Je croyais en Issa, j'ai rencontré Jésus (ARABE) (OUR1099)

Page 1

‫جامل عطّار‬

‫من‪ ‬اإلميان‪ ‬بعيىس‬ ‫إىل‪ ‬اللقاء بيســوع املسيح‬ ‫جامل عطّار‬

‫من‪ ‬اإلميان‪ ‬بعيىس‬

‫من‪ ‬اإلميان‪ ‬بعيىس‬ ‫إىل‪ ‬اللقاء بيسوع املسيح‬

‫إىل‪ ‬اللقاء بيســوع املســيح‬

‫مــن اإلميــان بعيىس“جــال” شــاب مغــر ّيب‪ ،‬بــرزت لديــه حاجــة‬ ‫فطر ّيــة إىل اللــه‪ ،‬فاشــتدّ يف داخلــه عطــش جــارف إىل معرفتــه‪ .‬التــزم‬ ‫بقــوة وثبــات يف مامرســة اإلســام‪ .‬عمــل عــى تعريــف اآلخريــن‬ ‫باإلميــان اإلســامي الحقيقــي وتشــجيعهم عــى مامرســته‪ .‬عــاش‬ ‫بالنبــي مح ّمــد‪.‬‬ ‫حالــة مــن اإلعجــاب املدهــش‬ ‫ّ‬ ‫وعنــد انتقالــه إىل فرنســا ملتابعــة دروســه الجامع ّيــة حصلــت‬ ‫مجابهــة بينــه وبــن الغــرب واملســيح ّية‪ ،‬فكانــت الصدمــة‪.‬‬ ‫كيــف واجــه الشــاب “جــال” اكتشــاف إميــان يختلــف متامــا‬ ‫عــن إميانــه وكيــف تعامــل معــه بصــدق؟‬ ‫كيــف اكتشــف صــورة يســوع املتناقضــة متامــا مــع مــا تلقّنــه‬ ‫ســابقا؟‬ ‫إنّها مســرة شــخص ّية مثرية للغاية‪.‬‬

‫جامل عطّار‬

‫تعب بصدق عن إميان راســخ وقو ّي‪،‬‬ ‫“هذه شــهادة واقع ّية رائعة‪ّ ،‬‬ ‫بعيــد عن كل مواربة‪( ”.‬ســعيد أوجيبو)‬ ‫‪CHF 10.00 / 8.00 ‬‬ ‫‪ISBN 978-2-940335-99-2‬‬

‫عندمــا يصطدم املســلم املؤمن بقـ ّوة النعمة‬


‫جامل عطّار‬

‫من‪ ‬اإلميان‪ ‬بعيىس‬ ‫إىل‪ ‬اللقاء بيسوع املسيح‬ ‫عندما يصطدم املسلم املؤمن بق ّوة النعمة‬


‫© و النرش اورانىا ‪2014‬‬

‫‪Case postale 128‬‬ ‫‪1032 Romanel-sur-Lausanne, Suisse‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة‬

‫الربيد االلكرتونيكيت ‪info@ourania.ch :‬‬ ‫االنرتنيت ‪http://www.ourania.ch :‬‬ ‫‪ISBN édition imprimée 978-2-940335-99-2‬‬ ‫‪ISBN format pdf 978-2-88913-958-3‬‬

‫نقله إىل العرب ّية‬ ‫موريس صليبا‬

‫منشورات أورانيا‪ ،‬سويرسا‪ 2014 ،‬‬


‫فهرس املوضوعات‬

‫متهيد‬ ‫تقديم ‪9 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫مقدمة ‪11. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫شهادة‬ ‫‪ .1‬يف أرض اإلسالم ‪17. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫‪ .2‬نظرة اإلسالم إىل‬ ‫املسيحيي ‪46. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ .3‬لقايئ مع اإلنجيل ‪53. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫‪ .4‬الرصاع الداخيل‪76. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫‪ .5‬من أنت؟ هل أنت يسوع؟ ‪101 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫رب املجد ‪108 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬ ‫‪ .6‬يسوع ّ‬ ‫‪ .7‬وعد ‪116 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .‬‬

‫‪5‬‬


‫‪1.1‬يف أرض اإلسالم‬ ‫أبــرت النــور يف اململكــة املغربيّــة‪ ،‬هــذا البلــد املخضّ ــب‬ ‫باإلســام حتّــى يف صميــم دســتوره‪ .‬كنــت خامــس ولــد يف أرسة‬ ‫تتكـ ّون مــن مثانيــة أوالد‪ .‬ترعرعنــا يف منطقــة ريفيّــة تبعــد عرشين‬ ‫كيلومـرا عــن الــدار البيضــاء‪ ،‬كــرى مــدن املغــرب‪ .‬مــا زلــت أذكــر‬ ‫جيّــدا كــم كنــت مهووســا‪ ،‬منــذ الطفولــة‪ ،‬بــكل مــا يتّصــل باللــه‬ ‫املاســة للتع ـ ّرف عــى حقيقــة هــذا‬ ‫تعــاىل‪ .‬يبــدو يل أ ّن حاجتــي ّ‬ ‫اإللــه‪ ،‬كانــت مرتبطــة بطبيعتــي البيولوجيــة وملتصقــة بكيــاين‬ ‫الفكــري‪ .‬يف هــذا اإلطــار‪ ،‬أشــر اىل مــا كانــت والــديت تذكّــرين بــه‬ ‫لربــا‬ ‫غالبــا‪“ :‬عنــد والدتــك كان إصب ُعــك مو ّجهــا نحــو الســاء”‪ّ .‬‬ ‫كان هــذا مــؤرشا آخــر عــن مــدى شــغفي الكبــر‪ ،‬منــذ الصغــر‪،‬‬ ‫بالبحــث عــن الــرب اإللــه الجالــس عــى العــرش الســاوي‪.‬‬

‫الشــغف باللــه منذ الصغر‬ ‫مل تعــرف بيئتــي العائليــة واإلجتامعيــة دينــا آخــر غــر‬ ‫اإلســام‪ .‬لــذا نشــأت عالقتــي باللــه مــن خــال هــذا الديــن باحثــا‬ ‫فيــه عـ ّـا يــروي غليــي الروحــي املب ّكــر‪ .‬فقــد جــرى تشــجيعي‬ ‫عــى اإلع ـراف بهــذا الديــن‪ ،‬متامــا كــا يحصــل مــع كل مســلم‪،‬‬ ‫مــن خــال تــاوة الشــهادة التاليــة‪ “ :‬أشــهد أن ال إلــه إالّ اللــه‬ ‫‪17‬‬


‫وأن مح ّمــدا رســول اللــه”‪ .‬كان أيضــا اإلعـراف بهــذا اإلميــان‪ ،‬مــن‬ ‫خــال تــاوة هــذه الشــهادة وتكرارهــا‪ ،‬دليــا قاطعــا عــى حقيقــة‬ ‫إســامي‪ .‬كذلــك بــدأت باكـرا بتــاوة بعــض املقاطــع مــن القــرآن‪،‬‬ ‫وحفــظ بعضهــا غيبــا حتــى قبــل دخــويل إىل املدرســة اإلبتدائ ّيــة‪،‬‬ ‫إذ كنــت أتلــو الســورة األوىل‪ ،‬أي الفاتحــة‪ ،‬املوجــودة يف بدايتــه‪.‬‬ ‫كل ســنة‪ ،‬كان شــهر رمضــان‪ ،‬شــهر الصيــام‪ ،‬مناســبة‬ ‫يف ّ‬ ‫مالمئــة لتنشــئة األوالد عــى مامرســة اإلســام‪ .‬كان يطلــب منهــم‬ ‫الصــوم بعــض األيــام فقــط مــن هــذا الشــهر بهــدف تأهيلهــم‬ ‫تدريجيــا عــى هــذه املامرســة‪ .‬أمــا أرسيت فلــم تلزمنــي بذلــك‬ ‫إطالقــا‪ .‬غــر أننــي اخــرت‪ ،‬مبــلء إراديت‪ ،‬ويف سـ ّن الســابعة‪ ،‬البــدء‬ ‫بصــوم رمضــان‪ ،‬األمــر الــذي ســمح يل غالبــا بالتباهــي عــى أوالد‬ ‫بــأن أصــوم أيامــا أكــر منهــم خــال هــذا الشــهر‪.‬‬ ‫عمومتــي‪ّ ،‬‬ ‫وبالتــايل اكتشــفت معنــى وأهميــة الصــاة الرشع ّيــة أو الطقسـ ّية‪.‬‬ ‫يف الواقــع‪ ،‬ادركــت باكــرا أن الديــن يقــوم عــى مامرســة‬ ‫مجموعــة مــن الواجبــات إلرضــاء اللــه وبأمــل الحصــول عــى‬ ‫نعمــة الغفــران‪ .‬فالقليــل الــذي تعلّمتــه وبــدأت مبامرســته يف‬ ‫ـدي الرغبــة يف اإلطــاع أكــر فأكــر عــى هــذا الدين‪،‬‬ ‫اإلســام ولّــد لـ ّ‬ ‫ي رغبــة شــديدة للتع ّمــق بتعاليمــه وأركانــه‪.‬‬ ‫إذ اســتولت ع ـ ّ‬ ‫ـدي أو إىل‬ ‫يف ســبيل ذلــك مل يكــن بوســعي اللجــوء إىل والـ ّ‬ ‫إخــويت الكبــار‪ ،‬ألن معرفتهــم باإلســام كانــت ســطح ّية‪ ،‬وإىل ح ـ ّد‬ ‫‪18‬‬


‫خاصــة أن مامرســتهم ألركان الديــن كانــت تقتــر‬ ‫مــا‪ ،‬خرافيــة‪ّ ،‬‬ ‫ـداي إىل أيّــة مدرســة‬ ‫عــى مناســبات نــادرة‪ .‬كذلــك‪ ،‬مل يرســلني والـ ّ‬ ‫قرآنيّــة‪ ،‬بعكــس مــا كانــت تفعلــه بعــض األرس يف محيطنــا العائــي‬ ‫والســكني‪ .‬ومــا زلــت أذكــر جيــدا شــغفي الكبــر عند رؤيــة األوالد‬ ‫مــن عمــري يغســلون اللوحــة الســوداء التــي يكتبــون عليهــا آيــات‬ ‫مــن القــرآن بهــدف حفظهــا غيبــا‪.‬‬ ‫كذلــك مل يكــن بوســعي تعلّــم يشء مــن رجــال الديــن‪،‬‬ ‫كاألمئــة مثــا‪ ،‬نظــرا ملــكان ســكننا يف منطقــة نائيــة ال يوجــد‬ ‫فيهــا أي مســجد‪ .‬أمــا أقــرب مســجد فــكان يبعــد ع ّنــا مثانيــة‬ ‫كيلومـرات‪ .‬وحتّــى لــو توفّــر أي مســجد قريــب مــن قريتنــا‪ ،‬ملــا‬ ‫أرســلني والــداي إليــه‪ ،‬بــل إىل مؤسســات التعليــم الرســم ّية‪.‬‬ ‫يف املدرســة اإلبتدائ ّيــة كان التعليــم الدينــي يحتـ ّـل القســم‬ ‫األكــر مــن الربنامــج‪ ،‬إذ يتــ ّم الرتكيــز فيــه دامئــا عــى تحفيــظ‬ ‫القــرآن وبعــض الفرائــض الدين ّيــة ال غــر‪ .‬أمــا املد ّرســون فلــم‬ ‫يكونــوا متع ّمقــن كث ـرا بأمــور هــذا الديــن‪ .‬أذكــر فقــط مد ّرســا‬ ‫واحــدا حــاول أن يعلّمنــا شــيئا عــن اإلســام‪ .‬فــكان يش ـ ّدد عــى‬ ‫ـايس للتع ّمــق بأمــور الديــن‪ .‬كان‬ ‫حفــظ القــرآن غيب ـاً كمبــدأ أسـ ّ‬ ‫علينــا أن نقــي ســاعات طويلــة يف اســتظهار مقاطــع مــن القــرآن‬ ‫دون إدراك معانيهــا‪ .‬وهكــذا مل تتوفّــر يل بالتــايل إال فــرص نــادرة‬ ‫لإلســتامع إىل رشوح ق ّيمــة عــن اإلســام‪.‬‬ ‫‪19‬‬


‫يف البدايــة اعتمــدت عــى نفــي يف تعميــق معرفتــي بهــذا‬ ‫الديــن وإرواء غليــي مــن العطــش إىل اللــه‪ ،‬وذلــك باللجــوء إىل‬ ‫الكتــب‪ ،‬إذ تس ـ ّنى يل اكتشــاف بعضهــا خــال مرافقتــي لوالــدي‬ ‫إىل الســوق بهــدف رشاء الحاجــات املنزليــة‪.‬‬ ‫يف ذلــك الحــن‪ ،‬كنــت قــد بلغــت ســ ّن الســابعة‪ .‬أذكــر‬ ‫ج ّيــدا حالــة الفــرح التــي غمرتنــي عنــد رؤيــة تلــك الكتــب‪.‬‬ ‫ومنــذ ذلــك اليــوم بــدأت مبرافقــة أيب كل أســبوع إىل الســوق‪،‬‬ ‫فكنــت أتجـ ّول يف الشــوارع واألزقّــة الض ّيقــة املتشــابكة واملضلّلــة‪.‬‬ ‫مل‪ ‬تكــن تجتذبنــي روائــح الفشــار أو الفســتق املكرمــل بالســكر‪،‬‬ ‫بــل كنــت أبحــث عــن الت ّجــار الصغــار الــذي كانــوا يعرضــون‬ ‫وســط البــازار‪ ،‬وعــى رفــوف متاجرهــم‪ ،‬بعــض الكتــب عــن‬ ‫اإلســام‪ ،‬تلــك الكتــب األنيقــة املغلّفــة باللــون األخــر واملزيّنــة‬ ‫الدينــي‪ .‬غــر أن ت ّعرضهــا‬ ‫برســوم مذ ّهبــة تشــر إىل مضمونهــا‬ ‫ّ‬ ‫لح ـرارة الشــمس كان يح ـ ّول لونهــا األخــر إىل اإلصف ـرار‪ ،‬كــا‬ ‫هــو حــال كل الكتــب التــي نشــاهدها اليــوم يف األســواق‪ .‬كنــت‬ ‫أغتنــم تلــك الفــرص ألطلــب مــن أيب أن يشــري يل بعضهــا‪.‬‬ ‫ـض عــى تلــك الكتــب‬ ‫عنــد العــودة إىل املنــزل‪ ،‬كنــت أنقـ ّ‬ ‫ألفــرس مضمونهــا‪ .‬غــر ّأن مل أجــد فيهــا إال إرتياحــا مؤقتــا‪ ،‬إذ‬ ‫مــا كنــت انتهــي مــن قراءتهــا حتــى اشــعر بالحاجــة إىل اإلطــاع‬ ‫عــى غريهــا‪ .‬كانــت تلــك الكتــب بالنســبة يل كمطــرة مــاء‬ ‫‪20‬‬


‫تشــفي غليــي وكأبــواب تفتــح أمامــي نحــو الســاء‪ ،‬ولكــن‬ ‫رسعــان مــا كانــت تضيــق يف وجهــي‪.‬‬ ‫أذكــر كذلــك ع ّمتــي التــي كنــت أتــر ّدد أحيانــا إىل منزلهــا‪،‬‬ ‫وأتطلّــع بإعجــاب إىل مكتبــة زوجهــا الــذي كان إنســانا جديــرا‬ ‫باإلحــرام والتقديــر‪ .‬كان هــذا الرجــل يقتنــي كتبــا كبــرة‪،‬‬ ‫ويحافــظ عليهــا يف خزانــة ذات لــون جميــل يبهــر مخ ّيلتــي‪.‬‬ ‫مل‪ ‬أتعــ ّرف عــى أي شــخص آخــر مثلــه‪ ،‬يعيــش عــى بعــد‬ ‫خمــس كيلومــرات مــن قريتنــا يقتنــي كتابــا واحــدا يف بيتــه‪.‬‬ ‫كنــت‪ ،‬يف الواقــع‪ ،‬أقــرب مــن تلــك الخزانــة باحــرام ورهبــة‪ ،‬إذ‬ ‫مل يكــن يُســمح ألحــد بلمســها‪ .‬ولكــن زوج ع ّمتــي كان يأخــذ‬ ‫منهــا أحيانــا كتابــا ويفتحــه أمامــي‪ ،‬طالبــا منــي أن أقــرأ فيــه‪.‬‬ ‫ـر يل بعــض األمــور‬ ‫ي بعــض األســئلة‪ ،‬ويفـ ّ‬ ‫ثــم كان يطــرح ع ـ ّ‬ ‫عــن اإلســام‪.‬‬ ‫عــاوة عــن الكتــب‪ ،‬كانــت هنــاك مسلســات شــهر رمضــان‬ ‫التلفزيونيــة التــي تركّــز عــى اإلســام وعــى مح ّمــد بالــذات‪.‬‬ ‫ـي يف‬ ‫فإليهــا يعــود فضــل كبــر يف ترســيخ أجمــل األفــكار عــن النبـ ّ‬ ‫قلوبنــا الطريّــة‪ ،‬وإىل دفعنــا إىل محبتــه والتعلّــق بــه‪ .‬كان مح ّمــد‬ ‫أي‬ ‫بطلنــا املفضّ ــل‪ ،‬وبطــي أنــا بالــذات‪ ،‬علــا أنّــه مل يجــرؤ ّ‬ ‫ـي ســينام ّيئ حتّــى اآلن عــى لعــب دوره يف املــرح‬ ‫ممثّــل مرسحـ ّ‬ ‫أو الســينام‪ .‬كذلــك يحظّــر عــى أي كان رســم صورتــه‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫أمــا الكتــب التــي كنــت أقرأهــا فكانــت مل ّخصــات عــن‬ ‫اإلميــان‪ ،‬هدفهــا التنشــئة عــى مختلــف جوانــب اإلســام‪ .‬كان‬ ‫بعضهــا يعــرض أركان اإلســام الخمســة‪ :‬الشــهادة‪ ،‬الصــاة خمــس‬ ‫ـج إىل م ّكــة‪ .‬كانــت‬ ‫مـ ّرات يف النهــار‪ ،‬صــوم رمضــان‪ ،‬الــزكاة‪ ،‬والحـ ّ‬ ‫تكشــف يل أيضــا عــن رضورة مامرســتها يف حيــايت‪ ،‬يك أصبــح‬ ‫مســلام ح ّقــا‪ .‬أمــا البعــض اآلخــر فــكان يــرح مضمــون اإلميــان‪:‬‬ ‫أي اإلميــان باللــه‪ ،‬وبرســله (األنبيــاء)‪ ،‬وبكتبــه (التــوراة‪ ،‬الزبــور‪،‬‬ ‫اإلنجيــل)‪ ،‬ومبالئكتــه‪ ،‬وباليــوم األخــر (يــوم الدينونــة)‪ ،‬وبالقــدر‪.‬‬ ‫كنــت اتق ّبــل كل ذلــك بثقــة كبــرة‪ ،‬وأومــن بهــا مــن أعــاق‬ ‫الصــاة‪ ،‬وكيفية‬ ‫قلبــي‪ .‬وهنــاك كتــب أخــرى تعلّمــت منهــا ماهيــة ّ‬ ‫مامرســتها‪ ،‬وأوقــات أدائهــا أثنــاء اليــوم‪ ،‬ويف أي ات ّجــاه جغــرايف‬ ‫يجــب تالوتهــا‪ ،‬وأي مقاطــع مــن القــرآن ينبغــي اســتعاملها‪...‬‬ ‫تعلّمــت أيضــا مــن هــذه الكتــب طــرق الوضــوء والفرائــض التــي‬ ‫يجــب احرتامهــا للبلــوغ إىل النقــاوة والطهــارة‪.‬‬ ‫كان العديــد مــن تلــك الكتــب مســتوحى مــن نصــوص‬ ‫التقاليــد اإلســامية القدميــة‪ .‬كانــت تــروي بشــكل يتــاءم مــع‬ ‫ـيي واهتاممهــم‬ ‫عقل ّيــة الولــد ســرة مح ّمــد وســر خلفائــه الرئيسـ ّ‬ ‫الشــديد يالديــن الجديــد‪ ،‬وبدايات اإلســام‪ ،‬وفتوحاته العســكرية‪،‬‬ ‫وغريهــا‪ .‬فــا كنــت اح ّبــه وأعجــب بــه‪ ،‬عــاوة عــن كل ذلــك‪،‬‬ ‫كانــت تلــك القصــص البنــاءة التــي كتبــت يك تبعــث يف القلــب‬ ‫‪22‬‬


‫رغبــة شــديدة لعيــش اإلســام ولإلقتــداء بحيــاة مح ّمــد وســلوكه‪.‬‬ ‫فأســلوبها كان يثــر اإلحــرام واإلعجــاب بــه‪ ،‬وكذلــك اإلفتخــار‬ ‫باإلنتــاء إليــه واتّخــاذه مرشــدا يف الحيــاة‪ .‬كان كالرجــل اآليت مــن‬ ‫عــامل آخــر‪ .‬فحياتــه كانــت دامئــا أكــر انبهــارا وجــاال وف ـرادة‬ ‫ورومنســية مــن حيــاة أي شــخص آخــر‪ .‬فكلــا قــرأت عنــه‪،‬‬ ‫كان يبــدو يل وكأنــه كائــن فريــد مــن نوعــه‪ ،‬ليــس كشــخصية‬ ‫تاريخيــة أو إنســان‪ ،‬بــل ككائــن متم ّيــز متامــا يف كل يشء‪ .‬كانــت‬ ‫الكتــب تعظّمــه‪ ،‬دون اإلشــارة إطالقــا إىل ســيئاته‪ .‬لقــد أصبــح‬ ‫ـتحق إعجــايب‪ ،‬كــا هــو يف الواقــع‬ ‫فعــا ذلــك البطــل الــذي اسـ ّ‬ ‫ـس‪ .‬ال ميكننــا‬ ‫حــال كل مســلم‪ .‬إنــه الرجــل الــذي ال يُنت َقــد وال ُ َيـ ّ‬ ‫احتقــاره‪ ،‬أو انتقــاده‪ ،‬أو التقليــل مــن اإلحــرام لــه‪ ،‬إال إذا ك ّنــا ال‬ ‫نخــاف عــى حياتنــا‪.‬‬ ‫مــن البديهــي إذا‪ ،‬أن ال نجــد يف هــذه النصــوص مــا يــيء‬ ‫إىل ســمعته وكرامتــه‪ .‬فــا أثــر ألي انتقــاد لــه‪ ،‬وإن طفيفــا‪ .‬كــا مل‬ ‫أســمع ابــدا‪ ،‬خــال وجــودي يف املغــرب‪ ،‬أيــة مالحظــة ســيئة عنــه‪.‬‬ ‫فإســمه ي ُنطــق بــه دامئــا بــكل احـرام‪ ،‬حتــى مــن قبــل األشــخاص‬ ‫متســكا باإلســام‪ .‬وتضــاف دامئــا إىل إســمه العبــارة الشــهرية ‪:‬‬ ‫األقــل ّ‬ ‫“صـ ّـى اللــه عليــه وسـلّم”‪ .‬فــكان إذا رجــا جميــا للغايــة‪ ،‬يعيــش‬ ‫بحاميــة اللــه ومحبتــه‪ ،‬يتمتّــع بــكل الصفــات األخالقيــة والروحية‪.‬‬ ‫وهنــاك أســاطري عديــدة تتح ـ ّدث عــن حــاالت تــرز فيهــا ذكاءه‬ ‫‪23‬‬


‫وحنانــه وكرمــه وترفّعــه إىل مســتوى ال يســتطيع بلوغــه أي إنســان‬ ‫ـادي‪ .‬فــكل ذلــك كان يزيــد إعجــايب بــه ويضاعــف رغبتــي يف‬ ‫عـ ّ‬ ‫طاعتــه واتّبــاع خطــاه‪.‬‬

‫إكتشاف اإلسالم‬ ‫مل أنتظــر طويــا للبــدء عمليــا بتطبيــق تعاليــم اإلســام‬ ‫يف حيــايت‪ .‬فعنــد نهايــة املرحلــة اإلبتدائيــة بــذل والــداي كل‬ ‫الجهــود لتمكينــي مــن متابعــة تعليمــي‪ ،‬خاصــة أين كنــت مــن‬ ‫بــن التالمــذة القالئــل الذيــن جــرى قبولهــم يف املدرســة اإلعداديــة‬ ‫الواقعــة يف قريــة تبعــد مثانيــة كيلومـرات عــن بيتنــا‪ .‬كان يف تلــك‬ ‫القريــة مســجد كبــر‪ .‬غمــرين الفــرح مــا أن شــاهدته عــن بعــد‪.‬‬ ‫بــدأت بالــر ّدد إليــه وأنــا يف الســنة الثانيــة إعــدادي‪ .‬يف ذلــك‬ ‫املســجد التقيــت رجــاال وشــبابا مص ّممــن وعازمــن عــى مامرســة‬ ‫إســام أصيــل‪ ،‬مل يتوانــوا عــن تشــجيعي عــى مامرســته وتقدميــه‬ ‫يل وكأنــه اإلســام الوحيــد الــذي ينبغــي اإللت ـزام بــه‪.‬‬ ‫كانــت املدرســة اإلعداديــة بعيــدة عــن قريتنــا‪ ،‬ومل تتوفّــر لنــا‬ ‫ايــة وســيلة نقــل للوصــول إليهــا بســهولة‪ .‬فــكان ع ّمــي يقودنــا‬ ‫إليهــا أحيانــا عىل ظهــر جـ ّراره الزراعــي‪ ،‬وأحيانا كان أحــد األصدقاء‬ ‫ي ويســمح يل بالركــوب وراءه عــى د ّراجتــه الناريّــة‪ .‬أمــا‬ ‫يشــفق عـ ّ‬ ‫يف الســنتني الثالثــة والرابعــة إعــدادي‪ ،‬فكنــت أقطع تلك املســافات‬ ‫‪24‬‬


‫الخاصــة‪ .‬مل مينعنــي هــذا الواقــع مــن البقــاء فــرة‬ ‫عــى د ّراجتــي‬ ‫ّ‬ ‫أطــول يف تلــك القريــة لتأديــة صــاة الجمعــة‪ ،‬حتّــى ولــو اضطررت‬ ‫أحيانــا للعــودة إىل البيــت مشــيا عــى األقــدام‪ ...‬كذلــك أثنــاء‬ ‫العطــل املدرســية‪ ،‬مل أتــر ّدد إطالقــا عــن املــي عــرة كيلومـرات‬ ‫للتّمكــن مــن املشــاركة يف تأديــة صــاة الجمعــة‪ ،‬ألنهــا كانــت‬ ‫فرصــة مثال ّيــة لإلطــاع أكــر فاكــر عــى تعاليــم اإلســام واكتشــاف‬ ‫اإلســام الحقيقــي الــذي يعلّمــه وينــادي بــه اإلخــوان املســلمون‪.‬‬ ‫ترافــق هــذا التقــ ّدم مــع اقتنــايئ كتبــا أكــر ج ّديــة عــن‬ ‫اإلســام‪ .‬فاإلعتــاد عــى الــذات أخــذ يــزداد شــيئا فشــيئا يف حيــايت‪،‬‬ ‫األمــر الــذي جعلنــي أذهــب وحــدي مــن حــن إىل آخــر إىل أقــرب‬ ‫مدينــة حيــث كانــت تعــرض عــى رفــوف متاجرهــا كتــب ذات‬ ‫ألــوان خــراء مذ ّهبــة‪ .‬فكنــت أشــري بعضهــا حينــا يتوفّــر‬ ‫ـدي بعــض املــال‪ .‬فــأول مجموعــة مت ّنيــت رشاءهــا كانــت كتــب‬ ‫لـ ّ‬ ‫“ الحديــث” التــي تجمــع أقــوال مح ّمــد وتتح ـ ّدث عــن األعــال‬ ‫التــي أنجزهــا يف حياتــه‪ ،‬مبــا فيهــا التافهــة‪ ،‬رغــم أن معظمهــا يــدور‬ ‫حــول مســائل أكــر ج ّديــة أو يــرح اآليــات القرآنيــة‪ .‬مــن الناحيــة‬ ‫املا ّديــة‪ ،‬مل يكــن بوســعي رشاء املجلّــدات الخمــس ملجموعــة‬ ‫“ الحديــث” التــي تضــ ّم أكــر مــن ألفــن وخمســائة صفحــة*‪،‬‬ ‫* يعــرف املســلمون رســميا بســت مجموعــات مــن “ األحاديــث النبويــة” جــرى‬ ‫اختيارهــا مــن بــن ماليــن األقــوال واألعــال املنســوبة إىل مح ّمــد والتــي تناقلتهــا‬ ‫التقاليــد‪ .‬ولكــن يف النهايــة مل يحتفــظ إال بعــدد محــدود منهــا‪.‬‬ ‫‪25‬‬


‫ولك ّنــي اكتفيــت بـراء كتــب موجــزة عنهــا ومبجموعــات صغــرة‬ ‫تعالــج املواضيــع الــواردة فيهــا‪.‬‬ ‫هكــذا أخــذت معرفتــي باإلســام تــزداد برسعــة‪ ،‬حتّــى أن‬ ‫الكثرييــن مــن النــاس حــويل كانــوا يلجــأون إ ّيل بحثــا عــن أجوبــة‬ ‫لبعــض أســئلتهم الحرجــة يف مجــال الديــن‪ ،‬إذ كنــت آنــذاك أحــد‬ ‫الشــباب اليافعــن النادريــن الذيــن يجيــدون الق ـراءة ويعرفــون‬ ‫تفســر األمــور‪ .‬يف الواقــع‪ ،‬كنــت أهــا لــرد قصــة حيــاة مح ّمــد‬ ‫بــكل تفاصيلهــا واإلشــارة إىل النــكات املضحكــة والبنــاءة املســتقاة‬ ‫مــن الس ـ ّنة‪ .‬كنــت أعــرف مثــا‪ ،‬كيــف تق ّبــل محمــد القــرآن يف‬ ‫املـ ّرة األوىل‪ ،‬كيــف هاجــر مــن م ّكــة إىل يــرب املدينــة‪ ،‬وأي طريق‬ ‫تت ّبــع‪ ،‬وكيــف جــرت حاميتــه بأعجوبــة‪ ،‬إلــخ‪ .‬غــر أننــي كنــت‬ ‫أيضــا قــادرا عــى إعطــاء معلومــات وفــرة للذيــن يطلبــون م ّنــي‬ ‫عــن الطــرق املختلفــة ملامرســة الديــن‪ .‬ويف الوقــت نفســه‪ ،‬كنــت‬ ‫أعلّمهــم كيفيــة تأديــة الصــاة‪ .‬مل أكتــف فقــط بالــكالم‪ ،‬بــل كنــت‬ ‫أضــع ح ّيــز التطبيــق كل مــا كنــت أتعلّمــه‪ .‬و هكــذا كنــت أصــوم‬ ‫أيامــا عديــدة خــارج شــهر رمضــان‪ ،‬كــا كنــت أرغــب يف مامرســة‬ ‫أعــال إضافيــة ال عالقــة لهــا بالواجــب الدينــي أو مبــا يفرضــه‬ ‫الديــن‪ .‬كنــت أقــي أوقــات طويلــة يف املســجد وأقــرأ القــرآن كل‬ ‫الصــاة إىل اللــه خمــس مـرات يف اليــوم باتجــاه م ّكــة‬ ‫يــوم‪ .‬كانــت ّ‬ ‫مامرســة يوم ّيــة قامئــة عــى اإلميــان والصــدق‪ .‬ويف شــهر رمضــان‬ ‫‪26‬‬


‫كانــت تــزداد ح ـرارة إميــاين‪ ،‬كــا كنــت أحلــم بإمكانيــة تأديــة‬ ‫ـج إىل م ّكــة‪ ،‬أقــدس مــكان يف اإلســام‪ ،‬األمــر الــذي‬ ‫فريضــة الحـ ّ‬ ‫يســتطيع املــرء مــن خاللــه بلــوغ ق ّمــة اإلميــان‪ .‬فاللــه ســيغفر يل‬ ‫بعــد ذلــك كل ذنــويب وســيتيح يل الفرصــة للعــودة إىل نقــاوة قلب‬ ‫ناصعــة البيــاض‪ .‬كنــت متطلّبــا جــ ّدا مــع نفــي فيــا يتعلّــق‬ ‫للصــاة يف‬ ‫بالنظافــة‪ ،‬إذ كنــت أتوضــأ باســتمرار يك أكــون جاه ـزا ّ‬ ‫ايــة لحظــة‪ .‬كنــت أبحــث عــن كيفيــة مامرســة األعــال الحســنة‬ ‫رشيــر قــد أقــدم عليــه‪ ،‬وســعيا الســتحقاق‬ ‫تعويضــا عــن ّ‬ ‫كل عمــل ّ‬ ‫املغفــرة اإللهيــة‪ .‬فــإذا مــا رأيــت حجــرا صغــرا عــى الطريــق‪،‬‬ ‫كنــت أرفعــه حــاال أو أبعــده عنهــا كعمــل حســن سيسـ ّجله اللــه‬ ‫لصالحــي‪ .‬وال بــ ّد مــن اإلشــارة إىل أنّنــي كنــت ولــدا مشــاغبا‬ ‫وطائشــا حتّــى اللحظــة التــي ق ـ ّررت فيهــا مامرســة اإلســام‪.‬‬

‫مسلم حقّا‬ ‫يف املدرســة الثانويــة‪ ،‬و يف إطــار مامرســتي لإلســام‪ ،‬إت ّبعــت‬ ‫منهجــا راديكال ّيــا ميكــن وصفــه بالشــمو ّيل أو باألصــو ّيل وفقــا‬ ‫للمصطلــح املتعــارف عليــه يف زمننــا الحــارض‪ .‬فــا يشء كان‬ ‫الصــاة أثنــاء‬ ‫مينعنــي عــن اإللتــزام باألوقــات املحــ ّددة لتأديــة ّ‬ ‫النهــار‪ .‬فبينــا كان أصدقــايئ وزمــايئ يهرعــون بهــوس كبــر إىل‬ ‫اللعــب بكــرة القــدم‪ ،‬كنــت أتّوجــه دون تــر ّدد نحــو املســجد‬ ‫‪27‬‬


‫حاملــا يبــدأ املــؤذن بالدعــوة إىل الصــاة‪ .‬حتّــى إذا ســمعته اثنــاء‬ ‫مبــاراة كــرة القــدم‪ ،‬كنــت أتــرك رفاقــي وأغــادر امللعــب يف ســبيل‬ ‫لــدي أحيانــا ل ـذّة كبــرة يف الذهــاب إىل‬ ‫ّ‬ ‫الصــاة‪ .‬كذلــك كانــت ّ‬ ‫املســجد قبــل موعــد اآلذان‪ ،‬يك أقــوم مبــا كان يفعلــه مح ّمــد قبــل‬ ‫الصــاة اإللزاميّــة‪ .‬وأحيانــا كثــرة‪ ،‬وبينــا كان املصلّــون يغــادرون‬ ‫الصــاة‪ ،‬كنــت أبقــى فيــه وقتــا أطــول يك‬ ‫املســجد عنــد نهايــة ّ‬ ‫الصــاة‪.‬‬ ‫أمتّــع نفــي اكــر فأكــر بل ـذّة ّ‬ ‫كل يوم‬ ‫عــاوة عــن ذلــك‪ ،‬كان أحــد األمئــة ينظّــم بعــد ظهــر ّ‬ ‫يف بعــض املســاجد حلقــات حــول تفســر القــرآن و بعــض املراحــل‬ ‫والروايــات املرتبطــة بحيــاة مح ّمــد‪ .‬كنــت ســعيدا باملواظبــة عــى‬ ‫حضورهــا كلّــا ســمحت يل الظــروف‪ .‬وكــم مــن مــ ّرة قضيــت‬ ‫طيلــة فــرة بعــد ظهــر يــوم الجمعــة يف املســجد‪.‬‬ ‫كنــت أتــوق باســتمرار إىل مامرســة نق ّيــة صافيــة لإلســام‪،‬‬ ‫مجـ ّردة عــن كل الخرافــات‪ .‬كان بوســعي أن أجــد تلــك املامرســة‬ ‫يف الكتــب وأن اتل ّمســها لــدى أمئــة املســاجد الكــرى يف وســط‬ ‫مدينــة الــدار البيضــاء‪ .‬مل يكــن يف الــوارد إطالقــا أن أمــارس‬ ‫وصوريّــا‪ .‬فاإلســام الشــعبي‬ ‫إســاما تقليديّــا‪ ،‬غــر مســتقيم‪ ،‬هشّ ــا َ‬ ‫واملتكلّــف مل يــر ِو غليــي أبــدا‪ .‬كنــت أرى النــاس حــويل ميارســونه‬ ‫ألســباب عبث ّيــة‪ .‬أمــا أنــا فكنــت أريــد – واآلن فقــط أدرك ذلــك‬ ‫– أن تكــون مامرســتي تق ّربــا مــن اللــه وات ّحــادا معــه‪ ،‬بهــدف‬ ‫‪28‬‬


‫الوصــول إىل الســاء‪ .‬كنــت أف ّكــر آنــذاك أن الطريــق إليهــا مت ـ ّر‬ ‫عــر معرفــة اإلســام الحقيقــي وتطبيقــه بالطريقــة الفضــى‪،‬‬ ‫وكذلــك مــن خــال اإلقتــداء الصــادق واألمــن بحيــاة مح ّمــد‪.‬‬ ‫ـي قــدر املســتطاع‪ .‬فتعلّقــي بــه‬ ‫إزددت تشـ ّوقا للتشـ ّبه بالنبـ ّ‬ ‫والتقديــر الــذي كنــت أك ّنــه لــه دفعــا يب إىل اإلقتــداء بــه بشــكل‬ ‫كامــل‪ .‬يف الواقــع‪ ،‬لــو أردت أن أكــون إنســانا تق ّيــا وورعــا‪ ،‬لــكان‬ ‫مــن واجبــي أوال اإلستســام متامــا للــه‪ ،‬ثانيــا إمتــام وصايــاه‪ ،‬وثالثــا‬ ‫اإلقتــداء بنب ّيــه‪ .‬عــاوة عــى ذلــك‪ ،‬رأيــت أن القــرآن يقــول يل‬ ‫حرف ّيــا‪“ :‬لقــد كان لكــم يف رســول اللــه أســو ٌة حســن ُة ملــن كان‬ ‫يرجــو اللــه واليــوم اآلخــر و َذكَـ َر اللـ َه كثـرا” (االحـزاب‪ . )21 ،‬ويف‬ ‫مــكان آخــر مــن هــذا الكتــاب يُشــار إىل أن بعــض النــاس كانــوا‬ ‫يتّهمــون مح ّمــدا بانّــه مســكون مــن الشــيطان ويصفونــه بعديــم‬ ‫الفكــر والــذكاء‪ ،‬فخاطبــه اللــه قائــا‪“ :‬وإنّـ َـك لعــى ُخلُــقٍ عظيــم”‬ ‫( القلــم‪ .)4 ،‬وهكــذا يَعتــر كل مســلم وكل مســلمة مح ّمــدا‬ ‫كل يشء‪ ،‬كونــه أرشف الخالئــق وأفضــل األنبيــاء‪.‬‬ ‫منوذجــا لهــم يف ّ‬ ‫فاإلقتــداء بــه إذا فريضــة وليــس خيــار‪.‬‬

‫اإلقتداء مبح ّمد‬ ‫قــررت أن أقتــدي اقتــداء دقيقــا بأفضــل املســلمني يك أصبــح‬ ‫مســلام حقيق ّيــا وكامــا‪ .‬لذلــك بــدأت بق ـراءة ســرته املتوفّــرة يف‬ ‫‪29‬‬


‫كتــب عديــدة‪ .‬أجهــدت نفــي يك أتع ـ ّرف عــى أعــال واقــوال‬ ‫مح ّمــد يف كل مناســبة مــن حياتــه اليوم ّيــة ســعيا إىل تجســيدها‬ ‫يف حيــايت‪ .‬كنــت أحيانــا أصحــو مــن النــوم ليــا فأقــرأ مقاطــع‬ ‫مع ّينــة مــن القــرآن‪ .‬وإذا مــا خرجــت مــن البيــت‪ ،‬كنــت أح ـ ّرك‬ ‫أوال رجــي اليمنــى‪ .‬وعندمــا أذهــب إىل املســجد‪ ،‬مل أكتــف فقــط‬ ‫بتأديــة الصــاة املفروضــة رشعــا‪ ،‬بــل كنــت أضيــف إليهــا صلــوات‬ ‫أخــرى وســجدات عديــدة متهيــدا للبــدء بالصــاة الطقسـ ّية‪ .‬وبعــد‬ ‫رضعــات إضافيــة‪.‬‬ ‫اإلنتهــاء منهــا‪ ،‬كنــت أهــرع إىل تأديــة ركعــات وت ّ‬ ‫ـزي وفقــا لتعاليــم مح ّمد‪ ،‬ونطــق الكلامت‬ ‫كنــت أرغــب يف لبــس الـ ّ‬ ‫التــي كان ير ّددهــا قبــل الطعــام وبعــده‪ ،‬وغســل األيــدي وتنظيــف‬ ‫األنــف‪ ...‬متامــا كــا كان يفعــل أو يشــر إىل فعلــه‪ .‬وعنــد اقـراب‬ ‫موعــد الفطــور يف زمــن الصــوم‪ ،‬كنــت آكل أوال متــرة مثلــه‪ .‬وعنــد‬ ‫الذهــاب إىل املرحــاض‪ ،‬كنــت أجهــد النفــس لإلقتــداء بــه‪ ،‬علــا‬ ‫أن نصوصــا وفــرة يف الســرة النبويــة تشــر إىل الطريقــة التــي‬ ‫كان ميارســها مح ّمــد يف هــذا املجــال‪ .‬إن تعلّقــي الشــديد بــه كان‬ ‫أجســد يف حيــايت مــا كان يفعلــه أو أن أتق ّيــد‬ ‫يحثّنــي عــى أن ّ‬ ‫حرف ّيــا بأوامــره وتعاليمــه‪ .‬كنــت مقتنعــا بــأن هــذا الســلوك هــو‬ ‫األكــر قبــوال لــدى اللــه‪ ،‬ولــذا كنــت ألجــأ بصــدق وحــاس إىل كل‬ ‫الوســائل املمكنــة يك أســتحق مرضــاة اللــه الرحمــن الرحيــم‪ .‬كــا‬ ‫كان مــن الــروري أن أمــارس كل أنــواع األعــال الحســنة‪.‬‬ ‫‪30‬‬


‫مل يكــن مح ّمــد بالنســبة يل‪ ،‬كــا هــو الحــال بالنســبة لــكل مســلم‪،‬‬ ‫نب ّيــا مثــل غــره‪ ،‬بــل كان آخــر األنبيــاء وأفضلهــم‪ ،‬كان أمــر خالئــق‬ ‫اللــه و “خاتــم األنبيــاء” كــا يقــول القــرآن (االح ـزاب‪ .)40 ،‬إنّــه‬ ‫اإلنســان الكامــل‪ ،‬والنمــوذج األمثــل يف كل يشء‪ ،‬باســتثناء بعــض‬ ‫الخاصــة بــه‪ ،‬كالــزواج مــن ثالثــة عــر إمــرأة بــدال مــن‬ ‫األمــور‬ ‫ّ‬ ‫أربعــة لــكل مســلم‪ ،‬وفقــا ملــا جــاء يف القــرآن‪:‬‬ ‫َــك أَ ْز َوا َج َ‬ ‫ِــي إِنَّــا أَ ْحلَلْ َنــا ل َ‬ ‫َّــات‬ ‫ــك ال ِ‬ ‫ يَــا أَيُّ َهــا ال َّنب ُّ‬ ‫َــت َيِي ُن َ‬ ‫ــا أَفَــاء اللَّــ ُه‬ ‫ــت أُ ُجو َر ُهــ َّن َو َمــا َملَك ْ‬ ‫آتَ ْي َ‬ ‫ــك ِم َّ‬ ‫ــك َوبَ َن ِ‬ ‫ــك َوبَ َن ِ‬ ‫ــك َوبَ َن ِ‬ ‫ــات َخالِ َ‬ ‫ــات َع َّمتِ َ‬ ‫ــات َع ِّم َ‬ ‫َعلَ ْي َ‬ ‫ــك‬ ‫َوبَ َنـ ِ‬ ‫ـات َها َج ـ ْر َن َم َعـ َـك َوا ْم ـ َرأَ ًة ُّم ْؤ ِم َن ـ ًة‬ ‫ـات َخاالتِـ َـك الَّـ ِ‬ ‫ـي أَن يَ ْسـتَن ِك َح َها‬ ‫إِن َو َه َبـ ْ‬ ‫ـي إِ ْن أَ َرا َد ال َّن ِبـ ُّ‬ ‫ـت نَف َْسـ َها لِل َّن ِبـ ِّ‬ ‫َخالِ َصـ ًة لَّـ َـك ِمــن ُدونِ الْ ُم ْؤ ِم ِنـ َن قَـ ْد َعلِ ْم َنــا َمــا فَ َرضْ َنــا‬ ‫ـت أَ ْ َيانُ ُهـ ْم لِ َك ْيــا يَ ُكــو َن‬ ‫َعلَ ْي ِهـ ْم ِف أَ ْز َوا ِج ِهـ ْم َو َمــا َملَ َكـ ْ‬ ‫َعلَ ْي َ‬ ‫يــا‪( .‬االحــزاب‪)50 ،‬‬ ‫ــك َحــ َر ٌج َوكَا َن اللَّــ ُه َغفُــو ًرا َّر ِح ً‬ ‫كنــت أعتقــد أن مجــيء مح ّمــد تــ ّم اإلعــان عنــه مــن‬ ‫قبــل األنبيــاء وعــى لســان يســوع املســيح بالــذات حســبام جــاء‬ ‫يف القــرآن‪:‬‬ ‫َوإِ ْذ قَـ َ‬ ‫سائِيـ َـل إِ ِّن َر ُسـ ُ‬ ‫ـول‬ ‫ـال ِعيـ َ‬ ‫ـى ابْـ ُن َم ْريَـ َم يَــا بَ ِنــي إِ ْ َ‬ ‫شا‬ ‫اللَّـ ِه إِلَ ْي ُكــم ُّم َص ِّدقًــا لِّـ َـا بَـ ْ َ‬ ‫ـن يَـ َد َّي ِمـ َن التَّـ ْو َرا ِة َو ُم َب ِّ ً‬ ‫ِب َر ُســو ٍل يَـأْ ِت ِمــن بَ ْعـ ِـدي ْاسـ ُم ُه أَ ْح َمـ ُد‪( .‬الصف‪)6 ،‬‬ ‫‪31‬‬


‫واإلســم “ أحمد” هو أحد األســاء األخرى التي أعطيت ملح ّمد‪*.‬‬ ‫لقــد أختــر مح ّمــد وأرســل مــن قبــل اللــه ليحمــل الرســالة‬ ‫الوحيــدة التــي أعلنهــا األنبيــاء الســابقون‪ ،‬وكذلــك إلكــال الديــن‪:‬‬ ‫ُهـ َو الَّـ ِـذي أَ ْر َسـ َـل َر ُســولَ ُه بِالْ ُهـ َدى َو ِديــنِ الْ َحـ ِّـق لِ ُيظْ ِه َر ُه‬ ‫شكُــونَ‪( .‬التوبــة‪)33 ،‬‬ ‫َعـ َـى ال ِّديــنِ كُلِّـ ِه َولَـ ْو كَـ ِر َه الْ ُم ْ ِ‬ ‫أمــا هــؤالء “ املرشكــن” فكانــوا بنظــري كل الذيــن ال‬ ‫يؤمنــون باإلســام‪ ،‬خاصــة اليهــود والنصــارى الذيــن ال يعرتفــون‬ ‫بوحدانيــة اللــه ألنهــم يرشكــون معــه آلهــة أخــرى‪.‬‬ ‫كل مــا كنــت أعرفــه عــن مح ّمــد كان مفعــا بالثنــاء‪ .‬مل اقــرأ‬ ‫عنــه أيــة قصــص مذهلــة‪ ،‬تــرزه بصــورة أقـ ّـل تقريظــا مثــل التــي‬ ‫اكتشــفتها الحقــا‪ .‬لقــد جــرى تجميــل طفولتــه وشــبابه بالقصــص‬ ‫املثــرة لإلعجــاب وامله ّيجــة للنفــوس إىل أقــى الحدود‪ .‬قُـ ِّدم لنا يف‬ ‫كتــب الـراث بأنّــه األمــن والفريــد بــن البــر‪ .‬قيــل عنــه يف بعض‬ ‫التوســط والشــفاعة أل ّمتــه يــوم‬ ‫األحاديــث إ ّن اللــه وهبــه إمتيــاز ّ‬ ‫الديــن‪ .‬وهكــذا ســيتمكّن عــدد كبــر مــن الذيــن اقرتفــوا خطايــا‬ ‫مميتــة واســتحقّوا نــار جه ّنــم‪ ،‬مــن الخــروج منهــا واالنتقــال إىل‬ ‫الج ّنــة بفضــل وســاطته‪.‬‬ ‫ * يف األناجيــل مل يعلــن يســوع إطالقــا مجــيء مح ّمــد‪ .‬لقــد جــرى البحــث بكل الوســائل‬ ‫عــن دليــل واحــد يســمح بتأكيــد العكــس‪ ،‬فلــم يعــر عــى يشء أبــدا‪ .‬فــكان ال ب ـ ّد‬ ‫مــن تفكيــك الكتــاب املقـدّس وتفســره بأســوأ الطــرق واخـراع إنجيــل جديــد‪ ،‬إنجيــل‬ ‫ـص كُتــب يف القــرون الوســطى‪ ،‬ليــدرج فيــه توقّــع مجــيء مح ّمــد‪.‬‬ ‫برنابــا‪ ،‬وهــو نـ ّ‬ ‫‪32‬‬


‫كان مح ّمــد يتيــم األب قبــل والدتــه‪ .‬ثــم فقــد أ ّمــه وهــو‬ ‫يف السادســة مــن عمــره‪ .‬قيــل إنّــه كان أ ّم ّيــا‪ ،‬وهــذا نقــص جــرى‬ ‫تحويلــه إىل صفــة خارقــة أضفيــت عليــه ألنّــه أىت بالقــرآن‪ ،‬هــذا‬ ‫الكتــاب الفريــد مــن نوعــه‪ .‬يف بدايــة شــبابه قــام مح ّمــد برحــات‬ ‫تجاريــة مــع قبيلتــه‪ .‬كان يتحـ ّـى بكثــر مــن الحكمــة والهــدوء‬ ‫حتــى أ ّن سـ ّيدة ثريّــة – تلــك التــي اصبحــت فيــا بعــد زوجتــه –‬ ‫طلبــت منــه إدارة أعاملهــا فنجــح ج ّيــدا يف اســتثامرها وتنميتهــا‪.‬‬ ‫كــم كان قلبــي يجيــش فرحــا وســعادة عندمــا كنــت اقــرأ‪،‬‬ ‫مثــا‪ ،‬أن رجــاال مــن النصــارى واليهــود يتم ّيــزون بالحكمــة والعلــم‬ ‫امتحونــه وعــارشوه‪ ،‬فتبـ ّـن لهــم أنّــه “خاتــم األنبيــاء”‪ .‬مــن بــن‬ ‫هــؤالء أذكــر الراهــب “بحــرا” الــذي كان مــن أكــر املتعلّمــن‬ ‫بــن النصــارى‪ .‬قيــل إ ّن “بحــرا” إلتقــى الشــاب مح ّمــد أثنــاء‬ ‫رحلــة تجاريــة إىل بــاد الشــام بصحبــة ع ّمــه ايب طالــب‪ .‬عنــد‬ ‫اق ـراب القافلــة مــن صومعتــه‪ ،‬شــاهد الراهــب “بح ـرا” غيمــة‬ ‫ـتظل مــن الشــمس‬ ‫تظلّــل مح ّمــدا‪ .‬وعندمــا حــاول مح ّمــد أن يسـ ّ‬ ‫تحــت شــجرة‪ ،‬تدلّــت أغصانهــا لتحميــه‪ .‬بعــد ذلــك امتحنــه هــذا‬ ‫الراهــب فوجــد عــى ظهــره عالمــة تشــر إىل أنّــه “خاتــم األنبياء”‪.‬‬ ‫ثــم تو ّجــه بالــكالم إىل ع ّمــه قائــا‪“ :‬خــذ إبــن أخيــك معــك وأعــده‬ ‫أىل بــاده‪ .‬إح ِمـ ِه مــن اليهــود‪ .‬واللــه! إذا رأوه وعلمــوا مبــا أعــرف‬ ‫عنــه‪ ،‬سيســيئون إليــه كثـرا‪ .‬إن مســتقبال كبـرا ينتظــر إبــن اخيك‪.‬‬ ‫‪33‬‬


‫أعــده برسعــة إىل بــاده”*‪ .‬وهنــاك قصــص وروايــات عديــدة مــن‬ ‫هــذا القبيــل متــأ مئــات الصفحــات التــي كتبــت منــذ أكــر مــن‬ ‫ألــف ســنة‪.‬‬ ‫هنــاك أيضــا مالمــح عديــدة يف حيــاة مح ّمــد وســلوكه تبــدو‬ ‫يل اليــوم عرضــة للشــك ومخزيــة للغايــة‪ .‬وبالرغــم مــن ذلــك‪،‬‬ ‫كنــت كثــر اإلعجــاب بهــا‪ .‬فزواجــه مثــا مــن الطفلــة عائشــة‪،‬‬ ‫وهــي يف التاســعة مــن عمرهــا‪ ،‬مل أجــد فيــه كمســلم أي يشء‬ ‫يســتحق اإلزدراء أو الشــجب‪ .‬ملــاذا؟ ألن البيئــة الثقافيــة التــي‬ ‫نشــأت فيهــا كانــت تقــوم عــى هــذه القاعــدة‪ ،‬وقــد تب ّنتهــا‬ ‫رشفــة التــي ال تســتوجب اللــوم‬ ‫حتــى أصبحــت مــن األمــور امل ّ‬ ‫إطالقــا‪ .‬مل أكــن أعــرف يف ذلــك الوقــت أن الرســول بولــس‪ ،‬وهــو‬ ‫مبعــوث آخــر مــن قبــل اللــه‪ ،‬كان قــد كتــب‪َ ﴿ :‬و َمــا ت َ َعلَّ ْمتُ ُمــو ُه‪،‬‬ ‫َوت َ​َســلَّ ْمتُ ُمو ُه‪َ ،‬و َســ ِم ْعتُ ُمو ُه‪َ ،‬و َرأَيْتُ ُمــو ُه ِ َّف‪ ،‬فَهــذَا افْ َعلُــوا‪َ ،‬وإِلــ ُه‬ ‫الس ـا َِم يَ ُكــو ُن َم َع ُك ـ ْم‪( ﴾.‬رســالة إىل أهــل فيليبــي ‪ .)9 ،4‬وهــذا‬ ‫َّ‬ ‫الرســول بالــذات مل يقـ ّدم نفســه إطالقــا كنمــوذج أعــى‪ ،‬بــل كان‬ ‫يذكّــر النــاس الذيــن يخاطبهــم بأنــه يســعى لإلقتــداء بشــخص‬ ‫آخــر‪ ،‬أال وهــو يســوع املســيح‪.‬‬ ‫مل أشـ ّدد كثـرا عــى رضورة اإلقتــداء مبح ّمد إالّ إلبـراز أهمية‬ ‫شــخصيته املق ّدســة بالنســبة للمســلمني‪ .‬ولكــن يف الحقيقــة ال‬ ‫* إبن إسحق‪ ،‬السرية النبوية‪ ،‬صفحة ‪ 122‬وما يليها‪ .‬باب “سلوك مح ّمد”‬ ‫‪34‬‬


‫يتعلّــق األمــر إال باقتــداء مــن اعتــره املثــال الوحيــد الذي يســتحق‬ ‫أن يُقتــدى بــه‪ ،‬أي النمــوذج األســمى‪ ،‬وهــو يســوع املســيح‪ .‬يبــدو‬ ‫يل أن اإلســام قــام بــكل مــا بوســعه لخطــف األضــواء عــن املســيح‬ ‫ومزايــاه‪ ،‬بهــدف نســبتها إىل مح ّمــد أو إىل القــرآن‪ ،‬حتــى أن‬ ‫الكثرييــن يؤمنــون بــأن القــرآن هــو كالم اللــه وهــو غــر مخلــوق‪.‬‬ ‫أال يكمــن هنــا هــذا التحـ ّدي األكــر؟‬

‫حاميس يف ســبيل الدين‬ ‫ترافــق إلتزامــي باإلســام بعــزم شــديد مــع تعريــف اآلخرين‬ ‫ـامي وحثّهــم عــى تطبيقــه‪ .‬بــدأت هــذه‬ ‫باإلميــان الحقيقــي اإلسـ ّ‬ ‫والــدي‪ ،‬فاســتنتجت أنهــا يريــدان احــرام‬ ‫الرســالة أوال مــع‬ ‫ّ‬ ‫الفرائــض‪ ،‬ولكــن نظـرا ملســتوى املتطلبــات‪ ،‬إكتفيــا بالقليــل منهــا‪.‬‬ ‫فكانــت والــديت تــر ّدد يوميّــا عــى مســامعي بأنّهــا ســتطبّق يومــا‬ ‫كل هــذه الفرائــض‪.‬‬ ‫خــال العطــل املدرســية‪ ،‬خاصــة يف فصــل الصيــف‪ ،‬كان‬ ‫والــدي يطلــب م ّنــي مســاعدته يف البســتان حيــث كان يهتــم‬ ‫بزراعــة البنــدورة‪ .‬يف الوقــت نفســه‪ ،‬كان يســتعني ببعــض العـ ّـال‬ ‫والــرش الكيــايئ وجمــع املحاصيــل الزراعيــة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يف مجــال الــ ّري‬ ‫العــال حقّقــت أوىل انتصــارايت‪ ،‬إذ كنــت أقــي‬ ‫فمــع هــؤالء‬ ‫ّ‬ ‫معظــم الوقــت يف رشح اإلســام لهــم‪ ،‬وليــس يف العمــل‪ .‬فتح ـ ّول‬ ‫‪35‬‬


‫حقــل البنــدورة إىل مســجد‪ ،‬كــا تح ّولَــت أيضــا أوقــات الطعــام‬ ‫والراحــة للتنشــئة عــى اإلســام‪ .‬بالنتيجــة‪ ،‬إلتــزم بعضهــم يف‬ ‫مامرســة ج ّديــة لإلســام وأصبحــت أنــا مرشــدا لهــم‪ .‬مل أرغــب‬ ‫الصــاة‪ ،‬بــل عــى مامرســة ج ّيــدة للديــن يك‬ ‫يف حثّهــم عــى ّ‬ ‫يســت ّحقوا رحمــة اللــه‪.‬‬ ‫دفعتنــي هــذه الغــرة كذلــك إىل اإلهتــام مبعــاق أصــ ّم‬ ‫يصــي خمــس مــ ّرات يف‬ ‫وأبكــم‪ ،‬فعزمــت عــى تلقينــه كيــف ّ‬ ‫اليــوم‪ ،‬وكيــف يتوضّ ــا‪ ،‬وكيــف ميكــن أن يصبــح بالتــايل مســلام‬ ‫صالحــا‪ .‬كان هــذا املعــاق أحــد أصدقــايئ‪ .‬فبالرغــم مــن إعاقتــه‬ ‫توصلــت‬ ‫خاصــة بــه‪ّ ،‬‬ ‫املزدوجــة‪ ،‬نجــح يف تكويــن لغــة إشــارات ّ‬ ‫إىل فهمهــا مــن خــال معــارشيت لــه‪ .‬وهــذا مــا ســاعدين يف‬ ‫تنشــئته عــى الوضــوء والتفكــر باللــه ومامرســة اإلشــارات‬ ‫املرتبطــة بالصــاة‪ .‬وبالرغــم مــن صعوبــة تلقينــه املفاهيــم‬ ‫الروح ّيــة‪ ،‬شــعرت بإغتبــاط شــديد عنــد رؤيتــه ميــارس بعــض‬ ‫الفرائــض الدينيــة‪.‬‬ ‫يف تلــك األثنــاء‪ ،‬جــرى تشــييد مســجد بالقــرب مــن‬ ‫الصــاة‬ ‫مــكان ســكننا‪ ،‬ولكــن دون إمــام‪ ،‬فتط ّوعــت إلدارة ّ‬ ‫فيــه ولتنظيــم “حــوارات دينيــة” عــى شــاكلة مــا كان يجــري‬ ‫يف مدينــة الــدار البيضــاء‪ .‬وقــد القــى ذلــك استحســانا كبــرا‬ ‫لــدى الجــران الذيــن كانــوا يقــ ّدرون كفــاآيت وج ّديتــي يف‬ ‫‪36‬‬


‫أمــور ال ّديــن‪ .‬وهــذا مــا يســمح يل اآلن بــرداد كالم الرجــل‬ ‫ـت أَت َ َق ـ َّد ُم‬ ‫الكبــر‪ ،‬الرســول بولــس‪ ،‬بأننــي يف ذلــك الوقــت ﴿كُ ْنـ ُ‬ ‫ِف [ اإلســام] َعـ َـى كَ ِثريِي ـ َن ِم ـ ْن أبنــاء جيــي مــن بنــي قومــي‬ ‫ِ‬ ‫ــائ﴾ (غالطيــة ‪.)14 ،1‬‬ ‫َــرة الشِّ ــدي َدة علىــي ت‬ ‫َقاليــد آبَ ِ‬ ‫ويف الغ ْ َ‬ ‫وال بــ ّد يل هنــا مــن اإلشــارة إىل مــروري يف مراحــل فــر فيهــا‬ ‫حــايس وتديّنــي‪ ،‬غــر أن عطــي ملعرفــة اللــه كان يــزداد‬ ‫اشــتدادا وحــرارة‪.‬‬

‫القرآن‬ ‫حتّــى اآلن مل أذكــر شــيئا عــن القــرآن‪ ،‬هــذا الكتــاب األســايس‬ ‫الــذي يشــكّل العمــود الفقــري للديــن اإلســامي‪ .‬يف الواقــع‪،‬‬ ‫ككل مســلم مغــر ّيب‪ ،‬مــن خــال الراديــو‪ ،‬إذ كان‬ ‫إكتشــفته باكـرا‪ّ ،‬‬ ‫تيــر مــن اآليــات‪ .‬وكذلــك مــن خــال‬ ‫يُــذاع عــره يوميّــا مــا ّ‬ ‫كل صبــاح بإنشــاد‬ ‫التلفزيــون‪ ،‬إذ كانــت الربامــج اليوك ّيــة تبــدأ ّ‬ ‫بعــض اآليــات القرآنيــة‪ .‬وهكــذا عرفــت‪ ،‬منــذ طفولتــي‪ ،‬أن القــرآن‬ ‫رف بنزولــه‬ ‫هــو آخــر كتــاب أوحــى بــه اللــه‪ ،‬وأن مح ّمــدا تــ ّ‬ ‫عليــه‪ .‬تعلّمــت أن أرى ذروة الكــال يف هــذا الكتــاب الــذي يُعتــر‬ ‫معجــزة بفضــل جاملــه اإلنشــايئ‪ ،‬إذ ال يســتطيع أي امــرئ أن يــأيت‬ ‫بآيــة واحــدة أجمــل مــن آياتــه‪ .‬وهــذه املعجــزة تش ـكّل تح ّديــا‬ ‫لــكل البــر اســتنادا إىل شــهادة القــرآن نفســه‪:‬‬ ‫‪37‬‬


‫َــت ِمــن لَّــ ُد ْن‬ ‫ــت آيَات ُــ ُه ث ُــ َّم ف ُِّصل ْ‬ ‫ــاب أُ ْح ِك َم ْ‬ ‫(الــر) كِتَ ٌ‬ ‫يــم َخبِــرٍ‪( .‬هــود‪)1 ،‬‬ ‫َح ِك ٍ‬ ‫هكــذا ترعرعــت يف ظـ ّـل تكريــم هــذا الكتــاب‪ ،‬املق ـ ّدس‬ ‫مســه قبــل غســل اليديــن‪،‬‬ ‫بنظــر للمســلمني‪ .‬فلــم يكــن بوســعي ّ‬ ‫أو عــى األقــل‪ ،‬إن مل أكــن يف حالــة مــن الطهــارة‪ .‬كــا ال أنــى‬ ‫تلــك األوقــات الطويلــة التــي قضيتهــا يف اســتظهار آياتــه‬ ‫وحفظهــا وحالــة الســعادة التــي كانــت تغمــرين أثنــاء ترتيلهــا‪.‬‬ ‫وقــد شــ ّجعني عــى ذلــك مــا قالــه مح ّمــد نفســه وتناقلتــه‬ ‫عنــه الس ـ ّنة‪:‬‬ ‫إن مــن يتلــو حرفــا واحــدا مــن القــرآن سيحســب لــه‬ ‫مقــدار عــرة مــن األعــال الصالحــة‪ .‬أنــا ال أقــول إن‬ ‫(امل) تشــكل حرفــا واحــدا‪ ،‬بــل (أ) هــي حــرف‪ ،‬و(ل)‬ ‫هــي حــرف‪ ،‬و(م) هــي حــرف*‪.‬‬ ‫ويف حديــث آخــر ذكــره مســلم‪ ،‬أحــد الذيــن جمعــوا‬ ‫أحاديــث الســ ّنة اإلســامية‪ ،‬يقــول مح ّمــد‪:‬‬ ‫عــن جبــر بــن نفــر قــال‪ :‬ســمعت النــواس ابــن‬ ‫ـي يقــول‪ :‬يــؤىت‬ ‫ســمحان الــكاليب يقــول‪ :‬ســمعت النبـ ّ‬ ‫بالقــرآن يــوم القيامــة وأهلــه الذيــن كانــوا معــه‪.‬‬ ‫* الرتمــزي‪ ،‬مامرســات‪ ،‬حديــث رقــم ‪ .996‬ال ب ـ ّد مــن اإلشــارة إىل أن األلــف والــام‬ ‫وامليــم هــي أحــرف يف األبجديــة العربيــة وتشــكّل اآليــة األوىل مــن الســورة‬ ‫الثانيــة يف القــرآن‪.‬‬ ‫‪38‬‬


‫تق ّدمــه ســورة البقــرة وآل عم ـران لتدافــع كل منهــا‬ ‫عــن الذيــن تأملــوا يف مضمــون القــرآن وط ّبقــوه*‪.‬‬ ‫كنــت أتشـ ّوق بــورع كبــر إىل أن يشــهد القــرآن يــوم الديــن‬ ‫عــى صدقــي ومــدى تكريــس حيــايت للــه‪ .‬لذلــك كنــت أغتبــط‬ ‫كثــرا عنــد إســتامعي إليــه أو تالوتــه‪ ،‬حتّــى وإن مل أفهــم مــا‬ ‫يقــال‪ .‬يف الحقيقــة‪ ،‬القــرآن كتــاب يصعــب جــ ّدا فهمــه‪ .‬غــر‬ ‫أن األه ـ ّم بالنســبة يل وللجميــع ليــس فهمــه‪ ،‬بــل بــكل بســاطة‬ ‫قراءتــه واإلســتامع إىل تالوتــه وتجويــده‪ ،‬ألن اللــه ســيكافئنا عــى‬ ‫ذلــك‪ ،‬علــا أن ّ املســلم ال يهتــم يف فهــم القــرآن إلدراك إرادة‬ ‫ـحري”‪.‬‬ ‫اللــه‪ ،‬بــل لكونــه كتــاب “سـ ّ‬

‫اإلميان‬ ‫مل يشــكّل اإلقتــداء مبح ّمــد واإلندفــاع الــورع يف ســبيل‬ ‫اإلســام إال بعــض الجوانــب األكــر أهميــة يف إميــاين الــذي أردتــه‬ ‫صافيــا ونقيّــا ومســتقيام مــن حيــث املامرســة‪ .‬مبــاذا كنــت أؤمــن‬ ‫ومــاذا علّمنــي اإلســام عــن أمــور أخــرى مثــل اللــه والخــاص؟‬ ‫بالنســبة للــه‪ ،‬كنــت مقتنعــا متامــا بعظمتــه ووحدانيّتــه‪،‬‬ ‫وهــذا مــا يش ـ ّدد عليــه القــرآن ورســالة مح ّمــد‪ .‬فوحدان ّيــة اللــه‬ ‫هــي العقيــدة األساسـ ّية يف هــذا الديــن‪ ،‬كنــت أعتقــد أنّهــا مت ّيــز‬ ‫* راجــع صحيــح مســلم‪ ،‬بــاب فضــل الفاتحــة وخواتيــم ســورة البقــرة والحــثّ عــى‬ ‫فــراءة اآليتــن مــن آخــر البقــرة الفقــرة ‪ ،)806( 254‬ص ‪554‬‬ ‫‪39‬‬


‫اإلســام عــن باقــي األديــان‪ ،‬ألنــه يرتكــز عــى استســام مطلــق‬ ‫للــه الواحــد األحــد‪.‬‬ ‫كنــت أعتقــد أن اللــه أعطــى النــاس رشيعــة‪ ،‬أو ميثاقــا‬ ‫أحــادي الجانــب‪ ،‬يلتــزم بومجبــه كافــة املؤمنــن الذيــن‬ ‫ْــت لَكُــ ْم‬ ‫يستســلمون لــه بإدخالهــم إىل ج ّنتــه‪ “ :‬الْيَــ ْو َم أَكْ َمل ُ‬ ‫يــت لَكُــ ُم ا ِإل ْســا َم‬ ‫ــت َعلَ ْيكُــ ْم نِ ْع َم ِتــي َو َر ِض ُ‬ ‫ِدي َنكُــ ْم َوأَتْ َ ْم ُ‬ ‫ِدي ًنــا” (املائــدة‪ .)3 ،‬اإلســام هــو آخــر الديانــات جــاء ليث ّبــت‬ ‫املعــر عنهــا يف‬ ‫وحدان ّيــة اللــه ورضورة اإلستســام إلرادتــه‬ ‫ّ‬ ‫املجســدة لهــا‪ .‬فــإذا اختــار إنســان‬ ‫هــذه الرشيعــة‪ ،‬وبالتــايل‬ ‫ّ‬ ‫دينــا آخــر فلــن يقبــل منــه‪ ،‬حســبام جــاء يف القــرآن‪َ “ :‬و َمــن‬ ‫ـر ا ِإل ْس ـا َِم ِدي ًنــا فَلَــن يُ ْق َبـ َـل ِم ْن ـ ُه َو ُه ـ َو ِف ِ‬ ‫اآلخ ـ َر ِة ِم ـ َن‬ ‫يَ ْبتَ ـغِ َغـ ْ َ‬ ‫اسيـ َن” (ال عمــران‪ .)85 ،‬فالديــن الــذي أراده اللــه للبــر‬ ‫الْ َخ ِ ِ‬ ‫يقــوم عــى خمســة أركان‪ ،‬والــذي يط ّبقهــا ميكنــه أن يأمــل‬ ‫بالحصــول عــى مغفــرة اللــه‪ .‬هــذا اإللــه األحــد‪ ،‬اللــه‪ ،‬كان‬ ‫ينتظــر م ّنــي خضوعــا واستســاما تا ّمــا إلرادتــه‪ ،‬وفــق مــا جــاء‬ ‫يف القــرآن ويف الحديــث‪.‬‬ ‫كان يبــدو يل مــن البداهــة أن يكافئنــي اللــه‪ ،‬باملقابــل‪ ،‬عــى‬ ‫أعــايل الصالحــة وعــى احرتامــي وطاعتــي لوصايــاه!‬ ‫ـي قــال‪“ :‬مــن‬ ‫عــن أيب هريــرة ريض اللــه عنــه‪ ،‬عــن النبـ ّ‬ ‫صــام رمضــان إميانــا واحتســابا‪ ،‬غفــر لــه مــا تقــ ّدم‬ ‫‪40‬‬


‫مــن ذنبــه‪ .‬ومــن قــام ليلــة القــدر* إميانــا واحتســابا‬ ‫غفــر لــه مــا تق ـ ّدم مــن ذنبــه‪†.‬‬ ‫أمــا املشــكلة التــي واجهتنــي آنــذاك فكانــت تكمــن يف‬ ‫جهــي إن كنــت قــد مارســت أعــاال صالحــة أم ال‪ .‬يف الحقيقــة‪،‬‬ ‫كنــت آمــل أن يرجــح وزن أعــايل الصالحــة عــى وزن أعــايل‬ ‫الســيئة‪ .‬غــر أين كنــت‪ ،‬ككل مســلم‪ ،‬أستســلم إلرادة اللــه‬ ‫ورحمتــه‪ ،‬ولكــن دون أي ضــان يؤكــد يل الذهــاب إىل الســاء‪،‬‬ ‫إال يف حــال اإلستشــهاد‪ .‬وحتــى اليــوم األخــر ال يعــرف أي مســلم‬ ‫إذا كانــت أعاملــه الصالحــة كافيــة وتؤهلــه للذهــاب إىل الســاء‪.‬‬ ‫إن مســلمني كثرييــن ينتظــرون املــرور يف مــكان مــا للتكفــر عــن‬ ‫خطاياهــم أو عــن عــدم التق ّيــد بوصايــا اللــه‪ ،‬وذلــك بانتظــار قـرار‬ ‫دخولهــم إىل الج ّنــة‪.‬‬ ‫يف النهايــة‪ ،‬وباســتثناء أعــايل الصالحــة‪ ،‬كان أمــي كبــرا‬ ‫برحمــة اللــه وبشــفاعة مح ّمــد‪ .‬غــر أن هنــاك خطيئــة واحــدة‬ ‫ال يســتطيع اللــه غفرانهــا (ومل يكــن واردا أن اقرتفهــا يف حيــايت)‬ ‫وهــي إرشاك آلهــة أخــرى معــه‪.‬‬ ‫إن اللــه ال يغفــر أن يــرك بــه أحــد ويغفــر مــا دون‬ ‫ذلــك ملــن يشــاء ومــن يــرك باللــه فقــد افــرى إمثــا‬ ‫عظيــا‪( .‬النســاء‪)48 ،‬‬ ‫* “ليلة القدر” هو إسم الليلة التي نزل بها القرآن عىل مح ّمد‬ ‫† صحيح البخاري‬ ‫‪41‬‬


‫بفضــل وســاطة مح ّمــد كنــت أف ّكــر بإمكانيــة الخــروج مــن‬ ‫جه ّنــم‪ ،‬ألنــه إذا وجــد “ذ ّرة” مــن اإلميــان يف قلــوب املؤمنــن‬ ‫بــه‪ ،‬فســيخرجهم منهــا‪ .‬بالنســبة للخطايــا الصغــرة ســيصفح‬ ‫عنهــا تلقائيــا‪ .‬امــا الخطايــا الكبــرة فســيكفّر عنهــا يف جه ّنــم‬ ‫لفــرة قصــرة أو طويلــة‪.‬‬ ‫بالنســبة يل كان واضحــا أن كل يشء يتعلّــق باللــه‪.‬‬ ‫ـدي ايــة وســيلة ملعرفــة إذا كنــت أســر يف الطريــق‬ ‫مل‪ ‬تتوفّــر لـ ّ‬ ‫الصحيــح أم ال‪ ،‬ومــاذا ســيفعل يب اللــه‪ ،‬هــل ســيقبل أعــايل‬ ‫الصالحــة‪ ،‬وهــل هــي كافيــة أم ال‪ .‬ولكــن هــذا األمــر مل يقلقنــي‬ ‫إذ ال يســتطيع أي مســلم التأكيــد بأنــه ســيذهب مبــارشة إىل‬ ‫الج ّنــة‪ ،‬باســتثناء الشــهداء‪ .‬فاملســلمون الذيــن مل يتمكنــوا مــن‬ ‫تطبيــق رشع اللــه واحــرام وصايــاه عنــد مثولهــم أمــام اللــه‬ ‫يــوم الدينونــة‪ ،‬يلجــأون إىل الجــواب التــايل‪“ :‬نضــع أنفســنا بــن‬ ‫ـدي اللــه فهــو رحمــن رحيــم”‪ .‬وعندمــا يطــرح الســؤال عــى‬ ‫يـ ّ‬ ‫الذيــن هــم أكــر ج ّديــة يف مامرســة إســامهم وأشــ ّد تقــوى‬ ‫وورعــا‪ ،‬فيعطــون أيضــا نفــس الجــواب‪.‬‬ ‫إذا‪ ،‬مــن خــال اإلستســام والطاعــة العميــاء للــه ولنب ّيــه‪،‬‬ ‫كنــت آمــل يف اســتحقاق الج ّنــة‪ .‬ودون أن أدري كان قلبــي‬ ‫يتــوق إىل اإلتحــاد باللــه‪ ،‬ولك ّنــي مل أكــن أبحــث عــن ذلــك‪.‬‬ ‫فلــم أكــن يف الواقــع أرى مــا بوســعه طأمنــة نفــي إال معرفتــه‬ ‫‪42‬‬


‫واإلتحــاد بــه واقتســام قلبــه‪ .‬فــا كنــت أحلــم بــه وأمــارس‬ ‫األعــال الصالحــة مــن اجلــه ال عالقــة لــه بج ّنــة املســيحيني‪،‬‬ ‫حيــث تعيــش النفــوس يف حضــور الــرب ويف ات ّحــاد أبــدي‬ ‫معــه‪ ،‬بــل يتّصــل مبــارشة بالج ّنــة ذات املل ـذّات املا ّديــة التــي‬ ‫يصفهــا القــرآن‪ ،‬حيــث يتوفّــر لنــا مــا حرمنــا منــه عــى هــذه‬ ‫األرض‪ .‬هــذه هــي الج ّنــة الوحيــدة التــي كنــت أعرفهــا‪ ،‬ومل‬ ‫أتصــ ّور إطالقــا وجــود ج ّنــة أخــرة تختلــف عنهــا‪ .‬فاملســيحية‬ ‫تتح ـ ّدث عــن ق ّمــة الحيــاة عندمــا نبلــغ إىل التأمــل باللــه وإىل‬ ‫معرفــة حياتــه‪ ،‬بينــا يصـ ّور لنــا اإلســام ق ّمــة الوجــود اإلنســاين‬ ‫بالحصــول عــى املل ـذّات يف إطــار مــا ّدي وذلــك يف ج ّنــة تتوفّــر‬ ‫فيهــا املــآكل الشّ ــه ّية املتن ّوعــة وأطيــب الخمــور اللذيــذة‬ ‫وأجمــل النســاء بعــدد كبــر‪ .‬وبــكالم آخــر‪ :‬ج ّنــة القــرآن تقتــر‬ ‫عــى مــآدب دامئــة شــهوانية يحلــم بهــا عــادة الرجــال‪ .‬إنّهــا‬ ‫ج ّنــة مليئــة بامللــذّات الشــهوانية ولك ّنهــا فارغــة مــن وجــود‬ ‫اللــه‪ .‬فالقــرآن ال يتح ـ ّدث عــن حيــاة أبديــة يقضيهــا املؤمنــون‬ ‫بحضــور اللــه وال عــن التأمــل بوجهــه البهــي‪ .‬إليكــم هــذا‬ ‫املفصــل للج ّنــة كــا كنــت أقــرأه يف القــرآن‪:‬‬ ‫الوصــف ّ‬ ‫ــك الْ ُم َق َّربُــو َن ِف َج َّن ِ‬ ‫الســا ِبقُو َن أُ ْولَ ِئ َ‬ ‫ــات‬ ‫الســا ِبقُو َن َّ‬ ‫َو َّ‬ ‫يــل ِّمــ َن ِ‬ ‫اآلخرِيــ َن‪،‬‬ ‫يــم‪� ،‬ثُلَّــ ٌة ِّمــ َن األَ َّولِــ َن ‪َ ،‬وقَلِ ٌ‬ ‫ال َّن ِع ِ‬ ‫س ٍر َّم ْوضُ ونَـ ٍة‪ُ ،‬متَّ ِك ِئ ـ َن َعلَ ْي َهــا ُمتَقَا ِبلِ ـ َن‪ .‬يَطُـ ُ‬ ‫ـوف‬ ‫َعـ َـى ُ ُ‬ ‫‪43‬‬


‫اب َوأَبَارِيـ َـق َوكَأْ ٍس ِّمــن‬ ‫َعلَيْ ِه ـ ْم ِولْـ َدا ٌن ُّم َخلَّ ـ ُدو َن ِبأَكْ ـ َو ٍ‬ ‫ــا‬ ‫َّم ِعــنٍ‪ ،‬ال يُ َص َّد ُعــو َن َع ْن َهــا َوال يُن ِزفُــونَ‪َ ،‬وفَاكِ َهــ ٍة ِّم َّ‬ ‫ــا يَشْ ــتَ ُهونَ‪َ ،‬و ُحــو ٌر ِعــ ٌن‬ ‫ــرونَ‪َ ،‬ولَ ْح ِ‬ ‫َــرٍ ِّم َّ‬ ‫ــم ط ْ‬ ‫يَتَ َخ َّ ُ‬ ‫كَأَ ْمثَــا ِل اللُّ ْؤلُ ـ ِؤ الْ َم ْك ُنــونِ َج ـ َزاء بِ َــا كَانُــوا يَ ْع َملُــونَ‪ .‬ال‬ ‫يَ ْسـ َم ُعو َن ِفي َهــا لَ ْغـ ًوا َوال تَأْثِيـ ًـا إِالَّ ِقيــا َســا ًما َســا ًما‪.‬‬ ‫ـاب الْ َي ِمـ ِن ِف ِسـ ْد ٍر َّمخْضُ و ٍد‬ ‫ـاب الْ َي ِمـ ِن َمــا أَ ْص َحـ ُ‬ ‫َوأَ ْص َحـ ُ‬ ‫ُوب َوفَاكِ َهـ ٍة‬ ‫َوطَلْـ ٍح َّمنضُ ــو ٍد َو ِظـ ٍّـل َّم ْمـ ُدو ٍد َو َمــاء َّم ْسـك ٍ‬ ‫كَ ِث ـ َر ٍة ّل َم ْقطُو َع ـ ٍة َوال َم ْم ُنو َع ـ ٍة َوفُ ـ ُر ٍش َّم ْرفُو َع ـ ٍة‪ .‬إِنَّــا‬ ‫أَنشَ ــأْنَا ُه َّن إِنشَ ــاء‪ ،‬فَ َج َعلْ َنا ُهــ َّن أَبْــكَا ًرا‪ُ ،‬ع ُربًــا أَت ْ َرابًــا‬ ‫ـاب الْ َي ِمـ ِن �ثُلَّـ ٌة ِّمـ َن األَ َّولِـ َن َو�ثُلَّـ ٌة ِّمـ َن ِ‬ ‫اآلخرِيـ َن‪.‬‬ ‫لِّ َ ْص َحـ ِ‬ ‫(الواقعة‪)40-10 ،‬‬ ‫ال أهــدف مــن نــر هــذا املقطــع الطويــل إالّ إعطــاء فكــرة‬ ‫واضحــة عــن الج ّنــة التــي كنــت أنتظرهــا وأحلــم بهــا عــى غـرار‬ ‫كل مســلم‪ .‬وهــذا مــا يوضّ ــح للقــارئ تص ّورنــا للعــامل الروحــي‬ ‫الــذي مل يتجــاوز هــذه اآلمــال والتطلّعــات اإلنســان ّية األرض ّيــة‪.‬‬ ‫هــذا مــا كنــت أريــده وأعمــل لــه‪ ،‬متامــا كــا يرغــب فيــه كل‬ ‫مســلم حتــى يومنــا هــذا‪ .‬فالج ّنــة التــي يصفهــا لنــا القــرآن ال‬ ‫عالقــة لهــا إطالقــا بالج ّنــة التــي يتحـ ّدث عنهــا الكتــاب املقـ ّدس‬ ‫والتــي تقــوم‪ ،‬كــا ذكــرت ســابقا‪ ،‬عــى املشــاركة بحيــاة اللــه‬ ‫والســعادة األبديّــة‪.‬‬ ‫‪44‬‬


‫يف حقيقــة األمــر‪ ،‬هنــاك هـ ّوة ســحيقة بــن عــامل املســيحيني‬ ‫وعــامل املســلمني‪ ،‬وكذلــك بــن مفهــوم وطبيعــة اإللــه الــذي‬ ‫يعبــده كل فريــق‪ .‬فأحدهــم يعــد املؤمنــن بامللــذّات املا ّديــة‬ ‫الخاصــة‪ .‬إلــه القــرآن يعــد‬ ‫ويرحــل‪ ،‬واآلخــر يرشكهــم يف حياتــه‬ ‫ّ‬ ‫أنصــاره مبــا كان يحلــم بــه البــدو يف الصحــاري القاحلــة‪ ،‬أمــا‬ ‫إلــه املســيحيني فيقــ ّدم للمؤمنــن بــه الحالــة الواقعيــة التــي‬ ‫ترضيهــم‪ ،‬فيق ـ ّدم لهــم ذاتــه‪.‬‬

‫‪45‬‬


‫جامل عطّار‬

‫من‪ ‬اإلميان‪ ‬بعيىس‬ ‫إىل‪ ‬اللقاء بيســوع املسيح‬ ‫جامل عطّار‬

‫من‪ ‬اإلميان‪ ‬بعيىس‬

‫من‪ ‬اإلميان‪ ‬بعيىس‬ ‫إىل‪ ‬اللقاء بيسوع املسيح‬

‫إىل‪ ‬اللقاء بيســوع املســيح‬

‫مــن اإلميــان بعيىس“جــال” شــاب مغــر ّيب‪ ،‬بــرزت لديــه حاجــة‬ ‫فطر ّيــة إىل اللــه‪ ،‬فاشــتدّ يف داخلــه عطــش جــارف إىل معرفتــه‪ .‬التــزم‬ ‫بقــوة وثبــات يف مامرســة اإلســام‪ .‬عمــل عــى تعريــف اآلخريــن‬ ‫باإلميــان اإلســامي الحقيقــي وتشــجيعهم عــى مامرســته‪ .‬عــاش‬ ‫بالنبــي مح ّمــد‪.‬‬ ‫حالــة مــن اإلعجــاب املدهــش‬ ‫ّ‬ ‫وعنــد انتقالــه إىل فرنســا ملتابعــة دروســه الجامع ّيــة حصلــت‬ ‫مجابهــة بينــه وبــن الغــرب واملســيح ّية‪ ،‬فكانــت الصدمــة‪.‬‬ ‫كيــف واجــه الشــاب “جــال” اكتشــاف إميــان يختلــف متامــا‬ ‫عــن إميانــه وكيــف تعامــل معــه بصــدق؟‬ ‫كيــف اكتشــف صــورة يســوع املتناقضــة متامــا مــع مــا تلقّنــه‬ ‫ســابقا؟‬ ‫إنّها مســرة شــخص ّية مثرية للغاية‪.‬‬

‫جامل عطّار‬

‫تعب بصدق عن إميان راســخ وقو ّي‪،‬‬ ‫“هذه شــهادة واقع ّية رائعة‪ّ ،‬‬ ‫بعيــد عن كل مواربة‪( ”.‬ســعيد أوجيبو)‬ ‫‪CHF 10.00 / 8.00 ‬‬ ‫‪ISBN 978-2-940335-99-2‬‬

‫عندمــا يصطدم املســلم املؤمن بقـ ّوة النعمة‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.