مدخل إلى المجتمع المدني تمهيد يرتكز مفهوم المجتمع المدني قيمياً وتاريخياً على منطلقين أساسيين ،أولهما نابع من صفة إنسانية متأصلة في الطبيعة البشرية -وان كانت متفاوتة بنسبتها من شخص آلخر -وهي اهتمام الفرد بمصلحة الجماعة ،وانفعاله بما قد يقع عليها أو على جزء منها من ظلم أو سوء ،انفعاالً قد يدفعه بالتحرك لمحاولة دفع األذى الواقع .أما الركيزة الثانية فترتبط سياسياً وتاريخياً بتطور شكل الدولة والعالقة فيها بين الحيزين العام والخاص .وقد شهدت هذه العالقة عبر العصور التاريخية تجاذبات -مرات سلمية ،وأخرى عنيفة ودامية -بين كال القطبين :األفراد من جهة والقائمين على السلطة من جهة أخرى ،تدور رحاها حول غاية تعريف حدود كال الطرفين وحقوقه والتزاماته. و كان أن نتج عن تطور هذه التجاذبات في العصر الحديث أن وضعت األسس النظرية لتنظيم هذه العالقة والتي سميت تاريخياً بالعقد االجتماعي ،وفيه يتمايز الحيز العام عن الحيز الخاص ،بحيث تنحصر مسئوليات المنشغلين بالحيز العام برعاية الصالح العام (شؤون المواطنين) ،ويلتزم المواطنون بالتنظيمات التي تصدرها السلطة رعاية لمصالحهم وتنظيماً لشؤونهم، وبالتالي تتماسك الدولة وتنتظم العالقة بين مكوناتها. ومن نتائج تعريف هذه العالقة المنتظمة والمؤطرة -نظرياً وفي الوضع المثالي -أن تستقر الدولة وتزول أسباب توترها وتقلباتها الجذرية العاصفة الناتجة عن اختالل العالقة بين السلطة واألفراد ،فينشغل الحيز الخاص باالهتمامات الشخصية والمعيشية لألفراد من أمثال شؤون األسرة والمهنة ونمط المعيشة ،وتنصرف مؤسسات السلطة لتطوير القوانين المنظمة والراعية للصالح العام .ولكن وألن الواقع والمثال قد يكونا متباينين -فتنشأ بذلك الحاجة الستحداثات جديدة لجسر المسافة بينهما -فقد احتاج نموذج الدولة المعاصرة هذا -لضمان بقاء استقرارها -ألفراد ينتظمون في جماعات وهيئات -ممن تتسامى في طبائعهم صفة االهتمام بمصلحة الجماعة واالنفعال من أجل حقوقها انفعاالً ذاتي ًا طوعياً غير مدفوع برغبة تحصيل مقابل مالي -يندفعون من أجل تمثيل مطالب هذه الجماعات والهيئات وتطوير واقعها ومراقبة تشريعات وتنظيمات السلطة لضمان تحقيقها ألكبر قدر من قصرت يوماً بجانبها من العقد االجتماعي في حق الصالح العام ،ترى دوافع االنفعال في الصالح العام .فإن أخّلت السلطة أو ّ نفوس هؤالء األفراد قد تحركت لالحتجاج على الخلل والمطالبة بإصالحه .فكان نتيجة لهذه الدوافع أن استُ ِ حد َث في شكل الدولة المعاصرة حيز جديد يقع بين الحيزين العام والخاص ،ويشمل كل تجمع لهؤالء األفراد في شكل منظمات وهيئات وجمعيات ونقابات لتمثيل مصالح الحيز الخاص اهتماماً منها بالصالح العام ،وقيادة لقيادة مبادرات تطوعية لتطويره و مراقبة القائمين عليه ،وسمي هذا الحيز المستحدث حسب المصطلحات الحديثة بالمجتمع المدني أو المؤسسات األهلية.
وأشمل تعريف للمجتمع المدني هو ما وضعه البنك الدولي ونصه "يشير مصطلح المجتمع المدني إلى مجموعة واسعة النطاق من المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية التي لها وجود في الحياة العامة وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو اآلخرين ،استناداً إلى اعتبارات أخالقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية". ويتصف المجتمع المدني بعدة خصائص أهمها( :أ) الطبيعة التطوعية لمشاركة األعضاء( ،ب) التوليد الذاتي لقيمها وأجندتها والتحكم الذاتي بخططها وخياراتها بمنأى عن تدخالت الحكومة أو األحزاب السياسية( ،ج) الدعم المالي الذاتي (ولو جزئياً)، (د) االستقاللية عن السلطة( ،ه) محكومة بقواعد مشتركة و نظام داخلي. جميع هذه الخصائص ترسم المالمح األساسية للمجتمع المدني ،وتبرز على وجه الخصوص أهم ملمحين فيه وهما :الذاتية (في القيم واألهداف واألجندة) ،واالستناد إلى قواعد تنظيمية مستندة إلى احترام القانون ومعززة له. المكونة للدولة بالمميزات التالية .أوالً :أنه يهتم بالمصالح العامة ال يتميز حيز المجتمعات المدنية عن غيره من النطاقات ّ الخاصة ،وثانيهما أنه ورغم ارتباطه بالحيز العام إال أنه ال يتبع للسلطة وال يبتغي المنافسة عليها .أما ثالث هذه الميزات فهي احترامه للتعددية والتنوع ،وأخي اًر قبوله للعضوية المفتوحة والجزئية ،حيث يمكن للفرد أن يكون عضواً بأكثر من هيئة مجتمع مدني حسب اهتماماته ،حيث ال يمكن لهيئة واحدة أن تستطيع تمثيل اهتمامات المجتمع بأكمله. فاعلية المجتمع المدني وتختلف فاعلية المجتمع المدني باختالف شكل العالقة بين الدولة (السلطة) والمجتمع والذي يعتمد بدوره على شكل وطبيعة نظام الحكم .ونستطيع أن نميز األشكال التالية من هذه العالقة في كل من أنظمة الحكم الديمقراطية ،االستبدادية (الديكتاتورية) ،الشمولية ،واالستبدادية المؤسساتية. ففي النظام الديمقراطي يتنافس المجتمع السياسي على السلطة ،وينتظم المجتمع المدني في هيئات تمثل اهتمامات ومصالح المكونات المختلفة في المجتمع ،ويركز األفراد على حياتهم الشخصية واألعمال.
النظام الديمقراطي الحيز الخاص نمط المعيشة والترفيه الشخصي
الحياة األسرية
حيز المجتمع المدني الحيز السياسي
مؤسسات اإلعالم
المؤسسات غير الربحية
الدولة /السلطة السياس
األعمال الخاصة
الهيئات واألحزاب السياسية الشركات الحياة الثقافية والفكرية
الحيز االقتصادي
أما في األنظمة االستبدادية نجد أن القبضة المحكمة للنظام ثؤثر سلباً في مدى الحيز الذي يشغله المجتمع المدني وبالتالي في حجم فاعليته ،وقد تنشأ نتيجة لذلك طبقة كامنة أو خفية من المجموعات ملحقة بحيز المجتمع المدني إال أنها تتحرك بشكل خفي وبعيد عن أعين السلطة والتنظيم القانوني ألنشطتها .وتكون السمة السائدة في هذه الدولة توغل ذراع السلطة في األنشطة السياسية وحتى االقتصادية .نظام الحكم في جمهورية الصين الشعبية هو مثال عن هذه األنظمة.
النظام االستبدادي المجتمع نمط المعيشة والترفيه الشخصي
الحياة األسرية
حيز المجتمع المدني
مجتمع مدني كامن
السلطة -الحزب
مؤسسات مملوكة من الدولة
هيئات سياسية خاضعة لتحكم السلطة
الحيز االقتصادي
ثم تأتي األنظمة الشمولية –كنظام الحكم في كوريا الشمالية -لتصبغ أركان الدولة والمجتمع كلها بصبغتها وتخضعها لسيطرتها ومراقبتها .وينمحق في هذا النموذج من أشكال السلطة حيز المجتمع المدني تماماً فال أحد يجرؤ أن يراقب أداء الحكومة أو يسائلها أو يعبر أن رأيه فيما يخص الشأن العام أو يمثل بأي طريقة مصالح المجتمع ،وحتى الهيئات والتنظيمات الغير ربحية- إن وجدت -فهي توجد لتتبنى توجهات الحكومة وتدعم سياساتها.
النظام الشمولي النشاطات الخاصة والترفيه الشخصي
المجتمع الحياة األسرية
الحياة الثقافية المحاصرة
جامعات ومراكز أبحاث حكومية
األجهزة اإلعالمية الحكومية
شركات حكومية السلطة-الحزب
تنظيمات تابعة للسلطة
مؤسسات دينية خاضعة للسلطة القطاع االجتماعي الحكومي
وهناك نموذج جديد لنماذج العالقة بين الدولة والمجتمع ينشأ كنوع من انفتاح يسير للنظام االستبدادي بحيث يبقي سيطرته فعلياً لكن يتيح المجال المحدود –ولو شكلي ًا -لنشوء حيزي األحزاب السياسية والمجتمع المدني إلضفاء صبغة مؤسساتية شكلية على طابع الحياة السياسية والثقافية المجتمعية.
النظام االستبدادي المؤسساتي المجتمع المجتمع المدني الحياة الثقافية المحاصرة مجتمع سياسي يخضع لتأثيرات السلطة جامعات ومراكز أبحاث حكومية
الحياة األسرية
األجهزة اإلعالمية الحكومية
شركات حكومية السلطة-الحزب السلطة- الحزب
تنظيمات تابعة للسلطة
مؤسسات دينية خاضعة للسلطة القطاع االجتماعي الحكومي
النشاطات الخاصة والترفيه الشخصي
ونستطيع القول أن نظام الحكم في سورية في عهد األسد األب بدأ بكونه نظاماً شمولياً مع تفعيله قانون الطوارئ في بداية حكمه واحكام السلطة لقبضتها األمنية على كافة مناحي الحياة واختفاء أي شكل من أشكال الحياة الفكرية أو الثقافية .ثم تحول مع آخر عهده إلى نظام استبدادي مع فتحه حي اًز م ارَقباً لبعض الحياة الفكرية والثقافية واإلعالمية ونشوء بعض المجموعات الدينية التي غض الطرف عنها مقابل حيادها التام عن السياسة .ومع وصول األسد االبن للسلطة وإلشاعة بعض الروح المتجددة أضفى بعض المؤسساتية على النظام االستبدادي الموروث مع بقاء الطبقات كلها مهيمن عليها من قبل مؤسسة السلطة أو مؤسسات تابعة أو محابية لها. دور المجتمع المدني غني عن الذكر أن المجتمع المدني يكون في أقوى حاالت تمكينه وفعاليته في النموذج الديمقراطي للدولة ،ويتكمن من أداء وظائفه المتعددة بشكل أكثر سهولة وأقوى أث اًر .وتتضمن وظائف المجتمع المدني التالي:
المحاسبة العمودية :مراقبة ومحاسبة سوء استخدام السلطة.
التعبئة ضد الحكم االستبدادي ،والضغط باتجاه التحول للديمقراطية ،ودعم مبادئ الديمقراطية والمطالبة باإلصالح الساسي واالقتصادي واالجتماعي.
تفعيل المساهمة المدنية والسياسية.
التوعية بقيم الديمقراطية والمواطنة والمجتمع المدني.
االهتمام بالقضايا العامة و القضايا التي تمس الصالح العام وتمثيل اهتمامات ومصالح المجتمع.
توليد عالقات وروابط جديدة تعزز اندماج شرائح المجتمع.
تدريب وتأهيل القيادات السياسية.
مراقبة وتطوير أداء المؤسسات الحكومية من خالل مبادرات مثل :مراقبة االنتخابات ،حمالت ضد الفساد ،مراقبة أداء البرلمان.
تمكين األفراد وتمثيل اهتماماتهم مثل :المطالبة بحقوق أكبر للمرأة ،مكافحة الفساد ،وغيرها من التحركات االجتماعية.
التوسط في حل المشاكل واألزمات السياسية والمجتمعية.
تشجيع التطوير المجتمعي والتفاعل االجتماعي مع القضايا المجتمعية.
ومع كل هذا الدور الحيوي للمجتمع المدني ،والذي يعزز نضج المجتمع ويلعب دو اًر في تقويم عمل الحكومة من خالل المراقبة والمساءلة ،إال أنه وتحت بعض الظروف قد يكون له تأثير سلبي وجانب مظلم بحيث يشكل إعاقة بدالً من أن يكون دوره فعاالً ومحف اًز .مثال ذلك ما قد يحدث عند إغراق الحكومة بالمطالبات والتوقعات ،أو عند اعتماد ثقافة معارضة مبالغة في التهكم ،واالستهزاء بكل ما تقوم به الحكومة ،والتشكيك الدائم بنواياها ،واعتماد منهج تهجمي عوضاً عن أن يكون موقفاً يوازن بين أقصى الطرفين :التسليم األعمى الواثق كلياً بتصرفات الحكومة ،والتهكم الناسف لكل ثقة والطاعن بكل مبادرة ،وعوضاً ٍ تحد آخر يواجه منظمات المجتمع عن أن يكون النقد والمساءلة نابعين من رغبة في المساهمة بتطوير أداء وفعالية الحكومة. المدني يظهر عندما يكون أفراد تلك المنظمات خالصة مجتمعات غير مكتملة النضج من حيث الثقافة المدنية والسلوكيات المتمدنة ،فيلزمها في هذه الحالة أن تبذل جهوداً مضاعفة لتخطي هذه التحديات داخلياً قبل مساهمتها في نشر الثقافة المدنية الالزمة في المجتمع .أما من ناحية التحديات اإلجرائية الطابع التي قد تواجه منظمات المجتمع المدني ،فتشمل تحديات التمويل المالي ،والمحافظة على األداء المؤسساتي الذي يضمن استدامتها ،ومحافظتها على الدور الحيادي فيما يتعلق بعالقتها مع األحزاب السياسية. المجتمع المدني ضمن المتغيرات إضافة لما تم ذكره من آثار إيجابية لهيئات المجتمع المدني على المجتمعين السياسي ومجتمع المواطنين ،فإن بعض الدراسات تناولت التأثير التفصيلي للمجتمع المدني كعامل مؤثر ومتأثر بالعوامل األخرى في السياق العام للدولة .من هذه الدراسات نورد نموذجاً طوره الباحث السيا سي األمريكي روبرت بوتنام في كتابه "تفعيل عمل الديمقراطية" ،إثر دراسة تفصيلية أجراها في إيطاليا ،وعرف باسم "نموذج بوتنام للمجموعات المدنية" والذي يربط فيه العوامل المختلفة سبباً وأث اًر بناتج الحكومة الرشيدة الفعالة .خلص الباحث في دراسته إلى أن المجموعات المدنية تتأثر بعاملي الثقة السياسية ،والثقة االجتماعية والتي تتأثر بدورها بثقافة المجتمع والعالقة بين أفراده وفئاته .فكلما زادت العالقة -األفقية -بين شرائح المجتمع كافة كلما زاد تفعيل عامل الرغبة والحافز الذاتي عند األفراد باالنضمام لمؤسسات المجتمع المدني والذي يؤثر بدوره على مدى تنافسية المجتمع المدني والتي
تؤثر بدورها على المشاركة السياسية ،التي تؤثر على الثقة السياسية ،والتي تؤثر بدورها على احترام القانون .من ناحية أخرى يؤدي أيضاً عامل الشرعية السياسية إلى احترام القانون .وبدورها فإن الشرعية السياسية تؤثر وتتأثر بمدى االزدهار االقتصادي وبمدى رشد الحكومة التي تؤثر بدورها على األداء االقتصادي. *وضع في رسم بياني متجه من اليمين لليسار: العالقة األفقية -عامل الرغبة والحافز الذاتي -تنافسية المجتمع المدني -المشاركة السياسية -الثقة السياسية -احترام القانون ثم وضع الباحث نموذجاً يوضح أثر العوامل المختلفة على األداء السيء للحكومة في ظل مجتمع مدني يفتقر إلى التنظيمات المدنية كما في الرسم أدناه.
عالقات اجتماعية طبقية مشاركة سياسية ضئيلة
اإليمان بعدم التساوي السياسي
ثقة سياسية منخفضة انعدام الثقة االجتماعية
االنقسام االجتماعي
حكم سيء
الفساد االنتهازية تخطي القانون التهكم من السياسة
الفقر
:نموذج بوتنام السببي للمجتمع الغير مدني 1رسم توضيحي
يالحظ أن النتيجة األهم في بحث بوتنام (وكال النموذجين) تكمن في تأكيده على التأثير الهام للثقة االجتماعية والعالقات االجتماعية المتشابكة األفقية ،ووجود الحافز الفردي لالنخراط في مجموعات ولعب دور في المشاركة المدنية المنظمة والضاغطة باتجاه أداء حكومي فعال. ومما يدفع باتجاه نشوء مزيد من العالقات األفقية بين شرائح المجتمع وجود أدوات تساعد على نشوء طبقة وسطى ،كما حدث مع نشوء الطبقة البرجوازية في الدول الديمقراطية المتقدمة .ومرد ذلك إلى نجاح تلك الطبقة في توفير استقاللية مالية ومصادر
تمويل ذاتية وبالتالي نزوعها باتجاه استقاللية فكرية أكبر .وبشكل عام نستطيع القول أنه كلما توفرت أدوات تمكن الفرد من تحصيل مزيد من االستقاللية المادية والفكرية واالجتماعية؛ مثل التعليم ،والقوانين االقتصادية والتجارية المرنة ،والولوج إلى مصادر المعلومات (كاإلنترنت) ،والتعبير عن اآلراء ،توفر لديهم حافز أكبر لتشبيك عالقاتهم االجتماعية واالنخراط في مجموعات مدنية والتعبير عن آرائهم السياسية. تجارب ناجحة لمجتمعات مدنية ونتيجة لشعور المواطنين بالحافز لالنخراط في مجموعات والشعور بالحقوق ،تتشكل النواة الحقيقية واألكثر فعالية لدولة ديمقراطية وأداء حكومي تنافسي ومجتمع قادر على التعبير عن مطالبه .وقد حدث هذا في العديد من دول العالم التي خاضت طريقها الوعر لنبذ نظم االستبداد والتحول إلى الديمقراطية .عندما خرج الطالب والمحامون والمفكرون ودعاة حقوق اإلنسان للشوارع ،وتبعهم أصحاب األعمال واالتحادات العمالية والمصنعيون في حركات احتجاجية مطالبة بالحقوق ومنددة باالستبداد. حدث هذا في أمريكا الالتينية وفي أوروبا الشرقية والفلبين وتايالند ونيجيريا في فترة الستينات إلى التسعينات .ولوال دور منظمات المجتمع المدني في مراقبة االنتخابات وتنظيم االحتجاجات المنظمة لما كان باإلمكان تحقق نجاح الثورات المدنية الطابع في صربيا وجورجيا وأوكرانيا. وقد نجح ضغط المجتمع المدني متضمناً وسائل إعالمية مستقلة في تاريخ الهند المعاصر في إقالة رئيس وزراء ،وزير دفاع ووزير اتصاالت ،إبان كشف قضايا فساد .ولعل تجربة المجتمع المدني في الهند من أكثر التجارب الجديرة باالهتمام ،كونها تمثل قصة نجاح لمجتمع مدني يمثل مجتمعاً شديد التنوع واالختالف في التركيبة والثقافة واإلثنية والدين والطبقة وحتى اللغة. ورغم أن الثقافة الديمقراطية –من مرونة واحترام للتعددية والقبول بالتسويات التوافقية -قد ال تكون معمقة في كل منظمات المجتمع المدني في الهند ،لكنهم يتشاركون الحد األدنى من الخصائص الالزمة لمجتمع مدني فعال :االستقاللية عن السلطة، التنظيم ،القدرة على الحشد والتصرف كمجموعة ،وخدمة شئون وقضايا متعلقة بالصالح العام .وهناك قصص نجاحات عديدة من أمثلة :تمثيل صوت مزارعين فقراء كادوا أن يفقدون سكنهم بسبب مشاريع بناء أحد السدود ،تمثيل قضايا العنف ضد المرأة، قضايا متعلقة بالتعليم والصحة وحتى المواصالت والتلوث. التوصية كل هذه األمثلة وغيرها على وظائف المجتمع المدني من شأنها -كما أسلفنا -أن تزيد ثقة المواطن بالسياسة ،وتدفع باتجاه حكومة رشيدة ،ونظام ديمقراطي ،ومجتمع أكثر فعالية وانخراطاً بقضايا الصالح العام وذو ثقافة مواطنة ومدنية أكثر عمقاًً. نتيجة أخرى غير مباشرة هي زيادة ثقة المجتمع الدولي .نركز على هذه النقطة هنا لما لها من صلة على الواقع السوري الحالي في ظل الثورة السورية حيث ما فتئ المجتمع الدولي يقف موقف شبه العاجز من معاناة الشعب السوري ،فبينما يظهر تعاطفاً معه إال أن شرعية النظام ماتزال قائمة .ولغاية كتابة هذه السطور لم تفلح الجهود الديبلوماسية للقوى السياسية الممثلة للثورة -
من ائتالف ومجلس وطني وحكومة مؤقتة -وال القوى العسكرية الثورية -للجيش الحر -من حسم الموقف .ونحن في بحثنا هذا نقدم الطرح التالي :رغم حداثة عهد المجتمع السوري بتنظيمات المجتمع المدني -بسبب ما عاناه المجتمع من استبداد وقمع منذ عهد األسد األب -إال أن تواجد مجموعات مدنية منظمة وذات مقبولية ومصداقية وفعالية ستسرع من حسم الموقف لصالح ثورة الشعب لما ستضفيه من مصداقية وثقة دولية ليس فقط على مستوى الثقة السياسية ،ولكن أيضاً على مستوى المعونات الدولية من جهة ،ومن جهة أخرى على مستوى الثقة الشعبية والفعالية االجتماعية.
المراجع Diamond, Larry (2008). "The Spirit of Democracy: The Struggle to Build Free Societies Throughout the World". New York: Henry Holt and Company. from
Retrieved
Notes].
[Lecture
Development
Democratic
(2013).
Larry
Diamond,
http://www.coursera.org/democraticdev-001