نحو نظام اقتصادي إسالمي
ماهر الكببجي maherkababji1@hotmail.com
المقدمة:
لقد فعل القائمون على الشأن العام فكرهم لصياغة نظم اقتصادية على هواهم وتجاهلوا أحكام خالق ِ يل َلهم الَ تُْف ِسُدوْا ِفي األ َْر ِ ض َقاُلوْا الكون التي أنزلت لسعادة البشر معتقدين أنهم مصلحون " َواِ َذا ق َ ُ ْ ِ ظ َه َر اْلَف َس ُاد ِفي اْل َب ِر صلِ ُحو َن " (البقرة ،)11 :2والنتيجة أن يحصد الناس ما قدموا " َ إَّن َما َن ْح ُن ُم ْ الن ِ ِ ِ َواْل َب ْح ِر ِبما َكس َب ْت أ َْيِدي َّ ض َّالِذي َع ِمُلوا َل َعَّل ُه ْم َي ْرِج ُعو َن " (الروم .)11 :03 اس لُيذيَق ُهم َب ْع َ َ َ على الرغم من تميز كل من األنظمة االقتصادية القائمة بمعالم خاصة ب ،إال أن جميعها فشل في تحقيق الرخاء الذى يمثل الجانب المادي للسعادة التي هي غاية اإلنسان في الحياة ،فقد زادت معاناة الشعوب وارتفعت معدالت الفقر وعم الفساد أرجاء المعمورة ،وان سألت أصحاب القرار يبررون الفشل بندرة النقود وهم ابتدعوها فهل يبتدع البشر أسباب الفشل؟ ،أو يقولون ندرة الموارد بينما توضح مؤشرات النمو العالمي الصادرة عن البنك الدولي والمحدثة بتاريخ 22يوليو/تموز 2311أن معدالت نمو الناتج اإلجمالي العالمي تفوق معدالت النمو السكاني العالمي خالل السنوات 2331 ، 2333 ، 1881 ، 1883 ، 1821حيث بلغ معدل نمو الناتج ، %0.8 %0.3 ، %1.0 ، %2.8 ، %0.3على التوالي ،بينما بلغ معدل النمو السكاني %1.1 ، %1.1 %1.2 ، %1.0 ، %1.1 ،على التوالي .ويؤكد القرآن الكريم على توفر الموارد على مستوى ض ِإ َّال عَلى َّ العالم سواء من حيث الكم " وما ِمن َدابَّة ِفي ْاأل َْر ِ الل ِ ِرْزُق َها " (هود ، )3 :11وكذلك َ ََ
ِ يها ِمن ُك ِل َشيء َّم ْوُزون " (الحجر . )18 : 11وتمكن التجارة الدولية من حيث النوعية " َوأ َ َنب ْت َنا ف َ ْ الدول من تبادل فوائض الموارد لتحقيق التوازن بين الموارد والحاجات .ومع ذلك قد يفشل المجتمع في تحقيق النمو االقتصادي المنشود بسبب الجهل بما في بواطن األرض وحولها من موارد ،أو بسبب عدم استخراج واستغالل الموارد المكتشفة نتيجة عدم توفر التقنيات الالزمة ،أو بسبب تحويل الموارد إلى أرصدة في البنوك نتيجة اإلفراط في استغاللها ،أو بسبب تدنى مستوى الكفاءة اإلنتاجية نتيجة القصور في التعليم والتدريب .وقد يحقق المجتمع ناتج قومي من حيث الكم يفوق ما هو مطلوب لتحقيق الرخاء ألفراد المجتمع ،ولكن تختلف تشكيلة المنتجات عن تلك المطلوبة لتحقيق
الرخاء بسبب توجي اإلنتاج بما ال يتوافق مع متطلبات االستهالك كما في حال إعطاء األولوية للمنتجات ذات الربحية العالية مثل إنتاج األسلحة لتصديرها ،وذلك بهدف تحقيق مصالح منتجيها. يهدف هذا البحث الخاص بالنظام االقتصادي إلى بيان المغالطات في الفكر البشري ،وبالمقابل يعرض تعاليم القرآن الكريم وأحاديث الرسول ذات العالقة ،ليخلص إلى تقديم نظام اقتصادي
عملي متكامل يتوافق مع أحكام اإلسالم.
باختصار وبعيدا عن المصطلحات االقتصادية المعقدة ،يتقدم البحث في فصول ثالثة. الفصل األول :ماهية النشاط االقتصادي.
الفصل الثاني :النظام النقدي.
الفصل الثالث :النظام المالي لتوزيع الثروة والدخول.
الفصل األول
النشاط االقتصادي قديما كان النشاط االقتصادي يكاد ينحصر في النشاط اإلنتاجي .ويقصد بالنشاط اإلنتاجي مجموعة األنشطة التي تقوم بهدف إنتاج الثروة ،فهو يشمل جميع أوج النشاط التي يترتب عليها اكتشاف
الموارد الطبيعية واستخراج المواد الخام منها وثم تحويلها إلى منتجات قابلة لالستهالك ،وكذلك
األنشطة التي يترتب عليها إضافة قيمة للمنتجات أو نقل المنتجات من موقع إلى آخر ،باإلضافة إلى تقديم الخدمات الخاصة والعامة ،وكذلك تسويق المنتجات من سلع وخدمات استهالكية وتنموية إلى أن يتم بيعها .ويهدف االقتصاد من خالل النشاط اإلنتاجي إلى الوصول إلى النمو األمثل
للناتج القومي الذى يحقق هدفين :
.1إشباع حاجات المجتمع وأفراده من السلع والخدمات االستهالكية والتنموية. .2تشغيل العمالة المتوفرة في المجتمع.
في ظل االقتصاديات اإلنتاجية ،تعبر كلفة اإلنتاج عن الكلفة الحقيقية للمنتج ،إذ تعادل الكلفة الحقيقية للمواد والعمالة الداخلة في انتاجها .وبإضافة ربح البائع إلى كلفة اإلنتاج ،يعبر سعر البيع عن القيمة السوقية الحقيقية للمنتج .إذا ارتفعت كلفة اإلنتاج بسبب ارتفاع طبيعي في كلفة المواد
أو العمل أو بسبب زيادة الطلب أو نقص العرض ،فإن ارتفاع سعر البيع يعبر عن ارتفاع في القيمة الحقيقية للمنتج ،فارتفاع سعر بيع الخضروات الصيفية في الشتاء بسبب زيادة كلفة اإلنتاج بقيمة تكاليف التخزين يعبر عن ارتفاع حقيقي في القيمة السوقية للخضروات الصيفية ،وارتفاع
سعر الحديد بسبب زيادة الطلب يعبر عن ارتفاع حقيقي في قيمت السوقية. ولكن بعد فرض الضرائب وانتشار البنوك واستحداث األسواق المالية أصبح النشاط المالي ،فى االقتصاديات المعاصرة على اختالف أنظمتها ،يشكل جزءا مهما من النشاط االقتصادي .يقوم
النشاط المالي على استعمال فوائض األموال لتحقيق مكاسب مادية دون مزاولة نشاط إنتاجي. يشمل النشاط المالي أنشطة اإلقراض أو التمويل مقابل فوائد أو عوائد أو أرباح ،وكذلك المضاربات،
والفساد المالي ،وفرض الض ارئب بما في ذلك ما يعرف بالضريبة المستترة التي تنشأ عن قيام
الدولة بزيادة كمية النقود لدعم المؤسسات في األزمات أو لدفع فوائد الدين العام أو لتغطية كلفة الفساد المالي في القطاع العام. نتيجة مزاولة النشاط المالي تحولت اقتصاديات الدول من اقتصاديات إنتاجية إلى اقتصاديات
تضخمية ،ذلك ألن كلفة اإلنتاج أصبحت ال تعبر عن الكلفة الحقيقية للمنتج ،إذ يضاف إلى كلفة اإلنتاج ما يدفع أو يتحمل البائع بسبب مزاولة النشاط المالي وهي تكاليف تضخمية ال عالقة لها بالكلفة الحقيقية للمواد أو العمل الداخلة في اإلنتاج .فلغرض تحديد سعر البيع ،يضيف البائع،
بصورة مباشرة أو غير مباشرة ،إلى كلفة اإلنتاج ما يدفع أو يتحمل من فوائد أو عوائد على ما
يقترض ،ومن زيادة مفتعلة في أسعار المواد بسبب المضاربات ،ومن ضرائب على المنتجات وعلى دخل ودخل عمال ،ومن رشاوى وتكاليف بسبب الفساد المالي والضريبة المستترة .وحيث
يحرص البائع على تجنب انخفاض معدل ربح ،فإن قيمة ربح تزيد بزيادة كلفة اإلنتاج.
بفرض معدل ربح البائع ،%23وأن كلفة إنتاج سلعة ما تبلغ 133وحدة نقدية ،فإن سعر البيع
في االقتصاديات اإلنتاجية يكون 123وحدة نقدية .في االقتصاديات المعاصرة ،إذا بلغت تكاليف التضخم 13وحدة نقدية ،فإن كلفة اإلنتاج تصبح 113وحدة نقدية ويصبح سعر بيع نفس السلعة 123وحدة نقدية.
على المستوى القومي ،حيث يعبر الناتج القومي عن القيمة السوقية لمجموع ما ينتج المجتمع من سلع وخدمات ويتم بيع خالل فترة زمنية معينة ،فإن نمو الناتج القومي يتطلب توفير نقود بالكمية
الكافية لتحقيق النمو المطلوب .وألن الوحدة النقدية تستعمل عدة مرات في التداول ،فإن النظرية الكالسيكية لكمية النقود تحدد كمية النقود الالزمة لتحقيق الناتج القومي بقسمة الناتج القومي على
معدل تداول النقود (كمية النقود = الناتج القومي ÷ معدل تداول النقود).
إذا كان معدل تداول النقود 1مرات ،فإن كمية النقود التي يلزم توفيرها لتحقيق نمو في الناتج
القومي مقداره 12مليار وحدة نقدية تكون 0مليار وحدة نقدية ( ،)1 ÷ 12وتكون القوة الشرائية
للنقود 1قيمة منتجات ( )0 ÷ 12حيث تعبر القوة الشرائية للنقود عن قيمة المنتجات التي يمكن شراؤها بوحدة نقدية واحدة.
أما إذا تم توفير كمية من النقود بمبلغ 1مليار وحدة نقدية ،فإن القوة الشرائية للنقود تصبح 0قيمة
منتجات ( ،)1 ÷ 12ونتيجة انخفاض القوة الشرائية للنقود ينشأ التضخم حيث تصبح القيمة السوقية
للناتج القومي 13مليار وحدة نقدية ( )1 × 1بدال من 12مليار وحدة نقدية.
تشير اإلحصاءات الصادرة عن البنك الدولي أن كمية النقود المتداولة ( )M2تنمو بمعدل أعلى
من نمو الناتج القومي ،يبين الجدول التالي معدالت النمو خالل عام 2311في بعض الدول. النقود
الناتج
الدولة
النقود
الناتج
الدولة
النقود
الناتج
الدولة
استراليا
1.3
2.1
الجزائر
13.1
0.2
األرجنتين 28.2
3.1
1.1
البحرين
3.1
1.1
الصين
11.3
1.0
الدنمارك 11.1
مصر
11.2
2.2
الهـن ـ ـ ـ ـ ــد
13.3
1.0
اسرئيل
11.8
2.2
األردن
1.0
0.1
اليابان
0.3
-3.1
روسيا
11.1
3.3
لبنان
1.8
2.3
السودان
11.3
0.1
السويد
0.1
2.0
السعودية
11.2
0.3
اإلمارات
2.3
1.3
تركيا
11.2
2.8
لو أن النشاط االقتصادي يقتصر على النشاط اإلنتاجي لكان معدل نمو النقود المتداولة مساويا لمعدل نمو الناتج القومي .ولكن نتيجة لمزاولة النشاط المالي التضخمي ،يرتفع معدل نمو النقود
المتداولة عن معدل نمو الناتج القومي ،فترتفع القيمة السوقية السارية للناتج القومي عن القيمة السوقية الحقيقية ل ،وهو ما يعبر عن بارتفاع المستوى العام لألسعار أو التضخم.
بخالف االرتفاع الطبيعي في األسعار الذي يعبر عن ارتفاع حقيقي في قيمة المنتجات ،التضخم ليس ظاهرة طبيعية ،وانما ظاهرة مفتعلة نشأت عن مزاولة النشاط المالي الذي يقضي بزيادة كمية النقود المتداولة عن كمية النقود الالزمة لتحقيق نمو الناتج القومي ،فتنخفض القوة الش ارئية للنقود
لتعكس ارتفاعا في المستوى العام لألسعار.
الت ضخم هو سبب رئيسي لجميع المشاكل االقتصادية وللكثير من المشاكل االجتماعية والسياسية التي تعاني منها المجتمعات؛
يتسبب التضخم في تركز الثروة ،إذ يختلف أثر التضخم باختالف طبقات المجتمع ،فبينما
يزداد الفقراء فق ار وينخفض مستوى معيشة ذوي الدخول المتوسطة وأولئك الذين يتقاضون دخوال
ثابتة ،يجنى أصحاب الثروات العينية أرباح ارتفاع قيمة ممتلكاتهم من األصول ،ويتمكن
أصحاب العمل في القطاع المالي من جني دخول دون تحمل مخاطر اإلنتاج ،أما أصحاب
العمل في القطاع اإلنتاجي فتزيد أرباحهم كلما زادت تكاليف المنتجات ،ومع تنامى الفساد المالي تتسع الفجوة بين األثرياء والفقراء.
يترتب على التضخم آثار اجتماعية وسياسية هدامة ،فنتيجة زيادة المعاناة بسبب ارتفاع
األسعار ينتشر إدمان الكحوليات وينفرط الترابط األسري ويرتفع معدل الجريمة وتحل حالة الكراهية والحقد والحسد محل روح التعاون والوئام بين الناس ،وتتفاقم الضغوط لرفع األجور
لمواجهة ارتفاع األسعار ،ويترجم ذلك في عدم استقرار سياسي ومظاهرات وثورات شعبية.
نتيجة للتضخم تتفاقم المشاكل االقتصادية إذ يقل االستهالك ،فينخفض الطلب ويتبع خفض اإلنتاج ومن ثم يرتفع معدل البطالة ،وكذلك تقل الصادرات حيث ترتفع أسعارها ،كما تتزايد المستوردات التي تصبح أسعارها أقل نسبيا من أسعار المنتجات المحلية ،وكذلك ترتفع كلفة
الخدمات العامة ويزيد اإلنفاق الحكومي وينمو الدين العام بتنامي كلفة خدمت وتزيد حاجة الدولة القتراض النقود لتغطية عجز الموازنة فيزيد الدين العام وتفرض الدولة المزيد من
الضرائب ،والبديل أن تعتمد سياسة تقشف تزيد من معدل البطالة.
التضخم هو المسبب الرئيسي لما يشهده العالم من أزمات مالية ونقدية .أزمة وول ستريت في ،1828وأزمة الرهونات األمريكية عام ،2332وأزمة دول آسيا عام ،1881وأزمة روسيا
في ،1882وكذلك أزمة ديون دول أمريكا الالتينية ،فجميعها نتاج زيادة كمية النقود االئتمانية.
التضخم ،كما جميع أشكال التدخل في نظام السوق ،يحد من حرية السوق التي تعتبر أحد أهم شعارات النظام الرأسمالي.
بخالف األنظمة االقتصادية الوضعية ،يحرم القرآن الكريم التضخم فهو أكل مال المستهلكين ْكُلوا أَمواَل ُكم بين ُكم ِباْلب ِ اط ِل " ،1وفي بخس للنقود المملوكة للناس " َوَال تَ ْب َخسوا َّ اس ََْ َ الن َ بالباطل " َوَال تَأ ُ ْ َ ُ 2 َغِني ِ نك ْم.0 أْ اء ِم ُ اء ُه ْم " ،ونتيجت تركز الثروة بيد األغنياء " َك ْي َال َي ُكو َن ُدوَلة َب ْي َن ْاأل ْ َ َش َي َ إن أحكام اإلسالم التي تقدم مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد تتبنى اقتصادا إنتاجيا ال محل في الكتساب دخل نتيجة مزاولة نشاط مالي ،ذلك أن اكتساب الدخل المشروع ينحصر في الدخل المكتسب من التجارة ،فكلمة " التجارة " في القرآن الكريم تشمل جميع أوج النشاط اإلنتاجي " َيا ْكُلوْا أَمواَل ُكم بين ُكم ِباْلب ِ أَي َّ ِ اط ِل ِإالَّ أَن تَ ُكو َن ِت َج َارة ".1 ُّها الذ َ آمُنوْا الَ تَأ ُ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ ين َ َ
( 1البقرة .)111 :2 ( 2هود .)18 :11 (" 3الحشر.)7: 85 ( 4النساء .)25 :4
َح َّل ويؤكد اإلسالم على تحريم جميع صنوف النشاط المالي ،فيحرم اإلقراض أو التمويل الربوي " َوأ َ َّ الل ُ اْل َب ْي َع و َح َّرم ِ الرَبا " ،1ويحرم المضاربات ففي عقودها الحاضرة يترتب على ارتفاع أسعار َ َ األصول والبضائع موضوع المضاربة عن قيمتها العادلة بخس لقيمة النقود المملوكة للمشترين "
اء ُه ْم " ،3وعقودها اآلجلة غالبا تنطوي على بيع غير المملوك وقد نهي اس أ ْ َوالَ تَْب َخ ُسوْا النَّ َ َش َي َ الرسول عن بيع ما ليس عند البائع (سنن أبي داود – البيوع) ،كما ويحرم القرآن الكريم الفساد المالي " وَال تَعثَوا ِفي ْاألَر ِ ِ ِ ين " (هود ، )21: 11وكذلك يحرم الضرائب " ض ُمْفسد َ ْ َ ْْ ْكُلوا أَمواَل ُكم بين ُكم ِباْلب ِ ْكُلوا َف ِريقا ِم ْن أَمو ِ اس ِب ِْ الن ِ ال َّ اإل ْث ِم " (البقرة اط ِل َوتُْدلُوا ِب َها ِإَلى اْل ُح َّكا ِم لِتَأ ُ ََْ َ َْ َوَال تَأ ُ ْ َ ، )122 : 2وعن فاطمة بنت قيس ،أنها سمعت – تعنى النبي صلى الل علي وسلم – يقول : " ليس في المال حق سوى الزكاة " (سنن ابن ماجة – الزكاة) .
أما السوق فهو أحد األنظمة التي خلقها الل سبحان لتنظيم حياة مخلوقات ،لذلك فإن السوق الطبيعي يمثل اطا ار مفروضا إلتمام المبادالت وتسعير المنتجات من خالل تفاعل حر بين عاملي
الطلب والعرض متأث ار بمنافسة حرة شريفة ،فال يجوز للمخلوق أن يفسد نظاما خلق الل عز وجل ِ ِ ِ ِ ص َال ِح َها " (األعراف )13 : 1 بافتعال التضخم أو بأي أسلوب آخر " َوَال تُْفسُدوا في ْاأل َْرض َب ْع َد إ ْ ،وال يجوز تسعير المنتجات ،قال الناس يا رسول الل غال السعر فسعر لنا فقال رسول الل : " إن الل هو المسعر القابض الباسط الرازق واني ألرجو أن ألقى الل وليس أحد منكم يطالبني
بمظلمة في دم وال مال" ( سنن أبي داود – البيوع) .
( 8البقرة .)278: 2 ( 6هود .)18 :11
الفصل الثاني
النظام النقــــدي ابتدعت النقود المغطاة بالذهب بسبب الحاجة إليجاد وسيط يسهل عمليات تبادل المنتجات دون
التعرض لمخاطر تخزين ونقل النقود السلعية التي كان يتم تداولها ،وقد حظيت النقود المغطاة
بالكامل بالذهب تاريخيا بقبول عام على المستوى القومي وكذلك على المستوى العالمي .وخالل
نظام الذهب ،كان الجني االسترليني البريطاني عملة االحتياطي العالمي تستعمل إلجراء التسويات
في مدفوعات أثمان المستوردات والوفاء بااللتزامات الدولية .وبعد الحرب العالمية الثانية حل الدوالر األمريكي محل الجني االسترليني ،وأخذت الواليات المتحدة األمريكية على عاتقها االلتزام بمعادلة
الدوالر على أساس 01دوالر مقابل أونصة الذهب.
ولكن انهار نظام الذهب حيث لم تتمكن بعض الدول من االلتزام بقواعده ،وعلى إثر زيادة اإلنفاق
الفيدرالي بسبب حرب فيتنام وكذلك تنامى عجز ميزان المدفوعات األمريكي أعلن الرئيس األمريكي نيكسون في 1811/2/ 11نهاية التزام الواليات المتحدة بتحويل الدوالر إلى ذهب ،فتحولت معظم دول العالم إلى إصدار النقود الورقية Fiat Moneyالتي هي مجرد ورق يطبع أو قطع معدنية تصك من قبل الدولة ،ولم يعد هناك عملة عالمية مغطاة بالذهب .ومع ذلك فقد استمر الدوالر
األمريكي يلعب دور العملة العالمية بحكم العادة ،ولعدم وجود بديل ،وبسبب كبر حجم الدين العام األمريكي تجاه الدول والمؤسسات غير األمريكية ،ولتعاظم كمية الدوالر األمريكي خارج الواليات
المتحدة األمريكية ،ولكبر حجم الناتج القومي األمريكي ،وحجم االستهالك األمريكي ،وحجم المستوردات من الدول األخرى وخاصة الصين.
وتوالت األحداث فمنذ األزمة المالية العالمية عام 2332شهد العالم انهيا ار في سعر صرف الدوالر،
إذ تنامى الدين العام األمريكي ،فانخفضت قوت الشرائية ،فأصبحت حقوق المصدرين والدائنين في المعامالت الدولية عرضة لمخاطر مرتفعة ،مما جعل دوال تتج لالحتفاظ بعملة احتياط في شكل
سلة من العمالت األجنبية أو تعمد إلى المقايضة في التجارة الدولية بدل استعمال النقود ،وتالحقت
اجتماعات الدول المسيطرة على اقتصاديات العالم في محاولة لتصويب نظام النقد العالمي.
خالفا للنقود السلعية أو المغطاة بالذهب ،فإن النقود الحالية ليست مصنوعة من معدن ذي قيمة وال مغطاة بمعدن نفيس ،وانما نقود مصدرة مصنوعة من ورق أو معدن ال قيمة تذكر ل
Fiat
Moneyباإلضافة إلى ودائع مصرفية ممثلة في قيود محاسبية في سجالت البنوك .و لكي يقبل الناس النقود التي ليس لها قيمة بذاتها بديال عن النقود ذات القيمة ،فقد اعتبرت الحكومات النقود
المصدرة التزاما عليها وفرضت قبولها العام بالقانون بوصف النقود حقا قانونيا ،Legal Tender
أما الودائع المصرفية فتعد التزاماَ قانونيا على البنوك .وتشكل النقود المصدرة نسبة ضئيلة من حجم النقد المتداول ،على سبيل المثال ،ففي يناير (كانون ثاني) 2331كان النقد المصدر في الواليات المتحدة األمريكية 113.1بليون دوالر ،بينما بلغت ودائع البنوك التجارية (3.00 )M2 تريليون دوالر.
أما على المستوى العالمي ،فإن معطيات قبول النقود على المستوى القومي ال تضمن حقوق أطراف المبادالت الدولية .حفظ حقوقهم من مصدرين ودائنين ال يمكن تحقيق إال بوجود ضمان مادي
للوفاء الفعلي الفوري لهذه الحقوق من خالل استبدال قيمتين؛ سلعة مقابل سلعة أو سلعة مقابل
ذهب أو سلعة مقابل نقد مغطى بالكامل بالذهب .ولكن رغم اختالف معطيات القبول العام للعملة
القومية عن ضوابط القبول العام للعملة العالمية لم يفرق االقتصاديون بين العملة القومية والعملة
العالمية . تتبنى الدول على اختالف أنظمتها االقتصادية نظاما نقديا يقوم على اعتماد االقتراض طريقا رئيسيا
لتوفير النقود الالزمة لنمو الناتج القومي؛
تصدر الدولة نقودا Fiat Moneyباعتبارها أداة دفع قانونية مقبولة لالستبدال بالمنتجات وللوفاء بااللتزامات .بعض الدول تحتفظ مقابل إصداراتها بغطاء كلي أو جزئي من ذهب أو
عمالت أجنبية ،ولكن التخلص من فكر االحتفاظ بغطاء للعملة ل ما يبرره في الواقع العملي. توفير الغطاء السلعي أو النقدي ينطوي على اكتناز مال بدل استثماره في أنشطة إنتاجية
ويعرض الدولة لمخاطر انخفاض سعر صرف عملة الغطاء ،كما أن البنوك ال تحتفظ بغطاء
مقابل ما تصدره من نقود بفعل ممارستها لعملية خلق النقود ،عالوة على أن الناتج القومي هو الغطاء الحقيقي للعملة .في كتاب االقتصاد الحديث – مبادئ وسياسات الصادر عام 1812 صفحة 128يقول كالفن النكستر األستاذ في جامعة كولومبيا " غطاء العملة هو هراء موروث ناتج عن عدم معرفة طبيعة النقود".
ومع زيادة حاجة الدولة للنقود عما يمكن إصداره من قبل البنك المركزي الذي يراعى توازن
نمو كمية النقود مع نمو الناتج القومي ،تلجأ الحكومة لتوفير النقود الالزمة لتغطية نفقاتها المتزايدة عن طريق اقتراض النقود مقابل سندات أو صكوك تصدرها األجهزة أو المؤسسات
الحكومية أو عن طريق االقتراض المباشر من بيوتات المال العالمية أو الدول الغنية .في
مقالت الموجهة للشعب األمريكي عبر اإلنترنت ،يقول الدكتور دون جروندمان "منذ ،1883
حوالي %13من ميزانية الواليات المتحدة تُدفع لتسديد فوائد الدين العام ". يقوم عمل البنوك على اقتراض النقود من المودعين ،وثم تستعمل البنوك الودائع إلقراض أو
تمويل األفراد والمؤسسات على اختالف أنواعها .وتتعاظم ودائع البنوك بسبب ممارستها لما يعرف بعملية خلق النقود التي تمكن البنوك من زيادة ودائعها عن طريق اإلقراض ،وكذلك
تزيد ودائع البنوك بفعل إضافة الفوائد الى أرصدتها .كما تقوم مؤسسات اإلقراض بإقراض
األفراد والمؤسسات المختلفة .
تلعب األسواق المالية دو ار مهما الستقطاب المدخرات ،فمن خاللها تتمكن الشركات والمؤسسات الكبرى من االقتراض عن طريق إصدار السندات ،وتتمكن البنوك من زيادة حجم االئتمان عن طريق تسييل ديون عمالئها كما يحدث في سندات الرهونات العقارية .وتزيد ودائع البنوك ألن معامالت األسواق المالية على اختالف تصنيفاتها تتم من خالل البنوك . بديال عن االقتراض ،تلجأ الدول إلى توفير النقود عن طريق تطبيق ما يعرف بسياسة الخصخصة يتحول فيها المال العام الواجب استثماره لصالح مواطني الدولة إلى مال خاص يستثمر لصالح
مستثمرين غالبا ما يكونوا أجانب .وقد تلجأ الدولة الفقيرة إلى استجداء المنح من الدول الغنية فتضطر إلى الخضوع لطلبات المانحين .وان لم تستطع الدولة توفير النقود الكافية لتحقيق النمو المطلوب فإنها تلجأ لتطبيق سياسات تقشفية لتقليص اإلنفاق الحكومي بما يترتب عليها من
انخفاض في معدل النمو وارتفاع معدل البطالة.
لما كان توفير النقود في االقتصاديات المعاصرة يعتمد على االقتراض وتشجيع أنشطـة مالية يفتعل بها تضخما ،فقد اتسع دور النقود لتصبح أداة الفتعال التضخم ،وبسبب التضخم فقدت النقود المعاصرة أهليتها كمقياس للقيمة حيث تتقلب قوتها الشرائية ،كما فقدت أمانتها كمخزن للقيمة فلم يعد بإمكان حاملها أن يحصل مقابلها على منتجات بنفس القيمة التي كان يمكن الحصول عليها
عند استالم للنقود ،أو أن يسترد دين بنقود بذات القوة الشرائية عند إقراض النقود.
لما للتضخم من آثار هدامة ،فقد أصبحت النقود تتحكم في نمو الناتج القومي ،وتحول هدف النظام
النقدي من توفير النقود الالزمة لتحقيق الناتج القومي إلى محاولة تحقيق أعلى قدر من النمو في
الناتج القومي مع أقل ارتفاع في معدل التضخم .ويتم ذلك من خالل تبنى سياسات نقدية وحكومية تقوم على التحكم في كمية النقود لتجنب مخاطر تفاقم التضخم .البنك المركزي يتحكم في إصدار
النقود وحجم االئتمان ومعدالت الفائدة ،والدولة تتحكم في األسعار واألجور والضرائب .ولكن في جميع األحوال فإن ال يمكن تجنب عدم االستقرار االقتصادي ،كما وأن السوق قد ال يستجيب لما
تتوقع السلطة النقدية .وقد يرتفع معدل التضخم بشكل كبير يهدد االقتصاد بكامل مثال ذلك أن شهد االقتصاد السوفيتي فترة من التضخم المتفاقم من عام 1821إلى عام .1821 لقد أصبحت االقتصاديات المعاصرة اقتصاديات تضخمية ،وأصبح لزاما على المجتمعات التعايش
مع التضخم المفتعل بدعوى ضرورة النشاط المالي لتوفير النقود ،ولكن حقيقة األمر غير ذلك،
فليس هناك ما يمنع الدول من توفير النقود الالزمة لتحقيق الناتج القومي بدون افتعال تضخم فالناتج القومي هو الغطاء الحقيقي للعملة ،كما وال يفرض عليها النظام النقدي العالمي وال أنظمة
البنوك المركزية ما يمنعها من ذلك.
النساء واْلبِنين واْلَقن ِ اس ح ُّب َّ ِ ِ ِ ورد في القرآن الكريم ذكر الذهب والفضة " ُزي ِ اط ِ ير الش َه َوات م َن َ َ َ َ َ َ َ ِن ل َّلن ِ ُ ط ِرة ِمن َّ الذ َه ِب َواْل ِف َّ ض ِة " (آل عمران ،)11 :0كما ورد في أحاديث الرسول صلى الل علي اْل ُمَقن َ َ َ وسلم ذكرهما بوصفهما أثمان (عملة) متداولة في عصره ،إال أن لم يرد ما يحرم استعمال البشر ألي وسيط آخر للتبادل باعتباره بدعة بشرية تسهل معامالتهم على أن تتم مراعاة أحكام القرآن
الكريم ذات العالقة .وقد بينت آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول أحكام النقود ؛
إن االحتفاظ بغطاء للعملة يتعارض مع تحريم القرآن الكريم اكتناز الذهب والفضة يل َّ ِ و َّالِذين ي ْكِن ُزو َن َّ ونها ِفي سِب ِ الذ َه َب َواْل ِف َّ الل ِ َف َب ِش ْرُهم ِب َع َذاب أَلِيم " (التوبة )01 : 8 َ َ َ َ ض َة َوَال ُينفُق َ َ ،كما يتعارض مع تحريم اكتناز النقود " َوْي ٌل لِ ُك ِل ُه َم َزة ُّل َم َزة (َّ )1الِذي َج َم َع َماال َو َعَّد َد ُه ()2 َي ْح َس ُب أ َّ ط َم ِة (( " )1الهمزة . )131 َخَل َدهُ (َ )0كالَّ َلُي َنب َذ َّن ِفي اْل ُح َ َن َماَل ُ أ ْ ِ ِ ان ِباْل ِق ْس ِط ال َواْلم َيز َ يؤكد القرآن الكريم على وجوب ثبات القوة الشرائية للنقود " َوَيا َق ْو ِم أ َْوُفوْا اْلم ْك َي َ َشياءهم والَ تَعثَوا ِفي األَر ِ ِ ِ َوالَ تَْب َخسوْا َّ ين " (هود ،)21 :11ذلك ألن قياس ض ُمْفسد َ ْ الن َ اس أ ْ َ َ ُ ْ َ ْ ْ ُ النقود لقيمة المنتجات ال يمكن أن يكون بالقسط ما لم تكن القوة الشرائية للنقود ثابتة ،وال يمكن تحق يق ذلك إال من خالل االلتزام بأن تعادل كمية النقود المتداولة كمية النقود الالزمة لتحقيق
الناتج القومي.
من المعروف أن لم يتم صك عملة في عهد الرسول ،وانما استمر المسلمون في استعمال
عملة البيزنطيين والساسانيين التي كانت مصنوعة من الذهب والفضة ،وبين الرسول أنداك
أحكام الصرف ،فعن الرسول صلى الل علي وسلم أن اشترط لجواز الصرف شرطين أولهما ِِ ِ اآلني ـ ـ ـ ـ ــة ،فع ِن ْاب ِن ُعمرَ ،قال أَتَ ْي ُت َِّ يع ََ َ َسأَُل َك إني أَب ُ َ النب َّي صلى الل علي وسلم َفُقْل ُت ُرَوْي َد َك أ ْ ير وآخ ُذ َّ ِ يع ِب َّ ِ ِ ْخ َذ ِب ِس ْع ِر َي ْو ِم َها َما َل ْم تَْفتَ ِرَقا َوَب ْي َن ُك َما اإلِب َل ِباْل َب ِق ِ َن تَأ ُ الد َنان ِ َ ُ ْس أ ْ ال " الَ َبأ َ الد َراه َم َ .ق َ الر ْح َم ِن ْب ُن أَِبي َب ْك َرَة، َش ْى ٌء " (سنن النسائي – كتاب البيوع) ،وثانيهما التقابض ،فعن َع ْبُد َّ الذه ِب ِإالَّ عن أَِبي ِ َ ،قال نهى رسول َّ َّ ض ِة ِباْل ِف َّ ِ َّ الل ِ صلى الل علي وسلم َع ِن اْل ِف َّ َْ ضة َوالذ َه ِب ِب َ َ ََ َ ُ ُ الذهب ِباْل ِف َّ ِ الذه ِب َكي ِ َّ َّ ِ َن َن ْشتَ ِر َي اْل ِف َّ ف ِش ْئ َنا . َم َرَنا أ ْ ضة َك ْي َ َْ ض َة ِب َ ف ش ْئ َنا َوَن ْشتَ ِر َي َ َ َس َواء ب َس َواء َوأ َ ِ ال َه َك َذا َس ِم ْع ُت " (صحيح مسلم). ال َيدا ب َيد َفَق َ ال َف َسأََل ُ َرُج ٌل َفَق َ َق َ ال يجوز توفير النقود عن طريق االقتراض أو التمويل مقابل فائدة أو ربح أو عائد ،إذ يحرم الخالق عز وجل الربا " وأَح َّل َّ الل ُ اْل َب ْي َع و َح َّرم ِ الرَبا "(البقرة ،)211: 2ومن قبل حرمت َ َ َ َ المسيحية الربا " ولم يعط بالربا ولم يأخذ مرابحة وكف يده عن الجور" (حزقيال ،)8وفى اليهودية ورد في اإلصحاح 22من صفر الخروج عدد ( )21ما نص " :إن اقرضت لشعبي الفقير الذي عندك فال تكن ل مرابي ".
َّ ِ آمُنوْا وقد بين القرآن الكريم أساليب التمويل المشروعة ،فأجاز اإلقراض بال عائد " َيا أَُّي َها الذ َ ين َ ِ ير ِمن اْلخَل َ ِ ِ ض ُه ْم ِإ َذا تََد َاينتُم ِب َد ْين ( "..البقرة ، )222 :2وأحل الشركة " َواِ َّن َكث ا َ ُ طاء َل َي ْبغي َب ْع ُ عَل ٰى بعض ِإ َّال َّالِذين آمُنوا وع ِمُلوا َّ ِ ِ ِ يل َّما ُه ْم "(ص ، )21: 02وقد أسهب فق َ َ ََ الصال َحات َوَقل ٌ َ َْ السلف الصالح في وضع ضوابط الشركات التزاما بتحقيق العدل .
خال من التضخم يحقق إن االلتزام بأحكام الشريعة اإلسالمية يتطلب التحول إلى اقتصاد إنتاجي ٍ فيه نظام النقد القومي األهداف التالية:
.1توفير النقود القومية بالكمية الكافية لتحقيق النمو األمثل للناتج القومي دون قيود وبدون حاجة إلى االقتراض أو االحتفاظ بغطاء للعملة أو استقطاب المدخرات واالستثمارات أو استجداء
الهبات.
.2ثبات القوة الشرائية للعملة القومية.
.0مكافحة الفساد المالي على المستوى القومي بشكل فعال. خالفا للسياسات النقدية الحالية التي تقوم على التحكم في كمية النقود ،فإن تحقيق هذه األهداف
عمليا يتطلب التحكم في حركة النقود لمنع استعمالها في أنشطة مالية تضخمية مما يضمن تلقائيا عدم زيادة كمية النقود عن الكمية الالزمة لنمو الناتج القومي.
حيث ال يمكن عمليا التحكم في حركة النقود في ظل اقتصاديات تصدر البنوك المركزية والبنوك نقودها ،ويجرى فيها تداول النقود فيما بين األفراد والمؤسسات ولدى البنوك ،وتستعمل فيها النقود لمزاولة أنشطة إنتاجية ومالية ويكتنز جزء منها ويستثمر أو يهرب جزء آخر خارج الدولة ،فإن
التحكم في حركة النقود يقتضي حصر صالحية توفير النقود وتداولها لدى جهة حكومية معينة. ويمكن أن يتم ذلك عن طريق التحول إلى نظام نقدي مغلق وفق ما يلي:
.1حصر تداول النقود القومية في السلطة النقدية (البنك المركزي أو بنك حكومي)
يتم استدعاء جميع النقود الورقية والمعدنية بالعملة المحلية ،وكذلك تحويل جميع الودائع
المصرفية بالعملة المحلية ،إليداعها (النقود والودائع) لدى السلطة النقدية بأسماء أصحابها في
حسابات جارية غير مقيدة وبدون فوائد .ألن ودائع البنوك يقابلها قروض تكون قد منحتها البنوك لعمالئها ،فإن حسابات البنوك لدى السلطة النقدية ستكون مكشوفة (مدينة) لحين تسديد األرصدة المدينة من متحصالت تسديد االئتمان المصرفي القائم آنذاك.
.2الغاء النقود القومية
تلغى النقود القومية مقابل استبدالها بوحدات محاسبية تتمثل في أرصدة الودائع لدى السلطة
النقدية .تتم جميع المدفوعات بالعملة المحلية عن طريق تحويالت فيما بين الحسابات لدى السلطة النقدية باستعمال وسائل السحب المتعارف عليها مصرفيا .بديال عن النقود وبهدف
تغطية المشتريات والمدفوعات النثرية ،يتم بناء على طلب صاحب الحساب إصدار بطاقات
الكترونية ذكية ،بسقوف أو بدون سقوف ،للسحب في حدود الرصيد المتوفر في الحساب. .0تمويل النشاط اإلنتاجي
تمويل المستهلكين :بهدف تشجيع االستهالك المحلى ،للسلطة النقدية أن تصدر بطاقات ائتمانية الستعمالها في شراء المواد االستهالكية المختلفة.
تمويل أجهزة الحكومة :يكون تمويل األجهزة الحكومية في حدود المخصصات المعتمدة
لكل من أجهزة الحكومة ،على أن تقوم السلطة النقدية بدفع مستحقات الغير تجاه كل من أجهزة الدولة بقيد قيمها لحسابات مستحقيها على حساب الجهاز لدى السلطة النقدية،
وبالمقابل تقيد جميع متحصالت الجهاز بقيد قيمها على حسابات دافعيها لحساب الجهاز
لدى السلطة النقدية.
تمويل المشاريع والصفقات :تلتزم السلطة النقدية بتمويل العجوزات في التدفقات النقدية لألنشطة اإلنتاجية التي تقوم بها مؤسسات التمويل المتخصصة (البنوك) .يفتح لدى السلطة
النقدية حساب جارى خاص بكل عملية تمويل .يتم قبض رؤوس األموال المشاركة في التمويل (إن وجد) وكذلك جميع المتحصالت الخاصة بالعملية بقيد قيمتها على حسابات
دافعيها لدى السلطة النقدية ،كما يتم قيد السحوبات والمدفوعات الخاصة بالعملية لحسابات مستحقيها لدى السلطة النقدية .تمثل أرصدة حساب التمويل المكشوفة التمويل المدفوع من قبل السلطة النقدية بوصفها شريكا في عملية التمويل.
يتم التمويل بموافقة واشراف السلطة النقدية وادارة مؤسسة التمويل وفق صيغة المشاركة
الجارية .مؤسسة التمويل ال تشارك في رأس المال .إذا وجد شركاء يحدد عقد المشاركة
الحد األدنى لمقدار مساهمة كل شريك في رأس المال .للشريك أن يتقلب رأسمال زيادة أو نقصا بشرط أال يقل عن الحد األدنى المتفق علي .يجوز وجود شريك بدون رأسمال .تقيد الشراكة العينية بحسب قيمتها السوقية الجارية .
بعد انتهاء العمل في المشروع (أو الصفقة) موضوع التمويل ،تتم التصفية ببيع المشروع
نقدا للغير أو للسلطة النقدية بسعر السوق النقدي بتاريخ البيع .وتتم المحاسبة وفق المبدأ النقدي بتاريخ تصفية المشروع حيث يتحقق الربح أو الخسارة .
لكل طرف نسبة في الربح (إن وجد) مقابل جهده أو عمل أو إشراف (إن وجد) ،والباقي من الربح يكون ربحا ألصحاب رأس المال بما فيهم السلطة النقدية .يوزع ربح أرس المال
(أو الخسارة) على أصحاب رأس المال بحسب رأس المال المستثمر من كل منهم محسوبا بطريقة األعداد (النمر) المعتمدة لدى المصارف لحساب الفائدة أو الربح.
.1الخدمات المصرفية
تقوم السلطة النقدية حصريا بتقديم جميع الخدمات المصرفية بما في ذلك خدمات الحسابات
ب العمالت األجنبية وخدمات االعتمادات المستندية وبوالص الشحن والحواالت األجنبية والكفاالت بأنواعها.
.1العمالت األجنبية
يتم تحويل جميع الودائع المصرفية بالعمالت األجنبية ،إليداعها لدى السلطة النقدية في
حسابات بأسماء أصحابها .تراقب السلطة النقدية حركة الحسابات بالعمالت األجنبية وتوجهها لتوفير النقد األجنبي الستيراد ما يلزمها من أصول أجنبية بمراعاة استيراد الضروريات قبل
الكماليات .يجرى استبدال العملة المحلية بالعمالت األجنبية بسعر الصرف في السوق حاض ار. .3مكافحة الفساد المالي
تشكل حسابات الودائع سجال كامال لمقبوضات ومدفوعات أصحابها فتكون أداة فعالة تمكن الدولة من مكافحة الفساد المالي والتهرب الضريبي والحد من الكسب غير المشروع وتجنب
االختالسات وسرقة النقود واجراء التقييم االئتماني .
قد يتخوف البعض من انخفاض سعر صرف العملة نتيجة الخروج عن الفكر االقتصادي المفروض،
ولكن قوة االقتصاد يتحكم فيها نمو الناتج القومي وكفاية دخل الفرد تتحكم فيها سياسة إعادة توزيع
الدخل القومي .ومن جهة أخرى فإن انخفاض أسعار المنتجات بسبب زيادة الناتج القومي باإلضافة إلى ثبات القوة الشرائية للعملة القومية نتيجة التخلص من التضخم يزيد حجم الصادرات ويخفض حجم المستوردات مما ينعكس إيجابيا على ميزان المدفوعات وعلى الميزان التجاري.
والتزاما بأحكام اإلسالم ولتأمين حقوق أطراف المعامالت الدولية من مصدرين ودائنين ،فإن يمكن التحول إلى نظام نقد عالمي بتجنب مغالطات النظام النقدي العالمي الذي كان قائما. كان طبيعيا أن يفشل النظام النقدي العالمي الذي كان قائما ،إذ أن االلتزام بمبادلة الدوالر بالذهب على أساس 01دوالر لكل أونصة ذهب يعنى تثبيت سعر الذهب مقابل الدوالر ،وفى ذلك تجاهل
لحقيقة أن الذهب سلعة يتقلب سعرها بتغير الطلب والعرض ،وأن الواليات المتحدة األمريكية ال
تحتكر وحدها مخزون الذهب في العالم.
يمكن اعتماد عملة عالمية مستقلة يصدرها بنك عالمي مستقل ال يخضع ألي دولة على أن يتحدد سعر العملة العالمية بما يعادل كمية ثابتة من الذهب .يبيع البنك العالمي النقود العالمية إلى
البنوك المركزية في الدول مقابل استالم الكمية المعادلة من الذهب بصرف النطر عن سعر
الذهب في السوق.
بفرض التوافق على تقييم العملة العالمية بما يعادل 1333 ÷ 1من أونصة الذهب ،فإن كل مليون وحدة نقد عالمية تباع للبنوك المركزية مقابل 1333أونصة ذهب ويتم تسليم العملة العالمية في
شكل ورق بنكنوت أو تقيد للحساب الجاري للبنك المركزي لدى البنك العالمي .وبالمقابل يلتزم البنك العالمي باستبدال كل مليون وحدة نقد عالمية بكمية 1333أونصة ذهب بصرف النطر عن
سعر الذهب في السوق.
يقوم البنك العالمي بعمل بنك التسويات تتم بواسطت المدفوعات للتجارة وااللتزامات الدولية ،وتعتبر العملة العالمية عملة االحتياط يحتفظ بها في الحسابات الجارية للبنوك المركزية لدى البنك العالمي. ترتفع قيمة العملة العالمية مقابل العمالت القومية بارتفاع سعر الذهب والعكس صحيح ،وينعكس
ذلك على أسعار الصادرات بالعملة العالمية ،وتحدد أسواق الصرف أسعار صرف العمالت القومية مقابل العملة العالمية.
قد يصعب في الوقت الحاضر اعتماد العملة المستقلة على المستوى العالمي ،ولكن يمكن لمجموعة دول اعتماد عملة مستقلة الستعمالها في المعامالت فيما بينها.
الفصل الثالث
النظام المالــــي ألغراض هذا البحث ،يقصد بالنظام المالي مجموعة القواعد التي تنظم المالية العامة والمالية
الخاصة .وتعنى المالية العامة بالملكية العامة ،وايرادات الدولة ونفقاتها والتوازن بينهما وما يترتب
من فائض أو عجز في موازنة الدولة .كما تشير المالية الخاصة إلى الملكية الخاصة ،ودخل الفرد ونفقات والتوازن بينهما وما يترتب من فائض أو عجز في دخل الفرد عن تغطية تكاليف المعيشة. والجمع بين المالية العامة والمالية الخاصة مقصود لتداخلهما حيث تهتم الدول بتوزيع الثروة والدخل
القومي بسبب حاجتها لتغطية العجز في ميزانيتها الذي قد ينشأ عن عدم كفاية إيراداتها لتغطية نفقاتها وبسبب تباين دخول األفراد ووجود ظاهرة الفقر.
إن مشكلة الفقر أو مشكلة تباين الثروات موجودة في المجتمعات وعبر العصور ،وتتعدد أسبابها،
ولكن العوامل الطبيعية التي تؤثر على مقدرة األفراد لتنمية مداخيلهم ،بصرف النظر عن أدائهم
في العمل ،هي نتيجة اختالف القدرات الخلقية ونمط الحياة ودورة الحياة والبيئة المحيطة ،وتتعاظم مشكلة الفقر وتباين الثروات بسبب التضخم ،وبالمقابل تتعاظم أعباء الدولة مع تعقيدات الحياة ويتنامى اإلنفاق الحكومي لتلبية االحتياجات المعاصرة ،األمر الذى يفرض تدخل الدولة إلعادة
توزيع الثروة والدخول. تختلف سياسات إعادة توزيع الثروة والدخول في الدول بحسب النظام االقتصادي الذى تتبناه الدولة.
في النظام االشتراكي تتملك الدولة عوامل اإلنتاج وتتحكم في توزيع الدخول والثروات ،أما الفرد فعلي أن يعمل بقدر طاقت ليحصل على دخل بقدر جهده أو حاجت ،ول أن يتصرف في دخل
لتغطية تكاليف معيشت وكيفما شاء .وعلى النقيض ،يطلق النظام الرأسمالي العنان لألفراد والقطاع الخاص لتملك عوامل اإلنتاج والسعي للحصول على دخل والتصرف في دون قيود .أما الدولة
فتفرض الضرائب بهدف تغطية نفقاتها واعادة توزيع الدخول بين األفراد عن طريق ما تقدم إلى
الطبقات الفقيرة ولذوي الدخول المحدودة من مساعدات وبرامج للرعاية االجتماعية ،وكذلك ما تقدم
من أنظمة للتقاعد والضمان االجتماعي .واذا لم تكن حصيلة الضرائب كافية لتغطية نفقات الدولة
فإنها تلجأ إلى االقتراض .
إن انعدام الحافز المادي لدى أفراد المجتمع يعد من أهم أسباب فشل النظام االشتراكي وعدم تمكن
من تحقيق المساواة بين أفراد المجتمعات االشتراكية ،ومن ثم تحول التدريجي العتماد بعض
أساليب النظام الرأسمالي .كما أن الحرية غير المقيدة في النظام الرأسمالي باإلضافة إلى ما يترتب
على الضرائب واالقتراض من تضخم يزيد من تركز الثروة هي من أهم أسباب تنامى الفقر واتساع الفجوة بين دخول األفراد .تشير الدراسة التي أعدها المعهد الدولي ألبحاث التنمية االقتصادية
بجامعة األمم المتحدة إلى أن %1من البالغين يملكون وحدهم في عام 2333ما نسبت %13
من مجموع األصول في العالم ،وأن %13من البالغين يملكون %21من إجمالي األصول في
العالم ،وبالمقابل فإن نصف سكان العالم من البالغين األكثر فق ار يمتلكون %1من ثروة العالم.
بخالف االجتهادات البشرية لتنظيم المالية العامة والمالية الخاصة ،فالمال العام والخاص كل ملك َِّ ِ ِ ات واأل َْر ِ ض َو َما ِفي ِه َّن " (المائدة ،)123 :1أما ملكية البشر ك َّ للخالق عز وجل " لل ُمْل ُ الس َم َاو َ فهي ملكية انتفاع ينظمها اإلسالم ،وأما مصادر الدخل والتصرف فيها فتحكم ضوابط واردة في القرآن الكريم وفى أحاديث الرسول . تعرف الملكية العامة باسم " المال العام " ،ويفهم أن المقصود بالمال العام هو الموجودات التي ينتفع بها كل المجتمع ،مثل الماء والكهرباء والطرق والسدود واالتصاالت وما في باطن األرض
من موارد ،فال يجوز خصخصة المال العام بمعنى تمليكها للقطاع الخاص ،وانما للدولة تملكها بقصد استثمارها لصالح أفراد المجتمع باعتبارها ملكا مشاعا لهم .عن ابن عباس ،قال رسول الل
علي وسلم " :المسلمون شركاء في ثالث في الماء والكأل والنار وثمن حرام " (سنن ابن ماج –
كتاب الرهون) ،وعن أبيض بن حمال ،أن وفد إلى رسول الل صلى الل علي وسلم فاستقطع
الملح – فال ابن المتوكل الذي بمأرب – فقطع ل ،فلما أن ولى قال رجل من المجلس أتدرى ما قطعت ل إنما قطعت ل الماء العد ،قال فانتزع من قال وسأل عما ُيحمى من األراك قال "ما لم تنل خفاف" .وقال ابن المتوكل "أخفاف اإلبل"(سنن أبى داود – كتاب الخراج واإلمارة والفيء).
حيث يحرم اإلسالم الضرائب واالقتراض الربوي ،فال يجوز اعتمادهما لتوزيع الدخول والثروات. وحيث أن الدولة مكلفة من قبل أفراد المجتمع بتقديم الخدمات العامة لينتفعوا بها ،ففي حال عدم
كفاية إيراداتها لتغطية اإلنفاق العام ،يتعين على كل فرد من أفراد المجتمع أن يتحمل حصة في عجز موازنة الدولة عمال بقول تعالى" :يا أَي َّ ِ ين آمُنوْا أَوُفوْا ِباْلعُق ِ ود " (المائدة ،)1 :1وقول ُ ُّها الذ َ َ ْ َ َّ ِ ِ إلنس ِ ان ِإالَّ َما َس َعى " (النجم ،)08 :10فال شيء بدون مقابل. عز وجلَ " :وأَن ل ْي َس ل َ
أما الملكية الخاصة فتعرف باسم " المال الخاص " ،والمقصود ب الموجودات التي ينتفع بها
صاحبها .وقد بين اإلسالم ضوابط الملكية الخاصة ،فليس من حق اإلنسان تملك ما يعتبر ملكية عامة يستفيد منها المجتمع (المال العام) ،أو تملك ما ال يقوم باستثماره أو استغالل أو استعمال
لمعيشت أو عمل ،فاستغالل األرض شرط لتملكها ،فال يجوز امتالك األرض بقصد االسترباح من
ارتفاع أسعارها ،فعن جابر ،قال رسول الل صلى الل علي وسلم " من كانت ل أرض فليزرعها
فإن لم يستطع أن يزرعها وعجز عنها فليمنحها أخاه المسلم وال يؤاجرها إياه " (صحيح مسلم –
كتاب البيوع – باب كراء األرض) .كذلك عرض البضائع لبيعها شرط لتملكها ،فال يجوز خزن البضائع بقصد رفع أسعارها ،فعن معمر بن عبد الل بن نضلة ،قال قال رسول الل صلى الل
علي وسلم " ال يحتكر إال خاطئ "(سنن بن ماج -كتاب المساقاة) .وبخالف األنظمة الوضعية
التي تشجع االدخار بقصد استثمار المدخرات في أنشطة مالية ،فإن اإلسالم يجيز االدخار في ِ ط َها ُك َّل اْل َب ْس ِط َفتَْق ُع َد ك َوَال تَْب ُس ْ ك َم ْغُلوَلة ِإَل ٰى ُعُنق َ حدود ما تفتضي ضرورات المعيشة " َوَال تَ ْج َع ْل َي َد َ ور "(اإلسراء ، )28 :11وعن عمر ،أن النبي كان يبيع نخل بنى النضير ،ويحبس َمُلوما َّم ْح ُس ا
ألهل قوت سنتهم" (صحيح البخاري – كتاب النفقات) ،كما يحث القرآن الكريم على إنفاق المال إذ يحرم اكتنازه " َوْي ٌل لِ ُك ِل ُه َم َزة ُّل َم َزة (َّ )1الِذي َج َم َع َماال َو َعَّد َدهُ (َ )2ي ْح َس ُب أ َّ َخَل َدهُ ()0 َن َماَل ُ أ ْ َّ ط َمة ((" )1الهمزة ، )131ويفرض الخالق إنفاق ما يفيض عن الحاجة المعيشية ينب َذ َّن ِفي اْل ُح َ َكال َل َ ون َك َما َذا ُي ِنفُقو َن ُق ِل اْل َعْف َو " (البقرة . )218: 2 في سبيل الل " َوَي ْسأَلُ َ
لقد سخر الل ما في الكون لخدمة البشر وكلف الناس بالسعي الكتساب الرزق " ُه َو َّالِذي َج َع َل ِ ِ اكِبها َوُكُلوا ِم ْن ِرْزِق ِ َوِاَل ْي ِ ُّ ور " (الملك ،)11 :31فال يجوز َل ُك ُم ْاألَْر َ الن ُش ُ ض َذُلوال َف ْ ام ُشوا في َم َن َ الحد من حرية الفرد الكتساب الرزق المشروع .على أن العوامل الطبيعية التي تتسبب في تباين
الدخول لها ما يبررها إذ تعمل على تحقيق التعاون االجتماعي الالزم لتقدم المجتمعات وبناء
الحضارات .اختالف الناس ضروري ليكون لكل منهم دور مختلف في المجتمع ولكل دور دخل مختلف .ويقر اإلسالم بتباين الدخول " و َّ ض ُكم َعَلى َب ْعض ِفي ِ الل ُ َف َّ الرْز ِق" (النحل :13 ض َل َب ْع َ ْ َ .)11 وحيث يستفيد األثرياء من التعاون االجتماعي فمن مصلحة األثرياء استمرار هذا التعاون وتجنب
الحسد وتأمين االستقرار االجتماعي ،ويكون ذلك بتعويض الفقراء عن نقص دخولهم عن تكاليف معيشتهم ،ويؤكد القرآن الكريم على وجوب إعادة توزيع الدخول والثروات " َكي َال ْ َغِني ِ نك ْم " (الحشر .)18: 1 اء ِم ُ َي ُكو َن ُدوَلة َب ْي َن ْاأل ْ َ
ِ ِِ ط ِه ُرُه ْم َوتَُزِكي ِهم ِب َها " (التوبة .)130 :8 ص َدَقة تُ َ فرض الل الزكاة على األثرياء " ُخ ْذ م ْن أ َْم َواله ْم َ لس ِائ ِل َواْل َم ْح ُرو ِم " الزكاة حق للفقراء في أموال األغنياء وليست مساعدة " َوِفي أ َْم َوالِ ِه ْم َحق لِ َّ (الذاريات ،)18 :11والزكاة تفرض عن كل سنة هجرية ،إذ قال النبي " :ال زكاة في مال حتى يحول علي الحول" (رواه الترمذي وأبو داود وابن ماج ) .وهي بخالف الضرائب ليست إيرادا الصدَقات لِْلُفَقراء واْلمس ِ ِِ اك ِ ين َعَل ْي َها للدولة ،وانما تحصلها الدولة لتنفق على الفقراء " ِإَّن َما َّ َ ُ ين َواْل َعامل َ َ َ ََ َّ ِ يل َف ِريضة ِمن َّ يل َّ السِب ِ ين وِفي سِب ِ ِ ِ ِ ِِ الل ِ " (التوبة :8 الل ِ َو ْاب ِن َّ َ َ َواْل ُم َؤلَفة ُقُل ُ وب ُه ْم َوفي الرَقاب َواْل َغارم َ َ َ .)33
أما مقدار الزكاة فيتحدد بمقدار العجز في دخول مستحقيها استنادا إلى أحاديث الرسول ،فعن علي رضي الل عن قال " :قال رسول الل " :إن الل فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم
قدر الذي يسع فقراءهم ،ولن يجهد الفقراء إال إذا جاعوا وعروا مما يصنع أغنياؤهم ،أال وان الل
نكر " (رواه الطبراني في األوسط،)0111 ، محاسبهم يوم القيامة حسابا شديدا ،ومعذبهم عذابا ا وعن أبي سعيد الخدري عن النبي " :من كان ل فضل زاد؛ فليعد ب على من ال زاد ل "، قال :فذكر من أصناف المال ما ذكر؛ حتى رأينا أن ال حق ألحد منا في فضل (رواه مسلم ،
.)1311 في ضوء أحكام الشريعة اإلسالمية ،فإن النظام المالي القويم لغرض إعادة توزيع الثروة والدخل القومي يهدف إلى تحقيق األهداف التالية:
.1تغطية العجز في موازنة الدولة الناتج عن نقص إيراداتها عن نفقاتها. .2تغطية العجز في دخول األفراد الناتج عن نقص دخل الفرد عن التكاليف المعيارية للمعيشة. .0التخلص من أنظمة الضمان االجتماعي وبرامج التقاعد.
.1توفير الرعاية الصحية والتعليمية بمستوى مقبول لجميع أفراد المجتمع دون تمييز. إن تحقيق األهداف المطلوبة يقتضي التأكيد على حق كل فرد في الحصول على دخل يكفي
لتغطية تكاليف معيشت ،وتأكيد التزام كل فرد بتحمل نصيب من عجز إيرادات الدولة عن تغطية تكاليف الخدمات العامة ،ويمكن عمليا تحقيق ذلك بالتحول إلى نظام أمن مادي وفق ما يلي:
تحدد الدولة التكاليف المعيارية لمعيشة الفرد بمراعاة عمر الفرد وجنس والمستوى المعيشي في
المجتمع .تشمل تكاليف معيشة الفرد ،بوج عام ،تكاليف المستهلكات الفردية من مأكل وملبس وغيرها باإلضافة إلى حصت في عجز الموازنة العامة .تتغير التكاليف المعيارية بتغير التزامات
المجتمع ومتطلبات التنمية وتغير المستوى المعيشي في المجتمع واختالف تشكيلة الخدمات.
كما يمكن زيادتها في حاالت الطوارئ مثل الحروب والكوارث الطبيعية.
تمثل التكاليف المعيارية لمعيشة األسرة مجموع التكاليف المعيارية لمعيشة رب األسرة والزوجة وجميع المعالين في األسرة .ويتحدد العجز في دخل األسرة بمقدار نقص دخلها عن التكاليف
المعيارية لمعيشتها ،ويتحدد الفائض في دخل األسرة بمقدار زيادة دخلها عن التكاليف المعيارية
لمعيشتها.
تحدد الدولة القيمة اإلجمالية لفريضة الزكاة بما يعادل مجموع العجز في دخول األسر. تفرض الدولة الزكاة على الفوائض في دخول األسر ،وتوزع الدولة الزكاة على مستحقيها من األسر بقدر العجز في دخل كل منها عن التكاليف المعيارية لمعيشة األسرة ،وذلك بقيد قيمة
العجز لحساب رب األسرة لدى السلطة النقدية.
تلتزم كل أسرة بأن تدفع حصة أفرادها في عجز موازنة الدولة ،ويتم ذلك بقيد قيمة الحصة على حساب رب األسرة لدى السلطة النقدية.
قد يتخوف البعض من االعتماد على نظام األمن المادي كوسيلة للعيش ،ولكن على الدولة اتخاذ اإلجراءات الفعالة والكفيلة بمنع التواكل على النظام وتحقيق التوافق في الهيكلية الكمية والنوعية
بين العمالة المطلوبة والعمالة المعروضة.
الخاتمـــــــــــــــــــة إن فشل النظام االشتراكي القائم على شعار المساواة وفشل النظام الرأسمالي الذي يطلق شعار
الحرية في تحقيق الرخاء للمجتمعات هو نتيجة ألنها بنيت على أسس مضللة تقيد حرية السوق وتفتعل تضخما يعيق النمو االقتصادي ويركز الثروة بيد فئة قليلة من األغنياء. بخالف الفكر البشري ،فإن أحكام الخالق الى ترتكز إلى العدل تقدم معالم نظام اقتصادي يحقق هدف االقتصاد في الوصول إلى الرخاء المنشود على المستويين القومي والفردي ،إذ يقوم على
استغالل جميع الموارد المتاحة في أنشطة إنتاجية لتحقيق النمو االقتصادي األمثل في إطار السوق الطبيعي الحر مع توفير سبل العيش لكل فرد في المجتمع. قد يبدو تطبيق النظام االقتصادي الذى يستند إلى أحكام القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة
مستبعدا في الوقت الحاضر الختالف الجذري عن فكر القائمين على اتخاذ الق اررات وعن توجهات
الباحثين في االقتصاد الوضعي واالقتصاد اإلسالمي على السواء ،إال أن زيادة معاناة الشعوب ستفرض بالنهاية ضرورة إعادة النظر في األسس المضللة التي بني عليها الفكر االقتصاد القائم ومن ثم التحول إلى نظام اقتصادي عادل يعكس أحكام خالق الكون والبشر لتحقيق الرخاء في
المجتمعات. لقد بدأت أصوات بعض المفكرين من غير المسلمين تعلو للمطالبة بتغيير جذري لألنظمة االقتصادية القائمة .أطلقت السيدة الروسية الدكتورة أولغا تشيتفيريكوفا األستاذة في جامعة العالقات الدولية على المنظومة المالية وأسواق المال مسمى (منظومة التبذير العالمي) ،وتضيف أن
المصارف والبورصات كازينو وأن الفوائد تنتج ماال من الهواء .استعرضت األستاذة الدكتورة األلمانية
مارجريت كنيدي في كتابها "النقود بدون فائدة أو تضخم" الذى نشر عام 1881المفاهيم الخاطئة
في النظام النقدي الحالي ،وتقول "أن متاعبنا في النظام النقدي الحالي تكمن في أن النقود تتضاعف بفعل الفائدة والفائدة المركبة" ،وتضيف "أن الفائدة في الحقيقة تعمل كالسرطان في جسم المجتمع"
كما وتطرح فكر الفائدة السالبة على المدخرات .يقول بوفيس فانون – رئيس تحرير مجلة "تشالنجر
" في مقالت بتاريخ 2332/12/1بعد الهزة االقتصادية التي ضربت أسواق المال في كل أنحاء
العالم " لو حاول القائمون على مصارفنا ،احترام ما ورد في القرآن الكريم ،من تعاليم وأحكام،
وطبقوها ،لما حل بنا كوارث وأزمات ،ولما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزرى ،ألن النقود ال
تلد نقودا " .تنب السيناتور عن أوهايو دنيس كوسينيش إلى ضرورة تغيير النظام النقدي فقدم في
2311/8/21للكونجرس األمريكي مشروع القانون الذي يحمل الرقم HR 2990الستبدال البنك الفدرالي بسلطة نقد ولمنع البنوك من تفعيل عملية خلق النقود واستعمال الودائع في اإلقراض.
وبعد ،نرجو أن يكون في هذا الجهد المبذول رضا الل والخير للناس؛