محمد األشعري
ضيف سلسلة «تذكرة سفر»
الحلقة
11
لقد تأزمت األمور كثيرا بعد انتخابات 2007وحصول االتحاد االشتراكي على المرتبة الخامسة في االنتخابات بعد أن كان ،قبل عشر سنوات ،قد حصل على المرتبة األولى وحصل كذلك على المرتبة األولى في انتخابات سنة ،2002ومما أزم األمور أكثر أن أجهزة الحزب والمناضلين كانوا قد وصلوا إلى درجة كبيرة من اإلحباط بسبب هذه النتائج المحصل عليها ،ولم تتح لهم فرصة مناقشة التوجه السياسي الذي سيتخذه الحزب بعد هذه النتائج.
القطاع المصرفي والشباب
هل نتوفر على «أبناك مواطنة» ؟
الصفحة 24
حوار
صفحة 8
السياسي والثقافي في تجربة
الفنانة الكبيرة
إعالم جهوي متقدم
أمل عبد القادر
صفحة 4
املدير امل�س�ؤول :عبد احلق بخات ـ الهاتف 05.39.94.30.08 :ـ الفاك�س 05.39.94.57.09 :
?
العـدد 1016ـ الثمن 4دراهم ـ الثـالثـاء � 23صـفـر � 22 / 1441إلى � 28أكـتوبـر 2019
عبد الحميد البجوقي الصفحة 9
متى سيعقد اتحاد كتاب المغرب مؤتمره
كلمة الشمال عبد اإلله المويسي
فشل اتحاد كتاب المغرب في عقد مؤتمره التاسع عشر الذي كان من المنتظر أن تجري أطواره أيام 22و 23يونيو بمدينة طنجة .فشل ألسباب وخلفيات اختلفت وجهات النظر بخصوصها .ونتيجة لذلك انبثقت لجنة تحضيرية سميت بـ «لجنة طنجة» أوكل إليها مهمة اإلعداد لمؤتمر استثنائي في مدة قد تمتد لشهرين أو ثالثة أشهر على أبعد تقدير. غير أن مفاجأة استقالة الرئيس السابق ،فيما يبدو ،قد أربكت األجندة المتفق عليها بطنجة ،واستدعت اجتماعات أخرى طارئة عقدت بالرباط، وتمخضت عنها لجنة تحضيرية أخرى سميت بـ «اللجنة الموسعة» ،وشهدت حضور شخصيات بارزة في المشهد الثقافي المغربي ،من بينها رؤساء سابقين لالتحاد ،منهم محمد برادة ومحمد األشعري وحسن نجمي ،وأسفرت هذه االجتماعات عن إسناد رئاسة اللجنة التحضيرية الموسعة إلى األستاذ مصطفى القباج. وتفرعت عن «اللجنة الموسعة» لجن صغرى ،منها من أوكل إليها مراجعة الترسانة القانونية لالتحاد ،ومنها من باشرت االتصاالت لتوفير الشق اللوجيستيكي المتعلق باإلعداد المادي للمؤتمر االستثنائي ،على أساس أن يعقد خالل األسبوعين المواليين النتهاء رمضان ،بعدها ،أرجئ التاريخ مرة ثالثة إلى بداية شتنبر. ومن وقتها واألخبار تتضارب في شأن تاريخ انعقاد هذه الدورة االستثنائية ،وربما في شأن المفاوضات السرية التي بدا أنها شرعت تأخذ طابع «الكولسة» ،وربما ،طابع االتجاه نحو إبرام كل التحالفات الممكنة القتراح تاريخ بعينه للمؤتمر ،أو أسماء بعينها قد تُرشح استباقيا لرئاسة االتحاد، بعيدا عن كل اآلليات الديموقراطية المفترضة ،والتي قد تعطي للمؤتمر مصداقيته وجدواه القانونيين. وبدل الذهاب بكل وضوح نحو دمقرطة االنتقال إلى المؤتمر ،ها نحن نشهد التفافا غامضا حول مستقبل «اتحاد كتاب المغرب». كثيرون يتساءلون اليوم حول اآلليات الممكنة للذهاب إلى المؤتمر .منهم من يغلب اآللية الثقافية ،ومنهم من يرجح اآللية القضائية.
جريدة يوميـة جهـوية وطنية ت�صدر م� ً ؤقتـا كـل �أ�سبـوع • الإدارة ،التحريـر ،الإ�شهـار 7 :مكرر ،زنقة عمر بن عبد العزيـز • الربيد الإلكـرتونـي info@achamal.ma :ـ املوقع الإلكرتوين www.achamal.ma :
العدد 1016
قطرات مداد ُ • محمد إمغران
األمن نعمة
األمن نعمة اليشعر بقيمتها إال من افتقدها، كما قالت الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي في كلمتها بمقر جمعية «حضانة طنجة» بحي مرشان ،عندما حلت بمدينة طنجة ،منذ بضع سنوات في زيارة عمل خيري.ربما قالت ذلك ألنها استحضرت ذكريات مؤلمة وقصصا من حياتها التي عاشتها بلبنان، أيام الحرب األهلية ،كما تذكرت ،بال شك ،ما تعرفه منطقة الشـــرق األوسط ،حيـث الالأمن و»بنادم كياكل بعضو». واألمن ،بطبيعة الحال ،يعتبر صمام األمان بالنسبة للحركة التجارية واالقتصادية والسياحية وللحالة النفسية للمواطنين وغير ذلك من المجاالت التي تنضبط وتتطور وتتنج في حالة استتباب األمن، فيكون لها دور هام في الدفع ببالدنا قدما نحو محطات االنتعاش واالزدهارعلى أكثر من مستوى. هذه األمورال شك قد يتقاسمها معنا الرأي العام ويشاطرنا فيها كل حسب تجربته ،وخاصة المواطن الذي كان ضحية سرقة استهدفت دراجته النارية بطنجة ،منذ بضعة أيام ،بعدما اعترض سبيله أربعة أشخاص كانوا على متن سيارة ثم انتزعوها منه، تحت التهديد بالسالح األبيض ،وتركوه ينظر في ذهول كأن األمريتعلق بزمن السيبة ،وربما قال في نفسه ،بنوع من الحرقة »:ضاعت دراجتي النارية إلى األبد» ويعلم اهلل ماذا كانت تمثل له هذه الدراجة النارية التي تعتبر عند البعض بمثابـة األيـدي واألرجــل المستعملــة في عملهم وحياتهم. الضحية اكتفـى ،كأيها النــاس ،بإشعار قاعة القيادة والتنسيق بوالية أمن طنجة بالواقعة ،وهو محبط وغير متفائل بخصوص نتائج هذا اإلشعار، قبل التنسيق بين قاعــة القيــادة والمجموعات المتنقلة لشرطة النجدة وعناصراألبحاث والتدخالت التابعة للشرطة القضائية التي أوقفت وفي وقت قياسي المشتبه فيهم الثالثة الذين كانوا على متن سيارة يستعملونها في عمليات السرقة ،بينما رابعهم سجل في حالة فرار. وبعد تنقيط المشتبه فيهم تبين أن اثنين منهم موضوع مذكرة بحث على الصعيد الوطني، بتهم السرقة واعتراض السبيل واالختطاف والحجز، وبعد عملية البحث والتفتيش ضبطت معهم دراجة نارية أخرى كانوا انتزعوها من صاحبها ،تحت التهديد بالسالح األبيض ،بمنطقة اجزناية .وتم وضع الموقوفين رهن الحراسة النظرية لتعميق البحث ،تحت إشراف النيابة العامة. الحظوا كيف أن صيدا ثمينا تحقق ،وتصوروا لوكان الجناة الزالوا طلقاء في الجنان ،لكان المزيد من الضرع والزرع في خبركان.ولوال األمن لما كان لهذا الصيد الثمين وغيره أن يتحقق ،ولما عادت الدراجتان الناريتان لصاحبيهما ،بعد يأس وفقدان أمل في استرجاعهما. هذا ،إذن ،هو األمـن الحقيقي والمنشود الذي يتدخل بأسرع وقت ،ويقدم بتفان خدمات لطالبيها ويوقف الجناة ويحمي المواطنيــن ،كما يرجع لهم أغراضهم ومحافظهـم ودراجاتهـم النارية وباقي أمتعتهم المسروقــة ،وليس األمن الذي يضم في صفوفه عناصريجب إرسالها من جديد إلعادة التربية والتكوين بالمعهد الملكي للشرطــة بالقنيطـــرة أوالتشطيب عليها إلى األبد.
2
الثالثـاء � 22إلى � 28أكـتـوبر 2019
يومية جهوية وطنية ت�صدر م� ًؤقتا كل �أ�سبوع
املوقع الإلكرتوين :
فلسفة أمنية جديدة» ؟
www.achamal.com ت�صدر عن مطبعة جريدة طنجة المدير المسؤول :
عبد احلــق بخــات رئيس التحرير :
محمد العطالتي
عبد الإلـه املـوي�سـي
atlati.mohammed@gmail.com
بعد استقالل المغرب سنة 1956عن اإلدارة الفرنسية المباشــرة ،اتجــه البلد بخطوات نحو بنـــاء مؤسساتــه اإلدارية والتنظيمية المستقلة ،وكان أمرا طبيعيا أن يشرع في البداية بإيجاد جهاز أمني يعبر عن إرادة السلطة السياسية القائمة في ضبط المملكة من الناحية األمنية بإعتباره وظيفة من وظائف الدولة كشخص معنوي عام.و هكذا تم اإلعالن ،منتصف شهر ماي من عام ،1956عن تأسيس جهاز» األمن الوطني» ألول مرة في تاريخ المغرب ،واعتبارا لكون البلد كان حديث االستقالل في تلك الفترة، فقد تم االعتماد في تشكيل الوحدات األمنية األولى على عناصر مغربية لها سابق تجربة خالل فترة الحماية الفرنسية وأخرى التحقت بالجهاز للمرة األولى مباشرة بعد التأسيس. وقد عملت الشرطة المغربية بعد إحداثها على اإلجابة عن األسئلة األساسية المتعلقة بتأمين الحماية الداخلية للبلد والعمل على تثبيت األمن واالستقرار في أرجاء المملكة، لكن مع تعقد الوضع السياسي خالل فترات معينة من تاريخ المغرب وظهور قوى سياسية تسعى للحصول على السلطة ،جرى ،ولو كان ذلك بشكل غير معلن ،إقحام «فلسفة القمع» داخل بنية جهاز األمن الوطني بصورة جعلت أفراد األمن ،برتبهم المختلفة، يعتقدون أنهم مصدر القانون وأن القانون يحميهم من المالحقة ،وكانت «فلسفة»، رغم اعتبارها فاسدة من الناحية النظرية، فإنها كانت فعالة للغاية في حفظ األمن حسب المفهوم الذي جرت بلورته تأسيسا على كون الدولة يجب تكون صارمة وعلى أن رجل الشرطة هو عنوان هذه الصرامة. لقد كانت السياسة الداخلية للمغرب، في واقع األمر ،موجهة باألساس لقمع القوى المعارضة للنظام ،سواء تعلق األمر بقوى تتبنى العنف أو بقوى أخرى كانت الدولة تعتبرها «معادية» ،وهو يمكن اعتباره سببا رئيسيا في سيادة عالقة غير رضائية بين الشرطة الوطنية وعموم المواطنين وأنتج الحقا ما كشفت عنه وثائق هيئة اإلنصاف والمصالحة من تجاوزات وانتهاكات جرى التعبير عنها من خالل عبارة موجزة تتحدث عن «سنوات الرصاص».
بعد مرور أزيد من ستيــن عاما على تأسيس جهاز األمن الوطني ،يبدو للمالحظ المحايد حجم التغييرات التي طرأت على منهجية عمل الشرطة وممارسة مهامها في العالقة مع «موضوع» األمن الرئيس أي المواطن ،حيث صار بإمكان الواحد أن يرصد تلك التحوالت التي طبعت ثقافة المؤسسة األمنية ،إذ تمكن الجهاز من تصحيح رؤيته لألمن وأصبح ينتج جيال جديدا من رجال الشرطة هدفهم تحقيق وحفظ األمن مع تجنب الوقوع في اإلخالل بحقوق األفراد والجماعات .ويبدو أن هذا التحول «البنيوي» انعكس إيجابا على سلوك الشرطي ،إذ أصبح يحضى بالود واالحترام بدل الخشية وعدم الرضا ،وهو ما جعل منه تحوال نوعيا وحقيقيا على مستويات األداء والمقاربة. بعد عقود وسنوات من حالة التجافي والقطيعة التي سادت العالقة بين المواطن المغربي ورجل الشرطة ،انتقلت هذه العالقة إلى مستوى آخر ال عالقة له بالسابق ،فقد اشتغلت إدارة األمن الوطني ،وفق سياسة محمودة ،على تبني روح االنفتاح على العموم والتواصل معه بدل االنقطاع عنه ،إذ جندت إمكانياتها لالنخـراط في سياسة «األبواب المفتوحــة» وخــالل هــذه «األبواب» التي ِّ نُظمَت دورتُها الثالثة مؤخرا بمدينة طنجة، بعد مدن كالدار البيضاء ومراكش ،تضاعفت أعداد الزوار بشكل الفت ،وتمكنوا ألول مرة من التواصل المباشر مع مختلف الوحدات األمنيــة واالطــالع على أساليــب عملها، والمفرح في ذلك أنه تم في ضيافة لم تكن معهودة في السابق ،حيث تعرف المواطن الزائر على األدوار الكبرى التي يضطلع به األمن الوطني ،بإعتباره الراعي األول لسالمة المواطن ،ما مكنه من تصحيح زاوية النظر بشكل يسمح له بإنتاج رؤية جديدة عن عمل أجهزة الشرطة وصياغة مفهوم متجدد ألدوار األمن الحقيقية وضرورة نسج عالقة تكامل ال تَضادّ .وهو ما يمكن اعتباره، موضوعيا ،تأسيسا فعليا ونظريا لـــــ»فلسفة أمنية جديدة».
هيئة التحرير :
عبد اللطيف �شهبون زبيـدة الورياغلـي �أ�سامـة الزكــاري ر�ضوان احدادو هدى املجاطـي محمد العطـالتي محمد �إمغــران محمد �سـدحــي عبد احلـي مفتـاح م�صطفى ال�سباعي اإلدارة واإلشهار والعالقات العامة :
محمد طارق بخات اإلخراج والتصفيف:
«جريدة ال�شمال» عنوان التحرير والمراسالت والتسويق واإلشهار :
7مـكـــرر ،زنقـة عمــر بــن عبد العزيز ـ طنجــة ـ الهاتــف : 05.39.94.30.08 06.22.45.30.67 الفاكــ�س :
05.39.94.57.09 الربيد الإلكرتوين :
info@achamal.com achamal2000 @gmail.com سحب من هذا العدد :
� 10آالف ن�سخــة التوزيع:
�سبـريــ�س Sapress الإيداع القانوين99/10 : ر.د.م.ك:
I.S.S.N : 1114-1832
الثالثـاء � 22إلى � 28أكـتـوبر 2019
العدد 1016
درد
شة
م�صطفى حجاج
دردشة احتفا ًء بالذكرى المائوية لتأسيس مدرسة الصنائع والفنون الوطنية ،نظمت إدارة المؤسسة، عشية الخميس 10أكتوبر ،2019ندوة في موضوع« :دور الحاج عبد السالم بنونة في تأسيس دار الصنعة» شارك فيها األساتذة األجالء :السفير السيد أبو بكر بنونة ،والباحثة السيدة حسناء داود، والفنان التشكيلي السيد بوزيد بوعبيد .وقد ركزت جميعُ العروض على أهمية هذه المؤسسة، ودورها الكبير في المحافظة على العديد من الحرف التي كانت مهددة باالندثار ،وتكوين أجيال من الشبان والشابات. كما أبرزت الدور الذي قام به المرحوم الحاج عبد السالم بنونة ،في تأسيس هذه المعلمة الفنية والتراثية ،والبصمات التي كانت له في الحياة العامة للمواطن التطواني ثقافياً وتعليمياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. الندوة تحدثت أيضاً عن مسيرة المدرسة ،وعن فترة ُّ تألقها وازدهارها في عهد الفنان الغرناطي الراحل ماريانو ببرتوشي ،وعن أسرار هذا التألق والتوهج. كما تطرقت لمجال الفنون التراثية والمعمار بمدينة تطوان ،منذ عهد سيدي علي المنظري، وما شهدتْه من تطور ونضوج. وتحدث المشاركون كذلك ،عن واقع المدرسة ،واجتهاداتها الحالية ،وآفاقها المستقبلية، والتحديات التي تنتظرها الستمرار أداء رسالتها بجدارة واقتدار. مدير المدرسة ،األستاذ أنس الصردو ،استغل تواجد المدير اإلقليمي لوزارة الثقافة بتطوان، بالقاعة ،فالتمس من سيادته إبالغ المسؤولين باإلدارة المركزية ،بالخصاص الذي تشكو منه المؤسسة ،على مستوى الموارد البشرية ،والموارد المالية. نفس التخوف أبداه بعض الحاضرين ،خصوصاً وأن دار الصنعة توشك أن تُبدّل جلدها، وتتخلى عن مديرها ،لبلوغه سن التقاعد. الحضور كان متميزاً ،والجلسة كانت حميمية ،والمدعوُّون كانوا عبارة عن أسرة ،التأم شملها، إلطفاء الشمعة المائة ،لهذه المؤسسة العتيدة. تحية شُكر وامتنان ،وتقدير واحترام ،لمدير المدرسة ،األخ أنس الصردو ،والطاقم المحيط به، على الجهود المبذولة ،من أجل استمرار هذه المعلمة ،والتفكير الجاد في كيفية دخولها – سالمة آمنة – إلى المائة الثانية.
ظالل الكتب... -
في رحلة اإلنسان نحو فهم نفسه و ماحوله والماورئيات، كانت الكتابة والكتاب األداة واإلناء األقدرين على حمل هذه الرحلة المدهشة إلى ما النهاية ،ولم تكن رحلة الكتاب نفسه سهلة على مر العصور؛ فقد تعرض في مقامه أو ترحاله للحرق و التآكل و الضياع والنسيان ،وللنسخ والتحريف واالنتحال... و قد استطاعت كتب كثيــرة ،رغم كل شيء ،أن تفلـت بجلدها أو تقاوم عوادي الزمن وأن تنجو بأعجوبة لتتناقلها األيادي األمينة حتى وجدت لها مكانا ظليال في هذا العالم الحابل بالصراعات المذهبية والفكرية واألحقاد الهوياتية والشخصية ،والتناقضات بين إرادة المحو و البقاء. وفي مسيرتها نحو تسلق مدارج الحضــارة والتمــدن اهتدت الدول قديما وحديثا إلى إنشاء المكتبات اعترافا بقيمة الكتاب كحامل للعلم و المعرفة ،للتجارب واألفكار ،للهواجس واألحالم ،وفتحا ألشرعة النور أمام اإلنسان ليرشف من رحيق أسالفه ويمتلك الوعي الضروري ليكمل العقل البشري مساره في فك المجهول ،وحفظا للكتاب كجسر منيع بين الحاضر والماضي والمستقبل. وظلت الكتب قبل ظهور الطباعة ثم الرقمنة ،تعاني من آفات النقصان والبتر ،والتشابه والخلط ،واالستشكال والغموض ،والتعدد والتشتت ،...و أمام هذا الوضع اإلشكالي،
3
عبد الحي مفتاح
ومن أجل إعادة الحياة للعديد من الكتب ومحاولة استعادة ماكانت عليه ،شكال ومحتوى ،عندما خطها كتابها بعصارة دمهم واحتراق أعصابهم تحت ضوء الشمس أو فتيل مصباح أو شمعة ،تجندت جامعات ونذر علماء وفقهاء ولغويون وفقهاء لغة أنفسهم لهذا األمر الجلل الذي يشبه عمل النمل بما يحتاجه من صبر ،وما يتطلبه من حفر وتنقيب ،و مقارنة وتركيب ،وبديهة وفطنة ،وتبحر فيما هو مخطوط و تحليق فيما هو مطبوع أو مرقون. على هدي شيوخ علم التحقيق سار تالميذ في مشارق األرض ومغاربهــا ،ومازالت رحلة تعقب الشــوارد والنوادر، أسماء األشخاص واألماكن ،الحركات والسكنات ،الروي والقافية ،الحرف والكلمة ،الجملة والفقرة ،النسخة من الكتاب واألخرى ،...مستمرة تغري من أبهرهم كبرياء المكتوب في صناعة التاريخ والحضارة لألمم... وأنا أكتب هذه الشـــذرات المتواضعة ،أستحضر مسار أخوة وصداقة مع أخي العزيز الدكتور محمد مفتاح الخمسي الشفشاوني ،شفاه اهلل وخفف آالمه ،الذي عشق الكتاب القديم والتحقيق واألندلس حتى سكنته جنة العريف روحيا ورمزيا، نسأل اهلل أن يبقى قبس من إشعاعه يظل بنوره تالميذه، وأن ينبت ما زرعه نباتا طيبا في هذه األرض الطيبة التي نحبها جميعا ،وأن تكون ذكراه شذى محبة وعرفان وصفاء,
المرحوم محمد الميموني : استعادات2/1 .. عبد اللطيف �شهبون
abdelchahboun@hotmail.com
1ـ في مساءات ربيع وصيف الشاون كنت أراه صحبة بعض مثقفي المدينة مطلع ستينيات القرن الماضي ،كانوا يتجولون في شارع رئيس مفض الى حديقة «الخصة» أو يجلسون في مقهى مقابل لها..لم أكن أعلم وقتئذ ـ أن المرحوم محمد الميموني ورفاقه من شبيبة الشورى واالستقالل ..وظل المرحوم وفيا لقيم التقدم بعد التحاقه باالتحاد يوم كان له «مشروع» منحازا إلى صف المعتزلين المتمنعين الرافضين االنــدراج في مصفوفـــات ومنظومات « الريعى».. 2ـ بعد اندراجي في سلك التعليم اهتممت بتجربته الشعرية . كان المرحوم الميموني من أصفى األصوات وأعمقها في جغرافية الشعر المغربي المعاصر.. 3ـ استوقفتني أعماله في ترجمة نماذج من الشعر اإلسباني ؛ خاصة ترجمته لديوان «التمارين» لفدريكو غرثيا لوركا . 4ـ في أكتوبر 1998ـ وبالدنا تعيش تجربة « التناوب» بقيادة األستاذ عبد الرحمن اليوسفي ـ نظم المرحوم خالد مشبال ـ في إطار برامج ثقافية لوكالة شراع لخدمات اإلعالم واالتصال ـ لقاء ثقافيا لقراءة بعض أعماله ؛ بمشاركة المرحوم محمد الدحروش و حسن بنزيان ،محمــد المرينــي ،عمر تكمنـــت ،وكاتـب هــذه االستعادات .اقتصرت مشاركتي على مشروع قراءة لكتابـــه «في الشعر المغربي المعاصر» .لم أستند فيها على صرامة منهجية ،بل أجلت نظري في جغرافية الشعر المغربي المعاصر من موقعـي :أ ـ الكتابة واالبداع .ب ـ النقد ،مع ما يحمله هذا التوليف من مخاطر ومغامرات ؛ بين ما ينبع من طبقة خفية غامضة ملتبسة ملتهبة بمشاعر وهواجس ونزعــات ..وبين ما يتولـد من طبقــة شديدة الوعي والتماسك ..وقد اتخذ المرحوم محمد الميموني من تواريخ دالة : ( 1930تفاعالت الظهير البربري ) ( 1933إصدار مؤرخ تطوان المرحوم محمد داود لمجلة «السالم») بداية لتأسيس خطاب مغاير وضع أصواتا شعرية مغربية على عتبة التحديث ،ثم أقام قراءته على أسس جماليـة تعقلــن االفتتان بيوطوبيات الشعر وإشراقاتها الداخلية بعيدا عن كل رؤى مقيدة ؛ تتوسل بالتحقيب والتجليط .. بل كانت قراءة المرحوم توقد حواس دهشة وحيرة ،وتولد نبرات أسئلة ؛ مثلما أكـد على ذاك شاعـر البيـاض ؛ ناظم حكمة الشاون سيدي عبد الكريم الطبال حفظه اهلل . 5ـ في يونيه 2009بادر صديقي العزيز الدكتور خالد سليكي، ؛ المقيم في أرض اهلل الواسعة ( رئيس المركز المتوسطي للدراسات واألبحاث وقتئذ) بتنظيم يوم دراسي احتفائي بالمرحوم محمد الميموني .شارك في تلك االحتفائيــة الدراسيــة المرحوم خالد مشبال وعبد الكريم الطبــال والمهــدي أخريــف وعز الدين الشنتوف وأحمد هاشم الريسوني ومزوار اإلدريسـي وفاطمة الميمونــي وبهاء الدين الطود وخالد الريسوني ورشيد برهون ومحمد المسعودي ومحمد العربي غجو ومدون هذه االستعادات.. كان اليوم الدراسي/االحتفائي مناسبـــة للوقــوف على سمـــات وخصوصيـات التجربــة الميمونية في الشعــر والنقــد والترجمة.. لكن من المؤسف أن ما قدم لم يكتب له أن يرى النور لتعميم الفائدة به .. 6ـ في دجنبر 2013نظمت الدكتورة فاطمة الميموني ( رئيسة منتدى روافد للثقافة والفنون بتطوان) حلقة دراسية في كتاب المرحوم «كأنها مصادفات» .كان اللقاء مناسبة جليلة أصغى فيها الجمهور المثقف لقراءة عالمة لفقيدنا العزيز الدكتور محمد أنقار .في سيرة « :كأنها مصادفات» لم يكتب المرحوم محمد الميموني تداعيه المتعالق حركات وإدراكات وخبرات ومشاغل وميوالت وغير ذلك مما هو منتظم في نسق تعاقب وحدثان وجوديين ..عاجزا عن تفسير كل ذلك كما توحي بذلك البنية العنوانية لكتاب ماتع منطو على عالم أكبر ..ولم يبن تداعياته السيرذاتية وسروده على ظنيات كما يفهم من الحرف «كأن» ،وال يؤسسه على ما قد يفهم من اسم «مصادفة» المحيل على محدودية عقلية ..في التداعيات الميمونة تطالعنا عتبة فلسفية حول مفهوم الزمن ؛ عامه وخاصه ..ومن زمنه الفلوت تنبسط متعاقبات في فضاء الشاون ؛ وهي الجنة التي « التنسى نفسها وهي هاجعة سبات النسيان».
الشمال الفني
4
إشراف الفنان يوسف سعدون
العدد 1016ـ الثالثاء 22إلى 28أكتوبر 2019
الفنانة الكبرية
أمل عبد القادر أجرى الحوار عبد اإلله المويسي
ال يستطيع أحد أن ينكر الحضور القوي الذي شكله اسم الفنانة الكبيرة أمل عبدالقادر في وجدان المغاربة على امتداد سنوات من التلقي الفني .لقد شكل بروز هذا الصوت المميز فجأة ،مع الثمانينيات ،والذي كان يحيل في الذاكرة على تجارب راسخة مثل صوت اسمهان ،شكل هذا الصوت نقلة نوعية في «ربرتوار» األغنية المغربية .بل شكل أيضا اعتزازا مغربيا بهذه اإلضافة الفارقة جراء القوة التي مثلهاهذا الصوت ونوعيته. اليزال المغاربة يتعلقون بصوت أمل عبدالقادر ،بكل تأكيد ،لكنهم أيضا يستغربون كون أن هذه التجربة ال تحظى بما يليق بها من تتويج .ويعتبرون أن ذلك إخالف للموعد مع تاريخ الجماليات.
فنانتنا أمل نبدأ معك بسؤال حول البدايات األولى لاللتقائك بالغناء ،والتي ستمنح المغرب هذا الفنانة الكبيرة المميزة؟ أوال أشكــر جريـــدة الشمال المتألقــة في فضـاء الصحافة المغربيـــة باختياراتهــا المتنوعة في كل المجاالت المعرفية والفنية ،كما أشكر طاقمها الجاد دائما في إثارة مواضيع حية ومفيدة وشيقة .
أما فيما يخص مسيرتي الفنية فقد ابتدأت سنة 1987ـفي مهرجان األغنية المغربية الذي أقيم بمسرح محمد الخامس ،حيث توجت فيه بجائزة أحسن صوت، بعد مشاركتي بأغنية « صبح السعد والسعود» من كلمات سالم القريشي ومن تلحين محمد موصطفة. ومنذ ذلك الحين ،و أنا أخوض غمار األغنية بكل عشق وتفان ،ومن إنجازاتي :
ــ مشاركتي في سهرات األقاليم التي كانت تقام في جميع المدن المغربية من طنجة إلى الغويرة.
ــ مثلت األغنية المغربية رفقة مطربين ومسرحيين في الكثير من بلدان العالم مثل كندا وأمريكا وفرنسا وانجلترا وسويسرا .
ــ مثلت المغرب في مهرجان األغنية العربية باألردن سنة 1996م .بأغنية « الدنيا لنا» من كلمات خدير الريسوني ومن تلحين عز الدين المنتصر ، وفزت بجائزة أحسن صوت بين مشاركين يمثلون أربع عشرة دولة عربية ،وكانت مساهمتي هذه فعال انطالقة فنية حول النجومية في ربوع الوطن العربي. ــ تعاملت مع ألمع الملحنين المغاربة على سبيل المثال ال الحصر :عبد القادر رشدي وعبد اهلل عصامي
وعبد العاطي أمنا وشكيب العاصمي وحسن القدميري وعز الدين منتصر وعزيز حسني وعبد اللطيف السحنوني وسعيد الشرايبي والحاج يونس والكواكبي وغيرهم. ــ تعاملت مع كتاب كلمات وشعراء مغاربة مرموقين أمثال مالوروان وأحمد الطيب العلج وأحمد وهبي وموالي ادريس بنلفقيه وحسن المفتي ومحمد نجيد وكمال شرف ،وغيرهم. ــ شاركت بأغنية «يا ساكنا أغوار قلبي» من كلمات محمد مجيد ومن تلحين عز الدين منتصر ،في مهرجان األغنية المغربية بمراكش حيث فزت بأحسن صوت، ــ شاركت بوصالت غنائية وتمثيلية في ملحمة العهد في افتتاح دار األوبيرا بمصر. ــ في رصيدي الغنائي أكثر من مائة أغنية موزعة بين الوطنية والعاطفية والدينية واالجتماعية تزخر بها الخزانة الوطني. ــ حصلت على شواهد تقديرية إثر مشاركتي الفعالة في مهرجانات غنائية دينية وروحية ،مثل مهرجان وليلي ومهرجان الموسيقى الروحية بفاس ،ومهرجان األغنية المغربية بمسرح محمد الخامس ،واحتفاليات أخرى أقيمت بطنجة وتطوان والدار البيضاء. ــ كان لي الشرف أن أحظى بإعجاب الملوك واألمراء العرب ،وعلى رأسهم المغفور له السلطان الحسن الثاني طيب اهلل تراه في مناسبات احتفالية كثيرة.
أين يمكن تصنيف تجربة الغنــاء عنـــد أمـــل عبدالقادر؟ يمكن تصنيف تجربتــــي الغنائيـــة من خــــالل ريبرطواري ضمن األغنية الطربية بصفة عامة ،فما عدا األغاني الوطنية التي تميل إلى التعبير عن قيم المواطنة ومحاولة ترسيخها في نفوس المواطنين ، فإن جل أعمالي طربية ،تعود بوجدان المستمع إلى أصالة الزمن الجميل وجماله. هل الفنانة القديرة أمل راضية عما قدمته لحد اآلن من ريبرتوار؟ إن كلمة رضى ال يمكن أن تلصق بكل إنسان طموح يسعى دائما إلى التجديد في أعماله ،غير أنني أقر أن األعمال التي أنجزت في الزمن الجميل هي التي الزالت تؤثر في ذاتي ،وهذا ال يعني أن األغنية الحالية فقدت لمعانها بل عدم الرقابة دفعت ببعض المتطفلين على الفن إلى أن يشوشوا عليها . حضرت الفنانة أمل بقوة في وجدان كل المغاربة، غير أنها على ما يبدو لم تنل حقها الكافي في إعطائها ما تستحقه من اعتبار يليق بمكانتها الحقيقية .إلى ماذا تعزو الفنانة أمل هذا ؟ فيما يخص عدم نيلي حقي كافيا ،فهذا صحيح ، فنظرا لقوة صوتي وانسيابه بسالسة في نفسية كل مستمع ،باعتراف المستمع المغربي والعربي معا ، فإنني رغم ذلك كنت ولزمن بعيد محاصرة من قبل بعض سماسرة الفن ،و بعض مستغلي النفوذ الذين يقوّمون المطرب وخاصة المطربة وفق شروط مخلة تجبرها على تنازالت قد تخدش كرامتها أو عرضها .سوف لن أطيل الحديث حول هذه النقطة ،ألنها
ح و ا ر
مع
تمثل لي وصمة عار في جبين من أجرم في حق الفن والفنانين ،بغية تلبية نزواته ،ولكن حاليا والحمد هلل لم يعد أي شيء يخبأ ،ألن اإلعالم المتطور أصبح يكشف المستور . ما تقييمك لألغنية المغربية االن؟ أصبحت كفة الرديء من األغنية ترجح بقوة ، والغريب في األمر أن المبرمجين يفضلون ـ إال نادراـ إسماع المتلقي ما تمجه األذن وتنفر منع الذات والعقل ،وما يخدش أخالق المجتمع ويساهم في اإلخالل باالحترام والحياء والوقار بين األب وابنه أو ابنته ، أليست الموسيقى تطهيرا للنفس من كل الشوائب ..؟. تميزت الفنانة أمل بأدائها للفن الطربي األصيل، هل تفكرين في تغيير المسار عبر تبني أساليب توظف التقنيات الحديثة؟ لطرب يسكن وجداني منذ أن أصبحت أعي العالم حولي ،فمن الصعب أن أختار نمطا آخر دونه ،ولكن إذا كان التجديد داخل األغنية الطربية بما يالئم العصر وما يؤثر في النفس ويطهرها ويهذبها ،فأهال وسهال. كيف تنظر الفنانة أمل إلى اهتمام التلفزيون المغربي باألغنية المغربية. لم يعد التليفزيون يولي اهتماما كبيرا باألغنية بصفة عامة ،ولعل السبب راجع في اعتقادي إلى كثرة البرامج المنوطة به ،فأين هو حيز األغنية وسط نشرات األخبار ،والبرامج الثقافية والرياضية ...؟ ولهذا أصبح المغرب أكثر من أي وقت آخر ونظرا لتنوع األنماط الغنائية المغربية ،مطالبا بالترخيص إلنشاء قنوات تهتم بالغناء األصيل وبالفولكلورات التي تزخر بها مناطقنا من طنجة إلى الغويرة. ما العمل الفني الذي تتمنى أمل عبدالقادر لو أنها هي من أدته؟ أتمنى غناء أي عمل جميل تتناغم فيه الكلمة الموزونة التي تدخل الوجدان ويتقبلها العقل وتهدف إلى نشر القيم الجمالية واإلنسانية ،مع اللحن الخالي من النشاز ،ومع الصوت الصداح ،إن أرشيف اإلذاعة يزخر بأغان جميلة حرمت عنوة من أدائها ،ولن أذكر عناوينها حتى ال أحرج من ظفر بها ،رغم أنه لم يعطها ما تستحقه من اإلحساس. ما الذي تطالب به أمل عبدالقادر المعنيين باألغنية المغربية ...مسؤولين ..ملحنين ...مستمعين...كتاب كلمات ...وغيرهم؟ أطالب من أجل خروج األغنية من نفقها المظلم ، لتعود إلى النور بأن تُحيى لجان االنتقاء واإلجازة من جديد ،كما كان في ثمانينيات القرن الماضي ،على أن يُختار أعضاؤها وفق شروط صارمة ،منها أن يكون العضو الحكم كفؤا متمكنا في مجاله الشعري أو اللحني أو الموسيقي ،و على المسؤولين أن يتمتعوا بحس جمالي وفني وتشاركي في اخياراتهم ،و أن يكونوا ديمقراطيين في إنصاف الفنانين ،وتصحيح أخطاء منتجي البرامج الفنية ومقيمي السهرات الغنائية الذين يركزون في الغالب على وجوه غنائية دون غيرها ،وكأن المغرب لم يلد إال قلة ،أنا شخصيا مقارنة ببعض الفنانين قلما استدعيت لمهرجانات في حين بعض زمالئي رغم تواضع مستواهم ،نجدهم حاضرين في كل محفل ،مما يزرع الريبة والشك في نفسي . فما أحوجنا لمسؤول يؤمن بأن الفن تطهير وتهذيب للنفس وصقل للذوق ورسالة إنسانية .و أمانة.
العدد 1016
الشمال الفني
Corpus
برواق عبلة اعبابو
الجسد وبالغاته
نظم رواق عبلة اعبابو بالرباط معرضـــا تشكيليا ،تحت عنـــوان ،Corpusشهد افتتاحه ،مســاء الخميس 17أكتوبــر ،حضورا كثيفا للمهتمين بالفن وصانعي المشهد التشكيلي بالمغرب من فنانين وأصحاب أروقة وجماعي أعمال فنية وإعالميين . يضم المعرض أعمال كل من الفنانين كريم العلوي ،فلورنس ارنولد ،ماحي بينبين ،فؤاد شردودي ،بوشتى الحياني ،محمد المرابطي ،وكريسطوف ميراليس .وقد حدد صانعوا هذا الحدث الثقافي المتميز تيمة الجسد كمشترك بينهم وكمجال لالشتغال والبحث ،كل برؤيته وبأسلوبه وانطالقا من تصوره الخاص لموضوعة الجسد .مما جعل للمعرض خيطا مفاهيميا رابطا رغم تنوع التجارب والخامات والتقنيات . و قد عبر كل فنان خالل المعرض عن سفره الذاتي ومرجعيات تناوله لفكرة الجسد فاعتبر الفنان والروائي ماحي بينبين ان وراء كل جسد حكاية يرويها وبالتالي فأعماله تختزل وتقارب هذه الحكايات
وتقدمها باسلوبه الخاص الذي يحتفي بالمادة البياض واألجساد المتداخلة التي تلخص العديد من تفاعالت الكائن وأنماط وجوده. بينما اعتبر الفنان فؤاد شردودي الجسد تيمة حاضرة في مختلف أعماله مؤكدا أن اجسادا كثيرة تتحرك بين ألوانه وأصباغه فهي التي في كثير من األحيان تحدد مساحات الفراغ واالمتالء في لوحاته ،و قد رأى أن الجسد ،مساحة من الخطوط المتعرجة التي تشكل عالم كل منا وكينونته حضور مادي يتحدد وجوده بالوعي والرغبة كما يعبر عن ذلك سبينوزا ،الجسد ذلك الشكل الذي ال يمكن رسمه بشكل محايد هناك دائما احاسيس ورغبات وتعبيرات المدهشة تجعل الفنان في تداخل غريب بين ذاته كرسام وموضوع اشتغاله . كما اعتبر شردودي ان رسم الجسد صاحبه في أغلب أعمالي ،فكان أحيانا ظاهرا يحتفي بلحظة فرح او لحظة انكسار وأحيانا كثيرة كان متخفيا ومتواريا خلف سيل هادر من األسئلة والتأمالت، يستمر المعرض إلى غاية 30نونبر برواق عبلة اعبابو بالرباط.
الثالثـاء � 22إلى � 28أكتوبر 2019
5
بيــان فـنـي » « فـنـــي» «بيـــان
إعداد :يوسف سعدون
بيان فني ،هو سلسلة لقاءات تدشنها الشمال مع مجموعة من المبدعين ،يقدم عبرها الضيوف تجاربهم الفنية وانشغاالتهم ومواقفهم ،وهو غير ملزم ألي جهة.. بيان هذا العدد يوقعه الفنان التشكيلي �صالح بنجكـان
أنا الموقع أسفله: صالح بنجكان من مواليد مراكش ،1986/07/20 رأيت النور بهذه المدينة الجميلة والغنية بضيائها وألوانها وتراثها ،ودروبها .مراكش هذه ،هي كانت لي الخزان و المرجع ومصدر اإللهام. المسار الفني : عشقي للرسم ولأللوان بدأ عندي منذ الطفولة ،كبر معي ورافقني عبر مسارات التجريب واالعتماد على الذات ،وطبيعي أن يكون مآل هذا العشق ولوج الدراسة لتطوير الموهبة فكانت الدراسة األكاديمية التي منحتني فرص صقل الموهبة واالضطالع على مستجدات الساحة الفنية وكذا معرفة تاريخ الفن ،هذه المرحلة أيضا كانت فرصة لالحتكاك مع مجموعة من الطلبة والوقوف على مستواهم وتجاربهم ،كانت فرصة أيضا للتأهيل لخوض غمار تجربتي الشخصية والتي عرفت التنقل بين مجموعة من االتجاهات والمدارس الفنية، وكان طبيعي ان تولد عندي هذه المرحلة تراكما فنيا عرف االنطالقة الفعلية في الساحة التشكيلية في الثمانينيات ،وامتدت هذه المرحلة إلى حدود التسعينيات التي توجت بالتحاقي بإقامة فنية بباريس سنة ،1999هذه الفرصة كانت فاصلة في حياتي التشكيلية ألنها منحت لي إمكانيات متعددة لالضطالع المباشر على مستجدات الفنون المعاصرة وغيرت نظرتي للفن عموما. المشروع الفني : مشروعي الفني ينطلق من الذات في عالقتها باآلخر ،ويعتمد على بناء تصور إبداعي شخصي منفتح على تجارب من يشاطرني نفس الرؤى والتوجهات الفنية ،ومرجعتيه مرجعية حداثية ال مجال فيها الستنساخ مدارس قديمة ،وإيماني بالعمل الجماعي هو سبب انغماسي في العمل المدني (جمعيات صالونات مهرجانات )،داخل المغرب وخارجه وذلك إليماني بأن العمل المدني في هذا المجال يلعب دورا كبيرا في نشر الثقافة التشكيلية والجمالية،،مشروعي أيضا يناقض ما يصطلح عيه بالعصامية ألنها بعثرت أوراق التشكيل المغربي في اآلونة االخيرة .وفتحت المجال لكل من هب ودب القتحام هذا الميدان ،أتطلع أيضا من خالل هذا المشروع لمد الجسور مع أجناس إبداعية أخرى. الصالون الدولي للرسم والطباعة الفنية : توجهي للعمل الجمعوي دفعني وزمرة من األصدقاء الفنانين للمبادرة لتنظيم هذا الصالون بمدينة الجديدة والذي اختتمت فعاليات دورته الثانية مؤخرا في إطار جمعيتنا Pact’art هدفه إبراز هذا الجنس التشكيلي في إطار موعد سنوي نسعى لترسيخه وهو منفتح على التجارب الكرافيكية بالمغرب ويتوخى أيضا رد االعتبار لها ،نحن نتطلع إلى الحفاظ على هذا المكتسب ونراهن على زيادة عدد محترفات الحفر والليتوغارافيا و السيريغرافيا إضافة إلي الرسم الكالسيكي الذي نعتبره االصل الذي تتبعه الفروع. واقع التشكيل بالمغرب : الفنون التشكيلية بالمغرب هي مرآة للواقع الثقافي عموما وتطورها مرتبط بالسياسات الثقافية الرسمية ،هي أيضا (سوق الجملة) بتراكم عطائها الذي ال يعكس الجودة دائما. والتكوين الفني عندنا ضعيف وغير مقنع نظرا لندرة معاهد التكوين وضرب التعليم الفني في المؤسسات الفنية ،والفنانون المحترفون تتقاذفهم عواصف القاعات الخاصة والسوق الغير المقننة .باإلضافة إلى اللوبيات واألجندات المالية لالستثمار في الفن التشكيلي عبر دور المزادات.....والمجمعين الخواص والمؤسسات ...ومع كل هذا ،فأنا متفائل مادامت هناك مبادرات جادة ومشاريع فنية لمجموعة من الفنانين الذين يشتغلون بجدية في أفق تطوير الفنون التشكيلية بالمغرب وجعلها معاصرة ختاما : أنا أومن بدور الثقافة والفن في تطور المجتمع ،ومن يعمل على تهميشهما فهو يعاكس هذا التطور.. تحياتي وشكرا للشمال.
6
الثالثـاء � 22إلى � 28أكـتـوبر 2019
العدد 1016
مجتمع ـ سياسة ـ حقوق فكري ولد علي
(مراسل من الحسيمة /الناظور)
مهيدية وشوراق يتفقدان مشاريع الحسيمة منارة المتوسط
قام وفد مكون من محمد امهيدية والي جهة طنجة تطوان الحسيمة وفريد شوراق عامل إقليم الحسيمة و المديـــر العام لوكالة تنمية أقاليم الشمال يوم الثالثاء الماضي ،بزيارة تفقدية لبعض المشاريع المندرجة في إطـــار برنامج التنمية المجالية إلقليم الحسيمة منارة المتوسط ،وذلك للوقوف على وتيـــرة تقدم األشغال و حــث المقـــاوالت على
التزام معايير الجودة و آجال إنجاز مشاريع المنارة ،وشملت هذه الزيارة عدة جماعات باإلقليم للوقوف على المشاريع التالية: تهيئة منطقــة خضـــراء بميـــرادور الحسيمة و تثبيـــت منحـــدر بكورنيش صباديا الحسيمة ومحطة تحلية ماء البحر بأجدير . كما قام الوفد نفسه بزيارة للمركز
اإلستشفائي اإلقليمـــي بايــت يوســـف أوعلي ،و قريــة رياضية (ملعــب ،مسبح قاعة مغطـــاة ،منتزه (استجمامي) بايت قمرة ،والسـوق األسبــوعــي بالرواضي، وتهيئة وتوسيع ثانوية بالرواضي ،كما تم تفقد أشغال توسيع وتقوية الطريق اإلقليمية رقـم 505على طول 24كلم ببني بوفــراح ،بتمويـــل من صنـــدوق التنمية القروية.
استفادة أزيد من 200مستفيد من حملة طبية بجماعة اسنادة بإقليم الحسيمة
Fikri.press@gmail.com Tél 0661986707
وزارة أخنوش تفرج عن مشروع توسيع قرية الصيادين “كااليريس” بالحسيمة
باشـرت وزارة الفالحـة والصيد البحـري والمياه والغابات والتنمية القروية ،اإلجراءات العملية لتوسيع قرية الصيادين “كااليريس” بإقليم الحسيمة ،بغالف مالي قيمته 430مليون سنتيم. وأعلنت المندوبية اإلقليمية للصيد البحري بالحسيمة ،عن طلبات عروض إلنجاز هذا المشروع ،الذي من شأنه أن يساهم في تحسين
ظروف اشتغــال العامليـن في قطـاع الصيد التقليدي والمهن المرتبطة به. ويأتي هذا اإلجراء ،عقب زيارة عزيز أخنوش للمنطقة في وقت سابق ،استجاب ًة لمطلب الصيادين بتوسيع الطاقة اإلنتاجية للثلج من 4 إلى 7أطنان. كما ستشمل تدابير توسيع قرية الصيادين، تجهيز قوارب الصيد بالصناديق العازلة الحديثة حفاظاً على جودة السمك.
مشروع ساكنة تالرواق نواحي الحسيمة يرى النور قامت لجنة إقليمية موسعة يوم السبت 12أكتوبر الجاري ،بجماعة اساكن لإلشراف على انطالق االشغال بتجزئة بالد تالرواق ،وذلك في إطار برنامج إعادة إسكان دوار تالرواق استجابة لسلسلة من االجتماعات والملتمســـات التي رفعتها الساكنة لعامل اإلقليم. و يمتد هذا المشروع على مساحة تقدر ب 52هكتاراً بتكلفة إجمالية 293مليون درهم بتمويـــل من وزارة الداخليــة ووزارة اإلسكان والتعمير. وقد كلفت شركــة العمران فاس بإنجاز أشغال صفقة إنجاز الطرقات والتطهير السائل في ظرف زمني أقصاه 22شهرا. كما حضــرت ساكنــة تالرواق إلى عين المكان للوقوف على انطــالق هذا المشـــروع
السكني الهام الذي يشمل جميــع المرافــق االجتماعية الضرورية والمراكز التجارية ،مما سيمكن جماعة اساكن من إقالع تنموي هام ويجعل منها قطبا حضريا يستقطب االستثمارات خصوصا في المجال السياحي.
إيقاف مروجي مخدرات أمام مؤسسات تعليمية
استفاد حوالي 200شخص من ساكنة جماعة اسنادة بإقليم الحسيمة ،يوم أمس السبت ،من حملة طبية متعددة التخصصات، نظمتها جمعية األمل للتنمية النسائية بني يطفت ،وذلك بتنسيق مع جمعية النساء المقاوالت من الحسيمة ،وبتعاون مع المندوبية اإلقليمية للصحة. وتهدف هذه الحملة الطبية إلى تقديم المساعدة الطبية لساكنة جماعة اسنادة ،حيث تم تقديم استشارات طبية وتوزيع األدوية بالمجان ،والقيام بأنشطة توجيه وتحسيس لألطفال حول الممارسات الصحية الجيدة.
وشملت هذه الحملة الطبية اختصاصات الطب العام وقياس وتصحيح البصر ،كما تم تقديم أدوية بالمجان وتوعية المرتفقين من طرف طاقم طبي وشبه طبي متكون من ثالثة أطباء. وفي هذا السياق ،أوضحت السيدة فاطمة الزهراء الوزاني ،رئيسة جمعية األمل للتنمية النسائية بني يطفت بجماعة اسنادة بإقليم الحسيمة ،في تصريح لوكالة المغرب العربي لألنباء ،أن تنظيم هذه الحملة الطبية لفائدة سكان جماعة اسنادة ،يندرج في إطار العمل االجتماعي للجمعية ،الهادف إلى تحسين جودة
الخدمات الصحية وتقريبها من المواطنيــن، وذلك عبر تنظيم قوافل طبية مجانية متعددة التخصصات لفائدة الفئات الهشة القاطنة بالبوادي والمناطق النائية باإلقليم. ودعت رئيسة الجمعية إلى تكاثف الجهود بين المسؤولين وممثلي جمعيــات المجتمــع المدني عبر تنظيم حمالت طبية مماثلة لتلبية االحتياجات الطبية والصحية لساكنـة المناطق النائية بالعالم القروي ،وخصوصـــا الفئــات الهشة.
أحالت الضابطة القضائية التابعة للدرك الملكي بميضار ،على وكيل الملك بالمحكمة االبتدائية بدريوش ،متهمين بترويج المخدرات واألقراص المهلوسة بالمنطقة ذاتها الثالثاء الماضي .وتمكنت عناصر الدرك الملكي بجماعة ميضار ،تحت إشراف قائد المركز الترابي ،أخيرا من اعتقال مشتبه في ترويجهم المخدرات والمؤثراتالعقلية. وأكدت مصادر متطابقة أن عملية إيقاف المعنيين باألمر جاءت في إطار حملة تمشيطية
باشرتها مصالح الدرك الملكي بالعديد من المناطق التابعة لنفوذها الترابي بجماعة ميضار، وتفاعال مع شكاية بعض آباء التالميذ دعوا إلى وضع حد لترويج حبوب “االكستازي” أمام المؤسساتالتعليميةبالمدينة. وجرى وضع المعنيين باألمر تحت تدابير الحراسة النظرية ،في إطار البحث الذي تشرف عليه النيابة العامة المختصة ،قبل إحالتهم على العدالة لتقول كلمتها األخيرة في الملف.
7
الثالثـاء � 22إلى � 28أكـتـوبر 2019
العدد 1016
مجتمع ـ سياسة ـ حقوق عبد العالي بن ربوحة
(مراسل من القصر الكبير/العرائش)
حوار مفتوح مع الشاعر والروائي محمد األشعري حول تجربته اإلبداعية ضمن فعاليات مهرجان الشعر
نظمــت الجمعيــة المغربيــة لإلعـــالم الوسائطي ،بتنسيق مع الجامعة للجميع حوارا مفتوحا مع الشاعر والروائي محمد األشعري تمحور حول تجربته اإلبداعية ،وذلك في إطار فعاليات مهرجان القصر الكبير للشعر واإلبداع المنظم تحت شعار «األدب :الذاكرة واألمكنة يوم الجمعة 11أكتوبـر ،2019أدار فقراتــه الدكتور مصطفى الغرافــي واألستاذة راضية العمري. في بداية اللقاء تحــدث عن تجربتــه اإلبداعية ،قال األشعري إن “الكتابة عنده إن في الشعر أو الرواية تعني الحياة ،والوفاء للهواجس المختلفة التي تثري بداخلي الفضول للبحث عن القيمالجمالية”. ففي الشعر مثال يقول األشعري“ ،أنا أؤمن بأن السياق الجمالي يجعل من الكتابة ذريعة، إلعادة رصد الواقع بصور إبداعية مختلفة ،فأنا اكتب النتصر للقيم جمالية وإنسانية كانت وألحقق متعة ذاتية”. وبخصوص الكتابـــة الروائيــة ،يضيــف األشعري“ ،عندما اكتب أي عمل ،تجدني قريبا من الشعر ،حيث أبقى وفيا لهواجسي اللغوية التي اكتسبتها في الشعر”. ويؤكد األديب أن الرواية يجب أن تكون منسجمة مع الرؤى المختلفة حول العالم ،فأنا “جئت للرواية قادما من كتابة القصة لكني بقيت مرتبطا بالشعر الذي ينسجم مع كياني”. وأضاف أن “تجاربنا اإلبداعية هي مقاومة للتحرر من مساحات واسعة في اللغة وما
انتابها من بثور ،ونفس الشيء نقوم به في الرواية عندما نستجلي تفاصيل من حياة الناس اليومية واألحداث التاريخية ،لننسج بها حياة أخرى مختلفة للحياة التي نعيشها” ،مضيفا أن “ما ننجزه في األدب عموما يجعلنا نحب الحياة البسيطة كما هي حتى في تعقدها وتشابكها، وهذا هو المخرج لنا من التيه الذي نعيشه”. وأكـد الشاعــر والروائــي المتميــز محمد األشعري أن الشعر هو جوهر كل كتابة أدبية، على أساس أن “الطموح األساس في عملية الكتابة ال يتمثل في مجرد بناء نص مالئم للجنس األدبي الذي ينتمي إليه ،وإنما يكمن في بناء رؤية شعرية داخله.
وأشار األشعري في هذا اللقاء « أنه يخاطب جيال جديدا بنوع من المكاشفة المهم في حياة اإلنسان العثور على سبيله الخاص والعثور باختيار حر ». وسجل أن «أن كثيرا من الكتب غيـــرت حياتنا وغيرت العالم غيرت طريقة تفكيرنا في الخير والشر والرجل والمرأة في الحياة ،وما بعد الحياة ». وقد كان اللقاء مثمرا حيث أن الروائي أمطر الحضور بغنى تجربته اإلبداعية التي ظلت وستظل شاهدة على فكر وتطور متميز .
العرائش :المكتب المحلي للنقابة الوطنية للصحة (ك د ش ) تندد بتردي الوضع الصحي باإلقليم أصدر المكتب المحلي للنقابة الوطنية للصحة المنضوي تحــــت لــواء الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بالعرائش يوم الثالثــاء 8اكتوبر 2019بيانا سجل فيه غياب اإلرادة الحقيقية والواضحة للمسؤولين في التعامل بايجابية مع القضايا الملحة باإلقليم . وأكد البيان أن قطـاع الصحــة باإلقليم يعـــاني خصاصا مهــوال وخطيــرا في الموارد البشريـــة ،وتجهيزات مهترئـــة ومتقادمة، واستمرار أشغـــال الهــدم والبنــاء داخــل المستشفى لسنوات طويلة (سياسة الترقيع)، مما شكل ويشكل عرقلــة متواصلة للقيام بالواجب المهني وفق شروط مقبولة. المكتب المحلي للنقابة الوطنية للصحة يحمل المسؤولية كاملة لإلدارة الصحيـــة محليا وإقليميا في توفيــــر الموارد البشرية الضرورية قبل الشروع في تدشين بنايات فارغة (المستشفى المحلي القصر الكبير ). ويطالب اإلدارة المحلية واإلقليمية للصحة
باالستماع والتجاوب مع الشغيلة الصحية وذلك بتوفير الشروط الضرورية المالئمة للعمل المنتج لخدمـات صحيــة في مستوى تطلعات ساكنة اإلقليم .
المكتب المحلي للنقابة الوطنية للصحة يعلن عن برنامجه النضالي التصاعدي ويحمل المسؤولية الكاملة للمسؤولين على القطاع في توفير األوضاع باإلقليم .
الوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء بالقصر الكبير تتخذ إجراءات استباقية لمواجهة فصل الشتاء اتخذت الوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء القصر الكبير ،مجموعة من اإلجراءات االحترازية لمواجهة فصل الشتاء . وتهم هذه اإلجراءات والتدابير ،تنفيذ برنامج شامل إلزالة األوحال وتنقية البلوعات بمختلف المحاور الطرقية والشوارع. هذا وقد عرفت الحملة انطالقتها من شهر شتنبر إلى أكتوبر تنقية فواهات تسريب مياه األمطار 2251متر ،وتنقية قنواة الصرف الصحي 11300متر، وذلك من أجل ضمان السير العادي للحياة اليومية للمواطنين . وفي نفس السياق اتخذت الوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء بالقصر الكبير تعبئة كل آلياتها الستقبال موسم الشتاء والحرص على سالمة المواطنين وممتلكاتهم ،وستعمل طواقم الوكالة على مدار الساعة تفاديا ألي طارئ .
benrebouha01@gmail.com Tél : 0641794991
القصر الكبير :السلطات المحلية تشن حملة لمحاربة سقي األراضي الفالحية بمياه الصرف الصحي
في إطار حملتها لمحاربة السقي بمياه الصرف الصحي للمنتوجات الفالحية انتقلت صبـــاح يـوم الجمعــة 11أكتوبر 2019لجنة محلية مختلطة تحت رئاسة السيد رئيس الدائرة الحضرية المرينة إلى األراضي الفالحية التابعة لنفوذه الترابي ،وذلك بعد توصل سلطات الدائرة الحضرية المرينة بإخبارية تؤكد قيام أحد المزارعين بسقي المنتوجات الفالحية بالمياه العادمة للصرف الصحي بالقرب من حي السالم بالد الصرصري . حيث تمت معاينة وجود معدات و أنابيب معدنية وبالستيكية تقدر ب 40مترا من األنابيب المخصصة والمعدة للسقي بإحدى الضيعات الفالحية السالفة ذكرها كانت موضوعة بالقرب من إحدى بلوعات قنوات
الصرف الصحي المتواجدة بعين المكان ،فتم حجز األنابيب ووضعها بالمحجز البلدي بالمدينة، كما تم تحرير معاينة بهذا الشأن . وقد شارك في هذه الحملة التطهيرية كل من السيد رئيس الدائرة الحضرية المرينة قائد رئيس الملحقة اإلدارية الثالثة والسيد قائد رئيس الملحقة اإلدارية الخامسة وممثل عن مصلحة الشؤون االقتصادية والتنسيق بالدائرة الحضرية المرينة وممثل عن الجمعية المغربية لحماية المستهلك وعناصر األمن الوطني والشرطة اإلدارية التابعة للمجلس الجماعي لمدينة القصر الكبير . وقد استحسنت الساكنة المجاورة القيام بهذه العملية التي تروم محاربة السقي بالمياه العادمة وذلك ما يتسبب في انعكاسات سلبية على صحة المواطن .
جمعية رقادة الجديدة للتنمية والتواصل تطالب بتوفير وسائل النقل بين حي رقادة والمدينة
راسلــت جمعية رقادة الجديدة للتنمية والتواصل كال من عامل إقليم العرائش و رئيس جماعة العرائش و باشا المدينـة بتخصيص حافلة للنقل الحضري تؤمن الخط الرابط بين حي رقادة والمدينـة ،و ذلك نظـرا لإلكراهات
المتعددة التي تواجهــها ساكنة حي رقـــادة . تأتي هذه المطالب من أجل رفع المعاناة التي تتكبدها الساكنة في كثير من األحيان من أجل التنقل إلى مدينة العرائش .
الجمعية المغربية لحقوق اإلنسان فرع العرائش تحيي اليوم العالمي للقضاء على الفقر
إحيا ًء لليوم العالمي ضــد الفقــر ،نظــمت الجمعية المغربية لحقوق اإلنسان فرع العرائش يوم الخميس 17أكتوبر ،2019وقفة احتجاجية بساحة التحرير تحت شعار« :نضال وحدوي ضد الفقر والقهر االجتماعي ،ومن أجل الكرامة والعدالة االجتماعية ». و قــد شـارك في الوقــفـــة االحتجاجيــة
عدد من الفعاليات والهيئـــات الديمقراطية واالجتماعيـــــة والسيــاسيــة والحقــــوقيـــة بالمدينـة ،حيث رفـــع المحتجون بالمناسبة شعارات تنديدية ضد سياسة التفقير و التجويـع و القمــع الممنهجة ،كما استنكروا بشدة واقـــع البطالة و التهميـــش و اإلقصاء الذي تعيشه المنطقة.
العدد 1016
الثالثـاء � 22إلى � 28أكـتـوبر 2019
القطاع المصرفي والشباب
? 8
هل نتوفر على «أبناك مواطنة» بقلم :الدكتور عبد الحق بخـات
في يوم الجمعة 11أكتوبر الجاري ،ألقى الملك محمد السادس خطابًا أمام أعضاء مجلسي البرلمان بمناسبة افتتاح الجلسة األولى من السنة التشريعية الرابعة. وقد حث جاللته القطاع المصرفي الوطني على االنخراط بالتزام أكثر قوة و أكثر إيجابية متفاعال مع الدينامية التنموية التي تشهدها البالد .ينبغي أن يركز هذا الجهد على تمويل االستثمار ،ودعم األنشطة اإلنتاجية ،وتوفير فرص العمل وتنمية الدخل ،وعلى وجه التحديد تطوير برنامج خاص لدعم الشباب المتضررين بشدة من البطالة ،في أفق تمويل مشاريع األعمال الحر. من الواضح أن هذا البرنامج يتضمن بعض المرونة في معالجة طلبات الحصول على قروض للمقاولين الشباب المتخرجين ،ولكن أيضًا للشباب العاملين في القطاع غير الرسمي ،مع العلم أن البطالة تصل إلى 9.8٪من الشباب ،منها ٪ 17.2من الخريجين و ٪ 3.4من الذين تتراوح أعمارهم بين 15-24سنة دون دبلوم .على المستوى الحضري ٪ 43.2من الشباب هم في حالة البطالة. وقال الملك « :يتعين على البنوك تبسيط وتسهيل إجراءات الوصول إلى الحصول على القروض ،واالنفتاح أكثر أمام مقاولي القطاع الحر ،وتمويل المقاوالت الصغرى والمتوسطة». اليوم ،تركز المؤسسات المصرفية التي تبحث عن ربح فوري وخال من المخاطر فقط على المقاوالت الكبرى ،واالستثمارات في الخارج ،مما يعطي نظرة سلبية لفئات معينة من الشعب.. من اآلن فصاعدا ،ولكي تصبح «البنوك مواطنة» ،يتعين عليها أن تشارك بقوة في ديناميكية التنمية ،وأن ترافق األنشطة التي تولد فرص العمل ،وتحقق التكامل االجتماعي- المهني. كل هذه االعتبارات تقودنا إلى السؤال التالي« :هل لدى مصارفنا وجه إنساني كافٍ التخاذ الخطوة نحو تشجيع المقاولين الشباب ،وتبسيط المساطر أمامه للحصول على القروض الممكنة ،واالنفتاح على ذوي المشاريع الحرة ،وتمويل المقاوالت الصغرى والمتوسطة؟ ». بالتأكيد ستنجح التجربة إذا تحقق شرط ال غنى عنه ،ويتعلق األمر بااللتزام المسؤول للمواطنين تجاه احترام التعهدات المبرمة مع البنوك. بدءاً من التقرير الدرامي لـ ٪ 43.2من شباب المدن عاطلين عن العمل ،ومن المساطر المعقدة أمام وصول الشباب إلى القروض ،وهزالة دعم الحاصلين على الديبلومات والمقاوالت الصغرى والمتوسطة ،يعتقد الملك محمد السادس أن القطاع المصرفي والمالي هو حجر الزاوية في أي استراتيجية للتنمية. مع وضع ذلك في االعتبار ،حث جاللته البنوك على الوفاء بالمهمة العظمــى التي تقــع على عاتقهم فيما يتعلق بالتنمية ،مذكرا أن الديناميكية االقتصادية تبدأ انطالقا من تطوير المعامالت المصرفية .وقد دعا جاللته أيضا الحكومة وبنك المغرب بالتنسيق مع المجموعة المهنية لبنوك المغرب ،قصد العمل على تطوير برنامج خاص لدعم الشباب ،وتمويل مشاريعهم الذاتية على أساس عالقة متوازنة مبنية على الثقة بين الطرفين. وبالتالي ،مع ضمان مصالح البنك ،تهدف هذه الخطة إلى تعزيز ،بطريقة مريحة ،الوصول إلى القروض والخدمات المصرفية ،وخلق فرص التكامل المهني واالقتصادي لجميع المواطنين بشكل عام ،وألكبر عــدد ممكن من الشباب المؤهلين من مختلف الفئات االجتماعية ،والعامليــن في القطــاع غير الرسمي ،على وجه الخصوص، لتمكينهم من االنخــراط في ريـــادة األعمال والحصول على أفضـــل فرص النجاح. «نظرًا لتأثيرهــا اإليجابــي على العديد من األسر وعلى المجتمع ككل، من الضــروري أن نستلهــم التجارب الناجحة للمنظمات الممولة للمقاوالت التي يديرها الشباب ،وبالتالي تسهيل اندماجهم االجتماعي والمهني ».قال الملك ،مصرا على أن الديناميكيــة االقتصادية تمر بتطــور المعامــالت المصرفية ،رغبة في إثبات أن معدل الخدمات المصرفية للسكان المغاربة قد تضاعف ثالث مرات خالل العقدين األخيريــن ،ومؤكــدا على أن البنـــوك يجب أن تضاعف جهودها لزيادة نسبة المغاربة الذين يتوقــون للخدمــات المصرفية وخطط التمويل .وبذلك سيكون الطرفان قادرين على االستفادة منه بموجب منطق التوازن واإلنصاف ،مما يفيد عملية التنمية في نهاية المطاف. ومع ذلك ،فإن جاللته يصر على أن البرنامج المخطط لن يحقق أهدافه إذا كان المواطنون الذين يتلقون القروض ال ينخرطون بكل مسؤولية ،وال يحترمون االلتزامات الناجمة عن القروض المتعاقد عليها. وفي الختام ،ناشد الملك المؤسسة التشريعية ،وكذلك القطاع الخاص ،وخاصة القطاع المصرفي ،لالنضمام إلى جهود التنمية الوطنية ،والمساهمة في نجاح المرحلة الجديدة التي تنخرط فيها البالد. في الواقع ،كان المال دائمًا مصدر قلق إنسانيً ،وفي مجتمعنا المعاصر ،من دون المال ،ال يمكن تطوير أي نشاط .هذا التأكيد صحيح لألفراد عندما يرغبون في شراء عقار ،كما هو الحال بالنسبة للشركات التي تقرر االستثمار لتحسين أدائها .كالهما يلجأ إلى المؤسسات القارضة للحصول على األموال التي تحتاجها. المعاملة االقتراضية هي العملية التي يتيح بها البنك مبلغًا محددًا لطرف يسمى المقترض، في مقابل التزام األخير بدفع الفائدة البنكية المتفق عليها إلى المصرف وإعادتها إليه في الموعد المحدد .للحصول على تعويض ،وهو مبلغ يعادل الذي تم منحه له. لهذا ،يعتمد القرض على الثقة ولكن أيضًا على اآلليات القانونية التي يمكنها بناء الثقة. والسؤال هو ما إذا كانت مخاوف المصرفيين وعمالئهم المقترضين ستظل موجودة ،على الرغم من هذه الحماية القانونية؟
تظهر عدم الثقة وقت فحص الملف المقدم إلى البنك من قبل المقترض ،بد ًءا من حقيقة أن المؤسسة المصرفية تحرص على إحاطة نفسها بكل الضمانات الممكنة من أجل تجنب الوقوع في مشكلة مع المتعامل معها ،وخاصة في حالة الديون المتأخرة وعدم القدرة على السداد. على الرغم من أن العقود البنكية هي ،بشكل عام ،عقود معيارية ،إال أنه يجوز للمصرف ،مع ذلك ،إعادة هيكلتها وف ًقا لصفات مقترض معين وإمكاناته ومراجعه. سنتحدث إذن عن عقد تم التفاوض عليه وتكييفه حسب الحالة. هنا يُجبر فيه بعض المقترضين على االلتزام ببنود خاصة ،في حالة رفض ملفاتهم. حتى أوائل عام ،2016لم يكن المقترض المستعجل للحصول على األموال المقترضة يطلع على شروط وأحكام العقود ،ولم يكن يأخذ حتى الوقت الكافي لقراءة البنود المصرفية بعناية. وهكذا يحد ،بشكل كبير ،من مجال المناورة في حالة وقوع مشكلة. لكن منــذ أبريــل ،2016ومـــع ذلك ،كان على المؤسسات اإلقراضية االمتثال اللتزام إصدار عرض مسبق ألي مقدم طلب للتمويل قبل التوصل إلى اتفاقية القرض النهائي .يحتوي هــذا العـــرض على مجموعـــة من المعلومات التي تمكن المقترض من تقييم طبيعة ونطاق االلتزام المالي الذي سيشترك فيه وشروط تنفيذ اتفاقية القرض الخاصة به. على وجه التحديد ،تأخذ OPC مبلغ صافي االقتراض مع وبدون فوائد، وشروط وسومة التأمين ،ومدفوعات المبلـــغ اإلجمالـــي (رســوم معالجة الملف )...والسعر الفعلي العام الذي يدعم ويحمي المقترض بالفعل .على سبيل المكافأة ،يوفر العرض السابق معلومــات عن الشروط المطبقة في حالة التقاضي. بهذه الطريقة ،لــدى المقــترض الوقت الكافــي لمعرفـــة ما يفعلــه بالضبط. وتجدر اإلشارة في النهاية إلى أن دور المقاوالت الصغرى ومتوسطة الحجم في التنمية االقتصادية واالجتماعية للبلد معترف به بقوة على المستوى العالمي. في المغرب ،أهمية PMEاقتصاديا مؤكدة .فهي تمثل ٪ 93من الشركات ،وتخلق ٪ 50 من الوظائف ،وتساهم بنسبة ٪ 20في الناتج المحلي اإلجمالي ،و ٪ 30من الصادرات ،و ٪ 4 في اإلنتاج. لهذا السبب تطورت عالقة البنك مع الشباب في السنوات األخيرة. في الواقع ،لم يعد يُنظر إلى البنك على أنه مؤسسة ال يمكن الوصول إليها و«متكبرة»، ومخصصة حصريا لألثرياء ،ولكن كمؤسسة سمحت لبعض المواطنين من ذوي الدخول المنخفضة والمتوسطة بالحصول على المكتسبات أو إقامة مشروع تجاري. مع وضع ذلك في االعتبار ،تضاعف البنوك جهودها لمحاولة جذب الشباب في سن مبكرة. في الواقع ،فإن الشباب ،يمثلون جزء كبيرًا من السكان المغاربة ،ولذلك يجب على البنوك االحتفاظ بها بأي ثمن. يتعلق األمر بإشارة اعتراف اجتماعي بأن ما تتطلبه الحاجة اليوم هو تسهيل وتعزيز ذلك كما طلبه الملك ،وحسب آمال المواطن. والهدف هو نفسه بالنسبة للجميع :إخراج الشباب من عدم االستقرار والتهميش االجتماعي، وضمان مستقبل أفضل وأكثر أمانًا للوطن بأكمله.
العدد 1016
ZOOM
9
الثالثـاء � 22إلى � 28أكـتـوبر 2019
محطات تتفاعـل من خاللها جريدة «الشمال» سياسيــاً مع األحـداث والوقائع المستجدة بالمجتمع المغربي ،تحرص فيها على عرض وجهات نظر مختلف المرجعيات والتعبيرات السياسية المكونة للنسيج المغربي.
السياسي والثقافي في تجربة
عبد الحميد البجوقي عبد الحميد والسياسة ؟
أو باألحرى سؤال السياسة وعبد الحميد ،هو سؤال يحضرني منذ أن بدأ يتشكل لذي وعي سياسي وأنا تلميذ في مدينة البيضاء بثانوية األزهر أو المعروفة باألرميطاج في سبعينيات القرن الماضي ،وبعدها في مجموعة مدارس محمد الخامس في الرباط التي كان يديرها أحد أقطاب الحركة الوطنية المرحوم عثمان جوريو .كان ذلك في السبعينيات من القرن الماضي ،وكان المغرب يمر بمرحلة دقيقة من تاريخه السياسي ..ال أدري إلى أي حد كان اهتمامي بالشأن السياسي اختيارا حرّا ،كان المغرب يمر مما عرف بسنوات الرصاص واحتدام المواجهة بين النظام وأحزاب الكتلة الوطنية وبروز ما سمي باليسار الجذري .لم تكن اهتماماتي السياسية تتجاوز الشعور بغضب خام تتقاذفه خطابات سياسية تتراوح بين ما كان يسمى باليسار الجذري و آخر معتدل يتصدره االتحاد االشتراكي للقوات الشعبية ،أتذكر اليوم الحوارات التي جمعتني بمناضلين ساهموا في تأطيرنا كشباب يفيض بالحماس ،وانتهت بانخراطي في صفوف الشبيبة االتحادية بعد التحاقي بالجامعة .في كلية الحقوق بالرباط سنة 1980انخرطت في االتحاد الوطني لطلبة المغرب ،ووجدتني في خضم الصراع الذي انفجر في االتحاد االشتراكي للقوات الشعبية ،وتموقعت حينها فيما عرف بتيار رفاق الشهداء الذي أصبحت ممثال له في تعاضدية االتحاد الوطني لطلبة المغرب بكلية الحقوق .لم أكن أتصور وأنا أخوض التجربة أنني امتطيت قطار السياسة دون رجعة ،وأن اختياري سيقودني إلى المنفى، كنت أعتقد أن حماسي عابر ،وكنت كغيري من الشباب نعتبر أن التجربة عابرة ،وأن مستقبال ينتظرنا خارج أسوار الكلية ،كانت أحالمي كثيرة ،أبرزها أن ألتحق بسلك القضاء. كنت أعتقد ببراءة أن انخراطي في السياسة لن يتجاوز أسوارالجامعة ،لكن بعد قمع النظام الشرس واألحكام الخيالية التي صدرت في حقي بعد انتفاضة ،1984وجدت نفسي حينها متابعا بملف ثقيل لم أكن أتصوره ،انتابني مزيج من الشعور بالرعب والغضب والغبن والتشظي ،وجدتُ نفسي في يوم من أيام أبريل من سنة 1984وأنا أمتطي قاربا صغيرا يشق بحر المتوسط الهادئ ،كانت أشعة الشمس تطل ذلك الصباح من أفق بعيد وتنتشر على سطح ماء أزرق ،في صمت رهيب ال يكسره سوى هدير أمواج خفيفة وصوت محرك القارب الصغير، عاد بي خيالي حينها إلى صور حياة قصيرة تركتها ورائي محملة بذكريات صاخبة في مسقط رأسي بمرتيل ،وبعدها في تطوان بعد وفاة الوالد وعمري ال يتجاوز خمس سنوات ،ثم دراستي في البيضاء والرباط ،كانت رحلة لن أنساها على اإلطالق ،انتابني حينها شعور غريب بالفقد والتشظي واالقتالع واأللم ،كان القارب يقطع المسافة بين الضفتين ببطء وأنا في جلبابي الرمادي أشعل السيجارة تلو األخرى ,أسترق النظر إلى صديقي البحار الذي كان يتظاهر بتصفيف شباك الصيد واالستعداد لنصبها .حينها اقتنعت أن السياسة اختارتني لخوضها في زواج كاثوليكي ال يسمح باالنفصال عنها أو طالقها ،وابتعادي اليوم عن الفعل السياسي ال يعني أنني أصبحت طليقها.
عبد الحميد والثقافة؟
الهم الثقافي كان حاضرا في تجربتي السياسية ،وكان المشهد الثقافي المغربي حينها يرافق السياسي في الدفاع عن الحرية والحداثة والديموقراطية ،كانت مرحلة انخرط فيها المثقف المغربي في الشأن السياسي وتبوأ مكانته في التأطير والتأثير والفعل المباشر .أسماء المعة رافقت حينها الحراك السياسي في المغرب ولعبت دورا طليعيا في الصراع السياسي الذي كانت تدور رحاه بشراسة ،الئحة طويلة من المفكرين والمبدعين والفنانين ساهموا حينها في تأطيرنا وتوجيهنا، اليمكن في تقديري الفصل بين السياسي والثقافي في عالقتهما بالمجتمع وبالنضال من اجل العدالة والحرية وحقوق االنسان ،وبرزت حينها أسماء ّأثرت في جيلنا بشكل كبير .بعضها كانت تتحمل مسؤوليات سياسية مباشرة سواء داخل األحزاب التقدمية أو في إطارات نقابية وجمعوية ،لم يكن المغرب استثناء في انخراط المثقف في السياسة وانخراط السياسي في الثقافة ،أتذكر اليوم ببعض الحسرة الدور الطليعي التحاد كتاب المغرب في تأطير المجتمع ومواجهة قمع النظام ،والعديد من المجالت الثقافية والفكرية ،والمبادرات الجمعوية
الرائدة التي كانت تتموقع في جبهة الدفاع عن الحريات والعدالة والديموقراطية ،ونفس األمر كان مع األغنية الملتزمة والمسرح والسينما ،كانت النوادي السينمائية المنتشرة في المغرب واجهة لتأطير الشباب ومعْبرا لإلنخراط في الشأن السياسي .عالقة السياسي بالثقافي ال يعني أن يرتبط االبداع بأجندات سياسية بعينها ،وال أن يكون تابعا لها ،بقدر ما هو ارتباط يتعلق بدور الثقافة في تشكيل الوعي ،وفي عالقة الثقافة بهموم المجتمع ،ال يمكن للثقافة أن تتطور إذا لم تتواصل بمحيطها االجتماعي وبهموم المجتمع ،هذه العالقة بين الثقافي والسياسي كانت ِّ مؤطرة لجيلنا في السبعينيات من القرن الماضي ،واستمرت كذلك بعد انتقالي االضطراري إلى المنفى .كانت تجربة فريدة تلك التي عشتها في المنفى ،وجدت نفسي فجأة في خضم المشهد السياسي االسباني الحديث العهد بالديموقراطية ،التقيت بالعديد من المنفيين والمغتربين من جنسيات مختلفة ،نسجتُ عالقات قوية مع مغتربين من أمريكا الالتينية ،عالقات جمعنا فيها الشعور المشترك بالفقد والتشظي وألم االقتالع ،كانت فرصة نهلت فيها الكثير من األدب الالتيني وقرأت لقامات كبيرة من أدباء وروائيين المعين ،وعايشت بعضهم من الالجئين في إسبانيا .كان لهذا االنتقال ألقسري إلى الضفة الشمالية تأثير كبير على اهتماماتي الثقافية، اهتمام تطور بعد زياراتي المتكررة ألمريكا الالتينية ،وبعالقات شاءت الصدف أن أنسجها مع بعض المثقفين اإلسبان ،أذكر منهم بشكل خاص الكاتب االسباني خوان غويتيصولو.
كان لالغتراب والنفي القسـري دور كبير في انخراطـي بالعمـل السياسي شأني في ذلك شأن أغلب المغتربين والمنفيين في العالم ،لكن انخراطي في العمل النقابي والسياسي رافقه منذ البداية اهتمام متزايد بما هو ثقافي تمّ تتويجه أواسط تسعينيات القرن الماضي بتنظيم لقاءات ثقافية منتظمة أهمها «اللقاء بين ثقافتين» الذي كانت تنظمه جمعية العمال والمهاجرين المغاربة في إسبانيا المعروفة بأتيمي ،ستة لقاءات تمحورت حول إشكاليات ثقافية وفكرية بين الضفتين ،وشاركت فيها أسماء وازنة من المغرب وإسبانيا ،كما ساهمتُ في تأسيس مجلة «دفاتر الشمال» وكنت عضوا في هيأة تحريرها ،وكانت مجلة رائدة تركت بصماتها في المشهد الثقافي العربي.. عالقتي بالكتابة التي كانت في البداية تقتصر على مقاالت رأي في جريدة الباييس االسبانية وبعدها جريدة الموندو ،وأخرى في بعض المنابر المغربية والعربية انتهت بإصدار كتابي األول باالسبانية عن المشهد السياسي المغربي يحمل عنوان « االنتقال السياسي في المغرب» تلتها إصدارات عدة بالعربية عن الهجرة وعن الصراع السياسي في المغرب ..وبعد سنوات من اعتزالي للفعل السياسي المباشر قررت خوض تجربة الكتابة الروائية مدفوعا برغبة ظلت ترافقني خالل سنوات المنفى ،رغبة في التفريغ والتعبير عن شعور المنفي ،عن شعور التمزق الذي رافقني في المنفى وال يزال ،رغبة في وصف عناصر القلق والتيهان التي ترافق المنفيين وتحديات االندماج والعالقة باألنا والغير واآلخر. وكانت رواية «عيون المنفى» باكورة أعمالي الروائية تبعتها روايتان
عن المنفى « حكايات المنفى» والمشي على الريح التي صدرت سنة ،2019هي في نهاية المطاف ثالثية المنفى ،تصف المُعاش واليومي من تحديات الهجرة والمنفى.
جدلية المثقف والسياسي عند عبدالحميد؟
أن يخوض المثقف غمار السياسة ال يعني بالضرورة أية قيمة مضافة للسياسة ،أو للتدبير السياسي ،بل هناك نماذج لمثقفين أخفقوا في تدبير الشأن السياسي ،بالمقابل نجد نماذج أفلح فيها السياسي في تدبير الشأن الثقافي والرفع من مستواه ،عالقة السياسي بالمثقف ترتبط أساسا بقدرة هذا األخير على التأثير في السياسة ،أن يتحول المثقف إلى قوة ضغط تُحرك الرأي العام ،قوة قادرة على مراقبة السياسي وتوجيهه .في المقابل على الثقافي أن يأخذ مسافة من السياسي وأن ال يكون تابعا له ،على الثقافة أن تكون مُشاكسة وأن ال تخضع للتوجيه السياسي .هي فعال عالقة جدلية تقوم على التفاعل في اتجاهين دون أن تخضع الثقافة للسياسة. فيما يتعلق بجدلية المثقف والسياسي في تجربتي المتواضعة، فهي تقترن حتما بتجربة المنفى ،تقترن بتيهان السياسي والكاتب المنفي الذي يقف في بالد لم ينشأ فيها وعينه ترنو إلى بالده ـ كما يقول أمين معلوف ـ ،هو نفسه الذي يعود إلى بالده وعينه ترنو إلى بالد احتضنته .تجربة المنفى تطبع عالقة المثقف بالسياسة ،عالقة تستمد ـ في تقديري ـ مادتها من النفور والتراوح بين هويات متعددة ومتباينة ،هي كتابة ال تخلو من األلم ،هي كتابة كاشفة وجريحة تقوم على فرضية تفكيك عقدة انتماء متعدد ،وهوية هجينة غير راضية عن ذاتها وعناصر ُّ تشكلها ،هي كتابة عابرة للحدود الثقافية والجغرافية والتاريخية والدينية ،هي كتابة تتسم بالقلق الوجودي والسخط العارم .عن هذه الجدلية أريد الحديث في هذا الحوار ،عن جدلية الكتابة والهوية والمنفى، عن كتابة تتسم بالقلق الوجودي ،ويسكنها الحراك واالنشقاقية والسخط ،يقول عنها الروائي العراقي عبداهلل ابراهيم أنها كتابة مدوِّنة ،كاشفة لمصائر البشر ومعاناتهم مع العنف والمالحقة والطرد وتمزيق الشمل والهيام في األرض بحثا عن أماكن بديلة ،وعن أمان خادع ..وهي في نظري بحث سيزيفي عن عودة ال تكتمل ،ورغبة مستمرة في العودة إلى حيث ال أدري ،هي بحث عن هوية ال تستقيم ،وانتماء ال يكتمل ،ورغبة في تكسير السياجات الثقافية البليدة ـ بليدة في نظر المنفي طبعاـ. بعد فترة من االستقرار ،أو باألحرى اإلقامـة في إسبانيــا اكتشفت أنني رهينة لقلق دائم ،قلق االنتماء المتعدد ،قلق هوية لم تعد تلك التي رافقتني ،وأخرى حاضنة تحاول تجريدي من هويتي األصل ..كابوس االنتماء المتعدد القادم من أصل هجين يجمع بين العنصر األمازيغي والعربي واإلفريقي والموريسكي ،..انتماء لم أتبين معالمه وعمقه إ ّال بعد أن ابتعدت عن وطني ،حضرتني حينها تجربة األنا االفريقية واآلخر في رواية «حجول من شوك» للروائيــة السودانية بثينة خضرمكي ،تعاني بطلة الرواية نصرة قلق االنتماء، ألنها لم تستطع حسم أمر انتمائها إلى السودان العربي أم اإلفريقي، تعتز بسودانيتها وبأصلها الهجين الذي يجمع بين العنصر العربي والعنصر االفريقي ،لكنها لم تحس بالقلق اتجاههما إ ّال بعد أن ابتعدت عن وطنها.. عبر تجارب بعض المثقفين الذين تحملوا مسؤوليات سياسية ،هل انتصروا للثقافي عبر السياسي ،أم العكس؟ دور المثقف في تقديري أن ينتصر للسياسي ،أن يستفز عناصر التغيير والحداثة ،أن يرافق هموم المجتمع ،شرط أن ال يفقد استقالليته، التجارب التي عرفتها أو عايشتها لمثقفين خاضوا غمار السياسة وتحملوا مسؤوليات سياسية ،باءت أغلبها بالفشل ،دور المثقف في تقديري يقتصر على دعم مشاريع التغيير ،ونادرا ما ينجح في التدبير. للمثقف دور بارز في توجيه السياسات ومراقبتها وتأطيرها ،المثقف ضمير األمة الذي يساهم في تقويم السياسات ،لكنه في نظري غير قادر على مواجهة إكراهات تدبيرها والتفاعل مع توازناتها .نماذج كثيرة يمكن استحضارها في التجربة االسبانية التي عرفتها عن كثب،وأخرى في عالمنا العربي وغيرها.
العدد 1016
الثالثـاء � 22إلى � 28أكـتـوبر 2019
10
توصيات الجامعة الصيفية في دورتها السابعة بالحسيمة حول
مسلك ”قيم التسامح وتأصيل مبادئ االختالف والتعايش“
على وقع اإلشادة تختتم فعاليات الجامعة الصيفية في دورتها السابعة بالحسيمة حول مسلك”قيم التسامح وتأصيل مبادئ اإلختالف والتعايش“ حيث اختتمت بالحسيمة ،مساء يوم األحد 6اكتوبر 2019والتي كانت قد عرفت تنظيم عدة فقرات من محاضرات وورشات ومعرض فوتوغرافي وخرجة بحرية وابداع لوحة جدارية ،امتدت على مدار 3ايام. في البداية تطرق السيد ياسين الرحموني رئيس جمعية ريف القرن 21في كلمته ،للظروف المصاحبة إلطالق هذه الدورة ،كما أشار إلى كل الوقائع المرتبطة بالتظاهرة ،وقد عمل بعدها على فسح المجال للطلبة الحاضرين والمشاركين للتعبير في مائدة مستديرة عن ارتسماتهم ومالحظاتهم حول الجوانب التنظيمية للجامعة وهو ما عبر عنه فعال الطلبة والطالبات في كلماتهم المختصرة والتي عبروا من خاللها على ثنائهم حول نجاح الدورة السادسة من الناحية التنظيمية ومن الناحية الثقافية والعلمية ،كما عبر البعض عن بعض االنتقادات المرتبطة بالجانب الزمني وتوزيع الحصص الدراسية. بعد ذلك قدم السيد رئيس الجمعية كل اإلجابات والتوضيحات المتعلقة باستفسارات ومالحظات المشاركين ،كما فسح المجال لكلمة الدكاترة المشاركين والتي عبروا من خاللها عن سرورهم بنجاح الدورة وتشجيعهم للجهة المنظمة على ضرورة تطوير التجربة والمحافظة عليها كترسيخ أكاديمي وثقافي ومدني يساهم في إغناء وتنميــة الوعي العلمـــي في منطقة الريف بصفة عامة وذلك من اجل االنخراط اإليجابي والفعال في بناء حداثة خالقة ومبدعة. كما قامت كل من مديرة المعهد اإلسبانـي بالحسيمة نيابــة عن الوفــد اإلسباني الحاضر وممثل كل من وفــد غينيا بيساو ودجيبوتي بتقديــم كلمة بمناسبة تنظيم هذه الدورة والتي أجمعوا فيها على روح التسامح لسكان الحسيمة وعيشهم في تناغم وتفاهم مع ساكنة المنطقة ،كما نوهوا بالمبادرة على أمل تكرارها في مناسبات قادمة. وبعد االنتهاء من المائدة المستديرة شرعت المجموعة الممثلة لوفد غينيا بيساو بتقديم عرض أزياء إفريقي معبّر ووصالت غنائية ورقصات ضاربة في الجذور اإلفريقية .بعد ذلك كان للجمهور موعد مع مفاجأة الدورة مع الفنان الموسيقي عبد العلي الرحماني بمعية أطفال الكشفية الحسنية المغربية فرع الحسيمة بعرض أغنية رائعة بخمس لغات( األمازيغية ،العربية ،العبرية ،اإلسبانية واإلنجليزية) تجسّد قيم التسامح ومبادئ التعايش واالختالف بين الشعوب حيث تفننوا في تنشيط الحفل الختامي بمقاطع موسيقية ورقصات معبرة نالت إعجاب الحاضرين ،كما تلت هذا الحفل عملية توزيع شواهد الجامعة على المشاركين والمشاركات والسادة والسيدات المؤطرين للدورة السابعة. تجدر اإلشارة إلى أنه تم إبداع لوحة جدارية بمؤسسة عمر بن الخطاب للفنان عبد العلي
الرحماني حول ”قيم التسامح ومبادئ االختالف والتعايش“ دائما في إطار الدورة السابعة للجامعة الصيفيةبالحسيمة. وعلى وقع االشادة من طرف المنظمين والمؤطرين والطالب والمتتبعين على حد سواء كان اختتام هذه الدورة التي أجمع الكل على تميزها ،على أمل اللقاء السنة المقبلة لخوض غمار التحصيل العلمي والتبادل الثقافي في إطار دورة ثامنة بمسلك جديد ومواضيع جديدة. توصيات الجامعة الصيفية في دورتها السابعة بالحسيمة حول مسلك”قيم التسامح وتأصيل مبادئ اإلختالف والتعايش“ • التأكيد على نشر قيم التسامح واالعتدال ونبذ كل أشكال التعصب والتطرف. • التأكيد على استمرارية األنشطة الثقافية واالجتماعية والرياضية التي تستهدف تأصيل قيم التسامح واالعتدال داخل المجتمع. • التأكيد على العمل المشترك بين الفاعلين والجمعيات المدنية محليا ووطنيا ودوليا من أجل العمل على ترسيخ قيم التسامح وتبادل التجارب. • الدعوة إلى خلق مرصد لتوثيق االعتداءات والتجاوزات ذات الصبغة العنصرية والدينية. • ضرورة الحفاظ واالرتقاء بالتراث المشترك لإلنسانيـــة جمعـــاء في مجال التسامـــح التعايش. • إلقاء المزيــد من األضـواء واالهتمـــام على تاريخ الزمن الراهــن وتعميق البحث في مضامينه بهــدف الدقــة والموضوعية العلمية. • الظرفية الراهنــة تستوجب مزيدا من العناية بالتربية األخالقية والمدنية وفي نفس الوقت التربية على المواطنة وحقوق اإلنسـان بموازاة النهـــوض باألوضـــاع االقتصاديةوالتنمويةواالجتماعية. • تضافر جهــود الجميع من أجل تطوير المناهج والبرامج ذات الصلة بقيم التسامح والحق في االختالف والتعدد الثقافي كمدخل جديد نحو حوار ثقافي رصين في زمن العولمة. تضمين مبـــادىء االعتــدال والتسامح في في البرامج والمناهـــج ومخططــــات الكريكولوم الدراسية . • التأكيد على نشر ثقافة التسامح والتعايش وزرع المحبة والتآخي بين أفراد المجتمع. • التأكيد على رفض كل ألوان العنف والتشدد والتطرف واإلرهاب. • تفعيل األدوار الوازنة لمحيط المدرسة في التربية على القيم االنسانية. • خلق أندية تربوية تشتغل على مواضيع التسامح والتعايش واالختالف وقبول اآلخر. • فتح نقاش وطني وعقد مناظرات حول التعايش بين مختف الشعوب واألمم وأهل الديانات المختلفة واستضافتها بالمغرب.
امللحـق الثقافـي
11
العدد 1016ـ الثالثاء 22إلى 28أكتوبر 2019
نص قصصي برازيلي
الوردة الخضراء ماتت أمّي لحظة الوالدة ،وماتت معها الط ّفلة التي لو عاشت لكانت أصبحت أختي .ستّة أشهر بعد ذلك أتى دور أبي الذي حمل ك ّفه إلى صدره مُصدراً أنيناً ثمّ هوَى بعنف على السّرير مفارقاً الحياة .كنت في المدرسة عندما أقبلت بي ّال تبحث عنّي على متن عربة .وما أن رأتني حتّى طفِقت تضحك وتبكي في اآلن نفسه ،فاتل ًة ك ّفها كما لو كانت تعصر طرف قطعة قماش، فخمّنت على الفور ّ أن أمراً ما رهيباً قد حصل .تك ّلمي يا بيال ،قلت وأنا أصعد وأجلس إلى جانبها .هذا كثير ،هذا كثير ،كرّرَت دون تو ّقف ،مرتعشة من قمّة رأسها إلى أخمص قدميها بفعل الضّحك ،بينما كانت دموعها تسيل من عينيها وكأنّهما حنفيّتان .ذلك ّ أن النّاس جميعاً يموتون ،وأنا ال أستحمل ذلك! ثبّتُّ عيني بقسوة على وجهها وفهمْت؛ هذه المرّة أبي هو من فارق الحياة .لماذا أفكر في جدّي وال في جدّتي بيل المتقدّمين في السّن؟ ّ لم ّ فكرت في والدي. التّوأم ليندا أبدت سعادتها ألنّها تعلم أنّنا عائدتان إلى البيت ،وبي ّال شرعت تحكي ،خالل ذلك ،وهي تضحك وتبكي في اآلن نفسه .كان قد استعدّ وارتدى مالبسه ،فبدا جمي ًال ،عندما وضع ك ّفه على صدره ثم على الفور ،بعد ثانيتين، فارق الحياة .تبّاً ،تبّاً ،تبّاً ،طفقتُ أردّد بخفوت غير قادرة على قول أيّ شيء آخر لفرط ما كنت أرتعش من الخوف ،فقط من تفكيري في الجدّة بيل .فهي إن كانت سلفاً ،عند وفاة زوجة ابنها ،قد أطلقت تلك الصّرخة ،فلنتصوّر ما يمكنها فع ُله عند وفاة ابنها! والجدّة بيل؟ سأتُ .سحبت بي ّال العنان وشرحت ّ أن الجدّ ح َقنَها على الفور بحقنة قادرة على تهدئة حصان ،وهي اآلن تنام هادئة مثل قدّيسة .عندئذ تن ّفستُ ألنّني كنت فهمت لتوّي ما سأقوم به ،وهو أن ال أنظر للمرحوم؛ ْ أن أتظاهر بالنّظر لكن مع االحتراس بأن ال أنظر .هل أكون قد نظرت صدفة إلى والدتي؟ أثناء مغادرتنا للمزرعة متوجّهين إلى اإلقامة ،كنت سألت جدّي ،لكن إلى أين رحال ،أبي وأمّي؟ إلى أين انصرف هذان اإلثنان؟ كان جدّي قد استخلص من جيبه ورقة ذرّة جا ّفة كي يهيّئ سيجارته الصّغيرة .المكان الذي يوجدان فيه اآلن ،ال علم لي به ،يا صغيرتي .لكنّني أعرف أنّهما ،وقد فارقا الحياة ،ال أحد منهما ّ ظل هنا .الجسدان تح ّلال ،قال ذلك ثمّ مسّد بإصبعه الورقة قبل أن يُعبّئها بالتّبغ. نسيج العناكب هنا أكثر منه في المزرعة ،دمدمَت الجدّة وهي - تمرّر المكنسة ذات ّ الذراع ّ الطويلة على سقف الحجرة. كان قد انقضى زمن على مغادرتنا للمزرعة قادمين منها إلى إقامة عمّي جونيور .ولم يمرّ يوم ،يوم واحد ،من غير أن تجدَ سبباً للحديث عن مكان إقامتنا الجديد ،دون أن تكفّ ،بالقدر نفسه ،عن قول ّ كل كالم طيّب عن العمّ جونيور ،ابن النّاس ،وأكثر من ذلك عن العمّة كونستانس ،التي تحبّها كما تُحَبّ زوجة اإلبن ،تحبّها حبّاً حقيقياً ،رغم رأسها المضطرب ،إلى أن تصل إلى المقزِّز اِبن العمّ جواو كارلوس الذي يجد له مكاناً في قائمتها ،غير أنّه ما يزال غير ممتثل لتعاليم الرّب. َ دّاس اليوم السّابع بعد دفن والدي ،وعندما ألبستني التّنورة صبيحة ُق ِ السّوداء الشّهيرة التي كنت أكرهها ،احتجَجتُ .أنا ال أحبّ هذه التّنورة. صارت عينا الجدّة ،على الفور ،حمراوين بسبب الدّموع فمرّرَت المُشط بعنف في شعري .وأنا ربّما أكون أحبّها؟ أجيبي! ظللت صامتة .بعد لحظة قالت إنّها تقبَل هذه المأساة التي رأت من خاللها َ زوجة ابنها وابنَها ،الجميلين ،يموتان ّ هكذا تباعاً؛ وهي تقبل بذلك ألنّه ليس هناك حل آخر .لكنّ قبولها ال يعود لكونها ممتثلة .هذا هو السّبب في أنّني لن أشارك في هذا القدّاس ،وإ ّال فإنّه قد يُفهم أنّني أصبحت ممتثلة ،وهو يعلم أنّني لن أصبح كذلك أبداً! والضّمير يعود هنا على الرّب. -
جواو كارلوس مُترع قمّ ًال.
أعادت الجدّة المكنسة إلى األرض وتم ّلتني .ضغطت على طرف ذراع المكنسة بذراعيها المبيضّتين والنّحيفتين مثل قائمتي عنكبوت. -
ثانيّة! حاذري ،وإ ّال فإنّك ستُعدَيْن بالقمّل.
لكن كيف يمكن للقمل أن ال ينتقل إلي وهو ال يكفّ عن - اصطيّاديه واإللقاء به على رأسي. تنهّدَت .لم تكن تريد أن تعترف بضعفها تجاه هذا الحفيد .هي تحبّه أكثر ممّا تُحبّني .أعادت ترتيب شعيراتها الرّمادية المنفلتة من المقبض، وطفقت تنظر من النّافذة .كانت هي وجدّي في السّن نفسها تقريباً ،لكن مظهره هو كان يبدو أحسن بوجهه الكبير ذي ال ّلون ال ّلب ِنيّ وبشعره األبيض المفروق بعناية من الوسط. هذا المنزل الجديد الذي يصعب االحتفاظ به نظيفاً ،أنا ال أفهم – - قالت متذمّرة. جلستُ أرضاً قرب النّافذة ما دامت األلواح األرضيّة ،في ذلك الجانب، كانت جا ّفة ،ألنّها كانت قد ُغسلت صباحاً .في المزرعة كنتِ تشتكين أيضاً من العناكب الشّ ّفافة ،أردتُ أن أُ ّ ذكرها ،لكنّني لم أقل شيئاً .عندما كنّا ما نزال نقيم في المزرعة ،لم تكن تكفّ عن الشّكوى من المنزل الذي كانت تتّخذه عشّاً ،لقدمه ،وحتّى من العقارب ،وهو ما ليس موجوداً في بيت العمّ جونيور، ألنّه يملك ما ًال .أصبحنا نعيش منذئذ في إقامة عمّي جونيور ،وهي تتحدّث ُ المزرعة .راودتني رغبة أن أسأل ،وإذن فلماذا غادرنا عن األعجوبة التي كانتْها المزرعة؟ لكنّ ذلك الشّق من المأساة كان سيعود ،وهو شقّ لم أكن أريد أن أسمع عنه مرّة ثانية .أوقدتُ بقيّة الشّمعة التي أخرجتها من جيبي ،وراح
ليخيا فاغونديس تيليس ترجمة :محمد بنعبود
الشّمع السّاخن يسيل على راحة ك ّفي تاركة القطرات تصعد في شكل نجمات إلى أطراف أصابعي .كانت القطرات تسقط رماديّة ،لكنّها تصبح بيضاء عندما تجفّ. يقول جدّي إنّهم سيش ّقون طريقاً سيمرّ قرب اإلقامة ،وعنئذ - سنكون قريبين من المدينة .أبي تو ّفي ّ ألن المزرعة بعيدة جدّاً عن المستشفى. جدّك ال يعرف شيئاً ،صاحت .أبوك مات من الحزن .هو لم يقبل - بوفاة أمّك فاستعجل ال ّلحاق بها. سمعت أنّه مات من القلب. - مات من الحزن ،كرّرت جدّتي بيل وهي تمرّر بنفاد صبر المكنسةَ - من أعلى الباب إلى أسفله ،ثمّ أدارت المكنسة في الهواء .كان ولدي العزيز شديدَ الحساسية ،وأنا أعرف كم كان منهاراً ،فحاولت تفادي أن تصل المأساة إلى أقصاها ،لكن ما حيلتي؟ أجيبيني ،ماذا كان بإمكاني أن أفعل؟ استندتُ إلى الجدار .كان يستولي على جدّتي غضب شديد عندما تتحدّث عن موتاها ،وكأنّهم هم المسؤولون عن أنّهم لم يصمدوا لوقت أطول .ولحسن ّ الحظ ،لم يكن هذا الغضب يستمرّ إ ّال وقتاً قصيراً .كانت تصرخ وتصرخ فتتعب في النّهاية .بعد ذلك تأتي مناجاتها بالشّكاوَى التي هي دائماً نفسها ،شكاوى ترتدّ في الزّمن إلى غاية مرحلة شبابها؛ تلك المرحلة التي كانت فيها ما تزال شابّة ويقف على بابها ّ خُطاب عديدون .ثمّ من اخترتُ؟ أقبحَهم جميعاً ،وأنا أتساءل أين كان عقلي عندما اخترت رج ًال نباتياً .النّباتي هو جدّي طبعاً. -
كان قد اخترعَ وردة خضراء.
يملكه؛ آه! ذلك ّ اختِراع وردة بأي لون ،كان ُ الذكاء كان يملكه ذكا ُء - ِ ح ّقاً .وبعد؟ دمدَمَتْ ،ووضعت المكنسة لصق الجدار كي ّ تفكر قلي ًال .استغ ّلت َ الفرصة فنزلت بسرعة على طول الحبل .ظ ّلت ثمّة تذرع العنكبوتُ البيضاء الحبل ،مع ّلقة ،إلى أن أدركت ،بفعل تأرجح قويّ ،النّافذة المفتوحة ،فاختفت منها بين األوراق .شمّرت جدّتي بيل أحد كمّي الوزرة وتاهت نظرتها في االتّجاه الذي فرّت منه العنكبوت .عندما ّ أفكر في أنّني في سنّي المتقدّمة هذه وجدت نفسي مضطرّة لالنتقال من منزل إلى أخر! وبطفلة بين ذراعي، فوق ذلك... -
أيّ طفلة؟
لكن ،أنت! كان بإمكان جدّك أن يقدّم يد المساعدة ،لكنّه يعيش - برأسه في السّحاب. - تشبهها.
سيجعل ورد ًة خضراء تولدُ ،وليس هناك في الدّنيا برمّتها ورد ٌة
كالم فارغ ! نباتي مثله بديبلوماته يشرع في العناية بالحديقة - بعدما تقاعد! وجونيور السّعيد ،بإمكانه ،رغم ّ كل شيء ،أن يعتمد علينا ،هو والقديسان الصّغيران وزوجته .لكن أيّ مساعدة يمكنها أن تقدّمها لولدي برأسها المسكين المضطرب ،قالت جدّتي بيل آنّة وهي تتن ّفس .قدّيسة أقل ،أضافت أيضاً وهي تُمسك من جديد بالمكنسة ذات ّ صغيرة بعقل ّ الذراع ّ الطويلة .ولماذا أتى جونيور كي يشتري هذه اإلقامة في طرف الدّنيا هذا؟ أغلقتُ ك ّفي .انفصلت قطرات الشّمع عن جلدي فأصبحت النّجمة البيضاء نجمة حمراء .مرّرت لساني على األمكنة المحروقة فشرعَت على الفور تُؤْلم وبدأت أنفخ ،تبّاً ،تبّاً ،فذلك ما كنت أستطيعه. - بالورود.
هنا في اإلقامة ،يقول جدّي ّ إن له الوقت الكافي كي يهتمّ
وبهذه الورود ربّما سنأكل؟ أنا أعشق أن أكون قرب ابني .أعشق - أن أستطيع مساعدة زوجة ابني التي هي تلك الوردة الصّغيرة التي تعرفينها والمضطربُ رأسُها قلي ًال .هناك أيضاً حفيدي ،ذلك ّ الطفل المسكين .لكنّ نزاهتي تخونني ،اتذكرين؟ قاعة عرض السّمك الرّائعة التي أصبحت في نهاية المطاف ملكي بشكل كامل ،أتذكرين؟ وجدّكِ الشّقي الذي كان يحبّ كثيراً أن يذهب إلى النّادي ليتجاذب أطراف الحديث مع أصدقائه في نهاية األسبوع، كان أكثر ابتهاجاً. كنت جعلت أضغط كويْرة الشّمع ال ّلينّ . تذكرت أيضاً ّ أن جدّتي ،خالل الكرمس األخير ،كانت قد تخاصمت بطريقة بغيضة مع الرّاهب ،وأنّني كنت سمعت هذا األخير ،بعد ذلك ،يَعِد بأنّها لن تحصل السّنة المقبلة على قاعة بأن جدّي كان يحب ّ العرض تلك .ثمّ ما الجديد في قولها ّ الذهاب ليتجاذب أطراف الحديث في النّادي مع أصدقائه؟ هو يذهب للنّادي ،هذا ّ مؤكد ،كي يُثرثر ،لكنّه كان أيضاً يُفرط في الشّراب إلى درجة أنه يشرع يتمايل في العربة .وكان ذلك يؤدّي إلى جلبة في المنزل ،ويتطوّر األمر إلى أن يقذف بصحن على المائدة. -
هنا على ّ األقل ،ليست لي مدرسة.
لكن ستكون لك مدرسة خالل السنة المقبلة .ستذهبان أنت - وجواو كارلوس معاً إلى الدّاخلية.
-
أنا ال أريد ّ الذهاب إلى الدّاخلية.
بلى يا آنسة! قالت جدّتي بيل غاضبة من جديد ،وهي تنزل - المكنسة وتوجّهها نحو رأسي .عمّك انتقى أحسن إعدادية موجودة .أال تكون لديك النّية في أن تُصبحي متوحّشة؟ أشعلتُ الشّمعة فأطفأتها الرّيح .الحديث في موضوع المدرسة كان من شأنه أن يتطوّر أكثر من ال ّالزم ،وأهوَن منه الحديث عن الموت .سارعت بالقول ّ إن الدّجاجة السّوداء التي كانت تسمّيها شيكا ،قد سقطت في الخمّ ،جامدة العينين مفتوحة المنقار .تفحّصتني الجدّة بيلّ . نكست رأسي ،وجهي متضرّج مثل رمّانة .فأنا بمجرّد بدايتي في كذبة أُصبح على الفور شديدة االحمرار. صرخَت متسائلة كيف يمكن لشيكا أن تكون قد نفقت وقد كانت منذ بضع ثوانٍ تنقر حبّات ذرة من ك ّفكِ؟ وما الذي دعاني ّ للذهاب إلى البحث في الخمّ؟ كما لو ّ أن فعلة جواو كارلوس ال تكفيْ ،إذ ذهب ليجسّ مؤخرّات الدّجاجات كي يعرف إن كانت ستبيض. -
كنت أريد أن أعرف ما إذا كانت دجاجة الكرنيزة قد فقصت بيضها.
هممم – دمدمت الجدّة بيل وهي تجمع نسيج العناكب المتداخل - مع زغب المكنسة .تو ّقفت ،نظرتها تائهة في الخارج .لم تكن غاضبة ،وإنّما هي حزينة .بدا صوت نشيد الزّيز مرتفعاً .هناك حمقى طيّبون وحمقى شرّيرون، قالت .كونستانس هي ّ الطيبة نفسها ،لكنّها إن لم تكن تُع ّقد األمور ،فهي أيضاً ال تساعد في شيء .وحفيدي ،جواو كارلوسّ ، الطفل المسكين ،وهو يرى أمّه على هذه الحال ...هو سيذهب إلى إعدادية جيّدة ،أنا أعرف ذلك ،لكنّ ما أخشاه هو أن يُعدَى من عائلة أمّه ،أضافت أيضاً بصوت خافت وهي تنظر مرعوبة حولها .هم خير ُة النّاس ،لكن بعقل ناقص. وماذا عنّي أنا اليتيمة ،أردتُ أن أقول .لكنّني التزمت الصّمت .أنا لم أبك عندما ماتت أمّي ،وال عندما مات والدي ،لكنّني أطلقت أفظع صرخة عندما أتت مديرة المدرسة كي تعدّل من ياقة بدلتي المدرسيّة بذلك الشّريط األسود الذي َ ربطتهُ إلى الياقة جدّتي بيل .في هذه السّن الصّغيرة ،ويتيمة! قالت .كلمة يتيمة التي رأيتها على غالف السّلسلة كادت تخنقني من فرط ما بكيت .لم يعلم بذلك أحدٌ من البيت .والجدّة بيل كانت حزينة بسبب هذا ّ الطفل التّافه .كنت أفضّل أن أراها غاضبة على أن تكون حزينة ،فسارعتُ إلى التّطرّق لموضوع ذي غرابة ،لكن لم ينتج عن ذلك أيّ ابتهاج ،باستثناء اليعسوب الذي دخل في شعاع شمس وذهب ليقرع بمنقاره المصباحَ قبل أن يعود إلى الخروج سعيداً عبر النّافذة .عملياً ،لم يكن تب ّقى من الشمع شيء، لكنّني كنت أريد ثانية أن ّ أقطر آخِر قطرة ساخنة على النّملة الحمراء التي خرجت من ثقب صغير في قطعة خشبية .لمحَتها فوضَعَت ك ّفها على رأسها وسارعت إلى ّ الثقب نفسه. هي تنبعج كثيراً .إنّها ناضجة ،قال جدّي الذي أقبل حام ًال فاكهة - جاكا بين يديه. أخ ِرجها من البيت ،بحقّ الرّب! أال ترى أنّها تقطر على األرضية - الخشبيّة التي قامت األخرى لتوّها بغسلها؟ وأنت أيّتها الصّغيرة ،أطفئي تلك الشّمعة قبل أن تشتعل النّار في البيت. أربع كي أمسح بطرف قميصي قطرات العصير التي كانت انزلقتُ على ٍ ُ تسقط قرب حذائها .حاذر يا جدّي ،قلتُ ،فوضع ك ّفه األخرى على الفاكهة وضحك غامزاً لي بعينه .انتصبتُ واقفة وذهبت إلى المطبخ باحثة عن ملعقة ّ وسكين وخرجنا ،نحن اإلثنين ،من الباب الخلفي .جلسنا على حافة البئر .لوال ذلك الزّيز الذي يُجهد نفسه في اإلنشاد ،لكان ما بعد ّ الظهيرة هذا غارقاً في صمته .من المفروض أن يكون رهط الكالب قد دخل ،ولم يبق إ ّال فولي ولويزاو النّائمان ممدّدين تحت الشّجرة .انبثق سرب من النّحل األصفر ،مجلوباً بعطر الفاكهة. -
جدّتي بيل غاضبة ،قلتُ .هل شربْتَ؟
وضع إلى جانبه عصاه الشّبيهة بساق وردة ،وأمسك بالسّكين وجعل يجزّئ فاكهة الجاكا إلى قطع. شربت قلي ًال فقط .لكنّني دخّنت أكثر من ال ّالزم ،ما كان علي أن - أقوم بذلك .ال تشغلي بالك يا صغيرتي ،فجدّتكِ تلك ،هي في أعماق قلبها تجسيد للطِيبة .طِيبة ال غير. -
والوردة يا جدّي؟
قدّم لي قطعة كبيرة من الفاكهة واستمرّ في المضغ غير مستعجل .بعد ذلك مسح ذقنه وس ّلمني منديله ،وشرع في إعداد لفافته ،عيناه السّوداوان الصّغيرتانتلمعان. - شتنبر. -
حسب تقديراتي ،من المفترض أن يتفتّح أوّل برعم أخضر في ومتى يكون شتنبر؟
(البقية ص )12
العدد 1015
الشمال الثقافي
الثالثـاء � 15إلى � 21أكتوبر 2019
12
نص قصصي برازيلي
الوردة الخضراء (التتمة ص )11 نفخ جدّي دُخّان سيجارته في الهواء ّ وظل على تلك الحال ينظر في السّماء. هيه! يا لها من جاكا ضخمة! قال جواو كارلوس الذي أقبل بخ ّفاش صغير في فخّ على ذراعه .ثمّ لمز في اتّجاهي :تُعيرينني العدسة المكبّرة؟ كان يُمسك ُ بالك ّالب وبمقصّات صغيرة مُذهّبة تحتفظ بها العمّة كانستانس في علبة ،ويقضي ساعات في التّقليب في حيوانات مسكينة نافقة ،إلى أن ينشر ّ كل فظاعاته على ل ِبنة .فهو يريد أن يُصبح طبيباً. آمل أن ال تكون مقب ًال على معاملة هذا الخ ّفاش معاملة سيّئة ،قال الجدّ وهو يشير إلى الفخ. أنا ال أعامل أي حيوان معاملة سيّئة ،قال جواو كارلوس مُحتجّاً ،وقد أصبح محيّاه شديد االحمرار ،فهو أيضاً كان يتضرّج وجهُه عندما يكون يكذب .لقد أمسكت بهذا الخ ّفاش فقط كي أراه عن قرب .بعد ذلك سأطلقه. تأمّلت الخ ّفاش الذي كان يبدو نائماً ممدّداً داخل الفخ. كان يبدو بجناحيه ّ الذاويين وبعينه المغبرّة شبيهاً بالكونت مصّاص الدّماء في الفيلم الذي شاهدته في السّينما ،لكنّ وجهه كان مليئاً بال ّلطخات التي شاهدتها على وجه المتشرّد المسنّ الذي تقاطعت معه في الشّارع.
- ميمو.
استخلصت أمس العديد من اليرقات من رأس
َ نعم ،لكنّه ع ّلق أيضاً َ القطط التي شاهدتُها غسيل مثل ٍ مثبتة إلى الحبل من أذيالها وهي تموء بحرقة .ولو لم نكن بي ّال وأنا هناك لكانت القطط ك ّلها قد نفقت جرّاء العاصفة التي هبّت .لم أنبس ببنت شفة .انصرفت قبل أن يُطالب من جديد بالعدسة المكبّرة .كانت العمّة كونستانس تنزل درجات الشّرفة ،مرتدية مالبسها وكأنّها في طريقها إلى حفل .هي تقوم ّ كل صباح بالشّيء نفسه .تستعدّ وتمكث منتظر ًة ساعي البريد الذي ال يأتي .لكن ذلك لم يكن يُغضبها ،فهي ستقوم يوم غد بما قامت به أمس .اقتربتُ منها وسحبتُها من يدها. -
تعالي معي لتري الورود.
مشيت في األمام ،ومشت هي خلفي .كانت الوحيدة التي تُطيعني .فستانها األبيض ينجرّ قلي ًال على األرض ،ووجنتاها الملوّنتان تشبهان وجنتيْ دميتِي المصنوعة من السيليلود والتي كانت تُصبح بيضاء في النّهاية لكثرة ما كنت أجعلها تستحمّ. -
زوجي جونيور ،هل تعرفين أين يوجد؟
عندما يريد النّاس المتقدّمون في السّن إخفاء موت شخص ما ،يقولون إنّه سافر .كان العمّ جونيور قد سافر بالفعل ،لكن يُستحسن تغيير موضوع الحديث .انحنيت وقطفت أقحوّانة وقلت ضعيها في شعرك يا عمّتي! امتثلت وأطلقت ضحكة .عندما تضحك ،تبدو أسنانها الصّغيرة البيضاء مثل قطرات حليب صغيرة .تفحّصتني لحظ ًة، َ الخجل. باديّة ِ -
ألست ابنة ألميرو؟
أجبت ْ أن بلى برأسي ،لكن وقبل أن تنطلق في طرح األسئلة ،قلت إنه هو وأمّي والجميع ،قد سافروا .جدّي يقول إن بإمكانه أن يقرأ في السّماء كما لو كان يقرأ في كتاب مفتوح. هو يقول أيضاً إنّنا نقرأ على وجوه األشخاص ،لكنّني أعتقد أن ال شيء موجود للقراءة على الوجه األملس للعمّة كونستانس. أنا أبحث عنك ،قالت بي ّال وقد أقبلت تعدو ّ متقطعة األنفاس .ثمّ مسّدت شعر العمّة كونستانس. -
والجدّة بيل؟ سألتُ ،أما تزال تمسح السّقف؟
ك ّال .هي اآلن في المطبخ تقلي البطاطسّ ، ألن األكل جاهز تقريباً ،وسيكون مصحوباً ببطاطس مقليّة. كانت هي التي تُعنى بي في المزرعة ،لكنّها هنا ترعى العمّة كونستانس .تركتهما معاً توشوشان وقصدتُ الجهة المشمسة .عندما تمدّدت على العشب اضطررت إلى إطباق جفني بسبب النّور القوي .يقول جدّي إن أبي وأمّي قد انصرفا مثل خيط دخّان ،وأنّهما ليسا مَنْ دَ َفنّا .وإذن فأين أنتما اآلن؟ سألت السّحابة التي مرّت فوق الشّمس ثمّ واصلت طريقها .أقبل الكلب لويزاو في قمّة فرحه وطفق يلعق وجهي. دفعت عنّي خطمَه .أي طعام نتن كنت تُق ّلب فيه؟ انصرف
َّ الطريق
محمد بوجبيري
عيدا َع ِن ْال َآخرين، َي َو ُّد َل ْو َي ْن�أى َب ً
عيدا، َب ً �ضا، �أَ ْي ً قيم ِ فيه. �شاب ِه مْ ال ِ َع ِن ال َّت ُ
ال�شاه ِق ِ ِ فيه، بال�سامي َيلوذُ ّ ِال ِل َّي ِة ال ّنا ِئ َم ِة. َوب خْ َ ف قَ ْن َط َر َة ا ْل َع ْو َد ِة، َي ْن ِ�س ُ َو َ�أ ِ قا�ص ًيا، يف َ�س ْه ِب ا ْل ِغ ّي ِ اب،
�ش ُد، َي رْ ُ َ َو ِم ْن �أ ْعال ِج�سرْ ِ ا ْل ُعبورِ ُي ْلقي، يف ال َّن ْهرِ ،
الطريق
علينا أن نكون رحماء ،أتدري ما هي الرّحمة؟ سأل الجدّ وهو يُطبق ك ّفيه.
نابحاً وتوجّه ليتشمّم الكلب فولبي .تل ّقى عضّة قويّة على أذنه ،وفجأة انطلقا معاً ينبحان فرحيْن .عندما مررت بالقرب مشاتل وردِ جدّي داعبت بُرعماً بطرف ظفري .كان أبيض من ِ ال ّلون .ما يزال الوقت باكراً .تو ّقف الزيز عن الغناء ،فساد الهدوء، ولم تعد هناك ،بعيداً هناك ،سوى أولى زغاريد قادمة من بعيد. أنا اآلن أعرف الدّواب والنّباتات .أُصبت بصدمة عندما بدأت أستعمل العدسة المكبّرة التي كان جدّي أهدا ِنيهَا بمناسبة أعياد رأس السّنة .هذه إذن هي رؤوس الحشرات تحت العدسة المكبّرة؟ أصبت بالرّعب ،لكنّها ،مكبَّرَ ًة بتلك ّ الطريقة ،تبدو مرعبة ح ّقاً! انذهلت عندما انتبهت إلى ّ أن تلك الحشرات ك ّلها هي مثل البشر عندما يكونون في لحظة احتفال ،أو في حالة شجار .كانت تشتغل دون تو ّقف .ومثلما كنت أرى النّاس يتجمّعون يوم األحد في فضاء الحديقة ،كانت هي أيضاً تحبّ أن تتس ّلى ،وكانت تحبّ أن تتشاجر ،وبعض تلك المشاجرات كانت فظيعة ،إلى درجة أنّني كنت أنصرف راغبة في القيء. كان مثيراً لالشمئزاز ُ رؤية ،تحت الزّجاج ،عيناً وقد ُغرست فيها ً السّاق المنزوعة ما ، ال قلي أبعد هناك نبلة بعمق ،أو رؤية، ِ تزال ترتعش أو الرّأس مقطوعاً أيضاً ،أو ذلك الجسد منزوع الرأس ،يعتمل بفعل التّشنّجات ،وهو يحاول أن يسترجع الجزء المقطوع .كان بإمكاننا حتّى أن نرى ،تحت المجهر ،الوجه المهموم لنملة وهي تحمل على ظهرها نملة مجروحة أو ميّتة ،كما كان يفعل الجنود في أفالم الحرب .كانت العنكبوت ذات الشّعَر هي األفظع ،بعينيها ال ّلتين تصبحان كبيرتين وهي تمصّ ّ الذبابة الضّخمة بدورها والدّائخة وهي تحرّك سيقانها صائحة ،وقد وقعت في حبائل نسيج العنكبوت .أغيثوني! وحسب حالتي المزاجية ،كنت أُنقذ أو ال أنقذ الخنفساء الصّغيرة التي تدفعها أمامها الدّود ُة البيضاء بقرنيها .جدّي يتحدّث كثيراً عن الحالة المزاجية تلك ،والتي كانت تدفع إلى فعل هذا األمر عوض القيّام بذاك .حسب حالة المزاج هذه إذن ،كنت أقرّر في الزّمن الذي ستعيشه الخنفساء؟ هذه الجمهرة من الحشرات كانت تحبّ أيضاً أن تعيش حياة الفسوق .لكن إن كانت الحشرات الكبيرة تطلق أنّات تعبر الجدران ،وإن كانت ّ القطات فإن ّ تموء بصوت أكثر ارتفاعاًّ ، الذبابتين ال ّلتين اكتشفتهما داخل كأس لم تكونا تصدران أدنى نأمة .ظ ّلتا ملتصقتين هنا في قعر الكأس للحظة .أم ربّما تكونان شارعتان في الحديث وأنا ال أسمع؟ أمسكت بصُغراهما من جناحها بينما أقلعَت الكبرى دائخة ،وهي ما تزال مرتبطة باألولى بحبل صغير ّ يتمطط شبيهاً ببصقة .أيّتها العزيزة ،أيّتها العزيزة ،ردّدتُ داخل الكأس ،وأنا أق ّلد صوت ّ الذباب :زززززز .عيل صبري في النّهاية فحملت الكأس إلى جانب الفرن وقذفت ّ بالذبابتين في النّار .انتبهت أيضاً ،بواسطة العدسة المكبّرة ،إلى ّ أن النّباتات ليست بتلك الدّرجة من السّكون .ما يحدث هو أنّها تحضر متباطئة إلى أشغالها ،باستثناء الوردة (كوميلونا) ،النّهمَة كما ّ يدل على ذلك اسمها .فهي سريعة للغاية .كنت أتابع جُع ًال عندما اختفى فجأة في الفم المفتوح للوردة ،ففهمت على الفور؛ لقد أصبح الجُعل أسيراً ،وسيُلتَهم حيّاً .أدخلت يدي في الفم المنافق للتّويْج البنفسجي ،وأخرجت الجعل .هيّا ،أفلت بجلدك! في تلك ال ّلحظة نفسها أمسكني جدّي من ذراعي .ح ّققي لي سعادتي بترك هذا الشّعب الصّغير في سالم .أعتقد أن الخوف الذي جعلني أقفز كان مماث ًال لخوف الجُعل الذي ارتعش وقفز قفزة كبيرة مثل العالم .كنت أرتعش أنا أيضاً عندما أرَيت جدّي بقيّة الشّوكة في عمق التّويج ،والتي لم تكن شوكة بالمعنى الحقيقي للكلمة ،وإنّما سنّاً .أترى يا جدّي؟ لو كان دخل ال ُقمع، كالك ،لكانت أطبقت فمها .أعاد لي جدّي العدسة المكبّرة. وبعدُ؟ أنت ربّة؟ اِهتمي بحياتك ودعي ّ الطبيعة في سالم. وضعت العدسة المكبّرة في جيبي ّ وفكرت في ّ أن علي ذات يوم أن أحكي لجدّي أنّني قد ألقيت ّ بالذبابتين ملتصقتين في النّار .هل ربّما يكون شعب النّمال الصّغير موجوداً في الجوار وأنّه شاهد ما حصل؟ كنت على وشك تقطير الشّمع السّاخن على النّملة الحمراء الضّخمة .وماذا لو أقبلت ابنتها الصّغيرة ورأت أمّها ميّتة داخل قطرة الشّمع؟ ثمّة أيضاً تلك اآلنيّة المليئة بدود األرض الذي دفنته حيّاً ولم أستطع بعد ذلك أبداً أن ّ أتذكر المكان الذي توجد فيه اآلنية .وحشرات الجُعل التي كنت أخِزها باإلبر التي آتي بها من علبة خيّاطة جدّتي بيل؟ أنتِ بحثت في علبتي؟ كانت تسألني فيصبح محيّاي على الفور ّ المؤكد أنّني لن أعير العدسة مثل رمّانة ناضجة .لكن من المكبّرة لجواو كارلوس .أليس له أبوه؟ وأمه؟ قد يكون العمّ جونيور مسافراً ربّما ،لكنّه سيعود .والعمّة كونستانس مصابة بالتّأكيد ببعض النّقص في العقل ،لكنّها حيّة على أيّ حال، أليس كذلك؟ ال تأتِ لتطلب منّي أيّ شيء ،أنا اليتيمة .أنا يتيمة! كنت أصيح .ظللت أستمع لصرختي تتضاعف وتتكرّر أبعد فأبعد ،وهو ما يسمّى ،كما قال لي جدّي ،صدىً .أوه! جدّي .في شتنبر ستولد الوردة الخضراء ،يا له من عيد! كانت الجدّة بيل قد أخطرتني ،تبّاً ،أنّني سأذهب ،السّنة المقبلة إلى اإلعدادية .لكن ذلك لن يكون على الفور .قبل ذلك ستكون ثمّة الوردة واآلن سنأكل ،وهناك بطاطا مقليّة .مددت ك ّفي في العشب الدّافئ ،ومسّدت مطوّ ًال فرائص األرض.
ب ِ ال ِّياب. ِذاك َر ِة ْ إ َ�أ ْد َر َك، َح َّد ْال َيقنيِ ، َ ِ�س ِة، �أ َّن ث ََّمةَ َم ْن َي ْ�س َب ُح يف ا ْلياب َ ال ِ حيط. قيع مْ َكما َل ْو �أَ َّنها َم�ساب ُِح ِم ْن َت ْو ِ عي�ش يف ُج َّب ِة ا ْل َو ْه ِم، َي ُ ريق. الط رين آخ ال لى ع لي ي ْ َ َ َّ َ َ َو مُ ْ َ ثريين ِم َن ا ْل ُع ْم ِ يان، �أَ ْد َر َك �أ َّن ا ْل َك َ �صري ًة، َب َ َ طيع ِم ْن ِخ ِ انور ْج(، )Panurge َكما َل ْو �أ َّن ُهم قَ ٌ راف ّب ْ ِ أَ ريق: الط لوا �ساء ل َّن ُه ْم ما قَ ُّط َّ َ َ َ _ �إِلى �أ ْين؟ دوه، َو َج ُ َكما َو َجدوا، يف �أَ َّو ِل ِه حْ ِ ذاء ال ِ جْاه َز، ال َ الظاللِ ، وما َي ْكفي ِم َن ال َّنوايا َو ِّ فَ �ساروا بِال ٍ زاد، �ص َل ٍة، َوال َب ْو َ �ساءلون، َو َي َت َ َب ْع َد �أَ ْن َم َ�ش ْوا ا ْل ُع ُم َر ُك َّل ُه، ل َي ِ �صلوا؟ ل مِاذا مَ ْ ما قَ َّدروا، َح َّق قَ ْدرِ ِه، حال، الت َ رِّ ْ َ َ ريق، الط ن � أ كوا ر د � أ ما َو َّ َ َّ ْ َ تاه، َو�إ ِْن َ ي�شي، ف ي ك اء �ش ال ّ َ َ مَ ْ ُي َع ِّل ُم مْ َ َ ْ ف، َو َك ْي َ الر ِ ئات، يف ِّ ال�سافَ ة. ُي َد ِّب ُر مْ َ َ ث، قَ ْد ُي َع ِّل ُم ُه �أ اّل َي َت َع رَّ َ ال َط ّب ِ ال َفر. ات َو حْ ُ َو�أَ ْن َي َتحا�شى مْ َ النري، داء ِب َن ْج ِم ا ْل َف ْجرِ مْ ُ قَ ْد ُي َع ِّل ُم ُه ْ االه ِت َ َو�أَ اّل ُي ْخ ِط َئ جْ ِ الهات، ِ ال ْ�ش ِي ف جاء إِ�لى مْ �س ب ُِو ْ�س ِع ِه َ�أ ْن ُي َع ِّل َم ُه َك ْي َ َ لك ْن َل ْي َ ال ْم�شى، َو مْ َ الغايةُ ؟ َوما َ َ َ ال ْ�ش ِي، ب ُه ب مِا َب ْع َد مْ َ �س مِ َ ب ْقدورِ ِه �أ ْن ُي ْخ رِ َ َكما �أ َّن ُه َل ْي َ الطريق. َوما َب ْع َد َّ
العدد 1015
الشمال الثقافي
ثالث قصص قصيرة وجه الحبيب
-1-
-2ظالل خوف
تحلقنا ،ونحن مجموعة تالميذ صغار ،حول من كنا نلقبه بـ»الجن « ،وقد كانت تأسرنا حكاياته وتأخذ بألبابنا ،إذ لم نكن نعرف صوراً وال مشاهد تعجز صاحبها الذي كان يتفنن وهو يروي ،فيذهله ما كان يتراءى له من دالئل الدهشة واالنبهار على مالمح وجوهنا البريئة ،بل كان يكاد يسكر وهو يرى تقلب عيوننا من الخوف ،فتكبر عينُ هذا ،أو تغمض عينُ ذاك ،ممن يجمعهم بيننا األعجابُ بقصصه وحكاياته. لكنه هذا المساء ،وهو يسوق قصة عن نار نهانا ، خبير ،عن إطالة النظر وهو يعظنا كشيطانٍ من اإلنس ٍ إليها ،بل حتى عن مجرد اختالس النظرة الخاطفة إلى أي قبر ،متى ما اشتعلت فيه نار ،والعياذ باهلل ،فزاد التهابُها ـ تأججت السنتها أم لم تتأجج ـ فإنها لن تترك الناظر إليها حتى تأخذه إليها: ـ وأنت لن تحس بانجذاب خطاك إلى القبر رفق ٍ على الطريق إليه ، وقدماك تمسان األرض في ٍ حتى تلقي بك في أعماقه. *** يرتعش صوت الراوي ،وتتسارع أنفاسه ،بما يوحي بأن ما يُرى من نار القبر ال يعني غير نزيله الذي يكون ُّجها ،يعاني مما ال يمكن وحده تحت ثراه حينَ تأج ِ
أحمد بنميمون ألحد من األحياء على األرض ،أن يعينه عليه .لكنها تستطيع أن تصل إلى غيره لو أرادتْ ،فتتسع حدقات عيون الصغار ،وقد ِّ ملئت قلوبُهم رعباً ،وقبل أن يفكر أكثرنا كيف يكون له أن يتخلص من هذا الخوف الذي يمأل أقطار نفوسنا كأكبر كابوس ،يكون الراوي قد بلغ قمة انتشائه من سرده ،ويتبادل مع الكبار ،ممن تحلقوا حوله ،نظرات تؤكد أنه لم يكن كاذباً في ما روى ،فقد صار يرى في عيون الجميع ظالل خوف لم يستطع أحد أن يتخلص منها ،حتى هو نفسه ،خاصة وأن الظالم صار يغطي أغلب األماكن القريبة من مراقد نومنا ،وأن المشرفين عليها كانوا ال يتوقفون، بعد انصرافنا عن تناول طعام العَشاء ،عن حثنا على الدخول إلى حجرة نوم ،مترامية األطراف كانت بها ٍ المئات من أسرتنا الحديدية ،حتى يتم لهم إغراق نفوسنا ،ونفوس كل من تؤويهم هذه الحجرة ،طوعاً أو كرها ،تحت ظالم بهيم.
«لطيفة»
-3-
لم أكن أشك لحظة في أنها كانت من المالئكة، وقد محضتُها ،من جهتي ،حبا خالصاً من أية شائبة، بل إني لم أحلم أن ينتهي حبِّي إياها بوصال ،كما كنت أعتقد أن أبويها اللذين كنت أرى أحدهما ،ليسا بشرين ،وأن فمها الجميل يجل أن ينطق مثلما ينطق لساني ،بلفظتي «أبي» وأمي» .وإن كنت ال أسمع شيئاً من ذلك من فم صديقي الذي كان الموت قد اختطف أمَّه ،وباعدت مهنة أبيه بينه وبين أن يؤويه في دفء ظله. كانت بالفعل في نظر من كنتُه يومذاك مالكاً ،وإن كانت تتفضل أحياناً وتطل من وراء حجاب في عُالها، علينا أنا وصديقي الذي كان يكبرني قلي ً ال ،فيدفع بي أن نكمن لها في أقرب منعطفات الطريق إلى بيتها، لتتناول مني ما كان يثقل به يديَّ الصغيرتين من هدايا وقطع حلوى ،وهو يتحرق من شوقه أن يراها ، ولو من وراء ما كانت تتوارى خلفه من حجب تحميها أكثر من ُقوَى ،فقد كان صديقي بشراً سوياً ،بينا كنت في جنة طفولتي ،أشبه ما أكون بمالك ال تحرك دنياه رغبات البشر ،فلم يكن يُحجب عني وجهُ مالك .أو أمنع ـ تحت أي ظرف ـ من أن أخترق أي مجلس ،أو تصل قدماي إلى أي مكان ،عامّاً مكشوفا للعيون كان أم خاصّاً تحميه الحجب واألستار. لكن ال يظل طفل ما مالكاً متى ما بدأ يطربُ لرغاب تدغدغ كل جهات بدنه الذي أصبح يكتشفه ويحرك كل قواه ،فيشعر بجوع إلى امتالك كل ما يراه، وماذا إذا ُ عظمَ عطشه إلى ما يملك عليه صحوه ورؤاه ،وقد غدا يشبَّ دبيباً غامراً في الوجدان. لم يكد طفليَ يصحو من غفو أحالمه ،ليبحث بعدها عن صديقه وفاتنة أيامه ،فلم يعثر على شيء منهما وكأنهما تبخرا بين عشية وضحاها في غمرة ما تبخر من أوهامه. 2019/04/22
رفيف حلم �إنك تنبت يف وجه كل الأماكن ال �أملك غري هذا الغروب وم�ساحة من وطن ينزف باحلمام بالغربان رفيف �أجنحتها بال�س�ؤال يقذف يوقظ يف ... ده�شة مو�شومة بالتعجب �أ�سمع بوح موجها من بعيد �أ�سمع انتفا�ضة رذاذها على وجهك ووجهي على �سطوري املنت�شية برتنيمة الغجرية �أغو�ص يف موا�سم عينيك �أبقى �صاحية �أمار�س طقو�س االغرتاب فيك فالنهار قب�ضة من �أحالم انتهت �صالحية تق�سيمها حلق الوجع مبحوح ال تغد �شهيد حفلتهم املوقوتة من �أجلك انا ال�شعر ... و ن�شيد فجر .. هم يقيدون حبال ال�شهيق والكالم املباح يقيدون مننمات الرباءة يف عيون طفولتنا يكممون �أفواه �رسب احلمام الزاجل ال يليق بنا املقام على �ضفاف من�سية �إنهم بع�ض من كل على رفوف احالمنا �ألفوا التجوال ببنادقهم املك�سورة ن�سيج �أحجيتنا نور من فوهة نب�ض حي لن �أكابر ..... .. ل�ست مرغمة على ك�رس الكلمات ولن �أ�سافر متورطة بالن�سيان ثملنا بفو�ضى االن�صهار بفو�ضى الأحزان اتركني �أمنو فيك ...كزهرة �أمل الرفاق ي�شهدون تراتيل �صالتي ي�شهدون �أين طرزت الر�ؤيا وانت�شلت �أوراقنا البي�ضاء قبل ال�رشوق من حقول احلكايات املخ�رضمة ل�ست يف حاجة ملعزوفتهم امل�شنوقة وال حتى لأناملهم املتورطة يف �رسقة ال�صبح من مهده كنت قدميا هناك �أح�صد بقايا �سطور وحروف �شاردة يف حقول الهم�س يف حقول ملحمة احلب يف حقول ال متلكها ال�شياطني ا�ستدرجت الغروب ليبت�سم للفجر حتى ترق�ص فرا�شات االنت�صار لرحيل وجوه �ضاعت مالمحها يف �شوارع ال عناوين لها ال �أر�صفة �سجلت �أ�سماء املوتى ب�صمت على لوائح احلياة بال و�ضوء ...بال �صالة باقية �أرو�ض احلا�رض ظلك .. مالمحك وق�سم احلياة تذكرين اين من �أجلك كل املدن كل العوا�صم اين كل الف�صول ....والقوايف ال�ضوء مازال يقاوم بني �رشوقنا وغروبنا بني بيا�ضنا وقلم مربور
مليكة الجباري
رفيف حلم
كان «جميل» الهائم بين مفاتن بطاح ضفاف النيل وروابي ربوعه الحبيبة ،وليس بين يديه شيء مما اعتاد حمله ،وفي عينيه بقايا صور عن أحباب اعتقلهم الحاكم ،لكن إلى أين تراه يستطيع دفع خطواته اللحظة؟ إلى التي حرمه بعدُها النوم ،يوم كان يئس حتى الذ بالسفر ً آمآل أن ينسى .لكنه اآلن ً يرغب في رؤيتها ، ،لعله بذلك يروي شوقا يحس أنه يشتد ويقوى. يرى الشمس وهي تتهاوى آيلة إلى غروب ، ،وقد امتدَّ على جبهة األفق الكبير شحوب ،فال يحزن له أو يفرح ،إذ ال يتوقف ما يراه من ألوان عند احمرار التهاب ،أو رماد يزداد سواداً ،حتى لتغطي الكون ٍ جُهمتُه بشديد عبوسها ،متجاوبة من لها عويل العواصف المخيف ،فكأنه بكاء آالف الرجال والنسوة وقد أخذا إلى معتقالت وسجن وراء الشمس ،أو في قاع آبار تحت األرض .وبينهن ـ وال شك تلك التي أحبها ،فهل من سبيل إلى تحريرها؟ وسيبذل في سبيل ذلك النفس والنفيس؟ مال إلى ظل صخرة ،وهو يتمنى أن يرى بشائر أي دليل يقوده إلى صفوف أهله الذين استجابوا إلى نفير التغيير ،وساروا في الطريق أفواجاً ال يخافون وال يرهبون نذر عصي وال طلقات نيران بشير، فلما كان الفجر نهضت به أحالمه ،وطار به أكثر من جناح على أكثر من منحدر لتفاجئه طالئع مسيرات ومظاهرات تتلوها أسراب نساء وفـتيات كأن النهر قد فاض بالطوفان المنتظر ،فالجميع في الطريق إلى ساحات اليوم الموعود ،ليرى من أحبها وهي على منصة تنادي وتدعو ،فيهزج بجميل النشيدُّ ، كل لسان كان حبيس خوف وسجين قيود .لتستوي فرحة النهار بمواويل الليل في احتضان وجه الزمان الحبيب.
الثالثـاء � 15إلى � 21أكتوبر 2019
13
الشمال الثقافي
العدد 1015
الثالثـاء � 15إلى � 21أكتوبر 2019
14
المتصوفة والصعاليك : كيانان ال تحتمل خفتهما ! ياسيـن الحـراق وردت كلمة الصعلكة رديفا للفقر في لسان العرب، فالصعلوك معناه «الفقير الذي ال مال له» .ويوافق يوسف خليف ،ابن منظور في تعريفه للصعلكة ضمن مؤلفه «الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي» ،حيث يرى أن الـصعلكة في المفهـوم اللغـوي تعني« :الفقر الـذي يجـرد اإلنسان من ماله ،ويظهره ضامرا هزيال بين أولئـك األغنيـاء المترفـين ،الـذين أتخمهم المال وسمّنهم». كما ينطبع التصوف بالفقر ،فعالمة الصوفي الصادق ،حسب أبي حمزة البغدادي «أن يفتقر بعد الغنى ويذل بعد العزة ويخفى بعد الشهرة» حتى يصفو قلبه من ملذات الحياة .ويوافقه في ذلك أيضا سمنون المحب في إحدى إجاباته عن معاني التصوف ،فالتصوف بالنسبة إليه «أن ال تملك شيئا وال يملكك شيء» .بينما يذهب الصوفي فريد الدين العطار إلى اعتبار المتصوفة الخلص ،هم الذين يكون فقرهم كفقر المسيح .وقد كان المسيح أكثر األنبياء فقرا «يلبس الشعر ،ويأكل الشجر ويبيت حيث أمسى» بدون أن يمنعه فقره من تكريس حياته لنصرة الجياع اليائسين ،داعيا إلى إنصافهم. وفي المقابل اتسمت حياة الصعاليك ،بالقسوة والحرمان والمعاناة ،باعتبار نمط الحياة القائم في شبه الجزيرة العربية ،نمطا يغلب عليه طابع البطش والفتك والجور والتجويع ،حيث يستبد الموسر وينبذ المعوز ،وأحيانا يتمدد الطغيان ليفضي إلى طرد أبناء القبيلة العاقين؛ ومن ثمة كان ال بد من انبثاق الصعلكة كأسلوب في الحياة لتشكل حركة تمرد ضد تسلط السادة والميسورين األشحاء. ويطلعنا الرواة القدامى على تجربة هؤالء الشعراء المتفردة ،وذلك خارج نمط الفتك والنهب الغالب على معظم شعراء الصعاليك ،حيث تقوم هذه التجربة على مبدأ إعادة توزيع الثروة على فقراء البدو بعد نهبها من الميسورين .ويصنف كل من عروة بن الورد العبسي وأبو خراش الهذلي ومالك بن الريب، ضمن الشعراء الصعاليك الذين ال تحتمل خفتهم. وهكذا صارت الصعلكة آصرة توحد بين من ال صوت لهم في القبيلة ،وبين الثائرين على أعراف وتقاليد النظام القبلي ،وفي اآلن نفسه تشكل موقفا صريحا من البذخ ،ما يفسر توجيه غارات غزوهم نحو الوجهاء وذوي النفوذ والسيادة. بيد أن المتصوفة اتخذوا ألنفسهم الفقر طوعا، باعتباره مسلكا ينحو نحو الخالص األبدي وتصفية للنفس من شوائب الدنيا وملذاتها ؛ لكنهم يتشاركون خصائص التهميش والنفي والتقتيل ،وهي خصائص انطبعت بها حركة الصعلكة أيضا .فإذا كان الشعراء الصعاليك عزلوا بسبب مواقفهم من النظام القبلي، فقد ضيق على المتصوفة بفعل تعارض حموالتهم المعرفية مع أفكار الفقهاء المرتكزة على الظاهر، ونتيجة لمواقفهم من بذخ أرباب الدولة والميسورين بالخصوص .فقد كان الحالج والثوري والبسطامي والجيلي… أكثر نصرة للفقراء يلهجون بلسانهم ويدافعون عنهم. هذا الموقف الذي انتهجه المتصوفة اتجاه األغيار والفقراء ،سيفضي مثال إلى تشنج عالقة عبد القادر الجيلي – أحد كبار رجاالت التصوف – بالخليفة العباسي محمد المقتفي. فالجيلي نتيجة تواتر الفوارق االجتماعية داخل العاصمة العباسية بغداد ،وتفشي مظاهر الفساد والظلم ،سينتهي به المطاف إلى إصدار دعوة تجيز انتزاع الثروات من أرباب الدولة ووجهائها ثم إعادة توزيعها على المهمشين .ومن هنا يتبين أن وظيفة
التصوف عند عبد القادر ،تتجاوز فناء النفس عن مذموم األفعال ،إلى محبة العوام واالهتمام بهم ومجافاة السلطة إن انزاحت عن خدمة الجياع .وقد ورد عن الجيلي في «مسالك األبصار» البن فضل ما يعضد هذه الوظيفة« :فتشت األعمال كلها فما وجدت فيها أفضل من إطعام الطعام وال أشرف من الخلق الحسن. أودّ لو كانت الدنيا بيدي أطعمها الجائع ،كفي مثقوبة ال تضبط شيئا .لو جاءني ألف دينار لم تبت عندي». ويبدو أن حياة عبد القادر الجيلي القاسية حملته على التقرب من الفئات المسحوقة ،حيث يورد صاحب «الذيل على طبقات الحنابلة» ضمن المجلد األول بعضا من معاناته« :وكنت أقتات الخرنوب الشوك وقمامة البقل وورق الخس من جانب النهر والشط، وبلغت الضائقة في غالء نُزل ببغداد أن بقيت أياما لم آكل طعاما ،بل كنت أتبع المنبوذات أطعمها ،فخرجت يوما من شدة الجوع لعلي أجد ورق الخس أو غير ذلك فأتقوت به فما ذهبت إلى موضع إال وغيري قد سبقني إليه .وإن وجدت أجد الفقراء يتزاحمون عليه فأتركه حياء». إن مذهب الجيلي هنا ،يتقاطع كثيرا مع مذهب «عروة الصعاليك» في سعيه إلعانة المسحوقين بتأمينه لحاجاتهم ،وإن كان ذلك على حساب علية القوم وعلى حساب راحته فيكون بذلك قد فرق جسمه في جسوم كثيرة بناء على وصفه لنفسه: أفرق جسمــي فـي جسـوم كثيرة وأحسـو قراح الماء والماء بارد كما يرصد رواة الشعر ،جوانب مهمة من غارات عروة على القوافل ،كوضعه لمواصفات دقيقة تمكنه من تحديد نوعية القوافل المراد غزوها ،كأن يختار ضحاياه من فئة األغنياء المنطبعين بالبخل؛ إذ لم يكن يغير بدافع النهب والسلب ،وإنما بدافع المروءة فيخفف بغنائم غزوه آالم البسطاء والمقهورين من الناس .وشأنه في ذلك شأن أبو خراش الهذلي؛ فرغم تشدد هذا األخير على أعدائه ،فقد كان أميل إلى فطرته اإلنسانية فيتصبر على الجوع ويكتفي بمر الطعام تاركا اللين منه لذويه وعينه على جبة الميسورين: وإني ألثوي الجوع حتى يملني فيذهب لم يدنس ثيابي وال جرمي وأغتبق الماء القراح فأنتهي إذا الزاد أمسى للمزلج ذا طعم أرد شجاع البطن قد تعلمينه وأوثر غيري من عيالك بالطعم مخافة أن أحيا برغم وذلة وللموت خير من حياة على رغم إن روح أبي خراش متقلبة ،تطبعها األتراح والخسارات ،لكنها مع ذلك روح تنزع في صفائها نحو النزعة اإلنسانية .ويتبين ذلك في حدث موت الشاعر عقب تعرضه للدغة أفعى وهو يهم بسقاية ضيوفه العابرين ،فرغم أنه شارف على وداع العالم ،يستحيي أن يشرك ضيوفه في مأساته. إن الشعراء الصعاليك والمتصوفة االجتماعيين وإن انشغلوا بذواتهم في كتاباتهم ،فقد صوروا تصويرا واقعيا ودقيقا ،الحياة االجتماعية ومظاهرها القاسية في شبه الجزيرة العربية .كما نقلوا أيضا مواقفهم ونضاالتهم المريرة ضد الحرمان والمعاناة؛ فعروة بن الورد لم يكن لنفسه ،وكذلك أبي خراش، وكذلك عبد القادر والعشاق الزهاد .كلهم وهبوا روحهم للمكتوين بأوجاع الحياة.
محمد بنقدور
بين الناقد والشاعر
إن النقد األدبي في أبسط تعريفاته هو االهتمام واإلحاطة بإنتاج أدبي ما ،لكاتب ما ،وفق رؤية أو منهج ما ،بحثا عن جوهره الفني والجمالي ،واستكناها لحقيقته اإلبداعية والفكرية التي ينتجها الكاتب. العملية النقدية ،كذلك ،وفي سياق آخر ،تمارس حقها في تناول ما تريد من الشعراء ومن مجموع النصوص ،بانتقائية مقصودة، بشكل يخدم نظرية نقدية محددة سلفا في عنوان األطروحة أو البحث أو الدراسة أو المقالة ،وبالتالي ،فهذا التوجه يكون منسجما كليا مع مفهوم النقد األدبي الذي بجب أن يتبناه الناقد. من زاوية أخرى ،الشاعر شخص معنوي ،وفي نفس الوقت هو شخصية عامة للجميع الحق في التعاطي معها وتناولها وفق قواعد معروفة ومعلومة في مجال النقد والتحليل األدبي. فالشاعر يكتب لآلخر ،يكتب لقارئ مفترض يكون هو الهدف األساسي ألي كتابة ،وبالتالي هذا القارئ يمكن أن يكون معجبا متقبال ،كما يمكن أن يكون جحيما ،رافضا منتقدا بالمعنى السلبي للكلمة. الشاعر ،والكاتب عموما ،يوقع عقدا معنويا غير مكتوب مع القارئ والدارس والباحث والناقد ،يفوضهم ،من خالل ذاك العقد ،التعامل مع منتوجه اإلبداعي بالشكل الذي يحسه أو يراه المتناول وليس بالشكل الذي يريده الشاعر. وعليه ،ليس من حق الشاعر االحتجاج على أي تناول لنصوصه الشعرية أو تعامل مع اسمه الشعري ،مادام هذا التناول يدخل في نطاق العملية النقدية التي هي محددة سلفا في بحث أو دراسة أو تأطير نقدي معين. لذلك ،أي تناول ألي شاعر أو منتوج شعري ،يدخل في نطاق النقد األدبي ،البد أن يكون محددا بخلفية نقدية يتبناها الناقد ،تسمح له بأن يكتب عن الشعر والشعراء ،وتشفع له في تناول ما يراه صالحا لبناء نظرية شعرية يرتبها وفق مشروع نقدي بعيدا أن أي تدخل مفترض للشاعر ،سلبا أم إيجابا ،وبعيدا عن استقصاد لشخص المبدع من طرف الناقد ،مهما كان الموضوع أو المنهج أو الهدف. من هذا الجانب ،تأخذ حساسيات التعامل مع الشعر المغربي، نصوصا وشعراء ،على قلتها ،بعدها اإلشكالي ،األمر الذي يجعل العالقة القائمة بين الدارس والمدروس ،الناقد والشاعر ،مشوبة بتوترات مفترضة ،غالبا ما تكون خلفيتها ذاتية المنزع. من البديهي أن العملية النقدية اجتهاد ،مثلها مثل العملية اإلبداعية ،وكما أن المبدع له أجر االجتهاد ،سواء كان عمله غثا أو سمينا ،كذلك للناقد أجر اجتهاده ،سواء في انتقائيته المقصودة للنصوص وللشعراء ،أو في نتائج تحليله ،سواء كانت في مستوى تطلع الشاعر أو عكسه. أخيرا ،ما يكتبه الشاعر يدخل في سياق حرية الكتابة ،وكذلك يجب اعتبار ما يكتبه الناقد حرية وتعبيرا عن الرأي النقدي ،ما دام كليهما منتميا لنفس الجنس األدبي ،وماداما يخضعان للعرف األدبي المنظم ألخالقيات وشروط الكتابة ،ما عدا هذا ،وكيفما كان رد فعل المبدع ،يمكن اعتباره تدخال فيما ال يعنيه ،في أحسن األحوال ،إن لم يكن إساءة لألدب ،إساءة للشعر وإساءة للكتابة والكاتب ،مهما كان الكاتب.
الثالثـاء � 22إلى � 28أكـتـوبر 2019
العدد 1016
رسائل تطوانية
15
من أرشيف الدبلوماسي األديب
سيدي التهامي أفيالل التطواني حفظه اهلل ()31
إعداد وتقديم :الدكتور يونس السباحYounes_sebbah@hotmail.com
تقديم
تعتبر المراسالت العلمية رافداً ثرياً لكتابة التاريخ ،باعتبار ما تحمله في طيّاتها من المعلومات الدّفينة ،والفوائد الغميسة النادرة ،التي ال توجد في غيرها ،ولكونها مرتبطة بزمان ومكان وموضوع معيّن، كما تعدّ أيضاً فنّاً أدبياً ًّ مستقال بنفسه ،بما تحمله من صادق التعبير ،وجميل اإلحساس ،وحسن اإلنشاء ،وبديع السّبك ،وخصوصاً إذا أضيف إلى هذه المعاني جمال الخط ،ورونق الحرف ،وكانت صادقة اإلحساس معبّرة عن الصلة العائلية ،والمتابعة الدراسية بين الوالد والوَلد مث ً ال ،أو بين تلميذ وشيخه ،أو الصديق وصديقه... ومن المراسالت المتّصفة بهذه الصفات ،ما تحتويه خزانة األديب الشاعر ،والدبلوماسي السابق ،أحد أفراد بيت العلم والشرف والمجد ،سيدي التهامي أفيالل حفظه اهلل ،وما يشتمل عليه أرشيفه الذي يضمّ كمّا هائ ً ال من الرسائل ،معظمها صادرة عن أفراد أسرته ،كجدّه القاضي سيدي التهامي أفيالل ،أو عمّه الوزير سيدي محمد بن التهامي ،أو أخيه األديب ،سيدي البشير أفيالل ،أو واردة عليهم وعلى أفراد آخرين من هذا البيت. ولمّا كانت هذه المراسالت لها قيمة أدبية وتاريخية ،ولم يسبق أن رأت النور ،أو اهتمّ أحد بإخراجها للناس ،استأذنّا صاحب األرشيف ،الشريف المذكور ،في العمل على إخراجها وتيسيرها للنّاس عبر صفحات جريدة الشمال الغراء ،التي تستأثر بنشرها ،فوافق مشكوراً مأجوراً ،وقمنا نحن برقن هذه الرسائل ،وصنّفناها حسب ّ كل شخص (منه/عليه) ،وآثرنا أن نبتدئ باألقدم تاريخاً ،فكان صاحب السبق هو القاضي الشهير ،والفقيه الكبير ،سيدي التهامي بن محمد أفيالل (ت1339:هـ) ،وقد استوفينا رسائله –حسبما عثرنا عليه -في الحلقات الماضية من هذه الجريدة ،ونثنّي برسائل ولده العالمة الوزير سيدي محمد أفيالل الصادرة منه والواردة عليه.
[الرسالة]117 : [من محمد المرير إلى صديقه السيد البشير أفيالل ،يجيبه على رسالة] الحمد هلل وحده
وصلى اهلل على سيّدنا محمد وآله
سيادة األخ األودّ األحبّ األعزّ األمجد ،الشريف الجليل ،العالم النّبيل ،سيدي البشير أفيالل، حيى اهلل مغناك ،وزاد بمنّه في معناك ،وسالم عليك ورحمة اهلل. وبعد ،فإنّه إلقي إليّ من جنابكم كتاب كريم ،فكان في معناه ومبناه ألطف من النّسيم، وأبهج من الوجه الوسيم ،أو كما ًال في ّ الطيب: كأن المعاني في فصاحة لفظها نجوم ّ ّ الثريّا أو خالئقك الزّهر شارحُا به ما نابكم من عدم ال ّلقا ّ بالثغر التطواني ،وفوات ما عدمنا به غاية األمانيُ ، حيث إنّكم كنتم بارحتم ّ الثغر المذكور استنتاجاً للراحة ،واستشفاء ممّا ألمّ بتلك السّاحة ،وصار ّ كل ما فسرتم به من بينات الوداد مودّاة بصميم الفؤاد .أمّا محبّتكم وصداقتكم فأمر صحيح لم يداخله داء التقليل ،وقضاياه بديهية ال يبرهن عليها بدليل: وليس يصحّ في األذهان شيء
إذا احتاج النّهـار إلى دليـــل
وأمّا ما ذكرتم من اعتاللكم ،وقصدكم الثغر الطنجي لالستشفاء الخ ،فنسأل اهلل سبحانه أن تكونوا أُبتم ال بسين ح ّلة الشّفاء الذي لم يغادر في ذاتكم أدنى سقم ،وتدرّعتم بدرع الصحّة التي تحول بينكم وبين ّ كل ألم ،بجاه النبي وآله .يعود سالمنا على اإلخوة األجلة الكرام ،موالي محمد وموالي أحمد وموالي على ،وعلى ّ كل سائل ،وعلى محبّتكم والسالم. في 15جمادى 1عام 1344هـ. أخوكم :محمد المرير لطف اهلل به
[الرسالة]118 : [من محمد المرير إلى صديقه السيد البشير أفيالل ،يشكره على هدية «جريدة الميثاق» ويواسيه في فقد شقيقه سيدي محمد أفيالل] الحمد هلل وحده
والصالة والسالم على رسول اهلل
سيادة أخي وشقيقي الروحي ،الفقيه العالمة ّ المطلع ،النبيل الشريف األصيل الجليل ،سيّدي البشير أفيالل متّعكم اهلل بدوام الصحة وتمام العافية ،وسالم عليكم ورحمة اهلل. وبعد ،فقد استلمت رسالتكم الكريمة ،ومعها جريدة الميثاق بقصد ّ االطالع على ما نشر فيها من ترجمة األخ الراحل الذي ترك لدينا فراغا لم بعده أحد من أمثاله [ ]...األجلة األفاضل، طالبا أن أذيّل تلك الترجمة بما عندي في ذلك ،وصار بالبال ،أمّا هذه الجريدة فقد كانت وصلتني من إدارتها قبل ورود كتابكم ،وطالعت تلك الترجمة التي راقت والقت واستوعبت المناحي التي يطلب ذكرها في تراجم أجلة [ ،]...وسقت قارئها المورد العذب األصفى ،ونطقت بالحق ،وحدثت بالصدق الذي ال يماري فيه األقرب واألقصى .وما يالحظ فيها إال اكمال تلك العقود العقيانية ،وتتميم هاته الفقرات الذهبية البهية بنشر نصوص اإلجازات التي أحرزها الفقيد من أكابر شيوخه بحضرة فاس ،إذ فيها من الفوائد ما تنشرح بها األنفاس .ثمّ اعلم أيها األخ العزيز ّ أن أخاكم قد رقّ اليوم عظمه ،ووهت قوّته ،وضعف بصره ،وقعُر فكره ،وتراجع نظره ،واضطرب بين أصابعه قلمه ،سائال من المولى ّ جل شأنه ،وعزّ سلطانه ،أن يلطف به في حكمه وقضائه ،وأن يجعل خير أيامنا وأسعدها يوم لقائه ،وأن يحفظنا فيكم وفي أمثالكم من أهل العلم والدّين ،وأن يلحقني وإيّاكم بالدين أنعم عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين ،آمين .والسالم عليكم من صديقكم دائما في السر والعالنية والغيبة والحضور. محمد المرير
[الرسالة]119 : [من محمد المرير إلى صديقه السيد البشير أفيالل ،يشكره على تفقده وسؤاله] الحمد هلل صديقي الوحيد ،وعزيزي المخلص الودود ،الشريف العالمة الجليل ،سيدي البشير أحيّيكم وأرجو لكم حياة طيّبة وعيشة راضية. وصلتني رسالتكم مسفرة من تأثركم مما أصاب ولدنا محمد ،فال حول وال قوّة إال باهلل، فنسأله سبحانه أن يجعلنا وغيّاكم عبيدا له في جميع الحاالت ،ومن الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا :إنا هلل وإنا إليه راجعون ،أما حالة [ ]...أسفرتم عنها فهي ال زالت سيئة ،راجيا صالح
أدعيتكم ،والمولى سبحانه المسؤول أن يجعلنا ممن رُعي بعين عنايته ،حتى يكون ملطوفا به في التقدير ،والسالم عليكم من صديقكم: محمد المرير
[الرسالة]120 : [من محمد المرير إلى صديقه السيد البشير أفيالل ،رسالة جوابية على شكل مقامة أدبية] الحمد هلل وحده سيدي وسندي ،ومن عليه في خلوص الود معتمديُ ،طرفة العصر ويتيمة الدهر ،العالمة األديب ،اللوذعي األريب ،الشريف المنيف ،موالي البشير أفيالل ،أوصل اهلل حفظك ،وأجزل من المسرات والمبرّات ّ حظك ،وسالم يُحيي مغناك ،ويضوع عَرْ ُفه بطيب معناك. وصلت رسالتك الغراء وصحيفتك التي تج ّلت بسواد في بياض كخيالن في وجنة بيضاء ،أما لفظها ومعناها ،فقالئد العِقيان في لبدت الحور ،أو الجواهر الحسان على ربات الخدور. تجلت معانيها خالل سطورها آللى في دُرْج كواكب في برج رحيق معنى لطيف ،في ظرف لفظ ظريفَ ،كراح في كأس زجاج ،أو روح في معتدل المزاج. في نظام من البالغـة ما شـــ ـــكّ امرؤ أنه نظام فريدُ حزن مستعمل الكالم اختيارا وتجنبــن ظلمة التعقيـــد وركبن اللفظ الغريب فــــأدر كن به غاية المُراد البعيد ففيها من التشبيهات ما يعزّ على ابن المعتز ،ومن التجنيس ما لو عرض على عارضة البُستي الدعى الضّجر ،ومن أنواع البديع ما يَحيرُ فيك الحريري ،ويستبدعه البديع. فديناك ال يسطيعك النظم والنثر فأنت مليك الفـن وانفصــل األمـــر قرأنا كتابـا منــك ينهــــل صيّبا فكل المعاني الغُر يشبهــه البحــر بفضل الربيع الطلق يبدي غضــارة فحيتك منه الشمس والروض والنهر وصل هذا الخطاب المونق ،والكتاب المثمر المورق المنمق باألدب ،الغض الطري والمرونق بالحسن ،المستبدع العبقري ألخ شب عمرو أدبه عن الطوق ،وذبل كل شيء منه حتى الذوق. األربعيـــــن وماذا يبتغي األدبــــاء مني وقد جـاوزت حــد ِ واألدب كما قيل: للشيخ عيبــة عــيب وللفتى َظرفُ ُظرف استغفر اهلل إال رميم يحييه نفسكم العالي ،وينعشه نفيسكم الغالي: فهو حياة لكل ميْت كان أسجاعه نفوس حليت أعزك اهلل في فصل خطابك فصل الربيع بعقود سجعاتك النورية ،وكسوته حلال بفقراتك الجوهرية ،فزدت ألمير الفصول أبهة وجماال ،فتاه داللاً ،وأنشد حالاً : ما الدهر إال الربيع المستنير إذا جاء الربيع أتاك النور والنور كيف ال: والروض بين متـوج ومشنـــف والزهر بين مدبــج ومفـــوف والغصن غناه الحمـام فهـــزه طربا وحياه الغمـام بقرقـــف والظل يسبح في الغديــر كأنه صداٌ يلوح على حسام مرهــف قس بالسماء األرض تعلم أنها بكواكب األزهار أحسن زخرف هذه هي المحاسن التي استهوت سيدي فوجّه التهمة على أخيه بأنه شغف بها حبا، وملكت منه قلبا ولبا ،حتى هجرت كل أخ له وإن صفا وده ،وتخلى عن كل خليل وإن صح عهده. كال وخدود األغصان الكاسيات العاريات في البستان ،المائالت المميالت لبني اإلنسان، وجفون النرجس الغض ،وأريج الياسمين في الروض ،لما حال الود وال تحول ،وما الحب إال للحبيب األول. أما الربيع وأنواره ،ومياهه وأزهاره ،فما الشغف به إال لمشابهة غيثه بجود الغيم ،ومضاهاة اعتزال فصله لخلقه الكريم. وأما ما لمحت إليه مما يتلقف من األغصان ،ويتعاهد به األصدقاء والخُلصان ،فلم يزل يقابل بقساوة وجفاء ،ويتبختر في حلته الخضراء ،فإن تجمل بالبُرد األحمر ،وتبدى لناظره في اللون األقمر ،فسيرعوه عن غي الهجران ،ويجود بتقبيل أفواه اإلخوان ،دمت لألدب ترقيه ،ومن كيد الدخالء تقيه ،وعلى خلوص الود والسالم. صفيكم :محمد المرير.
العدد 1016
كتابات يف تاريخ منطقة ال�شمال :
()917
16
الثالثـاء � 22إلى � 28أكـتـوبر 2019
“الدراسات العربية بإسبانيا: جذورها وأبرز أعالمها”
تعزز مجال الدراسات األندلسية المغربية المعاصرة ،بصدور عمل تصنيفي جديد لألستاذين محمد القاضي ومحمد العمارتي ،تحت عنوان “الدراسات العربية بإسبانيا :جذورها وأبرز أعالمها” ،وذلك خالل مطلع سنة ،2019في ما مجموعه 447من الصفحات ذات الحجم المتوسط. ويمكن القول إن صدور هذا العمل ،يشكل ترسيخا لمسار طويل من العمل الشاق ،ومن الجهد المتواصل ،ومن التنقيب المتأني ،الذي طبع التراكم العلمي للمؤلفين على امتداد سنوات طويلة .وقد أثمر ذلك، سلسلة من األعمال المرجعية ،تأليفا وترجمة ،أضحت عناصر أساسية في عتبات االشتغال على التراث األندلسي والموريسكي المكون إلحدى أهم روافد الهوية المغربية المعاصرة. وإذا كان موضوع الحضور األندلسي والموريسكي قد حظي بالكثير من عناصر االهتمام والبحث والتوثيق داخل الجامعات المغربية ولدى قطاعات واسعة من المهتمين والباحثين والمثقفين والمبدعين المغاربة ،ساهم في إنتاج رصيد ثري من المنجزات العلمية المؤسسة، فإن األمر قد عرف مسارا شبيها بالضفة اإلسبانية ،مع انبثاق توجهات االستعراب اإلسباني ومدارسه المتنوعة .لقد أدركت إسبانيا المعاصرة أن التحرر من عبء وصية إيسابيال الكاثوليكية يظل أمرا مدخليا للتخلص من اليوتوبيات المرتبطة بعهود مراحل الغزو اإليبيري للقرنين 15و 16الميالديين .كما اقتنع الباحثون أن سقوط غرناطة سنة 1492م في يد اإلسبان وما تبعه من طرد للمسلمين ولليهود نحو الضفة الجنوبية للبحر األبيض المتوسط في ظروف غير إنسانية أطرتها جرائم محاكم التفتيش الكاثوليكية ،لم تعمل إال على بتر مكون هام من المكونات الناظمة لبنية اإلبداع اإليبيري في بعده اإلنساني الواسع .فكانت النتيجة ،بداية تنظيم هذه العودة الجماعية لصيانة ذاكرة إسبانيا “األخرى” إسبانيا التعدد والتسامح والتعايش ،وقبل ذلك، إسبانيا اإلبداع والتميز الحضاري بين أمم أوربا .ومع تزايد الوعي بهذا المنحى االستنهاضي الواسع ،بدأت مدارس البحث االستعرابي تتناسل، وبدأت مالمح العودة إلعادة تقييم التراث العلمي واإلنساني العربي إلسبانيا تتكاثر .وكان البد أن ينتبه باحثو الضفة الجنوبية ببالد المغرب لهذا المخاض ،عبر تجاوز نظرة االنبهار والتماهي مع تراث األجداد ،إلى مستوى التعامل النقدي والتقييم التأصيلي والتفكيك العلمي الكفيل بإعادة االعتبار لعناصر االنتماء الحضاري المشترك للشعبين اإلسباني والمغربي. في إطار هذا التوجه العام ،يمكن أن نقرأ سياق صدور الكتاب موضوع هذا التقديم ،األمر الذي عبر المؤلفان عن أبعاده الكبرى بشكل دقيق ،عندما قاال في كلمتهما التقديمية“ :ال يمكن إنكار الجهود الكبرى التي بذلها االستشراق واالستعراب اإلسبانيان في دراستهما للتراث العربي المشرقي منه واألندلسي ،كما ال يمكن تجاهل أو إغفال تأثيرات االستعراب اإلسباني القوية والكبرى في مجال النهوض بالدراسات األندلسية وإسهامات علمائه في ذلك ،وهي جهود ال يجوز التقليل من قيمتها وأهميتها ،وبالتالي فإننا نجد أن هذا المبحث العلمي الرفيع يفرض نفسه علينا ويتطلب منا وقفة، بل وقفات تأملية جادة لدراسته وبيان أبعاده ورسالته ،وبالتالي فإن العناية بهذا اللون الرفيع من المعرفة اإلنسانية التي أنتجها الدارسون اإلسبان لها ما يبررها ،ذلك أنه لم يعد في وسع أو في
�أ�سامـة الزكاري zougariousama@gmail.com
إمكان أحد أن يكتب عن موضوع األندلس أو يدرس مباحثه أو يمارس فعال مرتبطا به ،دون أن يتخلص من التأثير الذي فرضه االستعراب اإلسباني في مباحث األندلسيات على وجه الخصوص .وفي إسبانيا اليوم مثال ال يكاد يجد المرء جامعة أو مؤسسة علمية إال وفيها جناح لتعليم اللغة العربية وثقافتها وميراثها الحضاري ،خصوصا األندلسي منه( ”...ص ص.)9-8 . إنه ميراث إسباني قبل أن يكون عربيا ،ميراث إيبيري قبل أن يكون إسالميا ،ميراث مغربي أصيل قبل أن يكون إسبانيا خالصا .ولعل هذا ما سعى الكتاب إلبراز حضوره في المخيال الجماعي إلسبان األمس واليوم، من خالل الفصول المتراتبة للبحث .لقد استطاع الكتاب أن يضع أرضية منهجية للبحث ،برصد حجم التراكم العلمي الذي تم تحقيقه هناك بالضفة اإلسبانية ،في مقابل الخصاص البين الذي الزال يعتري الضفة المغربية .وفي هذا السياق ،عاد مؤلفا الكتاب للبحث في خبايا ماضي إسبانيا اإلسالمي في إطار أجواء التعايش التي جمعت مختلف اإلثنيات والديانات والثقافات على امتداد القرون الثمانية الطويلة للوجود اإلسالمي .وقد ركز الكتاب في ذلك ،على إبراز األدوار المعرفية الكبرى التي قامت بها مدينة طليطلة بعد سقوطها في يد اإلسبان، على مستوى ترجمة أمهات مصادر التراث العربي اإلسالمي واليوناني اإلغريقي .ولقد أبرز الكتاب الدور الكبير الذي كان للملك ألفونسو العاشر ،الملقب بالملك العالم ،في مجال تشجيع حركة الترجمة وإضفاء عليها بعدا مؤسساتيا واسعا. ولتوضيح الحموالت المفاهيمية للموضوع ،اختار المؤلفان تخصيص حيز لتشريح الدالالت والخصائص المميزة لكل من مصطلح االستشراق مصطلح االستعراب ،مع التعريف بالنماذج المعبرة عن كل واحد من المصطلحين داخل البنية الثقافية اإلسبانية .ولتفصيل الحديث عن هذا المعطى ،كان البد من تقديم لوائح تصنيفية للتعريف برواد الدراسات االستشراقية ثم الدراسات االستعرابية، ممن كان لهم دورهم في إعادة احتضان عناصر البعد العربي اإلسالمي داخل نسق الهوية الثقافية إلسبانيا المعاصرة ،من أمثال خوان أندريس ،وخوصي أنطونيو كوندي ،وميغيل آسين بالثيوس، واألب مانويل ألونسو ،وأمبروسيو هويثي ميريندا ،وفرناندو دي أغريدا بوريو ،وخوان غويتسولو، وكارمن رويث برابو ،وفيليبي مايو سالكادو...، هي أسماء ودراسات ننيح إلسبان اليوم فرص إعادة اكتشاف عطاء “نصفهم المنسي” ،كما أنها تقدم األدوات الضرورية لفهم منغلقات الهوية الثقافية اإلسبانية المركبة .وال شك ان انفتاح مغاربة الزمن الراهن على نتائج الدراسات االستعرابية اإلسبانية المجددة ،سيقدم مداخل تأصيلية لجهود تجاوز مختلف أنماط التنافر المرتبط بوضعية سوء الفهم المتبادل بين مجتمعات الضفتين اإليبيرية والمغربية.
خبراء يلتئمون في طنجة لمناقشة سبل الوقاية من اإلدمان على تعاطي المخدرات انكب مجموعة من الخبراء ،اليوم السبت في طنجة ،خالل الدورة الثانية للمؤتمر حول اإلدمان ،على مناقشة مختلف الوسائل الكفيلة بالوقاية من تعاطي المخدرات. وأبرز المشاركون في المؤتمر ،الذي تنظمه الجمعية المغربية لمحاربة اإلدمان تحت شعار “اإلدمان :في مفترق طرق التخصصات األخرى” ،أن العديد من العوامل السوسيو اقتصادية السيما الهشاشة االجتماعية تجعل المغرب أكثر عرضة لمسألة تعاطي المخدرات. وأوضح جالل التوفيق ،مدير المرصد المغربي للمخدرات واإلدمان ومدير مستشفى الرازي بسال ،أنه على غرار البلدان األخرى يواجه المغرب عدة مشاكل ترتبط بتعاطي المخدرات. وأبرز ضرورة اعتماد آليات فعالة لحماية المجتمع ،السميا فئة الشباب ،من جميع أنواع المخدرات. في هذا الصدد ،ذكر بأن المغرب يتوفر على العديد من مخططات العمل إضافة إلى تبنيه لرؤية استراتيجية في المجال ،معربا عن األسف لقلة الموارد البشرية المؤهلة في مجال اإلدمان. كما دعا إلى جعل اإلدمان تخصصا طبيا قائما بذاته الستقطاب المزيد من المهنيين إلى هذا التخصص. وخلص إلى أن المرصد مدعو إلى القيام بالمزيد من الدراسات حول مسألة اإلدمان داخل المجتمع المغربي ،من أجل تكييف مخططات العمل الوطنية مع الساكنة. من جهتها ،قالت رئيسة الجمعية المغربية لإلدمان وأستاذة علم النفس واإلدمان بكلية الطب والصيدلة بالرباط ،فاطمة العمر ،إن هذا المؤتمر يهدف إلى التحسيس وتقييم استهالك المخدرات من أجل التدخل مبكرا وبأفضل طريقة ممكنة ،من أجل التوجيه والرعاية لتجنب المضاعفات التي يسببها تعاطي المخدرات على الصحة الجسدية والنفسية واالجتماعية للمعنيين باألمر. والتأم خالل أشغال هذا المؤتمر مختصون وفاعلون من المجتمع المدني وأساتذة مسؤولون بوزارة الصحة ،للقيام بمناقشة مقربة شمولية تدمج كافة جوانب تناول المخدرات في أبعادها السوسيو اقتصادية والعالجية. ويتضمن برنامج هذا المؤتمر تنظيم ورشات تتطرق لمواضيع تهم “االنفعال في قلب اإلدمان” و“األمعاء، عقلنا الثاني :دور األحياء المجهرية في اإلدمان” و”االندفاع :عامل خطر في مسألة اإلدمان”.
(و.م.ع)
العدد 1016
�أعالم ال�شمال : من
17
الثالثـاء � 22إلى � 28أكـتـوبر 2019
األستاذ المربي والفقيه المدرس سيدي عبد المجيد بن محمد أخريف 1349ـ 1438هـ 2/2
الوظائف واألعمال التي باشرها المترجم له: وإثر حصول األستاذ الفقيه سيدي عبدالمجيد أخريف على الشهادة العالمية (الشرعية)، مع بزوغ فجر االستقالل سنة 1376هـ1956 /مُ ،فتِحَت في وجهه فرصة ولوج ميدان التربية والتعليم ،وكان مؤهال للمساهمة في هذا المضمار عن جدارة واستحقاق ،ومزودا بالمعارف المختلفة في علوم العربية وعلوم الشريعة .وكان بين يديه في تلك الفترة خياران اثنان ،وجب عليه أن يقبل بأحدهما ،وهما :االلتحاق بمدرسة المعلمين بفاس أو االلتحاق بمدرسة تامسنا بالرباط. وشاءت األقدار أن يلتقي األستاذ عبدالمجيد أخريف في تلك الفترة بأحد شيوخ القرويين وهو الحاج أحمد بن شقرون الذي كان يدرك المستوى العلمي للمترجم له ،ويعرف مجموع المعارف الشرعية التي حصلها خالل السنوات الطويلة التي قضاها بالقرويين ،فأقنعه بالعدول عما كان سيقدم عليه ،واقترح عليه االنضمام إلى مدرسي جامع القرويين ،فاقنتع بجدوى المقترح وقبل بالعرض المقدم له ،فعين إثر ذلك أستاذا للمواد الشرعية واللغوية بالمعهد المذكور سنة 1376هـ1956 /م. وفي سنة 1377هـ1958 /م انتقل األستاذ سيدي عبدالمجيد أخريف إلى التدريس بالمعهد الديني بمدينة طنجة ،وكان المعهد يضم يومئذ زمرة طيبة من الشيوخ المدرسين، ونخبة من العلماء الشباب الذين كانوا حديثي العهد بالتخرج من جامعة القروين ،أناروا هذا المعهد الشرعي بدروسهم العلمية القيمة ،والمطبوعة بطرائق حديثة في تلقين المعارف المختلفة. وقد اضطلع المترجم له بتدريس العديد من المواد الشرعية واللغوية واألدبية وغيرها(:النحو ،البالغة ،التفسير ،مصطلح الحديث ،الفلسفة ،التاريخ ،الجغرافية )....في المعهد المذكور ،وتتلمذ له على امتداد أزيد من 40سنة التي قضاها بتمامها في رحابه ،عشرات المئات من الطلبة الذين مازال بعضهم يثنون الثناء الحسن على جهوده العلمية في تقريب مختلف الفنون التي عهد إليه بتدريسها ،وعلى سعيه الطيب في تبسيط المتون إلى طالبها. وقبل إحالته على التقاعد سنة 1412هـ1992 /م ،ندبته إدارة ثانوية موالي سليمان للتعليم األصيل إلى اإلشراف على مكتبة الثانوية. وبناء على المؤهالت العلمية التي كان يتوفر عليها األستاذ عبدالمجيد أخريف ،مصحوبة بالتجربة المهنية التي خاضها في الحقل التربوي مدة عقود من الزمن ،تقدم المترجم له بطلب الحصول على إذن لتسيير ثانوية اإلمام الشاذلي للتعليم الخاص بطنجة ،فمنح له الترخيص للقيام بتلك المهمة من قبل النيابة اإلقليمية لوزارة التربية الوطنية بطنجة وذلك في شهر شتنبر من سنة 1992م . وبعد تقاعد األستاذ عبدالمجيد أخريف من سلك التربية والتعليم ،عينته وزارة العدل عدال موثقا في دائرة المحكمة االبتدائية في دجنبر 1992م ،وذلك بناء على التماس تقدم به المترجم له إلى وزارة العدل لالنخراط في سلك العدول الموثقين ،بوصفه يحمل شهادة العالِمية من جامعة القرويين (وتلك الشهادة كانت تعفيه من إجراء المباراة ومن التمرين ومن االمتحان المهني). وفي شتنبر من سنة 1996م تفضل صاحب الجاللة الملك الحسن الثاني فأعطى موافقته المولية السامية على تعيين الفقيه األستاذ سيدي عبدالمجيد أخريف عضوا في المنصب الشاغر بالمجلس العلمي اإلقليمي لمدينة طنجة ،وظل األستاذ أخريف عنصرا فاعال في تلك الهيأة العلمية إلى سنة 2000م ،كان يحضر لقاءاتها ويساهم بكلمات في ندواتها العلمية ،ويشارك بمحاضرات في المناسبات الدينية والوطنية ،كما أدلى بدلوه في تأطير األئمة والخطباء من خالل إعداد ورقة بحثية عن الخطبة والخطيب. وإلنجاح أدوار المجلس العلمي المحلي بطنجة ،ورسالته السامية في نشر التعليم الشرعي وتكوين حفظة القرآن الكريم بما يعلي قدرهم وينيلهم الدرجات العلمية ،اختير األستاذ الفقيه عبدالمجيد أخريف مدرسا في معهد ابن عطية للتعليم العتيق منذ إنشائه سنة 1997م ،واستمر يقدم الدروس العلمية في رحابه ،ويفيد طلبته بالمعارف الشرعية واألدبية إلى أن أغلقت أبوابه سنة 2011م ،فكان خالل تلك الفترة نعم المدرس والموجه التربوي. وظل األستاذ عبدالمجيد أخريف رحمة اهلل عليه وفيا لرسالة هذا المعهد الشرعي الذي أنشئ بمبادرة من المجلس العلمي المحلي بطنجة على عهد رئيسه الدكتور إبراهيم بن الصديق رحمه اهلل ،ومما يؤسف له أن عوامل مختلفة ساهمت في تقويض هذا المشروع العلمي الهادف ،وعجلت بإقباره ومحو أثره ،وكان المترجم له من أكبر المتحمسين الستمرار هذا المعهد مدافعا عن رسالته النبيلة المتمثلة في رعاية طلبة العلم الشرعي وتذليل السبل لهم لنيل الشهادات العلمية ،وقد كتب األستاذ أخريف مقاالت كثيرة تبرز أهمية وجود هذا المعهد في المدينة ،المعد لرعاية حملة العلم الشرعي ،وتذليل السبل لهم لنشر القيم النبيلة ودعوة الناس إلى الخير والفالح. وقد وفر معهد ابن عطية لطالبه خالل فترة وجوده ،الدروس الشرعية المتينة، وساهم في تلقين الفنون المختلفة ،وإتقان مواد التفتح واإللمام ببعض اللغات الحية، ونهض بتلك األدوار كلها نخبة الشيوخ المدرسين وثلة من األساتذة األكفاء ،واستطاع المعهد المذكور من خالل أطره التربوية أن يؤهل طلبته لنيل الشهادة الثانوية التي كانت تخول لهم االلتحاق بجامعة القرويين والمعاهد العليا وكليات اآلداب بالمغرب. ولمكانته العلمية وعضويته في المجلس العلمي المحلي كان األستاذ الفقيه عبدالمجيد أخريف يستدعى إلى حضور الدروس الحسنية الرمضانية على عهد الملك الراحل الحسن الثاني ،والملك محمد السادس حفظه اهلل، وقد تسنى له الحضور خالل المواسم التالية ( :رمضان 1418هـ ـ رمضان 1419هـ ـ رمضان 1421هـ) ،حيث كانت تلقى بين يدي جاللة الملك دروس علمية مفيدة، يتناول فيها السادة العلماء األجالء بالدرس والتحليل مواضيع تمس جوانب في التفسير والحديث النبوي ،والفكر والحضارة اإلسالمية. دور المترجم له في التوجيه واإلرشاد الديني: لقد اضطلع األستاذ الفقيه عبدالمجيد أخريف بمهمة الخطابة على أحسن وجه ،وباشر هذه المهمة اإلرشادية السامية أزيد من 25سنة في بعض مساجد طنجة (مسجد الداخلة بحي بنديبان ،ومسجد المصلى) ،واجتهد في تبيين أسس الشرع الحنيف ،ودعا الناس إلى مكارم األخالق وبين لهم مزايا العمل الصالح وأثره الحميد على الفرد والمجتمع، ورغبهم في سلوك طريق الهداية والرشد ،وأنه سبيل النجاح في الدنيا ،والفالح والفوز في اآلخرة ،وقد تميزت خطبه بدقة في التحليل واالختصار في العرض وبساطة في األسلوب ،إدراكا منه بأهمية تلك العناصر في إبالغ الرسالة إلى عامة المصلين.
• بقلم :عبداللطيف السماللي ومما يحسن التذكير به أن األستاذ عبدالمجيد أخريف اضطلع بمهمة الدعوة والتوجيه الديني منذ إحداث خلية والوعظ واإلرشاد التي كانت تابعة للمجلس العلمي بطنجة سنة 1982م ،وكانت تندبه للقيام بمهمة الوعظ واإلرشاد في مساجد المدينة ،وكما كانت تعهد إليه عند اقتراب موسم الحج بإرشاد الحجاج الميامين ألداء الركن الخامس على وجه شرعي سليم. ونظرا للخبرة التي أكسبها األستاذ عبدالمجيد أخريف في مجال التوجيه والوعظ ،أوفدته وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية في مهمة اإلرشاد الديني إلى الديار المقدسة ،خالل موسم الحج لسنة1417هـ 1997/م ،كان يؤطر خاللها الحجاج الميامين :يجيب عن استفساراتهم، ويقرب إليهم األعمال المتعلقة بأداء مناسكهم. كما كانت للمترجم له واجهة دعوية إعالمية تمثلت في أحاديث إذاعية مفيدة ،كانت تستهدف عموم المستمعين في أطراف البالد ،وهذه األحاديث دأب على توجيهها على أثير إذاعة طنجة فترة ليست بالقصيرة حملت أسماء :الكلمة الطيبة ،وحديث الصائم ،واسألوا أهل الذكر. مساهمته في األنشطة الثقافية: عرف األستاذ عبدالمجيد أخريف منذ شبابه بنشاطه الدؤوب في الحقل الثقافي ،حيث ترأس جمعية الطالب المغربي في مدينة فاس سنة 1953م ،يوم كان طالبا منتظما في حلقات الدرس بجامعة القروين ،وتلك الجمعية لم تكن مفصولة عن العمل الوطني الذي كانت تقوده الهيآت السياسية الوطنية العاملة في مدينة فاس. ولقد كان األستاذ عبدالمجيد أخريف على صلة بخاليا حزب االستقالل ،وتعرف خالل مدة إقامته بفاس بنشطاء الوطنيين الصادقين أمثال :عبدالعزيز بن إدريس ومحمد إبراهيم الكتاني. وكانت جمعية الطالب المغربي تنهض بأنشطة ثقافية داخلية ،موجهة أساسا إلى فئة الطلبة األفاقيين ،المنحدرين من جهات المغرب المختلفة ،وكان مقرها يقع في حومة البليدة من مدينة فاس. وخالل األنشطة الثقافية السنوية التي كانت تقيمها ثانوية موالي سليمان للتعليم األصيل بطنجة كان المترجم له يدلي بدلوه في إنجاح تلك المواسم الثقافية بمحاضرات، وكلمات كانت تستوحي مغازي بعض األحداث الدينية والوطنية. ومما وجب التنويه أن األستاذ عبدالمجيد أخريف كان عضوا عامال في رابطة علماء المغرب على عهد أمينها العام العالمة عبداهلل كنون وخلفه الشيخ محمد المكي الناصري ،كما كان يشغل كاتبا عاما لفرع تلك الرابطة بمدينة طنجة ،كما سبق له أن شارك في مؤتمرات تلك الهيأة العلمية، وأدلى بدلوه في أعمال لجانها العلمية. آثاره وكتاباته: كانت لألستاذ الفقيه عبدالمجيد أخريف عناية بالكتابة والتأليف ،واالهتمام بتحرير المقاالت المتنوعة والخطب المنبرية ذات المضامين الدينية واالجتماعية الهادفة. كما دبج يراعه السيال مجموعة مقاالت توجيهية في الصحف الجهوية التالية: األمة (تطوان) ـ جريدة الميثاق (لسان رابطة علماء المغرب .طنجة) ـ الشفافية الديمقراطية (طنجة) ـ جريدة طنجة (طنجة). ومن أعماله المكتوبة التي أحسن تأليفها وترتيبها ،وهي تمثل خالصة تجربته الطويلة في ميدان الخطابة والتوجيه واإلرشاد الديني ،ما يلي: خطب منبرية :بلغ مجموع ما حرره منها 1265خطبة. من وحي الكلمة الطيبة :وهي أحاديث إذاعية بلغ مجموعها 58حديثا. من وحي حديث الصائم :وهي أحاديث إذاعية تضم 16حديثا. أنجز بحثا حول الخطبة والخطيب :قدم في إحدى دورات تكوين الخطباء التي كان يشرف على تنظيمها المجلس العلمي المحلي بطنجة. التقديرات السامية التي نالها: تقديرا لعطاءاته وجهوده المثمرة في ميدان التربية والتعليم ،وتنويها بعمله الدؤوب في تلقين المعارف الشرعية بالمعهد األصلي بطنجة ،أنعم جاللة الملك الحسن الثاني على األستاذ الفقيه عبدالمجيد أخريف ،بوسام الرضى من الدرجة األولى ،وأرفقه بخطاب شريف سام جاء فيه: المملكةالمغربية وال يدوم إال ملكه الحمد هلل وحده الطابع الشريف وبداخله( :فاهلل خيرا حفظا وهو أرحم الراحمين. الحسن بن محمد بن يوسف بن الحسن اهلل وليه ومواله) يعلم من كتابنا هذا أسماه اهلل .وأعز أمره أننا بحول اهلل وقوته أنعمنا على خديمنا السيد عبدالمجيد بن محمد أخريف .أستاذ بالمعهد األصلي بطنجة .بوسام الرضى من الدرجة األولى. رعيا لما له من أهلية واعتبار لدى جاللتنا ،فليكن له هذا الوسام مصحوبا باليمن والسعادة بفضل اهلل وعنايته. حرر بالقصر الملكي بالرباط في 13ماي 1971 وسجل هذا الكتاب الشريف تحت رقم6556/1015 : مدير التشريفات الملكية واألوسمة عبدالحفيظالعلوي وفاته وإقباره: بعد عمر مديد قضاه في التربية وتهذيب النشء في المعهد الديني بطنجة ،ونشاط دعوي هادف يروم إصالح الفرد والمجتمع ،وغرس القيم النبيلة في النفوس ،ونشر مبادئ المبادئ السامية المستمدة من الشرع الحنيف، أسلم األستاذ الفقيه سيدي عبدالمجيد بن محمد أخريف الروح إلى بارئها راضيا مرضيا ،يوم الخميس 10ذو القعدة سنة 1438هـ موافق 3غشت2017م بمدينة طنجة ،ووري الثرى بمقبرة سيدي عمرو بالجبل الكبير بطنجة. رحم اهلل األستاذ المربي والفقيه الجليل والخطيب المرشد ،وأسدل عليه رداء رضوانه ومغفرته ،وجعل الجنة مثواه مع الصالحين األبرار وحسن أولئك رفيقا ،وأجزل له المثوبة على ما قدم من علم نافع بثه ،وفضيلة سامية أذاعها وتوجيه سديد نشره.
18
الثالثـاء � 22إلى � 28أكـتـوبر 2019
العدد 1016
ندوة الوفاء ...لنْ يبرح كاتب هذه السطور حتى يُقدّر اإلسهامات الهامة ،لما أسداه المرحوم عبد السالم بنونة للوطن ،إذ لم يكن يفصل بين الوطني والشمالي (المنطقة الخليفية) ،وال يفرّق بين ما هو ثقافي وتعليمي واقتصادي وسياسي .بهذه األناقة اللغوية أبدع هذا العنوان من بنات أفكاره األستاذ أنس الصرْدو ،مدير المدرسة ،إخالصا لعَ َلم من أعالم تطوان ،مؤسس مدرسة الصنائع والفنون وهي تضيئ شمعتها المائة .وقد تخللت خطابات الندوة أفكاراً مشتركة بين ثالثة محاضرين بأجمل التفاصيل .سُرَّ الحضور من أساتيذ وأدباء وشعراء وصناع وحرفين .ودَّ السفير أبو بكر بنونة لمن ال يعرف شخصية األستاذ عبد السالم بنونةْ ، أن يزيل الغشاوة عن اللبس الحاصل بينه وبين “ماريانو بيرتوتشي” ،ليُقرّب الشقة من مصدرها الزمني 1919م ،لم يكن هذا األخير قد حط رحاله بتطوان بعد. من خالل اإلسهامات النابعة من الروح الوطنية واإلصالحية التي تُفصح عن مقاصده. كان سائحاً جوا ًال بمشاريعه العديدة ،من أجل الرُقيّ بمدينته .بعد أن كان أمينا سنة 1915م .ولما كان محتسبا بتطوان لسنتين1916/1918 ،م ،وجد في عمله تراثا غنيا من الحرف والصناعات األصيلة أوحتْ إليه الحفاظ على هذه الثروات .وللحفاظ عليها وهو ذو الفكر التقدمي ،كان له الفضل في تأسيس مدرسة دار الصنعة سنة 1919م بمعية المجلس العلمي ،لتلقين الصنائع للشباب ،والحرص على العيش الكريم لهم .يستوقفك في االستماع إلى المحاضرين في الذكرى المئوية لهذه المعلمة (19/9/2019م) َّ أن هذا الرجل كان قادراً على إنتاج الطاقة اإلبداعية .وما لهذين اليدين والرجلين دائبات على الحركة ،متناغمة مع أفكاره الكبيرة ألنها كانت تعيش في أحالمه منذ سنوات ،وكل هذه المشاريع كانت تقوم في مرجعيتها على ديننا الحنيف .هي شخصية عبد السالم بنونة التي تقلدت عدَّة مناصب من بينها المالية سنة1922م .في ذروة اإلحساس بالمسؤولية ،واإلحباط أيام الحماية اإلسبانية ،لم َ يتخل عن المشاريع العلمية والثقافية واالقتصادية ،ألجل فكّ األغالل عن مواطنيه ومواصلة مبتغاه .إلعداد األطر الوطنية بعد رفع عهد الحجر ،ولشدّ بنيان العلوم العربية ،لم يكن هناك من سبيل إال بإنشاء المدرسة األهلية سنة 20/12/1924م ،ثم قام بإرسال أربعة من أبنائه إلى مدرسة النجاح الثانوية بنابلس بفلسطين .وفاس والقاهرة .وفي نفس السنة تأسست المطبعة المهدية لطباعة الكتب المدرسية .انبجستْ المياه من الروح الوطنية ليؤسس المرحوم عبد السالم بنونة تعاونية إنتاج وتوزيع الكهرباء سنة 1928م ،باستيراد آالتها من سويسرا ،أعقبتها شركة السكر بتطوان من أجل زرع قصبه .عند اتصاله باألمير شكيب أرسالن ليتمَّ إجراءات ذلك من ألمانيا وبولونيا ،ولم يفلح في ذلك .ولتكالب االستعمار على خيرات البالد افتتح معمال للثياب القطنية والحريرية سنة 1932م ،عند مقاطعة المغاربة للمنتوجات الفرنسية .ثمَّ تأسيس جمعية أرباب األمالك لتشييد بناء الدور االقتصادية .وقد شكره على ذلك شكيب أرسالن .كان طوْداً للدفاع عن اللغة العربية باستضافته أمير البيان شكيب أرسالن في بيته يوم 14/8/1930م .فتذكرنا األستاذة حسناء داود عناوين دار الصنعة تباعاً من الطرَّافين إلى “لونيتا” وإلى باب العقلة ،بتواريخها والمدراء الذين تناوبوا على إدارتها ،قبل “ماريانو بيرتوتشي” ،الذي تحمل إدارة دار الصنعة لمدة خمس وعشرين سنة ،من 1930إلى 1955م .قبل ذلك أبدعت دار الصنائع والفنون بمعرض إشبيلة بدْءاً من أبريل 1926إلى 1929م ،بصناعها وحرفييها .هدف المرحوم عبد السالم بنونة لم يكن إال إصالح أحوال الناس في المعاش .ففاقت مشاريعه سبع وأربعين وهي أطول من عمره ،فكان على المحاضرين وصف قدر هذا الرجل ،مستوضحين حساب عمره بالمشاريع ،ال بالسنين .إذ األساتذة استطاعوا النفاذ إلى المنجزات التي ستؤول ذاكرتها إلى جوهر وجود مدرسة الصنائع والفنون .اتسمَ انخراط “ماريانو بيرتوتشي” في مشروع عبد السالم بنونة سنة 1930م ليضفي على المدرسة الجمالية والبهاء .ولقد توافر له مع الفنان اإلسباني “بيرتوتشي” ،أكثر من الصفة التجارية، صفة هوى وذوق ونزوة الزبون والسائح .وقد ساهمتْ يد المبدع الصانع بالقصر الخليفي والموقيمية العامة اإلسبانية بتطوان ثمَّ قوس بالعاصمة األمريكية .إال َّ أن أحد المحاضرين أتحف أسماع الحاضرين ،من جوامع الفنون وبخبيئاتها من علوم المعرفة بكمياء صناعة التحف التي تحتويه مدرسة الصنائع والفنون ،سافرت به إلى بعض المنازل التطوانية العربية األندلسية ،وهو يشرح بفرشته باكورة لقاء اإلخالص والوفاء لشخصيات خلدتهم منجزاتهم .ومما يؤسف له َّ أن اسم عبد السالم بنونة ،و“ماريانو بيرتوتشي” لم يطلق اسمهما على أيّ شارع بتطوان ...و لألستاذ أنس الصرْدو مدير مدرسة الصنائع والفنون الذي يشتغل بفتيل إخالص يغرسه وينتهي إلى ماذا بعد؟
موائدُ الحرفِ
(ديوان فوائد وعوائد ومحا�ضرات)
• بقلم :عبد المجيد اإلدريسي
خلدت مدرسة الصنائع والفنون الوطنية بتطوان مساء يوم الخميس 10أكتوبر الذكرى المئوية لتأسيسها ( ,) 2019-1919وذلك بتنظيم ندوة ثقافية هامة تحت عنوان : ( دور الحاج عبد السالم بنونة في تأسيس دار الصنعة ) ،تم خاللها االستماع إلى عروض شيقة كانت من إلقاء أساتذة أجالء، األستاذة الباحثة حسناء داود واألستاذ السفير السيد أبوبكر بنونة والفنان التشكيلي السيد بوزيد بوعبيد) ركزت في مجملها على أهمية هذه المؤسسة ودورها الكبير في المحافظة على العديد من الحرف وتكوين اجيال عديدة من الشباب والشابات ،مع التأكيد على الدور الكبير الذي قام به المرحوم الحاج عبد السالم بنونة في تاسيس هذه المعلمة الفنية والتراثية ،هذه الشخصية التطوانية البارزة التي لعبت ايضا ادوارا كبيرة في الحياة العامة للمواطن التطواني ثقافيا وتعليميا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا . الندوة أيضا تحدثت عن مسيرة المدرسة وعن فترة تالقها في عهد الفنان الغرناطي الراحل ماريانو بيرتوشي وعن اسرار هذا التالق.....كما تم التطرق لمجال الفنون التراثية والمعمار بمدينة تطوان منذ مجيىء سيدي علي المنظري وما عرفه من تطور وانصهار وتدهور وإعادة إحياء وصوال إلى مسببات إحداث هذه المعلمة الفنية والتراثية العتيدة. ايضا تم خالل هذه الندوة الحديث عن واقع المدرسة واجتهاداتها الحالية وعن التحديات التي تنتظرها الستمرار اداء دورها الكبير. هذا النشاط عرف حضور المدير االقليمي لوزارة الثقافة بتطوان ومدير المعهد الوطني للفنون الجميلة والرئيس المنتدب لجمعية تطاون اسمير وبعض اعضاء مكتبها اإلداري ورئيسة جمعية عبد الصادق شقارة ورئيس مؤسسة امغارة الرباحي للثرات والثقافة وعدد من اعضاء جمعية تطاون للموسيقى وممثلي بعض الوسائل اإلعالمية المرئية والمسموعة والمكتوبة والعديد من المثقفين والفنانين وممثلي المجتمع المدني وبعض المعلمين الحرفيين. وكان مدير المدرسة أنس الصوردو قد القى كلمة بالمناسبة سلط فيها األضواء على أهمية الحدث وعلى ما حققته هذه المؤسسة من إنجازات هامة سواء على مستوى تكوين أعداد كبيرة من أبناء وبنات المدينة والمنطقة او على مستوى المحافظة على مجموعة من الحرف التراثية األصيلة ،معرجا على مسيرتها خالل العقدين االخيرين واستفادتها من اتفاقية التعاون القائمة بين وزارة الثقافة المغربية والحكومة المحلية لالندلس ممثلة في الوكالة االندلسية للتعاون الدولي ومؤسسة الثقافات الثالث ( إحداث فضاء المنظري للفنون والتراث بفضاء المدرسة وتهييء رواق بيرتوشي وتدعيم بعض المحترفات ببعض التجهيزات).... كما اشاد بدور بعض جمعيات المجتمع المدني بتطوان في استمرار إشعاع هذه المؤسسة الرائدة كجمعية البر واإلحسان وجمعية تطاون اسمير والجمعية الوطنية للمدارس الورشة. ومن جانب آخر قدم مدير المدرسة أرقاما وبيانات خاصة بالموسم الدراسي الجديد مشيرا أن عدد تالميذ دار الصنعة حاليا يفوق 110تلميذا وتلميذة. وفي الختام دق ناقوس الخطر بخصوص وضعية األطر والمعلمين الحرفيين الذين يحالون على المعاش دون إيجاد حل لتعويضهم. من جهته ،هنأ المدير اإلقليمي لوزارة الثقافة احمد اليعالوي إدارة وأطر ومعلمي وتالميذ المدرسة بهذه الذكرى الطيبة ،مؤكدا حرصه الشخصي وحرص وزارة الثقافة على ضمان االستقرار المتوخى لهذه المؤسسة منوها بكل ما تم بذله من جهود مشكورة طيلة السنوات االخيرة....مشيرا إلى بعض اإلصالحات التي بدات تستفيد منها بعض فضاءات المدرسة ( آخرها قاعة التحف). وفي االخير أشار مدير المدرسة إلى برنامج االحتفالية بهذه الذكرى مازال مستمرا ،حيث سيتم خالل شهر دجنبر القادم تنظيم معرض ألعمال معلمي وتالميذ المدرسة كما سيتم تنظيم محاضرة للدكتورة بثينة بن االمين في موضوع إشعاع مدرسة الصنائع والفنون الوطنية خالل فترة الحماية وتأثيرها اإليجابي في الحياة العامة .. ..الحاج عبد السالم بنونة وهو يسمع نجوى أبي بكر ،من تحت الثرى قائال :تعالى إلي يا ولدي ألضمكَ إلى صدري ...
بين دفتيّ هذا َ شكــول فوائـــدُ في الفقــه واألصول والتاريـخ الك ِ ُ ُ ونخيلـــة حصيلــــة مطالــعـــاتٍ وسماعــاتٍ، واللغـــة واألدب ،وهـــي ٌ ٌ وبـــاعــــث على لإلينــاس، ة مجلبـــ ُّعهـا و وتنـــ تحقيقاتٍ وجواباتٍ، ِ َ ّ التروّح؛ َّ التنقــل بين وتستـــروحُ إلى ألن النفس تسأمُ النمط الواحدَ، ِ ِ أفانين الكالم ..ولعـل القارىء يجـد فيها متنفسـهُ إذا تم ّلكه الضجرُ، ِ ُ الوحشة ..واهلل الهادي إلى سواء السبيل. واستفرغتهُ
ٌ فائدة لغوي ٌَّة .55
دور يلعبه العلماء في بلدكم ؟ فقال :العلماء ال يلعبون ! ..وهذا نقدٌ َّ شائع عند كتاب العصر، مبطنٌ ٍ سئل بعضهم :أيُّ ٍ الستعمال ٍ وهو قولهمٌ ( : فالن يلعبُ دوراً مهمّاً) ،حتى رأيت مِن صفوةِ العلماء واألدباء المعاصرين مَن ال يتحرّج من مقارفتهِ ،على عجمتهِ سَنَن المالحةِ ،وهذا تعبيرٌ فرنسيٌّ مشهور ،)joue un role ( :وكان للترجمةِ ضلعٌ في نقلهِ وإذاعته .ومن ُ مث ُل هذا وخروجه عن ِ االستعمال ُ قول محمد أديب صالح ،وهو من هو في مهارتهِ األصوليَّةِ ،ورشاقتهِ األسلوبية ( :الذوق الفقهيُّ يلعب دوره الهام في بدور مهمٍّ ،)..ولو ِ الحكم على التأويل ،بكونه قريباً أو بعيداً ،وعلى مجاله بين القرب والبعد )( .)1والصَّحيحُ المليحُ أن يقول( :ينهضُ ٍ ورد هذا االستعمال في كالم أهل الصحافةَ ، لهان الخطبُ ،أما مقامُ التَّنظي ِر األصوليِّ فله ٌ بيان هو أملكٌ به ،واهلل أعلم.
. 56فتوى تف�سريية
سُئلت :قد تختم بعض اآليات القرآنية بأسماء اهلل الحسنى ،فهل لذلك داللة معينة ؟ فأجبتُ :ختمُ آياتٍ قرآنيةٍ بأسماء اهلل الحسنى ٌ اتصال و ُقربى بعلم المناسبات؛ مسيسُ وله نمط بيانيٌّ شائعٌ في القرآن الكريم، ٍ ذلك أن المعانيَ والمقاصدَ التي تدور عليها اآلية أو اآليات تكون في غايةِ المناسبة والمشاكلة مع ما خُتمت به من أسماء اهلل تعالق مع خواتيمها ،مما يعكس ملحماً بيانيّاً وضيئاً هو من بابةِ اإلعجاز وال ريب .فتأمل قوله تعالى: الحسنى ،فتجد موضوع اآلياتٍ في ٍ ( فريضة من اهلل إن اهلل كان عليماً حكيماً)َّ ، لموضوع عدِّ األنصبةِ ،وتوزيع الحقوق في مجال فإن ختم اآلية بـ (العليم الحكيم) ،مناسبٌ ِ عادل ،وحكمةٍ اإلرث؛ ذلك أن اهلل تعالى أعلمُ بمواضع حاجةِ عباده ،ووجوه مصالحهم ومراشدهم ،فيضع األمور في مواضعها بتقدير ٍ بالغةٍ .وليس على العبد إال أن ينقادَ ألمر ربه ،وينساقَ وراء حكمه مؤمناً ،راضياً ،واثقاً في عدالةِ ربه تعالى ،ورحمته الواسعة .وقد قعَّد علماء القرآن قاعدة في هذا الباب ،وهي ( :كثيراً ما تُختَم اآليات القرآنية ببعض األسماء الحسنى للتدليل على أن الحكم المذكور له تع ّلقٌ بذلك االسم الكريم )(.)2
ٌ طريفة . 57
حدّثني األخ النَّابغة ِّ المحقق عبد الرحمن جابر العنزيُّ العراقيُّ ،وهو ُ أمثل مَن رأت العين من طالب العلم فهماً واطالعاً وتحريراً، َ الجهل ضرب أطنابه على بوادي جنوب العراق ،حتى ال يعلم كثيرٌ من الناس حقائق دينهم ..ومما يُروى في هذا الباب ،والقص َُّة أن أن رج ً َّ قريب له ،وواساه بقوله( :إن محمدّاً صلى اهلل عليه وسلم خير البرية قد مات ..فاصبر وتجمَّل)، وفاةِ في صاحبه َّى ز ع ال واقعي ٌة، ٍ فأجابه المعزَّى( :متى مات ..إني واهلل قد صليت وراءه بالحرم ّ المكي منذ أيام) ،والرجل لجهله المطبق ظنَّ َّ الحرم المكيِّ هو أن إمامَ ِ نبيُّ األمة ! ولو صحَّ وقوعُ ذلك ـ والراوي ثق ٌة عندي ما فتئ يؤكدُّ أن األمر واقعٌ وليس من قبيل المستملحات ـ َّ فإن هذه البيئة يراعى فيها من فقه األحكام ومآالت التنزيل ما ال يُراعى في غيرها ،وفي أمثالها تسدُّ الذرائع إلى الخلط بين الفرض والنقل ،ويُركن إلى ترك بعض المستحبات للمعارض الراجح ،واهلل أعلم.
. 58فائدة � ٌ أدبية
األصل والنَّبعة ،مصريُّ القرار والمدفن ،مغمور المنزلة عند ناشئة ولي الدين يكن (ت 1921م) سيِّدٌ من أسيادِ النثر ،تركيُّ ِ األدب ،مع أن نثره فوق الشعر ،يترسَّل فيه ترسّ ًال سمحاً ح ْلواً منبثقاً عن الوجدان الحرِّ ..ولذلك أثنى خليل مطران عليه ثناء عطراً في قوله: ِّ المتوقدِ ؟ بناثر= له مثل ذاك الخاط ِر وهل تسمحُ األيامُ بعد ٍ ٌ ِّ أرج ذات ، ة صافي ء (حمرا : الشط على زهرةٍ وصف في قوله بيانه تعاجيب ومن السود)، (الصحائف و (التجاريب) له (عفو الخاطر) ،و ُ ٍ يمأل الروح ،كأنها بسم ٌة على ثغر م َلك ،أو قطرة دم من فؤادٍ َّ معذ ٍب ..تناولتها بأناملي ،وقسوت عليه بالقطف ،فمازج روحي روحها.. ٍ باعدت ما بين موردها العذب ومنبتها الطيب ،حرصاً على جمال ليس لي منه إال اإلعجاب به ،فكأنه خُلق ألصفه ،وكأني خلقتُ ألعنى به ..اهلل يأبى أن يبقى فؤاد الشاعر في دعةٍ ،ويأبى سبحانه أن َّ يظل خاطره في سكون.).. َ ما أشبه نثره بنغَم النَّاياتُ .. أكاليل وردٍ!.. يسيل على شفاه القصب ،ثم ينتثرُ
بقلم :قطب الري�سوين ـ ال�شارقة ـ . 59فتوى من م�سائل الأ�سرة
َّقص له ،فهل في ذلك ما يُحرَّمُ شرعاً ؟ بوضع مساحيقَ سئلتُ :يأمرني زوجي ِ التجميل على وجهي في البيت ،والر ِ ِ قبيل حسن التبعُّل َّجميل ،ورقصُها لزوجها ،ليس بمساحيق الت فأجبتُ :تزيُّنُ المرأة لزوجها في البيت بحرام؛ بل هو من ِ ِ ِ ٍ الفرج ،وإحسانِ العشرةِ ،وللوسائل والمباشرةِ ،فإذا أمرها بذلك زوجها فلتُطِعْهُ؛ ألن المأمورَ بهِ هنا وسيل ٌة إلى غضِّ البص ِر ،وحفظِ ِ ُ الزوج ،وصيانته عن المحرَّماتِ؛ فإنها تؤجرُ ـ إن شاء اهلل ـ بطاعتها ونيَّتها ،وفي حديث أحكام المقاصد .وإذا نوت الزوجة بذلك إرضا َء ِ مسلم ( :وفي بُضع أحدكم صدقة )ُ ، مستغن به عن الحرام ،والحديث يجرُّ ذيله على فكتِب األجرُ لمن قضى شهوته في الحالل؛ ألنه ٍ ُ المناط واحدٌ ،والعبرة بالمآل. مسألة الرَّقص للزوج؛ إذ َ خمر أو نحوهِ ،والثاني :أن يكون الزوجان كشرب َّم ر بمح يقترن ال أن األول: بشرطين: العلم أهل عند َّدٌ ي مق الرقص بيد أن جوازَ ِ ِ ٍ َ ألن ِّ الهيبةُّ ، ُ ويخل باألدب؛ َّ في خلوةٍ؛ َّ فإن الشَّيء قد يكون مباحاً أو مندوباً في نفسه فيعرض عارضٌ يُسقط اطالعَ األبناء عليهما يلحقه بالممنوعات أو المكروهات ،مما يلزم المفتي بمالحظة العوارض والتوابع في صيرورتها على ما يقتضيه فقه التنزيل .واهلل أعلم.
ٌ طريفة .60
حدّثني األخ األثير الدكتور بدر العمراني أن شيخه العالم المتفنّن محمد محفوظ البحراويَّ كان سارداً في الحلقة األصولية للفقيه القاضي أحمد ابن تاويت ـ رحمه اهلل ـ ،وكان مدار الدرس على (جمع الجوامع) للسبكيَِّّ ، وخطَأ الشيخُ السَّاردَ في ضبط كلمةٍ ،لكن َ َ الجملة برمتها مبيّناً صح ََّة ضبطهِ ،ورافضاً تخطئة شيخهِ ،وما كان من الشيخ ابن تاويت إال أن طرده من درسه! .. السَّاردَ أعربَ َ أن الشَّيخَ إذا ضاقَ صدرهُ بمراجعاتِ طالبه ،وأرادهُمْ جثثاً محنَّط ًة في درسهِ ال يذاكرون وال يفاوضون؛ َّ والحقُّ َّ العاقبة فإن إخمادُ روح النقدِ لدى الطالب ،وتدريبُهم على التل ّقن المجرّد ..وتلك آفةٌ َّ حذر منها العالمة ابن خلدون في مقدمته ،ووصم بها تعليم المغاربة !
ٌ فائدة نحوي ٌَّة . 61
ذكر العالم النحويُّ صالح بن عبد اهلل اإللغيُّ السوسيُّ (ت 2017م) في شرحه لآلجرومية ( :الحقائق المكللة والدرة اإللغية) نظماً لبعض الفضالء استوعبَ أحكام (حتى) ،ونصهُ: تكون حتَّى َ جر يا فــتى ُ حرف ٍّ عطف ثم َ َ حرف االبتدا وحرف ٍ وحتــى َي ْحكُ مـا كمطلع الفجـــرِ ِ َّ كليــب َ�س ّبنـــــــي يا عجب ًا حتَّى ٌ
َ مل�ضـارع �أتـى ــــب وحـــرف ن َْ�ص ٍ ٍ ٌ أربعـــــة فعــــدِّدا أقـ�ســـــــــــامـــهُ � � ُ والنا�س جاءوا ك ُّل ُهم حتّى العمى ُ حتَّى اجليـــادُ ما لهــا من �أَ ْر ُ�ســنِ (.)3
الشارع )، والنَّظمُ يدور على أن أربعةِ أوجهٍ إعرابيةٍ لحتَّى :األول :أن تكون حرفَ جرٍّ كقولنا ( :قدْتُ السيَّار َة حتَّى آخ ِر ِ ُ والثاني :أن تكون ناصب ًة ،فيكون الفعل المضارعُ بعدها منصوباً ب ْ (نزاول التدريسَ حتّى ننشرَ العلومَ )، (أن) المضمرة كقولنا: والثالث :أن تكون حرفَ عطفٍ كقولنا ( :قرأتُ الكتابَ حتَّى فهارسَهُ) ،والرابعُ :أن تكون ابتدائي ًة ،أي :حرفَ ابتدا ٍء تستأنَفُ بعده الجمل اسمي ًة كانت أو فعليَّ ًة كقولنا ( :رسولنا نبيُّ الرَّحمةِ ،حتَّى الغربيون يقرون له بذلك). وهذه األدوارُ التي تنهضُ بها (حتّى) ،حملت بعض أعالم النحو على القول ـ ولعله سيبويه ـ ( :أموتُ وفي نفسي شي ٌء من حتَّى).
ٌ طريفة . 62
من طريفِ أخباِر المصنِّفين َّ أن الفقيهَ أبا بكر القاسم ابن أبي جماعة الهواري المالكي (ت 712هـ)ُ ،طلب منه أن يؤلف كتاباً في التصوف ،فألف كتاباً في البيوع ،وقال :هذا هو التصوف ،فال تصوّفَ إال بأكل الحالل ..وقد اضطلع القباب بشرح بيوعه ،ونظمه أبو سالم العياشي وغيره. الهوامش: 1ـ تفسير النصوص.1/397 ، 2ـ مدارج السالكين البن القيم ،1/36 ،والبرهان للزركشي ،1/98 ،وقواعد التفسير لخالد بن عثمان السبت .2/744 3ـ الحقائق المكللة ،ص .104
العدد 1016
م�ست�رشقون �أن�صفوا العرب
19
الثالثـاء � 22إلى � 28أكـتـوبر 2019
زيغريد هونكه
االستشراق األلماني بين اإلنصاف واإلجحاف: يرى الدكتور صالح الدين المنجد أن ألمانيا لم تحاول أن تستعمر البالد العربية لذلك نجا مستشرقوها من الخضوع للسياسة ،ولم تحاول التبشير فنجا مستشرقوها من العبث بالتاريخ اإلسالمي أو تفسيره على شكل يخدم أغراضهم. لذلك انصرفوا إلى دراسة اللغة والثقافة والتاريخ بشكل مجرد ،هدفهم العلم والمعرفة ،وأخذوا أنفسهم بمنهج علمي دقيق ،وأتيح لهم االطالع على المصادر المخطوطة على شكل واسع (.)1 يرجع تاريخ االهتمام بالشرق على األرض األلمانية إلى القرون الوسطى ،أيام الملك شارلمان (786-814م) الذي ربط عالقات ودية مع الدولة العباسية في المشرق العربي وخصوصا في عهد الخليفة هارون الرشيد حيث تبادال الوفود والهدايا .وقد تطورت هذه العالقات أيام الوجود العربي اإلسالمي باألندلس والذي دام ثمانية قرون ،ثم الحروب الصليبية التي دامت ثالثة قرون ،كل هذا أدى إلى الربط بين الشرق والغرب وفتحت عيون الغرب على ما للشرق من تقدم وحضارة وفكر الشيء الذي دفع بالكثير من الطالب والدارسين إلى االتجاه نحو الشرق حضارة وثقافة وذلك لالستفادة من عبقريته وإبداعه .يقول الدكتور ارنست بانرت أستاذ اللغات الشرقية بجامعة فيينا «ال بد أن نعترف بأن النشاط االستشراقي والشعري خلق في الشعب األلماني إعجابا بفضائل األبطال المسلمين وحبا لألقوام التي خلقت قيما سامية كما يتجلى هذا في أدبها»(.)2 ويعتبر القرن الثامن عشر الميالدي عصر حركة التنوير األلماني ،ففي هذا القرن اهتم ألول مرة علماء ألمان بأبحاث الشرق العربي اإلسالمي،فقد ظهرت مجموعة من المفكرين واألدباء األلمان أنارت الطريق وحددت معالمه للجيل الصاعد من المستشرقين األلمان. وتعتبر جامعة (توبنجن) من بين أقدم الجامعات األلمانية وصلتها بالدراسات الشرقية قديمة إذ اهتمت بهذه الدراسات إلى ما ينيف على خمسمائة سنة ،وأصبح القسم فيها (معهد الشرقيات) من أكبر األقسام المماثلة .ويتمتع المستشرقون األلمان بسمعة طيبة نظرا ألبحاثهم العميقة القيمة التي أدت في كثير من الحاالت إلى إلقاء الضوء على التراث العربي وتعريف العالم على دور الطليعة التي كانت األمة العربية قد لعبته خالل قرون طويلة .ومن المعروف أن أعمال المستشرقين األلمان ساهمت في إحياء علوم الفقه والنحو واألدب وغيرها من العلوم التي كان العرب يتعمقون في دراستها .و يجدر التذكير هنا بالمجهود الذي قام به (فلوجل 1802-1870م) في فهرسة ألفاظ القرآن منذ أكثر من قرن في كتابه الشهير (نجوم الفرقان) ومنه استمد األستاذ محمد فؤاد عبد الباقي كتابه المعروف (المعجم المفهرس أللفاظ القرآن الكريم) وكذلك المستشرق (كريستيان شنورر1742-1822م) وكتابه (المكتبة العربية) الذي تناول فيه وصف خمسمائة كتاب من الكتب العربية في أروبا حتى آنذاك .والمستشرق(رودي باريت 1902- 1983م) الذي ركز أبحاثه العلمية منذ وقت مبكر في مجالين من مجاالت الثقافة العربية اإلسالمية .األول هو الدراسات القرآنية التي توج جهوده فيها بترجمة القرآن الكريم إلى اللغة األلمانية ،ودراسة تحليلية للنص القرآني .والثاني هو األدب الشعبي العربي .دون أن ننسى مجهود المستشرق الكبير(كارل بروكلمان 1868-1956م) الذي أمضى خمسين سنة من عمره في خدمة (تاريخ األدب العربي) وال أظن أن أحدا من الباحثين والدارسين العرب وغير العرب المهتمين بتاريخ األدب العربي ينكر أهمية عمله ومجهوده أو ينتقص من قيمته رغم بعض المالحظات التي أبداها بعض الباحثين العرب. وما زال علم االستشراق متقدما في ألمانيا بدليل أن اللغة العربية والدراسات اإلسالمية تدرس في الوقت الحاضر في العديد من الجامعات األلمانية ،وعدد الطالب المهتمين بهده الدراسات في تزايد مستمر. وعلى العموم فإن أهم ما اختص به االستشراق األلماني في نظر العديد من الباحثين العرب ،هو حياده عن الغايات السياسية أو االستعمارية أو الدينية على عكس الدول األروبية األخرى كفرنسا وإنجلترا وإيطاليا. كما تميزت الدراسات األلمانية بروح غالبا ما كانت بعيدة عن العدائية إذا ما قورنت بغيرها من الدراسات االستشراقية األخرى ،بل كثيرا ما نجد المستشرقين األلمان يعجبون ويقدرون التراث العربي كما هو الشأن عند (رايسكه) و(جورج جاكوب) والسيدة (زيغريد هونكه) بل لقد ذهب اإلعجاب والتقدير ببعضهم إلى أن أسلمو مثل (ريشر) الذي سمى نفسه بعد إسالمه (عثمان) وأخيرا (هوفمان) الذي أطلق على نفسه (مراد هوفمان)(.)3 زيغريد هونكه وبداية االتصال: ولدت زيغريد هونكه في مدينة كيل بشمال ألمانيا عام 1912م، وتفتح ذهنها على الدراسات واألبحاث العربية واإلسالمية منذ نعومة أظفارها، فاتجهت نحو جامعة برلين لدراسة اللغة العربية واألدب العربي ،حيث تعمقت في دراسة الحضارة العربية وخاصة األدب والشعر العربيين ،تقول عن نفسها »:لقد أتيحت لي الفرصة منذ نعومة أظفاري ألن أهتم بالفكر واألدب ،فلكوني ابنة تاجر كتب معروف في كيل على ساحل بحر الشمال نشأت بين الكتب ومعها ،وكان يتردد على بيتنا شعراء وكتاب وناشرون معروفون ،والحقيقة أنني كنت أريد أن أدرس الموسيقى ،لكن قاعات المحاضرات في الجامعات جذبتني بشدة أكبر فتعمقت في الفلسفة وعلوم األدب األلماني وعلم النفس وعلم األديان المقارن على يد أساتذة وفالسفة كبار في فرايبورغ وبرلين من أمثال مارثن هايدغر و ادوارد شبرانغر وبعد امتحان التخرج صرت مساعدة لباحث العربية المتميز آنذاك لردفيغ كالوس مما أتاح لي الفرصة لالطالع على الثقافة الشرقية والتعمق فيها»(.)4 وفي جامعة برلين التقت ببيتر شولتسه الذي كان يدرس الفلسفة وعلم النفس ،والذي سبق له أن قام بعدة جوالت في العالم العربي ،ولكن قيام الحرب العالمية الثانية أجل مشروع زواجهما بعد أن نقل شولتسه للعمل في القنصلية األلمانية في مدينة طنجة بالمغرب ،وقد اشتهر بصداقته للعرب وللمسلمين وتعمقه في دراسة آدابهم واالطالع على مآثرهم. بينما تابعت زيغريد هونكه إعداد رسالة الدكتوراة التي كان موضوعها ( :تأثير الحضارة العربية على الحضارة الغربية) .بعد أن اكتشفت مدى األخطاء السائدة في األوساط العلمية الغربية حول الحضارة العربية ،والفكرة التي كانت سائدة آنذاك هي أن العرب لم يقدموا أي شيء جديد بل نقلوا الحضارة اليونانية ولعبوا دور الوساطة في نقل الحضارات القديمة إلى أروبا .تقول« :وكنت كلما اكتشفت أخطاء أو آراء متحيزة وغير صائبة أشعر بضيق وانزعاج ،بل بغضب شديد وكانت النتيجة دوما تأليف كتاب»( )5وكقدر محتوم كما تقول تبع ذلك زواجها من أكاديمي له اهتمامات مماثلة، فقد كان عضوا في إحدى البعثات الدبلوماسية األلمانية ،ويتكلم اللغة العربية بطالقة ،حيث عمل بالدائرة اإلعالمية للسفارة األلمانية في أكثر من دولة من دول إفريقيا العربية ،وبعد زواج شولتسه وهونكه في عام 1942م سافرا إلى مقر عمل الزوج في طنجة حتى عام 1944م ،حيث تابعت هذه األخيرة أبحاثها حول الحضارتين العربية واإلسالمية ،وبعد الحرب عمل الزوج في الصحافة ،حيث التحق بإدارة الصحافة واإلعالم التابعة للحكومة األلمانية في «بون» وتعمق في الدراسات المصرية ووضع خمس كتب عن مصر وحضارتها القديمة والمعاصرة .كما فسح المجال لزوجته في صحيفة
2/1
-
بقلم الباحث :
محمد القاضي
«البرلمان» التي أصدرها في ألماني بعد الحرب لتنشر فيها مقاال موسعا حول تأثير العلوم العربية على أروبا .وكانت هذه بداية نشاطها كمؤلفة مستعربة تنشر كتبها حول العرب واإلسالم والشرق إلى أن زادت على «خمسة عشر» كتابا، بدءا بكتابها (الرجل والمرأة) .ولعل أشهر كتبها على اإلطالق والذي ترجم إلى لغات عديدة منها اللغة العربية ،ونالت به شهرة كبيرة في العالم العربي هو «شمس العرب تسطع على الغرب»(.)6 ثم ترأست «هونكه» جمعية ثقافية تحمل اسمها ،أنشئت عام 1975م بمبادرة من عدد كبير من األدباء والعلماء والمستشرقين واألشخاص المهتمين بالثقافة العربية والحضارة اإلسالمية .وتحمل عدة أوسمة وشهادات تكريم من قبل عدد كبير من رؤساء الدول وكبار المسؤولين في العالمين العربي واإلسالمي ،كما تلقت دعوات عديدة لزيارة الدول العربية ،فاستدعتها الحكومة المصرية سنة 1962م معربة بذلك عن تقديرها وعرفانها بالجميل ولجهودها المتواصلة في خدمة العرب .وكرمتها مصر بعد ذلك عندما سلمها الرئيس المصري حسني مبارك قالدة نجم االستحقاق المصري الكبير من الدرجة األولى للعلوم والفنون في احتفال ديني بجامعة األزهر حضره 1200من رجال العلم وذلك سنة1988م بمناسبة االحتفال السنوي التقليدي بعيد المولد النبوي الشريف في قاعة جامعة األزهر بالقاهرة .وتعتبر األروبية الوحيدة غير المسلمة التي أصبحت عضوا في المجلس األعلى للشؤون اإلسالمية .وشاركت بعد ذلك في عدة مؤتمرات وندوات علمية وثقافية في ألمانيا وأروبا والعالم العربي ،كما حاضرت في جامعات عديدة ونالت شرفا وتقديرا. لقد أحبت العرب والمسلمين ،وصرفت وقتها كله باذلة الجهد للدفاع عن قضاياهم والوقوف إلى جانبهم .تقول : «لم أكن في النهاية بحاجة إلى إبراز جواز سفري ،فحتى موظفو الجمارك كانوا قد عرفوني عن طريق الصحف والتلفزيون وكانوا يستقبلونني ويودعونني بفرحة ظاهرة»(.)7 مؤلفاتها عن العرب وحضارتهم: إذا كان مؤلفها الشهير «شمس العرب تسطع على الغرب» أكثر كتبها انتشارا على اإلطالق والمتعلقة بالحضارة العربية وعطائها المتميز في مجال التراث اإلنساني ،فإن المستعربة ألفت كتبا أخرى لها عالقات بالموضوع ،ومنها كتاب «الناقة على معطف القيصر» وتعالج فيه مرحلة من مراحل الحروب الصليبية من زاوية المواجهات بين العرب واأللمان (كارل األكبر) وقيصر ألمانيا فرد ريك الثاني الذي تقول عنه المؤلفة إنه كان صديقا للعرب وقف إلى جانبهم أثناء الحروب الصليبية ،كما تقول إن العرب اعتبروه واحدا منهم وأحبوه لدرجة أنهم أهدوه معطفا صنعوه له ورسموا عليه ناقات عربية وزخارف أخرى جميلة ،وكتبوا عليها ألفاظا وعبارات تنطوي على الكثير من مشاعر الود والصداقة. أما الكتاب الثالث فإنها تسجل فيه اإلنجازات المشرفة للعلماء العرب تحت عنوان :العلم والعقيدة وتلقي فيه الضوء على حقيقة هامة وهي أن العرب لم ينقلوا العلوم اليونانية إلى الغرب كما هي ،بل أضافوا إليها الكثير من تجاربهم واكتشافاتهم العلمية الخاصة بهم حتى إنه يمكن القول إن العلوم اليونانية تحولت على أيدي العرب إلى علوم عربية خالصة. أما الكتاب الرابع وهو تحت عنوان :فهم الموت تناقش فيه فكرة الموت في الحضارات المختلفة لتخلص فيه إلى أن المفهوم القرآني للموت هو األرقى .و قد أكملته بكتاب آخر يتضمن الكثير من الحكم تحت عنوان :اهلل مختلف تماما .وهو كتاب كما تقول يصلح مرجعا للمشككين والجهلة ،وينبغي له على األخص في ظل التطورات السياسية الراهنة أن يزيل الف حكم وحكم من األحكام المسبقة العالقة في أذهانهم ضد العرب، وذلك عن طريق كشفها على حقيقتها( .)8وقد صدر الكتاب سنة 1991م ويحتوي على مقدمة وستة أبواب مقسمة إلى فصول « تتحدث الكاتبة في مقدمة الكتاب عن أنها كانت تأمل في خالل كتابيها السابقين( :شمس العرب تسطع على الغرب) و(ناقات على معطف القيصر) أن يتحقق الحوار الموضوعي البناء بين الغرب والشرق ،حتى يتم التفاهم الحقيقي على أساس واضح بعيد عن كل مغالطة وكبرياء ،ولكن الذي حدث أن الكتابين انتشرا انتشارا كبيرا ،ولم يتحقق الهدف األساسي كما هو مأمول ومتوقع، وهو الحوار الموضوعي البناء بين العرب والغرب .وبالرغم من هذا كله فإن الكاتبة لم تيأس بل عقدت العزم على المحاولة مرة أخرى من خالل كتابها هذا أن توضح للقارئ الغربي أنه ال يوجد شعب ظلم مثل الشعب العربي من خالل نظرة الغرب له ،فبدأت في هذا الكتاب بالبحث عن أصول هذه اآلراء الخاطئة وحاولت أن توضح أسباب انتشار هذه اآلراء ومقارنتها بالحقيقة، واستخلصت بعد ذلك واقع الشعب العربي من العصور الوسطى حتى العصر الحديث»(.)9
هوامش: () 1 () 2 () 3 () 4 () 5 () 6
() 7 () 8 () 9
انظر «كتاب الدراسات العربية واإلسالمية في أروبا» للدكتور ميشال جحا /ص/183:معهد األنحاء العربي. انظر مقالة في مجلة «المجلة» المصرية /عدد 163:يوليو 1970م ص(32-36:تأثير األدب اإلسالمي على الشعر األلماني في التيار الرومانتيكي). لقد قمنا بعرض كتابيه (يوميات ألماني مسلم) و(اإلسالم كبديل) في صحيفة (العالم اإلسالمي) التي تصدر عن رابطة العالم اإلسالمي بمكة المكرمة /عدد3(1376:أكتوبر1994م انظر صحيفة األنباء المغربية /عدد2:يونيو 1994م/ص( 8:كيف تعيش اآلن صاحبة كتاب «شمس العرب تسطع على الغرب» الذي ترجم إلى 17لغة آخرها اليابانية؟) نفس المرجع. لقد قام بترجمته إلى العربية األستاذان فاروق بيضون وكمال دسوقي وراجعه ووضع حواشيه مارون عيسى الخوري وهو في 588صفحة ،صدر عن منشورات المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر ببيروت /لبنان/وقد قمنا بعرضه في مجلة رسالة الجهاد الليبية/عدد/104:نوفمبر1991م .وتشير بعض المراجع إلى أن شهادة الدكتوراه التي حصلت عليها المستعربة كان موضوعها عن «شعر الغزل في العالم العربي» انظر مجلة «المنهل» السعودية /عدد/ 494:فبراير1992م (زيغريد هونكه ..والحقيقة الغائبة )..عاصم عز الدين العماري /ص 130:إلى.141 انظر صحيفتي «األنباء» المغربية /مرجع سابق .وصحيفة «أنوال» المغربية عدد( 5/1994/ 27:الكاتبة األلمانية زيغريد هونكه تقوض األحكام المسبقة ضد العرب)ص.10: انظر مجلة «الشرق األوسط» عدد 283/27:نوفمبر -3ديسمبر1991م /ص81:و( 82إطاللة على عالم زيغريد هونكه – ناقات عربية على معطف القيصر )فاتن الرافعي .وانظر كذلك صحيفة أنوال /مرجع سابق. انظر مجلة «المنهل»السعودية /مرجع سابق /ص.133:
العدد 1016
20
الثالثـاء � 22إلى � 28أكـتـوبر 2019
البوح بين الزمان والمكان في قصة «ظالل وخلجان» للقاصة المغربية
ربيعة ريحان
« ظالل وخلجان « أول مجموعة قصصية القاصة المغربية ربيعة ريحان عام 1994م ،وتعد الكاتبة أحد األصوات اإلبداعية النسائية البارزة في المشهد األدبي المغربي ،حيث استطاعت في بداية مسارها اإلبداعي أن تلفت األنظار إلى أعمالها ،على من رغم حداثة عهدها بالكتابة ،من خالل مجموعتها «ظالل وخلجان» ،وأن تجد لها مكانا بين باقي القاصات المغربيات المعاصرات. أحرزت الكاتبة بمجموعاتها هذه ،على شهادة ميالدها كمبدعة في المجال القصصي ،من قبل الكاتب السوري المعروف «حنا منا» ،الذي وصفها بالكاتبة المبدعة ،و لعل هذا ما أثار حماسي لقراءة المجموعة ،فعزمت الغوص في ثناياها السردية ،بحثا عن أصداف مكنوناتها ،وسيرورات أحداثها ،وبناء وقائعها ،ساعية إلى ذلك من الظاهرة ( فينومينا) الى الشيء في ذاته ( النومينا) أي من الخارج الى الباطن. - 1في العنوان والغالف «ظالل وخلجان» ،مركب اسمي من وحدتين دالليتين« ،الظالل» جمع «ظل» بالكسر ،وقيل هو الضوء الثاني وهو الحاصل من مقابلة المضيء بغيره، وقيل هو الضوء الثاني الحاصل من مقابلة الهواء المضيء ،ثم للظل مراتب كثيرة متفاوتة بالشد والضعف ،وطرفاه النور والظلمة ،وهو داللة إيحائية على وجود الشمس أو النور الذي ينعكس معه الظل فيوحي بتواجد كثرة الضوء وقوته ،ومن زاوية أخرى ،هو الظل والفيء في وسط الحر ،أي داللة على الراحة و االسترخاء . الخلجان :جمع خليج وهو امتداد من الماء متوغل في اليابس ،وهو أثار على وجود الماء ،الذي هو أساس الحياة، والواو التي تربط الوحدتين ،أداة» العطف» تكثف داللة حركة الطبيعة ،وما يمكن أن توحي به للمتلقي ،من أجل اكتشاف الرؤية التخيلية للمؤلفة. العنوان «ظالل وخلجان» بوظيفته الفنية ،يمثل مدخال جماليا ،يمهد لسمة شاعرية التي تحكم هذه المجموعة، وتسري في مفاصلها ،وتؤكد على اختيار الكاتبة لعدتها البنائية لقصص المجموعة ،فكلمة ظالل أصغر حجما من كلمة خلجان ،وهي إشارة دالة على وجود األمل والنور والحياة ،ضمن المجموعة القصصية النابضة بالفعل الوجودي لإلنسان ،أما خلفية العنوان ،فتكسوه صفحة مقسمة إلى قسمين ،قسم عن اليمين أبيض اللون يمثل مجموعة من األوراق بيضاء مرتبة ،يعلوها اسم الكاتبة ربيعة ريحان ،والقسم االخر عن الشمال ،رمادي اللون تظهر كف معلقة في الهواء تسحب ورقة من تلك األوراق المرتبة، وهذه الخلفية الرمادية تجعل الصورة في كليتها ترمز إلى الضبابية وغموض األقدار ،والحزن ،وهي كلها قضايا تالحق اإلنسان .والمجموعة القصصية هي تلك الورقة التي قامت الكف بسحبها من مجموع الكتابات االبداعية التي تعدها المبدعة المغربية ربيعة ريحان . - 2عتبة المدخل : «عندما مر ظلها الذي يسبقها فوق الخلجان الرملية الصغيرة » ،انطلقت القاصة بهذه الجملة الحاملة لمعاني كثيرة لتواجد الكلمتين معا «الظل والخلجان» ،و»الهاء» الضمير الذي سيصاحبنا طيلة القصة ،المليئة باالنزياحات والحركة ،مع هيمنة المكان والزمان ،بحضورهما المكثف في جميع قصص المجموعة ،وشارعت القاصة في انتقائها الدقيق لعناوين مجاميعها القصصية (كالم ناقص – مطر المساء –أجنحة الحكي – شرخ الكالم – مشارف التيه – بعض من جنون ،)..كعتبات دالة تختزل حرصها على رصد المكامن الخفية، واألغوار الدفينة ،و المجموعة القصصية األولى(ظالل وخلجان) ،أبانت عن مدى الثراء اللغوي الذي تتميز به من تعبيرات عميقة باذخة باإليحاءات ،وتكشف عن التباس دالالت المعاناة ..والحزن ..والقهر ..الطفولة ..والجسد ..والمرأة.. والرجل ..والتحرر ..والعالم الهامشي والزمن والمكان. - 3زمكانية البوح في المجموعة القصصية : – 1-3في الزمن : خالل طوافنا في مدارات المجموعة القصصية أفقيا وعموديا ،على مستوى مختلف بنياته وأنساقه السردية؛ ونحن نحاول االمساك بعضا من حدوده الثاوية، التي استطاعت القاصة أن تعتمد عنصرا الزمان والمكان كركيزة أساسية في عمليتها السردية كما سنرى. يجد القارئ لهذه المجموعة في بنياتها اللغوية ،والسرديةـ وفضاءاتها الزمكانية ،لغة فنية /شاعرية تلمح أكثر مما تصرح ..والمؤلفة توظف العالمات ونخص تحديدا« ،الزمن» ،الذي يعني ساعات الليل والنهار ،كما قال عنه الرازي»أنه كالحركة له معنيان :أحدهما أمر موجود في الخارج غير منقسم ،وهو مطابق للحركة ،بمعنى الكون في الوسط أي بين المبدأ والمنتهى ،وثانيهما أمر متوهم ال وجود له في الخارج» ،وتعددت تعريفات الزمان بين الفالسفة، والمفكرين ،إال أن النقاد كادوا يجتمعون على أنه مجرد حقيقة سائلة ،ال تظهر إال من خالل مفعولها على الشخصيات» . وفي «المادة الحكائية يحمل زمن الخطاب ،بتجليات تزمين زمن القصة وتمفصالته ،وفق منظور خطابي متميز ،وعرفه هيدغر بأنه «المعدود الذي ينكشف في المتابعة التي تعد العقارب المتنقلة وتستحضرها ،وهو نفس التعريف الذي أعطاه أريسطو ،للزمان بكونه المعدود في الحركة التي تعرض في أفق السابق والالحق « يقوم كل من الزمان ،والمكان في المجموعة بوظيفة دينامية كوحدة متصلة لخدمة السرد ،حيث اقتدرت الكاتبة أن تروضهما طوع إرادتها ،حيث تقول « تسمع صوته العميق مبادرا باقتراحه المسائي ،تتخيل وقفته ،ويده اليسرى على البكرة ،والذراع اليمنى مرفوعة لألعلى ،والكف الكبيرة القوية مبسوطة ،تنظر إلى
لوح الباب العريض ،وإلى الشق األسفل ،ظل خفيف ينعكس على األرضية تلك قدماه متباعدتان ،ينقر بأصابعه تسمع الطرق ،يتهيأ قلبها للخفقان ،تفتح الباب بعد إلحاحه العجول ،قامته الفرهاء تسد الفراغ ،تلمح القلق والشوق في ظل عينيه الحزينتين ،تبادله النظر ،تشدها الغضون العميقة ،ملمح مدمن نبيل أول مسهد يمضيان معا في ظلمة الظالل التي خالطتها صفرة االنوار» ،والمقطع يستدعي التوقف لكي نستحضر الزمان ،الذي يقدمه بنيفست في مفهومين مختلفين: من جهة الزمان الفيزيائي للعالم ،وهو خطي ال متناه ،وله مطابقته عند االنسان، وهو المدة المتغيرة ،وهو الذي يقيسه كل فرد حسب هواه وأحاسيسه وإيقاعات حياته الداخلية .وهناك من جهة ثانية الزمان الحدثي ( )temps creniqueوهو زمن االحداث الذي يغطي حياتنا كمتتالية من األحداث ،وهو الحاضر زمن تواجد الساردة ،في زمن السرد المتحرر من جمود القيم الواقعية ،وفي ذلك تكمن إحدى أهم أسرار وجماليات القص وسحره عند ربيعة ريحان ،فهي تكسر رتابة التتابع الممل لمسيرة الزمان وبطئه وتسويفه ،بإعطاء سيرورة غامضة لألحداث ..مفتوحة على تأويالت متعددة حسب الدرجة الجمالية للمتلقي. تستعين الكاتبة في سرد االحداث على حدود الزمان المروي في سرد أفعالها وخطاباتها الداخلية ،فضال عن ذلك ،كانت تجربتها الزمنية توضع مقابل تجربة الشخصية الثانية المصاحبة لها في القصة ،فتكون هي الرهان في اللعبة مع الزمان ،وهذا ما نلمسه في نصها « يجيئني ،كل مرة أقرأ في عينيه سؤاال عن آخر المرحلة ،يطرق الباب طرقات خفيفة في البداية ،ينقر بأصابعه،
أسمع الطرق ،أرفع عيني نحو مجاز الحجرة وأواصل اتصفح أوراق الكتاب الالمعة تحت ضوء المصباح األبيض الخافت» ،من خالل هذا االستدعاء ،يتمدد الزمان عند القاصة ،وهو الذي قال عنه أريسطو « ليس الزمن بذاته شيئا وال وجود له إال بالنسبة لألحداث التي تجري فيه « . – 2-3في المكان: يمثل المكان في المجموعة «الركن الذي ينسحب اإلنسان إليه ،ورغم ضحالة هذا التعبير، فهو يحوي صورا عديدة ،بعضها قد يكون نشأ منذ العصور البالغة القدم ،إنها صور ذات سيكولوجية بدائية ،لهذا يظل الحال أنه كلما كانت الصورة أكثر بساطة ،اتسع الحلم « وهو ما ِّ يجليه هذا الوصف «فإذا وصل قمة التل ،التفت الى البحر وراءه ،فتبدو المنارة مجللة بحمرة الشفق ،ويبدو شريط الزبد األبيض حدا فاصال بين الرمل والماء ،وفي أقصى األفق يخيم ضباب رقيق على هياكل البواخر ،فتبدو مجرد ظالل هندسية في لوحة بديعة ،حين يتبدى له كل ذلك ،تتضارب في نفسه مشاعر الحنين من جديد ،وتهتز أعماقه أسى وحسرة ،ثم ال يلبث أن يواصل السير بصبر وأناة عبر تلك المنعرجات ،وذهنه ال يزال مشدودا لمشهد البحر ساعة الغروب» ،لقد عبرت الكاتبة عن المكان في المجموعة« ،كعنصر مكون للصورة الفنية ،باعتباره هو ذلك المكان األليف { -البيت – المدينة – البحر – السوق – الجبل -الطريق – مكان العمل –}...الذي فيه تولد وتمارس أحالم اليقظة التي تتشكل في الخيال» ،فالمكان عند ربيعة ريحان يكتسب مالمح نفسية جديدة ،متآلف مع حلمها المخبوء وتفاصيل عالمها، وهنا يمكن أن نستحضر مقولة باشالر عن المكان «هو ذلك الركن الذي يحقق لنا أمرا نقدره عاليا ،السكون ،وهو الركن المجاور لسكونيتي ،إنه وعي كوننا في حالة سالم ،وهو إحساس يشع سكونية» ،ولذلك فالمكان عند القاصة يكتسب مالمح نفسية جديدة . يشكل المكان في المجموعة القصصية «ظالل وخلجان» العالمة الدالة على مرور الوقائع اليومية ،يطغى عليها صفة االنتظام؛ فالعمل األدبي حين يفتقد المكانية فهو يفقد خصوصيته وبالتالي أصالته ،وهو في الخطاب القصصي يشكل المادة الجوهرية للخطاب ،إلى جانب المكون الزمني؛ إذ أي إقصاء لهما إنما هو إلغاء لهوية من هويات هذا الخطاب.
• أمينة الطنجي : 3-3البوح في المجموعة تنطلق القاصة من ضفاف أنثى ،لتجول عبر الشواطئ ،والطرقات، واألسواق ،ثم تعود لتحط في األخير ،بميناء أنثى .وهذا يبدو واضحا في قصة «ظالل وخلجان «وهو العنوان الذي سميت به المجموعة ،ونقرأ في هذا النص «انتظرته طويال ،غزلت في برودة الليالي فتائل الوحدة المديدة ،استمسكت بالصبر واألحالم ،لكنه ظل بعيدا ،ضائعا في ضفاف التيه السحيقة .قال إنه ذاهب وسيأتي ورأته يرحل مع الشمس ،مأخوذا بوهج بريق جاذب ،لكنه أبدا لم يأت.. وظلت هي تنتظر على أبواب البحر ،الرجل الذي دوى رأسه هنا بانفجارات مكتومة ترمد ،ذهب من فرط لوعته يطرق باب المجهول ،لكن العالم المخدر الغريب جعله ينسى ،وأومأ لها من هنا منذرا بالهجران ،حاسما ،مدمرا كل بارقة أمل » ،فمغادر الحبيب الى مكان مجهول واحساس الساردة بالوحشة وهي تنتظره، مكن القاصة من إعطائها كل لحظة قوية وكل مشهد إطارا زمكانيا« ،ذلك أن الكاتب أكثر تنبها الى العالقات التي توجد بين الشخوص التي يبدعها ،والعالم الروائي الذي يحيط بهم ،فهو يقيم الديكور الذي يتحرك أبطاله داخله ،لكي يتيح للقارئ أن يراهم رؤية جيدة» ،وعند ربيعة ريحان يمتزج تفاعل الجسد والروح ليتشكل نصها اإلبداعي ،من أجل إيصال الى القارئ كل ما تريد. افتتحت الكاتبة مجموعاتها « ظالل وخلجان» بتأمالت ونبرات حسية تطغى عليها تيمة البوح ،فهي التي تريد أن تنطلق وتحلق ،باحثة عن حلم جميل وبعيد؛ لكنه موجود في مكان ما ،وزمان ما ،وعلى إيحائهما شيدت عالمها القصصي ،الذي يحمل حكاياه صوت اإلنسانية الممثل في األنثى ،ورصدها لقضايا اجتماعية مختلفة، تشهد بها عناوين المجموعة التي تشير إلى دورات الحياة المتنوعة ،بأفراحها وأحزانها ،ومسراتها ومعاناتها ،وتقلبات الحالة النفسية واالجتماعية لإلنسان السوي ،وغير السوي، ولكنها في كل الحاالت تشير إلى شخصيات متطورة ومتحولة تنتقل من حال إلى حال. تحمل المجموعة القصصية صورا داللية على ما تحمله األنثى من ترسبات تتراكم عبر فصول أعمارها ،فكان البوح متنفسها الوحيد الذي عبرت من خالله عن رغبتها في االنطالق والتحليق؛ حين صرخت على لسان الساردة «أرفض ترمد أرفض االنحدار إلى المهاوي الساحقة،»... وعبر مستويات التمرد ،والثورة ،تفتقت هذه التجارب، وشقت طريقها وانفتحت الكاتبة على قضايا اجتماعية معينة معتمدة في ذلك على جرأة واضحة؛ لتكتب عن الرجل والمرأة ،وتحكي عن همومهما النفسية والعاطفية، هموم الرغبة والتجاهل ،الحب والكتمان ،الميل و استنكاف، وهموم الذات المجروحة بحصار الكبت االجتماعي والحصار النفسي مما يجعل منها -في نظرنا – منخرطة في درب طويل بسراديب مختلفة ،سارت في إحداها المصرية نوال السعداوي« كان نائما على جنبه األيسر ،ظهره ناحية الحائط وجهه ناحيتي ،التاريخ فوق الحائط يشير الى عام ،1956قشعريرة باردة تزحف الى جسدي، ذاكرتي تعود الى السطح بالتدريج ،اخرج من بطن األرض جزءا جزءا ،أصحو فوق شيء يهتز، جفوني ثقيلة ،أفتحها بصعوبة التاريخ فوق الحائط ثابت عند عام ،1956النافدة مفتوحة بدون زجاج وال شيش ،الهواء البارد ينفذ الى جسدي ،وأنا راقدة فوق ظهري ،أسناني تصطك ارتجف بالحمى ،في حلقي غصة وفي انفي رائحة دم ،عيناي تدوران فوق الجدران ،المكان غريب لم أراه من قبل ،الحائط بال طالء لونه أسود تعلوه بقع أكثر سوادا ،الشقوق في الجدران تشبه الشقوق في األرض يتدلى من السقف سلك كهربائي فوقه ذباب أسود ،الرجل نائم الى جواري فوق السريرالعريض من الصاج األسود ،عيناه مغمضتان والزمن ال يتحرك، التاريخ ثابت عند عام 1956بالضبط يوم 23يوليو ،1956أشد جفوني ألصحو ،عيناي مفتوحتان من قبل ثم أغمضهما لحظة واحدة طول الليل ،كنت أفكر في الهروب ،كيف أهرب وإلى أين؟ » . وسارت في أخراها الجزائرية أحالم مستغانمي «واكتشفت في المناسبة نفسها ،أنني ربما كنت الوحيد الذي لم يترك خلفه سوى قبر طري ألم ماتت مرضا وقهرا ،وأخ فريد يصغرني بسنوات ،وأب مشغول بمطالب عروسه الصغيرة...لقد كان ذلك المثل الشعبي على حق « إن الذي مات أبوه لم يتيتم ..وحده الذي ماتت أمه يتيم»...وكنت يتيما ،وكنت أعي ذلك بعمق في كل لحظة فالجوع الى الحنان شعور مخيف وموجع ،يظل ينحر فيك من الداخل ويالزمك حتى يأتي عليك بطريقة أو بأخرى » ،إنه السرد النسائي الذي يفجر معاناة المرأة أينما وجدت، لذلك أرسلت الكاتبة ربيعة ريحان في المجموعة القصصية رسائل انتقادية للذات ،ولآلخر ،وفي بوحها استطاعت أن تكشف عن زيف خطاباتنا وسياساتنا وأوهامنا المزيفة والمتناقضة في مجتمعاتنا العربية ،وفي هذا السياق ندرج ما جاء على لسانها في حوار أجرته معها مجلة اتحاد كتاب األنترنيت المغاربة «:على المرأة أن تكتب وتبوح في شرط ثقافي معين ،وتثير الكثير من القضايا الخالفية، وتدخل مدارات األسئلة الساخنة ،فذلك تحد محسوب لها. » . إن المطلع على هذا المتن القصصي يفهم تنوع قضاياها السردية، وتيمتها ،ومنظورتاها ،وطريقة توليدها للحكايات التي تجسدها؛ وهي تدور في مجملها حول انشغال واحد هو النبش في القضايا االجتماعية المعقدة، فالمجموعة ظالل وخلجان تعبير عن التخييل األنثوي بصورة مشوقة ،وعبرها لم تكتف القاصة برصد معاناة األنثى فقط ،ولكنها تصور العالم الواقعي بشتى أطيافه االجتماعية ،و هو الشغف الشديد عند ربيعة ريحان للكتابة عن المختلف.
العدد 1016
الثالثـاء � 22إلى � 28أكـتـوبر 2019
ال �إرهاب يف الف�صحى وال يف الدين الإ�سالمي.. -1«اإلرهاب» في القاموس العربي ،ال يعني إطالقا ما يعنيه في القواميس الغربية ،سواء من حيث اللغة والمفهوم ،أو من حيث النظرية والممارسة. فالمفردة العربية لكلمة «إرهاب» واألصول التي اشتقت منها ،ال تتضمن تلك الحموالت الفكرية والسياسية والعملية نفسها التي تتضمنها هذه المفردة في قواميس اللغات األخرى. في اللغة العربية ،اإلرهاب مصدر أرهب ومعناها لغة « أخاف وأفزع « ،جاء في لسان العرب «البن منظور» في مادة «رهب» وأرهبه ورهبه واسترهبه ،أي أخافه وأفزعه ،إذ أن إرهابا في الوجدان العربي ،هو تخويف اآلخر ،ورهب فالن فالنا ،أي أخافه وأفزعه ال قتله ومثل به .والترهيب بالعربية ليس امرا مستنكرا بل مطلوبا ومستحبا في بعض األحيان ،اذ يقول المثل « :ألن ترهب خير من أن ترحم» اذ ذاك ترهب بفضل القوة وترحم بسبب ضعف فيك ».والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف» وهذا معلوم بين المسلمين ،أما الراهب فهو الذي يخاف اهلل وينقطع له .وكذلك هي «الراهبة» و «الرهبانية» حالة روحية تنم عن التقوى والخوف من الوقوع في الخطيئة (.)1 ففي اللغة العربية ،تشتق كلمة «إرهاب» من فعل « أرهب» ويقال أرهب فالنا أي خوفه أو فزعه ،وهو نفس المعنى الذي يدل عليه الفعل المضعف « أرهب» فيعني خاف .أما الفعل المجرد من نفس المادة وهو «رهب /يرهب / رهبة ورهبا» ،فيقال رهب الشيء رهبا ورهبة ،أي أخافه ،أما الفعل المزيد وهو ترهب فيعني انقطع للعبادة في صومعته ،ويشتق منه « الراهب /الرهبة / الرهبانية « (.)2 هكذا نجد المفردة العربية لمصطلح «إرهاب» ال تتضمن الحموالت الفكرية والعلمية والسياسية نفسها التي تتضمنها المفردة في اللغات الغربية .والدالة بالخصوص على العدوان ،ولكن بعد احتكاك العرب باألمم والشعوب الغربية ،أدخل « المنجد العربي الجديد» بعض التعديالت على مفاهيم هذه الكلمة ،بعدما استعار المعنى من اللغات الغربية ،وحمل المفردة العربية الجديدة ،شحنة معنوية لم تكن تحملها باألصل ،فأصبح «اإلرهابي» من يلجأ إلى اإلرهاب إلقامة سلطته ،وأصبح « الحكم اإلرهابي» نوع من الحكم يقوم على اإلرهاب والعنف ،تعمد إليه حكومات أو جماعات أو منظمات...وأصبح اإلرهاب حقيقة وجودية. وأكيد أن العرب الذين عرفوا على مدار تاريخهم الطويل العريض ،مثلهم مثل األجناس األخرى ،جرائم ومجازر عنيفة ،وحاالت تمرد دموية ال عد لها وال حصر ،لم يستخدموا مفردة « إرهاب» للتعبير عن ممارسات اإلجرام السياسي أو الديني أو االجتماعي التي اتسمت بالعنف والعدوانية .وهو ما يعني أن الكلمة العربية « لإلرهاب» ال تنطوي على مفاهيم نشر الذعر أو القتل أو سفك الدماء في سبيل هدف من األهداف سواء ،كانت سياسية أو دينية أو اقتصادية أو اجتماعية. جاء في المنجد :اإلرهاب من يلجأ إلى اإلرهاب إلقامة سلطته ،وهو ما يعني تحميل مفردة اإلرهاب شحنة معنوية لم تكن تحملها باألصل. وإذا ما توقفنا اليوم متأملين هذه المفردة في معانيها ومفاهيمها الجديدة في القاموس األدبي /السياسي العربي ،فإننا سنلتقط لها أكثر من مفهوم وأكثر من معنى ،وهو ما يفسر لنا سر االختالالت والتباينات حول موضوع اإلرهاب في الثقافة العربية المعاصرة ،فهي تعني عملية مضادة لآلخر ،وتعني كبح جماح اآلخر ومعاقبته مهما كان الثمن بوسائل غير مشروعة ،وهي تعني عملية أو عمليات ال تخضع لقيم الحرب وال لقيم السالم ،وهي تعني القتل والتدمير والتصفية العشوائية ،وهي ال تفرق في ذلك بين المدنيين والعسكريين ،وال بين الشيوخ واألطفال والنساء ،وال بين األهالي واألجانب ،وال بين األقوياء والضعفاء ،وال تميز بين المؤسسات واألديان والمجتمعات. في نظر العديد من الباحثين ،إن « اإلرهاب» مفردة حديثة في اللغة العربية ال وجود لها في أدبياتها الكالسيكية القديمة ،ولم تكن تعرف بالمعاني الحديثة التي بلورتها أحداث اإلرهاب في العالم خالل هذا القرن والذي قبله، وبذلك فهي في الثقافة العربية ال تتضمن الحموالت الفكرية والسياسية والقانونية نفسها التي تتضمنها في الثقافات الغربية. – بالنسبة للشاعر العربي ادونيس :اإلرهاب هو « نزاع عنيف يرمي الفاعل بمقتضاه وبواسطته الرهبة الناجمة عن العنف إلى فرض سيطرته على المجتمع أو الدولة «. – وبالنسبة للباحث محمد العالول :اإلرهاب هو :العنف الذي يمارس بدوافع لها عالقة بقضايا شريرة تهدف إلى االبتزاز أو كسب غير مشروع. – وبالنسبة للباحث السوري علي حافظ :اإلرهاب هو عملية مضادة لآلخر لكبح جماح اآلخر. وبالنسبة للباحث المغربي إدريس الكريني :اإلرهاب هو استعمال منظم للعنف بشتى مظاهره المادية والمعنوية ،يثير الرعب والخرف ،ويخلف خسائر جسيمة في الفئات والمنشآت واآلليات المستهدفة ،بغية تحقيق أهداف سياسية أو شخصية بالشكل الذي يتنافى وقواعد القانون الداخلي والدولي. – وبالنسبة للدكتور أحمد كمال أبو المجد (استاذ القانون الدستوري بمصر) :اإلرهاب يشمل كل صور العدوان على الحياة والممتلكات والمنشآت بقصد إثارة الذعر والرعب الذي تتجاوز شخص المعتدي عليه ،والعنف هو العنصر االساسي المكون لجريمة اإلرهاب. – وبالنسبة للواء (المصري) طلعت مسلم (خبير استراتيجي) :اإلرهاب ،هو نوع من العنف المفاجئ الذي يخالف طبيعة الجريمة العادية. – وبالنسبة للواء وجيه عفيفي (مدير مركز الدراسات اإلستراتيجية والعربية) اإلرهاب هو االعتداء على اآلمنين في غير وقت حرب ،وعن طريق المفاجأة واالختفاء .وهو عمليات غير منظمة وغير مستمرة ضد المدنيين وممتلكاتهم ،تهدف لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية أو عقائدية بقصد فرض إرادة بالقوة وبطرق غير شرعية. – وبالنسبة ألحمد عبد الحليم (باحث ،خبير استراتيجي) ) :اإلرهاب هو
21
العنف المعتمد ضد المواطنين ،أو ضد أراضي الغير .وهو االختطاف والقتل والتخريب. – وبالنسبة للباحث العربي الدكتور عبد الستار قاسم (محاضر بجامعة النجاح /نابلس ) :اإلرهاب هو ممارسة متعددة للقوة ،قائمة على تخويف أناس فرادى أو جماعات بصورة مباشرة أو غير مباشرة معنويا أو ماديا بهدف ردعهم عن القيام بعمل أو تطويعهم للقيام بعمل. وبالنسبة للباحث المغربي يحيا محمد :اإلرهاب هو عمل عنيف ،مرعب،غير مشروع ،يقترفه فرد أو جماعة أو دولة لتحقيق أهداف وغايات سياسية أو اقتصادية ذات بعد دولي.
-2-
أما بالنسبة للدين اإلسالمي الحنيف ،فيصنف « فعل» اإلرهاب في نوعين :عدواني وانتقامي. بالنسبة للصنف األول (العدواني) هو كل جرم وقطع للسبيل وفساد في األرض ،أما بالنسبة للصنف الثاني (االنتقامي) فهو ما يتصل بالمقاومة ،من أجل الحق ،ال ينتمي إلى الجريمة التي حرمها اهلل ،فهو «فعل» من أجل الحق ورد الظلم .وهو نفسه « الفعل العنيف» الذي قام بدور هام في طرد االستعمار من البالد اإلسالمية ،أو الذي استعملته المقاومة الفلسطينية والعراقية من أجل التحرير وقيام الدولة. أ -حسب قراءة الفقهاء والمفسرين ،أن مفهوم اإلرهاب في اإلسالم ال يتخذ الصورة وال المضمون الذي يحمله في الفكر الغربي إذ تم ذكره في القرآن الكريم بصورة مغايرة تماما عما ينطوي عليه معنى هذا المصطلح في الثقافة الغربية ،أو في الثقافة العربية الحديثة المتأثرة بالغرب .والتي تدور جميعها حول العنف والتدمير والقتل والترويع ،وهي األفعال التي يرفضها اإلسالم شرعا ،فاإلرهاب في معناه الفقهي يعني الرهبة ،واإلستعداد بما يرهب العدو ويخيفه فيجعله ال يقدم على عمل حرب أو عنف أو قتال)3(. ب -إن القرآن الكريم لم يستعمل مصطلح اإلرهاب بصيغته المتداولة في الثقافات الحديثة ،وإنما اقتصر على استعمال صيغ مختلفة االشتقاق من نفس المادة اللغوية ،بعضها يدل على الخوف والفزع ،والبعض اآلخر يدل على الرهبة والتعبد ،حيث وردت مشتقات المادة (رهب) في مواضيع مختلفة من الذكر الحكيم. يقول تعالى « :وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إال ابتغاء رضوان اهلل فما رعوها حق رعايتها «(الحديد )-25فالرهبانية سلوك تعبدي انتهجه أتباع عيسى عليه السالم، ابتغاء مرضاة اهلل وطاعته ،وذلك باالنقطاع عن ملذات الحياة الدنيا والتفرغ لعبادة اهلل ،على الرغم من عدم وفائهم بما يستلزمه من رعاية وحدود ،وقد سمى الحق سبحانه أتباع هذا المنهج « الرهبانيين» يعتري حالهم الهداية واالنحراف كسائر الخلق. يقول تعالى في منحى الهداية « ،ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم ال يستنكرون « (المائدة.)84 - وفي الموطن الثاني تنبيها للمؤمنين « :يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من األحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل اهلل « (التوبة آية .)35 وتبلغ الرهبة أعلى ذروتها عند الخوف والخشية من عذاب اهلل :وقال اهلل تعالى « ال تتخذوا إلهين اثنين ،إنما هو اله واحد فإياي فارهبون» (النحل)-51 أي انتهوا من إشراك طواغيت أخرى مع اهلل في االعتقاد والعبادة. بذلك أصبح اإلرهاب في نظر أحد الفقهاء الباحثين( )4سلوكا دفاعيا ،ال عالقة له بمعنى اإلفساد والخراب والقتل ،بل يهدف رد العدوان وإقبار الفتن حتى يعبد اهلل على حق ،يقول تعالى توبيخا ليهود خيبر ،وفضحا لنفوسهم الجبانة والمزعزعة « ألنتم أشد رهبة في صدورهم من اهلل» (الشر.)-12 ج -أما المجتمع الفقهي اإلسالمي وفي بيان أصدره إثر اجتماع مجموعة من العلماء في رابع يناير من سنة 2002اعتبر اإلرهاب هو ذلك « العدوان» الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيا على اإلنسان في دينه ودمه وعقله وماله وعرضه ،وأنه يشمل صنوف التخويف واألذى والتهديد. ويهدف بث الرعب بين الناس أو ترويعهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر ،ويعتبر إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق واألمالك العامة أو الخاصة أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الطبيعية للخطر ،والقتل بغير حق وقطع الطريق إرهابا ،وأكد العلماء أن الجهاد ال يمكن أن يرتبط باإلرهاب وشددوا على أن الجهاد في اإلسالم شرع للدفاع عن الوطن ضد االحتالل ونهب الثروات ،وضد االستعمار االستيطاني الذي يخرج الناس من ديارهم.)5(...
-3-
وعلى مستوى السياسات الدولية ،تمدنا القراءات السياسية التي تمت ألحداث 11شتنبر 2001وما بعدها بمفهومين متباعدين لإلرهاب ،بينها تباين واضح وصارم ،األول تتبناه الدول الغربية ،الواليات المتحدة األمريكية على الخصوص والدول التي تسير في ركابها ،وهو يتفق ومصالحها الداخلية والخارجية ،ويعتبر مدخال أساسيا ألحكام السيطرة على باقي دول العالم. يقول هذا المفهوم « :اإلرهاب فعل منسوب إلى كل شخص يقتل شخصا آخر في ظروف مخالفة للقانون ،أو بسبب ضررا جسديا بالغا أو يخطفه أو يحاول القيام بفعل كهذا أو يشارك شخصا قام أو حاول القيام بفعل كهذا» .واإلرهاب هو كل عنف تمارسه أي جهة ضد مصالحها داخل أمريكا وخارجها. أما المفهوم الثاني ،وتتبناه دول الجنوب وشعوبها (دول العالم الثالث) فيرى اإلرهاب هو كل سياسة عنصرية استعمارية احتاللية ومهيمنة تقف في وجه الشعوب واألمم المناضلة من اجل التحرير واالستقالل وتقرير المصير، أو تحول دون الدفاع عن حقوق اإلنسان وكرامته .ويرى أن إرهاب األفراد
بقلم :
• محمد أديب السالوي والجماعات ما هو إال نتيجة حتمية لإلرهاب الرسمي الذي يعتبر أبشع أنواع اإلرهاب ،ألنه غالبا ما يمارس على أرض الواقع بواسطة األجهزة القمعية ووفق طرق وإمكانات تكون سببا في إسقاط عدد كبير من الضحايا األبرياء. ويرى العديد من الباحثين األكاديميين ،أن هذا الصنف من اإلرهاب غالبا، ما يلتقي في أشكاله ومضامينه مع اإلرهاب الدولي ،أي يعد شكال من أشكال العنف واالضطراب السياسي في المجتمعات المعاصرة ،وهو يشكل في الزمن الراهن ظاهرة ذات أبعاد خطيرة ،تتزايد عملياتها اإلرهابية مع تزايد حصة الصراع بين الشمال والجنوب ،أو بين الحضارات واإليديولوجيات والمذاهب المتصارعة على األرض .وقد صنفته القواميس السياسية هو اآلخر في مفاهيم غامضة ،هو :كل عنف ،مرعب ،مدبر ،وغير مشروع ،يقترفه فرد أو جماعة أو دولة ،لتحقيق أهداف وغايات سياسية أو اقتصادية ذات بعد دولي ،وهو تلك األعمال العنيفة المدبرة ألسباب سياسية أو إيديولوجية أو دينية أو إثنية.
-4تقودنا هذه اإلضاءة في مفاهيم اإلرهاب الصادرة عن مؤسسات محلية أو دولية رسمية ،وغير رسمية أو عن أدباء ومفكرين وباحثين ينتمون إلى الشرق أو الغرب ،إلى مضامين ال تخضع اإلرهاب إلى أية قاعدة عربية أو إسالمية، فهي جميعها إيديولوجية /سياسية /طائفية /استعمارية ،تستخدم الخوف والذعر والفزع والقتل واالعتداء إلبراز مفهوم اإلرهاب ،ولكنها ال تحدد مفهومه النهائي. وإن تتبعنا لمفاهيم اإلرهاب كما طرحتها القواميس أو كما طرحها المفكرون والمثقفون ،قد يقربنا من الرؤية االنسانية للمسألة اإلرهابية، ولكنها تبعدنا في نفس اآلن عن أي مفهوم موحد آلفتها. )1على مستوى التأصيل اللغوي لمصطلح اإلرهاب ،ال يتجاوز هذا األخير، األعمال التي تزرع الخوف والرعب في النفوس ،بغض النظر على األهداف المتوخاة ،شخصية كانت أو سياسية. )2وعلى مستوى الفكر األدبي والسياسي ،يشمل مفهوم اإلرهاب معايير أخرى تتصل بالعنف والرعب والخوف والعدوان كيفما كانت األسباب واألهداف والغايات. )3وعلى مستوى الفقه القانوني ،يقع التركيز على مفاهيم العنف ،ثم على الجوانب المذهبية واإليديولوجية واإلستراتيجية. )4وعلى مستوى المبادرات الدولية ،اإلرهاب يتم تعريفه باستمرار كأعمال إجرامية موجهة ضد دولة أو جماعة أو تنظيم ،هدفه إثارة الفزع والرعب ضد مصالح أو شخصيات معينة. )5وعلى المستوى الديني /اإلسالمي ،فاإلرهاب وان ال نص عليه بالقرآن الكريم ،فإنه بالنسبة للفقهاء هو كل جريمة تتصل بقطع السبيل وبكل فساد في األرض. )6على المستوى السياسي «اإلرهاب» نزاع سري ومتستر أو مقنع ،عادة ما يكون الطرف اإلرهابي هو سيد الموقف ،يختار هدفه ويوجه ضربته حين ال يكون الخصم قادرا على الرد ،في مكان العملية اإلرهابية أو في زمانها. )7وإجماال ،اإلرهاب وحسب كل المفاهيم المتداولة ،ال يخضع ألية قاعدة قانونية أو دينية وليس له أي تعريف موحد ،بل أنه يستمد قوته ويكتسب فعاليته من كونه غير مقنن وال يخضع لقواعد ثابتة متفق عليها ومعترف بها. وأنه االستخدام المنظم للخوف أو للعنف غير المتوقع ضد الحكومات واألفراد أو الجماعات ،هدف تحقيق أهداف سياسية أو مالية أو اقتصادية وأنه نشر الذعر والفزع واللجوء إلى القتل واالغتيال والتوقيف التعسفي واالعتداء على الحريات الشخصية إلرغام األفراد على الخضوع واالستسالم والرضوخ لمطالب اإلرهابيين وبذلك يترك المقاومة من أجل الحق واالستقالل خارج مفاهيمه اإلجرامي. في حقيقة األمر أن التوقف عند المفاهيم التي كشفت عنها أحداث 11 شتنبر لإلرهاب ،تعطي االنطباع منذ الوهلة األولى ،أن االتفاق بين الشرق والغرب حول هذا المصطلح ،يكاد يكون مستحيال في الزمن الراهن ،حيث تضبط أمريكا وحدها معيار اإلرهاب الذي تريده ،أو الذي تحاربه ،أو تسانده. ـــــــــــــــــــ
الهوامش : ( )1انظر مقاال لسوسن األبطح /في الكلمة النجمة /جريدة الشرق االوسط 16 اكتوبر 2001 ( )2يحي عبد المبدي /مفهوم اإلرهاب بين األصل والتطبيق /مجلة الفرقان (مغربية) عدد 47سنة 2002ص.04 ( )3راجع مداخلة محمد سيد طنطاوي (شيخ جامع األزهر-مصر) حول هذا الموضوع /جريدة رسالة االمة (مغربية) 22دجنبر .2001 ( )4عبدالوي خالفة /قراءة في مصطلح االرهاب من خالل سياقات قرآنية /جريدة التجديد(مغربية) 21شتنبر 2001ص 10 ( )5ابو ايمن /العوامل المغذية لإلرهاب /جريدة المنعطف (مغربية) 6يونيو .
الثالثـاء � 22إلى � 28أكـتـوبر 2019
العدد 1016
لعبة السودوكو ()477
اإلعالم من ضرورات التنمية المستدامة )(2/2
أصل اللعبة
لعبة السودوكو اليابانية األصل « ،»SUDOKUكانت معروفة منذ الثمانينيات في اليابان ،إال أنها لم تظهر كلعبة ذات شعبية إال سنة .2005
معنى كلمة سودوكو
• بقلم :عبد القادر أحمد بن قدور *
(تتمة)
وقــد كان للقوافل المتنقلــة في الحمالت اإلعالمية الصحيــة الخاصة بالبوادي دور في توعيتهم بطرق الوقاية كتنبيههم إلى عدم شرب المياه غير الصالحة واستعمال مبيدات للحشرات. ودائما في خدمة المواطن المغربي تقوم التلفزة بدور مهم فيما يخص احترام قوانين السير وكيفية تجنب المخاطر التي تسببها وسائل المواصالت. وهكذا أصبحت وسائل اإلعالم ترافق اإلنسان المغربي في جميع ميادين حياته وأصبحت ترشده وتوجهه في نفس الوقت .كل هذا يعود إلى التجاوب الذي أصبح يوجد بين اإلنسان واإلعالم فأصبحت تتليته قابلة لكل تغيير وتجديد يكون في صالحه .وهذا ما جعل وسائل االعالم تحدث انقالبات جذرية في عادات وتقاليد اإلنسان المغربية.
د /اإلعالم والعادات:
إذا كان المجتمع المغربي يالحظ عليه نوع من االنفتاح على الغرب وتخليه عن بعض العادات والتقاليد ،فذلك يعود بالدرجة األولى -إلى ما يقوم به اإلعالم في هذا الميدان .-فمن خالل اطالعنا على بعض المجالت والصحـف نجـد أنهــا تستعرض نماذج كثيرة عن أنماط عيش دول أخرى وخاصة ما نشاهده في التلفزة التي استطاعت أن تحطم تلك العهود التي كانت تفصل أفراد األسرة فيما بينهم وصار الجو العام يسوده التفاهم واالنسجام. فمن خالل ما نشاهده يوميا على الشاشة أصبح الناس يتبينون طرق معيشة حديثة وسهلة في نفس الوقت وعم التغيير حتى في طرق االحتفاالت الخاصة داخل المجتمع المغربي. وإذا كان اإلعالم المغربي قد أسدى خدمات جليلة في الميدان االجتماعي والثقافي فيجب عليه أن يتجاوز هذا اإلطار ليشمل كذلك اإلطار االقتصادي والسياسي والترفيهي ،والشك أن هذه النواحي تندرج اندراجا وثيقا في العملية التنموية ويجب بالتالي االهتمام بهذه النواحي الثالث في وقت واحد ،وهذا ما أصبح يهتم به االعالم العالمي أكثر حاليا.
د /عالقة اإلعالم بالميدان االقتصادي:
إذا كان التطور االقتصادي مهم ألي مجتمع ألنه يعمل على تقدمه وتنميته فأخص هذه النقطة الهامة بالتناول في هذا الموضوع ألن االعالم قد أصبح مرتبطا ارتباطا وثيقا باالقتصاد إذ أن هذا األخير يقوم باإلنتاج واآلخر يعرض له ويتجلى لنا ذلك من خالل اإلشهار الذي تقوم به كل من التلفزة والراديو والسينما ،وهذا ما يساهم في ترويج المنتوجات وانتقالها السريع بين مختلف المناطق. فالتنمية االقتصادية معناهـــا أساسا زيادة القـوة اإلنتاجيـــة للمجتمع بصورة سريعة ومهمة فاإلعالم يستهدف الحث على زيادة سرعة وتسهيل العملية الطويلة البطيئة للتحول االجتماعي الذي تتطلبه التنمية االقتصادية وخاصة في حشد الموارد اإلنسانية في خدمة المجهودات الوطنية ذلك أن المشكلة األساسية التي يواجهها بلدنا ليست افتقاره إلى الموارد الطبيعية بقدر ما يفتقر إلى تطوير هذه الموارد وبطرق حديثة.
وفي الختام نؤكد أن اإلعالم يستطيع أن يخدم ويرشد ويوجه عملية التنمية إذا توفر له عدد من المستلزمات والظروف الموضوعية والتي بواسطتها يمكن تطوير وعي الناس ومعلوماتهم عن طريق التوعية السياسية والثقافية ،واالعالم شأنه شأن كل المؤسسات السياسية والتربوية والقانونية .ففي البلدان النامية مازال يفتقر إلى بعض المستلزمات والظروف الموضوعية وفي مقدمتها وجود اإلطار الفني المدرب والتمويل ووسائل متقدمة متكاملة .وإن أي نقص وتقصير في أحد جوانبها سينعكس بدون شك على مجموع العملية .والعالقة بين االعالم والتنمية لم تأت مصادفة أو اعتباطا وإنما تستند إلى أسس موضوعية وعلمية شاملة لإلنسان ونشاطه وحاجاته المادية والروحية .وأي متعلم لدروس التنمية يعرف بأن اإلعالم أصبح واحدا من المفاتيح االستراتيجية للسيطرة على العالم وسالح معركة حامية بين األمم. إن الوضع اإلعالمي الحديـــث في المغـــرب مازال يفتقــر إلى اإلمكانيات المادية والبشرية مع انعدام وجود سياسة إعالمية سليمة وواضحة تخدم شؤون وقضايا المجتمع المغربي نظرا الرتباط هذا الميدان بالدعايةاألجنبية. وعندما نسلط األضواء على حقيقة الواقع الحالي لبلدان العالم الثالث بشكل عام والمغرب بوجه خاص تكاد تبرز لنا قواسم مشتركة بين هذه الدول من الناحية السياسية واالقتصادية واالجتماعية. فقد ظل المستعمر جاثما على هذه البلدان فترة طويلة يستنزف خيراتها ويشرد أبناءها ويشوه معالم حضارتها ،وهذا يؤكد أن التخلف الشامل عميق وال جذور تاريخية تظهر بصورة واضحة في حجم األمية الكبير التي نعاني منها في بالدنا ،يضاف إلى ذلك وجود عادات وتقاليد ال تواكب العصر الذي نعيش فيه ألنها تشكل عائقا كبيرا وخطيرا يصعب معه تغيير آراء الناس وأفكارهم .وفي هذا الصدد يقول (ولبور شرام)« :إنه ال يمكن أن نختار استيراد الجانب الميكانيكي للحضارة العصرية في الوقت الذي يحتفظ فيه بالنظم االجتماعية العتيقة» .باإلضافة إلى هذه المشاكل هناك عوامل أخرى تتظافر لتعطينا وضعا إعالميا متخلفا الزال يخضع للتبعية في كل ميادينه فرغم طول المسافة الفاصلة بين عهد االستقالل وهذه الفترة نالحظ أن إعالمنا المغربي لم يصل بعد إلى مستوى اإلعالم في الدول المتقدمة ،إذ بقيت هناك دائما عدة مشاكل مطروحة على طاولة البحث لم يستطع التغلب عليها ،والتي نذكر من بينها النقص في التكنولوجيا واألطر وضعف اإلمكانيات ،إضافة إلى عدم وجود سياسة إعالمية واضحة تجعل من اإلعالم عنصرا ال يخدم المجتمع المغربي .ورغم كل الجهود المبذولة في سبيل إيجاد حلول مناسبة لها: فأملنا كبير في أن يصير إعالمنا عصريا أكثر فأكثر ومتطورا جدا ويؤدي الدور المنوط به داخل المجتمع المغربي ويخدم المواطنين ويقدم لهم كل ما هم في حاجة إليه لتوسيع أفقهم ،وتحقيق مجتمع أفضل وتقدم ملموس ومطرد.
(انتهى)
ـــــــــــــــ
* األديب واإلعالمي والعضو الشرفي بمنظمة العفو الدولية ـ فرع المغرب
عن عمر يناهز 110سنة ،لبى نداء ربه المشمول بعفو اهلل المرحوم
علي بن محمد الدهدوه والد صديقنا األستاذ مصطفى الدهدود، مدير ثانوية موالي يوسف التقنية بطنجة.
بتاريــخ 06أكتوبر 2019وشيع جثمانه الطاهر في موكـب جنائزي مهيـب حضره األهل واألحباب والمعارف ودفن بمقبرة سيدي اعمـار ،بعـد صـالة الظهر بمسجد محمد الخامس (إيبيريا) بطنجة. وبهذا المصاب الجلل ،تتقدم أسرة جريدتة «الشمـال» بأحـر التعـازي إلى أبنـــاء الفقيـــد، أحمـــد وعبــــد العزيــــز ومصطفى وفاطمــة وحبيبـــة ،راجيـة لهـم منــه تعالى الصبر والسلــوان وللفقيد عظيـــم األجروالغفران ،اللهم اسقــه من حوض نبيـــك محمد صلى اهلل عليه وسلم شربة هنيئة مريئة ،اليظمأ بعدها أبدا.
حل السودوكو
االتصال على الرقم : 0539943008
رقم 477
كلمة سودوكو هي اختصار للجملة اليابانية ()Nikagiru Sujiwa Dokushin وتعني أن األعداد البد أن تكون مفردة .وهذه اللعبة عبارة عن عالمة تجارية لشركة .Nikol
كيف تلعبها ؟
اللعبة تعتمد على المنطق لدرجة كبيرة ،وهي لوحة مقسمة إلى تسع مناطق كل منطقة مكونة من تسع خانات ،وعليك أن تمأل هذه الخانات أفقيا أو عموديا بأرقام من 1إلى ،9حيث ال تستخدم الرقم إال مرة واحدة في جميع المربعات على العمود نفسه أو السطر أو القطر ،وتكون هناك أرقام موضوعة سابقا في بعض الخانات.
مفيدة لكن معقدة
اللعبة مفيـدة جدا لتقوية مهارات المنطـق ،ويستخدمهـا مدرسو الرياضيات كتمارين للطلبة وتختلف درجة التعقيد ،حسب الفئة المستهدفة.
سرعة المالحظة
بين الصورة واألصل 7اختالفات ،حاول أن تهتدي إليها. (�صدق اهلل العظيم)
لجميع إعالناتكم اإلشهارية واإلدارية يف جريدة
22
بنهاشم ممثالً للمدربين في العصبة االحترافية
صفحة
23 �إعداد :م�صطفى ال�سباعي
العدد 1016
الثالثاء � 22إلى � 28أكتوبر 2019
مجرد رأي :
رسالة إلى الناخب الوطني خاليلوزيتش
بالنتيجة واألد اءفي بركان كسب المنتخب المغربي المحلي الر هان.. وتأهل الى نهائيات بطولة افريقيا للمحليين 2020بالكامرون عقب فوز الكاسح على نظيره الجزائري بثالثية نظيفة برسم اياب الدور الفاصل بعدما سبق ان عاد بالتعادل من ملعب مصطفى تشاكر بالبليدة من دون أهداف. نتيجة جاءت كرد فعل على التصريحات التي سبق للناخب الوطني وحيد خاليلوزيتش أن أدلى بها والتي أساءت إلى الالعب المحلي وقللت من شأنه. المحليون وتحت قيادة إطار مغربي هو الحسين عموتة كذبوا ترهات خاليلوزيتش وبرهنوا على أن الالعب المحلي يتوفر على كل المؤهالت لتقديم كرة حديثة وعطاء جيد سواء في الدفاع أو الهجوم.
اختار سعيد الناصيري رئيس العصبة االحترافية محمد أمين بنهاشم ممثال للمدربين المغاربة عوضا عن جمال السالمي ....وذلك في إطار تجديد هياكل وأفراد الجهاز. وكان الناصيري قد اختار أيضا ممثل نهضة الزمامرة الصاعد الجديد للدوري االحترافي عبد السالم بلقشور ناطقا رسميا باسم العصبة االحترافية. ولإلشارة فإن المدرب محمد أمين بنهاشم حائز على دبلوم «ألف» ويستعد لنيل دبلوم «كاف» برو. وقد سبق أن قاد اتحاد طنجة إلى الصعود إلى البطولة االحترافية كما درب نادي أولمبيك أسفي.
اتحاد طنجة والمغرب التطواني قد يلتقيان في الدور نصف النهائي
الحديــث في طنجـــة وتطـــوان إال عن مقابلتي الدور ربع النهائــي لكأس العرش.. وإمكانية فوز ممثلي الشمال ومواجهتهمـــا المرتقبة في الدور نصف النهائي. اتحاد طنجــة سيستضيف يومه الثالئاء فريق حسنية أكادير في مباراة صعبة بملعب ابن بطوطة. فارس البوغــاز استغــل توقف البطولة و أقام معسكرا تدريبيا مغلقـا خاض خاللـه العديد من المباريات الودية ..حيث فاز على
الفتح في الرباط 2-1وتغلب علىشباب بن ديبان من أندية الهواة .6-1 كما أجرى حصصا تدريبية مكثفة مرتين في اليوم حتى يكون جاهزا لمباراة اليوم أمام الحسنية وتحقيق نتيجة إيجابية تضمن له التأهل للدور قبل النهائي. أهمية هذه المباراة تكمن في كونها قد تؤدي إلى مواجهــة شمالية – شمالية في الدور نصــف النهائــي خاصة وأن الجار المغرب التطواني سيستضيف هو اآلخر غداً
المغرب التطواني يبحث عن مهاجمه زهير نعيم
المحليون تفهموا تصريحات خاليلوزيتش جيدا وقاموا بالرد عليها نتيجة وأداءاً . وقدموا عرضا جيدا يليق بسمعة الكرة المغربية وبصموا على مباراة قوية فاق مستواها بكثير ما قام بهم منتخب الكبار في الوديات األربع التي خاضها مع المدرب البوسني. حيث جعلنا ال نتخوف على مصير أسود األطلس في تصفيات كأس إفريقيا القادمة وإقصائيات كأس العالم.. إن ما قدمه المحليون في مباراة الجزائر ببركان ودفاعهم المستميت على لقب «الشان» الذي يوجد بحوزتهم يعتبر رسالة إلى كل من يهمهم األمر وفي مقدمتهم المدرب وحيد خاليلوزيتش. وتأكيدا على أن الالعب المحلي قادر على العطاء متى توفرت له الظروف المواتية. وإذا كان خاليلوزيتش قد قلل من النجاعة الهجومية للمحليين وعزا النتائج السلبية للمنتخب المغربي في الوديات األربع إلى اللياقة البدنية التي يفتقر إليها الالعب المحلي ..فها هو العب الوداد اسماعيل الحداد يقدم أوراقه كمهاجم فوق العادة ..يمكن االعتماد عليه مستقبال ..وها هو البركاوي يؤكد من خالل تمريراته الحاسمة لزميله حميد أحداد داخل المربع ،أنه صانع العاب من الدرجة األولى ..وها هو بدر بانون وزميله الناهيري يؤكدان قدرتهما على تأمين الخط الدفاعي الذي ظهر مرتبكا خالل الوديات التي خاضها المنتخب الوطني. وفوق هذا وذاك على المدرب وحيد خاليلوزيتش أن يعلم أن الالعبين المحليين هم الذين صنعوا ملحمة كأس إفريقيا عام 1976 بأديس أبابا دون االستعانة بأي العب محترف. إذن الرسالة واضحة وما على الناخب الوطنــي الذي تابع مجريــات اللقاء ببركان إال أن يلتقطها ويتفهم معانيها.
أكد المغرب التطواني لكرة القدم أن مهاجمه زهير نعيم يقاطع تداريب الفريق الذي يستعد لالستحقاقات القادمة. وقال الفريــق على موقعــه الرسمي أن الالعــب نعيم واصل غيابه دون تقديم أي عذر. وينتظر فريق الحمامة عودة الالعب للتداريب من أجل تقديم أسباب غيابه. وكان زهيــر نعيـم قد تعرض لالإصابة قبل نهاية الموسم الماضي وخضع لعملية جراحية عاد بعدها للتداريب مع بداية االستعداد للموسم الجديد قبل أن يغيب وتنقطع أخباره.
بال�شفاء والعافية
اجرى الحارس المحترف السابق التحاد طنجة واإلطار حسن الحاج الطيب عضو جمعية قدماء العبي اتحاد طنجة لكرة القدم عملية جراحية على العين اليسرى . وبهذه المناسبة نتمنى له الشفاء العاجل .
األربعاء فريق سريــع وادي زم برسم الدور ربع النهائي وهو أيضا يحلم بالفوز وبلوغ الدور قبل النهائي ولقاء الجار اتحاد طنجة في نصف النهائية. المغرب التطواني الذي يحتــل صــدارة الدوري االحترافي المغربي ورغم غياب بعض العبيه لإلصابة وفي مقدمتهم المدافع حمزة حجي وزهير نعيم قادر على تخطي سريع وادي زم بمساعدة وتشجيعات جماهيره غدا بملعب سانية الرمل.
المحترف تويزي تابع ودية المغرب ـ الغابون..
علمت الشمال أن المحترف نبيل تويزي العب نادي مانشستر يونايتد االإنجليزي حضر إلى طنجة وتابع ودية الثالثــاء الماضي التي جمعت المنتخب المغربي بنظيره الغابوني. تويزي عقد بالمناسبة جلسة مع مسؤولي الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لتقريب وجهات النظر حول المشروع الرياضي الذي سيجمع الطرفين من بوابة المنتخب. وقد أكدت لنا مصادر مطلعة أن تلبية الالعب نبيل تويزي لدعوة الجامعة تعتبر تمهيدا لدعوة رسمية للمشاركة مع أسود األطلس في المعسكرات القادمة بعدما اقترب الالعب من حسم مسألة تمثيله منتخب المغرب عوض المنتخب اإلسباني. وبـــات الالعب المحترف نبيل تويزي من الالعبين الذين سيعول عليهم الناخـب الوطني في مشروعـه مع المنتخـــب المغربي لتوسيع الخيارات الهجومية داخل المجموعة.
الثالثـاء � 22إلى � 28أكـتـوبر 2019
العدد 1016
تذكرة سفر
السلسلة الرابعة
احللقة 11
لقاءات حوارية ،في حلقات متسلسلة ،مع شخصيات مؤثرة في المجال العمومي المغربـي والعربـي واإلنساني ،تستحضر تجربتهم في الحياة الخاصة والعامة ،وترحل بهم عبر تذكرة سفر معنوية وروحية إلى الماضي والمستقبل. • عبد اإلله المويسي
مع األستاذ
محمد األشعري المحور الثالث ـ المسار السياسي ـ
يحضر األستاذ محمد األشعري ،في مخيال القراء المغاربة والمشتغلين بالحقل السياسي والمجتمعي الوطني ،بصيغة الواحد المتعدد ،فهو اإلنسان أوال ،وهو الشاعر والكاتب الروائي والمناضل السياسي والناشط الحقوقي ،وواحد من أبرز وجوه معتقلي سنوات الرصاص .وهو الوزير الذي انعطف بمشروع الثقافة الوطنية نحو أفق اتسمت فيه بتبني مفهوم الصناعة الثقافية ،وهو الذي سبق أن شغل قبلها منصب رئاسة اتحاد كتاب المغرب لثالث دورات عرفت خاللها هذه المؤسسة أقوى مراحل ديناميتها وإنتاجيتها. أصبح األستاذ محمد األشعري واحدا من القياديين البارزين في االتحاد االشتراكي، وبعد أن اضطلع بمهام مفصلية في الحزب، ونظرا لبعض المالبسات الالحقة سيضطر إلى إعالن انسحابه من الحزب. أريد أن أعـرف معـك تفاصيل هذا االنسحاب وظروفه وكل ما أحاط به؟ لقد تحدثنا إجابة عن السؤال السابق، عن الهزات التي ألمت باالتحاد االشتراكي والتي أدت به إلى ما آل إليه اليوم ،ويهمني أن أستعرض األمور بنوع من الكرونولوجيا. لقد تأزمت األمور كثيرا بعد انتخابات 2007وحصول االتحاد االشتراكي على المرتبة الخامسة في االنتخابات بعد أن كان، قبل عشر سنوات ،قد حصل على المرتبة األولى وحصل كذلك على المرتبة األولى في انتخابات سنة ،2002ومما أزم األمور أكثر أن أجهزة الحزب والمناضلين كانوا قد وصلوا إلى درجة كبيرة من اإلحباط بسبب هذه النتائج المحصل عليها ،ولم تتح لهم فرصة مناقشة التوجه السياسي الذي
يقودها حزب االستقالل ،بل بالعكس ،كان يمكن أن يكون لهذا التحالف معنى لو أننا توقفنا وناقشنا الوضع السياسي بوضوح، ووقفنا عند أخطائنا ،وأخذنا العُدَّة إلعادة الحزب إلى مكانته وإلى مراكزه األساسية التي كان يحتلها حتى ذلك الحين ،ولكن الذي كان وراء االمتعاض والتوتر الذي حصل بعد إعالن هذه المشاركة ،هو أننا قبلنا بأشياء ودخلنا في تجربة جديدة ومكرورة في نفس اآلن دون أن ننتبه إلى أن التآكل االنتخابي ،الذي أصبح يالحقنا ،هو من الخطورة بمكان ،ألن فيه إشارة واضحة إلى أننا قد أخطأنا الطريق ،وربما ارتكبنا أخطاء يجب أن نتوقف عندها ألن الناخب يعاقبنا في سنة ِ 2007بدَ ْفعِنا إلى المرتبة الخامسة ،ويجب ألاّ نبقى سجناء في «إلقاء اللوم على اآلخرين» ،يجب أن نتوجه إلى هذا العطب بكثير من الوضوح وكثير من الصراحة والصدق لنجيب على :ماذا حدث ؟ لماذا تتقهقر شعبية االتحاد االشتراكي ؟ لماذا لم تعد لنا مع الناخبين عالقة متينة وقوية وعالقة ثقة ومصداقية؟ عوض أن
سيتخذه الحزب بعد هذه النتائج .شخصيا، كنت طالبت وقتها بأن نعقد مؤتمرا استثنائيا في الحزب لنناقش األوضاع التي أدت إلى تلك النتائج ،ولنستخلص الدروس بالنسبة للمستقبل ،لكن ،لألسف الشديد، فإن هذا المطلب لم يُسْتَمَعْ إليه، بنوع من الحسم، وعَوَضَ مواجهة األمور ٍ وبنوع من الصرامة ،فقد قاد الكاتب األول ٍ آنذاك األستاذ محمد اليازغي ونائبه األستاذ عبد الواحد الراضي باألساس المفاوضات التي أدت فيما بعد إلى إشراك الحزب في حكومة عباس الفاسي ،ومن الواضح أن َّ مَحَط إجماع ،بل هذه المشاركة لم تكن لم تكن محط موافقة داخل الحزب ،ليس ألن هناك موقفا من المشاركة في حكومة
نتوقف عند هذه األسئلة ونحاول اإلجابة عنها ،دخلنا في تجربة حكومية جديدة مع حكومة عباس الفاسي ،وكأن شيئا لم يكن، فالذين كانوا يجادلون في هذه المشاركة، في الواقع ،حتى ال تُفهم خطأً ،لم يكونوا يجادلون فيها بسبب رفضٍّ مَبْدَئيٍّ للدخول تحت مظلة حزب االستقالل في حكومة التناوب الجديدة ،العكس من ذلك، فقد كانت عالقات تعاون وتقدير متبادلة بين الحزبين وكان من الممكن أن تستمر في أحسن حال ،لكن المجادلة كانت في أننا نغمض أعيننا ونستمر في نفس الطريق التي سلكناها من قبل وكأن شيئا لم يحصل، وكأننا لم نتلق إنذارا قويا وخطيرا من قبل المواطن المغربي ومن قبل الناخبين.
كانــت هناك مقاربتـان في مواجهة هذه األزمة ،المقاربة التي دعوت إليها أنا ومجموعة من اإلخوة (أساسا علي بوعبيد والعربي عجول) ،وإطالق نقاش عميق حول منهجية التوافق التي بدا لنا انها استنفذت، وحول ضرورة العودة إلى التمايز الفكري والسياسي للخروج من النفق الذي دخلنا فيه ،والذي جعل المواطنين يعتبرون األحزاب كلها عملة واحدة ،وهي المقاربة التي لم يُسْتَمَعْ إليها مع األسف ،وكانت هناك مقاربة أخرى اتخذت صفة مبادرة لمجموعة من أعضاء المكتب السياسي ،لم أكن بينهم ،اجتمعوا وقرروا إقالة الكاتب األول األستاذ محمد اليازغي وإقالة نائب الكاتب األول األستاذ عبد الواحد الراضي، وهذا التكتل داخل المكتب السياسي، الذي اتخذ هذه المبادرة ،حضرَ بيانا إلقالة األخوين القياديين ،وجئنا إلى اجتماع المكتب السياسي ،وكنا في وضع مأزوم جدا ومتوتر جدا ،ألن المجموعة التي هيأت إقالة الكاتب األول ونائبه ،كانت تُصِرُّ على إصدار بيان اإلقالة خالل هذا االجتماع ،وقد تَصَدّيْتُ شخصيا لهذه المبادرة ،على اعتبار أنها ال تتالءم إطالقا مع التقاليد الديموقراطية التي يفترض أن تسود في صفوفنا ،فاألمر يكاد يشبه نسخة باهتة من « انقالب بعثي» .وكان هناك نقاش طويل ،اقترحتَ ،ك ٍّ حَل وسط ،ألاّ يكون هناك «بيان إقالة» للقائدين الحزبيين، بل أن يتقدما باستقالة للمكتب السياسي، نظرا لألزمة التي وقع فيها االتحاد بعد تلك النتائج االنتخابية وبعد تلك المشاركة في الحكومة .وبعد جدال طويل ا ْقتَنَع َ األخَوان بضرورة تقديم هذه االستقالة للخروج من المأزق وللشروع في التحضير للمؤتمر بطريقة تُعيد للمناضلين نوعا من األمل في تجاوز االنحسار الذي سقطنا فيه .ولقد قمت شخصيا بتحرير االستقالتين وحَ ِرصْت على أن تُ َقدّمَ كاستقالة ،وليس كإقالة من المكتب السياسي ،وسنتفرغ لذلك المؤتمر ،وبدأت اللجنة التحضيرية تُحَضِّرُ النعقاد المؤتمر ،واألستاذ عبد الواحد الراضي وَ ْقتَها مشارك في حكومة عباس الفاسي كوزير للعدل ،بعد أن كان في بداية المشاورات يُدافع أو يَأمَل في أن يستمر رئيسا لمجلس النواب ،أي رئيسا لألغلبية ،وبما أن التوافق لم يتم حوله كرئيس لألغلبية داخل البرلمان ،فقد تم تعويض ذلك بوزارة ذات نوع من األهمية، خصوصا وأنها مرتبطة بمطالب كبيرة إلصالح القضاء ،ولذلك فقد تم التحضير للمؤتمر في هذا المناخ .ومحمد اليازغي، بعد تقديم استقالته ،ابتعد فعال بطريقة طبيعية ،ابتعد عن المشاركة في العمل
األخيرة
القيادي الحزبي ،أما عبد الواحد الراضي، فقد دأب على حضور بعض االجتماعات التنظيمية وخصوصا االجتماعات التي كانت تعقد لتحضير المؤتمر. كانت هناك تجاذبات أثناء التحضير، وكانت هناك مشاكل ،وكان واضحا أنه ليس هناك توجه حقيقي لمعالجة االنحسار الذي وصلنا إليه بطريقة منهجية وديموقراطية ومرتبطة بقيم االتحاد وبقيم اليسار الذي ندافع عنه ،ومع ذلك فقد ساهمت قدر ما استطعت بطريقة فعالة في تحضير المؤتمر ،وبطبيعة الحال ،فقد استمر الحزب في مسطرة تَعَدُّد الترشيحات للكتابة األولى ،وهنا بدأت تظهر ترشيحات كثيرة ومتضاربة ،ومن بينها ترشيح األستاذ عبد الواحد الراضي التي لم يمضي سوى وقت قصير على «استقالته» .وعندما اقترب
يعلمونها جميعــا ،كان هنــاك نوع من التحضير للقطيعة ،بحيث أغلب المنافسين لعبد الواحد الراضي قرروا أال يشاركوا في قيادة الحزب ،على اعتبار أن الكاتب األول الجديد يجب أن يشكل فريقه ،وليس من الضرورة ،بل ليس مطلوبا على اإلطالق في كل مرة ،أن نتصارع ونختلف ،وعندما نصل إلى القيادة نضع فيها المتفقين والمختلفين مع بعض ،بدعوى الحفاظ على وحدة الحزب .مع ذلك فرغم أني من الناحية المبدئية ،أو من الناحية النظرية ،مقتنع بهذه الفكرة ،إال أنني في ذلك الوقت ،من الناحية العملية ،اعتبرت أن إفراغ القيادة من عدد من المناضلين األساسيين في الحزب ومن القياديين الذين لهم تجربة وخبرة وعمل طويل في المجال الحزبي والسياسي ،إفراغ القيادة من هذه الكفاءات، ربما سيزيد في أزمة الحزب وسيجعله تحت
َ ضغط كثيرٌ من مناصري عبد المؤتمر، الواحد الراضي ،ضغطوا عليه ،لكي ينسحب من الحكومة إذا كان يريد أن يتولى قيادة االتحاد االشتراكي ،وقد خضع لهذا الضغط وأعلن أمام المؤتمرين أنه في حالة انتخابه كاتبا أول فإنه سينسحب من الحكومة ويتفرغ لقيادة الحزب ،وكان هذا الوَعْد في قلب «برنامج انتخابي» الذي دافع عنه أمام المؤتمر ،فقد تقدم بهذا االلتزام مقابل حصوله على أصوات المؤتمرين .فهذا مرشح للكتابة األولى ،يبدأ أوال وقبل كل شيء بإعالن تفرغه الكامل للعمل الحزبي وانسحابه من العمل الحكومي لكن بعد مرحلة المؤتمر أتذكر أن فوز عبد الواحد الراضي ،في الظروف التي صار االتحاديون
قيادة عبد الواحد الراضي أكثــر عرضـة للتصدع ،وسيجعله يستكين بصفة دائمة ومستمرة ،في الدور التوافقي المعروف والذي استمر منذ حكومة التناوب دونما توجه إلى تحريك النقد وتجديد المشروع االتحادي وما إلى ذلك .لذلك كنت أنا من سعى إلى إقناع فتح اهلل ولعلو وطلبت منه أن ال نترك الحزب كامال بين أيدي الذين ال نعتبرهم قادرين على إعادته إلى دوره التاريخي .بل وإلى إقناع لشكر نفسه، ألني ذهبت إليه في بيته ،وكان رافضا أن يلتحق بالقيادة الجديدة ،وطلبت منهم جميعا أن يحافظوا على استمرارية العمل داخل الحزب ،وأن نطوي صفحة التنافس والصراع الذي ساد قبل المؤتمر.