امللحق الثقايف
عبد القادر الشاوي ضيف سلسلة «تذكرة سفر»
ال أنهار فأستمر في صمت...
صفحة 9ـ 10ـ 11ـ 12
الصفحة األخيرة
الكرة المغربية حاضرة بقوة في المنافسات القارية
من �أعالم طنجة املعا�رصين :
يوميــة جهــويــة وطنـيـــة ت�صـدر م�ؤقتـ ًا كــل �أ�سبــوع
العالمة الشيخ مصطفى بن أحمد البحياوي صفحة 15
الربيد الإلكرتوين : info@achamal.ma
املوقع الإلكرتوين : www.achamal.ma
املدير امل�س�ؤول :عبد احلق بخات ـ الهاتف 05.39.94.30.08 :ـ الفاك�س 05.39.94.57.09 : العدد 993ـ الثمن 4دراهم ـ الثالثـاء 08رم�ضـــان � 14 / 1440إلى 20مــاي 2019
صفحة 18
وزارة التربية الوطنية تراكم االحتقان.. كلمة الشمال
تراكم وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي في بلدنا مشكالتها أمام المجتمع والبرلمان والنسيج الحكومي .. إن بلدنا ما زال مفتقرا لتعليم جيد ومنتج ..هذه حقيقة الحقائق التي يشهد بها القاصي والداني ..فتقارير المؤسسات الرسمية الرقابية وتقارير المالحظين الدوليين تؤكد هذا األمر اآلخذ في االستفحال منذ العقد السبعيني من القرن الماضي.. وزارة التربية الوطنية : 1ـ لم تتمكن من فرض أو تمرير القانون االطار 17ـ 51المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والبحث العلمي المعروض على البرلمان وهو لم يبرح مكانه.. 2ـ لم تتمكن من الوفاء بالتزاماتها ازاء المتعاقدين مشكلة المتعاقدين رغم عودتهم لألقسام ..حيث لم يتم التراجع على تدابير زجرية..ولم يتم ارجاع المطرودين ..ولم يتم صرف األجور.. وزارتنا في التربية الوطنية مع هذا وذاك ..تستزيد بما ال تهضم المعد ؟ في اآلونة األخيرة راسل وزير التربية الوطنية رؤساء الجامعات بشأن تنظيم التظاهرات بالجامعة ؛ وهذه المراسلة الوزارية ولدت استياء كبيرا لدى الطلبة واألساتذة واإلداريين كما أن اعتبرتها المنظمة المغربية لحقوق االنسان خروجا عن مضمون القانون 00ـ 01المتعلق بتنظيم التعليم العالي ؛ خاصة مادته الخامسة التي تنص على تمتع الجامعة ـ بصفتها مؤسسة عمومية ـ باالستقالل البيداغوجي والعلمي والثقافي،كماأن المراسلة ضرب للحريات األكاديمية ..وإجهاز على حرية الرأي والتعبير والتنظيم..يتعين سحبها صونا لقيم االنفتاح وضمانا لتفعيل سليم للشراكات العلمية مع الخارج ..
العدد 993
2
الثالثـاء � 14إلى 20مـاي 2019
في مآل الشعر المغربي اآلن يومية جهوية وطنية ت�صدر م� ًؤقتا كل �أ�سبوع
(الحلقة الثانية)
املوقع الإلكرتوين :
الأ�صولية ال�شعرية
www.achamal.com
الشعرية المروجة بطرق ملتبسة لعودة «القصيدة لحد اآلن ،تكون «القصيدة العربية الحداثية» قد شارفـــت على استكمال السبعيـن سنـــة من العموديـــة» ،بل وعودتها في صورتها الفجـــة وجودها النظري والنصي. المراهنة على مكون جزئي من الشعر هو اإليقاع. مئات الكتب النقدية والدواوين الشعرية عشرات الجوائز المالية المغرية تُمنح اآلن والمهرجانات انخرطت في اإلعــالن التاريخـــي لكتاب القصيدة العمودية. المؤشر على «اإلبدال» الفني الذي شهده الشعر عشرات المهرجانـــات الخليجية تنظـــم اآلن العربي..أدونيس في «الثابت والمتحول» ،كمال لالحتفاء بالقصيدة العمودية. أبو ذيب في «جدليـــة الخفاء والتجلي» ،يمنى العيد في «في معرفة النص» ،خالدة سعيد في عشرات المجالت األدبيــة تخصص صفحاتها «حركيّة اإلبداع» ،محمد بنيس في «ظاهرة الشعر للقصيدة العمودية. المعاصر بالمغرب» و»الشعر العربي الحديث بنياته عشرات األسماء المنتصرة لعمود الشعر من وإبداالتها» ،عبد اهلل راجع في «القصيدة المغربية عبد اإلله المويسي الشباب يروج لهم بشكل هستيري في القنوات المعاصرة :بنية الشهادة و االستشهاد» ،أحمد العمومية ،على أساس االحتذاء بهم. المجاطي في «ظاهرة الشعر الحديث» و«أزمة ولم يقتصر األمر على هذا فقط ،بل إن الجهات التي تسعى الحداثة في الشعر العربي الحديث» ..وغيرهم من كبار منظري الشعر إلى تكريس هذا االرتداد تبنت منهجا استراتيجيا يقضي بالتواجد والنقد. هذا باإلضافة إلى آالف األطروحات الجامعية التي صرفت جهدا المباشر في عقر البلدان العربية المستهدفة ،والتي كانت قد برهنت أكاديميا مؤسساً لإلحاطة بأسئلة التحول الكبرى التي فجرتها هذه على تفوقها في النمودج الحداثي ،وعلى رأسها المغرب ،من خالل مؤسسات و «دور للشعر» ،يصرف عليها بالدوالر. القصيدة. ولم يقتصر األمر أيضا على هذا ،بل تم تجنيد بعض كبار رموز أما الئحة الشعراء الذين انحازوا بوعي جذري لهذا االختيار الجمالي ،فال يمكن رصدها بالنظر إلى الكم الهائل من األسماء التي الحداثة الشعرية لإلشراف على هذا المشــروع الشعري األصولي تندرج ضمنها. االرتدادي. يتضح تاريخيا إذن القصيدة العربية الحداثية حسمت اختيارها قد أستسيغ الدافع المالي الذي جعل صالح فضل ينخرط في الجمالي ،بل وعززته بمدونة نقدية نظرية واضحة. برنامج شعري أصولي اسمه «أمير الشعراء» ،لكني أستسيغه بألم فما الذي يحصل شعريا اآلن؟ شديد عندما تظهر أمام عيني صورة اإلجهاز على أكثر من سبعين تنتشر في العالم العربي حاليا عشرات البرامج اإلذاعية والتلفزية سنة من االنتقال الشعري ،أفرغ فيها شعراء كبار أرواحهم.
ت�صدر عن مطبعة جريدة طنجة المدير المسؤول :
عبد احلــق بخــات رئيس التحرير :
عبد الإلـه املـوي�سـي هيئة التحرير :
عبد اللطيف �شهبون زبيـدة الورياغلـي �أ�سامـة الزكــاري ر�ضوان احدادو هدى املجاطـي �أبو اخلري النا�صري عبد احلـي مفتـاح محمد �إمغــران م�صطفى ال�سباعي محمد �سدحــي
اإلدارة واإلشهار والعالقات العامة :
محمد طارق بخات اإلخراج والتصفيف:
«جريدة ال�شمال» عنوان التحرير والمراسالت والتسويق واإلشهار :
َي ُد مهند�سني عرب
7مـكـــرر ،زنقـة عمــر بــن عبد العزيز ـ طنجــة ـ
يف بناء معلمة
الهاتــف : 05.39.94.30.08 06.22.45.30.67
« Notre-Dame »de Paris
الفاكــ�س :
05.39.94.57.09
كنا ،في العدد 990من «جريدة الشمال» ،قد خصصنا ملفا عن مأساة مقر أبرشية باريس ،كاتدرائية « ،»Notre-Dame de Parisجراء الحريق الرهيب الذي اندلع فيها ،وتسبب في إتالف جزء عظيم منها. وكنا قد َذ َّكرنا بالرمزية الفنية الكبرى التي تحظى بها الكاتدرائية في الذاكرة اإلنسانية كواحدة من أعظم التجسيدات في فن العمارة القوطية ،إذ حققت بها فرنسا «إبداال» و»تحوال» كبيرين عن الطراز الروماني القديم ،وذلك بإبداعها الهندسي الذكي لألقباء باألضالع والدعامات ،واعتمادها النوافذ الشاسعة الملونة ،وغيرها من اإلنجازات الفنية المعمارية التي تميز الكتدرائية. وبعد اطالعه على الموضوع ،اتصل بالجريدة الباحث العالمة المختار التمسماني ،وهو أحد أبرز الوجوه الثقافية بمدينة طنجة ،وأفاد الجريدة برأي مدعوم بآراء معتبرة لمؤرخين ومهتمين بالتاريخ اإلنساني ،ومدعوم بالصور ،يحيل إحالة موثوقة على الدور الذي قام به المهندسون العرب في بناء معلمة « ،»Notre-Dame de Parisبل على الدور الذي لعبوه في تشييد معالم أخرى في أنحاء العالم. ولإلضاءة المفيدة ننقل هذه الفقرة من كتاب «حضارة العرب» للدكتور «غوستاف لوبون» بترجمة عادل زعيتر . «....وال يغرب عن بالك أن األوروبيين كانوا يستخدمون في القرون الوسطى كثيرا من بنائي األجانب في إقامة مبانيهم ،وأنهم كانوا يوحون إليهم مثلما كان يوحي به العرب إلى بنائي البزنطيين ،وأن هؤالء المعماريين كانوا يجيئون من كل مكان ،وأن شارلمان كان يأتي بالكثير منهم من الشرق ،وقد نقل مسيو فياردو عبارة من كتاب «تاريخ باريس» لدولور جاء فيها أن مهندسين معماريين من العرب استخدموا في إنشاء كنيسة نوتردام الباريسية».
رئيس التحرير
الربيد الإلكرتوين :
info@achamal.com achamal2000 @gmail.com سحب من هذا العدد :
� 10آالف ن�سخــة التوزيع:
�سبـريــ�س Sapress الإيداع القانوين99/10 : ر.د.م.ك:
I.S.S.N : 1114-1832
الثالثـاء � 14إلى 20مـاي 2019
العدد 993
درد شة
م�صطفى حجاج
3
دردشة «�سبحان ذي املُ ْل ِك وامل َلكوت� ،سبحان ذي العزة واجلربوت� ،سبحان احلي الذي ال والروح». ميوت�ُ ،س ُّب ٌ و�س ُّ وح ُقدُّ ٌ رب املالئكة ُّ بهذا ْ الذك ِر الكتاني ،شيعنا أخانا األستاذ علي الزكاري إلى مرقده األخير بمقبرة زيانة ،عشية اإلثنين 29أبريل .2019 ُ الرجل غادرَنا في أمسية من أمسيات نادي االتحاد – على الرّضا والتَّسليم. هذا َّ وليتنقل فيما بعد كما يقال – لنُفاجأ في الصباح الموالي لها بأنه أُغمي عليه، في سيارات اإلسعاف بين مصحة تطوان ،ومصحة النخيل ،ومصحة أكدال بالرباط، ولتُسفر الكشوفات التي أُجريت له بها ،عن خلل في نبضات قلبه ،يحتاج إلى جهاز إلعادة االنتظام إلى هذه النبضات. وفي انتظار ذلك ،اُدخل إلى غرفة اإلنعاش بأكدال. هنا َّ ظل ثالثة أيام ،ثم فارق الحياة. خمسة أيام .هي المدة التي تأرجحنا فيها بين الرجاء والخوف .وكانت كفة ٌ ّ مُتَداوَل .ومفعوله مشهودٌ المنظم لدقات القلب، الرجاء راجحة ،ألن هذا الجهاز به. وما لم نكن نتوقعه أو نتصوره ،أن يعود إلينا هذا الصديق ً جثة هامد ًة داخل صندوق خشبي ،ليوارَى التراب. ال على الحياة ،حفي ًا بها ،متفائ ً ال كان مقب ً لقد فقدنا بفقدانه ،رج ً ال أشد ما يكون التفاؤل ،قانع ًا بما قسمه اهلل له ،راضي ًا بنصيبه من الدنيا ،سعيداً بهذه الجلسات المسائية التي كانت تجمعنا بنادي االتحاد ،والتي نتناول فيها شؤون الدين والدنيا. وبما أننا كنا على مشارف رمضان ،فقد نبهته – من قبيل المداعبة – إلى تجهيز عدَّة التشفيع والتراويح من لبدة وسبحة وجلباب ،ليكون في الموعد .فأفهمني َّ أن متطلبات هذا الشهر متوفرة ،وأن عدَّته وعتاده في أمان اهلل وحفظه .المهم في نظره أن َّ يحل بنا ونحن على أتم االستعداد الستقباله. سبحان اهلل ،ال نشعر بالموت ورهبته ،إال إذا مسنا في أعز الناس إلينا. آنئذ ،ترانا نبسمل ونحوقل ،ونهلل ونكبر ،ونستحضر عظمة اهلل ،وقضا َءهُ الذي ال يردُ. فاللهم تغمد فقيدنا بواسع رحمتك ،وأسكنْه فسيح جناتك ،مع الذين أنعمت عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين. وعزاؤنا ألخيه – وأخينا – األستاذ عبد القادر الزكاري ،ولزوجته ورفيقة دربه، السيدة كنزة الفاروقي ،والبنيه البارين المهدي والحسن ،وألختيه الشقيقتين ثريا وسكينة ،ولجميع أهله وخالنه .وال حول وال قوة إال بالله.
«اهلل أكبر» على الطفولة وعيسى التقى عبده بمن كان جاره أيام الطفولة بالمدينة القديمة؛ بعد السالم والتصافح ،ابتعدا عن وسط الطريق إلى ركن في قارعته ،فقد أحسا معا أن لهما شهية للحديث ،ولتبادل أخبار الساحة الثقافية ،إذ كان يجمعهما االهتمام بالثقافة ،عبده مولع بما يمت لإلبداع القولي والنظري ،وعبدالغني مجنون بما له عالقة بالتراث المادي. استفاض الجار عبدالغني كعادته في الكالم عن مشروع المقهى الثقافي الذي يشتغل عليه منذ سنوات؛ مفصحا عن الهموم التي ترتبت عنه لعدم تعاون اإلدارات المعنية .تعاطف عبده معه ألنه مطلع على دقائق المشروع وخطواته الهائلة المحبطة ،فقد كان عبدالغني كلما التقى به أثار هذا الموضوع بحماس زائد. قبل أن يتوادعا على أمل لقاء قريب بادر عبده عبدالغني بسؤال عن مصير»ولد الحومة « الذي غبر منذ سنين؛ فقد كان منزل عائلتيهما محاذيا ،أما عبده فقد تعرف عليه من خالل المدرسة قبل الحي ،بل كانت له عالقة بهذا الغابر قبل عالقته المتأخرة بعبدالغني. قال عبد الغني :هل تعني عيسى..؟ رد عبده وكأنه وجد ما كان ضائعا فيذاكرته :بالضبط ،إنه عيسى. حلق الزمن بعبده إلى مدرسة الحسن أبي جمعة أو رامون وكاخال ،ثم بعدها إلى ثانوية المشيشي ،كان شريط أصدقاء الطفولة والدراسة يمر كالحنين ،فقد تفرق سرب األطيار الذي اجتمع في زمن ما؛ تلك سنة الحياة ،لكن ما ال يهضمه عبده هو رغبة طيور من هذا السرب بل إصرارهم على محو هذا الماضي ،فلطالما صادف بعض أصدقاء الطفولة أو زمالء الدراسة، وشعر بالخيبة من البرودة التي طبعت هذه المصادفات القليلة ،ومع ذلك فالدرس الذي تعلمه عبده من الحياة هو أن رؤية الماضي واسترجاع الذكريات المشتركة؛ فيه اختالف وتضارب ،فكلما تقدم اإلنسان في العمر، وتحسنت أحواله االجتماعية أو تدهورت، وراكم النجاحات أو الهزائم ،..كلما تغيرت
عبد الحي مفتاح
نظرته ليس للماضي فقط بل للحياة والدنيا، للحاضر والمستقبل. استبشر عبدالغني ثم أعلم عبده أن ً الشمال من يسأل عنه حي يرزق في ًعروس منذ أن انتقلت عائلته الصغيرة إلى هناك في نهاية السبعينات ،فقد كان أبوه تاجرا للصوف والنسيج معروفا بمدينتهم وأحوازها ،ولما ضاقت السوق ،هاجر باحثا عن أفق جديد في مدينة مفتوحة على العالم ،وًتبديل المراقد ً راحة كما يقول المثل. حاول عبده أن يعيد تركيب صورة صديق طفولته الذي انقطعت الصلة تماما بينهما لما يناهز أربعة عقود ،بعد أن أخبره عبدالغني أنه يراه ،من حين آلخر ،عند زياراته الخاطفة لمدينته األصل ،مدينتنا ،وخمن هل يستطيع أن يتعرف عليه إذا صادفه ،دون أن يظفر برأي قاطع ألن قطع الصورة تبعثرت إال القليل منها؛ لقد كان عيسى أميل إلى القصر ،أسود الشعر ،أخضر العينين...عليه أمارات الذكاء، وإرادة الطموح المبكر. ما بلغه من عبدالغني ينبئ بخير وأن بشائر الماضي لم تخطئ ،فعيسى ورث عن ساللته الحس التجاري والمعرفة بمناخ السوق
وتقلباته ،وإن كان عبده تفاجأ ألنه كان يتنبأ له بمسار دراسي زاهر لتفوقه في كل المواد ،وفي العمليات الحسابية والمسائل خاصة. وكما البــرق ،وجد عبــده نفســه وعيسى يلبســـان المعطـــف األبيض، ويمران من دروب حي األندلس مرورا بساحة وطاء الحمام نزوال إلى باب العين حتى مدرسة الحسن أبي جمعة ،كانا صغيرين تملؤهما البراءة ،واليحسبان أي حساب لآلتي أو الفائت ،كان عبده يزور عيسى في بيته الطيب الباذخ ،كما كان عيسى يزوره في بيته الطيب البسيط، وماكان وراء هذه الصداقة التي لم تدم هو اتفاق عائلتهما المضمر على أن يكون األصدقاء المنتقون لألبناء حماية لهم ورعاية ألسباب نجاحهم أو خوفا عليهم بال قياس الغير.. لحظة الغياب انطلقت عند بداية السنة الدراسية الجديدة حيث لم يظهر لعيسى حينها أي أثر ،ولم يثر هذا الغياب وقتئد انتباه عبده كثيرا ،فقد كانت فتنة الطفولة وافتتانها باللحظة تطرد كل ما قد يفيض عنها من اهتمامات. الحنين إلى صداقة عيسى الخاطفة وإلى الطفولة وبياضاتها وغياباتها ..لم يستعر إال بعد أن اتجه العمر نحو الركود ،لكن الزمن له قانونه الخاص فكم من الصداقات تضمحل في الطريق وأخرى تنمو دون أن نشعر، فصداقتي مع عبدالغني محاوري ومزودي باألخبار الدقيقة لم تنبت إال في مرحلة النضج ،في حين أن صداقة عيسى الطفولية طوتها المسافات ،إال أن صداقات الطفولة والعمر الجميل لها طعمها المتميز وغوايتها الخاصة ،إنها كالضباب؛ كلما اخترقته زاد اضطرابك وكشف لك عن ما يبهرك ويطربك أو يهزك.. افترق الصديقان عبده وعبدالغني، ومضى كل منهما إلى حال سبيله ،فأحسست بضباب الطفولة يختلط بضباب الصيام الذي حملني كبساط الريح مسرعا إلى البيت الذي ما أن فتحت بابه حتى عال صوت المؤذن»:اهلل أكبر» ،فاستقبلتني ابنتي الصغيرة بعناق حار، وقلت« :اهلل أكبر» على الطفولة وعيسى..
تجريد بفرشاة السماء.. عبد اللطيف �شهبون
abdelchahboun@hotmail.com
منذ ما يزيد عن ثمان سنوات دعاني المرحوم الشاعر والفنان التشكيلي عمر البقالي للمشاركة في قراءة مدونته الشعرية «باقات برية (إيقاعات وألوان)».. بعدها ألح علي أن أشارك في حلقة دراسية بآداب تطوان حول تراث الزاوية البقالي.. ثم عمل ـ رحمه اهلل ـ على إدراجي ضمن فعاليات االحتفاء باليوم العالمي للغة العربية ؛ وقد كان من كبار مناصريها.. في هذه األخيرة ،أهداني لوحة تشكيلية من مبدعاته ،وقرأ على عجل خمس إشارات شعرية اختار صوغها في بحور خليلية :رمل ،بسيط ،طويل. ظلت تجربة المرحوم عمر تؤلف بين الشعر الذي هو إبداع داخل اللغة والتشكيل الذي هو ترجمة بألوان لما يخالج الوجدان.. كان عمر ـ رحمه اهلل ـ رومانسي المنزع والهوى.. ما زلت محتفظا بورقتين كتب فيهما إشارات شعرية خمس ..أنقل واحدة منها إلى هذا الحيز تنويرا بخصوصيات تجربة عدها عزيزنــا الناقـــد الحصيف نجيب العوفي ـ على اختـالف ليل ونهار ـ مسكونة مفتونة بحلم وخيال ومديح أمكنة..واحة وريفة مستظلة من لفح هجير ووعثاء مسير.. ال أجد خيرا من بالغة عوفية لتقديم نموذج من لمحات بقالية موفية : قال المرحوم عمر في لمحته األولى المصبوبة في بحر الرمل ؛ وهو إيقاع رجزي شديد االرتباط بقوانين الغناء ،كما في المأثور العروضي.. أين نحن اآلن من ذاك الوفاء من عهود زاخرات بالعطـــاء من حياة تشتهى حافلــــــــة بهدايا زادها العشق نمـــــــاء من ليـــــال دافئات بسروج ونجوم راقصات في صفـــاء تضحيات األهل تذكي الهمما تبعث اآلمال فينا والرجـــــاء هي روح من بديـــــع مبدع نقشت في الصخر ميثاق الفداء لوحة ؟ ال ،لم تشكلها يـــد هي تجريد بفرشاة السمــــــــاء هي أم الحب فينا ال تموت نورهـا يهـدي عقـول األصفيــاء
الشمال الفني
4
إشراف الفنان يوسف سعدون
رحيل الفنان الت�شكيلي الكبري
عبدالعزيز ال�شرقاوي
العدد 993ـ الثالثـاء � 14إلى 20مـاي 2019
مهرجان عبد ال�صادق ا�شقارة املغاربي بتطوان
“�أنت مل تكن هنا حقا” رحلة يف عقل جمرم فريد
• سليمان الحقيوي
نظمــت جمعيـــة عبد الصادق اشـقارة للمحافظة على التراث الموسيقي األندلسي الصوفي والشعبي مهرجان عبدالصادق اشقارة المغاربي يومي 26و 27أبريل ، 2019تضمن المهرجان ندوة حول موضوع تجديد تراث عبدالصادق اشقارة والمحافظة عليه بمشاركة األساتذة: نبيل أقبيب (مفتـش جهــوي للتربيـــة الموسيقية) وتوفيق رمانة(إعالمي باإلذاعة الوطنية الجزائرية)وحاتم الوكيلي (باحث في الموسيقى األندلسية)ومرتضى آية اهلل عمران (فنان وباحث موسيقي)و منية الصفار (باحثةورئيسة مؤسسة الصفار للثقافة والتراث)وعبدالواحد عريبان (باحث في التراث الموسيقي)،عملت هذه الندوة على التذكير بقيمة التراث الموسيقي للفنان الكبير المرحوم عبدالصادق اشقارة في مختلف انواعه
الموسيقية.كما شددت على ضرورة الحفاظ عليه من خالل تحمل كل الجهات المعنية لمسؤولياتها والعمل على ترجمة ذلك على أرض الواقع. واختتم المهرجان بسهرة موسيقية كبرى شاركت فيها فرق من الجزائر وتطوان عملوا على عزف قطع موسيقية صوفية وشعبية وكذا بعض أغاني الراحل عبدالصادق اشقارة، وفي كلمتها المؤثرة عند بداية الحفل الموسيقي ،عبرت السيدة بشرى اشقارة إبنة المرحوم ورئيسة الجمعية عن مخاوفها من إهمال التراث الغني والمتنوع الذي خلفه الراحل وأكدت أن الجمعية تناضل بإمكانياتها المحدودة للحفاظ على هذا الكنز الفني.ودعت كل الغيورين لالنخراط مع الجمعية من أجل هذه الغاية.
ت�أريخ الأعمال الفنية وم�س�ألة �إثبات الن�سب يش��تغل الفنانون التشكيليون منذ قرون العصر الذي أنجزت فيه من خالل مواد اللوحة من الزم��ن بمرجعية توثي��ق أعمالهم؛ وذلك ومكوناتها .ثم ينتقل إلى دراسة تقنية اللوحة وفق تقليد ترسخ لدى أغلبهم بالمعنى العلمي وموضوعها واألسلوب الفني... والتاريخي ألعمالهم ومنجزاتهم ،إقتدا ًء فضال عن ذلك فقد صار من بزمالئه��م في حقول علمية أخرى: الضروري اليوم االعتماد على كالكت��اب واألدب��اء والعلماء... علم البصمة الوراثية DNAأو الذين تركوا لنا كتبا معروفة العلوم المخبرية المجاورة وعناوي��ن مؤرخة ،والهدف له .إذ يقوم العلم السالف المتوخ��ى ه��و أن تبقى الذكر على معرفة أصل مس��جلة ف��ي ذاك��رة بصمة الحمض النووي التاريخ ،ويستفيد منها التي من الممكن أن الذين يأت��ون بعدهم توجد باللوحة كشيء ويأخ��ذوا منه��ا بكل من شعر الفنان أو آثار أمانة علمية. له توجد بالمواد التي لكـــ��ن مـــ��ن تحتويهـا اللوحـــة... المالح��ظ أن حق��ل فهذا النموذج من الفنون التش��كيلية قد االستعانـــة بالخبــرة س��جل تاريخ��ه أس��ماء العلمية والمخبرية التي كثي��رة جدا لفناني��ن رواد يعتمد عليهـا المؤرخ ومن ج��اء بعده��م يكتبون شبيه بعمــل الشــرطــة توقيعاتهم على أعمالهم .بما العلميــة .ومــع ذلك ،فإن في ذلك تاريخ العمل واللغة التي مسألة التحقــق من صاحــب ت��دل على مجتمعه��م ،م��ع إمكانية محمد الشاوي (*) اللوحة وتاريخ إنجازها تبقى صعبة التوقيعبلغتين... المنال ،نظرا لتكلفة هذا النوع من البحث تقنيا كما أنه من المالحظ أيضا أن تاريخنا وماديا .فليست كل األعمال الفنية المجهولة الراهن سيستثني العديد من األعمال الفنية تطبق عليها نفس عناصر الدراسة المختبرية في التي بقيت مجهولة االسم أو التأريخ الذي يثبت البحثوالتقصي. صاحب العمل .فبالرغم من إمكانية نسب بعض وعلى هذا األساس ،فمن الواجب على األعمال لفنان بعينه عُرف بأسلوبه أو مذهبه الفنان أن ينتبه لمسألة تأريخ وتوثيق أعماله التشكيلي الذي ينسج على منواله ،إذ يبقى ذلك لكي يساهم بدوره في كتابة التاريخ ،ويُسه َ ِّل إجتهادا تأريخيا غير موضوعي ويشوبه الريب ،عمل المؤرخ .فإلى حدود اليوم ،هناك العديد دون تدخل علم متخصص ودقيق يعيد الفرع من األعمال الفنية تحتاج إلى إثبات النسب، ألصله. فمصيرها ما زال معلقا ومجهوال في رفوف المتاحف العالمية وأرشيفاتها التي تعج بهذا فكيف نثبت هذا النسب؟ النوع من المنجزات الفنية . يقوم المؤرخ بتحليل المواد التي تتضمنها ________ اللوحة باستعانة خبراء في المجال ومتخصصين في توثيق األعمال الفنية .بعد ذلك يبحث في (*) فنان تشكيلي مغربي باحث في النقد الفلسفي للفن.
مرّة أخرى ،يجد خواكين فينيكس نفسه أمام دور في غاية التعقيد ،وهو تحدِّ لطالمــا نجح فيه ،فالمخرجة ليني رامسي وضعته أمــام شخصيــة غريبة، تحاول التخ ّلص من آالمها في نفس الوقت الذي تقوم فيه بتخليص العالم من الشر ،فليمها (أنت لم تكن ح ّقا هنا) يقتفي أثر رائعة مارتن سكورسيزي (سائق التاكسي) ،لكنه ينفلت منه ليصنع لنفسه تصوّره الخاص ،هو فيلم يضيق بشخصياته حدا االختناق ،ويفتح األمل أمامها حد التحرّر ،وال يتركك تستقرّ على موقفك منه إال بعد إعادة رسمك للحدود بين الخير والشر ،وبين حدود الجريمة والعقاب. في هذا العمل الجديـــد للينــــى رامسي ،نصطدم بشخصية جو ،بأداء استثنائي من خواكيــن فينيكس وهو مجرم غير اعتيادي –وهذه أوّل عقبة نفسية نصادفها -جو متخصّص في تحرير الفتيات القاصرات المخطوفات والمرغمات على تجارة الجنس ،الفيلم سيأخذنا إلى تفاصيل عمل جو عندما يتخذ من إحدى مهامه مسارا للحكي ،فقد تلقى للتو تفاصيل مهمّته الجديدة ،التي ستقوده وتقودنا معه إلى مستوى أصعب مما اعتاده ،فقد وجد نفسه في متاهة فيها الكثير من الصراع والقتل وتصفية الحسابات وتداخل المصالح ،فالمختطفة هذه المرة هي ابنة عضو مجلس والية نيويورك ،وفي سيرنا مع جو في مهمته تحرمنا المخرجة من معطيات كثيرة، تخصّ األسباب تحديد ،ما هي أسباب جو لقيامه بما يفعله؟ هل ما يقوم به هو عمل إجرامي؟ أم عمل نبيل .ما هي أسبابه إلصرار على القتل بطرق معينه؟... لكن رامسي عندما تحسّ بازدياد قلقنا من لعبتها ،تقذفنا ببعض التفاصيل في فترات دقيقة من الفيلم ،كأن تستغل أخذ جو لغفوة ،أو أن يستغرق في التأمل، نسمع أحيانا حوارات مضمرة يفيض بها عقل جو ،وأحيانا مرور مشاهد غير واضحة يخرج منها جو متعبا ،عندها نفهم ما يعانيه ونفهم معها دوافعه .ما عدا هذه الومضات نعود للمسار المقلق للقصة،
نستمر في إحصاء الجثث التي يخلفها جو وراءه ،ومن ضمن ما نعرفه الحقا أن جو جندي سابق وماضيه أسود يحب تنفيذ القتل بدون رصاص ليس لقانون معارك يلتزم به ،بل كي يقتل ضحاياه ويحقق أكبر قدر من المباشرة وهو ما يجعل يحقق رغبة غريبة في االنتقام ،الرغبة التي ال نعرف إن كانت تالئم حجم الجريمة أم هي فقط طرق جو لالنتقام من شيء ال يستطيع حتى هو تحديده! ومهما اجتهدنا في محاولة معرفة األسباب ،فال يمكن أن نبلغ ما يريده جو وهو الذي يظهر بمنظر مرعب ،بلحية كبيرة ومالمح غاضبة ومطرقته التي تهشم الرؤوس وال تفارقه أبدا.. تستمر رامســي في فيلمها الرابع بالعمل وفق قواعــد معروفـــة لديها، اهتمامها البالغ بالتفاصيـــل في ّ كل أفالمها يظهر هنا أيضا ،التفاصيل نفسها التي تدفعك إلى التساؤل وتصنع فهمك لألشياء ،في مشهد اقتنــاء جو ألدوات عمله ،ينتبه بإعجاب إلى مطرقة ،تقترب منها الكاميرا وتستقر عليها للحظات نقرأ المكتوب على الرأس (صنع في الواليات المتحدة) تسمع هذه اللحظة وأخريات تشبهها بالذهاب بعيدا في افتراضات عن العنف وعن االنسان دون أن ننسى ربطها بالفيلم ...الحوارات قليلة في الفيلم هو اختيار أثير لدى المخرجة ،وتطبيق لقاعدة لطالما آمنت بها؛ إذا كانت الصورة قادة على إيصال المعنى فال داعي إلضافة صوت ،وإذا كان الصوت قادرا على إيصال فكرة فال داعي إلضافة صورة ،هي تنحاز هنا إلى الصورة وليس الصوت ،داخل إطاراتها نرى الوجوه التي تحكي بدون أن تتكلم بالضرورةّ ، كل شيء تستطيع قراءته على مالمح شخصياتها بدأ من جو حتى ممثلين آخرين غير محترفين، تذهب بنا في رحلة ممتعة من مطاردة التفاصيل ،في كل مشهد لديها فرصة الستعراض سلسلة من مكوناته ،ال فرق من حيث القيمة بين ما يعرضه المشهد، قد تكون قطعة حلوى خضراء يمسكها جو بيده ّ مشكلة للمعنى بذات قدر ظهور شخصية جو نفسها ...وأحيانا يصير
المعنى مرتبطا بما يأتي من خارج اإلطار أيضا ،مشاهدها تصنع شاعرية خاصة واعية بما تريده منها. في أجمل مشاهد الفيلم وعندما تُقتل والدة جو ،يلف ّ جثتها في كيس بالستيكي ،ويتوجّه بها إلى بحيرة وسط الغابة ثم يلج مستوى عميق ،فيترك ّ الجثة تغرق ببطء وتحيط به دائرة ضوء ذهبية وهو يمسك والدته بين يديه قبل أن يتركها تغرق ،ترّكز الكاميرا على خصالت الشعر الصفراء وهي تطفو وكأنها توجّه وداعا أخيرا لجو الذي قرر أن يبقى هنا مع أمه ،أن يغرق معها أيضا ،قبل أن يغير رأيه ويسارع إلى رمي األحجار التي وضعها في جيوب سترته ،هذا المشهد الجميل ،يذكر بحب المخرجة لتكرار نفس المشاهد والحركات داخل نفس الفيلم أو بين أفالمها ،وهي خبيرة بتشكيل مشاهد جميلة تحت الماء ،خصوصا في فيلمها القصير (السبّاح) .استطاعت برفقة مدير تصويرها توماس تونيند ابداع مشهد عظيم يقف في فنيتـــه نـــدا للمشهد األسطوري تحت الماء لجريميو دل تورو في فيلمه شكل الماء. أما موسيقى جوني غرينوود الذي عمل مع بول توماس أندرسون في أغلب أفالمه ،فقد جلبت الكثير من القلق للفيلم ،القلق الذي يجعك فزعا دون أن تعرف السبّب ،فيدفعك هذا اإلحساس إلى حيرة وقلق مضاعفين .جواكين فينيكس أضاف للفيلم ما يلزمه من أداء قوي وصلت معه شخصية جو إلى مستوى مثالي ،وجد نفسه مع مخرجة تعمل وفق تصّور قريب مما يريده هو من السينما، فجلب له دوره جائزة أفضل أداء في مهرجان كان الدورة قبل األخيرة ،بعدما عانده الحظ أو مزاجية لجان تحكيم جوائز األوسكار أكثر من مرّة. أنت لم تكن حقا هنا ،هو فيلم جميل حقا ،فيلم يمنح الكثير ،عبر اختبار لغة السينما ومنح األفضلية لها ،الشكل فيه طاغي ،هو أيضا نضج لمسار مخرجة لديها تصورات جمالية عظيمة ،جعلت الكل ينتبه إليها في عملها الجديد.
العدد 993 الشمال الفني فـنـي »فـنـــي» «بيـــان « بيــان سلسلة لقاءات تدشنها «الشمال» مع مجموعـة من المبدعيــن، يقدمـون عبرها تجربتهـم اإلبداعية ،ومشاريعهم وانشغاالتهم وهواجسهم ومواقفهم من المشهد الفني. بيان هذا العدد يوقعـه للقــراء أحــد رواد الفن التشكيلي الفنان أحمد بن يسف. إعداد :يوسف سعدون
أنا الموقع أسفله : أحمد بن يسف،إبن الحاج محمد بن يسف والحاجة رقية الصوردو ،من مواليد مدينـــة تطوان بتاريخ 26أكتوبر .1945فنان تشكيلي محترف.
المسار الفني :البداية كانت من تطوان حينما التحقت بمدرسة الفنون الجميلة خالل الستينيات،وكان اإلقبال على هـــذه المدرســة ضعيفاً ،حيث لم يكن عدد الطلبة يتجاوز الستة في بعض المستويات ،وهذه الوضعية كانت في صالحنا ألننا كنــا نستفيــد من توجيهــات أساتذتنـا كالمرحوميـــن المكي مغارة وعبد اهلل الفخار وغيرهما .فكانت الفرصة سانحة للتمكن من التقنيـة و االضطالع بالمدارس الكالسيكيـــة. وهذا الهاجس سكنني طيلة مشواري الدراسي خصوصا بالمدرسة العليا للفنون الجميل ة�san ta isabel de hungriaبإشبيلية، معارضي الفنية كانت منذ دراستي في السنة األولى بإشبيلية،حيث نظمت معرضا برواق Ateneo de Sevillaوأنا الزلت طالبا. ومن بعده كانت االنطالقة لكي يكون هناك معرض آخر في السنة الموالية برواق club de la rabidaلكي أعود لتطوان بمعرض بقاعة المكتبة اإلسبانية في الستينيات .والزلت أستحضر أيضا تفاصيل معرض كانت تنظمه القنصلية اإلسبانية تحت عنوان« :مدرسة تطوان للفنون التشكيلية»حيث حاول البعض من فناني تطوان حرماني من المشاركة فيه باعتباري طالبا،إذ كانت المشاركة في هذا المعرض تتم عن طريق االنتقاء من طرف لجنة من الفنانين المغاربة واإلسبان،فزكاني كل الفنانين اإلسبان على عكس المغاربة،فحسم القنصل العام في األمر بتزكيته لي لكي تكون المفاجأة في األخير بفوز لوحتي بالجائزة األولى بعد تقييم لجنة أكاديمية متخصصة من إسبانيا .وفوزي هذافاجأ الجميع وفتح لي أبواب جامعة آشبيلية على مصراعيه وكذلك مساري اإلبداعي العام . مرحلة الدراسة في إشبيلية كانت مهمة حيث كنت متميزا وكان الكل يتنبأ لي بمستقبل فني زاهر .فكنت أنظم مجموعة من المعارض أهمها معرض برواق البرادو أطينيهو بمدريد سنة 1970والذي لم يكن يفتح أبوابه إال للمحترفين واألسماء الكبيرة.وعلى إثر هذا المعرض صرح الناقد الكبير كارلوس أريان ان تجربتي الفنية تسبق مستوى عمري.الكل استغرب الستضافة هذا الرواق للوحاتي وانا الزلت طالبا..والغريب ان مجموعة من أساتذتي كانوا يودون العرض بهذا الرواق لكن طلباتهم كانت ترفض وقمت شخصيا بتزكية بعضهم. مساري اإلبداعي تميز أيضا بحصولي على ثالثة جوائز للدراسات الفنية العليا في الصباغة الزيتية والرسم الكالسيكي ومنحة للمناظر الطبيعية لإلقامة بمؤسسة رودريغيز الكوستا بغرناطة. وبعد تخرجي،واجهت تحديا على مستوى االختيار،إما امتهان التدريس الفني بإسبانيا أو بالمغرب،أو التفرغ للفن،فكان االختيار الثاني والذي كان مغامرة،ولكنها كانت مغامرة مثمرة والحمدهلل،ألننيانطلقتانطالقةالتحديإلنجاح اختياري فاشتغلت بجدية فكانت المعارض عبر مختلف أرجاء المعمور ،بعدما ركزت اهتمامي على المغرب وإسبانيا رغبة مني في تجسيد التواصل الفني بين الضفتين. واهتماماتي التقنية لم تنحصر على الرسم والصباغة،بل تعدى ذلك لمجاالت أخرى كالفنون الطباعية من ليتوغرافيا وسيريغرافيا وهي تقنيات تعمل على نسخ األعمال الفنية وتمكين المتلقي منها بأسعار منخفضة على عكس األعمال األصلية ،كما اشتغلت أيضابالنحت وأنجزت مجموعة من المنحوتات لبعضالجوائزالعالميةمنحتلشخصياتمهمة، ككوفي عنان وأردوغان. وأهم عمل فني كبير قمت به هو إنجاز جدارية ضخمة بالسيراميك بواجهة ملعب أشبيلية، بخصوص تجربتي في المغرب فأهم إنجاز أفتخر به هو طباعة لوحاتي على األوراق المالية
والقطع النقدية .وهذا اإلنجاز مفخرة كبيرة بالنسبة لي. رمزية الحمام :أود أن أوضح أن قصة الحمام في لوحاتي جاءت صدفة وال ترمز لتطوان كما يظن البعض..القصة ابتدأت من وحي لحظة بإحدى ساحات إشبيلية التي يتواجد بها الحمام بكثرة،حيث كنت هناك برفقة الوالدين رحمهما اهلل ،فحطت حمامة على كتف الوالد،فثارني المشهد لما أضافته تلك الحمامة من جمالية ودالالت رمزية لذلك المشهد،فجاءتني الفكرة لرسم الحمام في لوحاتي وذلك برغبة تلطيف أجواء اللوحة وإعطائها مسحة رمزية وتعبيرية.. والحمام ال يصاحب لوحاتي دائما،فهو يحضر ويغيب حسب مواضيع األعمال وهو ليس عنواناً لتجربتي. العودة للعرض بتطوان:تطوان لها الفضل الكبير في تنشئتي وفي مساري اإلبداعي ،والحنين إليها دفعني لتنظيم مجموعة من المعارض كان آخرها معرض برواق الفن لصاحبتة الصديقة الفنانة مريم أفيالل خالل هذه السنة(,)2019وهذا المعرض أردت من خالله تجديد التواصل مع جمهوري وتقديم آخر أعمالي،وقد أسعدني ذلك اإلقبال الكبير من مختلف مدن المغرب،وكذلك التغطية اإلعالمية المهمة التي حظي بها.. لقب العالمية بالنسبة لي:أقول لمن يشكك في هذا األمر أن تاريخ مسيرتي الفنية عبر أرجاء العالم،وورود إسمي وسيرتي في مختلف القواميس والمعاجم الفنية العالمية،وكل الكتابات النقدية التي واكبت تجربتي،جعلت مني فنانا عالميا بامتياز.وهذا ليس ادعاء مني،بل هو توصيف من هؤالء النقاد والقواميس وكتب الفن وكبريات األروقة والمؤسسات الفنية العالمية التي استضافتني وتقدمني بهذه الصفة،أعمالي موجودة في مختلف بقاع العالم،وموجودة أيضا في المتاحف الدولية،لوحاتي استضافتها أروقة بنيويورك وواشنطن والبيرو والبرتغال وإسبانيا وفرنسا وكندا وإيطالياومصر وغيرها من الدول.كما أن اإلعالم الفني استضافتني قنواته عبر مختلف محطات العالم،واستضافتني أيضا كبريات الجامعات لتقديم تجربتي ورؤيتي للفن،إذن هذه الصفة ليست ادعاء مني،بل هو تصنيف عبارة عن وسام فني وضعه على صدري النقاد والمهتمون وأنا أفتخر به.وعلى ذكر األوسمة أفتخر بكوني الفنان الوحيد الذي حظي بشرف الحصول على وسامين من طرف المغفور له الحسن الثاتي بمناسبة تنظيمي لمعرض بباب الرواح بمناسبة عيد العرش سنة .1993وكذلك من طرف جاللة الملك محمد السادس أثناء زيارته الرسمية األولى إلسبانيا سنة .2000 واقع التشكيل المغربي:أنا سعيد بتعدد التجارب الفنية ببالدنا،لكن لألسف المناخ العام للممارسة التشكيلية غير
مناسب لغياب فضاءات كافية للعرض وتقديم المنتوج الفني،لهذا يجب االنتباه إلى هذا النقص في القاعات العمومية بمختلف المدن،.وفي هذا الصدد أدعو وزارة الثقافة لبذل مجهود أكثر من أجل توفير كل شروط العرض وتحفيز الفنانين واإلكثار من المتاحف صونا للذاكرة الفنية المغربية،حيث أن المتحف الوطني وكذلك مركز الفن الحديث بتطوان غير كافيين للقيام بهذا الدورالتوثيقي.واما عن القاعات الخاصة فهي بدورها تحتاج للدعم لكي تمأل الفراغ وتعوض النقص في البنيات التحتية. ولتحفيز الفنانين ،أدعو المسؤولين عن الشأن الثقافي لتنظيم جائزة وطنية للفنون التشكيلية على غرار جائزة الكتاب. تزوير اللوحات :إن غياب قانون يحمي حقوق الفنانين وجزر الممارسات المقيتة التي تسيء للمنتوج الفني صار ضروريا،فتزوير اللوحات صار عملة رائجة يلجأ إليه الكثيرون للربح الغير المشروع من خالل ترويج لوحات مزورة سواء لفنانين كبار رحلوا عنا كالجياللي الغرباوي رحمه اهلل او حتى األحياء منهم..وحسب المعلومات التي تصلني واالستشارات التي تجري معي بخصوص لوحاتي التي هي في ملكية بعض الخواص،أؤكد أنني ربما الفنان األكثر عرضة لتزوير لوحاته ..وقد حدثت لي حكايات مثيرة مع بعض مقتنيي اللوحات الذين صدموا بعدما أكدت لهم أن اللوحة التي هي بملكيتهم واقتنوها بأثمنة باهظة هي لوحة مزورة. لذا أجــدد طلبــي في التعجيــل بتفـعيل القوانين الرادعة لهذا العمل الذي أصنفه في إطار الجريمة الفنية، الثمن الباهظ للوحاتي:هو اإلسم من يصنع قيمة اللوحة..ألن اإلسم يعكس قيمة العمل الفني ويختزل تاريخا ومسارا إبداعيا وبحثا فنيا للمبدع،وكذا مكانته في تاريخ الفن ومساهمته في اإلضافات الفنية واعتراف النقاد المتخصصين به كفنان كبير.. أظن أن كل هذه العناصر متوفرة في تجربتي لتجعل قيمة لوحاتي في هذا المستوى. الختام :أود أن أؤكد لعموم المهتمين وجمهوري الواسع أن حلمي الزال كبيرا،وأمنيتي هي أن أرى الفن في المستوى الجيد،وأن تعطى له األهمية التي يستحقها.ولوحتي األفضل الزلت أتطلع إلنجازها،وأطلب من اهلل العلي القدير ان تتحقق في المدى البعيد ألنني مازلت احلم وأحب.. وتواصلي معكم ينعشني ويجعلني أصفق برفقتكم لإلبداع وللحب لهذا الوطن. التوقيع :
الثالثـاء � 14إلى 20مـاي 2019
�أرجوحـة الفـن وال�سيا�سة
5
يوسف سعدون
منذ دراستي الثانوية واهتمامات متباينة تتصارع بداخلي،كنت عضوا بجمعية أصدقـــاء المسرح مع مجموعة من الشباب بالقصرالكبير خالل الثمانينيات ،وكنا نلتقي بدار الشباب إما للتمــرن على فصول مسرحيةأو لالستفادة من عـروض ثقافية أوفنية ،.كنا نخوض أيضا في نقاشــات سياسية،وكان جل الرفاق يبخسون التوجه اإلصالحي لألحزاب الديموقراطية وخصوصا االتحاد االشتراكي.وهذا النقاش كان يخلف عندي قلقا كبيراباعتباري كنت أنتمي لشبيبة هذا الحزب،آمنت على غراركل االتحاديين آنذاك بأهمية النضال الديموقراطي في كنف هذا الحزب الذي كنا نعتبره استمرارا لحركة التحرير الشعبية...وفي لحظات خلوتي مع نفسي،كنت أتساءل عن جدوى وجودي داخل تنظيم سياسي يصفه أصدقائي باإلصالحي واالتتهازي،وعن جدوى وجودي بجمعية تتبنى فكرا عدميا بغطاء مسرحي-حسب منظور رفاقي بالحزب! كان يسكنني استفهام كبير حول مآل اختياراتي،تارة أنتصرت لألول فكنت أهجر الجمعية،و لعبة الهجر هذه سرعان ما كان يقطعهاالحنين وعشق اإلبداع في فضاء الجمعية(،كنت أساهم في ديكور المسرحيات)،فكنت أعود إليها وكلي حنين...وتارة أخرى أغادر الجمعيةوأداوم على الحزب خصوصا أثناء الحمالت االنتخابية وفاتح ماي وغيرها من المناسبات النضالية. ومع مرور الزمن،كبرت معي هذه التجاذبات،وانتقلت لمستوى آخر بعد أفول الجمعية التي تفرق بأعضائها السبل.صار الصراع بداخلي بين السياسي واإلبداعي بشكل عام...، ومع تراكم العطاء الحزبي والنقابي من خالل مسؤولياتي ومهامي،ومع تعدد مبادراتي اإلبداعية من خالل المعارض واألنشطة الفنية.كنت أراهن على التعجيل بالحسم في هواجسي،لكنني لم أتوفق في ذلك لعشقي الجنوني للطرفين.وللحقيقة أقول ان تجربتي السياسية كان لها الفضل الكبير في تكويني من خالل العمل السياسي و االحتكاك بالمناضلين وااللتقاء بزعماء كبار من حجم المرحوم عبد الرحيم بوعبيد وعبدالرحمن اليوسفي ومحمد اليازغي الذين كانوا يقدمون لنا عروضا سياسية في أشغال اللجنة المركزية للشبيبة االتحادية من موقع مسؤولياتهم داخل القيادة الحزبية،كما أن جريدة االتحاد االشتراكي فتحت لي أبوابها لنشر إبداعاتي في فن الكاريكاتير ومقاالت عن الفن والسياسة والمجتمع .فكانت بالنسبة لي مدرسة أخرى في العمل الصحفي.وال انكر ايضا أن تجربتي في العمل الجمعوي والفني ساهمت في تعميق وعيي بأهمية العمل في المجال المدني وتسخير الفن للرقي بالمجتمع. اعترف -أيضا -أن عملي بالسياسة كان له بعض السلبيات على مساري اإلبداعي،فانتمائي السياسي كان يسبب لي الكثير من الخصومات مع من يختلفون معي،بل كان البعض من هؤالء يحاول النيل مني وإحباطي،أتذكر هنا جريدة كانت تابعة لحزب غريم في تلك الفترة (الثمانينيات) كتب فيها أحدهم عن معرض جماعي شاركت فيه بمدينة العرائش،مدح فيه كل التجارب المشاركة في هذا المعرض باستثناء تجربتي التي وصفها بالضعيفة..أتذكر أيضا ان كل نجاحاتي الفنية التي كنت أحققها،كانوا يقولون عنها أنها مدعومة حزبيا وإعالميا،حتى نجاحاتي المهنية كانوا يقولون عنها أنها بفضل وساطة من النقابة... على العموم ،السياسة ،كانت تخلــق لي حزازات مع المختلفين معي. باإلضافة إلى كونها كانت تأخذ الكثير من وقتي،ولم تكن تترك لي مساحات زمنية كافية لإلبداع. هي إذن لعبة الشد والجذب مارسها علي الفن والسياسة.كل واحد واحد لعب معي لعبة اإلغراء.أردت التوفيق بينهما فلم أستطع،فانتصر السياسي لفترات بمدينة القصر الكبير ،حيث أبتلعني العمل الحزبي والنقابي.فغاب الفن من أجندتي لفترات ،وكان يكتفي فقط بطرقه ألبوابي في النادر من المواعيد، انغمست في كواليس السياسة ،وتحملت مسؤوليات وقطعت أشواطا من االختالف مع رفاق لي بطعم الخصومة.ومع طول هذا السفر،شيء ما بداخلي كان يسائلني:أين الحلم الفني؟ كنت أحاول اإلجابة عن هذا الهاجس ببعض المبادرات الفنية في إطار معارض جماعية هنا وهناك،مبادرات كانت تعيد لي األمل في االستدراك. لم أكن وحدي على هذا الحال،بل كان بعض أصدقائي المبدعين من المناضلين يعرفون نفس المخاض.فكان الصديق الشاعر حسن نجمي يقول لي ان أفضل كتاباته كان يبدعها حين يبتعد عن العمل السياسي،وكذلك كان يؤكد لي الصديق الناقد شرف الدين مجدولين الذي حسم موقفه منذ البداية حينما ابتعد عن العمل السياسي وتفرغ لمشروعه النقدي فصنع لنفسه إسمه الكبير على المستوى العربي.نفس الحالة نقف عندها بالنسبةللمفكر الكبير محمد عابد الجابري حينما هجرالعمل السياسي من قلب مسؤولياته داخل حزب االتحاد االشتراكي وتفرغ الهتماماته األكاديمية ومشروعه الهام الذي ساءل من خالله التراث والفكر العربي .وهناك أيضا حالة محمود درويش مع منظمة التحرير الفلسطينية. وبالرجوع لحالتي،وأمام ضيق أفقي بمدينة القصر الكبير،وانتقالي لتطوان- رمز جنوني بالمكان.-حسمت في أمر هذا التيه،وانتصرت للجانب الفني لينطلق مشواري عبر مجموعة من المبادرات الفنية داخل وخارج المغرب.ساعدتني في ذلك طقوس حلم أزرق بمرسمي بمدينة المضيق الساحرة..مشوار الزالت أشواطه تتواصل من أجل أفق مفتوح على مقاربة قضايا اإلنسان بلغة األشكال واأللوان كما يردد دائما الصديق الفنان أحمد بن يسف، إحساسي بإنجازاتي الفنية مغاير تماما إلحساسي بإنجازاتي السياسية،الفعل اإلبداعي حقق لي حب الناس من مختلف الشرائح بعيدا عن أي انتماء. وتحيةإعجاب من فضاء رواق او على صفحتي الفايسبوكية تخلف بداخلي لحظة فخر وسعادة.بينمافي السياسة لم أكن احظى بهذا اإلهتمام الجماعي،كنت أصنف مع هذا أو ذاك،وكنت أفقد نفسي عبر تناسل الفرق والملل والتنسيقيات والبيانات والوقفات والمشاحنات واإلقصاء والطرد والمواالة وكل الكواليس..
العدد 993
6
الثالثـاء � 14إلى 20مـاي 2019
من أرشيف الدبلوماسي األديب
رسائل تطوانية
سيدي التهامي أفيالل التطواني حفظه اهلل ()13
إعداد وتقديم :الدكتور يونس السباحYounes_sebbah@hotmail.com
تقديم تعتبر المراسالت العلمية رافداً ثرياً لكتابة التاريخ ،باعتبار ما تحمله في طيّاتها من المعلومات الدّفينة ،والفوائد الغميسة النادرة ،التي ال توجد في غيرها ،ولكونها مرتبطة بزمان ومكان وموضوع معيّن ،كما تعدّ أيضاً فنّاً أدبياً ًّ مستقال بنفسه ،بما تحمله من صادق التعبير ،وجميل اإلحساس ،وحسن اإلنشاء ،وبديع السّبك ،وخصوصاً إذا أضيف إلى هذه المعاني جمال الخط ،ورونق الحرف ،وكانت صادقة اإلحساس معبّرة عن الصلة العائلية ،والمتابعة الدراسية بين الوالد والوَلد مث ً ال ،أو بين تلميذ وشيخه ،أو الصديق وصديقه... ومن المراسالت المتّصفة بهذه الصفات ،ما تحتويه خزانة األديب الشاعر ،والدبلوماسي السابق ،أحد أفراد بيت العلم والشرف والمجد ،سيدي التهامي أفيالل حفظه اهلل ،وما يشتمل عليه أرشيفه الذي يضمّ كمّا هائ ً ال من الرسائل ،معظمها صادرة عن أفراد أسرته ،كجدّه القاضي سيدي التهامي أفيالل ،أو عمه الوزير سيدي محمد بن التهامي ،أو أخيه األديب ،سيدي البشير أفيالل ،أو واردة عليهم وعلى أفراد آخرين من هذا البيت. ولمّا كانت هذه المراسالت لها قيمة أدبية وتاريخية ،ولم يسبق أن رأت النور ،أو اهتمّ أحد بإخراجها للناس ،استأذنّا صاحب األرشيف ،الشريف المذكور ،في العمل على إخراجها وتيسيرها للنّاس عبر صفحات جريدة الشمال الغراء ،التي تستأثر بنشرها ،فوافق مشكوراً مأجوراً ،وقمنا نحن برقن هذه الرسائل ،وصنّفناها حسب ّ كل شخص (منه/عليه) ،وآثرنا أن نبتدئ باألقدم تاريخاً ،فكان صاحب السّبق هو القاضي الشهير ،والفقيه الكبير ،سيدي التهامي بن محمد أفيالل (ت1339:هـ).
[الرسالة الثامنة واألربعون]
[من الوالد العالمة القاضي التهامي أفيالل بتطوان ،إلى نجله الطالب محمد أفيالل ،أيام دراسته بفاس ،يجيبه فيها على ما ورد منه ،ويخبره فيها ببعض ماجريات األحوال] وصلى اهلل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم الحمد هلل وحده الولد البار األرشد ،الطالب السيد محمد ،وفقك اهلل وسالم عليك ورحمة اهلل وبركاته. وبعد ،وصل كتابك األعز وصرنا من مضمنه على بال قائال :إني لم أتعرض لذكر المشاهرة التي وقع فيها االستفتاء ،ففي أول يوم من هذا الشهر المبارك أتاني عدال الناظر ،الصفار والموفق ،وأنا جالس في العشية بباب المقابر يجميع المشاهرتين ،ودفعاها على الوفاء والتمام ،قائلين :إنه دفع كما تدفع الجزية عن يد وهو صاغر ،وذلك بعدما أبدى من التعاكس بتلقين سمساره وموافقة البقالي ما أجرى حتى إنه قال بثبوت الشهر األول دون الثاني، ألنه وقع فيه عزل النفس فال يستحق عليه أجرة ،وحتى إنه أمر العدلين باإلتيان إلى العامل ،والشهادة عليه يجبره على الدفع ،فامتنعا من ذلك إال أن يكون معهما لما قيل لهما إن فعلتما ذلك كان سجنه لكما محققا ،ويشك في الضرب ،ولما رأى هذا الخبيث فسأل سمساره وموافقه وتخوفهما مما يرى فيه مع وقوع اإلعراض عنهم وإحمالهم وضاقت عليه األرض بما رحبت ،بادر وأسرع لألداء بعد أن علم العامل بأنه أراد الدفع ،فقال له :ال تفعل حتى نطلع العلم الشريف بسبب توليك النظارة ،ومن تسبب فيها ،وما الغرض بها ،ونبين ذلك أتم البيان ،فإني جريت في هذه المنازعة على غير عادتي ،واالطالع بكل شاذة وفاذة ،وذلك يرى الفقيه الذي كان توسط بنا في طلب اإلعفاء حضنا على االقتصار على طلب اإلعفاء واإلمساك عما جرى بعدما راجعته في ذلك مرارا ،فلم يرجع وقد آن وقت اإلخبار وال ينبئك مثل خبير. وأخبرت بلبس سروال الملف الجديد ،والتقاشر البيض لكون الملون منها ليس من شعار الطلبة ،تبلى ويخلف اهلل ،كما أخبرت بأنك أصبت بداء الحالقيم وعوفيت منه، طهور إن شاء اهلل ،فلله الحمد على العافية ،وقد أمرنا الوالدة بخياطة عنقين يتركان تحت اليد إلى أن يوجها مع القميص إن شاء اهلل ،وإنك حرتَ مع غاملة الثياب من جهة التمزيق وغلو األجرة ،وهذا أمر ال دواء له إال بتبديل هذه الغاملة واتخاذ غيرها من ذوات الرفق وإنك غير مستنكف للقراءة على صغار الطلبة ،وبينت وجه ذلك ،هذا هو الذي ينبغي ،والمدار على عدم البطالة ،وقد شرحت الحال مع أهل الزاوية ومع الرفيق، وقلت :إن المحل محله ،والبيت له شطره ،ولوال ذلك الجتنبت مالقاته ،أقول :كونه يملك شطر البيت ال يمنعك من سكناه، وغاية مقدوره البيع وهو ال يرضاه ،أو اإلعارة للغير ،وذلك مستهجن ويرى الحاضر ما ال يرى الغائب ،ولم تذكر الخمال فيمن ذكرت من طلبتنا وإن كان معكم في الزاوية ،وذكرت إيقاف القراءة للعواشر إال قراءة نصابي التحفة وإن (ط) ترك القراءة للختان ،ومرض الشيخ وتخييم المحلة وسط الحياينة وإذعانهم للطاعة ،وإسقاط المخزن لجميع األجناد مؤنة يوم..
[الرسالة التاسعة واألربعون]
[من الوالد العالمة القاضي التهامي أفيالل بتطوان ،إلى نجله الطالب محمد أفيالل ،أيام دراسته بفاس ،يجيبه فيها على ما ورد منه ،ويخبره فيها ببعض ماجريات األحوال] الحمد هلل وحده
وصلى اهلل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
وعلى الولد البار األنجد ،الطالب السيد محمد أزكى السالم ورحمة اهلل وبركاته. وبعد ،فقد وصل كتابك األعز وصرنا من مضمّنه على بال ،وقد قدم عاصبا مزوع من مراكش وهما في غاية ما يكون من اإلقالل ،وأخبرا بإقامتهما بطنجة مدة ينتظران قاضيها ليخاطب لهما على رسم اإلراثة الذي آتيا به لعدم معرفة النائب بها خط قاضي مراكش ،فقدما ليرجع أحدهما لطنجة لتحصيل الخطاب ،ثم إنهما دفعا ذلك الرسم لمن يطلعني عليه ،فلما أن اطلعت عليه ألفيته ال يجدي لهما نفعا ،وقلت لمن أتاني به يقول لهما :إن ذلك الرسم ال نفع لهما فيه ،خوطب عليه أم لم يخاطب ،نعم ،وجد في تركة الهالك رسم فيه إقراره لهما بأنهما ابنا عمه المستحقان إلرثه ،وإبقاء الورثة مع رسوم الموروث في صندوق مفتاحه عند العدول ،ولم يتأت إخراجه من الصندوق لغيبة الشريف الوزاني ،وال شك أنه يقدم اليوم أو غده .وقد كانت أخت الهالك لحقت به ،وقد علمت أن اإلقرار بالوارث إنما يثبت به المال على المشهور المعمول به دون النسب ،فإذا أخرج هذا الرسم وصح فيكون لهما ميراث المقر دون ميراث أخته التي لم تق ،وميراث المقر ضعيف وهو السدس ،ولو أمكنهما التوصل لميراث األخت لكان لهما في ذلك متسع ،وهذه األخت ال شيء لها إال ما ورثته من شقيقها ،ولم تنتفع منه بشيء إال ما أوصت به من ثلث متخلفها ،وربك الفاعل المختار. وقد توجه السمسار وصحب نجله المعتوه وقيل لي إنه كان اقتنع من مرافقة والديه لمضادة بينه وبين عمته حتى اشترط النزول بالزاوية ،وألجل ذلك كلف الطوب بمرافقتهم ،وانظر هل في الزاوية ما يأويه أم وقع التعويل منهم على مأواك ،فتعين عليك النقلة للمدرسة وإال ظهر أن قدوم ولد السالوي لتلك الحضرة إنما هو السترداد ما اختلسه منه الزواق ،فإنه لم يجد على ذلك صبرا ،سيما وله مداخلة في هذا الوقت مع الفرنسويين ،والقوم كما علمت غريقون في لجة الطمع ،نعم إن أجيب لمطلبه تعذر استرجاعها منه مرة أخرى لما ال يخفى ،ويبعد هذا األظهر ما شاع من العزم على قطع التنافيذ ،ويحتمل أن له طلبا غير هذا ،وما أخبرت به من إفرط بترك ما كثر فحشه من اآلالت الكهربائية ومن تسارع الناس التخاذ الوقايات ومماكسة األجانب له ،ثم ما أوضحته فهو أمر عمت به البلوى في سائر أقطار المغرب ،ولقد صدقت في قولك هذه مقدمة االستبداد المنتج لالستيالء على البالد ،ولم يبق لنا ما نقول إال يا سالم سلم ،فنطلب اهلل السالمة لنا ولكم وألهلينا ولجميع المسلمين ،وأن يحفظ علينا اإليمان حتى نلقاه ال مبدلين وال مغيرين ،كما نطلبه أن تكون عوفيت مما أصبت به في أنفك ونب عنا في تعزية خليلك في مصابه بابن عمه سيدي أبي جيدة تغمده اهلل بالعفو والغفران ،وأسكنه فسيح الجنان .وفي هذه األيام فاض الحمق في الفرطاخ فخرج إلى السوق وصار يجهر بالذكر متوشحا بسبحة ،وطلق المرأة التي كان عقد عليها ،وخرج من البلد ،وتبعه والده ليسترجعه فلم يرجع ،وفي غد خروجه رجع وطلع للحانوت التي كان يشهد فيها مع الصفار فعلم به القاضي فأرسل إليه يعزله ،وقد استشفع فيه الزواق فلم تقبل شفاعته ،وهو اآلن معتكف بمسجد سيدي المصمدي .قالوا :وإنه يقرئ في ثالثة أنصبة بها في اليوم ،وأما ابّ عيسى فقد كان كتب لألمناء المقري من باريس يطلب المحل الذي فيه اآلن ابن عجيبة ،فراجعه األمناء ،فكتب ثانيا بجعله مع أشعاش في البنيقة التي بباب الديوانة ،فسكن من ذلك وال زال منتصبا للشهادة .مسلما على الخليل ومن هنا الوالدة واإلخوة وأبناء العم ،وسائر األحبة ودمتم في أمن والسالم 24ربيع األول عام 1328هـ.
[الرسالة الخمسون]
[من الوالد العالمة القاضي التهامي أفيالل بتطوان ،إلى نجله الطالب محمد أفيالل ،أيام دراسته بفاس ،يجيبه فيها على ما ورد منه ،ويخبره فيها ببعض ماجريات األحوال] الحمد هلل وحده وصلى اهلل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم الولد البار األرشد ،الطالب السيد محمد ،وفقك اهلل وسالم عليك ورحمة اهلل وبركاته. وبعد ،وصل كتابك األعزّ أخبرت بأن ابن عمّك لم يقضك ما أقرضته ،وهذا أمر غريب ،فإنّه يوم قدومه لهنا أخبر أخاه عليّاً بهذا القرض ،وبأنّه سيوجهه في البوسطة ،فلع ّله وصل ابن ثابت ولم يخبرك به ،فكان من حقك سؤاله .والحاج أحمد الفاسي توفي رحمه اهلل ليلة سابع وعشري رمضان ،والناس قيام في صالة التراويح ،وصادفت ليلة الجمعة ،غفر اهلل له ولسائر أموات المسلمين ،وقد وقع شروع ورثته في قسم متخلفه ،وأحد العدلين ابن عمك الحسن ،واألخر ابن خالتهم سيدي محمد بن ّ المكي ابن عبد الوهاب .وقد هيأنا لك نصيبا من البقالوة جعلناها في قسديرة داخل صندوق من العود ،وسنحوزه ألشعاشّ ، ألن نهوضه يكون بعد ثالثة أيام من تاريخه ،ألنّه بعد أن كان عازماً على السفر يوم تاريخه ،تب له الزبير من طنجة يعلمه بأنّه قادم اليوم بقصد تنظيم العسكر الذي يتو ّلى عليه الدراوي .وقولك :كان في غنى عن هذا النهوض ،لما د ّلت عليه قرائن األحوال ،من أنّه ال ينزع منهم شيء الخ، غير ( )...له لكثرة لكثرة ما بيده وبيد أبناء عمّه من الظهائر على األمور ،مع أنّه يريد التعرّف وتجديد العهود... ، (بتر في الرسالة بمقدار خمسة أسطر). كما أخبرت بقضية الريسوني وولد السالوي ،ومن كتب له ،وبما أجيبوا ،العجب من هذا الولد فإنّه يطول لسانه ويقول ويقول ،وشرح ذلك يطول .وأمّا صاحب المخالت فلم تكن بيني وبينه من عداوة ،فما أخبركم به الحصّار غير واقع ،اللهمّ إ ّال أن يكون عضّته بعض األحكام بأنيابها ،فأسر ذلك في نفسه ،فال غرابة ،قال ابن الوردي: إن نصف الناس أعداء لمن==ولي األحكام هذا إن عدل وأخبرني أحمد الليتي أن ولده سيوجه لطرفكم قصد القراءة ،قال :وكذا ولد الركيك والبقالي المعروف بولد الصالح، وربّما كان يدرس هنا ،وكذا طالب يقال له :بولبن ،وأمّا المرير فمتوجه في رفقة أشعاش ،والدليرو ال علم لي به .مس ّلما على الرفيق وابن عمر الخمال ،وأخريف ،والعربي الخطيب ،ومن هنا الوالدة واإلخوة ،وكذا الصهران ،وباقي أبناء العم )...( ،والفقيه الرهونيّ ، ولعل الفقهاء يفتتحون القراءة يوم تاريخه ،وقد ختن أكبر ولي أخيك أبو كذا المفضل .والسالم في 13شوال عام 1326هـ. التهامي وفقه اهلل ولطف به
[الرسالة الواحدة والخمسون]
[من الوالد العالمة القاضي التهامي أفيالل بتطوان ،إلى نجله الطالب محمد أفيالل ،أيام دراسته بفاس ،يجيبه فيها على ما ورد منه ،ويخبره فيها ببعض ماجريات األحوال] الحمد هلل وحده وص ّلى اهلل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم وعلى الةلد البار األرشد ،الطالب السيد محمد أوكى السالم ورحمة اهلل وبركاته. وبعد ،وصل كتابك األعزّ ،معلماً بما حصل لك من األلم بسبب مالقاته مع من ومن ،وطالبا شرح الحال في ذلك، أن أخاك وهلل المنة ال ضيم عليه في ّ فلتعلم ّ كل شيء ممّا توهّمته ،وال يمسّه منه هون ،وال يكترث بذلك الخبيث وال بمو ّليه ،فض َال عن سمسار ( )...سيرته مع أبي المواريث ووكيل أخته الهالك سيدي زين العابدين الوزاني سيرة األكفاء الذين ال استطالة ألحد منهم على اآلخر ،فأمّا العامل فإنّه ال دخل له في شيء من هذا ،نعم وقع تنازع بين الدليرو أو وكيل المواريث ،وابن حسين وكيل ( ،)...فرجح العامل للدخول وكيل المواريث لما ال يخفى ،وأمّا القاضي فقد أغم أخوه أنفه مرتين .إحداهما :أنه استدعى أخوه يوم الموت ابني عمّه عليا وحسنا لخدمة التركة ،إذ هو وكيل الثلث والزوجة ،وذلك شطر التركة ،فلمّا أن رأى ذلك الدليرو ذهب إلى القاضي وأعلمه ،فوجه معه القاضي العدلين، اللواجري وابن عبد الوهاب ،وأحد أعوانه يقول :هذان اللذان يخدمان التركة ،فأجابه األخ :بأني قد عينت عدليّ وال أستخدم واحدا من هذين الموجهين ،وال أعطيه فلسا ،فإن شاء أبو المواريث استخدمهما في ( )...من التركة فليفعل. إجابة أعلى بها صوته معنفا .ولمّا أنهى جوابه للقاضي لم يسعد إ ّال أن استخدم اللواجري في حظ أبي المواريث وابن عبد الوهاب في حظ ّ موكلة الوزاني .فعدول التركة اآلن أربعة. والثانيةّ : أن هؤالء الوكالء مع العدول كانوا مستقلين بشيء في دار الهالك ،فورد عليهم النجار ومعه عدالن وأحد األعوان يقول :إن القاضي يأمركم أن تدفعوا لهذا يعني النجار ما هو للزاوية من وفر ،وكنانيش ،وما له تع ّلق بذلك ،فأجابه األخ بأن ال يفعل حتى يأتيه بتقديم القاضي ،ويعطيه نسخة منه ،فرجعوا على أعقابهم ،وفي وجه النجار أنفة ،وفي غده وجه لهم ثانيَا الجماعة وقال لهمّ : إن القاضي قد ( )...عليكم كل عمل حتى تدفعوا للنجار ما أمركم بدفعه له ،فقال له األخ :أجبتَ بالتقديم ،فأجابه العون :بأنّه قال للناس إن ذلك هو األخير ،فقال له األخ :بل هو األوّل ،وسلموا إلى القاضي فذهبوا بأجمعهم إليه ،وتقدم عبد السالم وقال له :أنت الذي وجهت تقول وتقول؟ قال: نعم .فقال :ال نفعل حتى يعطيني نسخة من التقديم ،فإن كنت أطلب حقا فمكنّي منه ،وإ ّال فافعل ما بدا لك ،ولم يزل القاضي يراوده وهو على إبائه إلى أن أمر بكتب التقديم ودُفع له ،وحينئذ مكنه مما احتاج إليه في تلك الساعة، ولم يره إلى اآلن من بعد .وأمّا السمسار فليس بشيء ،وعلمنا ما شرحته من حال حسّون والخمال وأنّكم عوشرتم وافتتحتم ما أخبرت به ،كمّل اهلل بخير ،وبقدوم سيدي أحمد بن يوسف قدوم يمن وسعادة ،فلله الحمد على سالمته، وقد ورد ابن عمّه مع الشرتي لزيارة موالنا عبد السالم ،ونزل عنده بعدما استدعاه السمسار لذلك ،فلم يفعل .وكان العامل منزّها في البحر فعرض على الشرتي وضيف المذكور فأتياه .وأحسنت في دفع خط اليد لسيدي أبي جيدة، وصرن على بال من أمر ظهيري الزواقين ،وعلمنا ما شرحته من قضية الفرنسيس ،وما فعله ( )...إلى أن وقع التوقيع، تداركنا اهلل سبحانه بلطفه ،وسفر اللبادي والسالوي مع قنصل الصبنيول بمدريد فأقرب ما قيل في ذلك إرادتهما الزيارة ،وابن يعقوب إلى اآلن لم يعزل بالفعل ،لكن ذلك متوقع واهلل أعلم. هذا ويصلك في حفظ اهلل في البوسطة األلمانية مائتا ريال وخمسون رياال ،هكذا .250منها خمسون رياال لتصرفها في ضرورياتك المستقبلية بارك اهلل لك ،والمائتا ريال الباقية هي ألخيك عبد السالم ادفعها للحاج الطيب ميكوا يتسوق له بها ( )...وجعلنا ذلك على يدك في هذه المرة لتعرفه بهذا الكتاب ،ورجاء مزيد االعتناء ،ثم إن كان هنالك حمار متوجه ( )...وإال فليكن التوجيه على طريق طنجة بيد المحتسب السيد العربي كنون ،مسلما على سيدي أحمد ابن يوسف وبني عمه وطلبتنا ،ومن هنا الوالدة واإلخوة ( )...والسالم .في 25صفر عام 1328هـ.
الثالثـاء � 14إلى 20مـاي 2019
العدد 993
«شجون األدب وشؤون النقد» في أصيلة
احتضن مقر جمعية آفاق الثقافية بأصيلة مساء يوم السبت 04ماي 201م لقاء من لقاءات «كتاب الشهر» التي دأبت الجمعية على تنظيمها منذ حوالي عامين. كتاب هذا الشهر «شجون األدب وشؤون النقد :حوارات في القصة القصيرة جدا بالمغرب» للكاتب محمد البغوري ،وقد قدمه للحضور األستاذ أبو الخير الناصري. انطلق أبو الخير من التعريف بالكاتب محمد البغوري ،متوقفا عند محطات من مسيره العلمي ومنجزه األدبي ،فذكر مالمح من تكوينه الفلسفي ،وبعضا من أعماله األدبية ككتابيه «سيرة ذاتية» ( )2013و»عطر القراءة وإكسير الكتابة» ( ،)2014ثم عرج على ما لمسه فيه من خصال من خالل الصداقة التي جمعتهما خالل سنوات ،فعَدَّد منها محبته الكبرى للقراءة ،ورحالته في عوالم الكتب، وتعدد األجناس التعبيرية التي تستهوي صاحب «الشجون» ،وولعه الكبير بثقافة المحاورة مشافهة وتأليفا. ثم توقف المتدخل عند عتبة عنوان الكتاب موضوع اللقاء ،مشيرا إلى حسن اختيار صاحبه لكلماته ،خصوصا الكلمتين «شجون» و»شؤون» وإضافة كل منهما لألدب والنقد، معلال ذلك بأن «الشجون» تناسب معاناة األدباء والمبدعين قبل والدة نصوصهم ،في حين تناسب كلمة «الشؤون» عمل النقاد النظري والفكري. ولم يفت الناصري أن يشير ،انطالقا من عتبة العنوان ،إلى أن الكتاب الجديد للبغوري متخصص في جنس تعبيري واحد هو القصة القصيرة جدا بالمغرب ،خالفا لكتابه الحواري السابق (عطر القراءة وإكسير الكتابة) الذي تضمن حوارات مع روائيين ،وقصاصين ،ونقاد وغيرهم. بعد ذلك انتقل المتحدث للكالم في
مضامين الكتاب ومميزاته ،فأشار إلى جملة من مناقبه من أبرزها: أنه يقدم للباحثين في األدب المغربيالمعاصر مادة غنية تفيدهم في تحديد نشأة القصة القصيرة جدا بالمغرب ،وعوامل ظهورها ،ونصوصها األولى ،وأبرز أعالمها؛ وذلك لحرص المؤلف على سؤال كل أديب محاوَر عن بداياته في كتابة هذا الجنس التعبيري ،وأهم األسماء التي كان لها تأثير عليه... وأنه يوفر على الباحثين جهدا كبيرامضنيا ،ألنه يقدم لهم مادة غنية لو سعى الواحد منهم إلى استخالصها الحتاج إلى كثير وقتٍ ،وجهدٍ ،ومال ،وانتظار.. وأنه تجسيدٌ حيٌّ وعمَليٌّ لثقافة الحوارالتي نسعى جميعا لنشرها وإشاعتها... وأنه ينطوي على رسائل بالغة األهميةمن أبرزها أنه يَجمع بين محاورة األدباء ومحاورة النقاد؛ فيَدعو بذلك دعوة غير مباشرة إلى إيجاد أشباهٍ ونظائرَ كثيرةٍ لمثل هذه الحوارات التي من شأنها أن تسهم في إغناء األدب وتطوير النقد بالمغرب. األستاذ محمد البغوري أشار ،في كلمته،
إلى ما عرفته الثقافتان اليونانية والعربية من محاورات عديدة (كمحاورات أفالطون، ومحاورات أبي حيان التوحيدي وابن مسكويه)، ليخلص للقول إن كتبه الحوارية تنبع من الرغبة في تأسيس ثقافة المحاورة في األدب المغربي المعاصر سيرا على سنن الحوارات القديمة عند العرب وغيرهم. وتحدث البغوري عن بعض ما عاناه وهو يؤلف كتابه ،فذكر من ذلك كثرة ما سمعه من وُعود من أشخاص رغب في محاورتهم ،دون أن تتحول تلك الوعود إلى واقع. كما ذكر بعضا من أعماله الحوارية التي تنتظر دورها للنشر ،ومنها محاوراته في أدب الرحلة ،وكتاب خاص بمحاورة الشعراء ،وآخر حاور فيه المشتغلين بالفلسفة المعاصرة، مؤكدا ،في ختام كلمته ،على ضرورة تضافر الجهود للتأسيس لثقافة المحاورة بالمغرب. وختم هذا اللقاء بحوار مع الحاضرين شمل قضايا الكتاب ،ومسألة الحوار في الثقافة المغربية.
عبد العالي بن ربوحة
أجيال جديدة متشبعة بالقيم الكونية لحقوق اإلنسان والحوار واالحترام وفهم اآلخر ونبذ التعصب والكراهية والعنصرية، وتسليحهم بالمهارات للتعبير عن حقوقهم
ونقل هذه المعرفة إلى اآلخرين. كما يتوخى من خالل هذه الورشات تدعيم وتأثير وبلورة قيم المواطنة والسلوك المدني لدى الناشئة .
السيد العالمين بوعصام عامل إقليم العرائش يعطي االنطالقة الرسمية للدراسة بأقسام التعليم األولي بالمؤسسات التعليمية العمومية عبد العالي بن ربوحة
تحت شعار ” مستقبلنا ال ينتظر ” وبناء على الرسالة الملكية للنهوض بالتعليم األولي وتطويره وتعميمه ،وتنفيذا للبرنامج الوطني لتعميم وتطوير التعليم األولي الذي أعطت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي انطالقته الرسمية ،وكذلك في إطار تفعيل األهداف السامية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية الرامية إلى النهوض بالتعليم وخاصة التعليم األولي ،من خالل تعزيز وترسيخ التعاون والمساهمة في تطوير وتعميم التعليم األولي لفائدة الفئة العمرية 4-5سنوات .
تصويب التصويب الثاني األستاذ محمد قنديل
القصر الكبير ورشة تكوينية حول حقوق اإلنسان والحريات العامة
نظم منتدى حقوق اإلنسان لشمال المغرب تنسيقية القصر الكبير ،ورشة تكوينية حول «حقوق اإلنسان والحريات العامة « يوم االحد 5ماي 2019بالمركز الثقافي البلدي السويقة . وتهدف الورشة ،التي قام بتأطيرها األستاذ محمد علي الطبجي ،إلى إبراز جهود منتدى حقوق اإلنسان لشمال المغرب في المساهمة في نشر ثقافة حقوق اإلنسان والنهوض بها لدى الطلبة والتالميذ ،كما يندرج ضمن خطة عمل المنتدى بخصوص التربية على المواطنة وحقوق اإلنسان، وتمكين الفئات المستهدفة من تقنيات مفيدة وأساليب تربوية مبتكرة ،إلعداد
7
أشرف السيد العالمين بوعصام عامل إقليم العرائش ،والوفد المرافق له على إعطاء االنطالقة الرسمية لفتح 30حجرة للدراسة بأقسام التعليم األولي يوم الجمعة 3ماي 2019 بمدرسة المسيرة الخضراء ،بحضور محمد كليل المدير اإلقليمي لوزارة التربية الوطنية ،ورئيس المجلس اإلقليمي ،ورئيس المجلس الجماعي لمدينة القصر الكبير . المشروع أنجز في إطار البرنامج األفقي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية بشراكة مع المديرية اإلقليمية لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي.
بغالف مالي قدره 1مليون درهما،وقد مكنت هذه االتفاقية من تعزيز و تقوية البرنامج اإلقليمي المعد لهذا الغرض برسم السنة المالية 2019والذي يتضمن بناء 95حجرة للتعليم األولي و تأهيل 22حجرة و تجهيز 117 حجرة بغالف مالي يناهز 18مليونا درهما. وتهدف هذه المبادرة إلى توسيع قاعدة المستفدين من خالل أقسام للتعليم األولي ولتحسين جودته ،وإدماج األطفال في سلك التعليم االبتدائي ،وتهييئهم لتجاوز ما يمكن أن يعترض مسارهم الدراسي من صعوبات ،والحد من الهذر المدرسي.
جمعني باألستاذ محمد قنديل الباحث في الفلسفة والمنطق واللغة لقاءان في أصيال ،أولهما مساء يوم األحد 21أبريل المنصرم ،وثانيهما مساء يوم السبت 04 من ماي 2019م. وكنت أهديت الصديق الكريم نسخة من كتابي «تصويبات لغوية في الفصحى والعامية» في أول اللقاءين ،ليفاجئني في ثانيهما مفاجأة سارة بورقة نقدية تمحورت حول المقال الثاني من مقاالت كتابي المذكور ،وهو المقال الذي سميته «نزوال عند رغبتك أم صعودا إليها؟». واستجابة لرغبة الباحث قنديل في نشر ورقته ،وإيمانا مني بالحق في االختالف وبضرورة الحوار العلمي والنقد البناء ،فإني أضع بين أيدي قراء «الشمال» ورقته النقدية ،شاكرا له حسن اهتمامه وعنايته ببعض ما ورد في كتابي ،وسأنشر مناقشتي لورقته النقدية في العدد المقبل من «الشمال» بإذن اهلل سبحانه .يقول الستاذ الباحث محمد قنديل: أهداني الصديق األستاذ الناصري كتابه «تصويبات لغوية في الفصحى والعامية» ضمنه إشارات جليلة وتنبيهات ينتبه إليها من أراد أن يتنبه .ولما كنت شريكا له في هذه الصناعة ،فإني سأذكر أمورا عن التصويب الثاني. يقول صاحب التصويبات« :كثيرا ما نقرأ أو نسمع أو نقول مثل هذه العبارة: (نزوال عند رغبتك فعلت كذا) .وأظن أن الصواب القول بدال منها( :صعودا إلى رغبتك فعلت كذا) [ ]...وأعتقد أن هذا هو التعبير األسلم واهلل أعلم». والناظر إلى عبارة صاحبنا يظهر أنه ال يقطع الظن بغالب الظن أو باليقين بدليل استعماله لفعل «أظن» واعتقاده بأن «صعودا إلى رغبتك» هو التعبير األسلم .لكن لما كان معتقدي أن الظن ال يغني من الحق شيئا ،وكان النحاة قد أطبقوا أن اسم التفضيل يؤتى به للداللة على الزيادة في الفضل عند أحد دون اآلخر مع اشتراكهما معا في الفضل ،فقد تبين أن التصويب الثاني يدخل في باب التفضيل والمفاضلة بين العبارات وال تعلق له بالتصويب. لقد بنى األستاذ دعوى التصويب على دليلين سنسمي األول بدليل التكبر، والثاني بدليل االبتذال. الدليل األول مقتضاه أن «عبارة النزول» تنطوي على غير قليل من الكبرياء. وهذا مردود ألن عبارة «نزوال عند رغبتك» ال تدل على أي حركة من األعلى إلى األسفل وال أن قائلها يكون في األعلى يُصدر األمر وال يتلقاه ،ألن األصل في استعمال «عِنْدَ» هو التقرب واللزوق ،ألن قول العرب «زيد عندَ عمرو» معناه أنه رْب قد مال عن الناس حتى قرب منه أقصى نهاية القرب ،وليس بعد نهايةِ ال ُق ِ قربٌ ،ولذلك لم تُصغَّر «بعد» .ولما كانت الرغبات والمذاهب واألقاويل ال يلتزق َ بـ»نزل إلى» ،ألن معنى النزول عند بها على جهة الحقيقة ،امتنع تأول «نزل عندَ» رأي فالن ورغبته ومذهبه قد يكون هو موافقته واالنصياع له واالتباع ،وذلك تبعا لما تقتضيه األحوال المقالية والمقامية للخطاب. من المعلوم أن «نزل في البئر» و»نزل عن بعيره» تفيدان الحركة من األعلى إلى األسفل ،ومن المعلوم أيضا أن «عندَ» عند أهل النحو تُعرب ظرف مكان أو ظرف زمان .لكن «عند» عند أهل المعاني قد تأتي بمعنى الظن والحكم والملكية واالنصياع والموافقة والتصرف الحسن والمتوقع من فالن ،أو قل إن «عبارة النزول» هي من المجاز .وهذا ينقلنا إلى الدليل الثاني. الدليل الثاني مقتضاه أن «عبارة النزول» أنهكها االستعمال َ فك َّفتْ عن أن تكون جميلة ،وهو األمر الذي يستلزم تصويبها .والجواب أن صيرورة عبارة ما مبتذلة من فرط استعمالها ال ينقلها من الصواب إلى الخطإ ،وإنما ينقلها من الصواب إلى االبتذال .ويقترح األستاذ الناصري لدرء آفة االبتذال في العبارة المستصوبة عبارة أخرى هي« :صعودا إلى رغبتك الجميلة» وهو اقتراح في غاية التوفيق ،ألن الصعود سيصير عندئذ عروجا لوجود قرينة الجمال ،لكن إذا كان مقترحه هو «صعودا إلى رغبتك» من غير قرينة ،فإن «نزوال عند رغبتك» أحسن. وبيان ذلك أن النزول (مجازيا) واإلنزال ال يكون إال وفيه تشريف ،فقال تعالى: (تنزل المالئكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر) ،ومقابله في الشرف والتشريف هو العروج ،فقال تعالى( :تعرج المالئكة والروح) .أما استعمال فعل «صعد» مجردا (وكذلك المصدر) ال يكون إال وفيه الحرج والضيق والرهق ،فقال تعالى( :ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء) ،وقال تعالى( :سنرهقه صعودا) ،ومقابله في الرهق والضيق هو الهبوط ،فقال تعالى( :اهبطا منها) من الجنة وما كانا فيه من وسع ويسر ،وقال تعالى( :اهبطوا مصر) للرهق حيث ال يوجد المن وال السلوى. وال يكون الصعود عروجا إال بقرينة مثل قوله تعالى( :إليه يصعد الكلم الطيب)، وكذلك األمر في الهبوط ،إذ يصير نزوال بقرينة ما ،وذلك مثل قوله تعالى( :اهبط بسالم منا) الذي معناه انزل بدليل أن نوح لم يدع قائال( :رب أهبطني) بل كان الدعاء( :رب أنزلني منزال مباركا وأنت خير المنزلين). محصول القول أن «عبارة الصعود» من أجل أن تتصف بالحسن والجمال ال مناص من إضافة قرينة تخرج الصعود من داللة الضيق والحرج والرهق ،وهذا ما صنعه أستاذنا الناصري في خاتمة التصويب عندما قال «صعودا إلى رغبتك الجميلة» .وأخيرا أرى أن االختالف بيني وبينه هو في عنوان ماهية ما قام به ،إذ عمله يدخل في باب التفضيل .ولهذا ألتمس من أستاذنا إخراج هذا الفصل من كتاب التصويبات وإدخاله في كتاب «التفضيالت البالغية».
8
الثالثـاء � 14إلى 20مـاي 2019
العدد 993
الطاقة الخضراء • بقلم :عبد المجيد اإلدريسي
سالماً أيها الغيم.. (�أقا�صي�ص)
ُ هذه شذراتٌ سردي ٌة قصصي ٌة ،التقطتها الر ُ المبدعة من شُرفةِ ِّيشة درب الحيارى ،والمكلومين، الحياةِ واألحيا ِء ،وتغنّتٍ بها في حُدا ٍء َفجريٍّ على ِ والحالمين بمساقطِ الغيثِ الخضير ..صحيحٌ َّ أن هذه الشَّذرات اختارت لنفسها قالب ًا صغيراًَ ، ونفس ًا قصيراً ،لكنَّها تروم َّ بث َّ اللمحةِ في غاللةٍ نثريَّةٍ فنيَّةٍ ذاتِ ألوانٍ وتحاسينَ ..فمن رحّبَ بها ،وفتح ذراعيه لساللها، فقد أحسن الظنَّ بصاحبها ،وربّما استسمن ذا ورم! ومن أعرض عنها وأشاح بوجهه ،فليدعُ مأجوراً مشكوراً لهذا القلم ببلسم العافية ،واخضالل المآب ..
بقلم: قطب الري�سوين .ال�شارقة ـ
...توافقتْ األطر التربوية وقدماء جمعية مدرسة سكينة بنت الحسين ،على موعد مع «البحث العلمي» ،لرحلة من الجنس األدبي لتالمذتها ،من أجل استكشاف هيكلة مؤسسة تعنى بإنتاج الطاقة الخضراء ،وقد تمثلتْ في زيارة لمحطة التصفية تمودة بايْ ،بالجماعة القروية عليين ،على بعد 15كلم من تطوان ،وعلى مساحة 23هكتار ،لتوَفر معالجة المياه المنزلية المستعملة – الحمأة والروائح .-وتتشكل على نحو ثالثة مراحل :لمعالجة مياه الصرف الصحي .. بدْ ًءا من المعالجة التمهيدية ،لتنتقل العمليات إلى األولية فالثانوية ثمَّ الثالثية .تبدأ بقيام تمهيدي من أجل إزالة المواد الصلبة من خالل مصافتين «أتوماتيكيتين» من عيار عشر مليميترات ،فضال عن تخليصها من الزيوت والرمال. لتأتي عقبها ،عند خفض سرعة المياه ،كمعالجة أوَّلية ،لتنحية المواد العضوية والمعدنية السهلة الترَسب ،لتأخذ صفة الحمأة ،وذلك عبر مرْسبين أوَّلين ( ..الحمأة :أصلها الطين األسود المنتن ..استعملتْ هنا كصرف صحي ومياه من المادة الصلبة والملوَثة) .وفي سبيل تشييد الحمأة البيولوجية ،صممتْ معالجة ثانوية وفقا لمبدإ ،الحمأة المنشطة ذات الحمولة المتوسطة إلزالة التلوث الكربوني ،لتأهيله من خالل حوْضين اثنين للتهوية وآخرين لتصفية المياه . إذ التحلل البيولوجي المتلوث الكربوني يحتاج إلى منطقة جيِّدة من التهوية (بوجود األكسيجين المُذاب ) .تجدر اإلشارة إلى استخدام البكتيريا الهوائية للمواد الكربونية العضوية في هذه المنطقة ،مع استهالك األكسيجين المُذاب للتنفس .وبتحلل المواد العضوية التي تؤدي إلى إنتاج إضافي للكتلة الحيوية ( الحمأة البيولوجية ). ثمَّ نأتي على المعالجة الثالثية عند انتهاء المراحل السابقة ،أي مراحل المعالجة لكي تتمَّ تصفية المياه القادمة من المعالجة البيولوجية قبل التطهير من أجل استعمالها للري أو صرفها في وادي نيكر .ولكي تنتهي أيضاً تلك المياه المصفاة لسقي مساحات خضراء بين مدينتيْ المضيق والفنيدق .تحتوي هذه المعالجة الثالثية على عملية الترشيح بواسطة جهاز غرابيل من شبكة 10ميكرون ،الستجابة التطهير بواسطة الكلور العادي. على نطاق واسع ،إعادة استثمار هذه المياه يقدَّرُ بما مجموعه 20مليون درهم .إذ سيمكن هذا المشروع في اقتصاد الماء ل 2مليون متر مكعب سنوياً .كي يوافق االستراتيجية الوطنية للماء . منظومة معالجة الحمأة يتم هضمها األولية للبيولوجية السميكة ،إذ تمكن من إنتاج الغاز الحيوي الستخدامه في تسخين الحمأة ،في حين يتم فيه مؤقتاً حرق الفائض من الغاز .بعدها يفصل الماء من الحمأة المهضومة عبر أجهزة الطرد المركزي ،لترسل إلى المطارح العمومية مع تجفيف بنسبة تتعدّى 20في المائة .قيمة الحمأة الناتجة عن معالجة المياه المستعملة تعدُّ تحدِّياً رئيسياً لعملية التطهير .وتجدر اإلشارة أيضاً إلى الشراكة التي تجمع بين المجلسين البلديين المضيق والفنيدق ،ووزارة الفالحة ،وقد وضعتْ «أمانديس» مشروعاً لتثمين الحمأة واستعمالها كأسمدة زراعية من خالل محطة المعالجة التي تنتج 5،9طن من الحمأة المهضومة يومياً .إذا بالقدرة لمحطة معالجة المياه المستعملة ،فيما يخص إنتاج الغاز الحيوي تقدر ب 3000متر مكعب في اليوم . أهمية ومضمون هذه الطاقة الخضراء ،من مشروع التنمية النظيفة ،إذ به يحُدُّ من انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 2000طن في السنة .وهو مشروع التوليد المشترك للطاقة ،ذو قدرة كهربائية بمقدار 350كلو واط بتغطية ما يعادل 35في المائة من احتياجات محطة معالجة المياه المستعملة من الطاقة الكهربائية .لتصبح العمليات الثالث كلها جزء من مشروع ضخم ينتهي بعالج الروائح الكريهة ،بمنظومة «ه2س» (أش.2.إس) ،والمركب الكميائي باستعمال تقنية الكربون المنشط . يتمُّ تجميع تلك المياه المنزليــة المستعملة لتشمل المنطقة الواقعة بين كابيال إلى مدينة الفنيدق ،نحو محطة التصفية عبر 8محطات الضخ .مواصفات محطة التصفية تمودة بايْ ،في أرقام : – قدرة المعالجة 1700000 :نسمة . – متوسط حجم المعالجة اليومي 31000مسر مكعب . – كلفة المشروع 420مليون درهم . – منها 170مليون درهم للمحطة . – 8محطات الضخ و 1محطة للمعالجة . – إنتاج 3000متر مكعب من الغاز الحيوي في اليوم . – إنتاج 350كلو واط من الكهرباء ،مما يسمح بتغطية 35في المائة من احتياجات المحطة . ً – 2ماليين متر مكعب سنويا من اقتصاد الماء والمحافظة عليه . – إنتاج 5،9طن في اليوم من الحمأة المهضومة ..
ٌ �شهــادة الز ْه ِر ،ويتف َّي�أُ مباء َّ يغ�س ُل جوانح ُه ِ َ كان بني يدي ر ِّب ِهِ .. أ�شجار ال َّن ْو ِر، � َ ُ وراء ظهر ِه!.. فجاء ُه املوت من ِ ..................... ً ماء !.. ابت�س َم ال�س ِ ابت�سامة ر�ض َّي ًة ،وهو يرى جناز َت ُه يف َّ
ُ روائـــــح ُ اخلبز � ..أندى من الور ِد ! رائحة ِ ُ يف ! العافية� ..أ�شهى من رائحة فاكهة َّ ال�ص ِ ِ ِ ُ ما�سي ! رط الفر ِح � ..أغلى من ُق ٍ رائحة َ ٍّ .................... ل�سائقه: قال ِ َ « ْ اجلميلة». وائح الر َ ابحث يل عن ٍ وطن ال يكر ُه ّ
ُ حديث ا ِمل ْر� ِآة أمام املر�آ ِة حائر ًة ،وحد ََّث ْت ْنف َ�سها: ان َت َ�ص َب ْت � َ ُ الوجه وجهي ،وال ال ِّل ُ �سان ِل�ساين!.. �أنا مل �أعُ ْد �أنا ..ال ُ ً مت�شي ِّ وتوز ُع �أع َنا َبها.. كنت دالية ِ تعز ُف ْ ُ باح.. كنت ع�صفور ًة ِ حلنَ َّ ال�ص ِ نان َقمي�صي ْ وكنت ..وكانَ ا َ وعطري َّ كنت ُ ُ حل ُ املف�ضل.. هي ٌ غي ْت لوين ،و�صوتي ،وحتى طعنة من طعنات احليا ِة ..رَّ ِ
أكون �أناً : مالمح وجهي ،لكنْ ً غدا �س� ُ دالية ،ع�صفور ًة ..ومن ماءِ قلبي �ش ُب ُّ كل الأح َّب ِة .. �س َي رْ َ
العدد 993ـ الثالثـاء 14إلى 20مـاي 2019
فاطمة الزهراء مرغيش
سالش
امللحق الثقايف
9
الكتابة واألب
لقطة ذهنية نهرِّبها من انشغاالت الكتاب المغاربة والعرب ،نرغب من خاللها في أن نعرف الدالالت التي تتركها في حياتهم «وجودات صغيرة» تصاحبهم على الدوام. هذا «الفالش» يحاول أن يستحضر المعاني الممكنة المرتبطة بــ «الكتابة واألب».
الشاعر عبد السالم الموساوي
لم أشبع من أبي..
ُ ُ ربـة غ غربـة
�أَ نحاز �إلى �سحائبي ، ُ َ كلما �أخط�أين املطر ُ �س ِّبح با�سم امل�سافات �أ َ وردة ُ امل َت ِّ وردة على هامات ت ُ َ امل ِّ الوقت ٍ وجه و�أحاول ر�سم لغربة مارِ قة ٍ ُتزاحم الوهم على اجل َنبات. *** للغربة وجه مدينة يها فا�ض مَ ُّ من دمع العابرين، فاة الواقفني ُح ً على طلل �شم الذكرى ماو َ َ ٍ لهفة حائرة. �إال ب َِرماد *** للغربة وجه �أبي ُ يب�سم يل حني َ من حلده املرتامي يف حدود دمي. *** للغربة حب وجه ٍّ غي عاداته، رَّ و�شب عن طوق البداية. َّ *** للغربة وجهك َ املنفلت من �ضوء ُ املمعن يف ظله، ُ جزره �إلى � ِآخر احللم. *** للغربة وجهي َ املع َّل ُق على مرايا ما �أتقنت بالغة الت�شبيه، وال جماز الغواية. للغربة وجهي َ الوحي له الذي َ ُيوحى ، كي يك�شف لوعة �شاردة يف �سماء الله. *** للغربة وجه ُم َو َّلع ٌ عدل ميقاته ٌ بفجر َّ و�ضيع البو�صلة. َّ
كان مشغوال بالرجال الذين يأتون ليلبوا دعوته في مناسبات التعبئة لالنتخابات التي كان يخوضها دائما ،ويفوز في كل دوراتها نظرا لكثرة أنصاره ،وكثرة أقاربه وأصهاره ،ولشخصيته المهيبة والحازمة .فقد وهبه اهلل قدرة هائلة على اإلقناع والتأثير.. وكان يملك سلطة على القوم ،فهو يجمعهم في كل الملمات ،ويقودهم في األعمال الكبرى التي تعود عليهم بالنفع ،كشق الطرق أو ترميم مسجد القرية .وكان بقدر ما يقسو عليهم في القيام باألعمال الشاقة ،فإنه يعطف عليهم ،فيسعى إلى الفصل العادل في الخالفات التي تثور بينهم ..كما كان يتوسط لدى السلطات المخزنية لإلفراج عن المعتقلين منهم ..وبحكم مكانته أيضا ،كان يجلب لفقراء القرية الكثير من المساعدات ،من زيت وسمن ودقيق ،مما كانت تجود به الواليات المتحدة األمريكية على الشعوب الفقيرة ..كان أبي يتخيرني دون إخوتي ألكتب له أسماء المستفيدين ،لجمال خطي ،كان يشعرني بفخر كبير ،وهو يستحثني على كتابة األسماء ويربت على كتفي مثنيا على عملي ..عاش أبي حياة عامة ،ومات في الثالثة والستين من عمره ،فلم أتمكن من أن أشبع من أبوته.
مستودَعُ األسرار البشير األزمي
« القلب جبٌّ..».. ُ الكسل ينُوسُ في عينيه ،خمَّنْتُ قال جدي ،وتراجع في استحياء وهو يتمتم بكالم غير واضح .كنت أصغي إليه وإن تظاهرتُ بعدم االكتراث. أنه يشعرُ بحواسه تتخدر ..يُحِسُّ بتعب النوم .استلقى على فراشه وبسرعة دفن جسده في مملكة النَّوْم. « القلب جبٌّ..».. ً بقيت الكلمتان ترطنان في أذني ..وطفح على لساني سؤال خرج همسا »:ترى ماذا يخفي هذا القلب؟» ،أ إلى هذا الحد تغدو الحياة مليئة بأشياء نسعىإلى أن نخفيها عن من هم حولنا. عند استيقاظه سألني إن كنت ،أثناء نومه ،سمعت كالماً تفوَّه به ،ألنه عادة ما يحدث له ذلك .هززتُ رأسي نفياً وابتسمتُ ..ابتسم عن أسنان نضيدة ،وقال بصوت خافتٍ بعدما حمد َ قبل ُ اهلل وشكرهُ »:كثيراً ما أهذي أثناء نومي ..ما كنتُ من ُ أفعل ...إنكنتَسمعتَ شيئاً َذ ِّكرني به.».. َّأكدتُ له أني لم أسمع شيئاً .صمت للحظة ،خرج من أعماق صمته وهَمَسَ »:لهيبُ نا ِر األسئلةِ يكوي دماغي.».. شيخ يطل على قلب ُّ ب تساءلتُ ،بيني وبين نفسي أية أسئلة هذه التي تكوي دماغه ..بي رغبة ضاغطة لمعرفتها .ومعرفة ما يخفيه ج ِ ٍ الثمانين ..رفع رأسه وشَخَصَ إليَّ ينتظر أثر كالمه عليَّ .لمَّا ألفاني صامتاً صمتَ ،بدوره ،للحظة وحاد ببصره إلى النافذة .ساد الصمتُ بيننا لبرهة ،وهمس من جديد »:أحالمي ممزوجة بندى الفجر .»..قهقهتُ ضاحكاً وقلتُ له: «جَدّي ،أ من هو في مثل عمرك له أحالمٌ ممزوجة بندى الفجر؟».. ِ لم يجبنيَّ ، ظل صامتً للحظة ،ثم تابع قائال .. »:رأيْتُني أسير على غير هدى في دروب وأزقة إلى أن اصطدمتُ بواجهة مبنى ..لفظني الزقاق فاستأنفتُ خطاي لتقودني بدورها إلى نهاية غير سالكة».. لمَّا رآني ظللتُ صامتاً ،دعاني أن أقترب منه أكثر ،كأنه يخشى أن يصل صوتُه إلى غيرنا نحن االثنين ،قعدتُ إلى جانبه .دبيبُ التعب يثقل عليه ،يخنق تنفسه ويجعل كالمه يخرج بصعوبة ،استدعى تنفساً عميقاً من صدره غير القادر على االستنشاق والزفر بشكل عادي ،وقال: « ...الحنين وتنتشي الذاكرة..».. سقطت الكلمة األولى من الجملة التي فاه بها ،ولم يكتمل لي حصول المعنى الذي قصده.. أي حنين؟ سألته « ،جدتي مازالت بيننا ،أبناؤك وأحفادك أيضاً..».. ما أَحِنُّ إليه أقوى ..إنها ما تشد اإلنسان إلى الرغبة في الحياة ،بدونها تبدو الحياة بدون طعم ..الحياة فرا ٌغ كبيرٌ.. انقبض صدرهُ ورانت عليه كآبةَ ..ق َّطبَ جبينه مستا ًءَ ،كوَّرَ قبضة يده ،وانزوى خلف ستار الصمت ..صوتٌ داخلي يهمس لي »:دعه يقذف أحزانه إلى هاوية النسيان».. كإبر حادة.. جسده تخز بذكريات امتألت خَمَّنْتُ أن نفسه ٍ أقبلتْ أمِّي ،رأت جدي منقبض الصدر وقد رانت عليه كآبة ،خَمَّنَتْ أنه حدثني عن حلمه باسترجاع األرض .بإشارة من رأسها وعينها فهمت أنها تطلب مني أن أذهب إلى غرفتي .دخلتُ إلى غرفتي ،ارتميتٌ فوق سريري ،في حلمه باستعادة أرضه ،بدأتُ أنشج ،حاولت خنق هذا النشيج ِبدَسِّ رأسي تحت الوسادة ..أغمضتُ عينيَّ ،وددتُ أن أحلم. كان حلمي الباهر أن يستعيد جدي أرضه..
الشمال الثقافي
العدد 993
الثالثـاء � 14إلى 20مـاي 2019
10
حوار مع القاصة المغربية
سلوى ياسين حاورها إيمان بنعزوز /شيماء برسة قدمي لنا نفسك ؟سلوى ياسين من مواليد مدينة مكناس إجازة في اللغة االنجليزية تخصص آداب ما بعد الكولونيالية ،أستاذة اللغة االنجليزية حاصلة على شهادة الزوار الدوليين في مجال تدريس اللغة االنجليزية كلغة ثانية بالواليات المتحدة االمريكية
-لماذا كتابة القصة القصيرة ؟
أحيانا أقول إنني اخترت السرد عموما ألنه يمنحني الفرصة الختبار األفكار ،التجارب وبالتأكيد سرد الحكاية ،وداخل نوع أدبي مثل القصة القصيرة يمكن تحقيق ذلك ،هذا فيما يتعلق بالشكل ،أما القصة القصيرة كنوع أدبي فقد اخترته ألنه يقع في منطقة وسطى بين الشعر والرواية ،ألنه يحتاج دقة وتكثيفا لغويا مثل الشعر ،ونكتبه ليروي حكاية مهما كانت قصيرة وموجزة .اخترت القصة القصيرة من دون شك ألنني أعجبت بكاتبات ألهمتني كتاباتهن بشكل كبير مثل لويزا ماي الكوت ،فالنري اوكنور ومارغريت اتووود
-ما الذي تضيفه كتابة المرأة إلى القصة المغربية عامة والنسائية خاصة ؟
أظن أننا كنساء في أوطان مثل الشرق األوسط وشمال أفريقيا نحتاج أن نكتب عن أنفسنا حيواتنا بأنفسنا ،إن ممارسة الكتابة هي دون شك ممارسة للحرية والتحرر وشكل من الحديث بصوت عال عبر الكلمات .إننا الوحيدات القادرات على تصوير الحياة التي عشناها ونعيشها ونتوق ربما لتغييرها .فحين يكتب الرجل عن نساء حياته أو عن النساء عموما فهو يسلط الضوء على الزاوية التي تهمه ،إنه في نظري يكتب عما يراه في المرأة ال عما تشعر به المرأة .نحتاج لقلم المرأة لتكتب عن الجزء اآلخرالمستتر لتكتمل الحكاية.
ماذا عــن اإلكراهــات التي تعتــرض المرأة فيالكتابة ؟
في الماضي كتبت «جورج إليوت» و«جورج ساند» وكاتبات كثيرات بأسماء مستعارة ،أسماء رجال حتى تتمكن من النشر. ربما اختلف الوضع اليوم ،المرأة يمكنها أن تكتب وتنشر كتاباتها عبر وسائط كثيرة مثل الفايسبوك والمدونات ،في الحقيقة ،اليوم يتساوى كل من الرجال النساء في الضغوط التي يتعرضون لها والمرتبطة باألساس بالتضييق على الكتابة التي يسلط عليها سيف التشدد الديني والرقابة االجتماعية وأحيانا السياسية وتمنع الكثير من الكتاب والكاتبات على حد سواء من الكتابة بالطريقة التي يرغبن فيها.
ماذا عن حضور المرأة في كتابتك ؟أنا امرأة تكتب ،ونساء قصصي كثيرات ،أنا أكتب دون التفكير في الجنس الذي أنتمي إليه ،لكن في نفس الوقت ال يمكنني أن أنسلخ من كوني امرأة أحمل بداخلي تجاربي ومشاعري ومواقفي اتجاه ما يدور حولي .ال يمكنني أال أصفي حساباتي الكثيرة مع تاريخي ومع األشواك التي أصابتني ألنني باألساس امرأة .أنا فقط أقتفي الطريق الذي تأخذني إليه مغامرة الكتابة الشيقة والمحفوفة بالكثير من المشقة والدهشة .ربما حين أكتب قصصي أو مقاالتي ال أدور في فلك هذا التصنيف .لكن ذلك ال يمنع من أن أكتب عن النساء اللواتي وضعتهم الحياة في طريقي وعن مآزق الوجود التي ربما يتساوى فيها كال الجنسين .نساء وجها لوجه مع الواقع الذي يقول بأن بعض اآلالم والمخاوف هي لصيقة بالجنس األنثوي فقط في مجتمعاتنا كالعنف والعنف
الزوجي،واالغتصاب واإلجهاض والتحرش وغيرها في دولة فشلت في تفعيل وتطبيق القوانين التي تحمي النساء بداخلها .وقد أحاول أن أشرح تعقيدات هذه الوضعية ومالبساتها لنفسي أوال وللقراء أيضا.
-ما تمثلك للقصة القصيرة ؟
ً طفلة صغيرة وذكية تفرك يديها من أرى أن القصة القصيرة الخجل .أحيانا تشبك أصابعها في ما يشبه محاولة للتحكم في قلق القصر .قلق الحجم الصغير .تتطلع إلى حجمها وهي تردد :هل هذا يكفي؟ تقول للعابرين الذين يزورون المعارض والمكتبات وهم يستغربون من حجمها :أنا لست رواية وال حتى رواية قصيرة لست حكاية كاملة.أنا قصة قصيرة .فإذا كانت الرواية تلتهم كل الحكايات ما الذي يتبقى للقصة؟ يتبقى لها ببساطة صغير األشياء. التي هي حتما أشياء عظيمة .أفكر في القصة القصيرة وأرى بوضوح عظمة الدقة والصغر في روعة شجيرات فن «البونصاي» العريق .يا له من فن ال تقدر عليه الرواية التي بيدها الضخمة وبطنها المنفوخ باالحداث والحكايات وانشغالها باالحتفاظ على النفس الطويل تبدو أكبر من أن ترعى ما ترعاه القصة .القصة القصيرة تستدين رغبة الشاعر «وليم بليك» في أن يرى العالم في حبة رمل والجنة في وردة برية ،ومن « ت إس إليوت» تتوق القصة إلى أن تجلب للقارئ الرعب في حفنة من تراب .ال يجب أن نستسهل هذا القصر والحجم الصغير الذي هو فخر القصة ، إنه حجم صغير خادع .القصة تشبه قوقعة صغيرة ملقاة نصف مدفونة تحت رمال شاطئ هادئ تشمهاثم تضعها على أذنك فيأتي المحيط بكامله إلى قلبك
ما الموضوعات التي تستأثر بآهتمام المرأةالكاتبة ؟
ربما تكون الموضوعات المتعلقة بالدفاع عن كينونة المرأة واختياراتها ،وكموضوع أساسي تستأثر الحرية بالحيز األكبر ،لكنني أظن أن المرأة الكاتبة ينبغي ان يكون العالم كله موضوعها ،وأن يكون تخبط وحيرة االنسان داخل مجتمعاتنا هو األهم ،ان تبحث فيما يجعلنا على هذا النحو ،لماذا البؤس والفقر والتخلف يتعقبها ،لماذا نحن على هذا النحو .وكيف يمكننا بالكتابة عن هذه الموضوعات أن نحدث بعض التغيير مهما كان صغيرا.
عن منشورات دار الشعر بتطوان ،صدر للشاعرة رباب بنقطيب ديوانها الشعري األول «وساوس الوصول ،في 62صفحة من القطع المتوسط .وهو من األعمال الفائزة بجائزة الديوان األول للشعراء الشباب في دورتها الثانية. ديوان يقدم لنا شاعرة «مجهدة بالشعر» كما تقول ،وهي تعزف على أوتار مرهفة ،بإحساس شعري منسرح ،بينما تقيم الشاعرة حوارا بين األصوات والصور ،حيث تلتقي الموسيقى بعناصر الطبيعة في لقاء مبدع خالق. وإلى جانب الصوت والصورة ،تبحث رباب بنقطيب عن جناح آخر ،لعله جناح القصيدة ،كيما تحلق عميقا في األعالي ،وهي تحكي لنا عن هذا القدر الشعري وعن نفسها وقصائدها: تعالي أيتها القصائد /لماذا تتدلين فوق الجدار /كنبات في ضريح /وال تقولين شيئا /أعلم أن هذا الصرح مغر /وأني امرأة صاخبة /تكتب الشعر واقفة/ وتجعلك تستيقظين ليال /لتُسمعك غناء مختنقا /لكن كوني رؤوفة /فيدي لم تعد تسعفني /على ذبح كمنجة بقوس...
العدد 993
الشمال الثقافي
الثالثـاء � 14إلى 20مـاي 2019
جناح وحيد
عبد الجواد الخنيفي
رباب بنقطيب كطفل ميد �إبهامه لي�صالح
كنت تهفو �إيل ويف قلبك غ�صة .. كانت الأغنيات ت�سيل لتخفي وح�شة
الطريق ال�سيار ..
كغناء �أ�سود
فوق مائدة العائلة
كانت الورود تختبئ حتث ال�رسير
حتى ال ت�سمع �صيحاتنا ..
كلحظة �إميان مباغتة كان احلب
يقطر كثيفا قاهرا
قبل �أن ينهار ..
كريح تلكم ال�سنابل دون تف�سري
كنت �أنا تلك ال�شجرة التي يعذبها اخلوف كنت ذاك النهر الذي وجد نف�سه
�أبدا مل تكن خائنا كنت زير ق�صائد كي ي�ضفر ب�أكرب �شجن ممكن وكان الربيع مير م�رسعا كما متر هارمونيكا يف فم طالب بوهيمي .. تنق�صني �أنت ينق�صني �أن يرك�ض �شعرك يف عيني لأبعث من جديد تنق�صني نخوتك التي ال جدوى منها تنق�صني رفوف عينيك اللتان من مزهريات وق�صب تنق�صني خطاك التي يف منتهى احلرية �أ�صابعك التي حتط كفراخ يف راحة يدي ينق�صني جناح اخر ..
عن دار النشر «إيديسيون بلوس» ،وبرسم سنة 2019صدر للشاعر الروائي المغربي أحمد بنميمون رواية جديدة تحمل عنوان «طرقات منتصف الليل». وتقع الرواية في 231صفحة من الحجم المتوسط ،موزعة على 41مقطعا روائيا. في رواية «طرقات منتصف الليل» يعتمد الكاتب لعبة السرد بكل تقنياته ،للتغلب على صرامة األحداث التاريخية المتصلة بالذات ،فردية وجماعية ،حتى يحرر كتابته من أي سمة توثيقية ،أو أن توصم بالطابع السير ذاتي ،الذي طالما أزرت سيطرته على النص الروائي بمتخيلنا السردي. في «طرقات منتصف» الليل وصف غالب لقسوة واقع تاريخي رزحت تحته شرائح واسعة من أهلنا ،لكن مع غلبة الفن على التوثيق ،وإن كانت صور الواقع ال تغادر قلم الروائي وهو يتحدث عن وقائع زمن فات ،بكثير من حيل السرد الفني .فحياة أحمد الغريب لم تكن حياته وحده ،وال معاناته فردية أيضاً.
تقاسيم تقاسيم
كفرح يف خراب
بني قريتني ..
يرو�ض الوقت
11
واحلب ال�صباح ّ رتبنا ّ َّ ٍ ٍ واثق بقلب يف تقا�سيم طويلةٍ َ وفتحنا احلياة ِ وم�ضة البئرِ على ونوايا املطرِ اهق .. وك ّنا االنتظار ّ ُ ال�ش َ َ ُكنا يقظةً هاربةً ِ العمر معاطف يف ْ *** البيا�ض رتبنا َ ّ ِ دم ُه الذي يباغ ُتنا ُ طوابري بعيدةٍ يف َ �ضى والظهرية وبع�ض الفو َ ْ و�س�ألنا املوجةَ ثياب ال ّنهرِ ِ عن ِ غابة ال ّليلِ والبالد عن َ أ�صابع عن معنى اجل�رسِ وال َ ِ امل�سافة و�شهقةَ
ت�شيخ حني ُ َ ِ اب يف فكرة الترّ ْ *** ال�صورِ رتبنا َ ّ القليل َ من ُّ وعرق الأيدي َ ِ أعناق يف ال ِ املدينة وهواء َ ِ ِ الق�صب حفيف يف ِ ِ ِ يمون ، و�ضفاف ال ّل لج ومتاهات ال ّث ِ أقمار وح�صدنا ال وال�ضحكةَ ِّ َ ثقب يف الغابةِ ٍ من يل مبناجلِ �آخرِ ال ّل ْ
*** أ�صوات الوجوه وال رتبنا ّ َ َ الكالم وخيط ِ َ ِ ِ الف�صول ، أ�سنان ضا ب� وما يح �أي� ً ُ الر ُ تكتبه ّ أكتاف ورمينا ال وال�ساحةَ َ ّ باحلجرِ والظ ِّل ، ّ خلف ال ّن ِ جمة و�رصنا َ ب�سهم واحدٍ ٍ ُجثث ًا �س ِ لح والطعنةَ ّ امل َ تتن ّف ُ *** ورتبنا ... ورتبنا .. رتبنا .. ّ ّ ّ ِ اخلريف أل � ن�س ومل َ الويف �صديقنا َّ الذي ع ّلمنا يوم ًا ن�سقط كيف ُ َ دون �أجنحةْ ! َ
الثالثـاء � 14إلى 20مـاي 2019
العدد 993
َقصيدتان إلى تطوان محمد عنفوف
يد ٌة �أولى �ﺇلى ِت ْطـو َ َق ِ�ص َ َان احكِ الأَ ْج َم ْل ت ِْط َو ُ ان َج َ اء َ�ص َب ُ َ �ش ُّ َر َّ َـاء ُه الأ ْ�ش َم ْل اع َ�سن َ ال�ش َع ُ َا َّ ُ َ َ ي ُي ْر ِ�سل فيِ ا ْلف َ�ضا ا�ﻹ نْ�ش ْاد لط رْ ُ ُّـوت َف ْو َق ُغ َ�ص ْينِهِ المْ َ َّي ْاد و الت ُ َر َّ ب ال�ص اح َن ًدى َع َلى ا ْل َو ْردِ �ش َّ َ ُ �ض َ�ش َع َلى الأَ ْر ِ و ا ْل ُع ْ�ش ُب ُم ْنت رِ ٌ ان َدا ِل َي ٌـة ،و ت َْغرِ يـ ُد ت ِْط َـو ُ ا�ض ،و ُ�ص ْب ُح َها عِ ي ُد الر َي ِ فيَ ْ ُء ِّ َ َا ْل ُو ْر ُق ت َْ�س َج ُع ف ْو َق َ�س ْط ِح ال َّد ْار اع و َبا َق ُة الأَزْ َه ْار و المْ ِْ�س ُك َ�ض َ ْ ار ُد ُرو َبكِ ال َب ْي َ�ضـا َا ُّ ل�ص ْب ُـح زَ َ ـات ُت َد ِّث ُـر الأَ ْر َ �ض و ال َّدا ِل َي ُ �ض الر ْو ِ ار ْت َح َمائ ُِمكِ َع َلى َّ َط َ �ض وع فيِ الأَ ْر ِ ا�سمِ ُ ني َي ُ�ض ُ و ا ْل َي َ ت َْع ُلو ُهن َ َاك ِج َبا ُل َك الخْ َ ْ�ض َـرا و الن َّْه ُر َي ْركُ ُ �ض َي ْق ِ�ص ُد ا ْل َب ْح َر َه َذا الجْ َ َم ُ ـال ِب َق ْب َ�ضةِ ا ْل َق ْل ِب ت ُْ�ش ُدو ُّ ور بِهِ َع َلى ال ُّد ْل ِب الط ُي ُ ـاد ت ِْط َو ُ َّـر ٌة ،و �أَ ْع َي ُ ان ُ�سك َ ـاد ُو ْر ٌقَ ،ق َر ْن ُف َل ٌة ،و�ﺇن َْ�ش ُ َف ْو ُج الحْ َ َما ِئ ِم ،و الأَ َغارِ ي ُد ت َْه ُفو �ﺇ َل ْيكِ ؛ َف َيكْ برَ ُ ا ْلعِيـ ُد ـات ام ِ ت ِْط َو ُ ان َيا َب َل َد الحْ َ َم َ ْ ُت ْلقِي ا ْل َهد َ ـات ِيل كَ مِ ثلِ نَا َي ِ و ا ْل َب ْد ُر َف ْو َق َ�س َم ُاه ِق ْندِيـلُ اء �ﺇكْ ل ُ و الأَ جْ ُ ِيـل ن ُم ا ْل َب ْي َ�ض ُ
يد ٌة ثا ِني ٌَة �ﺇلى ِت ْطـو َ َق ِ�ص َ َان ان ت ِْط َو ْ َ ألوان يا زهر ًة بهية ال ْ نان بوع ْ ْ َ�س َقي ِتنِي من مائكِ الزُّ اللِ فيِ الن�ش ْيد �أوائ َِل ِ ِ احلروف فيِ ْ و َ اجلميل: فا�ض يف �صباحِ كِ �شم ِ�سكِ .. ُ�ش ُ عاع ْ و َ�ش ْد ُو ُبل ُبلٍ غِ ِّر ْيد و َل ْغ ُو ُو ْر َقكِ ُ �شقائق هم�سة الن َدى على و ِ ُّعمان. الن ْ ُ ني... وح يا�سمِ ْ و فيِ ال�سط ِ و ْ بي�ضاء ِم ئ ما ْ رفر َف ْت َح ٌ ُفو ْي َق نخ َلةٍ َف ْرهاء.. ِطوان َح ْو َل ِجيد ِِك ت ُ ِ�س ْل�س َل ٌة بها ُخ َم ْي َ�س ٌة من ف َّ ِ�ضةٍ ، َ يح، اجلبنيِ خَ ْي ُط رِ ْ و فيِ و فيِ ال َق َد ْم خَ ْلخَ ْال!.. ال�صيف يكْ برَ ُ ِّ ياء ِ ال�ض ْ فيِ ِي�ض فيِ ا َ َيف ُ ملدين َْة!.. فيِ �شارِ ِع الن ْ َّخيل ال�س َع ْف. تمَ ُ ُّد ِظ َّلها �أهِ َّل ُة َّ و فيِ امل�ساءِ َيع َب ُق َ احل َب ْق، وع مِ ْ�س ُك ال َّل ْي ْل.. َي ُ�ض ُ َ ُ فيِ الليلِ َي ْ�ض َحك الق َم ْر �ضاء كال َف َر ْح و الأجنُ ُم ال َب َي ُ
12
حفل توقيع كتاب
الفلسفة السياسية النسوية سؤال السيادة والكونية للدكتور عزيز الهاللي
كالم في الشعر المغربي المعاصر محمد بنقدور الوهراني
نظمـــت الجامعــة للجميــع يــوم 2019 - 05 - 04بمركــز العمل الالئق
بتطوان ،حفل توقيع كتــاب الموسوم ب «الفلسفة السياسيــة النسويـة :سؤال السيــــادة والكونيـــة» للدكتـــور عزيز الهاللي .وشارك في هذا الملتقى كل من الدكتور عزيز بوستا واألستاذ محمد الجياللي والفنـــان التشكيلـي يوســـف سعدون والدكتور حسن اليمالحي .كما حضر جمهور مهتم ونوعي في هذا اللقاء. قدم د .عزيز بوستا أستاذ العلــوم التربية والفلسفة ورقة نقديــة تميــزت بالعمق النظري ،بحيث سلط األضواء على الجوانب التي تشكل مراكز القوة في الكتاب .فأشار إلى أن مفهوم السيادة تبلور في سياق تاريخي عرف عنه سلطة رسم الحدود الترابية ،على خلفية معاهدة ويستفاليـــا ،وهــي معاهـــدة انتصرت لمبدأ السلم ضدا على الحروب الطاحنة التي عرفتها أوروبا بين الكاثوليك والبروتستانت .وثمة ،فالسيادة اتخذت شكال إقصائيا لكل األشكال الثقافية والدينية واللسانية واالثنية...التي ال تنسجم مع الوحدة الثقافية الوطنية .أما الكونية تعتبر مخرجا لكل اإلشكاالت التي يعاني منها الهوامش الثقافية .وعلى هذا األساس ،يجب أن تنفتح السيادة المغلقة حول المعايير الدولية المتعلقة بحقوق اإلنسان. أما األستاذ محمد الجياللي ،أستاذ الفلسفة وباحــث سوسيولوجــي ،عقـــد مقارنة بين سيال بنحيب وشهر زاد، وبرر هذه المقارنة تحت ذريعة ممارسة السلطة المعرفية للمرأة ضدا على المعايير ثقافية مجحفة وظالمة تبخس
القدرات الذهنيـــة واإلنتاجيـــة للمرأة. لكن في المقابل ،اعتبر هـــذه السلطة التي تمارسها الفيلسوفــة بنحبيـب ،ال تروم اإلكراه وال اإللزام ،بل هي سلطة تشاركية تفضي إلى تقاسم قيم المساواة والديمقراطية وحقوق اإلنسان. ومن جهته ،اعتبر الفنان التشكيلي يوسف سعدون أن اللوحة التي تشكل عتبة أساسية على واجهــة الكتـــاب ،ال يحسن استثمارها دالليا ،إذ قدم األستاذ سعدون قراءة فنية تعكس الروابط الجمالية بين مضمــون الكتاب واللوحة الفنية ،واعتبر مضمون الكتاب يتماهى مع المعنى الداللي للوحة على مستوى الجسد واأللوان والخطوط... وفي األخير ،اعتبر المحتفى به د .عزيز الهاللي أن الكتاب غير مسبوق في الوطن العربي ،سواء على مستوى المعالجة إلشكالية اندماج المرأة والمهاجرين والالجئين...في النسق الليبرالي الغربي، أو على مستوى المجال المعرفي الذي احتضن إشكالية االندماج ،األمر يتعلق بالفلسفة السياسية .ويعتبر هذا المجال وجهة عادلة وخيرة لالرتقـــاء إنسانيا وحضاريا بمفاهيم االعتراف والعدالة االجتماعية والتواصل إلى مقامات تحمل قدرا كبيرا من اإلنصاف .كما أشار إلى أن اهتمامه بالفلسفة النسوية ،جاء في سياق السؤال الذي يطرحونه التالميذ: هل هناك فيلسوفات بصيغة المؤنث؟ ونشير إلى أن د .حسن اليمالحي رئيس الجلسة قد قــام بتسييــر أطــوار هذا اللقاء باقتدار كبير .أما الجمهور الحاضر تميزت مساهمته ببالغة اإلنصات وجمالية السؤال.
نصف قرن ونيف من عمر قصيدة النثر المغربية ،والزال النقاش حولها مفتوحا على مصراعيه. كل األسئلة الممكنة حول هذه القصيدة طرحت ،والزالت األجوبة، رغم تعددها واختالفها وتعارضها وتناقضها ،ال تشفي غليل السائل والباحث والمتابع. ال يختلف أحد حول أمر بديهي هو أن الشعر المغربي المعاصر مدارس واتجاهات وحساسيات ،تقليدية وحداثية ،وما بينهما ،تتعايش وتتدافع وتتالقح وتتواصل.... في الوقت نفسه ،إمكانيات التعايش بين هذه االتجاهات والحساسيات واردة جدا ،بالرغم من المماحكات المتعلقة بالكتابة الشعرية ،مهما بلغت درجة تشنجاتها الذاتية والمعرفية ،وكيفما تمظهرت مواجهاتها، سواء كانت على شكل تصورات نقدية مفاهيمية أو على شكل أطروحات تأصيلية أو كتب نظرية تفصيلية أو دراسات تطبيقية أو مقاالت تثقيفية، أو نصوص شعرية إبداعية ،مادامت هذه المماحكات ترتبط بالمجال المعرفي المفاهيمي وبالذائقة اإلبداعية بعيدا عن التبخيس والتحقير واإلقصاء . وإذا كان االرتباط بالتراث الشعري ،واإلخالص له ،مفهوما وشكال ومضمونا ،له ما يبرره من ناحية الحرص على النموذج األصيل للشعر، والثبات على العمود الشعري ،كما ورد في سياقه التاريخي األول ،فإن الحداثة الشعرية العربية ،وقصيدة النثر على الخصوص ،واقع قائم ،تَمّ تكريسه بجهود نضالية شعرية واعية بالمرحلة الزمنية التي تنتمي إليها هذه القصيدة إبداعيا ،شرقا وغربا ،بغض النظر عن كل ما يمكن أن يطرح من نقاش حول أصولها وأهدافها والنتائج الشعرية التي حققتها. تبخيس وتسفيه وتحقير هذا االتجاه أو ذاك ،ال يدخل في مجال االشتغال والنقد األدبيين ،بقدر ما يرتبط بحالة نفسية إبداعية تحاول إلغاء اآلخر وإقصائه. هذا في الوقت الذي يجب االحتكام إلى راهنية التلقي التي يفرضها كال االتجاهان ،وحالة اإلقناع الشعري التي يمارسها كل اتجاه في واقع شعري ،أقل ما يمكن أن يقال في حقه أنه مغبون ،اجتماعيا وثقافيا. وعليه ،االصطفاف الشعري أمر محمود ،مادام الغرض األساسي منه هو الشعر ،بدون أي نية إللغاء أو إقصاء أو ذم اآلخر. يبقى السؤال؛ من يمتلك الحق في تحديد الوجهة التي يجب أن يسلكها هذا الشعر المغربي المعاصر؟ وهل ألحد الحق في القبض على بوصلة القصيدة المغربية ،وتوجيه سفينتها في االتجاه الذي يرتضيه؟ وهل يملك أي أحد من االتجاهين سلطة التحكم في رياح الشعرية المغربية ،أو فرض اختياراته اإلبداعية والفنية والفكرية ،والجزم بأن هذه االختيارات هي الصواب ،وهي من لها الحق في أن تسود؟ من يمتلك حقيقة الشعر المغربي المعاصر؟ (إعتقاد اإلنسان أنه يمتلك الحقيقة هو مصدر كل قمع واستبداد)، هذه المقولة غالبا ما تتردد في أبسط أدبيات الفكر والثقافة اإلنسانية، مقولة تحمل في طياتها الكثير من المعنى والكثير من المعاني.
13
الثالثـاء � 14إلى 20مـاي 2019
العدد 993
كاتب ()2/2 ضيافة كاتب فيفي ضيافة
سلسلة تعريفية واقعية تلقي الضوء على بعض الكتاب والمفكرين والباحثين والمبدعين في شتى مجاالت العلوم والمعرفة ،إلبراز لمحات من حياتهم الشخصية والعلمية ،والتعريف بمؤلفاتهم وأحدث إصداراتهم التي تشهد بعمق معرفتهم ،وموسوعية علمهم، تتنوع هذه الشخصيات بين أكاديمية وعلمية وأدبية. سلسلة تعريفية في قالب حواري تمد جسـور التالقـح بين المفكرين وبني عصرهم ،وبين المفكرين وطبقــة قرائهم ،وتطلعهم على مسار إنتاجهم وأهم أعمالهم وآخر إصداراتهم.
إعداد :عمر قربـاش
في هده الحلقة نواصل حوارنا مع األديب والكاتب الباحث األستاذ المختار محمد التمسماني في جزءه الثاني واألخير ضمن سلسلة «في ضيافة كاتب» ،بعدما تطرقنا معه في الجزء األول لمسار حياته من حيث المولد والنشأة والتعليم. نحاوره في هذا الجزء عن مسار إنتاجه وأهم أعماله وآخر إصداراته. ـ هيأ اهلل لكم االتصال واألخذ على عدد من الشيوخ واألعالم ،فمن أصحاب اآلثر األعمق فيك على مدار مراحل حياتك العلمية والعملية؟ إن أبرز شيوخي الذين كان لهم اآلثر النافذ على مسيرة التحصيل والتوجيه خالل تلمذتي عليهم األعالم الجهابذة األجالء سيدي عبد الحي بن الصديق ،وسيدي عبد العزيز بن الصديق ،وسيدي عبد اهلل كنون، رحمهم اهلل . وما كنت ألنسى أستاذي الشاعر األديب عبد الغني سكيـرج ـ رحمه اهلل ـ الذي كان كلما تالقينا سألني عن آخر ما قرأت ،وعن الكتب التي اقتنيت ..وله الفضل في أن وجهني إلى العناية بمؤلفات محمود شاكر، ومحمد محمد حسين ومارون عبود ..مؤلفات تذكي الحس األدبي وتروقه وتبصر بفنونه ودقائق أغراضه ومكنون لطائفه ..وكان يتحفني ببنات فكره عند إصدارها .وقد أهداني ديوانه «حب الحصيد» ووسمه ـ كما ترى سيدي عمرـ بهذه االلتفاتة الرقيقة: هدية مني إلى مكان اإلبن البار األود واألخ العزيز األديب األريب السيد المختار التمسماني مع خالص المودة واالحترام.
هذي نوافـح شعـري والقلـب فيه ســرور
أزفهــــا كهديـــة يزجيـك ألف تحية
أخوكم في 1987/10/27توقيع عبد الغني سكيرج ـ كغيرك من الكتاب ،البد أن يكون لديك بدايات على درب األدب والكلمة الوضيئة ،متى وأين كانت أول تجربة في الكتابة لديك؟ صعب علي أن أحدد بداية تجربتي في الكتابة ألني ما وضعت نفسي قط ـ وما كنت ألضعها ـ في مصاف أصحاب األقالم ألن للكتابة ضوابط وقواعد لم أرق بعد إلى مستوى بعضها ولم أف ،فكيف أندس بينهم وانتحل صفتهــم؟ ال واهلل ..وإذا ما كتبــت ـ سيدي عمرـ فهوية على عفو الخاطر الذي تتلقفه الكلمة فتسيــل على الورق حســـب تجلياته ،وغالبا دون سابق تخطيط أو ترصيع.. هي فقط كلمات تنتفض من ومضات الذات كالمذكرات التي ال تخلو من سرائر النفس في لوعاتها وإفاضاتها ونقداتها مع تجارب الحياة وأغوار ملماتها ..هي باختصار كلمات جمعتها في كتاب أسميته «حروف على ورق» قد تكون هي بداية التجربة ..ربما .. ـ هل من كتاب لك قصة خاصة معه؟ أجل ..في أبريل 1998أطلعني صديقي الحميم األستاذ الجليل السيد محمد بوهدان على دراسة للكاتب أيمن عبد الرسول بعنوان «من بقايا التراث السياسي في اإلسالم :حد الردة» ،وأبلغني أن ثلة من المثقفين الذين يتجاهرون بالعلمانية ويحملون لواءها في تبذخ أغبطتهم هذه الدراسة وجعلوها نموذجا ساطعا للحرية الفكرية واإلبداع ،وادعوا في تبجح وتيه أن ال يستطيع قلم أن يتصدى لنقد محاورها وثوابتها ..وقرأتها وبدا لي فيها شطط األراجيف ،وتخرص األباطيل ،واعتساف الترهات المتوغلة في تحامل بذيء على شريعة اهلل تعالى ..وشاءت األقدار أن كنت يوم العيد بمنزل فضيلة العالمة األستاذ الدكتور سيدي إبراهيم بن الصديق رئيس المجلس العلمي المحلي إلقليم طنجة أصيلة في مجمع ضم جل أعضاء هذا المجلس ،وأخبرته بوقع هذه الدراسة في النوادي الثقافية ،وأشرت في وجازة إلى أخطر مباحثها ومردمها ،وأن الرد على هذا التحدي العلماني السافر تقويضا لمقاصدها المرقشة هو أمانة ملزمة في عنق العلماء ..فقال لي :استعن باهلل وأعد تعقيبا عليها وانتقادا ..فقلت له :هذه مهمة فوق طوقي ألني لست بعالم ..فألح علي وقال :ال تتردد وتوكل على اهلل ..ووطنت نفسي وتشمرت واستعجلت .وكنت أريد مقاال فأراد اهلل كتابا ـ كما ترى سيدي عمرـ قد نيف على 380صفحة ،قضيت في تأليفه قرابة أربعة أشهر.. فلما اطلع عليه رصعه بمقدمة ضافية ،كما وطأه الشاعر الملهم والعالم الضليع األستاذ سيدي عبد الواحد أخريف بقصيدة «نور اإليمان وحجة العلم » وتفضل بمقدمة طبعته الثانية سنة 2012ـ وهي مزيدة ومنقحة
ـ العالمة المحدث األثري الشيخ سيدي عبد اهلل التليدي ..رحمهم اهلل برحمة واسعة وأكرم مثواهم.. فهذه قصتي مع كتابي «من ثوابت األحكام في اإلسالم :حد الردة.. نقد مقال علماني». ـ ال شك أنكم كتبتم عدة بحوث ومقاالت نشـرت في مجـالت وصحف ،وألفتم عدة كتب..نـود التوقف مع أعمالكـم العلميــة، وأن تعطينا نبذة مختصرة عن مساهماتك العلمية واألدبية وعن مؤلفاتك التي طبعت.. بتوفيق من اهلل عز وجل طبعت لي إلى حد اليوم ثالثة كتب. *من ثوابت األحكام في اإلسالم :حد الردة ..نقد مقال علماني ( 1998ـ )2012 *صديقون :ريحانة طنجة سيدي محمد بن الصديق وأنجاله األشقاء الخمسة الغماريون السادة :أحمد ،عبد اهلل ،محمد الزمزمي ،عبد الحي، عبد العزيز.2007 . *الرفيق في رحلة مع شيخي سيدي عبد العزيز بن الصديق 2015 قدم بحثا لنيل شهادة األدب العربي في المغرب العلوي بكلية األدب بتطوان بإشراف الدكتور األستاذ سيدي عبد اللطيف شهبون. وقد اهتم بكتابي * مع صاحبي :حوارات وأشتات في أفنان اآلداب والعلوم والحياة « ثلة من طلبة كلية اآلداب بتطوان وأنجزوا دراسات ـ إلى
« جوالت في مسيرة أعالم» ـ جزء ـ تكريمات وتأبينات .. « قطوف مختارة» ـ جزآن ـ أشتات من عيون أقوال ونوادر األدباء والبلغاء والحكماء وغيرهم .. « حروف على ورق» ـ جزء ـ مذكرات. «من وحي العيون» ـ جزء ـ خواطر على كتاب « عيون األخبار « البن قتيبة .. « جوالت نقدية في كتاب :نبي اإلسالم لمحمد حميد اهلل» « إلى صاحبي :رسائل من بعيد»جزء . ـ تعكف حاليا على مراجعة كتابين فرغت مؤخرا من تأليفهما، هل يمكن أن تطلعنا على فحواهما ؟ الكتابان هما « :نحن وشيعة الرفض» و « نحن والغرب». أما عن الكتاب األول فأصله مختزل من جلسات حوارية «مع صاحبي» حول مفاهيم الشيعة اإلمامية اإلثنى عشرية في القرأن والسنة والوصية والرجعة والمهدوية والمواالة والبداء والصرفة والنسخ والتقية والمتعة وقضايا أخرى تجري مجرى ثوابت العقائد في دين الرفض الذي له خطره في مسالك الفكر التي يتستر من خالله بالتدرج كبار فقهائه، وأعالم شيوخه ،وأئمة آياته ،وعيون محققيه ،ومشاهيرأدبائه متخذين الخدعة منهجا يسعون به إلى ترسيخ عقائده ..هو دين ثر أتباعه أضغان أحقادهم وكراهيتهم في اإلسالم ،وفي كتاب اإلسالم ـ وقد وصموه بالتحريف تغييرا وتبديال ونقصا وزيادة ـ وفي رسول اإلسالم صلوات ربي وسالمه عليه وأزواجه وبناته رضي اهلل عنهن ،وفي الخلفاء الراشدين الثالثة األول ،وفي أغلب الصحابة والتابعين، وفي أصحاب المذاهب الفقهية السنية حماة اإلسالم ،وحملة رسالته ،وبناة حصنه وسراة أمجاده رضي اهلل عنهم أجمعين .. ويتحتم التأكيد على أن ليس كل شيعي رافضي العقيدة ألن التشيع المعتدل تشيع سني ،وأما الرفض فتشيع دعوته باطنية قرمطية صرفة ،سميتها الغلو والتعصب والتبديع ،وغايتها تقويض صرح اإلسالم قرآنا وسنة ورسالة وحضارة .. وعن الكتاب الثاني «نحن والغرب» فقد أفرعت فيه أحد عشر فصال على الترتيب اآلتي:هذا الغرب ـ أجل ..طغاة ـ الغرب جهل اإلسالم فعاداه ـ أفراخ الغرب من أبناء جلدتنا ـ يا قادتنا ـ وهبت ريح اإلسالم ـ حاضرنا نحن ـ العربية لغة اإلسالم والحضارة ـ جهاد ال إرهاب ـ طغاة يحمون إسرائيل منبت اإلرهاب ومغرس الفتن ـ والمستقبل لإلسالم ..
حد اآلن 2013 :ـ 2017ـ حول أربعة أجزاء من أصل اثني عشر جزءا لنيل شهادة ماستر األدب العربي في المغرب العلوي :األصول واالمتدادت، وذلك تحت إشراف الدكتور األستاذ سيدي عبد اللطيف شهبون والدكتور األستاد سيدي محمد كنون .. ومن كتبي التي مازالت مخطوطة وهي من المساهمات المتواضعة في الحقل العلمي واألدبي * :في روضة األجوبة» 10أجزاء. هو كتاب جمعت فيه ما تيسر لي الوقوف عليه من أجوبة مسكتة، وردود حاسمة فيها طرافة األدب ورشاقته ،وجالل العلم ورصانته .. يتراقص فيها جوهر الحكمة ،وبريق الفطنة ،وجميل التخلص ،وطالوة المالحة ..ترصدتها من ثنايا الكتب وأودعتها في فصول منها: األنبياء والرسل ـ أمهات المؤمنين ـ آل البيت ـ الخلفاء الراشدون ـ الصحابة ـ التابعون ـ الخلفاء والملوك والسالطين واألمراء ـ الوزراء ـ الوالة ـ الصوفية ـ أئمة المذاهب ـ العلماء ـ القضاة ـ النحاة واللغويون والرواة ـ األدباء ـ الشعراء ـ الحكماء والفالسفة والمتكلمون ـ األطباء ـ األعراب ـ المغنيون ـ العشاق ـ الظرفاء ـ الطفيليون ـ البخالء ـ الثقالء ـ الحمقى وعقالء المجانين ـ المتنبئون ـ النساء والجواري ـ الصبيان ـ الحيوانات ... « صرير قلم» ـ جزآن ـ بحوث ومقاالت ومقدمات.
ـ هل فكرت في كتابة سيرتك الذاتية؟ تراني ـ سيدي عمر ـ كلما هممت بدافع ما لكتابة هذه السيرة رن في خلدي كالمنبه العنيف جواب أستاذي السيد عبد القادر جعفر ـ رحمه اهلل ـ حين سئل ـ وهو المثقف الضليع ـ نفس هذا السؤال ،فكان يردد من عقود خلت أن سيرته الذاتية غير مجدية بما جرت في أعنتها ـ وإن توسعت موارد خبراتها وأكنان تجاربها ـ وأنه يتحاشى كتابتها كي ال يقع في سخافة تزكية النفس ،وتفاهة مآثرها ،ومنى مساعيها ،وأوهام آمالها التي هي مناط العشوائية في طرز خصالها ..وإني لعلى درب جواب أستاذي الذي اقتنعت به منذ زمان ،فاعتزلت وجدان الذاتية وانصرفت عن نزعاتها إذ ال خير في صيحات تطلق وتصب في واد ال ضفاف له ..ولنتساءل سيدي عمر :هل فعال نعرف عن قرب ذاتنا حتى نحبر عناصر مضامنها وصراعاتها وانعكاساتها في كلمات ترصف على صحائف؟ فأين هو المسوغ العقلي الذي يبرهن على صدق جوهر السيرة الذاتية وأغوارها؟ أما أنا ـ وكما قلت لك ـ فال أعي اآلن وقبل اآلن مرامي هذه السيرة في طالقته ،ومازلت معنى بمعالجة سقمها بين روح هذا الدهر وكربه ..وكيف أركن مطمئنا إلى بسط أحداثها وقد قاربت ضعف األربعين؟ في الختام نشكرك جزيل الشكر أنك أتحت لنا من وقتك في هذه الفسحة الحوارية ،ونتمنى أن نراك دائما في صحة وعطاء .
(انتهى)
العدد 993
منبر المجلس العلمي بطنجة
14
الثالثـاء � 14إلى 20مـاي 2019
االتكالعلىاهلل
حْ َ لل َر ِّ يم َمل ِ العزيز“ :ال ْم ُد هّ ِ ين قال اهلل في كتابه ب ا ْل َع مَال َ ِك َي ْو ِم ِّ الد ِ الر ْح ِ من َّ ِني َّ الر ِح ِ اك ن َْع ُب ُد و�إِ َّياكَ ِني” ،فجمع الدين يف هذه الآية�“ ،إِ َّي َ اك ن َْع ُب ُد و�إِ َّي َ �إِ َّي َ اك ن َْ�س َتع ُ ِني” ،وابتلى عباده في عبادته ،واالستعانة به ،من الذي يعبده حق عبادته ،ومن ن َْ�س َتع ُ الذي يستعين به حق االستعانة. َ الناس وأفسدتها، كثير من واآلثام إن من اآلفاتِ الكبا ِر ِ ِ ٍ العظام ،التي غزَتْ قلوبَ ٍ َ ُّ هلل تعالى ،واعتمادَها على غي ِره في ا ر بغي ها ق تعل واستقامتِها وصرَفتْها عن صحَّتِها ِ ِ األمراض ودفع المضا ِر ،واستعانتَها وركونَها إلى غي ِر اهلل تعالى ،وكل هذه جلب ِ ِ المنافع ِ ِ َ َ ُّ ُّ بحسب قوة اإليمان وضعفِه، ه ف وضع ل التوك ة قو فإن ها، ب صاح إيمانِ ضعفِ على تدُل ِ ِ ِ قويَ إيمانُك باهلل كان ُّ توك ُلك عليه أقوى، فانظر أيها المومن إلى إيما ِنك؟ فإنه كلما ِ ُّ ُّ هلل ضعيفاً ،فهو ٌ ُ دليل على التوك ُل ،وإذا كان اإليمان ضعُفَ فإذا ضعُفَ التوك ُل على ا ِ هَّ ُ َ َ ُ ْ َّ ضعفِ اإليمانِ وال بدَّ ،قال اهلل تعالىَ « :و َعلى ِ ِني». الل ف َت َوكلوا �إِ ْن ك ْنت ُْم ُم�ؤ ِمن َ
ُّ التوك َل شرطاً في اإليمانَِّ ، فدل على انتفا ِء اإليمـانِ عندَ انتفا ِء فقد جعل سبحانه هَّ َ ُ ْ ون» ،فجعل سبحانه التوكلَ مْ الل َفل َي َت َو َّ التوكـل ،وقال في آية أخرىَ « :و َعلى ِ ِ ك ِل الو ِم ُن َ ُ َ ُ َّ َ مَّ مْ ْ ُ َ ْ ين �إِذا ذ ِ ك َر اهلل َو ِجلت ون الذِ َ من أخصِّ صفاتِ المؤمنين ،قال تعالى�« :إِنا ال�ؤ ِم ُن َ ُ ُق ُلو ُب ُه ْم َو ِ�إ َذا ُتل َِي ْ َّ هِ ل ك و ت ي م ب ر ون» ،قال ابن كثير ت َع َل ْيهِ ْم �آ َياتُهُ زَ ادَ ْت ُه ْم ِ�إميَان ًا َو َع َلى َ ِّ ْ َ َ َ َ رحمه اهلل ”:أي:ال يرجون سواه ،وال يقصدون إال إياه ،وال يلوذون إال بجنابه ،وال يطلبون حوائجهم إال منه ،وال يرغبون إال إليه ،ويعلمون أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه المتصرف في الملك ،ال شريك له وال معقب لحكمه ،وهو سريع الحساب ؛ولهذا قال سعيد بن جبير“ :التوكل على اهلل جماع اإليمان” . قال ابن القيم رحمه اهلل “ :فإنه ال يستقيمُ توكل العبد حتى يصح له توحيده ،بل حقيقة التوكل توحيد القلب ،فمادامت في القلب عالئق الشرك فتوكله معلول مدخول، وعلى قدر إخالص التوحيد تكون صحة التوكل ،فإن العبد متى التفت إلى غير اهلل أخذ ذلك االلتفات شعبة من شعب قلبه ،فنقص من توكله على اهلل بقدر ذهاب تلك الشعبة” لقد أُتي كثير الناس من هذه الجهة ،وقد جاء النقص ،جهة النقص في العبادة،
وجهة النقص في االستعانة ،ولذلك فأنت تراهم إذا نزل بهم أمر ،أو حلت بهم كارثة، أو أحاطت بهم مصيبة ،فإنهم يفقدون العبودية هلل ،أو جزء منها ،ويفقدون االستعانة باهلل عز وجل ،والتوكل عليه ،وتفويض األمور إليه .وال يستطيعون ألمورهم تصريفاً، ألنهم يفتقدون إلى أمر أساس وهو توحيد اهلل واالتكال عليه وتفويض األمور إليه بعد األخذ بالمسببات طبعا. وليس معنا التوكل على اهلل تفويض األمر إليه والجلوس دون عمل أو سعي ،أو البحث عن األسباب المؤدية الى المراد والمطلوب ،فالجائع يتكل على اهلل وينتظر الطعام ،والمريض يتكل على اهلل وينتظر الشفاء ،والمحتاج يتكل على اهلل وينتظر حاجته ،بل أمرنا سبحانه بالعمل واالتكال وجعل من تمام التوكل األخذ باألسباب ،فال ً جملة ممتنعٌ عق ً يعني التوكل ْ ال أن ال يسعى اإلنسان ويعمل ويجتهد؛ ألن ترك األسباب
-
بقلم الدكتور
محمد كنون احل�سني
وحساً ،وما أخل النبي صلى اهلل عليه وسلم بشيء من األسباب ،فقد لبس درعين يوم أحد ،واستأجر دلي ً ال مشركاً يدله على طريق الهجرة ،وكان إذا سافر في حج أو جهاد حمل الزاد والمزاد ،وهكذا فعل أصحابه رضوان اهلل عليهم وهم أولو التوكل حقاً . ويؤدي عدم االتكال على اهلل واتخاد األسباب الموجبة لالتكال واالستعانة إلى ضعف في اإليمان وإتيان أمور مخلة بالدين بعيدة عن العقل والمنطق مثل االلتجاء إلى السحرة والكهان وتصديق المنجمين والمشعودين ،واالتكال عليهم بحيث تجد التهافت على أبوابهم والحديث عن بركتهم وقضائهم للمآرب واطالعهم على الغيب وإشفائهم للمرضى منتشرا في البوادي والحواضر ،وبين الجهال والمتعلمين ،وبين الموظفين وأصحاب المهن ،مع أن السحر وإتيان الكهان حرام باإلجماع ،ال خالف فيه بين األئمة وال نزاع ،ومن استحل ذلك أو صدق به فقد كفر ،وباء بالخزي العظيم والخلود في سقر ،ومن يتعاطى ذلك ال تجوز إمامته وال شهادته في المسلمين ،وال يعاد إذا مرض وال يحضر جنازته إن مات من غير توبة أحد من المؤمنين ،وقد تبرأ منه الرسول ،صلى اهلل عليه وسلم ،أخرج النسائي عن أبي هريرة مرفوعا من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك . وأخرج البزار بإسناد جيد قوي عن جابر بن عبد اهلل مرفوعا من أتى كاهنا فصدقه بما قال فقد كفر بما أنزل على محمد سلى اله عليه وسلم. وأخرج مسلم عن صفية بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي صلى اهلل عليه وسلم قال من أتى عرافا فسأله عن شيء لم يقبل له صالة أربعين يوما ،قال اإلمام البغوي العراف هو الذي يدعي معرفة األمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على واقعها كالمسروق من الذي سرقه ،ومعرفة مكان الصالة ونحو ذلك. إن العجب العجاب أن نجد في زماننا هذا من يصدق بالكهان والعرافين ويقصد أبوابهم لكسب محبة أو قبول ،أو لتغيير أحوال أو جلب زبائن ،أو اطالع على الغيب، فتجد المرأة التي يوحي مظهرها بالتمدن والحضارة ،والرجل الذي يوحي ظاهره بالعلم والتفتح على العصر يقفان بباب الساحر والكاهن يطلبان بركته ،ويصدقان أكاذيبه، ويقعان في حبال مكرهه وخداعه ،فيغتصب هاته ويغرر بتلك ،وينهب مال الثالثة ويوقع بينها وبين زوجها أو أهلها وأقربائها ،أو يدفعها إلى فعل مكروه بمن تحب أو ترغب في وصاله ،إلى غير ذلك من القصص التي أصبحنا نسمع عنها كل حين في عالمنا الذي ندعي له العلم والحضارة ،فياعجبا كيف ندعي التقدم والتمدن وال زلنا نؤمن ببركة البخور وبفعل التمائم وبتأثير الطالسم ،وال زال بيننا من يدفع ماله للمشعودين والسحرة والكاهننين ،وال زال هؤالء يكتسبون األموال الطائلة وينهبون الجيوب لضعاف العقول ،إنه واهلل التخلف والجهل في أعلى مراتبه وصوره ،واالبتعاد عن كل أسباب العلم ومدراج المعرفة ،والتصديق بالباطل والكفر باهلل والشرك به ،أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابي هريرة مرفوعا اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول اهلل وما هن؟ قال :الشرك باهلل ،والسحر ،وقتل النفس التي حرم اهلل إال بالح ،وأكل الربا ،وأكل ما اليتيم ،والتولي يوم الزحف ،وقذف المحصنات الغافالت المؤمنات.
العدد 993
15
الثالثـاء � 14إلى 20مـاي 2019
من �أعالم طنجة املعا�رصين :
()3/1
العالمة الشيخ مصطفى بن أحمد البحياوي -
إعداد :عدنان الوهابي
هو العالمة المفسر مصطفى بن أحمد بن عبدالرحمان البحياوي ،اإلدريسي الحسني، المراكشي مولدا ونشأة ،الطنجي دارا واستقرارا. رأى نور الحياة في مدينة مراكش الحمراء سنة 1954م ،ونشأ في رعاية والده الشيخ أحمد بن عبدالرحمان البحياوي. وحين بلغ سن اإلدراك شرع في حفظ القرآن الكريم عن والده ،وعليه أتقن روايتي قالون وورش ،كما أخذ عنه مبادئ العلوم من عربية وفقه وتفسير وأداء ،فوالده كان صاحب مقرأة قرآنية ،وكان ينهض أيضا بمهمة اإلمامة والخطابة. شب المترجم له في رحاب معهد ابن يوسف الشهير في مراكش ،وهو المعهد الذي سار ذكره في اآلفاق ،وقد كان في تلك الفترة مزدهرا بكثرة مدرسيه ،فتتلمذ على جلة الشيوخ به. فقد تسنى له في تلك المرحلة أن يتلقى مجموعة علوم على نخبة الشيوخ: • الشيخ الفقيه السباعي الكنتاوي :درس عليه الفقه المالكي. • فضيلة الشيخ المقرئ محمد بن إسماعيل قرأ عليه :مبادئ علم التجويد ودرس عليه الجزرية ونظم ابن بري في مقرأ اإلمام نافع، • فضيلة الشيخ أسميج الضرير :قرأ عليه :المنطق والعقيدة، • فضيلة الشيخ الرحالي الفاروقي حضر له مجالس جامع الصحيح إلى كتاب المغازي. • الشيخ األستاذ اللغوي أحمد الشرقاوي إقبال تلقى عنه معارف في اللغة واألدب وفوائد متعلقة ببعض المعاجم اللغوية. وغيرهم من الشيوخ والعلماء الذين أسهموا في تكوينه العلمي المتين ،وتوسيع مداركه وبث روح البحث الدقيق في التراث اإلسالمي. وخالل تنقالته في مناطق المغرب كان ينهل من مجالس علماء المدن التي كان ينزل بها ،فاستفاد في مدينة طنجة من حلقات الشيخ عبد اهلل بن الصديق والشيخ عبد العزيز بن الصديق ،ولما رحل إلى مصر والحجاز واليمن أخذ عن خيرة العلماء والقراء والفقهاء واألدباء والمتكلمين. لما أدركت المنية والده كان يتابع دراسته في نهاية الطور الثانوي (الباكالوريا) ،فخلف والده في اإلمامة والخطابة ،وتابع نهجه في اإلقراء بمراكش ،ولما اجتاز الباكالوريا التحق بمدرسة المعلمين وتخرج األول في فوجه ،فتم تعيينه في منطقة نائية في جبال األطلس تسمى أكلموس ،وأمضى هناك حوالي ثالث سنوات .بعد ذلك التحق بالمركز الجهوي للدراسات اللغوية واألدبية بمراكش .وبموازاة مع ذلك تابع دراسته في كلية اآلداب (شعبة الفلسفة) في الرباط ،فكان يجمع بين التدريس في دار القرآن واإلقراء في مقرأة والده ،والوظيفة ،والدراسة اللغوية ،ويحضر المحاضرات في الكلية ،ويسافر في فترة االمتحانات إلى الرباط ليجتاز االختبارات. ولما تخرج من المركز الجهوي بعد سنتين من التكوين ،عين أستاذا للغة العربية في مؤسستي ابن عبدون وعمر بن الخطاب بمدينة واد زم ومدينة خريبكة. ولما حصل على اإلجازة في الفلسفة عين أستاذا للفكر اإلسالمي والتربية اإلسالمية في ثانوية يوسف بن تاشفين والتي درّس بها سبع سنوات. وفي بداية الثمانينات اجتاز الشيخ المبارة الوطنية للتفتيش فانتقل بموجب ذلك إلى الرباط قضى بها مدة سنتين. وخالل هذه المدة حصل على دبلوم الدراسات العليا في الدراسات القرآنية ،أنجز في تلك المرحلة بحثين :األول “ المسلك األذفر فيما خالف فيه نافع أبا جعفر” واآلخر “ مناهج دراسة النص القرآني”. وبعد ذلك تقدم ببحث لنيل شهادة دكتوراه في موضوع “ :جميلة أرباب المراصد ،شرح عقيلة أتراب القصائد” للجعبري ،لكنه قوبل بالعراقيل فصرف المترجم له نظره عن تلك األطروحة. وإثر تخرجه من المعهد الوطني لتكوين المفتشين تم تعيينه مفتشا عاما على جهة الشمال، ومشرفا على أقسام التعليم األصيل واللغة العربية في كل من :طنجة وشفشاون وتطوان لمدة ثالث سنوات إلى أن استقربه المقام في طنجة. وقد استبطن الشيخ المعارف الكثيرة مدة تكوينه وتحصيله العلمي ،وتفيأ منها الظالل الوارفة، فاتسعت بذلك قاعدته العلمية ،فجمع بين العلوم األصول وعلوم اآللة ،والوسائل مع علوم المناهج وفقه العلم ،فعال كعبه في علم التفسير وعلم القراءات وعلوم الحديث رواية ودراية ،وعلم العقائد والفقه مذهبا وخالفا ،والسيرة النبوية ،وفي علوم اآللة رسخ قدمه في علم أصول الفقه ،وأما العلوم العربية فقد أحاط بناصيتها حتى صار اللسان العربي ملكة له. وهب الشيخ مصطفى البحياوي حياته لتدريس العلوم الشرعية من وسائل ومقاصد ،حتى عد من كبار مدرسي العلوم الشرعية في مدينة طنجة ،وكان يشرف ـ وما يزال ـ على مدرسة اإلمام الشاطبي للتعليم العتيق بطنجة ويباشر التدريس بها ،وخالل ثالثة عقود من الزمن تخرج على يديه قراء مجودون من ذوي الحفظ واإلتقان ،وعلماء من أهل الرواية والدراية وخطباء مرشدون. واشتهرت دروسه العلمية التطوعية التي أقبل عليها العامة والخاصة لإلفادة منها ،وكان مدارها حول التفسير والحديث والسيرة وغيرها. و خالل شهر رمضان من كل سنة كان يلقي دروسا في تفسير سور المفصل بأسلوب بديع،
ومنهج يأسر القلوب ويخلب الفؤاد ،وفي شرح صحيح البخاري ،وفي السيرة النبوية معتمدا سيرة أبي الفتح محمد ابن سيد الناس اليعمري المسماة “ عيون األثر في فنون المغازي والشمائل والسير”. وأبان الشيخ مصطفى البحياوي بمنهجه في هذه الكتب عن كيفية التعامل مع هذا التراث العظيم ،ونبه على علو كعبة األئمة ،وسمو عباراتهم ،وسبل فهمها واستيعابها ،وأطلع الناس على ما فيها من درر ونفائس بعد أن كانت كتبهم غفال من التصفح. ومن مميزاته في الدرس :أنه حافظ على المدرسة المغربية في خصائصها وهي :االستئهال ،واالرتجال ،والتلقائية بال تكلف وال تصنع. ثم حرصه على تقريب العلوم الشرعية للناس في صورة واضحة جلية، وبأسلوب سهل ميسر .وأخيرا إسهامه الواضح الجلي في مجال العناية بالمصطلحات والمفاهيم العلمية تجديدا لصياغتها وتأصيال لمضامينها. كما مارس الشيخ الوعظ واإلرشاد في سن مبكرة من عمره ،فأقبل الناس على دروسه ،الغترافه من الكتاب والسنة ،محكما لوسائل التأثير في النفوس ،والبراعة في أسر القلوب .ومزجه بين فقه النفس وفقه الدرس ،جعل لكالمه رونقا وبهجة ،وأضاف إليه حيوية وإشراقا ،وكالمه في مقاصد الشريعة ،ومعرفته بأسرار الشرع ،وربطه ذلك بالفقه وأحكامه، دال على هذه المرتبة. كما نهض بالخطابة في المسجد المالصق لمدرسة الشاطبي ،وقد التزم في خطبه بالحقائق اإلسالمية ،والمعاني القطعية المستمدة من القرآن والسنة ،وقواعد اإلسالم الكلية وأصوله العامة ،إذ أن جل مواضيع خطبه تدور حول القرآن الكريم تعريفا باهلل عز وجل وإلهيته ،وبقضايا النبوة والرسالة وبالبعث واليوم اآلخر ،مع االهتمام الشديد بأسرار الشريعة عبادة ومعاملة وأخالقا ،مع إعطاء النظرة الكلية والرؤية المتفحصة للمفاهيم الشرعية ،هو في هذا ال يغفل عن آالم األمة وهمومها .و قد كسا خطبه أسلوبا راقيا وبيانا بليغا ،ولغة خالبة تزيد من صحة المضمون رونقا وجماال ،مما يجعل النفس تنقاد للمقصود من الخطاب بسالسة وارتياح. كما كان وال زال عمدة في ميدان التفسير ،فهو المشهود له باإلجادة والسبق ،عاش للقرآن وعلومه من رسم وضبط وقراءة ،فاستحق الريادة في فنونه ،وتبوأ منزلة المرجعية فيه حتى أصبحت دروسه في التفسير منهجا متميزا ومدرسة مستقلة تشهد بذلك مسؤولياته وأعماله فقد تصدر كرسي اإلمام ابن عطية في مادة التفسير ،وألقى العشرات من الدروس بثت على القناة السادسة. ودعي مرات كثيرة إللقاء عدة محاضرات بالشارقة ،في شرح كتاب الشفا للقاضي عياض، وسلسلة شرح الشمائل للترمذي ،وسلسلة شرح مختصر اإلتقان في علوم القرآن ،وسلسة مدخل إلى علم التاريخ ،وسلسلة شرح الحكم العطائية وسلسلة ،شرح رسالة الشافعي وغيرها... وشارك في عضوية اللجنة المشرفة على جائزة الملك عبد اهلل للتجويد والقراءات بالمملكة السعودية ،واختير ضمن لجان تحكيم مباريات التجويد في مصر والمغرب. وحصل الشيخ مصطفى البحياوي على عدة إجازات في الروايات القرآنية مختلفة من مجموعة من الشيوخ منهم :عبدالفتاح القاضي ،عبدالحكيم عبد اللطيف ،الشيخ الحلواني ،والشيخ عبد اهلل الحموي المالكي. وهو مع جهوده القيمة في الدرس والتلقين والتعليم ،أردف معها أعماال مفيدة في تقريب العلوم نظما ونثرا ،ومن أهم مؤلفاته: 1ـ إتحاف القارئ السامع بشرح نظم البارع .اجتهد المترجم له في إحياء هذا النظم وإبرازه للوجود وأضاف إليه تحقيقات وتعليقات، 2ـ إضافة اللبيب لتكميل التيسير العجيب في تفسير الغريب :وهو نظم كمل به (التيسير في تفسير الغريب) نظم العالمة ناصر الدين أبي العباس أحمد بن محمد المالكي االسكندراني المعروف بابن المنير .لكن الشيخ البحياوي لم يكمل نظمه. 3ـ تحقيق كتاب ( جميلة أرباب المراصد في شرح عقيلة أتراب المقاصد) للجعبري، 4ـ الدليل األوفق إلى رواية ورش من طريق األزرق .ألفه باالشتراك مع الشيخ عبد الهادي حميتو ،والشيخ عبد العزيز العمراوي ،وهو منشورات وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية. 5ـ روض اإللهيات من خالل مقاطع الجاللة في اآلي البينات. 6ـ نظم االعتماد فيما لورش حال اإلفراد .نص فيه على ما جرى العمل به في المقارئ الورشية في الديار المغربية. 7ـ نظم العقيدة الطحاوية. 8ـ نظم مجالس موطأ مالك. 9ـ نظم مغازي الرسول صلى اهلل عليه. 10ـ نظم تراجم أبواب البخاري. 11ـ نظم قصر البرية على الرواية الورشية ،نظم رواية ورش. 12ـ النفح العنبري في نظم حكم السكندري .نظم في علم السلوك واألخالق.
العدد 993
كتابات يف تاريخ منطقة ال�شمال :
()895
16
الثالثـاء � 14إلى 20مـاي 2019
“شرود سياسي -عشية القبض على عمر دهكون”
�أ�سامـة الزكاري zougariousama@gmail.com
إذا كانت ساحـة النشر الوطنية قــد عرفــت فورة كبيرة في مجال االهتمام والعادات اليومية ،والعالقات اإلنسانية الحميمية ،واالهتمامات الشخصية بكتابة المذكرات السياسية للفاعليــن وللمساهميــن في صنـــع الوقائع المخصوصة...، الكبرى للمغرب المعاصر ،فإن األمر ظل يحمل – في مستويات متعددة في إطار هذا التوجه العام ،يندرج حرصنا على االنفتاح على مضامين الكثير من أوجه النزوع نحو تكييف الروايات التاريخية من أجل تحقيق كتاب “شرود سياسي -عشية القبض على عمر دهكون” ،لمؤلفه األستاذأهداف متداخلة .على رأس هذه األهداف ،تقفز مساعي تبرير المواقف ،أو محمد الموذن ،والصادر سنة ،2018في ما مجموعه 102من الصفحات ذات اختالق البطوالت ،أو تبخيس عطاء “اآلخر” ،أو طمس الحقائق ،أو تضخيم الحجم المتوسط .فالكتاب يقدم شهادة عن فترة تاريخية حاسمة من تاريخ اإلسهامات ...،إلى غير ذلك مما يمكن الوقوف عند تفاصيله بتصفح سيل مغرب مطلع سبعينيات القرن الماضي ،أي في عز سنوات الجمر والرصاص، مذكرات الزمن المغربي الراهن .ولعل هذا ما جعل القناعة تترسخ لدى عندما غادر مدينته القصر الكبير ،والتحق بمدينة الدار البيضاء أستاذا بإحدى قطاعات واسعة من المؤرخين المغاربة المعاصرين ،بضـــرورة االحتفــاظ مؤسساتها الثانوية .وعلى الرغم بالمسافات الضرورية الفاصلة من أن األستاذ الموذن لم يرتبط عن مرجـعـــيـــات االسترشـــاد بأي عالقة تنظيمية أو إيديولوجية بمضامين هـــذه المذكـــرات. مع التنظيمات السياسية اليسارية وإذا كان رواد العمــل الوطنــي لهذه المرحلة ،فإن ظروف العمل ممن كانوا ينتمون لفئة النخب واإلقامة جمعته بقياديين بارزين العالمة القــادرة على توليـــد من التنظيم المسلح الذي تبلور األفكار وعلى تفجير بنى التفكير في حضن االتحاد الوطني للقوات والتنظير ،مثلمــا هــو الحال مع الشعبيــــة ،وكذا من التنظيـــم الزعماء عـالل الفاســي ومحمــد اليساري الذي حمل اسم “منظمة بن الحسن الوزاني وأبي بكـــر 23مارس” .لقــد عــاش األستـــاذ القادري وعبد الهادي بوطالب، الموذن حالـــة شــرود حقيقية، قد استطاعوا وضع تصانيف رمت به بعيدا عن متاهات العمل مرجعية قادرة على تجاوز الطابع السياسي ،لكنها مكنتـــه مـــن اإلخباري للمذكرات اليومية، التعرف على الشخصيات المحورية فإن قطاعات عريضة من كتاب في مضامين تأليفه هذا ،ممن المذكرات “تحت الطلب” ،ظلت كانت لهم مسؤوليات مركزية تعيد إنتاج نفسها ،وتعيد إنتاج على مستوى التنظيمات المذكورة ثغراتها وسقطاتها ،وتعيد صنع قبل أن يقدموا إلى المحاكمات أصنامها المحنطة لــ ”فتوحاتها التاريخية التي “وهبتهم” أحكاما المجــــيــــدة” وإلسهاماتهـــــا ثقيلة ،من اإلعدام إلى العشـــر “العظيمــة” في مجـــال العمــل أو العشرين أو الثالثين سنة. الوطني التحرري ضد االستعمار، يتعلــق األمــر بكل من مصطفــى سواء منه السياسي أم المسلح، الرمضاني ،وعبد القـــادر الشاوي، وأحمد الملياني ،وعمر دهكون. وكذا في مجال النضال من أجل الديمقراطية بمغــرب ما بعـــد لقد عايش محمد الموذن هذه رحيل االستعمار. األسماء عن قــرب ،إمــا في مقر العمل أو بمقر اإلقامة .واستطاع وبموازاة مع هذا المسعى أن يجمع الكثير من التفاصيل العام ،كان البد للمؤرخ أن يبحث عن حياتها اليومية ،من دون أن عن التفاصيل “األخـــرى” ،أو ما يكون على علم بنوعية نشاطها يمكن أن نصفـه ب ”التفاصيل السياســي الســـري .وفي هـــذا المجاورة” ،ونقصد بها محكيات الجانب بالذات ،تكمن قوة مثل أشخاص عايشوا األحداث عن هذه المحكيات ،إذ أنها تنظر إلى قرب ،وتفاعلوا معهــا بشكــل الشخصيات الفاعلة من موقع غير مباشر ،من دون أن تكــون متحرر من كل األحكام المسبقة غالف الكناب لهم أي إسهامات في صنع هذه أو من كل أنماط االنبهار التقديسي أو التحامل المجاني ،مما األحداث وال في توجيهها وال في التأثير على مساراتها .لقد انتبه مؤرخو الزمن الراهن ،إلى أن محكيات هذه الفئة من الشهود تكون أكثر يمكن أن ينحرف بالسارد نحو مهاوي االفتراء أو ممارسة أسلوب “التقية” دقة في التقاط التفاصيل المغيبة ،عن قصد أو بدونه ،من محكيات الفاعلين قبل ذكر الوقائع والتوثيق لها. وإذا كان األستاذ الموذن قد جعل نفسه في موقع “الشرود السلبي” األساسيين .ولعل مرد ذلك إلى اعتبارات متعددة ،من أهمها ما هو مرتبط بتحرر الشخص المعني من ضغط الخضوع للموقف المسبق ،ومن نزوع من الناحية السياسية ،فإنه في المقابل ،استطاع أن يضع بصمات ناصعة تأكيد شرعية روح المبادرة لديه .بمعنى ،أن الشاهد “الموازي” يكتسب كل على الكثير من المواقف اإلنسانية النبيلة التي كان لها وقعها العميق على الفاعل السياسي “المجاور” له في السكن وفي العمل وفي الحي .هي عناصر التحرر من قيود االنتماء الحزبي ،أو الوالء اإليديولوجي ،أو الهاجس مذكرات تخترق المسكوت عنه ،لتضفي على العطاء السياسي بعده اإلنساني المصلحي ،أو االرتباط العاطفي ...،مما يضفي على سرده الكثير من عناصر النبيل ،ولتجعل من عناصر التساكن الحميمي أساس الوجود ،قبل الموقف الجرأة في إثارة عناصر المسكوت عنه ،وفي انتقاد األخطاء ،بل وفي تدوين السياسي ،وقبل االنخراط الحزبي ،وقبل المسؤوليات التأطيرية المباشرة. التفاصيل الجزئية التي قد ال تثير أدنى اهتمام لدى الفاعل السياسي المباشر ،وفي ذلك قوة معرفية ،ال شك وأنها تساهم في استكمال صورة الفاعل بحكم انتظامها خارج سياق هواجسه الكبرى ،مثلما هو الحال مع الطقوس السياسي على مستوى تفاصيل هوامشه المؤثرة والمسكوت عنها.
الثالثـاء � 14إلى 20مـاي 2019
العدد 993
اعتراضات عبد المجيد الطيب بن كيران النحوية في حاشيته على أوضح المسالك البن هشام األنصاري (الجزء األول من الحاشية)
روحة
أط
بسم اهلل الرحمن الرحيم الحمد هلل تبارك وتعالى أوال ،أبلغ الحمد وأوفاه ،وأكمله وأنماه ،فما من نعمة إال وهو مسديها ،وما من منة إال هو موليها ،فهو أحق من حمد ،وأولى من شكر ،نحمده تبارك وتعالى على أن يسر لنا طريق العلم وحببه إلى قلوبنا ،وأحمده على عظيم عونه وتيسيره إنجاز هذا البحث حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه. وأفضل من لألمم، ِ والصالة والسالم على خي ِر مبعوث ِ بالحكم ،محمدا صلى اهلل عليه وسلم... أرسل ِ السادة األساتذة المحترمين أعضاء لجنة المناقشة األستاذة الدكتورة جميلة رزقي األستاذ الدكتور عبد اللطيف شهبون األستاذ الدكتور عبد الهادي أمحرف األستاذ الدكتور أحمد هاشم الريسوني األستاذ الدكتور محمد الحافظ الروسي األستاذ الدكتور مصطفى الورياغلي الحضور الكرام قبل أن أبدأ في الحديث عن فقرات هذا التقرير ،البد من أن أرد الفضل إلى أهله ،وأن ّ أحِل الشكر في محله ،من ال يشكر الناس ال يشكر اهلل. وأقصد بذلك أستاذيّ المشرفين الجليلين الدكتورة جميلة رزقي والدكتور عبد اللطيف شهبون اللذين شرفاني بإشرافهما على هذا البحث وتحمال عناءه بكل حب وإخالص جزاهما اهلل عني خير الجزاء. وتأدبا مع من صنع معك صنيعا وأسدى إليك معروفا، أستغل هذه الفرصة لكي أتقدم بكل عبارات التقدير واالحترام لجميع أساتذة شعبة اللغة العربية اللذين تتلمذت على يدهم في فصول اإلجازة والدراسات العليا المعمقة من بينهم األستاذ الفاضل الدكتور عبد الرحمن بودرع حفظه اهلل. كما أبعث برسائل التقدير واالحترام لكل أطر وإدارييي ومسؤولي المؤسسة على رأسهم السيد عميد الكلية األستاذ الدكتور محمد سعد الزموري ونائبيه وكاتبها العام. ولن أفوت هذه الفرصة كذلك من دون الترحم على الروح الطاهرة ألبينا وشيخنا الكبير سيدي عبد اهلل المرابط الترغي الذي عاملني معاملة األب البنه منذ أن وطأت قدمي هذه الكلية ،أسأل اهلل عز وجل أن يمطر مقامه برحمته الواسعة وأن يجزيه الجاء األوفى. السادة الفضالء أعضاء اللجنة العلمية الموقرة... أوال :موضوع البحث: إذا كانـت العلوم منحـــا إلهيّة ومواهــب اختصاصيّة ،فغيــر مستبعـــد أن يدّخر لبعض المتأخّرين ما عسر على كثير من المتقدّمين، كلمة قالها الحلبي ،وصدقت على ابن مالك الطائي الجياني ،حين نال الغاية العظمى والمنزلة الرفيعة حين مد راحتين نديتين إلى تراث األقدمين ليقدمه عذبا للمتأخرين والمعاصرين ،بعد أن أعمل فيه فكره وعقله واجتهاده وأعاد تأليفه نثرا ونظما ،فكانت مؤلفاته بداية لمرحلة ثانية ومفتاحا لعلماء العربية لدراسة هذه اللغة ،بعد مرحلة النحاة القدماء فرسان هذا الشأن ،الذين حازوا قصب السبق فيه ،تأصيال وتقعيداوتنظيما. وقد القت مؤلفاته وخصوصا ألفية ابن مالك من الشهرة والذيوع ما بلغه «كتاب» سيبويه ،وتناولها كثير من العلماء بالشرح والتعليق منهم « ابن هشام ،وابن الناظم، وأبو حيان ،وابن عقيل ،والشاطبي ،والمكودي واألشموني، والمرادي ،وابن القيم الجوزية ...الخ» ،كما قامت على هذه الشروح وغيرها حواش وشروح كثيرة ،كان لها الفضل األوفر في توضيح غوامض هذه المصنفات للمعلم والمتعلم. ويعتبر كتاب أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك البن هشام األنصاري من بين أهم شروح األلفية وأكثرها شهرة، حيث قامت عليه هو اآلخر شروح وتعليقات كثيرة منها: حاشية عبد المجيد الطيب بن كيران على أوضح المسالك البن هشام ،التي تتألف من جزأين وتتمتين. ومما ال شك فيه أن سمة االختالف واالعتراض والترجيح النحوي ظاهرة في النحو العربي قديما وحديثا ،حتى اعتبر مرحلة من مراحل التقعيد عند علماء العربية ،وهو أمر ذو شأن ال يتجرأ عليه إال من امتلك ناصية اللغة واستقرت قواعدها في ذهنه ،واستظهر المسموع الهائل من شواهدها ،وفهم نصوص المخالفين كما أرادوها ،فدحض الشبه بالحجج ، ورجح بإعمال العقل والفكر. ولم يكن بغريب على العالم الجليل الطيب بن كيران في حاشيته على الموضح أن يلجأ إلى االعتراض النحوي نظرا للمستوى العلمي الذي وصل إليه الرجل ،حيث تمكن العلم من نفسه ،وعرف بشخصية العالم الفقيه ،والنحوي الكبير بين طالبه ،فال يقدم على اعتراض أو ترجيح حكم إال بعد ظهور الحجج والبراهين لديه. فاتضح لي بعد استقراء وتدبر ،واستعانة بتوجيهات كل من األستاذي المشرفين على البحث: أن يكون موضوع البحث هو: « اعتراضات عبد المجيد الطيب بن كيران النحوية في حاشيته على أوضح المسالك ،البن هشام األنصاري ــ الجزء األول من الحاشية ــ ».
17
ثانيا ــ دواعي االختيار: ولما كانت مصنفات ابن هشام من أهم الكتب التي تفخر بها مكتبة النحو العربي فضال عن كونه أحد علماء العربية البارزين ،بعدما نال منزلة لدى العلماء واألدباء ،ليس في مصر وحدها ،بل تعدتها إلى المشرق والمغرب ،فإن دراسة حاشية صنعت على كتاب «أوضح المسالك» ،جديرة باالهتمام ،لما تحويه من أقوال النحاة ومواقفهم وآرائهم في كثير من القضايا النحوية محط الخالف ،خصوصا وأن الطيب بن كيران عالم مغربي موهوب ،عاش في مراحل متأخرة، حيث ساهم ذلك في جعل حاشيته على الموضح موسوعة نحوية بامتياز ،مستفيدا في ذلك من التراكم العلمي الذي تزخر به خزانة النحو العربي ،فكانت له آراء نحوية متميزة من خالل اعتراضه على بعض آراء ابن هشام وكثير من النحاة اآلخرين. ــ ومن دواعي اختيار هذا الموضوع كذلك إماطة اللثام عن نص نحوي مهم ال يزال طي النسيان ،ومن ثم لفت االنتباه إلى شخصية نحوية مغربية مغمورة والتعرف على جهودها وآثارها العلمية حيث يعتبر عبد المجيد الطيب بن كيران امتدادا لمدرسة النحو المغربي بشكل خاص و العربي بشكل عام . ــ فضال عن رصد الحركة العلمية التي راجت منذ بزوغ فجر النحو ،ومحاولة التعرف على أبرز علماء النحو العربي ومدارسه ،خصوصا وأن الحاشية اهتمت بعلمين مهمين في تاريخ النحو العربي ،ابن هشام وابن مالك ،ومن دار في فلكهما قديما وحديثا ،وال شك أن هذا سيفيدني في تكويني العلمي. ــ كما أن هذا الموضوع لم أسبق إليه من قبل ــ فيما أعلم ــ إذا ما استثنينا كتب التراجم التي عرفت بالرجل وحاشيتهالنحوية. اإلشكالية : بقيالسؤالعنأسباباختالفاتالنحويينواعتراضاتهم
طوال فترة التصنيف قديما وحديثا إشكاال جوهريا ،فاختالف النحويين في النظر إلى أصول الصناعة النحوية من سماع وقياس مع وجود نزعة عقلية فلسفية إلى جعل القياس مطردا ،واألخذ بما شاع واشتهر وتوثقت صلته بالموثوق بعربيتهم في مقابل من اعتد بالرواية وجوز القياس على كل ما سمع من العرب ولو كان بيتا واحدا مجهول النسبة. حيث أصبح موضوع التقعيد للنحو العربي شكال من أشكال الجدل بين النحويين متأثرا بمناهج الدراسات الفقهية والمنطقية ،علما أن اتساع الرقعة المكانية لقبائل العرب واختالف لغاتهم ،فضال عن اختالفهم حول األخذ بالقراءات القرآنية وموقف نحاة مرحلة التأصيل للنحو العربي من الحديث بالشريف...الخ ،كل هذه األسباب وغيرها أدت إلى تفاوتهم في الوقوف على المادة المدروسة نتج عن ذلك اختالف في االستقراء واالستنتاج وبالتالي اختالف في اآلليات النصية التي بنيت عليها القاعدة النحوية. والحقيقة أن الباحث عن تأصيل لسؤال عن االعتراض النحوي لن يجد صعوبة كبيرة في تحقيق مسعاه ،ذلك أن كثيرا من النحويين قد خصصوا جهودا كبيرة في تناول هذا الموضوع. كيف ال تكون هناك اختالفات نحوية وأن طبيعة اللغة التطور والجريان ،جريان المياه؟ ولهذا بقي للباحث أن يطرح «السؤال اإليجابي» كيف ساهمت االعتراضات والخالفات النحوية في وجود كم هائل من المصنفات التي أضحت فيما بعد مصادر مهمة من مصادر النحو العربي؟ وهل استطاع عبد المجيد الطيب بن كيران االستفادة من آليات االعتراض النحوي في ردوده على ابن هشام األنصاري؟ وهل تمكن ابن كيران من الوصول إلى الهدف األسمى الذي رسمه في بداية حاشيته وهو جعل هذه الحاشية تعليمية بامتياز ،وذلك بتبسيط قواعد الموضح وإزاحة الغموض عن عباراته وتفسير ما جاء فيه من لبس؟
المنهج اعتمدت األطروحة مقاربة تقوم على األركان اآلتية: الركن األول :العمل على تخريج الجزء األول من الحاشية. الركن الثاني :االنطالق من تحليل المفاهيم النحوية في هيئتها اللغوية واالصطالحية واالستعمالية والبناء على نتائج ذلك الستنباط المبادئ الموجهة للبحث. الركن الثالث :اعتماد منهج وصفي مقارن من خالل إيراد نصوص الردود واالعتراضات النحوية واستنباط أرائها، واالصطالح عليها بالمفهوم المناسب . رابعا -خطة البحث اقتضت طبيعة العمل على هذا البحث أن يتم على قسمينمتصلين: حيث تم تخصيص القسم األول لتخريج متن الحاشية إخراجا علميا ،متحريا الدقة فيما أنقله من النسخة األصلية، مع الحفاظ بأمانة تامة على نص المؤلف وترتيب أبوابه كما صنفها ابن كيران. كما تم العمل على تخريج اآليات القرآنية مع شكلها وترقيمها وإحالتها على السور التي أخذت منها ،إضافة إلى تخريج األحاديث النبوية الشريفة ،وإحالتها على مصادرها بدءا بالصحاح .ثم تخريج الشواهد الشعرية ،التي استشهد بها ابن كيران ،وذكر ناظم البيت إن كان معروفا ،ثم ضبط الشكل واستخراج البحور التي بنيت عليها. كما كنت حريصا على إحالة األبيات الشعرية على المصنفات والمتون النحوية أو الدواوين ،إلثبات أن هذه الشواهد الشعرية موثوق في روايتها ،ومعتمدة لدى النحاة في االستدالل والتقعيد لألحكام النحوية .ناهيك عن تخريج أبيات المنظومات واأللغاز النحوية وخصوصا أبيات ألفية ابن مالك ،وابن كيران. كما عملت جاهدا على ضبط نصوص النحاة وإحالتها إلى مصادرها ،وخصوصا نصوص ابن هشام ،ومن ثم التعرف
على بعض المفاهيم والكلمات التي استعصى علي تخريجها، لعدم وضوحها. وبعد ترجمة موجزة لكل من ابن مالك النحوي ،البن هشام األنصاري ،عبد المجيد الطيب بن كِيران والتعريف بحاشيته .تم البحث على ثالثة فصول ،فصل نظري وفصلين تطبيقيين. وبغية تحقيق ذلك تطرقت لمفهوم االعتراض النحوي لغة واصطالحا ،وعوامل نشأته وجهود النحويين في تأصيله وتطبيقه قبل أن أتحدث عن مالمح منهج ابن كيران في اعتراضاتهالنحوية. إلى تطرقت إلى الحديث أصول النحو واالعتراض النحوي ومدى حضور هذه األصول في استدالالت ابن كيران النحوية، وذلك من خالل التعريف بالسماع والقياس واالجماع ،لغة واصطالحاوتطبيقا. أما الفصل الثاني من البحث فقد تناول نماذج وأمثلة لصور مختلفة من القضايا الخالفية في النحو العربي ،مثل بعض المفاهيم والحدود واألحكام النحوية ،وبعض القواعد والتطبيقات والتقسيمات ونظام األصل والفرع ،ورأي الطيب ابن كيران في هذه القضايا الخالفية مبرزا المسائل التي اختلف فيها مع ابن هشام. أما الفصل الثالث فقد تعرض لبعض صور توظيف الطيب بن كيران لألدلة النقلية والعقلية في اعتراضاته على فهم ابن هشام وغيره لبعض األدلة والقواعد النحوية ،بعض أحكام الشذوذ أو الضرورة ،فضال عن اختالف النحاة حول رواية الشواهد واألدلة النحوية ،مبرزا دور لغات العرب في إثارة هذا الخالف. منهيا البحث باستعراض تطبيقات بعض آليات االستدالل بالدليل العقلي في حاشية ابن كيران على الموضح، وهي آليات استداللية وردت في «اإلغراب» و»االقتراح» . وضع الفهارس الفنية في نهاية البحث.
نتائج البحث: ومن نتائج البحث التي توصلت إليها كذلك: ــ أظهر البحث بالشواهد واألدلة النظرة التوسعية والفهم العميق للنحو العربي اللذين يتمتع بهما ابن كيران عند طرح رأيه النحوي وخصوصا في المسائل التي لها عالقة باألحكام ،مثل اللزوم والجواز والمنع والقيود ...ومناقشته آلراء ابن هشام فيما يتعلق بالحدود والتقسيمات ،وكل ما له عالقة باإلعراب والتأويل والمعاني والدالالت .فلم تبهره شهرة ابن هشام أو ابن مالك ،بل تعامل مع جميع اآلراء النحوية بشكل علمي فقط ،فقابل الرأي بالرأي والحجة بالحجة والدليلبالدليل... ــ أكد البحث أن ابن كيران كان متمكنا من ضوابط االستدالل ،كالسماع والقياس واإلجماع ،مع قدرته على الدفاع عن رأيه باألدلة العقلية والنقلية ،لكن في المقابل لم أجد ابن كيران يعتمد على األصل النحوي الرابع ،الذي جاء به ابن مالك « استصحاب األصل». ــ كشف البحث عن تميز ابن كيران بخطاب نحوي بعيد عن التكلف في مقابل خطاب ابن هشام الذي غالبا ما كان يشدد في طرح آراءه النحوية. ــ توصل البحث أن ابن كيران حاول استنباط آراءه بانفتاحه على جميع المشارب والمذاهب العلمية واستفادته من كتب النحويين وتطبيقاتهم ،وعدم تقيده بمذهب معين مع إعمال النقل والعقل ،محاولة تطوير خطاب االعتراض النحوي. ــ أثبت البحث أن ابن كيران كان متمكنا من القراءات القرآنية فيقارن بينها ،متجاوزا لخطاب تضعيف القراءات القرآنية أو الطعن فيها كما هو الحال في بعض المصنفات بدليل مخالفتها للقياس ،مشيرا إلى أن القرآن الكريم منزه عن التمييز بين لغات العرب ونزل بعدة لغات عربية، ــ أظهر البحث أن ابن كيران كان مستظهرا لكتاب سيبويه ومطلعا على مصنفات ابن مالك وابن هشام والرضي والسيوطي وغيرهم من كبار العلماء المشهورين وأوضح القيمة العلمية التي كانوا يمتازون بها. كما تم توضيح المنهج النحوي الذي يجب على المتعلم إدراكه من خالل هذا التبويب الذي وضعه ابن مالك ،فاألساس هو فهم التصور الكلي لهذه المادة النحوية في ذهن المتعلم والتركيز على ضبط الحدود والتقسيمات الداخلية لهذه األبواب، مشددا على أن «المقصود بالذات» ،من النحو العربي ليس هو الكالم وإنما المقصود هو التقعيد ألحكام األجزاء التي ائتلف منها الكالم رغم أسبقية هذا الباب في الترتيب. ـــ رصد البحث أن ابن كيران ناقش في حاشيته أغلب شراح األلفية مثل المرادي وابن الناظم والشاطبي والمكودي وابن عقيل واألشموني.. فاعترض على بعض اآلراء وأشاد بآراء أخرى. ــ توصل البحث أن ابن كيران كان يتمتع بشخصية قوية وثقة كبيرة في نفسه ،بمنهج تعليمي فريد ،تمثل في تنوع الخطاب العلمي لديه ،مع مراعاة الفئة المستهدفة ،مثل حسن التمهيد لألبواب والموضوعات ،والدقة في صياغة القواعد وشرح ما غمض من كالم النحاة وتبسيطها للمعلم والمتعلم. ثالثا ـ صعوبات البحث: وتكمن صعوبة هذا البحث في مجموعة من العوائق نذكر منها: ــ عدم وضوح المخطوط صعب علي مأمورية التخريج مما اضطرني إلى التدقيق في المفاهيم والبحث عن النصوص في مظانها األصلية ،خصوصا عندما يتعلق األمر بنصوص ابن هشام أو ابن مالك ،ومما يزيد من األمر صعوبة هو تصرفه في النص دون اإلشارة إلى مصدره في كثير من األحيان ،وهذه طبيعة توارثها النحاة منذ القدم ،إذ إن جلب المعلومات وتوثيقها وردها إلى أصولها يحتاج جهدا ووقتا ال يستهان بهما. ــ انعدام المراجع الحديثة التي تتعلق بمتن الحاشية إذا ما استثنينا اإلشارة إليها في كتب التراجم ،مما اضطرني إلى االكتفاء بمصادر النحو العربي السابقة في أغلب األحيان، خصوصا إذا علمنا أن الموضوع له عالقة باالعتراض ومعرفة الراجح من األقوال واآلراء وتتبع خالفات النحويين وسط هذا الكم الهائل من المصنفات والمتون النحوية. اتساع متن الدراسة ،والغموض والتضارب والكثرة التي ميزت المصطلحات النحوية القديمة. التغير المستمر في خطاطة البحث ،ففي كل مرة يُنفتح فيها على موضوع جديد ،وهي عوائق تمكنت من تذليلها بفضل أستاذيَّ المشرفين. الخاتمة : وفي الختام ،أود أن أعبر بصدق أمام اللجنة العلمية أني أعتبر هذه المناقشة مجلسا من مجالس الدرس والتحصيل، ولذلك سأجتهد في اقتناص فوائدها وتقييد شرائدها. كما أجدد شكري للسادة األساتذة الفضالء أعضاء اللجنة العلمية الموقرة وكذا أستاذيَّ المشرفين على ما كابدوه بسبب حرصهم الصادق على تنقيح هذا البحث وتجويده، لذلك أسأل اهلل عز وجل أن يجعله في ميزان حسناتهم، ويرزقهم خير ما عنده.
الشمال
اتحاد طنجة يتقدم بطلب رسمي للمشاركة في البطولة العربية صفحة
�إعداد :م�صطفى ال�سباعي
العدد 993
الثالثــاء � 14إلى 20مــاي 2019
مجرد رأي :
برشلونة لم تستفد من أخطاء العام الماضي حقق نادي ليفربول اإلنجليزي المستحيل وحول خسارته ذهابا أمام برشلونة في ملعب نوكامب 3-0إلى فوز كاسح ب 0-4ليتأهل على حساب الفريق الكتالوني إلى الدور النهائي لدوري أبطال أوربا. وإذا كان «يورغن كلوب» مدرب ليفربول قد تفوق بشكل كبير وعرف كيف يتجاوز صعوبات عديدة رغم غياب نجوم ترسانته الهجومية وفي مقدمهم المصري محمد صالح لإلصابة فإن «أرنستو فال فيردي» مدرب برشلونة لم يتعلم ولم يستفد من أخطـاء العــام الماضي التي كلفـت الفريق الكتالوني غاليا أمام نادي روما اإليطالي ..ولم يغير حطة ونهج فريقه التكتيكي الذي خاض به لقاء الذهاب. ذلك أن صدمة البداية والضغط العالي على دفاع برشلونة وحرمانه من التواصل مع خط الوسط لبناء الهجمات من الخلف أربك حساـبات الفريق الكتالوني في العديد من األوقات. وقد عرف المدرب األلماني كيف يستغل ثغرة جوردي ألبا في الجهة اليسرى لدفاع برشلونة ليصنع فوزا عريضا خاصة وأن الالعب «ألبا» ارتكب أخطاء كارتية خالل هذه المباراة وتسبب في اهتزاز شباك الفريق اإلسباني ثالث مرات. ..حيث ورط فريقه في الهدفيــن األول والثالــث وتسبب تمركزه الخاطىء في ركلة زاوية وعدم انتباهه للهدف الرابع القاتل. العبوا برشلونة أضاعوا فرصا ثمينة كانت بمثابة هدايا من ميسي أضاعها كل من لويس سواريز وكوتينيو وألبا. وبالمقابل كان الالعب «فينالدوم» بمثابــة الهديــة التي أنصفــت المدرب «يورغن كلوب» وأنصفت جماهير ليفربـول ،حيـــث استغــل الالعب الهولندي فرصتين وسجل هدفين في ظرف وجيز ...كما استغل زميله «أوريغي» الفرص التي أتيحت له أمام مرمى برشلونة وسجل هو اآلخر هدفين في مرمى الحارس تير شتيغن. ويبدو أن المدرب فالفيردي وقع في نفس أخطاء الموسم الماضي أمام روما اإليطالي ،حيث خاض لقـاء إيــاب الدور نصف النهائي أمام ليفربول بغقية طغى عليها طابع التحفظ الدفاعي إضافة إلى تأخره في التغييرات والمجازفة بورقة هجومية بديلة بإشراك مالكوم الذي لم يسعفه الوقت وعثمان ديمبيلي بعد فوات اال وان في مباراة روما العام الماضي. وخالصة القول أن نادي برشلونة لم يستفدمن أخطار مباراة الموسم المنصرم وكر نفس األخطاءالتي ساهمت في توقف قطاره في المحطة األخيرة من دوري أبطال أوربا.
صدمة زياش والمزراوي
أصيب الالعبان الدوليان المغربيان حكيم زياش ونصير المزراوي بخيبة أمل وصدمة كبيرة بعد إقصاء ناديهما أياكـس أمستردام الهولندي بميدانه على يد فريق توتنهام اإلنجليزي في الدور نصف النهائي لدوري أبطال أوربا. الالعبان المغربيان كانا يمنيان النفس ببلوغ الدور النهائي أو الفوز بدوري أبطال أوربا وتخلد اسميهما في تاريخ هذه المسابقة الكروية الهامة. غيرأن فريق توتنهام اإلنجليزي عرف كيف يقلب الكفة صالحه ويقلب خسارته إلى انتصار وتأهل.. لتكون بذلك الكرة اإلنجليزية حاضرة بقوة في النهائي من خالل مواجهة ليفربول-توتنهام التي ستقام بالعاصمة اإلسبانية مدريد.
18
تقدمت إدارة اتحــاد طنجــة لكرة القدم بطلب رسمي للمشاركة في البطولــة العربية المقبلة التي تحمــل اســم «كــأس محمـــد السادس لألندية األبطال» .وتوصلت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بطلب من إدارة فارس البوغاز من أجل ترشيحه ضمن األندية المغربية المشاركة في البطولة .وكانت اللجنة المنظمة قد وضعت اسم فريقي الرجاء والوداد البيضاويين ضمن االندية المشاركة .كما وجه فريق الجيش الملكي بدوره طلب ًا للمشاركة في هذه التظاهرة الرياضية العربية.
الكرة المغربية حاضرة بقوة في المنافسات القارية
إذا كانت الكرة اإلنجليزية قـد أكدت حضورها القـــوي على الصعيـــد الكروي األوربي بتأهــل ثالث فرق ليفربول وتوتنهام لنهائي دوري أبطال أوربا وأرسنال لنهائي الدوري اآلوربي فإن األندية العربية المغاربية قد بسطت سيطرتها على المنافسات القارية بتاهل أربع فرق الوداد البيضاوي والترجي التونسي في نهائي دوري األبطال والنهضة البركانية والزمالك المصري في كأس الكونفدرالية اإلفريقية. ومن خالل تواجد فريقين مغربيين ضمن المؤهلين يتضح أن الكرة المغربية استعادت بريقها إفريقيا ..فبعد الر جاء في الموسم الماضي الوداد والنهضة البر كانية في طريقهما نحو األ لقاب القارية بعدما تخطى الفريق البيضاوي في نصف النهائي فريق ماميلودي صن داونز الجنوب إفريقي بانتصار في الر باط وتعادل في بريتوريا. والنهضـــة البركانيـــة التي حقـــقــت الممكن من المستحيل بتجاوزها هزيمة الذهاب بملعب الطيب المهيري بهدفين لصفر والتأهل على حساب النادي الر ياضي الصفاقسي التونسي بثالثية نظيفة. الوداد والنهضـة البركانيــة عليهمــا االحتراس خاصة وأنهما سيخوضان مباراتي الذهاب بملعبيهما وأمــام فريقين قويين يتوفران على الخبرة والتجربة.
فالكرة التونسية عودتنـــا على االستفــزاز لنرفزة الخصم والمباغتة بالتسجيل خارج الميدان والضغط بكل الوسائل في اإلياب لكسب رهان التأهل . ونفس الشيء بالنسبة للكرة المصرية مع محاوالت الضغط على الحكام ...والزلنا نتذكر قبـل أسابيـع كيـف تأهـل الزمالك المصري على حسـاب حسنية أكادير في إياب الدور ربع النهائي لكأس الكونفدرالية والهدف المرفوض للحسنية من طرف الحكم األنغولي مارتينيز وتواطء التلفزة المصرية وعدم إعادة اللقطة حتى ال تظهر الحقيقة للعيان. وحتى ال يتكر نفس المشهد غيـــر الرياضي ننبه فريق النهضة البركانية الذي بلغ نهائي كأس الكونفدرالية اإلفريقية ألول نرة في تاريخه الى طريقة لعب الزمالك واالستفادة من عدم مشاركــة حــارســه الرسمي «حنش» الموقوف والعمل من أجل تحقيق فوز كبير تحسبا لمباراة العودة التي لن تكون بالسهلة. أمــــا بالنسبـــة للوداد البيضــاوي ،فإن المدرب التونســي ف��وزي البنزرتـي قد خبر الكرة التونسية وهو يعرف خباياها وأسرارها ..كل التوفيق للوداد البيضاوي والنهضة البركانية ألن الظفر بالمسابقتين القاريتين سيذر على خزينة الفريقين مبلغا ماليا مهما سيساعد في تدبير شؤونهما في الموسم المقبل بدون مشاكل مادية ويساعدهما على تعزيز صفوفهما بعناصر يمكن تعطي اإلضافة.
الفريق الوطني يواجه منتخب نيجيريا بفرنسا
في اط��ار التحضير لمنافسات كأس افريقيا لألمم التي ستقـام الصيف المقبل بمصر سيكــون المنتخــب المغربــي في محك حقيقي يوم 8يونيو المقبل عندما يالقي نظيره النيجيري في مباراة ودية. الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم توصلت إلى إتفــاق مع االتحاد النيجيـــري للعبة من أجـل إجراء مباراة ودية بفرنسا للوقوف على مكامن الضعف والقــوة في المجموعتين قبــل انطــالق منافســـات الكان .وبتزامن مع ذلك أكدت صحيفة «ليكيب» الفرنسية أن المدرب الفرنسي هيرفي رون��ار ق��رر وض��ع ح��د لمسيرته الرياضية مع النخبة المغربية مباشرة بعد انتهاء منافسات كأس إفريقيا لألمم بمصر. وكشفت الصحيفة الفرنسيــة عن قرار رونار بالرحيل والتخلي عن قيادة العارضة الفنية للمنتخــب المغربــي في الصيـــف المقبل. ويبدو أن إقدام الجامعــة الملكيـــة المغربية لكرة القدم مؤخرا على إعادة النظر في اللجنة التقنية الوطنية وإعفاء رئيسها ناصر الرغيط قد أثر على رونار ال��ذي ل��م يعجبه ال��ق��رار ،حيث أك��د أن الركيط ال يستحق ذلك.
العدد 993
الشمال الرياضي
جمعية تطاون لهواة الصيد الشاطئي تفوز بالبطولة المغربية لجمعيات الصيد بالقصبة الرامية ()Surfcasting 2019
الثالثـاء � 14إلى 20مـاي 2019
محمد بنعيسى يستقبل مكتب سلة اتحاد طنجة
ضمن سلسلة من اللقاءات التي يقوم بها المكتب المديري التحاد طنجة لكرة السلة ،وبعد االستقبال الذي حضي به من طرف محمد مهيدية ،والي جهة طنجة تطوان الحسيمة .عقد مكتب سلة اتحاد طنجة اجتماعا مع وزير الخارجية األسبق ورجل الدولة ،محمد بنعيسى ،الرئيس الحالي للمجلس البلدي ألصيلة بحضور نائبه توفيق اللوزاري و المدير الجهوي لوزارة الشباب و الرياضة طنجة تطوان الحسيمة ،عبد الواحد أعزيبو المقراعي .هذا اللقاء كان مناسبة نوه من خاللها، محمد بنعيسى ،بالعمل القاعدي الهادف الذي تقوم به جمعية اإلتحاد الرياضي لطنجة لكرة السلة في إطار برنامج «طنجة الكبرى تتنفس كرة السلة «وغيرها من البرامج اإلشعاعية .كما نوه بالنجاح الذي حققته القافلة
تطوان � :سعيد ريان
خـــالل العشــر سنــوات األخيـــرة تعزز المشهــد الرياضي ببالدنا برياضـــة بحريــة هي السورفكاستينغ « ،»Surfcastingوذلك بعد تأسيــس العديـــد من الجمعياات المعتمة بالصيد بالقصبة الرامية .وتضم هذم الجمعيات صيادين مهرةاستطاعوا الفوز في منافسات وطنية ودولية. وكانت مدينة تطوان سباقة الى انشاء أول جمعية في الصيد بالقصبة الرامية على يد أساتذة ومهنيين في ماي .1998سميت «جمعية تطاون لهواة الصيد الشاطئي».وعلى غرارها تأسست الكثير من الجمعيات في مختلف مدن المغرب.وبدأت تنظم مباريات محلية ووطنية كان آخرها البطولة المغربية لجمعيات الصيد بالقصبة الرامية.2019.وقد شاركت فيها ثالثة عشر جمعية ممثلة ألغلب جهات المغرب. وقد تم وضع برنامج رياضي لهذه البطولة من أربع مباريات حسب البرنامج التالي: يوم 10فبراير - 2019المباراة األولى بشاطئبوزنيقة من تنظيم جمعية الشباب الذهبي بالجديدة. -يوم األحد 10مارس المباراة الثانية بشاطئ ألمينا
من تنظيم جمعية تطاون لهواة الصيد الشاطئي. يوم األحد 31مارس 2019المباراة الثالثة بشاطئالرأس األسود بالعرائش من تنظيم جمعية النورس بشراكة مع نادي القصر الكبير. يوم السبت 27أبريل المباراة الرابعة بشاطئطنجة من تنظيم جمعية طنجيس بشراكة مع جمعية أميكوس دي بيسكا وأكاديمية أنشطة البحر بطنجة. مما تميزت به هذه البطولة الوطنية أن منظميها اعتمدوا ألول مرة القوانين الدولية الحديثة المنظمة للبطوالت إذ طبق الحكام المعايير المحددة لألسماك المصطادة التي تراعي المحافظة على البيئة البحرية... طيلة المباريات األربع ظل التنافس قويا بين األبطال المتبارين الذين راكموا رصيدا من التجارب في ممارسة هذه الرياضة. بعد احتساب مجموع النقط المحصل عليها من طرف الفرق الرياضية فازت جمعية تطوان لهواة الصيد الشاطئي بالرتبة األولى في المباراة النهائية وبالرتبة األولى كذلك في الترتيب العام فاستحقت لقب بطلة المغرب للسورفكاستينغ .2019وتم بطنجة توزيع الكؤوس والميداليات على الفرق الثالثة األولى .وشواهد االستحقاق في حفل رياضي كبير.
االتحاد األوربي لكرة القدم يخضع لكبار األنديية األوربية
19
الرياضية التي نظمتها المديرية الجهوية لوزارة الشباب و الرياضة طنجة تطوان الحسيمة خالل نهاية األسبوع الماضي بأصيلة والنواحي ،وأشاد بتسريعها إلنجاز مالعب رياضية بكورنيش شاطىء أصيلة لفسح المجال أمام شباب المدينة و زوارها من ممارسة أنشطتهم الرياضية بارتياح تام .ورحب محمد بنعيسى بعقد شراكة وتعاون بين جماعة أصيلة و المديرية الجهوية لوزارة الشباب و الرياضة طنجة تطوان الحسيمة و جمعية اإلتحاد الرياضي لطنجة لكرة السلة ،تتيح نقل تجربة فتح مدارس للقرب لكرة السلة بالمدينة ونواحيها موازاة مع البرنامج المتميز رياضيا ..تربويا ..اجتماعيا « طنجة الكبرى تتنفس كرة السلة «.
قرارات تأديبية ضد المغرب التطواني
في اجتماعها يوم األربعاء الماضي ،قررت اللجنة المركزية للتأديب والروح الرياضية ،التابعة للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ،تغريم سعيد شيبة ،مدرب شباب الريف للحسيمة ،مبلغ 20ألف درهما لرفضه حضور المؤتمر الصحافي بعد المباراة التي جمعت فريقه بنادي المغرب الرياضي التطواني لحساب الدورة 27من البطولة االحترافية .و توقيف طارق السكتيوي ،مدرب فريق المغرب التطواني لمباراتين واحدة منها موقوفة التنفيذ ،مع تغريمه مبلغ 5000درهم ،بعد طرده في المباراة ذاتها التي عرفت كذلك توقيف حمزة حجي
العب فريق المغرب التطواني لمباراة واحدة بعد طرده في المباراة مع تغريمه مبلغ 2000درهما،و تغريم فريق المغرب التطواني مبلغ 5آالف درهما لرمي جماهيره القارورات داخل الملعب و مبلغ 2000درهما ،لحصول فريقه على 3إنذارات وطردين .كما قررت اللجنة توقيف ميلتون كريسا العب مولودية وجدة لمباراتين واحدة منها موقوفة التنفيذ ،بعد طرده في المباراة التي جمعت فريقه بحسنية أكادير ،وتغريم سريع واد زم مبلغ 2000 درهما ،لحصول فريقه على 4إنذارات خالل المباراة التي جمعته بالرجاء الرياضي.
ريال مدريد يقدم عرضاً مغرياً لضم المهاجم الفرنسي مبابي
يبدو أن االتحاد أألوربي لكرة القدم خضع لكبار األندية األوربية وحــدد مسـودة تظهــر تغييــرات جذرية لشكــل دوري أبطال أوربا ،مما ــقد يغير شكل المنافسـة في هذه المسابقة. وسيعرف عام 2024تغييرات جذرية في نظــام بطولة دوري أبطال أوربا تصب في صالح أندية النخبة في أوربا. وأظهرت الوثائق التي اطلعت عليها وكالة «األسوشيتد بريس» خطة لتغيير نظام دور المجموعات لتضم كل مجموعة 8فرق عوضا عن 4مما سيزيد عدد المقابالت إلى 14لكل
فريق وهو ما سيرفع نسبة األرباح الخاصة بحقوق البث التلفزي. كما أوضحت الوثائق أن 24فريقا من أصل 32متأهلين للبطولة سيحتفظون بمقاعدهم فيها كل موسم من دون الحاجة إلى التأهل عن طريق الدوري المحلي ،مما يخـــدم مصالح أندية النخبـة في أوربا. وجاءت هذه التغييرات بعد ظهور تقارير تؤكد أن أندية أوربية كبــرى منهـا برشلونة وريــال مدريد وباييرن ميونيخ تعتزم عقد لقاء سري مع مسؤولي االتحاد األوربي لكرة القدم لمناقشة تغييرات محتملة في مسابقة دوري أبطال أوربا.
كشفت تقارير صحفية فرنسية أن نادي ريال مدريد اإلسباني قدم عرضا مغريــا لفريق باريس سان جيرمان الفرنسي لشــراء مهاجمـه الشـــاب «كيليان مبابي». ونشرت صحيفة «فرانس فوتبول» الفرنسيــة تقريرا عن نية الفريق الملكي في التقدم بعرض لشراء الالعب مبابي مقابل 280مليون يورو. وأوضحت الصحيفة أن ريال مدريد الذي يسعى أيضا إلبرام صفقتي البلجيكي «إيدين هازارد»
والفرنسي بول بوغبا يحاول إقناع الفريق الباريسي بالتخلي عن نجمه صاحب 20هدفا. وأشارت إلى أن عرض ريال مدريد يفوق بكثير ذلك الذي دفعه الفريق الباريسي صيف عام 2017 لضم الالعب البرازيلي نيمار داسيلفا من فريق برشلونة اإلسباني. وإذا ما تمــت هـذه الصفقـة فسيصبــح الالعب مبابــي أغلى العـب في العالم.
األخيرة
الثالثـاء � 14إلى 20مـاي 2019
العدد 993
تذكرة سفر
احللقة الأ�ؤلى
لقاءات حوارية في حلقات ،مع شخصيات مؤثرة في المجال العمومي المغربي والعربي واإلنساني ،تستحضر تجربتهم في الحياة ،وترحل بهم عبر تذكرة سفر معنوية وقلبية إلى الماضي والمستقبل .تذكرة السفر الثانية مع الروائي والناقد واإلعالمي والمناضل السياسي والدبلوماسي عبد القادر الشاوي ،أحد أبرز وجوه ضحايا سنوات الرصاص بالمغرب .أثرى المكتبة اإلنسانية بالعديد من اإلصدارات تنوعت بين حقول معرفية متنوعة ،مثلما أثرى التجربة اإلنسانية في الوجود بـ «دراما ذاتية» قاسية دفع من خاللها 17سنة من االعتقال المظلم وراء القضبان.
ِ
صدار العدد
إ
• عبد اإلله المويسي
س 1ـ يحضر األستاذ عبد القادر الشاوي في مخيال القراء بصيغة الواحد المتعدد ،فهو اإلنسان أوال ،وهو الكاتب الروائي والمناضل السياسي والناشط الحقوقي وأبرز معتقلي سنوات الرصاص ...قبل أن نأخذ في حديثنا عن أهم ما طبع هذه التمفصالت في مشوار حياتك ،أريد أن أبدأ معك من النقط األصولية األولى التي تفجرت منها هذه الشخصية. ماذا تستحضر على وجه الخصوص من بداياتك األولى ،ومن طفولتك على وجه التحديد؟ الجواب : ألقاب عابرة قد نحبها وقد تحبنا هي كذلك بالنظر إلى ما عشنــاه وارتكبناه وخضنا فيه على امتــداد مسير معيــن ومسار خاص .أنا ربيب صدف .هذا هو الواقع ،وإنه لواقعــي كما أعقله عندما أفكر فيه بعد طول سنوات من العمر الذي هرّبته منذ الصغر إلى عنفوان ترامت امتداداته ثم إلى ذاكرة تراكبت مواقفها .وأقول عادة لمن يجادلني في ذلك أو في غيره :أيا صاحبي ،أنا ربيب صدف تعتبرها أنت اتفاقات مقررة. صدفٌ ماكرة ،كما أدّعي ،ألنها ال تبوح بأسرارها وال تعلم بمجراها وال تقول شيئا عن (الدَّهشات) التي يمكــن أن تصاحبهــا وال نــدري أي منقلب إليـــه ســوف ننقلب .الصــدف التي تعتقل الخيال وال تفلت منها عاطفة ،كما لو كانت آيات أُن ِزلتْ على االختيارات فاستحالتْ َ هذه إلى قرارات يا ْ تؤخذ أو تترَك ال حول آلخذٍ في األخذ أن وال لتاركٍ في الترك .أنا واهلل عشت هذا في مساري العام، وفي كل مسافة كنت أخطوها غافال إلى أمام ،مع االعتراف بأنني لم أعرف الوراء إال في الحلم ثم لم أجد وراء إال في الخيال الذي تخيلته النكساراتي .وسأقول ،تبعا لهذا ،إنها أيضا صُدف صديقة ال تضمر لك أي تحذير قد يكون شرا على أسرارك ،وال قدرا ال يرتفع على أوهامك ،وال تشوها قد يصيب وحدتك وتر ّفعك اإلنساني بالتشوه الذي يصيب، غالبا ،ذلك االختيار القصدي أو اإلرادي مهما كان نبيال أو نافعا أو مجيدا أو مرغوبا فيه ،أن يصيبه كما يصاب المريض عندما تيأس عواطفه العليلة باإلصابة القاتلة .أقول وحيدا كذا ومعي الصبر :ال يزعجني األمر وال يقنعني ولن يغير اقتناعي بصدفتي الخاصة .أنا هكذا ،فمن شاء أن يؤمن بانفعالي مع صُدَفي فله ذلك ،ومن لم يشأ فليبتعد عني، ألنني أنزعج في الغالب من أصحاب اليقين التامُ ، وَك ِّلي شكوك ال تهدأ. كيف يعقل ،مثال ،أن أمضي في طريق حتى ولو لم يكن لي من هدف خاص للمضي فيه ،فإذا بي ،بعد ريح هبهاب ال تقلقني ،أَ ِجد نفسي في مجرى مختلف ،فال يكون الوعي به بعد ذلك إال من حاصل عقله .كثيرا ما بدأت خطواتي األولى بدون تدبر ،وقد أسقط بعد الخطوة األولى كأنني أتعلم المشي ،ولكنني ال أنهار فأستمر في صمت وفي عزلة وفي ألم وفي كبرياء وفي طموح ال يسندني شيء ولو كان جدارا ،حتى تنفرج أماد الكبرياء عن مفاجأة ال يمكن أن تكون سارة في الشكل وفي المضمون ،سعيدة تحملني إلى عوالمها البعيدة التي لم يكن من المحلوم أن نحلم بها ،وال أن نتخيل ما كانت تخبئه لنا من أحالم .ال أتكلم عن أي قدر يراه الناس في الغيب ويؤمنون بفعله في الحياة فيركبون مراكبه طائعين حتى ولو شط بهم فيما قد ال يحسبون له أي حساب .ال أتكلم عن هذا القدر ذي البعد الديني ،ألنه يحمل على االستسالم ،وال يحرض على التوقع ،وإنه من الكمائن التي تكرس الطاعة .أتكلم عن االختيار الذي يتخفى غالبا في الوهم ،ثم سرعان ما تجليه الحقيقة كأنه منها كما هو اليقين من األشياء المحسوسة .إنك إذا قبضت على االختيار فكأنما تقبض على النار الحارقة .دعها تلتهمك فإنك لن تبرأ من الشكوك إال بلهيبها ،ولن تشفى من أوهامك التي يزَينها لك التطلع الخائب إال بأوارها .فيكون الرماد أو ما تحته هو أملك المحمول على الصدفة غير المتوقعة. وفي 1967بدون تحديد أدركتُ ،بعد الوعي تماما، أنني منذور لنبوّةٍ مفتعلة ،ألنها لم تكن متوقعة وَع َليَّ
جديدة .هجـــرت الصلــوات الخمس في رمشه عين وخرجتُ مع الخارجين في مظاهــرة صاخبة كان أصحابها يودون التوجه إلى (المالح) لقتل اليهود الذين أغاروا على القوميـــــة العربية وقتلوا دوال عربية كثيـرة ولم يبــق للفلسطينيين ،الذين كانوا أحياء في ذلك اإلبان ،إال بعض أشبار عليها يقيمون حيارى .ونحن نتصاخب قرب الفدان فإذا بقوات األمن تغير على المتظاهرين الصارخين: خيبر خيبر يا يهود ...ويشرع القوم في التفرق جريا وانكسارا في جميع االتجاهات ،بين هابط إلى (المْصلى) ،و َف ٍار إلى زنقة (القايد أحمد) وراجع على أعقابه إلى شارع (محمد الخامس). الحــرب األخرى التي كانت تخوضها قوات األمــن ضـد المتجاسريــن على اليهـــود القابعين في المـــالح ،من بــقــي منهــم في (مـــالح) تـــطــوان بعــد أن هجـــــروهــــــم إلى أرض فلسطـــيـــن بعَيد استقـالل بلد سمي بعـد االستقالل مباشرة بالمغرب. وهكذا يبدو لك أن المظاهرة لم تنجح ،وأنني هربت مع الهاربين وعدت إلى القسم الداخلي بثانوية القاضي عياض ،وأن القوات األمنية أبلت في رد الهجمة اإلسالمية الهائجة على آمنين عاشوا بينهم قرونا في تلك األحياء التي أظلمت شوارعها عليهم، ولم ينفع معهم تغيير حتى جاءت الصهيونية لتهجيرهم إلى األراضي التي استولت عليها بالقوة الغاشمة والعدوان السافر. ماذا كان عليّ أن أفعـــل وَوَعيي لم يتَّقـــد بعدُ؟ هل أعود إلى صالتـــي فأنكمش في وحدتـــي مـــرددا تلك األوراد التي تعلمتهــــا في (الرابطــة المحمدية لألمداح النبوية) في حاضرة الفــــدان ...حيث كانت الجمعية وكنت أنا من بين أعضائها الطارئين رحم اهلل األستاذ الورياشي؟ أقول اآلن :مستحيل ،بل مستحيل تماما .لن أعود إلى الوراء. أوَ َلمْ تدركوا أنني خرجتُ في مظاهرة صاخبة وصرخت في سبيل فلسطين رغم أن شرر النية أوقد في جميع الصارخين تلك الرغبة الدفينة في القتل؟ من هنا جاء السير إلى األمام بدون قصد وال تدبر .الشاب اليافع الذي كنته في السابعة عشرة من عمره الطري ال يريد للجبر القاتل أن يستولي عليه .لقد انطلق ،ومن المستحيل تماما اختزال أحالمه في صمته أو حيرته أو ت َلفه ،مستحيل .إذا انطلق المرء ،كما نعلم من سي ِر المنطلقين ،فارق عقله واخترق دائرته وانشقَّ عن نفسه. الصدفة ،إذن ،كانـــت تنتظرنـــي في األيــــام األولى لسنتي في قسم الباكالوريا إلى جانب صديقي (المدني) (اليحمدِي) الذي ال أعرف عنه اليوم شيئا ،والذي لم أفقه أبدا لماذا اختاروا لي ،وال منْ ،مكانا إلى جانب رفقته ،وال كيف تم ذلك .هل نختار الصداقات في سنوات االغترار والنرجسية؟ وإذ أعود إلى الصدفة فإن ذاكرتي ال تسعفني إال بذلك. هي نفسها صدفة ،أيْ ال ذاكرة ،على خالف ذاكرات اآلخرين التي تختزن أحالما وطفوالت وعالقات ومناسبات وسياقات وأوضاعا ...تحكى وال يمل الحاكي من تريد البطوالت حليب أُمٍّ ال ذنب لها فيما يُروى الوهمية التي رضعها مع ِ باسمها السامي السَّاهِم في السَّهو. الصدفة األولى ربما .نعم ،الصدفة الفارقة التي غيّرت حياتي َفصَيّرتني ،في بداية األمر( ،فيلسوفا) ،ثم كاتبا ثم مناضال ...إلى كل ما في سؤالك عني من ألقاب وأوصاف ال أبرئ نفسي من حملها ما دامت مسطورة في كتاب رواه عني من لم يصاحب صُحبتي.
عن دار النشر «عالم الكتب الحديث» ،وبرسم سنة ،2019صدر للدكتور عزيز الهاللي كتاب جديد يحمل عنوان «الفلسفة السياسية النسوية ـ سؤال السيادة والكونية في فكر سيال بنحبيب» .ويقع الكتاب في 275صفحة من الحجم المتوسط. يتناول الكتاب إشكالية اندماج الفئات المهمشة والمهزومة تاريخيا في النسق الليبرالي الغربي ،مثل الالجئين السياسيين والمهاجرين والنوع...فالسيادة الغربية رسمت حدود اإلقصاء لمكونات سياسية وجنسانية ...وأبعدت االختالف خارج دائرة الوحدة القانونية والتاريخية واإلنسانيةواالعتقادية. تحاول الفيلسوفة سيال بنحبيب معالجة هذا اإلشكال من خالل ردم الحدود بين سيادة منغلقة ووطنية مفتوحة أمام القوانين والتشريعات الدولية المتعلقة بحقوق اإلنسان . وتعتقد أن كسر هذه الحواجز يمكن أن يسهم في بناء كونية عابرة األوطان يسكنها التشارك والتضامن واالنتصار للقيم اإلنسانية.