محمد األشعري
ضيف سلسلة «تذكرة سفر»
الحلقة التاسعة
بعد المؤتمر االستثنائي أصبحنـا أمـام حـزب حديــث بكل ما في الكلمة من معنى ،ليس ألنه جدد اسمه وجدد طريقة تنظيمه واآلليـات القيادية التي وضعها المؤتمر االستثنائي ،بل ألنه كذلك أنشأ فكرة حديثة ،فكرة الربط بين الديموقراطية واالشتراكية. الصفحة 20
أسرة التعليم تحتفل يوم 5أكتوبر باليوم العالمي للمدرس
شهادات فخر واعتزاز بشرف المهنة
الصفحة 15
امللحق القانوين
عامل إقليم العرائش غاضب من تدني الخدمات الصحية وغياب األطر الطبية باإلقليم
ال�شهري
إعالم جهوي متقدم املدير امل�س�ؤول :عبد احلق بخات ـ الهاتف 05.39.94.30.08 :ـ الفاك�س 05.39.94.57.09 : صفحة 7
العـدد 1014ـ الثمن 4دراهم ـ الثـالثـاء � 09صـفـر � 08 / 1441إلى � 14أكـتوبـر 2019
صفحات 9ـ 10ـ 11ـ 12
على الرغم من التصدي الحازم لقوات حفظ األمن ضد العنف والجريمة
مشاعر انعدام األمن والخوف ال تزال قائمة
(أنظر ص )8
الجامعة المغربية تدخل السجن
كلمة الشمال عبد اإلله المويسي
وقعت المندوبية العامة إلدارة السجون يوم 25شتنبر ،2019بمناسبة احتضان مدينة سال فعاليات الجامعة الخريفية ،وقعت وثيقة تفاهم مع وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وجامعة محمد الخامس ومؤسسة محمد السادس إلعادة إدماج السجناء سيتم بمقتضاها صياغة إطار عام إلحداث فضاءات للدراسة الجامعية بالسجون. وسيتم الشروع العملي بتنزيل هذه المبادرة االستثنائية والنوعية ،على مستوى السياق العربي ،بفضاء أولي سيكون مقره بمركز اإلصالح والتهذيب بمدينة سال ،في انتظار أن يتم تعميمه على الصعيد الوطني. وستحظى هذه الفضاءات الجامعية السجنية بنفس اإلمدادات اللوجستيكية التي تعرفها باقي الجامعات الوطنية من مدرجات وأقسام ومكتبات وإدارة. ويجدر التذكير بأن الفضاء السجني المغربي عرف على امتداد السنوات الخمس األخيرة دينامية نوعية بخصوص إقبال النزالء على استكمال دراساتهم الجامعية وصل عددهم إلى 4057نزيل طالب ،يتوزعون على مختلف األسالك الدراسية الجامعية ،من إجازة وماستر ودكتوراه. والواقع أن المبادرة شدت انتباه المغاربة ،بما تنطوي عليه من وعي جوهري يتطلع إلى االستثمار في الرأس المال الرمزي .هذا الوعي الذي يعطي االنطباع بوجود إرادة القطع القانوني والبيداغوجي مع المقاربات العقابية المتعسفة التي طبعت مسار المؤسسة السجنية سابق ًا ،ورسم عنها صورة حقوقية مهولة في أذهان المغاربة. أكيد أن هذا األفق العقالني في التعاطي مع الفئة الخارجة عن القانون سيبشر بأدوار حضارية قد تلعبها المؤسسة السجنية بالمغرب مستقبال ،وقد تتحول معها إلى مزود رمزي دينامي للتنمية البشرية ،ومساهم قوي في مد الوطن بكفاءات مفترضة. يبقى األمل في أن تتسع المبادرة لتشمل بعض األسالك الثانوية ،خصوصا إذا ما استحضرنا بأن غالبية كبرى من هؤالء السجناء الخارجين عن القانون هم شباب. مسعى آخر يحلم المغاربة بأن يتحقق ضمن هذا المشروع المتقدم ،هو أن تتم مراجعة بعض القوانين التنظيمية السجنية ،خاصة المتعلقة بالمقاربة النوعية ،حيث أن هذه المبادرة الجامعية ستنطلق أوليا بفئة السجناء الذكور ،في انتظار حل مشكل عويص متعلق بإلزامية الفصل بين الجنسين.
جريدة يوميـة جهـوية وطنية ت�صدر م� ً ؤقتـا كـل �أ�سبـوع • الإدارة ،التحريـر ،الإ�شهـار 7 :مكرر ،زنقة عمر بن عبد العزيـز • الربيد الإلكـرتونـي info@achamal.ma :ـ املوقع الإلكرتوين www.achamal.ma :
العدد 1014
2
الثالثـاء � 08إلى � 14أكـتـوبر 2019
يومية جهوية وطنية ت�صدر م� ًؤقتا كل �أ�سبوع
املوقع الإلكرتوين :
«األصالة المتنكرة»؟ مغارات..
محمد سدحي sadhimed@gmail.com
بوهريز ،بخات و زفزاف عند شكري!! ..
رحل الكاتب الكبير الذي قلب الدنيا وشغل الناس ،وخلف وراء ظهره جد ًال الينتهي ..ولن ينتهي مادام أدب الهامش نابضاً ..عائشاً.. وألن الحديث (بعد الميت) خسارة ..ومحفوف بالتشكيك ،فليسمح صديقي األعز حسن بيريش ،الكاتب االستثنائي الذي كلم شكري تكليماً ،أن نحشره شاهداً فيما سوف يأتي: قدّم القاص الطري جماع خطوه األول المكتسي بالسواد لرائد السيرة الذاتية الروائية على امتداد خريطة الوطن العربي.. قرأ األستاذ شكري عتبات المجموعة واستفهم: كيف نط هاذ أخينا من البطولة (يقصد الرياضة) إلى الكتابةالقصصية؟ ال السي حسن يعلق ..وال الداعي لكم بالخير يرد.. انتقل الحديث من مدار إلى مدار ..ومن مستوى إلى آخر ...إلى أن قال الشحرور األبيض في منتصف الكأس ،وفي سياق الكالم : ثالثة ..ثالثة في طنجة ..إذا تقطعت بك «الفرانات» فاقصدأحدهم ..إنهم نبالء المدينة :محمد بوهريز ،عبد الحق بخات ومحمد زفزاف. ومرة أخرى ال أحد منا يعلق ..ثم انصرفنا وتركنا كاتب طنجة األول يداعب ذبابة في زاوية من مطعم «إل دورادو».. *** لم أكن أعرف عن السي محمد بوهريز سوى أنه مسير رياضي في طنجة ،قاد اتحاد الكرة إلى تحقيق نتائج أفرحت جمهور البوغاز العاشق.. ثم كان رئيساً للمكتب المديري للنادي متعدد التخصصات الرياضية.. ثم رئيساً لمجلس جهة طنجة-تطوان... أما زميلنا السي عبد الحق بخات ،فإن معرفتي به أطول وأعمق، وذلك منذ أن فتح لي باب جريدة طنجة وبعدها أسبوعية «الخضراء»، وأنا لم أبرح بعد ساحة الثانوية.. في آخر قضية صعود ونزول من وإلى المحكمة ،تلفت حواليّ فلم أجد أفضل من هذا الرجل الذي ما سمعته يوماً يشهر لفظة (ال) في وجه أحد ..ولألسف الشديد ،لدى بعضهم انطباع مغلوط عن هذا اإلنسان.. انطباع يتغير بمجرد االحتكاك األول مع مدير جريدة القرن وغزّالة.. جريدتنا. وعلى أي حال ،ال يمكنني أن أستمر في ذكر مناقب الرجل وأنا في عقر داره ..هذا مقال نؤجله إلى مقام آخر ،بحول اهلل. وأما بجميل وفضل وصنيع السي محمد زفزاف فحدث ..وال حرج. عندما رضخت لرغبة بعض زمالء العمل واقترفت فعل المشاركة في انتخابات الممثلين النقابيين ،وجدت نفسي ،دون سبق إصرار وترصد ،العضو األصغر سناً وتجربة في المكتب النقابي .وهو منصب ال يدرك بسهولة ،لمن لم يدخل غمار التجربة قط. وكتقليد نقابي ،عقد المكتب لقا ًء تواصلياً مع مدير المؤسسة الفرنسي «أوليفيي بران» ..كلف زفزاف زمي ًال بتقديم األعضاء لمدير المؤسسة ..يذكرهم بأسمائهم وصفاتهم ويزيد ،من عنده ،المنصب في العمل وبعض «التمالح» ...ولمّا وصل عند صاحبكم أتى على ذكر االسم حافياً ،ثم أشفعه بتحديد الصفة الجرباء( :قارئ العدادات).. فار مني الدم ،وكاد الطفل السوقي ينبعث من داخلي قبل أن يتدخل المجرّب السي محمد زفزاف مغالباً ألم ضرس كان قد تخلص منه قبيل موعد اللقاء ،ليستدرك: فالن كاتب وصحافي ...وأشياء أخري.استرجعت بعضاً من توازني ،وعدت ألستقيم في جلستي ..ومن يومها مأل الرجل عيني وخاطري.. وعندما صب علي مواطن بسيط جمّ سبابه ،وتقيأ علي ما تكتنزه أحشاؤه من بغضاء وحنق وحقد على المؤسسة التي أشتغل لحسابها، أغلقت عليّ باب غرفتي وبكيت على غير عادتي ،وكان في مقدوري أن أسل لسانه وأبصق عليه ثم أرميه للكالب ،ولكني لم أفعل ..فكرت بعدها في التخلص من أدران «الليكتورة» اللعينة ..طنت في رأسي نصيحة صاحب زمن األخطاء ..فكان أن تأبطت ضعفي ونتائج اختياراتي الخاطئة وطرقت باب مكتب السي محمد زفزاف ..لم يتركني الرجل أسترسل في توضيح أمري وتبرير موقفي ..حمل سماعة الهاتف وركب رقم ربيعة صابر رئيستي في الشغل ..لم أكن أسمع ما يقال في الطرف اآلخر من الخط ،لكني كنت أحس بأن ربيعة تتحجج بعدم وجود بديل.. وكان رد الكاتب العام صريحاً وصارماً إذ قال: يا ربيعة ..! هذا رجل مثقف وكاتب معروف لدى الناس فيالمدينة ،وليس من الالئق أن تجبره المؤسسة على التجوال في األزقة والدروب وطرق أبواب البيوت... بعد أيام معدودات جاء الفرج ،وأعفاني من أشياء كثيرة كنت أفكر فيها.. *** رجال ال ينتظرون منك جزا ًء وال شكوراً ..إنهم يحبونك فقط ألنهم يحبونك ..وأنا أحبهم فقط ألنهم هكذا ..وال أملك أمام هذا سوى كلمات ...ليست كالكلمات. نلتقي!
www.achamal.com ت�صدر عن مطبعة جريدة طنجة المدير المسؤول :
عبد احلــق بخــات رئيس التحرير :
محمد العطالتي
عبد الإلـه املـوي�سـي
atlati.mohammed@gmail.com عقب استقالل المغرب سنـة 1956عن اإلدارة الفرنسية المباشرة ،كان البلد يعرف ما يمكن تسميته حالة ارتباك في الوضع السياسي القائم ،فالقصر، ممثال بالملك محمد الخامس ،لم يكن على دراية تامة بأساليب الحكم ،أما التشكيالت السياسية التي ظهرت في البلد ،سواء خالل فترة الحماية أو بعدها ،فقد كانت خطاباتها السياسية ال تزال قيد التشكل والتكوين في خضم تنافس محتدم بين أفكار تقليدية وأخرى ذات طابع «ثوري» تأثرت لحد ما بالخطابات الرنانة التي كانت سائدة آنذاك في المشرق العربي كالقـومية الناصرية واالشتراكيــة بتفسيراتهما الضبابيـة لواقـع األزمة التي تعيشها البلدان العربية. لكن ،مع وفاة محمد الخامس وتولي ابنه الحسن الثاني زمام الحكم ،عرف المغرب صراعات حادة بين القصر من جهة ،وبعض التنظيمات السياسية ذات المنحى اليساري بأبعاده المختلفة ،من جهة ثانية، وقد شكلت هذه الصراعات ،بالنسبة للحسن الثاني، الذي درس في كليات الحقوق والقانون ،درسا تطبيقيا بليغا استفاد منه بشكل ممتاز حيث عمل منذ البداية على تقزيم الدور المتنامي لألحزاب «الثورية» وتمكين القصر من استعادة الدور المركزي في الحكم ،وذلك قبل أن يتمكن من منح المغرب ،سنتين بعد توليه السلطة ،أول دستور يكرس دور الملك كجهة مركزية في إعداد السياسات العامة وتنفيذها. ولعل أهم معطى جديـد أتى به دستـور 62 «الممنوح» ،على األقل بالنسبة للملك ،هو منع سياسة «الحزب الوحيد» ،وهكذا استطاع الحسن الثاني عبر هذه التقنية الدستورية احتكار «األحادية» لصالح مؤسسة الملك بعدما تمكن من نفيها عن أي «مؤسسة حزبية» يُحتمل أن تستحوذ على مزايا الحكم وتهيمن على المشهد السياسي العام. لكن الحسن الثاني ،خريج كلية الحقوق ،عمل على امتداد سنوات لإلستفادة من الواقع الدستوري المستحدث بشكل كبير ،بحيث عمل ما في جهده على فرض واقع التعددية الحزبية ،سواء كان ذلك بنقل الحزب الواحد من صيغته «الوحيدية» إلى واقع «الثنائية» ،أو من خالل التشجيع على صناعة أحزاب «جديدة» ،ذلك أن الملك وَعى مبكرا الدور «الهام» لألحزاب السياسية في المشهد السياسي العام ،على األقل من الناحية النظرية ،وأنه ال غنى للقصر عنها إذا كانت له رغبة االستمرار وتبوأ مكان الصدارة في مؤسسات الحكم. «الفلسفة الحسنية» في أساليـب الحكــم ،لم تنته بشكل مطلق مع وفـاة الملك الحسن الثاني، بل استطاعت تطوير نفسها والتفاعل مع األوضاع الجديدة التي أعلن عنها الملك محمد السادس غداة توليه عرش والده ،تطوير «الفلسفة الحسنية» اتخذ،
من خالل مضامينه ،بعدا مغايرا لما كان عليه الوضع في بداية مراحل حكم الحسن الثاني ،فإذا كان األخير ابتعد عن اليسار نحو الوسط خالل هذه الفترة ،فإن خلفه عمل من أجل المصالحة مع «اليسار» ،لكن دون إقصاءلـــ»اليمين». في هذا السياق ،يمكن الحديث عن ميالد حزب جديد في حينه ،اختار لنفسه إسما بمالمح تحيل على خاصية «الوسطية» ،فقد قدم نفسه كحزب ال يضع قطيعة بين مفهومــــي «األصالــة» و «المعاصرة» وأنـه ال يرى مانعا في الجمع بينهما في تشكيل واحد يضمن ممارسة الحزب لسياسته دون حرج. و بالفعل ،تشكلت النـواة األولى لهذا الحـزب من خالل عديد المناضليــن ممن كانـوا سباقــيـن لإليمان بعقيدة «اليسار الديموقراطي» ،وكان في «مجموعتهــم» هاتـه ،رجل يحمـل اســم «إلياس العماري» ،وهو رجل ريفي نذر حياته للنضال النقابي السري في صفوف التالميذ وللنضال السياسي في اليسار السري منذ أواسط الثمانينات. الرجل ،انتقل فيما بعد لتطوير مساره السياسي في هرمية الحزب الجديد قبل أن يتوجه سريعا بتقلد مهام قيادته العامة محمال بإرثه النضالي .لكن المفاجأة المتوقعة ،التي لم يتمكن العماري من تفادي حدوثها ،هي أن الحزب المشكل على مبدأ «ثنائية األضالع» قد أصبح يصاب بالتشوه ،كنتيجة لالمتداد األوسع واألضخم لــ «ضلع اليمين» على حساب تقلص وانكماش «ضلع اليسار» ،وقد حاول إلياس، مستعينا بمركزه وأدبياته السياسية أن يحفظ لليسار هيبته وأن يحد من امتداد اليمين داخل حزبه ،أمال في «ترويضه» بطريقة ال غالب وال مغلوب ،لكن المفاجأة التي صدمت العماري لم تكن سوى اكتشافه بأن ما كان يعتبره «يمينا سياسيا» داخل الحزب لم يكن يمينا حقيقيا حامال لمشروع ما ،بل هو في واقع األمر مجرد كتلة من االنتهازيين والمتملقين. و كان هذا درسا بليغا في علم السياسة المغربية «المعاصرة» لكنه أيضا ذلك الدرس الذي لن ينهي مسيرة هذا الرجل المناضل ،ولعل واقع الحزب اآلني في حاجة إلى الحكمة التي اكتسبها إلياس العماري وطرحها أمام إمكانية إعادة التجربة على أرض الواقع «المعاصر» مع االستفادة من أخطاء «األصالة المتنكرة».
المجلس الحضري لطنجة
نسف الجلسة األولى من الدورة العادية لشهر أكتوبر2019 مرة أخرى لم يتم التوفيق النعقاد الجلسة األولى من الدورة العادية لشهرأكتوبر 2019الخاصة بالمجلس الحضري لطنجة والتي حضرها عدد كبير من المواطنات والمواطنين بقاعة مجلس الجهة ،حيث تسبب بعضهم في نسفها خالل بداية نقطة العرض اإلخباري لعمدة المدينة رافعين شعارات والفتات عليها صور ساخرة لرئيس المجلس ،فضال عن عبارات تتضمن اإلشارة إلى مطالب السكان واستنكاراتهم بسبب سياسة ،ينعتونها بالتهميش واإلقصاء ،األمر الذي دفع بالرئيس محمد البشيرالعبدالوي إلى توقيف الجلسة لمدة عشردقائق ،انصرف خاللها مجموعة من األعضاء ،قبل أن يحولها إلى جلسة مغلقة ممنوعة في وجه المواطنين والمواطنات وكذا في وجه وسائل اإلعالم ،في ظل تعذراستمرارها مفتوحة. وليست هذه هي المرة األولى التي تنسف فيها الدورة ،بل عرفت الدورات السابقة لهذا المجلس أحداثا مشابهة ،وذلك خالل الدورة االستثنائية لشهر دجنبر وشهر فبراير ودورة ماي العادية ودورة يوليوز االستثنائية، لتتعطل مصالح المواطنين أكثر فأكثر ،وكذا مصالح وشوون المدينة التي تبقى عرضة لسياسة الشد والجذب واللعب بصنوفه وألوانه ،في غياب الدورالناجع للسلطات المحلية.
م.إمغران
هيئة التحرير :
عبد اللطيف �شهبون زبيـدة الورياغلـي �أ�سامـة الزكــاري ر�ضوان احدادو هدى املجاطـي محمد العطـالتي محمد �إمغــران محمد �سـدحــي عبد احلـي مفتـاح م�صطفى ال�سباعي اإلدارة واإلشهار والعالقات العامة :
محمد طارق بخات اإلخراج والتصفيف:
«جريدة ال�شمال» عنوان التحرير والمراسالت والتسويق واإلشهار :
7مـكـــرر ،زنقـة عمــر بــن عبد العزيز ـ طنجــة ـ الهاتــف : 05.39.94.30.08 06.22.45.30.67 الفاكــ�س :
05.39.94.57.09 الربيد الإلكرتوين :
info@achamal.com achamal2000 @gmail.com سحب من هذا العدد :
� 10آالف ن�سخــة التوزيع:
�سبـريــ�س Sapress الإيداع القانوين99/10 : ر.د.م.ك:
I.S.S.N : 1114-1832
الثالثـاء � 08إلى � 14أكـتـوبر 2019
العدد 1014
درد
شة
م�صطفى حجاج
دردشة انتهى الصيف ،وحل الخريف ،وفتحت المدارس أبوابها .وها هو هـذا األب المسكين ،قد هيأ نفسه وجيبه للمدرسة ،ونفقات التدريس ،وميزانية الدروس الخصوصية. ورغم أن الصيف أخذ منه ما أخذ ،ورغم أن عيد األضحى أخذ منه ما أخذ ،فإنه ال زال واقفاً على قدميه ،يصارع الزمن ،ومتطلبات الحياة. لقد قال لي ْ بعظمة لسانه :إنه لم يتعود منذ وضع رجله على عتبة بيت الزوجية أن يقول« ،ال» ،فال في نظره استسالم ،ال يرضاه لنفسه ،وال ألهل بيته. هذا عالوة على أن ربة البيت يجب أن تظل «على خاطرها» ،ورغم أن خاطرها مك ّلف ،فقد أَلفَ ركوب الصعاب ،وتذليل العقبات ،فما أن ينتهي من تذليل عقبة، حتى تعترضه األخرى وكأنه مروّض حيوانات ،ما أن يطوّع واحداً منها حتى يقف في طريقه حيوان آخر ،فاغرا فاه ،مكشرا عن أنيابه ،مستعدا لالنقضاض عليه. إنها المسؤولية ،مسؤولية بيت وزوجة وأوالد ،يريدون أن يعيشوا العيش الكريم ،ويأخذوا حقهـم كامال غير منقوص في التعليم ،ويضمنـــوا ألنفسهم المستقبل السعيد. وهو هو مفتاح هذه السعادة ،أحب أم كره ،توفرَ على الوسائل الموفرة لها أم لم يتوفر. لكن أمله في اهلل كبير .وها هي تعليمات جاللة الملك ،توشك أن تنزل إلى أرض الواقع ،وآنذاك ستتوفر له وألسرته الصغيرة جميعُ الضمانات الالزمة للعيش الكريم ،والحياة اآلمنة المطمئنة ،وستفتح – إن شاء اهلل – صفح ٌة جديدة للطبقة التي لم تنصف :طبقة الكادحين والمستضعفين والمهمشين. وإن غداً لناظره قريب.
دورة المجلس اإلقليمي لشتنبر 2019
المجلس اإلقليمي لشفشاون يساهم في دعم األنشطة المدرة للدخل بعد عملية تحرير الملك العمومي بمدينة شفشاون عبد الحي مفتاحفي إطار دورته العادية لشهر شتنبر 2019عقد المجلس اإلقليمي لشفشاون اجتماعه برئاسة عبدالرحيم بوعزة رئيس المجلس وحضور محمد علمي ودان عامل اإلقليم ،وقد تضمن جدول أعمال هذه الدورة 14نقطة ،همت قضايا مختلفة تتعلق بالجانب التدبيري والتنموي لإلقليم. في هذه الدورة صادق المجلس باإلجماع على اتفاقية شراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من أجل دعم األنشطة المدرة للدخل ،وقد جاءت هذه االتفاقية ،كما أوضح عامل اإلقليم ،في سياق اإلجابة المسؤولة على االنعكاسات االجتماعية لعملية تحرير الملك العمومي التي قامت بها السلطات المحلية بمدينة شفشاون والتي خلفت ارتياحا واسعا لدى السكان ألنها أعادت األمور إلى نصابها وأنقذت المدينة من حالة الفوضى التي أغرقت فيها منذ عقود. وقد رصد لهذه االتفاقية ،مراعاة للوضعية األسرية واالجتماعية لعدد من األفراد المتضررين الذين مستهم عملية تحرير الملك العمومي 7 ،ماليين درهم، وستباشر السلطة اإلقليمية بتنسيق مع المجلس اإلقليمي ،وفق مقاربة تشاركية، مشاورات مع المعنيين باألمر من أجل التنفيذ الفعال لالتفاقية والتنزيل السليم لها ،وقطع الطريق أمام االستثمار السياسوي لعملية تحرير الملك العمومي وترويج المغالطات المجانبة لقيم المواطنة والمصلحة العامة. ويساهم المجلس اإلقليمي في هذه االتفاقية ب 4ماليين درهم ،وفي هذا اإلطار عبر رئيس المجلس واألعضاء المتدخلون عن دعم كل المبادرات التي تستهــدف صيانــة كرامة المواطن ومحاربة الفقر والهشاشة ،ومواصلة مجهودات المجلس لخدمة المصلحةالعامةواالستجابة النشغاالت السكان في إطار المشروعية واالختصاصات االجتماعية التي أناطه بها المشرع. ومن جهة أخرى وفي نفس السياق ،صادق المجلس على مشروع اتفاقية شراكة إلنجاز كهربة 15 دوارا ب 7جماعات بتراب اإلقليم ،والتي ساهم فيها ب 4ماليين درهم ،ويعكس هذا المشروع إرادة المجلس في استكمال تعميم الكهربة القروية باإلقليم وفق منهجية تدرجية وتضامنية تراعي االمكانيات المتاحة ،وتستهدف الدواوير التي لم تستفد من البرامج السابقة ،في إطار العدالة المجالية ،على اعتبار أن الكهربة تعتبر من الدعامات األساسية لتحديث بنيات اإلقليم ورافعة للتنمية االجتماعية واالقتصادية والتشجيع على االنتاج المدر للدخل. وفي نفس القطاع صادق المجلس على اتفاقية شراكة من أجل الربط الكهربائي بمركز دار أقوباع ،وذلك في إطار استكمال التأهيل الحضري لهذا المركز الذي سيشكل قطبا واعدا لالستثمار المنتج في المستقبل ،والذي من شأنه أن يخلق فرصا للشغل بمحيط مدينة شفشاون. وفي إطار الجهود المبذولة لتحسين نسب التمدرس ومحاربة الهدر، والدفع بقطاع التربية والتكوين ليحتل المكانة التي تليق به كقطاع اجتماعي أساسي وحيوي ،ولكي يتم تدارك التأخر التي يسجله اإلقليم على مستوى الجهة، النقل المدرسي يحظى قطاع النقل المدرسي بأولوية من طرف المجلس في هذه الوالية .وفي هذا الصدد صادق هذا األخير على ثالثة مقررات تهم هذا المرفق العمومي وتدبيره ،وأجل التصويت على مشروع مقرر يتعلق بالنظام االساسي لشركة التنمية المحلية لتدبير وتسيير مرفق النقل المدرسي ،ووبخصوص هذه النقطة ،طالب عدد من أعضاء المجلس إعادة النظر في االشتراطية المعرقلة التي فرضتها رئاسة مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة على إقليم شفشاون
3
فيما يخص ربط تسليم هبة 81حافلة للنقل المدرسي بعملية إحداث شركة التنمية اإلقليمية لتسيير مرفق النقل المدرسي ،حيث إن اإلجراءات المسطرية الطويلة لخلق شركة التنمية ستكون وراء التأخر الملحوظ الستغالل الحافالت وبالتالي تقويض الجهود الهادفة إلى تلبية الحاجيات االجتماعية الملحة في مجال التربية والتكوين وحرمان العديد من التلميذات والتالميذ من استكمال مسارهم الدراسي ،كما تمت مطالبة رئاسة مجلس الجهة بعدم الكيل بمكيالين، وبالتعامل على قدم المساواة بين أقاليم الجهة. هذا وفي مجال النقل العمومي ،تدارس المجلس موضوع النقل بين الجماعات من خالل العرض الذي تقدمت به مصالح وزارة التجهيز والنقل إقليميا، حيث سجل أعضاء المجلس في نقاشهم أن قطاع النقل باإلقليم يعاني من عدة اختالالت مع أنه قطاع استراتجي في التنمية االقتصادية واالجتماعية ،وفي الدفع بعجلة السياحة .ودعا أعضاء المجلس إلى محاربة ظاهرة النقل السري، وفتح الباب أمام االستثمار المشروع في هذا القطاع وفق رؤية تراعي خصوصيات اإلقليم. ومن القطاعات االجتماعية التي تستأثر بالعناية المستمرة للمجلس ودعمه نجد قطاع الصحة ،حيث إن مساهمات المجلس في هذا الباب ال يمكن ألحد إنكارها ،وخالل هذه الدورة وافق المجلس على اتفاقية أبرمها مع الجماعة الترابية لبني فغلوم والمديرية اإلقليمية للصحة والتي تخص تأهيل وإصالح سكنيات ألطر الصحة بهدف توفير الظروف المالئمة الستقرار الموارد البشرية والتشجيع على العمل بالوسط القروي، وقد ثمن أعضاء المجلس في تدخالتهم هذه المبادرة مقترحين تعميم التجربة على مستوى اإلقليم ،في إطار تعاقدي مع الجماعات المعنيةوالمندوبية. وفي إطار عناية المجلس بالعرض التكويني باإلقليم ،تدارس المجلس اإلمكانيات المتاحة والواقع الحالي للتكوين المهني باإلقليم بحضور المدير الجهوي للتكوين المهني وإنعاش الشغل ،حيث دعا السادة أعضاء المجلس،أثناء المناقشة ،إلى مالءمة شعب التكوين مع مؤهالت اإلقليم وخصوصياته اإلنتاجية ،وااللتزام بتكافؤ الفرص والمساواة بين الجنسين في الولوج إلى معاهد التكوين ،مع توسيع االستفادة من الداخليات والمنح ،وتمكين أبناء العالم القروي من فرص التكوين باستثمار اإلمكانيات المتاحة لدى المديرية الجهوية في إطار العدالة المجالية. وصادق المجلس على اتفاقية مالءمة مجموعة الجماعات الترابية «التعاون» مع مقتضيات القانون التنظيمي للعماالت واألقاليم ،حيث من المرتقب عند انضمام المجلس اإلقليمي لشفشاون أن يساهم بمليون درهم في ميزانية المجموعة ،وهذا سيكون دعما قويا لها لتلبية الحاجيات الملحة باإلقليم في فتح وصيانة المسالك وتقديم مجموعة من الخدمات الهامة. و في إطار تتبع برنامج التأهيل الحضري ب 26مركزا ب 22جماعة ،تدارس المجلس سير تدخالت وكالة تنمية أقاليم الشمال التي تعتبر شريكا أساسيا وفاعال رئيسيا في النهوض باإلقليم .ونوه أعضاء المجلس في هذا اإلطار بحرفية عمل الوكالة ووفائها بالتزاماتها ،وبالدور المهم الذي لعبته في إنجاز ودعم ومواكبة المشاريع التنموية المختلفة ياإلقليم سواء بالوسط القروي أو الحضري.
رحيل عبد اللطيف.. )(2/2
عبد اللطيف �شهبون
abdelchahboun@hotmail.com
أجدد شكري للصديق خالد شطيبات الذي أعد لقـاء مباركا للحديث عن مناقب المرحوم عبد اللطيف الزكري . فتح اللقاء على أثير طنجة بعضا من أبواب عوالم مرحومنا العزيز.. تذكرنا ـ مثاال ال حصرا ـ إخالص المرحوم عبد اللطيف لنموذج من نماذج األستاذية الحقــة الممتــدة بآداب تطوان ؛ هو المرحوم الدكتور محمد أنقار؛ مثال شموخ وعزة وأنفة وترفع عن كل استجداء واصطفاف ؛ لكونه عاش مستقال بمبناه ومعناه عن كل مؤسسة حزبية أو هيأة مدنية ثقافية أو إعالمية تبحث عن «حقها» في ريع مستخلص من مالية األمة. ظل المرحوم عبد اللطيف في منأى عن مسلكيات االصطفاف التي فرضها ـ وما زال يفرضها مع األسف ـ منطق سوق سياسي ..ومنطق ريع واسع ..ومنطق فساد مستشر ..ومنطق تحلل وتذرع ميكيافيلي.. لست متشائما ،لكني أرصد واقعا مترديا ؛ فالمؤسسة الجامعية تعرف انهيارا هيكليـــا ،وهذا أمـر معلوم لدى الجميع ؛ خاصة عند من قدر له اجتياز األسالك الشائكة لتعليمنا ؛ كيف كنا ؟ كيف أصبحنا ؟ كيف كانـت صورة العميد ؟ كيف كانت صورة األستاذ ؟ كيف كانـت صورة الطالب ؟ أقول لعزيزنا المرحوم عبد اللطيف : لم يعد المجتمع الجامعي منحازا الى قيم بانية ؛ نحن نعيش في درك أسفل.. كان المرحوم عبد اللطيف مستقال ،وضريبة استقالله بما تعنيــه ـ في هذا المقــام ـ من استقامة لسان.. واستقامة جنان ..واستقامة أركان ..جعلته يعيش بعيدا عن كل مستنقع. المؤسسة الحزبية في بلدنا لها حساسية خاصة من المثقفين المخلقين ؛ قادتها ال يقرأون ،ال يهتمون ،ال يكتبون في هذا الشأن أوفي غيره ؛ فال ننتظــر منهــم تخليقا أو حكامة أو احتكاما لقيم النزاهة في إدارة شأن عام ؛ ألنهم غارقون في شأنهم الخاص.. المنحى األخالقي سمة بارزة في شخصية المرحوم عبد اللطيف .. جل متلقي نتاجه الفكري والنقدي واإلبداعي أدركوا أنه لم يكن يكتب من فراغ ؛ فمكتوباته نتاج مقروءاته الكثيفة وزاده القرائي شبيه بحاجة بيولوجية . ما كتبه المرحوم عبد اللطيــف عن الشعــر والسرد والتشكيل خالصة أثر ؛ سواهـا ثم جالها بعمق فكري، وأصالة مصاغة في ثوب لغوي مبين ووظيفي. رحمك اهلل أيتها الروح اللطيفة: (انتهى)
الشمال الفني 4
إشراف الفنان يوسف سعدون
العدد 1014ـ الثالثاء 08إلى 14أكتوبر 2019
التشكيل والسينما جتارب عاملية
للسينماعالقةوطيدةبالفنالتشكيلييتجلىعمقها في كون الفيلم /النتاج السينمائي (خصوصا الحديث منه) ،أصبح يعتمد كثيرا على مصطلحات تقنية ومفردات تعبيرية ذات هوية تشكيلية مساعدة على صناعة الفرجة السينمائية ،أبرزها التكوين والحركة والتوضيب واللون والضوء والمشاهد واللقطات وتركيب الصور (الفوطومونتاج) ،وهي عناصر من شأنها أن تسهم كثيرا في خلق كل سبل اإلثارة والتشويق لدى جمهور وعشاق السينما خارج نطاق الحكي الكالسيكي المتعب والممل في آن .ويوجد سينمائيون كثر وظفوا هذه العناصر في الصناعة السينمائية على نحو فاعل وممتع ،كإيزنشتاين وغريفيت وأكيرا كوروساوا...وستتبلور هذه التوظيفات بشكل إبداعي ممتد بعد انخراط التشكيليين في اإلبداع السينمائي السيما في أفالم لويس بونويل وسبيلبيرغ.. وغيرهماكثير.
أريد أن أسمع اللون
استفادت السينما ،والفيلم تحديداً من الفن التشكيلي بصيغه التقليدية والعصرية ،وعلى الخصوص التقنيات التشكيلية الحاسوبية ،كما هو الحال بالنسبة للفوتوشوب واألنفوغرافيا عموماً .وقد ساهم ذلك في خَلق أنفاس جمالية جديدة في الصناعة السينمائية والسماح ببزوغ ثورة النص االفتراضي Hypertexte بإمكانيات وافرة من التفاعل السمعي البصري بين اللوحة التشكيلية والفيلم السينمائي..
ونظراً لحاجة السينما إلى مجموعة من التوظيفات التشكيلية والجمالية القادرة على جلب الجمهور ،نجد العديد من المخرجين السينمائيين العالميين قد «فطنوا» لفضل التشكيل على السينما حين عمدوا إلى االستعانة بخبرة الرسامين والفنانين التشكيليين سبيال
في إنجاز إنتاجاتهم الفيلمية وفق تصوُّرات ومفاهيم إبداعية واستتيقية دينامية ..ولهذا لم يخطئ المخرج اإليطالي مايكل أنجلو أنطونيوني حين قال« :أستطيع بواسطة اللون أن أطلع المتفرج على ما يجيش في صدر الممثل بغير حوار أو كلمات» .وله أيضاً مقولة شهيرة، هي« :أنا لست رساماً..أنا سينمائي يرسم».
لقد بدت مالمح التوظيف التشكيلي واضحة منذ ظهور ما يسمى بـ«السينما الشاعرية» التي كان المخرج الروسي أندريه تاركوفسكي Andrei Tarkovskiأحد روادها .من التجارب السينمائية الشاهدة على هذه المزاوجة الجمالية أيضاً ،نذكر تجربة المخرج والفنان التشكيلي األمريكي ذي النزعة السيريالية ديفيد لينش الذي درس الفنون التشكيلية في فيالديلفيا عام ،1966 ومن أفالمه «الرجل الفيل» الذي نال بفضله إحدى جوائز مهرجان كان العالمي .ثم تجربة مواطنه الرسام سكوت هيكس صاحب فيلم «عندما يسقط الثلج على شجرة األرز» ،فض ًال عن المخرج األمريكي الطليعي ستان براكهيج المتأثر بالتعبيرية التجريدية في التصوير .. L’expressionnisme abstraite امتداداً لذلك ،يمكن ذكر التوظيف التشكيلي المتميِّز الذي كان يسلكه المخرج الياباني الشهير أكيرا كوروساو Akira Kurosawaفي جل أفالمه خاصة فيلمه «أحالم» ، Dreamsأو «أحالم كوروساوا» ( ،)1990عددها ثمانية عبارة عن أفالم قصيرة وظف فيها فانطازيا خياالت األحالم ومتناو ًال فيها ما يمأل وجدانه وذهنه حصيلة ما يجري في العالم من أحداث .هذه األحالم التي صاغها كوروساوا في شكل لوحات فنية بالغة الدهشة ،هي :الشمس تشرق من خالل السحب، بستان الخوخ ،العاصفة الثلجية ،التنفق ،الغربان ،االنفجار األحمر لبراكين جبل ،ما وراء الكارثة وقرية الطواحين
المائية .ويُعَدُّ الحلم الخامس (الغربان) أهم هذه األحالم من حيث اللغة السينمائية ،وفيه بحث كوروساوا عن الرسام الهولندي فان كوخ ،Van Goghحيث وجده يرسم داخل مزرعة القمح وما زال الضماد على أذنه المقطوعة .وقد مثل دور فان كوخ في هذا الحلم الممثل مارتن سكوسيزي مع توظيف موسيقي لشوبن الموسيقارالمعروف. نزيد على ذلك الفيلم الملحمي ران RANالذي ينتمي لسينما التاريخ من خالل إعداد أهم المشاهد التعبيرية فيه عن طريق الرسم القبلي /الكروكي كتصميم أولي ،وهو ما يسمّى بلغة السينم ا �Sto rybordعبر مختلف مراحل التصوير.
سيرياليون يكتبون «عصر الذهب».. ارتباطاً بعالقة السينما بالسيريالية ،نذكر فيلم «مصَّاصو الدِّماء» )Vampires (1915لمخرجه لويس فوياد ،L. Feuillardeإلى جانب أفالم أخرى تنتسب إلى ستيفان سبيلبيرغ Steven Spielberg: (Jurassic Parkالمليء بالخدع البصرية كنموذج)، وكذلك تجربة المخرج اإلسباني الطليعي لويس بونويل Luis Bunuelالذي كان مغرما بالسينما السريالية واشتهر بإعجابه الشديد بفيلم «نجمة البحر» لمان راي ،Man Rayوبدرجة أكثر «القوقعة والقسيس» لجيرمين دوالك .فقد سبق له أن تعامل مع الرسام السريالي سلفادور دالي )S. Dali (1904- 1989في فيلم« :كلب أندلسي»)Chien Andalous (1929 الذي ولد مصادفة من محادثة اعتيادية بينهما حين كان بونويل ضيفا لبعض األيام في Cadaquèsعند دالي بمناسبة أعياد الميالد لعام .1928كتب اإلثنان
فيلم « وقائع سنوات الجمر « ،مازال إلى يوما هذا يعتبر من بين أهم روائع السينما العالمية ،ومرجعا للطالب في معاهد ذاكرة فيلم السينما ،كما انه يعتبر وثيقة تاريخية تؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ المقاومة الجزائرية للمستعمر الفرنسي . اعتبر النقاد السينمائيون فيلم « وقائع سنوات الجمر» من بين أهم وأضخم اإلنتاجات العربية في تلك المرحلة ،ونوهوا بمستواه الفني والجمالي ،إذ حقق قفزة نوعية مقارنة مع أفالمه السابقة التي أنجزها في بداياته األولى مثل « :رياح األوراس» ( ، )1966فيلمه الطويل األول ،الذي بفضله تعرف الجمهور العربي على السينما الجزائرية ،وال ننسى أيضا فيلمه الجميل «حسان الطيرو» او اإلرهابي (. )1968 يعالج فيلم « وقائع سنوات الجمر» حياة القبائل في جبال الجزائر حصر المخرج تاريخها بين سنة 1939إلى 11نونبر إخراج :محمد األخضر حامينة • محمد عابد ،1954بكل مالمحها ومعطياتها االقتصادية والسياسية السائدة آنذاك ،والتي من سماتها القهر والفجيعة والموت بسبب المستعمر بطاقة تقنية : الفرنسي الذي منذ دخوله سيدي فرج سنة 1830وهو ينكل بالمواطنين العزل البلد :الجزائر ويشردهم . إنتاج 1974 : اعتمد المخرج محمد األخضر حامينة على تقسيم فيلمه إلى ستة فصول حامينة األخضر محمد إخراج : وزعها على الشكل التالي : فارس توفيق و بوجدرة رشيد : وحوار سيناريو سنوات الرماد – سنوات الجمر – سنوات النار -سنوات الغربة – سنة المسؤولتشخيص :كلثوم – عبد الحليم ريس – العربي زكال – شيخ نور الدين – ليلى – 1نونبر 1945 شنة – محمد األخصر حامينة -هنري كزارنياك وآخرون . هذه العناوين التي تظهر على الشاشة تحيل إلى الحس الفني التسجيلي لدى أحمد وبنعروس تصوير :مارسيلله فاني و مصطفى بلمهيوب المخرج ،والمراد منه تتابع األحداث التاريخية التي أججت الثورة الجزائرية ،باإلضافة مونتاج :يوسف طبني إلى وقوفه على البدايات األولى لتشكل الوعي السياسي لدى الفالحين ،هذا الوعي أيتوس موسيقى :فيليب الذي كان غائبا قبل احتالل الجزائر . دقيقة 117 مدة العرض: لقد صور المخرج محمد األخضر حامينة فيلمه بكثير من الحب والشغف ، ------------------منطلقا من معاناة الفالحين في القبائل الجزائرية التي تعيش في صراع مع قسوة ال يمكن ألي متتبع للسينما الجزائرية أن يتحدث عنها دون الوقوف على فيلم الطبيعة ،هذه القبائل التي يعيش سكانها حياة التنقل في الصحراء بحثا عن « وقائع سنوات الجمر » للمخرج محمد األخضر حامينة الذي سجل حضوره بشكل فضاءات للرعي ،لكن الماء كان هو المشكل الذي فجر الصراع حوله . قوي في تاريخ السينما المحلية والعالمية باعتباره أول مخرج عربي إلى يومنا هذا صور الجفاف والبؤس التي التقطتها كاميرا المخرج ،ثم النزاع على المياه ، يحصل على السعفة الذهبية بأعرق مهرجان سينمائي وهو مهرجان «كان» الدولي بلغة سينمائية مبهرة امتزجت فيها الشاعرية بالعنف ،حيث تحولت الصحراء إلى سنة . 1975 ساحة للقتال ومجازر مفتوحة أودت بحياة العديد من المواطنين من أجل قطرة ماء .
وقائع �سنوات اجلمر
سيناريو الفيلم بطريقة أوتوماتيكية بدأت بجملة شهيرة «الجثة الشهية» ،وقد أنهاه بونويل بمفرده..
لنفس المخرج فيلم «عصر الذهب»L’Age d’or )(1930الذي شارك في إخراجه كل من الرسام السريالي ماكـس إرنســت M. Ernstوالشـاعـر جــاك بيــريـفـر. J. Prévertلبونويل كذلك أفالم سرياليـــة أخرى، أهمها :المالك المحطم ،الجاذبية الخفية للبورجوازية، شبح الحرية ،تلك القطعة المعتمة من الرغبة..إلخ.
هناك أيضا تجربة المخرج ألفريد هيتشكوك A. Hitchcockالـذي كـــان يتــردد على المعــارض ويتلهى بالرسم والصباغة ،ويقتني األعمال الفنية لكبار المصورين أمثال جورج براك وبول كلي وجورجيو دي شيريكو ومارسيل دوشامب..وغيرهم ،ولذا صارت له ثقافة تشكيلية معمقة أهلته ألن يلعب دور الرسام والمصور التشكيلي في إنجاز أفالمه ،فضال عن تفوقه في مجال التقطيع السينمائي/المونتاج الذي اشتهر به ،الشيء الذي كان يمنحه قدرة السيطرة على الرؤية البصريةللمتلقي..
لغز بيكاسو
إضافة إلى ما سبق ،يجدر بنا ذكر تجارب بعض المخرجين الذين اشتغلوا سينمائيا على لوحات تشكيلية مشهورة ،أبرزها الفيلم الوثائقي القصير« :غرنيكا» (13 د ).الذي أخرجه آالن رينيه عام 1950وأيضا شريط «لغز بيكاسو» Mystère Picasso (78د ).للمخرج هنري جورج كلوزو H. G. Clouzotالذي أنتجه عام 1956 وقد سعى من خالله إلى استعادة لحظات رسم اللوحة بأهم خطوات إنجازها.
هكذا يمزج المخرج بين الماء والحرية بتكثيف فني غني بالدالالت ،فبسبب الماء سالت دماء أكثر من المياه الموجودة في المنطقة ،ومن اجل الحرية استشهد رجال ونساء وأطفال وبدمائهم ارتوت األرض لتزهر وردة الحرية . مشاهد الفيلم كانت قاسية ،وهي تعرض علينا حياة المواطنين العزل وهم يواجهون مصيرهم ،مواطنون غارقون في الجهل والخرافة ،إذ سيقصدون ضريح ولي صالح ليتوسط لهم عند اهلل لجلب الماء للمنطقة ،في إحالة على درجة وعي المواطنين الذين لم يعوا بعد أن الخرافة ستدمرهم وتقزم أحالمهم وسيصبحون فريسة للمستعمر . إن النقد الالذع ،الذي ينطلق من رؤية المخرج الخاصة للمقاومة وحركة التحرير التي أشار إلى تناقضاتها الداخلية ،جنت عليه وابال من النقد والتشكيك في فوزه بالسعفة الذهبية بمهرجان «كان» ،معتبرين هذا التتويج نتيجة لمغازلة األخضر حامينة لفرنسا ،كما أنه تعرض للتهديد بالموت من قبل حلفاء لمنظمة الجيش السري الفرنسية ،وأثناء عرض الفيلم بمهرجان «كان» أرسل وزير الداخلية آنذاك فرقة أمنية من أجل حماية األخضر حامينة وأطفاله الثالثة في المهرجان . .ورغم ذلك لم يصمد هذا التشويش على الفيلم ،إذ اعتبره نقاد سينمائيون كبار مثل إبراهيم العريسمن أهم األفالم التاريخية األضخم التي نجحت خارج هوليود واعتبره آخرون ومن بينهم الناقد السينمائي أحمد بغداد نموذجا حقيقيا للمخرج العالمي ،إذ صنفه مع لويس بونويل وفرانسوا تروفو وجون لوك غودار .
العدد 1014
الشمال الفني
بيــان فـنـي » « فـنـــي» «بيـــان
إعداد :يوسف سعدون
بيان فني ،هو سلسلة لقاءات تدشنها الشمال مع مجموعة من المبدعين ،يقدم عبرها الضيوف تجاربهم الفنية وانشغاالتهم ومواقفهم ،وهو غير ملزم ألي جهة.. بيان هذا العدد يوقعه الفنان التشكيلي عزيز �أزغاي – 1أنا الموقع أسفله: عزيز أزغاي ،ولدت في الرابع من شهر نونبر من سنة ،1965في حي بن امسيك الشعبي في مدينة الدار البيضاء ،من والدي اليتيم محمد أزغاي بن عمر، َ وَرْيَاغل الواقعة أقصى منطقة الذي نزح مع والدته وهو طفل ،من قبيلة بني الريف ،نحو مدينة طنجة أوال ثم منها إلى مدينة الدار البيضاء ،هربا من المجاعة التي ضربت المغرب العميق في أربعينيات القرن الماضي .أما والدتي ،واسمها خديجة الكيالني ،فقد نزحت ،هي األخرى ،مع أسرتها نحو مدينة الدار البيضاء، في نفس المرحلة تقريبا ،قادمة إليها من إحدى قبائل السراغنة الواقعة في أحواز مدينة مراكش .أرسم وأكتب الشعر منذ مطلع ثمانينيات القرن العشرين .أقطن، منذ خمس سنوات ،في مدينة القنيطرة وأعمل أستاذا للتعليم العالي في مدينة الرباط. – 2المسار الفني: أنتمي ،أنا وأخوتي العشرة ،إلى أسرة شعبية فقيرة ،بالكاد كانت تستطيع توفير ما نسد به رمقنا وحاجياتنا اليومية الملحّة .وباستثناء جهاز المذياع الترونزيستور الصغير ،نافذة والدي على أخبار العالم ،لم يكن بيتنا يتوفر على أي وسيط من الوسائط الثقافية البسيطة ..ال كتب وال هم يحزنون.. أما تعليق الصور على جدران خشب كوخنا الصغير ،فذلك ما كنت أتصوره يدخل في خانة «أعز ما يُطلب» .وسوف أنتظر إلى حين انتقال شقيقي األكبر إلى الجامعة ،كي أسعد بظهور أولى كتب الفلسفة واألشرطة الموسيقية المُناضلة في البيت ،وكانت عبارة عن كاسيطات للشيخ إمام ومارسيل خليفة وقعبور والعظيمة فيروز ...كنت ،ساعتها ،في سن المراهقة ،حين بدأت أستوعب بعض ما يعتبر كالما شعريا، إلى جانب سحر األلوان واألشكال والعالمات التي تحفل بها الصور .وفي هذه السن المبكرة ،استُقطبت ،في مطلع ثمانينيات القرن الماضي ،إلى شبيبة حزب االتحاد االشتراكي للقوات الشعبية ،وهو االنتماء الذي أنضج صلتي بالكتابة والرسم ،كما قربني أكثر ،وفي وقت قياسي ،من قبيلة الفنانين والمبدعين مغاربة وعربا. وينبغي االعتــــراف بأن عالقتـــي بالرســم وبالتصوير كانت محفوفة ،في البداية ،بغير قليل من الحاجة إلى إيجاد وسيلة تعبير أستطيع من خاللها أن أُ ِّ رَفه على نفسيتي ،فقط ال غير دونما وهم أو ادعاء كاذب .والحقيقة ،أنني ال أعتبر نفسي ولدت موهوبا، ال في الدراسة وال في الشعر وال في الفن كذلك ،كل ما في األمر أنني قررت ،في لحظة ما من تاريخ مراهقتي، أن أذهب إلى أبعد نقطة في كل هذه المجاالت، وبخاصة كتابة الشعر ،ولو من باب التميز على أقراني ،كما أثير انتباه زميالتي في مرحلة دراستي اإلعدادية والثانوية، قبل أن أنتبه ،في مرحلة دراستي الجامعية ،إلى قيمة وأهمية هذه المعاكسة المُراهقة في بناء وإنضاج شخصيتي ،لتتحول إلى نوع من االلتزام اليومي الواعي بشرطه الثقافي ،ولو في أبسط تجلياته اإليديولوجية ،ألسعى ،بعدها ،إلى تطوير مسعاه وأفقه ،بما يعنيه ذلك من مواكبة وجدية وبحث وتجديد وتجريب مستمرين إلى يوم الناس هذا. وفي حالتي ،أنا المنحدر من أسرة فقيرة ،كان اقتناء معدات الرسم ،حتى لو تعلق األمر باألصباغ والورق فقط، يعتبر ،في تقدير أسرتي الفقيرة ،من الكماليات بعيدة المنال. لذلك ،كنت مرغما على االبتعاد ،إلى حين ،عن الرسم والتصوير وتخصيص بعض اهتماماتي لكتابة الشعر وزيارة المعارض الفنية ،إلى غاية إنهاء دراساتي الجامعية وااللتحاق بأسالك الوظيفة العمومية .آنذاك فقط ،صار بإمكاني استئناف نشاطي التصويري بوعي مختلف وبذائقة مجربة وطموحة ،واألهم من ذلك ،بأريحية مادية مكنتني من التغلب على شراء معدات الرسم الالزمة .لذلك ،تأخر أول معرض لي في قاعة ال ُقبّة في مدينة مراكش -وكان جماعيا -إلى غاية سنة .2004ومنذ ذلك التاريخ، وأنا أواظب على الحضور ،إن فرديا أو إلى جانب فنانين آخرين مغاربة وأجانب ،في عدد من األروقة المغربية واألوروبية. – 3المشروع الفني: من حسن حظي أنني ثابرت كثيرا من أجل أن أتحصل على وظيفةٍ قارةٍ تحفظ ماء وجهي من تَسوُّل المُ ْقتَ ِنين وت َل ُّك ِؤ الجماعين وجشع أصحاب األروقة الخاصة .ولحسن الحظ كذلك أن «بضاعتي» ،أقصد «بضاعتنا» نحن قبيلة الفنانين التشكيليين ،غير مرتهنة بشرط انتهاء الصالحية ،أي أنها ال تفسد مع مرور الوقت ،مثلما يفسد البيض والخضراوات واألسماك ..لهذا السبب ،وحده، أذهب إلى مرسمي باطمئنان كبير وأنا أفكر فيما أعتبره إضافة نوعية لِ َلمْستي الفنية وتطويرا لمغامراتي التقنية والشكلية ..وال أرهن ما أنجزه بزبون محتمل. هذه الوضعية ،شبه المريحة ،شجعتني على تجديد وتمتين ثقافتي البصرية؛ قراءة وبحثا ومواكبة .أقرأ كثيرا ،وأكتب أقل ثم أرسم بوتيرة غير متعجلة؛ أفعل ذلك، فقط ،كلما أحسست برغبة ملحة تشدني إلى فكرة ما .لست من هواة الجري وراء األلقاب الزائفة ..ال في الشعر وال في التصوير ..أحاول ما أمكن أن أكون متصالحا مع ذاتي ومع الوسط الذي أعيش داخله ،وأن أطهو قناعاتي وأفكاري على نار هادئة.. وال يزعجني أن أنتقل من أسلوب إلى آخر أو من موضوعة ألخرى ،وأعتبر العبرة بالخواتم فقط. انطالقا من هذه القناعة البسيطة ،أتعقب أفكاري الصغيرة وأسعى وراء موضوعاتي المُهْمَلة .ومن ذلك ،على سبيل التوضيح ،أشتغل ،منذ مدة ،على تيمة الجدار ال كما هو ،ولكن باعتباره خزان أفكار ورؤى وقناعات ،ولكونه ،عطفا على ذلك ،واجهة عامة ومشتركة تستقبل هواجس العابرين؛ ممن ال نعرف أي شيء عن حياتهم الخاصة وال عن ماضيهم الفردي .عابرون مروا سريعا وتركوا لنا تلك الخربشات واالعترافات المتعجلة فقط ،التي تعتبر سِيَراً مجهولة خطتها إما أياد مكلومة حاصرها األلم الداهم ،أو أخرى فرحانة ضاقت بسعة سعادتها اآلنية المفترضة .هذه العالمات أقوم بتوظيفها في لوحتي ،مع ما يستدعيه األمر من إضافات لمعجم لوني أفضل جانبه اإلقاللي في أغلب األحيان ،حيث أكتفي باألبيض أو األسود ،أو هما معا ،عبر تدرج اندماجهما ،مع إضافة ما أعتبره إشارات تلوينية أو غرافيكية موزعة هنا وهناك على سطح اللوحة ،بما يوحي بمشروع خطاب ينأى بنفسه عن شرط المعنى. إنها تجربة قد ال تروق ذلك النوع من التذوق الكالسيكي التقليدي الذي ينتعش بازدحام المفردات التشكيلية وكثرة العناصر وتنوع الخامات وتكاثف األلوان فوق السند الواحد .ولي اليقين أن مثل هذه اللمسة ،وهي ،بالمناسبة ،ليست جديدة في مدونة التشكيل سواء في المغرب أو في العالم العربي ،ستجد جمهورها الواسع في المستقبل ،كما حدث في التشكيل الغربي منذ أزيد من نصف قرن من الزمن. – 4السفر بين الشعر والتشكيل: إن الشعر ،كما التصوير ،صنعة إنسانية نبيلة .وعلى الرغم من أنهما يتطلبان
خلفية معرفية وجمالية ،كما يفترضان وجود تجربة وجودية تستند على تاريخ شخصي من المكابدات واألفراح والمشاهدات واإلنصات العميق لروح العصر ،في أفق تكريس رؤية خاصة للعالم ولإلنسان ،إال أنهما يبقيان ،مع ذلك ،بحاجة إلى مزيد من الحرية والخبرة والتجربة .وقد يحدث أن يغمرنا ،من حين آلخر ،إحساس بأننا دون مستوى التعبير عن مشاعرنا وقلقنا وعن رؤانا ،بما يكفي من العمق والوضوح والجمالية ،إما ألننا نكون عرضة لقصور في تمثل األشياء والعالم ،أو لكون آالتنا التعبيرية تصطدم أحيانا ،لهذا السبب أو ذاك ،بقصور ممكناتها .وفي لحظة االنحباس هذه ،نحاول أن نعطي لباقي حواسنا فرصة للتعبير عن مقدراتها؛ نلمس ،نشم ،نرى أو ننصت ،نقوم بكل ذلك ،إلعادة ترتيب شتاتنا وفق إيقاعات مختلفةومُنْتِجة. شخصيا ،أصاب ،من حين آلخر ،بمثل هذا الفراغ أو العسر .ولحسن حظي أنني أزعم اإلقامة فوق سريرين :سرير الشعر وسرير التصوير ،وأحاول – قدر الخبرة والمعرفة واالجتهاد – أن أنتج فيهما بروح يقظة ومتعلمة .بهذا المعنى، أقوم بمعالجة ذائقتي الفنية وأضاعف خالياها ،كما أحاول ،قدر اإلمكان، َ وتمثل فعل مسايرة مختلف النداءات التي تعطي للذات فهم الجمال معنى إضافيا ،دون االقتصار على تطويع آلة واحدة قد تصاب بالصدأ كلما أهملتُ مَعْدِنها. للغة آالمها الخاصة بها أحيانا ،حينما نحس ،في لحظات ما، أمام جبروتها أو قدسيتها على حد سواء ،بضآلتنا وعجزنا؛ أي حين نستشعر عدم تقبلها لبعض جرأتنا الزائدة عن المألوف والسائد والمتواضع عليه ،سواء كجماعات أو كأفراد ينتمون إلى جذر لغوي أو عقائدي أو طقوسي صارم ومنغلق .كما أن للتصوير كذلك لحظات َّ المُرَكبة ،التي تجعلنا وجها لوجه أمام عدد من األحاسيس بياضه المؤلمة ،التي تتراوح بين عسر التعبير بوضوح عن أفكارنا وقناعاتنا ورؤانا من جهة ،أو كيفية تحويل كل ذلك إلى ألوان وعالمات وخطوط ومواد فوق سطح بياض آخر هو نفسه سند القصيدة من جهة أخرى. وأظن أن خبراتنا المكتسبة وإنصاتنا العميق المتأني لكل ما يحيط بنا ،بقناعة تجريبية متواضعة وبروح متعلمة ومؤمنة بحدودها ،هو ما يجعلنا قادرين على تمثل تلك اللحظة الرفيعة الفاصلة بين شحنة االمتالء وهالة الفراغ ،بما هما حالتان وجوديتان إبداعيتان تمنحاننا القدرة الواثقة على التنقل بين أداتين تعبيريتين أو أكثر برشاقة كبيرة وثقة منتجة ،بخلفية مد القنوات وتبييء الرؤى والتصورات واألفكار ،بما يمكن تخيله سباحة حرة ،واعية وناضجة في ماء واحد ،هو ماء اإلبداع. ومما ال شك فيه أن تنويع الممارسات اإلبداعية ،مع ما يقتضيه ذلك من تحصيل لنسبة مقبولة من المعرفة أمر ضروري وملح ،وهو بالتأكيد ما ال يتحقق لكثير من المحاولين، هكذا بمجرد ثبوت نية المحاولة ،إال أن ذلك ال يمنع من تجريب هذه االرتماءات الخطرة والجميلة ،كلما لمس المبدع في نفسه إمكانية التجريب ،طمعا في اإلضافة والتفوق. شخصيا ،ال أدعي ولم يسبق لي ادعاء الوصول أو التمكن الواثق من سراب هذا المسعى .كل ما أقوم به هو محاولة ،مجرد محاولة ،لتجريب اإلمكانات التي تتيحها لي كتابة الشعر وممارسة التصوير في نفس الوقت ،وفق قناعة شخصية تستجيب لذائقتي اإلبداعية والجتهاداتي الواعية بنقصانها ولخبرتي المتواضعة في مجاهل كلتا الممارستين. لقد كان مأزق االمتالء الفارغ وما يزال أحد أعداء المبدع المجدد ،كما ظل طموح إخصاب ذهنه وشحنه ،بما يمكن أن ينتج ويبدع ويضيف ،أحد أكبر همومه اليومية على الدوام .لذلك ،فسواء تعلق األمر بالشعر أو بالتصوير أو سواهما ،ينبغي تمثل هذا األمر كما لو كان صراعا يوميا من أجل تنقيح الذاكرة وتشحيم مواسيرها إلبداع األفضل .وما األدوات التي نوظفها في مثل هذا الصراع اإلبداعي الجسور سوى آلةٍ ووسيطٍ نسخرهما لرج ماء الخيال، بما يعكس انفعاالتنا المنتجة ويفرغ مكنون أحاسيسنا فوق هذا السند أو ذاك .إننا ال نقوم ،في نهاية األمر ،سوى باقتراح نظرتنا للعالم وإحساسنا به ،كل بطريقته الخاصة وفي المجال /المجاالت التي يتقنها ،وهو ما أعتبره لحظة تواصل بين نظرتين مختلفتين ،وبين متخيلين متباينين ،أي بين الذي يبدع والذي يستقبل هذا اإلبداع من منصة الجمهور. اإلبداع لحظة نادرة ،بكل تأكيد ،لكنها تنتمي للبشرية جمعاء وليست مقتصرة على الذات المبدعة وحدها ،بما أنها تطمح إلى استدعاء طرف ثان للوقوف على حدود لحظة انفعال ودهشة مشتركة .وتلك ،في اعتقادي ،إحدى وظائف اإلبداع األساسية كيفما كانت طبيعته أو جنسه أو مسماه .وما محاولة تنويع األداة وتجريب استدعاء ما يبدو مختلفا ،في ذات مبدعة واحدة ،سوى محاولةِ اجتهاد نبيلة للكشف عن إمكاناتنا المُضْمَرة ،وهي إلى ذلك ،خيار إبداعي آخر إلخصاب الذاكرة وعدم االستسالم النحسار ذائقتنا الجمالية. – 5واقع التشكيل في المغرب: معرفتي الصغيرة بما أعتبره تاريخا خاصا بالتشكيل في المغرب تجعلني مقتنعا بأن هذه الممارسة قد حققت ،مقارنة مع واقع هذه الممارسة الجمالية في دول عربية كثيرة ،تراكما محترما في مدة زمنية ال تتجاوز ستين سنة من التعاطي مع الفن الحديث .وفي هذا اإلطار ،ينبغي التذكير بأن المغرب ،حينما كان مستعمرا من طرف فرنسا وإسبانيا ،لم يشهد بناء أكاديميات أو جامعات أو معاهد فنية عليا على غرار ما تحقق ،على سبيل المثال ال الحصر ،لجيراننا في الجزائر وتونس. كل ما استطاعت السلطات االستعمارية خلقه في المغرب كان مجرد مدرستين يتيمتين (تطوان 1947والدار البيضاء )1952اللتين أعتبرهما « غنيمتا حرب « مكنتا الشبيبة المغربية آنذاك من اكتشاف عالم اللوحة الحديثة العجيب .ولعل من حسنات هذا الفراغ الفني األكاديمي انفالت الفنانين المغاربة من تلك اللمسة الفنية االستشراقية التي هيمنت على أسلوبية كثير من الفنانين العرب .هذا الواقع دفع جيل الفنانين المغاربة الرواد إلى االعتماد على أنفسهم وعلى ذائقتهم الجمالية في البحث عن آفاق مختلفة لصقل مواهبهم وتطوير تجاربهم الفنية في أرض التشكيل الواسعة .من هنا ظهرت بعض مالمح التجربة الفنية المجددة في المغرب ،التي كانت وال تزال تختلف عما هو سائد في كثير من البلدان العربية ،ما جعلها تتبوأ ،على األقل في الوقت الراهن ،مكانة مشرفة ،في انتظار ما سيؤول إليه األمر في قادم السنوات ،ال سيما أننا بتنا أمام خطابات نقدية جديدة تدعو إلى تجاوز زمن اللوحة إلى أشكال تعبيرية وإلى حوامل أخرى على غرار ما هو سائد في التجربة الفنية الغربية واألمريكية تحديدا. – 6كلمة أخيرة: توقيع: ال تلفتْ كثيرا، لستُ خلفكَ!!
الثالثـاء � 08إلى � 14أكتوبر 2019
5
الفن التشكيلي بالمغرب وأسئلة الهوية
()2/2 بقلم :محمد ال�شاوي(*) (تتمة)
فضال عن ذلك ،فتطلعات هذا الجيل ارتبطت بحركة الطليعة الفنية التي عرفها العالم في الفكر والسياسة واإلبداع .فكانت هذه التطلعات تراهن على الرقي بالفن التشكيلي المغربي نحو أبعاد البحث الجمالي .لكن لألسف من داخل المعاهد الفنية كان هناك من يدافع عن التوجه الفولكلوري باسم الهوية والثقافة الوطنية ،ليس بالمعنى العَالِم الذي يرقى إلى مستوى البحث في العالقة الرابطة بين الهوية والتراث الحضاري ،بل بدافع تكرار نفس النموذج خدمة للغرب الذي صنف فنوننا ضمن خانة الفولكلور الشعبي . وقد تذكرت وأنا أكتب هذا المقال دور الفنان واألستاذ الراحل محمد شبعة في تعبيد الطريق لفائدة طالب الفن بالمعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان نحو التكوين العالي قصد الرقي بوعيهم البصري وتنمية مداركهم اإلبداعية .كان يروم النهوض بالفن التشكيلي المغربي نحو مدارج الفن العالم عن طريق اإلستعانة بخبرة أساتيذ الفلسفة في تدريس تاريخ الفن وفلسفته ،باإلضافة إلى عدة أطر من األساتيذ الفنانين واألكاديمين من مختلف التخصصات الفنية .فضال عن دور الصانع التقليدي الحرفي في الفنون الوطنية في هذا التكوين ،وكذلك دور المهندس المعماري في تفعيل عملية توسيع المدركات الذهنية للطالب .كل هؤالء باستطاعتهم إنجاز عمل متكامل مع الفنان التشكيلي خدمة لقاطرة الرقي بمفهوم الهوية المغربية نحو الكونية. بالموازاة مع ذلك ،قررت إدارة المعهد تحت إشراف السيد المدير محمد شبعة أنه على كل من أراد من الطالب أن يحصل على شهادة التخرج في« الفنون الجميلة» أن ينجز بحثا نظريا فلسفيا ،وآخر مكمل له ذو أساس تطبيقي إجرائي. سواء كان المشروع الفني لوحة أو نحتا أو تجهيزا ... وذلك إيمانا منه بأن طالب الفن ينبغي عليهم في مستقبلهم الفني أن يحللوا ويناقشوا قضايا الفن نظرة متخصصة دالة على إبداعهم .و بهدف الرقي بهم نحو العالمية ،لكي ال يكونوا صناع فن أو حرفيين .أضف إلى ذلك اقتراحه مشروعا تشكيليا أكاديميا وهو محاولة تكوين الفنانين التشكيليين الشعبيين .أوالئك الذين يزاولون الفن في شقه التجاري الذي ارتبط برسم نماذج من فولكلورنا المغربي .لقد أراد أن يخضعهم لتكوين علمي أكاديمي شبيه بتكوين طالب الفن .إذ ظل هذا المشروع معلقا إلى حدود اليوم. ج) الصنف الثالث :وهو الجيل الراهن من الفنانين الذين تبلورت في أذهانهم فكرة الحداثة ومفهوم الفن المعاصر ،عبر صعود الركب الحضاري الكوني بهدف الرقي بالفن التشكيلي المغربي .وهو رقي نحو المفاضلة وبلوغ أفق الممكنات من خالل التكوين والبحث .إنه جيل يحمل لواء الحداثة وما بعدها .فنانون يوجدون خارج الوطن وداخله يبدعون بتوجهات معاصرة ،تستجيب لسؤال العصرنة .استطاعوا من خالل منجزاتهم الحصول على مكانة مرموقة .هم في هامش الثقافة المغربية، واألمثلة على ذلك كثيرة .أنا ال أقول بأن هذا الجيل أفضل من الجيلين السابقين ،ألن معيار المفاضلة من الصعب تحقيقه ،ما دامت عملية التحول من جيل إلى آخر تخضع لمعيار السابق يُؤسس لالحق ،وهكذا دواليك .فليس من الهين الحديث عن قطيعة بينهما .إن هذا الجيل بتعبير آخر استطاع خوض غمار التجريب الفني المعلومياتي والرقمي الذي خلق طفرة علمية في شتى المعارف والعلوم .والمالحظ أيضا أن المستوى المعرفي والثقافي للفنان عرف تطورا نحو األفضل بالمقارنة مع السابق. لكن مع وجود خصوصيات من الصعب تعميمها .فلكل جيل مناقبه ومثالبه ،إذ من الصعب الجزم بتفوق جيل على آخر ،إال في بعض االمتيازات الطبقية والسياسية. تركيب وخالصة: عموما ومن خالل ماسبق ذكره ،فإن الفن التشكيلي المغربي ارتقى بفضل جهود جيل الرواد ،والجيليين المتعاقبين له .فمن األهمية بمكان القول بأن محاوالت تجديد أسئلة الهوية في عالقتها بالفن التشكيلي مازالت قائمة ،رغم الصعوبات والعوائق. وهذا االرتقاء يُعزى باألساس إلى المناهج الفلسفية التي أطرت عمل الفنان ،وارتقت بفنه نحو الكونية. أضف إلى ذلك أن شرعية الخوض في الفن التشكيلي المغربي تقتضي وضعه في خانة بعينها .صحيح أنه كان فولكلوريا وما زال هذا التوجه قائما إلى حدود اليوم ،لكن دون اغفال للدور الكببر الذي لعبه الجيل المعاصر في تطوير قاطرة الفن ،والمساهمة به نحو الحداثة وما بعدها. إن الفن المغربي ظل يوائم إبستيمي التمثيل ،فأقصى ما وصلنا إليه هو إعادة بناء الواقع المرئي ،بينما الالمرئي أو المضمر فقد ظل يتصف بالندرة في الكتابات النقدية ببالدنا رغم إبداعه من طرف الفنانين المغاربة .يذكر الفيلسوف ميشل فوكو في كتابه»:الكلمات واألشياء» قولة مأثورة للفنان اإلسباني فرانسيسكو باتشيكو سليل إشبيلية .وهو الذي أخذ عنه دييغو فيالسكيز قواعد الرسم والصباغة .يقول: «على الصورة أن تخرج من اإلطار». فما مدى تحقق هذه القاعدة في اللوحات الفولكلورية التي اتسم بها تشكيلنا المغربي؟ بتعبير آخر هل استطاعت اللوحات الفولكروية أن تخرج من إطارها التمثيلي المرئي نحو إطار تمثيلي آخر يُخرجها من نمطية النقل نحو اكتمالية التحقق اإلبداعي؟
______________ (*) فنان تشكيلي مغربي وباحث في النقد الفلسفي للفن.
(انتهى)
6
الثالثـاء � 08إلى � 14أكـتـوبر 2019
العدد 1014
مجتمع ـ سياسة ـ حقوق فكري ولد علي
(مراسل من الحسيمة /الناظور)
الحسيمة :اللجنة اإلقليمية للتنمية البشرية تصادق على مجموعة من المشاريع المبرمجة
انعقد اجتماع اللجنة اإلقليمية للتنمية البشرية بإقليم الحسيمة ،الثالثاء ،حيث تمت مناقشة والمصادقة على عدد من المشاريع التنمويــة المبرمــج تنفيذهـــا باإلقليم. وتم خــالل االجتمـــاع ،الذي حضره الكاتب العام لعمالة الحسيمة وممثلين عن المجلسين اإلقليمي والبلدي ورؤساء المصالح الخارجية وفاعلين عن المجتمع المدني ،تقديم عرض موجز حول أهم النقط المدرجة في جدول أعمال اجتماع اللجنة اإلقليمية للتنمية البشرية. وتطرق رئيس قسم العمل االجتماعي بإقليم الحسيمة ،عبد الحق اليوسفي ،في العرض إلى المشاريع المقترحة في إطار برنامج مواكبة األشخـــاص في وضعية هشاشة ،والدراسة والمصادقة على المشاريع المقترحة في إطار برنامج تقليص الفوارق المجالية والترابية بالوسط القروي برسم سنة ،2020في الشــق المتعلق بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ودراسة والمصادقـــة على المشاريـــع المقترحة في إطار برنامج تحسين الدخل واإلدماج االقتصادي للشباب. كما تمت المصادقة على مقترحات مشاريع من طرف اللجنة االقليمية للتنمية البشرية لعام ،2019ويتعلق األمر ب 12 مشروعا ضمن برنامج مواكبة األشخاص في وضعية هشاشة ،وتهم دعم وتجهيز ثالث مراكز لتصفية الدم باإلقليم ،وكذلك دعم وتجهيز تسعة مراكز اجتماعية لألطفال والمسنين والمختلين عقليا وتكوين المرأة في وضعية هشة.
وبلغت التكلفة اإلجمالية المرصودة لهذه المشاريع 3ماليين 95ألف درهم، حيث من المنتظر أن يستفيد من هذا البرنامج 773مستفيدا ومستفيدة من مختلف الجماعات الترابية باإلقليم. أما بخصوص برنامج تقليص الفوارق المجالية واالجتماعية بالعالم القروي برسم ،2020الشق المتعلق بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،فقد تمت المصادقة على مشروعين بتكلفة اجمالية بلغت 2مليون 293ألف درهم ،وهمت اقتناء أربع سيارات إسعاف رباعية الدفع لفائدة الجماعات
الترابية باإلقليم وتجهيز دور الطالب والطالبة بالجماعات الترابية باالقليم، وسيستفيـــد من هــذه البرنامــج 8120 مستفيد ومستفيدة بمختلف الجماعات. وبخصوص برنامج تحسين الدخل واإلدماج االقتصادي للشباب لعام ،2019 فقد تمت المصادقة على 11مشروعا، حيث سيستفيد من هذا البرنامج ثالثة عشر شابا وشابة من حاملي المشاريع في مجاالت متعددة أهمها نجارة االلمنيوم والخشب والصباغة والبناء والكهرباء والوجبات السريعة والحالقة والتجميل.
شراكة بين المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب والمختبر الوطني للطاقات المتجددة وسفارة الواليات المتحدة األمريكية ورشة عمل حول إدماج الطاقات المتجددة في الشبكة الكهربائية
Fikri.press@gmail.com Tél 0661986707
بودرا يوقع على ميثاق مالقة لتعزيز التعاون بين إسبانيا والمغرب
وقع يوم االثنين في مدينة مالقة « ،ميثاق مالقة لتعزيز التعاون بين إسبانيا والمغرب عبر الحدود في الفترة .» 2021-2027 التوقيع على الوثيقة جاءت في إطار يوم عمل ينظمه مرصد البيئة الحضرية ()OMAU لمجلس المدينة ،والذي يدور حول مستقبل التعاون بين الضفتين ،باإلضافة إلى التحديات المشتركةللمدن. ويأتي ميثاق مالقة ،كمطلب للسلطات المختصة المعنية بالتفاوض وتصميم البرامج األوروبية لفترة البرمجة القادمة ،2021-2027 التي تؤثر على األندلس وحدودها الخارجية، وللتذكير بضرورة مراعاة التزام البلديات الموقعة ألسس التنمية الحضرية المستدامة والمتكاملة. وبهذا المعنى ،يعبرون عن استعدادهم لتعزيز اإلجراءات المرتبطة باألجندة الحضرية الجديدة كاستراتيجية دافعة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ،وتعزيز حماية البيئة وحفظ الطبيعة ،واإلدارة المستدامة للموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي ،بما في ذلك موارد المياه العذبةوالبحرية. كما يعكس الرغبة في الترويج لالتفاقيات الدولية المتعلقة بتغير المناخ ،من خالل وضع خطط محلية تشمل تدابير للتخفيف والتكيف وتشجيع التنمية االقتصادات المحلية؛ من خالل تعزيز العمالة وزيادة رفاهية السكان. وفي الوقت نفسه ،يتم تعزيز تدابير الدعم للقطاعين العام والخاص ،مع إيالء اهتمام خاص للمؤسسات الصغيرة ومتوسطة الحجم ،ويتم تشجيع االستثمار والتبادل التجاري مع التركيز بشكل خاص على السياحة المستدامة. ويشمل الموقعون على ميثاق ملقة أيضًا،
من بين أهدافهم؛ تشجيع التعليم والتبادل الثقافي بين ضفتي البحر األبيض المتوسط ،مع إيالء اهتمام خاص بحفظ وتجديد ونشر التراث والعناصر التاريخية للمدن. كما يهدف إلى تعزيز السياسات التي تعزز التنمية االجتماعية ،واالندماج االجتماعي، والمساواة بين الجنسين ،وعدم التمييز، والعمالة والحماية االجتماعية ،بما في ذلك حماية العمال المهاجرين والحوار االجتماعي واحترام المواطنين ،وكذلك الحقوق النقابية ومعايير العمل األساسية ،بما في ذلك عمل األطفال. باإلضافة إلى ذلك ،تتضمن الوثيقة دعم التعاون بين الشركات المحلية لتحسين الكفاءة اإلدارية والشفافية وتبادل المعلومات. ويطلب الميثاق دمج برنامج أوروبي في فترة البرمجة الجديدة للمشاركة في تمويل تنفيذ األهداف المذكورة ،سواء كان ذلك في سياق سياسات الجوار. وتقدم الوثيقة أيضًا تعاونًا مع ممثلين عن رؤساء البلديات الملحقين بالمشاركة في تصميم البرامج الجديدة ،وتوضح أنه سيتم إنشاء لجنة مراقبة للتحقق من نتائج االجتماع، وسيتم تنسيقه بواسطة وحدة التنسيق اإلدارية. وقام بتوقيع الوثيقة رؤساء بلديات أكادير، الحسيمة ،أصيلة ،آزلة ،بلفاع ،بركان ،شفشاون، دكالة ،دراركة ،الصويرة ،فم الحصن ،فاس، القنيطرة ،العرائش ،المضيق ،مراكش ،مكناس، وجدة ،،سيدي إيفني ،طانطان ،طنجة ،تطوان، تزنيت ،وسيدي قاسم؛ باإلضافة إلى مستشار من صفرو ونائب رئيس بلدية الناظور.
حرمان سكان الريف من طلب تأشيرة ألمانيا بالناظور
في إطار الشراكة بين المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب وسفارة الواليات المتحدة بالمغرب ووزارة الطاقة األمريكية والمختبر الوطني للطاقات المتجددة ،نظم المكتب ،يومي 25و 26شتنبر 2019بمركز علوم وتكنولوجيا الكهرباء ،ورشة عمل حول مواضيع تهم إدماج الطاقات المتجددة ضمن الشبكة الكهربائية الوطنية. حضر هذه التظاهرة السيد عبد الرحيم الحافظي ،المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب ،والدكتور كريس فال ،مدير مكتب العلوم بوزارة الطاقة األمريكية وكذا ،وفد من السفارة األمريكية. خالل الكلمة التي ألقاها ،ذكر السيد الحافظي بالسياق الخاص باالستراتيجية الوطنية المتعلقة بتنمية الطاقات المتجددة
التي تتميز بالتخطيط لمزيج كهربائي بنسبة ٪ 42في أفق عام 2020وأكثر من ٪ 52 في أفق عام .2030كما تطرق إلى المواضيع المشتركة والتي نوقشت خالل هذا اللقاء فيما بين خبراء المختبر الوطني للطاقات المتجددة ومهندسي وأطر مختلف المؤسسات المغربية كوزارة الطاقة والمعادن المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب ومازن. وتتمحور هذه المواضيع حول: • توقعات توقف الطاقات المتجددة، • االستراتيجيات الخاصة بتخزين الطاقة الكهربائية، • التدابير التقنية لضمان استقرار الشبكات الكهربائية • تأثير مصادر اإلنتاج الالمركزية على
تخطيط وتشغيـــل المنظومــة الكهربائيـــة المغربية. كما حــث السيد الحافظي على توسيع الشراكة الثنائــة ليتسنــى إنشــاء مختبرات للبحوث التطبيقية لمواجهة التحديات التي يشهدها المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب في إطار االستراتيجية الخاصة بتشجيع االبتكار والبحث وتنمية المهارات. وهنأ الدكتور كريس فال المنظمين على أهمية هذا العمل في إطار عالقات الصداقة بين المغرب والواليات المتحدة األمريكية ،كما أكد من جديد على جاهزية وزارة الطاقة األمريكية للمشاركة في دعم وتعزيز الكفاءات بالمملكة المغربية وذلك في مجاــل التدريب والبحـــث والتطوير.
قرّرت الشركة المكلفة بتلقي طلبات التأشيرة األلمانية إغالق مكتبها بمدينة الناظور ابتداء من اليوم ،بشكل نهائي ،ونقله إلى مدينة طنجة. وأعلنت الشركة المكلفة بتلقي طلبات التأشيرة ،في موقعها اإللكتروني ،عن إغالق المكتب بشكل نهائي ،وانطالق العمل في مكتب طنجة ابتداء من غد الثالثاء فاتح أكتوبر. قرار اإلغالق أثار استياء عدد من سكان
إقليم الناظور ،معتبرين أن فتح المكتب كان مكسبا للمواطنين الذين كانوا مضطرين لقطع مئات الكيلومترات لوضع طلبات التأشيرة بمدينة الرباط. وكانت الشركة قد فتحت مكتبا لتلقي طلبات التأشيرة األلمانية بالناظور في الـ 7من نونبر ،2016استجابة لمطالب سكان الريف، قبل أن تقرر اإلغالق النهائي لمكتبها دون تقديم توضيحات حول حيثيات اتخاذ هذا القرار.
7
الثالثـاء � 08إلى � 14أكـتـوبر 2019
العدد 1014
مجتمع ـ سياسة ـ حقوق عبد العالي بن ربوحة
(مراسل من القصر الكبير)
عامل إقليم العرائش غاضب من تدني الخدمات الصحية وغياب األطر الطبية باإلقليم
كشفت مصادر موثقـــة أن عامل إقليم العرائش «العالمين بوعاصم» غاضب من تردي الخدمات الصحية باإلقليم، بعد أن طالب مندوب وزارة الصحة بالعرائش بالعمل على وجه السرعة من أجل تجاوز اإلشكاالت والرفع من جودة الخدمات الصحية ذات جودة المقدمة للساكنة في أسرع وقت ممكن. ذات المصادر ،أوضحت أن “العالمين بوعاصم ” يتابع شخصيا الوضع الصحي باإلقليم على توفير جميع الخدمات العالجية والصحية التي تحتاجها ساكنة اإلقليم . المصادر ذاتها تحدثت عن استياء عامل اإلقليم من تـــردي الخدمــات بالمستشفـــى اإلقليمي ،و غياب األطر الطبية بعدد من المراكز الصحية بالعرائش والقصر الكبير . وأضافت ذات المصادر ،أن العامل اإلقليم يعمل بتنسيق مع الجهات المختصة من أجل تجاوز جميع اإلشكاالت التي تحول دون استفادة مواطنات و مواطني اإلقليم من العالج .
«العالمين بوعاصم» يترأس اجتماعا للجنة اإلقليمية للتنمية البشرية خالل المرحلة الثالثة 2023\2019
عقدت اللجنة اإلقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية صبــاح يوم الثالثاء 1اكتوبر 2019بقاعة االجتماعات بعمالــة العرائـــش ،اجتماعها في إطار المرحلة الثالثــة ،ترأس االجتماع عامل إقليم العرائش العالمين بوعاصم وبحضور الكاتب العام للعمالة وممثلي السلطلة المحلية ورؤساء المصالح الخارجية والمنتخبين وممثلي جمعيات المجتمع المدني. وفي كلمته بالمناسبة ،أوضح السيد العالمين بوعاصم على أهمية هذه المرحلة الثالثة التي حددت أربعة محاور ،وهي مواجهة العجز المسجل في البنية التحتية والخدمات األساسية في المناطق األقل تجهيزا باإلقليم، ومرافقة األفراد في وضع هشاشة ،وتحسين الدخل واإلدماج االقتصادي للشباب ،وتعزيز دينامية قوية للتنمية البشرية لصالح األجيال الصاعدة. و بعد ذلك قدم رئيس قسم العمل االجتماعي عرضا حول برنامج المرحلة الثالثة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،مؤكدا أنه في ظل التصور الذي أعلن عنه صاحب الجاللة الملك محمد السادس نصره اهلل فإن المرحلة الثالثة
من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ترتكز على هدفين أساسين : الهدف األول :تحصين مكتسبات برامج المرحلتين األولى و الثانية ، الهدف الثاني :إعادة توجيه تدخل المبادرة الوطنية من خالل برامج جديدة بما يضمن صيانة الكرامة و تحسين ظروف العيش ،و بناء المستقبل من خالل التصدي المباشر للمعيقات األساسية التي تواجه التنمية البشرية طيلة مراحل نمو الفرد و ذلك من خالل تفعيل تنفيذ برامج جديدة تتمثل في : البرنامج األول :تدارك الخصـاص على مستوى البنيات التحتية و الخدمات األساسية بالمجاالت الترابية األقل تجهيزا. البرنامج الثاني :مواكبة األشخاص في وضعية هشاشة ، البرنامج الثالث :تحسين الدخل و اإلدماج االقتصادي للشباب . البرنامج الرابع :النهوض بالتنمية البشرية لألجيال الصاعدة. وكــان هـذا االجتمــاع مناسبــة إلطـالع
المشاركين أعضاء اللجنة اإلقليمية للتنمية البشرية على المستجدات التي تتضمنها المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية وطبيعة المشاريع المبرمجة باإلقليم. وقد قام أعضاء اللجنة بالدراسة والمصادقة على المشاريع ذات األولوية المنبثقة عن التشخيص الترابي والتي تهم البرامج الجديدة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية خالل مرحلتها الثالثة و في األخيـــر نوه السيد عامل اإلقليم بالمجهودات المبذولة في هذا اإلطـار مهيبـا بكافة الحاضرين من سلطات محلية و مصالح خارجية و منتخبين و مجتمع مدنـي و فاعلين اقتصاديين لتكثيف الجهود من أجل النهوض بالرأسمال البشري و العناية باألجيال الصاعدة و دعم الفئات الهشة و اعتماد جيل جديد من المبادرات المــدرة للدخل و المحدثـــة لفرص الشغل وفقا لمقاربة المرحلة الثالثة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أعلن عن انطالقتها صاحب الجاللـــة الملك محمد السادس.
benrebouha01@gmail.com Tél : 0641794991
اجتماع تنظيمي للمكتب الجهوي للجامعة الوطنية لعمال و موظفي الجماعات المحلية
عقد المكتب الجهوي للجامعة الوطنية لعمال و موظفي الجماعات المحلية فرع جهة طنجة تطوان الحسيمة بمقر االتحاد المغربي للشغل بالعرائش يوم السبت 28شتنبر 2019اجتماعا خصص لمناقشة مجموعة من القضايات التي تهم شغيلة القطاع بالجهة كما تم تقديم تقارير للفروع بالجهة ،واستكمال تفعيل توصيات اجتماع المكتب الجهوي بكل من المضيق و وزان ،و التباحث حول سبل تجاوز االكراهات المبطئة للعمل التنظيمي للفروع . وبعد نقاش خالق و مستفيض في جميع
نقط جدول األعمال من طرف الحاضرات و الحاضرين و بكل غيرة نضالية و روح المسؤولية خلص االجتماع إلى ضرورة العمل على ترجمة القرارات التنظيمية و النضالية على ارض الواقع بمزيد من الصمود و التحدي ،و العمل على تصدي الهجوم المشان على الجامعة الوطنية لعمال و موظفي الجماعات المحلية بمزيد من اليقضة و الحذر ،و توحيد الصفوف ضد كل المحاوالت التي تهدف الى التشويش و البلبلة. و قد ختم االجتماع بالدعوة إلى االستعداد المكثف إلنجاح المؤتمر الجهوي المزمع عقده خالل شهر دجنبر 2019بالحسيمة.
مؤسسة القصر الكبير للتنمية تنظم حملة طبية لتصحيح البصروالكشف المبكر للممدرسين بالعالم القروي بإقليم العرائش
دعما للتمدرس ولتحسين ظروف التعليم والتحصيل لدى أبناء األسر المعوزة باإلقليم ،و في إطار المجهودات المبذولة لمساعدة تالميذ المؤسسات التعليمية الذين يعانون من ضعف البصر من أبناء هذه الفئة من المجتمع على متابعة دراستهم في ظروف أحسن .نُظمت مؤسسة القصر الكبير للتنمية بشراكة مع وكالة تنمية أقاليم الشمال ، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،وبتنسيق مع المديرية اإلقليمية لوزارة التربية الوطنية بالعرائش حملة طبية واسعة النطاق لتصحيح النظر والكشف المبكر لفائدة تلميذات وتالميذ
الممدرسين بالعالم القروي بإقليم العرائش . الحملة الطبية انطلقت يوم الثالثاء 1 أكتوبر 2019بثانوية ريصانة اإلعدادية ،تأتي هذه الحملة لتصحيح النظر لفائدة التالميذ الذين يعانون من ضعف البصر ووجود صعوبة كبيرة في متابعة دراستهم . الحملة لقيت إقبال واستحسان كبير من آباء وأولياء التالميذ للخدمة المقدمة مجانيا في إطار الخدمات الصحية لفائدة ضعاف البصر من التالميذ المنحدرين من األسر المعوزة باإلقليم .
االعتقال االحتياطي لطبيب وممرضة على خلفية وفاة «فرح» وجنينها بمستشفى األميرة لالمريم بالعرائش
أمرت النيابة العامة بالمحكمة االبتدائية بالعرائش ،مساء يوم االثنين 30شتنبر ،بإيداع طبيب وممرضة السجن المحلي ومتابعتهما في حالة اعتقال ،فيما تم تمتيع مولدة أخرى بالسراح المؤقت بكفالة قدرها 9000درهم ، وذلك على خلفية وفاة السيدة «فرح» وجنينها بمستشفى األميرة لال مريم بالعرائش ،حيث وجهت النيابة العامة للمتابعين تهم تتعلق بـ»عدم تقديم المساعدة المرأة حامل في
خطر» ،و»التسبب عن غير قصد في القتل غير العمد نتيجة اإلهمال واالمتناع عن أداء الخدمة» ،و»العنف الجسـدي والنفســي ضد امرأة حامل». هذه المحاكمة التي عرضت على القضاء ضمن ملـــف عــدد ،2103/2019/ 187جنحي تلبسي تأديبي ،وقد تم تحديد يوم االثنين 7أكتوبر 2019كموعــد للجلســـة الثانية للمحاكمة.
الثالثـاء � 08إلى � 14أكـتـوبر 2019
العدد 1014
على الرغم من التصدي الحازم لقوات حفظ األمن ضد العنف والجريمة بقلم :الدكتور
عبد الحق بخـات
8
مشاعر انعدام األمن والخوف ال تزال قائمة
مثل كل المدن الكبرى في العالم ،فإن مدننا ليست محصنة ضد ظاهرة انعدام األمن في الشوارع .أصبح الوضع ً مقلقا بشكل خاص ،ومن هنا منشأ الشعور بالخوف. ال يمر يوم دون أن تشهد شوارعنا ،خاصة بمناطق الهامش ،هجومات عنيفة ،أحيانًا باألسلحة البيضاء ،إما بدافع السرقة أو االغتصاب أو االنتقام أو تسوية حساب ،أو بسبب من بين دوافع كارثية أخرى تميز مجتمعنا. هذه الظاهرة منتشرة في مدننا ،وربما أقل في طنجة منها في الدار البيضاء أو فاس ،لكن نفس شعور عدم األمان يسود في كل مكان داخل التجمعات السكانية وخارجها .وفي اآلونة األخيرة انتقلت الظاهرة إلى الطرق السيارة أيضا. بشكل عام ،تبدو الحقائق المختلفة التي تنقلها الصحافة وشبكات التواصل االجتماعية ،والتي تسبب الضرر للمجتمع أو تجتاح حياة الناس ،لذات قاسم مشترك :الجنوح الناتج عن إدمان المخدرات والكحول ،أو بسبب عوامل أخرى مثل المشاكل االجتماعية (انهيار األسرة ،الهدر المدرسي ،البطالة )...أو الدوافع العقلية أو النفسية المرضية. غالبًا ما يكون التأثير الشديد للمخدرات هو ما يشجع على سيادة مثل هذا الجو من انعدام األمن ،ذلك أن المجرمين في مثل هذه الحاالت الفاقدة للوعي ،ينسون أن هناك في هذا البلد قوانين وشرطة ودرك ومحكمة وسجن في النهاية. صحيح أن السلطات المسؤولة عن حفظ النظام تدرك تمامًا الموقف .ولكن ،بنوع من التفكير المنطقي ،فإن قوة الردع هذه وفعاليتها ال يمكن أن تتواجد في نفس اآلن بكل الجغرافيات الممكنة حيث مسرح وقوع الجرائم ،إذ أن العنف غالبا ما يحدث في أمكنة وأزمنة متعددة ومتعاقبة زمنيا. حقيقة أخرى :الشرطة عندنا ما زالت تتحلى بنوع من اليقظة ،ونود أن نشير أن جميع الجرائم تقريبًا ال تمر دون عقاب ،حيث يتم البحث عن المجرمين بسرعة وتقديمهم إلى العدالة. كلمة العدالة ستقودنا إلى نقطة محل خالف من النقاش .ففي بعض الحاالت القصوى ،يعتبر الرأي العام الوطني أن القانون ،لألسف« ،متساهل جدًا» تجاه هذا النوع من المجرمين ،من حيث طبيعة ونوعية وحجم العقوبات المتخذة في حقهم. ربما تعزز دراسة حديثة وجهة النظر هذه ،حيث كشفت أن 81٪من المدانين الشباب المفرج عنهم من السجون يعودون، معظم الوقت ،إلى نفس النوع من الجريمة. ماذا يمكننا أن نفعل أمام هذه المعضالت؟ حتى اآلن ،اعتمدنا حلولاً ،على األقل إذا لم تعدم بعض أسباب الظاهرة ،قد تخفف من شرورها. وهو ما يصعب االطمئنان إليه في الغالب!. لقد تطور المغرب وما يزال يفعل ذلك ،ولكن على حساب اتساع الفوارق االجتماعية وعلى حساب التفاوتات الجغرافية ً محاطا بالفقر والبطالة. والترابية، قد ال يكون البؤس االجتماعي مصدر الظاهرة ،ولكن، بإضافة انتشار آفة المخدرات التي تضرب في عمق شبيبتنا ،يبدو أنه مسؤول عن المآسي الناجمة عن انتشار تعنيف مجتمعنا من خالل سرقة هاتف نقال ،أو محفظة نقود ،أو جواهر مغشوشة مبتذلة ،أو االعتراض أمام الشبابيك االوتوماتيكية البنكية ،أو اغتصاب امرأة شابة متجهة إلى مصنعها عند الفجر . هل يجب أن نستسلم لهذه الظاهرة؟ بالتأكيد ال! ولكن في الممارسة العملية ،ال تكمن المسألة في تبني حلول دون الوقوف عند األسباب. بعد أن أظهرت هذه السياسة محدوديتها ،يقتضي األمر التوجه مباشرة إلى المقصدية الحقيقية من خالل التحليل الواعي الذي يشمل إلى جانب العوامل االجتماعية األسباب الجذرية المؤدية إلى ارتفاع العدوان على الناس ،وارتفاع حجم انعدام األمن. في هذا السياق ،ينبغي االعتراف ،دون أي مركب نقص، أن عدد رجال األمن المرصود ليس كافياً لضمان سالمة 33 مليون مواطن مغربي في جميع أنحاء التراب الوطني التي ضربها التوسع الهائل للمدن ،وعرفت ديموغرافية زاحفة، وهجرة قروية نشطة. باإلضافة إلى ذلك ،يعتبر غياب كاميرات المراقبة في الساحات وفي مختلف شرايين المدينة بمثابة عائق ،في الوقت الذي ينتشر فيه هذا النظام اإللكتروني بالمدن األجنبية. بالطبع ،سنظل على بينة من نقص الموارد ،ولكن ينبغي التنصيص على أن السالمة واألمن ال يقدران بثمن ،وعلى أننا قادرين على توفير الموارد عندما تكون إرادتنا واضحة تجاه ذلك. لماذا نتهرب من االعتراف بأن نقص الموارد معزو إلى سوء في تدبير األموال العامة؟ هل علينا مرة أخرى العودة إلى ضرب األمثلة البليغة عن ذلك ،والتي تغضب المغاربة. دعنا نعود مرة أخرى إلى هذه الكارثة المتعلقة بالموارد، والتي تضرب المغرب بقوة ،ويتعلق األمر بالمثال األكثر حدة، ولن نتحدث عنه بما فيه الكفاية ،مثل األجور الباهظة ،والمزايا الفلكية غير المستحقة المرتبطة بالتقاعد ،والممنوحة دون مبرر إلى كتاب الدولة والمسؤولين المنتخبين .هذه النُخب المزعومة ،التي يُفترض أن تدير بعناية وتدافع عن المصالح العمومية من خالل المؤسسات التي تمثلها :الحكومة والبرلمان واألحزاب السياسية والنقابات ،والتي أظهرت جميعها محدوديتها عندما يتعلق األمر باتخاذ القرارات الكبيرة ،مكتفية بتصريحات عقيمة تصدرها من داخل مكاتبها وصالوناتها الوبرية. هل يمكننا االعتماد على مثل هؤالء األشخاص لمساعدة
مديرية األمن الوطني على حل مشكلة مهمة مثل ردع الجريمة وتعزيز الشعور باألمان؟ هذه المبالغ الفلكية من المال واالمتيازات الصارخة المخصصة لتلبية احتياجاتهم الشخصية ،أليست أكثر نفعا لو أنها وجهت لتحقيق السالمة واألمن في بلدنا؟ نترك األمر لقرائنا آملين أن يجدوا إجابة منطقية عنها. في غضون ذلك ،دعونا نشيد بشرطتنا التي تبذل قصارى جهدها لحمايتنا .ولمعرفة المزيد حول أدائها ينصح باالطالع على مراحل األيام المفتوحة الثالثة للمديرية العامة لألمن الوطني ( )DGSNالتي جرت بحي «ماالباطا» في طنجة. من ناحية أخرى ،إلى جانب األخبار السارة التي أعلنت عن إحداث «شرطة الطوارئ» أو «شرطة اإلغاثة» قريبا في المدن المغربية ،بما في ذلك مدينة طنجة ،والتي يمكن االتصال بها على الرقم األخضر ،19وهي خدمة تتكون من عاملين خاصين قادرين على التدخل في غضون 5إلى 8دقائق بعد التنبيه، نحن مدركون أنه منذ بعض الوقت ،والفرق المسماة «»H24 تتجول باستمرار في شوارع المدن ،وتضاعــف من عمليــات التوقيف واالعتقاالت في حق المجرمين. من ناحية أخرى ،وهذا ما يزال يتعين تأكيده ،فإن التفكير قد نضج .وسيترجــم واقعيــا الدعوة إلى مشاركــة القوات المساعدة ،المعروف باسم.»Mokhaznis« . ويــروج أن هذه القــوات يمكن أن تستفيــد من دورات تكوينية مكثفة للمساعدة في وقف عمليات العنف ،وفي عودة أجواء األمن إلى المدن. بهذه الطريقة ،على األرجح ،كما كان الحال في حقبة ماضية عندما كانت الشوارع آمنة ،سيستعيد المواطن الشجاعة والثقة في الخروج رفقة أسرته ،دون الشعور بأي احتمال للتعرض لخطر يهدد ممتلكاته وحياته . خالصة القول ،إن األجواء األمنية اليوم صعبة ،والجريمة متفشية بانتظــام ،واالتجــار في المــواد غير المشروعـــة واستهالكها ال يفتأ يرتفع ،والشوارع محتجزة كرهينة بسبب العنف ،والخوف يعم بالمدينة. نعلم جميعًا أن الوجود الرادع لرجال األمن ضرورة حيوية للمواطن. ال ينبغي للحكومة والبرلمان والمؤسسات األخرى ذات الصلة أن تنهج سياسة األذن الصماء تجاه المصالح الحيوية التي تؤثر على السير السليم الحتياجات المواطنين ،وعلى رأسها الحاجة إلى االمن. طلب وحيد ،،ينبغي أن تتوقـــف المشاحنات السياسوية، وينبغي أن تتوجه الفعالية لمساعــدة الشرطــة عن طريـق تمكينها من جميع الوسائل الالزمة ،دون قيـــود ،كي تقوم بوظيفتها في مكافحة الجريمة. السالمة واألمن ال يقدران بثمن !!!
قطرات مداد ُ • محمد إمغران
لماذا طفا «الحريك» على سطح المياه البحرية بهذا الشكل المهول ؟
قارب الموت الذي ذهب ضحيته ،مؤخرا ،بشاطئ عين حرودة (المحمدية) ما مجموعـه 12شخصــا، حسب المعطيات الرسمية وقتها ،كشف عن مؤخرة المغرب كالمعتاد ،عندما انبرت المنظمات الدولية، سـواء للهجرة أو لشؤون الالجئين لتسلـط الضـوء على ظاهرة ضحايا قوارب الموت الذين يتساقطون كأوراق الخريف ،عشرات تلو عشرات ،سواء بمياه غرب المتوسط أو بالمياه اإلقليميــة المغربيـة واألطلنتية .وكانت عمليات اإلنقاذ التي قامــت بها عناصر البحرية الملكية في الشهور التسعة األولى من هذه السنة ،حسب المعطيات الرسمية دائما ،قد قلصت عدد القتلى باآلالف. والمثيـــر في القضيــة هو أن التقارير الدوليــة صنفت المغرب ضمن أكثر الدول التي تعرف نسبة مرتفعــة من المهاجريــن غيــر النظاميين صوب إسبانيا ،خالل هذه السنة ،بهدف تحسين ظــروف عيشهــم ،وربما لو أتيحــت إمكانيــات «الحريــك» لباقي المرشحين لكانت النسبة «كتخلع» أكثر. واألسئلة الممكن طرحها هنا هي لمـاذا طفـــا «الحريك» على سطــح الميــاه البحرية بهذا الشكل المهول ؟ وهل الحراسة والمراقبـــة انعدمتـــا إلى هــذه الدرجة؟ وهل المسألة تدخل في إطــار النمــوذج «التنموي» الجديد للنهوض واالتجار بقوارب الموت ولصالح من ؟ والحق أقول أن هذه الظاهرة تحز في النفــس، خاصة وأن ضمن قتلى القوارب قد يوجد أشخاص متعلمون ومؤهلون وذوو شهادات وكفاءات اختاروا مكرهين المغامرة ومواجهة الموت في البحر غرقا، وربما هم بعفتهم وضميرهم ومستواهم أفضل ممن يقررون في مصيرهـم ويضيعون الوقت في «التعطيل» الحكومي وليـس التعديــل الحكومي، وفي نبش قبور الحكومات السابقة وفي استحقاقات ما بعد هــذا «التعطيــل» الحكومــي ،فضال عن صراعاتهم على الحقائب الوزارية والحقائب األخرى التي هي في البال وكذا على المراكز والمصالح الذاتية.والمؤسف حقا هو أن الحديث عنهم ونشر صورهم وتناول أخبارهم التافهة هي أمور تبرز أكثر فأكثر من عملهم وعطائهم ،بالمقارنة مع المعيش اليومي البئيس والملموس للمواطنين في كل شيء يخصهم. واألكثر إثارة هو أنه تزامن ،مؤخــرا ،مع هــذه المرحلة تسريب شريط «فيديو» يوثـق لوليمــة باذخة جدا أقامهــا حــزب في الهـواء الطلق ،حيث الطبيعة الخالبة ،لفائدة أكثر من ثالثة آالف شخص، حسب تصريح «السي طريطــور» لوسائل اإلعالم. طبعا والوليمة هاتــه تعني التبذيرأو هي حملــة انتخابية ،قبل األوان .بيد أن الغالف المالي للوليمة المذكورة كان من الصـواب لو استفــاد منه العديد من الشباب المتعلم والمتكون ،وذلك لوضع اللبنة األولى في مسار تشييد مستقبله ،أليس كذلك ؟
امللحق القانوين
9
العدد 1014ـ الثالثـاء 08إلى 14أكتـوبـر 2019
التدبير التشاركي في ظل القانون التنظيمي للجماعات الترابية رقم 113-14
إعداد :دة .حفصة الرمحاني دكتورة في القانون العام إذا كـــان قانون رقـــم 08-17المتمــــم والمعــدل للميثـــاق الجماعي السابـق رقـم 78-00قد نص ألول مرة على المقاربة التشاركية كمقاربة ضرورية إلعداد المخططات الجماعية للتنمية في المادة 36منه ،فإن القانون التنظيمي للجماعات رقم 113-14قد عمل على تكريس هذه المقاربة بشكل قوي من خالل التنصيص عليها في مجموعة من مواضعه .خاصة وان هذه المقاربة أصبحت حقا دستوريا بموجب دستور سنة 2011بموجب المادة 139منه. و من خالل قراءتنا وبحثنا عن المستجدات التي جاء بها القانون التنظيمي للجماعات والتي تهم جانب المناهج الحديثة للتدبير ،وقفنا على اعتماده مجموعة من المناهج الحديثة في تدبير الشأن العام المحلي وعلى راسها :منهج التدبير التشاركي ،ومنهج التدبير عبر األهداف وكذا منهج التتبع القائم على النتائج. و سوف نعمل من خالل هذا المقال على تحديد مفهوم التدبير التشاركي ،والبحث عن مظاهر تطبيقه في القانون التنظيمي للجماعات الترابية رقم . 113.14أما منهجي التدبير عبر األهداف والنتائج فسوف نخصص لهما مقاال الحقا . الفقرة االولى :مفهوم المقاربة التشاركية في التدبير العمومي و تعني المشاركة في الشأن العام :عمل تطوعي من جانب المواطن يهدف التأثير على إدارة الشؤون العامة واختيارات القادة السياسيين .فالتدبير الحكماتي للشأن العام يفرض إشراك المواطنين في اتخاذ القرار بصفة مباشرة او غير مباشرة ،ويرفع من مستوى االداء الحكومي. كما تعتبر المشاركة إحدى المؤشرات المرجعية للحكامة ،والتي يتم االعتماد عليها من اجل تقييم الدول في مدى تفعيلها لمبدأ الحكامة الجيدة .ويمكننا تعريف المقاربة التشاركية كونها عبارة عن « جهد منظم بشكل ذكي ومؤسساتي ،من اجل الحصول على نتائج ناجعة وفعالة». في هذا السياق تقول الدكتورة «أمامة عواد لعريشي» :أنه يجب أن نستشير ونسأل أي كان ،نسأل الحزين والمتفائل والذي لم يجد رغيف لألكل والذي يعاني من التخمة نتيجة االفراط في االكل أن نسأل الصغير والكبير، الفقير والغني ،الشاب والشيخ ،المراة والرجل . . ويقول «المهاتما غاندي» :ما تقومون به لصالحي بدوني ،تقومون به ضدي» .هذه االقوال تلخص لنا بوضوح مفهوم المقاربة
التشاركية ،كإطار للشفافية والديمقراطية وكضمانة لنجاح المخططات والمشاريع.كما تضع قواعد المشاركة التي يجب ان تشمل كل ساللمالمجتمع إن ثقافة المشاركة من المبادئ التي حث الدين االسالمي على ضرورة التشبث بها فقد ورد مصطلح الشورى في عدة آيات من القرءان الكريم ،بل وهناك صورة كاملة تسمى صورة الشورى ,و هناك في القرءان الكريم دعوة صريحة إلى النبي صلى اهلل عليه وسلم من أجل استشارة أصحابه قبل اتخاذ القرار .إذ يقول تعالى في صورة آل عمران « ولو كنت فظا غليظ القلب النفضوا من حولك ،فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في االمر فإذا عزمت فتوكل على اهلل ،إن اهلل يحب المتوكلين». و قدبدأ مفهوم التخطيــط التشاركــي باالنتشار منذ الستينات في سياسات الدول النامية.و في الثمانينات سيتم ترسيخ التخطيط التشاركي عبر الممارسات على مستوى الساكنة القروية.و يسمى التخطيط تشاركيا عندما يشرك مجموع الفرقاء في إعداد السياسات وفي صياغة البرامج وتطبيقها ويشركون أيضا في مسلسل التقييم .فللنجاح في مشاريع معينة، فمن األهمية بمكان أن يكون لجميع األطراف المعينة نفس التصور للموضوع والمعرفة لنوعية المشاكل التي يجب أن يتناولها المشروع .والطابع التشاركي يمكن تحقيقه من خالل مجموعات عمل والتي من خاللها تكون األطراف المعينة ممثلة فيها ومشاركة في مسار التخطيط التشاركي عن طريق ورشة أو ورشات عمل التي تنظم لهذه الغاية. و بعد إعطــاء نظرة شاملة عن التدبير والتخطيط التشاركي ،سنعمل في الفقرة الثانية عن تطبيقات هذا التدبير في ظل القانون التنظيمي للجماعات الترابية . الفقرة الثانية :تطبيقـــات المقاربــــة التشاركية في القانون التنظيمي للجماعــات رقم .113-14 أصبحت المقاربــة التشاركيــــة واعتماد التدبير التشاركي في الشأن العمومي كما قلنا سابقا ،حقا دستوريا بموجب المادة 139من دستور سنة 2011والتي جاء فيها : « تضع مجالس الجهات والجماعات الترابية االخرى ،آليات تشاركية للحوار والتشاور لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في اعداد برامج التنمية وتتبعها. يمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض ،الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله».
وقد وقفنا على تفعيل المقاربة التشاركية على مستوى القانون التنظيمي للجماعات رقم 14-113في مجموعة من مواضع هذا القانون التنظيمي ولخصناها كما يلي : أوال :فتح الباب أمام المعارضة من اجل المشاركة في تسيير شؤون المجلس و يتعلق االمر هنا بإمكانيتين : • التنصيص على إمكانية طلب إدراج نقطة في جدول أعمال الدورة : فبناء على المادة 40من قانون 113 - 14 فإنه يجوز ألعضاء المجلس المزاولين مهامهم أن يقدموا للرئيس بصفة فردية أو عن طريق الفريق الذي ينتمون إليه ،طلبا كتابيا قصد إدراج كل نقطة تدخل في صالحيات المجلس في جدول أعمال الدورات . و في حالة رفض إدراج النقطة يجب أن يعلل هذا القرار ،ويحاط المجلس علما بذلك عند افتتاح الدورة وحسب نفس المادة ،في حالة تقديم الطلب من طرف نصف اعضاء المجلس فحينها تسجل النقطة وجوبا في جدول االعمال. إن هذه االمكانية تسمح بتدبير إداري أكثر تشاركية وتحدث قطيعة مع زمن سيطرة األغلبية على تسيـــر شــؤون الجماعــة ،إذ بواسطتها يصبح بإمكان أي منتخب أن يكون رأيه مسموعا ،وذهب المشرع إلى أبعد من ذلك حينما أرفق قرار رفض النقطة بتعليل .وحتى بعد الرفض إذا استطاع المعني باألمر أن يقنع نصف المجلس بأهمية هذا المطلب تصبح حينها النقطة مسجلة وجوبا في جدول االعمال . .2التنصيص على إمكانية توجيه أسئلة كتابية إلى رئيس المجلس: حيث جاء في المـــادة 46أنه بإمكـــان أعضاء المجلس المزاولين مهامهم أن يوجهوا للرئيس بصفة فردية أو عن طريق الفريق الذي ينتمون إليهأسئلة كتابية حول كل مسألة تهم مصالحالجماعة. يقدم الجواب على األسئلة في جلســـة تخصص لذلك أثناء انعقاد كل دورة عادية ،وفي حالة عدم الجواب خالل هذه الجلسة يسجل السؤال حسب الترتيب من طرف المعني باألمر ليدرج الجلسة المخصصة لألسئلة في الدورة الموالية. هذه اإلمكانية بدورها تكفل مشاركة كل االعضاء في تسير شؤون الجماعة بما فيهم المحسوبين على المعارضة ،إذ خولت لهم إمكانية توجيه االسئلة إلى الرئيس ،ولعل هذه المادة تكون أقوى من حيث مضمونها حينما جعلت الرئيس مجبر على االجابة عن السؤال وإن لم يتسع الوقت لذلك خالل الجلسة المحددة لذلك يحتفظ بالسؤال إلى الدورة الموالية . إال أن االشكال المطروح هنا هو إمكانية الرئيس أن يماطل في تأخير الجواب عن السؤال وتأخيره إلى الجلسة الموالية ربحا للوقت خاصة إذا كانت المسألة ذات طابع يرتبط بالزمن. ثانيا :إضافة مسالك مرور للمجتمع المدني من اجل تسيير الشأن المحلي: و يتعلق األمر ب : • وضع آليات تشاركية للحوار والتشاور لتيسير مساهمــة المواطنين والمواطنـــات والجمعيات في إعداد برامج العمل وتتبعها عملت المادة 119من القانون التنظيمي للجماعات رقم 113-14على تفعيل مقتضيات الدستور الواردة في المادة 139منه .فنصت على وضع مجلس الجماعة آليات تشاركية للحوار والتشاور مع المواطنين والجمعيات وذلك بهدف تمكينهم من المساهمة في تتبع وتقييم برنامج العمل الجماعيمع االحالة إلى النظام الداخلي للمجلس الجماعي الذي يقوم بتحديد هذه اآلليات .
(البقية ص )10
إعداد :د .محمد البوشوكي دكتور في القانون العام mohamedelbouchouki@gmail.com
مسؤولية المجلس األعلى للحسابات في تدبير الشأن العام
تم إحداث المجلس األعلى للحسابات سنة 1979بموجب القانون 12.79وبمقتضاه أصبح المغرب يتوفر على هيأة عليا تتولى الرقابة العليا على تنفيذ القوانين المالية والتأكد من مشروعية عمليات موارد ونفقات األجهزة الخاضعة لرقابتها ,كما تقوم بمراقبة تسيير دره األجهزة وتقييم مدى صالحية هدا التسيير طبقا للمادة 21من الفصل 1للقانون رقم 62.99المتعلق بمدونة «المحاكم المالية» بالمغرب . ونظرا ألهمية المجلس أبى المشرع المغربي إال أن يرتقي به إلى مؤسسة دستورية كأعلى هيأة لمراقبة المالية العامة بالمملكة ,عبر تخصيص الباب العاشر من دستور 2011لضمان استقالليته وتخويله مهمة تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة بالنسبة للدولة واألجهزة العمومية « ف »147كما تتولى المجالس الجهوية للحسابات مراقبة حسابات الجهات والجماعات الترابية وهياكلها الفصل « »149من الدستور. في المقابل أسئلة عدة تطرح حول طبيعــة المجلس؟ وقيمة تقاريره؟ ومدى استقالليته ؟ اد يالحظ أن األمر ال يتعلق بمحاكم بالمفهوم القضائي الدقيق حيث يقتصر دور المجلس على تقديم تقارير سنوية لها طابع استشاري محض دون إصدار أحكام وعقوبات على غرار القضاء العادي ,هنا يجب القول وكرأي شخصي إن المجلس ال يرقى إلى محكمة مالية كما يذهب بعض الباحثين. هدا ما يحيلنا إلى قيمة التقارير التي يعدها المجلس كبيان عن جميع أنشطته ويحرر المالحظات التي أبداها ويبدي اقتراحاته المتعلقة بتحسين تسيير المالية العامة طبقا للمادة 100من الفصل السادس من القانون المتعلق بمدونة المحاكم المالية لدلك فقيمة التقارير تستمد مصداقيتها من مدى شفافيتها وعدم االنتقائية في المؤسسات الخاضعة لرقابة المجلس ,ومدى استقالليتها عن السلطتين التشريعية والتنفيذية . • مفهوم استقاللية المجلس األعلى للحسابات وتدبير الشأن العام . لقد كان مفهوم استقاللية الهيات العليا للرقابة على المالية العامة الموضوع األساسي للمناظرة الحادية عشرة للمنظمة العالمية للهيات السالفة الذكر التي انعقدت في «ليما» عاصمة البيرو سنة 1977او ما يعرف بإعالن ليما فمند دالك الحين أصبح مفهوم االستقاللية ضرورة ملحة للمساهمة في توطيد دولة الحق والقانون ولدلك فما جدوى دسترة المجلس األعلى للحسابات ادا لم يضمن له االستقاللية التامة عن الحكومة؟ في شخص وزير العدل الذي يبقى المسؤول األول عن تحريك الدعوة المترتبة عن تقارير المجلس مما يضعف من اختصاصات النيابة العامة داخل المجلس األعلى للحسابات . فاستقاللية المجلس دعامة أساسية لحسن تدبير الشأن العام خصوصا والمغرب يسعى إلى تثبيت مشاريع كبرى كالجهوية المتقدمة وفي هدا السياق فان المجلس والمجالس الجهوية يمكن أن تقوم بادوار فعالة في تحسين التسيير وفي تكريس قيمه األساسية التي تتمحور حول المساءلة العمومية والشفافية والفعالية والمرد ودية وتخليق الحياة العامة . دلك أن مزاولة المجلس الختصاصاته المنصوص عليها في دستور 2011في الفصول 147.148.149.150و بكل مصداقية وحياد لن يتحقق إال بالعمل على توفير اآلليات القانونية واإلمكانيات الضرورية التي تخوله المساهمة بفعالية للحفاظ على المال العام . لهدا فدور المجلس األعلى للحسابات في حسن تدبير الشأن العام هو تعميم الشفافية وواجب المساءلة داخل المؤسسات العمومية التي من واجبها العمل على مبدءا الفعالية والنجاعة والعمل على النتائج والمردودية إضافة إلى ضرورة تكريس الحق في الولوج للمعلومة من خالل نشر التقارير التي تعتبر أداة مهمة إلخبار الرأي العام . غير أن تدعيم نظام تدبير الشأن العام يتطلب من المجلس للحسابات توفره على موارد بشرية مؤهلة واعتمادها معايير الرقابة المتعارف عليها دوليا هدا فضال عن تحسين التقنيات المستعملة للرقابة والتدقيق. مفاهيم عدة ادن ,تبقي نقاشا مفتوحا حول طبيعة المجلس األعلى للحسابات وتقاريره ؟ ماهية ودور النيابة العامة بالمجلس؟ عالقته مع الحكومة والبرلمان ؟ إشكاليات يطرحها الباحث قبل المواطن الرتباطها القوي بمبدأ المسؤولية مع المحاسبة الخصار والحفاظ على المال العام لضمان التنزيل السليم للدستور ,عبد الرحيمالجديد. دستور العهد
العدد 1014
الشمال القانوني
التدبير التشاركي في ظل القانون التنظيمي للجماعات الترابية رقم 113-14
(تتمة ص )9
و بناء عليه نص الباب السادس من النظام الداخلي للمجالس الجماعية على كيفية وضع هذه اآلليات انطالقا من المادة 82إلى المادة 87منه .ويكن تلخيص هذه اآلليات كما يلي : وفقا للمادة 83من النظــام الداخلــي للمجالس : عقد لقاءات عمومية مرتين أوأكثر من طرفرئيس المجلس الجماعي بتعاون مع أعضاء المكتبمع المواطنات والمواطنين والفاعلين االقتصاديين واالجتماعيين وجمعيات المجتمع المدني من أجل : • دراسة مواضيع عامة تدخل في اختصاصاتالجماعة • االطالع على آرائهم بشأنها • إخبـار المواطنــــات والمواطنيــــن والمعنيين بالبرامج التنموية المنجزة أو الموجودة في طور اإلنجاز. ينظم هذا اللقاء بمبادرة من الرئيس أو من الفاعلين المعنيين أو من طرف هيئة تمثل المواطنات والمواطنين.و يمكن لرئيس المجلس الجماعي أن يستدعي رؤساء اللجان المعنية أو نوابهم لحضور هذه الجلسات. وتم تحديد االجراءات والشروط المتعلقة بإعداد اللقاء والتقارير الصادرة عنه في المواد 84و 85و 87من النظام الداخلي .في حين حددت المادة 86إمكانية إدراج التقارير الصادرة عن اللقاءات في جدول أعمال الدورة الموالية للمجلس الجماعي للتداول بشأنها. .2التنصيص على إحداث هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع إذا كان تعديل المادة 14من الميثــاق الجماعي القديم رقم 00-78بموجب قانون 17/08قد شكل قفزة نوعية في مجال دعم العدالة االجتماعية عن طريق التنصيص على لجنة استشارية جديدة تسمى لجنة تكافؤ الفرص والمساواة ،إال ان هذا المستجد وجهت إليه عدة انتقادات من قبيل جعل هذه اللجنة تحت رئاسة رئيس المجلس الجماعي وكونه هو المسئول عن تشكيلها ووضع قانونها الداخلي مما افرغها من محتواها وجعلها تسقط في الحسابات السياسية الضيقة .فكانت التطلعات ان يتم تعديل هذه اللجنة بجعلها لجنة دائمة أوهيئة منفصلة عن المجلس الجماعي. استجابة لهذه المطالب جاء في المادة 120من القانون التنظيمي الجديد للجماعات رقم 113-14ما يلي : «تحدث لدى مجلس الجماعـــة هيئـــة استشارية بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني تختص بدراسة القضايا المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع تسمى هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع يحدد النظام الداخلي للمجلس كيفيات تأليف هذه الهيئة وتسييرها «. أول من يمكن مالحظته في هذه المادة هو تعويض كلمة اللجنة بكلمة الهيئة وإضافة مقاربة النوع .ولعل الرقي بهذه اللجنة إلى هيئة مستقلة له داللته التي تجسدها إرادة المشرع في : • تجـــاوز اإلشكاليات السابقــــة التي طرحها تفعيل هذه اللجنة على أرض الواقع ورفض بعض الرؤساء تشكيلهاأصال • منحها المــزيــد من االستقالليـــة من أجل القيام بدورها الحقيقي
في المشاركـــة في تسيير الشأن المحلي وتدعيم العدالة االجتماعية والديمقراطية المحلية . • إلزامية تشكيـل الهيئــة من خالل إدراجها ضمن مقتضيـات النظــام الداخلي للمجلس الجماعي . وقد تضمن نموذج النظـام الداخلــي للمجالس الجماعية باب كامال خصص لهذه الهيئة تضمن مجموعة من المواد انطالقا من المادة 62إلى المادة .81 وقد قامت هذه المواد بتبيان : • اختصاصات هذه الهيئة • تكوينها ،عدد أعضائها، • المعاييـــر التي يجب أخذها أثنـــاء التشكيل • كيفية ومكان وعدد اجتماعات الهيئة • كيفية اشتغال الهيئة • التزامات رئيس الجماعة اتجاه هذه الهيئة • توسيع مجال تسييـــر المواطنيــن والجمعيات للشـــأن المحلــي عبـر إمكانية تقديم العرائض إذا كان الدستور المغربي لسنة 2011 قد جعل وضع آليات للحوار والتشاور من طرف الجماعة حقا دستوريا للمواطنين ،فإنه من خالل نفس المادة 139خلق قنوات جديدة للمواطنين والجمعيات من اجل المساهمة في تسيير الشؤون المحلية ،بحيث جاء في الفقرة الثانية من هذه المادة : «يمكــــن للمواطنـــات والمواطنيـــــن والجمعيات تقديم عرائض ،الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله». وبناء عليه عمل القانون التنظيمي للجماعات رقم 14-113على تفعيل مقتضيات المادة 139من دستور 2011وذلك في الباب السادس منه انطالقا من المادة 121وصوال إلى المادة .125 وقد حددت هذه المواد ما يلي : • مفهومالعريضة • شروط تقديم العرائض من قبـل المواطنين • شروط تقديم العرائض من قبـــل الجماعيات • كيفيات إيداع العرائض و برغم من كل هذه الشروط التي تسبق تقديم هذه العريضة إال أن التنصيص عليها في حد ذاته يعد مكسب ديمقراطي حكماتي بامتياز للمواطنين والجمعيات . وبعد التعــرف على مفهـــوم المقاربة التشاركية وكذا مختلف تطبيقاتها في ظـــل القانون التنظيمي للجماعات الترابية رقم 14-113تبين ان المشرع المغربي قد مضى قدما في تبنى هذا النوع من المناهج الحديثة الذي بدأ يفرض نفسه كآلية من آليات الحكامة الجدية على كل الدول التي تحترم مواطنيها وتؤمن بالحق والقانون .وهي بمثابة نقطة قوة تحسب للمشرع المغربي ،وعلى المنتخبين والمواطنين وجمعيات المجتمع المدني التشبع بهذه الثقافة واغتنام هذه الفرصة من اجل تطوير التسيير التشاركي بالجماعات الترابية والنهوض بالتنمية المحليــة النابعــــة من االحتياجات الحقيقة للمواطنين .
الثالثـاء � 08إلى � 14أكتوبر 2019
10
الالمركزية مالها وما عليها ()10/1
مقدمات أولية
بزوغ مفهوم الدولة في صورتها األولية ،وليست البدائية ،ببالد ما بين النهرين ،والمتجسدة أساسا في الدولة- المدينة ،رافقتها خاصيتين رئيسيتين. منذ تأسيسها ومركز الدولة القوي هو اآلمر الناهي ،المتحكم في اتخاذ جميع القرارات المصيرية الصغيرة منها والكبيرة؛ ومن جهــة أخرى جميع تلك القرارات ،بل وجميع السلطات وكذا توزيع االختصاصات كان مصدرها ومنبعها شخص الملك .إن توسع الدولة وتشعب اختصاصاتها وأجهزتها وترامي أطرافها لم يكن يعني سوى المزيد من تقوية نفوذ مركزها وزيادة غناه من خالل امتصاص ثروات باقي مناطق التابعة أو المندمجة في مجال نفوذها الترابي .في هذا اإلطار يمكن أن نسوق العديد من األمثلة من روما عاصمة اإلمبراطورية الرومانية في أوج جبروتها إلى دمشق األموية في عز طغيانها وبغداد العباسية في أوج ازدهارها وتقدمها ...وعلى إبراهيم مراكشي الجملة األمثلة في هذا الصدد متعددة أستاذ القانون العام ويصعب حصرها .لهذا السبب كان من المنطقي أن يشكل ضعف العواصم جامعة عبد المالك السعدي «طنجة» قديما مؤشر على أفول مجد دولها وزوال حكمها .االمبراطوريات قديما كانت تنهار بانهيار تتمتع بصالحيات جدية وباستقالل مالي حقيقي عواصمها ،ألن السلطة السياسية واإلداريــة كانت في المجمل. في الجهة المقابلة ،ما يميز األنظمة غير مشخصة غير تشاركــية ،ممركزة في العاصمة، الديمقراطية ،أو تلك التي ما تزال تتلمس طريقها ومحتكرة من طرف أقلية متحكمة. لم تكن الدول قديما تسمح بأي شكل من نحو الديمقراطية الكاملة ،هو اختالل ميزان أشكال التشاور أو تقاسم السلطة التي تتيح اشراك تنظيمها الترابي المحلي بين كفتي الالتمركز الساكنة المحلية في تدبير شؤونها اليوميـــة ،والالمركزيــة؛ بهيمنة األولى على الثانيــة ،إذ بل ولم تكن متسامحة مع أية محاولة أو مبادرة نجد هذه األخيرة تحت وصايــة األولى .في هذا في هذا الصدد .فالمسؤول المحلي على اإلقليم النموذج الثاني من األنظمـــة ،سنجد أن لممثل أو المقاطعة ،غالبا من ذوي الخلفية العسكرية ،المركز صالحيات تجعل منه الفاعل الرئيسي كان يتم تعيينه بشكل مباشر من طرف الحاكم والمحوري على صعيد التنمية المحلية .بل (الملك ،االمبراطور)... ،؛ دون أن تكون للساكنة سنكتشف الحقا لدى بعض الدول ،المترددة في المحلية آنذاك أية سلطة في اختياره .في هذه مسار بنائها الديمقراطي ،أن رؤساء المجالس النقطة تحديدا نجد التشابــه الكبير بين هذه الجماعية رغم صدور نصوص قانونية متطورة األنظمة الغابرة مع بعض األنظمة العربية تمنحهم صالحيات جديدة ،نجدهم مترددين المعاصرة ،فليس مستغربا أن يكون جميع ومتخوفين من ممارسة تلك الصالحيات التي المحافظين في مصر «السيساوية» ينتمون إلى كانت في األصل من صميم اختصاصات ممثل المؤسسة العسكرية .لذلك فعندما نجد األمير أو الحكومة المركزية؛ بل وال يترددون في التنازل السلطان أو الملك في إحدى األنظمة العربية هو عنها عند أول إشارة من لدن هذا األخير .الحالة الذي يقوم بتعيين ممثل السلطة المركزية على المغربية تندرج ضمن خانــة هذه الفئة من الصعيد المحلي ،ينبغي االنتباه إلى أن ذلك تقليد الدول ،إذ نجد عمداء بعض مجالس المدن قديم ترجع جذوره األولى إلى بداية نشأة الدولة -الكبرى كالدار البيضاء والرباط وطنجــة قد تنازلوا عن اختصاصاتهم فيما يتعلق بتدبير مشاريع المدينة. تنموية لفائدة ممثل السلطة المركزية (طنجة أي هناك يكن لم الغابرة، العصور في إذا الكبرى ،رباط األنوار) .الوالي أو العامل نجده في جهاز منتخب من طرف الساكنة المحلية يتقاسم هذه الحالـــة هو الماسك الحقيقي بسلطة اتخاذ مع «الحاكم» المحلي أو يشاركه السلطات المخولة القرارات عوض رئيس المجلس الجماعي .هذا لـــه من طرف المركز؛ حتى بعض المحطات األخير يكاد ينحصر دوره على سلطة التوقيع؛ بل التاريخية القصيرة المشرقة والفاصلة في تاريخ إن جماعات بعينها بموظفيها ومواردها المالية البشريــة ،خاصة في المدن اإلغريقية ،وتحديدا تحولت إلى مجرد ملحقات إدارية تابعة لسيادة في أثينا -مع العلم أن 90%من ساكنتها كانت الوالي أو العامل .أحيانا النص القانوني مهما بدى تحت نير العبوديـــة ،-أو خالل فترة الجمهورية متطورا يصعب عليه تجاوز الواقع بكل حموالته باإلمبراطورية الرومانية ،ال يمكن االعتداد بها ،التاريخية والذي تجذر مع مرور الوقت ليفرض فلم يكن بعد قد تشكلت حتى المؤشرات الجنينية إكراهات «نفسية» أثناء تنزيله .وهنا نتساءل عن األولى لما يصطلح عليه اليوم بالالمركزية. األسباب التي تدفع السلطات المركزية إلى مراقبة هذا الوضع استمر ردحا طويال من الزمن ،التنظيم الالمركزي عن قرب؟ األكيد أن هناك ولم يبدأ المشهد في التغير ،وبشكل تدريجي ،إال أسباب لها جانب من المعقولية والمشروعية. مع هبوب رياح الثورة الفرنسية التي كانت زلزاال الدولة المركزية في المغرب في غاية الذكاء ،بل على النظام القديم ،غير أن احتكار المركز في الدهاء ،فهي تمنح اختصاصات للوحدات الترابية تدبير كل ما هو محلي استعصى عن التغيير .فرغم الالمركزية بيد ،وتقيدها باليد األخرى ،إن لم تكن قيام هذه الثورة وتثبيت مبادئها وأركانها نجد أن تفرغها من محتواها .انكشف هذا األمر بجالء في المجتمعات الغربية ،واألوربية تحديدا استغرقت المرسوم رقم 2-17-618بمثابة ميثاق وطني ما يزيد عن قرنين من الزمان قبل أن تتمكن من لالتمركز اإلداري .هذا مجرد مثال من بيتن أمثلة إيجاد صيغة توافقية تناسبها ،مكنتها من إشراك أخرى عديدة سنتطرق إليها. الساكنة المحلية في تدبير شؤونها اليومية ،أي ما في هذه الحالة يبدوا األمر برمته وكأن بات متعارف عليه اليوم بــمفهوم «الالمركزية» .المركز يلوي عنق الزجاجة حتى يلتف حول مفهوم بيد أن اإلشراك الحقيقي والفعلي لم ينطلق في الالمركزية ليفقده غايته وجدواه؛ وكأن المركز القارة العجوز إال بعد الحرب العالمية الثانية .ما ال يثق كثيرا في اختيارات الناخبين ويتوجس أسباب كل هذا التأخر؟ اإلجابة ستطل علينا في من انفالت األمور من بين يديه .كيف يمكن القادم من الصفحات. تبرير هذا الوضع؟ في هذا اإلطار ينبغي أيضا رغم التطور الكبير الذي حصل منذ تلك استحضار مساهمة هشاشة النخبة المحلية وعدم الفترة فإن النظام القديم هذا ،والمتمثل في استقالليتها في تأزيم هذا الوضع. تعيين المركز بشكل مباشر لممثل عنه على الحالـــة المغربيـــة ليســـت فريــدة من المستوى المحلي ومنحه صالحيات واسعـــة ،لم نوعها ،فهي ظاهريا تنتمي إلى خانة األنظمة يختفي تماما من األنظمة المعاصرة .لقد بات الديمقراطية ،خصوصا إذا أخذنا بعين االعتبار يختزل اليوم في مفهوم «الالتمركز اإلداري». اإلطار القانوني المتقدم –من حيث مظهره إن ما يميز األنظمة الديمقراطيـــة في هذا الخارجي وطبيعة االختصاصات– الذي يؤطر اإلطار ،وإن حافظت على هذا النظام القديم ،إال تنظيمه الترابي الالمركزي؛ لكن في نفس الوقت أنها قلمت من أظافره ،وقلصت من اختصاصاته ،نجدها عمليا تنتمي للفئة الثانية من الدول إذا في مقابل توسيع هامش اختصاصات األجهزة دققنا في طبيعة وجوهر صالحيات المخولـــة النابعة مباشرة من الساكنة المحلية ،أي األجهزة لمؤسسة الوالي أو العامل .إن التنظيم الترابي المنتخبة من طرف هذه األخيرة .فاالختصاصات اإلداري للمملكة المغربيــة يزاوج بذكاء بين والصالحيات التي تمنح لألجهزة التمثيلية المحلية هذين النظامين .فهو يزاوج بين النظام القديم المنتخبة تفوق بكثير وتتجاوز ما يمنح للمثلي قدم مفهوم الدولة ،الذي حافظ على استقراره السلطات المركزية .هذه المجالس ،التي باتت وثباته وتجذره بالمغرب ،والذي يتجسد في التعيين تختزل اليوم في مفهوم الجماعات الترابيــة ،المباشر من طرف الملك للمثل عنه على الصعيد
الجهوي واإلقليمي؛ وبين النظام المعاصر المتمثل في ترأس شخص مدني منتخب ومجلس منتخب بدوره من طرف الساكنة المحلية ،ومكلف بتقديم خدمات القرب وتدبير شؤونهم اليومية على المستويات الثالث لالمركزية .تركيبة هذا المجلس دائما ما تكون في المغرب خاضع لمجموعة من االنقسامات العمودية واألفقيــة بين أغلبية غير منسجمة ومعارضة نتيجة طبيعة النظام االنتخابي المعتمد وطريقة تقسيم الدوائر وكذا بلقنة األحزاب السياسية .تعد هذه المالحظات من محددات قوانين هذه «اللعبة» –مجازا– والتي سنميط اللثام عنها في القادم من الصفحات .إن العالقة بين المركزية والالتركيز مع الالمركزيــة هي فعال أشبــه بـ «لعبة» لها نصوصها القانونية المنظمة والمحددة لها .وهنا يبرز بجالء جدوى اإلشكالـــــية المحورية التي ستتم معالجتها في هذا العمل المتواضع والمتعلقة بــــ« :أبعاد الالمركزية بالمغرب :ما لها وما عليها» .مع العلم أننا سنعالج تحديدا موضوع الالمركزية اإلدارية. يتضح لنا أن الدولة الحديثة التي تأسست بعد قيام الثورة الفرنسية لم تعمل على هدم جميع األسس التي شيدت عليها الدولة- المدينــة في بالد ما بين النهرين ،بل حافظت على بعض أسسها وثوابتها .غير أن ما يميز األنظمة المعاصرة ويبرز بجالء طابعها الديمقراطي هو أن الهيئات الالمركزية المنتخبة تحتل الصدارة والوجاهة سواء من حيث االختصاصات وطبيعة السلطات وكذا االستقاللية .في حين ،نجد األنظمة التي مازالت تبحث عن صيغة ديمقراطية تناسبها –تحاشيا لبعض التعابير من قبيل الشمولية والديكتاتورية المقنعة–تحرص على ابقائها للسلطة في حوزة الحكومـــة المركزية على حساب المجالس المحلية المنتخبة ،بل إن السلطة الحقيقية والمؤثرة تحتكرها أطراف أخرى من خارج دائرة المربع الحكومــــي. الديمقراطية المحلية مرت بعدة مراحل تطورية قبل أن تستقر في صورتها الحالية المتعارف عليها في القرن الحادي والعشرون .غير أن االستقرار هنا ينبغي النظر إليه بشكل نسبي، ذلك أن الديمقراطية كمفهوم وممارسة هي عصارة لتجربة إنسانية وجودية ،تطورت وتأقلمت مع تطور الحضارة البشرية. الالمركزية الترابية ليس لها تعريف واحد، كما أن لها أبعاد متعددة ،فهي في جوهرها آلية تمنح للساكنة المحلية إمكانيــة المساهمة في تدبيرشؤونهماليوميةعبرمنتخبينيتمانتخابهم بشكل ديمقراطي؛ هي أيضا قوانين ،وهي كذلك روح جسدها المادي عبارة عن مؤسسات؛ بعبارة أخرى هي نتاج عالقات قوى وتجاذبات بين مصالح متضاربــة. لالمركزية الترابية هي نسق من خالله وعبره يتفاعل فيه جميع هذه األطراف السالفة الذكر بشكل يبدوا تشاركي .وهو أمر فرضه الواقع ،بعدما اتضح النتائج الكارثية الستئثار فئة معينة بالسلطة ،واستحالة خروج الدولة من أزمتها بعد الحرب العالمية الثانية دون إشراك الفئات الشعبية العريضة .اليوم تعد الالمركزية الترابية من أبرز تجليات الديمقراطية المحلية ،فهي حلقة الوصل الرابطة بين المواطنين والنخبة السياسية وأجهزة الدولة المركزية والالممركزة .في هذا المستوى يبدوا هذا الطرح تبسيطيا إلى حد ما، فاألمر يحتاج إلى التعمق أكثر في بواطن العالقة بين الديمقراطية المحلية والالمركزيــة. من المعلوم أن الالمركزية من بين ما تعنيه «تنازل» الدولة عن بعض اختصاصاتها لفائدة أجهزة محلية منتخبة متعددة المستويات (جماعة، عمالة أو إقليم ،جهة) .متى اضطرت الدولة إلى القيام بذلك؟ وضمن أي سياق تاريخي وسياسي واقتصادي واجتماعي؟ لكن قبل ذلك كيف توصلت الدولة إلى هذه القناعة ،أي ضرورة اشراك الساكنة عبر الجماعات الترابية المنتخبة في تدبير بعض المجاالت بعينها على الصعيد المحلي؟ ما هي المحددات التاريخية التي كانت حاسمة في ذلك؟ ومتى حدث هذا التطور النوعي؟ ما هي عيوب الالمركزية؟ هل نحن في حاجة لمنظومة الالمركزية لتصريف الشأن العام المحلي؟ أال يمكن التخلص من هذا النظام؟ وما هو البديل المقترح؟ ضمن عشرة مقاالت سنعمل على وضع الالمركزية تحت المجهر ،بالبحث في أصولها، وسنحاول قدر المستطاع تفصيل أسسها وأركانها، وإماطة اللثام عن جوانبها الخفية ،والتطرق أخيرا آلفاقهاالمستقبلية.
العدد 1014
الشمال القانوني
الثالثـاء � 08إلى � 14أكتوبر 2019
11
اإلعالم الديني في توجهات أمير المؤمنين ( الجزء الثاني واألخير ) (تتمة) يمثل عقد البيعة وال شك الركن األساسي الذي ال محيد عنه بالنسبة للنظام الدستوري المغربي ،الذي يجعل من الملك المكون الشرعي وحامي النظــام االجتماعي ،لكنّه بالمقابل يقر للمؤمنين حقوقا والتزاماتيمكنهم ممارستها في انسجام تام مع الملك ،ومن هنا تبرز فكرة طبيعة هذا العقد ،والمهام المنوطة بإمارة المؤمنين كسلطة ومؤسسة فاعلة في النظام السياسي والدستوري المغربي ،ودعامة للوحدة الوطنية والضمانة الفعلية لتحقيق أمن المغاربة السياسي والروحي ،بسبب ما يجدونه من ضمان لممارسة حقوقهم الدينية، والتعبير عن وجدانهم اإليمانية لكونهم يشعرون أن عقيدتهم في حمى أمير المؤمنين ،لكن كيفما كان الحال فالحياة مليئة بالتحوالت واإلكراهات ،التي تجعل من مهام إمارة المؤمنين قد تعترضها بعض اإلكراهات ،خاصة أن العالم اإلسالمي كجزء من مكونات العالم ،يعيش تحوالت وصعوبات حقيقية مؤثرة. ارتبط مفهوم التحديات وفق التصور السوسيولوجي بالظروف التي تحيط بعالمنا اإلسالمي ،والمغرب كدولة منفتحة على العالم معنية هي األخرى بمجمل رياح العولمة ،وتمثالت هاته التحديات التي تواجه اإلسالم ليس بوصفه الدين الخاتم ،الذي تستطيع شريعته أن تواجه كل الظروف والمتغيرات في كل زمان ومكان لما تمتاز به من المرونة واالعتدال ،لكن بمدى قدرة المسلمين فعال على استيعاب تطورات العصر المتسارعة واألحداث المتباينة ،الذي بدأ بعضها في الظهور في النصف األخير من القرن العشرين ،في مقدمتها التوجه نحو القطبية، وفوبيا اإلسالم ،وصراع الحضارات ،وهذا ما وقف عليه خطاب صاحب الجاللة الملك محمد السادس فيتشخيص لهذا األمر. يقول أمير المؤمنين في هذا الصدد ،بمناسبة مراسم االستقبال الرسمي الذي خصصه جاللته لقداسة البابا فرانسيس يوم 30مارس 2019بباحة حسان بالرباط: « تأتي زيارتكم للمغرب في سياق يواجه المجتمع الدولي ،كما جميع المؤمنين تحديات كثيرة ،وهي تحديات من نوع جديد ،تستمد خطورتها من خيانة الرسالة اإللهية وتحريفها واستغاللها ،وذلك من خالل االنسياق وراء سياسة رفض اآلخر فضال عن أطروحات دنيئة أخرى». ويضيف جاللته في سياق طرحه للبدائل الكفيلة لمواجهة قضايا العصر: «ولمواجهة التطرف بكل أشكاله، فإن الحل لن يكون عسكريا وال ماليا، بل الحل يكمن في شيء واحد ،هو التربية ،فدفاعي عن قضية التربية، إنما هو إدانة للجهل .ذلك أن ما يهدد حضاراتنا هي المقاربات الثنائية ،وانعدام التعرف المتبادل ،ولم يكن يوما الدين. واليوم ،فإني بصفتي أمير المؤمنين، أدعو إلى إيالء الدين مجددا المكانة التي يستحقها في مجال التربية .وال يمكنني وأنا أخاطب هؤالء الشباب ،أال أحذرهم من مخاطر التطرف أو السقوط في نزوعات العنف ،فليس الدين هو ما يجمع اإلرهابيين ،بل يجمعهم الجهل بالدين». ترتكز توجيهات أميـــر المؤمنين لحل مشاكـل عالم متجــدد وصعـــب يرتبط بقضايا وتحديـات روح العصر، أساسا على المقاربة التربوية ،باعتبارها علم كل العلوم ،إذ تعد التربية وفق تعاريف علوم التربية ،هي أساس بناء المجتمع الديمقراطي الحر ،وهي الجذور األساسية للوعي والثقافة واإلبداع والتطور العلمي والحضاري( )حيث تقع المسؤولية في تنزيل مبادئها وأفكارها على عاتق األفراد والمؤسسات منفردين ومجتمعين ،كل حسب اختصاصه ودوره في العملية التربوية ،ولعل اإلعالم عامة له في تحدي وسائل التربية التقليدية باع طويل ،حيث أصبح المربي الحقيقي ألجيال اليوم، والمحدد ألنماط سلوكهم ،وبالتالي ينبغي أن يكون هناك بديل إعالم حقيقي متميز ،للحفاظ على الهوية العربية واإلسالمية والمتمثل أساسا في اإلعالم الديني مما يوفره من برمجة خاصة ومضامين معتدلة وتصورات تسمح له بتحقيق أهدافة الكبرى في مقدمتها التنشئة االجتماعية وفق مقومات فكر الهوية الدينية. الفقرة الثانية :قناة السادسة وإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم التحول التواصلي في فكر أمير المؤمنين. مواكبة لمختلف تحوالت العصر ووفق تصور شامل ،أتم أمير المؤمنين صاحب الجاللة الملك محمد السادس االستراتيجية التواصلية في تأهيل الحقل اإلعالمي الديني ،وذلك عبر إطالق دراعين إعالميين دينين ،إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم ،وقناة محمد السادس للقرآن الكريم (السادسة) في إطار اتفاقية مبرمة بين وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ،ووزارة االتصال والشركة الوطنية لإلذاعة والتلفزة. شرعت (إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم) في بث أولى برامجها يوم 16 أكتوبر ،2004بعدها بشهور عزز أمير المؤمنين المشهد السمعي البصري بإطالق قناة محمد السادس للقرآن الكريم (السادسة) ،التي بدأت في بث برامجها يوم 2 نونبر ،2005وفقا لدفتر تحمالت المؤسسة األم (الشركة الوطنية لإلذاعة والتلفزة)
خاصة في شقه المتعلق بمبادئ الخدمة العمومية لالتصال السمعي البصري ( )، التي تسعى من خالله المؤسسة إلى ترسيخ الثوابت األساسية للمملكة المغربية كما هي محددة في الدستور ،والمتمثلة في: الدين اإلسالمي السمح؛ • الملكيةالدستورية؛ • تعزيز قيم الهوية الوطنية؛ • نفس المقتضيات تسعى من خاللهما الهيئتان اإلعالميتين إلى إنتاج برامجهما تبعا ،للتوجهات العامة للمؤسسات الدينية الرسمية بالمملكة ،وبشراكة معها في اإلعداد والمتابعة ،كما تقومان بالتنسيق مع المصالح المختصة بالشركة، لتأهيل العلماء والمستشارين والمتعاونين في ميادين اإلنتاج وتقديم البرامج، وذلك عبر اقتراح برمجة موضوعاتية دينية موجهة لفئات واسعة من الجماهير، تتمحور أساسا حول قراءة وتفسير القرآن الكريم ،وكذا الحديث النبوي الشريف ومعرفة اإلسالم وحضارته ،كما تعالج برامج التربية الدينية عبر النقاش والحوار والنقد ،انطالقا من المواضيع التي تستأثر باهتمام كل فئات المجتمع ،إضافة إلى بث اآلذان وخطب جاللة الملك أمير المؤمنين ،واألحداث الدينية والدروس الحسنيةالرمضانية. ومواكبة من أمير المؤمنين في إبراز الوحدة الدينية لألمة المغربية وصد كافة المحاوالت الرامية لتحريف سيرة وحديث النبي الكريم صلى اهلل عليه وسلم، أشرف جاللته يوم الجمعة 2نونبر 2018بمقر الشركة الوطنية لإلذاعة والتلفزة، على إطالق الدروس الحديثية إلذاعة محمد السادس للقرآن الكريم ،حول الحديث الشريف ،ويروم برنامج « الدروس الحديثية» إلذاعة محمد السادس للقرآن الكريم إلى تنوير المواطنين في مسائل الحديث النبوي الشريفنظرا لمكانته في اإلسالم، وحجية السنة النبوية من خالل الكتاب والسنة واإلجماع والعقل ،حيث يمكن إثبات هذين المعنيين من خالل خمسة طرق عامة من القرآن الكريم ،وهي كاآلتي: - 1داللة اآليات القرآنية العامة على طاعة الرسول ،مع إطالق الطاعة دون تقييد.
- 2داللة القرآن على أن السنة وحيإلهي. - 3داللة القرآن على أن السنة بيان للقرآن. - 4داللة القرآن على حفظ السنة. - 5لزوم حفظ بيان القرآن ونذكر هنا بعض اآليات للداللة على المعاني السابقة كاآلتي قال تعالى قارنًا طاعته بطاعة رسوله طاع ًة عامَّ ًة مطلق ًة دون تقييد: اع هَّ َ « َم ْن ُي ِطع ال َّر ُ�س َ َ الل َو َم ْن َت َو َّلى َف َما �أَ ْر َ�س ْلن َ َاك عَ ل ْيهِ ْم ول َف َق ْد �أَ َط َ ِ َحف ً ِيظا »[النساء ،]80 :وقد جاءت في القرآن ستُّ آياتٍ تبين أن طاعة رسول َ هَّ َ اهلل من طاعة اهلل بلفظ « َو َم ْن ُي ِط ِع الل َوال َّر ُ�سول» وتصريفاتها ،وقال تعالى: «و�أَ ِط ُيعوا هَّ َ الل َوال َّر ُ�س َ ول َل َع َّل ُ ون» [آل عمران ،]132 :وجاء في القرآن بمثل َ ك ْم ت ُْر َح ُم َ هذا األمر في أحد عشر موضعًا « و�أَ ِط ُيعوا هَّ َ الل َو َر ُ�س َ ول ُه» وتصريفاتها. َ بشكل عام ،يتوجه فكر أمير المؤمنين في برنامج الدروس الحديثية إلذاعة محمد السادس للقرآن الكريم إلىحماية المغاربة من الجهل واآلثام المرتبطة به ،ومن التيارات التي تقوم بنشر األحاديث الموضوعة ،عبر وسائل اإلعالم والسيما على شبكة األنترنيت خدمة ألهداف إيديولوجية ،وتأخذ هذه الدروس (الدروسالحديثية)شكل دروس توجيهية يختار فيها العالم نماذج من الحديث على تفاوت درجة الصحة ويتناولها بالتوضيح ،كما يتم االنفتاح على عدة وسائل الستقبال األسئلة على مستوى البرامج التفاعلية والسيما الهاتف وتطبيق «الواتساب». إن التطور التواصلي في منهجية عمل األدرع اإلعالمية للملكة المغربية مبني أساسا على قاعدة مواكبة التحوالت واالنفتاح على مناقشة القضايا المجتمعية
محسن بنتاج
إعالمي بالشركة الوطنية لإلذاعة و التلفزة
المؤرقة ،وعدم االنحصار الفئوي الجماهيري ،وذلك عبر استهداف كل الفئات المجتمعية من أطفال وشباب وشيوخ ونساء ورجال ،مع السعي لتغطية كل الجهات الترابية واستعمال كل اللغات من أجل تواصل شامل ،غير أن هذا المستوى المحمود الذي حققه الفكر التواصلي ألمير المؤمنين في المجال الديني ،يبقى رهينا بضرورة الحفاظ عليه ،وهو ما يتطلب دعما أقوى ،على مختلف المستويات لهذا المشروع المتميز ،دعم من شأنه أن يساند في االستمرار في أداء الرسالة التربوية والدينية والقرآنية ،خاصة وأنه قد استطاع خالل هذه الفترة تحقيق نسبة جد محترمة من االستماع والمشاهدة ،وأن يتجاوزا الحدود الجغرافية نحو أشقائنا في الدول العربية وإفريقيا ،ناهيك عن الجالية المغربية وأبنائنا في ديار المهجر ،وهذا ما يؤكد أن التصور اإلعالمي الديني ألمير المؤمنين حقق نقطا مهمة في المشهد الفضائي اإلعالمي ،إذ بلغت مثال نسبة ا ألرقام والنتائج التي كشف عنها مركز سيراد ،CIRADوهو مركز مكلف برصد درجات قياس نسب االستماع لإلذاعات العمومية والخاصة بالمغرب( ) ،حيث أفظت النتائج إلى تربع إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم على عرش اإلذاعات بالمغرب ،محققة نسبة استماع ناهزت 16.82في المائة من مجموع االستماع لإلذاعات المغربية ،وبعدد مستمعين بلغ 4ماليين و 121ألف مستمع يوميا ،وهو رقم لم تستطع بعد أن تكسره أي محطة إذاعية ،حتى ولو كانت محطة شاملة تشتغل وفق برمجة شمولية متعددة األهداف والجمهور. إن النتائج التي كشفت عنها مركز «سيراد» المكلف بمتابعة ورصد نسب القياس اإلذاعات بالمغرب ،يحمل في تحليله عدة معطيات ومؤشرات لها دالالتها عميقة ،في مقدمتها: • الحاجة الملحة لدراع إعالمي ديني متخصص يوافــق التوجهـات الدينيــــة للمغاربة؛ • تدين المغاربة وهذا ما أكده المركز المغربي للدراسات واألبحاث المعاصرة؛ • تشبــت المغاربة بالهوية الدينية المرتكــزة على الخــيار المالكـي فقها، واألشعري عقيدة؛ ممـــا سبــق يتضحـــأن المرجعيـــة التواصلية في تصورات إمارة المؤمنين حاضرة وبقوة ،في دعــم تأهيـل الحقــل الديني وتنزيل استراتيجياته ،وهي حالــة استثنائية جعلت من المغرب «حال ًة شبه فريدة في المجال التداولي اإلسالمي»، متمثلة أساسا في عالقة الدولة بالدين، وفي سلوك «التوفيق» بين «المشروعية السياسية» و»الشرعية الدينية»« ،فالمغرب هو البلد اإلسالمي الذي يتميز بوجود مؤسسة «إمارة المؤمنين» مؤسسة مجتهدة مواكبة ،وبخاصيات متعددة منها أسلوبالتواصل الدائم كخيار استراتيجي وكفكر هادف يسعى إلى الوقوف ضد كل تشويش من أجل أمن روحي شامل مواكب للعصر ،وهذا ما جعل من المغرب البلد المسلم الوحيد «الذي طلبت منه دوال عربية وإسالمية وغربية تقديم خبرتها في تدبير الشأن الديني ،في حقبة ما بعد اندالع الحراك العربي حسب تعبير الباحث في قضايا الشؤون الدينية ،األستاذ منتصر حمادة( ). خــاتمــة: إن المتتبع لحقل اإلعالم الديني بالمغرب ،يستشف حقيقة تطور السياسة التواصلية إلمارة المؤمنين في مجال تأهيل الحقل الديني ،ويعترف بحق بحقيقة التحوالت البنيوية في هيكلة إداراتها وأساليبها وتدبيرها ،وذلك بانتقالها من منطق التواصل الشامل إلى منطق تواصلي مبني على االستهداف والتأطير واإلرشاد والدعم والمساعدة ،لجعل المعلومة الدينية القائمة على اتباع المذهب المالكي والعقيدة األشعرية حاضرة بقوة في خطاب ويوميات المواطن ،تصور تواصلي اليقتصر فقط على تمكين المغرب من استراتيجية منسجمة ومندمجة كفيلة بمساعدته في مواجهة التحديات المرتبطة بتحديات الحقل الديني ،بل بتصور يسعى إلى ما هو أعمق بهدف بتصحيح صورة اإلسالم التي تتعرض لإلساءة من خالل حمالت مسعورة تأتي كرد فعل على التطرف واإلرهاب األعمى الذي الوطن وال دين له ،في ظل سوء فهم وتشويش مستمر على الرسالة اإلسالمية السمحة التي من أبرز مبادئهما روح التسامح والتعايش ،يتعلق األمر إذن برؤية تواصلية جاءت لتضع تدبيرا حديثا للشؤون الدينية ،كان من أبرز دعائمها «فكر التواصل الديني» وفق إعالم إسالمي جامع وشامل ،حقق في ظرفية وجيزة نقطا مضيئة استثنائية في فضاء تواصل شاسع يعيش على إيقاع حرب مستمرة مباحة ،عنوانها « إعالم بأهداف ظاهرة و أخرى باطنة» .
(انتهى)
العدد 1014
الشمال القانوني
الثالثـاء � 08إلى � 14أكتوبر 2019
12
عشرون سنة من حكم محمد السادس.. ماذا تغير في المملكة ؟ مسارات وتحوالت (تتمة) لذلك ،بات الصراع مفتوحا على جميع القراءات والسيناريوهات ..ومن المحتمل أن توظف فيه كذلك ،في المستقبل ،جميع الميكانيزمات ،سواء المؤسساتية أو القانونية أو االنتخابية. االقتصاد والتنمية..أوراش كبرى وفشل المشروع التنموي بدأت المعالم الجديدة لعهد الملك محمد السادس تظهر من خالل اإلعالن عن مجموعة من االوراش واإلصالحات االقتصادية والسياسية و االجتماعية ،كما ركز منذ وصوله إلى السلطة على المدخل التنموي بشكل الفت( اإلعالن عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،االوراش الكبرى مثل طنجة المتوسط ،إنشاء مناطق صناعية كبرى ،تقوية البنيات التحتية.).. ويأتي في مقدمة االوراش الكبرى ،االقطاب المينائية ،كمشروع طنجة الكبرى لتعزيز المركب المينائي طنجة المتوسط الذي أطلق في فبراير 2003 والذي يضم ميناء للمياه العميقة ومنطقة حرة للوجستيك ( 90هكتار) ومنطقة صناعية ( 600هكتار) ومنطقة لألنشطة التجارية ( 200هكتار) ،فضال عن عدة مشاريع سياحية .وتمت توسعة هذا الميناء(طنجة المتوسط )2أواخر الشهر الماضي من هذه السنة ،الذي يعتبر أكبر ميناء في إفريقيا ،واألول في حوض البحر األبيض المتوسط. وفي إطار سياسة األقطاب المينائية ،أشرف الملك محمد السادس ،على إطالق ميناء «الناظور غرب المتوسط» ،حيث من شأن هذا المركب المينائي، أن يعزز إلى جانب ميناء طنجة المتوسط مؤهالت المنطقة الشمالية للمغرب، ويجعال منها نقطة محورية في الخريطة العالمية للنقل البحري .هذا باإلضافة إلى ميناء الداخلة األطلسي الذي سيكون منصة المغرب تجاه افريقيا. مشاريع أخرى ال تقل أهمية ،مثل مشروعي ترامواي الرباط سال ،والبيضاء اللذان أطلقا على التوالي في ماي 2011ودجنبر ،2013من تخفيف ضغط حركة السير داخل المجال الحضري ،وتعزيز البعد البيئي من خالل استخدام الطاقة النظيفة. أما بالنسبة للبنيات األساسية ،كالطرق السيار ،والطرق القروية ،والمدن الصناعية في كل من طنجة والقنطرة ،فقد شكلت الجانب المضيء في العشرين السنة الماضية ،والتي جعلت المملكة محط انبهار وإعجاب من طرف مختلف الدول العربية واإلفريقية ،بل أصبح البعض ينظر إلى المغرب كنموذج ملهم وناجح على المستوى االقتصادي وعلى مستوى تطوير البنيات األساسية. ورش آخر حيوي ومهم يوليه الملك أهمية كبيرة ،وهو ورش الطاقات المتجدد ،حيث ألول مرة في تاريخ المغرب سيتم اعتماد مخطط للطاقة الشمسية في إطار اإلستراتيجية الطاقية للمملكة ،والهدف من مخطط الطاقة الشمسية هو انتاج ألفي ميغاواط في أفق ، 2020وذلك عبر خمسة مواقع وهي ورزازات وبني مطهر وفم الواد وبوجدور وسبخة الطاح. طفرة نوعية على مستوى االقتصادي شهدها المغرب خالل العشرين سنة من حكم الملك محمد السادس ،غيرت من معالم ومكانة المملكة ،لكنها لم تنعكس على المستوى التنموي ،الذي شكل ركيزة أساسية خالل هذه المرحلة، حيث انعكس وبشكل سلبي الجمود السياسي وضعف النخب الموجودة وغياب الحكامة وعدم تفعيل مؤسسات الرقابة في تغلغل وانتشار الفساد اإلداري والمالي ،مما أدى في النهاية إلى انحسار وفشل النموذج التنموي باقرارا صريحا من طرف الملك شخصيا. مؤشرات تنموية لم تكن في مستوى التطلعات ،خاصة في مجال التعليم والصحة والسكن والشغل ،إذ ارتفعت نسبة البطالة بشكل كبير(حسب المندوبية السامية للتخطيط وصلت إلى 9,8سنة 10,2 /2018سنة ،)2017وبروز اختالالت مجالية ،األمر الذي يضع السياسات العمومية المتبعة موضع تساءل ، خاصة وأن االحتقان االجتماعي بلغ مستويات غير مسبوقة. لكن ،المثير أنه رغم االعتراف الملكي بفشل المشروع التنموي والدعوة من خالل خطاب افتتاح الدورة التشريعية الخريفية األخيرة إلى تشكيل لجنة لإلشراف على إعداد وبلورة مشروع تنموي جديد ،إال أنه وبعد مرور ما يقارب عشرة أشهر ،ما تزال حالة االنتظار والترقب هي السائدة. حقوق اإلنسان والحريات ..الريف وجرادة المفهوم الجديد للسلطة ،هيئة اإلنصاف والمصالحة ،العدالة االنتقالية، هي عناوين كبرى طبعت بداية مسار حكم الملك محمد السادس،حيث تم اإلقرار واالعتراف باالختالالت التي شابت وتشوب عالقة المواطن بالسلطة ،ومحاولة التأسيس لعالقة جديدة تقوم على مرتكزات ومفاهيم مغايرة للسابق. على مستوى الملف الحقوقي ،وجد الملك على طاولة حكمه بعض الملفات الحارقة ،وكان من بينها ملف ما يعرف بسنوات الجمر والرصاص، وهو ملف يتعلق بمرحلة درامية عاشها المغرب ،اتسمت بالتعذيب واالعتقاالت واالختفاء القسري. لم يتأخر الملك في التعاطي بجرأة كبيرة مع هذا الملف ،حيث لم يتردد في إعطاء موافقته على توصية للمجلس االستشاري لحقوق اإلنسان بإحداث هيئة اإلنصاف والمصالحة لتسوية ملف ماضي االنتهاكات الجسيمة لحقوق اإلنسان. ليتم اإلعالن في يناير 2004عن هذه الهيئة التي كلفت بطي صفحة االنتهاكات الجسيمة لحقوق اإلنسان خالل الفترة ما بين 1956و ،1999من خالل العمل على الطي النهائي لهذا الملف ،وتعزيز التسوية العادلة غير القضائية ،وتضميد جراح الماضي ،وجبر الضرر. ال يختلف اثنان أنه كان لهذه المحطة أثر بالغ األهمية في تاريخ المغرب المعاصر ،بعدما نقلت جلسات االستماع على شاشة التلفزة وأمواج اإلذاعة ،وتابع
المغاربة بذهول الشهادات المؤلمة لبعض الضحايا وأقاربهم ،مما دفع باألكثر تشاءما في الملف الحقوقي إلى اإلقرار بأن المملكة دخلت منعطفا جديدا وأغلقت قوس االنتهاكات والتجاوزات. المصالحة مع الماضي عززت بترسانة قانونية ،والمصادقة على اتفاقيات دولية تهم حقوق المرأة والطفل ،واالنخراط في المنظومة الكونية على مستوى منع التعذيب وضمان شروط المحاكمة العادلة ،وإقرار مدونة األسرة سنة 2004عبر التحكيم الملكي ،بعد انقسام المجتمع ،حيث اعتبرت هذه المدونة انداك ثورة غير مسبوقة لما تضمنته من حقوق وضمانات للمرأة. هذا التحول والنفس الجديدين على مستوى الممارسة الحقوقية والمنظومة القانونية المرتبطة بحقوق اإلنسان والحريات العامة ،اصطدما بأحداث ووقائع أثرت سلبا على صورة المملكة وعلى الجهود التي بدلت سابقا ،حيث فتحت أحداث الحسيمة التي وقعت سنة 2017وأحداث جراد سنة ، 2018النقاش من جديد حول الوضع الحقوقي بالمغرب.نقاش أثير من طرف المنظمات الحقوقية والصحافة ،وتفاعلت مع المندوبية الوزارية لحقوق اإلنسان ،حيث اصدرت تقريرا يوم 4يوليوز من هذه السنة. تفاعل الدولة مع التقارير والنقاشات ،وإصدار المندوب الوزاري تقريرا في هذا الموضوع ،يؤكد أن هناك وعي على ضرورة معالجة اإلشكاليات الراهنة بالشكل الذي يحفظ هيبة الدولة وفي نفس الوقت يضمن حريات وحقوق األفراد ،ويجنب المغرب الوقوع في األخطاء السابقة. وفي هذا اإلطار ،البد من اإلشارة ،إلى أن ملف الريف ،حظي باهتمام خاص من طرف الملك محمد السادس منذ اعتالئه العرش ،فعند استقراء أو محاولة فهم ما جرى ويجري على مستوى عالقة الدولة بمنطقة الريف مند االستقالل إلى اليوم ،فاألكيد أن هذه العالقة تحتاج إلى الفهم والى الدراسة .وبقراءة سريعة لتاريخ و واقع ومستقبل عالقة الدولة بمنطقة الريف ،يمكن اإلشارة إلى محطتين أساسيتين : االولى ،هذه المرحلة تمتد طيلة عهد الراحل الملك الحسن الثاني ،حيث اتسمت هذه العالقة بشكل عام بالتوتر او سوء الفهم أو في أقصى الحاالت بنوع من البرود والفتور ،بفعل تراكم مجموعة من االحداث والوقائع التي ال يتسع المجال للخوض فيها . الثانية ،امتدت هذه المحطة منذ تولي الملك محمد السادس الحكم إلى سنة ،2017حيث قام الملك بعدة مبادرات ومجهودات لطي صفحة الماضي المتشنجة ،وعمل على فتح عدة اوراش تنموية في كافة مناطق الريف(الريف بمفهومه الجغرافي يمتد من طنجة الى تخوم وجدة) ،باإلضافةإلى قيامه بمبادرات ،اتسمت بالرمزية والعفوية (قضاء العديد من عطله الصيفية بهاته المناطق) ،األمر الذي لقي استحسانا وصدى طيّباً من طرف ساكنة الريف. ال يختلف اثنان أن المجهودات الكبيرة التي قام بها الملك ،ساهمت في تضميد جراح الماضي ،وتأسيس لمرحلة جديدة على مستوى عالقة الدولة بهذه المناطق وساكنتها ،وهو ما انعكس إيجاباً على تخطي الموروث الثقافي والتاريخي الذي تكرس وفق سياقات تحتاج إلى الفهم واالستيعاب. انفراج او عالقة جديدة بدت تلوح في األفق لم تعمر طوي ًال ،نتيجة سوء الفهم الذي ظهر بفعل بروز وتنامي موجة االحتجاجات ذات الطابع االجتماعي واالقتصادي ،سرعان ما تطورت إلي أشكاال اتارث توجس السلطة ،واتخذت منحى كان من الممكن تفادي نتائجه. وارتباطا بالواقع الحالي فالمقاربة التي اعتمدت في معالجة هدا الوضع أفضت إلى ظهور قراءات مختلفة حول تدبير هذا الملف ،وضريبته الحقوقية والسياسية .حيث يرى الفريق األول أن القضاء قال كلمته في هذا الملف ،وحسم األمر وأن أي تراجع قد يمس هيبة الدولة ومؤسساتها ،أما الفريق الثاني ،فيرى أن الدولة مطالبة بإعادة النظر في التعاطي مع هذا الملف من خالل بعض المداخل السياسية كإصدار عفو من طرف ملك البالد على المعتقلين الشباب وإغالق قوس التوتر وتجنيب البالد مشاكل واضطرابات ليست في حاجة إليها. بين الفريقين ،من المؤكد والمرجح أن هناك تباين واختالف عميق اليسعف وال يساعد على تجاوز الوضعية الراهنة ،لكن الكل ينتظر فتح نقاش حقيقي يؤسس لمصالحة جديدة بين المركز والريف ،ربما من بوادر أو مؤشرات االنفراج هو العفو الملكي الذي تم خالل عيد الفطر األخير عن بعض معتقلي الحسيمة ،مما فتح الباب حول إمكانية اإلعفاء عن الباقين على غرار معتقلي جرادة. الوحدة الترابية والمحددات الجديدة في السياسة الخارجية خالل العشرون سنة الماضية ،عرفت السياسية الخارجية المغربية في عهد الملك محمد السادس عدة تحوالت وتغيرات جوهرية ،يمكن إجمالها في ثالث مستويات أساسية :العالقة مع الغرب خاصة اسبانيا وأمريكيا وفرنسا ،وقضية الصحراء والعمق اإلفريقي ،باإلضافة إلى العالقة مع الدول العربية والخليجية. العالقة مع الغرب..بين التعاون والفتور والندية اتسمت العالقة مع الشركاء الغربيين بدورها بالتحول ،حيث بدا واضحا أن هناك عقيدة سياسية جديدة في إطار التبلور ،عقيدة ربما ترتكز على ثالث مقومات ،استقاللية القرار المغربي ،تنويع الشركات من خالل االنفتاح على روسيا والصين وأمريكا الالتينية وإفريقيا ،الدفاع عن مصالح المغرب بشكل برغماتي وعقالني..لكن العنوان لتدبير الملفات الخارجية طيلة العشرين سنة هو الندية والعقالنية أحيانا ،والمزاجية والتسرع أحيانا أخرى.
محمد الزهراوي أستاذ العلوم السياسية، جامعة القاضي عياض
بالنسبة للجار االسباني ،فعلى مستوى عالقة المغرب ببعض الحلفاء التقليديين ،أو الجارة االسبانية ،فقد تراوحت بين المد والجزر ،ووصلت في بعض األحيان إلى درجات عالية من التوتر واالحتكاك وسوء الفهم. فصعود اليمين بزعامة اثنار في هذا البلد انعكس سلبا على العالقة بين البلدين ،حيث سرعان ما اصطدمت هذه العالقة على صخرة جزيرة ليلى سنة ،2002وكادت إلى تؤدي إلى هذه األزمة إلى وقوع سيناريوهات غير متوقعة وصعبة ،لوال الوساطات األمريكية والفرنسية. امتحان صعب عاشه الطرفين خالل هذا الحادث ،سرعان ما عادت العالقة المغربية االسبانية إلى طبيعتها ،خاصة في ظل تزايد الطلب االسباني على التعاون األمني المغربي خاصة وأن درس تفجيرات 2004كان صادما ومؤلما بالنسبة للنخبة اليمنية االسبانية ،التي أدركت أنه ال يمكن حماية أمنها القومي من شبح الخاليا اإلرهابية دون االعتماد على الخبرة والتمرس المغربيين في هذا الجانب. حافظ مع المغرب خالل هذين العقدين على عالقته مع الجارة االيبرية وفق مستويات مقبولة رغم تقلبات السياسة التي عاشتها اسبانيا ،خاصة صعود أحزاب جديدة مناوئة لمصالحه ووحدته الترابية ،مثل حزب بوديموس ،حيث أن اندفاع الساسة الجدد باسبانيا اصطدم بتعقيدات الواقع والمصالح ،السيما وأن المغرب في عهد الملك محمد السادس تمكن من توظيف ملفات اإلرهاب والهجرة والمخدرات بشكل جيد واستطاع بواسطة هذا الثالوث تطويع المارد االسباني. أما العالقة مع فرنسا ،فقد حافظ المغرب طيلة العشرين سنة على عالقته مع هذا الحليف التقليدي ،بل شهدت هذه العالقة طفرة نوعية فيما يتعلق باالقتصاد والتعاون األمني والتنسيق بين البلدين .لكن ،شهدت هذه العالقة بدورها نوع من التوتر والفتور ،خالل أزمة سنة 2014التي امتدت سنة تقريبا بسبب محاولة اعتقال المدير العام لمديرية مراقبة التراب الوطني بسبب شكاية ضده عندما قام بزيارة لهذا البلد، لكن المتغير األساسي والجوهري ،أنه بعد هذه األزمة التي تعامل معها المغرب بندية كبيرة كانت مفاجئة حتى لدوائر الحكم في االليزيه ،أن استطاعت المملكة أن تؤسس لمحددات جديدة في عالقتها بفرنسا ،عالقة ال تأثر بتغير الرئيس ،السيما باالعتماد على مكانيزمات جديدة الختراق الوسط السياسي واالقتصادي والمالي والفني في فرنسا ،وتوظيف حجم المصالح الفرنسية الكبيرة بالمغرب. بالنسبة للعالقة مع أمريكا ،األصل في عالقة المغرب بأمريكا ،أنها طبيعية وتدبر وفق مستويات تتداخل فيها المصالح والملفات ومدى تأثير اللوبيات في تطوير وتدبدب هذه العالقة ،لكن ،من الالفت أنها خالل العشرين سنة الماضية تراوحت العالقة كذلك ،بين التعاون والتوتر والفتور ،السيما في ظل الرئيس السابق بارك أوباما والرئيس الحالي ترمب .ويمكن إجمال أبرز المتغيرات والمحطات في حادثين اثنين : األول ،وقوع أزمة غير مسبوقة مع إدارة أوباما سنة ،2013عندما تم تسريب مسودة مشروع القرار الخاص بالصحراء يتضمن توسيع صالحية بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق اإلنسان ،ليتم استنفار كافة اإلمكانات والحلفاء واللوبيات من طرف المغرب ،استنفار وتمرد مغربيين على اإلدارة األمريكية ساهم في تراجعها عن مسودة القرار بتلك الصيغة ،تراجع بطعم االنتصار ما كان ليكون لوال توظيف جيد لبعض األوراق من طرف الملك وحزم يستدعي التأمل.. أما الحادث الثاني ،فيرتبط بمجيء إدارة ترامب ،هذا األخير من الواضح أنه ال يحمل الكثير من الود تجاه المغرب ،وذلك ،بسبب المغامرة غير المحسوبة التي قامت بها المملكة إثر حديث بعض التقارير والتسريبات عن تمويلها بما يقارب 12مليون دوالر لحملة هيالري كلنتون الرئاسية التي كانت تنافس ترمب. مغامرة يحاول الملك تجاوزها ويعمل على تفادي تأثيرها على مصالح األمن القومي المغربي ،السيما أنها ال تزال ترخي بظاللها على العالقة بين الطرفين(التأخر كثيرا في تعيين سفير لدى المغرب ،تقليص مدة بعثة المينورسو لستة أشهر بدل سنة ،)..خاصة في ظل وجود طاقم كمستشار األمن القومي جون بولتون ،الذي يتبنى مواقف وتصورات من المؤكد أنها ال تخدم الوحدة الترابية.
(يتبع)
العدد 1014
13
الثالثـاء � 08إلى � 14أكـتـوبر 2019
1ـ الدكتور ماني 1961 – 1881 في بداية سنة 2010م ،أَمْضَى عُمدة مدينة طنجة قرار إخراج هدم بناية المستشفى اليهودي بالمدينة إلى حيز التنفيذ .وفي ليلة السبت 3أبريل 2010م ،استفاق سكان شارع الحسن الثاني على هدير الجرافات التي اختارت يوم الفصح اليهودي موعدا لتسوية بناية مستشفى «ابن شيمول» باألرض. بعضُ المسنين من أهل طنجة الذين صادف مرورهم من هناك في ذلك الوقت ،وشهدوا واقعة «يوم التسوية» ،رجعت بهم الذكريات إلى سنوات مضت حين كانوا يعرفون في هذا المشفى شخصا غير عادي ،لطالما التجؤوا إليه لتطبيبهم والتماس العالج من يديه ،سواء في هذا المستشفى أو في عيادته بحي مرشان ،كان هذا الشخص يُعرف باسم :الدكتور ماني .أدركنا طنجيين ُك ُثرا عَرَ ُفوا الدكتور ماني و َقصّوا علينا بعض حكاياته الطريفة .وإلى جانب الروايات الشفوية وقفنا في بعض النصوص والكتابات على ْ ذِكر لهذا الطبيب الغريب.
• ماني ..من فلسطين إلى المغرب في العهد العزيزي
تبدأ سيرة الدكتور ماني في المغرب مع أبراهام ساسون (Abraham )Sassounالخيّاط الرسمي للسلطان موالي عبد العزيز بفاس طوال مُدّة حكمه (1894م-1908م) ،هذا الخياط كان مشتهرا بكرمه بين أهل طائفته الدينية ،فكانت داره بالدرب الفوقي بملاّ ح فاس قِبْ َلة لفقراء اليهود ،كما كان باب بيته مفتوحا أمام الوافدين اليهود من جميع األقطار العربية .وفي أحد األيام طرق باب بيته حاخام أتى من فلسطين يُعرف بلقب ماني ،كان هدف الزيارة هو جمع التبرعات للمدرسة التلمودية التي أنشأها الحاخام هناك .لم يكن الحاخام منفردا في هذه الزيارة ،وإنما كان يصطحب معه ولده موشي ماني الذي كان قد أنهى دراسته في الطب بألمانيا ويرغب في االستقرار بالمغرب ،فاستضافهما خَيّاط السلطان ،ونقل رغبة األب للقصر الملكي ،ولم يمض وقت طويل حتى اسْتُجيب الطلب وأصبح ماني االبن الطبيب الشخصي للسلطان عبد العزيز، والذي سوف يرافق السلطان إلى طنجة حين لجوئه إليها بعد عزله عن الحكم في عام 1907م[.]1 ينتمي الدكتور موشي ماني ( )Moshe Manyإلى عائلة يهودية من أصل تركي ،وُلِدَ في مدينة الخليل من فلسطين سنة 1881م[ ،]2وتع ّلم في القدس ،ثم درس الطب في الجامعة األمريكية ببيروت ،وبعد التخرّج تابع دراسة الطب في ألمانيا ،ومن ألمانيا انتقل إلى باريس حيث تلقى تكوينا في علم الجراحة ،ومن هناك جاء إلى المغرب .كانت عائلة الدكتور ماني قد استقرت بمدينة الصويرة ( )Mogadorبعض الوقت قبل أن ّ تحط الرحال بفاس ،وفي هذه العاصمة أصبح ماني -كما سبق الذكر -الطبيب الخاص للسلطان موالي عبد العزيز ،وبعد تنازله عن ْ الحُكم ألخيه عبد الحفيظ عام 1907م استمر ماني يقوم بنفس الوظيفة مع السلطان الجديد في فاس ثم في طنجة التي سيتخذها منزال لالستقرار الدائم[.]3
• الدكتــور مانــي ..في العهد الحفيظـي ،وما تاله منْ تِبـعـات ()1919-1908
تق ّلد الدكتور ماني وظيفة الطبيب الخاص للسلطان عبد الحفيظ في ظروف تاريخية وسياسية يطبعها التوتر ،فمن المعلوم أنه حين اعتلى هذا السلطان العرش بعد إزاحة أخيه السلطان عبد العزيز دخل في معارك مع العلماء وزعماء القبائل ،ثم إنه في نهاية الصراع اضطر إلى توقيع عقد الحماية مع الفرنسيين وغادر المغرب إلى إسبانيا ،ومن هناك عمل على استرجاع ممتلكاته وراتبه الشهري بعد أن تخلى عنه الفرنسيون وأصبح اإلسبان يرون فيه ضيفا مزعجا لهم .وقد راسل السلطان في شأن المعاونات المالية عددا من شخصيات طنجة كما تدل على ذلك بعض الرسائل التي تحتفظ بها إلى اآلن إحدى المكتبات العائلية ،من تلك الشخصيات نذكر الفقيه محمد بن يحيى والد األستاذ عبد الباقي بن يحيى .ثم إنه «بمجرد انتهاء الحرب العالمية األولى سعى المولى عبد الحفيظ إلى إعادة عالقته بالفرنسيين ،فبعث الدكتور موزيس ماني ( )Moses Manyوهو يهودي مكلف بإدارة شؤونه – إلى اإلقامة العامة قصد جَسّ النبض ،ويبدو أن الفرنسيين لم يُبْدوا أيّ استعداد لتلبية رغبة المولى عبد الحفيظ ِّ مُعَللين موقفهم بأنه نقض االتفاق المبرم بينه وبين السلطات الفرنسية واستقر بإسبانيا وعمل على الدعاية لأللمان .وفي نونبر 1919م رَتّب المولى عبد الحفيظ أموره ليُ ْلحِق به في منفاه بعض أفراد أسرته ،بتنسيق مع الدكتور ماني .لكن المشروع باء بالفشل بعد أن رفضت السلطات الفرنسية الترخيص لهم بمغادرة طنجة»[.]4 وثائق األرشيف الفرنسي تسمح لنا بتتبع بعض تحركات الدكتور ماني بعد أن أصبح -فضال عن الطبيب الخاص للسلطان عبد الحفيظ -وكيله المالي ومدير أعماله المكلف بشؤون أبنائه وأسرتهُ ، فأولى تلك الوثائق مؤرخة ببداية عام 1913م ،إذ تشير هذه الوثيقة إلى ّ «أن حكومة الحماية الفرنسية ،بناء على طلب تَ َقدَّم به المولى عبد الحفيظ ،ستنظم سفرا إلى مكة لكي يؤدي فريضة الحج ،وقد خرج السلطان مرفوقا بحاشية كبيرة َ مُكوّنة من 16فردا، يُضاف إليهم النساء والخَدَم ،ومعهم الدكتور ماني وهو يهودي سوري ورعية عثماني»[.]5 وفي 3نونبر 1918م ،يظهر الدكتور ماني من جديد في وثيقة جرى فيها إعالم السلطان بتو ّقف ألمانيا المرتقب عن دفع النفقات التي كان يتوصل بها بشكل منتظم -الدكتور ماني مُدير أمالك السلطان عبد الحفيظ بطنجة،والذي يسهر على توفير األموال الضرورية لتغطية مصاريف بناء قصره الذي كان يُشَيِّده في طنجة ،وتسديد أكالف عيش أسرته ،مما دعا الدكتور ماني – بحسب ما ورد في الوثيقة -إلى رفع شكوى إلى قنصل فرنسا بطنجة[.]6 ورَدًّا على هذا الموقف أمر السلطان عبد الحفيظ الدكتور ماني بااللتحاق بالعاصمة الرباط ليُقا ِبل الجنرال ليوطي ،المقيم العام الفرنسي ،لكي يعرض عليه الشروط الجديدة بهدف تسوية وضعيته متمنيا عليهم أن يحققوا رغبته في الذهاب إلى العيش في إسبانيا أو في مكة بالضمانات الكافية .كما ألمح في الرسالة التي تضمنت ذلك الطلب إلى مسألة استرداد الحِلِيّ الخاصة ورغبته في أن يتدخل الصدر األعظم ّ لحل هذا المشكل وتحقيق مراده .وفعال ،حصل لقاء الدكتور ماني بالجنرال ليوطي ،هذا األخير سيُجيب برسالة في الموضوع مؤرخة بـ 13دجنبر 1918م يقول فيها «إنني ّ اطلعت على عالقات السلطان السابق عبد الحفيظ ِبضُبّاط ألمان بإسبانيا مُعادين لفرنسا مما يجعلني ال أتخذ أي موقف داعم له .ولكننا يمكن أن نسمح له باالستقرار على األرض الفرنسية بالشروط التي يحددها باتفاق مشترك بين الجمهورية وجاللة السلطان [موالي يوسف]، وبدون أن يُتابَع بخصوص عدم التزامه باالتفاقات َّ الموقعة من طرفه» .وأشارت رسالة ليوطي إلى ّ أن الدكتور ماني سيسعى إلى إخبار السلطان السابق المولى عبد الحفيظ بتح ّفظ فرنسا بخصوص شروطه[.]7
بعد ذلك ،يُشير تقرير مؤرخ في 21نونبر 1919إلى أن السلطان السابق موالي عبد الحفيظ طلب في هذا التاريخ بواسطة الدكتور ماني أن يلتقي بأوالده الكبار الثالثة الذين ال يزالون مقيمين بطنجة ،فهو لم يكن قد رآهم منذ 5أعوام ،وبالتالي كان يُريد من الدكتور ماني أن يتولى نقلهم إلى الجزيرة الخضراء لكي يُستقبلوا هناك من طرف والدهم السلطان السابق في تاريخ حُدِّد بيوم 25من الشهر المذكور .وبحسب التقرير دائما ،جاء الرد من اإلقامة العامة الفرنسية برفض االستجابة لطلب موالي عبد الحفيظ ِبحُجّة أنه ال يزال غير قابل للشروط التي وضعتها الحكومة الفرنسية[ .]8وفي 27نونبر 1919م، وعلى إثر الرفض الجديد ،أخبر موالي عبد الحفيظ وكيله الدكتور ماني بأنه َقرَّرَ أن يقطع المرتب الذي كان يصرفه إليه نظير عنايتة بشؤون عائلته .وبالتالي فإن أوالده صاروا في عداد األسرى ،ويأمره بأن يُخبر السلطات الفرنسية بهذا اإلجراء[ .]9وبموازاة مع هذا اإلجراء قام «المولى عبد الحفيظ بمكاتبة بعض األعيان المغاربة الساكنين بطنجة كالمقري (الصدر األعظم) ،وقاضي طنجة، وأحمد الرهوني الكاتب العدل بدار النيابة ،يلتمس منهم توقيع شهادة مضمنها أنه (أي المولى عبد الحفيظ) تنازل عن نصف معاشه لصالح ذويه بالمغرب إذ حُكم َ أصبحوا يُعتبرون في ْ األسْرى بعد أن مُنعوا من االلتحاق به»[.]10 وبعد هذا اإلجراء تدخّل الصدر األعظم الحاج محمد المقري والوزير قدور بن غبريط لحل هذه المشكلة ،فتمت تسوية وضعية أوالد السلطان إذ جرى إسكانهم في قصر فخم بالرباط وتم تسديد رواتب لهم[ .]11ثم َلمَّا قرر السلطان عبد الحفيظ بيع قصره الذي شيده بطنجة كان الدكتور ماني هو الوكيل المتولي ذلك ،فباعه لبعض أثرياء اليهود بطنجة قبل أن يشتريه اإليطاليون الذين ال يزالون يحتفظون به إلى اليوم.
• الدكتور ماني ..في العهد اليوسفي ()1927-1912
بعد انسحاب السلطان عبد الحفيظ من الحكم إثر توقيعه معاهدة الحماية ومغادرته المغرب ،استمر الدكتور ماني في خدمة السلطان الجديد :موالي يوسف ،فكان مُ ْلزَما بالنزول بين آن وآن إلى العاصمة الرباط ،وقد كان لبعض العناصر اليهودية العاملة بالبالط الملكي دَوْر في استرسال وظيفة الدكتور ماني كطبيب خاص للسلطان ولمن يدور في فلكه .ويُحكى أنه حين قدم السلطان موالي يوسف إلى مراكش عام 1912م تَ َقدّم إليه التهامي الكالوي باشا مراكش مع جماعة من أعيانها وقدّموا له البيعة ،وأهداه الباشا فتاة شابة ِجدّ جميلة تُدعى عويشة ،وبدخولها القصر الملكي أصبحت تسمى« :اللة عائشة» محظية السلطان الذي ك ّلف وصيفة يهودية تسمى «الياقوت ساسون» بالسهر شخصيا على مَ ْلبسها بعد أن غادرت مراكش وجاءت إلى الرباط لتقيم رسميا بالقصر السلطاني. الكاتب اليهودي ألبير ساسون ( )Albert Sassonالذي روى هذا الخبر مباشرة عن عمته الياقوت ،يحكي أيضا (رواية عن عمته دائما) أن اللة عائشة كانت تُبدي وُدّا كبيرا لعمّته الياقوت ساسون «بينما كانت هذه األخيرة تجد جمالها استثنائيا وتدلعها عبر جعلها تتذوق أفضل أطباق المطبخ اليهودي .وقد توطدت العالقة بينهما لدرجة غدت معها لال عائشة تنادي خياطتها المؤتمنة
Hospital Benchimol على أسرارها بـ«أمي الياقوت» .وذات يوم أسرت لال عائشة للياقوت برغبتها في إنجاب سليل للسلطان .نصحت الخياطة سيدتها بإثارة الموضوع مع العاهل قبل استشارة الدكتور ماني الذي كان قد رافق المولى عبد العزيز إلى طنجة .وافق موالي يوسف على الطلب وحضر الطبيب ماني إلى قصر الرباط حيث فحص اللة عائشة ووصف لها أدوية لمدة ثالثة أشهر ،طالبا من الياقوت السهر شخصيا على احترام مواعيد وكميات الدواء ثم إخباره بالحالة الصحية لِلاَ ّلة عائشة عند انصرام المدة المحددة .بعد هذه الفترة ،زُفّ النبأ السعيد ،إذ أخبرت اللة عائشة خياطتها بأنها حُبْلى .فغمرت السلطان سعادة جمة حين علم بالخبر الذي انتشر في القصر مُخلفا جَوًّا من الفرح واالحتفاالت .أصبح اسم «اللة عائشة» على كل الشفاه ،هي التي كانت تُ َفضِّل اسم عويشة البسيط نظرا لتواضعها الكبير. وطوال فترة الحمل ،كانت الياقوت تزور يوميا سيدتها المرا َقبة صحيا عَنْ بُعْد من طرف الدكتور ماني .يقول ألبير ساسون :ولألسف ،لم يعمر الفرح طويال، إذ كف الجنين عن الحركة في شهره السابع ،حسبما شعرت بذلك الّلة عائشة نفسها .وعندما أُخْ ِبر الدكتور ماني باألمر ،وصف لها دواء لمدة شهر ،لكن وضعها الصحي الحرج فرض عليه التدخل كي تضع الجنين قبل األوان ،مَيِّتًا. كانت حسرة األم واألب غير قابلة للوصف ،وبما أن السلطان كان جد متعلق بحب محظيته لال عائشة ،وعلى الرغم من ذلك المصاب الفادح ،فقد عقد قرانه عليها لتطوي صفحة وضعيتها كمحظية ،مُضْفيا عليها لقب «أم سيدي عويشة» ،كما لو أنها والدة أمير .لم ينتج عن هذه الواقعة المؤثرة والمؤلمة توطيد عالقات الثقة والمودة بين أم سيدي عويشة والياقوت فحسب ،بل ّ إن ذلك ساهم في نسج عالئق متينة بين أفراد العائلة الملكية وبين خَيَّاطِيها الشخصيين»[.]12 في العهد اليوسفي أصبح الدكتور ماني كثير السفر إلى العاصمة الرباط لإلشراف المباشر على معالجة السلطان موالي يوسف ،وقد ّ ظل على هذا الحال حتى األيام األخيرة من حياة السلطان المذكورَ ،فتَحْت عنوان« :رجوع الحكيم ماني إلى طنجة» كتبت جريدة «السعادة» في عددها الصادر يوم 6شتنبر 1927م« :رجع إلى طنجة جناب الحكيم ماني الذي كان قدم منها ومكث هنا (الرباط) نحو العشرة أيام لمعالجة صحة الجناب الشريف .وقد ذهب مطمئن البال مما هي عليه حالة الجاللة الشريفة وسيعود في القريب لتفقده»[.]13 قد يكون الدكتور ماني رجع من جديد إلى الرباط لتفقد حالة السلطان
• بقلم :د .رشيد العفاقي
الصحية ،وقد ال يكون األجل سمح له بذلك ،ألنه بعد نحو شهرين من االستشارة الطبية المذكورة توفي السلطان موالي يوسف ،فتنشر جريدة «السعادة» في الصفحة األولى من عددها 3173المؤرخ في 21نونبر 1927م خبر مبايعة المغاربة للسلطان الجديد :محمد بن يوسف. أمّا على المستوى الشعبيّ ، فإن الطنجيين تعرّفوا على الدكتور ماني بشكل مباشر وأعمق عندما فتح عيادة طبية في المنزل الذي كان يسكنه بحومة السقاية الجديدة ( )Fuente Nuevaمن طنجة ،وذلك سنة 1915م .ويُحكى أنه في بداية سيرته العَمَلِيّة كان يتنقل على َظهْر حمار بين أزقة طنجة القديمة لزيارة مرضاه في بيوتهم ومقر سكناهم .تزوج من فرنسية كاثوليكية كانت تُدَرِّس بمعهد سانت أولير ( / Saint Aulaireإعدادية ابن بطوطة حاليا)، تصفها ماري أبيكاسيس بالقول« :مدام ماني ،زوجة الدكتور ،كانت ِّ مُعَلمَتي في مادتيْ التاريخ والجغرافيا في ليسي سانت أولير (،)Lycée Saint Aulaire كانت طويلة ،وجميلة ،ذات عينين جذابتين تنبعث منهما نظرة تنم عن ذكاء وجمال خارق للعادةُ .كنَّا نُسَمِّيها :المرأة الكبيرة ذات العيون البنفسجية»[.]14
• الدكتور ماني ..في العهد الدولي لطنجة ()1956-1923
َلمَّا انتقل الدكتور ماني إلى مقر سُكناه الجديد قبالة معهد باسطور بحي مرشان خارج أسوار المدينة ،نَ َقل محل عمله إلى هذا الحي فأنشأ عيادة طبية قبالة ملعب كرة القدم قريبا من منزله .وبفضل تجربته الفريدة في الطبابة قررت الجماعة اليهودية بطنجة تعيينه مديرا بمستشفى بنشمول (Hopital .)Benchimolوفي زمن اإلدارة الدولية لطنجة انتُخب الدكتور ماني رئيسا لجمعية األطباء الفرنسيين بالمدينة (( �l’Association des Médeçins fran .]çais)[15كما اعتمدته بعض الهيئات الطبية في إنجاز بعض التجارب التي أسفرت عن نتائج مشجعة[.]16
-مع اليهود :
كان الدكتور ماني رجال طيبا محبوبا عند ساكنة طنجة ،يخدم الفقراء من المرضى بالمجان ،ال سيما من أهل طائفته اليهودية ،تحكي ألكريا بن دالك ( )Alegria Bendelacعن الدكتور ماني في كتابها « ُفسيفساء ..طفولة يهودية في طنجة ( ،»)1945-1930فتقول« :كان الدكتور ماني ذا شهرة في طنجة ،وشخصا أصيال ِجدًّا .وُلِدَ بفلسطين من عائلة تتحدر من تركيا ،كان يتكلم لهجة يهودية إسبانية قريبة من محكيتنا ( )jaquetiaولكن باختالف كبير .كان كالمه يبدو لنا فظيعا .كانت له كتلة زبناء واسعة تنتسب إلى جميع الميوالت االجتماعية والدينية والوطنية لدى الساكنة .كان يُعالج قسم أكثرية يهود المدينة ،والعديد من العرب والفرنسيين واإلسبانيين ،األكثر غنى منهم كما األشد فقرا ،ولكن ما لم يكن يعبأ بترتيبه مطلقا هو سلوكه سواء كان جالسا عند وسادة المريض في بيته أو في عيادته .وسواء أيضا تعلق األمر بمصرفيّ غني أو بجامع نفايات فقير .كان يُعامل جميع الناس بنفس التلقائية المرحة والسُّ ْل َط ِويّة التي ال تقبل النقض وال التردد. كان يدفع باالنتقاد ويُبعد المرتابين ،كان يدخل ويخرج َكهَبّة ريح .ثم ما يلبث أن يتدحرج هابطا األدراج في الوقت الذي تكون أم مريض ال تزال قلقة تُلقي عليه ببعض األسئلة أو تطلب منه تعليمات محددة فيما يخص طريقة العناية التي سوف تُ َقدّم لولدها أو ابنتها. كان يهزّ المريض المنوَّم والخجول بصرخة كبيرة، ويشجع الخائفين والمرتابين بضحكاته البارقة وبتفاؤله العنيد .كان يصدم الجميع ،بحسب احتياجات اللحظةَ ،فمِنْ تدخّل خَشِن مُباغث ،إلى كذبة رحيمة مالئمة ومناسبة ٍ في الدرجة قياسا بحالة كل مريض أو بالعائلة. كان حكيما نطاسيا متخصصا في التطبيب العام بالدبلوم وبالتربية ،يقوم بكل شيء حتى التوليد والعمليات الجراحية التي تتطلب تخصصا دقيقا وعميقا .لقد وضع نفسه في خدمة الكل ،أو على األقل في خدمة نصف ساكنة طنجة ،ويعالج جميع أنواع األمراض .اشتُهر بأنه مُشَخِّص للمرض بشكل يكاد يكون َّ مُؤَكدًا و ِبلاَ خطأ .والناس في طنجة (وحتى في المدن المجاورة لها أيضا حيث يكون في غالب األحيان مُستدعًى إليها ،أو الذين يأتون منها الستشارته) لهم فيه اعتقاد أعمى ،منهم والدتي التي لم تفكر مطلقا بأن تستشير طبيبا غيره .لقد كان يقوم بزيارة مرضاه في أي ساعة من النهار أو الليل ،وكانت عيادته تغصّ دائما بالمرضى .بطريقة أو بأخرى ّ فإن تلقائيته وحتى إن لم تكن َّ ْ مُهذبَة كانت ثابتة»[.]17 كما خصصت كاتبة يهودية من طنجة وهي ماري أبيكاسيس (Mary )Abécassisبضع صفحات للكالم عن الدكتور ماني ،لقد غدا هذا الطبيب جزءا من الذاكرة اليهودية الطنجاوية ،تقول« :لم يكن الدكتور ماني طبيبا كاآلخرين، وإنما كان «طبيبنا» نحن الطنجيون .مَن الذي عاش في طنجة في حياة الدكتور ماني ولم يقم باستشارته في عيادته الطبية بفياله بمرشان المقابلة للملعب البلدي؟ مَنْ لم يهاتفه ليأتي إلى منزله ألجل مشكل صحي منعه من التنقل إلى عيادته؟ كانوا يحكون حاالت غريبة من االستشفاء تأتي على يديه .وقد سارت عنه سُمْعة أنه ال يخطأ أبدا في تشخيصاته ،لقد كانت له «عين طبية» كما يقول الطنجيون ،إلى حد أنهم يصرحون أنه عندما يدلف أحد مرضاه إلى عيادته ،يعرف الدكتور ماني -من أوّل نظرة يلقيها عليه -ما هي مشكلته من غير أن يفحصه أو حتى دون أن يتكلم المريض .لم يكن الطنجي يلتمس ْ الحُكم الطبي إال من طريقه ،ولم يكن يستشر طبيبا إال هو ،وال يعتقد إال فيه .لقد كان سعيدا وفخورا ّ بأن له طبيبه ماني». ثم تقول الكاتبة ماري أبيكاسيس إنها تتذكر :ذات يوم مرضتْ إذ استفاقتْ من النوم وهي تشتكي من حُمَّى شديدة من ذلك النوع المسمى «حُمَّى الحصان» ،كان يوم السبت ،فقام أخوها عمران بمهاتفة الدكتور ماني ليأتي إلى بيتهم وكانوا وقتذاك يسكنون بعمارة كورباصا ( )Corvasaالمقابلة لسينما باريس بشارع فاس ،ثم تسترسل في القول بأنه بَعْدَ نصف ساعة كان الدكتور ماني بالبيت يفحصها ويتكلم معها بإسبانية ذات رنّة تركية بمزاج غنائي ،وفي األخير كتب لها وصفة دواء ثم قبض المبلغ المالي المُعَيّن لذلك وانصرف. وتُضيف ماري أبيكاسيس« :عندما أعود إلى طنجة أَمُرُّ على المقبرة اليهودية فأزور قبور أحبتي الراحلين وقبور بعض صديقاتي ،وال أنسى أبدا أن أقف أمام قبر الدكتور ماني ،الكائن غير بعيد عن المدخل ،فوق ّ دكة ترتفع إلى جهة اليمين .كنتُ أُوثره على اآلخرين ،إذ أحنى على الرخام األبيض للقبر، وبحركة مؤثرة أمسح عليه من األعلى إلى األسفل ،ثم أضع يدي على فمي مرددة الكلمات التي أقرأها مرارا على السيارات الكيبيكية في كندا ولكن بصيغة الجمع: «لنتذكر بعضنا البعض»[.]18 ويحكي عنه اليهود قصصا كثيرة[.]19 (يتبع)
الثالثـاء � 08إلى � 14أكـتـوبر 2019
العدد 1014
الكوميديا النفطية ! ...حظيَ أحدُ الضيوف أثناء جلسات علمية قطف زهرة من عروش أغصان شجرة وارفة تفتَّحتْ أوراقها ،عندما تكون بمداد كاتب كبير ~ أ .د .محمد حافظ الروسي~ .هي رواية اختار لها عنوانا ُكتبَ بخط أبيض عريض “ :نفطستان” ،ذات ظالل وثمار من ثمانية فصول منظومة وثرية. الكتاب من القطع المتوسط ،بين د ّفتيه 230صفحة ذو طبعة أنيقة بلون السماء ،وعلى أسفل الغالف يُنبئ القارئ و ّالعة صُمّمتْ على شكل برميل للنفط في قبضة اليد ،وأصبع اإلبهام على الزنادُ ، بانفجار عند التماس .جاء اإلهداء البهيُّ لبنات المؤلف ..اهتديتُ إلى قراءتها في أوقات متفارقة، بدءاً بفصلها األوَّل “الرؤيا” .وهي من الجنس األدبي .بخيال ليس له حدود .إذا به يرى في المنام، وهو راقد تحت ّ ظل شجرة ،يتسوَّكُ لبياض أسنانه المبتسمة ،بينما مواطنون من شدَّة الحُزْن بأفواه فارغة من األسنان .يلتقي أثناء نومه ،عند سقوط عود السواك من يده ،وهو يغيظ من ليس لهم أسنان ،بشيخ مسنّ ذي أسنان بيضاء ،وهو الذي يرمي العود بعد التقاطه ،ويفاجأ َّ أن الشيخ َّ اطمأن هو نفسه إمام المسجد الذي توضّأ وصلى وراءه ثمَّ اختلى به ليسأله عن الوضع ،بعدما على أسنانه وارتاح للشيخ .بعينيْن كسيرتين أجابه هذا األخير وهو يحوْقل معبّراً عن شدَّة الحزْن والغصَّة تخنق حنجرته .وقد نسج المؤلف “ادْراما” كارثية لقصة خيالية لألحداث في العالم العربي. ُ السُبُل والمسالك ليغوص لما قد يُعانيه من تأثير المحن والمصائب على مشاعر الكاتب .فتتشعَّبُ في بحار ذاكرته العلمية ليُخرج إلى القارئ مسرحية مأساوية خشبتها “المارستان” .الرائي يضيق ٌ وعويل وموتى، صدرُهُ ويقلق ويضطربُ ليرى في منامه ،جثمان تظهر عظامه على نعشه ،وصُراخٌ تذكرني رؤياه بلوحة “كيرنيكا” ل “بيكاسو”معبّراً عن الحرب األهلية اإلسبانية .ولما استيقظ من اإلغماءة وهو غارق ومسافر في نومه ،وجد نفسه في أرض “نفطستان” التي تحوَّلتْ إلى مستشفى األمراض العقلية ،وعند رأسه “النطاسي” الطبيب الذي يُضمّدُ الجراح السياسية ويتمتع بالهدوء والدقة ،وهو الطبيب السوداني الذي عالج ابن “شركويه” ،وهذا كان سبب تعيينه على رأس األطباء من لدن األمير أسد الدّين “شركويه” الكوردي ،وهو الفاتح الثاني لمصر بعد عمرو ابن العاص .كاتب الرواية كان منغمسا في قراءة وتتبع األحداث اليومية المؤلمة ،لتنعكس عليه في الالوعي ،ليُدْركها على صورة “الرؤيا” مناماً وليُعبّر في المُضمر والمُعلن معاً عن بذور الشرّ والفتن في العالم العربي ب “ادْراما” كوميدية في أرض النفط .من وعْي باطني انعكس في مرآة “الالشعور” باسم “رؤيا”“ ،يقظة” في منام ،فأنشأ “النطاسي” رئيس األطباء أقسام إلصالح المارستان منها قسم خاص بالسّواك وأمراض الفم .ومن طرائف الخيال بدأ المريض يستأنس بمؤلف في طبّ األسنان لصاحبه “مركاورع” أو “منكاورع” الذي عاش في القرن في الثالث قبل الميالد ،والذي أصبح بعد وفاته إله الطب في مصر الفرعونية .أيامئذ كان الملك “ساحورع” ثمّ الطبيب الذي أتى به خيال المؤلف من الفراعنة القدماء “نفرارت أن تُنزع منه أسنانه ،والصائب ْ أن ال يبتسم للعوام مخافة ْ آس” ،إلصالح أسنان المريض بالذهب الخالص على ْ أن تقطع رأس المريض ليُقتلع الذهب منها بخفة وسهولة .وحتى ال تتعرَّض أسنانه للسرقة َّ غلف أضراس الفكّ العُلوي بالذهب اإلبريز .ولما أفاق المريض وجد “ النطاسي” عند رأسه ،ليسأله عن أعراض الداء ،مستغنيا عن األساليب الطبية المتبعة، فاكتفى بكلمة الباذنجان التي كانت تتكرَّرُ على لسان المريض ،ليُقرّر الطبيب إحالة المريض على قسم الرُقية وعالج المسّ والسّحر ،قبل ْ أن يتأكد من درجة حرارة الباذنجان الذي أصبح مختبراً في المارستان ! .وهو نوع من السخرية للتعبير عن مصائب الدَّهر العربي .ثمَّ يؤول خيال الكاتب إلى عُشب الريحان المعلق على حيطان المستشفى ليوحي إليه زيارة المقابر بصحبة عمَّته ،والريحان هنا عامل مشترك بين المارستان والمقابر ،لتضع العمَّة الريحان على قبر والدها .فيجنح إلى حُلم المريض فكرة المقبرة ،ليضعوا على جثمانه تلك األعشاب لتذهب عنه السوْداء وهو في طريقه إلى الموت ليصاب
موائدُ الحرفِ
(ديوان فوائد وعوائد ومحا�ضرات)
أدب المراسالت كتابٌ من الوالد العالم األديب محمد المنتصر الريسوني ـ رحمه اهلل ـ إلى شقيق نفسه البحاثة المطلع من ِ األديب الدكتور حسن الوراكلي ـ رحمه اهلل ـ ،مؤرخٌ بفاتح شوال 1420هـ .ومن ّ خط الوالد نقلتُ : « أخي الدكتور حسن السالم عليكم ورحمة اهلل تعالى وبركاته ،أما بعد: َ ُ فقد َّ ُ المؤمن ضراعة حَمَل بين عطفيْهِ رفيفَ التَّوبة ،وتندَّتْ بشرياتهُ بالغفران ،وانداحتْ رمضان األبركُ بعد أن ولى ِ فقطفَ من قطفَ بتوبتهِ الورود ،وجنى من جنى بعصيانهِ األشواكَ ..فأرجو َ مشرئبَّ ًة إلى رضا الغ ّفارَ ، اهلل سبحانه وتعالى أن تكون أنتَ وآلك ممن قطف الورودَ ،واستقبل أضوا َء العيد بروح َّ ونفس ناغاها الحبور. حفها السرورٍ ، ٍ وبالمناسبةِ الورديَّةِ َّ ّ تذكرت ما قاءهُ أميرُ الشعراء أحمد شوقي في قصيدتهِ (رمضان ولى ) ،وذلك في قوله: ً م�شتاق م�شتاقة ت�سعى �إلى رم�ضان ولَّى هاتِها يا �ساقي = ِ ُ وإنه النحرافُ الشع ِر عن مسارهِ الحقِّ ،يهيمُ في ِّ ًّ مستظال بغيِّه ،نابذاً رسالته الفضلى التي ينبغي أن كل وادٍ ،مكبّاً على وجههِ، ينضويَ تحت لوائها؛ كي يمشيَ سويّاً على صراطٍ مستقيم. ٍ ُ الفاكسيّة ) إلى مقطوعةٍ شعريةٍ تناقضُ ما َّ زل به شعرُ أحمد شوقي، ولقد ترجمتُ هذه األفكارَ التي أوحت إليَّ بها رسالتكَ ( َ الهابطة ـ غفر اهلل تعالى مزالقه ـ وفيما يأتي المقطوعة : وتصحِّحُ رؤيته الف�ســـاق وقلع َة دام ِ ُ الــم ِ َ أ�س ُ رم�ضان ولَّى َه ِّ�ش َم ْن يا �ســـاقـــي = ك� َ ً ِ ِ امل�شتـــاق مناغية ر�ؤى رو�ضها = تزهو قطف املُ نى من بادر �إلى ِ ْ ٍ قــراق الر التــواب فالله قد �أ�سدى ِ َ لتائــــــب = يرنو �إلى غفـرانــــهِ َّ ِ إرهــــاق آثـــام وال وحذارِ من ِ �سقطات �شوقي �إنهـــا = ليــلٌ من ال ِ ِ الغَ داق ه بخري النفو�س أغنى � = قــــد الله نعـيـم من ح رو يــ ِ ُ ْ ِ رم�ضان ْ ٌ َ ْ الغوايـةِ ِ واخلَ بـــاق وخيـره يفنى، عندنا ما = نـــــا �شوك زارع يا ِ ُ َ ً ملهالكِ ا�سرتقــــاق حـدا ما ال = ا مكــارم القلـوب ى رو ما ال�شعر ِ َّ َ ُ ْ حال دينا ودنيا ،والسالم عليكم ورحمة اهلل تعالى واهنأ أنتَ ومن معكَ بالعيدِ السَّعيد ،أعاده اهلل علينا وأمتنا في أحسن ٍ
ٌ فائدة �أدب َّي ٌة . 47
َّن المغنَّىُ ، قول بعضهم: المرقص من المطرب ،الملح ِ ِ ِ زادين �شـوقـــ ًا �إليـــكِ ـــــت ما �شم ْم ُ الـورد �إ َّال = َ َ َ ــــن = ِخلـتـــهُ يحنـــو عليــكِ و�إذا ما مـا�س ُغ ْ�ص ٌ َ بـــاق لديــكِ يكن ج�سمي تنــاءى = فاحل�شـا ٍ � ْإن ْ حلَّ َتـــ ْيــكِ ل ق م مــن بي = قــد الذي ما تدري أنت � َ ْ ْ ُ َ حاج َب ْيــكِ ُر ِ ـــم = قـــو�سهُ من ِ القلــب ق �ش َ ب�ســه ٍ ْ ُ َ كلُّ من�ســــوب �إليــكِ نٍ و هــ ف = البـــرايـا يف ح�سـ ٌ َْ ْ
قلتُ :هذا هو الشِّعرُ الذي أحبٌّ ..هودجُ حرفٍ ،وطاووسُ نَضارةٍ !
• بقلم :عبد المجيد اإلدريسي
بالحمق .فهل ينهض على غرار خالد ابن يزيد أبو الهيثم الكاتب الذي كانت تأخذه السوداء في َّ واختل عقله .وليقوي المؤلف اإلبداع الروائي وظف عناصر أيام الباذنجان!؟ وكان قد أصيب بالجنون تاريخية كإضافة نوعية .فيستشعر القارئ أنه في حضرة روائي ضليع وبموسوعة علمية لم تؤتَ لغيره .وإذا به يذكر عدداً من الكتب ومؤلفيهم في خزانة المارستان ،ليعثر على كتاب الطبّ ،ألرجوزة ابن سينا ،يدعو فيه إلى الطبّ الذي هو الحفاظ على صحة اإلنسان ،بمعنى الوقاية خير من العالج. لضيق الصدر وعظيم “الوزر” لما يعيشه الروائي من أحداث أليمة في العالم العربي ،أدَّى به ذلك إلى الغوْص في التاريخ القديم قبل وبعد ميالد المسيح عليه السالم ،وارتدادُه إلى الذاكرة لتُوَفر له خزانة علمية يجتبي منها شخصيات “كاريزماتية” ،أتاحت له في رؤياه خياال روائياً في جدال من حديث النفس أثناء النوم ،على خشبة الوسادة لتفسير الوضع في رحلة تخييلية ،وقد استمدَّ الروائي أحداث الزمن الحاضر إلخراج “كوميديا” من “التراجيديا” في بالد النفط ! في نفس السياق انتهى المريض إلى قراءة مؤلف الطبيب الفرعوْني “ني عنخ دواو” في طبّ العيون وكان أشهر متخصص في عالج أمراض العيون ،متسائال عن منطق لغة العيون الجارحة ؟ بملكة متألقة أوحى بيت الشعر “من عيون المها” إلى المؤلف عظمة سحر العيون ،وهو يقرأ كتاب الطب “المريض” ل “ني عنخ دواو” الفرعوني، ليصول ويجول “المؤلف” بخياله في عوالم العيون كشاعر من الشعراء .وقد رضع األحاسيس الشاعرية من العيون األدبية ،لينسج سجادة اإلبداع للعين الجارحة ،من بكاء وفرح وخشوع ،وبكاء العارفين حتى أدمعت عيناه ليلمح في خزانة الكتب ،مجربات ابن عربي في الطب الروحاني والغزالي الكبير والدّربي الكبير .ممّا استدعى المؤلف لمجربات في ّ كل ماجرى ،كما يقال “مَنْ عرف التجارب طابت له المشارب” .ومن تفسير رؤيا إن الباذنجان يُوَرث السوداء َّ الشيخ وأعشاب عمَّة المؤلف ،ثمَّ َّ وأن الكتب تخفف من وحدة السوْداء وأخيراً شعر “نفطستان” أهم من خزعبالت “ني عنخ دواو” الطبيب الفرعوْني القديم .ثمَّ مضى متسل ًال ومستغنياً عن زيارة الطبيب ومُعرّجاً على قاعة األطباء والممرضين ،مندهشاً وكلهم يشاهدون التلفاز ،لعلها تكون مباراة لكرة القدم ،فأضحى المؤلف بألمعية يوصف أجواء الحراك عشية مباراة الفريق الوطني التي تخطف االنتباه في الشوارع والمقاهي وذلك إلى جانب الوقع المالي والتجاري للزيْ الرياضي .فيتحو ُ َّل إلى مذيع للمباراة وقدرته على وصفها ،ليشملها من ّ كل جوانبها .ولم يدر ما األمر حتى أن الظنَّ ينحو إلى حرب بين شمال وجنوب “نفطستان” ! َّ صادمه ثاني شخص يسأله ،ليجيبه هذا األخير َّ إن الشيطان قد لعب على أرض النفط“ ،نفطستان” وإنها الظنون والوسوسة ! .من الموسوعة العلمية للمؤلف وموشومة في ذاكرته، لتدريس كتابين البن الحارث بن علقمة المتوفى في القرن السابع للميالد للنظر وقد أحدث خالفاً بين شمالي وجنوبي “نفطستان” لعدم نسبتيهما إلى نظر ! ومن سخرية القدر اختلفا أيضا ،واعترض أحدهما على نص في دستور “نفطستان” بسبب عجوز يهودية كانت تقطن في “كوخ” هناك منذ زمن غابر ولم يعد لها أثر ،حتى ْ وإن كان ال يوجد في “نفطستان” مواطنون من ديانة غير اإلسالم .ولم يبق لهم إال االختالف على النشيد الوطني ،وأسوة بالدولة السويسرية التي اعتمدت في نشيدها الوطني أربع لغات ،كما اعتمدت كندا نشيدها بلغتين ! فقد كانت “نفطستان” نموذجاً لتجمع في نشيدها الوطني بين لغتين ! لكي تُصبح “نفطستان” الموَحدة دولتان تتحاربان ،لتصْدُق نبوءة “النطاسي” التي ما زالت ُّ ترن في أ ُذن المؤلف كأنها قطر اإلسكندر .يتقاطع في كتابات المؤلف البعد العلمي والمعرفي مع إبداع ذي دالالت متعدّدة ..ربما كان العقل العربي ومازال في سُبات شتوي ،إذ يملك البشر الجينات الالزمة لعملية السُبات ؟ إال َّ أن اختفاء الغيب والتنظير عند المؤلف كان أمراً مرغوبا فيه ،الستشرافه مستقبل األيام ،وهو الضالع في الحكي ،ويحظى بنقاء روائي وحواس يقظة، فقد كان عليه أن يستثمرها لمنح القارئ حياة تعين وتدَعم القلم ،والقلم يبدع الحياة ..
بين دفتيّ هذا َ شكــول فوائـــدُ في الفقــه واألصول والتاريـخ الك ِ ُ ُ ونخيلـــة حصيلــــة مطالــعـــاتٍ وسماعــاتٍ، واللغـــة واألدب ،وهـــي ٌ ٌ وبـــاعــــث على لإلينــاس، ة مجلبـــ ُّعهـا و وتنـــ تحقيقاتٍ وجواباتٍ، ِ َ ّ التروّح؛ َّ التنقــل بين وتستـــروحُ إلى ألن النفس تسأمُ النمط الواحدَ، ِ ِ أفانين الكالم ..ولعـل القارىء يجـد فيها متنفسـهُ إذا تم ّلكه الضجرُ، ِ ُ الوحشة ..واهلل الهادي إلى سواء السبيل. واستفرغتهُ
.46من �أدب املرا�سالت
وبركاته. أخوك :محمد المنتصر الريسوني»
14
بقلم :قطب الري�سوين ـ ال�شارقة ـ ٌ أ�صولية .48فتوى �
سُئلتُ :حكى ابن النجار في ( شرح الكوكب المنير) أن إمام الحرمين ينكر المباحَ في الشريعة ،فهل ُ نسبة هذا القول إليه صحيح ٌة؟ فأجبتُ :ال تصحُّ ُ القول إلى إمام الحرمين ،والثابتُ في كتبهِ خالفهُ؛ إذ ورد في ( البرهان) ( :إنكارُ اإلباحةِ هجومٌ نسبة هذا ِ بإجماع األمةِ على اإلباحةِ ) ،فكيفَ ينكر الجوينيَّ على الكعبيِّ وأضرابهِ إنكارَ اإلجماع؛ فإن الكعبيَّ ورهطه مسبوقون عظيمٌ على ِ ِ المباح ،ثم يُعدُّ في زمرة المنكرين له ؟ ولعل ما وقع في ( شرح الكوكب المنير) وهمٌ أو سبقُ قلم ! ِ الحرج في الفعل أو التركِ ال يثبت إال بخطاب الشارع، وجماهيرُ علماء األصول على أن المباحَ من األحكام الشرعيَّةِ؛ ألن نفيَ ِ ِ َّ األحكام الشرعيَّةَِّ ، ولعل الخالف بينهم وبين جمهور األصوليين لفظيٌّ وشذ بعض المعتزلة في إنكاره للمباح ،وإخراجهِ من دائرةِ ِ المباح كما َّ حققه الرازيُّ في ( محصوله) .واهلل أعلم. راجعٌ إلى تفسير ِ
فائدة � ٌ ٌ أدبية . 49
أنور المعداويُّ ( ت 1965م ) نجمٌ سطعَ بسرعةٍ َ وأفل بسرعةٍ في سماء األدب ،ثم درجَ إلى عفوه ربِّهِ بعد محنةٍ نفسيَّةٍ باذخ .وقد باب قلمه ،اليوم ،مهجورَ الفِناء ،مهتَضَم ومرضيَّةٍ ألجأته إلى االنزواء بقريته ،واجتراِر ذكرياتهِ في كنفِ مجدٍ أدبيٍّ ٍ ُ ً كتاب عاصروه ،أو ساروا في ركبهِ النقديِّ مد ًة من الزمن؛ بل إن الجانب ،ال يدور عنه حديث تحليةٍ أو تطريةٍ إال لماما ،وعلى لسانِ ٍ ومعاركهِ النقديةِ ،بلهَ أن تنزله في نفسها َ ً منزلة َّ تجلةٍ ،وتأتسيَ بال عن ترجمة الرجل ،وكتبهِ، ذال ا شيئ تعرفُ األدب ال تكاد ناشئة ِ ٍ به في استقالل الفكر ،ومضاء العزيمة ! ..هذا العبقريُّ الذي لم يعمر طوي ًال ،استبدَّ بنظرية األداء النفسي في األدب ،وطبّقها في كتابه( :علي محمود طه الشاعر اإلنسان) ،وأدار عليها نقده لنماذج فنيةٍ في الشعر والنثر ،معتدّاً بمقاييس الذوق ،والشعور ،واالنطباع. مجلة الرسالةِ ساحتهَ األثير َة في الدفاع عن أفكارهِ ،والردِّ على مناوئيه ،ومن طالع ركنه (تعقيبات) يرَ للنقدِ لألدبيّ شعاراً وكانت َّ ٌ ٌ االستقالل فظهرت عليه مخايلهُ منذ طراءة السنِّ؛ إذ كان عزوفاً عن التقليد والترديد ،ولوعاً ُ وجمال) .أما (استقالل ،واحتدادٌ، واحداً: مسبوق في النقد ،وقد كان له ذلك ،وصارَ له أتباعٌ َّ وعُلقٌ ،ورأيٌ مسموعٌ في األدب، مذهب غير بالجديد المبتكر ،مبشِّراً باستحداث ٍ ٍ ومما يرويه عنه صديقه األديبُ عبد الكريم غالب ـ رحمه اهلل ـ أنه لم يكن مواظباً على محاضرات الجامعة ،وال يعجبه العجبُ من كالم األساتيذ ،وال َّ يتحفل برتب التفوّق في االمتحان. وأما احتدادُ اللسان فطبعٌ ألنور ،وخصل ٌة شبَّ عليها ،وهو ُ الرجل األنوفُ المعتدُّ برأيه وأدبه ،وال تعدم في معاركه مع العقاد، وطه حسين ،وتوفيق الحكيم ،وسالمة موسى ،وزكي نجيب محمود ،إغالظاً في القول ،وتفجيجاً للعبارة ،وإفراغاً للشتائم ..وكم كانت ثورة اليسار عارم ًة حين قال عن رواية (األرض) لعبد الرحمن الشرقاوي( :إنها روبورتاج صحفي ،وكاتبها كاتب صاالت) ،ومع هذا فإن من وراء هذا االعتداد ،أو ذاك االحتداد ،علماً ،وذوقاً ،ومنطقاً شامساً ! أو قل من ورائه (شعلة الفنّ) كما قال أحمد حسن الزيات. وأما الجمال فشار ُة أسلوبه المطبوع وقلمه الرشيق ،وقد أوتي شعوراً بمواقع األلفاظ ،وذوقاً في رصِّها ،إلى حالوةٍ في اإليقاع، نول األدباء المطبوعين كالمازنيِّ وأضرابه.. ونداوةٍ في التصوير ،ونسجهُ من ِ درج المعداويُّ فخبا إحراقهُ وبقيَ إشراقهُ()ُّ ، يدل ناشئة األدب على الطريق ،ويسوس النقدَ بمكاييل الذوق والشعور ..وليت َّحم عشيرته من النقاد يوّلون وجوهم شطرَ آثاره المنثورة في بطون الصحافة ،ويعنون بجمعها وطبعها ،وفا ًء لحقِّ األدب ،وحقِّ الر ِ بين خاصته.
ٌ فائدة تاريخ ّي ٌة .50
بعض العلماء به كمحدِّث المغرب أبي إسحاق إبراهيم بن محمد السبتي المعروف بابن استوقفني كثيراً لقبُ (الكمّاد) واشتهارُ ِ َ اللقب الكمّاد ( ت ؟ ) ،وفقيهِ قسنطينة أبي حفص عمر بن محمد الكمّاد األنصاريِّ المعروف بالوزّان (ت 960هـ) ،وكنت ال أدركُ لهذا ِ أص ًال أو ِنجاراً حتى وقفتُ في كتاب (أزهار برية) ألديب العربية عبد اهلل كنون على أن (الكمَّاد) نسب ٌة إلى حرفةِ التَّكميدِ ،أي :كيِّ كتُب الفقهِ ٌ حديث عن ضمانِ الكمّادِ.. الثياب ،وفي ِ بعض ِ ِ
ٌ غريبة .51
حدّثني األخ العزيز البحاثة الدكتور عبد السميع األنيس أنه كان يحدِّث رج ًال من (أهل الخطوة ) بحلب ،وفجأ ًة أطلق ساقيه للرِّيح في سرعةٍ صاروخيّةٍ ،ثم رُئي ُ الرجل في اليوم نفسه يطوف ببيت اهلل الحرام كما أخبره بذلك أحد أصدقائه !!! العبارة مقتبسة من أحمد حسن الزيات.
الثالثـاء � 08إلى � 14أكـتـوبر 2019
العدد 1014
15
أسرة التعليم تحتفل يوم 5أكتوبر باليوم العالمي للمدرس
شهادات فخر واعتزاز بشرف المهنة
• عبد الغني بلقاسم
مما ال شك فيه أن كسب رهان تعليم نافع وناجع ،له القدرة على التأهيل واالندماج االقتصادي واالجتماعي ،يمر عبر االضطالع األمثل للمدرسة بوظائفها األساس في التنشئة االجتماعية والتربية على قيم المواطنة ،وفي التعليم والتعلم ،والتكوين والتأهيل ،والتأطير والبحث المنتجوالمفيد. ومما ال شك فيه كذلك أن المدرسة تنجح في القيام بهذه الوظائف كلما كانت هيئة التدريس محفزة ومنخرطة ،عبر الجمع بين تمتعها بكل حقوقها وتوفير الشروط الالزمة لعملها ،وبين التزامها بواجباتها واتقانها لمهنتها وقيامها برسالتها التربوية على أحسن وجه. في هذا الصدد ،أكدت اليونسكو في رسالة سابقة بمناسبة اليوم العالمي للمدرس؛ أن جودة أي نظام تعليمي تقاس بمستوى معلميه، وأنها تتطلع في خطة التنمية إلى األساسيات الالزمة لدعم فعالية المعلمين ،وعلى رأسها تحسين ظروفهم المادية ،وتوفير ظروف جيدة في بيئة العمل وضمان تدريبهم على الجودة ،وحمايتهم من العنف بكل أنواعه. وتكريما لشخص المدرس(ة) على مجهوداته المتواصلة في بناء النشء بناء سليما ،جعلت اليونسكو يوم 5أكتوبر يوما عالميا لالحتفال بالمدرس .وبهذه المناسبة ،يشارك المجتمع المغربي أسرته التعليمية بهذا االحتفال ،وتعتبره مناسبة للتحسيس والتوعية باألدوار الطالئعية والريادية التي يقوم بها المدرس(ة) من أجل تحرير العقول وتنويرها، ومحطة كذلك للمرافعة من أجل النهوض بهذه المهنة النبيلة تكوينا وتأطيراوتحفيزا. بدورنا نغتنم هذه الفرصة لنسوق جملة من الشهادات التي أدلى بها مجموعة من األستاذات واألساتذة في حق المدرس ومهنته. عبد اإلله الفزازي رئيس مصلحـة الشــؤون التربوية بمديرية طنجة أصيلة نقف في مثل هذا اليوم من كل سنة، وقفة إجالل وإكبار ،لنوجه لكل نساء ورجال التعليم التابعين للمديرية اإلقليمية بطنجة أصيلة ،رسالة محبة واعتراف بجليل األعمال، وجدية االلتزام في أداء الواجب المهني ،بما ينمي قيم المواطنة ،ويساهم في بناء المجتمع والرقي بالحضارة . إنها لحظة تاريخية تكتسي دالالت رمزية متعددة األبعاد ،باعتبارها محطة تربوية نستحضر من خاللها جميعا معاني النبل والتضحية، وسمو الرسالة التربوية التي يضطلع بها نساء ورجال التعليم الذين ال يدخرون أي جهد في أداء الواجب الوطني. إن واقع المنظومة التربوية اليوم يفرض علينا باستمرار ،في ظل التحوالت العميقة التي تشهدها المجتمعات الدولية في شتى النواحي والمجاالت ،أن نكون متيقظين أكثر من أي وقت مضى من أجل؛ تمثل واستيعاب ما يجري حولنا من متغيرات ،والعمل على مالءمتها مع طموحاتنا . ولتحقيق هذا المبتغى ،فإننـــا ندعو كل الفاعلين التربويين، والشركاء االجتماعيين إلى بـذل كل المجهــودات إلنجـاح الرؤيـة االستراتيجية لإلصالح ،دفاعا عن المدرسة العمومية ،ومساهمة في إعداد وتكوين جيل الغد الذي سيحمل المشعل لمواصلة أوراش البناء، والتشييد ورفع التحديات . علو محمد :أستاذ اللغـة العربيـة بالثانويــة التأهيلية موالي سليمان. هو يوم بشحنات رمزية كثيفة علها تفي باحتواء قامة المدرس بصيغة المذكر والمؤنث من رجال ونساء التربية والتعليم ... يوم 5أكتوبر عيد أممي احتفاء بمن يخطون أبجديات المعرفة ضدا على دياجير الجهل والتخلف وظالمية الال أدريه... االحتفاء بالمدرسين والمدرسات بالمدرسة بمختلف أسالك التدريس؛ هو إعالن أممي للوضع االعتباري لحملة مصباح ديوجين، للذين يزرعون بذور ومشاتل القيم في أعماق األجيال ،المتواترة على أديم الزمن والمكان الوطنيين ،الذين واللواتي يشكلون الوجدان
الجمعي ويتعهدون شخصية اإلنسان كي تتنامى سوية دونما تشوهات أو انحرافات...كل يوم تصدح األجراس بين الحصص وبين البداية والنهاية تنبجس على أياديكم أحالم ومواهب وطاقات ،هي بؤر النور باتجاه اآلتي من زمن اإلنسانية .كل إنسان مهما عال شأنه يحمل في ذاكرته ووجدانه صورة وقامة أستاذ أو أستاذة تناوش حنينه إلى زمن متوارى...ال زلت أتذكر رائحة عطر معلمي في الصف االبتدائي فتمنيت أن أصير مدرسا...وكذلك صرت...ألجل أولئك وهؤالء نحتفي ونخلد ونبارك صعودكم معشر المدرسين والمدرسات سالما لشموخ رمزياتكمفينا. عبد الكريم الزموري أستاذ مادة التربية التشكيلية فنان تشكيلي وفوتوغرافي. بمناسبة اليوم العالمي للمدرس: لك أسمـى عبارات التقديـر واالحترام ، يا من يحترق كل يوم كشمعة لتنير طريقنا نحو العلم والمعرفة ،علمتنا حروفا ما كنا نفقه معانيها وال نعرف كيف نخطها و نقرأها .المربي ،المعلم ،صلة وصل بيننا وبين بحور المعرفة .فألف تحية وتحية لك بمناسبة هذا العيد احتفاء بيومك المدرس. الدكتورة هدى المجاطي أستاذة اللغة العربية بالثانوية التأهيلية عبد الكريم الخطابي، كاتبة وصحفية أستاذة زائرة بكلية اآلداب مرتيل بتطوان. االهتمام بالمدرس اعتراف بحقيقة كبرى مؤداها أن جوهر كل إصالح تعليمي يؤول إلى معين األستاذية ،ذلك أن التدريس يجمع بين أمرين :العلم والمعرفة التربوية األدائية ذات المرتكز اإلنساني المواطن ،فمن ال يحمل في قلبه قبل عقله فكرة تربية النشء على أساس من القيم البانية المحصنـة والموجهة ،ال تنطبق عليه صفة األستاذية الحقة. لمياء القرقوري إطار بمديرية طنجة أصيلة . نحن هنا أمام تكريم للركن األساسي للمثلث البيداغوجي ،إنه المدرس باعتبــاره حجر األساس في العملية التربوية والتكوينية، والضامن لجـودة التعلمــات داخل الفضــاء البيداغوجي ،بحكم عالقته اليومية المباشرة بالمتعلمين ،وهو العنصر المحـوري في مــد الجسور مع مصادر المعرفة ،والفاعل االجتماعي والثقافي في عالقة المدرسة بمحيطها .هو أيضا المكون والباحث ،فهو ،حسب تقديري، القلب النابض للمنظومة التربوية والتكوينية. وبمناسبة اليوم العالمي للمدرس ،فإنني ال أملك من القول ،أكثر مما ذكره أمير الشعراء أحمد شوقي ،في حق المدرس ،حين قال: ِـــلــمــ َعــ ِّلـــــ ِم َو ِّفـــــهِ الــتَــبــجــيــــال قـــــم ل ُ ــم �أَن َيــــكــــونَ َر�ســــوال َ كــــــــاد ُ الــمــ َعــ ِّل ُ �شـــــــر َف َ�أو َ�أ َج َّ ـــل مِ ــنَ ا َّلــذي ِـــمـــــت َ�أ َ�أ َعـل َ َ ــئ �أَنـــ ُفـــ�ســـ ًا َو ُعــقــوال َيـــبـــنــي َو ُي ِ ـــنـــ�ش ُ
إليكن نساء التعليم وإليكم رجال التعليم تحية احترام وتقدير. األستاذ موالي العربي العلوي الحسناوي مفتش التعليم االبتدائي بمديرية طنجة أصيلة سـالم على من مهــد الدروب لغيــره، سالم على من أضاءها لغيــره ،ســالم على من تحمل عناء األمانة ،أمانة تربية وتكوين وتنشئة األجيال ،أمانة التعليم الثقيل حملها،
حقكم محفوظ أيها المدرسون ،وتوجيهاتكم وتوضيحاتكم محفورة في غرسكم ،شكرا لكم على سخاكم ،شكرا على عطائكم ،وحق لكم أن تتبوؤوا أعلى المراتب االجتماعية مكانة وتقديرا واكتفاء لتكونوا بذلك أحد أهم مصادر التغيير والتجديد االجتماعي ،بل أن تكونوا مثقفيه وقادته .دمتم في الطليعة .دمتم في أداء الرسالة النبيلة سالم عليكم. طريق بوزكري :أستاذ مادة الفلسفة بالثانوية التأهيليــة مـوالي يوســف التقنيــة بمديرية طنجة أصيلة االحتفاء باليــوم العالمي للمدرس له داللــة رمزيــة عميقــة في اللحظــة الراهنة؛ لما يعيشه المدرس والمدرسة من نكسات وتراجعات ...االحتفاء بيوم المدرس ووضعيته بصفة خاصة...إنه يوم ينبغي أن يقف الجميع متأمال ومفكرا في وضعية التعليم بالمغرب الراهن للبحث عن حلول ألعطابه وأزماته ...اليوم العالمي للمدرس هو فرصة لتقديم تحية إكبار وإجالل للعنصر الرئيسي للمثلث البيداغوجي ،والعمود الفقري داخل المجتمع. ماجدة بنعمر أستاذة التعليم االبتدائي بمدرسة أم أيمن مديرية طنجة أصيلة الحمد هلل الذي شرفنا بهذه المهنة ،مهنة األنبياء والرسل. مـن كـل مـن مـر على يد معلـم ...إلى المعلم. بخط عريض وبصوت عال أردد« : معلمة وأفتخر» افتخر بمهنتي و بها أعتز ،أؤدي أعظم أمانة وأشرف رسالة ،وكيف ال أعتز والتعليم هو أسمى ما يمكن أن يُقدم للمجتمع. على الرغم من أن كل األيام أيامنا ،وكل المناسبات منا وإلينا ،إال أن الخامس من أكتوبر يظل يوما مميزا في ذاكرة التربية والتعليم ... فيوم المدرس الحقيقي هو اليوم الذي نرى فيه التالميذ قد أصبحوا في دروب متفرقة من المعرفة ...هو اليوم الذي نرى فيه أنفسنا بعيون التالميذ. صحيح أن مهنة التعليم متعبة للغاية ولكنها ممتعة؛ عندما نصل إلى تجربة ناجحة في حل مشكلة تربوية ،مهما اختلفت الوسائل وتعددت األساليب ،تبقى الغاية واحدة وهي صناعة نهضة الوطن بغرس القيم واألخالق النبيلة ،وإنتاج مواطن صالح يؤمن بربه ،يخلص لبلده ،ويبني حاضره ومستقبله ..فمهمتنا نحن كمدرسين ال تنحصر في النقل الديدكتيكي للمعارف؛ بل هي مهنة مرتكزة على تمرير القيم الدينية والوطنية والتربوية ،واإلرشاد والتوجيه ،واإلعداد للحياة ،فهي عملية إصالح شاملة لقاعدة مهمة في المجتمع ،بصالحها يصلح مجال التربية والتعليم. إن تربية وتعليم األجيال تحتاج أكثر من موظف يتبع المقررات والمناهج...بل إنسان حر مبدع ،يعرف كيف يتواصل مع روح التلميذ، وليس فقط مع ورقة امتحانه. «ال حضارة بدون معلم وال علم بدون معلم».
العدد 1014
كتابات يف تاريخ منطقة ال�شمال :
()915
(تتمة)
الثالثـاء � 08إلى � 14أكـتـوبر 2019
“تقاطعات” عبد األحد السبتي 2/2
وفي المحور الرابع االحتفائي بالسيرة العلمية للرائد عبد األحد السبتي ،نجد مساهمات لكل من األساتذة مديحة صبيوي ،ومحمد حبيدة ،وعبد الحميد هنية .وفي القسم المكتوب باللغتين الفرنسية واإلنجليزية ،ساهمت الباحثة جوسلين داخلية بدراسة حول ظاهرة سلطان الطلبة ،وتناول األستاذ عبد الرحمان المودن موضوع تنوع اآلليات التي كان المخزن يدبر بها المجال في تاريخ المغرب وخاصة بالنسبة للمناطق البعيدة عن المركز .واهتم األستاذ دانيال نوردمان بدور الكتابة والمعرفة الخرائطية في التعرف على المغرب وجواره خالل الفترة ما بين القرنين 17و 19الميالديين، وقـــدم بيرنــار روزنبيرجي حصيلة سيرة علمية ذاتية عن معالم تطور درس التاريخ بالجامعة المغربية .وارتباطا بعالقة األدب واإلبداع بحقول علم التاريخ ،نجد دراسات تشريحية غالف الكتاب لكل من األستاذين دانييل ريفي وإدريس كسيكس .وعلى مستــوى االهتمامات األنتروبولوجية المجددة ،ساهم حسن رشيق بدراسة حول القداسة بالمغرب ،وتوقف عبد الحي الديوري عند موضوع الطب التقليدي في المغرب من خالل مقاربة أنتروبولوجية مبنية على البحث الميداني وعلى استقصاء اإلفادات من النصوص العربية واإلسالمية .وعلى مستـــوى الدراســات الحضرية ،قــدم األستاذ محمد الناصري دراسة حول الظاهرة الحضرية بالمغرب من الماضي إلى الحاضر ،وتتبع عبد الرحمن رشيق البنيات الحضرية وسياسة الوقاية الصحية بالدار البيضاء خالل عهد الحماية .وفي المحور الخاص بقضايا حقوق اإلنسان والذاكرة في الزمن الراهن ،نجد مساهمات لكل من األساتذة أحمد حرزني والطيب بن الغازي .أما مساهمة األستاذين محمد الطوزي وفاضمة أيت موس ،فقد اختارت البحث في قضايا الرواية الشفوية والممارسة النصية في العلوم االجتماعية والتاريخية. والحقيقة ،إن الكتاب ،بالنظر لقوته العلمية الواضحة ،يشكل خير تعبير عن االمتنان تجاه تجربة األستاذ عبد األحد السبتي وتجاه غزارة هذه التجربة في توظيف أرقى ما عرفه مجال علم التاريخ في مدارسـه العالميــة الكبـرى ،استنادا إلى زاد معرفي أصيل استفاد من قراءات األستاذ السبتي الواسعة والمتعمقة لألعمال الكالسيكية المؤسسة ،مثل أعمال مارك بلوخ وبول باسكون وإرنست كيلنر وكليفورد كيرتز وماكس فيبر وروالن بارت وعبد اهلل العروي ،...إلى جانب المظان اإلسطوغرافية العربية اإلسالمية ذات الصلة بتاريخ المغرب وبتحوالت ذهنيات نخبه العالمة ومجتمعه العميق .وفي كل ذلك ،نحا األستاذ السبتي إلى تلقيح درس التاريخ االجتماعي ،أو الظواهر االجتماعية ،بالحموالت األنتروبولوجية واللسانية التي أعادت توسيع آفاق الدراسة ،وسمحت باختراق الكثير من منغلقات المتن اإلسطوغرافي ،وبتفجير بؤر التفكيك والتأويل واالستثمار داخل متاهاته .فلقد شكلت “شبكة النصوص” الموظفة في األعمال القطاعية لألستاذ السبتي ،إضافة إلى االنفتاح على التراث الشفوي ،وإلى إعادة تدقيق حدود الخيط الرابط بين الشهادة
سيظل يوم 26شتنبر 2006يوما مشهودا وموشوما في ذاكرة أهل دار الضمانة .فقبل 13سنة من اليوم ،سيدخل الملك محمد السادس مدينة وزان وهو في بداية حكمه في زيارة ،السياق الوطني الذي تمت فيه ارتقى بها إلى مستوى الحدث التاريخي .سياق أطره خيار المصالحة وجبر الضرر بعد أربعة عقود من حكم عرف فيما بعد بزمن الرصاص. دار الضمانة الكبــرى كـان لها نصيبها من المعاناة في هذا الزمن السيئ الذكر ،حيث أدت فاتورة ثقيلة تجلت عناوينها في قمع كل األصوات المعارضة والزج بها في السجــون، وتعليق حق أهــل وزان في التمتــع بالكرامـــة اإلنسانيـة ،وترجيح كفــة الرعايا على كفــة المواطنة الحقة، واألخطـــر من ذلك إحكـام القبضــة الحديدية على وزان حتى تظل عجلتها التنموية تدور في الفراغ ،فكان أن نتج عن ذلك ما وقف عليه الملك محمد السادس في زيارته التاريخية للمدينة، من خصاص تنموي فادح ينخر جسد وزان على جميع المستويات ،ليقرر العودة إليها من جديد وبعد أقل من شهرين ،لإلشراف شخصيا على وضع اللبنات األولى لتأهيل المدينة، وإطالق سراح «تنمية وزان» التي عمر اعتقالها أربعة عقود .لهذا كان على حق من أطر هذه الزيارة تحت شعار له رمزيته ودالالته « حفيد محمد الخامس يصالح وزان مع الملكية» . فهل انخرطت مختلف الجهات المعنية بشكل مباشر بتنمية دار الضمانة ،في روح الرسالة الملكية واستلهمتها ،فسارعت لترجمتها إلى مشاريع تنموية الحمولة ،بإمكانها أن تقفز بوزان -التي تتوفر على باقة من المؤهالت -إلى مقدمة سلم التنمية ،فتتدارك الزمن ،وتلوي عنق العجز المهول المسجل في المجاالت االجتماعية ،واالقتصادية، والثقافية ،والبيئية ؟ وبلغة أكثر وضوحا بأي حال هي عليه دار الضمانة وهي تستقبل الذكرى 13للزيارة التاريخية للملك محمد السادس ؟ يمكن الجزم بأن من بيدهم سلطة القرار ،إن محليا أو إقليميا أو
�أ�سامـة الزكاري zougariousama@gmail.com
والكتابة التاريخية ،إحدى النقاط االرتكازية التي وسمت آليات التجميع التي اعتمدها عبد األحد السبتي في سعيه لوضع أسس مشروعه العلمي التنقيبي التركيبي ،األمر الذي وجد تعبيرا عن آفاقه في التحديدات العلمية المثيرة بخصوص قضايا مثل “الزطاطة” أو “الشاي” أو ذاكرة سنوات الرصاص بالمغرب ،مما يمكن أن يختزل اآلفاق العامة التي وسمت حصيلة منجزه العلمي الغزير .يتعلق األمر بمشروع علمي وثقافي تأصيلي ،أصبح يرخي بظالله الوارفة على اهتمامات قطاعات واسعة من مؤرخي المغرب المعاصر ،من خالل الجرأة في التأصيل لألسئلة “البديلة” المهيكلة للبحث وللسؤال .لقد أضفى األستاذ السبتي بعدا إجرائيا على نزوعات تفكيك الهامش ،الثقافي وليس الجغرافي بالضرورة .فالهامش قد يكون حاضرا داخل بنية المركز نفسه ،من خالل تعبيراته االجتماعية واألنتربولوجية التي لم تكن لتثير انتباه المؤرخ اإلسطوغرافي التقليداني .في هذا اإلطار ،استطاع األستاذ السبتي محاورة قضايا “التاريخ من أسفل” عبر تفكيك نسق السلط المحلية المنتجة للنخب والمهيكلة لحاالت التنافر الداخلي المسكوت عنه والموجه للكثير من عبد الأحد ال�سبتي المواقف ومن المسلكيات التي ما هي –في نهاية المطاف -إال جزئيات الواقع االجتماعي المعاش ،وليس الواقع المتماهي مع انتظارات سلط المركز ورهاناته التحكمية المتداخلة .ولعل في نبشه العميق عن نخب المجتمع المحلي لمدينة فاس وعن أشكال بلورة سلطه المتداخلة ،نموذج معبر عن هذا المنحى التجديدي األصيل في إعادة مقاربة إشكاليات السلطة والتحكم في مغرب ما قبل االستعمار ،سواء على مستوى صيرورة تكون بنيتها التاريخية واالجتماعية المميزة ،أم على مستوى امتدادات هذه الصيرورة بإفرازاتها المجتمعية والرمزية والتحكيمة والقيمية بالمركز وبالهامش. لم يركن األستاذ عبد األحد السبتي إلى األجوبة السهلة ،وال إلى حلقات “تدوير” المعرفة التاريخية المتوارثة ،وال لالنبهار بصيحات التنظير للحداثة الكولونيالة الكالسيكية والمجددة ،بقدر ما أنه حمل حرصا كبيرا على نحت صخرة التاريخ االجتماعي من خالل نزوعه المتواصل إلخراج الكتابة التاريخية من نفق الكتابة األرشيفية التخصصية الحصرية ،لتحلق داخل المجال الرحب للعلوم االجتماعية الراصدة لتحوالت التاريخ والمجال والذاكرة والسلط والرموز ونظيمة القيم االجتماعية المشتركة وأنساق المسلكيات الجماعية المعبرة عن هذه القيم .وفي كل ذلك ،أضحى المؤرخ عبد األحد السبتي “متمردا” أصيال على الحدود المدرسية التي كثيرا ما ساهمت في خنق البحث التاريخي األرشيفي وقلصت من مجال اختراقاته في مقابل االستكانة للقراءات الحدثية النمطية المتوارثة. إنه عبد األحد السبتي ،رائد حقول دراسات الزمن الراهن ،وعنوان االنتماء لضفاف التاريخ االجتماعي، وصاحب التنظير اإلجرائي الختراق الحدود بين المعارف والعلوم االجتماعية وحقل التاريخ .وقبل كل ذلك، إنه عبد األحد السبتي المثقف المسكون بهاجس السؤال ،وبميسم التقاط التفاصيل “األخرى” المنزوية في الهامش ،حيث األصل وحيث العمق ،حيث الميالد وحيث االنبثاق ،حيث المسار وحيث التحول.
من أجهض اآلمال العريضة التي فتحتها الزيارة التاريخية لحفيد محمد الخامس لوزان ؟ وزان :محمد حمضي
16
جهويا أو مركزيا ،قد أخلفوا الموعد مع اآلفاق التي فتحتها هذه الزيارة، وبدل أن يترافعوا على أكثر من مستوى ،معززين مرافعاتهم بسالح المصالحة وجبر الضرر التي جسدتها ميدانيا زيارة حفيد محمد الخامس لهذه البقعة من التراب الوطني ،وقع اختيارهم االصطفاف على هامش االقالع التنموي للمدينة ،وعطلوا إلى اليوم إنجاز مشاريع حملها برنامج تأهيل وزان الذي كان توقيعه تحت أنظار الملك .والحصيلة ما كشف عنه االحصاء العام للسكان ( )2014من استمرار النزيف الديمغرافي الذي تعيشه المدينة ،وهو ما يعني بلغة الشعب «حتى قط م يهرب من دار العرس » . المدينة اليوم منبــوذة ...أزقتهــا ال تكاد تخلو من عبارات التهميش واإلقصاء ...منسوب غضب أبنائها في تضخم .... مساحة فقدان الثقة في الغد تتوسع ..... وهذا الفقدان للثقة الذي يتدحرج ككرة الثلج ال ريب بأنه سيحول أبنائها إلى لغم قابل لالنفجار أو ركوب قوارب هذا االنفجار، لهذا لن تكف األصوات النزيهة عن ترديد بصوت مرتفع :اتقوا اهلل في وزان . وألن العيـــش تختنق عندما تضيق فسحة األمـل ....وألن األمل رافعة تنموية مهمــة ...فكيــف يجعـــل أهـل وزان من الذكـرى 13ل «مصالحـــة حفيــد محمد الخامس وزان مع الملكية» فرصة جديدة تستعيد الحماس الشعبي الذي صاحب هذه الزيارة ،فتشكل ( ذكرى الزيارة ) مدخال أساسيا للترافع من أجل مدينة مواطنة ،متصالحة مع تاريخها وثقافتها وجهتها ....مدينة موشومة بنموذج تنموي جديد ينتشلها من براثن التخلف ....وينتصــر لكرامة أبنائها .... وألن النموذج التنموي الجديد سيرهن مستقبل المدينة لثالثة عقود على األقل ....وألن دستور المملكة ينتصر للمقاربة التشاركية في معالجة قضايا البالد ،فإننا ندعو مختلف الفاعلين العموميين والمدنيين والخواص إلى االستثمار االيجابي والواعد للذكرى 13 للزيارة الملكية لدار الضمانة، والتعجيل بفتح ورش حوار عمومي هادئ ومسؤول يؤطره شعار « جميعا من مدينة مواطنة » .في نفس اآلن على المؤسسات الدستورية والجهات الموكول لها حماية المال العام ،التسريع بتنزيل مبدأ ربط «المسؤولية بالمحاسبة» ومتابعة كل من كان له ولو قيد أنملة في تعطيل روح ومضمون جبر ضرر دار الضمانة الذي أشرف عليه الملك محمد السادس .
(انتهى)
هذا إلى وزير التربية الوطنية
الموسم الدراسي لم ينطلق بمجوعة مدرسية بوزان! وزان :مراسلة خاصة
هل يعلم وزير التربية الوطنية بأن أحكام الدستور التي تتحدث عن الحق في التعليم ،والمساواة، وحضر التمييز بسبب االنتماء الجغرافي ،وتكافؤ الفرص ،تمشي على رأسها في قطاع التعليم بوزان؟ وهل يعلم بأن المقرر الوزاري الذي حدد االنطالقة الفعلية للدراسة هو يوم 5شتنبر تم حجزه عند مدخل دار الضمانة الكبرى ؟ لنـدع العموميـات جانبا ونطلـع القـراء على الواقـع كما هو ،وليـس كما تحمله التقاريـر التي ال تقول شيئا. يقول الواقع كما سرد صوره بالتفاصيل المكسرة لكل اآلمال في الولوج لتعليم جيد وناجع، مجموعة من اآلباء التقت بهم الجريدة صباح يوم الخميس 3أكتوبر الجاري ،بأن أبناءهم الذين يتابعون تعليمهم بالقسم الثاني بالوحدة المدرسية الحلويين التابعة لمجموعة مدارس ابن طفيل بجماعة سيدي رضوان ،بإقليم وزان ،لم يتلقوا حرفا واحدا إلى حدود هذا اليوم الذي زاروا فيه المديرية اإلقليمية للتربية الوطنية بوزان بحثا عن مخرج ينقد أبنائهم من الضياع . لقاؤهم بمسؤول بالمديرية كما جاء ذلك على لسانهم ينطبق عليه ما ردده األجداد ( طبخ الما تلقى الرغوة ) . ،فبعد أن استعرضوا أمامه المعاناة المادية والنفسية التي يذهب ضحيتها فلذات كبدهم ،الذين يتحملون يوميا معاناة قطع المسافة الطويلة التي تفصل مداشرهم عن الوحدة المدرسية حيث هم/ن مسجلون ،ليعودوا يجرون ورائهم /ن خيباتهم/ن ،استنتجوا كما عبروا عن ذلك بحسرة ،بأن رفع الحصار عن حق ابنائهم في تعلم الكتابة والقراءة والحساب سيظل معلقا ،وأن صالة الجنازة على مبدأ تكافؤ الفرص بين تالميذ إقليم وزان ،بل بين تالميذ آتية ال ريب في ذلك . معلومة طلب مصدر موثوق تعميمها ألنها تؤشر على أن اختالال ما يحيط بعملية اعادة توزيع الفائض ،مفادها أن تالميذ القسم الثاني بالوحدة المدرسية المذكورة زغردت أمهاتهم/ن لما بلغ إلى علمهن بأن أستاذة جديدة قد وقع تكليفها من طرف المديرية اإلقليمية للتربية الوطنية بوزان بتدريس أبنائهن ،لكن سرعان ما ستتحول زغاريد االستقبال إلى بكاء ونحيب صباح اليوم الثاني بعد أن تناهى إلى علم األمهات واآلباء بأن األستاذة المذكورة قد غادرتهم/ن ودائما بتكليف جديد صادر عن نفس المديرية .وهي بالمناسبة نفس العملية التي تكررت بمجموعات مدرسية أخرى. أمهات وآباء وأولياء تالميذ القسم الثاني بالوحدة المدرسية الحلويين يرفعون أصواتهم/ن عاليا من أجل انقاذ أبنائهم/ن من التجهيل الذي هم/ن ضحية له ،ويسجلون بانكسار كبير لمعنوياتهم/ن وقوف باقي الشركاء والمتدخلين العموميين والمدنيين مكتوفي األيدي أمام إقصاء أبنائهم/ن من الحق في الولوج للتعليم بعيدا عن أي تمييز مهما كان سببه ألنه محضور بقوة الدستور الذي ينتصر لسمو االتفاقيات الدولية ،منها اتفاقية حقوق الطفل ،على التشريع الوطني .
العدد 1014
الثالثـاء � 08إلى � 14أكـتـوبر 2019
مواقف ومظاهر من التقارب النضالي والثقافي بين تطوان والمشرق العربي في غضون النصف األول من القرن العشرين )(3/2 3ـ إرسال البعثات الدراسية التطوانية إلى الشرق العربي (فلسطين ومصر) منذ سنة .1928وإنشاء بيت المغرب بالقاهرة سنة .1938 معلوم أن القاهرة كانت منذ القديم قاعدة من القواعد العلمية الكبيرة في العالم العربي ،وذلك ما جعلها مقصدا لرواد العلوم والمعارف من مختلف األقطار العربية ،إال أن بعد المسافة بينها وبين المغرب ،لم يكن مساعدا لطلبة العلم لكي يقصدوها بسهولة ،ولكننا نجد مع كل ذلك ،بعض العناصر التي ضحت بالغالي والنفيس ،فالتحقت بتلك العاصمة للنهل من علومها ومعارفها منذ أوائل القرن العشرين ،وهذا األستاذ محمد بن العربي الخطيب ( )1980 – 1885قد قصد القاهرة للدراسة باألزهر الشريف ( ،)1912 – 1910فكان من النماذج التطوانية األولى التي أقبلت على هذه المغامرة. من جهة ثانية ،فإن رغبة أهل تطوان في التواصل مع الشرق العربي ،كانت تراود الفئة المثقفة منهم باستمرار، وكدليل على ذلك نسجل أنه من أهم المبادرات التي قام بها أبناء هذه المدينة ،تقربا إلى المشرق العربي منذ أوائل القرن العشرين أيضا ،أن أب الوطنية األول األستاذ الحاج عبد السالم بنونة ،قام بإرسال أول بعثة من التالميذ للدراسة بالمشرق العربي ،وبالضبط إلى مدرسة «النجاح» بمدينة نابلس بفلسطين .وقد تضمنت هذه البعثة أوال التلميذين الطيب بن الحاج عبد السالم بنونة ومحمد بن مصطفى أفيالل .ثم تبعتها بعثات الحقة ضمت مجموعة من التالميذ التطوانيين أيضا إلى نفس المدرسة المذكورة ،وهم السادة عبد السالم بن جلون ،ومحمد بن عبد السالم الفاسي الحلفاوي ،ومحمد بن محمد الخطيب ،ومحمد بن عبد السالم الخطيب ،والمهدي بنونة .وفي سنة 1931أصبحت البعثة تضم كل هؤالء ،باإلضافة إلى محمد بن جلون وعبد اهلل الخطيب وأحمد بن عبد الوهاب. كما أرسل الحاج عبد السالم بنونة بعد ذلك ولديه عبد الكريم وإدريس .وكما ضمت البعثة سنة 1933مزيدا من التالميذ اآلخرين الذين نذكر من بينهم :محمد الحسيسن ومحمد بن حساين وأحمد مدينة وأحمد بن عبود وعبد اهلل الخطيب . والحقيقة أن هذه البعثة كانت أول وخير وسيط بين تطوان ونابلس ،بل بين المغرب وفلسطين ،حيث برهنت على صدق الوشائج الرابطة بين أطراف العالم العربي شرقه وغربه ،بما كان من تنسيق بين أفرادها المجدين وبين أبناء فلسطين ،ومن تعامل وتعاون للتعريف بالقضية المغربية ،وبما كان المغاربة يلقونه من قهر وتنكيل من طرف السلطة الفرنسية بالمغرب ،ثم ما كان من التواصل والتآزر بين المغاربة والفلسطينيين ،وقوفا مع القضية الفلسطينية عند تأزم األوضاع في تلك الديار المكلومة قبل النكبة المؤلمة. أما بالنسبة لمصر ،فإننا نجد بعثة تطوانية متميزة قد شدت رحالها إلى تلك الديار سنة 1928أيضا ،وهي مكونة من السادة عبد الخالق الطريس ومحمد الطنجي ومحمد المصمودي والحسين بن عبد الوهاب وعبد القادر الرباحي .كما تم إرسال عدة بعثات أخرى فيما بعد إلى مصر ،أهمها بعثة موالي الحسن بن المهدي ،والتي عرفت أيضا باسم بعثة بيت المغرب بالقاهرة ،سنة .1938وقد ضمت هذه البعثة نحو أربعين طالبا. وتهييئا للجو المناسب الذي من شأنه أن يوثق الصلة بين المغرب ومصر في هذا المجال التعليمي الهادف، فقد تم قبل ذلك بعث األستاذ محمد داود بصفته مفتشا للتعليم المغربي ،إلجراء االتصاالت الالزمة في الموضوع. وفي هذا الصدد نشرت جريدة «الرابطة العربية المصرية»( )1ما نصه( :هبط بمصر األستاذ محمد داود ،منتدبا من قبل الحكومة المغربية الوطنية لدرس نظم التعليم وأساليبه في مصر ...وقد استقبله مصطفى النحاس باشا رئيس مجلس الوزراء ،وكذلك قابله فضيلة األستاذ شيخ جامع األزهر .فاألستاذ محمد داود هو أول سفير علمي يأتي من المغرب األقصى إلى مصر ليتزود من علومها وفنونها ،تمهيدا إلدخال ذلك وتطبيقه في المدارس الوطنية بشمال المغرب ،كما قام األستاذ داود بشراء كمية كبيرة من الكتب العلمية األصيلة ،لتدريسها بالشمال المغربي ،وقد تزامن هذا مع تحركات الشيخ محمد المكي الناصري لقبول طالبه بالمعاهد المصرية ،رغم تفاوت مستوياتهم الدراسية وأعمارهم وجهلهم لبعض العلوم وضعفهم المادي واألدبي؛ فما كان من المسؤولين المصريين إال اإلعراب بكل صراحة أن كل هذه العوائق ال وجود لها ،وأن مصر تتعهد باحتضان الطالب المغاربة والعناية بهم كضيوف على دولتهم) .وهكذا فقد انبثقت البعثة الدراسية التي حملت اسم «بعثة موالي الحسن بن المهدي» أو «بعثة بيت المغرب في مصر» ،عن المعهد الخليفي برئاسة األستاذ محمد المكي الناصري .وفيما يلي نص الظهير الخليفي الشريف الذي أصدره صاحب السمو موالي الحسن بن المهدي بتأسيس «بيت المغرب في مصر»: «(بعد الحمدلة والتصلية والطابع الخليفي) يعلم من هذا المرسوم الخليفي الشريف ،واألمر العلي المنيف ،أنه نظرا لما نحمله من حب وإخالص لوطننا العزيز وشعبنا المفدى ،ونظرا لما نحسه من الحاجة الماسة إلى تثقيف أمتنا ثقافة واسعة ،وتهذيبها تهذيبا شامال ،ونظرا لما جرت عليه تقاليد عائلتنا المالكة ،خصوصا في عهد سلطاننا المعظم المرحوم الحسن بن محمد ،من إرسال البعثات العلمية إلى الخارج ،ونظرا لما نسعى إليه من إحياء الروابط التاريخية الوثيقة التي تربط وطننا المغربي بالمملكة المصرية الشقيقة ،ونظرا لما تتقلده مصر في العصر الحاضر من زعامة العالمين اإلسالمي والعربي زعامة ال نزاع فيها ،ونظرا لثقتنا الكبرى باستعداد الحكومة المصرية الموقرة لمساعدة أمتنا المغربية في نهضتها ،وبعد الحصول على المعونة الخالصة من جانب الدولة اإلسبانية الجديدة التي ال تألو جهدا وال تدخر وسعا في فتح أبواب النهضة والتقدم أمام محمييها المغاربة ،وبعد مراجعة ظهيرنا القاضي بإنشاء المعهد الخليفي لألبحاث المغربية ،الصادر في 27ذي القعدة عام 1335هـ الموافق 8فبراير سنة 1937م ،نأمر بما يأتي: الفصل األول :تنشأ في المملكة المصرية الشقيقة مؤسسة مغربية ثقافية صرفة ملحقة بمعهدنا الخليفي في تطوان وموضوعة تحت رقابته المباشرة تدعى «بيت المغرب في مصر». الفصل الثاني :تؤلف هذه المؤسسة الثقافية من أقسام ثالثة: أ -قسم لتركيز جميع العالقات الثقافية والروحية ،وهذا القسم يدعى «مكتب التبادل الثقافي بين مصر والمغرب». ب -وقسم إليواء الطلبة الذين يدرسون في المعاهد المصرية على حساب الميزانية العامة لمنطقتنا الخليفية، وهذا القسم يدعى «مقر البعثة المغربية». ج -وقسم لعرض بدائع صناعاتنا وفنوننا المغربية ،وهذا القسم يدعى «معرض الفن المغربي». الفصل الثالث :يكون مديرا لبيت المغرب في مصر بجميع أقسامه نفس مدير المعهد الخليفي بتطوان ،وله التفويض التام ليعين مديرا مساعدا له يقوم مقامه حين غيبته ،وكذلك جميع الموظفين الالزمين لسير هذه المؤسسة سيرا حسنا ،كما أن له حق العزل لمن يرى عزله مناسبا ،ومدير بيت المغرب نفسه يحدد االختصاصات، ويعين المسؤوليات المتعلقة بكافة موظفيه ،ويعين األجور المناسبة لكل منهم حسب اجتهاده الخاص. الفصل الرابع :يكون مكلفا بكل قسم من أقسام بيت المغرب مساعد خاص ،يعمل طبق تعليمات المدير، ويكون مسؤوال عن تسيير قسمه بكيفية مرضية. الفصل الخامس :قسم مقر البعثة المغربية ،يكون مكلفا بهذا القسم مساعد خاص ،ومهمته هي إعداد كل ما يتوقف عليه أفراد هذا القسم من ناحية دراستهم ومعيشتهم ،وكذلك مراقبة سلوكهم الشخصي والمدرسي. وإلمكان االلتحاق بمقر البعثة المغربية واالستمرار داخله ،يلزم أن يكون الطالب مسلما مغربيا مستحقا للمساعدة، ذا فضيلة واستعداد وذكاء واجتهاد وقيام بجميع الواجبات المدرسية ،وأن يحصل في نهاية كل سنة دراسية على نتائج علمية محسوسة ،مع الخضوع التام للنظام الداخلي المقرر للبعثة .ويمكن أن يلتحق بمقر البعثة المغربية بعض الطلبة المقيمين بمصر متى كان أصلهم مغربيا ،وكان استعدادهم حسنا ،واستحقاقهم للمساعدة ثابتا ،وإذا
17
بقلم :حسناء داود
لم تساعد بعض الظروف على التحاقهم به ،كان من الممكن تقديم مساعدة أو مكافأة شهرية لهم ،على شرط التزام العودة إلى المغرب بعد إنهاء الدراسة للعمل في المنطقة الخليفية. الفصل السادس :قسم مكتب التبادل الثقافي ،يكون مكلفا بهذا القسم مساعد خاص آخر ،ومهمته هي اتخاذ التدابير المناسبة الختيار األستاذة المتخصصين في التعليم ،وانتدابهم للتدريس في مدراس المنطقة الخليفية ومعاهدها الثقافية ،واستدعاء علماء محاضرين إللقاء محاضرات نفيسة في المواد التي تخصصوا فيها ،واقتناء كل الكتب والمراجع الضرورية لمعاهد المنطقة ،وخزائنها العامة ،واستنساخ أو تصوير كل ما يمكن استنساخه أو تصويره من المخطوطات المفيدة للثقافة المغربية المحفوظة بدور الكتب والخزائن المصرية ،وإشراك علماء مصر ومفكريها بقدر اإلمكان ،في جميع أنواع النشاط الفكري والثقافي التي على معهدنا الخليفي أن يقوم بها ،وتنظيم رحالت تعارف وإخاء ،خصوصا في األوساط الجامعية ومن بين األساتذة والطلبة ،وطبع النشرات والكتب القيمة التي يقتضي النظر طبعها ،مع تصحيحها والتعليق عليها ،وتعريب الكتب األجنبية التي تكون مفيدة للنهضة المغربية ،مع نشرها بعد تعريبها ،والدعاية الواسعة للحضارة المغربية ،والفن المغربي ،والتعريف ببدائع هذه المنطقة ومزاياها الطبيعية في جميع األوساط الثقافية بمصر والشرق .وباإلجمال ،تنحصر مهمة المكلف بهذا المكتب في القيام بكل ما يساعد على توثيق العالقات الثقافية والروحية بين األمة المصرية النبيلة وأمتنا العزيزة. الفصل السابع :قسم معرض الفن المغربي ،يكون مكلفا بهذا القسم مساعد خاص يعمل طبق تعليمات المدير ،ويعتبر مسؤوال عن سير هذا القسم ،وهذا المعرض يكون صلة وصل بين منطقتنا الخليفية والمملكة المصرية من الناحيتين الفنية والصناعية ،ويعتبر معرضا دائما في مصر لنماذج المصنوعات المغربية التي امتازت بها بالدنا عن غيرها من بلدان اإلسالم ،ويمكن أن يورّد لعشاق الفن المغربي من المصريين وغيرهم جميع طلباتهم على حسابهم الخاص. الفصل الثامن :لتسديد مصاريف مؤسسة بيت المغرب في مصر بجميع أقسامها ،تخصص مساعدة سنوية مبلغها ثالثمائة ألف 300.000بسيطة إسبانية. الفصل التاسع :يوضع بيت المغرب في مصر بكافة أقسامه تحت الرئاسة الشرفية لنجلنا العزيز األمير موالي المهدي بن الحسن أصلحه اهلل ووفقه ،والسالم. صدر به أمرنا المعتز باهلل في قصرنا الخليفي العامر بتطوان في فاتح جمادى الثانية عام 1357هـ موافق 29 يوليو سنة .»1938 ومن الواضح أن هذه البعثات الطالبية ،إنما تدل على المكانة الخاصة التي كانت تحتلها آنذاك كل من فلسطين ومصر في قلب العالم العربي واإلسالمي .وفي هذا الصدد ،يمكن القول بأن أهمية إرسال البعثات المغربية إلى الشرق العربي قد تجسدت في مسائل عدة: • المسألة األولى :أننا سنجد في وقت الحق أن عددا كبيرا من رجال الحركة الوطنية في شمال المغرب بصفة عامة ،ومن قادة حزب اإلصالح الوطني على وجه الخصوص ،هم ممن كان اسمهم واردا بين أسماء أعضاء البعثات المغربية إلى الشرق ،ونذكر منهم على سبيل المثال األساتذة عبد الخالق الطريس والطيب بنونة ومحمد بن مصطفى أفيالل ،وعبد السالم بن جلون ...إلخ. • المسألة الثانية :أن هذه البعثات المبكرة إلى الشرق ،سيكون لها تأثير على مستوى االتجاه الفكري للحركة الوطنية ،سواء من حيث الدعوة اإلسالمية العربية ،أو من حيث التوجه اإلصالحي والنضالي التحرري ،وخاصة إذا علمنا أن هذه البعثات قد ربطت عالقات خالل دراستها مع عدد من الزعماء والشخصيات السياسية اإلسالمية والعربية المهمة، مثل األمير شكيب أرسالن(.)2 • المسألة الثالثة :أن هؤالء المتخرجين من المعاهد والجامعات العربية بالمشرق ،قد ساهموا في الحفاظ على اللغة والثقافة العربيتين بالمغرب ،وذلك في وقت يالحظ فيه أن اللغات األجنبية كانت قد فرضت وجودها بكيفية خطيرة تهدد الهوية المغربية من الجذور. 4ـ الحملة المغربية الشعواء ضد الظهير البربري سنة ،1930وتأسيس خلية سرية للدفاع عن حقوق المغرب بمصر سنة .1931 ومرت العشرينيات من القرن العشرين ،والوطنيون بتطوان يعدون العدة لتهيئ الجو المالئم حتى يتخذوا اإلجراءات المناسبة ويقوموا بالتدابير الالزمة لخلق جبهة لها من القوة ومن الجرأة واالستعداد ما يخول لها أن تتكلم باسم الشعب ،وأن تطالب باسم األمة. *وصدر الظهير البربري( )3بالمغرب ،فعمل الوطنيون داخل الوطن وكذا خارجه ،على إحداث خاليا باستطاعتها أن تتكلم باسم الشعب وتدافع عن حقوقه المغتصبة ،ومن هنا تكونت الهيئة الوطنية السرية األولى بتطوان ،ثم هيئة العمل الوطني ،ثم الكتلة الوطنية ،حيث كان ذلك الظهير حافزا للوطنيين المغاربة إلشعالها حربا على المستعمر الهادف إلى التفرقة بين أبناء الشعب الواحد الموحد؛ وفي إطار هذه الحرب التي أشعلتها المنطقة الشمالية على الظهير البربري ،رغبة منها في الدفاع عن وحدة المغاربة أجمعين ،نجد طلبة هذه المنطقة المتواجدين ضمن البعثات الطالبية في الشرق العربي ،وخاصة في الديار المصرية، قد ساهموا بدورهم في هذه الحملة ،وعلى رأسهم األستاذ عبد الخالق الطريس الذي كان طالبا بتلك الديار آنذاك، والذي نشر مباشرة بعد صدور الظهير البربري وعلى طول سنتي 1930و ،1931مجموعة من المقاالت بهذا الشأن في الصحف المصرية ،تهدف إلى التنديد بالنوايا االستعمارية في المغرب ،وإلى تحميس الشباب المغربي داخل الوطن وخارجه ،ليقفوا ضد هذه اإلجراءات البغيضة للدولة الفرنسية. كما تكونت خلية سرية للدفاع عن حقوق المغرب بمصر ،ومن الجدير بالذكر أن هذه الخلية قد ربطت أواصرها مع الوطنيين المغاربة بتطوان ،فانخرط هؤالء الوطنيون فيها ولو عن بعد ،وكانوا يؤدون اشتراكهم فيها ،ومنهم الحاج عبد السالم بنونة ومحمد داود ومحمد الطيب بوهالل ومحمد المصمودي والتهامي الوزاني ،بينما كان من أعضائها في مصر :عبد الخالق الطريس والحاج مَحمد بنونة والحاج الحسن بوعياد ،ومحمد الطنجي ،والحسين بن عبدالوهاب ،ومحمد أفيالل ،والطيب السبتي ،والعربي برادة ،وعبد القادر الرباحي .وال يخفى عن أحد أن نشاط هذه الخلية المغربية بمصر ،كان نشاطا ملحوظا ،وذلك في العالقات بينها وبين الشخصيات والهيئات المصرية الوازنة، سواء في الميدان السياسي أو في الميدان األدبي والصحافي.
الهوامش:
.1في عددها الصادر في 29قعدة ،1355ونقلته جريدة الوحدة المغربية الصادرة بتطوان في 28فبراير .1937 .2نجد مثال في صيف 1930رسالة موجهة من البعثة المغربية بنابلس إلى األمير شكيب أرسالن ،تستنجد به للدفاع عن المغاربة والتشهير بأعمال فرنسا ،وذلك بمناسبة صدور الظهير البربري ،كما نجد رسالة رد األمير على أعضاء تلك البعثة بتاريخ .1930 – 11 17 .3هو ظهير أو مرسوم ملكي أصدره االحتالل الفرنسي للمغرب في 17ذو الحجة 1340هـ 16مايو 1930م .وقد نص هذا الظهير على جعل سير العدالة في بعض مناطق القبائل األمازيغية بالمغرب تحت سلطة محاكم عرفية تستند إلى قوانين وأعراف أمازيغية محلية ،وفق ما كان األمر عليه قبل دخول االستعمار .فيما تبقى المناطق المخزنية السلطانية (مثل فاس والرباط) تحت سلطة قضاء حكومة المخزن والسلطان المغربي .وكان القصد من إصدار هذا الظهير هو التفرقة بين أبناء الشعب المغربي الموحد بروابط الدين اإلسالمي واللغة العربية.
(يتبع)
الثالثـاء � 08إلى � 14أكـتـوبر 2019
العدد 1014
قصة قصيرة من ذكريات أيام زمان في سنوات الرصاص والجمر المتقد وهي بعنوان:
بعد انكسار القضبان!! المقـدمــة :
إضــاءة :
ـ القصة مهداة إلى رفيق دربي في النضال والثقافة والفكر األستاذ األعز والمناضل الفذ الناقد واألديب أنور المرتجي نائب رئيس اتحاد كتاب المغرب سابقا...وأستاذ بكليتي اآلداب والعلوم اإلنسانية بفاس وبالرباط سابقا...
القصة هي من وحي لقائي بمقهى غرناطة (القديمة) بالقصر الكبير بصحبة األديب الراحل محمد األمين أبو أحمد (الذي توفي في / 05/12سنة 1982ودفن يوم 7دجنبر من نفس السنة بضريح سيدي أحمد العربي الفاسي بحي باب الواد حومة القطانين بالقصر الكبير في ظروف غامضة رحمة اهلل عليه ،وأسكنه في جنة الرضوان إن شاء اهلل )...وصديق آخر ...مع االستاذ األجل أنور المرتجي يوم خروجه من السجن( :االعتقال السياسي) ،وقد كان طالبا جامعيا آنذاك...سجلت فيها مرحلة تاريخية مهمة مرحلة جيلي الذي فتح عيونه على النضال الوطني المستنير وعاش سنوات الرصاص والجمر المتقد ،وهو يعانق هموم الطلبة والناس وقضايا الوطن المصيرية وطموحه الذاتي ،وذلك لنخرج من زمن االنكسار إلى زمن األمل ،بحيث يكون استحضار الماضي أسلوبا بديال عن حياة الحاضر الزائفة...بعيدا عن فترة السجون السياسية الصعبة والقاسية التي عذب فيها كثير من الوطنيين األقحاح والخلص للوحدة والوطن وقضاياه المصيرية. القصة كالتالي من وحي ذلك الزمان الجامعي
تأمل عبد القادر ب وجه صديقه القديم الذي استحوذ على الكل بما أعطاه من شروح ضافية حول القضية المعروضة ،وبما أنه كان ال بد أن يقع له من أجلها هي ،كان جريئا في إبداء المالحظات الدقيقة أقوى مما يتصور كل من كان يعرفه قبل أن يدخل القفص الذي نصب له... خرج من الزنزانة عالي الرأس قوي الهمة...كأنه لم يذق مرارة السجن بمحنه وقساوته.. اندمج مع المجتمع كعادته ..تصافح مع كثير من أصدقائه وغيرهم ممن ال يهابون الحق ،فرحوا به ..هللوا بقدومه ..سألهم قبل أن يسألوه عنها ،كانت اإلجابات مختلفة...لكن االهتمامات واحدة ..عن مصيره ومصيرها.
�إعــالن قانـونـي Annonce Légale CLOTHES TEX SARL
CESSION DES PARTS MODIFICATION DE LA GERANCE
1°/ du P.V des décisions extraordinaires des associés en date du 28/08/2019……………… il résulte que : • Approuver la cession de pleine propriété de Cinquante (50) parts sociales de MR. REDOUAN NAKMOUCH, en faveur de MR.MOHAMED AMSARDA. • Accepter la démission de MR. REDOUAN NAKMOUCH de la cogérance. • Nomination d’un seul gérant en la personne MR. MOHAMED AMSARDA. • Modifier en conséquence les articles correspondants des statuts. 2°/ Le dépôt légal a été effectué au greffe du tribunal de commerce de TANGER Le 03/10/2019. Sous n° de dépôt 6464.RC n°86 635.
Pour Extrait Conforme LA GERANCE
لعبة السودوكو ()475 أصل اللعبة
لعبة السودوكو اليابانية األصل « ،»SUDOKUكانت معروفة منذ الثمانينيات في اليابان ،إال أنها لم تظهر كلعبة ذات شعبية إال سنة .2005
معنى كلمة سودوكو
• بقلم :عبد القادر أحمد بن قدور *
باسم اهلل القوي الجبـار والقهـــار لكل الظالمين والمستبدين والفاسدين والمفسدين والمضطهدين لبعض الوطنيين األقحاح والخلص أينما كانوا بمدينة القصر الكبير المجيدة والعريقة ،خاصة منذ قرون وإلى اآلن بتاريخه ،ومن األدلة على ذلك بعض المدن األخرى بالمغرب العزيز خالل المدة األخيرة منحوا للبعض منهم التعويض المادي وجبــر األضـرار للمعتقليــن السياسيين وضحايــا االنتهــاك الجسيمة لحقوق اإلنسان ،ومن القصر الكبير منحوا التعويض المادي والتسوية اإلدارية لضحايا محسوبين على األصابع ،هذه هي مدينة الوطنيين األحرار واألبرار والخلص الذين يعملون من أجل الدفاع عن العدالة االجتماعية والحقوق والديمقراطية الحقة والوحدة المغربية والوطن كبعض المدن الوطنية الحقة بالمغرب ،لماذا هذا ما هو السر في ذلك يا ترى؟ المقال التالي يوضح ما في هذه القصة بالملموس أن بعض المناضلين والوطنيين بدفاعاتهم عن قضايا الوطن كلها وهم من مدينة القصر الكبير وبعض المدن األخرى عذبوا وسجنوا أحيانا رغم أنهم ـ كما أظن ـ لم يرتكبوا جرما بسبب أنه ال تتوفر في أفعالهم وأعمالهم الشروط القانونية واألركان وهي: الركن المادي والقانوني والمعنوي ألنهم كما سلف كانوا يدافعون فقط عن الحق والحقوق للجميع والديمقراطية الحقة والعدل والعدالة الواجبة ،وفلسطين السليبة والحبيبة ...كما في القصة التالية :
18
رغم أنها كانت هي السبب في كل ما حدث له من تخوف على المستقبل الغامض ومن ضياع السنوات داخل القضبان ..فهو ال زال ينادي بإسمها ويتحفز لرؤيتها...والعمل من أجلها... الذي يراه ألول مرة وبعد غيبته الطويلة ،ويكون ال يعرف كم قضى داخل السجن يظن أنه خرج نهائيا ..وحكم عليه بالبراءة. قبل أن يحدث ما تعرض له من نكسة ،كانت متعلقة به ..تقف مشدوهة ألقواله الجديدة عليها ...إنها كانت حديثة العهد بالجامعة.. كانت أفكاره كبيرة عليها ..تنصت وتصغي إليه ..وتستفسر ..وتناديه ليطلعها عن كل شيء لم تفهمه ..كان ال يهاب السجن أو التعذيب الجهنمي والقاسي جدا عليه وعلى أمثاله من المناضلين األحرار والتواقين إلى التغيير والعدالة والحقوق الحقة للجميع ،والعمل من أجل تحقيق النصر المبين لفلسطين الصامدة ،وكانت هي تسعى للهروب منه في هذه الحاالت ...أحدث في تفكيرها وتفكير الكثير من أمثالها أشياء لم يألفوها من قبل ،تعودت السير معه ..وكلما رأته أو رآها إال وانجذبت القلوب نحو األمل المنشود :من أجلها استطاع أن يجمع القلوب ..كان في كل وقت يحتاجون إليه يجدونه ساعدا قويا لهم ..في الليل كانوا يطرقون بابه فيجيبهم وكان مستعدا دائما لمواصلة السعي إلى ما يطمحون إليه ..ويرسم معهم الخطط فيكون أول المنفذين.. وقدوة للمتحمسين ..إنه ضوء وهاج ..يسطع بنوره المتألليء. ومن أجلها كان يهدئ الخواطر داخل الجدران التي تحتضن بعض من كانوا معه في قفص االتهام. بقي األمـل ..واألمـل عريض وطويل ..داعـب خيالـه حتى داخـل الجدران السوداء السميكة ..تنفس ..تنفس الصعداء ..رفع بصره ونظر بحدة إلى الهواء بين األربعة ..والنار في الذهن ..والفكر حاد ثاقب هل تفجر؟ إنه في غليان ..في عناد وحراك مع الواقع والزمن.. تيار فكره فيها لم ينقطع ..لم يحدث أن شعر قط بخيبة أمل فيها. خرج من السجن وكأنه كان معها ..عرف البعض منه بما لم يكن يعرفونه عنها وأثار انتباه البعض بتتبعه لخطواتها وكأنه لم يكن بعيدا عنها ..بما قاله فيها ..من رؤاه الجديدة والخطوات الحديثة العهد بها.. كان يعلم كل شيء ..ويقول كل ما عنده محاوال إبراز ما آلت إليه ..وماذا يجب أن يكون في سبيلها ..وظل يعمل دون أن يصيبه الكلل أو الملل.. وظل األمل يراوده في كل وقت وحين ..في المساء أو الصباح ...في اليوم والغد ..وبقي متمسكا بفكرته التي ال تفارق ذهنه أينما حل وارتحل .. فارضا نفسه على كل من لقيه بأنه غدا ستشرق الشمس وأول الطريق خطوة ..وال بد من الباب المطروق أن يفتح ..كما أن العين ترى واألذن تسمع خفقات األفئدة ،إنه ضجيج الحب العنيف ..هل هدأت القلوب؟ إنه سؤال ضخم ..في النفس ...يغور في األعماق ..ويبقى السؤال الملحاح معلقا في الهواء وتبقى األدمغة موصدة ..والقلبان بدم الشرايين المتجدد الصافي يصنع شباب الربيع الدائم في الغد وبعد الغد... إنها لحظة انبهاز حب كبير تفجر ...الليل ينتهي ..والوقت يعلن ساعات الصباح ..وأول الحب نظرة كأول الغيث قطرة ..والقلبان لن يفترقا مادام فيهما نبض ،ومع قلوب العشاق إال جزء مما قيل. وكما أن لغرفة الحبيبين أو العاشقين أركانا ونوافذ وجدرانا ،كما أن للجريمة أركانها الثالثة :المادي والمعنوي والقانوني ..ومع هذا يبقى اتهام ،هل حقا للحب أركان..؟ وهل لهذا الحب جذور مغروسة في األرض أم السماء!! إنها حقا أسئلة وكلمات وحروف من قلوب تطفح بالعشق داخل قفص االتهام!! ـــــــــــــــ
* األديب واإلعالمي والعضو الشرفي بمنظمة العفو الدولية ـ فرع المغرب
حل السودوكو رقم 475
كلمة سودوكو هي اختصار للجملة اليابانية ()Nikagiru Sujiwa Dokushin وتعني أن األعداد البد أن تكون مفردة .وهذه اللعبة عبارة عن عالمة تجارية لشركة .Nikol
كيف تلعبها ؟
اللعبة تعتمد على المنطق لدرجة كبيرة ،وهي لوحة مقسمة إلى تسع مناطق كل منطقة مكونة من تسع خانات ،وعليك أن تمأل هذه الخانات أفقيا أو عموديا بأرقام من 1إلى ،9حيث ال تستخدم الرقم إال مرة واحدة في جميع المربعات على العمود نفسه أو السطر أو القطر ،وتكون هناك أرقام موضوعة سابقا في بعض الخانات.
مفيدة لكن معقدة
اللعبة مفيـدة جدا لتقوية مهارات المنطـق ،ويستخدمهـا مدرسو الرياضيات كتمارين للطلبة وتختلف درجة التعقيد ،حسب الفئة المستهدفة.
سرعة المالحظة
بين الصورة واألصل 8اختالفات ،حاول أن تهتدي إليها.
الوالي يستقبل مكتب اتحاد طنجة لكرة القدم صفحة
19
�إعداد :م�صطفى ال�سباعي
العدد 1014
الثالثاء � 08إلى � 14أكتوبر 2019
مجرد رأي :
خاليلوزيتش يفي بوعده
تتذكرون انه عندما تم تعيين المدرب البوسني وجيد خاليلوزيتش على رأس الهرم الفني ألسود األطلس تعهد بإحداث التغيير وتكوين فريق قوي قادر على المنا فسة وتحقيق أماني وطموحات المغاربة. وفعـال وبعد مرور وقـت قصيـر على تعيينــه شـرع المدرب خاليوزيتـش في استبعاد األسماء التي كانت محسوبـة على الحرس القديم واستبدالها بعناصر شابة جديدة. المدرب البوسني كشف عن العناصرالتي ستواجه منتخبي ليبيا والغابون هذا الشهر ...ومن خالل إلقاء نظرة على الالئحة نالحظ استبعادالالعبين نبيل درار وسفيان بوفال وخالد بوطيب والمهدي كارسيال ومبارك بوصوفةوكريم األحمدي ومروان داكوستا إضافة إلى مهدي بنعطية الذي أعلن اعتزاله دوليا . وبالمقبل نادى المدرب خاليلوزيتش على الالعب كيفن مالكويت الذي رفض قبل سنوات تمثيل المنتخـب المغربي واختار فرنسا لينتقل بعد ذلك للعب في الدوري اإليطالي وبالضبط في نادي نابولي اإليطالي دون توضيح تاريخ وكيفية تأهيله من طرف الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم. المدرب البوسني وضع ثالثة العبيــن من الدوري االحترافـي المغربـي في القائمة التي ستواجه ليبيا والغابون وديا وهم :اسماعيل الحداد العــب الوداد البيضاوي وهشام المجهد حارس اتحاد طنجة وأنس الزنيتي العب الرجاء.. وكان استبعاد عبد الرزاق حمد اهلل العــب النصر السعــودي المشهد األبرز في قائمة المدرب البوسنـي ..إذ ساد االعتقــاد أن خاليلوزيتش سيستعين بهذا المهاجم بعدما تلقى االنتقادات بسبب تجاهله في الوديتين السابقتين ...مما أثار المزيد من الغموض بشأن حقيقة هذا التجاهل وربطه بغضب الجامعة منه قبل كأس األمم اإلفريقية بمصر بعدما حزم حقائبه وغادر معسكر األسود. وهو األمر الذي استبعده مسؤولون من داخل الجامعة وأكدوا أنه جاء من المدرب. وعلى كل حال يتضح من خالل الالئحة الجديدة للمنتخب المغربي أن المدرب وحيد خاليلوزيتش قد وضح حدا ونهاية للحرس القديم ألسود األطلس.
الناخب الليبي يستدعي مهاجم اتحاد طنجةصالح الطاهر
استدعى الناخب الوطني الليبي مهاجم اتحاد طنجة الليبي صالح الطاهر لال نضمام الى المعسكر اإلعدادي المغلق الذي سيخوضه بالمغرب مابين 7و 16أكتوبر الجاري استعدادا للمباراة الودية التي سيخوضها ضد اسود األطلس يوم 11أكتوبر.
استقبل والي جهة طنجة ـ تطوان ـ الحسيمة محمد مهيدية يوم الجمعة مكتب اتحاد طنجة لكرة القدم. وتعهد السيد الوالي خالل هذا االستقبال بدعم الفريق أكثر حتى يحقق أحالم وأماني سكان عاصمة البوغاز. وبذلك يسير السيد الوالي على نهج سلفه السابق اليعقوبي الذي كان يضع الرياضة في صلب اهتماماته ويدعم مختلف األنواع الرياضية ماديا ومعنويا.
المنتخب المغربي يواجه الغابون بطنجة
قررت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم إقامة المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الغابوني يوم 15أكتوبر الجـاري على الساعــة الثامنــة مساء على ملعب ابن بطوطة الكبير.
حارس اتحاد طنجة
هذا واستدعى الناخب الوطني وحيد خاليلوزيتـش حارس اتحاد طنجة هشـــام المجهد ضمن الئحة المنتخــب لوديتـي ليبيا والغابون. وجاء ذلك بعد تألق الحارس المجهد في المباريات األخيـرة سـواء في الدوري االحترافي أو في منافسات كأس العرش. وفيما يلي الئحة الالعبين المدعوين.
األندية المغربية تتحول إلى شركات رياضية
أعلنت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم أن جميع أندية الدوري االحترافي المغربي أكملت ملفاتها وتحولت إلى شركات رياضية ومن ضمنها اتحاد طنجة. وأكدت الجامعة على موقعها الرسمي أن 15ناديا استوفت الشروط للتحول إلى شركات رياضية باستثناء فريق واحد هو الرجاء البيضاوي الذي ينتظر أن يعقد جمعه العام السنوي حتى يتسنى له التحول إلى شركة رياضية. وكان فريق الرجاء قد قرر عقد جمعه العام العادي يوم 17 أكتوبر الجاري ليصحح أوضاعه ويلتزم بتعليمات االتحاد اإلفريقي لكرة القدم والتحول إلى نادي محترف.
حسنية أكادير تواجه اتحاد طنجة في الدور ثمن النهائي لكأس العرش
حسنية أكادير
اتحاد طنجة
تأهل فريق حسنيـة أكاديـر إلى الدور ثمن النهائي لكأس العرش بعد انتصاره على جمعية سال من اندية القسم الثاني بهدف دون مقابل. وسيواجه الفريق السوسي في الدور ثمن النهائي فريق اتحاد طنجة الذي تاهل على حساب الفتح الر باطي .0-1
الثالثـاء � 08إلى � 14أكـتـوبر 2019
العدد 1014
األخيرة
السلسلة الرابعة
تذكرة سفر
احللقة التا�سعة
لقاءات حوارية ،في حلقات متسلسلة ،مع شخصيات مؤثرة في المجال العمومي المغربـي والعربـي واإلنساني ،تستحضر تجربتهم في الحياة الخاصة والعامة ،وترحل بهم عبر تذكرة سفر معنوية وروحية إلى الماضي والمستقبل. • عبد اإلله المويسي
مع األستاذ
محمد األشعري المحور الثالث ـ المسار السياسي ـ
يحضر األستاذ محمد األشعري ،في مخيال القراء المغاربة والمشتغلين بالحقل السياسي والمجتمعي الوطني، بصيغة الواحد المتعدد ،فهو اإلنسان أوال ،وهو الشاعر والكاتب الروائي والمناضل السياسي والناشط الحقوقي، وواحد من أبرز وجوه معتقلي سنوات الرصاص .وهو الوزير الذي انعطف بمشروع الثقافة الوطنية نحو أفق اتسمت فيه بتبني مفهوم الصناعة الثقافية ،وهو الذي سبق أن شغل قبلها منصب رئاسة اتحاد كتاب المغرب لثالث دورات عرفت خاللها هذه المؤسسة أقوى مراحل ديناميتها وإنتاجيتها.
العالمة موالي العربيي العلوي السـي محمــد األشعــري معــروف في المشهـد السياسـي المغربي كأحــد القياديين والمناضلين الكبار المنشغلين بقضايا الوطن ،وأحد األسماء البارزة في مواصلة الممارسة السياسية المغربية ،إذا سمحت لي أريد أن أعرف البدايات األولى ،إذا صح التعبير ،أو المرجعيات السياسية األولى التي كان السي محمد األشعري يشعر أنه يميل إليها أكثر ،سواء في الجامعة أو في السياق العام .
في الواقع كان األمر بسيطا في البداية، فقد نشأت في عائلة قريبة من الوسط الوطني والتقدمي ،فوالدي كان من مؤسسي االتحاد الوطني للقوات الشعبية ،وحضر مؤتمره التأسيسي الذي كان ترأسه العالمة محمد بلعربي العلوي بالدار البيضاء .وفي وسط هذه األجواء ،كان هناك تردد مستمر لعدد من المناضلين األوائل على منزل والدي .بمعنى أنني نشأت في بيئة سياسية .ورغم أنني كنت ما أزال طفال في مراحلي األولى ،إال أنني كنت قد فهمت ،خصوصا بعد االعتقاالت المتكررة لوالدي ،أن األمر يتعلق بمقاومة السلطة والبطش واالستبداد.. وربما هذه البذور األولى لعبت دورا في كوني ،بطريقة مبكرة ربما ،وبمجرد ما التحقت بثانوية موالي إسماعيل بمكناس لمتابعة دراستي هناك ،بدأت أهتم أيضا بما كان يعرفه آنذاك الوسط التالميذي من نضاالت نقابية ،ودون أن أهتـم ،في الواقــع ،بالجهة
التي كانت تنظم تلك اإلضرابات ،المتقطعة أحيانا والمستمرة أحيانا أخرى .في غمرة هاته البدايات تعرفت على عدد من األصدقاء قادوني بطريقة سرية تماما ودون أن يفاتحوني في األمر ،قادوني إلى بيت أستاذة كانت تدرسنا األدب الفرنسي آنذاك ،وفي بيتها سأتعرف على المناضل الشيوعي المعروف في مكناس األستاذ العزاوي ،حيث أصبحنا أصدقاء فيما بعد. ولذلك ،فقد بدأت ارتباطاتي األولى ،في الواقع، بالحزب الشيوعي آنذاك ،ومن خالله تعرفت على كثير من األدبيات السياسية األساسية في ذلك الحين. بعدها ستتطور اإلضرابات التالميذية لتصبح حركة شبه مستمرة .وآنذاك نشأ نوع من النزاع بين مناضلي الحزب الشيوعي ومناضلي االتحاد الوطني للقوات الشعبية. فالشيوعيون كانوا يرتأون توقيف اإلضراب بينما كان االتحاديون يدافعون عن فكرة التنسيق مع التالميذ على الصعيد الوطني ،ومتابعة اإلضراب .و قد وجدتني أميل نوعا ما إلى الفريق االتحادي في هذه المعركة بالذات ،بدون أن يكون لألمر طابع عقالني ،بل مجرد اندفاع أماله حماس البدايات ،إذا شئنا التعبير عن ذلك بهذه العبارة .وبعد ذلك التقيت بشباب االتحاد وبعض مناضليه القدامى ،ووجدت نفسي طبيعيا أنتظم في صفوف االتحاد الوطني للقوات الشعبية آنذاك ،ولكن بطريقة جد متقطعة ،ولم تكن منتظمة تماما بمعنى الكلمة .و بعدها كان البد أن أنتظر انصرام الدراسات في ثانوية موالي إسماعيل ،ومجيئي إلى الرباط لمتابعة دراستي في كلية الحقوق ،حتى سمحت الظروف وجعلتني أتصل مباشرة بالمناضلين الذين كانوا يشتغلون في االتحاد الوطني لطلبة المغرب. وكما يحدث بالجامعة في تلك الفترة ،فإن األمور جرت بسرعة كبيرة فيما بعد ذلك ،حيث صرت منخرطا في صفوف الحركة الطالبية ،وفي نفس الوقت منخرطا في االتحاد الوطني للقوات الشعبية ،بل وكنت على مقربة من القرارات الكبرى التي شهدها الحزب والمعروفة بقرارات 30يوليوز ،1972التي حسمت الصراع الذي كان سائدا مع االتحاد المغربي للشغل ،وفتحت الطريق أمام تكوين االتحاد االشتراكي لعقد المؤتمر االستثنائي .وقد كان هذا األمر منعطفا أساسيا في االتحاد. فهذه الفترة بالنسبة لي فترة قوية ،ألنني شاركت في عدد من االجتماعات الحزبية التي كانت تفسر قرارات 30يوليوز ،وتمهد الطريق لعقد المؤتمر االستثنائي.
طبعا السي محمد ،كانت هـذه ،في الحقيقة ،مرحلة تشكل وعيك السياسي
الزعيم عبد الرحيم بوعبيد
في سياقه الفردي ،ثم تلتها مرحلة الحقة سيتبلور هذا الوعي في شكل التزام تنظيمي داخل حزب االتحاد االشتراكي، أريد أن أعرف هذه البدايات التي مهدت النتماء السي محمد األشعري إلى االتحاد االشتراكي. لقد قادتني هذه البدايات ،كما قلت ،إلى االنتظام في صفوف االتحاد االشتراكي ،أوال قبل المؤتمر االستثنائي ،و ما كان قد أثارني في تلك الفترة ،قبل انعقاد المؤتمر ،هو خصوبة ذلك النقاش الذي كان يغديه ،بالدرجة األولى، مناضلون مثقفون ،على رأسهم الشهيد عمر بن جلون الذي استطاع في فترة وجيزة أن يجمع حوله نخبة الحزب آنذاك ،من جامعيين وأدباء ومثقفين ،وطرح معهم فكرة إنجاز نوع من الوثيقة النظرية التي تحسم في كثير من القضايا المتعلقة بهوية الحزب ،و ببرنامجه، وباألفكار األساسية التي ينبغي اقتراحها على المجتمع المغربي ،وبعبارة بسيطة المشروع الذي يجب أن يحمله الحزب في توجهه الجديد. هذه الوثيقة هي التي تبلورت فيما بعد باسم التقرير اإليديولوجي ،وقد كان لها وقع كبير في صفوف العديد من المتابعين ،لماذا ؟ ألن االتحاد الوطني للقوات الشعبية كان تيارا واسعا ضم عددا من الوطنيين والمقاومين والنقابيين كان يجمع بينهم أمر أساسي هو الدفاع عن فكرة كانت سائدة آنذاك ،هي فكرة اليسار أو فكرة االشتراكية .والواقع أن األمر لم يكن واضحا تماما ،كان الهاجس األقوى في هذا التيار هو مقاومة االستبداد ،وما عدى ذلك فاألشياء كانت جد ملتبسة .فبعض الناس يؤمنون باالشتراكية على الطريقة الناصرية ،و بعضهم يؤمن بها على الطريقة البعثية ،وآخرون يؤمنون بها على الطريقة الماركسية ،وكان هناك أيضا مناضلون نقابيون يتسمون بنوع من الواقعية، وأحيانا تكون واقعية انتهازية وتبريرية .في هذا الخليط بقيت فكرة مقاومة االستبداد والحكم المطلق ،كما كانت تكتب جرائد الحزب آنذاك، هي األقوى. ومع انبثاق تيارات يسارية جديدة على يسار االتحاد والحزب الشيوعي طرحت فكرة الهوية اإليديولوجية للحزب ،وخصوصا في الوسط الطالبي ،وفعال كانت هناك حاجة قوية لبلورة فكرة واضحة عن هذه الهوية ،وكان عمر بن جلون قد اهتدى إلى صيغة مناسبة تماما في تلك المرحلة ،يعتبر معها أن االتحاد هو استمرار لحركة التحرير الشعبية في المغرب التي تجلت في المقاومة المستمرة للمستعمر ،وتجلت في التيارات الوطنية الكبرى التي اخترقت المغرب، وأنه في نفس اآلن يؤمن باشتراكية تعطي األهمية للبناء الديموقراطي وليست تلك التي تعتمد على ما كانت عليه ألدبيات الماركسية السوفياتية ،خصوصا على ما كانت تسميه بديكتاتورية البروليتاريا ،بل أن الجملة التي رسخت في ذهن المناضلين أثناء انعقاد المؤتمر االستثنائي ،هي الجملة التي قالها عمر بن جلون في تقديمه للتقرير اإليديولوجي بأن نظرية ديكتاتورية البروليتاريا قد أكل الدهر عليها وشرب. فكل هذه األشياء ..الحزب الجديد الذي أصبح اسمه حزب االتحاد االشتراكي والذي لم يعد شيئا قديما يحيل على مراحل التأسيس األولى ،ثم التميز عما كان سائدا في الوسط النقابي آنذاك ،خصوصا في االتحاد المغربي للشغل ،والدعوة إلى نوع من االشتراكية التي ال تؤمن بدكتاتورية الحزب الوحيد ،وال بديكتاتورية البروليتاريا ،ولكن تؤمن بالبناء
جانب من الحضور خالل المؤتمر االستثنائي 1975 الديموقراطي ،كل ذلك كان له نوع من الجاذبية بالنسبة لي شخصيا بنوع من االعتزاز. بعد المؤتمر االستثنائي أصبحنا أمام حزب حديث بكل ما في الكلمة من معنى ،ليس ألنه جدد اسمه وجدد طريقة تنظيمه واآلليات القيادية التي وضعها المؤتمر االستثنائي ،بل ألنه كذلك أنشأ فكرة حديثة ،فكرة الربط بين الديموقراطية واالشتراكية ،ولم يكن ربطا بديهيا في ذلك الوقت ،وأيضا ،وعلى الخصوص بالنسبة لي شخصيا ،ألنه وضع حدا لنوع من االزدواجية التي كانت سائدة في االتحاد بين تنظيم الداخل وتنظيم الخارج ،بين التنظيم الذي يريد االشتغال بالسياسة والتنظيم الذي يريد أن يشتغل بالثورة ،وبالثورة المسلحة أحيانا .وهذه االزدواجية كانت قد خلقت كثيرا من المآسي في حياة األشخاص وفي حياة الحزب بصفة عامة ،ولم تكن ال مفهومة وال مقبولة، ال من الناحية النظرية وال من الناحية العملية. في المحاكمات الكبيرة التي جرت لبعض االتحاديين على إثر اعتقاالت واسعة ،ارتبطت بأحداث مترتبة عن هذه االزدواجية ،كان االتهام يحاول أن يغرق االتحاديين الماثلين أمامه ،في تهم كبرى كالمس باألمن الداخلي واستعمال العنف ضد الدولة ،ومحاولة تقويض النظام وغيرها من التهم الثقيلة للوصول فيما بعد إلى أحكام باإلعدام وبالمؤبد ،لكن األستاذ ٍ الرحيم بوعبيد ،وهو أحد المدافعين عن عبد االتحاديين الواقفين في قفص االتهام ،كان يردد جملة بليغة أمام المحكمة تقول :إن اختيار أسلوب العنف من طرف هؤالء المناضلين، فيما لو كانت هذه التهم صحيحة ،هو رد فعل على عنف الدولة التي ترفض الديمقراطية للشعب المغربي ،وتضيق الخناق على حرياته وحقوقه.
ومع أننا كنا مقتنعين تماما بهذا الدفاع أو بهذه المرافعة ،فقد كان وجود هذه االزدواجية يتسبب لنا في مشاكل كثيرة في العمل الجمعوي وفي النضال الديموقراطي ،ليس أقلها أن عددا كبيرا من المناضلين ،بعضهم أعرفه شخصيا، قد دفع من حياته ثمنا باهضا ،سنوات طويلة في السجن ،أو تشريدا أو نفيا ،بسبب تلك االزدواجية التي لم يكن لهم بها إطالقا أي علم. والتوضيح الذي حصل سنة 75جعلني شخصيا أحسم بصفة نهائية في أمر انتمائي .فقد أصبح انتماء منتظما قويا يشغل مساحة نقابية ومساحة سياسية .وفيما بعد انخرطت كذلك في العمل االنتخابي الذي دخله الحزب ،وبطريقة كذلك شاملة وقوية .ولكن ما يهمني أن أشير إليه هنا هو أن هذا التوضيح اإليديولوجي، والتوضيح السياسي ،والتوضيح البيداغوجي الكبير الذي قام به عبد الرحيم بوعبيد فيما يخص النضال الديموقراطي ،كل هذا لم يقنع المناضلين االتحاديين فحسب ،بل جاء لالتحاد بسيل كبير من المتعاطفين ،ومن المنخرطين الجدد ،بل وعرف االتحاد بين 75و 80طفرة لم يعرفها أبدا في حياته من قبل ،طفرة تنظيمية كبرى جعلته يصبح حزبا كبيرا يضم كثيرا من الكفاءات والنخب المستنيرة وكثيرا من العمال والطالب والناس البسطاء ،لدرجة أن الحزب كان يوجد في جميع مناطق المغرب ،في أكثرها نأياً عن المركز ،يكفي أن يكون هناك رجل ينتمي لفكرة االتحاد ولتاريخ االتحاد ،ليكون محورا لحركة ذات قوة وذات مصداقية في المنطقة التي يكون فيها. هذا االتحاد طبعا سيتغير فيما بعد كثيرا، ولكن أنا أحتفظ من هذه الفترة بكثير من الذكريات الجميلة وكثير أيضا من القناعات التي ما زلت أحملها معي حتى اآلن .
الشهيد عمر بنجلون