الصحراء سحر

العميد سالم الطريقي

عندما يسدل الليل ستاره على الربوع الصحراوية تنعدم رؤية البدوي لكل ما كان يشغل يومه ويؤثث حياته من أعباء التنقل والرعي والكدح الدؤوب، وتختبئ كل المناظر المألوفة لديه في وضح النهار ليحل محلها الظالم الحالك من حوله والسكون المريح إال من نباح كلب هنا أو عواء هناك لذئب ال يجرؤ على االقتراب، أو صرير صرصار يعطي الليل نكهته الصحراوية ويصمت فتبقى بعض التكتكة ألعواد الحطب في النار التي منها دفؤه وحمايته من الحشرات و طمأنته من وحوش ، فيبوح لها بما في 1 البرية. يفترش البدوي األرض ويلتحف السماء المزينة بالنجوم خاطره ويسقط عليها صور بيئته األرضية المعهودة لديه والتي تمثل كل تفاصيل حياته البدوية. يصور فيها كوكبات النجوم على شاكلة األشياء التي كونت المخيال البدوي العام عبر تاريخ الحضارات اإلنسانية التي نشأت وتكونت وازدهرت في الصحراء وتركت اإلرث الحضاري الضخم والذي يرجع في معظمه إلى البدوي العربي.

الطيبة والعطور والعصائر املربى ولصنع . واجلراحة بالطب والعالج والتداوي كانت الكواكب واجملرات معروفة جيدا حل الذين يجوبون الصحارى والقفار ّ عند الر والبحارة الذين ميخرون احمليطات والبحار، فالسماء الصافية متثل لهم خارطة يقرؤون أشكالها ويفهمون أسرارها حني يذهب ضوء النهار و يحل ظالم الليل و يستحيل وجود دليل مرئي يوجههم و ينير لهم السبيل. إن تلك املعرفة التجريبية كانت لكثير من الشعوب تقليدا شفويا تتناقله األجيال حتى يتحسسون طريقهم ويتعرفون على األشكال الفلكية املبشرة باملواسم. وكان للعرب في عصر اجلاهلية تقوميا قمريا يدعى "األنواء" ينبئ مبواسم املطر وعدة تنبؤات أخرى. وكان أدب األنواء يرتكز على عادات وتقاليد البدو من األعراب. وفي القرن احلادي موقعا للقمر 28عشر ذكر عدد ثمان وعشرين بأسماء عربية وغيرها أشير إليها ب"منازل مثل الشفوية التقاليد طريق فعن ما كل به ليتذكر كتبه الذي والزجل الشعر ليتحصل السماء في السدمي من يحتاجه البدوي تعلم األرض، في مردود أحسن على واجلزر املد على فقط ليس يؤثر القمر أن وأن والنباتات، التربة على كذلك بل واملياه، على فعال تأثير له معينة، أبراج في القمر النسغ على الزراعية املنتجات وكمية نوعية من مختلفة مناطق في واللون والطعم أو األوراق أو اجلذور في ذلك كان سواء النبات، . الفاكهة أو األزهار التي الكوكبات العربي البدوي صنف فحدد تخيلها، كما السماء في ترى عابرا بها ليستدل القارة الكواكب أماكن في والبحارة أسفارهم في والصحارى الفلكيون يوظفها أرصادا وأصبحت املالحة، أرصادهم وعديد تنبؤاتهم مختلف في والوقت والفالحة الصناعة في متنوعة وحتى واحلصاد والتسميد للزراعة، احملدد والسلم واحلرب والتجارة والطالق الزواج

( امللك سورة كرمي، قرأن " مبصابيح الدنيا السماء زينا إنا )"

العاشر امليالدي( وتابعته بعد ذلك ابنته "أرجوزة بنت الصوفي" والذي حتدث عن الكويكبات التي تخيلها العرب القدامى صف الكتاب مواقع َ ،وي 48 والتي بلغ عددها النجوم في الكوكبا ت وأقدار ملعانها )حيث صنفون النجوم ضمن ستة ُ كان القدماء ي أقدار حسب ملعانها، وكانوا مضطرين لتقدير اللمعان بسبب عدم توفر أدوات قياس دقيقة جلميع ً شامال ً م شرحا ّ ( وقد ً كاملتوفرة حاليا ن صفاتها ّ النجوم عبر أرصاده اخلاصة، و تضم ومواقعها وألوانها وأقدارها )القدر هو وحدة ستخدم منذ القدم لقياس سطوع األجرام ُ ت السماوية(. وقد مت نسخ العديد من أسماء النجوم القدمية أو ترجمتها بشكل غير صحيح من قبل كتب مختلفة، في أروبا خالل العصور الوسطى وبعضهم ال يعرف اللغة العربية مكن أن يكون اسم ُ . ونتيجة لذلك في ً جيدا . ً فا ّ أو محر ً النجم معقدا و قال ريتشارد ألن في كتابه املهم للغاية "أسماء النجوم تقاليدها ومعانيها"

القمر". فقام العلماء املسلمون األوائل بخطوة كبيرة إلى األمام من خالل دحض األساطير الوثنية وإزالتها وخلق مفهوم جديد يقوم على احلسابات العلمية لنقل املعلومات في إطار متماسك. كما حسنوا من األدوات التي حتمل البيانات خالل القرون الثالثة األولى من العصر اإلسالمي، مثل اإلسطرالب الذي كرس وجسد املفاهيم النظرية والعملية مثل حساب الوقت، ووضع اإلحداثيات للمالحة وحتديد وجهة القبلة )االجتاه للصالة( واتباع املواسم املتتالية. للنجوم ً وقد ظهرت أسماء قدمية جدا بني الناس الذين يعيشون في شبه اجلزيرة العربية منذ أكثر من ألف وخمسمائة سنة، وذلك قبل ظهور اإلسالم. ومع ذلك، نشأت العديد من أسماء النجوم في التاريخ وترجمت بعض األوصاف من اللغة اليونانية القدمية. جمع الفلكي كالوديوس سنة 2000 بطليموس )الذي عاش قبل نحو جنما 1025 لـ ً في اإلسكندرية- مصر( أوصافا سمى "النظام األكبر في علم ُ في كتاب ي رجم ُ م. وت 150 شر حوالي عام ُ الفلك" والذي ن كتاب بطليموس إلى اللغة العربية خالل ني، واشتهر ّ القرنني الثامن والتاسع امليالدي بعد ذلك باسمه اخملتصر الذي أطلقه عليه العرب "اجملسطي". ، ً ون املسلمون الحقا ّ واكتشف الفلكي العديد من النجوم اجلديدة بواسطة الرصد ا ّ أهمه ّ املتواصل. أصدرت عديد الكتب ولعل كتاب "صور الكواكب الثمانية واألربعني" في علم الفلك والذي وضعه عبد الرحمن Azophi بن عمر الصوفي )املعروف باسم في الغرب(، في القرن الرابع الهجري )القرن

)70 ٪ بنسبة أي ) اسما 175 أن كشف جنما هي 19 ٪ بنسبة أي إسم 47 و العربية هي الشائعة األسماء فثلثي التينية أو يونانية الفلك قوائم في املسجلة النجوم من الذي اخمليال ولكن عربي، أصل لها العاملية متاما جتاهله يتم كلها األسماء بتلك أتى جميع في يستخدمونها الذين طرف من . أنفسهم العرب ذلك في مبا العالم، أنحاء من برجا وثمانني ثمانية جملة فمن وأربعون ثمانية نستخدمها، التي األبراج الذين اإلغريق زمن في بالفعل موجودة كانت

للبابليني، بنصفهم يدينون أنفسهم كانوا أما . البروج دائرة من برجا 12 ذلك في مبا

)أن األسماء األوروبية للنجوم جاءت 1899 ) أساسا من عند العرب و استنتج ألني، الذي ليس لديه فهم حقيقي للغة العربية، أن العديد من ا أل سما ء ا لعـــــر بية للنجوم كانت

فعال ترجمات املصطلحــــات الوصفية

الكرة السماوية 1630اإلسالمية، اليونانيـــة التي انتقلت عن طريق اللغة 2 العربية إلى الالتينية )ومن اللغة الالتينية إلى اللغة اإلجنليزية وغيرها من اللغات(. 183 مبراجعة Mario Pei عندما قام اللغوي اسما من األسماء االجنليزية للنجوم خلص اسما كانوا من اللغة العربـية، 125 إلى أن كانوا من العربية-الالتينية. 9 و في سمارت وتيم كونيتش بول قام كما ، 2006 للنجوم احلديثة األسماء معجم ) 254 ألسماء إحصائي بتحليل )11 صفحة

Story of the English Language by Mario Pei (1967; Page 225).

من تسليط الضوء على املوروث املشترك من التراث الثقافي الذي أسهمت فيه جميع احلضارات على ضفتي املتوسط. هكذا قدم البدوي العربي للبشرية علما التحريفات العديدة التي استهدفت أسماء النجوم والكواكب واجملرات التي أسقط عليها عامله الصحراوي الشيق فعلم الفلك التاريخ، فجر من أوائل العلوم التي نشأت في األحداث ودراسة مبراقبة يهتم علم وهو وغالفها األرضية الكرة خارج تقع التي ويدرس . الفلكية بالظواهر والتنبؤ اجلوي، في مراقبتها ميكن التي األجسام بدايات الفيزيائية وخصائصها وتطورها السماء، وكان لها املرافقة واألحداث والكيميائية، باحلركة تفكيره شغل قد األول اإلنسان وتتابع والقمر للشمس املتكررة الظاهرية النجوم، وتظهر الظالم يظهر حيث الليل، نوره في لتتوارى النهار يتبعه اسما لديهما الثلثني النجوم، إلى بالنسبة

د فيه بصمته طوال السنني رغم ّ عظيما خل التي . وغيرها اجلوزاء ويد الدبران، مثل عربيا،

السماوية، صورها واستحضار ذكرها مجرد حتكيها التي األساطير من الهائلة والثروة اخلالب السحر شحنات من الرائع والكم رائع سفر في اخلاطر يأخذ يالزمها، الذي اخليال إبداع الكتشاف الصحراء سماء عبر الذي " الدليل " و موجودة فالناقة العربي، يأخذ مكان الدب األكبر، ويتزوج ببنات الليل )الثريا( و"أوريون" او املشبوه أو "املصلوب"، ذلك اآلثم من شعب ثمود الذي قتل ناقة النبي صالح، فذلك اخليال اخلصب يتحدث ن ّ إلى القلب من وراء حدود الزمان واملكان، وميك

: املراجع

"Richard Hinckley Allen: " Star Names,Their Lore and Meaning ".)Story of the English Language" by Mario Pei (1967; Page 225 Le bestiaire du désert dans le ciel arabe » Roland Laffitte« القرن في ) Azophi باسم املعروف ) الصوفي عمر بن الرحمن عبد وضعه والذي الفلك علم في " واألربعني الثمانية صورالكواكب " كتاب - الهجري الرابع