مدخل إلى المجتمع المدني

Page 1

‫مدخل إلى المجتمع المدني‬ ‫تمهيد‬ ‫يرتكز مفهوم المجتمع المدني قيمياً وتاريخياً على منطلقين أساسيين‪ ،‬أولهما نابع من صفة إنسانية متأصلة في الطبيعة‬ ‫البشرية‪ -‬وان كانت متفاوتة بنسبتها من شخص آلخر‪ -‬وهي اهتمام الفرد بمصلحة الجماعة‪ ،‬وانفعاله بما قد يقع عليها أو على‬ ‫جزء منها من ظلم أو سوء‪ ،‬انفعاالً قد يدفعه بالتحرك لمحاولة دفع األذى الواقع‪ .‬أما الركيزة الثانية فترتبط سياسياً وتاريخياً‬ ‫بتطور شكل الدولة والعالقة فيها بين الحيزين العام والخاص‪ .‬وقد شهدت هذه العالقة عبر العصور التاريخية تجاذبات ‪-‬مرات‬ ‫سلمية‪ ،‬وأخرى عنيفة ودامية‪ -‬بين كال القطبين‪ :‬األفراد من جهة والقائمين على السلطة من جهة أخرى‪ ،‬تدور رحاها حول غاية‬ ‫تعريف حدود كال الطرفين وحقوقه والتزاماته‪.‬‬ ‫و كان أن نتج عن تطور هذه التجاذبات في العصر الحديث أن وضعت األسس النظرية لتنظيم هذه العالقة والتي سميت‬ ‫تاريخياً بالعقد االجتماعي‪ ،‬وفيه يتمايز الحيز العام عن الحيز الخاص‪ ،‬بحيث تنحصر مسئوليات المنشغلين بالحيز العام برعاية‬ ‫الصالح العام (شؤون المواطنين)‪ ،‬ويلتزم المواطنون بالتنظيمات التي تصدرها السلطة رعاية لمصالحهم وتنظيماً لشؤونهم‪،‬‬ ‫وبالتالي تتماسك الدولة وتنتظم العالقة بين مكوناتها‪.‬‬ ‫ومن نتائج تعريف هذه العالقة المنتظمة والمؤطرة ‪-‬نظرياً وفي الوضع المثالي‪ -‬أن تستقر الدولة وتزول أسباب توترها وتقلباتها‬ ‫الجذرية العاصفة الناتجة عن اختالل العالقة بين السلطة واألفراد‪ ،‬فينشغل الحيز الخاص باالهتمامات الشخصية والمعيشية‬ ‫لألفراد من أمثال شؤون األسرة والمهنة ونمط المعيشة‪ ،‬وتنصرف مؤسسات السلطة لتطوير القوانين المنظمة والراعية للصالح‬ ‫العام‪ .‬ولكن وألن الواقع والمثال قد يكونا متباينين ‪-‬فتنشأ بذلك الحاجة الستحداثات جديدة لجسر المسافة بينهما‪ -‬فقد احتاج‬ ‫نموذج الدولة المعاصرة هذا ‪-‬لضمان بقاء استقرارها‪ -‬ألفراد ينتظمون في جماعات وهيئات ‪-‬ممن تتسامى في طبائعهم صفة‬ ‫االهتمام بمصلحة الجماعة واالنفعال من أجل حقوقها انفعاالً ذاتي ًا طوعياً غير مدفوع برغبة تحصيل مقابل مالي‪ -‬يندفعون من‬ ‫أجل تمثيل مطالب هذه الجماعات والهيئات وتطوير واقعها ومراقبة تشريعات وتنظيمات السلطة لضمان تحقيقها ألكبر قدر من‬ ‫قصرت يوماً بجانبها من العقد االجتماعي في حق الصالح العام‪ ،‬ترى دوافع االنفعال في‬ ‫الصالح العام‪ .‬فإن أخّلت السلطة أو ّ‬ ‫نفوس هؤالء األفراد قد تحركت لالحتجاج على الخلل والمطالبة بإصالحه‪ .‬فكان نتيجة لهذه الدوافع أن استُ ِ‬ ‫حد َث في شكل الدولة‬ ‫المعاصرة حيز جديد يقع بين الحيزين العام والخاص‪ ،‬ويشمل كل تجمع لهؤالء األفراد في شكل منظمات وهيئات وجمعيات‬ ‫ونقابات لتمثيل مصالح الحيز الخاص اهتماماً منها بالصالح العام‪ ،‬وقيادة لقيادة مبادرات تطوعية لتطويره و مراقبة القائمين‬ ‫عليه‪ ،‬وسمي هذا الحيز المستحدث حسب المصطلحات الحديثة بالمجتمع المدني أو المؤسسات األهلية‪.‬‬


‫وأشمل تعريف للمجتمع المدني هو ما وضعه البنك الدولي ونصه "يشير مصطلح المجتمع المدني إلى مجموعة واسعة النطاق‬ ‫من المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية التي لها وجود في الحياة العامة وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات‬ ‫وقيم أعضائها أو اآلخرين‪ ،‬استناداً إلى اعتبارات أخالقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية"‪.‬‬ ‫ويتصف المجتمع المدني بعدة خصائص أهمها‪( :‬أ) الطبيعة التطوعية لمشاركة األعضاء‪( ،‬ب) التوليد الذاتي لقيمها وأجندتها‬ ‫والتحكم الذاتي بخططها وخياراتها بمنأى عن تدخالت الحكومة أو األحزاب السياسية‪( ،‬ج) الدعم المالي الذاتي (ولو جزئياً)‪،‬‬ ‫(د) االستقاللية عن السلطة‪( ،‬ه) محكومة بقواعد مشتركة و نظام داخلي‪.‬‬ ‫جميع هذه الخصائص ترسم المالمح األساسية للمجتمع المدني‪ ،‬وتبرز على وجه الخصوص أهم ملمحين فيه وهما‪ :‬الذاتية (في‬ ‫القيم واألهداف واألجندة)‪ ،‬واالستناد إلى قواعد تنظيمية مستندة إلى احترام القانون ومعززة له‪.‬‬ ‫المكونة للدولة بالمميزات التالية‪ .‬أوالً‪ :‬أنه يهتم بالمصالح العامة ال‬ ‫يتميز حيز المجتمعات المدنية عن غيره من النطاقات‬ ‫ّ‬ ‫الخاصة‪ ،‬وثانيهما أنه ورغم ارتباطه بالحيز العام إال أنه ال يتبع للسلطة وال يبتغي المنافسة عليها‪ .‬أما ثالث هذه الميزات فهي‬ ‫احترامه للتعددية والتنوع‪ ،‬وأخي اًر قبوله للعضوية المفتوحة والجزئية‪ ،‬حيث يمكن للفرد أن يكون عضواً بأكثر من هيئة مجتمع‬ ‫مدني حسب اهتماماته‪ ،‬حيث ال يمكن لهيئة واحدة أن تستطيع تمثيل اهتمامات المجتمع بأكمله‪.‬‬ ‫فاعلية المجتمع المدني‬ ‫وتختلف فاعلية المجتمع المدني باختالف شكل العالقة بين الدولة (السلطة) والمجتمع والذي يعتمد بدوره على شكل وطبيعة‬ ‫نظام الحكم‪ .‬ونستطيع أن نميز األشكال التالية من هذه العالقة في كل من أنظمة الحكم الديمقراطية‪ ،‬االستبدادية‬ ‫(الديكتاتورية)‪ ،‬الشمولية‪ ،‬واالستبدادية المؤسساتية‪.‬‬ ‫ففي النظام الديمقراطي يتنافس المجتمع السياسي على السلطة‪ ،‬وينتظم المجتمع المدني في هيئات تمثل اهتمامات ومصالح‬ ‫المكونات المختلفة في المجتمع‪ ،‬ويركز األفراد على حياتهم الشخصية واألعمال‪.‬‬


‫النظام الديمقراطي‬ ‫الحيز الخاص‬ ‫نمط المعيشة‬ ‫والترفيه‬ ‫الشخصي‬

‫الحياة األسرية‬

‫حيز المجتمع المدني‬ ‫الحيز السياسي‬

‫مؤسسات‬ ‫اإلعالم‬

‫المؤسسات‬ ‫غير الربحية‬

‫الدولة‬ ‫‪/‬السلطة‬ ‫السياس‬

‫األعمال الخاصة‬

‫الهيئات واألحزاب‬ ‫السياسية‬ ‫الشركات‬ ‫الحياة الثقافية والفكرية‬

‫الحيز االقتصادي‬

‫أما في األنظمة االستبدادية نجد أن القبضة المحكمة للنظام ثؤثر سلباً في مدى الحيز الذي يشغله المجتمع المدني وبالتالي في‬ ‫حجم فاعليته‪ ،‬وقد تنشأ نتيجة لذلك طبقة كامنة أو خفية من المجموعات ملحقة بحيز المجتمع المدني إال أنها تتحرك بشكل‬ ‫خفي وبعيد عن أعين السلطة والتنظيم القانوني ألنشطتها‪ .‬وتكون السمة السائدة في هذه الدولة توغل ذراع السلطة في األنشطة‬ ‫السياسية وحتى االقتصادية‪ .‬نظام الحكم في جمهورية الصين الشعبية هو مثال عن هذه األنظمة‪.‬‬


‫النظام االستبدادي‬ ‫المجتمع‬ ‫نمط المعيشة‬ ‫والترفيه‬ ‫الشخصي‬

‫الحياة األسرية‬

‫حيز المجتمع المدني‬

‫مجتمع مدني كامن‬

‫السلطة‬ ‫‪-‬الحزب‬

‫مؤسسات مملوكة‬ ‫من الدولة‬

‫هيئات سياسية خاضعة‬ ‫لتحكم السلطة‬

‫الحيز االقتصادي‬

‫ثم تأتي األنظمة الشمولية –كنظام الحكم في كوريا الشمالية‪ -‬لتصبغ أركان الدولة والمجتمع كلها بصبغتها وتخضعها لسيطرتها‬ ‫ومراقبتها‪ .‬وينمحق في هذا النموذج من أشكال السلطة حيز المجتمع المدني تماماً فال أحد يجرؤ أن يراقب أداء الحكومة أو‬ ‫يسائلها أو يعبر أن رأيه فيما يخص الشأن العام أو يمثل بأي طريقة مصالح المجتمع‪ ،‬وحتى الهيئات والتنظيمات الغير ربحية‪-‬‬ ‫إن وجدت‪ -‬فهي توجد لتتبنى توجهات الحكومة وتدعم سياساتها‪.‬‬


‫النظام الشمولي‬ ‫النشاطات‬ ‫الخاصة والترفيه‬ ‫الشخصي‬

‫المجتمع‬ ‫الحياة األسرية‬

‫الحياة الثقافية‬ ‫المحاصرة‬

‫جامعات ومراكز‬ ‫أبحاث حكومية‬

‫األجهزة‬ ‫اإلعالمية‬ ‫الحكومية‬

‫شركات حكومية‬ ‫السلطة‪-‬الحزب‬

‫تنظيمات تابعة‬ ‫للسلطة‬

‫مؤسسات دينية‬ ‫خاضعة للسلطة‬ ‫القطاع االجتماعي‬ ‫الحكومي‬

‫وهناك نموذج جديد لنماذج العالقة بين الدولة والمجتمع ينشأ كنوع من انفتاح يسير للنظام االستبدادي بحيث يبقي سيطرته فعلياً‬ ‫لكن يتيح المجال المحدود –ولو شكلي ًا‪ -‬لنشوء حيزي األحزاب السياسية والمجتمع المدني إلضفاء صبغة مؤسساتية شكلية على‬ ‫طابع الحياة السياسية والثقافية المجتمعية‪.‬‬


‫النظام االستبدادي المؤسساتي‬ ‫المجتمع‬ ‫المجتمع المدني‬ ‫الحياة الثقافية‬ ‫المحاصرة‬ ‫مجتمع سياسي يخضع‬ ‫لتأثيرات السلطة‬ ‫جامعات ومراكز‬ ‫أبحاث حكومية‬

‫الحياة األسرية‬

‫األجهزة‬ ‫اإلعالمية‬ ‫الحكومية‬

‫شركات حكومية‬ ‫السلطة‪-‬الحزب‬ ‫السلطة‪-‬‬ ‫الحزب‬

‫تنظيمات تابعة‬ ‫للسلطة‬

‫مؤسسات دينية‬ ‫خاضعة للسلطة‬ ‫القطاع االجتماعي‬ ‫الحكومي‬

‫النشاطات الخاصة والترفيه الشخصي‬

‫ونستطيع القول أن نظام الحكم في سورية في عهد األسد األب بدأ بكونه نظاماً شمولياً مع تفعيله قانون الطوارئ في بداية‬ ‫حكمه واحكام السلطة لقبضتها األمنية على كافة مناحي الحياة واختفاء أي شكل من أشكال الحياة الفكرية أو الثقافية‪ .‬ثم تحول‬ ‫مع آخر عهده إلى نظام استبدادي مع فتحه حي اًز م ارَقباً لبعض الحياة الفكرية والثقافية واإلعالمية ونشوء بعض المجموعات‬ ‫الدينية التي غض الطرف عنها مقابل حيادها التام عن السياسة‪ .‬ومع وصول األسد االبن للسلطة وإلشاعة بعض الروح‬ ‫المتجددة أضفى بعض المؤسساتية على النظام االستبدادي الموروث مع بقاء الطبقات كلها مهيمن عليها من قبل مؤسسة‬ ‫السلطة أو مؤسسات تابعة أو محابية لها‪.‬‬ ‫دور المجتمع المدني‬ ‫غني عن الذكر أن المجتمع المدني يكون في أقوى حاالت تمكينه وفعاليته في النموذج الديمقراطي للدولة‪ ،‬ويتكمن من أداء‬ ‫وظائفه المتعددة بشكل أكثر سهولة وأقوى أث اًر‪ .‬وتتضمن وظائف المجتمع المدني التالي‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫المحاسبة العمودية‪ :‬مراقبة ومحاسبة سوء استخدام السلطة‪.‬‬

‫‪‬‬

‫التعبئة ضد الحكم االستبدادي‪ ،‬والضغط باتجاه التحول للديمقراطية‪ ،‬ودعم مبادئ الديمقراطية والمطالبة باإلصالح‬ ‫الساسي واالقتصادي واالجتماعي‪.‬‬

‫‪‬‬

‫تفعيل المساهمة المدنية والسياسية‪.‬‬

‫‪‬‬

‫التوعية بقيم الديمقراطية والمواطنة والمجتمع المدني‪.‬‬


‫‪‬‬

‫االهتمام بالقضايا العامة و القضايا التي تمس الصالح العام وتمثيل اهتمامات ومصالح المجتمع‪.‬‬

‫‪‬‬

‫توليد عالقات وروابط جديدة تعزز اندماج شرائح المجتمع‪.‬‬

‫‪‬‬

‫تدريب وتأهيل القيادات السياسية‪.‬‬

‫‪‬‬

‫مراقبة وتطوير أداء المؤسسات الحكومية من خالل مبادرات مثل‪ :‬مراقبة االنتخابات‪ ،‬حمالت ضد الفساد‪ ،‬مراقبة أداء‬ ‫البرلمان‪.‬‬

‫‪‬‬

‫تمكين األفراد وتمثيل اهتماماتهم مثل‪ :‬المطالبة بحقوق أكبر للمرأة‪ ،‬مكافحة الفساد‪ ،‬وغيرها من التحركات االجتماعية‪.‬‬

‫‪‬‬

‫التوسط في حل المشاكل واألزمات السياسية والمجتمعية‪.‬‬

‫‪‬‬

‫تشجيع التطوير المجتمعي والتفاعل االجتماعي مع القضايا المجتمعية‪.‬‬

‫ومع كل هذا الدور الحيوي للمجتمع المدني‪ ،‬والذي يعزز نضج المجتمع ويلعب دو اًر في تقويم عمل الحكومة من خالل المراقبة‬ ‫والمساءلة‪ ،‬إال أنه وتحت بعض الظروف قد يكون له تأثير سلبي وجانب مظلم بحيث يشكل إعاقة بدالً من أن يكون دوره‬ ‫فعاالً ومحف اًز‪ .‬مثال ذلك ما قد يحدث عند إغراق الحكومة بالمطالبات والتوقعات‪ ،‬أو عند اعتماد ثقافة معارضة مبالغة في‬ ‫التهكم‪ ،‬واالستهزاء بكل ما تقوم به الحكومة‪ ،‬والتشكيك الدائم بنواياها‪ ،‬واعتماد منهج تهجمي عوضاً عن أن يكون موقفاً يوازن‬ ‫بين أقصى الطرفين‪ :‬التسليم األعمى الواثق كلياً بتصرفات الحكومة‪ ،‬والتهكم الناسف لكل ثقة والطاعن بكل مبادرة‪ ،‬وعوضاً‬ ‫ٍ‬ ‫تحد آخر يواجه منظمات المجتمع‬ ‫عن أن يكون النقد والمساءلة نابعين من رغبة في المساهمة بتطوير أداء وفعالية الحكومة‪.‬‬ ‫المدني يظهر عندما يكون أفراد تلك المنظمات خالصة مجتمعات غير مكتملة النضج من حيث الثقافة المدنية والسلوكيات‬ ‫المتمدنة‪ ،‬فيلزمها في هذه الحالة أن تبذل جهوداً مضاعفة لتخطي هذه التحديات داخلياً قبل مساهمتها في نشر الثقافة المدنية‬ ‫الالزمة في المجتمع‪ .‬أما من ناحية التحديات اإلجرائية الطابع التي قد تواجه منظمات المجتمع المدني‪ ،‬فتشمل تحديات التمويل‬ ‫المالي‪ ،‬والمحافظة على األداء المؤسساتي الذي يضمن استدامتها‪ ،‬ومحافظتها على الدور الحيادي فيما يتعلق بعالقتها مع‬ ‫األحزاب السياسية‪.‬‬ ‫المجتمع المدني ضمن المتغيرات‬ ‫إضافة لما تم ذكره من آثار إيجابية لهيئات المجتمع المدني على المجتمعين السياسي ومجتمع المواطنين‪ ،‬فإن بعض الدراسات‬ ‫تناولت التأثير التفصيلي للمجتمع المدني كعامل مؤثر ومتأثر بالعوامل األخرى في السياق العام للدولة‪ .‬من هذه الدراسات نورد‬ ‫نموذجاً طوره الباحث السيا سي األمريكي روبرت بوتنام في كتابه "تفعيل عمل الديمقراطية"‪ ،‬إثر دراسة تفصيلية أجراها في‬ ‫إيطاليا‪ ،‬وعرف باسم "نموذج بوتنام للمجموعات المدنية" والذي يربط فيه العوامل المختلفة سبباً وأث اًر بناتج الحكومة الرشيدة‬ ‫الفعالة‪ .‬خلص الباحث في دراسته إلى أن المجموعات المدنية تتأثر بعاملي الثقة السياسية‪ ،‬والثقة االجتماعية والتي تتأثر بدورها‬ ‫بثقافة المجتمع والعالقة بين أفراده وفئاته‪ .‬فكلما زادت العالقة ‪-‬األفقية‪ -‬بين شرائح المجتمع كافة كلما زاد تفعيل عامل الرغبة‬ ‫والحافز الذاتي عند األفراد باالنضمام لمؤسسات المجتمع المدني والذي يؤثر بدوره على مدى تنافسية المجتمع المدني والتي‬


‫تؤثر بدورها على المشاركة السياسية‪ ،‬التي تؤثر على الثقة السياسية‪ ،‬والتي تؤثر بدورها على احترام القانون‪ .‬من ناحية أخرى‬ ‫يؤدي أيضاً عامل الشرعية السياسية إلى احترام القانون‪ .‬وبدورها فإن الشرعية السياسية تؤثر وتتأثر بمدى االزدهار االقتصادي‬ ‫وبمدى رشد الحكومة التي تؤثر بدورها على األداء االقتصادي‪.‬‬ ‫*وضع في رسم بياني متجه من اليمين لليسار‪:‬‬ ‫العالقة األفقية ‪ -‬عامل الرغبة والحافز الذاتي ‪ -‬تنافسية المجتمع المدني ‪ -‬المشاركة السياسية ‪ -‬الثقة السياسية ‪ -‬احترام‬ ‫القانون‬ ‫ثم وضع الباحث نموذجاً يوضح أثر العوامل المختلفة على األداء السيء للحكومة في ظل مجتمع مدني يفتقر إلى التنظيمات‬ ‫المدنية كما في الرسم أدناه‪.‬‬

‫عالقات اجتماعية‬ ‫طبقية‬ ‫مشاركة سياسية‬ ‫ضئيلة‬

‫اإليمان بعدم‬ ‫التساوي السياسي‬

‫ثقة سياسية‬ ‫منخفضة‬ ‫انعدام الثقة‬ ‫االجتماعية‬

‫االنقسام‬ ‫االجتماعي‬

‫حكم سيء‬

‫الفساد‬ ‫االنتهازية‬ ‫تخطي القانون‬ ‫التهكم من السياسة‬

‫الفقر‬

‫‪ :‬نموذج بوتنام السببي للمجتمع الغير مدني‪ 1‬رسم توضيحي‬

‫يالحظ أن النتيجة األهم في بحث بوتنام (وكال النموذجين) تكمن في تأكيده على التأثير الهام للثقة االجتماعية والعالقات‬ ‫االجتماعية المتشابكة األفقية‪ ،‬ووجود الحافز الفردي لالنخراط في مجموعات ولعب دور في المشاركة المدنية المنظمة‬ ‫والضاغطة باتجاه أداء حكومي فعال‪.‬‬ ‫ومما يدفع باتجاه نشوء مزيد من العالقات األفقية بين شرائح المجتمع وجود أدوات تساعد على نشوء طبقة وسطى‪ ،‬كما حدث‬ ‫مع نشوء الطبقة البرجوازية في الدول الديمقراطية المتقدمة‪ .‬ومرد ذلك إلى نجاح تلك الطبقة في توفير استقاللية مالية ومصادر‬


‫تمويل ذاتية وبالتالي نزوعها باتجاه استقاللية فكرية أكبر‪ .‬وبشكل عام نستطيع القول أنه كلما توفرت أدوات تمكن الفرد من‬ ‫تحصيل مزيد من االستقاللية المادية والفكرية واالجتماعية؛ مثل التعليم‪ ،‬والقوانين االقتصادية والتجارية المرنة‪ ،‬والولوج إلى‬ ‫مصادر المعلومات (كاإلنترنت)‪ ،‬والتعبير عن اآلراء‪ ،‬توفر لديهم حافز أكبر لتشبيك عالقاتهم االجتماعية واالنخراط في‬ ‫مجموعات مدنية والتعبير عن آرائهم السياسية‪.‬‬ ‫تجارب ناجحة لمجتمعات مدنية‬ ‫ونتيجة لشعور المواطنين بالحافز لالنخراط في مجموعات والشعور بالحقوق‪ ،‬تتشكل النواة الحقيقية واألكثر فعالية لدولة‬ ‫ديمقراطية وأداء حكومي تنافسي ومجتمع قادر على التعبير عن مطالبه‪ .‬وقد حدث هذا في العديد من دول العالم التي خاضت‬ ‫طريقها الوعر لنبذ نظم االستبداد والتحول إلى الديمقراطية‪ .‬عندما خرج الطالب والمحامون والمفكرون ودعاة حقوق اإلنسان‬ ‫للشوارع‪ ،‬وتبعهم أصحاب األعمال واالتحادات العمالية والمصنعيون في حركات احتجاجية مطالبة بالحقوق ومنددة باالستبداد‪.‬‬ ‫حدث هذا في أمريكا الالتينية وفي أوروبا الشرقية والفلبين وتايالند ونيجيريا في فترة الستينات إلى التسعينات‪ .‬ولوال دور‬ ‫منظمات المجتمع المدني في مراقبة االنتخابات وتنظيم االحتجاجات المنظمة لما كان باإلمكان تحقق نجاح الثورات المدنية‬ ‫الطابع في صربيا وجورجيا وأوكرانيا‪.‬‬ ‫وقد نجح ضغط المجتمع المدني متضمناً وسائل إعالمية مستقلة في تاريخ الهند المعاصر في إقالة رئيس وزراء‪ ،‬وزير دفاع‬ ‫ووزير اتصاالت‪ ،‬إبان كشف قضايا فساد‪ .‬ولعل تجربة المجتمع المدني في الهند من أكثر التجارب الجديرة باالهتمام‪ ،‬كونها‬ ‫تمثل قصة نجاح لمجتمع مدني يمثل مجتمعاً شديد التنوع واالختالف في التركيبة والثقافة واإلثنية والدين والطبقة وحتى اللغة‪.‬‬ ‫ورغم أن الثقافة الديمقراطية –من مرونة واحترام للتعددية والقبول بالتسويات التوافقية‪ -‬قد ال تكون معمقة في كل منظمات‬ ‫المجتمع المدني في الهند‪ ،‬لكنهم يتشاركون الحد األدنى من الخصائص الالزمة لمجتمع مدني فعال‪ :‬االستقاللية عن السلطة‪،‬‬ ‫التنظيم‪ ،‬القدرة على الحشد والتصرف كمجموعة‪ ،‬وخدمة شئون وقضايا متعلقة بالصالح العام‪ .‬وهناك قصص نجاحات عديدة‬ ‫من أمثلة‪ :‬تمثيل صوت مزارعين فقراء كادوا أن يفقدون سكنهم بسبب مشاريع بناء أحد السدود‪ ،‬تمثيل قضايا العنف ضد المرأة‪،‬‬ ‫قضايا متعلقة بالتعليم والصحة وحتى المواصالت والتلوث‪.‬‬ ‫التوصية‬ ‫كل هذه األمثلة وغيرها على وظائف المجتمع المدني من شأنها ‪-‬كما أسلفنا‪ -‬أن تزيد ثقة المواطن بالسياسة‪ ،‬وتدفع باتجاه‬ ‫حكومة رشيدة‪ ،‬ونظام ديمقراطي‪ ،‬ومجتمع أكثر فعالية وانخراطاً بقضايا الصالح العام وذو ثقافة مواطنة ومدنية أكثر عمقاً​ً‪.‬‬ ‫نتيجة أخرى غير مباشرة هي زيادة ثقة المجتمع الدولي‪ .‬نركز على هذه النقطة هنا لما لها من صلة على الواقع السوري الحالي‬ ‫في ظل الثورة السورية حيث ما فتئ المجتمع الدولي يقف موقف شبه العاجز من معاناة الشعب السوري‪ ،‬فبينما يظهر تعاطفاً‬ ‫معه إال أن شرعية النظام ماتزال قائمة‪ .‬ولغاية كتابة هذه السطور لم تفلح الجهود الديبلوماسية للقوى السياسية الممثلة للثورة ‪-‬‬


‫من ائتالف ومجلس وطني وحكومة مؤقتة‪ -‬وال القوى العسكرية الثورية ‪-‬للجيش الحر‪ -‬من حسم الموقف‪ .‬ونحن في بحثنا هذا‬ ‫نقدم الطرح التالي‪ :‬رغم حداثة عهد المجتمع السوري بتنظيمات المجتمع المدني ‪-‬بسبب ما عاناه المجتمع من استبداد وقمع منذ‬ ‫عهد األسد األب‪ -‬إال أن تواجد مجموعات مدنية منظمة وذات مقبولية ومصداقية وفعالية ستسرع من حسم الموقف لصالح ثورة‬ ‫الشعب لما ستضفيه من مصداقية وثقة دولية ليس فقط على مستوى الثقة السياسية‪ ،‬ولكن أيضاً على مستوى المعونات الدولية‬ ‫من جهة ‪ ،‬ومن جهة أخرى على مستوى الثقة الشعبية والفعالية االجتماعية‪.‬‬

‫المراجع‬ ‫‪Diamond, Larry (2008). "The Spirit of Democracy: The Struggle to Build Free Societies‬‬ ‫‪Throughout the World". New York: Henry Holt and Company.‬‬ ‫‪from‬‬

‫‪Retrieved‬‬

‫‪Notes].‬‬

‫‪[Lecture‬‬

‫‪Development‬‬

‫‪Democratic‬‬

‫‪(2013).‬‬

‫‪Larry‬‬

‫‪Diamond,‬‬

‫‪http://www.coursera.org/democraticdev-001‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.