Presumption of Innocence

Page 1

0


‫ً‬ ‫بالوثائق واألدلة كان وليد الكردي مفوضا بإدارة الشركة من قبل مجلس اإلدارة‪ .‬وعلى مدى ست سنوات‬ ‫أمضاها في الشركة لم يحدث أن تم تقديم أي اعتراض من قبل أعضاء مجلس اإلدارة‪ ،‬وهم ممثلون‬ ‫للمساهمين الرئيسيين كالحكومة والضمان االجتماعي إضافة إلى املستثمر الكويتي‪ ،‬على أي قرار اتخذه أو‬ ‫اتفاقية وقـعها‪ ،‬ولم يسجل أحد أي تحفظ على أي ش يء منها‪.‬‬ ‫وبالعودة إلى مسيرة الشركة فإن قرارات وليد الكردي حققت نجاحات كبيرة‪ ،‬بدليل األرباح الهائلة التي‬ ‫تحققت واإليراد املالي الكبير الذي دخل خزينة الدولة والذي بلغ ‪ 050‬مليون دينار على مدى ست سنوات‬ ‫فقط‪ .‬وقد أشادت إدارات الشركة الالحقة لوليد الكردي بإنجازات الشركة خالل فترة إدارته مقارنة مع‬ ‫ً‬ ‫وضع الشركة البائس قبل توليه إدارتها‪ .‬فعلى مدار خمسين عاما سبقت الخصخصة لم تحقق الشركة‬ ‫أرباحا تساوي نصف األرباح التي حققتها خالل فترة إدارة وليد الكردي لها البالغة ‪ 0‬سنوات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وعلى ذلك فإن الخطأ في االجتهاد قد يكون سببا للمسؤولية املدنية إال أنه ال يمكن أن يكون أساسا‬ ‫للمسؤولية الجزا ئية‪ ،‬التي تقوم بشكل أساس ي على قيام القصد الجرمي والذي يتمثل بجرم استثمار‬ ‫الوظيفة باتجاه اإلرادة إلى تحقيق منفعة شخصية أو للغير‪ ،‬أو إلحاق الضرر بالشركة‪ ،‬وهو أمر غير متوفر‬ ‫في قضية الفوسفات‪ .‬وال بد من التنويه إلى أن مسؤولية مجلس إدارة الشركة املساهمة العامة عن ضمان‬ ‫األضرار الناشئة عن مخالفته للقوانين واألنظمة هي مسؤولية تضامنية تقوم على عاتق جميع أعضاء‬ ‫مجلس اإلدارة‪ ،‬وهذا الحكم مستخلص من املادة (‪ )151‬من قانون الشركات والتي نصت على‪:‬‬ ‫أ‪ .‬رئيس وأعضاء مجلس إدارة الشركة املساهمة العامة مسؤولون تجاه الشركة والغير عن كل‬ ‫مخالفة ارتكبها أي منهم أو جميعهم للقوانين واألنظمة املعمول بها ولنظام الشركة وعن أي خطأ في‬ ‫إدارة الشركة وال تحول موافقة الهيئة العامة على إبراء ذمة مجلس اإلدارة دون املالحقة القانونية‬ ‫لرئيس وأعضاء املجلس‪.‬‬

‫‪1‬‬


‫ب‪ .‬تكون املسؤولية املنصوص عليها في الفقرة (أ) من هذه املادة إما شخصية تترتب على عضو أو أكثر‬ ‫من أعضاء مجلس إدارة الشركة أو مشتركة بين رئيس وأعضاء املجلس ويكونون جميعهم في هذه‬ ‫الحالة األخيرة مسؤولين بالتضامن والتكافل عن التعويض عن الضرر الذي نتج عن املخالفة أو‬ ‫ً‬ ‫الخطأ‪ ،‬على أن ال تشمل هذه املسؤولية أي عضو أثبت اعتراضه خطيا في محضر االجتماع على‬ ‫القرار الذي تضمن املخالفة أو الخطأ وفي جميع األحوال ال تسمع الدعوة بهذه املسؤولية بعد مرور‬ ‫خمس سنوات على تاريخ اجتماع الهيئة العامة الذي صادقت فيه على امليزانية السنوية‬ ‫والحسابات الختامية للشركة"‪،‬‬ ‫والسؤال املطروح برسم اإلجابة‪ :‬ملاذا اختصت هيئة مكافحة الفساد واملدعي العام بمالحقة وليد الكردي (رئيس‬ ‫ً‬ ‫مجلس اإلدارة) منفردا‪ ،‬على الرغم من أن جميع التصرفات املنسوبة له صادرة عن مجلس إدارة الشركة‪ ،‬سواء‬ ‫كان ذلك بقرارات مباشرة أو عن طريق تفويض املجلس لرئيسه؟‬

‫‪2‬‬


‫تنص املادة ‪ 232‬من قانون أـصول املحاكمات الجزائية على أنه‪:‬‬ ‫" إذا تبين للمحكمة لدى االنتهاء من سماع البينات املقدمة من النيابة وجود قضية ضد املتهم‪ ،‬تسأله عما‬ ‫إذا كان يرغب في إعطاء إفادة دفاعا عن نفسه‪ ،‬فإذا أعطى مثل هذه اإلفادة يجوز للمدعي العام أو ممثله‬ ‫مناقشة املتهم‪ .‬وبعد أن يعطي املتهم إفادة تسأله املحكمة إذا كان لديه شهود أو ّبيـنة أخرى يعزز بها دفاعه‬ ‫ً‬ ‫فإذا ذكر أن لديه شهودا تسمع املحكمة شهادتهم إن كانوا حاضرين وأال أجلت املحاكمة وأصدرت لهم‬ ‫مذكرة حضور"‪.‬‬ ‫وتعني هذه املادة أنه يتوجب على املحكمة وحال فراغ النيابة العامة من تقديم بيناتها أن تدقـق في البينات‬ ‫واألدلة التي قدمتها النيابة العامة‪ ،‬فإذا وجدت أن هذه البيانات تـثـبت األفعال املنسوبة للمتهم وتثبت كافة‬ ‫ً‬ ‫أركان الجرم املسند للمتهم وفقا للوصف القانوني املحدد بالنص العقابي‪ ،‬فإنها تسأل املتهم أن يقدم بيناته‬ ‫أو شهوده ويدلي بإفادته‪ ،‬وفي حالة وجود شهود تصدر املحكمة مذكرة إلحضار الشهود واالستماع إلى‬ ‫ّ‬ ‫أقوالهم‪ .‬وفي حال ظهر للمحكمة أن بيـ ـنــة النيابة عجزت عن ذلك فإنه يتوجب إعمال القاعدة الدستورية‬ ‫ً‬ ‫والقانونية التي تقض ي بأن املتهم بريء حتى تثبت إدانته‪ ،‬وبالتالي يتوجب على املحكمة وفقا لحكم النص‬ ‫أعاله أن تقرر عدم وجود قضية وإعالن براءة أو عدم مسؤولية املتهم حسب مقتض ى الحال‪.‬‬ ‫وهذا األمر ينطبق على املحاكمة في الحالتين‪ :‬املحاكمة الوجاهية أو الغيابية‪ .‬فاملوقف سيان في الحالتين‪.‬‬ ‫لكن القول بأن هذه املادة تقتصر على املحاكمة في حالة حضور املتهم فقط فهو قول غير صحيح وفيه‬ ‫تجاوز صارخ على القواعد الدستورية والقانونية وما نصت عليه االتفاقات والعهود الدولية‪ ،‬ذلك ألن‬ ‫القاعدة األساسية املستقرة في األردن وفي العالم هي أن املتهم بريء حتى تثبت إدانته‪.‬‬

‫‪3‬‬


‫لذلك فإن من املستهجن اقتصار تطبيق تلك املادة على املتهم املاثل أمام املحكمة فقط‪ ،‬خاصة إذا عرفنا‬ ‫أن املتهم غير ملزم بتقديم الدليل على براءته ألن األصل هو البراءة وأن البينة هي على من ادعى‪ ،‬وال ينسجم‬ ‫هذا القول مع ما أوجبه القانون في القرارات القضائية التي يتوجب أن تكون مستندة إلى أدلة قاطعة ال يرقى‬ ‫إليها الشك‪ ،‬والقرار القضائي هذا ذاته وبكل املشتمالت التي أوجب القانون أن يتضمنها ال يختلف إذا صدر‬ ‫بمواجهة املتهم أو في غيابه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وبناء على ذلك فإن القول بأنه ال توجد سوابق قضائية على إعالن براءة املتهم الغائب عن جلسات املحاكمة‬ ‫أمر مستغرب للغاية واملحكمة ما زالت تنظر في القضية‪ .‬وهو ما يقود إلى االستنتاج أن القضية تم بناؤها‬ ‫منذ البداية‪ ،‬للوصول إلى قرار اإلدانة‪ ،‬وبموقف مسبق‪ ،‬بمعزل عما يمكن أن تسفر عنه اإلجراءات‬ ‫القضائية األصولية الضامنة لتحقيق العدالة‪ .‬ولو كان األمر على خالف ذلك ملا تم ربط اإلدانة أو البراءة‬ ‫بحضور وليد الكردي أو غيابه‪ ،‬أو القول بأن هناك جهات تطلب اإلدانة وليس على أساس البينات واألدلة‬ ‫وقناعة املحكمة‪.‬‬

‫‪4‬‬


‫ّ‬ ‫تكونت قضية الفوسفات منذ البداية على فكرة مختلقة تقول إن وليد الكردي تسبب بخسائر مالية‬ ‫للشركة تقدر بمئات املاليين‪ ،‬وعلى هذا األساس تم بناء القضية التي ما زالت املحكمة تنظر فيها حتى اآلن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وهذا يعني أن من املفروض ً‬ ‫بناء على ذلك أن تحقق الشركة أرباحا مضاعفة بعد وليد الكردي‪.‬‬ ‫لكن النتائج التي أعلنتها الشركة عن الربع األول من العام الحالي ‪ 2013‬وهي سنة جديدة بالنسبة لعمل‬ ‫الشركة بدون وليد الكردي‪ ،‬أظهرت انخفاضا حادا يصل إلى ‪ %60‬مقارنة مع الربع األول من العام املاض ي‬ ‫‪( 2012‬وهو العام الذي نفذت فيه الشركة العديد من العقود التي أبرمت خالل إدارة وليد الكردي)‪ .‬فقد‬ ‫بلغ صافي أرباح الشركة بعد الضرائب والرسوم (‪ )5.06‬ماليين دينار في حين كان صافي أرباح الشركة في الفترة‬ ‫ذاتها من العام املاض ي (‪ )40.65‬مليون دينار‪.‬‬ ‫والسؤال هنا‪ ،‬كيف حققت الشركة تلك األرباح بالرغم من الخسائر واألضرار التي تسبب بها وليد الكردي‬ ‫للشركة‪ ،‬كما جاء في القضية املنظورة أمام املحكمة؟ وملاذا انخفضت هذا االنخفاض الكبير في عهد إدارة‬ ‫يفترض أنها تالفت أسباب ضياع أموال الشركة (حسب الزعم)؟‬ ‫ّ‬ ‫التمعن في تباين قيمة األرباح خالل الفترتين املشار إليهما سابقا‪ ،‬تدحض بما ال يقبل الشك ودون حاجة‬ ‫إن‬ ‫إلى أدلة وبراهين‪ ،‬ما سبق وأن زعمته هيئة مكافحة الفساد حول وليد الكردي‪ .‬وإال أليس من حق الحكومة‬ ‫على السواء أن تتوقف طويال حول ما كيل من تهم لوليد الكردي وتسببه بخسائر بمئات املاليين للشركة‪،‬‬ ‫مما لم تثبته األدلة والبينات املعروضة أمام املحكمة؟ وأال يحق للناس أن يتساءلوا حول ما يجري وما إذا‬ ‫ً‬ ‫كانت القضية باطلة من أساسها؟ وأن يتساءلوا أيضا في ظل كل ذلك من هو املسؤول عن األوضاع املتردية‬ ‫التي آلت إليها الشركة؟ هل هو وليد الكردي أم ذلك الذي خلق القضية تحت وهم مكافحة الفساد ذرءا‬ ‫ً‬ ‫للرماد في العيون لصرف النظر عما يجب مالحقته فعال ؟‬

‫‪5‬‬


‫املتابع لقضية الفوسفات منذ أن أصبحت مادة دسمة في وسائل اإلعالم املختلفة بات على يقين بأن هذه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫القضية ُب ـنـيـت على مجرد إشاعات وأعطيت بعدا سياسيا لتحقيق مآرب أخرى ليس من بينها املكافحة‬ ‫الحقيقية للفساد واسترداد األموال املنهوبة من خزينة الدولة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فالتحقيق في هيئة مكافحة الفساد استند أساسا إلشاعات مغرضة استهدفت تصفية حسابات صغيرة مع‬ ‫ً‬ ‫إدارة الشركة السابقة‪ ،‬تحت عناوين براقة تجد صدى إيجابيا لها لدى الناس الغارقين بأوضاع مادية‬ ‫صعبة‪ .‬وبدأت الحكاية من أشخاص لم تمكنهم إدارة الشركة السابقة من تحقيق مصالحهم الشخصية‬ ‫على حساب املصالح العامة أو الذين ظنوا أن ما يشهده الشارع من حراك ومطالب باإلصالح يعطيهم‬ ‫الفرصة ليفعلوا ما يروق لهم ويحقق مصالحهم الشخصية‪ .‬وأغرقت هيئة مكافحة الفساد نفسها في‬ ‫محرقة تلك اإلشاعات‪ .‬تحت ضغط القيام بدور يبرر إنشاءها من ناحية‪ ،‬وخدمة الدولة بالعمل على‬ ‫استيعاب حراك الشارع من ناحية أخرى‪ ،‬عن طريق بناء مصداقية ملحاربة الفساد‪.‬‬ ‫ومنذ اللحظة األولى تم استغالل اإلعالم إلثارة ضجة كبرى‪ ،‬وتم تسريب معلومات مغلوطة أو غير دقيقة‬ ‫لوسائل اإلعالم ما زاد من قناعة الناس بأن قضية الفوسفات قضية كبرى وهي أول الغيث في مكافحة‬ ‫الفساد؛ واضطرت إلى تحويل القضية إلى املحكمة بما حصلت عليه من أدلة واهنة وبراهين ضعيفة‬ ‫وشهادات غير مقنعة‪ ،‬بتوجيه من الحكومة التي كانت تواجه استحقاق االنتخابات النيابية في شهر كانون‬ ‫الثاني ‪ 2013‬في أجواء من املقاطعة‪ ،‬للتخفيف من الضغوط الواقعة عليها على شكل تساؤالت كثيرة عما‬ ‫ً‬ ‫فعلت وعما تفعل‪ ،‬بعد أن مض ى على تحقيقاتها في القضية مدة زادت عن سنة خالفا لقانون الهيئة الذي‬ ‫ينص على أن تبت بالقضايا التي تنظر فيها خالل ثالثة أشهر فقط وبسرية تامة‪ ،‬فال هي التزمت باملدة وال‬ ‫التزمت بالسرية‪.‬‬

‫‪0‬‬


‫ً‬ ‫وخالل جلسات املحاكمة استخدم أيضا اإلعالم لترسيخ القناعة لدى الناس بحتمية إدانة وليد الكردي في‬ ‫الوقت الذي كانت املحكمة تنظر في ملف ال يتوفر فيه وصف قانوني للجرم وال األدلة القانونية الالزمة‬ ‫لإلدانة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وما بين التحقيق وجلسات املحكمة املستمرة حتى اآلن‪ّ ،‬‬ ‫سرب اإلعالم أرقاما عديدة عن األموال املدعى بنهبها‪،‬‬ ‫فمرة قيل أنها أكثر من مليار دوالر‪ ،‬ومرة أخرى أنها ‪ 100‬مليون دوالر ومرة ثالثة أنها ‪ 500‬مليون دوالر ومرة‬ ‫‪ 314‬مليون دوالر (كما جاء في صحيفة الرأي) وآخر مرة قيل أنها ‪ 332‬مليون دوالر عن نفس القضية‪ .‬وتباين‬ ‫هذه األرقام يعطي أي منصف الحق في القول بأن املقصود لم يكن هو البحث عن الحقيقة وإنما هو إثارة‬ ‫الرأي العام وتكوين موجبات اإلدانة الشعبية‪ ،‬دون التفات لوثائق القضية وما تشتمل عليه من أدلة أو‬ ‫بينات مقدمة للمحكمة‪ ،‬والتي يجب أن تتوفر لها موجبات اإلدانة القضائية‪ ،‬وشتان بين اإلدانة الشعبية‬ ‫والتي تكفي لها تكوين اإلشاعة والتصريح بها من جهات رسمية وضخها عبر وسائل اإلعالم‪ ،‬وبين اإلدانة‬ ‫القضائية التي قوامها قناعة وجدانية لدى املحكمة تـتحصل عليها بما تستخلصه بصورة سائغة من األدلة‬ ‫ً‬ ‫املشروعة الثابتة في ملف القضية‪ ،‬هذا عالوة على عدم االلتفات للنتائج املالية املتواضعة جدا للشركة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫التي ً‬ ‫بناء على كل ما قيل‪ ،‬كان من املفروض أن تحقق أرباحا أضعاف ما حققته في ظل إدارة وليد الكردي‪.‬‬

‫‪1‬‬


‫عندما تمت مناقشة قضية خصخصة شركة الفوسفات من خالل لجنة التحقق النيابية في شهر آذار من‬ ‫العام ‪ ،2012‬رد رئيس الوزراء آنذاك على مناقشات النواب بأن الفساد حصل بعد إتمام عملية‬ ‫الخصخصة‪ ،‬وهو ما تنظر فيه هيئة مكافحة الفساد‪ ،‬وليس عملية الخصخصة بحد ذاتها التي قامت بها‬ ‫حكومات متعاقبة وكانت نتيجتها بيع جزء من أسهم الحكومة في شركة الفوسفات إلى صندوق بروناي‬ ‫لالستثمار‪ ،‬وانتهى تصويت النواب بعدم إحالة رئيس الوزراء (إلى القضاء) وعدد من الوزراء الذين أنجزوا‬ ‫عملية الخصخصة‪.‬‬ ‫وبعدها مباشرة أوضح رئيس هيئة مكافحة الفساد لإلعالم بأن الهيئة تنظر في شبهة فساد موجهة لوليد‬ ‫الكردي وليس في عملية الخصخصة بحد ذاتها‪ .‬وأعقب ذلك تصريح للناطق الرسمي باسم الحكومة وزير‬ ‫ً‬ ‫االعالم في ذات الفترة والذي نسب فيه الفساد إلى وليد الكردي تحديدا وحمله مسؤولية ما وصفه بنهب‬ ‫أموال شركة الفوسفات‪.‬‬ ‫إن كل هذا لم يكن هدفه الوصول إلى الحقيقة والتأكد من حصول فساد ونهب كما كان يقال‪ ،‬وهي مهمة‬ ‫القضاء أوال وأخيرا وإنما كان هدفه مخاطبة الناس وامتصاص غضبهم من الحكومة ومجلس النواب‬ ‫وصرف انتباههم عن دور الحكومات املتعاقبة في موضوع الخصخصة الذي كان هو في صلب احتجاجات‬ ‫ً‬ ‫الناس وغضبهم‪ ،‬ولم يكن مقتصرا على قضية الفوسفات بل كان يشمل البوتاس واالتصاالت والكهرباء‬ ‫وغيرها كثير‪.‬‬ ‫باختصار بدأت قضية الفوسفات باإلعالم‪ ،‬وتم التعامل معها باإلعالم‪ ،‬كما تم استخدام األعالم خالل‬ ‫ً‬ ‫مجريات املحاكمة بما يخدم الوصول إلى الحكم املسبق شعبيا على وليد الكردي بغض النظر عما إذا كانت‬ ‫تحقيقات هيئة مكافحة الفساد أو األدلة والبينات املقدمة للمحكمة أو أقوال الشهود‪ ،‬تقود إلى النتيجة‬ ‫التي يبحثون عنها أم ال‪.‬‬

‫‪6‬‬


‫ويمكن القول أن الكثير من األهداف قد تحققت من خالل مجريات التحقيق واملحاكمة‪ ،‬فقد أصبح‬ ‫موضوع قضية الفوسفات هو املشروع الوحيد الذي شملته الخصخصة وتم إلهاء الناس عن غيره‪ ،‬وقد‬ ‫عبرت الحكومة ومجلس النواب األزمة التي ثارت في الشارع األردني حول املطالبة بالتحقيق في موضوع‬ ‫ً‬ ‫خصخصة الكثير من املرافق العامة‪ ،‬وقد استعملت أيضا لتشجيع الناس على املشاركة في االنتخابات‬ ‫النيابية‪ ،‬وتباهت الحكومة أنها تمكنت ونجحت في إجراء انتخابات نزيهة وشفافة ومعبرة عن إرادة الشعب‪،‬‬ ‫ثم لم تخلو مناقشات وخطابات الثقة بالحكومة الحالية من استعمال قضية الفوسفات لجلب الدعم‬ ‫والتأييد السيما وأن من ينظر في تصريحات املسؤولين يعتقد أن حل قضية الفوسفات سوف يحل كل‬ ‫األزمات االقتصادية التي تعاني منها البالد‪ ،‬وهللا أعلم إذا كانت أهداف مرحلية أخرى يمكن توظيف قضية‬ ‫الفوسفات لتحقيقها‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫الحكم األخير الذي أصدرته املحكمة بالبراءة في قضية الكازينو‪ ،‬يطرح سؤالين مهمين هما‪:‬‬ ‫‪ .1‬هل خضع قرار املحكمة لضغوطات أو تأثيرات ما من جهات معينة إلغالق ملف القضية‬ ‫نهائيا؟‬ ‫‪ .2‬هل كان القرار عادال ومستندا إلى البينات وأقوال الشهود التي لم توفر للقضاة القناعة‬ ‫باإلدانة؟ ثم من كان وراء الشحن اإلعالمي وما تم تسريبه لوسائل اإلعالم املختلفة وما‬ ‫شهدته من ضجة كبيرة في البرملان بأن هناك فسادا ماليا كلف الدولة ملياري دوالر وما أسفر‬ ‫عنه‪ ،‬كل ذلك من إيهام الرأي العام وإيصاله إلى حالة القناعة التامة بوجود فساد هائل في‬ ‫هذه القضية؟‬ ‫هذان السؤاالن يعنيان أمرا واحدا من اثنين هما‪ :‬إما أن املحكمة مارست قناعتها بالكامل‪ ،‬دون االلتفات‬ ‫إلى كل ما كتب وقيل في وسائل اإلعالم عن القضية‪ ،‬ألن األصل أن تمارس قناعتها وتصدر قرارها بناء على‬ ‫األدلة واملستندات وأقوال الشهود‪ ،‬أو أن القرار خضع لتأثير جهات قادرة على التأثير إلصدار قرار البراءة‬ ‫وإغالق ملف القضية‪.‬‬ ‫في قضية الكازينو ال نعرف ما الذي حصل بالضبط‪ ،‬ولكننا في قضية الفوسفات نعرف بل متأكدون‪ ،‬أنها‬ ‫ّ‬ ‫خضعت للتسيس ألهداف يعرفها من سيـس القضية‪ ،‬وكال التهم جزافا واستخدم وسائل اإلعالم املختلفة‬ ‫بالترغيب والترهيب خالل مرحلة التحقيق الذي يقض ي القانون بأن يكون سريا‪ ،‬وما تم فيما بعد من توجيه‬ ‫األخبار املنشورة عن جلسات املحكمة لتخدم هذا الغرض‪ .‬فالبينات واألدلة في قضية الفوسفات تدحض‬ ‫كل االتهامات‪ ،‬وتنفي كل ما قيل عن القضية في وسائل اإلعالم املختلفة‪.‬‬ ‫فهل ستصدر املحكمة حكمها وفق قناعتها واستنادا لتلك البينات واألدلة وأقوال الشهود‪ ،‬أم أن قرارها‬ ‫سيخضع للضغوط والتأثيرات التي تسعى إلصدار حكم اإلدانة بأي ثمن؟‬

‫‪10‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.