سحر الصحراء عندما يسدل الليل ستاره على الربوع الصحراوية تنعدم رؤية البدوي لكل ما كان يشغل يومه ويؤثث حياته من أعباء التنقل والرعي والكدح الدؤوب ،وتختبئ كل المناظر المألوفة لديه في وضح النهار ليحل محلها الظالم الحالك من حوله والسكون المريح إال من نباح كلب هنا أو عواء هناك لذئب ال يجرؤ على االقتراب ،أو صرير صرصار يعطي الليل نكهته الصحراوية ويصمت فتبقى بعض التكتكة ألعواد الحطب في النار التي منها دفؤه وحمايته من الحشرات و طمأنته من وحوش البرية .يفترش البدوي األرض ويلتحف السماء المزينة بالنجوم ، 1فيبوح لها بما في خاطره ويسقط عليها صور بيئته األرضية المعهودة لديه والتي تمثل كل تفاصيل حياته البدوية .يصور فيها كوكبات النجوم على شاكلة األشياء التي كونت المخيال البدوي العام عبر تاريخ الحضارات اإلنسانية التي نشأت وتكونت وازدهرت في الصحراء وتركت اإلرث الحضاري الضخم والذي يرجع في معظمه إلى البدوي العربي. العميد سالم الطريقي
فعن طريق التقاليد الشفوية مثل الشعر والزجل الذي كتبه ليتذكر به كل ما يحتاجه من السدمي في السماء ليتحصل على أحسن مردود في األرض ،تعلم البدوي أن القمر يؤثر ليس فقط على املد واجلزر واملياه ،بل كذلك على التربة والنباتات ،وأن القمر في أبراج معينة ،له تأثير فعال على نوعية وكمية املنتجات الزراعية على النسغ والطعم واللون في مناطق مختلفة من النبات ،سواء كان ذلك في اجلذور أو األوراق أو األزهار أو الفاكهة. صنف البدوي العربي الكوكبات التي ترى في السماء كما تخيلها ،فحدد أماكن الكواكب القارة ليستدل بها عابرا والصحارى في أسفارهم والبحارة في املالحة ،وأصبحت أرصادا يوظفها الفلكيون في مختلف تنبؤاتهم وعديد أرصادهم متنوعة في الصناعة والفالحة والوقت احملدد للزراعة ،والتسميد واحلصاد وحتى الزواج والطالق والتجارة واحلرب والسلم
الدفاع 128
ولصنع املربى والعصائر والعطور الطيبة والتداوي والعالج بالطب واجلراحة. كانت الكواكب واجملرات معروفة جيدا عند ال ّرحل الذين يجوبون الصحارى والقفار والبحارة الذين ميخرون احمليطات والبحار، فالسماء الصافية متثل لهم خارطة يقرؤون أشكالها ويفهمون أسرارها حني يذهب ضوء النهار و يحل ظالم الليل و يستحيل وجود دليل مرئي يوجههم و ينير لهم السبيل. إن تلك املعرفة التجريبية كانت لكثير من الشعوب تقليدا شفويا تتناقله األجيال حتى يتحسسون طريقهم ويتعرفون على األشكال الفلكية املبشرة باملواسم .وكان للعرب في عصر اجلاهلية تقوميا قمريا يدعى "األنواء" ينبئ مبواسم املطر وعدة تنبؤات أخرى .وكان أدب األنواء يرتكز على عادات وتقاليد البدو من األعراب .وفي القرن احلادي عشر ذكر عدد ثمان وعشرين 28موقعا للقمر بأسماء عربية وغيرها أشير إليها ب"منازل
("إنا زينا السماء الدنيا مبصابيح" قرأن كرمي ،سورة امللك)
العدد 64
جوان 2016