ﺑﺎﻋﺗﺑـﺎرﻩ أرﯾـﻪ اﻟﺧــﺎص ،ﻓ أرﯾـﻪ ﻣﻘ ﱠ ُ ﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻣـن ﺑـﺎب اﻹرﻓـﺎق ﺑﻬـم،
وﻟﻣـﺎ ﺗﺑـﯾن ﻟﻠـﺳﻌدﯾن ﻣــن ﺟـواب اﻟرﺳـول :أﻧـﻪ أراد اﻟﻘــﺳم اﻟﺛﺎﻟـث :أﺟـﺎب ﺳـﻌد ﺑــن ﻣﻌ ــﺎذ ﺑﺟـ ـواب ﻗ ــويﱠ ،ﻛﺑ ــت ﺑ ــﻪ زﻋﯾﻣ ــﻲ ﻏطﻔ ــﺎن ،ﺣﯾ ــث ﺑ ـ ﱠـﯾن أن اﻷﻧ ــﺻﺎر ﻟ ــم ﯾ ــذﻟﱡوا ﻷوﻟﺋ ــك
اﻟﻣﻌﺗدﯾن ﻓﻲ اﻟﺟﺎﻫﻠﯾﺔ ،ﻓﻛﯾف وﻗد ﱠ ـﻲ أﻋﺟـب اﻟﻧﺑ ﱡ أﻋزﻫم اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺎﻹﺳﻼم؟ وﻗد ُ ـﺎﻟروح اﻟﻣﻌﻧوّﯾــﺔ اﻟﻌﺎﻟﯾــﺔ ﻓــﺄﻟﻐﻰ ﺳــﻌد ،وﺗ ﱠﺑــﯾن ﻟــﻪ ﻣﻧــﻪ ،إرﺗﻔــﺎع ﻣﻌﻧوّﯾــﺔ اﻷﻧــﺻﺎر ،واﺣﺗﻔــﺎظﻬم ﺑـ ّ ﺑﺟـواب
اﻟﺻﻠﺢ ﻣﻊ ﻏطﻔﺎن. ﺑذﻟك ﻣﺎ ﺑدأ ﻣن ﱡ واﺳﺗــﺷﺎر اﻟﻧﺑــﻲ
أﺻــﺣﺎﺑﻪ ﻓــﻲ اﻟﺧــروج إﻟــﻰ اﻟﺑﯾــت ﻣﻌﺗﻣ ـرﯾن ،ﻓــﺈن ﺻــدﺗﻬم ﻗ ـرﯾش
ﻗﺎﺗﻠوﻫم ﻓﺄﺷﺎروا ﺑﺎﻟﺧروج وﻓرﺣوا ﺑﻣﻘدﻣﻬم ﻋﻠﻰ اﻟﺑﯾت ،وﻟﻛن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أراد ﻣﺎ ﻫـو ﺧﯾـر ﻟﻬـم ﻓﺟــرت ﻣﻔﺎوﺿــﺎت طوﯾﻠــﺔ ﺣﺗــﻰ ﻛﺗــب اﻟــﺻﻠﺢ ﺑــﯾن رﺳــول اﷲ
وﺑــﯾن ﻗ ـرﯾش ﯾﻣــﺛﻠﻬم ﺳــﻬﯾل
ﺑ ــن ﻋﻣ ــرو وﻛ ــﺎن ذﻟ ــك ﻓ ــﻲ ﺻ ــﺎﻟﺢ اﻟﻣ ــﺳﻠﻣﯾن وﺟﻌ ــل اﷲ ﻟﻬ ــم ﻣ ــن دوﻧ ــﻪ ﻓﺗﺣ ــﺎً ﻗرﯾﺑ ـ ًـﺎ ،وﻟﻌ ــل
اﻟـﺻﺣﺎﺑﺔ رﺿـوان اﷲ ﻋﻠـﯾﻬم ﺗــﺄﺛروا ﺑـﺻد ﻗـرﯾش ﻟﻬــم ﺛـم اﻟـﺻﻠﺢ ﻣﻌﻬــم ﻋﻠـﻰ أن ﯾرﺟﻌـوا ﻫــذا ١٤
اﺑن ﻫﺷﺎم ،ﺳﯾرة اﺑن ﻫﺷﺎم٢٣٤/٣ ، ٦
اﻟﻌﺎم وﯾﺄﺗوا اﻟﻌﺎم اﻟﻘـﺎدم ﻓـﻲ ﻋﻣـرة اﻟﻘـﺿﺎء وﻟﻣـﺎ ﻓـرغ رﺳـول اﷲ
ـﺻﻠﺢ ﻣـن ﻗـﺿﯾﺔ ﻛﺗﺎﺑـﺔ اﻟ ﱠ
ﻗــﺎل ﻷﺻــﺣﺎﺑﻪ :ﻗوﻣـوا ،ﻓــﺎﻧﺣروا ﺛـ ّـم اﺣﻠﻘـوا ..ﺣﺗــﻰ ﻗــﺎل ذﻟــك ﺛــﻼث ﻣـ ّرات ،ﻓﻠ ﱠﻣــﺎ ﻟــم ﯾﻘــم ﻣــﻧﻬم أﺣــد؛ دﺧــل ﻋﻠــﻰ ﱠأم ﺳــﻠﻣﺔ ،١٥ﻓــذﻛر ﻟﻬــﺎ ﻣــﺎ ﻟﻘــﻲ ﻣــن اﻟﻧــﺎس ،ﻓﻘﺎﻟــت أم ﺳــﻠﻣﺔ :ﯾــﺎ ﻧﺑــﻲ اﷲ، ﱡ أﺗﺣب ذﻟـك؟ أﺧـرج ،ﺛـم ﻻ ﺗﻛﻠﱠـم أﺣـداً ﻣـﻧﻬم ﻛﻠﻣـﺔ ،ﺣﺗـﻰ ﺗﻧﺣـر ﺑ ُـدﻧك ،وﺗـدﻋو ﺣﺎﻟﻘـك ﻓﯾﺣﻠﻘـك ﻓﺧـرج ،ﻓﻠـم ﯾﻛﻠﱠــم أﺣـداً ﻣــﻧﻬم ﺣﺗـﻰ ﻓﻌــل ذﻟـك :ﻧﺣــر ُﺑدﻧـﻪ ،ودﻋــﺎ ﺣﺎﻟﻘـﻪ ،ﻓﻠ ﱠﻣــﺎ أروا ذﻟـك؛ ﻗــﺎﻣوا ـﺿﺎ ،ﺣﺗــﻰ ﻛــﺎد ﺑﻌــﺿﻬم ﯾﻘﺗــل ﺑﻌــﺿﺎً ﻏﻣــﺎ وﻗــد ﺣﻠــق رﺟــﺎل ﻓﻧﺣــروا وﺟﻌــل ﺑﻌــﺿﻬم ﯾﺣﻠــق ﺑﻌـ ً
ﯾــوم اﻟﺣدﯾﺑﯾــﺔ ،وﻗــﺻﱠر آﺧــرون ،ﻓﻘــﺎل رﺳــول اﷲ
ـﺻرﯾن :ﯾــرﺣم اﷲ اﻟﻣﺣﻠﻘــﯾن .ﻗــﺎﻟوا :واﻟﻣﻘـ ﱠ
ـﺻرﯾن ﯾ ــﺎ رﺳ ــول اﷲ؟ ﻗ ــﺎل :ﯾ ــرﺣم اﷲ ﯾ ــﺎ رﺳ ــول اﷲ؟ ﻗ ــﺎل :ﯾ ــرﺣم اﷲ اﻟﻣﺣﻠﻘ ــﯾن ﻗ ــﺎﻟوا :واﻟﻣﻘ ـ ﱠ اﻟﻣﺣﻠﻘﯾن .ﻗﺎﻟوا :واﻟﻣﻘﺻرﯾن ﯾﺎ رﺳول اﷲ؟ ﻗﺎل واﻟﻣﻘﺻرﯾن.١٦
ـدﯾدا ،وﻣﺑﺎرﻛ ـ ـ ًـﺎ؛ ﺣﯾ ـ ــث ﻓﻬﻣ ـ ــت رﺿ ـ ــﻲ اﷲ ﻋﻧﻬ ـ ــﺎ ﻋ ـ ــن ﻓﻘ ـ ــد ﻛ ـ ــﺎن رأي ّأم ﺳ ـ ــﻠﻣﺔ ﺳ ـ ـ ً اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ :أﻧﻪ وﻗﻊ ﻓﻲ أﻧﻔﺳﻬم أن ﯾﻛون اﻟﻧﺑﻲ أﻣرﻫم ﱠ ﺑﺎﻟرﺧـﺻﺔ ﻓـﻲ ﺣﻘﻬـم، ﺑﺎﻟﺗﺣﻠـل أﺧـذاً ﱡ
ـﺳﺗﻣر ﻋﻠــﻰ اﻹﺣـرام أﺧــذاً ﺑﺎﻟﻌزﯾﻣـﺔ ﻓــﻲ ﺣـق ﻧﻔــﺳﻪ ،ﻓﺄﺷـﺎرت ﻋﻠــﻰ اﻟﻧﺑـﻲ وأﻧـﻪ ﯾ ﱡ
ـﻲ ﻟﯾﻧﺗﻔ ــﻲ ﻋ ــﻧﻬم ﻫ ــذا اﻻﺣﺗﻣ ــﺎل ،وﻋ ــرف اﻟﻧﺑ ـ ﱡ
أن ﯾﺗﺣﻠـ ﱠـل
ﺻـ ـواب ﻣ ــﺎ أﺷ ــﺎرت ﺑ ــﻪ ،ﻓﻔﻌﻠ ــﻪ ،ﻓﻠﻣ ــﺎ رأى
اﻟﺻﺣﺎﺑﺔ ذﻟك ﺑﺎدروا إﻟﻰ ﻓﻌل ﻣﺎ أﻣرﻫم ﺑﻪ ،ﻓﻠـم ﯾﺑـق ﺑﻌـد ذﻟـك ﻏﺎﯾـﺔ ُﺗﻧﺗظـر ،ﻓﻛـﺎن ذﻟـك أرﯾـﺎ ـدﯾدا ،وﻣ ـﺷورة ﻣﺑﺎرﻛــﺔ وﻓــﻲ ذﻟــك دﻟﯾــل ﻋﻠــﻰ اﺳﺗﺣــﺳﺎن ﻣــﺷﺎورة اﻟﻣ ـرأة اﻟﻔﺎﺿــﻠﺔ ﻣــﺎ داﻣــت ﺳـ ً ذات ﻓﻛـ ـرة ﺻ ــﺎﺋﺑﺔ ،ورأي ﺳ ــدﯾد ،ﻛﻣ ــﺎ أﻧ ــﻪ ﻻ ﻓ ــرق ﻓ ــﻲ اﻹﺳ ــﻼم ﺑ ــﯾن أن ﺗ ــﺄﺗﻲ اﻟﻣ ــﺷورة ﻣ ــن
رﺟل ،أو اﻣرأة ﻣﺎ داﻣت ﻣﺷورة ﺻﺎﺋﺑﺔ. وﺗﺗــﺿﺢ ﻗواﻋــد اﻟــﺷورى اﻟﻧﺑوﯾــﺔ ﻋﻠــﻰ ﺻــﺎﺣﺑﻬﺎ أﻓــﺿل اﻟــﺻﻼة واﻟــﺳﻼم ﻓــﻲ أﻣــور ﺟﻠﯾﻠﺔ أظﻬرﻫﺎ:
١٥
ﻫـﻰ :أم اﻟﻣـؤﻣﻧﯾن أم ﺳـﻠﻣﺔ ﺑﻧـت أﺑـﻰ أﻣﯾـﺔ ﺑـن اﻟﻣﻐﯾـرة اﻟﻘرﺷـﯾﺔ اﻟﻣﺧزوﻣﯾـﺔ ،اﺳـﻣﻬﺎ :ﻫﻧـد ،وﻗﯾـل :رﻣﻠـﺔ، وﻛﺎﻧـت زوج اﺑـن ﻋﻣﻬـﺎ أﺑـﻰ ﺳـﻠﻣﺔ ،ﻓﻣـﺎت ،ﻓﺗزوﺟﻬـﺎ اﻟﻧﺑـﻰ ﺳـﻧﺔ :أرﺑـﻊ ،وﻗﯾـل :ﺛـﻼث ،وﻛﺎﻧـت ﻣﻣــن
أﺳـﻠم ﻗـدﯾﻣﺎً ﻫـﻰ وزوﺟﻬـﺎ ،وﻫـﺎﺟ ار إﻟـﻰ اﻟﺣﺑـﺷﺔ ،ﻓوﻟـدت ﻟـﻪ :ﺳـﻠﻣﺔ ،ﺗوﻓﯾـت رﺿـﻰ اﷲ ﻋﻧﻬـﺎ ﺳـﻧﺔ :ﺗـﺳﻊ ﺧﻣﺳﯾن ،وﻗﯾل :إﺣدى وﺳﺗﯾن .اﻹﺻﺎﺑﺔ .٤٥٨/٤
١٦
ﺻﺣﯾﺢ اﻟﺑﺧﺎري ،ﻛﺗﺎب اﻟﻣﻐﺎزي واﻟﺳﯾر ،ﺑﺎب ﺻﻠﺢ اﻟﺣدﯾﺑﯾﺔ. ٧
إﺗﺑﺎع اﻟﺻواب ﻣن اﻟـرأي اﻟﻔﻧـﻲ ،ﻛﻣـﺎ ﺣـدث ﻓـﻲ ﺑـدر ﺑﻐـض اﻟﻧظـر ﻋـن اﻷﻛﺛرﯾـﺔﺣﯾــث ﻧــزل ﻋﻠــﻰ رأي اﻟﺣﺑــﺎب اﺑــن اﻟﻣﻧــذر؛ ﺑــل ﻫــو اﻟ ـرأي واﻟﺣــرب واﻟﻣﻛﯾــدة" واﻟﺣﺑــﺎب ﯾﻣﺛــل أﻫل اﻟﺧﺑرة واﻻﺧﺗﺻﺎص وأﻫل اﻟذﻛر.
اﻷﺧـذ ﺑـرأي اﻷﻛﺛرﯾـﺔ ﻋﻧــد ﺗـرﺟﯾﺢ اﻟﻣواﻗــف :ﻛﻣـﺎ ﻓــﻲ ﯾـوم أﺣــد ،وان ﺧـﺎﻟف رأﯾﻬــماﻟﻘﯾـ ـﺎدة وﻋﻠﯾ ــﻪ إذا ﻛﺎﻧ ــت اﻟ ــﺷورى ﻓ ــﻲ اﻷﻣ ــور اﻟﺗ ــﺷرﯾﻌﯾﺔ ﻓﺎﻟﺣﺟ ــﺔ ﻟﻘ ــوة اﻟ ــدﻟﯾلٕ ،واذا ﻛﺎﻧ ــت اﻟــﺷورى ﻓــﻲ اﻷﻣــور اﻟﻔﻧﯾــﺔ ﻓﺎﻟﺣﺟــﺔ ﻷﻫــل اﻟﺧﺑ ـرة واﻻﺧﺗــﺻﺎص ،أﻣــﺎ ﻓــﻲ طﻠــب اﻟ ـرأي اﻟــذي ﯾرﺷ ــد إﻟــﻰ اﻟﻘﯾ ــﺎم ﺑﻌﻣ ــل ﻣ ــن اﻷﻋﻣ ــﺎل اﻟﻛﺑﯾـ ـرة ،ﻛﺎﻧﺗﺧ ــﺎب رﺋ ــﯾس ،أو و ٍ ال ،أو إﻗـ ـرار ﻣ ــﺷروع ﻓﯾــرﺟﺢ رأي اﻷﻛﺛرﯾــﺔ ﻷن اﻟﻛﺛ ـرة ﯾﺣــﺻل ﺑﻬــﺎ اﻟﺗــرﺟﯾﺢ وﻫﻛــذا ﺗﻘــدم ﻟﻧــﺎ اﻟــﺳﯾرة اﻟﻧﺑوﯾــﺔ ﻣﻌــﺎﻟم أﺳﺎﺳــﯾﻪ ﻟﻔﻘــﻪ اﻟــﺷورى ﻛــﺄﻣر رﺑــﺎﻧﻲ ،وﺳــﻧﺔ ﻧﺑوﯾــﺔ ،وﻗﯾﻣــﺔ أﺧﻼﻗﯾــﻪ ،وﺣﻛﻣــﻪ ﺑﺎﻟﻐــﺔ ﻓــﻲ ﺳﯾﺎﺳــﺔ
اﻷﻣــﺔ ٕوادارة أﻣــور اﻟدوﻟــﺔ وﻫــﻰ ﻣﻠزﻣــﺔ ﻟﻠﺣــﺎﻛم وﻣﻔﺗوﺣــﺔ ﻟﻠﻣــﺷﺎرﻛﺔ وﻷﻫــل اﻟﺧﺑـرة اﻟﻔﻧﯾــﺔ وأﻫــل اﻻﺧﺗــﺻﺎص ﻣﻛﺎﻧــﺔ ﺧﺎﺻــﺔ ﻓــﻲ اﻟــﺷورى وﺗﻣﺗــد ﻗﯾﻣــﻪ اﻟــﺷورى إﻟــﻰ ﺳــﺎﺋر ﺿــروب اﻟﻧــﺷﺎط اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ وﻛﺎن رﺳول اﷲ
اﻧﺗﻬﺎء.١٧ ﯾﻠزم اﻟﺷورى اﺑﺗداء و ً ً
وﻣن ﻓواﺋد اﻷﺧذ ﺑﺎﻟﺷورى أﻣور ﻛﺛﯾرة ﻣﻧﻬﺎ: - ١إﺻ ــﺎﺑﺔ اﻟﺣ ــق ﻓ ــﻲ اﻟﻐﺎﻟ ــب ،ﻓ ــﺈن اﻵراء إذا ﻋرﺿ ــت ﺑﺣرﯾ ــﺔ ﺗﺎﻣ ــﺔ وأدﻟ ــﻰ ﻛ ـ ﱞـل ﺑﺣﺟﺗﻪ ،وﻛﺎﻧت اﻟﻧﯾﺔ ﺻـﺣﯾﺣﺔ واﻟﻬـدف ﻫـو اﻟوﺻـول إﻟـﻰ اﻟﺣـق ،وﻗـدﻣت اﻟﻣـﺻﻠﺣﺔ اﻟﻌﺎﻣـﺔ،
وﺗﺟرد اﻟﻣﺗﺷﺎورون ﻋن اﻷﻫواء.
- ٢أن اﻟﻌﻣـ ــل ﺑﺎﻟـ ــﺷورى ﻗرﺑـ ــﺔ وطﺎﻋـ ــﺔ ﷲ ﻋـ ــز وﺟـ ــل ،ﻓﻔﯾـ ــﻪ اﺟﺗﻣـ ــﺎع اﻟـ ــرأي ﻓـ ــﻲ ﺗﺣﺻﯾل اﻟﺧﯾر ٣ـ ﺗﻼﻗﺢ اﻷﻓﻛﺎر ،وﺗﻛﺎﻣل اﻟﺛﻘـﺔ ،وﺗﺑـﺎدل اﻟﺧﺑـرة واﻻطـﻼع ﻋﻠـﻰ ﻣـﺎ ﻋﻧـد اﻵﺧـرﯾن،
واﻻﺳﺗﻔﺎدة ﻣن اﻟﺧﺑرات اﻟﻣﺗﻧوﻋﺔ وﺣﺻول اﻟﺗﻛﺎﻣل ﺑﯾن أﻓراد اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ.
-٤ﺗــﺳدﯾد اﻟﻧظــر إﻟــﻰ اﻟﻣــﺷﻛﻠﺔ ﻣــن زواﯾــﺎ ﻣﺗﺑﺎﯾﻧــﺔ .ﻗــﺎل اﺑــن ﻗﺗﯾﺑــﺔ :١٨وﻗ ـرأت ﻓــﻲ ﻛﺗــﺎب ﻟﻠﻬﻧــد أن ﻣﻠﻛــﺎً اﺳﺗــﺷﺎر وزراء ً ﻟــﻪ ،ﻓﻘــﺎل أﺣــدﻫم :اﻟﻣﻠــك اﻟﺣــﺎزم ﯾــزداد ﺑ ـرأي اﻟــوزراء ١٧ﺧﺎﻟد أﺣﻣد أﺑو ﺳﻣرة ،اﻟﺷورى ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ،ص٧٧
١٨
ـدﯾﻧورى ،ﺻـﺎﺣب اﻟﺗـﺻﺎﻧﯾف، ﻫو :اﻟﻌﻼﻣﺔ اﻟﻛﺑﯾر ذو اﻟﻔﻧون أﺑو ﻣﺣﻣد ،ﻋﺑد اﷲ ﺑن ﻣـﺳﻠم ﺑـن ﻗﺗﯾﺑـﺔ اﻟ ﱢ َْ َ ﺗوﻓﻰ رﺣﻣﻪ اﷲ ﺳﻧﺔ :ﺳت وﺳﺑﻌﯾن وﻣﺎﺋﺗﯾن .ﺳﯾر أﻋﻼم اﻟﻧﺑﻼء .٢٩٦/١٣ ٨
اﻟﺣزﻣ ــﺔ ﻛﻣ ــﺎ ﯾ ــزداد اﻟﺑﺣـ ــر ﺑﻣـ ـواردﻩ ﻣ ــن اﻷﻧﻬـ ــﺎر ،وﯾﻧ ــﺎل ﺑ ــﺎﻟﺣزم واﻟ ـ ـرأي ﻣ ــﺎﻻ ﯾﻧﺎﻟ ــﻪ ﺑـ ــﺎﻟﻘوة واﻟﺟﻧود ،واﻟﻣﺳﺗﺷﯾر ٕوان ﻛﺎن أﻓﺿل رأﯾﺎ ﻣـن اﻟﻣـﺷﯾر ،ﻓﺈﻧـﻪ ﯾـزداد ﺑ أرﯾـﻪ أرﯾـﺎ ﻛﻣـﺎ ﺗـزداد اﻟﻧـﺎر ﺑﺎﻟﺳﻠﯾط ﺿوءاً.١٩ - ٥إﺷ ـ ــﻌﺎر اﻟﻣ ـ ــﺷﺎرﻛﯾن ﺑﺎﻟﻣ ـ ــﺳؤوﻟﯾﺔ وأﻧﻬ ـ ــم ﻣ ـ ــﻊ اﻟﻣ ـ ــﺳؤول ﯾ ـ ــﺳﻌون إﻟ ـ ــﻰ ﺗﺣﻘﯾ ـ ــق اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎﻣﺔ. - ٦ﺗوﻟد اﻟﺛﻘﺔ ﺑﯾن اﻟﺣﺎﻛم واﻟﻣﺣﻛوم وﺗطﯾﯾب اﻟﻘﻠوب - ٧اﻟوﻗﺎﯾﺔ ﻣن اﻻﺳﺗﺑداد وﺗزود اﻟدوﻟﺔ ﺑﺎﻟﻛﻔـﺎءات واﻟﻘـدرات اﻟﻣﺗﻣﯾـزة وﺑﻬـﺎ ﺗﻧﺣـﺻر ﻋﯾوب اﻟﺗﻔرد ﺑﺎﻟﻘرار. - ٨ﺗﺿﯾق ﻫوة اﻟﺧﻼف ﺑﯾن اﻟراﻋﻲ ورﻋﯾﺗﻪ - ٩ﺗﻔﺟﯾر اﻟطﺎﻗﺎت اﻟﻛﺎﻣﻧﺔ ﻓﻲ أﻓراد اﻷﻣﺔ ،وﺗﺷﺟﻊ ذوي اﻟﺧﺑرات ب ـ اﻟﺷورى ﺑﯾن اﻟوﺟوب واﻟﻧدب: وﻫﻧﺎك اﺧـﺗﻼف ﺑـﯾن اﻟﻌﻠﻣـﺎء واﻟﺑـﺎﺣﺛﯾن ﺣـول اﻟـرأي اﻟﻔﻘﻬـﻲ اﻟﻣﺗﻌﻠـق ﺑﺣﻛـم اﻟـﺷورى،
ﻫل ﻫﻲ واﺟﺑﺔ أم ﻣﻧدوب إﻟﯾﻬﺎ ،وأﻏﻠب اﻟظن أن اﻟﺣﻛم ﯾﺗﺄرﺟﺢ ﻣﺎ ﺑﯾن اﻟوﺟوب واﻟﻧدب.٢٠
وﻣﻣــن رأى وﺟــوب اﻟــﺷورى وﻓرﺿــﯾﺗﻬﺎ ،ﺟﻣﻬــور اﻟﻔﻘﻬــﺎء ،ﻣــﻧﻬم اﻟﺣﻧﻔﯾــﺔ واﻟﻣﺎﻟﻛﯾــﺔ، ـووي واﺑــن ﻋطﯾــﺔ واﺑــن واﻟﻘـول اﻟــﺻﺣﯾﺢ ﻣــن اﻟﻣـذﻫب اﻟــﺷﺎﻓﻌﻲ ،وﯾﻧــﺳب ﻫـذا اﻟﻘــول أﯾــﺿﺎً ﻟﻠّﻧ ّ ﺧوﯾز ﻣﻧـداد واﻟـرازي ،وﺑﻌـض اﻟﻣﻌﺎﺻـرﯾن ﻛﺄﻣﺛـﺎل اﻷﻓﻐـﺎﻧﻲ وﻣﺣﻣـد ﻋﺑـدﻩ ،ﻣﺣﻣـد ﺷـﻠﺗوت و ﻣﺣﻣــد أﺑــو زﻫـرة وﻋﺑــد اﻟوﻫــﺎب ﺧــﻼف وﻋﺑــد اﻟﻘــﺎدر ﻋــودة ،ﻧظـ ًار ﻟﻠﻧــﺻوص اﻟــﺷرﻋﯾﺔ اﻟ ـواردة ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺷﺄن ،وﻋﻠﻲ وﻟﻲ اﻷﻣر اﻟﻌﻣـل ﺑﺎﻟـﺷورى وﻣـﺎ ﯾـﺻدر ﻋﻧﻬـﺎ ﻣـن ﻧﺗـﺎﺋﺞ ورؤى ،وﯾـﺄﺛم
إذا أﻋــرض ﻋﻧﻬــﺎ ،وﺗــرك اﻟﻌﻣــل ﺑﻬــﺎ ،ﺑــل ﯾــرى اﺑــن ﻋطﯾــﺔ ٥٤١ﻫـ ـ أن :اﻟــﺷورى ﻣــن ﻗواﻋــد
١٩ ٢٠
اﺑن ﻗﺗﯾﺑﺔ ،ﻋﯾون اﻷﺧﺑﺎر٣٠/١ ، اﻟطﺑري ،ﺗﻔﺳﯾر اﻟطﺑري١٩٢/٣ ، ٩
اﻹﺳﻼم وﻋزاﺋم اﻷﺣﻛﺎم ،ﻣن ﻻ ﯾﺳﺗﺷﯾر أﻫل اﻟﻌﻠم واﻟدﯾن ﻓﻌزﻟﻪ واﺟب .٢١وﻛﺎن ﻣـن ﻋﺎدﺗـﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺷر اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن.٢٢ أن ﯾﻘول :أﺷﯾروا ﱠ
أﻣﺎ ﺟﻣﺎل اﻟدﯾن اﻷﻓﻐﺎﻧﻲ ) ١٣١٤ - ١٢٥٤ﻫ ـ ١٨٩٧ - ١٨٣٨ /م( ،ﻓﯾـرى أن اﻟﺣﻛم اﻟﻔردي اﻟﻣطﻠق ردﯾف اﻟﺟﻬل واﻟﺗﺧﻠف .وﻧظﺎم اﻟﺷورى أﺻـﻠﺢ ﻟﻸﻣـﺔ .إﻻ أن اﻟـﺷورى
ﻟدﯾــﻪ ﻫــﻲ اﻟدﯾﻣوﻗراطﯾــﺔ اﻟدﺳــﺗورﯾﺔ ،٢٣وﻋﻠــﻰ اﻟﻣــﺳﻠﻣﯾن ﻓــﻲ ﻧظ ـرﻩ أن ﯾﻘﻠــدوا اﻟﻐــرب ﻓــﻲ ﻫــذا اﻟﻣﺿﻣﺎر ﺟﻣﻠﺔ وﺗﻔﺻﯾﻼ؛ ﻷن ﻫذا ﺳﺑﯾل اﻟرﺷﺎد.
ﻛـ ـ ــذﻟك ﻣﺣﻣـ ـ ــد ﻋﺑـ ـ ــدﻩ ) ١٣٢٣ - ١٢٦٦ﻫـ ـ ـ ـ ١٩٠٥ - ١٨٤٩ /م( ،ﯾـ ـ ــرى ﻧﻘـ ـ ــل اﻟﺗﺟرﺑــﺔ اﻟدﯾﻣوﻗراطﯾــﺔ اﻟﻐرﺑﯾــﺔ ﺣرﻓﯾــﺎ ،أو اﺧﺗﯾــﺎر أي ﻣــﻧﻬﺞ ﯾــؤدي إﻟــﻰ ﻣــﺎ ﯾــؤدي إﻟﯾــﻪ ﻧظــﺎم اﻟﺣﻛم ﻓﻲ اﻟﻐرب .ﻣﺣﺎوﻻ اﻟﻣزاوﺟﺔ ﺑﯾن ﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﺎوردي وﺑـﯾن اﻟﻧظـﺎم اﻟﺑرﻟﻣـﺎﻧﻲ اﻟﺣـدﯾث ،إذ
ﯾﻘــول :ﻏﯾــر أﻧﻧــﺎ إذا ﻧظرﻧــﺎ إﻟــﻰ اﻟﺣــدﯾث اﻟــﺷرﯾف اﻟــذي رواﻩ اﻟﺑﺧــﺎري ﻋــن اﺑــن ﻋﺑــﺎس وﻫــو )ﻛﺎن اﻟﻧﺑﻲ ﻋﻠﯾـﻪ اﻟـﺻﻼة واﻟـﺳﻼم ﯾﺣـب ﻣواﻓﻘـﺔ أﻫـل اﻟﻛﺗـﺎب ﻓﯾﻣـﺎ ﻟـم ﯾـؤﻣر ﺑـﻪ( ﻧـدب ﻟﻧـﺎ أن ﻧواﻓق ﻓﻲ ﻛﯾﻔﯾﺔ اﻟﺷورى وﻣﻧﺎﺻﺣﺔ أوﻟﯾﺎء اﻷﻣـر ،اﻷﻣـم اﻟﺗـﻲ أﺧـذت ﻫـذا اﻟواﺟـب ﻧﻘـﻼ ﻋﻧـﺎ، وأﻧــﺷﺄت ﻟــﻪ ﻧظﺎﻣــﺎ ﻣﺧــﺻوﺻﺎ" ،٢٤ﺑــﺄن ﺗﺧﺗــﺎر اﻷﻣــﺔ طــﺎﺋﻔﺗﯾن ،إﺣــداﻫﻣﺎ ﻋﻠــﻰ ﻋﻠــم ﺑﺣــدود اﻟــﺷرع ،ﻫــﻲ " أﻫــل اﻟ ـرأي " أو " أﻫ ـل اﻟﺣــل واﻟﻌﻘــد " ﻟﻣــﺳﺎﻋدة اﻟﺣــﺎﻛم ﻣﻠﻛــﺎ ﻛــﺎن أو رﺋــﯾس ﺟﻣﻬورﯾــﺔ ،ﺑﺎﻟﻧــﺻﯾﺣﺔ واﻟﻧــﺻرة واﻟــﺷورى ،واﻟﺛﺎﻧﯾــﺔ ﻣــن ﻧ ـواب ﯾﻣﺛﻠــون اﻟــﺷﻌب إﻗﻠﯾﻣﯾــﺎ وﻣﻬﻧﯾــﺎ
ﻟوﺿﻊ ﻣﺧﺗﻠف اﻟﺗﺷرﯾﻌﺎت واﻟﻘواﻧﯾن.
أﻣﺎ ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن اﻟﻛواﻛﺑﻲ ) ١٣٢٠ - ١٢٧١ﻫ ـ ١٩٠٢ - ١٨٥٥ /م( ،ﻓﻘـد ﺷ ّـن ﻫﺟوﻣ ــﺎ ﺷرﺳـ ــﺎ وﻣوﻓﻘـ ــﺎ ﻋﻠـ ــﻰ اﻻﺳـ ــﺗﺑداد ،٢٥وﺗﺗﺑـ ــﻊ ﺑﺎﻟد ارﺳـ ــﺔ ﺟـ ــذورﻩ ﻓـ ــﻲ اﻟـ ــﻧﻔس واﻟﻣﺟﺗﻣـ ــﻊ واﻟدوﻟﺔ ،وﻛﺷف ﻧﺗﺎﺋﺟﻪ اﻟﻣﻬﻠﻛﺔ ﻟﻠﺣرث واﻟﻧﺳل .إﻻ أن اﻟﺑدﯾل اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻟدﯾـﻪ ﺑﻘـﻲ ﻓـﻲ إطـﺎر ٢٦ ﺗﺧﻔﱠـف وطـﺄة اﺳـﺗﺑدادﻩ ﺑﺗﻌﯾـﯾن ﻓﺋـﺔ ﻣـن اﻟﺣﻛﻣـﺎء ﻫـم " أﻫـل اﻟﻧظﺎم اﻟﻣﻠﻛﻲ اﻟﻣطﻠـق ،اﻟـذي ُ َ
٢١ ٢٢ ٢٣ ٢٤ ٢٥ ٢٦
اﻟﻘرطﺑﻲ ،اﻟﺟﺎﻣﻊ ﻷﺣﻛﺎم اﻟﻘرآن٢٤٩/٤ ، اﺑن ﻛﺛﯾر ،ﺗﻔﺳﯾر اﺑن ﻛﺛﯾر١٩٢/٢ ،
اﻷﻓﻐﺎﻧﻲ ،اﻷﻋﻣﺎل اﻟﻛﺎﻣﻠﺔ ،ص.٤٧٣ ﻣﺣﻣد ﻋﺑدﻩ ،اﻷﻋﻣﺎل اﻟﻛﺎﻣﻠﺔ٣٠٧/١ ،
اﻟﻛواﻛﺑﻲ ،طﺑﺎﺋﻊ اﻻﺳﺗﺑداد ،ص٢١ ﻧﻔس اﻟﻣﺻدر ،ص١٥٣ ١٠
اﻟﺣل واﻟﻌﻘد " ،ﺑدوﻧﻬم ﻻ ﺗﻧﻌﻘد اﻹﻣﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻧظرﻩ .وﻟﻬم ﺣـق ﻣراﻗﺑـﺔ اﻟﺣـﺎﻛم وﻣﺣﺎﺳـﺑﺗﻪ ،وﻫـم ﺑﻣﺛﺎﺑــﺔ ﻣﺟــﺎﻟس ﻟﻠﻧ ـواب ،أو ﻟﻸﺳ ـرة اﻟﺣﺎﻛﻣــﺔ ،أو ﻟﻸﻋﯾــﺎن ،أو ﺷــﯾوخ اﻟﻘﺑﺎﺋــل ،ﻋﻠــﻰ ﻏ ـرار ﻣــﺎ ﻛـ ــﺎن ﻣـ ــن أﻣـ ــر " ﻣﺟـ ــﺎﻟس اﻟﺣﻛﻣـ ــﺎء " ﻟـ ــدى اﻟﺑﯾﺗـ ــﯾن اﻷﻣـ ــوي واﻟﻌﺑﺎﺳـ ــﻲ ﻣﻣـ ــﺎ ﺳـ ــﺎﻋد ﻋﻠـ ــﻰ
اﺳﺗﻘرارﻫﻣﺎ واﺳﺗﺗﺑﺎب أﻣﻧﻬﻣﺎ. ـﺷﺎﻓﻌﻲ واﻟ ّرﺑﯾـﻊ واﺑـن ﺣـزم واﺑـن وﻣﻣن رأى اﻟﻧدب ﻓﻲ اﻟﺷورى ﻗﺗﺎدة واﺑـن إﺳـﺣﺎق واﻟ ّ اﻟﻘﯾم ،ورﺟﺣﻪ اﺑـن ﺣﺟـر ،وﻗـد ورد ﻫـذا ﺿـﻣن ﻛـﻼم ﺑﻌـض اﻟـﺳﻠف وﻗﯾﺎﺳـﺎً ﻋﻠـﻰ أن اﻟرﺳـول ﻟــم ﺗﺟــب ﻋﻠﯾــﻪ اﻟــﺷورى أو اﻟﻣــﺷﺎورة وﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻲ ﯾﻘــﺎس ﻋﻠﯾــﻪ وﺿــﻊ اﻟﺧﻠﯾﻔــﺔ اﻟﻣــﺳﻠم ،إذ ﻻ
ﺗﺟـب ﻋﻠﯾـﻪ اﻟﻣـﺷﺎورة ،ﻷن اﻟــﺳﻠطﺎت اﻟدﯾﻧﯾـﺔ واﻟـﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻣـن ﺻــﻼﺣﯾﺎﺗﻪ ﻟـﻪ أن ﯾﺗوﻻﻫـﺎ ﺑﻧﻔــﺳﻪ
أو أن ﯾﻔوض ﻓﯾﻬﺎ اﻟﺑﻌض ﺑﺎﺧﺗﯾﺎرﻩ ،ﻣن دون إﻟزام أو ﻓرض ﻋﻠﯾﻪ.٢٧
وﻣﻣــﺎ ﯾﺣﺗــﺎج إﻟــﻰ ﻧظــر وﺗــﺷﺎور اﻷﺣﻛــﺎم اﻟــﺷرﻋﯾﺔ اﻟﻘﺎﺋﻣــﺔ أﺻــﻼً ﻋﻠــﻰ اﻻﺳــﺗﻧﺑﺎط ،
واﻟﺗـرﺟﯾﺢ ﺑــﯾن ﻣﻘﺗــﺿﯾﺎت اﻷدﻟــﺔ ودﻻﻻﺗﻬــﺎ وﯾــدﺧل ﻛـذﻟك ﻓــﻲ ﻣﺟــﺎﻻت اﻟــﺷورى ـ وﻣــن ﺑــﺎب أوﻟـ ــﻰ
ـ اﻻﺟﺗﻬـ ــﺎد ﻓـ ــﻲ أﺣﻛـ ــﺎم ﻣـ ــﺎ ﻟـ ــﯾس ﻓﯾـ ــﻪ ﻧـ ــص ،ﻣﻣـ ــﺎ ﺳـ ــﺑﯾﻠﻪ اﻟﻘﯾـ ــﺎس واﻻﺳﺗﺣـ ــﺳﺎن
واﻻﺳﺗــﺻﻼح ﻓﻬــذﻩ ﻛﻠﻬــﺎ ﻣﺟــﻼت دﯾﻧﯾــﺔ ﺷــرﻋﯾﺔ ،وﻣــﻊ ذﻟــك ﻓﺎﻟــﺷورى ﻓﯾﻬــﺎ ﺑــﯾن أﻫــل اﻟﻌﻠــم
واﻟﻧظــر واﻻﺟﺗﻬــﺎد ﻫــﻲ ﺳــﻧﺔ اﻟــﺻﺣﺎﺑﺔ واﻟﺧﻠﻔــﺎء اﻟ ارﺷــدﯾن ،ﺑــل ﻫــﻲ ﺳــﻧﺔ اﻟﻧﺑــﻲ
اﻟﻘوﻟﯾــﺔ
واﻟﻔﻌﻠﯾﺔ. وﻟﻌـ ــل اﻟـ ــدﻛﺗور ﻋـ ــدﻧﺎن اﻟﻧﺣـ ــوي أول ﻣـ ــن ﺧـ ــﺻص ﻟﻠـ ــﺷورى ﻣـ ــﺻﻧﻔﺎ ﺗﺟـ ــﺎوز ﻋـ ــدد ﺻﻔﺣﺎﺗﻪ ﺳﺑﻌﯾن وﺳﺗﻣﺎﺋﺔ ،ﻋﻧواﻧﻪ " اﻟﺷورى وﻣﻣﺎرﺳـﺗﻬﺎ اﻹﯾﻣﺎﻧﯾـﺔ " .وﻫـﻲ ﻣﻧـﻪ ﺧطـوة رﺷـﯾدة ﺗﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻣﻧﺎﺻﺣﺔ وﻣﺗﺎﺑﻌﺔ وﺗطوﯾر .وﻗـد ﺷـرح ﻓـﻲ ﻛﺗﺎﺑـﻪ اﻟـﺻﻔﺔ اﻹﯾﻣﺎﻧﯾـﺔ ﻟﻠـﺷورى ،وﺑ ّـﯾن أﻧﻬــﺎ ﻋــﺻﻣﺔ ﻣــن اﻻﺳــﺗﺑداد ،وأن ﻏﯾــﺎب اﻟﻌﻘﯾــدة واﻧﻔــﺻﺎﻟﻬﺎ ﻋــن اﻟــﺷورى ﯾــؤدي إﻟــﻰ ﺗﺣﻛــم اﻟﻬ ــوى واﻟﺗﯾ ــﻪ واﻟ ــﺿﯾﺎع ،وظ ــﻼم اﻟﻔﺗﻧ ــﺔ وﻫ ــدﯾر اﻟ ــﺷﯾطﺎن ،واﻟﻣﻣﺎرﺳ ــﺎت اﻟ ــﺷوروﯾﺔ اﻟزاﺋﻔ ــﺔ،
اﻟﻣﺑﻧﯾــﺔ ﻋﻠــﻰ اﻷﺻــﺎﺑﻊ اﻟﻣرﻓوﻋــﺔ واﻷﯾــدي اﻟﻣﻣــدودة .وأن اﻟﻘﯾــﺎدة اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ اﻟرﺷــﯾدة ﺗﺣﻣــل ﺧﺻﺎﺋــﺻﻬﺎ أوﻻ ﺛــم ُﯾﺑﺣــث ﻟﻬــﺎ ﻋــن ﺗــﺳﻣﯾﺔ ﺛﺎﻧﯾــﺔ .وﻣــﺎ داﻣــت اﻟﺑﯾﻌــﺔ ﻋﻠــﻰ ﻗواﻋــد اﻹﺳــﻼم وأﺳــﺳﻪ ،ﻓﺎﻟــﺳﻣﻊ واﻟطﺎﻋــﺔ ﻓــﻲ اﻟﻣﻌــروف واﺟﺑــﺎن ،ﺳ ـواء ﻷﻣﯾــر أو ﺧﻠﯾﻔــﺔ أو رﺋــﯾس .و"أﻫــل اﻟ ـرأي" ،أو" أﻫــل اﻟــﺷورى" أو" أوﻟــو اﻷﻣــر" ،ﻓ ــﻲ أرﯾــﻪ ﻫــم اﻟﻌﻠﻣــﺎء ،وﯾﺟــب أن ﺗﺗــوﻓر ﻓ ــﯾﻬم ٢٧ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ﻋودة ،اﻹﺳﻼم وأوﺿﺎﻋﻧﺎ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ،ص.٩١ ١١
ﺷروط اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺗﻘوى واﻟﻌﻠم واﻟﻣوﻫﺑﺔ واﻟوﺳﻊ واﻟﺣﻠم واﻷﻧﺎة واﻟروﯾﺔ واﻟﺗدﺑر واﻟﻘدرة وﺑـﺳطﺔ اﻟﺟﺳم وﺣﺳن اﻟﺳﻠوك واﻟﻌداﻟﺔ.٢٨
ﻛﻣ ــﺎ اﺳﺗﻘ ــﺻﻰ ﻓ ــﻲ ﻛﺗﺎﺑ ــﻪ أﻛﺛ ــر اﻟﻧ ــﺻوص اﻟﻣﺗﻌﻠﻘ ــﺔ ﺑﺎﻟ ــﺷورى ﻓ ــﻲ اﻟﻛﺗ ــﺎب واﻟ ــﺳﻧﺔ واﻵﺛﺎر .إﻻ أﻧﻪ ﻓﻲ ﺟﻣﯾـﻊ ﻣـﺎ أورد ﻣـن ﻧـﺻوص واﺟﺗﻬـﺎدات ،ﻟـم ﯾﺧـرج ﻋـن داﺋـرة ﻣـن ﺳـﺑﻘﻪ ﻣــن اﻟﻔﻘﻬــﺎء اﻟــذﯾن ﯾــرون اﻟــﺷورى ﺣﻛ ـ ار ﻋﻠــﻰ ﻧﺧﺑــﺔ ﺧﺎﺻــﺔ ،اﻋﺗﻣــﺎدا ﻣﻧــﻪ ﻋﻠــﻰ ﺣــدﯾث ُروي أﺧرﺟــﻪ اﻟــدارﻣﻲ ،٢٩ﻗــﺎل " :أﺧﺑرﻧــﺎ ﻣﺣﻣــد ﺑــن اﻟﻣﺑــﺎرك ،ﺛﻧــﺎ ﯾﺣﯾــﻰ ﺑــن ﺣﻣ ـزة، ﻋــن اﻟﻧﺑــﻲ ﺳــﺋل ﻋـن اﻷﻣـر ﯾﺣـدث ﻟــﯾس ﻓـﻲ ﻛﺗـﺎب وﻻ ﺳـﻧﺔ ،ﻓﻘــﺎل: ﺣـدﺛﻧﻲ أﺑـو ﺳـﻠﻣﺔ ،أن اﻟرﺳـول ُ )ﯾﻧظــر ﻓﯾــﻪ اﻟﻌﺎﺑــدون ﻣــن اﻟﻣــﺳﻠﻣﯾن( " .وﻫــذا اﻟﺣــدﯾث ﻣرﺳــل وﻣﺗﻌــﺎرض ﻣــﻊ اﻟﻘ ـرآن اﻟﻛ ـرﯾم واﻟـ ــﺳﻧﺔ اﻟﻧﺑوﯾـ ــﺔ اﻟﻌﻣﻠﯾـ ــﺔ اﻟـ ــﺻﺣﯾﺣﺔ؛ إذ أﺷـ ــرك اﻟرﺳـ ــول
اﻟﻣﻧـ ــﺎﻓﻘﯾن ﻓـ ــﻲ اﻟـ ــﺷورى أﺛﻧـ ــﺎء
اﻻﺳ ــﺗﻌداد ﻟﻣﻼﻗ ــﺎة اﻟﻣ ــﺷرﻛﯾن ﻓـ ـﻲ أﺣ ــد .وﻗ ــد ُروي اﻟﺣ ــدﯾث ﺑﻣﻌﻧ ــﺎﻩ ﻓ ــﻲ " ﻣﺟﻣ ــﻊ اﻟزواﺋ ــد " ﻟﻠﻬﯾﺛﻣﻲ ﻋن اﺑن ﻋﺑﺎس ـ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﻣﺎ ـ ﻗـﺎل " :ﻗﻠـت ﯾـﺎ رﺳـول اﷲ أ أرﯾـت إن ﻋـرض ﻟﻧـﺎ أﻣر ﻟم ﯾﻧزل ﻓﯾﻪ ﻗرآن وﻟم ﺗﻣض ﻓﯾﻪ ﺳﻧﺔ ﻣﻧـك؟ " ﻗـﺎل " :ﺗﺟﻌﻠوﻧـﻪ ﺷـورى ﺑـﯾن اﻟﻌﺎﺑـدﯾن ﻣـن
اﻟﻣــؤﻣﻧﯾن و ﻻ ﺗﻘــﺿوﻧﻪ ﺑ ـرأي ﺧﺎﺻــﺔ " .وﻗــد أﺧرﺟــﻪ اﻟطﺑ ارﻧــﻲ ﻓــﻲ اﻟﻛﺑﯾــر ،إﻻ أن ﻓﯾــﻪ ﻋﺑــد اﷲ ﺑن ﻛﯾﺳﺎن ،ﻗﺎل ﻓﯾﻪ اﻟﺑﺧﺎري " :ﻣﻧﻛر اﻟﺣدﯾث " . ﻛﻣﺎ أن اﻟدﻛﺗور ﻋدﻧﺎن اﻟﻧﺣوي ﻟم ﯾﺧـرج أﯾـﺿﺎ ﻋـن داﺋـرة اﻟﺣﻛـم اﻟﻔـردي اﻟـذي ﻟـﯾس
ﻟــﻪ ﻣــن ﺿــﻣﺎﻧﺎت اﻻﺳــﺗﻣرار إﻻ ورع اﻟ ارﻋــﻲ واﻟرﻋﯾــﺔ .٣٠ﻓــﺈن ﺿـ ُـﻌف أو اﻧﻌــدم ﻋـ ﱠـم اﻟﺗظــﺎﻟم واﻟﻔوﺿﻰ ،وﺻﺎر اﻻﺳﺗﺑداد ﺳـﯾد اﻟﻣوﻗـف .وﻧﺣـن ﻧﻠـﺗﻣس ﻧظﺎﻣـﺎ ﺷـوروﯾﺎ ﻟـﻪ ﻣـن اﻟﻣؤﺳـﺳﺎت ـؤﻣن ﺳـﻼﻣﺔ اﻷﻣـﺔ وﺣﻘـوق أﻓرادﻫـﺎ واﻟﻧظم واﻟﺿواﺑط ﻣﺎ ﯾﺿﻣن اﺳﺗﻣ اررﻩ وﻓﻌﺎﻟﯾﺗﻪ وﺟدواﻩ ،وﯾ ﱢ وﻏﻧﻣﺎ ﺟﻬدا وﻣﻧﻔﻌﺔ. ﻓﻲ اﻟﺣرﯾﺔ واﻟﻛراﻣﺔ وﺗدﺑﯾر أﻣرﻫم ،ﻗ ار ار وﺗﻧﻔﯾذا وﻣﺣﺎﺳﺑﺔُ ،ﻏرﻣﺎ ُ
وﻟــﺋن ﻛﺎﻧــت اﻟﺧﻼﻓــﺔ اﻟ ارﺷــدة ﻗــد اﻛﺗــﺳﺑت ﺷــرﻋﯾﺗﻬﺎ ﻣــن ﻛوﻧﻬــﺎ اﻣﺗــدادا اﺧﺗﯾﺎرﯾــﺎ ﺣ ـ اًر
ﻟﻠرﻋﯾـ ــﺔ ،ﻋﻘﯾـ ــدة وﺷ ـ ـرﯾﻌﺔ وﺗـ ــﺷﺎورا ،ﺗﻘرﯾرﯾـ ــﺎ وﺗﻧﻔﯾـ ــذﯾﺎ ،ﻓﻧﺎﻟـ ــت ﺑـ ــذﻟك ﻣﺣﺑـ ــﺔ اﻷﻣـ ــﺔ وطﺎﻋﺗﻬـ ــﺎ واﺣﺗراﻣﻬــﺎ .وﻟــﺋن ﻛــﺎن اﻟﺧﻠﯾﻔــﺔ اﻟ ارﺷــد اﻟﺧــﺎﻣس ،ﻋﻣــر ﺑــن ﻋﺑــد اﻟﻌزﯾــز ـ ﻋﻠــﻰ رﻏــم ﻓﻘداﻧــﻪ
ﻟـﺷرﻋﯾﺔ اﻟﻌﻘـد اﻹﻧــﺷﺎﺋﻲ ﺑﺎﺧﺗﯾـﺎرﻩ ﻣـن ﻟــدن ﺟﻣﯾـﻊ اﻷﻣـﺔ ـ ﻗـد اﻛﺗـﺳب ﻣﺣﺑــﺔ اﻷﻣـﺔ واﺣﺗراﻣﻬــﺎ ٢٨ ٢٩ ٣٠
ﻋدﻧﺎن ﻋﻠﻲ رﺿﺎ اﻟﻧﺣوي ،اﻟﺷورى وﻣﻣﺎرﺳﺗﻬﺎ اﻹﯾﻣﺎﻧﯾﺔ ،ص ٥٦٦ ﻧﻔس اﻟﻣﺻدر ،ص٧٠ ﻧﻔس اﻟﻣﺻدر ،ص١٧٧ ١٢
وﺗﻘــدﯾرﻫﺎ ووﻻءﻫ ــﺎ ﺑــﺳﻠوﻛﻪ وﻋدﻟ ــﻪ وﺗﻘـ ـواﻩٕ ،واﯾﺛــﺎرﻩ اﻟرﻋﯾ ــﺔ ﻋﻠ ــﻰ ﻧﻔــﺳﻪ ووﻟ ــدﻩ ،وردﻩ اﻟﻣظ ــﺎﻟم،
وﺛورﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻧﺣراف ﺑﻧﻲ أﻣﯾﺔ؛ ﻓﺈن ﻫؤﻻء اﻷﻣراء اﻟظﻠﻣﺔ ﻗد ﺣﺎوﻟوا اﻟﺗﻣوﯾـﻪ ﻋﻠـﻰ اﺳـﺗﺋﺛﺎرﻫم ﺑﺎﻟﺳﻠطﺔ ،وﺗﻧﻛرﻫم ﻟﻣﻧﻬﺞ اﻟﺷورى ،ﺑﻣﺎ أﻓﺗﻰ ﻟﻬم ﺑﻪ ﻋﻠﻣﺎء اﻟﺳوء ﻣـن آراء ﺗﻔـرغ اﻟـﺷورى ﻣـن ﻣﻛﺎء وﺗﺻدﯾﺔً. ﻣﺣﺗواﻫﺎ ،وﺗﺟﻌﻠﻬﺎ ً إن ﻫـ ــذا اﻟوﺿـ ــﻊ اﻟـ ــذي آل إﻟﯾـ ــﻪ أﻣـ ــر اﻷﻣـ ــﺔ ﻟـ ــم ﯾﻛـ ــن إﻻ ﻧﺗﯾﺟـ ــﺔ طﺑﯾﻌﯾـ ــﺔ ﻟﻧـ ــﺳﯾﺎن ـﺈن ﻟَــﻪ ِ ِ ـﺷﺔً ﻣﻌﯾـ َ اﻟﻣــﺳﻠﻣﯾن ﻣــﺎ أﻧــزل ﻋﻠــﯾﻬم ﻣــن اﻟﺑﯾﻧــﺎت واﻟﻬــدى َ و َﻣـ ْـن أَ ْﻋـ َ َ ـرض َﻋـ ْـن ذ ْﻛـ ِـري ﻓَـ ِ ﱠ ُ َ ـت ﺑ ِ رب ﻟِـم ﺣ َ ِ ـﺷرﻩ ﯾـوم ْ ِ ِ ـذﻟك ـﺎل َﻛ َ ِ َ ـﺻﯾرا ،ﻗَ َ َﻋ َﻣـﻰ ﻗَ َ َْ ﺿﻧﻛﺎً َ َ ـﺷ ْرَﺗﻧﻲ أ ْ اﻟﻘﯾﺎ َﻣـﺔ أ ْ َﻋ َﻣـﻰ َوﻗَ ْـد ُﻛ ْﻧ ُ َ ـﺎل َ ﱢ َ َ وﻧ ْﺣ ُ ُ ُ َ ْ َ َ ِ ـﺳﻲ ﻣـن ـﺳﯾﺗﻬﺎ َو َﻛ َ ِ َ أَﺗَﺗْ َ ـوم ﺗُْﻧ َ ـك َآﯾﺎﺗَُﻧـﺎ ﻓََﻧ َ َ ـذﻟك ْاﻟَﯾ ْ َ ـﺳﻰ ـ ط ــﻪ ١٢٥ـ .وﻟﻘـد ﻛـﺎن ﻓـﻲ ﻣﻘدﻣـﺔ ﻣـﺎ ﻧُ ﱢ َ ـﻧﻬم اﻟـﺷورى ﻫم ُﺷـوَرى ﺑَْﯾ َ ُْ آﯾـﺎت اﷲ ـ ٕوان ﺑﻘﯾـت ﺗﺗﻠـﻰ ـ آﯾـﺔ اﻟﺣﻛـم ﻓــﻲ ﻗوﻟـﻪ ﺗﻌـﺎﻟﻰَ :وأَ ْﻣ ُـرُ ْ .٣٨وﻫــو ﻣــﺎ أﺧﺑــر ﺑــﻪ رﺳــول اﷲ ﻗــﺎل" :٣١ﻟﺗﻧﻘــﺿن ﻋــرى اﻹﺳــﻼم ُﻋـ ْـروة ُﻋــروة ،ﻓﻛﻠﱠﻣــﺎ ـﺷﺑث اﻟﻧـﺎس ﺑـﺎﻟﺗﻲ ﺗﻠﯾﻬـﺎ ،وأوﻟﻬـن ﻧﻘـﺿﺎً اﻟﺣﻛـم ،وآﺧـرﻫن اﻟـﺻﻼة" .ﺛـم ﻧّﺑــﻪ ْاﻧﺗﻘََ َ ْ ـﺿت ﻋـروة ،ﺗ ّ إﻟ ــﻰ ﻋﺎﻗﺑ ــﺔ اﻻﻧﺣـ ـراف ﻋـ ـن ﺣﻛ ــم اﻟ ــﺷورى ﻓ ــﻲ أﺣﺎدﯾ ــث ﻛﺛﯾـ ـرة ،ﻣﻧﻬ ــﺎ ﻣ ــﺎ رواﻩ ﻣﺎﻟ ــك ﻓ ــﻲ
اﻟﻣوطــﺈ ﻣوﻗوﻓــﺎ ،واﺑــن ﻣﺎﺟــﺔ ﻣرﻓوﻋــﺎ ﻋــن ﻋﺑــد اﷲ ﺑــن ﻣــﺳﻌود ،أن اﻟرﺳــول
ﻗــﺎل " :٣٢وﻻ
ﺣﻛــم ﻗــوم ﺑﻐﯾــر اﻟﺣــق إﻻ ﻓــﺷﺎ ﻓــﯾﻬم اﻟــدم ،وﻻ ﺧﺗــر ﻗــوم ﺑﺎﻟﻌﻬــد إﻻ ﺳــﻠط اﷲ ﻋﻠــﯾﻬم اﻟﻌــدو " ﻓﺷﺎ ﻓﯾﻬم اﻟﻔﻘر". وﻓﻲ رواﯾﺔ" :وﻻ ﺣﻛﻣوا ﺑﻐﯾر ﻣﺎ أﻧزل اﷲ إﻻ َ َ ج ـ ﺧﺻﺎﺋص اﻟﺷورى وﻓﺿﺎﺋﻠﻬﺎ: وﻟـ ــﺋن ﻛﺎﻧـ ــت اﻟـ ــﺷورى ﺷـ ــﺟرة طﯾﺑـ ــﺔ ﺛﻣﺎرﻫـ ــﺎ اﻟـ ــﺳﻌﺎدة واﻟرﺧـ ــﺎء واﻷﻣـ ــن واﻟطﻣﺄﻧﯾﻧـ ــﺔ واﻟﺣرﯾ ـ ــﺔ ،ﻓﺈﻧﻬ ــﺎ ﻛﻣﻌﻧ ــﻰ ﻋ ــﺎم ،وﻗﯾﻣ ــﺔ ﻣﺟ ــردة ،ﻣرﺗﺑط ــﺔ ﺑطﺑﯾﻌ ــﺔ اﻻﺟﺗﻣ ــﺎع اﻟﺑ ــﺷري؛ ﻷﻧﻬ ــﺎ ﻋﻧﺻر أﺳﺎس ﻓـﻲ ﺗﻛـوﯾن اﻟـﻧﻔس اﻟﺑـﺷرﯾﺔ اﻟـﺳوﯾﺔ ،إذ ﻣـﺎ دام اﻹﻧـﺳﺎن اﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺎ ﺑطﺑﻌـﻪ ﻏﯾـر ﻣ ــﺳﺗﻐن ﻋ ــن اﻵﺧـ ـرﯾن ،ﯾﺣﺗ ــﺎج إﻟ ــﻰ آراﺋﻬ ــم وﻧ ــﺻﺎﺋﺣﻬم ،ﻛﻣ ــﺎ ﯾﺣﺗ ــﺎج إﻟ ــﻰ ﻋ ــوﻧﻬم اﻟﻣ ــﺎدي
واﻟﻣﻌﻧوي ،ﻓﻬو ﺗﺷﺎوري ﺑﻐرﯾزﺗﻪ؛ واﻟﺷورى ﺑﻬذا اﻟﻣﻔﻬوم ﻣن ﺻﻣﯾم اﻟﻔطـرة اﻹﻧـﺳﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗـﻲ ﻻ ﯾﺗم ﻟﻠﻧﺎس أﻣر رﺷﯾد إﻻ ﺑﻬﺎ؛ ﻓﻬﻲ اﻟوﺷﯾﺟﺔ اﻟﺗﻲ ﺗرﺑط اﻟﻔرد ﺑﻘوﻣـﻪ ،وﻫـﻲ اﻵﺻـرة اﻟﺗـﻲ ﺗـﺷد اﻷﺟﯾﺎل اﻟﺑﺷرﯾﺔ اﻟﻣﺗﻌﺎﻗﺑﺔ ﺑﺑﻌﺿﻬﺎ ،وﺗﺟﻌل ﺑﻧﺎء اﻟﺧﻠف ﻣﺗﻣﻣﺎ ﻟﺑﻧﺎء اﻟﺳﻠف واﻣﺗداداً ﻟﻪ. ٣١
٣٢
أﺧرﺟـﻪ أﺣﻣـد ،٢٥١/٥،رﻗـم ،٢٢٢١٤واﻟطﺑ ارﻧــﻰ ،٩٨/٨،رﻗـم ،٧٤٨٦واﻟﺣـﺎﻛم ،١٠٤/٤،رﻗــم ،٧٠٢٢ وﻗﺎل :ﺻﺣﯾﺢ .واﻟﺑﯾﻬﻘﻰ ﻓﻰ ﺷﻌب اﻹﯾﻣﺎن ،٣٢٦/٤،رﻗم .٥٢٧٧ اﻟطﺑراﻧﻲ ،اﻟﻣﻌﺟم اﻟﻛﺑﯾر ٤٥/١١ ،وﻣﺎﻟك :اﻟﻣوطﺄ ،ﻛﺗﺎب اﻟﺟﻬﺎد ،ﺑﺎب ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﻐﻠول٤٦٠/٢ ، ١٣
واﻟــﺷورى ﺣرﯾــﺔ وﻣــﺳؤوﻟﯾﺔ ،ﻷﻧﻬــﺎ ﻋﻧ ـوان ﺣرﯾــﺔ اﻻﺧﺗﯾــﺎر ،ورﻣــز اﻟــﺷﺟﺎﻋﺔ واﻹﻗــدام ﻋﻠــﻰ ﺗﺣﻣــل ﻣــﺳؤوﻟﯾﺔ ﻫــذا اﻻﺧﺗﯾــﺎر؛ ﻓﺎﻟﺣرﯾــﺔ واﻟﻣــﺳؤوﻟﯾﺔ ﺑــذﻟك ﻓطرﺗــﺎن ﻓــﻲ اﻟـ ّـﻧﻔس اﻟﺑــﺷرﯾﺔ اﻟ ــﺳوﯾﺔ ،ﺗﺗﻛ ــﺎﻣﻼن ﻣ ــﻊ ﻓطـ ـرة اﻟﺗ ــﺷﺎور وﺗؤدﯾ ــﺎن إﻟﯾﻬ ــﺎ ،ﺑ ــل إﻧﻬﻣ ــﺎ ﻓ ــﻲ ﻛﺛﯾ ــر ﻣ ــن اﻷﺣﯾ ــﺎن، ـدا ،ذﻟــك ﺗﻠﺧـﺻﺎن ﺟــوﻫر اﻟـﺷورى ﻓــﻲ ﻣﻌﺎدﻟـﺔ رﯾﺎﺿــﯾﺔ دﻗﯾﻘـﺔ ﯾﻣﻛــن أن ﺗﻛـون ﺗﻌرﯾﻔــﺎ ﻟ ــﻬﺎ وﺣـ ً
أن اﻟﺷورى ﺑﻬذا اﻟﻣﻌﯾﺎر اﺧﺗﯾﺎر ﺟﻣﺎﻋﻲ ﺣر ،وﺗﺣﻣل طوﻋﻲ ﻟﻣﺳؤوﻟﯾﺔ ﻫذا اﻻﺧﺗﯾﺎر. وﺿرب اﷲ ﻟﻧﺎ اﻟﻣﺛـل ﺑﺎﺳﺗـﺷﺎرﺗﻪ اﻟرﺳـول
ﻓـﻲ أﻣـر أﻣﺗـﻪ ،ﺗطﯾﯾﺑـﺎ ﻟﺧـﺎطرﻩ وﺗﻌﻠﯾﻣـﺎ
ﻟﻧﺎ ـ وﻫو ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ ﻏﻧﻲ ﻋن ذﻟك ـ ﻓﯾﻣـﺎ رواﻩ ﺣذﯾﻔـﺔ ﻗـﺎل ) :٣٣ﻏـﺎب ﻋﻧـﺎ رﺳـول اﷲ
ﯾوﻣـﺎ،
ﻓﻠم ﯾﺧرج ﺣﺗﻰ ظﻧﻧﺎ أﻧﻪ ﻟن ﯾﺧرج ،ﻓﻠﻣﺎ ﺧرج ﺳـﺟد ﺳـﺟدة ﻓظﻧﻧـﺎ أن ﻧﻔـﺳﻪ ﻗـد ﻗﺑـﺿت ﻣﻧﻬـﺎ، ﻓﻠﻣﺎ رﻓﻊ رأﺳﻪ ﻗﺎل ":إن رﺑﻲ ﺗﺑﺎرك وﺗﻌﺎﻟﻰ اﺳﺗﺷﺎرﻧﻲ ﻓـﻲ أﻣﺗـﻲ :ﻣـﺎذا أﻓﻌـل ﺑﻬـم؟ ﻓﻘﻠـت :ﻣـﺎ
ﺷﺋت أي رب ،ﻫم ﺧﻠﻘك وﻋﺑﺎدك .ﻓﺎﺳﺗﺷﺎرﻧﻲ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ،ﻓﻘﻠـت ﻟ ـﻪ ﻛـذﻟك ،ﻓﻘـﺎل :ﻻ أﺣزﻧـك ﻓـﻲ أﻣﺗك ،وﺑﺷرﻧﻲ (" ...واﺳﺗﻣر اﻟﺗدرج ﺑﻬـم إﻟـﻰ أن ﺑﻠـﻎ ﻣﺑﻠـﻎ اﻟﻛﻣـﺎل اﻟﻣﻣﻛـن ﻟﻠﺗﺟﻣـﻊ اﻟﺑـﺷري، اﻟذي وﺿﻌت أﺳﺳﻪ ﺳورة اﻟﺷورى ،واﻟﺳﻧﺔ اﻟﻘوﻟﯾﺔ واﻟﻔﻌﻠﯾﺔ واﻟﺗﻘرﯾرﯾﺔ ﻟﻠرﺳول
.
وأﻧزل اﷲ ـ ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌـﺎﻟﻰ ـ ﺗـﺷرﯾﻊ اﻟـﺷورى ،ﺟـزءاً ﻣـن آﯾـﺔ واﺣـدة ،ﺗـﺷﺗﻣل ﺑـﺳﯾﺎﻗﻬﺎ
َِ اﻟﺑﻌدي ﻋﻠﻰ أﻫم ﻣﺑﺎدئ اﻹﯾﻣﺎن ،واﻟﻌدل ،واﻷﺧﻼق ،واﻟﻌﺑﺎدة ،ﯾﺗﻠﻘﺎﻫﺎ اﻟﻣـؤﻣن ﻓﯾﺟـد ْ اﻟﻘﺑﻠﻲ و َ ْ ﻓﯾﻬ ــﺎ ﺗوﺟﯾﻬ ــﺎ رﺑﺎﻧﯾ ــﺎ ﻧﺣ ــو ﻣﺟﺗﻣ ــﻊ ﻣﺗﻛﺎﻣ ــل ﺗﻣﺛ ــل ﻓﯾ ــﻪ اﻟ ــﺷورى ﺟ ــزءاً ﻣ ــن ﻛ ـ ّـل؛ ﻓﻘ ــﺎل ﺗﺑ ــﺎرك ِﱠ ِ ﱠِ ِ ـﻲء َﻓﻣﺗَــﺎعُ ْ ِ ٍ وﺗﻌــﺎﻟﻰ :ﻓَﻣــﺎ أُوﺗِﯾـ ُ ِ آﻣﻧُ ـوا ـدﻧﯾﺎ َو َﻣــﺎ ﻋ ْﻧـ َـد اﻟﻠــﻪ َﺧ ْﯾـ ٌـر َوأ َْﺑﻘَــﻰ ﻟﻠـ َ اﻟﺣﯾَــﺎة اﻟـ ﱡ ْ َ َ ـذﯾن َ ـﺗم ﻣـ ْـن َﺷـ ْ َ ْ َ ـﺿﺑوا ﻫــم ْ ِ ِ ِ ﯾﺗوﻛﻠُــون واﻟﱠـ ِـذﯾن َِ ﺎﺋر ِْ ـرون اﺣش َ ٕوِ َ اﻹﺛْـ ِـم َو ْاﻟﻔَ ـ َو ِ َ وﻋﻠَــﻰ َرﱢﺑ ِﻬـ ْـم َ ََ ﱠ َ َ َ َ ْ ﯾﻐﻔـ ُ َ اذا َﻣــﺎ َﻏـ ُ ُ ْ َ ﯾﺟﺗﻧﺑُـ َ ََ ـون َﻛَﺑ ـ َ ﱠِ رزﻗ َﻧ ُ ِ ِ ﱠِ ـﻧﻬم ِ ـذﯾن ِ َإذا ـﺎﻣوا اﻟ ﱠ ﻫم ُ ـون َواﻟ َ ـﺎﻫم ُ ْﯾﻧﻔﻘُ َ اﻟذﯾن ْ َ َ َو َ وﻣ ﱠﻣـﺎ َ َ ْ ْ ﺷ َ ـﺻ َﻼةَ َوأَ ْﻣ ُـرُ ْ ﺑﻬم َوأَﻗَ ُ اﺳﺗﺟﺎﺑُوا ﻟ َرﱢ ِ ْ ـورى َﺑ ْﯾ َ ُْ َ ﱠِ ﺳﯾﺋﺔ ﱢ َ ِ ٍ ِ ﻓﻣن َ َ َﺻﻠﺢ ﻓَـﺄ ْ ﻣﺛﻠﻬﺎ َ َ ْ َﺟ ُرﻩُ َﻋﻠَـﻰ اﻟﻠـﻪ إِﱠﻧـﻪُ ﻋﻔﺎ َوأ ْ َ َ ﻫم َ ْ َ ُ َ ﯾﻧﺗﺻرون َو َﺟ َزاءُ َ ﱢ َ َ ﺳﯾﺋﺔٌ ُْ َ اﻟﺑﻐﻲ ُ ْ أ َ َ ُْ َﺻﺎﺑﻬم ْ َ ْ ُ َﻻ ﯾ ِﺣـ ﱡ ﱠ ِ ِ ـﯾﻬم ِﻣـ ْـن َﺳـ ِ ٍ ﱠﺑﯾل َﻋﻠَــﻰ ـﺻر َﺑ ْﻌـ َـد ُْ ـﺑﯾل ِﱠإﻧ َﻣــﺎ اﻟ ـﺳ ِ ُ ظﻠ ِﻣـ ِـﻪ ﻓَﺄ ُْوﻟَﺋِـ َ ـب اﻟظـ َ ُ ـك َﻣــﺎ َﻋﻠَـ ْ ِ ْ ـﺎﻟﻣﯾن َوﻟَ َﻣـ ْـن اﻧﺗَـ َ َ ـك ﻟَﻬــم ﻋـ َ ٌ ِ ﺑﻐ ْﯾـ ِـر ْاﻟﺣـ ﱢ ِ اﻟﱠـ ِـذﯾن ِْ ـون ِﻓــﻲ ا ْﻷ ْ ِ ـﺑر َرض ِ َ ـق أ ُْوﻟَﺋـ َ ُ ْ َ َ ـﺎس َوَ ْﯾﺑﻐُـ َ ﯾظﻠ ُﻣـ َ َ َ ـﯾم َوﻟَ َﻣـ ْـن َ ـون اﻟﱠﻧـ َ ـذاب أَﻟـ ٌ ﺻـ َ َ ـك ﻟَ ِﻣ ـ ْـن َﻋ ـ ْ ِ ـزم ا ْﻷُ ُﻣ ـ ِ وﻏﻔَ ـ َـر ِ ﱠ ـور اﻟ ــﺷورى .٤٣ - ٣٦واﻵﯾ ــﺎت اﻟﻘرآﻧﯾ ــﺔ اﻟﻛرﯾﻣ ــﺔ ﻫ ــذﻩ، إن َذﻟِ ـ َ ََ اﺷﺗﻣﻠت ﻋﻠـﻰ ﺻـﻔﺎت اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ اﻟـﺷوروي ،ﺑزﻫـدﻩ ﻓـﻲ زﺧـرف اﻟﺣﯾـﺎة وطﻬﺎرﺗـﻪ ﻣـن اﻟﻔـواﺣش، وﺗوﻛﻠــﻪ ﻋﻠــﻰ اﷲ وﺣــدﻩ ،وﺗﻐــﺎﻓرﻩ ﻷﺧطــﺎء أﻋــﺿﺎﺋﻪ ،وﺗﻛﺎﻓﻠــﻪ ﻓــﻲ ﻣﯾــدان اﻟﺗﺧطــﯾط واﻟﺗﻘرﯾــر ّ
واﻟﺗﻧﻔﯾــذ واﻹﻧﻔــﺎق ،وﺣــل اﻟﺧﻼﻓــﺎت ﻗــﺻﺎﺻﺎ وﺗﻌوﯾــﺿﺎ وﺗﻌﺎﻓﯾــﺎ ودﻓﻌــﺎ ﻟﻠظﻠــم .ﻓــﺈذا ﺗــم ﺗطﺑﯾــق ٣٣
أﺣﻣد :ﻣﺳﻧد أﺣﻣد ،٣٩٣/٥واﻟﻬﯾﺛﻣﻲ :ﻣﺟﻣﻊ اﻟزواﺋد ٢٨٧/٢ ١٤
ﻫـذﻩ اﻟﻣﺑــﺎدئ ﻗــﺎم اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ اﻹﺳــﻼﻣﻲ اﻟرﺷــﯾد ﻋـدﻻ ورﺣﻣــﺔ وﻣﺣﺑــﺔ وﻧﻣــﺎء ورﺧــﺎء ،وأﻣﻧــﺎ ﻣــن اﻟﺟـوع واﻟظﻠـم واﻟﻔــﺳﺎد واﻟﻌـﺳف وﻣــﺻﺎدرة اﻟﺣرﯾــﺎت ،ﺣرﯾــﺎت اﻟﻔﻛـر واﻟـرأي واﻻﻋﺗﻘــﺎد واﻟﻌﻣــل واﻟﻛﺳب.
ﺛــم ﺗــﺄﺗﻲ اﻟــﺳﻧﺔ اﻟﻧﺑوﯾــﺔ ﻓﺗزﯾــد أﻣــر اﻟﺗﺟــرد وﺿــوﺣﺎً ﺑﺈﺷــﺎرﺗﻬﺎ إﻟــﻰ ﺗــﺄﺛﯾر اﻟﺣﺎﺟــﺔ ﻓــﻲ
ﻣﻣﺎرﺳــﺔ اﻟــﺷورى ،وﺿــرورة ﺗﺣــرر ﻣﻣﺎرﺳــﯾﻬﺎ ﻣــن ﻣظــﺎﻫر ﺿــﻌﻔﻬم وأﻫ ـواﺋﻬم ،ﻓﻘــﺎل
ﻓﯾﻣــﺎ
أﺧرﺟــﻪ أﺑ ــو داود " ٣٤:ﺑ ــل اﺋﺗﻣ ــروا ﺑ ــﺎﻟﻣﻌروف وﺗﻧ ــﺎﻫوا ﻋ ــن اﻟﻣﻧﻛ ــر ،ﺣﺗ ــﻰ إذا أرﯾ ــت ﺷ ــﺣﺎ
ﻣطﺎﻋﺎ ودﻧﯾﺎ ﻣؤﺛرةٕ ،واﻋﺟﺎب ﻛـل ذي رأي ﺑ أرﯾـﻪ ،ﻓﻌﻠﯾـك ـ ﯾﻌﻧـﻲ ﻧﻔـﺳك ـ … اﻟﺣـدﯾث " وﻗـﺎل أﯾــﺿﺎ "٣٥:ﺗﻌــس ﻋﺑــد اﻟــدﯾﻧﺎر وﻋﺑــد اﻟــدرﻫم وﻋﺑــد اﻟﺧﻣﯾــﺻﺔ ،إن أﻋطــﻲ رﺿــﻲ ٕوان ﻟــم
ﯾﻌ ــط ﺳ ــﺧط ،ﺗﻌ ــس واﻧ ــﺗﻛس ٕواذا ﺷ ــﯾك ﻓ ــﻼ اﻧ ــﺗﻘش …اﻟﺣ ــدﯾث " .وﺟ ــﺎء ﻓ ــﻲ اﻷﺛ ــر ":٣٦ﻻ ﺗﺷﺎور ﺑﺧﯾﻼ ﻓﻲ ﺻﻠﺔ ،وﻻ ﺟﺑﺎﻧﺎ ﻓﻲ ﺣرب ،وﻻ ﺷﺎﺑﺎ ﻓﻲ ﺟﺎرﯾﺔ " .وﻫذا ﻣـﺎ ﺗـﺷﯾر إﻟﯾـﻪ اﻵﯾـﺔ ﻫدى ِﻣن ﱠ ِ اﻟﻘرآﻧﯾﺔ :وﻣن أ ﱡ ِ اﺗﺑﻊَ َﻫ َواﻩُ ِ َ ْ ِ اﻟﻠﻪ ـ اﻟﻘﺻص ٥٠ـ. ﺑﻐﯾر ُ ً ْ َﺿل ﱠ ْ ﻣﻣن ﱠَ ََْ َ ذﻟك ﻷن اﻟﺷورى إذا ﺗﺣﻛم ﻓﯾﻬﺎ أﺻﺣﺎب اﻷﻫواء ﺳﺧروﻫﺎ ﻟﺗﺣﻘﯾق ﻣـﺂرﺑﻬم ،وﺣﻣﺎﯾـﺔ
ﻣـ ــﺻﺎﻟﺣﻬم ،وﺗﺣوﻟـ ــت ﺑﺗﺄﻟّـ ــب اﻻﻧﺗﻬـ ــﺎزﯾﯾن واﻟوﺻـ ــوﻟﯾﯾن واﻟﻣﺟـ ــرﻣﯾن وﺗﺣ ـ ـزﺑﻬم ﻟﺑﻌـ ــﺿﻬم أداة
ﻟﻠﻘﻣﻊ واﻟظﻠم واﻟﻔﺳﺎد ،واﻏﺗﺻﺎب ﺳـﻠطﺔ اﻷﻣـﺔ ،وﻫـو ﻣـﺎ أﺷـﺎر إﻟﯾـﻪ اﻟرﺳـول
ﺣـﯾن ﻗـﺎل:
٣٧
" ﻟ ــن ﺗﻘ ــوم اﻟ ــﺳﺎﻋﺔ ﺣﺗ ــﻰ ﯾ ــﺳود ﻛ ــل ﻗﺑﯾﻠ ــﺔ ﻣﻧﺎﻓﻘوﻫ ــﺎ" ،وﺣ ــﯾن ﻗ ــﺎل ":٣٨ﺳ ــﯾﺄﺗﻲ ﻋﻠ ــﻰ اﻟﻧ ــﺎس
ﺳ ــﻧوات ﺧ ــداﻋﺎت ،ﯾُـ ــﺻدق ﻓﯾﻬ ــﺎ اﻟﻛ ــﺎذب ،وﯾُﻛـ ــذب ﻓﯾﻬ ــﺎ اﻟ ــﺻﺎدق ،وﯾُـ ــؤﺗﻣن ﻓﯾﻬ ــﺎ اﻟﺧـ ــﺎﺋن، ُوﯾﺧــون ﻓﯾﻬــﺎ اﻷﻣــﯾن ،وﯾﻧطــق ﻓﯾﻬــﺎ اﻟروﯾﺑــﺿﺔ " ﻗﯾــل :وﻣــﺎ اﻟروﯾﺑــﺿﺔ؟ ﻗ ــﺎل " :اﻟرﺟــل اﻟﺗﺎﻓــﻪ ﯾﺗﻛﻠم ﻓﻲ أﻣر اﻟﻌﺎﻣﺔ " ،وﻓﻲ رواﯾﺔ" :اﻟﻔﺎﺳق" وﻓﻲ أﺧرى " اﻟﺳﻔﯾﻪ ".
إﻧـ ــﻪ ﻣ ــﺎ ﻛـ ــﺎن ﻟﻠـ ــﺷورى أن ﺗـ ــﺿﺑط ﺑﺈطﺎرﻫـ ــﺎ اﻟﻌـ ــﺎم اﻟـ ــذي ﻫـ ــو اﻟﻣﻣﺎرﺳـ ــﺔ اﻹﯾﻣﺎﻧﯾـ ــﺔ،
وﺑﺈطﺎرﻫ ــﺎ اﻟﺧ ــﺎص اﻟ ــذي ﻫ ــو اﻟﻌ ــدل ﻓـ ــﻲ اﻟرﺿ ــﻰ واﻟﻐ ــﺿب ،واﻟﺗﺣ ــرر ﻣ ــن ﻗﯾ ــود اﻟﺣﺎﺟـ ــﺔ واﻟﺧــوف ،ﻟــو ﻟــم ﺗﻛــن ﻟﻬــﺎ اﻷﻫﻣﯾــﺔ اﻟﻘــﺻوى ﻓــﻲ ﺑﻧــﺎء اﻷﻣــﺔ ٕواﻋــﻼء ﺷــﺄﻧﻬﺎ ،ﻓﻬــﻲ ﺑﻧــﺻوص ٣٤
أﺑو داود :اﻟﺳﻧن ،١٢٣/٤ ،اﻟﺗرﻣذي :اﻟﺳﻧن٢٥٧/٥ ،
٣٦
اﻟﻌﻣﺎل ﻓﻲ ﺳﻧن اﻷﻗوال واﻷﻓﻌﺎل ،٧٩٠/٣ ،ﻋن طﻠﺣﺔ ﺑن ﻋﺑﯾد اﷲ. اﻟﺑرﻫﺎن ﻓوري :ﻛﻧز ّ اﻟﻬﯾﺛﻣﻲ :ﻣﺟﻣﻊ اﻟزواﺋد ،٣٢٧/٧واﻟطﺑراﻧﻲ :اﻟﻣﻌﺟم اﻟﻛﺑﯾر٧/١٠ ،
٣٥
٣٧ ٣٨
اﻟﻘرطﺑﻲ :ﺗﻔﺳﯾر اﻟﻘرطﺑﻲ ١٤١/١٨
اﺑن ﻣﺎﺟﺔ :اﻟﺳﻧن١٣٩/٢ ، ١٥
اﻟـﺳﻧﺔ اﻟﻧﺑوﯾــﺔ ﻧـﺻﯾﺣﺔ ،٣٩ﻗــﺎل
" :اﻟـدﯾن اﻟﻧــﺻﯾﺣﺔ ،اﻟــدﯾن اﻟﻧـﺻﯾﺣﺔ ،ﻗــﺎﻟوا ﻟﻣـن ﯾــﺎ رﺳــول
اﷲ؟ ﻗﺎل :ﷲ وﻟﻛﺗﺎﺑﻪ وﻟرﺳوﻟﻪ وﻷﺋﻣﺔ اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن وﻋﺎﻣﺗﻬم. واﻟـ ــﺷورى أﻣـ ــر ﺑـ ــﺎﻟﻣﻌروف وﻧﻬـ ــﻲ ﻋـ ــن اﻟﻣﻧﻛـ ــر ،ﻷن ﻋـ ــﺿو اﻟـ ــﺷورى ﯾﺑـ ــدي أرﯾـ ــﻪ ﺑﺷﺟﺎﻋﺔ وﯾﻧﺗﻘد اﻟﻔـﺳﺎد ﺑﺟـرأة وﯾرﺷـد إﻟـﻰ اﻟـﺻﻼح ﺑوﺿـوح ،ﻟﻘوﻟـﻪ
" :٤٠ﻻ ﯾﺣﻘـر أﺣـدﻛم
ﻧﻔﺳﻪ ﻗﺎﻟوا ﯾﺎ رﺳول اﷲ ﻛﯾف ﯾﺣﻘر أﺣدﻧﺎ ﻧﻔﺳﻪ ﻗﺎل ﯾرى أﻣ ار ﷲ ﻋﻠﯾـﻪ ﻓﯾـﻪ ﻣﻘـﺎل ﺛـم ﻻ ﯾﻘـول ﻓﯾﻪ ﻓﯾﻘول اﷲ ﻋز وﺟل ﻟﻪ ﯾوم اﻟﻘﯾﺎﻣﺔ ﻣﺎ ﻣﻧﻌك أن ﺗﻘـول ﻓـﻲ ﻛـذا وﻛـذا ﻓﯾﻘـول ﺧـﺷﯾﺔ اﻟﻧـﺎس " :٤١ﻻ ﯾﻣﻧﻌن أﺣدﻛم ﻫﯾﺑـﺔ اﻟﻧـﺎس أن ﯾﻘـول
ﻓﯾﻘول ﻓﺈﯾﺎي ﻛﻧت أﺣق أن ﺗﺧﺷﻰ " ،وﻗوﻟﻪ اﻟﺣق إذا رآﻩ أو ﺳﻣﻌﻪ ".
واﻟ ــﺷورى ﺻ ــدق ووﻓـ ــﺎء وأداء ﻟﻸﻣﺎﻧ ــﺔ ﻟﻘوﻟ ــﻪ ﺗﻌـ ــﺎﻟﻰ ِ :ﱠ ﱠ َن ﺗُـ ـ َ ﱡ ـؤدوا ـﺄﻣرﻛم أ ْ إن اﻟﻠ ــﻪَ َﯾ ـ ْ ُُ ُ ْ ِ ا ْﻷ َ ِ َﻫﻠﻬﺎ ـ اﻟﻧﺳﺎء ٥٨ـ ،وﻗوﻟﻪ "٤٢اﺿﻣﻧوا ﻟﻲ ﺳﺗﺎ ﻣن أﻧﻔـﺳﻛم أﺿـﻣن ﻟﻛـم َﻣﺎﻧﺎت َِإﻟﻰ أ ْ َ َ اﻟﺟﻧـ ــﺔ اﺻـ ــدﻗوا إذا ﺣـ ــدﺛﺗم وأوﻓ ـ ـوا إذا وﻋـ ــدﺗم وأدوا إذا أﺋﺗﻣﻧـ ــﺗم واﺣﻔظ ـ ـوا ﻓـ ــروﺟﻛم وﻏـ ــﺿوا
أﺑﺻﺎرﻛم وﻛﻔوا أﯾدﯾﻛم ". واﻟــﺷورى ﺻــدﻗﺔ وزﻛــﺎة ،ﻟﻣــﺎ روي ﻋﻧــﻪ
" :٤٣ﻣــﺎ ﻣــن ﺻــدﻗﺔ أﺣــب إﻟــﻰ اﷲ ﻣــن
ﻗ ــول اﻟﺣـ ــق" .واﻟ ــﺷورى ﺣـ ــزم ،وﻣظـ ــﺎﻫرة وﺗﻌ ــﺎون ،وﻻ ﺣـ ــزم أرﺷـ ــد ﻣ ــن ﻣ ـ ـﺷﺎورة ذوي اﻟ ـ ـرأي واﺗﺑــﺎﻋﻬم ،وﻻ ﻣظــﺎﻫرة وﻻ ﺗﻌــﺎون أوﺛــق ﻣــن اﻻﺳــﺗﻣﺎع إﻟــﻰ آراء اﻟرﺟــﺎل واﻻﺳﺗرﺷــﺎد ﺑﻬــﺎ
ﻋﻠﻰ ْ ِ ﱢ ﱠ اﻟﺗﻘوى ـ اﻟﻣﺎﺋدة ٢ـ .واﻟـﺷورى ﺟﻬـﺎد ﻓـﻲ ﺳـﺑﯾل اﷲ ﻟﻘوﻟـﻪ وﺗﻌﺎوﻧُوا َ َ اﻟﺑر َو ْ َ َََ َ ﺳﺋل" ﯾﺎ رﺳول اﷲ أي اﻟﺟﻬﺎد أﺣب إﻟﻲ اﷲ ﻗﺎل ﻛﻠﻣﺔ ﺣق ﺗﻘﺎل ﻹﻣﺎم ﺟﺎﺋر".
٤٤ﻋﻧـدﻣﺎ
وﻗد اﻛﺗﺷﻔت اﻷﺑﺣﺎث اﻟدﺳـﺗورﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻـرة ﻣوﺿـوﻋﯾﺔ ﻫـذﻩ اﻟﻣﯾـزة ﻋﻧـدﻣﺎ ﻗـررت أن ﺻﻼﺑﺔ اﻟدﺳﺎﺗﯾر ﺗﺟﻌﻠﻬﺎ أﻛﺛر ﻫﺷﺎﺷﺔ وﻗﺎﺑﻠﯾﺔ ﻟﻼﻧﻛـﺳﺎر ،وأن ﻗـوة ﻣﻧﻬـﺎج اﻟـﺷورى اﻹﺳـﻼﻣﻲ
ﻛﺎﻣﻧﺔ ﻓـﻲ ﺑـﺳﺎطﺗﻪ وﺷـﻣوﻟﯾﺗﻪ وﻣروﻧﺗـﻪ؛ ﻷﻧـﻪ ﺟـﺎء ﻟﻠﺗﯾـﺳﯾر ﻻ ﻟﻠﺗﻌـﺳﯾر ،وﻟﻠﺗﺑـﺷﯾر ﻻ ﻟﻠﺗﻧﻔﯾـر، ٣٩
اﻟﺑﺧﺎري ،٣٠/١ﻣﺳﻠم ،٧٤/١ﺻﺣﯾﺢ اﺑن ﺣﺑﺎن ٤٣٥/١٠
٤٠
اﺑن ﻣﺎﺟﻪ ١٣٢٨/٢
٤٢
ﻣﺳﻧد أﺣﻣد ٣٢٣/٥
٤١
٤٣ ٤٤
اﻟﻣﻌﺟم اﻟﺻﻐﯾر ٣٢/٢ ﺳﻧن اﻟﺗرﻣذي٤٨٦/٥ ، اﻟﺑﯾﻬﻘﻲ :ﺳﻧن اﻟﺑﯾﻬﻘﻲ اﻟﻛﺑرى٩١/١٠ ، ١٦
وﻷن اﻹﺳﻼم دﯾن اﻟﻔطرة ،واﻟﻔطرة ﺑﺳﯾطﺔ ،ﺗﻘﺑل ﻋﻠﻰ اﻟﺑـﺳﯾط ،وﺗﻧﻔـر ﻣـن اﻟﻣﻌﻘـد ،واﻟﺧطـﺎب اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻣوﺟـﻪ ﻟﻠﻧـﺎس ﻛﺎﻓـﺔ ،ﻟﻠﺟﺎﻫـل واﻟﻣﺛﻘـف ،ﻟﻠﻔطـن واﻟـﺳﺎذج ،ﻟﻠﺣـﺿري واﻟﺑـدوي .ﻟـذﻟك ﻛــﺎن ﻣــﻧﻬﺞ اﻟــﺷورى ُﻣﯾــﺳ اًر ﻟﻔﻬــم اﻟﺟﻣﯾــﻊ ،ﯾﻠﻘــﻰ ﻋﻠــﻰ اﻟﺟﺎﻫــل ﻓﯾــﺳﺗوﻋﺑﻪ وﯾﻘﺗﻧــﻊ ﺑــﻪ وﯾــﺳﺗﻔﯾد
وﯾﻘﻌد ﻟـﻪ اﻟﻘواﻋـد ،وﯾﻔـﺗﺢ ﺑـﻪ آﻓﺎﻗـﺎ ﻟﻠﻣﻌرﻓـﺔ وأﺑواﺑـﺎً ﻣﻧﻪ ،وﯾﻠﻘﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم ﻓﯾؤﻣن ﺑﻪ وﯾﺷرﺣﻪ ّ ﻟﻼﺟﺗﻬﺎد ،وﻫذا ﻣن آﯾﺎت اﻟﺗﺷرﯾﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲ ٕواﻋﺟﺎزﻩ. د ـ اﻟﻣﺟﺎﻻت اﻟﺗﺷرﯾﻌﯾﺔ ﻟﻠﺷورى: وﻹن ﻛﺎن اﻟﻔﻘﻬﺎء ﯾﻣﯾـزون ﺑـﯾن ﻣﻧطﻘﺗـﻲ ﺣﺎﻛﻣﯾـﺔ اﻷﺣﻛـﺎم اﻟـﺷرﻋﯾﺔ اﻟﻌﻣﻠﯾـﺔ وﺣﺎﻛﻣﯾـﺔ اﻟ ــﺷورى اﻟﻌﺎﻣ ــﺔ ،ﻓ ــﺈن اﻟﻣ ــﺷرﻋﯾن اﻟوﺿ ــﻌﯾﯾن ﻗ ــد ﺟ ــرت ﻋ ــﺎدﺗﻬم ﺑ ــﺄن ﻻ ﯾﻣﯾ ــزوا ﺑ ــﯾن ﻫ ــﺎﺗﯾن اﻟﻣﻧطﻘﺗــﯾن ﻓــﻲ أي ﻣﯾــدان ﻣــن ﻣﯾــﺎدﯾن اﻟﺣﯾــﺎة ،أو ﺿــرب ﻣــن ﺿــروب اﻟﻧــﺷﺎط اﻟﺑــﺷري ،وأن ﯾــﺿﻌوا ﻟﻸﻣــﺔ ﺗــﺷرﯾﻌﺎ ﯾﻌــد "اﻟﻘــﺎﻧون اﻷم" ﯾطﻠــق ﻋﻠﯾــﻪ ﻋــﺎدة "اﻟدﺳــﺗور" ﯾــﻧظم أﺳــس اﻟدوﻟــﺔ
وﯾـﺿﺑط ﻗﻧواﺗﻬـﺎ ﺿــﻣن ﻗواﻋـد ﻣﺟﻣﻠـﺔ وﻋﺎﻣــﺔ ،ﺗﺗﻔـرع ﻋﻧﻬـﺎ ﻣﺧﺗﻠــف اﻟﻘـواﻧﯾن واﻟـﻧظم اﻟﺧﺎﺻــﺔ واﻟﻌﺎﻣـ ــﺔ؛ وﻣـ ــن ﺛـ ــم وردت ﻣـ ــﺻطﻠﺣﺎت :اﻟﻧظـ ــﺎم اﻟدﺳـ ــﺗوري ،اﻟﻣراﻗﺑـ ــﺔ اﻟدﺳـ ــﺗورﯾﺔ ،دﺳـ ــﺗورﯾﺔ اﻟﻘواﻧﯾن. إﻻ أن اﻟـ ـﻧﻬﺞ اﻟدﺳ ــﺗوري ﺗﻌﺗرﺿ ــﻪ ﻓ ــﻲ اﻟﻧظ ــر اﻹﺳ ــﻼﻣﻲ ﻣﺂﺧ ــذ ،ﺗﺟﻌﻠ ــﻪ ﻏﯾ ــر ذي
ﺟدوى .ﻣن ﻫذﻩ اﻟﻣﺂﺧذ:٤٥
-أن ﻟﻔظ "دﺳﺗور" ،وﻫو ﻓﺎرﺳـﻲ ﻣﻌـرب ،ﻣﻌﻧـﺎﻩ ﻗـواﻧﯾن اﻟﻣﻠـك وﺿـواﺑطﻪ .وﻗـد ﻟﻘـب
ﺑــﻪ أوﻻً اﻟــوزﯾر اﻟﻛﺑﯾــر اﻟــذي ﯾرﺟــﻊ إﻟﯾــﻪ ﻓــﻲ أﻣــور اﻟﻣﻠــك .ﺛــم أطﻠــق ﺗﺟــو اًز ﻋﻠــﻰ اﻟــذي ﯾــدﯾر أﻣـور اﻟﻣﻠــك .واﻟﻠﻔــظ ﺑــذﻟك ذو ﻧـﺷﺄة ﺗﺣﻛﻣﯾــﺔ اﺳــﺗﺑدادﯾﺔ ﺗﻠﻘــﻲ ﺑظﻼﻟﻬـﺎ ﻋﻠــﻰ طﺑﯾﻌﺗــﻪ اﻟﺣﺎﻟﯾــﺔ.
إذ اﻟدﺳ ــﺗور ﯾﻌ ــد ﺣﺎﻛﻣ ــﺎً ﻣ ــﺳطو اًر ﻋﻠ ــﻰ اﻷﻣ ــﺔ ،واﻟ ــذي ﯾ ــﺿﻌﻪ أو ﻟ ــﻪ ﺣ ــق ﺗﻌدﯾﻠ ــﻪ وﺗﻐﯾﯾـ ـرﻩ
واﺳﺗﺑداﻟﻪ ﻫو اﻟﺣﺎﻛم اﻟﻔﻌﻠﻲ ،ﺳواء ﻛﺎن ﻣﻠﻛﺎً أو رﺋﯾﺳﺎ أو ﻣﺟﻠﺳﺎً.
أن اﻟدﺳ ـ ـ ــﺗور ﻣﻧ ـ ـ ــﺷؤﻩ اﻷﺻ ـ ـ ــﻠﻲ واﻟﺣ ـ ـ ــﺎﻟﻲ ﺑ ـ ـ ــﺷري ،ﺧﺎﺿ ـ ـ ــﻊ ﻷﻫـ ـ ـ ـواء واﺿ ـ ـ ــﻌﯾﻪوﻣﺻﺎﻟﺣﻬم وأﻫداﻓﻬم .وﻗد اﺑﺗدﻋـﻪ أرﺳـطو اﻟـوﺛﻧﻲ ،وﺗطـور ﻓـﻲ ﺑﯾﺋـﺔ ﻏﯾـر ﻣـﺳﻠﻣﺔ .وﻟـذﻟك ﻟـم ﯾﻔﻠﺢ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻹﺳـﻼﻣﯾﺔ اﻟﺗـﻲ ﻋﻣﻠـت ﺑﻧظﺎﻣـﻪ ،وﻟـم ﯾﻧـﺳﺟم ﻣـﻊ اﻟﺗـﺷرﯾﻌﺎت اﻹﺳـﻼﻣﯾﺔ ﻋﻘدﯾﺔ ﻛﺎﻧت أو ﻋﻣﻠﯾﺔ؛ إذ اﻻزدواﺟﯾﺔ اﻟﺗﺷرﯾﻌﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻧﺷﺄت ﻋن ﺗﺑﻧﯾـﻪ ،وأدت ﻓـﻲ ﻛﺛﯾـر ﻣـن
٤٥
أﺑو اﻷﻋﻠﻰ اﻟﻣودودي :ﻧظرﯾﺔ اﻹﺳﻼم وﻫدﯾﻪ ﻓﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ واﻟﻘﺎﻧون واﻟدﺳﺗور ،ص٣٣ ١٧
اﻷﺣﯾﺎن إﻟﻰ اﻟﺗﻧﺎﻓﻲ اﻟﻣطﻠق ﺑـﯾن اﻟﻘـواﻧﯾن اﻟوﺿـﻌﯾﺔ واﻟﺗـﺷرﯾﻊ اﻹﺳـﻼﻣﻲ ،أﻛـدت ﻟﻠﻣﺗﺑـﺻرﯾن أن اﻷﺧذ ﺑﻬذا اﻟﻧظﺎم ﻛﻣﺎ ورد ﻓﻲ اﻟﻔﻛـر اﻟﯾوﻧـﺎﻧﻲ أو ﻛﻣـﺎ طـورﻩ اﻟﻐـرب ﺣﺎﻟﯾـﺎ ً ،وﻛﻣـﺎ ﯾﻬـرف ﺑــﻪ ﺣﻛــﺎم ﺑﻌــض اﻟﻣــﺳﻠﻣﯾن اﻟﻣﻌﺎﺻ ـرﯾن وﻣﻌﺎرﺿــوﻫم اﻟــدﯾﻣﻘراطﯾون ،ﻋﺎﻣــل ﺗﺧرﯾــب وﺗﻣزﯾــق وﻓﺗﻧﺔ ٕواﻫدار ﻟﻠطﺎﻗﺎت. -أن اﻟدﺳـ ــﺗور ﻓـ ــﻲ ﺟـ ــوﻫرﻩ وﻣﺑﻧـ ــﺎﻩ ﯾﻧطﻠـ ــق ﻣـ ــن ﻗﺎﻋـ ــدة ﺗﻠﻐـ ــﻲ وﺗﻌـ ــﺎرض ﻛـ ــل دور
ﻟﻠﺗﺷرﯾﻊ اﻹﺳﻼﻣﻲٕ ،وان اﻋﺗرف أﺣﯾﺎﻧﺎً ﻣﺳﺎﯾرة وﺗﺟﻧﺑﺎً ﻟﻺﺛﺎرة ﺑدور ﻟﻸدﯾﺎن ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة.
إﻻ أن ﻧﻘــد اﻟــﻧظم اﻟدﺳــﺗورﯾﺔ ﻻ ﯾﻌﻧــﻲ اﻹﻗ ـرار ﺑﻣﺧﺗﻠــف ﺿــروب اﻻﺳــﺗﺑداد واﻟﺣﻛــم اﻟﻔردي اﻟﺗـﻲ ﻋرﻓﻬـﺎ اﻟﻣـﺳﻠﻣون ﻣﻧـذ ﺳـﻘوط اﻟﺧﻼﻓـﺔ اﻟ ارﺷـدة؛ ﻓﺎﻻﺳـﺗﺑداد داﺋﻣـﺎً ﻫـو اﻻﺳـﺗﺑداد،
ﻣﻬﻣــﺎ أطﻠــق ﻋﻠﯾــﻪ ﻣــن أﻟﻘــﺎب وﻣــﺎ ﻛﯾــل ﻟــﻪ ﻣــن ﻣــدﯾﺢ وﺗﻘ ـرﯾظٕ .واﻧﻣــﺎ ﯾﻠــزم اﻟﻌﻣــل ﺑﺟــد وﻋــزم ﻟﻠﺧ ــروج إﻟ ــﻰ اﻟﺑ ــدﯾل اﻟ ــﺳﯾﺎﺳﻲ اﻹﺳ ــﻼﻣﻲ اﻟﺣ ــق ،ذا اﻟﻧـ ــزﻋﺔ اﻟﻌﻣﻠﯾ ــﺔ اﻟﻘﺎﺑﻠ ــﺔ ﻟﻠﺗطﺑﯾ ــق .وﻟ ــن ﯾﺗﺣﻘق ﻫذا اﻟﻬدف إﻻ ﺑﻣﻐﺎدرة ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺗﻐﻧﻲ واﻟﺗﺑـﺷﯾر اﻟﻌـﺎطﻔﻲ ،واﻟﺗﺣـرر ﻣـن ﺳـﺟن اﻟﺗـراث اﻟــﺳﯾﺎﺳﻲ ﻟﻔﻘﻬــﺎء اﻟﻘــﺻور ،إﻟــﻰ رﺣــﺎب اﻟﺗﻔﻛﯾــر اﻟﻌﻠﻣــﻲ اﻟﻣﻧــﺿﺑط ﺑﺎﻟﻛﺗــﺎب واﻟــﺳﻧﺔ ،ﻣﻧﻬﺟﯾــﺔ ﺑﺣــث ،وﻣﻼﺣظ ــﺔ وﺗﺣﻠ ــﯾﻼً وﻣﻘﺎرﻧ ــﺔ ،وﺗﺟرﯾ ــداً وﺗوﺛﯾﻘ ــﺎً وﺗﺑﯾﺎﻧ ــﺎ ﻟﻣﺧﺗﻠ ــف اﻟﻌواﺋ ــق واﻟ ــﺻﻌﺎب،
وﺗوﺿﯾﺣﺎ ﻟطرق ﺗﻧـزﯾل اﻟﻧظم واﻟﻘواﻋد.
أول ﺧطوات ﻫذﻩ اﻻﻧدﻓﺎﻋﺔ اﻟﺗﺷرﯾﻌﯾﺔ ﺗﻘﺗﺿﻲ اﻟﺗﻣﯾﯾـز اﻟواﺿـﺢ ﺑـﯾن ﻣﺟـﺎل اﻷﺣﻛـﺎم
اﻟﻌﻣﻠﯾــﺔ اﻟﻣﺣﺗﺎﺟــﺔ إﻟــﻰ ﻣزﯾــد ﺗطــوﯾر ﻟﻔﻬﻣﻧــﺎ وﺗــﺻرﻓﺎﺗﻧﺎ ﻛــﻲ ﻧرﺗﻔــﻊ إﻟــﻰ ﻣــﺳﺗواﻫﺎ ،وﻧــﺳﺗطﯾﻊ ﺗﻧـزﯾل أﺣﻛﺎﻣﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﯾﺳﺗﺟد ﻣن ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻟﻌﺻر؛ وﺑﯾن ﻣﺟﺎل اﻟﺗـﺷرﯾﻊ اﻟـﺷوروي اﻟـذي ﻫـو ﻓــﻲ أﺷــد اﻟﺣﺎﺟــﺔ إﻟــﻰ ﺑــذل اﻟﺟﻬــد ﻣــن أﺟــل اﺳﺗﻘــﺻﺎء ﺟواﻧﺑــﻪ ،واﺳــﺗﺟﻼء ﻏواﻣــﺿﻪ ،ﻷﻧــﻪ ﯾﻐطﻲ ﻛل ﺟواﻧب اﻟﺣﯾﺎة اﻟﺗﻲ ﺗرﻛت ﻣﻬﻣـﺔ ﺗﻧظﯾﻣﻬـﺎ ﻟﻸﻣـﺔ؛ ﻓﻬـو ﯾﻌﻧـﻰ ﺑوﺿـﻊ اﻟﻘواﻋـد اﻟﺗـﻲ
ﺗﺑﯾن أﺳس اﻟدوﻟـﺔ وﺷـﻛﻠﻬﺎ ،وطﺑﯾﻌـﺔ ﻋﻼﻗﺎﺗﻬـﺎ ﺑﻣؤﺳـﺳﺎﺗﻬﺎ ،وﻛﯾﻔﯾـﺔ ﺗوزﯾـﻊ اﻟـﺳﻠطﺎت اﻟﺗدﺑﯾرﯾـﺔ ﻓﯾﻬﺎ ،وطرﯾﻘﺔ إﻧﺷﺎء اﻟﻬﯾﺋﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺑﺎﺷـر ﻫـذﻩ اﻟـﺳﻠطﺎت ،واﻹﺟـراءات اﻟﺗـﻲ ﺗـؤدي إﻟـﻰ اﺗﺧـﺎذ اﻟﻘـ اررات وﺗﻧﻔﯾــذﻫﺎ واﻟﻣﺣﺎﺳـﺑﺔ ﻋﻠﯾﻬــﺎ ،ﻛﻣـﺎ ﯾﻌﻧــﻰ ﺑوﺿــﻊ اﻟﻘواﻋـد اﻟﻣﻧظﻣــﺔ ﻟﻌﻼﻗـﺔ اﻟدوﻟــﺔ ﻓﯾﻣــﺎ ﺑﯾﻧﻬــﺎ وﺑــﯾن ﻣواطﻧﯾﻬــﺎ واﻷﺟﺎﻧــب ﻓﯾﻬــﺎ ،أو ﺑﯾﻧﻬــﺎ وﺑــﯾن ﻏﯾرﻫــﺎ ﻣــن اﻟــدول ﻓــﻲ ﺣــﺎﻻت اﻟﺣــرب واﻟ ــﺳﻠم واﻟﻣﻬﺎدﻧ ــﺔ واﻟﻘواﻋ ــد اﻟﻣﻧظﻣ ــﺔ ﻟﻌﻼﻗ ــﺎت اﻷﻓـ ـراد اﻟطﺑﯾﻌﯾ ــﯾن واﻟﻣﻌﻧ ــوﯾﯾن ﻓـ ــﯾﻣﺎ ﺑﯾ ــﻧﻬم، وﺣ ــدود ﺣﻘ ــوﻗﻬم وﺣرﯾ ــﺎﺗﻬم ،وﻣ ــﺳﺎﺣﺎت ﻧ ــﺷﺎطﻬم وﺟـ ـزاءات ﻣﺧﺎﻟﻔ ــﺎﺗﻬم .ﻛﻣ ــﺎ أن ﻣ ــن ﺻ ــﻣﯾم ١٨
اﺧﺗ ــﺻﺎﺻﻪ وﺿ ــﻊ اﻟ ــﻧظم واﻟﺗ ــﺻﺎﻣﯾم واﻟﻣ ــﺷﺎرﯾﻊ اﻟﺗ ــﻲ ﺗ ــﺿﻣن ﺳ ــﯾ اًر ﺟ ــﺎداً ﻟﻸﻣ ــﺔ ﺑﻣراﻓﻘﻬ ــﺎ
وﻣؤﺳﺳﺎﺗﻬﺎ ﻧﺣو اﻟﻣﻘﺻد اﻷﺳﻣﻰ اﻟذي أﺧرﺟت ﻟﻪ وأﻣرت ﺑﺗﺣﻘﯾﻘﻪ.٤٦
إﻧﻧـﺎ إذ ﻧﻣـﻸ داﺋـرة اﻟﻔـراغ اﻟﺗـﺷرﯾﻌﻲ ﺑﺎﻟﻘواﻋـد اﻟﻣـﺳﺗﻧدة إﻟـﻰ اﻟـﺷورى اﻟﻌﺎﻣـﺔ ﻧﻛـون ﻗــد ﻏﺎدرﻧـﺎ ﻣرﺣﻠـﺔ اﻟـﺷﻔوﯾﺔ واﻟﻌﻔوﯾــﺔ ،واﻹﻋﺟـﺎب اﻟـﺳﺎذج ﺑﺗراﺛﻧــﺎ اﻟـﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟوﺿـﻌﻲ ،واﻻرﺗﺟﺎﻟﯾــﺔ اﻟﻣزاﺟﯾ ــﺔ اﻟﺗ ــﻲ طﺑﻌ ــت ﺗ ــﺻور ﻛﺛﯾ ــر ﻣ ــن اﻟﻔﻘﻬ ــﺎء ﻟﻌﻣﻠﯾ ــﺔ اﻟ ــﺷورى ،واﻟﺗ ــﺻرﻓﺎت اﻟ ــﺳﻠطﺎﻧﯾﺔ
اﻟﻣﺑررة ﺑﻣﺧﺗﻠف ﺿروب اﻻﺳﺗﻧﺑﺎط اﻟﻔﻘﻬﻲ اﻟﻣﻐرض.
ﻟﻘـ ــد أﺛﺑﺗـ ــت ﺳـ ــﻠﻔﺎ ﺗﺟرﺑـ ــﺔ اﻟﺣﻛـ ــم اﻟ ارﺷـ ــدي أن اﻻﻛﺗﻔـ ــﺎء ﺑﺎﻟـ ــﺷﻔوﯾﺔ ﻓـ ــﻲ اﻟﺗـ ــﺷرﯾﻌﺎت اﻹﻧﺷﺎﺋﯾﺔ ،وﻋدم ﺗﺣوﯾﻠﻬﺎ إﻟﻰ ﻣدوﻧـﺔ ﻣﻠزﻣـﺔ ذات ﺟـزاء ،ﻻ ﯾـوﻓر ﻟﻣؤﺳـﺳﺎت اﻟدوﻟـﺔ ﺿـﻣﺎﻧﺎت اﻻﺳﺗﻣرار واﻟﻣﻧﺎﻋﺔ ﺿد اﻻﻧﻬﯾـﺎر .وﻗـد ظـل ﺗـﺳﯾﯾر اﻟـﺷﺄن اﻟﻌـﺎم طﯾﻠـﺔ اﻟﺗـﺎرﯾﺦ اﻹﺳـﻼﻣﻲ إﻻ ﻓــﻲ ﺣ ــﺎﻻت ﻧ ــﺎدرة ،ﺷ ــﻔوﯾﺎ وﺧﺎﺿ ــﻌﺎ ﻟﻼﺟﺗﻬ ــﺎد اﻵﻧــﻲ ،اﻟ ــذي ﺳ ــﺎرع إﻟ ــﻰ اﻟ ــﺿﻣور واﻟـ ـﺗﻘﻠص
ﺑﻣﺟـ ــرد ﻣـ ــﺎ اﻟـ ــﺗﺣم ﻓـ ــﻲ اﻟﻌـ ــﺻور اﻟﻣﺗـ ــﺄﺧرة ﺑـ ــﺎﻟﻔﻛر اﻟﻘـ ــﺎﻧوﻧﻲ اﻟﻌﻠﻣـ ــﺎﻧﻲ اﻟﻣﻌﻘﻠـ ــن ،ﻓﺎﺿـ ــطر اﻟﻣــﺳﻠﻣون إﻟــﻰ ﺗﻌرﯾــب اﻟدﺳــﺎﺗﯾر واﻟﻘ ـواﻧﯾن اﻟواﻓــدة ،وﻣﺣﺎوﻟــﺔ أﺳــﻠﻣﺗﻬﺎ ٕواﻗﺣﺎﻣﻬــﺎ ﻓــﻲ اﻟﺗــﺷرﯾﻊ اﻹﺳــﻼﻣﻲ .ﺛــم ﻋﻧــدﻣﺎ ﻟــم ﺗﺛﻣــر ﻫــذﻩ اﻟﻧﺑﺗــﺔ ﻓــﻲ دﯾــﺎر اﻟﻣــﺳﻠﻣﯾن ،ﻋــﺎدوا ﻋﻠــﻰ اﻹﺳــﻼم ﻧﻔــﺳﻪ
ﺑﺎﻟﻼﺋﻣـ ــﺔ ودﻋ ـ ـوا إﻟـ ــﻰ اﻟﺗﺣﻠـ ــل ﻣـ ــن ﺗﻌﺎﻟﯾﻣـ ــﻪ؛ وﻏـ ــﺎب ﻋـ ــﻧﻬم أن اﻟﺧﻠـ ــل اﻟﻣـ ــؤدي إﻟـ ــﻰ ﻋﻘ ـ ــم اﻟﻣــﺳﺗوردات اﻟﻐرﺑﯾــﺔ ﻓــﻲ أرﺿــﻧﺎ وﻣﺟﺗﻣﻌﻧــﺎ ﻟــﯾس إﻻ ﻓــﻲ ﻣــﻧﻬﺞ ﺗﻔﻛﯾــرﻫم ،واﺿــطراب طرﯾﻘــﺔ ﺗﻌﺎﻣﻠﻬم ﻣﻊ واﻗﻊ أﻣﺗﻬم.
إن ﺑﻠورة ﻧظﺎم ﺳﯾﺎﺳﻲ وﺗدﺑﯾري رﺷـﯾد ﻣـدون وﻣﻠـزم ،ﺑواﺳـطﺔ اﻟﺗـﺷرﯾﻊ اﻟﻣﺗﻛﺎﻣـل أﻣـر ﺿـروري ﻟﻘﯾــﺎم دوﻟـﺔ اﻹﺳــﻼم اﻟـﺷﺎﻫدة .إﻻ أن ﻟﻬــذا اﻟﺗـﺷرﯾﻊ ﻗﯾــودا وﺿـواﺑط ﻻﺑــد ﻣـن ﺗوﻓرﻫــﺎ
ﻟﯾﻛون ﻣﺄذوﻧﺎ ﻓﯾﻪ ،أي ﻣﻧﺗﺳﺑﺎ إﻟﻰ اﻟﻛﺗﺎب واﻟﺳﻧﺔ .وﻣن أﻫم ﻫذﻩ اﻟﺿواﺑط واﻟﻘﯾود:٤٧
١ـ أن ﺗﻌﻠـن ﻓﯾـﻪ اﻟﺣﺎﻛﻣﯾـﺔ ﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ،ﻷﻧـﻪ ﻫـو اﻵذن ﺑﺈﻧـﺷﺎﺋﻪ واﺗﺧـﺎذﻩ واﻟﻌﻣـل ﺑـﻪ؛ ﻓﻼ ﯾﺣرم ﺣﻼﻻ أو ﯾﺣل ﺣ ارﻣـﺎ ،وﻻ ﯾﻌـود ﻋﻠـﻰ اﻟـدﯾن ﻋﻘﯾـدة أو ﺷـرﯾﻌﺔ أو أﺧﻼﻗـﺎ أو ﻣﺑـﺎدئ وﺗﻌﺎﻟﯾم وأﻫداﻓﺎ وﻣﻘﺎﺻد ﺑﺎﻟﻣﻌﺎرﺿﺔ أو اﻟﺗﻧﺎﻓﻲ أو اﻹﺑطﺎل.
٤٦ﺗوﻓﯾق ﺑن ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز اﻟﺳدﯾري ،اﻹﺳﻼم واﻟدﺳﺗور ،ص٦٦ ٤٧
ﻧﻔس اﻟﻣﺻدر :ص٧١ ١٩
٢ـ أﻻ ﯾﺗﺣول إﻟﻰ ﺗـﺷرﯾﻊ دﯾﻧـﻲ ،أو ﯾﺗـدﺧل ﻓـﻲ اﻷﺣﻛـﺎم اﻟدﯾﻧﯾـﺔ ﺑﺎﻟزﯾـﺎدة أو اﻟـﻧﻘص أو اﻟﺗﻌدﯾل ،وأن ﺗﺳد ﻛل اﻟذراﺋﻊ اﻟﻣؤدﯾﺔ إﻟﻰ ذﻟك. ٣ـ أﻻ ﯾﻘﺗــﺑس ﻣــن ﺗــﺷرﯾﻊ دﯾﻧــﻲ ،وﺿــﻌﯾﺎ ﻛــﺎن أو ﺳــﻣﺎوﯾﺎ ﻣﻧــﺳوﺧﺎ؛ ﻷن ﻓــﻲ ذﻟــك ﺷﺑﻬﺔ ﺗﺣﺎﻛم إﻟﻰ ﻏﯾر اﻹﺳﻼم ،وذرﯾﻌـﺔ ﻟﺗﻣﯾﯾـﻊ اﻟـوﻻء وﺗﻌﺗـﯾم اﻟﺗـﺻور اﻹﯾﻣـﺎﻧﻲ اﻟـذي ﯾﻧﺑﻐـﻲ أن ﯾﺑﻘﻰ ﺻﺎﻓﯾﺎ واﺿﺣﺎ ﺳﻠﯾﻣﺎ ،وﻣﺣﺟﺔ ﺑﯾﺿﺎء ﻟﯾﻠﻬﺎ ﻛﻧﻬﺎرﻫﺎ. ٤ـ أن ﯾﻛــون ﺗــﺷرﯾﻌﺎ ﻣــﺻدرﻩ ﻣؤﺳــﺳﺔ اﻟــﺷورى اﻟﺟﻣﺎﻋﯾــﺔ اﻟﻌﺎﻣــﺔ ،وﻟــﯾس اﻷﻣزﺟــﺔ واﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻔردﯾﺔ أو اﻟﻔﺋوﯾﺔ أو اﻟﺣزﺑﯾﺔ أو اﻟطﺑﻘﯾﺔ أو اﻷﺟﻬزة اﻟﺗﻧﻔﯾذﯾﺔ. ٥ـ أﻻ ﯾﺣﺗﻛــر ﺗوﺟﯾﻬــﻪ واﻟﺗــﺄﺛﯾر ﻓــﻲ ﻧــﺷﺄﺗﻪ ﺑﯾــد ﺣــﺎﻛم أو ﻓﺋــﺔ أو ﻗﺑﯾﻠــﺔ أو ﻋﺎﺋﻠــﺔ، ٕواﻧﻣﺎ ﯾﻛون ﺣﻘﺎ ﻋﺎﻣﺎ ﻟﻛـل أﻋـﺿﺎء اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ اﻟﻣـﺳﻠم اﻟﻣﺗـﺳﺎﻛﻧﯾن ﻓـﻲ أرض اﻟـﺷورى ،ﻻ ﻓـرق ﺑــﯾن أﺳ ــود وأﺣﻣ ــر وأﺑ ــﯾض ،ذﻛـ ـ ار ﻛ ــﺎن أو أﻧﺛ ــﻰ ،ﻣواطﻧ ــﺎ ﻣﻘﯾﻣ ــﺎ أو ازﺋـ ـ ار أو ﻋ ــﺎﺑر ﺳ ــﺑﯾل إذ اﻷﻣر ﻟﻺﺳﻼم واﻹﺳﻼم ﻟﻠﺟﻣﯾﻊ. ٦ـ أﻻ ﯾﺗﺣـول إﻟـﻰ ﻗواﻋـد ﺛﺎﺑﺗـﺔ ﺟﺎﻣـدة ﻏﯾـر ﻗﺎﺑﻠـﺔ ﻟﻠﺗﻌـدﯾل واﻟﺗﻐﯾﯾـر ،ﻓﺗﺗوﻗـف ﺑـذﻟك
ﺣرﻛﺔ ﺗطور اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ورﻗﯾﻪ؛ ﺑل ﯾﺑﻘﻰ ﻣﺟرد ﻧظم وﻗواﻋد وﺧطط وﺑراﻣﺞ ﻟﻸﻣـﺔ ﺣـق ﺗﻌـدﯾﻠﻬﺎ ٕواﻟﻐﺎﺋﻬﺎ واﺳﺗﺑداﻟﻬﺎ ﻛﻠﻣﺎ اﻗﺗﺿت ذﻟك ﻣﺻﻠﺣﺗﻬﺎ. ٧ـ أن ﯾﺟﻠــب ﻟﻸﻣــﺔ ﻣﻧﻔﻌــﺔ وﯾﻔــﺗﺢ ﻟﻬــﺎ ذرﯾﻌــﺔ إﻟــﻰ ﻣﻧﻔﻌــﺔ ،أو ﯾــدﻓﻊ ﻋﻧﻬــﺎ ﻣﻔــﺳدة
وﯾﺳد ذرﯾﻌﺔ إﻟﻰ ﻣﻔﺳدة.
٨ـ أن ﯾرﻓــد ﺗﯾــﺎر اﻷﻣــﺔ اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ اﻟــﺳﺎﻋﻲ إﻟــﻰ ﺗﺣﻘﯾــق ﻣﻘﺎﺻــد اﻟــﺷرع ﻣــن ﺗﻌﺑﯾــد اﻷﻓراد ،وﻣﻘﺎﺻدﻩ ﻣن إﺧراج ﺧﯾر أﻣﺔ ﻟﻠﻧﺎس. ﺛﺎﻧﯾﺎ ـ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ وﻋﻼﻗﺗﻬﺎ ﺑﺎﻟﺗﺷرﯾﻊ: اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـﺔ Democracyﻣﻌﻧﺎﻫـﺎ :اﻟﺣﻛــم اﻟـذي ﺗﻛــون ﻓﯾـﻪ اﻟــﺳﻠطﺔ ﻟﻠـﺷﻌب ،وﻫــﻲ
ﻛﻠﻣــﺔ إﻏرﯾﻘﯾــﺔ اﻷﺻــل .وﻗــد اﺗــﺳﻊ ﻣﻔﻬــوم اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﻓــﻲ اﻟﻌــﺻر اﻟﺣــدﯾث ،وﺗﺑﻧﺗﻬــﺎ أﻧظﻣــﺔ ﺣﻛــم ﻣﺗﺑﺎﯾﻧــﺔ ،وﻣــن ﺛــم ﺻــﺎر ﻟﻬــﺎ ﺗﻌــﺎرﯾف ﻛﺛﯾ ـرة ﺑﺣــﺳب اﻟزاوﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ ﯾﻧظــر إﻟﯾﻬــﺎ ،وﻟﻛــن ﻻ ﯾزال ﺗﻌرﯾف اﻟرﺋﯾس اﻷﻣرﯾﻛﻲ )ﻟﻧﻛوﻟن( ﻟﻠدﯾﻣﻘراطﯾﺔ ﺑﺄﻧﻬـﺎ " :ﺣﻛـم اﻟـﺷﻌب ﺑﺎﻟـﺷﻌب وﻟﻠـﺷﻌب
٢٠
" وﻫــو اﻷﻛﺛــر ﺷــﯾوﻋﺎً .٤٨وﯾﻣﻛــن اﻟﻘــول ﺑــﺄن ﺗــداول ﻛﻠﻣــﺔ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﻓــﻲ أوروﺑــﺎ ازداد ﻣﻧــذ
اﻟﻘ ــرن اﻟ ــﺳﺎﺑﻊ ﻋ ــﺷر وﺧﺎﺻ ــﺔ ﻓ ــﻲ اﻟﻘ ــرن اﻟﺛ ــﺎﻣن ﻋ ــﺷر وذﻟ ــك ﻣ ــن ﺧ ــﻼل ازدﻫ ــﺎر اﻟﻠﯾﺑراﻟﯾ ــﺔ اﻟ ــﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ،أﻣ ــﺎ ﺑﺎﻟﻧ ــﺳﺑﺔ ﻟﻠﻌ ــرب ﻓﻠ ــم ﺗ ــدﺧل ﻛﻠﻣ ــﺔ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾ ــﺔ اﻟﻠﻐ ــﺔ اﻟﻌرﺑﯾ ــﺔ إﻻ ﻣ ــن ﺧ ــﻼل
اﻟﻐرب ﻓﻲ أواﺧر اﻟﻘرن اﻟﺗﺎﺳﻊ ﻋﺷر.٤٩ أ ـ ﺗطور ﻣﻔﻬوم اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ:
واﻟدﯾﻣﻘراطﯾـﺔ ﺷـﻛل ﻣـن أﺷــﻛﺎل اﻟﺣﻛـم ،وأﺳـﻠوب ﻓـﻲ اﻟﺣﯾــﺎة ،وﻫـدف أو ﻣﺛـل وﻓﻠــﺳﻔﺔ
ﻧوﻋﺎ ﻣن اﻟﺣﻛـم اﻟـدﯾﻣﻘراطﻲ .وﺗﻌﻧـﻲ أﯾﺿﺎ إﻟﻰ اﻟﺑﻠد اﻟذي ﯾﺗﺧذ ً ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ .وﯾﺷﯾر اﻻﺻطﻼح ً ﻛﻠﻣﺔ دﯾﻣﻘراطﯾﺔ ﺣﻛم اﻟﺷﻌب وﻗد وﺻـف اﻟـرﺋﯾس اﻷﻣرﯾﻛـﻲ أﺑ ارﻫـﺎم ِ ْﻟﻧ ُﻛـوﻟن ﻣﺛـل ذﻟـك اﻟﺣﻛـم
ﺑﺄﻧﻪ ﺣﻛم اﻟﺷﻌب ﺑﺎﻟﺷﻌب وﻟﻠـﺷﻌب .وﯾـﺷﺎرك اﻟﻣواطﻧـون ﻓـﻲ اﻟدوﻟـﺔ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـﺔ ،ﻓـﻲ اﻟﺣﻛـم ـﺿﺎ- ﺑطرﯾﻘ ـ ــﺔ ﻣﺑﺎﺷـ ـ ـرة أو ﻏﯾ ـ ــر ﻣﺑﺎﺷ ـ ـ ـرة .وﻓ ـ ــﻲ ظ ـ ــل اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـ ـ ــﺔ اﻟﻣﺑﺎﺷـ ـ ـرة -وﺗ ـ ــﺳﻣﻰ أﯾـ ـ ـ ً اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ اﻟـﺻرﻓﺔ ـ ﯾﺟﺗﻣـﻊ اﻟﻧـﺎس ﻓـﻲ ﻣﻛـﺎن واﺣـد ﻟﯾـﺳﻧوا ﻗـواﻧﯾن ﻣﺟـﺗﻣﻌﻬم .وﻫـذا ﻣـﺎ ﻛـﺎن
ﯾﺟــري ﻓــﻲ اﻟدوﻟــﺔ ـ اﻟﻣدﯾﻧــﺔ )أﺛﯾﻧــﺎ( ﻓــﻲ اﻟﯾوﻧــﺎن اﻟﻘدﯾﻣــﺔ .أﻣــﺎ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ اﻟﺣدﯾﺛــﺔ ﻓﻬــﻲ ﻓــﻲ اﻟﻐﺎﻟــب دﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﻧﯾﺎﺑﯾــﺔ ﻷن اﻟﻣﺟﺗﻣﻌــﺎت اﻟﻛﺑﯾ ـرة ،ﻛﺎﻟﻣــدن واﻟوﻻﯾــﺎت واﻷﻗــﺎﻟﯾم أو اﻷﻗطــﺎر، ﻻﯾﻣﻛــن ﻟﻛــل اﻟﻧــﺎس ﻓﯾﻬــﺎ أن ﯾﺟﺗﻣﻌ ـوا ﻓــﻲ ﻣﺟﻣوﻋــﺔ واﺣــدة .ﺑــدﻻً ﻣــن ذﻟــك ،ﻓــﺈﻧﻬم ﯾﺧﺗــﺎرون
ـددا ﻣﻌﯾًﻧــﺎ ﻣــن ﺑﯾــﻧﻬم ﻟﯾﻧوﺑ ـوا ﻋــﻧﻬم ﻓــﻲ اﺗﺧــﺎذ اﻟﻘ ـ اررات ﺑــﺷﺄن اﻟﻘ ـواﻧﯾن واﻷﻣــور اﻷﺧــرى. ﻋـ ً ﻟﻣﺎﻧﺎ ،أو ﻣؤﺗﻣ ًار. وﯾﺟوز ﻟﻣﺟﻣوﻋﺔ اﻟﻧواب أن ﺗﺳﻣﻰ ﻣﺟﻠﺳﺎ ،أو ﻫﯾﺋﺔ ﺗﺷرﯾﻌﯾﺔ ،أو ﺑر ً ً وﺗ ــﺳﺗﻧد ﻣﻌظ ــم ﻧﺗ ــﺎﺋﺞ اﻻﻧﺗﺧﺎﺑ ــﺎت ﻓ ــﻲ اﻷﻧظﻣ ــﺔ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾ ــﺔ ﻋﻠ ــﻰ ﺣﻛ ــم اﻷﻏﻠﺑﯾـ ــﺔ )ﻗﺎﻋدة اﻷﻏﻠﺑﯾﺔ( ،أي أﻛﺛر ﻣن ﻧﺻف اﻷﺻوات اﻟﺗﻲ أدﻟﻲ ﺑﻬﺎ .وﻗـد ُﯾؤﺧـذ ﺑﺎﻷﻛﺛرﯾـﺔ ﺣﯾﻧﻣـﺎ ﯾﺗﻧ ــﺎﻓس ﻓ ــﻲ اﻻﻧﺗﺧﺎﺑ ــﺎت ﺛﻼﺛ ــﺔ ﻣرﺷ ــﺣﯾن ،أو أﻛﺛ ــر .إذ ﯾﺣ ــﺻل اﻟﻣرﺷ ــﺢ ﺻ ــﺎﺣب اﻷﻛﺛرﯾ ــﺔ ﻋﻠــﻰ أﺻ ـوات أﻛﺛــر ﻣــن أي ﻣــن اﻟﻣرﺷــﺣﯾن اﻵﺧ ـرﯾن ،وﻟــﯾس ﺑﺎﻟــﺿرورة أﻏﻠﺑﯾــﺔ اﻷﺻ ـوات.
وﻓـﻲ ﺑﻌــض اﻟــﺑﻼد ،ﯾــﺗم اﻧﺗﺧــﺎب اﻟﻬﯾﺋــﺎت اﻟﺗـﺷرﯾﻌﯾﺔ ﺑطرﯾﻘــﺔ اﻟﺗﻣﺛﯾــل اﻟﻧــﺳﺑﻲ .ﯾﻌطــﻲ اﻟﺗﻣﺛﯾــل اﻟﻧــﺳﺑﻲ اﻟﺣــزب اﻟــﺳﯾﺎﺳﻲ ﻧــﺳﺑﺔ ﻣﺋوﯾــﺔ ﻣــن ﻣﻘﺎﻋــد اﻟﻬﯾﺋــﺔ اﻟﺗــﺷرﯾﻌﯾﺔ ﺗﺗﻧﺎﺳــب ﻣــﻊ ﻧــﺻﯾﺑﻪ ﻣــن ﺟﻣﻠﺔ اﻷﺻوات اﻟﺗﻲ أدﻟﻰ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ اﻻﻧﺗﺧﺎﺑﺎت. ٤٨ ٤٩
ﻣﺣﻣد ﻗطب :ﻣذاﻫب ﻓﻛرﯾﺔ ﻣﻌﺎﺻرة ،ص ١٧٨ ﻣﺣﻣد ﻗطب :ﻣذاﻫب ﻓﻛرﯾﺔ ﻣﻌﺎﺻرة ،ص١٣٣ ٢١
ظ ــل اﻹﻗـ ـ ارر ﺑﻣﺑ ــﺎدئ اﻟﻣ ــﺳﺎواة وﺣرﯾ ــﺔ اﻟﻔ ــرد ﻋﻠ ــﻰ ﻣ ــر اﻟﺗ ــﺎرﯾﺦ أﻫ ــم ﺳ ــﻣﺎت طرﯾﻘ ــﺔ اﻟﺣﯾـﺎة اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـﺔ ،وﺗﺑ ًﻌـﺎ ﻟـذﻟك ،ﻓـﻲ ظـل اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـﺔ ،ﯾﻧﺑﻐـﻲ ﻟﻠﻣـواطﻧﯾن ـ وﺑﺎﻟﺗـﺳﺎوي ـ أن ﺻ ــﺎ ﻣﺗـ ــﺳﺎوﯾﺔ ﯾﻣﻧﺣـ ـوا ﻓر ً ﯾﺟ ــدوا اﻟﺣﻣﺎﯾ ــﺔ ﻷﺷﺧﺎﺻـ ــﻬم ،وﻣﻣﺗﻠﻛ ــﺎﺗﻬم ،وﺣﻘ ــوﻗﻬم .وﯾﻧﺑﻐـ ــﻲ أن ُ ْ ﻟﻣﻣﺎرﺳــﺔ ﺣﯾــﺎﺗﻬم ،وأﻋﻣــﺎﻟﻬم ،وﺣﻘوﻗًــﺎ ﻣﺗــﺳﺎوﯾﺔ ﻓــﻲ اﻟﻣــﺷﺎرﻛﺔ اﻟــﺳﯾﺎﺳﯾﺔ .ﻓــﺿﻼً ﻋــن ذﻟ ــك، ﯾﺟــب أن ﯾطﻣــﺋن اﻟﻧــﺎس إﻟــﻰ ﻋــدم ﺗﻌرﺿــﻬم إﻟــﻰ إﺳ ـراف ﻓــﻲ اﻟﺗــدﺧل اﻟﺣﻛــوﻣﻲ ،واﻟــﺳﯾطرة اﻟﺣﻛوﻣﯾــﺔ ﺑــﻼ ﻣﺑــرر .ﻛﻣــﺎ ﯾﺟــب أن ﯾﻛوﻧ ـوا أﺣ ـ ارًار ـ ﻓــﻲ ﺣــدود اﻟﻘــﺎﻧون ـ ﻟﯾﻌﺗﻘــدوا وﯾــﺳﻠﻛوا وﯾﻌﺑروا ﻋن أﻧﻔﺳﻬم ﺑﺣرﯾﺔ ﺗﺎﻣﺔ. وﺗ ــﺳﻌﻰ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌ ــﺎت اﻟدﯾﻣﻘراطﯾ ــﺔ ﻟ ــﺿﻣﺎن ﺣرﯾ ــﺎت ﻣﻌﯾﻧ ــﺔ ﻟﻣواطﻧﯾﻬ ــﺎ ،ﻣﻧﻬ ــﺎ ﺣرﯾ ــﺔ ﺗﻛﻔل ﻟﻠﻣواطﻧﯾن ﺣرﯾﺔ إﻧـﺷﺎء اﻟﺟﻣﻌﯾـﺎت ،واﻟﺗﺟﻣـﻊ ﺑـﻼ اﻟﺻﺣﺎﻓﺔ ،وﺣرﯾﺔ اﻟرأي .واﻷﻓﺿل أن َ ُ ﺧــوف ﻣــن اﻻﻋﺗﻘــﺎل ،أو اﻟــﺳﺟن ،ﺑــدون ﺳــﺑب ﻗــﺎﻧوﻧﻲ ،وﺣرﯾــﺔ اﻟﻌﻣــل واﻟﻌــﯾش أﯾﻧﻣــﺎ وﻛﯾﻔﻣــﺎ ﺷــﺎؤوا .ورﻏــب ﺑﻌــض اﻟﻧــﺎس ﻓــﻲ اﻟــدول اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﻓــﻲ ﺗوﺳــﯾﻊ دور اﻟﺣﻛوﻣــﺔ ﻓــﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ ـﺳﺎوﯾﺎ ﻟﻛــل اﻟﻧــﺎس .ﻏﯾــر أن آﺧـرﯾن أروا ﺣﺗـﻰ ﺗﻌﻣــل ﻋﻠــﻰ أن ﺗﻛــون اﻟظــروف اﻟﻣﺎدﯾــﺔ أﻛﺛـر ﺗـ ً أن ﺗوﺳـﯾﻊ دور اﻟﺣﻛوﻣــﺔ ﻓــﻲ ﻣﺟـﺎﻻت ﻣﺛــل :ﺗﯾــﺳﯾر اﻟﻣﻌﯾــﺷﺔ ،واﻟﺗﻌﻠـﯾم ،واﻹﺳــﻛﺎن ﻣــن ﺷــﺄﻧﻪ أن ﯾﻧﺎل ﻣن ﺣرﯾﺔ اﻟﻧﺎس ،وﯾﺧﺿﻌﻬم ﻟﻣزﯾد ﻣن اﻟﻧظم اﻟﺣﻛوﻣﯾﺔ. وﻗد ﺑدأت اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ وﻧﻣت ﻓـﻲ اﻟﯾوﻧـﺎن اﻟﻘدﯾﻣـﺔ ،ﻣﻧـذ اﻟﻘـرن اﻟـﺳﺎدس ﻗﺑـل اﻟﻣـﯾﻼد.
وﺟ ــﺎءت ﻛﻠﻣ ــﺔ دﯾﻣﻘراطﯾ ــﺔ ﻣ ــن اﻟﻛﻠﻣ ــﺔ اﻹﻏرﯾﻘﯾ ــﺔ دﯾﻣ ــوس ﺑﻣﻌﻧ ــﻰ اﻟ ــﺷﻌب أو اﻟ ــﺳﻠطﺔ .ﻓﻘ ــد ﺷــﻐف اﻟﻣﻔﻛــرون اﻟــﺳﯾﺎﺳﯾون اﻟﯾوﻧ ــﺎﻧﯾون ﺑﻔﻛـ ـرة ﺣﻛــم اﻟﻘ ــﺎﻧون ،وﻋ ــدوا اﻻﺳــﺗﺑداد أﺳـ ـوأ أﻧـ ـواع اﻟﺣﻛم .ﻓﻧﺷﺄت ﻓﻲ أﺛﯾﻧـﺎ ،وﺑﻌـض اﻟـدول ـ اﻟﻣـدن اﻟﯾوﻧﺎﻧﯾـﺔ ،ﺣﻛوﻣـﺎت دﯾﻣﻘراطﯾـﺔ .وﻟﻘـد ﻋـرف ا ﻟــروم اﻟﻘــدﻣﺎء اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ،ﻟﻛــﻧﻬم ﻟــم ﯾﻣﺎرﺳــوﻫﺎ ﻛﻣــﺎ ﻣﺎرﺳــﻬﺎ أﻫــل أﺛﯾﻧــﺎ .ﺗﺣــدث اﻟﻣﻔﻛــرون اﻟ ــﺳﯾﺎﺳﯾون اﻟروﻣ ــﺎن ﻋ ــن اﺳ ــﺗﻧﺎد اﻟ ــﺳﻠطﺔ اﻟ ــﺳﯾﺎﺳﯾﺔ إﻟ ــﻰ ﻣواﻓﻘ ــﺔ اﻟ ــﺷﻌب .وﻗ ــﺎﻟوا إن ﻟﻠﻧ ــﺎس ﺣﻘوﻗﺎ طﺑﯾﻌﯾﺔ ﯾﺟب ﻋﻠﻰ اﻟدوﻟﺔ اﺣﺗراﻣﻬﺎ. ً وﻓــﻲ اﻟﻘــرون اﻟوﺳــطﻰ ،أدى اﻟﺗﻧــﺎزع ﺑــﯾن اﻟــوﻻء ﻟﻠﻛﻧﯾــﺳﺔ واﻟــوﻻء ﻟﻠدوﻟــﺔ ـ ﻓــﻲ ﺑــﻼد
أوروﺑـﺎ ـ إﻟــﻰ وﺿـﻊ أﺳــس اﻟﺣﻛــم اﻟدﺳــﺗوري .وﻧﺗﯾﺟـﺔ ﻟﻠﻧظــﺎم اﻻﻗطــﺎﻋﻲ ،واﻟﻔـوارق اﻟطﺑﯾﻌﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ ﺳــﺎدت ﻓــﻲ ﺗﻠــك اﻟﻔﺗ ـرة ،ﻧــﺷﺄت ﻣﺣــﺎﻛم إﻗطﺎﻋﯾــﺔ ﻟﺣﻣﺎﯾــﺔ ﻣــﺻﺎﻟﺢ ﻛﺑــﺎر اﻹﻗطــﺎﻋﯾﯾن .ﺛــم ﺗطــورت ﺗﻠــك اﻟﻣﺣــﺎﻛم إﻟــﻰ ﻣﺟــﺎﻟس ﯾﻌﻘــدﻫﺎ اﻟﻣﻠــوك ﻟﻠﺗــﺷﺎور ﻣﻌﻬــﺎ .ﺛــم ﺗــدرﺟت ﻣــﻊ ﻣــﺿﻲ اﻟزﻣن ﺣﺗﻰ ﺻﺎرت ﻣﺟﺎﻟس ﺗﻣﺛﯾﻠﯾﺔ ،وﺑرﻟﻣﺎﻧﺎت ﺣدﯾﺛﺔ .وﻓﻲ ﻋﺻر اﻟﻧﻬـﺿﺔ واﻹﺻـﻼح ﻓـﻲ ٢٢
أوروﺑﺎ ،ﺧﻼل اﻟﻘرون اﻟراﺑﻊ ﻋﺷر واﻟﺧﺎﻣس ﻋﺷر واﻟﺳﺎدس ﻋـﺷر ،ﺗﻔـﺷت اﻟـروح اﻟﻌﻘﻼﻧﯾـﺔ، واﻻﺳــﺗﻘﻼﻟﯾﺔ اﻟﻔردﯾــﺔ اﻟﺟدﯾــدة .ﻓــﺄﺛرت ﻋﻠــﻰ اﻟﺗﻔﻛﯾــر اﻟــﺳﯾﺎﺳﻲ ،وأﺧــذ اﻟﻧــﺎس ﯾطــﺎﻟﺑون ﺑﻣزﯾــد ﻣــن اﻟﺣرﯾــﺔ ،واﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﻓــﻲ ﻛــل ﻣﺟــﺎﻻت اﻟﺣﯾــﺎة .واﻧﺗﻘﻠــت ﻓﻛ ـرة اﻻﺳــﺗﻘﻼﻟﯾﺔ اﻟﻔردﯾــﺔ إﻟــﻰ
اﻟﻛﻧﯾ ــﺳﺔ .ﻓﻔ ــﻲ أواﺋ ــل اﻟﻘ ــرن اﻟ ــﺳﺎدس ﻋ ــﺷر اﻟﻣ ــﯾﻼدي ،ﻗ ــﺎد ﻣ ــﺎرﺗن ﻟ ــوﺛر ﺣرﻛ ــﺔ إﺻ ــﻼﺣﯾﺔ ﺧرﺟ ــت ﻋﻠ ــﻰ اﻟﻛﻧﯾ ــﺳﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾ ــﺔ اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾﻛﯾ ــﺔ ،ورﻓ ــﺿت ادﻋﺎءﻫ ــﺎ ﺑﺄﻧﻬ ــﺎ اﻟواﺳ ــطﺔ ﺑ ــﯾن اﷲ
واﻟﻧــﺎس .ﻏﯾــر أن ﻛــﻼً ﻣــن اﻟﻛﻧﯾــﺳﺔ اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾﻛﯾــﺔ واﻟﻣﻧــﺷﻘﯾن ﻋﻧﻬــﺎ ،أو اﻟﺑروﺗــﺳﺗﺎﻧت أﯾــد ﺣــق اﻻﻋﺗراض ﻋﻠﻰ اﻟﺣﻛم اﻟﻣطﻠق.
وﻓﻲ ﻋﺎم ١٢١٥م ،واﻓق اﻟﻣﻠك ﺟون ﻓﻲ ﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻋﻠـﻰ إﺻـدار وﺛﯾﻘـﺔ اﻟﻣﺎﺟﻧـﺎ ﻛرﺗـﺎ ـ اﻟﻌﻬد اﻟﻌظﯾم ـ ﻓﺄﺻﺑﺣت ﻫذﻩ اﻟوﺛﯾﻘـﺔ اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾـﺔ رﻣـ ًاز ﻟﻠﺣرﯾـﺔ .واﺳ ُـﺗﺧدﻣت ﻓﯾﻣـﺎ ﺑﻌـد ﻟﺗﺣﻘﯾـق ﻣطﺎﻟ ــب أﺧ ــرى ،ﺗرﺳ ــﺦ ﻣﺑ ــﺎدئ اﻟﻌداﻟ ــﺔ واﻟﻣ ــﺷﺎرﻛﺔ ﻓ ــﻲ ﻧظ ــﺎم اﻟﺣﻛ ــم .وﻓ ــﻲ أﻋﻘ ــﺎب اﻟﺛـ ــورة اﻹﻧﺟﻠﯾزﯾ ــﺔ ،ﻋ ــﺎم ١٦٨٨م ،اﻛﺗ ــﺳب اﻟﺑرﻟﻣ ــﺎن اﻟ ــﺳﻠطﺔ اﻟﻌﻠﯾ ــﺎ .وﻓ ــﻲ ﻋ ــﺎم ١٦٨٩م ،أﺻ ــدر اﻟﺑرﻟﻣــﺎن وﺛﯾﻘــﺔ اﻟﺣﻘــوق اﻟﺗــﻲ ﻧــﺻت ﻋﻠــﻰ ﺣﻘــوق اﻟــﺷﻌب وﺣرﯾﺎﺗــﻪ اﻷﺳﺎﺳــﯾﺔ .وﻧﺗﯾﺟــﺔ ﻟﻠﺛــورة اﻟــﺻﻧﺎﻋﯾﺔ ،ازدادت اﻟﻣطﺎﻟــب اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﻓــﻲ ﺑرﯾطﺎﻧﯾــﺎ .وأﺻــﺑﺢ ﻟﻠﻣــدن اﻟــﺻﻧﺎﻋﯾﺔ اﻟﺟدﯾــدة ﻣﻣﺛﻠون ﻓﻲ اﻟﺑرﻟﻣﺎن .وﻓﻲ ﻋﺎم ١٩١٨م ،أﻋطﻲ ﻛـل اﻟرﺟـﺎل ﺣـق اﻻﻗﺗـراع ﻓـﻲ اﻻﻧﺗﺧﺎﺑـﺎت، وﻟم ﯾﺷﻣل ﻫذا اﻟﺣق اﻟﻧﺳﺎء إﻻ ﻓﻲ ﻋﺎم ١٩٢٨م. وﻓــﻲ ﻓرﻧــﺳﺎ أﺳــﻬﻣت ﻛﺗﺎﺑــﺎت ﻣﻔﻛ ـرﯾن ﺳﯾﺎﺳــﯾﯾن أﻣﺛــﺎل ُﻣوﻧﺗــﺳﻛﯾو ،وﻓــوﻟﺗﯾر ،وﺟــﺎن إن اﻟﺣرﯾـ ــﺔ ﺟـ ــﺎك روﺳـ ــو ﻓـ ــﻲ ﻗﯾـ ــﺎم اﻟﺛـ ــورة اﻟﻔرﻧـ ــﺳﯾﺔ .ﻓﻔـ ــﻲ ﻋـ ــﺎم ١٧٨٩م ،ﻗـ ــﺎل ﻣوﻧﺗـ ــﺳﻛﯾو ّ
اﻟ ــﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﺗﺗطﻠ ــب اﻟﻔ ــﺻل ﺑ ــﯾن ﺳ ــﻠطﺎت اﻟﺣﻛ ــم اﻟﺗﻧﻔﯾذﯾ ــﺔ واﻟﺗ ــﺷرﯾﻌﯾﺔ واﻟﻘ ــﺿﺎﺋﯾﺔ .وﻋ ــﺎرض ﻓوﻟﺗﯾر ﺗﻌدي اﻟﺣﻛوﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻘوق اﻟﻔرد وﺣرﯾﺎﺗـﻪ .وذﻛـر روﺳـو ﻓـﻲ ﻛﺗﺎﺑـﻪ اﻟﻌﻘـد اﻻﺟﺗﻣـﺎﻋﻲ ﻋﺎم )١٧٦٢م( أن ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎس اﻟﺧﺿوع ﻟﻠﺳﻠطﺎت اﻟﺷرﻋﯾﺔ ﻓﻘط· .ﻟﻘد ﻛﺎﻧـت اﻟﺛـورة اﻟﻔرﻧـﺳﯾﺔ
ـدﺛﺎ ﺑــﺎرًاز ﻓــﻲ ﺗــﺎرﯾﺦ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ،وﻧــﺎدت ﺑﺎﻟﺣرﯾــﺔ ،واﻟﻌداﻟــﺔ ،وﻟﻛﻧﻬــﺎ ﻟــم ﺗﺣــول ﻓرﻧــﺳﺎ إﻟــﻰ ﺣـ ً دﯾﻣﻘراطﯾﺔ.
وﻓـﻲ اﻟوﻻﯾــﺎت اﻟﻣﺗﺣـدة اﻷﻣرﯾﻛﯾــﺔ أﺧــذت اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـﺔ اﻷﻣرﯾﻛﯾــﺔ ﺟـذورﻫﺎ ﻣــن اﻟﺗﻘﺎﻟﯾــد اﻟﺗـﻲ ﺟــﺎءت ﻣــﻊ اﻟﻣـﺳﺗﻌﻣرﯾن اﻹﻧﺟﻠﯾــز اﻷواﺋــل .وﻓــﻲ ﻋـﺎم ١٧٧٥م ﻗﺎﻣــت اﻟﺛــورة اﻷﻣرﯾﻛﯾــﺔ، ﻓطﺎﻟ ــب اﻟﻣـ ــﺳﺗﻌﻣرون ﺑـ ــﺎﻟﺣﻛم اﻟـ ــذاﺗﻲ ،وأﻻ ﺗﻔـ ــرض ﻋﻠـ ــﯾﻬم ﺿ ـ ـراﺋب ،ﺑـ ــدون أن ﯾﻛـ ــون ﻟﻬـ ــم
ﻣﻣﺛﻠون ﻓﻲ اﻟﺣﻛم .وﯾﻌد إﻋﻼن اﻻﺳﺗﻘﻼل اﻟـذي أﺻـدرﻩ اﻟﻣـؤﺗﻣر اﻟﻘـﺎري ﻓـﻲ ﻋـﺎم ١٧٧٦م، ٢٣
وﺛﯾﻘــﺔ ﺗﺎرﯾﺧﯾــﺔ ﻓــﻲ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﺟﻌﻠــت اﻟﺣﻘــوق اﻹﻧــﺳﺎﻧﯾﺔ ﻧﻣوذ ًﺟــﺎ ﺗﺣﺗذﯾــﻪ اﻟﺣﻛوﻣــﺔ .وﺧــﻼل اﻟﻘــرن اﻟﺗﺎﺳــﻊ ﻋــﺷر اﻟﻣــﯾﻼدي ،ﻧﻣــت اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﺑــﺎطراد ،ﻋﻠــﻰ ﻏ ـرار اﻟﻧﻣــوذﺟﯾن اﻷﻣرﯾﻛــﻲ واﻟﺑرﯾط ـ ــﺎﻧﻲ .واﻧﺗ ـ ــﺷرت اﻟﻣؤﺳ ـ ــﺳﺎت اﻻﻧﺗﺧﺎﺑﯾ ـ ــﺔ واﻟﺗ ـ ــﺷرﯾﻌﯾﺔ .وأدت اﻟﺛ ـ ــورة اﻟ ـ ــﺻﻧﺎﻋﯾﺔ إﻟ ـ ــﻰ
ﺗﻐﯾﯾـرات ﺳﯾﺎﺳــﯾﺔ ﺑﺎﻟﻐــﺔ اﻷﻫﻣﯾــﺔ ،ﺧــﻼل اﻟﻧــﺻف اﻟﺛــﺎﻧﻲ ﻣــن اﻟﻘــرن اﻟﺗﺎﺳــﻊ ﻋــﺷر اﻟﻣــﯾﻼدي. ﻓﻘ ــد طﺎﻟﺑ ــت اﻟطﺑﻘ ــﺎت اﻟﻌﺎﻣﻠ ــﺔ ﺑﺣﻘ ــوق ﺳﯾﺎﺳ ــﯾﺔ ﻛﺑﯾـ ـرة وﻧﺎﻟ ــت ﻛﺛﯾـ ـ ًار ﻣﻧﻬ ــﺎ .وﻣﻧﺣ ــت اﻟﻘـ ـواﻧﯾن اﻟﺟدﯾدة ﺣق اﻻﻗﺗراع ﻟﻣزﯾـد ﻣـن اﻟﻣـواطﻧﯾن .وﺗوﺳـﻌت ﺣرﯾـﺎت اﻟﺗﻌﺑﯾـر واﻟـﺻﺣﺎﻓﺔ واﻻﺟﺗﻣـﺎع
واﻟﻌﻘﯾدة.٥٠
وﻣ ـ ــﻊ ﻫ ـ ــذا اﻻﻧﺗ ـ ــﺷﺎر اﻟواﺳ ـ ــﻊ ﻟﻠدﯾﻣﻘراطﯾ ـ ــﺔ ﺗﺣوﻟ ـ ــت ﺑﻌ ـ ــض اﻟ ـ ــﺑﻼد ﻣ ـ ــن اﻟدﺳ ـ ــﺎﺗﯾر اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ إﻟــﻰ اﻻﺳــﺗﺑداد .ﻟﻘ ــد وﺟــد ﺑﻌــض ﻫ ــذﻩ اﻟــﺑﻼد أن اﻟدﺳــﺗور وﺣ ــدﻩ ﻟــم ﯾﻛــن ﻛﺎﻓًﯾ ــﺎ ﻟﻛﻔﺎﻟﺔ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ .ﻓﻔﻲ روﺳﯾﺎ ،أﻗﺎﻣت ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﺛورﯾﯾن أﻧظﻣـﺔ اﺳـﺗﺑدادﯾﺔ ﺷـﯾوﻋﯾﺔ ﻓـﻲ ﻋــﺎم ١٩١٧م .وأﺧــذت أﻟﻣﺎﻧﯾــﺎ ﺑــﺎﻟﺣﻛم اﻟــدﯾﻣﻘراطﻲ ﻓــﻲ ﻋــﺎم ١٩١٩م ،ﻟﻛــن ﺻــﻌود أدوﻟــف
ﻫﺗﻠر إﻟﻰ اﻟﺳﻠطﺔ أﺣﺎﻟﻬﺎ إﻟﻰ اﺳﺗﺑدادﯾﺔ ﻓﺎﺷﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﺎم ١٩٣٣م.٥١
وﺗــزﻋم أﻏﻠﺑﯾــﺔ اﻟﺣﻛوﻣــﺎت اﻟﯾــوم أﻧﻬــﺎ دﯾﻣﻘراطﯾــﺔ .ﻏﯾــر أن ﻛﺛﯾـ ًار ﻣﻧﻬــﺎ ﺗﻧﻘــﺻﻪ ﺑﻌــض
اﻟﺣرﯾﺎت اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ اﻟﻣﻼزﻣﺔ ﻋـﺎدة ﻟﻠدﯾﻣﻘراطﯾـﺔ ،ﻣﺛـل :ﺣرﯾـﺔ اﻟﺗﻌﺑﯾـر وﺣرﯾـﺔ اﻟـﺻﺣﺎﻓﺔ وﺣرﯾـﺔ اﻻﺟﺗﻣــﺎع ﻓــﻲ اﻷﻣــﺎﻛن اﻟﻌﺎﻣــﺔ أو اﻻﻧﺗﺧﺎﺑــﺎت اﻟﺗﻧﺎﻓــﺳﯾﺔ .وﯾﺣــﺎول ﻋــدد ﻣــن اﻟــدول ﻓــﻲ آﺳــﯾﺎ ٕواﻓرﯾﻘﯾﺎ ،إﻧﺷﺎء ﻣؤﺳﺳﺎت دﯾﻣﻘراطﯾﺔ ،ﻏﯾر أن ﻗﻠـﺔ اﻟﺧﺑـرة ﻓـﻲ اﻟﺣﻛـم اﻟـذاﺗﻲ ،وﻣـﺷﺎﻛل أﺧـرى
ﺗﺟﻌل اﻟﺣﻛم اﻟدﯾﻣﻘراطﻲ ﺻﻌب اﻟﺗطﺑﯾق. ب ـ ﺧﺻﺎﺋص اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ:
ﺗﺧﺗﻠـف ﺧـﺻﺎﺋص اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﻣـن ﺑﻠـد إﻟــﻰ آﺧـر ،ﻏﯾـر أن ﻫﻧــﺎك ﻣظـﺎﻫر أﺳﺎﺳــﯾﺔ، ﻣﺗﺷﺎﺑﻬﺔ إﻟﻰ ﺣدﻣﺎ ،ﻓﻲ ﻛل اﻟدول اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ. -١اﻻﻧﺗﺧﺎﺑﺎت اﻟﺣرة. ﺗﻌطﻲ اﻻﻧﺗﺧﺎﺑﺎت اﻟﺣرة اﻟﻧﺎس ﻓرﺻﺔ اﺧﺗﯾﺎر ﻗﺎدﺗﻬم ،واﻟﺗﻌﺑﯾـر ﻋـن وﺟﻬـﺎت ﻧظـرﻫم ﻓــﻲ اﻟﻣــﺳﺎﺋل اﻟﻣﻬﻣــﺔ .وﺗﺟــري اﻻﻧﺗﺧﺎﺑــﺎت ﻋــﺎدة ﻋﻠــﻰ ﻓﺗ ـرات ﻟﻠﺗﺄﻛــد ﻣــن أن اﻟﺣﻛوﻣــﺎت اﻟﺗــﻲ ٥٠ﻋﺑد اﻟوﻫﺎب اﻟﻛﯾﺎﻟﻲ وآﺧرون ،اﻟﻣوﺳوﻋﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ٢٣٣/٣ ، ٥١
ﻧﻔس اﻟﻣﺻدر٢٦٤/٣ : ٢٤
ﺗ ــدﯾر ﺷ ــؤون اﻟ ــﺑﻼد ،ﺳـ ـواء ﻛﺎﻧ ــت ﻗوﻣﯾ ــﺔ أو ﻣﺣﻠﯾ ــﺔ ،ﺗﻣﺛ ــل اﺧﺗﯾ ــﺎر اﻟﻧ ــﺎس ﻓﻌ ــﻼً .ذﻟ ــك أن
اﺣﺗﻣــﺎل ﺧــروج اﻟﺣﻛوﻣــﺔ ﻣــن اﻟــﺳﻠطﺔ ﺑــﺎﻻﻗﺗراع ﯾﺑﻌــث ﻋﻠــﻰ اﻻطﻣﺋﻧــﺎن إﻟـﻰ أن أوﻟﺋــك اﻟــذﯾن ﺳـﺑق أن اﻧﺗﺧﺑـوا ﻓـﻲ ﻣﻧﺎﺻـب ﯾوﻟـون اﻟـرأي اﻟﻌـﺎم اﻫﺗﻣـﺎﻣﻬم .وﺗﺗﻌﻠـق اﻟـﺷروط اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾـﺔ ﻟﺣــق اﻻﻗﺗـ ـراع ،أو اﻟﺗرﺷ ــﯾﺢ ﻟﻣﻧ ــﺻب اﻧﺗﺧ ــﺎﺑﻲ ﻋ ــﺎم وﻓ ــﻲ أﻏﻠ ــب اﻟ ــدﯾﻣﻘراطﯾﺎت ،ﺑ ــﺎﻟﻌﻣر وﻣﻛ ــﺎن اﻹﻗﺎﻣ ــﺔ واﻟﺟﻧ ــﺳﯾﺔ .وﺗﺗ ــﯾﺢ اﻟﻣﻣﺎرﺳ ــﺔ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾ ــﺔ ﻟﻠﻧ ــﺎس أن ﯾﻧﺗﺧﺑـ ـوا ﺑ ــﺎﻻﻗﺗراع اﻟ ــﺳري دون
ﺿﻐط أورﺷوة.وﯾﺗطﻠب ﻓرز اﻷﺻوات اﻟﻧزاﻫﺔ ،وﻋدم ﺗزﯾﯾف اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ .اﻧظر :اﻻﻧﺗﺧﺎب. - ٢ﺣﻛم اﻷﻏﻠﺑﯾﺔ وﺣﻘوق اﻷﻗﻠﯾﺔ:
ﻓـﻲ ظـل اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـﺔ ،ﯾﺟـب ـ ﻓـﻲ أﻏﻠـب اﻷﺣﯾـﺎن ـ أن ﺗواﻓـق اﻷﻏﻠﺑﯾـﺔ ﻋﻠـﻰ اﻟﻘـرار، ﻗﺑــل أن ﯾــﺻﺑﺢ ﻧﺎﻓـ ًـذا .وﯾﺟــوز أن ﯾــﺳﺗﺧدم ﻫــذا اﻟﻣﺑــدأ اﻟــذي ﯾطﻠــق ﻋﻠﯾــﻪ ﺣﻛــم اﻷﻏﻠﺑﯾــﺔ ﻓــﻲ
اﻧﺗﺧــﺎب ﻣــﺳؤوﻟﯾن أو إﻗ ـرار ﺳﯾﺎﺳــﺔ ﻋﺎﻣــﺔ .وﺗﺄﺧــذ ﺑﻌــض اﻟــدﯾﻣﻘراطﯾﺎت ﺑﺄﻏﻠﺑﯾــﺔ اﻷﺻ ـوات. وﺗــﺷﺗرط أﻛﺛــر اﻟــدﯾﻣﻘراطﯾﺎت أﺻـو ًاﺗﺎ ﺗزﯾــد ﻋﻠــﻰ اﻷﻏﻠﺑﯾــﺔ اﻟﺑــﺳﯾطﺔ ﻹﺟ ـراء ﺗﻐﯾﯾـرات أﺳﺎﺳــﯾﺔ، أو دﺳﺗورﯾﺔ .وﺗـﺳﺗﻧد ﻗﺎﻋـدة اﻷﻏﻠﺑﯾـﺔ إﻟـﻰ اﻋﺗﺑـﺎر أﻧـﻪ ،إذا ﻛـﺎن ﻛـل اﻟﻣـواطﻧﯾن ﺳواﺳـﯾﺔ ،ﻓـﺈن
رأي اﻷﻏﻠﺑﯾــﺔ ﺳــﯾﻛون أﻓــﺿل ﻣــن رأي اﻷﻗﻠﯾــﺔ .واﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﺗﺟﻌــل اﻟﻣواﻓﻘــﺔ اﻟطوﻋﯾــﺔ أﺳﺎ ًﺳــﺎ ـﺿﺎ ﺑﺣﻣﺎﯾ ــﺔ ﻟﻠ ــﺳﻠطﺔ اﻟ ــﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻟ ــﺷرﻋﯾﺔ ،وﻓﻌﺎﻟﯾ ــﺔ اﻟﺣﻛ ــم .ﻋﻠ ــﻰ أن اﻟدﯾﻣﻘراطﯾ ــﺔ ﻣﻌﻧﯾ ــﺔ أﯾ ـ ً اﻟﺣرﯾﺔ اﻟﻔردﯾـﺔ ،وﺑﺎﻟﺣﯾﻠوﻟـﺔ دون ﺗﻌـدي اﻟﺣﻛوﻣـﺔ ﻋﻠـﻰ ﺣرﯾـﺎت اﻷﻓـراد .ﻟـذﻟك ﺗـﻧص اﻟدﺳـﺎﺗﯾر اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﻋﻠــﻰ ﻛﻔﺎﻟــﺔ ﺣﻘــوق ﻣﻌﯾﻧــﺔ ﻻﯾﺟــوز أن ﯾﺣــرم اﻟﻧــﺎس ﻣﻧﻬــﺎ ،ﺣﺗــﻰ ﺑﺄﻏﻠﺑﯾــﺔ ﻛﺑﯾ ـرة ﺟ ـ ًـدا .ﺗ ــﺷﻣل ﻫ ــذﻩ اﻟﺣﻘ ــوق اﻟﺣرﯾ ــﺎت اﻷﺳﺎﺳ ــﯾﺔ ،ﻛﺣرﯾ ــﺔ اﻟﺗﻌﺑﯾ ــر ،وﺣرﯾ ــﺔ اﻟ ــﺻﺣﺎﻓﺔ ،وﺣرﯾ ــﺔ
أﯾﺿﺎ ،اﻻﻋﺗـراف ﺑﺣـق اﻷﻗﻠﯾـﺔ ﻓـﻲ اﻟـﺳﻌﻲ ﻟﺗـﺻﯾر أﻏﻠﺑﯾـﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎع .وﯾﻧﺑﻐﻲ ﻋﻠﻰ اﻷﻏﻠﺑﯾﺔً ، ﺑﺎﻟوﺳﺎﺋل اﻟﻣﺷروﻋﺔ. - ٣اﻷﺣزاب اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ: ﻫﻲ ﺟزء ﻣﻬم ﻣن ﻧظﺎم اﻟﺣﻛـم اﻟـدﯾﻣﻘراطﻲ .ﻓﺎﻟﺗﻧـﺎﻓس ﺑـﯾن اﻷﺣـزاب ﻓـﻲ اﻻﻧﺗﺧﺎﺑـﺎت
ﯾﻌطﻲ اﻻﻧﺗﺧﺎﺑﺎت ﻣﻐزاﻫﺎ ﺑﺈﺗﺎﺣﺔ اﻟﻔرﺻـﺔ ﻟﻠﻣﻘﺗـرﻋﯾن ﻟﻼﺧﺗﯾـﺎر ﺑـﯾن اﻟﻣرﺷـﺣﯾن اﻟـذﯾن ﯾﻣﺛﻠـون ﻣﺧﺗﻠـف اﻟﻣـﺻﺎﻟﺢ ،وﻣﺧﺗﻠـف وﺟﻬـﺎت اﻟﻧظـر .وﻓــﻲ ﻛﺛﯾـر ﻣـن اﻟﺑﻠـدان اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـﺔ ذات ﻧظــﺎم اﻟﺣزﺑﯾن ﻛﺎﻟوﻻﯾـﺎت اﻟﻣﺗﺣـدة ،أو ذات ﻧظـﺎم اﻟﺗﻌددﯾـﺔ اﻟﺣزﺑﯾـﺔ ـ ﺛﻼﺛـﺔ أﺣـزاب أو أﻛﺛـر ـ ﯾـﺷﻛل
ـردا .وﻗـ ــد ﻻ ﺗـ ــﺳﻔر اﻟﺣﻛوﻣ ــﺔ اﻟﺣـ ــزب اﻟ ــذي ﯾﻛـ ــﺳب اﻷﻏﻠﺑﯾـ ــﺔ اﻟﻣطﻠﻘ ــﺔ ﻓـ ــﻲ اﻻﻧﺗﺧﺎﺑـ ــﺎت ﻣﻧﻔ ـ ً ٢٥
اﻻﻧﺗﺧﺎﺑﺎت ﻓﻲ اﻟدول اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ ذات اﻟﺗﻌددﯾـﺔ اﻟﺣزﺑﯾـﺔ ﻋـن أﻏﻠﺑﯾـﺔ ﻟﺣـزب ﻣﻧﻔـرد .ﻓـﻲ ﻫـذﻩ اﻟﺣﺎﻟــﺔ ،ﯾﺟــوز أن ﯾــﺄﺗﻠف ﺣزﺑ ــﺎن أو أﻛﺛــر ،ﻓﺗﺗﻛــون أﻏﻠﺑﯾــﺔ ﻟﺗ ــﺷﻛﯾل ﺣﻛوﻣــﺔ اﺋﺗﻼﻓﯾــﺔ .ﯾﻘ ــوم
اﻟﺣــزب ،أو اﻷﺣ ـزاب اﻟﺗــﻲ ﻻ ﺗــﺷﺎرك ﻓــﻲ اﻟﺣﻛوﻣــﺔ وﻓــﻲ ظــل اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﺑــدور اﻟﻣﻌﺎرﺿــﺔ اﻟﻣﺧﻠــﺻﺔ .وﻫــﻲ ـ أي اﻟﻣﻌﺎرﺿــﺔ ـ ﺣـرة ﻓــﻲ ﻧﻘــد ﺳﯾﺎﺳــﺎتٕ ،واﺟـراءات اﻟﺣــزب اﻟــذي ﯾﺗــوﻟﻰ اﻟـﺳﻠطﺔ .وﻓـﻲ اﻟـدول ﻏﯾـر اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـﺔ ﻛﺎﻟـدﻛﺗﺎﺗورﯾﺎت ـ اﻟﺣﻛوﻣـﺎت اﻻﺳـﺗﺑدادﯾﺔ ـ ﻗـد ُﯾ َﻌ ﱡـد ﻧﻘـد
اﻟﺣ ــزب اﻟﺣ ــﺎﻛم ﺧﯾﺎﻧ ــﺔ .وﻏﺎﻟ ًﺑ ــﺎ ﻻ ﯾُ ــﺳﻣﺢ ﺑﻘﯾ ــﺎم أي ﺣ ــزب ﻏﯾ ــر اﻟﺣ ــزب اﻟﺣ ــﺎﻛم ،وﻻ ﺧﯾ ــﺎر ﻟﻠﻧﺎس ﺑﯾن اﻟﻣرﺷﺣﯾن. -٤ﺗﻘﯾﯾد اﻟﺳﻠطﺔ: ﺗﻧطــوي اﻟــﻧظم اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﻋﻠــﻰ ﺗرﺗﯾﺑــﺎت ﻣﺧﺗﻠﻔــﺔ ،ﻣــن ﺷــﺄﻧﻬﺎ اﻟﺣــد ﻣــن ﺗﻣــﺎدي أي ﺷ ــﺧص ،أو ﻓ ــرع ﻣ ــن ﻓ ــروع اﻟﺣﻛوﻣ ــﺔ ﻓ ــﻲ اﻟﺗ ــﺳﻠط .ﻓﻔ ــﻲ ﺑﻌ ــض اﻟ ــﺑﻼد ﻛﺄﺳ ــﺗراﻟﯾﺎ ،واﻟﻬﻧ ــد،
واﻟوﻻﯾــﺎت اﻟﻣﺗﺣــدة ،وﻛﺛﯾــر ﻏﯾرﻫــﺎ ،ﺣﻛوﻣــﺎت اﺗﺣﺎدﯾــﺔ ،وﺣﻛوﻣــﺎت وﻻﯾــﺎت ،أو أﻗــﺎﻟﯾم ﺗﺗﻘﺎﺳــم اﻟ ــﺳﻠطﺔ ﺑﯾﻧﻬـ ــﺎ .ﻛﻣـ ــﺎ أن اﻟﺣﻛوﻣـ ــﺎت اﻟﻣﺣﻠﯾـ ــﺔ اﻟﻣﻧﺗﺧﺑـ ــﺔ ،ﻓـ ــﻲ اﻷﻧظﻣـ ــﺔ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـ ــﺔ ،ﺗﺗـ ــوﻟﻰ اﻟﻣــﺳؤوﻟﯾﺔ ﻋــن ﺧــدﻣﺎت ﻣﺣﻠﯾــﺔ ﻣﺣــددة .وﻓــﻲ ﻛــل اﻟــدول اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ،ﯾﺧــﺿﻊ اﻟﻣــﺳؤوﻟون
اﻟﺣﻛوﻣﯾون ﻟﻠﻘـﺎﻧون .وﻫـم ﻣـﺳؤوﻟون ﻟـدى اﻟـﺷﻌب .وﺗـﺳﺎﻋد وﺳـﺎﺋل اﻹﻋـﻼم اﻟﻣـﺳؤوﻟﯾن ﻋﻠـﻰ ﺗﺣﺳس اﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟرأي اﻟﻌﺎم. -٥اﻟﺣﻛم اﻟدﺳﺗوري: ﺗﻘوم اﻟﺣﻛوﻣﺔ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـﺔ ﻋﻠـﻰ اﻟﻘـﺎﻧون ،وﻫـو ﻓـﻲ أﻏﻠـب اﻟﺣـﺎﻻت دﺳـﺗور ﻣﻛﺗـوب.
ﺗﺑﯾن اﻟدﺳﺎﺗﯾر ﺳﻠطﺎت وواﺟﺑﺎت اﻟﺣﻛوﻣﺔ ،وﺗﺣـدد ﻣـﺎ ﯾﺟـوز ﻟﻬـﺎ ﻋﻣﻠـﻪ .وﺗوﺿـﺢ ﻛﯾـف ﺗُـﺳن
اﻟﻘـ ـ ـواﻧﯾن ،وﻛﯾ ـ ــف ﯾ ـ ــﺗم ﺗﻧﻔﯾ ـ ــذﻫﺎ .وﺗﺣﺗ ـ ــوي ﺑﻌ ـ ــض اﻟدﺳ ـ ــﺎﺗﯾر ﻋﻠ ـ ــﻰ ﻗﺎﺋﻣ ـ ــﺔ ﻣﻔ ـ ــﺻﻠﺔ ﺑﺣﻘ ـ ــوق ـﯾﻔﺎ ﻟﺣرﯾــﺎﺗﻬم اﻷﺳﺎﺳــﯾﺔ ،وﺗﻣﻧــﻊ اﻟﺣﻛوﻣــﺔ ﻣــن اﻟﺗﻌــدي ﻋﻠﯾﻬــﺎ .اﻧظــر: اﻟﻣـواطﻧﯾن ،ﺗــﺷﻣل ﺗوﺻـ ً ﺑﯾﺎن اﻟﺣﻘوق .ﻓﺑرﯾطﺎﻧﯾﺎ ﻣﺛﻼً ﻟﯾﺳت ﻟﻬـﺎ وﺛﯾﻘـﺔ ﻣﻔـردة ،ﻣﻛﺗوﺑـﺔ ﺗـﺳﻣﻰ اﻟدﺳـﺗور .ﺑﯾـد أن ﻟـدﯾﻬﺎ ﺗﻘﺎﻟﯾد وأﻋر ًاﻓﺎ ﻣﻌﯾﻧﺔ ،ﻓﺿﻼً ﻋن ﻣواﺛﯾق ﻣﺣددة ،وﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﻘواﻧﯾن ﺟـرى اﻷﺧـذ ﺑﻬـﺎ ﻋﻣو ًﻣـﺎ ﻋﻠـﻰ أﻧﻬــﺎ ﺗــﺷﻛل ¸اﻷﺣﻛـﺎم اﻷﺳﺎﺳــﯾﺔ ﻟﻠﻧظــﺎم· .اﻧظــر :اﻟدﺳـﺗور .وﻣــن اﻟﺧــﺻﺎﺋص اﻟﺟوﻫرﯾــﺔ
ﻟﻠﺣﻛ ــم اﻟ ــدﯾﻣﻘراطﻲ وﺟ ــود ﻫﯾﺋ ــﺔ ﻗ ــﺿﺎﺋﯾﺔ ﻣ ــﺳﺗﻘﻠﺔ .وواﺟ ــب اﻟﻧظ ــﺎم اﻟﻘ ــﺿﺎﺋﻲ ﺻ ــﯾﺎﻧﺔ ﺣرﻣ ــﺔ
اﻟﻘواﻧﯾن ،وﺣﻘوق اﻷﻓراد ،ﺑﻣﻘﺗﺿﻰ ﺗﻠك اﻟﻘواﻧﯾن. ٢٦
-٦اﻟﻣﻧظﻣﺎت اﻟﺧﺎﺻﺔ: ﯾﻘ ـ ــوم اﻷﻓـ ـ ـراد واﻟﻣﻧظﻣ ـ ــﺎت اﻟﺧﺎﺻ ـ ــﺔ ﻓ ـ ــﻲ ظ ـ ــل اﻟدﯾﻣﻘراطﯾ ـ ــﺔ ﺑﻛﺛﯾ ـ ــر ﻣ ـ ــن اﻷﻋﻣ ـ ــﺎل اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ،واﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ دون ﺳﯾطرة اﻟﺣﻛوﻣﺔ ﻋﻠـﻰ أﻏﻠﺑﻬـﺎ .ﻓﺎﻟـﺻﺣف ،واﻟﻣﺟـﻼت ﯾﻣﻠﻛﻬـﺎ
وﯾدﯾرﻫﺎ أﺻﺣﺎﺑﻬﺎ .واﻟﻧﻘﺎﺑﺎت اﻟﻌﻣﺎﻟﯾـﺔ ﯾـﺳﯾرﻫﺎ اﻟﻌﻣـﺎل ﻟﻣـﺻﻠﺣﺗﻬم ،وﻻ ﺗـﺳﯾرﻫﺎ اﻟدوﻟـﺔ .وﺗﻌﻣـل اﻟﻣـدارس اﻟﺧﺎﺻـﺔ ﺟﻧًﺑـﺎ إﻟـﻰ ﺟﻧـب ﻣــﻊ اﻟﻣـدارس اﻟﺣﻛوﻣﯾـﺔ .وﯾﺟـوز ﺗﻛـوﯾن ﺟﻣﺎﻋـﺎت ﻟﻠﺗــﺄﺛﯾر ﻋﻠــﻰ اﻟ ـرأي اﻟﻌــﺎم ﺣــول ﻣــﺳﺎﺋل وﺳﯾﺎﺳــﺎت ﻋﺎﻣــﺔ .وأﻛﺛــر اﻷﻋﻣــﺎل اﻟﺗﺟﺎرﯾــﺔ ﻓــﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌــﺎت
اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـﺔ ﻣﻣﺗﻠﻛـﺎت ﺧﺎﺻـﺔ ،وﯾـدﯾرﻫﺎ أﺻـﺣﺎﺑﻬﺎ ،ﺑــﺎﻟرﻏم ﻣـن أﻧـﻪ ﯾﺟـوز ﻟﻠﺣﻛوﻣـﺔ أن ﺗﺗــوﻟﻰ ﺑﻧﻔﺳﻬﺎ إدارة ﺑﻌض اﻟﺻﻧﺎﻋﺎت واﻟﻣراﻓق واﻟﺧدﻣﺎت اﻟﻣﻬﻣﺔ. -٧ﻣﺷﺎرﻛﺔ اﻟﻣواطﻧﯾن: ﺗـدﻋو اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﻟﺗوﺳــﯾﻊ ﻣــﺷﺎرﻛﺔ اﻟﻧــﺎس ﻓـﻲ ﻣﺟــﺎل اﻟﻌﻣــل اﻟــﺳﯾﺎﺳﻲ .وﻓــﻲ ﺑﻌــض
اﻟـ ــدﯾﻣﻘراطﯾﺎت ُﯾﻌـ ـ ﱡـد إدﻻء اﻟﻣ ـ ـواطﻧﯾن اﻟﺑـ ــﺎﻟﻐﯾن ﺑﺄﺻ ـ ـواﺗﻬم ﻓـ ــﻲ ﻛـ ــل اﻻﻧﺗﺧﺎﺑـ ــﺎت ،اﻟﻣﺣﻠﯾـ ــﺔ، واﻹﻗﻠﯾﻣﯾ ــﺔ ،واﻟﻘوﻣﯾ ــﺔ واﺟًﺑ ــﺎ .ﻛﻣﺎﯾﺟ ــب ﻋﻠ ــﻰ اﻟﻣـ ـواطﻧﯾن اﻟﻣ ــؤﻫﻠﯾن أن ﯾرﺷ ــﺣوا أﻧﻔ ــﺳﻬم ﻓ ــﻲ
اﻻﻧﺗﺧﺎﺑ ــﺎت ،وأن ﯾ ــﺳﻬﻣوا ﻓ ــﻲ ﺗط ــوﯾر ﺑﻼدﻫ ــم .ﻓ ــﺎﻟﻣواطن اﻟﻧ ــﺷط اﻟﻣ ــﺳﺗﻧﯾر أﻓ ــﺿل ﺿ ــﻣﺎﻧﺔ ﺗﺣول دون أي ﻓﺳﺎد أو ﻋﺟز ﻓﻲ اﻟﺣﻛوﻣﺔ. -٨اﻟﺗﻌﻠﯾم: ﺗــؤﻣن اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﺑﺄﻫﻣﯾــﺔ اﻟﺗﻌﻠــﯾم ،واﻟﻣــﺷﺎرﻛﺔ اﻟواﺳــﻌﺔ ﻓــﻲ اﻟــﺳﯾﺎﺳﺔ ـ وﻓﻘًــﺎ ﻟﻠﻣﺛــل اﻟدﯾﻣﻘراطﯾ ــﺔ .وﻫ ــﻲ ﻻ ﺗﻛﻔ ــل ،ﺑﺎﻟ ــﺿرورة ،ﺻ ــﻼح اﻟﺣﻛ ــم .ﻓﺎﻟﺣﻛوﻣ ــﺔ اﻟ ــﺻﺎﻟﺣﺔ ﺗﻌﺗﻣ ــد ﻋﻠ ــﻰ ـﺳﻧﺎ ،ﻫ ـ ــم اﻟﻣ ـ ــﺷﺎرﻛﺔ اﻟ ـ ــﺻﺎﻟﺣﺔ .واﻟﻣواطﻧ ـ ــون ذوو اﻹدراك اﻟﺣ ـ ــﺳن ،واﻟﻣﺗﻌﻠﻣ ـ ــون ﺗﻌﻠﯾ ًﻣ ـ ــﺎ ﺣ ـ ـ ً اﻟﻘ ــﺎدرون ﻋﻠ ــﻰ اﻟﻣ ــﺷﺎرﻛﺔ ﺑﺈﯾﺟﺎﺑﯾـ ــﺔ أﻛﺛ ــر .ﻟ ــذﻟك ،ﺗﺣﺗـ ــﺎج اﻟدﯾﻣﻘراطﯾ ــﺔ ﻟﻣـ ـواطﻧﯾن ﻣﺗﻌﻠﻣـ ــﯾن ﯾﺳﺗطﯾﻌون ﺗدﺑﯾر ﺷؤوﻧﻬم. -٩اﻟﺗﻧﻣﯾﺔ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻟوﻓﺎق اﻟوطﻧﻲ: ﻧـﺷﺄت أﻏﻠــب اﻟــدﯾﻣﻘراطﯾﺎت ﻓــﻲ ﻣﺟﺗﻣﻌــﺎت ﻣﺗﻘدﻣــﺔ ،ﺗرﺗﻔــﻊ ﻓﯾﻬــﺎ ﻧــﺳﺑﺔ اﻟﺗﻌﻠــﯾم ،وﺗﻘــل
اﻟﻔوارق ﻓﻲ اﻟﺛراء .وﯾﻌﺗﻘد ﺑﻌض اﻟﻌﻠﻣـﺎء أن اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـﺔ ﺗـﺻﻠﺢ ﻓـﻲ اﻟـﺑﻼد اﻟﺗـﻲ ﺗـﺿم طﺑﻘـﺔ ﻣﺗوﺳ ــطﺔ ﻛﺑﯾـ ـرة .وﻟﻘ ــد اﻧﻬ ــﺎرت ﻛﺛﯾ ــر ﻣ ــن اﻟﺣﻛوﻣ ــﺎت اﻟدﯾﻣﻘراطﯾ ــﺔ إﺑ ــﺎن أزﻣ ــﺎت اﻗﺗ ــﺻﺎدﯾﺔ. ﻛﺎﻧت اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻹﺧﻔﺎﻗﺎت ﻫذﻩ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺎت ﻫـﻲ ﻋﺟزﻫـﺎ ﻋـن ﺗﺣﻘﯾـق اﻟﻘـدر اﻟﻛـﺎﻓﻲ ٢٧
ﻣن اﻟوﻓﺎق ،ﺳواء ﻛﺎن ﺑﯾن اﻟﻧﺎس أو ﺑـﯾن ﻗـﺎدﺗﻬم .وﻛﺛﯾـ ًار ﻣـﺎ ﺗﻔﺎﻗﻣـت ،واﺣﺗـدﻣت اﻻﻧـﺷﻘﺎﻗﺎت ﺑ ـ ــﯾن اﻟطﺑﻘ ـ ــﺎت واﻷﺣـ ـ ـزاب واﻟﻘ ـ ــﺎدة ،ﻣﻣ ـ ــﺎ ﻋط ـ ــل ﻋﻣ ـ ــل اﻟﺣﻛوﻣ ـ ــﺔ اﻟﻣﻧﺗﺧﺑ ـ ــﺔ اﻧﺗﺧﺎًﺑ ـ ــﺎ ﺣـ ـ ـ ًار. ﻓﺎﻟﺣﻛوﻣــﺎت اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﻋرﺿ ــﺔ ﻟﻌــدم اﻻﺳ ــﺗﻘرار ،ﺣﯾﻧﻣــﺎ ﯾﺗﻔــرق اﻟﻧ ــﺎس وﺗــﺳﺎورﻫم اﻟ ــﺷﻛوك أﺣﯾﺎﻧﺎ ،ﺗﺷل اﻻﻧﻘﺳﺎﻣﺎت ﺑﯾن اﻷﺟﻧﺎس واﻷﻋراق واﻟدﯾﺎﻧﺎت ﺳﯾر اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ. ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﻬم .و ً وﻗ ــد أﺟﻣ ــﻊ اﻟﻌدﯾ ــد ﻣ ــن اﻟﻣﻔﻛـ ـرﯾن اﻟﻐـ ـرﺑﯾﯾن ﻋﻠ ــﻰ ﺿ ــرورة وﺟ ــود ﻋﻧﺎﺻ ــر أﺳﺎﺳ ــﯾﺔ
اطﯾﺎ ،وﻫﻲ: ﻻﻋﺗﺑﺎر اﻟﻧظﺎم اﻟﻘﺎﺋم دﯾﻣﻘر ً
ﺗـواﻓر اﻟﺣرﯾــﺎت اﻷﺳﺎﺳــﯾﺔ ﻣﺛــل ﺣرﯾــﺔ اﻟﺗﻌﺑﯾــر ﻋــن اﻟـرأي ،ﺣرﯾــﺔ اﻟــﺻﺣﺎﻓﺔ ،ﺣرﯾــﺔإﻧﺷﺎء ﺟﻣﻌﯾﺎت ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ،وﻛذﻟك اﻟﺣرﯾﺔ اﻟدﯾﻧﯾﺔ. ﺳﻧوات.
وﺟ ــود اﻧﺗﺧﺎﺑ ــﺎت ﺣـ ـرة وﻧزﯾﻬ ــﺔ ﺗﻌﻘ ــد ﺑ ــﺷﻛل دوري ﻛ ــل ﺳ ــﻧﺗﯾن أو ﻣـ ـرة ﻛ ــل أرﺑ ــﻊ -اﻟﺗﻌددﯾـﺔ اﻟـﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﺑﻣﻌﻧـﻰ وﺟـود ﺣـزﺑﯾن ﺳﯾﺎﺳـﯾﯾن أو أﻛﺛـر ﺗﺗﻧـﺎﻓس ﻟﻠوﺻـول إﻟـﻰ
اﻟﺳﻠطﺔ. ﻓــﺻل اﻟــﺳﻠطﺎت ،وﻫــو ﻓــﺻل اﻟــﺳﻠطﺔ اﻟﺗــﺷرﯾﻌﯾﺔ ﻋــن اﻟــﺳﻠطﺔ اﻟﺗﻧﻔﯾذﯾــﺔ ،وﻛــذﻟكﻓﺻﻠﻬﻣﺎ ﻋن اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻘﺿﺎﺋﯾﺔ ﻣﻊ ﺗﺣدﯾد وظﯾﻔﺔ ﻛل ﻣن ﻫذﻩ اﻟﺳﻠطﺎت. ـﺳﺎ ﻣﺑدأ ﺳﯾﺎدة اﻟﻘﺎﻧون ،وﻫو أن اﻟﺟﻣﯾﻊ ﻣﺗﺳﺎوون أﻣﺎم اﻟﻘﺎﻧون ﺣﺗـﻰ وﻟـو ﻛـﺎن رﺋﯾ ًﻟﻠدوﻟ ـ ــﺔ أو أﻋﻠ ـ ــﻰ ﻣﻧ ـ ــﺻب ﺳﯾﺎﺳ ـ ــﻲ ﻓ ـ ــﻲ اﻟدوﻟ ـ ــﺔ ،ﻓﻣ ـ ــن ﯾﺧ ـ ــﺎﻟف اﻟﻘ ـ ــﺎﻧون ﯾﺟ ـ ــب أن ﯾﺣ ـ ــﺎﻛم وﯾﻌﺎﻗب.٥٢
ﻫـذا ﻋـن اﻟوﺟــﻪ اﻟﺣـﺳن ﻟﻠدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ،أﻣـﺎ اﻟوﺟـﻪ اﻵﺧــر اﻟﻘﺑـﯾﺢ اﻟــذي ﻻ ﯾﻔـﺻﺢ ﻋﻧــﻪ اﻟﻛﺛﯾر ﻓﻬو ﻣﺎ ﯾﻠﻲ :إن أﻫم ﻋﻧﺎﺻر اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـﺔ ﻋﻧـﺻران :اﻷول :ﺳـﯾﺎدة اﻟـﺷﻌب .واﻟﺛـﺎﻧﻲ:
اﻟﺣﻘ ـ ــوق واﻟﺣرﯾ ـ ــﺎت ﻣﻛﻔوﻟ ـ ــﺔ .وﻣﻌﻧ ـ ــﻰ اﻟ ـ ــﺳﯾﺎدة ﻟﻠ ـ ــﺷﻌب :أي ﻫ ـ ــو ﺳ ـ ــﯾد اﻟ ـ ــﺳﻠطﺎت اﻟ ـ ــﺛﻼث اﻟﺗــﺷرﯾﻌﯾﺔ واﻟﻘــﺿﺎﺋﯾﺔ واﻟﺗﻧﻔﯾذﯾــﺔ ،ﻓﺎﻟـﺳﻠطﺔ اﻟﺗــﺷرﯾﻌﯾﺔ ﻓﯾﻬــﺎ ﯾــﺷرع اﻟــﺷﻌب ﻣــﺎ ﯾرﯾــد وﻟــو ﺧــﺎﻟف ﺣﻛــم اﷲ ،واﻟــﺳﻠطﺔ اﻟﻘــﺿﺎﺋﯾﺔ ﻓﯾﻬــﺎ ﯾﻘــﺿﻲ اﻟــﺷﻌب ﺑﻣــﺎ ﺷــرﻋﻪ ،واﻟــﺳﻠطﺔ اﻟﺗﻧﻔﯾذﯾــﺔ ﻓﯾﻬــﺎ ﯾﻧﻔــذ
اﻟــﺷﻌب ﻣــﺎ ﻗــﺿﻰ ﺑــﻪ .أﻣــﺎ ﻣﻌﻧــﻰ اﻟﺣﻘــوق واﻟﺣرﯾــﺎت ﻣﻛﻔوﻟــﺔ :ﻓﻛــل واﺣــد ﺣــر ،ﻓﻔــﻲ اﻟﻧظــﺎم ٥٢
إﯾﻣﺎن ﻣﺣﻣد ﻣﺣﺳن :وظﺎﺋف اﻷﺣزاب اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻓﻲ ﻧظم اﻟﺗﻌددﯾﺔ اﻟﻣﻘﯾدة ،ص١٤ ٢٨
اﻟــدﯾﻣﻘراطﻲ ﺣرﯾــﺔ اﻟــردة ﻣﻛﻔوﻟــﺔ ،ﯾﺗﻧﻘــل ﺑــﯾن اﻷدﯾــﺎن ﻛﯾــف ﺷ ـﺎء ،وﻓــﻲ اﻟﻧظــﺎم اﻟــدﯾﻣﻘراطﻲ ﺗﺣﻣل اﻟﻣرأة ﻣن ﺳﻔﺎح ﻓﺣرﯾﺗﻬﺎ ﻣﻛﻔوﻟﺔ ،وﻓﻲ اﻟﻧظﺎم اﻟدﯾﻣﻘراطﻲ ﻻ دﯾن وﻻ رﺟوﻟـﺔ وﻻ أﻧوﺛـﺔ ﻻ ﻣﺳﻠم ﻻ ﻛﺎﻓر ﻻ ﺑوذي ﻻ ﺷﻲء ﯾﻣس اﻟدﯾن ،ﻛﻠﻬم ﺳواﺳﯾﺔ.
ﯾﻠﺑس اﻟﺑﻌض أي أﻧﻬم ﯾﻠﺑـﺳون ﻋﻠـﻰ اﻟﻧـﺎس وﯾﻘوﻟـون وأﻣﺎ ﻣﺎ ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﺷورى – ﻛﻣﺎ َُﱢ ُ إن اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ ﻣﺛل اﻟﺷورى ﻓﻲ اﻹﺳـﻼم – ﻓﺎﻟـﺷورى ﻓـﻲ اﻹﺳـﻼم ﻓـﻲ اﻷﻣـور اﻟﺗـﻲ ﻻ ﻧـص
ﻓﯾﻬﺎ ﻗطﻌﯾﺎ ،وﻓﻲ ﺗﻧﻔﯾذ اﻟﺷرع ،ﻓﺈذا ﻧزﻟت ﺑﻧﺎ ﻧﺎزﻟﺔ ،ﻛﯾف ﻧﻘﯾم ﺣﻛـم اﷲ ﻓـﻲ ﻫـذﻩ اﻟﻧﺎزﻟـﺔ؟ أي ﻧ ــص ﯾﻧطﺑ ــق ﻋﻠ ــﻰ ﻫ ــذﻩ اﻟﻧﺎزﻟ ــﺔ؟ ﻫﻧ ــﺎ ﺗﻛ ــون اﻟ ــﺷورى ،إﻣ ــﺎ ﺑ ــﺎﻟﻧص إذا ﻛ ــﺎن اﻟ ــﻧص آﯾ ــﺔ أو ـﺎءﻫم أَﻣــر ِﻣــن ا ْﻷَﻣـ ِـن أ َِو ْاﻟ َﺧـ ِ َذا ُﻋ ـوا ﺑِـ ِـﻪ وﻟَـ ْـو َ ﱡ ردوﻩُ إِﻟَــﻰ ـوف أ َ ـدﯾﺛﺎٕ ،واﻣــﺎ ﺑﺎﻻﺳــﺗﻧﺑﺎطٕ َ ) ،وِ َ ﺣـ ً اذا َﺟـ َ ُ ْ ْ ٌ َ ْ ْ َ ـول ٕوِاﻟَــﻰ أُوﻟِــﻲ ا ْﻷَﻣـ ِـر ِﻣـ ْـﻧﻬم َﻟﻌﻠِﻣــﻪ اﻟﱠـ ِـذﯾن ﯾـ َْ ِ ُ َ ِ اﻟر ُ ِ ـﻧﻬم( ،٥٣ﻓﻧــﺳﺗﻧﺑط وﻧﺟﺗﻣــﻊ وﻧﺄﺧــذ ﱠ ُْ َ َ ُ َ َ ْ ْ ـﺳﺗﻧﺑطوﻧﻪُ ﻣـ ْ ُْ ﺳـ َ اﻟرأي ﻣن أﻫﻠﻪ ،إذن ﻓﺎﻟﺷورى ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ﻧﻘﺎش :ﻓﻲ ﻛﯾف ﻧطﺑق ﺷـرع اﷲ ﻋﻠـﻰ ﻣـراد اﷲ؟، وﻣ ــﺎ ﻫ ــﻲ اﻷدﻟ ــﺔ اﻟﺗ ــﻲ ﺗواﻓ ــق اﻟﻣ ــﺳﺎﺋل؟ ،أﻣ ــﺎ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾ ــﺔ ﻓﺗﻌﻧ ــﻲ :اﻟﻧﻘ ــﺎش ﻓ ــﻲ ﻛﯾ ــف ﻧ ــﺷرع اﻟﺷراﺋﻊ؟ وﻟو ﺧﺎﻟﻔت ﺣﻛم اﷲ.٥٤
ﺛﺎﻟﺛﺎ ـ ﻣوﻗف اﻟﻣﻔﻛرﯾن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻣن اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ: وﻗ ــد ﺗﻌ ــددت ﻛﺗﺎﺑ ــﺎت اﻟﻌﻠﻣ ــﺎء واﻟﻣﻔﻛـ ـرﯾن اﻟﻣ ــﺳﻠﻣﯾن ﻓ ــﻲ اﻟﻣوﻗ ــف ﻣ ــن اﻟدﯾﻣﻘراطﯾ ــﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،واﻟﻣﺗﺗﺑﻊ ﻟﻬذﻩ اﻟﻛﺗﺎﺑﺎت ﯾرى ﺛﻣﺔ ﺛﻼﺛﺔ اﺗﺟﺎﻫﺎت ﻣﺗﺑﺎﯾﻧﺔ. ﻓﻣــن اﻟﻛﺗﺎﺑــﺎت ﻣــن ﺣﺎوﻟــت إﺑ ـراز ﻣــﺻطﻠﺢ دﯾﻣﻘراطﯾــﺔ اﻹﺳــﻼم ﻣﻘﺎﺑــل اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ
اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،ﻣﺗﺟﺎوزة ﻣﺎ إذا ﻛﺎن اﻹﺳﻼم ﯾﺗﻌـﺎرض واﻟدﯾﻣﻘراطﯾـﺔ ،وﻣـن ﻫـذﻩ اﻟﻛﺗﺎﺑـﺎت :اﻟﻌﻘـﺎد: اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم ،وﻣﺣﻣد ﺷوﻗﻲ اﻟﻔﻧﺟري :اﻟﺣرﯾﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻓﻲ اﻹﺳﻼم. وﺑﻌ ــﺿﻬﺎ ﺣﺎوﻟـ ــت أن ﺗﺑ ــرز ﻧظرﯾـ ــﺔ اﻟـ ــﺷورى ﻓ ــﻲ اﻹﺳـ ــﻼم ﻓ ــﻲ ﻣﻘﺎﺑـ ــل اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـ ــﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻـ ـرة ،وأن اﻟـ ــﺷورى أوﺳـ ــﻊ وأﻋﻣـ ــق ﻣـ ــن اﻟدﯾﻣﻘراطﯾ ــﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻ ـ ـرة ،ﻣـ ــن ﻫـ ــذﻩ اﻟﻛﺗﺎﺑـ ــﺎت:
اﻷﻧـ ـ ــﺻﺎري :اﻟـ ـ ــﺷورى وأﺛرﻫـ ـ ــﺎ ﻓـ ـ ــﻲ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـ ـ ــﺔ ،وﺣـ ـ ــﺳن اﻟﺗ ارﺑـ ـ ــﻲ :إﺷـ ـ ــﻛﺎﻻت اﻟﻣـ ـ ــﺻطﻠﺢ واﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ واﻟﻣﻔﻬوم.
٥٣ ٥٤
ﺳورة اﻟﻧﺳﺎء٨٣ : ﺣﯾدر إﺑراﻫﯾم ﻋﻠﻲ :اﻟﺗﯾﺎرات اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ وﻗﺿﯾﺔ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ٢٣ ، ٢٩
أﻣﺎ اﻟدﻛﺗور ﺣﺳن اﻟﺗراﺑﻲ ،ﻓﻬو ﯾدﻋو ﻓـﻲ ﻛﺗﺎﺑـﻪ " ﻧظـرات ﻓـﻲ اﻟﻔﻘـﻪ اﻟـﺳﯾﺎﺳﻲ " إﻟـﻰ ﺗﺟـﺎوز اﻟﻣـﺷﺎﺣﺔ ﻓـﻲ اﻟﻣـﺻطﻠﺣﺎت اﻟواﻓـدة ﻋﻠـﻰ اﻟﻣـﺳﻠﻣﯾن ﻣـن اﻟﻐـرب ،واﺳـﺗﻌﻣﺎﻻت اﻷﻟﻔــﺎظ ذات اﻷﺻول ﻏﯾر اﻟﻌرﺑﯾﺔ وﻏﯾر اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ .إذ ﻻ ﺣرج ﻓﻲ ﻧظـرﻩ ﻋﻠـﻰ اﻟﻣـرء وﻫـو ﯾـﺗﻛﻠم
٥٥
)ﻣ ــن ﻣوﻗ ــﻊ ﻋـ ـزة ﺛﻘﺎﻓﯾ ــﺔ ،وﻓ ــﻲ ﺳ ــﯾﺎق ُﯾﺣﺗ ــرز ﺑ ــﻪ ﻣ ــن اﻟﺧﻠ ــط أن ﯾ ــﺳﺗﻌﻣل ﻛﻠﻣ ــﺔ " " GOD ﻣﻌرﻓَــﺔً ﺑــﺎﻟﺣرف اﻟﻛﺑﯾــر ،إﺷــﺎرة إﻟــﻰ اﷲ؛ ﻛﻣــﺎ ﯾُﻌـ ﱢـرض ﺑﺎﻟﻣــﺳﻠﻣﯾن اﻟــذﯾن ﯾرﻓــﺿون ذﻟــك ﺑﻛــون ُ َﱠ ) ٥٦ﻛﺛﯾــر ﻣــن اﻟﻣــﺳﻠﻣﯾن اﻷورﺑﯾــﯾن اﻟﺟــدد إذا ﻗــﺎﻣوا ﻓــﻲ ﺑﯾﺋــﺔ اﺷــﺗراﻛﯾﺔ أو ﺗﺛﻠﯾﺛﯾــﺔ ﯾﺣﺗــرزون
ﻣ ــن اﺳ ــﺗﻌﻣﺎل " " GOD؛ ﻷﻧﻬ ــﺎ ﺗﻧ ــﺻرف ﻋﻧ ــد اﻟ ــﺳﺎﻣﻌﯾن إﻟ ــﻰ ﻓﻛـ ـرة اﻟﺗﺛﻠﯾ ــث ،ﻓﺗ ــوﺣﻲ ﺑﺈﻟ ــﻪ ﯾﺟوز ﻓﻲ ﺣﻘﻪ ذﻟك ﻛﻠﻪ ،ﻣﻣﺎ ﯾﺳﺗﺣﯾل ﻓﻲ ﺣق اﷲ .واﻟـدﻛﺗور اﻟﺗ ارﺑـﻲ ﻓﯾﻣـﺎ ذﻫـب إﻟﯾـﻪ ،ﯾﻐﻔـل ﻋــن ﺣﻘﯾﻘــﺔ ﻣــن ﺣﻘــﺎﺋق اﻹﯾﻣــﺎن ،ﻫــﻲ اﻟــرﻛن اﻟﺛﺎﻟــث ﻣــن أرﻛــﺎن اﻟﺗوﺣﯾــد ،ﺑﻌــد رﻛﻧــﻲ ﺗوﺣﯾــد
اﻷﻟوﻫﯾـ ــﺔ وﺗوﺣﯾـ ــد اﻟرﺑوﺑﯾـ ــﺔ ،ﻫـ ــﻲ ﺗوﺣﯾـ ــد اﻟـ ــﺻﻔﺎت .أي أن اﷲ ﺗﻌ ـ ـﺎﻟﻰ ،ﻻ ﯾوﺻـ ــف إﻻ ﺑﻣـ ــﺎ ـﺎدﻋوﻩُ ﺑِﻬَــﺎ وﺻــف ﺑــﻪ ﻧﻔــﺳﻪ أو وﺻــﻔﻪ ﺑــﻪ ﻧﺑﯾــﻪ ،ﻗــﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰَ } :وﻟِﻠّـ ِـﻪ اﻷَ ْﺳـ َـﻣﺎء ْاﻟ ُﺣـ ْ َ ـﺳﻧﻰ ﻓَـ ْ ُ ِِ اﻟذﯾن ْﯾﻠ ِﺣ ُ ِ وذروْا ﱠِ ـرد ﻗطﻌـﺎ ـون {اﻷﻋـراف .١٨٠وﻟـم ﯾ ِ ْ ﯾﻌﻣﻠُ َ ـدون ﻓـﻲ أَ ْﺳ َـﻣﺂﺋﻪ َﺳ ُ ْ َ ْ َ َ َ ُ ـﯾﺟزون َﻣـﺎ َﻛـﺎﻧُوْا َ ْ َ َ َُ وﺻــف اﷲ ﻋ ــز وﺟــل ﺑﻠﻔ ــظ " ." GODﻛﻣ ــﺎ أن ﻗﺎﺑﻠﯾــﺔ ﻫ ــذا اﻟﻠﻔ ــظ ﻟــﺻﯾﻎ اﻟﺟﻣ ــﻊ واﻟﺗﺄﻧﯾ ــث واﻟﺗــذﻛﯾر راﺟﻌــﺔ إﻟــﻰ طﺑﯾﻌــﺔ اﻟــدﯾن ﻟــدى اﻟﻐــرب .وﻫــو ﻛﻣــﺎ ﻧﻌﻠــم ﻣؤﺳــس ﻋﻠــﻰ أﺻــول وﺛﻧﯾــﺔ ﯾوﻧﺎﻧﯾ ــﺔ ،ﻟ ــدﯾﻬﺎ آﻟﻬ ــﺔ ذﻛ ــور ﻣﺛ ــل"ﺟ ــوﺑﯾﺗر" ،وآﻟﻬ ــﺔ إﻧ ــﺎث ﻣﺛ ــل " أﻓرودﯾ ــت" ،وﺗﻌﺗﻘ ــد أن ﻓ ــﻲ اﻟ ــﺳﻣﺎء آﻟﻬ ــﺔ ﻣﺗﻌ ــددﯾن ﯾ ــﺳﯾرون اﻟﻛ ــون ،ﻛﻣ ــﺎ أن اﻟﻣ ــﺳﯾﺣﯾﯾن ﯾؤﻣﻧ ــون ﺑﺗﻌ ــدد اﻵﻟﻬ ــﺔ )اﻷب واﻻﺑـن واﻟـروح اﻟﻘـدس( ،وﯾﻌ ّـدون ﻣـرﯾم اﻟﺑﺗـول ﻋﻠﯾﻬـﺎ اﻟـﺳﻼم إﻟﻬـﺔ .ﻓﺗﺄﻧﯾـث اﻷﻟوﻫﯾـﺔ وﺗـذﻛﯾرﻫﺎ وﺟﻣﻌﻬــﺎ ﻣــن ﺻــﻣﯾم دﯾــﺎﻧﺗﻬم .إن اﻟﺗ ارﺑــﻲ ﯾــﺻل ﺑﻬــذا اﻟﺟﻧــوح ﻓــﻲ اﻟﺗﻔﻛﯾــر إﻟــﻰ ﻫــدف رﺳــﻣﻪ ﻟﻧﻔــﺳﻪ ،ﻫ ــو ﻣﺣﺎوﻟــﺔ اﻹﻗﻧ ــﺎع ﺑﻘﺑــول ﻟﻔ ــظ " دﯾﻣوﻗراطﯾــﺔ " ﻣ ــﺻطﻠﺣﺎ إﺳــﻼﻣﯾﺎ ﻟﻧظ ــﺎم اﻟﺣﻛ ــم،
وﺗﺑﻧـ ــﻲ اﻟﻣﻧـ ــﺎﻫﺞ اﻟـ ــﺳﯾﺎﺳﯾﺔ اﻟﻐرﺑﯾـ ــﺔ ﺷـ ــﻛﻼ وﻣـ ــﺿﻣوﻧﺎ ،و )ﻣـ ــﺻﺎدرﺗﻬﺎ ﻟـ ــﺻﺎﻟﺢ اﻹﺳـ ــﻼم( ،و )ﻏﻠﺑــﺔ أﻫﻠﻬــﺎ ﻋﻠﯾﻬــﺎ( .٥٧ﻓﺎﻹﺳــﻼم اﻟﻧــﺎﻫض اﻟﻣــﺷﻊ اﻟﯾــوم ﯾﺳﺗــﺻﺣب ﻓﺗﺣــﺎ ﻣﺗﻣــددا ﻟﻐوﯾــﺎ .إذ ﺗﺣﯾــﻰ وﺗﻌﻣــر اﻟﻣﻌــﺎﻧﻲ ﻓ ــﻲ اﻟﻛﻠﻣــﺎت اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾــﺔ ﻟﻺﺳــﻼم ،وﯾﺗ ــﺳﻧﻰ ﻟــﻪ أن ﯾــﺳﺗوﻋب اﻟﻛﻠﻣ ــﺎت اﻷﺟﻧﺑﯾ ــﺔ ،وﯾﻐﻠ ــب ﻋﻠﯾﻬ ــﺎ أﻫﻠﻬ ــﺎ ،وﯾ ــﺿﻔﻲ ﻋﻠﯾﻬ ــﺎ اﻟظ ــﻼل اﻹﺳ ــﻼﻣﯾﺔ ،وﯾ ــﺳﺧرﻫﺎ ﻟﻌﺑ ــﺎدة اﷲ
ﺳـ ــﺑﺣﺎﻧﻪ وﺗﻌـ ــﺎﻟﻰ … وﻣـ ــن ﻫﻧـ ــﺎ ﯾـ ــﺗﻣﻛن اﻟﻣـ ــﺳﻠﻣون ﻣـ ــﺛﻼ إن ﻗـ ــﺎﻣوا ﺑﻘـ ــوة وﺛﻘـ ــﺔ وﺗوﻛـ ــل ،أن ٥٥ﺣﺳن اﻟﺗراﺑﻲ ،ﻧظرات ﻓﻲ اﻟﻔﻘﻪ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ،ص٧٢ ٥٦ ٥٧
ﻧﻔس اﻟﻣﺻدر ،ص٧٢ ﻧﻔس اﻟﻣﺻدر ،ص٧٠ ٣٠
اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻣﺛﻼ إن ﻗﺎﻣوا ﺑﻘوة وﺛﻘﺔ وﺗوﻛـل ،أن ﯾـﺻﺎدروا ﻛﻠﻣـﺔ " ﺛـورة" وﻛﻠﻣـﺔ " دﯾﻣوﻗراطﯾـﺔ " وﻛﻠﻣــﺔ " اﺷــﺗراﻛﯾﺔ " ﻟــﺻﺎﻟﺢ اﻹﺳــﻼم … ،أﻣــﺎ وﻗــد ﺗﺟﺎوزﻧــﺎ ﻏرﺑــﺔ اﻹﺳــﻼم ،وﻏﻠﺑــﺔ اﻟﻣﻔــﺎﻫﯾم
اﻟﻐرﺑﯾﺔ ﺑﻛل ﻣﺿﺎﻣﯾﻧﻬﺎ وظﻼﻟﻬﺎ ،ﻓﻼ ﺑﺄس ﻣن اﻻﺳﺗﻌﺎﻧﺔ ﺑﻛل ﻛﻠﻣﺔ راﺋﺟـﺔ ﺗﻌﺑـر ﻋـن ﻣﻌﻧـﻰ،
ٕوادراﺟﻬـﺎ ﻓـﻲ ﺳـﯾﺎق اﻟـدﻋوة ﻟﻺﺳـﻼم ،وﻟﻔﱢﻬــﺎ ﺑـﺄُطر اﻟﺗـﺻورات اﻹﺳـﻼﻣﯾﺔ ﺣﺗـﻰ ﺗُـﺳﻠم ﷲ .ﻛﻣــﺎ أن اﻟــﺷورى ﻋﻧــد اﻟﺗ ارﺑــﻲ ﻣــن أﺻــل اﻟــدﯾن ،٥٨أي ﻣــن ﺻــﻣﯾم اﻟﻌﻘﯾــدة وﻟﯾــﺳت ﻣــن اﻟﻔــروع؛
وﻣــﺎ داﻣــت اﻟــﺷورى ﻓــﻲ ﻧظ ـرﻩ ﻫــﻲ اﻟدﯾﻣوﻗراطﯾــﺔ ،ﻓﺎﻟدﯾﻣوﻗراطﯾــﺔ ـ إذن ـ ﻣــن أﺻــل اﻟــدﯾن وﻋﻘﯾدﺗﻪ. وﺛﺎﻟﺛﻬﺎ ﻫﺎﺟﻣت اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة ،ورﻓـﺿﺗﻬﺎ ﺟﻣﻠـﺔ ،واﻋﺗﺑـرت أن ﻻ ﺳـﺑﯾل إﻟـﻰ ﻣـزج اﻹﺳــﻼم ﺑﺎﻟدﯾﻣﻘراطﯾـﺔ ،وﻻ ﺳــﺑﯾل إﻟـﻰ اﻟﻘــول ﺑــﺄن اﻹﺳـﻼم ﻧظــﺎم دﯾﻣﻘ ارطـﻲ ،وﻣــن ﻫــؤﻻء ﻣﺣﻣد ﻗطب ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ :ﻣذاﻫب ﻓﻛرﯾﺔ ﻣﻌﺎﺻرة.
ﯾﻘــول اﻟــﺷﯾﺦ ﺳــﻠﻣﺎن اﻟﻌــودة ﻋــن إﺟﺎﺑــﺔ ﺳ ـؤال :ﻣــﺎ اﻟﻔــرق ﺑــﯾن اﻟﻧظــﺎم اﻟــدﯾﻣوﻗراطﻲ واﻟﻧظــﺎم اﻹﺳــﻼﻣﻲ؟ وﻫــل ﯾــﺻﺢ ﻗــول ﺑﻌــﺿﻬم :إن ﻋﻣــر و أﺑــﺎ ﺑﻛــر رﺿــﻲ اﷲ ﻋﻧﻬﻣــﺎ ﻣــن
زﻋﻣــﺎء اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ؟ وﻣــﺎ ﻣﻌﻧــﻰ ﺣرﯾــﺔ اﻟ ـرأي ﻓــﻲ اﻹﺳــﻼم ،ﯾﻘــول :اﻟدﯾﻣوﻗراطﯾــﺔ ﯾﻘــﺻد ﺑﻬــﺎ ﺣﻛــم اﻟــﺷﻌب،وﻓﻲ اﻟﺑﯾﺋــﺎت اﻟﺗــﻲ ﻧــﺷﺄ ﻓﯾﻬــﺎ ﻫــذا اﻟﻣــﺻطﻠﺢ ﻟــم ﯾﻛــن ﻟﻠــﺷرﯾﻌﺔ ﻣﻘــﺎم وﻻ وﺟــود أﺻﻼ -ﻟم ﯾﻛـن ﻟﻠـﻧص اﻹﻟﻬـﻲ واﻟﺣﻛـم اﻹﻟﻬـﻲ "ﺑﻣﻌﻧـﻰ اﻟﺗـﺷرﯾﻊ" ،ﻟـم ﯾﻛـن ﻟـﻪ وﺟـود -ﻓﻛﺎﻧـت ً
ﻫذﻩ اﻟﻛﻠﻣﺔ ﺗﻧطﻠق ﻋﻠﻰ ﺣﻛم اﻟﺷﻌب ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺎﻻت اﻟﺗـﺷرﯾﻌﯾﺔ ،ﺑﻣﻌﻧـﻰ أن اﻟـﺷﻌب ﻫـو اﻟـذي ـﺛﻼ -ﻫــو :اﻟــذي ﯾﺣﻛــم ﺑــﺄن ﻫــذا اﻟــﺷﻲء ﻟــﻪ ﺳــن اﻷﻧظﻣــﺔ واﻷﺣﻛــﺎم واﻟﻘ ـواﻧﯾن ،ﻓﺎﻟــﺷﻌب -ﻣـ ً
أﺣــﻼل ﻫــو أم ﺣـرام ،ﺣــق أم ﺑﺎطــل ،ﺧطــﺄ أم ﺻـواب ،وﻫــو اﻟــذي ﯾــﺿﻊ اﻷﻧظﻣــﺔ اﻟﺗﻔــﺻﯾﻠﯾﺔ أﯾﺿﺎ ﻓﻲ ﻛل ﺷﺋون اﻟﺣﯾﺎة ،وﻛذﻟك اﻟـﺷﻌب ﻟـﻪ ﺣـق اﻟـﺳﻠطﺔ اﻟﺗﻧﻔﯾذﯾـﺔ واﻟﻘـﺿﺎﺋﯾﺔ ،ﺑﻣﻌﻧـﻰ أن ً
اﻟــﺷﻌب ﻫــو اﻟــذي ﯾﻣــﺎرس ﺗﻧﻔﯾــذ اﻟﻘ ـواﻧﯾن ،ﻓﯾﻛــون اﻟــﺷﻌب ﻫــو ﻣــﺻدر اﻟﺗــﺷرﯾﻊ وﻫــو ﻣــﺻدر ـﺎء ﻋﻠﯾــﻪ ﻻ ﯾﻛــون ﻟﻠــﺷرع ﺣﻛــم أو ﻣرﺟﻌﯾــﺔ ،ﻫــذا أﺻــل وﺟــود اﻟدﯾﻣوﻗراطﯾــﺔ. اﻟــﺳﻠطﺎت ،وﺑﻧـ ً وﻫــو ﻛــذﻟك ﺑﺎﻟﻧــﺳﺑﺔ ﻟﻠدﯾﻣوﻗراطﯾــﺔ اﻟﻠﺑراﻟﯾــﺔ اﻟﻐرﺑﯾــﺔ ،ﻓﻬــﻲ ﺗﻘــوم ﻋﻠــﻰ أﺳــﺎس ﻋﻠﻣــﺎﻧﻲ ﻻدﯾﻧــﻲ، ﻋﻠــﻰ أﺳــﺎس ﻋــدم دﺧــول اﻟــدﯾن ﻓــﻲ اﻟــﺳﻠطﺔ ،وﻟــذﻟك ﻓــﺈن اﻟﺑرﻟﻣﺎﻧــﺎت اﻟﻐرﺑﯾــﺔ واﻟﻣﺟــﺎﻟس أﯾــﺎً
ﻛﺎن اﺳﻣﻬﺎ ،ﻫﻲ اﻟﺗﻲ ﺗـﺳن اﻟﻘـواﻧﯾن وﺗـﺷرع ،ﻓﻣـن اﻟﻣﻣﻛـن أن ﺗﺧـرج -ﻣـﺛﻼً -ﻓـﻲ ﻫـذا اﻟﻌـﺎم ﻗﺎﻧوﻧﺎ ﻓﺣواﻩ :أن اﻟﺷذوذ اﻟﺟﻧﺳﻲ ﻣـﺛﻼً ﻣﺑـﺎح ،ﻓﯾﻛـون ﻣﺑﺎﺣـﺎً ﻛﻣـﺎ ﻫـو اﻵن اﻟﺟـدل اﻟـداﺋر ﻓـﻲ ً
٥٨
ﻧﻔس اﻟﻣﺻدر اﻟﺳﺎﺑق ،ص٩٩ ٣١
أﻣرﯾﻛــﺎ وﻓــﻲ ﻏﯾرﻫــﺎ ،وﻫﻛــذا ﻛــل اﻷﺷــﯾﺎء اﻷﺧــرى ،ﻓﻬــذﻩ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ اﻟﻌﻠﻣﺎﻧﯾــﺔ اﻟﻠﺑراﻟﯾــﺔ ﺗﻘــوم ﻋﻠـﻰ أﺳــﺎس إﻗـﺻﺎء اﻟﺣﻛــم اﻹﻟﻬـﻲ واﻟﺗــﺷرﯾﻊ اﻟرﺑـﺎﻧﻲٕ ،واﺣــﻼل اﻟﻔـرد ﻛﻣــﺎ ﻟـو ﻛــﺎن إﻟﻬـﺎً ﯾﺣﻛــم ـﺎﻧﻬم أَ ْرَﺑﺎﺑــﺎً ِﻣـ ْـن ُ ِ دون اﻟﻠﱠـ ِـﻪ وﯾــﺷرع وﯾــﺄﻣر وﯾﻧﻬــﻰ ،ﻛﻣــﺎ ﻗــﺎل اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ } :اﺗﱠ َﺧـ ُـذوا أ ْ ورْﻫ َﺑـ َ ُْ ﻫم َ ُ َﺣَﺑــﺎ َرُ ْ ِ ﯾم { ]اﻟﺗوﺑﺔ [٣١:وﻫذا ﻻ ﺷك أﻧﻪ ﺷرك ﻓﻲ اﻷﻟوﻫﯾـﺔ واﻟرﺑوﺑﯾـﺔ ٕواﻋطـﺎء ﺣـق اﻟﻣﺳﯾﺢ ْ َ َو ْ َ َ اﺑن َﻣ ْرَ َ ـرﻛﺎءُ َﺷـ َـر ُﻋوا َﻟﻬُـ ْـم ِﻣـ َـن اﻟـ ﱢ ِ ـدﯾن َﻣــﺎ َﻟـ ْـم ﺷـ َ َ اﻟﺗــﺷرﯾﻊ ﻟﻐﯾــر اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ،واﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ﯾﻘــول } :أ َْم ﻟَﻬُـ ْـم ُ ذن ﺑِ ـ ِـﻪ اﻟﻠﱠ ــﻪُ { ]اﻟ ــﺷورى ].٢١:أﻣ ــﺎ اﻟﻣﻌﻧ ــﻰ اﻟﺛ ــﺎﻧﻲ :اﻟ ــذي ﯾ ــﺳﺗﺧدﻣﻪ ﺑﻌ ــض اﻟﻛﺗ ــﺎب ،ﻓﻘ ــد َﯾ ـ ْـﺄ َ ْ ﯾ ــﺳﺗﺧدﻣون ﻣ ــﺻطﻠﺢ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾ ــﺔ ﻧﻔ ــﺳﻪ ،وﯾﻘ ــﺻدون ﺑ ــﻪ اﻟﻣ ــﺷﺎرﻛﺔ اﻟ ــﺷﻌﺑﯾﺔ ﻓ ــﻲ إدارة دﻓ ــﺔ اﻟﺣﻛــم ،ﻣــن ﺧــﻼل اﻧﺗﺧــﺎب اﻟــﺷﻌب ﺑﻧواﺑــﻪ وﻣﻣﺛﻠﯾــﻪ وﻣــن ﯾﻛوﻧــون ﻓــﻲ دواﺋــر ﺗﻧﻔﯾــذ اﻷﻣــور، دون أن ﯾﻛــون ﻟﻬــم ﺗــدﺧل ﻓــﻲ اﻟﺗﺣﻠﯾــل واﻟﺗﺣ ـرﯾم ،وﻻ ﻋﻼﻗــﺔ ﺑﺎﻷﺣﻛــﺎم اﻟــﺷرﻋﯾﺔ ،وﻓــﻲ ظــل
إﻗـرار اﻟﺟﻣﯾــﻊ ﺑــﺄن اﻟــﺷرﯾﻌﺔ ،ﻫــﻲ ﺷـرﯾﻌﺔ اﷲ ،وأن اﻟﺣﻛــم ﺣﻛــم اﷲ ،وأﻧــﻪ ﻻ ﯾﺣــق ﻷﺣــد ﻓــرداً ﻛ ــﺎن أو ﺟﻣﺎﻋ ــﺔ أو أﻣ ــﺔ أن ﯾﻐﯾ ــر ﺷـ ـرﯾﻌﺔ اﷲ ﺗﻌ ــﺎﻟﻰ ،ﻻ ﻣ ــن ﺧ ــﻼل اﺧﺗﯾ ــﺎر وﻻ ﻣ ــن ﺧ ــﻼل
اﻧﺗﺧــﺎب ،وﻻ ﻣــن ﺧــﻼل ﺗــﺻوﯾت ،وﻻ ﻏﯾــر ذﻟــك ،ﺑــل اﻟﺟﻣﯾــﻊ ﻣﻘــرون ﺑــﺄن ﺷـرﯾﻌﺔ اﷲ ﺗﻌــﺎﻟﻰ ﻋﺗم ِﻓـ ــﻲ َﺷـ ـ ٍ اﻟر ُﺳـ ـ ِ ـﻲء ﻓَـ ـ ُ ﱡ ـول { ـردوﻩُ إِﻟَـ ــﻰ اﻟﻠﱠـ ـ ِـﻪ َو ﱠ ـﺈن ﺗََﻧـ ـ َ ﻫـ ــﻲ اﻟﻣرﺟـ ــﻊ ،ﻛﻣـ ــﺎ ﻗـ ــﺎل ﺗﻌـ ــﺎﻟﻰ } :ﻓَـ ـ ِ ْ ـﺎز ْ ُ ْ ْ ]اﻟﻧﺳﺎء [٥٩:وﺑﻌض اﻟﻛﺗﺎب اﻟذﯾن ﯾﺗﺣدﺛون ﻣن ﻣﻧطﻠق إﺳﻼﻣﻲ ،ﯾﻘﺻدون ﻫـذا اﻟﻣﻌﻧـﻰ ،ﻻ ﯾﻘﺻدون اﻟﻣﻌﻧﻰ اﻷول؛ ﻷن اﻟﻣﻌﻧﻰ اﻷول ﻫو ﺑﻼ ﺷك ﯾﻌﻧﻲ ﻣـﻧﺢ اﻟﺗـﺷرﯾﻊ ﻟﻐﯾـر اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ـدا اﺳـﺗﺧدام اﻟﻛﻠﻣـﺔ ،ﻷن ﻛﻣﺎ أﺳﻠﻔت ،وﻫـذا ﺷـﺄﻧﻪ ﻛﻣـﺎ اﺗـﺿﺢ .ﺣﺗـﻰ اﻟﻣﻌﻧـﻰ اﻟﺛـﺎﻧﻲ ﻻ أرى أﺑ ً
اﻟﻛﻠﻣــﺔ ﻏرﺑﯾــﺔ أﺟﻧﺑﯾــﺔ ،ﻟﻬــﺎ ﻣــﺻطﻠﺢ ﻟــﻪ ظــل ،وﻟــﻪ ﻣﻌﻧــﻰ ﺧــﺎص ،واﻋﺗﺑــﺎر أن اﻟدﯾﻣوﻗراطﯾــﺔ اﻟﻐرﺑﯾــﺔ ﻫــﻲ اﻟﻧظــﺎم اﻹﺳــﻼﻣﻲ ﺑــﻼ ﺷــك ﺧطــﺄ ،ﻷن اﻹﺳــﻼم ﻣــﺳﺗﻘل ﺑﻣــﺻطﻠﺣﺎﺗﻪ وﻋﺑﺎ ارﺗــﻪ ﻛﻣـﺎ ﻫـو ﻣــﺳﺗﻘل ﺑﻧظﻣـﻪ وأﺣﻛﺎﻣـﻪ ،ﻓﺎﻹﺳــﻼم ﺟـﺎء ﺑﺎﻟـﺷورى ﻧﻌــم ،ﻓ ـ ﻋﻣـر وﻣــن ﻗﺑﻠـﻪ أﺑـو ﺑﻛــر ،ﻛـﺎﻧوا أﺋﻣـﺔ اﻟـﺷورى ،واﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ﺧﺎطـب ﻧﺑﯾـﻪ
وﻣن ﻗﺑﻠﻬﻣـﺎ رﺳـول اﷲ ـﺎورُ ِ ـﻧﻬم { ـورى َﺑ ْﯾ ـ ـ ـ َ ُْ ﻫم ُﺷ ـ ـ ـ َ ﻫم ﻓ ـ ـ ــﻲ ا ْﻷَ ْﻣ ـ ـ ـ ِـر { ]آل ﻋﻣـ ـ ـ ـ ارن [١٥٩:وﻗ ـ ـ ــﺎل ﺗﻌ ـ ـ ــﺎﻟﻰَ } :وأَ ْﻣ ـ ـ ـ ُـرُ ْ َو َﺷ ـ ـ ـ ِ ْ ْ ]اﻟــﺷورى [٣٨:وﻻ ﺷــك أن اﻟﻧﺑــﻲ ﻛﻣــﺎ ﻗــﺎل ﻋﻧــﻪ أﺑــو ﻫرﯾ ـرة]] :ﻟــم ﯾﻛــن أﺣــد أﻛﺛــر ﻣــﺷﺎورة ﻷﺻــﺣﺎﺑﻪ ﻣــن رﺳــول اﷲ
ﺑﻘوﻟـﻪ ﺗﻌـﺎﻟﻰ} :
[[ ﻛــﺎن ﯾﺳﺗــﺷﯾرﻫم ﻓــﻲ أﻣــور ﻛﺛﯾ ـرة ،ﻣــن أﻣــور اﻟﺣــرب ،واﻟــﺳﻠم
واﻷﻣـن واﻟﺧــوف وﻏﯾــر ذﻟــك ،ﻣﻣــﺎ ﻫــو ﻣﻌــروف ﻣــن ﻫدﯾــﻪ وﺳــﯾرﺗﻪ
،واﻟــﺷورى ﻓﯾﻬــﺎ ﻣﻧــﺎﻓﻊ
وﻓواﺋد ﻋظﯾﻣﺔ ﺟداً :ﻣﻧﻬﺎ :ﺗدرﯾب اﻷﻣـﺔ ﻋﻠـﻰ اﻟﻣـﺷﺎرﻛﺔ ،وأﻻ ﺗﺣـول اﻷﻣـﺔ إﻟـﻰ ﻗطﯾـﻊ ﯾـﺳﺎق دون أن ﯾﻛون ﻟﻪ رأي .وﻣﻧﻬﺎ :ﺗدرﯾب اﻷﻣـﺔ ﻋﻠـﻰ اﻟﻣواﻗـف واﻷزﻣـﺎت .وﻣﻧﻬـﺎ :اﻻﺷـﺗراك ﻓـﻲ ٣٢
ﺗﺣﻣل اﻟﺗﺑﻌﺎت واﻟﻣﺳﺋوﻟﯾﺎت ،وأﻻ ﯾﺗﺣﻣﻠﻬـﺎ ﻓـرد أو أﻓـراد ﺑـﺄﻋﯾﻧﻬم ،وﯾﺗﺣـول اﻟﺑﻘﯾـﺔ إﻟـﻰ ﻧـﺎﺋﻣﯾن ﻓﻲ وﻗت اﻷﻣن ،وﻻﺋﻣـﯾن ﻓـﻲ وﻗـت اﻟﻣـﺻﺎﺋب واﻷزﻣـﺎت ،وﺣـﺻول ﺿـد ﻣـﺎ ﻫـو ﻣﺗوﻗـﻊ ،إﻟـﻰ ﻏﯾر ذﻟك ﻣن اﻟﻔواﺋد اﻟﻌظﯾﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﻟﯾس ﻫذا ﻣﺟﺎﻻً ﻟﻠﺣـدﯾث ﻋﻧﻬـﺎ .ﻓﺎﻟﻧظـﺎم اﻹﺳـﻼﻣﻲ ﻧظـﺎم
ﺷـوروي ،ﻧﻌــم ،وﻻ ﺷــك أن ﻣــن اﻟـﺷورى أن ﯾــﺷﺗرك اﻟﻣــﺳﻠﻣون ﻓــﻲ اﻻﺧﺗﯾـﺎر ،ﻛﻣــﺎ ﺣــدث ﻓــﻲ ﻋﻬــد اﻟﺧﻠﻔــﺎء اﻟ ارﺷــدﯾن رﺿــﻲ اﷲ ﻋــﻧﻬم ،ﻓــﺈن ﻋﻣــر رﺿــﻲ اﷲ ﻋﻧــﻪ ﻟــم ﯾﺣــدد اﻟﺧﻠﯾﻔــﺔ ﻣــن
ﺑﻌـدﻩ ،ﺑــل ﺟﻌــل اﻷﻣــر ﻓـﻲ اﻟــﺳﺗﺔ اﻟــذﯾن ﺗــوﻓﻲ رﺳـول اﷲ
وﻫــو ﻋــﻧﻬم راض ،ﻓﺗرﺗــب ﻋﻠــﻰ
ذﻟــك أﻧﻬــم ﻓوﺿ ـوا ﻋﺑــد اﻟــرﺣﻣن ﺑــن ﻋــوف رﺿــﻲ اﷲ ﻋﻧــﻪ ،ﻓــﻲ ﺳ ـؤال اﻟﻧــﺎس ،ﻓﻛــﺎن ﯾــﺳﺄل ـﺎء ﻋﻠﯾـﻪ ﺟﻌـل اﻷﻣـر اﻟرﺟﺎل واﻟﻧﺳﺎء ﺣﺗﻰ اﻟﻌذارى ﻓـﻲ ﺧـدورﻫن ،وﯾﺄﺧـذ رأﯾﻬـم ﻓـﻲ ذﻟـك؛ وﺑﻧ ً ﻓــﻲ ﻋﻠــﻲ ﺑــن أﺑــﻲ طﺎﻟــب و ﻋﺛﻣــﺎن ﺑــن ﻋﻔــﺎن ،ﺛــم آل اﻷﻣــر إﻟــﻰ اﺧﺗﯾــﺎر ﻋﺛﻣــﺎن ﺑــن ﻋﻔــﺎن
ﺑﺎﻟﺗﺧــﺻﯾص ،ﻓﻛــﺎن ﻫــو اﻟﺧﻠﯾﻔــﺔ اﻟ ارﺷــد اﻟﺛﺎﻟــث ﻋﻠــﻰ ﻣــﺎ ﻫــو ﻣﻌــروف ﺗﻔــﺻﯾﻠﻪ ﻓــﻲ اﻟﺗــﺎرﯾﺦ. ﻓﺎﻟﻣﻘ ــﺻود أن ﻫ ــذا اﻷﻣ ــر ﻻ داﻋ ــﻲ أﺑ ــداً أن ﯾ ــﺳﻣﯾﻪ ﺑﻌ ــﺿﻬم ﺑﺎﻟدﯾﻣوﻗراطﯾ ــﺔ ،ﻷن اﻹﺳ ــﻼم
ﻣــﺳﺗﻘل ﻓــﻲ أﺣﻛﺎﻣ ــﻪ وﺷ ـراﺋﻌﻪ ،ﻛﻣــﺎ ﻫ ــو ﻣــﺳﺗﻘل ﺑﻣــﺻطﻠﺣﺎﺗﻪ وﻋﺑﺎ ارﺗ ــﻪٕ ،واطــﻼق ﻣ ــﺻطﻠﺢ أﺟﻧﺑﻲ أو ﻏرﺑﻲ أو ﺣﺗﻰ ﻓﻲ اﻷﺻل وﺛﻧﻲ ﻏﯾر ﺷـرﻋﻲ ،ﻋﻠـﻰ أي ﺣﻛـم ﻣـن أﺣﻛـﺎم اﻟـﺷرﯾﻌﺔ ﻓﯾ ــﻪ إﺟﺣ ــﺎف ﺑﺣ ــق اﻟ ــﺷرﯾﻌﺔ ،وﻗ ــد ﯾﻛ ــون ﻓﯾ ــﻪ ﻧ ــوع ﻣ ــن اﻟﺗﻠﺑ ــﯾس .واﻟﻌ ــذر اﻟ ــذي ﻗ ــد ﯾﻘدﻣ ــﻪ ﺑﻌــﺿﻬم ،ﻫــو أن ﻫــذا اﻟﻣــﺻطﻠﺢ أﺻــﺑﺢ ﻣــﺻطﻠﺣﺎً ﻣــﺷﻬو اًر دارﺟــﺎً ﻋﻧــد اﻟﻧــﺎس ﻣﻌروﻓـ ًـﺎ ،ﻫﻧــﺎ ﻧﻘول :إن اﻹﻧﺳﺎن ﻋﻠﯾﻪ أن ﯾﺑﯾن ﻣن ﯾﺳﺗﺧدم ﻫذا اﻟﻣـﺻطﻠﺢ ﺑﻌﯾﻧـﻪ ،ﺑـل ﯾﺑـﯾن أن اﻟﻣـﺻطﻠﺢ
ـﺛﻼ ،-إن أرﯾــد ﺑــﻪ اﻟﻣــﺷﺎرﻛﺔ اﻟﺗــﻲ وﺻــﻔﺗﻬﺎ -ﻛﻣــﺎ ﺳــﺑق -ﻓﻬــذا اﻟــذي ﻫــو اﻟدﯾﻣوﻗراطﯾــﺔ -ﻣـ ً
ﺻـﺣﯾﺢ وﺟـﺎء ﻓــﻲ اﻹﺳـﻼم ،ﻟﻛـن اﻹﺳــﻼم ﻻ ﯾطﻠـق ﻋﻠﯾــﻪ ﻣﺛـل ﻫـذا اﻟﻣــﺻطﻠﺢٕ ،وان أرﯾـد ﺑــﻪ أن اﻟ ــﺷﻌب ﻟ ــﻪ ﺣ ــق اﻟﺗ ــﺷرﯾﻊ واﻟ ــﻧﻘض واﻻﻋﺗـ ـراض ﻋﻠ ــﻰ ﻣ ــﺎ أﻧ ــزل اﷲ ،ﻓﻬ ــذا ﻣﻌﻧ ــﻰ ﺑﺎط ـ ٌـل ﻋﺎ ،وﻟ ــﯾس ﻷﺣ ـ ٍـد ﻣ ــن اﻟﻧ ــﺎس ﺣ ــق اﻻﻋﺗـ ـراض ﻋﻠ ــﻰ ﻣ ــﺎ أﻧ ــزل اﷲ ﺗﻌ ــﺎﻟﻰ ،وﺣﻛ ــم وﻗ ــرر ﺷ ــر ً وﻗﺿﻰ ،واﻷﻣر ﯾﺗطﻠب ﻣزﯾداً ﻣن اﻟﺗﻔﺻﯾل ﺑﻼ ﺷك؛ ﻷﻧﻬﺎ ﻗـﺿﯾﺔ ﺧطﯾـرة وﻛﺑﯾـرة ،وﻫـﻲ أﺣـد
اﻹﺷﻛﺎﻟﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﯾﻛﺗب ﻓﯾﻬﺎ اﻟﻣﻌﻧﯾون ﺑﺎﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﺷرﻋﯾﺔ ﻓﻲ ﻫذا اﻟزﻣﺎن.٥٩
وﯾﻘــول اﻟــﺷﯾﺦ ﺳــﻔر اﻟﺣ ـواﻟﻲ ﻋــن إﺟﺎﺑــﺔ ﺳ ـؤال :ﻫــل ﻣﻌﻧــﻰ اﻟﺣرﯾــﺔ ﻫــو اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﻛﻣﺎ ﯾﻘوﻟون؟ وﻣﺎ رأﯾك ﻓﻲ ﻣﻔﻬوم اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ ،وﻫـل ﻓـﻲ اﻹﺳـﻼم دﯾﻣﻘراطﯾـﺔ؟ ،ﯾﻘـول :اﻟﺣرﯾـﺔ واﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﻫــﻲ ﻛﻣــﺎ ﻗﻠﻧــﺎ ﻓــﻲ اﻟﻐــرب ﺣرﯾــﺔ اﻟــﺷﻬوات ،وﺣرﯾــﺔ اﻟﺗﻣــرد ﻋﻠــﻰ اﷲ ﻋــز وﺟــل، ٥٩ﺳﻠﻣﺎن ﺑن ﻓﻬد ﺑن ﻋﺑد اﷲ اﻟﻌودة ،دروس اﻟﺷﯾﺦ. ٣٣
وﺣرﯾ ــﺔ اﻟﻌﺑودﯾ ــﺔ ﻟﻐﯾ ــر اﷲ ﻋ ــز وﺟ ــل ،أﻣ ــﺎ اﻟﺣرﯾ ــﺔ اﻟﺣﻘﯾﻘﯾ ــﺔ وﻫ ــﻲ اﻟﺗ ــﻲ ﺗﺗﺣﻘ ــق ﺑﻬ ــﺎ ﻛ ارﻣ ــﺔ اﻹﻧــﺳﺎن ،وﻫــﻲ أن ﻻ ُﯾﻌﺑــد إﻻ اﷲ ،وﻻ ﯾُﺧــﺿﻊ إﻻ ﷲ ،وﻻ ﯾطـﺎع إﻻ اﷲ ،ﻓﻬــذﻩ ﻣﻔﻘــودة ﻓــﻲ اﻟﻐـرب ﺗﻣﺎﻣـ ًـﺎ ،و اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ اﻟﻣوﺟــودة اﻟﯾـوم ﻓــﻲ اﻟﻌــﺎﻟم اﻟﻐرﺑــﻲ ﻫـﻲ ﺳــﺗﺎر ،وﻧﺣــن -واﻟﺣﻣــد ﷲ -ﺟﻣﯾﻌﺎً ﻧﻘ أر اﻟﺻﺣف ﻣـﺎ ﯾـﺳﻣﻰ اﻟﻠـوﺑﻲ اﻟﯾﻬـودي -ﻣـﺛﻼً -ﻓـﻲ أﻣرﯾﻛـﺎ ،ﻛﯾـف اﺳـﺗﻐل ﻫـذﻩ
اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ،ﻓﻬــو اﻟــذي ﯾــﺗﺣﻛم ﻓــﻲ ﻣــﺻﯾر اﻻﻧﺗﺧﺎﺑــﺎت ،وﻓــﻲ ﻣــﺻﯾر اﻟﺑﻠــد ﺑﻛﺎﻣﻠــﻪ ،وﯾوﺟــﻪ اﻹذاﻋ ــﺔ ،وﯾوﺟ ــﻪ اﻟ ــﺻﺣف ،وﯾوﺟ ــﻪ ﻛ ــل ﺷ ــﻲء ،ﻓﻬ ــذﻩ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾ ــﺔ اﻟﻣ ــدﻋﺎة واﻟﻣزﻋوﻣ ــﺔ ﻻ
ﯾ ــﺳﺗﻔﯾد ﻣﻧﻬ ــﺎ إﻻ أرﺑ ــﺎب اﻷﻫـ ـواء واﻟ ــﺷﻬوات ،وأرﺑ ــﺎب رءوس اﻷﻣـ ـوال اﻟ ــذﯾن ﻗ ــﺎل اﷲ ﺗﻌ ــﺎﻟﻰ ﺗﺷﯾﻊ ْ َ ِ َ ِ ﱠِ ﯾﺣﺑون أ ْ ِ ِ إن ﱠِ ﻋﻧﻬم ِ } :ﱠ آﻣﻧُوا { ]اﻟﻧـور [١٩:ﻫـؤﻻء ﯾﺣﺑـون أن اﻟﻔﺎﺣﺷﺔُ ﻓﻲ َ اﻟذﯾن ُ ﱡ َ َ اﻟذﯾن َ َن َ َ ﺗﺷﯾﻊ اﻟﻔواﺣش؛ ﻓﯾﺑﯾﻌون اﻟﺧﻣور واﻟﻣﺧدرات ،وﯾﺣﺑون وﺟود اﻟـدﻋﺎرة ،واﻟرﺑـﺎ ،وﻛـل اﻟﻣوﺑﻘـﺎت ﻟﯾﻛــﺳﺑوا وﯾﻧﻬﺑ ـوا اﻟﻧــﺎس ﺑﺎﺳــم اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ .أﻣــﺎ ﻫــل ﻓــﻲ اﻹﺳــﻼم دﯾﻣﻘراطﯾــﺔ؟ اﷲ ﻋــز وﺟــل ـﯾﻛم ِﻧﻌﻣﺗِــﻲ ور ِ ِ ـﯾت ﺿـ ُ ـﻧﻛم َوأَﺗْ َﻣ ْﻣـ ُ َﻛﻣْﻠـ ُ ـت َﻋﻠَـ ْ ُ ْ ْ َ َ َ ـت ﻟَ ُﻛـ ْـم دﯾـ َ ُ ْ ـوم أ ْ َ رﺿــﻲ ﻟﻧــﺎ اﻹﺳــﻼم ،ﻗــﺎل ﺗﻌــﺎﻟﻰْ } :اﻟَﯾـ ْ َ ِ ـﻼم ِدﯾﻧــﺎً { ]اﻟﻣﺎﺋــدة [٣:ﻓﻣــﺎ رﺿــﻲ ﻟﻧــﺎ اﻹﺷــﺗراﻛﯾﺔ وﻻ اﻟدﯾﻣوﻗراطﯾــﺔ وﻻ اﻟﻘوﻣﯾــﺔ ،وﻻ ﻟَ ُﻛـ ُـم ْاﻷ ْﺳـ َ ِِ ـﺳﻠﻣﯾن { ]اﻟﺣـﺞ [٧٨:ﻓﻠـن ﯾرﺿـﻰ أن ﯾـﺳﻣﯾﻧﺎ ﺑـﺄي ـﻣﺎﻛم ْاﻟ ُﻣ ْ َ أي ﺗﺳﻣﯾﺔ أﺧرى ،وﻗـﺎلُ } :ﻫ َـو َﺳ ﱠ ُ ُ اﺳم آﺧر ،وﻻ ﯾرﺿﻰ ﻟﻧﺎ أن ﻧﻧﺗﺳب إﻟﻰ أي ﻣﻠﺔ أﺧرى.٦٠ وﯾﻣﻛـ ــن اﻟﻘـ ــول :إﻧـ ــﻪ ﻣـ ــن ﺣﻘﻧـ ــﺎ اﻗﺗﺑـ ــﺎس ﻣﯾ ـ ـزات اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـ ــﺔ ،ﻓﺎﻹﺳـ ــﻼم ﻗـ ــد ﺳـ ــﺑق
اﻟدﯾﻣﻘراطﯾ ــﺔ ﺑﺗﻘرﯾ ــر اﻟﻘواﻋ ــد اﻟﺗ ــﻲ ﯾﻘ ــوم ﻋﻠﯾﻬ ــﺎ ﺟوﻫرﻫ ــﺎ ،وﻟﻛﻧ ــﻪ ﺗ ــرك اﻟﺗﻔ ــﺻﯾﻼت ﻻﺟﺗﻬ ــﺎد اﻟﻣــﺳﻠﻣﯾن وﻓــق أﺻــول دﯾــﻧﻬم ،وﻣــﺻﺎﻟﺢ دﻧﯾــﺎﻫم ،وﺗطــور ﺣﯾــﺎﺗﻬم ﺑﺣــﺳب اﻟزﻣــﺎن واﻟﻣﻛــﺎن، وﺗﺟدد أﺣوال اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن .ﺣﺗﻰ ﻫذﻩ اﻷﻣور اﻟﺟزﺋﯾﺔ إذا اﻗﺗﺑﺳت ﻣن ﻏﯾر اﻟﻣـﺳﻠﻣﯾن ،ﺗﻌـد ﻓـﻲ ﻫذا اﻟوﻗت ﺟزءاً ﻣن اﻟﺣل اﻹﺳﻼﻣﻲ؛ ﻷﻧﻬﺎ إﻧﻣﺎ اﻗﺗﺑﺳت ﺑﺎﺳم اﻹﺳـﻼم ،وﻋـن طرﯾﻘـﻪ ،وﺑﻌـد
إذﻧﻪ ،ووﻓﻘﺎً ﻟﻘواﻋدﻩ ﻓﻲ اﺳﺗﻧﺑﺎط اﻷﺣﻛﺎم اﻟـﺷرﻋﯾﺔ ﻟﻣـﺎ ﻻ ﻧـص ﻓﯾـﻪ ﻣـن اﻟوﻗـﺎﺋﻊ واﻟﺗـﺻرﻓﺎت، وﻻ ﯾﺿﯾرﻧﺎ أن ﻫذﻩ اﻟﺟزﺋﯾﺔ ﺑﺎﻟـذات ﻗـد أﺧـذت ﻣـن ﻧظـﺎم ﻏﯾـر إﺳـﻼﻣﻲ ،ﻓﺈﻧﻬـﺎ ﺑﺎﻧـدﻣﺎﺟﻬﺎ ﻓـﻲ
اﻟﻧظﺎم اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺗﻔﻘد ﺟﻧﺳﯾﺗﻬﺎ اﻷوﻟﻰ ،وﺗﺄﺧذ طﺎﺑﻊ اﻹﺳﻼم وﺻﺑﻐﺗﻪ.٦١
٦٠ﺳﻔر ﺑن ﻋﺑد اﻟرﺣﻣن اﻟﺣواﻟﻲ ،دروس اﻟﺷﯾﺦ.
٦١
اﻟﻘرﺿﺎوي :اﻟﺣل اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓرﯾﺿﺔ وﺿرورة ،ص١٠٤ ٣٤
وﻻ ﯾوﺟد ﺷرﻋﺎً ﻣﺎ ﯾﻣﻧﻊ اﻗﺗﺑﺎس ﻓﻛرة ﻧظرﯾﺔ أو ﺣـل ﻋﻣﻠـﻲ ﻣـن ﻏﯾـر اﻟﻣـﺳﻠﻣﯾن ،ﻓﻘـد
أﺧذ اﻟﻧﺑﻲ
ﻓﻲ ﻏزوة اﻷﺣزاب ﺑﻔﻛرة ﺣﻔر اﻟﺧﻧدق ،وﻫو ﻣن أﺳﺎﻟﯾب اﻟﻔرس.٦٢
وﻟﻛــن ﻻ ﯾﻌﻧــﻲ ذﻟــك أن ﻧﺣــﺗﻛم إﻟــﻰ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﻓــﻲ ﺣﯾﺎﺗﻧــﺎ ﻋﻠــﻰ إطﻼﻗﻬــﺎ ،وﻧــدع اﻟﺟﺎﻫﻠِِﱠﯾ ِـﺔ َﻓﺣ ْﻛ َـم َ إﺳﻼﻣﻧﺎ ،أو ﻧﺗرك اﻟﺷـورى اﻟﺗﻲ ﺗﻣﺛل ﻗﯾﻣـﺔ إﺳـﻼﻣﯾﺔ ﻋﻠﯾــﺎ ﻓـﻲ ﺣﯾـﺎة اﻷﻣـﺔ) :أ َ ُ ﯾﺑﻐون وﻣن أَﺣﺳن ِﻣن ِ ﺣﻛﻣﺎً ِ َ ْ ٍ ﯾوﻗﻧون(.٦٣ اﷲ ُ ْ ﻟﻘوم ُ ِ ُ َ َْ ُ َ َ َ ْ َ ُ وﺛﻣﺔ ﺧطﺄ ﻓﻲ اﻟزﻋم ﺑﺄن اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟراﺷدة واﻟدﯾﻣوﻗراطﯾﺔ ﺳـواء؛ ﻷن ﺑـﯾن اﻟﻧﻣـوذﺟﯾن
ﻓوارق ﺷﺎﺳﻌﺔ ﻣن أﻫﻣﻬﺎ: - ١أن اﻟﺧﻼﻓ ــﺔ اﻟ ارﺷ ــدة طﺑﻘ ــت اﻟـ ـﺷورى اﻟﺟﻣﺎﻋﯾ ــﺔ ﺿ ــﻣن اﻟﻣﺟﺗﻣ ــﻊ ﻛﻠ ــﻪ ﺑﺟﻣﯾ ــﻊ ﻣواطﻧﯾ ــﻪ ،أﺻ ــﻠﯾﯾن وأﺟﺎﻧ ــب ،أﺣـ ـ ار ار وﻋﺑﯾ ــدا ،ﻧ ــﺳﺎء ورﺟ ــﺎﻻ ،أﻏﻧﯾ ــﺎء وﻓﻘـ ـراء ،ﺑﯾ ــﺿﺎ وﺣﻣـ ـ ار
وﺳـودا ،ﻣــن ﻛﺎﻓـﺔ اﻟﻣ ارﺗــب اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺔ واﻟﻣــﺳﺗوﯾﺎت .وﺗــﺷرﯾﻊ اﻟـﺷورى ﻛــﺎن ﯾـﺳري ﻓــﻲ اﻷﻣــﺔ ﻛﻣــﺎ ﯾــﺳري اﻟــدم ﻓــﻲ اﻟﺟــﺳد اﻟواﺣــد .وﻫــذا اﻷﻣــر ﻟــم ﺗﻌرﻓــﻪ دﯾﻣوﻗراطﯾــﺔ أﺛﯾﻧــﺎ اﻟﻣﺑﺎﺷ ـرة ،اﻟﺗــﻲ ﻛﺎﻧــت ﺗــﺳﺗﺛﻧﻲ اﻷﺟﺎﻧــب واﻟﻌﺑﯾــد واﻟﻧــﺳﺎء واﻟطﺑﻘــﺎت اﻟــدﻧﯾﺎ ،ﺑــل ﺣﺗــﻰ ﻓــﻲ اﻟﺗطﺑﯾــق اﻟﻣﻌﺎﺻــر
ﻟﻠدﯾﻣوﻗراطﯾﺔ اﻟﻣﺑﺎﺷرة ﺗﺳﺗﺛﻧﻲ ﻗواﻧﯾن ﺳوﯾﺳ ار ﺣﺎﻟﯾﺎ اﻷﺟﺎﻧب اﻟﻣﻘﯾﻣﯾن وﻟو ﻛﺎن ﻟﻬـم ﻓـروع أو أﺻــول ﺗﺗﻣﺗــﻊ ﺑﺎﻟﺟﻧــﺳﯾﺔ اﻟﺳوﯾــﺳرﯾﺔ اﻟﻛﺎﻣﻠــﺔ .وﻫــذا اﻻﺳــﺗﺛﻧﺎء ﯾُﻌــد ﻫــدﻣﺎ ﻟــروح اﻟدﯾﻣوﻗراطﯾــﺔ اﻟﻣﺑﺎﺷرة وﺗﻧﻛ ار ﻟﺷﻌﺎراﺗﻬﺎ وﻣﻘﺗﺿﯾﺎﺗﻬﺎ. - ٢اﻟﺧﻼﻓـﺔ اﻟ ارﺷـدة طﺑﻘــت اﻟـﺷورى ﺿــﻣن ﺗﻌـﺎﻟﯾم إﻟﻬﯾــﺔ ﺗـﻧظم ﺣﯾــﺎة اﻟﻧـﺎس وﺗر ﱢﺷـ ُـد ﺗــﺻرﻓﺎﺗﻬم ،دون ﻗــﺳوة ﻋﻠــﯾﻬم أو ﺗﻣﻠــق ﻷﻫ ـواﺋﻬم؛ ﻓﻧــﺷﺄ ﺑــذﻟك ﻣﺟﺗﻣــﻊ ﻧظﯾــف راق ،ﻣﺗ ـوازن وﻣﺗطور ،ﻗﺿﻰ ﻋﻠﻰ ﻓﺗن اﻟﻣؤاﻣرات اﻟداﺧﻠﯾﺔ واﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ ،ووﺣد اﻟﺟزﯾرة اﻟﻌرﺑﯾـﺔ ،وﺑﻧـﻰ دوﻟـﺔ اﻟﺣرﯾــﺔ واﻟﻛ ارﻣــﺔ ،وﺣطــم أﻛﺑــر إﻣﺑ ارطــورﯾﺗﯾن ،اﻟﻔــرس واﻟــروم ،وطــرد اﻟﺑﯾ ـزﻧطﯾﯾن ﻣــن ﻣــﺻر وﺷــﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾــﺎ ،ووﺣــد اﻟــﺑﻼد اﻟﻣﻔﺗوﺣــﺔ ﻛﻠﻬــﺎ ﺗﺣــت ارﯾــﺔ اﻹﺳــﻼم ﺷــﻛﻼ وﻣــﺿﻣوﻧﺎ ،ﻓــﻲ ﻣــدة ﻗﯾﺎﺳﯾﺔ ﻟم ﯾﺳﺑق ﻟﻬﺎ ﻣﺛﯾل ﻓﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺦ. أﻣ ــﺎ دوﻟ ــﺔ اﻟدﯾﻣوﻗراطﯾ ــﺔ اﻟﻣﺑﺎﺷـ ـرة ﻓ ــﻲ أﺛﯾﻧ ــﺎ ،ﻓﺈﻧﻬ ــﺎ ﻟ ــم ﺗﻬﯾ ــﺊ ﻣواطﻧﯾﻬ ــﺎ إﻻ ﻟﻠرﻓﺎﻫﯾ ــﺔ
اﻟﻣﺎدﯾ ــﺔ اﻟـ ــﺳﺎﺋﺑﺔ ،واﺳـ ــﺗﻐﻼل اﻟﻌﺑﯾـ ــد واﻷﺟﺎﻧـ ــب ،وﺿ ــﻌﻔﺔ اﻟﻣ ـ ـواطﻧﯾن اﻟـ ــذﯾن ﯾﻣﺛﻠـ ــون أﻏﻠﺑﯾـ ــﺔ ٦٢ ٦٣
ﻧﻔس اﻟﻣﺻدر ،ص١١١ ﺳورة اﻟﻣﺎﺋدة٥٠ : ٣٥
اﻟﺳﺎﻛﻧﺔ ،ﻣﻣﺎ أوﻫن دوﻟﺔ أﺛﯾﻧﺎ ﻋﺳﻛرﯾﺎ واﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺎ واﻗﺗـﺻﺎدﯾﺎ وأدى إﻟـﻰ ﻫزﯾﻣﺗﻬـﺎ اﻟﻣﻧﻛـرة أﻣـﺎم "إﺳﺑﺎرطﺔ" ،اﻟﺗﻲ ﻛﺎن ﻧظﺎم اﻟﺣﻛم ﻓﯾﻬﺎ ﻓردﯾﺎ ﻋﺳﻛرﯾﺎ ﺻﺎرﻣﺎ. - ٣اﻟﺧﻼﻓ ــﺔ اﻟ ارﺷ ــدة طﺑﻘ ــت اﻟ ــﺷورى اﻟﺟﻣﺎﻋﯾ ــﺔ ﺿ ــﻣن ﻧظ ــﺎم اﻗﺗ ــﺻﺎدي ،ﺗﻬ ــﯾﻣن ﻋﻠﯾــﻪ اﻟﻌﻘﯾ ــدة ،ﺣ ــرر اﻟﻧ ــﺎس ﻣ ــن اﻟﺣﺎﺟ ــﺔ ،وﺳـ ـ ﱠواﻫم ﻓ ــﻲ ﻣﻠﻛﯾ ــﺔ اﻷرض واﻟﺛ ــروة ،ورﺳ ــﺦ ﻓ ــﻲ
ﻧﻔوﺳﻬم اﻷﻣن واﻟطﻣﺄﻧﯾﻧﺔ وﻋدم اﻟﺧوف ﻣن اﻟﺳﻠطﺔ؛ ﻓﻘوﯾت ﺑذﻟك ﺷوﻛﺗﻬم وﺗﻣﺎﺳـك ﺻـﻔﻬم،
واﻧطﻠﻘوا ﻓﻲ رﺑوع اﻷرض ﺣﺎﻣﻠﯾن ﻣﺷﻌل اﻹﯾﻣﺎن وراﯾﺔ اﻟﺣرﯾﺔ وﺷﻌﺎر اﻟﻛراﻣﺔ.
أﻣــﺎ دوﻟــﺔ أﺛﯾﻧــﺎ ﻓﻛرﺳــت ﻧظﺎﻣــﺎ اﻗﺗــﺻﺎدﯾﺎ اﺳــﺗﻐﻼﻟﯾﺎ ﺗﺗﻣﺗــﻊ ﻓﯾــﻪ طﺑﻘــﺔ اﻷﺣـرار وﺣــدﻫﺎ إن ﺑــﺎﻟﺧﯾرات ،وﯾﺟﺗــر ﻓﯾــﻪ اﻷﺟﺎﻧــب واﻟﻌﺑﯾــد واﻟ ُﻣـ ْ َ َ ـﺳﺗﻐﻠون ﻣ ـ اررة اﻟﺣرﻣــﺎن واﻟﺣﻘــد واﻟﻐــﯾظ .ﻓﻣــﺎ ْ ﻫوﺟﻣ ــت أﺛﯾﻧ ــﺎ ﻣ ــن ﻗﺑ ــل إﺳ ــﺑﺎرطﺔ ﺣﺗ ــﻰ ﺛ ــﺎر اﻟﻣﺳﺗ ــﺿﻌﻔون وﺗﺣوﻟـ ـوا إﻟـ ـﻰ ط ــﺎﺑور ﻟﻣ ــﺳﺎﻋدة اﻟﻌدو ،ﻣﻣﺎ ﺳﺎﻫم ﻓﻲ ﺗﻌﺟﯾل ﺳﻘوط اﻟدﯾﻣوﻗراطﯾﺔ اﻟﻣﺑﺎﺷرة ﺗﺣت ﺳﻧﺎﺑك اﻟﻐزاة.
- ٤اﻟﺧﻼﻓــﺔ اﻟ ارﺷــدة ﻛﺎﻧــت ﺗﺣــت ﺣﺎﻛﻣﯾــﺔ ﺷ ـرﯾﻌﺔ رﺑﺎﻧﯾــﺔ ،وﻫــﻲ ﺷ ـرﯾﻌﺔ ﻣﺣﺎﯾــدة ﻻ ﻫــدف ﻟﻬــﺎ إﻻ إﺳــﻌﺎد اﻟﻧــﺎس ﻓــﻲ اﻟــدﻧﯾﺎ واﻵﺧ ـرة .وﻫــذﻩ اﻟــﺻﻔﺔ ﻛرﺳــت ﻓــﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ ﻣﻔﻬــوم اﻟﻣﺳﺎواة اﻟﻣطﻠﻘﺔ ،إﻟﻰ ﺣد ﺣﻠب ﻓﯾﻪ أﺑو ﺑﻛر اﻟﺧﻠﯾﻔـﺔ ﺷـﺎة اﻷﻋراﺑﯾـﺔ ،وﺧﺎطﺑـت ﻋﺟـوز ﻋﻣـر
اﻟﺧﻠﯾﻔ ــﺔ ﺑﻠﻘ ــب " ﻋ ــوﯾﻣر " ،وﻧ ــﺎم ﻓﯾ ــﻪ ﻋﻠ ــﻲ اﻟﺧﻠﯾﻔ ــﺔ ﻓ ــﻲ ﻟﯾ ــل ﺑ ــﺎرد دون ﻏط ــﺎء ،ﻓﻠﻣ ــﺎ أﺣ ــس اﻟـدفء وﻋــرف أن أﺣــدا وﺿــﻊ ﻋﻠﯾــﻪ ﻏطــﺎء ﻫــو ِﻣ ْﻠــك ﻟﻠﻣــﺳﻠﻣﯾن ،ﻏــﺿب ورﻣــﺎﻩ ﻋــن ظﻬـرﻩ. ورﻓض ﻓﯾﻪ ﻋﺛﻣﺎن ،وﻫو ﻓﻲ أﺷد ﺣﺎﻻت اﻟﺣﺻﺎر ،اﻻﺳﺗﻌﺎﻧﺔ ﺑـﺎﻟﻘوة اﻟﺗـﻲ وﻓرﻫـﺎ ﻟـﻪ ﻣﻌﺎوﯾـﺔ،
ﺛ ــم ﺧ ــرج وﺧﺎط ــب اﻟﻣ ــﺳﻠﻣﯾن ﻗ ــﺎﺋﻼ ) :٦٤وﻗ ــد ﺳ ــﻣﻌت رﺳ ــول اﷲ
ﯾﻘ ــول ":ﻻ ﺗﺗﻣ ــﺎدوا ﻓ ــﻲ
اﻟﺑﺎطـل ﻓــﺈن اﻟﺑﺎطــل ﯾــزداد ﻣـن اﷲ ُﺑ ْﻌــداً " ،ﻣــن أﺳــﺎء ﻓﻠﯾﺗــب وﻣـن أﺧطــﺄ ﻓﻠﯾﺗــب وأﻧــﺎ أول ﻣــن اﺗﻌــظ ،واﷲ ﻟــﺋن ردﻧــﻲ اﻟﺣــق ﻋﺑــدا ﻷﻧﺗــﺳﺑن ﻧــﺳب اﻟﻌﺑﯾــد ،وﻷﻛــوﻧن ﻛــﺎﻟﻣرﻗوق اﻟــذي إن ُﻣﻠِــك ان ُﻋﺗــق ﺷـﻛر( .وﻋﻧــدﻣﺎ أﺗـﺎﻩ اﻟﺣــﺳن ﺑــن ﻋﻠـﻲ ﻟﯾــداﻓﻊ ﻋﻧـﻪ ردﻩ ﻗــﺎﺋﻼ" :ارﺟـﻊ ﯾــﺎ اﺑــن ﺻـﺑر ٕو ْ أﺧﻲ ،اﺟﻠس ﻓﻲ ﺑﯾﺗك ﺣﺗﻰ ﯾﺄﺗﻲ اﷲ ﺑﺄﻣرﻩ " .وﻋﻧدﻣﺎ ﺟرد أﺑو ﻫرﯾرة ﺳﯾﻔﻪ ﻟﻠدﻓﺎع ﻋﻧـﻪ ﻗـﺎل
ﻟﻪ " :ﻋزﻣت ﻋﻠﯾك ﯾﺎ أﺑـﺎ ﻫرﯾـرة إﻻ أﻟﻘﯾـت ﺳـﯾﻔك " .وﯾرﺳـل إﻟـﻰ اﻟـﺻﺣﺎﺑﺔ ﺣوﯾطـب ﺑـن ﻋﺑـد
اﻟﻌزى ﺑﻘوﻟﻪ" :ﻫذا أﻣرﻛم ﺗوﻟوﻩ واﺻﻧﻌوا ﻓﯾﻪ ﻣﺎ ﺷﺋﺗم". ٦٤
اﺑن ﻗﺗﯾﺑﺔ ،اﻹﻣﺎﻣﺔ واﻟﺳﯾﺎﺳﺔ٤٩/١ ،
٦٥ﻧﻔس اﻟﻣرﺟﻊ٥٣/١ ،
٣٦
٦٥
أﻣ ــﺎ اﻟدﯾﻣوﻗراطﯾ ــﺔ اﻟﻣﺑﺎﺷـ ـرة ﻓ ــﺎﺣﺗﻛرت اﻟـ ــﺳﻠطﺔ ﻓﯾﻬ ــﺎ طﺑﻘ ــﺔ اﻷﺣـ ـ ارر ﻣ ــن اﻷﻏﻧﯾـ ــﺎء وﺷﻐل اﻟﻧﺎس ﻓﯾﻬـﺎ ﺑﺈرﺿـﺎء ﺷـﻬواﺗﻬم ،وﺻـﺎر اﻷﻋﯾـﺎن واﻟـﺳﺎدة واﻷﺷراف واﻟﻘﺎدة اﻟﻌﺳﻛرﯾﯾنُ ، ﻣﺟرد وﺳـطﺎء ﺑـﯾن اﻟـﺷﻌب وﺑـﯾن اﻟﻣﺗـﻊ اﻟﺣـﺳﯾﺔ ،ﻣﻣـﺎ ﻧﺧـر اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ وﻋـﺻف ﺑﻌﻧﺎﺻـر اﻟﻘـوة واﻟﻣﻧﻌﺔ ﻓﯾﻪ. - ٥اﺧﺗﯾﺎر اﻟﻣﺳؤوﻟﯾن ﻓﻲ دوﻟﺔ اﻟدﯾﻣوﻗراطﯾﺔ اﻟﻣﺑﺎﺷـرة ﻛـﺎن ﯾﺟـري ﺑواﺳـطﺔ اﻟﻘرﻋـﺔ
ﺑﯾن اﻟﻣرﺷﺣﯾن ،ﻣﻣـﺎ أﺧـل ﺑﻣﻘﯾـﺎس اﻟﻛﻔـﺎءة واﻟـﺻﻼﺣﯾﺔ واﻟﻘـدرة .أﻣـﺎ ﻓـﻲ اﻟﺧﻼﻓـﺔ اﻟ ارﺷـدة ﻓﻘـد ﻛ ــﺎن اﻻﺧﺗﯾ ــﺎر ﺑواﺳ ــطﺔ اﻟ ــﺷورى اﻟﺟﻣﺎﻋﯾ ــﺔ ،ﻋﻠ ــﻰ أﺳ ــﺎس اﻟرﺟ ــل اﻟ ــﺻﺎﻟﺢ ﻟﻠﻣ ــﺳؤوﻟﯾﺔ اﻟﺗ ــﻲ ﺗﻧﺎﺳــﺑﻪ وﯾﻧﺎﺳــﺑﻬﺎ .واﻟــﺻﻼﺣﯾﺔ ﻓﯾﻬــﺎ ﻟﯾــﺳت ﺑﻣﻘﯾــﺎس اﻟﻧــﺳب أو اﻟــﺷرف أو اﻟﻣــﺎل أو اﻟﻘ ارﺑــﺔ، اﻟــذي رواﻩ اﻟﺣــﺎﻛم ﻋــن ﯾزﯾــد ﺑــن أﺑــﻲ ﺳــﻔﯾﺎن وﻗــﺎل ﺻ ــﺣﯾﺢ
ﺑــل ﯾــﺿﺑطﻬﺎ ﻗــول اﻟرﺳ ـول ـﺄﻣر ﻋﻠ ـﯾﻬم أﺣــدا ﻣﺣﺎﺑــﺎة ﻓﻌﻠﯾــﻪ ﻟﻌﻧــﺔ اﷲ ،ﻻ اﻹﺳــﻧﺎدَ " :ﻣـ ْـن وﻟــﻲ ِﻣـ ْـن أﻣــر اﻟﻣــﺳﻠﻣﯾن ﺷــﯾﺋﺎً ﻓـ ﱠ ﯾﻘﺑل اﷲ ﻣﻧﻪ ﺻرﻓﺎ وﻻ ﻋدﻻ ﺣﺗﻰ ﯾدﺧﻠﻪ ﺟﻬﻧم ". وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﺣﻛوﻣﺔ اﻷرﺳﺗﻘراطﯾﺔ أو ﺣﻛوﻣﺔ أﻓﺿل اﻟﻧﺎس ،ﻓﺈن ﻣﻘﯾـﺎس اﻟﺗﻔﺎﺿـل ﻓـﻲ
اﻹﺳﻼم ﻫو اﻟﺗﻘوى .واﻟﺗﻘوى ـ ٕوان ﺑدت ﺑﻌض ﻋﻼﻣﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻣرء ـ ﻣﻐﯾﺑـﺔ ﺣﻘﯾﻘـﺔ ﺗوﻓرﻫـﺎ ﻓـﻲ ـرب ﻗﺗﯾـل ﻓـﻲ اﻟﺟﻬـﺎد ﻟـﯾس ﻟـﻪ ﻧـﺻﯾب ﻣـن اﻟـﺷﻬﺎدة ُ ،ﱠ اﻟﺧﻠق ،ﻻ ﯾﻌﻠﻣﻬـﺎ إﻻ اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ .ﻓ ُ ﱠ ورب
ﻗــﺎﺋم ﻓــﻲ ﺟــﻧﺢ اﻟﻠﯾــل ﻟــﯾس ﻟــﻪ إﻻ اﻟﺗﻌــب واﻟــﺳﻬر ُ ،ﱠ ورب ﺻــﺎﺋم ﻟــﯾس ﻟــﻪ إﻻ اﻟﺟــوع واﻟﻌطــش. وﻟﯾس ﻟﻸﻣﺔ إﻻ ﻧﺑﻲ واﺣـد وﻣﻌـﺻوم واﺣـد ﻫـو ﻣﺣﻣـد ؛ ﻟـذﻟك ﻓـﻼ ﻣﺟـﺎل ﻟﺗﻣﯾﯾـز اﻟﻔﺎﺿـل ﻣــن اﻟﻣﻔــﺿول ،وﻻ ﻣﺟــﺎل ﻟﺗﻛــوﯾن ﺣﻛوﻣــﺔ ﻧﺧﺑــﺔ ﻋﻠــﻰ أﺳــﺎس اﻟﻣــﺎل أو اﻟﺟــﺎﻩ أو اﻟــﺷرف أو اﻟﻘوة أو اﻷﻓﺿﻠﯾﺔ. وﻣـﺎ ﺳـوى ذﻟـك ﻣـن ﻓـوارق ﺑـﯾن اﻟﻧظـﺎﻣﯾن ﻓـﻲ ﻣﯾـﺎدﯾن اﻟـﺷورى واﺗﺧـﺎذ اﻟﻘـرار وﺗﻧﻔﯾـذﻩ
وﺳــﺎﺣﺔ اﻟﻣراﻗﺑــﺔ واﻟﻣﺣﺎﺳــﺑﺔ ،واﺿــﺢ ﺑـ ﱢـﯾن؛ إذ ﻻ ﯾــﺳﺗوي ﻧظــﺎم اﻟــﺷورى اﻟﺟﻣﺎﻋﯾــﺔ اﻟﻣﻧــﺿﺑطﺔ ﺑﺎﻟﻌﻘﯾــدة ﻣــﻊ ﻧظــﺎم اﻻﺳــﺗﺑداد اﻟــذي ﯾﻬــﯾﻣن ﻋﻠﯾــﻪ ﺑــﺿﻌﺔ أﻓ ـراد ﻻ ﯾﺟﻣﻌﻬــم إﻻ ﺣــب اﻟــﺳﻠطﺔ واﻟﺗﻣﺳك ﺑﻬﺎ. أﻣ ــﺎ ﺣﻛوﻣـ ــﺔ اﻟدﯾﻣوﻗراطﯾ ــﺔ ﻏﯾـ ــر اﻟﻣﺑﺎﺷـ ـرة ،ﺑرﻟﻣﺎﻧﯾـ ــﺔ ﻛﺎﻧ ــت أو رﺋﺎﺳـ ــﯾﺔ أو ﻣﺟـ ــﺎﻟس وطﻧﯾﺔ ،ﻓﺈن ﻣن أﻫم ﻣﺎ ﯾﻣﯾز ﺑﯾﻧﻬﺎ وﺑﯾن اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟراﺷدة:
٣٧
- ١أن اﻟــﺷورى ﻓــﻲ اﻟدﯾﻣوﻗراطﯾــﺔ ﻏﯾــر اﻟﻣﺑﺎﺷ ـرة اﺳــﺗطﻼع ﻟﻠ ـرأي ،وﻓــﻲ اﻟﺧﻼﻓــﺔ اﻟراﺷدة ﻗرار ﻣﻠزم ﻣﺑﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺣرﯾﺔ اﻟرأي اﻟﻣﻔﺿﯾﺔ إﻟﻰ اﻹﺟﻣﺎع. - ٢اﻟــﺳﻠطﺔ ﻓــﻲ اﻟدﯾﻣوﻗراطﯾــﺔ ﻏﯾــر اﻟﻣﺑﺎﺷ ـرة ﻣﺣﺗﻛ ـرة ﺑﯾــد ﻧﺧﺑــﺔ ﻣﻧﺗﻘ ـﺎة ﻣــن ﺣــزب ﺗﺣ ﱡﻛـ ُـم اﻷﻏﻠﺑﯾـﺔ اﻟﺑرﻟﻣﺎﻧﯾـﺔ ،أو ﺗﺣـﺎﻟف اﻷﻗﻠﯾـﺎت اﻟﺣزﺑﯾـﺔ ﻓــﻲ اﻟﺑرﻟﻣـﺎن ،وﻫـﻲ ﻓـﻲ ﻛـل اﻷﺣـوال َ َ ﻓﺋ ــﺔ ﻓ ــﻲ ﻓﺋ ــﺔ .أﻣ ــﺎ اﻟﺧﻼﻓ ــﺔ اﻟ ارﺷ ــدة ﻓﺎﻟ ــﺳﻠطﺔ ﻓﯾﻬ ــﺎ ﻟﻸﻣ ــﺔ ،واﻟﺣﻛوﻣ ــﺔ ﻣﺟ ــرد ﺟﻬ ــﺎز ﺗﻧﻔﯾ ــذي ﯾﺧﺗﺎرﻫﺎ اﻟﺟﻣﯾﻊ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟرﺟل اﻟﺻﺎﻟﺢ ﻟﻠﻌﻣل اﻟﻣﻧﺎﺳب.
- ٣اﻟﺣﻛوﻣــﺔ ﻓــﻲ اﻟدﯾﻣوﻗراطﯾــﺔ ﻏﯾــر اﻟﻣﺑﺎﺷ ـرة ﺗﻣــﺎرس اﻟــﺳﻠطﺔ اﻟﻔﻌﻠﯾــﺔ ﻧﯾﺎﺑــﺔ ﻋــن اﻟﺷﻌب وﺑﺎﺳﻣﻪ ،ﺿﻣن ﻧﺳق " ﺣﺎﻛم وﻣﺣﻛوم " .أﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺧﻼﻓﺔ اﻟ ارﺷـدة ﻓﺎﻟﺣـﺎﻛم ﻫـو اﻷﻣـﺔ
واﻟﻣﺣﻛـوم ﻫـو اﻟﺟﻬـﺎز اﻟﺗﻧﻔﯾـذي ـ اﻟﺣﻛوﻣـﺔ ـ ،اﻟـذي ﯾُ َﻌ ﱡـد ﺧﺎدﻣـﺎ ﺗﻌﯾﻧـﻪ اﻷﻣـﺔ ﺑﺈرادﺗﻬـﺎ وﺗﺣـت ﺳﻠطﺗﻬﺎ ،وﺗﻘﯾﻠﻪ أو ﺗﻌﻔﯾﻪ ﺣﺳب ﻣﺷﯾﺋﺗﻬﺎ ،وﺗﻘرﻩ إﻟﻰ أﺟـل ﻣـﺳﻣﻰ ﺑﻛﺎﻣـل ﺣرﯾﺗﻬـﺎ .ﻫـذا ﺑﻐـض اﻟﻧظـ ــر ﻋـ ــن ﻣﺛﺎﻟـ ــب اﻟدﯾﻣوﻗراطﯾـ ــﺔ ﻏﯾـ ــر اﻟﻣﺑﺎﺷ ـ ـرة اﻟﺗـ ــﻲ ﺣﻔﻠـ ــت ﺑﻬـ ــﺎ ﻛﺗـ ــب اﻟﻔﻘـ ــﻪ اﻟـ ــﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟﻣﻌﺎﺻر ،وﻻ ﺟدوى ﻣن إﯾراد ﺗﻔﺎﺻﯾﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ. ان ﻛﺎﻧـت ﻣﻧﺗﻣﯾـﺔ ﻓـﻲ ﻣﺟﻣوﻋﻬـﺎ إﻟـﻰ اﻟﺗـراث إن اﻟﻧظم اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻛر اﻟﺑـﺷريٕ ،و ْ اﻟﯾوﻧ ــﺎﻧﻲ اﻟ ــوﺛﻧﻲ ،ﻓﺈﻧﻬ ــﺎ ﺗُﻌ ــد اﻣﺗ ــدادا ﻟﻠﻔﻠ ــﺳﻔﺔ اﻹﺷـ ـراﻗﯾﺔ ،ﻫﻧدﯾ ــﺔً وﺻ ــﯾﻧﯾﺔً وﻓﺎرﺳ ــﯾﺔً وآﺷ ــورﯾﺔً
وﺑﺎﺑﻠﯾﺔ ،وﻛﻠﻬﺎ أﯾﺿﺎ وﺛﻧﯾﺔ ،وﻻ ﺗﺧطط إﻻ ﻟﻔﺗرات ﻣﺣدودة ﻣن اﻟﺣﯾـﺎة اﻟﻣﺎدﯾـﺔ ﻓـﻲ اﻟـدﻧﯾﺎ .أﻣـﺎ ً اﻟﻧظﺎم اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﯾﺳﺗﻣد ﻣﺑﺎدﺋﻪ وﻣﻧﺎﻫﺟﻪ وأﻫداﻓﻪ ﻣن اﻟوﺣﻲ اﻟذي ﻻ ﯾﺄﺗﯾﻪ اﻟﺑﺎطل ﻣـن ﺑـﯾن ﯾدﯾـﻪ وﻻ ﻣـن ﺧﻠﻔـﻪ .اﻟـوﺣﻲ اﻟﻣﺑﻧـﻲ ﻋﻠـﻰ اﻟﻌﻠــم اﻟـدﻗﯾق اﻟﻣطﻠـق ،واﻟﺣﻛﻣـﺔ اﻟﺑﺎﻟﻐـﺔ اﻟﺗـﻲ ﻣﯾــزت ﺑﯾن ﻣﺎ ﯾﺻﻠﺢ ﻟﻠﺑﺷر وﯾﺻﻠﺣﻬم ،وﺑـﯾن ﻣـﺎ ﯾـﺿر اﻟﺑـﺷر وﯾﻔـﺳدﻫم .وﺷـﺗﺎن ﺑـﯾن اﻟـﻧﻬﺞ اﻟرﺷـﯾد اﻟ ــﺷﺎﻣل اﻟﻣﺗﻛﺎﻣ ــل ﻓ ــﻲ ﻋ ــﺎﻟﻣﻲ اﻟﻐﯾ ــب واﻟ ــﺷﻬود ،وﺑ ــﯾن ﻫرطﻘ ــﺎت ﻣﺑﺗذﻟ ــﺔ وﺗﺧ ــﯾﻼت وﻫﻣﯾ ــﺔ
وﻣﺣﺎوﻻت ﻗﺎﺻرة.
ﻟﻘــد ﻛــﺎن ﻫـ ﱡـم اﻟﺧﻠﯾﻔــﺔ اﻟ ارﺷــد إﺷــﻌﺎر ﻧﻔــﺳﻪ ﺑﺄﻧــﻪ ﺧــﺎدم ﻟﻸﻣــﺔ؛ ﯾﻧﻔــذ ﻗ ارراﺗﻬــﺎ وﯾطﺑــق
ﺷـرﯾﻌﺗﻬﺎ ،وﯾﺑﻧــﻲ ﻓــﻲ ﻧﻔــس اﻟوﻗــت ﻣؤﺳــﺳﺎت اﻟدوﻟــﺔ وﻣراﻓﻘﻬــﺎ .ﻫــذﻩ اﻟﻣﻣﺎرﺳــﺎت اﻟرﺷــﯾدة ﻫــﻲ
اﻟﺗــﻲ وﺿــﻌت اﻟﻠﺑﻧــﺎت اﻷوﻟــﻰ ﻟﻠﺧﻼﻓــﺔ .وﻋﻠــﻰ ﺿــوء ﻣﺣﺎﻛﻣﺗﻬــﺎ إﻟــﻰ اﻟﻘ ـرآن واﻟﺗــﺎرﯾﺦ ﯾﺗــﺿﺢ ﺟﻠﯾــﺎ أﻧﻬــﺎ ﻛﺎﻧــت ﺗﺟرﺑــﺔ ﻓــذة ارﺋــدة .ﻓﺎﻟ ارﺷــدون ُوﺟــدوا ﺿــﻣن أﻣــﺔ أﻣﯾــﺔ ،ﺣدﯾﺛـ ِـﺔ ﻋﻬـ ٍـد ﺑﺗرﺑﯾــﺔ ﻧﺑوﯾﺔ ﺷﻔوﯾﺔ وﻋﻣﻠﯾﺔ ،ورﺛت أﺛﻘﺎﻻ ﻣن ﺑﻘﺎﯾﺎ ﺻراع ﻗﺑﻠﻲ وﺗراث ﺟـﺎﻫﻠﻲ ،ﻛـﺎدت ﺗطـﯾﺢ ﺑﺄﺻـل ٣٨
اﻟــدﯾن ﻋﻘــب وﻓــﺎة اﻟرﺳــول
.وﻣــﻊ ذﻟــك اﺳــﺗطﺎﻋوا أن ﯾﻘطﻌـوا ﻣــﺳﺎﻓﺎت ﺷﺎﺳــﻌﺔ ﻓــﻲ طرﯾــق
ﺑﻧﺎء اﻟدوﻟﺔ اﻟﻧﻣوذﺟﯾﺔ ،وﺗرﻛوا ﻟﻧـﺎ ﺗﺟرﺑـﺔ ﺧـﺻﺑﺔ ﺛرﯾـﺔ ﻗﺎﺑﻠـﺔ ﻟﻠﺗطـوﯾر واﻟﺗﺟدﯾـد ،وأﺳـﺳﺎ ﻣﺗﯾﻧـﺔ ﺻﺎﻟﺣﺔ ﻟﻠﺑﻧﺎء واﻟﺗﺷﯾﯾد.
وﯾﻣﻛ ــن ﺗﻠﺧ ــﯾص اﻟﻔ ــروق ووﺟ ــوﻩ اﻻﺧ ــﺗﻼف ﺑ ــﯾن اﻟ ــﺷورى واﻟدﯾﻣﻘراطﯾ ــﺔ ﻓ ــﻲ اﻟﻧﻘ ــﺎط
اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ:٦٦
.١إن اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻـ ـرة ﺗﻣﺛــل ﻧظﺎﻣ ــﺎً ﻟﻠﺣﻛ ــم ﻓﻘــط ،ﯾﻬ ــدف إﻟــﻰ إﻗﺎﻣ ــﺔ ﺳ ــﻠطﺔ
ﯾﻛ ــون اﻟ ــﺷﻌب ﻫ ــو اﻟﻣﻣ ــﺎرس ﻟﻬـ ــﺎ ،ودون أن ﯾﺄﺧ ــذ ﺑﺎﻻﻋﺗﺑ ــﺎر أي أﺳ ــس دﯾﻧﯾ ــﺔ ،وﻻ ﻣﺟـ ــﺎل ﺑــﺎﻟطﺑﻊ ﻓــﻲ اﻹﺳــﻼم ﻟﺣﻛــم ﺷــﻌﺑﻲ ﻣﻧﻘطــﻊ ﻋــن ﻣﻌــﺎﻧﻲ اﻹﯾﻣــﺎن؛ ﻷن اﻟــدﯾن اﻹﺳــﻼﻣﻲ دﯾــن ﺗوﺣﯾدي ﯾﺣﯾط ﺑﺎﻟﺣﯾﺎة ،وﯾﺿﻔﻲ ﻋﻠﯾﻬﺎ ﺟﻣﯾﻌﺎً ﻣﻌﻧﻰ اﻟﻌﺑﺎدة ،وﯾﻧظﻣﻬﺎ ﺑﺷرﯾﻌﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ. .٢اﻟﺷورى ﻧظﺎم إﯾﻣﺎﻧﻲ ﻗﺎﺋم ﻋﻠﻰ ﻗواﻋـد اﻟﻣﻧﻬـﺎج اﻟرﺑـﺎﻧﻲ ،وﻫـﻲ رﺳـﺎﻟﺔ إﻟـﻰ اﻟﻧـﺎس ﺟﻣﯾﻌ ــﺎً ﺗﺣﻣ ــل ﺻ ــﻔﺔ اﻟ ــﺷﻣول ،وﺗﻌ ــد ﻣﻧﻬﺟ ــﺎً ﺻ ــﺎﻟﺣﺎً ﻟﻠﺗطﺑﯾ ــق ﻓ ــﻲ ﻛ ــل ﻋ ــﺻر وزﻣ ــﺎن ،أﻣ ــﺎ
اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺔ ﻓﻬﻲ ﺗﺟرﺑﺔ ﺑﺷرﯾﺔ ﻣﺣﺻورة ﺑﻣدى اﺳﺗﯾﻌﺎﺑﻬﺎ ،وﻣﺣدودة ﺑﻣـدى إﯾﻔﺎﺋﻬـﺎ ﻟﻣﺗطﻠﺑـﺎت
اﻟﺣﯾﺎة ،وﻣواءﻣﺗﻬﺎ ﻟﻣﺗﻐﯾرات اﻟﻌﺻر.
.٣ﺳــﻠطﺔ اﻷﻣــﺔ ﻓــﻲ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻ ـرة ﻣطﻠﻘــﺔ ،ﻓﺎﻷﻣــﺔ ﻫــﻲ ﺻــﺎﺣﺑﺔ اﻟــﺳﯾﺎدة اﻟﻣطﻠﻘــﺔ ،وﻫــﻲ أو اﻟﻣﺟﻠــس اﻟــذي ﺗﻧﺗﺧﺑــﻪ اﻟﺗــﻲ ﺗــﺿﻊ اﻟﻘــﺎﻧون ،أو ﺗﻠﻐﯾــﻪ ،وﻟﻛــن ﻓــﻲ اﻟــﺷورى
ﻟﯾــﺳت ﺳــﻠطﺔ اﻷﻣــﺔ ﻣطﻠﻘــﺔ ﻫﻛــذإ ،واﻧﻣــﺎ ﻫــﻲ ﻣﻘﯾــدة ﺑﺎﻟــﺷرﯾﻌﺔ ،وﻻ ﺗــﺳﺗطﯾﻊ أن ﺗﺗــﺻرف إﻻ ﻓﻲ ﺣدود ﻫذا اﻟﻘﺎﻧون.
٤ـ ـ اﻟــﺷورى اﻹﺳــﻼﻣﯾﺔ ﻣرﺗﺑطــﺔ ﺑﻘــﯾم أﺧﻼﻗﯾــﺔ ﻧﺎﺑﻌــﺔ ﻣــن اﻟــدﯾن ﻧﻔــﺳﻪ ،وﻟــذﻟك ﻓﻬــﻲ ﺛﺎﺑﺗـ ــﺔ ﻏﯾـ ــر ﺧﺎﺿـ ــﻌﺔ ﻟﺗﻘﻠﺑـ ــﺎت اﻟﻣﯾـ ــول واﻟرﻏﺑـ ــﺎت ،وﻣـ ــن ﺛـ ــم ﻓﻬـ ــﻲ ﺗـ ــﺿﺑط ﺗـ ــﺻرﻓﺎت اﻷﻣـ ــﺔ
ورﻏﺑﺎﺗﻬــﺎ ،ﺑﯾﻧﻣــﺎ ﻻ ﺗــﺳﺗﻧد اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻ ـرة إﻟــﻰ ﻣﺛــل ﻫــذﻩ اﻟﻘــﯾم اﻟﺛﺎﺑﺗــﺔ ،ﺑــل ﻫــﻲ ﻗــﯾم ﻧﺳﺑﯾﺔ ﺗﺗﺣﻛم ﻓﯾﻬﺎ رﻏﺑﺎت وﻣﯾول اﻷﻛﺛرﯾﺔ.
٦٦ﺣﺳن اﻟﺗراﺑﻲ ،ﻧظرات ﻓﻲ اﻟﻔﻘﻪ اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ،ص١٤: ٣٩