Achamal n° 1016 le 22 Octobre 2019

Page 1

‫محمد األشعري‬

‫ضيف سلسلة «تذكرة سفر»‬

‫الحلقة‬

‫‪11‬‬

‫لقد تأزمت األمور كثيرا بعد انتخابات ‪ 2007‬وحصول االتحاد االشتراكي‬ ‫على المرتبة الخامسة في االنتخابات بعد أن كان‪ ،‬قبل عشر سنوات‪ ،‬قد حصل‬ ‫على المرتبة األولى وحصل كذلك على المرتبة األولى في انتخابات سنة‬ ‫‪ ،2002‬ومما أزم األمور أكثر أن أجهزة الحزب والمناضلين كانوا قد وصلوا‬ ‫إلى درجة كبيرة من اإلحباط بسبب هذه النتائج المحصل عليها‪ ،‬ولم تتح لهم‬ ‫فرصة مناقشة التوجه السياسي الذي سيتخذه الحزب بعد هذه النتائج‪.‬‬

‫القطاع المصرفي والشباب‬

‫هل نتوفر على‬ ‫«أبناك مواطنة» ؟‬

‫الصفحة ‪24‬‬

‫حوار‬

‫صفحة ‪8‬‬

‫السياسي والثقافي‬ ‫في تجربة‬

‫الفنانة الكبيرة‬

‫إعالم جهوي متقدم‬

‫أمل عبد القادر‬

‫صفحة ‪4‬‬

‫املدير امل�س�ؤول ‪ :‬عبد احلق بخات ـ الهاتف ‪ 05.39.94.30.08 :‬ـ الفاك�س ‪05.39.94.57.09 :‬‬

‫?‬

‫العـدد ‪ 1016‬ـ الثمن ‪ 4‬دراهم ـ الثـالثـاء ‪� 23‬صـفـر ‪� 22 / 1441‬إلى ‪� 28‬أكـتوبـر ‪2019‬‬

‫عبد الحميد البجوقي‬ ‫الصفحة ‪9‬‬

‫متى سيعقد‬ ‫اتحاد كتاب المغرب‬ ‫مؤتمره‬

‫كلمة الشمال‬ ‫عبد اإلله المويسي‬

‫فشل اتحاد كتاب المغرب في عقد مؤتمره التاسع عشر الذي كان من المنتظر أن تجري أطواره أيام ‪ 22‬و ‪ 23‬يونيو بمدينة طنجة‪ .‬فشل ألسباب‬ ‫وخلفيات اختلفت وجهات النظر بخصوصها‪ .‬ونتيجة لذلك انبثقت لجنة تحضيرية سميت بـ «لجنة طنجة» أوكل إليها مهمة اإلعداد لمؤتمر استثنائي‬ ‫في مدة قد تمتد لشهرين أو ثالثة أشهر على أبعد تقدير‪.‬‬ ‫غير أن مفاجأة استقالة الرئيس السابق‪ ،‬فيما يبدو‪ ،‬قد أربكت األجندة المتفق عليها بطنجة‪ ،‬واستدعت اجتماعات أخرى طارئة عقدت بالرباط‪،‬‬ ‫وتمخضت عنها لجنة تحضيرية أخرى سميت بـ «اللجنة الموسعة»‪ ،‬وشهدت حضور شخصيات بارزة في المشهد الثقافي المغربي‪ ،‬من بينها رؤساء‬ ‫سابقين لالتحاد‪ ،‬منهم محمد برادة ومحمد األشعري وحسن نجمي‪ ،‬وأسفرت هذه االجتماعات عن إسناد رئاسة اللجنة التحضيرية الموسعة إلى األستاذ‬ ‫مصطفى القباج‪.‬‬ ‫وتفرعت عن «اللجنة الموسعة» لجن صغرى‪ ،‬منها من أوكل إليها مراجعة الترسانة القانونية لالتحاد‪ ،‬ومنها من باشرت االتصاالت لتوفير الشق‬ ‫اللوجيستيكي المتعلق باإلعداد المادي للمؤتمر االستثنائي‪ ،‬على أساس أن يعقد خالل األسبوعين المواليين النتهاء رمضان‪ ،‬بعدها‪ ،‬أرجئ التاريخ مرة‬ ‫ثالثة إلى بداية شتنبر‪.‬‬ ‫ومن وقتها واألخبار تتضارب في شأن تاريخ انعقاد هذه الدورة االستثنائية‪ ،‬وربما في شأن المفاوضات السرية التي بدا أنها شرعت تأخذ طابع‬ ‫«الكولسة»‪ ،‬وربما‪ ،‬طابع االتجاه نحو إبرام كل التحالفات الممكنة القتراح تاريخ بعينه للمؤتمر‪ ،‬أو أسماء بعينها قد تُرشح استباقيا لرئاسة االتحاد‪،‬‬ ‫بعيدا عن كل اآلليات الديموقراطية المفترضة‪ ،‬والتي قد تعطي للمؤتمر مصداقيته وجدواه القانونيين‪.‬‬ ‫وبدل الذهاب بكل وضوح نحو دمقرطة االنتقال إلى المؤتمر‪ ،‬ها نحن نشهد التفافا غامضا حول مستقبل «اتحاد كتاب المغرب»‪.‬‬ ‫كثيرون يتساءلون اليوم حول اآلليات الممكنة للذهاب إلى المؤتمر‪ .‬منهم من يغلب اآللية الثقافية‪ ،‬ومنهم من يرجح اآللية القضائية‪.‬‬

‫جريدة يوميـة جهـوية وطنية ت�صدر م� ً‬ ‫ؤقتـا كـل �أ�سبـوع • الإدارة‪ ،‬التحريـر‪ ،‬الإ�شهـار ‪ 7 :‬مكرر‪ ،‬زنقة عمر بن عبد العزيـز • الربيد الإلكـرتونـي ‪ info@achamal.ma :‬ـ املوقع الإلكرتوين ‪www.achamal.ma :‬‬


‫العدد ‪1016‬‬

‫قطرات مداد‬ ‫ُ‬ ‫• محمد إمغران‬

‫األمن نعمة‬

‫األمن نعمة اليشعر بقيمتها إال من افتقدها‪،‬‬ ‫كما قالت الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي في كلمتها‬ ‫بمقر جمعية «حضانة طنجة» بحي مرشان‪ ،‬عندما‬ ‫حلت بمدينة طنجة‪ ،‬منذ بضع سنوات في زيارة‬ ‫عمل خيري‪.‬ربما قالت ذلك ألنها استحضرت ذكريات‬ ‫مؤلمة وقصصا من حياتها التي عاشتها بلبنان‪،‬‬ ‫أيام الحرب األهلية‪ ،‬كما تذكرت‪ ،‬بال شك‪ ،‬ما تعرفه‬ ‫منطقة الشـــرق األوسط‪ ،‬حيـث الالأمن و»بنادم‬ ‫كياكل بعضو»‪.‬‬ ‫واألمن‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬يعتبر صمام األمان‬ ‫بالنسبة للحركة التجارية واالقتصادية والسياحية‬ ‫وللحالة النفسية للمواطنين وغير ذلك من المجاالت‬ ‫التي تنضبط وتتطور وتتنج في حالة استتباب األمن‪،‬‬ ‫فيكون لها دور هام في الدفع ببالدنا قدما نحو‬ ‫محطات االنتعاش واالزدهارعلى أكثر من مستوى‪.‬‬ ‫هذه األمورال شك قد يتقاسمها معنا الرأي العام‬ ‫ويشاطرنا فيها كل حسب تجربته‪ ،‬وخاصة المواطن‬ ‫الذي كان ضحية سرقة استهدفت دراجته النارية‬ ‫بطنجة‪ ،‬منذ بضعة أيام‪ ،‬بعدما اعترض سبيله أربعة‬ ‫أشخاص كانوا على متن سيارة ثم انتزعوها منه‪،‬‬ ‫تحت التهديد بالسالح األبيض‪ ،‬وتركوه ينظر في‬ ‫ذهول كأن األمريتعلق بزمن السيبة‪ ،‬وربما قال في‬ ‫نفسه‪ ،‬بنوع من الحرقة ‪ »:‬ضاعت دراجتي النارية إلى‬ ‫األبد» ويعلم اهلل ماذا كانت تمثل له هذه الدراجة‬ ‫النارية التي تعتبر عند البعض بمثابـة األيـدي‬ ‫واألرجــل المستعملــة في عملهم وحياتهم‪.‬‬ ‫الضحية اكتفـى‪ ،‬كأيها النــاس‪ ،‬بإشعار قاعة‬ ‫القيادة والتنسيق بوالية أمن طنجة بالواقعة‪ ،‬وهو‬ ‫محبط وغير متفائل بخصوص نتائج هذا اإلشعار‪،‬‬ ‫قبل التنسيق بين قاعــة القيــادة والمجموعات‬ ‫المتنقلة لشرطة النجدة وعناصراألبحاث والتدخالت‬ ‫التابعة للشرطة القضائية التي أوقفت وفي وقت‬ ‫قياسي المشتبه فيهم الثالثة الذين كانوا على‬ ‫متن سيارة يستعملونها في عمليات السرقة‪ ،‬بينما‬ ‫رابعهم سجل في حالة فرار‪.‬‬ ‫وبعد تنقيط المشتبه فيهم تبين أن اثنين‬ ‫منهم موضوع مذكرة بحث على الصعيد الوطني‪،‬‬ ‫بتهم السرقة واعتراض السبيل واالختطاف والحجز‪،‬‬ ‫وبعد عملية البحث والتفتيش ضبطت معهم دراجة‬ ‫نارية أخرى كانوا انتزعوها من صاحبها‪ ،‬تحت‬ ‫التهديد بالسالح األبيض‪ ،‬بمنطقة اجزناية‪ .‬وتم‬ ‫وضع الموقوفين رهن الحراسة النظرية لتعميق‬ ‫البحث‪ ،‬تحت إشراف النيابة العامة‪.‬‬ ‫الحظوا كيف أن صيدا ثمينا تحقق‪ ،‬وتصوروا‬ ‫لوكان الجناة الزالوا طلقاء في الجنان‪ ،‬لكان المزيد‬ ‫من الضرع والزرع في خبركان‪.‬ولوال األمن لما كان‬ ‫لهذا الصيد الثمين وغيره أن يتحقق‪ ،‬ولما عادت‬ ‫الدراجتان الناريتان لصاحبيهما‪ ،‬بعد يأس وفقدان‬ ‫أمل في استرجاعهما‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬إذن‪ ،‬هو األمـن الحقيقي والمنشود الذي‬ ‫يتدخل بأسرع وقت‪ ،‬ويقدم بتفان خدمات لطالبيها‬ ‫ويوقف الجناة ويحمي المواطنيــن‪ ،‬كما يرجع لهم‬ ‫أغراضهم ومحافظهـم ودراجاتهـم النارية وباقي‬ ‫أمتعتهم المسروقــة‪ ،‬وليس األمن الذي يضم في‬ ‫صفوفه عناصريجب إرسالها من جديد إلعادة التربية‬ ‫والتكوين بالمعهد الملكي للشرطــة بالقنيطـــرة‬ ‫أوالتشطيب عليها إلى األبد‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫الثالثـاء ‪� 22‬إلى ‪� 28‬أكـتـوبر ‪2019‬‬

‫يومية جهوية وطنية ت�صدر م� ًؤقتا كل �أ�سبوع‬

‫املوقع الإلكرتوين ‪:‬‬

‫فلسفة أمنية‬ ‫جديدة» ؟‬

‫‪www.achamal.com‬‬ ‫ت�صدر عن مطبعة جريدة طنجة‬ ‫المدير المسؤول ‪:‬‬

‫عبد احلــق بخــات‬ ‫رئيس التحرير ‪:‬‬

‫محمد العطالتي‬

‫عبد الإلـه املـوي�سـي‬

‫‪atlati.mohammed@gmail.com‬‬

‫بعد استقالل المغرب سنة ‪ 1956‬عن‬ ‫اإلدارة الفرنسية المباشــرة‪ ،‬اتجــه البلد‬ ‫بخطوات نحو بنـــاء مؤسساتــه اإلدارية‬ ‫والتنظيمية المستقلة‪ ،‬وكان أمرا طبيعيا أن‬ ‫يشرع في البداية بإيجاد جهاز أمني يعبر عن‬ ‫إرادة السلطة السياسية القائمة في ضبط‬ ‫المملكة من الناحية األمنية بإعتباره وظيفة‬ ‫من وظائف الدولة كشخص معنوي عام‪.‬و‬ ‫هكذا تم اإلعالن‪ ،‬منتصف شهر ماي من عام‬ ‫‪ ،1956‬عن تأسيس جهاز» األمن الوطني»‬ ‫ألول مرة في تاريخ المغرب‪ ،‬واعتبارا لكون‬ ‫البلد كان حديث االستقالل في تلك الفترة‪،‬‬ ‫فقد تم االعتماد في تشكيل الوحدات األمنية‬ ‫األولى على عناصر مغربية لها سابق تجربة‬ ‫خالل فترة الحماية الفرنسية وأخرى التحقت‬ ‫بالجهاز للمرة األولى مباشرة بعد التأسيس‪.‬‬ ‫وقد عملت الشرطة المغربية بعد إحداثها‬ ‫على اإلجابة عن األسئلة األساسية المتعلقة‬ ‫بتأمين الحماية الداخلية للبلد والعمل على‬ ‫تثبيت األمن واالستقرار في أرجاء المملكة‪،‬‬ ‫لكن مع تعقد الوضع السياسي خالل فترات‬ ‫معينة من تاريخ المغرب وظهور قوى سياسية‬ ‫تسعى للحصول على السلطة‪ ،‬جرى‪ ،‬ولو‬ ‫كان ذلك بشكل غير معلن‪ ،‬إقحام «فلسفة‬ ‫القمع» داخل بنية جهاز األمن الوطني‬ ‫بصورة جعلت أفراد األمن‪ ،‬برتبهم المختلفة‪،‬‬ ‫يعتقدون أنهم مصدر القانون وأن القانون‬ ‫يحميهم من المالحقة‪ ،‬وكانت «فلسفة»‪،‬‬ ‫رغم اعتبارها فاسدة من الناحية النظرية‪،‬‬ ‫فإنها كانت فعالة للغاية في حفظ األمن‬ ‫حسب المفهوم الذي جرت بلورته تأسيسا‬ ‫على كون الدولة يجب تكون صارمة وعلى‬ ‫أن رجل الشرطة هو عنوان هذه الصرامة‪.‬‬ ‫لقد كانت السياسة الداخلية للمغرب‪،‬‬ ‫في واقع األمر‪ ،‬موجهة باألساس لقمع القوى‬ ‫المعارضة للنظام‪ ،‬سواء تعلق األمر بقوى‬ ‫تتبنى العنف أو بقوى أخرى كانت الدولة‬ ‫تعتبرها «معادية»‪ ،‬وهو يمكن اعتباره سببا‬ ‫رئيسيا في سيادة عالقة غير رضائية بين‬ ‫الشرطة الوطنية وعموم المواطنين وأنتج‬ ‫الحقا ما كشفت عنه وثائق هيئة اإلنصاف‬ ‫والمصالحة من تجاوزات وانتهاكات جرى‬ ‫التعبير عنها من خالل عبارة موجزة تتحدث‬ ‫عن «سنوات الرصاص»‪.‬‬

‫بعد مرور أزيد من ستيــن عاما على‬ ‫تأسيس جهاز األمن الوطني‪ ،‬يبدو للمالحظ‬ ‫المحايد حجم التغييرات التي طرأت على‬ ‫منهجية عمل الشرطة وممارسة مهامها‬ ‫في العالقة مع «موضوع» األمن الرئيس أي‬ ‫المواطن‪ ،‬حيث صار بإمكان الواحد أن يرصد‬ ‫تلك التحوالت التي طبعت ثقافة المؤسسة‬ ‫األمنية‪ ،‬إذ تمكن الجهاز من تصحيح رؤيته‬ ‫لألمن وأصبح ينتج جيال جديدا من رجال‬ ‫الشرطة هدفهم تحقيق وحفظ األمن مع‬ ‫تجنب الوقوع في اإلخالل بحقوق األفراد‬ ‫والجماعات‪ .‬ويبدو أن هذا التحول «البنيوي»‬ ‫انعكس إيجابا على سلوك الشرطي‪ ،‬إذ أصبح‬ ‫يحضى بالود واالحترام بدل الخشية وعدم‬ ‫الرضا‪ ،‬وهو ما جعل منه تحوال نوعيا وحقيقيا‬ ‫على مستويات األداء والمقاربة‪.‬‬ ‫بعد عقود وسنوات من حالة التجافي‬ ‫والقطيعة التي سادت العالقة بين المواطن‬ ‫المغربي ورجل الشرطة‪ ،‬انتقلت هذه العالقة‬ ‫إلى مستوى آخر ال عالقة له بالسابق‪ ،‬فقد‬ ‫اشتغلت إدارة األمن الوطني‪ ،‬وفق سياسة‬ ‫محمودة‪ ،‬على تبني روح االنفتاح على العموم‬ ‫والتواصل معه بدل االنقطاع عنه‪ ،‬إذ جندت‬ ‫إمكانياتها لالنخـراط في سياسة «األبواب‬ ‫المفتوحــة» وخــالل هــذه «األبواب» التي‬ ‫ِّ‬ ‫نُظمَت دورتُها الثالثة مؤخرا بمدينة طنجة‪،‬‬ ‫بعد مدن كالدار البيضاء ومراكش‪ ،‬تضاعفت‬ ‫أعداد الزوار بشكل الفت‪ ،‬وتمكنوا ألول مرة‬ ‫من التواصل المباشر مع مختلف الوحدات‬ ‫األمنيــة واالطــالع على أساليــب عملها‪،‬‬ ‫والمفرح في ذلك أنه تم في ضيافة لم تكن‬ ‫معهودة في السابق‪ ،‬حيث تعرف المواطن‬ ‫الزائر على األدوار الكبرى التي يضطلع به‬ ‫األمن الوطني‪ ،‬بإعتباره الراعي األول لسالمة‬ ‫المواطن‪ ،‬ما مكنه من تصحيح زاوية النظر‬ ‫بشكل يسمح له بإنتاج رؤية جديدة عن‬ ‫عمل أجهزة الشرطة وصياغة مفهوم متجدد‬ ‫ألدوار األمن الحقيقية وضرورة نسج عالقة‬ ‫تكامل ال تَضادّ‪ .‬وهو ما يمكن اعتباره‪،‬‬ ‫موضوعيا‪ ،‬تأسيسا فعليا ونظريا لـــــ»فلسفة‬ ‫أمنية جديدة»‪.‬‬

‫هيئة التحرير ‪:‬‬

‫عبد اللطيف �شهبون‬ ‫زبيـدة الورياغلـي‬ ‫�أ�سامـة الزكــاري‬ ‫ر�ضوان احدادو‬ ‫هدى املجاطـي‬ ‫محمد العطـالتي‬ ‫محمد �إمغــران‬ ‫محمد �سـدحــي‬ ‫عبد احلـي مفتـاح‬ ‫م�صطفى ال�سباعي‬ ‫اإلدارة واإلشهار والعالقات العامة ‪:‬‬

‫محمد طارق بخات‬ ‫اإلخراج والتصفيف‪:‬‬

‫«جريدة ال�شمال»‬ ‫عنوان التحرير والمراسالت والتسويق‬ ‫واإلشهار ‪:‬‬

‫‪ 7‬مـكـــرر‪ ،‬زنقـة عمــر بــن‬ ‫عبد العزيز ـ طنجــة ـ‬ ‫الهاتــف ‪:‬‬ ‫‪05.39.94.30.08‬‬ ‫‪06.22.45.30.67‬‬ ‫الفاكــ�س ‪:‬‬

‫‪05.39.94.57.09‬‬ ‫الربيد الإلكرتوين ‪:‬‬

‫‪info@achamal.com‬‬ ‫‪achamal2000 @gmail.com‬‬ ‫سحب من هذا العدد ‪:‬‬

‫‪� 10‬آالف ن�سخــة‬ ‫التوزيع‪:‬‬

‫�سبـريــ�س ‪Sapress‬‬ ‫الإيداع القانوين‪99/10 :‬‬ ‫ر‪.‬د‪.‬م‪.‬ك‪:‬‬

‫‪I.S.S.N : 1114-1832‬‬


‫الثالثـاء ‪� 22‬إلى ‪� 28‬أكـتـوبر ‪2019‬‬

‫العدد ‪1016‬‬

‫درد‬

‫شة‬

‫م�صطفى حجاج‬

‫دردشة‬ ‫احتفا ًء بالذكرى المائوية لتأسيس مدرسة الصنائع والفنون الوطنية‪ ،‬نظمت إدارة المؤسسة‪،‬‬ ‫عشية الخميس ‪ 10‬أكتوبر ‪ ،2019‬ندوة في موضوع‪« :‬دور الحاج عبد السالم بنونة في تأسيس دار‬ ‫الصنعة» شارك فيها األساتذة األجالء‪ :‬السفير السيد أبو بكر بنونة‪ ،‬والباحثة السيدة حسناء داود‪،‬‬ ‫والفنان التشكيلي السيد بوزيد بوعبيد‪ .‬وقد ركزت جميعُ العروض على أهمية هذه المؤسسة‪،‬‬ ‫ودورها الكبير في المحافظة على العديد من الحرف التي كانت مهددة باالندثار‪ ،‬وتكوين أجيال‬ ‫من الشبان والشابات‪.‬‬ ‫كما أبرزت الدور الذي قام به المرحوم الحاج عبد السالم بنونة‪ ،‬في تأسيس هذه المعلمة‬ ‫الفنية والتراثية‪ ،‬والبصمات التي كانت له في الحياة العامة للمواطن التطواني ثقافياً وتعليمياً‬ ‫واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً‪.‬‬ ‫الندوة تحدثت أيضاً عن مسيرة المدرسة‪ ،‬وعن فترة ُّ‬ ‫تألقها وازدهارها في عهد الفنان الغرناطي‬ ‫الراحل ماريانو ببرتوشي‪ ،‬وعن أسرار هذا التألق والتوهج‪.‬‬ ‫كما تطرقت لمجال الفنون التراثية والمعمار بمدينة تطوان‪ ،‬منذ عهد سيدي علي المنظري‪،‬‬ ‫وما شهدتْه من تطور ونضوج‪.‬‬ ‫وتحدث المشاركون كذلك‪ ،‬عن واقع المدرسة‪ ،‬واجتهاداتها الحالية‪ ،‬وآفاقها المستقبلية‪،‬‬ ‫والتحديات التي تنتظرها الستمرار أداء رسالتها بجدارة واقتدار‪.‬‬ ‫مدير المدرسة‪ ،‬األستاذ أنس الصردو‪ ،‬استغل تواجد المدير اإلقليمي لوزارة الثقافة بتطوان‪،‬‬ ‫بالقاعة‪ ،‬فالتمس من سيادته إبالغ المسؤولين باإلدارة المركزية‪ ،‬بالخصاص الذي تشكو منه‬ ‫المؤسسة‪ ،‬على مستوى الموارد البشرية‪ ،‬والموارد المالية‪.‬‬ ‫نفس التخوف أبداه بعض الحاضرين‪ ،‬خصوصاً وأن دار الصنعة توشك أن تُبدّل جلدها‪،‬‬ ‫وتتخلى عن مديرها‪ ،‬لبلوغه سن التقاعد‪.‬‬ ‫الحضور كان متميزاً‪ ،‬والجلسة كانت حميمية‪ ،‬والمدعوُّون كانوا عبارة عن أسرة‪ ،‬التأم شملها‪،‬‬ ‫إلطفاء الشمعة المائة‪ ،‬لهذه المؤسسة العتيدة‪.‬‬ ‫تحية شُكر وامتنان‪ ،‬وتقدير واحترام‪ ،‬لمدير المدرسة‪ ،‬األخ أنس الصردو‪ ،‬والطاقم المحيط به‪،‬‬ ‫على الجهود المبذولة‪ ،‬من أجل استمرار هذه المعلمة‪ ،‬والتفكير الجاد في كيفية دخولها – سالمة‬ ‫آمنة – إلى المائة الثانية‪.‬‬

‫ظالل الكتب‪...‬‬ ‫‪-‬‬

‫في رحلة اإلنسان نحو فهم نفسه و ماحوله والماورئيات‪،‬‬ ‫كانت الكتابة والكتاب األداة واإلناء األقدرين على حمل هذه‬ ‫الرحلة المدهشة إلى ما النهاية‪ ،‬ولم تكن رحلة الكتاب نفسه‬ ‫سهلة على مر العصور؛ فقد تعرض في مقامه أو ترحاله للحرق‬ ‫و التآكل و الضياع والنسيان‪ ،‬وللنسخ والتحريف واالنتحال‪...‬‬ ‫و قد استطاعت كتب كثيــرة‪ ،‬رغم كل شيء‪ ،‬أن تفلـت‬ ‫بجلدها أو تقاوم عوادي الزمن وأن تنجو بأعجوبة لتتناقلها‬ ‫األيادي األمينة حتى وجدت لها مكانا ظليال في هذا العالم‬ ‫الحابل بالصراعات المذهبية والفكرية واألحقاد الهوياتية‬ ‫والشخصية‪ ،‬والتناقضات بين إرادة المحو و البقاء‪.‬‬ ‫وفي مسيرتها نحو تسلق مدارج الحضــارة والتمــدن‬ ‫اهتدت الدول قديما وحديثا إلى إنشاء المكتبات اعترافا بقيمة‬ ‫الكتاب كحامل للعلم و المعرفة‪ ،‬للتجارب واألفكار‪ ،‬للهواجس‬ ‫واألحالم‪ ،‬وفتحا ألشرعة النور أمام اإلنسان ليرشف من رحيق‬ ‫أسالفه ويمتلك الوعي الضروري ليكمل العقل البشري مساره‬ ‫في فك المجهول‪ ،‬وحفظا للكتاب كجسر منيع بين الحاضر‬ ‫والماضي والمستقبل‪.‬‬ ‫وظلت الكتب قبل ظهور الطباعة ثم الرقمنة‪ ،‬تعاني‬ ‫من آفات النقصان والبتر‪ ،‬والتشابه والخلط‪ ،‬واالستشكال‬ ‫والغموض‪ ،‬والتعدد والتشتت‪ ،...‬و أمام هذا الوضع اإلشكالي‪،‬‬

‫‪3‬‬

‫عبد الحي مفتاح‬

‫ومن أجل إعادة الحياة للعديد من الكتب ومحاولة استعادة‬ ‫ماكانت عليه‪ ،‬شكال ومحتوى‪ ،‬عندما خطها كتابها بعصارة‬ ‫دمهم واحتراق أعصابهم تحت ضوء الشمس أو فتيل مصباح‬ ‫أو شمعة‪ ،‬تجندت جامعات ونذر علماء وفقهاء ولغويون‬ ‫وفقهاء لغة أنفسهم لهذا األمر الجلل الذي يشبه عمل النمل‬ ‫بما يحتاجه من صبر‪ ،‬وما يتطلبه من حفر وتنقيب‪ ،‬و مقارنة‬ ‫وتركيب‪ ،‬وبديهة وفطنة‪ ،‬وتبحر فيما هو مخطوط و تحليق‬ ‫فيما هو مطبوع أو مرقون‪.‬‬ ‫على هدي شيوخ علم التحقيق سار تالميذ في مشارق‬ ‫األرض ومغاربهــا‪ ،‬ومازالت رحلة تعقب الشــوارد والنوادر‪،‬‬ ‫أسماء األشخاص واألماكن‪ ،‬الحركات والسكنات‪ ،‬الروي‬ ‫والقافية‪ ،‬الحرف والكلمة‪ ،‬الجملة والفقرة‪ ،‬النسخة من الكتاب‬ ‫واألخرى‪ ،...‬مستمرة تغري من أبهرهم كبرياء المكتوب في‬ ‫صناعة التاريخ والحضارة لألمم‪...‬‬ ‫وأنا أكتب هذه الشـــذرات المتواضعة‪ ،‬أستحضر مسار‬ ‫أخوة وصداقة مع أخي العزيز الدكتور محمد مفتاح الخمسي‬ ‫الشفشاوني‪ ،‬شفاه اهلل وخفف آالمه‪ ،‬الذي عشق الكتاب القديم‬ ‫والتحقيق واألندلس حتى سكنته جنة العريف روحيا ورمزيا‪،‬‬ ‫نسأل اهلل أن يبقى قبس من إشعاعه يظل بنوره تالميذه‪،‬‬ ‫وأن ينبت ما زرعه نباتا طيبا في هذه األرض الطيبة التي‬ ‫نحبها جميعا‪ ،‬وأن تكون ذكراه شذى محبة وعرفان وصفاء‪,‬‬

‫المرحوم محمد الميموني ‪:‬‬ ‫استعادات‪2/1 ..‬‬ ‫عبد اللطيف �شهبون‬

‫‪abdelchahboun@hotmail.com‬‬

‫‪ 1‬ـ في مساءات ربيع وصيف الشاون كنت أراه صحبة بعض‬ ‫مثقفي المدينة مطلع ستينيات القرن الماضي‪ ،‬كانوا يتجولون في‬ ‫شارع رئيس مفض الى حديقة «الخصة» أو يجلسون في مقهى‬ ‫مقابل لها‪..‬لم أكن أعلم وقتئذ ـ أن المرحوم محمد الميموني‬ ‫ورفاقه من شبيبة الشورى واالستقالل ‪ ..‬وظل المرحوم وفيا لقيم‬ ‫التقدم بعد التحاقه باالتحاد يوم كان له «مشروع» منحازا إلى‬ ‫صف المعتزلين المتمنعين الرافضين االنــدراج في مصفوفـــات‬ ‫ومنظومات « الريعى»‪..‬‬ ‫‪ 2‬ـ بعد اندراجي في سلك التعليم اهتممت بتجربته الشعرية ‪.‬‬ ‫كان المرحوم الميموني من أصفى األصوات وأعمقها في جغرافية‬ ‫الشعر المغربي المعاصر‪..‬‬ ‫‪ 3‬ـ استوقفتني أعماله في ترجمة نماذج من الشعر اإلسباني ؛‬ ‫خاصة ترجمته لديوان «التمارين» لفدريكو غرثيا لوركا ‪.‬‬ ‫‪ 4‬ـ في أكتوبر ‪ 1998‬ـ وبالدنا تعيش تجربة « التناوب» بقيادة‬ ‫األستاذ عبد الرحمن اليوسفي ـ نظم المرحوم خالد مشبال ـ في‬ ‫إطار برامج ثقافية لوكالة شراع لخدمات اإلعالم واالتصال ـ لقاء‬ ‫ثقافيا لقراءة بعض أعماله ؛ بمشاركة المرحوم محمد الدحروش‬ ‫و حسن بنزيان‪ ،‬محمــد المرينــي‪ ،‬عمر تكمنـــت‪ ،‬وكاتـب هــذه‬ ‫االستعادات‪ .‬اقتصرت مشاركتي على مشروع قراءة لكتابـــه «في‬ ‫الشعر المغربي المعاصر»‪ .‬لم أستند فيها على صرامة منهجية‪ ،‬بل‬ ‫أجلت نظري في جغرافية الشعر المغربي المعاصر من موقعـي‪ :‬أ ـ‬ ‫الكتابة واالبداع‪ .‬ب ـ النقد‪ ،‬مع ما يحمله هذا التوليف من مخاطر‬ ‫ومغامرات ؛ بين ما ينبع من طبقة خفية غامضة ملتبسة ملتهبة‬ ‫بمشاعر وهواجس ونزعــات‪ ..‬وبين ما يتولـد من طبقــة شديدة‬ ‫الوعي والتماسك ‪ ..‬وقد اتخذ المرحوم محمد الميموني من تواريخ‬ ‫دالة ‪:‬‬ ‫‪ ( 1930‬تفاعالت الظهير البربري ) ‪ ( 1933‬إصدار مؤرخ تطوان‬ ‫المرحوم محمد داود لمجلة «السالم») بداية لتأسيس خطاب مغاير‬ ‫وضع أصواتا شعرية مغربية على عتبة التحديث‪ ،‬ثم أقام قراءته‬ ‫على أسس جماليـة تعقلــن االفتتان بيوطوبيات الشعر وإشراقاتها‬ ‫الداخلية بعيدا عن كل رؤى مقيدة ؛ تتوسل بالتحقيب والتجليط ‪..‬‬ ‫بل كانت قراءة المرحوم توقد حواس دهشة وحيرة‪ ،‬وتولد نبرات‬ ‫أسئلة ؛ مثلما أكـد على ذاك شاعـر البيـاض ؛ ناظم حكمة الشاون‬ ‫سيدي عبد الكريم الطبال حفظه اهلل ‪.‬‬ ‫‪ 5‬ـ في يونيه ‪ 2009‬بادر صديقي العزيز الدكتور خالد سليكي‪،‬‬ ‫؛ المقيم في أرض اهلل الواسعة ( رئيس المركز المتوسطي‬ ‫للدراسات واألبحاث وقتئذ) بتنظيم يوم دراسي احتفائي بالمرحوم‬ ‫محمد الميموني‪ .‬شارك في تلك االحتفائيــة الدراسيــة المرحوم‬ ‫خالد مشبال وعبد الكريم الطبــال والمهــدي أخريــف وعز الدين‬ ‫الشنتوف وأحمد هاشم الريسوني ومزوار اإلدريسـي وفاطمة‬ ‫الميمونــي وبهاء الدين الطود وخالد الريسوني ورشيد برهون‬ ‫ومحمد المسعودي ومحمد العربي غجو ومدون هذه االستعادات‪..‬‬ ‫كان اليوم الدراسي‪/‬االحتفائي مناسبـــة للوقــوف على سمـــات‬ ‫وخصوصيـات التجربــة الميمونية في الشعــر والنقــد والترجمة‪..‬‬ ‫لكن من المؤسف أن ما قدم لم يكتب له أن يرى النور لتعميم‬ ‫الفائدة به ‪..‬‬ ‫‪ 6‬ـ في دجنبر ‪ 2013‬نظمت الدكتورة فاطمة الميموني ( رئيسة‬ ‫منتدى روافد للثقافة والفنون بتطوان) حلقة دراسية في كتاب‬ ‫المرحوم «كأنها مصادفات»‪ .‬كان اللقاء مناسبة جليلة أصغى فيها‬ ‫الجمهور المثقف لقراءة عالمة لفقيدنا العزيز الدكتور محمد أنقار‬ ‫‪.‬في سيرة ‪ « :‬كأنها مصادفات» لم يكتب المرحوم محمد الميموني‬ ‫تداعيه المتعالق حركات وإدراكات وخبرات ومشاغل وميوالت وغير‬ ‫ذلك مما هو منتظم في نسق تعاقب وحدثان وجوديين ‪ ..‬عاجزا‬ ‫عن تفسير كل ذلك كما توحي بذلك البنية العنوانية لكتاب ماتع‬ ‫منطو على عالم أكبر‪ ..‬ولم يبن تداعياته السيرذاتية وسروده على‬ ‫ظنيات كما يفهم من الحرف «كأن»‪ ،‬وال يؤسسه على ما قد يفهم‬ ‫من اسم «مصادفة» المحيل على محدودية عقلية ‪ ..‬في التداعيات‬ ‫الميمونة تطالعنا عتبة فلسفية حول مفهوم الزمن ؛ عامه وخاصه‬ ‫‪..‬ومن زمنه الفلوت تنبسط متعاقبات في فضاء الشاون ؛ وهي‬ ‫الجنة التي « التنسى نفسها وهي هاجعة سبات النسيان»‪.‬‬


‫الشمال الفني‬

‫‪4‬‬

‫إشراف الفنان يوسف سعدون‬

‫العدد ‪ 1016‬ـ الثالثاء ‪ 22‬إلى ‪ 28‬أكتوبر ‪2019‬‬

‫الفنانة الكبرية‬

‫أمل عبد القادر‬ ‫أجرى الحوار عبد اإلله المويسي‬

‫ال يستطيع أحد أن ينكر الحضور القوي الذي شكله اسم الفنانة الكبيرة أمل عبدالقادر في وجدان المغاربة‬ ‫على امتداد سنوات من التلقي الفني‪ .‬لقد شكل بروز هذا الصوت المميز فجأة‪ ،‬مع الثمانينيات‪ ،‬والذي كان‬ ‫يحيل في الذاكرة على تجارب راسخة مثل صوت اسمهان‪ ،‬شكل هذا الصوت نقلة نوعية في «ربرتوار»‬ ‫األغنية المغربية‪ .‬بل شكل أيضا اعتزازا مغربيا بهذه اإلضافة الفارقة جراء القوة التي مثلهاهذا‬ ‫الصوت ونوعيته‪.‬‬ ‫اليزال المغاربة يتعلقون بصوت أمل عبدالقادر‪ ،‬بكل تأكيد‪ ،‬لكنهم أيضا يستغربون كون أن‬ ‫هذه التجربة ال تحظى بما يليق بها من تتويج‪ .‬ويعتبرون أن ذلك إخالف للموعد مع تاريخ الجماليات‪.‬‬

‫فنانتنا أمل نبدأ معك بسؤال حول البدايات األولى‬ ‫لاللتقائك بالغناء‪ ،‬والتي ستمنح المغرب هذا الفنانة‬ ‫الكبيرة المميزة؟‬ ‫أوال أشكــر جريـــدة الشمال المتألقــة في فضـاء‬ ‫الصحافة المغربيـــة باختياراتهــا المتنوعة في كل‬ ‫المجاالت المعرفية والفنية ‪ ،‬كما أشكر طاقمها الجاد‬ ‫دائما في إثارة مواضيع حية ومفيدة وشيقة ‪.‬‬

‫أما فيما يخص مسيرتي الفنية فقد ابتدأت سنة‬ ‫‪ 1987‬ـفي مهرجان األغنية المغربية الذي أقيم بمسرح‬ ‫محمد الخامس‪ ،‬حيث توجت فيه بجائزة أحسن صوت‪،‬‬ ‫بعد مشاركتي بأغنية « صبح السعد والسعود» من‬ ‫كلمات سالم القريشي ومن تلحين محمد موصطفة‪.‬‬ ‫ومنذ ذلك الحين ‪،‬و أنا أخوض غمار األغنية بكل عشق‬ ‫وتفان ‪ ،‬ومن إنجازاتي ‪:‬‬

‫ــ مشاركتي في سهرات األقاليم التي كانت تقام‬ ‫في جميع المدن المغربية من طنجة إلى الغويرة‪.‬‬

‫ــ مثلت األغنية المغربية رفقة مطربين ومسرحيين‬ ‫في الكثير من بلدان العالم مثل كندا وأمريكا وفرنسا‬ ‫وانجلترا وسويسرا ‪.‬‬

‫ــ مثلت المغرب في مهرجان األغنية العربية‬ ‫باألردن سنة ‪1996‬م‪ .‬بأغنية « الدنيا لنا» من كلمات‬ ‫خدير الريسوني ومن تلحين عز الدين المنتصر ‪،‬‬ ‫وفزت بجائزة أحسن صوت بين مشاركين يمثلون‬ ‫أربع عشرة دولة عربية ‪ ،‬وكانت مساهمتي هذه فعال‬ ‫انطالقة فنية حول النجومية في ربوع الوطن العربي‪.‬‬ ‫ــ تعاملت مع ألمع الملحنين المغاربة على سبيل‬ ‫المثال ال الحصر ‪:‬عبد القادر رشدي وعبد اهلل عصامي‬

‫وعبد العاطي أمنا وشكيب العاصمي وحسن القدميري‬ ‫وعز الدين منتصر وعزيز حسني وعبد اللطيف‬ ‫السحنوني وسعيد الشرايبي والحاج يونس والكواكبي‬ ‫وغيرهم‪.‬‬ ‫ــ تعاملت مع كتاب كلمات وشعراء مغاربة مرموقين‬ ‫أمثال مالوروان وأحمد الطيب العلج وأحمد وهبي‬ ‫وموالي ادريس بنلفقيه وحسن المفتي ومحمد نجيد‬ ‫وكمال شرف ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬ ‫ــ شاركت بأغنية «يا ساكنا أغوار قلبي» من كلمات‬ ‫محمد مجيد ومن تلحين عز الدين منتصر‪ ،‬في مهرجان‬ ‫األغنية المغربية بمراكش حيث فزت بأحسن صوت‪،‬‬ ‫ــ شاركت بوصالت غنائية وتمثيلية في ملحمة‬ ‫العهد في افتتاح دار األوبيرا بمصر‪.‬‬ ‫ــ في رصيدي الغنائي أكثر من مائة أغنية موزعة‬ ‫بين الوطنية والعاطفية والدينية واالجتماعية تزخر‬ ‫بها الخزانة الوطني‪.‬‬ ‫ــ حصلت على شواهد تقديرية إثر مشاركتي‬ ‫الفعالة في مهرجانات غنائية دينية وروحية‪ ،‬مثل‬ ‫مهرجان وليلي ومهرجان الموسيقى الروحية بفاس‬ ‫‪ ،‬ومهرجان األغنية المغربية بمسرح محمد الخامس‬ ‫‪ ،‬واحتفاليات أخرى أقيمت بطنجة وتطوان والدار‬ ‫البيضاء‪.‬‬ ‫ــ كان لي الشرف أن أحظى بإعجاب الملوك واألمراء‬ ‫العرب‪ ،‬وعلى رأسهم المغفور له السلطان الحسن‬ ‫الثاني طيب اهلل تراه في مناسبات احتفالية كثيرة‪.‬‬

‫أين يمكن تصنيف تجربة الغنــاء عنـــد أمـــل‬ ‫عبدالقادر؟‬ ‫يمكن تصنيف تجربتــــي الغنائيـــة من خــــالل‬ ‫ريبرطواري ضمن األغنية الطربية بصفة عامة ‪،‬فما‬ ‫عدا األغاني الوطنية التي تميل إلى التعبير عن قيم‬ ‫المواطنة ومحاولة ترسيخها في نفوس المواطنين ‪،‬‬ ‫فإن جل أعمالي طربية ‪ ،‬تعود بوجدان المستمع إلى‬ ‫أصالة الزمن الجميل وجماله‪.‬‬ ‫هل الفنانة القديرة أمل راضية عما قدمته لحد‬ ‫اآلن من ريبرتوار؟‬ ‫إن كلمة رضى ال يمكن أن تلصق بكل إنسان‬ ‫طموح يسعى دائما إلى التجديد في أعماله ‪،‬غير أنني‬ ‫أقر أن األعمال التي أنجزت في الزمن الجميل هي‬ ‫التي الزالت تؤثر في ذاتي ‪ ،‬وهذا ال يعني أن األغنية‬ ‫الحالية فقدت لمعانها بل عدم الرقابة دفعت ببعض‬ ‫المتطفلين على الفن إلى أن يشوشوا عليها ‪.‬‬ ‫حضرت الفنانة أمل بقوة في وجدان كل المغاربة‪،‬‬ ‫غير أنها على ما يبدو لم تنل حقها الكافي في‬ ‫إعطائها ما تستحقه من اعتبار يليق بمكانتها‬ ‫الحقيقية‪ .‬إلى ماذا تعزو الفنانة أمل هذا ؟‬ ‫فيما يخص عدم نيلي حقي كافيا ‪ ،‬فهذا صحيح ‪،‬‬ ‫فنظرا لقوة صوتي وانسيابه بسالسة في نفسية كل‬ ‫مستمع ‪ ،‬باعتراف المستمع المغربي والعربي معا ‪،‬‬ ‫فإنني رغم ذلك كنت ولزمن بعيد محاصرة من قبل‬ ‫بعض سماسرة الفن ‪ ،‬و بعض مستغلي النفوذ الذين‬ ‫يقوّمون المطرب وخاصة المطربة وفق شروط مخلة‬ ‫تجبرها على تنازالت قد تخدش كرامتها أو عرضها‬ ‫‪ .‬سوف لن أطيل الحديث حول هذه النقطة ‪ ،‬ألنها‬

‫ح‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ر‬

‫مع‬

‫تمثل لي وصمة عار في جبين من أجرم في حق الفن‬ ‫والفنانين ‪ ،‬بغية تلبية نزواته ‪ ،‬ولكن حاليا والحمد‬ ‫هلل لم يعد أي شيء يخبأ ‪ ،‬ألن اإلعالم المتطور أصبح‬ ‫يكشف المستور ‪.‬‬ ‫ما تقييمك لألغنية المغربية االن؟‬ ‫أصبحت كفة الرديء من األغنية ترجح بقوة ‪،‬‬ ‫والغريب في األمر أن المبرمجين يفضلون ـ إال نادراـ‬ ‫إسماع المتلقي ما تمجه األذن وتنفر منع الذات والعقل‬ ‫‪ ،‬وما يخدش أخالق المجتمع ويساهم في اإلخالل‬ ‫باالحترام والحياء والوقار بين األب وابنه أو ابنته ‪،‬‬ ‫أليست الموسيقى تطهيرا للنفس من كل الشوائب ‪..‬؟‪.‬‬ ‫تميزت الفنانة أمل بأدائها للفن الطربي األصيل‪،‬‬ ‫هل تفكرين في تغيير المسار عبر تبني أساليب‬ ‫توظف التقنيات الحديثة؟‬ ‫لطرب يسكن وجداني منذ أن أصبحت أعي العالم‬ ‫حولي ‪ ،‬فمن الصعب أن أختار نمطا آخر دونه ‪ ،‬ولكن‬ ‫إذا كان التجديد داخل األغنية الطربية بما يالئم العصر‬ ‫وما يؤثر في النفس ويطهرها ويهذبها ‪ ،‬فأهال وسهال‪.‬‬ ‫كيف تنظر الفنانة أمل إلى اهتمام التلفزيون‬ ‫المغربي باألغنية المغربية‪.‬‬ ‫لم يعد التليفزيون يولي اهتماما كبيرا باألغنية‬ ‫بصفة عامة ‪ ،‬ولعل السبب راجع في اعتقادي إلى‬ ‫كثرة البرامج المنوطة به ‪ ،‬فأين هو حيز األغنية‬ ‫وسط نشرات األخبار ‪ ،‬والبرامج الثقافية والرياضية ‪...‬؟‬ ‫ولهذا أصبح المغرب أكثر من أي وقت آخر ونظرا لتنوع‬ ‫األنماط الغنائية المغربية ‪،‬مطالبا بالترخيص إلنشاء‬ ‫قنوات تهتم بالغناء األصيل وبالفولكلورات التي تزخر‬ ‫بها مناطقنا من طنجة إلى الغويرة‪.‬‬ ‫ما العمل الفني الذي تتمنى أمل عبدالقادر لو أنها‬ ‫هي من أدته؟‬ ‫أتمنى غناء أي عمل جميل تتناغم فيه الكلمة‬ ‫الموزونة التي تدخل الوجدان ويتقبلها العقل وتهدف‬ ‫إلى نشر القيم الجمالية واإلنسانية ‪ ،‬مع اللحن الخالي‬ ‫من النشاز‪ ،‬ومع الصوت الصداح ‪ ،‬إن أرشيف اإلذاعة‬ ‫يزخر بأغان جميلة حرمت عنوة من أدائها ‪ ،‬ولن أذكر‬ ‫عناوينها حتى ال أحرج من ظفر بها‪ ،‬رغم أنه لم يعطها‬ ‫ما تستحقه من اإلحساس‪.‬‬ ‫ما الذي تطالب به أمل عبدالقادر المعنيين باألغنية‬ ‫المغربية‪ ...‬مسؤولين‪ ..‬ملحنين ‪...‬مستمعين‪...‬كتاب‬ ‫كلمات ‪ ...‬وغيرهم؟‬ ‫أطالب من أجل خروج األغنية من نفقها المظلم ‪،‬‬ ‫لتعود إلى النور بأن تُحيى لجان االنتقاء واإلجازة من‬ ‫جديد‪ ،‬كما كان في ثمانينيات القرن الماضي ‪ ،‬على أن‬ ‫يُختار أعضاؤها وفق شروط صارمة ‪ ،‬منها أن يكون‬ ‫العضو الحكم كفؤا متمكنا في مجاله الشعري أو‬ ‫اللحني أو الموسيقي ‪،‬و على المسؤولين أن يتمتعوا‬ ‫بحس جمالي وفني وتشاركي في اخياراتهم ‪،‬و أن‬ ‫يكونوا ديمقراطيين في إنصاف الفنانين ‪ ،‬وتصحيح‬ ‫أخطاء منتجي البرامج الفنية ومقيمي السهرات الغنائية‬ ‫الذين يركزون في الغالب على وجوه غنائية دون‬ ‫غيرها ‪ ،‬وكأن المغرب لم يلد إال قلة ‪ ،‬أنا شخصيا مقارنة‬ ‫ببعض الفنانين قلما استدعيت لمهرجانات في حين‬ ‫بعض زمالئي رغم تواضع مستواهم ‪ ،‬نجدهم حاضرين‬ ‫في كل محفل ‪ ،‬مما يزرع الريبة والشك في نفسي ‪.‬‬ ‫فما أحوجنا لمسؤول يؤمن بأن الفن تطهير وتهذيب‬ ‫للنفس وصقل للذوق ورسالة إنسانية ‪.‬و أمانة‪.‬‬


‫العدد ‪1016‬‬

‫الشمال الفني‬

‫‪Corpus‬‬

‫برواق عبلة اعبابو‬

‫الجسد وبالغاته‬

‫نظم رواق عبلة اعبابو بالرباط معرضـــا تشكيليا‪ ،‬تحت عنـــوان‬ ‫‪ ،Corpus‬شهد افتتاحه‪ ،‬مســاء الخميس ‪ 17‬أكتوبــر‪ ،‬حضورا كثيفا‬ ‫للمهتمين بالفن وصانعي المشهد التشكيلي بالمغرب من فنانين‬ ‫وأصحاب أروقة وجماعي أعمال فنية وإعالميين ‪.‬‬ ‫يضم المعرض أعمال كل من الفنانين كريم العلوي‪ ،‬فلورنس‬ ‫ارنولد‪ ،‬ماحي بينبين‪ ،‬فؤاد شردودي‪ ،‬بوشتى الحياني‪ ،‬محمد‬ ‫المرابطي‪ ،‬وكريسطوف ميراليس ‪ .‬وقد حدد صانعوا هذا الحدث‬ ‫الثقافي المتميز تيمة الجسد كمشترك بينهم وكمجال لالشتغال‬ ‫والبحث‪ ،‬كل برؤيته وبأسلوبه وانطالقا من تصوره الخاص‬ ‫لموضوعة الجسد ‪ .‬مما جعل للمعرض خيطا مفاهيميا رابطا رغم‬ ‫تنوع التجارب والخامات والتقنيات ‪.‬‬ ‫و قد عبر كل فنان خالل المعرض عن سفره الذاتي ومرجعيات‬ ‫تناوله لفكرة الجسد فاعتبر الفنان والروائي ماحي بينبين ان وراء كل‬ ‫جسد حكاية يرويها وبالتالي فأعماله تختزل وتقارب هذه الحكايات‬

‫وتقدمها باسلوبه الخاص الذي يحتفي بالمادة البياض واألجساد‬ ‫المتداخلة التي تلخص العديد من تفاعالت الكائن وأنماط وجوده‪.‬‬ ‫بينما اعتبر الفنان فؤاد شردودي الجسد تيمة حاضرة في مختلف‬ ‫أعماله مؤكدا أن اجسادا كثيرة تتحرك بين ألوانه وأصباغه فهي‬ ‫التي في كثير من األحيان تحدد مساحات الفراغ واالمتالء في لوحاته‬ ‫‪،‬و قد رأى أن الجسد‪ ،‬مساحة من الخطوط المتعرجة التي تشكل‬ ‫عالم كل منا وكينونته حضور مادي يتحدد وجوده بالوعي والرغبة‬ ‫كما يعبر عن ذلك سبينوزا ‪،‬الجسد ذلك الشكل الذي ال يمكن رسمه‬ ‫بشكل محايد هناك دائما احاسيس ورغبات وتعبيرات المدهشة‬ ‫تجعل الفنان في تداخل غريب بين ذاته كرسام وموضوع اشتغاله ‪.‬‬ ‫كما اعتبر شردودي ان رسم الجسد صاحبه في أغلب أعمالي‪ ،‬فكان‬ ‫أحيانا ظاهرا يحتفي بلحظة فرح او لحظة انكسار وأحيانا كثيرة كان‬ ‫متخفيا ومتواريا خلف سيل هادر من األسئلة والتأمالت‪،‬‬ ‫يستمر المعرض إلى غاية ‪ 30‬نونبر برواق عبلة اعبابو بالرباط‪.‬‬

‫الثالثـاء ‪� 22‬إلى ‪� 28‬أكتوبر ‪2019‬‬

‫‪5‬‬

‫بيــان فـنـي »‬ ‫«‬ ‫فـنـــي»‬ ‫«بيـــان‬

‫إعداد ‪ :‬يوسف سعدون‬

‫بيان فني‪ ،‬هو سلسلة لقاءات تدشنها الشمال مع مجموعة من المبدعين‪ ،‬يقدم‬ ‫عبرها الضيوف تجاربهم الفنية وانشغاالتهم ومواقفهم‪ ،‬وهو غير ملزم ألي جهة‪..‬‬ ‫بيان هذا العدد يوقعه الفنان التشكيلي �صالح بنجكـان‬

‫أنا الموقع أسفله‪:‬‬ ‫‪ ‬صالح بنجكان من مواليد‪ ‬مراكش‪ ،1986/07/20 ‬رأيت‪ ‬النور بهذه المدينة الجميلة‬ ‫والغنية بضيائها وألوانها وتراثها‪ ،‬ودروبها ‪ .‬مراكش هذه ‪،‬هي كانت لي الخزان و المرجع‬ ‫ومصدر اإللهام‪.‬‬ ‫المسار الفني ‪:‬‬ ‫عشقي للرسم ولأللوان بدأ عندي منذ الطفولة‪ ،‬كبر معي ورافقني عبر مسارات التجريب‬ ‫واالعتماد على الذات‪ ،‬وطبيعي أن يكون مآل هذا العشق ولوج الدراسة لتطوير الموهبة‬ ‫فكانت الدراسة األكاديمية التي منحتني فرص صقل الموهبة واالضطالع على مستجدات‬ ‫الساحة الفنية وكذا معرفة تاريخ الفن‪ ،‬هذه المرحلة أيضا كانت فرصة لالحتكاك مع‬ ‫مجموعة من الطلبة والوقوف على مستواهم وتجاربهم ‪،‬كانت فرصة أيضا للتأهيل لخوض‬ ‫غمار تجربتي الشخصية والتي عرفت التنقل بين مجموعة من االتجاهات والمدارس الفنية‪،‬‬ ‫وكان طبيعي ان تولد عندي هذه المرحلة تراكما فنيا عرف االنطالقة الفعلية في الساحة‬ ‫التشكيلية في الثمانينيات‪ ،‬وامتدت هذه المرحلة إلى حدود التسعينيات التي توجت بالتحاقي‬ ‫بإقامة فنية بباريس سنة ‪،1999‬هذه الفرصة كانت فاصلة في حياتي التشكيلية ألنها منحت‬ ‫لي إمكانيات متعددة لالضطالع المباشر على مستجدات الفنون المعاصرة وغيرت نظرتي‬ ‫للفن عموما‪.‬‬ ‫المشروع الفني ‪:‬‬ ‫مشروعي الفني ينطلق من الذات في عالقتها باآلخر ‪،‬ويعتمد على بناء تصور إبداعي‬ ‫شخصي منفتح على تجارب من يشاطرني نفس الرؤى والتوجهات الفنية ‪،‬ومرجعتيه‬ ‫مرجعية حداثية ال مجال فيها الستنساخ مدارس قديمة‪ ،‬وإيماني بالعمل الجماعي هو سبب‬ ‫انغماسي في العمل المدني (جمعيات صالونات مهرجانات‪ )،‬داخل المغرب وخارجه وذلك‬ ‫إليماني بأن العمل المدني في هذا المجال يلعب دورا كبيرا في نشر الثقافة التشكيلية‬ ‫والجمالية‪،،‬مشروعي أيضا يناقض ما يصطلح عيه بالعصامية ألنها بعثرت أوراق التشكيل‬ ‫المغربي في اآلونة‪ ‬االخيرة‪ .‬وفتحت المجال لكل من هب ودب القتحام هذا الميدان‪ ،‬أتطلع‬ ‫أيضا من خالل هذا المشروع لمد الجسور مع أجناس إبداعية أخرى‪.‬‬ ‫الصالون الدولي للرسم والطباعة الفنية ‪:‬‬ ‫توجهي للعمل الجمعوي دفعني وزمرة من األصدقاء الفنانين للمبادرة لتنظيم هذا‬ ‫الصالون بمدينة الجديدة والذي اختتمت فعاليات دورته الثانية مؤخرا في إطار جمعيتنا‬ ‫‪Pact’art‬‬ ‫هدفه إبراز هذا الجنس التشكيلي‪ ‬في إطار موعد سنوي نسعى لترسيخه وهو منفتح‬ ‫على التجارب الكرافيكية بالمغرب ويتوخى أيضا رد االعتبار لها‪ ،‬نحن نتطلع إلى الحفاظ على‬ ‫هذا المكتسب ونراهن على زيادة عدد محترفات الحفر والليتوغارافيا و السيريغرافيا إضافة‬ ‫إلي الرسم الكالسيكي الذي نعتبره االصل الذي تتبعه الفروع‪.‬‬ ‫واقع التشكيل بالمغرب ‪:‬‬ ‫الفنون التشكيلية بالمغرب هي مرآة للواقع الثقافي عموما وتطورها مرتبط بالسياسات‬ ‫الثقافية الرسمية ‪،‬هي أيضا (سوق الجملة) بتراكم عطائها الذي ال يعكس الجودة دائما‪.‬‬ ‫والتكوين الفني عندنا ضعيف وغير مقنع نظرا لندرة معاهد التكوين وضرب التعليم الفني‬ ‫في المؤسسات الفنية‪ ،‬والفنانون المحترفون تتقاذفهم عواصف القاعات الخاصة والسوق‪ ‬‬ ‫الغير المقننة ‪.‬باإلضافة إلى اللوبيات واألجندات‪ ‬المالية لالستثمار في الفن التشكيلي عبر‬ ‫دور المزادات‪.....‬والمجمعين الخواص والمؤسسات‪ ...‬ومع كل هذا‪ ،‬فأنا متفائل مادامت‬ ‫هناك مبادرات جادة ومشاريع فنية لمجموعة من الفنانين الذين يشتغلون بجدية في أفق‬ ‫تطوير الفنون التشكيلية بالمغرب وجعلها معاصرة‬ ‫ختاما ‪:‬‬ ‫أنا أومن بدور الثقافة والفن في تطور المجتمع‪ ،‬ومن يعمل على تهميشهما فهو‬ ‫يعاكس هذا التطور‪..‬‬ ‫تحياتي وشكرا للشمال‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫الثالثـاء ‪� 22‬إلى ‪� 28‬أكـتـوبر ‪2019‬‬

‫العدد ‪1016‬‬

‫مجتمع ـ سياسة ـ حقوق‬ ‫فكري ولد علي‬

‫(مراسل من الحسيمة‪ /‬الناظور)‬

‫مهيدية وشوراق يتفقدان مشاريع الحسيمة‬ ‫منارة المتوسط‬

‫قام وفد مكون من محمد امهيدية‬ ‫والي جهة طنجة تطوان الحسيمة وفريد‬ ‫شوراق عامل إقليم الحسيمة و المديـــر‬ ‫العام لوكالة تنمية أقاليم الشمال يوم‬ ‫الثالثاء الماضي‪ ،‬بزيارة تفقدية لبعض‬ ‫المشاريع المندرجة في إطـــار برنامج‬ ‫التنمية المجالية إلقليم الحسيمة منارة‬ ‫المتوسط‪ ،‬وذلك للوقوف على وتيـــرة‬ ‫تقدم األشغال و حــث المقـــاوالت على‬

‫التزام معايير الجودة و آجال إنجاز مشاريع‬ ‫المنارة‪ ،‬وشملت هذه الزيارة عدة جماعات‬ ‫باإلقليم للوقوف على المشاريع التالية‪:‬‬ ‫تهيئة منطقــة خضـــراء بميـــرادور‬ ‫الحسيمة و تثبيـــت منحـــدر بكورنيش‬ ‫صباديا الحسيمة ومحطة تحلية ماء البحر‬ ‫بأجدير ‪.‬‬ ‫كما قام الوفد نفسه بزيارة للمركز‬

‫اإلستشفائي اإلقليمـــي بايــت يوســـف‬ ‫أوعلي‪ ،‬و قريــة رياضية (ملعــب‪ ،‬مسبح‬ ‫قاعة مغطـــاة‪ ،‬منتزه (استجمامي) بايت‬ ‫قمرة‪ ،‬والسـوق األسبــوعــي بالرواضي‪،‬‬ ‫وتهيئة وتوسيع ثانوية بالرواضي‪ ،‬كما‬ ‫تم تفقد أشغال توسيع وتقوية الطريق‬ ‫اإلقليمية رقـم ‪ 505‬على طول ‪ 24‬كلم‬ ‫ببني بوفــراح‪ ،‬بتمويـــل من صنـــدوق‬ ‫التنمية القروية‪.‬‬

‫استفادة أزيد من ‪ 200‬مستفيد من حملة طبية‬ ‫بجماعة اسنادة بإقليم الحسيمة‬

‫‪Fikri.press@gmail.com‬‬ ‫‪Tél 0661986707‬‬

‫وزارة أخنوش تفرج عن مشروع‬ ‫توسيع قرية الصيادين “كااليريس”‬ ‫بالحسيمة‬

‫باشـرت وزارة الفالحـة والصيد البحـري‬ ‫والمياه والغابات والتنمية القروية‪ ،‬اإلجراءات‬ ‫العملية لتوسيع قرية الصيادين “كااليريس”‬ ‫بإقليم الحسيمة‪ ،‬بغالف مالي قيمته ‪ 430‬مليون‬ ‫سنتيم‪.‬‬ ‫وأعلنت المندوبية اإلقليمية للصيد البحري‬ ‫بالحسيمة‪ ،‬عن طلبات عروض إلنجاز هذا‬ ‫المشروع‪ ،‬الذي من شأنه أن يساهم في تحسين‬

‫ظروف اشتغــال العامليـن في قطـاع الصيد‬ ‫التقليدي والمهن المرتبطة به‪.‬‬ ‫ويأتي هذا اإلجراء‪ ،‬عقب زيارة عزيز أخنوش‬ ‫للمنطقة في وقت سابق‪ ،‬استجاب ًة لمطلب‬ ‫الصيادين بتوسيع الطاقة اإلنتاجية للثلج من ‪4‬‬ ‫إلى ‪ 7‬أطنان‪.‬‬ ‫كما ستشمل تدابير توسيع قرية الصيادين‪،‬‬ ‫تجهيز قوارب الصيد بالصناديق العازلة الحديثة‬ ‫حفاظاً على جودة السمك‪.‬‬

‫مشروع ساكنة تالرواق نواحي‬ ‫الحسيمة يرى النور‬ ‫قامت لجنة إقليمية موسعة يوم السبت‬ ‫‪ 12‬أكتوبر الجاري‪ ،‬بجماعة اساكن لإلشراف على‬ ‫انطالق االشغال بتجزئة بالد تالرواق‪ ،‬وذلك في‬ ‫إطار برنامج إعادة إسكان دوار تالرواق استجابة‬ ‫لسلسلة من االجتماعات والملتمســـات التي‬ ‫رفعتها الساكنة لعامل اإلقليم‪.‬‬ ‫و يمتد هذا المشروع على مساحة تقدر ب‬ ‫‪ 52‬هكتاراً بتكلفة إجمالية ‪ 293‬مليون درهم‬ ‫بتمويـــل من وزارة الداخليــة ووزارة اإلسكان‬ ‫والتعمير‪.‬‬ ‫وقد كلفت شركــة العمران فاس بإنجاز‬ ‫أشغال صفقة إنجاز الطرقات والتطهير السائل‬ ‫في ظرف زمني أقصاه ‪ 22‬شهرا‪.‬‬ ‫كما حضــرت ساكنــة تالرواق إلى عين‬ ‫المكان للوقوف على انطــالق هذا المشـــروع‬

‫السكني الهام الذي يشمل جميــع المرافــق‬ ‫االجتماعية الضرورية والمراكز التجارية‪ ،‬مما‬ ‫سيمكن جماعة اساكن من إقالع تنموي هام‬ ‫ويجعل منها قطبا حضريا يستقطب االستثمارات‬ ‫خصوصا في المجال السياحي‪.‬‬

‫إيقاف مروجي مخدرات أمام مؤسسات‬ ‫تعليمية‬

‫استفاد حوالي ‪ 200‬شخص من ساكنة‬ ‫جماعة اسنادة بإقليم الحسيمة‪ ،‬يوم أمس‬ ‫السبت‪ ،‬من حملة طبية متعددة التخصصات‪،‬‬ ‫نظمتها جمعية األمل للتنمية النسائية بني‬ ‫يطفت‪ ،‬وذلك بتنسيق مع جمعية النساء‬ ‫المقاوالت من الحسيمة‪ ،‬وبتعاون مع المندوبية‬ ‫اإلقليمية للصحة‪.‬‬ ‫وتهدف هذه الحملة الطبية إلى تقديم‬ ‫المساعدة الطبية لساكنة جماعة اسنادة‪ ،‬حيث‬ ‫تم تقديم استشارات طبية وتوزيع األدوية‬ ‫بالمجان‪ ،‬والقيام بأنشطة توجيه وتحسيس‬ ‫لألطفال حول الممارسات الصحية الجيدة‪.‬‬

‫وشملت هذه الحملة الطبية اختصاصات‬ ‫الطب العام وقياس وتصحيح البصر‪ ،‬كما تم‬ ‫تقديم أدوية بالمجان وتوعية المرتفقين من‬ ‫طرف طاقم طبي وشبه طبي متكون من ثالثة‬ ‫أطباء‪.‬‬ ‫وفي هذا السياق‪ ،‬أوضحت السيدة فاطمة‬ ‫الزهراء الوزاني‪ ،‬رئيسة جمعية األمل للتنمية‬ ‫النسائية بني يطفت بجماعة اسنادة بإقليم‬ ‫الحسيمة‪ ،‬في تصريح لوكالة المغرب العربي‬ ‫لألنباء‪ ،‬أن تنظيم هذه الحملة الطبية لفائدة‬ ‫سكان جماعة اسنادة‪ ،‬يندرج في إطار العمل‬ ‫االجتماعي للجمعية‪ ،‬الهادف إلى تحسين جودة‬

‫الخدمات الصحية وتقريبها من المواطنيــن‪،‬‬ ‫وذلك عبر تنظيم قوافل طبية مجانية متعددة‬ ‫التخصصات لفائدة الفئات الهشة القاطنة‬ ‫بالبوادي والمناطق النائية باإلقليم‪.‬‬ ‫ودعت رئيسة الجمعية إلى تكاثف الجهود‬ ‫بين المسؤولين وممثلي جمعيــات المجتمــع‬ ‫المدني عبر تنظيم حمالت طبية مماثلة لتلبية‬ ‫االحتياجات الطبية والصحية لساكنـة المناطق‬ ‫النائية بالعالم القروي‪ ،‬وخصوصـــا الفئــات‬ ‫الهشة‪.‬‬

‫أحالت الضابطة القضائية التابعة للدرك‬ ‫الملكي بميضار‪ ،‬على وكيل الملك بالمحكمة‬ ‫االبتدائية بدريوش‪ ،‬متهمين بترويج المخدرات‬ ‫واألقراص المهلوسة بالمنطقة ذاتها الثالثاء‬ ‫الماضي‪ .‬وتمكنت عناصر الدرك الملكي بجماعة‬ ‫ميضار‪ ،‬تحت إشراف قائد المركز الترابي‪ ،‬أخيرا‬ ‫من اعتقال مشتبه في ترويجهم المخدرات‬ ‫والمؤثراتالعقلية‪.‬‬ ‫وأكدت مصادر متطابقة أن عملية إيقاف‬ ‫المعنيين باألمر جاءت في إطار حملة تمشيطية‬

‫باشرتها مصالح الدرك الملكي بالعديد من‬ ‫المناطق التابعة لنفوذها الترابي بجماعة ميضار‪،‬‬ ‫وتفاعال مع شكاية بعض آباء التالميذ دعوا‬ ‫إلى وضع حد لترويج حبوب “االكستازي” أمام‬ ‫المؤسساتالتعليميةبالمدينة‪.‬‬ ‫وجرى وضع المعنيين باألمر تحت تدابير‬ ‫الحراسة النظرية‪ ،‬في إطار البحث الذي تشرف‬ ‫عليه النيابة العامة المختصة‪ ،‬قبل إحالتهم على‬ ‫العدالة لتقول كلمتها األخيرة في الملف‪.‬‬


‫‪7‬‬

‫الثالثـاء ‪� 22‬إلى ‪� 28‬أكـتـوبر ‪2019‬‬

‫العدد ‪1016‬‬

‫مجتمع ـ سياسة ـ حقوق‬ ‫عبد العالي بن ربوحة‬

‫(مراسل من القصر الكبير‪/‬العرائش)‬

‫حوار مفتوح مع الشاعر والروائي محمد األشعري‬ ‫حول تجربته اإلبداعية ضمن فعاليات‬ ‫مهرجان الشعر‬

‫نظمــت الجمعيــة المغربيــة لإلعـــالم‬ ‫الوسائطي‪ ،‬بتنسيق مع الجامعة للجميع حوارا‬ ‫مفتوحا مع الشاعر والروائي محمد األشعري‬ ‫تمحور حول تجربته اإلبداعية‪ ،‬وذلك في إطار‬ ‫فعاليات مهرجان القصر الكبير للشعر واإلبداع‬ ‫المنظم تحت شعار «األدب ‪ :‬الذاكرة واألمكنة‬ ‫يوم الجمعة ‪ 11‬أكتوبـر ‪ ،2019‬أدار فقراتــه‬ ‫الدكتور مصطفى الغرافــي واألستاذة راضية‬ ‫العمري‪.‬‬ ‫في بداية اللقاء تحــدث عن تجربتــه‬ ‫اإلبداعية‪ ،‬قال األشعري إن “الكتابة عنده إن في‬ ‫الشعر أو الرواية تعني الحياة‪ ،‬والوفاء للهواجس‬ ‫المختلفة التي تثري بداخلي الفضول للبحث عن‬ ‫القيمالجمالية”‪.‬‬ ‫ففي الشعر مثال يقول األشعري‪“ ،‬أنا أؤمن‬ ‫بأن السياق الجمالي يجعل من الكتابة ذريعة‪،‬‬ ‫إلعادة رصد الواقع بصور إبداعية مختلفة‪ ،‬فأنا‬ ‫اكتب النتصر للقيم جمالية وإنسانية كانت‬ ‫وألحقق متعة ذاتية”‪.‬‬ ‫وبخصوص الكتابـــة الروائيــة‪ ،‬يضيــف‬ ‫األشعري‪“ ،‬عندما اكتب أي عمل‪ ،‬تجدني قريبا‬ ‫من الشعر‪ ،‬حيث أبقى وفيا لهواجسي اللغوية‬ ‫التي اكتسبتها في الشعر”‪.‬‬ ‫ويؤكد األديب أن الرواية يجب أن تكون‬ ‫منسجمة مع الرؤى المختلفة حول العالم‪ ،‬فأنا‬ ‫“جئت للرواية قادما من كتابة القصة لكني بقيت‬ ‫مرتبطا بالشعر الذي ينسجم مع كياني”‪.‬‬ ‫وأضاف أن “تجاربنا اإلبداعية هي مقاومة‬ ‫للتحرر من مساحات واسعة في اللغة وما‬

‫انتابها من بثور‪ ،‬ونفس الشيء نقوم به في‬ ‫الرواية عندما نستجلي تفاصيل من حياة الناس‬ ‫اليومية واألحداث التاريخية‪ ،‬لننسج بها حياة‬ ‫أخرى مختلفة للحياة التي نعيشها”‪ ،‬مضيفا أن‬ ‫“ما ننجزه في األدب عموما يجعلنا نحب الحياة‬ ‫البسيطة كما هي حتى في تعقدها وتشابكها‪،‬‬ ‫وهذا هو المخرج لنا من التيه الذي نعيشه”‪.‬‬ ‫وأكـد الشاعــر والروائــي المتميــز محمد‬ ‫األشعري أن الشعر هو جوهر كل كتابة أدبية‪،‬‬ ‫على أساس أن “الطموح األساس في عملية‬ ‫الكتابة ال يتمثل في مجرد بناء نص مالئم‬ ‫للجنس األدبي الذي ينتمي إليه‪ ،‬وإنما يكمن في‬ ‫بناء رؤية شعرية داخله‪.‬‬

‫وأشار األشعري في هذا اللقاء « أنه يخاطب‬ ‫جيال جديدا بنوع من المكاشفة المهم في حياة‬ ‫اإلنسان العثور على سبيله الخاص والعثور‬ ‫باختيار حر »‪.‬‬ ‫وسجل أن «أن كثيرا من الكتب غيـــرت‬ ‫حياتنا وغيرت العالم غيرت طريقة تفكيرنا في‬ ‫الخير والشر والرجل والمرأة في الحياة‪ ،‬وما بعد‬ ‫الحياة »‪.‬‬ ‫وقد كان اللقاء مثمرا حيث أن الروائي‬ ‫أمطر الحضور بغنى تجربته اإلبداعية التي ظلت‬ ‫وستظل شاهدة على فكر وتطور متميز ‪.‬‬

‫العرائش ‪ :‬المكتب المحلي للنقابة الوطنية للصحة (ك د ش )‬ ‫تندد بتردي الوضع الصحي باإلقليم‬ ‫أصدر المكتب المحلي للنقابة الوطنية‬ ‫للصحة المنضوي تحــــت لــواء الكنفدرالية‬ ‫الديمقراطية للشغل بالعرائش يوم الثالثــاء‬ ‫‪ 8‬اكتوبر ‪ 2019‬بيانا سجل فيه غياب اإلرادة‬ ‫الحقيقية والواضحة للمسؤولين في التعامل‬ ‫بايجابية مع القضايا الملحة باإلقليم ‪.‬‬ ‫وأكد البيان أن قطـاع الصحــة باإلقليم‬ ‫يعـــاني خصاصا مهــوال وخطيــرا في الموارد‬ ‫البشريـــة‪ ،‬وتجهيزات مهترئـــة ومتقادمة‪،‬‬ ‫واستمرار أشغـــال الهــدم والبنــاء داخــل‬ ‫المستشفى لسنوات طويلة (سياسة الترقيع)‪،‬‬ ‫مما شكل ويشكل عرقلــة متواصلة للقيام‬ ‫بالواجب المهني وفق شروط مقبولة‪.‬‬ ‫المكتب المحلي للنقابة الوطنية للصحة‬ ‫يحمل المسؤولية كاملة لإلدارة الصحيـــة‬ ‫محليا وإقليميا في توفيــــر الموارد البشرية‬ ‫الضرورية قبل الشروع في تدشين بنايات فارغة‬ ‫(المستشفى المحلي القصر الكبير )‪.‬‬ ‫ويطالب اإلدارة المحلية واإلقليمية للصحة‬

‫باالستماع والتجاوب مع الشغيلة الصحية وذلك‬ ‫بتوفير الشروط الضرورية المالئمة للعمل‬ ‫المنتج لخدمـات صحيــة في مستوى تطلعات‬ ‫ساكنة اإلقليم ‪.‬‬

‫المكتب المحلي للنقابة الوطنية للصحة‬ ‫يعلن عن برنامجه النضالي التصاعدي ويحمل‬ ‫المسؤولية الكاملة للمسؤولين على القطاع‬ ‫في توفير األوضاع باإلقليم ‪.‬‬

‫الوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء‬ ‫بالقصر الكبير تتخذ إجراءات استباقية لمواجهة فصل الشتاء‬ ‫اتخذت الوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء‬ ‫والكهرباء القصر الكبير ‪ ،‬مجموعة من اإلجراءات‬ ‫االحترازية لمواجهة فصل الشتاء ‪.‬‬ ‫وتهم هذه اإلجراءات والتدابير‪ ،‬تنفيذ برنامج‬ ‫شامل إلزالة األوحال وتنقية البلوعات بمختلف المحاور‬ ‫الطرقية والشوارع‪.‬‬ ‫هذا وقد عرفت الحملة انطالقتها من شهر‬ ‫شتنبر إلى أكتوبر تنقية فواهات تسريب مياه األمطار‬ ‫‪2251‬متر ‪ ،‬وتنقية قنواة الصرف الصحي ‪11300‬متر‪،‬‬ ‫وذلك من أجل ضمان السير العادي للحياة اليومية‬ ‫للمواطنين ‪.‬‬ ‫وفي نفس السياق اتخذت الوكالة المستقلة‬ ‫الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء بالقصر الكبير تعبئة‬ ‫كل آلياتها‪ ‬الستقبال موسم الشتاء والحرص على‬ ‫سالمة المواطنين وممتلكاتهم‪ ،‬وستعمل طواقم‬ ‫الوكالة على مدار الساعة تفاديا ألي طارئ ‪.‬‬

‫‪benrebouha01@gmail.com‬‬ ‫‪Tél : 0641794991‬‬

‫‫القصر الكبير ‪ :‬السلطات المحلية تشن‬ ‫حملة لمحاربة سقي األراضي الفالحية‬ ‫بمياه الصرف الصحي‬

‫في إطار حملتها لمحاربة السقي بمياه‬ ‫الصرف الصحي للمنتوجات الفالحية انتقلت‬ ‫صبـــاح يـوم الجمعــة ‪ 11‬أكتوبر ‪ 2019‬لجنة‬ ‫محلية مختلطة تحت رئاسة السيد رئيس الدائرة‬ ‫الحضرية المرينة إلى األراضي الفالحية التابعة‬ ‫لنفوذه الترابي‪ ،‬وذلك بعد توصل سلطات‬ ‫الدائرة الحضرية المرينة بإخبارية تؤكد قيام أحد‬ ‫المزارعين بسقي المنتوجات الفالحية بالمياه‬ ‫العادمة للصرف الصحي بالقرب من حي السالم‬ ‫بالد الصرصري ‪.‬‬ ‫حيث تمت معاينة وجود معدات و أنابيب‬ ‫معدنية وبالستيكية تقدر ب ‪ 40‬مترا من‬ ‫األنابيب المخصصة والمعدة للسقي بإحدى‬ ‫الضيعات الفالحية السالفة ذكرها كانت‬ ‫موضوعة بالقرب من إحدى بلوعات قنوات‬

‫الصرف الصحي المتواجدة بعين المكان‪ ،‬فتم‬ ‫حجز األنابيب ووضعها بالمحجز البلدي بالمدينة‪،‬‬ ‫كما تم تحرير معاينة بهذا الشأن ‪.‬‬ ‫وقد شارك في هذه الحملة التطهيرية‬ ‫كل من السيد رئيس الدائرة الحضرية المرينة‬ ‫قائد رئيس الملحقة اإلدارية الثالثة والسيد قائد‬ ‫رئيس الملحقة اإلدارية الخامسة وممثل عن‬ ‫مصلحة الشؤون االقتصادية والتنسيق بالدائرة‬ ‫الحضرية المرينة وممثل عن الجمعية المغربية‬ ‫لحماية المستهلك وعناصر األمن الوطني‬ ‫والشرطة اإلدارية التابعة للمجلس الجماعي‬ ‫لمدينة القصر الكبير ‪.‬‬ ‫وقد استحسنت الساكنة المجاورة القيام‬ ‫بهذه العملية التي تروم محاربة السقي بالمياه‬ ‫العادمة وذلك ما يتسبب في انعكاسات سلبية‬ ‫على صحة المواطن ‪.‬‬

‫جمعية رقادة الجديدة للتنمية والتواصل‬ ‫تطالب بتوفير وسائل النقل بين حي رقادة‬ ‫والمدينة‬

‫راسلــت جمعية رقادة الجديدة للتنمية‬ ‫والتواصل كال من عامل إقليم العرائش و رئيس‬ ‫جماعة العرائش و باشا المدينـة بتخصيص‬ ‫حافلة للنقل الحضري تؤمن الخط الرابط بين‬ ‫حي رقادة والمدينـة ‪ ،‬و ذلك نظـرا لإلكراهات‬

‫المتعددة التي تواجهــها ساكنة حي رقـــادة ‪.‬‬ ‫تأتي هذه المطالب من أجل رفع المعاناة التي‬ ‫تتكبدها الساكنة في كثير من األحيان من أجل‬ ‫التنقل إلى مدينة العرائش ‪.‬‬

‫الجمعية المغربية لحقوق اإلنسان فرع العرائش‬ ‫تحيي اليوم العالمي للقضاء على الفقر‬

‫إحيا ًء لليوم العالمي ضــد الفقــر‪ ،‬نظــمت‬ ‫الجمعية المغربية لحقوق اإلنسان فرع العرائش‬ ‫يوم الخميس ‪ 17‬أكتوبر ‪ ،2019‬وقفة احتجاجية‬ ‫بساحة التحرير تحت شعار‪« :‬نضال وحدوي‬ ‫ضد الفقر والقهر االجتماعي‪ ،‬ومن أجل الكرامة‬ ‫والعدالة االجتماعية »‪.‬‬ ‫و قــد شـارك في الوقــفـــة االحتجاجيــة‬

‫عدد من الفعاليات والهيئـــات الديمقراطية‬ ‫واالجتماعيـــــة والسيــاسيــة والحقــــوقيـــة‬ ‫بالمدينـة‪ ،‬حيث رفـــع المحتجون بالمناسبة‬ ‫شعارات تنديدية ضد سياسة التفقير و التجويـع‬ ‫و القمــع الممنهجة ‪ ،‬كما استنكروا بشدة واقـــع‬ ‫البطالة و التهميـــش و اإلقصاء الذي تعيشه‬ ‫المنطقة‪.‬‬


‫العدد ‪1016‬‬

‫الثالثـاء ‪� 22‬إلى ‪� 28‬أكـتـوبر ‪2019‬‬

‫القطاع المصرفي والشباب‬

‫?‬ ‫‪8‬‬

‫هل نتوفر على «أبناك مواطنة»‬ ‫بقلم ‪ :‬الدكتور عبد الحق بخـات‬

‫في يوم الجمعة ‪ 11‬أكتوبر الجاري‪ ،‬ألقى الملك محمد السادس خطابًا أمام أعضاء مجلسي البرلمان بمناسبة افتتاح الجلسة األولى من السنة التشريعية الرابعة‪.‬‬ ‫وقد حث جاللته القطاع المصرفي الوطني على االنخراط بالتزام أكثر قوة و أكثر إيجابية متفاعال مع الدينامية التنموية التي تشهدها البالد‪ .‬ينبغي أن يركز هذا الجهد على‬ ‫تمويل االستثمار‪ ،‬ودعم األنشطة اإلنتاجية‪ ،‬وتوفير فرص العمل وتنمية الدخل‪ ،‬وعلى وجه التحديد تطوير برنامج خاص لدعم الشباب المتضررين بشدة من البطالة‪ ،‬في أفق‬ ‫تمويل مشاريع األعمال الحر‪.‬‬ ‫من الواضح أن هذا البرنامج يتضمن بعض المرونة في معالجة طلبات الحصول على قروض للمقاولين الشباب المتخرجين‪ ،‬ولكن أيضًا للشباب العاملين في القطاع غير‬ ‫الرسمي‪ ،‬مع العلم أن البطالة تصل إلى ‪ 9.8٪‬من الشباب‪ ،‬منها ‪ ٪ 17.2‬من الخريجين و ‪ ٪ 3.4‬من الذين تتراوح أعمارهم بين ‪ 15-24‬سنة دون دبلوم‪ .‬على المستوى الحضري‬ ‫‪ ٪ 43.2‬من الشباب هم في حالة البطالة‪.‬‬ ‫وقال الملك ‪« :‬يتعين على البنوك تبسيط وتسهيل إجراءات الوصول إلى الحصول على القروض‪ ،‬واالنفتاح أكثر أمام مقاولي القطاع الحر‪ ،‬وتمويل المقاوالت الصغرى‬ ‫والمتوسطة»‪.‬‬ ‫اليوم‪ ،‬تركز المؤسسات المصرفية التي تبحث عن ربح فوري وخال من المخاطر فقط على المقاوالت الكبرى‪ ،‬واالستثمارات في الخارج‪ ،‬مما يعطي نظرة سلبية لفئات معينة من‬ ‫الشعب‪..‬‬ ‫من اآلن فصاعدا‪ ،‬ولكي تصبح «البنوك مواطنة»‪ ،‬يتعين عليها أن تشارك بقوة في ديناميكية التنمية‪ ،‬وأن ترافق األنشطة التي تولد فرص العمل‪ ،‬وتحقق التكامل االجتماعي‪-‬‬ ‫المهني‪.‬‬ ‫كل هذه االعتبارات تقودنا إلى السؤال التالي‪« :‬هل لدى مصارفنا وجه إنساني كافٍ التخاذ الخطوة نحو تشجيع المقاولين الشباب‪ ،‬وتبسيط المساطر أمامه للحصول على‬ ‫القروض الممكنة‪ ،‬واالنفتاح على ذوي المشاريع الحرة‪ ،‬وتمويل المقاوالت الصغرى والمتوسطة؟ »‪.‬‬ ‫بالتأكيد ستنجح التجربة إذا تحقق شرط ال غنى عنه‪ ،‬ويتعلق األمر بااللتزام المسؤول للمواطنين تجاه احترام التعهدات المبرمة مع البنوك‪.‬‬ ‫بدءاً من التقرير الدرامي لـ ‪ ٪ 43.2‬من شباب المدن عاطلين عن العمل‪ ،‬ومن المساطر‬ ‫المعقدة أمام وصول الشباب إلى القروض‪ ،‬وهزالة دعم الحاصلين على الديبلومات والمقاوالت‬ ‫الصغرى والمتوسطة‪ ،‬يعتقد الملك محمد السادس أن القطاع المصرفي والمالي هو حجر‬ ‫الزاوية في أي استراتيجية للتنمية‪.‬‬ ‫مع وضع ذلك في االعتبار‪ ،‬حث جاللته البنوك على الوفاء بالمهمة العظمــى التي تقــع‬ ‫على عاتقهم فيما يتعلق بالتنمية‪ ،‬مذكرا أن الديناميكية االقتصادية تبدأ انطالقا من تطوير‬ ‫المعامالت المصرفية‪ .‬وقد دعا جاللته أيضا الحكومة وبنك المغرب بالتنسيق مع المجموعة‬ ‫المهنية لبنوك المغرب‪ ،‬قصد العمل على تطوير برنامج خاص لدعم الشباب‪ ،‬وتمويل مشاريعهم‬ ‫الذاتية على أساس عالقة متوازنة مبنية على الثقة بين الطرفين‪.‬‬ ‫وبالتالي‪ ،‬مع ضمان مصالح البنك‪ ،‬تهدف هذه الخطة إلى تعزيز‪ ،‬بطريقة مريحة‪ ،‬الوصول‬ ‫إلى القروض والخدمات المصرفية‪ ،‬وخلق فرص التكامل المهني واالقتصادي لجميع المواطنين‬ ‫بشكل عام‪ ،‬وألكبر عــدد ممكن من‬ ‫الشباب المؤهلين من مختلف الفئات‬ ‫االجتماعية‪ ،‬والعامليــن في القطــاع‬ ‫غير الرسمي‪ ،‬على وجه الخصوص‪،‬‬ ‫لتمكينهم من االنخــراط في ريـــادة‬ ‫األعمال والحصول على أفضـــل فرص‬ ‫النجاح‪.‬‬ ‫«نظرًا لتأثيرهــا اإليجابــي على‬ ‫العديد من األسر وعلى المجتمع ككل‪،‬‬ ‫من الضــروري أن نستلهــم التجارب‬ ‫الناجحة للمنظمات الممولة للمقاوالت‬ ‫التي يديرها الشباب‪ ،‬وبالتالي تسهيل‬ ‫اندماجهم االجتماعي والمهني‪ ».‬قال‬ ‫الملك‪ ،‬مصرا على أن الديناميكيــة‬ ‫االقتصادية تمر بتطــور المعامــالت‬ ‫المصرفية‪ ،‬رغبة في إثبات أن معدل‬ ‫الخدمات المصرفية للسكان المغاربة‬ ‫قد تضاعف ثالث مرات خالل العقدين‬ ‫األخيريــن‪ ،‬ومؤكــدا على أن البنـــوك‬ ‫يجب أن تضاعف جهودها لزيادة نسبة‬ ‫المغاربة الذين يتوقــون للخدمــات‬ ‫المصرفية وخطط التمويل‪ .‬وبذلك‬ ‫سيكون الطرفان قادرين على االستفادة منه بموجب منطق التوازن واإلنصاف‪ ،‬مما يفيد عملية‬ ‫التنمية في نهاية المطاف‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإن جاللته يصر على أن البرنامج المخطط لن يحقق أهدافه إذا كان المواطنون‬ ‫الذين يتلقون القروض ال ينخرطون بكل مسؤولية‪ ،‬وال يحترمون االلتزامات الناجمة عن‬ ‫القروض المتعاقد عليها‪.‬‬ ‫وفي الختام‪ ،‬ناشد الملك المؤسسة التشريعية‪ ،‬وكذلك القطاع الخاص‪ ،‬وخاصة القطاع‬ ‫المصرفي‪ ،‬لالنضمام إلى جهود التنمية الوطنية‪ ،‬والمساهمة في نجاح المرحلة الجديدة التي‬ ‫تنخرط فيها البالد‪.‬‬ ‫في الواقع‪ ،‬كان المال دائمًا مصدر قلق إنسانيً‪ ،‬وفي مجتمعنا المعاصر‪ ،‬من دون المال‪ ،‬ال‬ ‫يمكن تطوير أي نشاط‪ .‬هذا التأكيد صحيح لألفراد عندما يرغبون في شراء عقار‪ ،‬كما هو الحال‬ ‫بالنسبة للشركات التي تقرر االستثمار لتحسين أدائها‪ .‬كالهما يلجأ إلى المؤسسات القارضة‬ ‫للحصول على األموال التي تحتاجها‪.‬‬ ‫المعاملة االقتراضية هي العملية التي يتيح بها البنك مبلغًا محددًا لطرف يسمى المقترض‪،‬‬ ‫في مقابل التزام األخير بدفع الفائدة البنكية المتفق عليها إلى المصرف وإعادتها إليه في‬ ‫الموعد المحدد‪ .‬للحصول على تعويض‪ ،‬وهو مبلغ يعادل الذي تم منحه له‪.‬‬ ‫لهذا‪ ،‬يعتمد القرض على الثقة ولكن أيضًا على اآلليات القانونية التي يمكنها بناء الثقة‪.‬‬ ‫والسؤال هو ما إذا كانت مخاوف المصرفيين وعمالئهم المقترضين ستظل موجودة‪ ،‬على‬ ‫الرغم من هذه الحماية القانونية؟‬

‫تظهر عدم الثقة وقت فحص الملف المقدم إلى البنك من قبل المقترض‪ ،‬بد ًءا من حقيقة‬ ‫أن المؤسسة المصرفية تحرص على إحاطة نفسها بكل الضمانات الممكنة من أجل تجنب‬ ‫الوقوع في مشكلة مع المتعامل معها‪ ،‬وخاصة في حالة الديون المتأخرة وعدم القدرة على‬ ‫السداد‪.‬‬ ‫على الرغم من أن العقود البنكية هي‪ ،‬بشكل عام‪ ،‬عقود معيارية‪ ،‬إال أنه يجوز للمصرف‪ ،‬مع‬ ‫ذلك‪ ،‬إعادة هيكلتها وف ًقا لصفات مقترض معين وإمكاناته ومراجعه‪.‬‬ ‫سنتحدث إذن عن عقد تم التفاوض عليه وتكييفه حسب الحالة‪.‬‬ ‫هنا يُجبر فيه بعض المقترضين على االلتزام ببنود خاصة‪ ،‬في حالة رفض ملفاتهم‪.‬‬ ‫حتى أوائل عام ‪ ،2016‬لم يكن المقترض المستعجل للحصول على األموال المقترضة يطلع‬ ‫على شروط وأحكام العقود‪ ،‬ولم يكن يأخذ حتى الوقت الكافي لقراءة البنود المصرفية بعناية‪.‬‬ ‫وهكذا يحد‪ ،‬بشكل كبير‪ ،‬من مجال المناورة في حالة وقوع مشكلة‪.‬‬ ‫لكن منــذ أبريــل ‪ ،2016‬ومـــع‬ ‫ذلك‪ ،‬كان على المؤسسات اإلقراضية‬ ‫االمتثال اللتزام إصدار عرض مسبق‬ ‫ألي مقدم طلب للتمويل قبل التوصل‬ ‫إلى اتفاقية القرض النهائي‪ .‬يحتوي‬ ‫هــذا العـــرض على مجموعـــة من‬ ‫المعلومات التي تمكن المقترض من‬ ‫تقييم طبيعة ونطاق االلتزام المالي‬ ‫الذي سيشترك فيه وشروط تنفيذ‬ ‫اتفاقية القرض الخاصة به‪.‬‬ ‫على وجه التحديد‪ ،‬تأخذ ‪OPC‬‬ ‫مبلغ صافي االقتراض مع وبدون فوائد‪،‬‬ ‫وشروط وسومة التأمين‪ ،‬ومدفوعات‬ ‫المبلـــغ اإلجمالـــي (رســوم معالجة‬ ‫الملف ‪ )...‬والسعر الفعلي العام الذي‬ ‫يدعم ويحمي المقترض بالفعل‪ .‬على‬ ‫سبيل المكافأة‪ ،‬يوفر العرض السابق‬ ‫معلومــات عن الشروط المطبقة في‬ ‫حالة التقاضي‪.‬‬ ‫بهذه الطريقة‪ ،‬لــدى المقــترض‬ ‫الوقت الكافــي لمعرفـــة ما يفعلــه‬ ‫بالضبط‪.‬‬ ‫وتجدر اإلشارة في النهاية إلى أن دور المقاوالت الصغرى ومتوسطة الحجم في التنمية‬ ‫االقتصادية واالجتماعية للبلد معترف به بقوة على المستوى العالمي‪.‬‬ ‫في المغرب‪ ،‬أهمية ‪ PME‬اقتصاديا مؤكدة‪ .‬فهي تمثل ‪ ٪ 93‬من الشركات‪ ،‬وتخلق ‪٪ 50‬‬ ‫من الوظائف‪ ،‬وتساهم بنسبة ‪ ٪ 20‬في الناتج المحلي اإلجمالي‪ ،‬و ‪ ٪ 30‬من الصادرات ‪ ،‬و ‪٪ 4‬‬ ‫في اإلنتاج‪.‬‬ ‫لهذا السبب تطورت عالقة البنك مع الشباب في السنوات األخيرة‪.‬‬ ‫في الواقع‪ ،‬لم يعد يُنظر إلى البنك على أنه مؤسسة ال يمكن الوصول إليها و«متكبرة»‪،‬‬ ‫ومخصصة حصريا لألثرياء‪ ،‬ولكن كمؤسسة سمحت لبعض المواطنين من ذوي الدخول‬ ‫المنخفضة والمتوسطة بالحصول على المكتسبات أو إقامة مشروع تجاري‪.‬‬ ‫مع وضع ذلك في االعتبار‪ ،‬تضاعف البنوك جهودها لمحاولة جذب الشباب في سن مبكرة‪.‬‬ ‫في الواقع‪ ،‬فإن الشباب‪ ،‬يمثلون جزء كبيرًا من السكان المغاربة‪ ،‬ولذلك يجب على البنوك‬ ‫االحتفاظ بها بأي ثمن‪.‬‬ ‫يتعلق األمر بإشارة اعتراف اجتماعي بأن ما تتطلبه الحاجة اليوم هو تسهيل وتعزيز ذلك‬ ‫كما طلبه الملك‪ ،‬وحسب آمال المواطن‪.‬‬ ‫والهدف هو نفسه بالنسبة للجميع‪ :‬إخراج الشباب من عدم االستقرار والتهميش االجتماعي‪،‬‬ ‫وضمان مستقبل أفضل وأكثر أمانًا للوطن بأكمله‪.‬‬


‫العدد ‪1016‬‬

‫‪ZOOM‬‬

‫‪9‬‬

‫الثالثـاء ‪� 22‬إلى ‪� 28‬أكـتـوبر ‪2019‬‬

‫محطات تتفاعـل من خاللها جريدة «الشمال» سياسيــاً مع األحـداث‬ ‫والوقائع المستجدة بالمجتمع المغربي‪ ،‬تحرص فيها على عرض وجهات‬ ‫نظر مختلف المرجعيات والتعبيرات السياسية المكونة للنسيج المغربي‪.‬‬

‫السياسي والثقافي في تجربة‬

‫عبد الحميد‬ ‫البجوقي‬ ‫عبد الحميد والسياسة ؟‬

‫أو باألحرى سؤال السياسة وعبد الحميد‪ ،‬هو سؤال يحضرني منذ‬ ‫أن بدأ يتشكل لذي وعي سياسي وأنا تلميذ في مدينة البيضاء بثانوية‬ ‫األزهر أو المعروفة باألرميطاج في سبعينيات القرن الماضي‪ ،‬وبعدها‬ ‫في مجموعة مدارس محمد الخامس في الرباط التي كان يديرها‬ ‫أحد أقطاب الحركة الوطنية المرحوم عثمان جوريو ‪ .‬كان ذلك في‬ ‫السبعينيات من القرن الماضي ‪ ،‬وكان المغرب يمر بمرحلة دقيقة من‬ ‫تاريخه السياسي‪ ..‬ال أدري إلى أي حد كان اهتمامي بالشأن السياسي‬ ‫اختيارا حرّا‪ ،‬كان المغرب يمر مما عرف بسنوات الرصاص واحتدام‬ ‫المواجهة بين النظام وأحزاب الكتلة الوطنية وبروز ما سمي باليسار‬ ‫الجذري‪ .‬لم تكن اهتماماتي السياسية تتجاوز الشعور بغضب خام‬ ‫تتقاذفه خطابات سياسية تتراوح بين ما كان يسمى باليسار الجذري‬ ‫و آخر معتدل يتصدره االتحاد االشتراكي للقوات الشعبية‪ ،‬أتذكر اليوم‬ ‫الحوارات التي جمعتني بمناضلين ساهموا في تأطيرنا كشباب يفيض‬ ‫بالحماس‪ ،‬وانتهت بانخراطي في صفوف الشبيبة االتحادية بعد‬ ‫التحاقي بالجامعة‪ .‬في كلية الحقوق بالرباط سنة ‪ 1980‬انخرطت في‬ ‫االتحاد الوطني لطلبة المغرب‪ ،‬ووجدتني في خضم الصراع الذي انفجر‬ ‫في االتحاد االشتراكي للقوات الشعبية‪ ،‬وتموقعت حينها فيما عرف بتيار‬ ‫رفاق الشهداء الذي أصبحت ممثال له في تعاضدية االتحاد الوطني‬ ‫لطلبة المغرب بكلية الحقوق‪ .‬لم أكن أتصور وأنا أخوض التجربة أنني‬ ‫امتطيت قطار السياسة دون رجعة‪ ،‬وأن اختياري سيقودني إلى المنفى‪،‬‬ ‫كنت أعتقد أن حماسي عابر‪ ،‬وكنت كغيري من الشباب نعتبر أن‬ ‫التجربة عابرة‪ ،‬وأن مستقبال ينتظرنا خارج أسوار الكلية‪ ،‬كانت‬ ‫أحالمي كثيرة‪ ،‬أبرزها أن ألتحق بسلك القضاء‪.‬‬ ‫كنت أعتقد ببراءة أن انخراطي في السياسة لن يتجاوز‬ ‫أسوارالجامعة‪ ،‬لكن بعد قمع النظام الشرس واألحكام الخيالية‬ ‫التي صدرت في حقي بعد انتفاضة ‪ ،1984‬وجدت نفسي حينها‬ ‫متابعا بملف ثقيل لم أكن أتصوره‪ ،‬انتابني مزيج من الشعور‬ ‫بالرعب والغضب والغبن والتشظي‪ ،‬وجدتُ نفسي في يوم‬ ‫من أيام أبريل من سنة ‪ 1984‬وأنا أمتطي قاربا صغيرا يشق‬ ‫بحر المتوسط الهادئ‪ ،‬كانت أشعة الشمس تطل ذلك الصباح‬ ‫من أفق بعيد وتنتشر على سطح ماء أزرق‪ ،‬في صمت رهيب ال‬ ‫يكسره سوى هدير أمواج خفيفة وصوت محرك القارب الصغير‪،‬‬ ‫عاد بي خيالي حينها إلى صور حياة قصيرة تركتها ورائي محملة‬ ‫بذكريات صاخبة في مسقط رأسي بمرتيل‪ ،‬وبعدها في تطوان‬ ‫بعد وفاة الوالد وعمري ال يتجاوز خمس سنوات‪ ،‬ثم دراستي في‬ ‫البيضاء والرباط‪ ،‬كانت رحلة لن أنساها على اإلطالق‪ ،‬انتابني‬ ‫حينها شعور غريب بالفقد والتشظي واالقتالع واأللم‪ ،‬كان القارب‬ ‫يقطع المسافة بين الضفتين ببطء وأنا في جلبابي الرمادي‬ ‫أشعل السيجارة تلو األخرى ‪,‬أسترق النظر إلى صديقي البحار الذي كان‬ ‫يتظاهر بتصفيف شباك الصيد واالستعداد لنصبها‪ .‬حينها اقتنعت أن‬ ‫السياسة اختارتني لخوضها في زواج كاثوليكي ال يسمح باالنفصال‬ ‫عنها أو طالقها‪ ،‬وابتعادي اليوم عن الفعل السياسي ال يعني أنني‬ ‫أصبحت طليقها‪.‬‬

‫عبد الحميد والثقافة؟‬

‫الهم الثقافي كان حاضرا في تجربتي السياسية‪ ،‬وكان المشهد‬ ‫الثقافي المغربي حينها يرافق السياسي في الدفاع عن الحرية والحداثة‬ ‫والديموقراطية‪ ،‬كانت مرحلة انخرط فيها المثقف المغربي في الشأن‬ ‫السياسي وتبوأ مكانته في التأطير والتأثير والفعل المباشر‪ .‬أسماء‬ ‫المعة رافقت حينها الحراك السياسي في المغرب ولعبت دورا طليعيا‬ ‫في الصراع السياسي الذي كانت تدور رحاه بشراسة‪ ،‬الئحة طويلة من‬ ‫المفكرين والمبدعين والفنانين ساهموا حينها في تأطيرنا وتوجيهنا‪،‬‬ ‫اليمكن في تقديري الفصل بين السياسي والثقافي في عالقتهما‬ ‫بالمجتمع وبالنضال من اجل العدالة والحرية وحقوق االنسان‪ ،‬وبرزت‬ ‫حينها أسماء ّأثرت في جيلنا بشكل كبير‪ .‬بعضها كانت تتحمل‬ ‫مسؤوليات سياسية مباشرة سواء داخل األحزاب التقدمية أو في إطارات‬ ‫نقابية وجمعوية‪ ،‬لم يكن المغرب استثناء في انخراط المثقف في‬ ‫السياسة وانخراط السياسي في الثقافة‪ ،‬أتذكر اليوم ببعض الحسرة‬ ‫الدور الطليعي التحاد كتاب المغرب في تأطير المجتمع ومواجهة قمع‬ ‫النظام‪ ،‬والعديد من المجالت الثقافية والفكرية‪ ،‬والمبادرات الجمعوية‬

‫الرائدة التي كانت تتموقع في جبهة الدفاع عن الحريات والعدالة‬ ‫والديموقراطية‪ ،‬ونفس األمر كان مع األغنية الملتزمة والمسرح‬ ‫والسينما‪ ،‬كانت النوادي السينمائية المنتشرة في المغرب واجهة‬ ‫لتأطير الشباب ومعْبرا لإلنخراط في الشأن السياسي‪ .‬عالقة السياسي‬ ‫بالثقافي ال يعني أن يرتبط االبداع بأجندات سياسية بعينها‪ ،‬وال أن‬ ‫يكون تابعا لها‪ ،‬بقدر ما هو ارتباط يتعلق بدور الثقافة في تشكيل‬ ‫الوعي‪ ،‬وفي عالقة الثقافة بهموم المجتمع‪ ،‬ال يمكن للثقافة أن تتطور‬ ‫إذا لم تتواصل بمحيطها االجتماعي وبهموم المجتمع‪ ،‬هذه العالقة‬ ‫بين الثقافي والسياسي كانت ِّ‬ ‫مؤطرة لجيلنا في السبعينيات من القرن‬ ‫الماضي‪ ،‬واستمرت كذلك بعد انتقالي االضطراري إلى المنفى‪ .‬كانت‬ ‫تجربة فريدة تلك التي عشتها في المنفى‪ ،‬وجدت نفسي فجأة في خضم‬ ‫المشهد السياسي االسباني الحديث العهد بالديموقراطية‪ ،‬التقيت‬ ‫بالعديد من المنفيين والمغتربين من جنسيات مختلفة‪ ،‬نسجتُ‬ ‫عالقات قوية مع مغتربين من أمريكا الالتينية‪ ،‬عالقات جمعنا فيها‬ ‫الشعور المشترك بالفقد والتشظي وألم االقتالع‪ ،‬كانت فرصة نهلت‬ ‫فيها الكثير من األدب الالتيني وقرأت لقامات كبيرة من أدباء وروائيين‬ ‫المعين‪ ،‬وعايشت بعضهم من الالجئين في إسبانيا‪ .‬كان لهذا االنتقال‬ ‫ألقسري إلى الضفة الشمالية تأثير كبير على اهتماماتي الثقافية‪،‬‬ ‫اهتمام تطور بعد زياراتي المتكررة ألمريكا الالتينية‪ ،‬وبعالقات شاءت‬ ‫الصدف أن أنسجها مع بعض المثقفين اإلسبان‪ ،‬أذكر منهم بشكل‬ ‫خاص الكاتب االسباني خوان غويتيصولو‪.‬‬

‫كان لالغتراب والنفي القسـري دور كبير في انخراطـي بالعمـل‬ ‫السياسي شأني في ذلك شأن أغلب المغتربين والمنفيين في‬ ‫العالم‪ ،‬لكن انخراطي في العمل النقابي والسياسي رافقه منذ البداية‬ ‫اهتمام متزايد بما هو ثقافي تمّ تتويجه أواسط تسعينيات القرن‬ ‫الماضي بتنظيم لقاءات ثقافية منتظمة أهمها «اللقاء بين ثقافتين»‬ ‫الذي كانت تنظمه جمعية العمال والمهاجرين المغاربة في إسبانيا‬ ‫المعروفة بأتيمي‪ ،‬ستة لقاءات تمحورت حول إشكاليات ثقافية وفكرية‬ ‫بين الضفتين‪ ،‬وشاركت فيها أسماء وازنة من المغرب وإسبانيا‪ ،‬كما‬ ‫ساهمتُ في تأسيس مجلة «دفاتر الشمال» وكنت عضوا في هيأة‬ ‫تحريرها‪ ،‬وكانت مجلة رائدة تركت بصماتها في المشهد الثقافي‬ ‫العربي‪..‬‬ ‫عالقتي بالكتابة التي كانت في البداية تقتصر على مقاالت رأي في‬ ‫جريدة الباييس االسبانية وبعدها جريدة الموندو‪ ،‬وأخرى في بعض‬ ‫المنابر المغربية والعربية انتهت بإصدار كتابي األول باالسبانية عن‬ ‫المشهد السياسي المغربي يحمل عنوان « االنتقال السياسي في‬ ‫المغرب» تلتها إصدارات عدة بالعربية عن الهجرة وعن الصراع السياسي‬ ‫في المغرب‪ ..‬وبعد سنوات من اعتزالي للفعل السياسي المباشر قررت‬ ‫خوض تجربة الكتابة الروائية مدفوعا برغبة ظلت ترافقني خالل سنوات‬ ‫المنفى‪ ،‬رغبة في التفريغ والتعبير عن شعور المنفي‪ ،‬عن شعور التمزق‬ ‫الذي رافقني في المنفى وال يزال‪ ،‬رغبة في وصف عناصر القلق والتيهان‬ ‫التي ترافق المنفيين وتحديات االندماج والعالقة باألنا والغير واآلخر‪.‬‬ ‫وكانت رواية «عيون المنفى» باكورة أعمالي الروائية تبعتها روايتان‬

‫عن المنفى « حكايات المنفى» والمشي على الريح التي صدرت سنة‬ ‫‪ ،2019‬هي في نهاية المطاف ثالثية المنفى‪ ،‬تصف المُعاش واليومي‬ ‫من تحديات الهجرة والمنفى‪.‬‬

‫جدلية المثقف والسياسي عند عبدالحميد؟‬

‫أن يخوض المثقف غمار السياسة ال يعني بالضرورة أية قيمة‬ ‫مضافة للسياسة‪ ،‬أو للتدبير السياسي‪ ،‬بل هناك نماذج لمثقفين أخفقوا‬ ‫في تدبير الشأن السياسي‪ ،‬بالمقابل نجد نماذج أفلح فيها السياسي‬ ‫في تدبير الشأن الثقافي والرفع من مستواه‪ ،‬عالقة السياسي بالمثقف‬ ‫ترتبط أساسا بقدرة هذا األخير على التأثير في السياسة‪ ،‬أن يتحول‬ ‫المثقف إلى قوة ضغط تُحرك الرأي العام‪ ،‬قوة قادرة على مراقبة‬ ‫السياسي وتوجيهه‪ .‬في المقابل على الثقافي أن يأخذ مسافة من‬ ‫السياسي وأن ال يكون تابعا له‪ ،‬على الثقافة أن تكون مُشاكسة وأن ال‬ ‫تخضع للتوجيه السياسي‪ .‬هي فعال عالقة جدلية تقوم على التفاعل في‬ ‫اتجاهين دون أن تخضع الثقافة للسياسة‪.‬‬ ‫فيما يتعلق بجدلية المثقف والسياسي في تجربتي المتواضعة‪،‬‬ ‫فهي تقترن حتما بتجربة المنفى‪ ،‬تقترن بتيهان السياسي والكاتب‬ ‫المنفي الذي يقف في بالد لم ينشأ فيها وعينه ترنو إلى بالده ـ كما‬ ‫يقول أمين معلوف ـ ‪ ،‬هو نفسه الذي يعود إلى بالده وعينه ترنو إلى‬ ‫بالد احتضنته‪ .‬تجربة المنفى تطبع عالقة المثقف بالسياسة‪ ،‬عالقة‬ ‫تستمد ـ في تقديري ـ مادتها من النفور والتراوح بين هويات‬ ‫متعددة ومتباينة‪ ،‬هي كتابة ال تخلو من األلم‪ ،‬هي كتابة كاشفة‬ ‫وجريحة تقوم على فرضية تفكيك عقدة انتماء متعدد‪ ،‬وهوية‬ ‫هجينة غير راضية عن ذاتها وعناصر ُّ‬ ‫تشكلها‪ ،‬هي كتابة عابرة‬ ‫للحدود الثقافية والجغرافية والتاريخية والدينية‪ ،‬هي كتابة‬ ‫تتسم بالقلق الوجودي والسخط العارم‪ .‬عن هذه الجدلية أريد‬ ‫الحديث في هذا الحوار‪ ،‬عن جدلية الكتابة والهوية والمنفى‪،‬‬ ‫عن كتابة تتسم بالقلق الوجودي‪ ،‬ويسكنها الحراك واالنشقاقية‬ ‫والسخط‪ ،‬يقول عنها الروائي العراقي عبداهلل ابراهيم أنها‬ ‫كتابة مدوِّنة‪ ،‬كاشفة لمصائر البشر ومعاناتهم مع العنف‬ ‫والمالحقة والطرد وتمزيق الشمل والهيام في األرض بحثا عن‬ ‫أماكن بديلة‪ ،‬وعن أمان خادع‪ ..‬وهي في نظري بحث سيزيفي‬ ‫عن عودة ال تكتمل‪ ،‬ورغبة مستمرة في العودة إلى حيث ال‬ ‫أدري‪ ،‬هي بحث عن هوية ال تستقيم‪ ،‬وانتماء ال يكتمل‪ ،‬ورغبة‬ ‫في تكسير السياجات الثقافية البليدة ـ بليدة في نظر المنفي‬ ‫طبعاـ‪.‬‬ ‫بعد فترة من االستقرار‪ ،‬أو باألحرى اإلقامـة في إسبانيــا‬ ‫اكتشفت أنني رهينة لقلق دائم‪ ،‬قلق االنتماء المتعدد‪ ،‬قلق‬ ‫هوية لم تعد تلك التي رافقتني‪ ،‬وأخرى حاضنة تحاول تجريدي من‬ ‫هويتي األصل‪ ..‬كابوس االنتماء المتعدد القادم من أصل هجين يجمع‬ ‫بين العنصر األمازيغي والعربي واإلفريقي والموريسكي‪ ،..‬انتماء لم‬ ‫أتبين معالمه وعمقه إ ّال بعد أن ابتعدت عن وطني‪ ،‬حضرتني حينها‬ ‫تجربة األنا االفريقية واآلخر في رواية «حجول من شوك» للروائيــة‬ ‫السودانية بثينة خضرمكي‪ ،‬تعاني بطلة الرواية نصرة قلق االنتماء‪،‬‬ ‫ألنها لم تستطع حسم أمر انتمائها إلى السودان العربي أم اإلفريقي‪،‬‬ ‫تعتز بسودانيتها وبأصلها الهجين الذي يجمع بين العنصر العربي‬ ‫والعنصر االفريقي‪ ،‬لكنها لم تحس بالقلق اتجاههما إ ّال بعد أن ابتعدت‬ ‫عن وطنها‪..‬‬ ‫عبر تجارب بعض المثقفين الذين تحملوا مسؤوليات سياسية‪ ،‬هل‬ ‫انتصروا للثقافي عبر السياسي‪ ،‬أم العكس؟‬ ‫دور المثقف في تقديري أن ينتصر للسياسي‪ ،‬أن يستفز عناصر‬ ‫التغيير والحداثة‪ ،‬أن يرافق هموم المجتمع‪ ،‬شرط أن ال يفقد استقالليته‪،‬‬ ‫التجارب التي عرفتها أو عايشتها لمثقفين خاضوا غمار السياسة‬ ‫وتحملوا مسؤوليات سياسية‪ ،‬باءت أغلبها بالفشل‪ ،‬دور المثقف في‬ ‫تقديري يقتصر على دعم مشاريع التغيير‪ ،‬ونادرا ما ينجح في التدبير‪.‬‬ ‫للمثقف دور بارز في توجيه السياسات ومراقبتها وتأطيرها‪ ،‬المثقف‬ ‫ضمير األمة الذي يساهم في تقويم السياسات‪ ،‬لكنه في نظري غير‬ ‫قادر على مواجهة إكراهات تدبيرها والتفاعل مع توازناتها‪ .‬نماذج كثيرة‬ ‫يمكن استحضارها في التجربة االسبانية التي عرفتها عن كثب‪،‬وأخرى‬ ‫في عالمنا العربي وغيرها‪.‬‬


‫العدد ‪1016‬‬

‫الثالثـاء ‪� 22‬إلى ‪� 28‬أكـتـوبر ‪2019‬‬

‫‪10‬‬

‫توصيات الجامعة الصيفية في دورتها السابعة بالحسيمة حول‬

‫مسلك ”قيم التسامح وتأصيل مبادئ االختالف والتعايش“‬

‫على وقع اإلشادة تختتم فعاليات الجامعة الصيفية في دورتها السابعة بالحسيمة حول‬ ‫مسلك”قيم التسامح وتأصيل مبادئ اإلختالف والتعايش“‬ ‫حيث اختتمت بالحسيمة‪ ،‬مساء يوم األحد ‪ 6‬اكتوبر ‪ 2019‬والتي كانت قد عرفت تنظيم عدة‬ ‫فقرات من محاضرات وورشات ومعرض فوتوغرافي وخرجة بحرية وابداع لوحة جدارية‪ ،‬امتدت على‬ ‫مدار ‪ 3‬ايام‪.‬‬ ‫في البداية تطرق السيد ياسين الرحموني رئيس جمعية ريف القرن ‪ 21‬في كلمته‪ ،‬للظروف‬ ‫المصاحبة إلطالق هذه الدورة‪ ،‬كما أشار إلى كل الوقائع المرتبطة بالتظاهرة‪ ،‬وقد عمل بعدها‬ ‫على فسح المجال للطلبة الحاضرين والمشاركين للتعبير في مائدة مستديرة عن ارتسماتهم‬ ‫ومالحظاتهم حول الجوانب التنظيمية للجامعة وهو ما عبر عنه فعال الطلبة والطالبات في كلماتهم‬ ‫المختصرة والتي عبروا من خاللها على ثنائهم حول نجاح الدورة السادسة من الناحية التنظيمية‬ ‫ومن الناحية الثقافية والعلمية‪ ،‬كما عبر البعض عن بعض االنتقادات المرتبطة بالجانب الزمني‬ ‫وتوزيع الحصص الدراسية‪.‬‬ ‫بعد ذلك قدم السيد رئيس الجمعية‬ ‫كل اإلجابات والتوضيحات المتعلقة‬ ‫باستفسارات ومالحظات المشاركين‪ ،‬كما‬ ‫فسح المجال لكلمة الدكاترة المشاركين‬ ‫والتي عبروا من خاللها عن سرورهم‬ ‫بنجاح الدورة وتشجيعهم للجهة المنظمة‬ ‫على ضرورة تطوير التجربة والمحافظة‬ ‫عليها كترسيخ أكاديمي وثقافي ومدني‬ ‫يساهم في إغناء وتنميــة الوعي العلمـــي‬ ‫في منطقة الريف بصفة عامة وذلك من‬ ‫اجل االنخراط اإليجابي والفعال في بناء‬ ‫حداثة خالقة ومبدعة‪.‬‬ ‫كما قامت كل من مديرة المعهد‬ ‫اإلسبانـي بالحسيمة نيابــة عن الوفــد‬ ‫اإلسباني الحاضر وممثل كل من وفــد‬ ‫غينيا بيساو ودجيبوتي بتقديــم كلمة‬ ‫بمناسبة تنظيم هذه الدورة والتي أجمعوا‬ ‫فيها على روح التسامح لسكان الحسيمة وعيشهم في تناغم وتفاهم مع ساكنة المنطقة‪ ،‬كما نوهوا‬ ‫بالمبادرة على أمل تكرارها في مناسبات قادمة‪.‬‬ ‫وبعد االنتهاء من المائدة المستديرة شرعت المجموعة الممثلة لوفد غينيا بيساو بتقديم عرض‬ ‫أزياء إفريقي معبّر ووصالت غنائية ورقصات ضاربة في الجذور اإلفريقية‪ .‬بعد ذلك كان للجمهور‬ ‫موعد مع مفاجأة الدورة مع الفنان الموسيقي عبد العلي الرحماني بمعية أطفال الكشفية الحسنية‬ ‫المغربية فرع الحسيمة بعرض أغنية رائعة بخمس لغات‪( ‬األمازيغية‪ ،‬العربية‪ ،‬العبرية‪ ،‬اإلسبانية‬ ‫واإلنجليزية) تجسّد قيم التسامح ومبادئ التعايش واالختالف بين الشعوب حيث تفننوا‪ ‬في تنشيط‬ ‫الحفل الختامي بمقاطع موسيقية ورقصات معبرة نالت إعجاب الحاضرين‪ ،‬كما تلت هذا الحفل عملية‬ ‫توزيع شواهد الجامعة على المشاركين والمشاركات والسادة والسيدات المؤطرين للدورة السابعة‪.‬‬ ‫تجدر اإلشارة إلى أنه تم إبداع لوحة جدارية بمؤسسة عمر بن الخطاب للفنان عبد العلي‬

‫الرحماني حول ”قيم التسامح ومبادئ االختالف والتعايش“ دائما في إطار الدورة السابعة للجامعة‬ ‫الصيفيةبالحسيمة‪.‬‬ ‫وعلى وقع االشادة من طرف المنظمين والمؤطرين والطالب والمتتبعين على حد سواء كان‬ ‫اختتام هذه الدورة التي أجمع الكل على تميزها‪ ،‬على أمل اللقاء السنة المقبلة لخوض غمار التحصيل‬ ‫العلمي والتبادل الثقافي في إطار دورة ثامنة بمسلك جديد ومواضيع جديدة‪.‬‬ ‫توصيات الجامعة الصيفية في دورتها السابعة بالحسيمة حول مسلك”قيم التسامح وتأصيل‬ ‫مبادئ اإلختالف والتعايش“‬ ‫ • التأكيد على نشر قيم التسامح واالعتدال ونبذ كل أشكال التعصب والتطرف‪.‬‬ ‫ • التأكيد على استمرارية األنشطة الثقافية واالجتماعية والرياضية التي تستهدف تأصيل‬ ‫قيم التسامح واالعتدال داخل المجتمع‪.‬‬ ‫ • التأكيد على العمل المشترك بين الفاعلين والجمعيات المدنية محليا ووطنيا ودوليا من‬ ‫أجل العمل على ترسيخ قيم التسامح وتبادل‬ ‫التجارب‪.‬‬ ‫ • الدعوة إلى خلق مرصد لتوثيق االعتداءات‬ ‫والتجاوزات ذات الصبغة العنصرية والدينية‪.‬‬ ‫ • ضرورة الحفاظ واالرتقاء بالتراث المشترك‬ ‫لإلنسانيـــة جمعـــاء في مجال التسامـــح‬ ‫التعايش‪.‬‬ ‫ • إلقاء المزيــد من األضـواء واالهتمـــام‬ ‫على تاريخ الزمن الراهــن وتعميق البحث‬ ‫في مضامينه بهــدف الدقــة والموضوعية‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫ • الظرفية الراهنــة تستوجب مزيدا من‬ ‫العناية بالتربية األخالقية والمدنية وفي‬ ‫نفس الوقت التربية على المواطنة وحقوق‬ ‫اإلنسـان بموازاة النهـــوض باألوضـــاع‬ ‫االقتصاديةوالتنمويةواالجتماعية‪.‬‬ ‫ • تضافر جهــود الجميع من أجل تطوير‬ ‫المناهج والبرامج ذات الصلة بقيم التسامح والحق في االختالف والتعدد الثقافي كمدخل‬ ‫جديد نحو حوار ثقافي رصين في زمن العولمة‪.‬‬ ‫تضمين مبـــادىء االعتــدال والتسامح في في البرامج والمناهـــج ومخططــــات الكريكولوم‬ ‫الدراسية ‪.‬‬ ‫ • التأكيد على نشر ثقافة التسامح والتعايش وزرع المحبة والتآخي بين أفراد المجتمع‪.‬‬ ‫ • التأكيد على رفض كل ألوان العنف والتشدد والتطرف واإلرهاب‪.‬‬ ‫ • تفعيل األدوار الوازنة لمحيط المدرسة في التربية على القيم االنسانية‪.‬‬ ‫ • خلق أندية تربوية تشتغل على مواضيع التسامح والتعايش واالختالف وقبول اآلخر‪.‬‬ ‫ • فتح نقاش وطني وعقد مناظرات حول التعايش بين مختف الشعوب واألمم وأهل‬ ‫الديانات المختلفة واستضافتها بالمغرب‪.‬‬


‫امللحـق الثقافـي‬

‫‪11‬‬

‫العدد ‪ 1016‬ـ الثالثاء ‪ 22‬إلى ‪ 28‬أكتوبر ‪2019‬‬

‫نص قصصي برازيلي‬

‫الوردة الخضراء‬ ‫ماتت أمّي لحظة الوالدة‪ ،‬وماتت معها الط ّفلة التي لو عاشت لكانت‬ ‫أصبحت أختي‪ .‬ستّة أشهر بعد ذلك أتى دور أبي الذي حمل ك ّفه إلى صدره‬ ‫مُصدراً أنيناً ثمّ هوَى بعنف على السّرير مفارقاً الحياة‪ .‬كنت في المدرسة‬ ‫عندما أقبلت بي ّال تبحث عنّي على متن عربة‪ .‬وما أن رأتني حتّى طفِقت تضحك‬ ‫وتبكي في اآلن نفسه‪ ،‬فاتل ًة ك ّفها كما لو كانت تعصر طرف قطعة قماش‪،‬‬ ‫فخمّنت على الفور ّ‬ ‫أن أمراً ما رهيباً قد حصل‪ .‬تك ّلمي يا بيال‪ ،‬قلت وأنا أصعد‬ ‫وأجلس إلى جانبها‪ .‬هذا كثير‪ ،‬هذا كثير‪ ،‬كرّرَت دون تو ّقف‪ ،‬مرتعشة من قمّة‬ ‫رأسها إلى أخمص قدميها بفعل الضّحك‪ ،‬بينما كانت دموعها تسيل من عينيها‬ ‫وكأنّهما حنفيّتان‪ .‬ذلك ّ‬ ‫أن النّاس جميعاً يموتون‪ ،‬وأنا ال أستحمل ذلك! ثبّتُّ‬ ‫عيني بقسوة على وجهها وفهمْت؛ هذه المرّة أبي هو من فارق الحياة‪ .‬لماذا‬ ‫أفكر في جدّي وال في جدّتي بيل المتقدّمين في السّن؟ ّ‬ ‫لم ّ‬ ‫فكرت في والدي‪.‬‬ ‫التّوأم ليندا أبدت سعادتها ألنّها تعلم أنّنا عائدتان إلى البيت‪ ،‬وبي ّال شرعت‬ ‫تحكي‪ ،‬خالل ذلك‪ ،‬وهي تضحك وتبكي في اآلن نفسه‪ .‬كان قد استعدّ وارتدى‬ ‫مالبسه‪ ،‬فبدا جمي ًال‪ ،‬عندما وضع ك ّفه على صدره ثم على الفور‪ ،‬بعد ثانيتين‪،‬‬ ‫فارق الحياة‪ .‬تبّاً‪ ،‬تبّاً‪ ،‬تبّاً‪ ،‬طفقتُ أردّد بخفوت غير قادرة على قول أيّ شيء‬ ‫آخر لفرط ما كنت أرتعش من الخوف‪ ،‬فقط من تفكيري في الجدّة بيل‪ .‬فهي إن‬ ‫كانت سلفاً‪ ،‬عند وفاة زوجة ابنها‪ ،‬قد أطلقت تلك الصّرخة‪ ،‬فلنتصوّر ما يمكنها‬ ‫فع ُله عند وفاة ابنها! والجدّة بيل؟ سأتُ‪ .‬سحبت بي ّال العنان وشرحت ّ‬ ‫أن الجدّ‬ ‫ح َقنَها على الفور بحقنة قادرة على تهدئة حصان‪ ،‬وهي اآلن تنام هادئة مثل‬ ‫قدّيسة‪ .‬عندئذ تن ّفستُ ألنّني كنت فهمت لتوّي ما سأقوم به‪ ،‬وهو أن ال أنظر‬ ‫للمرحوم؛ ْ‬ ‫أن أتظاهر بالنّظر لكن مع االحتراس بأن ال أنظر‪ .‬هل أكون قد نظرت‬ ‫صدفة إلى والدتي؟ أثناء مغادرتنا للمزرعة متوجّهين إلى اإلقامة‪ ،‬كنت سألت‬ ‫جدّي‪ ،‬لكن إلى أين رحال‪ ،‬أبي وأمّي؟ إلى أين انصرف هذان اإلثنان؟ كان جدّي‬ ‫قد استخلص من جيبه ورقة ذرّة جا ّفة كي يهيّئ سيجارته الصّغيرة‪ .‬المكان‬ ‫الذي يوجدان فيه اآلن‪ ،‬ال علم لي به‪ ،‬يا صغيرتي‪ .‬لكنّني أعرف أنّهما‪ ،‬وقد فارقا‬ ‫الحياة‪ ،‬ال أحد منهما ّ‬ ‫ظل هنا‪ .‬الجسدان تح ّلال‪ ،‬قال ذلك ثمّ مسّد بإصبعه الورقة‬ ‫قبل أن يُعبّئها بالتّبغ‪.‬‬ ‫نسيج العناكب هنا أكثر منه في المزرعة‪ ،‬دمدمَت الجدّة وهي‬ ‫ ‪-‬‬ ‫تمرّر المكنسة ذات ّ‬ ‫الذراع ّ‬ ‫الطويلة على سقف الحجرة‪.‬‬ ‫كان قد انقضى زمن على مغادرتنا للمزرعة قادمين منها إلى إقامة عمّي‬ ‫جونيور‪ .‬ولم يمرّ يوم‪ ،‬يوم واحد‪ ،‬من غير أن تجدَ سبباً للحديث عن مكان‬ ‫إقامتنا الجديد‪ ،‬دون أن تكفّ‪ ،‬بالقدر نفسه‪ ،‬عن قول ّ‬ ‫كل كالم طيّب عن العمّ‬ ‫جونيور‪ ،‬ابن النّاس‪ ،‬وأكثر من ذلك عن العمّة كونستانس‪ ،‬التي تحبّها كما‬ ‫تُحَبّ زوجة اإلبن‪ ،‬تحبّها حبّاً حقيقياً‪ ،‬رغم رأسها المضطرب‪ ،‬إلى أن تصل إلى‬ ‫المقزِّز اِبن العمّ جواو كارلوس الذي يجد له مكاناً في قائمتها‪ ،‬غير أنّه ما يزال‬ ‫غير ممتثل لتعاليم الرّب‪.‬‬ ‫َ‬ ‫دّاس اليوم السّابع بعد دفن والدي‪ ،‬وعندما ألبستني التّنورة‬ ‫صبيحة ُق ِ‬ ‫السّوداء الشّهيرة التي كنت أكرهها‪ ،‬احتجَجتُ‪ .‬أنا ال أحبّ هذه التّنورة‪.‬‬ ‫صارت عينا الجدّة‪ ،‬على الفور‪ ،‬حمراوين بسبب الدّموع فمرّرَت المُشط بعنف‬ ‫في شعري‪ .‬وأنا ربّما أكون أحبّها؟ أجيبي! ظللت صامتة‪ .‬بعد لحظة قالت إنّها‬ ‫تقبَل هذه المأساة التي رأت من خاللها َ‬ ‫زوجة ابنها وابنَها‪ ،‬الجميلين‪ ،‬يموتان‬ ‫ّ‬ ‫هكذا تباعاً؛ وهي تقبل بذلك ألنّه ليس هناك حل آخر‪ .‬لكنّ قبولها ال يعود‬ ‫لكونها ممتثلة‪ .‬هذا هو السّبب في أنّني لن أشارك في هذا القدّاس‪ ،‬وإ ّال فإنّه‬ ‫قد يُفهم أنّني أصبحت ممتثلة‪ ،‬وهو يعلم أنّني لن أصبح كذلك أبداً! والضّمير‬ ‫يعود هنا على الرّب‪.‬‬ ‫ ‪-‬‬

‫جواو كارلوس مُترع قمّ ًال‪.‬‬

‫أعادت الجدّة المكنسة إلى األرض وتم ّلتني‪ .‬ضغطت على طرف ذراع‬ ‫المكنسة بذراعيها المبيضّتين والنّحيفتين مثل قائمتي عنكبوت‪.‬‬ ‫ ‪-‬‬

‫ثانيّة! حاذري‪ ،‬وإ ّال فإنّك ستُعدَيْن بالقمّل‪.‬‬

‫لكن كيف يمكن للقمل أن ال ينتقل إلي وهو ال يكفّ عن‬ ‫ ‪-‬‬ ‫اصطيّاديه واإللقاء به على رأسي‪.‬‬ ‫تنهّدَت‪ .‬لم تكن تريد أن تعترف بضعفها تجاه هذا الحفيد‪ .‬هي تحبّه‬ ‫أكثر ممّا تُحبّني‪ .‬أعادت ترتيب شعيراتها الرّمادية المنفلتة من المقبض‪،‬‬ ‫وطفقت تنظر من النّافذة‪ .‬كانت هي وجدّي في السّن نفسها تقريباً‪ ،‬لكن‬ ‫مظهره هو كان يبدو أحسن بوجهه الكبير ذي ال ّلون ال ّلب ِنيّ وبشعره األبيض‬ ‫المفروق بعناية من الوسط‪.‬‬ ‫هذا المنزل الجديد الذي يصعب االحتفاظ به نظيفاً‪ ،‬أنا ال أفهم –‬ ‫ ‪-‬‬ ‫قالت متذمّرة‪.‬‬ ‫جلستُ أرضاً قرب النّافذة ما دامت األلواح األرضيّة‪ ،‬في ذلك الجانب‪،‬‬ ‫كانت جا ّفة‪ ،‬ألنّها كانت قد ُغسلت صباحاً‪ .‬في المزرعة كنتِ تشتكين أيضاً‬ ‫من العناكب الشّ ّفافة‪ ،‬أردتُ أن أُ ّ‬ ‫ذكرها‪ ،‬لكنّني لم أقل شيئاً‪ .‬عندما كنّا ما نزال‬ ‫نقيم في المزرعة‪ ،‬لم تكن تكفّ عن الشّكوى من المنزل الذي كانت تتّخذه‬ ‫عشّاً‪ ،‬لقدمه‪ ،‬وحتّى من العقارب‪ ،‬وهو ما ليس موجوداً في بيت العمّ جونيور‪،‬‬ ‫ألنّه يملك ما ًال‪ .‬أصبحنا نعيش منذئذ في إقامة عمّي جونيور‪ ،‬وهي تتحدّث‬ ‫ُ‬ ‫المزرعة‪ .‬راودتني رغبة أن أسأل‪ ،‬وإذن فلماذا غادرنا‬ ‫عن األعجوبة التي كانتْها‬ ‫المزرعة؟ لكنّ ذلك الشّق من المأساة كان سيعود‪ ،‬وهو شقّ لم أكن أريد‬ ‫أن أسمع عنه مرّة ثانية‪ .‬أوقدتُ بقيّة الشّمعة التي أخرجتها من جيبي‪ ،‬وراح‬

‫ليخيا فاغونديس تيليس‬ ‫ترجمة‪ :‬محمد بنعبود‬

‫الشّمع السّاخن يسيل على راحة ك ّفي تاركة القطرات تصعد في شكل نجمات‬ ‫إلى أطراف أصابعي‪ .‬كانت القطرات تسقط رماديّة‪ ،‬لكنّها تصبح بيضاء عندما‬ ‫تجفّ‪.‬‬ ‫يقول جدّي إنّهم سيش ّقون طريقاً سيمرّ قرب اإلقامة‪ ،‬وعنئذ‬ ‫ ‪-‬‬ ‫سنكون قريبين من المدينة‪ .‬أبي تو ّفي ّ‬ ‫ألن المزرعة بعيدة جدّاً عن المستشفى‪.‬‬ ‫جدّك ال يعرف شيئاً‪ ،‬صاحت‪ .‬أبوك مات من الحزن‪ .‬هو لم يقبل‬ ‫ ‪-‬‬ ‫بوفاة أمّك فاستعجل ال ّلحاق بها‪.‬‬ ‫سمعت أنّه مات من القلب‪.‬‬ ‫ ‪-‬‬ ‫مات من الحزن‪ ،‬كرّرت جدّتي بيل وهي تمرّر بنفاد صبر المكنسةَ‬ ‫ ‪-‬‬ ‫من أعلى الباب إلى أسفله‪ ،‬ثمّ أدارت المكنسة في الهواء‪ .‬كان ولدي العزيز‬ ‫شديدَ الحساسية‪ ،‬وأنا أعرف كم كان منهاراً‪ ،‬فحاولت تفادي أن تصل المأساة‬ ‫إلى أقصاها‪ ،‬لكن ما حيلتي؟ أجيبيني‪ ،‬ماذا كان بإمكاني أن أفعل؟‬ ‫استندتُ إلى الجدار‪ .‬كان يستولي على جدّتي غضب شديد عندما‬ ‫تتحدّث عن موتاها‪ ،‬وكأنّهم هم المسؤولون عن أنّهم لم يصمدوا لوقت‬ ‫أطول‪ .‬ولحسن ّ‬ ‫الحظ‪ ،‬لم يكن هذا الغضب يستمرّ إ ّال وقتاً قصيراً‪ .‬كانت تصرخ‬ ‫وتصرخ فتتعب في النّهاية‪ .‬بعد ذلك تأتي مناجاتها بالشّكاوَى التي هي دائماً‬ ‫نفسها‪ ،‬شكاوى ترتدّ في الزّمن إلى غاية مرحلة شبابها؛ تلك المرحلة التي‬ ‫كانت فيها ما تزال شابّة ويقف على بابها ّ‬ ‫خُطاب عديدون‪ .‬ثمّ من اخترتُ؟‬ ‫أقبحَهم جميعاً‪ ،‬وأنا أتساءل أين كان عقلي عندما اخترت رج ًال نباتياً‪ .‬النّباتي‬ ‫هو جدّي طبعاً‪.‬‬ ‫ ‪-‬‬

‫كان قد اخترعَ وردة خضراء‪.‬‬

‫يملكه؛ آه! ذلك ّ‬ ‫اختِراع وردة بأي لون‪ ،‬كان ُ‬ ‫الذكاء كان يملكه‬ ‫ذكا ُء‬ ‫ ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ح ّقاً‪ .‬وبعد؟ دمدَمَتْ‪ ،‬ووضعت المكنسة لصق الجدار كي ّ‬ ‫تفكر قلي ًال‪ .‬استغ ّلت‬ ‫َ‬ ‫الفرصة فنزلت بسرعة على طول الحبل‪ .‬ظ ّلت ثمّة تذرع‬ ‫العنكبوتُ البيضاء‬ ‫الحبل‪ ،‬مع ّلقة‪ ،‬إلى أن أدركت‪ ،‬بفعل تأرجح قويّ‪ ،‬النّافذة المفتوحة‪ ،‬فاختفت‬ ‫منها بين األوراق‪ .‬شمّرت جدّتي بيل أحد كمّي الوزرة وتاهت نظرتها في‬ ‫االتّجاه الذي فرّت منه العنكبوت‪ .‬عندما ّ‬ ‫أفكر في أنّني في سنّي المتقدّمة‬ ‫هذه وجدت نفسي مضطرّة لالنتقال من منزل إلى أخر! وبطفلة بين ذراعي‪،‬‬ ‫فوق ذلك‪...‬‬ ‫ ‪-‬‬

‫أيّ طفلة؟‬

‫لكن‪ ،‬أنت! كان بإمكان جدّك أن يقدّم يد المساعدة‪ ،‬لكنّه يعيش‬ ‫ ‪-‬‬ ‫برأسه في السّحاب‪.‬‬ ‫ ‪-‬‬ ‫تشبهها‪.‬‬

‫سيجعل ورد ًة خضراء تولدُ‪ ،‬وليس هناك في الدّنيا برمّتها ورد ٌة‬

‫كالم فارغ ! نباتي مثله بديبلوماته يشرع في العناية بالحديقة‬ ‫ ‪-‬‬ ‫بعدما تقاعد! وجونيور السّعيد‪ ،‬بإمكانه‪ ،‬رغم ّ‬ ‫كل شيء‪ ،‬أن يعتمد علينا‪ ،‬هو‬ ‫والقديسان الصّغيران وزوجته‪ .‬لكن أيّ مساعدة يمكنها أن تقدّمها لولدي‬ ‫برأسها المسكين المضطرب‪ ،‬قالت جدّتي بيل آنّة وهي تتن ّفس‪ .‬قدّيسة‬ ‫أقل‪ ،‬أضافت أيضاً وهي تُمسك من جديد بالمكنسة ذات ّ‬ ‫صغيرة بعقل ّ‬ ‫الذراع‬ ‫ّ‬ ‫الطويلة‪ .‬ولماذا أتى جونيور كي يشتري هذه اإلقامة في طرف الدّنيا هذا؟‬ ‫أغلقتُ ك ّفي‪ .‬انفصلت قطرات الشّمع عن جلدي فأصبحت النّجمة البيضاء‬ ‫نجمة حمراء‪ .‬مرّرت لساني على األمكنة المحروقة فشرعَت على الفور تُؤْلم‬ ‫وبدأت أنفخ‪ ،‬تبّاً‪ ،‬تبّاً‪ ،‬فذلك ما كنت أستطيعه‪.‬‬ ‫ ‪-‬‬ ‫بالورود‪.‬‬

‫هنا في اإلقامة‪ ،‬يقول جدّي ّ‬ ‫إن له الوقت الكافي كي يهتمّ‬

‫وبهذه الورود ربّما سنأكل؟ أنا أعشق أن أكون قرب ابني‪ .‬أعشق‬ ‫ ‪-‬‬ ‫أن أستطيع مساعدة زوجة ابني التي هي تلك الوردة الصّغيرة التي تعرفينها‬ ‫والمضطربُ رأسُها قلي ًال‪ .‬هناك أيضاً حفيدي‪ ،‬ذلك ّ‬ ‫الطفل المسكين‪ .‬لكنّ‬ ‫نزاهتي تخونني‪ ،‬اتذكرين؟ قاعة عرض السّمك الرّائعة التي أصبحت في نهاية‬ ‫المطاف ملكي بشكل كامل‪ ،‬أتذكرين؟ وجدّكِ الشّقي الذي كان يحبّ كثيراً‬ ‫أن يذهب إلى النّادي ليتجاذب أطراف الحديث مع أصدقائه في نهاية األسبوع‪،‬‬ ‫كان أكثر ابتهاجاً‪.‬‬ ‫كنت جعلت أضغط كويْرة الشّمع ال ّلين‪ّ .‬‬ ‫تذكرت أيضاً ّ‬ ‫أن جدّتي‪ ،‬خالل‬ ‫الكرمس األخير‪ ،‬كانت قد تخاصمت بطريقة بغيضة مع الرّاهب‪ ،‬وأنّني كنت‬ ‫سمعت هذا األخير‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬يَعِد بأنّها لن تحصل السّنة المقبلة على قاعة‬ ‫بأن جدّي كان يحب ّ‬ ‫العرض تلك‪ .‬ثمّ ما الجديد في قولها ّ‬ ‫الذهاب ليتجاذب‬ ‫أطراف الحديث في النّادي مع أصدقائه؟ هو يذهب للنّادي‪ ،‬هذا ّ‬ ‫مؤكد‪ ،‬كي‬ ‫يُثرثر‪ ،‬لكنّه كان أيضاً يُفرط في الشّراب إلى درجة أنه يشرع يتمايل في‬ ‫العربة‪ .‬وكان ذلك يؤدّي إلى جلبة في المنزل‪ ،‬ويتطوّر األمر إلى أن يقذف‬ ‫بصحن على المائدة‪.‬‬ ‫ ‪-‬‬

‫هنا على ّ‬ ‫األقل‪ ،‬ليست لي مدرسة‪.‬‬

‫لكن ستكون لك مدرسة خالل السنة المقبلة‪ .‬ستذهبان أنت‬ ‫ ‪-‬‬ ‫وجواو كارلوس معاً إلى الدّاخلية‪.‬‬

‫ ‪-‬‬

‫أنا ال أريد ّ‬ ‫الذهاب إلى الدّاخلية‪.‬‬

‫بلى يا آنسة! قالت جدّتي بيل غاضبة من جديد‪ ،‬وهي تنزل‬ ‫ ‪-‬‬ ‫المكنسة وتوجّهها نحو رأسي‪ .‬عمّك انتقى أحسن إعدادية موجودة‪ .‬أال تكون‬ ‫لديك النّية في أن تُصبحي متوحّشة؟‬ ‫أشعلتُ الشّمعة فأطفأتها الرّيح‪ .‬الحديث في موضوع المدرسة كان من‬ ‫شأنه أن يتطوّر أكثر من ال ّالزم‪ ،‬وأهوَن منه الحديث عن الموت‪ .‬سارعت بالقول‬ ‫ّ‬ ‫إن الدّجاجة السّوداء التي كانت تسمّيها شيكا‪ ،‬قد سقطت في الخمّ‪ ،‬جامدة‬ ‫العينين مفتوحة المنقار‪ .‬تفحّصتني الجدّة بيل‪ّ .‬‬ ‫نكست رأسي‪ ،‬وجهي متضرّج‬ ‫مثل رمّانة‪ .‬فأنا بمجرّد بدايتي في كذبة أُصبح على الفور شديدة االحمرار‪.‬‬ ‫صرخَت متسائلة كيف يمكن لشيكا أن تكون قد نفقت وقد كانت منذ بضع‬ ‫ثوانٍ تنقر حبّات ذرة من ك ّفكِ؟ وما الذي دعاني ّ‬ ‫للذهاب إلى البحث في الخمّ؟‬ ‫كما لو ّ‬ ‫أن فعلة جواو كارلوس ال تكفي‪ْ ،‬إذ ذهب ليجسّ مؤخرّات الدّجاجات كي‬ ‫يعرف إن كانت ستبيض‪.‬‬ ‫ ‪-‬‬

‫كنت أريد أن أعرف ما إذا كانت دجاجة الكرنيزة قد فقصت بيضها‪.‬‬

‫هممم – دمدمت الجدّة بيل وهي تجمع نسيج العناكب المتداخل‬ ‫ ‪-‬‬ ‫مع زغب المكنسة‪ .‬تو ّقفت‪ ،‬نظرتها تائهة في الخارج‪ .‬لم تكن غاضبة‪ ،‬وإنّما هي‬ ‫حزينة‪ .‬بدا صوت نشيد الزّيز مرتفعاً‪ .‬هناك حمقى طيّبون وحمقى شرّيرون‪،‬‬ ‫قالت‪ .‬كونستانس هي ّ‬ ‫الطيبة نفسها‪ ،‬لكنّها إن لم تكن تُع ّقد األمور‪ ،‬فهي‬ ‫أيضاً ال تساعد في شيء‪ .‬وحفيدي‪ ،‬جواو كارلوس‪ّ ،‬‬ ‫الطفل المسكين‪ ،‬وهو يرى‬ ‫أمّه على هذه الحال‪ ...‬هو سيذهب إلى إعدادية جيّدة‪ ،‬أنا أعرف ذلك‪ ،‬لكنّ‬ ‫ما أخشاه هو أن يُعدَى من عائلة أمّه‪ ،‬أضافت أيضاً بصوت خافت وهي تنظر‬ ‫مرعوبة حولها‪ .‬هم خير ُة النّاس‪ ،‬لكن بعقل ناقص‪.‬‬ ‫وماذا عنّي أنا اليتيمة‪ ،‬أردتُ أن أقول‪ .‬لكنّني التزمت الصّمت‪ .‬أنا لم‬ ‫أبك عندما ماتت أمّي‪ ،‬وال عندما مات والدي‪ ،‬لكنّني أطلقت أفظع صرخة عندما‬ ‫أتت مديرة المدرسة كي تعدّل من ياقة بدلتي المدرسيّة بذلك الشّريط‬ ‫األسود الذي َ‬ ‫ربطتهُ إلى الياقة جدّتي بيل‪ .‬في هذه السّن الصّغيرة‪ ،‬ويتيمة!‬ ‫قالت‪ .‬كلمة يتيمة التي رأيتها على غالف السّلسلة كادت تخنقني من فرط ما‬ ‫بكيت‪ .‬لم يعلم بذلك أحدٌ من البيت‪ .‬والجدّة بيل كانت حزينة بسبب هذا‬ ‫ّ‬ ‫الطفل التّافه‪ .‬كنت أفضّل أن أراها غاضبة على أن تكون حزينة‪ ،‬فسارعتُ‬ ‫إلى التّطرّق لموضوع ذي غرابة‪ ،‬لكن لم ينتج عن ذلك أيّ ابتهاج‪ ،‬باستثناء‬ ‫اليعسوب الذي دخل في شعاع شمس وذهب ليقرع بمنقاره المصباحَ قبل أن‬ ‫يعود إلى الخروج سعيداً عبر النّافذة‪ .‬عملياً‪ ،‬لم يكن تب ّقى من الشمع شيء‪،‬‬ ‫لكنّني كنت أريد ثانية أن ّ‬ ‫أقطر آخِر قطرة ساخنة على النّملة الحمراء التي‬ ‫خرجت من ثقب صغير في قطعة خشبية‪ .‬لمحَتها فوضَعَت ك ّفها على رأسها‬ ‫وسارعت إلى ّ‬ ‫الثقب نفسه‪.‬‬ ‫هي تنبعج كثيراً‪ .‬إنّها ناضجة‪ ،‬قال جدّي الذي أقبل حام ًال فاكهة‬ ‫ ‪-‬‬ ‫جاكا بين يديه‪.‬‬ ‫أخ ِرجها من البيت‪ ،‬بحقّ الرّب! أال ترى أنّها تقطر على األرضية‬ ‫ ‪-‬‬ ‫الخشبيّة التي قامت األخرى لتوّها بغسلها؟ وأنت أيّتها الصّغيرة‪ ،‬أطفئي تلك‬ ‫الشّمعة قبل أن تشتعل النّار في البيت‪.‬‬ ‫أربع كي أمسح بطرف قميصي قطرات العصير التي كانت‬ ‫انزلقتُ على ٍ‬ ‫ُ‬ ‫تسقط قرب حذائها‪ .‬حاذر يا جدّي‪ ،‬قلتُ‪ ،‬فوضع ك ّفه األخرى على الفاكهة‬ ‫وضحك غامزاً لي بعينه‪ .‬انتصبتُ واقفة وذهبت إلى المطبخ باحثة عن ملعقة‬ ‫ّ‬ ‫وسكين وخرجنا‪ ،‬نحن اإلثنين‪ ،‬من الباب الخلفي‪ .‬جلسنا على حافة البئر‪ .‬لوال‬ ‫ذلك الزّيز الذي يُجهد نفسه في اإلنشاد‪ ،‬لكان ما بعد ّ‬ ‫الظهيرة هذا غارقاً في‬ ‫صمته‪ .‬من المفروض أن يكون رهط الكالب قد دخل‪ ،‬ولم يبق إ ّال فولي ولويزاو‬ ‫النّائمان ممدّدين تحت الشّجرة‪ .‬انبثق سرب من النّحل األصفر‪ ،‬مجلوباً بعطر‬ ‫الفاكهة‪.‬‬ ‫ ‪-‬‬

‫جدّتي بيل غاضبة‪ ،‬قلتُ‪ .‬هل شربْتَ؟‬

‫وضع إلى جانبه عصاه الشّبيهة بساق وردة‪ ،‬وأمسك بالسّكين وجعل‬ ‫يجزّئ فاكهة الجاكا إلى قطع‪.‬‬ ‫شربت قلي ًال فقط‪ .‬لكنّني دخّنت أكثر من ال ّالزم‪ ،‬ما كان علي أن‬ ‫ ‪-‬‬ ‫أقوم بذلك‪ .‬ال تشغلي بالك يا صغيرتي‪ ،‬فجدّتكِ تلك‪ ،‬هي في أعماق قلبها‬ ‫تجسيد للطِيبة‪ .‬طِيبة ال غير‪.‬‬ ‫ ‪-‬‬

‫والوردة يا جدّي؟‬

‫قدّم لي قطعة كبيرة من الفاكهة واستمرّ في المضغ غير مستعجل‪ .‬بعد‬ ‫ذلك مسح ذقنه وس ّلمني منديله‪ ،‬وشرع في إعداد لفافته‪ ،‬عيناه السّوداوان‬ ‫الصّغيرتانتلمعان‪.‬‬ ‫ ‪-‬‬ ‫شتنبر‪.‬‬ ‫ ‪-‬‬

‫حسب تقديراتي‪ ،‬من المفترض أن يتفتّح أوّل برعم أخضر في‬ ‫ومتى يكون شتنبر؟‬

‫(البقية ص ‪)12‬‬


‫العدد ‪1015‬‬

‫الشمال الثقافي‬

‫الثالثـاء ‪� 15‬إلى ‪� 21‬أكتوبر ‪2019‬‬

‫‪12‬‬

‫نص قصصي برازيلي‬

‫الوردة الخضراء‬ ‫(التتمة ص ‪)11‬‬ ‫نفخ جدّي دُخّان سيجارته في الهواء ّ‬ ‫وظل على تلك الحال‬ ‫ينظر في السّماء‪.‬‬ ‫هيه! يا لها من جاكا ضخمة! قال جواو كارلوس‬ ‫ ‬‫الذي أقبل بخ ّفاش صغير في فخّ على ذراعه‪ .‬ثمّ لمز في‬ ‫اتّجاهي‪ :‬تُعيرينني العدسة المكبّرة؟‬ ‫كان يُمسك ُ‬ ‫بالك ّالب وبمقصّات صغيرة مُذهّبة تحتفظ‬ ‫بها العمّة كانستانس في علبة‪ ،‬ويقضي ساعات في التّقليب‬ ‫في حيوانات مسكينة نافقة‪ ،‬إلى أن ينشر ّ‬ ‫كل فظاعاته على‬ ‫ل ِبنة‪ .‬فهو يريد أن يُصبح طبيباً‪.‬‬ ‫آمل أن ال تكون مقب ًال على معاملة هذا الخ ّفاش‬ ‫ ‬‫معاملة سيّئة‪ ،‬قال الجدّ وهو يشير إلى الفخ‪.‬‬ ‫أنا ال أعامل أي حيوان معاملة سيّئة‪ ،‬قال جواو‬ ‫ ‬‫كارلوس مُحتجّاً‪ ،‬وقد أصبح محيّاه شديد االحمرار‪ ،‬فهو أيضاً‬ ‫كان يتضرّج وجهُه عندما يكون يكذب‪ .‬لقد أمسكت بهذا‬ ‫الخ ّفاش فقط كي أراه عن قرب‪ .‬بعد ذلك سأطلقه‪.‬‬ ‫تأمّلت الخ ّفاش الذي كان يبدو نائماً ممدّداً داخل الفخ‪.‬‬ ‫كان يبدو بجناحيه ّ‬ ‫الذاويين وبعينه المغبرّة شبيهاً بالكونت‬ ‫مصّاص الدّماء في الفيلم الذي شاهدته في السّينما‪ ،‬لكنّ‬ ‫وجهه كان مليئاً بال ّلطخات التي شاهدتها على وجه المتشرّد‬ ‫المسنّ الذي تقاطعت معه في الشّارع‪.‬‬

‫ ‪-‬‬ ‫ميمو‪.‬‬

‫استخلصت أمس العديد من اليرقات من رأس‬

‫َ‬ ‫نعم‪ ،‬لكنّه ع ّلق أيضاً َ‬ ‫القطط التي شاهدتُها‬ ‫غسيل‬ ‫مثل‬ ‫ٍ‬ ‫مثبتة إلى الحبل من أذيالها وهي تموء بحرقة‪ .‬ولو لم نكن‬ ‫بي ّال وأنا هناك لكانت القطط ك ّلها قد نفقت جرّاء العاصفة‬ ‫التي هبّت‪ .‬لم أنبس ببنت شفة‪ .‬انصرفت قبل أن يُطالب من‬ ‫جديد بالعدسة المكبّرة‪ .‬كانت العمّة كونستانس تنزل درجات‬ ‫الشّرفة‪ ،‬مرتدية مالبسها وكأنّها في طريقها إلى حفل‪ .‬هي‬ ‫تقوم ّ‬ ‫كل صباح بالشّيء نفسه‪ .‬تستعدّ وتمكث منتظر ًة ساعي‬ ‫البريد الذي ال يأتي‪ .‬لكن ذلك لم يكن يُغضبها‪ ،‬فهي ستقوم‬ ‫يوم غد بما قامت به أمس‪ .‬اقتربتُ منها وسحبتُها من يدها‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫تعالي معي لتري الورود‪.‬‬

‫مشيت في األمام‪ ،‬ومشت هي خلفي‪ .‬كانت الوحيدة التي‬ ‫تُطيعني‪ .‬فستانها األبيض ينجرّ قلي ًال على األرض‪ ،‬ووجنتاها‬ ‫الملوّنتان تشبهان وجنتيْ دميتِي المصنوعة من السيليلود‬ ‫والتي كانت تُصبح بيضاء في النّهاية لكثرة ما كنت أجعلها‬ ‫تستحمّ‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫زوجي جونيور‪ ،‬هل تعرفين أين يوجد؟‬

‫عندما يريد النّاس المتقدّمون في السّن إخفاء موت‬ ‫شخص ما‪ ،‬يقولون إنّه سافر‪ .‬كان العمّ جونيور قد سافر‬ ‫بالفعل‪ ،‬لكن يُستحسن تغيير موضوع الحديث‪ .‬انحنيت‬ ‫وقطفت أقحوّانة وقلت ضعيها في شعرك يا عمّتي!‬ ‫امتثلت وأطلقت ضحكة‪ .‬عندما تضحك‪ ،‬تبدو أسنانها‬ ‫الصّغيرة البيضاء مثل قطرات حليب صغيرة‪ .‬تفحّصتني لحظ ًة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الخجل‪.‬‬ ‫باديّة‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬‬

‫ألست ابنة ألميرو؟‬

‫أجبت ْ‬ ‫أن بلى برأسي‪ ،‬لكن وقبل أن تنطلق في طرح‬ ‫األسئلة‪ ،‬قلت إنه هو وأمّي والجميع‪ ،‬قد سافروا‪ .‬جدّي يقول إن‬ ‫بإمكانه أن يقرأ في السّماء كما لو كان يقرأ في كتاب مفتوح‪.‬‬ ‫هو يقول أيضاً إنّنا نقرأ على وجوه األشخاص‪ ،‬لكنّني أعتقد أن‬ ‫ال شيء موجود للقراءة على الوجه األملس للعمّة كونستانس‪.‬‬ ‫أنا أبحث عنك‪ ،‬قالت بي ّال وقد أقبلت تعدو ّ‬ ‫متقطعة‬ ‫ ‬‫األنفاس‪ .‬ثمّ مسّدت شعر العمّة كونستانس‪.‬‬ ‫‪ -‬‬

‫والجدّة بيل؟ سألتُ‪ ،‬أما تزال تمسح السّقف؟‬

‫ك ّال‪ .‬هي اآلن في المطبخ تقلي البطاطس‪ّ ،‬‬ ‫ألن‬ ‫ ‬‫األكل جاهز تقريباً‪ ،‬وسيكون مصحوباً ببطاطس مقليّة‪.‬‬ ‫كانت هي التي تُعنى بي في المزرعة‪ ،‬لكنّها هنا ترعى‬ ‫العمّة كونستانس‪ .‬تركتهما معاً توشوشان وقصدتُ الجهة‬ ‫المشمسة‪ .‬عندما تمدّدت على العشب اضطررت إلى إطباق‬ ‫جفني بسبب النّور القوي‪ .‬يقول جدّي إن أبي وأمّي قد انصرفا‬ ‫مثل خيط دخّان‪ ،‬وأنّهما ليسا مَنْ دَ َفنّا‪ .‬وإذن فأين أنتما‬ ‫اآلن؟ سألت السّحابة التي مرّت فوق الشّمس ثمّ واصلت‬ ‫طريقها‪ .‬أقبل الكلب لويزاو في قمّة فرحه وطفق يلعق وجهي‪.‬‬ ‫دفعت عنّي خطمَه‪ .‬أي طعام نتن كنت تُق ّلب فيه؟ انصرف‬

‫َّ‬ ‫الطريق‬

‫محمد بوجبيري‬

‫عيدا َع ِن ْال َآخرين‪،‬‬ ‫َي َو ُّد َل ْو َي ْن�أى َب ً‬

‫عيدا‪،‬‬ ‫َب ً‬ ‫�ضا‪،‬‬ ‫�أَ ْي ً‬ ‫قيم ِ‬ ‫فيه‪.‬‬ ‫�شاب ِه مْ‬ ‫ال ِ‬ ‫َع ِن ال َّت ُ‬

‫ال�شاه ِق ِ‬ ‫ِ‬ ‫فيه‪،‬‬ ‫بال�سامي‬ ‫َيلوذُ‬ ‫ّ‬ ‫ِال ِل َّي ِة ال ّنا ِئ َم ِة‪.‬‬ ‫َوب خْ َ‬ ‫ف قَ ْن َط َر َة ا ْل َع ْو َد ِة‪،‬‬ ‫َي ْن ِ�س ُ‬ ‫َو َ�أ ِ‬ ‫قا�ص ًيا‪،‬‬ ‫يف َ�س ْه ِب ا ْل ِغ ّي ِ‬ ‫اب‪،‬‬

‫�ش ُد‪،‬‬ ‫َي رْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َو ِم ْن �أ ْعال ِج�سرْ ِ ا ْل ُعبورِ ُي ْلقي‪،‬‬ ‫يف ال َّن ْهرِ ‪،‬‬

‫الطريق‬

‫علينا أن نكون رحماء‪ ،‬أتدري ما هي الرّحمة؟ سأل‬ ‫ ‬‫الجدّ وهو يُطبق ك ّفيه‪.‬‬

‫نابحاً وتوجّه ليتشمّم الكلب فولبي‪ .‬تل ّقى عضّة قويّة على‬ ‫أذنه‪ ،‬وفجأة انطلقا معاً ينبحان فرحيْن‪ .‬عندما مررت بالقرب‬ ‫مشاتل وردِ جدّي داعبت بُرعماً بطرف ظفري‪ .‬كان أبيض‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫ال ّلون‪ .‬ما يزال الوقت باكراً‪ .‬تو ّقف الزيز عن الغناء‪ ،‬فساد الهدوء‪،‬‬ ‫ولم تعد هناك‪ ،‬بعيداً هناك‪ ،‬سوى أولى زغاريد قادمة من بعيد‪.‬‬ ‫أنا اآلن أعرف الدّواب والنّباتات‪ .‬أُصبت بصدمة عندما بدأت‬ ‫أستعمل العدسة المكبّرة التي كان جدّي أهدا ِنيهَا بمناسبة‬ ‫أعياد رأس السّنة‪ .‬هذه إذن هي رؤوس الحشرات تحت العدسة‬ ‫المكبّرة؟ أصبت بالرّعب‪ ،‬لكنّها‪ ،‬مكبَّرَ ًة بتلك ّ‬ ‫الطريقة‪ ،‬تبدو‬ ‫مرعبة ح ّقاً! انذهلت عندما انتبهت إلى ّ‬ ‫أن تلك الحشرات ك ّلها‬ ‫هي مثل البشر عندما يكونون في لحظة احتفال‪ ،‬أو في حالة‬ ‫شجار‪ .‬كانت تشتغل دون تو ّقف‪ .‬ومثلما كنت أرى النّاس‬ ‫يتجمّعون يوم األحد في فضاء الحديقة‪ ،‬كانت هي أيضاً تحبّ‬ ‫أن تتس ّلى‪ ،‬وكانت تحبّ أن تتشاجر‪ ،‬وبعض تلك المشاجرات‬ ‫كانت فظيعة‪ ،‬إلى درجة أنّني كنت أنصرف راغبة في القيء‪.‬‬ ‫كان مثيراً لالشمئزاز ُ‬ ‫رؤية‪ ،‬تحت الزّجاج‪ ،‬عيناً وقد ُغرست فيها‬ ‫ً‬ ‫السّاق المنزوعة ما‬ ‫‪،‬‬ ‫ال‬ ‫قلي‬ ‫أبعد‬ ‫هناك‬ ‫نبلة بعمق‪ ،‬أو رؤية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تزال ترتعش أو الرّأس مقطوعاً أيضاً‪ ،‬أو ذلك الجسد منزوع‬ ‫الرأس‪ ،‬يعتمل بفعل التّشنّجات‪ ،‬وهو يحاول أن يسترجع الجزء‬ ‫المقطوع‪ .‬كان بإمكاننا حتّى أن نرى‪ ،‬تحت المجهر‪ ،‬الوجه‬ ‫المهموم لنملة وهي تحمل على ظهرها نملة مجروحة أو‬ ‫ميّتة‪ ،‬كما كان يفعل الجنود في أفالم الحرب‪ .‬كانت العنكبوت‬ ‫ذات الشّعَر هي األفظع‪ ،‬بعينيها ال ّلتين تصبحان كبيرتين وهي‬ ‫تمصّ ّ‬ ‫الذبابة الضّخمة بدورها والدّائخة وهي تحرّك سيقانها‬ ‫صائحة‪ ،‬وقد وقعت في حبائل نسيج العنكبوت‪ .‬أغيثوني! وحسب‬ ‫حالتي المزاجية‪ ،‬كنت أُنقذ أو ال أنقذ الخنفساء الصّغيرة التي‬ ‫تدفعها أمامها الدّود ُة البيضاء بقرنيها‪ .‬جدّي يتحدّث كثيراً‬ ‫عن الحالة المزاجية تلك‪ ،‬والتي كانت تدفع إلى فعل هذا األمر‬ ‫عوض القيّام بذاك‪ .‬حسب حالة المزاج هذه إذن‪ ،‬كنت أقرّر في‬ ‫الزّمن الذي ستعيشه الخنفساء؟ هذه الجمهرة من الحشرات‬ ‫كانت تحبّ أيضاً أن تعيش حياة الفسوق‪ .‬لكن إن كانت‬ ‫الحشرات الكبيرة تطلق أنّات تعبر الجدران‪ ،‬وإن كانت ّ‬ ‫القطات‬ ‫فإن ّ‬ ‫تموء بصوت أكثر ارتفاعاً‪ّ ،‬‬ ‫الذبابتين ال ّلتين اكتشفتهما‬ ‫داخل كأس لم تكونا تصدران أدنى نأمة‪ .‬ظ ّلتا ملتصقتين هنا‬ ‫في قعر الكأس للحظة‪ .‬أم ربّما تكونان شارعتان في الحديث‬ ‫وأنا ال أسمع؟ أمسكت بصُغراهما من جناحها بينما أقلعَت‬ ‫الكبرى دائخة‪ ،‬وهي ما تزال مرتبطة باألولى بحبل صغير‬ ‫ّ‬ ‫يتمطط شبيهاً ببصقة‪ .‬أيّتها العزيزة‪ ،‬أيّتها العزيزة‪ ،‬ردّدتُ‬ ‫داخل الكأس‪ ،‬وأنا أق ّلد صوت ّ‬ ‫الذباب‪ :‬زززززز‪ .‬عيل صبري في‬ ‫النّهاية فحملت الكأس إلى جانب الفرن وقذفت ّ‬ ‫بالذبابتين في‬ ‫النّار‪ .‬انتبهت أيضاً‪ ،‬بواسطة العدسة المكبّرة‪ ،‬إلى ّ‬ ‫أن النّباتات‬ ‫ليست بتلك الدّرجة من السّكون‪ .‬ما يحدث هو أنّها تحضر‬ ‫متباطئة إلى أشغالها‪ ،‬باستثناء الوردة (كوميلونا)‪ ،‬النّهمَة كما‬ ‫ّ‬ ‫يدل على ذلك اسمها‪ .‬فهي سريعة للغاية‪ .‬كنت أتابع جُع ًال‬ ‫عندما اختفى فجأة في الفم المفتوح للوردة‪ ،‬ففهمت على الفور؛‬ ‫لقد أصبح الجُعل أسيراً‪ ،‬وسيُلتَهم حيّاً‪ .‬أدخلت يدي في الفم‬ ‫المنافق للتّويْج البنفسجي‪ ،‬وأخرجت الجعل‪ .‬هيّا‪ ،‬أفلت بجلدك!‬ ‫في تلك ال ّلحظة نفسها أمسكني جدّي من ذراعي‪ .‬ح ّققي لي‬ ‫سعادتي بترك هذا الشّعب الصّغير في سالم‪ .‬أعتقد أن الخوف‬ ‫الذي جعلني أقفز كان مماث ًال لخوف الجُعل الذي ارتعش وقفز‬ ‫قفزة كبيرة مثل العالم‪ .‬كنت أرتعش أنا أيضاً عندما أرَيت جدّي‬ ‫بقيّة الشّوكة في عمق التّويج‪ ،‬والتي لم تكن شوكة بالمعنى‬ ‫الحقيقي للكلمة‪ ،‬وإنّما سنّاً‪ .‬أترى يا جدّي؟ لو كان دخل ال ُقمع‪،‬‬ ‫كالك‪ ،‬لكانت أطبقت فمها‪ .‬أعاد لي جدّي العدسة المكبّرة‪.‬‬ ‫وبعدُ؟ أنت ربّة؟ اِهتمي بحياتك ودعي ّ‬ ‫الطبيعة في سالم‪.‬‬ ‫وضعت العدسة المكبّرة في جيبي ّ‬ ‫وفكرت في ّ‬ ‫أن علي ذات‬ ‫يوم أن أحكي لجدّي أنّني قد ألقيت ّ‬ ‫بالذبابتين ملتصقتين في‬ ‫النّار‪ .‬هل ربّما يكون شعب النّمال الصّغير موجوداً في الجوار‬ ‫وأنّه شاهد ما حصل؟ كنت على وشك تقطير الشّمع السّاخن‬ ‫على النّملة الحمراء الضّخمة‪ .‬وماذا لو أقبلت ابنتها الصّغيرة‬ ‫ورأت أمّها ميّتة داخل قطرة الشّمع؟ ثمّة أيضاً تلك اآلنيّة‬ ‫المليئة بدود األرض الذي دفنته حيّاً ولم أستطع بعد ذلك أبداً‬ ‫أن ّ‬ ‫أتذكر المكان الذي توجد فيه اآلنية‪ .‬وحشرات الجُعل التي‬ ‫كنت أخِزها باإلبر التي آتي بها من علبة خيّاطة جدّتي بيل؟‬ ‫أنتِ بحثت في علبتي؟ كانت تسألني فيصبح محيّاي على الفور‬ ‫ّ‬ ‫المؤكد أنّني لن أعير العدسة‬ ‫مثل رمّانة ناضجة‪ .‬لكن من‬ ‫المكبّرة لجواو كارلوس‪ .‬أليس له أبوه؟ وأمه؟ قد يكون العمّ‬ ‫جونيور مسافراً ربّما‪ ،‬لكنّه سيعود‪ .‬والعمّة كونستانس مصابة‬ ‫بالتّأكيد ببعض النّقص في العقل‪ ،‬لكنّها حيّة على أيّ حال‪،‬‬ ‫أليس كذلك؟ ال تأتِ لتطلب منّي أيّ شيء‪ ،‬أنا اليتيمة‪ .‬أنا‬ ‫يتيمة! كنت أصيح‪ .‬ظللت أستمع لصرختي تتضاعف وتتكرّر‬ ‫أبعد فأبعد‪ ،‬وهو ما يسمّى‪ ،‬كما قال لي جدّي‪ ،‬صدىً‪ .‬أوه!‬ ‫جدّي‪ .‬في شتنبر ستولد الوردة الخضراء‪ ،‬يا له من عيد! كانت‬ ‫الجدّة بيل قد أخطرتني‪ ،‬تبّاً‪ ،‬أنّني سأذهب‪ ،‬السّنة المقبلة‬ ‫إلى اإلعدادية‪ .‬لكن ذلك لن يكون على الفور‪ .‬قبل ذلك ستكون‬ ‫ثمّة الوردة واآلن سنأكل‪ ،‬وهناك بطاطا مقليّة‪ .‬مددت ك ّفي‬ ‫في العشب الدّافئ‪ ،‬ومسّدت مطوّ ًال فرائص األرض‪.‬‬

‫ب ِ‬ ‫ال ِّياب‪.‬‬ ‫ِذاك َر ِة ْ إ‬ ‫َ�أ ْد َر َك‪،‬‬ ‫َح َّد ْال َيقنيِ ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ�س ِة‪،‬‬ ‫�أ َّن ث ََّمةَ َم ْن َي ْ�س َب ُح يف ا ْلياب َ‬ ‫ال ِ‬ ‫حيط‪.‬‬ ‫قيع مْ‬ ‫َكما َل ْو �أَ َّنها َم�ساب ُِح ِم ْن َت ْو ِ‬ ‫عي�ش يف ُج َّب ِة ا ْل َو ْه ِم‪،‬‬ ‫َي ُ‬ ‫ريق‪.‬‬ ‫الط‬ ‫رين‬ ‫آخ‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫ع‬ ‫لي‬ ‫ي‬ ‫ْ َ َ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َو مُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ثريين ِم َن ا ْل ُع ْم ِ‬ ‫يان‪،‬‬ ‫�أَ ْد َر َك �أ َّن ا ْل َك‬ ‫َ‬ ‫�صري ًة‪،‬‬ ‫َب‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫طيع ِم ْن ِخ ِ‬ ‫انور ْج(‪، )Panurge‬‬ ‫َكما َل ْو �أ َّن ُهم قَ ٌ‬ ‫راف ّب ْ‬ ‫ِ أَ‬ ‫ريق‪:‬‬ ‫الط‬ ‫لوا‬ ‫�ساء‬ ‫ل َّن ُه ْم ما قَ ُّط‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫_ �إِلى �أ ْين؟‬ ‫دوه‪،‬‬ ‫َو َج ُ‬ ‫َكما َو َجدوا‪،‬‬ ‫يف �أَ َّو ِل ِه حْ ِ‬ ‫ذاء ال ِ‬ ‫جْاه َز‪،‬‬ ‫ال َ‬ ‫الظاللِ ‪،‬‬ ‫وما َي ْكفي ِم َن ال َّنوايا َو ِّ‬ ‫فَ �ساروا بِال ٍ‬ ‫زاد‪،‬‬ ‫�ص َل ٍة‪،‬‬ ‫َوال َب ْو َ‬ ‫�ساءلون‪،‬‬ ‫َو َي َت َ‬ ‫َب ْع َد �أَ ْن َم َ�ش ْوا ا ْل ُع ُم َر ُك َّل ُه‪،‬‬ ‫ل َي ِ‬ ‫�صلوا؟‬ ‫ل‬ ‫مِاذا مَ ْ‬ ‫ما قَ َّدروا‪،‬‬ ‫َح َّق قَ ْدرِ ِه‪،‬‬ ‫حال‪،‬‬ ‫الت َ‬ ‫رِّ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ريق‪،‬‬ ‫الط‬ ‫ن‬ ‫�‬ ‫أ‬ ‫كوا‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫�‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫َو‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫تاه‪،‬‬ ‫َو�إ ِْن َ‬ ‫ي�شي‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ك‬ ‫اء‬ ‫�ش‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مَ ْ‬ ‫ُي َع ِّل ُم مْ َ َ ْ‬ ‫ف‪،‬‬ ‫َو َك ْي َ‬ ‫الر ِ‬ ‫ئات‪،‬‬ ‫يف ِّ‬ ‫ال�سافَ ة‪.‬‬ ‫ُي َد ِّب ُر مْ َ‬ ‫َ‬ ‫ث‪،‬‬ ‫قَ ْد ُي َع ِّل ُم ُه �أ اّل َي َت َع رَّ َ‬ ‫ال َط ّب ِ‬ ‫ال َفر‪.‬‬ ‫ات َو حْ ُ‬ ‫َو�أَ ْن َي َتحا�شى مْ َ‬ ‫النري‪،‬‬ ‫داء ِب َن ْج ِم ا ْل َف ْجرِ مْ ُ‬ ‫قَ ْد ُي َع ِّل ُم ُه ْ‬ ‫االه ِت َ‬ ‫َو�أَ اّل ُي ْخ ِط َئ جْ ِ‬ ‫الهات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ال ْ�ش ِي‬ ‫ف‬ ‫جاء إِ�لى مْ‬ ‫�س ب ُِو ْ�س ِع ِه َ�أ ْن ُي َع ِّل َم ُه َك ْي َ‬ ‫َ‬ ‫لك ْن َل ْي َ‬ ‫ال ْم�شى‪،‬‬ ‫َو مْ َ‬ ‫الغايةُ ؟‬ ‫َوما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال ْ�ش ِي‪،‬‬ ‫ب ُه ب‬ ‫مِا َب ْع َد مْ َ‬ ‫�س مِ َ‬ ‫ب ْقدورِ ِه �أ ْن ُي ْخ رِ َ‬ ‫َكما �أ َّن ُه َل ْي َ‬ ‫الطريق‪.‬‬ ‫َوما َب ْع َد َّ‬


‫العدد ‪1015‬‬

‫الشمال الثقافي‬

‫ثالث قصص‬ ‫قصيرة‬ ‫وجه الحبيب‬

‫‪-1-‬‬

‫‪-2‬‬‫ظالل خوف‬

‫تحلقنا‪ ،‬ونحن مجموعة تالميذ صغار‪ ،‬حول من كنا‬ ‫نلقبه بـ»الجن « ‪ ،‬وقد كانت تأسرنا حكاياته وتأخذ‬ ‫بألبابنا ‪ ،‬إذ لم نكن نعرف صوراً وال مشاهد تعجز‬ ‫صاحبها الذي كان يتفنن وهو يروي ‪ ،‬فيذهله ما كان‬ ‫يتراءى له من دالئل الدهشة واالنبهار على مالمح‬ ‫وجوهنا البريئة‪ ،‬بل كان يكاد يسكر وهو يرى تقلب‬ ‫عيوننا من الخوف‪ ،‬فتكبر عينُ هذا ‪ ،‬أو تغمض عينُ‬ ‫ذاك‪ ،‬ممن يجمعهم بيننا األعجابُ بقصصه وحكاياته‪.‬‬ ‫لكنه هذا المساء‪ ،‬وهو يسوق قصة عن نار نهانا ‪،‬‬ ‫خبير‪ ،‬عن إطالة النظر‬ ‫وهو يعظنا كشيطانٍ من اإلنس ٍ‬ ‫إليها ‪ ،‬بل حتى عن مجرد اختالس النظرة الخاطفة إلى‬ ‫أي قبر‪ ،‬متى ما اشتعلت فيه نار‪ ،‬والعياذ باهلل‪ ،‬فزاد‬ ‫التهابُها ـ تأججت السنتها أم لم تتأجج ـ فإنها لن‬ ‫تترك الناظر إليها حتى تأخذه إليها‪:‬‬ ‫ـ وأنت لن تحس بانجذاب خطاك إلى القبر‬ ‫رفق ٍ على الطريق إليه ‪،‬‬ ‫وقدماك تمسان األرض في ٍ‬ ‫حتى تلقي بك في أعماقه‪.‬‬ ‫***‬ ‫يرتعش صوت الراوي‪ ،‬وتتسارع أنفاسه‪ ،‬بما يوحي‬ ‫بأن ما يُرى من نار القبر ال يعني غير نزيله الذي يكون‬ ‫ُّجها‪ ،‬يعاني مما ال يمكن‬ ‫وحده تحت ثراه حينَ تأج ِ‬

‫أحمد بنميمون‬ ‫ألحد من األحياء على األرض‪ ،‬أن يعينه عليه‪ .‬لكنها‬ ‫تستطيع أن تصل إلى غيره لو أرادتْ‪ ،‬فتتسع حدقات‬ ‫عيون الصغار‪ ،‬وقد ِّ‬ ‫ملئت قلوبُهم رعباً‪ ،‬وقبل أن يفكر‬ ‫أكثرنا كيف يكون له أن يتخلص من هذا الخوف الذي‬ ‫يمأل أقطار نفوسنا كأكبر كابوس ‪ ،‬يكون الراوي قد‬ ‫بلغ قمة انتشائه من سرده‪ ،‬ويتبادل مع الكبار‪ ،‬ممن‬ ‫تحلقوا حوله‪ ،‬نظرات تؤكد أنه لم يكن كاذباً في ما‬ ‫روى‪ ،‬فقد صار يرى في عيون الجميع ظالل خوف لم‬ ‫يستطع أحد أن يتخلص منها‪ ،‬حتى هو نفسه ‪ ،‬خاصة‬ ‫وأن الظالم صار يغطي أغلب األماكن القريبة من‬ ‫مراقد نومنا‪ ،‬وأن المشرفين عليها كانوا ال يتوقفون‪،‬‬ ‫بعد انصرافنا عن تناول طعام العَشاء‪ ،‬عن حثنا على‬ ‫الدخول إلى حجرة نوم‪ ،‬مترامية األطراف كانت بها‬ ‫ٍ‬ ‫المئات من أسرتنا الحديدية‪ ،‬حتى يتم لهم إغراق‬ ‫نفوسنا‪ ،‬ونفوس كل من تؤويهم هذه الحجرة ‪ ،‬طوعاً‬ ‫أو كرها‪ ،‬تحت ظالم بهيم‪.‬‬

‫«لطيفة»‬

‫‪-3-‬‬

‫لم أكن أشك لحظة في أنها كانت من المالئكة‪،‬‬ ‫وقد محضتُها ‪ ،‬من جهتي‪ ،‬حبا خالصاً من أية شائبة‪،‬‬ ‫بل إني لم أحلم أن ينتهي حبِّي إياها بوصال‪ ،‬كما‬ ‫كنت أعتقد أن أبويها اللذين كنت أرى أحدهما ‪ ،‬ليسا‬ ‫بشرين‪ ،‬وأن فمها الجميل يجل أن ينطق مثلما ينطق‬ ‫لساني ‪ ،‬بلفظتي «أبي» وأمي»‪ .‬وإن كنت ال أسمع‬ ‫شيئاً من ذلك من فم صديقي الذي كان الموت قد‬ ‫اختطف أمَّه ‪ ،‬وباعدت مهنة أبيه بينه وبين أن يؤويه‬ ‫في دفء ظله‪.‬‬ ‫كانت بالفعل في نظر من كنتُه يومذاك مالكاً‪ ،‬وإن‬ ‫كانت تتفضل أحياناً وتطل من وراء حجاب في عُالها‪،‬‬ ‫علينا أنا وصديقي الذي كان يكبرني قلي ً‬ ‫ال‪ ،‬فيدفع بي‬ ‫أن نكمن لها في أقرب منعطفات الطريق إلى بيتها‪،‬‬ ‫لتتناول مني ما كان يثقل به يديَّ الصغيرتين من‬ ‫هدايا وقطع حلوى ‪ ،‬وهو يتحرق من شوقه أن يراها ‪،‬‬ ‫ولو من وراء ما كانت تتوارى خلفه من حجب تحميها‬ ‫أكثر من ُقوَى‪ ،‬فقد كان صديقي بشراً سوياً‪ ،‬بينا كنت‬ ‫في جنة طفولتي ‪ ،‬أشبه ما أكون بمالك ال تحرك دنياه‬ ‫رغبات البشر‪ ،‬فلم يكن يُحجب عني وجهُ مالك‪ .‬أو‬ ‫أمنع ـ تحت أي ظرف ـ من أن أخترق أي مجلس‪ ،‬أو‬ ‫تصل قدماي إلى أي مكان ‪ ،‬عامّاً مكشوفا للعيون كان‬ ‫أم خاصّاً تحميه الحجب واألستار‪.‬‬ ‫لكن ال يظل طفل ما مالكاً متى ما بدأ يطربُ‬ ‫لرغاب تدغدغ كل جهات بدنه الذي أصبح يكتشفه‬ ‫ويحرك كل قواه‪ ،‬فيشعر بجوع إلى امتالك كل ما يراه‪،‬‬ ‫وماذا إذا ُ‬ ‫عظمَ عطشه إلى ما يملك عليه صحوه ورؤاه‬ ‫‪ ،‬وقد غدا يشبَّ دبيباً غامراً في الوجدان‪.‬‬ ‫لم يكد طفليَ يصحو من غفو أحالمه ‪ ،‬ليبحث‬ ‫بعدها عن صديقه وفاتنة أيامه‪ ،‬فلم يعثر على شيء‬ ‫منهما وكأنهما تبخرا بين عشية وضحاها في غمرة ما‬ ‫تبخر من أوهامه‪.‬‬ ‫‪2019/04/22‬‬

‫رفيف حلم‬ ‫�إنك تنبت يف وجه كل الأماكن‬ ‫ال �أملك غري هذا الغروب‬ ‫وم�ساحة من وطن ينزف‬ ‫باحلمام بالغربان‬ ‫رفيف �أجنحتها بال�س�ؤال يقذف‬ ‫يوقظ يف ‪...‬‬ ‫ده�شة مو�شومة بالتعجب‬ ‫�أ�سمع بوح موجها من بعيد‬ ‫�أ�سمع انتفا�ضة رذاذها على وجهك ووجهي‬ ‫على �سطوري املنت�شية برتنيمة الغجرية‬ ‫�أغو�ص يف موا�سم عينيك‬ ‫�أبقى �صاحية‬ ‫�أمار�س طقو�س االغرتاب فيك‬ ‫فالنهار قب�ضة من �أحالم‬ ‫انتهت �صالحية تق�سيمها‬ ‫حلق الوجع مبحوح‬ ‫ال تغد �شهيد حفلتهم املوقوتة‬ ‫من �أجلك انا ال�شعر ‪...‬‬ ‫و ن�شيد فجر ‪..‬‬ ‫هم يقيدون حبال ال�شهيق والكالم املباح‬ ‫يقيدون مننمات الرباءة‬ ‫يف عيون طفولتنا‬ ‫يكممون �أفواه �رسب احلمام الزاجل‬ ‫ال يليق بنا املقام على �ضفاف من�سية‬ ‫�إنهم بع�ض من كل‬ ‫على رفوف احالمنا‬ ‫�ألفوا التجوال‬ ‫ببنادقهم املك�سورة‬ ‫ن�سيج �أحجيتنا‬ ‫نور من فوهة نب�ض حي‬ ‫لن �أكابر ‪..... ..‬‬ ‫ل�ست مرغمة على ك�رس الكلمات‬ ‫ولن �أ�سافر متورطة بالن�سيان‬ ‫ثملنا بفو�ضى االن�صهار‬ ‫بفو�ضى الأحزان‬ ‫اتركني �أمنو فيك‪ ...‬كزهرة �أمل‬ ‫الرفاق ي�شهدون تراتيل �صالتي‬ ‫ي�شهدون �أين طرزت الر�ؤيا‬ ‫وانت�شلت �أوراقنا البي�ضاء‬ ‫قبل ال�رشوق‬ ‫من حقول احلكايات املخ�رضمة‬ ‫ل�ست يف حاجة ملعزوفتهم امل�شنوقة‬ ‫وال حتى لأناملهم املتورطة‬ ‫يف �رسقة ال�صبح من مهده‬ ‫كنت قدميا هناك‬ ‫�أح�صد بقايا �سطور وحروف‬ ‫�شاردة‬ ‫يف حقول الهم�س‬ ‫يف حقول ملحمة احلب‬ ‫يف حقول ال متلكها ال�شياطني‬ ‫ا�ستدرجت الغروب ليبت�سم للفجر‬ ‫حتى ترق�ص فرا�شات االنت�صار‬ ‫لرحيل وجوه �ضاعت مالمحها‬ ‫يف �شوارع ال عناوين لها‬ ‫ال �أر�صفة‬ ‫�سجلت �أ�سماء املوتى ب�صمت‬ ‫على لوائح احلياة‬ ‫بال و�ضوء‪ ...‬بال �صالة‬ ‫باقية �أرو�ض احلا�رض‬ ‫ظلك ‪..‬‬ ‫مالمحك‬ ‫وق�سم احلياة‬ ‫تذكرين اين من �أجلك كل املدن‬ ‫كل العوا�صم‬ ‫اين كل الف�صول‪ ....‬والقوايف‬ ‫ال�ضوء مازال يقاوم‬ ‫بني �رشوقنا وغروبنا‬ ‫بني بيا�ضنا وقلم مربور‬

‫مليكة الجباري‬

‫رفيف حلم‬

‫كان «جميل» الهائم بين مفاتن بطاح ضفاف‬ ‫النيل وروابي ربوعه الحبيبة ‪ ،‬وليس بين يديه شيء‬ ‫مما اعتاد حمله ‪ ،‬وفي عينيه بقايا صور عن أحباب‬ ‫اعتقلهم الحاكم ‪ ،‬لكن إلى أين تراه يستطيع دفع‬ ‫خطواته اللحظة؟ إلى التي حرمه بعدُها النوم‪ ،‬يوم‬ ‫كان يئس حتى الذ بالسفر ً‬ ‫آمآل أن ينسى‪ .‬لكنه اآلن‬ ‫ً‬ ‫يرغب في رؤيتها‪ ، ،‬لعله بذلك يروي شوقا يحس أنه‬ ‫يشتد ويقوى‪.‬‬ ‫يرى الشمس وهي تتهاوى آيلة إلى غروب‪ ، ،‬وقد‬ ‫امتدَّ على جبهة األفق الكبير شحوب ‪ ،‬فال يحزن له‬ ‫أو يفرح‪ ،‬إذ ال يتوقف ما يراه من ألوان عند احمرار‬ ‫التهاب ‪ ،‬أو رماد يزداد سواداً‪ ،‬حتى لتغطي الكون‬ ‫ٍ‬ ‫جُهمتُه بشديد عبوسها‪ ،‬متجاوبة من لها عويل‬ ‫العواصف المخيف‪ ،‬فكأنه بكاء آالف الرجال والنسوة‬ ‫وقد أخذا إلى معتقالت وسجن وراء الشمس ‪ ،‬أو في‬ ‫قاع آبار تحت األرض ‪ .‬وبينهن ـ وال شك تلك التي‬ ‫أحبها‪ ،‬فهل من سبيل إلى تحريرها؟ وسيبذل في‬ ‫سبيل ذلك النفس والنفيس؟‬ ‫مال إلى ظل صخرة ‪ ،‬وهو يتمنى أن يرى بشائر‬ ‫أي دليل يقوده إلى صفوف أهله الذين استجابوا إلى‬ ‫نفير التغيير‪ ،‬وساروا في الطريق أفواجاً ال يخافون وال‬ ‫يرهبون نذر عصي وال طلقات نيران بشير‪،‬‬ ‫فلما كان الفجر نهضت به أحالمه ‪ ،‬وطار به أكثر‬ ‫من جناح على أكثر من منحدر لتفاجئه طالئع مسيرات‬ ‫ومظاهرات تتلوها أسراب نساء وفـتيات كأن النهر‬ ‫قد فاض بالطوفان المنتظر ‪ ،‬فالجميع في الطريق‬ ‫إلى ساحات اليوم الموعود‪ ،‬ليرى من أحبها وهي على‬ ‫منصة تنادي وتدعو ‪ ،‬فيهزج بجميل النشيد‪ُّ ،‬‬ ‫كل لسان‬ ‫كان حبيس خوف وسجين قيود‪ .‬لتستوي فرحة النهار‬ ‫بمواويل الليل في احتضان وجه الزمان الحبيب‪.‬‬

‫الثالثـاء ‪� 15‬إلى ‪� 21‬أكتوبر ‪2019‬‬

‫‪13‬‬


‫الشمال الثقافي‬

‫العدد ‪1015‬‬

‫الثالثـاء ‪� 15‬إلى ‪� 21‬أكتوبر ‪2019‬‬

‫‪14‬‬

‫المتصوفة‬ ‫والصعاليك ‪:‬‬ ‫كيانان ال تحتمل‬ ‫خفتهما !‬ ‫ياسيـن الحـراق‬ ‫وردت كلمة الصعلكة رديفا للفقر في لسان العرب‪،‬‬ ‫فالصعلوك معناه «الفقير الذي ال مال له»‪ .‬ويوافق‬ ‫يوسف خليف‪ ،‬ابن منظور في تعريفه للصعلكة ضمن‬ ‫مؤلفه «الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي»‪ ،‬حيث‬ ‫يرى أن الـصعلكة في المفهـوم اللغـوي تعني‪« :‬الفقر‬ ‫الـذي يجـرد اإلنسان من ماله‪ ،‬ويظهره ضامرا هزيال‬ ‫بين أولئـك األغنيـاء المترفـين‪ ،‬الـذين أتخمهم المال‬ ‫وسمّنهم»‪.‬‬ ‫كما ينطبع التصوف بالفقر‪ ،‬فعالمة الصوفي‬ ‫الصادق‪ ،‬حسب أبي حمزة البغدادي «أن يفتقر بعد‬ ‫الغنى ويذل بعد العزة ويخفى بعد الشهرة» حتى‬ ‫يصفو قلبه من ملذات الحياة‪ .‬ويوافقه في ذلك‬ ‫أيضا سمنون المحب في إحدى إجاباته عن معاني‬ ‫التصوف‪ ،‬فالتصوف بالنسبة إليه «أن ال تملك شيئا‬ ‫وال يملكك شيء»‪ .‬بينما يذهب الصوفي فريد الدين‬ ‫العطار إلى اعتبار المتصوفة الخلص‪ ،‬هم الذين يكون‬ ‫فقرهم كفقر المسيح‪ .‬وقد كان المسيح أكثر األنبياء‬ ‫فقرا «يلبس الشعر‪ ،‬ويأكل الشجر ويبيت حيث أمسى»‬ ‫بدون أن يمنعه فقره من تكريس حياته لنصرة الجياع‬ ‫اليائسين‪ ،‬داعيا إلى إنصافهم‪.‬‬ ‫وفي المقابل اتسمت حياة الصعاليك‪ ،‬بالقسوة‬ ‫والحرمان والمعاناة‪ ،‬باعتبار نمط الحياة القائم في‬ ‫شبه الجزيرة العربية‪ ،‬نمطا يغلب عليه طابع البطش‬ ‫والفتك والجور والتجويع‪ ،‬حيث يستبد الموسر وينبذ‬ ‫المعوز‪ ،‬وأحيانا يتمدد الطغيان ليفضي إلى طرد‬ ‫أبناء القبيلة العاقين؛ ومن ثمة كان ال بد من انبثاق‬ ‫الصعلكة كأسلوب في الحياة لتشكل حركة تمرد ضد‬ ‫تسلط السادة والميسورين األشحاء‪.‬‬ ‫ويطلعنا الرواة القدامى على تجربة هؤالء الشعراء‬ ‫المتفردة‪ ،‬وذلك خارج نمط الفتك والنهب الغالب على‬ ‫معظم شعراء الصعاليك‪ ،‬حيث تقوم هذه التجربة‬ ‫على مبدأ إعادة توزيع الثروة على فقراء البدو بعد‬ ‫نهبها من الميسورين‪ .‬ويصنف كل من عروة بن‬ ‫الورد العبسي وأبو خراش الهذلي ومالك بن الريب‪،‬‬ ‫ضمن الشعراء الصعاليك الذين ال تحتمل خفتهم‪.‬‬ ‫وهكذا صارت الصعلكة آصرة توحد بين من ال صوت‬ ‫لهم في القبيلة‪ ،‬وبين الثائرين على أعراف وتقاليد‬ ‫النظام القبلي‪ ،‬وفي اآلن نفسه تشكل موقفا صريحا‬ ‫من البذخ‪ ،‬ما يفسر توجيه غارات غزوهم نحو الوجهاء‬ ‫وذوي النفوذ والسيادة‪.‬‬ ‫بيد أن المتصوفة اتخذوا ألنفسهم الفقر طوعا‪،‬‬ ‫باعتباره مسلكا ينحو نحو الخالص األبدي وتصفية‬ ‫للنفس من شوائب الدنيا وملذاتها ؛ لكنهم يتشاركون‬ ‫خصائص التهميش والنفي والتقتيل‪ ،‬وهي خصائص‬ ‫انطبعت بها حركة الصعلكة أيضا‪ .‬فإذا كان الشعراء‬ ‫الصعاليك عزلوا بسبب مواقفهم من النظام القبلي‪،‬‬ ‫فقد ضيق على المتصوفة بفعل تعارض حموالتهم‬ ‫المعرفية مع أفكار الفقهاء المرتكزة على الظاهر‪،‬‬ ‫ونتيجة لمواقفهم من بذخ أرباب الدولة والميسورين‬ ‫بالخصوص‪ .‬فقد كان الحالج والثوري والبسطامي‬ ‫والجيلي… أكثر نصرة للفقراء يلهجون بلسانهم‬ ‫ويدافعون عنهم‪.‬‬ ‫هذا الموقف الذي انتهجه المتصوفة اتجاه‬ ‫األغيار والفقراء‪ ،‬سيفضي مثال إلى تشنج عالقة عبد‬ ‫القادر الجيلي – أحد كبار رجاالت التصوف – بالخليفة‬ ‫العباسي محمد المقتفي‪.‬‬ ‫فالجيلي نتيجة تواتر الفوارق االجتماعية داخل‬ ‫العاصمة العباسية بغداد‪ ،‬وتفشي مظاهر الفساد‬ ‫والظلم‪ ،‬سينتهي به المطاف إلى إصدار دعوة تجيز‬ ‫انتزاع الثروات من أرباب الدولة ووجهائها ثم إعادة‬ ‫توزيعها على المهمشين‪ .‬ومن هنا يتبين أن وظيفة‬

‫التصوف عند عبد القادر‪ ،‬تتجاوز فناء النفس عن‬ ‫مذموم األفعال‪ ،‬إلى محبة العوام واالهتمام بهم‬ ‫ومجافاة السلطة إن انزاحت عن خدمة الجياع‪ .‬وقد ورد‬ ‫عن الجيلي في «مسالك األبصار» البن فضل ما يعضد‬ ‫هذه الوظيفة‪« :‬فتشت األعمال كلها فما وجدت فيها‬ ‫أفضل من إطعام الطعام وال أشرف من الخلق الحسن‪.‬‬ ‫أودّ لو كانت الدنيا بيدي أطعمها الجائع‪ ،‬كفي مثقوبة‬ ‫ال تضبط شيئا‪ .‬لو جاءني ألف دينار لم تبت عندي»‪.‬‬ ‫ويبدو أن حياة عبد القادر الجيلي القاسية حملته‬ ‫على التقرب من الفئات المسحوقة‪ ،‬حيث يورد صاحب‬ ‫«الذيل على طبقات الحنابلة» ضمن المجلد األول‬ ‫بعضا من معاناته‪« :‬وكنت أقتات الخرنوب الشوك‬ ‫وقمامة البقل وورق الخس من جانب النهر والشط‪،‬‬ ‫وبلغت الضائقة في غالء نُزل ببغداد أن بقيت أياما لم‬ ‫آكل طعاما‪ ،‬بل كنت أتبع المنبوذات أطعمها‪ ،‬فخرجت‬ ‫يوما من شدة الجوع لعلي أجد ورق الخس أو غير ذلك‬ ‫فأتقوت به فما ذهبت إلى موضع إال وغيري قد سبقني‬ ‫إليه‪ .‬وإن وجدت أجد الفقراء يتزاحمون عليه فأتركه‬ ‫حياء»‪.‬‬ ‫إن مذهب الجيلي هنا‪ ،‬يتقاطع كثيرا مع مذهب‬ ‫«عروة الصعاليك» في سعيه إلعانة المسحوقين‬ ‫بتأمينه لحاجاتهم‪ ،‬وإن كان ذلك على حساب علية‬ ‫القوم وعلى حساب راحته فيكون بذلك قد فرق جسمه‬ ‫في جسوم كثيرة بناء على وصفه لنفسه‪:‬‬ ‫أفرق جسمــي فـي جسـوم كثيرة‏‬ ‫وأحسـو قراح الماء والماء بارد‏‬ ‫كما يرصد رواة الشعر‪ ،‬جوانب مهمة من غارات‬ ‫عروة على القوافل‪ ،‬كوضعه لمواصفات دقيقة تمكنه‬ ‫من تحديد نوعية القوافل المراد غزوها‪ ،‬كأن يختار‬ ‫ضحاياه من فئة األغنياء المنطبعين بالبخل؛ إذ لم‬ ‫يكن يغير بدافع النهب والسلب‪ ،‬وإنما بدافع المروءة‬ ‫فيخفف بغنائم غزوه آالم البسطاء والمقهورين من‬ ‫الناس‪ .‬وشأنه في ذلك شأن أبو خراش الهذلي؛‬ ‫فرغم تشدد هذا األخير على أعدائه‪ ،‬فقد كان أميل‬ ‫إلى فطرته اإلنسانية فيتصبر على الجوع ويكتفي‬ ‫بمر الطعام تاركا اللين منه لذويه وعينه على جبة‬ ‫الميسورين‪:‬‬ ‫وإني ألثوي الجوع حتى يملني‏‬ ‫فيذهب لم يدنس ثيابي وال جرمي‏‬ ‫وأغتبق الماء القراح فأنتهي‬ ‫إذا الزاد أمسى للمزلج ذا طعم‏‬ ‫أرد شجاع البطن قد تعلمينه‏‬ ‫وأوثر غيري من عيالك بالطعم‏‬ ‫مخافة أن أحيا برغم وذلة‏‬ ‫وللموت خير من حياة على رغم‬ ‫‏إن روح أبي خراش متقلبة‪ ،‬تطبعها األتراح‬ ‫والخسارات‪ ،‬لكنها مع ذلك روح تنزع في صفائها نحو‬ ‫النزعة اإلنسانية‪ .‬ويتبين ذلك في حدث موت الشاعر‬ ‫عقب تعرضه للدغة أفعى وهو يهم بسقاية ضيوفه‬ ‫العابرين‪ ،‬فرغم أنه شارف على وداع العالم‪ ،‬يستحيي‬ ‫أن يشرك ضيوفه في مأساته‪.‬‬ ‫إن الشعراء الصعاليك والمتصوفة االجتماعيين‬ ‫وإن انشغلوا بذواتهم في كتاباتهم‪ ،‬فقد صوروا‬ ‫تصويرا واقعيا ودقيقا‪ ،‬الحياة االجتماعية ومظاهرها‬ ‫القاسية في شبه الجزيرة العربية‪ .‬كما نقلوا أيضا‬ ‫مواقفهم ونضاالتهم المريرة ضد الحرمان والمعاناة؛‬ ‫فعروة بن الورد لم يكن لنفسه‪ ،‬وكذلك أبي خراش‪،‬‬ ‫وكذلك عبد القادر والعشاق الزهاد‪ .‬كلهم وهبوا‬ ‫روحهم للمكتوين بأوجاع الحياة‪.‬‬

‫محمد بنقدور‬

‫بين الناقد والشاعر‬

‫إن النقد األدبي في أبسط تعريفاته هو االهتمام واإلحاطة بإنتاج‬ ‫أدبي ما‪ ،‬لكاتب ما‪ ،‬وفق رؤية أو منهج ما‪ ،‬بحثا عن جوهره الفني‬ ‫والجمالي‪ ،‬واستكناها لحقيقته اإلبداعية والفكرية التي ينتجها الكاتب‪.‬‬ ‫العملية النقدية‪ ،‬كذلك‪ ،‬وفي سياق آخر‪ ،‬تمارس حقها في تناول‬ ‫ما تريد من الشعراء ومن مجموع النصوص‪ ،‬بانتقائية مقصودة‪،‬‬ ‫بشكل يخدم نظرية نقدية محددة سلفا في عنوان األطروحة أو البحث‬ ‫أو الدراسة أو المقالة‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فهذا التوجه يكون منسجما كليا مع‬ ‫مفهوم النقد األدبي الذي بجب أن يتبناه الناقد‪.‬‬ ‫من زاوية أخرى‪ ،‬الشاعر شخص معنوي‪ ،‬وفي نفس الوقت هو‬ ‫شخصية عامة للجميع الحق في التعاطي معها وتناولها وفق قواعد‬ ‫معروفة ومعلومة في مجال النقد والتحليل األدبي‪.‬‬ ‫فالشاعر يكتب لآلخر‪ ،‬يكتب لقارئ مفترض يكون هو الهدف‬ ‫األساسي ألي كتابة‪ ،‬وبالتالي هذا القارئ يمكن أن يكون معجبا‬ ‫متقبال‪ ،‬كما يمكن أن يكون جحيما‪ ،‬رافضا منتقدا بالمعنى السلبي‬ ‫للكلمة‪.‬‬ ‫الشاعر‪ ،‬والكاتب عموما‪ ،‬يوقع عقدا معنويا غير مكتوب مع القارئ‬ ‫والدارس والباحث والناقد‪ ،‬يفوضهم‪ ،‬من خالل ذاك العقد‪ ،‬التعامل مع‬ ‫منتوجه اإلبداعي بالشكل الذي يحسه أو يراه المتناول وليس بالشكل‬ ‫الذي يريده الشاعر‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬ليس من حق الشاعر االحتجاج على أي تناول لنصوصه‬ ‫الشعرية أو تعامل مع اسمه الشعري‪ ،‬مادام هذا التناول يدخل في‬ ‫نطاق العملية النقدية التي هي محددة سلفا في بحث أو دراسة أو‬ ‫تأطير نقدي معين‪.‬‬ ‫لذلك‪ ،‬أي تناول ألي شاعر أو منتوج شعري‪ ،‬يدخل في نطاق النقد‬ ‫األدبي‪ ،‬البد أن يكون محددا بخلفية نقدية يتبناها الناقد‪ ،‬تسمح له‬ ‫بأن يكتب عن الشعر والشعراء‪ ،‬وتشفع له في تناول ما يراه صالحا‬ ‫لبناء نظرية شعرية يرتبها وفق مشروع نقدي بعيدا أن أي تدخل‬ ‫مفترض للشاعر‪ ،‬سلبا أم إيجابا‪ ،‬وبعيدا عن استقصاد لشخص المبدع‬ ‫من طرف الناقد‪ ،‬مهما كان الموضوع أو المنهج أو الهدف‪.‬‬ ‫من هذا الجانب‪ ،‬تأخذ حساسيات التعامل مع الشعر المغربي‪،‬‬ ‫نصوصا وشعراء‪ ،‬على قلتها‪ ،‬بعدها اإلشكالي‪ ،‬األمر الذي يجعل‬ ‫العالقة القائمة بين الدارس والمدروس‪ ،‬الناقد والشاعر‪ ،‬مشوبة‬ ‫بتوترات مفترضة‪ ،‬غالبا ما تكون خلفيتها ذاتية المنزع‪.‬‬ ‫من البديهي أن العملية النقدية اجتهاد‪ ،‬مثلها مثل العملية‬ ‫اإلبداعية‪ ،‬وكما أن المبدع له أجر االجتهاد‪ ،‬سواء كان عمله غثا أو‬ ‫سمينا‪ ،‬كذلك للناقد أجر اجتهاده‪ ،‬سواء في انتقائيته المقصودة‬ ‫للنصوص وللشعراء‪ ،‬أو في نتائج تحليله‪ ،‬سواء كانت في مستوى‬ ‫تطلع الشاعر أو عكسه‪.‬‬ ‫أخيرا‪ ،‬ما يكتبه الشاعر يدخل في سياق حرية الكتابة‪ ،‬وكذلك‬ ‫يجب اعتبار ما يكتبه الناقد حرية وتعبيرا عن الرأي النقدي‪ ،‬ما دام‬ ‫كليهما منتميا لنفس الجنس األدبي‪ ،‬وماداما يخضعان للعرف األدبي‬ ‫المنظم ألخالقيات وشروط الكتابة‪ ،‬ما عدا هذا‪ ،‬وكيفما كان رد فعل‬ ‫المبدع‪ ،‬يمكن اعتباره تدخال فيما ال يعنيه‪ ،‬في أحسن األحوال‪ ،‬إن لم‬ ‫يكن إساءة لألدب‪ ،‬إساءة للشعر وإساءة للكتابة والكاتب‪ ،‬مهما كان‬ ‫الكاتب‪.‬‬


‫الثالثـاء ‪� 22‬إلى ‪� 28‬أكـتـوبر ‪2019‬‬

‫العدد ‪1016‬‬

‫رسائل‬ ‫تطوانية‬

‫‪15‬‬

‫من أرشيف الدبلوماسي األديب‬

‫سيدي التهامي أفيالل التطواني‬ ‫حفظه اهلل (‪)31‬‬

‫ إعداد وتقديم‪ :‬الدكتور يونس السباح‬‫‪Younes_sebbah@hotmail.com‬‬

‫تقديم‬

‫تعتبر المراسالت العلمية رافداً ثرياً لكتابة التاريخ‪ ،‬باعتبار ما تحمله في طيّاتها من المعلومات الدّفينة‪ ،‬والفوائد الغميسة النادرة‪ ،‬التي ال توجد في غيرها‪ ،‬ولكونها مرتبطة بزمان ومكان وموضوع معيّن‪،‬‬ ‫كما تعدّ أيضاً فنّاً أدبياً‬ ‫ًّ‬ ‫مستقال بنفسه‪ ،‬بما تحمله من صادق التعبير‪ ،‬وجميل اإلحساس‪ ،‬وحسن اإلنشاء‪ ،‬وبديع السّبك‪ ،‬وخصوصاً إذا أضيف إلى هذه المعاني جمال الخط‪ ،‬ورونق الحرف‪ ،‬وكانت صادقة‬ ‫اإلحساس معبّرة عن الصلة العائلية‪ ،‬والمتابعة الدراسية بين الوالد والوَلد مث ً‬ ‫ال‪ ،‬أو بين تلميذ وشيخه‪ ،‬أو الصديق وصديقه‪...‬‬ ‫ومن المراسالت المتّصفة بهذه الصفات‪ ،‬ما تحتويه خزانة األديب الشاعر‪ ،‬والدبلوماسي السابق‪ ،‬أحد أفراد بيت العلم والشرف والمجد‪ ،‬سيدي التهامي أفيالل حفظه اهلل‪ ،‬وما يشتمل عليه أرشيفه الذي‬ ‫يضمّ كمّا هائ ً‬ ‫ال من الرسائل‪ ،‬معظمها صادرة عن أفراد أسرته‪ ،‬كجدّه القاضي سيدي التهامي أفيالل‪ ،‬أو عمّه الوزير سيدي محمد بن التهامي‪ ،‬أو أخيه األديب‪ ،‬سيدي البشير أفيالل‪ ،‬أو واردة عليهم وعلى‬ ‫أفراد آخرين من هذا البيت‪.‬‬ ‫ولمّا كانت هذه المراسالت لها قيمة أدبية وتاريخية‪ ،‬ولم يسبق أن رأت النور‪ ،‬أو اهتمّ أحد بإخراجها للناس‪ ،‬استأذنّا صاحب األرشيف‪ ،‬الشريف المذكور‪ ،‬في العمل على إخراجها وتيسيرها للنّاس عبر‬ ‫صفحات جريدة الشمال الغراء‪ ،‬التي تستأثر بنشرها‪ ،‬فوافق مشكوراً مأجوراً‪ ،‬وقمنا نحن برقن هذه الرسائل‪ ،‬وصنّفناها حسب ّ‬ ‫كل شخص (منه‪/‬عليه)‪ ،‬وآثرنا أن نبتدئ باألقدم تاريخاً‪ ،‬فكان صاحب السبق هو‬ ‫القاضي الشهير‪ ،‬والفقيه الكبير‪ ،‬سيدي التهامي بن محمد أفيالل (ت‪1339:‬هـ)‪ ،‬وقد استوفينا رسائله –حسبما عثرنا عليه‪ -‬في الحلقات الماضية من هذه الجريدة‪ ،‬ونثنّي برسائل ولده العالمة الوزير سيدي‬ ‫محمد أفيالل الصادرة منه والواردة عليه‪.‬‬

‫[الرسالة‪]117 :‬‬ ‫[من محمد المرير إلى صديقه السيد البشير أفيالل‪ ،‬يجيبه على رسالة]‬ ‫الحمد هلل وحده‬

‫وصلى اهلل على سيّدنا محمد وآله‬

‫سيادة األخ األودّ األحبّ األعزّ األمجد‪ ،‬الشريف الجليل‪ ،‬العالم النّبيل‪ ،‬سيدي البشير أفيالل‪،‬‬ ‫حيى اهلل مغناك‪ ،‬وزاد بمنّه في معناك‪ ،‬وسالم عليك ورحمة اهلل‪.‬‬ ‫وبعد‪ ،‬فإنّه إلقي إليّ من جنابكم كتاب كريم‪ ،‬فكان في معناه ومبناه ألطف من النّسيم‪،‬‬ ‫وأبهج من الوجه الوسيم‪ ،‬أو كما ًال في ّ‬ ‫الطيب‪:‬‬ ‫كأن المعاني في فصاحة لفظها نجوم ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثريّا أو خالئقك الزّهر‬ ‫شارحُا به ما نابكم من عدم ال ّلقا ّ‬ ‫بالثغر التطواني‪ ،‬وفوات ما عدمنا به غاية األماني‪ُ ،‬‬ ‫حيث‬ ‫إنّكم كنتم بارحتم ّ‬ ‫الثغر المذكور استنتاجاً للراحة‪ ،‬واستشفاء ممّا ألمّ بتلك السّاحة‪ ،‬وصار ّ‬ ‫كل‬ ‫ما فسرتم به من بينات الوداد مودّاة بصميم الفؤاد‪ .‬أمّا محبّتكم وصداقتكم فأمر صحيح لم‬ ‫يداخله داء التقليل‪ ،‬وقضاياه بديهية ال يبرهن عليها بدليل‪:‬‬ ‫وليس يصحّ في األذهان شيء‬

‫إذا احتاج النّهـار إلى دليـــل‬

‫وأمّا ما ذكرتم من اعتاللكم‪ ،‬وقصدكم الثغر الطنجي لالستشفاء الخ‪ ،‬فنسأل اهلل سبحانه‬ ‫أن تكونوا أُبتم ال بسين ح ّلة الشّفاء الذي لم يغادر في ذاتكم أدنى سقم‪ ،‬وتدرّعتم بدرع‬ ‫الصحّة التي تحول بينكم وبين ّ‬ ‫كل ألم‪ ،‬بجاه النبي وآله‪ .‬يعود سالمنا على اإلخوة األجلة‬ ‫الكرام‪ ،‬موالي محمد وموالي أحمد وموالي على‪ ،‬وعلى ّ‬ ‫كل سائل‪ ،‬وعلى محبّتكم والسالم‪.‬‬ ‫في ‪ 15‬جمادى ‪ 1‬عام ‪1344‬هـ‪.‬‬ ‫أخوكم‪ :‬محمد المرير لطف اهلل به‬

‫[الرسالة‪]118 :‬‬ ‫[من محمد المرير إلى صديقه السيد البشير أفيالل‪ ،‬يشكره على هدية «جريدة الميثاق»‬ ‫ويواسيه في فقد شقيقه سيدي محمد أفيالل]‬ ‫الحمد هلل وحده‬

‫والصالة والسالم على رسول اهلل‬

‫سيادة أخي وشقيقي الروحي‪ ،‬الفقيه العالمة ّ‬ ‫المطلع‪ ،‬النبيل الشريف األصيل الجليل‪ ،‬سيّدي‬ ‫البشير أفيالل متّعكم اهلل بدوام الصحة وتمام العافية‪ ،‬وسالم عليكم ورحمة اهلل‪.‬‬ ‫وبعد‪ ،‬فقد استلمت رسالتكم الكريمة‪ ،‬ومعها جريدة الميثاق بقصد ّ‬ ‫االطالع على ما نشر‬ ‫فيها من ترجمة األخ الراحل الذي ترك لدينا فراغا لم بعده أحد من أمثاله [‪ ]...‬األجلة األفاضل‪،‬‬ ‫طالبا أن أذيّل تلك الترجمة بما عندي في ذلك‪ ،‬وصار بالبال‪ ،‬أمّا هذه الجريدة فقد كانت‬ ‫وصلتني من إدارتها قبل ورود كتابكم‪ ،‬وطالعت تلك الترجمة التي راقت والقت واستوعبت‬ ‫المناحي التي يطلب ذكرها في تراجم أجلة [‪ ،]...‬وسقت قارئها المورد العذب األصفى‪ ،‬ونطقت‬ ‫بالحق‪ ،‬وحدثت بالصدق الذي ال يماري فيه األقرب واألقصى‪ .‬وما يالحظ فيها إال اكمال تلك‬ ‫العقود العقيانية‪ ،‬وتتميم هاته الفقرات الذهبية البهية بنشر نصوص اإلجازات التي أحرزها‬ ‫الفقيد من أكابر شيوخه بحضرة فاس‪ ،‬إذ فيها من الفوائد ما تنشرح بها األنفاس‪ .‬ثمّ اعلم‬ ‫أيها األخ العزيز ّ‬ ‫أن أخاكم قد رقّ اليوم عظمه‪ ،‬ووهت قوّته‪ ،‬وضعف بصره‪ ،‬وقعُر فكره‪ ،‬وتراجع‬ ‫نظره‪ ،‬واضطرب بين أصابعه قلمه‪ ،‬سائال من المولى ّ‬ ‫جل شأنه‪ ،‬وعزّ سلطانه‪ ،‬أن يلطف به‬ ‫في حكمه وقضائه‪ ،‬وأن يجعل خير أيامنا وأسعدها يوم لقائه‪ ،‬وأن يحفظنا فيكم وفي أمثالكم‬ ‫من أهل العلم والدّين‪ ،‬وأن يلحقني وإيّاكم بالدين أنعم عليهم من النبيئين والصديقين‬ ‫والشهداء والصالحين‪ ،‬آمين‪ .‬والسالم عليكم من صديقكم دائما في السر والعالنية والغيبة‬ ‫والحضور‪.‬‬ ‫محمد المرير‬

‫[الرسالة‪]119 :‬‬ ‫[من محمد المرير إلى صديقه السيد البشير أفيالل‪ ،‬يشكره على تفقده وسؤاله]‬ ‫الحمد هلل‬ ‫صديقي الوحيد‪ ،‬وعزيزي المخلص الودود‪ ،‬الشريف العالمة الجليل‪ ،‬سيدي البشير أحيّيكم‬ ‫وأرجو لكم حياة طيّبة وعيشة راضية‪.‬‬ ‫وصلتني رسالتكم مسفرة من تأثركم مما أصاب ولدنا محمد‪ ،‬فال حول وال قوّة إال باهلل‪،‬‬ ‫فنسأله سبحانه أن يجعلنا وغيّاكم عبيدا له في جميع الحاالت‪ ،‬ومن الذين إذا أصابتهم مصيبة‬ ‫قالوا‪ :‬إنا هلل وإنا إليه راجعون‪ ،‬أما حالة [‪ ]...‬أسفرتم عنها فهي ال زالت سيئة‪ ،‬راجيا صالح‬

‫أدعيتكم‪ ،‬والمولى سبحانه المسؤول أن يجعلنا ممن رُعي بعين عنايته‪ ،‬حتى يكون ملطوفا به‬ ‫في التقدير‪ ،‬والسالم عليكم من صديقكم‪:‬‬ ‫محمد المرير‬

‫[الرسالة‪]120 :‬‬ ‫[من محمد المرير إلى صديقه السيد البشير أفيالل‪ ،‬رسالة جوابية على شكل مقامة أدبية]‬ ‫الحمد هلل وحده‬ ‫سيدي وسندي‪ ،‬ومن عليه في خلوص الود معتمدي‪ُ ،‬طرفة العصر ويتيمة الدهر‪ ،‬العالمة‬ ‫األديب‪ ،‬اللوذعي األريب‪ ،‬الشريف المنيف‪ ،‬موالي البشير أفيالل‪ ،‬أوصل اهلل حفظك‪ ،‬وأجزل من‬ ‫المسرات والمبرّات ّ‬ ‫حظك‪ ،‬وسالم يُحيي مغناك‪ ،‬ويضوع عَرْ ُفه بطيب معناك‪.‬‬ ‫وصلت رسالتك الغراء وصحيفتك التي تج ّلت بسواد في بياض كخيالن في وجنة بيضاء‪ ،‬أما‬ ‫لفظها ومعناها‪ ،‬فقالئد العِقيان في لبدت الحور‪ ،‬أو الجواهر الحسان على ربات الخدور‪.‬‬ ‫تجلت معانيها خالل سطورها آللى في دُرْج كواكب في برج‬ ‫رحيق معنى لطيف‪ ،‬في ظرف لفظ ظريف‪َ ،‬كراح في كأس زجاج‪ ،‬أو روح في معتدل المزاج‪.‬‬ ‫في نظام من البالغـة ما شـــ ـــكّ امرؤ أنه نظام فريدُ‬ ‫حزن مستعمل الكالم اختيارا وتجنبــن ظلمة التعقيـــد‬ ‫وركبن اللفظ الغريب فــــأدر كن به غاية المُراد البعيد‬ ‫ففيها من التشبيهات ما يعزّ على ابن المعتز‪ ،‬ومن التجنيس ما لو عرض على عارضة‬ ‫البُستي الدعى الضّجر‪ ،‬ومن أنواع البديع ما يَحيرُ فيك الحريري‪ ،‬ويستبدعه البديع‪.‬‬ ‫فديناك ال يسطيعك النظم والنثر فأنت مليك الفـن وانفصــل األمـــر‬ ‫قرأنا كتابـا منــك ينهــــل صيّبا فكل المعاني الغُر يشبهــه البحــر‬ ‫بفضل الربيع الطلق يبدي غضــارة فحيتك منه الشمس والروض والنهر‬ ‫وصل هذا الخطاب المونق‪ ،‬والكتاب المثمر المورق المنمق باألدب‪ ،‬الغض الطري والمرونق‬ ‫بالحسن‪ ،‬المستبدع العبقري ألخ شب عمرو أدبه عن الطوق‪ ،‬وذبل كل شيء منه حتى الذوق‪.‬‬ ‫األربعيـــــن‬ ‫وماذا يبتغي األدبــــاء مني وقد جـاوزت حــد‬ ‫ِ‬ ‫واألدب كما قيل‪:‬‬ ‫للشيخ عيبــة عــيب وللفتى َظرفُ ُظرف‬ ‫استغفر اهلل إال رميم يحييه نفسكم العالي‪ ،‬وينعشه نفيسكم الغالي‪:‬‬ ‫فهو حياة لكل ميْت كان أسجاعه نفوس‬ ‫حليت أعزك اهلل في فصل خطابك فصل الربيع بعقود سجعاتك النورية‪ ،‬وكسوته حلال‬ ‫بفقراتك الجوهرية‪ ،‬فزدت ألمير الفصول أبهة وجماال‪ ،‬فتاه داللاً ‪ ،‬وأنشد حالاً ‪:‬‬ ‫ما الدهر إال الربيع المستنير إذا جاء الربيع أتاك النور والنور‬ ‫كيف ال‪:‬‬ ‫والروض بين متـوج ومشنـــف والزهر بين مدبــج ومفـــوف‬ ‫والغصن غناه الحمـام فهـــزه طربا وحياه الغمـام بقرقـــف‬ ‫والظل يسبح في الغديــر كأنه صداٌ يلوح على حسام مرهــف‬ ‫قس بالسماء األرض تعلم أنها بكواكب األزهار أحسن زخرف‬ ‫هذه هي المحاسن التي استهوت سيدي فوجّه التهمة على أخيه بأنه شغف بها حبا‪،‬‬ ‫وملكت منه قلبا ولبا‪ ،‬حتى هجرت كل أخ له وإن صفا وده‪ ،‬وتخلى عن كل خليل وإن صح عهده‪.‬‬ ‫كال وخدود األغصان الكاسيات العاريات في البستان‪ ،‬المائالت المميالت لبني اإلنسان‪،‬‬ ‫وجفون النرجس الغض‪ ،‬وأريج الياسمين في الروض‪ ،‬لما حال الود وال تحول‪ ،‬وما الحب إال‬ ‫للحبيب األول‪.‬‬ ‫أما الربيع وأنواره‪ ،‬ومياهه وأزهاره‪ ،‬فما الشغف به إال لمشابهة غيثه بجود الغيم‪ ،‬ومضاهاة‬ ‫اعتزال فصله لخلقه الكريم‪.‬‬ ‫وأما ما لمحت إليه مما يتلقف من األغصان‪ ،‬ويتعاهد به األصدقاء والخُلصان‪ ،‬فلم يزل‬ ‫يقابل بقساوة وجفاء‪ ،‬ويتبختر في حلته الخضراء‪ ،‬فإن تجمل بالبُرد األحمر‪ ،‬وتبدى لناظره في‬ ‫اللون األقمر‪ ،‬فسيرعوه عن غي الهجران‪ ،‬ويجود بتقبيل أفواه اإلخوان‪ ،‬دمت لألدب ترقيه‪ ،‬ومن‬ ‫كيد الدخالء تقيه‪ ،‬وعلى خلوص الود والسالم‪.‬‬ ‫صفيكم‪ :‬محمد المرير‪.‬‬


‫العدد ‪1016‬‬

‫كتابات يف تاريخ‬ ‫منطقة ال�شمال ‪:‬‬

‫(‪)917‬‬

‫‪16‬‬

‫الثالثـاء ‪� 22‬إلى ‪� 28‬أكـتـوبر ‪2019‬‬

‫“الدراسات العربية بإسبانيا‪:‬‬ ‫جذورها وأبرز أعالمها”‬

‫تعزز مجال الدراسات األندلسية المغربية المعاصرة‪ ،‬بصدور عمل‬ ‫تصنيفي جديد لألستاذين محمد القاضي ومحمد العمارتي‪ ،‬تحت عنوان‬ ‫“الدراسات العربية بإسبانيا‪ :‬جذورها وأبرز أعالمها”‪ ،‬وذلك خالل مطلع‬ ‫سنة ‪ ،2019‬في ما مجموعه ‪ 447‬من الصفحات ذات الحجم المتوسط‪.‬‬ ‫ويمكن القول إن صدور هذا العمل‪ ،‬يشكل ترسيخا لمسار طويل من‬ ‫العمل الشاق‪ ،‬ومن الجهد المتواصل‪ ،‬ومن التنقيب المتأني‪ ،‬الذي طبع‬ ‫التراكم العلمي للمؤلفين على امتداد سنوات طويلة‪ .‬وقد أثمر ذلك‪،‬‬ ‫سلسلة من األعمال المرجعية‪ ،‬تأليفا وترجمة‪ ،‬أضحت عناصر أساسية‬ ‫في عتبات االشتغال على التراث األندلسي والموريسكي المكون إلحدى‬ ‫أهم روافد الهوية المغربية المعاصرة‪.‬‬ ‫وإذا كان موضوع الحضور األندلسي والموريسكي قد حظي‬ ‫بالكثير من عناصر االهتمام والبحث والتوثيق داخل الجامعات المغربية‬ ‫ولدى قطاعات واسعة من المهتمين والباحثين والمثقفين والمبدعين‬ ‫المغاربة‪ ،‬ساهم في إنتاج رصيد ثري من المنجزات العلمية المؤسسة‪،‬‬ ‫فإن األمر قد عرف مسارا شبيها بالضفة اإلسبانية‪ ،‬مع انبثاق توجهات‬ ‫االستعراب اإلسباني ومدارسه المتنوعة‪ .‬لقد أدركت إسبانيا المعاصرة‬ ‫أن التحرر من عبء وصية إيسابيال الكاثوليكية يظل أمرا مدخليا‬ ‫للتخلص من اليوتوبيات المرتبطة بعهود مراحل الغزو اإليبيري‬ ‫للقرنين ‪ 15‬و‪ 16‬الميالديين‪ .‬كما اقتنع الباحثون أن سقوط غرناطة‬ ‫سنة ‪1492‬م في يد اإلسبان وما تبعه من طرد للمسلمين ولليهود‬ ‫نحو الضفة الجنوبية للبحر األبيض المتوسط في ظروف غير إنسانية‬ ‫أطرتها جرائم محاكم التفتيش الكاثوليكية‪ ،‬لم تعمل إال على بتر مكون‬ ‫هام من المكونات الناظمة لبنية اإلبداع اإليبيري في بعده اإلنساني‬ ‫الواسع‪ .‬فكانت النتيجة‪ ،‬بداية تنظيم هذه العودة الجماعية لصيانة‬ ‫ذاكرة إسبانيا “األخرى” إسبانيا التعدد والتسامح والتعايش‪ ،‬وقبل ذلك‪،‬‬ ‫إسبانيا اإلبداع والتميز الحضاري بين أمم أوربا‪ .‬ومع تزايد الوعي بهذا‬ ‫المنحى االستنهاضي الواسع‪ ،‬بدأت مدارس البحث االستعرابي تتناسل‪،‬‬ ‫وبدأت مالمح العودة إلعادة تقييم التراث العلمي واإلنساني العربي إلسبانيا تتكاثر‪ .‬وكان البد أن‬ ‫ينتبه باحثو الضفة الجنوبية ببالد المغرب لهذا المخاض‪ ،‬عبر تجاوز نظرة االنبهار والتماهي مع تراث‬ ‫األجداد‪ ،‬إلى مستوى التعامل النقدي والتقييم التأصيلي والتفكيك العلمي الكفيل بإعادة االعتبار‬ ‫لعناصر االنتماء الحضاري المشترك للشعبين اإلسباني والمغربي‪.‬‬ ‫في إطار هذا التوجه العام‪ ،‬يمكن أن نقرأ سياق صدور الكتاب موضوع هذا التقديم‪ ،‬األمر الذي‬ ‫عبر المؤلفان عن أبعاده الكبرى بشكل دقيق‪ ،‬عندما قاال في كلمتهما التقديمية‪“ :‬ال يمكن إنكار‬ ‫الجهود الكبرى التي بذلها االستشراق واالستعراب اإلسبانيان في دراستهما للتراث العربي المشرقي‬ ‫منه واألندلسي‪ ،‬كما ال يمكن تجاهل أو إغفال تأثيرات االستعراب اإلسباني القوية والكبرى في مجال‬ ‫النهوض بالدراسات األندلسية وإسهامات علمائه في ذلك‪ ،‬وهي جهود ال يجوز التقليل من قيمتها‬ ‫وأهميتها‪ ،‬وبالتالي فإننا نجد أن هذا المبحث العلمي الرفيع يفرض نفسه علينا ويتطلب منا وقفة‪،‬‬ ‫بل وقفات تأملية جادة لدراسته وبيان أبعاده ورسالته‪ ،‬وبالتالي فإن العناية بهذا اللون الرفيع من‬ ‫المعرفة اإلنسانية التي أنتجها الدارسون اإلسبان لها ما يبررها‪ ،‬ذلك أنه لم يعد في وسع أو في‬

‫�أ�سامـة الزكاري‬ ‫‪zougariousama@gmail.com‬‬

‫إمكان أحد أن يكتب عن موضوع األندلس أو يدرس مباحثه أو يمارس‬ ‫فعال مرتبطا به‪ ،‬دون أن يتخلص من التأثير الذي فرضه االستعراب‬ ‫اإلسباني في مباحث األندلسيات على وجه الخصوص‪ .‬وفي إسبانيا‬ ‫اليوم مثال ال يكاد يجد المرء جامعة أو مؤسسة علمية إال وفيها جناح‬ ‫لتعليم اللغة العربية وثقافتها وميراثها الحضاري‪ ،‬خصوصا األندلسي‬ ‫منه‪( ”...‬ص ص‪.)9-8 .‬‬ ‫إنه ميراث إسباني قبل أن يكون عربيا‪ ،‬ميراث إيبيري قبل أن يكون‬ ‫إسالميا‪ ،‬ميراث مغربي أصيل قبل أن يكون إسبانيا خالصا‪ .‬ولعل هذا ما‬ ‫سعى الكتاب إلبراز حضوره في المخيال الجماعي إلسبان األمس واليوم‪،‬‬ ‫من خالل الفصول المتراتبة للبحث‪ .‬لقد استطاع الكتاب أن يضع‬ ‫أرضية منهجية للبحث‪ ،‬برصد حجم التراكم العلمي الذي تم تحقيقه‬ ‫هناك بالضفة اإلسبانية‪ ،‬في مقابل الخصاص البين الذي الزال يعتري‬ ‫الضفة المغربية‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬عاد مؤلفا الكتاب للبحث في خبايا‬ ‫ماضي إسبانيا اإلسالمي في إطار أجواء التعايش التي جمعت مختلف‬ ‫اإلثنيات والديانات والثقافات على امتداد القرون الثمانية الطويلة‬ ‫للوجود اإلسالمي‪ .‬وقد ركز الكتاب في ذلك‪ ،‬على إبراز األدوار المعرفية‬ ‫الكبرى التي قامت بها مدينة طليطلة بعد سقوطها في يد اإلسبان‪،‬‬ ‫على مستوى ترجمة أمهات مصادر التراث العربي اإلسالمي واليوناني‬ ‫اإلغريقي‪ .‬ولقد أبرز الكتاب الدور الكبير الذي كان للملك ألفونسو‬ ‫العاشر‪ ،‬الملقب بالملك العالم‪ ،‬في مجال تشجيع حركة الترجمة وإضفاء‬ ‫عليها بعدا مؤسساتيا واسعا‪.‬‬ ‫ولتوضيح الحموالت المفاهيمية للموضوع‪ ،‬اختار المؤلفان‬ ‫تخصيص حيز لتشريح الدالالت والخصائص المميزة لكل من مصطلح‬ ‫االستشراق مصطلح االستعراب‪ ،‬مع التعريف بالنماذج المعبرة عن كل‬ ‫واحد من المصطلحين داخل البنية الثقافية اإلسبانية‪ .‬ولتفصيل الحديث عن هذا المعطى‪ ،‬كان‬ ‫البد من تقديم لوائح تصنيفية للتعريف برواد الدراسات االستشراقية ثم الدراسات االستعرابية‪،‬‬ ‫ممن كان لهم دورهم في إعادة احتضان عناصر البعد العربي اإلسالمي داخل نسق الهوية الثقافية‬ ‫إلسبانيا المعاصرة‪ ،‬من أمثال خوان أندريس‪ ،‬وخوصي أنطونيو كوندي‪ ،‬وميغيل آسين بالثيوس‪،‬‬ ‫واألب مانويل ألونسو‪ ،‬وأمبروسيو هويثي ميريندا‪ ،‬وفرناندو دي أغريدا بوريو‪ ،‬وخوان غويتسولو‪،‬‬ ‫وكارمن رويث برابو‪ ،‬وفيليبي مايو سالكادو‪...،‬‬ ‫هي أسماء ودراسات ننيح إلسبان اليوم فرص إعادة اكتشاف عطاء “نصفهم المنسي”‪ ،‬كما أنها‬ ‫تقدم األدوات الضرورية لفهم منغلقات الهوية الثقافية اإلسبانية المركبة‪ .‬وال شك ان انفتاح مغاربة‬ ‫الزمن الراهن على نتائج الدراسات االستعرابية اإلسبانية المجددة‪ ،‬سيقدم مداخل تأصيلية لجهود‬ ‫تجاوز مختلف أنماط التنافر المرتبط بوضعية سوء الفهم المتبادل بين مجتمعات الضفتين اإليبيرية‬ ‫والمغربية‪.‬‬

‫خبراء يلتئمون في طنجة لمناقشة سبل الوقاية من اإلدمان‬ ‫على تعاطي المخدرات‬ ‫انكب مجموعة من الخبراء‪ ،‬اليوم السبت في طنجة‪ ،‬خالل الدورة الثانية للمؤتمر حول اإلدمان‪ ،‬على‬ ‫مناقشة مختلف الوسائل الكفيلة بالوقاية من تعاطي المخدرات‪.‬‬ ‫وأبرز المشاركون في المؤتمر‪ ،‬الذي تنظمه الجمعية المغربية لمحاربة اإلدمان تحت شعار “اإلدمان‪ :‬في‬ ‫مفترق طرق التخصصات األخرى”‪ ،‬أن العديد من العوامل السوسيو اقتصادية السيما الهشاشة االجتماعية‬ ‫تجعل المغرب أكثر عرضة لمسألة تعاطي المخدرات‪.‬‬ ‫وأوضح جالل التوفيق‪ ،‬مدير المرصد المغربي للمخدرات واإلدمان ومدير مستشفى الرازي بسال‪ ،‬أنه على‬ ‫غرار البلدان األخرى يواجه المغرب عدة مشاكل ترتبط بتعاطي المخدرات‪.‬‬ ‫وأبرز ضرورة اعتماد آليات فعالة لحماية المجتمع‪ ،‬السميا فئة الشباب‪ ،‬من جميع أنواع المخدرات‪.‬‬ ‫في هذا الصدد‪ ،‬ذكر بأن المغرب يتوفر على العديد من مخططات العمل إضافة إلى تبنيه لرؤية‬ ‫استراتيجية في المجال‪ ،‬معربا عن األسف لقلة الموارد البشرية المؤهلة في مجال اإلدمان‪.‬‬ ‫كما دعا إلى جعل اإلدمان تخصصا طبيا قائما بذاته الستقطاب المزيد من المهنيين إلى هذا التخصص‪.‬‬ ‫وخلص إلى أن المرصد مدعو إلى القيام بالمزيد من الدراسات حول مسألة اإلدمان داخل المجتمع‬ ‫المغربي‪ ،‬من أجل تكييف مخططات العمل الوطنية مع الساكنة‪.‬‬ ‫من جهتها‪ ،‬قالت رئيسة الجمعية المغربية لإلدمان وأستاذة علم النفس واإلدمان بكلية الطب والصيدلة‬ ‫بالرباط‪ ،‬فاطمة العمر‪ ،‬إن هذا المؤتمر يهدف إلى التحسيس وتقييم استهالك المخدرات من أجل التدخل‬ ‫مبكرا وبأفضل طريقة ممكنة‪ ،‬من أجل التوجيه والرعاية لتجنب المضاعفات التي يسببها تعاطي المخدرات‬ ‫على الصحة الجسدية والنفسية واالجتماعية للمعنيين باألمر‪.‬‬ ‫والتأم خالل أشغال هذا المؤتمر مختصون وفاعلون من المجتمع المدني وأساتذة مسؤولون بوزارة‬ ‫الصحة‪ ،‬للقيام بمناقشة مقربة شمولية تدمج كافة جوانب تناول المخدرات في أبعادها السوسيو اقتصادية‬ ‫والعالجية‪.‬‬ ‫ويتضمن برنامج هذا المؤتمر تنظيم ورشات تتطرق لمواضيع تهم “االنفعال في قلب اإلدمان” و“األمعاء‪،‬‬ ‫عقلنا الثاني‪ :‬دور األحياء المجهرية في اإلدمان” و”االندفاع‪ :‬عامل خطر في مسألة اإلدمان”‪.‬‬

‫(و‪.‬م‪.‬ع)‬


‫العدد ‪1016‬‬

‫�أعالم‬ ‫ال�شمال ‪:‬‬ ‫من‬

‫‪17‬‬

‫الثالثـاء ‪� 22‬إلى ‪� 28‬أكـتـوبر ‪2019‬‬

‫األستاذ المربي والفقيه المدرس‬ ‫سيدي عبد المجيد بن محمد أخريف ‪ 1349‬ـ ‪1438‬هـ‬ ‫‪2/2‬‬

‫الوظائف واألعمال التي باشرها المترجم له‪:‬‬ ‫وإثر حصول األستاذ الفقيه سيدي عبدالمجيد أخريف على الشهادة العالمية (الشرعية)‪،‬‬ ‫مع بزوغ فجر االستقالل سنة ‪1376‬هـ‪1956 /‬م‪ُ ،‬فتِحَت في وجهه فرصة ولوج ميدان التربية‬ ‫والتعليم‪ ،‬وكان مؤهال للمساهمة في هذا المضمار عن جدارة واستحقاق‪ ،‬ومزودا بالمعارف‬ ‫المختلفة في علوم العربية وعلوم الشريعة‪ .‬وكان بين يديه في تلك الفترة خياران اثنان‪ ،‬وجب‬ ‫عليه أن يقبل بأحدهما‪ ،‬وهما‪ :‬االلتحاق بمدرسة المعلمين بفاس أو االلتحاق بمدرسة تامسنا‬ ‫بالرباط‪.‬‬ ‫وشاءت األقدار أن يلتقي األستاذ عبدالمجيد أخريف في تلك الفترة بأحد شيوخ القرويين‬ ‫وهو الحاج أحمد بن شقرون الذي كان يدرك المستوى العلمي للمترجم له‪ ،‬ويعرف مجموع‬ ‫المعارف الشرعية التي حصلها خالل السنوات الطويلة التي قضاها بالقرويين‪ ،‬فأقنعه بالعدول‬ ‫عما كان سيقدم عليه‪ ،‬واقترح عليه االنضمام إلى مدرسي جامع القرويين‪ ،‬فاقنتع بجدوى‬ ‫المقترح وقبل بالعرض المقدم له‪ ،‬فعين إثر ذلك أستاذا للمواد الشرعية واللغوية بالمعهد‬ ‫المذكور سنة ‪1376‬هـ‪1956 /‬م‪.‬‬ ‫وفي سنة ‪1377‬هـ‪1958 /‬م انتقل األستاذ سيدي عبدالمجيد أخريف إلى التدريس‬ ‫بالمعهد الديني بمدينة طنجة‪ ،‬وكان المعهد يضم يومئذ زمرة طيبة من الشيوخ المدرسين‪،‬‬ ‫ونخبة من العلماء الشباب الذين كانوا حديثي العهد بالتخرج من جامعة القروين‪ ،‬أناروا هذا‬ ‫المعهد الشرعي بدروسهم العلمية القيمة‪ ،‬والمطبوعة بطرائق حديثة في تلقين المعارف‬ ‫المختلفة‪.‬‬ ‫وقد اضطلع المترجم له بتدريس العديد من المواد الشرعية واللغوية واألدبية‬ ‫وغيرها‪(:‬النحو‪ ،‬البالغة‪ ،‬التفسير‪ ،‬مصطلح الحديث‪ ،‬الفلسفة‪ ،‬التاريخ‪ ،‬الجغرافية‪ )....‬في المعهد‬ ‫المذكور‪ ،‬وتتلمذ له على امتداد أزيد من ‪ 40‬سنة التي قضاها بتمامها في رحابه‪ ،‬عشرات المئات‬ ‫من الطلبة الذين مازال بعضهم يثنون الثناء الحسن على جهوده العلمية في تقريب مختلف‬ ‫الفنون التي عهد إليه بتدريسها‪ ،‬وعلى سعيه الطيب في تبسيط المتون إلى طالبها‪.‬‬ ‫وقبل إحالته على التقاعد سنة ‪1412‬هـ‪1992 /‬م‪ ،‬ندبته إدارة ثانوية موالي سليمان‬ ‫للتعليم األصيل إلى اإلشراف على مكتبة الثانوية‪.‬‬ ‫وبناء على المؤهالت العلمية التي كان يتوفر عليها األستاذ عبدالمجيد أخريف‪ ،‬مصحوبة‬ ‫بالتجربة المهنية التي خاضها في الحقل التربوي مدة عقود من الزمن‪ ،‬تقدم المترجم له بطلب الحصول على إذن لتسيير‬ ‫ثانوية اإلمام الشاذلي للتعليم الخاص بطنجة‪ ،‬فمنح له الترخيص للقيام بتلك المهمة من قبل النيابة اإلقليمية لوزارة‬ ‫التربية الوطنية بطنجة وذلك في شهر شتنبر من سنة ‪1992‬م ‪.‬‬ ‫وبعد تقاعد األستاذ عبدالمجيد أخريف من سلك التربية والتعليم‪ ،‬عينته وزارة العدل‬ ‫عدال موثقا في دائرة المحكمة االبتدائية في دجنبر ‪1992‬م‪ ،‬وذلك بناء على التماس‬ ‫تقدم به المترجم له إلى وزارة العدل لالنخراط في سلك العدول الموثقين‪ ،‬بوصفه يحمل‬ ‫شهادة العالِمية من جامعة القرويين (وتلك الشهادة كانت تعفيه من إجراء المباراة ومن‬ ‫التمرين ومن االمتحان المهني)‪.‬‬ ‫وفي شتنبر من سنة ‪1996‬م تفضل صاحب الجاللة الملك الحسن الثاني فأعطى‬ ‫موافقته المولية السامية على تعيين الفقيه األستاذ سيدي عبدالمجيد أخريف عضوا في‬ ‫المنصب الشاغر بالمجلس العلمي اإلقليمي لمدينة طنجة‪ ،‬وظل األستاذ أخريف عنصرا‬ ‫فاعال في تلك الهيأة العلمية إلى سنة ‪2000‬م‪ ،‬كان يحضر لقاءاتها ويساهم بكلمات في‬ ‫ندواتها العلمية‪ ،‬ويشارك بمحاضرات في المناسبات الدينية والوطنية‪ ،‬كما أدلى بدلوه‬ ‫في تأطير األئمة والخطباء من خالل إعداد ورقة بحثية عن الخطبة والخطيب‪.‬‬ ‫وإلنجاح أدوار المجلس العلمي المحلي بطنجة‪ ،‬ورسالته السامية في نشر التعليم‬ ‫الشرعي وتكوين حفظة القرآن الكريم بما يعلي قدرهم وينيلهم الدرجات العلمية‪ ،‬اختير‬ ‫األستاذ الفقيه عبدالمجيد أخريف مدرسا في معهد ابن عطية للتعليم العتيق منذ إنشائه‬ ‫سنة ‪1997‬م‪ ،‬واستمر يقدم الدروس العلمية في رحابه‪ ،‬ويفيد طلبته بالمعارف الشرعية‬ ‫واألدبية إلى أن أغلقت أبوابه سنة ‪2011‬م‪ ،‬فكان خالل تلك الفترة نعم المدرس والموجه‬ ‫التربوي‪.‬‬ ‫وظل األستاذ عبدالمجيد أخريف رحمة اهلل عليه وفيا لرسالة هذا المعهد الشرعي‬ ‫الذي أنشئ بمبادرة من المجلس العلمي المحلي بطنجة على عهد رئيسه الدكتور‬ ‫إبراهيم بن الصديق رحمه اهلل‪ ،‬ومما يؤسف له أن عوامل مختلفة ساهمت في تقويض‬ ‫هذا المشروع العلمي الهادف‪ ،‬وعجلت بإقباره ومحو أثره‪ ،‬وكان المترجم له من أكبر‬ ‫المتحمسين الستمرار هذا المعهد مدافعا عن رسالته النبيلة المتمثلة في رعاية طلبة‬ ‫العلم الشرعي وتذليل السبل لهم لنيل الشهادات العلمية‪ ،‬وقد كتب األستاذ أخريف‬ ‫مقاالت كثيرة تبرز أهمية وجود هذا المعهد في المدينة‪ ،‬المعد لرعاية حملة العلم‬ ‫الشرعي‪ ،‬وتذليل السبل لهم لنشر القيم النبيلة ودعوة الناس إلى الخير والفالح‪.‬‬ ‫وقد وفر معهد ابن عطية لطالبه خالل فترة وجوده‪ ،‬الدروس الشرعية المتينة‪،‬‬ ‫وساهم في تلقين الفنون المختلفة‪ ،‬وإتقان مواد التفتح واإللمام ببعض اللغات الحية‪،‬‬ ‫ونهض بتلك األدوار كلها نخبة الشيوخ المدرسين وثلة‬ ‫من األساتذة األكفاء‪ ،‬واستطاع المعهد المذكور من خالل‬ ‫أطره التربوية أن يؤهل طلبته لنيل الشهادة الثانوية التي‬ ‫كانت تخول لهم االلتحاق بجامعة القرويين والمعاهد العليا‬ ‫وكليات اآلداب بالمغرب‪.‬‬ ‫ولمكانته العلمية وعضويته في المجلس العلمي‬ ‫المحلي كان األستاذ الفقيه عبدالمجيد أخريف يستدعى‬ ‫إلى حضور الدروس الحسنية الرمضانية على عهد الملك‬ ‫الراحل الحسن الثاني‪ ،‬والملك محمد السادس حفظه اهلل‪،‬‬ ‫وقد تسنى له الحضور خالل المواسم التالية‪ ( :‬رمضان‬ ‫‪1418‬هـ ـ رمضان ‪1419‬هـ ـ رمضان ‪1421‬هـ)‪ ،‬حيث‬ ‫كانت تلقى بين يدي جاللة الملك دروس علمية مفيدة‪،‬‬ ‫يتناول فيها السادة العلماء األجالء بالدرس والتحليل‬ ‫مواضيع تمس جوانب في التفسير والحديث النبوي‪ ،‬والفكر‬ ‫والحضارة اإلسالمية‪.‬‬ ‫دور المترجم له في التوجيه واإلرشاد‬ ‫الديني‪:‬‬ ‫لقد اضطلع األستاذ الفقيه عبدالمجيد أخريف بمهمة‬ ‫الخطابة على أحسن وجه‪ ،‬وباشر هذه المهمة اإلرشادية‬ ‫السامية أزيد من ‪ 25‬سنة في بعض مساجد طنجة (مسجد‬ ‫الداخلة بحي بنديبان‪ ،‬ومسجد المصلى)‪ ،‬واجتهد في تبيين‬ ‫أسس الشرع الحنيف‪ ،‬ودعا الناس إلى مكارم األخالق وبين‬ ‫لهم مزايا العمل الصالح وأثره الحميد على الفرد والمجتمع‪،‬‬ ‫ورغبهم في سلوك طريق الهداية والرشد‪ ،‬وأنه سبيل‬ ‫النجاح في الدنيا‪ ،‬والفالح والفوز في اآلخرة‪ ،‬وقد تميزت‬ ‫خطبه بدقة في التحليل واالختصار في العرض وبساطة في‬ ‫األسلوب‪ ،‬إدراكا منه بأهمية تلك العناصر في إبالغ الرسالة‬ ‫إلى عامة المصلين‪.‬‬

‫• بقلم‪ :‬عبداللطيف السماللي‬ ‫ومما يحسن التذكير به أن األستاذ عبدالمجيد أخريف اضطلع بمهمة الدعوة والتوجيه‬ ‫الديني منذ إحداث خلية والوعظ واإلرشاد التي كانت تابعة للمجلس العلمي بطنجة سنة‬ ‫‪1982‬م‪ ،‬وكانت تندبه للقيام بمهمة الوعظ واإلرشاد في مساجد المدينة‪ ،‬وكما كانت تعهد‬ ‫إليه عند اقتراب موسم الحج بإرشاد الحجاج الميامين ألداء الركن الخامس على وجه شرعي‬ ‫سليم‪.‬‬ ‫ونظرا للخبرة التي أكسبها األستاذ عبدالمجيد أخريف في مجال التوجيه والوعظ‪ ،‬أوفدته‬ ‫وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية في مهمة اإلرشاد الديني إلى الديار المقدسة‪ ،‬خالل موسم‬ ‫الحج لسنة‪1417‬هـ ‪1997/‬م‪ ،‬كان يؤطر خاللها الحجاج الميامين‪ :‬يجيب عن استفساراتهم‪،‬‬ ‫ويقرب إليهم األعمال المتعلقة بأداء مناسكهم‪.‬‬ ‫كما كانت للمترجم له واجهة دعوية إعالمية تمثلت في أحاديث إذاعية مفيدة‪ ،‬كانت‬ ‫تستهدف عموم المستمعين في أطراف البالد‪ ،‬وهذه األحاديث دأب على توجيهها على أثير‬ ‫إذاعة طنجة فترة ليست بالقصيرة حملت أسماء‪ :‬الكلمة الطيبة‪ ،‬وحديث الصائم‪ ،‬واسألوا‬ ‫أهل الذكر‪.‬‬ ‫مساهمته في األنشطة الثقافية‪:‬‬ ‫عرف األستاذ عبدالمجيد أخريف منذ شبابه بنشاطه الدؤوب في الحقل الثقافي‪ ،‬حيث‬ ‫ترأس جمعية الطالب المغربي في مدينة فاس سنة ‪1953‬م‪ ،‬يوم كان طالبا منتظما في‬ ‫حلقات الدرس بجامعة القروين‪ ،‬وتلك الجمعية لم تكن مفصولة عن العمل الوطني الذي‬ ‫كانت تقوده الهيآت السياسية الوطنية العاملة في مدينة فاس‪.‬‬ ‫ولقد كان األستاذ عبدالمجيد أخريف على صلة بخاليا حزب االستقالل‪ ،‬وتعرف خالل‬ ‫مدة إقامته بفاس بنشطاء الوطنيين الصادقين أمثال‪ :‬عبدالعزيز بن إدريس ومحمد إبراهيم‬ ‫الكتاني‪.‬‬ ‫وكانت جمعية الطالب المغربي تنهض بأنشطة ثقافية داخلية‪ ،‬موجهة أساسا إلى فئة‬ ‫الطلبة األفاقيين‪ ،‬المنحدرين من جهات المغرب المختلفة‪ ،‬وكان مقرها يقع في حومة البليدة‬ ‫من مدينة فاس‪.‬‬ ‫وخالل األنشطة الثقافية السنوية التي كانت تقيمها ثانوية موالي سليمان للتعليم‬ ‫األصيل بطنجة كان المترجم له يدلي بدلوه في إنجاح تلك المواسم الثقافية بمحاضرات‪،‬‬ ‫وكلمات كانت تستوحي مغازي بعض األحداث الدينية والوطنية‪.‬‬ ‫ومما وجب التنويه أن األستاذ عبدالمجيد أخريف كان عضوا عامال في رابطة علماء المغرب على عهد أمينها العام‬ ‫العالمة عبداهلل كنون وخلفه الشيخ محمد المكي الناصري‪ ،‬كما كان يشغل كاتبا عاما‬ ‫لفرع تلك الرابطة بمدينة طنجة‪ ،‬كما سبق له أن شارك في مؤتمرات تلك الهيأة العلمية‪،‬‬ ‫وأدلى بدلوه في أعمال لجانها العلمية‪.‬‬ ‫آثاره وكتاباته‪:‬‬ ‫كانت لألستاذ الفقيه عبدالمجيد أخريف عناية بالكتابة والتأليف‪ ،‬واالهتمام بتحرير‬ ‫المقاالت المتنوعة والخطب المنبرية ذات المضامين الدينية واالجتماعية الهادفة‪.‬‬ ‫كما دبج يراعه السيال مجموعة مقاالت توجيهية في الصحف الجهوية التالية‪:‬‬ ‫األمة (تطوان) ـ جريدة الميثاق (لسان رابطة علماء المغرب‪ .‬طنجة) ـ الشفافية‬ ‫الديمقراطية (طنجة) ـ جريدة طنجة (طنجة)‪.‬‬ ‫ومن أعماله المكتوبة التي أحسن تأليفها وترتيبها‪ ،‬وهي تمثل خالصة تجربته‬ ‫الطويلة في ميدان الخطابة والتوجيه واإلرشاد الديني‪ ،‬ما يلي‪:‬‬ ‫خطب منبرية‪ :‬بلغ مجموع ما حرره منها ‪ 1265‬خطبة‪.‬‬ ‫من وحي الكلمة الطيبة‪ :‬وهي أحاديث إذاعية بلغ مجموعها ‪ 58‬حديثا‪.‬‬ ‫من وحي حديث الصائم‪ :‬وهي أحاديث إذاعية تضم ‪ 16‬حديثا‪.‬‬ ‫أنجز بحثا حول الخطبة والخطيب‪ :‬قدم في إحدى دورات تكوين الخطباء التي كان‬ ‫يشرف على تنظيمها المجلس العلمي المحلي بطنجة‪.‬‬ ‫التقديرات السامية التي نالها‪:‬‬ ‫تقديرا لعطاءاته وجهوده المثمرة في ميدان التربية والتعليم‪ ،‬وتنويها بعمله‬ ‫الدؤوب في تلقين المعارف الشرعية بالمعهد األصلي بطنجة‪ ،‬أنعم جاللة الملك الحسن‬ ‫الثاني على األستاذ الفقيه عبدالمجيد أخريف‪ ،‬بوسام الرضى من الدرجة األولى‪ ،‬وأرفقه‬ ‫بخطاب شريف سام جاء فيه‪:‬‬ ‫المملكةالمغربية‬ ‫وال يدوم إال ملكه‬ ‫الحمد هلل وحده‬ ‫الطابع الشريف وبداخله‪( :‬فاهلل خيرا حفظا وهو أرحم الراحمين‪.‬‬ ‫الحسن بن محمد بن يوسف بن الحسن اهلل وليه‬ ‫ومواله)‬ ‫يعلم من كتابنا هذا أسماه اهلل‪ .‬وأعز أمره أننا بحول‬ ‫اهلل وقوته أنعمنا على خديمنا السيد عبدالمجيد بن محمد‬ ‫أخريف‪ .‬أستاذ بالمعهد األصلي بطنجة‪ .‬بوسام الرضى من‬ ‫الدرجة األولى‪.‬‬ ‫رعيا لما له من أهلية واعتبار لدى جاللتنا‪ ،‬فليكن له‬ ‫هذا الوسام مصحوبا باليمن والسعادة بفضل اهلل وعنايته‪.‬‬ ‫حرر بالقصر الملكي بالرباط في ‪ 13‬ماي ‪1971‬‬ ‫وسجل هذا الكتاب الشريف تحت رقم‪6556/1015 :‬‬ ‫مدير التشريفات الملكية واألوسمة‬ ‫عبدالحفيظالعلوي‬ ‫وفاته وإقباره‪:‬‬ ‫بعد عمر مديد قضاه في التربية وتهذيب النشء في‬ ‫المعهد الديني بطنجة‪ ،‬ونشاط دعوي هادف يروم إصالح‬ ‫الفرد والمجتمع‪ ،‬وغرس القيم النبيلة في النفوس‪ ،‬ونشر‬ ‫مبادئ المبادئ السامية المستمدة من الشرع الحنيف‪،‬‬ ‫أسلم األستاذ الفقيه سيدي عبدالمجيد بن محمد أخريف‬ ‫الروح إلى بارئها راضيا مرضيا‪ ،‬يوم الخميس ‪ 10‬ذو القعدة‬ ‫سنة ‪1438‬هـ موافق ‪ 3‬غشت‪2017‬م بمدينة طنجة‪ ،‬ووري‬ ‫الثرى بمقبرة سيدي عمرو بالجبل الكبير بطنجة‪.‬‬ ‫رحم اهلل األستاذ المربي والفقيه الجليل والخطيب‬ ‫المرشد‪ ،‬وأسدل عليه رداء رضوانه ومغفرته‪ ،‬وجعل الجنة‬ ‫مثواه مع الصالحين األبرار وحسن أولئك رفيقا‪ ،‬وأجزل له‬ ‫المثوبة على ما قدم من علم نافع بثه‪ ،‬وفضيلة سامية‬ ‫أذاعها وتوجيه سديد نشره‪.‬‬


‫‪18‬‬

‫الثالثـاء ‪� 22‬إلى ‪� 28‬أكـتـوبر ‪2019‬‬

‫العدد ‪1016‬‬

‫ندوة الوفاء‬ ‫‪ ...‬لنْ يبرح كاتب هذه السطور حتى يُقدّر اإلسهامات الهامة‪ ،‬لما أسداه المرحوم عبد السالم بنونة للوطن‪ ،‬إذ لم يكن يفصل‬ ‫بين الوطني والشمالي (المنطقة الخليفية)‪ ،‬وال يفرّق بين ما هو ثقافي وتعليمي واقتصادي وسياسي‪ .‬بهذه األناقة اللغوية أبدع هذا‬ ‫العنوان من بنات أفكاره األستاذ أنس الصرْدو‪ ،‬مدير المدرسة‪ ،‬إخالصا لعَ َلم من أعالم تطوان‪ ،‬مؤسس مدرسة الصنائع والفنون وهي‬ ‫تضيئ شمعتها المائة‪ .‬وقد تخللت خطابات الندوة أفكاراً مشتركة بين ثالثة محاضرين بأجمل التفاصيل‪ .‬سُرَّ الحضور من أساتيذ‬ ‫وأدباء وشعراء وصناع وحرفين‪ .‬ودَّ السفير أبو بكر بنونة لمن ال يعرف شخصية األستاذ عبد السالم بنونة‪ْ ،‬‬ ‫أن يزيل الغشاوة عن اللبس‬ ‫الحاصل بينه وبين “ماريانو بيرتوتشي”‪ ،‬ليُقرّب الشقة من مصدرها الزمني ‪1919‬م‪ ،‬لم يكن هذا األخير قد حط رحاله بتطوان بعد‪.‬‬ ‫من خالل اإلسهامات النابعة من الروح الوطنية واإلصالحية التي تُفصح عن مقاصده‪.‬‬ ‫كان سائحاً جوا ًال بمشاريعه العديدة‪ ،‬من أجل الرُقيّ بمدينته‪ .‬بعد أن كان أمينا سنة‬ ‫‪1915‬م‪ .‬ولما كان محتسبا بتطوان لسنتين‪1916/1918 ،‬م‪ ،‬وجد في عمله تراثا غنيا من‬ ‫الحرف والصناعات األصيلة أوحتْ إليه الحفاظ على هذه الثروات‪ .‬وللحفاظ عليها وهو‬ ‫ذو الفكر التقدمي‪ ،‬كان له الفضل في تأسيس مدرسة دار الصنعة سنة ‪1919‬م بمعية‬ ‫المجلس العلمي‪ ،‬لتلقين الصنائع للشباب‪ ،‬والحرص على العيش الكريم لهم‪ .‬يستوقفك‬ ‫في االستماع إلى المحاضرين في الذكرى المئوية لهذه المعلمة (‪19/9/2019‬م) َّ‬ ‫أن هذا‬ ‫الرجل كان قادراً على إنتاج الطاقة اإلبداعية‪ .‬وما لهذين اليدين والرجلين دائبات على‬ ‫الحركة ‪ ،‬متناغمة مع أفكاره الكبيرة ألنها كانت تعيش في أحالمه منذ سنوات‪ ،‬وكل‬ ‫هذه المشاريع كانت تقوم في مرجعيتها على ديننا الحنيف‪ .‬هي شخصية عبد السالم‬ ‫بنونة التي تقلدت عدَّة مناصب من بينها المالية سنة‪1922‬م‪ .‬في ذروة اإلحساس‬ ‫بالمسؤولية‪ ،‬واإلحباط أيام الحماية اإلسبانية‪ ،‬لم َ‬ ‫يتخل عن المشاريع العلمية والثقافية‬ ‫واالقتصادية‪ ،‬ألجل فكّ األغالل عن مواطنيه ومواصلة مبتغاه‪ .‬إلعداد األطر الوطنية بعد‬ ‫رفع عهد الحجر‪ ،‬ولشدّ بنيان العلوم العربية‪ ،‬لم يكن هناك من سبيل إال بإنشاء المدرسة‬ ‫األهلية سنة ‪20/12/1924‬م‪ ،‬ثم قام بإرسال أربعة من أبنائه إلى مدرسة النجاح الثانوية‬ ‫بنابلس بفلسطين‪ .‬وفاس والقاهرة‪ .‬وفي نفس السنة تأسست المطبعة المهدية‬ ‫لطباعة الكتب المدرسية‪ .‬انبجستْ المياه من الروح الوطنية ليؤسس المرحوم عبد‬ ‫السالم بنونة تعاونية إنتاج وتوزيع الكهرباء سنة ‪1928‬م‪ ،‬باستيراد آالتها من سويسرا‬ ‫‪ ،‬أعقبتها شركة السكر بتطوان من أجل زرع قصبه‪ .‬عند اتصاله باألمير شكيب أرسالن‬ ‫ليتمَّ إجراءات ذلك من ألمانيا وبولونيا‪ ،‬ولم يفلح في ذلك‪ .‬ولتكالب االستعمار على‬ ‫خيرات البالد افتتح معمال للثياب القطنية والحريرية سنة ‪1932‬م‪ ،‬عند مقاطعة المغاربة للمنتوجات الفرنسية‪ .‬ثمَّ تأسيس جمعية أرباب‬ ‫األمالك لتشييد بناء الدور االقتصادية‪ .‬وقد شكره على ذلك شكيب أرسالن‪ .‬كان طوْداً للدفاع عن اللغة العربية باستضافته أمير البيان‬ ‫شكيب أرسالن في بيته يوم ‪14/8/1930‬م‪ .‬فتذكرنا األستاذة حسناء داود عناوين دار الصنعة تباعاً من الطرَّافين إلى “لونيتا” وإلى‬ ‫باب العقلة‪ ،‬بتواريخها والمدراء الذين تناوبوا على إدارتها‪ ،‬قبل “ماريانو بيرتوتشي”‪ ،‬الذي تحمل إدارة دار الصنعة لمدة خمس وعشرين‬ ‫سنة‪ ،‬من ‪ 1930‬إلى ‪ 1955‬م‪ .‬قبل ذلك أبدعت دار الصنائع والفنون بمعرض إشبيلة بدْءاً من أبريل ‪ 1926‬إلى ‪1929‬م‪ ،‬بصناعها‬ ‫وحرفييها‪ .‬هدف المرحوم عبد السالم بنونة لم يكن إال إصالح أحوال الناس في المعاش‪ .‬ففاقت مشاريعه سبع وأربعين وهي أطول من‬ ‫عمره‪ ،‬فكان على المحاضرين وصف قدر هذا الرجل‪ ،‬مستوضحين حساب عمره بالمشاريع‪ ،‬ال بالسنين‪ .‬إذ األساتذة استطاعوا النفاذ إلى‬ ‫المنجزات التي ستؤول ذاكرتها إلى جوهر وجود مدرسة الصنائع والفنون‪ .‬اتسمَ انخراط “ماريانو بيرتوتشي” في مشروع عبد السالم‬ ‫بنونة سنة ‪1930‬م ليضفي على المدرسة الجمالية والبهاء‪ .‬ولقد توافر له مع الفنان اإلسباني “بيرتوتشي”‪ ،‬أكثر من الصفة التجارية‪،‬‬ ‫صفة هوى وذوق ونزوة الزبون والسائح‪ .‬وقد ساهمتْ يد المبدع الصانع بالقصر الخليفي والموقيمية العامة اإلسبانية بتطوان ثمَّ‬ ‫قوس بالعاصمة األمريكية‪ .‬إال َّ‬ ‫أن أحد المحاضرين أتحف أسماع الحاضرين‪ ،‬من جوامع الفنون وبخبيئاتها من علوم المعرفة بكمياء‬ ‫صناعة التحف التي تحتويه مدرسة الصنائع والفنون‪ ،‬سافرت به إلى بعض المنازل التطوانية العربية األندلسية‪ ،‬وهو يشرح بفرشته‬ ‫باكورة لقاء اإلخالص والوفاء لشخصيات خلدتهم منجزاتهم‪ .‬ومما يؤسف له َّ‬ ‫أن اسم عبد السالم بنونة‪ ،‬و“ماريانو بيرتوتشي” لم‬ ‫يطلق اسمهما على أيّ شارع بتطوان ‪...‬و لألستاذ أنس الصرْدو مدير مدرسة الصنائع والفنون الذي يشتغل بفتيل إخالص يغرسه‬ ‫وينتهي إلى ماذا بعد؟‬

‫موائدُ الحرفِ‬

‫(ديوان فوائد وعوائد ومحا�ضرات)‬

‫• بقلم ‪ :‬عبد المجيد اإلدريسي‬

‫خلدت مدرسة الصنائع والفنون الوطنية بتطوان مساء يوم الخميس ‪ 10‬أكتوبر‪ ‬الذكرى المئوية لتأسيسها ( ‪ ,) 2019-1919‬وذلك‬ ‫بتنظيم ندوة ثقافية هامة تحت عنوان ‪:‬‬ ‫( دور الحاج عبد السالم بنونة في تأسيس دار الصنعة )‪ ،‬تم خاللها االستماع إلى عروض‪ ‬شيقة كانت من إلقاء أساتذة أجالء‪،‬‬ ‫األستاذة الباحثة حسناء داود‪ ‬واألستاذ السفير السيد أبوبكر بنونة والفنان التشكيلي السيد بوزيد بوعبيد) ركزت في مجملها على أهمية‬ ‫هذه المؤسسة ودورها الكبير في المحافظة على العديد من الحرف‪ ‬وتكوين اجيال عديدة من الشباب والشابات‪ ،‬مع التأكيد على الدور‬ ‫الكبير الذي قام به المرحوم الحاج عبد السالم بنونة في تاسيس هذه المعلمة الفنية والتراثية‪ ،‬هذه الشخصية التطوانية البارزة التي‬ ‫لعبت ايضا ادوارا كبيرة في الحياة العامة للمواطن التطواني ثقافيا وتعليميا واجتماعيا‬ ‫واقتصاديا وسياسيا ‪.‬‬ ‫الندوة أيضا تحدثت عن مسيرة المدرسة وعن فترة تالقها في عهد الفنان الغرناطي‬ ‫الراحل ماريانو بيرتوشي وعن اسرار هذا التالق‪.....‬كما تم التطرق لمجال الفنون التراثية‬ ‫والمعمار بمدينة تطوان‪ ‬منذ مجيىء سيدي علي المنظري وما عرفه من تطور وانصهار‬ ‫وتدهور وإعادة إحياء وصوال إلى مسببات إحداث هذه المعلمة الفنية والتراثية العتيدة‪.‬‬ ‫ايضا تم خالل هذه الندوة الحديث عن واقع المدرسة واجتهاداتها الحالية‪ ‬وعن‬ ‫التحديات التي تنتظرها الستمرار اداء دورها الكبير‪.‬‬ ‫هذا النشاط عرف حضور المدير االقليمي لوزارة الثقافة بتطوان ومدير المعهد‬ ‫الوطني للفنون الجميلة والرئيس المنتدب لجمعية تطاون اسمير‪ ‬وبعض اعضاء مكتبها‬ ‫اإلداري ورئيسة جمعية عبد الصادق شقارة ورئيس مؤسسة امغارة الرباحي للثرات‬ ‫والثقافة وعدد من اعضاء جمعية تطاون للموسيقى وممثلي بعض الوسائل اإلعالمية‬ ‫المرئية والمسموعة والمكتوبة والعديد من المثقفين والفنانين وممثلي المجتمع‬ ‫المدني وبعض المعلمين الحرفيين‪.‬‬ ‫وكان مدير المدرسة أنس الصوردو قد القى كلمة بالمناسبة سلط فيها األضواء‬ ‫على أهمية الحدث وعلى ما حققته هذه المؤسسة من إنجازات هامة سواء على مستوى‬ ‫تكوين أعداد كبيرة من أبناء وبنات المدينة والمنطقة او على مستوى المحافظة على‬ ‫مجموعة من الحرف التراثية األصيلة‪ ،‬معرجا على مسيرتها خالل العقدين االخيرين‬ ‫واستفادتها من اتفاقية التعاون القائمة بين وزارة الثقافة المغربية والحكومة المحلية‬ ‫لالندلس ممثلة في الوكالة االندلسية للتعاون الدولي ومؤسسة الثقافات الثالث ( إحداث‬ ‫فضاء المنظري للفنون والتراث بفضاء المدرسة وتهييء رواق بيرتوشي وتدعيم بعض المحترفات ببعض التجهيزات‪)....‬‬ ‫كما اشاد بدور بعض جمعيات المجتمع المدني بتطوان في استمرار إشعاع هذه المؤسسة الرائدة كجمعية البر واإلحسان وجمعية‬ ‫تطاون اسمير والجمعية الوطنية للمدارس الورشة‪.‬‬ ‫ومن جانب آخر‪ ‬قدم مدير المدرسة أرقاما وبيانات خاصة بالموسم الدراسي الجديد مشيرا أن عدد تالميذ دار الصنعة حاليا يفوق‬ ‫‪ 110‬تلميذا وتلميذة‪.‬‬ ‫وفي الختام دق ناقوس الخطر بخصوص وضعية األطر والمعلمين الحرفيين الذين يحالون على المعاش دون إيجاد حل لتعويضهم‪.‬‬ ‫من جهته‪ ،‬هنأ المدير اإلقليمي لوزارة الثقافة احمد اليعالوي إدارة وأطر ومعلمي وتالميذ المدرسة بهذه الذكرى الطيبة‪ ،‬مؤكدا‬ ‫حرصه الشخصي وحرص وزارة الثقافة على ضمان االستقرار المتوخى لهذه المؤسسة منوها بكل ما تم بذله من جهود مشكورة طيلة‬ ‫السنوات االخيرة‪....‬مشيرا إلى بعض اإلصالحات التي بدات تستفيد منها بعض فضاءات المدرسة ( آخرها قاعة التحف)‪.‬‬ ‫وفي االخير أشار مدير المدرسة إلى برنامج االحتفالية بهذه الذكرى مازال مستمرا‪ ،‬حيث سيتم خالل شهر دجنبر القادم تنظيم‬ ‫معرض ألعمال معلمي وتالميذ المدرسة كما سيتم تنظيم محاضرة للدكتورة بثينة بن االمين في موضوع إشعاع مدرسة الصنائع‬ ‫والفنون الوطنية خالل فترة الحماية وتأثيرها اإليجابي في الحياة العامة ‪..‬‬ ‫‪ ..‬الحاج عبد السالم بنونة وهو يسمع نجوى أبي بكر‪ ،‬من تحت الثرى قائال ‪ :‬تعالى إلي يا ولدي ألضمكَ إلى صدري ‪...‬‬

‫بين دفتيّ هذا َ‬ ‫شكــول فوائـــدُ في الفقــه واألصول والتاريـخ‬ ‫الك‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ونخيلـــة‬ ‫حصيلــــة مطالــعـــاتٍ وسماعــاتٍ‪،‬‬ ‫واللغـــة واألدب‪ ،‬وهـــي‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وبـــاعــــث على‬ ‫لإلينــاس‪،‬‬ ‫ة‬ ‫مجلبـــ‬ ‫ُّعهـا‬ ‫و‬ ‫وتنـــ‬ ‫تحقيقاتٍ وجواباتٍ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫التروّح؛ َّ‬ ‫التنقــل بين‬ ‫وتستـــروحُ إلى‬ ‫ألن النفس تسأمُ النمط الواحدَ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أفانين الكالم‪ ..‬ولعـل القارىء يجـد فيها متنفسـهُ إذا تم ّلكه الضجرُ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الوحشة‪ ..‬واهلل الهادي إلى سواء السبيل‪.‬‬ ‫واستفرغتهُ‬

‫ٌ‬ ‫فائدة لغوي ٌَّة‬ ‫‪.55‬‬

‫دور يلعبه العلماء في بلدكم ؟ فقال‪ :‬العلماء ال يلعبون ‪ ! ..‬وهذا نقدٌ َّ‬ ‫شائع عند كتاب العصر‪،‬‬ ‫مبطنٌ‬ ‫ٍ‬ ‫سئل بعضهم‪ :‬أيُّ ٍ‬ ‫الستعمال ٍ‬ ‫وهو قولهم‪ٌ ( :‬‬ ‫فالن يلعبُ دوراً مهمّاً)‪ ،‬حتى رأيت مِن صفوةِ العلماء واألدباء المعاصرين مَن ال يتحرّج من مقارفتهِ‪ ،‬على عجمتهِ‬ ‫سَنَن المالحةِ‪ ،‬وهذا تعبيرٌ فرنسيٌّ مشهور‪ ،)joue un role ( :‬وكان للترجمةِ ضلعٌ في نقلهِ وإذاعته‪ .‬ومن ُ‬ ‫مث ُل هذا‬ ‫وخروجه عن‬ ‫ِ‬ ‫االستعمال ُ‬ ‫قول محمد أديب صالح‪ ،‬وهو من هو في مهارتهِ األصوليَّةِ‪ ،‬ورشاقتهِ األسلوبية‪ ( :‬الذوق الفقهيُّ يلعب دوره الهام في‬ ‫بدور مهمٍّ ‪ ،)..‬ولو‬ ‫ِ‬ ‫الحكم على التأويل‪ ،‬بكونه قريباً أو بعيداً ‪ ،‬وعلى مجاله بين القرب والبعد )(‪ .)1‬والصَّحيحُ المليحُ أن يقول‪( :‬ينهضُ ٍ‬ ‫ورد هذا االستعمال في كالم أهل الصحافة‪َ ،‬‬ ‫لهان الخطبُ‪ ،‬أما مقامُ التَّنظي ِر األصوليِّ فله ٌ‬ ‫بيان هو أملكٌ به‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪ . 56‬فتوى تف�سريية‬

‫سُئلت‪ :‬قد تختم بعض اآليات القرآنية بأسماء اهلل الحسنى‪ ،‬فهل لذلك داللة معينة ؟‬ ‫فأجبتُ‪ :‬ختمُ آياتٍ قرآنيةٍ بأسماء اهلل الحسنى ٌ‬ ‫اتصال و ُقربى بعلم المناسبات؛‬ ‫مسيسُ‬ ‫وله‬ ‫نمط بيانيٌّ شائعٌ في القرآن الكريم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ذلك أن المعانيَ والمقاصدَ التي تدور عليها اآلية أو اآليات تكون في غايةِ المناسبة والمشاكلة مع ما خُتمت به من أسماء اهلل‬ ‫تعالق مع خواتيمها‪ ،‬مما يعكس ملحماً بيانيّاً وضيئاً هو من بابةِ اإلعجاز وال ريب‪ .‬فتأمل قوله تعالى‪:‬‬ ‫الحسنى‪ ،‬فتجد موضوع اآلياتٍ في ٍ‬ ‫( فريضة من اهلل إن اهلل كان عليماً حكيماً)‪َّ ،‬‬ ‫لموضوع عدِّ األنصبةِ‪ ،‬وتوزيع الحقوق في مجال‬ ‫فإن ختم اآلية بـ (العليم الحكيم)‪ ،‬مناسبٌ‬ ‫ِ‬ ‫عادل‪ ،‬وحكمةٍ‬ ‫اإلرث؛ ذلك أن اهلل تعالى أعلمُ بمواضع حاجةِ عباده‪ ،‬ووجوه مصالحهم ومراشدهم‪ ،‬فيضع األمور في مواضعها بتقدير ٍ‬ ‫بالغةٍ‪ .‬وليس على العبد إال أن ينقادَ ألمر ربه‪ ،‬وينساقَ وراء حكمه مؤمناً‪ ،‬راضياً‪ ،‬واثقاً في عدالةِ ربه تعالى‪ ،‬ورحمته الواسعة‪ .‬وقد قعَّد‬ ‫علماء القرآن قاعدة في هذا الباب‪ ،‬وهي‪ ( :‬كثيراً ما تُختَم اآليات القرآنية ببعض األسماء الحسنى للتدليل على أن الحكم المذكور له‬ ‫تع ّلقٌ بذلك االسم الكريم )(‪.)2‬‬

‫ٌ‬ ‫طريفة‬ ‫‪. 57‬‬

‫حدّثني األخ النَّابغة ِّ‬ ‫المحقق عبد الرحمن جابر العنزيُّ العراقيُّ‪ ،‬وهو ُ‬ ‫أمثل مَن رأت العين من طالب العلم فهماً واطالعاً وتحريراً‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الجهل ضرب أطنابه على بوادي جنوب العراق‪ ،‬حتى ال يعلم كثيرٌ من الناس حقائق دينهم‪ ..‬ومما يُروى في هذا الباب‪ ،‬والقص َُّة‬ ‫أن‬ ‫أن رج ً‬ ‫َّ‬ ‫قريب له‪ ،‬وواساه بقوله‪( :‬إن محمدّاً صلى اهلل عليه وسلم خير البرية قد مات‪ ..‬فاصبر وتجمَّل)‪،‬‬ ‫وفاةِ‬ ‫في‬ ‫صاحبه‬ ‫َّى‬ ‫ز‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫واقعي ٌة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فأجابه المعزَّى‪( :‬متى مات‪ ..‬إني واهلل قد صليت وراءه بالحرم ّ‬ ‫المكي منذ أيام)‪ ،‬والرجل لجهله المطبق ظنَّ َّ‬ ‫الحرم المكيِّ هو‬ ‫أن إمامَ ِ‬ ‫نبيُّ األمة !‬ ‫ولو صحَّ وقوعُ ذلك ـ والراوي ثق ٌة عندي ما فتئ يؤكدُّ أن األمر واقعٌ وليس من قبيل المستملحات ـ َّ‬ ‫فإن هذه البيئة يراعى فيها‬ ‫من فقه األحكام ومآالت التنزيل ما ال يُراعى في غيرها‪ ،‬وفي أمثالها تسدُّ الذرائع إلى الخلط بين الفرض والنقل‪ ،‬ويُركن إلى ترك بعض‬ ‫المستحبات للمعارض الراجح‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪ . 58‬فائدة � ٌ‬ ‫أدبية‬

‫األصل والنَّبعة‪ ،‬مصريُّ القرار والمدفن‪ ،‬مغمور المنزلة عند ناشئة‬ ‫ولي الدين يكن (ت ‪1921‬م) سيِّدٌ من أسيادِ النثر‪ ،‬تركيُّ‬ ‫ِ‬ ‫األدب‪ ،‬مع أن نثره فوق الشعر‪ ،‬يترسَّل فيه ترسّ ًال سمحاً ح ْلواً منبثقاً عن الوجدان الحرِّ‪ ..‬ولذلك أثنى خليل مطران عليه ثناء عطراً في‬ ‫قوله‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫المتوقدِ ؟‬ ‫بناثر= له مثل ذاك الخاط ِر‬ ‫وهل تسمحُ األيامُ بعد ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫أرج‬ ‫ذات‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫صافي‬ ‫ء‬ ‫(حمرا‬ ‫‪:‬‬ ‫الشط‬ ‫على‬ ‫زهرةٍ‬ ‫وصف‬ ‫في‬ ‫قوله‬ ‫بيانه‬ ‫تعاجيب‬ ‫ومن‬ ‫السود)‪،‬‬ ‫(الصحائف‬ ‫و‬ ‫(التجاريب)‬ ‫له (عفو الخاطر)‪ ،‬و‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫يمأل الروح‪ ،‬كأنها بسم ٌة على ثغر م َلك‪ ،‬أو قطرة دم من فؤادٍ َّ‬ ‫معذ ٍب‪ ..‬تناولتها بأناملي‪ ،‬وقسوت عليه بالقطف‪ ،‬فمازج روحي روحها‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫باعدت ما بين موردها العذب ومنبتها الطيب‪ ،‬حرصاً على جمال ليس لي منه إال اإلعجاب به‪ ،‬فكأنه خُلق ألصفه‪ ،‬وكأني خلقتُ ألعنى‬ ‫به‪ ..‬اهلل يأبى أن يبقى فؤاد الشاعر في دعةٍ‪ ،‬ويأبى سبحانه أن َّ‬ ‫يظل خاطره في سكون‪.)..‬‬ ‫َ‬ ‫ما أشبه نثره بنغَم النَّايات‪ُ ..‬‬ ‫أكاليل وردٍ‪!..‬‬ ‫يسيل على شفاه القصب‪ ،‬ثم ينتثرُ‬

‫بقلم ‪ :‬قطب الري�سوين ـ ال�شارقة ـ‬ ‫‪ . 59‬فتوى من م�سائل الأ�سرة‬

‫َّقص له‪ ،‬فهل في ذلك ما يُحرَّمُ شرعاً ؟‬ ‫بوضع مساحيقَ‬ ‫سئلتُ‪ :‬يأمرني زوجي‬ ‫ِ‬ ‫التجميل على وجهي في البيت‪ ،‬والر ِ‬ ‫ِ‬ ‫قبيل حسن التبعُّل‬ ‫َّجميل‪ ،‬ورقصُها لزوجها‪ ،‬ليس‬ ‫بمساحيق الت‬ ‫فأجبتُ‪ :‬تزيُّنُ المرأة لزوجها في البيت‬ ‫بحرام؛ بل هو من ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الفرج‪ ،‬وإحسانِ العشرةِ‪ ،‬وللوسائل‬ ‫والمباشرةِ‪ ،‬فإذا أمرها بذلك زوجها فلتُطِعْهُ؛ ألن المأمورَ بهِ هنا وسيل ٌة إلى غضِّ البص ِر‪ ،‬وحفظِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫الزوج‪ ،‬وصيانته عن المحرَّماتِ؛ فإنها تؤجرُ ـ إن شاء اهلل ـ بطاعتها ونيَّتها‪ ،‬وفي حديث‬ ‫أحكام المقاصد‪ .‬وإذا نوت‬ ‫الزوجة بذلك إرضا َء ِ‬ ‫مسلم‪ ( :‬وفي بُضع أحدكم صدقة )‪ُ ،‬‬ ‫مستغن به عن الحرام‪ ،‬والحديث يجرُّ ذيله على‬ ‫فكتِب األجرُ لمن قضى شهوته في الحالل؛ ألنه‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫المناط واحدٌ‪ ،‬والعبرة بالمآل‪.‬‬ ‫مسألة الرَّقص للزوج؛ إذ‬ ‫َ‬ ‫خمر أو نحوهِ‪ ،‬والثاني‪ :‬أن يكون الزوجان‬ ‫كشرب‬ ‫َّم‬ ‫ر‬ ‫بمح‬ ‫يقترن‬ ‫ال‬ ‫أن‬ ‫األول‪:‬‬ ‫بشرطين‪:‬‬ ‫العلم‬ ‫أهل‬ ‫عند‬ ‫َّدٌ‬ ‫ي‬ ‫مق‬ ‫الرقص‬ ‫بيد أن جوازَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ألن ِّ‬ ‫الهيبة‪ُّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ويخل باألدب؛ َّ‬ ‫في خلوةٍ؛ َّ‬ ‫فإن الشَّيء قد يكون مباحاً أو مندوباً في نفسه فيعرض عارضٌ‬ ‫يُسقط‬ ‫اطالعَ األبناء عليهما‬ ‫يلحقه بالممنوعات أو المكروهات‪ ،‬مما يلزم المفتي بمالحظة العوارض والتوابع في صيرورتها على ما يقتضيه فقه التنزيل‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫ٌ‬ ‫طريفة‬ ‫‪.60‬‬

‫حدّثني األخ األثير الدكتور بدر العمراني أن شيخه العالم المتفنّن محمد محفوظ البحراويَّ كان سارداً في الحلقة األصولية للفقيه‬ ‫القاضي أحمد ابن تاويت ـ رحمه اهلل ـ‪ ،‬وكان مدار الدرس على (جمع الجوامع) للسبكيِّ‪َّ ،‬‬ ‫وخطَأ الشيخُ السَّاردَ في ضبط كلمةٍ‪ ،‬لكن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الجملة برمتها مبيّناً صح َ​َّة ضبطهِ‪ ،‬ورافضاً‬ ‫تخطئة شيخهِ‪ ،‬وما كان من الشيخ ابن تاويت إال أن طرده من درسه‪! ..‬‬ ‫السَّاردَ أعربَ‬ ‫َ‬ ‫أن الشَّيخَ إذا ضاقَ صدرهُ بمراجعاتِ طالبه‪ ،‬وأرادهُمْ جثثاً محنَّط ًة في درسهِ ال يذاكرون وال يفاوضون؛ َّ‬ ‫والحقُّ َّ‬ ‫العاقبة‬ ‫فإن‬ ‫إخمادُ روح النقدِ لدى الطالب‪ ،‬وتدريبُهم على التل ّقن المجرّد‪ ..‬وتلك آفةٌ َّ‬ ‫حذر منها العالمة ابن خلدون في مقدمته‪ ،‬ووصم بها تعليم‬ ‫المغاربة !‬

‫ٌ‬ ‫فائدة نحوي ٌَّة‬ ‫‪. 61‬‬

‫ذكر العالم النحويُّ صالح بن عبد اهلل اإللغيُّ السوسيُّ (ت ‪2017‬م) في شرحه لآلجرومية ‪( :‬الحقائق المكللة والدرة اإللغية) نظماً‬ ‫لبعض الفضالء استوعبَ أحكام (حتى)‪ ،‬ونصهُ‪:‬‬ ‫تكون حتَّى َ‬ ‫جر يا فــتى‬ ‫ُ‬ ‫حرف ٍّ‬ ‫عطف ثم َ‬ ‫َ‬ ‫حرف االبتدا‬ ‫وحرف ٍ‬ ‫وحتــى َي ْحكُ مـا‬ ‫كمطلع الفجـــرِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫كليــب َ�س ّبنـــــــي‬ ‫يا عجب ًا حتَّى‬ ‫ٌ‬

‫َ‬ ‫مل�ضـارع �أتـى‬ ‫ــــب‬ ‫وحـــرف ن َْ�ص ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫أربعـــــة فعــــدِّدا‬ ‫أقـ�ســـــــــــامـــهُ �‬ ‫�‬ ‫ُ‬ ‫والنا�س جاءوا ك ُّل ُهم حتّى العمى‬ ‫ُ‬ ‫حتَّى اجليـــادُ ما لهــا من �أَ ْر ُ�ســنِ (‪.)3‬‬

‫الشارع )‪،‬‬ ‫والنَّظمُ يدور على أن أربعةِ أوجهٍ إعرابيةٍ لحتَّى‪ :‬األول‪ :‬أن تكون حرفَ جرٍّ كقولنا‪ ( :‬قدْتُ السيَّار َة حتَّى آخ ِر‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫والثاني‪ :‬أن تكون ناصب ًة‪ ،‬فيكون الفعل المضارعُ بعدها منصوباً ب ْ‬ ‫(نزاول التدريسَ حتّى ننشرَ العلومَ )‪،‬‬ ‫(أن) المضمرة كقولنا‪:‬‬ ‫والثالث‪ :‬أن تكون حرفَ عطفٍ كقولنا‪ ( :‬قرأتُ الكتابَ حتَّى فهارسَهُ)‪ ،‬والرابعُ‪ :‬أن تكون ابتدائي ًة‪ ،‬أي‪ :‬حرفَ ابتدا ٍء تستأنَفُ بعده‬ ‫الجمل اسمي ًة كانت أو فعليَّ ًة كقولنا ‪( :‬رسولنا نبيُّ الرَّحمةِ‪ ،‬حتَّى الغربيون يقرون له بذلك)‪.‬‬ ‫وهذه األدوارُ التي تنهضُ بها (حتّى)‪ ،‬حملت بعض أعالم النحو على القول ـ ولعله سيبويه ـ ‪( :‬أموتُ وفي نفسي شي ٌء من حتَّى)‪.‬‬

‫ٌ‬ ‫طريفة‬ ‫‪. 62‬‬

‫من طريفِ أخباِر المصنِّفين َّ‬ ‫أن الفقيهَ أبا بكر القاسم ابن أبي جماعة الهواري المالكي (ت ‪712‬هـ)‪ُ ،‬طلب منه أن يؤلف كتاباً في‬ ‫التصوف‪ ،‬فألف كتاباً في البيوع‪ ،‬وقال‪ :‬هذا هو التصوف‪ ،‬فال تصوّفَ إال بأكل الحالل ‪ ..‬وقد اضطلع القباب بشرح بيوعه‪ ،‬ونظمه أبو‬ ‫سالم العياشي وغيره‪.‬‬ ‫الهوامش‪:‬‬ ‫‪ 1‬ـ تفسير النصوص‪.1/397 ،‬‬ ‫‪ 2‬ـ مدارج السالكين البن القيم‪ ،1/36 ،‬والبرهان للزركشي‪ ،1/98 ،‬وقواعد التفسير لخالد بن عثمان السبت ‪.2/744‬‬ ‫‪ 3‬ـ الحقائق المكللة‪ ،‬ص ‪.104‬‬


‫العدد ‪1016‬‬

‫م�ست�رشقون‬ ‫�أن�صفوا العرب‬

‫‪19‬‬

‫الثالثـاء ‪� 22‬إلى ‪� 28‬أكـتـوبر ‪2019‬‬

‫زيغريد هونكه‬

‫االستشراق األلماني بين اإلنصاف واإلجحاف‪:‬‬ ‫يرى الدكتور صالح الدين المنجد أن ألمانيا لم تحاول أن تستعمر البالد العربية لذلك نجا مستشرقوها من الخضوع‬ ‫للسياسة‪ ،‬ولم تحاول التبشير فنجا مستشرقوها من العبث بالتاريخ اإلسالمي أو تفسيره على شكل يخدم أغراضهم‪.‬‬ ‫لذلك انصرفوا إلى دراسة اللغة والثقافة والتاريخ بشكل مجرد‪ ،‬هدفهم العلم والمعرفة‪ ،‬وأخذوا أنفسهم بمنهج علمي‬ ‫دقيق‪ ،‬وأتيح لهم االطالع على المصادر المخطوطة على شكل واسع (‪.)1‬‬ ‫يرجع تاريخ االهتمام بالشرق على األرض األلمانية إلى القرون الوسطى‪ ،‬أيام الملك شارلمان (‪786-814‬م) الذي‬ ‫ربط عالقات ودية مع الدولة العباسية في المشرق العربي وخصوصا في عهد الخليفة هارون الرشيد حيث تبادال الوفود‬ ‫والهدايا‪ .‬وقد تطورت هذه العالقات أيام الوجود العربي اإلسالمي باألندلس والذي دام ثمانية قرون‪ ،‬ثم الحروب‬ ‫الصليبية التي دامت ثالثة قرون‪ ،‬كل هذا أدى إلى الربط بين الشرق والغرب وفتحت عيون الغرب على ما للشرق من‬ ‫تقدم وحضارة وفكر الشيء الذي دفع بالكثير من الطالب والدارسين إلى االتجاه نحو الشرق حضارة وثقافة وذلك‬ ‫لالستفادة من عبقريته وإبداعه‪ .‬يقول الدكتور ارنست بانرت أستاذ اللغات الشرقية بجامعة فيينا «ال بد أن نعترف بأن‬ ‫النشاط االستشراقي والشعري خلق في الشعب األلماني إعجابا بفضائل األبطال المسلمين وحبا لألقوام التي خلقت‬ ‫قيما سامية كما يتجلى هذا في أدبها»(‪.)2‬‬ ‫ويعتبر القرن الثامن عشر الميالدي عصر حركة التنوير األلماني‪ ،‬ففي هذا القرن اهتم ألول مرة علماء ألمان بأبحاث‬ ‫الشرق العربي اإلسالمي‪،‬فقد ظهرت مجموعة من المفكرين واألدباء األلمان أنارت الطريق وحددت معالمه للجيل‬ ‫الصاعد من المستشرقين األلمان‪.‬‬ ‫وتعتبر جامعة (توبنجن) من بين أقدم الجامعات األلمانية وصلتها‬ ‫بالدراسات الشرقية قديمة إذ اهتمت بهذه الدراسات إلى ما ينيف على‬ ‫خمسمائة سنة‪ ،‬وأصبح القسم فيها (معهد الشرقيات) من أكبر األقسام‬ ‫المماثلة‪ .‬ويتمتع المستشرقون األلمان بسمعة طيبة نظرا ألبحاثهم‬ ‫العميقة القيمة التي أدت في كثير من الحاالت إلى إلقاء الضوء على‬ ‫التراث العربي وتعريف العالم على دور الطليعة التي كانت األمة العربية‬ ‫قد لعبته خالل قرون طويلة‪ .‬ومن المعروف أن أعمال المستشرقين‬ ‫األلمان ساهمت في إحياء علوم الفقه والنحو واألدب وغيرها من العلوم‬ ‫التي كان العرب يتعمقون في دراستها‪ .‬و يجدر التذكير هنا بالمجهود‬ ‫الذي قام به (فلوجل ‪1802-1870‬م) في فهرسة ألفاظ القرآن منذ‬ ‫أكثر من قرن في كتابه الشهير (نجوم الفرقان) ومنه استمد األستاذ‬ ‫محمد فؤاد عبد الباقي كتابه المعروف (المعجم المفهرس أللفاظ‬ ‫القرآن الكريم) وكذلك المستشرق (كريستيان شنورر‪1742-1822‬م)‬ ‫وكتابه (المكتبة العربية) الذي تناول فيه وصف خمسمائة كتاب من‬ ‫الكتب العربية في أروبا حتى آنذاك‪ .‬والمستشرق(رودي باريت ‪1902-‬‬ ‫‪1983‬م) الذي ركز أبحاثه العلمية منذ وقت مبكر في مجالين من‬ ‫مجاالت الثقافة العربية اإلسالمية‪ .‬األول هو الدراسات القرآنية التي توج‬ ‫جهوده فيها بترجمة القرآن الكريم إلى اللغة األلمانية‪ ،‬ودراسة تحليلية‬ ‫للنص القرآني‪ .‬والثاني هو األدب الشعبي العربي‪ .‬دون أن ننسى‬ ‫مجهود المستشرق الكبير(كارل بروكلمان ‪1868-1956‬م) الذي أمضى‬ ‫خمسين سنة من عمره في خدمة (تاريخ األدب العربي) وال أظن أن أحدا‬ ‫من الباحثين والدارسين العرب وغير العرب المهتمين بتاريخ األدب العربي‬ ‫ينكر أهمية عمله ومجهوده أو ينتقص من قيمته رغم بعض المالحظات‬ ‫التي أبداها بعض الباحثين العرب‪.‬‬ ‫وما زال علم االستشراق متقدما في ألمانيا بدليل أن اللغة العربية‬ ‫والدراسات اإلسالمية تدرس في الوقت الحاضر في العديد من الجامعات‬ ‫األلمانية‪ ،‬وعدد الطالب المهتمين بهده الدراسات في تزايد مستمر‪.‬‬ ‫وعلى العموم فإن أهم ما اختص به االستشراق األلماني في نظر‬ ‫العديد من الباحثين العرب‪ ،‬هو حياده عن الغايات السياسية أو االستعمارية‬ ‫أو الدينية على عكس الدول األروبية األخرى كفرنسا وإنجلترا وإيطاليا‪.‬‬ ‫كما تميزت الدراسات األلمانية بروح غالبا ما كانت بعيدة عن العدائية‬ ‫إذا ما قورنت بغيرها من الدراسات االستشراقية األخرى‪ ،‬بل كثيرا ما نجد‬ ‫المستشرقين األلمان يعجبون ويقدرون التراث العربي كما هو الشأن عند‬ ‫(رايسكه) و(جورج جاكوب) والسيدة (زيغريد هونكه) بل لقد ذهب اإلعجاب‬ ‫والتقدير ببعضهم إلى أن أسلمو مثل (ريشر) الذي سمى نفسه بعد إسالمه‬ ‫(عثمان) وأخيرا (هوفمان) الذي أطلق على نفسه (مراد هوفمان)(‪.)3‬‬ ‫زيغريد هونكه وبداية االتصال‪:‬‬ ‫ولدت زيغريد هونكه في مدينة كيل بشمال ألمانيا عام ‪1912‬م‪،‬‬ ‫وتفتح ذهنها على الدراسات واألبحاث العربية واإلسالمية منذ نعومة أظفارها‪،‬‬ ‫فاتجهت نحو جامعة برلين لدراسة اللغة العربية واألدب العربي‪ ،‬حيث تعمقت في دراسة الحضارة العربية وخاصة األدب‬ ‫والشعر العربيين‪ ،‬تقول عن نفسها‪ »:‬لقد أتيحت لي الفرصة منذ نعومة أظفاري ألن أهتم بالفكر واألدب‪ ،‬فلكوني‬ ‫ابنة تاجر كتب معروف في كيل على ساحل بحر الشمال نشأت بين الكتب ومعها‪ ،‬وكان يتردد على بيتنا شعراء وكتاب‬ ‫وناشرون معروفون‪ ،‬والحقيقة أنني كنت أريد أن أدرس الموسيقى‪ ،‬لكن قاعات المحاضرات في الجامعات جذبتني بشدة‬ ‫أكبر فتعمقت في الفلسفة وعلوم األدب األلماني وعلم النفس وعلم األديان المقارن على يد أساتذة وفالسفة كبار في‬ ‫فرايبورغ وبرلين من أمثال مارثن هايدغر و ادوارد شبرانغر وبعد امتحان التخرج صرت مساعدة لباحث العربية المتميز‬ ‫آنذاك لردفيغ كالوس مما أتاح لي الفرصة لالطالع على الثقافة الشرقية والتعمق فيها»(‪.)4‬‬ ‫وفي جامعة برلين التقت ببيتر شولتسه الذي كان يدرس الفلسفة وعلم النفس‪ ،‬والذي سبق له أن قام بعدة جوالت‬ ‫في العالم العربي‪ ،‬ولكن قيام الحرب العالمية الثانية أجل مشروع زواجهما بعد أن نقل شولتسه للعمل في القنصلية‬ ‫األلمانية في مدينة طنجة بالمغرب‪ ،‬وقد اشتهر بصداقته للعرب وللمسلمين وتعمقه في دراسة آدابهم واالطالع على‬ ‫مآثرهم‪.‬‬ ‫بينما تابعت زيغريد هونكه إعداد رسالة الدكتوراة التي كان موضوعها ‪( :‬تأثير الحضارة العربية على الحضارة‬ ‫الغربية)‪ .‬بعد أن اكتشفت مدى األخطاء السائدة في األوساط العلمية الغربية حول الحضارة العربية‪ ،‬والفكرة التي كانت‬ ‫سائدة آنذاك هي أن العرب لم يقدموا أي شيء جديد بل نقلوا الحضارة اليونانية ولعبوا دور الوساطة في نقل الحضارات‬ ‫القديمة إلى أروبا‪ .‬تقول‪« :‬وكنت كلما اكتشفت أخطاء أو آراء متحيزة وغير صائبة أشعر بضيق وانزعاج‪ ،‬بل بغضب‬ ‫شديد وكانت النتيجة دوما تأليف كتاب»(‪ )5‬وكقدر محتوم كما تقول تبع ذلك زواجها من أكاديمي له اهتمامات مماثلة‪،‬‬ ‫فقد كان عضوا في إحدى البعثات الدبلوماسية األلمانية‪ ،‬ويتكلم اللغة العربية بطالقة‪ ،‬حيث عمل بالدائرة اإلعالمية‬ ‫للسفارة األلمانية في أكثر من دولة من دول إفريقيا العربية‪ ،‬وبعد زواج شولتسه وهونكه في عام ‪1942‬م سافرا إلى‬ ‫مقر عمل الزوج في طنجة حتى عام ‪1944‬م‪ ،‬حيث تابعت هذه األخيرة أبحاثها حول الحضارتين العربية واإلسالمية‪ ،‬وبعد‬ ‫الحرب عمل الزوج في الصحافة‪ ،‬حيث التحق بإدارة الصحافة واإلعالم التابعة للحكومة األلمانية في «بون» وتعمق في‬ ‫الدراسات المصرية ووضع خمس كتب عن مصر وحضارتها القديمة والمعاصرة‪ .‬كما فسح المجال لزوجته في صحيفة‬

‫‪2/1‬‬

‫‪-‬‬

‫بقلم الباحث ‪:‬‬

‫محمد القاضي‬

‫«البرلمان» التي أصدرها في ألماني بعد الحرب لتنشر فيها مقاال موسعا حول تأثير العلوم العربية على أروبا‪ .‬وكانت‬ ‫هذه بداية نشاطها كمؤلفة مستعربة تنشر كتبها حول العرب واإلسالم والشرق إلى أن زادت على «خمسة عشر» كتابا‪،‬‬ ‫بدءا بكتابها (الرجل والمرأة)‪ .‬ولعل أشهر كتبها على اإلطالق والذي ترجم إلى لغات عديدة منها اللغة العربية‪ ،‬ونالت به‬ ‫شهرة كبيرة في العالم العربي هو «شمس العرب تسطع على الغرب»(‪.)6‬‬ ‫ثم ترأست «هونكه» جمعية ثقافية تحمل اسمها‪ ،‬أنشئت عام ‪1975‬م بمبادرة من عدد كبير من األدباء والعلماء‬ ‫والمستشرقين واألشخاص المهتمين بالثقافة العربية والحضارة اإلسالمية‪ .‬وتحمل عدة أوسمة وشهادات تكريم من‬ ‫قبل عدد كبير من رؤساء الدول وكبار المسؤولين في العالمين العربي واإلسالمي‪ ،‬كما تلقت دعوات عديدة لزيارة‬ ‫الدول العربية‪ ،‬فاستدعتها الحكومة المصرية سنة ‪1962‬م معربة بذلك عن تقديرها وعرفانها بالجميل ولجهودها‬ ‫المتواصلة في خدمة العرب‪ .‬وكرمتها مصر بعد ذلك عندما سلمها الرئيس المصري حسني مبارك قالدة نجم االستحقاق‬ ‫المصري الكبير من الدرجة األولى للعلوم والفنون في احتفال ديني بجامعة األزهر حضره ‪ 1200‬من رجال العلم وذلك‬ ‫سنة‪1988‬م بمناسبة االحتفال السنوي التقليدي بعيد المولد النبوي الشريف في قاعة جامعة األزهر بالقاهرة‪ .‬وتعتبر‬ ‫األروبية الوحيدة غير المسلمة التي أصبحت عضوا في المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية‪ .‬وشاركت بعد ذلك في عدة‬ ‫مؤتمرات وندوات علمية وثقافية في ألمانيا وأروبا والعالم العربي‪ ،‬كما حاضرت في جامعات عديدة ونالت شرفا وتقديرا‪.‬‬ ‫لقد أحبت العرب والمسلمين ‪ ،‬وصرفت وقتها كله باذلة الجهد للدفاع عن قضاياهم والوقوف إلى جانبهم‪ .‬تقول ‪:‬‬ ‫«لم أكن في النهاية بحاجة إلى إبراز جواز سفري‪ ،‬فحتى موظفو الجمارك كانوا قد عرفوني عن طريق الصحف والتلفزيون‬ ‫وكانوا يستقبلونني ويودعونني بفرحة ظاهرة»(‪.)7‬‬ ‫مؤلفاتها عن العرب وحضارتهم‪:‬‬ ‫إذا كان مؤلفها الشهير «شمس العرب تسطع على الغرب» أكثر‬ ‫كتبها انتشارا على اإلطالق والمتعلقة بالحضارة العربية وعطائها‬ ‫المتميز في مجال التراث اإلنساني‪ ،‬فإن المستعربة ألفت كتبا أخرى‬ ‫لها عالقات بالموضوع‪ ،‬ومنها كتاب «الناقة على معطف القيصر»‬ ‫وتعالج فيه مرحلة من مراحل الحروب الصليبية من زاوية المواجهات‬ ‫بين العرب واأللمان (كارل األكبر) وقيصر ألمانيا فرد ريك الثاني الذي‬ ‫تقول عنه المؤلفة إنه كان صديقا للعرب وقف إلى جانبهم أثناء الحروب‬ ‫الصليبية‪ ،‬كما تقول إن العرب اعتبروه واحدا منهم وأحبوه لدرجة‬ ‫أنهم أهدوه معطفا صنعوه له ورسموا عليه ناقات عربية وزخارف أخرى‬ ‫جميلة‪ ،‬وكتبوا عليها ألفاظا وعبارات تنطوي على الكثير من مشاعر الود‬ ‫والصداقة‪.‬‬ ‫أما الكتاب الثالث فإنها تسجل فيه اإلنجازات المشرفة للعلماء‬ ‫العرب تحت عنوان‪ :‬العلم والعقيدة وتلقي فيه الضوء على حقيقة هامة‬ ‫وهي أن العرب لم ينقلوا العلوم اليونانية إلى الغرب كما هي‪ ،‬بل أضافوا‬ ‫إليها الكثير من تجاربهم واكتشافاتهم العلمية الخاصة بهم حتى إنه‬ ‫يمكن القول إن العلوم اليونانية تحولت على أيدي العرب إلى علوم‬ ‫عربية خالصة‪.‬‬ ‫أما الكتاب الرابع وهو تحت عنوان‪ :‬فهم الموت تناقش فيه فكرة‬ ‫الموت في الحضارات المختلفة لتخلص فيه إلى أن المفهوم القرآني‬ ‫للموت هو األرقى ‪ .‬و قد أكملته بكتاب آخر يتضمن الكثير من الحكم تحت‬ ‫عنوان‪ :‬اهلل مختلف تماما‪ .‬وهو كتاب كما تقول يصلح مرجعا للمشككين‬ ‫والجهلة‪ ،‬وينبغي له على األخص في ظل التطورات السياسية الراهنة أن‬ ‫يزيل الف حكم وحكم من األحكام المسبقة العالقة في أذهانهم ضد العرب‪،‬‬ ‫وذلك عن طريق كشفها على حقيقتها(‪ .)8‬وقد صدر الكتاب سنة ‪1991‬م‬ ‫ويحتوي على مقدمة وستة أبواب مقسمة إلى فصول « تتحدث الكاتبة في‬ ‫مقدمة الكتاب عن أنها كانت تأمل في خالل كتابيها السابقين‪( :‬شمس‬ ‫العرب تسطع على الغرب) و(ناقات على معطف القيصر) أن يتحقق الحوار‬ ‫الموضوعي البناء بين الغرب والشرق‪ ،‬حتى يتم التفاهم الحقيقي على‬ ‫أساس واضح بعيد عن كل مغالطة وكبرياء‪ ،‬ولكن الذي حدث أن الكتابين‬ ‫انتشرا انتشارا كبيرا‪ ،‬ولم يتحقق الهدف األساسي كما هو مأمول ومتوقع‪،‬‬ ‫وهو الحوار الموضوعي البناء بين العرب والغرب‪ .‬وبالرغم من هذا كله فإن‬ ‫الكاتبة لم تيأس بل عقدت العزم على المحاولة مرة أخرى من خالل كتابها‬ ‫هذا أن توضح للقارئ الغربي أنه ال يوجد شعب ظلم مثل الشعب العربي من‬ ‫خالل نظرة الغرب له‪ ،‬فبدأت في هذا الكتاب بالبحث عن أصول هذه اآلراء‬ ‫الخاطئة وحاولت أن توضح أسباب انتشار هذه اآلراء ومقارنتها بالحقيقة‪،‬‬ ‫واستخلصت بعد ذلك واقع الشعب العربي من العصور الوسطى حتى العصر‬ ‫الحديث»(‪.)9‬‬

‫هوامش‪:‬‬ ‫(‪) 1‬‬ ‫(‪) 2‬‬ ‫(‪) 3‬‬ ‫(‪) 4‬‬ ‫(‪) 5‬‬ ‫(‪) 6‬‬

‫(‪) 7‬‬ ‫(‪) 8‬‬ ‫(‪) 9‬‬

‫انظر «كتاب الدراسات العربية واإلسالمية في أروبا» للدكتور ميشال جحا ‪/‬ص‪/183:‬معهد األنحاء العربي‪.‬‬ ‫انظر مقالة في مجلة «المجلة» المصرية ‪/‬عدد‪ 163:‬يوليو ‪1970‬م ص‪(32-36:‬تأثير األدب اإلسالمي على الشعر األلماني‬ ‫في التيار الرومانتيكي)‪.‬‬ ‫لقد قمنا بعرض كتابيه (يوميات ألماني مسلم) و(اإلسالم كبديل) في صحيفة (العالم اإلسالمي) التي تصدر عن رابطة‬ ‫العالم اإلسالمي بمكة المكرمة ‪/‬عدد‪3(1376:‬أكتوبر‪1994‬م‬ ‫انظر صحيفة األنباء المغربية ‪/‬عدد‪2:‬يونيو ‪1994‬م‪/‬ص‪( 8:‬كيف تعيش اآلن صاحبة كتاب «شمس العرب تسطع على‬ ‫الغرب» الذي ترجم إلى ‪ 17‬لغة آخرها اليابانية؟)‬ ‫نفس المرجع‪.‬‬ ‫لقد قام بترجمته إلى العربية األستاذان فاروق بيضون وكمال دسوقي وراجعه ووضع حواشيه مارون عيسى الخوري‬ ‫وهو في ‪ 588‬صفحة‪ ،‬صدر عن منشورات المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر ببيروت ‪/‬لبنان‪/‬وقد قمنا بعرضه في‬ ‫مجلة رسالة الجهاد الليبية‪/‬عدد‪/104:‬نوفمبر‪1991‬م‪ .‬وتشير بعض المراجع إلى أن شهادة الدكتوراه التي حصلت عليها‬ ‫المستعربة كان موضوعها عن «شعر الغزل في العالم العربي» انظر مجلة «المنهل» السعودية ‪/‬عدد‪/ 494:‬فبراير‪1992‬م‬ ‫(زيغريد هونكه‪ ..‬والحقيقة الغائبة‪ )..‬عاصم عز الدين العماري ‪/‬ص‪ 130:‬إلى‪.141‬‬ ‫انظر صحيفتي «األنباء» المغربية ‪/‬مرجع سابق‪ .‬وصحيفة «أنوال» المغربية عدد‪( 5/1994/ 27:‬الكاتبة األلمانية زيغريد‬ ‫هونكه تقوض األحكام المسبقة ضد العرب)ص‪.10:‬‬ ‫انظر مجلة «الشرق األوسط» عدد‪ 283/27:‬نوفمبر ‪-3‬ديسمبر‪1991‬م ‪/‬ص‪81:‬و‪( 82‬إطاللة على عالم زيغريد هونكه –‬ ‫ناقات عربية على معطف القيصر )فاتن الرافعي ‪ .‬وانظر كذلك صحيفة أنوال ‪/‬مرجع سابق‪.‬‬ ‫انظر مجلة «المنهل»السعودية ‪/‬مرجع سابق ‪/‬ص‪.133:‬‬


‫العدد ‪1016‬‬

‫‪20‬‬

‫الثالثـاء ‪� 22‬إلى ‪� 28‬أكـتـوبر ‪2019‬‬

‫البوح بين الزمان والمكان في قصة «ظالل وخلجان»‬ ‫للقاصة المغربية‬

‫ربيعة ريحان‬

‫« ظالل وخلجان « أول مجموعة قصصية القاصة المغربية ربيعة ريحان‬ ‫عام ‪ 1994‬م‪ ،‬وتعد الكاتبة أحد األصوات اإلبداعية النسائية البارزة في المشهد‬ ‫األدبي المغربي‪ ،‬حيث استطاعت في بداية مسارها اإلبداعي أن تلفت األنظار‬ ‫إلى أعمالها‪ ،‬على من رغم حداثة عهدها بالكتابة‪ ،‬من خالل مجموعتها «ظالل‬ ‫وخلجان»‪ ،‬وأن تجد لها مكانا بين باقي القاصات المغربيات المعاصرات‪.‬‬ ‫أحرزت الكاتبة بمجموعاتها هذه‪ ،‬على شهادة ميالدها كمبدعة في المجال‬ ‫القصصي‪ ،‬من قبل الكاتب السوري المعروف «حنا منا»‪ ،‬الذي وصفها بالكاتبة‬ ‫المبدعة‪ ،‬و لعل هذا ما أثار حماسي لقراءة المجموعة‪ ،‬فعزمت الغوص في ثناياها‬ ‫السردية‪ ،‬بحثا عن أصداف مكنوناتها‪ ،‬وسيرورات أحداثها‪ ،‬وبناء وقائعها‪ ،‬ساعية‬ ‫إلى ذلك من الظاهرة ( فينومينا) الى الشيء في ذاته ( النومينا) أي من الخارج‬ ‫الى الباطن‪.‬‬ ‫‪ - 1‬في العنوان والغالف‬ ‫«ظالل وخلجان»‪ ،‬مركب اسمي من وحدتين دالليتين‪« ،‬الظالل» جمع‬ ‫«ظل» بالكسر‪ ،‬وقيل هو الضوء الثاني وهو الحاصل من مقابلة المضيء بغيره‪،‬‬ ‫وقيل هو الضوء الثاني الحاصل من مقابلة الهواء المضيء‪ ،‬ثم للظل مراتب‬ ‫كثيرة متفاوتة بالشد والضعف‪ ،‬وطرفاه النور والظلمة‪ ،‬وهو داللة إيحائية على‬ ‫وجود الشمس أو النور الذي ينعكس معه الظل فيوحي بتواجد كثرة الضوء‬ ‫وقوته‪ ،‬ومن زاوية أخرى‪ ،‬هو الظل والفيء في وسط الحر‪ ،‬أي داللة على الراحة‬ ‫و االسترخاء ‪.‬‬ ‫الخلجان‪ :‬جمع خليج وهو امتداد من الماء متوغل في‬ ‫اليابس‪ ،‬وهو أثار على وجود الماء‪ ،‬الذي هو أساس الحياة‪،‬‬ ‫والواو التي تربط الوحدتين‪ ،‬أداة» العطف» تكثف داللة‬ ‫حركة الطبيعة‪ ،‬وما يمكن أن توحي به للمتلقي‪ ،‬من أجل‬ ‫اكتشاف الرؤية التخيلية للمؤلفة‪.‬‬ ‫العنوان «ظالل وخلجان» بوظيفته الفنية‪ ،‬يمثل مدخال‬ ‫جماليا‪ ،‬يمهد لسمة شاعرية التي تحكم هذه المجموعة‪،‬‬ ‫وتسري في مفاصلها‪ ،‬وتؤكد على اختيار الكاتبة لعدتها‬ ‫البنائية لقصص المجموعة‪ ،‬فكلمة ظالل أصغر حجما من‬ ‫كلمة خلجان‪ ،‬وهي إشارة دالة على وجود األمل والنور‬ ‫والحياة‪ ،‬ضمن المجموعة القصصية النابضة بالفعل‬ ‫الوجودي لإلنسان‪ ،‬أما خلفية العنوان‪ ،‬فتكسوه صفحة‬ ‫مقسمة إلى قسمين‪ ،‬قسم عن اليمين أبيض اللون يمثل‬ ‫مجموعة من األوراق بيضاء مرتبة‪ ،‬يعلوها اسم الكاتبة‬ ‫ربيعة ريحان‪ ،‬والقسم االخر عن الشمال‪ ،‬رمادي اللون تظهر‬ ‫كف معلقة في الهواء تسحب ورقة من تلك األوراق المرتبة‪،‬‬ ‫وهذه الخلفية الرمادية تجعل الصورة في كليتها ترمز إلى‬ ‫الضبابية وغموض األقدار‪ ،‬والحزن‪ ،‬وهي كلها قضايا تالحق‬ ‫اإلنسان‪ .‬والمجموعة القصصية هي تلك الورقة التي قامت‬ ‫الكف بسحبها من مجموع الكتابات االبداعية التي تعدها‬ ‫المبدعة المغربية ربيعة ريحان ‪.‬‬ ‫‪ - 2‬عتبة المدخل ‪:‬‬ ‫«عندما مر ظلها الذي يسبقها فوق الخلجان الرملية الصغيرة » ‪ ،‬انطلقت‬ ‫القاصة بهذه الجملة الحاملة لمعاني كثيرة لتواجد الكلمتين معا «الظل‬ ‫والخلجان»‪ ،‬و»الهاء» الضمير الذي سيصاحبنا طيلة القصة‪ ،‬المليئة باالنزياحات‬ ‫والحركة‪ ،‬مع هيمنة المكان والزمان‪ ،‬بحضورهما المكثف في جميع قصص‬ ‫المجموعة‪ ،‬وشارعت القاصة في انتقائها الدقيق لعناوين مجاميعها القصصية‬ ‫(كالم ناقص – مطر المساء –أجنحة الحكي – شرخ الكالم – مشارف التيه –‬ ‫بعض من جنون ‪ ،)..‬كعتبات دالة تختزل حرصها على رصد المكامن الخفية‪،‬‬ ‫واألغوار الدفينة‪ ،‬و المجموعة القصصية األولى(ظالل وخلجان)‪ ،‬أبانت عن مدى‬ ‫الثراء اللغوي الذي تتميز به من تعبيرات عميقة باذخة باإليحاءات‪ ،‬وتكشف‬ ‫عن التباس دالالت المعاناة‪ ..‬والحزن‪ ..‬والقهر‪ ..‬الطفولة‪ ..‬والجسد‪ ..‬والمرأة‪..‬‬ ‫والرجل‪ ..‬والتحرر‪ ..‬والعالم الهامشي والزمن والمكان‪.‬‬ ‫‪ - 3‬زمكانية البوح في المجموعة القصصية ‪:‬‬ ‫‪ – 1-3‬في الزمن ‪:‬‬ ‫خالل طوافنا في مدارات المجموعة القصصية أفقيا وعموديا‪ ،‬على مستوى‬ ‫مختلف بنياته وأنساقه السردية؛ ونحن نحاول االمساك بعضا من حدوده الثاوية‪،‬‬ ‫التي استطاعت القاصة أن تعتمد عنصرا الزمان والمكان كركيزة أساسية في‬ ‫عمليتها السردية كما سنرى‪.‬‬ ‫يجد القارئ لهذه المجموعة في بنياتها اللغوية‪ ،‬والسرديةـ وفضاءاتها‬ ‫الزمكانية‪ ،‬لغة فنية‪ /‬شاعرية تلمح أكثر مما تصرح‪ ..‬والمؤلفة توظف العالمات‬ ‫ونخص تحديدا‪« ،‬الزمن»‪ ،‬الذي يعني ساعات الليل والنهار‪ ،‬كما قال عنه‬ ‫الرازي»أنه كالحركة له معنيان‪ :‬أحدهما أمر موجود في الخارج غير منقسم‪ ،‬وهو‬ ‫مطابق للحركة‪ ،‬بمعنى الكون في الوسط أي بين المبدأ والمنتهى‪ ،‬وثانيهما‬ ‫أمر متوهم ال وجود له في الخارج»‪ ،‬وتعددت تعريفات الزمان بين الفالسفة‪،‬‬ ‫والمفكرين‪ ،‬إال أن النقاد كادوا يجتمعون على أنه مجرد حقيقة سائلة‪ ،‬ال تظهر إال‬ ‫من خالل مفعولها على الشخصيات» ‪.‬‬ ‫وفي «المادة الحكائية يحمل زمن الخطاب‪ ،‬بتجليات تزمين زمن القصة‬ ‫وتمفصالته‪ ،‬وفق منظور خطابي متميز‪ ،‬وعرفه هيدغر بأنه «المعدود الذي‬ ‫ينكشف في المتابعة التي تعد العقارب المتنقلة وتستحضرها‪ ،‬وهو نفس التعريف‬ ‫الذي أعطاه أريسطو‪ ،‬للزمان بكونه المعدود في الحركة التي تعرض في أفق‬ ‫السابق والالحق «‬ ‫يقوم كل من الزمان‪ ،‬والمكان في المجموعة بوظيفة دينامية كوحدة‬ ‫متصلة لخدمة السرد‪ ،‬حيث اقتدرت الكاتبة أن تروضهما طوع إرادتها‪ ،‬حيث تقول‬ ‫« تسمع صوته العميق مبادرا باقتراحه المسائي‪ ،‬تتخيل وقفته‪ ،‬ويده اليسرى على‬ ‫البكرة‪ ،‬والذراع اليمنى مرفوعة لألعلى‪ ،‬والكف الكبيرة القوية مبسوطة‪ ،‬تنظر إلى‬

‫لوح الباب العريض‪ ،‬وإلى الشق األسفل‪ ،‬ظل خفيف ينعكس على األرضية تلك‬ ‫قدماه متباعدتان‪ ،‬ينقر بأصابعه تسمع الطرق‪ ،‬يتهيأ قلبها للخفقان‪ ،‬تفتح الباب‬ ‫بعد إلحاحه العجول‪ ،‬قامته الفرهاء تسد الفراغ‪ ،‬تلمح القلق والشوق في ظل عينيه‬ ‫الحزينتين‪ ،‬تبادله النظر‪ ،‬تشدها الغضون العميقة‪ ،‬ملمح مدمن نبيل أول مسهد‬ ‫يمضيان معا في ظلمة الظالل التي خالطتها صفرة االنوار»‪ ،‬والمقطع يستدعي‬ ‫التوقف لكي نستحضر الزمان‪ ،‬الذي يقدمه بنيفست في مفهومين مختلفين‪:‬‬ ‫من جهة الزمان الفيزيائي للعالم‪ ،‬وهو خطي ال متناه‪ ،‬وله مطابقته عند االنسان‪،‬‬ ‫وهو المدة المتغيرة‪ ،‬وهو الذي يقيسه كل فرد حسب هواه وأحاسيسه وإيقاعات‬ ‫حياته الداخلية ‪ .‬وهناك من جهة ثانية الزمان الحدثي (‪ )temps crenique‬وهو‬ ‫زمن االحداث الذي يغطي حياتنا كمتتالية من األحداث‪ ،‬وهو الحاضر زمن تواجد‬ ‫الساردة‪ ،‬في زمن السرد المتحرر من جمود القيم الواقعية‪ ،‬وفي ذلك تكمن‬ ‫إحدى أهم أسرار وجماليات القص وسحره عند ربيعة ريحان‪ ،‬فهي تكسر رتابة‬ ‫التتابع الممل لمسيرة الزمان وبطئه وتسويفه‪ ،‬بإعطاء سيرورة غامضة لألحداث‬ ‫‪ ..‬مفتوحة على تأويالت متعددة حسب الدرجة الجمالية للمتلقي‪.‬‬ ‫تستعين الكاتبة في سرد االحداث على حدود الزمان المروي في‬ ‫ ‬ ‫سرد أفعالها وخطاباتها الداخلية‪ ،‬فضال عن ذلك‪ ،‬كانت تجربتها الزمنية توضع‬ ‫مقابل تجربة الشخصية الثانية المصاحبة لها في القصة‪ ،‬فتكون هي الرهان في‬ ‫اللعبة مع الزمان‪ ،‬وهذا ما نلمسه في نصها « يجيئني‪ ،‬كل مرة أقرأ في عينيه‬ ‫سؤاال عن آخر المرحلة‪ ،‬يطرق الباب طرقات خفيفة في البداية‪ ،‬ينقر بأصابعه‪،‬‬

‫أسمع الطرق‪ ،‬أرفع عيني نحو مجاز الحجرة وأواصل‬ ‫اتصفح أوراق الكتاب الالمعة تحت ضوء المصباح‬ ‫األبيض الخافت»‪ ،‬من خالل هذا االستدعاء‪ ،‬يتمدد‬ ‫الزمان عند القاصة‪ ،‬وهو الذي قال عنه أريسطو‬ ‫« ليس الزمن بذاته شيئا وال وجود له إال بالنسبة‬ ‫لألحداث التي تجري فيه « ‪.‬‬ ‫‪ – 2-3‬في المكان‪:‬‬ ‫يمثل المكان في المجموعة «الركن الذي‬ ‫ينسحب اإلنسان إليه‪ ،‬ورغم ضحالة هذا التعبير‪،‬‬ ‫فهو يحوي صورا عديدة‪ ،‬بعضها قد يكون نشأ منذ‬ ‫العصور البالغة القدم‪ ،‬إنها صور ذات سيكولوجية‬ ‫بدائية‪ ،‬لهذا يظل الحال أنه كلما كانت الصورة‬ ‫أكثر بساطة‪ ،‬اتسع الحلم « وهو ما ِّ‬ ‫يجليه هذا‬ ‫الوصف «فإذا وصل قمة التل‪ ،‬التفت الى البحر‬ ‫وراءه‪ ،‬فتبدو المنارة مجللة بحمرة الشفق‪ ،‬ويبدو‬ ‫شريط الزبد األبيض حدا فاصال بين الرمل‬ ‫والماء‪ ،‬وفي أقصى األفق يخيم ضباب رقيق‬ ‫على هياكل البواخر‪ ،‬فتبدو مجرد ظالل هندسية في لوحة بديعة‪ ،‬حين يتبدى‬ ‫له كل ذلك‪ ،‬تتضارب في نفسه مشاعر الحنين من جديد‪ ،‬وتهتز أعماقه أسى‬ ‫وحسرة‪ ،‬ثم ال يلبث أن يواصل السير بصبر وأناة عبر تلك المنعرجات‪ ،‬وذهنه‬ ‫ال يزال مشدودا لمشهد البحر ساعة الغروب» ‪ ،‬لقد عبرت الكاتبة عن المكان‬ ‫في المجموعة‪« ،‬كعنصر مكون للصورة الفنية‪ ،‬باعتباره هو ذلك المكان األليف‬ ‫{‪ -‬البيت – المدينة – البحر – السوق – الجبل ‪-‬الطريق – مكان العمل –‪}...‬الذي‬ ‫فيه تولد وتمارس أحالم اليقظة التي تتشكل في الخيال»‪ ،‬فالمكان عند ربيعة‬ ‫ريحان يكتسب مالمح نفسية جديدة‪ ،‬متآلف مع حلمها المخبوء وتفاصيل عالمها‪،‬‬ ‫وهنا يمكن أن نستحضر مقولة باشالر عن المكان «هو ذلك الركن الذي يحقق‬ ‫لنا أمرا نقدره عاليا‪ ،‬السكون‪ ،‬وهو الركن المجاور لسكونيتي‪ ،‬إنه وعي كوننا في‬ ‫حالة سالم‪ ،‬وهو إحساس يشع سكونية»‪ ،‬ولذلك فالمكان عند القاصة يكتسب‬ ‫مالمح نفسية جديدة ‪.‬‬ ‫يشكل المكان في المجموعة القصصية «ظالل وخلجان» العالمة‬ ‫الدالة على مرور الوقائع اليومية‪ ،‬يطغى عليها صفة االنتظام؛ فالعمل األدبي‬ ‫حين يفتقد المكانية فهو يفقد خصوصيته وبالتالي أصالته‪ ،‬وهو في الخطاب‬ ‫القصصي يشكل المادة الجوهرية للخطاب‪ ،‬إلى جانب المكون الزمني؛ إذ أي‬ ‫إقصاء لهما إنما هو إلغاء لهوية من هويات هذا الخطاب‪.‬‬

‫• أمينة الطنجي‬ ‫‪: 3-3‬البوح في المجموعة‬ ‫تنطلق القاصة من ضفاف أنثى‪ ،‬لتجول عبر الشواطئ‪ ،‬والطرقات‪،‬‬ ‫واألسواق‪ ،‬ثم تعود لتحط في األخير‪ ،‬بميناء أنثى‪ .‬وهذا يبدو واضحا في قصة‬ ‫«ظالل وخلجان «وهو العنوان الذي سميت به المجموعة‪ ،‬ونقرأ في هذا النص‬ ‫«انتظرته طويال‪ ،‬غزلت في برودة الليالي فتائل الوحدة المديدة‪ ،‬استمسكت‬ ‫بالصبر واألحالم‪ ،‬لكنه ظل بعيدا‪ ،‬ضائعا في ضفاف التيه السحيقة‪ .‬قال إنه ذاهب‬ ‫وسيأتي ورأته يرحل مع الشمس‪ ،‬مأخوذا بوهج بريق جاذب‪ ،‬لكنه أبدا لم يأت‪..‬‬ ‫وظلت هي تنتظر على أبواب البحر‪ ،‬الرجل الذي دوى رأسه هنا بانفجارات مكتومة‬ ‫ترمد‪ ،‬ذهب من فرط لوعته يطرق باب المجهول‪ ،‬لكن العالم المخدر الغريب‬ ‫جعله ينسى‪ ،‬وأومأ لها من هنا منذرا بالهجران‪ ،‬حاسما‪ ،‬مدمرا كل بارقة أمل‬ ‫»‪ ،‬فمغادر الحبيب الى مكان مجهول واحساس الساردة بالوحشة وهي تنتظره‪،‬‬ ‫مكن القاصة من إعطائها كل لحظة قوية وكل مشهد إطارا زمكانيا‪« ،‬ذلك أن‬ ‫الكاتب أكثر تنبها الى العالقات التي توجد بين الشخوص التي يبدعها‪ ،‬والعالم‬ ‫الروائي الذي يحيط بهم‪ ،‬فهو يقيم الديكور الذي يتحرك أبطاله داخله‪ ،‬لكي‬ ‫يتيح للقارئ أن يراهم رؤية جيدة»‪ ،‬وعند ربيعة ريحان يمتزج تفاعل الجسد والروح‬ ‫ليتشكل نصها اإلبداعي‪ ،‬من أجل إيصال الى القارئ كل ما تريد‪.‬‬ ‫افتتحت الكاتبة مجموعاتها « ظالل وخلجان» بتأمالت ونبرات حسية تطغى‬ ‫عليها تيمة البوح‪ ،‬فهي التي تريد أن تنطلق وتحلق‪ ،‬باحثة عن حلم جميل وبعيد؛‬ ‫لكنه موجود في مكان ما‪ ،‬وزمان ما‪ ،‬وعلى إيحائهما شيدت‬ ‫عالمها القصصي‪ ،‬الذي يحمل حكاياه صوت اإلنسانية‬ ‫الممثل في األنثى‪ ،‬ورصدها لقضايا اجتماعية مختلفة‪،‬‬ ‫تشهد بها عناوين المجموعة التي تشير إلى دورات الحياة‬ ‫المتنوعة‪ ،‬بأفراحها وأحزانها‪ ،‬ومسراتها ومعاناتها‪ ،‬وتقلبات‬ ‫الحالة النفسية واالجتماعية لإلنسان السوي‪ ،‬وغير السوي‪،‬‬ ‫ولكنها في كل الحاالت تشير إلى شخصيات متطورة‬ ‫ومتحولة تنتقل من حال إلى حال‪.‬‬ ‫تحمل المجموعة القصصية صورا داللية على ما‬ ‫تحمله األنثى من ترسبات تتراكم عبر فصول أعمارها‪ ،‬فكان‬ ‫البوح متنفسها الوحيد الذي عبرت من خالله عن رغبتها‬ ‫في االنطالق والتحليق؛ حين صرخت على لسان الساردة‬ ‫«أرفض ترمد أرفض االنحدار إلى المهاوي الساحقة‪،»...‬‬ ‫وعبر مستويات التمرد‪ ،‬والثورة‪ ،‬تفتقت هذه التجارب‪،‬‬ ‫وشقت طريقها وانفتحت الكاتبة على قضايا اجتماعية‬ ‫معينة معتمدة في ذلك على جرأة واضحة؛ لتكتب عن‬ ‫الرجل والمرأة‪ ،‬وتحكي عن همومهما النفسية والعاطفية‪،‬‬ ‫هموم الرغبة والتجاهل‪ ،‬الحب والكتمان‪ ،‬الميل و استنكاف‪،‬‬ ‫وهموم الذات المجروحة بحصار الكبت االجتماعي والحصار‬ ‫النفسي مما يجعل منها ‪-‬في نظرنا – منخرطة في درب‬ ‫طويل بسراديب مختلفة‪ ،‬سارت في إحداها المصرية نوال‬ ‫السعداوي« كان نائما على جنبه األيسر‪ ،‬ظهره ناحية الحائط‬ ‫وجهه ناحيتي‪ ،‬التاريخ فوق الحائط يشير الى‬ ‫عام ‪ ،1956‬قشعريرة باردة تزحف الى جسدي‪،‬‬ ‫ذاكرتي تعود الى السطح بالتدريج‪ ،‬اخرج من‬ ‫بطن األرض جزءا جزءا‪ ،‬أصحو فوق شيء يهتز‪،‬‬ ‫جفوني ثقيلة‪ ،‬أفتحها بصعوبة التاريخ فوق‬ ‫الحائط ثابت عند عام ‪ ،1956‬النافدة مفتوحة‬ ‫بدون زجاج وال شيش‪ ،‬الهواء البارد ينفذ الى‬ ‫جسدي‪ ،‬وأنا راقدة فوق ظهري‪ ،‬أسناني تصطك‬ ‫ارتجف بالحمى‪ ،‬في حلقي غصة وفي انفي رائحة‬ ‫دم‪ ،‬عيناي تدوران فوق الجدران‪ ،‬المكان غريب لم‬ ‫أراه من قبل‪ ،‬الحائط بال طالء لونه أسود تعلوه بقع‬ ‫أكثر سوادا‪ ،‬الشقوق في الجدران تشبه الشقوق في‬ ‫األرض يتدلى من السقف سلك كهربائي فوقه ذباب‬ ‫أسود‪ ،‬الرجل نائم الى جواري فوق السريرالعريض‬ ‫من الصاج األسود‪ ،‬عيناه مغمضتان والزمن ال يتحرك‪،‬‬ ‫التاريخ ثابت عند عام ‪ 1956‬بالضبط يوم ‪ 23‬يوليو‬ ‫‪ ،1956‬أشد جفوني ألصحو‪ ،‬عيناي مفتوحتان من قبل‬ ‫ثم أغمضهما لحظة واحدة طول الليل‪ ،‬كنت أفكر في‬ ‫الهروب‪ ،‬كيف أهرب وإلى أين؟ » ‪.‬‬ ‫وسارت في أخراها الجزائرية أحالم مستغانمي‬ ‫«واكتشفت في المناسبة نفسها‪ ،‬أنني ربما كنت الوحيد‬ ‫الذي لم يترك خلفه سوى قبر طري ألم ماتت مرضا‬ ‫وقهرا‪ ،‬وأخ فريد يصغرني بسنوات‪ ،‬وأب مشغول بمطالب عروسه الصغيرة‪...‬لقد‬ ‫كان ذلك المثل الشعبي على حق « إن الذي مات أبوه لم يتيتم‪ ..‬وحده الذي‬ ‫ماتت أمه يتيم»‪...‬وكنت يتيما‪ ،‬وكنت أعي ذلك بعمق في كل لحظة فالجوع الى‬ ‫الحنان شعور مخيف وموجع‪ ،‬يظل ينحر فيك من الداخل ويالزمك حتى يأتي عليك‬ ‫بطريقة أو بأخرى »‪ ،‬إنه السرد النسائي الذي يفجر معاناة المرأة أينما وجدت‪،‬‬ ‫لذلك أرسلت الكاتبة ربيعة ريحان في المجموعة القصصية رسائل انتقادية‬ ‫للذات‪ ،‬ولآلخر‪ ،‬وفي بوحها استطاعت أن تكشف عن زيف خطاباتنا وسياساتنا‬ ‫وأوهامنا المزيفة والمتناقضة في مجتمعاتنا العربية‪ ،‬وفي هذا السياق ندرج ما‬ ‫جاء على لسانها في حوار أجرته معها مجلة اتحاد كتاب األنترنيت المغاربة ‪ «:‬على‬ ‫المرأة أن تكتب وتبوح في شرط ثقافي معين‪ ،‬وتثير الكثير من القضايا الخالفية‪،‬‬ ‫وتدخل مدارات األسئلة الساخنة‪ ،‬فذلك تحد محسوب لها‪. » .‬‬ ‫إن المطلع على هذا المتن القصصي يفهم تنوع قضاياها السردية‪،‬‬ ‫وتيمتها‪ ،‬ومنظورتاها‪ ،‬وطريقة توليدها للحكايات التي تجسدها؛ وهي تدور‬ ‫في مجملها حول انشغال واحد هو النبش في القضايا االجتماعية المعقدة‪،‬‬ ‫فالمجموعة ظالل وخلجان تعبير عن التخييل األنثوي بصورة مشوقة‪ ،‬وعبرها‬ ‫لم تكتف القاصة برصد معاناة األنثى فقط‪ ،‬ولكنها تصور العالم الواقعي بشتى‬ ‫أطيافه االجتماعية‪ ،‬و هو الشغف الشديد عند ربيعة ريحان للكتابة عن المختلف‪.‬‬


‫العدد ‪1016‬‬

‫الثالثـاء ‪� 22‬إلى ‪� 28‬أكـتـوبر ‪2019‬‬

‫ال �إرهاب يف الف�صحى‬ ‫وال يف الدين الإ�سالمي‪..‬‬ ‫‪-1‬‬‫«اإلرهاب» في القاموس العربي‪ ،‬ال يعني إطالقا ما يعنيه في القواميس‬ ‫الغربية‪ ،‬سواء من حيث اللغة والمفهوم‪ ،‬أو من حيث النظرية والممارسة‪.‬‬ ‫فالمفردة العربية لكلمة «إرهاب» واألصول التي اشتقت منها‪ ،‬ال تتضمن تلك‬ ‫الحموالت الفكرية والسياسية والعملية نفسها التي تتضمنها هذه المفردة في‬ ‫قواميس اللغات األخرى‪.‬‬ ‫في اللغة العربية‪ ،‬اإلرهاب مصدر أرهب ومعناها لغة « أخاف وأفزع «‪ ،‬جاء‬ ‫في لسان العرب «البن منظور» في مادة «رهب» وأرهبه ورهبه واسترهبه‪ ،‬أي‬ ‫أخافه وأفزعه‪ ،‬إذ أن إرهابا في الوجدان العربي‪ ،‬هو تخويف اآلخر‪ ،‬ورهب فالن‬ ‫فالنا‪ ،‬أي أخافه وأفزعه ال قتله ومثل به‪ .‬والترهيب بالعربية ليس امرا مستنكرا‬ ‫بل مطلوبا ومستحبا في بعض األحيان‪ ،‬اذ يقول المثل ‪ « :‬ألن ترهب خير من‬ ‫أن ترحم» اذ ذاك ترهب بفضل القوة وترحم بسبب ضعف فيك‪ ».‬والمؤمن‬ ‫القوي خير من المؤمن الضعيف» وهذا معلوم بين المسلمين‪ ،‬أما الراهب فهو‬ ‫الذي يخاف اهلل وينقطع له‪ .‬وكذلك هي «الراهبة» و «الرهبانية» حالة روحية‬ ‫تنم عن التقوى والخوف من الوقوع في الخطيئة (‪.)1‬‬ ‫ففي اللغة العربية‪ ،‬تشتق كلمة «إرهاب» من فعل « أرهب» ويقال أرهب‬ ‫فالنا أي خوفه أو فزعه‪ ،‬وهو نفس المعنى الذي يدل عليه الفعل المضعف «‬ ‫أرهب» فيعني خاف‪ .‬أما الفعل المجرد من نفس المادة وهو «رهب ‪ /‬يرهب ‪/‬‬ ‫رهبة ورهبا»‪ ،‬فيقال رهب الشيء رهبا ورهبة‪ ،‬أي أخافه‪ ،‬أما الفعل المزيد وهو‬ ‫ترهب فيعني انقطع للعبادة في صومعته‪ ،‬ويشتق منه « الراهب ‪ /‬الرهبة ‪/‬‬ ‫الرهبانية « (‪.)2‬‬ ‫هكذا نجد المفردة العربية لمصطلح «إرهاب» ال تتضمن الحموالت‬ ‫الفكرية والعلمية والسياسية نفسها التي تتضمنها المفردة في اللغات‬ ‫الغربية‪ .‬والدالة بالخصوص على العدوان‪ ،‬ولكن بعد احتكاك العرب باألمم‬ ‫والشعوب الغربية‪ ،‬أدخل « المنجد العربي الجديد» بعض التعديالت على‬ ‫مفاهيم هذه الكلمة‪ ،‬بعدما استعار المعنى من اللغات الغربية‪ ،‬وحمل المفردة‬ ‫العربية الجديدة‪ ،‬شحنة معنوية لم تكن تحملها باألصل‪ ،‬فأصبح «اإلرهابي»‬ ‫من يلجأ إلى اإلرهاب إلقامة سلطته‪ ،‬وأصبح « الحكم اإلرهابي» نوع من الحكم‬ ‫يقوم على اإلرهاب والعنف‪ ،‬تعمد إليه حكومات أو جماعات أو منظمات‪...‬وأصبح‬ ‫اإلرهاب حقيقة وجودية‪.‬‬ ‫وأكيد أن العرب الذين عرفوا على مدار تاريخهم الطويل العريض‪ ،‬مثلهم‬ ‫مثل األجناس األخرى‪ ،‬جرائم ومجازر عنيفة‪ ،‬وحاالت تمرد دموية ال عد لها وال‬ ‫حصر‪ ،‬لم يستخدموا مفردة « إرهاب» للتعبير عن ممارسات اإلجرام السياسي‬ ‫أو الديني أو االجتماعي التي اتسمت بالعنف والعدوانية‪ .‬وهو ما يعني أن‬ ‫الكلمة العربية « لإلرهاب» ال تنطوي على مفاهيم نشر الذعر أو القتل أو سفك‬ ‫الدماء في سبيل هدف من األهداف سواء‪ ،‬كانت سياسية أو دينية أو اقتصادية‬ ‫أو اجتماعية‪.‬‬ ‫جاء في المنجد ‪ :‬اإلرهاب من يلجأ إلى اإلرهاب إلقامة سلطته‪ ،‬وهو ما‬ ‫يعني تحميل مفردة اإلرهاب شحنة معنوية لم تكن تحملها باألصل‪.‬‬ ‫وإذا ما توقفنا اليوم متأملين هذه المفردة في معانيها ومفاهيمها‬ ‫الجديدة في القاموس األدبي ‪ /‬السياسي العربي‪ ،‬فإننا سنلتقط لها أكثر‬ ‫من مفهوم وأكثر من معنى‪ ،‬وهو ما يفسر لنا سر االختالالت والتباينات‬ ‫حول موضوع اإلرهاب في الثقافة العربية المعاصرة‪ ،‬فهي تعني عملية‬ ‫مضادة لآلخر‪ ،‬وتعني كبح جماح اآلخر ومعاقبته مهما كان الثمن بوسائل‬ ‫غير مشروعة‪ ،‬وهي تعني عملية أو عمليات ال تخضع لقيم الحرب وال لقيم‬ ‫السالم‪ ،‬وهي تعني القتل والتدمير والتصفية العشوائية‪ ،‬وهي ال تفرق في‬ ‫ذلك بين المدنيين والعسكريين‪ ،‬وال بين الشيوخ واألطفال والنساء‪ ،‬وال‬ ‫بين األهالي واألجانب‪ ،‬وال بين األقوياء والضعفاء‪ ،‬وال تميز بين المؤسسات‬ ‫واألديان والمجتمعات‪.‬‬ ‫في نظر العديد من الباحثين‪ ،‬إن « اإلرهاب» مفردة حديثة في اللغة‬ ‫العربية ال وجود لها في أدبياتها الكالسيكية القديمة‪ ،‬ولم تكن تعرف بالمعاني‬ ‫الحديثة التي بلورتها أحداث اإلرهاب في العالم خالل هذا القرن والذي قبله‪،‬‬ ‫وبذلك فهي في الثقافة العربية ال تتضمن الحموالت الفكرية والسياسية‬ ‫والقانونية نفسها التي تتضمنها في الثقافات الغربية‪.‬‬ ‫– بالنسبة للشاعر العربي ادونيس ‪ :‬اإلرهاب هو « نزاع عنيف يرمي‬ ‫الفاعل بمقتضاه وبواسطته الرهبة الناجمة عن العنف إلى فرض سيطرته على‬ ‫المجتمع أو الدولة «‪.‬‬ ‫– وبالنسبة للباحث محمد العالول ‪ :‬اإلرهاب هو ‪ :‬العنف الذي يمارس‬ ‫بدوافع لها عالقة بقضايا شريرة تهدف إلى االبتزاز أو كسب غير مشروع‪.‬‬ ‫– وبالنسبة للباحث السوري علي حافظ ‪ :‬اإلرهاب هو عملية مضادة لآلخر‬ ‫لكبح جماح اآلخر‪.‬‬ ‫وبالنسبة للباحث المغربي إدريس الكريني ‪ :‬اإلرهاب هو استعمال منظم‬ ‫للعنف بشتى مظاهره المادية والمعنوية‪ ،‬يثير الرعب والخرف‪ ،‬ويخلف خسائر‬ ‫جسيمة في الفئات والمنشآت واآلليات المستهدفة‪ ،‬بغية تحقيق أهداف‬ ‫سياسية أو شخصية بالشكل الذي يتنافى وقواعد القانون الداخلي والدولي‪.‬‬ ‫– وبالنسبة للدكتور أحمد كمال أبو المجد (استاذ القانون الدستوري‬ ‫بمصر) ‪ :‬اإلرهاب يشمل كل صور العدوان على الحياة والممتلكات والمنشآت‬ ‫بقصد إثارة الذعر والرعب الذي تتجاوز شخص المعتدي عليه‪ ،‬والعنف هو‬ ‫العنصر االساسي المكون لجريمة اإلرهاب‪.‬‬ ‫– وبالنسبة للواء (المصري) طلعت مسلم (خبير استراتيجي) ‪ :‬اإلرهاب‪ ،‬هو‬ ‫نوع من العنف المفاجئ الذي يخالف طبيعة الجريمة العادية‪.‬‬ ‫– وبالنسبة للواء وجيه عفيفي (مدير مركز الدراسات اإلستراتيجية‬ ‫والعربية) اإلرهاب هو االعتداء على اآلمنين في غير وقت حرب‪ ،‬وعن طريق‬ ‫المفاجأة واالختفاء‪ .‬وهو عمليات غير منظمة وغير مستمرة ضد المدنيين‬ ‫وممتلكاتهم‪ ،‬تهدف لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية أو عقائدية بقصد‬ ‫فرض إرادة بالقوة وبطرق غير شرعية‪.‬‬ ‫– وبالنسبة ألحمد عبد الحليم (باحث‪ ،‬خبير استراتيجي) )‪ :‬اإلرهاب هو‬

‫‪21‬‬

‫العنف المعتمد ضد المواطنين‪ ،‬أو ضد أراضي الغير ‪ .‬وهو االختطاف والقتل‬ ‫والتخريب‪.‬‬ ‫– وبالنسبة للباحث العربي الدكتور عبد الستار قاسم (محاضر بجامعة‬ ‫النجاح ‪ /‬نابلس ) ‪ :‬اإلرهاب هو ممارسة متعددة للقوة‪ ،‬قائمة على تخويف أناس‬ ‫فرادى أو جماعات بصورة مباشرة أو غير مباشرة معنويا أو ماديا بهدف ردعهم‬ ‫عن القيام بعمل أو تطويعهم للقيام بعمل‪.‬‬ ‫ وبالنسبة للباحث المغربي يحيا محمد ‪ :‬اإلرهاب هو عمل عنيف‪ ،‬مرعب‪،‬‬‫غير مشروع‪ ،‬يقترفه فرد أو جماعة أو دولة لتحقيق أهداف وغايات سياسية أو‬ ‫اقتصادية ذات بعد دولي‪.‬‬

‫‪-2-‬‬

‫أما بالنسبة للدين اإلسالمي الحنيف‪ ،‬فيصنف « فعل» اإلرهاب في نوعين‬ ‫‪ :‬عدواني وانتقامي‪.‬‬ ‫بالنسبة للصنف األول (العدواني) هو كل جرم وقطع للسبيل وفساد في‬ ‫األرض‪ ،‬أما بالنسبة للصنف الثاني (االنتقامي) فهو ما يتصل بالمقاومة‪ ،‬من‬ ‫أجل الحق‪ ،‬ال ينتمي إلى الجريمة التي حرمها اهلل‪ ،‬فهو «فعل» من أجل الحق‬ ‫ورد الظلم‪ .‬وهو نفسه « الفعل العنيف» الذي قام بدور هام في طرد االستعمار‬ ‫من البالد اإلسالمية‪ ،‬أو الذي استعملته المقاومة الفلسطينية والعراقية من‬ ‫أجل التحرير وقيام الدولة‪.‬‬ ‫أ‪ -‬حسب قراءة الفقهاء والمفسرين‪ ،‬أن مفهوم اإلرهاب في اإلسالم ال‬ ‫يتخذ الصورة وال المضمون الذي يحمله في الفكر الغربي إذ تم ذكره في‬ ‫القرآن الكريم بصورة مغايرة تماما عما ينطوي عليه معنى هذا المصطلح في‬ ‫الثقافة الغربية‪ ،‬أو في الثقافة العربية الحديثة المتأثرة بالغرب‪ .‬والتي تدور‬ ‫جميعها حول العنف والتدمير والقتل والترويع‪ ،‬وهي األفعال التي يرفضها‬ ‫اإلسالم شرعا‪ ،‬فاإلرهاب في معناه الفقهي يعني الرهبة‪ ،‬واإلستعداد بما يرهب‬ ‫العدو ويخيفه فيجعله ال يقدم على عمل حرب أو عنف أو قتال‪)3(.‬‬ ‫ب‪ -‬إن القرآن الكريم لم يستعمل مصطلح اإلرهاب بصيغته المتداولة‬ ‫في الثقافات الحديثة‪ ،‬وإنما اقتصر على استعمال صيغ مختلفة االشتقاق من‬ ‫نفس المادة اللغوية‪ ،‬بعضها يدل على الخوف والفزع‪ ،‬والبعض اآلخر يدل على‬ ‫الرهبة والتعبد‪ ،‬حيث وردت مشتقات المادة (رهب) في مواضيع مختلفة من‬ ‫الذكر الحكيم‪.‬‬ ‫يقول تعالى ‪ « :‬وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية‬ ‫ابتدعوها ما كتبناها عليهم إال ابتغاء رضوان اهلل فما رعوها حق رعايتها‬ ‫«(الحديد‪ )-25‬فالرهبانية سلوك تعبدي انتهجه أتباع عيسى عليه السالم‪،‬‬ ‫ابتغاء مرضاة اهلل وطاعته‪ ،‬وذلك باالنقطاع عن ملذات الحياة الدنيا والتفرغ‬ ‫لعبادة اهلل‪ ،‬على الرغم من عدم وفائهم بما يستلزمه من رعاية وحدود‪ ،‬وقد‬ ‫سمى الحق سبحانه أتباع هذا المنهج « الرهبانيين» يعتري حالهم الهداية‬ ‫واالنحراف كسائر الخلق‪.‬‬ ‫يقول تعالى في منحى الهداية‪ « ،‬ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم‬ ‫ال يستنكرون « (المائدة‪.)84 -‬‬ ‫وفي الموطن الثاني تنبيها للمؤمنين ‪ « :‬يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا‬ ‫من األحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل اهلل‬ ‫« (التوبة آية ‪.)35‬‬ ‫وتبلغ الرهبة أعلى ذروتها عند الخوف والخشية من عذاب اهلل ‪ :‬وقال اهلل‬ ‫تعالى « ال تتخذوا إلهين اثنين‪ ،‬إنما هو اله واحد فإياي فارهبون» (النحل‪)-51‬‬ ‫أي انتهوا من إشراك طواغيت أخرى مع اهلل في االعتقاد والعبادة‪.‬‬ ‫بذلك أصبح اإلرهاب في نظر أحد الفقهاء الباحثين(‪ )4‬سلوكا دفاعيا‪ ،‬ال‬ ‫عالقة له بمعنى اإلفساد والخراب والقتل‪ ،‬بل يهدف رد العدوان وإقبار الفتن‬ ‫حتى يعبد اهلل على حق‪ ،‬يقول تعالى توبيخا ليهود خيبر‪ ،‬وفضحا لنفوسهم‬ ‫الجبانة والمزعزعة « ألنتم أشد رهبة في صدورهم من اهلل» (الشر‪.)-12‬‬ ‫ج‪ -‬أما المجتمع الفقهي اإلسالمي وفي بيان أصدره إثر اجتماع‬ ‫مجموعة من العلماء في رابع يناير من سنة ‪ 2002‬اعتبر اإلرهاب هو ذلك «‬ ‫العدوان» الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيا على اإلنسان في دينه‬ ‫ودمه وعقله وماله وعرضه‪ ،‬وأنه يشمل صنوف التخويف واألذى والتهديد‪.‬‬ ‫ويهدف بث الرعب بين الناس أو ترويعهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو‬ ‫أمنهم للخطر‪ ،‬ويعتبر إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق واألمالك العامة‬ ‫أو الخاصة أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الطبيعية للخطر‪ ،‬والقتل‬ ‫بغير حق وقطع الطريق إرهابا‪ ،‬وأكد العلماء أن الجهاد ال يمكن أن يرتبط‬ ‫باإلرهاب وشددوا على أن الجهاد في اإلسالم شرع للدفاع عن الوطن ضد‬ ‫االحتالل ونهب الثروات‪ ،‬وضد االستعمار االستيطاني الذي يخرج الناس من‬ ‫ديارهم‪.)5(...‬‬

‫‪-3-‬‬

‫وعلى مستوى السياسات الدولية‪ ،‬تمدنا القراءات السياسية التي تمت‬ ‫ألحداث ‪ 11‬شتنبر ‪ 2001‬وما بعدها بمفهومين متباعدين لإلرهاب‪ ،‬بينها‬ ‫تباين واضح وصارم‪ ،‬األول تتبناه الدول الغربية‪ ،‬الواليات المتحدة األمريكية‬ ‫على الخصوص والدول التي تسير في ركابها‪ ،‬وهو يتفق ومصالحها الداخلية‬ ‫والخارجية‪ ،‬ويعتبر مدخال أساسيا ألحكام السيطرة على باقي دول العالم‪.‬‬ ‫يقول هذا المفهوم ‪ « :‬اإلرهاب فعل منسوب إلى كل شخص يقتل‬ ‫شخصا آخر في ظروف مخالفة للقانون‪ ،‬أو بسبب ضررا جسديا بالغا أو‬ ‫يخطفه أو يحاول القيام بفعل كهذا أو يشارك شخصا قام أو حاول القيام‬ ‫بفعل كهذا»‪ .‬واإلرهاب هو كل عنف تمارسه أي جهة ضد مصالحها داخل‬ ‫أمريكا وخارجها‪.‬‬ ‫أما المفهوم الثاني‪ ،‬وتتبناه دول الجنوب وشعوبها (دول العالم الثالث)‬ ‫فيرى اإلرهاب هو كل سياسة عنصرية استعمارية احتاللية ومهيمنة تقف في‬ ‫وجه الشعوب واألمم المناضلة من اجل التحرير واالستقالل وتقرير المصير‪،‬‬ ‫أو تحول دون الدفاع عن حقوق اإلنسان وكرامته‪ .‬ويرى أن إرهاب األفراد‬

‫بقلم ‪:‬‬

‫• محمد أديب السالوي‬ ‫والجماعات ما هو إال نتيجة حتمية لإلرهاب الرسمي الذي يعتبر أبشع أنواع‬ ‫اإلرهاب‪ ،‬ألنه غالبا ما يمارس على أرض الواقع بواسطة األجهزة القمعية‬ ‫ووفق طرق وإمكانات تكون سببا في إسقاط عدد كبير من الضحايا األبرياء‪.‬‬ ‫ويرى العديد من الباحثين األكاديميين‪ ،‬أن هذا الصنف من اإلرهاب غالبا‪،‬‬ ‫ما يلتقي في أشكاله ومضامينه مع اإلرهاب الدولي‪ ،‬أي يعد شكال من أشكال‬ ‫العنف واالضطراب السياسي في المجتمعات المعاصرة‪ ،‬وهو يشكل في الزمن‬ ‫الراهن ظاهرة ذات أبعاد خطيرة‪ ،‬تتزايد عملياتها اإلرهابية مع تزايد حصة‬ ‫الصراع بين الشمال والجنوب‪ ،‬أو بين الحضارات واإليديولوجيات والمذاهب‬ ‫المتصارعة على األرض‪ .‬وقد صنفته القواميس السياسية هو اآلخر في مفاهيم‬ ‫غامضة‪ ،‬هو ‪ :‬كل عنف‪ ،‬مرعب‪ ،‬مدبر‪ ،‬وغير مشروع‪ ،‬يقترفه فرد أو جماعة أو‬ ‫دولة‪ ،‬لتحقيق أهداف وغايات سياسية أو اقتصادية ذات بعد دولي‪ ،‬وهو تلك‬ ‫األعمال العنيفة المدبرة ألسباب سياسية أو إيديولوجية أو دينية أو إثنية‪.‬‬

‫‪-4‬‬‫تقودنا هذه اإلضاءة في مفاهيم اإلرهاب الصادرة عن مؤسسات محلية أو‬ ‫دولية رسمية‪ ،‬وغير رسمية أو عن أدباء ومفكرين وباحثين ينتمون إلى الشرق‬ ‫أو الغرب‪ ،‬إلى مضامين ال تخضع اإلرهاب إلى أية قاعدة عربية أو إسالمية‪،‬‬ ‫فهي جميعها إيديولوجية ‪ /‬سياسية ‪ /‬طائفية ‪ /‬استعمارية‪ ،‬تستخدم الخوف‬ ‫والذعر والفزع والقتل واالعتداء إلبراز مفهوم اإلرهاب‪ ،‬ولكنها ال تحدد مفهومه‬ ‫النهائي‪.‬‬ ‫وإن تتبعنا لمفاهيم اإلرهاب كما طرحتها القواميس أو كما طرحها‬ ‫المفكرون والمثقفون‪ ،‬قد يقربنا من الرؤية االنسانية للمسألة اإلرهابية‪،‬‬ ‫ولكنها تبعدنا في نفس اآلن عن أي مفهوم موحد آلفتها‪.‬‬ ‫‪ )1‬على مستوى التأصيل اللغوي لمصطلح اإلرهاب‪ ،‬ال يتجاوز هذا األخير‪،‬‬ ‫األعمال التي تزرع الخوف والرعب في النفوس‪ ،‬بغض النظر على األهداف‬ ‫المتوخاة‪ ،‬شخصية كانت أو سياسية‪.‬‬ ‫‪ )2‬وعلى مستوى الفكر األدبي والسياسي‪ ،‬يشمل مفهوم اإلرهاب معايير‬ ‫أخرى تتصل بالعنف والرعب والخوف والعدوان كيفما كانت األسباب واألهداف‬ ‫والغايات‪.‬‬ ‫‪ )3‬وعلى مستوى الفقه القانوني‪ ،‬يقع التركيز على مفاهيم العنف‪ ،‬ثم على‬ ‫الجوانب المذهبية واإليديولوجية واإلستراتيجية‪.‬‬ ‫‪ )4‬وعلى مستوى المبادرات الدولية‪ ،‬اإلرهاب يتم تعريفه باستمرار كأعمال‬ ‫إجرامية موجهة ضد دولة أو جماعة أو تنظيم‪ ،‬هدفه إثارة الفزع والرعب ضد‬ ‫مصالح أو شخصيات معينة‪.‬‬ ‫‪ )5‬وعلى المستوى الديني ‪ /‬اإلسالمي‪ ،‬فاإلرهاب وان ال نص عليه بالقرآن‬ ‫الكريم‪ ،‬فإنه بالنسبة للفقهاء هو كل جريمة تتصل بقطع السبيل وبكل فساد‬ ‫في األرض‪.‬‬ ‫‪ )6‬على المستوى السياسي «اإلرهاب» نزاع سري ومتستر أو مقنع‪ ،‬عادة‬ ‫ما يكون الطرف اإلرهابي هو سيد الموقف‪ ،‬يختار هدفه ويوجه ضربته حين ال‬ ‫يكون الخصم قادرا على الرد‪ ،‬في مكان العملية اإلرهابية أو في زمانها‪.‬‬ ‫‪ )7‬وإجماال‪ ،‬اإلرهاب وحسب كل المفاهيم المتداولة‪ ،‬ال يخضع ألية قاعدة‬ ‫قانونية أو دينية وليس له أي تعريف موحد‪ ،‬بل أنه يستمد قوته ويكتسب‬ ‫فعاليته من كونه غير مقنن وال يخضع لقواعد ثابتة متفق عليها ومعترف بها‪.‬‬ ‫وأنه االستخدام المنظم للخوف أو للعنف غير المتوقع ضد الحكومات واألفراد‬ ‫أو الجماعات‪ ،‬هدف تحقيق أهداف سياسية أو مالية أو اقتصادية وأنه نشر‬ ‫الذعر والفزع واللجوء إلى القتل واالغتيال والتوقيف التعسفي واالعتداء على‬ ‫الحريات الشخصية إلرغام األفراد على الخضوع واالستسالم والرضوخ لمطالب‬ ‫اإلرهابيين وبذلك يترك المقاومة من أجل الحق واالستقالل خارج مفاهيمه‬ ‫اإلجرامي‪.‬‬ ‫في حقيقة األمر أن التوقف عند المفاهيم التي كشفت عنها أحداث ‪11‬‬ ‫شتنبر لإلرهاب‪ ،‬تعطي االنطباع منذ الوهلة األولى‪ ،‬أن االتفاق بين الشرق‬ ‫والغرب حول هذا المصطلح‪ ،‬يكاد يكون مستحيال في الزمن الراهن‪ ،‬حيث‬ ‫تضبط أمريكا وحدها معيار اإلرهاب الذي تريده‪ ،‬أو الذي تحاربه‪ ،‬أو تسانده‪.‬‬ ‫ـــــــــــــــــــ‬

‫الهوامش ‪:‬‬ ‫(‪ )1‬انظر مقاال لسوسن األبطح ‪ /‬في الكلمة النجمة ‪ /‬جريدة الشرق االوسط ‪16‬‬ ‫اكتوبر ‪2001‬‬ ‫(‪ )2‬يحي عبد المبدي ‪ /‬مفهوم اإلرهاب بين األصل والتطبيق ‪ /‬مجلة الفرقان‬ ‫(مغربية) عدد ‪ 47‬سنة ‪ 2002‬ص‪.04‬‬ ‫(‪ )3‬راجع مداخلة محمد سيد طنطاوي (شيخ جامع األزهر‪-‬مصر) حول هذا‬ ‫الموضوع ‪ /‬جريدة رسالة االمة (مغربية)‪ 22‬دجنبر ‪.2001‬‬ ‫(‪ )4‬عبدالوي خالفة‪ /‬قراءة في مصطلح االرهاب من خالل سياقات قرآنية ‪ /‬جريدة‬ ‫التجديد(مغربية) ‪ 21‬شتنبر ‪ 2001‬ص ‪10‬‬ ‫(‪ )5‬ابو ايمن ‪ /‬العوامل المغذية لإلرهاب ‪ /‬جريدة المنعطف (مغربية) ‪ 6‬يونيو ‪.‬‬


‫الثالثـاء ‪� 22‬إلى ‪� 28‬أكـتـوبر ‪2019‬‬

‫العدد ‪1016‬‬

‫لعبة السودوكو (‪)477‬‬

‫اإلعالم من ضرورات التنمية‬ ‫المستدامة )‪(2/2‬‬

‫أصل اللعبة‬

‫لعبة السودوكو اليابانية األصل «‪ ،»SUDOKU‬كانت معروفة منذ الثمانينيات‬ ‫في اليابان‪ ،‬إال أنها لم تظهر كلعبة ذات شعبية إال سنة ‪.2005‬‬

‫معنى كلمة سودوكو‬

‫• بقلم ‪ :‬عبد القادر أحمد بن قدور *‬

‫(تتمة)‬

‫وقــد كان للقوافل المتنقلــة في الحمالت اإلعالمية الصحيــة الخاصة‬ ‫بالبوادي دور في توعيتهم بطرق الوقاية كتنبيههم إلى عدم شرب المياه‬ ‫غير الصالحة واستعمال مبيدات للحشرات‪.‬‬ ‫ودائما في خدمة المواطن المغربي تقوم التلفزة بدور مهم فيما‬ ‫يخص احترام قوانين السير وكيفية تجنب المخاطر التي تسببها وسائل‬ ‫المواصالت‪.‬‬ ‫وهكذا أصبحت وسائل اإلعالم ترافق اإلنسان المغربي في جميع‬ ‫ميادين حياته وأصبحت ترشده وتوجهه في نفس الوقت‪ .‬كل هذا يعود‬ ‫إلى التجاوب الذي أصبح يوجد بين اإلنسان واإلعالم فأصبحت تتليته قابلة‬ ‫لكل تغيير وتجديد يكون في صالحه‪ .‬وهذا ما جعل وسائل االعالم تحدث‬ ‫انقالبات جذرية في عادات وتقاليد اإلنسان المغربية‪.‬‬

‫د‪ /‬اإلعالم والعادات‪:‬‬

‫إذا كان المجتمع المغربي يالحظ عليه نوع من االنفتاح على الغرب‬ ‫وتخليه عن بعض العادات والتقاليد‪ ،‬فذلك يعود بالدرجة األولى‪ -‬إلى ما‬ ‫يقوم به اإلعالم في هذا الميدان‪ .-‬فمن خالل اطالعنا على بعض المجالت‬ ‫والصحـف‪ ‬نجـد أنهــا تستعرض نماذج كثيرة عن أنماط عيش دول أخرى‬ ‫وخاصة ما نشاهده في التلفزة التي استطاعت أن تحطم تلك العهود التي‬ ‫كانت تفصل أفراد األسرة فيما بينهم وصار الجو العام يسوده التفاهم‬ ‫واالنسجام‪.‬‬ ‫فمن خالل ما نشاهده‪ ‬يوميا على الشاشة أصبح الناس يتبينون‬ ‫طرق معيشة حديثة وسهلة في نفس الوقت وعم التغيير حتى في طرق‬ ‫االحتفاالت الخاصة داخل المجتمع المغربي‪.‬‬ ‫وإذا كان اإلعالم المغربي قد أسدى خدمات جليلة في الميدان‬ ‫االجتماعي والثقافي فيجب عليه أن يتجاوز هذا اإلطار ليشمل كذلك اإلطار‬ ‫االقتصادي والسياسي والترفيهي‪ ،‬والشك أن هذه النواحي تندرج اندراجا‬ ‫وثيقا في العملية التنموية ويجب بالتالي االهتمام بهذه النواحي الثالث‬ ‫في وقت واحد‪ ،‬وهذا ما أصبح يهتم به االعالم العالمي أكثر حاليا‪.‬‬

‫د‪ /‬عالقة اإلعالم بالميدان االقتصادي‪:‬‬

‫إذا كان التطور االقتصادي مهم ألي مجتمع ألنه يعمل على تقدمه‬ ‫وتنميته فأخص هذه النقطة الهامة بالتناول في هذا الموضوع ألن االعالم‬ ‫قد أصبح مرتبطا ارتباطا وثيقا باالقتصاد إذ أن هذا األخير يقوم باإلنتاج‬ ‫واآلخر يعرض له ويتجلى لنا ذلك من خالل اإلشهار الذي تقوم به كل من‬ ‫التلفزة والراديو والسينما‪ ،‬وهذا ما يساهم في ترويج المنتوجات وانتقالها‬ ‫السريع بين مختلف المناطق‪.‬‬ ‫فالتنمية االقتصادية معناهـــا أساسا زيادة القـوة اإلنتاجيـــة‬ ‫للمجتمع بصورة سريعة ومهمة فاإلعالم يستهدف الحث على زيادة سرعة‬ ‫وتسهيل العملية الطويلة البطيئة للتحول االجتماعي الذي تتطلبه التنمية‬ ‫االقتصادية وخاصة في حشد الموارد اإلنسانية في خدمة المجهودات‬ ‫الوطنية ذلك أن المشكلة األساسية التي يواجهها بلدنا ليست افتقاره إلى‬ ‫الموارد الطبيعية بقدر ما يفتقر إلى تطوير هذه الموارد وبطرق حديثة‪.‬‬

‫وفي الختام نؤكد أن اإلعالم يستطيع أن يخدم ويرشد ويوجه عملية‬ ‫التنمية إذا توفر له عدد من المستلزمات والظروف الموضوعية والتي‬ ‫بواسطتها يمكن تطوير وعي الناس ومعلوماتهم عن طريق التوعية‬ ‫السياسية والثقافية‪ ،‬واالعالم شأنه شأن كل المؤسسات السياسية‬ ‫والتربوية والقانونية‪ .‬ففي البلدان النامية مازال يفتقر إلى بعض‬ ‫المستلزمات والظروف الموضوعية وفي مقدمتها وجود اإلطار الفني‬ ‫المدرب والتمويل ووسائل متقدمة متكاملة‪ .‬وإن أي نقص وتقصير في أحد‬ ‫جوانبها سينعكس بدون شك على مجموع العملية‪ .‬والعالقة بين االعالم‬ ‫والتنمية لم تأت مصادفة أو اعتباطا وإنما تستند إلى أسس موضوعية‬ ‫وعلمية شاملة لإلنسان ونشاطه وحاجاته المادية والروحية‪ .‬وأي متعلم‬ ‫لدروس التنمية يعرف بأن اإلعالم أصبح واحدا من المفاتيح االستراتيجية‬ ‫للسيطرة على العالم وسالح معركة حامية بين األمم‪.‬‬ ‫إن الوضع اإلعالمي الحديـــث في المغـــرب مازال يفتقــر إلى‬ ‫اإلمكانيات المادية والبشرية مع انعدام وجود سياسة إعالمية سليمة‬ ‫وواضحة تخدم شؤون وقضايا المجتمع المغربي نظرا الرتباط هذا الميدان‬ ‫بالدعايةاألجنبية‪.‬‬ ‫وعندما نسلط األضواء على حقيقة الواقع الحالي لبلدان العالم الثالث‬ ‫بشكل عام والمغرب بوجه خاص تكاد تبرز لنا قواسم مشتركة بين هذه‬ ‫الدول من الناحية السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪.‬‬ ‫فقد ظل المستعمر جاثما على هذه البلدان فترة طويلة يستنزف‬ ‫خيراتها ويشرد أبناءها ويشوه معالم حضارتها‪ ،‬وهذا يؤكد أن التخلف‬ ‫الشامل عميق وال جذور تاريخية تظهر بصورة واضحة في حجم األمية‪ ‬‬ ‫الكبير التي نعاني منها في بالدنا‪ ،‬يضاف إلى ذلك وجود عادات وتقاليد‬ ‫ال تواكب العصر الذي نعيش فيه ألنها تشكل عائقا كبيرا وخطيرا يصعب‬ ‫معه تغيير آراء الناس وأفكارهم‪ .‬وفي هذا الصدد يقول (ولبور شرام)‪« :‬إنه‬ ‫ال يمكن أن نختار استيراد الجانب الميكانيكي للحضارة العصرية في الوقت‬ ‫الذي يحتفظ فيه بالنظم االجتماعية العتيقة»‪ .‬باإلضافة إلى هذه المشاكل‬ ‫هناك عوامل أخرى تتظافر لتعطينا وضعا إعالميا متخلفا الزال يخضع‬ ‫للتبعية في كل ميادينه فرغم طول المسافة الفاصلة بين عهد االستقالل‬ ‫وهذه الفترة نالحظ أن إعالمنا المغربي لم يصل بعد إلى مستوى اإلعالم‬ ‫في الدول المتقدمة‪ ،‬إذ بقيت هناك دائما عدة مشاكل مطروحة على‬ ‫طاولة البحث لم يستطع التغلب عليها‪ ،‬والتي نذكر من بينها النقص‬ ‫في التكنولوجيا واألطر وضعف اإلمكانيات‪ ،‬إضافة إلى عدم وجود سياسة‬ ‫إعالمية واضحة تجعل من اإلعالم عنصرا ال يخدم المجتمع المغربي‪ .‬ورغم‬ ‫كل الجهود المبذولة في سبيل إيجاد حلول مناسبة لها‪:‬‬ ‫فأملنا كبير في أن يصير إعالمنا عصريا أكثر فأكثر ومتطورا جدا‬ ‫ويؤدي الدور المنوط به داخل المجتمع المغربي ويخدم المواطنين ويقدم‬ ‫لهم كل ما هم في حاجة إليه لتوسيع أفقهم‪ ،‬وتحقيق مجتمع أفضل وتقدم‬ ‫ملموس ومطرد‪.‬‬

‫(انتهى)‬

‫ـــــــــــــــ‬

‫* األديب واإلعالمي‬ ‫والعضو الشرفي بمنظمة العفو الدولية ‪ ‬ـ فرع المغرب‬

‫عن عمر يناهز ‪ 110‬سنة‪ ،‬لبى نداء ربه المشمول بعفو اهلل المرحوم‬

‫علي بن محمد الدهدوه‬ ‫والد صديقنا األستاذ مصطفى الدهدود‪،‬‬ ‫مدير ثانوية موالي يوسف التقنية بطنجة‪.‬‬

‫بتاريــخ ‪ 06‬أكتوبر ‪ 2019‬وشيع جثمانه الطاهر في موكـب جنائزي مهيـب حضره األهل واألحباب‬ ‫والمعارف ودفن بمقبرة سيدي اعمـار‪ ،‬بعـد صـالة الظهر بمسجد محمد الخامس (إيبيريا) بطنجة‪.‬‬ ‫وبهذا المصاب الجلل‪ ،‬تتقدم أسرة جريدتة «الشمـال» بأحـر التعـازي إلى أبنـــاء الفقيـــد‪،‬‬ ‫أحمـــد وعبــــد العزيــــز ومصطفى وفاطمــة وحبيبـــة‪ ،‬راجيـة لهـم منــه تعالى الصبر والسلــوان‬ ‫وللفقيد عظيـــم األجروالغفران‪ ،‬اللهم اسقــه من حوض نبيـــك محمد صلى اهلل عليه وسلم شربة هنيئة مريئة‪ ،‬اليظمأ بعدها أبدا‪.‬‬

‫حل السودوكو‬

‫االتصال على الرقم ‪:‬‬ ‫‪0539943008‬‬

‫رقم ‪477‬‬

‫كلمة سودوكو هي اختصار للجملة اليابانية (‪)Nikagiru Sujiwa Dokushin‬‬ ‫وتعني أن األعداد البد أن تكون مفردة‪ .‬وهذه اللعبة عبارة عن عالمة تجارية لشركة‬ ‫‪.Nikol‬‬

‫كيف تلعبها ؟‬

‫اللعبة تعتمد على المنطق لدرجة كبيرة‪ ،‬وهي لوحة مقسمة إلى تسع مناطق كل‬ ‫منطقة مكونة من تسع خانات‪ ،‬وعليك أن تمأل هذه الخانات أفقيا أو عموديا بأرقام من‬ ‫‪ 1‬إلى ‪ ،9‬حيث ال تستخدم الرقم إال مرة واحدة في جميع المربعات على العمود نفسه‬ ‫أو السطر أو القطر‪ ،‬وتكون هناك أرقام موضوعة سابقا في بعض الخانات‪.‬‬

‫مفيدة لكن معقدة‬

‫اللعبة مفيـدة جدا لتقوية مهارات المنطـق‪ ،‬ويستخدمهـا مدرسو الرياضيات‬ ‫كتمارين للطلبة وتختلف درجة التعقيد‪ ،‬حسب الفئة المستهدفة‪.‬‬

‫سرعة المالحظة‬

‫بين الصورة واألصل ‪ 7‬اختالفات‪ ،‬حاول أن تهتدي إليها‪.‬‬ ‫(�صدق اهلل العظيم)‬

‫لجميع إعالناتكم‬ ‫اإلشهارية واإلدارية‬ ‫يف جريدة‬

‫‪22‬‬


‫بنهاشم ممثالً للمدربين في العصبة االحترافية‬

‫صفحة‬

‫‪23‬‬ ‫�إعداد ‪ :‬م�صطفى ال�سباعي‬

‫العدد ‪1016‬‬

‫الثالثاء ‪� 22‬إلى ‪� 28‬أكتوبر ‪2019‬‬

‫مجرد رأي ‪:‬‬

‫رسالة إلى الناخب الوطني‬ ‫خاليلوزيتش‬

‫بالنتيجة واألد اءفي بركان كسب المنتخب المغربي المحلي الر هان‪..‬‬ ‫وتأهل الى نهائيات بطولة افريقيا للمحليين ‪2020‬بالكامرون عقب فوز‬ ‫الكاسح على نظيره الجزائري بثالثية نظيفة برسم اياب الدور الفاصل‬ ‫بعدما سبق ان عاد بالتعادل من ملعب مصطفى تشاكر بالبليدة من‬ ‫دون أهداف‪.‬‬ ‫نتيجة جاءت كرد فعل على التصريحات التي سبق للناخب الوطني‬ ‫وحيد خاليلوزيتش أن أدلى بها والتي أساءت إلى الالعب المحلي وقللت‬ ‫من شأنه‪.‬‬ ‫المحليون وتحت قيادة إطار مغربي هو الحسين عموتة كذبوا ترهات‬ ‫خاليلوزيتش وبرهنوا على أن الالعب المحلي يتوفر على كل المؤهالت‬ ‫لتقديم كرة حديثة وعطاء جيد سواء في الدفاع أو الهجوم‪.‬‬

‫اختار سعيد الناصيري رئيس‬ ‫العصبة االحترافية محمد أمين‬ ‫بنهاشم ممثال للمدربين المغاربة‬ ‫عوضا عن جمال السالمي‪ ....‬وذلك في‬ ‫إطار تجديد هياكل وأفراد الجهاز‪.‬‬ ‫وكان الناصيري قد اختار أيضا‬ ‫ممثل نهضة الزمامرة الصاعد الجديد‬ ‫للدوري االحترافي عبد السالم بلقشور‬ ‫ناطقا رسميا باسم العصبة االحترافية‪.‬‬ ‫ولإلشارة فإن المدرب محمد‬ ‫أمين بنهاشم حائز على دبلوم «ألف»‬ ‫ويستعد لنيل دبلوم «كاف» برو‪.‬‬ ‫وقد سبق أن قاد اتحاد طنجة إلى‬ ‫الصعود إلى البطولة االحترافية كما‬ ‫درب نادي أولمبيك أسفي‪.‬‬

‫اتحاد طنجة والمغرب التطواني‬ ‫قد يلتقيان في الدور نصف النهائي‬

‫الحديــث في طنجـــة وتطـــوان إال عن‬ ‫مقابلتي الدور ربع النهائــي لكأس العرش‪..‬‬ ‫وإمكانية فوز ممثلي الشمال ومواجهتهمـــا‬ ‫المرتقبة في الدور نصف النهائي‪.‬‬ ‫اتحاد طنجــة سيستضيف يومه الثالئاء‬ ‫فريق حسنية أكادير في مباراة صعبة بملعب‬ ‫ابن بطوطة‪.‬‬ ‫فارس البوغــاز استغــل توقف البطولة‬ ‫و أقام معسكرا تدريبيا مغلقـا خاض خاللـه‬ ‫العديد من المباريات الودية ‪ ..‬حيث فاز على‬

‫الفتح في الرباط‪ 2-1‬وتغلب علىشباب بن‬ ‫ديبان من أندية الهواة ‪.6-1‬‬ ‫كما أجرى حصصا تدريبية مكثفة مرتين‬ ‫في اليوم حتى يكون جاهزا لمباراة اليوم أمام‬ ‫الحسنية وتحقيق نتيجة إيجابية تضمن له‬ ‫التأهل للدور قبل النهائي‪.‬‬ ‫أهمية هذه المباراة تكمن في كونها‬ ‫قد تؤدي إلى مواجهــة شمالية – شمالية‬ ‫في الدور نصــف النهائــي خاصة وأن الجار‬ ‫المغرب التطواني سيستضيف هو اآلخر غداً‬

‫المغرب التطواني يبحث‬ ‫عن مهاجمه زهير نعيم‬

‫المحليون تفهموا تصريحات خاليلوزيتش جيدا وقاموا بالرد عليها‬ ‫نتيجة وأداءاً ‪.‬‬ ‫وقدموا عرضا جيدا يليق بسمعة الكرة المغربية وبصموا على مباراة‬ ‫قوية فاق مستواها بكثير ما قام بهم منتخب الكبار في الوديات األربع‬ ‫التي خاضها مع المدرب البوسني‪.‬‬ ‫حيث جعلنا ال نتخوف على مصير أسود األطلس في تصفيات كأس‬ ‫إفريقيا القادمة وإقصائيات كأس العالم‪..‬‬ ‫إن ما قدمه المحليون في مباراة الجزائر ببركان ودفاعهم المستميت‬ ‫على لقب «الشان» الذي يوجد بحوزتهم يعتبر رسالة إلى كل من يهمهم‬ ‫األمر وفي مقدمتهم المدرب وحيد خاليلوزيتش‪.‬‬ ‫وتأكيدا على أن الالعب المحلي قادر على العطاء متى توفرت له‬ ‫الظروف المواتية‪.‬‬ ‫وإذا كان خاليلوزيتش قد قلل من النجاعة الهجومية للمحليين وعزا‬ ‫النتائج السلبية للمنتخب المغربي في الوديات األربع إلى اللياقة البدنية‬ ‫التي يفتقر إليها الالعب المحلي‪ ..‬فها هو العب الوداد اسماعيل الحداد‬ ‫يقدم أوراقه كمهاجم فوق العادة‪ ..‬يمكن االعتماد عليه مستقبال‪ ..‬وها‬ ‫هو البركاوي يؤكد من خالل تمريراته الحاسمة لزميله حميد أحداد داخل‬ ‫المربع‪ ،‬أنه صانع العاب من الدرجة األولى‪ ..‬وها هو بدر بانون وزميله‬ ‫الناهيري يؤكدان قدرتهما على تأمين الخط الدفاعي الذي ظهر مرتبكا‬ ‫خالل الوديات التي خاضها المنتخب الوطني‪.‬‬ ‫وفوق هذا وذاك على المدرب وحيد خاليلوزيتش أن يعلم أن‬ ‫الالعبين المحليين هم الذين صنعوا ملحمة كأس إفريقيا عام ‪1976‬‬ ‫بأديس أبابا دون االستعانة بأي العب محترف‪.‬‬ ‫إذن الرسالة واضحة وما على الناخب الوطنــي الذي تابع مجريــات‬ ‫اللقاء ببركان إال أن يلتقطها ويتفهم معانيها‪.‬‬

‫أكد المغرب التطواني لكرة القدم أن مهاجمه زهير نعيم‬ ‫يقاطع تداريب الفريق الذي يستعد لالستحقاقات القادمة‪.‬‬ ‫وقال الفريــق على موقعــه الرسمي أن الالعــب نعيم واصل‬ ‫غيابه دون تقديم أي عذر‪.‬‬ ‫وينتظر فريق الحمامة عودة الالعب للتداريب من أجل تقديم‬ ‫أسباب غيابه‪.‬‬ ‫وكان زهيــر نعيـم قد تعرض لالإصابة قبل نهاية الموسم‬ ‫الماضي وخضع لعملية جراحية عاد بعدها للتداريب مع بداية‬ ‫االستعداد للموسم الجديد قبل أن يغيب وتنقطع أخباره‪.‬‬

‫بال�شفاء‬ ‫والعافية‬

‫اجرى الحارس المحترف السابق التحاد طنجة واإلطار‬ ‫حسن الحاج الطيب عضو جمعية قدماء العبي اتحاد طنجة‬ ‫لكرة القدم عملية جراحية على العين اليسرى ‪.‬‬ ‫وبهذه المناسبة نتمنى له الشفاء العاجل ‪.‬‬

‫األربعاء فريق سريــع وادي زم برسم الدور ربع‬ ‫النهائي وهو أيضا يحلم بالفوز وبلوغ الدور‬ ‫قبل النهائي ولقاء الجار اتحاد طنجة في نصف‬ ‫النهائية‪.‬‬ ‫المغرب التطواني الذي يحتــل صــدارة‬ ‫الدوري االحترافي المغربي ورغم غياب بعض‬ ‫العبيه لإلصابة وفي مقدمتهم المدافع حمزة‬ ‫حجي وزهير نعيم قادر على تخطي سريع وادي‬ ‫زم بمساعدة وتشجيعات جماهيره غدا بملعب‬ ‫سانية الرمل‪.‬‬

‫المحترف تويزي تابع ودية‬ ‫المغرب ـ الغابون‪..‬‬

‫علمت الشمال أن المحترف نبيل تويزي العب نادي مانشستر يونايتد‬ ‫االإنجليزي حضر إلى طنجة وتابع ودية الثالثــاء الماضي التي جمعت‬ ‫المنتخب المغربي بنظيره الغابوني‪.‬‬ ‫تويزي عقد بالمناسبة جلسة مع مسؤولي الجامعة الملكية المغربية‬ ‫لكرة القدم لتقريب وجهات النظر حول المشروع الرياضي الذي سيجمع‬ ‫الطرفين من بوابة المنتخب‪.‬‬ ‫وقد أكدت لنا مصادر مطلعة أن تلبية الالعب نبيل تويزي لدعوة‬ ‫الجامعة تعتبر تمهيدا لدعوة رسمية للمشاركة مع أسود األطلس في‬ ‫المعسكرات القادمة بعدما اقترب الالعب من حسم مسألة تمثيله منتخب‬ ‫المغرب عوض المنتخب اإلسباني‪.‬‬ ‫وبـــات الالعب المحترف نبيل تويزي من الالعبين الذين سيعول‬ ‫عليهم الناخـب الوطني في مشروعـه مع المنتخـــب المغربي لتوسيع‬ ‫الخيارات الهجومية داخل المجموعة‪.‬‬


‫الثالثـاء ‪� 22‬إلى ‪� 28‬أكـتـوبر ‪2019‬‬

‫العدد ‪1016‬‬

‫تذكرة سفر‬

‫السلسلة الرابعة‬

‫احللقة ‪11‬‬

‫لقاءات حوارية‪ ،‬في حلقات متسلسلة‪ ،‬مع شخصيات مؤثرة في المجال العمومي المغربـي‬ ‫والعربـي واإلنساني‪ ،‬تستحضر تجربتهم في الحياة الخاصة والعامة‪ ،‬وترحل بهم عبر تذكرة‬ ‫سفر معنوية وروحية إلى الماضي والمستقبل‪.‬‬ ‫• عبد اإلله المويسي‬

‫مع األستاذ‬

‫محمد األشعري‬ ‫المحور الثالث ـ المسار السياسي ـ‬

‫يحضر األستاذ محمد األشعري‪ ،‬في مخيال القراء المغاربة والمشتغلين بالحقل السياسي والمجتمعي‬ ‫الوطني‪ ،‬بصيغة الواحد المتعدد‪ ،‬فهو اإلنسان أوال‪ ،‬وهو الشاعر والكاتب الروائي والمناضل السياسي‬ ‫والناشط الحقوقي‪ ،‬وواحد من أبرز وجوه معتقلي سنوات الرصاص‪ .‬وهو الوزير الذي انعطف بمشروع‬ ‫الثقافة الوطنية نحو أفق اتسمت فيه بتبني مفهوم الصناعة الثقافية‪ ،‬وهو الذي سبق أن شغل قبلها‬ ‫منصب رئاسة اتحاد كتاب المغرب لثالث دورات عرفت خاللها هذه المؤسسة أقوى مراحل ديناميتها‬ ‫وإنتاجيتها‪.‬‬ ‫أصبح األستاذ محمد األشعري واحدا من‬ ‫القياديين البارزين في االتحاد االشتراكي‪،‬‬ ‫وبعد أن اضطلع بمهام مفصلية في الحزب‪،‬‬ ‫ونظرا لبعض المالبسات الالحقة سيضطر‬ ‫إلى إعالن انسحابه من الحزب‪.‬‬ ‫أريد أن أعـرف معـك تفاصيل هذا‬ ‫االنسحاب وظروفه وكل ما أحاط به؟‬ ‫لقد تحدثنا إجابة عن السؤال السابق‪،‬‬ ‫عن الهزات التي ألمت باالتحاد االشتراكي‬ ‫والتي أدت به إلى ما آل إليه اليوم‪ ،‬ويهمني‬ ‫أن أستعرض األمور بنوع من الكرونولوجيا‪.‬‬ ‫لقد تأزمت األمور كثيرا بعد انتخابات‬ ‫‪ 2007‬وحصول االتحاد االشتراكي على‬ ‫المرتبة الخامسة في االنتخابات بعد أن كان‪،‬‬ ‫قبل عشر سنوات‪ ،‬قد حصل على المرتبة‬ ‫األولى وحصل كذلك على المرتبة األولى‬ ‫في انتخابات سنة ‪ ،2002‬ومما أزم األمور‬ ‫أكثر أن أجهزة الحزب والمناضلين كانوا‬ ‫قد وصلوا إلى درجة كبيرة من اإلحباط‬ ‫بسبب هذه النتائج المحصل عليها‪ ،‬ولم تتح‬ ‫لهم فرصة مناقشة التوجه السياسي الذي‬

‫يقودها حزب االستقالل‪ ،‬بل بالعكس‪ ،‬كان‬ ‫يمكن أن يكون لهذا التحالف معنى لو أننا‬ ‫توقفنا وناقشنا الوضع السياسي بوضوح‪،‬‬ ‫ووقفنا عند أخطائنا‪ ،‬وأخذنا العُدَّة إلعادة‬ ‫الحزب إلى مكانته وإلى مراكزه األساسية‬ ‫التي كان يحتلها حتى ذلك الحين‪ ،‬ولكن‬ ‫الذي كان وراء االمتعاض والتوتر الذي‬ ‫حصل بعد إعالن هذه المشاركة‪ ،‬هو أننا‬ ‫قبلنا بأشياء ودخلنا في تجربة جديدة‬ ‫ومكرورة في نفس اآلن دون أن ننتبه إلى‬ ‫أن التآكل االنتخابي‪ ،‬الذي أصبح يالحقنا‪ ،‬هو‬ ‫من الخطورة بمكان‪ ،‬ألن فيه إشارة واضحة‬ ‫إلى أننا قد أخطأنا الطريق‪ ،‬وربما ارتكبنا‬ ‫أخطاء يجب أن نتوقف عندها ألن الناخب‬ ‫يعاقبنا في سنة ‪ِ 2007‬بدَ ْفعِنا إلى المرتبة‬ ‫الخامسة‪ ،‬ويجب ألاّ نبقى سجناء في «إلقاء‬ ‫اللوم على اآلخرين»‪ ،‬يجب أن نتوجه إلى‬ ‫هذا العطب بكثير من الوضوح وكثير من‬ ‫الصراحة والصدق لنجيب على ‪ :‬ماذا حدث‬ ‫؟ لماذا تتقهقر شعبية االتحاد االشتراكي ؟‬ ‫لماذا لم تعد لنا مع الناخبين عالقة متينة‬ ‫وقوية وعالقة ثقة ومصداقية؟ عوض أن‬

‫سيتخذه الحزب بعد هذه النتائج‪ .‬شخصيا‪،‬‬ ‫كنت طالبت وقتها بأن نعقد مؤتمرا‬ ‫استثنائيا في الحزب لنناقش األوضاع التي‬ ‫أدت إلى تلك النتائج‪ ،‬ولنستخلص الدروس‬ ‫بالنسبة للمستقبل‪ ،‬لكن‪ ،‬لألسف الشديد‪،‬‬ ‫فإن هذا المطلب لم يُسْتَمَعْ إليه‪،‬‬ ‫بنوع من الحسم‪،‬‬ ‫وعَوَضَ مواجهة األمور ٍ‬ ‫وبنوع من الصرامة‪ ،‬فقد قاد الكاتب األول‬ ‫ٍ‬ ‫آنذاك األستاذ محمد اليازغي ونائبه األستاذ‬ ‫عبد الواحد الراضي باألساس المفاوضات‬ ‫التي أدت فيما بعد إلى إشراك الحزب في‬ ‫حكومة عباس الفاسي‪ ،‬ومن الواضح أن‬ ‫َّ‬ ‫مَحَط إجماع‪ ،‬بل‬ ‫هذه المشاركة لم تكن‬ ‫لم تكن محط موافقة داخل الحزب‪ ،‬ليس‬ ‫ألن هناك موقفا من المشاركة في حكومة‬

‫نتوقف عند هذه األسئلة ونحاول اإلجابة‬ ‫عنها‪ ،‬دخلنا في تجربة حكومية جديدة مع‬ ‫حكومة عباس الفاسي‪ ،‬وكأن شيئا لم يكن‪،‬‬ ‫فالذين كانوا يجادلون في هذه المشاركة‪،‬‬ ‫في الواقع‪ ،‬حتى ال تُفهم خطأً‪ ،‬لم يكونوا‬ ‫يجادلون فيها بسبب رفضٍّ مَبْدَئيٍّ‬ ‫للدخول تحت مظلة حزب االستقالل في‬ ‫حكومة التناوب الجديدة‪ ،‬العكس من ذلك‪،‬‬ ‫فقد كانت عالقات تعاون وتقدير متبادلة‬ ‫بين الحزبين وكان من الممكن أن تستمر‬ ‫في أحسن حال‪ ،‬لكن المجادلة كانت في أننا‬ ‫نغمض أعيننا ونستمر في نفس الطريق‬ ‫التي سلكناها من قبل وكأن شيئا لم يحصل‪،‬‬ ‫وكأننا لم نتلق إنذارا قويا وخطيرا من قبل‬ ‫المواطن المغربي ومن قبل الناخبين‪.‬‬

‫كانــت هناك مقاربتـان في مواجهة‬ ‫هذه األزمة‪ ،‬المقاربة التي دعوت إليها أنا‬ ‫ومجموعة من اإلخوة (أساسا علي بوعبيد‬ ‫والعربي عجول)‪ ،‬وإطالق نقاش عميق حول‬ ‫منهجية التوافق التي بدا لنا انها استنفذت‪،‬‬ ‫وحول ضرورة العودة إلى التمايز الفكري‬ ‫والسياسي للخروج من النفق الذي دخلنا‬ ‫فيه‪ ،‬والذي جعل المواطنين يعتبرون‬ ‫األحزاب كلها عملة واحدة‪ ،‬وهي المقاربة‬ ‫التي لم يُسْتَمَعْ إليها مع األسف‪ ،‬وكانت‬ ‫هناك مقاربة أخرى اتخذت صفة مبادرة‬ ‫لمجموعة من أعضاء المكتب السياسي‪ ،‬لم‬ ‫أكن بينهم‪ ،‬اجتمعوا وقرروا إقالة الكاتب‬ ‫األول األستاذ محمد اليازغي وإقالة نائب‬ ‫الكاتب األول األستاذ عبد الواحد الراضي‪،‬‬ ‫وهذا التكتل داخل المكتب السياسي‪،‬‬ ‫الذي اتخذ هذه المبادرة‪ ،‬حضرَ بيانا إلقالة‬ ‫األخوين القياديين‪ ،‬وجئنا إلى اجتماع‬ ‫المكتب السياسي‪ ،‬وكنا في وضع مأزوم‬ ‫جدا ومتوتر جدا‪ ،‬ألن المجموعة التي هيأت‬ ‫إقالة الكاتب األول ونائبه‪ ،‬كانت تُصِرُّ على‬ ‫إصدار بيان اإلقالة خالل هذا االجتماع‪ ،‬وقد‬ ‫تَصَدّيْتُ شخصيا لهذه المبادرة‪ ،‬على‬ ‫اعتبار أنها ال تتالءم إطالقا مع التقاليد‬ ‫الديموقراطية التي يفترض أن تسود في‬ ‫صفوفنا‪ ،‬فاألمر يكاد يشبه نسخة باهتة‬ ‫من « انقالب بعثي»‪ .‬وكان هناك نقاش‬ ‫طويل‪ ،‬اقترحت‪َ ،‬ك ٍّ‬ ‫حَل وسط‪ ،‬ألاّ يكون‬ ‫هناك «بيان إقالة» للقائدين الحزبيين‪،‬‬ ‫بل أن يتقدما باستقالة للمكتب السياسي‪،‬‬ ‫نظرا لألزمة التي وقع فيها االتحاد بعد‬ ‫تلك النتائج االنتخابية وبعد تلك المشاركة‬ ‫في الحكومة‪ .‬وبعد جدال طويل ا ْقتَنَع‬ ‫َ‬ ‫األخَوان بضرورة تقديم هذه االستقالة‬ ‫للخروج من المأزق وللشروع في التحضير‬ ‫للمؤتمر بطريقة تُعيد للمناضلين نوعا‬ ‫من األمل في تجاوز االنحسار الذي سقطنا‬ ‫فيه‪ .‬ولقد قمت شخصيا بتحرير االستقالتين‬ ‫وحَ ِرصْت على أن تُ َقدّمَ كاستقالة‪ ،‬وليس‬ ‫كإقالة من المكتب السياسي‪ ،‬وسنتفرغ‬ ‫لذلك المؤتمر‪ ،‬وبدأت اللجنة التحضيرية‬ ‫تُحَضِّرُ النعقاد المؤتمر‪ ،‬واألستاذ عبد‬ ‫الواحد الراضي وَ ْقتَها مشارك في حكومة‬ ‫عباس الفاسي كوزير للعدل‪ ،‬بعد أن كان‬ ‫في بداية المشاورات يُدافع أو يَأمَل في‬ ‫أن يستمر رئيسا لمجلس النواب‪ ،‬أي رئيسا‬ ‫لألغلبية‪ ،‬وبما أن التوافق لم يتم حوله‬ ‫كرئيس لألغلبية داخل البرلمان‪ ،‬فقد تم‬ ‫تعويض ذلك بوزارة ذات نوع من األهمية‪،‬‬ ‫خصوصا وأنها مرتبطة بمطالب كبيرة‬ ‫إلصالح القضاء‪ ،‬ولذلك فقد تم التحضير‬ ‫للمؤتمر في هذا المناخ‪ .‬ومحمد اليازغي‪،‬‬ ‫بعد تقديم استقالته‪ ،‬ابتعد فعال بطريقة‬ ‫طبيعية‪ ،‬ابتعد عن المشاركة في العمل‬

‫األخيرة‬

‫القيادي الحزبي‪ ،‬أما عبد الواحد الراضي‪،‬‬ ‫فقد دأب على حضور بعض االجتماعات‬ ‫التنظيمية وخصوصا االجتماعات التي كانت‬ ‫تعقد لتحضير المؤتمر‪.‬‬ ‫كانت هناك تجاذبات أثناء التحضير‪،‬‬ ‫وكانت هناك مشاكل‪ ،‬وكان واضحا أنه ليس‬ ‫هناك توجه حقيقي لمعالجة االنحسار الذي‬ ‫وصلنا إليه بطريقة منهجية وديموقراطية‬ ‫ومرتبطة بقيم االتحاد وبقيم اليسار الذي‬ ‫ندافع عنه‪ ،‬ومع ذلك فقد ساهمت قدر‬ ‫ما استطعت بطريقة فعالة في تحضير‬ ‫المؤتمر‪ ،‬وبطبيعة الحال‪ ،‬فقد استمر الحزب‬ ‫في مسطرة تَعَدُّد الترشيحات للكتابة‬ ‫األولى‪ ،‬وهنا بدأت تظهر ترشيحات كثيرة‬ ‫ومتضاربة‪ ،‬ومن بينها ترشيح األستاذ عبد‬ ‫الواحد الراضي التي لم يمضي سوى وقت‬ ‫قصير على «استقالته»‪ .‬وعندما اقترب‬

‫يعلمونها جميعــا‪ ،‬كان هنــاك نوع من‬ ‫التحضير للقطيعة‪ ،‬بحيث أغلب المنافسين‬ ‫لعبد الواحد الراضي قرروا أال يشاركوا في‬ ‫قيادة الحزب‪ ،‬على اعتبار أن الكاتب األول‬ ‫الجديد يجب أن يشكل فريقه‪ ،‬وليس من‬ ‫الضرورة‪ ،‬بل ليس مطلوبا على اإلطالق‬ ‫في كل مرة‪ ،‬أن نتصارع ونختلف‪ ،‬وعندما‬ ‫نصل إلى القيادة نضع فيها المتفقين‬ ‫والمختلفين مع بعض‪ ،‬بدعوى الحفاظ على‬ ‫وحدة الحزب‪ .‬مع ذلك فرغم أني من الناحية‬ ‫المبدئية‪ ،‬أو من الناحية النظرية‪ ،‬مقتنع‬ ‫بهذه الفكرة‪ ،‬إال أنني في ذلك الوقت‪ ،‬من‬ ‫الناحية العملية‪ ،‬اعتبرت أن إفراغ القيادة‬ ‫من عدد من المناضلين األساسيين في‬ ‫الحزب ومن القياديين الذين لهم تجربة‬ ‫وخبرة وعمل طويل في المجال الحزبي‬ ‫والسياسي‪ ،‬إفراغ القيادة من هذه الكفاءات‪،‬‬ ‫ربما سيزيد في أزمة الحزب وسيجعله تحت‬

‫َ‬ ‫ضغط كثيرٌ من مناصري عبد‬ ‫المؤتمر‪،‬‬ ‫الواحد الراضي‪ ،‬ضغطوا عليه‪ ،‬لكي ينسحب‬ ‫من الحكومة إذا كان يريد أن يتولى قيادة‬ ‫االتحاد االشتراكي‪ ،‬وقد خضع لهذا الضغط‬ ‫وأعلن أمام المؤتمرين أنه في حالة انتخابه‬ ‫كاتبا أول فإنه سينسحب من الحكومة‬ ‫ويتفرغ لقيادة الحزب‪ ،‬وكان هذا الوَعْد‬ ‫في قلب «برنامج انتخابي» الذي دافع عنه‬ ‫أمام المؤتمر‪ ،‬فقد تقدم بهذا االلتزام مقابل‬ ‫حصوله على أصوات المؤتمرين‪ .‬فهذا‬ ‫مرشح للكتابة األولى‪ ،‬يبدأ أوال وقبل كل‬ ‫شيء بإعالن تفرغه الكامل للعمل الحزبي‬ ‫وانسحابه من العمل الحكومي لكن بعد‬ ‫مرحلة المؤتمر أتذكر أن فوز عبد الواحد‬ ‫الراضي‪ ،‬في الظروف التي صار االتحاديون‬

‫قيادة عبد الواحد الراضي أكثــر عرضـة‬ ‫للتصدع‪ ،‬وسيجعله يستكين بصفة دائمة‬ ‫ومستمرة‪ ،‬في الدور التوافقي المعروف‬ ‫والذي استمر منذ حكومة التناوب دونما‬ ‫توجه إلى تحريك النقد وتجديد المشروع‬ ‫االتحادي وما إلى ذلك‪ .‬لذلك كنت أنا من‬ ‫سعى إلى إقناع فتح اهلل ولعلو وطلبت منه‬ ‫أن ال نترك الحزب كامال بين أيدي الذين‬ ‫ال نعتبرهم قادرين على إعادته إلى دوره‬ ‫التاريخي‪ .‬بل وإلى إقناع لشكر نفسه‪،‬‬ ‫ألني ذهبت إليه في بيته‪ ،‬وكان رافضا أن‬ ‫يلتحق بالقيادة الجديدة‪ ،‬وطلبت منهم‬ ‫جميعا أن يحافظوا على استمرارية العمل‬ ‫داخل الحزب‪ ،‬وأن نطوي صفحة التنافس‬ ‫والصراع الذي ساد قبل المؤتمر‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.