هذا التقرير برعاية
�صاحب ال�سم ّو امللكي الأمري عبد العزيز بن فهد خم�ص�ص ل�صالح م� ّؤ�س�سة الفكر العربي وريعه ّ
حقوق الطبع حمفوظة مل� ّؤ�س�سة الفكر العربي ال ي�سمح ب�إعادة �إ�صدار هذا الكتاب �أو �أي جزء منه �أو تخزينه يف نطاق ا�ستعادة املعلومات �أو إذن خطي من م� ّؤ�س�سة الفكر العربي. نقله ب�أي �شكل من الأ�شكال من دون � ٍ All rights reserved. No part of this book may be reproduced, stored in a retrieval system or transmitted in any form or any means without prior permission from Arab Thought Foundation.
الطبعة الأوىل 1430هـ 2009 -م ISBN: 978 - 9953 - 0 - 1513 - 2
م� ّؤ�س�سة الفكر العربي
�شارع املعر�ض ،خلف اجلامع العمري ،الو�سط التجاري �ص.ب - 11 - 524 :.بريوت -لبنان هاتف - 00961 1 997100 :فاك�س00961 1 997101 : www.arabthought.org info@arabthought.org
تعب بال�رضورة عن وجهة نظر م� ّؤ�س�سة الفكر العربي الآراء الواردة يف هذا التقرير ال رّ
هيئــة التقريــر اللجنة الإ�ست�شارية (�أبجدي ًا)
�سحاب – كاتب لبناين • �إليا�س ّ • جواد الأ�سدي -م�رسحي عراقي • زياد عبداهلل الدري�س – كاتب عربي� ،سفري اململكة العربية ال�سعودية لدى منظمة اليون�سكو • �صالح بن عبدالرحمن العذل – �أ�ستاذ جامعي من ال�سعودية ،رئي�س مدينة امللك عبدالعزيز للعلوم والتقنية �سابق ًا • عبداهلل النجار -رئي�س امل� ّؤ�س�سة العربية للعلوم والتكنولوجيا ،الإمارات العربية املتحدة • علي عقلة عر�سان – كاتب وناقد من �سوريا • حممد الرميحي – رئي�س حترير جريدة �أوان الكويتية • حممد �سلماوي – �أمني عام احتاد الكتاب العرب
الباحثون الرئي�سيون
امللف الأول :املعلوماتية كرافعة للتنمية الثقافية • جمال غيطا�س – خبري معلوماتية ،رئي�س حترير جملة لغة الع�رص يف م�رص • نبيل علي – خبري ا�سرتاتيجيات احلا�سب الآيل -م�رص امللف الثاين :التمويل وا�ستقاللية الإدارة يف التعليم العايل • عدنان الأمني – خبري تربوي� ،أ�ستاذ جامعي -لبنان امللف الثالث :اخلطاب الثقايف يف و�سائل الإعالم • حممود خليل – مدير مركز التوثيق والتدريب ال�صحفي يف جامعة القاهرة� ،أ�ستاذ جامعي من م�رص امللف الرابع :الإبداع • الإبداع الأدبي :عبدو وازن – �شاعر وناقد ثقايف من لبنان • الإبداع ال�سينمائي والدرامي� :إبراهيم العري�س – كاتب وناقد �سينمائي من لبنان • الإبداع امل�رسحي :ماري �إليا�س – ناقدة م�رسحية فل�سطينية (�سوريا) امللف اخلام�س :احل�صاد الفكري ال�سنوي • عبدالإله بلقزيز – مفكر �أكادميي من املغرب
�أ�صحاب الأوراق املرجعية والباحثون امل�ساعدون (�أبجدي ًا) • �أبو احلجاج حممد ب�شري • �أحمد �إ�سماعيل حجي • �أ�رشف �شوبك • �أمين العمري
• خالد �أحمد ال�رصايرة • زيكي حبيب • �شريين �سالمة • �شيماء مازن
جلنة التدقيق واملراجعة
• عبد العايل كعوا�شي • كمال �أبو �شديد • ماهيناز رمزي • حم�سن املهدي �سعيد
• مرفت عبدالعزيز • نورما غمراوي • و�سام هندي • وليد مبي�ض
• هرني العويط – نائب رئي�س جامعة القدي�س يو�سف لل�ش�ؤون الأكادميية ،رئي�س اللجنة الوطنية اللبنانية لليون�سكو • رفيف ر�ضا �صيداوي – م� ّؤ�س�سة الفكر العربي • ثناء عطوي – م� ّؤ�س�سة الفكر العربي • رميا كوثراين – م� ّؤ�س�سة الفكر العربي
�سكرتاريا فنية
• رميا كوثراين – م� ّؤ�س�سة الفكر العربي
من�سق التقرير
• �سليمان عبداملنعم – �أمني عام م� ّؤ�س�سة الفكر العربي
مقدمة
رئي�س م� ّؤ�س�سة الفكر العربي �صاحب ال�سم ّو امللكي الأمري خالد الفي�صل ي�سعد م� ّؤ�س�سة الفكر العربي �أن توا�صل – للعام الثاين – �إ�صدار هذا التقرير ال�سنوي وهو الإ�صدار العربي الأول املعني بر�صد احلراك الثقايف على م�ستوى الدول العربية وحتليله وت�شخي�صه للتعرف على حجم الإجناز ،والوقوف على مواطن الق�صور ،وتقييم التط ّور احلا�صل يف �آليات �صناعة الثقافة وخمرجاتها ثم طرح النتائج على ال�ساحة عامة ،وخا�صة بني يدي �أ�صحاب القرار الثقايف .وقد ك�شفت الأ�صداء الطيبة التي حظي بها التقرير الأول وما �أثاره من جدل ونقا�شات عن تط ّلع �ساحتنا العربية لإعالء قيم املراجعة واحلوار ،والنقد الذاتي املو�ضوعي البنَّـاء. وي�ؤكد هذا التقرير (الثاين) ،مبا ت�ضمنه من ملفات وحماور ،ال�صلة الوثيقة بني الثقافة وبني التنمية الإن�سانية مبفهومها ال�شامل ،و�أن التنمية الثقافية بتجلياتها املختلفة يف التعليم ،والإبداع، والإعالم واملعلوماتية هي قوة الدفع للتنمية الإن�سانية بكل �أبعادها االقت�صادية واالجتماعية وال�سيا�سية. ومن امل�ؤكد �أن حلم التق ّدم الذي يراود كل �إن�سان عربي هو حق م�رشوع ل ّأمة �شاركت بفاعلية يف �صنع احل�ضارة الإن�سانية ،كما �أن حتقيق هذا احللم يجب �أن ينطلق من م�رشوع هدفه التنوير، وم�ضمونه الثقافة واملعرفة ،ومنهجه العلم ،وو�سيلته قراءة مو�ضوعية مع ّمقة لواقع احلا�رض من �أجل البناء عليها يف ا�ست�رشاف امل�ستقبل .وهو ما يحر�ص عليه التقرير ليكون لبنة م�ضافة �إىل جهود املخل�صني من �أبناء ال ّأمة ،ال�ساعني ل�صياغة م�رشوعها احل�ضاري.
هذا التقرير
هذا التقرير ... من�سق التقرير �أمني عام م� ّؤ�س�سة الفكر العربي ّ - �سليمان عبداملنعم يجيء هذا التقرير العربي الثاين للتنمية الثقافية ا�ست�صحاب ًا للر�ؤية ذاتها التي انطلق منها التقرير الأول .ر�ؤية حتاول جاهدة �أن ت� ّؤ�س�س ملنهجية عمل ثقايف يت�سم بال�شمول واال�ستمرار .ال�شمول بحيث يغطي هذا التقرير ما ميكن اعتباره �أهم املقومات الأ�سا�سية للتنمية الثقافية يف حواىل ع�رشين دولة عربية. واال�ستمرار بحيث ي�صدر هذا التقرير ب�صفة �سنوية ليمثل مرجعية بحثية يف احلا�رض وامل�ستقبل تتطلب متابعة د�ؤوب حلركة التنمية الثقافية يف العامل العربي ،وما تت�سم به من تراكم وجتدد دائمني. ولع َّل الإحاطة مبالمح هذا التقرير والتمهيد لقراءته يتطلبان �إ�شارة �أولية �إىل الت�سا�ؤالت التي يطرحها، واملنهجية التي يعتمد عليها ،واملحتوى الذي يت�ضمنه.
الت�سا�ؤالت التي يطرحها التقرير
لئن كانت كل �إجابة �صحيحة تتوقف على دقّة ال�س�ؤال املطروح ،ف�إن � َّأي ر�ؤية للتنمية الثقافية (بح�سبانها �إجابة مفرت�ضة) تتطلب طرح �أ�سئلة دقيقة ب�ش�أن ق�ضايا حمددة .ومثل هذه الر�ؤية ،على �رصامتها املنهجية ،ال تنفي حاجتنا �إىل خيال ثقايف وا�سع .وبهاتني االثنتني – املنهجية واخليال – ميكن طرح ق�ضية التنمية الثقافية وما تثريه من ت�سا�ؤالت يف جمتمعنا العربي. وامللحة يف ويحاول هذا التقرير يف ملفاته اخلم�سة �أن يقدم �إجابة عن عدد من الت�سا�ؤالت الهامة َّ جماالت املعلوماتية والتعليم والإعالم والإبداع .ففي جمال املعلوماتية تتعدد الأ�سئلة :ما هي �أو�ضاع عاملنا العربي طبق ًا مل�ؤ�رشات جمتمع املعلومات يف ظل اال�سرتاتيجيات احلكومية احلالية؟ وكيف تبدو هذه الأو�ضاع طبق ًا مل�ؤ�رشات البيئة الإبداعية ،ال�سيما يف جماالت البحث العلمي والتعليم و�صادرات التكنولوجيا؟ وما هي نقاط القوة ومظاهر ال�ضعف يف البنية املعلوماتية العربية من املنظور الثقايف؟ وهل يبدو احل�ضور الثقايف العربي على ال�شبكة العنقودية كافي ًا ومر�ضي ًا لطموحنا وما تختزنه ثقافتنا من ثراء؟ ويف الأحوال كافة ما هو الدور املحتمل للمعلوماتية يف دعم التنمية الثقافية وما هي مالمح الر�ؤية امل�ستقبلية يف هذا اخل�صو�ص؟ وقد ت�ض ّمن التقرير يف ملف املعلوماتية من املعلومات والأرقام ،ما يثري التفا�ؤل �أحيان ًا ،وي�ستثري القلق �أحيان ًا �أخرى .فدول جمل�س التعاون اخلليجي مع تون�س قطعت -وفق ًا ملا تثبته الأرقام املوثقَّة – �شوط ًا بعيداً على طريق تكري�س جمتمع املعلومات ،فقد احتلت هذه الدول �أحد املراكز الع�رشة الأوىل عاملي ًا يف �أحد ع�رش م�ؤ�رشاً من م�ؤ�رشات تقنية املعلومات .لكن ،ويف املقابل ،ف�إن موقع ًا عربي ًا واحداً فقط دخل قائمة املواقع الألف الأوىل الأكرث ارتياداً على �شبكة الإنرتنت ،وللمفارقة فقد كان هذا املوقع موقع ًا لل�سينما! وبخالف مواقع ال�سينما واملو�سيقى ،ال يوجد موقع عربي �ضمن قائمة الع�رشة �آالف موقع الأكرث مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين للتنمية الثقافية
زيارة على �شبكة الإنرتنت! وعلى جانب �آخر يت�سم دور املواقع العربية الر�سمية وغري الر�سمية ب�ضعف ملحوظ يف جماالت التعليم الإلكرتوين واملكتبات الرقمية والأدب والفولكلور .بل �إن مواقع املتاحف امل�رصية وال�سورية على �شبكة الإنرتنت ،وهما بلدان زاخران بالآثار ،تت�سم ب�ضعف �شديد� .أما ح�ضور اللغة العربية على �شبكة الإنرتنت فال يقل �ضعف ًا ،بل لوحظ وجود الكثري من املواقع “العربية” بلغات “�أجنبية”. وهو �أمر يثري العديد من عالمات الده�شة واال�ستفهام. وعلى �صعيد التعليم كان ال�س�ؤال الأبرز حول �أزمة اال�ستقاللية الإدارية واملالية يف اجلامعات العربية وهل �أف�ضت معدالت الإنفاق على التعليم العايل يف البلدان العربية �إىل حتقيق اجلودة التعليمية املن�شودة؟ وما هي هذه املعدالت التي تبدو يف �أكرثية الدول العربية �أقل بكثري جداً من مثيالتها يف الدول املتقدمة؟ فالإنفاق احلكومي ال�سنوي على الطالب اجلامعي ال يتجاوز 800دوالر يف كل من م�رص والأردن و�سوريا واملغرب ،وي�صل �إىل نحو 1.800دوالر يف لبنان وتون�س ،ويبلغ 8.000دوالر يف ال�سعودية لكنه ي�صل يف �إ�رسائيل وفرن�سا �إىل �أكرث من 10.000دوالر ،ويف الواليات املتحدة الأمريكية يبلغ 22.000دوالر. وكان من �ضمن الأ�سئلة املرتبطة مبلف التعليم ال�س�ؤال حول ن�سبة خم�ص�صات البحوث �إىل املوازنة يف اجلامعات العربية .وهنا يبدو التفاوت �شا�سع ًا بني دولة عربية و�أخرى بقدر ما يبدو التناق�ض �أحيان ًا بني دول ذات معدل �إنفاق عال على الطالب اجلامعي لكن ن�سبة خم�ص�صات البحوث �إىل املوازنة فيها تبدو متدنية .ولعل مثل هذه املعطيات والنتائج جديرة بالدرا�سة لت�أخذ طريقها �إىل �صناع القرار التعليمي و�صائغي ال�سيا�سات التعليمية. على �أن �أهم ما يثريه ملف التعليم يف هذا التقرير هو مو�ضوع “الوقفيات” اجلامعية التي �أ�سهمت يف الدول الغربية ،ويف دولة مثل تركيا يف حتقيق �أعلى م�ستويات اجلودة التعليمية .ومن هنا كان ال�س�ؤال املطروح هو كيف ال�سبيل �إىل حتفيز الدور االجتماعي والثقايف لرجال الأعمال العرب انطالق ًا من مفهوم امل�س�ؤولية االجتماعية لر�أ�س املال؟ وكيف �أن م�صطلح “الوقف” املعروف يف الثقافات الأجنبية ي�ستمد م�صدره التاريخي من اللغة العربية بينما يبدو دور الوقفيات التعليمية يف عاملنا العربي �أقل بكثري من دورها يف املجتمعات الغربية؟ وهل من ر�ؤى ومقرتحات لتحفيز التمويل الأهلي لي�ضطلع بدوره يف دعم التعليم اجلامعي وتطويره؟ �أما على �صعيد امللف الإعالمي فثمة ت�سا�ؤالت هامة لع ّل �أولها ما يتعلق مب�ضمون اخلطاب الثقايف يف �إعالمنا املكتوب واملرئي .ما هي القيم التي يدعو لها هذا اخلطاب الثقايف العربي؟ وكيف واجه هذا اخلطاب بع�ض الإ�شكاليات العربية املزمنة مثل ق�ضية العالقة بالآخر ال�سيا�سي والديني ،وعالقة املثقف بال�سلطة واملال ،وق�ضية الرتاث واملعا�رصة ،وامل�ساواة بني الرجل واملر�أة ،وعالقة اللغة بالثقافة؟ ثم هل هناك خطاب ثقايف عربي واحد �أو هناك “خطابات” ثقافية عربية؟ وعلى �صعيد امللف الإبداعي كان الت�سا�ؤل يف ف�ضاء الإبداع الأدبي حول مالمح وهموم الرواية العربية عموم ًا خالل العام .2008وما هي �أهم الروايات العربية ال�صادرة التي متيز بها العام املن�رصم؟ وكان امللف الأدبي �ساحة للت�سا�ؤل حول ما ات�سمت به الكثري من الروايات العربية من حماولة ا�ستعادة املا�ضي (يف املكان والزمان)؛ وحت ّوالت الواقع العربي وتناق�ضاته؛ وكيف تواجه هذه الرواية �س�ؤالها القدمي احلديث حول العالقة بني ال�رشق والغرب؟ وهل ث ّمة حق ًا رواية ن�سوية م�ضادة؟ مل تغب ت�سا�ؤالت
هذا التقرير
ال�شعر �أي�ض ًا عن امللف الإبداعي �سواء حول �شعر الف�صحى �أم �شعر العامية والنبطية .ومل يخل امللف الإبداعي من ت�سا�ؤل هام حول ق�ضية ترجمة الأعمال الأدبية العربية� ،إذ ما هي املعايري الأدبية التي يخ�ضع لها اختيار الروايات التي ترتجم �إىل لغات �أجنبية؟ وهل �صحيح حق ًا �أن بع�ض الروائيني العرب يقبلون على كتابة روايات �صاحلة للرتجمة بناء على ا�ستقراء لذائقة القارئ الأجنبي؟ وجاء ملف الإبداع ال�سينمائي والدرامي بدوره حاف ًال بالت�سا�ؤالت حول املهرجانات ال�سينمائية العربية ،ال �سيما مفارقة التمويل ال�سخي لبع�ض املهرجانات ال�سينمائية من دون اهتمام مقابل بتمويل يتمخ�ض عن ر�صد حركة الإنتاج العربي يف ال�سينما حركة �إنتاجية �أو دعم املبدعني يف بع�ض البلدان .كما ّ والدراما العديد من الت�سا�ؤالت� ،سواء على �صعيد توزيع ح�ص�ص امل�شاهدة �أم على �صعيد توزيع الأنواع ال�سينمائية ،مثل غلبة ال�سينما الهزلية يف العام 2008على ال�سينما االجتماعية .ومل يخل ملف الإبداع امل�رسحي من �إثارة الت�سا�ؤل حول �ضعف البنى الثقافية التي ت� ّرشع لوجود امل�رسح العربي �سواء فيما يتعلق باملنظومات الإدارية واملالية �أم ب�سبب �إ�شكالية الرقابة على حرية التعبري .ولع ّل مقارنة حركة الإبداع امل�رسحي من دولة عربية لأخرى ت�شي بذاتها عن جملة ت�سا�ؤالت حول “وترية” االهتمام املجتمعي بامل�رسح والعوامل التي ت�ؤثر يف ذلك. وكان ملف احل�صاد الفكري ال�سنوي� ،آخر ملفات هذا التقرير ،كا�شف ًا عن ت�سا�ؤالت عميقة حول ان�شغاالت العقل العربي خالل العام � 2008سواء من حيث مو�ضوعات الق�ضايا املثارة �أم �أولوياتها. وكان من �أبرز هذه الت�سا�ؤالت اجلدل الدائر حول ممار�سة الدور الإقليمي العربي وق�ضايا التنمية والتحول االقت�صادي وتداول املعلومات .وبخالف هذه الت�سا�ؤالت ذات “العمق” الفكري و“الظاهر” ال�سيا�سي، ف�إن ثمة ت�سا�ؤالت �أخرى فكرية �رصفة بدت ملحة على العقل العربي يف العام 2008مثل الت�سا�ؤل حول جدلية العالقة بني العروبة والإ�سالم ،و�ضعف االهتمام العربي بالقوى العاملية اجلديدة البازغة .كما �أثري الت�سا�ؤل حول ق�ضية الرتجمة من اللغات الأجنبية �إىل العربية ،وما ت ّت�سم به من تركيز بالغ على اللغتني الإجنليزية والفرن�سية مقابل �إهمال ملحوظ حلركة الرتجمة من لغات �أخرى كال�صينية واليابانية ليم�س يف ال�صميم ق�ضية حوار والهندية؛ وهو ت�سا�ؤل يتجاوز اجلوانب الفنية والتجارية يف عملية الرتجمة ّ الثقافات وما توجبه من �رضورة االنفتاح على كل ثقافات العامل ،ال �سيما يف ظل تنامي دور الثقافات الآ�سيوية يف حركة التق ّدم العاملي املعا�رص كما يف حاالت ال�صني واليابان والهند.
منهجية التقرير
لئن كانت ال�سمة البارزة ملنهجية التقرير الأول هي الأخذ مبنهج الر�صد والت�شخي�ص يف درا�سة اجلوانب املختلفة للتنمية الثقافية ،ف�إن تقرير هذا العام مازال ي�ستند �إىل املنهجية ذاتها ب�أكرث من ان�شغاله مبحاولة تنظري الواقع الثقايف العربي و“�أدجلته” وا�ست�رشاف �آفاقه .كنا ومازلنا ن�ؤمن �أن التنظري هامة ومطلوبة ،لكن ر�صد الواقع وت�شخي�صه مازاال �أي�ض ًا و“الأدجلة” واال�ست�رشاف كلها م�ستويات بحث ّية ّ �أولويتني �رضوريتني على الأقل يف املرحلة الأوىل من التقرير ،ال �سيما يف ظل �أزمة املعلومة والرقم التي يعاين منها املجتمع العربي .فلع ّل ر�صد الواقع الثقايف وت�شخي�صه ال ينفيان �أهمية حتليل معطيات هذا الواقع بل وطرح ر�ؤية نقدية ،وهو ما جاء عليه تقرير هذا العام يف بع�ض امللفات التي اقت�ضت طبيعتها مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 10للتنمية الثقافية
ذلك .ففي ملف املعلوماتية ثمة ا�ست�رشاف للدور املحتمل للمعلوماتية يف دعم التنمية الثقافية ،وطرح ر�ؤية م�ستقبلية لتنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي .ويف ملف التعليم مل يقت�رص الأمر على معاجلة ق�ضايا التمويل واال�ستقاللية الإدارية يف اجلامعات العربية ،بل ا�شتمل هذا امللف على عر�ض بع�ض النماذج العاملية الناجحة يف الوقفيات اجلامعية مثل درا�سة حالة جلامعة هارفارد الأمريكية وجامعة �سيدين الأ�سرتالية بالإ�ضافة لدرا�سة حالة عن اجلامعات الأهلية يف تركيا .ويف ملف الإبداع ،الذي غلب عليه �أي�ض ًا املنهج الو�صفي حلركة الإبداع الأدبي وال�سينمائي والدرامي وامل�رسحي يف العامل العربي خالل العام ،2008ف�إن الأمر مل يخل من ر�ؤية نقدية لبع�ض مالمح هذا الإنتاج الإبداعي .وكذلك احلال يف ملف احل�صاد الفكري ال�سنوي الذي ُ�سلِّط فيه ال�ضوء – من منظور فكري – على �أهم الأحداث والق�ضايا التي حفل بها العام املن�رصم ،مع تركيز نقدي خا�ص على بع�ض هذه الأحداث والق�ضايا ،مثل الهجرة واحلركات االجتماعية ،وجدلية العروبة والإ�سالم ،والرتجمة و�أ�سئلتها. كما تتج َّلى منهجية التقرير ابتدا ًء من هذا العام على �صعيد �آخر ،هو التوقّف يف كل ملف من امللفات التي ا�شتمل عليها عند ق�ضية معينة تت�سم ب�أهمية خا�صة من منظور مو�ضوعي هو منظور التنمية الثقافية، ملحة يف الوقت الراهن .وبهذا ينتقل التقرير من منهجية “امل�سح الأفقي” ومن منظور زمني كق�ضية َّ التي ات�سم بها العام املا�ضي �إىل منهجية “التعميق الر�أ�سي” لبع�ض الق�ضايا والظواهر هذا العام .وقد كانت منهجية امل�سح الأفقي مطلوبة ومالئمة يف التقرير الأول� ،سواء يف التعليم �أم الإعالم �أم حركة الت�أليف والن�رش حيث كان ال بد من “الت�أ�سي�س” للتقرير بدرا�سة ما ميكن ت�سميته بالبنية التحتية ملقومات التنمية الثقافية يف العامل العربي� .أما وقد انتهينا من مرحلة “الت�أ�سي�س” فكان طبيعي ًا االنتقال �إىل مرحلة “التعميق” .ولهذا فقد اخرتنا هذا العام يف ملف التعليم – على �سبيل املثال – ق�ضية التمويل واال�ستقاللية الإدارية واملالية يف التعليم العايل والتي متثل �ضمانة �أثبتت التجارب التعليمية الناجحة يف العامل �أهميتها وجدواها .كما اخرتنا يف ملف الإعالم ق�ضية اخلطاب الثقايف يف و�سائل الإعالم لتكون هي مو�ضوع ملف هذا العام ،وهي ق�ضية تبدو على درجة بالغة من الأهمية �سواء من حيث مو�ضوعها �أم توقيتها يف حلظة زمنية يطرح فيها ب�شدة �س�ؤال “الكم” و“النوعية” يف الإعالم العربي ،بقدر ما يطرح �أي�ض ًا �س�ؤال “الذاتية” و “الآخر” ،ال �سيما يف ع�رص ال�سماوات املفتوحة ،حيث يواجه الإعالم الف�ضائي العربي حتد ّيات ال ميكن اال�ستهانة بها يف مواجهة الإعالم الأجنبي.
حمتوى التقرير
يت�ضمن هذا التقرير خم�سة ملفات تعك�س ما ميكن اعتباره املقومات اخلم�سة الأ�سا�سية للتنمية الثقافية: امللف الأول :املعلوماتية كرافعة للتنمية الثقافية امللف الثاين :التمويل وا�ستقاللية الإدارة يف التعليم العايل امللف الثالث :اخلطاب الثقايف يف و�سائل الإعالم امللف الرابع :الإبداع امللف اخلام�س :احل�صاد الفكري ال�سنوي
11
ويالحظ �أن ملف “حركة الت�أليف والن�رش” الذي ت�ض ّمنه التقرير الأول قد ح ّل حم َّله هذا العام ملف تق�صى �إ�صدارات العرب “املعلوماتية كرافعة للتنمية الثقافية” .وكان ملف حركة الت�أليف والن�رش قد َّ �سنوي ًا من الكتب� ،سواء على امل�ستوى القومي �أم القطري وما ارتبط بهذه امل�س�ألة من ق�ضايا ،و�أثار حالة من اجلدل ال�صحي يف العامل العربي ،ورمبا نحتاج لعام �أو عامني لكي نعود من جديد لتتبع هذه احلركة يف جتلياتها و�إ�شكالياتها الأخرى .لهذا بدا حمبذاً و�رضوري ًا �أن يت�ضمن تقرير هذا العام ،بدي ًال من ملف يف للعرب على �شبكة الإنرتنت. الت�أليف والن�رش ،ملف ًا �آخر ير�صد ويحلل مدى احل�ضور الثقايف واملعر ّ وقد ا�ستتبع هذا تق�صي وحتليل خمتلف �أوجه الثقافة العربية الرقمية على �شبكة الإنرتنت ،مثل التعليم الإلكرتوين ،البحث العلمي ،الإعالم ،املتاحف ،الرتاث ،امل�رسح وال�سينما واملو�سيقى ،الفولكلور ،املكتبات الرقمية ،اللغة العربية �...إلخ. كما يالحظ �أنه بالإ�ضافة �إىل امللفات الثالثة الأول التي تغريت مو�ضوعاتها هذا العام ،فقد ت�ضمن التقرير ملفني �آخرين ثابتني هما الإبداع واحل�صاد الفكري ال�سنوي .وجاء ملف الإبداع م�شتم ًال على �أهم جتلياته وهي الإبداع الأدبي (�رسداً و�شعراً) والإبداع ال�سينمائي والدرامي والإبداع امل�رسحي .ولئن كان ف�ضاء الإبداع مازال رحب ًا يت�سع لتجليات ون�شاطات �أخر ،فلرمبا يتيح التقرير م�ستقب ًال حيزاً لالهتمام مبا ت�ستحقّه هذه التجليات والن�شاطات الإبداعية� .أما ملف احل�صاد الفكري ال�سنوي فقد ت�ضمن هذا العام �أهم الق�ضايا والظواهر والت�سا�ؤالت التي ان�شغل بها العقل العربي خالل العام � 2008سواء على �صعيد ما �شهدته املنطقة العربية من م�ؤمترات وملتقيات وندوات �أم على �صعيد ما �أ�صدره العرب من دوريات ودرا�سات وجمالت .رمبا كان اجلديد الذي طر�أ على ملف احل�صاد الفكري ال�سنوي هذا العام مقارنة بتقرير العام املا�ضي� ،أنه كان ر�صداً للحراك الفكري ب�صفة عامة ،مبا فيه من ق�ضايا وظواهر اجتماعية وتنموية و�سيا�سية ،ب�أكرث من كونه ر�صداً للم�شهد الثقايف يف مفهومه ال�ضيق. وبعـــد، لع َّل هذا التقرير ي�سهم – مع كل اجلهود واملبادرات العربية الأخرى – يف و�ضع ق�ضية التنمية الثقافية مو�ضعها ال�صحيح واملطلوب يف جممل حركة التنمية الب�رشية يف العامل العربي. ال�شكر واجب لهيئة التقرير اال�ست�شارية والبحثية ،وجلنة املراجعة والتدقيق ،ولرعاة التقرير :امل�ؤ�س�سة العربية للعلوم والتكنولوجيا ممثلة برئي�سها الدكتور عبداهلل النجار ،وال�صحف العربية التي نتقدم �إليها بكل وعمان (م�سقط)، اعتزاز وامتنان ،وهي (ب�أ�سبقية الإ�صدار التاريخي) :النهار (اللبنانية) ،واحلياة (الدولية)ُ ، وال�سفري (اللبنانية) ،والراية (القطرية) ،والبيان (الإماراتية) ،والأيام (البحرينية) ،وال�صباح (املغربية)، والوطن (ال�سعودية) ،وال�رشوق (اجلزائرية) ،وامل�رصي اليوم (امل�رصية) ،والغد (الأردنية) ،ودبي الثقافية (الإماراتية) ،والوطن (ال�سورية) ،و�أوان (الكويتية). نتطلع لأن تكون هذه الرعاية بداية طريق �رشاكة ثقافية فاعلة طاملا دعا �إليها �صاحب ال�سم ّو امللكي الأمري خالد الفي�صل رئي�س م� ّؤ�س�سة الفكر العربي ،وهو القائل يوم �إطالق فكرة م� ّؤ�س�سة الفكر العربي �إن “الوحدة التي تن�شدها ال ّأمة العربية – وهي حقها الطبيعي – ال بد و�أن تبد�أ بدايتها ال�صحيحة بوحدة الفكر والثقافة ”... مؤسسة الفكر العربي ّ
13
املعلوماتية
امللف الأول املعلوماتية كرافعة للتنمية الثقافية
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 14للتنمية الثقافية
15
املعلوماتية
الف�صل الأول: واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف �أو ًال� :أو�ضاع العامل العربي طبق ًا مل� رّؤ�شات جمتمع املعلومات يف ظل الر�ؤى واال�سرتاتيجيات احلكوم ّية ثاني ًا� :أو�ضاع العامل العربي طبق ًا مل� رّؤ�شات البنية املعلوماتية الأ�سا�سية الف�صل الثاين: الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية �أو ًال :ثمانية �أوجه للثقافة الرقمية ثاني ًا :مالمح الوجه الرقمي للثقافة العربية طبق ًا جلماهريية املواقع ومعدل زيارتها الف�صل الثالث: :
«التوجهات الأ�سا�سية» الدور املحتمل للمعلوماتية يف دعم التنمية الثقافية : ّ �أو ًال :التنمية الثقافية وتقنية املعلومات ثاني ًا :تقنية املعلومات وتفعيل امل�صادر املفتوحة كرافعة للتنمية الثقافية
الف�صل الرابع: قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية الف�صل اخلام�س: نحو ر�ؤية م�ستقبلية لتنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي �أو ًال :ثالثية الثقافة واملعرفة واملعلومات ثاني ًا :نحو �سيا�سة ثقافية مغايرة ثالث ًا :ر�ؤية م�ستقبلية ملجاالت املحتوى الثقايف رابع ًا :زيادة الإنتاج الفكري والعلمي خام�س ًا :تنمية مك ّون اللغة يف ثقافة ع�رص املعلومات �ساد�س ًا :منطلقات وم�رشوعات مقرتحة لتنمية مك ّون اللغة �سابع ًا :تنمية مك ّون الرتبية يف ثقافة ع�رص املعلومات ثامن ًا :ر�ؤية م�ستقبلية لتنمية مك ّون الإعالم يف ثقافة ع�رص املعلومات تا�سع ًا :تنمية مك ّون الإبداع يف ثقافة ع�رص املعلومات مؤسسة الفكر العربي ّ
17
املعلوماتية
متهيد
املعلوماتية� :أفق بال حدود للتنمية الثقافية
منذ ظهورها وبدء ا�ستخدامها عملي ًا يف �أربعينيات القرن املا�ضي وح ّتى بداية الألفية اجلديدة ،كان مناط تركيز تقنية املعلومات واالت�صاالت من�ص ّب ًا على «امل�ؤ�س�سة» و«املن�ش�أة» بغية حت�سني �أدائها و�إنتاجيتها وكفاءة العاملني بها .بعبارة �أخرى كانت املعلوماتية و�أدواتها املختلفة تطرح نف�سها ك�أداة �إنتاج وتنمية اقت�صادية �أو جتارية �أو علمية �أو �إدارية ،من دون �أن ُينظر لتقنية املعلومات واالت�صاالت ك�أ�شياء ميكن �أن تتقاطع �أو تتداخل مع الثقافة والفكر �إىل الدرجة التي جتعل منها �أداة للتنمية الثقافية. مع مطلع الألفية اجلديدة وحتى الآن تغيرّ ت الأمور ب�شدة على اجلانبني ،فالتقنية ر�أت يف الثقافة ف�ضا ًء رحب ًا بكراً ي�سمح لها بتم ّدد غري م�سبوق يف ن�سيج املجتمعات احلديثة ،والثقافة ر�أت يف التقنية �أداة جديدة ذات �إمكانات غري م�سبوقة يف التنمية واالنت�شار والتوا�صل بني فئات املجتمع. ومبرور الوقت تقارب الطرفان وانتهى الأمر �إىل �أن التطبيقات الثقافية للتقنية ـ يف
جماالت الإبداع والرتفيه والتوا�صل والفنون والآداب والتعبري والرتاث والرتبية والبحث وال�سياحة وال�شبكات االجتماعية وغريها ـ �أ�صبحت �صاحبة ال�صوت امل�سموع على ال�ساحة� ،سواء داخل الإنرتنت �أم خارجها، وحالي ًا بلغ التمازج بني الثقافة وتقنية املعلومات م�ستوى جعل التوظيف الثقايف للتقنية واحدة من �أبرز ال�سمات التي ت ّت�سم بها ثورة املعلومات يف الوقت احلايل. ويف الوقت الذي يحدث فيه هذا التالقي والتمازج بني الثقافة والتقنية يبدو املجتمع العربي يف �أ�ش ّد حاالته احتياج ًا لتنمية ثقافية �رسيعة وعميقة وم�ؤثّرة و�شاملة ت�ساعده على مواجهة حتديات عاتية على �أ�صعدة ع ّدة، الكثري منها �صنعه التق ّدم الثقايف العاملي الكبري املدفوع بقوة تقنية املعلومات التي ر�ضخت متام ًا ملتطلبات الثقافة و�أ�صبحت �إحدى �أهم �أدواتها الفاعلة. يف �ضوء ذلك تتج ّلى �أهمية الدور الذي ميكن �أن تلعبه تقنية املعلومات واالت�صاالت كرافعة للتنمية الثقافية يف الوطن العربي.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 18للتنمية الثقافية
الف�صل الأول واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف من قيا�س الكم �إىل قيا�س الن�ضج
من املهم ا�ستعرا�ض املالمح الرئي�سية ملك ّونات البنية املعلوماتية العربية بعنا�رصها املختلفة من منظور ت�أثريها وتفاعلها مع جهود التنمية الثقافية ،على اعتبار �أن هذه البنية هي احلا�ضنة الرئي�سية لدور املعلوماتية كرافعة للتنمية الثقافية املبتغاة بالوطن العربي. واحلا�صل �أنه توجد العديد من م�صادر املعلومات وقواعد البيانات التي توفّر م� رّؤ�شات لقيا�س مك ّونات البنية املعلوماتية ور�صدها لي�س يف الوطن العربي فقط ولكن ّ على م�ستوى العامل ،وت�صدر يف هذا ال�ش�أن �إح�صاءات وتقارير متنوعة ب�صفة دورية ،وقد �شكّل اختيار م�صادر البيانات والإح�صاءات التي ميكن ا�ستخدامها يف معاجلة الأمر من املنظور الثقايف حت ّدي ًا كبرياً بالن�سبة لفريق البحث ،فاملعتاد �أن تق ّدم هذه الإح�صاءات ـ على تن ّوعها ـ بيانات كمية عن واقع هذه البنية ،كعدد خطوط الهاتف وم�ستخدمي الإنرتنت وعدد احلا�سبات ال�شخ�صية وخطوط االت�صاالت عالية ال�رسعة �إىل غري ذلك من �إح�صاءات قد تكون مفيدة يف معاجلة ق�ضايا �أخرى كالفجوة الرقمية والتنمية االقت�صادية وم�ستوى ن�ضج ما يطلق عليه دائم ًا «جمتمع املعلومات» .لكنها يف �صورتها الكمية ال توفّر م� رّؤ�شاً يربط بني هذه البنية واحتياجات التنمية
متت مراجعة العديد الثقافية وحتدياتها ،ولذلك ّ من قواعد البيانات وم�صادر املعلومات التي تتناول هذه البنية بطريقة تقرتب من متطلبات التنمية الثقافية وحتدياتها .ويف هذا ال�صدد متت مراجعة تقارير وم� رّؤ�شات �صادرة عن ّ الربنامج الإمنائي للأمم املتحدة واالحتاد الدويل لالت�صاالت والقمة العاملية ملجتمع املعلومات وغريها ،ثم جرى اختيار قاعدة البيانات التفاعلية على الإنرتنت اخلا�صة بالتقرير العاملي لتقنية املعلومات ال�صادر عن منتدى دافو�س االقت�صادي العاملي يف مار�س http://www.insead.edu/v1/ ،2009 مت gitr/wef/main/home.cfmوبعد ذلك ّ اخ�ضاع هذه البيانات ملجموعة من اخلطوات املنهجية.1
�أو ًال� :أو�ضاع العامل العربي طبق ًا مل� رّؤ�شات جمتمع املعلومات يف ظل الر�ؤى واال�سرتاتيجيات احلكومية
تعود �أهمية هذه املجموعة من امل� رّؤ�شات �إىل �أنه ال ميكن احلديث عن توظيف تقنية املعلومات واالت�صاالت يف جهود التنمية الثقافية �إذا مل تكن التنمية املعلوماتية والتكنولوجية نف�سها مدرجة على اهتمامات الدولة و�أولوياتها ب�صورة �أو ب�أخرى ،ومن دون ذلك ال ُيتوقع �أن تكون تقنية املعلومات واالت�صاالت يف و�ضع
متت مراجعة الـ 64م� رّؤ�ش قيا�س املوجودة بقاعدة البيانات وانتقاء امل� رّؤ�شات التي تخدم الدرا�سة فقط� ،أي التي تن�شئ 1يف خطوة �أوىل ّ مت اختيار 40م� رّؤ�شاً فقط من بني الـ 64املوجودة بقاعدة البيانات .ويف خطوة عالقة ما بني البنية املعلوماتية والتنمية الثقافية وهنا ّ متت ت�صفية هذه البيانات لتكون مق�صورة على البلدان مت ا�ستخال�ص البيانات املرتبطة بها من قاعدة البيانات .ويف خطوة ثالثة ّ ثانية ّ مت تق�سيم هذه امل� رّؤ�شات �إىل خم�س جمموعات ،كل العربية فقط ولي�س على الـ 134دولة الواردة يف قاعدة البيانات .ويف خطوة رابعة ّ جمموعة تر�صد جانب ًا من اجلوانب التي لها عالقة بالتنمية الثقافية.
الف�صل االول واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف
يف خطط ور�ؤى احلكومات ،وت�شمل �أربعة م� رّؤ�شات هي :تقنية املعلومات واالت�صاالت
الدولة لديها خطّ ة �ضعيفة وغري وا�ضحة وتدلّ الدرجة الأقرب �إىل 7على �أن اخلطة وا�ضحة وف ّعالة ،وت�شري البيانات املتاحة �إىل �أن الدرجات املمنوحة للبلدان العربية يف هذا امل� رّؤ�ش ترتاوح بني 5.86وهي الدرجة التي ح�صلت عليها الإمارات و 3.32وهي الدرجة التي ح�صلت عليها ليبيا ،وذلك مبتو�سط عام قدره 4.57لدى الدول املتاح عنها بيانات، �أما الرتتيب عاملي ًا فرتاوح بني املركز الثالث الذي ح�صلت عليه الإمارات واملركز 112الذي ح�صلت عليه ليبيا.
املعلوماتية
ي�سمح لها بالتوظيف �سواء يف التنمية الثقافية �أم غريها ،بعبارة �أخرى ف�إن التقنية ك�أداة ورافعة لن تكون متوافرة من الأ�صل �إذا كانت احلكومات غري مهتمة بها وبتوفريها وبنائها وتطويرها و�إدارتها ب�صورة تخدم التنمية. وت�ض ّم جمموعة امل� رّؤ�شات التي تقي�س و�ضعية تقنية املعلومات واالت�صاالت داخل ر�ؤى وا�سرتاتيجيات احلكومات العربية ت�سعة م� رّؤ�شات تتو ّزع على جمموعتني فرعيتني: • الأوىل تقي�س و�ضعية تقنية املعلومات
بالر�ؤية احلكومية ،وم�ستوى تقنية املعلومات �أولويات متو�سطة و�أخرى �ضعيفة
يف قائمة �أولويات احلكومة ،وم�ستوى جناح احلكومة يف ترويج تقنية املعلومات باملجتمع ،وم�ستوى م�شرتوات احلكومة من تقنية املعلومات. • والثانية تقي�س الأداء احلكومي وعالقته
بتقنية املعلومات ت�أثرياً وت�أثراً وت�شمل خم�سة م� رّؤ�شات هي :م�ستوى تدريب موظفي
احلكومة على التقنية ،ومدى اال�ستعداد للحكومة الإلكرتونية ،ومدى توافر اخلدمات الإلكرتونية بالإنرتنت ،و م�ستوى تفعيل تقنية املعلومات وتط ّور الأداء احلكومي ،وم�ستوى انت�شار تقنية املعلومات باملكاتب احلكومية.
م� رّؤ�شات الر�ؤى واال�سرتاتيجيات
�إذا ما نظرنا �إىل �أو�ضاع تقنيات املعلومات واالت�صاالت بالعامل العربي طبق ًا مل� رّؤ�شات املجموعة الفرعية الأوىل (انظر اجلدول رقم )1 �سنجد �أن: امل� رّؤ�ش اخلا�ص مب�ستوى تقنية املعلومات يف اخلطط والر�ؤى احلكومية يقي�س هل لدى احلكومة خطة وا�ضحة ال�ستخدام تقنيات املعلومات واالت�صاالت لتح�سني �إجمايل التناف�سية العامة للدولة مبا يف ذلك تنمية اجلوانب الثقافية واالجتماعية ،ويف هذا التقييم متنح كل دولة درجة ترتاوح بني � 1إىل ،7وتدلّ الدرجة الأقرب للـ 1على �أن
19
يقي�س امل� رّؤ�ش اخلا�ص مب�ستوى تقنيات املعلومات واالت�صاالت يف قائمة �أولويات احتلت الإمارات املركز اخلام�س احلكومة ما �إذا كانت تقنيات املعلومات واالت�صاالت ق�ضية ذات �أولوية عامة لدى واملغرب املركز 111عاملي ًا وفقا ً احلكومة �أم ال ،وترتاوح درجات امل� رّؤ�ش بني مل� رّؤ�ش مدى اعتبار تقنية املعلومات واالت�صاالت �أولوية حكومية. 1و ،7ومتنح الدرجات الأقرب �إىل الواحد للحكومات التي تعار�ض ب�ش ّدة �أن تكون تقنيات االت�صاالت وتقنية املعلومات ق�ضية ذات �أولوية عامة ،والأقرب �إىل 7للحكومات التي ت�ؤيد ذلك بقوة ،ويف هذا ال�صدد ت�شري البيانات املتاحة �إىل �أن الدرجات املمنوحة للحكومات العربية يف هذا ال�صدد ترتاوح بني 6.05وهي الدرجة التي ح�صلت عليها الإمارات و 4.14وهي الدرجة التي ح�صلت عليها املغرب، مبتو�سط عام 5.02لدى الدول املتاح عنها بيانات� ،أما الرتتيب دولي ًا فرتاوح بني املركز اخلام�س الذي ح�صلت عليه الإمارات واملركز 111الذي ح�صلت عليه املغرب. يقي�س امل� رّؤ�ش اخلا�ص مب�ستوى جناح احلكومة يف ترويج تقنيات املعلومات واالت�صاالت باملجتمع مدى كفاءة وفعالية الربامج احلكومية التي تر ّوج ال�ستخدام تقنية املعلومات واالت�صاالت ،ومينح درجات من 1 �إىل ،7حيث الدرجة =1برامج ترويج حكومية غري ناجحة ،والدرجة = 7برامج ترويج حكومية ناجحة للغاية ،وت�شري البيانات مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 20للتنمية الثقافية
جدول رقم 1
الدولة
الأردن الإمارات البحرين اجلزائر ال�سعودية ال�سودان ال�صومال العراق الكويت املغرب اليمن تون�س �سوريا عمان فل�سطني قطر لبنان ليبيا م�رص موريتانيا �أوروبا الغربية
تقنيات املعلومات واالت�صاالت يف ر�ؤى وخطط احلكومات العربية «الرتتيب �أبجدي ًا» تقنيات املعلومات واالت�صاالت بالر�ؤية احلكومية
جناح احلكومة يف ترويج تقنيات املعلومات باملجتمع
الدرجة
الرتتيب دولي ًا
الدرجة
الرتتيب دولي ًا
الدرجة
الرتتيب دولي ًا
الدرجة
الرتتيب دوليا
4.04
33
5.52
17
5.04
18
5.21
18
4.53
11
6.05
5
5.86
3
5.8
4
4.1
27
5.42
21
5.03
19
4.98
27
2.88
118
4.37
85
3.68
100
4.08
79
4.33
15
5.17
33
4.81
27
4.89
32
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
3.23
98
4.28
96
3.61
102
3.95
93
3.69
58
4.14
111
3.93
82
4.61
45
م�شرتوات احلكومة من تقنيات املعلومات
م�ستوى تقنيات املعلومات يف قائمة �أولويات احلكومة
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
5.07
3
5.8
8
5.45
10
5.86
3
3.35
90
4.51
75
4.02
71
4.2
71
4.19
22
5.02
46
4.97
21
4.85
34
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
4.6
9
5.55
15
5.66
6
5.56
8
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
3.27
96
4.4
83
3.32
112
3.89
102
3.7
57
5.18
32
4.45
45
4.92
30
3.45
76
4.91
51
4.16
62
4.76
39
3.792
ـ
4.602
ـ
4.214
ـ
4.302
ـ
امل�صدر :قاعدة بيانات التقرير العاملي لتقنية املعلومات ال�صادر عن منتدى دافو�س االقت�صادي العاملي مار�س 2009 http://www.insead.edu/v1/gitr/wef/main/home.cfm
املتاحة حول هذا امل� رّؤ�ش �إىل �أن الدرجات املمنوحة للحكومات العربية ترتاوح بني 5.86 وهي الدرجة التي حقّقتها تون�س و 3.89وهي الدرجة التي ح�صلت عليها ليبيا ،مبتو�سط عام 4.83لدى الدول املتاح عنها بيانات� ،أما الرتتيب العاملي فيرتاوح بني املركز الثالث
الذي ح�صلت عليه تون�س واملركز 102الذي ح�صلت عليه ليبيا.
�رشاء التكنولوجيا بني ال�رشاهة والعجز
امل� رّؤ�ش اخلا�ص مب�شرتوات احلكومات العربية من تقنيات املعلومات واالت�صاالت،
الف�صل االول واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف
م� رّؤ�شات الأداء احلكومي وتقنيات املعلومات واالت�صاالت
املعلوماتية
ويقي�س م�ستوى كفاءة و�سالمة قرارات ال�رشاء احلكومية جللب التقنية املتقدمة ومينح درجة ترتاوح بني � 1إىل 7درجات ،بحيث �إن الدرجة = 1قرارات ال�رشاء التي تعتمد فقط على ال�سعر، والدرجة = 7قرارات ال�رشاء التي تعتمد على الأداء واالبتكار التقني ،وت�شري البيانات املتاحة �إىل �أن الدرجات املمنوحة للحكومات العربية يف هذا ال�صدد ترتاوح بني 5.07وهي الدرجة التي ح�صلت عليها تون�س و 2.88وهي الدرجة التي ح�صلت عليها اجلزائر مبتو�سط عام 3.89لدى الدول املتاح عنها بيانات، �أما الرتتيب العاملي للحكومات العربية يف هذه النقطة فيرتاوح بني املركز الثالث عاملي ًا الذي �سجلته تون�س واملركز 118الذي �سجلته اجلزائر.
يقي�س م� رّؤ�ش مدى اال�ستعداد للحكومة الإلكرتونية ا�ستعداد احلكومة لتنفيذ برامج احلكومة الإلكرتونية وم�رشوعاتها ،وذلك بناء على تقييم مواقع الويب اخلا�صة باحلكومة الإلكرتونية لكل دولة وبنية االت�صاالت وتطور املوارد الب�رشية املتعلقة بها ،ومينح درجات من �صفر �إىل واحد ،حيث ال�صفر = عدم وجود برامج ومواقع للحكومة الإلكرتونية ،والـ =1 برامج ومواقع نا�ضجة وفاعلة وذات توا�صل مع اجلماهري ،ويف هذا امل� رّؤ�ش ترتاوح الدرجات املمنوحة للحكومات العربية بني 0.63وهي الدرجة التي ح�صلت عليها الإمارات و0.2 وهي الدرجة التي ح�صلت عليها موريتانيا، مبتو�سط عام 0.41درجة لدى الدول املتاح عنها بيانات� ،أما الرتتيب العاملي فرتاوح بني املركز 32الذي ح�صلت عليه الإمارات واملركز 124الذي ح�صلت عليه موريتانيا.
تون�س الأوىل عربي ًا ويف املركز الثالث عاملي ًا وليبيا الأخرية عربيا ً ويف املركز 102عاملي ًا وفق ًا مل� رّؤ�ش كفاءة الربامج احلكومية يف الرتويج لتقنية املعلومات واالت�صاالت.
يو�ضح اجلدول رقم (� )2أو�ضاع تقنيات حكومة �إلكرتونية على طريق النمو
االت�صاالت وتقنية املعلومات يف العامل العربي طبق ًا مل� رّؤ�شات املجموعة الفرعية الثانية املتعلقة بالأداء احلكومي وبهذه التقنيات، وذلك على النحو التايل: يقي�س م� رّؤ�ش م�ستوى تدريب موظفي احلكومة على التقنية املنهج العام الذي تتبعه احلكومات جتاه ت�أهيل موظفي احلكومة على تقنيات املعلومات واالت�صاالت ،وهو مك ّون من �سبع درجات ،الدرجة = 1ا�ستثمار �ضعيف يف التدريب وتنمية مهارات املوظفني ،والدرجة 7 = ا�ستثمار كثيف يف جذب املوظفني وتدريبهم واالحتفاظ بهم ،وت�شري الدرجات املمنوحة للحكومات العربية يف هذا امل� رّؤ�ش �إىل �أن �أعلى درجة بلغت 4.79وهي الدرجة التي ح�صلت عليها تون�س و�أقل درجة بلغت 2.69التي ح�صلت عليها موريتانيا ،مبتو�سط عام 3.84 لدى الدول املتاح عنها بيانات� ،أما الرتتيب الدويل فرتاوح بني املركز 27الذي ح�صلت عليه تون�س واملركز 130الذي ح�صلت عليه موريتانيا.
21
يقي�س م� رّؤ�ش مدى توافر اخلدمات الإلكرتونية عرب الإنرتنت عدد وفاعلية وم�ستوى ن�ضج اخلدمات احلكومية التي ُتقدم �إلكرتونيا للمواطنني مثل ال�رضائب و�سجالت ال�سيارات وطلبات جواز ال�سفر وت�صاريح ال�رشكات وامل�شرتوات احلكومية الإلكرتونية ،ومينح هذا امل� رّؤ�ش درجات ترتاوح بني الدرجة 1التي تعني �أن هذه اخلدمات غري متاحة ،والدرجة 7 احتلت تون�س املركز الثالث التي تعني �أنها متاحة بوفرة ،وطبق ًا للبيانات واجلزائر املركز 118عاملي ًا وفق ًا املتاحة ف�إن الدرجات املمنوحة للحكومات مل� رّؤ�ش كفاءة امل�شرتوات احلكومية العربية يف هذا امل� رّؤ�ش ترتاوح بني 5.26وهي من تقنية املعلومات واالت�صاالت. الدرجة التي حقّقتها قطر و 1.69وهي الدرجة التي حقّقتها �سوريا ،مبتو�سط عام 3.66لدى الدول املتاح عنها بيانات� ،أما الرتتيب دولي ًا فرتاوح بني املركز 25الذي ح�صلت عليه قطر واملركز 131الذي ح�صلت عليه �سوريا. يقي�س م� رّؤ�ش م�ستوى تفعيل تقنية املعلومات وتط ّور الأداء احلكومي م�ستوى الن�ضج والر�شادة يف ا�ستخدام تقنيات املعلومات واالت�صاالت من قبل احلكومة مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 22للتنمية الثقافية
جدول رقم 2
الأداء احلكومي وتقنيات املعلومات واالت�صاالت بالعامل العربي «الرتتيب �أبجدي ًا»
الدولة
توافر اخلدمات الإلكرتونية بالإنرتنت
الأردن الإمارات البحرين اجلزائر ال�سعودية ال�سودان ال�صومال العراق الكويت املغرب اليمن تون�س �سوريا عمان فل�سطني قطر لبنان ليبيا م�رص موريتانيا �أوروبا الغربية
م�ستوى تدريب موظفي احلكومة على التقنيات
م�ؤ�رش اال�ستعداد للحكومة الإلكرتونية
تفعيل تقنيات املعلومات وتطور الأداء احلكومي
م�ستوى انت�شار م�ستوى امل�شاركة تقنيات املعلومات الإلكرتونية باملكاتب احلكومية م�ستوى الن�ضج
الرتتيب دولي ًا
الرتتيب درجة الرتتيب دولي ًا امل�شاركة دولي ًا
م�ستوى الن�ضج
الرتتيب دولي ًا
م�ستوى الن�ضج
الرتتيب دولي ًا
م�ستوى الن�ضج
الرتتيب دولي ًا
م�ستوى الن�ضج
0.55
15
4.73
40
4.19
50
0.55
49
3.16
90
4.94
29
39
5.71
17
4.49
37
0.63
32
5.19
27
5.84
4
0.3
5.13
30
4.03
60
0.57
42
4.76
32
4.98
28
0.34
34
118
2.8
128
0.35
1
2.25
120
3.05
125
0.02
115
3.25
4.12
52
0.49
66
4.32
46
4.68
44
0.32
36
4.7
42
0
ـ
0.2186
161
0
ـ
0
ـ
0.01
161
0
ـ
0
ـ
183
0
ـ
0
ـ
0
183
0
ـ
0
ـ
0.269
151
0
ـ
0
ـ
0.01
151
0
ـ
4.05
57
0.52
55
2.97
97
3.79
93
0.07
95
4.02
81
3.74
79
0.29
113
3.31
81
3.97
82
0
123
3.59
97
0
ـ
0.2142
164
0
ـ
0
ـ
0
164
0
ـ
4.79
27
0.35
103
4.49
41
5.27
20
0.02
115
5.04
32
3.31
112
0.36
98
1.69
131
3.6
102
0.05
105
3.38
108
4.21
49
0.47
76
4.58
38
4.78
38
0.2
58
4.6
50
0
ـ
ـ
0
0
ـ
0
ـ
ـ
0
0
ـ
4.59
33
0.53
52
5.26
25
5.43
15
0.18
66
5.33
23
0
ـ
0.484
74
0
ـ
0
ـ
0.12
74
0
ـ
3.28
114
0.35
99
2.19
121
3.16
120
0.2
58
3.28
116
3.49
96
0.48
72
4.09
55
4.35
62
0.25
47
4.13
76
2.69
130
0.2
124
2.99
96
4.12
73
0.11
77
4.33
65
ـ
ـ
0.738
ـ
4.746
ـ
4.866
ـ
0.422
ـ
ـ
ـ
امل�صدر :قاعدة بيانات التقرير العاملي لتقنية املعلومات ال�صادر عن منتدى دافو�س االقت�صادي العاملي مار�س 2009 http://www.insead.edu/v1/gitr/wef/main/home.cfm
و�أجهزتها و�إداراتها ،ومدى ال�سهولة التي يحدثها هذا اال�ستخدام يف معامالت احلكومة مع املواطنني وال�رشكات ،ومينح هذا امل� رّؤ�ش
�سبع درجات ،الدرجة واحد تعني �أن م�ستوى الن�ضج يف هذه النقطـة منخـف�ض بــ�شدة، والدرجة �سبعة تعني �أن م�ستوى الن�ضج مرتفع
الف�صل االول واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف
امل�شاركة الإلكرتونية بني فتور وحما�س
يقي�س م� رّؤ�ش امل�شاركة الإلكرتونية مدى فاعلية وموثوقية وجاذبية وجودة املواقع احلكومية و�أهميتها وا�ستعدادها لتقدمي املعلومات و�أدوات امل�شاركة واخلدمات عرب الإنرتنت للمواطنني وبالتايل معدل ا�ستخدام املواطنني لها ،ومينح هذا امل� رّؤ�ش درجة من �صفر �إىل واحد وكلما كانت الدرجة قريبة للواحد ال�صحيح كان ذلك دلي ًال على ارتفاع امل�شاركة الإلكرتونية والعك�س ،وترتاوح درجات الدول العربية املتاح عنها بيانات بني 0.55وهي الدرجة التي حقّقتها الأردن وح�صلت بها على املركز 15عاملي ًا ،وال�سودان التي حقّقت 0.01درجة وح�صلت بها على املركز 161عاملي ًا ،وبلغ متو�سط الدرجات التي ح�صلت عليها الدول املتاح عنها بيانات 0.16درجة من الواحد ال�صحيح.
حقيقة ميكنة املكاتب
يقي�س م� رّؤ�ش م�ستوى انت�شار وت�شغيل تقنيات املعلومات واالت�صاالت يف املكاتب احلكومية ومينح �سبع درجات = 1 ،وجود وت�شغيل نادر للغاية ،و = 7وجود وت�شغيل �شائع و�سائد ،وطبق ًا للبيانات املتاحة ف�إن الدرجات التي ح�صلت عليها احلكومات العربية يف هذا امل� رّؤ�ش ترتاوح بني 5.71وهي الدرجة التي ح�صلت عليها الإمارات و 3.25وهي الدرجة التي ح�صلت عليها اجلزائر ،مبتو�سط عام 4.37لدى الدول املتاح عنها بيانات� ،أما
الرتتيب الدويل فرتاوح بني املركز ال�سابع ع�رش الذي ح�صلت عليه الإمارات ،واملركز 118الذي ح�صلت عليه اجلزائر.
املعلوماتية
متام ًا ،وطبق ًا للبيانات املتاحة ف�إن الدرجات التي ح�صلت عليها احلكومات العربية يف هذا امل� رّؤ�ش ترتاوح بني 5.84وهي الدرجة التي ح�صلت عليها الإمارات و 3.05وهي الدرجة التي ح�صلت عليها اجلزائر مبتو�سط عام 4.43 لدى الدول املتاح عنها بيانات� ،أما الرتتيب الدويل فرتاوح بني املركز الرابع الذي ح�صلت عليه الإمارات واملركز 125الذي ح�صلت عليه اجلزائر.
23
ثاني ًا� :أو�ضاع العامل العربي طبق ًا مل� رّؤ�شات البنية املعلوماتية الأ�سا�سية
تر�صد هذه املجموعة من امل� رّؤ�شات مالمح البنية الأ�سا�سية يف جمال تقنيات املعلومات واالت�صاالت بالعامل العربي ،وهي بدورها ت�ض ّم جمموعتني فرعيتني: الأوىل تتعلق بر�صد �أو�ضاع قطاع االت�صاالت وت�ض ّم �سبعة م� رّؤ�شات لقيا�س عدد خطوط الهاتف وتكلفة الو�صالت الهاتفية للمنازل وتكلفة اال�شرتاك الهاتفي ال�شهري وتكلفة مكاملة املحمول وم�شرتكي الهاتف املحمول وم�شرتكي اخلطوط ال�رسيعة ومدى توافر خطوط الهواتف اجلديدة. الثانية تتعلق بر�صد �أو�ضاع قطاع تقنيات املعلومات وت�ض ّم �سبعة م� رّؤ�شات لقيا�س �سعة الربط الدويل بالإنرتنت وحا�سبات الإنرتنت اخلادمة امل�ؤمنة وتكلفة ا�شرتاك دي �إ�س �إل �شهري ًا و�أقل تكلفة خلطوط االت�صاالت ال�رسيعة واحلا�سبات ال�شخ�صية وم�شرتكي اخلطوط ال�رسيعة وم�ستخدمي الإنرتنت.
قطر هي الأوىل عربي ًا ويف املركز عربيا 25عامليا ً و�سوريا الأخرية ً ويف املركز 131عاملي ًا وفق ًا مل� رّؤ�ش مدى توافر اخلدمات احلكومية عرب الإنرتنت.
م� رّؤ�شات قيا�س قطاع االت�صاالت
يو�ضح اجلدول رقم (� )3أو�ضاع قطاع االت�صاالت يف العامل العربي طبق ًا للم� رّؤ�شات ال�سبعة امل�شار �إليها ،ومن خالل هذا اجلدول ُيالحظ الآتي:
خطوط االت�صال :تخمة هنا وجوع هناك
يقي�س م� رّؤ�ش عدد خطوط الهاتف عدد اخلطوط الأر�ضية واملحمولة بالن�سبة لكل 100 ن�سمة كمعيار ملدى انت�شار خطوط االت�صال داخل كل دولة ومدى ح�صول مواطنيها على حقهم يف امتالك خطوط ات�صال ت�سمح لهم بالتوا�صل مع الآخرين والو�صول للمعلومات،
الإمارات الأوىل عربي ًا ويف املركز الـ 17عاملي ًا واجلزائر الأخرية عربي ًا ويف املركز الـ 118 عاملي ًا وفق ًا مل� رّؤ�ش انت�شار تقنية املعلومات واالت�صاالت يف املكاتب احلكوم ّية.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 24للتنمية الثقافية
البنية املعلوماتية بالعامل العربي (قطاع االت�صاالت) «الرتتيب �أبجدي ًا»
جدول رقم 3
الدولة
الأردن الإمارات البحرين اجلزائر ال�سعودية ال�سودان ال�صومال العراق الكويت املغرب اليمن تون�س �سوريا عمان فل�سطني قطر لبنان ليبيا م�رص موريتانيا �أوروبا الغربية
عدد خطوط التليفون الأر�ضية
تكلفة الو�صالت التليفونية للمنازل
معدل االنت�شار الرتتيب لكل 100دولي ًا ن�سمة
تكلفة اال�شرتاك التليفونى ال�شهري
تكلفة مكاملة املحمول
م�شرتكو التليفون املحمول
م�شرتكو اخلطوط ال�رسيعة D.S.L
درجة �سهولة و�إتاحة اخلطوط
الرتتيب دولي ًا
9.88
90
2.2
81
2.89
92
0.26
81
80.53
65
1.55
72
6.55
19
31.63
39
0.15
14
0.12
1
0
2
173.37
1
5.17
48
6.57
18
26.3
53
0.26
24
0.16
3
0.02
20
148.28
4
5.23
47
6.22
36
9.06
96
1.21
68
8.87
114
0.08
52
81.41
64
0.85
84
5.16
92
16.16
74
0.59
49
0.64
39
0.04
36
114.74
22
2.43
65
6.03
47
0.9
173
0
ـ
0
ـ
0
ـ
21.31
161
0.11
129
0
ـ
1.15
166
0
ـ
0
ـ
0
ـ
6.9
186
0
188
0
ـ
4.71
139
0
ـ
0
ـ
0
ـ
48.36
115
0
167
0
ـ
18.7
67
0.44
37
0.33
14
0.02
14
97.28
43
0.93
83
5.65
70
7.67
98
3.46
88
8.71
113
0.63
104
64.15
80
1.53
73
5.95
56
الن�سبة من دخل الفرد
الرتتيب دولي ًا
الن�سبة من دخل الفرد
الرتتيب دولي ًا
الن�سبة من دخل الفرد
عدد الن�سبة الرتتيب الرتتيب امل�شرتكني الرتتيب لكل 100 دولي ًا دولي ًا لكل 100دولي ًا ن�سمة ن�سمة
توافر خطوط التليفونات اجلديدة
4.47
142
0
ـ
0
ـ
0
ـ
13.76
174
0
203
0
ـ
12.33
85
0.5
42
0.73
48
0.13
64
75.94
69
1.11
79
6.24
35
17.32
71
0
ـ
0.5
25
0.26
80
33.62
105
0.04
110
5.35
86
10.33
89
0.22
16
0.67
41
0.03
31
96.33
45
0.73
86
5.31
88
9.31
119
0
ـ
0
ـ
0
ـ
27.46
148
1.49
94
0
ـ
28.24
48
0.1
8
0.14
2
0.01
5
150.41
2
8.37
39
5.99
48
18.85
86
0
ـ
0
ـ
0
ـ
30.74
141
4.88
63
0
ـ
14.56
80
0.45
38
0.17
5
0.04
43
73.05
75
0.16
98
4.38
117
14.87
76
3.56
91
0.99
59
0.13
63
39.82
96
0.57
89
6.4
25
1.1
118
2.86
84
6.05
110
0.64
105
41.62
92
0.03
111
5.97
49
53.034
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
114.25
ـ
22.226
ـ
ـ
ـ
امل�صدر :قاعدة بيانات التقرير العاملي لتقنية املعلومات ال�صادر عن منتدى دافو�س االقت�صادي العاملي مار�س 2009 http://www.insead.edu/v1/gitr/wef/main/home.cfm
وبناء على هذا املعدل يت ّم ترتيب مركز كل دولة على م�ستوى العامل ،وتقول البيانات املتاحة �إن معدل انت�شار خطوط االت�صال بالدول العربية مقارنة بكل 100ن�سمة يرتاوح بني ً 31.63 خطا لكل 100ن�سمة وهو املعدل الذي
و�صلت �إليه الإمارات وجعلها حتتل املركز 39 عاملي ًا ،و 0.9خط لكل 100ن�سمة يف ال�سودان وهو املعدل الذي جعلها حتتل املركز 173
عاملي ًا� ،أما املتو�سط العام على م�ستوى الدول العربية املتاح عنها بيانات فيبلغ 12.88خط ًا
الف�صل االول واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف
تكاليف متباينة
عدد خطوط التليفون االر�ضي معدل االنت�شار لكل 100ن�سمة
املحمول ...والدخول
يقي�س م� رّؤ�ش تكلفة مكاملة املحمول ن�سبة تكلفة مكاملة املحمول من �إجمايل الدخل املحلي ال�شهري للفرد ،وذلك كمعيار يو�ضح العبء املادي الذي يتك ّبده املواطن يف اال�ستفادة من خدمات الهاتف املحمول ،وت�شري البيانات املتاحة �إىل �أن ن�سبة تكلفة مكاملة املحمول ملدة 3دقائق خالل �ساعات الذروة
53.034 50 40 31.63 28.24
26.3
18.85
18.7
17.32
14.56 14.87 9.31 1.1
30
10.33
16.16
20
12.23 7.67 4.47
9.06
9.88
4.71
10
0.9 1.15 0
ردن الأ رات ما الإ رين لبح ا زائر اجل دية �سعو ال دان و ال�س مال �صو ل ا عراق ال ويت لك ا غرب امل يمن ال ن�س تو وريا �س مان ع طني فل�س قطر نان لب يبيا ل رص م� انيا وريت ربية م ا الغ روب أ�و
يقي�س م� رّؤ�ش تكلفة الو�صالت الهاتفية للمنازل ن�سبة تكلفة تو�صيل الهاتف باملنازل من �إجمايل الدخل القومي للفرد ،وذلك كمعيار يو�ضح مدى قدرة املواطن على اال�ستفادة من خطوط االت�صاالت وتوظيفها يف حياته، وتدلّ البيانات املتاحة على �أن ن�صيب تكلفة الو�صالت الهاتفية للمنازل من دخل الفرد الإجمايل بالدول العربية ترتاوح بني %0.1 وهي الن�سبة التي �سجلتها قطر واحتلت مبوجبها املركز الثامن على العامل ،و %3.56 وهي الن�سبة التي �سجلتها م�رص واحتلّت مبوجبها املركز احلادي والت�سعني على العامل، �أما املتو�سط العام على م�ستوى الدول العربية املتاح عنها بيانات فبلغ .%1.23 يقي�س م� رّؤ�ش تكلفة اال�شرتاك الهاتفي ال�شهري ن�سبة تكلفة اال�شرتاك الهاتفي ال�شهري (بالدوالر) من �إجمايل الدخل املحلي ال�شهري للفرد ،وذلك كمعيار يو�ضح العبء املادي الذي يتك ّبده املواطن �شهري ًا لكي ي�ستفيد من خدمات خطوط االت�صاالت ،وتدلّ البيانات املتاحة على �أن ن�سبة اال�شرتاك الهاتفي ال�شهري من دخل الفرد الإجمايل بالدول العربية ترتاوح بني %0.12يف الإمارات وهي الن�سبة التي جعلتها حتتل املركز الأول على العامل و%8.87 يف اجلزائر التي احتلّت املركز 114على العامل، �أما املتو�سط العام على م�ستوى الدول العربية املتاح عنها بيانات فبلغ .%2.21
60
Series1
(بالدوالر) �إىل �إجمايل دخل الفرد بالدول العربية ترتاوح بني %0.01وهي الن�سبة التي حقّقتها قطر وجعلتها حتت ّل املركز اخلام�س على العامل ،و %0.64وهي الن�سبة التي حقّقتها موريتانيا وجعلتها حتتل املركز 105على العامل� ،أما املتو�سط العام على م�ستوى الدول العربية املتاح عنها بيانات فبلغ .%0.16 يقي�س م� رّؤ�ش م�شرتكي الهاتف املحمول �أعداد م�شرتكي الهاتف املحمول بالن�سبة لكل 100ن�سمة بكل دولة ،وذلك كمعيار ملدى انت�شار خطوط الهاتف املحمول ،وت�شري قطر الأوىل عرب ّي ًا والثامنة البيانات املتاحة �إىل �أن �أعداد م�شرتكي عاملي ًا وم�رص الأخرية عربي ًا والـ 91 الهاتف املحمول بالن�سبة لكل 100ن�سمة يف عاملي ًا وفق ًا مل� رّؤ�ش تكلفة الو�صالت الدول العربية املختلفة ترتاوح بني 173.37التلفونية للمنازل. خط ًا يف الإمارات وهو العدد الذي جعلها حتتل املركز رقم واحد يف هذا امل� رّؤ�ش ،و 6.9خطوط لكل 100ن�سمة يف ال�صومال التي حتتل املركز رقم 186على م�ستوى العامل� ،أما املتو�سط العام على م�ستوى الدول العربية املتاح عنها بيانات فبلغ 70.95خط ًا حممو ًال لكل 100من الإمارات الأوىل عربي ًا وعاملي ًا ال�سكان. الإمارات الأوىل عرب ّي ًا ويف املركز الـ 39عاملي ًا وال�سودان الأخرية عربي ًا ويف املركز الـ 173 عاملي ًا يف م� رّؤ�ش االت�صاالت (عدد خطوط الهاتف الأر�ضي واملحمول لكل 100من ال�سكان).
الإنرتنت عالية ال�رسعة ..وافد جديد
يقي�س م� رّؤ�ش م�شرتكي اخلطوط ال�رسيعة �إجمايل عدد امل�شرتكني يف خطوط االت�صال
يف عدد م�شرتكي الهاتف املحمول بن�سبة 173خط ًا لكل مائة من ال�سكان!! وال�صومال الأخرية عربي ًا والـ 186عاملي ًا مبعدل 7خطوط لكل مائة من ال�سكان. مؤسسة الفكر العربي ّ
املعلوماتية
لكل 100ن�سمة.
�شكل رقم 1
25
التقرير العربي الثاين 26للتنمية الثقافية
ال�رسيعة بالإنرتنت لكل 100ن�سمة من ال�سكان، وت�شري البيانات املتاحة �إىل �أن �أعداد امل�شرتكني يف هذه النوعية من اخلطوط بالعامل العربي ترتاوح بني 8.37خط ًا لكل 100ن�سمة وهو املعدل الذي حقّقته قطر وجعلها حتت ّل املركز رقم 39عاملي ًا ،و 0.03خطوط لكل 100ن�سمة وهو املعدل الذي حقّقته موريتانيا وجعلها حتتل املركز ،111بخالف دول �أخرى كالعراق واليمن وال�صومال مل تذكر الإح�صاءات �شيئ ًا عن معدل ما متلكه من خطوط عالية ال�رسعة
قطر الأوىل عربي ًا والـ 39عاملي ًا وموريتانيا الأخرية عربي ًا والـ عاملي ًا من حيث امل�شرتكني يف خطوط االت�صال ال�رسيعة بالإنرتنت.
11
عدد احلا�سبات ال�شخ�صية لكل 100ن�سمة
�شكل رقم 2
60
57.246
50
40 30.06 30 22.33 18.71
18.28
20
لكنها م�صنفة يف املراكز 167و 203و 188على التوايل� ،أما املتو�سط العام يف الدول العربية املتاح عنها بيانات فبلغ 2.07خطوط ات�صال �رسيع لكل 100من ال�سكان. يقي�س م� رّؤ�ش توافر خطوط الهواتف اجلديدة مدى ال�سهولة وال�رسعة التي يح�صل بها املواطنون على خطوط الهواتف اجلديدة، ومينح امل� رّؤ�ش درجات من واحد �إىل �سبعة، بحيث = 1خطوط نادرة وي�صعب احل�صول عليها ،و = 7خطوط متاحة ووا�سعة االنت�شار وعالية الكفاءة وي�سهل احل�صول عليها، وترتاوح درجات الدول العربية وفق ًا لهذا املعيار بني 6.57وهي الدرجة التي ح�صلت عليها الإمارات وجعلتها حتتل املركز 18على العامل ،و 4.38وهي الدرجة التي ح�صلت عليها ليبيا وجعلتها حتتل املرتبة 111على العامل، �أما متو�سط الدرجة للدول املتوافر عنها بيانات فبلغ .5.84
13.89
4.4
6.89
4.19
6.66
6.34
6.22 2.99
2.22
10
1.06 0
م وريت م ربية ا الغ روب أ�و
ل
�رص
يبيا
قطر
ا لبح ا زائر اجل دية �سعو ال ويت الك غرب امل ن�س تو وريا �س مان ع
انيا
رين
لإما
الأ
رات
ردن
عدد م�ستخدمي الإنرتنت لكل 100ن�سمة
�شكل رقم 3
60 53.198 50 41.75 38.3
40 33.22
52.51
31.57 30 25.07 21.14 17.41
19.02
16.68
20
13.1
11.42 9.52
9.08
10.34
10
4.36 0.95
30.06
1.13 0.95 0
م� رّؤ�شات قيا�س قطاع تقنية املعلومات
ردن لأ ا رات لإما ا رين لبح ا زائر اجل دية �سعو ال دان و ال�س مال �صو ل ا عراق ال ويت لك ا غرب امل يمن ال ن�س تو وريا �س مان ع طني فل�س قطر نان لب يبيا ل رص م� انيا وريت ربية م ا الغ روب أ�و
يو�ضح اجلدول رقم (� )4أو�ضاع قطاع تقنية املعلومات يف العامل العربي طبق ًا للم� رّؤ�شات امل�شار �إليها ،ومن خالل هذا اجلدول يالحظ الآتي: يقي�س م� رّؤ�ش �سعة الربط الدويل بالإنرتنت طاقة خطوط االت�صال اخلارجي بالإنرتنت متـر من خاللـها حـركة االت�صــال والتـي ّ بالإنرتنت بني امل�ستخدمني داخل الدولة وبقية �أجزاء �شبكة الإنرتنت يف العامل اخلارجي، والتي يطلق عليها «بوابات االت�صال اخلارجي متر بال�شبكة» وهي تقا�س بامليجابايت التي ّ بهذه البوابات كل ثانية بالن�سبة لكل 100ن�سمة من ال�سكان ،وطبق ًا للبيانات املتاحة ف�إن �سعة الربط الدويل بالإنرتنت بالدول العربية ترتاوح بني 27.66ميجا/ثانية لكل 100ن�سمة وهو املعدل املوجود لدى قطر وجعلها حتت ّل املركز رقم 28عاملي ًا ،و 0.21ميجا/ثانية لكل 100 ن�سمة وهو املعدل املوجود بليبيا وجعلها حتتل املركز رقم 99عاملي ًا� ،أما متو�سط الدول
الف�صل االول واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف جدول رقم 4
البنية املعلوماتية بالدول العربية (الإنرتنت وتقنيات املعلومات) «الرتتيب �أبجديا»
الأردن الإمارات البحرين اجلزائر ال�سعودية ال�سودان ال�صومال العراق الكويت املغرب اليمن تون�س �سوريا عمان فل�سطني قطر لبنان ليبيا م�رص موريتانيا �أوروبا الغربية
ميجا/ ثانية لكل 100ن�سمة
الرتتيب دوليا
عدد احلا�سبات الرتتيب لكل مليون دوليا ن�سمة
ن�سبة اال�شرتاك من الدخل ال�شهري
�أقل تكلفة خلطوط االت�صاالت ال�رسيعة ن�سبة تكلفة
الرتتيب 100كيلوبايت الرتتيب ثانية من دوليا دوليا الدخل ال�شهري
احلا�سبات ال�شخ�صية عدد احلا�سبات لكل 100 ن�سمة
0.54
84
5.95
77
7.95
44
0.78
21.63
32
95.54
32
2.95
28
0.2
32
5.54
51
55.79
40
7.71
43
1.69
57
0.89
81
0.24
118
309.84
93
37.69
101
1.06
1.18
75
6.61
73
0
ـ
58.3
106
13.89
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
م�ستخدمو الإنرتنت
عدد الرتتيب امل�ستخدمني الرتتيب دوليا بني كل 100دوليا ن�سمة
48
6.34
74
19.02
72
30.06
32
52.51
26
18.28
41
33.22
48
113
10.34
92
52
25.07
59
ـ
9.08
125
ـ
1.13
174
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0.95
179
3.28
61
50.7
44
9.3
47
0.91
49
22.33
37
31.57
50
8.05
44
1.07
96
50.08
74
1.52
56
2.99
93
21.14
66
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
1.43
170
3
62
0.98
100
61.18
78
5.92
84
6.22
75
16.68
77
0.34
93
0.1
126
0
ـ
0.37
37
6.66
72
17.41
75
4.82
57
5.77
79
56.11
76
2.83
71
6.89
69
13.1
83
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
9.52
123
27.66
28
49.04
45
2.09
22
0.12
27
18.71
40
41.75
40
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
38.3
54
0.21
99
0.16
122
0
ـ
12.46
92
2.22
99
4.36
110
1.43
71
0.85
103
100.46
86
5.84
83
4.19
88
11.42
88
0.29
94
1.92
93
8904.4
107
1456.59
119
4.4
87
0.95
123
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
57.246
ـ
53.198
ـ
امل�صدر :قاعدة بيانات التقرير العاملي لتقنية املعلومات ال�صادر عن منتدى دافو�س االقت�صادي العاملي مار�س 2009 http://www.insead.edu/v1/gitr/wef/main/home.cfm
املتوافر عنها بيانات فبلغ 5.63ميجا/ثانية لكل 100ن�سمة. يقي�س م� رّؤ�ش حا�سبات الإنرتنت اخلادمة امل�ؤمنة عدد احلا�سبات اخلادمة العاملة على الإنـرتنت والتي ت�ست�ضـيف املواقـع وتدير حركة الربيد الإلكرتوين وغريها من خدمات الإنرتنت ،وذلك بالن�سبة لكل مليون ن�سمة من ال�سكان ،وت�شري البيانات املتوافرة �إىل �أن عدد هذه احلا�سبات بالن�سبة لكل مليون ن�سمة بالعامل العربي يرتاوح بني 95.54حا�سب ًا لكل
مليون ن�سمة وهو الرقم الذي حقّقته الإمارات وجعلها حتت ّل املركز 32على العامل ،و0.1 جهاز لك ّل مليون ن�سمة وهو الرقم الذي حقّقته �سوريا وجعلها حتت ّل املركز 126على العامل، �أما متو�سط الدول املتوافر عنها بيانات فبلغ 19.62جهازاً لك ّل مليون ن�سمة. يقي�س م� رّؤ�ش تكلفة ا�شرتاك دي �إ�س �إل ن�سبة ر�سوم اال�شرتاك ال�شهري يف االت�صال عايل ال�رسعة بالإنرتنت (بالدوالر) من �إجما ّ يل الدخل القومي ال�شهري للفرد وذلك كمعيار
مؤسسة الفكر العربي ّ
املعلوماتية
�سعة الربط الدويل حا�سبات الإنرتنت تكلفة ا�شرتاك دى �إ�س �إل �شهريا اخلادمة امل�ؤمنة بالإنرتنت الدولة
27
التقرير العربي الثاين 28للتنمية الثقافية
براءات االخرتاع القابلة للتطبيق
�شكل رقم 4
60 48.516
50 40 30 20 10 0
0 0.16
0
0
0
0
0.05
0
0.03 0
2.25
0
0
0
0 0.83
0
0.35 0.46 0
ردن لأ ا رات لإما ا رين لبح ا زائر اجل دية �سعو ال دان و ال�س مال �صو ل ا عراق ال ويت لك ا غرب امل يمن ال ن�س تو وريا �س مان ع طني فل�س قطر نان لب يبيا ل رص م� انيا وريت ربية م ا الغ روب أ�و Series1
عدد الرباءات لكل مليون ن�سمة
�شكل رقم 5
حقيقة �أو�ضاع احلا�سبات ال�شخ�صية
6 4.87 5 3.75
3.74 3.25 2.6
4
3.35
2.85
2.8
3.01
2.74
3.11 3
2.51
2.51 2.17
2.1 2 1 0
م وريت م ربية ا الغ روب أ�و
ل
�رص
يبيا
قطر
انيا
ا لبح ا زائر اجل دية �سعو ال ويت الك غرب امل ن�س تو وريا �س مان ع رين
رات
لإما
الأ ردن
الإمارات الأوىل عربي ًا والـ 32 عاملي ًا وفق ًا مل�ؤ�رش عدد احلا�سبات ال�شخ�صية بن�سبة ت�صل �إىل 30حا�سو ًبا لكل مائة من ال�سكان واجلزائر يف املركز الـ 113عاملي ًا بن�سبة حا�سوب واحد لكل مائة من ال�سكان.
%890وجعلها حتقق املركز 107على العامل، �أما متو�سط الدول املتوافر عنها بيانات فبلغ %864من دخل الفرد ال�شهري. يقي�س م� رّؤ�ش �أقل تكلفة خلطوط االت�صاالت ال�رسيعة �أقل تكلفة للخطوط ال�رسيعة (بالدوالر) لكل 100كيلوبايت كن�سبة من �إجمايل الدخل القومي ،وت�شري البيانات املتاحة يف هذا امل�ؤ�شرّ�إىل �أن �أقل تكلفة يف العامل العربي حقّقتها قطر وتبلغ 0.12وجعلتها حتتل املركز الـ 27عاملي ًا يف هذا امل� رّؤ�شـ و�أعلى تكلفة حقّقتها موريتانيا وتبلغ 1456وجعلتها حتت ّل متو�سط التكلفة لدى املركز 119عاملي ًا� ،أما ّ الدول املتوافر عنها بيانات يف هذا امل� رّؤ�ش فتبلغ ن�سبته 113.23من الدخل ال�شهري.
Series1
لتحديد العبء املادي الذي يتك ّبده املواطن العربي يف االت�صال بالإنرتنت عرب خطوط عالية ال�رسعة ،وت�شري البيانات املتوافرة يف هذا ال�صدد �إىل �أن �أقل ن�سبة ا�شرتاك �شهري قيا�س ًا �إىل متو�سط الدخل ال�شهري للفرد حقّقتها قطر وبلغت %2.09من الدخل وجعلتها حتتل املركز 22عاملي ًا ،و�أعلى ن�سبة حقّقتها موريتانيا والتي جتاوزت متو�سط الدخل ال�شهري للفرد ب�أكرث من ثمانية �أ�ضعاف �أو
يقي�س م� رّؤ�ش احلا�سبات ال�شخ�صية عدد احلا�سبات ال�شخ�صية املتاحة لكل 100ن�سمة، وت�شري البيانات يف هذا ال�صدد �إىل �أن عدد احلا�سبات ال�شخ�صية املتاحة لكل 100ن�سمة بالدول العربية يرتاوح بني 30.06حا�سبات لكل 100ن�سمة وهو ما حقّقته الإمارات وجعلها حتتل املركز 32على العامل ،و 1.06حا�سبات لكل 100ن�سمة وهو ما حقّقته اجلزائر وجعلها حتتل املركز 113عاملي ًا� ،أما متو�سط انت�شار احلا�سبات لدى الدول املتوافر عنها بيانات فبلغ 10.30حا�سب ًا لكل 100ن�سمة. يقي�س م� رّؤ�ش م�ستخدمي الإنرتنت عدد م�ستخدمي الإنرتنت من بني كل 100ن�سمة، ويف هذا ال�صدد ت�شري البيانات املتاحة �إىل �أن عدد م�ستخدمي الإنرتنت بني كل 100ن�سمة لدى الدول العربية يرتاوح بني 52.51ن�سمة لدى الإمارات والذي جعلها حتت ّل املركز رقم 26عاملي ًا ،و 0.95ن�سمة لدى موريتانيا والذي جعلها حتت ّل املركز 123عاملي ًا� ،أما متو�سط م�ستخدمي ال�شبكة لدى الدول املتوافر عنها بيانات فيبلغ 17.95م�ستخدم ًا بني كل 100 ن�سمة.
الف�صل االول واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف
االخرتاعات العربية ..حتبو
تر�صد هذه املجموعة من امل� رّؤ�شات بع�ض الأو�ضاع ذات الت�أثري املزدوج على الثقافة والتنمية الثقافية من ناحية ،وفر�ص التوظيف واال�ستفادة من تقنيات املعلومات واالت�صاالت وتطويرها وحت�سينها وتر�شيد ا�ستخدامها من ناحية �أخرى. جدول رقم 5
البيئة الإبداعية بالدول العربية من منظور تقنيات املعلومات «الرتتيب �أبجديا» براءات االخرتاع القابلة للتطبيق
الدولة
وت�ض ّم هذه املجموعة �سبعة م� رّؤ�شات هي ا�ستخدام براءات االخرتاع وحرية ال�صحافة والقوانني التي لها عالقة بتقنيات املعلومات واالت�صاالت وا�ستقاللية الق�ضاء وفعالية الإطار القانوين وحماية حقوق امللكية والقدرة على الإبداع واالبتكار ،ويف �ضوء الأرقام الواردة يف اجلدول رقم ( )5ميكن تناول هذه امل� رّؤ�شات كما يلي:
من بني �سبع دول عربية �أُتيح االطالع على بياناتها ف�إن الكويت هي الأوىل عربي ًا والـ 37عاملي ًا يف معدل براءات االخرتاع ( 2.25براءة اخرتاع لكل مليون ن�سمة).
عدد الرباءات لكل مليون ن�سمة
الرتتيب دولي ًا
حرية ال�صحافة م�ستوى احلرية
الرتتيب دولي ًا
قوانني لها عالقة بتقنيات املعلومات واالت�صاالت م�ستوى الإتاحة
الرتتيب دولي ًا
ا�ستقاللية الق�ضاء
فعالية الإطار القانوين
م�ستوى الرتتيب م�ستوى اال�ستقالل دولي ًا الفاعلية
الرتتيب دولي ًا
القدرة على حماية امللكية الإبداع واالبتكار الفكرية م�ستوى احلماية
الأردن الإمارات 4.94 50 4.06 48 4.6 37 4.59 92 4.71 89 0 البحرين 2.51 90 3.08 100 3.12 129 2.32 88 4.78 89 0 اجلزائر 4.51 41 4.46 40 4.98 43 4.31 123 3.82 49 0.83 ال�سعودية 0 ـ 0 ـ 0 ـ 0 ـ 0 ـ 0 ال�سودان 0 ـ 0 ـ 0 ـ 0 ـ 0 ـ 0 ال�صومال 0 ـ 0 ـ 0 ـ 0 ـ 0 ـ 0 العراق 3.59 36 4.57 36 5.04 99 3.09 59 5.52 37 2.25 الكويت 3.33 62 3.71 65 3.9 97 3.12 101 4.43 83 0.03 املغرب 0 ـ 0 ـ 0 ـ 0 ـ 0 ـ 0 اليمن 4.38 25 4.94 39 5.02 30 4.87 104 4.36 89 0 تون�س 3.81 69 3.54 77 3.62 127 2.37 124 3.75 81 0.05 �سوريا 4.9 27 4.93 34 5.15 42 4.34 126 3.63 89 0 عمان 0 ـ 0 ـ 0 ـ 0 ـ 0 ـ 0 فل�سطني 5.12 24 5.02 21 5.66 33 4.82 70 5.2 89 0 قطر 0 ـ 0 ـ 0 ـ 0 ـ 0 ـ 0 لبنان 3.12 61 3.71 59 4.2 126 2.39 131 2.94 89 0 ليبيا 3.64 55 3.92 42 4.95 64 3.86 78 5.07 71 0.16 م�رص 2.68 110 2.89 99 3.12 119 2.67 69 5.2 89 0 موريتانيا �أوروبا 5.288 ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ 48.516 الغربية امل�صدر :قاعدة بيانات التقرير العاملي لتقنية املعلومات ال�صادر عن منتدى دافو�س االقت�صادي العاملي مار�س 2009 0.35
64
4.13
110
4.05
54
4.96
41
4.85
29
4.65
0.46
59
4.44
100
5.13
22
5.2
33
4.93
26
5.18
الرتتيب دولي ًا
م�ستوى الإبداع
الرتتيب دولي ًا
36
3.11
66
24
3.01
74
27
2.51
118
120
2.1
133
38
3.75
7
ـ
0
ـ
ـ
0
ـ
ـ
0
ـ
62
2.74
94
78
2.8
87
ـ
0
ـ
40
3.74
38
54
2.51
117
30
3.35
49
ـ
0
ـ
25
3.25
60
ـ
0
ـ
88
2.17
131
60
2.85
85
115
2.6
109
ـ
4.87
ـ
http://www.insead.edu/v1/gitr/wef/main/home.cfm مؤسسة الفكر العربي ّ
املعلوماتية
�أو�ضاع العامل العربي طبق ًا مل� رّؤ�شات البيئة الإبداعية
29
التقرير العربي الثاين 30للتنمية الثقافية
يقي�س م� رّؤ�ش براءات االخرتاع عدد براءات االخرتاع العملية (�أي القابلة للتطبيق) املمنوحة �أو ال�صادرة من الدول املختلفة خالل الفرتة من 1يناير �إىل 31دي�سمرب 2007 مقارن ًة بكل مليون ن�سمة ،وطبق ًا للبيانات املتاحة ف�إن �أعلى عدد لرباءات االخرتاع القابلة للتطبيق يف كل مليون ن�سمة بالدول العربية حتقق يف الكويت وبلغ 2.25براءة لكل ً الكويت الأوىل عربيا والـ 59مليون ن�سمة ،وجعل الكويت حتتل املركز 37 عاملي ًا وفق ًا مل� رّؤ�ش حرية ال�صحافة عاملي ًا ،و�أق ّل عدد حتقّق يف املغرب وبلغ 0.03 مبع ّدل 5.52درجة من .7 براءة لكل مليون ن�سمة واحتلت مبوجبه املركز الـ 83عاملي ًا ،و ُيالحظ �أن �سبع دول عربية فقط هي التي �أوردت البيانات حولها �أنها ا�صدرت براءات اخرتاع قابلة للتطبيق يف العام 2007 وهي الكويت وال�سعودية والإمارات والأردن وم�رص و�سوريا واملغرب ،واملتو�سط العام لعدد الرباءات يف هذه الدول هو 0.59براءة لكل مليون ن�سمة. يقي�س م� رّؤ�ش حرية ال�صحافة م�ستوى احلرية الذي تتمتع به ال�صحافة وو�سائل الإعالم داخل كل دولة ،ومينح امل� رّؤ�ش درجة الإمارات الأوىل عربي ًا والـ 24من �سبع درجات بحيث الدرجة � = 1صحافة حرة عامل ّي ًا وفق ًا مل� رّؤ�ش حماية امللك ّية مق ّيدة متام ًا ،والدرجة � = 7صحافة ّ الفكرية واجلزائر يف املركز الـ 120متام ًا ،ويف هذا ال�سياق تراوحت درجات عامل ّياً. الدول العربية بني 5.52درجة ح�صلت عليها الكويت وجعلتها يف املركز 59عاملي ًا ،و2.94 درجة ح�صلت عليها ليبيا وجعلتها يف املركز 131عاملي ًا� ،أما املتو�سط العام لدرجة حرية ال�صحافة يف الدول التي توافرت عنها بيانات فكان 4.43درجة من �سبع درجات.
قوانني غائبة و�أخرى ناق�صة
يقي�س م� رّؤ�ش القوانني التي لها عالقة بتقنيات املعلومات واالت�صاالت مدى وجود و�إتاحة القوانني املتعلقة با�ستخدام تقنيات املعلومات واالت�صاالت وتنظيمها مثل قوانني التجارة الإلكرتونية ،والتوقيعات الرقمية، وحماية امل�ستهلك وقوانني االت�صاالت ،ومينح امل� رّؤ�ش لك ّل دولة درجة من �سبع درجات ،بحيث
�إن الدرجة =1قوانني غائبة وغري موجودة، مت �سنها وتطبيقها ،ويف والدرجة = 7قوانني ّ هذا ال�صدد تراوحت الدرجات التي ح�صلت عليها الدول العربية بني 5.13درجة حقّقتها الإمارات وح�صلت بها على املركز 22عاملي ًا، و 2.32درجة حقّقتها اجلزائر وح�صلت بها على املركز 129عاملي ًا� ،أما متو�سط درجات الدول التي توافرت عنها بيانات فبلغ 3.71درجة من �سبع درجات.
�إىل �أين و�صل ا�ستقالل الق�ضاء؟
يقي�س م� رّؤ�ش ا�ستقاللية الق�ضاء مدى ا�ستقاللية الق�ضاء وبعده عن امل�ؤثرات ال�سيا�سية وغري ال�سيا�سية لأع�ضاء احلكومة �أو املواطنني �أو ال�رشكات ،ومينح كل دولة درجة من �سبع درجات ،بحيث �إن الدرجة = 1ق�ضاء منحاز للغاية ،والدرجة = 7ق�ضاء م�ستقل متام ًا ،ويف هذا ال�سياق تراوحت الدرجات التي ح�صلت عليها الدول العربية بني 5.66درجة حقّقتها قطر وح�صلت بها على املركز 21عاملي ًا، و 3.12درجة حقّقتها موريتانيا وح�صلت بها على املركز 99عاملي ًا� ،أما متو�سط درجات الدول التي توافرت عنها بيانات فبلغ 4.54 درجة من �سبع درجات.
..وهل القوانني مط َّبقة وقيد التفعيل؟
يقي�س م� رّؤ�ش فعالية الإطار القانوين قدرة القوانني على ت�سوية النزاعات ومدى قدرتها على فر�ض �رشعية وقانونية الإجراءات احلكومية ،ومينح لكل دولة درجة من �سبع درجات ،بحيث �إن الدرجة = 1قوانني غري ف ّعالة وخا�ضعة للتالعب ،والدرجة = 7 قوانني ف ّعالة وتتبع نهج ًا وا�ضح ًا حمايداً، ويف هذا ال�سياق تراوحت الدرجات التي ح�صلت عليها الدول العربية بني 5.02درجة حقّقتها قطر وح�صلت بها على املركز 24 عاملي ًا ،و 2.89درجة حقّقتها موريتانيا وح�صلت بها على املركز 110عاملي ًا� ،أما متو�سط الدرجات التي توافرت عنها بيانات
الف�صل االول واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف
فبلع 4.19درجة من �سبع درجات. يقي�س م� رّؤ�ش حماية امللكية الفكرية م�ستوى احلماية الذي تتمتع به حقوق امللكية الفكرية ،ومينح درجة من �سبع درجات ،بحيث �إن الدرجة = 1حماية �ضعيفة وغري مط ّبقة، والدرجة = 7حماية قوية ومط ّبقة ،ويف هذا ال�صدد تراوحت الدرجات التي ح�صلت عليها الدول العربية بني 5.18درجة حقّقتها الإمارات وح�صلت بها على املركز 24عاملي ًا، و 2.51درجة حقّقتها اجلزائر وح�صلت بها على املركز 120عاملي ًا� ،أما متو�سط درجات الدول التي توافرت عنها بيانات فبلغ 4.03درجة من �سبع درجات.
تفكري �أم تقليد
يقي�س م� رّؤ�ش القدرة على الإبداع واالبتكار الطريقة التي حت�صل بها امل�ؤ�س�سات وال�رشكات العاملة بالدولة على التقنية ،ومينح درجة من �سبع درجات بحيث �إن الدرجة = 1احل�صول على التقنية من الرتاخي�ص وتقليد ال�رشكات الأجنبية ،والدرجة = 7احل�صول على التقنية من الأبحاث واملنتجات الرائدة والعمليات اجلديدة اخلا�صة بها ،ويف هذا ال�صدد تراوحت الدرجات التي ح�صلت عليها الدول العربية بني 3.75درجة حقّقتها ال�سعودية وح�صلت بها على املركز ال�سابع عاملي ًا ،و 2.1درجة حقّقتها اجلزائر وح�صلت بها على املركز 133عاملي ًا، �أما متو�سط درجات الدول التي توافرت عنها بيانات فبلغ 2.89درجة من �سبع درجات.
�أو�ضاع العامل العربي طبق ًا مل� رّؤ�شات الإطار التعليمي
توفر جمموعة امل� رّؤ�شات التي تر�صد الإطار التعليمي والعلمي والبحثي والتدريبي ال�سائد �أر�ضية ج ّيدة لفهم العالقة بني التعليم والبحث والتدريب من جهة والتنمية الثقافية من جهة ثانية وتقنية املعلومات ك�أداة للتنمية والتعليم
املعلوماتية
احرتام حقوق الآخرين
مع ًا من جهة ثالثة .فالتعليم والبحث والتدريب ـ كما �أ�سلفنا ـ من املرتكزات الأ�سا�سية للتنمية الثقافية ويف الوقت نف�سه من �أبرز القطاعات التي ت�ستفيد ب�ش ّدة من التطورات اجلارية يف تقنية املعلومات واالت�صاالت ،وتنق�سم هذه املجموعة بدورها �إىل جمموعتني فرع ّيتني، الأوىل حول الإطار التعليمي ال�سائد وتتك ّون من �ستة م� رّؤ�شات هي جودة نظام التعليم والإنفاق على التعليم ،وجودة تعليم الريا�ضيات والعلوم وم�ستوى الت�سجيل اجلامعي ،والو�صول للإنرتنت باملدار�س وجودة كليات الإدارة. واملجموعة الثانية تر�صد �إطار التدريب والبحث العلمي ال�سائد وتتك ّون من �أربعة م� رّؤ�شات هي جودة م�ؤ�س�سات البحث العلمي وتوافر خدمات البحوث والتدريب حملي ًا و�إنفاق امل�ؤ�س�سات على البحوث والتعاون البحثي بني ال�صناعة واجلامعة.
31
ال�سعود ّية الأوىل عرب ّي ًا ويف املركز ال�سابع عامل ّي ًا وفق ًا مل� رّؤ�ش القدرة على الإبداع واالبتكار واجلزائر يف املركز الـ 133عامل ّي ًا
م� رّؤ�شات الإطار التعليمي
يف �ضوء الأرقام الواردة يف اجلدول رقم ( )6ميكن تناول هذه امل� رّؤ�شات كما يلي:
حلم التعليم عايل اجلودة ..هل يتحقق؟
يقي�س م� رّؤ�ش جودة النظام التعليمي مدى قدرة هذا النظام على تلبية ودعم احتياجات عمليات وبرامج التنمية القائمة على املعلومات واملعرفة واحتياجات االقت�صاد التناف�سي، ومينح يف هذا ال�صدد �سبع درجات ،بحيث �إن الدرجة 1تعني �أنه ال يلبي هذه االحتياجات، والدرجة 7تعني �أنه يلبي هذه االحتياجات، وقد تراوحت الدرجات التي ح�صلت عليها الدول العربية يف هذا ال�صدد بني 5.09درجة وهي الدرجة التي حقّقتها قطر وح�صلت بها على املركز ال�ساد�س ع�رش عاملي ًا ،و 2.3درجة التي حقّقتها موريتانيا وح�صلت بها على املركز 129عاملي ًا� ،أما متو�سط درجات الدول التي توافرت عنها بيانات فكان 3.52درجة من �سبع درجات. يقي�س م� رّؤ�شالإنفاق على التعليم ن�سبة
قطر الأوىل عرب ّي ًا والـ 16عامل ّي ًا يف م� رّؤ�ش جودة النظام التعليمي وقدرته على دعم احتياجات التنمية القائمة على املعلومات واملعرفة.
ال�سعودية الأوىل عرب ّي ًا ويف املركز الثامن عامل ّي ًا يف م� رّؤ�ش ن�سبة الإنفاق على التعليم من �إجمايل الدخل القومي و ( )%7.19وموريتانيا يف املركز الـ 114عامل ّياً.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 32للتنمية الثقافية جدول رقم 6
�أو�ضاع التعليم بالدول العربية من منظور تقنيات املعلومات (نظام التعليم)»الرتتيب �أبجديا»
الأردن الإمارات البحرين اجلزائر ال�سعودية ال�سودان ال�صومال العراق الكويت املغرب اليمن تون�س �سوريا عمان فل�سطني قطر لبنان ليبيا م�رص موريتانيا �أوروبا الغربية
الرتتيب دولي ًا
م�ستوى اجلودة
الرتتيب دولي ًا
4.49
45 46 85
الإنفاق على التعليم
جودة تعليم الريا�ضيات والعلوم
الت�سجيل اجلامعي
القدرة على دعم التنمية التناف�سية
الرتتيب دولي ًا
الن�سبة من الدخل القومي
الرتتيب دولي ًا
م�ستوى اجلودة
الرتتيب دولي ًا
معدل النمو
الرتتيب دولي ًا
م�ستوى الو�صول لل�شبكة
4.65
27
5.61
23
4.79
37
39.05
55
3.87
51
4.25
38
0
ـ
4.63
42
22.9
79
4.96
27
4.47
3.79
56
4.36
62
4
68
32.05
64
4.55
37
3.79
2.52
122
4.47
56
3.36
99
21.83
80
2.23
113
3.14
117
3.6
70
7.19
8
3.73
85
30.24
69
3.34
71
3.89
75
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
جودة نظام التعليم الدولة
الو�صول للإنرتنت باملدار�س
جودة كليات الإدارة
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
3.09
94
4.18
68
3.51
93
17.56
87
3.43
64
3.71
89
2.98
100
6.47
15
4.01
67
11.83
99
3.35
70
4.2
63
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
5.06
17
6.67
14
5.59
7
31.03
67
4.62
34
5.32
17
3.14
91
2.6
108
4.19
60
13.55
97
2.02
123
3.64
95
3.82
51
3.72
81
3.83
83
25.48
77
3.89
50
3.58
97
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
5.09
16
0
ـ
5.33
12
15.93
92
4.95
28
4.7
35
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
2.57
121
0
ـ
3.63
90
55.75
32
1.97
126
2.58
130
2.43
126
4.41
59
2.61
128
34.75
59
2.5
99
3.2
116
2.3
129
2.36
114
3.28
101
3.5
117
2.09
120
2.47
131
4.312
ـ
4.708
ـ
4.54
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
امل�صدر :قاعدة بيانات التقرير العاملي لتقنية املعلومات ال�صادر عن منتدى دافو�س االقت�صادي العاملي مار�س 2009 http://www.insead.edu/v1/gitr/wef/main/home.cfm
الإنفاق على التعليم من �إجمايل الدخل القومي بكل دولة ،وطبق ًا للبيانات املتاحة فقد تراوحت الن�سبة املخ�ص�صة للإنفاق على التعليم بالدول العربية من �إجمايل الدخل القومي بني %7.19 يف ال�سعودية التي ح�صلت على املركز الثامن عاملي ًا ،و %2.36يف موريتانيا التي ح�صلت على املركز 114عاملي ًا ،وبلغ متو�سط ن�سبة الإنفاق على التعليم يف الدول التي توافرت
عنها بيانات القومي.
%4.73
نحن والريا�ضيات
من �إجمايل الدخل
يقي�س م� رّؤ�ش جودة تعليم الريا�ضيات والعلوم م�ستوى جودة تدري�س وتعليم الريا�ضيات والعلوم يف املدار�س واجلامعات، ومينح يف ذلك �سبع درجات ،بحيث �إن الدرجة
الف�صل االول واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف
�إنرتنت املدار�س وفعالية التعليم
يقي�س م� رّؤ�ش الو�صول للإنرتنت باملدار�س �أو�ضاع الإنرتنت داخل املدار�س ومدى قدرتها على تو�صيل الأطفال والطالب بال�شبكة وتوظيفها يف الو�صول للمعلومات والتوا�صل مع العامل ،ومينح درجة من �سبع درجات، بحيث �إن الدرجة 1تعني �أن �إمكانية الو�صول للإنرتنت يف املدار�س حمدودة للغاية ،والدرجة 7تعني �أن �إمكانية الو�صول �شاملة و�أغلب الأطفال باملدر�سة لديهم فر�صة االت�صال بالإنرتنت ،وترتاوح الدرجات التي ح�صلت عليها الدول العربية املتوافر عنها بيانات بني 4.96درجة حقّقتها الإمارات وح�صلت بها على املركز 27عاملي ًا ،و 1.97درجة حقّقتها ليبيا وح�صلت بها على املركز 126عاملي ًا، وبلغ متو�سط درجات هذه الدول 3.41درجة من �سبع درجات. يقي�س م� رّؤ�ش جودة كليات ومدار�س الإدارة امل�ستوى العلمي والتعليمي للمدار�س والكليات املتخ�ص�صة يف علوم الإدارة ،ومينح درجة
املعلوماتية
= 1جودة منخف�ضة متخلفة عن �أغلب مدار�س الدول الأخرى ،والدرجة = 7جودة مرتفعة بني املدار�س الأف�ضل يف العامل ،ويف هذا امل� رّؤ�ش ترتاوح درجات الدول العربية املتوافر عنها بيانات بني 5.59درجة حقّقتها تون�س وح�صلت بها على املركز ال�سابع عاملي ًا و2.61 حقّقتها م�رص وح�صلت بها على املركز 128 متو�سط الدرجات التي حقّقتها عاملي ًا ،وبلغ ّ هذه الدول 4.04درجة من �سبع درجات. يقي�س م� رّؤ�ش الت�سجيل اجلامعي معدل النمو يف الت�سجيل وااللتحاق بالتعليم اجلامعي ،ويرتاوح هذا املعدل لدى الدول العربية املتاح عنها بيانات بني 55.75وهو املعدل الذي حقّقته ليبيا وح�صلت به على املركز 32عاملي ًا ،و 3.5وهو املعدل الذي حقّقته موريتانيا وح�صلت به على املركز 117 عاملي ًا� ،أما متو�سط معدل النمو يف هذه الدول فبلغ .25.39
من �سبع درجات ،بحيث �إن الدرجة 1تعني �أن هذه امل�ؤ�س�سات حمدودة �أو �ضعيفة امل�ستوى، والدرجة 7تعني �أنها مرتفعة امل�ستوى ومن بني الأف�ضل يف العامل ،وترتاوح الدرجات التي ح�صلت عليها الدول العربية املتاح عنها بيانات يف هذا امل� رّؤ�ش بني 5.32درجة حقّقتها تون�س وح�صلت بها على املركز ال�سابع ع�رش عاملي ًا ،و 2.47درجة حقّقتها موريتانيا وح�صلت بها على املركز 131عاملي ًا ،وبلغ متو�سط درجات هذه الدول 3.80درجة من �سبع درجات.
33
الإمارات الأوىل عرب ّي ًا والـ عاملي ًا يف م� رّؤ�ش انت�شار الإنرتنت داخل املدار�س وليبيا يف املركز الـ 126عاملياً.
27
م� رّؤ�شات الإطار البحثي والتدريبي
يف �ضوء الأرقام الواردة باجلدول رقم ()7 ميكن تناول جمموعة م� رّؤ�شات البحث العلمي والتدريب على النحو التايل: يقي�س م� رّؤ�ش جودة م�ؤ�س�سات البحث العلمي مدى �إتاحة م�ؤ�س�سات البحث العلمي كاجلامعات ومراكز الأبحاث احلكومية والأهلية واخلا�صة ،وقدرتها على الأداء واال�ضطالع بالبحوث العلمية ،ومينح كل دولة درجة من �سبعة ،بحيث �إن الدرجة = 1م�ؤ�س�سات بحث غري موجودة �أو �ضعيفة وهام�شية ،والدرجة =7م�ؤ�س�سات بحث قائمة والأف�ضل يف جمالها دولي ًا ،وقد تراوحت درجات الدول العربية ؤ�ش بني 4.73 املتاح عنها بيانات يف هذا امل� رّ وهي الدرجة التي حقّقتها قطر وح�صلت بها على املركز 30عاملي ًا ،و 2.46وهي الدرجة التي حقّقتها موريتانيا وح�صلت بها على املركز 131عاملي ًا� ،أما متو�سط درجات هذه الدول فبلغ 3.75درجة من �سبع درجات.
تون�س الأوىل عربي ًا والـ 28 عاملي ًا يف م� رّؤ�ش مدى �إقبال ال�رشكات وامل� ّؤ�س�سات داخل الدولة على متويل البحوث.
البحوث املحلية :عدد قليل وجدوى �أقل
يقي�س م� رّؤ�ش توافر خدمات البحوث والتدريب حملي ًا مدى �إتاحة وتوافر خدمات الأبحاث والتدريب حملي ًا �أمام املواطنني، املتخ�ص�صة، خ�صو�ص ًا يف ما يتعلّق بالبحوث ّ ومينح كل دولة درجة من �سبع درجات ،بحيث �إن الدرجة = 1خدمات غري متوافرة ،والدرجة مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 34للتنمية الثقافية
جدول رقم � 7أو�ضاع التعليم بالدول العربية من منظور تكنولوجيا املعلومات(التدريب والبحث) «الرتتيب �أبجدي ًا»
الدولة
جودة م�ؤ�س�سات البحث العلمي
توافر خدمات البحوث والتدريب حمليا
م�ستوى اجلودة
الرتتيب دولي ًا
مدى توافر اخلدمات
الرتتيب دولي ًا
�إنفاق امل�ؤ�س�سات على البحوث درجة الإنفاق
التعاون البحثي بني ال�صناعة واجلامعة
درجة الرتتيب دولي ًا الرتتيب دولي ًا التعاون
الأردن الإمارات البحرين اجلزائر ال�سعودية ال�سودان ال�صومال العراق الكويت املغرب اليمن تون�س �سوريا عمان فل�سطني قطر لبنان ليبيا م�رص موريتانيا
4.13
51
4.14
53
2.94
79
3.32
60
3.73
74
4.39
44
3.36
50
3.35
58
3.37
100
3.82
72
2.9
82
2.77
101
3.23
108
3.16
111
2.55
116
2.29
124
4.27
47
4.42
42
3.6
43
3.77
37
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
4.09
54
3.96
64
2.77
93
3.09
73
3.5
94
3.84
69
3.01
69
2.79
99
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
4.34
42
4.76
28
3.72
38
3.84
35
3.58
89
3.47
95
2.55
115
2.77
100
4
59
3.76
79
3.49
44
3.74
39
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
4.73
30
4.36
45
3.77
35
4.23
25
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
3.63
82
3.23
106
2
124
2.54
114
3.41
96
3.57
92
3.26
57
3.04
79
2.46
131
2.77
129
2.46
122
2.19
128
�أوروبا الغربية
4.862
ـ
5.26
ـ
4.562
ـ
4.214
ـ
امل�صدر :قاعدة بيانات التقرير العاملي لتقنية املعلومات ال�صادر عن منتدى دافو�س االقت�صادي العاملي مار�س 2009 http://www.insead.edu/v1/gitr/wef/main/home.cfm
= 7خدمات متاحة من امل�ؤ�س�سات املحلّية والعاملية ،وقد تراوحت درجات الدول العربية املتاح عنها بيانات بني 4.76وهي الدرجة التي حقّقتها تون�س وح�صلت بها على املركز 28عاملي ًا ،و 2.77وهي الدرجة التي حقّقتها موريتانيا وح�صلت بها على املركز 129 عاملي ًا� ،أما متو�سط درجات هذه الدول فبلغ
3.83درجة من �سبع درجات. يقي�س م� رّؤ�ش �إنفاق امل�ؤ�س�سات على البحوث مدى �إقبال ال�رشكات وامل�ؤ�س�سات داخل الدولة على متويل البحث والتطوير والإنفاق عليهما ،ومينح كل دولة درجة من �سبع ،بحيث �إن الدرجة واحد تعني �أن هذه امل�ؤ�س�سات ال تنفق على البحوث والتطوير وال
الف�صل االول واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف
ال�صناعة والبحث :ك ٌّل يف وا ٍد
يقي�س م� رّؤ�ش التعاون البحثي بني ال�صناعة واجلامعة مدى تفاعلية العالقة بني ال�رشكات واجلامعات املحلية وكذلك مدى عمقها ومتانتها ،ومينح كل دولة درجة من �سبع درجات ،بحيث �إن الدرجة واحد تعني �أن هذا التعاون قليل �أو غري موجود ،والدرجة �سبعة تعني �أن التعاون كثيف وم�ستمر ،وقد تراوحت درجات الدول العربية املتاح عنها بيانات يف هذا امل� رّؤ�ش بني 4.23وهي الدرجة التي حقّقتها قطر وح�صلت بها على املركز 25عاملي ًا ،و 2.19وهي الدرجة التي حقّقتها موريتانيا وح�صلت بها على املركز 128 عاملي ًا� ،أما متو�سط درجات هذه الدول ككل فبلغ 3.12درجة من �سبع درجات.
�أو�ضاع العامل العربي طبق ًا مل� رّؤ�شات البيئة االقت�صادية والتجارية
على الرغم من �أن البيئة االقت�صادية والتجارية تبدو للوهلة الأوىل بعيدة نوع ًا ما عن جهود التنمية الثقافية ،ف�إن هذا ال ينفي �أن ثمة جوانب اقت�صادية يتعينّ النظر �إليها عند تناول تقنيات املعلومات واالت�صاالت كرافعة للتنمية الثقافية ،ف�سالمة البعد االقت�صادي لتطبيق التقنية يف التنمية ـ كما �سبقت الإ�شارة، مينحها قوة دفع �إ�ضافية يحقق لها مزيداً من االنت�شار ،ال�سيما �أن ق�سم ًا كبرياً من م�رشوعات التنمية الثقافية طويلة املدى تتطلب دعم ًا
املعلوماتية
متولّها ،والدرجة �سبعة تعني �أن امل�ؤ�س�سات تنفق بكثافة على البحوث والتطوير ومتولّها مبا ي�ضاهي ال�رشكات الدولية ،وقد تراوحت درجات الدول العربية املتاح عنها بيانات يف هذا امل� رّؤ�ش بني 3.77وهي الدرجة التي ح�صلت عليها قطر وح�صلت بها على املركز 35عاملي ًا ،و 2وهي الدرجة التي ح�صلت عليها ليبيا وح�صلت بها على املركز 124عاملي ًا، �أما متو�سط درجات هذه الدول ككل فبلغ 3.03 درجة من �سبع درجات.
تقني ًا ومتوي ًال م�ستدمي ًا� ،أي تت�ضمن بعداً اقت�صادي ًا وجتاري ًا كبرياً وم�ؤثّراً ،كما هو احلال مع م�رشوعي رقمنة املحتوى والن�رش الإلكرتوين وغريها ،وتتك ّون هذ املجموعة من �ستة م� رّؤ�شات هي �صادرات التقنيات العالية، والو�صول للمحتوى الرقمي ،وجودة املناف�سة يف قطاع االت�صاالت وتقنيات املعلومات، ومدى ا�ستيعاب التقنيات داخل امل�ؤ�س�سات، ومدى ا�ستخدام الإنرتنت جتاري ًا ،وواردات خدمات تقنيات املعلومات واالت�صاالت .ويف �ضوء الأرقام الواردة يف اجلدول رقم ( )8ميكن تناول �أو�ضاع العامل العربي بالن�سبة لهذه امل� رّؤ�شات كما يلي :
35
قطر الأوىل عربي ًا والـ 25عاملي ًا يف م� رّؤ�ش التعاون البحثي بني قطاع ال�صناعة واجلامعات.
�صادرات التكنولوجيا على الطريق
يقي�س م� رّؤ�ش �صادرات التقنيات العالية ن�سبة ال�صادرات من التقنية املتطورة �إىل �إجمايل ال�صادرات من ال�سلع والب�ضائع. وداخل الدول العربية املتاح عنها بيانات ترتاوح هذه الن�سبة بني %6.96وهي الن�سبة التي حقّقتها املغرب وجعلتها حتتل املركز 34 عاملي ًا ،و %0.02وهي الن�سبة التي حقّقتها ُعمان وجعلتها حتت ّل املركز 119عاملي ًا� ،أما متو�سط الن�سبة بهذه الدول فيبلغ %01.17من �إجمايل ال�صادرات.
حمتوى :نعم ..و�صول �إليه :لي�س دائما!
املغرب الأوىل عربي ًا والـ 34 عاملي ًا يف م� رّؤ�ش ن�سبة �صادرات تقنيات املعلومات واالت�صاالت �إىل �إجمايل ال�صادرات ( )%6.9و�إجمايل الن�سبة يف الدول العربية يبلغ .%1.2
يقي�س م� رّؤ�ش الو�صول للمحتوى الرقمي الن�صي مدى ال�سهولة يف الو�صول �إىل املحتوى ّ واملرئي وامل�سموع ومنتجات الربجميات عرب قنوات االت�صاالت املتع ّددة كالإنرتنت الثابتة والال�سلكية وال�شبكات املحمولة والأقمار ال�صناعية ،ومينح هذا امل� رّؤ�ش كل دولة درجة من واحد �إىل �سبع ،حيث واحد تعني �أنه من ال�صعب الو�صول للمحتوى الرقمي ،و�سبعة تعني �أنه من ال�سهل الو�صول �إىل املحتوى الرقمي ،وترتاوح الدرجات التي ح�صلت عليها الدول العربية املتاح عنها بيانات يف هذا امل� رّؤ�ش بني 5.57وهي الدرجة التي حقّقتها مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 36للتنمية الثقافية
عاملي ًا ،امل�ؤ�س�سات والتكنولوجيا :ا�ستيعاب عالٍ
قطر وح�صلت بها على املركز و 3.04وهي الدرجة التي حقّقتها �سوريا وح�صلت بها على املركز 128عاملي ًا ،وقد بلغ متو�سط درجات الدول املتاح عنها بيانات يف هذا امل� رّؤ�ش 4.46درجة من �سبع درجات. (جدول رقم ) 8 28
مناف�سة فتية
م�رص الأوىل عربي ًا والـ 36عاملي ًا يف م� رّؤ�ش مدى ا�ستخدام الإنرتنت جتار ّي ًا بن�سبة %4.7ون�سبة املتو�سط العربي يبلغ %3.9
يقي�س م� رّؤ�ش جودة املناف�سة يف قطاع االت�صاالت وتقنيات املعلومات ما �إذا كانت هناك مناف�سة كافية بني مز ّودي خدمات الإنرتنت وخدمات االت�صاالت الأخرى ل�ضمان اجلودة العالية وقلة انقطاع اخلدمة وتخفي�ض الأ�سعار ،ومينح امل� رّؤ�ش كل دولة درجة من واحد �إىل �سبع ،حيث �إن الدرجة واحد تعني �أنه ال توجد مناف�سة والدرجة 7تعني �أن املناف�سة قائمة ومكافئة لأرقى امل�ستويات يف العامل، وقد تراوحت �أرقام الدول العربية املتاح عنها �أرقام يف هذا امل� رّؤ�ش بني 5.34وهي الدرجة التي حقّقتها م�رص وح�صلت بها على املركز 20عاملي ًا و 3.17وهي الدرجة التي حقّقتها موريتانيا وح�صلت على املركز 125عاملي ًا، �أما متو�سط الدرجات التي ح�صلت عليها هذه الدول فبلغ 4.12درجة من �سبع درجات.
�شكل رقم 6
الن�سبة لإجمايل ل�صادرات التقنيات العالية
16
13.338
14 12 10 8
6.96
6 4
3.28
0.07 0
0
0.29 0
0.28 0.02
0
0
0
0
0
0.02 0 0.02 0.07
0.67
2 0
ردن لأ ا رات لإما ا رين لبح ا زائر اجل دية �سعو ال دان و ال�س مال �صو ال عراق ال ويت لك ا غرب امل يمن ال ن�س تو وريا �س مان ع طني فل�س قطر نان لب يبيا ل رص م� انيا ريت ربية مو ا الغ روب أ�و Series1
يقي�س م� رّؤ�ش ا�ستيعاب التقنيات داخل امل�ؤ�س�سات هل ال�رشكات وامل�ؤ�س�سات القائمة يف كل دولة قادرة بالفعل على ا�ستيعاب تقنيات املعلومات واالت�صاالت وتوظيفها يف دورة �أعمالها الداخلية ويف عالقاتها مع �رشكائها وزبائنها �أم ال ،ومينح امل� رّؤ�ش ك ّل دولة �سبع درجات ،بحيث تعني الدرجة واحد �أن امل�ؤ�س�سات غري قادرة على ا�ستيعاب التقنيات اجلديدة ،والدرجة 7تعني �أنها �شديدة النهم يف ا�ستيعاب التقنيات اجلديدة ،وترتاوح الدرجات التي ح�صلت عليها الدول العربية ؤ�ش بني 5.93 املتاح عنها بيانات يف هذا امل� رّ درجة وهي التي حقّقتها الإمارات وح�صلت بها على املركز 14عاملي ًا ،و 3.56وهي الدرجة التي حقّقتها اجلزائر وح�صلت بها على املركز 128عاملي ًا� ،أما متو�سط الدرجات التي ح�صلت عليها هذه الدول فبلغ 4.93درجة من �سبع درجات.
ا�ستخدام جتاري طموح
يقي�س م� رّؤ�ش مدى ا�ستخدام الإنرتنت جتاري ًا �إىل � ّأي حد ت�ستخدم الإنرتنت من قبل املواطنني وال�رشكات وامل�ؤ�س�سات يف بيع و�رشاء ال�سلع والتعامل مع العمالء واملوردين، ومينح امل� رّؤ�ش كل دولة درجة من �سبع درجات ،بحيث تعني الدرجة واحد �أن الإنرتنت ال ت�ستخدم جتاري ًا ،والدرجة �سبعة تعني �أنها ت�ستخدم بكثافة وعلى نطاق وا�سع ،وترتاوح درجات الدول العربية املتاح عنها بيانات يف هذا امل� رّؤ�ش بني 4.68وهي الدرجة التي حقّقتها م�رص وح�صلت بها على املركز 36 عاملي ًا ،و 2.14وهي الدرجة التي حقّقتها اجلزائر وح�صلت بها على املركز 134عاملي ًا، �أما متو�سط درجات الدول املتاح عنها بيانات فبلغ 3.87درجة من �سبع درجات. يقي�س م� رّؤ�ش واردات خدمات تقنيات املعلومات واالت�صاالت ن�سبة الواردات من خدمات تقنيات املعلومات واالت�صاالت
الف�صل االول واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف جدول رقم 8
الأردن الإمارات البحرين اجلزائر ال�سعودية ال�سودان ال�صومال العراق الكويت املغرب اليمن تون�س �سوريا عمان فل�سطني قطر لبنان ليبيا م�رص موريتانيا
�أوروبا الغربية
البيئة االقت�صادية والتجارية لتقنيات املعلومات واالت�صاالت بالدول العربية «الرتتيب �أبجدي ًا» جودة املناف�سة يف �صادرات التقنيات الو�صول للمحتوى قطاع االت�صاالت وتقنيات الرقمي العالية املعلومات
مدى ا�ستيعاب التقنيات داخل امل�ؤ�س�سات
مدى ا�ستخدام الإنرتنت جتاري ًا
واردات خدمات تقنيات املعلومات واالت�صاالت
درجة ال�سهولة يف الو�صول
الرتتيب دولي ًا
م�ستوى جودة املناف�سة
0.67
81
5.05
46
5.3
22
0.02
120
5.34
34
3.85
91
0
123
5.52
29
4.37
58
5.43
0.02
117
3.22
125
3.59
107
3.56
0.07
110
4.63
74
4.86
36
5.17
44
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
0
4.6
75
4.27
65
5.49
28
4.23
63
1.62
6.96
34
4.44
82
4.09
76
4.68
70
3.32
110
28.59
57
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
3.28
55
4.96
48
4.84
37
5.44
34
4.12
70
20.76
80
0.28
95
3.04
128
3.38
118
4.4
87
3.01
123
11.16
107
0.02
119
4.57
77
3.82
95
4.54
82
4.14
67
39.36
28
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
الن�سبة إجمايل الرتتيب ل ال�صادرات دولي ًا
الن�سبة لإجمايل واردات اخلدمات
الرتتيب دوليا
5.43
35
4.64
39
9.65
110
5.93
14
4.66
37
0
ـ
36
4.29
60
11.7
106
128
2.14
134
0
ـ
4.44
48
69.65
3
ـ
0
ـ
ـ
0
ـ
0
ـ 119
الرتتيب درجة الرتتيب درجة اال�ستخدام الرتتيب دولي ًا اال�ستيعاب دولي ًا التجارى دولي ًا
0.29
92
5.57
28
3.41
116
5.31
40
4.39
53
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
ـ
0
0
3.6
112
3.43
114
4.29
97
2.96
126
11.88
105
0.07
109
4.44
83
5.34
20
4.8
63
4.68
36
28.52
58
0
0
3.51
113
3.17
125
4.58
79
3.22
113
0
ـ
13.338
-
5.622
ـ
ـ
ـ
ـ
ـ
5.012
ـ
ـ
ـ
امل�صدر :قاعدة بيانات التقرير العاملي لتقنية املعلومات ال�صادر عن منتدى دافو�س االقت�صادي العاملي مار�س 2009 http://www.insead.edu/v1/gitr/wef/main/home.cfm
وغريها �إىل �إجمايل واردات اخلدمات التجارية نقاط القوة وال�ضعف يف البنية لكل دولة ،وترتاوح الن�سبة لدى الدول العربية املعلوماتية العربية «من املنظور بني 69.65وهي الن�سبة التي حقّقتها ال�سعودية ،الثقايف» وح�صلت بها على املركز الثالث عاملي ًا ،و1.62
وهي الن�سبة التي حقّقتها الكويت وح�صلت بها على املركز 119عاملي ًا ،وبلغ متو�سط الن�سبة لدى الدول املتاح عنها بيانات %23.29من �إجمايل واردات اخلدمات التجارية للدولة.
حتمل الأرقام والتحليالت ال�سابقة عن واقع البنية املعلوماتية العربية الراهنة العديد من نقاط الق ّوة وال�ضعف من حيث قدرتها وجهوزيتها للتعامل مع خطط وم�رشوعات التنمية الثقافية �سواء اجلارية �أم املقبلة،
مؤسسة الفكر العربي ّ
املعلوماتية
الدولة
37
التقرير العربي الثاين 38للتنمية الثقافية جدول رقم 9
متو�سط درجات ومتو�سط ترتيب الدول العربية املتاح عنها بيانات عامليا يف م�ؤ�رشات البنية املعلوماتية
م�ؤ�رشات تقنيات املعلومات واالت�صاالت يف الر�ؤى احلكومية م�ؤ�رشات الأداء احلكومي وتقنيات املعلومات واالت�صاالت م�ؤ�رشات البنية املعلوماتية (قطاع االت�صاالت)
م�شرتوات احلكومة من تقنيات املعلومات متو�سط الدرجة
متو�سط الرتتيب دوليا
3.89
50.93
م�ستوى تدريب موظفي احلكومة على التقنيات متو�سط الدرجة 3.84
متو�سط الرتتيب دوليا 73.14
عدد خطوط التليفون
م�ؤ�رشات البيئة الإبداعية
م�ؤ�رشات �أو�ضاع التعليم (البحث والتدريب)
5.02
48.43
4.57
م�ؤ�رش اال�ستعداد للحكومة الإلكرتونية متو�سط الدرجة 0.41
متو�سط الرتتيب دوليا 95.47
48.43
توافر اخلدمات الإلكرتونية بالإنرتنت متو�سط الدرجة 3.66
متو�سط الرتتيب دوليا 71.43
معدل االنت�شار لكل 100ن�سمة
متو�سط الرتتيب دوليا
متو�سط الن�سبة من دخل الفرد
متو�سط الرتتيب دوليا
متو�سط الن�سبة من دخل الفرد
متو�سط الرتتيب دوليا
12.88
95.45
1.23
49.23
2.21
47.57
حا�سبات الإنرتنت اخلادمة امل�ؤمنة
تكلفة ا�شرتاك دي �إ�س �إل �شهريا
متو�سط ميجا/ثانية لكل 100ن�سمة
متو�سط الرتتيب دوليا
متو�سط عدد احلا�سبات لكل مليون ن�سمة
متو�سط الرتتيب دوليا
متو�سط ن�سبة اال�شرتاك من الدخل ال�شهري
متو�سط الرتتيب دوليا
5.63
66.57
19.62
82.00
864.73
63.45
براءات االخرتاع القابلة للتطبيق متو�سط عدد الرباءات لكل مليون ن�سمة 0.59
متو�سط الرتتيب دوليا 76.21
حرية ال�صحافة متو�سط م�ستوى احلرية 4.43
متو�سط الرتتيب دوليا 98.21
الإنفاق على التعليم
قوانني لها عالقة بتقنيات املعلومات واالت�صاالت متو�سط م�ستوى الإتاحة 3.71
متو�سط الرتتيب دوليا 73.00
جودة تعليم الريا�ضيات والعلوم
متو�سط القدرة على دعم التنمية التناف�سية
متو�سط الرتتيب دوليا
متو�سط الن�سبة من الدخل القومي
متو�سط الرتتيب دوليا
متو�سط م�ستوى اجلودة
متو�سط الرتتيب دوليا
3.52
75.57
4.73
55.27
4.04
69.43
جودة م�ؤ�س�سات البحث العلمى
توافر خدمات البحوث والتدريب حمليا
�إنفاق امل�ؤ�س�سات على البحوث
متو�سط م�ستوى اجلودة
متو�سط الرتتيب دوليا
متو�سط مدى توافر اخلدمات
متو�سط الرتتيب دوليا
متو�سط درجة الإنفاق
متو�سط الرتتيب دوليا
3.75
75.50
3.83
73.50
3.03
76.21
�صادرات التقنيات العالية
م�ؤ�رشات البيئة االقت�صادية والتجارية
متو�سط الدرجة
تكلفة الو�صالت التليفونية للمنازل
جودة نظام التعليم
م�ؤ�رشات �أو�ضاع التعليم(نظام التعليم)
متو�سط الدرجة
متو�سط الرتتيب دوليا
متو�سط الرتتيب دوليا
تكلفة اال�شرتاك التليفونى ال�شهري
�سعة الربط الدويل بالإنرتنت
م�ؤ�رشات البنية املعلوماتية (الإنرتنت وتقنيات املعلومات)
م�ستوى تقنيات املعلومات يف قائمة �أولويات احلكومة
تقنيات املعلومات واالت�صاالت بالر�ؤية احلكومية
الو�صول للمحتوى الرقمي
جودة املناف�سة يف قطاع االت�صاالت وتقنيات املعلومات
متو�سط الن�سبة لإجمايل ال�صادرات
متو�سط الرتتيب دوليا
متو�سط درجة ال�سهولة يف الو�صول
متو�سط الرتتيب دوليا
متو�سط م�ستوى جودة املناف�سة
متو�سط الرتتيب دوليا
1.17
95.91
4.46
75.29
4.12
77.14
الف�صل االول واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف
متو�سط الدرجة
متو�سط الرتتيب دوليا
4.83
41.79
تفعيل تقنيات املعلومات وتطور الأداء احلكومي متو�سط الدرجة 4.43
متو�سط الرتتيب دوليا 59.64
تكلفة مكاملة املحمول
م�ستوى امل�شاركة الإلكرتونية متو�سط الدرجة 0.16
متو�سط الرتتيب دوليا 90.32
م�شرتكو التليفون املحمول
م�ستوى انت�شار تقنيات املعلومات باملكاتب احلكومية متو�سط الدرجة 4.37
متو�سط الرتتيب دوليا 63.93
م�شرتكو اخلطوط ال�رسيعة
متو�سط الن�سبة من دخل الفرد
متو�سط الرتتيب دوليا
متو�سط امل�شرتكني لكل 100ن�سمة
متو�سط الرتتيب دوليا
متو�سط الن�سبة لكل 100ن�سمة
متو�سط الرتتيب دوليا
0.16
50.00
70.95
84.40
2.07
96.40
�أقل تكلفة خلطوط االت�صاالت ال�رسيعة
احلا�سبات ال�شخ�صية
متو�سط ن�سبة تكلفة 100كيلوبايت ثانية من الدخل ال�شهري
متو�سط الرتتيب دوليا
متو�سط عدد احلا�سبات لكل 100ن�سمة
متو�سط الرتتيب دوليا
متو�سط عدد امل�ستخدمني بني كل 100ن�سمة
113.23
68.71
10.30
69.43
17.95
91.70
ا�ستقاللية الق�ضاء متو�سط م�ستوى اال�ستقالل 4.54
متو�سط الرتتيب دوليا 52.43
الت�سجيل اجلامعي
متو�سط م�ستوى الفاعلية 4.19
متو�سط الرتتيب دوليا 50.36
الو�صول للإنرتنت باملدار�س
توافر خطوط التليفونات اجلديدة
متو�سط درجة �سهولة و�إتاحة اخلطوط 5.84
متو�سط الرتتيب دوليا 56.14
م�ستخدمو الإنرتنت متو�سط الرتتيب دوليا
فعالية االطار القانوين
املعلوماتية
جناح احلكومة يف ترويج تقنيات املعلومات باملجتمع
حماية امللكية الفكرية متو�سط م�ستوى احلماية 4.03
متو�سط الرتتيب دوليا 56.93
القدرة على الإبداع واالبتكار متو�سط م�ستوى الإبداع 2.89
متو�سط الرتتيب دوليا 83.43
جودة كليات الإدارة
متو�سط معدل النمو
متو�سط الرتتيب دوليا
متو�سط م�ستوى الو�صول لل�شبكة
متو�سط الرتتيب دوليا
متو�سط م�ستوى اجلودة
متو�سط الرتتيب دوليا
25.39
76.71
3.41
72.36
3.80
81.50
التعاون البحثي بني ال�صناعة واجلامعة
متو�سط درجة التعاون
متو�سط الرتتيب دوليا
3.12
76.57
مدى ا�ستيعاب التقنيات داخل امل�ؤ�س�سات
مدى ا�ستخدام الإنرتنت جتاريا
واردات خدمات تقنيات املعلومات واالت�صاالت
متو�سط درجة اال�ستيعاب
متو�سط الرتتيب دوليا
متو�سط درجة اال�ستخدام التجاري
متو�سط الرتتيب دوليا
متو�سط الن�سبة لإجمايل واردات اخلدمات
متو�سط الرتتيب دوليا
4.93
59.79
3.87
77.07
23.29
77.30
39
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 40للتنمية الثقافية
وبقراءة املتو�سطات امل�ستخرجة من هذه الأرقام وامل� رّؤ�شات والواردة ب�شكل ملخ�ص يف اجلدول رقم ( )9الذي يت�ضمن متو�سط الدرجات التي ح�صلت عليها الدول العربية املتاح عنها بيانات مقارنة باملتو�سط العاملي ال�سائد .. ميكن عر�ض نقاط ال�ضعف والقوة يف هذه البنية من املنظور الثقايف كالتايل:
نقاط الق ّوة وتتم ّثل يف: بيئة قوية للبناء
يف العامل العربي الذي يبلغ عدد �سكانه 342مليون ن�سمة يوجد ماليني خط هاتفي (حممول وثابت) و 55مليون �شخ�ص ي�ستخدمون الإنرتنت ب�صورة �أو ب�أخرى .ويوجد ع�رشة من كل مائة عربي لديهم جهاز كومبيوتر. 203
وجود اجتاه معقول القوة لدى احلكومات العربية بدعم ت�شييد و�صيانة وتوظيف البنية الأ�سا�سية لتقنية املعلومات ،وهو ما تدلّ عليه جمموعة م� رّؤ�شات تقنيات املعلومات واالت�صاالت بالر�ؤى احلكومية ،حيث تراوحت الدرجات التي ح�صلت عليها احلكومات ؤ�شات بني 3.98و5.02 العربية يف هذه امل� رّ درجة من �سبع درجات ،وهذا يعك�س م�ستوى ال ي�ستهان به من القبول وااللتزام لدى احلكومات ب�رضورة الإنفاق على تقنية املعلومات باعتبارها �إحدى الأدوات والروافع املطلوبة لعملية التنمية ال�شاملة ،مبا فيها التنمية الثقافية ،وهذه نقطة ق ّوة يف �صالح الثقافة ،لأنه لو كان االلتزام احلكومي �ضعيف ًا جتاه تقنيات االت�صاالت واملعلومات فلن تكون هناك بنية معلوماتية ت�سمح با�ستخدام تقنيات املعلومات واالت�صاالت كرافعة للتنمية الثقافية �أو غريها.
�رشيحة �سكان ع�رصية متنامية
على الرغم من �أن �أعداد م�شرتكي الهواتف الأر�ضية واملحمولة والإنرتنت واحلا�سبات ي�شكلون ن�سبة قليلة من �إجمايل عدد ال�سكان بالعامل العربي ف�إنهم من الناحية العددية ي�شكلون �رشيحة من ال�سكان ال ي�ستهان بها، ففي مقابل �إجمايل عدد �سكان يبلغ 342.99 مليون ن�سمة بالعامل العربي ،يوجد حو�إىل 203 ماليني خط حممول وثابت و 55مليون �شخ�ص ي�ستخدمون الإنرتنت ب�صورة �أو ب�أخرى ،كما �أن
حو�إىل 10من كل مائة �شخ�ص لديهم حا�سب �شخ�صي مكتبي �أو حممول �أو يتعاملون معه، وهو ما يعني �أن بالعامل العربي حو�إىل 34 مليون حا�سب منت�رشة باملنازل وامل�ؤ�س�سات العامة واخلا�صة واحلكومية. وجود نقطة بداية ج ّيدة وقابلة للتطوير يف ما يتعلق بالإقبال على �رشاء وامتالك �أدوات تقنية املعلومات ،فيقرتب مث ًال متو�سط ن�سبة الواردات من خدمات و�أدوات تقنيات املعلومات من حو�إىل ربع الواردات اخلدمية بالعامل العربي ،مبا يدلّ على �أن لدى امل�ؤ�س�سات الر�سمية واخلا�صة بالعامل العربي دافع ًا وقابلية لأن تدفع يف مقابل �أدوات التقنية وتخ�ص�ص لذلك ميزانيات معقولة احلجم.
ا�ستعداد للتح�سن والتطور
هناك عالمة على وجود ا�ستعداد لدى الأجهزة احلكومية والإدارية بالدول العربية لتفعيل دور تقنيات املعلومات واالت�صاالت يف حت�سني �أو�ضاعها ورفع كفاءة �أدائها يف العمل ويف عالقتها مع جماهريها ،وي�ستدلّ على ذلك مما ح�صلت عليه احلكومات العربية يف م� رّؤ�ش ّ تفعيل تقنيات املعلومات واالت�صاالت لتطوير الأداء احلكومي والذي ح�صلت فيه على متو�سط درجات بلغ 4.43درجة من 7درجات ،وكذلك ما ح�صلت عليه يف تدريب وت�أهيل املوظفني والإداريني على التعامل مع تقنية املعلومات، بحيث بلغ متو�سط درجات احلكومات العربية يف هذه النقطة 3.84من �سبع درجات وهو ما يعك�س بداي ًة جيدة لتكوين قناعة لدى احلكومات العربية يف القبول بتقنيات املعلومات ك�أداة من �أدوات التدريب والتطوير. وهناك �أمر ي�ستدل منه على هذه النقطة هو ن�سبة الإقبال التي بد�أت تظهر يف ما يتعلق بحر�ص احلكومات العربية على تقدمي اخلدمات احلكومية للمواطنني �إلكرتونيا ،وهو الأمر الذي ح�صلت فيه احلكومات على 3.66درجة من 7 درجات.
الف�صل االول واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف
بدايات مهارات وق�ص�ص جناح
نقاط ال�ضعف
معدل �إتاحة تقنيات االت�صاالت واملعلومات بالعامل العربي اليزال منخف�ض ًا ب�صورة كبرية ،ومرجع ذلك �إىل �أن حجم البنية التحتية ككل اليزال حمدوداً وال يتنا�سب مع عدد ال�سكان .وبا�ستثناء دول اخلليج الغنية وقليلة ال�سكان ميكن القول �إن البنية املعلوماتية املتاحة يف الدول العربية هي �إما حمدودة �أو فائقة املحدودية قيا�س ًا �إىل عدد ال�سكان ،وهذا يعني عملي ًا �أن �رشائح ال�سكان العري�ضة بالعامل العربي بعيدة عن خدمات و�إمكانات البنية التحتية املعلوماتية (هواتف
ـ حا�سبات ـ �إنرتنت � ...إلخ) ،وبالتايل حمرومة من احل�صول على � ّأي من مزاياها �أو �إمكاناتها. كما تبدو البيئة الإبداعية بالعامل العربي غري مواتية �إىل ح ّد كبري ،خ�صو�ص ًا يف ما يتعلّق بحرية ال�صحافة والقدرة على الإبداع واالبتكار وبراءات االخرتاع القابلة للتطبيق وحماية امللكية الفكرية وحرية تداول املعلومات ،حيث تتدنى امل� رّؤ�شات اخلا�صة بكل هذه الأبعاد.
املعلوماتية
تدلّ امل� رّؤ�شات ال�سابقة على بروز قدر ال ب�أ�س به من املهارات والنجاح يف اال�ستفادة من تقنيات املعلومات عملي ًا وحماولة توليد قيمة م�ضافة من وراء امتالكها ،ويتجلّى ذلك من الأرقام املحقّقة يف م� رّؤ�شات مثل م� رّؤ�ش درجة النجاح يف ا�ستيعاب تقن ّيات املعلومات واالت�صاالت من قبل امل�ؤ�س�سات العامة واخلا�صة والتي �سجلت فيها الدول العربية 4.93درجة من 7درجات ،ومثّل م� رّؤ�ش النجاح يف توظيف الإنرتنت جتاري ًا الذي حقّقت فيه الدول العربية 3.87درجة من 7درجات. وينبغي هنا التنويه ب�أن نقاط الق ّوة ال�سابقة يف جمملها لي�ست نقاط قوة بارزة را�سخة قادرة على ح�سم املناف�سة مع الأو�ضاع املناوئة للتوظيف الثقايف للتقنيات االت�صاالت واملعلومات �أو حل�سم املناف�سة مع املجتمعات الأخرى ،بل هي نقاط �أقرب �إىل �أو�ضاع حديثة الن�ش�أة توفّر عالمات �أو م� رّؤ�شات على �أن تغيرياً ما يحدث داخل العامل العربي ويحمل مغزى وقيمة يتعينّ الوقوف عنده ،لكونه ي ّتجه للتعاظم والر�سوخ مع الوقت ،ومن ثم فهو قابل للبناء عليه وتطويره مع الوقت واتخاذه ركيزة للعديد من التحركات م�ستقب ًال ،ونقاط قوة حالية �أو حمتملة.
41
تعليم ي�ستغيث
تدلّ امل� رّؤ�شات املتاحة على �أن �أو�ضاع التعليم ـ الذي ُيع ّد �أحد �أهم مقومات التنمية الثقافية ون�رش وتفعيل تقنيات املعلومات واالت�صاالت يف �آن واحد ـ تعاين تدهوراً وا�ضح ًا يف معظم مناحيها� ،سواء من حيث جودة نظام التعليم ودوره يف دعم القدرات التناف�سية للمجتمع� ،أم يف ما يتعلّق بالإنفاق على التعليم، وعلى ا�ستخدام الإنرتنت يف املدار�س وغريها، بحيث تراوح متو�سط الدرجات التي ح�صلت عليها الدول العربية يف هذا ال�صدد بني 3و3.5 درجة من 7درجات� ،أما متو�سط املراكز التي ح�صلت عليها الدول العربية عاملي ًا فت�أرجح بني املركزين 55و.81
تكلفة ت�صدم الأغلبية
التزال تكلفة ا�ستخدام مفردات البنية التحتية املعلوماتية و�أدواتها املختلفة مرتفعة للغاية بالن�سبة لغالبية دول العامل العربي، فبا�ستثناء الدول اخلليجية الغن ّية ذات الدخل املرتفع ،اليزال عن�رص التكلفة ي�شكّل قيداً على انطالقة اجلماهري العري�ضة يف ا�ستخدام تقنيات املعلومات واالت�صاالت ،ففي بع�ض البلدان ـ كموريتانيا وال�سودان ـ تفوق ر�سوم اال�شرتاك ال�شهري يف خطوط االت�صال عالية ال�رسعة �إجمايل دخل الفرد ال�شهري بع ّدة �أ�ضعاف ،وهناك املاليني يف م�رص يرغبون يف اقتناء احلا�سبات والدخول على الإنرتنت وال ت�سمح ظروفهم االقت�صادية بذلك ،ناهيك مبا
من بني الإيجابيات التي حققها متو�سط العرب ح�صولهم على ّ درجات 4.4درجة من 7يف توظيف تقنية املعلومات لتطوير الأداء احلكومي ،وعلى 3.8من 7درجات يف ت�أهيل املوظفني على التعامل مع تقنية املعلومات ،وعلى 3.6 من 7درجات يف تقدمي اخلدمات احلكوم ّية للمواطنني �إلكرتونياً، وعلى 3.8من 7درجات يف التوظيف التجاري للإنرتنت.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 42للتنمية الثقافية
يجري يف ال�سودان واليمن واجلزائر وغريها من الدول العربية خارج نطاق الدول الغنية باخلليج.
بحث علمي حتت املطرقة
هذا ال�صدد 4.46درجة من 7درجات� ،أي �أن ما يقرب من ن�صف املحتوى العربي املتاح على ال�شبكة ي�صعب الو�صول �إليه� ،أو على الأقل لي�س من ال�سهل الو�صول �إليه.
ت�شري الأرقام الواردة يف التحليالت فجوة بني الفعل احلكومي والقبول ال�سابقة �إىل �أن �أو�ضاع البحث العلمي اجلماهريي
والتدريب املتق ّدم يف م�ؤ�س�سات املجتمع كك ّل تعاين ب�صورة وا�ضحة �أقل مما يجب ،ويبدو ذلك جلي ًا يف الأرقام اخلا�صة مبدى التعاون بني اجلامعات وم�ؤ�س�سات البحث من جهة واجلهات ال�صناعية والتطبيقية واخلدمية من جهة ثانية ،حيث �سجلت الدول العربية يف هذا امل� رّؤ�ش 3.12درجة من 7درجات وبلغ متو�سط ترتيبها الدويل الـ ،76وال يختلف الأمر كثرياً يف ما يتعلّق مب�ستوى الإنفاق على البحث والتطوير �أو جودة م�ؤ�س�سات البحث العلمي �أو مدى توافر خدمات البحث العلمي حمليا ،حيث ترتاوح درجات هذه امل� رّؤ�شات جميع ًا بني 3.75و 3.03درجة من 7درجات.
�ضعف احلا�سبات امل�ؤمنة
يظهر العامل العربي �ضعف ًا �شديداً يف الإقبال على اقتناء وت�شغيل حا�سبات الإنرتنت اخلادمة امل�ؤمنة ،بحيث ي�صل متو�سط عدد هذه النوعية من احلا�سبات بالعامل العربي �إىل 19.62جهازاً لكل مليون ن�سمة ،وهو رقم متدن للغاية ،وتتمثل خطورته يف �أنه يعك�س ٍ الفقر ال�شديد للغاية يف حجم املحتوى الرقمي العربي املو�ضوع على الإنرتنت ،لكون هذه النوعية من احلا�سبات هي التي عادة ما تدير وت�ست�ضيف املحتوى الذي ي�ضعه �أ�صحابها، ومن ثم ف�إن قلة عددها يعني قلة املحتوى، وال تقف امل�شكلة عند قلة املحتوى بل متتد �إىل مدى ال�سهولة وال�رسعة يف الو�صول �إليه من جانب امل�ستخدمني وامل�ستهدفني ،ويظهر م� رّؤ�ش ال�سهولة يف الو�صول للمحتوى تدني ًا يف هذا الأمر بالعامل العربي ،حيث بلغ متو�سط الدرجة التي ح�صلت عليها الدول العربية يف
التزال هناك فجوة وا�ضحة بني ما تفعله �أو تق ّدمه احلكومات العربية من برامج وم�رشوعات وخدمات تعتمد على تقنية املعلومات وبني ثقة املواطنني واجلماهري العري�ضة يف هذه الربامج وجدواها ،وكذلك قدرتها على الو�صول �إليها واال�ستفادة منها، ومثل هذه الفجوة جتعل الكثري من الربامج وامل�رشوعات املط ّبقة تتقدم تقني ًا وتتقوقع جمتمعي ًا وال يكتب لها النجاح امل�أمول، والدليل على هذا الأمر هو تدين متو�سط عام الدرجة التي حقّقتها الدول العربية يف م� رّؤ�ش امل�شاركة الإلكرتونية والذي بلغ 0.16درجة من الواحد ال�صحيح ،وهو رقم منخف�ض وقليل �إذا ما قورن مب� رّؤ�شات امل�شاركة يف العديد من الدول الأخرى ،ولذلك جعل متو�سط ترتيب العامل العربي يف م� رّؤ�ش امل�شاركة يف املرتبة الـ .90 التزال البيئة القانونية العربية ذات العالقة بتفعيل تقنيات املعلومات واالت�صاالت �ضعيفة ويف حاجة �إىل تطوير كبري ،خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق با�ستقالل الق�ضاء والقوانني ذات العالقة بتفعيل و�إطالق �إمكانات تقنيات املعلومات واالت�صاالت عرب �رشايني املجمتع ومفا�صله الأ�سا�سية والعري�ضة النطاق داخل اجلماهري الوا�سعة ،وكذلك يف ما يتعلق بفعالية الإطار القانوين القائم يف �إدارة ق�ضايا الإبداع وح�سمها ل�صالح التقدم والتنمية.
الفر�ص والتحديات يف البنية املعلوماتية العربية
انطالق ًا من نقاط القوة وال�ضعف ال�سابقة ميكن ا�ستخال�ص جمموعة فر�ص وحتديات
الف�صل االول واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف
الفر�ص نقطة انطالق
املعلوماتية
تطرحها البنية املعلوماتية العربية بو�ضعها الراهن ،هي على متا�س مع جهود توظيف تقنيات االت�صاالت واملعلومات كرافعة خلدمة جهود التنمية الثقافية ،وذلك على النحو التايل:
التنمية الثقافية �إىل �رشائح �أخرى من اجلماهري العري�ضة التي ال يتاح لها االحتكاك املبا�رش مع املوارد الثقافية .فيمكن بالتايل �أن حتقق هذه اجلماهري العري�ضة توا�صلها مع الثقافة عرب م�ستخدمني لتقنيات االت�صاالت وتقنية املعلومات ،فيتفاعلون معها ويعي�شون يف حميطها.
تتوافر لربامج التنمية الثقافية بالعامل تربة حكومية �سابقة الإعداد
العربي حالي ًا م�ساحة معقولة من البنية املعلوماتية التي ميكن ا ّتخاذها كنقطة انطالق �أو كمن�صة �أولية نحو التوظيف الثقايف لتقنيات املعلومات واالت�صاالت، �آخذاً يف االعتبار قابلية هذه البنية للتج ّدد والتو�سع والإ�ضافة ،وذلك انطالق ًا والتط ّور ّ من االلتزام احلايل لدى احلكومات العربية بدعم ت�شييد و�صيانة وتو�سيع نطاق البنية الأ�سا�سية لتقنيات املعلومات واالت�صاالت حالي ًا وم�ستقب ًال ،ويهيىء هذا الو�ضع �إجما ًال فر�صة �أمام خمطّ طي ومنفّذي برامج التنمية الثقافية لبناء برامج وم�رشوعات تدخل فيها البنية املعلوماتية النا�شئة �أو ال�صاعدة كمك ّون يتطور مع الوقت. �أ�سا�سي ّ
نواة �سكانية جاهزة
�إذا ما �أخذنا يف االعتبار �أن م�ستخدمي الإنرتنت واحلا�سبات وخطوط االت�صاالت هم يف العادة �أقرب للفئات التي ح�صلت على م�ستوى معقول من التعليم وذات قدرة معي�شية ومادية متو�سطة �أو فوق املتو�سطة ،ف�إن هذه ال�رشيحة من ال�سكان ،التي يدور عددها حول 50مليون ن�سمة ما بني م�ستخدمني لل�شبكة �أو مالكني للحا�سباتُ ،تعترب نواة حميط اجتماعي �سكاين ثقايف ميكن ملخطّ طي ومنفّذي برامج التنمية الثقافية ا�ستخدامها ب�صورة م�ؤثرة يف التوظيف الثقايف لتقنيات املعلومات واالت�صاالت داخل هذه ال�رشيحة نف�سها من ال�سكان .كما �أن ا�ستخدام هذه ال�رشيحة من �ش�أنه �أن يكون كمعرب ي�صل بالثقافة وبجهود
43
يهيىء اال�ستعداد املوجود لدى اجلهات احلكومية واخلا�صة والأفراد للإنفاق على امتالك وت�شغيل تقنيات املعلومات واالت�صاالت ترب ًة �سابقة اال�ستعداد �أمام خمططي ومنفذي برامج التنمية الثقافية لكي ي�ستخدموها يف زرع وتوطني جهود التنمية الثقافية ،على اعتبار �أن من لديه ا�ستعداداً للدفع يف امتالك �أدوات تقنيات املعلومات واالت�صاالت يكون مهيئ ًا ب�صورة �أو ب�أخرى وبدرجة �أو ب�أخرى لتح ّمل بع�ض �أو ك ّل الأعباء املادية التي قد يتطلّبها التوظيف الثقايف لتقنيات املعلومات واالت�صاالت ،كالتعاطي مع املواد الثقافية عرب الكتب الإلكرتونية �أو �أ�سطوانات الفيديو الرقمية �أو حت ّمل تكلفة تلقي املواد الثقافية عرب خطوط االت�صال ال�رسيعة الأعلي ن�سبي ًا، وغريها من �صور التثقيف الرقمي الأخرى. يلقي الواقع االجتماعي االقت�صادي ال�سيا�سي يف العامل العربي باجلزء الأكرب من �أعباء وم�س�ؤوليات التنمية الثقافية على عاتق اجلهات وامل�ؤ�س�سات التابعة للدول واحلكومات .وحل�سن احلظ ف�إن احلكومات والدول والأجهزة الر�سمية التابعة لها ـ كما �أو�ضحت امل� رّؤ�شات ال�سابقةـ تبدي ا�ستعداداً لتفعيل تقنيات املعلومات واالت�صاالت يف تنفيذ خططها وحت�سني �أو�ضاعها ورفع كفاءة �أدائها يف العمل ويف عالقتها مع جماهريها، ويف �ضوء هذين العاملني ميكن القول �إنه من املمكن بل ومن ال�سهل �أن تقبل الأجهزة الر�سمية العربية املعنية بالتنمية الثقافية بدمج قدرات تقنيات املعلومات واالت�صاالت مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 44للتنمية الثقافية
يف براجمها وم�رشوعاتها التنموية .وهو �أمر يحتاج فقط �إىل قدر من التوعية ولفت االنتباه �إليه مبا ميثّل فر�صة مواتية بالن�سبة للقائمني على تخطيط وتنفيذ برامج التنمية الثقافية بالعامل العربي.
م�ستخدمون م�سلحون باملهارات
�إن امل� رّؤ�شات الدالة على وجود قدر ال ب�أ�س به من املهارات والنجاح يف اال�ستفادة من تقنيات املعلومات عملي ًا وتوليد قيمة م�ضافة منها تق ّدم يف ح ّد ذاتها نقطة بداية جيدة �إىل حد ما �أمام جهود التنمية الثقافية� .إذ ميكن للقائمني على هذه اجلهود االطمئنان �إىل �أن منتجهم املتولّد عن التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات واالت�صاالت �سيجد م�ستخدمني م�سلحني �إىل ح ّد كبري باملهارات املطلوبة ال�ستخدامه وتوظيفه واحل�صول على قيمة م�ضافة من ورائه ،بعبارة �أخرى ف�إن توافر قدر من مهارات اال�ستخدام لدى قطاع من م�ستخدمي تقنيات املعلومات واالت�صاالت العرب واملتعاملني معها يخفّف �إىل ح ّد كبري من العوائق التي عادة ما تعرت�ض طريق البع�ض وهم يتعاطون مع املحتوى الثقايف املع ّد يف قالب رقمي يتداول عرب احلا�سبات �أو عرب الإنرتنت �أو حتى الهاتف املحمول. وكما هو وا�ضح ف�إن هذه الفر�صة قابلة للتطوير والتح�سني وجاهزة لال�ستغالل ،لكنها يف الوقت نف�سه عر�ض ًة لل�ضياع والتال�شي �إذا ما تركت لفرتة من دون رعاية وتنمية وجهد ر�صني يف ا�ستغاللها ،وهو ما يتعينّ �أن يعيه ك ّل من يخطّ ط �أو ينفّذ م�رشوع ًا �أو برناجم ًا للتنمية الثقافية بالعامل العربي.
التحديـات
انطالق ًا من نقاط ال�ضعف ال�سابقة ميكن ا�ستخال�ص جمموعة التحديات التي تطرحها البنية املعلوماتية العربية و�ضعها الراهن على جهود توظيف تقنيات االت�صاالت واملعلومات كرافعة خلدمة جهود التنمية الثقافية ،وذلك
على النحو التايل:
عقبة ال�رشائح املحرومة
متثّل ال�رشائح املحرومة من اال�ستفادة من �إمكانات تقنيات املعلومات واالت�صاالت �أو التعامل معها حتدي ًا كبرياً �أمام جهود توظيف هذه التقنيات يف التنمية الثقافية يف العامل العربي� .إذ �إن حمدودية انت�شار البنية املعلوماتية باملجتمعات العربية ـ خ�صو�ص ًا خارج بع�ض دول اخلليج الغنية ـ يجعل الن�سبة الأكرب من �سكان العامل العربي حتت وط�أة الفجوة الرقمية والعجز عن اال�ستفادة من منجزات ثورة املعلومات واالت�صاالت. و�سي�شكّل هذا التحدي عائق ًا قوي ًا على الأجل املتو�سط ،ورمبا البعيد ،و�سيجعل التوظيف الثقايف لتقنيات املعلومات حمدود الأثر يف هذا ال�صدد على م�ستوى املجتمع العربي ككل، ما مل ت�س َع اجلهات املعنية بالتنمية الثقافية يف العامل العربي �إىل ابتكار حلول �أو م�سارات غري تقليدية تخفّف من ح ّدته وتبحث عن بدائل �أو تتعاون مع اجلهات القائمة على ت�شييد البنية املعلوماتية من �أجل البحث عن �أف�ضل ال�سبل لتعظيم العائد الثقايف من ورائها والو�صول �إىل �أعداد �أو�سع داخل ال�رشائح املحرومة.
ت�أثري �سلبي ل�ضعف الإبداع
هناك اربتاط �شديد بني التنمية الثقافية ومقومات البيئة الإبداعية ال�سائدة ،كما �أن هناك ارتباط ًا مماث ًال بني فر�ص ن�رش وتوظيف تقنيات املعلومات واالت�صاالت ومقومات البيئة الإبداعية ،ومن �سوء احلظ �أن العديد من مقومات البيئة الإبداعية املطلوبة للطرفني غري م�ؤاتية بالعامل العربي ،وهو ما ي�شكّل حتدي ًا جديراً باالعتبار عند التفكري يف التوظيف الثقايف لتقنيات املعلومات واالت�صاالت، وميكن القول �إن مثل هذا التوظيف �سي�صطدم عملي ًا ـ حال بدء تنفيذه ـ بالقيود املفرو�ضة على احلر للمعلومات الإعالم وال�صحافة والتداول ّ والقيود التي تعوق الإبداع واالبتكار وهي
الف�صل االول واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف
تدين دخل الفرد ..هاج�س �أ�سا�سي
ال ميكن توظيف تقنيات املعلومات واالت�صاالت ثقافيا �أو حتى يف املجاالت غري الثقافية من دون تكلفة ،ويتفاوت عبء هذه التكلفة عاملي ًا تبع ًا مل�ستوى دخل الفرد امل�ستهدف بالتنمية ،واحلا�صل �أن معظم الدول العربية م�صنفة على �أنها �إما �شديدة الفقر �أو فقرية �أو متو�سطة ،وحتقّق دخو ًال منخف�ضة ملواطنيها �إىل الدرجة التي جتعل تكلفة املكاملة ال�شهرية �أو اال�شرتاك ال�شهري يف خدمة اخلدمات �أو اقتناء حا�سب مع�ضلة حقيقية تلتهم جزءاً ال ي�ستهان به من دخل الفرد ،والقلة القليلة من الدول العربية هي الغنية التي تتمتع بفوائ�ض حتقق دخو ًال عالية ملواطنيها متكّنهم من حت ّمل تكلفة ا�ستخدام تقنيات املعلومات واالت�صاالت �سواء يف التنمية الثقافية �أم غريها ،وهذا الو�ضع �سوف ي�شكّل حتدي ًا �أمام جهود التوظيف الثقايف لتقنيات املعلومات يف العامل العربي ،ما مل يت ّم التو�سع يف مبادرات وخطط تخفف من ّ وط�أة هذا الواقع ال�صعب كم�رشوعات اخلدمة ال�شاملة يف جمال خطوط االت�صاالت ومبادرات الإنرتنت منخف�ضة القيمة �أو املجانية بقيمة
املعلوماتية
�أمور ال ميكن جتاهلها �أو �إنكارها يف العديد من الدول واملناطق بالعامل العربي. �سي�شكّل الو�ضع املتدين جلودة نظم التعليم بالعامل العربي حتدي ًا كبرياً �أمام التوظيف الثقايف للبنية املعلوماتية� ،سواء املتاحة حالي ًا �أم التي تتطور مع الوقت ،لأن نظم التعليم ركيزة �أ�سا�سية من ركائز الثقافة يف �أي جمتمع ،وبالتايل ف�إن الثقافة احلقة ال ميكن �إنتاجها ون�رشها بنجاح يف بيئة جاهلة، �سواء كانت هذه البيئة م�سلحة ب�أرقى �أدوات تقنية املعلومات �أم حمرومة منها ،ويف �ضوء امل� رّؤ�شات املتدنية حول جودة نظم التعليم قوي مبعظم الدول العربية يظل هناك هاج�س ٌ ٌ حول مدى النجاح الذي ميكن �أن يتحقق يف جهود التوظيف الثقايف لتقنيات املعلومات.
املكاملة كما هو احلال يف م�رص �إىل غري ذلك من املبادرات التي ميكن �أن ت�سهم فيها الدول الغنية ب�صورة �أو ب�أخرى.
ظالل �أزمة البحث العلمي على املحتوى
ُيعترب التوظيف الثقايف لتقنيات املعلومات من املجاالت امل�ستحدثة التي تخطو خطواتها الأوىل يف الكثري من دول العامل ولي�س العامل العربي فقط ،ومن ثم ال توجد و�صفات �سهلة �أو �سابقة التجهيز ميكن االعتماد عليها كلية يف تطوير املحتوى الثقايف املعتمد على تقنيات املعلومات واالت�صالت ،بل يحتاج الأمر يف كثري من الأحيان �إىل قدر كبري من عمليات البحث العلمي والتطوير امل�ستمر لكي تتم وتخرج مبنتجات وحلول ونظم معلومات وبرجميات ثقافية منا�سبة ،واحلا�صل �أن �أو�ضاع البحث العلمي والتدريب يف العامل العربي تئن حتت وط�أة ظروف عديدة غري م�ؤاتية باملرة ،وهو �أمر ين�سحب تلقائي ًا على جهود البحث والتطوير يف جمال التوظيف الثقايف للتقنيات املعلومات واالت�صاالت، الأمر الذي ي�صنع حتد ّي ًا عميق ًا على الأجل البعيد ،لكونه مرتبط ًا ب�إعادة �صياغة �أو�ضاع البحث العلمي ككل داخل العامل العربي وو�ضعه يف املكانة التي ي�ستحقها ومنحه الدور الذي يتعني �أن يلعبه يف م�سرية التنمية. ي�شكل املحتوى الوقود الأ�سا�سي للتنمية الثقافية ب�صورة عامة ،لكنه يف حالة التوظيف الثقايف لتقنيات املعلومات واالت�صاالت يعترب �أمراً فائق احليوية ،بل وي�صبح هو «امللك» الذي بدونه ال يتحقق �شيء بل وي�ضيع كل �شيء حتى الر�صيد املتبقي لدى الفرد من ثقافته وهويته، ناهيك با�ستحالة تنمية هذا الر�صد وتدعيمه، لأنه يف العامل الرقمي هناك حمتوى ثقايف معاد متاح دائم ًا عند مغاير ومناف�س و�أحيان ًا ٍ �أطراف �أ�صابع من ي�ستخدم التقنية ،وما مل يكن لديه املحتوى الثقايف العربي ب�صورة �سهلة وا�سعة الإتاحة فالغرق يف املحتوى الثقايف الأجنبي واقع ال حمالة .ويف هذا ال�صدد ي�شكّل
45
�سي�شكّل الو�ضع املتدين جلودة نظم التعليم بالعامل العربي حتدي ًا كبرياً �أمام التوظيف الثقايف للبنية املعلوماتية ،لأن الثقافة احلقّة ال ميكن �إنتاجها ون�رشها بنجاح يف بيئة جاهلة� ،سواء كانت هذه البيئة م�سلحة ب�أرقى �أدوات تقنية املعلومات �أم حمرومة منها ،ويف �ضوء امل� رّؤ�شات املتدنية حول جودة نظم التعليم مبعظم الدول العربية، قوي حول مدى يظل هناك هاج�س ٌ ٌ النجاح الذي ميكن �أن يتحقق يف جهود التوظيف الثقايف لتقنيات املعلومات.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 46للتنمية الثقافية
ي�شكّل تدين عدد احلا�سبات العربية اخلادمة امل� ّؤمنة احلاملة للمحتوى على الإنرتنت ،حتدي ًا الب ّد من االنتباه �إليه جيداً يف جهود التنمية الثقافية، و�إال �ست�صبح البنية املعلوماتية املتاحة �أ�شبه بطرق جرى تعبيدها لكي ي�أتي املنتج الثقايف الرقمي الأجنبي وي�ستعمر العقل العربي من دون �أدنى مقاومة ،بل وبالبنية املعلوماتية التي حت ّمل الإن�سان العربي تكاليفها.
تدين عدد احلا�سبات العربية اخلادمة امل�ؤمنة احلاملة للمحتوى على الإنرتنت حتدي ًا الب ّد من االنتباه �إليه جيداً يف جهود التنمية الثقافية، و�إال �ست�صبح البنية املعلوماتية املتاحة �أ�شبه بطرق جرى تعبيدها لكي ي�أتي املنتج الثقايف الرقمي الأجنبي وي�ستعمر العقل العربي من دون �أدنى مقاومة بل وبالبنية املعلوماتية التي حت ّمل الإن�سان العربي تكاليفها. ت�ؤ�س�س فجوة الثقة بني ما تعر�ضه امل�ؤ�س�سات الر�سمية العربية من خدمات معتمدة على تقنية املعلومات حالي ًا لفجوة مماثلة �ستعرت�ض طريق التوظيف الثقايف للتقنية حال البدء فيها ب�صورة جادة ،ومثل هذا التحدي �سيظل قائم ًا حتى ت�ستطيع امل�ؤ�س�سات الثقافية الر�سمية العربية تقدمي حمتوى ثقايف �صادق ور�صني وجدير بالنفاذ �إىل عقول وقلوب مواطنيها.
فجوة القوانني ..حت ٍّد كبري
فر�ضت ثورة املعلومات واالت�صاالت على كل دول العامل �أو�ضاع ًا اجتماعية واقت�صادية وثقافية جديدة ،جنمت عنها �أعباء ت�رشيعية وقانونية غري م�سبوقة يف التزاماتها وم�س�ؤولياتها و�أدوارها ،وبات مطلوب ًا من كل دولة �أن تراجع ما لديها من ت�رشيعات و�أطر قانونية قدمية وتقوم بتحديثها وتطويرها
لتواكب امل�ستجدات اجلديدة ،و�أن ُت�صدر ت�رشيعات وقوانني جديدة متام ًا بل وتظل تفكر يف ت�رشيعات و�أطر قانونية م�ستقبلية تالحق بها الأعباء امل�ستمرة لهذه الثورة، ومتثّل الت�رشيعات الثقافية امل�ستحدثة واحدة من �أهم احللقات التي فر�ضتها وتغذيها ثورة املعلومات واالت�صاالت با�ستمرار ،خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق بحقوق الن�رش وامللكية الفكرية وق�ضايا الإبداع الثقايف وغريها ،واحلا�صل �أن ا�ستجابة العامل العربي لهذا اجلانب متفاوتة من حيث ال�رسعة والن�ضج �إىل حد كبري ،وجاءت يف معظمها بطيئة وقا�رصة ،وهو ما ي�شكّل حتدي ًا �أمام التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات واالت�صاالت ،خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق بالأطر القانونية احلاكمة حلقوق الت�أليف والن�رش وامللكية الفكرية وغريها من القوانني ذات ال�صلة املبا�رشة والوثيقة بالإبداع الثقايف عرب الف�ضاء الإلكرتوين الرقمي. تبقى الإ�شارة �إىل �أن التحديات ال�سابقة جميع ًا لي�ست مهام ًا م�ستحيلة �أو م�ستع�صية على احلل ،بل ميكن بالإمكانات الراهنة مواجهتها والتخفيف من �آثارها �إىل ح ّد كبري متهيداً ال�ستيعابها وتقلي�صها و�إزالتها من طريق التوظيف الثقايف لتقنيات املعلومات واالت�صاالت ،والأمر يتطلب فقط بع�ض اجلهد والد�أب والتخطيط طويل املدى يف املواجهة.
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
من املهم التعرف �إىل مدى �أو م�ستوى مت ر�صدها توظيف البنية املعلوماتية التي ّ بالف�صل الأول يف التنمية الثقافية الراهنة بالوطن العربي ،بعبارة �أخرى حماولة حتليل الوجه املعلوماتي الرقمي الراهن لواقع التنمية الثقافية العربية يف �ضوء البنية املعلوماتية املتاحة. وللو�صول �إىل ذلك كان هناك العديد من البدائل �أمام الفريق البحثي ،مثل املك ّون التقني واملعلوماتي داخل ال�سيا�سات والربامج وامل�رشوعات التي تنفذها اجلهات الثقافية الر�سمية وغري الر�سمية العربية ،وامل�رشوعات التقنية واملعلوماتية امل�ستقلة التي تنفّذ يف جمال التنمية الثقافية بالبلدان العربية املختلفة� ،سواء على امل�ستوى القطاعي �أو اجلماهريي ،واجلهود اخلا�صة والأهلية والفردية التي جتري على �صعيد التوظيف الثقايف لتقنيات املعلومات واالت�صاالت، وغريها من البدائل الأخرى ،وقد اختار الفريق البحثي بدي ًال �آخر لر�صد الوجه الرقمي جلهود التنمية الثقافية الراهنة وهو احل�ضور والفعاليات الثقافية العربية على الإنرتنت يف �شتى امل�سارات الثقافية ،واعترب الفريق البحثي �أن هذا البديل هو الأكرث دقة يف التعبري عن الوجه الرقمي للتنمية الثقافية العربية ومدى اال�ستفادة من البنية املعلوماتية القائمة للأ�سباب التالية: • �إن الإنرتنت ب�صورتها احلالية وما حقّقته من انت�شار وتغلغل وارتباط ب�شتى مفردات احلياة على م�ستوى الفرد واملن�ش�أة والدولة واملجتمع ككل باتت هي نهاية املطاف الذي ال ت�صب فيه كل �أو بع�ض نتائج �أية خطط ب ّد و�أن ّ �أو برامج �أو م�رشوعات للتنمية الثقافية �سواء كانت مت�ضمنة يف ال�سيا�سات العامة للوزارات
املعلوماتية
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
47
والهيئات الثقافية الر�سمية وغري الر�سمية� ،أم م�رشوعات معلوماتية م�ستقلة قائمة بذاتها، ومن ثم ف�إن �أية جهود للتنمية الثقافية ال تظهر نتائجها على الإنرتنت ب�صورة �أو ب�أخرى ُتعترب جهوداً قابلة للت�شكيك يف جدواها ومدى قدرتها على التما�س مع املجتمع العري�ض واجلماهري الوا�سعة التي ُت َعـ ّد الهدف النهائي للتنمية الثقافية. • �إن احل�ضور على الإنرتنت يك�شف عن م�ستوى القيمة امل�ضافة احلقيقية املتحققة من وراء جهود التنمية الثقافية التي تعتمد على تقنية املعلومات واالت�صاالت ،وذلك من دون مواربة �أو دعاية �أو حماولة للتجميل تقوم بها هذه اجلهة �أو تلك عن نف�سها ،مبعني �آخر يوفر احل�ضور على الإنرتنت حمك ًا واقعي ًا بال رتو�ش يفرز م�ستوى اجلدية والنجاح يف توظيف املعلوماتية خلدمة �أغرا�ض التنمية الثقافية. • ُيع َترب حتليل احل�ضور الثقايف على الإنرتنت ح ًال �إجرائي ًا وعملي ًا جيداً يع ّو�ض النق�ص ال�شديد يف البيانات واملعلومات املطلوبة للقيام بهذه املهمة .فعلى الرغم من اجلهود احلثيثة التي بذلها الفريق البحثي للح�صول على معلومات وبيانات ذات قيمة يعتد بها يف هذا التحليل من خارج الإنرتنت ومن م�صادرها الأولية بوزارات الثقافة العربية وامل�ؤ�س�سات الأخرى ،ف�إن النتيجة مل تكن كافية لالعتماد عليها يف التحليل ،الأمر الذي �شكّل �صعوبة وحتدي ًا كاد �أن ي�ستع�صي على احلل ،ومن ثم ر�أى الفريق البحثي االعتماد على الإنرتنت يف ر�صد الوجه الرقمي جلهود التنمية الثقافية العربية ،باعتباره ـ كما �سبق القول ـ يق ّدم �صورة واقعية بال رتو�ش يف هذه النقطة. مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 48للتنمية الثقافية
�أو ًال :ثمانية �أوجه للثقافة الرقمية
مت �إجراء جمموعة من امل�سوح لر�صد ّ وحتليل احل�ضور الثقايف العربي على الإنرتنت، وذلك يف �سبعة م�سارات ،وت�ض ّمن بع�ض امل�سارات م�سح ًا واحداً فيما ت�ض ّمنت م�سارات �أخرى �أكرث من م�سح ،و�شمل امل�سح الواحد 25موقع ًا يف املتو�سط ،وقد متثلت امل�سارات ال�سبعة يف ما يلي: • الوجه الرقمي للم�ؤ�س�سات الثقافية العربية الر�سمية «وزارات الثقافة وم�ؤ�س�سات التنمية الثقافية� ...إلخ». • الوجه الرقمي للمتاحف العربية. • الوجه الرقمي للفن العربي «ال�سينما ـ امل�رسح ـ املو�سيقى والأغاين». • الوجه الرقمي للأدب العربي «ال�شعر ـ الق�صة ـ الرواية �..إلخ. • الوجه الرقمي للرثاث العربي «ديني ـ ح�ضاري ـ �شعبي � ..إلخ». • الوجه الرقمي للكتاب العربي «الكتب ـ دور الن�رش». • الوجه الرقمي للتعليم والبحث العلمي العربي «مراكز البحث العلمي ـ التعليم الإلكرتوين». • ي�ضاف �إىل ذلك ملحة عن املحتوى العربي الإعالمى الرقمي ب�صفة عامة . 1
امل�ؤ�س�سات الثقافية الأجنبية على �شبكة الإنرتنت
ُتع ّد املواقع والبوابات الن�شطة على الإنرتنت �أبرز جتليات الوجه الرقمي للم�ؤ�س�سات الثقافية الر�سم ّية يف الوقت الراهن� ،سواء بالن�سبة لوزارات الثقافة �أم الهيئات والكيانات التابعة �أو ذات العالقة بال�ش�أن الثقايف .ففي الدول املتقدمة التي قطعت �شوط ًا طوي ًال يف التوظيف الثقايف لتقنيات املعلومات واالت�صاالت يتبلور هذا التوظيف بو�ضوح كبري داخل بنية مواقع اجلهات الثقافية الر�سمية على الإنرتنت
واخلدمات التي يق ّدمها للجماهري ،حتى �أن هذه املواقع تبدو كقنوات حقيقية للتوا�صل بني اجلهات الر�سمية واجلماهري العري�ضة، وكقنوات لن�رش فكر و�سيا�سات الدولة الثقافية والتعرف �إىل مدى قبول املواطنني لها ،وميكن بلورة بع�ض املالمح ال�رسيعة للوجه الرقمي للم�ؤ�س�سات الثقافية عاملي ًا على �سبيل املثال ال احل�رص يف ما يلي: • املهمة الأوىل ملوقع الوزارة �أو الهيئة هي التوا�صل مع املواطنني عرب خدمة الر ّد الفوري على �أ�سئلة املواطنني يف ك ّل ما يتعلق بالوزارة و�أن�شطتها وم�رشوعاتها وميزانيتها والهيئات التابعة لها. • ي ّتخذ املوقع �أعلى درجات الإبهار والأناقة يف الت�صميم والعر�ض وا�ستخدام العرو�ض والر�سوم املتحركة ،كما يحتفي احتفا ًء وا�ضح ًا بالطابع املحلي والثقايف اخلا�ص بكل بلد ،ففي اليونان مث ًال تر ّكز الوزارة على الآثار اليونانية واملتاحف. • يعمل املوقع كبوابة تغطي املو�سيقى وفنون الأداء والر�سوم املرئية ،مثل ال�سينما والفن الت�شكيلي وغريها من �أ�شكال الفنون والثقافة الأخرى للمجتمع التابعة له ،كما يعمل كبوابة معلومات ت�ض ّم املطبوعات التي ت�صدرها الوزارة ومعلومات عن امل�رشوعات التي تنفذها وم�ستوى تقدمها ،كما تك�شف عن ميزانية الوزراة وكيفية ا�ستغاللها و�إنفاقها على امل�رشوعات الثقافية املختلفة ،والتقارير ال�سنوية واخلطة املعتمدة على النتائج، واجلوائز واملنح التي تقدمها وزارة الثقافة، ون�ص قانون وزارة الثقافة ،وتفا�صيل و�صور لفعاليات و�أن�شطة الوزارة. • ي�ستخدم املوقع �أحدث �أدوات التفاعل مع اجلمهور ك�أدوات البحث العادي واملتقدم و�أدوات امل�شاركة االجتماعية عرب مواقع في�س بوك وغريها لكي يت ّمكن اجلمهور من متابعة
وت�ضمنت اال�ستمارة جمموعة من احلقول وقوائم البيانات التي يعبرّ ك ّل منها عن معيار من املعايري امل�ستخدمة يف التحليل، كعينة للتحليل، ّ 1 مت ت�صميم ا�ستمارة لتحليل املواقع املختارة ّ ّ مثل �شخ�صية وطبيعة اجلهة القائمة على املوقع؛ ومنط املوقع؛ ونوعية املحتوى الثقايف املق ّدم عرب املوقع؛ ومدى �أهمية املحتوى بالن�سبة للتنمية الثقافية؛ وفئات اجلمهور التي يخاطبها املوقع؛ وم�ستوى الإقبال على املوقع وعدد الزوار الذين يقبلون عليه ويتابعونه ،وذلك كمعيار يدل على مدى جماهريية املوقع وانت�شاره ،وا�ستخدم يف هذا ال�صدد ت�صنيف موقع «�أليك�سا »http://www.alexa.com/siteinfo؛ ومدى جودة املحتوى الثقايف املق ّدم طبق ًا للمعايري املح ّددة جلودة املحتوى على الإنرتنت.
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
الو�ضع عربي ًا عدم ا�ستقرار م�ؤ�س�سي
يختلف الوجه الرقمي للوزارات وامل�ؤ�س�سات الثقافية العربية عما هو �سائد عاملي ًا ،فوزارات الثقافة العربية ـ بناء على ما يبدو من مواقعها ووجها الرقمي على الإنرتنت ـ تختلف من حيث �أهميتها من دولة عربية لأخرى ،ففي حني حتظى وزارة م�ستقلة يف بع�ض الدول بدعم كبري ،ف�إنها يف بع�ض البالد الأخرى ال ترقى �إىل �أن تكون وزارة م�ستقلة كما هي احلال يف الكويت� .إذ يطلق عليها ا�سم املجل�س الوطني للثقافة والفنون والآداب. ويف بع�ض الدول العربية ت�ض ّم الوزارة �أق�سام ًا خمتلفة وت�شكّل وزارات م�ستقلة يف دول �أخرى ،كوزارة الثقافة وال�سياحة يف دولة اليمن ،ووزارة الثقافة والرتاث يف دولة عمان، ووزارة الثقافة والفنون والرتاث يف قطر، ووزارة الثقافة واملحافظة على الرتاث يف تون�س ،ووزارة الثقافة وال�شباب والريا�ضة يف ال�سودان ،ووزارة الثقافة والإعالم يف البحرين وال�سعودية ،ووزارة الثقافة وال�شباب وتنمية املجتمع يف الإمارات. يلقي الو�ضع غري امل�ستقر لهذه الوزارات بظالله على ح�ضورها عرب الإنرتنت وقدرتها على التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات ،وهو ما تك�شف عنه نتائج امل�سح التحليلي ملواقع وزارات الثقافة العربية وبع�ض امل�ؤ�س�سات الر�سمية املعنية بالثقافة كما يو�ضح اجلدول رقم « ،»10وذلك على النحو التايل :
..ونق�ص يف املعلومات
على الرغم من �أن عدد الدول العربية ر�سميا هو ثالث وع�رشون دولة ،ف�إننا مل نتمكن من الو�صول �إال �إىل مواقع وزارات الثقافة اخلا�صة بثماين ع�رشة دولة منها
جدول رقم 10نتائج حتليل عينة مواقع الوزارات معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع»
�أفراد م�ؤ�س�سة ر�سمية اجلهة القائمة على املوقع م�ؤ�س�سة مدنية �رشكات خا�صة موقع كال�سيكي منتدى منط املوقع مدونة ثابت متجدد نوعيات املحتوى تفاعلي متنوع مهم جدا مهم �أهمية املحتوى للتنمية الثقافية متو�سط الأهمية �ضئيل الأهمية �أطفال �شباب بالغون فئات اجلمهور التي م�س ّنون يخاطبها املوقع تعليم حتت املتو�سط تعليم متو�سط تعليم عال ومثقفون مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول» مرتفع جدا» من �ألف �إىل� 10آالف موقع مرتفع من � 10إىل �30ألف حجم الزوار «ح�سب متو�سط متو�سط من � 30إىل � 50ألف الرتتيب يف مقيا�س �أليك�سا» منخف�ض من � 50إىل � 70ألف �ضعيف من � 70إىل � 100ألف �ضعيف للغاية من �100ألف وما بعدها مهمل وخارج الت�صنيف ممتاز جيد جودة حمتوى املوقع متو�سط منخف�ض ن�صو�ص �صوت الو�سائط املتعددة فيديو �صور
الوزارات 0.0 100.0 0.0 0.0 100.0 0.0 0.0 5.6 2.8 0.0 54.2 0.0 26.3 26.3 36.8 21.1 84.2 84.2 84.2 100.0 100.0 100.0 0.0 0.0 10.5 0.0 0.0 0.0 52.6 36.8 2.6 21.1 44.7 21.1 100.0 31.6 26.3 78.9
مؤسسة الفكر العربي ّ
املعلوماتية
�أخبارها ،كما يت�ض ّمن تقينات ت�شغيل الفيديو والتع ّدد اللغوي وا�ستطالعات ر�أي للمواطنني حول ال�ش�ؤون الثقافية.
49
التقرير العربي الثاين 50للتنمية الثقافية
فقط ,لأن دول ال�صومال وجيبوتي وجزر القمر �سيطرة الن�صّ
وموريتانيا لي�س لديها مواقع لوزارات الثقافة عرب الإنرتنت ,ومتثّل ن�سبة هذه الدول التي مل ُتعرث لوزارات الثقافة مواقع فيها على حو�إىل %17.4وكلها بقارة �إفريقيا ،بينما متثّل ن�سبة الدول التي تتمتع وزارات الثقافة فيها مبواقع، نحو � . %78.3أما الن�سبة الباقية وهي %4.3 تقريب ًا فخا�صة مبوقع وزارة الثقافة بدولة اليمن ،حيث اختلف و�ضعه عند بداية و�ضع التقرير عن حلظة االنتهاء منه .ففي البداية كان املوقع موجوداً عرب الإنرتنت ووارداً حتت مت ت�سجيله ،لكن عند التعامل معه عنوان حم ّدد ّ لال�ستدالل على البيانات املطلوبة ات�ضح �أنه مت ا�ستثنا�ؤه من البيانات الواردة يف تعطل ،ثم ّ ً التقييم باعتباره غري موجود �أ�صال و�إن �شملته ا�ستمارة البحث. يالحظ �أن جميع الوزارات وبن�سبة %100 اعتمدت على �شكل املوقع الكال�سيكي ك�شكل عام لن�رش املحتوى الذي تريده ،ومل يعتمد � ٌّأي منها الأ�شكال الأخرى غري �أن وزارة الثقافة ال�سودانية هي الوحيدة التي جعلت املنتدى �أحد مكونات موقعها عرب ال�شبكة . يف ما يتعلق بنوعية املحتوى حقق املحتوى الثابت 5.6نقطة من مائة نقطة، واملحتوى املتج ّدد الذي ي ّت�سم باحليوية والتحديث 2.8نقطة ،بينما حقق املحتوى املتن ّوع الذي يجمع بني املحتوى الثابت واملتجدد 54.2نقطة� ،أما املحتوى الديناميكي التفاعلي فلم يظهر ب�أي من مواقع الوزارات العربية ،و�إن كانت البيانات اخلا�صة بوزارة الثقافة يف دولة ليبيا مل تكن وا�ضحة لأن املوقع قيد التطوير ،كما �أن البيانات اخلا�صة باجلمهورية التون�سية غري معروفة لأن الواجهة الفرن�سية ملوقعها وحدها هي التي تعمل ،بينما �أكد املوقع �أن الواجهة العربية والإجنليزية قيد الإن�شاء ،ومن ثم ف�سيت ّم ذكر املوقعني عند حتديد الن�سب اخلا�صة ب�إجمايل املواقع باعتبارهما موقعني موجودين بالفعل عرب الإنرتنت .
يف ما يتعلق بتعددية الو�سائط ات�ضح �أن %100من املواقع لديها حمتوى ن�صي ،و6 مواقع بن�سبة 31.6من الع ّينة لديها حمتوى �صوتي ،و 5مواقع بن�سبة %26.3لديها حمتوى فيديوي ،و 15موقع ًا بن�سبة %78.9لديها �صور ثابتة ،وو�ضعت دولة واحدة حمتوى فيديوي ًا متجدداً هي اململكة العربية ال�سعودية، مع الأخذ يف االعتبار �أنه قد يطر�أ على الن�سب املعرو�ضة بع�ض اخللل الحق ًا يف حالة انتهاء التطوير مبوقع وزارة الثقافة باجلماهريية الليبية وانتهاء الواجهة العربية ملوقع وزارة الثقافة التون�سية .
الثلث �ضئيل الأهمية
من حيث �أهمية املحتوى للتنمية الثقافية ومع تطبيق اال�ستدراك نف�سه الوارد ذكره �سلف ًا على موقعي اجلمهورية التون�سية واجلماهريية الليبية ،فقد حظيت خم�سة مواقع فقط من املواقع الثمانية ع�رش املعرو�ضة مبرتبة مهم، وهو ما ميثّل %26.3تقريب ًا .وينطبق الأمر ذاته على املواقع التي حظيت بتقييم متو�سط الأهمية وبالن�سبة نف�سها �أي %26.3تقريب ًا. �أما املواقع التي ورد تقييمها حتت فئة �ضئيل الأهمية فبلغت �سبعة مواقع بن�سبة ت�صل �إىل %36.8تقريب ًا .ومل يرد املحتوى اخلا�ص مبواقع �أي من وزارات الثقافة العربية حتت فئة مهم جداً للتنمية الثقافية.
الأطفال فئة من�سية
ك�شف التحليل �أن ثالثًا فقط من وزارات الثقافة العربية تعترب الأطفال من بني الفئات التي تخاطبها عرب مواقعها ،مع مالحظة �أن املحتوى اخلا�ص بالأطفال جاء يف �أغلبه غري مق�صود لذاته عندما و�ضعت هذه املواقع حمتوى بع�ض املجالت التي تقوم بن�رشها عرب املوقع� .أما عن بقية فئات اجلمهور كال�شباب والبالغني وامل�سنني فكان املحتوى املقدم ي�صلح لها جميع ًا من حيث الفهم والتلقي لكنه
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
الإعالم يطغى على الثقافة
يف بع�ض مواقع الوزارات يطغى قطاع الإعالم على الثقافة ،فال حتظى الثقافة بقطاعاتها التقليدية من فنون ت�شكيلية وكتب وم�رسح وغريها من الأن�شطة بالأهمية املنا�سبة ،كما ال يتعر�ض املوقع لدور املتاحف وغريها باعتبارها من قطاعات الثقافة على الرغم من توافرها و�أهميتها ،ويف بع�ض البلدان يكون للقطاع ال�سياحي الغلبة باعتبار �أن الثقافة مدخل للجذب ال�سياحي ويت ّم التعامل
املعلوماتية
مل يق ّدم �شيئ ًا خا�ص ًا وحمدداً لفئة بعينها من هذه الفئات ،حيث ق ّدمت %85من الوزارات حمتوى ينا�سب ال�شباب والبالغني وامل�سنني . ومن حيث امل�ستوى التعليمي والثقايف جلمهور املواقع فاملالحظ �أنه يف جممله حمتوى ي�ستطيع فهمه الذين تلقوا تعليم ًا حتت املتو�سط وفوق املتو�سط وعالي ًا بحكم كونه حمتوى غري متخ�ص�ص ،وبتطبيق الن�سبة املئوية واال�ستدراك الوارد على موقعي وزارتي الثقافة الليبية والتون�سية تكون ن�سبة اجلمهور يف الفئات الثالث .%100 وبالن�سبة ملعيار جودة املحتوى املق ّدم املبني على جودة الت�صميم وثقل املحتوى وتكامل البيانات وحتديثها ،فقد حقّق املحتوى املمتاز 2.6نقطة من مائة نقطة، واملحتوى اجليد 21.1نقطة واملتو�سط 44.7 نقطة ،واملحتوى املنخف�ض اجلودة ي�شكل 21.1 نقطة. يف ما يتعلق مب�ستوى جماهريية املواقع ومعدل زيارتها ح�صل موقع واحد فقط على تقدير مرتفع للغاية وهو موقع تابع لفئة ال�سينما وهو موقع مهرجات اجلزيرة للأفالم الت�سجيلية ،لكونه جاء يف ت�صنيف �أليك�سا يف امل�ستوى بني الألف من بني املواقع الع�رشة �آالف الأول على العامل� ،أما مواقع الوزارات فجاءت جميعها يف ترتيب �أكرث من مائةالففح�صلت على تقدير «منخف�ض للغاية» من حيث عدد الزيارات واالنت�شار اجلماهريي.
معها على هذا النحو وي�سخر املوقع الر�سمي ّ للوزارة خلدمة هذا الغر�ض ،ويف بع�ض الدول ال حتظى وزارة الثقافة عرب الإنرتنت مبوقع حتى و�إن كان �صغرياً ومن ذلك وزارات الثقافة يف موريتانيا وجيبوتي وال�صومال وجزر القمر. تغيب عن املواقع الر�سمية العربية لوزارات الثقافة واجلهات الر�سمية معظم ال�صيغ التفاعلية مع زائري مواقعها ،ومن ثم فال جمال لأي تفاعل �سواء باال�ستبيانات �أم ال�سماح بامل�ساهمات �أو ترك املجال مفتوح ًا لتعليقات القراء ،والفر�صة الوحيدة للتوا�صل تكون من خالل رابط ات�صل بنا ،وعند فتح الرابط يجد القارئ يف الغالب عنوان ًا بريدي ًا �أو رقم ًا للهاتف �أو على الأكرث عنوان الربيد الإلكرتوين لبع�ض �أ�شخا�ص الوزارة. والتحديث يف معظمه حمدود ويقت�رص على ن�رش نبذات عن الفعاليات الثقافية املزمعة، �أما باقي �أجزاء املوقع فال تتعر�ض للتجديد �إال يف �أ�ضيق احلدود لأنها يف الغالب ثابتة املحتوى � ،إذ قد ت�ض ّم نبذة عن الوزارة ون�ش�أتها وكلمة الوزير �أو امل�س�ؤول الأول ،ونبذة �صغرية عن املتاحف والقالع واحل�صون واملباين التاريخية ،ويف الغالب تفتقد هذه اجلهات الأخرية ملواقع لها على �شبكة الإنرتنت .وحتى لو متيز حمتوى بع�ض هذه املواقع بالثقل ،ف�إن عدم القدرة على التحديث واقت�صار املوقع يف النهاية على ما ميكن �أن يطلق عليه «�إثبات ح�ضور» على ال�شبكة وفقط من دون اهتمام بالتطوير �أو احلر�ص على اجتذاب الزائر ب�شكل دائم ،هي من الأمور التي حت ّد الحق ًا من ثقل هذه املواقع. ولعل بع�ض مواقع وزارات الثقافة العربية مواقع خدمية يقت�رص دورها على ا�ستبدال املعامالت والإجراءات التي تت ّم على �أر�ض الواقع يف وزارة الثقافة �إىل معامالت تت ّم عرب الإنرتنت ،من دون �أن يكون املوقع نافذة حقيقية للثقافة يف املجتمع ،ومن ذلك مث ًال موقع وزارة الثقافة الإماراتية .
51
تغيب عن املواقع الر�سمية العربية لوزارات الثقافة واجلهات الر�سمية معظم ال�صيغ التفاعلية مع زائري مواقعها ،ومن ثم فال جمال لأي تفاعل �سواء باال�ستبيانات �أم بال�سماح بامل�ساهمات �أم برتك املجال مفتوح ًا لتعليقات القراء، والفر�صة الوحيدة للتوا�صل تكون من خالل رابط ات�صل بنا ،وعند فتح الرابط يجد القارئ يف الغالب عنوان ًا بريدي ًا �أو رقم ًا للهاتف.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 52للتنمية الثقافية
املتاحـف
يكاد يكون الوجه الرقمي للمتاحف بديال للمتاحف الواقعية بالن�سبة ملن يرغب يف الذهاب �إىل املتحف املف�ضل وال ي�ستطيع، حتى �أن البع�ض بات يت�ساءل عما �إذا كان الوجه الرقمي للمتاحف عرب الإنرتنت قد �أ�صبح و�سيلة مناف�سة يت ّم من خاللها القيام بال�سياحة الثقافية بد ًال من ال�سفر والرتحال �إىل املتاحف بال�سياحة العادية ،و�أن هذا الوجه رمبا ي�ؤثر يف �صناعة ال�سياحة العادية ب�صورة �أو ب�أخرى. وفق ًا لهذا الت�صور تن�ش�أ مواقع املتاحف و ُتدار ويجري تطويرها وحت�سني حمتواها على مدار اليوم ،لتنقل املتحف بتفا�صيله وكنوزه و�صوره ومتاثيله ور�سومه ومقتنياته ب�صور ثنائية �أو ثالثية الأبعاد ،وت�ضعها عند �أطراف �أ�صابع من يريد ال�سياحة وزيارة املتاحف وهو جال�س على �أريكته مبنزله ،في�أخذه املوقع يف جوالت افرتا�ضية داخل مقتنياته ،ويز ّوده مبعلومات وافرة بالن�ص وال�صورة و الفيديو ملا يحتويه املتحف وما ميوج به من فعاليات �أو ي�ضاف �إليه ،ويق ّدم ذلك بع�رشات اللغات التي يختار منها الزائر لغته. عند بناء مواقع املتاحف وت�شغيلها ،عاد ًة ما ي�ستخدم اجلزء العلوي من املوقع يف عر�ض �رشائح متتابعة من ال�صور ،ويف الق�سم الأول من املوقع توجد نبذة عامة عنه وعن تاريخه وموا�صفات مبناه وتق�سيماته ،ثم جوالت افرتا�ضية داخله ،و�صفحة للكتب والأقرا�ص املدجمة و�أقرا�ص «دي يف دي» التي تعر�ض وتتحدث عن خمتلف حمتويات املتحف. يخ�ص�ص املوقع بعد ذلك ق�سم ًا للمقتنيات �أو املجموعات ،يوجد نبذة عامة و�أق�سام م�صنفة وق�سم امل�شكالت وقواعد البيانات، ويعمل هذا الق�سم كمر�شد �سياحي افرتا�ضي ي�رشح للزائر مقتنيات املعر�ض قطع ًة قطعة، ب�أ�سلوب الو�سائط املتعددة �صوت ًا و�صورة ون�ص ًا ،بالطريقة املج�سمة ثالثية الأبعاد، وبعد ذلك يكون هناك �صفحة �أو ق�سم يخت�ص
بعر�ض تفا�صيل املعار�ض احلالية واملعار�ض امل�ستقبلية واملعار�ض ال�سابقة التي تت ّم حول مقتنيات املتحف ،وكذلك يكون هناك ق�سم يعر�ض تفا�صيل احلفالت واملحا�رضات وعرو�ض الأفالم والقراءات ،وغري ذلك من الأن�شطة الثقافية باملتحف. تت�ض ّمن املواقع املتحفية �أي�ض ًا ق�سماً للزيارة ي�رشح موقع املتحف ومدخله �أو مداخله و�ساعات االفتتاح ور�سوم الدخول والو�سائل ال�صحية والإ�سعافات واملجموعات والزوار املعاقني والتذاكر الإلكرتونية واملتاجر وحمالت العاديات والتذكارات ،كما يت�ض ّمن �صفحة ملن يرغب يف الت ّربع للمتحف عرب الإنرتنت ،كما ي�ض ّم �صفحات �أو �أق�سام ًا لفئات عمرية مع ّينة كال�شباب والأطفال� ،أو فئات مهنية كال�صحفيني و�رشكات ال�سياحة، ويف النهاية يعمل املوقع كمو�سوعة �أثرية ثقافية تتيح للزوار �إن�شاء ح�ساب �شخ�صي يف املوقع يحتوي على كل الأق�سام واملو�ضوعات املف�ضلة.
الو�ضع عربي ًا
جرى خالل الدرا�سة حتليل اختيار موقع ًا من مواقع املتاحف العربية للتحليل من بني العديد من املواقع ،وعند بدء التحليل الفعلي كانت ثمانية مواقع منها قد تعطلت كلية ومل تعد تعمل ،وظلّت على هذه احلالة طوال �شهور الدرا�سة ،ولذلك انخف�ض عدد املواقع التي جرى حتليلها فعلي ًا �إىل 19موقع ًا، وب�شكل عام انتهى التحليل كما يو�ضح اجلدول رقم «� »11إىل ما يلي: • تتوزع م�س�ؤولية �إدارة وت�شغيل هذه املواقع على الأفراد بن�سبة %26.3وامل�ؤ�س�سات الر�سمية %36.8وامل�ؤ�س�سات املدنية %10.5 وال�رشكات اخلا�صة .26.3 والنمط الكال�سيكي هو الغالب على هذه الفئة من املواقع� ،إذ ي�شكّل %94.7من العينة ،بينما ت�شكّل املدونات ( .%5.3جدول رقم .) 11 27
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
ثبات املحتوى �سمة غالبة
متدن �إقبال ٍ
�سجلت معدالت الإقبال على هذه املواقع تدني ًا �شديداً ،حيث كان %51.9منها �ضمن املواقع املهملة خارج الت�صنيف ،و%40.7 منها �ضمن املواقع التي حتظى مبعدالت زيارة �ضعيفة للغاية. وين�سحب التدهور كذلك على م�ستوى �سجل املحتوى املمتاز جودة املحتوى ،حيث ّ 1.3نقطة من حيث كثافة االنت�شار يف هذه و�سجل املحتوى اجليد 26.3نقطة املواقع، ّ واملحتوى املتو�سط 32.9نقطة ،واملحتوى املنخف�ض 39.5نقطة. وقد اعتمدت هذه املواقع على الن�صو�ص وال�صور ب�شكل �أ�سا�سي ،فيما يتعلق با�ستخدامها لتعددية الو�سائط ،حيث احتوت جميع املواقع على ن�صو�ص و�صور ،ولكن %15.8منها فقط ا�ستخدمت امللفات ال�صوتية و%10.5 ا�ستخدمت ملفات الفيديو.
جدول رقم 11نتائج حتليل عينة مواقع املتاحف معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع» �أفراد م�ؤ�س�سة ر�سمية اجلهة القائمة على املوقع م�ؤ�س�سة مدنية �رشكات خا�صة موقع كال�سيكي منتدى منط املوقع مدونة ثابت متجدد نوعيات املحتوى تفاعلي متنوع مهم جدا مهم �أهمية املحتوى للتنمية الثقافية متو�سط الأهمية �ضئيل الأهمية �أطفال �شباب بالغون فئات اجلمهور التي م�س ّنون يخاطبها املوقع تعليم حتت املتو�سط تعليم متو�سط تعليم عال ومثقفون مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول» مرتفع جدا من �ألف �إىل� 10آالف موقع مرتفع من � 10إىل � 30ألف حجم الزوار «ح�سب متو�سط متو�سط من � 30إىل � 50ألف الرتتيب يف مقيا�س �أليك�سا» منخف�ض من � 50إىل � 70ألف �ضعيف من � 70إىل � 100ألف �ضعيف للغاية من �100ألف وما بعدها مهمل وخارج الت�صنيف ممتاز جيد جودة حمتوى املوقع متو�سط منخف�ض ن�صو�ص �صوت الو�سائط املتعددة فيديو �صور
املتاحف 26.3 36.8 10.5 26.3 94.7 0.0 5.3 56.6 9.2 0.0 1.3 0.0 10.5 42.1 47.4 15.8 100.0 100.0 100.0 78.9 94.7 100.0 0.0 0.0 3.7 0.0 0.0 0.0 40.7 51.9 1.3 26.3 32.9 39.5 100.0 15.8 10.5 100.0
مؤسسة الفكر العربي ّ
املعلوماتية
نوعية املحتوى الثابت هي الغالبة متام ًا ي�سجل املحتوى الثابت على هذه املواقع� ،إذ ّ اجلامد 56.6نقطة من حيث م�ستوى االنت�شار ي�سجل املحتوى املتج ّدد يف هذه املواقع ،بينما ّ 9.2نقطة واملتن ّوع 1.3نقطة� ،أما التفاعلي فال يوجد. ومل يكن يف املحتوى املوجود يف هذه املواقع ما ميكن اعتباره حمتوى «مهم جداً» للتنمية الثقافية ،ولكن %10.5من املحتوى حاز على ت�صنيف مهم ،و %42.1حاز على ت�صنيف متو�سط الأهمية ،و 47.4حاز على ت�صنيف �ضئيل الأهمية. ومن املالحظ تن ّوع اجلمهور الذي ت�ستهدفه هذه املواقع من بني الأطفال بن�سبة ،%15.8وال�شباب والبالغني وامل�سنني بن�سبة ،%100ومن حيث التعليم ا�ستهدف %87.9من املواقع التعليم حتت املتو�سط ،و %94.7التعليم املتو�سط ،و %100التعليم العايل واملثقفني.
53
التقرير العربي الثاين 54للتنمية الثقافية
�إهمال التحديث وال�صيانة
يفاج�أ الزائر ب�أن عناوين بع�ض حتولت �إىل املتاحف عرب الإنرتنت قد ّ عناوين ملواقع دعائية و�إعالنات عن جماالت ال عالقة لها باملحتوى املتاح ،ومن ذلك مث ًال موقع متحف البحرين ،وبع�ض املواقع الأخرى اكتفت بعر�ض الفتة ت�شري �إىل �أن هذا هو موقع املتحف ،من دون �أن ي�صل الأمر �إىل �أبعد من ذلك .وال يظهر عرب املوقع �أي حمتوى ،وكثري من املتاحف املوجودة على �أر�ض الواقع ال متلك �صفحة �أو موقع ًا لها عرب الإنرتنت.
تعاين مواقع املتاحف العربية ب�شكل عام من الإهمال ال�شديد� ،سواء يف ما يتعلق باجلوانب الفنية �أم غريها ،ومن ذلك االن�رصاف عن �صيانة املوقع �أو حتديثه ،بل وحتى عدم االنتباه �إىل حتديث عناوين هذه املواقع عرب الإنرتنت �إذا حدث هذا التغيري ،وقد يفاج�أ الزائر ب�أن عناوين بع�ض املتاحف عرب الإنرتنت قد حت ّولت �إىل عناوين ملواقع دعائية و�إعالنات عن جماالت ال عالقة لها باملحتوى املتاح، ومن ذلك مث ًال موقع متحف البحرين .وبع�ض املواقع الأخرى اكتفت بعر�ض الفتة ت�شري �إىل �أن هذا هو موقع املتحف ،من دون �أن ي�صل الأمر �إىل �أبعد من ذلك .وال يظهر عرب املوقع �أي حمتوى ،ومن ذلك موقع متحف ال�شارقة. وقد �أ ّدى ذلك كله �إىل عجز �أدلة املواقع عرب الإنرتنت عن تو�صيل الباحث �إىل املواقع احلقيقية للمتاحف عرب الإنرتنت. وكثري من املتاحف املوجودة على �أر�ض الواقع ال متلك �صفحة �أو موقع ًا لها عرب الإنرتنت ،فتمتلك �سوري ًا مث ًال عدداً كبرياً من املتاحف ي�صل �إىل �أكرث من �ستة ع�رش متحف ًا، �إال �أن املديرية العامة للمتاحف والآثار ال ي�ض ّم موقعها عرب الإنرتنت �أي روابط لهذه املتاحف على كرثتها ،وهي «متحف تدمر ومتحف حلب واملتحف الوطني بحلب واملتحف الوطني بدم�شق ومتحف الرقة ومتحف طرطو�س ومتحف دم�شق التاريخي ومتحف ق�رص العظم ومتحف القنيطرة والبيمار�ستان النوري ومتحف التقاليد ال�شعبية بتدمر ومتحف حم�ص ومتحف �أرواد ومتحف دير عطية ومتحف درعا». كما ينق�ص مواقع املتاحف العربية احلدث اليومي ،الذي ينبغي �أن يكون ترجمة للن�شاط الذي يت ّم على �أر�ض املتحف ب�شكل متج ّدد، فلي�س معنى �أن املحتوى يتحدث عن متحف �أن يكون املحتوى �أي�ضا متحفي ًا ،و�إال فما هو الفارق بني زيارة املتحف على �أر�ض الواقع وزيارته عرب الإنرتنت ،وكيف يحدث التفاعل
بينه وبني جمهوره �إذا ظ ّل املحتوى ثابت ًا ،وقد واجهت املتاحف العاملية هذه امل�شكلة فلج�أت �إىل القيام بتوليد �أحداث يومية ،ومن ذلك متحف احل�ضارة الكندي ،الذي يحر�ص على احلديث عرب املوقع عن جمموعة مع ّينة من مقتنيات املتحف ب�شكل متج ّدد ،وو�ضع بع�ض الأفالم عنها وبع�ض امل�سابقات وعر�ض �أفالم الآي ماك�س .
تفاعلية مفقودة
تفتقد مواقع املتاحف العربية للخدمات التفاعلية مع جمهور املوقع ،وهي خا�صية قائمة يف نظريتها العاملية ،ومن ذلك متحف احل�ضارة الكندي الذي يقوم بن�رش �سل�سلة من املحا�رضات ،ويقوم اجلمهور باختيار ال�شخ�صيات التي يرى �أن لها دوراً م�ؤثراً يف حياة دولته ،ومن هذه اخلدمات طرح بع�ض الأ�سئلة وامل�سابقات ،كذكر بع�ض الأ�ساطري �أو ال�شخ�صيات التاريخية �أو الإجابة على ا�ستبيان �شخ�صي يح ّدد بع�ض ال�شخ�صيات التاريخية ،ومنها �أن يذكر املتحدث ر�أيه بالت�صويت على اختيار �شخ�صيات تاريخية مع ّينة �سواء بالت�صويت ل�شخ�صيات يعر�ض لها املوقع ب�ألفعل �أم بتحديد �شخ�صيات �أخرى غري املعرو�ضة وتر�شيحها للعر�ض ،وكذلك خدمة بث املحا�رضات حلظي ًا عرب املوقع ون�رش ّ ا�ستبيانات الختيار �أف�ضل مقتنيات املتحف وو�ضعها مبوقع متميز� ،أو اختيار �شخ�صية تاريخية كمرحلة �أوىل لتحقيق التفاعل. وهناك نوع من التمييز موجه �ض ّد جمهور اللغة العربية يف ما يتعلق بتقدمي حمتوى املتاحف عرب الإنرتنت ،حتى و�إن كان املحتوى املق ّدم عربي ًا حم�ض ًا �أو �إ�سالمي ًا �رصف ًا ،وك�أن اجلمهور املق�صود بهذا املحتوى، هو اجلمهور الناطق باللغة الأجنبية املق ّدم بها املحتوى ،ومن ذلك مث ًال ،مواقع متاحف �شمتو الأثري بتون�س وموقع طارق رجب بالكويت ومتحف دار �رشيط بتون�س واملقدم باللغتني الفرن�سية والعربية مع �إهمال العربية كلية
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
ثمانية مواقع معطلة
ثمانية من مواقع املتاحف امل�رصية التي ت�ض ّم �أهم املقتنيات الأثرية يف العامل مل تعمل، مت فتح هذه على الرغم من �أنه يف وقت �سابق ّ ال�صفحات وم�شاهدة بع�ضها ،غري �أنه خالل فرتة تقرتب من ال�شهرين ،وهي �ألفرتة املمتدة من 12فرباير حتى الرابع والع�رشين من �أبريل، مل تعمل هذه املواقع وكانت نتيجة البحث دوم ًا عن العناوين املوجودة عرب موقع وزارة الثقافة امل�رصية ذاته تعر�ض ر�سالة واحدة هي «(،»Bad Request (Invalid Hostname وذلك عند ا�ستخدام م�ستك�شف فاير فوك�س، على حني كانت الر�سالة عند ا�ستخدام مت�صفح «�إك�سبلورر تقولThe webpage cannot be : ،foundويف هذا داللة على عدم االهتمام حتى مبتابعة مدى ا�ستمرار هذا الوجود �أ�ص ًال. املالحظة الأخرية �أن مواقع املتاحف العربية مل ت�ستطع �أن ترتجم الرثاء الذي حتظى به هذه املتاحف بني جنباتها �إىل ثراء على مواقعها عرب الإنرتنت� ،سواء بالتخلي عن عر�ض هذا املحتوى يف �شكل �صور �أو ملفات فيديو �أم يف عرو�ض فال�ش.
البحث العلمي
�أبرز ما يف الوجه الرقمي مل�ؤ�س�سات البحث العلمي �أنه يقوم بثالث وظائف قد ال تقوم بها امل�ؤ�س�سة البحثية نف�سها يف واقعها العملي بال�صورة نف�سها ،فاملوقع الإلكرتوين الذي يج�سد هذا الوجه يقوم �أو ًال بوظيفة «م�ساعد ّ
املعلوماتية
وكذلك متحف اجلزائر الوطني واملقدم باللغة الفرن�سية فقط. وكثري من مواقع املتاحف العربية لي�ست مواقع باملعنى املفهوم و�إمنا هي عبارة عن جهد تطوعي قام به �شخ�ص عرب الإنرتنت يف �شكل �صفحة على مد ّونة تربز �أهم الآثار املوجودة يف مكان ما ،ومن ذلك ال�صفحة اخلا�صة مبتحف �صرباته الليبي والكثري من متاحف ليبيا.
الباحث �أو العامل» من خالل دعم توا�صله مع �إدارته وزمالئه بامل�ؤ�س�سه ونظرائه خارجها، وكذلك مع موارد البحث والعلوم املختلفة كقواعد البيانات واملجالت املتخ�ص�صة وامل�ؤمترات العلمية وغري ذلك ،ويقوم ثانية بوظيفة التعليم والتعلم امل�ستمر لي�س لأع�ضاء امل�ؤ�س�سة البحثية فح�سب ،ولكن جلميع املهتمني بتخ�ص�صها ونطاق عملها من خارجها �سواء من اجلمهور العام �أم املتخ�ص�ص� .أما الوظيفة الثالثة فهي الإعالم والتثقيف العلمي عرب ما يتيحه من حمتوى يت�ضمن قدراً معقو ًال من ال�شمول واجلهد الوا�ضح يف تب�سيط املادة العلمية ذات العالقة بتخ�ص�ص املوقع وطرحها للجمهور العام ليت ّمكن من املعرفة واملتابعة. يف هذه املواقع يق ّدم املركز �أو اجلهة البحثية نف�سه للزائر من خالل حقائق وبيانات كاملة حول �أن�شطته وخططه واهتماماته البحثية وموارده الب�رشية وغري ذلك ،ثم ينتقل املوقع �إىل القيام بواجبه الإعالمي والتعليمي فيق ّدم الأخبار واخلال�صات والكتيبات املب�سطة والكور�سات التعليمية وامل�ساعدات املالية، والقبول (طلبة – خريجون – متخ�ص�صون) والأبحاث (مراكز ومعامل – مكتبات – بحوث ـ اخلدمات -الوظائف -العطاء) واملجتمع (الطالب -املوظفون – الكلية – الآباء – اخلريجون) والتقومي (الأحداث – الأن�شطة الأكادميية – �ألفنون – الريا�ضيون) والفيديو (الدورات – املحا�رضات) والأخبار ،ثم �أداة البحث .ويتيح املوقع �إمكانية البحث ،ومن خالل ذلك تعر�ض امل�ؤ�س�سة البحثية نف�سها كبوابة علمية تقود �إىل ع ّدة مواقع �أخرى، خم�ص�صة البتكار �أو اخرتاع �أو قد تكون ّ تكنولوجيا جديدة ،ولهذا من ال�صعب ح�رص كل هذه املواقع. ويف ق�سم الأبحاث يعر�ض موقع امل�ؤ�س�سة برامج ومو�ضوعات الأبحاث بح�سب املو�ضوع مر ّتب ًة باحلروف الأبجدية ،وعند النقر على �أي جمال يعر�ض املوقع روابط جلهود املعهد يف هذا املجال ،وك ّل من هذه الروابط يقود �إىل
55
هناك نوع من التمييز موجه �ض ّد جمهور اللغة العربية يف ما يتعلق بتقدمي حمتوى املتاحف عرب الإنرتنت ،حتى و�إن كان املحتوى املق ّدم عربي ًا حم�ض ًا �أو �إ�سالمي ًا �رصفاً ،وك�أن اجلمهور املق�صود بهذا املحتوى هو اجلمهور الناطق باللغة الأجنبية املق ّدم بها املحتوى.
ثمانية من مواقع املتاحف امل�رصية التي ت�ض ّم �أهم املقتنيات الأثرية يف العامل مل تعمل ،على الرغم مت فتح هذه من �أنه يف وقت �سابق ّ ال�صفحات وم�شاهدة بع�ضها ،غري �أنه خالل فرتة تقرتب من ال�شهرين مل تعمل هذه املواقع ،ويف هذا داللة على عدم االهتمام حتى مبتابعة مدى ا�ستمرار هذا الوجود �أ�صالً.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 56للتنمية الثقافية
موقع منف�صل تقريب ًا يت ّميز بواجهة ا�ستخدام �سيادة الكال�سيكية
متميزة وت�صميم خمتلف. ويف ق�سم الأخبار توجد روابط للأخبار احلديثة و�أخبار الأبحاث و�أخبار املعهد و�أخبار بح�سب املو�ضوع و�أخبار املنا�سبات و�أر�شيف للأخبار ال�سابقة ،مع �إمكانية اال�شرتاك يف الن�رشة الإخبارية الدورية للموقع وتنزيل ملفات الأخبار ال�صوتية (البودكا�ست) والأخبار الإلكرتونية ،وميكن يف هذا الق�سم طلب �صور �أو �إر�سال �أخبار �أو ترويج الأخبار �أو �إر�سال ا�ستف�سارات �صحفية �أو التوا�صل مع اخلرباء مبا�رشة ،ويتيح املوقع التوا�صل مع امل�ؤ�س�سة البحثية بع ّدة طرق ،منها (النماذج الإلكرتونية – �إر�سال بريد �إلكرتوين مبا�رش – قائمة املوظفني). تق ّدم بع�ض امل�ؤ�س�سات البحثية املتقدمة ـ مثل معهد ما�سا�سو�سيت�ش للتكنولوجيا ـ مناهج درا�سية وكور�سات علمية كاملة ب�شكل مفتوح للكافة ،ومن دون مقابل ،ويعتمد يف ذلك على التربعات ومنها كور�سات بال�صوت وال�صورة وكور�سات مرتجمة وتتناول هذه الكور�سات خمتلف املجاالت (العمارة والتخطيط – الهند�سة – العلوم ال�صحية – الإن�سانيات – الإدارة – العلوم – وغريها الكثري جداً). وميكن تنزيل �أي كور�س يف ملف م�ضغوط مع �إمكانية تنزيل امللفات ال�صوتية و الفيديو ب�صورة منف�صلة.
الو�ضع عربي ًا
جرى اختيار وحتليل 29موقع ًا من مواقع م�ؤ�س�سات البحث العلمي العربية يف املجاالت املختلفة ،وقد �أ�سفر التحليل كما يو�ضح اجلدول رقم « »12عن النتائج التالية: • جميع املواقع تابعة مل�ؤ�س�سات ر�سمية، وال توجد م�ؤ�س�سات مدنية �أو �رشكات خا�صة ترعى �أو تدير مواقع للبحث العلمي وكذلك الأفراد.
جميع املواقع تنتمي �إىل منط املواقع الكال�سيكي ولي�س من بينها مدونات �أو منتديات �أو �أدوات تنتمي للجيل الثاين للويب امل�ستخدمة يف العديد من مواقع البحث العلمي عاملي ًا.
حمتوى ثابت
على الرغم من �أن حركة البحث العلمي حتمل اجلديد كل يوم حول العامل ،ف�إن مواقع هذه الفئة عربي ًا كانت �أكرث مي ًال نحو ا�ستخدام �سجل هذا النوع املحتوى الثابت اجلامد ،بحيث ّ من املحتوى 48.3نقطة جلهة كثافة االنت�شار �سجل املحتوى املتج ّدد يف هذه املواقع ،بينما ّ 20.7نقطة والتفاعلي 0.9نقطة. مل تق ّدم هذه املواقع حمتوى يجعلها «مهمة جداً» بالن�سبة للتنمية الثقافية ،لكن %3.4منها ق ّدم حمتوى مه ّم ًا للتنمية الثقافية، و %44.8قدم حمتوى متو�سط الأهمية و%48.3 قدم حمتوى �ضئيل الأهمية للتنمية الثقافية. وقد بلغت ن�سبة املواقع التي ا�ستهدفت ال�شباب %93.1والبالغني %96.6وامل�سنني .%93.1ومل تكن هناك مواقع تهت ّم با�ستهداف الأطفال .ومن حيث م�ستوى التعليم اهتمت %13.8من املواقع بذوي التعليم حتت املتو�سط ،و %24.1بذوي التعليم املتو�سط، بينما اهتمت جميع املواقع بن�سبة %100 بذوي التعليم العايل واملثقفني. وتبدو هذه املواقع فقرية للغاية يف ما يتعلق باجلماهريية واالنت�شار� ،إذ ا ّت�ضح �أن %86.2منها يتلقى معدل زيارات �ضعيف للغاية ،و %13.8مهملة وخارج ت�صنيف الزيارات.
تهمي�ش و�سطحية
يعاين بع�ض مواقع البحث العلمي من التهمي�ش وال�سطحية وغياب االهتمام ،حتى �أن بع�ضها يكتفي ب�أن يكون جمرد لوحة �إعالنات �إلكرتونية عن اجلوائز واملنح ،على الرغم من
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
جدول رقم 12نتائج حتليل عينة مواقع البحث العلمي معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع» �أفراد م�ؤ�س�سة ر�سمية اجلهة القائمة على املوقع م�ؤ�س�سة مدنية �رشكات خا�صة موقع كال�سيكي منتدى منط املوقع مدونة ثابت متجدد نوعيات املحتوى تفاعلي متنوع مهم جدا مهم �أهمية املحتوى للتنمية الثقافية متو�سط الأهمية �ضئيل الأهمية �أطفال �شباب بالغون فئات اجلمهور التي م�س ّنون يخاطبها املوقع تعليم حتت املتو�سط تعليم متو�سط تعليم عال ومثقفون مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول» مرتفع جدا من �ألف �إىل� 10آالف موقع مرتفع من � 10إىل �30ألف حجم الزوار «ح�سب متو�سط من � 30إىل � 50ألف متو�سط الرتتيب يف منخف�ض من � 50إىل � 70ألف مقيا�س �أليك�سا» �ضعيف من � 70إىل � 100ألف �ضعيف للغاية من �100ألف وما بعدها مهمل وخارج الت�صنيف ممتاز جيد جودة حمتوى املوقع متو�سط منخف�ض ن�صو�ص �صوت الو�سائط املتعددة فيديو �صور
البحث العلمي 0.0 100.0 0.0 0.0 100.0 0.0 0.0 48.3 20.7 0.9 0.0 0.0 3.4 44.8 48.3 0.0 93.1 96.6 93.1 13.8 24.1 100.0 0.0 0.0 0.0 0.0 0.0 0.0 86.2 13.8 0.0 38.8 33.6 20.7 100.0 6.9 10.3 82.8
مؤسسة الفكر العربي ّ
املعلوماتية
قدرته على �إثراء واقع البحث العلمي بفتح املنتديات العلمية و�إتاحة فر�ص احلوار بني الباحثني من اجلهات كافة ،و�إثارة الق�ضايا العلمية ور�صد احلوار املجتمعي حولها. يلقي الو�ضع الإداري وال�سيا�سي لأن�شطة البحث العلمي بظالله القوية على مواقع البحث العلمي العربية ،فنظراً الرتباط وزارة البحث العلمي يف معظم احلاالت بوزارة التعليم ،يت ّم �إغفال دور البحث العلمي ل�صالح التعليم ,ويت ّم االكتفاء غالب ًا يف تغطية �أخبار ون�شاطات البحث العلمي باحلديث عن املنح والبعثات التعليمية واملزايا واال�شرتاطات ،من دون التعر�ض خلطط البحث وم�رشوعاته� ،أو عر�ض ّ الق�ضايا البحثية والعلمية ،واملثال الوا�ضح لذلك موقع وزارة التعليم العايل والبحث العلمي امل�رصية . كثري من مواقع م�ؤ�س�سات البحث العلمي جتعل من مواقعها واجهة تكتفي فيها بعر�ض ما تراه جمي ًال عن ن�ش�أتها وخططها ونواياها، لكنها ال تعر�ض �شيئ ًا مهم ًا عن جهودها احلقيقية التي ميكن من خاللها تقييم دورها وفقا لوجهة نظر املتلقي. تغيب عن هذه املواقع يف الغالب فكرة �إن�شاء املنتديات وال�سماح بن�رش امل�ساهمات وفتح باب التعليق عليها �أو فتح باب احلوار حول ق�ضية معينة� ،أو �إن�شاء جمموعات للمهتمني مبجال معينّ من جماالت البحث العلمي �أو العر�ض لنتائج الدرا�سات املختلفة، وخمتلف ال�صيغ التفاعلية الأخرى . وتفتقد مواقع م�ؤ�س�سات البحث العلمي يف كثري منها الدعم �ألف ّني الذي ي�ؤ ّدي �إىل �إ�ضعاف قيمة املحتوى املن�شور و�أهميته ،فكثري من فئات املحتوى ال تعمل وبع�ضها يت ّم ن�رشه يف �صيغ ت�ستلزم تخزينه يف ذاكرة احلا�سب �أو ًال بد ًال من عر�ضه مبا�رشة ,من ذلك موقع الهيئة العليا للبحث العلمي يف �سوريا ،الأمر الذي جعل املوقع ،على الرغم من تعدد فئاته وو�ضوحها� ،ضئيل �ألفائدة للمهتمني. ومعظم هذه املواقع ت�ضع خطط ًا تف�صيلية
57
التقرير العربي الثاين 58للتنمية الثقافية
عن م�رشوعاتها ونواياها وخططها وجهودها لكنها غالب ًا فئات فارغة �أو ال ميكن فتحها، �أو خالية حتت م�سميات عديدة «حتت الإن�شاء، حتت الت�صميم ،حتت الإجناز ،ب�صدد التكوين»، وذلك على الرغم من �أن كثرياً من هذه الأجزاء غري املنجزة متثّل جزءاً من املحتوى الأ�سا�سي للموقع ولي�ست فئة طارئة عليه �أو فئة ا�ستدعت احلاجة �إىل �إن�شائها ،ومن ذلك فئة الكيمياء و �ألفيزياء يف موقع مركز البحوث النووية يف ليبيا ،وموقع املعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار حيث يفاج�أ الزائر ب�أنه مل يجد املعلومات امل�شار �إليها. وكثري من مواقع م�ؤ�س�سات البحث العلمي ال حتفل مبخاطبة جمهورها الأول وهو اجلمهور العربي ،و�إمنا تهتم مبخاطبة فئتني: فئة العامل اخلارجي ،وفئة اجلمهور �شديد التخ�ص�ص� ،أما اجلمهور العادي فال اهتمام به لكون الإجنليزية هي لغة عر�ض املحتوى. وبع�ض املواقع يتوقف دور القائمني وين�صب عليها على حلظة بناء املوقع، ّ االهتمام وقتها على اجلوانب كافة بالت�ساوي، �أما بعد مرور فرتة من الوقت فيقت�رص االهتمام غالب ًا على جانب واحد ويت ّم حتديثه ،وهو غالب ًا اجلانب اخلربي ،بينما تظ ّل بقية فئات املحتوى ثابتة من دون � ّأي تطوير.
التعليم الإلكرتوين
بالنظر �إىل مواقع وبوابات التعليم الإلكرتوين الرائدة وال�شهرية عاملي ًا ،ميكن القول �إنها من الناحية التقنية تقوم بالأ�سا�س على التفاعلية وتعددية الو�سائط والت�صميمات الب�سيطة البعيدة عن الإبهار ،ومن حيث تق�سيم املحتوى هناك �أربعة �أق�سام �أ�سا�سية عادة ما تكون موجودة باملواقع التي تق ّدم خدمات التعليم الإلكرتوين ،الأول هو الدليل الذي يق ّدم باقة وا�سعة من املوارد وم�صادر املعلومات تخ�ص�ص املوقع ونوعية التعليم املتاحة حول ّ الذي يق ّدمه ،ويجري تنظيمها بح�سب الفئة ومو�ضوع االهتمام ،ويتك ّون حمتوى هذا
الدليل من املقاالت واللقاءات واملقابالت وامل�رشوعات واملطبوعات واملراجع واملوارد وامل�ؤ�س�سات وال�شبكات واخلرباء والأحداث واملنا�سبات والنداءات املفتوحة ،ثم ُتفهر�س هذه املوارد واملعلومات بطرق معينة ح�سبما يت ّما�شى مع �سيا�سة وتوجهات املوقع ،كما ي�ض ّم �أوراق التعليم الإلكرتوين التي تهتم باملعلومات حول التعليم الإلكرتوين وحتفّز البحث ،وتت�ضمن مقاالت ومقابالت ومراجعات وملخ�صات مع �إمكانية العثور على معلومات حول امل�ؤلفني وم�صادر املعلومات املرتبطة و�أدوات امل�شاركة. والق�سم الثاين هو جمتمع التعليم الإلكرتوين ،و ُيخ�ص�ص مل�ساعدة امل�ستفيدين من التعليم الإلكرتوين يف مناق�شة الق�ضايا ون�رش املعلومات والأفكار التي تتعلق باملهام واالحتياجات اليومية والبحث عن هذه املعلومات ،ويت�ض ّمن ع ّدة �أدوات وقنوات للتفاعل ،منها املنتديات ولوحات الر�سائل واملقابالت التي يكتبها امل�ستخدمون وامل�سابقات واقرتاحات امل�ستخدمني. والق�سم الثالث هو الن�رشات الإخبارية التي تق ّدم مل�شرتكي املوقع �أخباراً �شهرية حول الق�ضايا احلالية ذات ال�صلة والنداءات املفتوحة واملنا�سبات القادمة وموارد التعليم الإلكرتوين ،والق�سم الرابع هو املناهج والكور�سات التعليمية والتي تق ّدم من خالل برجميات ُتبنى لهذا الغر�ض وتعيد عر�ض و�رشح املنهج التعليمي ب�صورة �إلكرتونية عرب املوقع مب�ساعدة �أو من دون م�ساعدة املدر�سني واملعلمني� ،أو �إعداد الكور�سات من ّ التعليمية يف �صورة ملفات وتطبيقات ميكن تنزيلها على احلا�سب واال�ستعانة بها يف ال�رشح والتدري�س والتعلم.
الو�ضع عربي ًا �صعوبات خا�صة
عند اختيار وحتليل ع ّينة من مواقع التعليم الإلكرتوين العربية تبدو بع�ض ال�صعوبات التي
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
املعلوماتية
تتكرر يف �أي فئة �أخرى ،فاملحتوى الذي ال ّ تق ّدمه هذه املواقع ال ُيتاح �إال للم�شرتكني �سواء كان هذا اال�شرتاك والت�سجيل مبقابل مادي �أم جماني ًا ،حيث حت ّتم هذه املواقع �أن يكون الزائر ملحتواها طالب ًا مق ّيداً يف مدار�سها �أو جامعاتها ،ومن ذلك موقع جامعة القد�س املفتوحة وبوابة التعليم الإلكرتوين بجامعة احلديدة ،وهذه الأخرية ال تتيح �أية معلومات عنها للزائر على الإطالق وال يت ّمكن من ر�ؤية �أي حمتوى ،حتى بع�ض املواد الدرا�سية التي ي�شري املوقع �إىل �إمكانية اطّ الع الزائرين عليها يبحث عنها الزائر فال يجدها ،ي�ضاف �إىل ذلك �أن مواقع هذه الفئة ت ّت�سم ب�أن املوقع غالبا هو نف�سه التطبيق امل�ستخدم يف عر�ض املناهج الدرا�سية ،عالوة على �أن املحتوى نف�سه يتالحم فيه املحتوى التعليمي ال�رصف مع الت�صميم و�أدوات العر�ض وال�رشح. وتطغى املواقع التابعة للم�ؤ�س�سات الر�سمية على هذه الفئة� ،إذ ت�شكل %52 من �إجمايل املواقع ،تليها املواقع التابعة للم�ؤ�س�سات املدنية بن�سبة ،%28ثم ال�رشكات اخلا�صة %12والأفراد .%8 على الرغم من �أن الأدوات والتقنيات احلديثة يف جمال التعليم الإلكرتوين تركّز على املحتوى التفاعلي واملتج ّدد ،ف�إن املواقع التي خ�ضعت للتحليل ق ّدمت حمتوى ثابت ًا بالدرجة الأوىل حيث �سجل املحتوى الثابت 68نقطة من حيث معدل االنت�شار يف هذه املواقع، �سجل 4نقاط، تاله املحتوى املتن ّوع الذي ّ واملحتوى املتج ّدد الذي �سجل نقطتني. ومن حيث الأهمية للتنمية الثقافية حازت %76من املواقع على ت�صنيف «مهم» بالن�سبة للتنمية الثقافية ،و %8على متو�سط الأهمية، و %16على �ضئيل الأهمية. وتخاطب هذه املواقع ال�شباب والبالغني ب�صورة �أ�سا�سية ،فقد ا ّت�ضح �أن %92منها يقدم لهذه الفئة العمرية ،و %68منها يق ّدم حمتوى ينا�سب البالغني� ،أما امل�س ّنون فتخاطبهم %8 من املواقع والأطفال %20من املواقع ،ومن
حيث امل�ستوى التعليمي ركّزت هذه املواقع على ذوي التعليم العايل ،بحيث ا ّت�ضح �أن %86منها يخاطب هذه الفئة و %40يخاطب التعليم املتو�سط و %28يخاطب التعليم حتت املتو�سط. وال حتظى هذه النوعية من املواقع باجلماهريية املتوقعة �أو املطلوبة لها ،بحيث �إن %86منها يحظى مبعدل زيارة �ضعيف للغاية ،و %16منها مهمل وخارج ت�صنيف الزيارات ،و %4منها يحظى مبعدل زيارة �ضعيف ،و %4يحظى مبعدل زيارة منخف�ض، و %8يحظى مبعدل زيارة متو�سط. وبعيداً عن اجلزء التعليمي يبدو حمتوى هذه املواقع يف الغالب خفيف ًا ودعائي ًا تعريفي ًا باخلدمة ومميزاتها ،وتغيب عنها الأق�سام الثالثة الأخرى التي غالب ًا ما ت�ض ّمها مواقع التعليم الإلكرتوين وهي الدليل والن�رشة الإخبارية واملجتمع .وكثرياً ما يظهر حمتوى هذه املواقع وك�أنه للتخدمي على هدف املوقع الرئي�سي للجهة املالكة للموقع ،خ�صو�ص ًا �إذا كانت جهة ر�سمية كجامعة �أو مدر�سة� ،أو حتى لإ�ضفاء طابع اجتماعي على ال�صفحة الرئي�سية للموقع ،ومن ثم يجد الزائر �أن هذا املحتوى يف بع�ض الأحيان غري من�سجم مع املحتوى الأ�سا�سي للموقع .ومن ذلك موقع املدر�سة العربية ( .جدول رقم )13
59
حيوية وراء املنتديات
يحر�ص الكثري من مواقع التعليم الإلكرتوين العربية على �أن ي�شتمل املوقع على منتدى �أو �ساحة للحوار ،وال تكتفي بال�شكل الكال�سيكي رغب ًة يف حتقيق التفاعل املطلوب لهذه العملية التعليمية التي تت ّم ب�شكل �إلكرتوين ،ومن ذلك موقع الأكادميية الإ�سالمية املفتوحة، والكلية الإلكرتونية للجودة ال�شاملة ،واجلامعة االفرتا�ضية التون�سية ،وموقع بوابة املدار�س الإلكرتونية ،مركز التدرب الإلكرتوين وم�صادر التدريب ،ومدر�سة �رساقب االفرتا�ضية .ومتثّل منتديات النقا�ش �أدوات توا�صل غري متزامنة مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 60للتنمية الثقافية
جدول رقم 13نتائج حتليل عينة مواقع التعليم الإلكرتوين معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع» �أفراد اجلهة القائمة على م�ؤ�س�سة ر�سمية املوقع م�ؤ�س�سة مدنية �رشكات خا�صة موقع كال�سيكي منتدى منط املوقع مدونة ثابت متجدد نوعيات املحتوى تفاعلي متنوع مهم جدا مهم �أهمية املحتوى الثقافية للتنمية متو�سط الأهمية �ضئيل الأهمية �أطفال �شباب بالغون فئات اجلمهور التي م�س ّنون يخاطبها املوقع تعليم حتت املتو�سط تعليم متو�سط تعليم عال ومثقفون مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول» مرتفع جدا من �ألف �إىل� 10آالف موقع مرتفع من � 10إىل �30ألف حجم الزوار «ح�سب متو�سط من � 30إىل � 50ألف متو�سط الرتتيب يف منخف�ض من � 50إىل � 70ألف مقيا�س �أليك�سا» �ضعيف من � 70إىل � 100ألف �ضعيف للغاية من �100ألف وما بعدها مهمل وخارج الت�صنيف ممتاز جيد جودة حمتوى املوقع متو�سط منخف�ض ن�صو�ص �صوت الو�سائط املتعددة فيديو �صور
التعليم الإلكرتوين 8.0 52.0 28.0 12.0 92.0 48.0 0.0 68.0 2.0 0.0 4.0 0.0 76.0 8.0 16.0 20.0 92.0 68.0 8.0 28.0 40.0 68.0 0.0 0.0 0.0 8.0 4.0 4.0 68.0 16.0 3.0 73.0 16.0 8.0 100.0 52.0 52.0 92.0
تكمل الفعاليات املبا�رشة يف املحتوى التعليمي بحيث ال يحتاج املتعلمون امل�شاركون يف هذه املناق�شات �إىل �أن يكونوا م ّت�صلني بالإنرتنت يف الوقت نف�سه .وميكنهم يف الغالب الر ّد �أو اقرتاح �أي مو�ضوع من املادة يف �أي وقت. وعلى الرغم من �أن املنتدى من �أهم �أدوات التفاعل يف مثل هذا النوع من املواقع تدعيم ًا لتوا�صل املعلم بطالبه والطالب بزمالئهم� ،إال �أنه �أحيانا تكون هذه القناة معطلة عن العمل، كما يف موقع اجلامعة الوطنية اليمنية ،وموقع التعليم الإلكرتوين لتطوير درا�سة الريا�ضيات، و�أحيان ًا �أخرى تكون فارغة من املحتوى كما يف موقع اجلامعة التون�سية االفرتا�ضية، و�أحيانا مفعلة بدرجة جيدة كما هو احلال يف منتدى الأكادميية الإ�سالمية .ولوحظ �أن معظم املواقع يف هذه الفئة تق ّدم ما يعرف باملقررات املربجمة وال تهتم بتنمية املهارات الذهنية الأ�سا�سية مب�ستوياتها املختلفة وال تركّز على املفاهيم الأ�سا�سية. وت ّت�سم هذه املواقع يف الغالب بثبات ن�سبي يف حمتواها� ،إال تلك املواقع التي يت ّم بنا�ؤها على مراحل وتقوم تدريجي ًا بزيادة املراحل التعليمية املختلفة التي يت ّم تقدمي املحتوى لها ،ومن ثم فال�صفحة الرئي�سية غالب ًا ما تكون ثابتة ال�شكل وحم ّددة املواد، ومن ذلك موقع التعليم الإلكرتوين لتطوير درا�سة الريا�ضيات .
املو�سيقى والأغاين
وفّر «الوجه الرقمي» للمو�سيقى والأغاين ملح ّبي هذه الفنون وجماهريها مميزات و�إمكانات مل ت�ستطع �أن تتيحها �أي من �أدوات �أو قنوات التعامل مع املو�سيقى والغناء من قبل ،ويكفي �أنه جعل ب�إمكان �أي �شخ�ص �أن ي�شاهد وي�ستمع �إىل ما يريد وقتما يريد حيثما بث �أو بخريطة يريد ،من دون �أن يتق ّيد مبوعد ّ برامج �أو تف�ضيالت مع ّدي ومق ّدمي الربامج �أو �سيا�سة قناة �أو توجهات حمطة ،ذلك لأن الإنرتنت �أ�صبحت زاخرة مبا ال يح�صى من
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
املعلوماتية
امل�ستودعات املو�سيقية والغنائية ال�ضخمة التي ت�ضع �آالف ًا من ملفات املو�سيقى والأغاين الرقمية عند �أطراف �أ�صابع امل�ستمع �أو امل�شاهد الذي ي�ستخدم ال�شبكة ،وترتك له الفر�صة لكي يب�سط نفوذه ويده على املحتوى ويرت�شف منه ما يحلو له. وتكاد تكون فكرة العمل «كم�ستودع» مللفات املو�سيقى والأغاين الرقمية فائق الفهر�سة والتن ّوع وال�شمول وال�سهولة يف اال�ستخدام وال�رسعة يف الو�صول �إليه هي ال�سمة احلاكمة ملواقع املو�سيقى والأغاين عرب الإنرتنت عاملي ًا ،ويف الوقت نف�سه العمل تبث كمحطات للراديو والأغاين و الفيديو ّ وتر ّوج للأحلان والأغاين اجلديدة والقدمية والنادرة وال�شائعة ،عالوة على �أنها تعمل ك�ساحات للر�أي والنقا�ش وتبادل املعلومات وامللفات ،و�إن كان هذا ال ينفي وجود مواقع للمو�سيقى والأغاين حتافظ على ال�شكل �أو النمط الكال�سيكي وتق ّدم املعلومات والبيانات والدرا�سات عن املو�سيقى والفن والغناء تاريخ ًا وحا�رضاً وم�ستقب ًال. ومن املالمح الأخرى ملواقع املو�سيقى والغناء �أنها تعمل �أي�ض ًا كم�صدر لأخبار �صناعة املو�سيقى والغناء وجنومها ومطربيها وملحنيها وم�ؤلفيها بل وتبادر بالو�صول �إىل جماهريها عرب خدمة التغذية بالأخبار والن�رشات الربيدية ،وتتبارى يف توفري و�سائل �أ�سهل وا�رسع للبحث يف حمتواها ال�ضخم من الأغاين والأحلان ،مبا يي�سرّ على زائريها �رسعة أغان� ،سواء با�سم الو�صول ملا يريدونه من � ٍ الأغنية �أم با�سم املطرب ،وت ّت�سم املواقع الكربى ب�أ ّنها ال حتتوي عادة على �إعالنات �صاخبة �أو مزعجة ،و�إمنا على �إعالنات هادئة وب�سيطة ومن�سجمة مع اجلو العام للموقع ،وتتيح للزائر االطّ الع على كلمات الأغنية وم�شاهدة �صور املطرب ومعرفة حفالته و�أغانيه امل�صورة وجميع �أغانيه ال�صوتية وملخ�ص �سريته الذاتية ،بل وت�ساعده وتوفر له الإمكانات الالزمة لكي ين�شىء حمطة خا�صة به يعر�ض
فيها �أغانيه املف�ضلة ،ويف الوقت نف�سه مت ّده بقوائم ب�أف�ضل مائة �أغنية م�صورة �أو �صوتية، وتتيح له حجز تذاكر احلفالت املو�سيقية �إلكرتوني ًا مع �إمكانية دعوة الأ�صدقاء ،ويف الآونة الأخرية ن�شطت املدونات املو�سيقية والغنائية وبد�أت تناطح امل�ستودعات الكربى واملواقع الكال�سيكية يف مالحقة اجلديد و�إبراز النادر من املو�سيقى والأغاين ومتابعة �أخبار النجوم واملطربني( .جدول رقم ) 14
61
الو�ضع عربي ًا
مت حتليلها يف ع ّينة بلغت املواقع التي ّ مواقع املو�سيقى والغناء العربية 30موقع ًا، �شكّلت فيها املواقع ال�سعودية ح�ضوراً ملحوظا بحو�إىل ثمانية مواقع� ،أي ما يقرب من الثلث، ويرجع ذلك �إىل وجود عدد كبري من الأفراد الذين ي�ستثمرون يف �إن�شاء مواقع املو�سيقى ويحر�صون على متابعة وجتميع �أكرب قدر من الأغاين احلديثة وو�ضعها على مواقعهم فور نزولها �سعي ًا لتحقيق ربح من وراء الإعالن على هذه املواقع ،وهو منوذج �شائع عاملي ًا. ويلفت النظر �أن معظم املواقع �أو امل�ستودعات العربية للمو�سيقى والأغاين من �إعداد �أفراد ولي�س �رشكات �أو م�ؤ�س�سات كما هو �شائع عاملي ًا ،بحيث ت�شكّل مواقع الأفراد يف العينة ،%93.3واملواقع التي متلكها وتديرها ال�رشكات اخلا�صة ،%6.7مع غياب كامل للم�ؤ�س�سات املدنية والر�سمية. و�سجل املحتوى الثابت 48.3درجة من ّ حيث االنت�شار يف هذه املواقع ،ورمبا تكون ي�سجلها �أي نوع من املحتوى هذه �أعلى درجة ّ يف جميع فئات الدرا�سة ،ويعود ذلك �إىل فكرة «امل�ستودع» التي تعمل بها املواقع املو�سيقية والتي جتعلها حتتفظ مبلفات ن�صية و�صوتية وفيديوية ثابتة كبرية ومتزايدة العدد مع الوقت ،لت�ضع �أمام م�ستخدميها �أكرب قدر من �سجل الأغاين طوال الوقت ،ومن ناحية �أخرى ّ املحتوى املتجدد 12.5درجة والتفاعلي 5.8 درجة. مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 62للتنمية الثقافية
جدول رقم 14نتائج حتليل عينة مواقع املو�سيقى معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع» �أفراد اجلهة القائمة على م�ؤ�س�سة ر�سمية املوقع م�ؤ�س�سة مدنية �رشكات خا�صة موقع كال�سيكي منتدى منط املوقع مدونة ثابت متجدد نوعيات املحتوى تفاعلي متنوع مهم جدا مهم �أهمية املحتوى الثقافية للتنمية متو�سط الأهمية �ضئيل الأهمية �أطفال �شباب بالغون فئات اجلمهور التي م�س ّنون يخاطبها املوقع تعليم حتت املتو�سط تعليم متو�سط تعليم عال ومثقفون مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول» مرتفع جدا من �ألف �إىل� 10آالف موقع مرتفع من � 10إىل � 30ألف حجم الزوار «ح�سب متو�سط من � 30إىل � 50ألف متو�سط الرتتيب يف منخف�ض من � 50إىل � 70ألف مقيا�س �أليك�سا» �ضعيف من � 70إىل � 100ألف �ضعيف للغاية من �100ألف وما بعدها مهمل وخارج الت�صنيف ممتاز جيد جودة حمتوى املوقع متو�سط منخف�ض ن�صو�ص �صوت الو�سائط املتعددة فيديو �صور
املو�سيقي 93.3 0.0 0.0 6.7 100.0 40.0 0.0 48.3 12.5 5.8 0.0 3.3 96.7 0.0 0.0 0.0 30.0 100.0 0.0 100.0 100.0 100.0 0.0 56.7 23.3 0.0 6.7 0.0 13.3 0.0 54.2 30.8 8.3 5.0 100.0 96.7 40.0 100.0
نظرا للتماثل يف املحتوى يف معظم مواقع املو�سيقى والأغاين فقد ح�صلت جميعها تقريبا �أي بن�سبة %96.7على ت�صنيف «مهم» بالن�سبة للتنمية الثقافية ،فيما ح�صل %3.3 على ت�صنيف مهم جداً. تخاطب هذه املواقع فئة ال�شباب والبالغني �سواء �أكانوا حا�صلني على تعليم �أقل من املتو�سط �أم على تعليم متو�سط �أم على تعليم عال �أو �سواء كانوا من املثقفني .فقد ا ّت�ضح �أن ٍ %30منها تخاطب ال�شباب ،و %100تخاطب البالغني ،و %100تخاطب ك ًال من ذوي التعليم حتت املتو�سط واملتو�سط والعايل.
جماهري وا�سعة
تتم ّتع مواقع املو�سيقى والغناء ب�أعلى ن�سبة جماهريية وانت�شار مقارنة بجميع الفئات الأخرى يف الدرا�سة ،بحيث حظيت %56.7 منها مبع ّدل زيارات مرتفع جداً ،و%23.3 مبع ّدل زيارات مرتفع ،و %6.7مبع ّدل زيارات منخف�ض ،و %13.3مبع ّدل زيارات �ضعيف للغاية ،ومل يكن من بينها مواقع مهملة خارج الت�صنيف. ومن حيث اجلودة حقّق املحتوى املمتاز 54.2درجة يف مع ّدل االنت�شار بهذه املواقع، واملحتوى اجليد 30.8نقطة ،واملتو�سط 8.3 نقطة واملنخف�ض 5نقاط .وبالن�سبة لتعددية الو�سائط يف هذه املواقع كانت الن�صو�ص موجودة يف %100من املواقع ،و الفيديو يف %40من املواقع وال�صوت يف %96.7من املواقع ،وال�صور يف %100من املواقع.
امل�رسح
الت�سويق امل�رسحي والنقد امل�رسحي هما امللمحان الأكرث بروزاً يف الوجه الرقمي للحركة امل�رسحية عاملي ًا ،فاملواقع امل�رسحية العاملية تتعامل مع امل�رسحيات املج�سدة كفن ي�ستحق املتابعة على خ�شبات امل�سارح ّ وال�رشح والنقد ،ويف الوقت نف�سه ن�شاط يحتاج �إىل الت�سويق والرتويج والإعالن عنه ،ويف
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
الو�ضع عربي ًا
بلغ عدد املواقع التي ت�ض ّمنتها هذه الفئة من الع ّينة 26موقع ًا ت�ص ّدرتها املواقع امل�رسحية امل�رصية ثم املواقع امل�رسحية ال�سعودية ،وقد �أ�سفر حتليل هذه املواقع كما
املعلوماتية
�ضوء ذلك تق ّدم املواقع امل�رسحية حمتوى ي�ض ّم ق�سم ًا للو�سائط املتع ّددة ك�صور وم�شاهد من امل�رسحية املعرو�ضة �أو املرتقبة ،ومقاطع فيديو من بع�ض ف�صولها وت�سجيالت �صوتية لأبطالها ،كما تقدم روابط للبث الإذاعي ،وت�سلّط ال�ضوء على كيفية اال�شرتاك يف موقع امل�رسح وجتديد اال�شرتاك وكيفية الت ّربع للم�سارح عرب الإنرتنت والوظائف اخلالية وفر�ص التدريب يف امل�رسح ،كما توفّر خدمة حجز التذاكر عرب الإنرتنت ،ومعلومات عن موا�سم امل�رسح. ويف بع�ض الدول واملدن تظهر مواقع تعمل كبوابات كربى و�شاملة جلميع م�سارح هذه الدولة �أو املدينة ،بحيث ميكن من خالل البوابة معرفة جميع العرو�ض امل�رسحية داخل املدينة �أو الدولة ،وكذلك ميكن اختيار امل�رسح ملعرفة امل�رسحيات املعرو�ضة فيه حالي ًا ،مع �إمكانية حجز التذاكر عرب الإنرتنت ومعرفة عنوان امل�رسح وخريطة املقاعد وخريطة الو�صول للم�رسح نف�سه وتاريخ امل�رسح .ومن املمكن اختيار تاريخ معينّ ملعرفة جميع العرو�ض امل�رسحية املتاحة يف جميع م�سارح املدينة يف ذلك اليوم. وبعد النقد والت�سوق ت�أتي مالمح �أخرى للوجه الرقمي للحركة امل�رسحية عاملي ًا ،منها مث ًال ،املجتمعات �أو التجمعات االفرتا�ضية للم�رسحيني حول العامل والتي يت ّم من خاللها التوا�صل وتبادل الإبداعات والر�أي واملناق�شة، ومنها كذلك التعامل مع الإنرتنت ومواقعها كقنوات للتعريف بن�صو�ص الإبداع امل�رسحي املكتوبة ون�رشها ولي�س املج�سدة على خ�شبة امل�رسح ،وكمخزون �ضخم من املعلومات عن تاريخ امل�رسح ودرا�ساته وجنومه وك ّتابه حول العامل واملدار�س امل�رسحية املختلفة.
يو�ضح اجلدول رقم « »15ع ّما يلي: • يت�ص ّدر الأفراد قائمة اجلهات امل�س�ؤولة عن ت�صميم و�إدارة هذه املواقع بن�سبة ،%50 تليهم امل�ؤ�س�سات املدنية بن�سبة ،%23.1ثم امل�ؤ�س�سات الر�سمية وال�رشكات اخلا�صة بواقع %15.4لك ّل منهما. • حواىل ثلثي هذه املواقع تنتمي �إىل النمط الكال�سيكي ،وذلك بن�سبة ،76.95يف حني �أن %38.5من املواقع كانت منتديات �أو مواقع كال�سيكية �أُحلقت بها منتديات. �سجل املحتوى • من حيث نوعية املحتوى ّ الثابت 31.7نقطة من حيث االنت�شار يف هذه �سجل املحتوى املتج ّدد 8.7 املواقع ،بينما ّ نقطة والتفاعلي 3.8نقطة واملتن ّوع 1.9نقطة. • بدت هذه املواقع مهمة بدرجة �أو ب�أخرى للتنمية الثقافية ،بحيث حظي %34.6منها بت�صنيف مهمة جداً للتنمية الثقافية ،و26.9 مهم ،و %269متو�سطة الأهمية و� 15.4ضئيلة الأهمية.
63
ترويج غائب
حتتاج املواقع امل�رسحية �إىل العناية برتويجها على الإنرتنت� ،إذ �إن ترتيبها يف معدل الزيارات مرتاجع للغاية ،ورمبا يعود ذلك �إىل �أن املواقع ال تدلّ الزائر على عناوين امل�سارح والعرو�ض املتاحة يف القاهرة �أو غريها من العوا�صم العربية ،وال يوجد موقع يتابع امل�رسح التجاري اخلا�ص �أو امل�رسح امل�رصي احلديث �أو يحتوي على �سري الفنانني امل�رسحيني القدامى �أو املعا�رصين. ويرجع العدد الكبري من املنتديات التي تناولت امل�رسح �إىل �أنها منتديات عامة يف الأغلب �أو منتديات ثقافية �أدبية ،ولهذا من الطبيعي �أن تتناول كل فئة امل�رسح باعتباره ف ّن ًا من فنون الأدب ولون ًا من �ألوان املعرفة، فاملنتديات تقريب ًا تناق�ش كل �شيء وتتناول �أق�سام ًا عديدة ومتن ّوعة. وقلي ًال ما توجد مواقع متخ�ص�صة بالكامل يف فن و�أدب امل�رسح ،لأن �أغلب مواقع ال�سينما مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 64للتنمية الثقافية
جدول رقم 15نتائج حتليل عينة مواقع امل�رسح معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع» �أفراد اجلهة القائمة على م�ؤ�س�سة ر�سمية املوقع م�ؤ�س�سة مدنية �رشكات خا�صة موقع كال�سيكي منتدى منط املوقع مدونة ثابت متجدد نوعيات املحتوى تفاعلي متنوع مهم جدا مهم �أهمية املحتوى الثقافية للتنمية متو�سط الأهمية �ضئيل الأهمية �أطفال �شباب بالغون فئات اجلمهور التي م�س ّنون يخاطبها املوقع تعليم حتت املتو�سط تعليم متو�سط تعليم عال ومثقفون مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول» مرتفع جدا من �ألف �إىل� 10آالف موقع مرتفع من � 10إىل � 30ألف حجم الزوار «ح�سب متو�سط من � 30إىل � 50ألف متو�سط الرتتيب يف منخف�ض من � 50إىل � 70ألف مقيا�س �أليك�سا» �ضعيف من � 70إىل � 100ألف �ضعيف للغاية من �100ألف وما بعدها مهمل وخارج الت�صنيف ممتاز جيد جودة حمتوى املوقع متو�سط منخف�ض ن�صو�ص �صوت الو�سائط املتعددة فيديو �صور
امل�رسح 50.0 15.4 23.1 15.4 76.9 38.5 0.0 31.7 8.7 3.8 1.9 34.6 26.9 26.9 15.4 0.0 100.0 100.0 100.0 7.7 100.0 100.0 0.0 0.0 19.2 7.7 3.8 3.8 65.4 0.0 36.5 24.0 23.1 26.9 100.0 3.8 11.5 69.2
�أو مواقع الأدب تتناول امل�رسح باعتباره �شك ًال من �أ�شكال الرتفيه وباعتباره القرين املنطقي والطبيعي لل�سينما والتليفزيون .وال يوجد موق ٌع للم�رسح القومي امل�رصي وهو من �أقدم امل�سارح يف العامل العربي ووقف عليه كبار الفنانني الر ّواد يف هذا املجال ،وال توجد مواقع ميكن من خاللها معرفة ُدور امل�رسح �أو العرو�ض احلالية املتاحة بك ّل منها. كما ال توجد مواقع ميكنها اال�ضطالع بدور البوابة امل�رسحية املتكاملة على م�ستوى املدينة �أو الدولة �أو على م�ستوى العامل العربي، وتربط بني جميع امل�سارح العاملة يف نطاقها كما هو احلال يف بوابة م�سارح لندن على الإنرتنت مث ًال.
ال�سينما
تعاظم التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات واالت�صاالت يف �صناعة ال�سينما خالل ال�سنوات الأخرية ب�صورة كبرية �شملت جميع عنا�رص العمل ال�سينمائي ومراحله، بدءاً من كتابة الق�صة وانتها ًء بالعر�ض وتلقي تعليقات اجلمهور على العمل ،ومروراً بكتابة ال�سيناريو والت�صوير والتمثيل واملونتاج واخلدع والإخراج ،فالت�سويق والرتويج والعر�ض .ومن منظور التنمية الثقافية يحت ّل الوجه الرقمي لل�سينما ـ عرب مواقع الأفالم و�رشكات الإنتاج والتوزيع ال�سينمائي والنقّاد واملمثلني واملخرجني وامل�صورين ـ منطقة القلب يف هذا التوظيف ،بحيث حت ّولت املواقع �إىل �أداة مناف�سة �إن مل تكن �أهم من الأدوات التقليدية العادية ،و�أول ما تت�سم به هذه املواقع هو �رسعة التحديث ومواكبة اجلديد من الأفالم ،خ�صو�ص ًا �أن حركة ال�سينما العاملية والأمريكية منها متالحقة و�رسيعة جداً ،فال يخلو �أ�سبوع من عر�ض ع�رشات الأفالم اجلديدة ،كما ت ّت�سم بغزارة ما تق ّدمه من عرو�ض �أو �إعالنات الأفالم املعروفة با�سم الرتيلر ،trailerالتي ي�ستطيع امل�ستخدم اختيار ال�صيغة وم�ستوى النقاء واحلجم الذي يالئم
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
الو�ضع عربي ًا
متت زيارة وحتليل 38موقع ًا من مواقع ّ ال�سينما العربية كع ّينة جرى انتقا�ؤها من بني الأف�ضل والأهم بني العديد من املواقع امل�شابهة ،وكان مل�رص الن�صيب الأكرب منها
جدول رقم 16نتائج حتليل عينة مواقع ال�سينما معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع» �أفراد م�ؤ�س�سة ر�سمية اجلهة القائمة على املوقع م�ؤ�س�سة مدنية �رشكات خا�صة موقع كال�سيكي منتدى منط املوقع مدونة ثابت متجدد نوعيات املحتوى تفاعلي متنوع مهم جدا مهم �أهمية املحتوى للتنمية الثقافية متو�سط الأهمية �ضئيل الأهمية �أطفال �شباب بالغون فئات اجلمهور التي م�س ّنون يخاطبها املوقع تعليم حتت املتو�سط تعليم متو�سط تعليم عال ومثقفون مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول» مرتفع جدا من �ألف �إىل� 10آالف موقع مرتفع من � 10إىل � 30ألف حجم الزوار «ح�سب متو�سط من � 30إىل � 50ألف متو�سط الرتتيب يف منخف�ض من � 50إىل � 70ألف مقيا�س �أليك�سا» �ضعيف من � 70إىل � 100ألف �ضعيف للغاية من �100ألف وما بعدها مهمل وخارج الت�صنيف ممتاز جيد جودة حمتوى املوقع متو�سط منخف�ض ن�صو�ص �صوت الو�سائط املتعددة فيديو �صور
ال�سينما 34.2 31.6 15.8 18.4 81.6 5.3 13.2 23.7 25.0 0.0 10.5 10.5 31.6 36.8 21.1 0.0 100.0 100.0 81.6 60.5 97.4 92.1 2.6 10.5 5.3 5.3 0.0 0.0 71.1 5.3 36.8 22.4 25.0 15.8 100.0 26.3 26.3 84.2
مؤسسة الفكر العربي ّ
املعلوماتية
�رسعة ات�صاله ،وميكنه االختيار بني �صيغة � QuickTimeأو � WMPأو ،RealPlayerوب�شكل عام ميكن ر�صد �أهم مالمح الوجه الرقمي من منظور التنمية الثقافية يف املجال ال�سينمائي عرب الإنرتنت يف ما يلي: • معار�ض ال�صور الرقمية امل�أخوذة من الأفالم �سواء املعرو�ضة حالي ًا �أم التي �سيت ّم عر�ضها يف دور ال�سينما قريب ًا. • م�شاهد �صنع الأفالم التي تعرف با�سم ما وراء الكامريا �أو خلف امل�شاهد التي تبينّ للم�شاهد ما يحدث خلف كوالي�س الأفالم. • توفري حجز التذاكر عرب الإنرتنت مع �إمكانية حتديد دار ال�سينما والفيلم واليوم ووقت احلفلة، بحيث ي�ستطيع امل�ستخدم �إن�شاء ح�ساب با�سم في�سجل بياناته املالية م�ستخدم وكلمة مرور، ّ وميكنه حجز تذاكر ال�سينما ب�سهولة واحل�سم من بطاقته االئتمانية مبا�رشة ،مع تو�ضيح مواقع دور ال�سينما التي تعر�ض الأفالم احلالية و�أماكن عر�ضها والأفالم املتوقعة. • قواعد وا�ضحة حت ّدد طبيعة حمتوى الأفالم التي تنا�سب الأ�رسة والتي ال حتتوي على م�شاهد عنيفة �أو م�شاهد جن�سية ،بل �إنها حت ّدد م�ستوى العري يف الأفالم ويت ّم ت�صنيفها وفقا لدرجات �أو م�ستويات. • قواعد بيانات مركزية تعر�ض �أكرث الأفالم من حيث الإيرادات يف �شباك التذاكر والأفالم التي �ستعر�ض يف ال�سينما يف الأ�سبوع اجلاري والأفالم التي �سيت ّم عر�ضها يف الأ�سابيع املقبلة والأفالم التي حتولت �إىل �أقرا�ص DVD هذا الأ�سبوع ،والأفالم التي حت ّولت �إىل �أقرا�ص Blurayعالية الدقة ،والأفالم التي حازت على تف�ضيل �أغلبية الزوار وامل�ستخدمني ،والأفالم التي حازت على جوائز( .جدول رقم ) 16
65
التقرير العربي الثاين 66للتنمية الثقافية
بحكم ريادتها يف هذا املجال ،حيث بلغ عدد املواقع امل�رصية يف ال�سينما 19موقع ًا ،تليها الإمارات التي تنظم مهرجان دبي و�أبوظبي لل�سينما بعدد 5مواقع ،ثم امل�ؤ�س�سات الأوربية بعدد 4مواقع ،ثم العراق مبوقعني ،ثم املغرب وتون�س والكويت مبوقع واحد لكل منها.
كال�سيكية وفردية
الالفت للنظر �أن مواقع ال�سينما العربية على الإنرتنت قد ا�ستبعدت الأطفال متام ًا من جمهورها و�أن %100من هذه املواقع لي�س لديها موجه للأطفال. حمتوى ّ
يغلب على مواقع ال�سينما العربية املجهود والن�شاط الفردي ،حيث كان هناك %34.2من الع ّينة �سينمائي ًا ي�رشف على حتريرها �أفراد من النقاد واملتخ�ص�صني الهواة واملحرتفني، تليها امل�ؤ�س�سات الر�سمية بواقع %31.6 و�أغلبها مواقع ملهرجانات حكومية يف جمال ال�سينما ،ثم ال�رشكات اخلا�صة بن�سبة ،15.8ثم امل�ؤ�س�سات املدنية بن�سية .%18.4 وت ّت�سم �أغلب املواقع ال�سينمائية العربية بالطابع الكال�سيكي التقليدي ،ف�شكّل هذا النمط %81.6من الع ّينة ،و�شكّلت مواقع املدونات ،%13.2عبرّ فيها �أ�صحابها عن �آرائهم النقدية، �أما املنتديات فكانت بن�سبة %5.3فقط ،و�إن كانت هذه املنتديات تقوم بو�ضع روابط لتنزيل الأفالم العربية والأجنبية ب�صورة غري قانونية عرب الإنرتنت ،من مواقع م�شاركة امللفات. ويف �ضوء املحتوى املق ّدم وبناء على ال�سمات العامة التي ت ّت�صف بها مواقع العاملية، ميكن القول �إن %10هي التي حظيت بت�صنيف مهم جداً بالن�سبة للتنمية الثقافية يف املجال ال�سينمائي ،يليها %31.6تعترب مهمة%36.8 ، متو�سط الأهمية ،ثم %21.1يف مرتبة �ضئيل الأهمية بالن�سبة للتنمية الثقافية. وعلى الرغم من �أن جمال ال�سينما يعتمد على تعددية الو�سائط يف تقدمي املحتوى ،ف�إن حمتوى الفيديو ـ الأهم على الإطالق بالن�سبة ملواقع ال�سينما ـ ظهر يف %26.3فقط من املواقع ،وحمتوى ال�صوت ظهر يف الن�سبة نف�سها� ،أما ال�صور فظهرت يف %84.2من املواقع ،وظهرت الن�صو�ص يف %100من املواقع.
و�أغلب مواقع ال�سينما ت�ستهدف ال�شباب والبالغني وامل�سنني من جميع امل�ستويات التعليمية والثقافية ،نظراً ل�شعبية و�شهرة ال�سينما بني الكبار وال�صغار على ح ّد �سواءٍ. والالفت للنظر �أن مواقع ال�سينما على تع ّدد �أنواعها قد ا�ستبعدت الأطفال متام ًا من جمهورها� ،إذ ا ّت�ضح �أن %100من املواقع لديها موجه لل�شباب والبالغني ،و 81.6لديها حمتوى ّ موجه ينا�سب امل�سنني ،و %100من حمتوى ّ موجه للأطفال. املواقع لي�س لديها حمتوى ّ �أخذا يف االعتبار ال�سمات واملالمح العامة مت حتليل للوجه الرقمي لل�سينما العامليةّ ، جودة حمتوى مواقع ال�سينما العربية الواقعة يف الع ّينة من حيث جودة ما تقدمه من خدمات ومعلومات ،ووجد �أن املحتوى املمتاز قد حقق 36.8نقطة من مائة ،واملحتوى اجليد حقق 22.4نقطة واملتو�سط 25نقطة واملنخف�ض اجلودة 15.8نقطة.
مواقع خارج الفهار�س
ال حتر�ص مواقع ال�سينما العربية بدرجة كافية على ت�سجيل نف�سها يف فهار�س قوائم البحث العاملية ،فعند كتابة كلمة «ال�سينما» يف حمرك «جوجل» تظهر لك ع ّدة نتائج معقولة ال تتجاوز ع�رشة مواقع هي �إيجي فيلم (egyfilm. )comثم �صفحات ال�سينما يف بوابة ما�شي ( )mashy.comوبوابة �شبيك لبيك (shobiklob )bik.comوي�أتي املوقع الأف�ضل وهو قاعدة بيانات الأفالم وامل�سل�سالت (elcinema. )comيف املركز الرابع� ،أما النتيجة اخلام�سة وال�ساد�سة فهما عبارة عن منتدى لتنزيل الأفالم ولي�س لهما �أي قيمة ثقافية ،وي�أتي موقع �شبكة ال�سينما العربية (�شبكة ال�سينما العربية) يف املركز ال�سابع و�صفحة ال�سينما يف ويكيبيديا يف املركز الثامن ومنتدى ال�سينما يف املركز التا�سع على الرغم من قلة �أهميته الثقافية ثم موقع �أفالمي يف املركز العا�رش، وعندما تغو�ص يف بقية النتائج تكت�شف �أنك تزور منتديات ومواقع لتنزيل الأفالم.
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
مدونات فردية و�أداء جماعي
االعتزاز باللغة مفقود
ال يظهر بع�ض مواقع ال�سينما العربية ـ خ�صو�ص ًا مواقع املهرجانات ـ اعتزازاً كافي ًا باللغة العربية باعتبارها اخلطوة الأوىل يف االلتزام بالثقافة القومية ،فمهرجان القاهرة ـ الذي ُيع ّد من �أقدم املهرجانات يف العامل العربي ـ اليزال باللغة الإجنليزية حتى الآن، وكذلك مهرجان �أبوظبي ومهرجان اخلليج لل�سينما ،وهذا بالطبع ي�شكل قيداً كبرياً على ا�ستخدام هذه املواقع يف التوظيف الثقايف للتقنية كو�سيلة للتنمية الثقافة ال�سينمائية، ويبدو التناق�ض �صارخ ًا مع مواقع ال�سينما التي تت ّم برعاية �أو متويل �أجنبي ،فهي حري�صة على التحدث باللغة القومية للمنطقة التي تخاطبها، ومن �أمثلة ذلك �شبكة ال�سينما العربية (http:// )www.cinearabe.orgوموقع مهرجان الفيلم العربي ( ،)www.cinearabe.netفهما باللغة العربية على الرغم من �أنهما بتمويل �أوروبي من هولندا وموقع مقهى اليوروميد (ُ .)/www.euromedcafe.orgيالحظ كذلك
�أن مهرجان دبي على الرغم من حداثته حر�ص ثنائي اللغة يف كل حر�ص ًا �شديداً على �أن يكون ّ �أق�سام و�صفحات املوقع ،كما �أن املهرجانات املغربية حر�صت على التحدث باللغة العربية بجانب الفرن�سية ومن �أمثلة ذلك مهرجان �أيام قرطاج (.)www.jccarthage.org
املعلوماتية
على الرغم من �أن املدونات العربية املتخ�ص�صة يف ال�سينما تعترب جهداً فردي ًا يف �أغلبها ،ف�إنها حافلة باملقاالت النقدية والآراء التحليلية للأفالم ومتابعات املهرجانات واجلوائز ب�صورة مل جندها يف عدة مواقع ر�سمية كثرية .فمواقع املهرجانات خلت متام ًا من الآراء النقدية والتحليلية العميقة التي وجدت يف مدونات ال�سينما العربية. ومن املدونات املتميزة التي �شملها امل�سح مد ّونة بنحب ال�سيما (b7b55.blogspot. )comومدونة الك�شكول ال�سينمائي (medbell )louch2007.maktoobblog.comومدونة �أبعاد ()dimension4future.blogspot.com ومدونة الناقد �أمري العمري (http://life-in- ،)/cinema.blogspot.comوهناك مدونات �أخرى كثرية مل ي�شملها البحث ولكنها ثرية باملعلومات واملقاالت ال�سينمائية املهمة.
67
تاريخ ال�سينما ق�ضية من�س ّية
ال يوجد يف خمتلف املواقع التي ترعاها امل�ؤ�س�سات الكربى �أو مواقع املهرجانات � ّأي �أق�سام تتحدث عن تاريخ ال�سينما �أو حتتوي على مو�سوعة �سينمائية للأفالم امل�رصية والعربية ،لكن املد ّونات �س ّدت هذا العجز حيث احتوت على مقاالت ت�رشح تاريخ ال�سينما امل�رصية وبداياتها وتطورها ،وحفلت كذلك مبقاالت نقدية عن الأفالم املتميزة �سواء العربية �أم الأجنبية ،ويالحظ �أن هذه املدونات ال تن�ساق �إىل ال�ضجة الإعالمية التي ت�صاحب الأفالم العربية التجارية احلديثة ،وتتابع الأو�سكار وحتلل الأفالم الأجنبية بب�صرية وعمق كبريين. وحتاول مو�سوعة الويكيبيديا العاملة باللغة العربية �س ّد هذه الفجوة املعلوماتية من خالل املو�ضوعات التالية (الت�صوير املتحرك) خ�ص�صتها لكل �سينما وال�صفحات التي ّ عربية على حدة (امل�رصية – الفل�سطينية – الكويتية – البحرينية – ال�سورية – العراقية – اللبنانية – الأردنية – اخلليجية – التون�سية – اجلزائرية – املغربية – اليمنية – الليبية – ال�سودانية) ،ومع ذلك تعاين مو�ضوعات ومقاالت الويكيبيديا من الفقر ال�شديد يف املعلومات بعك�س املد ّونات الفردية للنقاد واملتخ�ص�صني التي حتفل باملعلومات العميقة واحلقائق التاريخية ال�شاملة. ومل تظهر وتنت�رش بعد املواقع اخلا�صة بالأفالم العربية على غرار الأفالم الأجنبية، التي يحظى ك ّل منها مبوقع متم ّيز على الإنرتنت حتى بعد رفع الفيلم من دور ال�سينما وحتويله �إىل �أقرا�ص دي يف دي .و�إن كانت بع�ض الأفالم
ال ُيظهر بع�ض مواقع ال�سينما العربية ـ خ�صو�ص ًا مواقع املهرجانات ـ اعتزازاً كافي ًا باللغة العربية, فمهرجان القاهرة ـ الذي ُيع ّد من �أقدم املهرجانات يف العامل العربي ـ اليزال باللغة الإجنليزية حتى الآن، وكذلك مهرجان �أبوظبي ومهرجان اخلليج لل�سينما ،وهذا بالطبع ي�شكل قيداً كبرياً على ا�ستخدام هذه املواقع يف التوظيف الثقايف للتقنية كو�سيلة للتنمية الثقافة ال�سينمائية.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 68للتنمية الثقافية
العربية ذات الإنتاج ال�ضخم خ�ص�صت لنف�سها مواقع م�ستقلة مثل موقع فيلم ليلة البيبي دول، وهو موقع متميز من حيث الت�صميم والعر�ض ب�شكل ي�ضاهي املواقع الأجنبية ،لكنه كان باللغة الإجنليزية فقط ،ويالحظ �أن عدداً كبرياً من الأفالم بد�أت مواقعها تتهاوى بعد رفعها من دور ال�سينما وعدم اهتمام ال�رشكة املنتجة ب�صيانة املوقع �أو جتديد ا�شرتاكه.
الرتاث ال�شعبي «الفلكلور»
وفق ًا لتعريف مو�سوعة «الويكيبيديا» ف�إن الفلكلور هو جمموعة الفنون القدمية والق�ص�ص واحلكايات والأ�ساطري املح�صورة مبجموعة �سكانية مع ّينة يف �أي بلد من البالد ،ويت ّم نقل املعرفة املتعلقة بالفلكلور من جيل �إىل جيل عن طريق الرواية ال�شفهية غالب ًا ،وكلمة فلكلور يقابلها باللغة العربية (الرتاث) وهو �إرثنا عن �أ�سالفنا من الثقافة .ينق�سم الرتاث ال�شعبي (�أو الفولكلور) �أو امل�أثورات ال�شعبية �إىل �أربعة �أق�سام :املعتقدات واملعارف ال�شعبية ،والعادات والتقاليد ال�شعبية والأدب ال�شعبي ،وفنون املحاكاة والفنون ال�شعبية ،والثقافة املادية. ومن منظور املعلومات ،يرت ّكز دور مواقع الرتاث ال�شعبي والفلكلور عاملي ًا يف حفظ وتنمية الذاكرة الوطنية من خالل جمع وتوثيق ويو�سع و�إعادة عر�ض تراثها الثقايف ال�شعبيّ ، بع�ض مواقع الفلكلور العاملية مهمته لت�شمل حفظ وتوثيق املو�سيقى واحلكايات ال�شعبية والرق�ص والأ�ساطري والتاريخ ال�شفهي والأمثال والنكات واملعتقدات والعادات ال�شعبية ،وهو ما يلتزم به موقع الفلكلور الأمريكي http:// /www.americanfolklore.netمث ًال ،والذي ي�ض ّم �أق�سام ًا متع ّددة حول احلكايات والأ�ساطري وق�ص�ص الأ�شباح وفولكلور الواليات املتحدة والأبطال والأ�رشار وق�ص�ص احليوانات وفولكلور ال�شعوب الأ�صلية وق�ص�ص الأطفال والفولكلور الكندي واملك�سيكي. وانطالق ًا من هذا الت�ص ّور املبدئي تزخر مواقع الفلكلور بجميع �أ�شكال املحتوى التي
تدعم مهام اجلمع والتوثيق و�إعادة العر�ض على اجلماهري ،مبا يرفع وين ّمي الوعي بالذاكرة الوطنية وي�سهم يف التنمية الثقافية ككلّ، ولذلك يالحظ يف بع�ض هذه املواقع غياب ال�صور واالعتماد على الن�صو�ص وعدم وجود مقاطع فيديو وعدم ا�شتماله على �أدوات الويب الثانية ،على اعتبار �أنها تق ّدم حمتوى ال يتوافر له �صور �أو ملفات فيديو �أو �صوت ،بينما تلج�أ مواقع �أخرى �إىل ال�صوت و الفيديو الذي ميكن توفريه عرب الفرق الفنية وامل�رسحية ال�شعبية جت�سد الرتاث ال�شعبي ،ويف جميع الأحوال التي ّ تق ّدم مواقع الفلكلور معلومات عن تاريخ الفلكلور يف املنطقة �أو الدولة التي يتحدث عنها املوقع والدرا�سات التي تت ّم حوله يف املعاهد والأكادمييات و�أبرز الفعاليات امل�ستمرة حتى جت�سد هذا الفلكلور ال�شعبي .كما اليوم والتي ّ حتاول هذه املواقع العمل كقناة للتوا�صل بني املهتمني بالفلكلور والعمل كم�صدر يوفر املواد التعليمية والوثائقية التي ت�رشح كنوع من الفلكلور وتق ّدم مناذج منه للجمهور ٍ التثقيف العام واحلفاظ على الذاكرة الوطنية، وكذلك العمل كمنتديات يت ّم من خاللها تبادل الر�أي وعر�ض املحتوى النادر حول الفولكلور وتقدميه للعامل بع ّدة لغات ،كما ي�ض ّم بع�ض املواقع قواعد بيانات حول الفلكلور والرتاث، و�إن كان االعتماد الكثيف على الن�صو�ص هو ال�سمة الغالبة يف هذه املواقع( .جدول رقم )17
الو�ضع عربي ًا الأفراد يرعون الفلكلور
تتو ّزع م�س�ؤولية هذه املواقع على الأفراد وامل�ؤ�س�سات املدنية والر�سمية بن�سب متقاربة، فكانت ن�سبة املواقع التي ميلكها ويديرها �أفراد ،%25وامل�ؤ�س�سات الر�سمية واملدنية %31.3 لك ّل منهما ،وال�رشكات اخلا�صة .%12.5 وي�سيطر النمط الكال�سيكي على الغالبية العظمى من هذه املواقع بن�سبة ،%87.5يف حني يظهر منط املنتديات املحتوية على
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
اجتهاد يف خدمة الثقافة
تبدو هذه املواقع جمتهدة يف خدمة ق�ضايا التنمية الثقافية ،حيث ق ّدم %18.8 منها حمتوى �ص ّنف على �أنه مهم جدا بالن�سبة لق�ضايا التنمية الثقافية ،وح�صل %37.5من املحتوى على ت�صنيف مهم بالن�سبة للتنمية الثقافية ،و %25على ت�صنيف متو�سط الأهمية و 18.8على ت�صنيف �ضئيل الأهمية. وال يخاطب املحتوى الذي تق ّدمه هذه املواقع الأطفال و�صغار ال�سن ،لكنه يركّز على الفئات التي تلي ذلك ،فجميع املواقع وبن�سبة %100تق ّدم حمتوى ينا�سب ال�شباب والبالغني، و %93.8منها يق ّدم حمتوى ينا�سب امل�سنني، يتوجه %100من هذا ومن حيث التعليم ّ املحتوى �إىل ذوي التعليم العايل واملثقفني، يتوجه لذوي التعليم املتو�سط، و %93.8منه ّ يتوجه لذوي التعليم حتت و %6.3منه ّ املتو�سط. وال حتقق هذه املواقع جماهريية و�شعبية وا�سعة بني م�ستخدمي الإنرتنت ،لأن %50 منها مهمل وخارج دائرة االهتمام ،و%37.5 يتلقى زيارات مبعدل �ضعيف للغاية ،و%12.5 يحظى مبعدل زيارات مرتفع. ويف ما يتعلق مبدى ا�ستخدام تع ّددية الو�سائط يف عر�ض املحتوى ركّزت هذه املواقع على الن�صو�ص وال�صور على ح�ساب ال�صوت و الفيديو ،بحيث ق ّدم %100من املواقع حمتوى ن�ص ّي ًا ،و %93.8ق ّدم حمتوى �صو ٍر� ،أما حمتوى
جدول رقم 17نتائج حتليل عينة مواقع الفلكلور معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع» �أفراد م�ؤ�س�سة ر�سمية اجلهة القائمة على املوقع م�ؤ�س�سة مدنية �رشكات خا�صة موقع كال�سيكي منتدى منط املوقع مدونة ثابت متجدد نوعيات املحتوى تفاعلي متنوع مهم جدا مهم �أهمية املحتوى للتنمية الثقافية متو�سط الأهمية �ضئيل الأهمية �أطفال �شباب بالغون فئات اجلمهور التي م�س ّنون يخاطبها املوقع تعليم حتت املتو�سط تعليم متو�سط تعليم عال ومثقفون مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول» مرتفع جدا من �ألف �إىل� 10آالف موقع مرتفع من � 10إىل � 30ألف حجم الزوار «ح�سب متو�سط من � 30إىل � 50ألف متو�سط الرتتيب يف منخف�ض من � 50إىل � 70ألف مقيا�س �أليك�سا» �ضعيف من � 70إىل � 100ألف �ضعيف للغاية من �100ألف وما بعدها مهمل وخارج الت�صنيف ممتاز جيد جودة حمتوى املوقع متو�سط منخف�ض ن�صو�ص �صوت الو�سائط املتعددة فيديو �صور
الفلكلور 25.0 31.3 31.3 12.5 87.5 12.5 0.0 39.1 9.4 6.3 0.0 18.8 37.5 25.0 18.8 0.0 100.0 100.0 93.8 6.3 93.8 100.0 0.0 0.0 12.5 0.0 0.0 0.0 37.5 50.0 23.4 21.9 32.8 21.9 100.0 12.5 12.5 93.8
مؤسسة الفكر العربي ّ
املعلوماتية
بع�ض �أدوات اجليل الثاين للويب يف من املواقع ،وهي واقعي ًا لي�ست مواقع قائمة بذاتها ولكنها منتديات ملحقة �أو مرتبطة مبواقع كال�سيكية يف الأ�صل.. ومن حيث النوعية ،حقّق املحتوى الثابت اجلامد 39.1درجة من حيث االنت�شار يف هذه املواقع ،يليه املحتوى املتج ّدد الذي حقق 9.4 درجة ثم املحتوى التفاعلي الذي حقق 6.3 درجة؛ �أما املحتوى املتن ّوع فلم يظهر كلية بهذه املواقع. %12.5
69
التقرير العربي الثاين 70للتنمية الثقافية ال�صوت و الفيديو فظهر ك ّل منهما يف %12.5
والهوية ومقاومة حماوالت التهويد.
نق�ص وا�ضح و�إ�سهامات �أفراد
اجلمعيات واملنظمات الثقافية غري احلكومية
من مواقع هذه الفئة.
يعاين ف�ضاء الإنرتنت يف املنطقة العربية من نق�ص �شديد يف مواقع الرتاث ال�شعبي ،و�أغلب املواقع املتخ�ص�صة يف هذا الرتاث ال�شعبي �أو الفنون ال�شعبية هي يف الأغلب مبادرات �أفراد �أو م�ؤ�س�سات مدنية.
يالحظ وجود عدد كبري من املواقع املتخ�ص�صة يف الرتاث ال�شعبي الفل�سطيني ،ورمبا يرجع ذلك �إىل حماولة حت ّدي االحتالل والرغبة يف البقاء واحلفاظ على الوجود والهوية ومقاومة حماوالت التهويد.
يعاين ف�ضاء الإنرتنت يف املنطقة العربية من نق�ص �شديد يف مواقع الرتاث ال�شعبي ،و�أغلب املواقع املتخ�ص�صة يف هذا الرتاث ال�شعبي �أو الفنون ال�شعبية هي يف الأغلب مبادرات �أفراد �أو م�ؤ�س�سات مدنية ،فعلى الرغم من البحث املجهد على الإنرتنت ،مل ميكن ر�صد �سوى 16 موقع ًا عربي ًا على الإنرتنت ت�ستحق التحليل وخم�ص�صة للرتاث ال�شعبي �أو الفولكلور. ّ عند البحث عن الرتاث ال�شعبي يف مواقع الإنرتنت العربية ي ّت�ضح �أن املوجود منه �أغلبه عبارة عن �إ�سهامات من الأفراد يف املنتديات العامة ال�شاملة ،وتنتمي �أغلب هذه املنتديات �إىل منطقة اخلليج ،خ�صو�ص ًا يف ال�سعودية والإمارات ،نظراً لرغبة العديد من القبائل يف ت�سجيل تراثها القبلي وتقاليدها ال�شعبية، وميكن يف هذا ال�صدد القول �إن دماء الرتاث مفرقة يف مواقع املنتديات. ال�شعبي العربي ّ ميكن القول �إن الرتاث ال�شعبي العربي يعاين من ندرة يف املواقع املتخ�ص�صة التي تتناول ق�ضاياه واجتاهاته ،وحتاول الت�أ�صيل لعلومه ونظرياته �أو ت�سجيله وتدوينه ،و�إذا كان هذا الرتاث ال�شعبي يعاين من نق�ص يف املجالت واملطبوعات الورقية املتخ�ص�صة، فمن الطبيعي �أن يكون النق�ص يف املطبوعات واملواقع الإلكرتونية �أ�ش ّد و�أفدح. ويالحظ كذلك وجود عدد كبري من املواقع املتخ�ص�صة يف الرتاث ال�شعبي الفل�سطيني، ورمبا يرجع ذلك �إىل حماولة حت ّدي االحتالل والرغبة يف البقاء واحلفاظ على الوجود والهوية ومقاومة حماوالت التهويد ال�رش�سة التي ي�شنها االحتالل الإ�رسائيلي. ويالحظ وجود عدد كبري من املواقع املتخ�ص�صة يف الرتاث ال�شعبي الفل�سطيني، ورمبا يرجع ذلك �إىل حماولة حت ّدي االحتالل والرغبة يف البقاء واحلفاظ على الوجود
يرى الكثريون �أن الإنرتنت ومواقعها وخدماتها املختلفة هي ال�ساحة احلقيقية لعمل املنظمات الأهلية ومنظمات املجتمع املدين يف �شتى املجاالت ،واملنظمات الثقافية غري احلكومية لي�س ا�ستثنا ًء من ذلك ،فهي ت ّتخذ من مواقعها على الإنرتنت حلقة للتوا�صل احلي وامل�ستمر يف ما بينها وبني والتفاعل ّ نظرائها من املنظمات الأخرى ،وكذلك مع جماهريها التي تخاطبها ومع امل�ؤ�س�سات الأخرى املعنية ب�ش�ؤون الثقافة ،وعادة ما ينخرط موقع املنظمة �أو اجلمعية يف �شبكة �أو�سع من املنظمات واجلمعيات املماثلة �أو ذات االهتمام امل�شرتك ،لتبادل اخلربات وتن�سيق اجلهود حيال ق�ضايا ثقافية معينة ،كما بد�أ يظهر اجتاه جديد يف هذه الفئة من املواقع يجعلها مراكز للمنتديات وطرح املناق�شات والأفكار وعر�ض الإ�سهامات الثقافية، والبع�ض منها يعمل ك�ساحات حقيقية للحوار وامل�شاركة ،مبا يجعل منها �أداة فاعلة للتثقيف ورفع الوعي وامل�شاركة يف ال�ش�أن الثقايف من قبل اجلمهور العام. ومن حيث الت�صميم تخلو مواقع امل�ؤ�س�سات الثقافية املدنية من البهرجة يف الت�صميم والعرو�ض الفال�شية ال�صاخبة والفيديو وتعتمد على الن�صو�ص وال�صور ،وي ّت�سم ت�صميمها بالأناقة والر�صانة ،حتى العرو�ض الفال�شية ت ّت�سم بالأناقة والب�ساطة والهدوء ،وعادة ما يحتوي املوقع نبذة عن اجلمعية وتاريخها ومبادراتها و�أن�شطتها واجلهات املمولة لها واجلهات الراعية لأن�شطتها وكيفية التربع للجمعية وكيفية االت�صال بها والأخبار ال�صحفية ،كما حتتوي على خدمة اال�شرتاك يف الن�رشة ال�صحفية ملتابعة �أخبار امل�ؤ�س�سة، وتقدم درا�سات حالة حول امل�رشوعات التي �أجنزتها امل�ؤ�س�سة ،كما توفر روابط �رسيعة
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
الو�ضع عربي ًا
بوجه عام هناك ندرة وا�ضحة يف املواقع العربية التي تعك�س الوجه الرقمي للمنظمات الأهلية وغري احلكومية العاملة يف جمال الثقافة ،وبعد جوالت بحث عن هذه النوعية من املواقع مل توفّر حمركات البحث املختلفة �سوى حفنة قليلة من املواقع من بينها 18موقع ًا جديرة بالتحليل والعر�ض 17 ،منها بن�سبة %94.4متلكه وتديره م�ؤ�س�سات �أهلية بالفعل، بينما هناك موقع واحد يعبرّ عن جمعية �أهلية لكنه تابع ملوقع �آخر متلكه م�ؤ�س�سة ر�سمية على الرغم من �أن �أغلبها جلميعات وروابط �أهلية عاملة يف جمال املكتبات والكتب بالأ�سا�س. (جدول رقم ) 18
�شعب ّية حمدودة وحمتوى متوا�ضع
ركّزت هذه املواقع على البالغني ب�شكل �أ�سا�سي كجمهور م�ستهدف� ،إذ بلغت ن�سبة موجه للبالغني املواقع التي لديها حمتوى ّ تتوجه لل�شباب ،%33.3 ،%66.7واملواقع التي ّ وللأطفال � ،%11.1أما امل�س ّنون فال توجد مواقع تخاطبهم .ويف ما يتعلق بنوعية اجلمهور طبق ًا للم�ستوى التعليمي اهتمت هذه املواقع ب�شكل �أكرب بامل�ستوى التعليمي العايل ،حيث موجه بلغت ن�سبة املواقع التي لديها حمتوى ّ لهذه الفئة %100من �إجمايل املواقع ،يليها املحتوى الذي ينا�سب م�ستوى التعليم املتو�سط بن�سبة � ،%83.3أما فئة التعليم حتت املتو�سط فلم َ حتظ �سوى مبحتوى ن�سبته .%5.6 وامتدت حالة ال�ضعف �إىل املعيار اخلا�ص بجودة املحتوى ،فحقّق املحتوى املنخف�ض اجلودة 45.8نقطة ،يليه املحتوى اجليد الذي حقّق 43.1نقطة ،ثم املحتوى متو�سط اجلودة الذي حقق %11.1نقطة� ،أما املحتوى املمتاز فلم يظهر يف �أي موقع.
جدول رقم 18نتائج حتليل عينة مواقع املنظمات غري احلكومية معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع» �أفراد اجلهة القائمة م�ؤ�س�سة ر�سمية على املوقع م�ؤ�س�سة مدنية �رشكات خا�صة موقع كال�سيكي منط املوقع منتدى مدونة ثابت متجدد نوعيات املحتوى تفاعلي متنوع مهم جدا �أهمية مهم املحتوى للتنمية متو�سط الأهمية الثقافية �ضئيل الأهمية �أطفال �شباب فئات اجلمهور بالغون التي يخاطبها م�س ّنون املوقع تعليم حتت املتو�سط تعليم متو�سط تعليم عال ومثقفون مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول» مرتفع جدا من �ألف �إىل� 10آالف موقع حجم الزوار مرتفع من � 10إىل � 30ألف «بح�سب متو�سط من � 30إىل � 50ألف متو�سط الرتتيب منخف�ض من � 50إىل � 70ألف يف مقيا�س �ضعيف من � 70إىل � 100ألف �أليك�سا» �ضعيف للغاية من �100ألف وما بعدها مهمل وخارج الت�صنيف ممتاز جودة حمتوى جيد املوقع متو�سط منخف�ض ن�صو�ص �صوت الو�سائط املتعددة فيديو �صور
املنظمات غري احلكومية 0.0 5.6 94.4 0.0 100.0 0.0 0.0 33.3 13.9 2.8 0.0 5.6 27.8 22.2 44.4 11.1 33.3 66.7 0.0 5.6 83.3 100.0 0.0 0.0 0.0 0.0 0.0 0.0 77.8 22.2 0.0 43.1 11.1 45.8 100.0 11.1 0.0 88.9 مؤسسة الفكر العربي ّ
املعلوماتية
ت�سهل ت�صفح الزائرين بجانب �إمكانية البحث وخدمة التغذية بالأخبار لأع�ضائها وجمهورها وللجمعيات املناظرة.
71
التقرير العربي الثاين 72للتنمية الثقافية
وال حتظى هذه املواقع بجماهريية �أو �شعبية معقولة� ،إذ ا ّت�ضح �أن %77.8منها مواقع حتظى مبعدل زيارة �ضعيف للغاية، و %22.2منها مواقع مهملة وخارج ت�صنيف �أليك�سا لت�صنيف الزوار. وخالل الأ�شهر الثالثة التي ا�ستغرقها البحث مل يتم الو�صول �إال �إىل 18موقع ًا من هذه الفئة ،على الرغم من �أن حمركات البحث �أظهرت الكثري من النتائج يف هذا ال�صدد حتت العديد من امل�سميات� .إال �أن املحاوالت ف�شلت يف الو�صول �إىل تلك املواقع �إما لأنها �ألغيت من على الإنرتنت �أو لأن �أ�صحابها مل يد�شّ نوا موقع ًا من اال�صل ،مثل جمعية املكتبات واملعلومات الأردنية www.jorla.orgوجمعية املكتبات البحرينية www.bla-bh.comوكذلك جمعية املكتبات ال�سودانية. يكاد يكون القا�سم امل�شرتك بني املواقع التي ت�صفحناها ندرة املواد التفاعلية بني املوقع واجلمهور ،كما ارتفعت عبارات ال�صفحة حتت الإن�شاء ،وافتقرت املواقع التقارير والأبحاث املتخ�ص�صة يف جمال الثقافة و�إتاحة حتميلها للزوار عرب املواقع ومل تتو�سع هذه املواقع �أي�ض ًا يف تقدمي بع�ض امل�ؤلفات اللغوية �أو الثقافية التي ميكن �أن يطالعها املتج ّول على �صفحات املوقع ،بل �إن �أحد املواقع قام باخللط يف ما بني اللغة العربية و الفرن�سية على �صفحات املوقع وكان الأجدر بامل�ؤ�س�سني عمل واجهة بالعربية و�أخرى ب الفرن�سية وهكذا. وظهر �ضعف وا�ضح يف املحتوى الإخباري املتخ�ص�ص �سواء اخلا�ص باملنظمة نف�سها �أو مبثيلتها من املنظمات العربية ،مثل امل�ؤمترات والندوات وور�ش العمل التي تنظمها امل�ؤ�س�سة وميكن احل�صول عليها من الإ�صدارات ال�صحفية التي تغطي هذه الأحداث. وال يالحظ ما يدلّ على �أن هذه املنظمات ت�ستخدم مواقعها يف �إقامة روابط �شبكية
لتعميق عالقاتها ببع�ضها البع�ض �أو مع جمهورها امل�ستهدف ،بل ت�ستخدمها فقط يف عر�ض املحتوى من دون الو�صول �إىل مراحل وخطوات تفاعلية �أكرث من ذلك.
دور الن�رش ومعار�ض الكتب
تتلخ�ص املالمح الأ�سا�سية للوجه الرقمي لدور الن�رش عاملي ًا يف �أنها ت ّتخذ من مواقعها على الإنرتنت ذراع ًا للت�سويق والرتويج وعر�ض �إنتاجها و�أن�شطتها وكذلك ا�ستقطاب وجذب قرائها وم�ؤلفيها والبحث عن �أمناط جديدة للن�رش خارج الطباعة كقناة تقليدية يت ّم من خاللها ن�رش الثقافة وتنميتها عرب الكتاب. وميكن ا�ستعرا�ض �أهم الوظائف التي تقوم بها مواقع دور الن�رش عادة يف ما يلي: • تقدمي الن�رشات الإخبارية حول �أحدث الإ�صدارات من الكتب والكتب املتوقع �إ�صدارها قريب ًا وتقدمي العرو�ض الرتويجية عن الكتب الفائزة باجلوائز ،مواعيد حفالت توقيع وقراءة الكتب وتوفري خدمة ا�شرتاك يف املوقع للقراء ملتابعة ك ّل هذه الأمور �أو �إر�سال ن�رشات �أخبارية �إليهم �أو ًال ب�أول. القراء ت�شمل • تقدمي خدمات تفاعلية مع ّ للقراء حول تنظيم ا�ستطالعات ر�أي متج ّددة ّ �أف�ضل الكتب ،واالرتباط مبواقع ال�شبكات االجتماعية مثل تويرت وفي�سبوك ،وتقدمي خ�صومات للم�شرتكني يف املوقع ،وتقدمي قائمة ب�أف�ضل الكتب مبيع ًا. • تخ�صي�ص �صفحة لك ّل كتاب ،ت�ض ّم �صورة الغالف وا�سم امل�ؤلف ورقم الإيداع الدويل وال�صيغة وال�شكل واملقا�س وعدد الأوراق وتاريخ الن�رش وال�سعر و�إمكانية ال�رشاء من الإنرتنت وملخ�ص ملو�ضوع الكتاب ،مع �إمكانية قراءة جزء من الكتاب قبل ال�رشاء. • يق ّدم املوقع و�سائل للتوا�صل مع م�ؤلفي الدار كك ّل من خالل قوائم بامل�ؤلفني مر ّتبة �أبجدي ًا، ون�رش روابط ملدونات امل�ؤلفني ومدونات عن الكتب والأدب ،وتخ�صي�ص �صفحات ملناق�شة الكتب والتعليق عليها وم�ساحة للقراء لقراءة
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
ويف جمال املعار�ض نالحظ املالمح الرقمية التالية:
• تع ّددية اللغات التي يعمل بها املعر�ض والتي ت�صل يف بع�ض املواقع �إىل ت�سع لغات بينها العربية مثلما هو احلال مع موقع معر�ض لندن للكتاب ،وتق�سيم بنية املوقع تقي�سم ًا فئوي ًا وظيفي ًا ،بحيث يق ّدم كل ق�سم خدمات تنا�سب كل فئة من زواره ،من العار�ضني والوكاالت والزوار التجاريني وال�صحفيني ثم اجلمهور العام. • يعمل موقع املعر�ض على مدار العام ولي�س خالل فرتة االنعقاد فقط ،وتتاح كل البيانات واملعلومات اخلا�صة بالدورات ال�سابقة. • ي�شارك املوقع ك�أداة من �أدوات التنظيم والرتويج ،فهو يقوم بالإعالن عن تواريخ و�ساعات االفتتاح ،و�أ�سعار التذاكر واملبيعات وكيفية الو�صول للمعر�ض والإقامة وت�أ�شريات الدخول ،وبع�ض الأرقام عن املعر�ض وتاريخ املعر�ض وقائمة العار�ضني وخمطط املعر�ض واملنتديات وامل�ؤمترات ومعلومات عن الفنادق وال�سياحة والطعام ومعلومات عن �ضيف
ال�رشف ونقاط الرتكيز الأ�سا�سية ،ويت�ض ّمن املوقع خدمات للت�سجيل يف املعر�ض ككل �إلكرتونيا ويف الندوات والأحداث والفعاليات ين�سق بع�ض املواقع مع التي �ستقام فيه ،كما ّ �رشكات ال�سياحة حلجز تذاكر الطريان والفنادق عرب موقع املعر�ض.
املعلوماتية
الكتب والتعليق عليها. • حتر�ص العديد من دور الن�رش على �أن تكون مواقعها لي�ست فقط للح�ضور على الإنرتنت و�إمنا �أي�ضا للت�شجيع على القراءة والرتويج للكتب وامل�ؤلفني ولبيع و�رشاء الكتب مبختلف �أ�شكالها (ورقية� ،إلكرتونية� ،صوتية) ،وتقوم هذه املواقع بتكوين جمموعات من القراء ملناق�شة وتقييم كتاب معينّ من خمتلف اجلوانب ،مع �إمكانية �أي ع�ضو يف موقع دور الن�رش �إن�شاء جمموعة قراءة �أو اقرتاح �أفكار للمجموعات. • �أغلب مواقع دور الن�رش مزودة بوظائف وقدرات مواقع التجارة الإلكرتونية ،وميكن من خاللها �إن�شاء �سلة للم�شرتيات وجتميعها و�رشاء الكتب ودفع ثمنها و�شحنها ،ويحتوي بع�ض املواقع على ق�سم للكتب التي ير�شّ حها املحررون يف دار الن�رش للقراءة.
73
الو�ضع عربي ًا
تكونت ع ّينة املواقع التي �شملتها هذه الفئة من 24موقع ًا 8 ،منها ملعار�ض الكتب العربية بن�سبة %33.3من الع ّينة وجميعها تابعة جلهات ر�سمية ،و 15موقع ًا لدور ن�رش جميعها �رشكات خا�صة بن�سبة %62.5من الع ّينة يف ما عدا موقع واحد كان ملنظمة مدنية خريية متخ�ص�صة يف الن�رش ،وجميع هذه املواقع كانت كال�سيكية تقليدية مل تت�ضمن �أي من الأمناط احلديثة يف بناء وت�شغيل املواقع كاملنتديات واملدونات وغريها ،وب�شكل عام �أ�سفرت التحليالت التي �أجريت على هذه الفئة كما يو�ضح اجلدول رقم «»19ع ّما يلي.
الالفت للنظر �أن املواقع الإلكرتونية للمنظمات واجلمع ّيات الأهل ّية العربية ال حتظى ب�شعبية معقولة ،فهناك %77.8منها حظي مبع ّدل زيارة �ضعيف للغاية و%22.2 منها هي مواقع مهملة وخارج ت�صنيف �أليك�سا.
كتب ت�صدر وحمتوى ثابت ...كيف؟
كان املحتوى الثابت هو الأكرث �شيوع ًا يف هذه املواقع ،حيث حقّق املحتوى الثابت 35.4 نقطة من مائة ،واملتج ّدد 11.5نقطة واملت ّنوع 2.1نقطة� ،أما املحتوى التفاعلي فلم يظهر على الإطالق. ق ّدمت هذه املواقع حمتوى جيد الأهمية بالن�سبة للتنمية الثقافية� ،إذ كان %16.7من املحتوى مهم ًا جداً ،و %45.8مهم ،و%16.7 متو�سط الأهمية ،و� 20.8ضئيل الأهمية. �شكّل البالغون الفئة الأوىل التي ُتركّز هذه املواقع على خماطبتها فكان %79.2 من املحتوى الذي قدمته خم�ص�ص ًا لهذه الفئة ،تليها فئة ال�شباب بن�سبة %37.5ثم فئة امل�سنني بن�سة ،16.7والأطفال بن�سبة .%12.5 ومن حيث التعليم ر ّكزت هذه املواقع خطابها على ذوي التعليم العايل واملثقفني وخ�ص�صت لهم 62.5مما تقدمه من حمتوى ،تليهم فئة مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 74للتنمية الثقافية
جدول رقم 19نتائج حتليل عينة مواقع دور الن�رش واملعار�ض معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع» �أفراد اجلهة القائمة على م�ؤ�س�سة ر�سمية املوقع م�ؤ�س�سة مدنية �رشكات خا�صة موقع كال�سيكي منتدى منط املوقع مدونة ثابت متجدد نوعيات املحتوى تفاعلي متنوع مهم جدا مهم �أهمية املحتوى الثقافية للتنمية متو�سط الأهمية �ضئيل الأهمية �أطفال �شباب بالغون فئات اجلمهور التي م�س ّنون يخاطبها املوقع تعليم حتت املتو�سط تعليم متو�سط تعليم عال ومثقفون مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول» مرتفع جدا من �ألف �إىل� 10آالف موقع مرتفع من � 10إىل � 30ألف حجم الزوار «بح�سب متو�سط من � 30إىل � 50ألف متو�سط الرتتيب يف منخف�ض من � 50إىل � 70ألف مقيا�س �أليك�سا» �ضعيف من � 70إىل � 100ألف �ضعيف للغاية من �100ألف وما بعدها مهمل وخارج الت�صنيف ممتاز جيد جودة حمتوى املوقع متو�سط منخف�ض ن�صو�ص �صوت الو�سائط املتعددة فيديو �صور
دور الن�رش 0.0 33.3 4.2 62.5 100.0 0.0 0.0 35.4 11.5 0.0 2.1 16.7 45.8 16.7 20.8 12.5 37.5 79.2 16.7 4.2 33.3 62.5 0.0 0.0 0.0 0.0 0.0 0.0 83.3 16.7 10.4 33.3 22.9 33.3 100.0 0.0 4.2 91.7
التعليم املتو�سط بن�سبة %33.3من املحتوى، ثم التعليم حتت املتو�سط بن�سبة .%4.2
مواقع �ضعيفة �أو مهملة
ات�سمت هذه املواقع مبعدل زيارة غري باملرة ،فطبق ًا ملقيا�س �أليك�سا ،جاء مر�ضية ّ %83.3منها يف فئة املواقع التي حتظى مبعدل زيارة «منخف�ض للغاية» ،و %16يف فئة املواقع املهملة خارج ت�صنيف �أليك�سا كلية .ويف ما يتعلّق بجودة املحتوى كان الأداء �أف�ضل من معدل الزيارة ،حيث حقق املحتوى املمتاز 10.4درجة من مائة من حيث كثافة احل�ضور يف هذه املواقع ،واملحتوى اجلديد 33.3درجة واملحتوى متو�سط اجلودة 22.9 درجة ،واملحتوى منخف�ض اجلودة 33.3 درجة .ومن حيث تعددية الو�سائط اعتمدت هذه املواقع على الن�صو�ص �أو ًال ،وقد ا�ستخدمها %100من املواقع ،ثم ال�صور التي ا�ستخدمها %91.7من املواقع� ،أما ا�ستخدام الفيديو فجاء �ضئي ّال للغاية بحيث مل يظهر �إال يف %4.2من املواقع� ،أما ال�صوت فلم ي�ستخدم يف هذه الفئة على الإطالق. و�إىل جانب الأرقام ال�سابقة فقد لوحظ �أن ال�سمة الغالبة على مواقع دور الن�رش العربية �أنها خارج �سياق اخلدمات التفاعلية التي تعترب حمور االرتكاز يف مواقع دور الن�رش احلديثة والقوية� ،إذ تخلو منها خدمات التوا�صل مع امل�ؤلفني والقراء ،والتعامل مع كل كتاب ككيان م�ستقل ي�ستحق �صفحة م�ستقلة.
توا�ضع التجارة الإلكرتونية
ال توجد توجهات جدية لدى مواقع دور الن�رش العربية ال�ستخدام �إمكانات التجارة الإلكرتونية يف الت�سويق والرتويج للكتب، كذلك ال تهتم هذه الدور با�ستغالل مواقعها ك�أدوات للت�شجيع على القراءة والرتويج للكتب وامل�ؤلفني ولبيع و�رشاء الكتب. وظهر العديد من مواقع املعار�ض كرابط متفرع من املوقع الر�سمي لوزارة الثقافة
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
املكتبات الرقمية
يق�صد باملكتبات الرقمية مواقع الإنرتنت التي ميكن �رشاء �أو تنزيل الكتب منها �أو البحث عن الكتب من خاللها� ،سواء كانت هذه املكتبات «واجهات رقمية» ملكتبات قائمة بالفعل يف الواقع �أم مكتبات رقمية موجودة على الإنرتنت فقط ،ومن املالمح البارزة للمكتبات الرقمية ما يلي:
املعلوماتية
وال يحتوي على �شيء �سوى جدول فعاليات املعر�ض ال�سابق وجدول بامل�شاركني وال يحتوي على �صور للمعار�ض ال�سابقة كما مل يهتم معظمها ب�أخبار املعار�ض ال�سابقة. كانت معظم مواقع املعار�ض تقليدية وال تت�ض ّمن حمرك بحث �أو قاعدة بيانات با�سماء الكتب املعرو�ضة ،وظهر بع�ض املواقع القليلة بت�صميم جيد واحتوت هذه املواقع على الكثري من الأدوات التي قد تفيد من يبحثون عن الكتب �أو امل�ؤلفني الذين ي�شاركون يف املعار�ض، ومنها �أدوات البحث املز ّودة بالعديد من االختيارات التي تفيد زائر املوقع ،و�إن كانت جميع املواقع خ�ص�صت نف�سها لفرتة انعقاد املعر�ض فقط من دون �أن تربط البيانات واملعلومات اخلا�صة باملعار�ض ال�سابقة مع املعر�ض احلايل. وعلى الرغم من �أن العديد من مواقع دور الن�رش بدا جيد الت�صميم ،ف�إن الكثري من اخلدمات التي احتواها هذا الت�صميم كانت ال تعمل ،ومنها مث ًال خدمة «طلب �رشاء» .كما �أن بع�ض املواقع كان �أ�شبه مبدونة حيث ال توجد �أيقونة واحدة فعالة على �صفحته الأوىل، وهو عبارة عن �صفحات عر�ض لبع�ض الكتب متتالية ال�صفحة الأوىل ثم الثانية وهكذا، وكانت معظم ال�صفحات الداخلية فارغة بل �إن بع�ض الأيقونات التي تت�ص ّدر ال�صفحة الأوىل عندما تظهر حمتوياتها تكون �أ�سفل ال�صفحة ولي�ست �أمام امل�ستخدم على الرغم من ترك امل�ساحة العلوية التي تظهر على �سطح املكتب فارغة.
• عر�ض �أغلفة الكتب واملجالت وال�صحف الإلكرتونية ،وتخ�صي�ص �صفحة منف�صلة لكل كتاب ،حتتوي على ا�سم الكتاب وامل�ؤلف و�سعر الن�سخة الورقية و�سعر الن�سخة الإلكرتونية ومقدار التوفري ،بالإ�ضافة �إىل نبذة عن الكتاب وحجمه وعدد ال�صفحات والنا�رش واللغة والرقم الدويل و�آراء العمالء الآخرين ،وتوفري خدمة البيع وال�رشاء �إلكرتونيا مع اجلماهري� ،سواء بو�سائل دفع �إلكرتونية عرب املوقع �أم بالدفع عند اال�ستالم. • عر�ض �أ�سماء الكتب التي ا�شرتاها زوار �سابقون للموقع لي�شرتيها الزائر �إذا وجدها تنا�سبه ،ومتكينه من مطالعة جدول املحتويات والغالف الأمامي وال�صفحات الأوىل والغالف اخللفي مع �إمكانية البحث داخل الكتاب، وعر�ض الدرجة التي ح�صل عليها الكتاب من تقييم القراء والزوار الآخرين وتقا�س بخم�س جنوم ،مع عر�ض قائمة ب�أف�ضل الكتب مبيع ًا مع �إمكانية ت�صفح املو�ضوعات والبحث يف الكتب والبحث املتقدم. • يف مواقع املكتبات القومية واملكتبات العامة والكربى تت ّم �إتاحة البحث يف الكتالوجات واملجموعات الرقمية وامللفات ال�صوتية واملو�سيقى املطبوعة وال�صور واملخطوطات واخلرائط والدوريات و�أدب الأطفال والأبحاث والر�سائل العلمية مع �إمكانية حتديد الدولة الأوربية ،والعمل كذاكرة رقمية قومية �أو عامة تتيح الو�صول املجاين للخرائط التاريخية وال�صور والوثائق وامللفات ال�صوتية واملرئية. • توفري خدمات تفاعلية مع اجلمهور كالن�رشات االخبارية الدولية ومنتديات مناق�شة الكتب والإفادة املتبادلة عن البحث يف الكتب النادرة و�إبداء املالحظات حول الكتب ذات العالقة بالق�ضايا اجلارية. • عر�ض املقتنيات النادرة و�صور املخطوطات القدمية يف حالتها الأ�صلية ،وتقدمي ملفات من خمتلف الو�سائط :برامج ون�صو�ص و�صور وملفات فيديو وملفات �صوتية.
75
معظم مواقع دور الن�رش واملعار�ض العربية على الإنرتنت ال ت�ستخدم �إمكانيات التجارة الإلكرتونية وال تت�ضمن حمرك بحث �أو قاعدة بيانات ب�أ�سماء الكتب املعرو�ضة.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 76للتنمية الثقافية
• عر�ض فهار�س و�أدلة �ضخمة بالكتب وتزويدها ب�أدوات متخ�ص�صة يف البحث عن الكتب با�سم امل�ؤلف �أو ا�سم الكتاب �أو املو�ضوع �أو البحث احلر بالكلمة وغريها من معايري البحث.
الو�ضع عربي ًا
�شملت الع ّينة التي ا�ستخدمت يف التحليل مت اختيارها على �أ�سا�س بهذه الفئة 30موقع ًاّ ، مراعاة الت ّنوع يف املحتويات قدر الإمكان، وجرى ا�ستبعاد املواقع التي �أهمل حتديثها منذ فرتة كبرية �أو التي اكتفي امل�س�ؤولون عنها بعدم تنويع الأبواب بالقدر الذي ي�سمح ب�أن تدخل مراحل التقييم.
ن�صو�ص ثابتة وحمتوى مهمل
من حيث اجلهة القائمة على املواقع ف�إن %50من املواقع م�س�ؤول عنها �أفراد، م�س�ؤول عنها م�ؤ�س�سات ر�سمية ،و %6.7م�س�ؤول عنها م�ؤ�س�سات مدنية و %23.3م�س�ؤول عنها �رشكات خا�صة. ومن حيث منط املوقع كان %53.3من املواقع كال�سيكية تقليدية ،و %20منتديات، و 26.7مدونات. �سجل املحتوى الن�صي الثابت غري املتجدد ّ 30درجة من مائة درجة من حيث الثقل �سجل املحتوى واالنت�شار بهذه املواقع ،بينما ّ املتج ّدد 14.2درجة واملحتوى التفاعلي 0.8 درجة واملحتوى املت ّنوع 4.2درجة. بدا ثلثا هذه املواقع تقريبا �إما �ضئيل الأهمية �أو متو�سط الأهمية بالن�سبة للتنمية الثقافية ،فبلغت ن�سبة املواقع �ضئيلة الأهمية للتنمية الثقافية ،%23.3ومتو�سطة الأهمية � ،%43.3أما املواقع املهمة فكانت ن�سبتها ،%13.3واملواقع املهمة %20فقط. وبالنظر �إىل اجلمهور الذي ت�ستهدفه هذه املواقع ،وجد �أنها من حيث معيار ال�سن تركز خطابها على البالغني ،فبلغت ن�سبة املحتوى و%20
املخ�ص�ص جلمهورها من البالغني ،%90 واملخ�ص�ص لل�شباب %13.3وللأطفال � ،3.3أما امل�س ّنون فال تخاطبهم كلية ،ومن حيث معيار التعليم تتجاهل ذوي التعليم حتت املتو�سط، وتركز على ذوي التعليم املتو�سط بن�سبة ،%40 والتعليم العايل واملثقفني بن�سبة .%60 وتت�أرجح جماهريية هذه املواقع بني مرتبة متو�سط و�ضعيف للغاية ،وقد �أظهر التحليل �أن معدل الزيارات لـ %13.3منها متو�سط ،و� 56.7ضعيف للغاية� ،أما املواقع ذات الزيارة املرتفعة فن�سبتها ،%6.7يف ما كان هناك %20من املواقع مهملة وخارج ت�صنيف الزيارات. و�أظهرت هذه املواقع �أدا ًء خمتلف ًا يف ما يتعلق بجودة املحتوى ،بحيث حقق املحتوى ممتاز اجلودة 10.8نقطة ،واملحتوى اجلديد 23.3نقطة ،واملتو�سط 52.5نقطة ،واملنخف�ض اجلودة 26.7نقطة .وقد مالت هذه الفئة من املواقع للرتكيز على الن�صو�ص وال�صور يف ما يتعلق بتوظيفها خلا�صية تع ّدد الو�سائط يف الن�صي عر�ض املحتوى ،بحيث انت�رش املحتوى ّ يف %100من املواقع ،وال�صور يف %83.3 من املواقع ،بينما مل يظهر حمتوى ال�صوت وحمتوى الفيديو �إال يف %6.7فقط من املواقع. (جدول رقم ) 20
غمو�ض امل�ؤ�س�سني
كانت املواقع التي ال تعلن �رصاحة وبو�ضوح عن جهة ت�أ�سي�سها و�إدارتها �أكرث مت ّيزاً باملقارنة مبواقع املكتبات الر�سمية التي خلت جميعها تقريب ًا من وجود الكتب التي ميكن �أن ي�ستفيد منها الزائرون واكتفت معظمها بخدمة البحث يف قاعدة بيانات عن �أ�سماء الكتب التي ميكن �أن ي�ستعريها طالب الكتب ولكن بالطرق مقر املكتبة ولي�س فيها التقليدية والذهاب �إىل ّ خدمات تذكر يف ما يتعلّق بعمليات اال�ستعارة من خالل املواقع.
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
..وغمو�ض قانوين
�أمثلة نادرة
برزت جمموعة مواقع متم ّيزة يف هذه الفئة تناف�س الكثري من املواقع العاملية من حيث الت�صميم واملحتوى واخلدمات التفاعلية الوراق منوذج ًا جيداً مع اجلمهور ،و ُيع ّد موقع ّ يف هذا ال�صدد ،فهو يوفّر عدداً �ضخم ًا من الكتب النادرة وقد ُيع ّد منوذج ًا ملا يجب �أن يكون عليه موقع متخ�ص�ص يف عامل الكتب� ،إذ ت�ضمن الكثري من اخلدمات التي قد يحتاج �إليها حمركات البحث الباحثون عن الكتب من حيث ّ وكمية الكتب املتوافرة جمان ًا ،بالإ�ضافة �إىل توثيق الكتب من الناحية القانونية.
املد ّونات يف ت�صاعد
على الرغم من حداثة املد ّونات يف العامل العربي ف�إنها �شهدت انت�شاراً �رسيع ًا يف جماالت ع ّدة ،من بينها مدونات الأ�شخا�ص الذين يكتبون معلومات عن �أنف�سهم �أو ي�ضيفون مو�ضوعات عامة �أو يعر�ضون كتب ًا، و ُتعترب مدونة «كتب» منوذج ًا جيداً على ذلك. كما �أن الكثري من املكتبات الرقمية يت�ض ّمن ت�صنيفات قليلة مقارنة بالكثري من املجاالت الأخرى العامة ،بع�ضها يف حاجة �إىل ت�سويق عرب �شبكة الإنرتنت نظراً ملا يحمله من قيمة
جدول رقم 20نتائج حتليل عينة مواقع املكتبات الرقمية معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع» �أفراد اجلهة القائمة على م�ؤ�س�سة ر�سمية املوقع م�ؤ�س�سة مدنية �رشكات خا�صة موقع كال�سيكي منتدى منط املوقع مدونة ثابت متجدد نوعيات املحتوى تفاعلي متنوع مهم جدا مهم �أهمية املحتوى للتنمية الثقافية متو�سط الأهمية �ضئيل الأهمية �أطفال �شباب بالغون فئات اجلمهور م�س ّنون التي يخاطبها املوقع تعليم حتت املتو�سط تعليم متو�سط تعليم عال ومثقفون مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول» مرتفع جدا من �ألف �إىل� 10آالف موقع مرتفع من � 10إىل � 30ألف حجم الزوار متو�سط من � 30إىل � 50ألف «بح�سب متو�سط الرتتيب يف مقيا�س منخف�ض من � 50إىل � 70ألف �أليك�سا» �ضعيف من � 70إىل � 100ألف �ضعيف للغاية من �100ألف وما بعدها مهمل وخارج الت�صنيف ممتاز جيد جودة حمتوى املوقع متو�سط منخف�ض ن�صو�ص �صوت الو�سائط املتعددة فيديو �صور
املكتبات الرقمية 50.0 20.0 6.7 23.3 53.3 20.0 26.7 30.0 14.2 0.8 4.2 20.0 13.3 43.3 23.3 3.3 13.3 90.0 0.0 0.0 40.0 60.0 0.0 0.0 6.7 13.3 3.3 0.0 56.7 20.0 10.8 23.3 52.5 26.7 100.0 6.7 6.7 83.3 مؤسسة الفكر العربي ّ
املعلوماتية
بع�ض املواقع التي بها خدمة حتميل الكتب مل تهتم ب�إي�ضاح قانونية احل�صول على هذه الكتب ،بل �إن معظمها مل يذكر �شيئ ًا عن امل�س�ؤول عن هذا املوقع واكتفي بوجود �أيقونة ملرا�سلة امل�س�ؤول عرب الربيد الإلكرتوين. وتعاين مواقع العديد من املكتبات الوطنية العربية ـ حتى التي حتمل �أ�سماء الر�ؤ�ساء وامللوك ـ من م�شكالت يف مدى �سالمة الروابط الن�شطة املوجودة بال�صفحة الرئي�سية ،فبع�ض روابط املكتبات ال تعمل �أو تقود الزائر �إىل �صفحات فارغة �أو �إىل �صفحات يذكر املوقع �أنها قيد التطوير وما �شابه ذلك.
77
التقرير العربي الثاين 78للتنمية الثقافية
قد يكون الكثري من املهتمني بعامل الثقافة والكتب ال يعلمون عنها �شيئ ًا. ال تخلو املكتبات الرقمية العربية على الإنرتنت من غمو�ض قانوين من حيث �إي�ضاح قانون ّية احل�صول على الكتب.
هناك مكتبات رقم ّية عربية تتاف�س الكثري من املواقع العاملية من حيث الت�صميم واملحتوى واخلدمات التفاعل ّية مع اجلمهور الوراق. مثل موقع ّ
يبدو موقع مكتبة الإ�سكندر ّية من املواقع املميزة عربي ًا وعاملي ًا يف جمال املكتبات ومع ذلك فم�ستوى زواره ال يعك�س �أهم ّية ما يقدمه من حمتوى� ،إذ كان ت�صنيفه بني املواقع يوم ال�سبت � 31أكتوبر 2009هو 54 الف و 592زائراً فقط.
حمتوى ثري و�إقبال �ضعيف
على الرغم من مت ّيز العديد من مواقع املكتبات الرقمية العربية ،ف�إن الإقبال اجلماهريي عليها ال يتنا�سب وما تقدمه من خدمات وحمتوى ،ويربز موقع مكتبة الإ�سكندرية كمثال مهم يف هذا ال�صدد، فهو يعد من املواقع املهمة واملميزة عربي ًا وعاملي ًا يف جمال املكتبات ،لكن م�ستوى زواره وجماهريه ال يتنا�سب مع ما يقدمه من حمتوى ،ويكفي �أن نعلم مثال �أنه يف يوم ال�سبت � 31أكتوبر 2009كان ت�صنيفه بني املواقع هو 54الف و 592زائر وهي مرتبة متدنية بالن�سبة ملكتبة الإ�سكندرية.
الأدب
ينفرد الوجه الرقمي حلركة الأدب على متكررة الإنرتنت عاملي ًا ب�سمة تكاد تكون غري ّ يف غريه من �صنوف الثقافة الأخرى ،وهي ا�ستخدامه للإنرتنت يف بناء جمتمعات �أدبية «تخيلية» �أو افرتا�ضية مكتملة العنا�رص، فعلى م�ستوى التخ�ص�ص الأدبي هناك جمتمعات وجتمعات افرتا�ضية خم�ص�صة لك ّتاب الق�صة و�أخرى لك ّتاب الرواية وثالثة لل�شعراء ورابعة للنقاد والأكادمييني واملتابعني من اجلمهور العام ،وعلى م�ستوى الأدوات التقنية ت�شكّل املنتديات واملدونات واملواقع املعتمدة على �أدوات اجليل الثاين للويب العمود الفقري حلركة الأدب الرقمي عاملي ًا ،وعلى م�ستوى الوظيفة تق ّدم هذه املجتمعات التخيلية ك ّل ما ميكن �أن يحتاجه الأديب من م�صادر معلومات وتوا�صل حلظي مع نظرائه وفر�ص لن�رش �إبداعه وقنوات لتلقي ردود الفعل عليها ،و�أدوات ملتابعة ما يجري على ال�ساحة الأدبية بطريقة تفاعلية مع الأخرين. و ُتع ّد �شبكة الأدب http://www.onl
/line-literature.comواحدة من النماذج احلية للمجتمعات االفرتا�ضية الأدبية التي جت�سد حركة الأدب الرقمي على ال�شبكة، ّ فاملن�شور عليها ي�صل �إىل 260م�ؤلفا �أدبي ًا و 2874كتاب ًا و 3828ق�صيدة وق�صة ق�صرية. كما يعمل يف الوقت نف�سه كمنتدى وجمتمع �أدبي تخيلي ي�صل عدد �أع�ضائه �إىل 52,569 �أديب ًا وقا�ص ًا و�شاعراً من خمتلف �أنحاء العامل ،وو�صل عدد الر�سائل احلية املتبادلة عليه ويدور حولها نقا�ش بني االع�ضاء وقت زيارة املوقع وحتليله �إىل .606,270وت�ضم ال�صفحة الرئي�سية قائمة جلميع امل�ؤلفني، وعند النقر على امل�ؤلف تظهر �صفحة حتتوي على نبذة عن امل�ؤلف و�سريته الذاتية وقائمة بجميع �أعماله من ق�ص�ص وروايات و�شعر، وبالنقر على ا�سم العمل الأدبي تظهر �صفحة �أخرى حتتوي على ف�صول �أو ن�ص هذا العمل مع روابط �أخرى مللخ�صات الف�صول ور�سائل املنتدى حول هذا العمل الأدبي .ويق ّدم املوقع خدمة اال�شرتاك املجاين ،كما يق ّدم خدمة للمعلمني مع �إمكانية �إدارة الطالب وغري ذلك، ومن املمكن م�شاركة �أي �صفحة يف هذا املوقع من خالل مواقع التوا�صل االجتماعي �أو مواقع الروابط االجتماعية .ويحتوي املوقع على �إعالنات ولكنها متناغمة مع ت�صميم املوقع، وال ميكن تنزيل العمل الأدبي و�إمنا قراءته من الإنرتنت فقط.
الو�ضع عربي ًا
مت اختيار 26موقع ًا كع ّينة حتليل للمواقع ّ واملجتمعات الأدبية العربية الرقمية على الإنرتنت.
وجود ن�شط وقطاع خا�ص
ي�ضطلع املجتمع املدين والأفراد بالعبء الأكرب يف �إن�شاء و�إدارة هذه النوعية من املواقع ،بحيث بلغت ن�سبة املواقع الأدبية التي ميلكها ويديرها �أفراد ،%57.7واملواقع التابعة مل�ؤ�س�سات مدنية و�أهلية ،%23.1والتابعة
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
جمود املحتوى
�سجل املحتوى من حيث تن ّوع املحتوى ّ الثابت اجلامد 43.3نقطة من حيث االنت�شار و�سجل املحتوى املتجدد يف مواقع هذه الفئةّ ، 8.7نقطة ،واملتنوع 6.7نقطة� ،أما املحتوى التفاعلي فلم يظهر كلية. كان %11.5من املحتوى الذي قدمته هذه املواقع مهم ًا جداً بالن�سبة للتنمية الثقافية، بينما كان %34.6من املحتوى مهم ًا ،و%34.6 متو�سط الأهمية ،و� %19.2ضئيل الأهمية. وتخاطب هذه املواقع ال�شباب والبالغني بالدرجة الأوىل ،بحيث ق ّدمت 46.2منها حمتوى يخاطب ال�شباب ،و %53.8منها ق ّدم حمتوى يخاطب البالغني ،ومل يقم �أي منها بتقدمي حمتوى يخاطب الأطفال. وعلى امل�ستوى التعليمي ،ق ّدمت %65.4من املواقع للتعليم املتو�سط ،وق ّدمت %34.6 من املواقع حمتوى لذوي التعليم العايل واملثقفني� ،أما فئة التعليم حتت املتو�سط فلم تخاطبها �أي من املواقع التي ت�ضمنتها العينة. (جدول رقم )21
مرة �أخرى ..جماهري غائبة
كما هو معتاد يف معظم الفئات ال�سابقة �سجلت مواقع الأدب جماهريية �ضئيلة جداً، ّ بحيث ا ّت�ضح �أن %3.3من املواقع حتظى مبعدل زيارات مرتفع ،و %3.3حتظى مبعدل زيارات متو�سط ،و %3.3حتظى مبعدل زيارات �سجلت معدل منخف�ض ،و %40من املواقع ّ زيارات منخف�ض ًا للغاية ،و %36.7من املواقع كانت مهملة وخارج الت�صنيف.
جدول رقم 21نتائج حتليل عينة مواقع الأدب معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع» �أفراد اجلهة القائمة على م�ؤ�س�سة ر�سمية املوقع م�ؤ�س�سة مدنية �رشكات خا�صة موقع كال�سيكي منتدى منط املوقع مدونة ثابت متجدد نوعيات املحتوى تفاعلي متنوع مهم جدا مهم �أهمية املحتوى للتنمية الثقافية متو�سط الأهمية �ضئيل الأهمية �أطفال �شباب بالغون فئات اجلمهور م�س ّنون التي يخاطبها املوقع تعليم حتت املتو�سط تعليم متو�سط تعليم عال ومثقفون مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول» مرتفع جدا من �ألف �إىل� 10آالف موقع مرتفع من � 10إىل 30الف حجم الزوار متو�سط من � 30إىل 50الف «بح�سب متو�سط الرتتيب يف مقيا�س منخف�ض من � 50إىل 70الف �أليك�سا» �ضعيف من � 70إىل 100الف �ضعيف للغاية من �100ألف وما بعدها مهمل وخارج الت�صنيف ممتاز جيد جودة حمتوى املوقع متو�سط منخف�ض ن�صو�ص �صوت الو�سائط املتعددة فيديو �صور
الأدب 57.7 3.8 23.1 15.4 50.0 30.8 19.2 43.3 8.7 0.0 6.7 11.5 34.6 34.6 19.2 0.0 46.2 53.8 0.0 0.0 65.4 34.6 0.0 0.0 3.3 3.3 3.3 0.0 40.0 36.7 13.5 31.7 26.0 28.8 100.0 30.8 30.8 88.5 مؤسسة الفكر العربي ّ
املعلوماتية
ل�رشكات خا�صة � ،%15.4أما املواقع الر�سمية فكانت ن�سبتها .%3.8 كما كان متوقع ًا ازدادت ن�سبة املدونات واملنتديات يف هذه الفئة عن غريها من الفئات الأخرى ،بحيث �شكلت املنتديات %30.8من املواقع الأدب ية واملدونات ،%19.2واملواقع الكال�سيكية .%50
79
التقرير العربي الثاين 80للتنمية الثقافية
ت�سجل مواقع الأدب العربية على الإنرتنت ح�ضوراً �ضئي ًال للغاية فال يحظى مبعدل زيادات مرتفع �سوى %3.3من هذه املواقع.
�سجل املحتوى بالن�سبة جلودة املحتوى ّ املمتاز 13.5نقطة من حيث االنت�شار يف و�سجل املحتوى اجليد 31.7 مواقع الأدبّ ، نقطة ،واملحتوى املتو�سط 26نقطة ،واملحتوى املنخف�ض 28.8نقطة. وكما هو معتاد �أي�ض ًا يف معظم الفئات ال�سابقة مالت �أو�ضاع تعددية الو�سائط امل�ستخدمة يف املواقع ب�ش ّدة �إىل الن�صو�ص ف�سجل وال�صور على ح�ساب ال�صوت و الفيديوّ ، املحتوى الن�صي ح�ضوراً يف %100من املواقع الأدبية ،وحمتوى ال�صور ،%88.5وال�صوت و الفيديو %30.8لكل منهما. ولوحظ �أن هناك ندرة وا�ضحة يف ما يتعلق باملدونات العربية يف هذا املجال ،لكن هذا مل مينع من وجود بع�ض املدونات واملواقع املتميزة التي تت�ضمن العديد من الت�صنيفات املتخ�ص�صة. يف املقابل كانت هناك العديد من املواقع التي ال تت�ضمن �سوى حمتوى �ضئيل وت�صنيفات قليلة ،حتى �أن هناك موقع ًا مل يت�ضمن �إال ثالثة ت�صنيفات مثل �أجمل �أبيات الف�صحى والعامية والأبيات الطريفه ،وركز على الإ�ضافات اخلارجية وم�شاركات الزائرين ،ومع ذلك مل يحت ِو �إال على عدد قليل من �أبيات ال�شعر. وهناك مواقع جمعت ما بني الن�صو�ص و الفيديو وال�صوت لل�شعراء� ،إال �أنه ي�ؤخذ عليها ا�ستخدام الكثري من الألوان والفال�ش الذي ي�ش ّتت عيون الزائرين ،حتى �أن ال�صفحة الأوىل يف �أحد املواقع احتوت على نحو � 130أيقونة ميكن ال�ضغط عليها للدخول �إىل ال�صفحات، وهو ما يعني ح�رش الكثري من املو�ضوعات على ال�صفحة الأوىل ،والغريب وجود �أيقونة للألعاب ُح�رشت و�سط هذا الكم املتم ّيز من املحتويات اخلا�صة بال�شعر. وحاول بع�ض املواقع العمل كقنوات لن�رش �إبداعات و�إ�سهامات ال�شعراء والأدباء
الأقل �شهرة واهتمت بهم بدرجة وا�ضحة مقارن ًة بال�شعراء والأدباء �أ�صحاب الأ�سماء الكربى وامل�شاهري .وا ّت�سم حمتوى املد ّونات الأدبية ب�أنه الأ�ضعف والأكرث توا�ضع ًا مقارنة باملحتوى املق ّدم عرب املنتديات واملواقع الكال�سيكية.
الثقافة والإعالم الإلكرتوين العربي
1
يف درا�سة �أجريت على الو�ضع الراهن ملحتوى قطاع الإعالم الإلكرتوين العربي ُوجد �أن الإعالم العربي ـ كقناة ناقلة للثقافة ـ مل ي�ستع ّد بالقدر الكايف للنقالت املتوالية التي حتدثها تقنية االت�صاالت وتكنولوجيا املعلومات يف عامل الإعالم ،وهناك العديد من ال�شواهد على للتوجه املتنامي ذلك ،منها عدم اال�ستعداد ّ للفيديو بح�سب الطلب والذي بد�أ يحيل م�ؤ�س�سات الإعالم �إىل م�ستودعات برامج ،وهو ما ي�ؤ ّدي �إىل تزايد الطلب ب�صورة كبرية على املحتوى الإعالمي وتن ّوعه وت�صنيفه و�إثرائه بالقيمة امل�ضافة. وثاين امل� رّؤ�شات الدالة على ذلك هو �شيوع ظاهرة �إهدار الأر�شيف الإعالمي العربي ،مبا يحمله ذلك من ت�أثري على الذاكرة الإعالمية العربية ومن ثم الت�أثري �سلبي ًا على الدور الثقايف للإعالم ،ورمبا يرجع ال�سبب يف هذه الظاهرة �إىل �ضعف الطلب علي الأر�شيف الإعالمي نظراً لقلّة الدرا�سات والبحوث يف املجاالت التاريخية واالجتماعية وال�سيا�سية و�إىل �ضمور الإنتاج الوثائقي �إىل الآن ،وقد �سعى بع�ض دور ال�صحف العربية ،كالأهرام امل�رصية وجريدة احلياة اللندنية� ،إىل �إتاحة �أر�شيفاتها للجمهور. وثالث هذه امل� رّؤ�شات هو عدم الإعداد للنقلة النوعية التي بد�أت حتدث �إثر التالحم والتمازج بني الإنرتنت واملحمول والإعالم حتى يف �صورته التقليدية الورقية ،وهو
1م�صدر املعلومات يف هذا اجلزء هو «م�سح املحتوى العربي الرقمي وبرجمياته وتطبيقاته وتقييم احتياجاته» الذي قام به الباحث باال�شرتاك مع الدكتور نبيل علي يف �إطار درا�سة ل�صالح منظمة الإ�سكوا �أعدتها املنظمة �ضمن م�رشوع تعزيز وتطوير �صناعة املحتوى العربي الرقمي يف حا�ضنات تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت.
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
جدول رقم 22توزيع �أعداد املواقع التي �شملتها الدرا�سة طبقا لفئات التحليل الفئة الوزارات املتاحف البحث العلمي التعليم الإلكرتوين املو�سيقى امل�رسح ال�سينما الفلكلور املنظمات غري احلكومية دور الن�رش املكتبات الرقمية الأدب �إجم�إيل
وال ميكن �إغفال �أي�ض ًا �أن هناك بدايات واعدة لل�صحافة الإلكرتونية العربية بعد �أن حقّقت العديد من املواقع الإلكرتونية جناح ًا ملحوظ ًا و�أخذت حتت ّل مواقع متقدمة يف قائمة املواقع الأكرث جذب ًا للزوار ،وميكن القول �إن بع�ض ال�صحف الإلكرتونية العربية قد تف ّوقت على مواقع دور ال�صحف املطبوعة من حيث ثراء املحتوى وتفاعليته وجاذبية تقدميه.
املعلوماتية
ما �سيتطلب حمتوى خمتلف ًا ك ّم ًا وكيف ًا عن املحتوى الإعالمي التقليدي ،ويفتح �آفاق ًا وا�سعة وغري م�سبوقة للت�أثري الثقايف للإعالم الذي تغيرّ بفعل ثورة االت�صاالت وتقنية املعلومات. ورابع هذه امل� رّؤ�شات هو �ضعف م�شاركة املتلقي ب�صورة عامة ،ويظهر ذلك بو�ضوح يف امل�شاركات التي تت ّم عرب املواقع الإلكرتونية الإعالمية العربية �سواء يف امل�ستوى الأول املتعلق ب�إر�سال التعليقات من خالل الربيد الإلكرتوين �أم بالتعليقات املبا�رشة من خالل �صفحات املواقع. لكن على اجلانب الآخر كان هناك بع�ض امل� رّؤ�شات الإيجابية ،فقد ظهرت مبادرات م�شجعة يف الإعالم الوثائقي الذي يعترب غذا ًء ثقافي ًا مهم ًا ،خ�صو�ص ًا من قبل عدد قليل من الف�ضائيات العربية .وعلى الرغم من كونه يعتمد �أ�سا�س ًا على ترجمة الربامج واملواد الأجنبية ،ف�إن هناك مبادرات م�شجعة لإنتاج وثائقي عربي �أ�صيل .ومن املعروف �أن �إنتاج املحتوى الوثائقي ،وبخا�صة يف املجال العلمي يتطلّب كلفة عالية وخربة متقدمة يف ت�صميمه و�إخراجه ،وهو ما يتطلّب ت�أهيل كوادر عربية ل�صناعة �إعالم وثائقي جيد والذي �سيتنامى الطلب عليه مع التو�سع يف ا�ستخدام تكنولوجيا الفيديو حتت الطلب ،وكذلك ب�سبب تزايد االهتمام بالثقافة العلمية التكنولوجية. وتعترب املد ّونات من امل� رّؤ�شات الإيجابية يف ال�صورة الراهنة للمحتوى الإلكرتوين العربي كوعاء لنقل وتبادل و�إنتاج الزاد الثقايف ولي�س فقط املحتوى العام ،حتى �أنها باتت متثّل نوع ًا من الإعالم البديل �أو ال�صحافة ال�شعبية كما ُيطلق �أحيان ًا وميكنه �أن يناف�س قنوات الإعالم الر�سمي الذي يبدي قلق ًا متزايداً �إزاء هذا املناف�س اجلديد ال�صاعد من القاعدة والأكرث قدرة على التفاعل املبا�رش مع جماهريه، وبالتايل بد�أ يطرح نف�سه كو�سيلة لن�رش خطاب �إعالمي ثقايف جديد خارج القوالب املعروفة للإعالم التقليدي.
81
العدد 19 26 29 25 30 26 38 16 18 24 30 26 307
�إنتاج املحتوى الوثائقي، وبخا�صة يف املجال العلمي يتطلّب كلفة عالية وخربة متقدمة يف ت�صميمه و�إخراجه ،الأمر الذي يق�ضي بت�أهيل كوادر عربية ل�صناعة �إعالم وثائقي جيد� ،سوف يتنامى الطلب عليه مع التو�سع يف ا�ستخدام تكنولوجيا الفيديو حتت الطلب.
الوجة الرقمي للثقافة العربية «النتائج الإجمالية �أفقي ًا» (جداول رقم 22و) 23
مالمح الوجه الرقمي للثقافة العربية طبق ًا للجهات القائمة على املواقع ومنطها
يو�ضح اجلدول رقم « »24مالمح الوجه الرقمي للجهات القائمة على املواقع ومنط هذه املواقع كالتايل»: الأفراد :يربز ح�ضور الأفراد ب�شكل قوي و�ساحق يف جمال املو�سيقى ،بحيث ات�ضح
حقّقت العديد من املواقع الإلكرتونية جناح ًا ملحوظ ًا و�أخذت حتت ّل مواقع متقدمة يف قائمة املواقع الأكرث جذب ًا للزوار ،وميكن القول �إن بع�ض ال�صحف الإلكرتونية تفوقت على مواقع دور العربية قد ّ ال�صحف املطبوعة. مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 82للتنمية الثقافية جدول رقم 23نتائج حتليل العينة الإجمالية ككل « »307موقع معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع» �أفراد اجلهة القائمة على م�ؤ�س�سة ر�سمية املوقع م�ؤ�س�سة مدنية �رشكات خا�صة موقع كال�سيكي منتدى منط املوقع مدونة املواقع املعطلة ثابت متجدد نوعيات املحتوى تفاعلي متنوع املواقع املعطلة مهم جدا مهم �أهمية املحتوى متو�سط الأهمية للتنمية الثقافية �ضئيل الأهمية املواقع املعطلة �أطفال �شباب بالغون فئات اجلمهور م�س ّنون التي يخاطبها تعليم حتت املتو�سط املوقع تعليم متو�سط تعليم عال ومثقفون املواقع املعطلة مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول» مرتفع جدا من �ألف �إىل� 10آالف موقع مرتفع من � 10إىل � 30ألف حجم الزوار متو�سط من � 30إىل � 50ألف «بح�سب متو�سط الرتتيب يف مقيا�س منخف�ض من � 50إىل � 70ألف �أليك�سا» �ضعيف من � 70إىل � 100ألف �ضعيف للغاية من �100ألف وما بعدها مهمل وخارج الت�صنيف ممتاز جيد جودة حمتوى متو�سط املوقع منخف�ض املواقع املعطلة ن�صو�ص �صوت الو�سائط املتعددة فيديو �صور املواقع املعطلة
العدد
النسبة إلجمالي العدد أو درجة االنتشار
95.0 112.0 51.0 49.0 254.0 52.0 20.0 7.0 448.0 112.0 34.0 105.0 7.0 30.0 110.0 85.0 75.0 7.0 18.0 226.0 262.0 140.0 103.0 214.0 251.0 7.0 1.0 22.0 23.0 11.0 6.0 2.0 177.0 65.0 217.0 388.0 319.0 267.0 7.0 300.0 78.0 61.0 262.0 7.0
30.9 36.5 16.6 16.0 82.7 16.9 6.5 2.3 36.5 9.1 2.8 8.6 2.3 9.8 35.8 27.7 24.4 2.3 5.9 73.6 85.3 45.6 33.6 69.7 81.8 2.3 0.3 7.2 7.5 3.6 2.0 0.7 57.7 21.2 17.7 31.6 26.0 21.7 2.3 100.0 26.0 20.3 87.3 2.3
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
جدول رقم 24
املعلوماتية
�أنهم م�س�ؤولون عن امتالك و�إدارة %93.3من مواقع املو�سيقى ،تليها مواقع الأدب ،%57ثم املكتبات الرقمية وامل�رسح %50لكل منهما، ال�سينما ،%34.2واملتاحف ،%26.3والفلكلور ،%25ولي�س للأفراد دور يف مواقع الوزارات والبحث العلمي واملنظمات غري احلكومية. تظهر امل�ؤ�س�سات الر�سمية ب�شكل كامل يف %100من مواقع الوزارات والبحث العلمي وهذا متوقع ومنطقي ،ولكن ينخف�ض ح�ضورها يف مواقع التعليم الإلكرتوين �إىل %52و%36.8 يف املتاحف ،و 31.3يف ال�سينما ،و 31.6يف الفلكلور ،و %33.3يف دور الن�رش واملعار�ض، و %20يف املكتبات الرقمية ،و %3.8يف الأدب ،ويختفي متام ًا يف املو�سيقى. �أما املنظمات غري احلكومية وامل�ؤ�س�سات املدنية فح�ضورها الأ�سا�سي كان يف مواقع املنظمات الثقافية الأهلية ،حيث كانت م�س�ؤولة عن %94.4من مواقع هذه الفئة ،ثم كانت م�س�ؤولة عن %31.3يف الفلكلور ثم %28 تعليم �إلكرتوين ثم 23.1%يف كل من الأدب
وامل�رسح ،و %15.8يف ال�سينما و %4.2يف دور الن�رش واملعار�ض ،وخمتفية يف املو�سيقى والبحث العلمي والوزارات. كان ح�ضور ال�رشكات اخلا�صة باهت ًا و�ضعيف ًا يف معظم الفئات يف ما عدا فئة دور الن�رش واملعار�ض التي كان القطاع اخلا�ص م�س�ؤو ًال عن %62.5من مواقعها� ،أما ح�ضور ال�رشكات اخلا�صة يف الفئات الأخرى فبلغ %23.3يف املكتبات الرقمية ،و %26.3يف املتاحف ،و 18.4يف ال�سينما والأدب ،و%12.5 فلكلور ،و %12تعليم �إلكرتوين ،ومل تظهر ال�رشكات اخلا�صة والقطاع اخلا�ص يف مواقع البحث العلمي والوزارات واملنظمات غري احلكومية. ً ي�سود النمط الكال�سيكي كال من الوزارات والبحث العلمي واملو�سيقى واملنظمات غري احلكومية ودور الن�رش بن�سبة ،%100واملتاحف ،%94.7والتعليم الإلكرتوين %92والفلكلور ،%81.5وال�سينما ،%81.6وامل�رسح ،%76.9 واملكتبات الرقمية ،%53.3والأدب .%50
مالمح الوجه الرقمي للثقافة طبقا للجهة القائمة على املوقع ومنطه
الفئة الوزارات املتاحف البحث العلمي التعليم الإلكرتوين املو�سيقى امل�رسح ال�سينما الفلكلور املنظمات غري احلكومية دور الن�رش املكتبات الرقمية الأدب
اجلهة القائمة على املوقع
منط املوقع موقع كال�سيكي
منتدى
مدونة
0.0
100.0
0.0
0.0
100.0
0.0
0.0
26.3
36.8
10.5
26.3
94.7
0.0
5.3
0.0
100.0
0.0
0.0
100.0
0.0
0.0
8.0
52.0
28.0
12.0
92.0
48.0
0.0
93.3
0.0
0.0
6.7
100.0
40.0
0.0
50.0
15.4
23.1
15.4
76.9
38.5
0.0
34.2
31.6
15.8
18.4
81.6
5.3
13.2
25.0
31.3
31.3
12.5
87.5
12.5
0.0
0.0
5.6
94.4
0.0
100.0
0.0
0.0
0.0
33.3
4.2
62.5
100.0
0.0
0.0
50.0
20.0
6.7
23.3
53.3
20.0
26.7
57.7
3.8
23.1
15.4
50.0
30.8
19.2
�أفراد
م�ؤ�س�سة ر�سمية
م�ؤ�س�سة مدنية �رشكات خا�صة
83
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 84للتنمية الثقافية
�أما منط املنتديات فكان ح�ضوره %48يف توعية املحتوى
التعليم الإلكرتوين ،و %40املو�سيقى ،و%38.5 امل�رسح ،و %30.8الأدب ،و %20املكتبات الرقمية ،و 12.5الفلكلور ،و %5.3ال�سينما،
�سجل املحتوى الثابت كثافة انت�شار يف ّ مواقع يف التعليم الإلكرتوين بلغت 68نقطة، ويف املتاحف 56.6نقطة ،والبحث العلمي واملو�سيقى 48.3نقطة ،و 43.3نقطة يف الأدب، و 39.1نقطة يف الفلكلور ،ودور الن�رش 35.4 نقطة ،واملنظمات غري احلكومية 33.3نقطة، وامل�رسح 31,7نقطة ،وال�سينما 23.7نقطة، والوزارات 5.6نقطة. �سجل املحتوى املتج ّدد كثافة انت�شار ّ يف مواقع ال�سينما بلغت 25.0نقطة ،والبحث العلمري 20.7نقطة ،واملكتبات الرقمية 14.2نقطة ،واملنظمات غري احلكومية ،13.9 واملو�سيقى 12.5نقطة ،ودور الن�رش ،11.5 والفلكلور ،9.4واملتاحف ،9.2والأدب ،8.7 وامل�رسح ،8.0والوزارات ،2.8ونقطتني للتعليم الإلكرتوين. ظهر املحتوى التفاعلي يف مواقع الفلكلور مبعدل كثافة بلغ 6.3نقطة ،ويف املو�سيقى 5.8نقطة ،وامل�رسح و 3.8نقطة ،واملنظمات
ويختفي من الوزارات واملتاحف والبحث العلمي واملنظمات غري احلكومية ودور الن�رش. �سجلت املدونات �أدنى ح�ضور داخل الوجه ّ الرقمي للثقافة العربية بحيث ظهرت يف %26.7من املكتبات الرقمية ،و %19.2من الأدب ،و %13.2من ال�سينما ،و %5.3من املتاحف ،ومل تظهر مطلق ًا يف كل من الوزارات والبحث العلمي والتعليم الإلكرتوين واملو�سيقى وامل�رسح والفلكلور واملنظمات غري احلكومية ودور الن�رش.
مالمح الوجه الرقمي للثقافة العربية طبق ًا لنوعية املحتوى وجودته
يو�ضح اجلدول رقم « »25مالمح الوجه الرقمي للثقافة العربية طبق ًا لنوعية املحتوى وجودته كالتايل:
جدول رقم 25مالمح الوجه الرقمي للثقافة طبقا لنوعية املحتوى وجودته الفئة الوزارات املتاحف البحث العلمي التعليم الإلكرتوين املو�سيقى امل�رسح ال�سينما الفلكلور املنظمات غري احلكومية دور الن�رش املكتبات الرقمية الأدب
جودة املحتوى
نوعية املحتوى ثابت
متجدد
تفاعلي
متنوع ّ
ممتاز
جيد
متو�سط
منخف�ض
5.6
2.8
0.0
54.2
2.6
21.1
44.7
21.1
56.6
9.2
0.0
1.3
1.3
26.3
32.9
39.5
48.3
20.7
0.9
0.0
0.0
38.8
33.6
20.7
68.0
2.0
0.0
4.0
3.0
73.0
16.0
8.0
48.3
12.5
5.8
0.0
54.2
30.8
8.3
5.0
31.7
8.0
3.8
1.9
36.5
24.0
23.1
26.9
23.7
25.0
0.0
10.5
36.8
22.4
25.0
15.8
39.1
9.4
6.3
0.0
23.4
21.9
32.8
21.9
33.3
13.9
2.8
0.0
0.0
43.1
11.1
45.8
35.4
11.5
0.0
2.1
10.4
33.3
22.9
33.3
30.0
14.2
0.8
4.2
10.8
23.3
52.5
26.7
43.3
8.7
0.0
6.7
13.5
31.7
26.0
28.8
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
يف ال�سينما ودور الن�رش واملتاحف والأدب والوزارات والتعليم الإلكرتوين. ظهر املحتوى املتنوع مبعدل كثافة بلغ 54.2نقطة مبواقع الوزارات ،ويف ال�سينما 10.5نقطة ،والأدب 6.7نقطة ،واملكتبات الرقمية 4.2نقطة ،والتعليم الإلكرتوين 4.0 نقطة ،ودور الن�رش نقطة ،2.1وامل�رسح 1.9 نقطة ،واملتاحف 1.3نقطة ،ومل يظهر بالفلكلور واملو�سيقى واملنظمات غري احلكومية والبحث العلمي.
جودة املحتوى:
�سجلت مواقع • يف فئة املحتوى املمتاز ّ املو�سيقى 54.2نقطة من حيث كثافة انت�شار و�سجلت هذه النوعية من املحتوى بداخلهاّ ، مواقع ال�سينما 36.8نقطة ،وامل�رسح ،36.5 والفلكلور ،23.4والأدب ،13.5واملكتبات الرقمية ،10.8ودور الن�رش ،10.4والتعليم الإلكرتوين ،3.0والوزارات ،2.6واملتاحف ت�سجل مواقع املنظمات غري احلكومية ،1.3ومل ّ والبحث العلمي �أي نقاط. �سجلت مواقع • يف فئة املحتوى اجليد ّ التعليم الإلكرتوين 73.0نقطة ،واملنظمات غري احلكومية ،43.1والبحث العلمي ،38.8ودور الن�رش ،33.3والأدب ،31.7واملو�سيقى ،30.8 واملتاحف ،26.3وامل�رسح ،24.0واملكتبات الرقمية ،23.3وال�سينما ،22.4والفلكلور ،21.9 والوزارات 21.1نقطة. �سجلت مواقع • يف فئة املحتوى املتو�سط ّ املكتبات الرقمية 52.5نقطة ،والوزارات ،44.7والبحث العلمي ،33.6واملتاحف ،32.9 والفلكلور ،32.8والأدب ،26.0وال�سينما ،25.0 وامل�رسح ،23.1ودور الن�رش ،22.9والتعليم الإلكرتوين ،16.0واملنظمات غري احلكومية ،11.1واملو�سيقى 8.3نقطة. �سجلت • يف فئة املحتوى منخف�ض اجلودة ّ مواقع املنظمات غري احلكومية 45.8نقطة،
واملتاحف ،39.5ودور الن�رش ،33.3والأدب ،28.8وامل�رسح ،26.9واملكتبات الرقمية ،26.7والفلكلور ،21.9والوزارات ،21.1 والبحث العلمي ،20.7وال�سينما ،15.8والتعليم الإلكرتوين ،8.0واملو�سيقى 5.0نقاط.
ثاني ًا :مالمح الوجه الرقمي للثقافة العربية طبق ًا جلماهريية املواقع ومعدل زيارتها
يو�ضح اجلدول رقم « »26مالمح الوجه الرقمي للثقافة العربية طبق ًا جلماهريية املواقع ومعدل زيارتها. مل يظهر �أي موقع من �أي فئة يف م�ستوى الزيارات «املرتفع للغاية» امل�صنَّفة �ضمن �أكرث منالفموقع على العامل من حيث عدد الزيارات، با�ستثناء موقع واحد يف فئة ال�سينما ي�شكّل %2.6من هذه الفئة. ظهر %56.7من مواقع املو�سيقى يف فئة «مرتفع جداً» ،كما ظهر %10.5من مواقع ال�سينما يف هذه الفئة ،ويف ما عدا ذلك مل تظهر �أي مواقع من �أي فئة �أخرى. يف فئة «مرتفع» بد�أت الدائرة ت ّت�سع، فظهر %23.3من مواقع املو�سيقى ،وامل�رسح ،%19.2والفلكلور ،%12.5والوزارات ،%10.5 واملكتبات الرقمية ،%6.7وال�سينما ،%5.3 واملتاحف ،%3.7والأدب ،%3.3ومل تظهر �أي مواقع من املنظمات غري احلكومية والبحث العلمي والتعليم الإلكرتوين ودور الن�رش. يف فئة «متو�سط» ظهر %13.3من مواقع املكتبات الرقمية ،والتعليم الإلكرتوين ،%8.0 وامل�رسح ،%7.7وال�سينما ،%5.3والأدب ،%3.3ومل تظهر �أي مواقع من املو�سيقى والفلكلور والوزارات واملتاحف واملنظمات غري احلكومية والبحث العلمي ودور الن�رش. يف فئة «منخف�ض» ظهر %6.7من مواقع املو�سيقى ،والتعليم الإلكرتوين ،%4.0 وامل�رسح ،%3.8واملكتبات الرقمية ،%3.3 والأدب ،%3.3ومل تظهر �أي مواقع من ال�سينما والفلكلور والوزارات واملتاحف واملنظمات
املعلوماتية
غري احلكومية 2.8نقطة ،والبحث العلمي 0.9 نقطة ،واملكتبات الرقمية 0.8نقطة ،واختفي
85
مواقع املو�سيقى وال�سينما تت�ص ّدر فئة املحتوى املمتاز للمواقع العربية ( 54نقطة للمو�سيقى و 36نقطة لل�سينما) بينما يت�ضاءل ترتيب مواقع املكتبات الرقم ّية (11 نقطة) والتعليم الإلكرتوين ( 3نقاط) والوزارات ( 2.6نقطة) واملتاحف ( 1.3نقطة).
لدينا موقع عربي واحد لل�سينما يف قائمة الألف موقع الأكرث زيارة على �شبكة الإنرتنت ،ومواقع �أخرى عرب ّية للمو�سيقى وال�سينما �ضمن قائمة الع�رشة �آالف موقع الأكرث زيارة على �شبكة الإنرتنت.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 86للتنمية الثقافية
غري احلكومية والبحث العلمي ودور الن�رش. تقييم الوجه الرقمي للثقافة العربية يف فئة «�ضعيف» ظهر %4من مواقع نقاط القوة
ال يوجد موقع عربي واحد، بخالف ال�سينما واملو�سيقى� ،ضمن قائمة الع�رشة �آالف موقع الأكرث زيارة على �شبكة الإنرتنت ،وي�رسي ذلك على مواقع الأدب واملكتبات الرقم ّية والبحث العلمي والتعليم الإلكرتوين واملنظمات الأهلية وامل�ؤ�س�سات الثقافية.
التعليم الإلكرتوين ،و %3.8من مواقع امل�رسح، ومل تظهر مواقع من �أي فئة �أخرى. يف فئة «منخف�ض للغاية» ظهر %86.2 من مواقع البحث العلمي ،ودور الن�رش،%83.3 واملنظمات غري احلكومية ،%77.8وال�سينما ،%71.1والتعليم الإلكرتوين ،%68.0وامل�رسح ،%65.4واملكتبات الرقمية ،%56.7والوزارات ،%52.6واملتاحف ،%40.7والأدب ،%40.0 والفلكلور ،%37.5واملو�سيقى .%13.3 يف فئة «مهمل وخارج الت�صنيف» ت�ص ّدرت املتاحف القائمة بـ ،%51.9ثم الفلكلور ،%50.0والوزارات ،%36.8والأدب ،%36.7 واملنظمات غري احلكومية ،%22.2واملكتبات الرقمية ،%20.0ودور الن�رش ،%16.7والتعليم الإلكرتوين ،%16.0والبحث العلمي ،%13.8 وال�سينما ،%5.3ومل تظهر �أي مواقع من امل�رسح واملو�سيقى يف هذه الفئة.
يف �ضوء الأرقام والتحليالت ال�سابقة ميكن القول �إن الوجه الرقمي للثقافة العربية حاليا يتم ّتع بنقاط القوة التالية:
معايري عاملية
يوجد بع�ض املواقع العربية الثقافية التي ُ�ص ّممت مبعايري عاملية و ُتق ّدم حمتوى يناف�س الكثري من املواقع العاملية من حيث اجلماهريية والقوة واخلدمات التفاعلية مع اجلمهور ،بخا�ص ًة يف ال�سينما واملو�سيقى وبع�ض املدونات الأدبية واملكتبات الرقمية، و ُتع ّد هذه املواقع على قلّتها ـ �أو كونها ا�ستثناء ـ عالمة من عالمات القوة التي تثبت �أنه بالإمكان الو�صول بالوجه الرقمي للثقافة العربية �إىل م�ستويات �أف�ضل بكثري مما هو �سائد الآن.
جدول رقم 26مالمح الوجه الرقمي للثقافة طبقا جلماهريية املواقع وزوارها ا�ستنادا �إىل ترتيبها بقوائم «�أليك�سا» الفئة الوزارات املتاحف البحث العلمي التعليم الإلكرتوين املو�سيقى امل�رسح ال�سينما الفلكلور املنظمات غري احلكومية دور الن�رش املكتبات الرقمية الأدب
مرتفع للغاية مرتفع جدا «بني املواقع من �ألف الألف الأول» �إىل� 10آالف
مرتفع من � 10إىل � 30ألف
متو�سط من � 30إىل � 50ألف
منخف�ض من � 50إىل � 70ألف
�ضعيف �ضعيف للغاية مهمل وخارج من � 70إىل من �100ألف الت�صنيف � 100ألف وما بعدها
0.0 0.0 0.0
0.0 0.0 0.0
10.5 3.7 0.0
0.0 0.0 0.0
0.0 0.0 0.0
0.0 0.0 0.0
52.6 40.7 86.2
36.8 51.9 13.8
0.0
0.0
0.0
8.0
4.0
4.0
68.0
16.0
0.0 0.0 2.6 0.0
56.7 0.0 10.5 0.0
23.3 19.2 5.3 12.5
0.0 7.7 5.3 0.0
6.7 3.8 0.0 0.0
0.0 3.8 0.0 0.0
13.3 65.4 71.1 37.5
0.0 0.0 5.3 50.0
0.0
0.0
0.0
0.0
0.0
0.0
77.8
22.2
0.0
0.0
0.0
0.0
0.0
0.0
83.3
16.7
0.0
0.0
6.7
13.3
3.3
0.0
56.7
20.0
0.0
0.0
3.3
3.3
3.3
0.0
40.0
36.7
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
تقا�سم عملي للم�س�ؤولية
املحتوى التفاعلي يبد�أ الت�سلّل
ثمة �أرقام ت�شري �إىل �أن املحتوى التفاعلي ـ الذي ينا�سب التنمية الثقافية �أكرث من غريه ـ قد بد�أ يت�سلّل �إىل بع�ض املجاالت وي�سجل فيها درجة من الكثافة يف احل�ضور، ّ كاملو�سيقى وامل�رسح والفلكلور ب�شكل �أ�سا�سي، كما ظهرت �أرقام ت�شري �إىل بداية طيبة لن�رش املحتوى املتجدد يف جماالت ال�سينما والبحث العلمي واملكتبات الرقمية ،وبد�أ َيظهر اهتما ٌم باملنتديات يف التعليم الإلكرتوين واملو�سيقى وامل�رسح والأدب ،و�إذا كانت هذه الظواهر مل ت�صبح بعد نقطة قوة ُيح�سب لها ح�ساب فعلي، فهي على الأق ّل تدل على �أن نقطة �ضعف يف الوجه الرقمي للثقافة العربية قد بد�أت «ت�ضعف» وتخفت.
وتع ّددية الو�سائط على الطريق
ب�شكل عام هناك اهتمام ن�سبي قابل للتطور والتح�سني يف الإقبال على الأخذ مببد�أ
تع ّددية الو�سائط يف عر�ض املحتوى ،وهو مبد�أ حتتاج �إليه املواد الثقافية ب�ش ّدة عرب الف�ضاء الإلكرتوين لكي ت�صبح فاعلة وجاذبة للجمهور ،فهي ت�ضع �صوت ال�شاعر مع كلمات الق�صيدة ،وفيديو املطرب مع كلمات الأغنية، و�صوت و�صورة الفلكلور مع الن�ص الذي ي�رشح، والأرقام ت�شري �إىل �أن ِخم�س املواقع التي خ�ضعت للتحليل فيها تعددية و�سائط كاملة، ن�صو�ص وفيديو و�صور و�صوت ،وربعها فيه تعددية و�سائط ثالثية ت�شمل الن�صو�ص وال�صور وال�صوت.
جناح جماهريي حمدود
ق ّدم بع�ض املواقع مناذج ناجحة تثبت �أنه بالإمكان وبقدر من ال�صرب واجلدية جذب قطاعات كربى من اجلماهري العربية لكي تقبل وتتابع وتنجذب �إىل املحتوى الثقايف الرقمي املق ّدم عرب الإنرتنت ،وحدث هذا ب�صورة وا�ضحة يف فئة ال�سينما واملو�سيقى التي ظهرت بها ع ّدة مواقع تتم ّتع مب�ستويات زيارة «مرتفعة للغاية» �أي م�ص ّنفة �ضمن �أكربالفموقع من حيث معدالت الزيارة على م�ستوى الإنرتنت و»مرتفعة جدا» �أي بني املواقع منالف�إىل ع�رشة �آالف ،وهذه خربة ال ي�ستهان بها يف كيفية ت�صميم وبناء وت�شغيل مواقع ثقافية ت�ستطيع حتقيق جماهريية وا�سعة على هذا النحو .وعلى الرغم من �أن هذه النوعية ذات اجلماهريية العالية من املحتوى كانت ا�ستثناءات نادرة ،ف�إنها يف النهاية ت�شكّل نقطة قوة ميكن اال�ستفادة منها والبناء عليها يف جماالت �أخرى ،وثقافية ،وعلم ّية، و�أدب ّية � ...إلخ. ويف معيار نوعية املحتوى ظهرت ن�سبة طفيفة من املواقع التي ت ّت�سم مبحتوى متجدد وتفاعلي ومتنوع وهي نقطة قوة تفتح املجال نحو �إمكانية ان�سياب الإنتاج الثقايف العربي عرب الإنرتنت م�سقب ًال� .أما يف معيار جودة املحتوى ،فظهرت ن�سبة طفيفة من املواقع �أي�ض ًا تتم ّتع مب�ستوى من اجلودة يف املحتوى
املعلوماتية
يف ن�سبة ا�ستثنائية من املواقع كان هناك ح�ضور وا�ضح للجهات التي يفرت�ض �أن ت�ضطلّع مب�س�ؤولية ن�رش الثقافة الرقمية يف هذه املجاالت ،ومن هذه الأمثلة اال�ستثنائية �أن الأفراد حققوا ح�ضوراً طاغي ًا يف حتمل م�س�ؤولية املواقع التي حتقق فعلي ًا زيارات كربى على ال�شبكة ويف مقدمتها املو�سيقى، والأرقام اخلا�صة باملنظمات غري احلكومية ت�شري �إىل دور بارز لهذه املنظمات يف رعاية وتقدمي مواقع الفلكلور والتعليم الإلكرتوين، بينما يربز دور ال�رشكات والقطاع اخلا�ص قوي ًا يف جمال دور الن�رش واملعار�ض .ويف هذه الأمثلة تبدو الأمور طبيعية من دون حدوث «تبادل للأدوار» �أو تراجع يف الأدوار ما بني كل جهة و�أخرى ،وهذا يعني �أن كل طرف «�أفراد ـ جهات ر�سمية ـ جهات �أهلية ـ قطاع خا�ص» لديه قدر من الوعي باملجاالت الثقافية التي حتتاج لدوره �أكرث من غريه.
87
هناك مواقع عربية يف ال�سينما واملو�سيقى حققت جناح ًا كبرياً يجب اال�ستفادة منها والبناء عليها يف املواقع الثقافية والعلمية والأدبية الأخرى.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 88للتنمية الثقافية
ال�سمة الغالبة للمواقع الثقافية العربية �أنها ذات حمتوى ثابت قلّما يتجدد.
يرتاوح بني ممتاز وجيد ،وهي نقطة قوة ل�صالح املحتوى القائم. ويف معيار �أهمية املحتوى للتنمية الثقافية حظيت الن�سبة الأكرب من املواقع التي مت حتليلها بت�صنيف مهمة جداً ومهمة بالن�سبة ّ للتنمية الثقافية ،الأمر الذي يدلّ على �أن القاعدة الأكرب من املواقع مهي�أة ،ولو على م�ستوى قناعات �أ�صحابها ،لكي تكون قريبة ال�صلة بق�ضية التنمية الثقافية ب�صورة �أو ب�أخرى. اجتماع نقاط القوة الثالث ال�سابقة مع ًا ي�ضيف نقطة قوة رابعة هي �أن هناك بذرة �أو «نواة» للجدية والوعي يف �إعداد وعر�ض املحتوى الثقايف العربي يف �صورة رقمية وعر�ضه على الإنرتنت ،وهذه النواه قابلة لأن تعمل كنقطة قوة تنمو مع الوقت.
مظاهر ال�ضعف
يف مقابل نقاط القوة ال�سابقة ت�شري التحليالت والأرقام ال�سابقة �إىل �أن هناك الكثري من مظاهر ال�ضعف التي تعرتي الوجه الرقمي للثقافة العربية لعل �أهمها:
وجه ثابت جامد
ثمة �إهمال ملحوظ للأطفال يف الأغلبية ال�ساحقة للمواقع الثقافية العربية على �شبكة الإنرتنت.
بعيداً عن اال�ستثناءات التي ذُكرت يف نقاط القوة ف�إن ال�سمة الغالبة على الوجه الثقايف الرقمي العربي �أنه وجه ثابت جامد غري متجدد وبعيد عن التفاعلية واحليوية� ،إذ ي�سيطر املحتوى الثابت على معظم املواقع وكثافة انت�شاره يف املواقع عامة تناهز ورمبا تزيد على �ضعفي كثافة انت�شار املحتوى املتجدد وثالثة �أو �أربعة �أ�ضعاف املحتوى التفاعلي واملتن ّوع. وهذا ما يجعل الن�سبة الأكرب من اجلهود التي تبذل فيه تتوارى وتتال�شى �ضمن الركام الهائل املنت�رش يف الف�ضاء الرقمي من دون �أن يح�س بها �أحد. ّ
منط كال�سيكي م�سيطر
�سيادة النمط الكال�سيكي على ت�صميم
وبناء املواقع الثقافية وعدم التطوير واالنتقال للأمناط الأحدث القائمة على التفاعلية احلر للمعلومات والتي تع ّد والتداول اللحظي ّ جوهر اجليل الثاين للويب ،وتع ّد الوزارات واملتاحف والبحث العلمي ودور الن�رش هي الأكرث معاناة من نقطة ال�ضعف هذه .ويف �سجلت املدونات �أدنى ظهور لها هذا ال�سياق ّ ووجدت ب�صورة خفيفة وطفيفة يف املكتبات الرقمية والأدب وال�سينما ومل تظهر بباقي الفئات. والغالبية ال�ساحقة من املواقع ال تركّز على فئة الأطفال بني املراحل العمر ّية املختلفة وفئة التعليم حتت املتو�سط بني فئات امل�ستوى التعليمي ،وهذه نقطة ِ�ضعف خطرية لأن هاتني الفئتني اللّتني �سقطتا تقريب ًا من اهتمام املواقع الثقافية العربية هما الأوىل باالهتمام والرعاية و�إعداد حمتوى ثقايف ينا�سبهما ،على �أ�سا�س �أن اجلمهور ذو التعليم الأقل من املتو�سط هو اجلمهور الأو�سع نطاق ًا حالي ًا ،و�أن الأطفال اليوم هم الفئة التي �سيقع على عاتقها عبء التنمية الثقافية يف امل�ستقبل ،عالوة على �أنها الفئة الأ�سهل تعليم ًا وتعلّم ًا وا�ستيعاب ًا للثقافة الرقم ّية. ي�شكّل الإهمال اجلماهريي للمواقع الثقافية العربية �سمة غالبة و�ساحقة يف جميع الفئات با�ستثناء ال�سينما واملو�سيقى ،ف�أكرث من ن�صف املواقع يف البحث العلمي ودور الن�رش واملنظمات غري احلكومية والتعليم الإلكرتوين وامل�رسح واملكتبات الرقمية والوزارات واملتاحف والأدب والفلكلور جميعها يحظى مبعدل زيارة �ضئيل للغاية ،بل وحو�إىل ربع مواقع الع ّينة �إجما ًال هي عملي ًا مواقع خارج الت�صنيف� ،أي مهملة ال يزورها �أحد تقريب ًا.
تراجعات يف الأدوار
بعيداً عن اال�ستثناءات يف بع�ض احلاالت اخلا�صة بتوزيع الأدوار وامل�س�ؤوليات التي �أ�رشنا �إليها يف نقاط القوة ،ف�إن ال�سمة الغالبة �أن هناك تراجع ًا يف الأدوار التي يفرت�ض �أن تقوم
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
حلقات �شديدة ال�ضعف
على الرغم من القوة الطفيفة التي ظهرت حقوق ملكية مهدرة
يف �أهمية املحتوى بالن�سبة للتنمية الثقافية، ف�إن هناك حلقات �شديدة ال�ضعف يف هذا امل�ضمار �أهمها على الإطالق ال�ضعف ال�شديد يف املحتوى الذي تق ّدمه مواقع البحث العلمي للتنمية الثقافية ،خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق بالثقافة العلمية والتوعية العامة وغريها، كذلك هناك حلقات �ضعف تتعلّق بطغيان الن�ص كو�سيط يف عر�ض املحتوى على غالبية املواقع ،و�ض�آلة ال�صوت و الفيديو وظهوره مبظهر �أقل مما يجب يف ن�سبة كبرية من مواقع ال�سينما واملو�سيقى والفلكلور التي حتتاج �إليه ب�شدة.
تق�صري يف جت�سيد الثقافة
يف جميع احلاالت ـ مبا فيها احلاالت اال�ستثنائية التي ظهر فيها بع�ض عالمات ال�صحة واجلودة والقوة ـ مل ي�ستطع املحتوى الثقايف املعرو�ض على الإنرتنت ب�شكل عام �أن يعك�س قدراً ولو قلي ًال من الرثاء ال�شديد الذي تتميز به الثقافة العربية والرتاث العربي يف املجاالت املختلفة ،وتق ّدم املتاحف منوذج ًا �صارخ ًا على ذلك ،فال يوجد موقع متحفي واحد ا�ستطاع �أن يرتجم لزواره الرثاء الذي حتتويه جدرانه احلقيقية من تراث �إن�ساين وح�ضاري فريد ،وت�شهد مواقع املتاحف امل�رصية وال�سورية على ذلك بك ّل و�ضوح، ويتكرر هذا الأمر يف �شتى املجاالت الثقافية ّ
ال تهتم املواقع الثقافية العربية ب�صورة وا�ضحة بحقوق امللكية الفكرية وحقوق امل�ؤلف وجميع اجلوانب املتعلقة بقوانني الن�رش على الإنرتنت ،وي�ستوي يف ذلك مواقع املو�سيقى مع ال�سينما مع املكتبات الرقمية وغريها، حتى �أن بع�ض املواقع ذات الأ�سماء الالمعة ال تهتم باي�ضاح قانونية احل�صول على الكتب التي تعر�ضها ،بل �أن معظمها ال يذكر �شيئ ًا عن امل�س�ؤول عن هذا املوقع. على الرغم من �أن املواقع الثقافية عاملي ًا تعترب يف معظم ـ �إن مل يكن يف كل ـ الأحوال نقاط ًا للتالقي وتبادل املعارف والآراء ،ف�إن الدرا�سة مل تر�صد ما يدلّ على �أن هذه املواقع واجلهات القائمة عليها ت�ستخدم مواقعها يف �إقامة روابط �شبكية تعمق عالقاتها ببع�ضها البع�ض �أو مع جمهورها امل�ستهدف.
املعلوماتية
بها جهات مع ّينة جتاه جماالت معينة ،كما هو احلال يف تراجع دور امل�ؤ�س�سات الر�سمية لدى العديد من املجاالت التي حتتاجها ب�ش ّدة مثل التعليم الإلكرتوين والفلكلور واملكتبات الرقمية والأدب ،بحيث تبينّ �أن دور امل�ؤ�س�سات الر�سمية يف هذه املجاالت �ضعيف ب�شكل وا�ضح ،وحدث ال�شيء نف�سه يف ما يتعلق بدور املنظمات غري احلكومية يف املجاالت التي حتتاج �إىل دعم فعلي وهي البحث العلمي والأدب وامل�رسح.
الأخرى ،حتى يف الكتب التي ُتع ّد �أف�ضل الفئات حا ًال. هناك فتور وا�ضح يف موقف القطاع اخلا�ص العربي وال�رشكات العربية يف اقتحام جمال الثقافة الرقمية وتطبيقاتها وخدماتها، فبا�ستثناء فئة املعار�ض ودور الن�رش ال نكاد نلحظ وجوداً م�ؤثراً للقطاع اخلا�ص و�رشكاته يف بناء وت�صميم وت�شغيل املواقع ،حتى يف املجاالت التي اقتحمها القطاع اخلا�ص عاملي ًا كالتعليم الإلكرتوين واملكتبات الرقمية.
89
ي ّت�سم دور امل� ّؤ�س�سات العربية الر�سم ّية ب�ضعف ملحوظ يف مواقع التعليم الإلكرتوين واملكتبات الرقم ّية والأدب والفولكلور.
ثمة �ضعف �شديد يف حمتوى مواقع البحث العلمي على �شبكة الإنرتنت
�إهمال لغوي
هناك ن�سبة غري قليلة من املواقع الثقافية العربية تظهر �إهما ًال وا�ضح ًا للّغة العربية وال تبدي �أي اعتزاز باللغة كوعاء للثقافة ،ويظهر ذلك جلي ًا لدى املواقع العربية التي تق ّدم حمتواها الثقايف املوجه �إىل املواطن العربي بالأ�سا�س باللغة الإجنليزية �أو الفرن�سية كما هو احلال مع الكثري من املواقع التون�سية والقطرية والإماراتية واملغربية. ومل تك�شف التحليالت التي �أجريت على
املواقع الثقافية العربية ال تعك�س الرثاء ال�شديد الذي تتم ّيز به الثقافة العربية والرتاث العربي ،ومواقع املتاحف امل�رصية وال�سورية مثال على ذلك.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 90للتنمية الثقافية
مواقع املجامع اللغوية العربية عن وجود خربات ت�صميم عالية
االهتمام الواجب ببحوث التنظري اللغوي ان�صب االهتمام على واملعجمي ،حيث ّ امل�صطلحات ،كما لوحظ ندرة �أو عدم وجود ذخائر ن�صو�ص حمو�سبة للغة العربية بهذه املواقع والتي ُتع ّد مق ّوما �أ�سا�سي ًا للتنظري اللغوي واملعجمي وبناء املعاجم.
عمل بال منوذج عمل
ال حتر�ص املواقع الثقافية العربية على ت�سجيل نف�سها يف فهار�س قوائم البحث العاملية، وبالتايل ال تظهر ب�سهولة �أمام زوار وم�ستخدمي �شبكة الإنرتنت.
ال تعمل املواقع الثقافية العربية ب�شكل عام وفق منوذج عمل ي�أخذ الأبعاد االقت�صادية يف اعتباره ب�أي �شكل ،وبالتايل مل تظهر بعد مواقع ثقافية عربية تعتني وحتتفي ب�آليات التجارة الإلكرتونية يف املجال الثقايف ،ويكاد يكون منوذج بيع الكتب �أو عر�ضها بغر�ض البيع عرب املواقع هو الن�شاط االقت�صادي �أو التجاري الوحيد عرب هذه املواقع. وال حتر�ص مواقع الثقافة العربية ـ يف ما عدا ا�ستثناءات قليلة ـ على ت�سجيل نف�سها يف فهار�س قوائم البحث العاملية ،وبالتايل ف�إن الكثري منها ـ حتى ممن ميتلك حمتوى ثقافي ًا �ضخم ًا ومهم ًا ـ ال يظهر ب�سهولة �أمام زوار وم�ستخدمي ال�شبكة ،بخا�صة من املواطنني العاديني ،بل يدخل يف عداد «الإنرتنت اخلفية» �أو «الإنرتنت غري املرئية» والتي يق�صد بها املحتوى ال�ضخم املوجود على ال�شبكة ،ولكن ال يظهر يف قوائم ونتائج حمركات البحث ال�شهرية ،لأن �أ�صحابه ال يقومون بفهر�سة مواقعهم جيداً يف قوائم حمركات البحث �إما جه ًال �أو �إهما ًال ،وهذا حال ن�سبة كبرية من املواقع الثقافية العربية.
الفر�ص
انط ًالقا من نقاط القوة ال�سابقة ميكن ا�ستخال�ص جمموعة فر�ص يطرحها الوجه الرقمي الراهن للثقافة العربية ،وميكن �أن تت ّم اال�ستفادة منها يف جهود توظيف تقنيات االت�صاالت واملعلومات كرافعة خلدمة جهود التنمية الثقافية ،وذلك على النحو التايل:
لدى الوطن العربي خربات عالية يف ت�صميم و�إنتاج مواقع ثقافية تعمل وفق معايري عاملية وت�ستطيع تقدمي حمتوى يناف�س املحتوى الأجنبي ،وهذه الفر�صة يدل عليها العديد من املواقع التي ظهرت على ال�شبكة وا�ستطاعت حتقيق ح�ضور كبري وم�ؤثّر ومناف�س حتى لو كانت ا�ستثناءات ،فوجود هذه اخلربات ميثّل فر�صة قابلة للتوظيف والتح�سني مع الوقت لتوفري قاعدة خربة قادرة على بناء مواقع ونظم وتطبيقات وخدمات تدعم ا�ستخدام تقنية املعلومات واالت�صاالت يف التنمية الثقافية.
فئة ناجحة
هناك فئة من الأفراد وامل�ؤ�س�سات الر�سمية وغري احلكومية واخلا�صة ا�ستطاعت �أن جتتهد وتعرف طريقها �إىل ما يتعني عليها القيام به يف جمال بناء الوجه الرقمي للثقافة العربية ،وهذه الفئة على قلتها وحمدوديتها يف الوقت احلا�رض متثّل فر�صة يتعينّ اغتنامها واال�ستفادة من جتاربها الناجحة يف تو�سيع نطاق من ي�سريون على دربها �أو من لديهم يو�سع نطاق الأطراف اال�ستعداد لذلك ،مبا ّ امل�شاركة ب�شكل �سليم يف امل�سار ال�سليم داخل عملية التنمية الثقافية املعتمدة على �إمكانات تقنية املعلومات واالت�صاالت.
بذرة ثقافة متع ّددة الو�سائط
ثمة ب�صي�ص �أمل �آخر على �أن الثقافة العربية قد بد�أت ترنو بب�رصها �إىل مزايا الدمج بني كونها ثقافة �سماعية يف الغالبية ال�ساحقة من الأحيان وانقرائية يف بع�ض الأحيان �إىل كونها ثقافة متع ّددة الو�سائط يت ّمازج فيها الن�ص مع ال�صورة وال�صوت و الفيديو ،وهذا ّ جمال وا�سع النطاق �أمام تذويب املنتج الثقايف القدمي �أو احلديث يف عقول ماليني الأميني وقليلي املعرفة والتعليم يف الوطن العربي، وقد �أثبتت التقنيات احلديثة كفاءة وا�ضحة يف
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
جناحات يف جذب اجلماهري
�إذا كانت لدينا كفاءات يف الت�صميم متثّل فر�صة يتعينّ اغتنامها ،فلدينا �أي�ض ًا كفاءات يف كيفية جذب جماهري الف�ضاء الرقمي والو�صول �إىل قطاعات وا�سعة منها باملنتج الثقايف. �صحيح �أن التجارب الناجحة التي �أ�شار �إليها التحليل جميعها يف جمال املو�سيقى وال�سينما، نكرر جتربة لكن هذا يعني �أن لدينا فر�صة لكي ّ اجلماهريية واالنت�شار يف جماالت �أخرى و�أن اخلربة موجودة ومن ثم فالفر�صة ممكنة. ورمبا تكون �أف�ضل و�أقوى فر�صة يتيحها الو�ضع الراهن للوجه الرقمي للثقافة العربية هي تلك «البذرة» من اجلودة واجلدية والأهمية التي تقول الأرقام ال�سابقة �إنها بد�أت تت�شكل يف الأفق البعيد �أو لنقل داخل املزارع �صعبة املرا�س يف الف�ضاء الثقايف الرقمي العربي، وهذه البذرة قوامها جمموعة قليلة وا�ستثنائية من املواقع التي تق ّدم حمتوى ذا طبيعة ح ّية متجددة وجودة ممتازة �أو جيدة ويف الوقت نف�سه على قد ٍر كب ٍري من الأهمية ،وهذا بالتحديد ما حتتاجه جهود التنمية الثقافية وهي توظيف تقنيات املعلومات واالت�صاالت ل�صاحلها ،ولذلك ف�إنها بذرة �أو فر�صة ت�ستحق �أن نح ّولها �إىل نبتة ثم �إىل �شجرة ثم ما ال ُيح�صى من الأ�شجار املماثلة التي ب�إمكانها �أن حت ّول الف�ضاء الثقايف الرقمي العربي من حالة �صعبة املرا�س قليلة الإنتاج حالي ًا �إىل �أداة ذات فاعلية م�ؤثرة يف التنمية الثفافية.
التحديـات
من رحم نقاط ال�ضعف العديدة ال�سابقة تنبثق الكثري من التحديات التي ال ب َّد من العمل على تفاديها لكي يتطور ويتح�سن الوجه الرقمي الراهن للثقافة العربية ويتخل�ص من
بع�ض �أو كل م�شكالته ،وهذه التحديات هي:
املعلوماتية
تقدمي منتجات ثقافية وحمتوى ثقايف متعدد الو�سائط ،ومن ثم ف�إن �إقبال ن�سبة ال ي�ستهان بها من املواقع العربية على تعددية الو�سائط هو فر�صة لدعم جهود التنمية الثقافية.
91
ثقافة �إدارة املحتوى والتغيري املطلوب
تغيري «ثقافة» �إنتاج و�إدارة وتوظيف املحتوى العربي عموم ًا على الإنرتنت واملحتوى الثقايف على وجه اخل�صو�ص. والقائمة حالي ًا على اعتقال املعلومات والبيانات ودفنها يف �أ�ضابريها �أو ت�رسيب �أقل القليل منها ثم تركه جاف ًا جامداً خام ًال على الإنرتنت ورمبا ن�سيانه متام ًا لي�صبح يف �صورة واحدة طوال الوقت .لت�صبح هذه الثقافة ثقاف ًة ع�رصي ًة مغايرة قائمة على التج ّدد واحليوية والتفاعلية واالن�سياب احلر املتدفق للمعلومات والبيانات من خمازنها وم�ستودعاتها لدى مالكيها ومنتجيها �إىل يبث احليوية م�ستهلكيها وم�ستخدميها ،مبا ّ والتن ّوع والتج ّدد يف الوجه الثقايف الرقمي اجلامد احلالة .واملع�ضلة هنا �أن هذا التغيري تكتنفه �صعوبات جمة تتعلّق ب�أو�ضاع حرية التعبري وحرية تداول املعلومات ومدى االقتناع بحق اجلمهور العري�ض يف احل�صول على املعلومات واالقتناع بجدوى و�ضع املحتوى الثقايف على الإنرتنت �أو الوعي ب�أهمية هذه اخلطوة .والو�ضع يف جممله ي�شكل حتدي ًا كبرياً �أمام جهود التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات واالت�صاالت ،خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق ببناء روابط �شبكية وبينية بني الكيانات الثقافية املختلفة يف العامل العربي كاجلمعيات الثقافية والهيئات الثقافية الر�سمية �أو حتى بناء جمتمعات تخ ّيلية للأفراد املبدعني يف املجال الثقايف.
التغيري املطلوب يف توظيف املحتوى العربي على �شبكة الإنرتنت تكتنفه �صعوبات ع ّدة تتعلق ب�أو�ضاع حرية التعبري، وحرية تداول املعلومات ،ومدى االقتناع بحق اجلمهور يف احل�صول على املعلومات.
خطاب ثقايف حداثي و�شبابي
يرتبط االنتقال �إىل «ثقافة» جديدة يف �إنتاج و�إدارة املحتوى وتوظيفه ب�رضورة تغيري الأدوات والتقنيات امل�ستخدمة يف جت�سيد الوجه الثقايف الرقمي على الإنرتنت والتعبري عنه يف �صورة خدمات وتطبيقات ونظم ناب�ضة باحلياة ،مبعني �أنه من ال�رضوري مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 92للتنمية الثقافية
يجب العمل على تطوير املواقع الثقافية العربية لتعمل ب�أدوات اجليل الثاين للويب التي تعتمد على التفاعلية املبا�رشة وامل�ستمرة واخلطية بني املوقع وزواره.
من ال�رضوري تطوير اخلطاب الثقايف الرقمي ليلبي احتياجات فئات �صغار ال�سن والفئات الأقل تعليماً.
العمل على نقل املواقع الثقافية احلالية والعمل على تطوير املواقع الثقافية امل�ستقبلية لتعمل ب�أدوات اجليل الثاين للويب التي تعتمد على التفاعلية املبا�رشة وامل�ستمرة واللحظية بني القائمني على املواقع وروادها اعتماداً جوهري ًا وكام ًال .بعبارة �أخرى االنتقال من املواقع الكال�سيكية �إىل ال�شبكات الثقافية العاملة بنمط ال�شبكات االجتماعية ،واملدونات واملنتديات وجمموعات املناق�شة احلرة وم�ستودعات البيانات والبوابات الثقافية العمالقة القائمة على امل�شاركة على منط املو�سوعات ذاتية البناء .وت�شكّل هذه اخلطوة حتدي ًا كبرياً �أمام جهود التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات واالت�صاالت ملا حتتاجه من تغيري يف فكر ومهارات مالكي هذه املواقع والقائمني على �إدارتها وت�شغيلها و�أي�ض ًا ما تفر�ضه من �أعباء مالية �إ�ضافية تتطلّبها عملية التغيري. يف ظ ّل االنت�شار وا�سع النطاق للأمية الأبجدية والأمية احلا�سوبية يف غالبية املجتمعات العربية ،ويف ظ ّل اجتاه الهرم ال�سكاين بهذه املجتمعات �إىل ا ّتخاذ الو�ضع املعتدل الذي يجعل منها جمتمعات فت ّية �أغلبها من �صغار ال�سن ،ي�صبح تطوير خطاب ثقايف رقمي ينا�سب هذه اخل�صو�صية يف الواقع االجتماعي من التح ّديات الوا�ضحة �أمام جهود التوظيف الثقايف لتكنولوجيا املعلومات ،لأن هذه اخل�صو�صية تتطلّب تطوير حمتوى يركّز على فئات الأطفال والفئات الأقل تعليم ًا ووعي ًا، وهو نوع من املحتوى يحتاج قدرات �إبداعية ب�شح خا�صة ت ّت�سم عادة بالندرة �أو على االقل ّ املوجه الإتاحة ،عك�س اخلطاب �أو املحتوى ّ لفئات ال�شباب والبالغني وذوي التعليم املرتفع الذي ال يحمل مالمح خا�صة وال يحتاج �إىل �إبداع �إ�ضايف �أو متخ�ص�ص .ويف ظ ّل حمدودية الإمكانات وبدائية املهارات وعدم ال�صرب على حتمل م�س�ؤولية الإبداع لهذه الفئات ،يتوقع �أن ي�ستمر هذا التحدي قائم ًا لفرتة غري قليلة مقبلة ،ليلقي بظالله على جهود التوظيف
الثقايف لتقنية املعلومات واالت�صاالت.
حتدي االن�رصاف اجلماهريي
يف العموم ال تع ّد الثقافة �سلعة �أو منتج ًا جاذب ًا للجماهري الوا�سعة طوال الوقت ،ويف ما عدا بع�ض �أ�شكال الثقافة املحدودة ـ كال�سينما واملو�سيقى والغناء ـ ال جند الثقافة مغرية للجماهري ،ولعل ما تعانيه حركة ن�رش الكتب اجلادة وحركة الأدب وال�شعر من تراجع جماهريي حاد خري دليل على ذلك ،وهذا الواقع ج�سد نف�سه جت�سيداً كام ًال يف الواقع الفعلي ّ الرقمي عرب الإنرتنت ،ف�إذا نح ّينا جانب ًا مواقع املو�سيقى وال�سينما� ،سنجد �أن هناك �إهماال جماهرييا حادا للمواقع الثقافية القائمة ،وهذا الو�ضع ميثّل حتدي ًا �ضخم ًا �أمام جهود التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات واالت�صاالت ،ويلقي بعبء ثقيل على �أ�صحاب املواقع الثقافية من حيث اجلهود املطلوبة للرتويج واجلذب وتوليد «والءات» وا�سعة النطاق للمواقع بني جماهري ال�شبكة والف�ضاء الرقمي الذين تتخاطفهم �أ�شياء �أخرى عديدة خارج ال�سياق الثقايف. ولأن مرتبة الثقافة ووزنها يرتاجعان على �أجندة �أولويات العديد من الهيئات والكيانات الر�سمية بل على �أجندة العديد من املنظمات غري احلكومية يف الواقع الفعلي .فقد انعك�س ذلك على الدور الذي يفرت�ض �أن تقوم به هذه الأطراف يف بناء الوجه الرقمي للثقافة العربية ،وقد ر�أينا يف التحليالت ال�سابقة كيف تراجع دور امل�ؤ�س�سات الر�سمية يف العديد من املجاالت التي حتتاج هذا الدور ب�ش ّدة مثل التعليم الإلكرتوين واملكتبات الرقمية و�صيانة وعر�ض الفلكلور ال�شعبي ،وبالتايل من ال�صعوبة مبكان املطالبة بدور ثقايف رقمي لهذه اجلهات وهي يف الواقع الفعلي فاقدة لهذا الدور ،مبعنى �أن «فاقد ال�شيء فعلي ًا ال ميكن �أن يعطيه رقمي ًا» ،والنتيجة �أننا �إزاء حت ٍّد �إ�ضايف �أمام جهود التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات واالت�صاالت.
الف�صل الثاين الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية
�صعوبات جت�سيد الرثاء الثقايف
املعلوماتية
يجعل الرثاء ال�شديد يف الإرث احل�ضاري والثقايف العربي عملية التعبري عنه وجت�سيده جت�سيداً حقيقي ًا ومنا�سب ًا يف الف�ضاء الرقمي �أمراً بالغ ال�صعوبة ،لأن اجلهود املبذولة للتعبري الرقمي عن هذا الإرث �ستظ ّل لفرتة طويلة قا�رصة وحمدودة مقارنة مبا يتعني القيام به، �إ�ضافة �إىل �أن التنمية الثقافية احلقّة تتطلّب جهوداً �ضخمة وم�ستمرة لتعريب وتوطني ق�سم ال ي�ستهان به من الإرث احل�ضاري ال�سابق واحلايل للأمم واملجتمعات الأخرى .والتحدي هنا �أن ال�سنوات املا�ضية مل ت�شهد جهداً يتنا�سب مع متطلبات التح ّول نحو الثقافة الرقمية، وقد ر�أينا �أن املواقع الثلثمائة التي خ�ضعت للتحليل ـ مبا فيها من مواقع �شكّلت عالمات ا�ستثنائية من حيث ال�صحة واجلودة والقوة ـ مل ت�ستطع مبا فيها من حمتوى ثقايف �أن تعك�س قدراً معقو ًال من الرثاء ال�شديد الذي تتميز به الثقافة العربية والرتاث العربي يف املجاالت املختلفة ،وبالتايل نحن ب�صدد حت ٍ ّد يت ّمثل يف الفجوة ال�ضخمة بني الإرث الثقايف املتاح عرب الع�صور ويتزايد مع الوقت واملطلوب رقمنته و�إعادة ن�رشه بني اجلماهري يف �صورة رقمية، متت رقمنته وبني املحتوى الثقايف الذي ّ و�أدخلت تقنية املعلومات واالت�صاالت �ضمن �أدوات وجهود ن�رشه وحتويله �إىل جزء فاعل يف الذاكرة الثقافية والذهن الثقايف العربي احلايل. مل تق ّدم خربة ال�سنوات املا�ضية منذ بدء دخول الإنرتنت �إىل العامل العربي يف الن�صف الثاين من ت�سعين ّيات القرن املا�ضي ما يدل على �أن الوجه الرقمي للثقافة العربية هو جمال جاذب لال�ستثمارات وتوليد قدر من العوائد والأرباح كما هو احلال يف العديد من مناطق العامل الأخرى ،وقد �شكّل هذا الو�ضع حتدي ًا يف ما يتعلق مبدى �إقدام القطاع اخلا�ص على اقتحام هذا املجال وامل�ضي قدم ًا يف اال�ستثمار فيه وتقدمي خدمات وتطبيقات وبوابات ثقافية فاعلة قائمة على الربح
وتخدم املاليني من النا�س� ،سواء يف ما يتعلق بالن�رش الإلكرتوين العادي �أو املتعدد الو�سائط �أم يف تقدمي املنتجات الثقافية الرتفيهية يف ال�سينما واملو�سيقى وغريها .ومن هنا �سيظل الفتور بني ر�أ�س املال العربي اخلا�ص من جهة وم�رشوعات التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات من جهة ثانية مع�ضلة رمبا تعيق ق�سم ًا من امل�رشوعات اجلارية يف هذا ال�صدد. يكتنف الغمو�ض موقف العديد من املواقع الثقافية العربية من ق�ضايا امللكية الفكرية وحقوق الت�أليف والن�رش وما يتعلق بها من قوانني وت�رشيعات ،فال هي تعلن �رصاحة التزامها بهذه القوانني والت�رشيعات وما يرتتب عنها من �أعباء وحقوق ومكت�سبات ،وال هي تعلن �رصاحة عن تبنيها لفكر ومنهجية املحتوى الثقايف املفتوح البعيد عن قيود امللكية الفكرية ومظلّتها القانونية مع ما يرتتب عن ذلك من �أعباء ومكت�سبات .ولعل هذا الغمو�ض من الأمور التي تغذي التحدي ال�سابق املتعلق بفتور القطاع اخلا�ص يف �إقباله على م�رشوعات التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات واالت�صاالت ،لكنه �أي�ض ًا ي�شكّل يف ح ّد ذاته حتدي ًا لهذه امل�رشوعات �سواء كان القطاع اخلا�ص طرف ًا فيها �أم كانت تابعة لأطراف �أخرى ك�أ�شخا�ص �أو منظمات غري حكومية �أو م�ؤ�س�سات وهيئات ر�سمية.
93
من ال�صعوبة املطالبة بدور ثقايف رقمي للم� ّؤ�س�سات الر�سمية، وهي يف الواقع الفعلي فاقدة لهذا الدور لأن فاقد ال�شيء فعلي ًا ال ميكن �أن يعطيه رقم ّياً ،وهذا حت ّد �إ�ضايف �آخر.
االجنذاب للآخر واالنكفاء على الذات
ُيع ّد االجنذاب نحو ثقافة الآخر حتدي ًا م�ستحدث ًا .و�أبرز مثال يظهر فيه هذا االجنذاب هو ميل عدد متزايد من املواقع الثقافية العربية املوجهة �إىل املواطن العربي ـ ولي�س الغربي ـ �إىل االبتعاد عن لغتها العربية والعمل بلغات �أجنبية �أخرى ،حتى �أن البع�ض منها يبدو وك�أنه يت�أفف من لغته ،وامل�ؤ�سف �أن هذا االجتاه يتزايد مع الوقت و�إذا كان ي�شكّل الآن حتدي ًا يظهر على ا�ستحياء ،ف�إنه يف امل�ستقبل �سيكون حتدي ًا وا�ضح ًا يتحدى اجلميع. �إذا كان داء «االجنذاب» الأعمى للآخر،
من ال�رضوري حتفيز ر�أ�س املال العربي على اال�ستثمار يف م�رشوعات التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات وتقدمي خدمات وبوابات ثقافية قائمة على الربح.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 94للتنمية الثقافية ثمة غمو�ض قانوين يف موقف املواقع الثقافية العربية من ق�ضايا امللكية الفكرية على �شبكة الإنرتنت.
ميثّل حتدي ًا نا�شئ ًا يف الف�ضاء الرقمي ،ف�إن داء «التقوقع» واالنكفاء على الذات هو حت ّد يحتل الطرف املقابل من املعادلة ،فن�سبة كبرية من املواقع العربية التي ت�شكّل ق�سم ًا ال ي�ستهان به من الوجه الرقمي للثقافة العربية متار�س على نف�سها «ثقافة» االنكما�ش والتقوقع ،وال تقوم بالإعالن عن نف�سها يف الفهار�س الكربى ملحركات البحث العاملية ،وال تر ّوج لنف�سها مبا يكفي� ،إما ـ كما �سبق القول ـ عمداً �أو �إهما ًال
وك�أنها تت�أفف من الو�صول �إىل اجلمهور العري�ض �سواء كان عربي ًا �أم غري عربي وتدفع بنف�سها �إىل ما ي�سمى «بالإنرتنت اخلفية». وبالطبع ف�إن هذا التوجه ي�شكّل حتدي ًا لكونه يفرغ جهود التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات واالت�صاالت من الكثري من م�ضمونه ويحيله �إىل ما ي�شبه الكتب املخزنة يف �أ�ضابري داخل خمازن حتت الأر�ض ي�صعب الو�صول �إليها فيغدو ك�أ ّنه مل يكن �أو بال قيمة.
الف�صل الثالث الدور املحتمل للمعلوماتية يف دعم التنمية الثقافية
املعلوماتية
الف�صل الثالث الدور املحتمل للمعلوماتية يف دعم التنمية الثقافية «التوجهات الأ�سا�سية» ّ االن�سياب والتداول للحر للمعلومات
ميكن القول �إن �ضعف املحتوى وقلة توظيف تقنية املعلومات كرافعة للتنمية الثقافية لي�سا ناجمني عن فقر يف البنية الأ�سا�سية واملوارد املتعلقة بن�رش احلا�سبات وتقنية املعلومات بقدر ما هما ناجمان عن �أن املعلومات نف�سها ـ ثقافية وغري ثقافية ـ تواجهها �صعوبات يف التداول والتدوير والن�رش، �أو �أن املعلومات نف�سها �ضئيلة واليزال الق�سم الأكرب منها خارج �سياق التنمية با�ستخدام تقنية املعلومات� .إذ ت�ؤكّد التحليالت ال�سابقة حر يف املعلومات جميعها عدم وجود ان�سياب ّ الثقافية املتداولة عرب املواقع الثقافية وما تت�ض ّمنه من قنوات ،كما ت�ؤكد على الغياب �شبه الكامل ملنهجيات و�أدوات الإبداع املفتوح واحلر يف ما بني عنا�رص ومكونات الثقافة ّ العربية �سواء الرقمية �أو غري الرقمية ،وهو ما جعل الوجه الرقمي للثقافة العربية يبدو مكب ًال ثقيل احلركة �سواء على �صعيد تداول املعلومات �أم على �صعيد الإبداع .وال�س�ؤال :هل من دور يحتمل �أن تلعبه املعلوماتية كرافعة للتنمية الثقافية وهي تعاين من هذه الإ�شكالية؟ ويف �ضوء القراءة املت�أنية للتحليالت والنتائج ال�سابقة مبا فيها من نقاط قوة و�ضعف وفر�ص وحتديات ميكننا القول �إن التغلب على �ض�آلة املحتوى الثقايف وهزاله لي�س له �سوى و�سيلة واحدة هي «احلرية» يف تداول املعلومات ويف منهجية �إنتاجها وامل�شاركة فيها وتوظيفها. ولكي ن�صل �إىل هذه الو�سيلة هناك توجهان
�أ�سا�سيان يتعني توافرهما لدى خمططي برامج وم�رشوعات التنمية الثقافية العربية ،وذلك ك�رشط �أ�سا�سي وحيوي من �أجل متهيد الأر�ضية الالزمة لكي ت�سري عليها جهود التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات واالت�صاالت التوجهان هما: لأق�صى م�ستوى ممكن ،وهذان ّ االن�سياب والتداول احلر للمعلومات يف العامل كتوجه يعمل كع�صب رئي�سي لتدعيم العربي ّ التنمية والإبداع الثقايف بالوطن العربي من ناحية؛ و»امل�صادر املفتوحة» باعتبارها التوجه املالئم والأن�سب حالي ًا للتطبيق يف م�رشوعات التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات واالت�صاالت من ناحية �أخرى. وقد تط ّورت النظرة �إىل حرية تداول املعلومات عرب الزمن حتى �أ�صبح ينظر �إليها الآن على �أنها واحدة من �أهم مقت�ضيات التنمية املجتمعية ال�شاملة ،وتنطلق هذه النظرة من �أن احلق يف تداول املعلومات ركيزة �أ�سا�سية من ركائز التنمية �سيا�سي ًا واقت�صادي ًا واجتماعي ًا .لكن هذه النظرة ال�شاملة ال تنفي �أن حرية التعبري �إعالمي ًا وثقافي ًا ـ كحقّ �أ�صيل من حقوق الإن�سان ـ كانت هي الرحم الأ�سا�سي الذي ولد وت�شكّل فيه هذا التوجه وال يزال ينمو من خالله. وخالل ال�سنوات الأخرية تزايد االعرتاف الر�سمي بحق احل�صول على املعلومات ،بحيث تب ّنى العديد من البلدان د�ساتري جديدة تعرتف بو�ضوح بهذا احلق ،وقامت املحاكم العليا يف بلدان �أخرى بتف�سري ال�ضمانات الد�ستورية اخلا�صة بحرية التعبري على �أنها تت�ضمن
95
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 96للتنمية الثقافية
احلق يف حرية الو�صول �إىل املعلومات ،وحتى مار�س 2009كانت 66دولة قد �أ�صدرت قوانني تتعلق بحقّ احل�صول على املعلومات ،وذلك طبق ًا لتقديرات موقع منطمة «حرية احل�صول على املعلومات »/http://www.freedominfo.org حتى مار�س 2009كانت 66دولة
ثنائية الثقافة واملعلومات
املنتج الثقايف ـ بغ�ض النظر عن نوعيته يف العامل قد �أ�صدرت قوانني تتعلق بحق احل�صول على املعلومات. وطبيعته ـ هو يف التحليل الأخري وجبة “معلومات” ومعارف مو�ضوعة يف �صيغة ن�صية مطبوعة يف كلمات �أو �صور ور�سوم... �إلخ� ،أو �صورة م�سموعة �أو مرئية ،واملفرت�ض �أن تتيح هذه الوجبة ملتلقيها التعرف �إىل عامله املحيط به وترفع وعيه مبا�ضيه وحا�رضه وم�ستقبله ،كما تن ّمي لديه املعرفة بحقوقه القانونية واملالية والد�ستورية وال�سيا�سية والوظيفية واخلدمية والعالجية والتعليمية، وكيفية احل�صول عليها وكيفية ا�ستخدام و�سائل ممار�سته لهذه احلقوق والدفاع عنها والتعبري عنها ،وعليه ف�إن عملية �إنتاج وا�ستهالك الثقافة ت�ض ّم طرف ًا ينتج وميلك الثقافة وقد يكون فرداً �أو من�ش�أ ًة �أو م�ؤ�س�س ًة �أو دول ًة ،وطرف ًا يقوم ب�إعداد ونقل هذه الوجبة وتقدميها وهي امل�ؤ�س�سات القائمة على ن�رش الثقافة من دور ن�رش و�صحف وقنوات �إعالم وترفيه و�سينما وم�رسح ومعار�ض فنية وكتب وغريها ،وطرف ًا يتلقى الثقافة ويتفاعل معها ويت�أثر بها ويثري ردود فعل حولها وهو اجلمهور العري�ض. ال غنى عن حرية املعلومات وفق ًا لهذا التحليل نحن �أمام حالة مثالية ك�ضمانة �أ�سا�سية ملنتجي الثقافة يف احتياجها �إىل احلقّ يف الو�صول �إىل وناقليها وم�ستهليكيها. املعلومات وحرية �إعدادها ونقلها ثم ن�رشها وتوزيعها والتعبري عنها ،وكذلك حالة مثالية يف احتياجها لآلية وا�ضحة ت�ؤ�س�س لعالقة منظّ مة متوازنة وعادلة عند ممار�سة هذا احلق يف ما بني الأطراف الثالثة ،مبا ي�ؤدي �إىل: ممار�سة منتجي الثقافة لدورهم يف الإبداع والتعبري والنقد من ناحية؛ وممار�سة ناقلي الثقافة لدورهم يف ن�رش وتوزيع املنتج الثقايف
وتداوله من ناحية �أخرى .وممار�سة م�ستهلكي الثقافة حلقهم يف الو�صول للمنتج الثقايف والتعاطي معه بال�صورة التي ترفع وعيهم وتن ّمي ثقافتهم من ناحية ثالثة و�أخرية .من هنا ف�إن حرية املعلومات ُتع ّد �إحدى ال�ضمانات الأ�سا�سية املطلوبة لكي ميار�س منتجو الثقافة وناقلوها وم�ستهلكوها دورهم ويح�صلون على حقوقهم.
�أو ًال :التنمية الثقافية وتقنية املعلومات
منذ ظهور الأجيال الأوىل لتقنية املعلومات يف خم�سين ّيات القرن املا�ضي ظ ّل التوجه الرئي�سي لتقنية املعلومات مركّزاً على قطاعات املال والأعمال واالقت�صاد والتجارة والت�صنيع ،وقد تكثّف هذا التوجه مبرور الوقت حتى بلغ ذروته مع موجة الإنرتنت الكربى التي انطلقت يف الت�سعين ّيات و ُت ّوجت مبا عرف «مبوجة الدوت كوم» ،ذلك اال�صطالح الذي مت ا�شتقاقه من الق�سم الأول للفظة �رشكة compan nyبالإجنليزية ،للداللة على �أن قوة الإنرتنت ـ التي متثّل اخلال�صة املركّزة لقوة تقنية املعلومات عموم ًا ـ قد تالحمت ومتازجت مع «ال�رشكة» باعتبارها اللبنة الأ�سا�سية واحليوية لالقت�صاد يف عامل اليوم. ومع مطلع القرن اجلديد وظهور اجليل الثاين للويب وما يعرف بالويب الداللية وغريها من التطورات الرئي�سية الأخرى يف تقنية املعلومات مل تعد «الكوم» �أو ال�رشكة هي حمطّ �أنظار التقنية �أو قلبها وحمورها الناب�ض والغالب ،بل �أ�صبحت الثقافة بتنويعاتها وفروعها وامتدادتها املختلفة هي مركز اجلذب الرئي�سي ،و�أ�صبحت التطبيقات الثقافية للتقنية يف جماالت الإبداع والرتفيه والتوا�صل والفنون والآداب والتعبري والرتاث والرتبية والبحث وال�سياحة وال�شبكات االجتماعية وغريها �صاحبة ال�صوت امل�سموع على ال�ساحة، �سواء داخل الإنرتنت �أو خارجها ،وحالي ًا بلغ التمازج بني الثقافة وتقنية املعلومات م�ستوى جعل التوظيف الثقايف للتقنية واحدة من �أبرز
الف�صل الثالث الدور املحتمل للمعلوماتية يف دعم التنمية الثقافية
97
وا�سرتاتيجيات وخطط التنمية املجتمعية ال�شاملة ،وراحت ت�ؤثّر وتت�أثر مبا يجري على هذه ال�ساحة من تغريات ،بعد �أن ظهر للعيان ما فعله االقت�صاد يف غيبة الثقافة مب�سرية التنمية املجتمعية ،كان الب ّد للثقافة من �أن ت�صبح هي حمور التنمية ،فاحتلت بذلك موقع القلب املحرك الذي تدور حوله عمليات التنمية ّ القطاعية� ،سيا�سية واقت�صادية وتربوية وعلمية وتكنولوجية ،وذلك عالوة على التنمية الفكرية والإبداعية. وعلى اجلانب الآخر تظهر تقنية املعلومات كمحور للمنظومة التنموية ال�شاملة ،فهي ـ �أى تقنية املعلومات ـ قد �أثبتت جدارتها يف ك ّل امليادين �إىل �أن غدت قا�سم ًا م�شرتك ًا بني جميع التقنيات من دون ا�ستثناء ،تقنية الزراعة وتقنية ال�صناعة وتقنية الطب والدواء وتقنية التعليم وتقنية الإعالم وتقنية النقل واملوا�صالت ،ويتنامى حالي ًا دور تقنية املعلومات يف جمايل الفنون والرتفيه ،وتلتقي الثقافة مع تقنية املعلومات �أ�سا�س ًا على جبهة الرمز ،و�أ�صبحت تقنية املعلومات �أهم �أدوات �صناعة الثقافة و�أهم ق�ضاياها االجتماعية، كما �أ�صبحت �صناعة الثقافة �أهم تطبيقات تقنية املعلومات ،فتطبيقات الثقافة من تربية و�إعالم وترفيه قد �صارت هي الآن التطبيقات احلاكمة التي تدفع بتقنية املعلومات :عتاد وبرجمة وات�صاالت �إىل م�شارف جديدة ،وذلك حتت �ضغط املطالب الفنية القا�سية التي ت ّت�سم بها التطبيقات الثقافية ،فالفنان الت�شكيلي يحتاج �إىل �شا�شة حا�سب ثرية الألوان دقيقة التحليل ،وم�ص ّمم الربامج الرتبوية يحتاج �إىل حا�سب �أكرث ذكاء ليتجاوب مع املتعلم ب�صورة دينامية وطبيعية ،و�أر�شفة الرتاث الثقايف املكتوب وامل�سموع واملرئي تتطلّب و�سائل تخزين �إلكرتونية عالية ال�سعة ،بالإ�ضافة �إىل 1 �آليات ا�سرتجاع تت�صف باملرونة وال�رسعة»
كان احلبل ال�رسي �أو اجل�رس الأ�سا�سي الذي فتح املجال لهذا التمازج الوا�سع النطاق هو مبد�أ «حرية الو�صول للمعلومات» �أو «حرية تداول املعلومات» ،فاملنتج الثقايف بطيعيته ـ كما �أ�سلفنا ـ هو منتج ذهني فكري مك ّونه الأ�سا�سي هو املعلومات والبيانات وال�صور والإبداعات جت�سد فكر مبدع ومنتج الثقافة �أي ًا كان التي ّ تخ�ص�صه �أو م�ستواه �أو مكانه على الأر�ض، ّ وتقنية املعلومات هي بطبيعتها قنوات لنقل املعلومات وتداولها معاجلتها و�إدارتها بني النا�س ب�صورة �أو ب�أخرى ،وبالتايل ف�إن مبد�أ حق الو�صول �إىل املعلومات وحرية تداولها يعد ال�ضابط الأ�سا�سي لقوة اجلذب التي من �ش�أنها جذب الثقافة للتقنية والعك�س ،بعبارة �أخرى ن�ستطيع القول �إن حرية الو�صول �إىل املعلومات كانت والتزال هي العامل الأ�سا�سي يف الت�أثري على بارومرت العالقة بني التنمية الثقافية من جهة ،وتقنية املعلومات من جهة �أخرى ،يف جميع املجتمعات .حتى �أنه �سجلت تقدم ًا ميكننا القول �إن املجتمعات التي ّ حقيقي ًا وفعلي ًا على �صعيد حرية الو�صول �إىل املعلومات وتداولها هي ذاتها املجمعات التي �سجلت تقدم ًا حقيقي ًا وقطعت �شوط ًا طوي ًال ّ يف توظيف تقنية املعلومات ك�أداة من �أدوات التنمية الثقافية ،وحدث فيها متازج عميق ووا�سع النطاق بني الطرفني ،والعك�س.
املعلوماتية
ال�سمات التي ت ّت�سم بها ثورة املعلومات. حرية املعلومات :منظور العالقة بني انتقلت تداعيات هذه الظاهرة �إىل ر�ؤى الثقافة والتقنية
�سجلت تقدم ًا املجتمعات التي ّ حقيقي ًا وفعلي ًا على �صعيد حرية الو�صول �إىل املعلومات وتداولها، �سجلت هي ذاتها املجتمعات التي ّ تقدم ًا حقيقي ًا وقطعت �شوط ًا طوي ًال يف توظيف تقنية املعلومات ك�أداة من �أدوات التنمية الثقافية.
ثالثية الثقافة واملعلومات والتقنية عربي ًا
يف �ضوء ما عر�ضناه حول البنية التحتية املتاحة حال ّي ًا للمجتمعات العربية يف الق�سم الأول من هذه الدرا�سة ،وما تو�صلت �إليه حتليالت الواقع الراهن يف الق�سم الثاين ،ميكن القول �إن املجتمعات العربية تتوافر لديها قنوات تكنولوجية ال ب�أ�س بها لإنتاج ونقل املنتج الثقايف ون�رشه وتوزيعه على �رشيحة
1ـ د.نبيل على ـ الثقافة العربية وع�رص املعلومات ـ الكويت ـ عامل املعرفة ـ 2001ـ �ص 93
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 98للتنمية الثقافية
من اجلماهري ال ي�ستهان بها؛ 1بيد �أن القيود على تدفق املعلومات وحرية تداولها تلعب دوراً يف جعل البنية املعلوماتية التي �أُن�شئت �أو يجري �إن�شا�ؤها يف الوطن العربي تبدو يف ال�ساحة الثقافية والإبداعية كما لو كانت «بنادق فارغة» �أو طرق ًا �رسيعة عالية الكفاءة مير عليها �أحد� ،أو خمازن �ضخمة ال ولكن ال ّ تدخلها ب�ضائع� ،أو �أرا�ضي م�ست�صلحة ال يزرع فيها �شيء ،وتق ّدم نتائج الو�ضع الراهن للكثري من املواقع ذات العالقة بالتنمية الثقافية التي �شملتها التحليالت ال�سابقة دلي ًال على ذلك ،بخا�صة يف ما يتعلق بالأداء الرقمي للم�ؤ�س�سات الثقافية الر�سمية.
�أمام ان�سياب وحرية تداول املعلومات ،ونعني بها امل�شكالت التي تربز عندما يحدث التما�س بني ما هو تكنولوجي وما هو اجتماعي و�سلوكي وجمتمعي ،والتي تتج�سد يف �صورة عديدة داخل املجتمع العربي ،من �أبرزها ت�شابك الفقر مع الغنى ،واجلهل مع العلم، أياد قوية تكبح والع�شوائية مع النظام ،ووجود � ٍ حركة وان�سياب املعلومات لأ�سباب متعددة، بل ولديها ر�ؤاها اخلا�صة لكيفية �إحداث تنمية معلوماتية ،وحم�صلة هذه امل�شكالت هي احل ّد من ان�سياب املعلومات وحرية تداولها بامل�ستوى الذي تقت�ضيه التنمية الثقافية وم�رشوعاتها.
الإ�شكالية و�أ�سبابها
امل�سار الثاين :الهاج�س ال�سيا�سي
مل تن�ش�أ �إ�شكالية «البنادق الفارغة» التي يعاين منها ق�سم كبري من البنية املعلوماتية العربية القائمة من فراغ ،فهناك �أ�سباب تكمن وراء ال�ضمور يف حجم املعلومات املتداولة عرب البنية املعلوماتية العربية يف جماالت عديدة يت�ص ّدرها املجال الثقايف ،وتتو ّزع هذه الأ�سباب يف ثالثة م�سارات:
امل�سار املجتمعي
ن�رش تقنية املعلومات يف ن�سيج �أي نام ـ كاملجتمع العربي ـ يتطلّب ت�شييد جمتمع ٍ البنية الأ�سا�سية لتقنية املعلومات داخل املجتمع ،كبناء ال�شبكات وتدريب الب�رش و�رشاء الأجهزة وعقد االتفاقات ،وعوائق ذلك ال تتعدى امليزانيات وبع�ض التعقيدات ال�شائعة يف التنفيذ ،ويعقب ذلك حماولة توظيف ما مت �أو يت ّم بنا�ؤه يف خدمة املجتمع ب�شكل عملي وفعلي ،وهنا يتطلب الأمر التعامل مع ما يوجد باملجتمع من تراث ح�ضاري و�سلوكيات وطرق يف التفكري وثقافة �سائدة و�أ�ساليب يف العمل وتوازنات للقوى ،ن�ش�أت يف كنفها م�صالح ومكت�سبات للبع�ض ،وهنا بالتحديد تن�ش�أ ما ميكن �أن نطلق عليه العقبة «التكنواجتماعية» 1
راجع �إح�صاءات الف�صل الأول
تثري ق�ضية ان�سياب وحرية تداول املعلومات الكثري من التحفظات لدى م�ؤ�س�سات عديدة بالوطن العربي يف الوقت احلايل، وت�أتي هذه التحفظات عادة مدفوعة بهواج�س �سيا�سية بالأ�سا�س ،تفرت�ض �أن ان�سياب وحرية تداول املعلومات الب ّد و�أن يولّد متاعب بدرجة �أو ب�أخرى ،خ�صو�ص ًا �إذا كان الأمر متعلق ًا بالثقافة والتنمية الثقافية والإبداع يف الفنون والآداب والفكر وال�صحافة والإعالم ،وتبدو الق�ضية يف كثري من الأحيان وداخل العديد من املحافل وك�أنها تكاد ت�شطر املوقف ال�سيا�سي الثقايف العربي حيالها �إىل ق�سمني، الأول يت ّمركز فيه الداعون �إىل ان�سياب وحرية تداول املعلومات باعتبارها و�سيلة ال غنى عنها لتحقيق التنمية الثقافية واملجتمعية ممن ينتمون لفئات ال�شاملة ،وهم يف الغالب ّ ثقافية و�إعالمية وفكرية ودعاة حقوق �إن�سان وجمتمع مدين �..إلخ ،والثاين يت ّمركز فيه الداعون �إىل «�أمن وحماية املعلومات» ك�ضمانة ال غنى عنها ال�ستقرار و�أمن املجتمع ممن و�صيانة م�صاحله العليا ،وهم يف الغالب ّ ينتمون لفئات �سيا�سية و�أمنية. وت�شهد الق�ضية �سجا ًال م�ستمراً بني
الف�صل الثالث الدور املحتمل للمعلوماتية يف دعم التنمية الثقافية
امل�سار الثالث :الإرث القانوين احلاجب للمعلومات
تنت�رش ظاهرة الإرث القانوين احلاجب للمعلومات يف املجتمعات العربية مب�ستويات متفاوتة احل ّدة والعمق ،وتكاد ال تخلو املنظومة القانونية لأي دولة عربية من قوانني وت�رشيعات تتعار�ض ومبادىء حرية املعلومات ال�سابق ذكرها. وال�سبب الأ�سا�سي يف هذه الظاهرة �أن البناء الت�رشيعي بالدول العربية ي�ستند �إىل تراث كبري من القوانني التي �صدرت وا�ستخدمت يف وقت مل تكن ثورة املعلومات قد بلغت هذه الدرجة من القوة والعنفوان واالنت�شار والتغلغل بعمق يف ج�سد املجتمع ،ومن ثم فهو بنيان غري مهي�أ ابتداء للتعامل مع م�ستج ّدات وحت ّديات ع�رص ثورة املعلومات لأنه مل ي�أخذها يف اعتباره من الأ�صل ،وزاد على ذلك �أن ا�ستجابة هذا البنيان للتغريات ات�سمت ـ وال تزال ـ بالبطء ال�شديد والتجزئة .بعبارة �أخرى يتعامل البنيان الت�رشيعي العربي مع التحديات القانونية لثورة املعلومات بالقطعة و�رسعة ال�سلحفاة بينما ثورة املعلومات نف�سها هادرة �شاملة فائقة ال�رسعة.
امل�صادر املفتوحة
قد يبدو ظاهري ًا �أن هناك تباعداً بني
املعلوماتية
الفريقني يف الكثري من املجتمعات العربية، فلم ينجح الداعون حلرية تداول املعلومات يف �إقناع الفريق الآخر ب�أنه ال خماطر �سيا�سية �أو �أمنية على املجتمع والدولة وم�ؤ�س�ساتها من ان�سياب املعلومات ،كما مل ينحج الداعون «لأمن املعلومات» يف �إقناع الفريق الأول ب�أن املعلومات املحجوبة لي�س لها ت�أثري على م�سرية التنمية ثقافي ًا وجمتمعي ًا ،لذلك ف�إن هذا امل�سار ي�شكّل مع�ضلة حقيقية ذات ح�سا�سية وا�ضحة ومن املتعينّ على النخب ال�سيا�سية والثقافية العربية العمل على ح�سمه يف �أقرب وقت �إذا ك ّنا ن�سعى جادين لتوظيف حقيقي لتقنية املعلومات يف التنمية الثقافية.
املعنى اال�صطالحي لك ّل من امل�صادر ( ،)sourcesواالنفتاحية ( ،)opennessولذلك رمبا يتبادر �إىل ذهن البع�ض ت�سا�ؤل حول دواعي اجتماع هذا مع ذاك ليخرج لنا يف النهاية ما عرف بامل�صادر املفتوحة (open ،)sourceفما حدث خالل قرون طويلة م�ضت �أن معظم من اجتهد و�أبدع و�أجنز ح�صيلة معرفية وجنح يف حتويلها �إىل م�صدر يحوي �رس �صنعة خا�صة مبنتج ما ،رغب يف حجبها عن الآخرين واالحتفاظ بتفا�صيلها لنف�سه، حتى يظ ّل هو وحده القادر على �إنتاج ال�شيء املبني على هذه الأ�رسار ثم حت�سينه وتطويره وتعديله مع الوقت ،فيما َيرتك للآخرين �رشاءه وت�شغيله فقط ،وتولّدت هذه الرغبة لدى الأفراد واجلماعات وامل�ؤ�س�سات على ال�سواء بهدف احل�صول على عائد من وراء �إبداعاتهم ،و�شيئ ًا ف�شيئ ًا حت ّولت الرغبة �إىل فعل ثم انتهى الفعل �إىل قوانني تط ّورت حتى �صارت ُتعرف حالي ًا بقوانني حماية امللكية الفكرية على اختالف �أنواعها. تر�سخ هذا املنهج يف ومبرور ال�سنني ّ العمل والإبداع و�أ�صبح طريق ًا �شائع ًا يف التعامل مع كل ما يخرجه العقل الب�رشي من م�صادر حتمل �أ�رساراً معرفية و�إبداعية يف �شتى املجاالت ،كالربجميات واالت�صاالت و�صناعة الدواء و�صناعة الإلكرتونيات و�صناعات النقل كال�سيارات والطائرات وال�سفن و�صناعات املالب�س و�صناعات العطور وم�ستح�رضات التجميل والإنتاج الثقايف على اختالف �أنواعه أغان و�أحلان من �شعر و�أدب وق�صة وكتب و� ٍ ٌ وغريها ،ف�أ�صبح هناك ر�صيد هائل من امل�صادر واحل�صائل املعرفية املحجوبة التي تعرف بامل�صادر املغلقة. ولأن التفكري الب�رشي يقوم على التن ّوع، ولأن الفطرة الإن�سانية ال�سليمة تنزع دائم ًا �إىل مقاومة املمار�سات التي ت ّت�سم بالظلم وتركيز ال�سلطة والرثوة يف �أي ٍد قليلة ..بد�أت �أ�صوات عديدة يف العامل تعرت�ض على ممار�سات ال�رشكات وامل�ؤ�س�سات االحتكارية الكربى
99
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 100للتنمية الثقافية
مفهوم امل�صادر املفتوحة يدعو واقعي ًا �إىل العمل على توفري ح�صائل معرفية و�أ�رسار �صنعة تتاح �أمام اجلميع حول العامل ب�شكل مفتوح، ومن هنا تالقي مفهوم (امل�صادر) مع م�صطلح (االنفتاحية) يف العمل، ليخرج امل�صطلح اجلديد املعروف با�سم ( امل�صادر املفتوحة).
عاملي ًا ،وراحت تبحث عن منهج جديد للعمل والتنمية والبناء يخفّف عن امل�ستخدمني وامل�شرتين ومن ال ميلكون الإبداع وط�أة الوقوع فري�سة لأ�صحاب هذه االحتكارات وال�ساعني للهيمنة �سواء على الأ�سواق �أم على امل�صائر. بنا ًء على ذلك ف�إن هذا املنهج يدعو واقعي ًا �إىل العمل على توفري ح�صائل معرفية و�أ�رسار �صنعة تتاح �أمام اجلميع حول العامل ب�شكل مفتوح ،ومن هنا تالقي مفهوم (امل�صادر) مع م�صطلح (االنفتاحية) يف العمل ،ليخرج امل�صطلح اجلديد املعروف با�سم ( امل�صادر املفتوحة).
امل�صادر املفتوحة ك�أداة تنموية
حمايدة ،الأمر الذي يوفّر �ساحة وا�سعة مرتامية الأطراف ميكن ا�ستخدامها كمورد �أ�سا�سي ومهم من موارد التنمية الب�رشية مبختلف �صورها االقت�صادية واالجتماعية والثقافية ملن يريد، ولنا �أن نتخيل مث ًال �أن جميع الكتب وامل�ؤلفات الفن الأدبية والعلمية والإنتاج العاملي يف ّ والأدب واملو�سيقى وال�شعر والكيمياء والفيزياء والريا�ضيات والطب والزراعة وال�صناعة وغريها جميعه �أ�صبح متاح ًا جلميع الب�رش بال قيود ،ليت�شاركوا فيها بال حدود وي�ستخدموها يف �شتى مناحي حياتهم بال قيود ،ففي هذه احلالة �ستتاح فر�ص غري م�سبوقة �أمام هذه املجتمعات لكي تط ّور نف�سها �إىل الأف�ضل.
�أبرز ما يف منهج امل�صادر املفتوحة �أنه ثانيًا :تقنية املعلومات وتفعيل يتوجه �إىل الإن�سان الفرد حماو ًال �أن يغر�س لديه امل�صادر املفتوحة كرافعة للتنمية ّ تنموية خربات بناء أن � يف: ّل ث تتم حمورية فكرة الثقافية
«امل�صادر املفتوحة» ت�ضع بني �أيدي املجتمعات املعا�رصة ـ بخا�صة النامية ـ ق�سم ًا كبرياً من الإنتاج الذهني والإبداعي الب�رشي يف املا�ضي واحلا�رض وامل�ستقبل بال قيود ،وب�صورة حمايدة ،الأمر الذي يوفّر �ساحة وا�سعة ميكن ا�ستخدامها كمورد �أ�سا�سي ومهم من موارد التنمية الب�رشية مبختلف �صورها .
حقيقية م�ستقلة تقود الفرد واجلماعات حول العامل �إىل �إبداع ثقايف وفكري وعلمي و�إنتاجي وتكنولوجي واقت�صادي و�إىل منتجات ثقافية و�سلعية و�أجهزة �أق ّل �سعراً و�أعلى كفاء ًة و�أخفّ يف �رشوط ا�ستخدامها وتطويرها ،هو �أمر ميكن حتقيقه من خالل قيام الفرد �أو اجلماعة طوع ًا ور�ضى بو�ضع الأ�رسار �أو احل�صيلة وعن قناعة ً املعرفية ملا يقومون ب�إبداعه �أمام الآخرين من دون قيود ،ليطّ لعوا عليها ويعرفوها وي�شاركوا فيها ويكون لهم حق التعديل والإ�ضافة �إليها وتطويرها� ،رشيطة �أن يلتزم الآخرون بالفكر ور�ضى ،مبا يقود �إىل معارف نف�سه عن قناعة ً وح�صائل معرفية و�أ�رسار �صنعة و�إبداع ثقايف و�إن�ساين وفكري غري مملوك لأحد ،و�إمنا �شارك اجلميع يف �إبداعه طوع ًا. خال�صة هذه الأفكار �أن «امل�صادر املفتوحة» ت�ضع بني �أيدي املجتمعات املعا�رصة ـ بخا�صة النامية والطاحمة �إىل النمو كالبلدان العربية ـ ق�سم ًا كبرياً من الإنتاج الذهني والإبداعي الب�رشي يف املا�ضي واحلا�رض وامل�ستقبل بال قيود ،وب�صورة
�إذا ما نظرنا �إىل موقع تقنية املعلومات توجه بالن�سبة لق�ضايا التنمية الثقافية وتطبيق ّ �أو منهج امل�صادر املفتوحة �سنجدها تلعب دور البنية الأ�سا�سية �أو الأر�ضية التي توفّر رابطة قوية وعري�ضة النطاق ت�سمح بتالقي الطرفني مع ًا بل ومتازجهما يف ن�سيج مرتابط يجعل ك ًال منهما مفيداً للآخر ،فالإنتاج الثقايف مبختلف �صوره عبارة عن �إبداع ذهني وفكري �إما يف �صورة حمتوى قابل للتحويل �إىل �صيغة رقمية �أو جاهزة من الأ�صل يف �صورة رقمية، والتوجه اخلا�ص بامل�صادر املفتوحة كما �سبق القول ال يتعامل تقريب ًا �إال يف املحتوى املو�ضوع يف �صورة رقمية �أو القابل للتحويل �إىل �صورة رقمية. وتقنية املعلومات واالت�صاالت ـ ويف �صدارتها الإنرتنت ـ ظهرت بالأ�سا�س لتكون قناة �رسيعة وا�سعة جلمع وتخزين وتدوير املحتوى الرقمي وتداوله و�إدارته ومعاجلته. فهو يف �أغلبه الأعم حمتوى ثقايف ،ومعنى ذلك �أننا �أ�صبحنا �أمام ناجت ثقايف من �أدب و�شعر ومو�سيقى وفكر و�سينما وم�رسح وتراث �إن�ساين
الف�صل الثالث الثقافية الدور املحتمل للمعلوماتية يف دعم التنمية 101
�أمناط امل�صادر املفتوحة والتنمية الثقافية العربية 1 الرتجمة الت�شاركية املفتوحة
ُيع ّد �أ�سلوب «الرتجمة الت�شاركية املفتوحة» من الأ�ساليب التي ن�ش�أت وبد�أت تنت�رش يف كنف الإنرتنت بالأ�سا�س ،ويق�صد به ذلك النوع من الرتجمة الذي يقوم فيه موقع �أو بوابة ما على ال�شبكة بطرح الكتب وامل�ؤلفات واملواد ثقافية والفكرية والأدبية والعلمية التي دخلت يف ما يعرف «بامللك العام» ككتب الرتاث الإ�سالمي مث ًال� ،أو املواد وامل�ؤلفات مفتوحة امل�صدر غري املحمية بحقوق الن�رش والت�أليف املعروفة ليت�شارك م�ستخدمو املوقع وزواره يف ترجمتها من لغتها الأ�صلية للغة املطلوب الرتجمة �إليها ،وذلك طواعية وباملجان ،فيقوم امل�ستخدم باختيار فقرة من �صفحة �أو �صفحة كاملة �أو جمموعة �صفحات �أو ف�صل من الكتاب �أو املادة الثقافية املعرو�ضة ويعلن للموقع �أنه يقوم برتجمتها طواعية وباملجان� ،رشط �أن تتاح الرتجمة �أي�ض ًا ب�صورة مفتوحة امل�صدر وغري خا�ضعة حلقوق الت�أليف �أو الرتجمة املعروفة ،ثم يقوم مرتجمون حمرتفون من ذوي اخلربة الأعلى مبراجعة وتدقيق الرتجمة واعتمادها �أي�ضا طواعية وباملجان ،وتت ّم هذه العملية عرب برجميات متخ�ص�صة يف �إدارة عملية الرتجمة وجتميع ال�صفحات �أو الأجزاء وتوزيعها على من يريد ومتابعة جتميع املواد بعد ترجمتها ثم ت�صعيدها للمراجعني ،و�إىل
املعلوماتية
�إما قابل للتحول �إىل �صورة رقمية �أو �أن يتح ّول بالفعل �إىل توجه فكري يرى �رضورة �إتاحة هذا الناجت بال قيود �أمام اجلميع للم�شاركة فيه �إنتاج ًا وا�ستهالك ًا ،وبنية حتتية معلوماتية حمورها الإنرتنت تقوم بالفعل مبهمة التو�صيل ال�رسيع لهذا الناجت وتدويره يف ما بني �أكرث من مليار من الب�رش يف حلظات.
غري ذلك من العمليات ،ومن �أبرز املواقع التي ت�ستخدم �أ�سلوب الرتجمة الت�شاركية مو�سوعة ويكيبيديا ال�شهرية ،كما يدعو موقع بوابة «املعرفة »http://marefa.orgالذي يع ّد من �أهم املواقع العربية التي تهتم بن�رش املعرفة واملواد الثقافية العربية �إىل ا�ستخدام هذا الأ�سلوب يف الرتجمة �إىل العربية. وال يقت�رص مفهوم الرتجمة الت�شاركية فقط على فكرة التط ّوع والعمل حتت ظالل منهج امل�صادر املفتوحة ،ف ُدور الرتجمة والن�رش املحرتفة والقائمة على الربح ميكنها الإفادة �أي�ض ًا من هذا الأ�سلوب يف �إدارة وحتديث وتطوير �أعمالها وا�ستقطاب املزيد من املرتجمني و�إدارة عملية الرتجمة ب�شكل كفوء ومبوارد قليلة ،فعرب هذا الأ�سلوب ميكن ل ُدور الرتجمة والن�رش العربية تكوين فرق عمل قائمة على فكرة «امل�شاركة يف الرتجمة»، تعتمد على �شبكة للمعلومات ت�ستخدم الإنرتنت كقناة للتوا�صل يف ما بني �أطرافها ،ثم جمتمع املرتجمني الذي ي�ض ّم متطوعني �أو حمرتفني، وتتيح عرب هذه ال�شبكة الذخرية اللغوية واخلوارزميات اللغوية ،وتت�ضمن كذلك �آلية لإدارة عملية الرتجمة وتتبع كفاءة املرتجمني، ثم نظام ًا للمحا�سبة ،ونظام ًا لإدارة تواجد املرتجمني عرب ال�شبكة ،وميزة هذا الأ�سلوب �أنه يجمع بني ميزات كل من الرتجمة الآلية والب�رشية ويتخطى عيوبها ،و�أنه يولّد كمية �ضخمة من البيانات اللغوية املهمة لتمكني الأبحاث العلمية والربجمية يف جماالت الرتجمة الآلية واملعاجلة الآلية للغة العربية، كما �أنه يالئم ب�شكل خا�ص تقنيات الوب 2.0 واملعتمدة على تكافل �إ�سهامات عدد كبري من املتطوعني واملبدعني لإنتاج املحتوى وتقييمه ،كما ي�سهم يف حت�سني جودة الرتجمة الآلية ،وميكن ا�ستخدامه لرتجمة �أي نوع من املحتوى.
1ـ ( ا�ستفاد فريق البحث يف هذا اجلزء من حما�رضة «الرتجمة الت�شاركية واملحتوى الرقمي العربي» للدكتور �أن�س طويلة بجامعة كارديف �إجنلرتا والتي قدمها �إىل ور�شة عمل املحتوى العربي املفتوح املنعقدة بالريا�ض يف 17ـ 18يناير 2009م).
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 102للتنمية الثقافية
�أدوات الو�صول احلر يف ن�رش الإنتاج 1 الثقايف واملعريف
ميكن للجهات العربية املعنية بالتنمية الثقافية انتهاج و�سيلة لتو�صيل املحتوى الثقايف والعلمي واملـعـرفـي ،عـبـر رعـايـة و�إنــ�شـاء احلر عرب الإنرتنت دوريات للو�صول ّ ميكن �أن ي�شارك فيها متطوعون من امل�ؤلفني وال�شعراء والك ّتاب والباحثني واخلرباء وغريهم.
�أدوات «الو�صول احلر» يف ن�رش الإنتاج الثقايف واملعريف ،هي �إحدى جتليات �أو �صور امل�صادر املفتوحة يف ا�ستخدامها الوا�سع والن�شط للإنرتنت ،فهي تعتمد كلية على �إتاحة املحتوى الثقايف واملعريف ذي اجلودة العالية كام ًال �أمام جميع امل�ستخدمني بحيث ي�صلون حرة ال تعوقها التزامات مادية �أو �إليه ب�صورة ّ ً قانونية ،ومن �أبرز هذه الأدوات عامليا ـ والتي مل جتد طريقها للمجتمعات العربية بال�صورة املطلوبة ـ ما يلي: احلر Open Access Journ • دوريات الو�صول ّ ،nalsويق�صد بها الدوريات التي تتيح مقاالتها ب�صورة جمانية على الإنرتنت ،وتتمتع ب�سمات الدوريات العلمية التقليدية نف�سها ،والتي ميكن الو�صول ملحتواها عرب ا�شرتاكات مدفوعة، وميكن للجهات العربية املعنية بالتنمية الثقافية انتهاج هذه الو�سيلة لتو�صيل املحتوى الثقايف والعلمي واملعريف عرب رعاية و�إن�شاء احلر عرب الإنرتنت ميكن �أن دوريات للو�صول ّ ي�شارك فيها متطوعون من امل�ؤلفني وال�شعراء والكتاب والباحثني واخلرباء وغريهم. وعاملي ًا حقّقت هذه التجربة جناح ًا ملحوظ ًا احلر Direct حتى �أن دليل دوريات الو�صول ّ )tory of Open Access Journals (DOAJ �أ�صبح ي�شتمل على 3612دورية من خمتلف �أنحاء العامل حتى �سبتمرب 2008م ،وذلك يف تخ�ص�صات املكتبات واملعلومات والدوريات ّ العامة يف الن�شاط العلمي والدوريات الفكرية والثقافية ،ومثل هذه التجربة ميكن تكرارها عربي ًا �إذا ما تب ّنت اجلهات املعنية بالتنمية الثقافية م�رشوع ًا لإن�شاء �أو رعاية �سل�سلة من الدوريات الثقافية والعلمية على الإنرتنت احلر ثم ت�ضمينها يف تعمل مبفهوم الو�صول ّ احلر والرتويج له دليل عربي لدوريات الو�صول ّ بني اجلماهري امل�ستخدمة للإنرتنت واجلمهور العربي العام.
• «الأر�شفة الذاتية »Self-archiving والتي يقوم فيها ك ّل مبدع �أو منتج للثقافة والفكر ب�ش ّتى �صوره بن�رش �إبداعه و�إنتاجه الثقايف عرب الإنرتنت ،مبا يتيح للآخرين حرية الو�صول �إليه واالطّ الع عليه واال�ستفادة منه، وذلك عرب ن�رشه على موقعه ال�شخ�صي �أو على موقع امل�ؤ�س�سة التي يعمل بها. • «امل�ستودعات الرقمية Digital Rep »positoriesوهي مواقع �أو بوابات على الإنرتنت ـ �أو حتى عرب �شبكات معلومات خارج الإنرتنت ـ تن�شئها م�ؤ�س�سات حكومية �أو غري حكومة ال ت�ستهدف الربح �أو �أفراد �أو جماعات وت�شتمل على كثري من �أمناط الإنتاج الفكري والثقايف ،وعلى ر�أ�سها مقاالت الدوريات العلمية ،والكتب ،التقارير ،الر�سائل اجلامعية، ملفات الباوربوينت وال�صور ولقطات الفيديو وق�صائد ال�شعر والق�ص�ص الق�صرية والرتاث ال�شعبي والديني وغريها. وكما هو وا�ضح ف�إن هذه الأدوات توفّر للجهات العربية املعنية بالتنمية الثقافية فر�صة �سانحة للو�صول باملنتج الثقايف واملعريف �سواء العربي �أم العاملي �إىل قطاع ال ي�ستهان به من اجلماهري العربية ،وذلك �إذا ٌ خطط جادة تتب ّنى االعتماد على ما ُو�ضعت هذه الأدوات يف ت�سهيل و�صول اجلماهري �إىل املحتوى الثقايف والعلمي ذي امل�ستوى واجلودة العالية.
امل�رشوعات الثقافية التخ�ص�صية مفتوحة امل�صدر
فتحت الإنرتنت ب�إمكاناتها الوا�سعة للتوا�صل والن�رش والتفاعل ما بني منتج الثقافة ومتلقيها وم�ستهلكها �آفاق ًا وا�سعة �أمام اجلهات املعنية بالتنمية الثقافية يف العديد من دول العامل لكي ت�ستخدمها كبنية �أ�سا�سية ت�ستند �إليها وهي ُتن�شىء م�رشوعاتها الثقافية والتوعوية التي ت�ستلهم روح التوجه
1 احلر وم�صادره» للدكتور عبدالرحمن فراج الأ�ستاذ بجامعة الإمام (ا�ستفاد فريق البحث يف هذا اجلزء من حما�رضة «جتليات الو�صول ّ حممد بن �سعود الإ�سالمية والتي قدمها �إىل ور�شة عمل املحتوى العربي املفتوح املنعقدة بالريا�ض يف 17ـ 18يناير .»2009
الف�صل الثالث الثقافية الدور املحتمل للمعلوماتية يف دعم التنمية 103
املوارد التعليمية مفتوحة امل�صدر
املعلوماتية
اخلا�ص بامل�صادر املفتوحة وق ّوته وهي تخاطب جماهريها وحتاول تعزيز وتنمية وحتديث وعيهم الثقايف وتطويره با�ستمرار. وخالل ال�سنوات املا�ضية �شهد العامل ظهور �سل�سلة من امل�رشوعات الثقافية املتخ�ص�صة القائمة على توجه امل�صادر املفتوحة وعلى اال�ستفادة من الإنرتنت كبنية �أ�سا�سية ،بع�ضها بد�أ منذ فرتات طويلة وي�شارك فيه مبدعون من مناطق خمتلفة ،وبع�ضها اليزال قيد الإن�شاء ويوجه �أ�صحابه الدعوة للمبدعني للم�شاركة، واملت�صور �أن اجلهات القائمة على التنمية الثقافية يف العامل العربي الب ّد �أن ت�أخذه يف اعتبارها .ويف ما يلي �أمثلة على امل�رشوعات الثقافية ذات املحتوى مفتوح امل�صدر عاملي ًا والتي ميكن مل�ؤ�س�سات التنمية الثقافية بالعامل العربي ا�ستلهام �أفكارها وتطويعها وتعريبها وتوظيف البنية الأ�سا�سية املعلوماتية املتاحة توظيف ًا جيداً يف تنفيذها ب�صورة تنا�سب احتياجات املجتمعات العربية: • م�رشوع �أر�شيف بريلنجر :عبارة عن �أر�شيف للأفالم ،وهدفه التجميع واحلفاظ على الأفالم ،وت�سهيل الو�صول ب�شكل مفتوح �إليها، وخ�صو�ص ًا تلك التي حتمل مغزى تاريخي ًا مكان �آخر .وقد والتي مل يت ّم جتميعها يف �أي ٍ �أن�شىء امل�رشوع عام 1983يف نيويورك ووا�صل من ّوه حتى �أ�صبح فيه � 48ألف ًا من الأفالم يف جماالت والتعليم وال�صناعة و�أفالم الهواة. وعربي ًا ميكن اال�ستفادة من اخلربة املتحققة من هذا امل�رشوع يف �إن�شاء �أر�شيف �أفالم عربي ير�صد تاريخ ال�سينما العربية وتطورها. • م�رشوع املكتبة العلمية العامة :وهو م�رشوع تنفّذه منظمة غري حكومية وغري هادفة للربح تت�شكل من العلماء والأطباء وهدفها جعل الإنتاج العلمي والطبي العاملي مورداً عام ًا متاح ًا للجميع بحرية وب�شكل مفتوح ،وميكن للجمعيات العلمية العربية �أو نقابات واحتادات الأطباء وال�صيادلة العرب اال�ستفادة بالفكر املطبق فيه لإن�شاء م�رشوع
املكتبة العلمية الط ّبية العربية العامة. • م�رشوع بالنيت ماث :يرفع �شعار الريا�ضيات من �أجل النا�س وبوا�سطة النا�س، وهو عبارة عن جت ّمع تخ ّيلي عرب الإنرتنت ي�ستهدف امل�ساعدة يف جعل املعرفة الريا�ضية �أكرث �سهولة يف الو�صول اليها ،وحمتوى هذا امل�رشوع يت ّم تكوينه ب�شكل تعاوين ،و�أهم منجزاته مو�سوعة علم الريا�ضيات مبداخلها متت كتابتها ومراجعتها مبعرفة �أع�ضاء التي ّ يف هذا التجمع حتت رخ�صة التوثيق احلر، وعربي ًا ميكننا اال�ستفادة من �إنتاج هذا امل�رشوع ونقله للعربية �أو على الأقل االن�ضمام �إىل هذا املجتمع التخيلي لتبادل املعرفة والثقافة.
ميكن للجمعيات العلمية العربية �أو نقابات واحتادات الأطباء وال�صيادلة العرب ،اال�ستفادة من الفكر املطبق يف امل�رشوعات مفتوحة امل�صدر على الإنرتنت لإن�شاء م�رشوع املكتبة العلمية الط ّبية العربية العامة.
1
ق ّدمت الإنرتنت وثورة تقنية املعلومات توجه ًا جديداً وفعا ًال يف توفري فر�ص هائلة للتعليم والتعلّم ا�ستناداً �إىل تقنية املعلومات وفق ًا ملنهج امل�صادر املفتوحة ،وذلك عرب ع�رشات املبادرات وامل�رشوعات التي ن�ش�أت جميع ًا يف كنف الإنرتنت وراحت تتبلور حتى �أ�صبحت ُتعرف با�سم «حركة املوارد التعليمية مفتوحة امل�صدر» ،وتتمثّل دعوتها الأ�سا�سية يف �أن تقبل امل�ؤ�س�سات التعليمية والأكادميية والبحثية ب�إتاحة ما لديها من مناهج ومقررات وحما�رضات وبحوث �أكادميية ومواد تدر�سها لطالبها وباحثيها تعليمية �أخرى ّ ب�شكل كامل ومفتوح على الإنرتنت بال مقابل ملن يريد �أن يتعلّم �أو ي�ستفيد ،و�أن ت�شارك امل�ؤ�س�سات التعليمية الأخرى يف هذا املحتوى �أخذاً وعطا ًء ،كما ت�شارك يف تطويره وحت�سينه با�ستمرار مع الآخرين الذين يقبلون بهذا املبد�أ �أو الفكرة. وقد حقّقت هذه احلركة ح�ضوراً عاملي ًا ملحوظ ًا خالل ال�سنوات الأخرية حتى �أن ت�صنيفات منظمة اليون�سكو ذكرت �أن املبادرات التي ت ّتم يف �إطار دعوة املوارد التعليمية
«حركة املوارد التعليمية مفتوحة امل�صدر» ،تتمثّل دعوتها يف �أن تقبل امل� ّؤ�س�سات التعليمية والأكادميية والبحثية ب�إتاحة ما لديها من مناهج ومقررات وحما�رضات وبحوث �أكادميية ومواد تعليمية �أخرى تدر�سها لطالبها وباحثيها على ّ الإنرتنت بال مقابل ملن يريد �أن يتعلّم �أو ي�ستفيد ،و�أن ت�شارك امل�ؤ�س�سات التعليمية الأخرى يف هذا املحتوى �أخذاً وعطا ًء.
1ا�ستند فريق البحث يف هذا اجلزء �إىل حما�رضة «املوارد التعليمية املفتوحة :واقعها وم�ستقبلها « للدكتورة هند بنت �سليمان اخلليفة �أ�ستاذة م�ساعدة بق�سم تقنية املعلومات بكلية علوم احلا�سب واملعلومات -جامعة امللك �سعود ،والتي قدمتها �إىل ور�شة عمل املحتوى العربي املفتوح املنعقدة بالريا�ض يف 17ـ 18يناير.»2009
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 104للتنمية الثقافية
املفتوحة باتت ت�ضم مبادرات على م�ستوى وطني ( ،)National initiativesومبادرات على م�ستوى م�ؤ�س�سي (،)Institutional initiatives ومبادرات على م�ستوى جمتمعي (Communit ،)ty development projectsومبادرات على م�ستوى فردي (. )Individual initiatives وحالي ًا هناك �أكرث من 150جامعة �صينية م�ساهمة يف حركة املوارد التعليمية املفتوحة ال�صينية ،و�أ�شهر �إحدى ع�رشة جامعة فرن�سية قاموا بتكوين م�رشوع ( )ParisTech OCW الذي يحتوي على 150دورة درا�سية ،وهناك �سبع جامعات �أمريكية لها برامج وا�سعة يف حركة املوارد التعليمية املفتوحة (MIT, وجدت حركة املوارد التعليمية املفتوحة طريقها �إىل بع�ض البلدان العربية يف الآونة الأخرية ،مثل التي بد�أ بع�ض جامعاتها ترجمة املناهج املفتوحة من جامعة ،MITوذلك باختيار عددٍ من املناهج وتكييفها لتلبية احتياجاتهم املحلية ،مبا يف ذلك الرتجمة �إىل اللغة الفرن�سية.
Rice, Johns Hopkins, Tufts, Carnegie ،.)Mellon, and Utah State Universityكما �أن هناك �أكرث من 2000دورة درا�سية متاحة
على الويب مب�ساهمة من دول مثل �أ�سرتاليا وكندا والربازيل وهنغاريا والهند و�إيران و�إيرلندا وهولندا و الربتغال ورو�سيا وجنوب �إفريقيا و�إ�سبانيا و تايالند والواليات املتحدة واململكة املتحدة وفيتنام. وقد وجدت حركة املوارد التعليمية املفتوحة طريقها �إىل بع�ض البلدان العربية يف الآونة الأخرية ،مثل التي بد�أ بع�ض جامعاتها ترجمة املناهج املفتوحة من جامعة MIT عدد من املناهج وتكييفها لتلبية وذلك باختيار ٍ احتياجاتهم املحلية ،مبا يف ذلك الرتجمة �إىل اللغة الفرن�سية ،كما �أن هذه املبادرة �ستعمل على ا�ستكمال بع�ض الوحدات الدرا�سية و�إ�ضافة الر�سومات و�/أو الر�سوم املتحركة لتو�ضيح املفاهيم ،كذلك بد�أت جامعة ال�سودان املفتوحة تتفاعل مع حركة املوارد التعليمية املفتوحة ،وكذلك جامعة امللك فهد للبرتول واملعادن باململكة العربية ال�سعودية. وبالنظر �إىل �أفكار و�أهداف هذه احلركة �سنجدها تتوافق متام ًا مع متطلبات التنمية الثقافية واحتياجاتها بالبلدان العربية، فهي كما �سبق القول حركة ت�ستهدف تطوير
وتعميق التعليم والتعلّم من خالل التوا�صل مع �أحدث املقررات والبحوث واملحا�رضات التعليمية الكاملة يف �أرقى جامعات العامل وم�ؤ�س�ساته الأكادميية ،وهي فر�صة للتوا�صل بني جيل ال�شباب والدار�سني العرب خ�صو�ص ًا يو�سع يف املراحل الدرا�سية اجلامعية ،مبا ّ �أفق التوعية الثقافية و�سبل التوا�صل الثقايف اجلاد مع العامل .وميكن مل�ؤ�س�سات التنمية الثقافية العربية ب�سهولة دعم هذه احلركة وتب ّنيها حملي ًا خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق بالعملية التعليمية والدرا�سية يف املجاالت ذات ال�صلة الأقرب �إىل ال�سياق الثقايف العام ،كالدرا�سات الأدبية والفكرية والفنية والفل�سفية ،والتوا�صل مع اجلامعات والأكادمييات وم�ؤ�س�سات التعليم العاملية يف املجال الثقايف واملن�ضوية حتت لواء هذه احلركة للإفادة مما تتيحه من مقررات وموارد تعليمية كاملة ب�صورة مفتوحة ،مبا ي�شكّل دعم ًا �إ�ضافي ًا جلهود تو�سيع البنية املعرفية والثقافية لدى الأجيال ال�شابة واجلديدة. وتو�صي الدرا�سات يف هذا ال�صدد ب�رضورة قيام امل�ؤ�س�سات الأكادميية والتعليمية والثقافية العربية بالتعريف باملوارد التعليمية ورعاية وجودها عن طريق امل�ؤ�س�سات احلكومية واخلا�صة املهتمة، و�إجراء املزيد من الأبحاث عن و�ضع العامل العربي من حركة املوارد التعليمية املفتوحة واحلاجة �إليها وباملثل �إجراء �أبحاث للو�ضع حملي ًا ،وخلق املحفزات للم�شاركة باملوارد التعليمية �سواء كان يف التعليم العايل عن طريق احت�ساب درجات الرتقية الأكادميية من م�ساهمة الأ�ستاذ باملحتوى املفتوح �أم يف التعليم العام عن طريق املحفزات املعنوية، ون�رش ثقافة امل�شاركة وامل�ساهمة باملعرفة يف املجتمع ككل والتحفيز لها ،و�إيجاد قنوات مل�شاركة املوارد التعليمية املفتوحة عرب بوابات وم�ستودعات رقمية وغريها.
الف�صل الرابع قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية 105
املعلوماتية
الف�صل الرابع قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية �إذا ما تع ّززت حرية تداول املعلومات ون�شط منهج امل�صادر املفتوحة ،وبرزا على كتوجهني رئي�س ّيني يف �إدارة ال�ساحة العربية ّ العالقة بني تقنية املعلومات وق�ضايا الثقافة، وجهات ؤ�س�سات ٍ ف�ستتاح �أمام العرب ـ �أفراداً وم� ٍ ر�سمية ـ حزمة من القنوات �أو امل�سارات التي ميكن من خاللها تفعيل دور تقنية املعلومات كرافعة للتنمية الثقافية.
امل�سار الأول :رقمنة املحتوى �..ضبط «الذاكرة» وتقوية «التذكر»
�أي تنمية �أو تطوير �أو حتديث يطر�أ على ذاكرة املجتمع يع ّد يف الوقت نف�سه تنمي ًة وحتديث ًا وتطويراً لثقافته ،واملع�ضلة التي تواجهها املجتمعات املعا�رصة �أن �رسعة توليد وتداول املعلومات واملواد التي تبني الذاكرة تط ّورت وارتفعت وت�ضخمت �إىل الدرجة التي جعلت قدرة املجتمعات على «التذكر» تق ّل وت�ضمحل ،لي�س فقط على �صعيد تذكّر الإرث �أو مواد الذاكرة القدمية �أو املوغلة يف القدم بل وحتى احلديثة �أو قريبة العهد .وقليلة هي املجتمعات التي ا�ستطاعت �أن توازن بني ت�ضخم الذاكرة واالحتفاظ بالقدرة معدالت ّ على التذكر .والعامل الأ�سا�سي للخروج من هذه املع�ضلة هو الذكاء يف ا�ستخدام تقنية املعلومات واالت�صاالت ك�أداة لل�سيطرة على ت�ضخم الذاكرة وتروي�ضها بال�شكل الذي ي�ضمن احلفاظ على ق ّوة التذكر لدى املجتمع. وقد تبو�أت تقنية االت�صاالت وتكنولوجيا املعلومات هذه املكانة «الفا�صلة» يف التعامل مع مع�ضلة «الذاكرة والتذكر» لأنها
�سمحت بتحويل الأ�شياء التي ت�شكّل الذاكرة من �صورتها التقليدية على الورق �أو الكتب القدمية �أو �أذهان النا�س �أو حتى جدران املعابد والربديات والنقو�ش على احلجر� ،سواء كانت ذاكرة قدمية �أم حديثة �أم معا�رصة� ،إىل �صورة رقمية قابلة للتخزين والت�صنيف والفهر�سة واملعاجلة لتتحول من جمرد «مواد ت�شكل ذاكرة» �إىل «معارف قادرة على �أن ت�شارك يف بناء «الذهن». وتق ّدم الإنرتنت يف هذا ال�صدد الو�سيلة الأجنح والأكرث تكام ًال على الإطالق يف ح ّل مع�ضلة ت�ضخم الذاكرة و�ضعف القدرة على التذكر ،فالإنرتنت وعاء تخزين ال حدود ق�صوى لطاقته اال�ستيعابية ،وقناة تو�صيل «ال �ضفاف لها» ،ورخي�صة للغاية ت�ستوعب مئات املاليني من امل�ستخدمني والراغبني يف امل�شاركة ،ومورد للتثقيف وبناء الذاكرة ال ُي�ضاهي يف قوة ت�أثريه لأنه ال حدود لب�ساطته و�سهولة و�رسعة الو�صول �إليه. هذا بال�ضبط ما يجعل م�رشوعات رقمنة املحتوى واحدة من امل�سارات املر�شحة لتوظيف تقنية املعلومات واالت�صاالت كرافعة للتنمية الثقافية باملجتمع العربي ،ومن ح�سن احلظ �أن الوطن العربي بد�أ ي�شهد برامج وم�رشوعات رقمنة للذاكرة واملحتوى العربي تدلّ على �أن بع�ض امل�ؤ�س�سات العربية يف القطاع الر�سمي والقطاع الأهلي غري احلكومي بد�أت ت�ست�شعر ما لدى هذه الآلية من �أهمية يف تنمية الثقافة وجتديد الذاكرة العربية ،منها م�رشوع ذاكرة العامل العربي الذي ت�شارك فيه �أكرث من خم�س ع�رشة دولة عربية ،ومبادرة حممد بن را�شد
م�رشوعات رقمنة املحتوى� ،أي حتويل الذاكرة �إىل معارف ،هي واحدة من امل�سارات املر�شّ حة لتوظيف تقنية املعلومات واالت�صاالت كرافعة للتنمية الثقافية يف العامل العربي.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 106للتنمية الثقافية
يجب االنتباه �إىل حت ّدي «الغمر باملحتوى» الأجنبي الذي يت�سلل بنعومة و�رسعة �إىل ن�سيج الذاكرة العربية لي�صري جزءاً منها �شيئ ًا ف�شيئاً ،وباعتباره الأحدث والأكرث جاذبية لدى العديد من فئات املجتمع العربي.
للمحتوى العربي ومبادرة امللك عبداهلل بن عبدالعزيز للمحتوى ،ف�ض ًال عن م�رشوعات رقمنة وحتديث تابعة للقطاع اخلا�ص، وجميعها مي�ضي يف طريق حتويل �آالف الكتب والوثائق وال�صور ومقتنيات املتاحف وغريها �إىل �شكل رقمي يو�ضع يف م�ستودعات رقمية ويتاح للجميع عرب الإنرتنت. بيد �أن هذه امل�رشوعات التزال يف بدايتها وحمدودة العدد للغاية قيا�س ًا �إىل حجم الذاكرة �أو مقدار الثقافة العربية الواجب رقمنتها وحتديثها و�إتاحتها للجماهري العربية وللعامل، فهذه امل�رشوعات مل تنقل �سوى نذر ي�سري من الذاكرة العربية �إىل ال�صورة الرقمية ،ناهيك ب�أن منتجها الرقمي مل ي�شقّ طريقه بقوة بعد داخل فئات اجلمهور العربي العري�ض .لذلك على النخب الثقافية والإعالمية العربية الرتكيز على دعم مثل هذه امل�رشوعات والإقدام على املزيد منها ،مبا مي ّد املجتمع العربي بقوى �إ�ضافية تتيح له مزيداً من القدرة على التذكر والإدارة الأف�ضل للذاكرة بال�صورة التي تتنا�سب والتحديات الثقافية املحدقة به ،ويف مقدمتها حت ّدي «الغمر باملحتوى» الأجنبي الذي يت�سلل بنعومة و�رسعة �إىل ن�سيج الذاكرة العربية لي�صري جزءاً منها �شيئ ًا ف�شيئ ًا، وباعتباره الأحدث والأكرث جاذبية لدى العديد من فئات املجتمع العربي ت�صبح قدرة هذه الفئات على «تذكر» وا�سرتجاع الثقافة العربية �أمراً �أكرث �صعوبة.
امل�سار الثاين :الت�شبيك الثقايف .. «املعرفة من خالل الت�شبيك»
من الأهداف الأ�سا�سية التي كانت وراء ن�ش�أة �صناعة تقنية املعلومات واالت�صاالت وانت�شارها ككل هدفا «الت�شبيك» و»امل�شاركة»، �أي ربط جمموعة من الأطراف « قد تكون جمتمعات» ؤ�س�سات �أو ٍ أدوات �أو �أ�شخا�ص ًا �أو م� ٍ � ٍ مع بع�ضهم البع�ض عرب و�سيلة �أو و�سائل تقنية معينة يف �صدارتها �شبكات االت�صاالت واملعلومات ،لكي ي�سهل على هذه الأطراف
«امل�شاركة» مع بع�ضها البع�ض يف معلومات �أو بيانات متتلكها لتحقيق �أهداف �أو �أغرا�ض تبتغيها. وقد ا�ستفادت مئات املجتمعات حول العامل ثقافي ًا من �إمكانات تقنية املعلومات واالت�صاالت يف هذا ال�صدد ،والآن هناك اجتاه قوي يف امل�شهد الثقايف العاملي مي�ضي حتت �شعار «املعرفة من خالل الت�شبيك»� ،أو ا�ستغالل قوة التكنولوجيا يف الربط والت�شبيك لتحقيق تنمية ثقافية ومعرفية قائمة على التوا�صل امل�ستمر للبيانات واملعلومات والتبادل ّ واملعارف بني جمموعات من الب�رش ي ّت�صف من ين�ضوون حتت لوائها ب�أنهم ذوو �أفكار متجان�سة �أو �أهداف م�شرتكة �أو اهتمامات وم�صالح موحدة .ويف هذا ال�سياق تزخر الإنرتنت ب�آالف من التجمعات املختلفة القائمة على فكرة الربط وامل�شاركة عرب ال�شبكة. وقد تطورت فكرة الت�شبيك والربط الثقايف عرب الإنرتنت حتى ظهر ما يعرف «باملجتمعات التخيلية» ،وهي مواقع على ال�شبكة متثّل نقطة التقاء ملجموعة من الأ�شخا�ص يتوا�صلون مع ًا من خاللها با�ستخدام نظم القوائم الربيدية �أو الرتا�سل الفوري واملحادثة والدرد�شة واحلوارات املطولة وجمموعات الأخبار وغريها من �أ�ساليب التوا�صل اجلماعي، ويكون القا�سم امل�شرتك بينهم ق�ضية ذات اهتمام م�شرتك �أو التخ�ص�ص املهني �أو التوافق يف الهوايات واالهتمامات ،ومبرور الوقت تن�ش�أ بني امل�شاركني �أو الأع�ضاء يف املوقع عالقات وثيقة على م�ستوى الفكر وعالقات العمل والقناعات والآراء فيت�شكل املجتمع التخيليي اخلا�ص بق�ضية ما ،لأنه يوجد فقط على ال�شبكة ولي�س يف العامل الواقعي .وتعترب املجتمعات التخيلية عرب الإنرتنت ظاهرة الفتة للنظر لكونها ت�ستقطب اهتمام املاليني من الأع�ضاء الن�شطني يف خمتلف املجاالت والتخ�ص�صات ما بني �أطباء وفنانني وباحثني وطالب و�سيا�سيني وجماعات مدنية ،بعدما �أثبتت جدواها يف
الف�صل الرابع قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية 107
املعلوماتية
تكوين عالقات قوية بني �أع�ضائها تتعدى جمرد تبادل املعلومات املفيدة �إىل ح ّل بع�ض امل�شكالت مثل املر�ض �أو الأزمات املالية، و�أخرياً امل�شاركة ال�سيا�سية وا�ستخدام احلقوق الدميقراطية يف ممار�سة الكثري من الفعاليات والأن�شطة الإيجابية .وت�شمل املجتمعات التخيلية حالي ًا جماالت الفن والأدب والفكر واملو�سيقى والفن الت�شكيلي وال�سينما والكتب والن�رش والبحث العلمي وغريها من �أوجه احلياة الثقافية. و ُتن ِبئنا التحليالت ال�سابقة حول امل�شهد الثقايف العربي الراهن ب�أوجهه الرقمية املختلفة التي جرى تناولها �أنه على الرغم من وجود بنية معلوماتية ال ي�ستهان بها يف معظم البلدان العربية ،ف�إن �أهداف «الربط «و»امل�شاركة» لي�ست مط ّبقة من قبل م�ستخدمي هذه البنية املعلوماتية �أو من يفرت�ض �أنهم م�س�ؤولون عن توظيفها ثقافي ًا ،فاملعارف العربية ال تتدفق بني املجتمعات العربية عرب قنوات التكنولوجيا بال�صورة املبتغاة ،و�سبب مهم يف ذلك �أن امل�ؤ�س�سات والكيانات العربية املعنية بال�ش�أن الثقايف مل ت�ستخدم بعد هذه وت�شبيك يف ما بني ربط ٍ البنية يف �إجناز عملية ٍ �أطرافها املنت�رشة عرب العامل العربي .وعليه ف�إن م�سار «املعرفة من خالل الت�شبيك» يفر�ض نف�سه بقوة كم�سار من م�سارات توظيف تقنية املعلومات كرافعة للتنمية الثقافية ،وذلك للقيام مبا يلي: • ت�شبيك �أدبي يربط ما بني الأدباء العرب من القا�صني وال�شعراء والنقّاد يف جمتمع تخيلي واحد �أو ع ّدة جمتمعات تخيلية تلتزم التوجهني ال�سابقني املتعلقني بحرية تداول املعلومات وامل�صادر املفتوحة لتبادل امل�ساهمات والآراء ال�ستعرا�ض الإبداعات اجلديدة ل�صغار وكبار الأدباء و�إدارة حوار جاد حولها وحتقيق م�ستوى من التوا�صل الداخلي يف ما بينهم وخارجي مع اجلمهور العام. • ت�شبيك ثقايف م� ّؤ�س�سي يحقق نوع ًا من الربط وامل�شاركة يف ما بني امل�ؤ�س�سات
الثقافية العربية كوزارات الثقافة وغريها من امل�ؤ�س�سات امل�شابهة ،مبا يفتح الطريق نحو حركة تن�سيق جادة يف جهود التنمية الثقافية الر�سمية ،تعتمد على تبادل املنافع وتكامل امل�صادر واملوارد املتاحة للبلدان العربية. فالبع�ض ميلك ذخرية تراثية عري�ضة و�ضاربة يف القدم والبع�ض الآخر ميلك موارد مالية وفريق ثالث ميلك خربات وكوادر ذات قدرات متنوعة يف العمل الثقايف والتنمية الثقافية، ومن خالل جمتمع تخيلي للم�ؤ�س�سات الثقافية الر�سمية العربية ميكن القفز بعيداً فوق العديد من امل�شكالت والعوائق الروتينية ال�سائدة واملع�ضالت ال�سيا�سية املزمنة واالنطالق يف تعاون طوعي �رسيع و�سهل ميكن �أن يحقق مردوداً �إيجابي ًا قد يبد�أ ب�سيط ًا لكنه قابل للتعاظم مع الوقت. • ت�شبيك ف ّني على �صعيد ال�سينما واملو�سيقى وامل�رسح يتيح توا�صل وم�شاركة جادة بني مراكز الإنتاج الفني الرئي�سية بالعامل العربي بالقاهرة وبريوت واخلليج واملغرب العربي وغريها ،ويفتح جماالت للتعاون وتبادل الأفكار وامل�رشوعات امل�شرتكة و�إعادة عر�ض الرتاث الفني العربي عرب الإنرتنت. • ت�شبيك بحثي وعلمي لربط م� ّؤ�س�سات البحث العلمي والعاملني بها وحتقيق قدر من امل�شاركة يف الأفكار والإبداعات وتبادل النتائج وفتح نقا�شات �أكادميية وعلمية حولها ،وكذلك تبادل املعلومات والبيانات املتعلقة باملو�ضوعات العلمية ذات ال�صبغة الت�صحر وندرة املياه امل�شرتكة كق�ضايا ّ وحتلية مياه البحر والتلوث البيئي. • ت�شبيك يف جمال الن�رش والإعالم والكتب واملكتبات والرتاث ،لفتح قنوات لتبادل املعارف والكتب يف خمتلف املجاالت، من خالل املكتبات الرقمية وامل�ستودعات الإخبارية والإعالمية التخ ّيلية املفتوحة، وم�ستودعات الن�رش الرقمي واملد ّونات وال�شبكات االجتماعية وغريها .الأمر الذي يتيح موارد ثقافية هائلة �أمام املواطن العربي
على الرغم من وجود بنية معلوماتية ال ي�ستهان بها يف معظم البلدان العربية ،ف�إن �أهداف «الربط» و «امل�شاركة» لي�ست مط ّبقة من قبل م�ستخدمي هذه البنية املعلوماتية �أو من يفرت�ض �أنهم م�س�ؤولون عن توظيفها ثقافياً ،و�سبب ذلك �أن امل�ؤ�س�سات والكيانات العربية املعنية بال�ش�أن الثقايف مل ت�ستخدم ربط بعد هذه البنية يف �إجناز عملية ٍ وت�شبيكٍ يف ما بني �أطرافها املنت�رشة عرب العامل العربي.
هناك �إمكانيات مل ت�ستغل لعمليات ت�شبيك عربي على الإنرتنت ت�شمل مثالً ،الربط بني الأدباء �أو امل�ؤ�س�سات الثقاف ّية �أو م�ؤ�س�سات البحث العلمي �أو يف جمال الن�رش والإعالم واملكتبات.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 108للتنمية الثقافية
للنهل منها طوال الوقت ب�صورة جمانية �أو بتكلفة زهيدة.
التكنولوجيا يف خدمة الت�شبيك
�إن ا�ستخدام الإنرتنت وتكنولوجيا الـمعلومات واالت�صالت كو�سيلة للإتاحة الدائمة للمعارف ب�صورة احرتافية للمبدعني واملوهوبني ،يتيح ن�رش الفن والإبداع القائم على املعرفة ،ويك�رس احتكار الو�سائل التقليدية الناقلة للمعرفة للمبدعني ،ويف مقدمتها امل� ّؤ�س�سات التعليمية والأكادميية والكتب واملواد املطبوعة.
ميكن �أن يجري توظيف التكنولوجيا خلدمة الت�شبيك والربط بني التجمعات والنخب الثقافية العربية كالتايل: • الإعالن عن �أهداف امل�ؤ�س�سات والتجمعات الثقافية والأدبية والفكرية العربية املختلفة من خالل بناء املواقع وقوائم الربيد الإلكرتوين ومواقع الدرد�شة واملحادثة واملواقع الإخبارية ،وهي �أمور مل تكن و�سائل التوا�صل التقليدية تتيحها من قبل ،حتى يف ظل وجود �أجهزة الإعالم امل�سموع واملرئي والو�سائل املطبوعة. • التنقيب عن املعلومات� ،إذ متثّل الإنرتنت و�سيلة مهمة جلمع معلومات �صغرية يت ّم الربط بينها لت�شكّل �صورة اكرب ملعلومة مهمة حول ما يجري من �أن�شطة وفعاليات ثقافية. • التمويل حيث ميكن ا�ستخدام الربط وامل�شاركة عرب الإنرتنت يف احل�صول على ت ّربعات با�ستخدام التحويالت املالية عرب الإنرتنت من اجلماهري والأطراف امل�ؤمنة ب�أفكار و�أهداف بع�ض م�رشوعات التنمية الثقافية الكربى التي حتتاج �إىل متويل ،كم�رشوعات رقمنة الرتاث والرتجمة من و�إىل العربية وجمع ون�رش مئات الآالف من املخطوطات. • دعم وح�شد الطاقات مع اجلماهري� ،إذ �أنه من خالل املجتمعات التخيلية وعمليات الربط وامل�شاركة على نطاق وا�سع ميكن القيام بعملية دعم وح�شد للطاقات املطلوبة يف العديد من امل�رشوعات الثقافية عرب املجتمعات والروابط التخيلية ،بحيث تتيح عملية التوا�صل امل�ستمر الو�صول �إىل الأفراد واجلماعات الأكرث اهتمام ًا بق�ضايا الثقافة والتنمية الثقافية وح�شد جهودهم حتت مظلة برامج وم�رشوعات وا�ضحة لن�رشها يف حميطهم وجمتمعهم املحلي والقطري. • تدعيم البناء التنظيمي والهيكلي للم�ؤ�س�سات
واجلماعات الداعمة واملدافعة عن التنمية الثقافية وحتقيق نوع من الرتابط امل� ّؤ�س�سي والوظيفي بني �أع�ضاء الكيان الواحد �أو بني الكيانات واملن�ش�آت املختلفة ،وهو ما ميكّن هذه املنظمات �أو امل�ؤ�س�سات من �إدارة �أن�شطتها ب�أ�سلوب ال مركزي عرب الإنرتنت والتن�سيق بينها �أفقي ًا. • التخطيط والتن�سيق ،بحيث ميكن ا�ستخدام تقنية املعلومات كقناة ت�س ّهل التخطيط والتن�سيق امل�شرتك� ،سواء على امل�ستوى املعلوماتي �أم على م�ستوى العمل التنفيذي املرتبط ب�أن�شطة التنمية الثقافية ،كتن�سيق امل�ؤمترات وحلقات البحث وور�ش العمل و�إ�صدار الكتيبات والن�رشات وتنظيم برامج التوعية �إىل غري ذلك.
امل�سار الثالث :ثقافة الإبداع القائم على املعرفة
ي�ستم ّد الإبداع الثقايف رحيق �إبداعه من م�صدرين :املوهبة الطبيعية لدى املبدع، و�أدوات التعلّم وم�صادر املعرفة املتاحة له، فالأول ي�ضعه على بداية طريق الإبداع والثاين يقوده �إىل التطوير والتجديد والإ�ضافة بال كلل .ويف فجر التاريخ كان حجر ال�صوان والإزميل واملطرقة والفر�شاة والقلم وال�سكني من �أدوات نقل و�إنتاج املعرفة الداعمة للإبداع وا�ستيعابها ،ويف ع�صور تالية ظهرت النقو�ش ثم ظهرت الطباعة ثم ح ّل ع�رص املعلومات بتقنياته العديدة التي وفّرت و�سائل ال ح�رص لها لإتاحة املعرفة كالن�سخ ثم الت�صوير ،ثم االنتقال بكل ذلك �إىل ال�شكل الرقمي يف بداية ظهور احلا�سبات ،و�أخرياً ظهرت الإنرتنت لتوفّر ف�ضا ًء وا�سع ًا للإتاحة الدائمة للمعرفة ،حتى �أ�صبح «الإبداع الرقمي» �ساحة جديدة قائمة بذاتها. ويف هذا ال�سياق تربز املجموعات املهنية» عرب الإنرتنت ك�آلية ميكن مل�رشوعات وبرامج التنمية الثقافية العربية توظيفها لدعم الإتاحة الدائمة للمعرفة �أو املعارف
الف�صل الرابع قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية 109
املعلوماتية
التي ميكن للموهوبني اال�ستفادة بها يف �صقل مهاراتهم وقدراتهم على الإبداع ،فاحلا�صل �أن �أع�ضاء مثل هذه ال�شبكات ينقلون معارفهم ومهاراتهم للآخرين ،بخا�صة يف ما يتعلق بالتوا�صل ما بني الأجيال ،فهي تتيح للأ�ساتذة تقدمي خرباتهم ب�شكل دائم ومتجدد لل�شباب لال�ستفادة منها .وقد عرف منذ زمن طويل �أن �شعور االنتماء للمجموعة املحرتفة هو عامل ثقة ،و�أن �إمكانات اللقاء والتبادل مع حمرتفني حتفّز املوهبة لالحرتاف والرغبة يف التعلّم. �إن ا�ستخدام الإنرتنت وتكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت كو�سيلة للإتاحة الدائمة للمعارف ب�صورة احرتافية للمبدعني واملوهوبني يتيح ن�رش الفن والإبداع القائم على املعرفة ويك�رس احتكار الو�سائل التقليدية الناقلة للمعرفة للمبدعني ،ويف مقدمتها امل�ؤ�س�سات التعليمية والأكادميية والكتب واملواد املطبوعة ،ومن هنا ف�إن الفر�صة �سانحة �أمام م�رشوعات التنمية الثقافية العربية وامل�ؤ�س�سات القائمة عليها لكي تتب ّنى �سل�سلة من اخلطط وامل�رشوعات املعنية بالتنمية الثقافية العربية بهدف �إتاحة معارف من نوع الدرا�سات النقدية والق�صائد ال�شعرية وامل�رسحيات اجلديدة بني �أدباء �شبان وكبار ين�ضوون يف جمموعات مهنية حمرتفة، و�إتاحة الربامج الدرا�سية واملحا�رضات الأكادميية ولوحات الفن الت�شكيلي بني جتمعات الفنانيني الت�شكيليني املن�ضوين يف قوائم مهنية حمرتفة ،و�إتاحة �أفالم ال�سينما ومكتبات ال�سيناريو وكتب الرتاث والفقه ب�شكل دائم وعلى نطاق وا�سع بني حمرتيف كتابة ال�سيناريو و�ص ّناع ال�سينما� ،إىل غري ذلك من املجموعات املهنية ذات العالقة بالإبداع الثقايف .و�إذا متت �صياغة هذه اجلهود بطريقة احرتافية تنا�سب احتياجات املبدعني العرب يف كل اجتاه ،ف�إن ذلك ميكن �أن يحقّق توظيف ًا فعا ًال و�رسيع ًا لتكنولوجيا املعلومات يف �إجناز ما يعرف «بالإبداع من خالل �إتاحة املعرفة»، وهو اجتاه ترى اليون�سكو �أنه يحمل يف طياته
احتماالت طيبة كو�سيلة للتنمية الثقافية ،وهو ما جعلها تطلق م�رشوع بوابة اليون�سكو للمعرفة حتت ا�سم «الفنون الرقمية» �أو « »digi artsعلى http://portal.unesco.org/cult الإنرتنت _ture/en/ev.php-URL_ID=1391&URL DO=DO_TOPIC&URL_SECb TION=201.htmlوهو م�رشوع معني ب�إتاحة
ونقل املعارف واملمار�سات الثقافية والفنية الرقمية �إلكرتونيا عرب املوقع كو�سيلة من و�سائل دعم الإبداع.
امل�سار الرابع :رفع امل�شاركة: «من ال�سلبية والفجوة املعرفية �إىل الإيجابية وامل�شاركة يف املعرفة»
ال ميكن احلديث عن تنمية ثقافية يف جمتمع ت�سودة ال�سلبية والعزوف عن امل�شاركة يف ال�ش�أن العام وق�ضاياه ،ويف الوقت نف�سه ال ميكن �أن نتوقع من جمتمع ما �أن يكون �إيجابي ًا وم�شارك ًا يف ال�ش�أن العام وهو يعاين فجوة معرفية ومعلوماتية رمبا حترمه من �أن يعي كيفية امل�شاركة �أ�ص ًال و�أهميتها ،وحينما جتتمع ال�سلبية مع فجوة املعرفة يعاين املجتمع من «م�أزق مزدوج». وغني عن البيان �أن املجتمع العربي ظ ّل لعقود طويلة يرزح حتت ت�أثري هذا امل�أزق املزدوج ،فاجلزء الأكرب من �رشائحه االجتماعية االقت�صادية عزف عن امل�شاركة و�سادته ال�سلبية وفرت لديه الإقبال على ال�ش�أن العام، ومن ناحية �أخرى �أ�صيب بفجوة معرفية ركّزت املعارف والبيانات واملعلومات التي تعترب الوقود الأ�سا�سي ملختلف عمليات التنمية ـ مبا فيها التنمية الثقافية ـ يف �أيدي نخبة قليلة العدد حمدودة االنت�شار ،وما �ضعف امل�شاركة ال�سيا�سية يف االنتخابات مث ًال ،وانت�شار الأمية �إال وجهان ميثّالن هذا امل�أزق. والثابت الآن �أنه ميكن ا�ستخدام تقنية املعلومات واالت�صاالت بنجاح ملحوظ يف ت�ضييق فجوة املعرفة داخل املجتمع الواحد وما بني املجتمعات وبع�ضها البع�ض ،بحكم ما
�إن التوظيف الف ّعال وال�رسيع لتكنولوجيا املعلومات يف �إجناز ما يعرف «بالإبداع من خالل �إتاحة املعرفة» ،هو اجتاه ترى اليون�سكو �أنه يحمل يف طياته احتماالت طيبة كو�سيلة للتنمية الثقافية.
ال ميكن �أن نتوقع من جمتمع ما �أن يكون �إيجابي ًا وم�شارك ًا يف ال�ش�أن العام وهو يعاين فجوة معرفية ومعلوماتية ،رمبا حترمه من �أن يعي كيفية امل�شاركة �أ�ص ًال و�أهميتها.
ميكن ا�ستخدام تقنية املعلومات واالت�صاالت بنجاح ملحوظ يف ت�ضييق فجوة املعرفة داخل املجتمع الواحد ،وما بني املجتمعات بع�ضها البع�ض. مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 110للتنمية الثقافية
من اجلدير بالر�صد ما �أحدثته ال�شبكات االجتماعية على الإنرتنت حتوالت مثل “الفي�س بوك” من ّ كربى لدى قطاعات ال ي�ستهان بها من ال�شباب العربي جعلتهم ي�شاركون يف ال�ش�أن العام كما مل ي�شاركوا من قبل عرب �أي قنوات تقليدية �أخرى.
ميكن توظيف تقنية املعلومات واالت�صاالت «كمخرج مزدوج» من «امل�أزق املزدوج» الذي يعاين منه املجتمع العربي ويتعلق بال�سلبية والفجوة املعرفية وي�شكّل عقبة ك�ؤود على طريق التنمية الثقافية.
تتيحه �أدواتها من قدرات فائقة يف نقل وتداول املعارف بني ماليني الب�رش يف «الالوقت» و»طوال الوقت بال انقطاع» من �أي مكان لأي مكان كما �سبق التو�ضيح يف �أكرث من مو�ضع. ويف الوقت نف�سه ثبت �أن تقنية املعلومات توفّر قنوات للم�شاركة ت ّت�صف بقدرتها على �إثارة �إعجاب ماليني الب�رش واهتمامهم، من خمتلف الأعمار واملهن وامل�ستويات االجتماعية واالقت�صادية والتعليمية ،ولننظر مث ًال �إىل ما �أحدثته ال�شبكات االجتماعية على الإنرتنت «مثل الفي�س بوك» من حت ّوالت كربى لدى قطاعات ال ي�ستهان بها من ال�شباب العربي وكيف جعلتهم ي�شاركون يف ال�ش�أن العام كما مل ي�شاركوا من قبل عرب �أي قنوات تقليدية �أخرى. �إن تقنية املعلومات واالت�صاالت ـ والإنرتنت على قمتها ـ �أوجدت ف�ضا ًء �إلكرتونيا مرتامي الأطراف ،يتيح حرية غري م�سبوقة يف امل�شاركة والتعبري عن الر�أي واالنخراط يف ال�ش�أن العام� ،إذ يكفي ال�شخ�ص �أن يجل�س �إىل حا�سبه وي ّت�صل بالإنرتنت ليدخل يف حوارات ح�سبما يروق له يف الق�ضايا التي تعجبه، ويبدي �آراءه مبنتهى احلرية واجلر�أة من دون تدخل من �أحد ،فيختار املو�ضوع الذي يناق�شه واللغة التي يتحاور بها واملعلومات التي ي�سوقها بل والطرف الذي يحاوره والقناة التي ي�ضع فيها ر�أيه ،فك ّل الطرق مفتوحة �أمام اجلميع من خمتلف الأعمار وامللل والنحل واملهن والتخ�ص�صات واجلن�سيات والألوان وامل�شارب ال�سيا�سية واالقت�صادية والعقائدية. وال �شك �أن تقنية املعلومات واالت�صاالت ميكن توظيفها يف هذا ال�صدد «كمخرج مزدوج» من «امل�أزق املزدوج» الذي يعاين منه املجتمع العربي ويتعلق بال�سلبية والفجوة املعرفية وي�شكّل عقبة ك�ؤود على طريق التنمية الثقافية ،وما يع ّزز الدعوة �إىل هذا امل�سار �أننا �إذا ما نظرنا �إىل نتائج التحليالت ال�سابقة املتعلقة ب�أو�ضاع البنية املعلوماتية التحتية العربية ونتائج حتليالت الوجه الرقمي للثقافة
العربية �سنخل�ص �إىل �أن املجتمع العربي من حيث امل�شاركة والفجوة املعرفية ينق�سم �إىل ثالث �رشائح اجتماعية: • الأوىل ت�ض ّم ع�رشات املاليني الذين ال يزالون حتت وط�أة الفجوة الرقمية مبا فيها من ت�ضا�ؤل وق�صور مبعدالت انت�شار احلا�سبات والإنرتنت والتليفونات واملحتوى املحلي على الإنرتنت وتدهور التعليم وافتقار مهارات التعامل مع التكنولوجيا ،حتى �أن الكثري منهم مل يج ِر حتى الآن مكاملة تليفونية واحدة يف حياته ،الأمر الذي يجعلهم �أ�ص ًال خارج الق�ضية. • الثانية �رشيحة قوية ونافذة وال تعاين فجوة رقمية لكنها الهية وال يعنيها من ثورة املعلومات �سوى ا�ستهالك منجزاتها بنهم، تعب من منتجات هذه الثورة ومن ثم فهي ّ وخدماتها ب�أق�صى ما ت�ستطيع لإ�شباع رغبات ال عالقة لها بحراك اجتماعي �سيا�سي ر�شيد يقود �إىل مزيد من التنمية والن�ضج املجتمعي. • والثالثة �رشيحة ت ّت�سم بروح املبادرة والإبداع والوعي بطبيعة وحدود ت�أثري هذه الثورة وما تنجزه من تغيريات عميقة تتغلغل يف ج�سد املجتمعات احلديثة ،كما ت ّت�سم باجلر�أة يف ممار�سة حقها الطبيعي يف توظيف هذه الثورة ومنجزاتها توظيف ًا ثقافي ًا و�سيا�سي ًا ودميقراطي ًا حتى و�إن �أ ّدى الأمر �إىل ت�ضحيات مريرة يف كثري من الأحيان ،تبد�أ باحلرمان من التعبري عن الر�أي وقد تنتهي بال�سجن واملالحقة. وميكن القول �إن هذه ال�رشيحة هي بيت الق�صيد التي يتعني �أن تركّز عليها وت�ستهدفها �أية ا�سرتاتيجيات �أو خطط للتنمية الثقافية بالوطن العربي ،لكونها الأكرث قابلية وا�ستعداداً ال�ستخدام تقنية املعلومات يف ت�ضييق فجوة املعرفة والق�ضاء على ال�سلبية.
امل�سار اخلام�س :التعليم والتعلّم امل�ستمر
ال حتتاج العالقة بني التعليم والتعلّم
الف�صل الرابع قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية 111
املعلوماتية
من جهة والتنمية الثقافية من جهة ثانية �إىل �إثبات �أو �رشح ،فالتعليم كان دائم ًا من �أهم �رشوط التنمية ب�صورة عامة والتنمية الثقافية ب�صورة خا�صة ،والتنمية الثقافية كانت واحدة من �أهم الأهداف النهائية للتعلّم والتعليم �إن مل تكن �أهم �أهدافهما على الإطالق. ويف جتارب تنموية عديدة �سابقة حول العامل كان تطبيق مفهوم التعليم والتعلّم امل�ستمر يواجه �صعوبات متنوعة حت ّد من القدرة على تنفيذه كما تقلّل كثرياً من ح�صيلته النهائية ،لكن يف الوقت احلايل تغيرّ الو�ضع التو�سع يف ب�صورة كبرية ،و�أ�صبح بالإمكان ّ تطبيق هذا املفهوم وزيادة النتائج املتحققة من ورائه ،والف�ضل يف ذلك يعود �إىل تقنية املعلومات واالت�صاالت التي �أتاحت فر�ص ًا غري م�سبوقة يف �إتاحة املعارف الالزمة للتعليم والتعلّم امل�ستمر للجميع طوال الوقت بتكلفة زهيدة �أو من دون تكلفة على الإطالق. وت�ضع البنية الأ�سا�سية املعلوماتية املتاحة حتى الآن بالوطن العربي 1بني يدي خمططي برامج التنمية الثقافية نقطة بداية ال ب�أ�س بها ميكن ا�ستخدامها يف تدعيم ون�رش مفهوم التعليم والتعلّم امل�ستمر للجميع وتعميقه ،باعتبار �أن التعليم والتعلم امل�ستمر م�س�ؤول ّية املجتمع ككل ،وميكن لأي جهة م�س�ؤولّة عن التخطيط لربامج التنمية الثقافية �أن توظف ما هو متاح حالي ًا من بنية �أ�سا�سية معلوماتية يف ثالثة �أوجه: • الوجه الأول :دعم العملية التعليمية داخل املدار�س واجلامعات العربية واالنتقال بعملية التعليم من طور التعليم املعتمد على الورق وبع�ض الو�سائل التعليمية التقليدية �إىل التعليم التفاعلي املعتمد على الو�سائط املتعددة واحلا�سبات داخل قاعات الدر�س واملعامل ،بحيث ال يكون الطالب �أو التلميذ عند جلو�سه �أمام احلا�سب جمرد متلق ملا يظهر على ال�شا�شة ،بل م�ستخد ٌم يتفاعل مع املادة
العلمية عرب احلا�سب بد ًال من �أن يخ�ضع له ،و�أن يجعله مالئم ًا لعاداته وثقافته ،وهذا الأ�سلوب ي�س ّهل التعليم والتعلّم ويجعله قادراً على التعلّم الذاتي ،وبالتايل ف�إن تقنية املعلومات و�أدواتها ال جتعل التعليم يقف عند كونه جمرد كتلة من املعارف املحدودة بعمر معني من احلياة ،بل جتعل الفرد يجد نف�سه دائم ًا يف و�ضع املتعلّم، حتى حينما يكون خارج امل�ؤ�س�سة التعليمية. • الوجه الثاين� :إتاحة التعليم والتعلّم امل�ستمر ب�شكل مفتوح ملختلف فئات اجلمهور �أو املواطنني العرب ،خ�صو�ص ًا لدى البالغني وكبار ال�سن ممن مل يح�صلوا على التعليم الأ�سا�سي ب�صورة كاملة ،ويدخل يف نطاق ذلك من هم يف حكم الأميني �أو من تمّ حمو �أميتهم الأبجدية ويحتاجون لأدوات تعليم وم�صادر تعلّم غري تقليدية وغري معتادة تغطي جميع املجاالت وجميع امل�ستويات ملن يريد �أو يرغب يف اال�ستزادة .ويف هذا ال�سياق ف�إن املدار�س واجلامعات وامل�ؤ�س�سات التعليمية العربية ميكن �أن تتعاون مع اجلهات امل�س�ؤولة عن التنمية الثقافية من �أجل �إتاحة حمتوى معريف وتعليمي للجمهور العربي العام ،يقوم على مفهوم التعليم والتعلّم امل�ستمر بعيداً عن الأطر املح ّددة ورمبا اجلامدة التي تربط مناهج التعليم الر�سمية بامل�ؤ�س�سات التعليمية. وهنا ميكن اال�ستفادة من جتارب دولية عديدة قامت يف معظمها على منهجية» امل�صادر املفتوحة» يف �إعداد وتقدمي وعر�ض املواد التعليمية واملعارف املختلفة املرتبطة بها على اجلميع ،مبا يع ّزز دور امل�ؤ�س�سات املدر�سية واجلامعية ويجعلها م�صدراً حقيقي ًا للإ�شعاع الثقايف للجماعات املحلية التي ت�شكّل القاعدة الأ�سا�سية التي يتعينّ �أن تتوجه لها جهود التنمية الثقافية. • الوجه الثالث :هو التو�سع يف عمليات التعليم الإلكرتوين عن بعد عرب الإنرتنت �سواء للجمهور العام �أم للطالب الدار�سني يف
1راجع الف�صل الأول من هذا امللف
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 112للتنمية الثقافية
� ّإن حمدودية املوارد وانت�شار الأمية يف الكثري من �أجزاء الوطن العربي يفر�ضان التو�سع يف م�سار التعليم والتعلّم الإلكرتوين ،ال�سيما مت ت�شييده ون�رشه من بنية �أن ما ّ �أ�سا�سية يف جمال االت�صاالت وتكنولوجيا املعلومات ي�سمح مبزيد من التو�سع يف م�رشوعات التعليم الإلكرتوين ع ّما هو عليه الآن.
م�ؤ�س�سات التعليم املختلفة ،ويف هذا ال�سياق ميكن �إن�شاء م�ؤ�س�سات كبرية للتعلّم عن بعد داخل الوطن العربي لتعمل كذراع تع ّو�ض النق�ص يف املوارد التعليمية �أو تتيح فر�ص ًا �أو�سع للتعليم �أمام فئات ال ت�ستطيع حت ّمل �أعباء التعليم التقليدي« .كما بد�أ التعليم الإلكرتوين عن بعد ميار�س على م�ستوى التعليم الثانوي ،وميار�سه نحو مليون تلميذ يف الواليات امل ّتحدة من املنازل ،وبخا�صة يف املناطق التي تعاين �صعوبات ويبحث لها عن بديل ،والثانويات التي ال ت�ستطيع تعليم كل �شيء وتعمد �إىل �إكمال ما تعر�ضه من درو�س بف�ضل تلك املقرتحة على الإنرتنت ،وقد بد�أ هذا بالتحقق يف البلدان النامية ،كاملدر�سة الهندية الوطنية املفتوحة». كما ميكن لهذه امل�ؤ�س�سات تبني منهجية املحتوى التعليمي املفتوح« ،وقد و�ضعت بع�ض امل�ؤ�س�سات ال�شهرية كل ثقلها من �أجل توظيف الإمكانات الرتبوية للإنرتنت مثل معهد ما�سا�شو�سيت�س للتكنولوجيا الذي التزم من خالل م�رشوع املناهج مفتوحة امل�صدر �إتاحة ك ّل ما لديه من مواد درا�سية على الإنرتنت من خمططات ومالحظات ومتارين وحلول ومراجع ،فهناك �أكرث من خم�سمائة در�س متاحة و 1500بعد ثالثة �أعوام ومعارف عال ميكن للطلبة الو�صول �إليها ذات م�ستوى ٍ من �أي مكان ،بالإ�ضافة �إىل �سيا�سة فتح وتقا�سم املوارد العقلية». لقد �أ�شارت نتائج امل�سح الذي اجريناه على مواقع التعليم الإلكرتوين العربية �إىل �أن التعليم الإلكرتوين العربي واجه ق�صوراً وا�ضح ًا على م�ستوى الكم والكيف ،فهو غري منت�رش �أفقي ًا وغري معتمد ك�آلية ذات ح�ضور منا�سب لدى م�ؤ�س�سات التعليم العربية واجلهات القائمة عليها ،ويف املقابل ف�إن حمدودية املوارد وانت�شار الأمية يف الكثري من �أجزاء الوطن العربي يفر�ضان التو�سع يف م�سار التعليم مت ت�شييده والتعلّم الإلكرتوين ،ال�سيما �أن ما ّ ون�رشه من بنية �أ�سا�سية يف جمال االت�صاالت
وتكنولوجيا املعلومات ي�سمح مبزيد من التو�سع يف م�رشوعات التعليم الإلكرتوين ع ّما هو عليه الآن.
امل�سار ال�ساد�س :تطوير البحث العلمي والثقافة العلمية
ت ّتخذ العالقة بني البحث العلمي وثورة االت�صاالت وتكنولوجيا املعلومات �أوجه ًا متعددة ،فالبحث العلمي هو الذي يغذّي هذه الثورة ومينحها التدفق امل�ستمر مبا يوفّره من �إبداعات واخرتاعات وتطورات ناجمة عن �آلة البحث والتطوير يف املعامل واملختربات والأكادمييات ،ويف املقابل ف�إن هذه الإبداعات �رسعان ما تعود مرة �أخرى لتدعم البحث العلمي نف�سه فتخف�ض الزمن الالزم لإجراء البحوث العلمية مبا توفّره من قوة هائلة يف جمع املعلومات وحتليلها وا�ستنباط النتائج ،كما ت�سقط �سطوة وت�أثري اجلغرافيا وتباعد امل�سافات وجتعل �أي قدر من املعارف �أو املوارد العلمية متاح ًا يف �أي مكان لأي جمموعة من الباحثني توافقوا على �أن يعملوا مع ًا يف فريق .ويف غ�ضون ذلك كله ميكن للجمهور العام �أن يتابع ويعرف دقائق ما يجري ويتعلمه ويفهمه فتنه�ض على التوازي تو�سع عمليات تثقيف علمي وا�سعة النطاق ّ نطاق «بحرية املعرفة والإبداع» لدى املجتمع الإن�ساين ،والتي ت�شكّل يف النهاية املنبع الرئي�سي الذي يخرج منه الباحثون واملبدعون يف جمال العلم. هذا الواقع املعقد الب ّد �أن ت�أخذه خطط وبرامج التنمية الثقافية بعني االعتبار، وتتعامل معه كحزمة متكاملة يت�أثر بع�ضها بالبع�ض الآخر لكونها تعي�ش حالة تفاعل بال انقطاع يف ما بينها .و�إذا كانت الدول املتق ّدمة قد خطت خطوات وا�سعة وعديدة يف التعامل ثقافي ًا مع هذا الواقع حتى ا�ستقرت على �آليات نا�ضجة ،ح ّددت موقع الثقافة العلمية والتنمية الثقافية عموم ًا يف هذا اخل�ضم املتدفق ،ف�إن الأو�ضاع يف املجتمعات النامية والناه�ضة
الف�صل الرابع قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية 113
املعلوماتية
كاملجتمع العربي تبدو جد خمتلفة ،ولعل مت حول الوجه الرقمي نتائج امل�سح الذي ّ للبحث العلمي العربي يق ّدم م� رّؤ�شاً وا�ضح ًا على ذلك ،وعند البحث عن حدود ومالمح دو ٍر لتقنية املعلومات واالت�صاالت يف �إعادة ت�أهيل «الواقع العالئقي» املت�شابك بني البحث العلمي والتكنولوجيا وثقافة املجتمع �سنجد �أن البحث العلمي يف الوطن العربي تكتنفه نقاط ال�ضعف التالية: • م�شكلة احلرية وبخا�صة احلرية الأكادميية. • غياب الر�ؤية واال�سرتاتيجية. • عجز نظام التعليم. • �ضعف البنية الأ�سا�سية والإدارية مل�ؤ�س�سات البحث العلمي بالوطن العربي. • م�شكالت التمويل ،وهي هنا ال تقت�رص فقط على �ضعف التمويل ولكنها تت�ضمن �أي�ض ًا �سوء ا�ستخدامه وعدم معرفة كيفية الت�رصف فيه. • املناخ الطارد للكفاءات العلمية. • تعار�ض امل�صالح بني البحث الوطني وقوى اال�سترياد وت�سليم املفتاح. • انت�شار ثقافة اخلرافة والالعلمية لدى قطاعات وا�سعة من املجتمع العربي حتى يف �رشائحه الأكرث غنى وتعليم ًا يف �أحيان كثرية. وكل نقطة من نقاط ال�ضعف ال�سابقة ميكن �أن تكون جما ًال لتوظيف تقنية املعلومات واالت�صاالت ب�صورة تخفّف من ت�أثريها �أو تعاجلها ،ومن منظور التنمية الثقافية العامة والثقافة العلمية ب�شكل خا�ص ميكن توظيف تقنية املعلومات واالت�صاالت خلدمة البحث العلمي على النحو التايل: • ن�رش الثقافة العلمية ال�سلمية ومكافحة اخلرافة والالعلمية باملجتمع العربي من خالل املواقع واملنتديات واملدونات العلمية ،بالإ�ضافة �إىل قوائم الربيد الإلكرتوين وجمموعات الأخبار واملن�شورات العلمية املتخ�ص�صة والأكادميية على الإنرتنت ،فكل الو�سائل ال�سابقة لها جمهورها العري�ض من م�ستخدمي ال�شبكة من الباحثني واملهتمني
واملتابعني ،وكذلك من القراء واجلمهور ّ العادي. وحالي ًا تعترب الإنرتنت بدي ًال �شديد الأهمية والفاعلية للآالف من املجالت والن�رشات العلمية التي كانت ت�صدر �سابق ًا يف �صورة ورقية ،و�أ�صبحت الآن ن�سخ ًا �إلكرتونية م�سجلة بكامل ن�صو�صها وحمتواها العلمي يف مكتبات رقمية تابعة مل�ؤ�س�سات عامة وجامعية و�أكادميية ويتاح الو�صول �إليها ب�سهولة من قبل جميع م�ستخدمي ال�شبكة، وت�ستطيع اجلهات القائمة على التنمية الثقافية يف الوطن العربي ت�سهيل الو�صول �إىل هذه املعارف العلمية الرقمية ال�ضخمة التي تتزايد كل يوم� ،سواء بتمويل عملية الو�صول �إليها �إذا كانت با�شرتاكات مدفوعة �أو ب�إن�شاء قواعد بيانات رقمية عربية عامة ت�ض ّم هذا املحتوى العلمي العربي والعاملي برتتيب خا�ص مع �أ�صحابه� ،أو حتى على الأقل جتميع املحتوى العلمي العاملي املفتوح وفهر�سته وت�صنيفه وعر�ضه جلمهور الباحثني واملتابعني واملهتمني العرب. وهناك مناذج ميكن االحتذاء بها عربي ًا يف هذا ال�صدد ،منها “برنامج دعم معلومات البحث» الذي �أن�ش�أته ال�شبكة الدولية للو�صول �إىل املعلومات العلمية من قبل اليون�سكو يف 1991بتكلفة قليلة ,ويتيح و�صو ًال تام ًا �إىل الإنرتنت لأكرث من � 8آالف جملة وقاعدة بيانات .وت�س ّهل خدمات الربنامج الو�صول �إىل نتائج البحوث املحلية والتدريب على ا�ستخدام الإنرتنت وتقنيات الن�رش املوجه للباحثني والنا�رشين واملدققني والقائمني على املكتبات، وبرنامج» املجلة الإفريقية على اخلط” الذي تديره ال�شبكة الدولية لإتاحة املن�شورات العلمية ويت ّم من خالله عر�ض حمتوى حو�إىل 50جملة تن�رش يف �إفريقيا .وهناك �أي�ض ًا مبادرة الو�صول �إىل البحث ل�شبكة ال�صحة وهي مبادرة ملنظمة ال�صحة العاملية متكّن امل�ؤ�س�سات العامة املعتمدة من اال�ستفادة من احلر بتكلفة قليلة �إىل �أكرث من 2000 الو�صول ّ مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 114للتنمية الثقافية
هناك مناذج ميكن االحتذاء بها عربي ًا لتوظيف الإنرتنت يف تطوير البحث العلمي ،منها «برنامج دعم معلومات البحث» الذي �أن�ش�أته الـ�شــبكـة الدولـية للـو�صــول �إلـى املعلومات العلمية من قبل اليون�سكو يف 1991بتكلفة قليلة ,ويتيح و�صو ًال تام ًا �إىل الإنرتنت لأكرث من � 8آالف جملة وقاعدة بيانات.
«املخترب التعاوين» ،حركة وا�سعة تـ�سـتـخــدم الإنـتـرنــت و�شــبـكـات كمقرللمعاملواملختربات املعلومات ّ املقر اجلغرايف التقليدي، عو�ض ًا عن ّ املقر يكون معمل الأبحاث ويف هذ ّ �أو املخترب م� ّؤ�س�سة تعاونية يت�شارك فيها مئات ورمبا �آالف من الباحثني ينتمون لع�رشات �أو مئات من مراكز البحث املنت�رشة حول العامل يف �أماكن ومناطق جغرافية متباعدة.
مفهوم «املخترب التعاوين» يع ّد ثورة كربى يف البحث العلمي بد�أت تلقي بظاللها على جهود التنمية الثقافية والثقافة العلمية حول العامل ،ويتعينّ على م� ّؤ�س�سات البحث العلمي العربية واجلهات القائمة على التنمية الثقافية� ،أن تقرتب منها وتتفاعل معها قدر الإمكان ،لبناء �سل�سلة من املختربات التعاونية العربية التي تتعاون قطري ًا يف ما بني الدول العربية. ويف الوقت نف�سه تكون حلقة و�صل مع املختربات التعاونية العاملية الفاعلة.
جملة طبية بيولوجية كربى .ومبادرة الو�صول �إىل البحث العلمي حول الزراعة يف الإنرتنت هي مبادرة جديدة ت�ستهدف تزويد الباحثني والعلماء الآخرين يف بع�ض البلدان الأكرث فقراً يف العامل بو�صول جماين وقليل التكلفة �إىل الوثائق حول التغذية والغذاء والزراعة واملو�ضوعات املقاربة يف العلوم البيولوجية والبيئية واالجتماعية وتتيح املبادرة �أكرث من 400جملة كربى يف هذه امليادين ،وهي تابعة ملنظمة الأمم املتحدة للأغذية والزراعة وبع�ض اجلهات الدولية الأخرى .وبالطبع نحن يف حاجة ما�سة �إىل ع�رشات من هذه املبادرات داخل املنطقة العربية �رشط �أن ت�أتي �ضمن �إطار عام يدعم الثقافة العلمية وجهود التنمية الثقافية ككّل. • دعم م�ؤ�س�سات البحث العلمي العربية �سواء بتعزيز فر�ص التوا�صل بينها وبني املراكز البحثية العاملية� ،أو الربط يف ما بينها لتحقيق مزي ٍد من التكامل والتن�سيق يف جمال البحث العلمي ،عرب تكامل املوارد وتبادل الأفكار وتداخل التخ�ص�صات وتعددها .وهنا توجد على ال�ساحة الدولية ع�رشات ورمبا مئات من املبادرات وامل�رشوعات التي توظّ ف تقنية املعلومات يف دعم التكامل واملنافع املتبادلة بني مراكز البحث العلمي املختلفة ،ويربز يف هذا ال�صدد ما يطلق عليه «املخترب التعاوين»، وهي حركة وا�سعة ت�ستخدم الإنرتنت و�شبكات كمقر للمعامل واملختربات عو�ض ًا املعلومات ّ املقر اجلغرايف التقليدي ،ويف هذ عن املقر ّ ّ يكون معمل الأبحاث �أو املخترب م�ؤ�س�سة تعاونية يت�شارك فيها مئات ورمبا �آالف من الباحثني ينتمون لع�رشات �أو مئات من مراكز البحث املنت�رشة حول العامل يف �أماكن ومناطق جغرافية متباعدة ،وتت�شارك يف االهتمامات والأهداف ،وبا�ستغالل �إمكانات ثورة االت�صاالت وتكنولوجيا املعلومات والإنرتنت ي�ستطيع العلماء البعيدون العمل مع ًا على م�رشوع �أو جتربة �أو بحث واحد،
بعبارة �أخرى ي�ستطيع الباحثون �أن ي�ستفيدوا من جممل التقنيات والأدوات والتجهيزات املنت�رشة يف هذه املعامل املتباعدة جغرافي ًا كما لو كانوا يجل�سون داخلها. وال �شك �أن مفهوم «املخترب التعاوين» يع ّد ثورة كربى يف البحث العلمي بد�أت تلقي بظاللها وت�أثريها العميق على جهود التنمية الثقافية والثقافة العلمية حول العامل، ويتعينّ على م�ؤ�س�سات البحث العلمي العربية واجلهات القائمة على التنمية الثقافية �أن تقرتب منها وتتفاعل معها قدر الإمكان لبناء �سل�سلة من املختربات التعاونية العربية التي تتعاون قطريا يف ما بني الدول العربية ويف الوقت نف�سه تكون حلقة و�صل مع املختربات التعاونية العاملية الفاعلة وامل�ؤثرة ،ومثل هذا التوجه ميكن �أن يخفّف �إىل ح ّد كبري من نقاط ال�ضعف املتعلقة ب�ض�آلة التمويل و�ضعف البنية التحتية داخل العديد من م�ؤ�س�سات البحث العلمي العربية. • ربط العلماء والباحثني املغرتبني العرب ب�أوطانهم وجمتمعاتهم الأم و�إدماجهم �ضمن خطط التنمية العلمية والتكنولوجية اعتماداً على قنوات توا�صل عرب الإنرتنت، تتمثّل يف املجموعات الربيدية وجماعات الأخبار واملناق�شة واملحادثات الفورية والتوا�صل متعدد الو�سائط بال�صوت وال�صورة و الفيديو على مدار اللحظة بتكلفة تكاد تكون جمانية بالكامل ،الأمر الذي جعل ر�أ�س املال املعريف قاب ًال للتنقل يف «الالوقت» ما بني مكان و�آخر ومن �أدمغة لأخرى حول العامل بال م�شكالت .وهنا تبدو يف الأفق فر�صة وا�سعة لإعادة جذب العقول العربية املهاجرة وجعلها �رشيك ًا �أ�سا�سي ًا وفاع ًال يف برامج التنمية العلمية والتنمية ال�شاملة ،مبا فيها التنمية الثقافية من دون حاجة لأن تغادر مراكزها ووظائفها وتعود يف هجرة عك�سية لأوطانها. وميكن يف هذا ال�سياق اال�ستفادة من التجارب الناجحة للعديد من الدول التي ا�ستطاعت
الف�صل الرابع قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية 115
مؤسسة الفكر العربي ّ
املعلوماتية
بالفعل التخفيف من ظاهرة نزيف العقول بل وجذب كوادرها التي هاجرت عرب التوظيف اجلاد لتكنولوجيا املعلومات ،مثل الهند وتايالند التي ق ّدمت منوذج ًا ذائع ال�صيت يف هذا ال�صدد يطلق عليه « امل�رشوع التايالندي لهجرة العقول املعاك�سة». وهناك جتربتان برزتا على ال�سطح يف املنطقة العربية ،الأوىل كانت �إقبال بع�ض الدول العربية على تطبيق م�رشوع « توكتني» لنقل اخلربة واملعرفة عن طريق العلماء املغرتبني باخلارج واال�ستفادة منهم ،وهو م�رشوع تابع للربنامج الإمنائي للأمم املتحدة، واهتمت به دول مثل م�رص والأردن لفرتة، والثانية �شبكة «�أ�ستا» للعلماء والتكنولوجيني
مت ت�شكيلها ب�صورة املغرتبني العرب التي ّ تلقائية عفوية من قبل بع�ض العلماء العرب املغرتبني �أنف�سهم ،وكان التوا�صل مع الوطن يف �صدارة �أهدافها ،بيد �أن �أ ّي ًا من التجربتني مل حتقق ما حققه الربنامج الهندي ـ مث ًال ـ يف اال�ستفادة من الكوادر املغرتبة والتوا�صل معها عرب تقنية املعلومات خلدمة التنمية املحلية. والتزال ال�ساحة العربية �شبه خالية وتنتظر م�شاريع ومبادرات جادة طويلة الأجل ت�ستطيع بالفعل �أن حتقق هجرة معاك�سة للأوطان لي�س بالأبدان والأج�ساد ولكن باملعارف ور�أ�س املال الفكري الذي يتدفق طوال الوقت ليحدث تنمية ثقافية وعلمية تخدم التنمية ال�شاملة وتخفف من وط�أة املناخ الطارد للكفاءات.
تبدو يف الأفق فر�صة وا�سعة لإعادة جذب العقول العربية املهاجرة وجعلها �رشيك ًا �أ�سا�سي ًا وفاع ًال يف برامج التنمية العلمية والتنمية ال�شاملة ،مبا فيها التنمية الثقافية ،من دون حاجة لأن تغادر مراكزها ووظائفها وتعود يف هجرة عك�سية لأوطانها ،وذلك عرب التوظيف اجلاد لتكنولوجيا املعلومات ،مثل الهند وتايالند التي ق ّدمت منوذج ًا ذائع ال�صيت يف هذا ال�صدد يطلق عليه “امل�رشوع التايالندي لهجرة العقول املعاك�سة”.
التقرير العربي الثاين 116للتنمية الثقافية
خال�صة وتو�صيات نخل�ص من امل�سوح والتحليالت والأرقام ال�سابقة �إىل �أن التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات واالت�صاالت يف العامل العربي �أم ٌر غري قائم الآن كما يجب ،لكنه ممكن �إىل ح ّد بعيد وميكن �أن يحدث يف املدى الق�صري وبفعالية معقولة قابلة للتح�سن والتط ّور مع الوقت، و�آية ذلك �أن البنية املعلوماتية القائمة �أقل كثرياً مما هو مطلوب ،لكنها ت�شكّل بعنا�رصها ومكوناتها وم�ستخدميها نقطة بداية جيدة قادرة على خدمة �رشيحة ال ب�أ�س بها من مواطني العامل العربي على �صعيد امل�شاركة يف �إنتاج الثقافة والوعي بها وا�ستهالكها. وهناك �أي�ض ًا توجه �إيجابي لدى احلكومات العربية جتاه تقنية املعلومات واالت�صاالت ودورها املنتظر يف التنمية ،على الأقل داخل اخلطط واال�سرتاتيجيات املعلنة واخلطاب الر�سمي ،وهذه نقطة بداية �أخرى ميكن ملخطّ طي برامج وم�رشوعات التنمية الثقافية اال�ستفادة منها عند التوظيف الثقايف للتقنية ،كما يوجد قبول و�إقبال من جانب �رشائح معقولة من مواطني العامل العربي وم�ؤ�س�ساته املختلفة على اقتناء تقنيات املعلومات واالت�صاالت وحماولة توظيفها يف دورات العمل والإنتاج ،مع بروز قدر ال ب�أ�س به من املهارات والنجاح يف اال�ستفادة من تقنيات املعلومات عملي ًا وحماولة توليد قيمة م�ضافة من وراء امتالكها ،وهذه ثالث نقطة من نقاط البداية القابلة لأن ت�ستثمر جيداً يف برامج التنمية الثقافية. وعلى �صعيد التوظيف احلايل لتقنية املعلومات واالت�صاالت هناك بع�ض النجاحات التي تبدو ك�ضوء خافت يف نهاية النفق ،فقد
ظهرت مواقع ثقافية عربية ُ�ص ّممت مبعايري عاملية وق ّدمت حمتوى يناف�س الكثري من املواقع العاملية من حيث اجلماهريية والقوة واخلدمات التفاعلية مع اجلمهور ،كما بدا �أن املحتوى التفاعلي ـ الذي ينا�سب التنمية الثقافية �أكرث من غريه ـ قد بد�أ يت�سلل �إىل وي�سجل فيها درجة ح�ضور، بع�ض املجاالت ّ كاملو�سيقى وامل�رسح والفلكلور ب�شكل �أ�سا�سي، وظهر تع ّدد وتن ّوع يف الفئات التي تخاطبها املواقع الثقافية ،كما ا�ستطاع بع�ض املواقع جذب قطاعات كربى من اجلماهري العربية لكي تقبل وتتابع وتنجذب �إىل املحتوى الثقايف الرقمي املقدم عرب الإنرتنت ،و�أمكن ر�صد بروز حت�سن طفيف على �صعيد نوعية املحتوى الثقايف املق ّدم وم�ستوى جودته و�أهميته لربامج وم�رشوعات التنمية الثقافية ،مبا يدلّ على �أن هناك بذرة �أو «نواة» للجدية والوعي يف �إعداد املحتوى الثقايف العربي وعر�ضه يف �صورة رقمية على الإنرتنت ،وهذه النواة قابلة لأن تعمل كنقطة قوة تنمو مع الوقت. لكن يف مقابل هذه البوادر امل�شجعة، ال يزال التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات واالت�صاالت بعيداً عن امل�أمول ،ويبدو يف جممله �صعب ًا وتكتنفه الكثري من العقبات، منها �أن البوادر امل�شجعة ال�سابقة مل ت�صبح بعد عنا�رص قوة بارزة را�سخة قادرة على ح�سم املناف�سة مع الأو�ضاع املناوئة للتوظيف الثقايف لتقنيات االت�صاالت واملعلومات �أو حل�سم املناف�سة مع املجتمعات الأخرى التي ت�شتبك مع العامل العربي يف �رصاع وجودي وخ�صومة وا�ضحة كما هو احلال مع الكيان ال�صهيوين� ،أو ت�شتبك يف تناف�س اقت�صادي
الف�صل الرابع قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية 117
املعلوماتية
ثقايف اجتماعي جتاري كما هو احلال مع بقية دول العامل املختلفة. ومنها كذلك �ضعف �إتاحة تقنيات االت�صاالت واملعلومات بالعامل العربي ب�سبب حمدودية البنية التحتية وعدم تنا�سبها مع عدد ال�سكان ،ي�ضاف �إىل ذلك �أن تكلفة ا�ستخدام مفردات البنية التحتية املعلوماتية و�أدواتها املختلفة مرتفعة للغاية بالن�سبة لغالبية دول العامل العربي ،فبا�ستثناء الدول اخلليجية الغنية ذات الدخل املرتفع ،اليزال عن�رص التكلفة ي�شكّل قيداً على انطالقة اجلماهري العري�ضة يف ا�ستخدام تقنيات املعلومات واالت�صاالت .ومنها كذلك �أن البيئة الإبداعية بالعامل العربي غري م�ؤاتية �إىل ح ّد كبري خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق بحرية ال�صحافة والقدرة على الإبداع واالبتكار وبراءات االخرتاع القابلة للتطبيق وحماية امللكية الفكرية وحرية تداول املعلومات. �أما �أو�ضاع التعليم ـ الذي يعد �أحد �أهم قواعد التنمية الثقافية ون�رش وتفعيل تقنيات املعلومات واالت�صاالت يف �آن واحد ـ فتعاين تدهوراً وا�ضح ًا يف معظم مناحيها� ،سواء من حيث جودة نظام التعليم ودوره يف دعم القدرات التناف�سية للمجتمع� ،أم يف ما يتعلق بالإنفاق على التعليم ،وعلى ا�ستخدام الإنرتنت يف املدار�س وغريها. والتزال هناك فجوة وا�ضحة بني ما تفعله �أو تق ّدمه احلكومات العربية من برامج وم�رشوعات وخدمات تعتمد على تقنية املعلومات ،وبني ثقة املواطنني واجلماهري العري�ضة يف هذه الربامج وجدواها ،وكذلك قدرتها على الو�صول �إليها واال�ستفادة منها. ومثل هذه الفجوة جتعل الكثري من الربامج وامل�رشوعات املطبقة تتقدم تقني ًا وتتقوقع جمتمعي ًا وال ُيكتب لها النجاح امل�أمول. كما �أن البيئة القانونية العربية ذات العالقة بتفعيل تقنيات املعلومات واالت�صاالت التزال �ضعيفة ويف حاجة �إىل تطوير كبري ،ال�سيما يف ما يتعلق با�ستقالل الق�ضاء والقوانني
ذات العالقة بتفعيل و�إطالق �إمكانات تقنيات املعلومات واالت�صاالت عرب �رشايني املجمتع ومفا�صله الأ�سا�سية والعري�ضة النطاق داخل اجلماهري الوا�سعة ،وكذلك يف ما يتعلق بفعالية الإطار القانوين القائم يف �إدارة ق�ضايا الإبداع وح�سمها ل�صالح التق ّدم والتنمية. ومن املالحظ �أن الوجه الثقايف الرقمي العربي ـ يف املجمل ـ ثابت وجامد وغري متجدد وبعيد عن التفاعلية واحليوية، وواقع حتت �سيطرة النمط الكال�سيكي يف ت�صميم وبناء املواقع الثقافية وعدم التطوير واالنتقال للأمناط الأحدث ،القائمة على احلر للمعلومات، التفاعلية والتداول اللحظي ّ ناهيك ب�أن املحتوى الثقايف املعرو�ض على هذه املواقع ب�شكل عام ال يعك�س قدراً معقو ًال من الرثاء ال�شديد الذي تتميز به الثقافة العربية والرتاث العربي يف املجاالت املختلفة .كما �أن هناك ن�سبة غري قليلة من املواقع الثقافية العربية تظهر �إهما ًال وا�ضح ًا لل ّغة العربية وال تبدي � ّأي اعتزاز بها كوعاء للثقافة .وهذه �أمور ت�سهم بدرجة وا�ضحة يف حدوث حالة من الإهمال اجلماهريي للمواقع الثقافية العربية ،وهذه �سمة غالبة و�ساحقة يف جميع املجاالت الثقافية با�ستثناء ال�سينما واملو�سيقى .ف�أكرث من ن�صف املواقع يف البحث العلمي ودور الن�رش واملنظمات غري احلكومية والتعليم الإلكرتوين وامل�رسح واملكتبات الرقمية والوزارات واملتاحف والأدب والفلكلور جميعها يحظى مبعدل زيارة �ضئيل للغاية ،وربعها تقريب ًا مهم ٌل وال يزوره �أحد. من امللحوظ كذلك �أن املواقع الثقافية العربية ب�شكل عام ال تعمل وفق منوذج عمل ي�أخذ الأبعاد االقت�صادية يف اعتباره ب�أي �شكل، وبالتايل مل تظهر بعد مواقع ثقافية عربية ُتعنى وحتتفي ب�آليات التجارة الإلكرتونية يف املجال الثقايف ،ولع ّل ذلك كان من �أ�سباب وجود فتور وا�ضح يف موقف القطاع اخلا�ص العربي وال�رشكات العربية يف اقتحام جمال مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 118للتنمية الثقافية
الثقافة الرقمية وتطبيقاتها وخدماتها. نخل�ص من ذلك �أن العامل العربي ـ يف عمومه ـ لديه بنية معلوماتية �ضئيلة وحمدودة لكنها ناه�ضة وتتطور مع الوقت، وت�شكّل قاعدة انطالق نحو التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات واالت�صاالت ،ويف الوقت نف�سه ف�إن هذا القدر املحدود من القدرات املعلوماتية مل ي�ستغل كما يجب ،بل يتح ّول يف كثري من الأحيان �إىل موارد �ضائعة �أو مهملة �أو مل يعرف �أ�صحابها كيف يوظفونها جيداً، واملخرج الوحيد الذي يقودنا �إىل ا�ستثمار وتوظيف ما هو قائم ب�أق�صى ما ن�ستطيع هو �أن جنعل من مبد�أ «احلرية» وقيمتها قاعدة �أ�سا�سية للتوظيف الثقايف لتقنية املعلومات، ولكي يت ّم حتويل هذه القيمة العليا �إىل �إجراءات يحث تدفع �إىل مزي ٍد من التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات ،يحتاج العامل توجهني �أ�سا�سيني يتعينّ العمل على العربي �إىل ّ الأخذ بهما بكل جدية واقتناع ،وهما توجه االن�سياب احلر للمعلومات يف ما بني جنبات املجتمعات العربية داخلي ًا ،ويف ما بني بع�ضها البع�ض ،والثاين اعتماد منهج امل�صادر املفتوحة كتوجه عام للتنمية الثقافية لكونه منهج ًا قائم ًا على الإبداع وامل�شاركة الفردية واجلماعية الطوعية يف ك ّل ما يتعلق بالتنمية الثقافية وخططها وبراجمها وم�رشوعاتها على امتداد العامل العربي ،باال�ستناد �إىل ما توفره تقنيات املعلومات واالت�صاالت يف هذا ال�صدد. وعند �سيادة هذين التوجهني وانت�شارهما �ستتاح للعامل العربي العديد من القنوات وامل�سارات العملية الناجحة التي ميكن من خاللها توظيف تقنية املعلومات واالت�صاالت ثقافي ًا ،مثل م�سار رقمنة املحتوى والتعليم امل�ستمر والإبداع من خالل �إتاحة املعرف والبحث العلمي وغريها. وننتهي من الدرا�سة ال�سابقة �إىل جمموعة من اخلال�صات والتو�صيات املوجهة للقائمني على التخطيط لربامج وم�رشوعات التنمية الثقافية بالعامل العربي ،والتي من �ش�أنها
حتفيز دور املعلوماتية ودعمها كرافعة للتنمية الثقافية ،طبق ًا ملعطيات الو�ضع الراهن على املدى الق�صري ،وهذه التو�صيات هي:
�أو ًال:خال�صات وتو�صيات على م�ستوى املنظومة العامة للثقافة • النقطة الأوىل :التوجه نحو االن�سياب احلر للمعلومات يف ما بني جنبات املجتمعات العربية داخلي ًا ،ويف ما بني بع�ضها البع�ض. حث الأجهزة الر�سمية • النقطة الثانيةّ : العربية املعن ّية بالتنمية الثقافية على دمج قدرات تقنيات املعلومات واالت�صاالت يف براجمها وم�رشوعاتها التنموية. • النقطة الثالثة� :رضورة املوازنة الدقيقة بني �رضورات االنفتاح على الآخر واالجنذاب للآخر واالنبطاح �أمامه. • النقطة الرابعة :االهتمام بالبعد االقت�صادي يف امل�رشوعات الثقافية الرقمية ،حتى يكون لدى هذه امل�رشوعات ـ �أو البع�ض منها ـ القابلية لال�ستمرار واحلياة ،والعمل على ح ّل �إ�شكالية ملكية املحتوى من خالل االهتمام بق�ضايا امللكية الفكرية يف ن�رش املحتوى الثقايف. • النقطة اخلام�سة :العمل على تطوير وبلورة �سيا�سات ثقافية على م�ستوى الإقليم العربي العربي وعلى امل�ستوى القطري على �أن تتفاعل ال�سيا�سات الإقليمية مع القطرية و�شبه الإقليمية ،والعمل على تعديل وحت�سني مرتبة الثقافة وزنها على �أجندة و�أولويات اله ّيئات والكيانات الر�سمية وغري الر�سمية. • النقطة ال�ساد�سة :رقمنة املحتوى الثقايف العربي مبختلف �صوره �سواء للإتاحة على الإنرتنت �أو للجماهري يف الداخل واخلارج ب�صورة �أخرى.
الف�صل الرابع قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية 119
• النقطة الثامنة :مل ي�ستطع املحتوى الثقايف املعرو�ض على الإنرتنت ب�شكل عام �أن يعك�س قدراً ولو قلي ًال من الرثاء ال�شديد الذي تتم ّيز به الثقافة العربية والرتاث العربي يف املجاالت املختلفة ،وتق ّدم املتاحف منوذج ًا �صارخ ًا على ذلك ،فال يوجد موقع متحفي واحد ا�ستطاع �أن يرتجم لزواره الرثاء الذي حتتويه جدرانه احلقيقية من تراث �إن�ساين وح�ضاري فريد. وت�شهد مواقع املتاحف امل�رصية وال�سورية ويتكرر هذا الأمر يف على ذلك بكل و�ضوح، ّ �ش ّتى املجاالت الثقافية الأخرى ،حتى يف الكتب التي ُتع ّد �أف�ضل الفئات حا ًال. • النقطة التا�سعة :التعاون مع الأجهزة الر�سمية واملعن ّية لتخفي�ض تكلفة امتالك وت�شغيل �أدوات تقنية املعلومات واالت�صاالت، لأنه ال ميكن توظيف هذه التقنيات ثقافي ًا �أو حتى يف جماالت غري ثقافية من دون تكلفة .ويتفاوت عبء هذه التكلفة عاملي ًا تبع ًا مل�ستوى دخل الفرد امل�ستهدف بالتنمية. واحلا�صل �أن معظم الدول العربية م�ص ّنفة على �أنها �إما �شديدة الفقر �أو فقرية �أو متو�سطة، وبالتايل متثل التكلفة عائق ًا �أمام التوظيف الثقايف وغري الثقايف لهذه التقنية. • النقطة العا�رشة :العمل على تعديل وحت�سني مرتبة الثقافة ووزنها على �أجندة �أولويات الهيئات والكيانات الر�سمية وغري احلكومية، لأن ذلك ينعك�س على الدور الذي يفرت�ض �أن تقوم به هذه الأطراف يف بناء الوجه الرقمي للثقافة العربية.
املعلوماتية
• النقطة ال�سابعة :ال�سمة الغالبة على الوجه الثقايف الرقمي العربي �أنه وجه ثابت جامد غري متج ّدد وبعيد عن التفاعلية واحليوية ،كما ي�شكّل الإهمال اجلماهريي للمواقع الثقافية العربية �سمة غالبة و�ساحقة للوجه الرقمي للثقافة العربية ،ال�سيما يف ما يتعلق باخلطاب املوجه للآخر الغربي.
• النقطة احلادية ع�رشة :اال�ستفادة من االلتزام احلايل لدى احلكومات العربية بدعم وت�شييد و�صيانة وتو�سيع نطاق البنية الأ�سا�سية لتقنيات املعلومات واالت�صاالت حالي ًا وم�ستقب ًال� ،إذ �إن ذلك يوفّر فر�صة �أمام خمططي ومنفّذي برامج التنمية الثقافية لبناء برامج وم�رشوعات تدخل فيها البنية املعلوماتية النا�شئة �أو ال�صاعدة كمك ّون �أ�سا�سي يتط ّور مع الوقت. • النقطة الثانية ع�رشة :العمل على ا�ستخدام �رشيحة ال�سكان التي تتعامل مع تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت ـ ما ال يقل عن 50 مليون ن�سمة ـ كنواة حميط اجتماعي �سكاين ثقايف ميكن ا�ستخدامها ب�صورة م ؤ�ثّرة يف التوظيف الثقايف لتقنيات املعلومات واالت�صاالت �سواء داخل هذه ال�رشيحة نف�سها من ال�سكان� ،أم كمعرب ي�صل بالثقافة وجهود التنمية الثقافية �إىل �رشائح �أخرى من اجلماهري العري�ضة التي ال يتاح لها االحتكاك املبا�رش مع املوارد الثقافية. • النقطة الثالثة ع�رشة :ا�ستغالل اال�ستعداد املوجود لدى اجلهات احلكومية واخلا�صة والأفراد للإنفاق على امتالك وت�شغيل تقنيات املعلومات واالت�صاالت وت�شغيلها يف زرع جهود التنمية الثقافية وتوطينها ،على اعتبار �أن من لديه ا�ستعداداً للدفع يف امتالك �أدوات تقنيات املعلومات واالت�صاالت يكون مهي�أً ب�صورة �أو ب�أخرى لتح ّمل بع�ض �أو ك ّل الأعباء املادية التي قد يتطلبها التوظيف الثقايف لتقنيات املعلومات واالت�صاالت ،كالتعاطي مع املواد الثقافية عرب الكتب الإلكرتونية �أو �أ�سطوانات الفيديو الرقمية �أو حت ّمل تكلفة تلقي املواد الثقافية عرب خطوط االت�صال ال�رسيعة الأعلى ن�سبي ًا ،وغريها. • النقطة الرابعة ع�رشة :ت�شجيع ودعم التجارب واملحاوالت الناجحة والرائدة حالي ًا مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 120للتنمية الثقافية
يف التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات ثقافي ًا، والعمل على ن�رشها وتعميمها. • النقطة اخلام�سة ع�رشة� :رضورة االهتمام والوعي بطرق و�أ�ساليب عر�ض «الب�ضاعة الثقافية» العربية على الآخر بالأ�ساليب والأدوات املنا�سبة وال�سائدة يف الف�ضاء الإلكرتوين العاملي ويف مقدمتها الت�سجيل يف الفهار�س والأدلة ،حتى ال يتح ّول املحتوى الثقايف العربي �إىل حمتوى «خفي» على ال�شبكة.
ثاني ًا :خال�صات وتو�صيات خا�صة مبك ّون اللغة يف منظومة الثقافة • النقطة الأوىل :هناك ن�سبة غري قليلة من املواقع الثقافية العربية تظهر �إهما ًال وا�ضح ًا للّغة العربية وال تبدي �أي اعتزاز باللغة كوعاء للثقافة. • النقطة الثانية :مل تك�شف التحليالت التي �أجريت على مواقع املجامع اللغوية العربية عن وجود االهتمام الواجب ببحوث التنظري ان�صب االهتمام على اللغوي واملعجمي ،بحيث ّ امل�صطلحات. • النقطة الثالثة :لوحظ ندرة �أو عدم وجود ذخائر ن�صو�ص حمو�سبة للّغة العربية بهذه املواقع والتي تع ّد مق ّوم ًا �أ�سا�سي ًا للتنظري اللغوي واملعجمي وبناء املعاجم.
ثالث ًا :خال�صات وتو�صيات خا�صة مبك ّون الرتبية يف منظومة الثقافة حث الأجهزة الر�سمية • النقطة الأوىلّ : العربية على رفع جودة نظم التعليم ،لأن نظم التعليم ركيزة �أ�سا�سية من ركائز الثقافة يف �أي جمتمع. • النقطة الثانية :ت�ضع البنية الأ�سا�سية
املعلوماتية املتاحة حتى الآن بالوطن العربي ـ راجع الق�سم الأول من الدرا�سة ـ بني يدي خمطّ طي برامج التنمية الثقافية نقطة بداية ال ب�أ�س بها ميكن ا�ستخدامها يف تدعيم ون�رش وتعميق مفهوم التعليم والتعلّم امل�ستمر للجميع ،باعتبار �أن التعليم والتعلّم امل�ستمر م�س�ؤولية املجتمع ككل. • النقطة الثالثة� :إيالء تركيز خا�ص لفئتي الأطفال وذوي التعليم املنخف�ض يف برامج وم�رشوعات التنمية الثقافية املعتمدة على تقنية املعلومات واالت�صاالت ،لأن هاتني الفئتني هما الأوىل باالهتمام والرعاية و�إعداد حمتوى ثقايف ينا�سبهما ،على �أ�سا�س �أن اجلمهور ذو التعليم الأقل هو اجلمهور الأو�سع نطاق ًا حالي ًا ،و�أن االطفال اليوم هم الفئة التي �سيقع على عاتقها عبء التنمية الثقافية يف امل�ستقبل. • النقطة الرابعة :معظم املواقع يف هذه الفئة تق ّدم ما يعرف باملقررات املربجمة وال تهتم بتنمية املهارات الذهنية الأ�سا�سية مب�ستوياتها املختلفة وال تركّز على املفاهيم الأ�سا�سية.
رابع ًا :خال�صات وتو�صيات خا�صة مبك ّون الإعالم يف منظومة الثقافة • النقطة الأوىل :عدم اال�ستعداد للنقالت املرتقبة يف الإعالم الإلكرتوين كالفيديو حتت الطلب والتالحم بني الإنرتنت واملحمول والإعالم الورقي والف�ضائي. • النقطة الثانية :عدم اال�ستعداد ملوجة الإعالم ال�شعبي القائم على الفرد كاملدونني واملنتج الإعالمي املوجه للفرد ب�صورة �شخ�صية. • النقطة الثالثة� :رضورة �إحداث ت�شبيك يف جمال الن�رش والإعالم والكتب واملكتبات
الف�صل الرابع قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية 121
خام�س ًا :خال�صات وتو�صيات خا�صة مبك ّون الإبداع يف منظومة الثقافة • النقطة الأوىل :العمل على حت�سني �أو�ضاع البيئة الإبداعية ال�سائدة بالوطن العربي ،على اعتبار �أن هناك اربتاط ًا �شديداً بني التنمية الثقافية ومقومات البيئة الإبداعية ال�سائدة، كما �أن هناك ارتباط ًا مماث ًال بني فر�ص ن�رش وتوظيف تقنيات املعلومات واالت�صاالت ومق ّومات البيئة الإبداعية. • النقطة الثانية :ا�ستخدام الإنرتنت وتكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت كو�سيلة للإتاحة الدائمة للمعارف ب�صورة احرتافية للمبدعني واملوهوبني مبا ي�سمح بن�رش الفن
املعلوماتية
والرتاث ،لفتح قنوات لتبادل املعارف والكتب يف خمتلف املجاالت من خالل املكتبات الرقمية وامل�ستودعات الإخبارية والإعالمية التخيلية املفتوحة ،وم�ستودعات الن�رش الرقمي واملدونات وال�شبكات االجتماعية وغريها ،مبا يتيح موارد ثقافية هائلة �أمام املواطن العربي للنهل منها طوال الوقت ب�صورة جمانية �أو بتكلفة زهيدة.
والإبداع القائم على املعرفة وبك�رس احتكار الو�سائل التقليدية الناقلة للمعرفة �إىل املبدعني.
�ساد�س ًا :خال�صات وتو�صيات خا�صة مبك ّون البحث العلمي يف منظومة الثقافة • النقطة الأوىل :اعتبار تقنية املعلومات واالت�صاالت يف دعم م�ؤ�س�سات البحث العلمي العربية الأداة الأ�سا�سية يف توفري فر�ص التوا�صل بني م�ؤ�س�سات البحث العلمي العربية، وبينها وبني املراكز البحثية العاملية� ،أو الربط يف ما بينها لتحقيق مزيد من التكامل والتن�سيق يف جمال البحث العلمي ،عرب تكامل املوارد وتبادل الأفكار وتداخل التخ�ص�صات ّ وتع ّددها. • النقطة الثانية :ن�رش الثقافة العلمية ال�سلمية ومكافحة اخلرافة والالعلمية باملجتمع العربي من خالل املواقع واملنتديات واملدونات العلمية ،بالإ�ضافة �إىل قوائم الربيد الإلكرتوين وجمموعات الأخبار واملن�شورات العلمية املتخ�ص�صة والأكادميية على الإنرتنت.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 122للتنمية الثقافية
الف�صل اخلام�س نحو ر�ؤية م�ستقبلية لتنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي �أو ًال :ثالثية الثقافة واملعرفة واملعلومات
جوهر العالقة بني الثقافة واملعرفة: من منظور عربي :الثقافة ـ كما �أوجزها البع�ض
ـ هي ما يبقى بعد زوال كل �شيء ،واملعرفة ـ على خالف املوارد املادية ـ هي املورد الوحيد الذي يبقى وينمو مع زيادة ا�ستهالكه ،رمبا يكمن هنا جوهر العالقة الوثيقة بني الثقافة وتقانة املعلومات ،ومن املهم �إدراك مغزى ثنائية التعريف فلن يبقى لل�شعوب يف نهاية الأمر �إال ثقافتها ومواردها الب�رشية� ،صانعة هذه الثقافة و�صنيعتها .ولي�س �أمامنا ،بعد كل ما �أهدر من مواردنا املادية� ،إال مورد املعرفة املتجدد ،و�إنتاجها وتوظيفها على يد املبدعني العرب �صغاراً وكباراً ،نخب ًة وعام ًة.
«جمتمع املعرفة» ال «جمتمع املعلومات» :كما �أفرزت تكنولوجيا ال�صناعة
جمتمع ًا خمتلف ًا عن جمتمع الزراعة� ،أفرزت تكنولوجيا املعلومات كذلك جمتمع ًا خمتلف ًا عن جمتمع ال�صناعة ،ولكن �شتان بني هذا االختالف وذاك ،فالنقلة النوعية �إىل جمتمع املعلومات تفوق �سابقتها بكثري� ،سواء من حيث عظمة الآمال التي تب�رش بها� ،أم ج�سامة املخاطر التي تنطوي عليها ،وقد تع ّددت �أ�سماء هذا املجتمع اجلديد ،ومن �أكرثها �شيوع ًا: جمتمع املعلومات وجمتمع املعرفة .وعلى الرغم ممّ ا يبدو من ت�شابه ظاهري بينهما، ف�إن هناك اختالف ًا جوهري ًا من حيث املفهوم، وي�ستلزم ح�سمه من البداية ،على �أ�سا�س تعريف دقيق لكل منهما .فمجتمع املعلومات هو وليد الفي�ض الكثيف من املعلومات ،واالنتقال احلر للمعلومات والأفكار ،وتنظيم موارد املعلومات،
ومتثيلها رقمي ًا بحيث ي�سهل الو�صول �إليها وحتويلها و�إدماجها� .أما جمتمع املعرفة فهو القائم على ا�ستغالل املعرفة ك�أهم مورد مير مبرحلة للتنمية .فالعامل من خالل الإنرتنت ّ يطلق عليها «جمتمع املعلومات العاملي»؛ ويرى �أهل التنمية �أنه ميكن ا�ستغالله يف بناء جمتمع معا�رص مغاير متام ًا ل�سوابقه ،هو «جمتمع املعرفة» ،ويف متكني الدول النامية من بناء منوذجها اخلا�ص له مبا يوافق ثقافتها وهويتها احل�ضارية ،وهو حت ّد هائل بكل املقايي�س .ومن املهم ا�ستح�ضار مفهوم يخ�ص التفريق بني منظمة اليون�سكو يف ما ّ جمتمعي املعلومات واملعرفة ،والتي خل�صت �إليها املنظمة يف الدورة الأوىل لـ «القمة العاملية حول جمتمع املعلومات »WSISيف جنيف (دي�سمرب ،)2003حني �أو�صت بتبني مفهوم «جمتمع املعرفة» بد ًال من جمتمع املعلومات؛ لقدرة التوجه «املعريف» �أن يت�سامى على «املعلوماتي» ،الذي يركز على ال�شق التكنولوجي االت�صايل .بعبارة �أخرى� :إن خطاب جمتمع املعلومات ين�شغل ب�أمور البنى التحتية ،التي توفر الو�سائل العملية للنفاذ �إىل م�صادر املعلومات وتبادلها ،وهي مهمة يتكفل بها عاملي ًا االحتاد الدويل لالت�صاالت .ITU �إن �إقامة جمتمع املعرفة يتطلب من امل�ؤ�س�سات العربية �رضورة تغطية الدورة الكاملة الكت�ساب املعرفة ،والتي ت�شمل بجانب مهمة النفاذ �إىل م�صادر املعلومات ،مه ّمات �أخرى ت�شمل ا�ستيعاب املعرفة وتنظيماتها و�إدارتها و�إنتاجها و�أر�شفتها ،وتوفري قنوات التوا�صل التي ت�ضمن االن�سياب احلر للمعرفة من م�ستويات الت�شغيل �إىل الإدارة العليا .
الف�صل اخلام�س تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي 123
الهوية :من منظور معلوماتي عربي
املعلوماتية
الهوية والنقلة النوعية ملجتمع املعرفة� :ستظ ّل الهوية هي املالذ الأخري الذي
املثال ال احل�رص.
خطورة تهمي�ش الثقافة: تلج�أ �إليه الأمم وال�شعوب واجلماعات يف �أوقات من منظور معلوماتي عربي
الأزمات ،وي�صدق هذا القول ـ �أكرث ما ي�صدق ـ على الهوية العربية ،ف�أ�صحابها ي�ؤمنون ب�أنهم �أ�صحاب �إرث تاريخي عظيم يفر�ض عليهم دوراً عاملي ًا ينبثق من هذا الإرث التاريخي ،والهوية العربية هي مالذ العرب وهم يواجهون ال�صدمة املجتمعية احلادة التي �أحدثتها تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت. الهوية �شاغل اجلميع :لقد �أ�صبحت الهوية �شاغل اجلميع ،فها هم �أهل فرن�سا ،رائدة الثقافة عاملي ًا ،راحوا يت�ساءلون ما هي فرن�سا؟ �أما �أهل اليابان الذين �سبق لهم �أن طرحوا ب�ش ّدة �س�ؤال الهوية ،وهم ينتقلون ب�أمتهم �إىل ع�رص الثورة ال�صناعية ،وقد �أ�صبحوا بف�ضل حتقيقهم لهذه النقلة يف مقدمة الركب التكنولوجي عاملي ًا ،فهم بدورهم يعيدون طرح ال�س�ؤال ذاته من جديد ،من منظور معلوماتي هذه املرة، فهم يخ�شون على لغتهم ،ومن ثم ثقافتهم ،من االن�سحاق حتت هيمنة اللّغة الإجنليزية على �ساحة الإنرتنت. تكنولوجيا املعلومات وتهديد الهوية: لقد انتاب اجلميع قلق بالغ على م�صري هويتهم من جراء هذه التكنولوجيا ال�ساحقة املاحقة؛ تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت ،وقد و�صل هذا القلق �إىل ح ّد توقع �أن تق�ضي التكنولوجيا املعلوماتية على التن ّوع الثقايف مثلما كادت �أن تق�ضي �سابقتها ال�صناعية ،على التن ّوع البيولوجي .يف مقابل ما ذكر ،هناك من يب�رش بـ «هيرتوتوبيا» عاملية ،مدينة فا�ضلة معلوماتية ،حتتفي بالتن ّوع الثقايف بف�ضل هذه التكنولوجيا ذاتها ،وما توفره من و�سائل عملية للحوار الثقايف ،والتهجني الإبداعي بني م�آثر تراث ال�شعوب ،بني املو�سيقى العربية واملو�سيقى الفار�سية ،وبني �أدب �أوروبا و�أدب �أمريكا الالتينية ،وبني الرف�ض الهندي ورف�ض القبائل الأفريقية ،وذلك بالطبع على �سبيل
الثقافة ال تهم�ش :الثقافة ـ كما قيل ـ ال تقبل التهمي�ش ،فهي حمور منظومة التنمية املجتمعية ،وم�صدر اال�ستدامة ،ونبع الإبداع الذي ال ين�ضب ،وقد بات جلي ًا �أن تهمي�ش الثقافة من �أهم الأ�سباب وراء �إخفاق الكثري من م�شاريع التنمية يف ما م�ضى وحتى الآن .كان من الطبيعي �أن تعمل عوملة قوامها االقت�صاد على تهمي�ش الثقافة ،فرناها ال ت�ستوعب التن ّوع يق�ض م�ضجعها �أن ي�سود خطاب الثقايف ،وال ّ فكري قائم على �صدام احل�ضارات و�رصاع الثقافات .وقد �سعى االحتاد الأوروبي يف بداية �إن�شائه �إىل �إقامة تكتله على �أ�سا�س �سيا�سي واقت�صادي و�أمني لكنه �آمن يف النهاية ب�رضورة التمحور حول الثقافة ،ويقول يف هذا ال�ش�أن «جان موتيه»�« ،أبو �أوروبا كما يطلق عليه»�« :إنه لو قدر له �أن يطلق م�سرية التكامل الأوروبي من جديد لتعينّ عليه �أن يبد�أ بالتعليم والثقافة» .وهو الدر�س ذاته امل�ستفاد من جتربة �إقليم بلدان جنوب �رشق �آ�سيا ،الذي �شهد طفرة كبرية يف جمال التكامل الإقليمي من خالل منظمة «الآ�سيان .»ASEAN
كان من الطبيعي �أن تعمل عوملة قوامها االقت�صاد على تهمي�ش الثقافة ،فرناها ال ت�ستوعب التنوع ّ يق�ض م�ضجعها �أن الثقايف ،وال ّ ي�سود خطاب فكري قائم على �صدام احل�ضارات و�رصاع الثقافات .وقد �سعى االحتاد الأوروبي يف بداية �إن�شائه� ،إىل �إقامة تكتله على �أ�سا�س �سيا�سي واقت�صادي و�أمني ،لكنه �آمن يف النهاية ب�رضورة التمحور حول الثقافة.
املدخل املعلوماتي الثقايف للتكتل
العربي :يبدو العامل الثقايف حموري ًا يف �إحداث التكامل الإقليمي العربي .فعلى الرغم من قوة الدوافع ،واجه التكتل العربي الإقليمي كغريه م�صاعب جمة من �أجل حتقيقه من خالل املدخل الأمني �أو ال�سيا�سي �أو االقت�صادي ،ومل يبقَ �إال املدخل الثقايف �أ�سوة مبا حدث يف تكتالت �إقليمية �أخرى .وتتوفر لهذا املدخل عوامل عدة ت�ؤكّد �أ�صالته ،يكفي منها عامل اللغة والتاريخ ،وتوفر تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت و�سائل عدة لإمكانية ترجمته �إىل واقع عملي ،بيد �أن هذا ال يعني �سهولة تطبيقه فال غنى عن توفر الإرادة ال�سيا�سية والت�صدي ملحاوالت تقوي�ض الهوية العربية. مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 124للتنمية الثقافية
ثاني ًا: نحو �سيا�سة ثقافية مغايرة
�أبرز مالمح الو�ضع الراهن:
• احلاجة �إىل بلورة �سيا�سة ثقافية �إقليمية وفق ًا ملطالب ع�رص املعلومات . • احلاجة �إىل نظرة �أ�شمل لنظم احلكومة يخ�ص توفري ال�شفافية. الإلكرتونية يف ما ّ وحث • احلاجة �إىل مزيد من حرية التعبري ّ اجلماهري على امل�شاركة . • �رضورة �إعطاء مرتبة �أعلى للثقافة على �أجندة التنمية املجتمعية . • �رضورة ر�أب الفجوة املعرفية التي باتت تف�صل بني العامل العربي والعامل املتقدم، التي �أظهرتها بجالء م�ؤ�رشات الو�ضع الراهن . • العمل على حت�سني مرتبة الثقافة على �أجندة التنمية االجتماعية . احلاجة �إىل �إبداع �سيا�سي :خل�ص تقري ٌر لليون�سكو �إىل �أن اخليال ال�سيا�سي قد �أ�صيب باخلمول ،1وقد تخلّف عن الطفرات التي حققها ويحققها اخليال العلمي والتكنولوجي ،وهو أدى بدوره �إىل حدوث فجوة بني الأمر الذي � ّ ال�سيا�سات وبني العلم والتكنولوجيا ،ومن ثم ثقافة ع�رص املعلومات التي ترتكز عليها ب�صفة �أ�سا�سية ،وال �شك �أن و�ضع �سيا�سة للتنمية الثقافية يف جمتمع املعرفة يحتاج �إىل درجة عالية من اخليال والإبداع االجتماعي، عال من اجل�سارة مل�ساءلة الأو�ضاع و�إىل قد ٍر ٍ القائمة ،وجتاوز ما هو �سائد وم�ألوف. وال يعني ذلك بالطبع البداية من ال�صفر، فقد قامت املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم بع ّدة حماوالت لبلورة �سيا�سة ثقافية عربية� ،أهمها اخلطة ال�شاملة للثقافة العربية، والتي ت�ضمنت ا�ست�رشاف ًا لآفاق امل�ستقبل الثقايف ،وم�شاريع حمددة لتنمية املجاالت
الثقافية املختلفة ،بيد �أن اخلطة حتتاج �إىل مراجعة �شاملة من منظور ثقافة ع�رص املعلومات (.)2 وقد قامت منظمة الأمم املتحدة لإقليم غرب �آ�سيا «الإ�سكوا» بعدد كبري من الدرا�سات وامل�سوح املتعلقة بالتنميةاملعلومانية� ،سواء على م�ستوى �إر�ساء البنى التحتية اخلا�صة ب�شبكات االت�صاالت� ،أم على م�ستوى تعزيز �صناعة املحتوى الرقمي عموم ًا واملحتوى الثقايف ب�صفة خا�صة .وهناك كم هائل من الدرا�سات وح�صاد الندوات وامل�ؤمترات التي عقدتها منظمة اليون�سكو التي تناولت اجلوانب املختلفة للتنمية املعلوماتية واملعرفية من منظور الدول النامية. ولع ّل من واجبات احلكومة الرئي�سية و�سن يف ع�رص املعلومات و�ضع ال�سيا�سات ّ القوانني التي ت�سعى �إىل فر�ض نوع من النظام على تلك الفو�ضى التي �ستظ ّل تعاود الظهور، نتيج ًة للفرق بني �رسعة التطور التكنولوجي وقدرة املجتمعات على ا�ستيعابه .بقول �آخر، يتطلّب الأمر من احلكومات العربية االنتقال من «�إدارة الأزمات « �إىل «�إدارة الفجوات» ،والذي يتطلّب بدوره ت�أهيل كوادر عربية قادرة على املزج بني ال�سيا�سي والتكنولوجي من جانب، وبني االقت�صادي والثقايف من جانب �آخر .
�أهم غايات ال�سيا�سة الثقافية يف جمتمع املعرفة :نظراً ال ّت�ساع نطاق منظومة
ثقافة ع�رص املعلومات ،هناك العديد من الغايات والأهداف التي ت�صبو �إليها التنمية الثقافية يف جمتمع املعرفة ،ولعل �أهمها: • ر�أب الفجوة املعرفية بني العامل العربي والعامل املتقدم وبني البلدان العربية ذاتها . • حتقيق مزيد من ال�شفافية ،باعتبارها مقوم ًا �أ�سا�سي ًا لآليات الت�صويب الذاتي ل�ضمان عدم
1تقرير لليونسكو من إعداد اللجنة العاملية املعنية بالثقافة والتنمية بعنوان التن ّوع البشري اخلالق – ترجمة اجمللس األعلى للثقافة عام ،1997ص96 2املنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم :اخلطة الشاملة للثقافة العربية ،وثيقة العمل الرئيسية للمؤمتر اخلامس للوزراء العرب املسؤولني عن الشؤون الثقافية تونس ،1985والتي متّ حتديثها من قبل املنظمة عام .1996
الف�صل اخلام�س تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي 125
ر�أب الفجوة املعرفية :ات�ساق ًا مع ا ّتخاذ مفهوم «جمتمع املعرفة» بد ًال من «جمتمع املعلومات» ،يتطلّب الأمر خطاب ًا جديداً لـ «الفجوة املعرفية» ،يختلف عن نظريه املعلوماتي حيث عادة ما يطلق عليها «الفجوة الرقمية» .تندمج يف �إطار هذا اخلطاب اجلديد وجهات نظر املفكرين ذوي ال�صلة باملجال الثقايف من تربويني واجتماعيني ،وفال�سفة ون�شطاء حقوق الإن�سان ،ومناه�ضي العوملة الراهنة ،وفال�سفة نوجز يف ما يلي وجهات نظرهم: • وجهة نظر الرتبويني :يرون الفجوة املعرفية ق�ضية تعليمية يف املقام الأول ،ومظهراً لعدم امل�ساواة يف النفاذ �إىل فر�ص التعليم ،واحل ّل ـ يف ر�أيهم ـ هو �إك�ساب املتعلّم القدرة على التعلّم ذاتي ًا مدى احلياة ،وعلى ات�ساعها ،با�ستغالل الإمكانات التي تتيحها تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت ويف مقدمتها الإنرتنت. • وجهة نظر االجتماعيني :يرون الفجوة املعرفية �رضب ًا من عدم امل�ساواة االجتماعية عرب الفوا�صل االجتماعية املختلفة :كالدخل وال�سن والنوع (ذكر�/أنثى) وم�ستوى التعليم ّ و�سكنى املدينة والريف (�أو املناطق البدوية)، ويرون �رضورة بلورة نظرية اجتماعية جديدة ملجتمع املعرفة ،يت�ص ّدى لظاهرة اال�ستبعاد االجتماعي مبفهومه الوا�سع . • وجهة نظر ن�شطاء حقوق الإن�سان :يرون الفجوة املعرفية انتهاك ًا حلق الإن�سان يف تنمية ذاته ،بحرمانه من حرية النفاذ �إىل املعلومات واملعرفة ،وحقه يف موا�صلة تعليمه وتعلّمه وحتقيق ذاته . • وجهة نظر مناه�ضي العوملة :يرون �أن
املعلوماتية
تراكم امل�شكالت . • �إقامة �صناعة للمحتوى الثقايف العربي قادرة على املناف�سة • حتقيق مزيد من امل�شاركة اجلماهريية ،من قبل الأفراد واجلماعات واملنظمات الأهلية. • �ضمان حرية التعبري.
العوملة احلالية يف �صيغتها الأمريكية تعمل على ات�ساع الفجوة املعرفية ب�سبب نزعتها اال�ستقطابية االحتكارية ،وهم ي�ؤكدون �أن حترير التجارة والأ�سواق �سيقلل من فر�ص الدول النامية للّحاق بركب اقت�صاد املعرفة. • وجهة نظر الفال�سفة :يرون الفجوة املعرفية ق�ضية �أخالقية يف املقام الأول �إىل ح ّد اعتبار البع�ض منهم �أمور التنمية التكنولوجية فرع ًا من فل�سفة الأخالق.
الفجوة املعرفية بني العرب و�إ�رسائيل:
على الرغم ممّ ا يبديه الكثريون من حما�س �شديد لثورة املعلومات و�أهميتها� ،إال �أن هناك تغاف ًال ع ّما يجري داخل �إ�رسائيل من تنمية معرفية ن�شطه وفعالة .ومن امل�ؤكّد �أن التنمية الثقافية عموم ًا ،والتنمية املعرفية على وجه اخل�صو�ص ،هما جانبان بالغا الأهمية على �صعيد املقارنة مع �إ�رسائيل .ويكفي مثا ًال هنا ما للّغة والدين من �أهمية لدينا ولديهم� .أ�ضف �إىل ذلك ،املوقع البارز الذي حتتله التكنولوجيا املتقدمة ب�صفة عامة ،وتكنولوجيا املعلومات ب�صفة خا�صة يف عقل �سا�سة �إ�رسائيل وعلمائها وخمططيها وموجهيها .وكمثال على ذلك ما ير ّددونه عن عظمة وادي ال�سيلكون الإ�رسائيلي، الذي يربط بني مراكز البحث والتطوير املعلوماتي يف مثلث :تل �أبيب ـ القد�س ـ حيفا، والذي ال يفوقه ـ على ح ّد زعمهم ـ �سوى وادي ال�سيلكون الأمريكي ،وقد �أتت �إ�رسائيل يف تقرير املعلومات العاملي ل�سنة 2003يف املرتبة رقم 12يف م�ؤ�رش اجلاهزية ال�شبكية الدال على مدى ا�ستعداد املجتمع لدخول جمتمع املعلومات ،وهي ت�سبق يف هذا دو ًال متقدمة، مثل� :سوي�رسا ،وفرن�سا ،و�أ�سبانيا ،و�إيطاليا، والرنويج ،وجتدر الإ�شارة هنا �إىل �أن تون�س، �أعلى الدول العربية مرتبة يف هذا التقرير ،قد جاءت يف املرتبة رقم .34ويف ظل هذا الواقع مفر من تناول الفجوة املعرفية الآخذة ف�إنه ال ّ يف االت�ساع بيننا وبني �إ�رسائيل ،فهي متثل ـ بال �أدنى مبالغة ـ موقف ًا م�صريي ًا ،ومن الغريب
جاءت �إ�رسائيل يف تقرير املعلومات العاملي ل�سنة 2003يف املرتبة رقم 12يف م�ؤ�رش اجلاهزية ال�شبكية الدال على مدى ا�ستعداد املجتمع لدخول جمتمع املعلومات، وهي ت�سبق يف هذا دو ًال متقدمة ،مثل: �سوي�رسا ،وفرن�سا ،و�إ�سبانيا ،و�إيطاليا، والرنويج .وجتدر الإ�شارة هنا �إىل �أن تون�س� ،أعلى الدول العربية مرتبة يف هذا التقرير ،قد جاءت يف املرتبة رقم مفر .34يف ظل هذا الواقع ف�إنه ال ّ من تناول الفجوة املعرفية الآخذة يف االت�ساع بيننا وبني �إ�رسائيل.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 126للتنمية الثقافية
�أن اال�سرتاتيجيات العربية للتنمية املعلوماتية قد حتا�شت اخلو�ض يف هذا الأمر احليوي.
نظم احلكومة الإلكرتونية وحتقيق ال�شفافية :تر ّكز نظم احلكومة الإلكرتونية
لن تفلح �أ�ساليب الرقابة الإلكرتونية و�رشطة الإنرتنت ،يف ال�صمود �أمام هذا التيار اجلارف من املدونات ،ولو جنحنا يف تر�شيح هذه املدونات وتخلي�صها مما يعرف بـ «�ضو�ضاء الويب» ،ميكن حينئذ �أن ت�ستفيد منها احلكومات العربية يف التعرف ب�صورة واقعية ومبا�رشة توجهات الر�أي العام webوتوقّع �إىل ّ امل�شكالت يف وقت مبكر جتنب ًا لطابع ر ّد الفعل.
على التخفيف من حدة الروتني والبريوقراطية املكتبية يف تقدمي اخلدمات احلكومية من �إ�صدار الرتاخي�ص و�سداد فواتري املرافق وما �شابه� ،إال �أنه يت ّم حجب كثري من الوثائق احلكومية التي ال �صلة لها ب�أمور الأمن القومي واملحافظة على مكانة الدولة عاملي ًا .لقد �أ�صبحت ال�شفافية �ضمن احلقوق الأ�سا�سية للمواطن ،وبدونها يفقد املجتمع قدرته على امل�ساءلة واملحا�سبة ،وتوفري �آليات الت�صويب الذاتي التي ال غنى عنها ملواجهة الكم الهائل من امل�شكالت املعقدة التي تعاين منها املجتمعات العربية .من زاوية �أخرى وبا�ستثناء الأمور املتعلقة بالأمن الداخلي، ف�إن تبادل املعلومات احلكومية ما بني البلدان العربية حمدود للغاية ،وهذا ما يح ّد ب�شدة من فر�ص التعاون االقت�صادي. ً الإنرتنت وحرية التعبري :وفقا لقول «�أمارتا �سن» -االقت�صادي الهندي العظيم واحلائز على جائزة نوبل يف «اقت�صاد الفقراء» ف�إن حرية التعبري لي�ست جمرد �ش�أن �سيا�سي،لأنها ذات �أبعاد اقت�صادية واجتماعية وثقافية، وهي ـ من ثم ـ وثيقة ال�صلة بالتنمية .وبخا�صة يف ما يتعلق بـ «جمتمع املعرفة» الذي ي�ستحيل بنا�ؤه يف بيئة تقمع الر�أي وتخر�س الأل�سنة . لقد وفّرت الإنرتنت منابر عديدة للتعبري تتيح للأغلبية العامة ،وللفئات امل�ست�ضعفة واملهم�شة� ،أن ت�سمع �صوتها ،واالنت�شار ال�رسيع للمدونات العربية عرب الإنرتنت� ،سواء من قبل الأفراد �أم منظمات املجتمع املدين ،خلري دليل على مدى ت�شوق املجتمعات العربية ملمار�سة حقها يف حرية التعبري ،ولن تفلح �أ�ساليب الرقابة الإلكرتونية ،و�رشطة الإنرتنت ،يف ال�صمود �أمام هذا التيار اجلارف من املدونات،
ولو جنحنا يف تر�شيح هذه املدونات وتخلي�صها مما يعرف بـ «�ضو�ضاء الويب» ،ميكن حينئذ �أن ت�ستفيد منها احلكومات العربية يف التعرف توجهات الر�أي ب�صورة واقعية ومبا�رشة �إىل ّ العام webوتوقّع امل�شكالت يف وقت مبكر جتنب ًا لطابع ر ّد الفعل.
ال�شبكات االجتماعية �أداة امل�شاركة اجلماهريية :ثقافة «الويب»� ،أو الثقافة
الرقمية كما ي�س ّميها البع�ض ،ثقافة جماعية بحكم طبيعتها ون�ش�أتها وتط ّورها .لقد ظ ّل هذا �شعاراً �إىل �أن حتقق ل�شبكة الإنرتنت ن�ضوجها جت�سد يف ما يعرف الثقايف االجتماعي ،وقد ّ بـ «ال�شبكات االجتماعية «و�أبرز �أمثلة عن هذه ال�شبكات ،نظام «الفي�سبوك »Facebook واليوتيوب. �إن النا�س باتت تقوم ب�أعمالها ومتار�س �أن�شطتها احلياتية ب�صورة مغايرة ،بحيث �أ�صبحت الإنرتنت «من�صة العمل الأ�سا�سية .لقد ارتقت الإنرتنت من حلقات الدرد�شة والت�سامر عن بعد �إىل فاعلية امل�شاركة والتفاعل وح�شد الذكاء اجلمعي ،و�أ�صبح يف �إمكان الفرد �أن يولد املعلومات بو�سائل مي�رسة ك�آالت الت�صوير الرقمية ومعدات الت�سجيل املرئي وال�سمعي. ومن خالل نظم نقل احل�ضور Transmiss � ،sion of presenceأو ما ميكن �أن نطلق عليه «التحا�رض» بد ًال من «التهاتف» ،ومع التو�سع يف ا�ستخدام نظم ات�صاالت النطاق العري�ض Broad Bandذات ال�سعة العالية� ،سي�صبح احلوار عن بعد �أقرب ما يكون من التحاور وجه ًا لوجه �إن مل يكن �أكرث فاعلية وت�أثرياً. لقد ك�رست ال�شبكات االجتماعية احتكار امل�ؤ�س�سات الر�سمية لعملية �إنتاج املعرفة وتوظيفها .فال�شفافية مبعناها احلق عملية ذات اجتاهني� :شفافية من احلكومة �إىل جماهريها، و�شفافية من اجلماهري �إىل حكوماتها .بقول �آخر ،لقد �أخذت اجلماهري بزمام املبادرة حتى ال ت�صبح رهن ًا لربودة جتاوب الأجهزة مع امل�شكالت بفعل وط�أة الثقل البريوقراطي� .إن
الف�صل اخلام�س تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي 127
نحو اقت�صاد ثقايف جديد من منظور جمتمع املعرفة �أبرز مالمح الو�ضع الراهن (اقت�صاديا)ً:
عدم التجاوب مع النقالت النوعية التي طر�أت على منظومة االقت�صاد نتيجة املتغري املعلوماتي من ناحية �أوىل ،و�ضعف االهتمام بالبعد االقت�صادي يف امل�رشوعات الثقافية الرقمية من ناحية ثانية ،وعزوف القطاع اخلا�ص عن اال�ستثمار يف م�شاريع التنمية الثقافية من ناحية ثالثة و�أخرية. احلاجة املا�سة �إىل فكر اقت�صادي جديد: �إن اقت�صاد الثقافة ،كغريه من فروع املعرفة، ي�صعب �إخ�ضاعه لنموذج االقت�صاد التقليدي، وهو امل�سعى اخلاطئ الذي ينتهجه اقت�صاد العوملة مل ّد منوذج اقت�صاد ال�صناعة لي�شمل االقت�صاد اجلديد ،اقت�صاد ع�رص املعلومات. والواقع �أن املهمة الأ�سا�سية للنظام االقت�صادي هي تر�شيد توظيف املوارد املتاحة
املعلوماتية
�إن�سان الع�رص مل تعد له رفاهية انتظار �إ�صدار الإجراءات و�إقرار التنظيمات يف مواجهة هذه امل�شكالت التي تتو�إىل عادة مبعدالت مت�سارعة. والواقع �أن ال�شبكات االجتماعية ميكن �أن تلعب دوراً رئي�سي ًا على �صعيد الثقافة العربية، نذكر من ذلك على �سبيل املثال ال احل�رص: • �إقامة منتديات ثقافية على م�ستوى الوطن العربي ملواجهة ظاهرة الت�رشذم الثقايف. • ر�صد ظاهرة الفقر مبعناها الوا�سع مبا يف ذلك فقر املعلومات. • اقتفاء مظاهر التن ّوع الثقايف وثقافات اجلماعات املحلية والفئات املهم�شة. • و�ضع ا�سرتاتيجية واقعية لإقامة ج�سور التعاون وامل�شاركة بني جميع �أ�صحاب امل�صلحة ،بحيث ت�شري جتارب الدول �إىل �أن موحدة يتفق عليها اجلميع ٌ �رشط خلق ر�ؤية ّ �أ�سا�سي لنجاح جهود �إن�شاء �صناعة ثقافة عربية.
من �أجل تلبية حاجات الإن�سان الأ�سا�سية .وقد حتولت املعرفة ،يف غيبة من ال�ضمري الإن�ساين �إىل �سلعة تباع وت�شرتى وا�ستخدمت �أ�سلحة التجويع املعريف واملقاطعة املعلوماتية لت�أديب اجلماعات املناوئة وما ي�سمونها بالدول املارقة� .إن املنطق الأخالقي يفر�ض علينا �أال تتحول احتياجات الإن�سان الأ�سا�سية �إىل �سلعة ،وقد �أ�صبحت املعلومات واملعرفة ـ بالفعل ـ �ضمن هذه االحتياجات الأ�سا�سية، بعد �أن ثبت كونها مورداً ال غنى عنه لإنتاج غذاء الإن�سان ،وتوفري م�سكنه وملب�سه وتعليمه ورعاية �صحته والرتفيه عنه. ومما يعقد الأمور يف ا�ستيعاب ظاهرة اقت�صاد املعرفة �أنه ال يتعامل فقط مع موارد المادية بل متت ّد اخلا�صية الالمادية ـ بحكم املنطق ـ لت�شمل �آليات معاجلة موارد املعرفة من برجميات ونظم معلومات ،ولت�شمل كذلك عنا�رص العائد والكلفة املرتبطة باال�ستثمار املعريف والثقايف ،بحكم كونها غري حم�سو�سة وي�صعب قيا�سها ،والت�سا�ؤالت تو�ضح هذه احلقيقة :فما هو العائد الطويل الأجل لال�ستثمار يف جمال الرتبية؟ وما هو حجم اخل�سارة املرتتبة عن فقدان الهوية القومية؟ ثم كيف تتحقق املوازنة بني العائد ال�سياحي والكلفة االجتماعية لتدمري البيئة املحلية، وتهديد الآثار التاريخية ،والعبث بالتقاليد االجتماعية كما ن�شهده يف بع�ض املناطق والقرى ال�سياحية؟
تغيات جذرية يف منظومة االقت�صاد: رّ
نتيجة للثورة املعلوماتية – املعرفية ،طر�أت تغيرّ ات جذرية على الأ�س�س التي تقوم عليها املنظومة االقت�صادية ميكن �إيجازها يف ما يلي: • مفهوم القيمة :النقلة من ثنائية قيمتي التبادل واملنفعة �إىل رباعية ت�شمل ـ عالوة على هذه الثنائية التقليدية ـ قيمة املعلومات والقيمة الرمزية .كتلك املتعلقة بالهوية الثقافية على �سبيل املثال. مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 128للتنمية الثقافية
تفاقمت م�شكلة «حمل املعلومات هائل الزائد» ويق�صد بها توليد ك ّم ٍ من املعلومات ي�صعب على املرء ا�ستيعابها� ،إىل حد القول ب�أن اقت�صاد االنتباه رمبا يفوق يف �أهميته عما قريب االقت�صاد املايل ،فهو املدخل لـ «ا�صطياد» امل�ستهلكني من خالل تلك الرباعية التي تقوم عليها �صناعة الإعالن :اقتنا�ص االنتباه ف�إثارة االهتمام ثم توليد الرغبة فحث املتلقي على القيام بالفعل ّ القتناء �سلعة �أو اتخاذ موقف.
• مفهوم امللكية :النقلة من امللكية املادية، التي ي�سهل ح�رصها وتوثيقها وحمايتها، �إىل امللكية الفكرية التي ي�صعب حتديدها وحمايتها. • عالقة الإنتاج باال�ستهالك :النقلة من ن�ضوب املوارد املادية مع زيادة ا�ستهالكها يخ�ص املوارد املعرفية �إىل عك�س ذلك يف ما ّ التي تنمو مع زيادة ا�ستهالكها� ،إ�ضافة �إىل النقلة النوعية من منط اقت�صادي قائم على طور الإنتاج� ،إىل منط اقت�صادي قائم على طور �إعادة الإنتاج؛ من �أمثلته ا�ستن�ساخ الربامج وو�سائط املو�سيقى والأفالم ،وخالفه. • عالقة العر�ض بالطلب :النقلة من الرتكيز على جانب العر�ض؛ حيث كان الو�ضع يف ما م�ضى �أن تعر�ض التكنولوجيا ك ّل ما يف و�سعها �أن تنجزه� ،إىل الرتكيز على جانب الطلب بعد �أن �أم�ست التكنولوجيا ذات قدرة �إجناز هائلة ،ولي�س ك ّل ما يف و�سعها �أن تنجزه ميكن للأ�سواق �أن ت�ستوعبه ،بحيث يتوقف ذلك على توفر الطلب االجتماعي عليه. • منط الإدارة :النقلة من �إدارة ذات منط مركزي ،تقوم على �رسيان ال�سلطة من �أعلى �إىل �أ�سفل� ،إىل �إدارة ذات منط المركزي يت�صاعد فيه قدر ال�سلطات ،ومن ثم امل�س�ؤوليات ،من �أ�سفل �إىل �أعلى ،وذلك بعد �أن �أ�ضحى �أداء املن�ش�آت رهن ًا ب�إبداع عمالتها ال �رصامة �إدارتها. ومن زاوية �أخرى ،ونظراً العتماد اقت�صاد املعرفة على طور �إعادة الإنتاج� ،أي ا�ستن�ساخ ال�سلع واخلدمات من دون ا�ستهالك مزي ٍد من املواد وطاقة العمل �أو لنقل ا�ستهالك قدر طفيف منها ،ووفق ًا ملا يراه الكثريون ،فقد �أ�صبحت التناف�سية يف هذا االقت�صاد الالمادي تعتمد على ما يتعذّر ا�ستن�ساخه من �أمور �أ�سا�سية، من قبيل العنا�رص االبتكارية يف الت�صميم والإنتاج والت�سويق� ،أو عوامل ثانوية من قبيل �رسعة العثور على املعلومات وتقدمي الدعم للمتلقي لكي ي�صبح �أكرث قدرة على ت�أويل املعلومات واكت�شاف ما حتمله يف ثناياها من معرفة ذات مغزى.
ت�ؤكد ذلك �رضورة تعزيز املحتوى الثقايف العربي بالقيمة امل�ضافة التي تك�سبه القدرة على املناف�سة. اقت�صاد االنتباه :االنتباه �سلعة نادرة، فقدرة الإن�سان على تلقي املدركات احل�سية حمدودة بقيود ف�سيولوجيا اجلهاز الع�صبي، �إن ثراء املعلومات احلايل يقابله ـ كما خل�ص البع�ض ـ فقر يف االنتباه ،بحيث يت ّم على ح�ساب ا�ستهالك املوارد الإدراكية ،الأمر الذي يتطلّب �رضورة تر�شيد ا�ستخدامها و�إدارتها على �أ�س�س اقت�صادية ،وقد تفاقمت م�شكلة «حمل املعلومات الزائد» ويق�صد بها توليد هائل من املعلومات ي�صعب على املرء ك ّم ٍ ا�ستيعابها �إىل حد القول ب�أن اقت�صاد االنتباه رمبا يفوق يف �أهميته عما قريب االقت�صاد املايل ،فهو املدخل لـ «ا�صطياد» امل�ستهلكني من خالل تلك الرباعية التي تقوم عليها �صناعة الإعالن :اقتنا�ص االنتباه ف�إثارة االهتمام ثم فحث املتلقي على القيام بالفعل توليد الرغبة ّ القتناء �سلعة �أو اتخاذ موقف. وكما يتوقع الكثريون� ،سيتعاظم دور اقت�صاد االنتباه وعالقته باالقت�صاد الفعلي، وهو ما ي�ستوجب �رضورة االهتمام به حتى ال يقع املواطن العربي فري�سة الفخاخ التي �سوف حتيكها له اال�سرتاتيجيات الت�سويقية لل�رشكات املتعددة اجلن�سية التي تفر�ض �سيطرتها ب�إحكام على معظم الأ�سواق العربية.
ت�شجيع القطاع اخلا�ص على اال�ستثمار يف م�شاريع التنمية الثقافية :اقت�رص �إ�سهام
القطاع اخلا�ص ب�صفة �أ�سا�سية على جمال انت�شار الإعالم الف�ضائي ،دون غريه من املجاالت اخلا�صة مب�شاريع التنمية الثقافية الأخرى ،على الرغم من كونها ذات عائد ا�ستثمار جمز .ويرجع ذلك �إىل عدة �أ�سباب لعل �أهمها :غياب الوعي الكايف للفر�ص التي يتيحها اقت�صاد املعرفة يف �صناعة املحتوى الثقايف من ناحية �أوىل وعدم توفر مناذج عمل
الف�صل اخلام�س تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي 129
�إر�ساء البنية التحتية للتوا�صل الثقايف
�أبرز مالمح الو�ضع الراهن يكمن يف �ضعف الرتابط البيني Inter-Connectivityما بني �شبكات االت�صاالت العربية على امل�ستوى الإقليمي و�شبه الإقليمي ،وكذلك �رضورة توفري احلر للمعلومات البنية التحتية لالن�سياب ّ ما بني البلدان العربية .بالإ�ضافة �إىل �ضعف التوا�صل بني امل�ؤ�س�سات الثقافية.
الإقليمي
على
�صعيد
التكامل االت�صاالت :ويتطلّب ذلك جهوداً ع ّدة ومتن ّوعة
م�رشوع الإنرتنت العربية :بات �رضوري ًا ال�سعي �إىل تنفيذ امل�رشوع املقرتح اخلا�ص ب�شبكة الإنرتنت العربية ،والذي يهدف �إىل �إن�شاء نقاط نفاذ لربط �شبكات الإنرتنت يف املنطقة، بحيث يت ّم مترير احلركة عرب هذه النقاط� ،سواء ما بني الدول العربية �أم منها �إىل خارجها. و�سوف ي�ؤدي ربط �شبكات الإنرتنت العربية عرب نقاط النفاذ ال�شاملة �إىل اال�ستخدام الأمثل للبنى التحتية وال�سعات املتوفرة ،ومن ثم �إىل تقليل تكلفة ا�ستخدام الإنرتنت ،عالوة على حت�سني جودة اخلدمات وتقليل االختناقات بات �رضوري ًا ال�سعي �إىل تنفيذ و�رسعة احل�صول على التطبيقات. امل�رشوع املقرتح اخلا�ص ب�شبكة
ت�ضييق الفجوة الرقمية بني البلدان من العمل اجلماعي امل�شرتك بني اخلرباء العربية واملنظمات للقيام بالدرا�سات الالزمة لتقييم املوقف الراهن وتبادل اخلربات املتوفرة، وحتديد الأولويات �إىل م�ستوى �إقامة حلقات الربط ومنه �إىل التكامل املبني على ال�رشاكة، بجانب ذلك يتطلب التكامل الإقليمي �إعادة ت�شكيل حركة البيانات عن طريق �رشاء ال�سعة املطلوبة لربط املنطقة بال�شبكة العاملية للإنرتنت بهدف «�أقلمة» الإنرتنت regionaliz . zation
�إقامة �شبكة فقرية �إقليمية :من خالل اال�ستفادة ب�شبكة دول اخلليج FOGال�سابق الإ�شارة �إليها ،وقد �أو�صت الإ�سكوا لهذا الغر�ض با�ستغالل �شبكة الألياف ال�ضوئية امل�ستخدمة لنظام التحكم يف ال�شبكة الكهربية العربية. اال�ستعداد ل�شبكات النطاق العري�ض: بينما مل يحن الوقت بعد للم�ؤ�س�سات والأفراد يف املنطقة ال�ستغالل مزايا �شبكات االت�صاالت ذات النطاق العري�ض� ،إال �أنه يجب التخطيط
�أبرز مالمح الو�ضع الراهن يف ما ت�ؤكّده امل�ؤ�رشات على وجود فجوة رقمية داخل الإقليم العربي بني البلدان الغنية والبلدان املحدودة اقت�صادي ًا ،بالإ�ضافة �إىل عدم توفّر و�سائل �إتاحة النفاذ �إىل م�صادر املعلومات. احلاجة حللول مبتكرة :لقد تع ّددت تكنولوجيات االت�صاالت ب�صورة كبرية، وتعقدت العالقات بينها وبني البيئة اجلغرافية واالجتماعية التي تطبق فيها ،وهناك حاجة ما�سة حللول مبتكرة ميكن من خاللها �إتاحة اخلدمات بكلفة �أقل ،وحتقيق نه�ضة ات�صالية بوثبة �ضفدعية ،ويتطلب ذلك :البحث عن بدائل للتنمية االت�صالية تقوم على دمج التكنولوجيات ال�سلكية والال�سلكية والف�ضائية، وعلى ا�ستخدام «القدمي يف ثوب جديد».
الإنرتنت العربية ،والذي يهدف �إىل �إن�شاء نقاط نفاذ لربط �شبكات الإنرتنت يف املنطقة ،بحيث يت ّم مترير احلركة عرب هذه النقاط� ،سواء ما بني الدول العربية �أم منها �إىل خارجها .و�سوف ي�ؤدي ربط �شبكات الإنرتنت العربية عرب نقاط النفاذ ال�شاملة� ،إىل اال�ستخدام الأمثل للبنى التحتية وال�سعات املتوفرة ،ومن ثم �إىل تقليل تكلفة ا�ستخدام الإنرتنت، عالوة على حت�سني جودة اخلدمات وتقليل االختناقات و�رسعة احل�صول على التطبيقات.
�أمثلة من احللول املبتكرة يف جمال االت�صاالت :هناك عدد كبري من احللول مت تطبيقها يف الدول النامية املبتكرة ّ مؤسسة الفكر العربي ّ
املعلوماتية
للم�شاركة بني القطاعني احلكومي واخلا�ص، وعدم توفر الكوادر القادرة على القيام بدرا�سات اجلدوى االقت�صادية يف املجال الثقايف من ناحية ثانية ،ونق�ص يف م�صادر متويل ر�أ�س املال املغامر Venture capital من ناحية ثالثة و�أخرية.
لها مبكراً ،بحيث �أ�صبح االندماج بني و�سائل الإعالم اجلماهريي والإنرتنت و�شيك ًا والإعداد له يحتاج �إىل وقت لي�س بالق�صري.
التقرير العربي الثاين 130للتنمية الثقافية
والبازغة واملتقدمة لإتاحة النفاذ �إىل م�صادر املعلومات للفئات املحدودة الدخل ،نذكر منها على �سبيل املثال ال احل�رص: • �سيا�سة «الباب املفتوح» يف الربازيل لإتاحة خدمات الإنرتنت من خالل �أك�شاك ومراكز اجلماعات ،ومكاتب الربيد واملكتبات. • تطوير حا�سوب �شخ�صي �سهل اال�ستخدام زهيد التكلفة واملعروف بـ « »Simpwterوهو مزود بو�سيلة ات�صال بالإنرتنت من خالل الهاتف . • �إتاحة النفاذ للم�رشدين بال م�أوى يف الواليات امل ّتحدة من خالل ما يعرف بالتليفون اخلائلي ،virtual telephoneيت ّم من خالله توفري رقم تليفون (بدون عدة) ،و�صندوق بريد للر�سائل ال�صوتية ،voice mail boxميكن من خاللهما ا�ستخدام �أي تليفون عام يف ال�شارع ملعرفة ما تلقاه من ر�سائل �صوتية. • �إعطاء �أولوية لإعالم املحليات والقرى: بحيث �أثبتت جتارب الدول النامية �أن �إعالم اجلماعات املحلية ميكن �أن يلعب دوراً �أكرث ت�أثرياً من التقانات الأكرث تقدم ًا ،وجتربة راديو القرية التي نفّذتها الهند خري �شاهد على ذلك.
ثالث ًا :ر�ؤية م�ستقبلية ملجاالت املحتوى الثقايف
من �أبرز مالمج الو�ضع الراهن الق�صور يف تغطية املجاالت املختلفة للمحتوى الثقايف من ناحية ،وكال�سيكية املحتوى وتركيزه على الن�صو�ص من ناحية �أخرى. حمتوى الن�رش :وي�شمل ك ّل ما ينتجه ويقدمه الن�رش الإلكرتوين والورقي الذي ت�صدره دور الن�رش وامل�ؤ�س�سات الإعالمية واحلكومية والتجارية والأكادميية. البث حمتوى البثّ :والذي بات ي�شمل ّ اجلماهريي -الإذاعي والتليفزيوين وال�شبكي (عرب الإنرتنت) -والبث الفردي .قامت م�صادر املحتوى املذكورة �أعاله على مفهوم بناء
ؤ�س�سات �إنتاج املحتوى من �أعلى� ،أي من قبل م� ّ املحتوى �أ�سا�س ًا ،بيد �أن هناك توجه ًا متنامي ًا حالي ًا لبناء املحتوى من �أ�سفل. حمتوى الو�سائط املتع ّددة :مبعناها الوا�سع ،وت�شمل :الإنتاج ال�سينمائي ،و الفيديو، والفنون الرقمية ،والنظم اخلائلية ،والت�سجيالت املو�سيقية ،وقواعد البيانات ،وبنوك ال�صور، والأر�شيفات الإلكرتونية. برجميات خا�صة باملحتوى :وميكن ت�صنيفها �إىل نوعني رئي�سيني: برجميات تطبيقية :مثل الربجميات التعليمية والرتفيهية ،وبرامج الألعاب الإلكرتونية ،ونظم الرتجمة الآلية ،وغريها. برجميات �أدائية (م�ساعدة) :خا�صة ب�إعداد املحتوى و�أر�شفته وت�أمينه ،وت�صميم و�إدارة مواقع خدماته على الإنرتنت. ويعني هذا الت�صنيف �أن برجميات املحتوى ال ت�شمل الربجميات الأ�سا�سية اخلا�صة بنظم الت�شغيل (مثل نظام ويندوز ولينك�س ،ونظم �إدارة ال�شبكات وما �شابه). املحتوى املولّد �آلي ًا :بف�ضل �أ�ساليب الذكاء اال�صطناعي يتنامى ظهور نوع جديد من املحتوى املولد �آلي ًا ،وميكن تق�سيمه �إىل �أربعة فروع هي:
املحتوى املرتجم �آلي ًا يف املجاالت العلمية بخا�صة :عرب ا�ستخدام تكنولوجيا
الرتجمة الآلية ونظم �إعادة ال�صياغة. املحتوى امل�ستخل�ص �آلي ًا :عن طريق النظم الآلية لال�ستخال�ص والتلخي�ص. املحتوى امل�ؤلف �آلي ًا :عن طريق تكنولوجيا توليد الن�صو�ص �آلي ًا text generationلت�أليف املقاالت وا�ستخراج التقارير الدورية. ً املحتوى املكت�شف �آليا :عن طريق نظم التنقيب يف مناجم الن�صو�ص textual ،data miningو�آالت اال�ستنتاج inference
الف�صل اخلام�س تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي 131
حمتوى البثّ عرب الإنرتنت :وهنا بع�ض التوجه: الأمثلة املطبقة عن هذا ّ البثّ الفردي :املتمثل يف قيام الأفراد بن�رش مذكراتهم وخواطرهم و�آرائهم يف مدونات الإنرتنت ( ،)BLOGSوي�شمل البث الفردي �أي�ض ًا الن�صو�ص كالبحوث واملقاالت والق�ص�ص وما �شابه (كما يف موقع ،)myspace.comولقد بد�أت هذه الظاهرة منذ عام 1997نتيجة توفر �أدوات مي�سرّ ة لن�رش �صفحات الويب . البثّ الت�شاركي :با�ستخدام ما يعرف ب�أ�سلوب الويكي wkiومن �أ�شهر �أمثلته مو�سوعة الويكبيديا التي يقوم الأفراد ببنائها وتر�شيح مادتها جماعي ًا. امليتا حمتوى :ويق�صد به املحتوى اخلا�ص باملحتوى ذاته وي�شمل معايري قيا�سية لتوحيد ال�صيغ التي تقدم بها موارد املحتوى من ن�صو�ص و�أ�صوات و�أ�شكال ،بغر�ض ت�سهيل امل�شاركة يف هذه املوارد ،و�إعادة ا�ستخدامها و�إمكانية عملها على من�صات ت�شغيل خمتلفة ،platformsوقد تنامت �أهمية امليتا حمتوى يف اجليل الثاين للإنرتنت ،بخا�ص ًة يف ما يتعلّق بـ «الويب الداليل »Semanic Webالذي يقوم �أ�سا�س ًا على ا�ستخدام معايري قيا�سية لتمثيل م�ضمون الوثائق الإلكرتونية جلعلها �سافرة بطريقة ت�سمح للآلة بالنفاذ �إىل دالالتها ومفاهيمها.
تعزيز املحتوى الثقايف العربي
�أبرز مالمح الو�ضع الراهن تتمثل يف �ضعف الطلب على �صناعة املحتوى الثقايف بداللة تدين حجم زوار مواقعه ،وكذلك نق�ص الكوادر الب�رشية املتخ�ص�صة بداللة عدم جودة ت�صميم املواقع و�إخراجها .بالإ�ضافة �إىل عدم االهتمام ب�أمور امللكية الفكرية .
املعلوماتية
machinesالتي تقوم باكت�شاف املعرفة الكامنة يف ثنايا الن�صو�ص.
العرب وفر�صتهم الذهبية :يبدو امل�صري املعلوماتي للأمة العربية رهن ًا بنجاحها يف �إقامة �صناعة حمتوى عربية فاعلة وقادرة على املناف�سة عاملي ًا ،وهذه ال�صناعة احليوية هي �أن�سب املداخل املتاحة للتك ّتل الإقليمي مرت تقانة املعلومات يف ظرفنا الراهن ،وقد ّ واالت�صاالت يف رحلة تط ّورها بع ّدة نقالت نوعية ا�ستغلتها بلدان كثرية للّحاق بالركب متر حالي ًا بنقلة هائلة هي املعلوماتي .وهي ّ نقلة �صناعة املحتوى املتمثلة يف تعاظم �أهمية التطبيقات االجتماعية والثقافية وتقانة الو�سائط املتع ّددة القائمة ،وهي النقلة النوعية التي ت�سعى بريطانيا من خاللها �إىل ا�ستعادة ريادتها عاملي ًا ،وميثّل ذلك بالن�سبة للعرب فر�صة ذهبية ي�صعب على الزمن �أن يجود مبثلها للّحاق بركب جمتمع املعرفة .
�صناعة حمتوى عربية ال �صناعة حمتوى عربي مبعنى عدم االقت�صار على امل�صادر العربية فقط ،بل يجب اقتناء موارد املحتوى الأجنبي نظراً لكون الوطن العربي م�ستهلك ّا للمعرفة �أكرث منه منتج ًا لها.
عدم الف�صل بني املحتوى الرقمي واملحتوى غري الرقمي :كما تفعل بع�ض
الدول املتقدمة� ،إذ �إن معظم م�صادر املحتوى الثقايف لدينا ما زالت يف �صورتها الورقية (غري الرقمية).
تنمية الطلب من خالل تعزيز حمتوى املنزل العربي الإلكرتوين .وذلك الرتباطه
ال�شديد بثقافة املنزل العربي ،وباللغة العربية على وجه اخل�صو�ص ،نظراً لأن �أغلب مواطني البلدان العربية ال يتقنون اللّغات الأجنبية، وجناح قنوات التليفزيون الرتفيهية العربية ل�شاهد على قدرة �صناعة املحتوى العربي �أن تقتحم املنزل الرقمي من �أو�سع �أبوابه .ويف ما يلي بع�ض املنطلقات املقرتحة لتعزير حمتوى املنزل العربي الرقمي: • حمتوى ترفيهي مبتكر ي�ستطيع �أن يل ّم �شمل الأ�رسة العربية ،ومن �أجنح �أنواع هذا املحتوى م�سابقات اخترب معلوماتك التي ميكن �أن مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 132للتنمية الثقافية
ت�شارك فيها جمموعة من املنازل العربية. • ا�ستغالل حمتوى املنزل الرقمي العربي يف �إحياء تذوق ال�شعر العربي ،بحيث ميثّل منه ًال خ�صب ًا لإبداع حمتوى منزيل يجمع احل�س اجلمايل وامت�صا�ص رحيق بني تنمية ّ احلكمة الذي تزخر به كنوز ال�شعر العربي، ومتثّل املباريات ال�شعرية يف حفظ م�آثره من �أكرث املجاالت �إثارة. • �ألعاب �إلكرتونية مغايرة :لقد احتكرت الألعاب الإلكرتونية القائمة على الفعل action -orientedمثل :امل�صارعات واملطاردات واجتياز العوائق عند ال�رشكات الدولية ،بيد �أن هناك �أجيا ًال �أخرى من الألعاب القائمة على تنمية املهارات الذهنية بد�أت يف الظهور حمدودة للغاية �إ�ضافة �إىل تطوير برامج تعليمية جتمع بني التعلّم والفكاهة مثال كوميديا الريا�ضيات mathcomicالذي حقق جناح ًا كبرياً .ي�شمل امل�رشوع املقرتح مولداً �أتوماتي ًا لأ�سئلة «اخترب معلوماتك» يقوم على �إحدى مو�سوعات اجليب التي تقدم املعارف يف �صورة جداول وعناوين موجزة ور�ؤو�س مو�ضوعات ميكن �أن تكون �أ�سا�س ًا لتوليد الأ�سئلة والإجابة عليها �أتوماتي ًا. • ا�ستغالل حمتوى املنزل العربي يف
التعليم العالجي لتعوي�ض النق�ص يف م�ستوى التعليم النظامي ،ويف هذا ال�صدد ميكن �أن ي�سهم حمتوى املنزل الرقمي العربي تدريجي ًا يف ح ّل م�شكلة الدرو�س اخل�صو�صية املتف�شية يف كثري من البلدان العربية.
مر�شد الإنرتنت اخلائلي :ما زالت غالبية حجيج الإنرتنت العرب غري قادرة على الإبحار بفاعلية ما بني املواقع العربية ،وتكتفي بوابات �أدلة املواقع العربية (بوابة العرب على �سبيل املثال) بقوائم املواقع من دون معلومات عن نوعية وجودة خدمات املعلومات التي تقدمها، ويهدف امل�رشوع �إىل ا�ستخدام تكنولوجيا الوكالة الآلية� ،أو الروبوتات املعرفية ،كمر�شد خائلي للم�ستخدم العربي.
احلاجة �إىل ابتكارية ت�سويقية :حتتاج �صناعة املحتوى �إىل ابتكارية ت�سويقية يف توزيع �سلعها وخدماتها وهو �أمر تفر�ضه االعتبارات التالية: • احلاجة �إىل توعية امل�ستهلك بالطبيعة اخلا�صة مبنتجات �صناعة املحتوى و�إقناعه مبا �سيعود عليه اقتنا�ؤه من فوائد حم�سو�سة وغري حم�سو�سة ،مع لفت نظره �إىل حدوده و�آثاره ال�سلبية �إن وجدت. • معظم منتجات �صناعة املحتوى يت ّم ت�سويقها �إلكرتوني ًا عن بعد،الأمر الذي يتطلّب جت�سد للم�ستهلك ا�ستحداث و�سائل مبتكرة ّ املنتج يف �سياق بيئته االجتماعية وتتيح له �إمكانية التجريب واالختبار واال�ستف�سار. • ت�سارع معدالت تطوير منتجات �صناعة املحتوى يتطلب ت�سويق ًا دينامي ًا �رسيع التجاوب مع مطالب ال�سوق ،فما �أ�رسع ما تتقادم هذه املنتجات بظهور البديل الأف�ضل. • �رضورة تو�سيع نطاق الت�سويق ل�صناعة املحتوى العربي ،خ�صو�ص ًا يف املجالني العربي وتعليم اللغة العربية لي�شمل البلدان الإ�سالمية واجلاليات العربية باخلارج.
النهو�ض ب�صناعة الربجميات الثقافية:
ُتع ّد الربجميات الثقافية �أهم فروع �صناعة الربجميات بالن�سبة للوطن العربي و ُيقرتح لتطويرها املنطلقات التالية: • تبني برجميات امل�صدر املفتوحopen : � source softwareسواء يف نظم ت�شغيل احلوا�سيب املركزية ملواقع املحتوى (ا�ستخدام نظام Apacheعلى �سبيل املثال)� ،أم برجميات التطبيقات� ،أم نظم ت�أمني املواقع و�إدارة ال�شبكات ،وذلك �أ�سوة مبا اتخذته كثري من بلدان العامل :متقدمة ونامية ،ونكتفي هنا ببع�ض الأمثلة: • ي�ستخدم عدد كبري من الدول ،منها فرن�سا و�أملانيا ورو�سيا وال�صني وكوريا اجلنوبية وبريطانيا ،نظام الت�شغيل مفتوح امل�صدر .LINYX
الف�صل اخلام�س تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي 133
نحو نظرة �أ�شمل حلماية امللكية يخ�ص الفكرية واخل�صو�صية الفردية :يف ما ّ
حماية امل�ستهلك العربي �ض ّد مظاهر العنف الرمزي :يحمل حمتوى املعلومات على
حماية امللكية الفكرية ،فقد ان�ضمت معظم الدول العربية التفاقية منظمة التجارة العاملية اخلا�صة بحماية امللكية الفكرية (، )TRIPs و�أن�ش�أ بع�ض هذه الدول بالفعل التنظيمات وامل�ؤ�س�سات اخلا�صة بحماية امل�صنفات الفنية. وع ّدلت كثري من البلدان العربية املن�ضمة �إىل اتفاقية التجارة العاملية ت�رشيعاتها املحلية ا�ستجاب ًة للوفاء ببنود هذه االتفاقية .ومن املتوقع �أن تطر�أ على جمال امللكية الفكرية تغريات جذرية مع انت�شار ات�صاالت النطاق العري�ض ،والتو�سع يف ا�ستخدام الروبوتات املعرفية يف م�سح مواقع الإنرتنت ب�صفة دورية ،والربط بني الوثائق الإلكرتونية
اختالف م�صادر انتقائه ـ حملي ًا �أو خارجي ًا �أو من خالل الإنرتنت ـ مظاهر عديدة من احل�شو الزائد والتكرار ،واملعلومات التافهة وال�ضارة، الأمر الذي يتطلّب عمليات تر�شيح ال�ستخال�ص املحتوى النقي واملفيد ،وهي عملية ت ّت�سم بال�صعوبة الفنية التي تزداد كلما انتقلنا من الن�صو�ص �إىل الكالم املنطوق و�إىل ال�صور الثابتة واملتحركة .وما زالت هذه العملية يف انتظار حلول مبتكرة يف جمال التنقيب عن املعرفة يف مناجم الن�صو�ص (textual )data miningونظـم البحث الذكية يف قواعد البيانات الن�صية وامل�سموعة وامل�صورة. ومتثل حماية امل�ستهلك �ض ّد العنف
املعلوماتية
• توجه متزايد لوزارة الدفاع الأمريكية ال�ستخدام برجميات امل�صادر املفتوحة. • و�ضع الربازيل ل�سيا�سة تلزم الوكاالت الفيدرالية والوزارات وم�ؤ�س�سات الدولة با�ستخدام الربجميات املفتوحة امل�صدر. • تخ�صي�ص ال�صني ال�ستثمارات كبرية لتطوير نظام LINYXخلدمة الأغرا�ض ال�صينية. • قيام املك�سيك بتحويل عدد كبري من احلوا�سيب امل�ستخدمة من قبل الإدارات املحلية �إىل نظم الت�شغيل مفتوحة امل�صدر مت توفريها لدعم نظام وحتويل املبالغ التي ّ املعونة االجتماعية. • املطالب اخلا�صة للم�ستخدم العربي، بحيث �إن تبني برجميات امل�صدر املفتوح هو مق ّوم �أ�سا�سي للح�ؤول دون الوقوع حتت رحمة �رشكات الربجميات العاملية التي ت�سوق براجمها يف هيئة حزم ....ال تتيح �أي فر�صة للتعديل. • يعيب البع�ض على برجميات امل�صدر املفتوح �صعوبة ا�ستخدامها و�أنها غري مدعومة فني ًا وتقع م�س�ؤولية �صيانتها على عاتق امل�ستخدم، ولكن �أوجه الق�صور هذه لها جانبها الإيجابي يخ�ص بناء القدرات الذاتية. يف ما ّ
�أتوماتي ًا ،وهو ما ي�ستوجب �أن ن�ستع ّد من الآن خلو�ض مفاو�ضات �سيا�سية �ساخنة على جبهة امللكية الفكرية ب�إعداد الكوادر الب�رشية القادرة على التفاو�ض التكنو� -سيا�سي يف مثل هذه الأمور املعقدة .وهناك العديد من �أمور امللكية الفكرية التي �ستطرح م�ستقب ًال وهو ما يتطلب ت�ضامن ًا عربي ًا يف التفاو�ض املتعلق بها .وال ب ّد كذلك من االهتمام بحماية امللكية الفكرية اجلماعية ذات الأهمية اخلا�صة برتاثنا العربي والإ�سالمي والتي مل َ حتظ ب�أي اهتمام من قبل منظمة التجارة العاملية حتى الآن ،بحيث ان�صب اجلهد على حماية امللكية الفكرية اخلا�صة بامل�ؤ�س�سات االقت�صادية. ومن املالحظ وجود تناق�ض جوهري بني حماية حقوق املوردين وحماية حقوق امل�ستهلكني ،مرجعه �أن حماية امللكية الفكرية تتطلب نوع ًا من الرقابة على نفاذ الأفراد �إىل م�صادر املعلومات وعلى ا�ستخدامهم لها، وهي الرقابة التي تنطوي على تهديد حقيقي للخ�صو�صية الفردية ،وجتدر الإ�شارة �إىل �أن هناك تناق�ض ًا �آخر بني حماية اخل�صو�صية الفردية وت�أمني نظم املعلومات الذي يتطلب هو الآخر نوع ًا من الرقابة على من ينفذ �إليها.
من املتوقع �أن تطر�أ على جمال امللكية الفكرية ،تغريات جذرية مع انت�شار ات�صاالت النطاق العري�ض والتو�سع يف ا�ستخدام الروبوتات املعرفية يف م�سح مواقع الإنرتنت ب�صفة دورية والربط بني الوثائق الإلكرتونية �أتوماتياً ،وهو ما ي�ستوجب �أن ن�ستع ّد من الآن خلو�ض مفاو�ضات �سيا�سية �ساخنة على جبهة امللكية الفكرية ،ب�إعداد الكوادر الب�رشية القادرة على الـتـفـاو�ض التكـنو � -سيـا�سي فـي مثل هذه الأمور املعقدة .وهناك العديد من �أمور امللكية الفكرية التي �ستطرح م�ستقب ًال وهو ما يتطلب ت�ضامن ًا عربي ًا يف التفاو�ض املتعلق بها.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 134للتنمية الثقافية
الرمزي عرب الإنرتنت و�إعالم الف�ضائيات وبع�ض الإنتاج ال�سينمائي م�شكلة �صعبة من وجهة النظر االجتماعية ،وم�صدر ال�صعوبة �أن الو�سائل امل�صممة حلماية امل�ستهلك �ضد مظاهر العنف الرمزي ميكن �أن ت�ستغل ـ هي ذاتها ـ لو�ضع قيود على �إ�شاعة املحتوى وعلى حرية التعبري ،و ُيقرتح يف هذا ال�ش�أن مر�ص ٌد عربي للعنف الرمزي ،يتب ّنى ر�ؤية عربية يف ما يخ�ص العنف الرمزي انطالق ًا من قيم الثقافة ّ العربية ،وميكن اال�ستهداء يف ذلك باملوقع الذي �أقامته منظمة اليون�سكو القتفاء م�صادر العنف الرمزي املختلفة. املتخ�ص�صة: ت�أهيل الكوادر العربية ّ هناك ت�شكيلة وا�سعة من التخ�ص�صات املتعلقة ب�صناعة املحتوى الثقايف من خمططيني، ومديري مواقع الإنرتنت ،وباحثني ،وم�صممي نظم الواقع اخلائلية ،وخرباء رقمنة ،وم�صممي �أ�شكال ،وخرباء التقييم التكنولوجي .ويتوفّر لدى العامل العربي عدد ال ب�أ�س به من عمالة املعلوماتية التقليدية ،مثل حملّلي النظم وخمطّ طي الربامج ،ومع ّدي البيانات� ،إال �أنه �شح �شديد يف التخ�ص�صات امل�ستحدثة ي�شكو من ّ ل�صناعة املحتوى .وي�صعب على مراكز تنمية العن�رص الب�رشي ،من جامعات ومعاهد فنية، مواكبة املجاالت احلديثة ل�صناعة املحتوى، مثل الو�سائط املتعددة وتقانة الواقع اخلائلي، وت�صميم �صفحات الويب و�إدارة مواقع الإنرتنت.
دعم الرتاث الثقايف العربي الإلكرتوين
�أبرز مالمح الو�ضح الراهن تبديد الكثري من املعلومات العربية وموارد الرتاث الثقايف، ووجود وجه ثقايف رقمي ثابت وجامد يفتقد �إىل الدينامية والتفاعلية ،والق�صور يف تغطية الفروح املختلفة للرتاث ،وعجز املحتوى الثقايف عن �إبراز مدى ثراء الرتاث العربي ،والدفاع عن الهوية العربية واحل�ضارة الإ�سالمية من دون مراعاة عقلية املتلقّي العربي .كما يالحظ
�أن �أ�ساليب تقدمي الرتاث ت ّت�سم بالكال�سيكية والتقليدية وال تق ّدم عنا�رصه يف �سياق ح�ضاري و�إن�ساين ،بالإ�ضافة �إىل ق�صور يف تقدمي حمتوى الفلكولور ال�شعبي. التاريخ الرقمي :بزغ م�ؤخراً مايعرف بـ «التاريخ الرقمي» الذي يتوقع البع�ض �أن تكون له انعكا�سات وا�ضحة على جميع فروع درا�سة التاريخ .وي�شمل التاريخ الرقمي على �سبيل املثال ال احل�رص: • نظم الذكاء اال�صطناعي لتحليل م�ضمون الوثائق التاريخية. • نظم الرقمنة digitizationاملختلفة للرتاث املنطوق واملرئي ،وكذلك الرقمنة ثالثية الأبعاد للرتاث الثابت من م�آثر املعمار واملنحوتات وما �شابه. • الدعم التكنلوجي لت�سهيل عملية حتقيق م�ضمون الوثائق وترميمها �إلكرتوني ًا . • �أ�ستخدام �أ�ساليب الأر�شفة الإلكرتونية املزودة ب�آليات بحث متط ّورة على �أ�سا�س ن�صي ومو�ضوعي. ّ • بناء م�ستودعات البيانات التاريخية Data warehousesبا�ستخدام و�سائل التنظيم املعلوماتي الفائقة ، hazer organizers وو�سائل ذكية �رسيعة للت�صفّح و�رسعة النفاذ. �إعادة بناء التاريخ خائلي ًا :من ال�رضوري البدء مبكراً يف بناء مدن خائلية virtual citiesللمدن العربية والإ�سالمية، وخ�صو�ص ًا ذات الأهمية للتاريخ العربي ،وذلك با�ستخدام تكنولوجيا الواقع اخلائلي Virtual ،Realityومن �أول امل�رشوعات املقرتحة يف هذا ال�صدد م�رشوع بناء مدينة القد�س خائلي ًا. و ُيع ّد امل�رشوع مبثابة الر ّد العربي على ما فعلته �إ�رسائيل يف حديقة �ألفية «والت ديزين»، و�سي�ستخدم امل�رشوع ع ّدة تكنولوجيات من �أهمها: • تكنولوجيا الواقع اخلائلي املدعمة ببنوك ال�صور واخلرائط وما �شابه.
الف�صل اخلام�س تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي 135
تقدمي الرتاث العربي يف �سياق ح�ضاري �أ�شمل :لإبراز القيمة الإن�سانية للرتاث العربي
يجب تقدمي عنا�رصه يف ال�سياق الإن�ساين الأو�سع :ومن �أمثلة ذلك توظيف الفنون من خالل اال�ستعانة بالأعمال الأوروبية التالية: • عمل يوجني دي الكروا الفرن�سي الذي زار دول املغرب العربي ،ومن لوحاته ال�شهرية «ن�ساء من اجلزائر». • �إبداع هرني ماتي�س الفنان الفرن�سي ال�شهري ،والذي ا�ستلهم «موتيفات» الزخرفة العربية وت�سطيحاتها يف �أعماله ،وقد زار دول املغرب العربي وح�رض كثرياً من معار�ض الفن الإ�سالمي يف �أوروبا. • ا�ستخدام الفنان الت�شكيلي الربيطاين ويليام موري�س موتيفات من الفنون الإ�سالمية من �أهمها القي�شاين الرتكي وال�سجاد الفار�سي من �أجل تد�شني حركة فنية جديدة حتافظ على جمال فنون ال�صنعة اليدوية التي مل تت�أثر بربودة وميكانيكية الت�شكيل يف املجتمعات ال�صناعية ،ويف م�سعاه هذا جتاوز ويليام موري�س التجليات ال�سطحية لينفذ �إىل عمق الأ�س�س التي قام عليها الفن الإ�سالمي. • الربط بني فيثاغورث �أبي املو�سيقى الذي ال يراها �إال �أرقام ًا ،والفارابي �أول منظري علم املو�سيقى ،الذي و�ضع الأقانيم الأ�سا�سية لكيفية �إخراج ترديدات النغم. • �إقامة خرائط زمنية تربط بني اجلوامع الهامة يف املدن العربية الإ�سالمية ،والربط يف ما بينها من حيث الطراز ونوعية الزخارف و�أ�شكال امل�آذن وخمططات ال�صحون. • عر�ض الرتاث املعماري الفريد ملدينة �صنعاء («ل�ؤل�ؤة اجلزيرة العربية» كما يطلق
املعلوماتية
• �إعداد جرد كامل باملباين واملواقع يف القد�س ال�رشيف. • نظم املعلومات اجلغرافية GISوت�سجيل مواقعها قبل االحتالل الإ�رسائيلي وبعده. • تكنولوجيا توليد الأ�شكال املج�سمة ،وكذلك تلك املولدة ريا�ضي ًا (.)Fractals
عليها ال�شعراء) مب�آذنها وقبابها البي�ضاء و�أبراج بيوتها «البا�سقات» ،وميكن اال�ستعانة يف ذلك بكتاب رونالد ليوكوك وعنوانه The .Old Walled City of Sana’a • ت�أثر الفنان املجري فازاريلي ،رائد فن التجريد الهند�سي ،بالزخرفة العربية وتوليدها الأ�شكال ريا�ضي ًا با�ستخدام ح�ساب املثلثات. و ُينقل عن فازاريلي قوله � :إنني ال �أر�سم بل �أ�ضع معادلة اللوحة . • �إبراز ال�صلة بني نظريات الهند�سة اليونانية والزخرفة العربية ب�صفتها تطبيق ًا عملي ًا لهذه النظريات ،وذلك ت�أكيداً على الطابع العملي للفن الإ�سالمي. • �إبراز �إ�سهام العلماء والفال�سفة العرب ،من �أمثال ابن �سينا والكندي والفارابي و�إخوان ال�صفا وزرياب ،يف التنظري املو�سيقي وت�صميم الآالت وتدوين ال�سجالت املو�سيقية. • الربط بني ما �أورده الكندي (القرن التا�سع امليالدي) عن عالقة املو�سيقى بالألوان والروائح ومبد�أ تعادل احلوا�س لبودلري (القرن التا�سع ع�رش). • طرح العمارة الإ�سالمية يف �سياق حديث، وذلك ب�إبراز ت�أثريها على العمارة الغربية من مق�صورات امللوك �إىل جدران املطابخ، ومن �أبرز الأمثلة على ذلك ت�أثر املعماري الإيطايل ال�شهري» بيليني» Belliniيف القرن ال�ساد�س ع�رش ،وكذلك عمارة «�أنطوين جودي رائد العمارة الإ�سبانية احلديثة حيث ت�شري خطوط ت�صميماته �إىل ال�صلة الوا�ضحة بني �أبراجه القوطية املدببة وواجهاته وت�صميماته الداخلية من جهة ،والعمارة الإ�سالمية من جهة ثانية ،خ�صو�ص ًا يف عالقة العمارة بالطبيعة وكيفية ا�ستغالل ال�ضوء الطبيعي� .إن عمارة جودي الذي ُعرف بعمق تد ّينه متثّل امتداداً زمني ًا لت�أثر الغرب مب�آثر العمارة الأندل�سية ذات الطابع الديني .
من ال�رضوري البدء مبكراً يف بناء مدن خائلية virtual citiesللمدن العربية والإ�سالمية وخ�صو�ص ًا ذات الأهمية للتاريخ العربي ،وذلك با�ستخدام تكنولوجيا الواقع اخلائلي ،Virtual Realityومن �أول امل�رشوعات املقرتحة يف هذا ال�صدد م�رشوع بناء مدينة القد�س خائلياً .و�سي�ستخدم امل�رشوع ع ّدة تكنولوجيات من �أهمها: • تكنولوجيا الواقع اخلائلي املدعمة ببنوك ال�صور واخلرائط وما �شابه • �إعداد جرد كامل باملباين واملواقع يف القد�س ال�رشيف • نظم املعلومات اجلغرافية GIS وت�سجيل مواقعها قبل االحتالل الإ�رسائيلي وبعده. • تكنولوجيا توليد الأ�شكال املج�سمة، وكذلك تلك املولدة ريا�ضياً.
االهتمام بت�سجيل الفولكولور �إلكرتوني ًا: وذلك من خالل �إقامة ع ّدة مواقع على ال�شبكة مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 136للتنمية الثقافية
لت�سجيل الرتاث ال�شعبي العربي والإ�سالمي و�أر�شفته ،بحيث ت�شمل احلروف اليدوية والزجاجيات والفنون الزخرفية والفخارات وال�سجاد والن�سيج والأ�سلحة ،وكذلك الرتاث احلي كاللهجات واملمار�سات ال�شعبية وطقو�س ّ الأعياد وموالد الأولياء ،والفوازير والأهازيـج ومـا �شابه ،مع الرتكيز على ان�سجام هذه الطقو�س مع ثوابت الثقافة الإ�سالمية ،على متخ�ص�صة يف �أن ي�صاحبها �إ�صدار مو�سوعات ّ امل�أثورات ال�شعبية (مو�سوعة الأمثال العربية، مو�سوعة الألعاب ال�شعبية ،مو�سوعة احللي ال�شعبية ،مو�سوعة الأزياء العربية … �إلخ).
جتديد م�ضمون الر�سالة الثقافية العربية :بخا�صة يف ما يتعلّق بتلك الر�سائل
املوجهة �إىل املتلقي الأجنبي ،وذلك برتجمة مت �إنتاجه املحتوى الثقايف املتم ّيز الذي ّ حديث ًا ويتوا�صل �إنتاجه ،كتلك الرتجمات التي ت�صدرها مراكز الدرا�سات اال�سرتاتيجية يف الوطن العربي .والب ّد �أن تتوفر يف املعلومات املزمع ن�رشها �أو بثّها من خالل الإنرتنت ع ّدة للن�ص �أو الوثيقة مق ّومات �أ�سا�سية كي يكون ّ �صالحية للح�ضور على ال�شبكة (،)networthy و�صاحلة لل�رسيان عربها ،من �أهمها مقبولية القراءة والبحث وتوفر حلقات الت�شعب الن�صي والتنا�ص فيه؛ و�إن مل تتوفر هذه املقومات يف ما ير�سل من املعلومات يكون م�آلها �صناديق القمامة .وما �أكرث هذه املعلومات يف الإنرتنت، وهو �أمر منطقي ي ّت�سق وظاهرة الإفراط يف املعلومات التي منت معها نزعة �إ�ستهالك املعلومات ،بينما �ضمرت نزعة االحتفاظ بها.
ا�ستخدام امل�ؤ�س�سات الثقافية لتكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت
�أبرز مالمح الو�ضع الراهن يف هذا املجال تخلّف �أ�ساليب عر�ض مقتنيات املتاحف؛ وغياب التن�سيق وعدم توحيد �أ�ساليب العمل بني املكتبات العربية؛ والق�صور ال�شديد يف الكتب املرتجمة من و�إىل العربية،
وبخا�صة يف املجاالت العلمية؛ بالإ�ضافة �إىل حاجة املجامع العربية �إىل مزيد من الدعم التكنولوجي. و�ضع املكتبات عاملي ًا :املكتبات هي ـ بال �شك ـ �أهم م�ستودعات م�صادر املعرفة الالزمة للبحث العلمي والتنمية التكنولوجية واالجتماعية ،وقد ظن البع�ض خط�أ �أن الإنرتنت �ستغني عن املكتبة� ،إال �أن العالقة بينهما قد تطورت لت�أخذ طابع ًا تكاملي ًا تقوم فيه املكتبة بدور امل�ستودع مل�صادر املعرفة، يف حني تقوم الإنرتنت مبهمة ن�رش وتوزيع هذه امل�صادر ،وتوفري و�سائل العثور على املعلومات املطلوبة ،وت�صفح قوائمها browsi ،ingوالبحث يف م�ضمون وثائقها .ويف�رس ذلك ما ن�شهده اليوم من حتالفاملكتبات، وتطوير تكنولوجياتها ،وتوحيد �أ�ساليب عملها با�ستخدام بروتوكوالت قيا�سية. و�ضع املكتبات عربي ًا :ي�شكو عاملنا العربي من «ت�رشذم معلوماتي» حاد من �أبرز �شواهده تلك املعدالت املتدنية لتبادل املعلومات ما بني �أرجاء الوطن العربي، وت�شكو مكتباتنا العربية من انعزالية حادة حتى على امل�ستوى القطري ،وال تتوفر لديها الو�سائل العملية للم�شاركة يف املوارد وتوحيد �أ�ساليب ت�شغيلها ،وتبادل البيانات ما بني نظم معلوماتها ،ويرجع ذلك �أ�سا�س ًا �إىل ا�ستخدامها لأ�ساليب خمتلفة و�إتباعها لنظم غري م ّت�سقة يف �إدارتها.
«الكتالوج» املوحد اجلامع للمكتبات
العربية :كركيزة �أ�سا�سية لأن�شطتها املختلفة، تقوم كل مكتبة ببناء «كتالوجني» �أ�سا�س ّيني حل�رص وتنظيم ر�صيد مقتنياتها« :كتالوج» املو�ضوعات ،وهو عبارة عن قاعدة بيانات، ميثل وحد َة بنائها الرئي�سية �سج ٌّل لك ّل عن�رص من مقتنيات املكتبة .وكذلك «كتالوج» امل�ؤلف ويت�ض ّمن قائمة مبقتنيات املكتبة م�ص ّنفة على �أ�سا�س ا�سم امل�ؤلف الذي تندرج حتته جمموعة
الف�صل اخلام�س تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي 137
حتديث �أ�ساليب عر�ض مقتنيات املتاحف :وهو حتديث ميكن �أن يعتمد الو�سائل التالية:
• �إقامة مواقع للمتاحف العربية والإ�سالمية والربط بينها من خالل موقع مركزي يف �أحد العوا�صم العربية �أو الإ�سالمية وربطها بال�شبكة العاملية للمتاحف التابعة ملنظمة اليون�سكو. • �رضورة البدء يف بناء املتاحف الإ�سالمية با�ستخدام تقانة الو�سائط املتع ّددة لعر�ض مقتنياتها يف �سياق خلفيتها التاريخية و�أهميتها الرتاثية ،وعالقاتها بجوانب الرتاث الأخرى ذات ال�صلة� .إن �أ�سلوب الرقمنة digit � tizationسيحيل متاحف هذه الأيام «�إىل املتحف» ،ويعيد احلياة من جديد ملقتنياتها حبي�سة الرفوف واجلدران وال�صناديق الزجاجية. • ا�ستخدام امل�ساعدات ال�شخ�صية الرقمية ال�سمعية والب�رصية لتعني زائري املتاحف على التعرف �إىل املقتنيات ب�صورة �أعمق.
املعلوماتية
م�ؤلفاته على اختالف مو�ضوعاتها ،وميكن للم�ؤلف �أن يكون فرداً� ،أو جمموع ًة من الأفراد، �أو منظم ًة� ،أو م�ؤمتراً � ..إلخ .ومن �أجل حتقيق امل�شاركة يف املوارد يت ّم دمج كتالوجات املقتنيات ملجموعة من املكتبات يف هيئة «كتالوج» موحد جامع يتم بنا�ؤه وفق ًا لأ�ساليب قيا�سية موحدة ،ويهدف امل�رشوع �إىل: • بناء «الكتالوج» العربي اجلامع، الذي تندمج يف �إطاره كتالوجات املقتنيات للمكتبات العربية الرئي�سية ،على امل�ستوى القطري �أوال متهيداً لدجمها على امل�ستوى الإقليمي .ويت ّم النفاذ �إىل «الكتالوج» اجلامع من خالل �شبكة الإنرتنت. • تقليل كلفة اقتناء م�صادر املعلومات، �إذ تعجز املكتبات العربية منفردة عن توفري الت�ضخم حجم التمويل الالزم ملواجهة ّ املتزايد يف �إنتاج م�صادر املعرفة العلمية والتكنولوجية.
«�أك�شاك» املتاحف :Museum Kiosks من �أجل ن�رش الثقافة العلمية والتكنولوجية يف مناطق الريف واملناطق النائية ي�ستخدم حالي ًا ما يطلق عليه «�أك�شاك» املتاحف التي ت�ستغل تكنولوجي ًا الو�سائط املتع ّددة �أ�سا�س ًا. حتتاج �إقامة هذه الأك�شاك املتخفّية �إىل قدر كبري من االبتكار االجتماعي من �أجل تب�سيط تقدمي املعرفة العلمية-التكنولوجية وربطها بالواقع املحلي .وقد �أثبتت هذه التجربة جناح ًا كبرياً يف �إيطاليا وال�صني التي قامت ب�إن�شاء �شبكة للربط ما بني هذه الأك�شاك يف املناطق املختلفة.
دعم تكنولوجيا املعلومات مل�ؤ�س�سات الرتجمة :مازالت معظم م�ؤ�س�سات الرتجمة
العربية تعمل ب�أ�ساليب تقليدية ،يف حني ميكن لتكنولوجيا املعلومات �أن تق ّدم �أ�شكا ًال متع ّددة من الدعم ت�شمل على �سبيل املثال ال احل�رص: • ا�ستخدام ما يعرف بنظم «ذاكرة الرتجمة» التي ُتخزن بها ن�صو�ص �سبقت ترجمتها ميكن اال�ستعانة بها يف ترجمة الن�صو�ص اجلديدة من خالل �أ�ساليب ذكية لتحديد اجلمل القريبة واملت�شابهة مع اجلمل املخزنة يف ذاكرة الرتجمة. • ا�ستخدام املعاجم الإلكرتونية العامة واملتخ�ص�صة ،وكذلك معاجم املرتادفات املزودة بو�سائل ت�ساعد املرتجم على انتقاء املقابل الرتجمي وفق ًا لل�سياق . • و�سائل للتحرير الالحق Post editing لت�صويب �أخطاء الن�صو�ص املرتجمة �آلي ًا. • بناء حمطات عمل لتدريب املرتجمني املبتدئني والتي تدمج تكنولوجيا الرتجمة مع نظم التعليم والتعلّم مبعاونة احلا�سوب. • نظم �آلية لإدارة امل�رشوعات الكبرية للرتجمة التي ي�شارك فيها فريق من املرتجمني ل�ضمان االت�ساق والتوحيد� ،سواء من حيث الأ�سلوب �أم من حيث توحيد ا�ستخدام امل�صطلحات . دعم املجامع اللغوية :وذلك ب�إمدادها مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 138للتنمية الثقافية
بنظم بناء بنوك امل�صطلحات ،وذخائر الن�صو�ص املحو�سبة لتوثيق اال�ستخدام اللغوي وبناء املعاجم التاريخية.
رابع ًا :زيادة الإنتاج الفكري والعلمي �أبرز مالمح الو�ضع الراهن:
ا�ستناداً �إىل بيانات مكتب ت�سجيل براءات االخرتاع لالحتاد الأوروبي، ف�إن عدد الرباءات هو كالتايل%46 : دول �أوروبية� %37 ،أمريكا ال�شمالية، %16دول �آ�سيا ال�صناعية .وبالتايل ال يبقى للعامل العربي بالإ�ضافة �إىل �أمريكا اجلنوبية و�أفريقيا وباقي �آ�سيا غري ال�صناعية �سوى %1فقط من �إجمايل براءات االخرتاع.
• نق�ص الدرا�سات اخلا�صة بالتنمية الثقافية. • م�ؤ�رشات رقمية عديدة ت�ؤكد التدين ال�شديد للإنتاج العلمي. • انف�صال ما بني مراكز البحوث والتطوير وقطاعات الإنتاج واخلدمات. • عدم توفر بيئة م�ؤاتية لتنمية الإبداع العلمي والتكنولوجي واالجتماعي. • تعاظم دور الأبعاد الأخالقية للإنتاج العلمي والتطبيق التكنولوجي. • نق�ص الدرا�سات والبحوث يف جمال الفكر الثقايف.
�رضورة الت�صدي الحتكار املعرفة من قبل العامل املتق ّدم :على الرغم من ك ّل ما قيل
عن الإنرتنت كعامل لزيادة امل�شاركة والتبادل العلمي بني دول ال�شمال واجلنوب ،ف�إن الإح�صاءات جاءت خميبة للآمال ،وتدلّ على �أن الإنتاج العلمي �أ�صبح حمتكراً من قبل ثالث دول كربى .فا�ستناداً �إىل بيانات مكتب ت�سجيل براءات االخرتاع لالحتاد الأوروبي ،ف�إن عدد الرباءات هو كالتايل %46 :دول �أوروبية%37 ، �أمريكا ال�شمالية %16 ،دول �آ�سيا ال�صناعية. ويف املكتب الأمريكي لرباءات االخرتاع كان التوزيع كالتايل� %55 :أمريكا ال�شمالية، %28دول �آ�سيا ال�صناعية %18 ،دول �أوروبا، � %3أمريكا الالتينية. وي�صل �إ�سهام ك ّل املناطق اجلغرافية املتبقية �إىل %1.5من �إجمايل عدد براءات االخرتاع العاملية.
الفر�ص املتاحة يف جمال الإنتاج العلمي :وفّرت تكنولوجيا املعلومات
واالت�صاالت فر�ص ًا عديدة لزيادة الإ�سهام العربي يف الإنتاج العلمي نذكر يف ما يلي �أهمها: • عودة �إىل العلم ال�صغري� :أفرزت تكنولوجيا ال�صناعة ـ �ضمن ما �أفرزته من تنظيمات كبريةـ م�ؤ�س�سات العلم ال�ضخم ،وحت ّولت معامل �إنتاج العلم �إىل ما ي�شبه امل�صانع ،فيما يلوح يف الأفق حالي ًا حت ّول جذري يف هذا التوجه ميكن �أن نعتربه مبثابة عودة �إىل الكيانات ال�صغرية لإنتاج العلم� ،أو ما �أطلق عليه البع�ض م�صطلح «العلم الدميوقراطي»� .إن امل�ؤ�س�سة العلمية ال�ضخمة ذات الطابع املركزي وليدة ع�رص ال�صناعة يكاد ي�أفل جنمها لتح ّل حملها �شبكات �إنتاج العلم الالمركزية املوزعة ،القائمة ـ �أ�سا�س ًا ـ على املبدع العلمي �أو التكنولوجي .يف حني �أن �إجنازات علمية �ضخمة يف البيولوجيا املخ ،والبيئة وعلم املناعة وعلوم وف�سيولوجيا ّ متت على يد جمموعات �صغرية من الفلك ،قد ّ العلماء جمعوا بني ج�سارة العقل ،و�رسعة حب العلم وخدمته. الفعل ،والتفاين يف ّ • املعلومات ب�صفتها ركيزة �أ�سا�سية للبحث العلمي :العلم يف تطوره ي�صبو نحو الليونة حتى كاد البحث العلمي يتح ّول ،يف كثري من الأحيان� ،إىل بحث عن املعلومات؛ فت�سل�سالت اجلينات وتركيبات الربوتينيات ـ على �سبيل املثال ـ هي يف الأ�صل عملية تنقيب عن املعرفة يف مناجم البيانات اجلينومية ال�ضخمة ،وقد امتدت هذه النزعة املعلوماتية للبحث العلمي من البيولوجي احلديث �إىل فروع علمية �أخرى كعلوم البيئة والفلك والباثولوجيا الكلينيكية ،ناهيك بالدرا�سات املقارنة يف الل�سانيات ويف كثري من العلوم الإن�سانية واالجتماعية ،وال �شك �أن النزعة املعلوماتية للبحث العلمي هي يف �صالح الباحثني العرب �رشيطة توفر املهارات الأ�سا�سية للتعامل مع موارد املعلومات العلمية ،وهو لي�س بالأمر الع�سري. • وفرة موارد املعلومات العلمية :لقد كان الباحثون العرب يف ما م�ضى ي�شكون من
الف�صل اخلام�س تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي 139
«�أيكولوجيا» جديدة لإنتاج العلم والتكنولوجيا :يتطلّب التح ّول من اقت�صاد
املعلوماتية
�صعوبة احل�صول على م�صادر املعرفة ،وعدم توفر املراجع ،وها هي الإنرتنت ت�سهم يف ح ّل هذه امل�شكلة ب�شكل جذري� ،إال �أنه يجب التنويه هنا �إىل الفرق ال�شديد بني احل�صول على املعلومات ،وا�ستخال�ص املعرفة من خ�ضم حميطاتها ال�شا�سعة عرب الإنرتنت� .إن على الباحث العربي �أن يكت�سب عدة مهارات م�ستجدة مما ميكن �أن ن�سميه «مهارات ما بعد املعلومات ،»post-informaticaونق�صد بذلك القدرة على جتميع املعرفة من �شظايا املعلومات املتناثرة عرب ال�شبكة. • امل�شاركة العلمية عن بعد :ي�شكو كثري من طلبة الدرا�سات العليا لدينا من عدم وجود �أ�ساتذة م�رشفني يف التخ�ص�صات العلمية احلديثة ،و�إن توفر ذلك فعادة ما تكون ال�شكوى من االن�شغال ال�شديد له�ؤالء الأ�ساتذة مبا ال يتيح وقت ًا كافي ًا للإ�رشاف العلمي ،خ�صو�ص ًا على م�ستوى املاج�ستري ،حيث الباحث �أحوج ما يكون للتوجيه� ،سواء من حيث املو�ضوع �أم املنهج .تتيح الإنرتنت فر�ص ًا عديدة للإ�رشاف العلمي من خالل التوا�صل عرب ال�شبكة والتلمذة عن ُبعد. • زيادة الطلب على العلم :نتيجة للتوجه نحو اقت�صاد املعرفة �سيتزايد الطلب على العلم مبا يفوق قدرة الدول املتقدمة على �إنتاجه ،والدليل على ذلك زيادة نهم هذه الدول الجتذاب نخبة عقول الدول النامية ،ويتوازى ذلك مع تنامي التوجه الثقايف االجتماعي لتطبيقات تكنولوجيا املعلومات ،الأمر الذي �سيرتتب عليه زيادة الطلب على العلم الذي يتناول ال�ش�أن املحلي :الثقايف واالجتماعي، لي�صب يف تيار اقت�صاد العوملة. ّ • انف�صال املعريف عن التكنولوجي :من �أهم ما مي ّيز منتجات اقت�صاد املعرفة عن غريها هو �إمكانية ف�صل ال�شقّ املعريف عن ال�شقّ التكنولوجي ،وهناك من ال�شواهد التي ت�شجع على القول ب�أن كلفة �إنتاج املعرفة ّ �ستق ّل بف�ضل تكنولوجيا املعلومات ،على عك�س ما يحدث حالي ًا بالن�سبة الرتفاع كلفة
ال�شقّ التكنولوجي لتحويل هذه املعرفة �إىل منتجات فعلية .وبذلك يعطي انف�صال املعريف عن التكنولوجي فر�صة للعلماء واملهند�سني العرب كي ي�سهموا معرفي ًا من دون �أن ين�شغلوا باجلانب التكنولوجي ،فيمكن ـ على �سبيل املثال ـ ت�صميم الدوائر الإلكرتونية لل�رشائح ال�سيليكونية وتكليف م�سابك ت�صنيع هذه ال�رشائح ب�إنتاج الت�صميمات يف �صورتها املادية.
ي�شكو الكثري من طلبة الدرا�سات العليا لدينا من عدم وجود �أ�ساتذة م�رشفني يف التخ�ص�صات العلمية احلديثة ،و�إن توفر ذلك فعادة ما تكون ال�شكوى من االن�شغال ال�شديد له�ؤالء الأ�ساتذة مبا ال يتيح وقت ًا كافي ًا للإ�رشاف العلمي ،خ�صو�ص ًا على م�ستوى املاج�ستري ،حيث الباحث �أحوج ما يكون للتوجيه، �سواء من حيث املو�ضوع �أم املنهج.
ال�صناعة �إىل اقت�صاد املعرفة «�أيكولوجيا» مغايرة لإقامة املن�ش�آت االقت�صادية .بعد �أن �أ�ضحت �سابقتها غري مالئمة �إن مل تكن منافية لطبيعة املنتج املعريف ت�صميم ًا وتطويراً و�إنتاج ًا وت�سويق ًا ومتوي ًال .لقد قام منوذج ؤ�س�سون ع�رص ال�صناعة على مبد�أ �أن يرعى امل� ّ املن�ش�أة االقت�صادية عرب دورة حياتها الكاملة، متر بها بدءاً من الفكرة و�أعمال البحوث التي ّ والتطوير وانتها ًء بالإنتاج والدفع باملنتجات �إىل الأ�سواق ،وما يتبع ذلك من توفري م�صادر التمويل ملداومة النم ّو حتى تبلغ املن�ش�أة درجة من �أهم ما مي ّيز منتجات اقت�صاد من الن�ضوج ت�ؤهلها الجتذاب م�ستثمرين جدد، املعرفة عن غريها هو �إمكانية ف�صل �أو طرحها يف االكتتاب العام.
ومن �أهم العوامل وراء ظهور احلاجة �إىل �أيكولوجيا مغايرة القت�صاد املعرفة:
• ارتفاع حجم املخاطرة يف اقت�صاد املعرفة نظراً لطبيعة املعرفة ذاتها ،وق�رص عمر املنتج املعريف ،فهو عر�ضه للفناء ولأن تلفظه الأ�سواق بظهور فكرة �أو توجه معريف جديد، �أو با�ستحداث نظام تكنولوجي �أكرث تقدم ًا، خ�صو�ص ًا يف �سوق ت ّت�سم مبناف�سة �رش�سة حملي ًا و�إقليمي ًا وعاملي ًا. • الطابع االبتكاري ،والذي يتطلب �رسعة اقتنا�ص الفر�ص املتاحة ومواكبة الإيقاع املت�سارع للتطور العلمي والتكنولوجي. • عامل ال�رسعة يف اقتحام الأ�سواق ،وهو
ال�شقّ املعريف عن ال�شقّ التكنولوجي، ت�شجع وهناك من ال�شواهد التي ّ على القول ب�أن كلفة �إنتاج املعرفة �ستق ّل بف�ضل تكنولوجيا املعلومات، على عك�س ما يحدث حالي ًا بالن�سبة الرتفاع كلفة ال�شقّ التكنولوجي لتحويل هذه املعرفة �إىل منتجات فعلية .وبذلك يعطي انف�صال املعريف عن التكنولوجي فر�صة للعلماء واملهند�سني العرب كي ي�سهموا معرفي ًا من دون �أن ين�شغلوا باجلانب التكنولوجي ،فيمكن ـ على �سبيل املثال ـ ت�صميم الدوائر الإلكرتونية لل�رشائح ال�سيليكونية وتكليف م�سابك ت�صنيع هذه ال�رشائح ب�إنتاج الت�صميمات يف �صورتها املادية. مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 140للتنمية الثقافية
اجلامعات العربية ال تتوفر لها البيئة املالئمة لإقامة تنظيمات مبتكرة ومرنة ،جتمع بني الأكادميي والت�سويقي من جانب ،والنظري والتطبيقي من جانب �آخر .ولي�س �رساً �أن جامعاتنا ت�شكو من انعزالية �شديدة تف�صل بينها وبني قطاعات الإنتاج واخلدمات .وال �شك �أن احلا�ضنات� ،إن جنحنا يف زرعها يف تربتنا الأكادميية� ،سوف ت�سهم يف توثيق العالقة بينهما ،ويتطلّب ذلك من اجلامعات العربية �أن تويل اهتمام ًا يف براجمها ،بتنمية مهارات طلبتها وطالباتها يف �إن�شاء الأعمال و�إك�سابهم القدرة على ت�سويق �أفكارهم و�إدارة م�شاريع تطويرها املرت�سخة عن وتغيري الذهنية ّ الالربحية ،بحيث ال تقف حجر عرثة �أمام �إقامة تنظيمات �شبه ربحية، ال تتعار�ض مع ر�سالتها الأكادميية والوفاء بواجباتها جتاه طلبتها.
ما ال توفّره تنظيمات ال�رشكات الكبرية ذات التنظيمات ال�ضخمة التي يعوق ثقل ق�صورها الذاتي �رسعة التجاوب مع ديناميات التطور التكنولوجي وتقلبات �أ�سواقه. • انف�صال ال�شقّ املعريف عن التكنولوجي الذي ي�سمح بانف�صال �أعمال الت�صميم عن عمليات الت�صنيع ومن ثم ظهور �أ�ساليب مغايرة لتوزيع العمل بني امل�شاركني يف �إخراج املنتجات �إىل حيز الوجود. • تغري العالقة بني العر�ض والطلب بعد �أن �أ�صبح توفّر الطلب االجتماعي هو العامل احلاكم يف منتجات اقت�صاد املعرفة ،وهو الأمر الذي يتطلّب بع�ض ال�ضمانات قبل ال�رشوع يف �إقامة من�ش�آت الت�صنيع النهائي �أو تقدمي اخلدمات.
ثالثية احلا�ضنات واملحميات ومراكز مت يف دول نامية وبازغة، التميز� :أ�سوة مبا ّ
ُيقرتح تبني ثالثية احلا�ضنات واملجمعات التكنولوجية ومراكز التم ّيز. • احلا�ضنات :ويقرتح بنا�ؤها يف كنف اجلامعات ب�صفتها رائدة ركب جمتمع املعرفة، و�ستظ ّل اجلامعات هي �أف�ضل البيئات لتفريخ رواد �إن�شاء �أعمال entrepreneursعرب مبوا�صفات اقت�صاد املعرفة ،وتلزم الإ�شارة هنا �إىل �أن احلا�ضنات التي ترعاها امل� ّؤ�س�سات الأكادميية يف البلدان املتقدمة تقدر ن�سبتها التوجه ُيع ّد �أكرث مالءمة بـ %25فقط� ،إال �أن هذا ّ للدول النامية ،والدول العربية ب�صفة خا�صة، حيث اجلامعات ـ بحكم طبيعتها ـ �أكرث دراية مبا يجري على �صعيد اقت�صاد املعرفة .وتقوم احلا�ضنات مب�شاريع �إي�ضاحية pilot projects لإثبات وجاهة الفكرة علمي ًا وواقعيتها عملي ًا، مبا ير�شّ حها ملزيد من جهود البحوث والتطوير لتحويلها �إىل مناذج �أولية� ،أو ن�صف م�صنعة، تتكفّل بها املجمعات التكنولوجية. وهناك عائق رئي�سي يف هذا ال�صدد هو �أن اجلامعات العربية ال تتوفر لها البيئة املالئمة لإقامة تنظيمات مبتكرة ومرنة،
جتمع بني الأكادميي والت�سويقي من جانب، والنظري والتطبيقي من جانب �آخر .ولي�س �رساً �أن جامعاتنا ت�شكو من انعزالية �شديدة تف�صل بينها وبني قطاعات الإنتاج واخلدمات .وال �شك �أن احلا�ضنات� ،إن جنحنا يف زرعها يف تربتنا الأكادميية� ،سوف ت�سهم يف توثيق العالقة بينهما ،ويتطلّب ذلك من اجلامعات العربية �أن تويل اهتمام ًا يف براجمها بتنمية مهارات طلبتها وطالباتها يف �إن�شاء الأعمال ،وتو�سيع معارفهم خارج النطاق الأكادميي النمطي، و�إك�سابهم القدرة على ت�سويق �أفكارهم و�إدارة م�شاريع تطويرها ،ويتوازى مع ذلك �رضورة توجيه البحوث اجلامعية نحو م�سائل واقعية بد ًال من هذا الركام الهزيل لر�سائل املاج�ستري املرت�سخة عن والدكتوراه ،وتغيري الذهنية ّ الالربحية بحيث ال تقف حجر عرثة �أمام �إقامة تنظيمات �شبه ربحية ،ال تتعار�ض مع ر�سالتها الأكادميية والوفاء بواجباتها جتاه طلبتها. • املجمعات التكنولوجية� :أقام بع�ض الدول العربية جممعات تكنولوجية يف جمال تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت (مدينة الإنرتنت بدبي ،القرية الذكية يف م�رص ،قرية املعرفة يف عمان ،وجممع «غزالة التكنولوجي» يف تون�س) ،وقد احتلت ق�سم ًا كبرياً منها املكاتب املمثلة لل�رشكات املتع ّددة اجلن�سية، وهو �سالح ذو حدين ،يزيد من �إطّ الع هذه ال�رشكات على مطالب امل�ستخدم املحلي من جانب ،ويزيد من قدرتها ـ يف الوقت ذاته ـ على اخرتاق م�شاريع التنمية املعلوماتية وتوجيهها وفق ًا لهواها من جانب �آخر .وتق ّدم احلا�ضنات �إىل املجمعات ح�صاد جتاربها يف تطوير م�شاريعها الإي�ضاحية ومناذجها الأولية ،ويف املقابل تغذي املجمعات احلا�ضنات اجلامعية مب�شكالت تتطلّب البحث عن حلول مبتكرة لها. • مراكز التميز� :أ�صبحت �إقامة مراكز التم ّيز �ضمن التوجهات الرئي�سية للإ�رساع يف حركة التنمية العلمية التكنولوجية ،وتدين الهند يف ما ت�شهده حالي ًا من تق ّدم علمي وتكنولوجي� ،إىل وجود العديد من مراكز التم ّيز
الف�صل اخلام�س تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي 141
التخ�ص�صي) البيني (عرب التفكري ّ ّ وتنمية الدرا�سات يف جمال الإن�سانيات:
لقد ولىّ ع�رص الب�ساطة بعد �أن بات املجتمع الإن�ساين يواجه العديد من الإ�شكاليات املعقدة واملتفاقمة ،يحتاج تو�صيفها ،ومن ثم اقرتاح احللول لها� ،إىل تداخل التخ�ص�صات املعرفية وتع ّددها ،inter & multi-disciplinaryوما املخ �إىل درا�سة اخللية، �أكرث الأمثلة من درا�سة ّ ومن درا�سة الأ�سواق �إىل درا�سة الظواهر البيئية، ومن �إ�شكالية الرتبية �إىل �إ�شكالية اللغة ،ومن ظواهر العوملة �إىل �سلوك اجلماعات املحلية. التخ�ص�صي يف علم ما تر�سخ التوجه ّ لقد ّ قبل النقلة املعلوماتية �إىل ح ّد جعل احلوار بني العلوم من ال�صعوبة مبكان ،وال ميكن �إنكار التخ�ص�ص على تقدم املعرفة الإن�سانية ف�ضل ّ امل�ضي يف م�سارات لكن الأمر مل يعد يتح ّمل ّ التخ�ص�ص املت�شعبة ،والتي تزداد �ضيق ًا يوم ًا بعد يوم ،من دون وقفة يبحث فيها العلم عن
املعلوماتية
ويت ّم حتديد هذه املراكز يف �إطار ا�سرتاتيجية للتنمية العلمية والتكنولوجية تتب ّنى ما يعرف بالنموذج الريادي االنتقائي ،من �أجل حتقيق ريادة عاملية يف جماالت علمية وتكنولوجية معينة ،يت ّم انتقا�ؤها بعناية من منظور تطوير القدرات الذاتية وتوطني التكنولوجيا يف الرتبة املحلية ،وذلك وفق ًا لعدة عوامل ت�شمل :توفر املوارد الطبيعية والكتل احلرجة من املوارد الب�رشية ،وفر�ص احل�صول على املعلومات العلمية والتكنولوجية الالزمة ،وتوفّر الطلب املتوقع على املنتجات واخلدمات امل�ستهدفة. والأهم من هذا وذاك� ،أن ت�ست�رشف هذه اال�سرتاتيجية التوجهات املرتقبة للتطور العلمي -التكنولوجي يف �إطار ت�صور وا�ضح لغايات التنمية املجتمعية ال�شاملة. ترتبط مراكز التميز ب�شبكة احلا�ضنات يف اجلامعات من خالل م�شاريع البحوث امل�شرتكة، وتق ّدم املجمعات التكنولوجية دعم ًا لهذه املراكز مقابل الفر�ص التي تتيحها لها القتناء املعرفة اجلديدة يف جماالت تخ�ص�صها.
موقف و�سط يوازن بني عمق التخ�ص�ص ر�أ�سي ًا و�شمولية التو�سع املعريف �أفقي ًا .وهكذا ظهرت �أهمية العلوم البيئية ،التي مل تعد ترف ًا �أكادميي ًا، بل �رضورة تفر�ضها طبيعة امل�شكالت التي يواجهها عامل اليوم. جتاوب ًا مع هذا التوجه ،ظهرت فروع علمية بين ّية جتمع بني فرعني معرف ّيني من قبيل ما حتقق على جبهة تكنولوجيا املعلومات مثل :البيولوجيا املعلوماتية والل�سانيات احلا�سوبية وحو�سبة فيزياء الكوانتم ،و�أخرى ما فوق تخ�ص�صية ،قادرة على اخرتاق احلواجز الفا�صلة بني فروع العلوم والفنون ،مثل نظريات املعلومات والنظرية العامة للنظم ونظرية الفو�ضى ونظرية التعقد. البيني عربي ًا :يغيب �أهمية التفكري ّ عن ال�ساحة الأكادميية العربية مفهوم تعدد التخ�ص�صات املعرفية وتداخلها ،وما زال كثري ّ من العلماء واملفكرين واملهنيني العرب �أ�رسى التخ�ص�صي ،و ُيع ّد هذا من الأ�سباب االنغالق ّ الرئي�سية يف �ضعف القدرة على الت�صدي ملعظم امل�شكالت التي تعاين منها املجتمعات العربية ،والتي �أ�صبحت ت�ستع�صي يف كثري من الأحيان على احللول امل�ستوردة التي غالب ًا ما تغفل عن االعتبارات املحلية ،واالجتماعية والثقافية .يفر�ض هذا �رضورة �إقامة �أق�سام تخ�ص�صية يف اجلامعات العربية ،والعمل بنيّ - على بلورة لغة موحدة ومت�سقة للتوا�صل داخل كل جمال معريف متخ�ص�ص من خالل دفع جهود العمل امل�صطلحي .من زاوية �أخرى ،ف�إن تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت تلعب دوراً �أ�سا�سي ًا يف الربط بني التخ�ص�صات املختلفة، الأمر الذي يق�ضي باعتبارها مدخ ًال هام ًا لزرع نواة الفكر البيني والتع ّددي يف رحاب الأكادميية العربية.
تعاظم الأبعاد الأخالقية ال�ستخدام التكنولوجيا� :أفرزت تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت مت�ضافر ًة مع التكنولوجيا
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 142للتنمية الثقافية
البيولوجية� ،أجنا�س ًا �أخالقية م�ستحدثة من قبيل �أخالقيات الإنرتنت و�أخالقيات الإعالم و�أخالقيات الهند�سة الوراثية .لقد ولىّ �إىل الأبد ع�رص الب�ساطة يف تناول امل�سائل املتعلقة بالقيم ،فمعظم الق�ضايا التي تثريها هذه الأخالقيات امل�ستج ّدة ذات طابع خاليف، بعد �أن اقرتبت التكنولوجيا من املناطق ملخ الإن�سان وج�سده ،وبعد �أن نفذت احلميمية ّ �إىل �صلب الكيان املجتمعي مولّد ًة فجوات وطبقيات جديدة ،ته ّدد بيئته وا�ستقراره ،لقد حدا ذلك بالبع�ض لأن يطالب ب�رضورة اعتبار التكنولوجيا فرع ًا من فل�سفة الأخالق ال من العلم. اجلمع بني الإلزام وااللتزام :لن ينح�رص يخ�ص �أخالقيات ع�رص املعلومات الأمر يف ما ّ يف نوعية القيم ،بل كذلك ـ وهو الأهم ـ يف �أ�سلوب فر�ض هذه القيم و�إ�شاعتها ،فلم يعد جمدي ًا ما كان �ساري ًا يف ع�رص تكنولوجيا ال�صناعة ،الذي �صاغ الأخالق يف �صورة قوانني وت�رشيعات .لقد ولىّ ع�رص حرا�سة البوابات الأخالقية ،و�أ�صبحت م�س�ألة الأخالق ت�شغل منطقة و�سطى بني االجتماعي ذي طابع الإلزام والنف�سي ذي طابع االلتزام. يتطلّب الأمر مراجعة �شاملة ملنظومة القيم العربية من منظور ع�رص املعلومات ،من دون امل�سا�س بالثوابت منها ،وعدم الت� ّرسع يف افتعال اخل�صومة مع بع�ض منها ،وذلك من خالل التمحي�ص الدقيق ملوا�ضع التما�س والتداخل� ،إ�ضافة �إىل ا�ستحداث و�سائل مبتكرة لإ�شاعة هذه القيم يف بيئة املجتمعات العربية. وكمثال على ما نق�صده هنا ،فقد ظهرت منذ فرتة �آراء مت�رسعة ب�صدد قيم حماية امللكية الفكرية كادت ت�صل �إىل ح ّد رف�ض املفهوم على �أ�سا�س من تف�سري ديني خاطئ قد غفل يقين ًا ع ّما يبديه الدين الإ�سالمي من تقدير للفكر والعلماء .متثّل قيم حماية امللكية الفكرية منوذج ًا عملي ًا لتطبيق مبد�أ الإلزام وااللتزام، ويف هذا ال�صدد ،وفّرت تكنولوجيا املعلومات
واالت�صاالت نظم ًا �آلية الكت�شاف ال�رسقات العلمية يف اللغات الأجنبية ،يحتاج �إليها تطوير نظم عربية مناظرة.
خام�س ًا :تنمية مك ّون اللغة يف ثقافة ع�رص املعلومات �أبرز مالمح الو�ضع الراهن:
• هناك ن�سبة غري قليلة من املواقع الثقافية العربية تظهر �إهما ًال وا�ضح ًا للّغة العربية وال تبدي �أي اعتزاز باللغة كوعاء للثقافة. • مل تك�شف مواقع املجامع اللغوية العربية عن وجود االهتمام الواجب ببحوث التنظري اللغوي واملعجمي. • لوحظ ندرة �أو عدم وجود ذخائر ن�صو�ص حمو�سبة للّغة العربية بهذه املواقع والتي تع ّد مقوم ًا �أ�سا�سي ًا للتنظري الّلغوي واملعجمي وبناء املعاجم. متت ترجمة هذه املالمح �إىل عدد من وقد ّ التوجهات امل�ستقبلية من املنطلقات وامل�شاريع املقرتحة لتنمية ركن مك ّون اللغة.
�أهمية اللغة يف ثقافة ع�رص املعلومات
تعاظم دور اللغة يف ع�رص املعلومات:
�أ�صبحت الثقافة حمور منظومة التنمية ،واللغة ـ بدورها ـ احتلّت موقع القلب من منظومة الثقافة ،فهي ترتبط بعالقات وثيقة مع جميع الفروع الثقافة الأخرى من دون ا�ستثناء :تربي ًة و�إعالم ًا و�إبداع ًا وفكراً وتراث ًا ،ناهيكم بعالقتها الع�ضوية مع منظومة القيم واملعتقدات. املدخل اللغوي للتكت ّل الإقليمي: �صاحب انت�شار العوملة تنامي نزعة التكتل الإقليمي ،ومل يكن ذلك ملجرد املحافظة على الهويات القومية واخل�صو�صيات الثقافية ،بل حتركه دوافع اقت�صادية و�سيا�سية و�أمنية يف املقام الأول ،ومن �أمثلة هذا التكتل م�سعى �أملانيا �إىل �إقامة حلف لغوي �أملاين يجمع بينها وبني النم�سا و�سوي�رسا .وملجموعة الدول الإ�سكندنافية م�شاريع م�شابهة للتكت ّل
الف�صل اخلام�س تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي 143
�أهمية اللغة معرفي ًا :تتبو�أ اللغة موقع ًا بارزاً على خريطة املعرفة الإن�سانية ال�شاملة، يزداد ثق ًال يوم ًا بعد يوم .وتنفرد اللغة بكونها املجال املعريف الوحيد الذي يرتبط بعالقات وثيقة مع فروع املعرفة كافة :الفل�سفة وعلم الإن�سانيات وعلوم الطبيعيات ،وكذلك مع الفنون ب�أنواعها .وقد �أقامت اللغة ،م�ؤخراً، عالقة وطيدة مع الهند�سة؛ وذلك من خالل هند�سة الذكاء اال�صطناعي وهند�سة املعرفة. �أهمية اللغة �إبداعي ًا :اللغة هي الن�سق الرمزي العام الذي ُيع ّد ك�أ�سا�س لتمثيل �أجنا�س الفنون ،فهناك لغة الت�شكيل ولغة املو�سيقى ولغة امل�رسح بل لغة فنون الأداء احلركي، وتعترب فنون اللغة من �أدب و�شعر �أبرز جوانب �إبداعنا الثقايف بال منازع. �أهمية اللغة تكنولوجي ًا :يتعاظم دور اللغة يف منظومة تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت ،ومعظم التطبيقات احلالية من برجميات تن�سيق الكلمات وبناء قواعد البيانات وحمركات البحث يف الإنرتنت ،وذلك على �سبيل ّ املثال ال احل�رص ،هي يف جوهرها تطبيقات لغوية� .أما التطبيقات املتقدمة التي تعتمد على الذكاء اال�صطناعي من قبيل الرتجمة الآلية ومتييز وفهم الكالم �آلي ًا ،ونظم اال�ستخال�ص والتلخي�ص الآيل وت�صنيف الوثائق الإلكرتونية تلقائي ًا فتعتمد على اللغة ب�صورة �أعمق و�أ�شمل، حيث متثل الل�سانيات احلا�سوبية �أهم جماالت الذكاء اال�صطناعي الذي يقوم �أ�ص ًال على حماكاة الوظائف اللغوية للذهن.
توجهات م�ستقبلية للّغة يف ع�رص املعلومات من منظور عربي
املعلوماتية
اللغوي .وعلى م�ستوى ما فوق الإقليمي ي�سود ال�ساحة اجليومعلوماتية ـ حالي ًا ـ ن�شاط متزايد لإحياء التحالفات اللغوية مث ًل «الأجنلوفونية» و»الفرانكفونية» و»الإ�سبانوفونية».
اللغة منظومة قوامها ثالثية النحو (نظام القواعد) واملعجم وا�ستخدام اللغة ممث ًال يف ن�صو�صها �أ�سا�س ًا ،وتكمن توجهات منظومة اللغة يف ع�رص املعلومات انطالق ًا من هذه الثالثية يف ما يلي: التنظري اللغوي من التحليل �إىل التوليد: كان التنظري اللغوي يف البداية حتليلي ًا ،يعتمد على جتميع حاالت الأطراد وال�شذوذ ،لذا فقد عجز هذا التوجه التنظريي عن تناول �أهم خا�صية يف �إ�شكالية اللغة� ،أال وهي النهائية التوليد اللغوي ،ويق�صد بها قدرة الناطقني باللغة على توليد عدد غري حمدود من التعبريات اللغوية ،ومن ثم ،فمهما زادت �أمثلة الأطراد وال�شذوذ ال ميكن لها �أن تغطي جميع احتماالت الرتاكيب اللغوية التي ت�سمح بها لغة ما .لقد مثّل ذلك عقبة �أ�سا�سية لتوليد التعبريات اللغوية مت التغلّب على وحتليلها (�إعرابها) حا�سوبي ًا و ّ هذه العقبة بعد �أن �أ�صبح يف الإمكان �صياغة قواعد اللغة يف �صورة ريا�ضية ميكن من خاللها توليد الرتاكيب اللغوية ال�سليمة كافة، التي تتيحها لغة ما ،وذلك بف�ضل عمومية التمثيل الريا�ضي نظراً العتماده على الرموز والعالقات املجردة ال على الكلمات والعالقات املح�سو�سة التي تربط بينها .وهكذا فتح التوجه التوليدي الباب على م�رصاعيه �أمام �إقامة مناذج لغوية متعددة �أ�سهم يف و�ضعها لغو ّيون ومناطقة وحا�سب ّيون. املنظور العربي :ما زال التنظري للّغة العربية حتلي ًال يف �سمته الغالب ،يعتمد على جتميع حاالت الأطراد وال�شذوذ ،ومل يواكب الفكر اللغوي العربي ثورة علم اللغة التي تفجرت منذ ما يزيد عن ن�صف قرن والتي �أفرزت ،انطالق ًا من النهج التوليدي ،ما يزيد عن �أثني ع�رش منوذج ًا لتمثيل الظاهرة اللغوية وتف�سريها ،ومل يطبق منها على اللغة العربية �إال عدداً حمدوداً وعلى �أجزاء حمدودة للغاية من الف�ضاء التنظريي للّغة العربية ،ورمبا ُي�ستثنى مت و�ضعه بتغطية من ذلك منوذج ريا�ضي ّ �شبه مكتملة لنحو العربية� ،أثبت جدارته بعد
�صاحب انت�شار العوملة تنامي نزعة التكتل الإقليمي ،ومل يكن ذلك ملجرد املحافظة على الهويات القومية واخل�صو�صيات الثقافية ،بل حتركه دوافع اقت�صادية و�سيا�سية و�أمنية يف املقام الأول ،ومن �أمثلة هذا التكتل م�سعى �أملانيا �إىل �إقامة حلف لغوي �أملاين يجمع بينها وبني النم�سا و�سوي�رسا .وملجموعة الدول الإ�سكندنافية م�شاريع م�شابهة للتكت ّل اللغوي.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 144للتنمية الثقافية
نظام لإعراب اجلمل العربية تطبيقه يف تطوير ٍ وت�شكيلها تلقائي ًا.
حو�سبة اللغة من ظاهر الن�صو�ص �إىل عمق معناها :ي�شهد حالي ًا جمال معاجلة
مل ي�رشع �أحد يف بناء معاجم عربية على �أ�سا�س املفاهيم ال الألفاظ ،وكما هو معروف ميثل «املفهوم» الوحدة الأ�سا�سية لبناء املعرفة وثيقة ال�صلة باملعنى.
الن�صو�ص �آلي ًا (حا�سوبي ًا) نقلة نوعية حا�سمة، من التعامل مع ظاهر الألفاظ و�سطحية البنى الرتكيبية� ،إىل عمق معاين الألفاظ واجلمل والعالقات املنطقية وال�سياقية التي تربط بينها ،وذلك توطئة �إىل تطوير نظم �آلية لفهم الن�صو�ص وحتليل م�ضمونها ب�صورة تلقائية. �إن الهدف من وراء ذلك هو الت�صدي للإِ�شكالية الأ�سا�سية التي يعاين منها اجليل احلايل للإنرتنت ،الذي يتعامل مع ظاهر الن�صو�ص، حمركات البحث يف الويب وهو ما جعل ّ عاجزة عن مواجهة م�شكلة حمل املعلومات الزائد ،information overloadحيث تقذف املحركات طالب املعلومة بك ّم هائل هذه ّ من الوثائق الإلكرتونية يثبت يف ما بعد �أن معظمها لي�س له مغزى بالن�سبة للمق�صود من طلب البحث ،وهو ما �أطلق عليه البع�ض «�ضو�ضاء الإنرتنت» ،من �أجل التغلب على هذه امل�شكلة املحورية املتفاقمة .يقوم جيل الإنرتنت الثاين على تكنولوجيا «الويب الداليل »Semantic Webالتي تتعامل مع امل�ضمون الداليل للن�صو�ص ولي�س مع ظاهرها وهذه النقلة النوعية احلا�سمة يف معاجلة الن�صو�ص حمركات بحث ذكية �آلي ًا �سوف مت ّهد لتطوير ّ �أكرث قدرة على انتقاء الوثائق الإلكرتونية ذات املغزى ا�ستناداً �إىل فحواها. املنظور العربي :لقد م ّهد توفّر نظام الإعراب الآيل ،ال�سابق الإ�شارة �إليه ،لإمكانية حلاق اللغة العربية باملوجة الثانية ملعاجلة اللغات الإن�سانية �آلي ًا ،التي تتعامل مع الن�صو�ص داللي ًا ،بيد �أن اجلهود توقفت يف هذا ال�صدد ،خ�صو�ص ًا �أن العربية تفتقر �إىل عنا�رص البنى التحتية الالزمة ملواكبة الويب الداليل ،والتي ت�شمل البحوث اخلا�صة بدرا�سة املعنى اللغوي ،وحتويل البنى الرتكيبية �إىل
مت يف ال�صيغ املنطقية املناظرة لها �أ�سوة مبا ّ اللغات الأخرى مثل الإجنليزية و الفرن�سية . �إ�ضافة ملا �سبق ،مل ي�رشع �أحد يف بناء معاجم عربية على �أ�سا�س املفاهيم ال الألفاظ ،وكما هو معروف ميثل «املفهوم» الوحدة الأ�سا�سية لبناء املعرفة وثيقة ال�صلة باملعنى. من جانب �آخر ،ما زال نحو العربية �أ�سري وحدة اجلملة ،ال يتجاوزها �إىل الوحدات اللغوية الأكرب ،مثل الفقرة وال�رسد املت�صل ،وهو ما ُيع ّد مطلب ًا �أ�سا�سي ًا لالنتقال من البالغة التقليدية القائمة على ثالثية املعاين والبيان والبديع �إىل البالغة اجلديدة �أو ما يعرف ا�صطالح ًا بـ «علم الن�ص» �أو «حتليل اخلطاب discourse .»analysis املعجمية من ال�صنعة �إىل العلم الدقيق: ان�صب الرتكيز على �صنعة حتى وقت قريب، ّ املعاجم ،lexicographyالتي تتعامل مع املعجم على �أنه قائمة من املفردات ومعانيها يت ّم تنظيمها يف �سل�سلة من املدخالت املعجمية. ونظراً لتعاظم دور املعجم نظري ًا وتطبيقي ًا يف يخ�ص معاجلة اللغات الإن�سانية �آلي ًا ،ي�صبو ما ّ ً �أهل املعجم حاليا �إىل االرتقاء به من �صنعة املعاجم �إىل م�صاف العلوم الدقيقة يف ما يعرف بـ «علم املعاجم .»lexicologyيتبادل هذا العلم اجلديد �إ�شكالية املعجم ب�صفته �شبكة كثيفة من العالقات التي تربط بني بنى الكلمات ومعانيها وبني معاين الكلمات وم�شتقاتها ومرادفاتها ومت�ضادها .ويهدف علم املعاجم ـ �ضمن ما يهدف ـ �إىل تف�سري الآليات الذهنية لتوليد الكلمات وا�ستنباط معانيها ،خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق باال�ستعارة وما يعرف بـ «الإزاحة الداللية» التي تتناول التغريات التي تطر�أ على معاين الكلمات تو�سيع ًا وت�صنيف ًا. املنظور العربي :ميثّل املعجم العربي، نظراً العتماده على اجلذور ،بنية متع ّددة امل�ستويات زاخرة بالعالقات اال�شتقاقية والداللية ،ومل يت ّم �إىل الآن �سرب �أغوار هذه البنية املعرفية اللغوية ،وهي مهمة يتعذّر القيام بها
الف�صل اخلام�س تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي 145
بناء املعاجم من ذاكرة املعجم ّيني �إىل ذخائر الن�صو�ص املحو�سبة :مل تعد عملية
املعاجم تعتمد على ح�صيلة املفردات لدى املعجميني ،فمهما كان ثراء هذه احل�صيلة ال ميكنها تغطية جميع معاين املعجم ،وال مواكبة التغريات التي تطر�أ عليها ب�صورة م�ستمرة ب�سبب الإزاحة الداللية امل�شار �إليها ،خ�صو�ص ًا يف ظ ّل الظاهرة احلالية املتفاقمة لالنفجار املعريف .لقد �أ�صبح بناء املعاجم يعتمد على ما يعرف بـ «ذخرية الن�صو�ص املحو�سبة comp ،»puterized textual corporusالتي تخزن بها عينة منتقاة على �أ�س�س �إح�صائية بحيث متثل اال�ستخدام الفعلي للغة ،وهو ما ميكّن من حتديد معاين الكلمات وفق ًا لل�سياقات الواقعية التي ترد بها داخل الن�صو�ص الواقعية ال وفق ًا ملا يت�ص ّوره املعجم ّيون ،وهو �أ�سلوب يتيح اقتفاء التغريات التي تطر�أ على معاين الكلمات والتقاط املعاين اجلديدة التي تكت�سبها من خالل التدفق امل�ستمر لال�ستخدام اللغوي. املنظور العربي :هناك بع�ض املحاوالت لبناء ذخرية للّغة العربية يف اجلزائر وال�سعودية و�سوريا �إال �أنها مل ت�صل بعد �إىل م�ستوى التطبيق العملي ،وحتتاج اللغة العربية �إىل جهود من�سقة ومتكاملة لتوثيق ا�ستخدامها مت يف لغات املعا�رص والكال�سيكي �أ�سوة مبا ّ �أخرى مثل الإجنليزية و الفرن�سية ،وغني عن القول �إن جناح م�رشوع املعجم العربي التاريخي الذي �رشع يف بنائه جممع اللغة العربية امل�رصي يتوقف ب�صورة �أ�سا�سية على توفر ذخائر الن�صو�ص املحو�سبة.
توليد امل�صطلح من اليدوي �إىل �شبه
البحث اللغوي من النظري املجرد �إىل البيولوجي املح�سو�س� :أيقن اجلميع �أن �سرب
�أغوار اللغز اللغوي لن يتحقق ب�شكل حا�سم من دون �إماطة اللثام عن الأ�سا�س البيولوجي (اجليني) لعمليات الذهن اللغوية ،وقد �أقامت �أمريكا واالحتاد الأوروبي واليابان م�رشوعات املخ الب�رشي وما يرتبط به من بحوث لدرا�سة ّ الل�سانيات البيولوجية ،وهي املجاالت التي �شهدت تقدم ًا كبرياً بف�ضل الدعم الذي تق ّدمه لها التكنولوجيا الأع�صابية neurotechnolo .ogy املنظور العربي :م�ضى العقد الأخري من القرن املا�ضي ،والذي �أطلق عليه «عقد املخ»،
املعاجم العربية كمعجم «ل�سان العرب» ،وحتليل مفرداته �صوتي ًا و�رصفي ًا وتفكيك معانيها �إىل عنا�رصها الداللية الأولية ،وذلك مت يف ا�ستغالل املعاجم �أ�سوة مبا ّ الإجنليزية للر�صيد املعجمي للّغة الالتينية. �إ�ضافة �إىل ما �سبق ،ميكن مت ا�ستخدام النظام �شبه الآيل� ،إذا ما ّ بنا�ؤه ،يف م�سح الن�صو�ص العربية الكال�سيكية ،مثل الأغاين للأ�صفهاين، اللتقاط الكلمات ذات القيمة امل�صطلحية لإثراء الر�صيد املعجمي اال�سرتاتيجي.
مؤسسة الفكر العربي ّ
املعلوماتية
من دون اللجوء �إىل الإمكانات التي توفرها تكنولوجيا املعلومات وما توفره من و�سائل لبناء قواعد البيانات املعجمية .عالوة على ما �سبق ،يحتاج الأمر �إىل التعمق يف ظاهرة اال�ستعارة التي مل يتزحزح تناولها كثرياً عن املو�ضع الذي تركها فيه عبد القاهر اجلرجاين يف «�أ�رسار بالغته».
الآيل :باتت الو�سائل اليدوية عاجزة عن مواجهة تنامي الطلب على امل�صطلحات اجلديدة نتيجة لظاهرة االنفجار املعريف ،لذا جل�أت اللغات املتقدمة �إىل ا�ستغالل تكنولوجيا املعلومات يف تطوير نظم �شبه �آلية اللتقاط الكلمات� ،سواء املفردة �أم املركبة ،املر�شحة لت�صبح م�صطلح ًا معتمداً ،وي�شمل الدعم التكنولوجي كذلك اقرتاح ميثّل املعجم العربي ،بنية ترجمات لهذه امل�صطلحات وفق ًا لع ّدة معايري مثل مدى الوفاء يف نقل املفهوم الذي يحمله متع ّددة امل�ستويات زاخرة بالعالقات اال�شتقاقية والداللية ،ومل يت ّم �إىل امل�صطلح ،وا�ست�ساغة املقابل املرتجم . الآن �سرب �أغوار هذه البنية املعرفية املنظور العربي :ما زال العمل امل�صطلحي اللغوية ،وهي مهمة يتعذّر القيام العربي يدوي ًا ب�صورة مرت�سخة ،وهناك بع�ض بها من دون اللجوء �إىل الإمكانات جهود متناثرة لبناء بنوك م�صطلحات عربية ،التي توفرها تكنولوجيا املعلومات ويحتاج الأمر �إىل �إعادة ا�ستخدام (تدوير) وما توفره من و�سائل لبناء قواعد الر�صيد اللغوي الهائل املهجور يف املعاجم البيانات املعجمية .عالوة على ما �سبق ،يحتاج الأمر �إىل التعمق يف العربية كمعجم «ل�سان العرب» على �سبيل ظاهرة اال�ستعارة ،التي مل يتزحزح املثال ،وحتليل مفرداته �صوتي ًا و�رصفي ًا تناولها كثرياً عن املو�ضع الذي وتفكيك معانيها �إىل عنا�رصها الداللية تركها فيه عبد القاهر اجلرجاين يف مت يف ا�ستغالل املعجم «�أ�رسار بالغته». الأولية ،وذلك �أ�سوة مبا ّ الإجنليزية للر�صيد املعجمي للّغة الالتينية. �إ�ضافة �إىل ما �سبق ،ميكن ا�ستخدام النظام مت بنا�ؤه ،يف م�سح الن�صو�ص �شبه الآيل� ،إذا ما ّ هناك بع�ض جهود متناثرة لبناء العربية الكال�سيكية ،مثل الأغاين للأ�صفهاين ،بنوك م�صطلحات عربية ،ويحتاج اللتقاط الكلمات ذات القيمة امل�صطلحية لإثراء الأمر �إىل �إعادة ا�ستخدام (تدوير) الر�صيد اللغوي الهائل املهجور يف الر�صيد املعجمي اال�سرتاتيجي.
التقرير العربي الثاين 146للتنمية الثقافية
وكاد ينق�ضي العقد احلايل ،الذي �أطلق عليه «عقد ال�سلوك الذهني» من دون �أي اهتمام من قبل البحث اللغوي العربي .ويعزو البع�ض هذا الق�صور �إىل عدم توفر الو�سائل التكنولوجية، ولع ّل ال�سبب الأهم هو غياب التوجه عرب التخ�ص�صات & inter التخ�ص�صي ومتع ّدد ّ multi-disciplinaryالذي ي�سود مثل هذه الدرا�سات.
�ساد�س ًا :منطلقات وم�رشوعات مقرتحة لتنمية مك ّون اللغة
مركز متيز بحوث اللغة العربية وحو�سبتها�:أ�صبحت عملية التطوير اللغوي
مهمة متع ّددة التخ�ص�صات ي�شارك فيها اللغويون واملعجميون والرتبويون والريا�ضيون واالخ�صائيون واحلا�سوبيون ،وقد ان�ضم �إليهم املخ من البيولوجيني .ت�شمل م�ؤخراً علماء ّ مهام املركز املقرتح على �سبيل املثال ال احل�رص : • القيام بالدرا�سات اللغوية املقارنة والتقابلية بني العربية ولغات العامل. • تطوير �أ�ساليب التنظري اللغوي واملعجمي. • اللحاق بالبحوث احلديثة يف الل�سانيات البيولوجية. • درا�سة عالقة التنظري للّغة مع التنظري للأدب . • حتديث �أ�ساليب درا�سة املجاز ،خ�صو�ص ًا ظاهرة اال�ستعارة والإزاحة الداللية يف معاين الكلمات. • مراجعة �آليات توليد الكلمات يف العربية، لكونها مازالت �أ�سرية اال�شتقاق من الأ�صل الثالثي ب�صفة �أ�سا�سية ،مع �إغفال �آليات توليد الكلمات الأخرى من مزج وتركيب وتعريب . • االنتقال من �صفة املعاجم �إىل علم املعاجم املن�ضبط والإ�سهام يف ما يعرف بنحورة املعجم الذهني . mental lexicon
تطوير بحوث التنظري للّغة العربية:
ويعتمد ذلك على املنطلقات الرئي�سية
التالية: • تتم ّيز اللغة العربية بتو�سيطة ملفتة بني لغات العامل فهي جتمع بني كثري من خ�صائ�ص اللغات الأخرى كاجلمع بني اجلمل اال�سمية والفعلية وت ّت�سم منظومتها بتوازن دقيق ،فهي تكره ال�شاذ وال�شارد ،ومن �أمثلة ذلك �أن لها ثالث حاالت �إعراب يف حني تخلو الإجنليزية من الإعراب وت�شتمل الرو�سية على �ست حاالت �إعراب وتتطرف اليابانية فلها 51 حالة �إعراب ،لذا ميكن ا�ستغالل هذا التو�سط بني لغات العامل من �أجل الإ�رساع يف �س ّد فجوة التنظري من خالل االهتداء ـ �إىل ح ّد االقرتا�ض ـ مت يف اللغات التي تت�شابه مع العربية يف مما ّ ّ بع�ض خ�صائ�صها. • تع ّدد الر�ؤى ملنظومة اللغة العربية من خالل تطبيق �أكرث من منوذج لغوي عليها ،يت ّم انتقا�ؤها بحيث جتمع بني التمركز حول النحو (�أو الرتكيب) والتمركز حول الداللة املنطقية (�أو املعنى تب�سيط ًا). • عقد �سل�سلة من الدرا�سات املقارنة والتقابلية من �أجل ا�ستخال�ص اخل�صائ�ص املميزة ملنظومة اللّغة العربية ب�صورة �أكرث عمق ًا من تكرر ذكرها يف اخلطاب تلك اخل�صائ�ص التي ّ اللغوي الراهن مثل عظمة ال�رصف ومرونة النحو وثراء املعجم. • حتليل دقيق لأهم النماذج اللغوية املحورية لتحديد مدى مالءمتها للّغة العربية على �ضوء اخل�صائ�ص املذكورة ويقرتح يف ذلك �أختيار �أربعة مناذج رئي�سية هي: • ا�ستخدام تكنولوجيا ذخائر الن�صو�ص املحو�سبة computerized textual corpora لتوثيق اللّغة العربية على �أ�سا�س ع ّينة منتقاة من الن�صو�ص املكتوبة والأحاديث امل�سجلة، بحيث متثّل اال�ستخدام الفعلي للّغة العربية يف املجاالت املختلفة ،وتغطي النطاق العري�ض لأ�ساليب الك ّتاب على مدى العامل العربي ،على �أن يت ّم جتهيز قواعد ذخائر الن�صو�ص هذه ب�أدوات بحث فعالة يف منت الن�صو�ص العربية. �إن ذخائر الن�صو�ص �ستربز البنى النحوية
الف�صل اخلام�س تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي 147
املا�سح ال�ضوئي الذكي حلروف العربية
مت تطوير ما�سح �ضوئي ّ :Smart Arabic OCR ً حلروف العربية ،وقد حقّق �أدا ًء مقبوال يف مت جتميعها من خالل نظم القراءة اجليدة التي ّ الن�رش الإلكرتوين ،ولكن ف�شله ثبت بالن�سبة مت جتميعها يدوي ًا ،نظراً لأن للن�صو�ص التي ّ هناك ك ّم ًا هائ ًال من املحتوى العربي املطبوع قدمي ًا ،خ�صو�ص ًا يف املجال الثقايف والتعليمي. وبالتايل ظهرت احلاجة �إىل ما�سح �ضوئي ذكي للحروف العربية لقراءة الن�صو�ص العربية �آلي ًا، يقوم على دمج ال�شقّ ال�ضوئي لتمييز �أ�شكال احلروف مع النظم الذكية ملعاجلة الن�صو�ص العربية �آلي ًا الكت�شاف حاالت الأخطاء الناجمة عن �أخطاء التمييز .misrecognition
م�صحح الن�صو�ص العربية الأوتوماتي ّ Proofreader
Arabic
:Automatic
�أثبتت التجربة العملية �أن نظم التدقيق الهجائي للّغة العربية امل�ستخدمة يف نظم الن�رش الإلكرتوين مل حتقق الغر�ض املرجو منها �أ�سوة مبا حتقق بالن�سبة للّغة الإجنليزية ،ويرجع ذلك �إىل خ�صائ�ص الن�صو�ص العربية النحوية وال�سياقية والرتقيمية( .مثال :هذه جملة جميع كلماتها �سليمة هجائي ًا وخاطئة نحوي ًا: جاءت الرجل ومع طفلني) من جانب �آخر ،ف�إن ت�صحيح الن�صو�ص كما يت ّم يف دور الن�رش والطباعة يتجاوز عملية التدقيق الهجائي والنحوي ،بحيث ميكن �أن يفلت من هذا التدقيق الكثري من الأخطاء ذات الأ�سا�س الداليل (مثال «�أ�سعار الفقد» بدال من «�أ�سعار النقد» ،غاية من الأ�شجار بد ًال من غابة من الأ�شجار وهكذا.).. ويهدف امل�رشوع �إىل تطوير نظام خبري يحاكي امل�صحح الب�رشي ي�ستخدم �أدوات لغوية عمل ّ ومعجمية ومناذج �إح�صائية لغوية وما �شابه. �أنطولوجيا الن�صو�ص الدينية Ontology :of Islamic Textsا�ستعداداً لتطبيقات
املعلوماتية
والعالقات الداللية التي يجب �أن يركّز عليها التنظري اللغوي.
تكنولوجيا «الويب الداليل» ظهر �إىل الوجود ما يعرف بـ «الهند�سة الأنطولوجية» بهدف بناء قواعد املعارف اخلا�صة مبجال معريف معينّ . تقوم الأنطولوجيا على «املفهوم» ب�صفته نقطة االنطالق الأ�سا�سية للمعرفة ،ويتح ّدد املفهوم، وتتع ّدد الألفاظ الدالة عليه مثل «العام وال�سنة واحلول» ،وقد حقّقت نظم معاجلة الن�صو�ص الدينية كما �أظهر امل�سح درجة من الن�ضج ت�ؤهلها لالنتقال �إىل تطبيقات «الويب الداليل »semantic webالذي يهدف �إىل توحيد البنى املفهومية للوثائق الإلكرتونية ب�صورة متكّن من تعاملها مع الروبوتات املعرفية ال�ستخال�ص املعرفة من دون عون ب�رشي، وتتوفّر حالي ًا �أدوات عملية لبناء ال�سلميات الأنطولوجية ويجري كذلك بناء العديد من الأنطولوجيات ملجاالت املعرفة املختلفة، فهناك على �سبيل املثال �أنطولوجيا لالقت�صاد وعلم االجتماع واملجال القانوين والت�رشيعي. ويعترب هذا امل�رشوع منوذج ًا ميكن تكراره ملجاالت خمتلفة من املحتوى العربي ،ولي�س هناك �أف�ضل من الن�صو�ص الدينية حالي ًا لتكون هي ر�أ�س حربة املحتوى العربي القتحام عامل الويب الداليل.
نظم التدقيق الهجائي للّغة العربية امل�ستخدمة يف نظم الن�رش الإلكرتوين ،مل حتقّق الغر�ض املرجو منها �أ�سوة مبا حتقق بالن�سبة للّغة الإجنليزية ،ويرجع ذلك �إىل خ�صائ�ص الن�صو�ص العربية النحوية وال�سياقية والرتقيمية.
الفهر�سة الذكية للن�صو�ص العربية
:Smart Arabic Indexingهناك بع�ض حماوالت بدائية لتطوير نظم �آلية لفهر�سة الن�صو�ص العربية على �أ�سا�س �إح�صائي ال�ستخال�ص الكلمات املفتاحية الدالة على الن�ص� ،إال �أنها قد حققت نتائج م�ضمون ّ متوا�ضعة .يقوم امل�رشوع املقرتح على دمج الأ�ساليب الإح�صائية باملعاجلات ال�رصفية والنحوية واملعجمية ومكانز املو�ضوعات واملرتادفات واملت�ضادات من �أجل ا�ستخال�ص الكلمات املفتاحية املفردة واملركبة ،وميكن اال�ستعانة يف ذلك (بال�شبكة املعجمية العاملية يخ�ص الت�صنيف املعروفة بـ )Word.netيف ما ّ املو�ضوعي للمعاين املختلفة للألفاظ. مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 148للتنمية الثقافية
حم ّرك بحث ن�صي متقدم
املحركات احلالية ال تلبي ّ للبحث يف الن�صو�ص العربية مطالب امل�ستخدم العربي ،فهي ا�ستندت ـ �أ�سا�س ًا ـ �إىل �أ�ساليب البحث امل�صممة للّـغة الإجنلـيـزيـة ويحــتاج البحث يف الن�صو�ص العربية� ،إىل تطوير حمركات بحث متقدمة تقوم على ّ املعاجلات ال�رصفية املعجمية، وتطبيق �أدوات برجمية لرتتيب نتائج البحث من حيث مغزاها بالن�سبة لطلب البحث ،وذلك على �أ�س�س ترتبط بهيكلية ن�صو�ص الوثائق العربية.
يتطلّب االرتقاء من نظم معاجلة املعلومات �إىل نظم معاجلة املعارف �رضورة التعامل مع وحدة البناء الأ�سا�سية للمعرفة �أال وهي «املفهوم» ،ويتجاوز املفهوم حدود اللفظ �إىل فحوى ال�صيغة اللغوية.
العرب �أحوج من غريهم لتطوير نظم متقدمة للرتجمة الآلية نظراً للنق�ص ال�شديد يف املرتجمني الب�رشيني يف جمال الرتجمة العلمية على وجه اخل�صو�ص.
Advanced
املحركات :Arabic Search Engineال تلبي ّ احلالية للبحث يف الن�صو�ص العربية مطالب امل�ستخدم العربي ،بحيث ا�ستندت ـ �أ�سا�س ًا ـ �إىل �أ�ساليب البحث امل�صممة للّغة الإجنليزية يخ�ص والتي تختلف اختالف ًا جذري ًا يف ما ّ بنية الكلمة. ويحتاج البحث يف الن�صو�ص العربية، وبخا�صة يف التطبيقات الثقافية والتعليمية، حمركات بحث متقدمة تقوم على �إىل تطوير ّ املعاجلات ال�رصفية املعجمية ،وتطبيق �أدوات برجمية لرتتيب نتائج البحث من حيث مغزاها بالن�سبة لطلب البحث ،وذلك على �أ�س�س ترتبط بهيكلية ن�صو�ص الوثائق العربية .ي�شتمل نظام البحث املقرتح على و�سيلة �آلية لتحديد الكلمات املفتاحية يف طلب اال�ستفهام الذي يدخله امل�ستخدم ويتيح ذلك التعامل مع قواعد املعلومات باللغة الطبيعية.
نظام متقدم لنطق الن�صو�ص العربية املكتوبة :Advanced Arabic T-T-Sهناك
ع ّدة حماوالت بدائية لنطق الن�صو�ص العربية، �إال �أن الكالم املولّد غري طبيعي وميكانيكي rob boticوهو ما يحتاج �إىل تطوير نظام متق ّدم لالرتقاء مب�ستوى جودة ال�صوت املولّد �آلي ًا خالل ما يعرف بنقل �أمناط التنغيم intent tional transplantingعالوة على حت�سني �أداء اخلوارزميات الفونوتيكية الأ�سا�سية لتحويل املكتوب �إىل منطوق.
نظام ت�صنيف الوثائق �أتوماتي ًا :عادة حمركات البحث عدداً هائ ًال من ما ت�سرتجع ّ الوثائق ال ميكن ا�ستعرا�ضها ولو جزئي ًا ،لذا حمركات البحث حتتاج �إىل تدعيمها ف�إن ّ بنظم ذكية لت�صنيف الوثائق �أتوماتي ًا لتجميع املتطابق واملتقارب منها يف جمموعات ت�س ّهل حمركات البحث عملية انتقاء عينات دالة على ّ من كل جمموعة تكفي ـ عاد ًة ـ لتلبية الغر�ض من وراء البحث� .إ�ضافة �إىل ما ذكر ميكن تطوير
امل�رشوع تكنولوجي ًا با�ستخدام نظم �آلية لتوقع مو�ضوع الوثيقة theme predictionعلى �أ�سا�س معدل تكرار الألفاظ الدالة. البحث على �أ�سا�س املفهوم :concept يتطلّب االرتقاء من نظم معاجلة املعلومات � Information processingإىل نظم معاجلة املعارف � knowledge processingرضورة التعامل مع وحدة البناء الأ�سا�سية للمعرفة �أال وهي «املفهوم» ،ويتجاوز املفهوم حدود اللفظ �إىل فحوى ال�صيغة اللغوية ،فمفهوم «املوت» ـ على �سبيل املثال ـ ميكن �أن يعرب عنه يف اللغة العربية مبا يزيد عن خم�سني �صيغة ال يرد فيها ذكر لفظة «موت» �أو م�شتقاتها ،نذكر منها على �سبيل املثال ال احل�رص :لقي حتفه ،زفّت �إىل امل�سيح ،وافته املنية ،زهقت روحه ،لفظ �أنفا�سه الأخرية� ،صعدت روحه �إىل �أعلى ،غادر دار الفناء �إىل دار البقاء ،واعبد ربك حتى ي�أتيك يخ�ص املثال املعطى ،تقوم «اليقني» .يف ما ّ حمركات البحث على �أ�سا�س املفهوم بتو�سيع ّ نطاق البحث عن كلمة «موت» بكل هذه التعابري الذي يتعذّر على امل�ستخدم الإتيان بها ولو جزئي ًا.
تطوير نظم متقدمة للرتجمة الآلية:
�أثبتت الرتجمة الآلية جناح ًا ملحوظ ًا يف جمال الرتجمة العلمية يف ع ّدة لغات مثل اليابانية والأملانية ،والعرب �أحوج من غريهم لتطوير نظم متقدمة للرتجمة الآلية نظراً للنق�ص ال�شديد يف املرتجمني الب�رشيني يف جمال الرتجمة العلمية على وجه اخل�صو�ص ،ناهيكم بعجز الرتجمة الب�رشية عن مواكبة ظاهرة االنفجار املعريف. توجهان �أ�سا�س ّيان للرتجمة هناك حالي ًا ّ التوجه الإح�صائي الذي يولّد ترجمة الآلية هما ّ وتوجه قائم على تقريبية متخ�ص�صة اجلودةّ ، ّ �صياغة قواعد النحو ب�أ�سلوب ريا�ضي ،وهو يولد ترجمة متو�سطة امل�ستوى .يجري حالي ًا االنتقال �إىل الرتجمة الآلية القائمة على
الف�صل اخلام�س تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي 149
�سابع ًا :تنمية مك ّون الرتبية يف ثقافة ع�رص املعلومات
�أهمية الرتبية يف ثقافة ع�رص املعلومات �أهمية الرتبية جمتمعي ًا :يف ع�رص
املعلومات �أ�صبحت التنمية مرادفة للرتبية، وعليه فالتنمية امل�ستدامة تعني تربية م�ستدامة يف املقام الأول .وتلعب الرتبية دوراً هام ًا يف �إحداث التما�سك بني �أفراد املجتمع وفئاته املختلفة من خالل تنمية الوعي و�إ�شاعة املعرفة .وهذا التما�سك �رشط �أ�سا�سي يف حتقيق الذكاء اجلمعي الذي تتوقف عليه قدرة املجتمع كك ّل على التناف�س يف ع�رص املعلومات. املنظور العربي :العامل العربي �أحوج من غريه �إىل تبني مفهوم التنمية امل�ستدامة؛ فما زالت الرتبية العربية �أ�سرية منوذج التعليم القائم على التمدر�س �أ�سا�س ًا من دون النظر �إليه ب�صورة �أ�شمل يف �إطار ر�ؤية متكاملة لعملية التنمية .من زاوية �أخرى تعاين الكثري من املجتمعات العربية من ت�شظي نظم التعليم فيها �إىل درجة �أ�صبحت ته ّدد التما�سك االجتماعي الكلّي وحت ّد كثرياً من قدرة هذه املجتمعات على ح�شد الذكاء اجلمعي ،وهو مفهوم ما زال غائب ًا عن �أفق الر�ؤية الرتبوية العربية. �أهمية الرتبية اقت�صادي ًا� :أثبتت درا�سات عديدة قامت بها منظمات دولية و�إقليمية االرتباط الوثيق بني الرتبية والنم ّو االقت�صادي و�أن اال�ستثمارات يف املجاالت كافة ال ت�ؤتي ثمارها �إذا ما ن�أت عن اال�ستثمار يف تنمية العن�رص الب�رشي .لقد �أ�صبح جناح م�ؤ�س�سات الإنتاج واخلدمات وقدرتها على التناف�س يف
الرتبية �شاغل اجلميع يف ع�رص املعلومات :لقد �أ�صبح التعلّم �شاغل اجلميع،
وهو �شاغل الدول املتقدمة حفاظ ًا على الريادة والتناف�سية ،و�شاغل الدول النامية �أم ًال يف اللحاق بالركب� ،أو بدافع غريزة حب البقاء .لقد �أ�صبح �سباق التعلّم من �أبرز مظاهر التناف�س الدويل �إىل احل ّد الذي �أ�صبحت فيه نتائج امل�سابقات الأوملبية الأكادميية لقيا�س م�ستوى التح�صيل العلمي لدى ال�صغار �ضمن بنود �أجندة الأمن القومي ،وتظهر الواليات املتحدة انزعاج ًا �شديداً من فجوة تربوية «با�سيفيكية» باتت تف�صل بينها وبني اليابان وبع�ض دول حافة البا�سيفيك بعد �أن �أظهرت نتائج هذه امل�سابقات :تخلّف ال�صغار الأمريكيني عن �أقرانهم الآ�سيويني يف جماالت اللغة والريا�ضيات والعلوم .وتكفي هنا الإ�شارة �إىل مقولة الرئي�س الأمريكي ال�سابق بيل كلينتون: «�إن حكومتنا تف�شل عندما تف�شل مدار�سنا». �أما بريطانيا العظمى فتظهر اهتمام ًا بالتعلّم الذاتي بغية ا�ستعادة جمدها القدمي، وقد بادرت ب�إن�شاء �أول وزارة متخ�ص�صة
املعلوماتية
املعرفة ،والتي تعتمد على ما يعرف بنظم الفهم الن�ص املطلوب الأتوماتي لتحليل م�ضمون ّ ترجمته داللي ًا بحيث يك�شف عن عالقات املعنى وم�سارات التما�سك ال�سياقي والرتابط املنطقي ،وهو املدخل الأ�صيل للرتجمة اجلادة، وهو ما ينبغي اللحاق به يف مراحله املبكرة .
ظل اقت�صاد املعرفة رهن ًا بتحولها �إىل م� ّؤ�س�سات متعلّمة ،ت�ستطيع ا�ستغالل املعارف واخلربات لدى خربائها ،ون�رشها وتوزيعها يف �أرجاء امل�ؤ�س�سة كافة ،وتنمية القدرات الإبداعية على جميع امل�ستويات بدءاً من القيادات الإدارية و�أنتها ًء بعمالة املهارات الدنيا. يف�ضل معظم م� ّؤ�س�سات املنظور العربيّ : الأعمال يف بلدان اخلليج العربي التعامل مع العمالة اجلاهزة املكتملة الت�أهيل، وتن�أى هذه امل� ّؤ�س�سات عن اال�ستثمار يف يخ�ص جمال تنمية العن�رص الب�رشي يف ما ّ العمالة الوافدة نظراً للطابع ال�سائد يف عدم ا�ستقرارها ،وبخا�صة يف ما يتعلّق بعمالة تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت التي ت ّت�سم مبرونة هائلة يف تنقّلها نظراً ملا توفره هذه التكنولوجيا من نظم عمل قيا�سية ،واحتياجها موحدة لي�ست ح�سا�سة لتغري بيئة ملهارات ّ العمل.
تعاين الكثري من املجتمعات العربية من ت�شظي نظم التعليم فيها �إىل درجة �أ�صبحت ته ّدد التما�سك االجتماعي الكلّي وحت ّد كثرياً من قدرة هذه املجتمعات على ح�شد الذكاء اجلمعي ،وهو مفهوم ما زال غائب ًا عن �أفق الر�ؤية الرتبوية العربية.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 150للتنمية الثقافية
�أ�صبح �سباق التعلّم من �أبرز مظاهر التناف�س الدويل� ،إىل احل ّد الذي �أ�صبحت فيه نتائج امل�سابقات الأوملبية الأكادميية لقيا�س م�ستوى التح�صيل العلمي لدى ال�صغار �ضمن بنود �أجندة الأمن القومي ،وتظهر الواليات املتحدة انزعاج ًا �شديداً من فجوة تربوية «با�سيفيكية» باتت تف�صل بينها وبني اليابان وبع�ض دول حافة البا�سيفيك ،بعد �أن �أظهرت نتائج هذه امل�سابقات ،تخلّف ال�صغار الأمريكيني عن �أقرانهم الآ�سيويني يف جماالت اللغة والريا�ضيات والعلوم.
للتعليم امل�ستمر مدى احلياة ،وللأقطار الأوربية املتقدمة الأخرى باع طويلة على �صعيد التعلّم بتو�سعها يف �إن�شاء اجلامعات املفتوحة ومنح �شهادات الدرجات العلمية العالية من خالل نظام التعليم عن بعد ،و�أخرياً وبالن�سبة لليابان التي تدين بنه�ضتها احلالية �إىل حركة الإ�صالح التعليمي ال�شامل يف نهاية القرن التا�سع الكرة يف بناء جمتمع تعلّم ع�رش ،نراها تعاود ّ منوذجي با�ستغالل الإمكانيات التي توفّرها تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت. املنظور العربي :بد�أ التعليم يحظى برتبة �أعلى على �أجندة التنمية يف كثري من الأقطار العربية وكذلك يف جمل�س التعاون لدول اخلليج ،وقد �أدرجت م�س�ألة تطوير التعليم للمرة الثانية يف �أجندة القمة العربية الأخرية التي عقدت يف دم�شق.
توجهات م�ستقبلية للرتبية يف ع�رص ّ املعلومات
من التعليم �إىل التعلّم مدى احلياة :لقد توجه ًا �أم�سى �شعار «التعلّم من املهد �إىل الّلحد» ّ �أ�سا�سي ًا تفر�ضه مطالب احلياة يف جمتمع املعرفة .فقد ولىّ �إىل الأبد ع�رص التعليم املغلق واملنغلق ،املحدود مكان ًا باملدر�سة ،واملحدود زمان ًا مبراحل العمر املبكرة ،واملحدود نطاق ًا التخ�ص�ص ال�ضيقة ،ليح ّل حملّه يف جماالت ّ التعلّم مدى احلياة ،وعلى ات�ساعه ،حيث ميتزج التعليم والتعلّم �أثناء العمل والتعلّم يف �أوقات الفراغ ،وت�صبح الرغبة يف التعلّم متج ّددة ي�صعب �إ�شباعها .وبينما كانت الدرا�سة اجلامعية مبثابة مرحلة التعليم النهائية� ،أ�صبحت الآن بداية لرحلة تعلّم على امتداد احلياة .وكرث احلديث عن اجلامعات املفتوحة ،وجامعات الهواء الطلق ،وجامعات بال جدران ،ومدار�س بال �أ�سوار ،وجامعات �شعبية ،وجامعات ع ّمالية و�صناعية ،وجامعات العمر الثالث، ومراكز املعرفة الريفية .والتعليم الذاتي مدى احلياة يتطلّب اهتمام ًا خا�ص ًا برتبية الطفولة بحيث يتوقف عليها جناح الفرد يف حياته
التعليمية امل�ستقبلية ،وقد تنامى االهتمام برتبية الطفولة م�ؤخراً يف املجتمعات العربية �إال �أنها مازالت تفتقد �إىل ا�ستخدام الو�سائل التكنولوجية احلديثة يف هذا املجال. املنظور العربي :التعلّم مدى احلياة م�س�ؤولية املجتمع كك ّل ال امل�ؤ�س�سة الرتبوية وحدها ،وهو �أمر يتطلّب خطاب ًا تربوي ًا مغايراً ولي�س جمرد �إ�ضافة الّلم�سة املعلوماتية ـ كما خطط للتنمية الرتبوية �سعى البع�ض ـ على ٍ مت و�ضعها قبل الثورة املعلوماتية� .إن هذا ّ اخلطاب ال ب ّد �أن ينطلق من ر�ؤية تربوية ي�سهم يف و�ضعها وبلورتها جميع �أ�صحاب امل�صلحة، ر�ؤية ت�ؤكّد على �رضورة التن�سيق� ،إىل ح ّد قريب من التكامل ،بني امل�ؤ�س�سات الرتبوية والإعالمية والثقافية ،وكذلك م�ؤ�س�سات �إدارة الأعمال ومنظمات املجتمع املدين ،وال ب ّد لهذه الر�ؤية �أن ت�أخذ يف اعتبارها عزوف معظم املتعلّمني العرب على اختالف م�ستوياتهم عن موا�صلة م�سرية تعلّمهم لعدم �إميانهم بجدوى التعليم �أ�ص ًال ،وكذلك عزوف م� ّؤ�س�سات القطاع اخلا�ص عن اال�ستثمار يف تنمية مواردها الب�رشية.
من معرفة املاهية �إىل معرفة الكيفية:
ركّز تعليم املا�ضي على «ماذا تعرف؟» ،ال «كيف تعرف؟» .مع ظاهرة االنفجار املعريف انقلب الو�ضع؛ �إذ �أ�صبحت الأولوية للكيفية التي نح�صل بها على املعرفة ،وكيفية �إتقان �أدوات التعامل معها ،ال ماذا تت�ضمنه هذه املعرفة من معلومات ومهارات وخربات� .إن التعليم يف ع�رص املعلومات هي �أن نعلّم الفرد كيف يتعلّم ذاتي ًا ،والثقافة يف ع�رص املعلومات هي فن ممار�سة احلياة يف ظ ّل بدائل هذا الع�رص العديدة ومتغرياته الهادرة .وجميع هذه الأمور ـ بال ا�ستثناء ـ تتطلب تغيرياً جذري ًا يف عالقة الإن�سان باملعرفة يف دورتها الكاملة� :إملام ًا وا�ستيعاب ًا وتوظيف ًا و�إنتاج ًا. املنظور العربي :كما هو معروف ،يكتظّ معظم مناهجنا مبادة تعليمية مت�ضخمة ،على ح�ساب تنمية مهارات التفكري .وتتوقف دورة
الف�صل اخلام�س تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي 151
من التعامل مع عامل الواقع �إىل عوامل الف�ضاء املعلوماتي :مع التو�سع يف ا�ستخدام
تكنولوجيا املعلومات ،يزداد التعامل مع واقع احلياة من خالل الو�سيط الإلكرتوين ،من �شا�شات العر�ض وو�سائل االت�صال والتحكّم. ومع انت�شار الإنرتنت ،مل يعد تعامل الفرد حم�صوراً يف عامل الواقع فقط؛ بل يزداد تعامله، يوم ًا بعد يوم ،مع العوامل اخلائلية التي يزخر بها الف�ضاء املعلوماتي ،عوامل من �صنع �أن�ساق الرموز ،ميار�س فيها الفرد كثرياً من �أن�شطة حياته اليومية ،وميار�س فيها خربات غري م�سبوقة .وال �شكّ �أن ت�أهيل الفرد للتعامل مع هذه العوامل اخلائلية ،يتطلّب �إك�سابه معارف ومهارات مغايرة لتلك التي يحتاجها يف التعامل مع دنيا الواقع. املنظور العربي :ممّ ا ال �شك فيه� ،أن الغرب املتقدم �ستتاح له فر�ص �أكرب لإقامة عوامل خائلية ،يكت�سب من خاللها خربات جديدة ،ويجري بها جتارب الختبار فاعلية و�سائله وخمططاته التي ال ندري عنها �شيئ ًا، و�سي�ؤدي ذلك ـ بدوره ـ �إىل فجوة تف�صل بيننا وبينه ،يف م�ستوى الوعي بحقائق العامل :واقعه وخائله ،وذلك عالوة على املخاطر املحتملة لأن يطبق علينا ما ت�سفر عنه جتاربه اخلائلية، ولو بغر�ض ت�سويق م�ستهلكاته �إلينا. من الفردي �إىل التكافلي :يتطلّب ذلك، من تربية ع�رص املعلومات ،االهتمام بتنمية مهارات التوا�صل والتفاو�ض الثقايف ،وتنمية القدرة على الإقناع وهند�سة احلوار ،و�إبرام
املعلوماتية
اكت�سابنا للمعرفة ـ عاد ًة ـ عند حدود الإملام بها من دون توظيف لها؛ وهو الأمر الذي يجعلها عر�ضة لل�ضياع والتب ّدد .وي�شكو معظم طالبنا من نق�ص �شديد يف مهارات البحث عن املعرفة ،وطرق متثيلها منهجي ًا من جهة ،ومن عر�ضها وت�سويقها من جهة �أخرى .ولكي يتمكّن املدر�س العربي من تنمية مهارات التفكري لدى طالبه ،ال ب ّد �أن يكون هو نف�سه مالك ًا لها ،ومل ّم ًا ب�أ�سا�سيات نظرية املعرفة وفل�سفتها ،وتاريخ تطور الفكر الإن�ساين وحتدياته الراهنة.
ال�صفقات املتوازنة ،ويتطلّب كذلك تنمية مهارات القيادة و�إدارة امل�رشوعات ،وامل�شاركة يف املوارد ،وتبادل الآراء واخلربات ،وكيفية خلق التوازن بني نزعة التناف�س ،وتنمية روح التعاون ت�أكيداً لأهمية املزج بني التناف�س والتعاون ،فقد �صكّ البع�ض امل�صطلح «co- »opetitionليمزج بني competitionوco-ope .eration املنظور العربي :من �أ�صعب التحديات الرتبوية يف هذا املجال ،هو تنمية العمل بروح الفريق ،خ�صو�ص ًا �أن معظم طالبنا ي�شكون من �ضمور مهارات التوا�صل اللغوي؛ وذلك كنتيجة لآفة التلقي ال�سلبي التي تعاين منها نظم تعليمنا .ويحتاج ذلك من الرتبية العربية تغيرياً جوهري ًا يف تعليم اللغات عموم ًا ،واللغة العربية بوجه خا�ص ،وكذلك التنويع يف �أمناط تقدمي املادة التعليمية؛ بحيث ت�شمل بجانب املحا�رضات ،الندوات وحلقات النقا�ش .ويع ّد تعميم منوذج اجلامعة العربية ،ومنوذج الأمم املتحدة ،MUN:Model United Nations يف املدار�س واجلامعات ،من الو�سائل اجلذابة لتنمية مهارات احلوار والتفاو�ض. بارادمي تربوي جديد :تتطلب تربية ع�رص املعلومات بارادمي ًا paradigmتربو ّي ًا جديداً يقوم على الأ�س�س التالية: • مراعاة الوحدة املركبة للطبيعة الإن�سانية: من حيث كون الإن�سان كائن ًا فيزيائي ًا وبيولوجي ًا ونف�سي ًا وثقافي ًا واجتماعي ًا وتاريخي ًا؛ وهي الوحدة املعرفية التي �ش ّتتتها مناهج التعليم ما بني املواد الدرا�سية املختلفة �إىل درجة تعوق ـ ب�شدة ـ �إدراك ما يعنيه الكائن الإن�ساين �أ�ص ًال. • االهتمام برتبية الطفولة والتخل�ص من املفاهيم اخلاطئة عن كيفية تعلّم الأطفال وطابع �إبداعهم. • التوازن بني العنا�رص الرتبوية :ونق�صد بذلك التوازن بني ثالثية العلمي والتكنولوجي، الأخالقي والثقايف ،االقت�صادي واالجتماعي. وم�صدر الإ�شكالية هنا وجود قدر ال ي�ستهان به
يكتظّ معظم مناهجنا مبادة تعليمية مت�ضخمة ،على ح�ساب تنمية مهارات التفكري .وهو الأمر الذي يجعلها عر�ضة لل�ضياع والتب ّدد .وي�شكو معظم طالبنا من نق�ص �شديد يف مهارات البحث عن املعرفة ،وطرق متثيلها وعر�ضها املدر�س وت�سويقها .ولكي يتمكّن ّ العربي من تنمية مهارات التفكري لدى طالبه ،ال ب ّد �أن يكون هو نف�سه مالك ًا لها ،ومل ّم ًا ب�أ�سا�سيات نظرية املعرفة.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 152للتنمية الثقافية
�أ�صبح املتعلّم حمور العملية التعليمية ،وذلك بعد �أن �أ�صبحت القدرة على موا�صلة التعلّم ذاتياً، ال التعليم ،هي �أ�سا�س تربية ع�رص املعلومات .وتعني حمورية املتعلّم هذه الرتكيز على احتياجات املتعلّم، و�إ�ضفاء الطابع الفردي ال�شخ�صي على عملية التعليم ،ومراعاة خلفيته املعرفية وما يف حوزة عقله من مفاهيم.
من تعار�ض التوجهات �أو امل�صالح � -إن جاز القول -بني هذه العنا�رص الثالثة .وال �شك �أن هذا التعار�ض يكمن وراء بع�ض املتناق�ضات الوارد ذكرها �أعاله. • التمحور حول املتعلّم� :أ�صبح املتعلّم حمور العملية التعليمية ،وذلك بعد �أن �أ�صبحت القدرة على موا�صلة التعلّم ذاتي ًا ،ال التعليم، هي �أ�سا�س تربية ع�رص املعلومات .وتعني حمورية املتعلّم هذه الرتكيز على احتياجات املتعلّم ،و�إ�ضفاء الطابع الفردي ال�شخ�صي على عملية التعليم ،ومراعاة خلفيته املعرفية وما يف حوزة عقله من مفاهيم� ،صائبة كانت �أم خاطئة� .إن التمحور حول املتعلّم� ،سيغيرّ من طبيعة العالقات البين ّية التي تربط رباعية: املتعلّم ـ املعلّم ـ املنهج ـ املنهجيات .و�سيتطلّب �أي�ض ًا بنية تعليمية متجاوبة مع مطالب املتعلّم وقدراته� .أما بالن�سبة للمعلم فيجب �أن توفر له هذه البيئة التعليمية مزيداً من احلرية يف اختيار مادة الدرا�سة ،و�أ�سلوب تقدميها وعر�ضها ،وكذلك يف تقومي �أداء طلبته. • التخلّ�ص من نزعات التع�صب والعنف: يتطلب ذلك من تربية ع�رص املعلومات االهتمام بتدري�س تاريخ احل�ضارات ،والدين املقارن ،وت�شجيع مهارات احلوار عرب الإنرتنت، والت�صدي للعنف الرتفيهي لو�سائل الإعالم اجلماهريي ،وذلك بالإ�ضافة �إىل ا�ستخدام �أ�ساليب علم النف�س الرتبوي ،بغية تخلي�ص ال�صغار والكبار من النزعات العدوانية والقبلية وكره الأجنبي ،واخلوف من الغريب ،وما �شابه ذلك. املنظور العربي :ال �شك �أن ح�ضارتنا وثقافتنا العربية تتم ّتع بقدر هائل من الت�سامح ،ونبذ العنف والتع�صب .لذا ،ف�إن الرتبية العربية يف ع�رص املعلومات ال ب ّد �أن ترت ّد �إىل �أ�صولها الثقافية واحل�ضارية؛ من �أجل التخل�ص من نزعات التع�صب التي �أخذت تت�سلّل �إىل قاعات درو�سنا. يخت�ص علم نحو نظرة نقدية للرتبية: ّ اجتماع الرتبية بو�ضع الأ�س�س العادلة التي
يت ّم بناء عليها انتقاء املعرفة ،وتنظيمها، وتوزيعها داخل املدر�سة ،وكيف ميكن �أن تعمل �آليات التفاعل االجتماعي خارج املدر�سة على تقوي�ض هذه الأ�س�س مبا يجعل من املعرفة الرتبوية م�س�ألة اجتماعية و�سيا�سية ،ولي�س م�س�ألة فنية ومو�ضوعية فح�سب .ويركّز املنحى النقدي لعلم اجتماع الرتبية على درا�سة �أو�ضاع الفئات االجتماعية املقهورة، وتعرية �آليات توظيف املعرفة اجتماعي ًا ك�سالح �أيديولوجي بهدف حتقيق ال�سيطرة، وتربير ممار�سات ال�سلطة ،وتر�سيخ العالقات االجتماعية القائمة و�إعادة �إنتاجها .وكعالج لهذا اخللل االجتماعي ذي الأ�سا�س املعريف، ت�سعى املدر�سة النقدية لعلم اجتماع الرتبية �إىل ا�ستحداث �أ�ساليب بديلة للفكر ،و�أ�شكال جديدة للفهم ،و�أمناط خمتلفة لل�سلوك ،و�أبعاد جديدة للمعرفة مغايرة لتلك التي ت�ساندها نظم الرتبية املوالية لل�سلطة احلاكمة. املنظور العربي :الفكر الرتبوي العربي فكر غري ناقد ،ومل ينجح يف حتويل امل�س�ألة الرتبوية �إىل م�س�ألة اجتماعية ،على الرغم من ك ّل املتغريات املعلوماتية وال�ضغوط التي متار�سها العوملة .لقد بد�أت املجتمعات العربية تعاين بدرجات متفاوته من فجوة تربوية ميكن �أن تفرز طيف ًا م�ستحدث ًا من الطبق ّيات ذات الأ�سا�س املعريف ،والتي من املفرت�ض �أن تن�شغل بها املدر�سة النقدية لعلم اجتماع الرتبية كق�ضية حمورية ب�صفتها �أهم �أ�سباب الفجوة املعرفية ،و�أخطر عواقبها يف الوقت ذاته.
منطلقات وم�رشوعات مقرتحة لتنمية مك ّون الرتبية
مركز مت ّيز التكنولوجيا اخلائلية :تع ّد تكنولوجيا الواقع اخلائلي Virtual Reali � ityأكرث التكنولوجيات الواعدة يف تطوير الربجميات التعليمية والرتفيهية والإعالمية . ت�شمل مهام املركز املقرتح: بلورة �أ�ساليب ت�صميم النظم اخلائلية يف
الف�صل اخلام�س تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي 153
جامعات واقعية �أكرث وجامعات خائلية �أقلّ :تزايد عدد اجلامعات يف البلدان
العربية حتى جتاوز 400جامعة ،بيد �أنه مازالت هناك حاجة �إىل املزيد منها ،كما يدلّ على ذلك انخفا�ض م�ؤ�رش الت�سجيل اجلامعي. يف املقابل� ،رشعت بع�ض البلدان العربية مثل ال�سعودية وتون�س وم�رص و�سوريا يف �إقامة جامعات خائلية Virtualمن دون �أي تن�سيق بينها .واجلامعات اخلائلية لي�ست بحاجة �إىل التكرار بقدر ما هي بحاجة �إىل ح�شد الإمكانيات والتخ�ص�صات ،وميكن التحّ اد وتوزيع الأدوار ّ اجلامعات العربية التابع للجامعة العربية �أن يقوم بدور حمور التن�سيق يف هذا ال�صدد.
متخ�ص�ص يف بحوث التعليم مركز ّ امل�ستمر :كما �أ�سلفنا ف�إن تنفيذ �سيا�سة التعليم
ي�ضطلع بها امل�ستمر عملية معقدة ال ب ّد �أن ّ املجتمع ب�أ�رسه ،ويتطلّب تكاتف العديد من التخ�ص�صات و�أ�صحاب امل�صلحة .ت�شمل مهام املركز على �سبيل املثال ال احل�رص: التن�سيق بني ثالثية التعليم النظامي formalوالتعليم غري النظامي non-formalمن خالل مراكز التدريب و�إعادة الت�أهيل والتعليم الالنظامي (العفوي) عرب م�ؤ�س�سات الإعالم
حمو طيف �أ ّميات جمتمع املعرفة :مل تعد الأمية يف جمتمع املعرفة مق�صورة على الأمية الأبجدية ،بل باتت ت�شمل طيف ًا ممتداً ومتجدداً من ال ّأميات � :أمية الكمبيوتر و�أمية املعلومات و�أمية الإنرتنت ،و�أمية ا�ستخدام الو�سائل الرقمية من كامريات وم�ساعدات �شخ�صية رقمية ،وو�سائط ت�سجيل وحترير املعلومات املرئية وال�سمعية ،وال خالف �أن حمو الأمية الأبجدية هو الركيزة الأ�سا�سية، وهو يتطلّب حلو ًال مبتكرة ت�ستغل الإمكانات العديدة التي توفرها تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت يف هذا ال�صدد ،مثل ا�ستخدام ال�شا�شات التي تعمل بالّلم�س ،واللوحات الإلكرتونية الناطقة ،واملعاجم الإلكرتونية امل�صورة ،والتعامل املبا�رش مع الكمبيوتر من خالل الكالم الطبيعي� ،إ�ضافة �إىل تعزيز برامج حمو الأمية مبواقف طبيعية ال�ستخدام اللغة الب�سيطة وظيفي ًا يف احلياة اليومية. وميكن اال�ستهداء يف ذلك بتجربة كوبا ملحو الأمية التي �أ�شادت بها منظمة اليون�سكو ،وهي التجربة التي جنحت يف حمو الأمية متام ًا يف وقت قيا�سي ،و�أ�صبحت كوبا ت�ص ّدر حزمة متكاملة ملحو الأمية �إىل دول �أمريكا الالتينية وبع�ض دول جنوب �رشق �آ�سيا.
املعلوماتية
جماالت التعليم والإعالم والإبداع الفني. و�ضع ت�صميمات مبتكرة لواجهات تعامل امل�ستخدم User interfacesمع النظم اخلائلية جتمع بني الأ�س�س اجلمالية واعتبارات الهند�سة الب�رشية يف التعامل مع النظم الآلية . التوليد الريا�ضي للأ�شكال امل�سطّ حة واملج�سمة . ّ تدريب الكوادر املتخ�ص�صة على ت�صميم نظم تكنولوجيا الواقع اخلائلي ،والتي تختلف ب�صورة �أ�سا�سية عن نظم املعلومات التقليدية، لكونها �أقرب �إىل الإخراج ال�سينمائي . الإ�سهام يف تطوير �أ�ساليب املحاكاة الريا�ضية والإح�صائية والفيزيائية وو�ضع �سيناريوهات التعامل معها.
وامل�ؤ�س�سات الثقافية من مكتبات ومتاحف. �إتاحة نظام تعليمي متع ّدد امل�سارات ي�سمح للفئات املختلفة بالنفاذ �إليه و�إعادة االلتحاق به بعد انقطاع . الأمور املتعلقة بتعليم الكبار والتعليم العالجي والتعلّم عن بعد. تنمية مهارات التعلّم الب�سيطة واملركبة وكذلك ما يعرف باملهارات امليتامعرفية meta acognitiveويق�صد بها مهارات التفكري يف التفكري التي ت�ساعد الفرد على �إدراك موا�ضع القوة وال�ضعف يف طرق تفكريه وتعامله مع امل�شكالت. ربط التعليم مبطالب �سوق العمل .
�رشعت بع�ض البلدان العربية مثل ال�سعودية وتون�س وم�رص و�سوريا يف �إقامة جامعات خائلية Virtualمن دون �أي تن�سيق بينها. واجلامعات اخلائلية لي�ست بحاجة �إىل التكرار بقدر ما هي بحاجة �إىل ح�شد الإمكانيات وتوزيع الأدوار والتخ�ص�صات ،وميكن التحّ اد ّ اجلامعات العربية التابع للجامعة العربية �أن يقوم بدور حمور التن�سيق يف هذا ال�صدد.
حمو الأمية الأبجدية يتطلّب حلو ًال مبتكرة ت�ستغل الإمكانات العديدة التي توفرها تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت ،مثل ا�ستخدام ال�شا�شات التي تعمل بالّلم�س واللوحات الإلكرتونية الناطقة واملعاجم الإلكرتونية امل�صورة� ،إ�ضافة �إىل تعزيز برامج حمو الأمية مبواقف طبيعية ال�ستخدام اللغة الب�سيطة وظيفي ًا يف احلياة اليومية .وميكن اال�ستهداء يف ذلك بتجربة كوبا ملحو الأمية التي �أ�شادت بها منظمة اليون�سكو. مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 154للتنمية الثقافية
التو�سع يف �إقامة املعامل اخلائلية:
�أي الإعالم ـ ميثّل اخلط ال�ساخن اللتقاء الثقافة باملجتمع .فهو يعك�س الرتكيبة الطبقية للمجتمع ،ويك�شف عن �رصاعاته وتفاعل اخلطابات املختلفة التي ت�رسي يف كيانه. املنظور العربي� :أجمعت الآراء على �أن الإعالم من �أهم �أدوات التحديث يف املجتمعات النامية ،وهناك من يرى �أن الإعالم ميكن �أن يلعب دوراً �أكرث ت�أثرياً من الكمبيوتر و�شبكات االت�صاالت يف تنمية هذه املجتمعات؛ خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق بجماعاتها املحلية. وب�صفة عامة ،يتحا�شى مفكرو التنمية العرب �إبراز الدور الذي ميكن �أن يلعبه الإعالم يف جهود الإ�صالح املجتمعي جتنب ًا ل�صدام ال يحمد عقباه مع القوى القاب�ضة على زمام الإعالم يف املجتمعات العربية.
ثامن ًا :ر�ؤية م�ستقبلية لتنمية مك ّون الإعالم يف ثقافة ع�رص املعلومات
�أهمية الإعالم �سيا�سي ًا :مل يعد الإعالم ميثل ال�سلطة الرابعة� ،أو اخلام�سة ،بل �أ�صبح ي�شغل املجال ال�شفاف بني الفعل ال�سيا�سي ور ّد الفعل اجلماهريي م�س�ألة .من هنا �أ�صبحت النظرة �إىل الإعالم على �أنه املعيار الذي ُتقا�س به كفاءة الأداء ال�سيا�سي واالقت�صادي للنظم املعا�رصة .وقد لعبت ال�صحافة دوراً �أ�سا�سي ًا يف ظهور الدولة احلديثة ،وبلورة عالقة م�ؤ�س�سة احلكم بامل�ؤ�س�سات الأخرى .وها هو �إعالم الإنرتنت بات يه ّدد نظام الدولة ال�سيا�سي- االقت�صادي من �أ�سا�سه.
من �أجل تعوي�ض النق�ص ال�شديد يف املعامل داخل املدار�س العربية ،وعدم توفر البيئة االجتماعية التي تتواجد فيها املن�ش�آت العلمية والتكنولوجية املتقدمة من مفاعالت ومعجالت وجم ّمعات �صناعية ومعامل بحثية، التو�سع يف �إن�شاء من �أجل هذا وذاك يجب ّ املعامل اخلائلية Virtual labsيف املواد العلمية املختلفة .يهدف هذا امل�رشوع �إىل بناء �إطار عام لإن�شاء هذه املعامل اخلائلية يت�ضمن حزمة من الأدوات التكنولوجية لتطويع موارد املعلومات املختلفة للمعاجلة الآلية وحتويل املادة التعليمية �إىل �سال�سل من التجارب العلمية و�إىل �سيناريوهات متن ّوعة لتقدمي املادة.
�أبرز مالمح الو�ضع الراهن
• عدم اال�ستعداد للنقالت املرتقبة يف الإعالم الإلكرتوين كالفيديو حتت الطلب والتالحم بني الإنرتنت واملحمول والإعالم الورقي والف�ضائي. • عدم اال�ستعداد ملوجة الإعالم ال�شعبي القائم على الفرد كاملدونني واملنتج الإعالمي املوجه للفرد ب�صورة �شخ�صية. • االفتقار �إىل عمليات الت�شبيك يف جمال الن�رش والإعالم من خالل املكتبات الرقمية وامل�ستودعات الأخبارية والإعالمية التخيلية املفتوحة ،وم�ستودعات الن�رش الرقمي واملدونات وال�شبكات االجتماعية.
�أهمية الإعالم يف ثقافة ع�رص املعلومات
�أهمية الإعالم عموم ًا :ال تقوم للمجتمع نظام لالت�صال، الإن�ساين قائمة من دون ٍ والإعالم هو بال منازع� ،أهم و�سيلة لإ�شاعة الأفكار ،وت�شكيل الآراء ،وجت�سيد الثقافة ون�رشها و�إ�سقاطها على �أر�ض الواقع .وهو ـ
املنظور العربي :الإعالم ،بال منازع� ،أ�ش ّد �أ�سلحة القوى اللينة �رضاوة يف يد ال�سلطة على اختالف �أنواعها ،ومتثّل الإنرتنت يف هذا ال�صدد عامل توازن مبا توفره من قنوات �إعالمية، موازية للإعالم التقليدي ،يجيد ا�ستخدامها الأفراد واملنظمات غري احلكومية. �أهمية الإعالم اقت�صادي ًا :عوملة االقت�صاد وعوملة الإعالم تو�أمان ،خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق باقت�صاد الثقافة ،فهو ـ �أي الإعالم ـ و�سيلة القوى االقت�صادية لعوملة الأ�سواق من جانب ،وتنمية النزعات اال�ستهالكية ل�سلع
الف�صل اخلام�س تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي 155
توجهات م�ستقبلية للإعالم يف ع�رص ّ املعلومات
من الإعالم �إىل التوا�صل :يرتكز مفهوم الإعالم �أ�سا�س ًا على مهمة توجيه الر�سائل من املر�سل �إىل امل�ستقبل .وقد �آن لهذا التوجه الذي طال عليه الأمد �أن يتغيرّ يف ظل تكنولوجيا املعلومات ،وغاية ذلك �أن ي�صبح توا�ص ًال، �أي حواراً ذا اجتاهني ،ال جمرد �إعالم �أحادي ي�صب «جام» ر�سائله على م�ستقبليه. االجتاه ّ �إنه التوا�صل مبعناه الوا�سع ،الذي ال يقت�رص على �إبالغ الر�سائل ،بل يتجاوز ذلك �إىل مهام التعليم والتعلّم والرتا�سل والتحاور عن بعد، و�أهم من هذا وذاك �إقامة �ساحة �إعالمية لدعم امل�شاركة يف توظيف املعرفة القائمة و�إنتاج املعرفة اجلديدة. املنظور العربي :يتطلّب التح ّول من الإعالم �إىل التوا�صل �إقامة بنية حتتية مغايرة من �شبكات االت�صاالت ذات ال�سعة العالية ،broad bandالأمر الذي ُيخ�شى معه ـ نظراً
املعلوماتية
�صناعة الثقافة من مو�سيقى و�أفالم و�ألعاب وبرامج تليفزيونية ،من جانب �آخر ،ال�سيما �أن هذه ال�سلع ـ بحكم طبيعتها ـ ذات قابلية عالية للتوزيع �إلكرتوني ًا عرب الإنرتنت والو�سائط الرقمية الأخرى. املنظور العربي :ميكن لعوملة الإعالم �أن تلحق �أ�ش ّد ال�رضر باقت�صاديات الدول النامية من خالل تنمية النزعات اال�ستهالكية يف مما يفاقم من �صورتها املادية والثقافية .و ّ هذه العواقب� ،أن نظم التجارة الإلكرتونية الثقافية للدول املتقدمة تعمل بو�سائل ت�سويق مبتكرة كثيفة التكنولوجيا ب�شكل ي�صعب معه على الدول النامية جماراتها. عالوة على ما �سبق ،ف�إن جمال الإعالم ميثل جما ًال مغري ًا للغاية لال�ستثمار االقت�صادي ،بحيث ُتخ�شى معه �سيطرة ر�أ�س املال على الإعالم ،وتغليب العامل الرتفيهي ذي العائد االقت�صادي الأعلى على العامل التنموي.
نوع من الرتفاع كلفة هذه ال�شبكات ـ ظهور ٍ الفجوة الإعالمية تف�صل بني العامل املتق ّدم والعامل النامي ،وبني املجتمعات العربية ذاتها ،على �أ�سا�س الفارق بني �إعالم التوا�صل ذي االجتاهني ،و�إعالم الإبالغ الأحادي االجتاه .لقد �أقامت م�ؤ�س�ساتنا الإعالمية جمدها االجتماعي على مهمة الإبالغ وتر�سخت لدى املواطن العربي عادة والتوجيهّ ، التلقي ال�سلبي .وال�س�ؤال الآن :هل ميكن �إحداث النقلة النوعية لالرتقاء ب�إعالمنا �إىل م�ستوى التوا�صل؟
من �سيطرة املر�سل �إىل حمورية املتلقي :لقد عانى املتلقي كثرياً من �سطوة
القاب�ض على زمام الإر�سال الإعالمي ،وي�أمل الكثريون �أن ت�ؤدي تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت �إىل التحول من �سيطرة املر�سل �إىل حمورية املتلقي ،يق�صد بذلك �أن يكون لديه احلق يف اختيار ر�سالته الإعالمية� ،سواء من حيث املحتوى �أم ال�شكل �أم وقت ا�ستقباله لها؛ فقارئ اجلريدة �أ�صبح ب�إمكانه �أن يح ّدد مو�ضوعاته املف�ضلة و�شكل �إخراج جريدته ومواعيد �صدورها ،وم�شاهد التليفزيون �أ�صبح ب�إمكانه ،بدرجة حمدودة حالي ًا لكنها �آخذة يف�ضلها، يف التو�سع� ،أن يح ّدد الربامج التي ّ والأوقات التي تنا�سبه مل�شاهدتها؛ وذلك با�ستخدام ما يعرف بنظام «الفيديو ـ حتت ـ الطلب .»video–on-demandوي�رسف البع�ض يف توقعاته ب�ش�أن حمورية املتلقي �إىل ح ّد �أن ت�صبح لكل �شخ�ص ،يف زمن لي�س ببعيد ،وكالة الأنباء اخلا�صة به؛ وذلك من خالل ما يعرف بـ «الوكيل الآيل» �أو الروبوت املعريف الذكي، الذي مي�سح الإنرتنت طو ًال وعر�ض ًا ،وي�ستعر�ض قنوات التليفزيون وحمطات الإذاعة ،ويطالع ال�صحف اليومية واملجالت الدورية ويتابع وكاالت الأنباء ،بحث ًا ع ّما يلبي رغبات من ينوب عنه ،ويتفق مع بروفيلـه املعلوماتي. املنظور العربي� :سوف ي�ؤدي توجه «فيديو-حتت – الطلب» �إىل حتويل م�ؤ�س�سات
ميكن لعوملة الإعالم �أن تلحق �أ�ش ّد ال�رضر باقت�صاديات الدول النامية من خالل تنمية النزعات اال�ستهالكية يف �صورتها مما يفاقم املادية والثقافية .و ّ من هذه العواقب� ،أن نظم التجارة الإلكرتونية الثقافية للدول املتقدمة تعمل بو�سائل ت�سويق مبتكرة كثيفة التكنولوجيا ب�شكل ي�صعب معه على الدول النامية جماراتها.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 156للتنمية الثقافية
الإعالم �إىل م�ستودعات للربامج الإعالمية، وهو و�ضع يتطلّب بدوره تعديالت جوهرية يف �أجهزة الإعالم العربية� ،سواء من حيث التنظيم �أم �أ�سلوب الإدارة �أم التجهيز التكنولوجي. والأخطر من هذا وذاك ،هو �رضورة توفر القدرات لإنتاج مواد وبرامج �إعالمية متميزة قادرة على املناف�سة ،بعد �أن �أ�صبحت �سوق الإعالم �سوق ًا تعود للمتلقي فيها الكلمة العليا، و�إن عجزت و�سائل الإعالم املحلية عن تلبية مطالبه ،فال بديل �أمام املتلقي العربي �إال اقتناء زاده الثقايف من اخلارج .وكما ن�ستورد الب�ضائع الأجنبية ذات اجلودة العالية �سيزداد ا�ستريادنا ملنتجات الإعالم الأجنبي بعد تعريبها ودبلجتها. �سوف ي�ؤدي توجه «فيديو - حتت – الطلب» �إىل حتويل م�ؤ�س�سات الإعالم �إىل م�ستودعات للربامج الإعالمية ،وهو و�ضع يتطلّب بدوره تعديالت جوهرية يف �أجهزة الإعالم العربية� ،سواء من حيث التنظيم �أم �أ�سلوب الإدارة �أم التجهيز التكنولوجي .والأخطر من هذا وذاك، هو �رضورة توفر القدرات لإنتاج مواد وبرامج �إعالمية متميزة قادرة على املناف�سة.
االنتقال من الإعالم الفوقي �إىل الإعالم ال�شعبي :يرجع ما حقّقه التليفزيون من قدرة
�إعالمية مذهلة �إىل احتوائه الراديو .باملقارنة، تقوم عظمة الإنرتنت على احتوائها ال�صحافة والإذاعة والتيلفزيون والبحث عن املعلومات. لقد وفّرت الإنرتنت و�سيط ًا �إعالمي ًا غاية يف البث على نطاق الإثارة واملرونة يجمع بني ّ والبث على نطاق �ضيق عري�ض ّ broadcasting والبث امل�صوب لفرد �أو فئة ،narrowcasting ّ حمدودة من الأفراد .pintcasting الأهم من ك ّل ما �سلف �أن الإنرتنت ،من خالل املدونات ،blogsوما يطلق عليه �شبكات التوا�صل االجتماعي ،من قبيل,my space : facebok, u-bubeتعمل حالي ًا على التح ّول من منط الإعالم ذي الطابع الفوقي �إىل ما ميكن �أن نطلق عليه «الإعالم ال�شعبي» املنبثق من �أ�سفل� ،أي من القاعدة اجلماهريية العري�ضة. املنظور العربي :هناك عدة مبادرات عربية ناجحة على �صعيد �صحافة الإنرتنت �سواء التي ترعاها م�ؤ�س�سات الإعالم العربية �أم التي ولدت �إلكرتونية .من جانب �آخر ،انت�رشت املدونات العربية كالنار يف اله�شيم لتف�صح عن مدى تطلّع اجلماهري العربية �إىل حرية التعبري وقدرتها على ممار�سته.
نحو مزيد من �أجهزة املعلومات النقالة:
فر�ضت احلياة الع�رصية على الإن�سان �أن يظ ّل على ات�صال دائم ومبا�رش مب�صادر معلوماته، و�أماكن عمله ومعي�شته؛ وهو الأمر الذي �أ ّدى �إىل التو�سع يف �أجهزة املعلومات النقالة التي ت�شمل حالي ًا الهاتف النقّال ،وامل�ساعد ال�شخ�صي الرقمي ،PDAوذاكرة اجليب الإلكرتونية و�رشائح املو�سيقى الرقمية وما �شابه .ويت�سابق عمالقة �صناعة االت�صال يف دمج ك ّل هذه اخلدمات املعلوماتية يف جهاز �صغري واحد يجمع بني الهاتف والتليفزيون والتعامل مع الإنرتنت بجانب ا�ستخدامه مبثابة كمبيوتر �شخ�صي نقّال. املنظور العربي :مل ت�أخذ م�ؤ�س�سات الإعالم العربية �أهبتها ا�ستعداداً لالندماج املرتقب بني التليفزيون والهاتف النقّال والإنرتنت ،وهو �أمر يحتاج �إىل �إنتاج غزير ملحتوى مبتكر يل ّبي مطالب الأجهزة النقالة املدجمة. من زاوية �أخرى ،ف�إن �شا�شة عر�ض هذه الأجهزة النقالة ذات احلجم ال�صغري تتطلّب حلو ًال مبتكرة من �أجل تطويعها ملطالب اللغة العربية� ،سواء من حيث طرق البحث عن املعلومات يف الإنرتنت �أم من حيث تطوير نظم ذكية الخت�صار الن�صو�ص �آلي ًا. لقد حت ّول الإعالم من �إعالم جماهريي � mass mediaإىل �إعالم العامة pubice med ،diaوكما حت ّول �إىل م�ستودع للربامج لتلبية توجه «فيديو-حتت-الطلب ،ها هو يتح ّول �إىل ركيزة حمورية للتوا�صل communication ي�صنع حمتواه الإعالمي من خالل م�شاركة اجلماهري.
م�رشوعات مقرتحة لتنمية مك ّون الإعالم
�إن�شاء مركز مت ّيز لالبتكار الإعالمي: حتى ي�ستطيع الإعالم العربي املناف�سة يف ع�رص ال�سماوات املفتوحة ،ال ب ّد �أن يكون قادراً على تقدمي خدمات مبتكرة تلبي مطالب املتلقي العربي ترفيه ًا وتثقيف ًا وتعليم ًا .تت�ض ّمن مهام
الف�صل اخلام�س تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي 157
�إنتاج �إعالمي كثيف الإبداع ال كثيف التكنولوجيا :ي�ستطيع �أن يقف على قدم
امل�ساواة مع الإنتاج امل�ستورد ،فنحن بحاجة �إىل �إنتاج �إعالمي ،ال يعتمد على التكنولوجيات املكثفة وعنا�رص الإبهار ،بقدر ما يعتمد على الفكرة املبتكرة ،والفهم العميق لأذواق املتلقني وتوقعاتهم .ويتيح الإعالم احلديث فر�ص ًا �أكرث لتنمية الإبداع بجميع فروعه� :أدب ًا و�شعراً و�أدا ًء وت�شكي ًال ومو�سيقى� .إن توجه «فيديو ـ حتت ـ متدرجة وطويلة الطلب» ،يتطلب ا�سرتاتيجية ّ املدى لتوفري �إنتاج �إعالمي غزير ومتن ّوع يجمع بني ثالثة عنا�رص �أ�سا�سية: • ا�ستغالل �أر�شيفات امل�ؤ�س�سات الإعالمية، وبناء م�ستودعات �أر�شيفية جامعة ت�شارك فيها امل�ؤ�س�سات الإعالمية العربية. • ا�ستحداث �أجنا�س جديدة للإنتاج الإعالمي
املعلوماتية
املركز املقرتح على �سبيل املثال ال احل�رص : • ا�ستغالل اللغة العربية كميزة تناف�سية يف الإنتاج الإعالمي ،وي�شهد على ذلك النجاح الكبري الذي حققته الدراما التليفزيونية العربية واملرتجمة عن الرتكية. • ا�ستغالل حمتوى الإنرتنت يف �إثراء الإنتاج التليفزيوين رمبا يتجاوز الربامج احلالية التي تركّز على حمو �أمية الإنرتنت . • �إ�سهام الإعالم يف تعزيز العمل امل�صطلحي لكون الإعالم هو خط املواجهة الأول ملا يظهر من مفاهيم جديدة. • ا�ستحداث و�سائل �سهلة لكيفية تعامل املتلقي العربي على اختالف م�ستوياته ،مع و�سائل الإعالم التفاعلي. البث االنتقائي امل�ص ّورة لفئة • تطوير �أ�ساليب ّ جماهريية معينة. • ا�ستغالل كنوز الرتاث العربي الأدبي وال�شعري واملو�سيقي لإحياء االعتزاز بالهوية العربية. • ا�ستغالل الإعالم ك�أداة فعالة للتعريب بني اللغة العربية الف�صحى امل�ستخدمة �إعالمي ًا والعاميات العربية.
تقوم على التفاعلية والو�سائط املتع ّددة. • تعريب الربامج الأجنبية التي تالئم املتلقي العربي ،خ�صو�ص ًا يف جمال الثقافة العلمية والتكنولوجية من خالل نظم جتمع بني الرتجمة الآلية والب�رشية.
التو�سّ ع يف حمتوى الهواتف النقالة:
وذلك تلبية ملطالب االندماج املرتقب بني الإنرتنت والتليفزيون والهواتف النقالة ،على �أن يقدم قائمة خدمات يختار منها امل�ستخدم ما ينا�سبه وفق ًا الهتماماته وقدراته ،وجدير بالذكر هنا �أنه مل تت ّم �إىل الآن درا�سة جادة لتحديد مطالب امل�ستخدم العربي بفئاته املختلفة يف هذا اخل�صو�ص ،با�ستثناء فئة املديرين ور�ؤ�ساء املكاتب� .إن حمتوى الهواتف النقالة يتطلّب حلو ًال مبتكرة لكيفية عر�ض املعلومات العربية و�رسعة البحث ونظم �آلية لال�ستخال�ص والتلخي�ص لواجهة حمل املعلومات الزائدة.
م�رشوع تطوير حزمة للثقافة العلمية والتكنولوجية :هذا امل�رشوع جت�سيد
لال�سرتاتيجية التي ط ّورتها املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم لن�رش الثقافة العربية على مدى الوطن العربي ،ويتبنى امل�رشوع التوجهات الرئي�سية التالية: • تغطية فئات خمتلفة من امل�ستفيدين. • احلر�ص على اال�ستغالل الأق�صى للموارد التي توفرها منظمة اليون�سكو يف هذا اخل�صو�ص. التو�سع يف تعريب الربامج الوثائقية التي • ّ �أ�صبحت جتتذب مزيداً من امل�شاهدين يوماً بعد يوم ،وميكن �أن ي�ضاف �إليها ما يع ّزز حمتواها بالن�سبة للم�شاهد العربي الذي تختلف خلفيته العلمية-التكنولوجية مع ذلك امل�شاهد الأجنبي الذي ُ�ص ّممت من �أجله هذه الربامج. • ا�شتمال الثقافة العلمية على ثقافة علوم الإن�سانيات. • ا�شتمال احلزمة على جمموعة من الربجميات اخلا�صة بتنمية مهارات التفكري النقدي
مل ت�أخذ م�ؤ�س�سات الإعالم العربية �أهبتها ا�ستعداداً لالندماج املرتقب بني التليفزيون والهاتف النقّال والإنرتنت ،وهو �أمر يحتاج �إىل �إنتاج غزير ملحتوى مبتكر يل ّبي مطالب الأجهزة النقالة املدجمة. من زاوية �أخرى ،ف�إن �شا�شة عر�ض هذه الأجهزة النقالة ذات احلجم ال�صغري تتطلّب حلو ًال مبتكرة من �أجل تطويعها ملطالب اللغة العربية.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 158للتنمية الثقافية
والإبداعي. • �إن التطور العلمي التكنولوجي املت�سارع يتطلّب الرتكيز على املفاهيم الأ�سا�سية بد ًال من الرتكيز على املنتجات الفعلية لأن املفهوم هو وحدة البناء الأ�سا�سية للبنى املعرفية .ومن املعروف �أن �إنتاج حمتوى عايل اجلودة للثقافة العلمية والتكنولوجية يتطلب كلفة باهظة .على العك�س من ذلك ف�إن �إنتاج املحتوى القائم على املفاهيم هو ذو كلفة منخف�ضة ،بحيث يت ّم مب�سطة، تقدمي املفاهيم بر�سومات تخطيطية ّ ومن �أمثلة هذه املفاهيم ت�أثري ال�صوبة الذي �أدى �إىل ارتفاع حرارة الكوكب ومفهوم اجلني �أ�سا�س لغة اجلينات والكود الثنائي �أ�سا�س احلو�سبة الإلكرتونية وكثري من املفاهيم الطبية مثل ت�صلب ال�رشايني واجللطة الدماغية. الأر�شيف ال�صحفي املوحد� :أر�شيفات ال�صحف العربية املتوفرة على الإنرتنت ما زالت تعمل معزولة عن بع�ضها البع�ض، مبا يقلّل من فر�ص ت�سويقها .يهدف هذا امل�رشوع �إىل بناء نظام موحد يجمع هذه الأر�شيفات ويتيح النفاذ �إليها من خالل �شجرة مو�ضوعات متع ّددة امل�ستويات ،ويوفر �آليات بحث ن�صي ومو�ضوعي ت�ستخدم نظم الفهر�سة الآلية واال�ستخال�ص الآيل .يولّد املوقع نواجت فرعية عديدة لدعم العمل امل�صطلحي وبحوث الن�صية. الأ�سلوبية والّل�سانيات ّ
تا�سع ًا :تنمية مك ّون الإبداع يف ثقافة ع�رص املعلومات �أهمية الإبداع يف ثقافة ع�رص املعلومات
�أهمية الإبداع عموم ًا :الإبداع حمرك �أويل للثقافة ،وق ّوة دفع �أ�سا�سية للحركة الفكرية. فهو �أول من ي�شعر بحراك جمتمعه ،و�أول من يتحمل �أوزاره ،ت�شهد على ذلك املحاكمات الثقافية غري املعلنة ،التي تقام للمفكرين واملبدعني بعد احلروب والكوارث .ف�أ�شد �أخطاء
الإبداع خطراً �أن يف�شل يف �أن ينذر قومه مبا يحمله لهم م�ستقبل �أيامهم .والإبداع هو مر�آة الثقافة ،واملدافع عن مواقفها يف �رصاع القوى االجتماعية ،واملتحدث با�سمها يف حوار الثقافات .ولكونه طليعة الثقافة ف�إن حوار الثقافات يف ع�رص ثقافة املعلومات �سي�سته ّل باحلوار على جبهة الإبداع. املنظور العربي :يواجه الإبداع الف ّني العربي حتديات ع ّدة ب�سبب تلك اخل�صومة املفتعلة التي �أقامها البع�ض بني الدين ومعظم �أجنا�س الفنون .والإبداع العربي اللغوي� ،أدب ًا و�شعراً ،هو �أبرز جوانب الإبداع العربي قاطبة، وي�أتي من بعده الت�شكيل الذي �شهد �إجنازات عربية جديرة بالإ�شادة. �أهمية الإبداع معرفي ًا� :إن الفن يجعل حوا�سنا �أكرث قدرة على �إدراك ما كان ميكن مير من دون �أن نلحظه .هذا عن الفن ك�أداة �أن ّ ل�شحذ �أدوات �إدراكنا للواقع� ،أما ما يفعله يف �أذهاننا ف�أخطر و�أعمق� ،إنه يك�سبنا القدرة على الإم�ساك بتالبيب م�شاعرنا الزائغة ،فالفنان ال ينقل لنا ما ي�شعر به ،بل ينقل لنا معرفته عن كنه امل�شاعر ،ويك�شف لنا عن جوانب ال نراها مع كونها ماثلة هناك ،وال يعوقنا عن ذلك �إال كوننا ال نعرف كيف ننظر �إليها ،وهو يدعنا نرى العامل من منظور خمتلف ،يخرجنا من عاملنا املعتاد الذي ت�آكلت مالحمه بفعل التكرار. املنظور العربي :ما زال الكثريون لدينا الفن �رضب ًا من يجدون �صعوبة بالغة يف كون ّ املعرفة ،معرفة حد�سية تختلف عن املعرفة العلمية لكنها ال تق ّل عنها �إثارة و�أهمية، خ�صو�ص ًا بالن�سبة لثقافة ع�رص املعلومات التي ت�صبو �إىل تكامل معريف يجمع بني فروع املعرفة العلمية وبينها وبني �أجنا�س الفنون املختلفة ،وقد �أ ّدى ذلك الق�صور الفكري �إىل �أهمال املعرفة الكامنة يف جوف الفنون ،فعلى �سبيل املثال حال احتفا�ؤنا بكنوز ال�شعر العربي احل�سية اجلمالية دون ا�ستخال�ص على جوانبه ّ
الف�صل اخلام�س تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي 159
�أهمية الإبداع لغوي ًا :يرى البع�ض �أن التحليل الأدبي هو �أف�ضل مدخل لتناول �إ�شكالية اللغة ،وذلك لع ّدة �أ�سباب �أهمها: قدرة الأدب على تناول �إ�شكالية املعنى وعالقته بالرمز ب�صورة �أعمق و�أ�شمل. ما �سيفر�ضه الأدب من �رضورة جتاوز وحدة اجلملة املفردة التي يقوم عليها التنظري اللغوي الراهن �إىل ال�سياق الأكرب من الفقرات وال�رسد املت�صل. ما �سيفر�ضه الأدب كذلك ل�شدة �صلتة بالواقع من �رضورة تناول اجلوانب الربجماتية ال�ستخدام اللغة وعالقته باملقام الذي يجري فيه احلدث اللغوي. املنظور العربي :مل يواكب تنظرينا اللغوي الثورة التي تفجرت على �صعيد علم اللغة منذ ما يزيد عن ن�صف قرن ،ويا ليته يلحق مع الآخرين املوجة الثانية للتنظري اللغوي التي تربط بينه وبني التنظري الأدبي ،وذلك �سعي ًا �إىل تعوي�ض تخلّفه باالنطالق من نقطة بداية متقدمة ،ويوفّر الأدب العربي ،قدميه وحديثه، ذخرية ثرية من الن�صو�ص الأدبية لدعم هذا التوجه التنظريي.
توجهات م�ستقبلية للإبداع يف ع�رص ّ املعلومات
من فنون الإدارك احل�سّ ي �إىل فنون املعرفة :ميكن ت�صنيف الفنون التقليدية على
احل�سي �أ�سا�س ًا، �أنها فنون قائمة على الإدراك ّ وقد �شهدت الآونة الأخرية ظهور فنون قائمة فن الت�شكيل على املعرفة ،خ�صو�ص ًا على �صعيد ّ نوجز �أهم مظاهرها يف ما يلي: الفن املفهومي الف ّن املفهومي :غاية ّ conceptual artهي نقل الفكرة �إىل املتلقي، فلي�س هدفه �إنتاج �أعمال فنية مادية من لوحات ومنحوتات. الفن النانوي Nanoart الف ّن النانوي :يتعامل ّ
املعلوماتية
املكنون املعريف واحلكمة الإن�سانية العميقة التي يحملها يف ثناياه.
مع البنية امليكروية �أو النانوية للمادة .ولقد الفن التقليدي على اللقاء املبا�رش للحوا�س قام ّ مع العامل ،فحالت قيودها دون ر�ؤية الكبري يف هيلولته� ،أو ال�صغري يف دقته ،فال نرى من الفن النانوي الأ�شياء �إال ظاهرها اخلارجي� .أما ّ فينفذ بنا لرنى جمال البناء الداخل للمادة الع�ضوية وغري الع�ضوية وتفا�صيل عنا�رصها الدقيقة ،فما هو �أروع من جمال البلورات و�أكرث �سحراً هو ر�ؤيتها وهي تت�شكّل �أمام �أعيننا. الف ّن البيولوجي� :ألهبت الكائنات احلية �إن�سان ًا وحيوان ًا و�أ�شجاراً وزهوراً خيال الفنان، ومل يكن مبقدوره �إال �أن يرى ظاهرها ،يراها الفن البيولوجي � bioartإىل من خارجها .ي�سعى ّ ر�ؤية هذه الكائنات من داخلها ،من جيناتها وخالياها و�أن�سجتها و�أع�ضائها ،يرى الآليات البيولوجية البالغة التعقيد� ،أداة تلك املاكينة الطبيعية العجيبة التي تتوىل مهمة �صنع احلياة. املنظور العربي :للوهلة الأوىل ،ورمبا ب�سبب املوقف ال�سلبي احلايل �إزاء معظم �أجنا�س الفنون ،يبدو ك�أن لي�س للعرب �ش�أن مبعرفة الفنون ويف هذا �إجحاف �شديد ،فقد كانت لهم �إ�سهامات ذات قيمة علمية وعملية �سواء يف املعرفة الكامنة وراء الفنون �أم يف الفنون القائمة على املعرفة ،نورد يف ما يلي بع�ض ًا من �شواهدها: و�صف ابن �سينا لتع ّدد جمال املو�سيقىْ : الأ�صوات (البوليفينة) و�أبحاث الكندي يف طبيعة الأ�صوات وحتديد نطاق ذبذباتها ،وما �أورده الفارابي يف كتاب املو�سيقى الكبري عن تاريخ املو�سيقى وعن تناغم الأ�صوات وتنافرها وتع ّدد املقامات. جمال معارف الأدب وال�شعر :ما �أبدعه ال�سلف من �أمثال الأغاين للأ�صفهاين وما �أورده يف الأ�صول اجلمالية لل�شعر العربي ،وما �أورده الن�ص ابن كثري عن م�صادر اجلمال يف حالوة ّ القر�آين وطالوته. مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 160للتنمية الثقافية
يحتاج الرتاث العربي �إىل �إعادة طرحه من منظور احلا�رض ،ويتطلب ذلك رقمنة هذا الرتاث و�أر�شفته �إلكرتونياً.
يخ�ص الفنون القائمة على املعرفة ويف ما ّ وفن املعمار: فن الزخرفة ّ فمن �أبرز جماالتها ّ فن قائم ب�شكل مبا�رش على ف ّن الزخرفة :هو ّ النظريات الهند�سية وح�ساب املثلثات ،وقد �أبرز اخلا�صية التوليدية للأن�ساق الريا�ضية، وقدرتها على متثيل الالنهائي ،فمن معادلة هند�سية ب�سيطة حل�ساب املثلثات ميكن توليد �أ�شكال زخرفية غاية يف الرثاء والتن ّوع. ف ّن املعمار :وقد قام هو الآخر على الريا�ضيات وعلوم خوا�ص املواد وفيزياء ال�ضوء والأ�صوات وحركة الهواء.
من �إ�سقاط املا�ضي �إىل االنطالق منه:
تتم ّيز تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت بقدرتها على دعم الفنون اجلماهريية من دون �أن حترم نخبة املبدعني من ممار�سة دورهم للفن مداومة الطليعي الذي ي�ضمن ّ جت ّدده ونزوعه نحو الأرقى والأعمق.
فن احلداثة من ح�سبانه �صلته باملا�ضي �أ�سقط ّ وتفرده، وذلك بتمجيد �أ�صالة العمل وابتكاريته ّ فن ما بعد احلداثة معلن ًا �أن الأ�صالة ال لي�أتي ّ تعنيه يف �شيء ،ولي�س ثمة غ�ضا�ضة يف �أن يقرت�ض الف ّنان وين�سج ويعيد ا�ستخدام �أعمال فنية من املا�ضي. تعترب تكنولوجيا املعلومات �أم�ضى الو�سائل للحفاظ على ما خلفه املا�ضي من تراث فني وتقطري رحيقه املعريف ،بالإ�ضافة �إىل الأدوات العملية العديدة ملعاجلة الأعمال الفنية و�إعادة �إنتاجها على اختالف �أنواعها �صوراً �أو ر�سوم ًا �أو ن�صو�ص ًا �أو �أحلان ًا .و�إن كانت تكنولوجيا الت�صوير قد عملت على الفن لتنقله من �صاالت املتاحف دمقرطة ّ و�صالونات املقتنيات �إىل غرف املعي�شة ،فقد للفن متحف ًا �شام ًال ومعر�ض ًا جعلت الإنرتنت ّ متج ّدداً على ا ّت�ساع العامل. املنظور العربي :يحتاج الرتاث العربي �إىل �إعادة طرحه من منظور احلا�رض ،ويتطلب ذلك ـ �أول ما يتطلب ـ رقمنة هذا الرتاث و�أر�شفته �إلكرتوني ًا ،ويلزم التنويه هنا باجلهد اجلاد املبذول حالي ًا لأر�شفة مقنيات املتحف امل�رصي� ،أو الرتاث املنقول ،بيد �أن التحدي احلقيقي يكمن يف رقمنة الرتاث الثابت من معابد ومقابر ومتاثيل وما �شابه.
من الف ّن النخبوي �إىل اجلماهريي:
فن احلداثة بنخبويته املفرطة ،يف حني يو�صم ّ فن ما بعد احلداثة موتيفاته من نطاق يقرت�ض ّ وا�سع ومتن ّوع من م�صادر ف ّنية معظمها له فن احلداثة طابع جماهريي ،ويف حني �أغفل ّ اجلماهري بتمحوره حول العمل الف ّني ذاته، مفرت�ض ًا وجود و�سيط من النقاد يقوم مبا الفن العايل ي�شبه دور الهوي�س بني من�سوبي ّ فن ما بعد احلداثة وفن الطبقات الدنيا ،ف�إن ّ ّ يتمحور حول املتلقي وتقا�س قيمة العمل الإبداعي مبدى ا�ستجابة املتلقي. تتم ّيز تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت بقدرتها على دعم الفنون اجلماهريية من دون �أن حترم نخبة املبدعني من ممار�سة دورهم للفن مداومة جت ّدده الطليعي الذي ي�ضمن ّ ونزوعه نحو الأرقى والأعمق .بقول �آخر �إن تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت يف طريقها �إىل حتطيم ثنائية النخبوي واجلماهريي ب�أن ترقى بذائقة اجلماهري وحتثّها على امل�شاركة لفن النخبة م�سارات من جانب ،و�أن توفّر ّ ي�سلكها لكي يتحقق له التوا�صل مع اجلماهري العري�ضة. املنظور العربي :وت�شكو فنوننا العربية احلديثة من نخبوية طاغية ،وهو ما �أ ّدى �إىل ا�ستفحال الأمية الف ّنية ،خ�صو�ص ًا على �صعيد الت�شكيل واملو�سيقى .وما زاد الطني بلة هبوط الفن اجلماهريي �إىل ذلك امل�ستوى املرتدي ّ الذي تبثّه و�سائل الإعالم ،وبد ًال من �أن يرقى الفن بوعي جماهريه نراه ي�ش ّوه هذا الوعي �إىل ّ ح ّد االبتذال �أحياناً. م�رشوع بناء �أول قاعدة معارف knowle edge-baseلل�شعر العربي :من املعروف �أن
مت بنا�ؤه حتى الآن بالن�سبة لل�شعر �أق�صى ما ّ العربي هو قواعد بيانات ،data basesو�شتان بني هذه وتلك ،فبينما ال تتجاوز قواعد البيانات ظاهر الألفاظ ،تتعامل قاعدة املعارف مع عنا�رص الداللة من معاين الكلمات وال�صيغ
الف�صل اخلام�س تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي 161
�إثراء الإنتاج ال�سينمائي :مع انت�شار و�سائل توزيع الأفالم ال�سينمائية� ،أ�صبح لل�سينما دور خطري يف الت�أثري على �أفكار اجلماهري ،وكما يرى البع�ض ف�إن ال�سينما،
املعلوماتية
اال�ستعارية واملفاهيم الأ�سا�سية والأفكار املحورية وعالقات التما�سك ال�سياقي والرتابط املنطقي .يهدف امل�رشوع �إىل: تطوير �آليات بحث ذكية للنفاذ �إىل �أعماق املنت ال�شعري مثل البحث على �أ�سا�س املعنى واملفهوم و�أمناط التعابري اال�ستعارية ،عالوة ـ بالطبع ـ على �أنواع البحث النمطية كالبحث بداللة ا�سم ال�شاعر �أو ا�سم الق�صيدة� ،أو �أول بيت فيها وما �شابه. الن�صي �إقامة �شبكة كثيفة من حلقات الت�ش ّعب ّ الن�ص ال�شعري، hypertext linksتربط بني ّ وتراجم ال�شعراء واملعاجم ودوائر املعارف، واملراجع التاريخية وتراث الدرا�سات النقدية، واملكتبة غن ّية مبثل هذه املوارد للمعلومات ال�شعرية. ا�ستخراج املعجم ال�شعري ل�شاعر معني، �أو ملجموعة من ال�شعراء� ،أو ملرحلة زمنية �أو مدر�سة �شعرية مع ّينة ،ودرا�سة الت�أثري املعجمي املتبادل ما بني �شاعرين �أو جمموعة من ال�شعراء. تطوير نظام �آيل ذكي لتمييز بحور ال�شعر والزحافات والعلل والتفريق بينها �أتوماتي ًا، مع تطبيق ا�ستثناءات ال�رضورات ال�شعرية ومطالب القوايف. حمرك بحث خا�ص بال�شعر ميكنه بناء �أول ّ البحث على �أ�سا�س البحر و�أنواع الزحافات والعلل و�أمناط القوايف وال�رضورات ال�شعرية وخالفه. تقدمي �أنواع خمتلفة من الدعم م�ستخل�صة من ذخرية الن�صو�ص ال�شعرية لدفع جهود تطوير املعجم العربي والعمل امل�صطلحي. تطوير نظام لفهر�سة الن�صو�ص ال�شعرية مو�ضوعي ًا ال�ستخال�ص مفاهيمها الأ�سا�سية و�أفكارها املحورية.
ال�سيما الوثائقية ،ميكن �أن تفوق الإعالم التليفزيوين يف هذا ال�ش�أن ،ويرجع ذلك �إىل �أن ال�سينما �أكرث حترراً يف عر�ض ق�ضاياها، بحيث ال تكتفي بعر�ض الأحداث وال تلتزم بتعاقب وقوعها ،بل تعيد ترتيبها وتنظيمها وتطعيمها� .إن الإعالم التليفزيوين ي ّت�سم بالفورية واالهتمام بالأحداث اجلارية، مبا يجعله �أق ّل قدرة على عر�ض امل�شكالت والق�ضايا ذات الإيقاع البطيء والتي هي بال �شك �أكرث مغزى و�أهمية ،مثل م�شكلة البطالة وتغري املناخ .وهنا ي�أتي دور ال�سينما الوثائقية .ولعلّه يجب الرتكيز يف الإنتاج ال�سينمائي القائم على الفكرة ،باتباع توجه �سينما امليزانية املحدودة التي باتت تناف�س �سينما الإنتاج ال�ضخم الأمريكية ،وهي �سينما تقوم على املفهوم مثل «فيلم حتت ال�شم�س» املريازعية الذي تناول ظاهرة الث�أر ،وفيلم «الرجوع» The returnالرو�سي الذي يناق�ش عالقة الأبناء ب�أبيهم. وهناك عدة مبادرات �شخ�صية قام بها مبدعون �سينمائيون يف اجلزائر وتون�س وم�رص ،وجتدر الإ�شارة هنا �إىل النجاح الكبري التي حققته ال�سينما الإيرانية.
ت�شكو فنوننا العربية احلديثة من نخبوية طاغية ،وهو ما �أ ّدى �إىل ا�ستفحال الأم ّية الفن ّية ،خ�صو�ص ًا على �صعيد الت�شكيل واملو�سيقى .وما الفن اجلماهريي زاد الطني بلة هبوط ّ �إىل ذلك امل�ستوى املرتدي الذي تبثّه و�سائل الإعالم ،وبد ًال من �أن يرقى ي�شوه هذا ّ الفن بوعي جماهريه نراه ّ الوعي �إىل ح ّد االبتذال �أحياناً.
تهجني املو�سيقى العربية مع مو�سيقى البلدان الإ�سالمية :يتم ّيز الرتاث املو�سيقي
العربي برثاء �شديد من حيث عدد املقامات بيد �أن معظمها بات مهدداً بال�ضياع .هناك فر�ص عديدة �أمام املبدع املو�سيقي العربي لتهجني املو�سيقى العربية مع مو�سيقى ال�شعوب الأخرى ،خ�صو�ص ًا املو�سيقى الفار�سية والرتكية والهندية. يقوم امل�رشوع على ا�ستغالل الأدوات التي توفرها تكنولوجيا املعلومات يف رقمنة البيانات املو�سيقية وحترير املو�سيقى والعزف الفوري التلقائي للم�ؤلفات املو�سقية ومتييز الأنغام وف�صل الأنغام يف املو�سيقى البولوفينية� .إن هذا الهجني ميكن �أن يثمر مقاي�ضة �إبداعية رائعة بني ثراء الأحلان يف مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 162للتنمية الثقافية
املو�سيقى العربية وتع ّدد النغمات يف املو�سيقى البولوفينية الغربية.
تهجني الغناء العربي مع غناء ال�شعوب الأخرى :هناك ع ّدة مبادرات ناجحة قام بها
مغ ّنون عرب و�أجانب لدمج الغناء العربي مع �أغاين ال�شعوب الأخرى ،بحيث يت ّم تهجني الأحلان وامل�شاركة يف الغناء. م�ستودع بيانات الأدب العربي :هناك ع ّدة مبادرات لتخزين امل�ؤلفات الأدبية لكاتب معينّ مثل جنيب حمفوظ� ،إال �أننا نحتاج �إىل بناء م�ستودعات ت�شمل النتاج الأدبي العربي احلديث ،وذلك بهدف حتقيق الأهداف التالية : دعم الدرا�سات اخلا�صة بالأ�سلوبية العربية
والتي نفتقدها ب�شدة. دعم التنظرياللغوي ،بحيث يرى البع�ض �أن الأدب هو �أن�سب املداخل لتطوير البحث اللغوي، خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق بتناول �إ�شكالية املعنى، وعالقة اللغة بال�سياق لدعم بحوث الربجميات اللغوية التي ت�شتغل على عالقة اللغة مبا هو خارجها . ا�ستخراج اال�ستعارات اجلديدة ومظاهر الإزاحة الداللية يف معاين الألفاظ وذلك لإثراء املعجم العربي. ا�ستخراج املكنون املعريف الذي يت�ض ّمنه ال�رسد الأدنى . دعم درا�سات النقد املقارن الذي يعتمد ب�صفة �أ�سا�سية على ذخائر الن�صو�ص املحو�سبة.
163
165
التـعليم
امللف الثاين التمويل وا�ستقاللية الإدارة يف التعليم العايل
مؤسسة الفكر العربي ّ
167
الف�صل الأول:
التـعليم
�إدارة التعليم العايل و�أزمة الإ�ستقاللية �أو ًال� :إدارة �ش�ؤون التعليم العايل :الطابع احلكومي ثاني ًا� :إدارة اجلامعات احلكومية� :ضعف اال�ستقاللية الإدارية واملالية ثالث ًا� :إدارة اجلامعات غري احلكومية
الف�صل الثاين:
م�شكلة متويل التعليم العايل �أو ًال :الإنفاق احلكومي على التعليم العايل ثاني ًا� :إيرادات اجلامعات احلكومية ثالث ًا� :إيرادات اجلامعات غري احلكومية رابع ًا :الإنفاق والنوعية
الف�صل الثالث:
مبادرات يف تنويع التمويل ويف �إقامة الوقفيات اجلامعية �أو ًال :املعونات الأجنبية ثاني ًا :املعونات العربية ثالث ًا :ال�صناديق املحلية واملكرمات رابع ًا :امل�ؤ�س�سات الأهلية خام�س ًا :الوقفيات اجلامعية �ساد�س ًا :خال�صة ومناق�شة
الف�صل الرابع:
مناذج عاملية يف الوقفيات اجلامعية
�أو ًال :جتارب دولية ثاني ًا :درا�سة حالة جامعة هارفارد (الواليات املتحدة الأمريكية) ثالث ًا:درا�سة حالة جامعة �سيدين (�أ�سرتاليا) رابع ًا :درا�سة حالة تركيا مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 168للتنمية الثقافية
مقدمة لي�س هذا التقرير درا�سة عن الوقفيات اجلامعية يف البلدان العربية كواقعة قائمة (لأن هذه الوقفيات غائبة �إجما ًال فيها) ،بل يج�سد التقدم عن الوقفيات كبديل حمتملّ ، نحو مزيد من اال�ستقاللية للجامعات ومزيد من التمويل ومن ال�رشاكة االجتماعية يف حمل م�س�ؤولية التعليم العايل ،يرفد دور الدولة التنظيمي والتحفيزي والتوجيهي� .إنه بديل ملواجهة م�شكلتني �أ�سا�سيتني :الإدارة والتمويل. لذلك يتناول هذا التقرير هاتني الق�ضيتني �أوال (الف�صالن الأول والثاين) ،ثم يق ّدم ما �أمكن من معلومات عن م�صادر التمويل الإ�ضافية (امل�ساعدات واملنح وغريها) مبا يف ذلك الوقفيات القائمة حالي ًا �أو قيد الإن�شاء (الف�صل الثالث) .ثم ي�ستعر�ض جتربة الوقفيات يف عدد من دول العامل (الف�صل الرابع). كان التقرير الأول للتنمية الثقافية يف البلدان العربية ( )2008قد ق ّدم عر�ض ًا وا�سع ًا حول التعليم العايل يف البلدان العربية ،وتوقف ب�صورة خا�صة عند خم�س ق�ضايا هي :الفر�ص الدرا�سية ،تنويع التعليم العايل ،نوعية التعليم، تعليم الإن�سانيات ،تعليم املر�أة .وا�ستخرج عدداً من التوجهات والآفاق امل�ستقبلية. بي �أن البلدان وكان التقرير املذكور قد نَّ العربية حققّت �إجنازات ملحوظة على �صعيد توفري فر�ص التعليم العايل (معدالت االلتحاق)، و�أن هناك جهوداً ما زالت مطلوبة للتو�سع يف هذه الفر�ص لكي ت�صبح هذه البلدان يف
م�صاف البلدان املتقدمة �أو امل�صنعة حديث ًا �أو غريها من النماذج الناجحة يف العامل .لكنه بينّ �أن النوعية هي م�شكلة �أعمق و�أكرث انت�شاراً من م�شكلة الفر�ص الدرا�سية ،لدرجة �أنه ميكن القول � ّإن التو�سع يف الفر�ص الدرا�سية كانت النوعية �ضحيته ،ب�صورة مبا�رشة �أو غري مبا�رشة .وهذا �أمر ميكن فهمه بالتحليل املنطقي� ،إذا اعتربنا �أن تو�سع التعليم العايل، ل�سيا�سات حكومية �أو ل�ضغوط اجتماعية، مت ب�رسعة ويف �سياق مل تزد فيه املوارد ّ املتاحة ب�صورة تتنا�سب مع النمو امللحوظ يف الأعداد. �إن احل�ساب الأخري للتعليم العايل يف �أي بلد ،ولأي كتلة من البلدان ،يكمن يف النهاية يف هذين البعدين :الفر�ص الدرا�سية ونوعية التعليم العايل .البعد الأول يحيل �إىل «ا ُملن َتج» الب�رشي �أو حجم القوة الب�رشية اجلامعية التي ينتجها التعليم العايل (والذي ت�شري �إليه معدالت االلتحاق ن�سبة �إىل ال�سكان) .والبعد الثاين يحيل �إىل «ا ُملن َتج املعريف» �أي نوعية املتخرجني من م�ؤ�س�سات التعليم العايل وقدرتهم على املناف�سة الإقليمية والدولية، و�إ�سهام التعليم العايل يف تطوير املعارف ،عن طريق البحث العلمي (يف �شتى حقول املعرفة). ومن املعروف �أن جل املب ّينات ()Indicators التي يعتمدها ت�صنيف �شانغهاي للجامعات الأُول يف العامل يقع يف احلقل املعريف (البحث العلمي) .1
1 املبينات: للتذكري بهذه ّ )1عدد املتخرجني من اجلامعة الذين نالوا جوائز نوبل �أو ميداليات يف حقل اخت�صا�صهم. )2عدد �أفراد الهيئة التعليمية يف اجلامعة الذين نالوا جوائز نوبل �أو ميداليات يف حقل اخت�صا�صهم. )3الباحثون الأكرث ذكراً يف 21حق ًال معرفي ًا وا�سعاً. )4املقاالت املن�شورة يف جمالت الطبيعة والعلوم. )5املقاالت املذكورة يف الك�شاف املو�سع لإ�سنادات العلوم ( ،)Science Citation Index-expandedوك�شاف الإ�سنادات يف العلوم االجتماعية (Social Science Citation )Indexوك�شاف الإ�سنادات يف الفنون والإن�سانيات (.)Arts & Humanities Citation Index )6الأداء الأكادميي ن�سبة �إىل حجم اجلامعة (حا�صل ق�سمة العالمات التي حت�صل عليها اجلامعة يف البنود اخلم�سة ال�سابقة على عدد �أفراد الهيئة التعليمية املتفرغني).
169
التـعليم
خلف �أهلية ومالءمة هذين»ا ُملن َتجني» تكمن عوامل عديدة ،لكن �أبرز هذه العوامل يكمن من دون �شك يف املوارد .وميكن و�ضع الكثري من البنود يف باب املوارد مث ًال الأبنية والتجهيزات ،والهيئة التعليمية ،واملوارد املالية .لكن املوارد املالية هي الأ�سا�س يف حت�سني �أنواع املوارد الأخرى �أو يف تقلي�صها. وهي على كل حال امل�شكلة التي تعاين وت�شكو منها معظم البلدان العربية. لذلك ف�إن ال�س�ؤال الذي يطرح نف�سه يتعلق مب�شكلة متويل التعليم العايل يف البلدان
العربية والبدائل املمكنة ملواجهتها .على �أن التفكري بالتعليم العايل يف دول اخلليج العربي مث ًال يلفت االنتباه �إىل �أن م�شكلة التمويل لي�ست وحدها علة النوعية .وبالتايل فان �إدارة �ش�ؤون التعليم العايل ت�شكّل مفتاح ًا �إ�ضافي ًا لفهم جمريات الأمور وتف�سري ح�سن النوعية �أو �سوئها .وهذا �سبب طرح مو�ضوع الوقفية اجلامعية كمو�ضوع لهذا التقرير .ذلك �أن الوقفية اجلامعية لي�ست بدي ًال مالي ًا فقط بل هي بديل يتناول �إدارة التعليم العايل �أي�ض ًا.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 170للتنمية الثقافية
الف�صل الأول �إدارة التعليم العايل و�أزمة ا�ستقاللية اجلامعات يتناول هذا الف�صل �ش�ؤون �إدارة 1التعليم العايل عامة ،و�إدارة اجلامعات احلكومية وغري احلكومية� ،سعي ًا وراء الإجابة عن �س�ؤالني: الأول يتعلق مبدى ا�ستقاللية اجلامعات ،تلك اال�ستقاللية التي ت�سمح لها بتحمل امل�س�ؤولية، ولو جزئي ًا ،يف متويل التعليم العايل مبا ي�سمح لها بتطوير مك ّونات النوعية فيها ،وبالتايل اخل�ضوع للم�ساءلة حول املو�ضوع ،والثاين يتعلق باملكانة التي يحتلها ممثلو القطاعات االجتماعية واالقت�صادية يف املجال�س التي تدير التعليم العايل� ،أو مبدى �رشاكة املجتمع يف حمل م�س�ؤولية التعليم العايل. �سوف نقوم باجلواب على هذين ال�س�ؤالني من خالل املعطيات املتوافرة يف عدد من التقارير املرجعية التي كتبت لتغذية هذه الدرا�سة .ويف كل الأحوال ف�إن العر�ض يتناول عدداً حمدوداً من احلاالت (بلدانا وجامعات)، على �سبيل الإ�شارة �إىل النموذج �أو النماذج ال�شائعة يف هذا املجال .وقد اخرتنا خم�سة بلدان عربية من �أجل تناول هذا املو�ضوع وغريه من املوا�ضيع التي يتناولها هذا التقرير (الأردن ،لبنان ،ال�سعودية ،م�رص ،املغرب)، لكننا �سوف نتجاوز البلدان اخلم�سة �أحيان ًا ونط ّل على بلدان �أخرى ،وذلك تبع ًا لتوافر املعلومات. يتناول العر�ض بالن�سبة مل�س�ألتي اال�ستقاللية وامل�شاركة الواردتني �أعاله يف كل حالة من احلاالت املدرو�سة ،وبح�سب توفر املعلومات النقاط الآتية: • وجود جمال�س (للتعليم العايل ،للجامعة)، • نطاق �صالحيات هذه املجال�س ،و�إذا ما كانت ت�شمل ال�صالحيات املالية واتخاذ
القرارات وبخا�صة �إذا كانت خم ّولة بالتعيني والرت�شيح. • تكوين هذه املجال�س (مالمح �أع�ضائها) و�إذا ما كانت ت�ض ّم ممثلني عن الفعاليات االجتماعية واالقت�صادية ،واجلهة التي تعينّ الأع�ضاء �أو ما �إذا كانوا منتخبني �أو خمتارين من قبل زمالئهم. • تعيني ر�ؤ�ساء اجلامعات والعمداء� ،أو ما �إذا كانوا منتخبني �أم خمتارين من قبل زمالئهم.
�أو ًال� :إدارة �ش�ؤون التعليم العايل :الطابع احلكومي
هناك عموم ًا جمل�س ي�رشف على التعليم العايل يف البلدان املدرو�سة ،ي�سمى يف معظم الأحيان «جمل�س التعليم العايل»، وي�سمى �أحيان ًا «جمل�س اجلامعات» (م�رص) �أو «اللجنة الوطنية للتن�سيق» (املغرب) .وهو عموم ًا «حكومي» الطابع :يتكون �أع�ضا�ؤه من �شخ�صيات ر�سمية (وزراء ،وزراء �سابقون، مدراء لإدارات حكومية ،ر�ؤ�ساء جامعات، حاليون �أو �سابقون ،م�ست�شارون� ،أعيان...الخ) يع ّينون من قبل ال�سلطة احلكومية (الرئي�س �أو امللك ،بناء على اقرتاح الوزير املخت�ص -وزير التعليم العايل) .وينطبق الطابع احلكومي على جمال�س التعليم العايل التي تعنى باجلامعات اخلا�صة حتديداّ (لبنان ،م�رص) .ويرت�أ�س هذه املجال�س عادة وزير التعليم العايل. هذه املجال�س ت�شكل �أذرع ًا للحكومات وال تتم ّتع ب�صالحيات تقريرية �إال يف عدد من ال�ش�ؤون الأكادميية والتنظيمية ،لكنها ال تتمتع ب�أي �صالحية يف التعيني ،فر�ؤ�ساء اجلامعات
1ن�ستخدم م�صطلح �إدارة التعليم العايل �أو اجلامعات مقابل ( )managementبالإنكليزية �أو ( )gestionبالفرن�سية.
الف�صل االول �إدارة التعليم العايل و�أزمة ا�ستقاللية اجلامعات 171
الأردن
ي�رشف على التعليم العايل يف الأردن جمل�س يدعى «جمل�س التعليم العايل» وهو يتم ّتع ب�سلطات ترتاوح بني التعيني (للجامعات اخلا�صة) والرت�شيح (للجامعات الر�سمية) ور�سم ال�سيا�سات واخلطط وحتديد �إجراءات القبول والرتخي�ص للجامعات اخلا�صة وقبول الهبات وامل�صادقة على املوازنات ال�سنوية (�إطار .)1-1 �إطار 1-1جمل�س التعليم العايل يف الأردن ي�شكّل جمل�س التعليم العايل وفق ًا لن�ص املادة ( )5من قانون التعليم العايل والبحث العلمي برئا�سة وزير التعليم العايل والبحث العلمي وع�ضوية ك ّل من: .1وزير الرتبية والتعليم نائب ًا للرئي�س. .2ر�ؤ�ســاء اجلامعــات الأردنيــة الر�سمية. � .3أربعة من ر�ؤ�ساء اجلامعــات اخلا�صة وبالتناوب. � .4أمني عام الوزارة. � .5سبعــة �أ�شخا�ص مـن ذوي االخت�صا�ص واخلربة واالهتمام بالتعليم العايل على �أن يكون �أربعة منهم من القطاع اخلا�ص يف جماالته الإنتاجية �أو اخلدمية الرئي�سية. ويعينّ الأع�ضاء املن�صو�ص عليهم يف البندين ( )3و( ،)5ملدة �سنتني، بناء على بقرار من جمل�س الوزراء ً تن�سيب وزير التعليم العايل والبحث العلمي على �أن يقرتن القرار بالإرادة امللكية ال�سامية ،ويعفى �أي منهم بالطريقة نف�سها. يتوىل املجل�س املهام وال�صالحيات التالية: ر�سم �سيا�سة التعليم العايل يفاململكة ورفعها ملجل�س الوزراء
التـعليم
احلكومية يع ّينون من قبل احلكومة (الرئي�س، امللك) .ي�ستثنى من ذلك �أن جمل�س التعليم العايل يف الأردن يعينّ ر�ؤ�ساء اجلامعات اخلا�صة ،وير�شّ ح ر�ؤ�ساء اجلامعات احلكومية، و�أن وزير التعليم العايل يف م�رص يعينّ رئي�س جامعة خا�صة يف لبنان (جامعة بريوت العربية) ،ويوافق على الرئي�س الذي يع ّينه جمل�س الأمناء يف اجلامعة اخلا�صة مب�رص! وهما ا�ستثناءان ي�ؤكدان مت ّدد الطابع احلكومي نحو اجلامعات اخلا�صة �أحيان ًا .ي�ستثنى من هذه ال�صورة لبنان الذي لي�س ملجل�سه �أي �صالحيات �إ�رشافية على اجلامعات اخلا�صة وال عالقة له �أ�ص ًال باجلامعة احلكومية. �أما يف اجلانب املايل ف�صالحيات هذه املجال�س ال ت�شمله يف كل من ال�سعودية واملغرب (ولبنان طبع ًا) ،يف حني �أن جمل�س اجلامعات يف م�رص «يبدي الر�أي يف مقدار الإعانة احلكومية التي متنح �سنوي ًا لكل جامعة»، و�أن جمل�س التعليم العايل يف �سوريا «يقرتح م�رشوع املوازنة العامة لك ّل من اجلامعات واملعاهد وامل�ؤ�س�سات التابعة للوزارة» .وهذه تعابري تفهم على �أن ال�صالحيات املالية هي ا�ست�شارية لأن وزارات املالية يف البلدان تقرر موازنات اجلامعات املعنية هي التي ّ احلكومية .يختلف الأردن قلي ًال يف �أن جمل�سه يزيد على مو�ضوع النظر يف املوازنات �صالحية تتمثل يف «تدبري امل�صادر لدعم املوارد املالية مل�ؤ�س�سات التعليم العايل الر�سمية» ،وال ندري ما هي �أ�ساليب «التدبري» املذكور لأن املعطيات التي بحوزتنا عن اجلامعات احلكومية ال تبينّ وجود م�صادر متويل مهمة خارج املوازنة. باخت�صار نقول � ّإن جمال�س التعليم العايل هي هيئات «م�ساعدة» للحكومة �إداري ًا ومالي ًا، يف حني �أن القرارات القيادية واملالية تقع على كاهل احلكومات .وبالتايل ف�إنه ي�صعب على هذه املجال�س حت ّمل م�س�ؤولية مواجهة م�شكالت متويل التعليم العايل واتخاذ القرارات ب�ش�أنها ب�صورة م�ستقلة عن التوجهات احلكومية.
ون�ستعر�ض �أدناه احلاالت التي بنينا عليها هذه املالحظات.
1
التخاذ قراره الالزم ب�ش�أنها (بند .)1 املوافقة على �إن�شاء م�ؤ�س�ساتالتعليم العايل يف اململكة (( )...بند .)2 و�ضع الأ�س�س العامة املتعلقةبقبول الطلبة يف م�ؤ�س�سات التعليم العايل وحتديد �أعداد املقبولني منهم �سنوي ًا يف حقول التخ�ص�ص املختلفة (بند .)4 التن�سيب بتعيني ر�ؤ�ساء اجلامعاتالر�سمية ،وتعيني نواب الرئي�س والعمداء يف اجلامعة (بند .)5 تعيني ر�ؤ�ساء اجلامعات اخلا�صةوجمال�س �أمنائها (بند .)6 تدبري امل�صادر لدعم املوارداملالية مل�ؤ�س�سات التعليم العايل الر�سمية (بند .)7 قبول الهبات واملنح والو�صايامل�ؤ�س�سات التعليم العايل التي تزيد قيمتها على خم�سمائة �ألف دينار للجامعات الر�سمية وعلى مائة �ألف دينار للجامعات اخلا�صة على �أن ت�ؤخذ موافقة جمل�س الوزراء �إذا كانت من م�صدر غري �أردين مهما كانت قيمتها (بند .)11 امل�صادقة على املوازنات ال�سنويةواحل�سابات اخلتامية مل�ؤ�س�سات التعليم العايل (( )...بند .)12
1قانون التعليم العايل والبحث العلمي رقم ( )4ل�سنة ( 2005وتعديالته) (الأردن).
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 172للتنمية الثقافية
يرت�أ�س هذا املجل�س وزير التعليم العايل والبحث العلمي ،وي�ضم عدداً كبرياً من الأع�ضاء (حواىل 22ع�ضواً) .معظم الأع�ضاء هم ر�ؤ�ساء جامعات (منهم وزراء �سابقون) وم�س�ؤولون يف التعليم العايل� ،أما املجتمع املدين فيتمثل ب�أربعة من «القطاع اخلا�ص يف جماالته الإنتاجية �أو اخلدمية الرئي�سية» .1واجلميع يع ّينون من قبل ال�سلطة احلكومية. جتدر املالحظة �أن مهام جمل�س التعليم العايل تت�ضمن �أموراً مالية مثل «تدبري امل�صادر لدعم املوارد املالية» و «قبول الهبات واملنح والو�صايا» بحدود معينة ،وعلى �أن ت�ؤخذ «موافقة جمل�س الوزراء �إذا كانت من م�صدر غري �أردين مهما كانت قيمتها».
الرتخي�ص لإن�شاء م�ؤ�س�سات وبرامج يف التعليم اخلا�ص فقط� ،أن�شئ مبوجب قانون �صدر يف العام .1961ويف العام � 1996صدر مر�سوم �شكلت مبوجبه «جلنة فنية» مهمتها الإطالع على ملفات طلبات الرتخي�ص وو�ضع درا�سات فنية ب�ش�أنها ترفعها �إىل جمل�س التعليم العايل، والتحقق من ا�ستمرار تطبيق املوا�صفات واملعايري وال�رشوط .وجميع هذه الأمور ال عالقة لها باجلامعة اللبنانية ،اجلامعة احلكومية الوحيدة يف لبنان (من �أ�صل 32 جامعة)� .أي �أن العالقة بينها وبني احلكومة متر عن طريق وزير التعليم العايل ،وال عالقة ّ للمديرية العامة للتعليم العايل بها ،وال جمل�س التعليم العايل وال اللجنة الفنية.3
لبنان
ال�سعودية
ال توجد يف لبنان هيئة م�رشفة على التعليم العايل .ثمة مديرية عامة للتعليم العايل ،مل تو�ضع لها هيكلية �إدارية وال �صدر ت�رشيع يح ّدد مهامها ،وهناك جمل�س ي�سمى «جمل�س التعليم العايل» ينظر يف طلبات �إطار 2-1جمل�س التعليم العايل يف اململكة العربية ال�سعودية يت�ألف جمل�س التعليم العايل على الوجه التايل: رئي�س جمل�س الوزراء ،رئي�س اللجنة العليا ل�سيا�سة التعليم ،رئي�ساً، وزير التعليم العايل ،نائب ًا للرئي�س، وزير الرتبية والتعليم العايل ،وزير املالية واالقت�صاد الوطني ،وزير العمل وال�ش�ؤون االجتماعية ،وزير التخطيط ،وزير اخلدمة املدنية، الرئي�س العام لتعليم البنات ،مديرو اجلامعات (املادة الرابعة ع�رشة) جمل�س التعليم العايل هو ال�سلطة
2
العليا امل�س�ؤولة عن �ش�ؤون التعليم فوق امل�ستوى الثانوي والإ�رشاف عليه والتن�سيق بني م�ؤ�س�ساته عدا التعليم الع�سكري ،وبالن�سبة للجامعات على وجه اخل�صو�ص: .1توجيه التعليم اجلامعي مبا يتفق وال�سيا�سة املر�سومة لذلك، .2الإ�رشاف على تطوير التعليم اجلامعي يف جميع قطاعاته.3 ، حتقيق التن�سيق بني اجلامعات وبخا�صة يف جمال الأق�سام العلمية والدرجات اجلامعية.
ي�رشف على التعليم العايل يف اململكة العربية ال�سعودية «جمل�س التعليم العايل» وهو ي�ضم جهات حكومية وجامعية .ومن مهامه: توجيه التعليم اجلامعي ،والإ�رشاف على تطويره ،والتن�سيق ما بني اجلامعات .وكما ي ّت�ضح من الإطار 2-1فان �صالحيات هذا املجل�س عامة وخمت�رصة ،بل غام�ضة ،مقارنة مبجل�س التعليم العايل يف الأردن.
م�رص
ي�رشف على التعليم العايل يف م�رص جمل�س ي�س ّمى «املجل�س الأعلى للجامعات» .ويت�شكل هذا املجل�س من ر�ؤ�ساء اجلامعات و�أكادمييني، وال ي�ضم ممثّلني عن القطاعات االقت�صادية واالجتماعية .وه�ؤالء الأكادمييون يع ّينون من قبل الوزير املخت�ص .وتتعلق �صالحياته بال�ش�ؤون التنظيمية والإ�رشافية على اجلامعات من دون �أن ت�شمل �صالحياته �أمور التمويل،
1يف املجل�س احلايل ( )2009جند �ستة �أع�ضاء لي�سوا ر�ؤ�ساء جامعات �أو من وزارة التعليم العايل :ب�سام ال�ساكت (رئي�س هيئة الأوراق املالية)، عامر املجايل (مدير عام م�ؤ�س�سة املدن ال�صناعية) ،عماد الفاخوري (الرئي�س التنفيذي ل�رشكة تطوير العقبة)� ،أميمة الدهان (�أكادميي وحملل اقت�صادي) ،النا مامكغ (�أكادميية و�إعالمية) ،العميد الركن حممد خري الروابدة (مدير الرتبية والتعليم والثقافة الع�سكرية)». 2اململكة العربية ال�سعودية ،الأمانة العامة ملجل�س التعليم العايل ،نظام جمل�س التعليم العايل واجلامعات ولوائحه ،الطبعة الثالثة1428 ،هـ، 2007م. 3املادة التا�سعة من قانون التعليم العايل اخلا�ص ،ال�صادر يف 26كانون الأول �سنة ( 1961تنظيم التعليم العايل اخلا�ص).
الف�صل االول �إدارة التعليم العايل و�أزمة ا�ستقاللية اجلامعات 173
املغرب
ي�رشف على التعليم العايل يف املغرب جلنة ت�سمى «اللجنة الوطنية لتن�سيق التعليم العايل» وت�ضم ممثلي ال�سلطات احلكومية ور�ؤ�ساء جامعات ومدراء مل�ؤ�س�سات تعليمية وبحثية و«�شخ�صيتني من القطاع االقت�صادي» .وتبحث هذه اللجنة يف �أمور �إدارية وتنظيمية على �سبيل �إبداء الر�أي بهدف التن�سيق بني اجلامعات ولكنها ال تبحث يف ال�ش�ؤون املالية (�إطار .)4-1 علما ب�أن هناك «جلنة وطنية لتن�سيق التعليم العايل اخلا�ص» ،و«جمل�س تن�سيق» مل�ؤ�س�سات التعليم العايل خارج اجلامعات ،مبا يف ذلك التعليم الثانوي.3 1القانون رقم 49ل�سنة .1972 2القانون رقم 101ل�سنة ،1992والالئحة التنفيذية (قرار رئي�س اجلمهورية رقم 355ل�سنة ،)1996و الالئحة التنفيذية ( القرار رقم 219 ل�سنة .)2002 3اململكة املغربية ،ظهري �رشيف رقم � 1.00.199صادر يف 15من �صفر 19 ( 1421ماي )2000بتنفيذ القانون رقم 01.00املتعلق بتنظيم التعليم العايل (مادة .)28 4اململكة املغربية ،املرجع املذكور( ،مادة .)81واملر�سوم رقم 2.01.2330ال�صادر يف 4يونيو ( 2002املادة الأوىل).
ي�شكّل املجل�س الأعلى للجامعات برئا�سة الوزير املخت�ص بالتعليم العايل وع�ضوية: .1ر�ؤ�ساء اجلامعات (ويف حالة غياب رئي�س اجلامعة يح ّل حمله �أقدم نوابه). .2خم�سة �أع�ضاء على الأكرث من ذوي اخلربة يف �ش�ؤون التعليم اجلامعي يعينون ملدة �سنتني وال�ش�ؤون العامة ّ قابلة للتجديد بقرار من الوزير املخت�ص بالتعليم العايل بعد �أخذ ر�أي املجل�س الأعلى للجامعات. � .3أمني املجل�س الأعلى للجامعات. (ومن مهام املجل�س): ر�سم ال�سيا�سة العامة للتعليماجلامعي والبحث العلمي يف
اجلامعات والعمل على توجيهها وتن�سيقها مبا يتفق مع حاجات البالد وتي�سري حتقيق الأهداف القومية واالجتماعية واالقت�صادية والعلمية للدولة (بند .)1 التن�سيق بني نظم الدرا�سةواالمتحان والدرجات العلمية يف اجلامعات (بند .)2 تنظيم قبول الطالب يف اجلامعاتوحتديد �أعدادهم (بند .)6 و�ضع الالئحة التنفيذية للجامعاتواللوائح الداخلية للكليات واملعاهد (بند .)9 �إبداء الر�أي يف مقدار الإعانةاحلكومية التي متنح �سنويا لكل جامعة (بند .)11
�إطار 4-1اللجنة الوطنية لتن�سيق التعليم العايل يف املغرب
4
تت�ألف اللجنة من: �أع�ضاء بحكم القانون وهم: ال�سلطة احلكومية املكلفة بالتعليم العايل �أو ممثلها ،رئي�ساً؛ ال�سلطة احلكومية املكلفة بتكوين الأطر �أو ممثلها؛ ال�سلطة احلكومية املكلفة بالبحث العلمي �أو ممثلها؛ ال�سلطة احلكومية املكلفة بالتعليم الثانوي �أو ممثلها؛ ال�سلطة احلكومية املكلفة بالأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية �أو ممثلها؛ �أمني ال�رس الدائم لأكادميية احل�سن الثاين للعلوم والتقنيات �أو ممثله. معينون وهم: �أع�ضاء ّ يعينون خم�سة ر�ؤ�ساء للجامعات ّ من لدن ال�سلطة احلكومية املكلفة بالتعليم العايل؛ مديران مل�ؤ�س�ستني يعينان من غري تابعتني للجامعات ّ لدن ال�سلطة احلكومية املكلفة بتكوين الأطر؛ مديران مل�ؤ�س�ستني للتعليم يعينان من لدن ال�سلطة العايل اخلا�ص ّ احلكومية املكلفة بالتعليم العايل؛ مديران مل�ؤ�س�ستني للبحث �إحداهما يعينان من عامة والأخرى خا�صة ّ
لدن ال�سلطة احلكومية املكلفة بالبحث العلمي؛ ممثل عن النقابة الوطنية الأكرث متثيلية للأ�ساتذة الباحثني بالتعليم العايل يعينّ من لدن ال�سلطة احلكومية املكلفة بالتعليم العايل؛ �شخ�صيتان من القطاعات االقت�صادية يعينان من لدن ال�سلطة واالجتماعية ّ احلكومية املكلفة بالتعليم العايل. يعهد �إىل هذه اللجنة مبا يلي: �إبداء الر�أي يف ما يتعلق ب�إحداثاجلامعات �أو �أي م�ؤ�س�سة �أخرى للتعليم العايل العام �أو اخلا�ص. حتديد معايري و�آليات الت�صديقاملتبادلة لربامج الدرا�سات واعتمادها. تن�سيق معايري قبول الطلبةوت�سجيلهم يف خمتلف الأ�سالك وكذا معايري التقييم امل�ستمر واالمتحانات ومناق�شة وقبول البحوث العلمية. �إحداث و�إقامة �شبكات معلوماتيةمفيدة لهذه الأغرا�ض. النهو�ض بالبحث العلمي وت�شجيعالتفوق. اقرتاح نظم الدرا�سات واالمتحانات. تفعيل الت�ضامن والتعاون املايل.مؤسسة الفكر العربي ّ
التـعليم
با�ستثناء «�إبداء الر�أي يف مقدار الإعانة احلكومية التي تمُ نح �سنوي ًا لكل جامعة» (�إطار .)3-1 �أما اجلامعات اخلا�صة فينظّ م �ش�ؤونها «جمل�س اجلامعات اخلا�صة» .ويقوم هذا املجل�س بو�ضع �سيا�سات التعليم اجلامعي اخلا�ص ،وي�سعى للتن�سيق بني اجلامعات اخلا�صة واجلامعات احلكومية من خالل رئي�سني للجامعات احلكومية و�أمني املجل�س الأعلى للجامعات ،ي�ضمهم املجل�س .ويقوم املجل�س �أي�ض ًا ب�ضبط اجلامعات اخلا�صة، فهو الذي يح ّدد �أعداد الطالب املقبولني بها �سنوي ًا ،ويتابع �أن�شطتها ويق ّيم �أداءها .ف�ض ًال عن �أن وزير التعليم العايل يعينّ ممثلني له كم�ست�شارين لدى اجلامعة اخلا�صة يراقبونها ويتابعون �أحوالها ويبلغونه بها .ويفر�ض القانون على اجلامعات اخلا�صة توفري جميع الو�سائل الالزمة حل�سن �أداء امل�ست�شارين ملهامهم.2
�إطار 3-1
املجل�س الأعلى للجامعات يف م�رص
1
التقرير العربي الثاين 174للتنمية الثقافية
ثاني ًا� :إدارة اجلامعات احلكومية� :ضعف �سوريا �سوريا يف العايل التعليم على ي�رشف اال�ستقاللية الإدارية واملالية
«جمل�س التعليم العايل» وهو يتك ّون من ر�ؤ�ساء اجلامعات و�أكادمييني ،ف�ضال عن مدراء يف حقول متعددة ،وهم من املوظفني احلكوميني.1 وهم يع ّينون مبوجب قرار ي�صدر عن رئي�س جمل�س الوزراء بناء على اقرتاح الوزير .ويخت�ص هذا املجل�س بالتخطيط للتعليم العايل وتنظيمه وو�ضع �سيا�ساته والأ�صول والقواعد لعمله. ويف ال�ش�أن املايل يقرتح املجل�س م�رشوع املوازنة العامة لكل من اجلامعات واملعاهد وامل�ؤ�س�سات التابعة للوزارة (�إطار )5-1 نخل�ص من هذه املراجعة ال�رسيعة �إىل �أن جمال�س التعليم العايل هي ذات تكوين حكومي �رصف (با�ستثناء املغرب) ،لي�س لها �صالحيات يف الرت�شيح والتعيني (ما عدا يف الأردن حيث ير�شّ ح املجل�س الر�ؤ�ساء ويعينّ عمداء اجلامعات الر�سمية ويعينّ ر�ؤ�ساء اجلامعات اخلا�صة) و�صالحياتها املالية حمدودة. �إطار 5-1جمل�س التعليم العايل يف �سوريا
2
يرتبط جمل�س التعليم العايل بالوزير ومن مهامه: �أ -اقرتاح �سيا�سة التعليم العايل بجميع تخ�ص�صاته وم�ستوياته يف �إطار ال�سيا�سة العامة للدولة. ب -و�ضع ال�سيا�سة العامة للبحوث العلمية يف اجلامعات واملعاهد ()... ج -و�ضع اخلطط الالزمة لتنفيذ �سيا�سة التعليم العايل التي ت�ضعها الدولة ()... د -و�ضع اخلطط العامة مل�ؤ�س�سات التعليم العايل من تدريب ()... للعاملني العلميني فيها وتقومي �أدائهم وحتديد و�سائل التنفيذ ومتابعته.
ه -و�ضع قواعد قبول الطالب يف اجلامعات واملعاهد. ز -و�ضع نظام تقومي الأداء وقواعد االعتماد العلمي للجامعات و�رشوط منحه و�إلغائه. ح -اقرتاح م�رشوع املوازنة العامة لكل من اجلامعات واملعاهد وامل�ؤ�س�سات التابعة للوزارة. ي -حتديد مدة الدرا�سة ومواعيد االمتحانات والعطل واملع�سكرات الإنتاجية والتدريب. ل -و�ضع القواعد وال�رشوط النتقاء املعيدين و�إيفادهم. م -و�ضع القواعد وال�رشوط لتعيني �أع�ضاء الهيئة التعليمية وترفيعهم.
قد يكون الطابع احلكومي ملجال�س التعليم العايل �أمراً طبيع ّي ًا �أو منطقي ًا� ،إذا �أخذنا بعني االعتبار �أن هذه املجال�س هي هيئات تن�شئها احلكومات من �أجل تنفيذ ال�سيا�سات الوطنية يف التعليم العايل .بل ميكن االفرتا�ض �أن هذه الهيئات ت�ستطيع �أن ت�شكّل منطقة و�سطى تعبرّ فيها �أي�ضا م�ؤ�س�سات التعليم العايل عن م�شاغلها واجتاهاتها .قانونيا تبدو الأمور بخالف ذلك� ،أي �أن هذه املجال�س هي �أذرع احلكومات �أكرث من �أي �شيء �آخر، ينق�صها الكثري من ال�صالحيات لكي ت�شكّل «منطقة و�سطى» ،وبالتايل ي�ستطيع املرء �أن ي�ستنتج من التبعية �إىل ال�سلطة املركزية يف ال�صالحيات املالية و�صالحيات التعيني �أن �إدارة اجلامعات احلكومية غري م�ستقلة �إداري ًا تن�ص عليه القوانني مما ّ وال مالي ًا ،على الرغم ّ والأنظمة املقررة يف البلدان التي ا�ستعر�ضناها من «ا�ستقاللية اجلامعة الإدارية واملالية والأكادميية». فبا�ستثناء الأردن (وجامعة الأزهر يف م�رص) ،ال توجد جمال�س �أمناء للجامعات احلكومية .وجمال�س الأمناء هي ،كما هو معروف عاملي ًا ،هيئات تقع فوق رئي�س اجلامعة وتلعب دوراً �أ�سا�سي ًا يف ا ّتخاذ القرارات الكربى املالية والإدارية للجامعة ،مبا يف ذلك تعيني رئي�س اجلامعة (و�أحيان ًا العمداء) .واقع احلال �أن رئي�س اجلامعة احلكومية يعينّ يف جميع احلاالت التي ا�ستعر�ضناها من قبل احلكومة (امللك ،الرئي�س ،جمل�س الوزراء) ،مبا يف ذلك يف الأردن ،حيث يوجد جمل�س �أمناء ،فهذا املجل�س ال �صالحية له يف هذا املو�ضوع ،ال من حيث الرت�شيح وال من حيث التعيني. �أما «جمل�س اجلامعة» املوجود يف جميع
1املدير العام ملركز الدرا�سات والبحوث العلمية ،املدير العام لهيئة الطاقة الذرية ،املدير العام للهيئة العامة لال�ست�شعار عن بعد ،املدير العام للهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية ،املدير العام للهيئة العامة للتقانة احليوية ،املدير العام للمركز الوطني لبحوث الطاقة ،مدير �أكادميية الأ�سد للهند�سة الع�سكرية. 2القانون رقم 6للعام ( 2006قانون تنظيم اجلامعات) ،املادة 2واملادة .3
الف�صل االول �إدارة التعليم العايل و�أزمة ا�ستقاللية اجلامعات 175
الأردن
تع ّد اجلامعة احلكومية مبوجب املادة ()3 من قانون اجلامعات الأردنية الر�سمية رقم ()42 ل�سنة 2001م�ؤ�س�سة م�ستقلة تتمتع ب�شخ�صية اعتبارية ذات ا�ستقالل مايل و�إداري ،ولها حق متلك الأموال املنقولة وغري املنقولة و�إجراء جميع الت�رصفات القانونية مبا يف ذلك �إبرام العقود واالقرتا�ض وقبول امل�ساعدات والتربعات والهبات واملنح والو�صايا .ويحق للجامعات �أن ت�ستثمر �أموالها كما يح�صل مث ًال يف جامعة م�ؤتة .1وي�رشف على اجلامعة احلكومية جمل�س �أمناء ورئي�س وجمل�س جامعة.
1 ين�ص نظام �صندوق اال�ستثمار يف جامعة م�ؤتة رقم ٣٨ل�سنة ٢٠٠٣على ما يلي « :) :املادة ( :)3ين�ش�أ يف اجلامعة �صندوق ي�سمى (�صندوق ّ اال�ستثمار يف جامعة م�ؤتة) تكون له موازنة م�ستقلة ،املادة ( :)4يهدف ال�صندوق �إىل دعم �أن�شطة اجلامعة وب�صورة خا�صة متويل م�شاريعها التنموية ،املادة ( :)5تت�ألف موارد ال�صندوق املالية مما يلي� :أ.امل�ساهمة ال�سنوية التي تخ�ص�صها اجلامعة لل�صندوق ،ب .عائدات ا�ستثمار �أموال ال�صندوق ،ج .الهبات والتربعات وامل�ساعدات واملنح والو�صايا التي تقدم لل�صندوق (.)...
التـعليم
اجلامعات قيد الدرا�سة فهو بدوره ال ير�شّ ح العمداء وال رئي�س اجلامعة (با�ستثناء لبنان). فه�ؤالء جميع ًا يع ّينون من قبل احلكومة .وهذا �أمر ملفت� ،إذا تذكرنا �أنه يف م�رص مث ًال وحتى العام 1993كان العمداء ينتخبون من قبل زمالئهم ،و�أن رئي�س اجلامعة والعمداء ينتخبون من قبل زمالئهم يف النظام الفرن�سي ،يف حني يع ّينون يف النظام الأمريكي من قبل جمل�س الأمناء ا�ستناداً �إىل تر�شيحات ت�ضعها «جلنة التعيني والرت�شيحات» �أو «جلنة التق�صي» ( .)search committeeوتبينّ احلاالت التي در�سناها �أن االنتخاب يغيب حتى عن جمل�س اجلامعة احلكومية يف كل من م�رص وال�سعودية و�سوريا� ،إن يف ما يتعلق بالرئي�س �أو العميد �أو حتى رئي�س الق�سم .لكننا جنده يف لبنان واملغرب ،من دون �أن يغيرّ ذلك من واقعة تبعية اجلامعة اللبنانية (وهي اجلامعة احلكومية الوحيدة) للخيارات ال�سيا�سية والإدارية واملالية للحكومة يف لبنان .كما ينفرد املغرب يف �أن رئي�س اجلامعة يجري تعيينه ا�ستناداً �إىل تر�شيحات ت�ضعها جلنة تق�ص ،و�إىل �إعالن مفتوح للرت�شيح ي�شرتك فيه ٍّ من يرغب �ضمن ال�رشوط املعلنة .وبهذا املعنى يكون هام�ش ا�ستقاللية اجلامعة احلكومية يف املغرب هو الأو�سع مقارنة بالبلدان العربية الأخرى .وينفرد جمل�س اجلامعة يف ال�سعودية ب�أنه برئا�سة وزير التعليم العايل ،بحيث يكون رئي�س اجلامعة نائبه ،وب�أنه ي�ض ّم ثالثة �أع�ضاء يع ّينهم الوزير نف�سه �أي�ض ًا. �أما يف ال�ش�ؤون املالية ف�صالحيات جمل�س الأمناء يف اجلامعة احلكومية الأردنية حمدودة .وهي �صالحيات �شبيهة ب�صالحيات جمل�س التعليم العايل مع الفرق يف قيمة مبالغ الهبات ،ويف �أن جمل�س الأمناء «يوافق» على املوازنة يف حني �أن جمل�س التعليم العايل «ي�صادق» عليها .وت�صبح ال�صالحيات املالية
�أكرث تقييداً يف جمال�س اجلامعات احلكومية، مثل «مناق�شة م�رشوع موازنة اجلامعة» (الأردن ،لبنان) �أو �إعداده (�سوريا) ،وقبول الهبات والتربعات والو�صايا �ضمن حد معني الن�ص يف ال�سعودية (جميع البلدان) .علم ًا ب�أن ّ ال يو�ضح �صالحيات جمل�س اجلامعة �أكانت مالية �أم غري مالية ،و�أنه يف م�رص ي�ستعمل �أي�ض ًا عبارة « تدبري �أموال اجلامعة وا�ستثمارها و�إدارتها والت�رصف فيها» ،ويف �سوريا عبارة «�إدارة �أموال اجلامعة وا�ستثمارها» .وهذه التعابري مفارقة بع�ض ال�شيء لأنها تنتمي �إىل لغة ال�رشكات يف حني �أن كل �شيء يف هذين النظامني يحيل �إىل اللغة احلكومية. تقرر فيه احلكومة، ويف الوقت الذي ّ عرب وزارة املالية ،ميزانية اجلامعات ف�إن ما جتمعه هذه الأخرية من �إيرادات �إ�ضافية يدخل عموم ًا جم ّدداً �إىل وزارة املالية .ولعل اال�ستقاللية املالية للجامعة تكمن يف هذين البعدين (اتخاذ القرارات املالية وجمع موارد �إ�ضافية بقيم مهمة ُتد َّور مل�صلحة اجلامعة)، واجلامعات العربية تفتقد هذين الأمرين مع ًا يف الأعم الأغلب .ون�ستعر�ض �أدناه احلاالت التي اطّ لعنا عليها.
جمال�س التعليم العايل هي �أذرع احلكومات �أكرث من �أي �شيء �آخر، ينق�صها الكثري من ال�صالحيات لكي ت�شكّل «منطقة و�سطى» ،وبالتايل ي�ستنتج من التبعية �إىل ال�سلطة املركزية يف ال�صالحيات املالية و�صالحيات التعيني �أن �إدارة اجلامعات احلكومية غري م�ستقلة مما �إداري ًا وال مالياً ،على الرغم ّ تن�ص عليه القوانني والأنظمة املقررة ّ يف البلدان من «ا�ستقاللية اجلامعة الإدارية واملالية والأكادميية». فبا�ستثناء الأردن (وجامعة الأزهر يف م�رص) ،ال توجد جمال�س �أمناء للجامعات احلكومية .وجمال�س الأمناء هي ،كما هو معروف عاملياً ،هيئات تقع فوق رئي�س اجلامعة وتلعب دوراً �أ�سا�سي ًا يف ا ّتخاذ القرارات الكربى املالية والإدارية للجامعة ،مبا يف ذلك تعيني رئي�س اجلامعة (و�أحيان ًا العمداء).
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 176للتنمية الثقافية
ي�ضم جمل�س الأمناء رئي�س ًا و�سبعة �أع�ضاء يع ّينون من قبل احلكومة .وال ي�ض ّم ممثلني عن الفعاليات االجتماعية واالقت�صادية .ويالحظ �أن �أع�ضاء جمل�س الأمناء معظمهم وزراء �سابقون� ،1أي من �أو�ساط حكومية. للمجل�س طابع �إ�رشايف على اجلامعة جلهة ر�سم ال�سيا�سة العامة للجامعة و�إقرار خطتها ال�سنوية والتن�سيق بني �أن�شطتها وغريها .لكن ال دور له يف التعيينات يف اجلامعة ،كتعيني الرئي�س مثال �أو حتى تر�شيحه ،2كما تفعل جمال�س الأمناء يف اجلامعات الأمريكية. �أما يف ال�ش�ؤون املالية ف�إن من مهام املجل�س ال�سعي لدعم املوارد املالية للجامعة �إطار 6-1جمل�س �أمناء اجلامعة احلكومية يف الأردن لكل جامعة ر�سمية (حكومية) جمل�س �أمناء يت�ألف من رئي�س و�سبعة �أع�ضاء ممن يحملون الدرجة اجلامعية الأوىل حداً �أدنى وتتوافر فيهم اخلربة واملقدرة على القيام بامل�س�ؤوليات املوكولة �إليهم يف �سبيل حتقيق �أهداف اجلامعة على �أن يكون رئي�س اجلامعة بحكم من�صبه واحداً منهم ويتم تعيينهم وقبول ا�ستقاالتهم و�إعفا�ؤهم من منا�صبهم ب�إرادة بناء على تن�سيب رئي�س ملكية �سامية ً الوزراء .وحددت املادة ( )6الفقرة (ب) من قانون اجلامعات الأردنية الر�سمية �صالحيات وم�س�ؤوليات جمل�س الأمناء مبا ي�أتي: .1ر�سم ال�سيا�سة العامة للجامعة بناء على تن�سيب جمل�س اجلامعة ً ومتابعة تنفيذها. � .2إقرار اخلطة ال�سنوية مل�شاريع
4
اجلامعة الإمنائية التي يع ّدها الرئي�س. .3التن�سيق بني الأن�شطة العلمية والتعليمية والتدريبية واال�ست�شارية (.)... .4و�ضع �أ�س�س مراقبة جودة التعليم يف اجلامعة ونوعيته (.)... .5تعزيز ن�شاط البحث العلمي داخل اجلامعة وكلياتها ومراكزها (.)... .6حتديد الر�سوم التي ت�ستوفيها كل جامعة من طلبتها (.)... .7ال�سعي لدعم املوارد املالية للجامعة وتنظيم �ش�ؤون ا�ستثمارها. .8قبول الهبات واملنح والو�صايا �إذا كانت من م�صدر �أردين بقيمة خم�سمائة �ألف دينار �أو �أقل. .9املوافقة على موازنة اجلامعة وح�ساباتها اخلتامية ورفعها �إىل املجل�س للم�صادقة عليها.
وتنظيم �ش�ؤون ا�ستثمارها ،وقبول الهبات واملنح والو�صايا (بحدود معينة) ،واملوافقة على موازنة اجلامعة ورفعها �إىل جمل�س التعليم العايل للم�صادقة عليها (�إطار .)6-1 رئي�س اجلامعة احلكومية ،من جهته، يعينّ من قبل امللك بناء على اقرتاح من جمل�س التعليم العايل ،وهو بح�سب املادة 8من قانون اجلامعات احلكومية م�س�ؤول عن �إدارة �ش�ؤون اجلامعة وهو �آمر ال�رصف فيها ،ويتمتع بالتايل ب�صالحيات وا�سعة. �أما جمل�س اجلامعة في�ض ّم �أكادمييني من اجلامعة بالإ�ضافة �إىل «اثنني من املجتمع املحلي» ،يع ّينهما رئي�س اجلامعة ،وتتناول �صالحيات هذا املجل�س ال�ش�ؤون الأكادميية،3 بالإ�ضافة �إىل �أمرين مال ّيني « :التن�سيب �إىل جمل�س الأمناء مبقدار الر�سوم التي ت�ستوفيها اجلامعة من طلبتها التخاذ قراره ب�ش�أنها» و«مناق�شة م�رشوع موازنة اجلامعة وح�ساباتها اخلتامية ورفعها �إىل جمل�س الأمناء».
لبنـان
ين�ص القانون على �أن اجلامعة اللبنانية ّ تتمتع باال�ستقاللية الإدارية واملالية والأكادميية لكن ال يوجد جمل�س �أمناء فيها. ويتك ّون جمل�س اجلامعة من عمداء الكليات وممثلي الأ�ساتذة املنتخبني ،وممثلي احتاد طالب اجلامعة اللبنانية .وهو ال ي�ض ّم �أي ممثل للمجتمع الأهلي. ت�شمل �صالحيات جمل�س اجلامعة بح�سب قانون رقم 75تاريخ � ،1967/12/26أموراً تنظيمية و�أكادميية ،ف�ض ًال عن تر�شيح رئي�س
� 1أع�ضاء جمل�س �أمناء اجلامعة الها�شمية حاليا ،هم :م�رض بدران /رئي�س جمل�س الأمناء (رئي�س �سابق للوزراء)� ،سليمان عربيات ( رئي�س اجلامعة الها�شمية) ،حممد حمدان (وزير �سابق ورئي�س جامعة �سابق) ،كامل العجلوين (وزير �سابق ورئي�س جامعة �سابق) ،جمحم اخلري�شة (وزير �سابق)� ،صالح �إر�شيدات (وزير �سابق)� ،إبراهيم عز الدين (وزير �سابق ورجل �أعمال)� .أما �أع�ضاء جمل�س الأمناء يف جامعة م�ؤتة فهم: الأمري في�صل بن احل�سني /رئي�س جمل�س الأمناء ،الدكتور عبد الرحيم احلنيطي ( رئي�س اجلامعة)� ،أديب هل�سا (وزير �سابق)� ،أجمد املجايل (وزير �سابق) ،ريا�ض �أبو كركي (وزير �سابق) ،الفريق �أول الركن خالد جميل ال�رصايرة (رئي�س هيئة الأركان امل�شرتكة) ،اللواء مازن تركي القا�ضي (مدير الأمن العام) ،نهى املعايطة (نائب �سابق). 2علمنا �إبان �إعداد هذه الدرا�سة �أن هناك قانون ًا جديداً يعطي هذه ال�صالحيات �إىل املجل�س لكننا مل نطّ لع عليه. 3املرجع نف�سه ،مادة .10 4قانون اجلامعات الأردنية الر�سمية ،مادة .6
الف�صل االول �إدارة التعليم العايل و�أزمة ا�ستقاللية اجلامعات 177
اجلامعة والعمداء (الذين يع ّينهم جمل�س الوزراء)� .1أما يف ال�ش�أن املايل فيقوم املجل�س بـ «درا�سة م�رشوع املوازنة» ،و «قبول التربعات» (يف حدود معينة).
ال�سعودية
م�رص جامعة القاهرة
ال يوجد جمل�س �أمناء للجامعة احلكومية يف م�رص .ويتوىل �إدارة جامعة القاهرة :جمل�س جامعة القاهرة ورئي�س اجلامعة. يتكون جمل�س اجلامعة من الرئي�س ونوابه والعمداء و�أربعة �أع�ضاء يختارهم رئي�س اجلمهورية .و ُيعنى بر�سم ال�سيا�سات واللوائح
التـعليم
اجلامعات «م�ؤ�س�سات علمية وثقافية تعمل على هدي ال�رشيعة الإ�سالمية ،وتقوم بتنفيذ ال�سيا�سة التعليمية بتوفري التعليم اجلامعي، والدرا�سات العليا ،والنهو�ض بالبحث العلمي ( .»)...وتتمتع كل جامعة «ب�شخ�صية معنوية ذات ذمة مالية تعطيها حق التملك والت�رصف والتقا�ضي». ال يوجد جمل�س �أمناء يف اجلامعة احلكومية ال�سعودية .ويعينّ مدير اجلامعة ويعفى من من�صبه ب�أمر ملكي ،بناء على اقرتاح وزير التعليم العايل. ويت�ألف جمل�س اجلامعة احلكومية يف اململكة من :وزير التعليم العايل (رئي�س ًا للمجل�س) ،مدير اجلامعة (نائب ًا للرئي�س) ،وكالء اجلامعة� ،أمني عام التعليم العايل ،العمداء، ثالثة من ذوي اخلربة يع ّينهم وزير التعليم العايل ملدة ثالث �سنوات .وال يو�ضح النظام �صالحيات هذا املجل�س.2
التنفيذية وو�ضع خطط ا�ستكمال املباين وتنظيم قبول الطالب وغريها من ال�ش�ؤون التنظيمية، ومتابعة تنفيذ اخلطط ،وتعيني �أع�ضاء هيئة التدري�س ونقلهم ،ومن �صالحياته يف ال�ش�ؤون املالية�« :إعداد م�رشوعات املوازنة»« ،تدبري �أموال اجلامعة وا�ستثمارها و�إدارتها والت�رصف فيها» « ،قبول التربعات يف حدود ما تن�ص عليه املادة ال�سابعة» .3وجمل�س اجلامعة لي�س له �صالحية يف تر�شيح رئي�س اجلامعة الذي يعينّ بقرار من رئي�س اجلمهورية ،ويعينّ بالطريقة نف�سها نواب رئي�س اجلامعة و�أمني اجلامعة .ورئي�س اجلامعة هو الذي يعينّ العمداء ووكالءهم ور�ؤ�ساء الأق�سام.
جامعة الأزهر
جامعة الأزهر هي جامعة حكومية �أي�ض ًا لكنها ذات مكانة خمتلفة عن �سائر اجلامعات طبيعي للأزهر ال�رشيف احلكومية ،فهي امتداد ّ �أقدم املعاهد العلمية الإ�سالمية و�أ�شهرها. للجامعة خم�س هيئات� ،4أحدها املجل�س الأعلى للأزهر .هذا املجل�س هو امل�رشف على �ش�ؤون اجلامعة (على غرار جمال�س الأمناء). وهو يتناول ال�ش�ؤون الأ�سا�سية للجامعة، مبا يف ذلك �إقرار املوازنة ال�سنوية ،وقبول الأوقاف والو�صايا والهبات ،وتدبري �أموال الأزهر وا�ستثمارها و�إدارتها .وجميع �أع�ضاء هذا املجل�س هم من داخل هيكلية الأزهر. لكن املجل�س ال يعينّ رئي�س اجلامعة (�إطار .)7-1رئي�س جامعة الأزهر يع ّينه رئي�س اجلمهورية بناء على تر�شيح الوزير املخت�ص واقرتاح �شيخ الأزهر .5ويتوىل رئي�س اجلامعة �إدارة �ش�ؤون اجلامعة العلمية والإدارية واملالية.
1هذا ال يعني الكثري ،ذلك �أن التقليد ق�ضى ب�أن ُيعينّ الأ�ساتذة من قبل احلكومة ،و�أن تربم العقود مع الأ�ساتذة املتفرغني من قبل احلكومة �أي�ضاً. 2اململكة العربية ال�سعودية ،الأمانة العامة ملجل�س التعليم العايل ،نظام جمل�س التعليم العايل واجلامعات ولوائحه ،الطبعة الثالثة1428 ،هـ، 2007م. 3وزارة التجارة وال�صناعة ( .)2009قانون تنظيم اجلامعات والئحته التنفيذية� ،ص �ص .10-12 4املجل�س الأعلى للأزهر ،جممع البحوث الإ�سالمية� ،إدارة الثقافة والبحوث الإ�سالمية ،جامعة الأزهر ،املعاهد الأزهرية. 5علم ًا ب�أن �شيخ الأزهر يعينّ بدوره من قبل رئي�س اجلمهورية على �أن يكون ع�ضواً يف املجل�س الأعلى للأزهر.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 178للتنمية الثقافية
�أما جمل�س اجلامعة فيتكون من الأكادمييني بالإ�ضافة �إىل ممثل عن وزارة الرتبية والتعليم يختاره الوزير .وتنح�رص �صالحيات املجل�س يف ال�ش�ؤون الأكادميية، ما عدا مهمة واحدة تتعلق بـ «�إعداد م�رشوعات 1 امليزانية واحل�ساب اخلتامي».
من عدة �شخ�صيات ،بالإ�ضافة �إىل الرئي�س وعمداء الكليات واملعاهد .ومن بني ه�ؤالء هناك �سبعة ممثلني عن القطاعات االقت�صادية واالجتماعية من بينهم ر�ؤ�ساء الغرف املهنية، يختارهم وزير الو�صاية .وهو ي�ضم ثالثة ممثلني للأ�ساتذة وثالثة ممثلني للموظفني وثالثة ممثلني للطالب ،يختارهم زمال�ؤهم يف احلاالت الثالث.4 وين�ص القانون على �أنه يحق للجامعات �أن تق ّدم خدمات مبقابل و�أن حتدث حما�ضن و�أن ت�ستغل الرباءات والرتاخي�ص و�أن ت�س ّوق منتجات �أن�شطتها .ويحق لها �أن تقوم مبا يلي: )1امل�ساهمة يف مقاوالت عمومية وخا�صة ب�رشط �أال تقل هذه امل�ساهمة عن %20من ر�أ�س مال املقاوالت املذكورة� )2 .إحداث �رشكات تابعة ب�رشط �أن يكون الغر�ض منها �إنتاج �سلع �أو خدمات وحت�سني قيمتها وت�سويقها يف امليادين االقت�صادية والعلمية والتكنولوجية والثقافية و�أن متلك اجلامعات ما ال يقل عن %50من ر�أ�س مال هذه ال�رشكات التابعة.5 وهذه ال�صالحيات ال مثيل لها يف اجلامعات احلكومية يف كل من الأردن ولبنان وال�سعودية وم�رص و�سوريا ،ولو �أن الوزارة يجب �أن توافق على هذه الأن�شطة.6
ين�ص القانون على �أن اجلامعات احلكومية ّ تعترب «م�ؤ�س�سات عمومية تتمتع بال�شخ�صية املعنوية واال�ستقالل الإداري واملايل» (املادة .)4وال يوجد جمل�س �أمناء يف اجلامعة احلكومية املغربية. يعينّ رئي�س اجلامعة من قبل امللك بعد �إعالن مفتوح للرت�شيحات وبنا ًء على اقرتاحات «جلنة تر�شيح» .3ويدير اجلامعة جمل�س مك ّون
�سوريا
�إطار 7-1املجل�س الأعلى جلامعة الأزهر يتكون املجل�س الأعلى على النحو ّ الآتي: �شيخ الأزهر ،وله ريا�سة املجل�س، وكيل الأزهر ،رئي�س جامعة الأزهر، نواب رئي�س جامعة الأزهر� ،أقدم العمداء يف كل فرع من فروع جامعة الأزهر باملحافظات ،الأمني العام ملجمع البحوث الإ�سالمية ،امل�ست�شار القانوين ل�شيخ الأزهر ،وكيل الوزارة ل�ش�ؤون املعاهد الأزهرية ،الأمني العام للمجل�س الأعلى للأزهر، �أربعة �أع�ضاء من جممع البحوث الإ�سالمية يختارهم �أع�ضاء املجمع ملدة �سنتني ،وي�صدر بتعيينهم قرار من �شيخ الأزهر� ،أحد وكالء الوزارة من كل من وزارة الأوقاف ،والعدل، والرتبية والتعليم ،و�ش�ؤون الأزهر
املغرب
2
واملالية .وي�صدر بتعيينهم قرار من �شيخ الأزهر بناء على تر�شيح الوزراء املمثلة وزاراتهم يف املجل�س. ويخت�ص املجل�س الأعلى بالنظر يف ّ الأمور الآتية: التخطيط ور�سم ال�سيا�سة العامة(( .)...بند.)1 النظر يف م�رشوع ميزانية هيئاتالأزهر و�إعداد احل�ساب اخلتامي. (بند.)3 قبول الأوقاف والو�صايا والهبات.( بند.)5 النظر يف كل م�رشوع قانون �أوقرار جمهوري يتعلق ب�أي �ش�أن من �ش�ؤون الأزهر( .بند .)6 تدبري �أموال الأزهر وا�ستثمارهاو�إدارتها ( .بند .)9
ال يوجد جمل�س �أمناء يف اجلامعات احلكومية ال�سورية .ويتولىّ �إدارتها جمل�س اجلامعة ورئي�س اجلامعة. يتك ّون جمل�س اجلامعة من �أكادمييني، ف�ض ًال عن ممثلي الطالب وممثل النقابة وممثل عن الوزير .وهو يخت�ص بجميع �ش�ؤون اجلامعة الأكادميية والإدارية� .أما يف ال�ش�أن املايل
1القانون رقم 103ل�سنة .1961 2املرجع نف�سه. « 3من بني املرت�شحني الذين يقدمون م�رشوع ًا خا�ص ًا لتطوير اجلامعة .وتدر�س هذه الرت�شيحات وامل�شاريع من لدن جلنة تعينها ال�سلطة احلكومية الو�صية ،التي توافيها اللجنة املذكورة بثالثة تر�شيحات تخ�ضع للم�سطرة املعمول بها يف ما يتعلق بالتعيني يف املنا�صب العليا». 4اململكة املغربية ،ظهري �رشيف رقم � 1.00.199صادر يف 15من �صفر 19 ( 1421ماي ) 2000بتنفيذ القانون رقم 01.00املتعلق بتنظيم التعليم العايل ،املادة .9 5املرجع نف�سه مادة .6 6املرجع نف�سه ،مادة .12
الف�صل االول �إدارة التعليم العايل و�أزمة ا�ستقاللية اجلامعات 179
التـعليم
يخت�ص ب�إدارة �أموال فين�ص القانون على �أنه ّ اجلامعة وا�ستثمارها وقبول التربعات التي ترد �إليها عن طريق الوقف والو�صايا والهبات وغريها والت�رصف ،وب�إعداد خطة اجلامعة وم�رشوعات املوازنة وتوزيع اعتماداتها واحل�ساب النهائي .1ويف حني �أن رئي�س اجلامعة يعينّ مبر�سوم (جمهوري) وهو يتوىل �إدارة �ش�ؤون اجلامعة العلمية والإدارية واملالية ،ف�إن العميد ور�ؤ�ساء الأق�سام يع ّينهم الوزير. تن�ص تفيد هذه املعطيات �أن القوانني التي ّ على ا�ستقاللية اجلامعات الإدارية واملالية ت�ضع القيود الالزمة جلعلها غري م�ستقلة يف قراراتها الإدارية واملالية� .أما من ناحية ال�صالحيات الأكادميية فرمبا تتم ّتع اجلامعات ببع�ض ال�صالحيات الأكادميية التقنية الطابع 2لكن ال�ش�ؤون الأكادميية التي حتتاج �إىل متويل �إ�ضايف (وبخا�صة الربامج البحثية واملختربات) مرهونة بحدود ال�صالحيات املالية مل ّتخذي القرارات يف اجلامعات .و�إذا �أ�ضفنا �أن اجلامعات احلكومية تعمل مبوجب لوائح و�أنظمة موحدة ت�صدر ب�صورة قوانني ومرا�سيم عن ال�سلطتني الت�رشيع ّية والتنفيذية، �أمكن االفرتا�ض �أن ال�صالحيات الأكادميية للجامعات احلكومية العربية مق ّيدة عموما، وهذا ما مينعها من الدخول يف مناف�سات حملية وعربية و�إقليمية يف �إنتاج املعارف. الوجه الآخر ل�ضعف اال�ستقاللية هو �ضعف ال�رشاكات املجتمعية .هذه ال�رشاكة تتخذ مبدئيا �شكل الهبات واملنح والو�صايا والأوقاف التي تر�صدها جهات جمتمعية لإن�شاء �أو دعم اجلامعة يف وجه �أو �أكرث من وجوه ن�شاطها ،كما ت�أخذ �شكل عقود اخلدمات واال�ست�شارات واالتفاقات ،خ�صو�ص ًا يف مو�ضوع البحوث .وهي تف�ضي �إىل نتيجتني
مرتابطتني� .أوالهما توفري «التوازن» بني االعتبارات وال�ضغوط احلكومية ،واالعتبارات االقت�صادية واالجتماعية التي تطرحها القوى الفاعلة يف املجتمع .وهذا التوازن ي�صب يف زيادة حجم «الأنظمة» والتقاليد اجلامعية والطابع العام لعمل اجلامعة (اال�ستقاللية). وثانيتهما زيادة موارد اجلامعة املالية، يح�سن �أداءها ويخفف العبء املايل عن مبا ّ احلكومة (اال�ستقاللية املالية). تبينّ درا�سات احلاالت التي ا�ستعر�ضناها، �أن الفعاليات االجتماعية واالقت�صادية غائبة �أو �ضعيفة احل�ضور يف جمال�س التعليم العايل وجمال�س الأمناء وجمال�س اجلامعات على ال�سواء .فال يوجد ممثلون عن هذه الفعاليات يف جمال�س التعليم العايل يف ال�سعودية وم�رص ولبنان و�سوريا ،وال يف جمال�س الأمناء يف اجلامعات احلكومية واخلا�صة يف الأردن� ،أو اجلامعات اخلا�صة يف م�رص ،وال يف جمال�س اجلامعات يف جميع البلدان اخلم�سة املذكورة. جند اال�ستثناءات يف جمل�س التعليم العايل يف الأردن (الذي ي�ضم «�أربعة من القطاع اخلا�ص يف جماالته الإنتاجية �أو اخلدمية الرئي�سية»). وجندها يف املغرب الذي ينفرد ب�أن ممثلي هذه القطاعات موجودون يف اللجنة الوطنية لتن�سيق التعليم العايل (�شخ�صيتان من القطاعات االقت�صادية واالجتماعية يع ّينان من لدن ال�سلطة احلكومية املكلفة بالتعليم العايل) ويف جمل�س اجلامعة احلكومية (�سبعة ممثلني عن القطاعات االقت�صادية واالجتماعية من بينهم ر�ؤ�ساء الغرف املهنية) .وبهذا املعنى تعترب اجلامعات احلكومية املغربية الأكرث انفتاح ًا على ال�رشاكات االجتماعية ،وهذا ما يعطيها قدراً �أكرب من اال�ستقاللية.
الفعاليات االجتماعية واالقت�صادية غائبة �أو �ضعيفة احل�ضور يف جمال�س التعليم العايل وجمال�س الأمناء وجمال�س اجلامعات .فال يوجد ممثلون عن هذه الفعاليات يف جمال�س التعليم العايل يف ال�سعودية وم�رص ولبنان و�سوريا ،وال يف جمال�س الأمناء يف اجلامعات احلكومية واخلا�صة يف الأردن� ،أو اجلامعات اخلا�صة يف م�رص .وجند اال�ستثناءات يف جمل�س التعليم العايل يف الأردن (الذي ي�ضم «�أربعة من القطاع اخلا�ص يف جماالته الإنتاجية �أو اخلدمية الرئي�سية») ،وجندها يف املغرب الذي ينفرد ب�أن ممثلي هذه القطاعات موجودون يف اللجنة الوطنية لتن�سيق التعليم العايل.
1قانون رقم 6للعام ( 2006قانون تنظيم اجلامعات). 2مثل :تنظيم قبول الطالب يف اجلامعة وحتديد �أعدادهم ،تنظيم �ش�ؤون املنح واملكاف�آت الدرا�سية املختلفة ،تنظيم �شئون اخلدمات الطالبية يف اجلامعة� ،إعداد ال�سيا�سة العامة للكتب واملذكرات اجلامعية وتنظيمها ،تنظيم �ش�ؤون الطالب الثقافية والريا�ضية واالجتماعية� ،إ�صدار اللوائح اخلا�صة باملتاحف واملكتبات وغريها من املن�ش�آت اجلامعية ،حتديد و�إن�شاء تخ�ص�صات الأ�ستاذية ،و�ضع النظام العام للدرو�س واملحا�رضات والبحوث والتمرينات العملية واالنتداب لها ،و�ضع النظام لأعمال االمتحان ولالنتداب لها� ،إلخ (مقتطفات من �صالحيات جمل�س اجلامعة احلكومية يف م�رص).
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 180للتنمية الثقافية
ثالث ًا� :إدارة اجلامعات غري احلكومية
اال�ستقاللية تعني مبدئيا خ�ضوع ال�ش�ؤون الإدارية واملالية والأكادميية ملنطق امل�ؤ�س�سة الإداري واملايل ولل�سلطة الأكادميية (املتمثلة يف الأكادمييني واملعايري الأكادميية املتداولة حملي ًا و�إقليمي ًا وعاملياً) ،وذلك ا�ستناداً �إىل ر�سالة اجلامعة و�أهدافها ولوائحها التنظيمية ،بغ�ض النظر عما �إذا كانت حكومية �أو غري حكومية. لذلك ال ب ّد من فح�ص هذه الأمور ملعرفة مدى ا�ستقاللية اجلامعة اخلا�صة.
يظن البع�ض �أن اجلامعات غري احلكومية تتمتع باال�ستقاللية الإدارية واملالية والأكادميية ،ملجرد �أنها غري حكومية .لأن اال�ستقاللية مرتبطة يف ذهن هذا البع�ض باالنف�صال عن احلكومة .غري �أ ّنه و�إن كانت ميزانية اجلامعة غري احلكومية غري تابعة لقرارات احلكومة (وهذا مظهر من مظاهر اال�ستقاللية) لكنها قد تكون تابعة ،ماليا، لأفراد �أو جمموعة �أو �رشكة بق�صد الربح ،وهذا بدوره ين�سحب على القرارات الأكادميية ذات البعد املايل ،وقد تكون تابعة جلماعة تفر�ض �أجندتها على اجلامعة و�أهلها .الأمر الذي يفقدها اال�ستقاللية ،ويجعلها تابعة مل�شيئة «�أ�صحابها» (�أفرادا �أو جماعات �أو �رشكات �أو جمعيات �أو جماعات) .وهكذا يح ّل الوالء لأ�صحاب امل�ؤ�س�سة حمل الوالء للحكومة و�أهل ال�سيا�سة .اال�ستقاللية تعني مبدئيا خ�ضوع ال�ش�ؤون الإدارية واملالية والأكادميية ملنطق امل�ؤ�س�سة الإداري واملايل ولل�سلطة الأكادميية (املتمثلة يف الأكادمييني واملعايري الأكادميية املتداولة حملي ًا و�إقليمي ًا وعاملي ًا) ،وذلك ا�ستناداً �إىل ر�سالة اجلامعة و�أهدافها ولوائحها التنظيمية ،بغ�ض النظر عما �إذا كانت حكومية �أو غري حكومية .لذلك ال ب ّد من فح�ص هذه الأمور ملعرفة مدى ا�ستقاللية اجلامعة اخلا�صة. تبينّ درا�سات احلالة القليلة التي نتوقف عندها �أدناه �أنه يوجد يف اجلامعات «اخلا�صة» جمل�س �أمناء ،و�أنه ي�ض ّم �أ�سا�س ًا املالكني ومن ين�سبهم املالكون (يف الأردن وم�رص و�سوريا)، ويتمتع ب�صالحيات وا�سعة مالية و�إدارية و�أكادميية .ويف هذه البلدان الثالثة يغيب تقليد االنتخاب ،وم�شاركة الفعاليات االجتماعية واالقت�صادية .النظام «فوقي» ،كما هي احلال يف اجلامعات احلكومية� ،إمنا ينتهي هنا عند املالكني �أو بالتن�سيق مع ال�سلطات احلكومية. وهذا ي�شمل ال�ش�ؤون املالية طبع ًا. �أما يف لبنان ،اجلامعات فئتان« ،غري
ربح ّية» و «ربح ّية» .اجلامعة الأمريكية يف بريوت لديها جمل�س �أمناء هو ال�سلطة العليا يف اجلامعة ،بالن�سبة ل�صالحيات التعيني (مبا يف ذلك تعيني الرئي�س) وال�صالحيات املالية. وهي تتمتع با�ستقاللية تامة عن جماعة مع ّينة ،دينية �أو غري دينية ،علما ب�أن جمل�س الأمناء فيها ي�ضم �شخ�صيات لبنانية (متنوعة الأديان والطوائف) وعربية و�أجنبية .وبهذا املعنى تعترب اجلامعة الأمريكية يف بريوت الأكرث متتع ًا باال�ستقاللية الإدارية واملالية والأكادميية ،والأقل اتكا ًال على «جهة» ما مت ّولها وتوجهها ،والأكرث ا�ضطراراً �إىل حت�صيل تكر�سه لهذا مواردها وتنويعها بجهد خا�ص ّ الغر�ض .وباملثل يوجد جمل�س �أمناء يف جامعة البلمند و�أع�ضا�ؤه لي�سوا مالّكا للجامعة ،وي�ض ّم �شخ�صيات وفعاليات متنوعة� .صحيح �أن هذه ال�شخ�صيات والفعاليات تتبع �سلطة دينية� ،إال �أن رئي�س اجلامعة هو �شخ�ص مدين ،وكذلك العمداء. كما جند ال�رشاكة املجتمعية يف اجلامعات اخلا�صة يف لبنان (الأمريكية ،البلمند ،العربية)، �إن من حيث تبعية اجلامعات لهيئات اجتماعية غري ربحية� ،أو من حيث ح�ضور ممثلي الفعاليات االقت�صادية واالجتماعية� ،أو �شخ�صيات اقت�صادية حملية و�إقليمية وعاملية يف جمال�س الأمناء� ،أو من حيث تقدمي اخلدمات واال�ست�شارات. وهذا مفتقد يف اجلامعات «اخلا�صة» يف البلدان العربية الأخرى املدرو�سة. ن�ستعر�ض �أدناه هذه احلاالت ونقت�رص على جمال�س الأمناء والرئي�س� ،أما جمل�س اجلامعة يف اجلامعات غري احلكومية فهو ي�ضم �أكادمييني ويهتم بال�ش�ؤون الأكادميية.
الأردن
اجلامعات غري احلكومية يف الأردن هي بح�سب القانون جامعات «خا�صة»� ،أي �رشكات تبغي الربح ،تن�ش�أ بناء على طلب مق ّدم من وين�ص القانون 1على وجود جمل�س «املالك». ّ
الف�صل االول �إدارة التعليم العايل و�أزمة ا�ستقاللية اجلامعات 181
�أمناء وجمل�س جامعة فيها. يتكون جمل�س �أمناء يف اجلامعة اخلا�صة من خم�سة ع�رش ع�ضواً ،معظمهم ينتمي اىل اجلهة املالكة للجامعة ،وال �رشوط تبينّ متثيل �أي منهم لقطاع اقت�صادي �أو اجتماعي معني، وهو يتم ّتع بح�سب القانون ب�صالحيات وا�سعة يعي بقرار من (�إطار .)8-1الرئي�س من جهته نَّ جمل�س التعليم العايل بنا ًء على اقرتاح من جمل�س الأمناء.
يت�ألف جمل�س الأمناء من خم�سة ع�رش يعينهم جمل�س التعليم العايل ع�ضواً ّ ملدة �أربع �سنوات ،وي�سمى احدهم رئي�س ًا له على �أن يكون ثلثهم على الأقل من حملة الدكتوراه والباقون من ذوي اخلربة ممن يحملون الدرجة اجلامعية الأوىل (البكالوريو�س) على الأقل ،وي�شكّل على النحو التايل: .1رئي�س اجلامعة. .2ثالثة �أع�ضاء يختارهم جمل�س التعليم العايل. .3خم�سة �أع�ضاء على الأكرث من املالكني �أو امل�ساهمني تن�سبهم الهيئة (جمل�س �إدارة ال�رشكة). .4بقية الأع�ضاء من غري املالكني �أو امل�ساهمني ومن غري العاملني يف اجلامعة نف�سها ين�سبهم املالك �رشيطة �أن يكون ن�صفهم على الأقل من احلا�صلني على رتبة الأ�ستاذية من �أي جامعة �أردنية. (من مهام جمل�س الأمناء): -ر�سم ال�سيا�سة العامة للجامعة يف
�ضوء �سيا�سة التعليم العايل (بند .)1 التن�سيب �إىل جمل�س التعليم العايلبتعيني رئي�س اجلامعة (بند .)3 تعيني نواب الرئي�س والعمداءبتن�سيب من الرئي�س وفق ًا لأحكام قانون اجلامعات الأردنية اخلا�صة (بند .)4 حتديد الر�سوم اجلامعية وتدبريامل�صادر لدعم املوارد املالية للجامعة وتنظيم �ش�ؤون ا�ستثمارها. (بند)7 حتديد �سلم الرواتب جلميعالعاملني يف اجلامعة مبا يف ذلك �أع�ضاء الهيئة التدري�سية( .بند )8 قبول الهبات واملنح والو�صايا �إذاكانت من م�صدر �أردين وقلّت عن مئة �ألف دينار على �أن تخ�ص�ص للإنفاق على الأغرا�ض التنموية والتطويرية داخل اجلامعة( .بند )10 �إقرار م�رشوع املوازنة ال�سنويةللجامعة ورفعه �إىل جمل�س التعليم العايل للم�صادقة عليه( .بند )11
يفر�ض قانون التعليم العايل يف لبنان �أن يكون �صاحب الرخ�صة لإن�شاء جامعة خا�صة «جمعية �أو هيئة» �إذا كان لبناني ًا ،وهذا يعني �أن م�ؤ�س�سات التعليم العايل غري احلكومي لي�ست بح�سب هذا القانون �رشكات� ،أو �أن تكون جهة تتمتع بحق �إن�شاء اجلامعات يف بلد املن�ش�أ� ،إذا كان �أجنبيا .3وال ي�ضع القانون �أية �رشوط حول الهيئات التي تدير اجلامعة غري احلكومية ،لذلك �سوف ن�ستعر�ض �أحوال عدد من هذه اجلامعات. ونظراً لكرثة اجلامعات غري احلكومية ( )31وتع ّدد �أنواعها (تبع ًا للثقافة التي تعتمدها ول�صالتها اخلارجية والرتباطاتها باجلماعات املحلية)، ف�إننا نقت�رص على ثالثة �أمثلة �أو مناذج.
وامل�صالح العامة ،من لبنان وامل�رشق العربي واالغرتاب اللبناين وامل�رشقي» ،ويت ّم ا�ستبدال �أع�ضائه ذاتي ًا ب�صورة دورية (�إطار .)9-1
جامعة البلمند
اجلامعة الأمريكية يف بريوت
�أن�شئت جامعة البلمند من قبل بطريركية �إنطاكية و�سائر امل�رشق للروم الأرثوذك�س مبوجب املر�سوم رقم 4885تاريخ .4/5/1988 ي�رشف على اجلامعة جمل�س �أمناء يتمتع ب�صالحيات وا�سعة مبا يف ذلك تعيني رئي�س اجلامعة والإ�رشاف على �ش�ؤون اجلامعة الأكادميية والإدارية واملالية .وي�ضم جمل�س الأمناء �إىل جانب اجلماعة املن�شئة للجامعة، �أي البطريركية املذكورة ،ما ال يقل عن ع�رشين ع�ضواً «من ذوي اخلربة يف الثقافة ،والأعمال، 1 2 3
ت�أ�س�ست هذه اجلامعة يف العام 1866من قبل �إر�سالية �إجنيلية �أمريكية با�سم «الكلية ال�سورية الإجنيلية» ،ويف العام � 1920أ�صبحت جامعة حتمل ا�سمها احلايل. جمل�س الأمناء هو ال�سلطة العليا يف هذه يقر ميزانياتها وخططها وم�شاريعها، اجلامعة ّ ويعينّ رئي�سها وعمداءها .يتك ّون املجل�س من 31ع�ضواً كح ّد �أدنى و 45كح ّد �أق�صى ،على �أن يكون ثالثة منهم من خريجي اجلامعة. ويتكون املجل�س احلايل (يف العام )2009
قانون اجلامعات الأردنية اخلا�صة ل�سنة .2007 امل�صدر نف�سه (مادة .)10 قانون التعليم العايل اخلا�ص ال�صادر يف ، 1961/12/ 26املادة .7
مؤسسة الفكر العربي ّ
التـعليم
لبنان
�إطار 8-1جمل�س الأمناء يف اجلامعة اخلا�صة يف الأردن
2
التقرير العربي الثاين 182للتنمية الثقافية
�إطار 9-1جمل�س الأمناء يف جامعة خا�صة يف لبنان (البلمند) املادة :4يرعى �ش�ؤون اجلامعة الأكادميية والإدارية واملالية جمل�س �أمناء يتوىل ال�سلطة التقريرية ورئي�س يديرها ب�إ�رشاف جمل�س الأمناء ويعاونه بذلك جمل�س اجلامعة. املادة :5يتمتع جمل�س الأمناء ب�أو�سع ال�صالحيات ب�صفته ال�سلطة العليا للجامعة ( .)...ي�رشف جمل�س الأمناء على �ش�ؤون اجلامعة الأكادميية والإدارية واملالية؛ وملجل�س الأمناء ت�شكيل جلان خا�صة لتقدمي التو�صيات والتوجيهات منها(.)... املادة :6يت�ألف جمل�س الأمناء من �أع�ضاء موزعني على ال�شكل التايل: غبطة بطريرك �إنطاكية و�سائرامل�رشق رئي�س ًا للمجل�س؛ عدد من املطارنة من املجمعاملقد�س ال يزيد على �أربعة؛ � -أع�ضاء من لبنان وامل�رشق العربي
واالغرتاب اللبناين وامل�رشقي ،من ذوي اخلربة يف الثقافة ،والأعمال، وامل�صالح العامة ،ال يق ّل عددهم عن ع�رشين؛ �أع�ضاء �رشف.املادة :7والية جمل�س الأمناء هي ملدة ثالث �سنوات .ويبحث يف االجتماع ال�سنوي املنعقد يف �آذار قبول ا�ستقالة �أع�ضاء و�إ�ضافة �أع�ضاء جدد. املادة :9ير�أ�س غبطة البطريرك جمل�س الأمناء .يف حال غيابه عن �إحدى اجلل�سات يرئ�سه املطران الذي يكلّفه �صاحب الغبطة بذلك. املادة :10يعينّ جمل�س الأمناء رئي�س اجلامعة كما يعينّ بتو�صية من رئي�سها نواب الرئي�س والعمداء واملديرين.
�إطار 10-1املجل�س الأعلى جلامعة بريوت العربية يخت�ص املجل�س الأعلى للجامعة ّ بالعمل على �إمناء اجلامعة وتطويرها وا�ستكمال مقوماتها الأكادميية والإدارية واملالية و�إقرار خططها اال�سرتاتيجية و�سبل متويلها ،و(من مهامه) ب�صفة خا�صة ما يلي: �إقرار قواعد قبول الطالب يفاجلامعة وحتديد �أعدادهم( .بند )5 �إقرار موازنة اجلامعة واحل�ساباخلتامي والتقارير املالية( .بند )8 �إقرار قبول التربعات والهباتواملنح( .بند )9 �إقرار االتفاقات التي تعقدهااجلامعة مع اجلامعات وامل�ؤ�س�سات والهيئات الأخرى( .بند )10
1 2
1
4
�إقرار تعيني نواب رئي�س اجلامعةوعمداء الكليات والقائمني ب�أعمال العمداء( .بند )12 �إقرار تعيني �أمني عام اجلامعة.(بند )13 تر�شيح ثالثة من الأ�ساتذة بجامعةالإ�سكندرية امل�ستوفني ال�رشوط املُح ّددة يف هذه الالئحة وذلك ل�شغل من�صب رئي�س اجلامعة( .بند )22 و�ضع قواعد الرقابة على امل�سائلوالعلمية والإدارية للجامعة، املالية ّ مبا يف ذلك �أنظمة التقومي الذاتي الدولية( .بند للجامعة وفق ًا للمعايري ّ )23
من �أكادمييني (�أ�ساتذة و�أ�ساتذة متقاعدون، ومديرو مراكز طبية �أو بحثية يف جامعات �أمريكية وبريطانية) ،ورجال �أعمال ومدراء �رشكات مالية وهند�سية ونفطية وت�أمني و�سيارات (املدير العام ل�رشكة ني�سان مث ًال)، ونواب و�شيوخ �سابق ًا ،وه�ؤالء من جن�سيات متنوعة� :أمريكيون وبريطانيون وعرب (قطر، ال�سعودية ،الأردن� ،سوريا� ...إلخ) و�أجانب من �أ�صل لبناين ،وقلة من اللبنانيني املقيمني (رئي�س وزراء مكلف ،رئي�س جمعية �أهلية).2 ويجري ا�ستبدال ثلث �أع�ضاء املجل�س دوري ًا �أو امل�ستقيلني من قبل زمالئهم يف املجل�س .ولهذا الغر�ض ي�ضم املجل�س عدة جلان منها الع�ضوية والرت�شيحات.3
جامعة بريوت العربية
ت� َّأ�س َ�ست جامعة بريوت العربية يف العام 1961بالتعاون بني «جمعية ال ّرب والإح�سان» اللبنانية (التي ح�صلت على الرخ�صة يف ت�أ�سي�س اجلامعة) وجامعة الإ�سكندرية يف م�رص التي ت�رشف على ال�ش�ؤون الأكادميية فيها .واعتباراً من تاريخ 1985/6/5حت ّولت اجلمعية �إىل «وقف ال ّرب والإح�سان» وبالتايل تعترب «جامعة بريوت العربية» ملك ًا لوقف جمعية ال ّرب والإح�سان التي تلعب دوراً �أ�سا�سي ًا يف التخطيط اال�سرتاتيجي لها .وي�رشف على اجلامعة «املجل�س الأعلى للجامعة» وهو برئا�سة رئي�س جامعة الإ�سكندر ّية وع�ضوية �أربعة �أع�ضاء يختارهم جمل�س جامعة الإ�سكندرية و�أربعة �أع�ضاء يختارهم جمل�س �أمناء وقف ال ّرب والإح�سان ومن رئي�س جامعة بريوت العربية و�أمني عام اجلامعة ،وي�صدر بذلك قرار من وزير التعليم العايل يف م�رص .وال يوجد يف هذا املجل�س رجال �أعمال وممثّلون عن القطاعات االقت�صادية واالجتماعية غري
النظام الأ�سا�سي جلامعة البلمند كما وافق عليه جمل�س الأمناء يف .2004/7/24 http://www.aub.edu.lb/about/bot.html
3جلنة الع�ضوية والرت�شيحات ( ،)Nomination Committeeاللجنة التنفيذية ،جلنة اال�ستثمارات ،جلنة التمويل واملوازنة ،جلنة التدقيق، جلنة الأبنية وامل�ساحات ،جلنة التعوي�ضات (التي تقرتح رواتب الرئي�س ونائب الرئي�س والعمداء ومراقب احل�سابات) ،وغريها. https://pnp.aub.edu.lb/by-laws/corporate/179910001.html 4جامعة بريوت العربية ،الالئحة الأ�سا�سية .2007/2006
الف�صل االول �إدارة التعليم العايل و�أزمة ا�ستقاللية اجلامعات 183
ممثلي وقف ال ّرب والإح�سان .وي�رشف املجل�س الأعلى للجامعة على جميع �ش�ؤون اجلامعة الإدارية والأكادميية واملالية (�إقرار املوازنة وتدقيق احل�سابات وتعيني مراقب عقد النفقة)، ولكنه ال يعينّ رئي�س اجلامعة ،بل يقوم برت�شيح ثالثة من الأ�ساتذة بجامعة الإ�سكندرية ،يختار �أحدهم ويع ّينه وزير التعليم العايل يف م�رص (�إطار .)10-1 اجلامعات اخلا�صة يف م�رص ي�ؤ�س�سها �أفراد �أو جمموعات بر�أ�سمال وح�ص�ص معينة لكل منهم على غرار الأردن و�سوريا .ويديرها جمل�س الأمناء وجمل�س اجلامعة ورئي�س اجلامعة .ي�شكّل جمل�س الأمناء من بني امل�ؤ�س�سني وغريهم، على �أن يكون من بني �أع�ضائه رئي�س اجلامعة و«نخبة من كبار العلماء والأ�ساتذة املتخ�ص�صني وال�شخ�صيات العامة» .وال يتمثل فيه ممثلون عن القطاعات االقت�صادية واالجتماعية .وقد خ ّول القرار اجلمهوري جماعة امل�ؤ�س�سني و�ضع الالئحة اخلا�صة بت�شكيل جمل�س الأمناء، ويخت�ص جمل�س الأمناء و�إ�صدار قرار ت�شكيله. ّ بتعيني رئي�س اجلامعة ونوابه و�أمينها العام و�أع�ضاء جمل�س اجلامعة ،وي�ضع ،بعد �أخذ ر�أي جمل�س اجلامعة ،اللوائح الداخلية لإدارة �ش�ؤون اجلامعة وت�سيري �أعمالها ،وتت�ض ّمن القواعد اخلا�صة ا�ستخدام �صايف الفائ�ض الناجت عن ن�شاط اجلامعة طبق ًا مليزانيتها ال�سنوية .على �أن تعيني رئي�س اجلامعة يجب �أن يحظى مبوافقة وزير التعليم العايل .ويف ال�ش�ؤون املالية يقوم جمل�س الأمناء ب�إدارة �أموال اجلامعة ،واعتماد ميزانية اجلامعة و قبول التربعات والو�صايا والهبات واملنح التي حتقق �أغرا�ض اجلامعة (�إطار .)11-1 يتبني من هذه املراجعة ال�رسيعة �أن جميع اجلامعات غري احلكومية امل�شمولة بالدرا�سة (�أو :الداخلة يف الع ّينة املختارة) لها جمل�س �أمناء ،و�أن هذا املجل�س يتمتع ب�صالحيات
يخت�ص جمل�س الأمناء مبا يلي: - 1ر�سم ال�سيا�سة العامة للجامعة، والأخذ مبا يراه من تو�صيات امل�ؤمترات العلمية. - 2و�ضع القواعد اخلا�صة با�ستخدام �صايف الفائ�ض الناجت عن ن�شاط اجلامعة طبق ًا مليزانيتها ال�سنوية، ّ بعد �أخذ ر�أى جمل�س اجلامعة (بند .)3 � - 3إدارة �أموال اجلامعة (بند .)4 - 4تعيني رئي�س اجلامعة ،ونوابه،
و�أمينها العام ،و�أع�ضاء جمل�س اجلامعة ،وعمداء ووكالء ور�ؤ�ساء جمال�س الأق�سام والكليات واملعاهد العليا املتخ�ص�صة (بند.)6 - 5قبول التربعات والو�صايا والهبات واملنح التي حتقق �أغرا�ض اجلامعة ،وذلك من داخل البالد وخارجها ،مبا يتفق وم�صالح البالد (بند .)9 - 6اعتماد ميزانية اجلامعة (بند .)10
وا�سعة ،مبا يف ذلك تعيني الرئي�س (ما عدا يف الأردن وجامعة بريوت العربية) و�إقرار ال�ش�ؤون املالية .والفرق بني لبنان والبلدان الأخرى �أن جمل�س الأمناء يف هذه البلدان يحكمه «�أ�صحاب» اجلامعة ،كما تتميز جامعتا البلمند واجلامعة الأمريكية يف بريوت ب�أن جمل�س الأمناء ي�ض ّم فعاليات اجتماعية واقت�صادية، و�أن الأع�ضاء يجري تبديل جزء منهم دوري ًا عن طريق زمالئهم� .أما يف جامعة بريوت العربية فيعينّ الأع�ضاء من قبل اجلهتني امل�رشفتني عليها ،وقف ال ّرب والإح�سان وجامعة الإ�سكندرية. ال�صورة الإجمالية لإدارة التعليم العايل وجامعاته يف البلدان املعنية تكمن باخت�صار يف افتقار اجلامعات املدرو�سة �إىل اال�ستقاللية الإدارية واملالية ،مع وجود ا�ستثناءات �أ�رشنا �إليها ،وهذا ما يق ّيد التمويل يف حجمه وم�صادره .وهذا ما �سنب ّينه يف الف�صل الالحق .وبالتايل ف�إن اخلروج من �أزمة التمويل والإنفاق يحتاج ،لي�س فقط �إىل تدبري الأموال ،بل �إىل �إجراء تعديالت جوهرية على نظم الإ�رشاف على التعليم العايل و�إدارة جامعاته ،باجتاه املزيد من تفوي�ض ال�سلطات لأهل اجلامعة ومزيد من �إ�رشاك املجتمع يف حمل امل�س�ؤولية ،وتغليب منطق امل�ؤ�س�سة والأكادمييا على ت�سيريها.
1القرارات اجلمهورية ب�إن�شاء جامعات خا�صة (رقم 243و 244وغريها ال�صادرة يف العام 1996وما بعده).
مؤسسة الفكر العربي ّ
التـعليم
م�رص
�إطار 11-1جمل�س الأمناء يف اجلامعة اخلا�صة يف م�رص
1
التقرير العربي الثاين 184للتنمية الثقافية
الف�صل الثاين م�شكلة متويل التعليم العايل
•
تت�ض ّمن التقارير الوطنية التي ق ّدمت �إىل «امل�ؤمتر الإقليمي العربي حول التعليم العايل» بع�ض ال�شواهد على ثقل م�شكلة التمويل على اجلامعات يف البلدان العربية .كما يبينّ الإطار � ،1-2أحوال هذا التمويل التي ن�ستعر�ضها يف �إطار � 1-2شواهد حول م�شكالت متويل التعليم العايل يف عدد من البلدان 1 العربية الأردن� :إن تدين ن�سبة الإنفاق على التعليم اجلامعي و�صعوبة ت�أمني م�صادر متويلية كافية وثابتة �أ ّدت �إىل تفاقم مديونية اجلامعات وعجزها عن تنفيذ ا�سرتاتيجيات تطويرها وفق جداول زمنية حمددة ،وعدم متكنها من توفري �أدنى متطلبات النوعية كزيادة �أعداد �أع�ضاء الهيئة التدري�سية �أو باحلد الأدنى احلفاظ على ما لديها من كوادر م�ؤهلة ووقف نزيف هجرتهم ,وتوفري م�ستلزماتها من الأجهزة والتقانات التعليمية املتطورة ،وزيادة خم�ص�صات البحث العلمي ،وتكثيف برامج �إيفاد الطلبة، وا�ستكمال بناها التحتية (�ص .)24 ال�سودان :لقد �أدى النق�ص يف التمويل �إىل تعرث م�رشوعات التنمية يف م�ؤ�س�سات التعليم العايل وق�صور الأداء الأكادميي لهيئة التدري�س وتزايد هجرة الأ�ساتذة �إىل اخلارج �أو �إىل العمل يف م�ؤ�س�سات داخل البالد �أو �إىل القيام بعمل �إ�ضايف �إىل التدري�س و�إىل تدهور البيئة الرتبوية والبحثية املنا�سبة للطالب لعدم توفر املوارد الالزمة لتدريبهم يف خمتلف املجاالت (�ص .)22 ،20
فل�سطني� :إن االنخفا�ض يف الدعم احلكومي لتغطية امل�صاريف الت�شغيلية مل�ؤ�س�سات التعليم العايل �أ ّثر �سلبي ًا على عدة جوانب منها: اللجوء �إىل قبول طلبة حتت مظلة «تعليم مواز» بحيث يدفع الطالب ر�سوم ًا �أعلى ،عدم االنتظام يف دفع رواتب العاملني ،ا�ستعمال �صناديق االدخار لال�ستمرارية ،التخفي�ض «الوهمي» لكلفة الطالب من خالل عدم زيادة �أع�ضاء الهيئة التعليمية بقدر الزيادة املالئمة لعدد الطلبة، تقليل امل�رصوفات على املكتبات، زيادة �أعباء �أع�ضاء هيئة التدري�س، زيادة عدد امل�شغلني ب�شكل غري متفرغ ،تقليل الإنفاق على ح�ضور ّ امل�ؤمترات العلمية وتقليل ميزانيات البحث العلمي ،تقليل فر�ص االبتعاث وما �شابه (�ص .)13 ،10 م�رص ،اليمن :يعترب نق�ص املوارد املالية م�شكلة م�ستمرة .وعلى الرغم من الزيادة يف االعتمادات التي تخ�ص�صها الدولة للتعليم العايل� ،إال �أنها الزالت تعترب غري كافية (م�رص، �ص ،16اليمن �ص .)16
هذا الف�صل ،من �أجل �إظهار وجهني مرتابطني للتحدي املايل� )1 :أحادية التمويل� ،أي �أن احل�صول على موارد �أخرى يف اجلامعات ما زالت �أبوابه �ضيقة ،حيث �إن متويل اجلامعات احلكومية يف بلداننا يقع ب�صورة رئي�سية على كاهل الدولة ،وهي تنوء بهذا احلمل نتيجة عدم تنا�سب املوارد مع �ضغوط الإنفاق املتزايدة، يف حني �أن اجلامعات غري احلكومية حت ّمل الأهايل ،عن طريق الر�سوم ،كلفة تعليم �أبنائهم، � )2أن حجم الإنفاق على التعليم (وعلى الطالب الواحد) �ضعيف �إجما ًال ،وال يل ّبي احلاجة املا�سة �إىل توفري نوعية جيدة يف التعليم العايل .ميكن �أن ي�ستثنى الأردن من هذه ال�صورة يف جزء من وجهها الأول ،حيث مت نقل ثقل التمويل من احلكومة �إىل الأهل ،عن طريق الر�سوم، علم ًا ب�أن ذلك مل يح ّل امل�شكلة الأ�سا�سية ،فيما يف�ضي �إىل زيادة ال�ضغوط املالية على الأهايل و�إىل ارتفاع الأ�صوات املعار�ضة لهذا التدبري. وميكن �أن ُت�ستثنى من ال�صورة يف وجهها الثاين دول اخلليج العربي التي ال ت�شكو عموم ًا من م�شكلة حجم الإنفاق. تت ّم درا�سة �أحوال التمويل يف البلدان العربية ،كما يف الف�صل ال�سابق ،من خالل املعطيات املتوافرة يف عدد من التقارير املرجعية التي كتبت لتغذية هذه الدرا�سة حول عدد حمدود من هذه البلدان .لكن احل�صول على املعطيات املالية كان �أ�صعب من احل�صول على املعطيات املتعلقة بال�ش�ؤون الإدارية .ذلك �أن الن�صو�ص ذات العالقة بال�ش�ؤون الإدارية
• �أتوجه بال�شكر من الدكتور �رشبل نحا�س ،اخلبري االقت�صادي ،الذي اطلع على هذا الف�صل وقدم اقرتاحات قيمة (ع .ا.). 1مكتب اليون�سكو الإقليمي للرتبية يف الدول العربية ( )2009امل�ؤمتر العربي الإقليمي حول التعليم العايل ،القاهرة� 31 ،أيار/مايو 2 -حزيران يونيو ،2009عقد على التعليم العايل يف البلدان العربية :الإجنازات والتحديات ،التقرير الإقليمي� ،ص .65
الف�صل الثاين م�شكلة متويل التعليم العايل 185
�أو ًال :الإنفاق احلكومي على التعليم العايل الأردن
بلغت موازنة وزارة التعليم العايل يف الأردن 25.019مليون دينار يف العام ،2007 ي�ضاف اليها 65.387مليون دينار كدعم حكومي للجامعات ،فيكون املجموع 90.406 مليون دينار ( 127.6مليون دوالر) ،وهذا ما ي�شكّل % 1.69من املوازنة احلكومية العامة و % 0.77من الناجت املحلي اخلام .2GDP والالفت �أن التمويل احلكومي ال ي�شكّل �سوى خم�س ( )%20.9الإنفاق يف التعليم العايل احلكومي يف حني ت�شكّل الر�سوم التي يدفعها الطالب ،%65.6والباقي يعزى �إىل م�صادر �أخرى .3و�إذا اعتربنا �أن هناك 167,237طالب ًا كانوا ملتحقني باجلامعات احلكومية يف العام ،4 2008/2007يكون مع ّدل االنفاق احلكومي على الطالب الواحد 763دوالراً .ف�إذا �أ�ضفنا الأربعة �أخما�س الباقية يكون الإنفاق الإجمايل على الطالب الواحد يف اجلامعات احلكومية 3,815دوالراً �أمريكي ًا. وت�شيع يف الأردن زيادة املوارد احلكومية للتعليم العايل عن طريق ال�رضائب .5كما تقوم اجلامعات احلكومية با�ستكمال �إيراداتها عن
التـعليم
متاحة للجميع ،لكونها ت�أخذ �شكل ت�رشيعات (قوانني ،مرا�سيم� ،أنظمة) من�شورة (�أحيان ًا على الإنرتنت) .يف حني �أن البلدان العربية (حكومات وجامعات) �أقل �شفافية بكثري يف ال�ش�ؤون املالية� .أ�ضف �إىل ذلك �أن اجلامعات غري احلكومية تتمنع عادة عن عر�ض بياناتها املالية للباحثني �أو للر�أي العام .وقد ا�ستع ّنا ال�ستكمال ال�صورة التي مل تكتمل من الأوراق املرجعية مب�سودات الأوراق التي ق ّدمت يف منتدى البحوث االقت�صادية (Economic Res )search Forum-ERFالذي عقد يف عمان يف 18-17حزيران /يونيو ،2009ومبعطيات جمعت حت�ضريا للم�ؤمتر العربي الإقليمي حول التعليم العايل ،القاهرة� 31 ،أيار/مايو2 - حزيران يونيو .2009ومع تن ّوع امل�صادر يجب توقع تباين الأرقام .كما �أن هناك �صعوبات تقنية متعددة جتعل من ال�صعب الركون �إىل الأرقام املدرجة ب�صورة نهائية.1 تت ّم معاجلة املو�ضوع على ثالث مراحل. الأوىل تتعلق بالإنفاق احلكومي على التعليم العايل ،والثانية مب�صادر التمويل يف اجلامعات احلكومية وغري احلكومية ،والثالثة بحجم الإنفاق يف هذه اجلامعات .وننهي العر�ض يف كل مرحلة بعدد من املقارنات .ويف ما يخ�ص م�صادر التمويل نعتمد منوذجا للإيرادات يت�ضمن البنود الآتية )1:ر�سوم الطالب)2 ، املخ�ص�صات احلكومية )3 ،عوائد الأن�شطة الإنتاجية والعقود )4 ،ريوع املمتلكات)5 ،
الهبات والتربعات )6 ،الأوقاف )7 ،غري ذلك، وذلك ت�سهي ًال للمقارنة ومن �أجل ا�ستخراج بع�ض اال�ستنتاجات.
1منها �أن الأرقام املالية يعرتيها يف كثري من الأحيان االلتبا�س وعدم الدقة والتباين يف امل�صطلحات .لذلك ف�إن املقارنة بني الدول قد ت�سبب �سوء الفهم ب�سبب التباين يف الأو�ضاع العامة للبلدان .ف�إذا قلنا مث ًال � ّإن الإنفاق على الطالب هو ثالثة �آالف دوالر �أمريكي ،فهذه القيمة لي�س لها املغزى نف�سه بني بلدان فقرية ومتو�سطة وعالية الدخل نظراً الختالف م�ستوى املعي�شة بينها .ومنها �أن الأرقام املالية (�أحجام ًا ي�صح ون�سباً) غري ثابتة يف البلد نف�سه بني �سنة و�أخرى العتبارات عديدة ،بل ي�صيبها التبدل .وهذا ما يعني �أن ا�ستنتاج ًا ما حول بلد معينّ ّ ي�صح �إطالقه ب�صورة �إجمالية� ،إال �إذا توفّرت املعلومات عن ال�سنوات املا�ضية ال�ستخراج النمط .وهذا �أمر غري متاح يف على ال�سنة ّ املعنية وال ّ الدرا�سة احلالية .ثم �إن �سعر �رصف العمالت الوطنية �إىل الدوالر الأمريكي �أو بالعك�س (بالن�سبة للموازنات) ،يخ�ضع للتغري امل�ستمر ،ويتغيرّ تبع ًا للم�صدر ،ولو بفروق �صغرية جداً للدوالر الواحد ،لكنها ت�صبح ذات �أهمية عندما تكون املوازنة مبليارات العملة الوطنية. Kanaan, Taher (2009). Financing Higher Education in Jordan. Paper submitted to Economic Research 2 . Forum-ERF (Amman, June 17-18, 2009), p11 .op. cit. p 12 3 4امل�ؤمتر العربي الإقليمي حول التعليم العايل القاهرة� 31 ،أيار/مايو 2 -حزيران يونيو .2009التقرير الإح�صائي. 5فقد ن�رش يف 2009/1/28مث ًال خرب مفاده �أنه ا�ستحدثت �رضيبة جديدة تدعى �رضيبة دعم اجلامعات من خالل اقتطاع دينار �أردين واحد
من كل م�شرتك يف الهاتف النقاّل (اخللوي) ملرة واحدة كل عام .وت�صل قيمة هذه ال�رضيبة التي جتمعها احلكومة ل�صالح دعم اجلامعات �إىل نحو خم�سة ماليني دينار (.)/http://krwetatnt.net/vb/t228144
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 186للتنمية الثقافية
طريق الر�سوم التي يدفعها الطلبة وعن طريق التعليم املوازي .وهذه التدابري تثري عادة االعرتا�ضات ،احتجاج ًا على حتميل الطالب كلفة تعليمه وعلى مبد�أ جمع ال�رضائب من املواطنني وت�شكيك ًا يف كيفية �إنفاق هذه الإيرادات.1
لبنان
بلغت موازنة وزارة التعليم العايل مليار لرية لبنانية يف العام 118( 2007مليون دوالر) ،ذهبت كلها تقريب ًا للجامعة اللبنانية ( 175.8مليار) .وي�شكّل الإنفاق على اجلامعة اللبنانية % 0.5من الناجت املحلي اخلام ( ،)GDPوهي ن�سبة منخف�ضة مقارنة بالبلدان املتو�سطة الدخل .لكن احلكومة تنفق ب�صورة غري مبا�رشة على التعليم من خالل «املنح» املدر�سية واجلامعية التي تق ّدمها ملوظفيها الذين يرتاد �أبنا�ؤهم مدار�س وجامعات خا�صة. ويبلغ جمموع الإنفاق غري املبا�رش بح�سب �رشبل نحا�س 230.4مليار لرية لبنانية (153 مليون دوالر) �أو ما ي�شكّل %0.6من الناجت املحلي اخلام .ت�ضاف �إىل ذلك النفقات التي يبذلها الأهايل ( 985مليار� ،أو %3.0من الناجت املحلي اخلام) وما تنفقه اجلهات املانحة (120 ملياراً %0.4 ،من الناجت املحلي اخلام) .ف�إذا ما جمعنا هذه النفقات مع النفقات احلكومية ( )%0.7يكون جمموع ما ينفق على التعليم العايل 1323مليار لرية ( 828مليون دوالر)، �أو %4.1من الناجت املحلي اخلام .وهذه من �أعلى الن�سب يف العامل (ويف التعليم ككل ت�صبح الن�سبة %13.1وهي �أي�ض ًا من �أعلى الن�سب يف العامل ،بل هي ت�شكّل �ضعفي ما جنده يف دولة مثل �أمريكا ،)%7.1 :بح�سب تقديرات امل�ؤلف 177
نف�سه.2 تبينّ معطيات لبنان �أننا �أمام حالة فريدة يف الإنفاق على التعليم العايل .و�إذا اقت�رصنا على الإنفاق احلكومي املبا�رش واحت�سبنا ح�صة الطالب منه (على اعتبار �أن عدد الطالب يف اجلامعة احلكومية هو 72,177للعام )2007 تكون ح�صة الطالب 1,635دوالراً .وهذا رقم متوا�ضع.
ال�سعودية
ما نعرفه �أن املوازنة الإجمالية للتعليم العايل يف العام 2007بلغت 23مليار ريال �سعودي� ،أي ما يوازي 6.1مليار دوالر. وهذا املبلغ ي�شكّل %1.3من الناجت املحلي اخلام و %1.9من املوازنة احلكومية العامة. وباعتبار �أن عدد الطالب يف اجلامعات احلكومية هو ، 670,341ف�إن ح�صة الطالب الواحد من املوازنة احلكومية هو 8,186دوالراً �أمريكي ًا ،وهو رقم مرتفع مقارنة مبا ورد �أعاله حول الأردن ولبنان.
م�رص
بلغت موازنة التعليم العايل 7.5مليار جنيه للعام 2006-2007يف م�رص ( 1.3مليار دوالر) ،وهذا ما ي�شكّل % 3.5من املوازنة احلكومية العامة و %1.3من الناجت املحلي اخلام .3وبافرتا�ض �أن جمموع عدد الطالب اجلامعيني هو 1,776,699طالب ًا ،ف�إن الإنفاق على الطالب الواحد يكون مبقدار 757دوالراً. وهذا رقم متوا�ضع جداً.
املغرب
بلغت موازنة وزارة التعليم العايل يف
1أنظرhttp://www.factjo.com/newsletterFullNews.aspx?id=4993&INo=154 : http://www.ammannet.net/look/article.tpl?IdLanguage=18&IdPublication=3&NrArticle=26188&NrIssue =5&NrSection=1&search.x=1&search.y=1 Nahas, Charbel (2009). Financing Higher Education in Lebanon. Paper submitted to Economic Research 2 Forum-ERF (Amman, June 17-18, 2009), (Preliminary draft) p 22 Fahim, Yasmine, Sami, Noha (2009), Financing Higher Education in Egypt, Paper submitted to Econ 3 nomic Research Forum-ERF (Amman, June 17-18, 2009) (Preliminary draft). P 38
الف�صل الثاين م�شكلة متويل التعليم العايل 187
�سوريا
بلغت موازنة وزارة التعليم العايل يف �سوريا 20.9مليار لرية �سورية للعام 2007 ( 454.4مليون دوالر) .وبافرتا�ض �أن عدد الطالب هو 558,131طالب ًا ،يكون الإنفاق احلكومي على الطالب الواحد 814دوالراً �أمريكي ًا .2وهذا رقم متوا�ضع جدا .وي�شكّل الإنفاق على التعليم العايل يف �سوريا % 3.57 من الإنفاق الإجمايل احلكومي ،و % 1.04من الناجت املحلي اخلام .3
تون�س
بلغت موازنة التعليم العايل يف تون�س 990
احلكومي .4وهي ن�سب عالية مقارنة بالبلدان العربية الأخرى املذكورة �سابقا ،الأمر الذي يدلّ على مقدار اجلهد املبذول جتاه التعليم العايل. �أما الإنفاق على التعليم العايل للطالب الواحد فبلغ 1,948دوالراً �أمريكي ًا (على �أ�سا�س �أن عدد الطالب هو ،)350,000وهو رقم متوا�ضع.
الإنفاق احلكومي على التعليم العايل يف عدد من البلدان العربية جدول 1-2 5 وبلدان منظمة التعاون االقت�صادي والتنمية البلد
موازنة التعليم العايل بالدوالر الأمريكي
الإنفاق الن�سبة من الن�سبة من عدد الطالب الناجت املحلي الإنفاق يف اجلامعات احلكومي على احلكومية الطالب الواحد احلكومي اخلام
الأردن
127,653,272
0.77
1.69
167,237
763
لبنان
118,000,000
0.5
1.5
72,177
1,635
ال�سعودية
6,142,004,276
1,3
1.6
750,341
8,186
م�رص
1,345,274,527
1.3
3.5
1,776,999
757
املغرب
777,000,000
0.92
3.8
282,724
2,748
�سوريا
454,433,431
1.04
3.57
558,131
814
تون�س
681,818,182
2.04
6.45
350,000
1,948
الواليات املتحدة
-
1.3
3.5
-
22,476
فرن�سا
-
1.2
2.3
-
10,305
تركيا
-
1.1
-
-
3,909
�إ�رسائيل
-
1.1
2.2
-
10,704
1.3
3.1
-
10,526
معدل دول املنظمة للعام ، 2007للعام ،2008
للعام 2004
Maroc. Département de l’enseignement supérieur, 2008 1 2التقرير الإح�صائي املق ّدم للم�ؤمتر العربي حول التعليم العايل (القاهرة .)31/5-2/6/2009 Kabbani, Nadir (2009). Financing Higher Education in Syria. Paper submitted to Economic Research 3 Forum-ERF (Amman, June 17-18, 2009), (Preliminary draft)p 3 Abdessalem, Taher (2009). Financing Higher Education in Tunisia. Paper submitted to Economic Res 4 search Forum-ERF (Amman, June 17-18, 2009), (Preliminary draft)p 10-12
� 5أ�سعار �رصف العمالت الوطنية يف البلدان العربية �إىل الدوالر الأمريكي التي احت�سبت على �أ�سا�سها الأرقام الواردة يف هذا اجلدول و�سائر فقرات الف�صل :الأردن :دينار = 1.412دوالراً �أمريكياً ،لبنان :الدوالر الأمريكي = 1500لرية ،ال�سعودية :الدوالر الأمريكي = 3.75رياالً، م�رص :الدوالر الأمريكي = 5.555جنيهاً ،املغرب :الدوالر الأمريكي = 7.948درهم ًا � ،سوريا :الدوالر الأمريكي = 46.155لرية ،تون�س: الدوالر الأمريكي = 1.32ديناراً.)/http://www.xe.com/ucc( .
مؤسسة الفكر العربي ّ
التـعليم
املغرب 777مليون دوالر يف العام .2008وهذا ي�شكّل %3.8من موازنة الدولة و%0.92من الناجت الداخلي اخلام (( )PIBالبالغ 84.25 مليار دوالر) .وت�شكّل نفقات الت�سيري (اجلارية) % 87من املوازنة ( 673.4مليون دوالر) ،مقابل % 13للنفقات الر�أ�سمالية (اال�ستثمارية) .1وملا كان عدد الطالب يف العام نف�سه يبلغ 282,724 ف�إن الإنفاق على الطالب الواحد من الإنفاق احلكومي هو مبقدار 2,748دوالراً. وتبلغ القيمة الإجمالية ملوازنة البحث العلمي 460.12مليون دوالر .وامللفت يف هذه املوازنة �أنها ت�شتمل على خم�ص�صات حكومية وخم�ص�صات غري حكومية .ت�شكّل املخ�ص�صات احلكومية % 75.4منها ،مقابل % 24.6للمخ�ص�صات غري احلكومية .وتتوزع هذه الأخرية بني �رشاكات مع املجتمع املحلي ( )%22والتعاون الدويل ( .)%2.6وهذا �أمر غري �شائع يف البلدان العربية الأخرى.
مليون دينار تون�سي يف العام 681.8( 2008 مليون دوالر) ،وهذا ي�شكّل % 2.04من الناجت املحلي اخلام و % 6.45من جمموع الإنفاق
التقرير العربي الثاين 188للتنمية الثقافية
مقارنات
ن�ستعيد املعطيات املذكورة �أعاله ون�ضيف �إليها معطيات عن بلدان خمتارة من منظمة التعاون االقت�صادي والتنمية ( ،)OECDمن �أجل املقارنة .يفيد اجلدول � 1-2أن ن�سبة الإنفاق على التعليم من الناجت املحلي اخلام ر�سم بياين :1-2حجم الإنفاق احلكومي على الطالب يف عدد من البلدان 1 املختارة 25000
22،476
20000 15000 10،526
10،704
10،305
10000
8،186 3،909 2،748
1،948 814
معدل دول املنظمة التعاون االقت�صادي والتنمية
�إ�رسائيل
تركيا
فرن�سا
الواليات املتحدة
تون�س
�سوريا
1،635 757
املغرب
5000
م�رص
763
ال�سعودية
لبنان
الأردن
0
ر�سم بياين :2-2ن�سبة الإنفاق احلكومي على الطالب �إىل الناجت املحلي اخلام للفرد 120 100 80 60 40 20
معدل دول �إ�رسائيل املنظمة التعاون االقت�صادي والتنمية
تركيا
فرن�سا
الواليات املتحدة
تون�س
�سوريا
املغرب
م�رص
ال�سعودية
لبنان
الأردن
0
متدنية يف ك ّل من الأردن ولبنان واملغرب و�سوريا ،و�أنها متدنية ن�سبة �إىل الإنفاق احلكومي يف ك ّل من الأردن ولبنان وال�سعودية، مقارنة ببلدان منظمة التعاون االقت�صادي والتنمية. ويبينّ الر�سم البياين 1-2امل�شتق من اجلدول �أن معدل مبلغ الإنفاق احلكومي على الطالب الواحد يف البلدان العربية منخف�ض مقارنة بدول منظمة التعاون مبا يف ذلك تركيا ،با�ستثناء ال�سعودية .و�سوف نرى �أن البلدان اخلليجية ال�صغرى ذات معدالت �إنفاق �أعلى من ال�سعودية ،و�أن معدالت البلدان العربية الأفقر (مثل اليمن وال�سودان وغريهما) ذات معدالت �أدنى من تلك امل�سجلة يف م�رص �أو �سوريا. على �أنه عندما ن�أخذ بعني االعتبار الناجت املحلي للفرد ون�سبة الإنفاق على الطالب منه (الر�سم البياين )2-2تتغري ال�صورة .وفيه جند �أن ك ًال من الأردن ولبنان وم�رص واملغرب و�سوريا يخ�ص�ص ن�سبة �أعلى من فرن�سا مث ًال ولو �أن حجم الإنفاق يف فرن�سا �أكرب من حجم الإنفاق يف هذه البلدان� ،أي هي تنفق ن�سبي ًا �أكرث ،فيما هي تنفق بالأرقام الكلية �أقل. وهذه حال تركيا �أي�ضا .وهذا يبينّ اجلهد الذي تبذله البلدان العربية املدرجة يف الر�سم ،ما عدا ال�سعودية ،على التعليم العايل نظراً �إىل مواردها العامة املحدودة� ،أو مقدار ال�ضغوط التي تعانيها هذه البلدان لتلبية الطلب على التعليم العايل.
ثاني ًا� :إيرادات اجلامعات احلكومية
ننتقل الآن �إىل فح�ص م�صادر التمويل وحجمه يف عدد من اجلامعات احلكومية،
1
بالإ�ضافة �إىل املراجع املذكورة يف منت الف�صل �أعاله راجع:
Organization for Economic Co-operation and Development. Education at a Glance, 2007, p230,433, 434 El-Raby, Ashraf (2009). A Comparative Assessment of Financing Policies in Six Arab Countries, Papersubmitted to Economic Research Forum-ERF (Amman, June 17-18, 2009), (Preliminary draft) p 4 مكتب اليون�سكو الإقليمي للرتبية يف الدول العربية ( )2009امل�ؤمتر العربي الإقليمي حول التعليم العايل ،القاهرة� 31 ،أيار/مايو2 -حزيران يونيو ،2009التقرير الإح�صائي.
الف�صل الثاين م�شكلة متويل التعليم العايل 189
باعتبار �أن النفقات احلكومية على التعليم العايل تذهب يف جزء منها �إىل �إدارات الوزارات، وباعتبار �أن اجلامعات قد تكون لها �إيرادات �أخرى خارج النفقات احلكومية .و�سوف نالحظ �أدناه �أن حجم الإنفاق متوا�ضع و�أن التمويل جله حكومي ،با�ستثناء الأردن حيث ت�شكّل الر�سوم التي يدفعها الطالب ن�سبة مهمة من �إيرادات اجلامعة ،وحيث املنح والوقفيات ذات مكانة هام�شية يف بنية الإيرادات. �إذا ت�أملنا يف متويل جامعتني حكوميتني �أردنيتني (جدول )2-2نالحظ �أن ر�سوم الطالب هي امل�صدر الأ�سا�سي ملوارد اجلامعة يف حني �أن املخ�ص�صات احلكومية ت�شكّل ما ال يقل عن اخلم�س يف �إحداها و�أكرث من ا ُ م�سني يف خل َ الثانية� .أما الهبات والتربعات فتحظى ب�أقل من %1وعوائد املمتلكات مبقدار %3يف �إحدى اجلامعتني ،وال يحظى هذان البندان مع ًا ب�أي ح�صة يف اجلامعة الثانية .كما �أنه ال وجود للأوقاف يف اجلامعتني .ويرتافق هذا ال�ضيق يف م�صادر التمويل مع االنخفا�ض يف معدل الإنفاق للطالب الواحد ،الذي يبلغ � 3.3آالف دوالر �أمريكي يف الأوىل و� 3.03آالف دوالر يف اجلامعة الثانية.
لبنان
بلغت موازنة اجلامعة اللبنانية 185.7 مليار لرية لبنانية يف العام 2007/2006 ( 123.8مليون دوالر �أمريكي) .ويبينّ (جدول � )3-2أن املخ�ص�صات احلكومية هي امل�صدر �شبه الوحيد ملوارد اجلامعة اللبنانية (94.7 ،)%وبخالف الأردن ف�إن ر�سوم الطالب ال
ت�شكّل �شيئ ًا يذكر من جملة موارد هذه اجلامعة (� ،)% 4.7أما الهبات والتربعات والأوقاف فال وجود لها. 1
Nahas, Charbel (2009). Op. cit. p 18
2بلغت موازنة اجلامعة اللبنانية 200مليار لرية لبنانية يف العام الدرا�سي 133( 2008/2007مليون دوالر �أمريكي).
�أ .اجلامعة الها�شمية املبلغ بالدينار الأردين
%
)1ر�سوم الطالب
19,161,634
47.5
)2املخ�ص�صات احلكومية
18,161,860
44.9
819,523
2.0
1,275,334
3.2
10,000
0.02
)6الأوقاف
-
-
)7غري ذلك املجموع
982,100
2.4
40,370,451
100
البند
)3عوائد الأن�شطة الإنتاجية والعقود )4ريوع املمتلكات )5الهبات والتربعات
املجموع بالدوالر .57,003,076 :عدد الطالب .17,085 :معدل الإنفاق للطالب الواحد بالدوالر3,336 :
ب .جامعة م�ؤتة املبلغ بالدينار الأردين
%
)1ر�سوم الطالب
25,231,894
71.7
)2املخ�ص�صات احلكومية
7,456,265
21.2
)3عوائد الأن�شطة الإنتاجية والعقود
2,505,378
7.1
)4ريوع املمتلكات
-
-
)5الهبات والتربعات
-
-
)7الأوقاف
-
-
)6غري ذلك
-
-
35,193,537
100
البند
املجموع
املجموع بالدوالر .49,693,274 :عدد الطالب .15,522 :معدل الإنفاق للطالب الواحد بالدوالر3,201 :
جدول � 3-2إيرادات اجلامعة احلكومية اللبنانية (موازنة )2007/2006 املبلغ مباليني اللريات اللبنانية
%
8,807
4.7
175,882.3
94.7
926.9
0.5
)4ريوع املمتلكات
-
-
)5الهبات والتربعات واملنح
-
-
)6الأوقاف
-
-
)7غري ذلك املجموع
111.2
البند )1ر�سوم الطالب )2املخ�ص�صات احلكومية )3عوائد الأن�شطة الإنتاجية والعقود
185,727.4
1
0.1 2
100
تدريب ،مبيع من�شورات ،ت�أجري قاعات ،عائدات عيادات طب الأ�سنان املجموع بالدوالر . 123,818,267 :عدد الطالب .72,177 :معدل الإنفاق للطالب الواحد بالدوالر.1,715 :
مؤسسة الفكر العربي ّ
التـعليم
الأردن
جدول � 2-2إيرادات جامعتني حكوميتني يف الأردن (موازنة العام )2008
التقرير العربي الثاين 190للتنمية الثقافية
هذه اجلامعة هي يف %98منها خم�ص�صات حكومية.
جدول � 4-2إيرادات جامعة القاهرة (موازنة )2008/2007 البند )1ر�سوم الطالب )2املخ�ص�صات احلكومية
املبلغ باجلنيه امل�رصي
$
%
22,000,000
3,960,396
1,5
1,403,583,119
252,670,228
98,0
)3عوائد الأن�شطة الإنتاجية والعقود
-----
)4ريوع املمتلكات
-----
)5الهبات والتربعات واملنح
6,250,000
)6الأوقاف
-----
)7غري ذلك
-----
املجموع
1,431,833,119
1,125,113
257,755,737
0,5
100
جدول � 5-2إيرادات جامعة الأزهر (موازنة )2007/2006 املبلغ باجلنيه امل�رصي
$
)1ر�سوم الطالب
31,810,545
5,726,471
5
)2املخ�ص�صات احلكومية
597,999,000
107,650,585
95
)3عوائد الأن�شطة الإنتاجية والعقود
-
-
-
)4ريوع املمتلكات
-
-
-
)5الهبات والتربعات
-
-
-
)6الأوقاف
-
-
-
)7غري ذلك
-
-
-
629,809,454
113,377,056
100
املجموع
م�رص جامعة القاهرة
نظريا تتكون ميزانية جامعة الأزهر مما ي�أتي )1 :االعتمادات التي تخ�ص�ص للجامعة مبيزانية الدولة )2 ،غلة �أموال اجلامعة الثابتة واملنقولة وما قد يكون حم�سوب ًا عليها من �أوقاف وما ي�ؤول �إليها من و�صايا وهبات، ّ � )3أي موارد �أخرى .لكنها ،عملي ًا ،ت�شبه يف مواردها �سائر اجلامعات احلكومية يف م�رص كما يبينّ (اجلدول %95( )5-2خم�ص�صات حكومية و %5ر�سوم) ،بل �أن ميزان ّيتها للطالب الواحد هي مبقدار ربع ميزانية الطالب يف جامعة القاهرة ( 294دوالر).
املغرب
%
البند
جامعة الأزهر
بلغ املجموع الإجمايل ملوازنة جامعة القاهرة مليار جنيه ون�صف تقريب ًا ( )1,431,833,119للعام الدرا�سي 2008/2007 ( 257,755,737دوالر) .ف�إذا كان عدد الطالب للعام املذكور يف جميع امل�ستويات الدرا�سية 211,470طالب ًا يكون الإنفاق على الطالب الواحد مبقدار 1,219دوالراً �أمريكي ًا .وهو رقم متوا�ضع .ويبينّ (اجلدول � )4-2أن �إيرادات
ال منلك معلومات عن �إيرادات جامعة حكومية معينة يف املغرب .لكن طبق ًا للقانون، تت�شكل موارد اجلامعة من املخ�ص�صات احلكومية والر�سوم و«املحا�صيل والأرباح املت�أتية من القيام بالأبحاث ومن تقدمي اخلدمات وال�سيما منها �أعمال اخلربة» و«املحا�صيل والأرباح املت�أتية من العمليات التي تقوم بها اجلامعة ومن ممتلكاتها»، و«الهبات والو�صايا»� ...إلخ .وطبق ًا ملا ذكرناه يف الف�صل ال�سابق عن هام�ش ا�ستقاللية اجلامعة احلكومية وانخراطها يف �أن�شطة ا�ستثمارية ف�إنه من املحتمل �أن تكون ن�سبة املوارد احلكومية �أعلى مما الحظناه يف الأردن ولبنان.
مقارنات
نقارن �أو ًال بني اجلامعات التي توقفنا عندها �أعاله .ويبينّ الر�سم البياين � 3-2أن النموذج ال�شائع يف هذه اجلامعات هو االعتماد على املخ�ص�صات احلكومية ،با�ستثناء الأردن حيث حتتل ر�سوم الطالب ح�صة كربى توازي يف �إحداها املخ�ص�صات احلكومية� .أما م�صادر
الف�صل الثاين م�شكلة متويل التعليم العايل 191
1حفاظ ًا على خ�صو�صية اجلامعات ،باعتبار �أن املعلومات املجمعة يف ا�ستق�صاء اليون�سكو هي للتحليل الإح�صائي ولي�ست لعر�ض احلاالت الفردية .وقد �ألغينا تون�س من الر�سم البياين بعد �أن تبني لنا �أن موازنات اجلامعات احلكومية التون�سية ال ت�شتمل على رواتب الهيئة التعليمية التي تدفعها الوزارة من خارج موازنة اجلامعة.
120 100 80
ر�سوم الطالب خم�ص�صات حكومية عوائد وربوع منح ووقفية
60 40 20
االزهر
اللبنانية
القاهرة
م�ؤتة
0
الها�شمية
ر�سم بياين :4-2 املوازنة للطالب الواحد يف عدد من اجلامعات العربية احلكومية بالدوالر الأمريكي 4000 3336
3500
3201
3000 2500 2000
1715
1500
1219
1000 294.0
500 0
جامعة االزهر
جامعة القاهرة
اجلامعة اللبنانية
جامعة م�ؤتة
اجلامعة الها�شمية
ر�سم بياين :5-2الإنفاق على الطالب الواحد بح�سب موازنات جامعات حكومية خمتارة يف البلدان العربية �أ -بلدان امل�رشق واملغرب واجلنوب العربي 2623
3000 2500 2000
1715 1341.5
1476.2
1339.1 982.7
783.6 372.9
اليمن موريتانيا املغرب م�رص ليبيا لبنان
1500 1072.2 1000 415.6
العراق �سوريا ال�سودان الأردن
500 0
مؤسسة الفكر العربي ّ
التـعليم
التمويل الأخرى فهي �شبه معدومة ،وبخا�صة بند «منح ووقفية». �أما بالن�سبة للإنفاق على الطالب الواحد (بالدوالر الأمريكي) يف اجلامعات احلكومية املذكورة �أعاله فان الر�سم البياين 4-2يبينّ �أنه �أعلى يف الأردن مقارنة بلبنان وم�رص مبقدار ال�ضعفني تقريب ًا. ولتكبري �صورة اجلامعات احلكومية العربية بالن�سبة للإنفاق على الطالب الواحد ن�ستعني مبعطيات جممعة من اال�ستق�صاء الذي �أجري على اجلامعات العربية يف �سياق التح�ضري للم�ؤمتر الإقليمي حول التعليم العايل (القاهرة ،)2009/6/2-5/31ون�أخذ جامعة واحدة فقط من كل بلد عربي من البلدان التي �أعدت تقارير وطنية (وهي غري اجلامعات التي ذكرت �سابق ًا با�ستثناء اجلامعة اللبنانية لأنها اجلامعة احلكومية الوحيدة) .ونق�سم هذه اجلامعات �إىل جمموعتني ت�ضم بلدان اخلليج العربي وثانية ت�ضم البلدان الأخرى .ونقت�رص على ذكر ا�سم البلد الذي �أخذت منه اجلامعة من دون ذكر ا�سم اجلامعة .1 يبينّ الر�سم البياين 5-2يف �شقه الأول �أن املوازنة للطالب الواحد يف البلدان العربية غري اخلليجية ت�صل �إىل 2,600دوالر يف �أق�صاها ( يف الأردن) وهي تنخف�ض دون الألفي دوالر يف خم�سة بلدان ،وتنخف�ض دون الألف دوالر يف �أربعة بلدان. ويبينّ ال�شق الثاين من الر�سم حول البلدان اخلليجية �أن احلد الأدنى للإنفاق على الطالب الواحد يف اجلامعة هو � 12ألف دوالر (عمان)، فيما ي�صل املبلغ يف الكويت �إىل � 30ألف دوالر، وهذا �أعلى من معدل الإنفاق احلكومي للطالب يف الواليات املتحدة .وبالتايل ف�إنه ال توجد م�شكلة متويل حكومي يف هذه البلدان ،جلهة حجمه� ،أو �أن التمويل لي�س هو العامل املف�رس لأداء جامعاتها احلكومية ،و�إذا كانت هناك
ر�سم بياين :3 - 2 توزيع الإيرادات يف عدد من اجلامعات العربية احلكومية
التقرير العربي الثاين 192للتنمية الثقافية
ر�سم بياين :5-2الإنفاق على الطالب الواحد بح�سب موازنات جامعات حكومية خمتارة يف البلدان العربية ب -بلدان اخلليج العربي 35000 30158
30000 22853
25000 20000
18197 14053
15000
12410
10000 5000
الكويت
عمان
قطر
ال�سعودية
االمارات
0
جدول 6-2موازنة جامعة الإ�رساء اخلا�صة -الأردن (موازنة )2008/2007 البند )1ر�سوم الطالب*
الن�سبة من جموع املوارد 89.27
)2املخ�ص�صات احلكومية
-
)3عوائد الأن�شطة الإنتاجية والعقود
-
)4ريوع املمتلكات**
10.73
)5الهبات والتربعات واملنح
-
)6االوقاف
-
)7غري ذلك املجموع
%100
* موزعة على ال�شكل التايل: ر�سوم االلتحاق
0.43
ر�سوم الت�سجيل
2.61
ر�سوم الف�صل
13.81
ر�سوم ال�ساعات املدر�سية املعتمدة (املواد الدرا�سية)
72.42
** موزعة على ال�شكل التايل: �إيراد الت�أمني ال�صحي
2.15
�صايف �أرباح مبيعات اال�ستثمارات املالية
0.55
�أرباح �أ�سهم يف �رشكات �أخرى
0.18
�إيرادات �أخرى
2.90
�إيرادات نقل
1.46
�إيرادات الكفترييا
3.14
�أرباح تعديالت �سنوات �سابقة
0.35
م�شاكل يف النوعية فلعله يجب التفتي�ش عنها يف �إدارة �ش�ؤون التعليم العايل ويف �أحادية التمويل.
ثالث ًا� :إيرادات اجلامعات غري احلكومية الأردن
ين�ص قانون اجلامعات الأردنية اخلا�صة ّ (مادة )17على �أن موارد اجلامعة اخلا�صة تت�ألف من الر�سوم الدرا�سية ،وريع �أموال اجلامعة املنقولة وغري املنقولة ،والهبات والتربعات واملنح وامل�ساعدات ...الخ. ون�أخذ مثا ًال من احدى اجلامعات اخلا�صة التي قبلت �أن تز ّودنا بالن�سب املئوية فقط. ويالحظ يف اجلدول � 6-2أن �إيرادات اجلامعة املذكورة حم�صورة يف نوعني فقط :الر�سوم التي يدفعها الطالب ،والعوائد املت�أتية من املمتلكات� .أما م�صادر التمويل الأخرى فال توجد �أي �إ�شارة حولها �ضمن خطتها اال�سرتاتيجية ،2012/2008وهي مل تتلق �أي نوع من الهبات �أو امل�ساعدات �أو التربعات خالل عامها اجلامعي �( 2008/2007أو يف �أي من الأعوام ال�سابقة ومنذ ت�أ�سي�سها) .واجلامعة املذكورة ال يوجد لها �أي نوع من الوقف. �أما موازنة هذه اجلامعة فقد بلغت 3,906,292دوالراً يف العام نف�سه يف حني �أن عدد الطالب كان ،6824ما يعني �أن الإنفاق على الطالب الواحد هو مبقدار 572دوالراً.
لبنان
ال يحدد القانون اللبناين �أي �رشوط �أو قواعد لتمويل م�ؤ�س�سات التعليم العايل اخلا�ص �أو للإنفاق فيها .وللتعرف على مناذج التمويل ال�شائعة نتوقف عند بع�ض اجلامعات غري احلكومية العاملة يف لبنان.
اجلامعة الأمريكية يف بريوت
ت�شكّل اجلامعة الأمريكية يف بريوت مثا ًال نادراً يف البلدان العربية عن م�ساهمة �أطراف عدة يف تعزيز مالية اجلامعة وعن وجود وقف
الف�صل الثاين م�شكلة متويل التعليم العايل 193
جامعة البلمند
النظام املايل املعمول به يف اجلامعة هو
$
الن�سبة من جمموع املوارد
82,708,000
64.7
-
-
6,796
0.01
-
-
)5الهبات والتربعات واملنح
20,961,000
16.6
)6الأوقاف
7,880,000
6.2
)7غري ذلك
16,169,204
12.7
املجموع
127,725,000
100
البند )1ر�سوم الطالب )2املخ�ص�صات احلكومية )3عوائد الأن�شطة الإنتاجية والعقود/ا�ستثماران )4ريوع املمتلكات
نظام امل�ؤ�س�سات الأهل ّية التي ال تبتغي الربح، على غرار اجلامعة الأمريكية يف بريوت .وتت�ألف موارد اجلامعة من )1موارد الأمالك والأموال املوقوفة لها ،و )2التربعات ،وامل�ساعدات، والهبات ،والو�صايا ،و )3من اخلدمات التي تق ّدمها اجلامعة ،ف�ض ًال عن )4الأق�ساط (الر�سوم) و�سائر املوارد امل�سموح بها قانون ًا وفق ما يقرره جمل�س الأمناء .والأوقاف فيها عقارية ونقدية، مقيدة ( ُت ْ�س َت ْعمل يف ت�أمني م�ستلزمات برنامج معينّ ) ،وغري مقيدة (تبقى حتت ت�رصفها طاملا هي قائمة ،وت�ستعملها تبع ًا حلاجاتها) .ويبينّ اجلدول 8-2توزيع هذه املوارد على اجلامعة بح�سب الن�سبة املئوية لكل منها .وفيه نالحظ �أن الر�سوم �شكلت %81من الإيرادات فيما �شكلت الوقفية واملنح مع ًا.%9.9
� 1أمثلة على امل�ؤ�س�سات( )Foundationsو املنظمات غري احلكومية :الأجنبية� :أنا ليندت ،كارنيجي ،فلورا ،فورد ،هرني�ش بول ،امل�ؤ�س�سة العاملية للبحوث ،جمعية الكيمياء الأمريكية، اجلمعية امللكية للكيمياء ،املركز العاملي للبحوث الزراعية يف املناطق اجلافة ،جمعية نا�شيونال جيوغرافيك� ،إلخ .العربية :م�ؤ�س�سة الفكر العربي ،امل�ؤ�س�سة العربية للعلوم والتكنولوجيا، ملتقى البحث االقت�صادي ،جمموعة عمل الأ�رس العربية .لبنانية :م�ؤ�س�سة �أميل ب�ستاين ،م�ؤ�س�سة احلريري ،م�ؤ�س�سة رينيه معو�ض ،م�ؤ�س�سة ال�صفدي ،العمل التنموي بال حدود ،املركز اللبناين لدرا�سة ال�سيا�سات ،املنظمة اللبنانية للمنتجات ال�صحية. � 2أمثلة عن املنظمات احلكومية :البنك الدويل ،الإ�سكوا ،الفاو ،الوكالة الدولية للطاقة الذرية ،منظمة العمل الدولية ،اليون�سيف ،برنامج الأمم املتحدة الإمنائي ،برنامج الأمم املتحدة للبيئة ،منظمة ال�صحة العاملية� ...إلخ. � 3أمثلة عن ال�رشكات والأفراد :بدر احلمي�ضي� ،رشكة الزين� ،رشكة الغذاء والدواء� ،آي بي امي لل�رشق الأو�سط ،م�صطفى احل�سيني ،نعمت فرمي ،الخ. � 4أمثلة عن احلكومات :حكومة الواليات املتحدة ،احلكومة الكندية ،اللجنة الأوروبية ،ال�سفارة الإيطالية ،ال�صندوق العربي للتنمية االقت�صادية واالجتماعية ،وزارة ال�صحة والتعليم الطبي يف �إيران ،وزارة ال�صحة العامة وال�سكان يف اليمن .لبنان :جمل�س الإمناء واالعمار ،املجل�س الوطني للبحوث العلمية ،وزارات متعددة ،الخ.
http://staff.aub.edu.lb/~webdevpt/cont0708/endowment.html 5 ,http://www.ameinfo.com/150946.html 6 http://en.wikipedia.org/wiki/American_University_of_Beirut#Fundraising 7
Nahas, Charbel (2008).op.cit
مؤسسة الفكر العربي ّ
التـعليم
لها� .إذ ت�شكّل ر�سوم الطالب %65من جمموع املوازنة ،مقابل %16.6للهبات واملنح، و %6.2للوقف (جدول .)7-2 وهبات للجامعة اجلهات التي تق ّدم منح ًا ٍ متعددة ،منها امل�ؤ�س�سات ()Foundations واملنظمات غري احلكومية ،1واملنظمات احلكومية ،2وامل�ؤ�س�سات الأكادميية (Institut )tionsوال�رشكات اخلا�صة والأفراد ،3وعدد من احلكومات .4 وي�شارك يف وقف اجلامعة الأمريكية عملي ًا �أكرث من �أربعمائة �شخ�ص ،ي�سهمون مبلء حواىل 90حمفظة يحمل كل منها ا�سما مع ّينا ي�شري �إىل وجهة الإنفاق (وقف مقيد) �أو ال ي�شري �إىل ذلك (وقف غري مقيد) .5ويذكر يف هذا ال�صدد �أنه خالل رئا�سة جون ووتربري مت و�ضع خطة حلملة جلمع لهذه اجلامعة ّ �أموال ( ،)fundraising campaignحتت ا�سم «حملة االمتياز» .انطلقت احلملة يف �شهر ت�رشين الأول� /أكتوبر ،2002وحدد الهدف بـ 150مليون دوالر .عملي ًا انتهت هذه احلملة يف 31/12/2007بجمع 170مليون دوالر .6 �أما موازنة هذه اجلامعة فقد بلغت 127,7 مليون دوالر يف العام ،2008/2007وهذا يعني �أن الإنفاق على الطالب الواحد كان مبقدار 17 �ألف دوالر (باعتبار �أن عدد الطالب هو .)7497 ويعترب هذا املعدل موازي ًا ملعدالت الدول اخلليجية وجلامعات �أوروبا و�أمريكا.
جدول 7-2
�إيرادات اجلامعة الأمريكية يف بريوت للعام 2007
7
التقرير العربي الثاين 194للتنمية الثقافية
وقد بلغت ميزانية هذه اجلامعة مليون دوالر يف العام 2008/2007بحيث كان معدل الإنفاق للطالب الواحد � 10.1آالف دوالر (باعتبار �أن عدد الطالب هو .)3,285 33,2
جامعة بريوت العربية
هي جامعة ال تبغي الربح �أي�ض ًا ،لكن �إيراداتها وعالقتها بالوقف خمتلفة عن اجلامعة الأمريكية يف بريوت وجامعة البلمند. ذلك �أن �أموال اجلامعة كافة تعترب �أموال وقف
جدول � 8-2إيرادات جامعة البلمند (لبنان) (موازنة )2008/2007 الن�سبة من جمموع املوارد
البند )1ر�سوم الطالب
81
)2املخ�ص�صات احلكومية
-
)3عوائد الأن�شطة الإنتاجية والعقود واخلدمات
7
)4ريوع املمتلكات
-
)5الهبات والتربعات واملنح
5
)6االوقاف
4.5
)7غري ذلك
2.5
املجموع
100
جدول � 9-2إيرادات جامعة بريوت العربية (موازنة )2008/2007 املبلغ $
البند )1ر�سوم الطالب
٪
42,390,000
86.2
-
-
110,000
0.2
)4ريوع املمتلكات
-
-
)5الهبات والتربعات واملنح
-
-
)6االوقاف
-
-
)7غري ذلك
6,650,000
13.5
49,150,000
100
)2املخ�ص�صات احلكومية )3عوائد الأن�شطة الإنتاجية والعقود*
املجموع * �إيرادات عيادات طب الأ�سنان
ال ّرب والإح�سان .ويتك ّون هذا الوقف من جميع العقارات وامل�ؤ�س�سات والرتاخي�ص واحلقوق املادية واملعنوية اململوكة من اجلمعية. وبالتايل ف�إن اجلامعة تابعة مالي ًا للوقف ولي�س الوقف بت�رصفها ،ولهذا ال يظهر بند «الأوقاف» بني موارد اجلامعة �أدناه .1 تت�ألف املوارد املالية للجامعة مبدئيا مما ي�أتي :الر�سوم الدرا�سية ،ريع �أموال اجلامعة املنقولة وغري املنقولة ،الهبات والتربعات واملنح وامل�ساعدات املقدمة للجامعة ،وما يت�أتى من �أن�شطة تدري�سية وا�ست�شارية وبحثية للكليات واملراكز ومن امل�شاريع الإنتاجية واملرافق اجلامعية مثل عائدات عيادات طب الأ�سنان وما �شابه. ويبينّ اجلدول � 7-2أن ر�سوم الطالب ُت�شكّل فعليا م�صدر التمويل الأهم للجامعة (،)%86.2 فيما تغيب الإيرادات الأخرى �أو تلعب دوراً طفيف ًا يف متويل اجلامعة. بلغت املوازنة العامة جلامعة بريوت العربية لعام ( )2008-2007حواىل 49مليون دوالر �أمريكي ،وكانت ت�ضم 20,666طالب ًا� ،أي �أن معدل الإنفاق على الطالب فيها هو مبقدار 2,378دوالراّ.
مقارنات
مل نتمكن من احل�صول على معطيات كافية حول �إيرادات اجلامعات غري احلكومية يف البلدان العربية .لذلك ن�ستعيد يف الر�سم البياين 6-2املعطيات املتعلقة باجلامعات الأربع املذكورة �أعاله ،لنالحظ �أن القاعدة يف اجلامعات اخلا�صة تقوم على املراهنة على الر�سوم التي يدفعها الطالب يف حني �أن املنح والوقفيات �شبه غائبة ما عدا يف لبنان ،يف جامعتي البلمند والأمريكية. �أما بالن�سبة للموازنة للطالب الواحد يف اجلامعات املذكورة فالر�سم البياين 7-2ي�شري �إىل ارتفاعها �إىل � 10آالف دوالر وما فوق يف اجلامعتني اللتني تتغذيان �أكرث من غريهما
1وهذه حال عدد ال ب�أ�س به من اجلامعات غري احلكومية يف لبنان ،بحيث �إن �إحداها ،كما ذُكر لنا ،ت�أخذ من عوائد اجلامعة لتنفقها يف ن�شاطات �أخرى للوقف.
الف�صل الثاين م�شكلة متويل التعليم العايل 195
العربية
منح ووقفية
ا�ستناداً �إىل املعلومات املتوافرة يف بيانات اليون�سكو عن اجلامعات املدرو�سة �أعاله احت�سبنا ن�سبة املخ�ص�صات املوجهة
الأمريكية عوائد وربوع
ر�سوم الطالب
ر�سم بياين :7-2 الإنفاق على الطالب الواحد يف �أربع جامعات غري حكومية
العربية
رابعا :الإنفاق والنوعية
البلمند
الإ�رساء
البلمند
الإ�رساء
الأمريكية
15042
6149
2596
2430
2207 889
لبنان
الكويت
18000 16000 14000 12000 10000 8000 6000 4000 2000 0
ر�سم بياين :8-2املوازنة للطالب الواحد يف اجلامعات العربية غري احلكومية ()2008/2007 15651
�سوريا
100 90 80 70 60 50 40 30 20 10 0
ال�سودان
البحرين
الإمارات
الأردن
18000 16000 14000 12000 10000 8000 6000 4000 2000 0
مؤسسة الفكر العربي ّ
التـعليم
من املنح والأوقاف .ولتكوين �صورة �أ�شمل عن املوازنة للطالب الواحد يف اجلامعات اخلا�صة العربية ن�ضيف ما توفر من املعطيات املجمعة يف بيانات اليون�سكو على غرار ما فعلنا بالن�سبة للجامعات احلكومية .علم ًا ب�أن املعلومات �شح ًا يف اجلامعات اخلا�صة املالية كانت �أكرث ّ مقارن ًة باجلامعات احلكومية .ونقت�رص على جامعة واحدة يف كل بلد توفرت فيه املعلومات هذه ،علم ًا ب�أن اجلامعتني الواردتني من لبنان والأردن هما غري اجلامعات اخلا�صة املذكورة �سابقا. يظهر الر�سم البياين 8-2النمط نف�سه الذي الحظناه يف اجلامعات احلكومية� ،أي �أن اجلامعات غري احلكومية ت�شبه اجلامعات احلكومية يف بلدان اخلليج (مع ارتفاع يف الإنفاق فوق الـ � 14ألف دوالر ،با�ستثناء البحرين) ،يف حني �أن اجلامعات غري احلكومية ت�شبه اجلامعات احلكومية يف البلدان الأخرى، مع انخفا�ض يف معدل الإنفاق دون الألفني دوالر ،با�ستثناء اجلامعة اخلا�صة امل�أخوذة من لبنان ،وهي جامعة �أهلية ،تتبع جلهة دينية ذات وقف.
ر�سم بياين :6-2 توزيع الإيرادات يف بع�ض اجلامعات غري احلكومية (موازنة)
التقرير العربي الثاين 196للتنمية الثقافية
ر�سم بياين :9-2ن�سبة خم�ص�صات البحوث اىل املوازنة يف اجلامعات احلكومية 25 983
20 14053
15 416
2623 18197 22853 30158
10
1715
12410
1072 1339
1342
373
784
5 0
ويت
الك
ا
دية
رات
لإما
قطر
�سعو
ال
ع مان
الأ ردن
نان
لب
م وريت
انيا
وريا
�رص م
�س
ل يبيا
يمن
ال
ا دان
ل�سو
امل غرب
ب -معدل الطالب لال�ستاذ الواحد 60
784
50 14053
1342
2623
1072
416
983
40 373 30
30158
22853
1715 18197
1339
20
12410
10 0
ويت
الك
الإ رات ما
قطر
ال دية
�سعو
ع مان
الأ ردن
نان
لب
م
انيا
وريت
�رص م
وريا
�س
ل يبيا
ال يمن
ال� دان سو
امل غرب
للبحوث من املوازنة العامة للجامعة ،ورتبنا اجلامعات تبع ًا للإنفاق على الطالب الواحد ت�صاعدي ًا (ر�سم بياين .)9-2يتبينّ �أن اجلامعات ذات امليزانية العالية للطالب الواحد تخ�ص�ص ن�سب ًا منخف�ضة للبحث العلمي (الإمارات ،قطر، عمان ،الكويت) مثلها مثل اجلامعات ذات امليزانية املنخف�ضة للطالب الواحد .وترتفع ن�سبة املوازنة املخ�ص�صة للبحث العلمي فوق %5يف �أربعة بلدان ذات موازنات متفاوتة (ال�سودان ،ليبيا ،الأردن ،ال�سعودية) .ما يعني �أن زيادة الإنفاق ال تعني بال�رضورة زيادة املخ�ص�صات املوجهة للبحث العلمي. من جهة �أخرى يبينّ الر�سم البياين نف�سه
(يف �شقه الثاين) �أنه كلما انخف�ضت املوازنة للطالب الواحد ارتبط ذلك مبعدالت �أعلى لعدد الطالب للأ�ستاذ الواحد .واجلامعة احلكومية اليمنية ( 784دوالراً) مثال منوذجي على ذلك، حيث تنخف�ض ن�سبة البحوث �إىل ال�صفر ويرتفع معدل الطالب للأ�ستاذ الواحد �إىل .56 وتنطبق هذه القاعدة على اجلامعات غري احلكومية ،فالإنفاق على البحوث متدن �إجما ًال حتى لو كانت املوازنة مرتفعة للطالب الواحد، كما هي احلال يف الإمارات ( )%0.3والكويت (( ،)%0.9بحيث �أدخلنا �أي�ض ًا اجلامعات الأربع التي ا�ستقينا حولها معلومات من الأردن ولبنان) ،يف حني �أن عدد الطالب للأ�ستاذ يزيد
الف�صل الثاين م�شكلة متويل التعليم العايل 197
خال�صة
تبني معطيات هذا الف�صل �ست نتائج رئي�سية� )1 :أن اجلامعات يف البلدان العربية �أحادية التمويل ،تراهن على التمويل احلكومي (يف اجلامعات احلكومية) وعلى الأق�ساط التي يدفعها الطالب (يف اجلامعات اخلا�صة ويف اجلامعات احلكومية يف الأردن) ،و�أن اللجوء �إىل موارد �أخرى ،عن طريق الهبات والوقفيات هو اال�ستثناء الذي ي�ؤكد القاعدة� )2 .أن اجلامعات، احلكومية وغري احلكومية ،ذات موازنات �ضعيفة عموم ًا با�ستثناء اجلامعات القائمة يف بلدان اخلليج العربي� )3 .أن البلدان العربية تبذل جهداً كبرياً للإنفاق على التعليم العايل لتلبية الطلب االجتماعي عليه ،مبا ي�شكّل عبئ ًا عليها ،وهذا ما يتب ّدى يف ارتفاع ن�سبة الإنفاق احلكومي على التعليم العايل �إىل الناجت املحلي اخلام للفرد� )4 .أن املوازنات ال�ضعيفة ترتبط عموم ًا مبعدالت �أعلى لعدد الطالب للأ�ستاذ الواحد، ك�أحد مبينات النوعية� )5 .أن املخ�ص�صات املوجهة للبحوث �ضعيفة �إجما ًال وال يرتبط ذلك بحجم املوازنة العامة �أو املوازنة للطالب الواحد ،التي قد تكون مرتفعة ،كما هي احلال 1
وهي اجلامعة نف�سها التي ذكرنا �سابقا �أنها تقتطع من العائدات مبالغ حتولها �إىل �أن�شطة الوقف (التابعة له).
التـعليم
مع انخفا�ض معدل الإنفاق على الطالب الواحد (�أعلى ن�سبة تعود �إىل جامعة يف ال�سودان). ي�ستثنى من هذه القاعدة ثالث جامعات يف لبنان .ففي اجلامعة الأمريكية يف بريوت يرتفع معدل الإنفاق على الطالب �إىل � 17ألف دوالر (وترتفع فيها ن�سبة م�ساهمة املنح والوقفية) ،وترتفع ن�سبة املوازنة املخ�ص�صة للبحوث �إىل %8.6وهي �أعلى ن�سبة �سجلت باملقارنة مع جميع اجلامعات ،وتنخف�ض ن�سبة الطالب للأ�ستاذ الواحد .كذلك تقع جامعة البلمند يف �صف اجلامعة الأمريكية يف بريوت مع �أرقام �أدنى يف املبينات الثالثة� .أما اجلامعة اخلا�صة الثالثة فريتفع فيها معدل الإنفاق على الطالب الواحد �إىل � 6آالف دوالر لكن ن�سبة الإنفاق على البحوث متدنية ومعدل الطالب للأ�ستاذ مرتفعة .1
يف دول اخلليج العربي ،الأمر الذي يوحي ب�أن االهتمام بالبحوث ،وحت�سني املنتج املعريف عموم ًا ،يحتاج بالإ�ضافة �إىل املوارد املالية، �إىل �أ�سلوب يف التدبري والإدارة يعطي ثماره على م�ستوى النوعية� )6 ،أن هناك عدداً قلي ًال جداً من اجلامعات العربية (مثال اجلامعة الأمريكية يف بريوت) ،ذات موارد مالية متنوعة ،مبا يف ذلك الوقفيات ،ومعدل عال للإنفاق على الطالب الواحد ،ون�سبة عالية للإنفاق على البحث العلمي، ومعدل منخف�ض للطالب لك ّل �أ�ستاذ. ال �شك �أن م�شكلة التمويل ترتك �آثاراً على �أداء اجلامعات :منو امل�ؤ�س�سة مبعدل ال يتنا�سب مع معدل من ّو خم�ص�صاتها ،تقلّ�ص عدد الأ�ساتذة الذين يجري ت�أهيلهم يف اجلامعات الغربية املرموقة والّلجوء �إىل �إعدادهم حملي ًا ،عجز اجلامعات عن متويل الإجازات التدري�سية والبحثية لأع�ضائها خارج البلد ،انخفا�ض م�ستوى اخلدمات الطالبية من �سكن وطعام وموا�صالت ورعاية طبية ،توقف م�رشوعات التطوير يف التعليم العايل �أو �سريها ببطء ،تراجع ن�صيب الطالب من الإنفاق...الخ .وهذا ما ي�س ّوغ التفكري والبحث يف بدائل متنوعة للتمويل. �إن تنويع التمويل ميكن �أن يكون ب�أحد منطني هما )1:اجلهود الذاتية :عن طريق عقود اال�ست�شارات والإنتاج والبحوث وا�ستثمار �أمالك اجلامعة املنقولة وغري املنقولة عرب �آليات البيع �أو الإيجار )2 .االلتزام املجتمعي :وهو ما يق ّدم من قبل الأفراد وامل�ؤ�س�سات اخلريية �إىل م�ؤ�س�سات التعليم العايل عن طريق التربعات والهبات واملنح النقدية والعينية والقرو�ض املال ّية وتخ�صي�ص الوقفيات للجامعة لت�ساعدها على حتقيق �أهدافها ،وال�سيما تلك املوجهة للبحث والربامج اجلديدة. و�إذا كانت املعلومات املجمعة عن جامعات وبلدان معينة قد �أو�صلتنا �إىل ا�ستنتاج �أحادية التمويل يف معظمها ،ف�إنه ال ب�أ�س من التفتي�ش عن البدائل املتاحة عند اجلهات املمولة هذه املرة ،لعلنا جند �أمورا مل تبينها معطيات الف�صل احلايل.
ال �شك �أن م�شكلة التمويل ترتك �آثاراً على �أداء اجلامعات :منو امل�ؤ�س�سة مبعدل ال يتنا�سب مع منو خم�ص�صاتها ،تقلّ�ص عدد معدل ّ الأ�ساتذة الذين يجري ت�أهيلهم يف اجلامعات الغربية املرموقة والّلجوء �إىل �إعدادهم حملياً ،عجز اجلامعات عن متويل الإجازات التدري�سية والبحثية لأع�ضائها خارج البلد، انخفا�ض م�ستوى اخلدمات الطالبية من �سكن وطعام وموا�صالت ورعاية طبية ،توقف م�رشوعات التطوير يف التعليم العايل �أو �سريها ببطء ،تراجع ن�صيب الطالب من الإنفاق�...إلخ. ي�سوغ التفكري والبحث يف وهذا ما ّ بدائل متنوعة للتمويل.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 198للتنمية الثقافية
الف�صل الثالث مبادرات يف تنويع التمويل ويف �إقامة الوقفيات اجلامعية ثمة م�شكلة جدية �إذاً يف متويل التعليم العايل يف البلدان العربية املتو�سطة �أو املتدنية الدخل ،تنعك�س �سلب ًا وال �شك على نوعيته وتعيق تطويره ،ف�ضال عن �أنها تلجم التو�سع يف توفري الفر�ص الدرا�سية يف التعليم العايل احلكومي، من �أجل ا�ستقبال ذوي الدخل املحدود والطالب املوهوبني ،وال�سيما يف متابعة الدرا�سات نتجني العليا� .إنها ،باخت�صار ،تنعك�س على ا ُمل َ الب�رشي واملعريف للتعليم العايل. �صحيح �أن بلدان اخلليج العربي ال تعاين من م�شكلة التمويل هذه ،كما تبينّ لنا يف الف�صل بالتو�سع يف الفر�ص ال�سابق ،مبا ي�سمح لها ّ الدرا�سية ،ومبا يتنا�سب مع الطلب االجتماعي، �إال �أن جامعاتها تفتقد �إىل تنويع م�صادر التمويل ،ال�رضوري لتحقيق اال�ستقاللية� .أ�ضف �إىل ذلك ،بنا ًء على ما ورد يف الف�صل الأول، �أن اجلامعات احلكومية هنا تخ�ضع ،كما يف البلدان العربية الأخرى ،للإ�رشاف احلكومي املبا�رش ،وهذا ما يجعلها ت�سري �ضمن �آليات الإدارات احلكومية وتفتقر �إىل اال�ستقاللية الإدارية واملالية الكافية لتغليب االعتبارات امل�ؤ�س�سية اجلامعية. ن�ستعر�ض يف هذا الف�صل البدائل التي توفرها التجربة العربية من �أجل مواجهة ّ م�شكلة النق�ص يف التمويل احلكومي و�أحاديته، �أو مواجهة قيود الأنظمة الر�سمية للتمويل و�إدارته .ون�ص ّنف هذه البدائل يف خم�سة
�أبواب :املعونات الأجنبية ،املعونات العربية، ال�صناديق املحلية واملكرمات احلكومية، م�ؤ�س�سات الدعم الأهلية ،الوقفيات .ومعظم املعلومات املعرو�ضة هنا م�ستقاة من و�سائل الإعالم والإنرتنت.
�أو ًال :املعونات الأجنبية
مثلها مثل �سائر اجلامعات يف الدول النامية تراهن اجلامعات العربية على تلقي امل�ساعدات من جهات مانحة �أجنبية ،من �أجل تنفيذ م�شاريع تطويرية مع ّينة �أو من �أجل تنفيذ عدد من الربامج ذات االهتمام امل�شرتك .ولن يكون مبقدورنا م�سح هذه امل�ساعدات ب�سبب تعقد املو�ضوع والعدد الكبري من الأطراف املنخرطة يف مثل هذه امل�ساعدات على املر�سلني وجانب املتلقّني. اجلانبني ،جانب ِ لكننا نقت�رص على بع�ض الإ�شارات التي تبينّ بع�ض �أنواع هذا الدعم و�أ�شكاله. لعل البنك الدويل من �أكرث الهيئات العاملية �شهرة يف تقدمي الدعم املايل للتعليم على ال�صعيد الدويل .ولقد قام خالل ال�سنوات الأخرية بتمويل عدد من م�شاريع تطوير التعليم العايل يف م�رص 1وتون�س 2واليمن 3ولبنان،4 على �سبيل املثال .وتتم هذه امل�شاريع عادة من خالل اتفاقيات مع الدول املعنية ،تنح�رص يف التعليم احلكومي ،وتقوم على القرو�ض بالدرجة الرئي�سية.
� 1أطلق م�رشوع تطوير التعليم العايل Higher Education Enhancement Projectيف العام 2002بقر�ض من البنك الدويل ،بالإ�ضافة �إىل متويل جزئي من احلكومة امل�رصية وبع�ض امل�صادر الأخرى (مثال :م�ؤ�س�سة هيكلنج الكندية من خالل هيئة املعونة الكندية). 2برنامج دعم اجلودة. 3م�رشوع التطوير التناف�سي ،وم�رشوع تطوير التعليم العايل (املرحلة الثانية) ،الذي ح�صلت ب�صدده اليمن على منحة مالية من البنك الدويل قدرها ع�رشة ماليني دوالر ،و 570.000دوالر من احلكومة اليابانية. � 4شمل امل�رشوع القطاعات الرتبوية الثالثة :التعليم العام ،التعليم املهني ،التعليم العايل.
الف�صل الثالث مبادرات يف تنويع التمويل ويف �إقامة الوقفيات اجلامعية 199
1
التـعليم
ومي ّول البنك الدويل واالحتاد الأوروبي م�رشوع التعليم العايل الذي تنفذه وزارة الرتبية والتعليم العايل يف فل�سطني ،والذي انطلق يف منت�صف العام 2005ويتوقع انتها�ؤه يف نهاية العام .1 2009ي�شتمل امل�رشوع على «�صندوق أقر م�ؤخرا جمموعة تطوير اجلودة» ،الذي � ّ من امل�رشوعات اجلديدة التي تقدمت بها اجلامعات وامل�ؤ�س�سات الأكادميية يف جمال تقنية املعلومات بغية رفع نوعيه التعليم العايل يف فل�سطني وتطويره .وقد بلغ عدد هذه امل�رشوعات 14م�رشوع ًا بكلفة �إجمالية حواىل 2.85مليون دوالر �أمريكي موزعة على �ست جامعات و�أربع كليات .2يذكر �أن �صندوق تطوير اجلودة كان قد دعم م�ؤ�س�سات التعليم العايل� ،ضمن دورتني �سابقتني ،لتمويل �ستة ع�رش م�رشوع ًا بقيمة 3.5مليون دوالر وهي حالي ًا يف مرحلة التنفيذ .كما �أن ال�صندوق يقوم ب�إدارة ومتابعة ِمنَح تطوير اجلودة والتي تبلغ قيمتها حواىل 11.5مليون دوالر ،التي هي �أحد مك ّونات م�رشوع التعليم العايل يف وزارة الرتبية والتعليم العايل. ويقوم �صندوق التنمية الدويل (Int )ternational Development Fund-IDF ب�إقرا�ض الطلبة الفل�سطينيني .فقد �أعلن املركز الفل�سطيني لالت�صال والدرا�سات التنموية يف مدينة اخلليل جنوب ال�ضفة الغربية ،و�صندوق التنمية الدويل ،عن انطالق م�رشوع �إقرا�ض طلبة اجلامعات الفل�سطينية ،والهادف �إىل تقدمي القرو�ض للطلبة اجلامعيني يف اجلامعات املحلية من �أجل تخفيف الأعباء املالية على الأ�رس الفقرية� .سيق ّدم امل�رشوع «قرو�ض ًا كاملة لألف طالب جامعي يف الف�صل الواحد من
�أبناء الفقراء واملهم�شني داخل املناطق النائية والأكرث فقراً ،واملناطق املت�رضرة من بناء جدار الف�صل العن�رصي ،و�أبناء العاطلني عن العمل والالجئني ،بحيث �سيقوم الطلبة امل�ستفيدون بتق�سيط مبلغ القر�ض للف�صل الدرا�سي الواحد على �ستة �أ�شهر» .وهذه القرو�ض بدون فوائد با�ستثناء ر�سوم ت�سجيل الطلب .و�سوف يقوم املركز الفل�سطيني بح�سب اتفاقية امل�رشوع بتحديد �أ�سماء امل�ستفيدين من امل�رشوع ومتابعة �سداد القرو�ض ،يف حني يقوم �صندوق 3 التنمية الدويل بعملية الإقرا�ض. كما تق ّدم وكالة التنمية الأمريكية (Unite ed States Agency for International De )velopment-USAIDالدعم للتعليم العايل
ب�أ�شكال متنوعة .وعلى �سبيل املثال ورد يف و�سائل الإعالم �أن الوكالة دفعت �شيكني بقيمة 2.9مليون دوالر �أمريكي لتمويل املنح الدرا�سية للطالب يف اجلامعة الأمريكية يف 4 بريوت واجلامعة اللبنانية الأمريكية. ومن الهيئات الدولية نذكر كذلك برنامج الأمم املتحدة الإمنائي الذي نفّذ م�رشوع ًا لتقييم برامج التعليم العايل وتطوير نظم الإح�صاءات بني العامني 2001و ،2009وقد �شاركت يف امل�رشوع ب�صورة �أو �أخرى 36 جامعة عربية يف 15دولة عربية .5 �أما برنامج تامبو�س (Trans Europ pean Mobility Scheme for University ،Studies- TEMPUS) 6فقد نفّذ م�رشوعا
لتقييم نوعية التعاليم العايل يف دول البحر الأبي�ض املتو�سط (PROJET EVQUA- MEDA: ÉVALUATION DE LA QUAL� ،)ITE –REGION MEDAشمل �سبعة بلدان
http://www.tep.ps/etemplate.php?id=75
2 وكليتا فل�سطني هي جامعة بريزيت و جامعة النجاح وجامعة بيت حلم وجامعة البوليتكنيك واجلامعة الإ�سالمية وجامعة القد�س املفتوحة ّ التقنية للبنات يف كل من رام اهلل ودير البلح بغزة وكلية الرو�ضة بنابل�س وكلية العلوم املهنية والتطبيقية يف غزة.
http://www.jame3a.com/vb/showthread.php?s=692296b1633316c154ae2eb9266585c3&t=52138 3 4ن�رشة املجال االلكرتونية ،العدد �/46شهر.2007/7 5
�أنظر مثال حول تقييم برامج الرتبية يف هذه اجلامعات:
United Nations Development Program-Regional Bureau for Arab States (UNDP-RBAS) (December 2006). .Quality Assessment of Programmes in the Field of Education in the Arab Universities http://www.enpi-info.eu/mainmed.php?id=10718&id_type=1 6
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 200للتنمية الثقافية
عربية .كما قدم الربنامج م�ساعدات للتعليم العايل يف الأردن حيث مت تطبيق العديد من امل�شاريع امل�شرتكة � .1أما يف فل�سطني 2فرتجع امل�شاركة الفل�سطينية يف برنامج تامبو�س �إىل العام 2002حني �شارك معظم م�ؤ�س�سات التعليم العايل الفل�سطينية عرب �أحد ع�رش م�رشوع ًا �أوروبي ًا م�شرتك ًا وثالثة �إجراءات هيكلية� .إ�ضافة �إىل ذلك ،مت توفري 49منحة فردية لتغطية نفقات ال�سفر والتنقل �إىل �أ�ساتذة اجلامعات .ويف لبنان ثمة العديد من برامج التعاون ما بني اجلامعات اللبنانية واجلامعات الأوروبية يف �إطار برنامج تامبو�س. ويف هذا ال�سياق نذكر املفو�ضية الأوروبية التي وقّعت متويل م�رشوع تطوير منظومة التعليم العايل يف �سوريا (،)2007 لربنامج مدته �أربع �سنوات ومبيزانية قدرها ع�رشة ماليني يورو .كما دعمت املفو�ضية الأوروبية اتفاقية تعاون بني املعهد العايل لإدارة الأعمال يف �سوريا وجامعتي بوردو الرابعة الفرن�سية و�أتونوما بر�شلونة الإ�سبانية. و مبوجب هذه االتفاقية يح�صل الطالب يف املعهد على �شهادتني� :شهادة ماج�ستري من املعهد و�شهادة من جامعة بر�شلونة (تقرير �صحايف ن�رش يف � ... 3)2007/10/24إلخ. من الوا�ضح �أن املعونات الأجنبية ت�صب ب�صورة �أ�سا�سية يف م�شاريع تقييم التعليم العايل وتطويره و�إقامة برامج و�شهادات م�شرتكة ويف تقدمي منح بحثية للأ�ساتذة، وهي تتعلق جميعها بتطوير مكونات النوعية، ي�ستثنى من ذلك م�رشوع �إقرا�ض طلبة اجلامعات الفل�سطينية .وهذه املعونات تغطي اجلامعات احلكومية و�/أو النظم واخلطط واال�سرتاتيجيات التي ت�ضعها احلكومات لتطوير التعليم العايل يف قطاعاته كافة. ومما ال�شك فيه �أن البلدان امل�ستفيدة «تطلب» هذه املعونات ،لنق�ص يف مواردها
املالية �أو الب�رشية ،و� ّأن اجلهات املانحة «تعر�ض» هذه املعونات .من هنا نفهم النقا�ش الذي يدور �أحيان ًا حول مغزى هذه امل�ساعدات .املوقف النقدي لها يركز على �أن «العر�ض» تق�صد منه اجلهات املانحة تنفيذ �أجندات ما تفر�ضها �ضمن ًا �أو علن ًا على البلدان امل�ستفيدة ،يف حني �أن اجلهات املانحة تف�سرّ امل�ساعدات على �أنها جمرد دعم للأنظمة الوطنية التي تعاين من �صعوبات� ،ضمن نطاق مبادئها و�سيا�ساتها ويف �إطار التعاون الدويل واال�ستقرار. ميكن االكتفاء يف هذا ال�سياق مبالحظات ثالث :الأوىل �أن احل�صول على دعم خارجي �أعطى البلدان امل�ستفيدة فر�ص ًا لإجراء تعديالت وتطويرات على نظام التعليم العايل مل تكن لتتم لوال ح�صول هذا الدعم .وهو �شديد الأهمية للدول ذات املوارد املحدودة �أو الأفقر ،ويبقى مهما بالن�سبة للدول املتو�سطة الدخل .الثانية� ،إذا كان تقدمي العون اخلارجي ميثّل حاجة للدول املتلقية ف�إنه �أي�ض ًا يعك�س نزعة الدول واملنظمات املانحة لتقدمي العون لأ�سباب �إن�سانية وعلمية من جهة وذات عالقة بالعوملة ومب�صالح القوى امل�سيطرة عاملي ًا من جهة �أخرى .وبالتايل ف�إن اال�ستفادة من هذا الدعم �أمر ن�سبي يتعلق بال�رشوط املرجعية لتقدمي الدعم (وهذا تقع م�س�ؤوليته الكربى على اجلهة املانحة) وب�رشوط «اكت�ساب» نتائج الدعم (وهذا تقع م�س�ؤوليته الكربى على اجلهة امل�ستفيدة) .الثالثة� ،أن امل�شاريع املدعومة هي بال�رضورة م�شاريع حمدودة يف الزمان واملكان والنطاق ،وبالتايل ف�إنها ال تع ّو�ض عن النق�ص يف التمويل (والتطوير) �إال ب�صورة م�ؤقتة ومو�ضعية ،وهي حتمل غالب ًا خطر �أن يلتهم ال�سياق القائم نتائجها بحيث يحتاج املرء �إىل جهد كبري للتعرف على الأثر الدائم �أو الرا�سخ لأي منها ،مبا يعني �أن تطوير نظم
http://www.alghad.jo/index.php/rss/index.php?news=399225 1 http://www.delwbg.ec.europa.eu/ar/whatsnew/n17-7-08.htm 2 http://thawra.alwehda.gov.sy/_print_veiw.asp?FileName=75954518520071023214235 3
الف�صل الثالث مبادرات يف تنويع التمويل ويف �إقامة الوقفيات اجلامعية 201
متويل دائمة ومالئمة وحملية هو يف غاية الأهمية من �أجل ح�صول تطوير فعلي يف �أنظمة التعليم العايل.
ثاني ًا :املعونات العربية
بع�ض هذه املعونات تق ّدمها حكومات عربية وبع�ضها تق ّدمها م�ؤ�س�سات مانحة ،وهي ت�أتي يف احلالتني من بلدان اخلليج العربي.
هي امل�ساعدات التي تقدمها البلدان العربية الغنية �إىل البلدان الأفقر يف املنطقة. نكتفي بعدد من الأمثلة امل�ستقاة من الأخبار التي تن�رشها و�سائل الإعالم عن م�ساعدات �سعودية وكويتية وقطرية لليمن وفل�سطني والعراق .و�سوف نالحظ �أنها تختلف يف توجهاتها عن تلك التي تركز عليها امل�ساعدات الأجنبية.
امل�ساعدات ال�سعودية
ن�رشت و�سائل الإعالم �أن وزير التعليم العايل والبحث العلمي اليمني «�أ�شاد مبا تق ّدمه دعم للجمهورية اململكة العربية ال�سعودية من ٍ اليمنية يف جمال التعليم العايل والبحث العلمي من خالل تقدمي منح درا�سية جامعية يف خمتلف التخ�ص�صات» .و�أو�ضح �أنها «تق ّدم يف كل عام ما بني � 450إىل 500منحة درا�سية و يوجد يف جامعة امللك عبد العزيز بجده وحدها 1200طالب وطالبة مينية» .1 ويف خرب �آخر وجه فل�سطينيون ال�شكر �إىل اللجنة ال�سعودية لدعم انتفا�ضة القد�س على امل�ساعدات التي ق ّدمتها اللجنة للتعليم العايل يف فل�سطني (�إطار .)1-3
امل�ساعدات الكويتية
بلغ حجم امل�ساعدات التي ق ّدمها ال�صندوق العربي للإمناء االقت�صادي واالجتماعي (وهو
قال الدكتور داوود الزعرتي رئي�س جامعة بوليتكنيك فل�سطني يف اخلليل �إن املعونات ال�سعودية ت�ساعد يف �إنقاذ التعليم العايل الفل�سطيني .و�أ�ضاف :علمنا �أن اللجنة ال�سعودية لدعم انتفا�ضة القد�س �ستق ّدم مائتي �ألف دوالر لكل جامعة فل�سطينية ع�ضو يف وزارة التعليم العايل الفل�سطيني، وتلقينا هذا اخلرب بكل �رسور ،كما علمنا �أن اللجنة �ستقدم م�ساعدات للطلبة املحتاجني يف العامني الأخريين يف درا�ستهم ت�صل �إىل %50من الر�سوم .و�أو�ضح الدكتور الزعرتي �أن قرابة %40من طلبة جامعة بوليتكنيك فل�سطني
�سي�ستفيدون من هذه امل�ساعدة ملدة عام درا�سي. وقال نعيم الداعور م�س�ؤول العالقات العامة يف جامعة اخلليل �أن دعم اللجنة ال�سعودية ي�سهم ب�شكل ف ّعال يف �إخراج جامعة اخلليل من �أزمتها املالية التي تعاين منها ب�سبب الظروف الراهنة .و�أ�ضاف :ق ّدمنا �أ�سماء قرابة �أربعة �آالف طالب وطالبة من ال�سنتني الثالثة والرابعة للّجنة ال�سعودية مل�ساعدتهم بـ %50من الق�سط ،وننتظر املوافقة عليها خالل الأ�سبوعني القادمني( .اليوم 2 الإلكرتوين.)2002/8/4 ،
�صندوق كويتي حكومي) لفل�سطني 240مليون دوالر منذ بداية عمل ال�صندوق يف فل�سطني، منها 160مليون دوالر منذ بداية انتفا�ضة الأق�صى عام .2000ويف العام 2001اعتمد ال�صندوق برناجم ًا حتت م�سمى «برنامج الدعم العاجل لل�شعب الفل�سطيني» .وبلغ جممل االلتزامات التي نفّذها ال�صندوق على خم�س مراحل يف �إطار هذا الربنامج حواىل 50 مليون دينار كويتي �أي ما يعادل 160مليون وخ�ص�صت هذه املبالغ يف جمملها دوالرُ . لدعم اجلامعات وامل�ؤ�س�سات التعليمية ودعم اجلمعيات وامل�ؤ�س�سات الأهلية ودعم القطاع ال�صناعي والزراعي وتطوير الريف والآبار و�شبكات املياه .وحتظى اجلامعات والكليات الفل�سطينية كافة بدعم ال�صندوق العربي، ويرتاوح حجم هذا الدعم �سنويا بني 10-12 مليون دوالر� ،أما �إذا جمعنا هذا الدعم مع
http://www.iayemen.org/news.asp?id=287 1 http://www.alyaum.com/issue/article.php?IN=10642&I=7585&G=1 2
مؤسسة الفكر العربي ّ
التـعليم
املعونات العربية احلكومية
�إطار 1-3فل�سطينيون ي�شكرون جلنة االنتفا�ضة وال�شعب ال�سعودي
التقرير العربي الثاين 202للتنمية الثقافية
تن�سق م�شاريعها دعم امل�ؤ�س�سات العربية التي ّ بالتعاون معه فيبلغ حواىل 20مليون دوالر �سنوي ًا .1
امل�ساعدات القطرية
بتاريخ 2009/2/1ن�رشت و�سائل الإعالم خرباً مفاده �أن ال�شيخة موزة بنت نا�رص امل�سند رئي�سة جمل�س �إدارة م�ؤ�س�سة قطر للرتبية والعلوم وتنمية املجتمع �أعلنت عن ت�أ�سي�س وقفية الفاخورة بر�أ�سمال قدره 200مليون دوالر بهدف �إعادة ت�أهيل املنظومة التعليمية يف قطاع غزة .وقد ت ّربعت بن�صف هذه الوقفية على �أن يت ّم حت�صيل الن�صف املتبقي من املبلغ عرب حملة التربعات .وقد و�صلت قيمة التربعات يف التاريخ املذكور �إىل 398,763,286ريا ًال قطري ًا 109.5( 2مليون دوالر). ويف م�ؤمتر �صحفي جمع امل�شاركني يف ندوة باري�س �أعلن جورج حداد ،م�س�ؤول برنامج املنحة الدولية لإنعا�ش التعليم العايل يف العراق ،عن زيادة املبلغ املق ّدم من قطر ،و�شكر وكيل وزارة التعليم العايل يف العراق دولة قطر التي جاءت منها مبادرة دعم التعليم العايل يف العراق ،مو�ضحا �أن التنفيذ قليل بالقيا�س �إىل املنحة ،فمن جمموع 500زمالة درا�سية هناك 75نفذت حتى الآن .3 ويف اليمن ن�رشت و�سائل الإعالم �أن وزارة التعليم العايل والبحث العلمي ت�سلمت املنحة املالية ال�سنوية لدعم الطالب املبتعثني للدرا�سة يف اخلارج من دولة قطر .ويف لقاء جمع وزير التعليم العايل والبحث العلمي يف اليمن و�سفري دولة قطر ب�صنعاء ،الذي ق ّدم مبلغ � 600ألف دوالر كمنحة للمبتعثني للدرا�سة يف اخلارج، ناق�ش الوزير مع ال�سفري �إمكانية م�ساهمة دولة قطر يف ا�ستيعاب الطلبة املتفوقني من �أبناء
اليمنيني املغرتبني يف قطر يف اجلامعات 4 القطرية. ويف هذا ال�سياق نذكر �أي�ض ًا �صندوق دعم اجلامعات الفل�سطينية الذي ت�أ�س�س يف العام 1992مبوجب قرارات جمل�س احتاد اجلامعات العربية ،وير�أ�س جمل�س �إدارته رئي�س اجلامعة الأردنية وي�ضم يف ع�ضويته ر�ؤ�ساء جامعات الريموك والنجاح الوطنية وبريزيت والأمني العام امل�ساعد الحتاد اجلامعات العربية ،ويبلغ عدد اجلامعات الفل�سطينية التي تتلقى دعم ًا مالي ًا من ال�صندوق حالي ًا ع�رش جامعات .5
امل�ؤ�س�سات العربية املانحة م�ؤ�س�سة الوليد بن طالل
مير يوم يف و�سائل الإعالم يكاد ال ّ اللبنانية �إال ويكون هناك خرب عن م�ساعدة ق ّدمتها م�ؤ�س�سة الوليد بن طالل اخلريية لبلدية، �أو م�ؤ�س�سة �صحية� ،أو جمعية �أهلية� ،أو م�ؤ�س�سة تربوية (خا�صة �أو ر�سمية) للتعليم العام �أو العايل. مت احل�صول عليها من وتبينّ الالئحة التي ّ امل�ؤ�س�سة (�إطار � )2-3أن هذه امل�ساعدات ت�شمل خمتلف اجلامعات ،و�أنها مركزة على البنى التحتية من �أبنية وقاعات وخمتربات وغريها. وهي من هذه اجلهة تختلف عن امل�ساعدات التي قدمتها امل�ؤ�س�سة �إىل عدد من اجلامعات خارج العامل العربي ،والتي تتعلق ب�إن�شاء �أو دعم برامج درا�سات و�أبحاث عربية و�إ�سالمية والتفاهم بني احل�ضارات .على �أنه ت�ستفيد من هذا النوع الثاين من امل�ساعدات اجلامعات العربية ذات االمتدادات الأمريكية والأوروبية كاجلامعتني الأمريكيتني يف بريوت والقاهرة واجلامعة اللبنانية الأمريكية وجامعة القد ّي�س يو�سف (اجلامعة الي�سوع ّية) يف لبنان .6
http://www.insanonline.net/news_details.php?id=2354 1 http://www.mofa.gov.qa/localnews.cfm?newsid=1&selected_date=01/02/2009 2 3جريدة ال�رشق الأو�سط (يف :)2005/2/25 http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=284885&issueno=9586 http://www.al-yemen.org/vb/showthread.php?t=213185 4 http://forum.sh3bwah.maktoob.com/t179380.html 5 � 6أنظر حول امل�ساعدة التي ق ّدمت للجامعة الأمريكية يف القاهرةhttp://www.aljazeera.net/art_culture/2003/1/1-29-7.htm : وجلامعة كمربيدجhttp://www.aleqt.com/2009/01/27/article_189278.html :
الف�صل الثالث مبادرات يف تنويع التمويل ويف �إقامة الوقفيات اجلامعية 203
م�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم
�إطار 2-3م�ساعدات م�ؤ�س�سة الوليد بن طالل منذ ت�أ�سي�سها للجامعات يف 2 لبنان اجلامعة الأمريكية يف بريوت: ت�أهيل قاعة املحا�رضات يف كلية ال�صحة العامة وجتهيزها جتهيزاً كامالً ،امل�ساهمة يف ت�أهيل مركز التدريب ال�صحي ،دعم �صندوق املنح الدرا�سية املخ�ص�صة للطالب املتفوقني واملحتاجني ،جتهيز �أول خمترب لتخطيط الدماغ والأع�صاب والع�ضالت واحلوا�س يف لبنان يف املركز الطبي يف اجلامعة. اجلامعة اللبنانية : كلية العلوم (الفرع الثاين) :ت�أهيل وجتهيز خمترب التحاليل الكيميائية- تقنيات طيفية وتغطية نفقات ا�ستقدام 30باحثًا فرن�س ًيا للم�ساعدة يف ت�شغيل املخترب .كلية ال�صحة يف احلدث :خمترب التحليالت الطبية. كلية �إدارة الأعمال واالقت�صاد يف كرم الزيتون :خمترب املعلوماتية الذي �سيوظف للأبحاث العلمية وملراحل التخ�ص�ص العليا املرتبط باملكتبة العامة التي �أعيد ت�أهيلها وجتهيزها، والذي �سيوظف للأبحاث العلمية وملراحل التخ�ص�ص العليا .كلية الزراعة يف الدكوانة :ت�أهيل وجتهيز املكتب املخ�ص�ص ل�ش�ؤون الطالب ومركز �ضخم يحمل ا�سم الوليد بن ي�ضم م�رسحني للمحا�رضات طالل و ّ والندوات وقاعة لالمتحانات حتمل ا�سم الرئي�س ريا�ض ال�صلح وي�ضم ّ
ثالث ًا :ال�صناديق املحلية واملكرمات
ن�ضع هذين النوعني من املعونة للتعليم العايل مع ًا لأنهما ،كما �سرنى ،يحمالن غالب ًا طابع ًا حكومي ًا .هما ظاهراً من خارج املوازنة ولكنهما عملي ًا جزء من الإنفاق احلكومي ،ولوال ظاهرهما هذا ،وبع�ض اال�ستثناءات ،ملا �أدرجا يف هذا الف�صل� ،أي يف باب مبادرات الدعم، التي يجمعها �أنها خارج الإنفاق احلكومي.
ال�صناديق املحلية • �صندوق دعم البحث العلمي (الأردن)
مت �إن�شاء هذا ال�صندوق ا�ستناداً �إىل املادة رقم ( )13من قانون التعليم العايل والبحث العلمي رقم ( )4ل�سنة 2005وتعديالته. وتتك ّون املوارد املالية لل�صندوق يف معظمها من ن�سبة %1من �صايف الأرباح ال�سنوية
خم�ص�ص ًا لإقامة املعار�ض مكان ًا ّ املتحركة و�آخر لال�ستقبال .ا�ستحداث مركز للتوثيق واملعلومات و�آخر للإعالم وال�صحافة با�سم علياء ريا�ض ال�صلح يف كلية الإعالم يف اجلامعة اللبنانية بفرعيها الأول يف اليون�سكو والثاين يف الفنار. اجلامعة اللبنانية الأمريكية يف بريوت :ا�ستحداث طريق دائري حلرم اجلامعة لربط احلرم الرئي�سي باملبنيني اجلديدين لكلية �إدارة الأعمال واملكتبة العامة ،وذلك بهدف تو�سيع حرم اجلامعة من ناحية واحلفاظ على ال�سالمة العامة لتنقل الطالب والأ�ساتذة واملوظفني بني املبنيني من ناحية �أخرى� .إن�شاء م�رشوع «الوليد» بال�رشاكة بني م�ؤ�س�سة الوليد بن طالل الإن�سانية واجلامعة اللبنانية الأمريكية بهدف تدريب طالب املدار�س الثانوية الر�سمية واخلا�صة ومن خمتلف املناطق اللبنانية حول منوذج الأمم املتحدة. جامعة �سيدة اللويزة ( ،)...جامعة القدي�س يو�سف ( ،)...جامعة هايكازيان ( ،)...اجلامعة الأمريكية للعلوم والتكنولوجيا يف زحلة (،)... جامعة اجلنان يف طرابل�س (،)... جامعة املنار يف طرابل�س.
لل�رشكات امل�ساهمة العامة .ويتم ّتع ال�صندوق باال�ستقالل املايل والإداري و يرت�أ�س جمل�س �إدارته وزير التعليم العايل والبحث العلمي. ويحق لل�صندوق ت�سجيل امللكية الفكرية وبراءات االخرتاع للأبحاث العلمية التي يت ّم متويلها من ال�صندوق .3
http://www.mbrfoundation.ae/Arabic/Knowledge/Pages/Fellows.aspx 1 2
امل�صدر :م�ؤ�س�سة الوليد بن طالل الإن�سانية ،لبنان.
http://www.srf.gov.jo/Fund/fund1/tabid/60/Default.aspx 3
مؤسسة الفكر العربي ّ
التـعليم
يف حني تر ّكز م�ؤ�س�سة الوليد بن طالل على تطوير البنى التحتية للجامعات املحلية (النوعية) ف�إن م�ؤ�س�سة حممد بن را�شد املكتوم تركّز على توفري املنح الدرا�سية يف اخلارج للطالب املتميزين (الفر�ص الدرا�سية) ،وذلك �ضمن برنامج حممد بن را�شد �آل مكتوم للبعثات .ويهدف هذا الربنامج �إىل «ا�ستثمار الإمكانات الواعدة للطالب املتميزين وتطويرها يف الوطن العربي ،عرب ابتعاثهم للح�صول على �شهادة املاج�ستري يف �إدارة الأعمال ،والإدارة العامة ،وال�سيا�سة العامة، واملالية ،من �أرقى اجلامعات العاملية .وتغطي املنحة التكاليف املالية املتعلقة بر�سوم الدرا�سة كافة ،واخلدمات اجلامعية ،والكتب، وال�سكن ،وامل�رصوف ال�شهري ،وتذكرة �سفر �سنوية للدار�س طوال فرتة االبتعاث» .1
التقرير العربي الثاين 204للتنمية الثقافية
• �صندوق دعم البحث العلمي (�سوريا)
هو �صندوق عام �أي�ض ًا �أقر بتاريخ 2009/7/2لي�ضطلع مبهمة متويل امل�شاريع البحثية بالتعاون ما بني ال�رشكات واجلامعات ال�سورية والهيئات واملراكز البحثية احلكومية والهيئات العربية واملنظمات الدولية .1
• �صندوق دعم الطالب اجلامعي (الأردن)
هو �صندوق عام �أي�ض ًا .فقد «�أعلن الأمني العام لوزارة التعليم العايل والبحث العلمي الدكتور تركي عبيدات عن �شمول �صندوق دعم الطالب اجلامعي للعام احلايل 2008 - 2007 نحو � 12ألف طالب وطالبة �أي بزيادة نحو �ألف طالب عن العام املا�ضي ،مب ّينا �أن عدد الطلبات التي قدمت لل�صندوق العام احلايل نحو � 25ألف طلب .ودعا عبيدات القطاع اخلا�ص والبنوك و�أ�صحاب ر�ؤو�س الأموال �إىل الإ�سهام يف ال�صندوق الذي ازدادت ن�سبة الطلبة املحتاجني لال�ستفادة من منحه وقرو�ضه، حيث �إن لأي طالب احلق با�ستكمال درا�سته اجلامعية وفق ظروف مريحة ،ومي�رسة» ( .2 )2009/9/27ويف خرب �سابق ()2009/4/12 قيل �إن عدد امل�ستفيدين هو � 18ألفا ،3ويف �آخر (� )2009/3/16إنهم � 20ألفا (�إطار .4)5-3
• �صندوق عبد احلميد �شومان لدعم البحث العلمي (الأردن)
�أن�شئ هذا ال�صندوق يف العام .1999وهو غري حكومي .يهدف ال�صندوق �إىل دعم البحث العلمي وت�شجيعه يف اجلامعات وامل�ؤ�س�سات
واملراكز العلمية الأردنية ،على �أن تكون هذه الأبحاث العلمية املر�شحة للدعم مندرجة �ضمن الأولويات الوطنية للبحث العلمي ومتفقة مع �سيا�سة وتوجهات امل�ؤ�س�سة يف الدعم العلمي .وتق�ضي تعليمات ال�صندوق ب�أن تقدم طلبات دعم م�رشوعات الأبحاث العلمية �إىل ال�صندوق بعد تقييمها من اجلهة التي يعمل بها الباحث.5
• �صندوق �أبو ظبي للتنمية (الإمارات العربية املتحدة)
يق ّدم هذا ال�صندوق «القرو�ض املي�رسة ومنح متويل امل�شاريع التي ترتبط بربامج التنمية ،بجانب تطوير القطاعات اجلديدة وم�شاريع البنية التحتية للخدمات ،كم�شاريع الكهرباء واملياه والنقل واملوا�صالت وال�صحة والزراعة والتعليم» .وقد وقّع ال�صندوق م�ؤخراً مذكرة تفاهم مع جامعة الإمارات العربية ن�صت على �إيجاد فر�ص التدريب امل ّتحدة ّ للطلبة ،و�إحلاق اخلريجني يف جماالت العمل املختلفة� ،إ�ضافة �إىل تقدمي الدعم والتمويل لتغطية خمتلف الأن�شطة الطالبية ،داخل الدولة وخارجها.6
• ال�صندوق القومي لرعاية الطالب (ال�سودان)
�أن�شئ هذا ال�صندوق بقرار جمهوري يف �أيلول�/سبتمرب عام .1991وهو يهدف �إىل تقدمي العون للطالب غري القادرين على �إكمال درا�ستهم 7 اجلامعية ،وال�صندوق �رشاكة بني الدولة
1حمطة �أخبار �سورية Syrian News Station-SNS: http://sns.sy/sns/?path=news/read/2819 � 2صحيفة الد�ستورhttp://www.addustour.com/ViewTopic.aspx?ac=%5CLocalAndGover%5C2008%5C01%5CLocalAndGover_issue90_day09_ : id16602.htm http://www.addustour.com/ViewTopic.aspx?ac=/LocalAndGover/2009/04/LocalAndGover_issue552_day12_id132206.htm 3 http://www.manbaralrai.com/?q=node/28846 4 http://www.shoman.org/ar/sci_research.aspx 5 http://www.alrroya.com/node/12421 6
7يقول التحقيق الذي ا�ستقيت منه هذه املعلومات على ل�سان مدير ال�صندوق �أننا « وفرنا عمالت �صعبة بوا�سطة متزيق «�إلغاء» فاتورة الطالب الذين كانوا يدر�سون خارج ال�سودان ب�أعداد كبرية على ح�ساب الدولة»� .صحيفة الو�سط االقت�صادي (:)2009/7/21 http://www.wasat.sd/index.php?option=com_content&view=article&id=1728:2009-06-21-06-14-05&catid=7:2009-03-12-13-02-15&Itemid=25
الف�صل الثالث مبادرات يف تنويع التمويل ويف �إقامة الوقفيات اجلامعية 205
• �صندوق التعليم اجلامعي (ال�سعودية)
هو �صندوق حكومي �أي�ض ًا ،يغطي %50من ر�سم التعليم املوازي يف اجلامعات احلكومية ال�سعودية ،يف حني يتحمل الطالب الـ %50 الباقية .ويف خرب ن�رش بتاريخ � 2008/10/7أنه �صدرت �إرادة ملكية ب�إعفاء الطالب من ر�سوم التعليم املوازي لذلك العام ،وقد ر ّدت اجلامعات ما كانت قد تقا�ضته من الطالب .2
• �صندوق احل�سني للإبداع والتفوق (الأردن)
�أن�شئ هذا ال�صندوق مببادرة من 25 م�رصف ًا وم�ؤ�س�سة مالية عاملة يف الأردن.
التـعليم
واملجتمع .وت�شمل خدمات ال�صندوق ال�سكن والرعاية ال�صحية 1واالجتماعية وغريها من اخلدمات .وقد �أ�سهم ال�صندوق يف �إقامة مدن جامعية يف الواليات ي�سكنها �أكرث من 150 �ألف طالب وطالبة ،حتى نهاية العام ،2008 الأمر الذي �س ّهل التحاق الكثريين باجلامعات وبخا�صة الإناث منهم ،وح ّد من الهجرة من الريف �إىل املدن .ويتقا�ضى ك ّل من ه�ؤالء الطالب معونة �شهرية مقدارها 150جنيه ًا ( 61دوالراً) ،وي�سكن من دون ر�سوم ويتمتع بت�أمني �صحي .وهناك كفالة ثابتة لأ�صحاب الأمرا�ض املزمنة والدائمة ومعاينات للطالب من �أ�صحاب الإعاقة .ويتم ال�رصف على الطالب حتى التخرج ،مبا يف ذلك ال�رصف على ترحيلهم .ويق ّدم ال�صندوق للطالب املتفوقني �إعانة �شهرية �إ�ضافية مببلغ 75جنيه ًا كنوع من التحفيز .وقد بلغ عدد الطالب املكفولني حتى نهاية العام � 2008أكرث من � 100ألف طالب وطالبة على م�ستوى ال�سودان.
وقد �أقرت الهيئة العامة لل�صندوق املوازنة التقديرية لعام 2008بقيمة 6ماليني دينار ( 8,5ماليني دوالر �أمريكي) ،و�أو�صت برفع ر�أ�سمال ال�صندوق لي�صل �إىل 10ماليني دينار ( 14,12مليون دوالر) على �أن تخ�ص�ص هذه الزيادة لدعم الطالب الفقري والإنفاق على البحث العلمي .3ومي ّول ال�صندوق برامج تهدف �إىل قيا�س النوعية وحت�سينها يف اجلامعات الأردنية كما يق ّدم جوائز للجامعات الفائزة يف مباريات تتم على امل�ستوى الوطني .و�أ�صبح من ال�شائع يف الأردن �أن ت�سارع اجلامعات �إىل و�ضع �إعالنات ون�رش الأخبار عن فوزها بجائزة ال�صندوق �أو بغريها من املباريات.
املكرمات
هي م�ساعدات يق ّدمها احلكام عادة مل�ساعدة الطالب وبخا�صة �أبناء فئات الدخل املحدود لتي�سري التحاقهم بالتعليم العايل. ونقت�رص هنا على �شواهد من بلدين اثنني (الأردن وال�سعودية) .واجلدير ذكره �أن تعبري تو�سع ا�ستعماله م� ّؤخراً يف عدد من «مكرمة» ّ البلدان العربية و�صار ي�ستعمل لو�صف القرارات التي يتخذها احلاكم (الرئي�س ،امللك) �أكان ذلك يتعلق ب�إعطاء رخ�صة جلامعة خا�صة �أم لإقرار زيادة على رواتب �أ�ساتذة اجلامعة.
اململكة العربية ال�سعودية
ن�رشت و�سائل الإعالم يف ت�رصيح ًا لوزير التعليم العايل يف اململكة �أن هناك مكرمة ملكية جلميع املبتعثني �إىل اخلارج بزيادة %50على املكاف�أة ال�شهرية لهم ،و�أن هذه املكرمة ت�أتي بعد مكرمة �سابقة ،قبل عامني ،بزيادة املكاف�أة بن�سبة
2008/11/15
« 1يق ّدم ال�صندوق عدة خدمات يف جمال الرعاية ال�صحية تتمثل يف التثقيف ال�صحي للطالب عن طريق املطبقات واملحا�رضات ال�صحية وتوفري الإمداد الكايف ملياه ال�رشب النقية والعمل على الإ�صحاح الأ�سا�سي للبيئة واالهتمام بنظافة البيئة ال�سكنية عن طريق التعاقد مع �رشكات متخ�ص�صة يف النظافة ومكافحة احل�رشات والقيام بحمالت التطعيم وااللتزام بكل م�صاريف عالج الطالب امل�صابني بالأمرا�ض املزمنة مثل ال�سكري والف�شل الكلوي عن طريق تقدمي العالج ب�صورة م�ستمرة حتى التخرج من اجلامعة» (املرجع نف�سه).
http://aswaqweb.net/vb/s-74237.html, http://www.bentvip.com/389046-post1.html 2 3 http://www.addustour.com/PrintTopic.aspx?ac=%5CEconomy%5C2008%5C04%5CEconomy_iss sue185_day10_id41125.htm
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 206للتنمية الثقافية
لريتفع العدد من � 300إىل 350مقعداً لهم اعتباراً من العام اجلامعي .4 2009/2008
.1 %51ويف خرب �آخر �أن «امللحقية الثقافية ال�سعودية يف م�رص بد�أت ب�رصف املكرمة التي تف�ضل بها الأمري �سلطان بن عبد العزيز ويل ّ العهد نائب رئي�س جمل�س الوزراء وزير الدفاع والطريان واملفت�ش العام وقدرها خم�سة ماليني دوالر تخ�ص�ص لر�سوم الدار�سني على ح�سابهم اخلا�ص من الطلبة ال�سعوديني يف اجلامعات امل�رصية وفق املعايري التي حددتها وزارة التعليم العايل يف اململكة» .2
مل نقع �إال على مثالني من هذا النوع يف لبنان فقط .وكما �سنالحظ ف�إن واحدة من امل�ؤ�س�ستني ق ّدمت الدعم مرة واحدة جلامعة واحدة ،فيما امل�ؤ�س�سة الثانية ق ّدمت الدعم خالل فرتة زمنية �سابقة (.)1997-1979
الأردن
جمعية العزم وال�سعادة (لبنان)
ن�رشت و�سائل الإعالم يف 2007/11/8ب�أن جمل�س التعليم العايل �أقر زيادة 50مقعداً على عدد مقاعد املكرمة امللكية لأبناء املخيمات �إطار 3-3جمعية العزم وال�سعادة (لبنان) و ّقع رئي�س اجلامعة اللبنانية زهري �شكر وامل�رشف العام على جمعية العزم وال�سعادة عبد الإله ميقاتي اتفاقية تعاون بني اجلانبني لدعم التعليم العايل والتخ�ص�ص العلمي عرب �إن�شاء مراكز وخمتربات للبحوث العلمية وتوفري منح للطالب املتفوقني لكي يتمكنوا من �إنهاء حت�صيلهم للتفرغ للدرا�سة والبحث العلمي ،على �أن ي�صل عدد املنح يف � 12سنة �إىل 144منحة ،وقيمة كل منحة � 6آالف دوالر �أمريكي �سنوياً. وتخ�ص�ص ن�صف تلك املنح لطالب اجلامعة يف طرابل�س وال�شمال. ويح�صل كل طالب على دعم مايل ملدة � 4سنوات درا�سية كح ّد �أق�صى يح�صل خاللها على الدكتوراه، و ُتعطى الأف�ضلية يف ذلك للطالب امل�سجلني �ضمن اتفاقية �أطروحة
م�شرتكة بني اجلامعة اللبنانية وجامعة �أجنبية ويتابعون درا�ستهم بني هاتني اجلامعتني. مت االتفاق على �إن�شاء مركز و ّ لأبحاث علوم البيوتكنولوجيا يحمل ا�سم جمعية العزم لأبحاث علوم البيوتكنولوجيا ويعمل بالإ�رشاف العلمي للمعهد العايل للدكتوراه يف العلوم والتكنولوجيا يف اجلامعة وتتم ويكون مقره يف مدينة طرابل�س ّ ت�سمية مدير املركز بناء على اقرتاح من جمعية العزم خلم�سة �أ�شخا�ص تتوافر فيهم ال�رشوط املطلوبة يف اجلامعة ويتم تعيني املدير مبوجب قرار من رئي�س اجلامعة .ت� ّؤمن اجلامعة املقر للمركز وتقدم اجلمعية الدعم املايل بقيمة مليون دوالر �أمريكي لتجهيزه( .جريدة امل�ستقبل، 3 )2008/11/4
رابع ًا :امل�ؤ�س�سات الأهلية
دعمت هذه اجلمعية جامعة طرابل�س يف �إقامة دبلوم الدرا�سات العليا يف احلديث النبوي ال�رشيف .5كما ق ّدمت دعم ًا للجامعة اللبنانية لإن�شاء مراكز وخمتربات للبحوث العلمية وتوفري منح للطالب املتفوقني (�إطار .)3-3
م�ؤ�س�سة احلريري
منذ ت�أ�سي�سها يف العام 1979عملت م�ؤ�س�سة احلريري على تقدمي الر�سوم اجلامعية للطالب ،وقد تو�سعت امل�ساعدات هذه يف بع�ض اجلامعات حتى �شملت %45من طالبها .6ومبا �أن ه�ؤالء الطالب متميزون ويتحدرون من �أو�ساط اجتماعية متدنية الدخل فقد �أ ّدى دعم امل�ؤ�س�سة لهم �إىل تغيري الرتكيب االجتماعي لبع�ض اجلامعات التي كانت مقت�رصة على النخبة .وبعد �أن توقفت امل�ؤ�س�سة عن تقدمي املنح الدرا�سية يف العام 1997عادت الأمور �إىل ما كانت عليه �سابق ًا يف هذه اجلامعات .7 وقد ق ّدمت امل�ؤ�س�سة بني العام 1979 والعام 1996القرو�ض (غري امل�ستعادة عملي ًا)
/http://travel.maktoob.com/vb/travel235722 1 http://www.mohe.gov.sa/Arabic/News/Pages/News%20125.aspx 2 http://almoustaqbal.net/stories.aspx?StoryID=316094 3 http://www.syriastar.org/vb/showthread.php?t=41642 4 http://www.islahonline.org/News/Details.aspx?NewID=101 5 http://www.hariri-foundation.org.lb/condev.htm 6 Majzoub, Hana (1999), The Socioeconomic background of AUB students and their Career Decisions, 7 MA theses, Faculty of Education, Lebanese University
الف�صل الثالث مبادرات يف تنويع التمويل ويف �إقامة الوقفيات اجلامعية 207
خام�س ًا :الوقفيات اجلامعية
الوقف قدمي يف التاريخ الإ�سالمي ،وهناك اليوم وزارات للأوقاف يف العديد من البلدان العربية تهتم ب�ش�ؤون امل�ؤ�س�سات الدينية (وخخ�صو�ص ًا اجلوامع وامل�ساجد) ،كما �أن هناك وقفيات جامعية لربامج �أو كليات �أو م�ؤ�س�سات جامعية دينية .كل هذه الأمور تخرج عن نقاط
و�ضع خادم احلرمني ال�رشيفني الأحد املا�ضي حجر الأ�سا�س لأول وقف تعليمي يف املنطقة ،ووافق على �إطالق ا�سمه على الربج الرئي�سي وكرم الدفعة الأوىل �ضمن امل�رشوع ّ من املتربعني والداعمني لأوقاف تربع جامعة امللك �سعود؛ حيث ّ ال�شيخ حممد ح�سني العمودي، وم�رصف الراجحي ،واملهند�س بكر بن حممد بن الدن ،وال�شيخ �صالح كامل ب�أبراج كاملة �ضمن م�رشوع وتربعت �رشكة الرا�شد �أبراج اجلامعةّ . للتجارة واملقاوالت املحدودة مببلغ ( )50مليون ريال ،والدكتور نا�رص بن �إبراهيم الر�شيد مببلغ ()20 مليون ريال ،واملهند�س عبد اهلل �أحمد بق�شان مببلغ ( )20مليون ،والدكتور وليد �أمني كيايل مببلغ ( )20مليون تربع موظف من من�سوبي ريال .كما ّ جامعة امللك �سعود مبرتبه ال�شهري
لأوقاف اجلامعة وهو املوظف حممد بن دخيل عي�ضة املالكي .وبينّ مدير اجلامعة �أن جهود الأمري �سلمان بن عبد العزيز� ،أمري منطقة الريا�ض رئي�س اللجنة العليا لأوقاف جامعة امللك �سعود� ،أثمرت بجمع تربعات تزيد على مليار ريال. ويف هذا ال�صدد ي�رس �أوقاف اجلامعة �أن تقدم الدعوة للمتربعني واملتربعات من قطاع املال والأعمال وكذلك امل�ؤ�س�سات واخلريجني واخلريجات للإ�سهام يف متويل باكورة م�شاريع �أوقاف اجلامعة والذي يهدف �إىل تعزيز وا�ستقرار املوارد الذاتية للجامعة �أ�سوة باجلامعات العاملية البحثية الرائدة .رقم ح�ساب �أوقاف جامعة امللك �سعود يف بنك الريا�ض (.)2410055909940 2 (جريدة اليوم)2009/2/15 ،
بحثنا .فاملو�ضوع يرتكز هنا حول ما �إذا كانت هناك وقفيات جامعية �أن�شئت مل�ساندة م�ؤ�س�سات جامعية مدنية (حكومية �أو خا�صة)، ومل تظهر لنا يف درا�سات احلاالت يف الف�صلني الأول والثاين .وقد قمنا ب�سرب املو�ضوع من خالل الإنرتنت ومل جند ما ن�سجله هنا �إال يف ال�سعودية وفل�سطني ،ون�ضيف �إليهما لبنان.
اململكة العربية ال�سعودية وقف جامعة امللك �سعود
بتاريخ 2009/2/15ن�رشت و�سائل الإعالم خرب «و�ضع حجر الأ�سا�س لأول وقف تعليمي (جامعي) يف املنطقة» ،خم�ص�ص جلامعة امللك �سعود احلكومية (�إطار .)4-3 وتقدر قيمة املرحلة الأوىل من الوقف (�أبراج اجلامعة) مببلغ 500مليون ريال 3.ويبينّ
http://www.hariri-foundation.org.lb/program.htm 1 http://press.ksu.edu.sa/?p=8301 2 http://www.alriyadh.com/2008/05/21/article344194.html 3
مؤسسة الفكر العربي ّ
التـعليم
حلواىل � 32ألف طالب وطالبة .معظم ه�ؤالء ( )20,322در�سوا يف لبنان ،مقابل 8,726تابعوا درا�ساتهم على ح�ساب امل�ؤ�س�سة يف الواليات املتحدة وكندا و�أوروبا و�شمال �أفريقيا، والباقي ( )2,800تابعوا دورات تدريبية باللغة الإنكليزية ،وقد بلغ عدد الذين تخرجوا �ضمن برنامج الدعم هذا 4000مهند�س و 1500طبيب على �سبيل املثال.1 وقد �أن�ش�أت امل�ؤ�س�سة بالإ�ضافة �إىل برنامج القرو�ض برامج �أخرى خلدمة الطالب اجلامعيني ،منها )1 :برنامج اللغة الإنكليزية، )2برنامج «ال�سنة التح�ضريية» (لإتقان اللغة الفرن�سية) الذي ط ّبق يف العام 1986/1987 وا�ستفاد منه 2,777ابتعثوا �إىل فرن�سا ،و710 يف لبنان )3 ،برنامج تدريب اخلريجني وقد ا�ستفاد منه 144مهند�س ًا و 124طبيب ًا)4 ، برنامج التوجيه والإر�شاد (بالتعاون مع اجلامعة الأمريكية يف بريوت) ،الذي �أ�صبح جزءاً من الهيكلية الإدارية للم�ؤ�س�سة .بالإ�ضافة �إىل ذلك دعمت امل�ؤ�س�سة عددا من اجلامعات يف لبنان من خالل التعاون يف م�شاريع م�شرتكة، وتزويدها بالتجهيزات ،وتقدمي املنح البحثية لأ�ساتذتها .ومن �أبرز ما قامت به امل�ؤ�س�سة يف هذا املجال بناء وجتهيز املعهد العايل للتكنولوجيا يف اجلامعة اللبنانية (الذي �أن�شئ يف العام )1998/1997والذي �أن�شئ له جمل�س �إدارة تتمثّل فيه امل�ؤ�س�سة.
�إطار 4-3و�ضع حجر الأ�سا�س لأوقاف جامعة امللك �سعود
التقرير العربي الثاين 208للتنمية الثقافية املوقع الإلكرتوين 1لأوقاف اجلامعة (Univers � )sity Endowmentصور الأبراج التي ي�ضمها
امل�رشوع ،2و�أهداف الوقف .3على �أن املوقع ال يو�ضح البنية التنظيمية لإدارة هذا الوقف ،وال هو يح ّدد ن�سب ًا �أو مبالغ مع ّينة للإنفاق من هذا الوقف مبا يحقق الأهداف املذكورة ،ب�صورة برامج �أو �صناديق وما �إىل ذلك. وتعر�ض جملة �أوقاف اجلامعة �أع�ضاء اللجنة العليا لأوقاف اجلامعة ،حيث يتبني �أن هذه اللجنة تتكون من � 21شخ�صية ،منها 14من رجال الأعمال ومدراء ال�رشكات وامل�رصفيني ،والأمري �سلمان بن عبد العزيز، رئي�س اللجنة ،والأمري خالد بن �سلطان بن عبد العزيز ،م�ساعد وزير الدفاع والطريان لل�ش�ؤون الع�سكرية ،واثنان من �أع�ضاء جمل�س ال�شورى، ورئي�س جمل�س �إدارة م�ؤ�س�سة �إعالمية ،ف�ض ًال عن مدير اجلامعة و�أمني عام الأوقاف فيها. كما تن�رش ن�صو�صا تقدم الت�سويغ الإ�سالمي للأوقاف .4 الوقف العلمي جلامعة امللك عبد العزيز يفيد املوقع الإلكرتوين جلامعة امللك عبد العزيز �أن هناك وقف ًا علمي ًا لدعم �أبحاث اجلامعة .وال تتوافر معلومات عن تاريخ �إن�شاء هذا الوقف وال عن حجمه املايل �أو هيكليته الإدارية .ويذكر �أنه م�ؤ�س�سة مالية غري حكومية وغري ربحية ،وي�رشف عليه جمل�س نظارة برئا�سة �أمري منطقة مكة املكرمة وع�ضوية
عدد من العلماء وجمموعة من رجال الأعمال و�أهل االخت�صا�ص ،وتنبثق عنه جلنة تنفيذية خمولة بتنفيذ ر�سالته و�أهدافه� .أما املجاالت البحثية التي يغطيها الوقف فهي ع�رشة ،منها ثالثة دينية .5
جامعة امللك عبد اهلل للعلوم والتكنولوجيا
ت�صل قيمة هذه الوقفية �إىل ع�رشة مليارات ريال �سعودي ( 2.7مليار دوالر) .وكما يقول موقعها الإكرتوين باللغة االنكليزية فهي جامعة م�ستقلة ال تخ�ضع للأنظمة املعمول بها يف اجلامعات احلكومية ال�سعودية .و�سوف تبد�أ الدرو�س فيها يف �شهر �سبتمرب�/أيلول .2009 وذكرت �صحيفة الفيغارو الفرن�سية �أن نظام هذه اجلامعة �سيرتكز حول معاهد بحث متعددة التخ�ص�صات ،ت�شمل الطاقة والبيئة وعلوم الأحياء والهند�سة والريا�ضيات املطبقة وعلوم احلا�سوب .و�ستت�سع اجلامعة يف البداية لألفي طالب يتوقع �أن ميثل ال�سعوديون خم�سهم .6 وم�ؤخراً ن�رشت ال�صحف �رشوحات �إ�ضافية عن اجلامعة وت�رصيحات لرئي�سها ت�شون فونغ �شي الرئي�س ال�سابق جلامعة �سنغافورة .7
جامعة امللك فهد للبرتول واملعادن
�أن�ش�أت جامعة امللك فهد للبرتول واملعادن �صندوق دعم البحوث والربامج
http: //eksu.org/ar/index.php?news=7 1 � 2أنظر تفا�صيل �إ�ضافية عن هذه الأبراجhttp://www.aleqt.com/2009/03/04/article_201486.html :
3وهي: )1تعزيز موارد اجلامعة الذاتية �أ�سوة باجلامعات العاملية املرموقة لتحفيز الإبداع والتميز على الأ�صعدة كافة )2 .متويل برامج البحث والتطوير التقني مبا يخدم الب�رشية ويع ّزز اقت�صاديات املعرفة لتحقيق التنمية امل�ستدامة للوطن )3 .ا�ستقطاب وحتفيز وتكرمي الباحثني واملبدعني واملوهوبني واملتميزين ورعايتهم )4 .زيادة اال�ستفادة من موارد اجلامعة الب�رشية والبنية التحتية والتجهيزات)5 . دعم امل�ست�شفيات اجلامعية يف عالج الأمرا�ض املزمنة )6 .متويل معامل جامعة امللك �سعود اخلارجية يف ك ّل من� :سنغافورة (�صناعة البرتوكيماويات) ،وال�صني (�صناعة النانو) ،وفرن�سا (�أمرا�ض نق�ص املناعة والتقنية احليوية) ،وبريطانيا (النانو و�أمرا�ض القلب) ،والهند الرب والتكافل االجتماعي وم�ساعدة الأيتام والأرامل من من�سوبي اجلامعة. (تقنية املعلومات) ،و�أمريكا (تقنية النانو) )7 .تعزيز �أعمال ّ 4جملة �أوقاف جامعة امللك �سعود ،العدد ،1فرباير .2009 5هي)1 :بيئة احلج والعمرة وامل�شاعر ومتطلبات واحتياجات منطقة مكة املكرمة)2 .البيئة العامة ومكافحة التلوث)3 .املياه)4 .النقل الطبيعية )7 .الأمرا�ض الوراثية والوافدة وامل�ستوطنة واملرور )5 .االقت�صاد الإ�سالمي وم�شكالت اال�ستثمار والتمويل )6 .ا�ستك�شاف املوارد ّ يف اململكة )8 .التنمية الب�رشية وال�سكانية )9 .خدمة املجتمع ومعاجلة م�شكالته املختلفة )10 .م�شكالت املر�أة و�سبل معاجلتها يف �ضوء مبادئ و�أحكام ال�رشيعة الإ�سالمية: http://www.waqf.org.sa/Magazine/Ar/Default.aspx?Sub_Id=17 http://www.arabvolunteering.org/corner/avt3708.html, http://www.kaust.edu.sa/news/faq.aspx 6 7جريدة احلياة اللندنية ( ،)31/8/2009وجريدة النهار اللبنانية (.)2009 /2/9
الف�صل الثالث مبادرات يف تنويع التمويل ويف �إقامة الوقفيات اجلامعية 209
ملعهد احلقوق ت�سمى وقفية كر�سي ال�شيخ حمد الثاين (�أمري قطر) .وت�أمل اجلامعة �أن تعزز التربعات هذه الوقفية من خالل دعوة وجهتها عرب و�سائل الإعالم للمتربعني (�إطار .)5-3
�إذ تفيد املعلومات املعرو�ضة �أعاله ب�أن هناك مبادرات لدعم التعليم العايل �أو طالبه ف�إنها تفيد �أي�ضا ب�أن هذه املبادرات حمدودة وال ترقى �إىل م�صاف مواجهة التحديات املالية
التـعليم
التعليمية (وقف اجلامعة) يف العام الدرا�سي 2006/2007بهدف العمل على تنويع املوارد الب�رشية للجامعة على النحو الذي ي�سهم يف دفع براجمها البحثية والعلمية ،ويوفر �ضمان ًا وتر�سيخ ًا للربامج التعليمية والأن�شطة البحثية القائمة حالي ًا واملخطط لها م�ستقب ًال ورفع قدراتها على مواجهة االرتفاع املطرد يف تكلفة التعليم العايل املتميز كما يتم الإنفاق من ريع ال�صندوق لتمويل البحوث العلمية الأ�سا�سية والتعاقدية وبرامج الإبداع واالبتكار وا�ستقطاب حملة كرا�سي الأ�ستاذية من املتميزين عاملي ًا بتخ�ص�صاتهم .1
امل�ؤ�س�سة تابعة للجهة �صاحبة الوقف .وهذا النموذج (الذي ن�سميه الوقف الت�أ�سي�سي) رمبا قرر يكون �شائع ًا يف البلدان العربية ،كلما ّ �شخ�ص� ،أو جمموعة �أ�شخا�ص �أو جماعة ،تقدمي عقارات �أو �أموال من �أجل ت�أ�سي�س جامعة خدمة لق�ضية معينة (كجامعة الأحفاد يف ال�سودان مثال ،التي ت ّربع م�ؤ�س�سها بكلفة ت�أ�سي�سها من �أجل تي�سري تعليم الإناث يف ال�سودان) .بكالم �آخر ميكن القول �إن �صفة جامعة «�أهلية» تعني، كما يف احلالة اللبنانية على الأقلّ � ،أن اجلامعة تابعة جلماعة �أهلية ،ولي�ست ذات طابع «�أهلي عام» .وهذا التمييز �رضوري لفهم واقع الوقفية اجلامعية يف املنطقة العربية و�آفاقه.
فل�سطني ً يبدو �أن جامعة بريزيت �أقامت وقفية �ساد�سا :خال�صة ومناق�شة
لبنان
�سبق وذكرنا �أن عدداً من م�ؤ�س�سات التعليم العايل يف لبنان من�ش�أة من قبل �شخ�صيات معنوية هي عبارة عن جمعيات ال تبغي الربح .كما ذكرنا �أن جامعة البلمند واجلامعة الأمريكية يف بريوت ت�شتمل �إيراداتهما على �إيرادات وقفية .ن�ضيف الآن �أن الكثري من اجلامعات غري احلكومية (وغري الدينية يف نظامها العام) يف لبنان �أُن�شئت من قبل جهات دينية (�إ�سالمية وم�سيحية) ولديها �أوقاف وا�سعة .على �أن منطق الوقف هنا يختلف عن منطق الوقف يف اجلامعة الأمريكية يف بريوت� .إنه يف تلك اجلامعات وقف «ت�أ�سي�سي» على غرار وقف الرب والإح�سان يف جامعة بريوت العربية ،ولي�س وقف ًا وظيفي ًا (يدعم عمل اجلامعة التدري�سي والبحثي) ،وهو يجعل من http://www.aleqt.com/2009/02/01/article_191241.html 1 http://lawcenter.birzeit.edu/iol/ar/index.php?action_id=30 2
�إطار 5-3دعوة للم�ساهمة يف وقفية معهد احلقوق يف جامعة بريزيت
2
�إن معهد احلقوق يف جامعة بريزيت يدعوكم لدعم وقفيته وزيادتها� .إن الإ�سهام يف وقفية معهد احلقوق هي مبثابة دفعة للّذين يعملون جاهدين لت�أ�سي�س وتعزيز دور القانون يف فل�سطني ،الذي هو مبثابة مفتاح النجاح لت�شكيل �رشعية ال�سلطة الوطنية الفل�سطينية� .إن جمل�س �أمناء جامعة بريزيت قد تبنى �سيا�سة (�أخذ على عاتقه) العمل على تغطية و�إدارة الوقفية مثلها مثل الن�شاطات اال�ستثمارية واملحا�سبة اخلا�صة باجلامعة .حيث �إن جامعة بريزيت ت�أمل جتهيز وحت�ضري م�ستقبل �آمن �أكرث من خالل ت�أ�سي�س دعم مايل لوقفياتها لتقويتها �أكادمييا وجمتمعيا على املدى البعيد. وحيث �إن ر�أ�س املال الأ�سا�سي ال ينفق ف�إن هذه الهبة ت�ستطيع توفري دعم مايل �أبدي� .إن التربع من قبل
�أ�شخا�ص ،م�ؤ�س�سات �أو جمعيات �سوف يكون له الأثر على مقدرة امل�ؤ�س�سة اال�ستمرار يف براجمها ون�شاطاتها ال�رضورية والهامة مثل املنح والبعثات الدرا�سية ،كرا�سي الدائرة ،الأ�ستاذية ،املحا�رضات، دعم الربامج ،احتياجات املكتبة، البناء والتجهيزات� .إن معهد احلقوق حاليا لديه وقفية رئي�سية ت�سمى وقفية كر�سي ال�شيخ حمد الثاين – �أمري قطر . -كما ويعمل معهد احلقوق جاهداً لزيادة منحة قدمت له من م�ؤ�س�سة فورد ،حيث �إنها ت�ستوجب من م�ؤ�س�سة فورد �أن تقدم مبلغ ًا من املال ي�صل �إىل مليون دوالر و�سيوازي املبلغ الذي ي�ستطيع املعهد احل�صول عليه ل�صالح الوقفية وبالتايل ف�إن �أي منحة �ستقدمونها للمعهد �ستت�ضاعف .ندعوكم ملواجهة هذا التحدي معنا. مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 210للتنمية الثقافية
التي تواجه اجلامعات العربية �أو مواجهة حتديات توفري ا�ستقالليتها الإدارية واملالية. فاملكرمات يقدمها احلاكم لذوي الدخل املحدود و�أبناء املناطق النائية� ،صحيح �أنها تعترب م�سعى لتوفري قدر �أكرب من العدالة يف توفري الفر�ص الدرا�سية ،لكنها جزء من الإنفاق احلكومي ،مع �إخراج لها ك�أنها من خارجه، �أي تعيدنا �إىل م�شكلة �أحادية التمويل وحجمه املحدود ،من جهة واىل �أنها حتتمل وجه ًا �سيا�سي ًا من جهة �أخرى ،يع ّيق اال�ستقاللية� .إذ جتري الأمور يف البلدان ذات العالقة وك�أن احلاكم ينفق من ماله اخلا�ص يف تقدمي املنح و�إن�شاء اجلامعات وغريها ،بل يح�صل خلط مق�صود ما بني املال العام واملال اخلا�ص للحاكم. وباملثل ف�إن ال�صناديق املحلية هي �إنفاق حكومي ،مع م�شاركة جزئية من املجتمع ،لكنها حمدودة يف عددها ونطاقها ويف مداها الزمني .واقع احلال �أنه �أمكن ر�صد ثمانية �صناديق فقط (�أربعة منها يف الأردن)، �ستة منها ذات طابع حكومي .وال�صندوقان الباقيان جندهما يف الأردن (�صندوق احل�سني للإبداع و�صندوق عبد احلميد �شومان) .هذه ال�صناديق خم�سة منها تهتم بدعم البحوث (والتقييم) �أي ب�أحد مكونات النوعية ،مقابل ثالثة (يف الأردن وال�سعودية وال�سودان) تق ّدم امل�ساعدات واملنح للطالب (الفر�ص الدرا�سية). املعونات الأجنبية والعربية موجهة من جهتها نحو البلدان العربية الأفقر ،كبلدان م�ستفيدة� .أما الفرق بينها فيكمن يف �أن املعونات الأجنبية موجهة نحو نظام التعليم العايل ككل ،ونحو تطوير مكونات النوعية (تقييم ،تطوير ،برامج و�شهادات م�شرتكة ،منح للأ�ساتذة� ...إلخ) يف حني �أن امل�ساعدات العربية موجهة بالدرجة الأوىل نحو البنى التحتية وتقدمي املنح للطالب وامل�ؤ�س�سات� .أي �أن الدعم الأجنبي هو دعم فكري ،تتبني �آثاره يف التنظيم العام والربامج وغريها ،فيما الدعم العربي هو دعم مايل بحت تتبينّ �آثاره يف الأبنية
والتجهيزات ويف عدد امل�ستفيدين ،ويف تعابري ال�شكر والعرفان باجلميل .هذه املعونات حتدث فرق ًا يف احلالتني ،لكن حدودها تكمن ،يف �أن تقدمي الدعم وزيادته و�إنقا�صه ،وعدم ح�صوله �أ�ص ًال� ،أمور مرتبطة عموما بال�سياق ال�سيا�سي، ويف �أنها �آنية ومتقطعة ،بحيث �إنها ال ت�شكّل م�صدرا ثابتا لتطوير التعليم العايل الوطني. يبقى البديالن االثنان الأخريان :م�ؤ�س�سات الدعم الأهلية ،والوقفيات اجلامعية .يتميز االثنان ب�أنهما يج�سدان ال�رشاكة املجتمعية يف حتمل �أعباء التعليم العايل ،ويزيحان عن كاهل الدولة بع�ض العبء الذي تنوء حتته. ويالحظ �أن م�ؤ�س�سات الدعم الأهلية قليلة احل�ضور يف البلدان العربية ،ورمبا يعزى ذلك �إىل قوة الدولة يف حمل م�س�ؤولية التعليم وخ�شيتها من �أن تكون لهذه امل�ؤ�س�سات «�أجنداتها» ال�سيا�سية .وهي خ�شية يف حملها. ولعل التجربة اللبنانية حيث تكرث هذه امل�ؤ�س�سات ،و ي�شتهر بع�ضها ،دليل على مثل هذه اخل�شية� .أما الوقفيات فلم جند عليها �إال �أمثلة قليلة حديثة الن�ش�أة و�إن كانت واعدة ،يف ال�سعودية وفل�سطني .كما �أ�رشنا �إىل �أن الكثري من اجلامعات يف لبنان �أ�س�ست من قبل جهات ذات وقفيات ،ما �سميناه بوقفيات ت�أ�سي�سية، بحيث تكون اجلامعة تابعة جلماعة �أهلية، با�ستثناء اجلامعة الأمريكية يف بريوت ،الأمر الذي يحيلنا جمددا �إىل م�شكلة عدم ا�ستقاللية اجلامعة وتبعيتها �إىل جماعة �أهلية .وال �شك �أن هذا ما حتاول �أن تتجنبه البلدان العربية الأخرى ،خ�شية «اللبننة». خال�صة الأمر �أن بدائل التمويل التي �أمكن عر�ضها تعاين �إما من حمدوديتها �أو من ت�سيي�سها ،باجتاه احلكومة �أو باجتاه اجلماعات الأهلية .وعلى الرغم من ذلك تبدو الوقفية اجلامعية ،املدنية ،هي البديل املمكن التفكري به جمدداً ،باعتباره الأكرث توفرياً لل�رشوط التي حتتاجها النوعية (والفر�ص الدرا�سية) �أال وهي اال�ستقاللية املالية والأكادميية والإدارية، والأكرث متتع ًا ب�صفة اال�ستقرار.
الف�صل الثالث مبادرات يف تنويع التمويل ويف �إقامة الوقفيات اجلامعية 211
الوقفية اجلامعية
التـعليم
لي�س الوقف جديداً على الثقافة العربية بل العك�س هو ال�صحيح .ذلك �أن فكرة الوقف اجلامعي املنت�رشة اليوم يف عدد من دول العامل قد يكون �أ�صلها �إ�سالمي ًا .فمنذ ن�شوء «املدار�س» (املعادلة للجامعات يف ع�رصنا) ،التي كانت توفّر التعليم العايل خارج النظم التي كانت مت ذلك ا�ستناداً �سائدة (امل�سجد والكتاتيب) ّ �إىل �أوقاف �أن�ش�أها �أمراء وعلماء و�أئمة ورجال مي�سورون ،ا�شتمل كل منها على نطاق معينّ من املمتلكات حتول �إيراداتها �إىل «الوقف» املق�صود ،وعلى تعيني �إدارة للوقف (نظارة) تعمل على ح�سن �سري العمل فيها وحتويل �إيراداتها �إىل اجلهة املوقوفة عليها .والوقف يكون مبا�رشاً (وقف عقار ما ال�ستعمال معينّ ، على �سبيل املثال) �أو ا�ستثماري ًا(ا�ستثمار �أ�صل الوقف عقاراً كان �أم منقو ًال� ،أو ا�ستثمار الريع الناجت عن ا�ستغالل الوقف ل�صالح مو�ضوع يقررها معينّ ) .ويعمل الوقف بال�رشوط التي ّ الواقف� ،أو ورثته يف الوقف الذري (التابع للورثة)� ،أكانت مطلقة (وقف غري م�رشوط) �أو م�رشوطة. وقد تن ّوعت ب�صورة وا�سعة جداً �أغرا�ض الأوقاف ف�شملت التعليم (الكتاتيب ودور القر�آن الكرمي واملدار�س واملعاهد واجلامعات الدينية) وم�ساعدة الفقراء ومرافق املاء والغذاء ودور رعاية املقعدين والأيتام واللقطاء وامل�شايف وامل�ساجد وغريها .وهناك �إرث كبري يف فقه الأوقاف يف العامل الإ�سالمي ما زال يتحينّ حتى اليوم .1 تعرف �إىل ويقال � ّإن نابليون بونابرت ّ الوقف من خالل «م�ست�شفى املن�صوري» يف القاهرة الذي كان عمره مئات ال�سنني يف ذلك احلني ويعمل بانتظام بف�ضل الوقف املقام له، فاقتب�س نابليون الفكرة وان�ش�أ على �أ�سا�سها امل�ست�شفيات احلكومية يف فرن�سا ،ويقال �إن
اجلامعات الربيطانية ا�ستفادت من التجربة الأندل�سية حيث كانت هناك كليات للتعليم العايل يف الأندل�س مت ّول عن طريق الوقف الأمر الذي حفز جامعة �أك�سفورد لتقيم وقفية علمية للجامعة .2فيما ت�شري مو�سوعة ويكيبيديا �إىل �أن الوقف اقتب�سه الإنكليز من العامل الإ�سالمي خالل احلروب ال�صليبية ونقلوا الفكرة �إىل �إنكلرتا .3كما يرى الأب �أنطوان راجح يف كتابه «الأوقاف امل�سيحية يف م�ضامني ال�رشع» �أن مفهوم امل�ؤ�س�سة الوقفية اقتب�سته امل�سيحية عن الرومان و�أن كلمة «وقف» �إ�سالمية املن�ش�أ. املهم �أن ال�صورة احلالية اليوم للأوقاف عرب العامل هي باخت�صار على ال�شكل التايل: ثمة جامعات مرموقة يف بلدان �أخرى يعود � ّرس جناحها وتفوقها العاملي �إىل اعتمادها على الأوقاف (كما يف �أمريكا وبريطانيا و�أ�سرتاليا وتركيا) ،وثمة �أوقاف ووزارات �أوقاف يف معظم البلدان العربية تعنى بال�ش�ؤون الدينية فقط� .أي �أن فكرة الوقف حت ّولت �إىل �سند �أ�سا�سي للتفوق يف اجلامعات احلديثة عرب العامل فيما اجلامعات احلديثة (املدنية) يف البلدان العربية، احلكومية واخلا�صة ،منف�صلة عن الأوقاف بقدر انف�صالها عن ال�ش�ؤون الدينية. يف هذه ال�صورة املب�سطة تبدو الوقفيات اجلامعية النا�شئة حديث ًا يف العامل العربي، جلامعات حديثة ،مبثابة ا�ستثناءات واعدة ت�ؤكد القاعدة .لكن تبدو الأمور وك�أن اعتماد الوقفية اجلامعية لي�س �أمراً مقبو ًال يف البلدان العربية� .أو �أن طرح منوذج الوقف لإحداث نقلة يف التعليم العايل العربي غري الديني (املدين)، قد ي�س ّبب رف�ض ًا يف الأو�ساط احلكومية يف عدد كبري من البلدان العربية ،ب�سبب انتماء م�صطلح الوقف فيها �إىل احل ّيز الديني .واحل ّيز الديني يجر معه طابعه العقائدي واحلركات الدينية ال�سيا�سية التي ي�شهدها العامل العربي منذ فرتة غري وجيزة� .أما يف لبنان ف�إن الوقفيات
ت ّعرف نابليون بونابرت �إىل الوقف من خالل «م�ست�شفى املن�صوري» يف القاهرة الذي كان عمره مئات ال�سنني يف ذلك احلني ويعمل بانتظام بف�ضل الوقف املقام له ،فاقتب�س نابليون الفكرة وان�ش�أ على �أ�سا�سها امل�ست�شفيات احلكومية يف فرن�سا، ويقال �إن اجلامعات الربيطانية ا�ستفادت من التجربة الأندل�سية حيث كانت هناك كليات للتعليم العايل يف متول عن طريق الوقف الأمر الأندل�س ّ الذي حفز جامعة �أك�سفورد لتقيم وقفية علمية للجامعة .فيما ت�شري مو�سوعة ويكيبيديا �إىل �أن الوقف اقتب�سه الإنكليز من العامل الإ�سالمي خالل احلروب ال�صليبية ونقلوا الفكرة �إىل �إنكلرتا.
� 1أنظر مثال الهيئة العاملية للوقفhttp://links.bdr130.net/ei49349.html : http://artilces.alzoa.com/docView.php?con=40&docID=10957 2 http://en.wikipedia.org/wiki/Waqf 3
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 212للتنمية الثقافية
حتيل �إىل تبعية اجلامعات للجماعات الأهلية ،ما يدفع البلدان العربية �إىل جتنب اجلامعات «الأهلية» خ�شية «اللبننة»� .إذاً نحن �إزاء م�شكلة جدية تواجه الطرح املتعلق بالوقفية اجلامعية و«اجلامعات الأهلية» يف البلدان العربية .وهذا يفر�ض التقدم يف طرح املو�ضوع بطريقة ت�سمح بتقبل فكرة تطبيق الوقف يف امل�ؤ�س�سات املدنية وتبديد
املخاوف الأيديولوجية ال�شائعة. �سوف ن�ستعر�ض يف الف�صل التايل ب�صورة خمت�رصة �أحوال الوقفيات اجلامعية عرب العامل مع التوقف عند عدد من درا�سات احلاالت ،وهو يت�ضمن عر�ض ًا لتجربة الوقفيات اجلامعية يف بلد قريب يف تكوينه الثقايف واالقت�صادي من البلدان العربية (تركيا) ،لعلّنا ن�ستخرج من هذه احلاالت بع�ض الدرو�س.
الف�صل الرابع مناذج عاملية يف الوقفيات اجلامعية 213
الف�صل الرابع مناذج عاملية يف الوقفيات اجلامعية
�أو ًال :جتارب دولية
تعتمد العديد من م�ؤ�س�سات التعليم العايل يف الواليات املتحدة الأمريكية و�أوروبا و�أ�سرتاليا وغريها من الدول املتقدمة على ع ّدة م�صادر للتمويل ،من بينها عوائد وقفياتها و�أ�صولها اال�ستثمارية ،واملنح والهبات املق ّدمة من �أفراد وجمعيات وم�ؤ�س�سات �إجتماعية و�رشكات وجهات حكومية .ويجري �إنفاق هذه املوارد الإ�ضافية عادة على دعم برامج بحثية ومتويل كرا�سي الأ�ستاذية وت�أمني تقاعد �أع�ضاء هيئة التدري�س ،وتقدمي املنح الدرا�سية للطالب وت�أهيل مرافق اجلامعة من مكتبات وخمتربات و�أجهزة وتو�سيع من�ش�آتها كامل�ساحات اخل�رضاء والأبنية و�صيانتها .ويتفاوت التمويل الوقفي من حيث حجمه من بلد �إىل �آخر ومن جامعة �إىل �أخرى .وحتت ّل الواليات املتحدة الأمريكية
التـعليم
يعر�ض هذا الف�صل جتارب دولية يف متويل التعليم العايل عن طريق الأوقاف ( )Endowmentsو�أهمية هذا النظام يف ت�أمني ا�ستقاللية امل�ؤ�س�سة اجلامعية ودوره يف متويل التعليم العايل جلهة دعم الأن�شطة البحثية والهيئة التعليمية والطالب وغريها. يبد�أ العر�ض بتناول التجارب العاملية التالية: الأمريكية ،الأوروبية ،الكندية ،الأ�سرتالية ،ث ّم ينتقل �إىل عر�ض حاالت جامعة هارفارد يف الواليات املتحدة الأمريكية وجامعة �سيدين يف �أ�سرتاليا والوقفيات اجلامعية يف تركيا.
مركز ال�صدارة يف متويل التعليم العايل عن طريق الأوقاف .فقد بلغ حجم وقفيات جامعة هارفارد مث ًال 36.9مليار دوالر يف ال�سنة املالية ،2008فيما بلغت قيمة وقفيات جامعة كامربدج يف بريطانيا نحو 8.2مليار دوالر ،وجامعة �أك�سفورد نحو 5.7مليار دوالر واملعهد ال�سوي�رسي للتكنولوجيا ملياراً واحداً .1ويتفاوت التمويل الوقفي من حيث م�صدره� .إذ تعتمد اجلامعات الأمريكية على الهبات املقدمة من هيئات اجتماعية و�أفراد كم�صدر �أ�سا�سي لتغذية الوقفيات ،بينما تعتمد اجلامعات الكندية والربيطانية والأ�سرتالية احلكومية على امل�ساعدات احلكومية بالدرجة الأوىل ،ب�صورة تعك�س ال�رشاكة بني القطاعني العام واخلا�ص.
حتت ّل الواليات املتحدة الأمريكية مركز ال�صدارة يف متويل التعليم العايل عن طريق الأوقاف .فقد بلغ حجم وقفيات جامعة هارفارد مث ًال 36.9مليار دوالر يف ال�سنة املالية ،2008فيما بلغت قيمة وقفيات جامعة كامربدج يف بريطانيا نحو 8.2مليار دوالر ،وجامعة �أك�سفورد نحو 5.7 مليار دوالر واملعهد ال�سوي�رسي للتكنولوجيا ملياراً واحداً .
جتربة الواليات املتحدة الأمريكية
ينت�رش نظام الوقفيات بقوة يف الواليات املتحدة الأمريكية .وحتتل جامعة هارفارد املرتبة الأوىل جلهة حجم وقفياتها و�أ�صولها، تليها جامعة يال Yaleالتي بلغت وقفياتها 22.9مليار دوالر عام 2008ثم جامعة �ستانفورد ( 17.2مليار دوالر) ،تليها جامعتا برن�ستون وتك�سا�س اللتان جتاوزت قيمة �أ�صول ك ّل منهما 16مليار دوالر ثم معهد ما�سات�شو�ست�س التقني (Massachusetts Ins )stitute of Technology- MITكما يبينّ الر�سم البياين .2 1 .4
1مت احل�صول على قيم وقفيات اجلامعات الربيطانية وال�سوي�رسية منhttp://press.ksu.edu.sa/?p=12079 : http://en.wikipedia.org/wiki/List_of_colleges_and_universities_in_the_United_States_by_endowment 2
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 214للتنمية الثقافية
ر�سم بياين 1-4 ترتيب بع�ض اجلامعات يف الواليات املتحدة الأمريكية بح�سب حجم وقفياتها (مليارات الدوالرات) 36.9
40 35 30
22.9 16.1 6.7
7.1
7.2
7.6
كولومبيا
�شمال غرب
جامعة ميت�شيغني
16.3
25 20 15
17.2
10.1
10 5
تك�سا�س A&M
MIT
تك�سا�س
برين�ستون �ستانفورد
و ُيقدر عدد اجلامعات الأمريكية التي تزيد وقفياتها على 5مليارات دوالر ب�سبع جامعات ،بينما ي�صل عدد اجلامعات التي تزيد �أوقافها على ملياري دوالر �إىل �ست وع�رشين جامعة ،كجامعة جون هوبكين�س مثال (حوايل 2.5مليار دوالر يف العام .1 )2008وي�صل عدد اجلامعات التي تزيد وقفياتها على مليار دوالر �إىل �أكرث من خم�سني جامعة � .2أي �أن معظم جامعات الواليات املتحدة الأمريكية تنح�رص وقفياتها يف خانة املليار دوالر وهو مبلغ �ضئيل مقارنة مع جامعة هارفارد �أو جامعة يال ،وكبري مقارنة باجلامعات الأخرى يف العامل. وترتبط الفروق يف حجم التمويل بعدد كرا�سي البحث فكلما زاد عدد هذه الكرا�سي كلما زادت معها فر�ص التمويل من قبل اجلهات املانحة ب�شكل خا�ص ،مثلما �أن زيادة التمويل تزيد عدد الكرا�سي .كما تلعب حقول االخت�صا�ص دوراً هام ًا يف ا�ستقطاب التمويل.
يال
هارفرد
0
ففي جامعة كاليفورنيا ترتفع ن�سبة عائدات الأوقاف التي تنفق على الدرا�سات املت�صلة بالقطاع ال�صحي ،حيث بلغت ن�سبة الإنفاق على البحوث الطبية %25من جمموع امل�صاريف اجلارية للجامعة خالل العام ،2008وهي الن�سبة الأعلى مقارنة مع باقي امل�صاريف اجلارية للجامعة ،يف حني �أن %30من الإنفاق على البحوث الطبية �أتى من تربعات وهبات .3 ويف بع�ض اجلامعات يرتفع حجم الوقف يف كلية الآداب والعلوم ()Arts and Sciences كما هي احلال يف جامعة هارفارد حيث بلغت ن�سبة حجم وقفيات هذه الكلية فيها %42.6 يف ال�سنة املالية 2008مقابل %11.7لكلية الطب بينما كانت �أدناها يف الربامج الإدارية.4 وبالإ�ضافة �إىل البحوث والربامج ،تنفق ن�سبة مئوية ترتاوح بني 3و %5من عائدات الأوقاف يف املنح املقدمة لطالب اجلامعة، وبخا�صة يف �إطار ت�أمني تكاف�ؤ الفر�ص بني اجلن�سني .ومن العوامل امل�ساهمة يف ا�ستقطاب
1 http://www.nacubo.org/documents/research/NES2008PublicTable-AllInstitutionsByFY08MarketV Value.pdf http://www.alriyadh.com/2008/02/21/article319759.html 2 http://www.universityofcalifornia.edu/finreports/index.php?file=/07-08/pdf/factsinbrief2008.pdf 3 4التقرير املايل ال�سنوي 2008جلامعة هارفارد �ص .39 .وقد مت جتميع املكتبة واملتاحف والتعليم امل�ستمر والأن�شطة الريا�ضية يف خانة كلية الفنون والعلوم وذلك يف تقرير ال�سنة املالية .2008
الف�صل الرابع مناذج عاملية يف الوقفيات اجلامعية 215
�أموال الوقف عمر اجلامعة الذي يعترب م�ؤ�رشاً خلربتها وحجم اخلدمات التي قدمتها للمجتمع من خريجني و�أبحاث علمية .1
التجربة الربيطانية
التـعليم
كما هي احلال يف اجلامعات الأمريكية، تتفاوت وقفيات اجلامعات الربيطانية ب�صورة كبرية من جامعة �إىل �أخرى كما يو�ضح ذلك الر�سم البياين .2-4 وتنق�سم وقفيات اجلامعات الربيطانية �إىل نوعني :وقفيات الكليات التي تعترب م�ؤ�س�سات خريية ( )Charitable institutionsتتمتع با�ستقاللية يف جمع و�إنفاق الأموال ،ووقفيات اجلامعة .2ويكون الق�سم الأكرب من الوقفيات عادة خم�ص�ص ًا للجامعة .ففي جامعة كامربيدج مث ً ال ،تبلغ وقفيات الكليات %30مقابل %70 لوقفيات اجلامعة� .أما م�صدر التمويل الأ�سا�سي جلامعة كامربيدج فهي احلكومة كونها عال حكومية ،تليها تربعات م�ؤ�س�سة تعليم ٍ من جمعيات خريية وم�ؤ�س�سات وطنية للبحث العلمي وخا�صة يف القطاع ال�صحي املتعلق
بالأمرا�ض املزمنة� .3أما جامعة �أك�سفورد فقد بلغت �إيراداتها الوقفية يف العام 2008 حواىل 1.2مليون دوالر منها %35.3لكلياتها مقابل %64.6للجامعة .و�أتت م�صادر متويل اجلامعة والكليات مع ًا خالل ال�سنة املالية 2008على ال�شكل التايل %38 :من م�ؤ�س�سات معظمها خريية تدعم البحوث العلمية%25 ، من املجل�س الأعلى لتمويل التعليم العايل يف �إنكلرتا %15 ،من ر�سوم الطالب و %22من �أن�شطة جتارية وا�ستثمارية .4وهذا ما يبينّ ال�رشاكة بني املجتمع واحلكومة يف امل�ساهمة يف متويل اجلامعة يف النموذج الربيطاين.
التجربة الكندية
تت�صدر اجلامعات الكندية امل�صنفة «جمموعة الثالث ع�رشة» ،املرتبة الأوىل جلهة حجم وقفياتها كجامعة الربتا وتورونتو وجامعة كولومبيا الربيطانية (British Col .)lombiaعلم ًا ب�أن هذه اجلامعات تعتمد بالدرجة الأوىل على امل�ساعدات واملنح احلكومية يف متويل براجمها وتوفري امل�صاريف
ر�سم بياين 2-4 ترتيب �أول خم�س م�ؤ�س�سات تعليم عالٍ يف بريطانيا بح�سب حجم وقفياتها (مليارات الدوالرات)
5
8.2
5.7
0.11
0.19
0.3
كلية كينكز
جامعة غال�سكو
جامعة �أدنربغ
9 8 7 6 5 4 3 2 1
جامعة �أوك�سفورد
جامعة كامربيدج
http://www.alriyadh.com/2008/02/21/article319759.html 1 http://en.wikipedia.org/wiki/University_of_Cambridge#Finances 2 http://www.medschl.cam.ac.uk/gppcru/userfiles/Publications/GPPCRU_AnnualReport200708.pdf 5 http://www.ox.ac.uk 4 5مت حتويل قيمة األوقاف من اجلنيه اإلسترليني إلى الدوالر األميركي بحسب متوسط سعر صرف اجلنيه مقابل الدوالر األميركي لسنة نشر التقرير املالي للجامعة.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 216للتنمية الثقافية
اجلارية كرواتب هيئة التدري�س مث ًال .فقد بلغ حجم وقفيات جامعة كولومبيا الربيطانية يف ال�سنة املالية 2007حواىل مليار دوالر 1فيما بلغت �إيراداتها لتلك ال�سنة نحو 1.59مليون دوالر �أتى معظمها من منح حكومية (،)%48 و %7.7من هبات قدمتها جهات غري حكومية و�أدناها من عوائد اال�ستثمار ( .)%5ويف جامعة تورونتو تقدر قيمة الأوقاف بـ 1.9مليار دوالر يف ال�سنة املالية .2 2009و�أتت الن�سبة الأعلى يف تلك ال�سنة من م�ساعدات ومنح حكومية خم�ص�صة للطالب وذلك بن�سبة ،%34مقابل %34من ر�سوم الطالب ،و %23من منح مقدمة من جهات غري حكومية والن�سبة الباقية ( )%9من املبيعات .3ونالحظ النمط نف�سه يف جامعات كندية �أخرى حيث يربز االعتماد على اجلهات احلكومية يف متويل التعليم العايل. وبح�سب التقرير املايل جلامعة الربتا لل�سنة املالية 2009فقد بلغ حجم وقفياتها نحو 1.3مليار دوالر ،4حيث جاء متويل اجلامعة من جهات حكومية بن�سبة %64مقابل %13 من احلكومة الفيدرالية و %51من احلكومة املحلية� .أما ن�سبة املنح والهبات من م�ؤ�س�سات غري حكومية فقد بلغت ن�سبتها .%8
التجربة الأ�سرتالية
قدرت وقفيات جامعة �أ�سرتاليا الوطنية ( )Australian National Universityبح�سب التقرير املايل لعام 2007بـ 850مليون دوالر ،يف حني بلغت �إيراداتها من الأوقاف (ا�ستثمارات ،تربعات ،منح حكومية) 32.2 مليون دوالر يف تلك ال�سنة .5و�أتت معظم الإيرادات من اال�ستثمارات والهبات املقدمة 1 2 3 4 5 6 7 8
من جمعيات غري حكومية ( )%87.3توزعت كالتايل %73.7 :من اال�ستثمارات ،و %13.6 من التربعات من قبل اجلمعيات ،وهذه ن�سبة مرتفعة �أي�ض ًا وم�ؤ�رش ملدى دعم املجتمع مل�ؤ�س�سات التعليم العايل احلكومية .وكما �سرنى الحق ًا ف�إن جامعة �سيدين احلكومية تختلف عن جامعة ا�سرتاليا الوطنية ب�أن معظم وقفياتها تتغذى من الدعم احلكومي. �أما يف جامعة ملبورن اخلا�صة فقد بلغ حجم الوقفيات يف ال�سنة املالية � 2007أكرث من مليار دوالر 6وهي قيمة قريبة من وقفيات زميالتها الكندية .ومبا �أنها جامعة خا�صة فهي تعتمد على ر�سوم الطالب بن�سبة و�صلت يف ال�سنة املالية � 2008إىل حواىل %80مقابل %4 ح�صلت عليها من تربعات ق ّدمتها جمعيات وهيئات غري حكومية .7
ثاني ًا :درا�سة حالة جامعة هارفارد (الواليات املتحدة الأمريكية) �صورة عامة عن اجلامعة الإن�شاء
تعود ت�سمية جامعة هارفارد �إىل �أول مت ّربع لها ،الق�س جون هارفارد املهاجر الربيطاين التي ترك ن�صف تركته ومكتبته اخلا�صة للجامعة عند وفاته .وهي م�ؤ�س�سة مت ت�أ�سي�سها خا�صة غري ربحية (ّ )non-profit يف العام 1636عن طريق الت�صويت من قبل املجل�س النيابي العام ملحكمة م�ستعمرة خليج ما�سات�شو�ست�س يف الواليات املتحدة الأمريكية ومبنحة مالية منها .8
http://www.treasury.ubc.ca/assets/pdf/endowment07s.pdf http://www.finance.utoronto.ca/Assets/reports/financial/2009.pdf http://www.finance.utoronto.ca/Assets/reports/financial/2009.pdf http://www.financial.ualberta.ca/pdf/StatementofOperations0809.pdf http://www.anu.edu.au/mac/images/uploads/Annual_Report_2007_for_web.pdf http://www.fpmagazine.com.au/files/uni-melb-endowment-report.pdf مت احت�ساب الن�سب املئوية من قبل الكاتب بح�سب �أرقام التقرير املايل لعام .2008 http://www.hno.harvard.edu/guide/intro/index.html
الف�صل الرابع مناذج عاملية يف الوقفيات اجلامعية 217
الطالب واخلريجون والهيئة التعليمية
الإدارة
الكليات والربامج
بلغ جمموع الطالب امل�سجلني
التـعليم
ت�ض ّم جامعة هارفارد ع ّدة كليات و«مدار�س» ( ،)Schoolsمعظمها يف احلقول الإن�سانية ،وواحدة للدرا�سات املتقدمة (رادكليف) .وتوفّر 141مركزاً للأبحاث تتوزع على الكليات بن�سب متفاوتة� ،أكرب عدد لها جنده يف كلية الآداب والعلوم ،تليها كلية الطب ،كما ي�شري الر�سم البياين .3-4 ومن مرافق جامعة هارفارد احليوية جمموعة من املكتبات� .إذ ت�ض ّم اجلامعة حواىل 80مكتبة فرعية حتتوي على 15.9مليون جمل ٍد، وحواىل 7.5ماليني �صورة فوتوغرافية وب�ضعة ماليني من اخلرائط والت�سجيالت ال�صوتية والأفالم .وتعترب املكتبة الرئي�سية للجامعة من �أعرق املكتبات الأكادميية يف الواليات املتحدة و�أغناها يف العامل جلهة احتوائها على �أكرب جمموعة من الكتب واملجالت املتخ�ص�صة والت�سجيالت واخلرائط وغريها .1هذا بالإ�ضافة �إىل جمموعة من املتاحف واملرافق الأخرى التي ت�سهم يف م�ساندة �أن�شطة التعليم والبحث العلمي والتطوير.
طالب ًا يف ف�صل اخلريف لعام .2008ويرتكز معظم الطالب يف الدرا�سات العليا (10,401 طالب) مقابل 7,156طالب ًا يف ال�شهادة اجلامعية الأوىل و 2,763طالب ًا يف الدرجات املهنية ( .)Professional degreesويبلغ عدد خريجي اجلامعة الأحياء 300,000متخرج، يقيم 250,000منهم يف الواليات املتحدة الأمريكية ويتو ّزع الباقون على 190بلداً يف �أنحاء العامل كافة .ويعترب اخلريجون م�صدراً مهم ًا من م�صادر متويل اجلامعة ودعمها. �أما بالن�سبة لأع�ضاء هيئة التدري�س فقد بلغ عددهم � 1909أ�ساتذة بالإ�ضافة �إىل �أ�ساتذة كلية الطب حيث بلغ عدد املتعاقدين والأ�ساتذة الزائرين فيها ما يقارب � 10,000أ�ستاذ خالل ال�سنة الدرا�سية .2008-2007و�إذا اعتربنا �أن ه�ؤالء ي�شكّلون � 2500أ�ستاذ متفرغ (�أي �أن وقت املتفرغ ي�ساوي �أربعة �أ�ضعاف وقت املتعاقد) و�أ�ضفنا هذا العدد �إىل عدد املتفرغني نح�صل على ما جمموعه � 4409أ�ساتذة متفرغني، فيكون معدل الطالب للأ�ستاذ الواحد 4.6على �أكرث تقدير.
يف جامعة هارفارد بلغ جمموع الطالب امل�سجلني طالب ًا يف ف�صل اخلريف لعام ،2008 بينما يوجد � 4409أ�ساتذة متفرغني، فيكون مع ّدل الطالب للأ�ستاذ الواحد 4.6على �أكرث تقدير. 20,320
ال�سلطة العليا يف جامعة هارفارد تتمثل
20,320
ر�سم بياين 3-4 توزع مراكز الأبحاث بح�سب الكليات يف جامعة هارفارد 40 32
17
13
6
ال�صحة العامة
القانون
الطب
9
7
10
احلكومة
الهند�سة والعلوم التطبيقية
الرتبية
3
4
الالهوت
الت�صميم
�إدارة الأعمال
الأداب والعلوم
45 40 35 30 25 20 15 10 5 0
1التقرير ال�سنوي � ،2007-2008صhttp://en.wikipedia.org/wiki/Harvard_University_Library :32 .
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 218للتنمية الثقافية
يف جمل�سني ،جمل�س الإدارة (�أو �رشكة هارفارد) وجمل�س امل�رشفني .يت�ألف جمل�س امل�رشفني ( )Board of Overseersمن 30ع�ضوا ،مبن فيهم رئي�س اجلامعة و�أمني ال�صندوق ،ينتخبون من قبل خريجي اجلامعة ومعهد رادكليف للدرا�سات املتقدمة .ويتمتع جمل�س امل�رشفني ب�صفة االئتمان ( )Fiduciaryحيث يقوم من خالل جلانه الدائمة مبهام االطالع والإ�رشاف على ال�سيا�سات والأن�شطة التعليمية للجامعة واملوافقة على الإجراءات الهامة للجامعة بعد در�سها .ويتحمل هذان املجل�سان م�س�ؤولية اتخاذ القرارات املتعلقة بالتدري�س واملناهج والتعيينات الإدارية .ويدير اجلامعة جمل�س مديرين ( )Board of Directorsيدعى «جمل�س ت�سيري �رشكة هارفارد» (Harvard Managem .)ment Companyوهو جمل�س منتخب من قبل �رشكة هارفارد .وبالإ�ضافة �إىل ع�ضوية الرئي�س و�أمني ال�صندوق يف ال�رشكة ويف جمل�س امل�رشفني معا ،ف�إنهما ي�شاركان يف جمل�س ت�سيري �رشكة هارفارد ك�أع�ضاء بحكم ر�سم بياين 4-4 هيكلية الإ�رشاف يف جامعة هارفارد
�رشكة هارفارد وجمل�س امل�رشفني
من�صبهم ( .)ex-officioوقد درج التقليد على �أن ير�أ�س �أمني ال�صندوق اجتماعات جمل�س �إدارة �رشكة ت�سيري هارفارد .ويلخ�ص الر�سم البياين 4-4هيكلية الإ�رشاف ،حيث نالحظ �أن مكانة الرئي�س تقع حتت جمل�سي الإدارة وفوق جمل�س �رشكة ت�سيري هارفارد ،وهذا يعني �أن الرئي�س ال يدير ال�ش�ؤون الإجرائية اليومية يف اجلامعة بل ي�رشف عليها ،وكذا حال املدبر(.)Provost وتعترب �رشكة ت�سيري هارفارد وحدة م�ستقلة قائمة بح ّد ذاتها ،وهي التي تدير وقفية اجلامعة .ويقوم جمل�س ت�سيري �رشكة هارفارد مبهامه من خالل خم�س جلان دائمة 1
Standing committees
التمويل ن�شوء الوقف
قامت جامعة هارفارد منذ ت�أ�سي�سها على املنح والهبات فهي ت�أ�س�ست �أ�ص ًال مبنحة مالية من حمكمة م�ستعمرة خليج ما�سات�شو�ست�س.
2
رئي�س اجلامعة واملدير
الت�رشيفات
�أمني ال�صندوق
�رشكة ت�سيري هارفارد
مكتبة اجلامعة
�أنظمة املعلوماتية
اخلدمات ال�صحية
نائب الرئي�س امل�شارك
الأمني العام
http://vpf-web.harvard.edu/budget/factbook/95-96/page2.html 1 2جلنة التعوي�ضات ( ،)Compensation committeeجلنة تر�شيح وحكم ال�رشكة (nominating/corporate governance ،)committeeجلنة املال ( ،)Finance committeeجلنة ا�ست�شارة اال�ستثمار ( ،)Investment advisory committeeوجلنة التثمني والتقييم (.)Valuation and benchmark committee
الف�صل الرابع مناذج عاملية يف الوقفيات اجلامعية 219
م�صادر التمويل و�إدارتها
تدير وقفيات جامعة هارفارد و�أ�صولها ( )Assetsح�رصي ًا �رشكة متلكها اجلامعة (Harv مت �إن�شا�ؤها ّ )vard Management Company العام 1974وتوىل من�صب رئي�سها التنفيذي حممد العريان خالل فرتة .2008-2005ويف عام 2009تولت جاين منديلو (Jane Mendill )loرئا�سة ال�رشكة .ويعمل يف ال�رشكة حواىل 180موظف ًا وتتوزع حمفظتها اال�ستثمارية على 12قطاع ًا يف الأ�سواق الأمريكية و�أ�سواق �أخرى ناه�ضة ( )Emerging marketsالبع�ض منها يتم ّتع بعوائد ثابتة كال�سندات والأوراق املالية و�أخرى متغرية كال�سلع والعقارات واملن�ش�آت الزراعية .1والأ�صول التي تديرها 2 ال�رشكة هي حواىل � 11,600صندوق خمتلف معظمها مق ّيد لأغرا�ض حمددة يقوم بتغذية العديد من مرافق اجلامعة الأكادميية والبحثية ولكرا�سي الأ�ستاذية يف جماالت حمددة .3 وبح�سب تقرير جامعة هارفارد لل�سنة املالية ،2008فقد بلغ حجم وقفيات اجلامعة 36,9مليار دوالر �أمريكي يف 30حزيران من ال�سنة املالية ،2008منها %16غري مق ّيدة تت�رصف بها اجلامعة بح�سب �سيا�ستها املالية، و %71مق ّيدة ب�شكل م�ؤقت ت�ستخدم كاحتياط و %13مق ّيدة ت�شرتط اجلهة املانحة يف ا�ستخدامها لأغرا�ض حم ّددة وعادة ما تكون ومنح ًا للطالب � .4أما جمموع �إيرادات م�ساعدات ِ اجلامعة حتى 30حزيران من ال�سنة املالية 2008فقد بلغ 3.5مليار دوالر� ،أتى معظمها
التـعليم
ولعل �أول هبة عينية قدمت للجامعة كانت عقاراً مق ّدم ًا من الق�س جون هارفارد حيث �شيدت مكتبة اجلامعة الرئي�سية على ق�سم من هذا العقار بالإ�ضافة �إىل مكتبته اخلا�صة الذي تربع بها للجامعة ،ورمبا كان هذا �أول وقف من النوع املايل ()Financial endowment الذي يت�ضمن وهب ممتلكات لفرتة طويلة وتر�سخ تقليد الهبات والهدايا واملنح يف الأمدّ . جامعة هارفارد منذ ت�أ�سي�سها ،وهو تقليد درج يف الواليات املتحدة الأمريكية وارتبط بالعمل اخلريي والتطوعي للمب�رشين امل�سيحيني الذين �أ�سهموا يف دفع هذا التقليد باجتاه م�ساعدة ال�رشائح الفقرية يف املجتمع .ولكن هذا التقليد ا ّتخذ طابع ًا خمتلف ًا يف جامعة هارفارد� .إذ ي�شري مقال يحمل عنوان «زيادة �أموال الوقف لهارفارد» (The increased endowment of )Harvard collegeن�رشته جملة العلوم (Scie )enceيف عددها 543ال�صادر عام ،1905 ح�صول جامعة هارفارد على 1,800,000دوالر لزيادة وقفياتها وا�ستخدامها يف زيادة رواتب �أع�ضاء الهيئة التعليمية يف اجلامعة� ،أي نوع من الوقف املق ّيد ()Restricted endowment الذي ي�ستخدم لغر�ض م ّعني .ويوجز املقال عري�ضة موقعة من الرئي�س الأمريكي الأ�سبق روزفلت وهو �أحد خريجي جامعة هارفارد واملطران وليم لورن�س تدعو �إىل ا�ستثمارات �إ�ضافية لأموال الوقف داعية خريجي هارفارد وا�صدقاءها لعدم ال�سماح بح�صول املدر�سني يدر�سون �أوالدهم على رواتب متوا�ضعة. الذين ّ وت�ضيف العري�ضة ب�رضورة متايز �أع�ضاء الهيئة التعليمية يف جامعة هارفارد عن زمالئهم يف م�ؤ�س�سات التعليم العايل كافة يف الواليات املتحدة� .إذ على ه�ؤالء �أداء واجبهم ودورهم بعيدا عن ال�ضغوط املعي�شية التي تعيق حتقيق ر�سالتهم الأكادميية من خالل تعزيز اجلامعة
لرواتبهم وتوفري فر�ص ترقيتهم .وعلى �صعيد م�ساعدة الطالب ،فقد �أُن�شئ �أول �صندوق للمنح الدرا�سية يف العام 1643مع هدية من ال�سيدة �آن رادكليف لدعم الطالب املتفوقني وحتفيزهم على موا�صلة متايزهم الأكادميي.
يت�ض ّمن مقال يحمل عنوان «زيادة �أموال الوقف لهارفارد» ن�رشته جملة العلوم عام ،1905 عري�ضة موقعة من الرئي�س الأمريكي الأ�سبق روزفلت وهو �أحد خريجي جامعة هارفارد تدعو خريجي هارفارد وا�صدقاءها لعدم ال�سماح بح�صول املدر�سني يدر�سون �أوالدهم على رواتب الذين ّ متوا�ضعة .وت�ضيف العري�ضة ب�رضورة متايز �أع�ضاء الهيئة التعليمية يف جامعة هارفارد عن زمالئهم يف م�ؤ�س�سات التعليم العايل كافة يف الواليات املتحدة. �إذ على ه�ؤالء �أداء واجبهم ودورهم بعيدا عن ال�ضغوط املعي�شية التي تعيق حتقيق ر�سالتهم الأكادميية من خالل تعزيز اجلامعة لرواتبهم وتوفري فر�ص ترقيتهم.
1ال�سعدون ،عبد الوهاب .)2009( .هل يتم توظيف «الوقف» لالرتقاء ب�أداء اجلامعات الوطنية؟ الإلكرتونية االقت�صادية ،عدد 5656 (.) http://www.aleqt.com/2009/04/06/article_212437.html 2
تتخ�ص�ص ال�صناديق الوقفية بخدمة غر�ض معني� .أما املحفظة فهي �أموال ت�ستخدمها ال�رشكة لال�ستثمار.
Harvard University Fact Book, 2007-2008 3 Financial endowment - Wikipedia, the free encyclopedia.mht 4
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 220للتنمية الثقافية
( )%34من وقفيات اجلامعة والباقي هو عبارة عن منح مق ّدمة من م�ؤ�س�سات غري حكومية� ،أما الر�سوم (�أق�ساط الطالب) فت�شكّل %20فقط كما يتبينّ ذلك من الر�سم البياين .5-4 وت�شكّل الوقفيات غري املق ّيدة واملق ّيدة م�ؤقت ًا ما ن�سبته %87مقابل %13لتلك املق ّيدة والتي ت�ستخدم لأغرا�ض حم ّددة يوافق عليها جمل�س الإدارة ،الأمر الذي ي�شري �إىل م�ساحة وا�سعة من احلرية للت�رصف مبال ر�سم بياين : 5-4 توزيع �إيرادات جامعة هارفارد للعام املايل حتى 30حزيران عام 2008
4٪ م�ؤ�س�سات غير حكومية وعقود ا�ستثمارية �أق�ساط الطالب
20٪
1
15٪
هدايا �أوقاف
7٪
20٪
تقديمات �أخرى منح حكومية وعقود ا�ستثمارية
ر�سم بياين 6-4 اوجه االنفاق يف جامعة هارفارد
34٪
2
دعم م�ؤ�س�سي خدمات طالبية
18٪
منح للطالب
4٪
�أبحاث
3٪
تعليم مكتبات دعم �أكاديمي خدمات �إ�ضافية
12٪ 13٪ 6٪
16٪ 28٪
الوقف .ويف العادة يت ّم تخ�صي�ص %5من عوائد اال�ستثمار التي حتققها �رشكة هارفارد �سنويا من وقفياتها للم�ساهمة يف ميزانية اجلامعة الت�شغيلية ( )Operatingللجامعة والفائ�ض يعاد ا�ستثماره من قبل ال�رشكة لتعزيز الأ�صول اال�ستثمارية لل�رشكة و�ضمان تعوي�ض �أي خ�سائر قد تنتج عن الت�ضخم �أو الرتاجع االقت�صادي (.)Recession
الإنفاق
بلغ جمموع الإنفاق 3.5مليار دوالر لل�سنة املالية حتى 30حزيران ، 2008وكانت �أعلى ن�سبة منها موجهة نحو قطاع التعليم موجهة نحو ( )%28فيما كانت �أدنى ن�سبة ّ منح الطالب ( )%3علم ًا ب�أن ن�سبة منح الطالب قد زادت من العام � 2001إىل 2008بن�سبة ،%94من 156مليون دوالر عام � 2001إىل 302مليون دوالر عام .2008كما يالحظ �أن املخ�ص�صات املوجهة للبحوث تبلغ %16من جمموع النفقات (الر�سم البياين .)6-4 وي�شمل قطاع التعليم رواتب الهيئة التعليمية ونفقات امل�شاركة يف امل�ؤمترات املحلية والدولية ،و�أن�شطة مرتبطة بتطوير الهيئة التعليمية� .أما الإنفاق على البحوث العلمية املدعومة ()Sponsored research فقد بلغ 630.113مليون دوالر .3هذا املبلغ مت احل�صول على %81منه من م�صادر فيدرالية (مث ًال وزارة الدفاع ،م�ؤ�س�سات طبية وطنية ،وزارة اخلارجية ،وزارة الطاقة ،وزارة التجارة ،وكالة التنمية الدولية)� .أما امل�صادر غري الفيدرالية (�رشكات ،م�ؤ�س�سات الأبحاث، م�ست�شفيات ،م�ؤ�س�سات خمتلفة) ف�ساهمت بن�سبة .%19وفيها احتلت «امل�ؤ�س�سات الداعمة» ( )Foundationsاملرتبة الأوىل ،وذلك بن�سبة %61.3بينما جاءت يف املرتبة الأخرية «م�ؤ�س�سات الأبحاث» ( .)%3.2وهذا يعني �أن
http://www.provost.harvard.edu/institutional_research/FB2008_09_IncExp.pdf 1
2امل�صدر نف�سه. 3هذا املبلغ ال ينفق كله على الأبحاث بل يحول ق�سم �صغري منه لال�ستخدام يف م�شاريع �أخرى كتطوير املتاحف كمتحف ارنولد اربوريتوم، مثال ،لذلك هو ي�شكل %18من املوازنة ولي�س %16كما ورد يف الر�سم البياين.
الف�صل الرابع مناذج عاملية يف الوقفيات اجلامعية 221
ثالث ًا :درا�سة حالة جامعة �سيدين (�أ�سرتاليا) �صورة عامة عن اجلامعة الإن�شــاء
التـعليم
امل�صادر احلكومية غري غائبة يف النموذج الأمريكي عن تغذية �إيرادات اجلامعة ،على الأقل عن طريق العقود البحثية. خال�صة الأمر حول جامعة هارفارد �أنها تعترب من �أغنى م�ؤ�س�سات التعليم العايل يف العامل من حيث قيمة �أوقافها و�أ�صولها وا�ستثماراتها املتعددة ،ف�إذا احت�سبنا امليزانية ال�سنوية ( 3.5مليار) على عدد الطالب ()20,320 يكون الإنفاق على الطالب الواحد 5.8مليون دوالر ،وهو رقم «فلكي» بالنظر �إىل ما نعرفه من �أرقام يف املنطقة العربية .ومن امللفت �أن هذه اجلامعة ت�ستخدم ما يقرب من %5فقط من عوائد وقفياتها وثلث ميزانيتها يف الإنفاق على الت�شغيل ( ،)Operational expensesفيما يذهب الثلثان الآخران للنفقات اال�ستثمارية. وهذا ما يعادل ن�سبي ًا رقم الإنفاق على الطالب الذي ا�ستخرجناه �أعاله .وقد �أ�سهمت �سيا�سة ا�ستثمار �أ�صول اجلامعة وا�ستدراج الهبات واملنح من اجلهات املانحة املتعددة يف ت�أمني عوائد ت�ستخدم يف ا�ستقطاب �أف�ضل الأ�ساتذة وتقدمي املنح للطالب املتفوقني وتغذية مكتبات اجلامعة ومرافقها بو�سائل وم�صادر خمتلفة ت�سهم يف تطوير التعليم والبحث العلمي واملحافظة على �صفة التميز الأكادميي التي اكت�سبتها اجلامعة منذ �إن�شائها .وتعد جتربة جامعة هارفارد منوذجا رائدا يف ت�أمني التمويل الذاتي ،ويف متيزها كجامعة «موجهة للبحوث» ( ،)research orientedحيث يكون حجم طلبة الدرا�سات العليا �أكرب من حجم طالب الدرا�سات اجلامعية ،وحيث يتقا�ضون املنح بدل �أن يدفعوا ر�سوم ًا ،وحيث ن�سبة عالية من الهيئة التعليمية مك ّونة من باحثني متفرغني �أو �شبه متفرغني �أو من �أكادمييني زائرين بدعوة من اجلامعة. على �أنه جتدر الإ�شارة �إىل املخاطر واخل�سائر التي تكبدتها �رشكة هارفارد خالل الأزمة املالية العاملية الأخرية .فمثال،
يف �أواخر العام املا�ضي �أعلنت هارفارد �أن �أوقافها خ�رست %22من قيمتها �أو قرابة ثمانية مليارات دوالر يف الأربعة �شهور الأوىل من ال�سنة املالية التي بد�أت يف متوز .2008وكانت لهذه اخل�سارة تداعيات مهمة على �صعيد الإنفاق على اجلامعة .فعلى �سبيل املثال� ،أعلنت رئي�سة اجلامعة Drew � Gilpin Faustأنها تتوقع �أن يخ�رس وقف هارفارد %30من قيمته خالل العام املايل 2009/2008وحتقيق �أ�سو�أ �إيرادات خالل 40 قررت اجلامعة عام ًا .وللح ّد من ن�سب الإنفاق ّ �أن تطلق برناجم ًا للتقاعد املبكر الطوعي لنحو 1600من موظفيها ،وتخف�ض حواىل %25من 1 موظفيها وترفع الر�سوم بن�سبة . %3.5 وعلى الرغم من ذلك فقد �أثبت منوذج جامعة هارفارد فعاليته يف رفع حجم الإيرادات ب�صورة هائلة ،ويف تنويع م�صادر التمويل مب�شاركة املجتمع كجهة مانحة و�إقالل ح�صة ر�سوم الطالب ،ويف �إدارة الوقفية ،ويف توجيه الإنفاق نحو متيز اجلامعة الأكادميي والبحثي.
يف �أواخر العام املا�ضي �أعلنت هارفارد �أن �أوقافها خ�رست %22من قيمتها �أو قرابة ثمانية مليارات دوالر يف الأربعة �شهور الأوىل من ال�سنة املالية التي بد�أت يف متوز .2008وكانت لهذه اخل�سارة تداعيات مهمة على �صعيد الإنفاق على اجلامعة .وللح ّد من ن�سب قررت اجلامعة �أن تطلق الإنفاق ّ برناجم ًا للتقاعد املبكر الطوعي لنحو 1600من موظفيها ،وتخف�ض حواىل %25من موظفيها وترفع الر�سوم بن�سبة %3.5
يف عام 1848ق ّدم وليام ونتوورث ،William Wentworthال�شاعر وال�سيا�سي الأ�سرتايل و�أحد دعاة احلكم الذاتي للم�ستعمرات الربيطانية يف �أ�سرتاليا ،اقرتاح ًا ب�إن�شاء جامعة حكومية يف والية جمل�س ويلز الت�رشيعي .وتركّز اقرتاحه على �أهمية قيام ّ جامعة حكومية تتالءم مع تطلعات املجتمع نحو حتقيق اال�ستقالل واحلكم الذاتي .2وتكللت خطة وينتوورث بت�أ�سي�س جامعة �سيدين ( )The University of Sydneyيف 1ت�رشين الأول عام 1850مبوجب قانون ت�أ�سي�سي
http://dealbook.blogs.nytimes.com/2009/02/09 1 http://en.wikipedia.org/wiki/William Wentworth 2
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 222للتنمية الثقافية (Act
)Incorporationبهدف ن�رش املعرفة الكليات والربامج
وتعزيزها وت�شجيع �سكان نيو �ساوث ويلز ( )New South Walesعلى التعلم من خالل منهج علمي ليربايل .بد�أت اجلامعة بالتدري�س الفعلي يف �شباط عام 1852يف مبنى �صغري �ش ّيد يف مزرعة يف مدينة �سيدين .وهي تعترب من �أقدم و�أعرق اجلامعات يف �أ�سرتاليا وحتظى اليوم بع�ضوية جمموعة �أف�ضل ثماين جامعات بحثية وتعليمية يف �أ�سرتاليا� ،إىل جانب تبوئها با�ستمرار املراتب املتقدمة بني اجلامعات يف ك ّل من �أ�سرتاليا ودول �آ�سيا واملحيط الهادئ.
الطابع القانوين
على الرغم من الطابع احلكومي جلامعة �سيدين ،فهي تتمتع مبالمح نظام ال�رشكة كما ورد يف القانون الت�أ�سي�سي .ومبوجب هذا القانون يحق للجامعة ممار�سة الأن�شطة التجارية مبا فيها اال�ستثمار والأن�شطة املتعلقة بتطوير �أي مرفق �أو مورد �أو �أ�صول متتلكها اجلامعة .وتهدف هذه ال�رشكة �إىل توفري التعليم العايل والقيام بالأن�شطة البحثية .ويف الوقت نف�سه تعترب اجلامعة ،بحكم قانون والية نيو �ساوث ويلز ،حمكومة ب�أهداف العمل اخلريي �أي بحق احل�صول على م�ساعدات من م�ؤ�س�سات خريية.
تت�ألف جامعة �سيدين من � 10أحرام جامعية وت�ضم 16كلية .وهناك �أي�ض ًا 62 مركزاً للأبحاث تتوزع على العديد من حقول االخت�صا�ص كما يت�ضح يف الر�سم البياين .7-4ويبينّ هذا الر�سم تركّز �أكرب عدد من مراكز الأبحاث يف جماالت العلوم والطب مقارنة مع عدد املراكز يف جماالت �إدارة الأعمال والرتبية واخلدمة االجتماعية. ومن مرافق جامعة �سيدين احليوية 17مكتبة ت�ض ّم �أكرث من 5.2ماليني كتاب و 68,000جملة �إلكرتونية و 35,000كتاب �إلكرتوين .وتعترب مكتبات جامعة �سيدين من �أقدم و�أغنى املكتبات الأكادميية يف �أ�سرتاليا. والإ�ضافة �إىل املكتبات هناك ثالثة متاحف حتتوي على �أثريات وخمطوطات حول تاريخ ال�سكان الأ�صليني يف ا�سرتاليا وقد بلغ عدد زائري هذه املتاحف 71,892زائراً خالل ال�سنة الدرا�سية .2008-2007
الطالب والهيئة التعليمية واخلريجون
خالل العام الدرا�سي 2008-2007بلغ عدد الطالب امل�سجلني يف جامعة �سيدين 46,054 طالب ًا ،توزعوا على ال�شكل التايل30.705 : طالب يف ال�شهادة الأوىل ( )%67و 15.349 يف الدرا�سات العليا ( .)%33وبلغ عدد خريجي
ر�سم بياين 7-4 توزع مراكز الأبحاث يف جامعة �سيدين 10 7
7
6 3
2
3
3
4
3
1 �صيدلة
طب
قانون
تربية هند�سة علوم �صحية ومعلوماتية وخدمة اجتماعية
�إدارة �أعمال
فنون
ت�صميم وتخطيط
زراعة وموارد طبيعية
مراكز اجلامعة
12 10 8 6 4 2 0
الف�صل الرابع مناذج عاملية يف الوقفيات اجلامعية 223 يج%70 ، خر ٍ جامعة �سيدين الأحياء ّ 250.000
منهم يقيمون يف �أ�سرتاليا ،فيما يتوزع الباقون على دول عديدة .ويعترب ه�ؤالء بح�سب التقرير ال�سنوي للجامعة م�صدراً مهم ًا من م�صادر دعم اجلامعة و�أن�شطتها .وباالنتقال �إىل هيئة التدري�س ،فقد بلغ عدد الأ�ساتذة العاملني خالل العام الدرا�سي نف�سه � 2796أ�ستاذاً .فيكون مع ّدل الطالب للأ�ستاذ الواحد .16.5
رئي�س ق�سم العمليات
م�ساعد نائب الم�ست�شار
م�ساعد نائب الم�ست�شار
متويل اجلامعة
قامت جامعة �سيدين على الهبات الوقفية العينية (�أرا�ض �أو ممتلكات) واملالية .فهي كانت قد �أن�شئت على قطعة ار�ض ق ّدمها �أحد تو�سعت ال�ضباط لت�شييد مدر�سة للأيتام .ثم ّ دائرة امل�ساعدات لتواكب تطور بناء اجلامعة وتو�سيع من�ش�آتها .وت�شري وثيقة تاريخ ن�شوء اجلامعة �إىل ح�صول اجلامعة على تركة �سخية من متمول كبري (يدعى )Challisيف العام ،1890و�أن الرتكة التي قدرت بـ 250.000جنيه �إ�سرتليني وفّرت للجامعة من�ش�آت عديدة من أرا�ض ،ومنها بناء كلية الطب .ووفّرت �أبنية و� ٍ تركة توما�س في�رش يف �سنة 1884حافزاً لتمويل بناء مكتبة اجلامعة .والهدايا من بيرت نيكول را�سل يف 1896و 1904ا�ستخدمت يف تعزيز جماالت جديدة للهند�سة .ومكّنت تركة McCaugheyيف العام 1919من ا�ستقطاب
التـعليم
الإدارة
يتولىّ الإ�رشاف على جامعة �سيدين جمل�س ويعرف بال�سلطة احلاكمة �شيوخ ()Senate ّ للجامعة بحكم ال�صالحيات املعطاة له مبوجب قانون جامعة �سيدين وتعديالته ال�صادرة يف العام .1989ومبوجب هذا القانون يعترب جمل�س ال�شيوخ م�س�ؤو ًال عن اجلامعة و�إدارة �ش�ؤونها وميثّل اجلامعة �أمام جمل�س نواب والية نيو �ساوث ويلز. يت�ألف جمل�س ال�شيوخ من 22ع�ضواً ثالثة منهم �أع�ضاء دائمون :امل�ست�شار ()Chancellor ونائب امل�ست�شار ورئي�س املجل�س الأكادميي ( .)Chair of the Academic Boardويتم التوازن يف جمل�س ال�شيوخ من خالل �أع�ضاء منتخبني و�آخرين مع ّينني� .أما على ال�صعيد الأكادميي فيتوىل املجل�س الأكادميي م�س�ؤولية حماية احلرية الأكادميية يف اجلامعة واملحافظة على �أف�ضل املعايري يف التعليم والبحث العلمي .ويرفع هذا املجل�س تقاريره ملجل�س ال�شيوخ ويق ّدم امل�شورة لك ّل من جمل�س ال�شيوخ ونائب امل�ست�شار فيما يتعلق بال�ش�ؤون الأكادميية ،واخلطط اال�سرتاتيجية ،وتوظيف �أع�ضاء الهيئة التعليمية ،و�إقرار الربامج
والتخ�ص�صات يف اجلامعة .ويبينّ الر�سم البياين 8-4هيكلية �إدارة اجلامعة.
ر�سم بياين 8-4 هيكلية �إدارة جامعة �سيدين
مجل�س ال�شيوخ
1
المجل�س الأكاديمي
نائب الم�ست�شار
م�ساعد نائب الم�ست�شار
المدبر وم�ساعد نائب الم�ست�شار
القن�صل العام
مدير الموارد
�سكريتير مجل�س
http://www.usyd.edu.au/about/organisation_administration/structure.shtml 1
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 224للتنمية الثقافية
�أ�ساتذة يف الفنون والطب .وخالل مطلع القرن التا�سع ع�رش �شهدت اجلامعة تو�سع ًا وتطوراً نوعي ًا وكمي ًا يف براجمها الأكادميية، وذلك بفعل الهبات وامل�ساعدات املقدمة من الأغنياء. يف العام 1920ا ّتخذ متويل اجلامعة طابع ًا دولي ًا م�ؤ�س�سي ًا وانتقلت من االعتماد على هبات الأفراد �إىل االعتماد على احلكومات .فقد �أبرمت اجلامعة العديد من معاهدات التعاون مع حكومات الكومنولث ()Commonwealth التي �أدت �إىل املزيد من امل�ساعدات من هذه احلكومات وبخا�صة تلك املقدمة لأغرا�ض �إن�شاء مرافق للأبحاث لت�شجيع البحث املرتبط ب�أولويات وطنية ،و�إن�شاء املختربات العلمية وتطوير الهند�سة الفيزيائية التي لعبت يف ما بعد دوراً مهما يف �إنتاج ال�صناعات احلربية. ويف اخلم�سين ّيات من القرن املا�ضي �أدت زيادة العوائد من امل�ساعدات املقدمة من احلكومة الفيدرالية �إىل زيادة وتو�سيع الأبنية القائمة وت�شييد العديد من الأبنية واملرافق جدول � 1-4إيرادات جامعة �سيدين من 2007 /12/ 30لغاية /12/ 31 1 2008
البند
٪
م�ساعدات حكومية خمتلفة
2.70
حكومة �ساوث ويلز
7.70
برنامج م�ساهمة احلكومة للتعليم العايل -وقفية
8.30
منح احلكومة اال�سرتالية -وقفية
44
برنامج احلكومة للم�ساعدات الطالبية -وقفية
2.60
�أق�ساط
22.50
رخ�ص جتارية
0.00
درا�سات ا�ست�شارية -وقفية
7
�أرباح مداخيل �أخرى
4.60
املجموع
99.40
احلديثة فيها .وا�ستمرت امل�ساعدات والهبات يف ال�سنوات الالحقة ،منها مث ًال تركة عبارة عن لوحات فنية من جون باور ()1962 جعلت من املمكن �إن�شاء ق�سم الفنون اجلميلة بالإ�ضافة �إىل عدد كبري من التربعات التي م ّولت كلية العلوم التي �أدت �إىل تطورات مهمة يف التدري�س والبحث يف احلو�سبة وعلم الفلك والفيزياء النووية. وتقدر قيمة �أوقاف جامعة �سيدين بـ 1.26 مليار دوالر ،وهي بذلك حتتل املرتبة الثانية بعد جامعة ملبورن الأ�سرتالية اخلا�صة التي بلغت قيمة �أوقافها 1.3مليار دوالر حتى العام .2008وبلغ جمموع �إيراداتها 1.240مليار دوالر لغاية 31من كانون الأول/دي�سمرب عام � 2008أتى معظمها من هبات وم�ساعدات ق ّدمت للجامعة من م�صادر حكومية وهي مق ّيدة وحمددة اال�ستخدام للم�صاريف اجلارية للجامعة و�ضمنها منح الطالب .ويبينّ اجلدول 1-4تو ّزع القائمة املخت�رصة لهذه الإيرادات (.)Consolidated financial statement
يبينّ هذا اجلدول �أن الن�سبة الأعلى للإيرادات �أتت من م�صادر حكومية (.)%63 وجاءت بعدها ر�سوم الطالب ( )%22.5و�أتت يف املرتبة الأخرية الأرباح من مبيعات اجلامعة والعقود التجارية .وميكن اعتبار الهبات احلكومية املمنوحة جلامعة �سيدين مال وقف للمنح ()Scholarship endowment الذي ي�شرتط فيه املانح ا�ستخدام هذه الهبة للمنح الدرا�سية وم�ساعدة الطالب دون غريها وا�ستخدامه يف خالل فرتة زمنية حمددة� .أما الن�سبة املئوية ملال الوقف املق ّيد (Restricte )ed endowmentوالذي ي�ستخدم يف متويل كرا�سي الأ�ستاذية ( )Professorshipواملنح البحثية للطالب و�أع�ضاء هيئة التدري�س فقد بلغت قيمتها ( %7درا�سات ا�ست�شارية ممولة، هبات من م�ؤ�س�سات و�رشكات) .ويف العموم 1 http://www.usyd.edu.au/about/publications/ann nual_report/2008/financial_annual_report_2008.pdf
الف�صل الرابع مناذج عاملية يف الوقفيات اجلامعية 225
كلما زادت الأموال والهبات املمنوحة من ملحة عامة عن التعليم العايل احلكومة �أي املال العام ،كانت �أموال الأوقاف مرحلة الت�أ�سي�س املعا�رصة
مق ّيدة .هكذا يختلف النموذج الأ�سرتايل اختالف ًا جذري ًا عن النموذج الأمريكي يف �أن احلكومة هي املم ّول الرئي�سي للجامعة وب�أن الوقفية ذات موارد حكومية بالدرجة الأوىل.
رابع ًا :درا�سة حالة (تركيـا)
1 2 3 4 5 6
التـعليم
منذ �إعالن اجلمعية العمومية الرتكية (� )Turkish National Assemblyإن�شاء جمهورية تركيا يف العام 1923على �أ�س�س ومبادئ م�صطفى كمال �أتاتورك العلمانية ،مت �إقفال جميع دور التعليم املعروفة باملدر�سة تدر�س الدين و�أ�ضحت بذلك ( )Medresseالتي ّ 1 م�ؤ�س�سات التعليم كافة علمانية تابعة للدولة . وبينما �ألغت قوانني الدولة العلمانية وزارة الأوقاف ،مل تقم ب�إلغاء اجلمعيات اخلريية العائدة للأوقاف ( )Vakifالتي قامت �سابق ًا بت�أ�سي�س �أو متويل املدار�س الدينية ،بل بقيت هذه الأوقاف م�ؤ�س�سات للنفع العام ترعى �ش�ؤونها �إىل يومنا هذا دائرة امل�سائل الدينية ( )Diyanet İşleri Bakanlığالتابعة لوزارة الدولة .2وتالي ًا ،ما زال الوقف ي�سهم يف دعم �أن�شطة احلياة االجتماعية الرتكية ،ومن بينها التعليم .3ومع دخول تركيا مرحلة التحرر االقت�صادي يف �أوائل الت�سعين ّيات من القرن املا�ضي وبروز �أهمية دور القطاع اخلا�ص يف رفع م�ستوى التعليم ،ات�سعت دائرة �أن�شطة اجلمعيات اخلريية العائدة للأوقاف لت�شمل بالإ�ضافة �إىل تقدمي املنح للطالب اجلامعيني وخ�صو�ص ًا الفقراء منهم� 4إن�شاء املدار�س وم�ؤ�س�سات التعليم العايل ا�ستناداً �إىل د�ستور ( )Anayasaعام 1981املع ّدل.
قام م�صطفى كمال �أتاتورك م�ؤ�س�س جمهورية تركيا ب�إعادة هيكلة مراحل التعليم العام كافة وبنائها على �أ�س�س علمانية م�ستعين ًا بخربات �أوروبية يف جمال التعليم العايل .ففي العام 1931ا�ستقدمت احلكومة الرتكية �ألربت مال�شي Albert Malcheالأ�ستاذ املحا�رض يف جامعة جنيف ال�سوي�رسية لتنفيذ درا�سة تقيمية لدار الفنون ،وتقدمي اقرتاحات لإ�صالح نظام التعليم العايل .ويف �سياق مراجعته لتقرير مال�شي تق ّدم �أتاتورك مبالحظات و�أفكار تعترب من الق�ضايا املهمة واملثارة اليوم حول التعليم العايل ،كاحلرية الأكادميية وامل�ساءلة (Acc ،)countabilityومعايري ترقية �أع�ضاء هيئة التدري�س ،والدور القيادي لر�ؤ�ساء اجلامعات، واملنهج الأ�سا�سي ( )Core curriculumعرب االخت�صا�صات كافة ،ودور املكتبات وتوظيف الطالب .5ومنذ ت�أ�سي�س جامعة �إ�سطنبول عام � 1933أخذت م�ؤ�س�سات التعليم العايل باالنت�شار يف املناطق الرتكية كافة حامل ًة معها مهمة ن�رش مبادئ �أتاتورك العلمانية، وم�ستلهمة مناهجها من مناذج التعليم العايل يف �أوروبا .6وخالل حكم احلزب الدميقراطي يف اخلم�سينيات من القرن املا�ضي دخل النموذج الأمريكي التعليم العايل �إىل تركيا ومت �إن�شاء العديد من اجلامعات التي تتبع النموذج الأمريكي كجامعة �إيجة ( )Ege Universityيف �أزمري عام 1955وجامعة �أتاتورك يف �إيرزوروم ( )Erzurum Universityعام 1957وجامعة ال�رشق الأو�سط التقنية يف �أنقرة عام .1956 وبذلك �أ�صبح التعليم العايل يف جمهورية تركيا يتك ّون من منوذجني :النموذج الأوروبي وهو الأكرث انت�شاراً والنموذج الأمريكي.
Mizikaci, Fatma. (2006). Higher Education in Turkey. Bucharest: UNESCO http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7 http://www.eicds.org/arabic/publicationsAR/saadarticles/08/march/muslemeen.html http://www.studyturkey.metu.edu.tr/arabic.htm Mizikaci, Fatma. (2006). Higher Education in Turkey. Bucharest: UNESCO
املرجع نف�سه.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 226للتنمية الثقافية
�أنواع م�ؤ�س�سات التعليم العايل
قبل العام 1981كانت م�ؤ�س�سات التعليم العايل يف تركيا حكومية فقط ومل يكن هناك �أي جامعة ذات طابع �أهلي �أو خا�ص .ومع التعديالت الد�ستورية يف العام 1981فتح الباب �أمام امل�ؤ�س�سات اخلريية ب�إن�شاء اجلامعات حتت �إ�رشاف جمل�س التعليم العايل. وتن�ص املادتان 130و 131من هذا ّ الد�ستور �أن تكون هذه اجلامعات غري ربحية ك�رشط �أ�سا�سي ملنحها الرتخي�ص.
قبل العام 1981كانت م�ؤ�س�سات التعليم العايل يف تركيا حكومية فقط ومل يكن هناك �أي جامعة ذات طابع �أهلي �أو خا�ص. ومع التعديالت الد�ستورية يف العام 1981 فتح الباب �أمام امل�ؤ�س�سات اخلريية ب�إن�شاء اجلامعات حتت �إ�رشاف جمل�س التعليم العايل. وتن�ص املادتان 130و 131من هذا الد�ستور ّ �أن تكون هذه اجلامعات غري ربحية ك�رشط �أ�سا�سي ملنحها الرتخي�ص .ومينح القانون الرتكي هذه امل�ؤ�س�سات حرية �إدارة �ش�ؤونها املالية والإدارية على �أن تخ�ضع لتفتي�ش �سنوي يقوم به جمل�س التعليم العايل ( )YöKولتقييم وزارتي الرتبية واملال .ويطلق القانون على هذه اجلامعات ت�سمية «هيئات قانونية ر�سمية» .1Public legal entitiesووفق ًا للقانون رقم 2547يف البند 46منه تعفى هذه امل�ؤ�س�سات من �رضيبة امللكية .2و�إذا ما خالفت هذه اجلامعات القوانني ال�سائدة ،ت�ضع احلكومة اليد عليها وتخ�ضعها وطالبها ل�سيطرة اجلامعات احلكومية .3 منذ تعديالت 1981بد�أت اجلمعيات اخلريية ب�إن�شاء اجلامعات ،وكان �أولها جامعة بيلكنت ( )Bilkent Universityالتي �أن�ش�أتها ثالثة �أوقاف خريية عام 1984واتبعت بجامعات �أخرى منذ العام .1992وللتمييز بني قطاعات التعليم العايل يف تركيا ت�ستخدم الأدبيات عبارة دولة ( )Stateللتعريف باجلامعات احلكومية وعبارة م�ؤ�س�سة (Found )dationللجامعات الأهلية التي �أن�ش�أتها
امل�ؤ�س�سات اخلريية العائدة للأوقاف .وتتم ّتع هذه اجلامعات باال�ستقاللية يف �إدارة �ش�ؤونها عرب جمل�س الأمناء والتمويل ،يف حني تبقى حتت رقابة جمل�س التعليم العايل .4
م�ؤ�س�سات التعليم العايل والطالب
ي�ض ّم نظام التعليم العايل يف تركيا 115 م�ؤ�س�سة ،منها 85جامعة حكومية و 30جامعة
�أهلية .5وهناك �أي�ض ًا م�ؤ�س�ستان حكوميتان للتكنولوجيا ومدر�سة مهنية للتعليم العايل عائدة للأوقاف .6لكن ح�صة اجلامعات الأهلية هي �أقل من ذلك بكثري ا�ستناداً �إىل عدد طالبها� ،إذ يدر�س فيها حالي ًا %5فقط من جمموع الطالب البالغ حوايل مليونيَ طالب يف اجلامعات الرتكية .7ويبلغ عدد �أع�ضاء هيئة 8 التدري�س اجلامعي حواىل .77,100
�إدارة �ش�ؤون التعليم العايل
�أدخل قانون رقم 2547ال�صادر عام 1981
�إ�صالحات مهمة على نظام التعليم العايل. فمجل�س التعليم العايل م�ستقل عن وزارة الرتبية ويت�ألف من 25ع�ضواً يعينّ رئي�س اجلمهورية مبا�رشة ثمانية منهم ،ويعينّ جمل�س اجلامعات ثمانية �آخرين ،ويعينّ جمل�س الوزراء �ستة، بالإ�ضافة �إىل اثنني من وزارة الرتبية وع�ضو واحد يع ّينه رئي�س �أركان القوات امل�سلحة .9 وبالإ�ضافة �إىل �إن�شاء جمل�س التعليم العايل، مت �إن�شاء ثالثة جمال�س ت�سانده يف عملية �إدارة ّ التعليم العايل والإ�رشاف عليه :هيئة امل�رشفني على التعليم العايل ،مركز اختيار الطالب
Doğramaci, Ali. (2008). Private university initiatives in Turkey: The Bilkent experience. International 1 .Conference in Higher Education-Technion, Turkey http://eacea.ec.europa.eu/ressources/eurydice/eurybase/pdf/section/TR_EN_C6_17.pdf 2 http://www.eicds.org/arabic/publicationsAR/saadarticles/08/march/muslemeen.html 3 Mizikaci, Fatma. (2006). Higher Education in Turkey. Bucharest: UNESCO 4 Doğramaci, Ali. (2008). Private university initiatives in Turkey: The Bilkent experience. International 5 Conference in Higher Education-Technion, Turkey http://www.gse.buffalo.edu/org/IntHigherEdFinance/files/Country_Profiles/Europe/Turkey.pdf 6 World Bank (2007). Strategic Directions for higher education in Turkey. Turkey 7 http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7 8 http://countrystudies.us/turkey/50.htm 9
الف�صل الرابع مناذج عاملية يف الوقفيات اجلامعية 227
وتوجيهم للجامعات ،وهيئة اجلامعات. اجلامعات الأهلية (امل�ؤ�س�سات اخلريية �أما على �صعيد �إدارة م�ؤ�س�سات التعليم التابعة للأوقاف)
التمويــل اجلامعات احلكومية
2
يتم متويل اجلامعات احلكومية من قبل احلكومة بن�سبة ،%59و %37من �صندوق املال املتحول ( )Revolving fundو %4من ر�سوم الطالب .وامل�صدر الأ�سا�سي للمال املتح ّول هو �إيرادات اجلامعة من العقود واال�ست�شارات، البحوث العلمية ،اخلدمات ال�صحية ،امل�شاريع ال�صناعية (منتجات زراعية ،مزارع منتجة للحليب وم�شتقاته) ،طباعة وخدمات الكمبيوتر .ت�ضاف الأموال التي مل يتم �رصفها �إىل ال�سنة املالية التالية لتغذية �صندوق املال ويخ�ص�ص %30من مال ال�صندوق املتحولُ . ل�رشاء و�صيانة املعدات ومتويل الأبحاث ،فيما يت ّم �إنفاق الباقي على �أع�ضاء هيئة التدري�س واملوظفني الإداريني� .أما التمويل احلكومي ( )%59فيتم �إنفاقه على البنية التحتية وتغطية امل�صاريف اجلارية للجامعة .وقد بلغت ن�سبته %3.7من الناجت املحلي اخلام (.)GDP 1 2 3
التـعليم
العايل ،فالنظام املعمول به هو نف�سه يف جميع اجلامعات الرتكية با�ستثناء وجود جمل�س �أمناء يف اجلامعات الأهلية ،وهو الذي يعينّ رئي�س اجلامعة� .أما يف اجلامعة احلكومية فيتم تعيني الرئي�س من قبل رئي�س اجلمهورية� ،إذ يختار واحداً من الئحة ت�ضم ثالثة مر�شحني يرفعها �إليه جمل�س التعليم العايل .ه�ؤالء املر�شحون هم من ينالون �أعلى الأ�صوات عن طريق االقرتاع ال�رسي ( )Secret ballotمن قبل �أع�ضاء هيئة التدري�س .1
هناك ثالثة م�صادر متويل يف اجلامعات الأهلية )1( :وقفيات و�أموال امل�ؤ�س�سة اخلريية وتربعات الأفراد )2( ،ر�سوم الطالب )3( ،متويل حكومي فرعي للأن�شطة التي تفيد املجتمع .3 علما � ّأن الوقفيات اخلريية املذكورة هي غري الوقفيات التي �أن�ش�أت اجلامعة� .أما التمويل احلكومي فيخ�ضع ملعايري منها :عدد الأبحاث العلمية التي قامت بها اجلامعة ن�سبة �إىل عدد املدر�سني بالن�سبة �أع�ضاء هيئة التدري�س ،عدد ّ لعدد الطالب ،وترية ا�ستخدام اللغات الأجنبية يف التدري�س ،عدد املنح التي ا�ستفاد منها الطالب ،القيام ب�أن�شطة ثقافية ،الإنفاق على الكتب واملجالت العلمية ،عدد الطالب الذين حققوا مراكز متقدمة من بني الـ 250طالبا الذين حققوا املراتب الأوىل يف اختبارات الدخول �إىل اجلامعة .ويرتاوح التمويل احلكومي لهذه امل�ؤ�س�سات بني %1و � %3.6سنوي ًا .4 وت�شكّل ر�سوم الطالب امل�صدر الرئي�سي لتمويل اجلامعات الأهلية ،5تليها الوقفية. ولتقدمي مثال عن توزيع هذه امل�صادر ن�ستعني ببع�ض الأرقام جلامعة بيلكنت .بلغت �إيرادات هذه اجلامعة يف �سنة 2007حواىل 202مليوين دوالر �أمريكي %47 ،منها �أتت من ر�سوم الطالب ،و %18من البحوث وم�ساعدات حكومية ،و %4.5من ت�أجري �سكن الطالب ومن تربعات وهبات �صغرية ،و %30من �أموال وقف اجلامعة� .أما جلهة الإنفاق فاجلامعة �أنفقت %25من جمموع م�صاريفها على املنح الدرا�سية يف العام 2007حيث ا�ستفاد 3,000 طالب من هذه املنح (�أي ربع الطالب البالغ ٍ 6 عددهم . )12,000
امل�صدر نف�سه. امل�صدر نف�سه. مبوجب قانون وزارة العدل رقم 4896وقانون التعليم العايل رقم .18
Council of Higher Education(2007), Report on Foundation Universities 4 Chawla, Mukesh (2005). How much does Turkey spend on education? World Bank 5 Doğramaci, Ali. (2008). Private university initiatives in Turkey: The Bilkent experience. International 6 Conference in Higher Education-Technion, Turkey
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 228للتنمية الثقافية
خال�صة وا�ستنتاجات
وفق ًا لنموذج الوقفيات اجلامعية ال تغيب احلكومة ،بل تكون حا�رضة بعدة �أ�شكال �أبرزها: امل�شاركة اجلزئية امل�رشوطة يف متويل اجلامعات غري احلكومية (الواليات املتحدة ،تركيا) وهو دور حتفيزي ،وامل�شاركة الأ�سا�سية يف متويل اجلامعات احلكومية وتغذية �أوقافها (بريطانيا ،كندا، ا�سرتاليا) ،وهو دور متويلي، وو�ضع القوانني الآيلة �إىل تنظيم عمل اجلامعات الأهلية ومراقبة �أدائها ،وهو دور ت�أطريي و�إ�رشايف وتنظيمي ،بحيث �أن اجلامعة امل�ستقلة �إداري ًا ومالي ًا يفرت�ض �أن تكون �شفافة و�أن تخ�ضع للم�ساءلة (احلكومية واملجتمعية).
ت�سمح املعلومات املج ّمعة واملعرو�ضة يف هذا الف�صل با�ستخال�ص عدة ا�ستنتاجات: �أولها �إن الوقفيات اجلامعية منت�رشة عاملي ًا ،يف الدول املتقدمة كما يف الدول الناه�ضة التي ت�شبه البلدان العربية يف ثقافتها كرتكيا. ثانيها� ،إن هذه الوقفيات قائمة يف اجلامعات احلكومية كما يف اجلامعات غري احلكومية. ثالثها� ،إنها ،يف النموذج الرتكي ،تقت�رص على اجلامعات غري احلكومية ،كبديل عن اجلامعات الربحية .وهي بالتايل تزيح عن احلكومة عبء جزء من كلفة التعليم العايل ،من دون �أن يقع هذا العبء على الطالب و�أهاليهم بالدرجة الأوىل. رابعها� ،إن الوقفية اجلامعية لي�ست م�صدراً فقط لإيرادات �إ�ضافية ،ول�رشاكة اجتماعية يف توفري هذه الإيرادات ،بل هي �رشاكة جمتمعية يف حت ّمل �ش�ؤون �إدارة التعليم جت�سد العايل (اجلامعات) ،وهي بهذا املعنى ّ ال�رشاكة املجتمعية يف حتمل م�س�ؤولية التعليم العايل ،وهي بهذا املعنى �أي�ض ًا نظام يف متويل اجلامعات و�إدارتها يف الوقت نف�سه� ،أ�سا�سه ت�أمني ا�ستقاللية اجلامعة الإدارية واملالية والأكادميية ،مبا يف ذلك املحافظة على احلريات الأكادميية. خام�سها� ،إنه يف هذا النموذج ال تغيب احلكومة ،بل تكون حا�رضة بعدة �أ�شكال �أبرزها :امل�شاركة اجلزئية امل�رشوطة يف متويل اجلامعات غري احلكومية ( الواليات املتحدة، تركيا) وهو دور حتفيزي ،وامل�شاركة الأ�سا�سية
يف متويل اجلامعات احلكومية وتغذية �أوقافها (بريطانيا ،كندا ،ا�سرتاليا) ،وهو دور متويلي ،وو�ضع القوانني الآيلة �إىل تنظيم عمل اجلامعات الأهلية ومراقبة �أدائها ،وهو دور ت�أطريي و�إ�رشايف وتنظيمي ،بحيث �إن اجلامعة امل�ستقلة �إداري ًا ومالي ًا يفرت�ض �أن تكون �شفافة و�أن تخ�ضع للم�ساءلة (احلكومية واملجتمعية)، �ساد�سها� ،إن الوقفية تتغذى من م�صادر جمتمعية متع ّددة ،لكنها تدار من قبل جهاز معينّ م�ستقل يف �إجراءاته ،ويقع حتت �سلطة اجلامعة ،و�أن اجلامعة تختار (يف الوقفية غري املقيدة) �أبواب �إنفاقها تبع ًا حلاجاتها، وبالتايل فالوقفية اجلامعية هي يف خدمة اجلامعة (ر�سالتها� ،أهدافها ،براجمها) ،ولي�ست اجلامعة يف خدمة الوقفية لتحقيق �أجندات معينة ،فمن ي�شاء �أن يدعم اجلامعة له ذلك، مبا فيه متويل برامج مع ّينة فيها (الوقفية املق ّيدة). �سابعها� ،إن �أموال الوقفية ميكن ا�ستثمارها مبا يزيد من حجمها وي�ؤدي �إىل تعظيم الفائدة منها .وقد ب ّينت حالة جامعة هارفارد �أنها ت�ستخدم ما يقرب من %5فقط من عوائد وقفياتها يف الإنفاق على الت�شغيل (النفقات اجلارية) .لكن احلالة نف�سها تبينّ �أن اال�ستثمار يف ال�سوق يحمل معه تقلبات ال�سوق و�أحيان ًا نك�ساته ،كما ح�صل م�ؤخراً فيها، ثامنها� ،إن املح�صلة النهائية للوقفية اجلامعية تكمن يف �أمرين يتعلقان حتديداً باملنتجني الب�رشي واملعريف للتعليم العايل. َ ذلك �أن جل �أوجه الدعم عن طريق الأوقاف، الذي تتقدم به احلكومات �أو الهيئات
خال�صة و�إ�ستنتاجات
229
االجتماعية على ال�سواء ،يتجه نحو تقدمي املنح م�شكلة التمويل
ملخــ�ص
ي�ستعر�ض هذا التقرير م�شكلة متويل التعليم العايل يف البلدان العربية وما يت�صل بها من م�سائل �إدارة هذا التعليم ،وال�سيما ا�ستقاللية اجلامعات الإدارية واملالية والأكادميية .كما يتوقف عند جتارب يف الوقفية اجلامعية يف الواليات املتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا و�أ�سرتاليا وتركيا ،من اجل ا�ستخراج عدد من الدرو�س حول الوقفيات اجلامعية كبديل منا�سب لإدارة ومتويل اجلامعات يف البلدان العربية .وقد ا�ستند التقرير �إىل عدد من درا�سات احلاالت لعدد حمدود من اجلامعات والبلدان (�أوراق مرجعية) �أع ّدت خ�صي�ص ًا لتغذية هذا التقرير ،و�إىل قواعد بيانات ودرا�سات �سابقة ومواقع �إنرتنت وو�سائل �إعالم.
التـعليم
الدرا�سية للطالب ونحو التعليم (رواتب الهيئة التعليمية ،الأبنية والتجهيزات ،املكتبات ،فتح الكليات واملعاهد والربامج...الخ ).والبحث العلمي (م�شاريع وبرامج وكرا�س بحثية) .بل �إن الوقفية اجلامعية ،يف النموذج الأمريكي على الأقل ،هي املف�سرّ الأ�سا�سي لتميز اجلامعات يف تطوير املعارف عن طريق الأبحاث ،يف العلوم البحتة والإن�سانية على ال�سواء ،وهي التي جعلت البع�ض منها من �أغنى اجلامعات يف العامل ،ومن اجلامعات التي حتتل املراتب الأوىل يف الت�صنيفات املحلية والدولية حول النوعية. �إن مراجعة حاالت اجلامعات الأمريكية والربيطانية والكندية والأ�سرتالية والرتكية، احلكومية وغري احلكومية ،تبينّ � ّأن متويل التعليم العايل عن طريق الأوقاف يرتبط بتحقيق اجلودة و�إعالء �ش�أن التعليم العايل ارتباط ًا بتوفري ا�ستقاللية اجلامعة الإدارية واملالية .ولع ّل هذه املراجعة توفر مناذج وتقدم درو�س ًا ميكن اال�ستفادة منها لتطوير م�ؤ�س�سات التعليم العايل يف البلدان العربية.
تتخذ م�شكلة التمويل يف البلدان العربية وجهني رئي�سني: • قلة املال املتوافر مقارنة مبتطلبات توفري نوعية تعليم جيدة ،ون�سميها م�شكلة «حجم التمويل» .وقد ا�ستدلينا على ذلك، حيثما �أمكن جتميع املعلومات ،من انخفا�ض الإنفاق على الطالب الواحد �إن يف موازنات وزارات التعليم العايل �أو يف موازنات اجلامعات .وينطبق ذلك على اجلامعات احلكومية وغري احلكومية .ويرتاوح الإنفاق بني �ألف وثالثة �آالف دوالر للطالب الواحد، وينخف�ض دون الألف يف بع�ض البلدان .مع مالحظة اال�ستثناءين الآتيني� :أن الإنفاق على الطالب يف بلدان اخلليج العربي مرتفع ويوازي بل يفوق الإنفاق على الطالب يف معدل دول منظمة التعاون والتنمية االقت�صادية ( ،)OECDمبا فيها بلدان مثل الواليات املتحدة الأمريكية وفرن�سا� ،إذ ي�صل الإنفاق على الطالب الواحد �إىل � 22ألف دوالر يف جامعة حكومية يف الإمارات العربية املتحدة و�إىل � 30ألف دوالر يف الكويت .وبالتايل ف�إن هذه البلدان ال تعاين من م�شكلة حجم التمويل. اال�ستثناء الثاين يتعلق بجامعتني خا�صتني يف لبنان يرتفع فيهما الإنفاق على الطالب الواحد مبا يوازي �أو يفوق معدل دول منظمة التعاون والتنمية االقت�صادية (� 10آالف دوالر و� 17ألف دوالر) .ومن املحتمل �أن جند مثل هذه الأرقام يف جامعات غري حكومية �أخرى يف البلدان العربية ،و�إن بعدد قليل جداً.
�إن مراجعة حاالت اجلامعات الأمريكية والربيطانية والكندية والأ�سرتالية والرتكية ،احلكومية وغري احلكومية ،تبينّ � ّأن متويل التعليم العايل عن طريق الأوقاف يرتبط بتحقيق اجلودة و�إعالء �ش�أن التعليم العايل ارتباط ًا بتوفري ا�ستقاللية اجلامعة الإدارية واملالية .ولع ّل هذه املراجعة توفر مناذج وتقدم درو�س ًا ميكن اال�ستفادة منها لتطوير م�ؤ�س�سات التعليم العايل يف البلدان العربية.
• � ّإن اجلامعات يف البلدان العربية تقت�رص تقريب ًا على التمويل احلكومي (يف اجلامعات احلكومية) وعلى الر�سوم التي يدفعها الطالب (يف اجلامعات اخلا�صة) .ون�سميها م�شكلة «�أحادية التمويل» .ذلك �أن اللجوء �إىل موارد �أخرى (تنويع م�صادر التمويل) عن طريق العقود الإنتاجية واال�ست�شارية والهبات والوقفيات هو اال�ستثناء الذي ي�ؤكد القاعدة ،وقد الحظناه مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 230للتنمية الثقافية
يف اجلامعتني اخلا�صتني يف لبنان .وت�شكّل حالة الأردن ا�ستثنا ًء من نوع �آخر حيث ال متثّل املوارد احلكومية يف اجلامعات احلكومية �إال ُخم�س املوارد �إىل ن�صفها ،ح�سب اجلامعة، وحيث يجري االعتماد باملقابل على الر�سوم التي يدفعها الطالب (يف التعليم العادي �أو التعليم املوازي). ويف حماولة لر�صد العالقة بني التمويل ونوعية التعليم وجدنا �أن ال فروق ذات �أهمية يف املخ�ص�صات املوجهة للبحث العلمي بني اجلامعات احلكومية (يف البلدان اخلليجية) ذات املوازنات العالية للطالب الواحد ،واجلامعات ذات املوازنات املنخف�ضة، وجميعها ذات م�صادر متويل �أحادية .وتبينّ من جهة ثانية �أنه كلما انخف�ضت املوازنة للطالب الواحد ارتبط ذلك مبعدالت �أعلى لعدد الطالب للأ�ستاذ الواحد .وهذه القاعدة تنطبق على اجلامعات غري احلكومية ،حيث الإنفاق على البحوث متدن �إجماالُ .ت�ستثنى من ذلك ٍّ اجلامعتان اخلا�صتان يف لبنان املذكورتان �سابق ًا ،حيث يرتفع فيهما حجم الإنفاق وح�صة املخ�ص�صات املوجهة للبحث العلمي وينخف�ض معدل الطالب للأ�ستاذ الواحد.
البدائل القائمة لتنويع التمويل وتوفري موارد �إ�ضافية
ت�أخذ احللول القائمة مل�شكلة التمويل �شكلني رئي�سيني :امل�ساعدات اخلارجية (الأجنبية والعربية) وامل�ساندة املحلية (ال�صناديق، املكرمات ،امل�ؤ�س�سات الأهلية ،الوقفيات) .وقد ا�ستق�صينا �أنواع امل�ساعدات هذه عن طريق الإنرتنت ولي�س عن طريق درا�سات احلاالت، لذلك قد تكون هناك م�ساعدات �أخرى مل نتمكن من ح�رصها. هناك عدد من املنظمات الدولية (ومن الدول) التي ق ّدمت وتق ّدم التمويل (عن طريق القرو�ض والهبات) لعدد من البلدان العربية ذات الدخل املحدود (م�رص ،لبنان ،فل�سطني، اليمن ،تون�س...الخ ).وذلك لتنفيذ برامج مع ّينة
ت ّت�سم ب�أنها تتناول جممل نظام التعليم العايل، �أو اجلامعات احلكومية (برامج� ،شهادات م�شرتكة ،منح بحثية للأ�ساتذة...الخ) .وينخرط يف برامج امل�ساعدة هذه عادة خرباء املنظمات والدول التي تق ّدم امل�ساعدة .وهذا يعني �أن هذا النوع من املعونة يرتكّز عموم ًا على �إدارة التعليم العايل ونوعيته ،ويعني �أن املعونة ذات بعدين مايل وفكري. �صحيح �أن امل�ساعدات العربية تتجه نحو الوجهة اجلغرافية نف�سها� ،أي نحو البلدان الأفقر �أو التي تعاين من احتالل �أو ا�ضطرابات �إال �أنها تختلف عن امل�ساعدات الأجنبية يف �أمرين :الأول �أنها تركز على املنح املق ّدمة للطالب (الفر�ص الدرا�سية) وعلى وجه معينّ من وجوه النوعية �أال وهو الأبنية والتجهيزات. والثاين �أنها ذات طبيعة مالية بحتة وال حتمل (يف متنها) �أي بعد فكري. موجهة كما يالحظ �أن امل�ساعدات العربية ّ عموم ًا �إىل امل�ؤ�س�سات اجلامعية �أو الطالب مبا�رشة ،يف حني �أن امل�ساعدات الأجنبية تتم بالتعاون مع احلكومات ويف البلدان املحدودة نوعي امل�ساعدات الدخل .وهذا فرق ثالث بني َ العربية والأجنبية .ما ي�شرتك به هذان النوعان من امل�ساعدات ،ما وراء الفروق ،يبدو يف �أن تقدمي الدعم وزيادته و�إنقا�صه ،وعدم ح�صوله �أ�ص ًال� ،أمور مرتبطة عموما بال�سياق ال�سيا�سي للجهات املانحة والبلدان امل�ستفيدة ،و�أنها �آنية ومتقطعة ،بحيث �إنها ال ت�شكّل م�صدراً ثابت ًا و�أكيداً لتطوير التعليم العايل الوطني. �أما يف ما يتعلق بامل�ساندة املحلية فقد وجدنا �أربع �صيغ منها :املكرمات وال�صناديق وامل�ؤ�س�سات الأهلية والوقفيات .نتوقف عند ال�صيغ الثالث الأوىل ونعود �إىل الوقفيات يف نهاية هذا امللخ�ص. املكرمات هي خم�ص�صات يوفّرها احلاكم (امللك ،الرئي�س) لإتاحة الفر�ص الدرا�سية (حملي ًا �أو عن طريق االبتعاث) لذوي الدخل املحدود و�أبناء املناطق النائية .وهي من هذه الناحية م�سعى لتحقيق قدر �أكرب من العدالة
خال�صة و�إ�ستنتاجات
�إدارة �ش�ؤون التعليم العايل و�أزمة ا�ستقاللية اجلامعات
يتك ّون ت�سيري ( )managementالتعليم العايل من م�ستويني :م�ستوى الإدارة الوطنية للتعليم العايل ،وم�ستوى �إدارة اجلامعات
التـعليم
يف توفري الفر�ص الدرا�سية .لكنها عملي ًا جزء من الإنفاق احلكومي ،مع �إخراج لها ك�أنها من خارجه� ،أي تعيدنا �إىل م�شكلة �أحادية التمويل وحجمه املحدود ،من جهة ،واىل �أنها حتتمل وجه ًا �سيا�سي ًا من جهة �أخرى ،يع ّيق اال�ستقاللية� .إذ جتري الأمور يف البلدان ذات العالقة وك�أن احلاكم ينفق من ماله اخلا�ص يف تقدمي املنح و�إن�شاء اجلامعات وغريها ،بل يح�صل خلط مق�صود ما بني املال العام واملال اخلا�ص للحاكم. وباملثل ف�إن ال�صناديق املحلية هي �إنفاق حكومي ،مع م�شاركة جزئية من املجتمع ،وهي حمدودة يف عددها ونطاقها ويف مداها الزمني. واقع احلال �أنه �أمكن ر�صد ثمانية �صناديق فقط (�أربعة منها يف الأردن)� ،ستة منها ذات طابع حكومي ،وال�صندوقان الباقيان جندهما يف الأردن (�صندوق احل�سني للإبداع و�صندوق عبد احلميد �شومان) .وبالتايل ف�إن هذا البديل يبدو �ضعيف الوجود يف البلدان العربية ويقوم على �أكتاف اجلهود احلكومية ،و�أن نطاق تغطيته للحاجات املالية حمدود. �أما م�ؤ�س�سات الدعم الأهلية فلم جند عنها �أمثلة �إال يف لبنان .ورمبا تعزى هذه القلة اىل خ�شية الدول العربية من �أن تكون لهذه امل�ؤ�س�سات «�أجندتها» ال�سيا�سية .ولع ّل التجربة اللبنانية حيث تكرث هذه امل�ؤ�س�سات� ،أو ي�شتهر بع�ضها ،دلي ٌل على مثل هذه اخل�شية. خال�صة القول حول البدائل التي �أمكن االهتداء �إليها يف التجربة العربية حل ّل م�شكلة التمويل �إنها �ضعيفة الوجود والأثر وذات تر ّددات �سيا�سية ،الأمر الذي يعيدنا �إىل مو�ضع ا�ستقاللية اجلامعات و�ش�ؤون �إدارة التعليم العايل.
(احلكومية واخلا�صة) .وبحثنا تناول ،بالن�سبة لك ّل من امل�ستويني� ،أمرين :ال�صالحيات (واجلهة التي تتخذ القرارات) ،وتكوين املجال�س ومن �ضمنها املكانة التي يحتلها ممثلو القطاعات االجتماعية واالقت�صادية فيها� ،أو مدى �رشاكة املجتمع يف حمل م�س�ؤولية التعليم العايل .وقد مت ا�ستندنا يف ذلك �إىل القوانني املرعية التي ّ جتميعها وحتليلها يف عدد حمدود من البلدان العربية هي :الأردن ،لبنان ،ال�سعودية ،م�رص، املغرب� ،سوريا ،وهي البلدان نف�سها التي حاولنا جمع املعطيات املالية عنها. هناك عموم ًا جمال�س للتعليم العايل ذات ت�سميات متن ّوعة يف البلدان العربية ت�رشف على التعليم العايل .هذه املجال�س هي عموم ًا «حكومية» التكوين� ،أي يتكون �أع�ضا�ؤها من �شخ�صيات ر�سمية (وزراء ،وزراء �سابقون، مدراء لإدارات حكومية ،ر�ؤ�ساء جامعات، حاليون �أو �سابقون ،م�ست�شارون� ...إلخ) ،وال يوجد بينهم ممثلون عن الفعاليات االجتماعية واالقت�صادية (با�ستثناء املغرب) .ثم �إن اجلميع يع ّينون من قبل ال�سلطة احلكومية ،وال يجري اختيارهم من قبل زمالئهم يف املجل�س �أو زمالئهم يف املهنة� .أما جلهة ال�صالحيات فهذه املجال�س غري خم ّولة بتعيني ر�ؤ�ساء اجلامعات احلكومية وال حتى برت�شيحهم ،مع بع�ض اال�ستثناءات ،لأن هذا التعيني يتم من قبل ال�سلطة العليا عن طريق «اقرتاح» يق ّدمه الوزير املخت�ص .كذلك احلال يف ال�ش�ؤون املالية ،ف�إن هذه املجال�س غري خمولة باتخاذ قرارات مالية. خال�صة القول �إن هذه املجال�س هي �أقرب �إىل �أن تكون ذراع ًا للحكومة من �أن تكون هيئات و�سيطة بني احلكومة و�أهل التعليم العايل ،يف و�ضع تبدو فيه ال�سلطة �شديدة املركزية. طبيعي م�ستوى �إدارة اجلامعات هو امتداد ّ مل�ستوى الإدارة الوطنية للتعليم العايل .فال توجد جمال�س �أمناء للجامعات احلكومية با�ستثناء الأردن (وما ي�شبه جمل�س الأمناء يف جامعة الأزهر يف م�رص) ،لكن املجل�س يف احلالتني ال �صالحية له يف الرت�شيح والتعيني.
231
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 232للتنمية الثقافية
وهناك جمل�س جامعة يف جميع اجلامعات. وهو بدوره ال ير�شّ ح العمداء وال رئي�س اجلامعة يف معظم الأحيان ،با�ستثناء لبنان .فرئي�س اجلامعة (والعمداء �أحيان ًا) تع ّينه احلكومة (امللك ،الرئي�س ،جمل�س الوزراء) يف جميع البلدان املدرو�سة� .أما �صالحيات هذا املجل�س املالية فمحدودة �أو غام�ضة ،باعتبار �أن تقرر احلكومة ،عرب وزارة املالية ،هي التي ّ ميزانية اجلامعات ،وهي التي تتح ّول �إليها املداخيل الإ�ضافية للجامعة. �أما جلهة التكوين ف�إن جمال�س اجلامعات ت�ض ّم عمداء ومدراء ،وغالب ًا ال ت�ضم ممثلني منتخبني عن الهيئة التعليمية (با�ستثناء لبنان واملغرب) وال جند فيها ممثلني عن الفعاليات االجتماعية واالقت�صادية ،با�ستثناء املغرب، الذي ينفرد �أي�ض ًا ب�أن اجلامعة يحق لها امل�ساهمة يف املقاوالت العمومية واخلا�صة و�أن تن�شئ �رشكات تابعة لها� ...إلخ. خال�صة القول �إن اجلامعات احلكومية يف البلدان العربية املدرو�سة ،التي ت�صفها القوانني ب�أنها م�ستقلة مالي ًا و�إداري ًا ،تفتقد، مبوجب القوانني نف�سها ،ال�صالحيات الالزمة التخاذ القرارات (�أو امل�شاركة يف ا ّتخاذ القرارات) املتعلقة بتعيني القياديني فيها، وبتحديد ميزانياتها ومواردها .وبهذا املعنى نقول �إنها تفتقد ا�ستقالليتها الإدارية واملالية (ولو �أن اجلامعة احلكومية يف املغرب تبدو �أكرث متتع ًا بهام�ش من اال�ستقاللية) .ومن املنطقي االفرتا�ض �أن اال�ستقاللية الأكادميية تكون مق ّيدة يف هذه احلالة ،كلما تعلق الأمر بالربامج ذات الكلفة املالية ،حيث ال ت�ستطيع البت بالأمر من دون موافقة ال�سلطات اجلامعة ّ العليا. �أما �أن تكون اجلامعة غري حكومية فهذا ال يعني �أنها تتمتع باال�ستقاللية حكم ًا .لأنها قد تكون خا�ضعة مل�شيئة �أ�صحابها �أكانوا �أفراداً �أم �رشكات �أم جماعات .وقد ب ّينا يف الف�صل الأول �أن اجلامعات غري احلكومية قليال ما تتمتع باال�ستقاللية و�أنها ال ت�ضم ممثلني عن
الفعاليات االجتماعية واالقت�صادية ،مع بع�ض اال�ستثناءات النادرة .فاجلامعة الأمريكية يف بريوت لها جمل�س �أمناء هو ال�سلطة العليا فيها، بالن�سبة ل�صالحيات التعيني (مبا يف ذلك تعيني الرئي�س) وال�صالحيات املالية ،وهو يتك ّون من �شخ�صيات لبنانية (متن ّوعة الأديان والطوائف) وعربية و�أجنبية .واجلامعة غري تابعة جلماعة معينة ،دينية �أو غري دينية� ،أو لأفراد �أو ل�رشكة. وبهذا املعنى تعترب اجلامعة الأمريكية يف بريوت الأكرث ا�ستقال ًال بني اجلامعات التي �شملتها الدرا�سة� ،أي الأقل اتكا ًال على «جهة» واحدة متولها وتوجهها ،والأكرث ا�ضطرارا �إىل حت�صيل مواردها وتنويعها بجهد خا�ص تكر�سه لهذا الغر�ض. ّ ً ا�ستنادا �إىل هذه ال�صورة عن �أحوال �إدارة �ش�ؤون التعليم العايل ميكن القول �إن م�شكلة التمويل لي�ست فقط م�شكلة تدبري �أموال �إ�ضافية ،و�إن َح َّل املال م�شكلة الفر�ص الدرا�سية (مقاعد �إ�ضافية منح حملية ويف اخلارج ،كما هي احلال يف البلدان اخلليجية) ف�إنه ال يح ّل امل�شكلة الأ�سا�سية (النوعية) .ي�صعب ف�صل التمويل عن الت�سيري. يف هذا ال�سياق ن�ضع «الوقفية اجلامعية»، باعتبارها بدي ًال ميكن �أن يوفّر الأمرين مع ًا: التمويل (حجم ًا وتنويع ًا) واال�ستقاللية .فماذا تق ّدم لنا التجربة العاملية حول املو�ضوع، وماذا تق ّدم التجربة العربية ،وما هي �آفاق تطوير هذه التجربة؟
الوقفية اجلامعية بني التجربة الدولية والتجربة العربية
الوقفية اجلامعية منت�رشة عاملي ًا .ق ّدمنا �أمثلة عليها من الواليات املتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا و�سوي�رسا و�أ�سرتاليا وتركيا، مع فروق مهمة بينها. ما يجمع بني هذه التجارب ع ّدة �أمور. �إنها قائمة يف اجلامعات احلكومية كما يف اجلامعات غري احلكومية، �إنها تتغذى من املتربعني يف املجتمع،
خال�صة و�إ�ستنتاجات
التـعليم
على �سبيل الهدايا والو�صايا والعمل اخلريي وغريها ،ومن امل�ساعدات واملنح البحثية احلكومية ،وغريها. �إنها تتغذى من م�صادر جمتمعية متع ّددة، لكّنها تدار من قبل جهاز م�ستقل يف �إجراءاته يقع يف الوقت نف�سه حتت �سلطة اجلامعة، واجلامعة تختار (يف الوقفية غري املقيدة) �أبواب �إنفاقها تبع ًا حلاجاتها ،وبالتايل فالوقفية اجلامعية هي يف خدمة اجلامعة (ر�سالتها� ،أهدافها ،براجمها) ،ولي�ست اجلامعة يف خدمة الوقفية لتحقيق �أجندات معينة ،فمن ي�شاء �أن يدعم اجلامعة له ذلك ،مبا فيه متويل برامج معينة فيها (الوقفية املقيدة). �إن �أموال الوقفية ميكن ا�ستثمارها مبا يزيد من حجمها وي�ؤدي �إىل تعظيم الفائدة منها .وقد ب ّينت حالة جامعة هارفارد �أنها ت�ستخدم ما يقرب من %5فقط من عوائد وقفياتها يف الإنفاق على الت�شغيل (النفقات اجلارية) .لكن احلالة نف�سها تبينّ �أن اال�ستثمار يف ال�سوق يحمل معه تقلبات ال�سوق و�أحيانا نك�ساته ،كما ح�صل م�ؤخراً فيها. �إنها لي�ست م�صدراً فقط لإيرادات �إ�ضافية، بل هي �رشاكة جمتمعية يف حتمل �ش�ؤون �إدارة التعليم العايل (اجلامعات) ،وهي بهذا املعنى جت�سد ال�رشاكة املجتمعية يف حتمل م�س�ؤولية ّ التعليم العايل ،وهي بهذا املعنى �أي�ض ًا نظام يف متويل اجلامعات و�إدارتها يف الوقت نف�سه، �أ�سا�سه ت�أمني ا�ستقاللية اجلامعة الإدارية واملالية والأكادميية ،مبا يف ذلك املحافظة على احلريات الأكادميية، �إنها ال تغ ّيب احلكومة ،بل تكون احلكومة حا�رضة بعدة �أ�شكال �أبرزها :امل�شاركة اجلزئية امل�رشوطة يف متويل اجلامعات غري احلكومية ( الواليات املتحدة ،تركيا) وهو دور حتفيزي، وامل�شاركة الأ�سا�سية يف متويل اجلامعات احلكومية وتغذية �أوقافها (بريطانيا ،كندا، �أ�سرتاليا) ،وهو دور متويلي ،وو�ضع القوانني الآيلة �إىل تنظيم عمل اجلامعات الأهلية ومراقبة �أدائها ،وهو دور ت�أطريي و�إ�رشايف
وتنظيمي ،بحيث �أن اجلامعة امل�ستقلة �إداري ًا ومالي ًا يفرت�ض �أن تكون �شفافة و�أن تخ�ضع للم�ساءلة (احلكومية واملجتمعية)، �إنها تتوجه ب�صورة رئي�سية نحو ثالثة جماالت هي بالأولوية :البحوث ،و�إن�شاء مرافق جديدة للجامعة ،وتقدمي املنح الدرا�سية للطالب ،علم ًا ب�أن الأثر احلا�سم للوقفيات يكمن عملي ًا يف البحوث (درا�سات ،برامج بحثية، مراكز بحثية ،كرا�س بحثية و�أكادميية) .مبعنى �أن املح�صلة النهائية للوقفية اجلامعية تكمن باملنتجني الب�رشي واملعريف للتعليم حتديدا َ العايل ،و�أن الوقفية اجلامعية ،يف النموذج الأمريكي على الأقل ،هي املف�رس الأ�سا�سي لتميز اجلامعات يف تطوير املعارف عن طريق الأبحاث ،يف العلوم البحتة والإن�سانية على ال�سواء ،وهي التي جعلت البع�ض منها من �أغنى اجلامعات يف العامل ،ومن اجلامعات التي حتت ّل املراتب الأوىل يف الت�صنيفات املحلية والدولية حول النوعية. وتختلف هذه التجارب من �أكرث من ناحية: من ناحية احلجم :.ذلك �أن وقفية جامعة هارفارد مث ًال تبلغ 36.9مليار دوالر ،يف حني �أن وقفية املعهد ال�سوي�رسي للتكنولوجيا تبلغ ملياراً واحداً .والتفاوت يظهر �أي�ض ًا يف ن�سبة ما تق ّدمه الوقفية باملقارنة مع املوارد الأخرى للجامعة. من ناحية اجلهة الواقفة ،ما بني متربعني �أفراد وم�ؤ�س�سات وواهبني ومو�صني (جهات غري حكومية) ،كما يف اجلامعات الأمريكية التي توقفنا عندها ،ومن وقفيات «ت�أ�سي�سية» وجمعيات �أهلية خريية كما يف النموذج الرتكي ،وم�ساهمات حكومية كما يف اجلامعات الربيطانية والكندية والأ�سرتالية احلكومية. علم ًا ب�أن احلكومة يف هذه اجلامعات ت� ّؤمن (من خارج الوقفية) بع�ض النفقات الت�شغيلية وبخا�صة رواتب الهيئة التعليمية ،واحلكومة الرتكية مت ّول اجلامعات الأهلية يف جمال البحوث وتبع ًا لأداء اجلامعات بناء على �رشوط
233
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 234للتنمية الثقافية
ن�ص عليها القانون ،تتعلق بالنوعية ،واحلكومة ّ الفيدرالية يف �أمريكا تقدم للجامعات احلكومية وغري احلكومية منحا بحثية وم�ساعدات حتفيزية تقع خارج الوقفيات .ويف ك ّل الأحوال تتباين وجهة امل�ساهمة تبع ًا للجهة الواقفة. من ناحية نطاق الوقفية .ففي بريطانيا هناك وقفيات للكليات منف�صلة عن وقفيات اجلامعات (حتى داخل اجلامعة نف�سها) ،وهذا غري �شائع يف البلدان الأخرى. من ناحية القطاع .ذلك �أن الوقفيات جندها يف القطاعني احلكومي واخلا�ص يف جميع هذه البلدان ما عدا يف تركيا. على الرغم من هذه الفروق العائدة �إىل تنوع التجارب وتفاوت الأحوال االقت�صادية والنظم ال�سيا�سية للبلدان التي تقع فيها ،ف�إن «القاعدة العامة» تتمثل يف ما ي�أتي :احلر�ص على تنويع م�صادر التمويل ،وزيادة املوارد، وال�سعي �إىل �إ�رشاك املجتمع يف هذا التمويل، وت�أمني ا�ستقاللية اجلامعة عن ال�ضغوط احلكومية والأهلية و�إ�رشاكهما مع ًا يف الوقت عينه ،وتوجيه التمويل نحو حت�سني النوعية �ضمن �سياق املناف�سة املحلية والدولية. وجميع هذه الأمور يحتاجها التعليم العايل يف البلدان العربية. ماذا تق ّدم التجربة العربية يف هذا املجال ،جمال الوقفيات اجلامعية؟ ال �شيء يذكر تقريب ًا .وجدنا بداية وقفيات ،واعدة ،يف ال�سعودية ،ووقفية متوا�ضعة يف كلية احلقوق يف جامعة بريزيت يف فل�سطني. ومن املنطقي بعد الوقوف على حجم امل�شكالت املالية والإدارية التي يعاين منها التعليم العايل العربي ،وانعكا�ساتها القوية على نوعية التعليم ،القول �إنه من ال�رضوري التفكري اجلدي ب�إقامة الوقفيات اجلامعية ون�رشها يف البلدان العربية يف القطاعني احلكومي غري احلكومي. �إن الوقفية اجلامعية لي�ست فكرة «م�ستوردة» �أو خارج ال�سياق الثقايف العربي، بل على العك�س من ذلك ،فهي بعيدة اجلذور
التاريخية فيه ،منذ «املدار�س النظامية» يف بغداد يف العهد ال�سلجوقي ( ،)1105-1194والتي تعادل اجلامعات يف م�صطلحنا اليوم .وهناك من يقول �إن فكرة الوقفية تعرف عليها الإنكليز من العامل الإ�سالمي �إبان احلروب لل�صليبية يف القرنني الثاين ع�رش والثالث ع�رش ،ونقلوها �إىل �إنكلرتا .والوقف م�صطلح له �أدبياته الغزيرة يف الثقافة العربية الإ�سالمية و�شائع �أي�ض ًا يف الثقافة امل�سيحية .ومن �أركان الوقف «الناظر» �أو «املتوكل» الذي يديره با�ستقاللية عن الواقف وامل�ستفيد. لكن يجب الإقرار ب�أن اعتماد الوقفية اجلامعية لي�س �أمراً �شائع القبول حتى الآن يف البلدان العربية ،وب�أن طرح منوذج الوقف لإحداث نقلة يف التعليم العايل العربي املدين، قد ي�س ّبب رف�ض ًا يف الأو�ساط احلكومية يف عدد كبري من البلدان العربية .لع ّل ذلك يعود �إىل انتماء م�صطلح الوقف فيها �إىل احليز الديني. يجر معه طابعه العقائدي واحليز الديني ّ واحلركات الدينية ال�سيا�سية التي ي�شهدها العامل العربي منذ فرتة غري وجيزة .ولعل امل�شكلة تعود يف �أحوال �أخرى �إىل �أن م�صطلح اجلامعات «الأهلية» التي تقوم على الأوقاف حتيل �إىل النزاع الأهلي .وهذه م�شكلة جدية تواجه هذا البديل ،ما يفر�ض التقدم يف طرح املو�ضوع بطريقة ت�سمح بتق ّبل الفكرة وتبديد املخاوف الأيديولوجية من الوقفية اجلامعية ونقل الفكرة من احليز الديني وحيز اجلماعات الأهلية �إىل احليز املدين. رمبا ال يكون النموذج الأمريكي منا�سب ًا لالقتداء ،ب�سبب النظام ال�شديد الليربالية فيه، حيث احلكومات الفيدرالية واملحلية تتبع �سيا�سة الالتدخل يف التعليم العايل وتكتفي بالتحفيز والت�أطري العام .ويف الأ�سا�س لي�س من الواقعي التفكري بتقليد جامعة مثل جامعة هارفارد ،الع�صية على املناف�سة حتى يف �أمريكا .ثم �إن جامعة هارفارد هي جامعة «موجهة للبحوث» (،)research oriented وهذا النموذج ال�شائع يف �أمريكا غري �شائع
خال�صة و�إ�ستنتاجات
التـعليم
يف العامل .لكن التجربة الأمريكية تو�ضح الفكرة ب�صورة مكربة ،وتفيدنا ب�أن الوقف له �رشوطه� .أولها و�أهمها �أن ت�أتي هذه امل�ساعدات لتحقيق �أهداف اجلامعة ور�سالتها كما هي مقررة م�سبق ًا و�أن ال تتح ّول اجلامعة �إىل مكان لتحقيق «�أجندات» حملية �أو خارجية معينة. وثانيها �أن تكون لأموال الوقف �إدارة م�ستقلة تخ�ضع للم�ساءلة ،وتقع حتت �سلطة اجلامعة. الوقف يكون يف خدمة اجلامعة وال تكون اجلامعة يف خدمة الوقف. �أما النموذج الربيطاين (كما الكندي والأ�سرتايل) ،فهو يفيدنا ب�أنه ميكن �إقامة الأوقاف يف اجلامعات احلكومية ،و�أنه ميكن للحكومات (ذات النزعة التدخلية كما هي احلال يف بلداننا) �أن ت�سهم يف هذه الأوقاف، بل �أن تكون امل�سهم الرئي�سي فيها .وهو يفيدنا بالتايل �أن اجلامعة احلكومية م�ستقلة يف وتقرر احلكومة �أن ت�سهم �إدارتها وميزانيتهاّ ، يف وقفيتها (�أو ميزانيتها) بقدر معني. �أخرياً تفيدنا التجربة الرتكية �أن اجلامعات «الأهلية» هي بديل للجامعات غري احلكومية التي تبغي الربح� ،أي التي حت ّمل الطالب كلفة
التعليم (فتقلل الفر�ص الدرا�سية) وتقتطع من عوائد الر�سوم الأرباح التي حت ّول �إىل املالكني �أو مالكي الأ�سهم (فتعيق تطوير عنا�رص النوعية ،وال�سيما البحث العلمي) .وهي تفيدنا �أي�ض ًا ب�أن ذلك ال يت ّم من دون �ضوابط قانونية جتنب اجلامعة االنزالق نحو تبعية جديدة جتاه مالّكني �أو جماعات �سيا�سية ت�سعى من وراء امل�ؤ�س�سة �إىل حتقيق «�أجندات» معينة، وب�أن احلكومة تق ّدم حوافز للجامعات الأهلية من �أجل حت�سني عنا�رص النوعية. أ�سا�سا �ش�أن عام ،باعتبار الوقف هو � ً �أنه متن ّوع امل�صادر وم�ستقل عن الواقف �أو الواقفني ،وعوائده تكون مو�ضوعة يف خدمة م�ؤ�س�سة عامة هي اجلامعة .يف هذا ال�سياق ميكن القول �إن الأنظمة والقوانني التي ت�سري مبوجبها م�ؤ�س�سات التعليم العايل احلكومية وغري احلكومية بحاجة �إىل تغيريات جوهرية. ويحتاج الأمر �إىل درا�سة تف�صيلية عن الوقف، وعن نقله من احليز الديني �إىل احليز املدين، وعن تطبيقاته املختلفة بني اجلامعات احلكومية واجلامعات غري احلكومية.
235
مؤسسة الفكر العربي ّ
237
الإعالم
امللف الثالث اخلطاب الثقايف يف و�سائل الإعالم
مؤسسة الفكر العربي ّ
239
الإعالم
الف�صل الأول:
اخلطاب الثقايف :املنهج واملفهوم �أو ًال� :أهمية اخلطاب الثقايف يف و�سائل الإعالم ثاني ًا :الأهداف املرج َّوة من حتليل اخلطاب الثقايف
الف�صل الثاين:
اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية
�أو ًال :م�ستويات اهتمام اجلرائد اليومية العربية بال�صفحات الثقافية ثاني ًا :خ�صائ�ص امل�ضمون ال�صحفي بخطاب املجالت الثقافية العربية ثالث ًا :الق�ضايا الإ�شكالية املركزية داخل خطاب املجالت الثقافية العربية الف�صل الثالث:
اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية
�أو ًال :االجتاهات العامة ملعاجلة امل�ضامني الثقافية عرب القنوات والربامج التليفزيونية ثاني ًا :ت�شكيل اخلطاب الثقايف يف قناة النيل الثقافية ثالث ًا :ت�شكيل اخلطاب الثقايف يف قنوات الثقافة ال�شعبية ال�سعودية رابع ًا :ت�شكيل اخلطاب الثقايف يف برنامج «ال�صالون الثقايف» بالقناة املغربية مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 240للتنمية الثقافية
الف�صل الأول اخلطاب الثقايف :املنهج واملفهوم �أو ًال� :أهمية اخلطاب الثقايف يف و�سائل الإعالم
ُيعنى هذا امللف بتحليل �سمات وعنا�رص و�أطر ت�شكيل اخلطاب الثقايف عرب �أجهزة الإعالم ،على م�ستوى الق�ضايا والأطروحات التي يتبناها هذا اخلطاب ،والقوى الفاعلة التي يربزها ،وعنا�رص تقدمي الهوية الثقافية للذات، و�أبعاد عالقة الهوية الذاتية بالآخر (الداخلي: القطري – املذهبي) والآخر (اخلارجي :الغربي �أو الآ�سيوي) .وتكت�سب هذه الدرا�سة �أهميتها مما يلي: • �إن التجلي الإعالمي للخطاب الثقايف �أ�صبح التجلي الأبرز ،والأكرث �أهمية وجماهريية، بل ميكننا القول ب�أن و�سائل الإعالم اليوم �أ�صبحت الو�سيلة الأ�سا�سية والنافذة املحورية لرتويج اخلطابات الثقافية املختلفة ،و�إك�سابها نوع ًا مـن اجلماهريية والقبول� ،سواء على م�ستوى جمهور ال�صفوة (النخبة املثقفة)� ،أم على م�ستوى اجلمهور العام. • �إن الك�شف عن �أجندة املو�ضوعات والق�ضايا التي يهتم بها اخلطاب الثقايف الذي تقدمه و�سائل الإعالم مينحنا عدداً من امل�ؤ�رشات املهمة حول جمموعة ان�شغاالت العقل الثقايف العربي ،خالل فرتة زمنية معينة� ،سواء على م�ستوى منتجي اخلطاب� ،أم على م�ستوى م�ستهلكيه. • يعبرّ اخلطاب الثقايف عن منظومة حم ّددة من القيم التي وظّ فها �سواء يف حتديد مالمح الذات� ،أم يف حتديد �سمات الآخر .وي�ؤدي الك�شف عن منظومة القيم تلك �إىل فهم الطريقة التي يفكّر بها العقل العربي عند النظر �إىل هوية الذات ،وكذلك عند الوقوف �أمام هوية الآخر. • �إن حتديد ن�سبة و�أ�شكال اهتمام و�سائل الإعالم العربي بتقدمي امل�ضامني الثقافية
يوفّر لنا �أ�سا�س ًا منهجي ًا لتحديد م�ستوى اهتمام هذه الو�سائل بالقيام بالوظيفة التثقيفيـة ،التي تعد �إحدى الوظائف الأ�سا�سية لو�سائل الإعالم يف املجتمعات النامية.
ثاني ًا :الأهداف املرج َّوة من حتليل اخلطاب الثقايف
يتمثل الهدف الرئي�سي يف حتليل �سمات و�أطر ت�شكيل اخلطاب الثقايف باملجالت الثقافية والقنوات والربامج التليفزيونية الثقافية خالل العام .2008ويتفرع عن هذا الهدف الرئي�سي جمموعة الأهداف التالية: • حتليل الق�ضايا العامة التي يهتم بها اخلطاب الذي تت�صدى لتقدميه كل من القنوات الف�ضائية الثقافية واملجالت الثقافية العربية. • حتليل الأطروحات التي يتبناها اخلطاب يف معاجلة جمموعة الق�ضايا املركزية التي يهتم ب�إبرازها. • حتليل �سمات وعنا�رص ت�شكيل الهوية الثقافية لل�شخ�صية العربية يف اخلطاب الثقايف عرب و�سائل الإعالم. • حتليل �سمات وعنا�رص ت�شكيل الهوية الثقافية للآخر يف اخلطاب الثقايف الإعالمي. • حتليل الروافد الأ�سا�سية لت�شكيل هذا اخلطاب: • الرافد الديني. • الرافد التاريخي. •الرافد املت�صل بالثقافة ال�شعبية (املحلية). • الرافد املت�صل بق�ضايا الع�رص. • حتليل القوى الفاعلة التي يعتمد عليها اخلطاب الثقايف -عرب �أجهزة الإعالم -يف �إنتاج وت�أ�سي�س �أطروحاته. • حتليل جتليات مفهوم الأحادية (القطرية)
الف�صل االول اخلطاب الثقايف :املنهج واملفهوم 241
ومفهوم التعددية (القومية �أو العوملية) داخل اخلطاب الثقايف الإعالمي. • حتليل �آليات الدمج /التفكيك التي يعتمد عليها اخلطاب يف بناء �أطروحاته املتعلقة بعالقة الذات الثقافية بالآخر.
جمتمع وع ّينة الدرا�سة
ع ّينة املجالت الثقافية
�شملت ع ّينة املجالت الثقافية داخل هذه الدرا�سة جمموعة املجالت التالية :1 • جملة الهالل (امل�رصية) :وهي جملة �شهرية،
الإعالم
تتبع هذه الدرا�سة �سمات و�أطر ت�شكيل اخلطاب الثقايف داخل نوعني من الو�سائل الإعالمية: • املجالت الثقافية العربية. • القنوات التليفزيونية ،والربامج التليفزيونية الثقافية املتخ�ص�صة. وبذا يتحدد جمتمع الدرا�سة التحليلية يف �إطار كل من املنظومتني الثقافيتني ال�صحفية والتليفزيونية .وقـد تـ ّم حتـديـد ع ّينـة من املجالت الثقافية العربية ،وكذلك من القنوات والربامج التليفزيونية الثقافية العربية املمثلة خل�صائ�ص جمتمع الـدرا�سة ،على النحو التايل:
وتعد �أقدم جملة ثقافية عربية� ،إذ ت�أ�س�ست عام 1892على يد جرجي زيدان ،وما زالت ت�صدر حتى الآن عن م�ؤ�س�سة «دار الهالل». • جملة الآداب (اللبنانية) :وهي جملة ت�صدر �ست مرات �سنوي ًا� ،أي كل �شهرين ،وتعد من �أقدم املجالت الثقافية يف العامل العربي� ،إذ �صدرت عام 1953من بريوت ،وتوىل مهمة ت�أ�سي�سها الأديب واملفكر اللبنـاين الدكتور «�سهيل �إدري�س» .والزالت املجلة م�ستمرة يف ال�صدور حتى الآن. • جملة العربي (الكويتية) :وهي جملة �شهرية ثقافية م�صورة ،ت�أ�س�ست عام ،1958وت�صدرها وزارة الإعالم بدولة الكويت لتوجه �إىل الوطن العربي ككل. • ال�صحيفة الثقافية (املغربية) :وهي جملة ت�صدر عن جملة فواني�س املغربية ب�صورة �شهرية .وجملة فواني�س هي جملة �إلكرتونية ُتعنى ب�ش�ؤون الأدب .2
ع ّينة القنوات والربامج التلفزيونية الثقافية
غطّ ت عي ّنة القنوات والربامج التليفزيونية مت حتليل اخلطاب املقدم عربها الثقافية التي ّ ما يلي: 3
1 العينة عدد من ال�رشوط� ،أهمها: يتحقق يف هذه ّ • تغطية قطاعات جغرافية متنوعة داخل العامل العربي ،ت�شمل امل�رشق العربي واملغرب العربي ،ووادي النيل. • التوجه �إىل جمالت ثقافية متنوعة على عدة م�ستويات� ،أهمها :التنوع على م�ستوى الر�ؤية والأهداف ،والتنوع على م�ستوى العمق التاريخي ،والتنوع على م�ستوى دورية ال�صدور، والتنوع على م�ستوى الطبيعة واخل�صائ�ص ،ما بني جمالت مطبوعة و�أخرى �إلكرتونية. 2 مت م�سح �أربعة من الأعداد ال�صادرة من كل جملة من هذه املجالت الأربع ،با�ستثناء ال�صحيفة الثقافية املغربية التي توافر منها ثالثة �أعداد فقط على موقع جملة فواني�س على �شبكة ّ مت م�سح �أربعة �أعداد من جملة الآداب البريوتية خالل عام ،2008غطت الأ�شهر التالية - :عدد يناير /فرباير /مار�س - .عدد �أبريل /مايو/ الإنرتنت (يناير – فرباير – مار�س .)2007و ّ مت ا�ستبعاد العدد ال�صادر يف يونيو - .عدد يوليو� /أغ�سط�س� /سبتمرب - .عدد دي�سمرب .وقد �صدر من جملة الآداب خالل عام 2008خم�سة �أعداد ،غطت الدرا�سة التحليلية �أربعة منها ،و ّ �أكتوبر /نوفمرب ،2008لالعتبارات املنهجية اخلا�صة باملقارنة ،بحيث اعتمدت الدرا�سة �سحب �أربعة �أعداد من كل من جملتي الهالل والعربي ب�أ�سلوب العينة املنتظمة .فتم تق�سيم ال�سنة مت �سحب العدد الأول من الفرتة الأوىل (�شهر يناير) ،والعدد الثاين من الفرتة الثانية (مايو) ،والعدد الثالث من الفرتة الثالية (�سبتمرب)، �إىل �أربع فرتات (ت�شتمل كــل فرتة على ثالثة �أ�شهر) ،و ّ والعدد الأخري من الفرتة الرابعة (�شهر دي�سمرب). 3 متت مراعاة جمموعة ال�رشوط الآتية يف حتديد هذه املجموعة من القنوات والربامج كمادة لتحليل اخلطاب الثقايف التليفزيوين: وقد ّ • التنويع على م�ستوى امللكية :حيث تتنوع �أ�شكال ملكية هذه القنوات ،ما بني قنوات متتلكها وتديرها حكومات (قناة النيل الثقافية) ،وثانية مملوكة ل�شعراء ومثقفني (القنوات ال�شعبية ال�سعودية). العينة قنوات تتخ�ص�ص ب�شكل كامل يف تقدمي الربامج الثقافية ،وقنوات ذات طبيعة عامة ،لكنها تويل الربامج • التنويع على م�ستوى الإطار التليفزيوين لتقدمي اخلطاب :حيث �شملت ّ الثقافية �أهمية خا�صة ،وبرامج ثقافية متخ�ص�صة تقدم يف قنوات عامة (برنامج ال�صالون الثقايف على القناة املغربية). • التنويع على امل�ستوى اجلغرايف :حيث تغطي العينة قنوات وبرامج ت�شمل ثالث دول عربية ،تتمثّل يف م�رص ،واململكة العربية ال�سعودية ،واململكة املغربية. فالعينة تتعامل مع قنوات ثقافية تهتم بتقدمي خطاب ثقايف يغطي �أجندة متنوعة من االهتمامات (قناة النيل الثقافية) ،وقنوات تركز على �أ�شكال • التنويع على م�ستوى اخلطاب: ّ ثقافية معينة ،مثل ال�شعر والثقافة ال�شعبية (القنوات ال�شعبية ال�سعودية) ،و�أخرى متزج اخلطاب الثقايف بق�ضايا و�إ�شكاليات الواقع العام ،بالإ�ضافة �إىل برنامج تليفزيوين يق ّدم الق�ضايا الثقافية من منظور احلوار مع الآخر (برنامج ال�صالون الثقايف). مت حتليل جمموعة من الربامج الأ�سا�سية التي تعر�ض على �شا�شتها خالل الأ�شهر الثالثة الأخرية من عام ،2008والأ�شهر الثالثة الأوىل من عام ويف �إطار كل قناة من القنوات ال�سابقة ّ ،2009يف �ضوء توافر ت�سجيالت للمادة الرباجمية اخلا�ضعة للتحليل.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 242للتنمية الثقافية
• قناة النيل الثقافية :وهي القناة العربية الأ�سا�سية املتخ�ص�صة ب�شكل �رصيح يف معاجلة ال�ش�ؤون الثقافية .وبد�أت تبث خدماتها – �ضمن باقة قنوات النيل املتخ�ص�صة – منذ عام .1998 • جمموعة القنوات ال�شعبية ال�سعودية :وت�شمل قناة ال�صحراء ،وديوان العرب ،واملرقاب .وهي قنوات تهتم بتقدمي ال�شعر والثقافة ال�شعبية ب�صورة �أ�سا�سية« .وقد ا�ستطاعت هذه القنوات ويف فرتة زمنية ق�صرية تكوين قاعدة م�ؤلفة من جمهور كبري الم�ست هذه القنوات م�شاعره، مبا تبثّه من واقع بيئته ،مرتكز ًة على تراثه و�أدبه ال�شعبي ،فوجد فيها متنف�س ًا بعيداً عن العديد من القنوات الف�ضائية الأخرى» .1وقد ا�ستطاعت هذه القنوات �أن تخلق نوع ًا من اجلدل حول طبيعة اخلطاب الذي تقدمه داخل املجتمع ال�سعودي ،الأمر الذي دفع بع�ض امل�س�ؤولني الإعالميني ال�سعوديني �إىل الت�أكيد على «�أن للإعالم ال�شعبي دوراً كبرياً وهام ًا، ومن اجليد �أن هذه القنوات ميتلكها م�ستثمرون �سعوديون ،وعلى هذه القنوات �أال ت�سعى �إىل الإ�ساءة لهذه البالد ،خ�صو�ص ًا بعد �أن �أ�صبح لها جمهورها الذي ت�ستطيع الت�أثري عليه. ومن املهم �أال تنزلق هذه القنوات يف ما ي�سمى بالقبلية والعن�رصية والطائفية» .2 • برنامج ال�صالون الثقايف الذي يقدم على
القناة املغربية الف�ضائية بالتعاون مع تليفزيون دويت�ش فيال الأملاين .ويبث حلقاته منذ �شهر �أكتوبر .2008 ي ّت�ضح مما �سبق �أن عينة املجالت والقنوات والربامج الثقافية العربية التي خ�ضعت للتحليل تغطي عدداً من الدول العربية ،ت�شمل ك ًال من: م�رص والكويت ولبنان واملغرب واململكة العربية ال�سعودية ،وعلى الرغم من �أن مفردات هذه العينة تنتمي �إىل دول عربية بعينها� ،إال �أن ذلك ال يعني �أن كل نافذة �إعالمية منها كانت مغلقة على املبدعني واملثقفني املحليني ،بل كانت مفتوحة ك�ساحة ي�ستطيع مثقفون عرب من �أقطار متنوعة التعبري فيها ،وهذا ما جعلها م�ساحة جيدة الكت�شاف مالمح اخلطاب الثقايف الإعالمي بتنويعاته واجتاهاته القطرية كافة التي تغطي العامل العربي ككلّ.
منهج الدرا�سة
تعتمد الدرا�سة على منهج امل�سح كمنهج رئي�سي ،واملنهج املقارن كمنهج م�ساعد. وي�ستند منهج امل�سح �إىل جمع وحتليل البيانات املتوافرة كافة حول ظاهرة �إعالمية مع ّينة من �أجل الإجابة عن ت�سا�ؤالت �أو اختبار فرو�ض حم ّددة تطرحها الدرا�سة .3ويت ّم تطبيق هذا املنهج على م�ستويني: امل�ستوى الأول ،ويتعلق مب�سح الر�سالة
1انظر يف ذلك :قا�سم الروي�س ،ف�ضاء القنوات ال�شعبية وثنائية ال�شاعر والناقة (يف)http://jehaat.com/vb/showthread.php?t=5601 : 2انظر يف ذلك :ت�رصيح وكيل الإعالم ال�سعودي د .عبد اهلل اجلا�رس يف احتفال جمعية النا�رشين ال�سعوديني (يف)http://www.alriyadh.com/2009/08/06/article450108.html :
3 مت بناء ا�ستمارة حتليل امل�ؤ�رشات الكمية لأبعاد وعنا�رص م�ضمون اخلطاب الثقايف الذي تقدمه املجالت الثقافية ،والقنوات والربامج الثقافية التليفزيونية ،يف �ضوء عدد مـن املحاور ،غطّ ى ّ كل حمور منها عدداً من املتغريات التي ا�ستهدفت الدرا�سة حتليلها ،وذلك على النحو التايل: • حمور املو�ضوعات التي يعاجلها امل�ضمون الثقايف للخطاب :وي�شمل هذا املحور جمموعة املتغريات التالية: متغري نوع الق�ضايا التي يطرحها اخلطاب. متغري الت�صنيف املو�ضوعي للربامج الثقافية. حمور القوالب الفنية امل�ستخدمة يف تقدمي املادة اخلطابية. متغري القطاعات الثقافية التي يغطيها اخلطاب (فكر /فن � /أدب /علوم ،وغري ذلك).• حمور م�صادر املعلومات داخل اخلطاب :ويت�ضمن املتغريات التالية: – متغري نوع م�صادر املعلومات التي يعتمد عليها اخلطاب (�أ�ساتذة جامعات /فنانون /رجال دين /مفكرون ،وغري ذلك). – متغري القوى الثقافية الفاعلة التي يربزها اخلطاب (مثقفون ر�سميون /مثقفون معار�ضون لل�سلطة /مثقفون م�ستقلون). – متغري معدالت �إبراز العنا�رص الذكورية والن�سوية كقوى فاعلة داخل اخلطاب. • حمور التوجهات الزمنية واملكانية للخطاب :ويربز يف �سياقه املتغريات التالية: متغري التوجه املكاين للخطاب (قطري � /إقليمي /دويل). متغري التوجه الزمني للخطاب (تاريخي /حايل /م�ستقبلي).•حمور القيم املت�ضمنة يف اخلطاب :وي�شمل املتغريات الآتية: متغري القيم ال�سلبية امل�ستخدمة يف و�صف الذات. متغري القيم الإيجابية امل�ستخدمة يف و�صف الذات. متغري القيم ال�سلبية امل�ستخدمة يف و�صف الآخر. -متغري القيم الإيجابية امل�ستخدمة يف و�صف الآخر.
الف�صل االول اخلطاب الثقايف :املنهج واملفهوم 243
ال�صحفية ،وتتحدد هذه الدرا�سة يف اخلطاب الثقايف املقدم عرب املجالت الثقافية العربية ب�صورة رئي�سية ،وخطـاب ال�صفحات الثقافية املتخ�ص�صة باجلرائد اليومية ب�صورة فرعية. � ّأما امل�ستوى الثاين ،فريتبط مب�سح الر�سالة التليفزيونية ،وتتح ّدد يف اخلطاب الثقايف الذي تقدمه القنوات التليفزيونية الثقافية ،والربامج الثقافية املتخ�ص�صة على القنوات العامة.
�إجراءات اختبار �صدق �أداة التحليل وثباتها
ُيق�صد ب�صدق التحليل مدى �صالحية
الإعالمي .وقد اعتمدت الدرا�سة يف هذا ال�سياق على �أ�سلوب التحليل الإح�صائي الو�صفي، لو�صف التكرارات والن�سب اخلا�صة بعنا�رص كل متغري ،باالعتماد على برنامج التحليل الإح�صائي .SPSS واعتمدت الدرا�سة على مدخل التحليل الكيفي ب�صورة �أ�سا�سية يف حتليل الأطروحات املت�ضمنة يف اخلطاب ،وا�ستك�شاف الأطر املرجعية التي يعتمد عليها ،وكذلك ال�سمات والأو�صاف التي تقدم يف �إطارها القوى الفاعلة داخل اخلطاب.
الأداة البحثية لقيا�س ما و�ضعت لقيا�سه ،مفهوم اخلطاب الثقايف يف و�سائل ومدى �صالحيتها لتحقيق �أهداف الدرا�سة .الإعالم
�أ�ساليب حتليل البيانات
اعتمدت الدرا�سة على املزاوجة ما بني املدخلني الكمي والكيفي يف حتليل البيانات، حيث ا�ستخدم املدخل الأول يف حتليل املتغريات التي ا�ستهدفت الدرا�سة قيا�سها كمي ًا لتحديد خ�صائ�ص امل�ضمون الثقايف للخطاب 1
2
الإعالم
وللت�أكد من �صدق ا�ستمارة التحليل الكمي لأبعاد اخلطاب الثقايف عرب و�سائل الإعالم فقد مت عر�ضها على جمموعة من املحكمني ،1ويف ّ مت تعديل اال�ستمارة لتو�ضع �ضوء مالحظاتهم ّ يف �شكلها النهائي ال�صالح للتطبيق� .أما ثبات التحليل فيق�صد به �إمكان تكراره واحل�صول على نتائج ثابتة .وقد قام الفريق البحثي ب�إجراء اختبار الثبات باالعتماد على اثنني من �أع�ضائه 2عن طريق معادلة هول�ستي ،Holsty و�أجري االختبار على عينة تبلغ ن�سبتها ()%5 من �إجمايل العينة التي مت �إخ�ضاعها للتحليل، ومت التو�صل �إىل معامل ثبات قيمته (.)0.93
هناك �إ�شكالية �أ�سا�سية ترتبط بتحديد مفهوم اخلطاب الثقايف داخل و�سائل الإعالم، وهي ترتبط ب�إ�شكاليتني �أخريني �أكرب تت�صالن بتحديد مفهوم ك ّل من الثقافة من ناحية واخلطاب من ناحية �أخرى.
مفهوم الثقافة
يعد مفهوم الثقافة من �أكرث املفاهيم الأنرثبولوجية رحابة وات�ساع ًا .فقد امت ّد علماء هذا التخ�ص�ص مبا يعنيه م�صطلح «ثقافـة» لي�شمل ذلك الكل املعقد الذي يت�ضمن املعرفة، واملعتقد ،والفن ،وا ُ خللق ،والقانون ،والعادات االجتماعية و�أية �إمكانيات اجتماعية �أخرى بل وطبائع اكت�سبها الإن�سان كع�ضو يف جمتمعه(.)1 وقد اعترب البع�ض الثقافة واحل�ضارة �سواء ،وجعلوا للثقافة وجهني� ،أولهما ذاتي ًا: وهو ثقافة العقل ،وثانيهما مو�ضوعي ًا :وهو جمموع العادات ،والأو�ضاع االجتماعية،
�شملت قائمة حمكمي اال�ستمارة ك ًال من: �أ .د /ان�رشاح ال�شال ..الأ�ستاذ بكلية الإعالم – جامعة القاهرة. �أ.د /جنوى عبد ال�سالم ..الأ�ستاذ بق�سم الإعالم بكلية الآداب – جامعة عني �شم�س. �أ .د /حممد �سعد ..رئي�س ق�سم الإعالم بكلية الآداب -جامعة املنيا. �أ .د � /شاهيناز ب�سيوين ..الأ�ستاذ امل�ساعد بكلية الإعالم – جامعة القاهرة. د /حممود حمدي ..املدر�س بق�سم الإعالم بكلية الآداب – جامعة املنيا.الدكتورة �شريين �سالمة ،والأ�ستاذة /و�سام هندي.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 244للتنمية الثقافية
والآثـار الفكرية ،والأ�ساليب الفنية والأدبية، والطرق العلمية والتقنية ،و�أمناط التفكري، والإح�سا�س ،والقيم الذائعة يف جمتمع معني، �أو هو طريقة حياة النا�س وكل ما ميلكونه وما يتداولونه اجتماعي ًا ،ال بيولوجي ًا (.)2 وي ّتفق الكثري من علماء االجتماع والأنرثبولوجيا على تو�سيع مفهوم الثقافة لي�شمل العادات والقيم والأفكار واالعتقادات التي حتكم العقل الإن�ساين ،ويف �إطار حماوالت ق�سمه البع�ض �إىل تفكيك هذا امل�صطلح ّ م�صطلحني فرعيني� ،أولهما الثقافة العلمية وثانيهما الثقافة الأدبية .ومن الوا�ضح �أن هذا التق�سيم مل ي�ستبعد �أن�شطة �إن�سانية معينة من االندراج حتت مفهوم الثقافة� ،إذ �إن الثقافة مبفهومها الأدبي ت�شمل ،بالإ�ضافة �إىل �صور الإبداع الأدبي ،الأفكار والأن�شطة كافة ذات الطابع ال�سيا�سي �أو االقت�صادي �أو االجتماعي �أو التاريخي وغري ذلك. و�إذا كان الباحثون الغربيون ينظرون �إىل الثقافة من منطلق الأدوات القادرة على غر�س قيم و�أفكار وتقاليد ،ف�إن ر�ؤية الباحثني العرب �أحيان ًا ما تتفّق مع هذا املفهوم ،و�أحيان ًا تتعاك�س معه ،وت�ؤكد على ذاتية العوامل التي تدفع الفرد �إىل احل�صول على املعارف واملعطيات الثقافية ،وت�ش ّدد هذه الر�ؤية �أي�ض ًا على التفرقة بني ما هو �أخالقي وما هو غري �أخالقي يف هذه املعارف واملعطيات. وعلى الرغم من الت�سليم ب�شمولية مفهوم الثقافة ملعطيات احلياة الإن�سانية كافة� ،إال �أن ذلك ال يعني �سيطرة ك ّل هذه املعطيات على كل مرحلة من تاريخ الب�رش� ،إذ من املمكن �أن ي�شهد معطى معني �صعوداً خالل مرحلة تاريخية حم ّددة على ح�ساب املعطيات الأخرى لي�صبح اجلوهر احلاكم للخطاب الثقايف ال�سائد خالل تلك املرحلة .وينطبق هذا الأمر ب�صورة وا�ضحة على اخلطاب الثقايف العربي الذي �شهد ت�أرجح ًا وحتو ًال يف عنا�رصه املركزية عند االنتقال من مرحلة تاريخية �إىل �أخرى .فمنذ مواجهة العقل العربي ل�صدمة احلملة الفرن�سية على
م�رص ( )1798وطرح الأ�سئلة املتعلقة باحلداثة والنه�ضة ،برز العن�رص الديني يف اخلطاب الثقايف ب�صورة وا�ضحة ،حيث كان املثقف احلقيقي القادر على طرح تف�سريات وحلول مل�شكالت املجتمع هو رجل الدين ،وقد ارتبطت مركزية العن�رص الديني يف اخلطاب الثقايف يف العامل العربي مبحاولة حماية الذات يف مواجهة �صدمة اال�ستعمار الذي بد�أ يف الزحف على الكثري من البالد العربية. �شهد الأمر بعد ذلك نوع ًا من التح ّول على �أيدي الأدباء ،و�أ�صبح الإبداع الأدبي عن�رصاً رئي�سي ًا من عنا�رص الفعل الثقايف ،ومع تو�سع �أدوار الأدباء يف حياة النا�س و�صعودهم كنخب م�ؤثرة وفاعلة ومطالبة بتف�سري وطرح حلول مل�شكالت النا�س ،بد�أ دور الأديب املثقف ٍ يف االمتداد والت� ّرسب من حقل الأدب �إىل حقول ال�سيا�سة واالقت�صاد واالجتماع .وارتبطت مركزية العن�رص الأدبي والفكري يف اخلطاب الثقايف مبرحلة الليربالية التي بد�أت يف الظهور داخل بع�ض املجتمعات العربية (حالة م�رص مث ًال). وحترر الكثري من الدول ومع قيام الثورات ّ العربية من اال�ستعمار ،وحت ّول الكثري منها �إىل �أنظمة احلكم الع�سكري ،جتلّى اخلطاب الثقايف كانعكا�س لتوجهات ال�سلطات احلاكمة� ،سواء كان م�صدره املفكّرين� ،أم الأدباء� ،أم رجال الدين املوظفني لدى ال�سلطة ،وبد�أت عنا�رص �أخرى من التكنوقراط تربز كم�صادر لإنتاج هذا اخلطاب ،مثل �أ�ساتـذة اجلامعات .ويف ك ّل الأحوال بدا اخلطاب الثقايف �أكرث الت�صاق ًا باخلطاب ال�سيا�سي ،و�أ�صبحت املو�ضوعات ال�سيا�سية واالقت�صادية تدخل �ضمن �أجندته.
مفهوم اخلطاب
من الإ�شكاليات الأ�سا�سية يف جمال اخلطاب �إ�شكالية حتديد مفهومه ،ويتعقّد الأمر ب�صورة �أكرب عندما ي ّت�صل باخلطاب الثقايف« .ف�إذا كـان بالإمكان درا�سة احلالة املادية واالقت�صادية يف املجتمع بدقة العلوم
الف�صل االول اخلطاب الثقايف :املنهج واملفهوم 245
مفهوم اخلطاب الثقايف الإعالمي
يو�صف الإعالم ب�أنه ثقايف حينما يكون امل�ضمون الذي يقدمه املر�سل ثقافي ًا ،وبذلك ميكن نقل املعارف الثقافية �إىل اجلمهور. فالإعالم الثقايف هو عملية يتم عن طريقها �إر�سال ر�سالة ثقافية ،يف �إطار دائرة معينة، �إىل امل�ستقبل ،مع النتائج املرتتبة عن ذلك. وال خالف على �أن حتديد طبيعة امل�ضمون الثقايف يت�صل مبراجعة مفهوم الثقافة يف ح ّد ذاته .وكما �سبقت الإ�شارة ف�إن معظم التعريفات التي قدمت للثقافة تتفق يف نقطة واحدة، هي حتويل الثقافة �إىل جمموعة من املعارف واالعتقادات والقيم والأخالق والعادات التي يكت�سبها الفرد جراء انتمائه �إىل جمتمع من
الإعالم
الطبيعية ،ف�إن درا�سة احلالة الفكرية والذهنية تبدو معقدة و�شائكة» (.)3 ويتح ّدد مفهوم اخلطاب عند م�ستويني �أ�سا�سيني: • امل�ستوى ال�ضيق :Microوهو خا�ص بطريقة �إنتاج املعاين التي حتملها اجلمل والكلمات التي الن�ص� ،أي البنية اللغوية للخطاب. تظهر يف ّ • امل�ستوى املتّ�سع :Macroويتعلق باملو�ضوعات املطروحة يف الن�ص .ويتح ّدد املو�ضوع داخل اخلطاب يف جمموعة املقوالت التي ت�شكّل البنية الداللية امل ّت�سعة له وتهيكل املعلومات املهمة به (.)4 وال يزال هناك جدل بني هذين التوجهني يف حتليل اخلطاب ما بني �أ�صحاب االجتاه الأل�سني الذين يرون �أن اجلملة هي الوحدة الأ�سا�سية التي ينبغي االعتماد عليها يف حتليل اخلطاب ،يف حني يدعو اجتاه بحثي �آخر �إىل النظر �إىل اخلطاب ومادة حتليله يف ف�ضاء ن�صي �أكرث ات�ساع ًا من اجلملة ،وينظر من خالله �إىل الن�ص ككل كوحدة حتليل للخطاب .ويف مت حتديد مفهوم اخلطاب يف هذه �ضوء ذلك ّ الدرا�سة على �أنه ي�شمل الن�ص ككل مبا يتكون منه من جمل تنقل �أفكاراً ور�ؤى معينة يتبناها منتجه .وهذا املفهوم للخطاب �أكرث ات�ساع ًا.
املجتمعات .فالثقافة هي �أول ن�شاط اجتماعي لأنها ال�رشط الأول حل�صول لقاء بني �أفراد ،لقاء ي�أخذ بال�رضورة بعداً تاريخي ًا� ،أي ال ينتهي مبا�رشة يف اللحظة التي يرتك فيها فر ٌد معني فرداً �آخر ،وبعداً جغرافي ًا� ،أي ال يربط فقط بني �أفراد دخلوا يف عالقات �أحدهم مع الآخر يف ً (.)5 الزمان ولكن يف املكان �أي�ضا وعندما ت�صبح الثقافة مو�ضوع ًا ومادة من مواد اخلطاب الإعالمي ،ف�إن هذا اخلطاب ين�شط يف تفعيل وظيفة الثقافة ك�أداة للتوحيد والدمج ،وميكننا ت�ص ّور �أن هذا الهدف للثقافة حتققه وظيفتان �أ�سا�سيتان من وظائف و�سائل الإعالم هما: • وظيفة نقل القيم Transmission of Valu :uesوتتحقق هذه الوظيفة من خالل ما تقوم به و�سائـل الإعالم من عمليات دمج اجتماعى ،Socializationوي�شري امل�صطلح �إىل الطريقة التي يتبنى بها الأفراد قيم ومواقف و�سلوك اجلماعة التي ينتمون �إليها. • وظيفة االرتباط �أو التوا�صل :Linkageفو�سائل الإعالم قادرة على �إيجاد ارتباط وتوا�صل بني �أفراد املجتمع من خالل �آليات االت�صال ال�شخ�صي ،كما تربط هذه الو�سائل �أي�ض ًا بني العديد من اجلماعات امل�شتتة جغرافي ًا والتي (.)6 ميكن �أن جتمعها قيم واهتمامات م�شرتكة لكن يبقى �أن توظيف الثقافة ك�أداة للدمج ونقل القيم داخل املجتمع الواحد ي�أخذ يف الأغلب منحى قطري ًا ،مبعنى �أن اخلطاب هنا يبحث عن املعاين امل�شرتكة التي ميكن �أن جتمع �أفراد جمموعة ب�رشية حمددة حتيا داخل رقعة جغرافية وا�ضحة احلدود واملعامل .وال خالف على �أن الثورة املتنامية يف جمال تكنولوجيا االت�صال الف�ضائي ت�ضاعف با�ستمرار من قدرة و�سائل الإعالم على القيام بهذه الوظائف، بالإ�ضافة �إىل ما ترتب عنها من و�ضع الهوية اخلا�صة للذات الثقافية �أمام هويات �أخرى تعبرّ عن ذوات ثقافية خمتلفة ،توظف الإعالم بالطريقة نف�سها من �أجل �إبراز هوية الذات يف جدلها و�رصاعها مع الآخر .وتزداد م�ساحات مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 246للتنمية الثقافية
وامتدادات اخلطاب لي�أخذ منحى قومي ًا (يجمع ما بني جمموعة من الأقطار) يف الأحيان التي ُيربز فيها قيم ًا �أو معاين ثقافية م�شرتكة جتمع ما بني �أفراد يعي�شون يف �أطر جغرافية وقطرية خمتلفة.
العوامل احلاكمة لإنتاج اخلطاب الثقايف عرب �أجهزة الإعالم
• تعبري اخلطاب الثقايف عن هوية خا�صة: فاخلطاب الثقافــي داخل و�سائل الإعالم يعك�س معامل و�سمات الهويـة اخلا�صة للمجموعة الب�رشية التي يعبرّ عنها ،وتبع ًا للجهة املالكة للو�سيلة الإعالمية تتح ّدد طبيعة يتحرى اخلطاب الثقايف التعبري الهوية التي ّ عنها �أو جتذيرها لدى املتلقي .على �سبيل املثال جند �أن قناة النيل الثقافية (امل�رصية) اختطّ ت لنف�سها هدف ًا ح ّددته منذ بداية عملها يف «االلتفات يف ما تقدمه من مواد ثقافية �إىل ما يربز اخل�صو�صية امل�رصية ،و�إجراء حوارات بني االتــجاهـات والأيــديولوجيات الــفكرية وال�سيا�سية حول م�ستقبل الثقافة امل�رصية والعربية يف ظ ّل مفاهيم العوملة واخل�صو�صية الثقافية والهوية ،والرتكيز على جوانب التم ّيز يف الرتاث امل�رصي عرب مراحله التاريخية املختلفة :الفرعونية والقبطية والإ�سالمية والعربية ،و�إلقاء ال�ضـوء على التفاعل احل�ضاري مت على هذه الأر�ض» (.)7 املتميز الذي ّ و�إذا نظرنا �إىل قناة �أخرى مثل قناة ال�صحراء (ال�سعودية) ف�سنجد �أنها اختطت لنف�سها �أي�ض ًا هدف ًا يعك�س ر�ؤيتها يف التعبري عن هوية املجتمع املحدد الذي تعبرّ عنه� ،أ�شارت يف �سياق حديثها عنه �إىل �أنه «حينما نذكر ال�صحراء يتبادر �إىل الذهن العربي ابن ال�صحراء الذي افرت�ش �أر�ضها والتحف �سماءها وتعلم من جبالها ال�شموخ ،ومن جمالها ال�صرب ،ومن ريا�ضها ال�شعر والنرث ،واغت�سل من غدرانها، وانطلق من جزيرة العرب يبني احل�ضارات، وين�رش الطهر والنقاء يف �أر�ض اهلل» (.)8
• انطالق اخلطاب من مفهوم ال�سيادة الثقافية: فاخلطاب الثقايف عرب و�سائل الإعالم يتحرى با�ستمرار حماية الذات اجلماعية ،بل وحماولة ت�رسيب معامل خ�صو�صيتها �إىل الآخر والت�أثري ب�سماته اخلا�صة على هوية الآخر املت�صارع معه �أي�ض ًا عرب و�سائل �إعالمية �أخرى .ففي ع�رص العوملة تتناف�س اخلطابات الثقافية عرب �أجهزة الإعالم يف �ضوء حمددين �أ�سا�سيني «�أولهما مدى قدرة الثقافة على حماية ذاتها من االن�صهار �أو الذوبان� ،سواء املبا�رش �أم غري املبا�رش� ،أو الواعي �أم غري الواعي ،يف الآخر، وبالتايل مدى قدرتها على حتقيق تعامل واع مع حماوالت الآخر اال�ستقطابية� ،سواء املوجهة واملق�صودة منها �أم غري املوجهة. ّ وثانيهما مدى قدرة الثقافة على �أن ت�ؤدي دوراً ا�ستقطابي ًا يحقق جناح ًا يف جذب الآخرين (.)9 وامتثالهم لها» • تبنّي مفهوم متباين للخطاب الثقايف: فاخلطاب الثقايف عرب و�سائل الإعالم يت�أرجح بني التمــركز حول عن�رص معني من عنا�رص �أو مفردات الأجندة الثقافية (ال�شعر �أو الثقافة ال�شعبية) وبني التو�سع واالمتداد �إىل �أجندة وعنا�رص خمتلفة من عنا�رص املنظومة الثقافية ،لين ّوع يف ما يقدمه من م�ضامني ثقافية بحيث يتوافق مع مفهوم �شمولية الثقافة للعديد من الأن�شطة الإن�سانية (ذات الطابع الفكري �أو الذهني) .على �سبيل املثال جند يف هذا االجتاه �أن قناة مثل الأماكن (ال�سعودية) تنظر �إىل الثقافة من منظور �شعبي ،وتركز خطابها على الثقافة ال�شعبية، وخ�صو�ص ًا ال�شعر ،يف املقام الأول ( .)10ويتمركز خطاب قناة ديوان العرب (ال�سعودية) �أي�ض ًا حول ال�شعر وق�ضاياه وم�شكالته ،خ�صو�ص ًا داخل اململكة العربية ال�سعودية .ويف املقابل من ذلك جند �أن هناك قنوات متيل �إىل تنويع امل�ضمون املقدم عرب خطابها الثقايف ،منها قناة النيل الثقافية – كما �سبق و�أ�رشنا –التي تقدم خطاب ًا ثقافي ًا ميتزج فيه الأدب بالتاريخ بال�سيا�سة بال�سينما بالفنون ال�شعبية مبظاهر
الف�صل االول اخلطاب الثقايف :املنهج واملفهوم 247
الإعالم
الفولكور والعادات امل�رصية (.)11 • تع ّدد الأدوات التعبريية للخطاب :ويرتبط هذا الأمر بتن ّوع الو�سائط التي تعتمد عليها و�سائل الإعالم يف نقل م�ضامني اخلطاب الثقايف، �سواء متثلت يف ن�صو�ص� ،أم يف و�سائط �سمعية �أو ب�رصية ،مبا يعطيها فر�صة كبرية لتغطية نواحي الن�شاط الثقايف كافة ب�شتى �صوره وجتلياته. • جماهريية اخلطاب الثقايف :رمبا كان م�صطلح الثقافة اجلماهريية mass culture من �أكرث امل�صطلحات الت�صاق ًا بو�سائل الإعالم. فالثقافة اجلماهريية تعني جمع الأفكار كافة ذات الطابع ال�شعبي ،وجمموعة العادات والت�صورات امل�سيطرة على جمموعة ب�رشية معينة والأكرث قبو ًال من جانب �أفرادها ،ب�سبب تركيزها على العنا�رص امل�شرتكة التي جتمع بينهم ( .)12وقد وفّرت و�سائل الإعالم م�ساحة مت�سعة لن�رش هذا النوع من الثقافة التي ت ّت�سق مع طبيعتها كو�سائل جماهريية ،ورمبا كان
ذلك هو ال�سبب يف تركيز الكثري من القنوات الثقافية العربية على جمال الأدب والفولكلور والعادات ال�شعبية. • التباين يف درجة عالقة اخلطاب الثقايف بال�سلطة ال�سيا�سية :فاخلطابات الثقافية املقدمة عرب و�سائل الإعالم العربي تتباين يف م�ستوى عالقتها بال�سلطة ال�سيا�سية .فهناك و�سائـل مملوكة مل�ؤ�س�سات ثقافية و�صحفية تابعة للحكومات (مثل جملة الهالل امل�رصيــة وجملة العربي الكويتية) ،وهناك و�سائل �إعالمية �أخرى خا�صة (مملوكة لرجال �أعمال) ال تعرب عن ال�سلطة ال�سيا�سية يف بالدها ،ويف الوقت نف�سه ال تعاك�سها (مثل قناة ال�صحراء وقناة املختلف) .ويبدو هنا �أن ظاهرة القنوات التليفزيونية الثقافية مرتبطة مبفهوم امللكية اخلا�صة يف الإعالم العربي ،يف حني ترتبط املجالت الثقافية – يف الأغلب – مبفهوم امللكية احلكومية.
(http://www.arabworldbooks.com/Articles/articles50.htm )1 ( )2ريا�ض قا�سم ( ،)2003الثقافة واملثقف يف الوطن العربي (يف) ،الطبعة الثانية� ،سل�سلة كتب امل�ستقبل العربي ( )10بريوت :مركز الدرا�سات الوحدة العربية ،ص.9 ( )3حممد اليمني ( ،)2006اخلطاب ال�سيا�سي للطبقة الو�سطى امل�رصية :درا�سة حتليلية لأفكار بع�ض رموز الطبقة الو�سطى( ،يف) http://www.kotobarabia.com (Dijk Van , Teun A. (1994) , Discourse and Cognition in Society , Communication Yearbook / 14 , Lond )4 don: Sage Publication , 1994 ,P 230 ( )5بـــرهان غليون ( ،)1986جمتمع النخبة ،بريوت ،معهد الإمناء العربي� ،ص � ،75ص .77 (Dominick , Joseph R. (1987) , The Dynamics of Mass Communication (New York: Random House , )6 .P. 34 (.Http://www.ertu.org/nile_chan/ nl_culture.html )7 (http://www.alsahraa.tv )8 ( )9جابر علي خطاب� ،أزمة الإن�سان العربي املعا�رص يف �ضوء �إ�شكاليات االنفتاح والعوملة( ،د .ن)� ،ص .55 (http://www.almajlis.net/special/342-2009-02-17-00-48-44.html )10 (http://www.moheet.com/show_news.aspx?nid=182346&pg=62 )11 (http://en.wikipedia.org/wiki/Popular_culture )12
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 248للتنمية الثقافية
الف�صل الثاين اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية ملمح عام
يق ّدم هذا الف�صل حتلي ًال ل�سمات و�أطر ت�شكيل اخلطاب الثقايف املقدم عرب ال�صحافة العربية ،من خالل حتليل م�ستويات اهتمام اجلرائد اليومية العربية بتخ�صي�ص �صفحات للثقافة ،وطبيعة امل�ضمون الذي تقدمه هذه ال�صفحات ،ثم يت�صدى بعد ذلك لو�صف وحتليل املالمح وال�سمات الأ�سا�سية التي متيز اخلطاب الثقايف داخل ع ّينة من املجالت الثقافية العربية (جملة الهالل امل�رصية – جملة العربي الكويتية – جملة الآداب اللبنانية – «ال�صحيفة الثقافية» املغربية) ،وذلك على م�ستويني �أ�سا�سيني: • م�ستوى الق�ضايا العامة التي يطرحها م�ضمون اخلطاب :ويف هذا ال�سياق ُيعنى التحليل بو�صف وحتليل جمموعة اجلوانب الآتية داخل اخلطاب: • �أبعاد اخلريطة املو�ضوعية للم�ضمون، وتوزعها على االهتمامات الثقافية املختلفة (الفكر – الفن – الأدب – العلوم وغري ذلك). • القوى الفاعلة احلا�رضة �أو امل�سهمة يف �إنتاج املو�ضوعات املت�ضمنة يف اخلطاب ،وحتليل �سماتها على ع ّدة م�ستويات �أبرزها :االنتماء القطري (املكاين) ،واالنتماء الزمني (تاريخي – حديث – معا�رص) ،والنوعي ،وكذلك على م�ستوى دائرة الإبداع الثقايف (فن – �أدب – فكر وغري ذلك). • الر�ؤية املكانية التي تظهر داخل اخلطاب: لتحديد درجة متركز اخلطاب حول الذات القطرية (الدولة التي ت�صدر عنها املجلة)� ،أو التعدديــة القطرية (العربية)� ،أو تعددية الدوائر اجلغرافية والثقافية التي تغطيها مو�ضوعات اخلطاب.
• الر�ؤية القيمية داخل اخلطاب :وذلك من خالل حتديد جمموعة القيم الأ�سا�سية التــي يحملها م�ضمون املو�ضوعات التي ي�شتمل عليها اخلطاب ،واجتاهات تناوله ومعاجلته لها (�سلب ًا �أم �إيجاب ًا). • م�ستوى الق�ضايا املركزية التي ي�شتمل عليها اخلطاب :فمن خالل �إجراء درا�سة ا�ستطالعية مت حتديد �سل�سلة من الق�ضايا التي مبدئية ّ عك�س اخلطاب اهتمام ًا �أكرب بها ،وعبرّ عنها كق�ضايا �أ�سا�سية ت�شغل العقل العربي خالل عام ،2008ومن مناذج هذه الق�ضايا :ق�ضية العالقة بالآخر ،وق�ضية الطائفية ،وق�ضية العالقة بني املال والثقافة ،وق�ضية العالقة بني الرتاث واملعا�رصة ،والق�ضية الفل�سطينية وغريها.
� ً أوال :م�ستويات اهتمام اجلرائد اليومية العربية بال�صفحات الثقافية
ميثل امل�ضمون الثقايف معلم ًا �أ�سا�سي ًا من معامل التجربة ال�صحفية العربية .وينظر �إىل املواد الثقافية ك�شكل من �أ�شكال املواد ال�صحفية املتخ�ص�صة التي حتاول �أن تخاطب جمهور ال�صحيفة املهتم بال�ش�أن الثقايف .وت�أخذ ال�صحافة الثقافية املتخ�ص�صة �أحد �شكلني، �أولهما �شكل ال�صفحة الثقافية املتخ�ص�صة التي تن�رش يف جريدة عامة ،وثانيهما �شكل اجلريدة �أو املجلة املتخ�ص�صة ب�صورة كاملة يف املو�ضوعات وامل�ضامني الثقافية. مت �إجراء درا�سة ا�ستطالعية على وقد ّ املتخ�ص�صة التي تظهر الثقافية ال�صفحات ّ داخل اجلرائد اليومية بعدد من دول العامل العربي .وقد �أثبتت هذه الدرا�سة �أن الكثري من هذه اجلرائد تهتم بتخ�صي�ص �صفحات ُتعنى
الف�صل الثاين اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية 249
بق�ضايا الفكر والفن والأدب والعلوم .ويو�ضح اجلدول التايل م�ستويات اهتمام اجلرائد اليومية العربية املختلفة بال�صفحات الثقافية: (جدول رقم )1يالحظ من اجلدول ال�سابق �أن �أغلب اجلرائد اليومية العربية تهتم بتخ�صي�ص �صفحة واحدة للثقافة ،يف حني تخت�رص بع�ض اجلرائد هذه ال�صفحة �إىل باب حمدد (ي�شكل ن�سبة معينة من م�ساحة ال�صفحة) ،مثل �صحيفة ال�رشق القطرية ،يف حني تتو�سع بع�ض اجلرائد الأخرى يف عدد ال�صفحات التي تخ�ص�صها للمواد الثقافية ،لت�شمل ملحق ًا كام ًال يتكون جدول رقم 1 الدولة
الكويت الإمارات العربية
الأردن
قطر
اجلزائر
يو�ضح ال�صفحات الثقافية باجلرائد اليومية العربية ال�صحيفة
ال�صفحات الثقافية
احلياة
�صفحة �آداب وفنون
ال�رشق الأو�سط �صفحة املنتدى الثقايف الريا�ض
�صفحة ثقافة اليوم
الوطن
�صفحة �أخبار الثقافة
عكاظ
�صفحة امل�شهد الثقايف
الوطن
�صفحة الثقافة
ال�سيا�سة
ال�صفحة الثقافية
االحتاد
�صفحة الثقايف
اخلليج
�صفحة ثقافة
الر�أي
ملحق الثقافة (عدد من ال�صفحات)
الأهايل
�صفحة �ش�ؤون ثقافية
ال�سبيل
�صفحة �أوراق ثقافية
الد�ستور
�صفحة فن وثقافة
الغد
�صفحة ثقافة
ال�رشق
باب للأدب وال�شعر يف �صفحة متخ�ص�صة” “�صفحات ّ
الراية
�صفحة الثقافة والفنون
الوطن
�صفحة اجتاهات ثقافية
العرب
�صفحة الثقافة
اخلرب
�صفحة ثقافة
الوحدة
�صفحة الثقافة و�صفحة ال�شعر
البالد
�صفحة ثقايف
الدولة �سلطنة عمان �سوريا لبنان
البحرين م�رص
اليمن
ال�صحيفة
ال�صفحات الثقافية
الوطن
�صفحة ثقافة وفنون
عمان اليوم
�صفحة “منوعات” تن�رش بع�ض الأخبار واملواد الثقافية
ال�شبيبة
�صفحة ثقافة وفنون
الثورة
�صفحة �ش�ؤون ثقافية
النهار
امللحق الثقايف
اللواء
�صفحة اللواء الثقايف
ال�سفري
�صفحة الثقافة
امل�ستقبل
�صفحة ثقافة وفنون
الوطن
�صفحة الثقافة
الوقت
�صفحة “�أحلى الأوقات” تن�رش بع�ض الأخبار الثقافية
الأهرام
دنيا الثقافة (�صفحة ثقافة وفنون)
ال�رشوق
�صفحة ثقافة
الثورة
�صفحة ثقافة
�أخبار اليوم
�صفحة “فعاليات” تهتم بن�رش بع�ض الأخبار الثقافية
الغد
�صفحة �أدب وفن
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإعالم
اململكة العربية ال�سعودية
مــن عدة �صفحات ،مثل ملحق الثقافة الذي ت�صدره جريدة الر�أي الأردنية وملحق جريدة النهار اللبنان ّية .وتكتفي بع�ض اجلرائد العربية الأخرى مبجرد ن�رش �أخبار عن الفعاليات الثقافية املت�صلــة مبهرجانات وم�سابقات وغري ذلك ،مثل �صفحـة «منوعات» ب�صحيفة عمان اليوم العمانية ،و�صفحة «فعاليات» ب�صحيفة �أخبار اليوم اليمنية. الفن وهناك �صحف ترى الثقافة من منظور ّ فال تهتم بتخ�صي�ص �صفحة للمواد الثقافية، وتكتفي ب�إفراد – �أو �أكرث – للفن ،من بينها
التقرير العربي الثاين 250للتنمية الثقافية
يو�ضح �أ�ساليب ن�رش وتقدمي املواد الثقافية باجلرائد اليومية العربية
جدول رقم 2
التكرار
الن�سبة
�أ�سلوب الن�رش �صفحة ثقافية كاملة
21
61.8
�صفحة ثقافة وفن
5
14.7
باب ثقايف
4
11.8
�صفحة �أدب وفن
2
5.9
�صفحة ثقافة و�أدب
1
2.9
ملحق ثقايف من عدة �صفحات
1
2.9
املجموع
34
100
جدول رقم 3
يو�ضح املو�ضوعات التي عاجلتها املواد ال�صحفية داخل ال�صفحات الثقافية باجلرائد اليومية العربية التكرار
الن�سبة
املو�ضوع �أخبار عن �أن�شطة ثقافية (مهرجانات – ندوات – م�ؤمترات) �أخبار عن �إ�صدارات �أدبية ن�رش �إبداعات �أدبية �أخبار عن معار�ض الفن الت�شكيلي ق�ضايا ال�سينما ق�ضايا امل�رسح نقد �أعمال �أدبية حتليل لوحات فن ت�شكيلي عرو�ض كتب حوارات مع مفكرين �أخبار م�ؤ�س�سات ثقافية ق�ضايا الغناء العربي الأدب العاملي املتاحف العربية
91
20.1
70
15.5
42
9.3
42
9.3
36
8
28
6.2
28
6.2
21
4.6
21
4.6
20
4.4
15
3.3
14
3.1
12
2.7
12
2.7
املجموع
452
100
جرائد الوفد وامل�رصي اليوم 1واجلمهورية امل�رصية ،و�صحيفة الأيـام اليمنية ،وجريدة الأنباء الكويتية .ويــو�ضح اجلـدول التـايل �أ�ساليب الن�رش املتبعة يف تقدمي املواد الثقافية املتخ�ص�صة داخل اجلرائد اليومية العربية: (جدول رقم )2ي ّت�ضح من اجلدول ال�سابق �أن الن�سبة الأكرب من اجلرائد اليومية تكتفي بتخ�صي�ص �صفحة واحدة لن�رش املواد الثقافية املتخ�ص�صة ،يف حني تقل ن�سبة اجلرائد التي تخ�ص�ص باب ًا (م�ساحة �أقل من �صفحة) ي�شغل جزءاً من �إحدى �صفحاتها ،لتن�رش فيه بع�ض املواد الثقافية ،وكذلك تق ّل ن�سبة اجلرائد التي تخ�ص�ص عدة �صفحات (يف �شكل ملحق) لن�رش املواد ال�صحفية الثقافية. ومتزج ن�سبة ال ب�أ�س بها من اجلرائد العربية اليومية ( )%23.5امل�ضامني الثقافية مبواد �صحفية ذات �صلة بالثقافة – كفكر - لت�ضمها �صفحة واحدة .وتربط العديد من هذه اجلرائــد بني الثقافة والفن ،فتخ�ص�ص �صفحة واحدة لكل من ق�ضايا الفن ،وق�ضايا الثقافة، مثل جريدة الد�ستور الأردنية ،وجريدة الراية القطرية ،وجريدة الوطن العمانية ،وجريدة ال�شبيبة العمانية �أي�ض ًا .و�أحيان ًا ما يربط بع�ض اجلرائد بني الفن والأدب ليتم ت�ضمني موادهما يف �صفحة واحدة ،مثل جريدة احلياة ال�سعودية، وتربط بع�ض اجلرائد الأخرى ق�ضايا الثقافة بق�ضايا الأدب ،مثل جريدة الوحدة اجلزائرية. وتتن ّوع امل�ضامني الثقافية التي تن�رش على ال�صفحات الثقافية باجلرائد اليومية العربية ،وال�ستطالع الأ�شكال املختلفة لهذه مت حتليل املواد ال�صحفية التي امل�ضامنيّ ، ن�رشتها ال�صفحات الثقافية باجلرائد امل�شار �إليها يف اجلدول رقم ( ،)1خالل الأ�سبوع الأخري من �شهر دي�سمرب ،2008لتحديد املو�ضوعات التي ينقلها امل�ضمون ،با�ستخدام القالب ال�صحفي كوحدة حتليل .ويو�ضح اجلدول التايل هذه املو�ضوعات( :جدول رقم )3 1بد�أت جريدة «امل�رصي اليوم» يف �إ�صدار ملحق «�أ�سبوعي» للثقافة منذ الرابع من يونيو .2009
الف�صل الثاين اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية 251
ثاني ًا :خ�صائ�ص امل�ضمون ال�صحفي بخطاب املجالت الثقافية العربية - 1م�ضمون اخلطاب الثقايف يف جملة الهالل امل�رصية خريطة مو�ضوعات اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل
مت �إجرا�ؤه على ع ّينة يك�شف التحليل الذي ّ
التكرار
الن�سبة
املو�ضوع احتفاء ب�شخ�صية مبدع عر�ض وحتليل لإبداعات �أدبية مو�ضوعات فكرية مو�ضوعات تاريخية مو�ضوعات علمية وتكنولوجية تراجم �شخ�صية حوارات �صحفية عرو�ض كتب عر�ض وحتليل للوحات فنية متابعات مل�ؤمترات وندوات عر�ض وحتليل لإبداعات �سينمائية
43
51.2
10
11.9
6
7.1
5
6
4
4.8
4
4.8
3
3.6
3
3.6
3
3.6
2
2.4
1
1.2
املجموع
84
100
من �أربعة �أعداد من جملة الهالل امل�رصية تراوح اخلطاب الثقايف بها ما بني جمموعة من الدوائر التي تت�صل بالأدب والفن والعلم والفكر .ويو�ضح اجلدول التايل توزيع املواد ال�صحفية املختلفة التي ن�رشت مبجلة الهالل – خالل فرتة التحليل – على الدوائر املختلفة ال�سابقة( :جدول رقم )4 يو�ضح اجلدول ال�سابق الطابع االحتفايل الغالب على اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل� ،إذ جند �أن املواد ال�صحفية التي تعتني باالحتفاء ب�شخ�صية مبدع معينّ هي الأكرث ظهوراً يف اخلطاب ال�صحفي .وقد متثلت ال�شخ�صيات التي �أبرزها اخلطاب يف هذا ال�سياق يف كل من :الفنان بيكار (ال�شاعر والفنان الت�شكيلي)، واملطربة جناة ،والكاتب ال�صحفي كامل زهريي ،وال�سيد فاروق ح�سني وزير الثقافة امل�رصي. وعلى م�ستوى عر�ض وحتليل الإبداعات الأدبية اعتنى اخلطاب بتحليل �أعمال :الروائية مؤسسة الفكر العربي ّ
الإعالم
يالحظ من اجلدول ال�سابق غلبة الطابع الإخباري على املواد ال�صحفية املن�شورة يف ال�صفحات الثقافية باجلرائد اليومية العربية، فهناك ن�سبة كبرية من املتابعات الإخبارية للأن�شطة والفعاليات الثقافية ،من مهرجانات وندوات وم�ؤمترات ،بالإ�ضافة �إىل متابعة الإ�صدارات اجلديدة ،وخ�صو�ص ًا يف جمال الإبداع الأدبي ،ومتابعة فعاليات معار�ض و�إبداعات الفن الت�شكيلي .كما تهتم ال�صفحات الثقافية ب�إثارة العديد من الق�ضايا املتعلقة بالإنتاج ال�سينمائي وامل�رسحي والغنائي، بالإ�ضافة �إىل متابعة احلركة الثقافية من خالل عرو�ض الكتب. فالوظيفة الإخبارية هي الغالبة على امل�ضمون ال�صحفي بال�صفحات الثقافية ،يف حني ترتاجع �أهمية الوظيفة التف�سريية التي تتجلّى يف االهتمام بن�رش التقارير والتحقيقات حول الظواهر الثقافية القطرية والقومية. وتظهر الوظيفة التف�سريية فقط يف �إطار العديد من احلوارات التي اهتمت ال�صفحات الثقافية ب�إجرائها مع عدد من املفكرين واملبدعني العرب .وترتاجع �أي�ض ًا �أهمية الوظيفة النقدية، كوظيفة �أ�سا�سية من وظائف اخلطاب الثقايف. وقد ظهرت جتليات هذه الوظيفة يف �إطار بع�ض املقاالت النقدية التي تن ّوه بالأعمال الإبداعية للأدباء وال�شعراء العرب وحتلّلها ،بالإ�ضافة �إىل بع�ض املواد ال�صحفية التي ت�صدت لتحليل الفن الت�شكيلي. لوحات ّ
جدول رقم 4
يو�ضح املو�ضوعات التي توزعت عليها مواد اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل
التقرير العربي الثاين 252للتنمية الثقافية
الربيطانية دوري�س ل�سنج ،وال�شاعر الأمريكي ثـيـودور رثـكــي ،وتـحـليل �أ�سـاليب و�صف الإ�سكندرية يف الروايات الأدبية املحلية والأجنبية ،وحتليل رواية �سيد ق�شوع (من فل�سطينيي )48وعنوانها “عرب راق�صون”، ومو�ضوع عن ال�شاعر الإفريقي الأ�صل �إمييه �سيزير ،و�أربع مقاالت نقدية عن جتارب �شعرية ملبدعني من ال�شباب. �أما املو�ضوعات الفكرية فقد تناولت: تاريخ احلركة ال�شيوعية يف م�رص (حدتو)، ور�ؤية الفال�سفة لفكرة املوت واحلياة ،وخطاب التنوير تاريخه وتاريخيته ،والتمويل الأجنبي وا�ستقالل املنظومات احلقوقية ،و�آفة التن ّوع وال�رصاعات العرقية يف الواليات املتحدة، والأمثال ال�شعبية الكويتية ،ومو�ضوع عن التناول ال�شعبي لق�صة مو�سى واخل�رض. وتناولت الدائرة العلمية يف اخلطاب ع ّدة مو�ضوعات �شملت :الطاقة النظيفة ،والثقافة الرقمية وكيفية اال�ستفادة من بع�ض مواقع الإنرتنت ،واال�ستن�ساخ ،ومو�ضوع عن تطور العلم� .أما املو�ضوعات التاريخية فتناولت تاريخ كنائ�س م�رص املحرو�سة ،ومو�ضوع ًا عن التاريخ وثقافة امل�ستقبل ،ومو�ضوع ًا عن حنني ابن ا�سحق ودوره يف بعث النه�ضة العربية، ودرا�سة عن الثورة امل�رصية (يوليو ،)1952 �شكل رقم ()1 يو�ضح توزّع اهتمامات خطاب الهالل على قطاعات الإبداع الثقايف املختلفة
�أدب فن فكر تاريخ علم
�أدب
علم
تاريخ
فن فكر
ومو�ضوع ًا عن التاريخ القبطي. وغطّ ت تراجم ال�شخ�صيات ع ّدة مو�ضوعات عن وليم �شك�سبري ،ومنري �شكري ،وبديع عبد امللك ،و فوزي ا�سطفانو�س ،والكاتب ال�سينمائي عبا�س عالم .ون�رشت املجلة عدداً من احلوارات ال�صحفية مع رئي�س حتريرها جمدي الدقاق والر�سام حممد الطراوي ،وحديث ذكريات على بقلم �أحمد �إبراهيم الفقيه .ون�رشت ع ّدة عرو�ض ومراجعات لكتب �شملت :كتاب «هموم �سيا�سية :ال�سيد واخلادم” لـ حازم الببالوي، وكتاب “النقرا�شي با�شا” حلفيدة النقرا�شي با�شا ،وكتاب “حكاية لكل الع�صور لـ �رشيف مقر قنديل .وق ّدمت تغطية الحتفالية افتتاح ّ اتحّ اد ك ّتاب م�رص بالقلعة. وت�ضمن اخلطاب �أي�ض ًا عر�ض ًا وحتليالً لعدد من اللوحات الفنية �شملت :لوحة حدث يف ق�رص احلمراء ،ولوحة كوب ومظلة ،ولوحة الدوجنوان .ون�رشت تغطية مل�ؤمتر يف اجلزائر نظمته وزيرة الثقافة اجلزائرية خليدة بن تومي يف مواجهة الإرهاب ،بالإ�ضافة �إىل عر�ض وحتليل للفيلم ال�سينمائي جنينة الأ�سماك. يف �ضوء الت�أ�سي�س ال�سابق ميكننا و�صف اخلريطة املو�ضوعية للخطاب الثقايف داخل جملة الهالل على النحو التايل: • تنظر املجلة �إىل اخلطاب الثقايف كمزيح يحتوي يف دائرته على عدد من القطاعات الفنية والأدبية والفكرية والعلمية والتي تختلف يف احليز الذي ت�شغله على هذه الدائرة ويو�ضح ال�شكل التايل ذلك�( :شكل رقم )1 يو�ضح ال�شكل ال�سابق ان�شغال اخلطاب الثقايف يف جملة الهالل باملو�ضوعات الفكرية يف الأ�سا�س ( 32مو�ضوع ًا من �إجمايل 84 مو�ضوع ًا) .وقد تو ّزعت هذه املو�ضوعات على: احلديث عن �أحوال ال�صحافة امل�رصية وعالقة ال�صحافة بال�سلطة ،والتطور املهني للمدر�سة ال�صحفية امل�رصية على يد اجليل الثاين من ال�صحفيني امل�رصيني الذين برزوا بعد مرحلة الت�أ�سي�س يف تاريخ ال�صحافة امل�رصية ،وقد طرح اخلطاب هذه الق�ضايا يف معر�ض االحتفاء
الف�صل الثاين اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية 253
60 40 20 0
S1
مدار املو�ضوع
مدار الفرد
مبجلة الهالل� ،إذ ظهرت يف �إطار هذا القطاع ت�سعة مو�ضوعات ركّزت على جوانب يت�صل بع�ضها بالبيئة ،ويت�صل بع�ضها بتاريخ العلم، ويت�صل بع�ضها الآخر بالتطورات العلمية والتكنولوجية املعا�رصة. • غلب على اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل قدر كبري من ال�شخ�صانية� ،إذ ظهر الفرد “املبدع” كفاعل رئي�سي يف التعبري الثقايف ،يف مقابل املو�ضوع �أو الق�ضية الثقافية كمك ّون �أو ك�أ�سا�س يدور يف فلكه اخلطاب .ويو�ضح ال�شكل التايل ذلك�( :شكل رقم )2 وعلى الرغم من االعرتاف بالذات كمدار �أ�سا�سي من املدارات التي يدور يف فلكها الإبداع� ،إال �أن الإفراط يف ا�ستح�ضارها يجعل اخلطاب الثقايف تعبرياً عن جمموعة من الأفراد الذين يتمركز حولهم الفكر الإبداعي .وقد ظهر ذلك داخل اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل يف املو�ضوعات التي كان يتم االحتفاء فيها بنجوم الفكر والفن ،مبا فيهم وزير الثقافة امل�رصية نف�سه ،وكذلك يف الرتاجم ال�شخ�صية التي برز فيها العديد من رموز الفكر والعلم يف م�رص وخارجها ،بالإ�ضافة �إىل احلوارات ال�صحفية التي تعطي البطولة للفرد «املتحدث»، والتي كان من بينها حوار مع رئي�س حترير جملة الهالل نف�سه.
الإعالم
بالكاتب ال�صحفي كامل الزهريي .ي�ضاف �إىل ذلك جمموعة املو�ضوعات التي تناولت ق�ضايا فكرية خملتفة غلب عليها الطابع الفل�سفي يف �أحيان (فكرة املوت واحلياة) والت�أريخي يف �أحيان (تاريخ احلركة ال�شيوعية يف م�رص، وتاريخ االتنوير) ،وطابع االرتباط بق�ضايا الواقع املعا�رص يف �أحيان (منظمات حقوق الإن�سان). فقد نظر اخلطاب ال�صحفي �إىل الثقافة كفن بعد ذلك (20 كفكر يف الأ�سا�س ،ثم ّ الفن كطرب ومو�سيقى مو�ضوع ًا) .وبرز مفهوم ّ بالن�سبة الأكرب ( 12مو�ضوع ًا من بني 20 مو�ضوع ًا �صحفي ًا) ،وكفن ت�شكيلي بعد ذلك بالن�سبة الأقل ( 8مو�ضوعات) وركز يف هذا ال�سياق على فن الر�سم ،ويف مرة واحدة ظهرت ال�سينما كفن وذلك يف �سياق املقال النقدي الذي ت�صدى لتحليل فيلم جنينة الأ�سماك. وبرزت بعد ذلك دائرة الأدب ( 13مو�ضوع ًا). وقد برز يف هذا ال�سياق مفهوم الأدب كرواية �أكرث منه ك�شعر� ،إذ احتفى اخلطاب بالدرجة الأوىل بتحليل �أعمال روائية لكتاب م�رصيني وعرب وغربيني ،ويف حدود �أقل اهتم بتحليل بع�ض الإبداعات ال�شعرية ل�شعراء م�رصيني. ومن الالفت �أي�ض ًا �أن اخلطاب �أدخل التاريخ واملو�ضوعات التاريخية يف دائرة الثقافة .وكان هناك تركيز يف هذا ال�سياق على جوانب متنوعة من التاريخ القبطي مل�رص ،و�شكل التاريخ الإ�سالمي م�سكوت ًا عنه داخل اخلطاب ،حتى يف املرة الوحيدة التي مت االقرتاب فيه من تاريخ الدولة العبا�سية كانت زاوية الطرح هي الدور الذي لعبه العلماء الأقباط واليهود يف ترجمة املعارف الالتينية والفار�سية وغريها �إىل اللغة العربية ليتناولها العقل امل�سلم .وتطرق اخلطاب مرة واحدة �إىل �أحد املو�ضوعات املت�صلة بتاريخ م�رص احلديث ،وهو مو�ضوع الثورة امل�رصية يف يوليو .1952 و�شكّل العلم القطاع الأقل ظهوراً داخل الدائرة التي ت�شكّل يف �إطارها اخلطاب الثقايف
�شكل رقم ()2 يو�ضح املدارات ال�شخ�صانية واملو�ضوعية للخطاب الثقايف مبجلة الهالل
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 254للتنمية الثقافية
الر�ؤية ال�شخ�صانية للخطاب الثقايف مبجلة الهالل
خل�صنا ممّ ا �سبق �إىل �أن الطابع “ال�شخ�صاين” كان غالب ًا على اخلطاب الثقايف الذي قدمته جملة الهالل .وقد ظهر هذا الأمر ب�صورة جلية يف زيادة عدد املواد ال�صحفية التي تدور حول �شخ�صيات مبدعة يف جمال معينّ مقارنة بعدد املواد ال�صحفية التي تناولت مو�ضوعات �أو �إ�شكاليات ثقافية معينة. وقد ت�أكد هذا الأمر �أي�ض ًا من خالل حتليل الأفكار والأطروحات املختلفة التي حملها م�ضمون هذه املواد� ،إذ دارت يف �أغلبها يف فلك �شخ�صيات حمددة اعتنى اخلطاب ب�إبرازها. مت حتليل ال�سمات املختلفة التي ميزت وقد ّ ال�شخ�صيات التي ا�ستح�رضها اخلطاب من �أجل اكت�شاف خلفياته ،ومتثلت �أبرز هذه ال�سمات يف ما يلي: • االنتماء الزمني لل�شخ�صية. • االنتماء املكاين لل�شخ�صية. • نوع ال�شخ�صية. • توزيع ال�شخ�صية على قطاعات الإبداع املختلفة. ومن خالل تتبع �سمات ال�شخ�صيات البارزة يف اخلطاب الثقايف -يف �ضوء املحاور ال�سابقة – وجد �أن جملة الهالل اهتمت يف ما تن�رشه من مواد �صحفية ب�إبراز ال�شخ�صيات جدول رقم 5
االنتماء الزمني لل�شخ�صية داخل اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل التكرار
الن�سبة
االنتماء الزمني لل�شخ�صية �شخ�صيات حديثة
78
72.2
�شخ�صيات معا�رصة
30
27.8
�شخ�صيات تاريخية
10
11.9
ن 84 = 1
التي تنتمي �إىل التاريخ امل�رصي �أو العربي احلديث ،على ح�ساب ال�شخ�صيات الإبداعية املعا�رصة� ،أو ال�شخ�صيات التي تنتمي �إىل فرتات �أكرث عمق ًا وامتداداً يف التاريخ امل�رصي والعربي .ويو�ضح اجلدول التايل ذلك( :جدول رقم .)5 نخل�ص من بيانات اجلدول ال�سابق �إىل �أن اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل ان�شغل با�ستعادة الأفكار التي �أفرزتها جتربة التحديث يف م�رص خ�صو�ص ًا ،والعامل العربي عموم ًا، خالل الفرتة التي �أعقبت �إن�شاء الدولة امل�رصية احلديثة يف ع�رص حممد علي .ومن مناذج ال�شخ�صيات التي �أبرزها اخلطاب يف هذا ال�سياق :طه ح�سني ،وجرجي زيدان ،ورفاعة الطهطاوي ،وعلي عبد الرازق ،و�أحمد لطفي ال�سيد ،وعبد الرحمن الكواكبي .وميكن تف�سري هذه احلالة التي �سيطرت على اخلطاب بردها �إىل ا�ستمرار وامتداد الأ�سئلة نف�سها التي �شغلت العقل امل�رصي يف تاريخه احلديث �إىل تاريخه املعا�رص. وقد اهت ّم اخلطاب بعد ذلك ب�إبراز جمموعة من ال�شخ�صيات املعا�رصة� ،أبرزها الرئي�س ح�سني مبارك ،وحممد ح�سنني هيكل ،و�إدوار خراط ،و�إبراهيم عبد املجيد وغريهم .وجاء ذلك يف معر�ض احلديث عن ق�ضايا �سيا�سية وفنية و�أدبية معا�رصة� ،أما ال�شخ�صيات التاريخية التي اهت ّم اخلطاب با�ستح�ضارها فقد تركزت يف الفال�سفة امل�سملني الذين اجتهد اخلطاب يف العودة �إىل �أفكارهم عند احلديث عن الر�ؤية العقالنية يف الرتاث الإ�سالمي ،ومن �أهم ال�شخ�صيات التي برزت يف هذا ال�سياق: �شخ�صية الفارابي ،وابن �سينا ،وابن خلدون، وابن ر�شد. وعلى امل�ستوى املكاين ،اهت ّم اخلطاب ب�إبراز ال�شخ�صيات امل�رصية بالن�سبة الأكرب ،وظهرت ال�شخ�صيات الغربية �أي�ض ًا بن�سبة معقولة يف حني تراجعت ن�سب �إبراز 1 مت ح�ساب الن�سبة يف �ضوئها ن= �إجمايل عدد املفردات التي ّ داخل اجلدول.
الف�صل الثاين اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية 255
1 مت ح�ساب الن�سبة يف �ضوئها ن= �إجمايل عدد املفردات التي ّ داخل اجلدول.
التكرار
الن�سبة
االنتماء املكاين لل�شخ�صية م�رصي
65
60.2
غربي
32
29.6
عربي
9
8.3
�آ�سيوي
2
1.9
108
100
املجموع
ن ( 108 = 1جمموع ال�شخ�صيات التي ظهرت يف اخلطاب) جدول رقم 7
يو�ضح االنتماءات الوظيفية لل�شخ�صيات البارزة داخل اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل التكرار
الن�سبة
نوع ال�شخ�صية مفكر
20
18.5
روائي
12
11.1
مطرب /مطربة
10
9.2
مو�سيقار
10
9.2
�شاعر
8
7.4
رجل �سيا�سة
8
7.4
ممثل �سينمائي
8
7.4
فيل�سوف
5
4.6
خمرج �سينمائي
5
4.6
فنان ت�شكيلي
5
4.6
ناقد �أدبي
4
3.7
عامل
4
3.7
كاتب �صحفي
4
3.7
م�ؤرخ
3
2.8
كاتب م�رسحي
2
1.9
108
100
املجموع
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإعالم
ال�شخ�صيات املنتمية �إىل �أطر مكانية �أخرى. ويو�ضح اجلدول التايل ذلك( :جدول رقم )6 عبرّ اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل عن الذات امل�رصية بالدرجة الأكرب من خالل ا�ستدعاء املبدعني امل�رصيني الذين ينتمون �إىل ع�صور خمتلفة من الذاكرة ،والرتكيز عليهم يف امل�ضمون الذي يعاجله .وحظت ال�شخ�صيات الغربية (الأدباء واملفكرون ورجال ال�سيا�سية الأمريكيون والأوربيون) بدرجة وا�ضحة من احل�ضور داخل اخلطاب الثقايف ،الأمر الذي يك�شف الوجه التغريبي للخطاب يف قراءته، �أو يف حماولته االنفتاح على ثقافة الآخر الغربي. ومن مناذج ال�شخ�صيات الغربية التي ظهرت يف اخلطاب� :شاريل �شابلن ،دوري�س ل�سنـج ،واط�سن ،الكاتب الهندي �أميتاب جو�ش، دانتي ،فران�سي�س بيكون ،ديكارت ،هربرت �سبن�رس ،هوبز ،رو�سو� ،أرنولد توينبي ،جوتة، بيت�س ،والت ويتمان� ،إليوت� ،شيمو�س هيني، ديالن توما�س ،توما�س فوالر ،وليم �شك�سبري، �أوباما ،جون ماكني ،هيالري كلينتون ،ماران مرة واحدة اهت ّم لرث كنج ،يوجني �أونيل .ويف ّ اخلطاب ب�إبراز �شخ�صية تنتمي �إىل الدائرة الهندية ليظهر الآخر “الآ�سيوي”. وعلى م�ستوى اجلانب الوظيفي يف مت ا�ستدعا�ؤهم �شخ�صية املبدعني الذين ّ يف اخلطاب ،تن ّوعت االنتماءات الوظيفية لل�شخ�صيات التي عاجلها م�ضمون اخلطاب على النحو املو�ضح يف اجلدول التايل ( :جدول رقم .)7 ي ّت�ضح من اجلدول ال�سابق وجود اهتمام وا�ضح من جانب منتجي اخلطاب ب�إبراز �شخ�صيات املفكرين ،ممن �أطلّوا فكري ًا على متطلبات النه�ضة بعد مواجهة اال�ستعمار، وخ�صو�ص ًا ممن ينتمون �إىل تاريخ م�رص احلديث كما �سبق و�أ�رشنا .كذلك اهتم اخلطاب ب�إبراز العديد من ال�شخ�صيات الروائية العربية
جدول رقم 6
االنتماء املكاين لل�شخ�صية داخل اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل
التقرير العربي الثاين 256للتنمية الثقافية
يو�ضح نوع ال�شخ�صية الإبداعية داخل اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل
جدول رقم 8
التكرار
الن�سبة
النوع ذكر
92
85.2
�أنثى
16
14.8
املجموع
108
100
�شكل رقم ()3 يو�ضح ن�سبة وجود الأبعاد املختلفة ل�سمات ال�شخ�صيات داخل اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل 100 80 60 40 20 0
ذكور
مفكرون
م�رصيون
جدول رقم 9
�شخ�صيات حديثة
S1
يو�ضح القيم املت�ضمنة يف اخلطاب الثقايف داخل جملة الهالل التكرار
الن�سبة
القيمة الظاهرة داخل اخلطاب الإبداع الفني
29
34.5
حرية الفكر
9
10.7
الت�سامح الديني
7
8.3
رعاية املوهبة الغنائية
6
7.1
حرية املر�أة
4
4.8
الر�ضا
3
3.6
ال يوجد
26
31
املجموع
84
100
والأجنبية ،مثل جنيب حمفوظ و�شك�سبري ودوري�س ل�سنج .وظهر �أي�ض ًا العديد من ال�شخ�صيات املو�سيقية ،مثل عبد الوهاب وبليغ حمدي وحممود ال�رشيف وحممد املوجي وكمال الطويل وريا�ض ال�سنباطي .وبن�سب حمـدودة ظهرت بعد ذلك �أنواع �أخرى من ال�شخ�صيات، �شملت فال�سفة وخمرجني �سينمائيني وفنانني ت�شكيليني وم� ّؤرخني ،ورجال �سيا�سة ،مثل عبد النا�رص وال�سادات وبن بيال و�أوباما وغريهم. وقد ك�شف حتليل اخلطاب �أي�ض ًا عن �سيطرة «الطابع الذكوري» على امل�ضامني ال�صحفية التي عاجلتها جملة الهالل� ،إذ كانت ن�سبة ( )%88.4من ال�شخ�صيات التي ظهرت يف اخلطاب من الذكور يف حني كانت الن�سبة الأقل من الإناث .الأمر الذي ي�شري �إىل اجتاه اخلطاب للنظر �إىل الإبداع كرجل .ويو�ضح اجلدول التايل ذلك( :جدول رقم )8 نلخ�ص ال�سمات التي ن�ستطيع ممّ ا �سبق �أن ّ ميزت ال�شخ�صيات الأكرث ح�ضوراً داخل اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل يف �أنها يف الأغلب من ال�شخ�صيات امل�رصية التي تنتمي �إىل تاريخ م�رص احلديث ،و�أن معظمها كان من املفكرين من رواد التنوير ،و�أنهم من الذكور بالن�سبة الأكرب .ويو�ضح ال�شكل التايل ن�سبة ح�ضور كل �سمة من هذه ال�سمات لدى �شخ�صيات اخلطاب.
القيمة احلا�رضة داخل اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل
ي�شري حتليل اخلطاب الثقايف داخل جملة الهالل �إىل عدم وجود قيمة ظاهرة يعمل امل�ضمون على ت�أكيدها �أو تكري�سها لدى املتلقي يف بع�ض املوا�ضع ،يف حني ظهرت يف موا�ضع �أخرى قيم معينة احتفي اخلطاب ب�إبرازها .ويو�ضح اجلدول التايل القيم التي ظهرت يف هذا ال�سياق( :جدول رقم )9 ويالحظ من اجلدول ال�سابق �أن اخلطاب �أبرز ب�صورة �أ�سا�سية قيمة «الإبداع الفني»، وذلك يف مدار احتفائه باملطربني واملو�سيقيني واملخرجني ال�سينمائيني والأدباء وال�شعراء.
الف�صل الثاين اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية 257
- 2م�ضمون اخلطاب الثقايف يف جملة الآداب اللبنانية خريطة مو�ضوعات اخلطاب الثقايف مبجلة الآداب
يق ّدم موقع جملة الآداب على �شبكة الإنرتنت ح�رصاً ب�أهم الق�ضايا التي اعتنى اخلطاب الثقايف اخلا�ص بها بطرحها على القارىء العربي خالل الفرتة من 1997 – .)1(2008ويحلّل اجلدول التايل �إح�صائي ًا معدالت اهتمام املجلة باملو�ضوعات التي �شغلت اخلطاب الثقايف باملجلة خالل هذه الفرتة( :جدول رقم )10 تو�ضح بيانات اجلدول ال�سابق ما ي ّت�صف به اخلطاب الثقايف الذي تقدمه جملة الآداب البريوتية من �سمات �أ�سا�سية ت�شمل ما يلي: • اال�شتباك مع العديد من الق�ضايا املعا�رصة التي ت�شغل العقل الثقايف العربي كالأحداث التي ت�شهدها فل�سطني ،ومو�ضوع احلرب على العراق ،وال�رصاعات الطائفية يف عدد من
التكرار
الن�سبة
املو�ضوع فل�سطني
20
13.7
لبنان
14
9.5
رقابة /حرية التعبري
12
8.2
احلرب على العراق
11
7.5
الطائفية
10
6.8
حوارات مع مفكرين عرب
9
6.2
العلمانية
9
6.2
العوملة
8
5.5
حوارات مع �أدباء عرب
8
5.5
املقاطعة ال�شعبية
7
4.8
الفن الت�شكيلي
7
4.8
العروبة
6
4.1
احلركة ال�شيوعية العربية
6
4.1
املثقفون العرب
6
4.1
امل�شاركة ال�سيا�سية لل�شباب العربي
4
2.7
البيئة
4
2.7
حوارات مع مفكرين غري عرب
3
2.1
حوار احل�ضارات
2
1.4
146
100
املجموع
املجتمعات العربية ،وغري ذلك من مو�ضوعات �أ�ضفت على اخلطاب طابع ًا دينامي ًا جعله �أكرث حركية و�أ�ش ّد الت�صاق ًا بالق�ضايا الآنية ،دون الإغراق �أو اال�ستغراق يف املو�ضوعات التارخية كما يالحظ يف اخلطابات الثقافية التي تق ّدمها املجالت العربية الأخرى. • ان�شغل اخلطاب الثقايف يف جملة الآداب مبجموعة الق�ضايا الفكرية الأ�سا�سية التي �شغلت العقل العربي مع مطلع الألفية اجلديدة، وقد برز على �أجندة مو�ضوعاته – يف هذا
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإعالم
و�شغلت قيمة “حرية الفكر” �أي�ض ًا حيزاً من اهتمام اخلطاب ،يف �إطار دفاعه عن حق املبدع يف �أن يقدم ر�ؤيته للواقع كما ي�شاء ،ويف �إطار الدفاع �أي�ض ًا عن م�ساحة احلرية التي متنحها ال�سلطة ال�سيا�سية يف م�رص للمبدعني ،مما كان ي�صبغ اخلطاب يف هذه املوا�ضع بـ «الدعائية» كما �سيت�ضح يف ما بعد. كما برزت �أي�ض ًا قيمة الت�سامح الديني، وحاول اخلطاب يف هذا ال�سياق �أن ي�ضفي عليها �رشعية تاريخية ،من خالل االعتماد على م�شاهدات من الرتاث الإ�سالمي ك�إطار مرجعي للت�أكيد على هذه القيمة .وبرزت قيمة رعاية املواهب الفنية ،وخ�صو�ص ًا من خالل امللف الذي ن�رشته الهالل حول املطربة «جناة» .وظهرت كذلك قيمة «حرية املر�أة» يف بع�ض املوا�ضع داخل اخلطاب ،بالإ�ضافة �إىل قيمة الر�ضا عن الذات يف �أحوال والر�ضا عن الواقع يف �أحوال �أخرى.
جدول رقم 10
الق�ضايا التي اهتمت بها جملة الآداب خالل الفرتة من 2008 – 1997
التقرير العربي الثاين 258للتنمية الثقافية
ال�سياق – مو�ضوع العوملة وت�أثرياتها، و�أو�ضاع احلركة ال�شيوعية العربية بعد تفكك االحتاد ال�سوفيتي وانهياره عام ،1989وحوار احل�ضارات ،والعلمانية ،والأزمات التي حلقت باملفهوم العروبي اقرتان ًا بالأحداث التي �شهدتها املنطقة العربية منذ احتالل العراق للكويت عام 1990وما تبعه من �أزمات و�رصاعات على امل�ستوى العربي. • اهتم اخلطاب الثقايف �أي�ض ًا بق�ضايا الفن والأدب ،لكنه ح�رص اهتمامه يف جمال الفن بق�ضايا الفن الت�شكيلي ،و�أبرز عدداً من املو�ضوعات املعنية بق�ضايا الإبداع الأدبي العربي ،والأدباء والنقّاد العرب لتعبرّ عن اهتمام املجلة بالآداب العربية. • انخف�ض معدل اهتمام اخلطاب ب�صورة ملحوظة باملو�ضوعات العلمية ،وحدها يف هذا ال�سياق بالق�ضايا املت�صلة ب�ش�ؤون البيئة. نخل�ص ممّ ا �سبق �إىل �أن اخلطاب الثقايف مبجلة الآداب نظر �إىل الثقافة كمفهوم ال ينغلق على جمرد تناول الق�ضايا الفكرية والأدبية، بل ميتد كذلك �إىل طرح العديد من املو�ضوعات الأخرى ذات الطابع ال�سيا�سي والتي تعك�س �رصاعات ثقافية بني دول وجماعات بتجليات و�صور خمتلفة ،مثل مو�ضوع الطائفية، والق�ضية الفل�سطينية ،واحلرب على العراق وغريها .بعبارة �أخرى ميكن القول ب�أن �أجندة اخلطاب الثقايف الذي قدمته جملة الآداب كانت �أكرث ثرا ًء وتنوع ًا .ويو�ضح ال�شكل التايل معدالت اهتمام هذا اخلطاب بالقطاعات
�شكل رقم ()4 يو�ضح توزّع اهتمامات خطاب جملة الآداب على قطاعات الإبداع الثقايف املختلفة �سيا�سة فكر �أدب فن علم
الثقافية املختلفة�( :شكل رقم )4 ي ّت�ضح من هذا ال�شكل تركّز اهتمام اخلطاب الثقايف مبجلة الآداب على املو�ضوعات ال�سيا�سية ،خ�صو�ص ًا داخل ب�ؤر االلتهاب العربي يف فل�سطني ،ثم لبنان ،ثم العراق .كما اهتم اخلطاب يف �سياق هذه الدائرة بطرح العديد من الق�ضايا والإ�شكاليات املت�صلة بالواقع ال�سيا�سي العربي ،مثل ق�ضية الطائفية، واملقاطعة ال�شعبية لإ�رسائيل ت�أثراً بتجربة جنوب �أفريقيا ،وامل�شاركة ال�سيا�سية لل�شباب العربي. وان�شغل اخلطاب بعد قطاع ال�سيا�سة بقطاع الفكر ،بحيث اهت ّم بطرح العديد من الق�ضايا التي �شغلت العقل العربي مع مطلع الألفية اجلديدة ،كما ذكرنا �آنف ًا .وقد متيز اخلطاب يف هذا ال�سياق مبحاولة حتريك �أ�سلوب طرحه ومعاجلته لهذه الق�ضايا ،من خالل عدم االكتفاء بتقدمي درا�سات تطرح �أفكار اخلطاب ور�ؤيته لها ،بل واالهتمام �أي�ض ًا بن�رش حوارات مع مفكرين عرب وغري عرب ،يت ّم طرح ق�ضايا الفكر فيها بطريقة �أكرث حيوية وتعتمد على الت�شخي�ص الواقعي بدرجة �أكرب. واهت ّم اخلطاب بعد ذلك ب�صورة حمدودة بثالثة قطاعات �أ�سا�سية� ،شملت بالرتتيب قطاع الأدب ،ثم الفن (الت�شكيلي) ،ثم العلوم (البيئية).
الر�ؤية ال�شخ�صانية واملو�ضوعية يف اخلطاب الثقايف مبجلة الآداب
اعتمد اخلطاب ال�صحفي مبجلة الآداب فـي طرح مو�ضوعاته وان�شغاالته املختلفة على �شكل امللف ال�صحفي الذي ي�ض ّم جمموعة من املواد التي يربطها مو�ضوع واحد .ويو�ضح حتليل الأعداد ال�صادرة من املجلة خالل عام � 2008أن املجلة كانت تهتم يف بع�ض الأحيان بتقدمي ملفات ل�شخ�صيات ويف �أحيان �أخرى بفتح ملفات تتعلق مبو�ضوعات. ويو�ضح اجلدول التايل امللفات املختلفة التي قدمتها جملة الآداب على مدار عام .2008
الف�صل الثاين اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية 259
عنوان امللف �سهيل �إدري�س :وداع ًا �أيها الأب امل�ؤ�س�س ملف :2كي ال نن�سى �ستيفانو كياريني ت�ضامن ًا مع جملة الآداب و�ض ّدها مقاطعة �إ�رسائيل ()1 حتديات و�آفاق واعدة ملف � :2سهيل �إدري�س، الكاتب ،النا�شط ،امل�ؤ�س�سة
نوع امللف
عدد املو�ضوعات
�شخ�صي
24
�شخ�صي
5
مو�ضوعي
4
مو�ضوعي
7
�شخ�صي
12
ملف :3الدعوى �ضد الآداب مو�ضوعي تتفاعل ملف اليهود العرب يف دولة مو�ضوعي �إ�رسائيل
6 4
تاريخ العدد يناير /مار�س 2008
يناير /مار�س 2008
يناير /مار�س 2008
�أبريل /يونيو 2008
�أبريل /يونيو 2008
�أبريل /يونيو 2008
يوليو�/سبتمرب 2008
يوليو�/سبتمرب
ملف �أزمة ال�شعر العربي
مو�ضوعي
7
مقاطعة �إ�رسائيل ( )2على خطى جنوب �أفريقيا
مو�ضوعي
5
دي�سمرب 2008
ملف حممود دروي�ش
�شخ�صي
7
دي�سمرب 2008
2008
�شكل رقم ()5 يو�ضح التفاوت يف عدد املو�ضوعات املطروحة داخل امللفات ال�شخ�صية واملو�ضوعية باخلطاب الثقايف يف جملة الآداب
�شخ�صي مو�ضوعي مؤسسة الفكر العربي ّ
الإعالم
(جدول رقم )11 ي ّت�ضح من اجلدول ال�سابق وجود ع�رشة ملفات داخل الأعداد الأربعة ال�صادرة من جملة الآداب خالل عام ،2008ا�شتبكت «�ستة» منها مع مو�ضوعات حمددة مطروحة على �ساحة النقا�ش العربي مثل :مو�ضوع املقاطعة ال�شعبية (الأكادميية واالقت�صادية) لإ�رسائيل، ومو�ضوع اليهود العرب يف �إ�رسائيل ،ومو�ضوع الدعوى التي رفعها فخري كرمي �ضد جملة الآداب وامل�س�ؤولني فيها ،بالإ�ضافة �إىل مو�ضوع �أزمة ال�شعر العربي. ويف املقابل من ذلك اهت ّمت �أربعة ملفات باملجلة ب�إبراز �شخ�صيات حمددة� ،شملت م�ؤ�س�س املجلة الدكتور �سهيل �إدري�س ،والنا�شط املدين املدافع عن الق�ضية الفل�سطينية �ستيفانو كياريني ،وال�شاعر الفل�سطيني حممود دروي�ش. ويو�ضح ال�شكل التايل التفاوت يف درجة اهتمام اخلطاب الثقايف بتناول ال�شخ�صيات وطرح املو�ضوعات داخل امللفات املختلفة: (�شكل رقم )5 ي ّت�ضح من اجلدول ال�سابق ظهور عدد �أكرب من املواد ال�صحفية داخل امللفات الثالثة ال�شخ�صية ( 41مو�ضوع ًا) ،يف حني انخف�ض عدد املواد بامللفات املو�ضوعية، وعددها �ستة ملفات� ،إىل ( 33مو�ضوع ًا). ويف �ضوء ذلك ميكننا �أن نخل�ص �إىل ما يلي: • غلب على الكثري من امللفات� ،سواء ال�شخ�صية �أم املو�ضوعية التي �أبرزها اخلطاب الثقايف مبجلة الآداب ،نوع من الذاتية التي جتلّت يف االهتمام بتقدمي ملفني عن الراحل الدكتور �سهيل �إدري�س ،وهو �أمر طبيعي يت�سق مع دوره كم� ّؤ�س�س للمجلة ،بالإ�ضافة �إىل عطائه الفكري والأدبي ،وقد ظهرت هذه الذاتية �أي�ض ًا يف تخ�صي�ص ملفينّ للكتابات التي تناولت مو�ضوع الدعوى التي رفعها العراقي فخري كرمي �ض ّد املجلة وامل�س�ؤولني فيها ،وقد حاول اخلطاب هنا �أن يكون مو�ضوعي ًا ومتوازن ًا من خالل طرح �أفكار املناه�ضني وامل�ؤيدين مع ًا لهذه الدعوى ،على امل�ستوى العربي.
جدول رقم 11
يو�ضح امللفات ال�شخ�صية واملو�ضوعية التي ظهرت يف �أعداد جملة الآداب 2008
التقرير العربي الثاين 260للتنمية الثقافية جدول رقم 12
توزيع كتّـاب الآداب على الأقطار العربية والأجنبية املختلفة التكرار
الن�سبة
القطر لبنان
17
17.3
�سوريا
15
15.3
اململكة املتحدة
10
10.2
املغرب
10
10.2
فل�سطني
8
8.2
م�رص
8
8.2
الواليات املتحدة الأمريكية
6
6.1
الأردن
3
3.1
كندا
3
3.1
تون�س
3
3.1
اجلزائر
2
2
العراق
2
2
جنوب �أفريقيا
2
2
�إيطاليا
2
2
ال�سويد
2
2
فرن�سا
1
1
�أ�سبانيا
1
1
اليمن
1
1
ليبيا
1
1
�أملانيا
1
1
املجموع
98
100
• �شكّل مو�ضوع مقاومة االحتالل الإ�رسائيلي والق�ضية الفل�سطينية هاج�س ًا �أ�سا�سي ًا داخل العديد من امللفات التي ت�ض ّمنها اخلطاب الثقايف مبجلة الآداب ،خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق ب�أحكام املقاطعة العربية والدولية لإ�رسائيل. وقد حاول اخلطاب يف هذا ال�سياق �أن ي�ؤكد املنظور �أو الطابع الثقايف لل�رصاع العربي الإ�رسائيلي.
االنتماء املكاين للقوى الفاعلة املنتجة للخطاب
اهتمت جملة الآداب ب�صورة وا�ضحة مب�شاركة العديد من الكتاب يف �إنتاج مادتها وتقــدمي اخلطاب الثقايف املت�ضمن فيها� ،إذ غطّ ت دائرة ك ّتابها العديد من الأقطار العربية، بالإ�ضافة �إىل عدد من الك ّتاب العرب الذين يعي�شون يف الواليات املتحدة الأمريكية والدول الأوربية ،كما اهتمت املجلة مب�شاركة عدد من الك ّتاب الأجانب -الذين كانت ترتجم كتاباتهم �إىل اللغة العربية -يف �إنتاج مادتها. وبالتايل فقد مت ّيزت الآداب عن بع�ض املجالت الثقافية التي تكاد تكون منغلقة على ك ّتاب القطر الذي تتبعه املجلة ،مثل جملة الهالل امل�رصية ،واملجالت الأخرى التي تعتمد على فكرة تن ّوع القـوى الفاعلة التي ت�سهم يف �إنتاج اخلطاب ،ولكن ب�صورة حمدودة ،مثل جملة العربي الكويتية (كما �سي ّت�ضح يف ما بعد). ويو�ضح اجلدول التايل االنتماءات املكانية للقوى املنتجة للخطاب يف جملة الآداب. (جدول رقم )12 يت�ضح من اجلدول ال�سابق �أن الك ّتاب املنتمني �إىل دائرة الأقطار العربية هم الأكرث ح�ضوراً كمنتجني للخطاب ،وقد تو ّزع ه�ؤالء الك ّتاب على �أحد ع�رش قطراً عربي ًا� ،أبرزها لبنان (بلد الإ�صدار) ،و�سوريا ،واملغرب، وم�رص ،وفل�سطني .ي�أتي بعد ذلك الك ّتاب املنتمون مكاني ًا �إىل الغرب� ،سواء كانوا عرب ًا �أم �أجانب ،وقد تو ّزع ه�ؤالء الك ّتاب على ثماين دول ،على ر�أ�سها اململكة املتحدة ،ثم الواليات املتحدة الأمريكية .وقد برز خارج هاتني الدائرتني ك ّتاب من دولة �أفريقية واحدة هي جنوب �أفريقيا .ويو�ضح ال�شكل التايل عدد الك ّتاب الذين ظهروا – كمنتجني للخطاب الثقايف – تبع ًا لدوائر انتمائهم املكاين: (�شكل رقم )6 وعلى قدر التن ّوع الذي م ّيز اخلطاب الثقايف الذي قدمته جملة «الآداب» ،على م�ستوى املنتجني ،كان هناك قدر من
الف�صل الثاين اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية 261
�شكل رقم ()6 يو�ضح االنتماءات املكانية ملنتجي اخلطاب الثقايف مبجلة الآداب
80 60 40 20 0 الدائرة الأفريقية
الدائرة الغربية
الدائرة العربية
�شكل رقم ()7 يو�ضح االنتماءات العربية للمبدعني الذين اهتمت بهم جملة الآداب 6 5 4 3 2 1
S1
0
م�رص
اجلزائر
الأردن
فل�سطني
�سوريا
العراق
لبنان
املغرب
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإعالم
املحدودية يف م�صادر الإنتاج االبداعي الذي ن�رشته املجلة على مدار �أعدادها خالل عام .2008فقد ن�رشت املجلة جمموعة من الأعمال ال�شعرية ،والق�ص�ص الق�صرية ،وم�رسحية نرثية، وتنوعت م�صادر هذه الأعمال على امل�ستوى العربي على النحو املو�ضح يف ال�شكل التايل: (�شكل رقم )7 يالحظ �أن جملة الآداب اهت ّمت بدرجة كبرية ب�إبداع املغاربة ،وخ�صو�ص ًا من ال�شعراء، حيث ن�رشت �أعما ًال ل�ستة مبدعني ،ي�أتي بعد ذلك املبدعون اللبنانيون (�أربعة مبدعني) ثم العراق (ثالثة مبدعني) ،ثم كل من �سوريا وفل�سطني (مبدعان من كل قطر) ،ثم الأردن واجلزائر وم�رص (مبدع واحد من كل قطر). ن�ستخل�ص ممّ ا �سبق �أن اخلطاب الثقايف يف جملة الآداب اعتمد يف �شقه الفكري على منتج لبناين� /سوري يف الأ�سا�س ،ويف �شقه الإبداعي على منتج مغربي /لبناين .وهذا ما يعني �أن لبنان كان حا�رضاً ب�صورة �أ�سا�سية يف معادلتي الفكر والإبداع ،يف حني احتلت
�سوريا وك ّتابها موقع ًا مهم ًا على خريطة الفكر، واحتلت املغرب موقع ًا متميزاً على م�ستوى الإبداع ،واختفت دول اخلليج متام ًا من فوق خريطة الإنتاج الفكري �أو الإبداعي للخطاب، وتقلّ�ص دور م�رص على امل�ستويني �أي�ض ًا.
التقرير العربي الثاين 262للتنمية الثقافية
القيمة احلا�رضة داخل اخلطاب الثقايف مبجلة الآداب
على عك�س الكثري من اخلطابات املت�ضمنة داخل املجالت الثقافية العربية التي ال حتتفي بالت�أكيــد على قيمة معينة يف امل�ضمون الذي تنقله ،ميكن و�صف خطاب جملة الآداب ب�أنه خطاب «قيمة» بدرجة كبرية .فالكثري من امل�ضامني التي يحملها اخلطاب ت�سعى با�ستمرار �إىل الت�أكيد على قيمة معينة يف وجدان قارئها .ويو�ضح اجلدول التايل �أبرز القيم التي برزت يف هذا ال�سياق: (جدول رقم )13 ي ّت�ضح من اجلدول ال�سابق �أن قيمة املقاومة كانت حا�رضة ب�صورة رئي�سية داخل الكثري من املواد التي ن�رشتها جملة الآداب، لتعبرّ عن �أطروحتها اخلطابية الأ�سا�سية اخلا�صة بالدفاع عن الق�ضية الفل�سطينية عرب �آليات املقاومة ال�سلبية ،من خالل املقاطعة
جدول رقم 13
القيم املت�ضمنة داخل اخلطاب الثقايف مبجلة «الآداب» القيمة
االقت�صادية والأكادميية لإ�رسائيل ،والتعاون مع منظمات املجتمع املدين يف دول العامل املختلفة ،وخ�صو�ص ًا يف الغرب من �أجل حتقيق هذا الهدف .وظهرت قيمة حرية الإبداع داخل القطاعات ذات الطابع «الذاتي» يف اخلطاب الثقايف املت�ضمن يف جملة الآداب والتي ارتبطت بعدد من املو�ضوعات التي اهتمت ب�إبراز الدور الذي لعبه الراحل الدكتور �سهيل �إدري�س يف احلركة الثقافية والأدبية العربية، بالإ�ضافة �إىل املو�ضوعات التي تطرقت �إىل الدفاع عن جملة «الآداب» �ضد الق�ضية التي رفعها العراقي فخري كرمي على املجلة ،ويف �سياق هذا املو�ضوع ظهرت ع ّدة قيم �أخرى تتعلق باحلق يف االختالف ،واحلق يف النقد. وبالإ�ضافة �إىل جمموعة القيم املركزية ال�سابقة ظهر داخل اخلطاب جمموعة من القيم الأخرى الفرعية� ،أبرزها قيمة العقالنية التي ارتبطت بعدد من املو�ضوعات التي ت�صـدت لتحليل بع�ض الأفكار الدينية ،كالنبوة والر�ؤية املارك�سية للدين ،ب�صورة عقالنية .وظهرت قيمة حرية التعبري عن الر�أي وقيمة احلق يف االختالف يف حالة الدخول يف جدل يرقى �إىل حد ال�رصاع مع الآخر.
التكرار
الن�سبة
املقاومة
28
28.6
حرية الإبداع
13
13.3
احلق يف االختالف
10
10.2
3ـ م�ضمون اخلطاب الثقايف يف جملة العربي الكويتية
احلق يف النقد
10
10.2
العقالنية
5
5.1
خريطة مو�ضوعات اخلطاب الثقايف يف جملة العربي
حرية التعبري
5
5.1
احلرية الأكادميية
3
3.1
حرية املر�أة
3
3.1
الثبات على املبد�أ
2
2
الدميقراطية
2
2
ال يوجد قيمة ظاهرة
17
17.3
املجموع
98
100
تتمثّل مالمح البناء املو�ضوعي للخطاب الثقايف ملجلة العربي يف �إطار ال يتوقف عند جمرد طرح املو�ضوعات التي تهتم بامل�ستويات ال�سياحية �أو العرقية والإثنية �أو املعلوماتية فقط ،بل يتجاوز ذلك �إىل طرح ومعاجلة عدد من التجارب املهمة يف تطوير تقنيات التكنولوجيا والطب وال�صناعة والزراعة يف �أوربا و�آ�سيا وغريها من بقاع العامل ،والتوقف حل َرف وال�صناعة والزراعة يف الدول �أمام ا ِ حل َرف املختلفة ،ومعاجلة مو�ضوعات تتعلق با ِ
الف�صل الثاين اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية 263 جدول رقم 14
التكرار
الن�سبة
املو�ضوع مو�ضوع ت�سجيلي عن مدينة
8
29.6
عر�ض وحتليل لأعمال فن ت�شكيلي
4
14.8
حوار �صحفي
4
14.8
مو�ضوعات تاريخية
3
11.1
تراجم �شخ�صية
3
11.1
�أدب �شعبي
2
7.4
مو�ضوعات علمية
2
7.4
تغطية الحتفالية
1
3.7
املجموع
27
100
مت �إجرا�ؤها مع عدد من ال�صحفية التي ّ املفكرين والأدباء والنقّاد العرب ،ومنهم املفكر منح ال�صلح ،والناقد الأدبي جابر ع�صفور، وال�شاعرة البحرينية حمدة خمي�س ،والروائية الربيطانية دوري�س لي�سنج .وارتبط بهذا النوع من الطرح �أي�ض ًا االهتمام بن�رش تراجم تتناول الإنتاج الفكري والإبداعي لعدد من ال�شخ�صيات �أبرزها :املخرج ال�سينمائي اجنمار برجمان، والدكتور عبد الوهاب امل�سريي ،بالإ�ضافة �إىل تقدمي ال�سرية ال�شعبية لعنرتة بن �شداد. يف �ضوء ما �سبق ميكن القول بتوزع اخلطاب الثقايف مبجلة العربي على عدد من القطاعات� ،شملت التاريخ والفن والأدب، والفكر والعلم .ويو�ضح ال�شكل التايل ن�سبة كل قطاع من هذه القطاعات على دائرة اخلطاب الثقايف باملجلة�( :شكل رقم )8 خالف ًا لتوجهات اخلطاب الثقايف ملجلتي الهالل والآداب الذي اهت ّم بالرتكيز على قطاع الفكر ،ان�شغل اخلـطاب الثقايف ملجلة «العربي» بقطاع التاريخ بدرجة �أكرب ( 11مو�ضوع ًا �صحفي ًا) ،واهت ّم يف هذا ال�سياق بالتاريخ احلديث للمدن والدول التي تعر�ضت لها
الإعالم
واملهارات التقليدية التي تتوارثها �أجيال العامل جي ًال بعد �آخر ،وتتم�سك بها ك�أنها جز ٌء من هويتها ومن مرياثها الثقايف واحل�ضاري، وا�ضعة �أمامها خريطة العامل باحثة فيها عن غري املطروق ،النائي ،والبعيد ،من احل�ضارات والبالد (.)2 وقد ا ّت�ضح من حتليل امل�ضمون ال�صحفي للخطاب الثقايف مبجلة العربي وجود درجة كبرية من االهتمام باملو�ضوعات التي تق ّدم �سياحة عرب مكان معينّ ،لت�رشح تاريخه، و�أحوال حا�رضه ،و�أبرز معامله وغري ذلك ،كما لوحظ �أن الهاج�س التاريخي ي�شغل اخلــطاب با�ستمرار يف �إطار ما يطرحه من مو�ضوعات ويو�ضح اجلدول التايل ذلك( :جدول رقم )14 يت�ضح من اجلدول ال�سابق �أن البطولة الأ�سا�سية داخل اخلطاب الثقايف مبجلة العربي كانت متنح للمكان� ،سواء من زاوية التاريخ �أم من زاوية اجلغرافيا� ،إذ ق ّدمت املجلة العديد من املو�ضوعات التي ي�سيح ك ّتابها عرب مدن ومواقع خمتلفة على خريطة العامل الإ�سالمي .ويف هذا ال�سياق ارتفع عدد املو�ضوعات الت�سجيلية التي ت�ستعر�ض تاريخ وجغرافية مدن خمتلفة ،مثل مو�ضوع اهتم با�ستعرا�ض ما�ضي مدينة دم�شق وحا�رضها، ومو�ضوع بعنوان «فل�سطني عربية� ..أطول حرب �ضد �شعب» ،ومو�ضوع عن حيفا، ومو�ضوع عن �شينج يانغ امل�سلمة ،ومو�ضوع عن ماليزيا ،ومو�ضوع عن موريتنايا .وارتبط بهذا النوع من الطرح الذي عني به اخلطاب العديد من املو�ضوعات الأخرى التي كانت تهتم با�ستعرا�ض تاريخ دول العامل العربي، خ�صو�ص ًا خالل القرن التا�سع ع�رش. وعلى امل�ستوى الفني اهتمت العربي بتقدمي عر�ض وحتليل نقدي لعدد من الأعمال املرتبطة بالفن الت�شكيلي ،مثل املو�ضوع الذي اهتم بتحليل جتربة الفنانة �سامية احللبي، واملو�ضوع الذي ن�رش عن الفنان ح�سن �سليمان.. �أ�سطورة ال�ضوء والظل. ً ً ون�رشت املجلة �أي�ضا عددا من احلوارات
يو�ضح املو�ضوعات التي توزعت عليها مواد اخلطاب الثقايف مبجلة العربي
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 264للتنمية الثقافية
�شكل رقم ()8 يو�ضح توزّع اهتمامات خطاب جملة العربي على قطاعات الإبداع الثقايف املختلفة
تاريخ ادب فكر فن علم
علم
تاريخ
فن
فكر ادب
�شكل رقم ()9 يو�ضح معدالت ظهور قطاعات الدول املختلفة يف اخلطاب الثقايف مبجلة العربي
80 60 40 20 0 �إ�رسائيل
دول �إفريقية
دول غربية
دول �إ�سالمية
دول عربية
S1
املو�ضوعات ال�صحفية باملجلة ،مثل التاريخ احلديث لدولة فل�سطني منذ وعد بلفور وحتى نكبة عام ،1948والتاريخ احلديث لدم�شق وحلب وحيفا ،والتاريخ احلديث مل�رص ،وغري ذلك. واهت ّم اخلطاب بعد ذلك بقطاع الفكر، من خالل طرح العديد من الق�ضايا الفكرية املعا�رصة التــي ت�شغل العقل العربي .ومن مناذج املو�ضوعات ( 5مو�ضوعات �صحفية)
التي ظهر فيها هــــذا التوجه ،احلوار الذي �أجرته املجلة مع املفكر اللبناين منح ال�صلح ، والرتجمة التي عر�ضت لرحلة املفكر امل�رصي عبد الوهاب امل�سريي .وبرز �أي�ض ًا قطاع الأدب يف عدد من املو�ضوعات ( 5مو�ضوعات)، خ�صو�ص ًا يف احلوار الذي �أجرته املجلة مع الناقد جابر ع�صفور وال�شاعرة البحرينية حمدة خمي�س ،واملو�ضوع املتعلق بتاريخ مدينة دم�شق ،واملو�ضوع الذي عني بال�سرية ال�شعبية لعنرتة بن �شداد وغريه. وانخف�ض معدل اهتمام اخلطاب الثقايف يف جملة العربي بق�ضايا الفن ( 4مو�ضوعات)، وتركزت جميعها يف جمال الفن الت�شكيلي (الر�سم والنحت) .وكان قطاع العلم هو �أقل القطاعــات ظهـوراً على دائرة اخلطاب الثقايف مبجلة «العربي» (مو�ضوعان) .ومن مناذج املو�ضوعات التي ن�رشتها -يف هذا ال�سياق – مو�ضوع عن التن ّوع احليوي وانقرا�ض بع�ض الكائنات.
الر�ؤية «املكانية» للخطاب الثقايف مبجلة العربي
تر ّددت �أ�سماء الكثري من املدن والدول داخل اخلطاب الثقايف مبجلة العربي ،وهذا ما ي�ؤكّد ما �سبق وذهبنا �إليه من �سيطرة ر�ؤية “مكانية” على اخلطاب ،جتعله مفارق ًا ب�صورة وا�ضــحة للخطاب الثقـــايف مبجـلة الهالل والذي �سيطرت عليه ر�ؤية «�شخ�صانية» وا�ضحة، كما �سبق و�أ�رشنا .وقد �أ ّدت هذه ال�سيطرة للر�ؤية «املكانية» على اخلطاب الثقايف مبجلة العربي �إىل �صبغه بقدر كبري من «ال�سكون» و�أفقدته الكثري من احليوية املطلوبة يف خطاب ثقايف يتفاعل مع االن�شغاالت الفكرية والإبداعية املعا�رصة للمتلقي ،خ�صو�ص ًا �إذا �أ�ضفنا �إىل حالة «ال�سكون املكاين» التي �سيطرت على اخلطاب حالة «ال�سكون الزمني» التي ظهرت فيه �أي�ض ًا وارتبطت بان�شغاله بالكثري من الأحداث املرتبطة بالتاريخ احلديث للعديد من دول العامل العربي .ويو�ضح اجلدول التايل
الف�صل الثاين اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية 265
التكرار
الن�سبة
البطولة املكانية فل�سطني
10
37
الكويت
8
29.6
حيفا
7
25.9
لبنان
5
18.5
دم�شق
5
18.5
موريتانيا
5
18.5
مدينة �شينج يانغ ال�صينية
5
18.5
م�رص
3
11.1
باري�س
3
11.1
�إ�رسائيل
3
11.1
ماليزيا
3
11.1
الواليات املتحدة
2
7.4
�إجنلرتا
2
7.4
العراق
2
7.4
�إيران
1
3.7
جنوب �أفريقيا
1
37.
�أثينا
1
3.7
فيينا
1
3.7
زميبابوي
1
3.7
البحرين
1
3.7
ن = 27
�أن اخلطاب الثقايف يف جملة العربي كان «�شامي» التوجه بالن�سبة الأكرب ،ي�ضاف �إىل ذلك �أنه كان �أكرث «�آ�سيوية» يف ر�ؤيته العربية، �إذ اهتم بالدرجة الأكرب با�ستح�ضار الدول العربية الآ�سيوية داخله ،مع تقلي�ص ن�سب اهتمامه بالدول العربية الإفريقية .وتوازى مع ذلك �أن توجهه الآ�سيوي نحو دول مثل ال�صني وماليزيا و�إيران كان �أكرث ظهوراً من توجهه مؤسسة الفكر العربي ّ
الإعالم
الدول املختلفة التي برزت داخل اخلطاب: (جدول رقم )15 يالحظ من اجلدول ال�سابق �أن البطولة املكانية داخل اخلطاب الثقايف مبجلة العربي �شملت دو ًال ومدن ًا عـربية :فل�سطني ،والكويت، ولبنان ،و�سوريا ،وموريتانيا ،وم�رص ،والعراق، والبحرين .وبرزت كذلك بع�ض الدول الإفريقية مثل جنوب �أفريقيا ،وزميبابوي ،وكذلك الدول الآ�سيوية ،مثل ماليزيا و�إيران وال�صني .واهتم اخلطاب �أي�ض ًا ببع�ض الدول الغربية مثل: فرن�سا ،واجنلرتا ،والواليات املتحدة الأمريكية، بالإ�ضافة �إىل �إ�رسائيل .ويو�ضح ال�شكل التايل ن�سب ظهور كل قطاع من قطاعات الدول املختلفة داخل اخلطاب الثقايف مبجلة العربي: (�شكل رقم )9 وقد اهت ّم اخلطاب الثقايف – على م�ستوى دول العامل العربي – بدولة فل�سطني بالن�سبة الأكرب ،الأمر الذي يعك�س حالة ان�شغال اخلطاب بهذه الق�ضية املركزية يف العقل العربي .لكن يبقى �أن اخلطاب اهت ّم يف هذا ال�سياق بطرح البعد التاريخي �أكرث مما اهتم بجدل احلا�رض يف ما ي ّت�صل بهذه الق�ضية .واحتلّت دولة الكويت �أي�ض ًا موقع ًا مركزي ًا داخل اخلطاب، بحكم االنتماء القطري ملجلة العربي ،و�إن عك�س يف هذه احلالة اجتاه ًا نحو الر�سمية والوقــوع فخ الدعاية يف بع�ض الأحوال كما �سوف يف ّ ي ّت�ضح يف ما بعد .وقد برز داخل اخلطاب �أي�ض ًا بع�ض دول العامل العربي الأخرى ،وخ�صو�ص ًا دول الطوق (لبنان – �سوريا) ،وكانت دولة موريتانيا هي الدولة العربية الإفريقية الوحيدة التي ركّز عليها اخلطاب بن�سبة كبرية، بالإ�ضافة بالطبع �إىل م�رص والتي ركّز عليها اخلطاب ب�صورة حمدودة .ومن بني دول اخلليج برزت فقط دول البحرين ،بالإ�ضافة �إىل دولة العراق التي مل مينحها اخلطاب القدر الكايف من االهتمام على الرغم من �أنها تواجه العديد من التحديات التي ال تق ّل عن التحديات التي تواجهها فل�سطني. انطالق ًا ممّ ا �سبق ميكننا �أن ن�ستخل�ص
جدول رقم 15
يو�ضح الدول واملدن التي برزت داخل اخلطاب الثقايف يف جملة العربي
التقرير العربي الثاين 266للتنمية الثقافية
الإفريقي نحو الدول الإفريقية ،مثل جنوب �إفريقيا وزميبابوي. واتجّ ه اخلطاب بن�سبة حمدودة نحو الآخر الغربي ،واهت ّم يف هذا ال�سياق بفرن�سا بالدرجة الأكرب ،ثم الواليات املتحدة الأمريكية و�إجنلرتا.
ال�شخ�صيات احلا�رضة داخل اخلطاب الثقايف مبجلة العربي
ا�ستدعى اخلطاب الثقايف مبجلة العربي العديد من ال�شخ�صيات العربية والغربية التي اختلفت يف انتماءاتها املكانية والزمنية و كذلك يف نوعها و�أنواعها .ويو�ضح اجلدول التايل تو ّزع ال�شخ�صيات داخل اخلطاب على الدائرتني العربية والغربية( :جدول رقم )16 يالحظ من اجلدول ال�سابق �سيطرة ال�شخ�صيات العربية على اخلطاب الثقايف ب�صورة فاقت االهتمام با�ستح�ضار بع�ض جدول رقم 16
يو�ضح االنتماء املكاين ل�شخ�صيات اخلطاب الثقايف مبجلة العربي التكرار
الن�سبة
االنتماء املكاين لل�شخ�صية �شخ�صية عربية
33
80.5
�شخ�صية غربية
8
19.5
املجموع
41
100
جدول رقم 17
يو�ضح توزيع ال�شخ�صيات باخلطاب الثقايف طبق ًا للنوع التكرار
الن�سبة
االنتماء املكاين لل�شخ�صية ذكور
35
85.4
�إناث
6
14.6
املجموع
41
100
ال�شخ�صيات الغربية ،مبا يعك�س اهتمام اخلطاب ب�إبراز الذات �أو الهوية الثقافية العربية بالن�سبة الأكرب .وقد اهت ّم اخلطاب – يف هذا ال�سياق – ب�إبراز العديد من ال�شخ�صيات امل�رصية، مثل :طه ح�سني ،ويحيى حقي ،و�أمني اخلويل، وال�شاعر ح�سن توفيق ،وف�ؤاد زكريا ،و�شكري عياد ،و�أحمد زكي ،ورفاعـة الطهطاوي، وعبداحلميد يون�س ،وحممود �أبو الفتح وعبد احلليم حافظ ،و�أم كلثـوم ،وعبد الوهاب .وظهر �أي�ض ًا بع�ض الأ�سماء ل�شخ�صيات لبنانية مثل: منح ال�صلح ،ورفيق �رشف ،وفار�س �شدياق، و�سليم اللوزي وغريهم .وظهرت �أ�سماء حمدودة ل�شخ�صيات تنتمي �إىل البحرين وموريتانيا و�سوريا .وقد اهتم اخلطاب �أي�ض ًا با�ستدعاء بع�ض ال�شخ�صيات من الذاكرة التاريجية العربية ،مثل �أبو العالء املعري ،و�سيف الدولة احلمداين ،واحلالّج. ن�ستخل�ص ممّ ا �سبق �أن اخلطاب الثقايف داخل جملة العربي ينظر �إىل كل من املثقفني امل�رصيني واللبنانيني كفاعلني �أ�سا�سيني يف تقدمي املنتج الثقايف العربي ،ي�ضاف �إىل ذلك بع�ض الفاعلني الفرعيني يف دول عربية �أخرى مثل الكويت والبحرين و�سوريا. وظهر �أي�ض ًا عد ٌد من ال�شخ�صيات الغربية داخل اخلطاب الثقايف ،من �أهمها :دوري�س لي�سنج و�آرثر كالرك (كاتب اخليال العلمي)، يوحنا جوتنربج� ،إجنمار برجمان (خمرج �سينمائي). وقد توزعت ال�شخ�صيات التي ظهرت يف اخلطاب – طبق ًا للنوع – على النحو املو�ضح يف اجلدول التايل( :جدول رقم )17 ي ّت�ضح من اجلدول ال�سابق غلبة الطابع الذكوري على اخلطاب الثقايف مبجلة العربي، كما هو احلال يف ما يتعلق باخلطاب الثقايف مبجلة الهالل .ومن �أبرز الأ�سماء الن�سوية التي ظهرت داخل خطاب العربي �شخ�صية ال�شاعرة البحرينية حمدة اخلمي�س ،واملطربة املوريتانية معلومة بنت امليداح ،والوزيرة املوريتانية فاطمة بنت خاطري ،والناقدة
الف�صل الثاين اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية 267
القيمة احلا�رضة داخل اخلطاب الثقايف مبجلة العربي
كما هو احلال يف جملة الهالل ،ظهرت داخل جملة العربي بع�ض املو�ضوعات ال�صحفية التي مل تعك�س قيمة مع ّينة تربز داخل اخلطاب الذي حتمله ،و�إن كانت ن�سبة هذه املو�ضوعات �أقل داخل جملة العربي مقارنة مبجلة الهالل .وقد اختلفت �أي�ض ًا �أنواع القيم التي ظهرت داخل خطاب جملة العربي. ويو�ضح اجلدول التايل ذلك( :جدول رقم )19 ي ّت�ضح من بيانات اجلدول ال�سابق �أن قيمة اجلمال كانت الأكرث ظهوراً داخل اخلطاب الثقايف مبجلة العربي ،وقد ارتبطت هذه القيمة ب�صورة �أ�سا�سية باملو�ضوعات ال�صحفية التي اهت ّمت بالقيام بنوع من ال�سياحة عرب العديد من الأماكن واملدن العربية ،وكانت تهتم ب�شكل �أ�سا�سي ب�إبراز قيمة اجلمال يف معامل هذه املدن والأماكن. وكانت قيمة امل�ساواة بني الرجل واملر�أة
جدول رقم 18
التكرار
الن�سبة
نوع ال�شخ�صية مفكر
15
36.6
�شاعر
9
22
ناقد �أدبي
5
12.2
مطرب /مطربة
4
9.8
م�س�ؤول �سيا�سي
3
7.3
كاتب �صحفي
2
4.9
روائي
2
4.9
فنان ت�شكيلي
1
2.4
املجموع
41
100
جدول رقم 19
يو�ضح القيم الظاهرة داخل اخلطاب الثقايف مبجلة العربي التكرار
الن�سبة
القيمة الظاهرة داخل اخلطاب اجلمال
5
18.5
امل�ساواة بني الرجل واملر�أة
4
14.8
احلرية
4
14.8
الفرو�سية
4
14.8
ال�سالم
1
3.7
االجتهاد
1
3.7
الوعي ال�سيا�سي
1
3.7
ال يوجد
7
25.9
املجموع
27
100
من القيم البارزة داخل اخلطاب ،خ�صو�ص ًا يف املو�ضوعات التي كانت تربز فيها املر�أة كفاعل �أ�سا�سي ،مثل احلوار الذي ن�رشته املجلة مع ال�شاعرة حمدة اخلمي�س ،واملو�ضوع الذي تناول الأو�ضاع يف موريتانيا ،وركّز ب�صفة مؤسسة الفكر العربي ّ
الإعالم
والباحثة الأدبية امل�رصية �سهري القلماوي. وعلى م�ستوى انتماء ال�شخ�صيات التي ظهرت يف اخلطاب �إىل قطاعات الإبداع الثقايف املختلفة ،جند �أن �شخ�صيات املفكرين والأدباء هي الأكرث �سيطرة على املواد ال�صحفية املن�شورة مبجلة العربي خالل فرتة التحليل. ويو�ضح اجلدول التايل ذلك(:جدول رقم )18 ي ّت�ضح من اجلدول ال�سابق بروز دور املفكرين كفاعل �أ�سا�سي يف احلركة الثقافية العربية داخل خطاب جملة العربي ،وقد اتفقت يف ذلك مع جملة الهالل .وجاء بعد املفكرين «ال�شعراء» الذين احتفى اخلطاب ب�إبرازهم ب�صورة وا�ضحة ،مبا يعك�س نظرته �إىل الأدب ك�شعر �أكرث منه كرواية ،وذلك خالف ًا للر�ؤية التي يطرحها اخلطاب الثقايف يف جملة الهالل الذي ينظر �إىل الأدب كرواية �أكرث منه ك�شعر .وكان هناك �أي�ض ًا ح�ضور لبع�ض املطربني العرب، و�إن مل يكن بكثافة ظهور هذه ال�شخ�صيات داخل اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل.
يو�ضح �أنواع ال�شخ�صيات التي ظهرت داخل اخلطاب الثقايف مبجلة العربي
التقرير العربي الثاين 268للتنمية الثقافية
خا�صة على �أو�ضاع املر�أة داخل هذا القطر، وكذلك احلوار الذي �أجرته املجلة مع الروائية الربياطانية دوري�س لي�سنج. �أما قيمة احلرية فظهرت يف موا�ضع اخلطاب التي كان يربز فيها دور النقاد واملفكرين كفاعل �أ�سا�سي داخل حركة الإبداع الثقايف العربي ،مثل احلوار الذي مت �إجرا�ؤه مع منح ال�صلح ،واحلوار الذي مت �إجرا�ؤه مع جابر ع�صفور .وبرزت �أي�ض ًا قيم الفرو�سية تطرق فيها اخلطاب �إىل فـي املوا�ضع الذي ّ مو�ضوعات تت�صل بالثقافة ال�شعبية ،مثل املو�ضوع الذي ن�رشته جملة العربي حول �سرية عنرتة ابن �شداد.
م�ضمون اخلطاب الثقايف بال�صحيفة الثقافية (التابعة ملجلة فواني�س) املغربية
تعاين ال�صحافة الثقافية يف املغرب من م�شكالت متنوعة� ،أبرزها ندرة هذه اجلرائد واملجالت الثقافية ب�سبب �ضعف الطلب عليها من جانب القراء ،بالإ�ضافة �إىل ما تعانيه من معوقات اقت�صادية حتول دون ا�ستمرارها يف ال�صدور .وي�شري العديد من التقارير �إىل «�أن املنابر ال�صحفية املتخ�ص�صة يف ال�ش�أن الثقايف باملغرب قليلة �إىل ح ّد الندرة ،و�أغلب املجالت واجلرائد الثقافية التي حاولت اال�ستمرارية �ضاقت بها �سبل الوجود ،فبع�ضها توقف بعد جدول رقم 20
يو�ضح املو�ضوعات التي توزعت عليها مواد اخلطاب الثقايف بال�صحيفة الثقافية التكرار
الن�سبة
املو�ضوعات �شعر
18
47.4
ق�صة ق�صرية
11
28.9
م�رسح
4
10.5
رواية
3
7.9
�سينما
2
5.3
املجموع
38
100
�صدوره ب�أعداد قليلة ،و�أخرى عانت من ك�ساد التوزيع وحمدودية القراءة� ،أما البع�ض القليل الآخر من هذه املنابر في�سعى ببطء �إىل العي�ش مدة �أطول اعتماداً على ت�ضحيات طاقمها الذي ي�شتغل يف �أجواء من الت�ضحية والن�ضال (.)3 الثقايف» و�أمام م�شكلة الندرة ،وعدم االنتظام، من جانب الإ�صدارات الثقافية يف املغرب مت اختيار ال�صحيفة الثقافية التابعة ملجلة فواني�س املغربية كم�ساحة للتحليل واخلروج بعدد من امل�ؤ�رشات حول �أبرز معامل اخلطاب الذي تقدمه ال�صحافة الثقافية يف املغرب.
خريطة مو�ضوعات اخلطاب الثقايف بال�صحيفة الثقافية
تعتني ال�صحيفة الثقافية بال�ش�أن الأدبي والفني ب�أبعاده املختلفة ب�صورة تفوق اهتمامها بطرح ومعاجلة ق�ضايا فكرية �أو علمية �أو دينية حم ّددة ،وذلك خالف ًا ملجموعة املجالت الثقافية العربية التي مت حتليلها يف ما �سبق .ويو�ضح اجلدول التايل خريطة توزيع املو�ضوعات املت�ضمنة يف اخلطاب الثقايف املت�ضمن يف هذه املجلة( :جدول رقم )20 يالحظ من اجلدول ال�سابق �أن جملة فواني�س تهتم بق�ضايا الأدب (�شعر – ق�صة – رواية) بن�سبة كبرية ،مما يعطي م�ؤ�رشاً حول نظرتها �إىل الثقافة ك�أدب ،وتركز ال�صحيفة بعد ذلك بن�سب حمدودة على كل من ق�ضايا ال�سينما وامل�رسح التمثيلي ،كم�ساحات فنية يحاول اخلطاب �أن يعتني بها �إىل جوار امل�ساحات الأدبية. يف �ضوء ذلك ميكن القول �إن ال�صحيفة الثقافية تركّز ب�صورة �أ�سا�سية على قطاعني �أ�سا�سيني من قطاعات الثقافة هما قطاعا الأدب والفن ،و�إن اهتمام اخلطاب الثقايف بالقطاع الأول يفوق بكثري اهتمامه بالقطاع الثاين .ويو�ضح ال�شكل التايل التباين يف اهتمام املجلة بهذين القطاعني�( :شكل رقم )10
الف�صل الثاين اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية 269
االنتماء املكاين للقوى الفاعلة املنتجة للخطاب بال�صحيفة الثقافية
الفنون ال�صحفية امل�ستخدمة يف تقدمي اخلطاب يف ال�صحيفة الثقافية
خالف ًا للعديد من املجالت الثقافية
35 30 25 20 15 10 5
قطاع الفن جدول رقم 21
قطاع الأدب
0
يو�ضح االنتماء املكاين للقوى الفاعلة املنتجة للخطاب بال�صحيفة الثقافية التكرار
الن�سبة
القطر املغرب
24
63.2
م�رص
3
7.9
فل�سطني
2
5.2
ال�سعودية
2
5.2
اجلزائر
2
5.2
العراق
2
5.2
ليبيا
1
2.6
الكويت
1
2.6
الإمارات
1
2.6
املجموع
38
100
�شكل رقم ()11 يو�ضح ن�سب ا�سهام الكتّاب العرب املنتمني اىل قطاعات جغرافية خمتلفة يف انتاج اخلطاب الثقايف بال�صحيفة الثقافية املغرب �شمال �إفريقيا اخلليج العربي فل�سطني العراق
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإعالم
تن ّوعت الأقطار التي ينتمي �إليها منتجو اخلطاب الثقايف بال�صحيفة الثقافية املغربية، وعلى الرغم من �أن الن�سبة الأكرب منهم انتمت �إىل دولة املغرب� ،إال �أن ذلك مل مينع وجود روافد ب�رشية قطرية �أخرى �أ�سهمت يف �إنتاج اخلطاب ،وقد تركزت هذه الروافد جميعها يف الإطار العربي ،ومل تلج�أ املجلة – على عك�س جمالت عربية �أخرى – �إىل اال�ستعانة بك ّتاب �أجانب� ،أو ك ّتاب عرب يعي�شون يف الغرب – �إال يف حدود �ضيقة للغاية -يف �إنتاج اخلطاب املت�ضمن يف مادتها ال�صحفية .ويو�ضح اجلدول التايل ذلك( :جدول رقم )21 يالحظ من اجلدول ال�سابق حالة التمركز حول القطر (املغرب) يف �إنتاج اخلطاب ،كما �سبق و�أ�رشنا ،و�أن هناك اهتمام ًا بعد ذلك با�ستح�ضار املنتجني الثقافيني املنتمني �إىل دائرة �شمال �أفريقيا (م�رص واجلزائر وليبيا)، ثم املنتجني الثقافيني املنتمني �إىل عدد من دول اخلليج (ال�سعودية والكويت والإمارات)، ثم املنتجني املنتمني �إىل كل من فل�سطني والعراق .ويو�ضح ال�شكل التايل حجم �إ�سهام ك ّل قطاع جغرايف من هذه القطاعات يف �إنتاج اخلطاب الثقايف بال�صحيفة الثقافية: (�شكل رقم )11 وقد غلب الطابع الذكوري على منتجي اخلطاب داخل ال�صحيفة الثقافية ( 31كاتب)، يف مقابل ( 7كاتبات �إناث) ،لكن ذلك ال مينع �أن املجلة – مقارنة باملجالت الثقافية الأخرى – حاولت التخفيف من ح ّدة غلبة الطابع الذكوري على �إنتاج اخلطاب الثقايف، �إذ كانت ن�سبة الكاتبات الإناث �إىل الذكور ( ،)18.5وهي ن�سبة مرتفعة قيا�س ًا �إىل الو�ضع يف املجالت الأخرى.
�شكل رقم ()10 بقطاعي الأدب والفن يو�ضح معدالت اهتمام اخلطاب الثقايف بال�صحيفة الثقافية ّ
التقرير العربي الثاين 270للتنمية الثقافية جدول رقم 22
يو�ضح الفنون ال�صحفية التي اعتمد عليها خطاب ال�صحيفة الثقافية التكرار
الن�سبة
الفن ال�صحفي �أعمال �إبداعية
20
52.6
خرب
8
21.1
مقال نق ّدي
7
18.4
حوار
3
7.9
املجموع
38
100
�شكل رقم ()12 يو�ضح ن�سبة املواد الإبداعية اىل املواد ال�صحفية بخطاب ال�صحيفة الثقافية
مواد ابداعية مواد �صحفية
جدول رقم 23
القيم املت�ضمنة يف اخلطاب الثقايف يف ال�صحيفة الثقافية
يو�ضح القيم املت�ضمنة باخلطاب الثقايف يف ال�صحيفة الثقافية القيمة
الإبداع االنتماء ال�شهرة املادية احلداثة ال يوجد املجموع
الأخرى اهتمت ال�صحيفة الثقافية بتوظيف بع�ض الفنون ال�صحفية املتنوعة ،من �أبرزها فن اخلرب ال�صحفي ،بالإ�ضافة �إىل املقاالت النقدية ال�رصيحة ،واحلوارات ال�صحفية .وكانت ال�صحيفة الثقافية �أي�ض ًا �أكرث اهتمام ًا من غريها من املجالت ب�إفراد م�ساحات مت�سعة لن�رش الإبداعات الأدبية .ويو�ضح اجلدول التايل ذلك ( :جدول رقم )22 يالحظ من اجلدول ال�سابق �أن ال�صحيفة الثقافية تهتم ب�أن تكون نافذة لن�رش الإبداع �أكرث من اهتمامها بن�رش املواد ال�صحفية التي ت�صب املواد تعالج ق�ضايا مع ّينة ،بل وغالب ًا ما ّ ال�صحفية يف �إطار تقدمي الأعمال الإبداعية �أو التنويه بها �أو نقدها .وتختلف ال�صحيفة الثقافية عن جممل املجالت الثقافية العربية التي تهتم ب�صورة حمدودة بنـ�رش الأعمال الإبداعية �سواء يف ال�شعر �أم الرواية �أم الق�صة الق�صرية .ويو�ضح ال�شكل التايل حجم الأعمال الإبداعية قيا�س ًا �إىل املواد ال�صحفية املت�ضمنة يف خطاب ال�صحيفة الثقافية�( :شكل رقم )12
التكرار
الن�سبة
10
26.3
3
7.9
3
7.9
1
2.6
1
2.6
20
52.6
38
100
�أثبت التحليل الكمي للقيم املت�ضمنة باخلطاب الثقايف يف ال�صحيفة الثقافية �أن ن�سبة كبرية من املواد ال�صحفية ال تتحقق بها قيمة وا�ضحة ي�شري �إليها اخلطاب �أو ي�ؤكدها يف معر�ض معاجلته للمو�ضوعات التي يت�صدى لها� ،سواء كانت مو�ضوعات �إبداعية، �أم مو�ضوعات �صحفية .ويف ما عدا ذلك برزت �أنواع خمتلفة من القيم داخل اخلطاب ال�صحفي، يو�ضحها اجلدول التايل ( :جدول رقم )23 ي ّت�ضح من اجلدول ال�سابق �أن قيمة الإبداع مبدلولها الفني والأدبي كانت الأكرث ح�ضوراً داخل اخلطاب ،يليها يف ذلك قيمة االنتماء، �سواء مبدلول االنتماء �إىل املكان� ،أم االنتماء �إلـى زمن معني� ،أم حتى االنتماء �إىل الرتاث يف بع�ض املوا�ضع .وبرزت بعد ذلك قيمة ال�شهرة، خ�صو�ص ًا يف �إطار املعاجلات الفنية التي عني
الف�صل الثاين اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية 271
أعمال لكبار بها اخلطاب واهت ّم فيها بتحليل � ٍ النجوم ال�سينمائيني وامل�رسحيني العرب. وبن�سب حمدودة للغاية ظهر بع�ض القيم الأخرى داخل اخلطاب ،مثل قيمة املادية، وتب ّنى اخلطاب اجتاه ًا �سلبي ًا نحوها ،وقيمة احلداثة وقد ارتبطت بطرح مو�ضوع البالغة الإلكرتونية اجلديدة التي �أفرزتها تكنولوجيا االت�صال عرب �شبكة الإنرتنت.
ثالث ًا :الق�ضايا الإ�شكالية املركزية داخل خطاب املجالت الثقافية العربية
ق�ضية العالقة بالآخر
اختلفت �صورة الآخر داخل اخلطاب الثقايف باملجالت الثقافية ،ففي �أحيان كان الآخر ي�أخذ مدلو ًال �سيا�سي ًا ،ويف �أحيان كان ي�أخذ مدلو ًال ديني ًا .و�سنتناول يف ما يلي �أبعاد طرح اخلطاب للآخر على هذين امل�ستويني: ال�سيا�سي والديني.
العالقة بالآخر ال�سيا�سي
يو�ضح حتليل الأطروحات املتعلقة بق�ضية «العالقة بالآخر» �إىل �أن هذا الآخر كان ي�شري،
التكرار
الن�سبة
الق�ضية ق�ضية العالقة بالآخر
11
19
الق�ضية الفل�سطينية
9
15.5
ق�ضية عالقة املثقف بال�سلطة ال�سيا�سية
9
15.5
ق�ضية الطائفية
8
13.8
ق�ضية التفاعل بني الثقافة والدين
6
10.3
ق�ضية العالقة بني املال والثقافة
5
8.6
ق�ضية امل�ساواة بني الرجل واملر�أة
5
8.6
ق�ضية العالقة بني الرتاث واملعا�رصة
3
5.2
ق�ضية العالقة بني اللغة والثقافة
2
3.4
املجموع
58
100
يف �أحيان� ،إىل «الأمريكي» امل�سيطر �أو املتقدم �أو املحت ّل للأر�ض العربية ،ويف �أحيان كان الآخر هو «الإ�رسائيلي» املحتل القاتل ،ويف �أحيان كان الآخر هو «الأوروبي». وقد ق ّدمت موا�ضع عدة من اخلطاب الآخر الغربي جمل ًال بالتبجيل واالحرتام ،وخ�صو�ص ًا يف ما يتعلق بتقديره لقيمة العلم والعلماء، وقد برزت هذه القيمة يف �سياق �أطروحة ميكن و�صفها بـ «�أطروحة جلد الذات» من خالل دمغ الواقع العربي بتغييب دور العلم والعلماء، وذلك على النقي�ض مما يحدث يف املجتمعات الغربية املتقدمة .ومن النماذج على ذلك املقال الذي كتبه ن�سيم جملى حول �شخ�صية حتتف فوزي �إ�سطفانو�س وكيف �أن م�رص مل ِ به و�أ�شار فيه �إىل �إهمال امل�س�ؤولني له ،و�أ ّكّد على �أنهم «مل يذكروه �أبداً �ضمن تر�شيحاتهم لأي جائزة من جوائز الدولة للعلوم حتى من باب االعرتاف باجلميل �أو الت�شجيع للآخرين من املغرتبني .وعموم ًا ف�إن الرجل قد حظى بالتقدير املادي والأدبي ممن يعرفون قيمة العلم والعلماء يف �أمريكا و�أوربا (.)4
يبدو خطاب العالقة بالآخر “الـغـربـي” مــجـلـ ًال بـالـتـبـجــيـل واالحرتام ،وخ�صو�ص ًا يف ما يتعلق بتقديره لقيمة العلم والعلماء ،وقـد برزت هذه القيمة يف �سياق �أطروحة ميكن و�صفها بـ «�أطروحة جلد الذات» من خالل دمغ الواقع العربي بتغييب دور العلم والعلماء.،
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإعالم
ان�شغل اخلطاب الثقايف داخل املجالت الأربع التي مت حتليلها مبجموعة من الق�ضايا الأ�سا�سية التي اهت ّم بها �أكرث من غريها، وق ّدم يف �سياقها جمموعة من الأطروحات التي تعك�س ر�ؤية العقل الثقايف العربي لها واجتاهات طرحه ومعاجلته لأبعادها .ويح ّدد اجلدول التايل هذه الق�ضايا وعدد الأطروحات التي ارتبطت بكل منها ،وعك�ست درجة �أهميتها �أو �أولويتها بالن�سبة ملنتجي اخلطاب الثقايف داخل املجالت الثقافية العربية: (جدول رقم )24 و�سنق ّدم يف ما يلي حتلي ًال للأطروحات التي قدمها اخلطاب يف ما يتعلق بكل ق�ضية من هذه الق�ضايا ،واال�ستخال�صات الأ�سا�سية التي ميكن اخلروج بها لتو�صيف اجتاهات معاجلته لكل منها.
جدول رقم 24
يو�ضح الق�ضايا املحورية التي ان�شغل بها اخلطاب داخل املجالت الثقافية العربية
التقرير العربي الثاين 272للتنمية الثقافية
يـ�أخـذ الـخــطـاب الثقايف – �أحياناً -منحى ناقداً للآخر الغربي، وخ�صو�ص ًا الأمريكي ،منطلق ًا من �أطروحة «�سيطرة املادية على التنوع احلياة يف الغرب» ،ومن �أن ّ ال�سيا�سي �أو العرقي يف الغرب يعك�س يف جوهره حالة اقت�صادية تعتمد على الطبق ّية ال�شديدة.
ويف املقابل من ذلك كان اخلطاب ي�أخذ – �أحيان ًا -منحى ناقداً للآخر الغربي، وخ�صو�ص ًا الأمريكي ،منطلق ًا من �أطروحة «�سيطرة املادية على احلياة يف الغرب»، ومن �أن التن ّوع ال�سيا�سي �أو العرقي يف الغرب يعك�س يف جوهره حالة اقت�صادية تعتمد على الطبق ّية ال�شديدة .وقد برز هذا الطرح يف املقال الذي ق ّدمه �أحد ك ّتاب جملة الهالل و�أ�شار فيه �إىل �أن اخلالفات ال�سيا�سية بني اجلمهوريني والدميقراطيني هي خالفات وهمية يف الأ�سا�س و�أن الفريقني «ال يختلفان يف مغازلة الفئات القادرة على التمويل ،والتــي ال تقلقها املطالبة بحقوق الأقليات املغبونة» بل �إنها تتطوع مبنحها ما تطالب به ،طاملا �أغفل الإن�صاف توزيع الرثوة ،ف�إن هذه الفئات التي ت�سميها اخت�صاراً باليمني هي يف كل املجتمعات ويف كل الع�صور �سباقة �إىل ما ي�س ّمى بـ (الإح�سان الوقائي)(.)5 وداخل اخلطاب الثقايف يف جملة الآداب البريوتية كان الآخر اال�ستعماري �أو اال�ست�رشاقي حا�رضاً �أي�ض ًا ،و�إن مت ّيز اخلطاب هنا بطرح مو�ضوع ال�رصاع مع الآخر من املنظور الثقايف ب�صورة �أ�سا�سية� ،سواء كان هذا الآخر هو الغربي ال�رصيح� ،أم من املدافعني عنه ومن حاملي �أفكاره يف الأو�ساط العربية. ويوجه اخلطاب نقده ملن يطلق عليهم ّ «اال�ست�رشاقيني اجلدد» وي�شري �إىل �أن «بع�ض الليرباليني يف العامل العربي يحلو لهم نعت كل متحدث عن جتدد امل�رشوع اال�ستعماري بالراديكالية �أو الرجعية �أو ا�ستخدام لغة بائدة ،وال نعلم �إن كان ه�ؤالء يدرون �أن العامل الليربايل الذي يدعون االنتماء �إليه يزخر – هو نف�سه – ب�إرث �ضخم ومتنام منذ انتهاء احلرب الباردة ي�ؤكد جت ّدد الفكر اال�ست�رشاقي ً (.)6 واال�ستعماري وتطبيقه عمليا» ويح ّدد اخلطاب ال�رصاع مع الآخر الغربي يف �إطار معادلة القوة واملعرفة ،فالآخر ي�ص ّور ا�ستعماره ك�رضورة �أخالقية ناجتة عن احتكاره للمعرفة والقوة« .ف�إذا كان تدخل
القوى الكربى يف �رصاعات حملية حتت غطاء دويل لي�س بجديد ،ف�إن الالفت للنظر هو الداللة الأخالقية التي تربره ،فحق التدخل عرب قرار من جمل�س الأمن �أ�صبح م�س�ؤولية ،باخت�صار لقد حتول عبء الرجل الأبي�ض �إىل واجب املجتمع الدويل»(.)7 وحذّر اخلطاب الثقايف بال�صحيفة الثقافية املغربية من خطورة اال�ست�سالم لغزو الآخر للذات يف ع�رص العوملة ،و�رضورة تفعيل الأدوات الثقافية العربية يف مواجهة هذا الغزو، خ�صو�ص ًا امل�رسح .وي�ؤكّد يف هذا ال�سياق على �رضورة التن ّبه �إىل «العوملة وت�أثرياتها ال�سلبية، عندما تبدو كقوة غزو معادية .فوظيفة امل�رسح هنا هي البحث عن عامل عادل جتتمع كل الآمال والأحالم فيه»(.)8 ون�ستطيع �أن ن�ستخل�ص من حتليل اخلطاب الذي ي�ستح�رض الذات يف مواجهة الآخر الغربي داخل املجالت الثقافية جمموعة النتائج التالية: • يت ّم ا�ستح�ضار الآخر ب�صورة م�ستمرة يف مواجهة الذات� ،سواء ا ّتخذ اخلطاب منحى احتفائي ًا بالآخر مقابل ت�سفيه الذات� ،أم ا ّتخذ من ت�صدير الأو�ضاع والأفكار ال�سائدة لدى الآخر �إىل الذات ذريعة للهجوم عليه. • يعتمد هذا اخلطاب على �آلية �إ�سقاطية وا�ضحة ،خ�صو�ص ًا عندما يندفع �إىل تف�سري بع�ض الأو�ضاع ال�سائدة يف الواقع العربي (با�ستح�ضار فكرة امل�سكوت عنه فـي الن�ص) يف �ضوء ما هو �سائد لدى الآخر الغربي، وخ�صو�ص ًا الأمريكي. وظهر يف بع�ض موا�ضع من اخلطاب الآخر «الآ�سيوي» ،ولكن ب�صورة حمدودة للغاية ،على الرغم من �أنه الأقرب جغرافي ًا وح�ضاري ًا �إىل البيئة العربية .وقد ا�ستوقف هذا الأمر �أحد ك ّتاب جملة الهالل يف معر�ض حديثه عن حما�رضة للكاتب الهندي �أميتاب جو�ش �أ�شار فيها �إىل جتربته يف زيارة �إحدى القرى امل�رصية «وكيف �أن �أهلها كانوا ينهرون َمن ي�رضب �أي ًا من الأبقار احرتام ًا مل�شاعره باعتبار البقرة مقد�سة
الف�صل الثاين اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية 273
يف الهند .فقد �أف�ضت تلك التجربة – كما يقول كاتب املو�ضوع – �إىل تفاعل ثقايف عميق بني الأنا والآخر يف وحدات الإنتاج الزراعي يف م�رص ،ولكنه لي�س مع �أي �آخر ،و�إمنا مع �آخر من نوع طاملا افتقدناه يف الع�صور احلديثة التي غ�شاها االهتمام الكثيف بثقافات امل�ستعمرين الغرب ّيني ،و�إمنا هــو الآخر يف بلد مقارب لنا اقت�صادي ًا من بالد اجلنوب» (.)9
العالقة بالآخر الديني
الإعالم
من املالحظات الأ�سا�سية التي يك�شف عنها حتليل خطاب املجالت الثقافية العربية �أن ظهور الآخر يف منحى �أو �صورة «دينية» كان يرتبط – با�ستمرار -بالت�أكيد على قيمة الت�سامح ،و�رضورة التعاطي والتفاعل معه ،مع ربط هذا الأمر بجذور فكرية �أ�سا�سية متتد بج�سورها �إىل الرتاث العربي والإ�سالمي. وقد ظهر العديد من النماذج على هذا الطرح على �أقالم ك ّتاب جملة الهالل امل�رصية منها – على �سبيل املثال -ما �أ�شار �إليه �أحد ك ّتاب املجلة حني �أكّد على �أن ابن ر�شد حقّق �أعظم الإجنازات يف تطوير الفكر اليهودي وتنوير الفكر امل�سيحي ،حيث �ساد الت�سامح الديني من ثنايا احلوار الإ�سالمي اليهودي العقالين الذي ا�ستهدف تطهري املعتقدات من الأ�ساطري واخلرافات ،م�ستنداً يف هذا ال�صدد �إىل املنهج املو�ضوعي يف النقد و�إيجاد حماوالت توفيقية بني العلم والإميان ،واحلكمة وال�رشائع مبا يدعو �إىل االنبهار بفل�سفة هذا العامل اجلليل»(.)10 ومن النماذج على ذلك �أي�ض ًا ما �أ�شار �إليه �أحد ك ّتاب الهالل يف معر�ض حديثه عن دور حنني بن ا�سحق يف بعث النه�ضة العربية ،فقد �أكد على فكرة حوار احل�ضارات – بغ�ض النظر عن الأديان – وهو يتحدث عن حركة الرتجمة العربية يف الع�رص العبا�سي «الذي �شهد �أول و�أعظم حــركة ثقافية جت�سدت فيها فكرة حوار الثقافات ،لي�س فقط لأن الرتجمة �شملت نقل الرتاث الإغريقي والفار�سي والهندي� ،أي التعامل مع ثقافات وثنية وعقالنية خمتلفة،
بل لأن هذه احلركة اعتمدت �أ�سا�س ًا على مرتجمني وعلماء م�سيحيني ويهود و�صابئة ج�سدت فكرة احلوار ومن ك ّل الأجنا�س ،وبهذا ّ �شك ًال وم�ضمون ًا بني العرب امل�سلمني وغريهم من ال�شعوب واجلماعات العرقية والدينية» (.)11 ويحمل هذا اخلطاب �إ�شارات متنوعة ت�ستهدف الت�أكيد على ما يلي: • احلوار ما بني الأديان ،وتكري�س الإ�سالم لهذه الفكرة عرب تاريخه ،و�إن ا�ستخدم احلوار م�صطلحي الأديان والثقافات ب�شكل مرتادف. • الف�صل بني الدين والعلم ،على �أ�سا�س �أن العلم ال دين له وال وطن ،و�أن امل�سلمني الأوائل ا�ستقوه من �أي وعاء خرج. • �أن النه�ضة العلمية العربية جاءت كحلقة من حلقات التطور العلمي على امل�ستوى الإن�ساين ،وا�ستفادت ب�شكل �إيجابي من احللقات الأخرى التي �سبقتها وارتبطت ب�أ�صحاب عقائد وح�ضارات �أخرى .بل وقد بلغ ال�شطط باخلطاب – يف بع�ض الأحيان – الو�صول �إىل مراحل تنحو جتاه نفي �أي قيمة للعطاء العلمي التاريخي للح�ضارة الإ�سالمية، وتف�سري ذلك يف �إطار عمليات الغزو التي قام بها امل�سلمون �ضد ال�شعوب الأخرى للعي�ش على مرياثهم احل�ضاري. وقد ظهر هذا الأمر يف خطاب جملة العربي يف احلوار الذي �أجرته مع ال�شاعرة البحرينية حمدة خمي�س ،والني �أكدت يف �سياق حديثها عن الرتجمة ك�آلية لنقل الأفكار العلمية بني ال�شعوب «�إن ال�شعوب تناقلت ح�ضاراتها عرب الرتجمة منذ �أزمنة بعيدة ،ودليلها ح�ضارتنا التي ن�سميها عربية و�إ�سالمية .ففي قراءة تاريخ هذه احل�ضارة �سرنى �أنها مزج بني ح�ضارة بدوية منعزلة وح�ضارات تعددت جهاتها واقتحمت ق�رسا مبا ي�سمى �إىل اليوم بـ (الفتوحات) .ودقة هذا القول جنده يف �أ�سماء النوابغ يف العلم والفل�سفة والأدب التي حتتويها مدوناتنا الرتاثية» (.)12 • يعتمد هذا اخلطاب -يف املجمل – على القراءة العلمية للواقع االجتماعي ،بل ولبع�ض مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 274للتنمية الثقافية
مل يفت اخلطاب الثقايف �أن ي�ؤكد على فكرة �أن الإ�سالم عقيدة ترتكز على فكرة قبول الآخر، وقد جتلى ذلك يف ا�ستعرا�ض اخلطاب لتاريخ حلب املدينة التي ا�ستطاعت «�أن ُتظهر دور الإ�سالم يف �إعطائها هويتها النهائية يف ردائها الف�ضفا�ض املرن الوا�سع، فهي وبعد مرور 15قرن ًا على دخول امل�سلمني �إليها مازالت حتتفظ ب�أطياف وا�سعة من الأديان واملذاهب والطوائف.
الأفكار الدينية �أي�ض ًا ،وهو يحاول با�ستمرار �أن يوجد لنف�سه غطا ًء مرجعي ًا من الرتاث الفكري والفل�سفي الإ�سالمي .ومن النماذج على هذا الطرح املقال الذي كتبه الدكتور مراد وهبة يف جملة الهالل وناق�ش فيه مو�ضوع العالقة بني الروح واجل�سد� ،إذ اعتمد علـى تقدمي ر�ؤية علمية تف�رس هذه العالقة ،بالإ�ضافة �إىل اال�ستناد �إىل بع�ض �آراء الفال�سفة امل�سلمني. ف�أ�شار �إىل �أن النف�س عند الفارابي تعني كمال اجل�سم� ،أما كمال النف�س فهو العقل. والعقل �أو النف�س يفارق البدن بعد املوت� ،أما ابن طفيل فريى �أن الفارابي متناق�ض يف ق�ضية بقاء النف�س ،فقد �أثبت يف كتابه املعنون (املدينة الفا�ضلة) بقاء النفو�س ال�رشيرة بعد املوت يف �آالم ال نهايـة لها ،ويف كتابه (ال�سيا�سة املدنية) يقول عن هذه النفو�س �إنها منحلة و�صائرة �إىل العدم ،و�إنه ال بقاء �إال للنفو�س الكاملة» (.)13 ومل يفت اخلطاب الثقايف يف جملة العربي، وهو يحتفي بـ «املكان» يف موا�ضع عديدة منه �أن ي�ؤكد على فكرة �أن الإ�سالم عقيدة ترتكز على فكرة قبول الآخر ،وقد جتلى ذلك يف ا�ستعرا�ض اخلطاب لتاريخ حلب املدينة التي ا�ستطاعت «�أن ُتظهر دور الإ�سالم يف �إعطائها هويتها النهائية يف ردائها الف�ضفا�ض املرن الوا�سع ،فهي وبعد مرور 15قرن ًا على دخول امل�سلمني �إليها مازالت حتتفظ ب�أطياف وا�سعة من الأديان واملذاهب والطوائف .وهذا �أمر اعتربناه دلي ًال على �أن الإ�سالم يقبل بالآخر ويحاوره انطالق ًا من �أ�سا�س �أخالقي را�سخ يقول }ادع �إىل �سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احل�سنة وجادلهم بالتي هي �أح�سن{ ومن منطلق }�إن �أكرمكم عند اهلل اتقاكم{» (.)14
الق�ضية الفل�سطينية
احتلت الق�ضية الفل�سطينية م�ساحة كبرية داخل اخلطاب الثقايف العربي تتماثل مع احليز الذي ت�شغله يف العقل العربي ،لكن طريقة طرح هذه الق�ضية اختلفت من جملة ثقافية
�إىل �أخرى .فقد ان�شغلت جملة العربي بتت ّبع جغرافية «املكان» وتاريخه من خالل احلديث عن تاريخ الق�ضية وو�صف املدن الفل�سطينية كحيفا ويافا وغريها ،يف حني ان�شغلت جملة الآداب اللبنانية بالأبعاد ال�سيا�سية املت�صلة بهذه الق�ضية. وقد ظهر يف خطاب العربي املعني بطرح الأبعاد التاريخية لهذه الق�ضية ت�أكيد على منهجية امل�ؤامرة التي �صاحبت ن�ش�أة �إ�رسائيل واغت�صاب �أر�ض فل�سطني من �أهلها «فقد ن�ش�أت ال�صهيونية يف رحم �أوروبا اال�ستعمارية، وانف�صلت عنها كما ينف�صل الوليد عن �أمه، ولكن احلبل ال�رسي بقي مت�ص ًال ،واليزال يقوى (.)15 وينتفخ كل يوم» وعلى م�ستوى الذات كان الطرح الذي قدمته جملة العربي يتجه نحو الت�أكيد على حالة التخبط العربي يف التعامل مع الق�ضية فاخلطاب ي�صف ما حدث عام 1948على النحو التايل: قوات من املتط ّوعني «ح�رضت �إىل فل�سطني ٌ العرب وق ّوات نظامية من الأردن والعراق و�سورية ولبنان وعدد كل منها ال يتجاوز ب�ضعة �آالف� .أما القوات امل�رصية وهي �أكربها فبد�أت بثمانية �آالف وو�صلت �إىل ثالثني �ألفًا .ومل يكن بني هذه القوات �أي تن�سيق ،بل �إن بع�ضها ا�ستغل عرثات الآخر .كانت هذه حالة م�أ�ساوية بكل املقايي�س� .أ�صحاب احلق التاريخي الوا�ضح ومن ورائهم ماليني العرب وامل�سلمني مل يتمكّنوا من املحافظة عليه. و�أ�صحاب امل�ؤامرة اال�ستعمارية اال�ستيطانية متكّنوا من اال�ستيالء على هذا احلق التاريخي يف واقعة لي�س لها مثيل يف التاريخ» (.)16 وقد كان اخلطاب الثقايف مبجلة الآداب �شديد االهتمام بالق�ضية الفل�سطينية ،حيث �أفردت املجلة العديد من امللفات واملو�ضوعات التي ت�ص ّدت لتحليلها ،خ�صو�ص ًا من املنظور الثقايف .وقد متركز اخلطاب يف هذا ال�سياق حول فكرة «املقاومة ال�سلمية لالحتالل» من خالل تفعيل �آلية «املقاطعة».
الف�صل الثاين اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية 275
• الفر�ضية الثانية ت�ؤكد على املنظور الثقايف
�أطروحة املقاطعة الأكادميية :وذلك �أ�سوة بتجربة مقاومة نظام الف�صل العن�رصي يف جنوب �أفريقيا .ويق ّدم اخلطاب يف هذا ال�سياق مناذج عملية لهذه التجربة ،مبا حدث عام ،1980حني �أقرت جمعية �أ�ساتذة اجلامعات، وهي نقابة متثل الهيئة الأكادميية والإدارية العليا يف اجلامعات الربيطانية ،قراراً بالغ الأهمية بالت�شديد على املعار�ضة الكاملة ل�سيا�سات الأبارتهايد والرقابة على العمل الأكادميي والكتب والأدب ،و�إميانه ب�أن �أكرث الأعمال فعالية هو فر�ض مقاطعة �شاملة على �أي �شكل من �أ�شكال االت�صال باجلامعات اجلنوب �إفريقية والأكادمييني اجلنوب �إفريقيني(.)21
الإعالم
وقد اهتمت املجلة – يف هذا ال�سياق - ب�أطروحة املقاطعة اهتمام ًا وا�ضح ًا ،ترجمته يف تخ�صي�ص ملفني داخل عددين من �أعدادها، وملف فرعي يف عدد ثالث حول النا�شط الإيطايل �ستيفانو كياريني ملعاجلة اجلدل الدائر يف فل�سطني والبالد العربية ،والواليات املتحدة الأمريكية ،وبع�ض الدول الأوروبية والأفريقية حول نداء املجتمع املدين الفل�سطيني الذي ت�صاعد منذ عام 2005والذي يطالب العامل مبقاطعة �إ�رسائيل و�سحب اال�ستثمارات منها وفر�ض العقوبات عليها� ،أ�سوة مبا فعله املجتمع الدويل من �أجل هزمية نظام الف�صل العن�رصي الأبارتهايد يف جنوب �أفريقيا. وقد � ّأ�س�س اخلطاب لأطروحة املقاطعة بفر�ضيتني �أ�سا�سيتني: • الفر�ضية الأوىل تذهب �إىل �أهمية تقدمي الق�ضية الفل�سطينية لي�س بو�صفها م�س�ألة �سيا�سية فح�سب ،بل بو�صفها ق�ضية �أخالقية وحترك �أحيان ًا حترك النا�س العاديني، ّ �أي�ض ًا ّ ()17 �أفراداً من النخب ال�سيا�سية نف�سها . ومن النماذج العملية التي �أوردها اخلطاب على ا�ستثمار تعاطف بع�ض ال�سيا�سيني الغربيني منوذج الكاتب الإيطايل �ستيفانو كياريني �أحد املدافعني عن املواطن الفل�سطيني وما ُيرتكب �ض ّده من مذابح ،خ�صو�ص ًا مذبحة خ�ص�صت املجلة يف �أحد �صربا و�شاتيال .وقد ّ �أعدادها ملف ًا كام ًال حول �شخ�صية هذا النا�شط الإيطايل «الذي ربط حياته املهنية وال�سيا�سية بق�ضايا التحرر الإن�ساين ،متخذاً من الق�ضية ّ (.)18 الفل�سطينية عنوان ًا لها» وكان هناك تركيز – يف هذا ال�سياق على �إبراز �شخ�صية �ستيفانو كتعبري عناجتاهات الي�سار الأوربي (الي�سار اجلديد) نحو الق�ضية الفل�سطينية ،واجتهاد ال�صحف التي �أ�صدرها هذا التيار – كما يعبرّ عنه �ستيفانو – يف الدفاع عن الق�ضية الفل�سطينية ،ومن �أبرز هذه ال�صحف �صحيفة املانيف�ستو (.)19
لل�رصاع العربي الإ�رسائيلي ،وبالتايل ف�إن «ف�ضح ممثلي الثقافة والقيم الإ�رسائيلية على حقيقتهم – �أي ف�ضح منظومة القيم اخلا�صة بعقيدة قمعية وكولونيالية – خطوة مهمة من �أجل ترجمة الدعم الإجمايل لفل�سطني يف املجتمعات الغربية �إىل �سيا�سات حكومية مغايرة يف امل�ستقبل (.)20 وقد ق ّدم اخلطاب عدداً من الأطروحات الفرعية التي ميكن �أن تتجلى من خاللها الأطروحة الرئي�سية املتمثلة يف «املقاطعة». ومن �أبرز هذه االطروحات:
�أطروحة املقاطعة االقت�صادية :وهي ترتبط ب�أطروحة «املقاطعة الأكادميية» .ففي �سياق اقت�صاد املعرفة اليوم ،ال يف عامل جمرد ما ،ي�صبح من غري املمكن الف�صل الذي يرغب البع�ض يف �إقامته بني مقاطعة اقت�صادية ميكن �أن تكون مقبولة ومقاطعة �أكادميية غري مقبولة ،وبالن�سبة �إىل بلد ك�إ�رسائيل ،حيث اجلامعات مركزية بالن�سبة �إىل موقعه يف ال�سوق العاملية ،وبخا�صة يف جمال املعلوماتية والتكنولوجيا البيولوجية ،ف�إن مقاطعة عاملية لهذا البلد لن ت�ؤثر يف اجلامعات وحدها بل يف االقت�صاد نف�سه» (.)22 مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 276للتنمية الثقافية
العالقة بني الثقافة وال�سلطة يف العامل العربي عالقة �شديدة االلتبا�س ،وهناك نوع من الإ�رصار، من جانب املثقفني الذين يظهرون داخل اخلطاب ال�صحفي ،للت�أكيد على فكرة اال�ستقالل عن ال�سلطة ال�سيا�سية ،حتى ولو كانوا ر�سمي ًا جزءاً منها� ،إذ جندهم يف�صلون با�ستمرار بني فعلهم الثقايف ووظائفهم لدى ال�سلطة ال�سيا�سية.
�أطروحة دعم اليهود العرب يف دولة فل�سطني :فاخلطاب يطرح �رضورة �أن يقوم العرب ،وخ�صو�ص ًا الفل�سطينيون ،بدعم اليهود العرب املزراحيم الذين يعانون من �أ�شكال خمتلفة من التعامل العن�رصي من جانب املجتمع الإ�رسائيلي ،بحكم خ�ضوعهم للقوة الكولونيالية املهيمنة� ،أي لأ�شكنازيي �أوربا ال�رشقية. ويحلّل اخلطاب �أ�شكال الهيمنة تلك – من منظور ثقايف – في�شري �إىل �أن العنف الثقايف الذي ميار�س �ض ّد العرب اليهود على امل�ستوى الأيديولوجي ،وا�ستخدام العلم ك�أداة من �أدوات العنف الثقايف ،من خالل ترويج امل�ؤ�س�سة الأكادميية الأ�شكينازية لفكرة �أن روح ال�رشق تف�سد العقول والأفراد ،والإ�صـرار على توجيه املزراحيم �إىل نظام تربوي منف�صل ذي نوعية تعليمية �أدنى ،والأهم من ذلك ق�ضية �سلب الرتاث الفل�سطيني(.)23
عالقة املثقف بال�سلطة ال�سيا�سية
العالقة بني الثقافة وال�سلطة يف العامل العربي عالقة �شديدة االلتبا�س ،وهناك نوع من الإ�رصار ،من جانب املثقفني الذين يظهرون داخل اخلطاب ال�صحفي ،للت�أكيد على فكرة اال�ستقالل عن ال�سلطة ال�سيا�سية ،حتى ولو كانوا ر�سمي ًا جزءاً منها� ،إذ جندهم يف�صلون با�ستمرار بني فعلهم الثقايف ووظائفهم لدى ال�سلطة ال�سيا�سية .وقد ظهر هذا الأمر ب�صورة جلية يف اخلطاب ال�صحفي داخل جملة الهالل حمرري املجلة امل�رصية .ففي حوار �أجراه �أحد ّ مع رئي�س حتريرها ُ�سئل الأ�ستاذ جمدي الدقاق ع ّما يقال ب�ش�أن ت�سيي�س جملة الهالل وهي جملّة ثقاف ّية ،و�أكّد رئي�س التحرير يف �إجابته �أنه «عندما يوافق رئي�س الدولة على �إجراء �أول حوار �صحفي له ملجلة ثقافية ،فهذا مك�سب مهني للمجلة .فمن حق النا�س �أن يعرفوا التكوين الثقايف للرئي�س وماذا قر�أ ،ماذا �شاهد من م�رسح و�سينما ،ما عالقته باملو�سيقى، بل ت�أثري جملة الهالل يف تكـوينه الثقايف.
وهذا يف منتهي الأهمية ،حتى يعرفوا جيداً طبيعة َمن يتوىل �أخطر و�أرفع من�صب يف الدولة ،ناهيك ب�أن الرئي�س �أ ّكد بح�سم انحيازه للإبداع واملثقفني ،ودفاعه عن حرية الر�أي (.)24 وال�صحافة. يك�شف املقتطف ال�سابق من حوار رئي�س حترير جملة الهالل امل�رصية حالة الرتاوح لدى الكثري من امل�س�ؤولني الثقافيني بني الدفاع عن ال�سلطة من ناحية ،والت�أكيد على الف�صل بني فعلهم الثقايف �أو الفكري وانتماءاتهم ال�سيا�سية من ناحية �أخرى .و�أي ًا كانت درجة الت�أكيد على هذا الف�صل ف�إن هذا ال ينفي وجود العديد من امل�شاهدات الدالة على توظيف اخلطاب الثقايف ال�صحفي يف تلميع �أ�صحاب املواقع الر�سمية. وقد متيز اخلطاب الثقايف داخل جملة العربي بالدرجة نف�سها من الإ�رصار على نفي العالقة بني املثقف وال�سلطة ال�سيا�سية ،لكنه كان يهرب با�ستمرار من حماولة مناق�شة هذه العالقة – على م�ستوى النفي �أو الإثبات – يف�ضل العودة على امل�ستوى املعا�رص ،وكان ّ �إىل الرتاث التاريخي العربي ال�ستدعاء بع�ض النماذج وامل�شاهدات الدالة على عدم تبعية املثقف لل�سلطة ال�سيا�سية. ومن النماذج على ذلك ا�ستدعاء موقف ال�شاعر �أبي العالء املعري من ال�سلطة ال�سيا�سية يف ع�رصه ورف�ضه ال�سري يف ركابها ،من خالل الت�أكيد على �أن ال�شاعر «مل يـكن يتح ّمل التملق للأمراء وامللوك على الرغم من رقة حاله .فقد كان عزيز النف�س معت ّداً بها ،وكتب يف مقدمة ديوان �سقط الزند (مل �أطرق م�سامع الر�ؤ�ساء بالن�شيد وال مدحت طلب ًا للثواب) ،وعندما عرف �أهل بغداد حق ال�شاعر ومكانته تقربوا له بالهدايا والعطايا» (.)25 �إن الأطروحة هنا ت�ؤكد على فكرة �أن والء املثقف دائم ًا للمتلقي الذي يتناول �إبداعه وينفعل به ويتفاعل معه. و�إذا انتقلنا �إىل اخلطاب الثقايف لـ جملة الآداب ف�سوف جند �أنها كانت �شديدة الرتكيز على مو�ضوع العالقة بني املثقف وال�سلطة
الف�صل الثاين اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية 277
ق�ضية الطائفية
بعد جتذّر الهزمية يف الواقع العربي ،ا ّتخذ املثقّف واحداً من ثالث طرق .التحق �أولها بال�سلطة، وي�سوغ عنفها وا�ستبدادها ينظر لها ّ لن�صل �إىل ما ي�سمى (املثقف)، ويتمثل ثانيها يف املثقف الهارب �إىل الغرب (مكاني ًا وفكرياً) مغيرّ اً جلده وثقافته لتتما�شى مع منظومة الغرب الثقافية ،لن�صل �إىل منوذج املثقف املغرتب املتعايل تتلوث املنظر من بعيد ،من دون �أن ّ �أيديه بوحل الواقع� ،أما الثالث فهو منوذج املثقف الذي بقي هنا وحافظ على احل ّد الأدنى من قيمه وارتباطه بنا�سه.
مت طرح مو�ضوع الطائفية داخل اخلطاب ّ الثقايف العربي بتنويعات خمتلفة تبع ًا حلالة القطر الذي تعبرّ عنه املجلة ،ومدى معاناته من م�شكالت طائفية تتبدى على �أي م�ستوى من امل�ستويات� ،سواء ال�سيا�سية �أم املذهبية �أم الدينية. ففي �إطار جملة العربي مت طرح مو�ضوع الطائفية يف عالقته مب�س�ألة الهوية ،وخ�صو�ص ًا داخل دولة لبنان .وقد �أك ّدت جملة العربي من خالل حوار مع املفكّر منح ال�صلح -على ت�أثري الطائفية على الهوية الوطنية داخل مؤسسة الفكر العربي ّ
الإعالم
ال�سيا�سية .وتب ّنى اخلطاب اجتاه ًا �سلبي ًا �إزاء العالقة التي حتكم عالقة بع�ض املثقفني بال�سلطة يف العامل العربي ،ه�ؤالء املثقفني الذين ال هم لهم �سوى مباركة هذا امل�س�ؤول الثقايف ،ورفع كتاباته ،مهما تدنى م�ستواها، �إىل م�صاف الوحي الإلهي ال�رسمدي .وهم يف الوقت الذي ي�شككون فيه بوجود اخلالق� ،أو يلعنونه جهاراً نهاراً بدعوى التحديث واحلداثة والدميقراطية ،ينفجرون ب�آيات التربيك واملديح والتكفري وال�شتم والقدح عندما تن�رش مقالة متتدح هذا الكاتب» (.)26 ويق ّدم اخلطاب تف�سرياً لأزمة الإبداع العربي – وخ�صو�ص ًا على امل�ستوى ال�شعري – من منطلق اختالل العالقة بني املثقف وال�سلطة .وكد�أبه يف قراءة الأحداث ال�سيا�سية من منظور ثقايف ي�ؤكد اخلطاب على �أن هناك طامة كربى اقرتنت بهزمية عام ،1967حني نظرت �إليها الأنظمة ال�سيا�سية كهزمية �سيا�سية، ولي�س كهزمية ثقافية ،ترتبط ب�سيطرة ثقافة �شمولية متغلغلة يف الوعي اجلماهريي� ،أما ر ّد فعل املثقف – با�ستثناء قلّة – فرتاوح بني التطبيل لل�سلطة والهرب تارك ًا املجتمع لرحمة �سلطة اختزلت دولتها ،وا�ستحدثت �سجونها، ولرحمة فقهاء ج ّي�شوا �أتباعهم ،وهكذا وجد املثقف نف�سه – بعد فرتة معزو ًال ومهم�ش ًا ،ال �صوت له وال ر�أي. فبعد جتذّر الهزمية يف الواقع العربي ،ا ّتخذ املثقّف /ال�شاعر واحداً من ثالث طرق ال رابع لها .التحق �أولها بال�سلطة ،ينظر لها وي�س ّوغ عنفها وا�ستبدادها لن�صل �إىل ما ي�سمى (املثقف /ال�شاعر ال�سلطوي) ،ويتمثل ثانيها يف املثقف /ال�شاعر الهارب �إىل الغرب (مكاني ًا وفكري ًا) مغيرّ اً جلده وثقافته لتتما�شى مع منظومة الغرب الثقافية ،لن�صل �إىل منوذج املثقف / ال�شاعر املغرتب املتعايل املنظر من بعيد ،من دون �أن تتل ّوث �أيديه بوحل الواقع� ،أما الثالث فهو منوذج املثقف /ال�شاعر الذي بقي هنا وحافظ على احل ّد الأدنى من قيمه وارتباطه (.)27 بنا�سه
وي�ؤكد خطاب جملة الآداب يف مو�ضع �آخر �أن ت�ش ّوه العالقة بني املثقف وال�سلطة �أ ّدى �إىل حالة ركود عام يف الثقافة العربية ،خ�صو�ص ًا يف ظ ّل �آليات الرقابة التي حتكم طوقها حول رقاب املثقفني الذين يحاولون مواالة اجلماهري «ويرتبط مفهوم الرقابة يف جمتمعاتنا بالتابوهات الثالثة املعروفة :الدين وال�سيا�سة واجلن�س ،وي�سهر على تر�سيخ هذه التابوهات ك ّل من املجتمع والدولة والفرد ،واملح�صلة ثقافة مغلقة ت�سهم عوامل كثرية يف جعلها ثقافة عاطلة» ( .)28وترتيب ًا على ذلك «�أحلّت القنوات الف�ضائية التافهة حمل الكتاب ،وغرف الدرد�شة الإنرتنتية وو�سائل املحمول التافهة حمل ال�صالونات الأدبية الرفيعة» (.)29 وقد اقرتب خطاب ال�صحيفة الثقافية املغربية من مو�ضوع العالقة بني املثقف وال�سلطة ،وناق�ش يف �صورة �رصيحة الدور الذي ميكن �أن يلعبه املثقف امل�رسحي يف ف�ضح حالة ا�ستبداد احلاكم داخل بع�ض املجتمعات العربية ،وذلك من خالل حتليل م�رسحية كارمن للفنان حممد �صبحي والتي ترتكز على فكرة وجود خمرج م�رسحي ديكتاتور ميثّل كل �أمرا�ض اال�ستبداد لدى احلاكم العربي «وكان يعط املخرج حممد �صبحي من الذكاء بحيث مل ِ ا�سم ًا حمدداً بعينه كي يظل رمزاً مفتوح ًا ودا ًال على كل حاكم م�ستب ّد �شمويل (.)30
التقرير العربي الثاين 278للتنمية الثقافية
ي�ؤكد اخلطاب الثقايف على �أن «م�رص لو عرفت �أثناء الوحدة كيف حترتم خ�صو�صية �سورية ملا �سقطت الوحدة بينهما ،والوحدة �رضورية للعرب ،ومن �أجل الوحدة التنوع باالعتبار. يجب �أن ي�ؤخذ ّ وقد الحظت من التجارب – والكالم ملنح ال�صلح � -أن انتكا�سة الوحدة والعروبة كانت ناجتة يف معظم احلاالت عن عدم االلتفات �إىل التنوع داخلها. ّ
لبنان .وي�شري اخلطاب هنا �إىل �أن «االنق�سام املذهبي والطائفي خطر على لبنان وعلى كل عنا�رصه ،ويجب �أال تتناق�ض �شيعية ال�شيعي مع هوية البلد الوطنية والعربية ،وكذلك �سنية ال�سني وم�سيحية امل�سيحي ،ال يجوز �أن تتناق�ض مع هذه الهوية ،على قادة املذاهب – ال�سيا�سيني وغري ال�سيا�سيني ب�صورة خا�صة �أن يكونوا وا�سعي النظرة يف ما يتعلق بلبناناملتع ّدد»(.)31 و�أكّد اخلطاب الثقايف مبجلة العربي �أي�ض ًا يف �سياق حوارها مع منح ال�صلح على عدم التناق�ض بني التوجه القومي العروبي والذاتية القطرية ،فاالنتماء القومي يجب �أال يجور على االنتماء القطري .و�أكد اخلطاب على �أن «م�رص لو عرفت �أثناء الوحدة كيف حترتم خ�صو�صية �سورية ملا �سقطت الوحدة بينهما ،والوحدة �رضورية للعرب ،ومن �أجل الوحدة يجب �أن ي�ؤخذ التن ّوع باالعتبار .وقد الحظت من التجارب – والكالم ملنح ال�صلح � -أن انتكا�سة الوحدة والعروبة كانت ناجتة يف معظم احلاالت عن عدم االلتفات �إىل التن ّوع داخلها. �أنا وطني و�أ�شعر ب�أن وطنيتي هي عروبتي، وهي التي تخدم عروبتي .و�أنا عربي و�أعرف �أن مردود عروبتي هو متا�سك هذا الوطن الذي �أنتمي �إليه .وهذه الأفكار لي�ست جديدة ،ك ّل الأحزاب العربية القومية القائمة ،ترتكز على االعرتاف بحقيقة القطر ،حقيقة الوطن وحقيقة اجلوامع» .وي�ؤكد يف هذا ال�سياق �أي�ض ًا على �أن م�شكلة العراق �إنه كان عرب ًيا �أكرث من الالزم، حتى �أ�صبحت عروبته م� ّرضة وم�س ّببة مل�شاكل مع البع�ض .هذه الهوية �أعطت احلاكم العراقي ال�سابق طي�ش ًا ،ودفعته �إىل مغامرات (.)32 وداخل جملة الآداب كان هناك اهتمام وا�ضح من جانب اخلطاب مبعاجلة مو�ضوع الطائفية من خالل ع ّدة م�سارات ،من بينها تطرق اخلطاب �إىل �أو�ضاع امل�سار العراقي .فقد ّ الأكراد يف العراق ،وحماوالتهم امل�ستمرة من �أجل تفكيك الدولة �إىل جمموعة من الدويالت، خ�صو�ص ًا بعد االحتالل الأمريكي.
وي�شري اخلطاب يف هذا ال�سياق �إىل �أن «الأ�صل العرقي والطائفة واملنطقة والع�شرية �أ�ضحت حتت ّل مرتبة �أعلى من الوطن عند �أغلب ال�سيا�سيني ،ولدى قطاع وا�سع من املثقفني، وهذا هو �أحد عنا�رص مراهنة الإدارة الأمريكية عند اتخاذها قرار غزو العراق منفردة .فقد �سادت لدى الأمريكان قناعة تقول ب�أنهم يواجهون �شعوب ًا بال هوية وطنية� ،شعوب ًا ي�سهل لهم عزل الأغلبية الوطنية فيها عن حميطها القومي ،ينزع �صفتها التاريخية تطبيق ًا ل�شعار: عراق ال عربي وال م�سلم» (.)33 واملالحظ هنا �أن اخلطاب – مثله مثل خطاب جملة العربي– ي�ؤ ّكد على العالقة بني مفهوم الطائفية ومفهوم الهوية ،من خالل الإ�شارة �إىل �أن امل ّربر الذي يرفعه البع�ض لت�أكيد �أطروحة الطائفية يرتبط بفكرة التم�سك بالهوية القبلية �أو الع�شائرية �أو اجلغرافية يف مقابل تهمي�ش الهوية مبفهومها الوطني ،حيث «تغدو �سيا�سة �إعالء امل�رشوع العرقي والطائفي على ح�ساب امل�رشوع الوطني مقدمة لكارثة �سيا�سية». وقد اعتمد خطاب جملة الآداب يف بع�ض الأحيان �آلية �إ�سقاطية ،حينما كان يتطرق �إىل مو�ضوع الطائفية يف العراق ،حيث كان ي�سقط الأو�ضاع يف هذا البلد على الأو�ضاع الطائفية يف لبنان ،من منطلق �أن «خطاب العراق اجلديد مياثل من زاوية مع ّينة اخلطاب اللبناين الر�سمي بعد اتفاق الطائف .ففي لبنان ،كما يف العراق ،خلقت م�شاريع الهيمنة الطائفية خطاب ًا وطني ًا ،هو يف الأ�سا�س و�سيلة تخاطب بني الطوائف /الأمم� ،إىل حني تتقاتل �أو ت�ستق ّل بع�ضها عن بع�ض ،ال هوية بديلة �أو جمرد �إمكانية هوية»(.)34 وق ّدم خطاب جملة الآداب تف�سرياً للتفاعالت الطائفية ال�سلبية داخل العامل العربي بربطها بثقافة االلت�صاق باملكان التي متيز بها الإن�سان العربي «فقد كان العرب �أكرث التكوينات الإن�سانية تعريف ًا باملكان ،فكانوا يطلقون الت�سميات على زمانهم بالتعريف
الف�صل الثاين اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية 279
ق�ضية عالقة املثقف العربي باملال
برزت ق�ضية عالقة املثقف باملال وعملية متويل الإبداع الثقايف داخل جملة الهالل من مت �إجرا�ؤه مع رئي�س حتريرها خالل حوار ّ جمدي الدقاق �أ�شار فيه �إىل �أنه ا�ستطاع «توفري 2.5مليون جنيه دعم ًا ملطبوعات الهالل ،على �سبيل املثال ،لعدد االحتفال مبئوية ال�سينما الذي دعمه وزير الثقافة بـ � 100ألف جنيه، والعدد اخلا�ص الذي �صدر عن جنيب حمفوظ، والذي دعمه بع�ض رجال الأعمال بـ � 25ألف جنيه ،وعدد حكّام م�رص مت تدعيمه �أي�ض ًا بـ � 80ألف جنيه ،وكل ذلك من دون التدخل يف ال�سيا�سة التحريرية» (.)38 يف حني طرح �أحد املو�ضوعات املت�ض َّمنة يف اخلطاب الثقايف ملجلة الآداب امل�شكالت
ي�شري اخلطاب الثقايف �إىل �أن الت�صاق كل عربي مبكانه هو ال�سبب املبا�رش يف حالة االنق�سام التي ت�سود داخل الوحدة العربية الواحدة ،وبني الوحدات العربية املختلفة .فاملجتمع املق�سوم على نف�سه عمودي ًا ال ميكن �أن ينتج �إال بنا ًء من�شطراً «لأن االنق�سامات الطائــفـية حـيث تـوجــد الـطـوائف، واملـذهبيـة حـيث الـمذاهـب ،والقبلية حـيث الـقبائـل ،والـع�شــائـرية حــيث الع�شائر ،ال ميكن �أن تق ّدم بنا ًء مفتوح ًا على �أفق مفتوح ،بل �ستنتج بال�رضورة �أبنية مغلقة عدائية �إلغائية».
ق�ضية امل�ساواة بني الرجل واملر�أة
على الرغم من تهمي�ش دور املر�أة كمبدعة، على م�ستوى اخلطاب الذي ق ّدمته املجالت الثقافية� ،إال �أن ق�ضية امل�ساواة بني الرجل واملر�أة كانت حا�رضة بقوة داخل عدد من املوا�ضع اخلطابية ببع�ض املجالت الثقافية العربية. مؤسسة الفكر العربي ّ
الإعالم
املكاين ،وي�سمون �أنف�سهم ب�أمكنتهم ،بل كانوا يف حاالت كثرية ينقلون �أمكنتهم �إىل حيث يرحلون� ،إذا ا�ضطروا للرحيل» (.)35 ويف �ضوء ذلك ي�شري اخلطاب �إىل �أن الت�صاق كل عربي مبكانه هو ال�سبب املبا�رش يف حالة االنق�سام التي ت�سود داخل الوحدة العربية الواحدة ،وبني الوحدات العربية املختلفة. فاملجتمع املق�سوم على نف�سه عمودي ًا ال ميكن �أن ينتج �إال بنا ًء من�شطراً «لأن االنق�سامات الطائفية حيث توجد الطوائف ،واملذهبية حيث املذاهب ،والقبلية حيث القبائل ،والع�شائرية حيث الع�شائر ،ال ميكن �أن تق ّدم بنا ًء مفتوح ًا على �أفق مفتوح ،بل �ستنتج بال�رضورة �أبنية مغلقة عدائية �إلغائية» (.)36 وبالتايل يـ� ّؤ�س�س اخلطاب لفكرة �أن الطائفية مل تعد جمرد �سمة مميزة للواقع العربي ،بل �أ�صبحت منهجية ميكن �أن نقر�أ من خالل عد�ستها العديد من الأو�ضاع داخل العامل العربي ،مبا فيها �أو�ضاع الإبداع ال�شعري «فال�شعراء ال�شباب يتبنون تق�سيمات طائفية لل�شعر ،فيقول �أحدهم �أنا �شاعر نرث ،ويقول �آخر �أنا �شاعر تفعيلة ،وال يعرتف �أي منهما بالآخر»(.)37
املرتبطة مب� ّؤ�س�سات الثقافة العربية امل�س�ؤولة عن متويل امل�رشوعات الثقافية والإبداعية على امل�ستوى العربي ،مثل ال�صندوق العربي للثقافة والفنون .وقد تب ّنى اخلطاب ر�ؤية ناقدة لهذا ال�صندوق واتهمه بعدم القيام بدوره على النحو املطلوب «فممار�سات ال�صندوق العربي وتعال، للثقافة والفنون ال تخلو من غطر�سة، ٍ وارتكاب ت�رصفات تقع خارج �أ�صول �أي عمل، باال�ضافة �إىل افتقاد ال�صندوق �إىل احلرفية يف عمله» (.)39 وكان مو�ضوع املثقف واملال من مت الرتكيز عليها املو�ضوعات الأ�سا�سية التي ّ على هام�ش الدعوى التي �أقامها فخري كرمي ال�سكرتري الأ�سبق والع�ضو القيادي يف احلزب ال�شيوعي العراقي و�صاحب امل�ؤ�س�سة الإعالمية دار املدى �ضد جملة الآداب وامل�س�ؤولني فيها، وبرزت يف هذا ال�سياق �أطروحة «بحث املثقف العربي امل�ستمر عن املال ،من خالل الت�أكيد على وجود ثالث م�صائب �أ�سا�سية جتتمع يف املثقف العربي يف �آن واحد :الأوىل �أنه يق ّيم نف�سه ب�أكرث مما ي�ستحق ،وامل�صيبة الثانية �أنه ال يقرن فكرته ب�أي جمهود لتحقيقها ،والثالثة هي ر�ضوخه للمال وفق ًا الحتياجات النف�س �أو دناءتها» (.)40 ويف �سياق املو�ضوع نف�سه ظهرت �أطروحة «التمويل النفطي للثقافة»� ،إذ �أكّد اخلطاب على �أن احلملة على جملة الآداب لي�ست م�ؤامرة ،ولكنها لإثبات طغيان ثقافة واحدة ال غري يف العامل العربي ،ثقافة مم ّولة من �أموال النفط ال�سعودي ،و�إن ارتدت �شكل الليربالية املنقو�صة.
التقرير العربي الثاين 280للتنمية الثقافية
بد�أت �أ�سئلة البيئة تقتحم الوعي العربي وتــفــر�ض عــلـى نــظرته �إىل التنمية تعديالت تقت�ضيها الفكرة البيئوية املت�صاحلة مع الطبيعة.
على �سبيل املثال كانت هذه الق�ضية بارزة يف العديد من املو�ضوعات ال�صحفية التي ن�رشتها جملة العربي .وقد ظهرت ب�صورة خا�صة يف بع�ض احلوارات التي ن�رشتها املجلة، وكانت تعتمــد عـلى مــ�صـادر «نـ�سـويـة» .مــن بينها احلوار الذي ن�رشته العربي مع دوري�س لي�سنج ،وركّز على روايتها «الكرا�سة الذهبية» تلك الرواية التي غالبا ما ينظر �إليها على �أنها «الكتاب املقد�س للم�ؤمنني مب�ساواة اجلن�سني. ويف العامل هناك عدد من امل�ؤمنني مب�ساواة اجلن�سني ممن يعملون يف �أجهزة الإعالم، وهم يعتقدون �أن م�ساواة اجلن�سني مهمة ،لكن يف الغالب يكون مل�ساواة اجلن�سني ت�أثري بني الن�ساء �صاحبات االمتيازات يف البلدان الغربية املتقدمة .بالن�سبة �إىل اجلانب الأكرب ،ف�إ ّنها مل مب�س حياة الن�ساء الفقريات والعامالت يف تبد�أ ّ ()41 دول العامل الثالث ،وهو ما يحزنني» . ويف حوار �آخر ظهرت �أطروحات هجومية على و�ضع املر�أة يف العامل العربي ،متيزت مبرجعيتها اخلليجية .وهو ذلك احلوار الذي ن�رشته جملة العربي مع ال�شاعرة حمدة خمي�س التي عبرّ ت يف بداية احلوار عن فكرة ا�ضطهاد املر�أة يف املجتمعات العربية مع ربطها بتجربتها الإبداعية� ،إذ �أ�شارت �إىل �أنه «مل يكن لكينونتي الأنثوية -امل�ضطهدة �أبداً عرب كل الع�صور � -رشط خيار باجتاه ال�شعر، فلو كان الأمر كذلك لكانت كل ن�ساء الأر�ض (.)42 �شاعرات» ويف �إطار التزام جملة الآداب باالحتكام �إىل املنظور الثقايف يف ت�رشيح الق�ضايا ال�سيا�سية واالجتماعية كافة التي ت�شتبك معها، اتجّ ه اخلطاب الثقايف بها �إىل حتليل �صورة الرجل واملر�أة بني الإرث الثقايف والواقع، فالفكرة الثابتة يف املوروث الثقايف تذهب �إىل �أن الأنثى هي خالف الذكر من كل �شيء، ف�إذا كان الذكر يعني القوة ف�إن الأنثى تعني ال�ضعف ،ولكن مع التحوالت التي ي�شهدها الواقع يف معادلة العالقة بني الذكر والأنثى، واندماج املر�أة يف الواقع العملي ي�صبح من
ال�رضوري �أن نعيد النظر يف هذه املعادلة الرتاثية .فالتق�سيم الثنائي لل�صفات ما بني الذكر والأنثى مل يعد مطابق ًا ملعطيات الواقع بعد �أن «�أثبتت املر�أة كفاءتها من خالل قيامها بعملها ،و�أقنعت حتى امل�شككني فيها ب�أنها �أه ٌل ملمار�سة �أي مهنة .وبذلك برهنت خط�أ كل النظريات القدمية التي �ص ّورتها كائن ًا �ضعيف ًا، م�سلوب الإرادة ،ذات قدرات فكرية حمدودة، وما كان يخ�شاه فرويد �أو غريه من �أن ( ُترمى املر�أة يف معرتك احلياة) �أثبت �أنه يخبىء ا�ستئثاراً ذكوري ًا بكل مكا�سب العمل املهني، الفكري ،واملادي ،وا�ستئثاراً من ثم بقيم �إثبات (.)43 الذات والنجاح والثقة بالنف�س»
ق�ضية العالقة بني الرتاث واملعا�رصة
كان الرتاوح بني االنحياز للرتاث �أو للمعا�رصة يف �أحيان �أو حماولة التوفيق بينهما يف �أحيان �أخرى� ،سمة �أ�سا�سية من ال�سمات املميزة للخطاب الثقايف باملجالت الثقافية العربية .و ُتع ّد هذه الق�ضية -على وجه العموم – من الق�ضايا املركزية التي اعتنى بها العقل الثقايف العربي منذ احتكاكه بالآخر �أثناء فرتة اال�ستعمار ،ومع ا�ستمرار حلقات �رصاعه معه التحرر وما �أعقبها. خالل فرتة ّ وقد برزت �أطروحة ال�رصاع بني الرتاث واملعا�رصة �أو بني التقليدية واحلداثة داخل العديد من املوا�ضع يف اخلطاب الثقايف للمجالت ،واختلف نوع التجلّيات التي �أبرزتها كل جملة لت�صوير �أبعاد هذا ال�رصاع .فمجلة العربي �ش ّددت على وجود هذا ال�رصاع يف مواقع كثرية داخل املدن العربية .علـى �سبيل املثال اهت ّم �أحد الك ّتاب باملجلة ب�إبراز حالة الف�سيف�ساء التي متيز الواقع الن�سائي العربي يف مدينة دم�شق ،وخ�صو�ص ًا على م�ستوى الزي ،ف�أ�شار �إىل �أن التح ّول االجتماعي نحو ّ املدنية واحلداثة – بدا وا�ضح ًا على م�ستوى الزي -فال�رصاع الأبدي امل�ستدمي بني الأجيال ّ �ساحته هو الكون كلّه ،و�أمامي جيل اليزال مت�ش ّبث ًا باملالب�س التقليدية و�آخر ال يعلم �أين
الف�صل الثاين اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية 281
ق�ضية اللغة والثقافة
كانت ق�ضية اللغة �أي�ض ًا من الق�ضايا التي اهتم اخلطاب الثقايف باال�شتباك معها، و�إن تباينت �أ�ساليب وزوايا طرح هذه الق�ضية يف كل جملة من املجالت الأربع التي ت�ص ّدت الدرا�سة لتحليلها. وقـد برزت �أطروحة «اللغة ك�أداة للتعبري الإبداعي» يف بع�ض املوا�ضع داخل اخلطاب، خ�صو�ص ًا عندما يت�صل الأمر مببدعني ذوي �أ�صول عربية ي�ستخدمون لغات �أخرى يف �إنتاجهم الإبداعي ،وقد بلغ الت�أكيد على هذه احلقيقة �إىل ح ّد الرتخ�ص يف ا�ستخدام العربية كو�سيلة للكتابة الروائية يعتمد عليها فل�سطينيو .1948وقد ظهر ذلك يف معـر�ض �إحدى املقاالت التي ت�ص ّدت لتحليل رواية عرب راق�صون لكاتبها �سيد ق�شوع مبجلة يحتج كاتب املقال النقدي على ر�أي الهالل� ،إذ ّ الأديب الفل�سطيني عالء حليحل حول فكرة �أن اللغة �أداة ،والذي يقول فيه «ق�شوع ال يختلف عن %95من العرب يف البالد ب�أنه ال يعرف الكتـابة بالعربية ،فكوننا �أقلية �أم ّية يف التعبري عن نف�سها هو �أمر معروف للجميع .بل على العك�س على الأقل ق�شوع يكتب بلغة ما ،ويح�سن التعبري عن نف�سه بالعربية .فهل يح�سن جهال العربية التعبري عن �أنف�سهم ب�أي لغة كانت. وي ّت�ضح مما ذهب �إليه حليحل – كما يقول كاتب املقال النقدي – �أن اللغة العربية التي �أبــدع بها ق�شوع مل تكن �سوى و�سيلة ،و�أنه جل�أ �إليها حتى يخاطب القارىء الإ�رسائيلـي بلغته، وليعبرّ من خاللها عن همومه كفل�سطيني مقيم داخل �إ�رسائيل» (.)47 تطرق اخلطاب ومن منظور �أ�سلوبي بحت ّ الثقايف بال�صحيفة الثقافية املغربية �إىل �أهمية تطوير لغة التعبري الإبداعي – خ�صو�ص ًا على امل�ستوى الأدبي – باالعتماد على لغة ميكن و�صفها بـ (اللغة ال�شذرية) «وال�شذر يف اللغة قطع من الذهب �أو �صغار الل�ؤل�ؤ ،وقد تقت�ضي
يف معـر�ض �إحدى املقاالت التي ت�ص ّدت لتحليل رواية عرب راق�صون التي كتبها بالعربية الكاتب �سيد ق�شوع يف جملة يحتج كاتب املقال النقدي الهالل، ّ على ر�أي الأديب الفل�سطيني عالء حليحل حول فكرة �أن اللغة �أداة، والذي يقول فيه «ق�شوع ال يختلف عن %95من العرب يف البالد ب�أنه ال يعرف الكتـابة بالعربية ،فكوننا �أقلية �أم ّية يف التعبري عن نف�سها هو �أمر معروف للجميع .بل على العك�س على الأقل ق�شوع يكتب بلغة ما، ويح�سن التعبري عن نف�سه بالعربية. فهل يح�سن جهال العربية التعبري عن �أنف�سهم ب�أي لغة كانت.
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإعالم
يتوقف ،والن�ساء خري جنود يف هذا ال�رصاع، وكثرياً ما يت�صادف مرور �سيدتني �إحداهما تلب�س اجلينز ال�ضيق والقمي�ص والثانية ترتدي جاكيت ًا طوي ًال فوق ثوب �أ�سود ف�ضفا�ض يعتليه حجاب �أبي�ض» (.)44 ويف مو�ضع �آخر داخل اخلطاب الثقايف مبجلة العربي كان هناك ترديد لأطروحة «الف�سيف�ساء» مرة �أخرى لي�س على م�ستوى «الأزياء» هذه املرة ،ولكن على م�ستوى «الف�سيف�ساء ال�سيا�سي» ،خ�صو�ص ًا يف ما يتعلّق ب�رصاع االجتاهات الثقافية املعا�رصة يف العامل العربي على ت�أويل ن�صو�ص الرتاث. وقد جاء ذلك يف معر�ض حوار �أجرته املجلة مع الناقد جابر ع�صفور �أ�شار فيه �إىل �أن الرتاث ي�ؤثّر بقوة يف الواقع املعا�رص ،لأن الأفكار الرتاثية م�ؤثرة ،ويزداد ت�أثريها الآن بفعل الأدوات الأيديولوجية املعا�رصة� ،سـواء �أكانت �أدوات الدولة الأيديولوجية �أم غريها، بث هذه مثل «الإخوان امل�سلمني» حيث يعاد ّ الأفكار لت�صوغ احلا�رض وت ّربره .من ناحية �أخرى ميكن القول ب�أن الرتاث �ساحة ل�رصاع الت�أويالت ،وهنا لي�س ثمة خط�أ �أو �صواب، هناك �إمكان للت�أويل ،ولذلك ال ميكن �أن نح�رص احتماالت الفهم �أو نقيدها (.)45 ويف �سياق اهتمام خطاب ال�صحيفة الثقافية (املغربية) مبو�ضوع الت�أقلم مع �رشوط ما بعد احلداثة ،و�رضورة تطوير �أدوات الثقافة العربية لتتواءم مع الأو�ضاع اجلديدة التي �أفرزتها عملية التزاوج الذي حدث بني ثورتي املعلومات واالت�صاالت ،كان هناك ت�أكيد على �رضورة االلتفات �إىل مفهوم «الثقافة الرقمية» كمعطى معا�رص ميكن �أن يعيد هيكلة �شكل التفاعل الثقايف العربي «فقد �أ�صبح من ال�رضوري االلتفات �إىل ما للثقافة الرقمية والبالغة الإلكرتونية من �أهمية يف �إن�شاء ج�سور ثقافية وبناء توا�صلية معرفية، ف�ضيلتها اقت�صار امل�سافات وجتاوز احلواجز وال�سفر بني الأرجاء من دون �أن نربح مقاعدنا �أمام �شا�شة �سحرية تداري يف بطنها �آفاق ًا ال
حرة ب�سعة الكون» (.)46 متناهية ،وف�ضاءات ّ
التقرير العربي الثاين 282للتنمية الثقافية
ال�شذرية �أال تكون الكتابة خا�ضعة للخطبة وال�سطرية ،بل العمل على تك�سريها باال�شتغال على الكلمة املطبوعة �أو على بيا�ض الورقة، مبا ي�سمح باالنتباه �إىل رمزية الكتابة يف بعدها الطباعي املادي .فالكلمة قد تتفكك وقد حتذف ،وقد ميتد �صوت من �أ�صواتها ،واجلمل ترتكب بطريقة من الطرق ،والن�ص قد يبدو ك�إحدى ق�صائد التفعيلة �أو ق�صائد النرث» (.)48
خال�صة
من التحليل ال�سابق ملعامل خطاب املجالت الثقافية العربية و�سماته ،على امل�ستويني الكمي والكيفي ،ميكننا �أن نخل�ص �إىل وجود �صفة �أ�سا�سية تتمحور حولها �سمات هذا اخلطاب وتفاعالته كافة .وترتبط هذه ال�صفة بتما�سكه حول مركز معني� ،إىل احل ّد الذي ميكن معه �أن ن�صف هذا اخلطاب بـ «اخلطاب املتمركز» .وقد يكون هذا املركز �شخ�ص ًا� ،أو مو�ضوع ًا� ،أو مكان ًا� ،أو زمن ًا حمدداً .فاخلطاب مت حتليله يعك�س �أطياف ًا خمتلفة الثقايف الذي ّ من التمركز ميكن �إجمالها يف ما يلي: • التمركز حول ال�شخ�ص :فاخلطاب الثقايف مت حتليلها يعتمد كما تعك�سه املجالت التي ّ على فكرة «التعبري ال�شخ�صاين» .فالفاعل الثقايف يف العامل العربي يتف ّوق يف الكثري من الأحيان على الفعل الثقايف نف�سه .وقد �أ ّدى تركيز اخلطاب على املراكز ال�شخ�صية يف الدوائر الثقافية العربية املختلفة �إىل دمغه يف الكثري من الأحيان بالطابع االحتفائي، واالحتفايل ،و�أوقعه يف بع�ض املوا�ضع يف �رشك الدعاية و�أخرجه من دائرة الإعالم. • التمركز حول الذات القطرية :ظهر هذا
الأمر بدرجات خمتلفة داخل اخلطابات التي ق ّدمتها املجالت الثقافية العربية ،وقد بلغت هذه ال�سمة �أعلى م�ستويات حتققها داخل جملة الهالل امل�رصية ،و�أدناها داخل جملة الآداب البريوتية ،وكانت ك ّل من جملتي العربي وال�صحيفة الثقافية و�سط ما بني االثنني يف درجة التمركز حول القطر الذي ت�صدر منه املجلة. • التمركز حول املكان :وقد ظهر هذا الأمر ب�صورة جلية داخل جملة العربي ،يف حني غطّ ى التمركز حول ال�شخ�ص يف جملة الهالل على م�س�ألة التمركز حول املكان ،يف الوقت الذي كان خطاب جملة الآداب ،وخطاب ال�صحيفة الثقافية �أكرث اهتمام ًا بال�سفر عرب �أماكن خمتلفة. • التمركز حول الزمن :فقد اهت ّم كل خطاب ثقايف داخل املجالت الثقافية العربية بالتمركز حول فرتة زمنية معينة ،تراوحت ما بني التاريخ القدمي ،كما ظهر يف جملة العربي، والتاريخ احلديث ،كما ظهر يف جملة الهالل، والزمن املعا�رص ،كما ظهر يف جملة الآداب، وكذلك يف ال�صحيفة الثقافية املغربية. • التمركز حول القيمة :فقد كانت قيمة الإبداع قيمة مركزية داخل اخلطاب الثقايف بكل من جملة الهالل وال�صحيفة الثقافية، يف حني متركز اخلطاب الثقايف مبجلة الآداب حول قيمة املقاومة ،ليعك�س الت�صاقه بق�ضايا احلا�رض ومتركزه حول امل�شكالت الآنية التي تواجه العامل العربي.
الف�صل الثاين اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية 283
(http://www.adabmag.com )1
(� )2إبراهيم املليفي ،العربي يف رحاب اليون�سكو :تكرمي للكويت والثقافة العربي ،جملة العربي ،عدد �سبتمرب .2008
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإعالم
(http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1213871203147&pagename=Zone-Arabic-ArtCulture%2FACALayout )3 ( )4ن�سيم جملى ،فوزي �إ�سطفانو�س ،جملة الهالل ،عدد يوليو � ،2008ص .83 (� )5أحمد علي بدوي� ،آفة التنوع ،جملة الهالل ،عدد يوليو � ،2008ص .110 ( )6ه�شام �صفي الدين ،اال�ست�رشاقيون اجلدد واال�ستعمار عن بعد :رجال و�آليات ،جملة الآداب ،عدد يوليو � /أغ�سط�س � /سبتمرب� ،2008 ،ص .6 ( )7امل�صدر ال�سابق نف�سه� ،ص .9 ( )8ع�صمان فار�س ،امل�رسح العربي واجلمال والإبداع ،ال�صحيفة الثقافية ،ال�سنة الأوىل ،العدد الثاين /فرباير� ،ص .6 ( )9جمدي يو�سف ،اتحّ اد الك ّتاب يف القلعة ،جملة الهالل ،عدد فرباير � ،2008ص .96 (� )10صموئيل لبيب �سيحة ،التاريخ وثقافة امل�ستقبل ،جملة الهالل ،عدد فربارير � ،2008ص .112 ( )11ن�سيم جملى ،حنني بن ا�سحق ودوره يف بعث النه�ضة العربية ،جملة الهالل ،عدد فرباير � ،2008ص .170 ( )12حمدة خمي�س و�سعدية مفرح ،مع الرجل تتحقق حريتي ،جملة العربي ،عدد مايو .2008 ( )13مراد وهبة ،حياة بال موت ،جملة الهالل ،عدد يناير � ،2008ص .122 ( )14من دم�شق �إىل حلب :معزوفة على قيثــارة التاريخ ،جملة العربي ،عدد يناير .2008 (� )15سلمان �أبو�سنة ،فل�سطني عربية� :أطول حرب �ضد �شعب ،جملة العربي ،عدد مايو .2008 ( )16امل�صدر ال�سابق نف�سه. (� )17إيالن بابه ،املقاطعة الأكادميية :ب�صي�ص �أمل ،جملة الآداب ،عدد �أبريل /مايو /يونيو � ،2008ص .6 ( )18و�سيم دهم�ش� ،ستيفانو :البعد الأخالقي يف ال�صحافة وال�سيا�سة ،جملة الآداب ،عدد يناير /فرباير /مار�س � ،2008ص .74 ( )19امل�صدر ال�سابق نف�سه� ،ص .76 (� )20إيالن بابه ،جملة الآداب ،م�صدر �سابق� ،ص .7 (� )21سوزان بالكول ،املقاطعة والنقابات :ملاذا �إ�رسائيل حالة خا�صة ؟ ،جملة الآداب ،عدد �أبريل /مايو /يونيو � ،2008ص .22 ( )22هيالري روز ،احلرية الأكادميية و�إ�رسائيل واملقاطعة ،جملة الآداب ،دي�سمرب� ،2008 ،ص .15 (� )23رشون قوم�ش� ،صدام العرب اليهود بال�صهيونية ،جملة الآداب ،عدد يوليو � /أغ�سط�س � /سبتمرب� ،2008 ،ص �ص .39 – 33 (� )24سعيد �شعيب ،جملة الهالل ،م�صدر �سابق� ،ص .147 ( )25من دم�شق �إىل حلب :معزوفة على قيثارة التاريخ ،جملة العربي ،م�صدر �سابق. ( )26زياد منى ،م�ؤ�س�سات الثقافة العربية ،جملة الآداب ،عدد يناير /فرباير /مار�س � ،2008ص .96 ( )27حممد ديبو ،ال�شعر حي يرزق ،جملة الآداب ،عدد يوليو � /أغ�سط�س � /سبتمرب� ،2008 ،ص .68 (� )28صالح ح�سن ،خما�ضات الثقافة العربية الطويلة� ،ص ،79امل�صدر ال�سابق� ،ص .79 ( )29فاطمة ناعوت� ،أزمة قارىء ومثقف ،ال �أزمة �شعر ،امل�صدر ال�سباق� ،ص .80 ( )30فاطمة ناعوت ،حممد �صبحي :فار�س امل�رسح النبيل ،ال�صحيفة الثقافية ،جملة فواني�س ،العدد الأول ،ال�سنة الأوىل � /شهر يناير� ،ص .13 ( )31عدنان ال�ساحلي ،وجه ًا لوجـه مع :منح ال�صلح ،جملة العربية ،عدد �سبتمرب .2008 ( )32امل�صدر ال�سباق نف�سه. (� )33سالم عبود� ،أمراء املدن الدول الكردية ،جملة الآداب ،عدد يناير /فرباير /مار�س � ،2008ص .69 ( )34عامر حم�سن ،اخلطاب والهيمنة :يف تلم�س وجه العراق اجلديد ،جملة الآداب ،عدد �أبريل /مايو /يونيو � ،2008ص .96 ( )35جمال الدين اخل�ضور ،مدن القبائل ،رجال و�آليات ،جملة الآداب ،عدد يوليو � /أغ�سط�س � /سبتمرب� ،2008 ،ص .11 ( )36امل�صدر ال�سابق نف�سه� ،ص .12 ( )37حممد ديبو ،ال�شعر حي يرزق ،جملة الآداب ،م�صدر �سابق� ،ص .68 (� )38سعيد �شعيب ،جمدي الدقاق :ال حظر �إال على التطرف ،جملة الهالل ،عدد يناير � ،2008ص .149 ( )39زياد منى ،م�ؤ�س�سات الثقافة العربية ،جملة الآداب ،عدد يناير /فرياير /مار�س � ،2008ص .98 ( )40زياد حافظ ،املثقف واملال ،جملة الآداب ،عدد يناير /فرباير /مار�س � ،2008ص .116 ( )41دوري�س لي�سنج :من الظالل �إىل �أ�ضواء نوبل ،جملة العربي ،عدد يناير .2008 ( )42حمدة خمي�س و�سعدية مفرح ،مع الرجل تتحقق حريتي ،جملة العربي ،عدد مايو .2008 ( )43كارال �رسحان� ،صورة الرجل واملر�أة بني الإرث الثقايف والواقع ،جملة الآداب ،عدد دي�سمري� ،2008 ،ص .46 ( )44من دم�شق �إىل حلب :معزوفة على قيثارة التاريخ ،عدد يناير .2008 ( )45حممد بدوي ،حوار مع د.جابر ع�صفور ،جملة العربي ،عدد يناير .2008 ( )46عبد اجلبار خمران ،حوار مع �سباعي ال�سيد :مدير موقع “املرح دوت كوم « ،ال�صحيفة الثقافية ،ال�سنة الأوىل � /شهر فرباير� ،ص .4 ( )47جمال �أحمد الرافاعي ،عرب راق�صون ،جملة الهالل ،عدد يوليو � ،2008ص .64 (� )48شعرية الق�صة الق�صرية جداً :ن�صو�ص �سعيد منت�سب وعبد اهلل املتقي ،ال�صحيفة الثقافية ،ال�سنة الأوىل ،العدد الأول � /شهر يناير� ،ص .9
التقرير العربي الثاين 284للتنمية الثقافية
الف�صل الثالث اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية
�أو ًال :االجتاهات العامة ملعاجلة امل�ضامني الثقافية عرب القنوات والربامج التليفزيونية م�ؤ�رشات اهتمام القنوات التلفزيونية العربية بالربامج الثقافية
ُتع ّد الربامج الثقافية التي تق ّدم عرب القنوات التليفزيونية العامة ،وكذلك القنوات الثقافية املتخ�ص�صة ،امل�ساحة الأ�سا�سية التي تتجلّى عربها مالمح اخلطاب الثقايف .وتتم ّيز جدول رقم 1
يو�ضح توزيع �ساعات الإر�سال بالتليفزيون امل�رصي ()2 على املجاالت الرباجمية املختلفة
املجاالت الرباجمية املجال ال�سيا�سي املجال الديني املجال الثقايف املجال التعليمي املجال الريا�ضي املجال االقت�صادي اخلدمات والتنمية املجال ال�صحي املجال االجتماعي جمال الرتاث والتاريخ املجال ال�سياحي م�ضامني ترفيهية
�ساعات الإر�سال �س ق
املتو�سط اليومي الن�سبة �س ق
48
5578
10.39
15
15
36
4157
7.74
22
11
26
8712
16.22
48
23
35
1250
2.23
25
3
15
3112
5.79
30
8
49
786
1.46
9
2
41
4162
7.75
22
11
46
312
0.58
51
-
56
9622
17.91
17
26
4
553
1.03
31
1
2
747
1.39
3
2
56
14720
27.41
13
40
القنوات الثقـافـية املــتخ�صـ�صــة عن الربامج بوجود نوع من الرتكيز الك ّمي ،والتن ّوع على امل�ستوى الكيفي يف اخلطاب الذي تق ّدمه، بالإ�ضافـة �إىل التوجه �إىل خماطبة كل من اجلمهور العام ،وكذلك الفئات اجلماهريية املعنية بال�ش�أن الثقايف. وميكن القول ب�أن الربامج الثقافية تتو ّزع على ثالثة جماالت �أ�سا�سية ت�شمل: • الفكر :ويغطي هذا املجال الأفكار الكربى التي تعتمل داخل املجتمع خالل فرتة زمنية معينة. • العلم :من خالل تقدمي احلقائق والنظريات والأفكار العلمية احلديثة واملعا�رصة التي ته ّم مب�سطة و�صياغات مفهومة. اجلمهور بلغة ّ • الفن :وت ّت�سع الدوائر الفنية التي تهتم بها الـربامـج الــثقافية لـت�شمـل الأدب بـ�أجنـا�سـه و�أنــواعــه الــمختــلـفـة ،والـفنـون الـت�شكـيلـية واملو�سيقى غريها. وت�ؤكّد الأرقام اخلا�صة مب�ضامني الربامج التليفزيونية التي يق ّدمها العديد من القنوات العربية على ارتفاع ن�سبة الربامج الثقافية التي حتر�ص على تقدميها يف �إطار املنظومات الرباجمية الأخرى .على �سبيل املثال ي�شري الكتاب ال�سنوي التحّ اد الإذاعة والتليفزيون يف م�رص �إىل خريطة الربامج التي تت�ض ّمنها �ساعات الإر�سال على النحو املو�ضح يف اجلدول التايل( :جدول رقم )1 تــ�ؤكّد الأرقام الـ�سابـقـة ارتـفـاع عـــدد يخ�ص�صها التليفزيون امل�رصي ال�ساعات التي ّ للربامج الثقافية ،حيث تبلغ ن�سبتها �إىل �إجمايل اخلريطة الرباجمية ل�ساعات البث
الف�صل الثالث اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية 285
جدول رقم 2
و�سائل الثقافة والفنون
الكتاب ال�صحافة ال�سينما املو�سيقى املتاحف امل�رسح الباليه الفنون الت�شكيلية املجموع
الإعالم
( ،)%16.22وهي ن�سبة مرتفعة تتفوق على ن�سبة ال�ساعات املخ�ص�صة للربامج ال�سيا�سية والربامج الدينية واالقت�صادية ،وكذا الربامج اخلدمية والتنموية ،ويف املقابل من ذلك تق ّل ن�سبة الربامج الثقافية بالتليفزيون امل�رصي – ن�سبي ًا – عن الربامج االجتماعية ،كما تق ّل ب�صورة ملحوظة عن امل�ضامني الرتفيهية. وعلى وجه العموم ال يح ّدد الكتاب ال�سنوي التحّ اد الإذاعة والتليفزيون (امل�رصي) املعايري التي قام يف �ضوئها بت�صنيف الربامج التي يق ّدمها ،وميكننا فقط �أن ن�ستخل�ص يف �ضوء الت�صنيف الرباجمي الذي يت�ض ّمنه اجلدول ال�سابق �أن التليفزيون امل�رصي ينظر �إىل الربامج الثقافية كربامج متخ�ص�صة تختلف عن الربامج الدينية واالقت�صادية وال�سيا�سية وغريها ،و�أنه ال يتبنى املنظور العام يف حتديد امل�ضمون الثقايف لي�رصفه �إىل كل الأ�شكال املو�ضوعية التي ي�شملها اخلطاب التليفزيوين، وتتوىل نقل قيم و�أفكار مع ّينة تتدخل يف ت�شكيل �أ�سلوب حياة املتلقي. ولكن من املمكن التحفظ على الرقم الذي يح ّدد املتو�سط اليومي ل�ساعات �إر�سال الربامج املعنية باملجال الثقايف على القنوات امل�رصية املختلفة (ما يقرب من � 24ساعة يومي ًا) يف �ضوء ما �أ�شارت �إليه �إحدى الدرا�سات من �أن معظم الربامج الثقافية التي يبثّها التليفزيون امل�رصي هي برامج �أ�سبوعية يف املقام الأول، ولي�ست برامج يومية (.)1 وي�ؤكد حتليل العالقة التكاملية بني نوعية الربامج الثقافية التي يعتمد عليها التليفزيون امل�رصي يف قناتيه الرئي�ستني (الأوىل والثانية) وو�سائل الثقافة والفنون الطابع االمتدادي للخطاب الذي تق ّدمه هذه الربامج ،والذي يجعل القالب الأ�سبوعي هو الأ�صلح بالن�سبة له ،مقارن ًة بالقالب الرباجمي اليومي. ويق�صد بتكامل الربامج الثقافية مع و�سائل الثقافة والفنون ما تت�ض ّمنه الربامج الثقافية من م�ضامني ثقافية م�ستقاة من هذه الو�سائل، ت�سهم يف حتقيق الأهداف الثقافية للمجتمع.
ويــو�ضح اجلدول التايل مدى تكامل الربامج الثقافية مع هذه الو�سائل ،وهي ال�صحافة والــ�سينمــا والــم�سـرح والكـتــاب والـمو�سيقـى والباليه والفنون الت�شكيلية واملتاحف ،وذلك داخل القناتني الأوىل والثانية يف التليفزيون امل�رصي (( :)2جدول رقم )2 ومن خالل حتليل الربامج الثقافية داخل تو�صل كل من التليفزيون امل�رصي وال�سوري ّ �أحد الباحثني �إىل عدد من ال�سمات التي مت ّيز الربامج الثقافية يف القنوات التليفزيونية العربية من �أهمها: • ينتمي معظم الربامج الثقافية �إىل فئة الربامج امل�سجلة ،والن�سبة الأقل منها يت ّم بثّها مبا�رشة على الهواء ،مبا ي�شري �إىل طابعها الر�سمي واملتحفظ. • يعتمد بع�ض الربامج الثقافية العربية على منتجات ثقافية غربية ،خ�صو�ص ًا على م�ستوى املو�سيقى التي ت�صاحب عر�ض فرتات الربامج. • ترتاوح مدة الربامج الثقافية العربية ما بني 30 – 15دقيقة ،ي�ضاف �إىل ذلك طابعها الأ�سبوعي ،وهذا يعطي م�ؤ�رشاً عن حمدودية يو�ضح تكامل الربامج الثقافية مع و�سائل الثقافة والفنون يف القناتني 1و 2يف التليفزيون امل�رصي القناة الأوىل ()%
القناة الثانية ()%
االجتاه العام ()%
%23.48
%26.00
%29.74
%21.00
%12.00
%16.50
%19.20
%17.40
%18.30
%12.50
%5.60
%9.5
%5.80
%15.40
%10.60
%5.00
%13.00
%8.50
%3.57
%6.00
%4.79
%0.45
%4.60
%2.52
%100
%100
%100
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 286للتنمية الثقافية
امل�ساحة التي حتتلّها على اخلريطة الرباجمية م�ؤ�رشات اعتماد اخلطاب التليفزيوين على مقارن ًة ب�أنواع �أخرى من الربامج. الربامج امل�ستوردة وت�أثرياته الثقافية
تتفاوت الربامج الثقافية العربية يف درجة اعتمادها على اللغة العربية الف�صحى ك�أداة لتقدمي املحتوى ،ففي حني ُي�ستخدم هذا امل�ستوى اللغوي يف تقدمي الربامج الـثقافية بـالـتلـيفزيون الـ�سـوري بن�سبة ،%65ف�إن الربامج الـمناظـرة فـي التـليـفـزيــون امل�رصي توظفه بن�سبة %40فقط ،حيث ي�صعد دور امل�ستوى اللغوي (العامي) يف تقدمي املحتوى.
ت�شكّل الربامج التي ت�ستوردها الـمحطات الـتـلفـزيـونيـة الـعـربيـة من الدول الأجنبية كالواليات املتحـــدة وبريطانيا وفرن�سا و�أملانيا واليابان وغريها ن�سبة كبرية ترتاوح ـ ح�سب اليون�سكو ـ ما بني � %40إىل %60من جمموع ما تبثه القنوات العربية .ويحتل الإنتاج الأمريكي ن�سبة %80من جمموع الربامج امل�ستوردة التي تظهر على خريطة هذه القنوات.
• من �أبرز املو�ضوعات التي تركّز عليها الربامج الثقافية العربية :املو�ضوعات الفنية من ناحية ،واملو�ضوعات التي تت�صل باملعارف العامة من ناحية �أخرى. • تتفاوت الربامج الثقافية العربية يف درجة اعتمادها على اللغة العربية الف�صحى ك�أداة لتقدمي املحتوى ،ففي حني ُي�ستخدم هذا امل�ستوى اللغوي يف تقدمي الربامج الثقافية بالتليفزيون ال�سوري بن�سبة ،%65ف�إن الربامج املناظرة يف التليفزيون امل�رصي توظفه بن�سبة %40فقط ،حيث ي�صعد دور امل�ستوى اللغوي (العامي) يف تقدمي املحتوى. • تتفاوت الربامج الثقافية يف درجة اعتنائها مبخاطبة اجلمهور العام والنخب املثقفة ،ففي حني تركّز الربامج الثقافية امل�رصية على تو�سيع قاعدة جمهورها لتخاطب اجلمهور العام من خالل ق�ضايا متن ّوعة ومعا�رصة ،متيل الربامج الثقافية ال�سورية �إىل خماطبة النخبة املثقفة من خالل �أجندة مو�ضوعات ال ت ّت�صل ب�شبكة االهتمامات العامة للجمهور (.)3 وقد �أ�شار العديد من الدرا�سات التي �أجريت على اجلمهور العربي يف دول متنوعة �إىل وجود طلب وا�ضح من جانب امل�شاهدين على الربامج الثقافية ،ففي درا�سة �أجريت على اجلمهور امل�رصي طالب ن�سبة %25.4من املبحوثني بزيادة امل�ساحة الزمنية املخ�ص�صة للربامج الثقافية على القنوات التليفزيونية (.)4 و�أكّدت درا�سة �أخرى �أن ن�سبة %36من جمهور التليفزيون يف الإمارات يحر�ص على متابعة الربامج الثقافية ( .)5ويف �سوريا ت�أتي الربامج الثقافية يف املرتبة الثانية (بن�سبة )%17.5 بعد الربامج الرتفيهية مبا�رشة ،من حيث درجة تف�ضيل اجلمهور لها (.)6
ت�شكّل الربامج التي ت�ستوردها املحطات الـتلـفـزيـونيـة الـعـربيـة مـن الـدول الأجـنـبـيـة كالواليات املتحـــدة وبريطانيا وفرن�سا و�أملانيا واليابان وغريها ن�سبة كبرية ترتاوح ـ ح�سب اليون�سكو ـ ما بني � %40إىل %60 من جمموع ما تبثه القنوات العربية .ويحتل الإنتاج الأمريكي ن�سبة %80من جمموع الربامج امل�ستوردة التي تظهر على خريطة هذه القنوات (. )7 وعلى الرغم من امل ّربرات التي يق ّدمها البع�ض عن �أهمية التالقح ما بني الثقافات املختلفة عرب و�سائل الإعالم� ،إال �أن ارتفاع معدالت اعتماد القنوات التليفزيونية العربية على الربامج امل�ستوردة من م�صادر �شتى يثري العديد من الإ�شكاليات: • �إ�شكالية تهديد الهوية الثقافية للمواطن العربي :فال خالف على �أن اخلطاب الإعالمي امل�ستورد يحمل قيم املجتمع الذي �أنتجه ،وقد تتناق�ض هذه القيم مع املنظومة القيم ّية ال�سائدة لدى اجلمهور الذي يعتمد اخلطاب التليفزيوين املوجه �إليه على الربامج امل�ستوردة .وهذه الإ�شكالية ال ترتبط فقط مبواطني العامل العربي �أو العامل الثالث ككل، بل تتعلق بالعديد من الدول الأخرى ،مبا فيها بع�ض الدول املتقدمة ،حيث بد�أت تتعاىل الأ�صوات فيها من ّبهة �إىل خطورة الربامج التليفزيونية امل�ستوردة على الهوية املحلية للمجتمع .ففي دولة مثل اليابان بد�أ الكثري من الباحثني احلديث عن خطورة �سيطرة الواليات املتحدة الأمريكية على التجارة العاملية لربامج التليفزيون ،مبا يثري م�شكلة الغزو الثقايف، لي�س فقط على م�ستوى دول العامل الثالث، بل على م�ستوى بع�ض دول العامل املتقدم. والالفت �أن امل�شكلة ُتطرح يف دولة كاليابان على هذا النحو على الرغم من �أن ن�سبة الربامج امل�ستوردة يف القنوات التليفزيونية اليابانية مل تتجاوز طيلة عقد الت�سعينيات (.)8( )%5.2
الف�صل الثالث اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية 287
الدولة
ن�سبة االعتماد على الربامج امل�ستوردة
البحرين
%85
قطر
%64
الإمارات
%55
م�رص
%43
�سوريا
%43
اجلزائر
%70
دول عربية .وي�ستورد تليفزيون الإمارات %55 من براجمه ،منها %20يت ّم ا�ستريادها من دول غربية و %35من دول عربية (� .)10أما م�رص و�سوريا فت�ستوردان ن�سبة %43من الربامج
التي تبثها تليفزيوني ًا .وتزيد الن�سبة يف اجلزائر حتى ت�صل يف الربامج الثقافية بوجه خا�ص �إىل ( )%70من �إجمايل ما ي�ستورد من الغرب الأمريكي (.)11 • �إ�شكالية ا�ستح�ضار القيم الأجنبية يف منتجات �إعالمية عربية :فامل�س�ألة هنا ال تعتمد على اال�سترياد املبا�رش للمادة الرباجمية الأجنبية ،بل على ا�ستعارة فكرة برنامج معني مبا حتمله من قيم ،و�إعادة �إنتاجها يف �إطار البيئة العربية وبعنا�رص و�أبطال ينتمون �إىل هذه البيئة .وقد تركّز معظم هذه املواد الرباجمية يف �إطار ما يطلق عليه تليفزيون الواقع الذي تزامن ظهوره مع بداية الألفية الثالثة عندما بثّت قنوات ف�ضائية حكومية وخا�صة برامج القت جناح ًا جماهرييا ملفت ًا، من نوع «�ستار اكادميي» Star Academy و« »Loft Storyو»�سوبر �ستار» و»الأخ الأكرب» املتفرج .Big Brotherوهي برامج �أ�صبح فيها ّ يدرب على العي�ش يف املجموعة، فاع ًال �أ�سا�سي ًا ّ ومير بفرتات امتحان وجتريب ُتكلّل �إما بالنجاح ّ �أو الف�شل .كما تقدم هذه النوعية من الربامج منط تن�شئة غري م�ألوف يزاحم التن�شئة امل�ألوفة
يف دولة مثل اليابان بد�أ الكثري من الباحثني احلديث عن خطورة �سيطرة الواليات املتحدة الأمريكية على التجارة العاملية لربامج التليفزيون، مبا يثري م�شكلة الغزو الثقايف ،لي�س فقط على م�ستوى دول العامل الثالث، بل على م�ستوى بع�ض دول العامل املتقدم .والالفت �أن امل�شكلة ُتطرح يف دولة كاليابان على هذا النحو ،على الرغم من �أن ن�سبة الربامج امل�ستوردة يف القنوات التليفزيونية اليابانية مل تتجاوز طيلة عقد الت�سعينيات (.)%5.2
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإعالم
�إن الكثري من املجتمعات الآن �أ�صبحت �أكرث اهتمام ًا مبواجهة املفهوم الكوين للهوية الثقافية ،الذي ير ّوج له منظّ رو العوملة .وهو مفهوم يرتكز على رف�ض فكرة الهوية املحلية، الأمر الذي �أ ّدى �إىل تن�شيط الأدوات الإعالمية داخل العديد من املجتمعات يف حماولة حلماية مالمح وقيم الهوية اخلا�صة بها ،واتجّ هت �إىل تقدمي تف�سري لفكرة الهوية الثقافية الكونية - التي ر ّوج لها منظرو العوملة -يف �إطار مفهوم اال�ستعمار الثقايف .Cultural Imperialism وي�صف هذا املفهوم حماوالت الدول املهيمنة فر�ض منتجها الثقايف مبا تعك�سه من اعتقادات وقيم و�أيديولوجيات يتبناها املجتمع امل�صدر لهذا املنتج على املجتمعات الأخرى الهام�شية التي متثّل حلقات �أ�ضعف يف النظام العاملي .واال�ستعمار الثقايف بهذا املعنى هو ا�سرتاتيجية تتبناها الدول املهيمنة من ناحية وجتابهها �سيا�سات حملية يف الدول امل�ستقبلة من ناحية �أخرى (.)9 • �إ�شكالية �ضعف الإنتاج التليفزيوين ببلدان العامل العربي� :إن ارتفاع معدالت اعتماد القنوات التليفزيونية العربية على املنتج الرباجمي امل�ستورد يعك�س �ضعف بنية الإنتاج التليفزيوين بهذه الدول وتراجع م�ستواه ،ويف الوقت نف�سه ال يعطي م�ؤ�رشاً حول وجود نوع من ال�سعي نحو تطويرها .يكفي يف هذا ال�سياق �أن نراجع بع�ض الأرقام املتعلقة بحجم اعتماد القنوات التليفزيونية داخل دول العامل العربي على الربامج امل�ستوردة لكي نتعرف �إىل حجم امل�شكلة. ي ّت�ضح من الأرقام ال�سابقة درجة التفاوت ما بني دول العامل العربي يف االعتماد على الربامج امل�ستوردة يف تقدمي اخلدمات التليفزيونية .فتليفزيون البحرين يعتمد على الربامج امل�ستوردة بن�سبة ،%85تتو ّزع بن�سبة %50على برامج م�ستوردة من دول غربية ،ون�سبة %35م�ستوردة من دول عربية، وي�ستورد تليفزيون قطر ن�سبة %64من براجمه منها ن�سبة %20من دول غربية و %44من
جدول رقم 3
يو�ضح ن�سب اعتماد بع�ض التليفزيونات العربية على الربامج امل�ستوردة
التقرير العربي الثاين 288للتنمية الثقافية
كان للف�ضائيات ت�أثري ملحوظ على اللغة ،بحيث �أ�صبح للإعالم لغة لها منهجيتها اخلا�صة ،بل و�أ�صبح الإعالم يق ّدم ع ّدة �أ�شكال وم�ستويات خمتلفة للتعبري اللغوي ،الأمر الذي ميكن �أن يكون له ت�أثريات �شديدة ال�سلبية على م�ستقبل اللغة العربية كلغة حملية.
يف امل�ؤ�س�سة العائلية وامل�ؤ�س�سة املدر�سية، ف�ض ًال عن اعتمادها مبد�أ التج�س�س �أو التل�ص�ص على احلياة اخلا�صة وعلى االختالط يف ف�ضاء �ضيق وعلى امتداد كامل فرتات النهار ويف الليل (.)12 وقد �أ�شارت �إحدى الدرا�سات التي حاولت اختبار ت�أثري امل�ضامني الإعالمية الأجنبية على ال�شباب العربي �إىل خطورة ما حتمله هذه امل�ضامني من قيم و�أفكار على الهوية، التعر�ض للقنوات و�أكّدت على �أن ارتفاع معدل ّ الف�ضائية الأجنبية ي�ؤدي �إىل خلق نوع من الت�شتيت لدى ال�شباب يف �إدراك معامل هويتهم، ويت�س ّبب يف �إحداث �أزمة لديهم على امل�ستوى القيمي ،و�أن الـخـلــل فــي الإحـ�سـا�س بـالهــوية يظهر بدرجة �أكرب لدى ال�شباب من الذكور، ويف امل�ستويات الأعلى تعليم ًا ،ولدى الأعمار كافة(.)13
م�ؤ�رشات ت�أثري اخلطاب التليفزيوين الف�ضائي على القيم الثقافية ملجتمعات العامل العربي
يف ظ ّل االمتداد امللحوظ يف ظاهرة القنوات العربية والأجنبية على اخلريطة الف�ضائية ،خالل ال�سنوات الأوىل من القرن احلادي والع�رشين ،اهت ّم العديد من الدرا�سات بتت ّبع الت�أثريات والتحوالت التي �أحدثها التعر�ض للم�ضامني التي تق ّدمها هذه القنوات على القيم الثقافية للجمهور داخل دول عربية خمتلفة. فـفي الـمجـتـمـع الـلـيبـي وجد �أن هناك ت�أثريات ملحوظة تنتج عن التعر�ض للقنوات الف�ضائية على القيم الثقافية التي يتبناها �أفراده ،خ�صو�ص ًا من ال�شباب .ومن �أبرز هذه الت�أثريات: • ا ّت�ضح من خالل ما تعك�سه الف�ضائيات العربية والأجنبية من قيم �إيجابية و�سلبية م�ؤثرة يف منظومة القيم املحلية ،ظهور م�صدر جديد لت�رشب القيم� ،إ�ضافة �إىل امل�صادر الرتبوية الأخرى التي تعترب �أهمها الأ�رسة.
• متثلت �أهم مظاهر ت�أثيـر الف�ضائيات على الـقـيـم الـمحـلـية لـلـمجتمع اللـيبـي فـي اخلالف بني �أفراد الأ�رسة ،و�ضعف التفاعل بني �أع�ضائها ،وكذلك على م�ستوى العالقات االجتماعية الأخـرى .وتراجع العديد من القيم الـتقلـيديـة داخل الـمجتمع ،مثل قيمة الطاعة واحـتـرام الـوقـت والـتعـلـيم والإدخـار ،وذلك على امل�ستوى الأ�رسي واالجتماعي� ،أما على امل�ستوى الثقايف فقد �أثّرت الف�ضائيات على الفرد والأ�رسة من حيث تب ّدل قيم االحتفاالت والـمنا�سبات االجـتـمـاعـيـة ،وتـغـ ّيـر الـذوق العام(.)14 ويف املجتمع امل�رصي ظهر العديد من الت�أثريات الناجتة عن ارتفاع معدالت التعر�ض للقنوات الف�ضائية ،وارتبطت هذه الت�أثريات ب�إحداث العديد من التحوالت على م�ستوى عنا�رص املنظومة الثقافية للم�رصيني .من �أهم هذه الت�أثريات: • ُيع ّد ال�سن حمدداً مهم ًا يف الت�أثري على اختيار الـمتـلقـي لـنوعـيـة الـربامج الإعالمية تف�ضل يف�ضلها ،فـالـفـئات الأقـل عـمـراً ّ التي ّ الربامج الرتفيهية واملعلومات والريا�ضة ،يف يف�ضل اجلمهور املتقدم يف العمر الربامج حني ّ الثقافية واالقت�صادية وال�سيا�سية. • كان للف�ضائيات ت�أثري ملحوظ على اللغة ،بحيث �أ�صبح للإعالم لغة لها منهجيتها اخلا�صة ،بل و�أ�صبح الإعالم يق ّدم ع ّدة �أ�شكال وم�ستويات خمتلفة للتعبري اللغوي ،الأمر الذي ميكن �أن يكون له ت�أثريات �شديدة ال�سلبية على م�ستقبل اللغة العربية كلغة حملية. • �سيطر على البنية الثقافية امل�رصية العديد من القيم املادية ،وتراجعت القيم الـمعـنـويـة بـ�شـكـل مـلحـوظ ،حـيث �سـادت �أذواق الفئات اجلديدة التي �أفرزتها العوملة االقـتـ�صـاديـة والـتـي �أحـكـمـت قـبـ�ضتها على االقت�صاد امل�رصي وبالتايل على فعاليات العملية الثقافية (.)15 متت درا�سة وداخل املجتمع العماين ّ البث الف�ضائي الت�أثريات التي �أحدثها انت�شار ّ
الف�صل الثالث اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية 289
الإعالم
املبا�رش على البنى الثقافية للمجتمع العماين، و�أو�ضحت النتائج ما يلي: • تنظر ن�سبة كبرية من �أفراد املجتمع العماين �إىل القنوات الف�ضائية ك�إطار داعم للعديد من امل�ضامني ذات الت�أثري ال�سلبي على متابعيها ،ي�أتي يف مقدمتها دعم العنف والإدمان واالغت�صاب ،بالإ�ضافة �إىل �إثارة الغرائز وترويج اجلن�س. البث الف�ضائي الوافد على الكثري من • �أثّر ّ القيم والعادات والتقاليد العمانية ،خ�صو�ص ًا ما يتعلق بنق�ص الن�شاط االجتماعي للفرد، وت�أثريه على �إح�سا�س الإن�سان العماين بهويته القطرية والعربية. • ارتفعت معدالت انبهار الإن�سان العماين التعر�ض باخلارج نتيجة ارتفاع م�ستويات ّ للقنوات الف�ضائية الوافدة ،وجتلّى ذلك يف زيادة �إقبال املر�أة العمانية ،وكذلك ال�شباب العماين على الأزياء الغربية (.)16 مت ر�صد ويف �إطار املجتمع ال�سعوديّ ، العديد من الت�أثريات املرتبطة بتعر�ض ال�شباب – على وجه اخل�صو�ص – للقنوات الف�ضائية، من �أبرزها: ً • تدعم القنوات الف�ضائية قيما �أجنبية يف م�ضمونها ،وتق ّدم �أ�رساً ذات عالقات مفككة �أكرث من تلك الأ�رس التي تتبنى ر�ؤية مرتابطة للعالقة بني �أفرادها ،كما تتعر�ض هذه القنوات متحرر ،وهذا للعالقة بني الرجل واملراة ب�شكل ّ ُيع ّد م�ؤ�رشاً خطرياً على الآثار ال�سلبية املحتملة على ال�شباب. • ت�أتي القيم الأجنبية املت�ضمنة يف الأعمال الدرامية الأجنبية يف ظ ّل املحاوالت موحدة ترتكز الد�ؤوبة خللق ثقافة عاملية ّ على القيم الغربية ،كما ميكن النظر �إىل القيم املزدوجة التي تت�ضمنها الدراما العربية كعامل م�ؤثر يف دعم مفهوم الثقافة العاملية املوحدة. • يثبت التحليل امليداين �أنه على الرغم من وجود نوع من الدعم للقيم الغربية يف املواد الدرامية� ،إال �أنه ال يوجد عالقة ارتباط
بني تعر�ض ال�شباب لهذه املواد واجتاهه نحو تبني القيم وال�سلوكيات الغربية (.)17 وظهر داخل املجتمع الإماراتي العديد من الت�أثريات الناجتة عن التعر�ض للإعالم الف�ضائي املتعومل على الهوية اخلا�صة لأفراد هذا املجتمع ،من �أبرزها ما يلي: • على الرغم من اجتياح تيار العوملة لدول العامل� ،إال �أن ذلك ال مينع وجود نزعة مقاومة من جانب العامل الإ�سالمي ترف�ض قبول القيم اجلديدة التي يحملها هذا التيار واملناق�ضة للقيم املحلية. • على الرغم من �أن ال�شباب هم الفئة اجلماهريية التي يحتمل �أن تت�أثر �أكرث من غريها بتيار العوملة� ،إال �أن التحليل امليداين لهذا القطاع يثبت �أن ن�سبة كبرية من �أفراده ال تزال متم�سكة بالقيم والتقاليد الثقافية العربية(.)18 و�سعت �إحـدى الـدرا�سـات �إلـى تـحـلـيل الربنامج اللبناين �ستار �أكادميي لتحديد الدور الذي تلعبه برامج تليفزيون الواقع يف الت�أثري يف الهوية الثقافية لل�شعوب العربية ،وتو�صلت �إىل عدد من النتائج ،من �أهمها: • �أثارت برامج تليفزيون الواقع جدالً وا�ضح ًا بني املثقفني العرب حول ما حتمله من قيم ثقافية تتناق�ض مع الثوابت القيمية للمجتمع العربي. • عـلـى الرغـم مـن الـدور الـذي يـلعـبه هذا النوع من الربامج يف نقل قيم الثقافة الغربية �إىل الواقع العربي� ،إال �أن ذلك ال يعني بال�رضورة �إحداث تغيريات يف الن�سق القيمي ال�سائد لدى املواطنني العرب. • هناك جوانب خطورة متنوعة ترتبط بهذه الربامج �أبرزها ما يتعلق باللغة ،حيث يوجد خلط يف برنامج �ستار �أكادميي بني ا�ستخدام اللغة العربية واللغات الأخرى، وبخا�صة اللغة الفرن�سية ،بالإ�ضافة �إىل وجود العديد من اللكنات العربية التي ت�ستخدم يف الربنامج ،وهذه اللكنات ال تكون مفهومة بالن�سبة لقطاع كبري من امل�شاهدين العرب. مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 290للتنمية الثقافية
• علـى الرغـم مـن �أن بـرنـامـج �سـتار �أكادميي يعبرّ عن الوحدة العربية من خالل جتميع عدد من �أفراد الوطن العربي من دول خمتلفة يف �سياق واحد� ،إال �أنه يعتبــر �أي�ض ًا و�سيلة تعبرّ عن تفرقتهم لأنه يو�ضح اخلالفات التي حتدث بني العرب (.)19 من النتائج التي خل�صت �إليها الدرا�سات العلمية ال�سابقة التي تناولت ت�أثري التعر�ض للقنوات الف�ضائية العربية والأجنبية على الن�سق القيمي للثقافة العربية ،ميكن اخلروج مبجموعة امل�ؤ�رشات التالية: • ت�ؤكد الدرا�سات ال�سابقة على الدور الذي ميكن �أن تلعبه القنوات الف�ضائية – ك�إحدى جتليات العوملة االت�صالية – يف تذويب القيم الأ�صيلة املرتبطة بالهوية الثقافية العربية. فالعقل العربي ينظر �إىل امل�ضمون الذي حتمله بع�ض هذه القنوات وما تق ّدمه من برامج من منظور «الغزو الثقايف» الذي يجب �أن تواجهه امل�ؤ�س�سات الثقافية العربية. • ينظر العديد من الباحثني واملحللني �إىل قطاع ال�شباب ،كقطاع �أكرث رخاوة، ميكن غزوه ب�سهولة بالقيم الثقافية الغربية املناق�ضة للهوية الثقافية العربية ،وعلى الرغم ممّ ا �أكّده بع�ض الدرا�سات على عدم وجود عالقة ارتباط بني التعر�ض للقنوات الف�ضائية – وخ�صو�ص ًا الأجنبية منها – وتبني منظومة القيم الثقافية الغربية� ،إال �أن هناك اتفاق ًا – بني الباحثني – على �أن قيم ال�شباب هي الأكرث عر�ضة للخلخلة من جراء تراكم عمليات التعر�ض للمنتج الإعالمي الثقايف الغربي. • �إن امل�ؤ�رش الأكرث و�ضوح ًا ومتا�سكاً والذي ميكن تهديده يف �إطار عمليات اخرتاق العقل الثقايف العربي يرتبط باللغة .وقد ن ّوه العديد من الدرا�سات بالدور الذي يلعبه بع�ض الف�ضائيات العربية والأجنبية يف تهمي�ش اللغة العربية ،مقابل دفع اللغات الأجنبية ،واللكنات العامية� ،إىل دائرة اال�ستعمال ك�أداة للتعبري. • �إن التهديد الأكرب الذي تركّز عليه العديد من الدرا�سات يرتبط بقيم الأ�رسة العربية،
خـ�صـو�صـ ًا مـا يـتـ�صـل بـمـ�ستـوياـت التفاعل االجتماعي بني �أفرادها ،وجمموعة الطقو�س التي حتكم عاداتها وتقاليدها ،وخ�صو�ص ًا على م�ستوى الأزياء ك�أداة معبرّ ة عن الهوية الوطنية املتميزة.
ثاني ًا -ت�شكيل اخلطاب الثقايف يف قناة النيل الثقافية
بد�أت قناة النيل الثقافية بثّها – �ضمن قنوات النيل املتخ�ص�صة – عام .1998وقد ح ّددت القناة هدفها يف «ا�ستك�شاف روائع الثقافة العربية وال�شعبية يف مواجهة �سلبيات العوملة ،كما تقوم بتغطية الفنون ب�أنواعها. اهت ّمت القناة -يف الآونة الأخرية -ب�إبراز البعد الديني للق�ضايا املختلفة� ،إ�سهام ًا منها يف مواجهة التطرف الديني وخماطره» (.)20 وقد بد�أ �إر�سال القناة ملدة (� )14ساعة مت دجمها مع قناة التنوير ،مع �إلغاء يومي ًا ،ثم ّ الثانية عام « .2008و�أ�صبح هناك تداخل بني برامج القناتني ،و�ألغي املت�شابه منها، و�أ�صبحت تبث �إر�سالها على مدار �ساعات اليوم الأربع والع�رشين .وتعاين قناة النيل من �ضعف ميزانيتها» .فميزانية قناة النيل الثقافية يف �سنة واحدة �ضئيلة جدا باملقارنة بقناة ثقافية �أخرى مثل دي�سكفري �شانل الأمريكية ،فالقناة مازالت يف حاجة �إىل دعم مادي كبري حتى يت�س ّنى لها تقدمي بــرامج وثائقي ،وثقافية تليق ب�أمة لها تاريخ وح�ضارة كانت لها مت حتليل ب�صمة يف حياة الآخرين» (.)21وقد ّ جمموعة من الربامج التي تعر�ضها القناة خالل الأ�شهر الثالثة الأخرية من عام 2008 (�أكتوبر /نوفمرب /دي�سمرب) ال�ستخال�ص �سمات ت�شكيل اخلطاب الثقايف املق ّدم عرب القناة و�أطره� ،شملت :برنامج قمر النيل ،وبرنامج م�ساحة حرة وبرنامج �سبع جنوم ،وبرنامج كتب ممنوعة ،وبرنامج فتاوى على الهواء، وبرنامـج �شاركونا احللم امل�رصي ،و برنامج �أي تي �شو ،وبرنامج املنتدى ،وبرنامج ال�شاعر، وبرنامج العامل يف م�رص.
الف�صل الثالث اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية 291
التوجهات املو�ضوعية للخطاب الثقايف بقناة النيل
التكرار
الن�سبة
املو�ضوع مو�ضوعات �سيا�سية
26
19.1
مو�ضوعات �أدبية
26
19.1
مو�ضوعات فكرية
20
14.7
فنية مو�ضوعات ّ
16
11.8
مو�ضوعات علمية
15
11
مو�ضوعات اقت�صادية
13
9.6
مو�ضوعات دينية
12
8.8
مو�ضوعات اجتماعية
8
5.9
136
100
املجموع
الإعالم
تك�شف املو�ضوعات املت�ضمنة داخل �أي خطاب عن ر�ؤيته للواقع الذي يعبرّ عنه والأحداث التي تتفاعل فيه ،وم�ستوى ان�شغاله بها ،ويف الوقت نف�سه تعبرّ هذه املو�ضوعات عن الأ�س�س التي يعتمد عليها يف بناء �أجندة اهتماماته التي يحاول �أن يتوافق من خاللها مع �أجندة اهتمامات املتلقي. يف هذا ال�سياق تن ّوعت املو�ضوعات التــي اهتم اخلطاب الثقايف بقناة النيل الثقافية والـتطـرق �إلـيها لـتـعـكـ�س ر�ؤيته مبعاجلتها ّ لتفاعالت امل�شهد الثقايف داخل م�رص والعامل العربي .ويـو�ضـح الـجـدول الـتـالـي جمموعة املو�ضـوعـات التي اهتم اخلطاب بتناولها: (جدو ل رقم )4 يتبينّ من اجلدول ال�سابق ارتفاع ن�سبة املو�ضوعات التي هي على متا�س مع منظومة الق�ضايا العامـة املحلية والعربية والدولية� ،سواء كانت ق�ضايا �سيا�سية �أم اجتماعية �أم اقت�صادية ،ثم ت�أتي بعد ذلك منظومة املو�ضوعات الفكرية ،ثم منظومة املو�ضوعات الأدبية ،ثم منظومة املو�ضوعات العلمية ،ثم منظومة املو�ضوعات الدينية .ويو�ضح ال�شكل التايل الن�سبة التي ت�شكّلها كل منظومة من هذه املنظومات داخل دائرة اخلطاب الثقايف لـ قناة النيل: (�شكل رقم )1 ويعك�س ارتفاع ن�سبة املو�ضوعات امل ّت�صلة بالق�ضايا العامة :ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية حماولة اخلطاب الثقايف تقدمي نف�سه كخطاب دينامي متفاعل مع �أحداث الواقع ،ليبتعد – يف حدود مع ّينة - عن املو�ضوعات النظرية املجردة �أو اجلامدة التي قد تدخل يف دائرة اهتمامات النخبة املثقفة ،ويحاول ا�ستقطاب اجلمهور العام ،من خالل التفاعل مع جمموعة الق�ضايا والأحداث املطروحة على �أجندة اهتماماته والتي يقع �أغلبها يف دائرة الأجندة ال�سيا�سية مثل� :أو�ضاع
جدول رقم 4
يو�ضح املو�ضوعات التي �أبرزها اخلطاب الثقايف بقناة النيل
�شكل رقم ()1 يو�ضح القطاعات املو�ضوعية للخطاب الثقايف بقناة النيل ق�ضايا عامة �أدب فكر فن علوم دين
الأحزاب ال�سيا�سية داخل م�رص ،و�أداء املجال�س الت�رشيعية ،والدميقراطية والإ�صالح ال�سيا�سي، والأحداث يف الأرا�ضي املحتلة وم�ستقبل الدولة الفل�سطينية ،والأو�ضاع احلالية وامل�ستقبلية يف العراق ،وموقف الواليات املتحدة من املنطقة، وغري ذلك من ق�ضايا و�ش�ؤون حاول اخلطاب �أن يعك�سها ويق ّدم من خاللها ر�ؤية النخبة املثقفة لفعالياتها وتداعياتها لي�ضعها �أمام اجلمهور العام. مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 292للتنمية الثقافية
وعلى امل�ستوى االقت�صادي ُطرحت ع ّدة ق�ضايا ت ّت�صل بحجم ال�صادرات والواردات، واملعونات االقت�صادية املوجهة من دول الغرب �إىل م�رص ،ومدى جدواها ،والدور الذي تلعبه امل�ؤ�س�سات االقت�صادية الدولية يف ح ّل الأزمة املالية العاملية ،ودور اجلمعيات الأهلية يف تنمية املجتمع امل�رصي .وكان هناك تركيز – يف ما يت�صل باملو�ضوعات االجتماعية -على ق�ضايا املر�أة والعالقة بني الآباء والأبناء وال�ش�ؤون املختلفة للأ�رسة والعالقات االجتماعية بني الطبقات. وعلى م�ستوى الأدب (ال�شعر والرواية) كان هناك اهتمام با�ستعرا�ض التجارب ال�شعرية لعدد من ال�شعراء امل�رصيني ،من �أجيال خمتلفة ،خ�صو�ص ًا من خالل برنامج �سبع جنوم ،بالإ�ضافة �إىل تغطية الفعاليات التي ت ّت�صل ب�أن�شطة ومهرجانات �شعرية وروائية مثل مهرجان العجيلي الرابع للرواية العربية ،بالإ�ضافة �إىل طرح الإبداع الأدبي على ب�ساط النقد ،من خالل ا�ست�ضافة نقّاد يتولون تقييم التجارب الأدبية املختلفة .وتهت ّم مت �إنتاجه القناة بعر�ض الإبداع الأدبي الذي ّ بث متثيلي ًا على خ�شبة امل�رسح ،مــن خالل ّ امل�رسحيات امل�سجلة لدى التليفزيون امل�رصي، مثل م�رسحية ال�سلطان احلائر لتوفيق احلكيم، وم�رسحية الوزير العا�شق لفاروق جويدة، وم�رسحية �سكة ال�سالمة ل�سعد الدين وهبة، وغريها .وعلى م�ستوى املو�ضوعات الفكرية كان هناك تركيز على عدد من الق�ضايا التي ترتبط بثقافة التدوين عرب الإنرتنت والتح ّوالت التي �أحدثتها يف امل�شهد الثقايف امل�رصي والـعربـي ،وقـ�ضايـا الأ�صـالـة والـمعـا�صـرة، وال�سمات الثقافية لل�شعوب املختلفة، وخ�صو�ص ًا ال�شعوب الأفريقية ،وطقو�س احلياة يف م�رص الفرعونية ،وكذلك الق�ضايا املتعلّقة بالثقافة ال�شعبية كالطقو�س والعادات اخلا�صة ببع�ض القطاعات اجلغرافية يف م�رص ،كالبدو، و�سكان النوبة ،وال�صعيد وغري ذلك. ويف ما يتعلّق مبنظومة الفن كان هناك
اهتمام بطرح العديد من الفعاليات املرتبطة بفنون الر�سم والنحت والت�صوير ،وكذلك ق�ضايا املو�سيقى وامل�رسح ،من خالل متابعة الأن�شطة واملهرجانات التي تدور يف هذا ال�سياق. واهتم اخلطاب يف ما يتعلّق مبنظومة مو�ضوعات العلم والتكنولوجيا بالكثري من الق�ضايا اخلا�صة بتكنولوجيا املعلومات ،وذلك من خالل برنامج �أي تي �شو ،بالإ�ضافة �إىل معاجلة ع ّدة ق�ضايا �أخرى تت�صل ب�أزمة البحث العلمي يف م�رص ،ومو�ضوع براءات االخرتاع، وعالقة البحث العلمي بالتط ّور التكنولوجي. ويف �سياق منظومة الق�ضايا الدينية ،كان بالتطرق �إىل العديد من ق�ضايا هناك اهتمام ّ العبادات واملعامالت والأخالقيات التي يجب �أن يتحلّى بها امل�سلم ،من خالل �أحد الربامج التي تخ�ص�صت يف جمال «الفتوى». مما �سبق �إىل �أن اخلطاب الثقايف نخل�ص ّ بقناة النيل كان يهت ّم بالق�ضايا العامة يف قطاع منه ،ويحاول �أن يعاجلها من منظور الثقافة واملثقفني ،وان�شغل يف ع ّدة قطاعات مت�س �ش�ؤون الفكر، �أخرى منه مبو�ضوعات ّ والعلم ،والفن ،والأدب ،وغريها من القطاعات التي ت�شغل النخبة املثقفة .وعلى الرغم من حالة الدينامية التي منحها هذا التوجه نحو الق�ضايا العامة للخطاب� ،إال �أن ذلك ال مينع من �رضورة االلتفات �إىل نقطتني يف ما يتعلق بهذا النمط من املعاجلة: مما مينحه اال�شتباك مع • على الرغم ّ الق�ضايا العامة للخطابات الثقافية من طابع دينامي� ،إال �أنـه يخفي يف طياته حالة ال�سكون على م�ستوى امل�شهد الثقايف ذاته ،وعدم متتعه بحالة احلراك الكايف التي جتعله ي�صعد ويحت ّل مرتبة متقدمة على م�ستوى �أجندة االهتمامات العامة. • �إن بع�ض املعاجلات التي ق ّدمها اخلطاب الثقايف للق�ضايا العامة داخل قناة النيل ا ّت�سمت – �أحيان ًا -بطابع ر�سمي ،وكانت ال تخرج يف مناق�شة هذه الق�ضايا عن املقوالت والأفكار املطروحة يف اخلطاب ال�سيا�سي
الف�صل الثالث اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية 293 جدول رقم 5
م�صدر املعلومة
التكرار
الن�سبة
�أ�ساتذة جامعات
35
25.7
�صحفيون
30
22.1
�شعراء
18
13.2
ف ّنانون
17
12.5
فنيون ن ّقاد ّ
15
11
ك ّتاب رواية
10
7.4
دعاة دينيون
9
6.6
دبلوما�سيون
2
1.5
136
100
املجموع
�شكل رقم ()2 يو�ضح معدالت االعتماد على ال�شخ�صيات العامة مقارنة باملبدعني كم�صدر للمعلومات يف اخلطاب الثقايف لقناة النيل 80 70 60 50 40
مبدعون
�شخ�صيات عامة
30 20 10 0
التوجهات الزمنية واملكانية للخطاب الثقايف بقناة النيـل
مت حتليل اخلطاب الثقايف بقناة النيـل ّ على حموري الزمان واملكان ،الكت�شاف توجهاته على هذين امل�ستويني .وقد تبينّ �أن هناك تنوع ًا على م�ستوى التوجه الزمني للخطاب ،و�إن �سيطر التوجه نحو الإطار مؤسسة الفكر العربي ّ
الإعالم
الر�سمي� ،إال يف حدود �ضيقة ،خ�صو�ص ًا يف ما يتعلّق باملوقف من الأحداث التي ت�شهدها ك ّل من الأرا�ضي الفل�سطينية املحتلة والعراق. وقد تن ّوعت امل�صادر التي اعتمد عليها اخلطاب يف بناء �أفكاره وتقدمي �أطروحاته، و�شملت هذه امل�صادر �أ�ساتذة اجلامعات ،و الـ�شعـراء ،والـمـبـدعـيـن الـروائـ ّييـن ،والف ّنانني والك ّتاب ال�صحف ّيني ،وغريهم .ويو�ضح اجلدول التايل معدالت اعتماد اخلطاب على كل فئة من هذه الفئات ،كم�صدر للمعلومات املت�ضمنة فيه( :جدول رقم )5 ي ّت�ضح من اجلدول ال�سابق �أن اخلطاب اعتمد بالن�سبة الأكرب على �أ�ساتذة اجلامعات يف التخ�ص�صات املختلفة كم�صدر للمعلومات، خ�صو�ص ًا يف جماالت ال�سيا�سة واالقت�صاد واالجتماع والإعالم ،بالإ�ضافة �إىل �أ�ساتذة الأزهر ال�رشيف يف الربامج التي تناق�ش مو�ضوعات دينية .ي�أتي بعد ذلك ال�صحفيون املعنيون بال�ش�ؤون العامة ،بالإ�ضافة �إىل ال�صحفيني العاملني يف ال�صفحات الثقافية املتخ�ص�صة بـالـجـرائـد والـمـجـالت ،وكـذلك ّ ال�صحفيني الإلكرتونيني الذين يعملون يف جمال �إنتاج املعلومات على مواقع �شبكة الإنرتنت ،ثم ي�أتي بعد ذلك املبدعون من الفنانني وال�شعراء وك ّتاب الرواية ،ثم ي�أتي الفن والأدب ،ثم النقاد املتخ�ص�صون يف جمال ّ رجال الدين ،ثم الدبلوما�س ّيون. وتعطي الأرقام داخل اجلدول ال�سابق م�ؤ�رشاً حول اعتماد اخلطاب الثقايف بقناة النيـل على اخلرباء واملتخ�ص�صني ورجال الفكر ورجال الدين بدرجة �أعلى من اهتمامه با�ستح�ضار املبدعني الثقافيني ،من �شعراء وفنانني ،وك ّتاب رواية ،ونقّاد ،كقوى فاعلة ومنتجة ملا يحمله من �أفكار ومقوالت. ويو�ضح ال�شكل التايل الفروق بني درجة اعتماد اخلطاب الثقايف بقناة النيل على ال�شخ�صيات الثقافية العامة ،مقارنة باملبدعني (من �شعراء وك ّتاب رواية وفنانني ونقاد فنيني) كم�صدر للمعلومات�( :شكل رقم )2
يو�ضح م�صادر املعلومات داخل اخلطاب الثقايف لقناة النيل
التقرير العربي الثاين 294للتنمية الثقافية جدول رقم 6
االطار الزمني
يو�ضح الإطار الزمني لطرح املو�ضوعات املختلفة داخل اخلطاب الثقايف لقناة النيل التكرار
الن�سبة
تاريخي
20
14.7
حايل
41
30.1
م�ستقبلي
12
8.8
غري حمدد
63
46.3
املجموع
136
100
جدول رقم 7
التوجه املكاين
يو�ضح التوجه املكاين ملو�ضوعات اخلطاب الثقايف بقناة النيل التكرار
الن�سبة
عربي
42
30.9
م�رصي
40
29.4
�إ�سالمي
6
4.4
خارجي
39
28.7
غري حم ّدد
9
6.6
املجموع
136
100
الزمني احلايل .ويو�ضح اجلدول التايل ذلك: (جدول رقم )6 يت�أ ّكد من اجلدول ال�سابق امللحوظة التي �أ�رشنا �إليها عند احلديث عن العامل املتعلق بالتوجهات املو�ضوعية للخطاب ،والتي تتمثّل يف وجود حالة من الدينامية واحلراك التي مت ّيز اخلطاب الثقايف بقناة النيـل؛ �إذ ترتبط الن�سبة الأكرب من الأطروحات التي يعاجلها ب�أحداث حالية بن�سبة ( ،)%30.1كما ي ّت�ضح �أي�ض ًا من الأرقام �أن الوجه املا�ضوي – �إن جاز التعبري– لهذا اخلطاب يفوق وجهه امل�ستقبلي؛ �إذ انح�رست ن�سب طرح اخلطاب لر�ؤى م�ستقبلية حول الواقع امل�رصي والعربي �إىل ( )%8.8فقط.
ويف مقابل ذلك جند �أن البعد الزمني يغيب داخل الن�سبة الأكرب من الأطروحات (،)%46.3 وتت ّم معاجلتها يف �إطار املطلق ،رمبا الت�صالها ب�أفكار تتم ّتع بدرجة دميومة وتوا�صل ،من دون انتماء �إىل حمور زمني بعينه ،مثل بع�ض الأفكار التي تناولت الأطماع الإ�رسائيلية يف املنطقة العربية و�صورة امل�سلم لدى الغرب� ،إذ عر�ضت ب�شكل ال يربطها مبحور زمني معني على �أ�سا�س تعبريها عن حالة دائمة �أو موقف متوا�صل وثابت. مت حتليل اخلطاب �أي�ض ًا على م�ستوى وقد ّ املحور املكاين ،بهدف الك�شف عن الهويات املكانية (الدول والأقاليم) التي تركّز �أطروحاته على ا�ستدعائها� ،سواء عند التعبري عن الذات، وكذلك عند التعبري عن الآخر .ويو�ضح اجلدول التايل طبيعة الهويات املكانية املختلفة التي ظهرت داخل �أطروحات اخلطاب الثقايف بقناة النيـل الثقافية( .جدول رقم )7 تربز الأرقام داخل اجلدول ال�سابق �إحدى الإ�شكاليات الرئي�سية داخل اخلطاب الثقايف العربي عموم ًا ،والتي انعك�ست بالتبعية على اخلطاب الثقايف التليفزيوين ،وهي التنازع بني الفكرتني القومية والقطرية عند و�صف الذات، ف�أحيان ًا تعلو نربة الهوية القومية داخل اخلطاب و�أحيان ًا تخفت �أمام �صعود نربة احلديث عن الهوية القطرية ،وال�سبب يف ذلك «�أن الدولة القطرية العربية عندما قامت ككيان �سيا�سي مل تكن الدائرة ال�سيا�سية التي متثلها متطابقة مع الدائرة احل�ضارية والثقافية مما �أوقعها يف حالة تناق�ض مع فكرة الدولة القومية ،فكثرياً ما تبدو م�ؤ�س�سة الدولة القطرية بالن�سبة للفرد العربي متناق�ضة مع الأمة ،فالتطور االجتماعي وطبيعة ت�ضاري�س اجلغرافيا العربية مل ت�سمح �إال بنوعني من االنتماء :الأول هو انتماء الفرد �إىل رابطته االجتماعية القريبة �أو الطائفة �أو اجلهة والثاين هو االنتماء العقيدي �أو الثقايف، �أى االنتماء �إىل الأمة يف بعدها الدينى �أو الثقايف العروبي يف معطياته وقيمه الأدبية والفنية» (.)22
الف�صل الثالث اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية 295
التكرار
الن�سبة
التوجه املكاين الواليات املتحدة الأمريكية
14
35.9
�إ�رسائيل
12
30.8
الدول الأوربية
7
17.9
ال�صني
2
5.1
الهند
2
5.1
اليابان
2
5.1
املجموع
39
100
�سيا�سي ًا ،خ�صو�ص ًا يف ما يتعلّق ب�إ�رسائيل والواليات امل ّتحدة الأمريكية يف ظ ّل التطور املتالحق للأحداث التي تقع داخل الأرا�ضي املحتلة والعراق ،فقد كان الآخر يق ّدم يف هذه احلالة يف �سياق عدائه للعرب وحماولته ال�سيطرة على مقدراتهم والتحكم يف �أرا�ضيهم و ثرواتهم. ويعود اخلطاب بعد ذلك لريكّز على املدلول احل�ضارى لهوية الآخر بن�سب �ضئيلة ت ّت�ضح يف حجم احل�ضور املحدود لعدد من الهويات القطرية الأخرى كال�صني واليابان؛ �إذ كان اخلطاب يركّز على الدور الذي ميكن �أن ت�ؤديه ال�صني واليابان – كقوى عاملية �صاعدة -يف �إحداث نوع من التوازن يف النظام العاملي املختل ب�شكله الراهن لقيامه على وجود قوة عاملية واحدة م�سيطرة تتمثل يف الواليات املتحدة الأمريكية ،وتابعيها من دول الغرب الأوروبي ،تفر�ض هيمنتها على باقي دول العامل. وقد مت ّيز اخلطاب عند تناول الهوية بهذا املدلول بنوع من احلميمية (و�صف ال�صيني بال�صديق القدمي على �سبيل املثال) يف احلديث عن الآخر الذي يتماثل مع الذات يف التجذّر احل�ضاري ،وت�شابه العادات والتقاليد ،و�أ�سلوب
ت�ؤكّ د الأرقام �إ�شكالية التنازع يف و�صف هوية الذات داخل اخلطاب الثقايف؛ �إذ ترتفع ن�سبة ا�ستخدام و�صف «امل�رصي» للذات بن�سبة ،%29.4وكذا و�صف العربي عند حتديد الهوية ،للت�أكيد على ثنائية القطر /قومية للخطاب بن�سبة ،%30.9ويف �أحيان قليلة (بن�سبة )%4.4ي�شار �إىل الهوية الإ�سالمية ك�أحد �أوجه االنتماء للذات امل�رصية.
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإعالم
وت�ؤ ّكد الأرقام داخل اجلدول ال�سابق بو�ضوح �إ�شكالية التنازع تلك يف و�صف هوية الذات داخل اخلطاب الثقايف؛ �إذ ترتفع ن�سبة ا�ستخدام و�صف «امل�رصي» للذات ،وكذا و�صف العربي عند حتديد الهوية ،للت�أكيد على ثنائية القطر /قومية للخطاب ،ويف �أحيان قليلة (بن�سبة )%4.4ي�شار �إىل الهوية الإ�سالمية ك�أحد �أوجه االنتماء للذات امل�رصية .ومن املالحظ �أي�ض ًا � ّأن اخلطاب تع ّمد تغييب �أو عدم ا�ستح�ضار �أي و�صف للهوية يف بع�ض الأحيان (بن�سبة )%6.6بالبعد عن ا�ستخدام �أي �إ�شارة �رصيحة �أو �ضمنية �إىل دائرتها امل�رصية �أو العربية �أو الإ�سالمية وهو جانب �سلبي ،فاحلديث عن الهوية املكانية يف فراغ ال ي�ساعد على ربط املتلقي بالأفكار والت�صورات التي يطرحها اخلطاب. ويالحظ من اجلدول ال�سابق �أي�ض ًا �أن «الآخـر» املكاين مت ا�ستح�ضاره بن�سبة كبرية تنوعت جتليات داخل اخلطاب ( .)%28.7وقد ّ هوية ذلك «الآخـر» ب�صورة كبرية� ،إذ �أحيان ًا ما كان يتح ّدد يف الواليات املتحدة الأمريكية، و�أحيان ًا يف الدول الأوبية ،و�أحيان ًا يف �إ�رسائيل. ويو�ضح اجلدول التايل ذلك( :جدول رقم )8 يالحظ من اجلدول ال�سابق �أن الت�أكيد على ثنائية «القطر /قومية» عند التعبري عن الهوية املكانية للذات انعك�س على عملية حتديد هوية الآخر «املكاين» داخل اخلطاب ،فجعلته يف الأ�سا�س واقع ًا يف �سياق الدائرة القومية �أو احل�ضارية (الغرب) ،ويف حدود �أقل �أوقعته يف �سياق دوائر قطرية ،مما يعني �أن الطريقة التي نعبرّ بها عن هوية «الذات» تنعك�س بال�رضورة على الطريقة التي ن�صف بها هوية الآخر ،لكي ي�أخذ اخلطاب الثقايف طابع ًا جدلي ًا .وتعك�س هذه ال�صياغة ل�سمات «الآخر» �أي�ض ًا ر�ؤيته من الزاوية احل�ضارية مبا تعنيه مفردة ح�ضارة من منظومة قيم يتبناها جمتمع معينّ ،قد تختلف �أو تتناق�ض مع قيم ال�رشق العربي �أو امل�سلم. ي�أتي بعد ذلك الرتكيز على عدد من الهويات القطرية لي�أخذ الآخر هنا مدلو ًال
جدول رقم 8
يو�ضح الهوية املكانية للآخر “اخلارجي” داخل اخلطاب الثقايف بقناة النيل
التقرير العربي الثاين 296للتنمية الثقافية
احلياة من ناحية ،ولكنه يختلف عنها يف قدرته على النهو�ض والتقدم ومناف�سة الغرب من ناحية �أخرى ،ذلك «الغرب» الذي �أدى دوراً يف �إ�ضعافه خالل مراحل تاريخية �سابقة كما يفعل مع العرب ،يف حدود ما يطرح اخلطاب.
القيم املتعلقة بو�صف الذات والآخر يف اخلطاب الثقايف لقناة النيـل
يف �إطار حماولة اكت�شاف الطريقة التي عبرّ بها اخلطاب عن الهوية القطر /قومية للذات ،وكذلك �أ�سلوبه يف التعبري عن هوية
�شكل رقم ()3 معدالت اهتمام اخلطاب الثقايف بقناة النيل ب�إبراز القيم الإيجابية وال�سلبية للذات 74 72 70 68 66 64 62 60
القيم االيجابية
القيم ال�سلبية
جدول رقم 9
58
يو�ضح القيم الإيجابية التي يطرحها اخلطاب الثقايف بقناة النيـل يف و�صف الذات التكرار
الن�سبة
القيمة اال�سهام احل�ضاري
28
38.4
املقاومة
23
31.5
الت�سامح مع الآخر
18
24.7
الروحانية
4
5.5
املجموع
73
100
مت حتليل �سل�سلة القيم املت�ضمنة يف الآخرّ ، اخلطاب على هذين امل�ستويني .وت�شري نتائج التحليل �إىل ارتفاع ن�سبة اهتمام اخلطاب ب�إبراز القيم الإيجابية املميزة للذات ()%53.7 مقارن ًة بالقيم ال�سلبية ( .)%46.3ويو�ضح ال�شكل التايل الفروق يف م�ستويات توظيف ك ّل نوع من هذين القيم – عند و�صف الذات – داخل اخلطاب�( :شكل رقم )3 وقد تن ّوعت القيم الإيجابية التي حر�ص اخلطاب على �إبرازها عند و�صف «الأنا» ،و�إن دارت – فـي �أغلبها – حول التفاعل الإيجابي للذات مع التحديات التي يطرحها الآخر� ،سواء على م�ستوى الإ�سهام معه يف بناء احل�ضارة الب�رشية� ،أم الت�سامح معه ،وذلك يف �أحيان. ويف �أحيان �أخرى كان اخلطاب يركّز على القيم التي تدعم الذات يف مواجهة حماوالت الآخر لل�سيطرة عليها وتذويبها يف كيانه احل�ضاري املادي ،ويف هذا ال�سياق برزت قيمة املقاومة، وقيمة الروحانية .ويو�ضح اجلدول التايل ن�سب اهتمام اخلطاب ب�إبراز كل قيمة من هذه القيم: (جدول رقم )9 ن�ستخل�ص من اجلدول ال�سابق �أن القيم الإيجابية التي يدور حولها اخلطاب يف و�صف الذات ترتبط بن�سبة كبرية بالبعد التاريخي ،من خالل الرتكيز على قيمة الإ�سهام احل�ضاري، الأمر الذي يعطي انطباع ًا حول ما�ضوية اخلطاب يف هذا االجتاه ،وحماولته امل�ستمرة لالنفالت من الواقع املحلي والإقليمي والدويل ،مبا يزدحم به من �إخفاقات .وهذا يف�سرّ ارتفاع معدالت تر ّدد قيمة «اال�سهام احل�ضاري» لت�ؤكّد حماولة اخلطاب �إثبات الذات (املتف ّوقة تاريخي ًا) �أمام الآخر (املتفوق واقعي ًا �أو حالي ًا). و ُيع ّد هذا ال ّتوجه داخل اخلطاب التليفزيوين �صدى لإحدى الإ�شكاليات الأخرى التي ترتبط ً باخلطاب الثقايف العربي عموم ًا ،واملتمثلة يف حماولة ا�ستدعاء ما هو تاريخي -عند احلديث عما هو �إيجابي يف الذات – يف مواجهة الواقع مما لذلك من قيمة احلايل املرت ّدي .وعلى الرغم ّ
الف�صل الثالث اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية 297
القيمة
التكرار
الن�سبة
التبعية
20
31.7
ال�ضعف
15
23.8
القهر
13
20.6
الت�سيب
10
15.9
الطبقية
5
7.9
املجموع
63
100
القيم ال�سلبية للذات ،مقارن ًة بالقيم الإيجابية، �إال �أن املنظومة الأوىل من القيم مت ّيزت بدرجة �أعلى من التن ّوع ،كما يو�ضح اجلدول التايل (جدول رقم )10 من �أبرز القيم التي حظيت بن�سب ح�ضور وا�ضحة – عند الو�صف ال�سلبي للذات -قيم «التبعية» و«ال�ضعف» و«القهر» .وقد بلور اخلطاب العديد من املعاين يف الت�أكيد على هذه القيم �أبرزها :الف�شل واجلمود و�إهدار الطاقات والبريوقراطية والتخ ّبط وعدم التخطيط واجلهل والالدافعية والتع ّنت الفكري و�ضيق الأفق والتهاون. ويرتبط ح�ضور هذه القيم داخل اخلطاب باال�ستجابة ملا تطرحه النخبة العربية املثقفة من اتهامات للواقع العربي ،ويتمثّل �أبرزها يف التبعية للغرب« .فبفعل عوامل تاريخيـــة متع ّددة تك ّونت يف الوطن العربي �أكرث من نخبة متعاطفة مع الغرب ،ويالحظ �أن هذه النخب لها نفوذ �سيا�سـي واجتماعي واقت�صادي ،ف�ض ًال عن النفوذ الثقايف ،وي�شكّل وجود هذه النخب تي�سرياً ل�رسيان االت�صال الثقايف الغربي، خ�صو�ص ًا �أن هذه النخب متتلك تربيرات فكرية حول ارتباط يقظة الوعى العربي بالفكر الغربي من حيث الن�ش�أة والتطور� ،أما التخلف فريتبط ب�ضعف التخطيط للم�ستقبل؛ فخريطة
من �أبرز القيم التي حظيت بن�سب ح�ضور وا�ضحة –عند الو�صف ال�سلبي للذات -قيم «التبعية» و«ال�ضعف» و«القهر» .وقد بلور اخلطاب العديد من املعاين يف الت�أكيد على هذه القيم �أبرزها :الف�شل واجلمود و�إهدار الطاقات والبريوقراطية والتخ ّبط وعدم التخطيط واجلهل والالدافعية والتع ّنت الفكري و�ضيق الأفق والتهاون.
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإعالم
– يف بع�ض الأحيان -يف دعم هوية الذات وربطها باجلوانب امل�ضيئة يف تاريخها �إال �أنه يف النهاية ي�شكّل «�آلية هروب» يقدم عليها منتج اخلطاب الثقايف �أمام عجزه عن مواجهة واقعه املعقّد الزاخر بامل�شكالت ،فاخلطاب هنا يلج�أ �إىل ا�ستخدام �إحدى �آليات التغييب �أوالت�سرت ،تعتمد على �إخفاء احلا�رض يف املا�ضى �أو �سرت ما هو واقعي مبا هو تاريخي. ويربز بعد ذلك توظيف قيمة «املقاومة»، وهي القيمة الأ�سا�سية التي تعك�س نوع ًا من االرتباط بالواقع العربي املعا�رص من ناحية، وتعبرّ عن نوع من الإيجابية يف التعامل مع الواقع من ناحية �أخرى .وقد ظهرت هذه القيمة داخل اخلطاب ب�صورة �أ�سا�سية يف الأطروحات التي تناولت املقاومة التي يبديها الفل�سطينيون يف الأرا�ضي املحتلّة و�أبناء ال�شعب العراقي يف مواجهة الآلة الع�سكرية الأمريكية ،كما جاءت يف �سياق مقاومة الذات للغزو الثقايف الذي ميار�سه الآخر الغربي �ض ّدها ،ومقاومة �سوء فهمه �أو ت�أويله ل�سمات وعادات وتقاليد ال�شخ�صية العربية امل�سلمة ،كما جاءت �أي�ض ًا مبعنى مقاومة حماولة الآخر الإ�رسائيلي حمو الذات العربية. وارتبطت قيمة «الت�سامح مع الآخر» بدرجة �أعلى �إىل ح ّد ما بو�صف اخلطاب للهوية القطر /قومية للذات امل�رصية .فاخلطاب الثقايف هنا ي�ؤ ّكد على رف�ض الفر�ضيتني اللتني يقوم عليهما طرح �صمويل هنتنجتون لفكرة �رصاع احل�ضارات ،و�أولهما �أن �أ�سا�س ال�رصاعات يف عامل ما بعد احلرب الباردة لن يكون �أيديولوجي ًا �أو اقت�صادي ًا ،فاالنق�سامات الكربى بني ال�شعوب وامل�صدر الأ�سا�سي لل�رصاع �سيكون ثقافي ًا، وثانيهما �أن العامل �سي�صاغ ا�ستناداً �إىل حركة تفاعالت احل�ضارات ال�سائدة يف عامل اليوم ومن �أهمها احل�ضارة الغربية والكونفو�شيو�سية واحل�ضارة الإ�سالمية ،وقد تتعاون الأخريتان مع ًا �ضد احل�ضارة الغربية(.)23 ومن الالفت للنظر �أنه على الرغم من انخفا�ض درجة كثافة اهتمام اخلطاب ب�إبراز
جدول رقم 10
يو�ضح القيم ال�سلبية التي يطرحها اخلطاب الثقايف بقناة النيـل يف و�صف الذات
التقرير العربي الثاين 298للتنمية الثقافية
يو�ضح القيم التي طرحها اخلطاب الثقايف بقناة النيـل يف و�صف الآخر
جدول رقم 11
القيمة
التكرار
الن�سبة
العدوان
10
25.6
التفوق املعريف
9
23.1
التقدم احل�ضاري
7
17.9
ا�ستنزاف الآخر
6
15.4
االنفتاح
4
10.3
احلرية
3
7.7
املجموع
39
100
�شكل رقم ()4 يو�ضح الفروق يف معدالت توظيف القيم االيجابية وال�سلبية يف و�صف اال�آخر داخل اخلطاب الثقايف
25
20
15
10
5
القيم ال�سلبية
القيم االيجابية
0
امل�ستقبل العربي تكاد تخلـو من التخطيط اخلالق ،ويرتبط االنغالق ب�سيادة منهج �أحادية النظرة لـدى العديد من االجتاهات الفكرية العربية» (.)24 ت�أتي بعد ذلك جمموعة من القيم الأقل ح�ضوراً داخل اخلطاب وتتمثل يف :الت�سيب والطبقية .وقد تر ّدد داخل اخلطاب العديد من املعاين الدالة على هذه القيم مثل :غياب
ال�شفافية وعدم مكا�شفة الذات ب�أخطائها، والف�ساد ،و�إهدار القوانني ،وعدم العدل يف تطبيقها ،واخل�صومة مع الذات واملجتمع. وعلى م�ستوى القيم التي مت ا�ستدعا�ؤها عند و�صف الآخر ،ركّز اخلطاب الثقايف لقناة النيـل على عدد من القيم ،كان بع�ضها �سلبي ًا، والبع�ض الآخر �إيجابي ًا .ويو�ضح اجلدول التايل ذلك ( :جدول رقم )11 ي ّت�ضح من اجلدول ال�سابق �أن الن�سبة الأكرب من القيم التي ا�ستدعاها اخلطاب يف و�صف الآخر وقعت يف الإطار الإيجابي ،وقد �شملت هذه القيم :التف ّوق املعريف ،والتقدم احل�ضاري ،واالنفتاح ،واحلرية .ويف املقابل من ذلك انخف�ضت ن�سبة – وكذلك معدالت تن ّوع -القيم ال�سلبية التي �أبرزها اخلطاب يف و�صف الآخر ،و�شملت قيمتي العدوان، وا�ستنزاف الآخر .ويو�ضح ال�شكل التايل الفروق بني معدالت تر ّدد كل نوع من هذه القيم داخل اخلطاب�( .شكل رقم )4 وقد كانت قيمة التف ّوق املعريف من �أكرث القيم ظهوراً داخل اخلطاب عند و�صف الآخر، تالها يف ذلك قيمة التقدم احل�ضاري ،ثم قيمة االنفتاح ،ثم قيمة احلرية .ومن املالحظ �أن القيمتني الإيجابيتني املركزيتني داخل اخلطاب (التفوق املعريف والتقدم احل�ضاري) ت�ستح�رضان با�ستمرار نقي�ضها على م�ستوى القيم ال�سلبية املطروحة يف و�صف الذات، خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق بـ «التبعية و ال�ضعف»، فالتبعية لدى الذات ترتبط بتفوق الآخر ،كما �أن تقدم الآخر هو املر�آة التي تنعك�س عليها حالة ال�ضعف التي تعاين منها الذات ،وتظهر بعد هاتني القيمتني املركزيتني جمموعة من القيم الأخرى الأقل ح�ضوراً �أو املرتبطة بهما، وت�شمل االنفتاح واحلرية ،ويقابلها لدى الذات قيم :القهر ،والطبقية ،والت�س ّيب. وقد ركّز اخلطاب على جمموعة من املعانى يف و�صفه لقيمتي التف ّوق والتقدم لدى الآخر �أبرزها :التميز العلمي واملعريف والثقة بالنف�س والتم ّدن والتح�رض وت�شجيع املواهب
الف�صل الثالث اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية 299
وبث روح الإبداع واالبتكار. ّ وعلى م�ستوى القيم ال�سلبية ركّز اخلطاب على و�صف الآخر بالعدوان من �أجل ا�ستنزاف ما متلكه ال�شعوب العربية من ثروات ،وحمو �أي وجود فاعل لها على اخلريطة العاملية ،وقد ارتبط هذا الطرح باحلديث عن العنف الإ�رسائيلي �ض ّد الفل�سطينيني وعن دعم الواليات املتحدة الأمريكية لهذا العنف ،ثم بدرجة �أقل بعدوان الواليات املتحدة الأمريكية على العراق. وتتمثّل �أبرز املعاين التي ارتبطت بقيمتي العدوان وا�ستنزاف الغري يف الو�صف ال�سلبي للآخر يف ما يقوم به من قتل وتدمري ودموية وتعذيب وتنكيل وا�ضطهاد ،وتعامله العن�رصي مع الغري وت�شويه �صورته والت�آمر �ض ّده والرت ّب�ص به ،بالإ�ضافة �إىل الرباجماتية يف التعامل ،و�إعالء لغة امل�صالح على لغة الأخالق.
من الظواهر الأ�سا�سية التي �أ�صبحت مت ّيز الإعالم الف�ضائي اخلليجي عموم ًا ،وال�سعـودي خ�صو�ص ًا ،ظهور العديد من القنوات التي يطلق عليها قنوات الثقافة ال�شعبية� ،أو الرتاث ال�شعبي .وت�سعى هذه القنوات �إىل تقدمي املالمح ال�شعبية التي مت ّيز واقع ًا مكاني ًا �أو قبلي ًا مع ّين ًا، ونقل �أ�شكال و�أطياف التعابري كافة التي تعك�س أغان ،و�أزياء ،وطقو�س، هذه الثقافة ،من �شعر ،و� ٍ وعادات وتقاليد �شعبية ،ومالمح �شخ�صية املكان الذي تعرب عنه هذه الثقافة ،وهكذا. ومن النماذج على هذه القنوات :قناة الأماكن ،وقنوات ال�ساحة ،وقناة املرقاب، وقناة ديوان العرب ،وقناة املختلف ،وقناة الواحة ،وقناة البوادي ،وقناة روا�سي وغريها. وهذه القنوات – يف جمملها – مملوكة لعدد من امل�ستثمرين ورجال الأعمال اخلليجيني. واجه بع�ض هذه القنوات بالعديد من و ُي َ االتهامات �أبرزها �أنها تق ّدم خطاب ًا ثقافي ًا تفكيكي ًا ،ي�سعى �إىل زرع نوع من القبلية ما
الإعالم
ثالث ًا -ت�شكيل اخلطاب الثقايف يف قنوات الثقافة ال�شعبية ال�سعودية
بني امل�شاهدين ،من خالل دعم بع�ض النعرات املتعلقة باالنتماء �إىل القبيلة التي تعبرّ عنها القناة ،والتهوين من �ش�أن القبائل الأخرى، ب�صورة تعيد �إىل الذاكرة جانب ًا من التاريخ العربي الذي كان االنتماء القبلي يلعب دوراً حموري ًا يف توجيه الأحداث خالله. و�إذا حتدثنا عن دافعية �أ�صحاب هذه لبث م�ضمونها على خريطة الف�ضاء القنوات ّ العربي ف�سوف جندهم ير ّددون �أن خدمة املوروث ال�شعبي هي الدافع الأ�سا�سي و�إذا قبلنا هذا الدافع من ال�سابقني الذين قاموا باملغامرات الأوىل يف هذا املجال كالواحة مث ًال ،فال ميكن �أن يكون دافع ًا �أ�سا�سي ًا للآخرين من دون �أن ن�ستدعي دافع الربحية املادية للح�ضور .فـ ال�ساحة حني تد�شّ ن قناة ثانية وهي يف مراحلها الأوىل ،فهذا يعني �أن املك�سب املادي ي�شكّل دافع ًا ال ميكن جتاهله، هذه النتيجة يع�ض ّدها تع ّدد القنوات ومت ّددها يف الف�ضاء اخلليجي بعد ذلك؛ واحلقيقة ت ّت�ضح �أكرث عند املقارنة بني ما قدمه بع�ض القنوات يف البدايات وما قدمه الآخرون .ولو �أن امل�ستثمرين احلقيقيني يف جمال الإعالم وقفوا وراء هذه القنوات لكانت �أف�ضل حا ًال بحكم اخلربة واالحرتاف يف �صناعة الإعالم (.)25 وتعبرّ هذه القنوات عن حالة حت ّول �أو منو يف الو�سائط الإعالمية ال�صحفية لتوجد لنف�سها و�سيط ًا ف�ضائي ًا لتوزيع مادتها ،وا�ستثمار كوادرها الب�رشية .ف�أغلب القنوات ال�شعبية كانت يف الأ�صل جمالت مطبوعة تر ّوج للثقافة ال�شعبية ثم حت ّولت بعد ذلك �إىل قنوات تليفزيونية. وب�سبب ارتكان خطاب هذه القنوات �إىل الطابع القبلي والتناف�سي فقد �أغرى ذلك الكثري من ال�شعراء الذي ميتكلون القدرة املالية على �إن�شاء قنوات �شعبية ت�شكّل نافذة لعر�ض �إبداعهم ال�شعري. ويرى �آخرون �أن لوجود مثل هذه القنوات �أثراً �إيجابي ًا على املتلقني وامل�ستثمرين على ح ّد �سواء� ،إال �أن احلرفية التي تغيب عن تلك القنوات مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 300للتنمية الثقافية
بحاجة �إىل مزيد من اهتمام امل�ستثمرين بها، لتطوير مهارات املذيعني ومق ّدمي الربامج واملع ّدين والفنيني (.)26 التوحد والت�شابه يف طبيعة ويف ظ ّل حالة ّ اخلطاب وخ�صائ�صه ،ي�صبح من ال�صعب النظر �إىل القنوات الثقافية ال�سعودية – مو�ضع التحليل -ب�شكل منفرد �أو منف�صل .فاملتابع لهذه القنوات ميكن �أن يكت�شف على الفور الت�شابه الكبري يف اخلطاب الإعالمي املق ّدم عربها� ،سواء يف ال�شكل �أم امل�ضمون �إىل احل ّد الذي ميكن اعتبارها – �أي هذه القنوات - باقة من القنوات الثقافية الف�ضائية ال�سعودية الهوية ،واملوحدة يف الهدف واالجتاه. وبنا ًء على هذا الت�شابه ميكن احلديث عن خطاب ثقايف عام �أو �شامل يتعلق بقنوات: ال�صحراء ،واملرقاب ،وديوان العرب ،وهي مت اختيارها كمجال جمموعة القنوات التي ّ للتحليل داخل هذا املبحث ،بحكم �أنها الأكرث تعبرياً عن توجهات منظومة القنوات ال�شعبية مت حتليل معامل اخلطاب الذي ال�سعودية .وقد ّ بثّته هذه القنوات ،خالل الأ�شهر الثالثة الأخرية من عام ،2008يف �ضوء ثالثة حماور �أ�سا�سية� ،شملت :الأهداف الإعالمية للخطاب الثقايف بالقنوات ال�شعبية ال�سعودية، التوجهات املو�ضوعية للخطاب الثقايف بهذه ّ القنوات� ،أطر ت�شكيل اخلطاب الثقايف بالقنوات ال�شعبية. و�سنعر�ض يف ما يلي للنتائج التي متخ�ض عنها التحليل ،يف �إطار كل حمور من ّ هذه املحاور.
الأهداف الإعالمية للخطاب الثقايف بالقنوات ال�شعبية ال�سعودية
يت�أ�س�س اخلطاب الثقايف للقنوات ال�شعبية ال�سعودية على فكرة االلت�صاق بالتاريخ واجلغرافيا املم ّيزة للمكان الذي تعبرّ عنه كل قناة ،وذلك بالنظر �إىل التاريخ كمجموعة من القيم والأفكار املتوارثة ،وكذلك كمجموعة من الطقو�س والعادات والتقاليد التي ت�ضفي نوع ًا
من التميز على جمموعة ب�رشية مع ّينة مقابل جمموعة ب�رشية �أخرى ،بالإ�ضافة �إىل النظر �إىل التاريخ مبوروثاته التعبريية التي د�أبت هذه املجموعة الب�رشية على توظيفها يف التعبري عن �أ�شواقها وطموحاتها ومواقفها ،وي�أتي ال�شعر على ر�أ�س هذه املوروثات. ويتكامل حمور اجلغرافيا مع حمور التاريخ يف بلورة �أهداف اخلطاب الثقايف الذي تق ّدمه هذه القنوات ،من خالل الت�أكيد على مالمح املكان ،ومعطيات البيئة ،و�سماتها، بداي ًة من رمال ال�صحراء ،و�أر�ضها املفتوحة على ال�سماء ،واخليمة العربية التي متثّل حالة االلتحام القبلي يف الثقافة ال�شعبية العربية. وي ّت�ضح هذا النوع من االلت�صاق مبحوري التاريخ واجلغرافيا من مراجعة الأهداف التي ح ّددتها هذه القنوات لنف�سها عند �إطالق بثّها �إىل اجلمهور. فعلى �سبيل املثال يطرح القائمون على قناة ال�صحراء �أهداف القناة من خالل نبذة تعريفية ت�شري �إىل �أنه «حينما نذكر ال�صحراء يتبادر �إىل الذهن العربي ابن ال�صحراء الذي افرت�ش �أر�ضها والتحف �سماءها وتعلّم من جبالها ال�شموخ ومن جمالها ال�صرب ومن ريا�ضها ال�شعر والنرث واغت�سل من غدرانها وانطلق من جزيرة العرب يبني احل�ضارات وين�رش الطهر والنقاء يف �أر�ض اهلل .فال�صحراء عند العربي هي الوطن هي ال�شهامة والنخوة ومن باب الوفاء ملوطن العطاء ،لذلك فقد ر�أى القائمون على قناة ال�صحراء تقدمي تراث ال�صحراء وفق ر�ؤية �إعالمية تتنا�سب مع ع�رص التقدم التقني وي�سعون بجد �إىل نقل املوروث ال�شعبي جلزيرة العرب يف املرحلة الأوىل ثم االنطالق بعد ذلك لرحب �أو�سع حيث ال�صحراء يف الوطن العربي لت�أكيد التوا�صل والتقارب يف العادات والتقاليد والفنون والثقافات» (.)27 كما �أ�شارت قناة ديوان العرب يف معر�ض �إعالنها عن انطالقها من النايل �سات �إىل �أنها «�سوف تهتم بالثقافة والأدب واالقت�صاد، و�أنها �أع ّدت برامج ثقافية و�أدبية كبرية جداً
الف�صل الثالث اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية 301
وتغطي ًة للكثري من الأم�سيات ال�شعرية ،ومتابعة الفعاليات الثقافية والأدبية واالجتماعية ،كما �أنها �سوف تهت ّم بالتوا�صل من خالل ال�رشيط الإداري والإعالين مع اجلمهور» (.)28 وي�شري موقع قناة املرقاب �أي�ض ًا �إىل �أن اهتماماتها الأ�سا�سية تتبلور حول ال�شعر، وق�ضايا ال�شعر ،بالإ�ضافة �إىل ت�سليط ال�ضوء على معامل املوروث ال�شعبي يف اململكة العربية ال�سعودية ،وال�شخ�صية املم ّيزة للمكان والبيئة يف اململكة (.)29
التوجهات املو�ضوعية للخطاب الثقايف بالقنوات ال�شعبية ال�سعودية
• حمور الرتاث:
مثّل الرتاث مبفرداته املختلفة حموراً مهم ًا يف اخلطاب الثقايف للقنوات املدرو�سة على م�ستويات عدة ،فعلى م�ستوى اللغة برز االهتمام بالرتاث اللغوي من خالل �إحياء �ألفاظ �أو عبارات قدمية ومهجورة ،وقد عبرّ بجالء عن هذا امل�ستوى برنامج �إيل ما له �أول ما له تايل والذي ُيذاع على قناة ال�صحراء ،وي�أتي يف قالب خفيف ،معتمداً على خفّة الظل يف طرح ال�س�ؤال من ناحية ،و�إجابات اجلمهور غري املتوقعة من ناحية �أخرى ،لي�صل يف النهاية لتعريف �أو �إبراز معنى كلمة قدمية م�ؤكداً على عبارة �إىل ما له �أول ما له تايل. كما يتجلّى املحور الرتاثي من خالل الربامج التي ركّزت على العادات وال�سلوكيات
التكرار
الن�سبة
نوع الربامج تراث
30
30.9
�أدب
27
27.8
دين
21
21.6
البيئة
19
19.6
املجموع
97
100
داخل القبائل ،مثل برنامج (قبائل) على قناة املرقاب والذي يربز �سلوك القبائل وعاداتها، وكذلك برنامج ر�صد الذي ير�صد املواهب النادرة والقدرات اخلارقة لبع�ض الأفراد ،وكان من بني حلقاته ،حلقة حول الطب ال�شعبي ولقاء مع �أحد الأطباء ال�شعبيني الذين يعاجلون العظام بطرق �شعبية قدمية. ويطرح اخلطاب �أي�ض ًا بع�ض املالمح الرتاثية التي تتجلى على امل�ستوى االجتماعي، من خالل ما يذاع من برامج ُتربز الطقو�س ال�شعبية املرتبطة باملنا�سبات االجتماعية، مثل برنامج منا�سبات و�أفراح والذي ي�شغل موقع ًا مم ّيزاً يف اخلريطة الرباجمية للقنوات املدرو�سة كافة بال ا�ستثناء وهو برنامج يحر�ص على عر�ض طقو�س الأفراح يف اململكة والتي غالب ًا ما تكون ملتزمة بال�شكل التقليدي الرتاثي القدمي. يعني ذلك �أن �أختيار خطاب ما ُي�سلّط ال�ضوء على معطيات الرتاث� ،أحيان ًا ما يقع يف �رشك البعد عن العقالنية ،من خالل دعم بع�ض الأفكار ال�شعبية يف جمال الطب ،واالرتداد �إىل العادات وال�سلوكيات التي ارتبطت مبراحل زمنية معينة من تاريخ القبائل وت�سليط ال�ضوء عليها ،من �أجل ت�أكيد خ�صو�صية كل قبيلة ي�صب يف الإطار التفكيكي، منها ،وهذا ما ّ وي�ضع عالمات ا�ستفهام حول درجة عقالنية اخلطاب الذي تقدمه هذه القنوات.
الإعالم
يتمحور اخلطاب الثقايف للقنوات ال�شعبية ال�سعودية حول جمموعة من املحاور املو�ضوعية التي ت�شمل الرتاث ،والدين، والأدب ،والبيئة .وقد اختلفت معدالت اهتمام اخلطاب بكل حمور من هذه املحاور على النحو املو�ضح يف اجلدول التايل( :جدول رقم )15 و�سنعر�ض يف ما يلي لأ�شكال اهتمام اخلطاب الثقايف بكل حمور من هذه املحاور، واجتاهات معاجلته للمفردات املو�ضوعية املختلفة التي برزت يف �إطار كل حمور:
جدول رقم 15
يو�ضح خريطة اهتمامات اخلطاب الثقايف بالقنوات ال�شعبية ال�سعودية
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 302للتنمية الثقافية
�شكل رقم ()5 يو�ضح الفروق يف معدالت اهتمام اخلطاب الثقايف بالقنوات ال�شعبية ال�سعودية مبفردات الرتاث ال�شعبي 12 10 8 6 4 2
اللغة
العادات والتقاليد
الفنون ال�شعبية
الرتاث االجتماعي
1
ويت�أكد املحور الرتاثي على م�ستوى الفنون من خالل العديد من الربامج التي تطرح الفنون ال�شعبية مثل برنامج حمطات �شعبية على قناة املرقاب ،ويعر�ض لفنون متنوعة من مناطق اململكة كافة ،واحلوارات التي تتعلق بحفالت ال�سمر وما ت ّت�سم به من طقو�س وعادات على قناة ديوان العرب. ويو�ضح ال�شكل التايل الفروق الأ�سا�سية بني درجة اهتمام اخلطاب باملفردات ال�سابقة التي تت�شكل منها منظومة موروث الرتاث ال�شعبي داخل القنوات�( :شكل رقم )5
•حمور ال�شعر:
يحت ّل ال�شعر ك�شكل من الأ�شكال الأدبية مكان ال�صدارة يف اخلطاب الثقايف للقنوات املدرو�سة ،ن�ستدل على ذلك من امل�ساحة الإعالمية الكبرية التي حتتلّها الربامج التي تهت ّم بال�شعر وال�شعراء على اخلريطة الرباجمية يبث على قناة لكل قناة ،ومن هذه الربامج ما ّ ديوان العرب ،مثل برنامج لقاء مع �شاعر، وي�سلّط ال�ضوء على املبدعني من ال�شعراء من خمتلف مناطق اململكة ،ويركّز ب�شكل �أكرب
على ال�شعراء ال�شباب الذين مل يجدوا فر�صة �إي�صال ما لديهم من فكر وثقافة و�إبداع ور�ؤى ووجهات نظر ،فيتيح لهم الربنامج نافذة يتعرف عليهم اجلمهور من خاللها ،ويتناوب على تقدمي الربنامج جمموعة من ال�شباب املق ّدمني املبدعني وهو من الربامج الثابتة على القناة ،ي�ضاف �إىل ذلك نقل الأم�سيات ال�شعرية على م�ستوى اململكة من خالل ت�صوير �شعر املنتديات املعروف لديهم. وتزخر خريطة قناة املرقاب �أي�ض ًا بالعديد من الربامج التي تهتم بال�شعر منها، بدون جماملة وهو عبارة عن حوار مع جنوم ال�شعر يعتمد على نقد جتربتهم ،وبرنامج ديوانية املرقاب ،وهو عبارة عن جمل�س �شعري يتنقل يف املناطق كافة ،وبرنامج حماورات النخبة وهو ت�سجيل نخبوي – كما ت�صفه قناة املرقاب -لنجوم �شعر املحاورة ،وبرنامج �شعراء اجلنوب الذي ُيربر ما يتمتع به �شعر اجلنوب من فنون متنوعة ،وبرنامج املعلقات وهو برنامج يهتم بال�شعر العربي الف�صيح ويف مقدمته املعلقات ،برنامج الأ�شبال وهو خا�ص للموهوبني يف ال�شعر من �صغار ال�سن.
• حمور الدين:
ميثّل الدين مرتكزاً �أ�سا�سي ًا من مرتكزات اخلطاب الثقايف للقنوات ال�شعبية ال�سعودية التي توظف برامج دينية متع ّددة تهت ّم بتقدمي الإ�سالم كبناء �أخالقي وت�رشيعي ،وكعبادات ومعامالت .ومن مناذج هذه الربامج على خريطة قناة ديوان العرب :برنامج وقفة مع الذات ،وهو عبارة عن وقفة ملراجعة النف�س يف ما ق ّدمت وما يجب �أن يكون عليه حال امل�سلم ،وبرنامج ر�سالة وهو عبارة عن ن�صائح وعظات ،وترجمة لق�ص�ص متداولة لأ�شخا�ص ذاقوا حالوة التوبة من املعا�صي ،وحلقة خا�صة عن الرقية ال�رشعية ،وبرنامج النب�أ العظيم ويعر�ض �سل�سلة حلقات درو�س دينية للدكتور حممد العريفي بالإ�ضافة ملحا�رضات دينية ،كما حتر�ص قناة ال�صحراء على ت�سجيل
الف�صل الثالث اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية 303
الندوات والدرو�س الدينية وبثها عرب القناة، وميثّل نقل �شعائر ال�صلوات من احلرمني ال�رشيفني ،والأحاديث النبوية ال�رشيفة معلم ًا مم ّيزا لتلك الباقة من القنوات.
• حمور البيئة:
�أطر ت�شكيل اخلطاب الثقايف بالقنوات ال�شعبية ال�سعودية
مت حتليل الأطر املختلفة التي حتكم ت�شكيل ّ اخلطاب الثقايف على قنوات ال�صحراء ،وديوان العرب ،واملرقاب ،وذلك على م�ستوى القوى الفاعلة التي برزت يف اخلطاب ،والتوجهات الزمنية له. وقد �أثبت التحليل بروز العديد من القوى
الإعالم
حتتل البيئة ال�صحراوية مبختلف رموزها موقع ًا متميزاً يف اخلطاب الثقايف للقنوات- مو�ضع الدرا�سة -وقد برز ذلك بو�ضوح من خالل ع ّدة م�ؤ�رشات �أ�سا�سية: • االهتمام ال�شديد برموز البيئة ال�صحراوية من احليوانات (الإبل -اخليل – ال�صقور -الذئاب). وقد �أفردت تلك القنوات برامج وم�سابقات خا�صة للإبل واخليول .ومن �أمثلة ذلك م�سابقة (�أجمل بكرة) التي تذاع على قناة ال�صحراء الختيار �أجمل بكرة و�إعطاء �صاحبها جائزة، وبرنامج مغاتري ومهاجيم على قناة املرقاب وهو برنامج متن ّوع عن الإبل يهتم مبيزانياتها و�أ�صنافها و�أمرا�ضها ومزاداتها ،كما تعر�ض قناة املرقاب �أي�ض ًا برنامج بنات الريح وهو برنامج يهت ّم باخليول العربية الأ�صيلة .كما حر�صت قناة ال�صحراء على �إفراد م�ساحة لعر�ض �رصاع البدوي مع حيوانات ال�صحراء كالذئب من خالل ق�صة فرحان والذئب وحتكي عن تغلّب البدوي على ذئب هاجمه. • االهتمام بعر�ض �صور وم�شاهد من ال�صحراء ومعاملها البيئية من نباتات �صحراوية وامتداد وا�سع وخيام و�صقور.
الفاعلة التي �أ�سهمت يف ت�شكيل بنية اخلطاب، منها �أفراد العائلة املالكة والذين برزوا كم�شاركني فاعليـن يف املنا�سبات كافة، بداية من املهرجانات الكربى مثل مهرجان اجلنادرية ،وو�صو ًال �إىل م�شاركتهم يف الأفراح واملنا�سبات العامة ،بالإ�ضافة �إىل ال�شعراء من �أنحاء اململكة كافة ،ورجال الدين ،والبدوي الب�سيط يف �إطار حياته العامة .وبالتايل فقد حاول اخلطاب هنا �صبغ نف�سه بال�صبغة الر�سمية ،على الرغم من امللكية اخلا�صة للقنوات ،من جانب �شعراء وم�ستثمرين ،ويف الوقت نف�سه اجتهد يف �إك�ساب نف�سه �صبغة �شعبية ،من خالل تناول احلياة العامة البدوية بعنا�رصها ال�شعبية الفاعلة ،بالإ�ضافة �إىل الوجه الثقايف ال�شعري الذي احتفي اخلطاب ب�إبرازه. وعلى امل�ستوى الزمني ا�ستغرق اخلطاب ب�شكل كبري يف املا�ضي من خالل �إبراز معامل الرتاث والبيئة ال�صحراوية واحلياة البدوية ،ومل يحاول التنويع بني ق�ضايا املا�ضي واحلا�رض، حتى �أن الربنامج ذا ال�صبغة العلمية والذي ظهر على قناة املرقاب بعنوان ديوان الفلك، اهتم بح�ساب النجوم والأنواء وهو من العلوم القدمية �أي�ضا والتي اهت ّم بها �ساكنو ال�صحراء. كذلك �أ ّدى ا�ستغراق اخلطاب الثقايف للقنوات املدرو�سة يف مناق�شة ق�ضايا ال�شعر وجتارة الإبل والعادات القدمية �إىل عزله – ب�صورة وا�ضحة -عن مفردات واهتمامات اخلطاب الثقايف العام ،بالإ�ضافة �إىل عزله عن تفاعالت احلياة املعا�رصة داخل اململكة ،وكذا تفاعلها مع ق�ضايا العامل العربي .ويف هذا ال�سياق مل يهتم اخلطاب ب�إطالع امل�شاهد على ما و�صلت �إليه احلياة داخل اململكة يف املرحلة احلالية ،فهو خطاب ما�ضوي م�ستغرق يف تفا�صيل قد يراها البع�ض ال ت�صلح �إال ملخاطبة قبائل ،ال خماطبة دولة ذات كيان متما�سك ومتطور ومتفاعل مع معطيات الع�رص.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 304للتنمية الثقافية
رابع ًا -ت�شكيل اخلطاب الثقايف يف برنامج «ال�صالون الثقايف» بالقناة املغربية
يرتكز برنامج ال�صالون الثقايف على فكرة ال�صالون الأدبي الذي كان له ت�أثري كبري على تط ّور الفن يف العامل العربي منذ مطلع القرن املا�ضي .ويعتمد الربنامج على ا�ست�ضافة وجوه ثقافية من املغرب والعامل العربي ومن �أملانيا ،ملناق�شة الق�ضايا الثقافية الراهنة التي ته ّم �أوروبا ومنطقة �شمال �إفريقيا والعامل العربي ب�شكل عام (.)30 ويت ّم �إنتاج هذا الربنامج بالتعاون بني كل من قناة DW-TVالأملانية والقناة املغربية. وهو برنامج حواري يقوم على �إقامة حوار ما بني طرفني حول ق�ضية ثقافية معينة ،عادة ما يعبرّ �أحدهما عن �أو�ضاع الظاهرة التي تعاجلها احللقة يف العامل العربي عموم ًا ،واملغرب خ�صو�ص ًا ،ويعبرّ الآخر عن �أو�ضاع الظاهرة يف الغرب عموم ًا ،و�أملانيا على وجه اخل�صو�ص. بث الربنامج بالتزامن على قناتي دويت�شه و ُي ّ فيله ،واملغربية ،كما تبثّه القناة الثانية �ضمن �شبكة براجمها الثقافية يف وقت الحق. ويبث الربنامج ب�صورة �شهرية ،مل ّدة �ساعة ،ويتولىّ تقدميه ك ّل من� :أ�سمهان عمور، بث حلقاته ور�شيد بو طيب .وقد بد�أ الربنامج ّ منذ �أكتوبر ،2008ومازال م�ستمراً حتى الآن. مت حتليل �سمات ت�شكيل خطاب وقد ّ برنامج ال�صالون الثقايف و�أطره يف �ضوء ثالثة حماور� ،شملت: التوجهات املو�ضوعية للخطاب الثقايفبالربنامج. – خ�صائ�ص ر�ؤية اخلطاب ل�صورة الذات والآخر. – عنا�رص بنية اخلطاب الثقايف بالربنامج.
التوجهات املو�ضوعية خلطاب برنامج ال�صالون الثقايف
ناق�شت حلقات الربناج على مدار الفرتة املمتدة من �أكتوبر � 2008إىل منت�صف عدداً من املو�ضوعات� ،شملت ما يلي:
2009
• الفنانون العرب بني املنفي والوطن. • الفنانون والتابوهات. • املغرب يف �أدب الرحالت. • التع ّدد الثقايف �آفاق وحتديات. • ال�سينما اليورو متو�سطية. • الن�ساء يف الأدب. • العامل العربي يف �أزمة احلداثة. • الفرانكفونية م�صدر للتنوع �أم �أحادية الثقافة. تك�شف �أجندة املو�ضوعات ال�سابقة �أن خطاب برنامج ال�صالون الثقايف يدور يف فلك ثالثة قطاعات �أ�سا�سية ،ت�شمل قطاع الفن والأدب والفكر .وتربز هذه الأجندة وجود درجة مرتفعة من االهتمام بق�ضايا الفنانني مت�س حرية العرب ،وخ�صو�ص ًا الق�ضايا التي ّ الإبداع ،والتي ت�ؤدي ببع�ضهم �إىل الهروب من جمتمعاتهم الأ�صلية التي تق ّيد – يف بع�ض الأحيان – من حرية الفنان� ،إىل جمتمعات تتف ّهم ب�صورة �أعلى حرية الإبداع ،ويرتبط بهذا املو�ضوع �أي�ض ًا �إثارة حق الفنان يف ك�رس بع�ض التابوهات التي ت�سيطر على العقل العربي� ،سواء على امل�ستويات االجتماعية �أم الثقافية �أم الإن�سانية. ومن الوا�ضح �أن اخلطاب كان حري�ص ًا على �إذابة احلدود الفا�صلة بني مفهوم الفن ومفهوم الأدب ك�أحد معطيات الثقافة ،خ�صو�ص ًا عند احلديث عن ق�ضية حرية الإبداع .ويف هذا الإطار ميكننا �أن نفهم اهتمام الربنامج بتخ�صي�ص حلقة عن الن�ساء يف الأدب – يف هذا ال�سياق – �أي�ض ًا� ،إذ تواجه املر�أة داخل بع�ض املجتمعات العربية – كما ي�شري الربنامج – م�ستويات خمتلفة من النفي والتهمي�ش ،وبالتايل يقع االهتمام بتحليل معدالت ت�صدي الأدب لهذه الق�ضية يف �إطار الت�أكيد على مفهوم حرية الإبداع الفني. كما اهتم الربنامج بتخ�صي�ص حلقة عن املغرب يف �أدب الرحالت ،و�أظهر يف هذا ال�سياق قيمة هذا النوع من الأدب يف التعبري عن لقاء ثقايف غري مبا�رش ،بني الذات والآخر، حيث تظهر فيها جلي ًا كيفية ر�ؤيتنا للآخر من خالل ال�صورة التي نر�سمها له.
الف�صل الثالث اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية 305
فكر فن �أدب
جدول رقم 16
يو�ضح الق�ضايا التي ظهرت داخل خطاب برنامج ال�صالون الثقايف التكرار
الن�سبة
الق�ضايا التمييز �ضد العرب يف دول الغرب
11
19
م�صادرة حرية الإبداع يف العامل العربي
10
17.2
معاناة الأقليات القومية والدينية داخل العامل العربي انتعا�ش حرية الإبداع يف الغرب
7
12.1
7
12.1
كتب الرحالت كم�صدر للمعرفة التاريجية
6
10.3
هجرة النخب املثقفة العربية �إىل الغرب
6
10.3
ت�سامح الإ�سالم مع الآخر
4
6.9
هجرة املواطنني العرب �إىل دول الغرب
4
6.9
كتب الرحالت كم�صدر للمعرفة اجلغرافية
3
5.2
املجموع
58
100
ن = عدد الأفكار الرئي�سية التي عاجلتها احللقات الثالث حمل التحليل
– يف ق�ضية حرية الإبداع يف العامل العربي، وركّز يف هذا ال�سياق على �أ�شكال م�صادرة حرية الإبداع ،من جانب امل�ؤ�س�سات الثقافية، وكذلك من جانب بع�ض امل�ؤ�س�سات الدينية. ومن النماذج التي �أ�شار �إليها اخلطاب – يف هذا
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإعالم
ف�إىل جوار ق�ضية حرية الإبداع ،كان اخلطاب �أي�ض ًا �شديد االهتمام بق�ضية العالقة بالآخر .وقد ظهر ذلك جلي ًا يف جمموعة احللقات التي خ�ص�صت ملناق�شة ق�ضايا فكرية، �شملت :مو�ضوع التع ّدد الثقايف ،والفرانكفونية كم�صدر للتن ّوع �أو �أحداية الثقافة ،والعامل العربي يف �أزمة احلداثة. مما �سبق �أن هناك �أطروحتني ن�ستخل�ص ّ مركزيتني �سيطرتا على اخلطاب الذي ق ّدمه برنامج ال�صالون الثقايف :الأطروحة الأوىل تتمثل يف حرية الإبداع ،والثانية هي �أطروحة العالقة بني الذات والآخر .وقد اعتنت القطاعات الثالثة التي ت�شكل منها اخلطاب (الفكر والفن والأدب) بت�سليط ال�ضوء ،من زوايا خمتلفة على هاتني الق�ضيتني .ويو�ضح ال�شكل التايل توزيع احللقات املختلفة لربنامج ال�صالون الثقايف على هذه القطاعات الثالثة�( :شكل رقم )6 مت اختيار ثالث من حلقات ال�صالون وقد ّ مت بثها على مدار ثالثة �أ�شهر) لتحليل الثقايف ( ّ م�ضمون خطابها بالتف�صيل ،ومت اختيارها بحيث تغطي تنويعات الفكر والفن والأدب، كدوائر اهتمام للخطاب الذي يق ّدمه الربنامج. وحت ّددت هذه احللقات يف :الفنانون العرب بني املنفى والوطن ،التع ّدد الثقايف �آفاق وحتديات، املغرب يف �أدب الرحالت( .جدول رقم )16 يو�ضح اجلدول ال�سابق �أن ق�ضية التمييز �ضد العرب ،يف بع�ض دول الغرب� ،شكّلت ان�شغا ًال �أ�سا�سي ًا خلطاب برنامج ال�صالون الثقايف ،وكان هناك تركيز يف هذا ال�سياق على �أ�شكال التمييز التالية: • التمييز اللغوي :حيث ال حترتم اللغة العربية ،وال مينح �أبناء املهاجرين العرب حق تعليم �أبنائهم للغتهم الأ�صلية ،وال يلتفت �إىل اللغة الأم ك�أ�سا�س لتطوير ثقافة الإن�سان. • التمييز الديني :خ�صو�ص ًا بعد �أحداث احلادي ع�رش من �سبتمرب ،2001وتظهر �أبرز �أ�شكال هذا التمييز يف اجلدل حول وجود احلجاب يف الوظائف املختلفة ،وبناء امل�ساجد يف املدن العامة. وا�ستغـرق اخلطاب – بن�سبة كبرية �أي�ض ًا
�شكل رقم ()6 يو�ضح معدالت اهتمام حلقات برنامج ال�صالون الثقايف مبو�ضوعات الفكر والفن والأدب
التقرير العربي الثاين 306للتنمية الثقافية
ال�سياق – منوذج عمر حمدي (املعروف مبالفا) املولود عام 1951يف تل نايف ب�سوريا .وعمل يف �شبابه يف دار �سينما ،وكان عمله يتمثّل يف ر�سم املل�صقات الدعائية للأفالم .ثم انتقل �إىل دم�شق يف �سن الـ 17ليتمكن من عر�ض لوحاته الزيتية �أمام اجلمهور .بعد ذلك عمل عمر خالل خدمته باجلي�ش ال�سوري يف ق�سم الر�سوم مبجلة الفر�سان ونظّ م معار�ض يف دم�شق والقاهرة وبغداد و�صوفيا ومو�سكو وبوداب�ست وبلغراد. غري �أن نزاع ًا �شب بينه وبني وزارة الثقافة ال�سورية لي�ضطر اختيار منفي له حني اجته �إىل النم�سا حيث غيرّ هويته ب�أكملها ،وغيرّ ا�سمه �إىل مالفا وقبل اجلن�سية النم�ساوية وا�شتهر هناك. ويف املقابل من ذلك �أبرز اخلطاب يف �أكرث من مو�ضع حرية الإبداع كحق من حقوق الإن�سان الغربي ،وكيف �أن املثقفني العرب الذين يهاجرون �إىل الغرب – ب�سبب احلرمان منها يف جمتمعاتهم – يتمتعون بها يف دوله. وقد اهت ّم اخلطاب بق�ضية هجرة العرب �إىل الغرب من �أكرث من زاوية (�سواء كانوا مواطنني عاديني �أم مثقفني) ،كما �أ�شار �إىل عدة �أ�سباب تقف وراء هذه الهجرة ،منها: • �أ�سباب علمية :ترتبط ب�ضعف بنية امل�ؤ�س�سات العلمية والتعليمية يف العامل العربي ،مبـا يغري بالهجرة �إىل دول الغرب املتقدم من الناحية العلمية والتقنية. • �أ�سباب �سيا�سية :نتيجة ظروف ال�ضغط والت�ضييق ال�سيا�سي ،ون�شوب حروب يف الكثري من املناطق داخل العامل العربي. اهت ّم اخلطاب �أي�ض ًا ب�إبراز بع�ض امل�شكالت التي تعاين منها الأقليات القومية والدينية داخل املجتمع املغربي ،خ�صو�ص ًا القومية الأمازيغية ،والأقلية اليهودية .و�أ�شار �أي�ض ًا وجود �إىل بع�ض امل�شكالت التي تعاين منها الأقليات امل�سيحية داخل بع�ض دول العامل العربي� .أ�شار اخلطاب �أي�ض ًا – يف هذا ال�سياق – �إىل ت�شجيع بع�ض الدول الغربية ،وخ�صو�ص ًا الواليات املتحدة الأمريكية ،للم�سيحيني العرب
على الهجرة �إىل الغرب ،خ�صو�ص ًا بعد الغزو الأمريكي للعراق ،و�أن الهدف من ذلك هو تفريغ املنطقة من العرب امل�سيحيني ،و�أملح اخلطاب – يف �سياق ذلك �أي�ض ًا – �إىل �أن املهاجر العربي امل�سيحي �إىل دول الغرب ،قد ال يعاين بالدرجة نف�سها من بع�ض امل�شكالت التي يعاين منها املهاجر العربي امل�سلم. ويف املقابـل من ذلك �أكّد اخلطاب – بن�سبة حمدودة – ت�سامح الإ�سالم مع الآخر، و�أن الأقليات الدينية عا�شت يف املجتمعات العربية والإ�سالمية ،واندجمت مع امل�سلمني من دون �أي م�شكالت ،يف ظ ّل ما ت�ؤكّده العقيدة الإ�سالمية من ت�سامح مع الآخر العقائدي. ويف �سياق االهتمام بالآخر �أي�ض ًا �أبرز اخلطاب دور كتب الرحالت كم�صدر لنقل املعرفة اجلغرافية والتاريخية عن الآخر، وزيادة معرفة العربي به .فكتب الرحالت من امل�صادر اجلغرافية والتاريخية واالجتماعية املهمة ،لأن الكاتب ي�ستقي املعلومات واحلقائق من امل�شاهد احلية التي يعاينها، مبا يجعل قراءتها غن ّية ،ممتعة .كما تك�شف كتب الرحالت عن لقاء ثقايف غري مبا�رش، حيث تظهر فيها جلي ًا كيفية ر�ؤيتنا للآخر من خالل ال�صورة التي نر�سمها له .وكثرياً ما وجهت االنتقادات �إىل كتب الرحالت الأوروبية ّ املتعلقة بالعامل العربي ب�سبب ر�سمها �صورة منطية �إىل ح ّد كبري عن هذه املنطقة من العامل. لكن هذه ال�صورة النمطية لي�ست القاعدة ،فهناك �أي�ض ًا كتب �أخرى ُعنيت باالقرتاب ال�صادق من روح املكان الذي ي�سعى الكاتب �إىل ت�صويره يف كتابه ،كما ي�ؤكد خطاب حلقة املغرب يف �أدب الرحالت.
خ�صائ�ص ر�ؤية خطاب برنامج ال�صالون الثقايف للذات والآخر
تباين اخلطاب الثقايف يف درجة �سلبية �أو �إيجابية ال�صورة التي يق ّدمها للذات ،وكذلك ال�صورة التي يعر�ض بها الآخر ،ففي �أحيان كان يهتم ب�إبراز �إيجابيات الذات و�سلبيات
الف�صل الثالث اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية 307
ومن الالفت للنظر �أن االجتاه ال�سلبي تغلّب على االجتاه الإيجابي يف تناول اخلطاب للذات، فقد كان حري�ص ًا على ت�صوير املجتمعات العربية كمجتمعات طاردة ،وبخا�صة للمبدعني والأقليات ،و�أنها تدفعهم با�ستمرار للهجرة �إىل الغرب ،حيث يعي�ش املبدعون العرب يف بيئة حتتفي بحرية الإبداع ،كما تنال الأقليات العربية من امل�سيحيني واليهود هناك ،احلقوق التي يحرمون منها يف جمتمعاتهم الأ�صلية. وتناول اخلطاب ،على �سبيل اال�ستدراك ،ق�ضية ت�سامح الإ�سالم مع الآخر ،كوجه �إيجابي �أ�سا�سي للمجتمعات العربية. واختلف الأمر عند تناول الآخر داخل اخلطاب� ،إذ ُر ّجح االجتاه الإيجابي على االجتاه ال�سلبي ،من خالل الإحلاح على فكرة احلرية التي يعي�ش يف ظلها العرب داخل الغرب ،مبا يغري املبدعني بالهجرة ،بالإ�ضافة �إىل تع ّدد ت�شجع املواطن العربي وتن ّوع الفر�ص التي ّ العادي على الهجرة �أي�ض ًا .وعلى امل�ستوى ال�سلبي �أ ّكد اخلطاب فكرة التمييز �ضد الآخر
30 25 20 15 10 5
ق�ضايا الآخر
ق�ضايا الذات
0
�شكل رقم ()8 يو�ضح حجم اهتمام اخلطاب ب�إبراز املالمح االيجابية وال�سلبية ل�صورة الذات والآخر
الإعالم
الآخر ،ويف �أوقات كان يفعل العك�س ويركز على �سلبيات الذات مقابل �إيجابيات الآخر. ون�ستطيع �أن ن�ستخل�ص من العر�ض ال�سابق الذي قدمناه للق�ضايا واملو�ضوعات املختلفة التي اهت ّم اخلطاب ب�إبرازها� ،أنه ان�شغل بالآخر مما ان�شغل بالذات العربية� ،سواء الغربي� ،أكرث ّ جاء هذا االن�شغال يف االجتاه الإيجابي �أم ال�سلبي .يظهر ذلك من خالل االهتمام بق�ضايا التمييز �ضد العرب يف دول الغرب ،وانتعا�ش حرية الإبداع يف دوله ،وحر�ص املواطنني واملثقفني العرب على الهجرة �إليها. ويف املقابل من ذلك ان�شغل اخلطاب على م�ستوى الذات بطرح ق�ضايا :ت�سامح الإ�سالم مع الآخر ،وم�صادرة حرية الإبداع يف العامل العربي ،ومعاناة الأقليات القومية والعربية يف العامل العربي .ويو�ضح ال�شكل التايل الفروق يف درجة اهتمام خطاب برنامج ال�صالون الثقايف بق�ضايا الذات وق�ضايا الآخر�( :شكل رقم )7
�شكل رقم ()7 يو�ضح درجة ان�شغال اخلطاب بق�ضايا الذات مقابل ان�شغاله بق�ضايا الآخر
18 16 14 12 10
ايجابية
8
�سلبية
6 4 2 0
�صورة االخر
�صورة الذات
«امل�سلم»� ،سواء كان عربي ًا �أم تركي ًا �أم من جن�سية �أخرى ،داخل هذه املجتمعات. ويو�ضح ال�شكل التايل الفروق يف املالمح الإيجابية وال�سلبية ل�صورة الذات والآخر داخل خطاب برنامج ال�صالون الثقايف�( :شكل رقم )8 مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 308للتنمية الثقافية جدول رقم 17
يو�ضح نوع القوى الفاعلة يف �إنتاج خطاب برنامج ال�صالون الثقايف
النوع
التكرار
الن�سبة
ذكور
12
75
�إناث
4
25
املجموع
16
100
ن = �إجمايل عدد ال�ضيوف يف احللقات الثماين
جدول رقم 18
القيمة
يو�ضح القيم املت�ضمنة يف خطاب برنامج ال�صالون الثقايف التكرار
الن�سبة
حرية التفكري
20
34.5
عدم التمييز
13
22.4
االنتماء
9
15.5
احلق يف احلياة
8
13.8
الت�سامح
8
13.8
املجموع
58
100
مت ت�ضمينها داخل جمموعة الأفكار الرئي�سية التي ن = القيم التي ّ عاجلتها احللقات الثالث حمل التحليل
عنا�رص بنية خطاب برنامج ال�صالون الثقايف
حاول اخلطاب �أن يظهر نوع ًا من التعادلية وعدم التمييز ،يف �إطار القوى الفاعلة التــي اعتمد عليها يف �إنتاج مادته .فب�سبب الطابع احلواري اجلديل الذي مي ّيز الربنامج، كان هناك احتكام ب�صورة م�ستمرة �إىل ر�ؤية ثنائية يف اختيار القوى الفاعلة ،بحيث ت�شمل �ضيفني ،يعبرّ كل منهما عن �إحدى وجهات النظر املطروحة يف مناق�شة مو�ضوع احللقة، و�أن يكون �أحدهما منتمي ًا �إىل البيئة العربية بتفاعالتها ،و�أن يكون الثاين منتمي ًا �إىل
البيئة الغربية مبا مي ّيزها من تفاعالت �أي�ض ًا. وي�أتي هذا التوجه يف �إطار الهدف الذي و�ضعه الربنامج لنف�سه واملتمثل يف ت�شجيع احلوار بني �أوروبا والعامل العربي ،وذلك يف �إطار �سل�سلة من الربامج امل�شرتكة التي يدعمها تلفزيون دويت�شه فيله مع عدد من القنوات التليفزيونات العربية ،من بينها التليفزيون امل�رصي من خالل برنامج �شباب بال حدود ،والتلفزيون اجلزائري من خالل برنامج بني ال�شمال واجلنوب والذي ي�سلّط ال�ضوء على الق�ضايا امل�شرتكة التي تهم دول املغرب العربي من (.)31 جهة و�أملانيا و�أوروبا من جهة �أخرى ومل ي�ستطع اخلطاب حتقيق التوازن املطلوب على م�ستوى توظيف ك ّل من الذكور والإناث يف �إنتاج مادته ،على الرغم من اهتمامه بوجود وجه ن�سائي ووجه ذكوري، عند اختيار �ضيوف بع�ض احللقات ،مثل حلقة العامل العربي يف �أزمة احلداثة ،وحلقة التعدد الثقايف� :آفاق وحتديات ،وعلى الرغم من اعتماد حلقة الن�ساء يف الأدب على وجهني ن�سائيني فقط ،ف�إن ذلك مل يخف وجود نوع من االنحياز �إىل الذكور كقوى فاعلة يف �إنتاج مادة اخلطاب، عند اختيار ال�ضيوف يف بقية حلقات الربنامج، مثل حلقة الفنانون العرب بني املنفي والوطن، وحلقة ال�سينما اليورومتو�سطية ،وحلقة املغرب يف �أدب الرحالت .ويو�ضح اجلدول التايل معدالت اعتماد اخلطاب على ك ّل من الذكور والإناث كقوى فاعلة يف �إنتاج مادته. (جدول رقم )17 واهت ّم اخلطاب الثقايف بالربنامج �أي�ض ًا ب�إبراز العديد من القيم التي دارت يف فلك الأطروحتني املركزيتني اللتني اهتم بهما، وهما� :أطروحة حرية الإبداع ،و�أطروحة العالقة بني الأنا والآخر ،كما �سبق و�أ�رشنا .ففي �إطار هاتني الأطروحتني بلور اخلطاب عدداً من القيم التي �سعى �إىل �إبرازها وت�أكيدها لدى م�شاهدي الربنامج ،ويو�ضح اجلدول التايل ذلك: (جدول رقم )18
الف�صل الثالث اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية 309
احللقات الثالث حم ّل التحليل
خال�صة
ا�شتمل هذا الف�صل على خم�سة مباحث، ناق�ش املبحث الأول منها االجتاهات العامة ملعاجلة امل�ضامني الثقافية عرب القنوات والربامج التليفزيونية ،من خالل حتليل �أبرز النتائج التي تو�صلت �إليها الدرا�سات ال�سابقة التي ت�ص ّدت لهذا املو�ضوع .وقد �أثبت التحليل �أن القنوات التليفزيونية العربية ال تبدي اهتمام ًا كافي ًا بالربامج الثقافية على خرائطها الرباجمية ،على الرغم من وجود العديد من امل�ؤ�رشات الدالة على اهتمام اجلمهور بهذه النوعية من الربامج. وكان هناك ت�أكيد داخل العديد من الدرا�سات على خطورة ت�أثري ارتفاع معدالت اعتماد الكثري من القنوات العربية «الأر�ضية» على الربامج امل�ستوردة على منظومة القيم التي تت�أ�س�س عليها الهوية الثقافية العربية. وقد �أجمعت الدرا�سات �أي�ض ًا على خطورة البث التليفزيوين الت�أثريات التي يحدثها ّ الف�ضائي – عموم ًا – على هذه املنظومة القيمية للمواطن العربي ،وح ّددت �أبرز مظاهر هذا الت�أثري يف ما يلي: • اخللل امل�شاهد يف العالقات بني �أفراد الأ�رسة العربية. • تغيرّ الذوق العام للإن�سان العربي، على م�ستوى امللب�س ،و�أ�سلوب احلديث ،وحتى الذوق املو�سيقي. • تهديد اللغة العربية ،من خالل �شيوع اللهجات واللكنات العامية ،بالإ�ضافة �إىل
الإعالم
برزت قيمة حرية التفكري كقيمة �أ�سا�سية داخل اخلطاب (بن�سبة ،)%34.5لكن تناول هذه القيمة كان يت ّم من الزاوية النخبوية، �أي من زاوية النخبة املثقفة ،حيث كانت تطرح با�ستمرار يف �سياق اختالل العالقة بني املثقفني وال�سلطة يف العامل العربي، خ�صو�ص ًا يف ظل تب ّني الكثري من املثقفني ر�ؤى نقدية للواقع االقت�صادي وال�سيا�سي والثقايف والتعليمي الذي ي�سود العامل العربي. مت الت�أكيد يف حلقة الفنانون العرب بني وقد ّ املنفي والوطن على فكرة �أن العامل العربي يعاين منذ عقود من الهجرة امل�ستمرة لنخبته الثقافية �إىل دول الغرب على وجه اخل�صو�ص. ويواجه الفنانون يف معظم دول العامل العربي معوقات �سيا�سية واجتماعية حتول دون حتقيق طموحاتهم الفنية� ,إ�ضافة �إىل قلة الدعم املتاح للفنون .وتدفع هذه الظروف الكثري من الفنانني واملثقفني �إىل موا�صلة م�سريتهم الفنية �أو العلمية يف العوا�صم الغربية. �أما قيمة عدم التمييز فقد ظهرت بتجليات خمتلفة عند احلديث عن املهاجرين العرب الذين يعي�شون يف دول الغرب ،و�أ�شكال التمييز املختلفة التي متار�س �ض ّدهم ،وكذلك عند تناول �أو�ضاع بع�ض الأقليات التي تعي�ش يف العامل العربي ،لكن اخلطاب حر�ص عند تناول �أ�شكال التمييز �ض ّد العرب يف الغرب على الت�أكيد على �أن هذه امل�س�ألة يجب �أال تفهم من زاوية اختالف العقيدة ،بل الب ّد �أن ت�ستوعب يف �إطار ظروف اقت�صادية يعي�شها املهاجرون العرب ،تتماثل مع ظروف بع�ض الأوربيني الأ�صالء ،الذين يمُ ار�س �ض ّدهم �أي�ض ًا نوع من التمييز ،كما �أكد اخلطاب يف حلقة الفنانون العرب بني املنفي والوطن. وارتبطت قيم :االنتماء ،واحلق يف احلياة الكرمية ،والت�سامح ،بالواقع العربي يف الأ�سا�س .وت�أك ّدت هذه القيم يف ال�سياقات التي اقتـرب فيها اخلطاب من مو�ضوع الهوية. فقد كان هناك ت�أكيد على املفهوم القومي
للهوية ،وحتفّظ على فكرة الربط ما بني العروبة والإ�سالم .والنظر �إىل الدين كجزء من االنتماء ،ولي�س كل االنتماء� ،أو بعبارة �أخرى النظر �إليه كعامل ي�سهم – بني جمموعة �أخرى من العوامل – يف ت�شكيل الهوية .فالعربي قد يكون م�سلم ًا �أو م�سيحي ًا �أو يهودي ًا – كما ورد يف حلقة التعدد الثقايف على ل�سان رينيه �أبو العال – وهذا ال يعني �أن امل�سيحي �أقل عروبة من امل�سلم.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 310للتنمية الثقافية
�إحالل بع�ض اللغات الأجنبية حمل اللغة العربية ك�أداة للتعبري. • تراجع الكثري من القيم العربية املعنوية الأ�صيلة كال�صدق ،والنجدة ،وال�شهامة ،مقابل �صعود القيم املادية التي تق ّد�س املال، واال�ستمتاع بامللذات ،وغري ذلك. • تدعم الكثري من امل�ضامني التليفزيونية الف�ضائية مفهوم املواطن العوملي الذي يذوب يف الآخر ،ويطم�س معامل هويته ،انطالق ًا من تبني قيم العوملة الثقافية التي تغذيها هذه امل�ضامني. واهتمت املباحث الأربعة التالية بالتحليل املتعمق ل�سمات ت�شكيل اخلطاب الثقايف و�أطره داخل جمموعة من القنوات الثقافية املتخ�ص�صة ،وكذا الربامج الثقافية التي تق ّدم على قنوات تليفزيونية عامة .وقد �شملت هذه القنوات :قناة النيل الثقافية امل�رصية ،وثالث قنوات تليفزيونية �سعودية تهت ّم بتقدمي الثقافة ال�شعبية ،وهي قناة ال�صحـراء ،وقناة ديوان العرب ،وقناة املرقاب ،بالإ�ضافة �إىل حتليل معامل اخلطاب الذي يق ّدمه برنامج ال�صالون الثقايف على القناة املغربية. وميكن القول بوجود جمموعة من القوا�سم امل�شرتكة ،وكذا املفارقات ،بني �سمات ت�شكيل اخلطاب الثقايف و�أطره داخل املواد التليفزيونية التي تناولها الفريق البحثي بالتحليل .و�سنعر�ض يف ما يلي لأهم اال�ستخال�صات التي ميكن اخلروج بها يف هذا ال�سياق: • مت ّيز اخلطاب الثقايف التليفزيوين بطابع دينامي ملحوظ� ،إذ كان يحاول با�ستمرار االلت�صاق ب�أجندة الق�ضايا املعا�شة التي تدخل يف دائرة اهتمام اجلمهور .وقد ظهرت هذه ال�سمة ب�صورة وا�ضحة يف خطاب قناة النيل الثقافية ،وكـذلك يف �إطار خطاب برنامج ال�صالون الثقايف على القناة املغربية .وكانت قنوات الثقافة ال�شعبية ال�سعودية ا�ستثنا ًء يف هذا ال�سياق� ،إذ �رصفها الرتكيز على ق�ضايا املوروث ال�شعبي وااللت�صاق القبـلي عن
اال�شتباك مع ق�ضايا الواقع الثقايف �أو الواقع العام ،بل ميكن الزعم ب�أنها كانت تقّدم خطاب ًا مغرتب ًا عن الواقع يف العديد من املوا�ضع. • يف الوقت الذي كان يتخلى فيه اخلطاب الثقايف عن مناق�شة فعاليات الواقع املعا�رص، كان يحاول االرتداد – بدرجات خمتلفة – �إىل املا�ضي .وقد كان هذ التوجه ي�أخذ �شك ًال حاداً يف بع�ض الأحيان ،كما ظهر داخل قنوات الثقافة ال�شعبية ال�سعودية ،التي كانت ت�ستغرق يف املا�ضي املكاين والزمني ب�صورة كبرية ،وحتاول �أن ت�سرتجع م�شاهد البيئة املا�ضية و�صورها ،ومت ّيز اخلطاب املق ّدم عرب قناة النيل الثقافية باالن�شغال باملا�ضي �أي�ض ًا، و�إن كان بدرجة �أقل من قنوات الثقافة ال�شعبية ال�سعودية .وقد اختلفت �صور وطرق ا�ستدعاء كل خطاب لفرتات مع ّينة من هذا املا�ضي، �إذ اهتم خطاب قناة النيل الثقافية با�ستدعاء املا�ضي العربي والإ�سالمي .وظهر خطاب برنامج ال�صالون الثقايف املغربي ،ك�أقل اخلطابات اهتمام ًا باحلديث عن املا�ضي� ،أو االن�شغال بق�ضاياه. • يف �إطار ثنائية الأنا والآخر العربي كان اخلطاب �شديد اال�ستغراق يف مفهوم الأنا الوطنية .وقد ظهر هذا التوجه يف خطاب قناة النيل الثقافية ،لكن بدرجة �أقل من احل ّدة. وظهر �أي�ض ًا ب�صورة وا�ضحة يف خطاب القنوات الثقافية ال�سعودية التي بلغ الأمر بها ح ّد االلت�صاق بـ الأنا القبلية يف بع�ض الأحيان، والـ الأنا الوطنية يف الكثري منها .وتنطبق هذه النتيجة �أي�ض ًا على خطاب برنامج ال�صالون الثقايف ،الذي ح�رضت فيه ب�صورة �أكرب فكرة الأنا املغربية ،ويعنـي ذلك �أن اخلطاب الثقايف العربي – من هذه الزاوية –يعلي من �ش�أن الأنا القطرية ،على ح�ساب فكرة التما�سك العربي� ،أو الت�أكيد على فكرة الأنا القومية العربية. • يتكامل مع ما �سبق اختالف توجهات اخلطاب عند تناول ثنائية الأنا القومية والآخر الغربي� ،إذ ان�شغل يف هذا ال�سياق بالآخر� ،أكرث من ان�شغاله بالذات ،ويف الوقت
الف�صل الثالث اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية 311
الإعالم
الذي اعتنى فيه اخلطاب بك�شف عورات �أو �سلبيات الذات ،فقد كان �شديد االهتمام بك�شف �إيجابيات الآخر الغربي .ويعني ذلك �أن نظرية «جلد الذات» كانت تتحكم يف اخلطاب عند احلديث عن «الأنا القومية» ،يف حني �سيطرت نظرية «متجيد الذات» عليه عند احلديث عن الآخر الغربي. وقد كان هذا الأمر جلي ًا يف خطاب برنامج ال�صالون الثقايف املغربي الذي كان يبالغ - يف بع�ض الأحيان -يف الت�أكيد على فكرة �أن املجتمعات العربية طاردة للإبداع واملبدعني، وقد كان خطاب قناة النيـل الثقافية �أكرث اخلطابات توزان ًا يف هذا ال�سياق. • عك�س اخلطاب الثقايف يف بع�ض املوا�ضع حالة التوتر يف عالقة الذات بالآخر؛ و�أ ّكد على رف�ض هيمنة الآخر على الذات، وقد اتفق اخلطاب الثقايف التليفزيوين على �أن اال�سرتاتيجية الأف�ضل التي يجب �أن حتكم عالقة الذات بالآخر هي ا�سرتاتيجية الفائدة امل�شرتكة من خالل و�صف عالقة الذات بالآخر بالندية �أو االحرتام املتبادل ،وقــد ظهر هذا الأمر بدرجة �أكرب يف خطاب قناة النيل الثقافية وبرنامج ال�صالون الثقايف املغربي. • مييل اخلطاب الثقايف التليفزيوين �إىل طرح القيم ال�سلبية لدى الذات يف �سياق ما يطرحه من قيم �إيجابية لدى الآخر ،وقد ظهر هذا التوجه يف خطاب قناة النيل الثقافية ب�صورة وا�ضحة ،وبرز �أي�ض ًا يف خطاب برنامج ال�صالون الثقايف ،وقد كان اخلطاب �شديد الرتكيز -يف هذا االجتاه -على تناول قيم التبعية ،وال�ضعف ،والت�سيب ،وم�صادرة حرية الإبداع ،وغريها من القيم التي متثّل جممل اتهامات النخبة املثقفة للواقع العربي ،ويف
مقابل ذلك كان هناك تو�سع ن�سبي يف الإ�شارة �إىل القيم الإيجابية التي حتدد هوية الآخر، وجاء تركيزه يف هذا الإطار على قيم التفوق العلمي ،والتقدم احل�ضاري ،وحرية التفكري، والتي متثّل املقابل املو�ضوعي للقيم ال�سلبية لدى الذات. • �شكّل املثقف امل�ؤ�س�سي �أو الر�سمي امل�صدر الرئي�سي والفاعل الأهم يف بناء مادة اخلطاب الثقايف التليفزيوين .فقد برز – على م�ستوى م�صادر املعلومات داخل اخلطاب – ك ّل من� :أ�ساتذة اجلامعات ،وامل�س�ؤولني الثقافيني، ورجال الدين الر�سميني ،وامل�س�ؤولني ال�سيا�سيني واالقت�صاديني ،وال�صحفيني العاملني يف م�ؤ�س�سات �صحفية مملوكة للحكومات .وتنطبق هذه النتيجة ب�صورة خا�صة على اخلطاب الذي قدمته قناة النيل الثقافية ،وكذلك بع�ض القنوات ال�شعبية ال�سعودية .وخطاب برنامج ال�صالون الثقايف املغربي� ،إذ ا�ستند يف بنيته املعلوماتية �إىل م�صادر من املثقفني امل�ستقلني (مبعنى غري تابعني مل�ؤ�س�سة معينة) ،بالإ�ضافة بالطبع �إىل املثقفني امل�ؤ�س�سني ،وكان اخلطاب هنا �أكرث اعتماداً على الفنانني ،وال�شعراء والأدباء ،واملخرجني ال�سينمائيينّ ،والنقاد امل�ستقلني ،وال�صحفيني العاملني يف م�ؤ�س�سات غري حكومية ،كم�صادر للمعلومات. • �شكّل التوجه الليربايل �إطاراً وا�ضحا وحاكم ًا خلطاب برنامج ال�صالون الثقايف املغربي على وجه العموم ،حيث برز هذا التوجه يف �إطار مفرداته املختلفة� ،سواء من خالل م�ضامني الربامج� ،أو الق�ضايا املثارة، �أو امل�صادر التي ا�ستعان بها اخلطاب لتدعيم �أطروحاته.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 312للتنمية الثقافية
( )1كمال بديع احلاج ( ،)2002ت�أثري املواد التليفزيونية الأجنبية على �إنتاج املواد الثقافية يف التليفزيون امل�رصي وال�سوري يف ظل العوملة ،ر�سالة دكتوراة غري من�شورة ،كلية الإعالم، جامعة القاهرة� ،ص .230 (� )2سامية �أحمد علي و�سهري جاد ( ،)2000الربامج الثقافية يف الراديو والتليفزيون ،الطبعة الثالثة ،القاهرة ،دار الفجر للن�رش والتوزيع� ،ص .158 ( )3كمال بديع احلاج ( ،)2002مرجع �سابق� ،ص �ص .238 – 233 ( )4ليلى ح�سني ال�سيد ( ،)2003اجتاهات اجلمهور نحو الف�ضائيات امل�رصية اخلا�صة ،املجلة امل�رصية لبحوث الر�أي العام ،املجلد الرابع ،عدد يناير – دي�سمرب ،كلية الإعالم ،جامعة القاهرة� ،ص .430 ( )5فوزية عبد اهلل �آل علي ( ،)2005عالقة جمهور الإمارات بو�سائل الإعالم ،درا�سة تطبيقية على طلبة جامعة ال�شارقة ،درا�سة ميدانية ،امل�ؤمتر العلمي احلادي ع�رش (م�ستقبل و�سائل الإعالم العربية) ،املجلد الثالث ،كلية الإعالم ،جامعة القاهرة� ،ص .370 ( )6فريال مهنا ( ،)1998التلفزة والوعي التنموي يف �سوريا ،املجلة امل�رصية لبحوث الإعالم ،العدد الثالث� ،سبتمرب ،كلية الإعالم ،جامعة القاهرة �ص .229 (http://www.malazi.com/index.php?p=94&id=41 )7 (.Hagiward , Shigeru (1995) , Japanese television as a window on other cultures , Japanese Psychological Research ,vol. 40 # 4 , p 223 )8 (,Foote , Joe S. (1995) the Structure and Marketing of Global Television News, Journal of Broadcasting & Electronic Media, Winter )9 vol. 39 # 1 , P. 2 (http://www.isesco.org.ma/arabe/publications/cominfo/P4.php )10 (http://www.annabaa.org/nbanews/36/067.htm )11 (http://www.bramj.net/vb/archive/index.php/t-25892.html )12 ( )13عزة م�صطفي الكحكي ( ،)2004القنوات الف�ضائية الأجنبية وانعكا�ساتها على الهوية و�أزمة القيم لدى عينة من ال�شباب العربي يف مرحلة املراهقة ،امل�ؤمتر العلمي العا�رش (الإعالم املعا�رص والهوية العربية) ،املجلد الأول ،كلية الإعالم ،جامعة القاهرة 6 – 4 ،مايو� ،ص �ص .268 – 267 ( )14فوزية ح�سني علي قناوي ( ،)2008الق�ضائيات والتغري الثقايف يف املجتمع الليبي :درا�سة ميدانية على عينة من ال�شباب مبدينة بنغازي ،ر�سالة دكتوراه غري من�شورة ،جامعة القاهرة ،كلية الإعالم� ،ص �ص .362 – 350 ( )15عبري خمتار �شاكر حممود ( ،)2005ت�أثري الف�ضائيات على ثقافة املجتمع امل�رصي :درا�سة لبع�ض م�شاهدي الف�ضائيات يف مدينة الثاهرة ،ر�سالة ماج�ستري غري من�شورة ،جامعة القاهرة ،كلية الإعالم� ،ص .350 (� )16سامل بن عامر بن �سامل املع�شني (� ،)2005أثر البث الف�ضائي املبا�رش على الهوية الثقافية العمانية ،ر�سالة ماج�ستري غري من�شورة ،جامعة القاهرة ،كلية الإعالم، �ص .275 – 262 ( )17ماجد عبد اهلل عبد املح�سن بن عبيد ( ،)1999ت�أثري البث املبا�رش على العالقات االجتماعية عند ال�شباب ال�سعودي :درا�سة ميدانية على طلبة اجلامعات ال�سعودية ،ر�سالة ماج�ستري
غري من�شورة جامعة القاهرة ،كلية الإعالم. ( )18ابراهمي احلو�سني ( ،)2005عوملة الإعالم الف�ضائي و�أثره على هوية املجتمع الإماراتي ،ر�سالة دكتوراة غري من�شورة ،جامعة ع�سن �شم�س ،كلية الآداب� ،ص .442
(.Khatib , Lina (2006) , Language , nationalism and power: The case of reality television in the Arab world )19
(http://www.sis.gov.eg/Ar/Pub/yearbook/egypt2008//110106000000000017.htm )20 (http://news.maktoob.com/article/2201772 )21 (� )22صالح ال�سنو�سي ،هوية الفرد العربي بني الدولة القطرية والعوملة (يف) �صالح �أبو ا�صبع و�آخرون (حمررون) ،العوملة والهوية� ،أوراق امل�ؤمتر العلمي الرابع لكلية الآداب والفنون: الثقافة العربية بني العوملة واخل�صو�صية ،1998 /من�شورات جامعة فيالدلفيا� ،ص .44 ( )23ح�سني علوان ح�سني ،العوملة والثقافة العربية (يف) �صالح �أبو ا�صبع و�آخرون (حمررون) ،مرجع �سابق� ،ص .117 ( )24هادى نعمان الهيتي ،الثقافة العربية �أمام حتديات الف�ضائيات الوافدة( ،يف) �صالح �أبو ا�صبع و�آخرون (حمررون) ،العوملة والهوية ،املرجع ال�سابق� ،ص .319 (http://jehaat.com/vb/showthread.php?t=5601 )25 (http://www.aawsat.com/details.asp?section=37&article=429184&issueno=10463 )26 (http://www.alsahraa.tv )27 (http://www.diwanalarabtv.com )28 (http://mergab.com/main )29 (http://www.dw-world.com/dw/article/0,,3769077,00.html )30 (http://www.dw-world.com/dw/article/0,,3769077,00.html )31
315
امللف الرابع الإبداع الإبداع مؤسسة الفكر العربي ّ
317
الف�صل الأول:
الإبداع الأدبي �أو ًال :الرواية ديوان العرب؟ ثاني ًا 2008 :عام ال�شعر العربي ثالث ًا :الأدب العربي ال�شاب رابع ًا� :أدب عربي بالأجنبية خام�س ًا :حت ّديات الرتجمة يف الأدب
الف�صل الثاين:
الإبداع
الإبداع ال�سينمائي والدرامي �أو ًال :2008 :عام �سينمائي انتقايل بامتياز ثاني ًا :2008 :عام من حياة الدراما التلفزيونية
الف�صل الثالث:
الإبداع امل�رسحي
�أو ًال :مالمح عامة حلركة امل�رسح العربي اليوم ثاني ًا :حركة امل�رسح يف الدول العربية امل�رسح امل�رصي -امل�رسح اجلزائري -امل�رسح التون�سي -امل�رسح املغربي -امل�رسح املوريتاين -امل�رسح الليبي -امل�رسح العراقي -امل�رسح الأردين -امل�رسح ال�سوري -امل�رسح اللبناين -امل�رسح الفل�سطيني امل�رسح يف دول جمل�س التعاون اخلليجي -امل�رسح القطري -امل�رسح الإماراتي -امل�رسح الكويتي -امل�رسح ال ُعماين -امل�رسح ال�سعودي -امل�رسح البحريني -امل�رسح اليمني. مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 318للتنمية الثقافية
الف�صل الأول الإبداع الأدبي ر�صد �سنوي مل�شهد متوا�صل
لقد �أثبتت هذه ال�سنة �أن الرواية مل ت�صبح «ديوان» العرب على ح�ساب ال�شعر .فال�شعـر حـ�ضـر ب�شـدة مثــل الرواية حتى و�إن متكّنت الرواية من كمياً� ،أي يف حجم الن�رش �أن تتخطاه ّ �أو العدد� .أما نوعي ًا فبدا ال�شعر والرواية متكافئني يف همومهما التجريبية ويف �أ�سئلتهما الإبداعية.
قد ال ميثل العام بو�صفه ح ّيزاً زمني ًا، معياراً لقراءة م�شهد �إبداعي �شامل �أو ملقاربة ظواهر �إبداعية ال ميكن ف�صلها عن �سريورتها العامة .فال�سنة �أ�ص ًال يف مفهوم الإبداع الأدبي، ّ الروائي وال�شعري والق�ص�صي ،لي�ست �إال �سليلة ال�سنة التي �سبقتها ،ومدخ ًال �إىل ال�سنة التي �ستليها .وقد ي�صعب فع ًال احلكم على حركة �أدبية �شهدتها فرتة ال تتعدى تخوم ال�سنة �أو االثني ع�رش �شهراً ،فهذه الفرتة املحدودة زمني ًا وتر�سخ معامل. ال تكفي بذاتها لن�شوء ظواهر ّ فهي لي�ست بالعقد الذي غالب ًا ما ُيعتمد للتمييز بني جيل وجيل �أو بني تيار و�آخر ،ولي�س يف �إمكانها ،ب�صفتها الزمنية� ،أن ت�شكل بوتقة تنبثق منها حركة ما وتكتمل فيها. هذه الإ�شكالية هي �أول ما يواجه الباحث الذي يت�صدى ،بالعر�ض والتحليل ،للإنتاج الإبداعي الذي مت خالل �سنة ،وهي هنا ال�سنة .2008فال�سنة الإبداعية ال ميكن ح�رصها �ضمن ح ّيزها الزمني ،ذلك � ّأن ما يف�صل بني �سنة و�أخرى� ،أيام �أو �أ�سابيع تتداخل بني �سنة تن�رصم و�أخرى تبد�أ .وكم من �أعمال كتبت يف �سنة و�صدرت يف ال�سنة التي تلتها ،حاملة �أجواء ال�سنة التي م�ضت �إىل ال�سنة التي �أقبلت. ومن جهة ثانية ال ب ّد من التنبه �إىل �أن املوجات الأدبية والتيارات واالجتاهات تفرت�ض ف�سحة زمنية ،تتخطى ال�سنة حتم ًا ،كي تتمكن من بلورة معاملها ومفاهيمها .بل �إنها غالب ًا ما تتوا�صل عام ًا تلو عام لتبلغ غايتها وحتقق ما �سعت �إليه من �أفكار ور�ؤى. �إال � ّأن �سنة من الإبداع ت�صلح ،من دون �أي �شك ،لأن تكون منوذج ًا �إبداعي ًا ميكن من خالله قراءة التح ّوالت التي طر�أت على هذا الإبداع،
والأ�سئلة التي طرحها والق�ضايا التي �أثارها. تكون ال�سنة يف هذا املعنى �أ�شبه باملر�آة التي تنعك�س على �صفحتها مالمح الإبداع ،الروائي وال�شعري والق�ص�صي .فاملر�آة التي تر�سم �إطاراً لل�صورة متنح ال�صورة ،يف احلني نف�سه ،بعداً ال ميكن ح�رصه� ،أو خلفية ال ميكن �أ�رسها. فال�صورة هذه تخفي ظاللها يف ثناياها نف�سها مثلما يخفي ال�صوت �صداه يف جتاويفه. هكذا يبدو �أي كالم عن نتاج �إبداعي خالل العام 2008كالم ًا عن جتليات هذا النتاج كما ظهرت ومبا تخفي يف داخلها من �أ�صداء وظالل حملتها معها من الأعوام التي م�ضت. لع ّل ما م ّيز ال�سنة 2008عن �سائر ال�سنوات املن�رصمة �أنها كانت �سنة �سجالية على م�ستوى الإبداع الروائي وال�شعري .لعلها من ال�سنوات القليلة التي ت�ساوى فيها ح�ضور الرواية وح�ضور ال�شعر ،فلم يط َغ واحدهما على الآخر .لقد �أثبتت هذه ال�سنة �أن الرواية مل ت�صبح «ديوان» العرب على ح�ساب ال�شعر. فال�شعر ح�رض ب�شدة مثل الرواية حتى و�إن متكّنت الرواية من �أن تتخطاه ك ّمي ًا� ،أي يف حجم الن�رش �أو العدد� .أما نوعي ًا فبدا ال�شعر والرواية متكافئني يف همومهما التجريبية ويف �أ�سئلتهما الإبداعية وبحثهما عن �آفاق جديدة ،من غري �أن يتخلّى كالهما عن بع�ض الإ�شكاليات التي مل توجد لها �أجوبة �شافية ونهائية ،ورمبا لن توجد.
�أو ًال :الرواية ديوان العرب؟
ا�ست�أثرت الرواية العربية بالكثري من
االهتمام الإعالمي والنقدي خالل العام 2008
وغدت حتافظ على ال�صفة التي باتت تطلق عليها ب�أنها «ديوان» العرب حتى و�إن مل تكن
الف�صل االول الإبداع الأدبي 319
م�ؤمترات روائية
وعالوة على ازدياد عدد الروائيني العرب اجلدد وازدياد عدد الروايات املتوالية على ال�صدور ،ف�إن الرواية ا�ستقطبت م�ؤمترات عدة خالل 2008وبدت هذه امل�ؤمترات ك�أنها متثّل رغبة الروائيني والنقاد العرب لاللتقاء والتحاور ،بحث ًا عن �أجوبة للأ�سئلة الإ�شكالية املطروحة على املحك. يف القاهرة عقد يف � 17شباط (فرباير) «ملتقى القاهرة الرابع للإبداع الروائي العربي» .وكان عنوان امللتقى« :الرواية العربية الآن» وغايته ر�صد احلالة الآنية للرواية العربية .وتناولت جل�سات امللتقى مو�ضوعات ع ّدة من بينها :رواية الأقليات يف عاملنا ،الرواية الرقمية� ،أدب املدونات ،رواية ال�سرية الذاتية ،ال�سخرية يف الرواية اجلديدة، حت ّوالت املكان يف الرواية العربية وغريها. و�إ�ضافة �إىل هذه املحاور نظّ م امللتقى خم�س موائد م�ستديرة تناولت املو�ضوعات الآتية:
فهي قادرة �أكرث من �أي نوع �أدبي �آخر على ا�ستيعاب الأزمات التي ت�شهدها املجتمعات العربية ،وعلى مواجهة الأ�سئلة املطروحة ب�إحلاح على الإن�سان واجلماعة ،وكم كان حتول بع�ض ال�شعراء �إىل الفت ًا ّ الكتابة الروائية وقد بات بع�ضهم ر�سخ جتربته ُي ّ �سمى روائي ًا بعدما ّ ال�رسدية.
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإبداع
هذه ال�صفة حمقّة .فالرواية احلا�رضة بقوة يف املعرتك الأدبي العربي الراهن مل ت�ستطع �أن تلغي ال�صفة القدمية التي �أطلقت على ال�شعر بكونه «ديوان العرب»� .أما «زمن الرواية» الذي يتح ّدث عنه النقاد ،من �أكادمييني و�صحافيني، فلم يتمكن بدوره من �إلغاء «زمن ال�شعر» حتى و�إن طغت الإ�صدارات الروائية من ناحية الكم على الإ�صدارات ال�شعرية .ولكن لي�س من �أرقام نهائية تو�ضح ن�سبة الفرق بني النوعني من حيث العدد� ،إذ ثمة دور كثرية ال تدرج �إ�صداراتها يف برنامج احتاد النا�رشين العرب، عالوة على النوادي وامل�ؤ�س�سات اخلا�صة والر�سمية التي تتوىل �إ�صدار الأعمال الأدبية من غري �أن تتوىل توزيعها فتظ ّل حم�صورة لكن من يراقب لوائح يف مكان �صدورهاّ . الإ�صدارات املعتمدة لدى احتاد النا�رشين العرب والإ�صدارات املعلنة عرب برامج الإنرتنت يلحظ فرق ًا وا�ضح ًا بني املن�شورات الروائية واملن�شورات ال�شعرية التي مهما بدت غزيرة فهي ال تتخطى املن�شورات الروائية .فالرواية اليوم تغري الك ّتاب جميع ًا �أي ًا تكن �أعمارهم و�أجيالهم ،فهي قادرة �أكرث من �أي نوع �أدبي �آخر على ا�ستيعاب الأزمات التي ت�شهدها املجتمعات العربية ،وعلى مواجهة الأ�سئلة املطروحة ب�إحلاح على الإن�سان واجلماعة، وعلى متابعة التح ّوالت التي تطر�أ على ك ّل ال�صعد .وكم كان الفت ًا حت ّول بع�ض ال�شعراء �إىل الكتابة الروائية وقد بات بع�ضهم ُي�س ّمى روائي ًا ر�سخ جتربته ال�رسدية .ومن ه�ؤالء على بعدما ّ �سبيل املثل :ال�شاعر ال�سعودي غازي الق�صيبي، ال�شاعر ال�سوري �سليم بركات ،ال�شاعر اللبناين ر�شيد ال�ضعيف ،ال�شاعر الفل�سطيني �إبراهيم ن�رصاهلل ،ال�شاعر اجلزائري �أحمد عبدالكرمي، ال�شاعر اللبناين عبا�س بي�ضون و�سواهم. ومن املمكن القول �إن الرواية تعبري ف ّني عن الأزمات امل�صريية التي تواجه الإن�سان حت�س غمو�ض ًا يعرتي العربي .فالذات املبدعة ّ حركة الواقع وجمراه ،وت�شعر ب�أن الذات الإن�سانية مه ّددة بالذوبان والتال�شي .ويف ظل
تفتت القيم واهتزاز الثوابت ومتزق املبادئ واملقوالت ،وغمو�ض الزمن الراهن ،وت�شظي املنطق امل�ألوف واملعتاد ،ي�صبح الإبداع ال�شعري غري قادر على تف�سري الواقع وحتليله وفهمه ،وعاجزاً عن التعبري عنه .وت�صبح ما�سة �إىل �إبداع روائي يعيد النظر يف احلاجة ّ امل�سلّمات والثوابت. وبدت التجارب الروائية اجلديدة ك�أنها لتتمرد على املنظومات الفكرية كتبت ّ والأيديولوجية امل�ألوفة� ،ساعية �إىل �صوغ �أبنية �رسدية ،وجت�سيد قيم التع ّدد والتن ّوع ،وال�شك واحلرية ،والتيه والإبهام .وتبدي هذه التجارب الروائية ح�سا�سية خا�صة جتاه الزمن ،الذي حاولت ك�رسه �أو تفتيته ،فيفقد �أهم خ�صائ�صه، وهي التتابع والرتاكم ،ويربز عو�ض ًا عنه زمان مبهم ،ومكان قلق ي�ؤطران تناق�ضات الب�رش ومفارقاتهم ،وال ير�سمان وجهة حمددة �سوى التيه ،وغياب املنطق ،وهيمنة القمع على ج�سد الرواية اليوم تغري الك ّتاب الإن�سان وروحه. جميع ًا �أي ًا تكن �أعمارهم و�أجيالهم،
التقرير العربي الثاين 320للتنمية الثقافية
هل ا�ستوعب العرب مفهوم احلداثة جيداً كي يقفزوا دفعة واحدة �إىل ما بعد احلداثة؟ وهل لديهم جتربة روائية عربية ،قادرة على مراكمة الكثري من املفاهيم والأفكار وامل�صطلحات النقدية؟
�أ�سئلة الكتابة يف الرواية اجلديدة ،حت ّوالت اللغة الروائية� ،شهرزاد اجلديدة ،نقد الرواية اجلديدة ،الرواية والتقنيات ال�سينمائية. و�شهدت دم�شق يف �شهر �آب (�أغ�سط�س) من العام « 2008ملتقى الرواية العربية :حت ّوالت ال�رسد الروائي» ،يف �إطار احتفالية «دم�شق عا�صمة للثقافة .»2008و�سعى امللتقى �إىل البحث عن �أجوبة لأ�سئلة �إ�شكالية من قبيل :هل ثمة «قطيعة» بني الن�صو�ص الروائية املكتوبة ب�أقالم اجليل ال�شاب ،والروايات التي كتبتها الأجيال ال�سابقة؟ هل هذه الن�صو�ص التي تعرف بـ «اجلديدة» هي حق ًا جديدة ومغايرة؟ وما �سمات هذه اجلدة ،وتلك املغايرة؟ وثمة �أ�سئلة �أخرى متحورت حول اللغة الروائية، وحول حت ّوالت ال�شكل يف التجربة الروائية العربية .ومل يغفل امللتقى الطفرة الروائية الن�سائية التي طغت ،يف الأعوام الأخرية ،على امل�شهد الروائي العربي .وكان من البديهي �أن تطرح الرواية �أ�سئلة تواكب انت�شار الرواية نف�سها وتتزامن مع رواجها يف الأعوام الأخرية حتى كادت �أن تكون «ديوان العرب» بعدما حمل ال�شعر هذه ال�صفة لقرون م�ضت .و�سعى امل�ؤمتر �أي�ض ًا �إىل ت�أ�صيل الرواية ،واختبار �آفاق الكتابة الروائية اجلديدة وموقعها �ضمن امل�شهد .ويف �سياق النقا�شات التي دارت برزت خالفات حادة ،و�أثريت �سجاالت كثرية، خ�صو�ص ًا عندما كانت النقا�شات تتطرق �إىل قدمي الرواية وجديدها ،فال�شباب �أو «الأبناء» يبحثون عن االعرتاف ،وحق الوجود ،والقدماء �أو «الآباء» يطالبون بالبقاء �أو�صياء على الروائيني الأبناء .ولكن من الرا�سخ �أن لكل جيل ،بل لكل مرحلة معطياتها ومالحمها و�سماتها ،و�إذا كانت الرواية تبحث يف وقائع احلياة و�أحداثها وتر�صدها وتراقبها ،وتقتفي �آثارها ،ومن ثم تدونها يف قالب فني وجمايل، ف�إن االختالف يف ال�شكل وامل�ضمون �أمر تفر�ضه طبيعة املرحلة. و�إن بدا ملتقى دم�شق للرواية العربية �صاخب ًا بالأ�سئلة والتناق�ضات ،ف�إن ملتقى
ال�شارقة للرواية العربية الذي عقد يف �شهر ت�رشين الثاين (نوفمرب) 2008بدا ك�أنه ي�سعى �إىل �إعادة قراءة امل�شهد الروائي العربي من خالل ب�ضعة مناذج عربية .والرواية العربية حتتاج القراءة العامة وال�شاملة فع ًال �إىل مثل هذه ّ ولو �أنها اقت�رصت هذه ال�سنة على ب�ضع دول هي :ال�سعودية ،م�رص ،الأردن ،ال�سودان ،لبنان، فل�سطني ،الإمارات .و�سعت الأوراق النقدية التي قدمت �إىل �أن تقدم �صورة بانورامية عن امل�شهد الروائي يف هذه البلدان .ورافقت الأوراق النقدية �شهادات قدمها روائيون عرب. و�شهدت العا�صمة الأردنية ع ّمان �أي�ض ًا يف ت�رشين الثاين (نوفمرب) ملتقى �آخر بعنوان «ملتقى ال�رسد العربي» .وقد تبينّ خالل امللتقى �أن مفهوم الرواية اجلديدة مفهوم ملتب�س، وغري وا�ضح وغري حم ّدد املعامل واملالمح ،وال ميتلك �سمات خا�صة به ،مبقدار ما يت�شارك مع م�صطلحات روائية �أخرى .وهو ما جعل بع�ض ًا من امل�شاركني يتوقف عند هذه الظاهرة .فهل الرواية اجلديدة هي رواية ما بعد احلداثة مث ًال؟ وهل ا�ستوعب العرب مفهوم احلداثة جيداً كي يقفزوا دفعة واحدة �إىل ما بعد احلداثة؟ وهل لديهم جتربة روائية عربية ،قادرة على مراكمة الكثري من املفاهيم والأفكار وامل�صطلحات النقدية ،وقادرة على ت�شكيل تيارات عربية وا�ضحة يف الإبداع الروائي؟ مير �شهر ال تعقد فيه ندوة �أو ملتقى ال يكاد ّ حول الرواية العربية ،و�إن دلّ هذا الأمر على رواج الفن الروائي وعلى حت ّوله هاج�س ًا لدى الروائيني �أنف�سهم كما لدى النقاد والإعالميني، فهو يدلّ �أي�ض ًا على تراكم الأ�سئلة حول الفن الروائي العربي وعلى ت�أجيل الأجوبة عنها. ومل تقت�رص هذه امللتقيات والندوات على املدن بل هي تخطتها �إىل املناطق النائية والأقاليم. فتحت عنوان «�أ�سئلة ال�رسد اجلديد» �أقيمت الدورة الثالثة والع�رشون مل�ؤمتر «�أدباء م�رص»، يف مدينة مر�سى مطروح ال�ساحلية ودارت الأبحاث التي ناق�شها امل�ؤمتر حول �أربعة حماور ،ف�ض ًال عن حمور خام�س خم�ص�ص
الف�صل االول الإبداع الأدبي 321
ل�شهادات بع�ض الروائيني.
الرواية العربية الأوىل
ال�سجال حول جائزة «بوكر» للرواية العربية
ما من جائزة عربية عرفت ال�سجال الذي عرفته «اجلائزة العاملية للرواية العربية» املعروفة بجائزة «بوكر» العربية .فهذه اجلائزة التي �أطلقت يف �أبو ظبي يف الإمارات العربية املتحدة بال�رشاكة مع «جائزة بوكر» الربيطانية وبدعم من «م�ؤ�س�سة الإمارات» يف �أبو ظبي ،خم�ص�صة ح�رصاً للرواية املكتوبة باللغة العربية ،وينال كل روائي ي�صل �إىل الالئحة الق�صرية مبلغ ًا قدره ع�رشة �آالف دوالر ،ناهيك بخم�سني �ألف دوالر �إ�ضافية للفائز الأول يف الت�صفية النهائية .وهي تهدف �إىل مكاف�أة التم ّيز يف الكتابة الروائية قراء العربية املعا�رصة ،و�إىل تو�سيع دائرة ّ الرواية العربية يف العامل .طبع ًا لي�س العن�رص املادي هو الذي �أ�سهم يف تر�سيخ هذه الرواية التي باتت جتذب الروائيني العرب ،بل قيمتها املعنوية وقدرتها على فتح �أفق عاملي �أمام الروائي الذي يفوز بها .فهي «ال�شقيقة» العربية جلائزة «بوكر» الربيطانية التي تع ّد من �أرقى اجلوائز الأدبية يف العامل .وقد ازداد الإقبال على الرت�شح للجائزة عام 2008وبلغ
الإبداع
يف العام 2008جت ّدد ال�سجال الذي مل ينت ِه حول الرواية العربية الأوىل والذي ما برح النقاد وم� ّؤرخو الأدب يختلفون حولها وحول ا�سم الروائي العربي الرائد .دار ال�سجال هذا العام حول اللبناين خليل �أفندي اخلوري وروايته «وي� ...إذن ل�ست ب�إفرجني» ال�صادرة عام .1859هذه الرواية املجهولة اكت�شفها م�صادفة الباحث امل�رصي حممد �سيد عبدالتواب و�رسعان ما تبناها «املجل�س الأعلى للثقافة» يف القاهرة و�أ�صدرها مع مقدمة للكاتب امل�رصي �سيد البحراوي .هذا الك�شف املهم �أك�سب الرواية العربية بعداً تاريخي ًا �إ�ضافي ًا ،لكنه لن يحول دون اكت�شاف رواية جمهولة �أخرى قد تكون �سباقة يف هذا احلقل .ففي ال�سابق �أكد النقاد العرب �أن رواية «زينب» ( )1914للم�رصي حممد ح�سني هيكل هي الرواية العربية الأوىل ،ثم اكت�شفوا رواية «غادة الزاهرة» ( )1899للبنانية زينب فواز ثم رواية اللبناين �سليم الب�ستاين «الهيام يف جنان ال�شام» ( )1870ثم رواية ال�سوري فرن�سي�س املرا�ش «غابة احلق» (� ...)1865إال �أن رواية خليل اخلوري ال تتميز فقط بريادتها التاريخية �أو الزمنية ،و�إمنا بج ّوها الروائي ولغتها و�شخ�صياتها� .إنها الأوىل يف املعنى الت�أ�سي�سي للفن الروائي العربي ،فهي على خالف الروايات ال�سابقة ،خالية من الثقل الإن�شائي وال�رسد البطيء والبعد الأخالقي والتعليمي ،ومبنية وفق «النموذج» الأوروبي لل�صنيع الروائي، و�شخ�صياتها تعي�ش حا ًال من ال�رصاع مل تعرفه الروايات ال�سابقة واملتعاقبة تاريخي ًا ،بل هي حتمل مقداراً من الت�شويق وجتذب القارئ بخامتتها امل�أ�سوية .ولع ّل اعتماد �صاحبها لغة هي بني الف�صحى والعامية ،ي�ؤكد مدى وعيه للفن الروائي الذي �شاءه �أن يكون قريب ًا من لغة احلياة. ولع ّل �إتقان خليل اخلوري اللغة الفرن�سية
(والرتكية) �ساعده على الإفادة من مفهوم الرواية الفرن�سية وتقنياتها «احلديثة» �آنذاك، فراح يبني روايته وفق «املعمار» الأوروبي، مبتعداً عن فن «املقامة» وال�رسديات الأوىل. ومل يكن م�ستغرب ًا �أن يتطرق يف روايته �إىل العالقة بني ال�رشق والغرب و�إن يف طريقة عفوية وغري �أيديولوجية ،ففي الرواية �أربع �شخ�صيات تعي�ش �رصاع ًا حول الهوية واالنتماء بع�ضها مييل �إىل الغرب وبع�ضها �إىل ال�رشق. وبدا اكت�شاف هذه الرواية حدث ًا م�رصي ًا ولبناني ًا وعربي ًا ،لي�س لأنها الرواية الأوىل تاريخي ًا ،بل لأنها رواية حقيقية يف املعنى الفني للرواية .و�إن كان مدخلها تقليدي ًا ،فهي �ضمت �أكرث من ثمانني �صفحة من ال�رسد والق�ص امل�شوق واحلوارات. احلقيقي ّ
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 322للتنمية الثقافية
لئن ُحرمت الرواية ال�سعودية من الالئحة النهائية جلائزة «بوكر» العربية ،فهذا ال يعني �أن «االنفجار» الروائي يف ال�سعودية ،قد خمد .بل على العك�س ف�إن «فورة» الرواية ال�سعودية ،توا�صلت هذا العام حتى مت ن�رشها جتاوزت الروايات التي ّ خالل عام واحد ،هو العام ،2006 خم�سني رواية عدا الروايات التي اكتفت بالإنرتنت و�سيلة للو�صول �إىل قرائها.
عدد الروايات امل�ؤهلة للم�شاركة 121رواية وهذا عدد الفت جداً وذو داللة وا�ضحة .فماذا يعني �أن ت� َّؤهل �أكرث من 120رواية للرت�شح �إىل اجلائزة خالل عام واحد؟ لع ّل هذا ما ي�ؤكد � ّأن الرواية العربية يف حال من االزدهار مل تعرفه �سابق ًا .و�إذا �أ�ضفنا �إىل هذا الرقم الروايات التي مل ت� َّؤهل للرت�شح والروايات الأخرى التي مل ير�شحها �أ�صحابها �أو دور الن�رش ،ف�إن العدد يت�ضاعف رمبا� .أما الروائيون الذين اختريوا �ضمن الالئحة النهائية عام 2008فهم :ال�سوري حممد �أبو معتوق: «القمقم واجلني» ،العراقي علي بدر« :حار�س التبغ» ،امل�رصي حممد الب�ساطي« :جوع»، اللبناين ربيع جابر« :االعرتافات» ،املغربي عبدالكرمي اجلويطلي« :كتيبة اخلراب» ،اللبنانية رينيه احلايك�« :صالة من �أجل العائلة»، ال�سوري فواز حداد« :املرتجم اخلائن» ،املغربي �سامل حمي�ش« :هذا الأندل�سي» ،امل�رصي يو�سف زيدان« :عزازيل» ،التون�سي احلبيب ال�ساملي: «روائح ماري كلري» ،امل�رصي عز الدين �شكري: «غرفة العناية املركزة» ،العراقية �إنعام كجه جي« :احلفيدة الأمريكية» ،الليبي �إبراهيم الكوين« :الورم» ،اليمني علي املقري« :طعم �أ�سود رائحة �سوداء» ،الأردين �إبراهيم ن�رص اهلل« :زمن اخليول البي�ضاء» ،الفل�سطيني يحيى يخلف« :ماء ال�سماء» .وكان فاز باجلائزة يف دورتها الأوىل الرواي امل�رصي بهاء طاهر عن روايته «واحة الغروب». وقد �أثار خلو الالئحة النهائية جلائزة «بوكر» العربية من �أ�سماء روائيني �سعوديني جد ًال يف ال�صحافة الثقافية ال�سعودية ،و�أعاد احلديث عن املوقف من �أدب اخلليج وثنائية «املركز والهام�ش» .وقد �صدم هذا الواقع غالبية الروائيني ال�سعوديني ،و�أثار ا�ستياءهم من قرارات جلنة التحكيم� ،إذ خيبت القائمة النهائية للمر�شحني� ،آمال ه�ؤالء ،وج ّددت النقا�ش حول الرواية ال�سعودية نف�سها. وكانت ال�صحافة الثقافية ن�رشت عناوين عدد من الروايات ال�سعودية ،تقدمت بها دور
ن�رش عربية لنيل اجلائزة ،منها« :ريح اجلنة» لرتكي احلمد و «الف�سوق» لعبده خال .وتوقع معظم الروائيني ال�سعوديني �أن تت�ضمن القائمة النهائية ،على الأقل ا�سم ًا �سعودي ًا واحداً ،نظراً �إىل ما ت�شهده الرواية يف ال�سعودية من ازدهار، و�إىل الإقبال الالفت على قراءتها .وحقق عدد من هذه الروايات� ،أرقام ًا عالية يف املبيعات، و ُترجم بع�ضها �إىل لغات �أجنبية.
ظاهرة الرواية ال�سعودية
ولئن ُحرمت الرواية ال�سعودية من الالئحة النهائية جلائزة «بوكر» العربية ،فهذا ال يعني �أن «االنفجار» الروائي يف ال�سعودية ،كما ي�س ّميه الناقد ال�سعودي �سعيد ال�رسيحي ،قد خمد .بل على العك�س ،ف�إن «فورة» الرواية ال�سعودية، ال�شابة والن�سائية ،توا�صلت هذا العام حتى �أنها متكّنت من تر�سيخ هذه الظاهرة .وبح�سب الناقد ال�رسيحي يف مداخلته عن الرواية ال�سعودية التي ق ّدمها يف ملتقى ال�شارقة (� ،)2008إن ذلك االنفجار ما �إن ح�صل حتى جتاوزت الروايات التي مت ن�رشها خالل عام واحد ،هو العام ،2006خم�سني رواية مقابل �ست وع�رشين رواية ن�رشت يف العام الذي �سبقه ،عدا الروايات التي اكتفت بالإنرتنت و�سيل ًة للو�صول �إىل قرائها .ومل تكن عناوين تلك الروايات تخلو من رغبة عارمة يف البوح و�إزاحة ال�ستار كما مل تكن موا�ضيعها ترت ّدد يف مالم�سة �أكرث املواقع ح�سا�سية يف املجتمع .و�سعت تلك الروايات على رغم ما هو عليه بع�ضها من ه�شا�شة فنية �إىل ا�ست�صدار مدونة للهوية تقوم على �أ�سا�س االعرتاف بالواقع يف مواجهة الهوية املتعلّقة بعامل املثل.
الرواية الفل�سطينية يف ذكرى النكبة
حمل العام 2008الذكرى ال�ستني للنكبة الفل�سطينية التي َحلّت عام .1948وكانت الذكرى هذه ،مثاراً لنقا�ش �سيا�سي وثقايف مل ينته يوم ًا ولن ينتهي� .إال �أن هذه الذكرى كانت منا�سبة ال�ستعادة الرواية الفل�سطينية التي
الف�صل االول الإبداع الأدبي 323
ر�سخت النكبة م�رشوعها وجعلت منها جتربة غياب �سهيل �إدري�س وف�ؤاد التكريل ّ
الإبداع
روائية رائدة. ولع ّل تاريخ الرواية الفل�سطينية يرتبط بتاريخ ال�شتات وهجرة الفل�سطينيني الق�رسية عن �أر�ضهم بعد احتالل فل�سطني عام .1948 وقد قامت غالبية الروايات التي كتبت بعد طرد الفل�سطينيني وت�رشيدهم من بالدهم حول �أ�سئلة الوجود وامل�صري والهوية .وميكن القول �إن الرواية الفل�سطينية ت�ستند �إىل ثالثة �أ�سماء رائدة ا�ستطاعت �أن ت�ؤ�س�س بناء روائي ًا متما�سك ًا حول الق�ضية الفل�سطينية :غ�سان كنفاين وجربا �إبراهيم جربا و�إميل حبيبي .وقد بقيت �أعمال ه�ؤالء الروائيني الثالثة را�سخة يف وجدان الروائيني الذين بد�أوا الكتابة الروائية بعدهم. وثمة جتارب روائية فل�سطينية �أعقبت ه�ؤالء الر ّواد الثالثة ُت�ستحق الإ�شارة �إليها ب�صورة خا�صة ،ومنها جتربة الروائية �سحر خليفة التي تنطلق من اللحظة التاريخية ومن الأ�سئلة التي تطرحها على املجتمع وال�سيا�سة والتاريخ ،وكذلك على ال�شكل الروائي .وانطالق ًا من هنا ال ميكن القول �إن الروائيني الفل�سطينيني الذين جا�ؤوا بعد غ�سان كنفاين وجربا و�إميل حبيبي مل ينجزوا �أعما ًال روائية الفتة ،حتى و�إن مل يكن الإجناز الروائي له�ؤالء يف جمموعه، بحجم �إجناز ه�ؤالء الروائيني الثالثة .فغلبة اله ّم ال�سيا�سي على االهتمام بتطوير ال�شكل الروائي، واال�ستفادة من �إجنازاته العربية والعاملية، جعلت الإجناز الروائي الفل�سطيني الالحق يراوح مكانه �إزاء التجربة الروائية العربية. ومع ذلك ،ثمة جتارب روائية فل�سطينية ع ّدة حاولت �أن تلتقط اللحظات التاريخية املتعاقبة للم�س�ألة الفل�سطينية ،يف حمطاتها املختلفة حتوالتها العنيفة ال�صاخبة ،واحتكاكها و ّ باجلغرافيا العربية .و�ضمن هذا ال�سياق تندرج روايات يحيى يخلف وفي�صل حوراين ور�شاد �أبو �شاور وتوفيق فيا�ض وليانة بدر وفاروق وادي و�إبراهيم ن�رصاهلل.
�شهد العام 2008غياب روائيني كبريين ميثالن عالمتني يف تاريخ الرواية العربية احلديثة وهما اللبناين �سهيل �إدري�س والعراقي ف�ؤاد التكريل .و�سهيل �إدري�س هو م�ؤ�س�س جملة «الآداب» ال�شهرية ذات الت�أثري الأدبي والفكري يف العامل العربي ،خ�صو�ص ًا بني منت�صف خم�سيـن ّيـات ومنـت�صف �سبعـيـن ّيـات الـقرن الع�رشين. �أن�ش�أ �سهيل �إدري�س «الآداب» عام ،1953 وا�ستمرت مدة ربع قرن على الأقل ب�صفتها املجلة املركزية للأدب العربي احلديث ،ثم �أ�س�س «دار الآداب» للن�رش العام .1956 وعرف عن �سهيل �إدري�س ترويجه للأدب الوجودي الفرن�سي ،خ�صو�ص ًا �أعمال جان بول �سارتر و�سيمون دوبوفوار التي ترجم بع�ضها و�أ�صدرها عن دار الآداب ،ونظر مفكرون قوميون يف تلك الفرتة �إىل الوجودية كفكر ي�ساندهم يف مواجهة املارك�سية .و�أ�صدر �إدري�س ثالث روايات و�ست جمموعات ق�ص�صية .ويف روايته «احلي الالتيني» ( )1953يعالج �ضالل مثقفني عرب قبل تفكك الوحدة امل�رصية -ال�سورية وبعدها .ون�رش قبل �سنوات من رحيله جزءاً �أول من مذكراته. �أما الروائي العراقي ف�ؤاد التكريل فكان من �أبرز حمركي تيار احلداثة يف الكتابة الق�ص�صية والروائية العراقية والعربية .وقد دخل التكريل بقوة حقل الرواية حني �أ�صدر يف ال�سبعين ّيات من القرن الع�رشين روايته «الرجع البعيد» التي و�ضعته يف مقدم الروائيني العراقيني والعرب ،وي�صور فيها مرحلة ال�ستين ّيات القلقة يف العراق وما �شهدت من �رشوخ �سيا�سية و�أخالقية ي�صعب حتديد م�ساراتها ب�سبب فو�ضاها الطاغية .ثم �أ�صدر روايات عدة كان لها �صدى كبري.
«و�صية» حنا مينة
�أما �أطرف حدث روائي ميكن الوقوف عنده خالل العام 2008فهو «الو�صية» التي مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 324للتنمية الثقافية
�شهد العام 2008غياب روائ ّيني كبريين وهما اللبناين �سهيل �إدري�س والعراقي ف�ؤاد التكريل .و�سهيل �إدري�س هو م�ؤ�س�س جملة «الآداب» ال�شهرية ذات الت�أثري الأدبي والفكري يف العامل العربي� ،أما الروائي العراقي ف�ؤاد التكريل فكان من �أبرز حمركي تيار احلداثة يف الكتابة الق�ص�صية والروائية العراقية والعربية.
كتبها الروائي ال�سوري الرائد حنا مينة ،يف الرابعة والثمانني ون�رشها يف ال�صحافة وبدت الو�صية بادرة جريئة جداً قلما يقوم بها الأدباء الذين ي�ؤثرون �إبقاء الأمور ال�شخ�صية يف الظل. و�أعرب مينة يف و�صيته عن رغبته يف �أ ّال ُيحتفى به ميت ًا و�أال يبكيه �أحد وال يحزن عليه �أحد و�أال تقام له حفلة ت�أبني .و�أ�رص على جنازة ب�سيطة جداً مثل حياته ،يحمل نع�شه فيها �أربعة �أ�شخا�ص «غرباء» من دائرة دفن املوتى ،ثم يهيلون الرتاب على جثمانه وينف�ضون �أيديهم من بعد وك�أن �أمراً مل يح�صل. لي�س من ال�سهل �أن يتخيل روائي حلظة رحيله وجنازته ...هذا ما اعتاد �أن يفعله �إزاء �شخ�صياته� .أما �أن يجعل نف�سه �شخ�صية م�رشفة على املوت ،فهذا �رضب من العبث الذي ال يخلو من اجلمال� .إال �أن الطريف يف «و�صية» حنا مينة �أنها جاءت بعد ب�ضعة �أيام من �صدور روايته اجلديدة «عاهرة ون�صف جمنون»، التي هي الرواية الثالثون �ضمن �أعماله. وبدت الرواية ال�صادرة عام 2008ك�أنها تنق�ض «الو�صية» التي تلتها كما لو كانت هي «الو�صية» التي ال تخلو من �شغفه الدائم الذي لي�س �سوى الفن الروائي.
رواية ال�سجن العربي رواية «القوقعة» قد تكون من �أجمل ما كتب عربي ًا عن احلياة، �أو املوت بالأحرى ،وراء جدران ال�سجون .وقد تكون �أي�ض ًا من �أجر�أ ما كتب يف هذا الأدب الذي اتفق على ت�سميته «�أدب ال�سجن» .ولع ّل البارز يف هذه الرواية �أن �صاحبها م�صطفى خليفة ،لي�س بروائي بل هو خمرج �سينمائي.
مل تغب رواية ال�سجن عن �ساحة الإبداع الروائي خالل العام 2008وقد �صدرت روايات عدة يف هذا ال�صدد وكانت رواية «القوقعة» من �أ�ش ّدها عنف ًا وق�سوة وواقعية .بل � ّإن رواية «القوقعة» قد تكون من �أجمل ما كتب عربي ًا عن احلياة� ،أو املوت بالأحرى ،وراء جدران ال�سجون .وقد تكون �أي�ض ًا من �أجر�أ ما كتب يف هذا الأدب الذي اتفق على ت�سميته «�أدب ال�سجن». قد ال تكون «القوقعة» رواية يف املفهوم الرائج للفن الروائي ،فهي �أقرب �إىل ما يدل عليه عنوانها الثاين «يوميات متل�ص�ص». فاحلافز هنا لي�س الت�شويق وال املهارة يف الق�ص وال اللعبة ال�رسدية ،بل املناخ الذي ّ
حتمله ،املناخ اجلحيمي الذي مل تبلغه رواية عربية من قبل دارت حول عامل ال�سجن .ولع ّل البارز يف هذه الرواية �أن �صاحبها م�صطفى خليفة ،لي�س بروائي بل هو خمرج �سينمائي مل يت�سن له العمل وراء الكامريا. ّ مل ي�س ّم م�صطفى خليفة الوطن الذي عاد �إليه واكتفى بت�سمية ال�سجن جمازي ًا «ال�سجن ال�صحراوي» ،لكن النا�رش مل يتوان عن الإ�شارة �إىل �أن امل�ؤلف �سوري اجلن�سية. يكتب م�صطفى خليفة جتربة ال�سجن كما يتفن عا�شها ،بفجاجتها وق�سوتها وعنفها .مل نّ يف فعل ال�رسد وبناء الزمن وتقطيعه ،بل اختار الكتابة العارية واملبا�رشة التي ال ت�شهد على التجربة فقط بل تعي�شها �أي�ض ًا .لكن الطابع اال�ستعادي لهذه «اليوميات» �أتاح له اخرتاق زمنها الداخلي ،فهو يكتب �أي بعد خروجه من ال�سجن الذي �أم�ضى فيه ثالثة ع�رش عام ًا ،من دون �أن يحاكم ،بل حوكم قبل �أ�شهر من خروجه على جرمية مل يرتكبها. و�إن كانت رواية «القوقعة» �أعنف رواية عربية تكتب عن ال�سجن ،ف� ّإن روايات �أخرى �صدرت عام 2008كانت �أق ّل عنف ًا ولكن �أ�ش ّد �إتقان ًا يف ال�رسد و�أ�ش ّد جمالية ورمزية. و�أوىل هذه الروايات رواية الكاتب امل�رصي حممد الب�ساطي وعنوانها «�أ�سوار» .الرواية هذه جمموعة من املحكيات ي�رسدها الراوي وهو ابن حار�س �سجن خلف �أباه بعد تقاعده فورث املن�صب والوظيفة وهي املراقبة واحلرا�سة .وخلف �أ�سوار ال�سجن يكت�شف عامل املعتقلني على اختالفهم ،املعتقلني ال�سيا�سيني واملجرمني وال�سارقني واحل�شا�شني... �أما الكاتبة امل�رصية ر�ضوى عا�شور فدخلت عامل ال�سجن بل ال�سجون يف روايتها «فرج» التي �صدرت يف العام 2008وهي جتمع بني الوثائقي واملتخ ّيل .تتناول الكاتبة جتربة ال�سجن كما عا�شتها �أجيال م�رصية �سيا�سي ثالثة متعاقبة ،وال�سجن هنا ذو طابع ّ فالكثريون من ال�سجناء هم من املنا�ضلني الي�ساريني .و�إحدى ال�شخ�صيات الرئي�سة التي
الف�صل االول الإبداع الأدبي 325
عامل الرواية اجلديدة
كثرية هي الروايات التي �صدرت خالل العام 2008وقد يحتاج �إح�صا�ؤها �إىل خمطط يتم بوا�سطته متابعة هذه الروايات التي �صدرت يف العوا�صم واملدن العربية قاطبة، ذلك �أن دور ن�رش عديدة ال متلك قوائم جاهزة لإ�صداراتها عام ًا تلو عام وهي �أ�ص ًال ال تعتمد منهج ًا حمدداً يف الن�رش� .أما احتاد النا�رشين العرب فال يتوافر لديه �إح�صاء �شامل مبا ي�صدر من �أعمال روائية و�شعرية ويفتقر �إىل منهجية
�شهد العام � 2008صدور خم�س روايات عربية تدور حول عامل ال�سجون لل�سور ّيني م�صطفى خليقة وحممد �أبو معتوق وللم�رص ّيني حممد الب�ساطي ور�ضوى عا�شور وللبنانية – الفرن�سية جويل جيابزي
بع�ض الروائيني اجلدد راحوا ي�سائلون الفن الروائي نف�سه� ،ساعني �إىل ال�شك يف معطياته و�إىل حتريره من الثوابت التي باتت مبثابة القيود ال�رسدي .حاول التي تثقل الفعل ّ البع�ض تطوير بع�ض التقنيات الروائية عرب لعبة ال�ضمائر �أو لعبة الرواية داخل الرواية �أو التقطيع امل�شهدي م�ستفيدين مثل بع�ض �أ�سالفهم من تقنيات ال�سينما �أو امل�رسح.
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإبداع
حتيا هذه التجربة ن�ش�أت يف كنف والدها الذي ينتمي �إىل احلزب ال�شيوعي ،و�أمها الفرن�سية. وهناك داخل ال�سجن تكت�شف امل�أ�ساة املريرة التي عا�شها ال�سجناء ال�سيا�سيون عرب حقبات متوالية. الروائي ال�سوري حممد �أبو معتوق �أ�صدر �أي�ض ًا رواية بعنوان «ثالث تفاحات» تدور �أحداثها يف �سجن الن�ساء الذي تكت�شف ال�سجينات �أنه �أ�ش ّد رحمة و�إن�سانية من ال�سجن اخلارجي الكبري� ،أي املجتمع املحا�رص بالتقاليد البالية والعنف العائلي والقمع الذكوري. ويف بريوت �أ�صدرت الروائية اللبنانية – الفرن�سية جويل جيابزي رواية بالفرن�سية عنوانها «اجلدران ال ت�صنع ال�سجن» .ولعلها املرة الأوىل تتناول كاتبة لبنانية جتربتها ّ يف �سجن الن�ساء كما عا�شتها طوال خم�سة �أعوام ،بجر�أة تامة ،غري متهيبة �أية عواقب، بل فا�ضحة جحيم ال�سجن و�أ�رساره اخلفية. وقد تكون اللغة الفرن�سية �ساعدتها على تخطي املحرمات والرقابة الذاتية ورمبا اخلوف من الف�ضيحة .وقد ال تكون الرواية هذه رواية يف املفهوم ال�شائع للفن الروائي بل هي �أقرب �إىل ال�سرية الذاتية ولكن ذات الإطار املحدد وال�سياق املحدد اللذين يتمثّالن يف ال�سجن .فالراوية هنا هي نف�سها الكاتبة التي هي ال�سجينة التي ت�رسد حياتها داخل ال�سجن.
الإح�صاء التي تتيح له ر�صد حركة الن�رش علمي ًا وبدقة. �إال �أن �صدور الروايات بهذه الوفرة �أو يعن �أن الرتاكم الكرثة خالل العام 2008مل ِ الك ّمي برز على ح�ساب النوعية الروائية .فهذا العام �شهد حركة ت�أ�صيل �أو تر�سيخ للمفهوم الروائي ولالجتاهات التي عرفتها الرواية العربية خالل الأعوام ال�سابقة .ولع ّل الق�ضايا التي �أثارتها الرواية من قبل �أثريت يف النتاج الروائي هذا العام ،وكذلك العالقات القائمة بني املجتمع وال�سلطة مبختلف �أنواعها ،وبني الفرد واملجتمع ،وبني �سلطة الذكورة واحل�ضور الأنثوي .ناهيك بال�ش�ؤون التي طاملا كانت مثار اهتمام الروائيني العرب مثل :الهوية، الرتاث، التحرر ،الغربة �أو املنفى ،االغرتاب ّ النف�سي� ،رصاع الأجيال ،اخليبة الوجودية، الفردية و�سواها. �أما على م�ستوى ال�شكل �أو الأ�سلوب، فقد وا�صل الروائيون العرب خالل �أعمالهم ال�صادرة عام 2008جتربة التجديد �أو التحديث ور�سخوها. التي بد�أها الروائيون ال�سابقون ّ لكن بع�ض الروائيني اجلدد راحوا ي�سائلون الفن الروائي نف�سه� ،ساعني �إىل ال�شك يف معطياته و�إىل حتريره من الثوابت التي باتت مبثابة القيود التي تثقل الفعل ال�رسدي .هكذا ّ حاول البع�ض تطوير بع�ض التقنيات الروائية عرب لعبة ال�ضمائر �أو لعبة الرواية داخل الرواية �أو التقطيع امل�شهدي م�ستفيدين مثل بع�ض �أ�سالفهم من تقنيات ال�سينما �أو امل�رسح �أو الفيديو كليب .و�سعوا �أي�ض ًا �إىل �إعادة النظر يف بناء ال�شخ�صيات وتثوير �أفعالها وتبديل عالقاتها. ومل يكن م�ستغرب ًا مث ًال �أن يحتل اجلن�س هموم الكثريين من الروائيني الذين حاولوا املحرمات وف�ضح امل�سكوت ك�رس «التابوات» �أو ّ عنه ،ال �سيما العالقات غري ال�سو ّية التي ت�سود املجتمعات العربية املغلقة �أو «املحا�رصة». و�إن كان اجلن�س لدى بع�ض الروائيني حافزاً والتحرر من ال�سلطة الأخالقية على الك�شف ّ
التقرير العربي الثاين 326للتنمية الثقافية
املفرو�ضة م�سبق ًا واملتوارثة ف�إنه لدى روائيني �أخر نحا نحواً ف�ضائحي ًا و�شبه جماين .وهذا ما �أمكن مالحظته يف بع�ض الأعمال ،التي تع ّمدته يف �سياق بحثها عن «التغريب» الروائي الذي القراء عادة ،عرب ًا كانوا �أم �أجانب .هنا يجذب ّ بدا اجلن�س مو�ضوع ًا م�صطنع ًا ومقحم ًا على الفن الروائي وغري نابع من التجارب التي ّ حتياها ال�شخ�صيات� .إ ّنه اجلن�س للجن�س ولي�س اجلن�س كحقيقة �إن�سانية �أو كحافز نف�سي. كان ال ب ّد من هذا املدخل من �أجل مقاربة احلركة الروائية التي جتلّت خالل العام 2008 والتي ميكن قراءتها عرب حماور �أو حقول ع ّدة تو ّزعتها الروايات التي �صدرت بالتتايل .وهذه القراءة امل�ستندة �إىل املحاور الرئي�سة قد تكون ّ الطريقة الأ�ش ّد مالءمة لر�صد نتاج روائي حم ّدد داخل فرتة زمنية هي ال�سنة هنا.
- 1املحور الأول :التاريخ واملكان بو�صفهما ما�ضي ًا م�ستعاداً
عرفت احلركة الروائية العربية جتربة «الرواية التاريخية» يف جتلياتها املختلفة، وعاد روائيون كثريون �إىل التاريخ البعيد والقريب ،ي�ستوحون �أحداثه ووقائعه يف هدف �إ�سقاطه على الواقع �أو لقراءة احلا�رض يف �ضوئه، ال �سيما خالل الأزمات التي ع�صفت بالعامل العربي ،وهي �أزمات ح�ضارية ووجودية كما ّ هي �أزمات �سيا�سية واجتماعية .و�سعى بع�ض الروائيني �إىل ا�ستنباط بع�ض الأ�شكال الروائية التي وجدت يف الرتاث العربي حماولني تطويرها لتخدم م�آربهم ال�رسدية .ومن هذه الأ�شكال املقامة وفن الراوي �أو احلكواتي والتخييل اخلرايف و�سواها .وقد �أ�سدى الرتاث خدمة �إىل ه�ؤالء الروائيني الذين جل�أوا �إليه و�أم ّدهم بطرائق �رسدية ومواد راحوا يط ّورونها ويح ّدثونها .وقد وجدوا يف ثناياه الكثري من احلكايات والق�ص�ص ال�شعبية واخلرافات البديعة وال�شخ�صيات الفريدة والطريفة. ويف هذا ال�صدد ميكن �إدراج روايات ع ّدة �صدرت يف العام � 2008ضمن هذا املحور
الرئي�س ،ومنها على �سبيل املثل: • رواية «قابيل� ...أين �أخوك هابيل؟» للروائي الليبي �إبراهيم الكوين وفيها يتناول العقد الأخري من القرن الثامن ع�رش وجمرياته يف مملكة «طرابل�س» التابعة للإمرباطورية العثمانية وير�صد ال�رصاع على ال�سلطة بني الإخوة الذين يتح ّولون �إىل �أعداء. • رواية «عزازيل» للكاتب امل�رصي يو�سف زيدان وهي تدور حول خمطوط قدمي ،وتك�شف جزءاً من تاريخ �شبه جمهول ملقية �ضوءاً على ناحية من الرتاث امل�رصي القبطي طاملا ظلّت مغ ّيبة �أو م�سكوت ًا عنها. • رواية «رن» للكاتب امل�رصي جمال الغيطاين، وهي اجلزء ال�ساد�س من �سل�سلة «دفاتر التدوين» التي د�أب الروائي على كتابتها بالتوايل ،حتى ليمكن و�صفها باملتوالية الروائية .وفيها يعيد اكت�شاف املرياث اجلماعي يف ال�رسد التاريخي وال�صويف ،باحث ًا عن التجلّي الأكرث ر�سوخ ًا للهوية الفردية التي ال تنف�صل عن الهوية اجلماعية. • رواية «ال�سماء الثامنة» للروائي اجلزائري �أمني الزاوي ،وهي توغل يف التاريخ ال�شخ�صي على ل�سان الراوي الذي ي�ستعيد ما�ضيه القريب يف �إحدى الثكنات الع�سكرية� .إنها رواية تواجه الواقع العبثي عرب ا�ستعادة الذكريات التي قد ت�صل �إىل طارق بن زياد. «�سن الغزال» للكاتب ال�سوداين �صالح • رواية ّ ح�سن �أحمد .تدور �أحداث هذه الرواية على �ضفتي ال�شطر ال�سوداين من نهر النيل ،وت�ستعيد طقو�س «النيل» وعاداته ورمزيته ،بخ�صوبته حب. وفي�ضاناته من خالل ق�صة ّ • رواية «العلم» للكاتب امل�رصي فتحي �إمبابي، وهي تر�صد التح ّوالت ال�سيا�سية والثقافية التي ع�صفت باملجتمعات العربية� ،سواء �أكانت جمتمعات قبلية ذات طابع بدوي �أم جمتمعات ح�رضية. • رواية «طعم �أ�سود ...رائحة �سوداء» للكاتب اليمني علي املقري .تتناول الرواية �رشيحة ّ ً اجتماعية مينية نادرا ما جرى الكالم على
الف�صل االول الإبداع الأدبي 327
- 2املحور الثاين :الواقع ب�صفته مر�آة التح ّوالت والتناق�ضات
لئن كان من ال�صعب الكالم على مدر�سة روائية واحدة وحم ّددة تبع ًا لتداخل املدار�س بع�ضها ببع�ض ،وهذا �ش�أن �أكدته الروايات التي تو�صف بـ «ال�شاملة» �إذ جتمع بني اجتاهات ع ّدة (االجتاه التاريخي والنف�سي والواقعي والأ�سطوري ،)...ف�إن من املمكن الكالم على رواية واقعية ولكن يف املفهوم الرحب للواقعية ولي�س يف مفهومها ال�ضيق �أو املجتز�أ .والواقعية املتحررة املق�صودة هنا هي الواقعية احلديثة ّ من الإرث العاملي للرواية الواقعية ومن املعايري التي كانت حتكمها �سابق ًا .وبات من املمكن و�صف كل رواية حتاول مقاربة الواقع يف كل �أ�شكاله ،اجتماعي ًا و�سيا�سي ًا ونف�سي ًا و�أيديولوجي ًا ،بالرواية الواقعية. هنا روايات تدرج يف هذه اخلانة �صدرت عام :2008 • رواية «املرتجم اخلائن» للكاتب ال�سوري فواز حداد� .إنها رواية املثقف الذي يرتهن نف�سه �إىل ال�سلطة في�صبح ذا �سلطة قوية .ويخ�ضع الكاتب �صورة املثقف لأمناط عدة :املثقف املافيوي، املثقف املقنع ،املثقف املقاول ،املثقف الع�صابي... • رواية «رحلة ال�سفرجل» للكاتب ال�سوري وليد �إخال�صي .يتناول الكاتب يف الرواية حياة املقتاعدين الذين يواجهون واقع ًا جديداً ال ي�ستطيعون التكيف معه. • رواية «احلار�س» للكاتب امل�رصي ع ّزت القمحاوي .تك�شف الرواية �أجواء جهاز احلرا�سة
الإبداع
حياتها وتقاليدها و�أو�ضاعها املده�شة وهي ال�رشيحة التي ت�سمى بـ «الأخدام» .ويقر�أ الكاتب احلا�رض االجتماعي امل�أ�سوي لهذه اجلماعة يف �ضوء عاداتها وتقاليدها املتوارثة. • رواية «�أر�ض الكالم» للروائي ال�سوري ممدوح عزام .تدور �أحداث الرواية يف اجلنوب ال�سوري وتك�شف عن التاريخ القريب لإحدى القرى وتقرتب من ذاكرة هذه الأر�ض احلافلة بحكايات �أبنائها الذين يعي�شون حا ًال من ال�رصاع الطبقي والعائلي. • رواية «كتيبة اخلراب» للكاتب املغربي عبدالكرمي جويطي .ت�سعى الرواية �إىل ا�ستعادة املا�ضي ال�سعيد لإحدى املناطق الأمازيغية القائمة بني اجلبال وتعز. • رواية «�ساق الغراب» للروائي ال�سعودي يحيى �أمقا�سم .تقتفي الرواية معامل عامل مندثر وت�صوغ حكايات الأجداد منذ مئة عام يف �أ�سلوب جديد .وقد نف�ض الكاتب الغبار عن زمن قدمي ،بعاداته وطقو�سه و�أهازيجه وطعامه ونباته... • رواية «خالف املق�صود» للكاتب ال�سوري �أحمد عمر وهي رواية ت�سعى �إىل توثيق الذاكرة البعيدة لبلدة كردية من�سية متاخمة للحدود الرتكية يف ال�شمال ال�سوري. • رواية «بدو على احلافة» للكاتب املغربي ّ عبدالعزيز الرا�شدي .تدور �أحداث الرواية يف قرية �أو «واحة» يف جنوب ال�صحراء املغربية، وي�شكل املكان القروي ال�صحراوي ف�ضاء لأحداث يختلط فيها الواقعي باملتخيل. • رواية «خيال �ساخن» للروائي امل�رصي حممد الع�رشي .الرواية �أ�شبه برحلة فريدة �إىل عوامل الأ�ساطري القدمية وال�سحر واملخيلة والرتاث. �إنها رواية املوروث ال�شعبي واحلكايات التي تتناقلها الأجيال. • رواية «كائنات من طرب» للكاتبة ال�سعودية الفاران .تدور �أحداث الرواية يف البادية، �أمل ّ وتق ّدم الكاتب خاللها �صورة عن البيئة الريفية املحاذية للربع اخلايل. • رواية «لوعة الأليف الالمو�صوف املحيرّ
يف �صوت �سارماك» للكاتب ال�سوري �سليم بركات .تدور �أحداث الرواية يف �أر�ض «ري�س» التي متثّل الال-مكان وهي بقعة جمهولة من الأر�ض ،موغلة يف بدائيتها ،ال ي�سكنها �سوى العميان. • رواية «�سالم» للكاتب ال�سعودي هاين نق�شبندي .ي�ستخدم الروائي �أ�سلوب «الواقعية أندل�سي. ال�سحرية» ليحيي التاريخ ال ّ
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 328للتنمية الثقافية
الذي يتوىل حماية رئي�س الدولة من خالل �شخ�صية املالزم «وحيد» امللحق بهذا اجلهاز. • رواية «مئة وثمانون غروب ًا» للكاتب اللبناين ح�سن داود .ير�صد الروائي هنا �صعود جمتمع وانحداره ،وير�سم �شخ�صيات تتحرك بني واقع فقري وعامل حتلم به. • رواية «االعرتافات» للكاتب اللبناين ربيع جابر ت�سرتجع الرواية الأجواء الأوىل للحرب اللبنانية وحتديداً حرب ال�سنتني 1975- 1976لتعيد كتابتها من خالل اعرتافات �أحد املقاتلني. • رواية «�إمرباطورية الرمال» للكاتب اجلزائري �صالح �شكريو .تتناول الرواية �إحدى الف�ضائح التي ه ّزت اجلزائر وهي ف�ضيحة البليونري اجلزائري عبد املومن خليفة ب�أ�سلوب يجمع بني الواقع واخليال ،بني التحقيق ال�صحايف والتوثيق والعمل الفني. • رواية «العائلة» للكاتب الكويتي حممد التحوالت التي طر�أت ال�شارخ .تر�صد الرواية ّ على بيئة اجتماعية مغلقة ترف�ض الت�أثر مبعطيات العامل اجلديد ،الذي � ّرشعت العوملة �أبوابه على رياح التغيري. • رواية «خرائط ل�شهوة الليل» للكاتب اجلزائري ب�شري مقني .تعالج الرواية �أحوال اجلزائر ،الدولة التي انق�سمت خالل احلرب الداخلية �إىل خرائط جغرافية متباينة ومربعات �أمنية موزعة بني املتقاتلني. • رواية «القمقم واجل ّني» للكاتب ال�سوري حممد �أبو معتوق .تتناول الرواية واقع الثقافة ال�شعبية وتر�صد التح ّوالت التي �أحدثتها الثقافة الر�سمية ومفرداتها يف املجتمع ويف حياة اجلماعة. • رواية «ع�صري الزنزخلت» للكاتب اللبناين جورج �شامي .عالقة الراوي ب�أ�ستاذه ال�صحايف تتحول �إىل عالقة بني �أب وابنه ،بكل ما حتمل هذه العالقة من حم ّبة وكراهية. • رواية «عرق الآلهة» للكاتب اليمني حبيب عبدالرب �رسوري .عامل يندمج فيه الواقع ّ باملتخ ّيل من خالل ح�ضور ثقافة الكومبيوتر
الذي يعيد كتابة احلا�رض يف طريقة خمتلفة. • رواية «الأم واالبن» للكاتبة الكردية العراقية كالويز �صالح فتاح .تعك�س الرواية �صورة واقعية لأو�ضاع ال�شعب الكردي ومعاناته يف ظ ّل ال�سلطة املتع ّنتة. • رواية «حياة م�ؤجلة» للكاتب ال�سعودي بدر الإبراهيم .رواية ذات �أبعاد اجتماعية تلقي �ضوءاً على عادات املجتمع وتقاليده و�أفكاره والتح ّوالت التي ي�شهدها. • رواية «الفاعل» للكاتب امل�رصي حمدي �أبو جلّيل .ي�ستمد الروائي ما ّدة روايته هذه و�أحداثها من خمزونه احلياتي وك� ّأن الفن الروائي رديف للعي�ش نف�سه. • رواية «�أحمر خفيف» للكاتب امل�رصي وحيد الطويلة .الواقع احلافل بالتغريات والتح ّوالت والتناق�ضات كما ينظر �إليه رجل حمت�رض يرقد على �رسير يف م�ست�شفى. • رواية «�أهداب» للكاتب ال�سوري يا�سني رفاعية .رواية تتناول العالقة بني الفنان ومو�ضوعه ،وهو هنا لوحة فنية لي�ست �إال �صورة للواقع الذي يعي�شه الفنان. • رواية «كر�سي» للكاتبة ال�سورية دمية و ّنو�س. تف�ضح الرواية انتهازية املوظفني الذين ت�سخرهم الدولة مل�صلحتها وتعهد �إليهم مهمة ّ مراقبة زمالئهم يف العمل وامل�ؤ�س�سات. • رواية «فانيليا» للكاتب امل�رصي الطاهر يوجه حركة ال�رسد �رشقاوي .الراوي الذي ّ يحكي عن �أ�شخا�ص يحيطون به جاع ًال منهم �شخ�صيات واقعية وطريفة. • رواية «وردة ال�شمال» للكاتب ال�سوري ح�سن �صقر .رواية تر�صد حركة �صعود �أحد الع�سكريني �إىل ال�سلطة عن طريق الهزمية. • رواية «تلفزيون» للكاتب اللبناين ح�سان الزين .تعالج الرواية ت�أثري التلفزيون يف الفرد واجلماعة ،يف املعنى االجتماعي والثقايف وال�سيا�سي. • رواية «كرييالي�سون» للكاتب امل�رصي هاين عبد املريد .رواية حتتفي بالواقع الهام�شي �أو امله ّم�ش وتك�شف معامله �شبه املجهولة.
الف�صل االول الإبداع الأدبي 329
- 3املحور الثالث :العالقة بني ال�رشق والغرب
- 4املحور الرابع :الرواية الن�سوية «امل�ضادة»
برزت خالل العام 2008ظاهرة لي�ست بجديدة و�إن عرفت فرتات من الغياب �أو التواري، وتتمثّل يف ما ميكن ت�سميته «الرواية الن�سوية امل�ضادة» ،وقد تعاقب على كتابتها روائيات وروائيون على ال�سواء ،وعمد الروائيون �إىل �إ�سناد فعل «ال�رسد» �أو «الق�ص» �إىل امر�أة بدت هي الراوية التي تتكلم ب�ضمري الأنا .لكن بع�ض الروائيني – كما �سرنى – تناول ق�ضايا املر�أة من خالل وجوه ن�سائية احتلّت امل�شهد الروائي وكانت هي «البطالت» �أو ال�شخ�صيات الرئي�سة حترك «عملية» ال�رسد .ولع ّل ابرز ما مي ّيز التي ّ هذه الظاهرة �أ ّنها تتخطى املعطى «الن�سوي» �أو ر�سختها روايات كثرية املعايري الن�سوية التي ّ التحرر و «القتل» املجازي �سيطر عليها هاج�س ّ للذكورة والثورة على ال�سلطة البطريركية يف جتلياتها كافة .من هذه الروايات: • رواية «خذها ال �أريدها» للكاتبة الكويتية ليلى العثمان ،وهي رواية متع ّددة ال�شخ�صيات الن�سائية وت�أتي يف مق ّدمها لبنى التي ت�ستعيد املا�ضي امل�ضطرب الذي جمع بني والدها ووالدتها يف حلظة وفاة الوالدة بل عند غ�سل ج�سدها. • رواية «رائحة القرفة» للكاتبة ال�سورية �سمر يزبك ،وهي تر�صد عالقة جتمع بني �سيدة وخادمتها وهي عالقة «منحرفة» وملتب�سة
مازالت العالقة بني ال�رشق والغرب مو�ضوع ًا �أثرياً لدى الأدب العربي املعا�رص ،ال�سيما بعد �أحداث احلادي ع�رش من �سبتمرب حيث �شهد العام � 2008ست روايات عربية يف هذا امليدان.
الإبداع
�شغلت العالقة بني ال�رشق والغرب الروائيني العرب منذ �أوا�سط القرن الع�رشين واحتلّت ق�ضية ال�رصاع احل�ضاري هذه حيزاً من االنتاج الروائي .وقد برزت على هذا امل�ستوى �أعمال مهمة يف مق ّدمها «ع�صفور من ال�رشق» «احلي الالتيني» ل�سهيل لتوفيق احلكيم و ّ �إدري�س و «مو�سم الهجرة �إىل ال�شمال» للطيب �صالح .هذه العالقة ما زالت عالقة �إ�شكالية وقد زادت من تعقّدها حادثة احلادي ع�رش من �أيلول (�سبتمرب) التي كانت مبثابة ال�صدمة التاريخية احلديثة .مل تغب هذه الق�ضية عن النتاج الروائي خالل العام .2008وهنا ب�ضع روايات: • رواية «العمامة والقبعة» للكاتب امل�رصي �صنع اهلل �إبراهيم .يعود الروائي يف روايته هذه �إىل احلملة الفرن�سية على م�رص م�ستعيداً �إحدى حلقات ال�رصاع بني ال�رشق والغرب و�أول �أ�شكال ال�صدام بني احلداثة العربية يف مرحلة ما قبل التحديث. • رواية «الزلزال» للكاتب اجلزائري الطاهر وطار .تتناول الرواية التح ّوالت التي طر�أت حترر على مدينة ق�سنطينة اجلزائرية بعد ّ اجلزائر من اال�ستعمار الفرن�سي وهي حت ّوالت جذرية و�شاملة على م�ستوى املكان واجلماعة والعادات والتقاليد. • رواية «روائح ماري كلري» للكاتب التون�سي احلبيب ال�ساملي .تعالج الرواية عالقة الأنا (العربية) بالآخر (الأجنبي) على امل�ستوى العاطفي واحل�ضاري� .إنها ق�صة حب جتمع بني رجل قادم من الريف التون�سي وامر�أة فرن�سية يف املغرتب الفرن�سي. • رواية «�سيقان ملتوية» للكاتبة ال�سعودية زينب حفني� .إنها رواية االغرتاب يف �صقيع بالد ال�شمال وحتديداً يف لندن حيث جتد املر�أة نف�سها �ضحية �رصاع بني ما�ضيها وحا�رضها، بني براءتها الأوىل و�إغراء احلرية. • رواية «�سنني مبعرثة» للكاتبة العمانية
غالية �آل �سعيد .تر�صد الرواية العالقات القائمة على امل�صالح الآنية يف مدينة كوزموبوليتية وتتطرق هي لندن التي تعي�ش فيها «البطلة». ّ الرواية مل�سائل دولية ،قدمية وحديثة، كاال�ستعمار والعالقة بني ال�شمال واجلنوب والبنك الدويل و�سواها. • رواية «املر�سى» للكاتبة امل�رصية جنوى �شعبان .تدور �أحداث الرواية و�سط التخوم القائمة بني م�رص وال�سودان وتر�صد كيفية ا�ستغالل اال�ستعمار الأوروبي ل�شعب هذين البلدين.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 330للتنمية الثقافية
تلقي �ضوءاً على بع�ض الزوايا ال�رسية والغام�ضة الكامنة يف �أعماق العامل امل�ضطرب. • رواية «الفرا�ش الأبي�ض» للكاتبة امل�رصية فوزية �سالمة .ت�رسد الراوية حكايتها عرب �ضمري املتكلم متناولة �آليات القمع املتع ّددة امل�صادر والأنواع التي متار�س على البطلة – الراوية التي ال تتمكن من ا�سرتجاع حقها يف احلياة �إال عرب ال�سفر �أو الهروب نحو املجهول. • رواية «�أفراح �صغرية» للكاتبة ال�سورية هيفاء بيطار� .إنها رواية املر�أة الأربعينية التي تدعى هيام ،ت�صارع احلياة والوحدة وتعاين الرتابة يف عامل �صغري ال يت�سع لأحالمها. • رواية «مي�س �إيجيبت» للكاتبة امل�رصية �سهري امل�صادفة .هذه رواية ت�سعى كاتبتها �إىل ف�ضح الواقع ال�سلبي من خالل عني الأنثى التي تر�صد الظواهر ال�سلبية لهذا الواقع من خالل ق�صة قتل الفتاة التي �س ّميت ملكة جمال م�رص والتمثيل بجثتها. • رواية «ا�ستديو بريوت» للكاتبة اللبنانية هالة كوثراين وفيها حت ّول الراوية املدينة �إىل ما ي�شبه اال�ستوديو حيث ت�ضيع ال�شخ�صيات والأدوار نف�سها. • رواية «ن�ساء املنكر» للكاتبة ال�سعودية �سمر املقرن .ت�ضيء هذه الرواية �أروقة جمتمع ن�سائي قابع يف الظل من خالل �شخ�صية امر�أة زانية. • رواية «�صالة من �أجل العائلة» للكاتبة اللبنانية رينيه احلايك� .سرية الأم كما ترويها االبنة التي تتلقى خرب وفاة الأم يف م�أوى العجزة. • رواية «نب�ض الأ�شياء ال�ضائعة» للكاتب امل�رصي �رشيف حتاتة ،تدور الرواية على ل�سان طبيب �أمرا�ض ن�سائية ي�رسد حكايات بينهن رجل واحد ،يف ما ن�سوة ثالث ،جمع ّ يعني هذا «اجلمع» من تناق�ض و�رصاع. • رواية «�رسير الأ�رسار» للكاتب اجلزائري الب�شري الدامون .ت�رسد الراوية – البطلة معامل احلياة الدونية التي تعرفها الطبقات ال�سفلى. • رواية «زهور و�سارة ونارميان» للكاتب
ال�سوري خليل �صويلح� .إنها ق�صة كاتب �سيناريو احلب ت�صنعها ن�سوة ي�ضيع بني حاالت ع ّدة من ّ واحدتهن عن الأخرى. تختلف ّ
-5رواية ال�سرية الذاتية
ال تغيب معامل ال�سرية الذاتية عن �أي رواية حتى و�إن مل تكن تنتمي �إىل هذا النوع من الأدب الروائي .فالكاتب يح�رض ولو خلف قناع ويح ّمل �شخ�صياته يف غالب الأحيان مالمح منه ويلقي على هذه ال�شخ�صيات الكثري من يتجرد ظالله .فالروائي عندما يكتب ال ميكنه �أن ّ من نف�سه ومن �أفكاره ومن ما�ضيه وذكرياته. لكن ثمة رواية تو�صف بكونها «�سرية ذاتية» ّ يتوىل الكاتب فيها �رسد �سريتهّ � ،إما مبا�رشة وب�رصاحة تامة و�إما مواربة وك�أنه متوا ٍر خلف قناع الراوي الذي يتوىل فعل ال�رسد .وكالعادة �صدرت خالل العام 2008روايات هي روايات �سرية ذاتية ،حقيقية و�شبه حقيقية .ومن هذه الروايات «ال�سريية»: • «�سرية الظل :ن�صو�ص عن �آخر هو �أنت» للكاتب الفل�سطيني فاروق وادي .ي�رسد الكاتب �سرية املا�ضي الذي تندمج فيه �صورة الطفل ب�صورة الأر�ض التي هجرها باكراً� .إنها �سرية املكان الذي اندثرت �صورته يف الذاكرة متقاطعة مع �سرية املنفى الذي �أ�صبح مكان ًا. • «وقفة قبل املنحدر :من �أوراق مثقف م�رصي» للكاتب امل�رصي عالء الديب .تختلف ال�سرية هنا عن مفهوم ال�سرية التقليدية وترتبط بحياة املثقف والأ�سئلة التي يطرحها. • «ذكريات مل تكتمل» للكاتبة اللبنانية نازك �سابا يارد .ت�رسد الكاتبة �سريتها متقطعة على طريقة الذكريات امل�ستعادة مد ّونة حمطات مهمة ،يف �سريورة الزمن واملكان ،و�إن كان كتاب يارد �أقرب �إىل الذكريات منه �إىل الرواية. • «يوميات ميونيخ» للكاتب التون�سي ح�سونة امل�صباحي .يكتب الروائي هنا �سريته يف مدينة ميونيخ الأملانية التي �أقامها فيها �أعوام ًا طويلة.
الف�صل االول الإبداع الأدبي 331
• «املمنوعة» للكاتبة اجلزائرية مليكة مق ّدم. تكتب الروائية هنا �سريتها من خالل �شخ�صية �سلطانة التي تعود من منفاها الفرن�سي �إىل بالدها عند بلوغها خرب وفاة حبيبها القدمي. وعند عودتها ت�ستعيد �سريتها يف تلك البالد. (ترجمت الرواية من الفرن�سية �إىل العربية عام .)2008 • «ملك الغائبني» للكاتب الفل�سطيني �إليا�س �صنرب .ي�رسد الكاتب �سريته املمتدة بني فل�سطني �إبان حرب 1948والنزوح �إىل بريوت ثم �إىل املنفى الفرن�سي( .ترجمت الرواية من الفرن�سية �إىل العربية). • «يد اهلل» للكاتبة اللبنانية يا�سمني �شار. ت�ستعيد الروائية ال�شابة م�شاهد من �سريتها خالل احلرب اللبنانية بعيني فتاة عانت عائلتها م�أ�ساة هذه احلرب( .كتبت الرواية بالفرن�سية).
رواية احلرب العراقية
الإبداع
خالل احلرب التي �شنتها الواليات املتحدة الأمريكية وحلفا�ؤها على العراق يف العام 2003وما �أعقبها من وقائع قا�سية وم�آ�س و�أعمال عنف مل ي�ستطع الروائيون (كما ال�شعراء والكتاب عموم ًا) �أن يبقوا �صامتني وجمرد �شاهدين على ما يجري يف بالدهم، ّ فراحوا ي�ستوحون هذه احلرب يف �أعمال روائية بدت على قدر من التفاوت ،منها ما �سعى �إىل ا�ستعادة العراق خالل احلكم ال�سابق الذي كان على ر�أ�سه الرئي�س �صدام ح�سني ،ومنها ما توقّف عند الواقع امل�أ�سوي الذي �أ�سفرت عنه احلرب واملواجهات الدامية التي تلتها ،ومنها ما تناول �أجواء احل�صار الذي �ضرُ ب على العراق .وقد برزت خالل العام 2008روايات ع ّدة ميكن �إدراجها يف خانة «رواية احلرب العراقية» .ومن هذه الروايات: • «الال�س�ؤال والالجواب» للكاتب العراقي ف�ؤاد التكريل ،وقد �صدرت هذه الرواية قبل رحيله ب�أ�شهر� .إنها رواية احل�صار الأمريكي (والدويل) للعراق ،وم�رسحها مدينة بغداد وبطلها يعي�ش
حالة من االنهيار اجل�سدي والنف�سي �إزاء امل�أ�ساة التي حلّت به وبعائلته ووطنه. • «احلفيدة الأمريكية» للكاتبة العراقية �إنعام كجه جي .ت�رسد الرواية حكاية املج ّندة واملرتجمة الأمريكية ،العراقية الأ�صل زينة التي تلتحق باجلي�ش الأمريكي الزاحف �إىل العراق .وهناك تكت�شف الوجه احلقيقي لبالدها الأم. • «ق�شور الباذجنان» للكاتب العراقي عبدال�ستار نا�رص .الراوي البطل ي�رسد تراجيديا بلد هو العراق املمتدة من �أقبية التعذيب ال�سابقة �إىل �سجن احلياة الراهنة. • «مطر اهلل» للكاتبة العراقية هدية ح�سني. تقارب الكاتبة العالقة بني ال�سلطة واملواطنني يف وطن هو العراق ،خا�ضع للقهر والإذالل. • «حار�س التبغ» للكاتب العراقي علي بدر. تدور �أحداث الرواية حول م�أ�ساة املو�سيقار العراقي كمال مدحت الذي اختطف وقتل يف بغداد خالل احلرب. • «حليب املارينز» للكاتب العراقي عواد علي. تك�شف هذه الرواية تداعيات احلرب الأمريكية على العراق و�آثارها يف نفو�س �أبطالها وانعكا�سها على مواقفهم. • «�إنه يحلم �أو يلعب �أو ميوت» للكاتب العراقي �أحمد ال�سعداوي .تتناول الرواية املراحل ال�سوداء يف تاريخ العراق احلديث بدءاً من حكم البعث وانتهاء باحلرب الأمريكية. • «كالب جلجام�ش» للكاتب العراقي �شاكر نوري .الواقع امل�أ�سوي الذي �آل �إليه العراق خالل احلرب وبعدها ،هو مادة هذه الرواية وم�رسح �أ�شخا�صها. • «جمعة يعود �إىل بالده» للكاتب العراقي خالد املعايل .لي�س هذا الكتاب برواية يف املفهوم «املعياري» للرواية لكنه يحوي يوميات وحكايات وم�شاهد عن العراق الراهن ،ي�رسدها الكاتب العائد �إىل بالده بعد غياب طويل.
ثاني ًا 2008 :عام ال�شعر العربي
اختلطت الأجيال واملدار�س ال�شعرية خالل مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 332للتنمية الثقافية
العام 2008يف م�شهد واحد بدا ك�أنه ي�ؤالف بني تيارات عدة طاملا اختلف بع�ضها عن بع�ض، وطاملا تنافرت وتناق�ضت .فهذا العام كان عام ق�صيدة النرث مثلما كان عام الق�صيدة احلرة والق�صيدة العمودية القائمة التفعيلية ّ على العرو�ض .وكان هذا العام �أي�ض ًا عام ال�شعراء ال�شباب اجلدد وما بعد احلداثيني مثلما كان عام ال�شعراء الر ّواد واملخ�رضمني الذين خا�ضوا معركة احلداثة ،ال �سيما يف ال�ستين ّيات من القرن املن�رصم ،مثلما كان �أي�ض ًا يف بع�ض مالحمه عام بع�ض ال�شعراء النه�ضويني الذين متت ا�ستعادتهم ولو عابراً.
ا�ستعادة �أمل دنقل
مرت الذكرى اخلام�سة يف العام ّ 2008 والع�رشون لرحيل ال�شاعر امل�رصي �أمل دنقل ( )1983-1940الذي ما برح يحتل موقعه اخلا�ص يف حركة ال�شعر العربي احلديث. وكانت هذه الذكرى منا�سبة ال�ستعادة مواقفه اجلريئة الراف�ضة للتطبيع مع �إ�رسائيل .ف�أمل دنقل هو �شاعر ق�صيدة «ال ت�صالح» التي ما فتئت الأجيال امل�رصية والعربية املتوالية تر ّددها بحما�سة .وقد �صنعت هذه الق�صيدة جزءاً كبرياً من �شهرته ،لكنها �أ�سهمت يف احلني نف�سه يف اجتزاء �صورته ك�شاعر ويف �إ�ضفاء حال من االلتبا�س �أو �سوء الفهم حيال �شعريته. فهل ميكن ح�رص جتربة �أمل دنقل ،يف بعدها ال�سيا�سي؟ �ألي�س يف هذا الأمر جناية على �شاعر هو �أبعد من �أن ُيح ّد يف اجتاه �أو �إطار �أو تيار؟ مثل هذه الأ�سئلة كان ال ب ّد من طرحها خالل الذكرى اخلام�سة والع�رشين لغياب �أمل دنقل بغية البحث عن الوجه احلقيقي لإحدى التجارب الفريدة يف ال�شعر امل�رصي والعربي املعا�رص. ق�صيدة «ال ت�صالح» التي �سبقت �شعر �أمل دنقل الآخر كانت ح�صيلة املرحلة التي كتبت فيها ،وبدت رد فعل وا�ضح ًا على احلال التي �آلت �إليها الظروف ال�سيا�سية امل�رصية يف الثمانين ّيات .ومل يكن رواجها ال�شعبي م�رصي ًا
وعربي ًا �إال دلي ًال ب ّين ًا على مدى تعبريها عن الواقع ال�سلبي الذي عرفته تلك املرحلة .ق�صيدة هي �أ�شبه ببيان �سيا�سي عام يخت�رص حا ًال �شعبية عامة ،ي�شوبها الغ�ضب مقدار ما ي�شوبها االعرتا�ض والأمل والتململ ...ق�صيدة �سيا�سية ولكن خالية من �أي �رصاخ �أو «زعيق» ومن �أي بطوالت وهمية �أو لفظية .فال�صوت اخلفي�ض الذي يعرتيها ،على الرغم من مبا�رشتها ،منحها طابع ًا احتجاجي ًا وح َّررها من مبا�رشة املوقف الن�ضايل .وقد يكون ال�صوت اخلفي�ض هذا هو ما ي�سم �شعر �أمل دنقل ال�سيا�سي عموم ًا ،عالوة على بع�ض اخل�صائ�ص الأخرى كاال�ستيحاء الرتاثي والبعد الدرامي والرتميز. وكان �أمل دنقل كتب الكثري من الق�صائد ال�شخ�صية �أو لأقل الذاتية ،عندما ان�رصف �إىل ال�شعر ال�سيا�سي .وكم بدا وا�ضح ًا تنقله بني هذين القطبني ال�شعريني :الذات وال�سيا�سة. الذات يف ما تعني من هموم �شخ�صانية ممعنة يف امل�أ�ساة والأمل وال�صمت والغياب ،وال�سيا�سة يف ما تعني من ح�ضور يف العامل والتزام ب�ش�ؤون النا�س وتطلّع �إىل م�ستقبل �أقل ب�ؤ�س ًا. �أ�ضحى �صوت �أمل دنقل �صوت النا�س الب�سطاء وبات �إيقاع �شعره هو �إيقاع احلياة نف�سها ،يف تناق�ضاتها ويف �آمالها وخيباتها. وقد ال يقر�أ �شعر �أمل دنقل ال�سيا�سي �إال انطالق ًا من امل�رشوع ال�شعري الكامل الذي هي�أ ال�شاعر نف�سه له :م�رشوع طوباوي يعيد �إىل الكلمة فعلها ،و�إىل احلياة رونقها املفقود و�إىل العامل براءته ال�ضائعة .لكن «طوباوية» هذا امل�رشوع �رسعان ما ا�صطدمت بجدار اخليبة ،اجلدار الذي ينه�ض «يف وجه ال�رشوق» كما يعرب �أمل يف احدى ق�صائده ،واخليبة التي ت�ؤول �إليها احلما�سة املتمثّلة �أبداً كنهاية قدرية. قد ُيظلم �أمل دنقل لو هو اعترب �شاعراً �سيا�سي ًا فقط و�شاعر القومية العربية فقط و�شاعر االلتزام والوطنية و�سواها من مقوالت حولتها امل�أ�ساة العربية العامة �إىل �شعارات كبرية .وقد ُيظلم كثرياً �إن قيل عنه �شاعر النك�سة والهزمية �أو �شاعر الثورة والتمرد ال�سيا�سي� ...أمل دنقل
الف�صل االول الإبداع الأدبي 333
�شاعر يتخطى حدود الت�صنيف املو�ضوعي (�أو املو�ضوعاتي) لكونه جعل �شعره �سليل احلياة نف�سها يف ما ت�ضم من متناق�ضات ويف ما حتوي من ظواهر والتبا�سات ومفارقات.
ديوان ل�رسكون بول�ص بعد رحيله
النه�ضوي امل�رصي عبدالرحمن �شكري
�إال �أن العام 2008كان يجب �أن يكون �أي�ض ًا عام ال�شاعر امل�رصي عبدالرحمن �شكري ،لي�س لأنه ي�صادف الذكرى اخلم�سني لرحيله فقط ،بل لأن هذا ال�شاعر النه�ضوي الكبري ي�ستحق فع ًال �أن يخرج من الظل الذي رقد فيه طوي ًال ،و�أن ي�ستعيد موقعه الريادي الذي ُ�سلب منه �أو الذي �سلبه منه بالأحرى �شعراء عا�رصوه .وال�س�ؤال الذي ال جواب له والذي كان ال ب ّد من طرحه يف الذكرى اخلم�سني لرحيل عبدالرحمن �شكري هو :ما �رس هذا الظلم الذي ح ّل بهذا ال�شاعر الفريد واملجدد و�أبعده عن اال�ضواء وكاد يحذفه من امل�شهد ال�شعري العربي النه�ضوي؟ وال مبالغة يف القول �إن عبدالرحمن �شكري الذي يكاد يكون �شبه من�سي والذي ق�صرّ النقاد العرب يف حقه هو يف طليعة �شعراء النه�ضة «الثانية» ،مثله مثل جمايليه :حافظ �إبراهيم، �أحمد �شوقي ،خليل مطران ومعروف الر�صايف و�سواهم. ولئن كان �شكري واحداً من �شعراء «الديوان» فهو ا�ستطاع ان يكون على ر�أ�س هذه اجلماعة التي �ضمت عبا�س حممود العقاد و�إبراهيم املازين ،بل �إنه تخطى اجلماعة هذه. وكان �شعار جماعة «الديوان» قد ا�ستل �أ�ص ًال من �إحدى ق�صائد �شكري�« :أال يا طائر الفردو�س �إن ال�شعر وجدان» .وقد اعرتف �شاعرا «الديوان» غداة رحيل �شكري بريادته ،واكت�شفا غداة رحيله �أنه �أ�صبح يف الطليعة. عبدالرحمن �شكري �شاعر كبري من غري منازع ،والدواوين التي �أ�صدرها كانت كافية
الإبداع
ويف موازاة الذكرى اخلام�سة والع�رشين لرحيل �أمل دنقل حلّت الذكرى الأوىل لرحيل ال�شاعر العراقي �رسكون بول�ص ،الذي اختار املنفى الأمريكي وق�ضى فيه �أكرث من �أربعني عام ًا .وكانت الذكرى منا�سبة ل�صدور ديوانه الأخري (بعد رحيله) بعنوان «عظمة �أخرى لكلب القبيلة» .وقد رحل �رسكون عن ثالثة و�ستني عام ًا كان خاللها �شاعراً ،بحياته وق�صائده على ال�سواء .فهو مل ميتهن �أي وظيفة �أو عمل �سوى ال�شعر الذي كان يعكف على كتابته قرر الن�رش كان يف غري �آبه بن�رشه .وعندما ّ احلادية والأربعني ،وحمل ديوانه الأول عنواناً طريف ًا هو «الو�صول �إىل مدينة �أين» و�صدر العام 1985حاوي ًا الق�صائد التي كتبها يف الثمانين ّيات من القرن املا�ضي .لكن �رسكون الذي ا�ستهل الكتابة يف ال�سابعة ع�رشة كان كتب ق�صائد كثرية مل يلبث �أن ن�رشها الحق ًا. وكان كل ديوان ين�رشه ميثل مفاج�أة �شعرية، فهو نادراً ما كان ين�رش على الرغم من غزارته، م�ؤثراً االبتعاد عن الأ�ضواء .فالق�صيدة يف نظره هي حلظة حياة مثلما هي حلظة حمفورة يف قلب اللغة ،وال�شعر جتربة عي�ش مثلما هو جتربة كتابة وت�أمل ور�ؤيا ومواجهة .وقبل �أن يهاجر �رسكون بول�ص �إىل �سان فرن�سي�سكو �سعي ًا وراء «احللم الأمريكي» الذي راج يف ال�ستين ّيات ،عرج على بغداد ثم على بريوت حيث التقى �شعراء جملة «�شعر» التي د�أب على الن�رش فيها برتحاب من م�ؤ�س�سها يو�سف اخلال. وهذا الرتحال بني املدن والبلدان كان د�أب هذا الفتى العراقي الذي �سمي الحق ًا بـ «ال�شاعر املت�سكع» و «ال�سندباد» و «عولي�س». ولئن بدا �رسكون مقتلع ًا �أو بال �أ�سالف يف املعنى ال�شعري ،فهو ا�ستطاع �أن يبتدع �شعريته
اخلا�صة القائمة على حال املنفى ،على الرغم من عالقته القوية بال�شعر العربي ،قدميه وحديثه .لكن �رسكون بول�ص ت�أثر مثل �سائر رفاقه يف مدر�سة «كركوك» بالثورة ال�شعرية احلداثية التي �أجنزها بدر �شاكر ال�سياب و�سواه، وكذلك بالثورة الثانية التي حققتها جملة «�شعر» .لكنه كان دوم ًا بال �أب» �شعري وبال «مرجع» معني ميكن ربطه به.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 334للتنمية الثقافية
كانت جملة «�شعر» مبثابة ال�صدمة الأوىل يف تاريخ ال�شعر العربي .ومل تكن مواجهة �شعرائها احلا�سمة لل�شعر التقليدي والثقافة التقليدية �إال انف�صا ًال عن التاريخ بغية قراءته قراءة نقدية.
فع ًال لرت�سيخ جتربته العميقة التي يتقاطع فيها ال�شعر العربي القدمي وال�شعر العاملي املعا�رص .فهذا ال�شاعر الذي �أجاد الإنكليزية ودر�س يف �إحدى اجلامعات الربيطانية اط ّل على احلركات ال�شعرية العاملية القدمية واحلديثة ،مثلما قر�أ الرتاث العربي م�سحوراً باملعري و�أبي متام وال�رشيف الر�ضي وابن املقفع ،قر�أ �شك�سبري وبايرون وغوته و�شلي وكيت�س و�سواهم .وقد كتب مقاالت كثرية عن �شعراء �أعالم وناثرين اعالم ،عرب ًا و�أجانب .فهو كان ابن ع�رصه كما كان ابن الع�صور القدمية ،وقد حرر ال�شعر النه�ضوي من وط�أة «املنا�سبات» على اختالفها ومن ربقة «الأغرا�ض» اجلاهزة م�سبغ ًا على ال�شعر مهمة الك�شف عن حاالت النف�س الإن�سانية، وعن الوجدان العميق الذي «يحكم» الكائن. وابتعد عن م�ضارب «ال�صنعة» التي �أرهقت اللغة ال�شعرية ،مركزاً على املوقف االنفعايل املتجلي يف �شفافية اللغة وان�سيابها وعذوبتها. ومن ناحية �أخرى �شهد لبنان حدث ًا �شعري ًا «نه�ضوي ًا» متثّل يف ت�أ�سي�س متحف لل�شاعر النه�ضوي �إليا�س �أبو �شبكة ،وقد �أعاد افتتاح هذا املتحف ال�شاعر الكبري هذا �إىل ال�ساحة ال�شعرية ،اللبنانية والعربية .و�شارك يف حفلة االفتتاح ال�شاعر �أدوني�س الذي ينتمي �إىل جيل مما قال �أدوني�س يف احلداثة وجملة «�شعر» ،و ّ الكلمة التي �ألقاها« :ن�ش�أت يف مناخ كتابي �أ�س�س له �إليا�س �أبو �شبكة وال�شعراء الذين جايلهم ،خ�صو�ص ًا ما ات�صل منه بجمالية الت�سا�ؤل و�إعادة النظر ،جذري ًا يف امل�سلّمات أخ�ص. وامل�سبقات ،الدينية والثقافية على نحو � ّ وعندما �أ�ستعيد نتاجهم� ،أجد يف �شعرهم مادة غنية يجدر بالعقول والقلوب �أن ت�ست�ضيء بها».
�أدوني�س واحلداثة
�أما �أدوني�س فكان حا�رضاً ب�ش ّدة خالل عام � 2008سواء بدواوينه وكتبه اجلديدة �أم مبواقفه.
وبدا كعادته جريئ ًا يف اقتحام جدار امل�سكوت عنه ويف خو�ض غمار الق�صيدة احلديثة التي لكن �أدوني�س الذي ال كان من ر ّوادها الأوائلّ . يكف عن �إثارة ال�سجال يف الأو�ساط الثقافية العربية كان مثار �سجال يف «ملتقى ال�شعر العربي املعا�رص» الذي �أحيته دم�شق يف منا�سبة اختيارها عا�صمة للثقافة العربية للعام .2008 وكان �شارك يف امللتقى �شعراء عرب متع ّددو الهويات والأ�ساليب :املغربي حممد بني�س، العماين �سيف الرحبي ،الأردين طاهر ريا�ض، العراقي �شوقي عبد الأمري ،امل�رصي عماد �أبو �صالح ،الفل�سطيني را�سم املدهون و�سواهم. ويف �إحدى اجلل�سات النقدية دار اجلدل حول �أدوني�س وجملة «�شعر» وقد اختلف املنتدون حولهما ،بني منتقد وم�ؤيد .لكن دم�شق �شاءت �أن تكرم جملة «�شعر» فت ّم �إحياء �أم�سية خا�صة ب�شعرائها من �أمثال :يو�سف اخلال� ،أدوني�س، بدر �شاكر ال�سياب� ،أن�سي احلاج ،حممد املاغوط، �شوقي �أبي �شقرا وف�ؤاد رفقة .ولع ّل هذا التكرمي �أعاد �إىل الذاكرة الدور الكبري الذي �أدته جملة «�شعر» يف حتديث ال�شعر العربي وجتديد لغته مرت و�أ�ساليبه ومقارباته وم�ضامينه ...وكانت ّ قبل عام الذكرى اخلم�سون ل�صدور هذه املجلة التي مل يزل �شعرا�ؤها مبعظمهم حا�رضين يف ال�ساحة ال�شعرية العربية املعا�رصة .والالفت �أن جملة «�شعر» مل تغب عن املعرتك ال�شعري الراهن ،وما برح ال�شعراء والنقاد يعودون �إليها و�إىل �شعرائها و�إىل بياناتها والنظريات التي تبنتها .فاملجلة التي �أعادت النظر يف ال�شعر العربي والثقافة العربية مل تكن جمرد منرب �شعري الت�أم حوله �شعراء معا�رصون ،يختلف واحدهم عن الآخر ،بل كانت حركة قائمة بذاتها ،حركة هدم وبناء ،حركة مترد وت�أ�سي�س. كانت جملة «�شعر» مبثابة ال�صدمة الأوىل يف تاريخ ال�شعر العربي .ومل تكن مواجهة �شعرائها احلا�سمة لل�شعر التقليدي والثقافة التقليدية اال انف�صا ًال عن التاريخ بغية قراءته قراءة نقدية. و�أدركت املجلة �أهمية املرحلة التي انطلقت خاللها وهي مرحلة ال�ستين ّيات التي �س ّميت
الف�صل االول الإبداع الأدبي 335
مرحلة «التحرر» ال�شامل .ف�أعلنت ثورتها �ض ّد كل ما ورثته كحركة من ثوابت وم�سلمات جامدة وتقليدية .وبدت مرتبطة ارتباط ًا وثيق ًا بالأ�سئلة والق�ضايا التي �شغلت الع�رص وخ�ضت العامل العربي ،ووجدت يف تلك الأ�سئلة ّ والق�ضايا حافزاً على التخطي والتجاوز وعلى االنطالق نحو �أفق كياين �أعمق و�أ�شمل.
جائزة م�رصية لل�سوداين حممد الفيتوري
�أن�سي احلاج و�سعدي يو�سف يف القاهرة
وقد فتحت القاهرة �أي�ض ًا �أبوابها �أمام ال�شاعر اللبناين �أن�سي احلاج ،رائد ق�صيدة النرث ،و�أعادت �إ�صدار �أعماله الكاملة يف طبعة م�رصية هي الأوىل يف م�رص .وكان �صدور �أعمال هذا ال�شاعر يف القاهرة حدث ًا �شعري ًا وقد ا�ستقبله ال�شعراء اجلدد بحفاوة ،ال �سيما �شعراء ق�صيدة النرث الذين وجدوا يف �صدور هذه الأعمال اعرتاف ًا م�رصي ًا ب�رشعية ق�صيدة النرث التي ما زالت محُ اربة يف م�رص �أو �شبه م�ضطهدة. �أن�سي احلاج ما برح حا�رضاً بقوة و�أثره ينتقل من جيل �إىل جيل .وديوانه الأول الذي حمل عنوان ًا غريب ًا وغري م�ألوف وهو «لن» ( )1960كان مبثابة ال�رصخة ال�شعرية التي �أعلنت والدة ق�صيدة جديدة والتي ما زالت �أ�صدا�ؤها ترتدد حتى الآن .و�إن بدت مقدمة ديوان «لن» مبثابة «البيان» الأول لق�صيدة النرث العربية يف مفهومها التقني واجلمايل، ف�إن فرادة هذا الديوان الذي تقبل عليه الأجيال اجلديدة تكمن يف اجلمالية اجلديدة التي �أر�ساها ،اجلمالية القائمة على الهدم احلب واالحتجاج والتوتر .لكن �أن�سي هو �شاعر ّ مثلما هو �شاعر التمرد والهتك ،وقد متكّن يف ما كتب ويكتب من ق�صائد حب �أن يجعل من املر�أة ذات ًا �إن�سانية و�أن يرتقي بالع�شق �إىل �أرقى جتلياته احل�س ّية والروحية. �أما �سعدي يو�سف ال�شاعر العراقي «املخ�رضم» ،الرائد واملج ّدد الذي مل يتخ ّل عن نظام ال�شعر التفعيلي ف�صدر له يف القاهرة �أي�ض ًا كتاب ي�ض ّم ديوانني هما «�أغنية �صيادي ال�سمك» و «ق�صائد نيويورك» .و�سعدي �أ�ص ًال مل يتوقف عن الن�رش البتة ،فهو يكتب با�ستمرار وين�رش با�ستمرار ،يف عا�صمة عربية و�أخرى .وما برحت
منح احتاد الكتاب امل�رصيني جائزة ال�شعر التي حتمل ا�سم جنيب حمفوظ لل�شاعر ال�سوداين حممد رواد الفيتوري الذي يع ّد واحداً من ّ احلر اجلديد .وقد ر ّدت �إليه ال�شعر ّ بع�ض ًا من اعتبار طاملا احتاج �إليه ،وهو اعتبار �سيا�سي ووطني بامتياز.
الإبداع
وعلى الرغم من الدعوة الدائمة �إىل تخطّ ي «الأبوة» ال�شعرية التي د�أب على �إطالقها حال ال�شعراء اجلدد وال�شباب ،معربني عن ٍ من التململ �إزاء تهمي�شهم و�أمام تكري�س رواد احلداثة ،ف�إن بع�ض ًا من ه�ؤالء ال�شعراء ح�رضوا خالل العام � :2008أن�سي احلاج ،ف�ؤاد رفقة، �سعدي يو�سف الذي كانت جملة «�شعر» فتحت له �أبوابها منذ العدد الأول ال�صادر مطلع العام حرة .ومن جهة �أخرى 1957ون�رش فيه ق�صائد ّ منح احتاد الكتاب امل�رصيني جائزة ال�شعر التي حتمل ا�سم جنيب حمفوظ لل�شاعر ال�سوداين حممد الفيتوري الذي يع ّد واحداً من ر ّواد ال�شعر احلر اجلديد .وكانت البادرة هذه مهمة وبدت ّ �أ�شبه بتحية م�رصية لهذا ال�شاعر امل�رصي الن�ش�أة والهوى ،وقد ر ّدت �إليه بع�ض ًا من اعتبار طاملا احتاج �إليه ،وهو اعتبار �سيا�سي ووطني بامتياز .ففي دم هذا ال�شاعر متتزج �أعراق الأر�ض التي ولد عليها يف غرب ال�سودان :عرق بدوي وقبيلي وزجني و «نيلي» ...ومل يكن ي�ضريه �أن ي�سمى �شاعراً �سوداني ًا �أو ليبي ًا هو الليبي الأ�صل ،بح�سب حتدر عائلته� ،أو �شاعراً �إفريقي ًا �أو عربي ًا� ،أو �شاعراً مهاجراً ومرتح ًال ومقتلع ًا .وقد عا�ش يف م�رص الردح الأكرب من حياته ف�صنعته مثلما �صنعت �أبناءها. وفيها انطلق وحيداً من غري �أن ينتمي �إىل تيار �أو حركة �أو «جملة» �شعرية .ومثلما �صنعته الثقافة امل�رصية �صنعته اي�ض ًا ثقافة الرتحال والغربة �أو املنفى الأ�شبه بالقدر ال�شخ�صي. عا�ش يف الإ�سكندرية ويف الريف امل�رصي
والقاهرة واخلرطوم وبنغازي وبريوت ودم�شق والدار البي�ضاء وروما ثم اختار القاهرة اخرياً بعدما �أم�سى على حافة خريف العمر.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 336للتنمية الثقافية
�شهد العام � 2008صدور كتاب ي�ض ّم ديوانني لل�شاعر العراقي املخ�رضم �سعدي يو�سف هما �أغنية �صيادي ال�سمك ،وق�صائد نيويورك، وهو ال�شاعر الذي يحتفي باحلياة والطبيعة والأ�شياء الب�سيطة التي ال تعار عادة كثري اهتمام.
�أعماله ال�شعرية الكاملة ت�صدر تباع ًا يف طبعات خمتلفة� .شاعر يقظ �أو متيقظ ،يتابع حركة الزمن الواقعي عن كثب ،ي�ستوحي الأحداث الراهنة من غري �أن يتخلّى حلظة عن ذاكرته التي تغو�ض يف �أعماق تاريخه ال�شخ�صي والتاريخ العام، تاريخ العراق وال�شعوب .هكذا يحتفي �شعر �سعدي باحلياة والطبيعة والأ�شياء الب�سيطة التي ال تعار عادة كثري اهتمام ،يقف عند التفا�صيل ويلقي عليها ظال ًال �شعرية. ال�شاعر ف�ؤاد رفقة الذي �شارك يف جملة «�شعر» �أ�صدر يف بريوت ديوان ًا بعنوان «خرب�شات» موا�ص ًال م�ساره اخلا�ص وجتربته التي جتمع بني اللحظة الوجودية واللحظة الت�أملية .وقد عرف رفقة برتجمته الكثري من عيون ال�شعر الأملاين الرومنطيقي واملعا�رص واحلديث. ولئن ح�رض ال�شعراء الر ّواد الذين ينتمون �إىل اجليل احلداثي االول خالل العام 2008ف�إن ح�ضورهم هذا ال يعني �أنهم ي�سيطرون على امل�شهد ال�شعري الذي يتقا�سمه معهم اجليل الذي �أعقبهم و ُي�س ّمى عادة جيل ال�سبعين ّيات، ناهيك بالأجيال التي تلت هذا اجليل خالل الثمانين ّيات والت�سعين ّيات حتى العقد الراهن. وعلى الرغم من �صعوبة تق�سيم ال�شعراء �إىل �أجيال تق�سيم ًا نهائي ًا وثابت ًا نظراً �إىل تداخل الأجيال ،زمني ًا و�شعري ًا ،ف�إن من املمكن ر�صد ح�ضور �شعراء ال�سبعينات �أي ال�شعراء الذين برزوا يف الأعوام ال�سبعني من القرن املن�رصم �أو الذين ن�ش�أوا يف حميط هذا العقد. لكن االنتماء �إىل جيل واحد ال يعني �أن ال�شعراء ينتمون �إىل مدر�سة واحدة �أو تيار واحد ،بل على العك�س ،ف�إن �شعراء اجليل الواحد قد يختلفون بع�ض ًا عن بع�ض ،يف الر�ؤيا واملفهوم ال�شعري واللغة والأ�سلوب .وكم من �شعراء بدوا ك�أنهم يوا�صلون جتربة �شعراء �سبقوهم منتمني �إىل مدر�ستهم ولي�س �إىل جيلهم .والأمثلة يف هذا ال�صدد كثرية. و�إن كان ال ب ّد من �إدراج �شعراء ال�سبعين ّيات الذين ح�رض بع�ضهم ب�شدة خالل العام 2008
يف خانة زمنية واحدة ،فهذا ال يعني �أن ثمة �أفق ًا واحداً يجمعهم كافة .ال�شاعر املغربي حممد بني�س مث ًال يختلف عن ال�شاعر ال�سوري الكردي �سليم بركات ،و�سليم بركات يختلف عن ال�شاعر اللبناين عبا�س بي�ضون وعن ال�شاعرين امل�رصيني رفعت �سالم وحلمي �سامل وعن ال�شاعر اليمني ح�سن عبد الوارث �أو ال�شاعرة الأردنية زليخة �أبو ري�شة �أو ال�شاعرين ال�سعوديني عبدالعزيز حميي الدين خوجة و�سعد احلميدين �أو ال�شاعر اللبناين وديع �سعادة... وه�ؤالء جميع ًا ح�رضوا خالل العام 2008عرب �صدور �أعمال جديدة لهم �أو عرب �صدور �أعمالهم ال�شعرية .والأعمال ال�شعرية ظاهرة �أ�ضحت العربي وتخطت مبد�أ الأجيال، رائجة يف العامل ّ وقد عمد الر ّواد �إىل جمع �أعمالهم و�إ�صدارها يف جملدات مثلما عمد بع�ض من �شعراء ال�سبعين ّيات والثمانينات على جمع �أعمالهم ومنهم على �سبيل املثل :البحريني قا�سم حداد، اجلراح، العراقي ها�شم �شفيق ،ال�سوري نوري ّ الأردين �أجمد نا�رص ،اللبنانيان حممد علي �شم�س الدين و�شوقي بزيع و�سواهم...
ا�ستعادات �شعرية
لئن بدا عام 2008عام ا�ستعادة �شعر الر ّواد والق�ضايا التي �أثاروها وما برحت قائمة وعر�ضة للنقا�ش ،ف�إن الأجيال التي �أعقبتهم ح�رضت بقوة كعادتها يف الأعوام الأخرية لأنها هي التي ت�صنع اليوم امل�شهد جترب وتبحث ال�شعري الراهن ،وهي التي ّ وتطرح الأ�سئلة �ساعية �إىل �إيجاد �أجوبة عليها، نظري ًا وعرب الن�صو�ص نف�سها .ولع ّل اجليل الذي ميكن و�صفه باجليل احلداثي «املخ�رضم» الذي و�صل بني ر ّواد احلداثة والأجيال كان �صلة ٍ التي تعاقبت منذ الثمانين ّيات من القرن املا�ضي ،والذي برز �إما يف نهاية ال�ستين ّيات وا�ستمر حا�رضاً ،هذا �أو يف مطلع ال�سبعين ّيات ّ اجليل �أط ّل بع�ض �شعرائه هذا العام� ،سواء ب�أعمال جديدة �أو ب�أعمال قدمية �أعيد ن�رشها �أو مبختارات �شعرية ت�ض ّم باقة من ق�صائد
الف�صل االول الإبداع الأدبي 337
�شهد العام � 2008صدور خمتارات لل�شاعر الفل�سطيني �سميح القا�سم، وقد �ض ّمت �سبعني ق�صيدة �شكّلت نوع ًا من البانوراما ال�شاملة ملراحل ال�شاعر ون ّدت عن خ�صائ�ص �شعريته امل� ّرشعة على ق�ضية الأر�ض الفل�سطينية وحق العودة وامل�صري، وعلى �أ�سئلة الوجود والإن�سان.
الإبداع
متثّل املراحل كافة .ويف هذا القبيل �أ�صدرت القاهرة خمتارات لل�شاعر الفل�سطيني �سميح القا�سم ،وقد �ض ّمت �سبعني ق�صيدة �شكّلت نوع ًا من البانوراما ال�شاملة ملراحل ال�شاعر ون ّدت عن خ�صائ�ص �شعريته امل�رشعة على ق�ضية الأر�ض الفل�سطينية وحق العودة وامل�صري، وعلى �أ�سئلة الوجود والإن�سان .وجمعت هذه املختارات بني �صفة القا�سم ك�شاعر منا�ضل و�صفته ك�شاعر منغر�س يف �أدمي الوجود الإن�ساين .وبدت هذه املختارات �أ�شبه بال�شهادة ال�شعرية على امل�أ�ساة الفل�سطينية التي مل تلبث �أن جتلّت يف احلرب الإ�رسائيلية على غ ّزة التي اندلعت يف نهاية العام .2008 توالت الأ�سماء خالل هذا العام :ال�شاعر امل�رصي حممد �أبو �سنة �صدر له ديوان «مرايا النهار البعيد ...ورد الف�صول الأخرية» وفيه يوا�صل جتربته اخلا�صة التي خا�ضها منفرداً. ال�شاعرة ال�سورية الراحلة �سنية �صالح زوجة ال�شاعر الكبري الراحل حممد املاغوط �صدرت �أعمالها ال�شعرية الكاملة .ال�شاعر ال�سعودي عبدالعزيز حميي الدين خوجه �صدر له ديوان «رحلة البدء واملنتهى» .ال�شاعر اللبناين جوزف حرب �صدر له ديوان بعنوان «كلك عندي �إال �أنتِ »؟ ال�شاعر امل�رصي فاروق �شو�شة �صدرت له الأعمال ال�شعرية� ،إ�ضافة �إىل ديوان جديد بعنوان «ربيع خريف العمر» .ال�شاعر اللبناين وديع �سعادة �صدرت �أعماله الكاملة وكذلك ال�شاعر اللبناين ر�شيد ال�ضعيف الذي ا�ستهل م�سريته �شاع ًرا ثم انتقل �إىل الرواية .ال�شاعر امل�رصي ح�سن طلب �أ�صدر ديوان ًا بعنوان «نزهة يف ظالم ال�ضوء» وال�شاعر امل�رصي حممد �سليمان �أ�صدر ديوانه «�أوراق �شخ�صية» وال�شاعر اللبناين حممد العبداهلل �أ�صدر ديوان ًا بعنوان «زهرة ال�ص ّبار» .و�أ�صدر ال�شاعر ال�سعودي �سعد احلميدين ديوان ًا بعنوان «غيوم ياب�سة» .وال�شاعر اليمني ح�سن عبدالوارث ديوان ًا بعنوان «حدث ذات قبلة» .و�أ�صدر ال�شاعر اللبناين عبا�س بي�ضون ديوانه «املوت ي�أخذ مقا�ساتنا» وال�شاعرة الأردنية زليخة
�أبو ري�شة ديوانها «جوى» .و�صدرت لل�شاعر ال�سوري �سليم بركات �أعماله الكاملة ،ولل�شاعر امل�رصي رفعت �سالم ديوان «حجر يطفو على املاء» ولل�شاعر امل�رصي حلمي �سامل ديوانه «ال�شاعر وال�شيخ» ولل�شاعر امل�رصي �أجمد ريان ديوانه «حني يغرق العامل �شعراً»... ه�ؤالء ال�شعراء و�سواهم ممن مل ي�صدروا �أعما ًال خالل العام 2008ميثلون حلقة و�صل بني اجليل احلداثي الذي برز يف ال�ستين ّيات والأجيال الالحقة ،وقد ا�ستطاع الكثريون منهم احتالل مواقع �شعرية متقدمة و�أ�س�سوا جتارب جديدة تلتقي مع التجارب ال�سابقة وتختلف عنها يف � ٍآن واحد .وه�ؤالء بات لهم ح�ضورهم القوي على خريطة ال�شعر العربي احلديث كما بات لهم �أثر يف بع�ض �شعراء الأجيال الالحقة. �أما اجليل الذي تالهم ويعرف عادة بجيل الثمانينات فوا�صل م�سريته مثل اجليل ال�سباق منطلق ًا من الإرث ال�شعري احلداثي الذي �شارك يف �صنعه ال�شعراء ال�سابقون .وقد توالت �أعمال �شعراء كثريين يف ال�صدور خالل العام ،2008 و�صدر بع�ض هذه الأعمال نهاية العام 2007 ومل تو ّزع �إال يف مطلع العام التايل فاعتربت �أنها تنتمي �إىل هذا العام ( .)2008ومن ه�ؤالء ال�شعراء :املغربي ح�سن جنمي (ديوان :على انفراد) ،الفل�سطيني غ�سان زقطان (ديوان :كطري من الق�ش يتبعني) ،املغربي عبداهلل زريقة (�إبرة الوجود) ،امل�رصية فاطمة قنديل (�أ�سئلة معلقة كالذبائح) ،الإماراتية مي�سون �صقر القا�سمي مفرح (�أرملة قاطع طريق) ،الكويتية �سعدية ّ (ليل م�شغول بالفتنة) ،العماين �سيف الرحبي (ن�شيد الأعمى) ،اللبناين عبده وازن (حياة معطلة) ،اللبناين �أنطوان �أبو زيد (ف�ضاء حر)، امل�رصي جمال الق�صا�ص (كوملبو�س على احلافة) ،العراقي فاروق يو�سف (هواء الو�شاية)، و�ساط (فرا�شة من هيدروجني)، املغربي مبارك ّ ال�سوري �إبراهيم جرادي (دع املوتى يدفنون موتاهم)... ولع ّل �صدور الأعمال الكاملة لل�شاعرة ال�سورية �سنية �صالح كان حدث ًا الفت ًا لأنه �أعاد
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 338للتنمية الثقافية
�إىل الواجهة �شاعرة كانت من�سية �أو �شبه من�سية �أو رمبا مه ّم�شة �أو حمذوفة .فهي مل حتظ مبا كانت ت�ستحق ،وكاد �شعرها �أن يغيب على الرغم من �أنها ن�رشت القليل منه يف جملة «�شعر» ويف جملة «مواقف» .وقد غابت عن ال�سجال ال�شعري يف ال�ستين ّيات فيما كانت ت�ستحق �أن حت�رض، وغابت عن ال�ساحة ال�شعرية يف ال�سبعين ّيات بينما كان �آخرون ي�صعدون وهم ال يزيدونها موهبة. يتحدث الكثريون عن �سنية �صالح ولكن قلة تتحدث عن �شعرها .ديوانها الأول «الزمان ال�ضيق» اختفى ودواوينها االخرى مل تنل حقها يف النقد على اختالفه .ظلمت هذه ال�شاعرة مماتها .ويحتاج كثرياً ،يف حياتها كما بعد ّ �شعرها �إىل �أن يقر�أ من جديد ال ل�صعوبته، وهو �أ�ص ًال �صاخب بتلقائيته احلية ،بل ليحت ّل املرتبة التي ي�ستحقها بني ال�شعراء احلقيقيني ولينال احلظوة التي تليق به. قد يربز �أثر �ضئيل من �شعر حممد املاغوط (زوجها) يف ق�صائد �سنية �صالح� ،أثر يف مما يف اللغة نف�سها �أو الأ�سلوب والنربة �أكرث ّ املوقف ال�شعري من العامل .فهي �أقل ق�سوة من زوجها و�أقل حدة و�سخرية وعبثية ...لكنها �أ�شد �شفافية وحنينا و�ضعفا وحرية� .إنها تكتب بعفوية مطلقة وتلقائية �ساحرة .ال يهمها ال�شكل بذاته وال اللغة بذاتها .ما يهمها هو املناخ الآ�رس الذي تبوح به الق�صائد وتنه�ض يف ظله .ويف �شعرها قد يربز �أثر لل�شاعر �أدوني�س وخ�صو�صا يف بداياته «التفعيلية» لكنها ت�رص على النرث� ،شعرا وق�صيدة. اجليل التايل ميكن ت�سميته جيل الت�سعين ّيات وهو ميتد حتى العام 2000وما بعده ،وقد �أ�صدر بع�ض �شعراء هذا اجليل �أعما ًال كان لها �صدى وبد�أوا بدورهم يوا�صلون امل�سار ال�شعري مت�أثرين بال�شعراء الذين �سبقوهم على اختالف �أجيالهم .ففي العام 2008برز �شعراء كثريون ،منهم :ال�سورية هالة حممد (ديوان: ك�أين �أدق بابي) ،االماراتي �أحمد را�شد ثاين (ي�أتي الليل وي�أخذين) ،العماين زاهر الغافري
(كلما ظهر مالك يف القلعة) ،الإماراتية جنوم الغامن (مالئكة الأ�شواق البعيدة) ،ال�سوري عابد �إ�سماعيل (ملع �رساب) ،امل�رصي خالد ال�صاوي (�أجرا�س) ،ال�سعودية هدى الدغفق (امر�أة مل تكن) ،اللبناين زاهي وهبي (يعرفك مايكل �أجنلو) ،العراقية �أمل اجلبوري (هاجر)، اللبنانية �سوزان عليوان (كل الطرق ت�ؤدي �إىل �صالح �سامل) ال�سورية �سعاد جرو�س (رمان)، اللبناين غ�سان جواد (�ضوء بني حياتني)، الإماراتية خلود املعال (رمبا هنا) ،امل�رصي �إبراهيم داود (�ست حماوالت) ،اللبنانية زينب ع�ساف (بواب الذاكرة الفظ) ،ال�سعودي عبد اهلل ثابت (كتاب الوح�شة) ،امل�رصي عماد ف�ؤاد (حرير) ،اللبنانية �آمال نوار (نبيذها �أزرق وي�ؤن�س الزجاج) ،ال�سوري ح�سني دروي�ش (�شامة ليل) ،الفل�سطيني يو�سف �أبو لوز (خط الهزالج) ،ال�سورية الكردية كزال �أحمد (ق�صائد متطر نرج�س ًا.)...
خمتارات �شعرية
برزت خالل العام 2008ظاهرة املختارات �أو «الأنطولوجيات» التي متثّل �أجيا ًال �شعرية وجتارب واجتاهات .واملختارات ت�سهم عاد ًة يف ك�رس احلاجز الذي يحول دون توزيع الدواوين التي تن�رش تباع ًا ،ال �س ّيما عندما ت�صدر يف العوا�صم العربية خمرتق ًة ح�صار الأ�سواق املحلية ال�صغرية .يف فل�سطني مث ًال� ،أ�صدر «بيت ال�شعر» (رام اهلل) خمتارات بعنوان «خارج �سياق النهر» وقد �أع ّده وقدمه ال�شاعر الفل�سطيني مراد ال�سوداين ،وقد حوت ق�صائد لل�شعراء ال�شباب الذين ي�صنعون امل�شهد الفل�سطيني الراهن .و�أعد �أي�ض ًا ال�شاعر الفل�سطيني غ�سان زقطان خمتارات �أخرى لل�شعر الفل�سطيني اجلديد بعنوان «الق�صيدة الفل�سطينية املعا�رصة» وقد ترجمت �إىل الفرن�سية و�صدرت يف طبعة مزدوجة بالعربية والفرن�سية يف بلجيكا .وهذه املختارات هي فع ًال من �أهم الكتب التي ق ّدمت ال�شعر الفل�سطيني اجلديد والراهن .وقد جتاوز غ�سان زقطان ،مع ّد هذه
الف�صل االول الإبداع الأدبي 339
الإبداع
املختارات ،التق�سيمات ال�سيا�سية واجلغرافية التي ر�أى �أنها ت�ض ّيق امل�شهد ال�شعري وتدفعه نحو تقوميات ،ذات بعد واحد متتبعة احلدث والقراءة ال�سيا�سية ،وهو ما حكم ال�سيا�سي ّ حركة ال�شعر الفل�سطيني عقوداً طويلة و�أغرقها مبطالبات ومعايري كانت دائم ًا خارج ال�شعر. هذا بال�ضبط ما مترد عليه ال�شعراء وما حاولوا عرب كتابتهم واقرتاحاتهم اجلمالية واقرتابهم من احلياة اليومية التحرك به نحو �ضفاف �أخرى ،م�ستعينني بخربة خمتلفة وذائقة خمتلفة .على حتريك الأ�شياء. ويف بريوت �أ�صدرت اللجنة الوطنية ملنظمة اليون�سكو ،فرع لبنان« ،ديوان ال�شعر اللبناين املعا�رص – خمتارات» من �إعداد حمزة عبود وتقدميه .وبدت هذه املختارات مهمة و�شاملة، وقد جمعت الأجيال كافة وكذلك املدار�س واالجتاهات التي ي�شملها ال�شعر اللبناين املعا�رص .و�ض ّمت املختارات �أكرث من �ستني �شاعراً ميثلون خمتلف االجتاهات والتح ّوالت التي عرفتها احلركة ال�شعرية يف لبنان منذ منت�صف القرن املا�ضي .وقد حاولت �أن تقدم �صورة للم�شهد ال�شعري تتيح للقارئ �أن يتبينّ املالمح الأ�سا�سية لهذه احلركة من جهة ،و�أن يل ّم ب�أبعاد عدد من التجارب ال�شعرية البارزة من جهة ثانية .ولذلك ف�إن عدد ال�صفحات والق�صائد املختارة هنا من ال�شعراء ال يعبرّ ،يف كل احلاالت ،عن موقع ال�شاعر ومدى ح�ضوره �أو ت�أثريه يف احلركة ال�شعرية اللبنانية بقدر ما يحاول الك�شف عن جتربة ال�شاعر والأبعاد التي اتخذتها هذه التجربة على �أكرث من �صعيد. وحاولت املختارات ،من جهة ثانية� ،أن تبينّ الروابط ال�ضمنية واملبا�رشة بني ه�ؤالء ال�شعراء الذين ت�شكّلت مالحمهم يف عدد من ال�صحف واملنتديات الثقافية والأدبية �أو على �صفحات جملة «�شعر» وبني اجليل ال�شعري الذي ن�ش�أ يف مطلع ال�سبعين ّيات .وحاولت هذه املختارات �أن تبيهن املالمح الأ�سا�سية لتجارب ال�شعراء ال�شبان الذين ظهرت جمموعاتهم الأوىل خالل العقدين الأخريين ،منذ ال�سنوات الأخرية للحرب
الأهلية حتى الآن. وقد ح�رض �أي�ض ًا ال�شعر ال�سوري املعا�رص واجلديد عرب نوعني من املختارات ،النوع الأول حمله «كتاب يف جريدة» �ضمن �سل�سلة «ديوان ال�شعر العربي يف الربع الأخري من القرن الع�رشين» .وقد اختار الق�صائد وق ّدمها ال�شاعر �شوقي بغدادي وقال يف تقدميه« :ما من �شك يف �أنها كانت مهمة �شاقة ،ف�سورية حافلة بال�شعراء ،ويف حدود �صفحات «كتاب يف جريدة» يبدو �أن �إر�ضاء اجلميع غاية ال تدرك». تخ�ص وي�شف الكالم هذا عن �أزمة ثقافية ال ّ تخ�ص العمل الإبداعي ذاته ،وهو ال�شعر هنا ،بل ّ العالقات بني ال�شعراء قبل �أي �شيء �آخر ،ذلك �أن عدد �صفحات «كتاب يف جريدة» يربو على الثالثني وهي من القطع الكبري� .أما املختارات الأخرى ف�صدرت يف عدد خا�ص �أفردته جملة حترك «ال�شعر» امل�رصية بعنوان «ثمة �أغنيات ّ املاء» ،وقد �أع ّد املختارات وق ّدمها ندمي الو ّزة. وقد تكون مقدمة ندمي الوزة لل�شعر ال�سوري هي ال�صورة الأن�صع ملا يجب �أن تكون عليه مقدمات املختارات ال�شعرية ،ذلك �أنها جنحت يف واحدة من �أهم وظائف النقد :التبويب والت�صنيف .فقد ا�ستطاع الناقد �أن يظهر العالقات ال�شعرية بني الأجيال ال�شعرية ال�سورية ،و�أن يبينّ كيف �أن «قلق الت�أثري» �أي ت�أثر ال�شعراء بع�ضهم ببع�ض، وكتابة ال�شعر من خالل ر�ؤى متقاطعة تارة ومتوازية طوراً ،متقاربة حين ًا ومتباعدة حين ًا �آخر ،هو ما يعطي ال�شعر يف مكان وزمان حمددين خ�صو�صيته.
�سوق عكاظ يف ال�سعودية ومهرجان لل�شعر الأنثوي يف دم�شق
�شهد العام كالعادة مهرجانات �شعرية العربي ومنها مهرجان الأردن ع ّدة يف العامل ّ ومهرجان املالجة يف �سورية ومهرجان �أ�صيلة يف املغرب� ،إ�ضافة �إىل اللقاءات ال�شعرية التي ال تتوقف �أ�ص ًال يف العوا�صم واملدن العربية. وكان الالفت هذا العام مهرجان «�سوق عكاظ» ال�سعودي يف دورته الثانية ،التي �شهدت تطوراً مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 340للتنمية الثقافية
كان الالفت هذا العام مهرجان «�سوق عكاظ» ال�سعودي يف دورته الثانية ،التي �شهدت تطوراً ميكن �أن يدل على نهو�ض مرحلة مهمة بالن�سبة لل�شعر العربي يف �شكل عام ،قد ت�سهم يف �إعادته �إىل واجهة امل�شهد الأدبي عربياً.
ميكن �أن يدل على نهو�ض مرحلة مهمة بالن�سبة لل�شعر العربي يف �شكل عام ،قد ت�سهم يف �إعادته �إىل واجهة امل�شهد الأدبي عربي ًا .ولع ّل الدعم والرعاية اللذين حظي بهما �سوق عكاظ من ال�شاعر الأمري خالد الفي�صل� ،أمري منطقة مكة املكرمة التي تتبع لها حمافظة الطائف ويقع فيها ال�سوق ،حيث كان يتبارى ال�شعراء يف الع�رص اجلاهلي ،دفعا القائمني على املهرجان �إىل امل�ضي قدم ًا ،يف العناية بالتنظيم وتنويع امل�شاركني وحتديد وقت النطالق فعالياته يف كل عام� ،إ�ضافة� ،إىل الدقة يف اختيار �أع�ضاء جلنة اجلائزة التي متنح �سنوي ًا ،والتي ينبغي �أن تكون �أكرث انفتاح ًا ومرونة يف تعاملها مع ال�شعر. ً ً و�شهدت دم�شق مهرجانا فريدا عنوانه «�شاعرات عربيات يف دم�شق» وقد نظّ مه ملتقى «� 48ساعة �شعر» وهدفه �إحياء مقولة «ال�شعر الأنثوي» بح�سب ما ّعرب امل�رشفون عليه .وقد التقت يف املهرجان �شاعرات عربيات من �أجيال خمتلفة و�آفاق خمتلفة وت�شاركن يف �إحياء �أم�سيات وقر�أن بحرية خارج �سلطة املنابر املعهودة .و�أعادت التظاهرة �إىل الذاكرة املعركة التي خا�ضتها ال�شاعرة العربية ،ال �سيما �أوا�سط القرن املن�رصم ،لتفر�ض �صوتها ك�شاعرة. وعندما يقال «�شعر �أنثوي» ف�إن ذلك يفتح الباب وا�سع ًا �أمام �سجاالت حادة �شهدتها ال�ساحة الثقافية العربية ،لكن امللتقى مل يخ�ض يف اجلدل الدائر حول الكتابة الن�سائية ،والفروق بني هذه الكتابة وتلك التي يكتبها الرجل .ومل يرث كذلك �أي حديث ي�شري �إىل بحث الأنثى عن م�رشوعية لها ،ولكتابتها� ،ضمن «الثقافة الذكورية الطاغية» ،بل ،على العك�س ،جاء االختيار «ح ًبا باملذكر واختيا ًال بالأنثى» كما عبرّ ت ال�شاعرة هالة حممد مديرة املهرجان، ومثل هذا التعبري ال يهدف �إىل تكري�س املقوالت النمطية يف �ش�أن الكتابة الن�سائية بقدر ما يطمح �إىل �إلغاء مفهوم الن�سوية ال�ضيق الذي يقدم املر�أة ككائن يرف�ض «ن�سويته الناق�صة».
ولع ّل ال�شاعرات ،املنتميات �إىل �أجيال �شعرية خمتلفة ،وميتلكن جتارب �شعرية متباينة، ويع�شن يف جغرافيات متباعدة يف العامل العربي ،جئن كي يع�شن ال�شعر وع ّربن عن هذا املنحى ،املنحى الذي ي�ؤكد ب�أن جن�س الكاتب، �سواء كان ذكراً �أم �أنثى ،ال ي�شكل معياراً جلودة الن�ص. ّ
«ال�شعر البديل» يف القاهرة
�أقيمت يف القاهرة الدورة الثانية من م�ؤمتر «ال�شعر البديل» بعنوان «�أم�سيات �شعرية بديلة :راهن ال�شعر امل�رصي» ،وقد �أثار� ،ش�أنه يف ذلك �ش�أن العديد من امل�ؤمترات الثقافية يف م�رص ،الكثري من ال�سجال ،بدءاً بالعنوان وانتهاء بامل�شاركني مروراً بالبيانات واملواقف والأحداث ال�ساخنة .فالعنوان الذي حمل �شعار «البديل» مل ي�ستطع القائمون على تنظيم امل�ؤمتر حتديد مفهوم وا�ضح له� .أما ال�شعراء امل�شاركون يف امل�ؤمتر فكانوا يف معظمهم جدداً �أو مبتدئني ،وبد ًال من تكري�س ق�صيدة النرث كتيار مهم يف امل�شهد الثقايف امل�رصي الراهن ح�رضت ق�صيدة التفعيلة والنرث والق�صيدة املكتوبة بالعامية.
�شعراء عرب �شباب
الالفت �شعري ًا خالل هذا العام �أن ال�شعراء العرب ال�شباب ما برحوا يبحثون عن مواقعهم يف امل�شهد ال�شعري الراهن ،طارحني على �أنف�سهم وعلى الآخرين �أ�سئلة حتيرّ هم �أو تقلقهم، وهي غالب ًا �أ�سئلة ال�شعر التي ال �أجوبة �شافية لها .وكعادتهم يف �إ�صدار جمالت وكراري�س حين ًا تلو �آخر قد ت�ستمر �أو قد حتتجب� ،أ�صدر �شعراء �شباب جريدة «الغاوون» ال�شعرية يف بريوت و «مقدمة» ،وهي جملة �أو كتاب غري دوري ،يف القاهرة .والتزامن بني الإ�صدارين يعن �أن امل�رشوعني مت�شابهان ،وهنا رمبا مل ِ يكمن االختالف الذي ال ب ّد منه« .الغاوون» حتمل مالمح م�رشوع جديد متام ًا ،فهي جريدة �شعرية جتمع بني الطابع الإبداعي والطابع
الف�صل االول الإبداع الأدبي 341
�أزمة القارئ ال�شعري هي الأبرز وت�شهد عليها �أرقام املبيعات ال�شعرية .هناك دواوين ل�شعراء حمدثني بارزين قد يكون من الف�ضيحة �إبراز �أرقام مبيعها .وقد يكون جلوء الكثريين من ال�شعراء �إىل حفالت التوقيع ح ًال لهذه امل�شكلة. ّ لكن حركة الرتويج هذه ال تعبرّ عن حرية الإقبال على الدواوين ال�شعرية.
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإبداع
ال�صحايف .ه ّمها �أن تنزل ال�شعر من برجه العاجي �إىل معركة احلياة كا�شفة عن وجهه الآخر وارتباطه بهذه احلياة� .أما جملة «مقدمة» التي �أعلنت غايتها م�سبق ًا وهي اقت�صارها على ق�صيدة النرث ،فهي جتمع بني الن�ص الإبداعي والن�ص النقدي ذي الطابع الر�صني .على � ّأن «الغاوون» ت�صرّ على �صفتها م�رشوع ًا مفتوح ًا تتعانق فيه ق�صيدة النرث وق�صيدة التفعيلة ورمبا الكال�سيكية .هكذا بدا بيانها الت�أ�سي�سي بعيداً من لهجة البيانات الر�سمية� .أما م� ّؤ�س�سا اجلريدة ورئي�سا حتريرها فهما زينب ع�ساف وماهر �رشف الدين .يف حني �أن جملة «مقدمة»، التي كانت تطمح �أ�رسة حتريرها �إىل ت�سميتها «ما بعد ال�شعر» ثم عدلت عن هذا اال�سم ،فرتبط «ال�شعرية العربية اجلديدة» بجو ق�صيدة النرث. ولع ّل بيانها الت�أ�سي�سي الذي جاهر بخروج املجلة عن �أي بعد �أيديولوجي جعل من ق�صيدة النرث ما ي�شبه النزعة الأيديولوجية ولو م�ضمرة. وقد �ض ّمت هيئة التحرير �أ�سماء مثل� :سامر �أبو هوا�ش (فل�سطني /لبنان) ،حممد ف�ؤاد (�سورية)، عاطف عبدالعزيز وغادة نبيل وحممود قري (م�رص). ً ال�شعر بخري �إذا يف العامل العربي بح�سب ما «ت�شي» به هذه العناوين الكبرية ،عالوة على امل�شاريع ال�شعرية ال�صغرية التي ت�شهدها العوا�صمَ .من ي�ستطيع �أن يقول �إن ال�شعر العربي الراهن يعاين «�أزمة»؟ َمن يقدر �أن يعلن �أن هذا ال�شعر ي�شهد حا ًال من الرتاجع فيما ال�شعراء يزدادون والدواوين متلأ رفوف املكتبات العربية؟ َمن ي�ستطيع �أن يح�صي ما ُيكتب من ق�صائد يف العامل العربي؟ هذا الرواج «الظاهر» لل�شعر ولق�صيدة النرث على الرغم من متلمل النا�رشين العرب هل يعني �أن ال�شعر العربي الراهن ال يعاينم�شكلة �أو �أزمة؟ قد ال يكفي هذا «الرواج» املعلن ليكون معياراً ميكن احلكم من خالله على «�سالمة» الواقع ال�شعري العربي وعلى ر�سوخه �أو نهو�ضه .فالظاهر �أمر والواقع امللمو�س �أمر �آخر .وال�شعر الذي ُيحتفى به دائم ًا والذي تر ّوج
له ال�صفحات الثقافية يف ال�صحافة وبع�ض الدور واملنابر يعاين فع ًال �أزمات عدة ،لي�س يف العامل العربي فقط و�إمنا يف بع�ض الدول الغربية �أي�ض ًا .وال�س�ؤال الأول الذي ُيطرح هو عن القارئ الذي يكاد يكون «�شبح ًا» جمهو ًال ،ال ال�شعراء يعرفونه وال النا�رشون .هناك طبع ًا قلّة قليلة القراء معظمهم من ال�شعراء �أنف�سهم .ه�ؤالء من ّ لكن ال�شعراء حتم ًا ب�سهولة. ر�صدهم ميكن ّ قراءهم بل ال يعرفون ملن يكتبون، يجهلون ّ �إذا افرت�ضنا �أنهم يتوجهون �إىل قراء مع ّينني. ال�شعراء الكبار قد يعرفون جمهورهم ،ال �س ّيما يف الأم�سيات ال�شعرية ،عندما يقر�أون له ما يحب �أن ي�ستمع �إليه �أو ي�صدمونه يف �أحيان مق ّدمني له ق�صائد غري �شعبية وغري رائجة. �أزمة القارئ ال�شعري �إذاً هي الأبرز ،وت�شهد عليها �أرقام املبيعات ال�شعرية .هناك دواوين ل�شعراء حمدثني بارزين قد يكون من الف�ضيحة �إبراز �أرقام مبيعها .هذا �أمر حقيقي .وقد يكون جلوء الكثريين من ال�شعراء �إىل حفالت التوقيع لكن حركة الرتويج هذه ال ح ًال لهذه امل�شكلةّ . تعبرّ عن حرية الإقبال على الدواوين ال�شعرية. «القراء» الذين هم �إنها مبادرة مفرو�ضة على ّ من الأ�صدقاء والأقارب ...احلركة احلقيقية هي التي ُت�سجل يف املكتبات �أو معار�ض الكتب حني يكون فعل ال�رشاء �رضب ًا من االختيار احلر. ّ أو � القارئ أزمة � على وعالوة القراءة، ّ يعاين امل�شهد ال�شعري العربي الآن حا ًال من اال�ضطراب واالختالط والفو�ضى ...وهذا ما �أ�سهمت به ق�صيدة النرث -عن غري ق�صد - وعممت خط�أ ،ف�أ�صبحت بعدما فُهمت خط�أ ُ �أ�شبه بالأر�ض «امل�شاع» التي ال �سياج لها وال �سور .علم ًا �أن ق�صيدة النرث ال تق ّل �صعوبة عن ق�صيدة التفعيلة �أو الق�صيدة العمودية .ولع ّل ما زاد من ارتباك هذا امل�شهد �أي�ض ًا ،غياب النقد العربي الذي كان ال ب ّد له من �أن يرافق احلركة ال�شعرية املتنامية ب�رسعة .فمعظم النقّاد العرب يتوقفون عند جيل ر ّواد احلداثة وال يتخطّ ون «تخوم» هذا اجليل� ،إما جلهلهم ما يح�صل يف
التقرير العربي الثاين 342للتنمية الثقافية
َمن يقر�أ ال�شعر اليوم؟ هل ا�ستطاع «اجلمهور» �أن يواكب الثورات ال�شعرية املتالحقة؟ هل ي�ستطيع هذا «اجلمهور» �أن ي�ستوعب ما يقر�أ لو �أ ّنه قر�أ فع ًال الأعمال املغالية يف جتريبيتها؟
املعرتك ال�شعري الراهن �أو لتخ ّوفهم من خو�ض غمار ال�شعر اجلديد الذي يجهلون كيف يقر�أونه وكيف يقاربون تياراته و�أجواءه اجلديدة. ولع ّل ال�شعار الذي حمله امللتقى الدويل الأول لل�شعر يف القاهرة ،وهو «ال�شعر يف حياتنا» ،يعبرّ خري تعبري عن الغاية التي ال التوجه �إليها� .أين �أ�صبح ال�شعر يف حياة ب ّد من ّ النا�س �أو ال�شعوب؟ هل ما زال ال�شعر ميثّل حاجة �إن�سانية عميقة ،جمالية وروحية وميافيزيقية؟ �أي موقع يحتل ال�شعر يف ع�رص العوملة؟ هل نالت منه احلياة املادية والتكنولوجية والعملية �أو الرباغماتية التي ت�سود الآن؟ �أ�سئلة كثرية تطرح نف�سها باحلاح، والإجابة عليها نظري ًا ال تكفي .وال ميكن التغا�ضي عن حال العزلة التي ي�ؤول ال�شعر �إليها ،على الرغم من «املظاهر» �شبه اخلادعة التي حتيط به ،بل على الرغم من تكاثر ال�شعراء والأعمال ال�شعرية. َمن يقر�أ ال�شعر اليوم؟ هل ا�ستطاع «اجلمهور» �أن يواكب الثورات ال�شعرية املتالحقة؟ هل ي�ستطيع هذا «اجلمهور» �أن ي�ستوعب ما يقر�أ لو �أ ّنه قر�أ فع ًال الأعمال املغالية يف جتريبيتها؟
�سجاالن �شعريان
�شعري ًا ،على �سبيل املثل� ،شهدت ال�سنة � 2008سجالني مه ّمني دار �أولهما حول ق�صيدة احلر .ولئن النرث والثاين حول مقولة «ال�شعر» ّ كانت منا�سبة ال�سجال الأول �صدور كتاب لل�شاعر امل�رصي �أحمد عبداملعطي حجازي الذي ينتمي �إىل جيل الر ّواد يف احلركة ال�شعرية احلديثة بعنوان «ق�صيدة النرث �أو الق�صيدة مازال ال�سجال م�ستمراً حول ق�صيدة اخلر�ساء» (من�شورات جملة «دبي الثقافية» النرث بني رف�ض مطلق لها وبني قبولها ،)2008ف�إن منا�سبة ال�سجال الثاين كانت م�رشوطة بتوافر �ضوابطها الداخلية .الذكرى الأوىل لرحيل ال�شاعرة العراقية نازك املالئكة التي تنتمي �أي�ض ًا �إىل اجليل الريادي لل�شعر التفعيلي الذي ُع ِرف عربي ًا بـ «ال�شعر يكرر احلر» .يف هذا الكتاب ،وعلى عادتهّ ، ّ حجازي موقفه الراف�ض من ق�صيدة النرث التي
يع ّدها «جتربة مل تكتمل ومل تن�ضج ومل تقنع �أحداً �أنها �صارت جديرة بالوجود» .وهو على قناعة تامة ب�أن هذه الق�صيدة مل تتمكن بعد �أكرث من قرن على ظهورها �أن تكون ق�صيدة �أو �شعراً... وقد �أثار كتابه ردود فعل �سلبية ،ال �سيما لدى ال�شعراء اجلدد �أو ال�شباب الذين اختاروا ق�صيدة النرث وباتوا ي�سيطرون على امل�شهد ال�شعري الراهن يف العامل العربي .وقال بع�ضهم �أن �أحمد عبداملعطي حجازي يعاين م�أزق ًا �شخ�صي ًا يكمن يف خو�ضه �سجا ًال يف حقل ال يل ّم به متام ًا وهو حقل ق�صيدة النرث القائمة على ما ي�س ّمى بالإيقاع الداخلي .وان كان ي�ستحيل �إنكار معرفته بالعرو�ض والأوزان والتفاعيل، فهو حني يتح ّدث عن الإيقاع والوزن ،وعن ال�شعر املنثور وق�صيدة النرث ،يبدو متعرثاً يف متاهة امل�صطلحات النقدية ك�أن ال مي ّيز مث ًال بني الإيقاع والوزن ،اللذين يختلف واحدهما عن الآخر بح�سب املعجم النقدي .فالوزن جزء من الإيقاع بينما الإيقاع �أ�شمل و�أرحب وال ميكن ح�رصه يف الوزن. ور�أى البع�ض �أنه قد يحقّ لأحمد عبداملعطي حجازي �أن ي�أخذ على بع�ض �شعراء ق�صيدة النرث ارتكابهم �أخطاء يف ال�رصف والنحو ،لكن هذه الأخطاء ال تقع فقط يف ق�صيدة النرث و�إمنا �أي�ض ًا يف ق�صيدة التفاعيل ويف الق�صة والرواية .وهذا ما �أ�شار �إليه ا�ص ًال الناقد جابر ع�صفور عندما انتقد بع�ض ق�صائد مما النرث التي وجدها ركيكة و�ضعيفة وخالية ّ ي�سميه «ال�ضوابط الداخلية» .وهذه مقولة مهمة جداً ابتدعها ع�صفور جاع ًال منها معياراً من معايري ق�صيدة النرث .ومل يتوان ال�شاعر حجازي عن الر ّد جمدداً على منتقديه الكرث ،مدافع ًا عن موقفه ال�صلب والنهائي من ق�صيدة النرث التي يرف�ض �أن يطلق عليها �صفة الق�صيدة. �أما ال�سجال الذي دار حول نازك املالئكة احلر» التي كانت �أول من �أطلقها ومقولة «ال�شعر ّ عربي ًا ونظّ ر لها ،فانطلق من خلط ال�شاعرة بني مفهومني �شعر ّيني خمتلفني متام ًا هما :ال�شعر
الف�صل االول الإبداع الأدبي 343
احلر وال�شعر التفعيلي .وقد كتبت نظري ًا عن «�أبجدية» نزار قباين ّ
احلر ال ي�ستطيع �أن يح ّل ال�شعر ّ حم ّل ال�شعر التفعيلي مهما بلغ عدد التفاعيل ،مثلما ال يقدر �أي�ض ًا �أن يلغي ق�صيدة النرث التي تختلف عنه متاماً .وهذا ما يجب العمل على �إي�ضاحه عربي ًا حتى تكت�سب هذه «امل�صطلحات» مفاهيمها احلقيقية.
الإبداع
ال�شعر التفعيلي ويف ظنها �أنها تكتب عن ال�شعر احلر ،علم ًا �أنها كانت على ب ّينة من ال�شعر الأنغلو�ساك�سوين الذي �شهد انطالق مقولة «ال�شعر احلر» عاملي ًا مع ال�شاعر الأمريكي والت ويتمان ،ال �سيما يف ديوانه ال�شهري «�أوراق الع�شب» الذي �صدر يف العام .1855كانت نازك املالئكة �سباقة فع ًال �إىل تناول هذه املقولة، ولو من قبيل اخلط�أ ،يف مقدمة ديوانها الثاين «�شظايا ورماد» ( )1949ثم يف كتابها ال�شهري من عن ناقدة «ق�ضايا ال�شعر املعا�رص» الذي ّ حمرتفة ،خ�صو�ص ًا يف حقل العرو�ض .وهذه املقولة �شهدت �أ�ص ًال «معركة» بينها وبني ال�شاعر الكبري بدر �شاكر ال�سياب بدت �أ�شبه بـ «معارك طواحني الهواء» ،ال �سيما بعدما تخطّ اها ال�سياب و�أ�صبح واحداً من ال�شعراء العرب الكبار. واعترب الذين �شاركوا يف ال�سجال �أن «خط�أ» نازك املالئكة ،و�إن مل يكن ج�سيم ًا، قد �أ�سهم يف رواج وانت�شار ما ي�شبه «�سوء الفهم» ،خالط ًا بني نوعني �شعريني غري مت�شابهني البتة ،واحدهما متحرر من القافية ر�سخته احلداثة والوزن بح�سب امل�صطلح الذي ّ الغربية ،وثانيهما مقيد مبا ي�سمى وزن ًا وقافية ولكن بعيداً من القالب العرو�ضي التقليدي �أو الكال�سيكي .هذا اخلط�أ تناوله الناقد العراقي عبدالواحد ل�ؤل�ؤة يف كتابه «�أوراق اخلريف» وحتديداً يف ف�صل �صغري عنوانه «ال�شعر احلر واخلط�أ امل�ستمر» .وقد متكّن فع ًال من تو�ضيح خط�أ نازك املالئكة وت�صحيحه .ور�أى البع�ض �أن ال�شاعرة نازك املالئكة لو انتبهت �أ�سا�س ًا �إىل «اخلط�أ» الذي ارتكبته عن غري ق�صد لكانت عادت عنه ،فما �شاع وانت�رش عربي ًا كم�صطلح احلر ال قائم على مفهوم «خاطئ» .فال�شعر ّ ي�ستطيع �أن يح ّل حم ّل ال�شعر التفعيلي مهما بلغ عدد التفاعيل ،مثلما ال يقدر �أي�ض ًا �أن يلغي ق�صيدة النرث التي تختلف عنه متام ًا .وهذا ما يجب العمل على �إي�ضاحه عربي ًا حتى تكت�سب هذه «امل�صطلحات» مفاهيمها احلقيقية.
ومثلما �صادف العام 2008الذكرى الأوىل لغياب نازك املالئكة ،فهو �صادف �أي�ض ًا الذكرى العا�رشة لغياب ال�شاعر ال�سوري متر بال نزار قباينّ . لكن هذه املنا�سبة كادت �أن ّ �ضجة تذكر ،مع �أن ورثته �أ�صدروا ديوان ًا له �ض ّم ق�صائده الأخرية التي مل تن�رش �سابق ًا وقد حمل عنوان ًا «قباني ًا» بامتياز هو�« :أبجدية �إليا�س مني» .والالفت �أن هذا الديوان الذي كان من املفرت�ض �أن ي�شكل حدث ًا �شعري ًا لكونه �آخر ما كتب نزار ول�صدوره يف الذكرى العا�رشة لرحيله ،مل يلق الرتحاب الكبري ومل يرث حما�سة النقاد ،فكتب عنه القليل يف ال�صحافة .وقد يكون هذا اال�ستقبال البارد لديوان قباين الأخري مثاراً لأ�سئلة كثرية حول ال�شاعر الكبري الذي فقد بع�ض ًا من وهجه بعدما كان يف طليعة ال�شعراء املعا�رصين� .أما ال�س�ؤال الذي �أثار جد ًال فكان« :كيف نقر�أ نزار قباين اليوم؟» واختلفت الآراء وت�ضاربت يف حماولتها للإجابة عليه. فقراءة ال�شاعر بعد غيابه تختلف عن قراءته خالل حياته ،ال �سيما �إذا كان ال�شاعر يف حجم نزار قباين� ،شعري ًا و�شعبي ًا �أو جماهريي ًا .وهو يكاد يكون الوحيد الذي امتلك �سلطة متاثل ال�سلطة ال�سيا�سية ،والذي �أعاد �إىل �شخ�ص «ال�شاعر» العربي ح�ضوره ال�ساطع ب�صفته احلي .لكن املفارقة �صوت النا�س و�ضمريهم ّ تكمن يف �أن �شعرية نزار قباين احلقيقية جتلّت خارج هذه ال�سلطة التي كانت له �أو قبل ن�شوئها� ،أي يف مراحله الأوىل ،عندما كان ينتمي بو�ضوح �إىل املدر�سة اجلمالية التي عرفها ع�رص النه�ضة يف مقلبه االخري وعندما راح ُيح ّدث معطيات هذه املدر�سة م�ؤ�س�س ًا لغته اجلديدة اخلا�صة وق�صيدته احلديثة اخلا�صة. �سلطة نزار قباين برزت الحق ًا عندما �رشع يكتب بـ «ال�سكني» (كما يعبرّ ) ق�صائد �سيا�سية �صارخة �ألهبت اجلماهري وراعت همومها وما�شت ذائقتها وم�شاعرها الآنية .ومنذ �أن بد�أ يكتب بـ «ال�سكني» تراجع �شعر الوجدان والغزل لديه واحتل ال�شعر ال�سيا�سي �صنيعه بدءاً من
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 344للتنمية الثقافية
نزار قباين ال يزال ال�شاعر العربي املعا�رص الأكرث مبيع ًا على الرغم من تراجع �أرقام مبيعه خالل الأعوام الع�رشة ،ال �سيما يف معار�ض الكتب العربية.
هزمية العام 1967وانتها ًء بالهزائم املتتالية التي �شهدتها «ال�ساحة» العربية ،ع�سكري ًا و�سيا�سي ًا ...وعرف نزار كيف ي�ستخدم احلدث لري�سخ جماهرييته ولو على ال�سيا�سي �شعري ًا ّ ح�ساب �شعريته� .إال �أنه بالطبع مل يهجر الغزل بل �أدى �أي�ض ًا �شخ�صية ال�شاعر الذي يدعو �إىل حترير املر�أة العربية من ال�سلطة الذكورية واالجتماعية. ور�أى البع�ض �أن نزار قباين كتب كثرياً، مما يقدر �شاعر وحده على كتابته. �أكرث ّ ب�أعماله ال�شعرية بلغت ت�سعة �أجزاء ،ناهيك ب�أعماله النرثية ومقاالته التي ال حت�صى. لكن هذه الكرثة و�إن دلت على امتالكه ملكة اللغة وعبقريتها ،مل تكن يف م�صلحته بل هي انعك�ست �سلب ًا على �شعريته ،بخا�صة يف مراحله االخرية عندما راح يكرر نف�سه حتى بدا ك�أنه يقلد نف�سه .لكنه مل يفقد جماهرييته وال قراءه الذين ظلوا يقبلون على �أعماله ويواكبون اجلديد منها. �إال �أن «ال�صدمة» ح�صلت بعدما رحل نزار قباين .مل مي�ض على غيابه زمن حتى بد�أ مبيع �أعماله يرتاجع .ا�سمه مل يعد يحت ّل قائمة الكتب الأكرث مبيع ًا يف املعار�ض العربية .ومل تعد الأجيال اجلديدة «تتهافت» على دواوينه. غاب ال�شاعر وبقي �شعره ،لكن ال�شعر غري قادر القراء املفتونون به، على احللول حملّه .كان ّ �شبان ًا و�شابات ،ينتظرون يف �صفوف طويلة ليحظوا بتوقيعه .والأم�سيات التي كان يحييها تعج باجلمهور الغفري يف املدن العربية كانت ّ الذي ت�ضيق به ال�صاالت فتخرج كرثة منه �إىل ال�ساحات� .إال �أن نزار قباين ال يزال ال�شاعر العربي املعا�رص الأكرث مبيع ًا على الرغم من تراجع ارقام مبيعه خالل الأعوام الع�رشة ،ال �سيما يف معار�ض الكتب العربية .وهذه ميزة �سيظ ّل يح�سده عليها �شعراء كرث حتى بغد غيابه .ويعرتف معظم �أ�صحاب املكتبات يف العامل العربي بهذه احلقيقة :بني ال�شعراء ال يزال نزار يحت ّل املرتبة الأوىل �شعبي ًا ،ثم يليه حممود دروي�ش .هذا على امل�ستوى العربي ال
حتب �شعراءها وتقبل املحلي .بع�ض املدن ّ عليهم جاعلة منهم جنوم ًا� .أما عربي ًا فه�ؤالء ال ي�ستطيعون مناف�سة نزار وحممود .لكن حممود بدا خمالف ًا لنزار يف م�ساره :ابتد�أ �شعبي ًا و�أ�صبح «نخبوي ًا» ،على �أن نخبويته مل تك�رس رهبة الرمز الذي ميثله يف وجدان اجلماهري العربية. كيف نقر�أ نزار قباين اليوم ،بعد ع�رشة �أعوام على غيابه؟ هذا ال�س�ؤال طرح كثرياً خالل العام ،2008ومل يجد اجلواب ال�شايف .هل نقر�أ قباين يف مراحله الأوىل التي ا�ستطاع فيها �أن يكون خري وارث ملدر�سة ع�رص النه�ضة «الثانية» بجماليتها ورومنطيقيتها ورمزيتها، وخري ثائر على العمود ال�شعري وخري رائد احلر �أو التفعيلي؟ �أم نقر�أه يف مراحله لل�شعر ّ ال�سيا�سية الغا�ضبة التي مثّل فيها �ضمري متردها واحتجاجها؟ هل اجلماهري العربية يف ّ نقر�أه يف �شعره الغزيل اجلميل الذي ط ّور عربه الإرث النه�ضوي �أم يف حداثته اخلا�صة ،حداثته العفوية والبعيدة عن نظريات احلداثة نف�سها؟ نقر�أه يف �شعره ال�سيا�سي الرثائي الذي نعى به الواقع العربي امل�أزوم �أم يف �شعره ال�سيا�سي الذي وقع يف �رشك اخلطابة واملبا�رشة؟
�سنة حممود دروي�ش
مل يكن رحيل ال�شاعر حممود دروي�ش جمرد رحيل ل�شاعر فل�سطيني وعربي كبري، بقدر ما كان حدث ًا �شعري ًا و�سيا�سي ًا على ال�سواء .فال�شاعر حممود دروي�ش هو مبثابة الرمز الأنقى للق�ضية الفل�سطينية ،بعيداً عن تناق�ضاتها و�أزماتها� .إنه �شاعر الأر�ض وحار�س الذكريات� ،شاعر املنفى الذي عا�شه الفل�سطينيون� ،شاعر العودة �إىل الوطن الذي �أ�ضحى مبثابة املجاز ال�شعري. كان رحيل حممود دروي�ش حدث ًا �شعرياً تراجيدي ًا بل احلدث الأبرز الذي و�سم عام .2008 رحل حممود دروي�ش يف �أوج «�شبابه» ال�شعري .فالأعوام ال�سبعة وال�ستون التي انطف�أت يف 2008/8/9مل تزده �إال �ألق ًا .وكان كلما اكت�شف خريف احلياة �أوغل يف ربيع
الف�صل االول الإبداع الأدبي 345
�شعر بالنبطية ...والعامية
ما زال ال�شعر العربي املكتوب باللهجات العامية يحتل موقعه على اخلريطة ال�شعرية كما النبطي يف وجدان اجلماهري وذاكرتهم .ال�شعر ّ يف اخلليج العربي يزداد �شعرا�ؤه مثلما يزداد قرا�ؤه .ويكفي ر�صد ما ين�رش من هذا ال�شعر يف تبي املرتبة الكتب واملجالت وال�صحف حتى نْ التي يت�ص ّدرها يف احلركة ال�شعرية العربية. �أما ال�شعر العامي يف معظم البلدان العربية فله رواده وجمهوره الكبري ،يف م�رص ويف بلدان امل�رشق واملغرب العربيني ،وبات هذا ال�شعر يعبرّ عن �آمال النا�س وتطلّعاتهم وعن امل�شاعر التي تخاجلهم ،بتلقائية وعفوية من غري �أن يخلو من الفن ال�شعري الراقي وال�صنيع اجلمايلّ. و�إن كان ي�ستحيل �إح�صاء ما ي�صدر من دواوين بالنبطية والعامية ،ف�إن بالإمكان
الإبداع
الق�صيدة .وقد كان يف الفرتة الأخرية على حما�سة �شعرية نادرة وعلى قلق ال يعرفه الر ّواد املكر�سون عادة« .الق�ضية» التي �صنعته مثلما �صنع �أ�سطورتها تخطاها �إىل الأمام الذي هو ال�شعر� .أ�ضحت الق�ضية هي املا�ضي امللطخ بالدم والأ�سى ،و�أم�ست الق�صيدة هي امل�ستقبل القادر على احتواء الأر�ض التي كانت ومل يبق منها �سوى ما بقي .كان ال�شعر ك ّل ه ّمه يف �أيامه الأخرية وما قبلها .الوجه ال�سيا�سي فيه كان قد تغ�ضن وغزته �ش�آبيب الي�أ�س� ،أما وجهه ال�شعري فكان �أ�شد ن�ضارة من قبل .كان �أدرك �إدراك اليقني ان «البيت �أجمل من طريق البيت» كما قال مرة .البيت يظل حلم ًا ببيت قد ي�صل �إليه ،حي ًا �أو حممو ًال على الأكف� ،أما الطريق فهي حمفوفة بالأ�شواك والأخطار .البيت هو احللم الذي قد يفتح �أمامه �أبوابه فيما الطريق �ش�أن واقعي ،وما �أقبح الواقع عندما يغلبه الي�أ�س �أو القنوط .لكن حممود دروي�ش و�صل �أخرياً �إىل البيت الذي بال �رشفة وال عتبة وال �أبواب ،و�صل مغم�ض العينني ولكن بب�صرية ال تخبو وحنني مل تخمد ناره. كان ال�شعر هو النهاية التي ارجتاها �شاعر «جدارية» .ال�سيا�سة انهكته والق�ضية �أثقلت ملحة �إىل حريته، كاهله وبات ي�شعر بحاجة ّ احلرية التي جتعله فرداً يف جماعة بعدما كان جماعة يف فرد .كان الوقت حان ليواجه ال�شاعر نف�سه يف مر�آة نف�سه .مر�آة الوطن غزاها ال�صد�أ بعدما �سقط الوطن يف �أ�رس الواقع الأ�شد م�أ�سوية من التاريخ .اكت�شف ال�شاعر �أن «املنفى هو املنفى ،هنا وهناك» و�أنه �شاعر املنفيني اللذين ال نهاية لهما ،اللذين �أ�صبحا قدره وقدر الذين هم هو ،اخوة يف الوطن و�إخوة يف الالوطن ،يف ال�شعر والتيه والرتحال. مل تكن حلظة املوت غريبة عن �شاعر املوت يف ديوان «جدارية» وديوان «يف ح�رضة الغياب» .لقد واجهه بعينني مفتوحتني وقلب متوقد .خربه عن كثب وعا�شه بل ماته ثم نه�ض منه وبه جاع ًال منه ق�صيدة ولغة و�صوراً متدفقة .ومثلما تنب�أ يف «جدارية»،
مل ميهله املوت كي ينهي حديث ًا عابراً مع ما تبقّى من حياته ،مل ميهله حتى ليع ّد حقيبته. اغم�ض حممود دروي�ش عينيه رغم ًا عن احلياة التي كانت ت�صخب يف داخله� .شاعر احلياة غلبه املوت يف ذروة احلياة التي مل تكن وجه ًا �آخر للموت بل كانت غرميه الأبدي .كان �شاعر «�رسير الغريبة» ير ّدد�« :أريد �أن �أحيا» ،كان فع ًال يريد �أن يحيا ك�شاعر فقط ،لكن ال�شاعر الذي مل يحافظ �إال على �سلطة «احللم» كان �أرقّ من رمح املوت الذي اخرتق قلبه يف �أوج �شبابه. وقبيل رحيله ب�شهرين كان حممود دروي�ش ن�رش ديوانه الأخري يف حياته بعنوان «�أثر الفرا�شة» وقد �ض ّم ما �س ّماه هو نف�سه «يوميات». يف هذا الديوان يختلط ال�شعر بالنرث ،والق�صيدة باملقطوعة النرثية ،ورهافة اللحظة ال�شعرية يت�سن بجمالية «النرث اليومي»ّ . لكن ال�شاعر مل ّ له االطالع على االثر الذي تركه هذا الكتاب، القراء ،وقد ا�ستقبلوه برتحاب يف النقاد كما يف ّ كبري ،على الرغم من طغيان رحيل ال�شاعر على املعرتك ال�شعري العربي والعاملي.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 346للتنمية الثقافية
النبطي يف اخلليج العربي ال�شعر ّ يزداد �شعرا�ؤه مثلما يزداد قرا�ؤه. ويكفي ر�صد ما ين�رش من هذا ال�شعر يف الكتب واملجالت وال�صحف حتى تبي املرتبة التي يت�ص ّدرها يف نْ احلركة ال�شعرية العربية.
�صدر خلالد الفي�صل ديوان بعنوان «�أ�شعار خالد الفي�صل» ،و�ض ّم هذا الديوان منتخبات من الق�صائد التي د�أب على كتابتها ،بروح �شفيفة مما علق به ت�سعى �إىل حترير العامل ّ من ب�شاعات احل�ضارة احلديثة.
التوقف �أمام مناذج متثّل �أبعاد ال�شعر ال�شعبي وجمالياته والق�ضايا التي يعبرّ عنها والهموم التي يختزنها يف داخله. ويف هذا ال�صدد �أ�صدر الأمري ال�شاعر خالد الفي�صل ديوان ًا بعنوان «�أ�شعار خالد الفي�صل»، و�ض ّم هذا الديوان منتخبات من الق�صائد التي د�أب على كتابتها ،بروح �شفيفة ولغة تنحو منحى جمالي ًا �صافي ًا .ق�صائد تغرف من الوجدان العميق والذات الإن�سانية ،تخاطب القلب والعقل يف �آن واحد وت�سعى �إىل حترير مما علق به من ب�شاعات احل�ضارة العامل ّ احلديثة ،ح�ضارة التكنولوجيا التي تكاد تق�ضي على القيم الأ�صيلة .هكذا يغني ال�شاعر واحلب املثايل واملا�ضي الفائ�ض احلياة ّ بالرباءة والأمل �أو الرجاء الذي يحتاج �إليه العامل ،املحا�رص بالهموم وال�شجون. يف القاهرة احتفى اجلمهور امل�رصي �أو القراء بالأحرى بال�شاعرين العاميني �أحمد ف�ؤاد ّ جنم وعبدالرحمن الأبنودي اللذين ما برحا وبحب يعانيان املر�ض ويواجهانه بال�شعر ّ احلياة نف�سها .وقد �صدرت لهما خمتارات من ق�صائدهما لقيت رواج ًا كالعادة ،ور ّددها اجلمهور متن ّعم ًا بلغتها احلارقة و�صورها الباهرة وجماليتها وم�ضمونها �أو مواقفها ال�صارخة وببعدها الوجداين والعاطفي. ال�شاعر العراقي مظفر النواب الذي يعاين املر�ض �أي�ض ًا ،ويقال �إنه طريح الفرا�ش يف منزله الدم�شقي يف العا�صمة ال�سورية حيث اختار الإقامة ،تواىل �صدور �أعماله ال�شعرية بالعامية العراقية ديوان ًا تلو ديوان .ويف هذه الأعمال تتجلى ثورته ال�شعرية التي كان ج�سد فيها �صوت ال�شعب �أعلنها قبل �أعوام وقد ّ الغا�ضب واملقهور و�صوت الأمة الراف�ضة للظلم والإذالل والهزمية .ولئن طغى الهم ال�سيا�سي يحرر على �شعر مظفّر النواب ف�إنه ا�ستطاع �أن ّ ال�سيا�سة من طابعها املبا�رش والآين جاع ًال منها ق�ضية �إن�سانية بامتياز. يف بريوت �أ�صدر ال�شاعر اللبناين ع�صام عبداهلل ديوان ًا بالعامية عنوانه «مقام ال�صوت»
وفيه يوا�صل ال�شاعر م�سريته اخلا�صة التي ا�ستطاع ان يكون فيها خري وارث للمدر�سة ال�شعرية اللبنانية املتجلّية يف اللغة العامية واحلاملة يف ثناياها �سحر الطبيعة ووهج الغنائية.
ثال ًثا :الأدب العربي ال�شاب
عام ًا تلو �آخر يزداد ح�ضور الإبداع الأدبي ال�شاب� ،سواء يف الرواية �أم يف ال�شعر �أم احلرة التي تتخطى الق�صة الق�صرية �أم الكتابة ّ مقايي�س النوع الأدبي .وهذا الأدب ظاهرة ال ميكن جتاهلها مهما بدت ملتب�سة وعامة �أو «�شاملة» بالأحرى ،ومهما تعر�ضت حلمالت نقدية ي�ش ّنها بع�ض الر ّواد ومن �أعقبهم .هذه الظاهرة ال ب ّد من التوقف عندها لأنها حتمل �أو ًال نواة الأدب املنتظر م�ستقب ًال ولأنها متثّل ثاني ًا امل�شهد الراهن .الأدباء ال�شباب الآن هم �أدباء الغد بح�سب ما يفرت�ض املعيار الزمني. �إال �أن ال�صفة «ال�شبابية» التي تطلق على هذه الظاهرة غالب ًا ما تكون «عمومية» وبال حدود �أو معايري .فهذه ال�صفة ميكن �إطالقها على ب�ضعة �أجيال تتو ّزع خالل عقدين �أو ثالثة ،مثلما تطلق على اجليل الراهن الذي يخطو خطواته الأوىل يف عامل الأدب� .إنها �صفة ف�ضفا�ضة حتتمل �أكرث من مو�صوف. لكن هذا االلتبا�س مل يكن عائق ًا دون تعيني هذا الأدب وقراءته بو�صفه �أدب ًا �شاب ًا وراهن ًا وخمتلف ًا عما �سبقه من �أدب ينتمي �إىل �أجيال �أخرى .وباتت ال�صفة «ال�شبابية» تطلق على اجليل اجلديد الذي تخطى مرحلة «االبتداء» �أو «الهوية» ويتهي�أ ليدخل مرحلة االحرتاف �أو لعله دخلها. بعيداً من هذه «الإ�شكاليات» يف الت�سمية والو�صف �أو التعيني عمدت بع�ض امل�ؤ�س�سات الثقافية العربية �إىل ر�صد حركة الأدب العربي ال�شاب �أو «الراهن» و�إىل �إحياء لقاءات متتالية يف عا�صمة عربية و�أخرى ،جامعة �أ�سماء ووجوه ًا �شابة ،فا�سحة �أمامها املجال لتتعارف وتتبادل اخلربات والأفكار وتعمل
الف�صل االول الإبداع الأدبي 347
معظم اجلوائز الأدبية يف العامل العربي تذهب �إىل الأدباء الكبار املكر�سني .الأدباء ال�شباب ال �أو ّ يح�صدون �سوى الن�صائح وبع�ض عبارات الت�شجيع وال�شهادات التي يتكّرم بها عليهم �أ�ساتذتهم �أو الأدباء الذين يكربونهم �سن ًا وجتربة.
الأدباء ال�شباب العرب ي�ستحقون �أن يحظوا بجوائز تغطي حقول الرواية والق�صة وال�شعر وتدعمهم يف مقتبل حياتهم الأدبية وتلفت الأنظار �إليهم وتلقي �ضوءاً على �أعمالهم وجتاربهم!
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإبداع
مع ًا يف ما ي�شبه املحرتفات الأدبية .منها على �سبيل املثل م�ؤ�س�سة «املورد» يف القاهرة وم�ؤ�س�سة القطان يف فل�سطني التي د�أبت على منح جوائز للأدباء ال�شباب. خ�ص�ص للأدب وقد تكون اجلوائز التي ُت ّ ال�شاب مهمة نظراً �إىل ت�شجيعها الأ�سماء ال�شابة مادي ًا و�أدبي ًا ،لكنها ال تكفي .فهي ال متثّل حافزاً على ت�صنيف هذا الأدب وبلورته و�إ�ضاءة زواياه ومعاجلة �أزماته .اجلوائز ت�ضع الأ�سماء الفائزة حتت �أ�ضواء الإعالم و«ال�شهرة» ،وتذكي يف اجليل ال�شاب نار التحدي واملثابرة ،لكنها ال ت�ساعده على ا�ستيعاب العقبات التي يواجهها يف انتقاله من مرحلة الهواية �إىل مرحلة االحرتاف ،وهذا انتقال ال يخلو من املخاطرة وامل�شقة. ومن الوا�ضح �أن معظم اجلوائز الأدبية يف العامل العربي تذهب �إىل الأدباء الكبار �أو املكر�سني .الأدباء ال�شباب ال يح�صدون �سوى الن�صائح وبع�ض عبارات الت�شجيع وال�شهادات يتكرم بها عليهم �أ�ساتذتهم �أو الأدباء التي ّ الذين يكربونهم �سن ًا وجتربة .ولع ّل اجلوائز القليلة املوجهة �إىل الأدباء ال�شباب هي جوائز خجولة يف معظمها ،جوائز معنوية �أو رمزية وبع�ضها حملي �أو �إقليمي .وهي غالب ًا ما تخ�ضع العتبارات عدة وتوجيهات ومبادئ جاهزة ونادراً ما ت�سعى فع ًال �إىل اكت�شاف املواهب وتكرميها وتبنيها .على �أن الأدباء ال�شباب العرب ي�ستحقون �أن يحظوا بجوائز تغطي حقول الرواية والق�صة وال�شعر وتدعمهم يف مقتبل حياتهم الأدبية وتلفت الأنظار �إليه م وتلقي �ضوءاً على �أعمالهم وجتاربهم! ولع ّل جوائز كهذه ال تخلق فقط نوع ًا من املناف�سة الأدبية اجلميلة بل قد ت�سهم� ،إن كانت جوائز حقيقية ،يف بلورة الأدب ال�شاب ويف ت�صنيفه وتر�سيخه ك�أدب �سي�صبح الحق ًا �أدب امل�ستقبل! وعالوة على ك�شف هذه اجلوائز مواهب جديدة و�أقالم ًا جريئة فهي ت�ساعد على جعل هذا الأدب ال�شاب يف �صميم احلركة الأدبية ولي�س على هام�شها .وقد ت�سهم �أي�ض ًا يف خلق حوار
حقيقي بني ه�ؤالء ال�شباب والأدباء املكر�سني، حتى و�إن �أدى احلوار �إىل االختالف ولي�س �إىل الإلغاء طبع ًا. يحمل بع�ض الر ّواد وبع�ض �أهل القلم والنقد با�ستمرار على اجليل ال�شاب �آخذين عليه م�آخذ كثرية مثل الركاكة اللغوية وال�ضحالة يف الثقافة والالمباالة والتقاع�س ...نزار قباين كان ي�صف ال�شعراء ال�شباب بـ «�أطفال الأنابيب» معلن ًا ت ّربمه من ق�صائدهم ولغتهم. وي�أخذ عليهم �أحمد عبداملعطي حجازي جهلهم العرو�ض وقواعد اللغة العربية نف�سها .ومل يتمالك الناقد جابر ع�صفور عن توجيه نقد قا�س لبع�ضهم .وقد ر ّد بع�ض ال�شباب عليهم متهمني �إياهم باالنغالق والتقليد والأنانية... قد يحقّ للجيل احلداثي الأول ،الرائد وامل�ؤ�س�س �أال ي�ستوعب هذه الأ�صوات ال�شابة املختلفة عنه اختالف ًا �شديداً ،وقد ي�ضري هذا اجليل �أال يجد �أثراً له يف نتاج ه�ؤالء ال�شباب الذين طوروا لغتهم و�أ�شكالهم و�أ�ساليبهم متخطني الر ّواد ومن �أعقبهم� ،سواء �سلب ًا �أم �إيجاب ًا .ولكن يحقّ �أي�ض ًا للجيل ال�شاب �أن يدافع عن نف�سه وينتقد «غرماءه»� ،رشط �أن يحافظ على املو�ضوعية والنبل يف النقد. قد يحتاج امل�شهد الأدبي ال�شاب �إىل املزيد من الوقت كي يتبلور ويتجلى ويحكم عليه بالتايل ،حتى و�إن برزت فيه ه ّنات وعرثات ال ميكن الغ�ض عنها ،ومنها الركاكة التي جعلها ال�شباب رديف ًا للغة احلياة ونقي�ض ًا للغة املعاجم والقوامي�س ،وكذلك احلرية التي ال مقايي�س لها والتي �أتاحت لهم �أن يتخطّ وا الأ�صول والتقاليد، والت�شابه يف الأ�صوات والأجواء واللغات حتى بدوا ك�أنهم يقلدون بع�ضهم بع�ض ًا ...هذه م�آخذ ميكن �أن تالحظ ب�سهولة ،لكنها لي�ست ذريعة لإلغاء جيل بكامله ،وجتارب بكاملها. ي�صعب فع ًال التعامل مع �أدب ال�شباب بخفة وال مباالة وك�أن هذا الأدب ال ينتمي �إىل ّ �صميم التجربة الأدبية �أو ك�أنه يف �أ�سو�أ الأحوال �أدب البدايات الذي ال يلبث الكثري من الأدباء �أن ينكره �أو يتنا�ساه .وي�صعب كذلك تهمي�ش هذا
التقرير العربي الثاين 348للتنمية الثقافية
ما يجب االلتفات �إليه هو «املجالت» الأدبية ال�شبابية التي ت�صدر يف الكثري من العوا�صم واملدن العربية ،لكنها �رسعان ما تتوقف عن ال�صدور لأ�سباب ع ّدة من �أبرزها التمويل والرقابة.
�أ�صبحت ظاهرة «املنتديات» ال�شبابية جديرة بالكثري من الت�أمل، �سواء ملا تتيحه من �إمكانات للحوار وتبادل الأفكار �أو نظراً لكونها مالذاً للأدباء ال�شباب ،يلج�أون �إليها لت�سويق �أعمالهم والدعاية لها.
الأدب �أو جتاهله وتدجينه واحلكم عليه حكم ًا م�سبق ًا وعدم قراءته واالعتناء به و�إيفائه حقه! وهذا ما يح�صل غالب ًا يف عاملنا العربي. وما يجب االلتفات �إليه هو «املجالت» الأدبية ال�شبابية التي ت�صدر يف الكثري من العوا�صم واملدن العربية ،يف القاهرة كما يف الرباط �أو بريوت �أو رام اهلل وع ّمان وج ّدة وبغداد و�سواها ،ناهيك ببع�ض املدن الغربية التي باتت �أ�شبه باملغرتب الإبداعي العربي. لكن هذه املجالت ال�شهرية �أو الف�صلية ال حتافظ على وترية منتظمة يف �صدورها ،فمعظمها �رسعان ما يتوقف عن ال�صدور لأ�سباب ع ّدة من �أبرزها التمويل والرقابة .والالفت خالل العام 2008موا�صلة جملّة «من و�إىل» على ال�صدور وهي جملة ُتعنى بـ «الأ�صوات العربية اجلديدة» ير�أ�س حتريرها ال�شاعر الفل�سطيني ال�شاب جنوان دروي�ش وت�صدر عن دار «جيل» حمررها يف رام اهلل .واملجلة هذه عربية وي� ّرص ّ على جمع ق�صائد وق�ص�ص ون�صو�ص �شبابية يف �أنحاء العامل العربي. ال �شكّ يف �أن جهاز الإنرتنت �أ�صبح مالذاً للكتابة اجلديدة �أو ال�شابة� .سواء على م�ستوى الن�رش �أم من خالل اتخاذ الف�ضاء االفرتا�ضي مو�ضوع ًا للكتابة .ففي املغرب مث ًال ،كتب ه�شام دحماين جمموعته الق�ص�صية «�أعلى قلي ًال من بيل غيت�س» حماو ًال من خاللها مقاربة هذا الف�ضاء ومالب�ساته .وتبعته من ثم فاطمة بوزيان يف ن�صو�ص جمموعتها الق�ص�صية «هذه ليلتي» ،حيث ي�صبح الإنرتنت �أحيان ًا بطل الن�ص �أو ُيغيرّ م�صري الأ�شخا�ص وي�ضفي عليهم حت ّوالت تنتهي بهم �إىل نتائج غري متوقعة. ويف الأردن ا�شتهر حممد �سناجلة بروايتيه الرقميتني� ،أما يف م�رص ،فال�شباب اليوم يكتبون بحما�سة م�ستفيدين من هبة االفرتا�ضي ،ويغزو جمموعاتهم الق�ص�صية و�أعمالهم الروائية عامل «النت» ،خالق ًا لهم فر�ص ًا جديدة للتعبري .ثم تط ّور الأمر و�رسعان ما �أ�صبح الأدباء املكر�سون ي�سعون بدورهم
�إىل االنت�شار عرب الإنرتنت نظراً ملا يتيحه من �إمكانات. و�أ�صبحت �أي�ض ًا ظاهرة «املنتديات» ال�شبابية جديرة بالكثري من الت�أمل� ،سواء ملا تتيحه من �إمكانات للحوار وتبادل الأفكار �أم نظراً لكونها مالذاً للأدباء ال�شباب ،يلج�أون �إليها لت�سويق �أعمالهم والدعاية لها .ولع ّل هذا ما جعل على الأرجح ،الكاتب امل�رصي ال�شاب �أ�رشف ن�رص ي�صدر روايته «حرية دوت كوم»، التي يبدو من عنوانها �أنها تربط �إىل ح ّد بعيد بني احلرية والإنرتنت ،فهو ف�ضاء يتيح �إمكانات على م�ستوى التلقي ،ويتخطّ ى كل رقابة .وقد حازت الرواية منحة ن�رش من م�رشوع «�إقر�أ واكتب الآن» الذي تنظّ مه م�ؤ�س�ستا «املورد الثقايف» و «�أناليندا» ،ومكتبة الإ�سكندرية وم�ؤ�س�سة تامر للتعليم يف فل�سطني. وقد ت�صلح هذه الرواية لتكون منوذج ًا �أدبي ًا �شبابي ًا .فهي حتكي عن جماعة من ال�شباب ينتمون �إىل بلدان عربية خمتلفة .ومن ه�ؤالء ال�شباب� :رشيف امل�رصي من الفيوم، جميد العراقي املقيم يف هولندا ،خليل امل�رصي من �سوهاج� ،سهيل اللبناين ،ليلى من القاهرة، مايكل من الإ�سكندرية ،رغد من الإمارات .وهم يتقابلون يف منتدى «حرية دوت كوم» ويت�أثر بع�ضهم ببع�ض عرب التوا�صل الذي يحدث بينهم. ولع ّل احلرية التي ربط �أ�رشف بينها وبني الإنرتنت ،تعبري وا�ضح عن �أزمة التوا�صل، فال�شباب العرب� ،سعي ًا منهم نحو تفجري طاقاتهم ،يعمدون �إىل التالقي عرب الإنرتنت البتكار مناطق جديدة للحرية ت�ساعدهم على التخل�ص من �ضغط الواقع ،والبحث عن هواء �أرحب .ويتيح هذا الف�ضاء لهم �إمكانات مهمة تخفف من ال�ضغط النف�سي وحتول دون االنهيار �أو ال�سقوط.
رابعً ا� :أدب عربي بالأجنبية
الأدب العربي املكتوب بالفرن�سية �أو بالإنكليزية و�سواهما تزداد رقعته ات�ساع ًا،
الف�صل االول الإبداع الأدبي 349
اللغات الأجنبية ما فتئت تغري الكثري من الروائيني العرب ،هذه الظاهرة برزت خالل العام 2008 وغدت حا�رضة �سواء عرب الأ�سماء الكبرية التي وا�صلت جتربتها الكتابية بالفرن�سية والإنكليزية �أم عرب الأ�سماء اجلديدة التي وجدت يف اللغة الأجنبية مالذاً للهروب من «ح�صار» اللغة العربية �إىل ف�ضاء العاملية �أو التي ن�ش�أت على الكتابة باللغة الأجنبية تبع ًا الغرتابها املكاين �أو الثقايف.
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإبداع
فاللغات الأجنبية ما فتئت تغري الكثري من الروائيني وال�شعراء العرب ،بع�ضهم يقيم يف العامل العربي والبع�ض الآخر يف املغرتب ال�شا�سع ،بدءاً من �أوروبا وانتهاء يف �أمريكا ال�شمالية واجلنوبية .هذه الظاهرة برزت خالل العام 2008وغدت حا�رضة �سواء عرب الأ�سماء الكبرية التي وا�صلت جتربتها الكتابية بالفرن�سية والإنكليزية �أم عرب الأ�سماء اجلديدة التي وجدت يف اللغة الأجنبية مالذاً للهروب من «ح�صار» اللغة العربية �إىل ف�ضاء العاملية �أو التي ن�ش�أت على الكتابة باللغة الأجنبية تبع ًا الغرتابها املكاين �أو الثقايف .واليوم مل تعد حت�صى الأ�سماء العربية التي اختارت اللغات الأجنبية و�سيلة للتعبري ،ال �سيما يف �أمريكا الالتينية ،وبع�ضها ينتمي �إىل اجليل االغرتابي الثالث – كما يقال – الذي يرتبط بالعامل العربي من خالل اجلذور فقط ولي�س من خالل اللغة �أو الثقافة� .أما الالفت فهو �إقبال بع�ض الكتاب الفل�سطينيني الذين ينتمون �إىل فل�سطني 1948على الكتابة باللغة العربية، وهذه ظاهرة حتتاج فع ًال �إىل الوقوف عندها. وقد برزت على هذا امل�ستوى �أ�سماء ع ّدة من �أبرزها الروائي �أنطوان �ش ّما�س الذي �أحدثت روايته «�أرابي�سك» التي كتبها بالعربية قبل �أعوام ثورة وبدا فيها ك�أنه يتقن العربية مثله مثل الك ّتاب الإ�رسائيليني بل �أكرث .وعلى طريقه �سار الروائي الفل�سطيني ال�شاب �سيد ق�شوع الذي حملت روايته الأوىل بالعربية عنوان ًا مثرياً هو «عرب يرق�صون» وبات ميثل الأدب الإ�رسائيلي يف املهرجانات الدولية على الرغم من انتمائه الفل�سطيني� .إنها حالة ا�ستالبية بامتياز� ،أن يختار فل�سطين ّيو الداخل لغة املحتل وي�ستبدلوا لغتهم العربية بها. �إال �أن حال «اال�ستالب» هذه مل تتج َّل كثرياً يف �أعمال الروائيني وال�شعراء العرب الذين اختاروا الفرن�سية �أو الإنكليزية �أو الإ�سبانية. فه�ؤالء حافظوا على هويتهم العربية حتى و�إن بدا بع�ضهم ينزع منزع ًا «�إكزوتيكي ًا»، جاع ًال من �إرثه العربي الثقايف واالجتماعي
مادة روائية تغري القارئ الأجنبي .ويكفي ا�ستعرا�ض الروايات املكتوبة بالفرن�سية مث ًال التي ا�ستوحت �أجواء احلياة الن�سائية احلميمة �أو العالقات املرتفة والعادات والتقاليد التي تبهر القراء الغربيني .وهذا النوع من الروايات بات ّ رائج ًا ال �سيما روايات «احل ّمامات» املغاربية وزنى املحارم وت ّعدد الزوجات و�سواها .فهناك �أعمال ق ّيمة ومهمة ج ًدا ا�ستطاعت �أن تفر�ض نف�سها ك�أعمال �أدبية �رصف بعيداً من بيئتها �أو جذورها. الروائي املغربي الفرنكوفوين الطاهر بن جلّون �صدرت له يف باري�س رواية بالفرن�سية أمي» ،وفيها ينطلق من مو�ضوع عنوانها «عن � ّ ج ّد �شخ�صي ،ق�صة والدته ،ملعاجلة مو�ضوعات خمتلفة ،مثل مميزات الأمومة يف ال�رشق مقارنة بالأمومة يف الغرب ،م�شاكل ال�شيخوخة ويف مقدمها مر�ض «الزهامير» ،طبيعة العادات والتقاليد التي تتحكّم بعالقة الإن�سان ال�رشقي بوالديه ،وذلك من دون �أن تفقد الرواية �صفتها الأوىل كتحية لوالدة بن جلون ،ومن خاللها ملعظم الأمهات يف العامل العربي� .إنها الأم العجوز التي مل تعد قادرة على التمييز بني �أوالدها ،ولكن �أي�ض ًا بني احلقب والأماكن .كل �شيء يختلط عليها .الزمن مل يعد يتفق داخلها مع الواقع .فمنذ �أن غريت غرفتها وهي مقتنعة ب�أنها انتقلت �إىل منزل �آخر يف مدينة �أخرى. متزوجة يف اخلام�سة ع�رشة من عمرها� ،أرملة يف ال�ساد�سة ع�رشة� ،أعيد تزويجها مرتني من دون �أن يكون لها ر�أي يف ذلك .وطوال حياتها، ا�شتغلت وتعبت يف الطبخ والغ�سيل والتنظيف داخل منزلها الذي مل يكن يتوافر فيه �آنذاك ال الرباد وال الغ�سالة وال الهاتف وال حتى املاء من احلنفية� .أمية ،لكن غري جاهلة ،وي�صف بن جلون برقّة م�ؤثّرة قناعاتها الدينية املت�ساحمة وقيمها وتقاليدها اجلميلة .ولع ّل �أكرث ما يلفت يف هذه الرواية احلقيقية هو تفهم بن جلون لأمه و�سهره عليها طوال الفرتة الأخرية من مر�ضها .ومن امل�ؤكد �أن كونه االبن الأخري والأغلى على قلبها يف�سرّ عالقته اخلا�صة بها
التقرير العربي الثاين 350للتنمية الثقافية
يف كندا برز خالل العام 2008 ا�سم روائي لبناين يكتب بالإنكليزية يدعى راوي احلاج ،وقد حققت روايته الأوىل «م�صائر الغبار» جناح ًا عاملي ًا وترجمت �إىل لغات ع ّدة وفازت �أي�ض ًا بجوائز ع ّدة.
ورغبته يف مواكبتها حتى مثواها الأخري. الروائي ال�صومايل نور الدين فرح الذي يكتب بالإنكليزية والذي بات ا�سمه رائج ًا على م�ستوى الأدب العاملي احلديث �أ�صدر بالإنكليزية رواية بعنوان «عقد» .وهذه الرواية ميكن اعتبارها تتمة لروايته ال�سابقة «�صالت». �أما العنوان «عقد» فهو يرمز �إىل الأو�ضاع املعقدة التي يعي�شها ال�صوماليون� ،ضحايا النزاعات بني ر�ؤ�ساء القبائل وخمتلف الفرق امل�سلحة و�أمراء احلرب الأ�صوليني املتطرفني، كما قد يرمز �إىل عي�ش النا�س يف ظل خوف دائم تفرزه حربهم الأهلية التي ت�شكل خلفية الرواية. ومن ناحية �أخرى برزت �أ�سماء �أدبية �سودانية يف الأدب العاملي حتى بات ممكن ًا الكالم على �أدب �سوادين يف املهجر .ف�أ�سماء مثل طارق الطيب وليلى �أبو العال وجمال حمجوب وحمد امللك و�سواهم ،تلفت مبا تبدع من �أعمال ومبا ترتك من �أ�صداء يف املنابر الدولية. تتحرك يف بلدان مثل بريطانيا هذه الأ�سماء ّ وهولندا والنم�سا ،وتختلف يف �أ�سباب خروجها من ال�سودان .وقد عرف جمال حمجوب جناح ًا كبرياً يف بريطانيا والعامل الأنغلو�-ساك�سوين وفاز بجوائز مرموقة. ويف كندا برز خالل العام 2008ا�سم روائي لبناين يكتب بالإنكليزية يدعى راوي احلاج، وقد حققت روايته الأوىل «م�صائر الغبار» جناح ًا عاملي ًا وترجمت �إىل لغات ع ّدة وفازت �أي�ض ًا بجوائز ع ّدة .يكتب حاج ،يف روايته عن احلرب اللبنانية بانف�صال يو�ضح ال انتماءه �إىل �أي من �أطراف احلرب. وبالإنكليزية �أي�ض ًا �أ�صدر الروائي والقا�ص الفل�سطيني املقيم يف لندن �سمري اليو�سف رواية جديدة بعنوان «ميثاق حب» بعد روايته الأوىل بالإنكليزية «وهم العودة» .يحمل اليو�سف �إىل اللغة الإنكليزية هواج�س من خارج �ضفاف بريطانيا .يحمل �إىل لغة الآخر ما كان بثّه يف ن�صو�صه التي كتبها �سابق ًا بالعربية ،وي�شّ كل البث. ال�ش�أن ال�سيا�سي الفل�سطيني زبدة هذا ّ
واجلديد يف هذه الرواية يتجلى حني ي�سعى الكاتب �إىل ا�صطياد ما مل يت ّم التطرق �إليه وما بقي طي الكتمان يف الف�ضاء الفل�سطيني. ال تبتعد هذه الرواية «ميثاق حب» عن املناخات الفل�سطينية املعقدة �سوى يف ذهابها �أبعد من جهة تخطي املحظور. فالبطل� ،إبراهيم ،الفل�سطيني الذي هرب من لبنان وطلب اللجوء ال�سيا�سي يف لندن ثم ح�صل على اجلن�سية الربيطانية ،يعي�ش بني الأقوام والأجنا�س والإثنيات وال�شعوب التي تقطن لندن ،ويقع يف حب فتاة �إ�رسائيلية. وتن�ش�أ بينهما عالقة �صداقة ال تلبث �أن تتطور �إىل م�شاعر حب متبادلة .غري �أن هذه العالقة ال تنجو من التبعات التي ت�ضخها الوقائع ال�سيا�سية والتاريخية. وبالعودة �إىل الأدب العربي الفرنكوفوين �أ�صدر الروائي اجلزائري املعروف با�سم يا�سمينة خ�رضا رواية جديدة عنوانها «ما يدين به النهار لليل» وقد ا�ستطاع هذا الكاتب اجلزائري وا�سمه اال�صلي حممد بول�سهول، والذي تب ّنى ا�سم زوجته ليعرف به «يا�سمينة خ�رضا» هرب ًا من تهديد الأ�صوليني له بالقتل، �أن ي�صبح يف فرتة وجيزة من الأ�سماء الأدبية التي حققت مكانة مميزة يف امل�شهد الروائي الفرن�سي ،و ُترجمت �أعماله �إىل �أكرث من ع�رشين لغة. �أما الروائية اجلزائرية بالفرن�سية �آ�سيا جبار ف�أ�صدرت رواية بعنوان «ال مكان يل يف منزل �أبي» ،وفيها تتناول املوا�ضيع احل�سا�سة التي �سبق �أن عاجلتها بجر�أة ومهارة ،وعلى ر�أ�سها و�ضع املر�أة يف ال�رشق الذكوري، وتاريخ اجلزائر احلديث ،وم�س�ألة التحجر داخل املرة بوتقة التقاليد� .إال �أنها ت�ست�سلم هذه ّ لفي�ض من ذاكرتها احلميمة ،فرتوي بانفعال وحياء كبريين ق�صة طفولتها ومراهقتها يف املنزل العائلي .هذا الأمر يح ّول الرواية �إىل م�صدر مهم ينري القارئ حول ظروف ن�ش�أة هذه الروائية الكبرية ومينحه مفاتيح مهمة لولوج عاملها الروائي ككل وفهم حوافزها الكتابية.
الف�صل االول الإبداع الأدبي 351
�أما الروائي اللبناين ال�شاب �ألك�سندر جنار خام�سا :حت ّديات الرتجمة يف الأدب ً
�أ�صدر الروائي اجلزائري املعروف با�سم يا�سمينة خ�رضا رواية جديدة عنوانها «ما يدين به النهار لليل»، وقد ا�ستطاع هذا الكاتب اجلزائري وا�سمه الأ�صلي حممد بول�سهول� ،أن ي�صبح يف فرتة وجيزة من الأ�سماء الأدبية التي حققت مكانة مم ّيزة يف امل�شهد الروائي الفرن�سي ،و ُترجمت �أعماله �إىل �أكرث من ع�رشين لغة.
�أ�صدر الكاتب التون�سي هوبري حداد رواية بالفرن�سية بعنوان «فل�سطني» ،وحازت جائزة «القارات اخلم�س» التي تمُ نح لأف�ضل رواية مكتوبة بالفرن�سية.
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإبداع
الذي بات معروف ًا يف عامل الأدب الفرن�سي ف�أ�صدر رواية تاريخية بعنوان «فينيقيا» ،وهي رواية �أ�شخا�ص عدة مثلما هي رواية زينون و�أمه �ألي�سا وعائلتها ،ورواية �صور وفينيقيا والإ�سكندر املقدوين .وبني الت�أريخ امللطف والبعيد من الت�ص ّنع والثقل ،وال�رسد الواقعي واملتخ ّيل ،ين�سج الكاتب روايته ب�أحداث التاريخ والوقائع� .أما ما مي ّيز هذه الرواية التاريخية فهو جعل ال�شخ�صيات التاريخية يحرر �شخ�صيات روائية �أو درامية .فالكاتب ّ هذه ال�شخ�صيات املعروفة من �أ�رس الت�أريخ �صانع ًا لها مالمح و�أقداراً. �أما الكاتب التون�سي هوبري حداد ف�أ�صدر رواية بالفرن�سية بعنوان «فل�سطني» وقد ر�شحت جلائزة «الرواية العربية» التي مينحها يف باري�س جمل�س ال�سفراء العرب ،وحازت جائزة «القارات اخلم�س» التي متنح لأف�ضل رواية مكتوبة بالفرن�سية .اختار هوبري حداد ا�سم فل�سطني عنوان ًا لروايته ولكن كما تلفظ بالفرن�سية (بال�ستني) وا�سم بطلته «فل�سطني» بالعربية .هذا التماهي بني ا�سم الرواية وا�سم «البطلة» يقابله متاه �آخر بني ا�سمني�« :شام» البطل الإ�رسائيلي و «ن�سيم» البطل الفل�سطيني الذي ال يح�رض �إال باال�سم بعد اختفائه �أو رمبا ا�ست�شهاده. قد تكون رواية «فل�سطني» رواية الهوية، الهوية املنق�سمة على ذاتها �أو املنف�صمة� .إنها رواية الكاتب نف�سه الذي طاملا عانى حا ًال من االزدواج بني عروبته هو التون�سي الذي يكتب بالفرن�سية وانتمائه �إليه ودي هو الذي يتحدر من عائلة يهودية .لكنه جنح متام ًا يف ر�سم حال االزدواج هذه ،مذ جعل من ال�شخ�صية الواحدة �شخ�صيتني ،جاع ًال يف احلني نف�سه من «الأنا» �آخر ومن الآخر «�أنا»� .إال �أن «�شام» عندما يق�صد الكوخ على الرابية ي�شعر ب�أنه �أ�صبح بال هوية ،كما لو �أنه كائن مقتلع ومن�سي وميت .يقول يف ختام الرواية« :اكتمل ال�صمت الآن .مل تبق من روح حية».
حركة الرتجمة من العربية �إىل اللغات الأجنبية حافظت على وتريتها خالل العام ،2008على الرغم من �سعي بع�ض امل�ؤ�س�سات العربية الر�سمية �إىل دعم هذه احلركة ،ومنها على �سبيل املثل جائزة امللك عبداهلل بن عبدالعزيز العاملية للرتجمة وم�رشوع «كلمة» يف �أبو ظبي و «م�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم» يف دبي وامل�رشوع القومي للرتجمة يف القاهرة وامل�رشوع الوطني للرتجمة يف تون�س .و�إن كانت غاية مثل هذه امل�ؤ�س�سات �أ�ص ًال ت�شجيع الرتجمة �إىل العربية ،ف�إنها مل تهمل مبد�أ الرتجمة من العربية �إىل اللغات العاملية ،بغية ن�رش الإبداع العربي يف العامل. وقد �شهد العام 2008املزيد من الرتجمات �إىل لغات مثل الفرن�سية والإنكليزية والأملانية والإ�سبانية والإيطالية و�سواها .واملالحظ �أن الرواية املرتجمة هي التي طغت على �سائر الأنواع كال�شعر والق�صة الق�صرية .فالرواية مما يغريهم �أي تغري النا�رشين الأجانب �أكرث ّ نوع �آخر .وبدا وا�ضح ًا �أن ال�شعراء الذين ترجموا خالل هذا العام يكادون يكونون هم �أنف�سهم ويف مق ّدمهم �أدوني�س وحممود دروي�ش وميكن �إ�ضافة ب�ضعة �أ�سماء قليلة مثل العراقي �سعدي يو�سف ،والأردين �أجمد نا�رص ،واللبناين عبا�س بي�ضون واملغربي عبداهلل زريقة واللبناين عي�سى خملوف واللبنانية جمانة حداد� ...أما الروائيون الذين يرتجمون با�ستمرار فهم ال يح�صون. هكذا تبدو ق�ضية الرتجمة ق�ضية مهمة جداً تعني الأدب العربي نف�سه مقدار ما تعني الرتجمة ،ال �سيما الرتجمة الأدبية� ،سواء من العربية �إىل الأجنبية �أم من الأجنبية �إىل العربية .فمن الوا�ضح �أن حركة الرتجمة من الأجنبية �إىل العربية� ،أو لأقل حركة التعريب، ت�شهد رواج ًا يف الفرتة الأخرية �سواء من القراء حيث كرثة الرتجمة �أم من ناحية �إقبال ّ عليها ،على الرغم من املالحظات الكثرية التي قد ُت�ساق يف هذا امليدان يف نوعية الرتجمة
التقرير العربي الثاين 352للتنمية الثقافية
لع ّل الرتجمات الروائية �ساعدت على جعل الرواية العربية نف�سها على حمكّ الرواية العاملية� ،إذ �أ�صبح يف مقدور الناقد والقارئ مع ًا �أن يقابال بني النتاج العربي والنتاج العاملي.
مل مي�ض العقدان الأخريان من القرن املن�رصم حتى كرثت الرتجمات العربية متجاوز ًة ما ُترجم خالل ن�صف قرن بكامله� .إنها مرحلة ما بعد جائزة حمفوظ ،وهذا ما ميكن �أن ت�سمى به مرحلة ازدهار الرتجمة الروائية العربية يف العامل.
و�سالمتها ودقتها .ولع ّل الرتجمات الروائية �ساعدت على جعل الرواية العربية نف�سها على حمكّ الرواية العاملية� ،إذ �أ�صبح يف مقدور الناقد والقارئ مع ًا �أن يقابال بني النتاج العربي والنتاج العاملي ،مثلما �أ�صبح يف ا�ستطاعة الروائي نف�سه ،خ�صو�ص ًا الروائي الذي ال يجيد لغة �أجنبية� ،أن يتل ّم�س موقعه و�سط الروائيني العامليني ،و�أن يطّ لع على الأ�ساليب احلديثة التي ت�شغل املخترب الروائي املعا�رص ،ناهيك ب�إطالعه على املو�ضوعات �أو التيمات التي حتت ّل �صميم الرواية العاملية اجلديدة. وهنا ال ب ّد من التذكر �أن الرواية العربية اجلديدة مل حتظ قبل فوز جنيب حمفوظ بجائزة نوبل بالرواج الذي ت�شهده اليوم .جنيب حمفوظ مل ترتجم �أعماله �إىل الفرن�سية (مث ًال) باملعنى ال�صحيح للرتجمة �إال يف مطلع ال�سبعين ّيات، وحتديداً مع ت�أ�سي�س دار «�سندباد» ذات النزعة الوا�ضحة وامليل �إىل الثقافة العربية واال�سالمية .هذه الدار �أ�س�سها بيار برنار مغامراً ومراهن ًا على جناح مغامرته وجذب القارئ الفرن�سي .ولي�س من الغريب �أن يكون برنار �أول من انتبه يف فرن�سا �إىل جنيب حمفوظ، فن�رش روايته «زقاق املدق» عام 1970عن دار �صغرية كان يعمل فيها قبل انتقاله �إىل الدار التي �أ�س�سها ،ثم �أعاد طبع رواية حمفوظ هذه يف داره طبعات ع ّدة ،وبلغ مبيعها يف فرن�سا نحو ثالثني �ألف ن�سخة ،و�صدرت الحق ًا يف �سل�سلة «كتاب اجليب» التي ت�شهد رواج الروايات �شعبي ًا .ولع ّل دار �سندباد التي ن�رشت بع�ض عيون ال�شعر العربي ورواية لعبدالرحمن منيف� ،إ�ضافة �إىل الكتب الرتاثية الكثرية، �رسعان ما وا�صلت ترجمتها لأعمال حمفوظ مثل «�أوالد حارتنا» ،و «حكايات حارتنا»، و«الل�ص والكالب». قبل �أن ينال جنيب حمفوظ جائزة نوبل، كان االهتمام بالرواية العربية اجلديدة �ضئي ًال يف الغرب ومل تكن �أ�سماء الروائيني العرب والقراء الغربيني. معروفة لدى النا�رشين ّ وبعد فوز حمفوظ بنوبل بد�أت مرحلة جديدة
على م�ستوى تق ّبل الرواية العربية واالنفتاح عليها والرتحيب بها .هكذا راحت بع�ض الدور الغربية ،الكبرية وال�صغرية ،ت�صدر الرتجمات الروائية العربية ،ولكن وفق �إيقاع بطيء .ومل مي�ض العقدان الأخريان من القرن املن�رصم ِ حتى كرثت الرتجمات العربية متجاوز ًة ما ُترجم خالل ن�صف قرن بكامله� .إنها مرحلة ما بعد جائزة حمفوظ ،وهذا ما ميكن �أن ت�سمى به مرحلة ازدهار الرتجمة الروائية العربية يف العامل .وكان ال ب ّد من �أن تتو�إىل الروايات املرتجمة والأ�سماء العربية :جمال الغيطاين، �صنع اهلل �إبراهيم� ،إليا�س خوري� ،إدوار اخلراط، غ�سان كنفاين ،حنان ال�شيخ� ،إبراهيم عبداملجيد، حممد الب�ساطي ،وا�سيني الأعرج ،عبداحلكيم قا�سم ،عالية ممدوح ،احلبيب ال�ساملي و�سواهم. ا�ستطاع ه�ؤالء الروائيون �أن يعر�ضوا �صوراً متنوعة و�شاملة عن الرواية العربية اجلديدة يف اجتاهاتها املختلفة و�أ�ساليبها املتع ّددة ومقارباتها ومو�ضوعاتها ...ومن خاللهم متكّن القارئ الفرن�سي من ت�شكيل فكرة ما عن الفن الروائي العربي احلديث بعدما �سيطرت على ذاكرته �صورة ملتب�سة ور�ؤية م�سبقة ال تعربان عن حقيقة هذا الفن .وكان من الطبيعي �أن حتظى بع�ض الروايات املرتجمة بنجاح الفت و�أن تتناولها ال�صحف وتكتب عن �أ�صحابها، لكن الروائيني الذين ا�ستطاعوا �أن ي�ست�أثروا بطبعة «اجليب» – داللة على رواج �أعمالهم – هم قلة. غري �أن هذه الروايات العربية مل تتمكن من ت�شكيل ظاهرة كبرية على م�ستوى الن�رش و«ال�صناعة» الكتبية على غرار ما فعل مث ًال �أدب �أمريكا الالتينية �أو الأدب الأمريكي �أو ال�صيني �أو الياباين �أو الرو�سي. �أما ال�س�ؤال الذي يطرح نف�سه هنا فهو :هل يخ�ضع اختيار الروايات العربية ملعايري �أدبية �رصفة �أم ملقايي�س «ال�سوق» وذائقة القارئ الغربي ومقيا�س الرواج؟ ومبعنى �آخر :هل هناك عدل يف اختيار الروايات التي ترتجم؟ ثم من يختارها :النا�رش �أم املرتجم؟ لع ّل «�إ�شكالية»
الف�صل االول الإبداع الأدبي 353
هل يخ�ضع اختيار الروايات العربية ملعايري �أدبية �رصفة �أو ملقايي�س «ال�سوق» وذائقة القارئ الغربي ومقيا�س الرواج؟ هل هناك عدل يف اختيار الروايات التي ُترتجم؟ ثم من يختارها :النا�رش �أم املرتجم؟ لع ّل «�إ�شكالية» الرتجمة الروائية تكمن يف �صميم هذه الأ�سئلة التي ال ب ّد من �إيجاد �أجوبة عنها.
املده�ش �أن بع�ض الروائيني العرب اجلدد �أ�صبحوا يقبلون على كتابة روايات «�صاحلة» للرتجمة، وا�ضعني ن�صب �أعينهم القارئ الأجنبي وذائقته.
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإبداع
الرتجمة الروائية تكمن يف �صميم هذه الأ�سئلة التي ال ب ّد من �إيجاد �أجوبة عنها! فمن املعروف �أن النا�رشين الغربيني ال يختارون �إال الكتب الذائعة ال�شهرة ،وكذلك الروايات التي تعني القراء الغربيني وجتد �صدى لديهم. ّ ترى هل املطلوب من الرواية العربية �أن ت�شبه الرواية الغربية حتى حتظى بالرتجمة �أو عليها �أن تكتفي مبوا�صفاتها احلقيقية وهويتها؟ هل على الرواية العربية �أن حتمل طابع ًا �إكزوتيكي ًا قادراً على �إغراء القارئ الغربي وخماطبة خميلته حتى حتظى بالرتجمة؟ لع ّل هذا ما �سعى �إليه بع�ض الروائيني العرب الذين يكتبون بلغات �أجنبية .وبدا وا�ضح ًا �أن بع�ض الأعمال الروائية املرتجمة مل تنجح �إال لأنها حتمل مادة �إكزوتيكية �أو تغريبية تثري خميلة القارئ الغربي وغريزته ،خ�صو�ص ًا عندما تتناول بع�ض العالقات ال�شاذة يف مناطق عربية حمددة �أو بع�ض املحرمات .والأمثلة هنا كثرية .واملفاجئ يف �أحيان �أي�ض ًا �أن روايات كثرية ُتنقل �إىل االجنبية من غري �أن حتظى ب�أي جناح يف لغتها العربية �أي لغتها الأ�صلية ،وهذا ما يدعو حق ًا �إىل الت�سا�ؤلُ .ترى �ألي�ست الرتجمة هي �أو ًال و�أخرياً فعل حوار بني لغتني وثقافتني؟ �ألي�ست الرتجمة �أي�ض ًا فعل قراءة تخرتق احلدود ،حدود اللغة والكائن نف�سه؟ هكذا ال ي�ستطيع املثقف العربي مث ًال� ،أن يفهم فكرة �أن ُيرتجم عمل �إىل اللغة الأجنبية لأنه يدور حول ن�سوة عربيات� ،أو لأنه يف�ضح بع�ض العيوب االجتماعية� ،أو يقدم مناذج ب�رشية �شاذة وم�شوهة! وال ي�ستطيع هذا املثقف �أي�ض ًا �أن ي�ستوعب فكرة �أن يطلب النا�رش الأجنبي �أعما ًال روائية خفيفة قادرة على ت�سلية القارئ الأجنبي يف القطار �أو قبل النوم! واملده�ش �أن بع�ض الروائيني العرب اجلدد ا�صبحوا يقبلون على كتابة روايات «�صاحلة» للرتجمة ،وا�ضعني ن�صب �أعينهم القارئ
الأجنبي وذائقته .وبدا بع�ض الروائيني يف حال من الرتاجع روائي ًا نتيجة هذا االنف�صام بني ذائقة عربية وذائقة �أجنبية� ،أي بني حقيقتهم الذاتية وحقيقتهم املز ّورة .وقد يكون طبيعي ًا �أن يطمح الروائي العربي �إىل ك�رس ح�صار لغته واخلروج �إىل لغات العامل .هذا �ش�أن الكرث من �أدباء العامل .لكن املفرو�ض �أن ي�أتي اخلروج طبيعي ًا ولي�س م�صطنع ًا .والرواية التي ال تلقى جناح ًا يف بوتقتها الأوىل لن ت�صيب النجاح حتى لو ترجمت �إىل لغات عدة. �أما ترجمة ال�شعر �إىل اللغات الغربية - الأجنبية التي تبدو وقف ًا على �أ�سماء معدودة ومعظمها من ذوي ال�شهرة ،فلم تطرح الأ�سئلة التي �أثارتها الرتجمة الروائية .فال�شعر �أ�ص ًال ال يعرف الرواج الذي تعرفه الرواية حتى يف الغرب ،وهو بالتايل ال يجذب النا�رشين لأ ّنه لي�س مادة ربح ،ونادراً ما يحظى ال�شعراء اجلدد برتجمات كثرية .حتى الكثريون من ال�شعراء الر ّواد مل ُيرتجم من �شعرهم �إال القليل. لكن هذا ال يعني �أن ال�شعر العربي جمهول ّ لدى القارئ الفرن�سي �أو الإنكليزي �أو الأملاين و�سواهم ،فاملختارات ال�شعرية ت�صدر حين ًا تلو حني مق ّدمة امل�شهد ال�شعري العربي املعا�رص، عرب مناذج متع ّددة .لكن القارئ ال يتمكّن عرب مثل هذه املختارات (�أو الأنطولوجيات) �أن ي�شكّل فكرة عميقة و�شاملة عن ال�شعراء �أنف�سهم. فاملختارات تتيح للقارئ عادة �أن يطلّع على امل�شهد العام ،مبدار�سه وتياراته. طرحت ق�ضية الرتجمة من العربية �إىل الفرن�سية الكثري من الأ�سئلة خالل العام ،2008 ال �سيما يف ب�ضع ندوات �أقيمت يف معر�ض القاهرة الدويل للكتاب ويف معر�ض �أبو ظبي الدويل للكتاب الذي يطمح القائمون عليه حتويله �إىل ح ّيز لتوقيع االتفاقات املتعلقة بالرتجمة ،من الأجنبية �إىل العربية ،ومن العربية �إىل الأجنبية.
التقرير العربي الثاين 354للتنمية الثقافية
الف�صل الثاين الإبداع ال�سينمائي والدارمي �أو ًال :2008 :عام �سينمائي انتقايل بامتياز
يف جمتمعات ال تزال مثل جمتمعاتنا العربية ،يلعب �أفراد متقدمون� ،إن و�ضعوا يف �أماكن تطور منا�سبة� ،أدواراً ت�أ�سي�سية يف ّ الفن ،تفوق يف �أهميتها الفن وغري ّ ّ ما قد يلعبه تاريخ هذه امل� ّؤ�س�سات ب�أكمله.
يقال يف �شكل تنظريي عاد ًة �إن ما يحدث خالل عام ب�أكمله بالن�سبة �إىل �صنف �إبداعي �أو ف ّني ،يف منطقة ما من العامل� ،أو يف بلد ما� ،إمنا يكون خال�صة ونتيجة كل ما حدث بالن�سبة �إىل هذا ال�صنف منذ بداية والدته ،مهما كان طوي ًال �أو ق�صرياً احل ّيز الزمني الفا�صل بني تلك املعني .ومن ثم ،يقال �أي�ض ًا الوالدة والعام ّ – ودائم ًا يف �شكل تنظريي – �إن ما يحدث خالل ذلك العام� ،إمنا يكون املقفز الذي تكون منه االنطالقة نحو ما �سوف يج ّد يف الأزمان املقبلة .ما يعني ،بعبارات �أكرث و�ضوح ًا� ،أن عام ًا ما من تاريخ ال�صنف املعني �إمنا هو عام مف�صل انتقايل بني ما�ضيه وم�ستقبله. �إمنا من دون �أن يعني هذا� ،أن ذلك احلا�رض ال ي�شهد خبطات م�رسحية ،تعيد ترتيب �أمور ال�صنف الف ّني املعني ،بل تعيد خلقه من جديد .ويف املجال الذي نحاول هنا �أن نر�صد �أبرز عالمات عامه املن�رصم ،العام ،2008 �سيكون من ال�صعب العثور ،حق ًا على واحدة من تلك اخلبطات .بل ،على العك�س من هذا، قد تكون اخلبطة الوحيدة �سلبية :رحيل كبري ال�سينمائيني العرب ،يو�سف �شاهني ،خالل �صيف هذا العام ،بعد معاناة مع املر�ض ،وما كان لذلك الرحيل من �أثر �شعبي ور�سمي ،ومن الفن ال�سينمائي ،على كل خالل ذلك ،من جعل ّ �شفة ول�سان ،خ�صو�ص ًا �أن �شاهني الذي عا�ش ال�سينما امل�رصية – وال�سينمات العربية �أي�ض ًا �إىل ح ّد ما – قرابة ال�ستني عام ًا من حياته ،مل يقم طوال هذه احلياة ب� ّأي ن�شاط فني – �أو غري فني – �آخر ،غري ال�سينما .بل �أنه بالكاد دنا من امل�رسح �أو من التلفزيون .ومن هنا اعترب
هذا احلدث حدث ًا �سينمائي ًا �أ�سا�سي ًا و�ضخم ًا. ولكن عدا عن هذا ،مل يعرف العام ،2008 يف جمال ال�سينما ،يف � ّأي من البلدان العربية، � ّأي حدث كبري ،ميكن املرء معه �أن يبدي ده�ش ًة �أو �إعجاب ًا� ،أو يقول بد�أ امل�ستقبل حق ًا. مرة يف املا�ضي كان هذا يحدث� ،إن مل يكن ّ واحدة ومن حيث ما كان يف �إمكان �أحد �أن يتوقّع ،ففي تط ّور مت�سارع ،يخلق تيارات �أو �سينمات وطنية �أو �أي �شيء �آخر من الأمور التي كان ميكن اعتبارها نقاط انعطاف يف تاريخ �أي �سينما من ال�سينمات التي نتناولها هنا، على اعتبارها �سينمات عربية (�أي حمققة يف البلدان العربية ،ناطقة غالب ًا بالعربية ،معبرّ ة عن مبدعني عرب ،ويف معظم الأحيان عرب اال�ستعانة بف ّنانني وف ّنيني عرب .)...فتحقيق �أول فيلم يف بلد ما ،ومهما كان من �ش�أن قيمته ،يعترب حدث ًا انعطافي ًا ،وظهور فيلم مثل «الأر�ض» ليو�سف �شاهني� ،أو «املومياء» ل�شادي عبدال�سالم �أو «ب�س يا بحر» خلالد ال�صديق� ،أو «كفر قا�سم» لربهان علوية ،على �سبيل املثال ال احل�رص ،كان يعترب حدث ًا انعطافي ًا .بل حتى تعيني م�س�ؤول ما ،يف موقع قيادي يف م� ّؤ�س�سة �سينمائية فاعلة ،كان ميكنه ،حتى �أن يعترب حدث ًا (علي �أبو �شادي يف هيئة الرقابة يف م�رص� ،أو نور الدين �صايل يف املركز الوطني لل�سينما يف املغرب� ،أو حممد الأحمد ،يف م� ّؤ�س�سة ال�سينما ال�سورية� ...إلخ) ،بالنظر �إىل �أن يف جمتمعات ال تزال دائم ًا يف طور النم ّو مثل جمتمعاتنا العربية ،يلعب �أفراد متقدمون، �إن و�ضعوا يف �أماكن منا�سبة� ،أدواراً ت�أ�سي�سية الفن ،تفوق يف �أهميتها ما الفن وغري ّ يف تط ّور ّ قد يلعبه تاريخ هذه امل� ّؤ�س�سات ب�أكمله .فهال ميكننا هنا �أن ن�ستطرد مث ًال لنقول �إن البداية
الف�صل الثاين الإبداع ال�سينمائي والدارمي 355
اخلجولة لوجود �صاالت عر�ض �سينمائي �أو مهرجانات يف كل مكان
بقدر ما يكون بلد عربي ما، خالي ًا من الإنتاج ،يزداد اهتمامه باملهرجانات ومتويله لها من دون اهتمام جدي ،يف املقابل ،بتمويل حركة �إنتاجية� ،أو تدعيم ما يريد املبدعون حتقيقه يف هذا املجال.
الإبداع
مهرجانات �سينمائية يف ال�سعودية ،ميكن �أن تعترب حلظة انعطافية� ،أو والدة عمالق �إنتاجي مثل «غود نيوز» يف م�رص حلظة انعطافية �أي�ض ًا..؟ ح�سن ًا ..كل هذا ي�شكّل حلقات من �سل�سلة تط ّورات ميكنها �أن تنعك�س على تاريخ ال�سينما وتفعل فيه ...لكن �أي �شيء من هذا مل يحدث يف عام ،2008با�ستثناء حكايات ال�صاالت ال�سعودية وال�سجال من حولها ...بل ال ب ّد لنا من القول �إنه يف ما عدا فيلمني هنا� ،أو فيلمني هناك ،مل يعرف الإنتاج ال�سينمائي نف�سه � ّأي زخم ولو كمي ،ناهيك بالنوعية ،طوال عام ،كان على �أية حال ،عام �أزمات �سيا�سية واقت�صادية غمرت �أنحاء عديدة من العامل� ،ألغت م�شاريع، � ّأجلت �أخرى ،وقالت يف نهاية الأمر :اال�ستمرار من دون خبطات خري من ال �شيء .لكن هذا مل مينع من ظهور جديد هنا ،ومده�ش هناك... مل مينع بلداً من �أن يوا�صل تطوير اندفاعاته ال�سينمائية .و�آخر من �أن ميعن يف ت�أ�سي�سيته. ولكن دائم ًا يف حراك عادي ه ّمه الأ�سا�س احلفاظ على وترية ت�صاعدية ما ،تت ّم بالقفزات احل�سابية ال بالقفزات الهند�سية� .أما �إذا كان هذا كلّه قد عجز عن �أن ين ّوع احل�ضور ال�سينمائي لكل �سينما عربية على حدة ،يف املهرجانات العديدة التي ت�شارك فيها ال�سينمات العربية، داخل بلدان العامل العربي وخارجها ،فلرمبا ي�صح �أن نقول �إن ال�سبب يف هذا ،لي�س متام ًا ّ قلة الأفالم ال�صاحلة لتعر�ض يف املهرجانات.. بل كرثة هذه الأخرية .فاحلال �أن بلدان ًا عربية كثرية متعن ،منذ اكت�شفت �أن يف املهرجانات وجاه ًة وح�ضوراً لل�سينما يعفيها من خماطر الإنتاج و�صعوباته ،متعن يف �إقامة هذه املهرجانات .ولع ّل الالفت يف هذا كله �أنه بقدر ما يكون بلد عربي ما ،خالي ًا من الإنتاج، يزداد اهتمامه باملهرجانات ومتويله لها ...من دون اهتمام جدي ،يف املقابل ،بتمويل حركة �إنتاجية� ،أو تدعيم ما يريد املبدعون حتقيقه يف هذا املجال.
كم يبلغ اليوم عدد مهرجانات ال�سينما جواب العربية؟ من ال�صعوبة مبكان �إيراد ٍ قاطع ..ولكن يف املقابل بات ثمة يف احلياة ال�سينمائية العربية« ،م�س�ألة مهرجانية»، مت�ش ّعبة ال�صور والأهداف والدالالت ،ترتاوح كينونتها بني مهرجانات حقيقية ذات عراقة قدمية �أو م�ستجدة ،حتاول �أن تكون مفيدة على �صعيد احلياة ال�سينمائية يف البلد الذي تقام فيه ،وبني �أخرى م�ستج ّدة حتاول �أن ت� ّؤ�س�س، و�إن غالب ًا ب�شكل غام�ض ،مل�ستقبل �سينمائي ما ..وثمة بني النوعني مهرجانات ال تخلو من تاريخ وعراقة ،ولكنها تطرح �أ�سئلة عديدة حول ذاتها وامكانية ا�ستعادة �أجمادها القدمية� .أما ما يجمع بني هذه املهرجانات جميعها ف�إمنا هو �أنها جميع ًا حتاول يف كل عام – وحاولت هذا بالت�أكيد يف العام � – 2008أن ت�ستقطب الأفالم نف�سها التي ُيت�صور �أنها مهرجانية والتي من ال�صعب القول �إن �إجمايل عدد ما انتج منها خالل العام الفائت يتجاوز الع�رشة �أفالم .لن نقول هنا ما هي هذه الأفالم ،لأن �أمرها نعاجله الحق ًا يف التقارير املتعلّقة بكل �سينما من ال�سينمات العربية ،لكننا ن�شري يف املقابل �إىل ظاهرة ل�سنا ندري بعد ح�سناتها من �سيئاتها ،وملخ�صها �أن املهرجانات الف ّنية – «دبي» و «�أبو ظبي» مث ًال ..ورمبا غداً «الدوحة» وغريها – تبدو الأكرث قدرة على ا�ستقطاب اجلديد واجليد ال�سينمائيني، مما تو�سم به هذه املهرجانات من على الرغم ّ ابتعاد عن ال�سينما احلقيقية ،وذلك لأن �أجور العرو�ض �أكرث ،واجلوائز املالية �أهم بكثري.. و�رشوط ال�ضيافة اكرث كرم ًا ،وما �إىل ذلك� ،إىل درجة يت�ساءل معها املرء ،ما الذي يتبقّى يف ال�سنوات املقبلة ملهرجانات �أكرث �أهمية بكثري، �إمنا اكرث فقراً بكثري �أي�ض ًا ،مثل «مراك�ش» و «دم�شق» و «قرطاج» ،من �أفالم ُتعر�ض فيها عرو�ض �أوىل؟ فاملبدع� ،أو منتجه ،الذي ُيغرى يخ�ص مهرجان ًا ثري ًا ب�ألوف الدوالرات كي ّ بفيلمه اجلديد� ،سوف يعجز قريب ًا عن مقاومة
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 356للتنمية الثقافية
هذا الإغراء الذي متثّله �أموال ما كان ليمكنه �أن تعاون متع ّدد الأنواع
املهرجانات الف ّنية – «دبي» و«�أبو ظبي» مثالً ..ورمبا غداً «الدوحة» وغريها – تبدو الأكرث قدرة على ا�ستقطاب اجلديد واجليد مما تو�سم ال�سينمائيني ،على الرغم ّ به هذه املهرجانات من ابتعاد عن ال�سينما احلقيقية ،وذلك لأن �أجور العرو�ض �أكرث ،واجلوائز املالية �أهم بكثري.
قد يكون مفيداً �أن نذكر �أن مهرجان دبي� ،أو مهرجان �أبو ظبي تبلغ ميزانية الواحد منهما لدورة واحدة نحو ثالثني �ضعف ميزانية �ضعف مهرجان دم�شق ،وع�رشين َ مهرجان مراك�ش.
يحلم باحل�صول عليها ،يف مقابل مهرجانات ال تعده �إال باجلمهور الواعي وال�سجاالت ال�سينمائية احلقيقية؟ لتو�ضيح هذه ال�صورة قد يكون مفيداً �أن نذكر �أن مهرجان دبي� ،أو مهرجان �أبو ظبي (وهما ،للمنا�سبة ،متناف�سان بني بع�ضهما البع�ض ويحاول ك ّل منهما �أن ي�ش ّد احلبل �إىل جانبه� ،أفالم ًا وجنوم ًا ،ولكن اي�ض ًا من ناحية �رشاء وا�ستئجار النقاد وال�سينمائيني ب�شكل عام) تبلغ ميزانية الواحد منهما لدورة واحدة نحو ثالثني �ضعف ميزانية مهرجان دم�شق، َ �ضعف مهرجان مراك�ش... وع�رشين �إن هذا يجعل ال�رصاع غري متكافئ بني املهرجانات الغن ّية والأخرى الفقرية ..كما �أنه يثبط من عزمية مدن عربية �أخرى حتاول �إما �أن ت�ؤ�س�س ملهرجاناتها �أو �أن تعيد الو�صل ما�ض مهرجاين كان لها يف زمن ما .فهل مع ٍ ثمة ا�ستنتاجات علينا ا�ستخال�صها من هذا الو�ضع؟ �أي�ض ًا هنا تبدو الإجابة �صعبة ،طاملا �أن الرهان يبدو و�أي�ض ًا ثالثي ًا :فمن ناحية ،هل �سيجد �أحد ب�أ�س ًا �إن ربح خمرج متميز ر�أ�سما ًال ما ،بف�ضل عر�ض فيلمه اجلديد يف مهرجان غني؟ ومن ناحية ثانية� ،أال يحقّ لنا �أن نت�ص ّور �أنه حتى يف بلدان غنية تقيم اليوم مهرجاناتها على �سبيل الوجاهة ،قد ينتهي الأمر بفائدة جمة على هواة هذه البلدان و�سينمائييها، �إذ يجدون �أنف�سهم ،ولو خالل �أيام قليلة على منت �سينمائي ي�أتي من اخلارج، متا�س مع ٍ ً ً ً �أفالم ًا ولكن �أي�ضا نقادا وجنوما ومطبوعات؟ �أما من ناحية ثالثة ف�إن الرهان يقوم على فكرة ان والدة ت�أزم ما ،من حول كل مهرجان، ومهما كانت درجة ثرائه ،قد ينتهي بها الأمر �إىل خلق تعاون بني هذه املهرجانات ملا �سيكون فيه �صالح والدة �سينمات جديدة ،من رحم ذلك الت�أزم وما ينتهي �إليه من تعاون.
مهما يكن من �أمر ،ال ب ّد �أن ن�شري هنا �إىل �أن كلمة تعاون ،التي بدت لزمن وك�أنها غابت متام ًا عن قامو�س احلياة ال�سينمائية العربية، تعود الآن ولو يف �أ�شكال متن ّوعة .ولع ّل علينا هنا فقط �أن نكتفي بتعدادها ،يف انتظار �أن تتبلور �أكرث و�أكرث خالل ال�سنوات املقبلة. فمن �أ�شكال التعاون اجلديدة قدرة بع�ض ال�سينمائ ّيني العرب اليوم ،ورمبا بف�ضل مما بف�ضل رواج �أفالمهم املهرجانات �أكرث ّ وم�شاريعهم يف ال�صاالت ،على احل�صول على متويل كلّي �أو جزئي من هذا البلد العربي �أو ذاك .فمث ًال ثمة يف بع�ض املهرجانات ور�ش عمل ت�سهم يف �إنتاج �أفالم مقبلة .بل ثمة �صناديق ،لع ّل �أهمها اليوم ال�صندوق العربي (ومقره يف الأردن) ،الذي للتنمية الثقافية ّ ق ّدم عام 2008وحده نحو � 800ألف دوالر لدعم ع�رشة م�شاريع �سينمائية ملبدعني عرب وهيئات عربية خمتلفة. ومن �أ�شكال التعاون ،ور�ش عمل متبادلة بني جمموعات �سينمائية يف �أكرث من بلد. بل �إن ثمة اليوم منتجني بد�أوا يبحثون يف بلدان عربية غري البلدان التي يعملون فيها، عن م�شاريع ل�سينمائيني واعدين ي�ساندونها ٍ (على �سبيل املثال م ّول املنتج غابي خوري – «م�رص لل�سينما» – �إنتاج اللبناين �سمري حب�شي لفيلم «دخان بال نار» ،و�ساند املركز الوطني لل�سينما يف املغرب فيلم «عني �شم�س» للم�رصي �إبراهيم البطوط .)... ومن �أ�شكال التعاون انفتاح املزيد من امل� ّؤ�س�سات الأوروبية ،والعربية املوجودة خارج العامل العربي ،على �رضورة الإمعان يف دعم �أفالم عربية ،مبا ي�س ّهل احل�صول على دعم عربي (فيلم «�أمريكا» ل�شريين دعيب�س ح�صل على دعم مايل كويتي و�إماراتي؛ وفيلم «الزمن الباقي» لإيليا �سليمان ،ح�صل على دعم عربي متن ّوع.)... طبع ًا هذا كله بدا خالل العام 2008 جنيني ًا ...ولكن �أفال ميكننا �أن نقول �إن كل ما
الف�صل الثاين الإبداع ال�سينمائي والدارمي 357
هو جنيني ،ينتهي به الأمر �إىل �أن ي�صبح وليداً فبالغ ًا؟
ال�سينما امل�رصية :عام االنزياحات الكربى
عودة �إىل الإنتاج
ب�شكل تقريبي �إذا ،ميكننا �أن نقول �إن ال�سينما امل�رصية �أنتجت خالل العام ،2008 نحو خم�سني فيلم ًا .وهو رقم يعترب كبرياً ن�سبي ًا،
ثمة ،يف مناخ ال�سينما امل�رصية، نوع من العودة �إىل اجتماعية ال�سينما. هذه االجتماعية التي كانت فقدت جزءاً كبرياً منها خالل العقود الفائتة. ويف يقيننا �أن ثمة عوامل عديدة لعبت ،ورمبا �ستلعب �أكرث و�أكرث يف هذا االجتاه الذي ي ّنم �أول ما ي ّنم عن «جت ّدد» يف حركية اجتماعية معينة.
الإبداع
يف الوقت الذي يتجاوز فيه عمر ال�سينما الروائية يف م�رص الثمانني عام ًا ،وعمر ح�ضور ال�سينما نف�سه يف هذا البلد ،القرن ،هل ميكننا �أن نقول �إن ال�سينما امل�رصية يف خري؟ من امل�ؤكد �أن درا�سة �إنتاج وردود الفعل على �إنتاج عام واحد من تاريخ هذه ال�سينما ،ال ميكنه �أن يعطينا �إجابة قاطعة ،ال من الناحية الكمية وال من الناحية النوعية .وكذلك لن يعطينا هذه الإجابة القيام باملقارنة بني �إنتاج عامني متتاليني ،وال – بالتايل – املقارنة بني ن�سب الإقبال على م�شاهدة الأفالم يف مثل هذين العامني .ولع ّل ال�سبب الأهم يف هذا هو �أن لي�س ثمة �أي قاعدة علمية مطلقة حت ّدد العام الذي ميكن �أن ُين�سب �إليه �أي فيلم من الأفالم. فنحن نعرف عاد ًة �أن العمر املنطقي حلركية الفيلم ،باملعنى الكال�سيكي للكلمة ،ال يقل عن ثالثة �أعوام – كمتو�سط عام .-ذلك �أن الفيلم ُير�سم ،من قبل �أ�صحابه �سواء �أكانوا منتجني �أم خمرجني �أم كتاب ًا �أم غري ذلك ،طوال ما ال يق ّل عن عام .ثم� ،إذا �أُتيح له �أن يحقق، ي�ستغرق حتقيقه عام ًا �آخر ،ليعر�ض ويجول يف ال�صاالت ما طاب له الهوى� ،أو يف املهرجانات �إذا كان هذا ممكن ًا ،خالل عام ثالث ،ي�صبح الرف �أو جزءاً من تاريخ ال�سينما بعده �إما على ّ وذخائر التلفزيون .ومن هنا يبقى «اعتباطي ًا»، �أي ن�سب لأي فيلم �إىل عام حم ّدد .ومع هذا ال ب ّد من االعتماد على هذه «االعتباطية» يف �أي درا�سة حتليلية تريد �أن ت�صل �إىل ا�ستنتاجات ولو كانت هذه اال�ستنتاجات تقريبية.
يف جمرى تاريخ الإنتاج ال�سينمائي امل�رصي، وحتى باملقارنة مع املعدل العام لالنتاج امل�رصي يف عقدي الذروة� :سنوات اخلم�سني (حيث جتاوز املعدل ال�سنوي العام اخلم�سني فيلم ًا) ،و�سنوات الثمانني (حيث قارب املعدل ال�سنوي العام ال�ستني فيلم ًا) .ف�إذا تن ّبهنا هنا �إىل �أن معدل الإنتاج يف العقد الأخري من القرن الع�رشين مل يزد عن 38فيلم ًا يف العام ،و�أن املعدل العام لل�سنوات ال�سبع الأوىل من بدايات القرن الواحد والع�رشين مل يزد عن 25فيلم ًا، جندنا يف العام � 2008أمام فورة �إنتاجية ت�ؤكد ما كانت عليه احلال يف العام ال�سابق .2007 ففي هذا العام �أنتج يف م�رص نحو 48فيلم ًا، بلغت �إيراداتها الإجمالية 230مليون جنيه م�رصي� ،أي بزيادة قدرها %15عن ما حقّقته �إيرادات العام ال�سابق عليه� .أما �إيرادات عام ،2008فمن املرجح �أنها تق ّل عن �إيرادات العام ال�سابق مبا ال يق ّل عن 75مليون جنيه . �إن امللحوظة الأوىل التي ميكن �إيرادها هنا انزياح ملحوظ بني نوعية الأفالم� .إذ تكمن يف ٍ فيما حازت الأفالم الهزلية (امل�سماة ب�أفالم الكوميديني اجلدد) يف العام 2007الن�سبة الأعلى من املداخيل ،على ح�ساب �أفالم �أكرث جدية – ُي�ستثنى منها فيلم «عمارة يعقوبيان»، الذي �سجل واحداً من النجاحات الكربى � -أتى عام 2008ليو ّزع املداخيل بني الأنواع ب�شكل �أكرث عد ًال ،بل مرجح ًا حتى كفّة ال�سينما الأقل «�شعبية» والأكرث اجتماعية ،من ناحية �إقبال اجلمهور ،وبالتايل من ناحية احل�ضور العام للأفالم .واحلقيقة �أن يف �إمكاننا انطالق ًا من هذه املالحظة الأولية افرتا�ض �أن ثمة ،يف مناخ ال�سينما امل�رصية ،نوع ًا من العودة �إىل اجتماعية ال�سينما ...هذه االجتماعية التي كانت فقدت جزءاً كبرياً منها خالل العقود الفائتة .ويف يقيننا �أن ثمة عوامل عديدة لعبت ،ورمبا �ستلعب �أكرث و�أكرث يف هذا االجتاه الذي ي ّنم �أول ما ي ّنم عن «جتدد» يف حركية اجتماعية معينة. العن�رص الأول ،هو �أن انح�صار العمل
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 358للتنمية الثقافية
مهما كان ر�أينا يف ما ق ّدمه العام 2008من �أفالم -على امل�ستوى امل�رصي نقر ب�أنه على الأقل -ال ميكننا �إال �أن ّ ق ّدم جديداً ...ل�سينما تريد �أن تقول �شيئ ًا على ح�ساب �سينما �سادت خالل �سنوات ما�ضية ،حققت جناحات من دون �أن تتطلّع �إىل �أن تقول �أي �شيء ...ومنها �أفالم هزلية و «جن�سية» وبولي�سية.
التلفزيوين الدرامي ،اجلاذب ل�رشائح معينة من الطبقات الو�سطى (وهي الزبون الرئي�س لهذا النوع من الدراما) ،للعر�ض خالل �شهر رم�ضان ،جعل ال�شا�شات �شبه خالية طوال الأ�شهر الأخرى من العام ،من �أعمال جاذبة... ما �أعاد قطاعات عري�ضة �إىل �صاالت ال�سينما. العن�رص الثاين ،الناجت جدلي ًا عن الأول، هو �أن ن�شوء املج ّمعات التجارية الكربى يف القاهرة وغريها من املدن� ،أ ّدى �إىل زيادة عدد ال�صاالت الفخمة ،بعد ما عانت حال ال�صاالت ما عانته طوال عقود .ومن املرجح �أن ازدياد عدد ونوعية هذه املجمعات و�صاالتها ،لعب دوراً كبرياً يف جناح العرو�ض العامة لكثري من الأفالم. �أما العن�رص الثالث فريتبط بتخفيف قيود التطرف على املجتمع والتي كانت �أبقت �رشائح ّ كثرية من العائالت املحافظة والأقل حمافظة، داخل البيوت من�ش ّدة �إىل ال�شا�شات ال�صغرية حارمة نف�سها من متعة امل�شاهدة ال�سينمائية اجلماعية .هذه ال�رشائح يبدو �أن زوال «خوفها» حركها نحو حركها �أول ما ّ من اخلروج قد ّ ال�صاالت كتقليد بد�أ ي�ستعيد �ألقه الذي كان عليه يف �سنوات اخلم�سني وما حولها. وهناك بالإ�ضافة �إىل هذا عن�رص رابع ،هنا، ال يق ّل �أهمية ،وهو �أن العرو�ض التلفزيونية، تبث على وعلى مئات ال�شا�شات ال�صغرية التي ّ مدار �ساعات اليوم يف كل البيوت امل�رصية، والعربية عموم ًا ،ا�ستنفدت كل خمزون ال�سينما امل�رصية ،بحيث �إن املتفرجني باتوا يحفظون كل الأفالم ظهراً عن قلب ،خ�صو�ص ًا �أن ك ّل فيلم من الأفالم الثالثة �آالف املوجودة يف املخزون العامُ ،عر�ض و ُيعر�ض ع�رشات ،بل مئات املرات ...ما دفع اجلمهور ،الذي بد�أ يزداد عر�ض ًا بفعل العوامل الأخرى التي ذكرناها، �إىل البحث عن جديد.
جديد يف �أكرث من اجتاه
واحلقيقة �أنه ،مهما كان ر�أينا يف ما ق ّدمه العام ،2008من �أفالم – على امل�ستوى
نقر ب�أنه امل�رصي على الأقل – ال ميكننا �إال �أن ّ ق ّدم جديداً ...ويف �أكرث من اجتاه و�إطار .ونحن �إذا ك ّنا يف �سطور �سابقة قد حتدثنا ،عر�ض ًا ،عن انزياح بد�أ يعطي مكانة ل�سينما تريد �أن تقول ٍ �شيئ ًا (وهو التعريف الذي نقرتحه لل�سينما اجليدة ب�شكل �أو ب�آخر والتي يحاول �صناعها من خاللها �أن يطرحوا ر�ؤى مع ّينة �أو افكاراً �أو تعبريات) ،على ح�ساب �سينما �سادت خالل �سنوات ما�ضية ،حققت جناحات من دون �أن تتطلّع �إىل �أن تقول �أي �شيء ...ومنها �أفالم هزلية و «جن�سية» وبولي�سية ...وما �إىل ذلك ، ف�إن ما ال ب ّد من الإ�شارة �إليه هو �أن هذا االنزياح يتحرك الآن �أكرث و�أكرث يف خطّ ت�صاعدي. ول�سوف يكون من الظلم من قبل من ي�ستعر�ض الثمانية والأربعني فيلم ًا التي تتحدث عنها امل�صادر املتن ّوعة باعتبارها خال�صة �إنتاج عام 2008يف م�رص� ،أ ّال يرى فيها تن ّوع ًا حمموداً ،وفر�ص ًا �أوىل ُتعطى ملخرجني جدد، وحماوالت – ولو متوا�ضعة يف معظم الأحيان – للخو�ض يف الق�ضايا االجتماعية ،والنهل من لغة التعبري الفردي� ...أي ب�شكل خا�ص ،التعامل مع امل�س�ألة ال�سينمائية ب�أ�سلوب �أكرث جدية. يتوجب علينا �أن ننظر بعني – حتاول ومن هنا ّ �أن جتد الطم�أنينة ال�سينمائية – �إىل حماوالت خمرجني من طينة ي�رسي ن�رصاهلل وخالد يو�سف و�إبراهيم البطوط وحتى �أحمد ر�شوان وجمدي �أحمد علي املميزة يف العام نف�سه الذي كان �أبرز حدث �سينمائي عربي فيه يتمثّل يف رحيل يو�سف �شاهني ،الذي يعترب كبري الكبار بني �أ�ساتذة ه�ؤالء جميع ًا .ونحن �إذا ك ّنا يف ال�سطور ال�سابقة قد و�ضعنا حرف «حتى» حني �أ�رشنا �إىل �أحمد ر�شوان وجمدي �أحمد علي ،فما هذا �إال لأن فيلمي هذين ،لن يعر�ضا جتاري ًا �إال يف املو�سم التايل ،2009حتى و�إن كانا (وهما «ب�رصة» لر�شوان ،و «خلطة فوزية» ملجدي �أحمد علي) قد حقّقا عام 2008وبالتايل ال يح�سبان �ضمن الأفالم ال 48التي ُعر�ضت يف هذا العام الأخري .فماذا عن هذه الأفالم؟
الف�صل الثاين الإبداع ال�سينمائي والدارمي 359
جناحات متفاوتة وح�ضور عربي
�إن �أ ّول ما يجب قوله هنا ،هو �إن هذه االفالم جميع ًاُ ،عر�ضت – بنجاحات متفاوتة – خالل العام .2009ف�إذا �أ�ضفنا �إليها فيلمني لبنانيني ُعر�ضا يف �صاالت م�رصية خالل العام نف�سه (هما «�سكّر بنات» لنادين لبكي ،و «دخان بال نار» ل�سمري حب�شي) وفيلم ًا �سعودي ًا ،من �إنتاج يف دبي (هو «مناحي») �سيكون لدينا 51 فيلم ًا عربي ًا �شاهدها املتفرجون امل�رصيون، قلي ًال �أو كثرياً – علم ًا ب�أن االقبال على الأفالم العربية يف م�رص ال يزال متوا�ضع ًا ،حتى و�إن كان يف تط ّور ن�سب ًة �إىل ما كانت الأمور عليه �سابق ًا .-ويف املقابل لع ّل من الأمور الالفتة �أن امل�شاهدين امل�رصيني ،الذين ا�ستنكفوا عن ح�ضور �أفالم عربية غري م�رصية ،حتى ولو كان البطل م�رصي ًا يف واحد من هذه الأفالم (خالد النبوي يف «دخان بال نار» .وهو من �إنتاج م�رص لل�سينما على �أية حال)� ،أقبلوا يف الوقت نف�سه على م�شاهدة مزيد من املمثلني أفالم م�رصية، العرب ،املمثالت بخا�صة ،يف � ٍ من التون�سية هند �صربي �إىل اللبنانيات نور ونيكول �سابا ومايا ن�رصي و�سريين عبدالنور وهيفاء وهبي ،حتى و�إن كانت �أ�سباب الإقبال يف معظم الأحيان ج�سدية. املهم� ،أن التن ّوع فر�ض ح�ضوره ،بل �إن اجلودة نف�سها كانت لها ح�صتها ،حيث نالت �أفالم عديدة درجات ر�ضى بل �إعجاب مرتفعة من قبل النقاد ،ناهيك بح�ضورها الالفت �أحيان ًا يف مهرجانات �سينمائية ،م�رصية وغري م�رصية ...لكن امل�ؤ�سف هنا �أننا� ،إذا ا�ستثنينا فيلمني على الأقل خلالد يو�سف ،كان هناك ت�ساو �إمنا معتدل يف قبولها النقدي واجلمهوري ٍ (هما «الري�س عمر حرب» ،و «حني م�رسة» ،علماً ب�أن هذين الفيلمني لي�سا متام ًا من �إنتاج 2008 و�إن كانا قد ُعر�ضا فيه)� ،إذا ا�ستثنينا �أفالم خالد يو�سف� ،سنجد نحو «دزينة» من الأفالم اجليدة (التي تريد �أن تقول �شيئ ًا) ال حتقق ذلك
مل حتقق الأفالم ،التي يف�ضلها النقاد ما كّ نا نرجوه لها من جناح. لكن هذا الأمر لن يكون حمبط ًا �إذا ما الحظنا �أن اخلط االنحنائي، مييل على الرغم من هذا ناحية هذه الأفالم .ف�أن ي�أتي العام ،2008 لي�شهد �إنتاج وعر�ض 20فيلم ًا هزلياً، ويف مقابلها 18فيلم ًا اجتماعياً� ،أمر يقول الكثري ،لي�س من حقنا اعتبار كل الأفالم «االجتماعية» �أعما ًال ج ّيدة ،كذلك ف�إن كل الأفالم الهزلية لي�ست �سيئة.
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإبداع
حتى الكوميديا تط ّورت
النجاح املرجو لها ،من «ليلة البيبي دول» �إنتاج «غود نيوز» ال�ضخم ،الذي حاول – وف�شل يف ذلك – �أن يعيد جناح «عمارة يعقوبيان»، �إىل «عني �شم�س» فيلم �إبراهيم البطوط الأول، والذي يعترب� ،إىل جانب «ب�رصة» لأحمد ر�شوان �أوىل حماوالت غزو ال�سينما امل�رصية امل�ستقلة، لل�صاالت امل�رصية ،مروراً بـ «جنينة الأ�سماك» لي�رسي ن�رصاهلل (الذي �سيعود يف املو�سم املقبل ،2009بعمل كبري كتبه وحيد حامد عنوانه «احكي يا �شهرزاد»). مل حتقق الأفالم ،التي يف�ضلها النقاد – �إذن – ما ّكنا نرجوه لها من جناح ..لكن هذا الأمر لن يكون حمبط ًا بالطبع ،بخا�صة �إذا ما الحظنا �أن اخلط االنحنائي ،مييل على الرغم من هذا ناحية هذه الأفالم .ف�أن ي�أتي العام ،2008لي�شهد �إنتاج وعر�ض 20فيلم ًا هزلي ًا ،ويف مقابلها 18فيلم ًا اجتماعي ًا� ،أمر يقول الكثري ،لأن الن�سبة بني النوعية كانت متفاوتة �أكرث كثرياً .وهنا� ،إذا الحظ �أحد ،وله احلق كل احلق يف هذا� ،أن لي�س من حقنا اعتبار كل االفالم «االجتماعية» �أعما ًال ج ّيدة ،ميكن �أن جنيبه بكل ب�ساطة :كذلك ف�إن كل الأفالم الهزلية لي�ست �سيئة .فنحن �إذا اعتربنا ،مث ًال، �أن «�آ�سف على االزعاج» خلالد مرعي – من بطولة �أحمد حلمي -و «ح�سن ومرق�ص» لرامي �إمام – من بطولة عادل �إمام وعمر ال�رشيف- فيلمان هزليان� ،سيتوجب علينا يف الوقت نف�سه اعتبارهما يف خانة الأفالم اجليدة التي حققت وعر�ضت عام .2008 يف مقابل هذين النوعني ،كانت هناك �أفالم حركة �صاخبة ت�ضاءل عددها بحيث مل تزد هذا العام عن خم�سة �أفالم (مقابل 9 للعام الفائت) ،فيما زاد هذا العام عدد �أفالم الكوميديا ال�سوداء والت�شويق البولي�سي �إىل �أربعة �أفالم بعدما كان العدد �صفراً .ومع هذا كله يبقى �أن النجاح الأكرب ،جماهريي ًا على الأقل ،ظل من ن�صيب الأفالم الهزلية، �سواء جاءت مر�ضية للنقاد من الناحية الف ّنية (مثل �أفالم عادل �إمام و�أحمد حلمي ،بل حتى
التقرير العربي الثاين 360للتنمية الثقافية
كذلك فيلم حممد هنيدي «رم�ضان مربوك �أبو العلمني حمودة» من �إخراج وائل اح�سان ،الذي من طريق الكوميديا دار بحذق من حول م�سائل تتعلق بطبيعة الرتبية والتعليم يف م�رص املعا�رصة) �أم مل جتىء.
ظواهر وظواهر
من الوا�ضح �أن هذا كلّه ي�شكل ما ميكننا �أن نعتربه ظواهر الفتة لعام من الوا�ضح �أنه عام انتقايل .بيد �أن ظواهره ال تتوقف هنا ..بحيث يتوجب علينا هنا �أن نر�صد ظواهر جديدة تبدو لنا �شديدة الأهمية: �أول هذه الظواهر و�أهمها ظهور ما ال يق ّل عن 13خمرج ًا جديداً ،حققوا يف العام 2008 �أفالمهم الأوىل – �إ�ضافة �إىل �آخرين حققوا فيلم ًا ثاني ًا �أو ثالث ًا .واجلدد هم �إبراهيم البطوط («عني �شم�س») وح�سام اجلوهري («�شارع )»18 �شهد العام 2008يف م�رص ظهور وم�ؤن�س ال�رشبجي («حلظات �أنوثة») وحممد ما ال يقل عن 13خمرج ًا �سينمائي ًا كمال ال�شناوي («�أيامنا احللوة») وعمرو �سالمة جديداً قاموا ب�إخراج �أفالمهم الأوىل«( .زي النهاردة») ،وعبدالعزيز ح�شاد («كامب») وه�شام ال�شافعي («احنا اتقابلنا قبل كدة») ون�رص حمرو�س («كابنت هيما») و�أحمد عوي�س («كاريوكي») ووليد حممود («�شبه منحرف») و�سامح رافع («رامي االعت�صامي») و�رشيف عابدين («�شعبان الفار�س») و�أمري رم�سي�س («ورقة �شفرة») ..وال ب ّد من �أن نالحظ هنا �أن التنويع الأكرب يف املوا�ضيع ،وحماوالت البحث عن لغة �سينمائية جديدة ،بدت خا�صة لدى معظم ه�ؤالء. الظاهرة الثانية اجلديرة بالر�صد ،هي �أن ثمة ن�سبة %25من هذه الأفالم� ،أي ما ال يق ّل عن � 8أفالم �أعطيت فيها البطولة املطلقة المر�أة ممثلة ...وهو �أمر كان نادر احلدوث يف املوا�سم الفائتة ،وكان دائم ًا مدار �شكوى وغريهن .ويف املقابل غاب العن�رص املمثالت ّ الن�سائي تقريب ًا عن الإخراج ،بعدما كانت �سجلن ح�ضوراً كبرياً يف املخرجات الن�ساء قد ّ ال�سنوات الفائتة وا�صالت �أحيان ًا �إىل حتقيق �أكرث الأعمال جناح ًا و�إثارة لل�سجال (هالة
خليل ،و�إينا�س الدغيدي) .ومع هذا ،كي ال تكون النتيجة الن�سائية �صفراً ،ظهر على الأقل فيلمان من �إخراج امر�أتني« :امل�ش مهند�س ح�سن» ملنال �صيفي ،و «م�سجون ترانزيت» ل�ساندرا ن�ش�أت. كان من ظواهر العام� ،أي�ض ًا الإخفاق الن�سبي الذي كان من ن�صيب �إنتاج �رشكة «غودنيوز» العمالقة ،والتي كانت قد وعدت نف�سها ،وال�سينما امل�رصية ،بهجمة �سينمائية كبرية منذ حققت ذلك النجاح الكبري مع «عمارة يعوقبيان» يف املو�سم الفائت .لكن «حليم» الذي تبعه �شكّل خيبة ن�سبية ،ثم ازداد حجم اخليبة مع «ليلة البيبي دول» الذي كان يفرت�ض به �أن يحقق جناح ًا �ضخم ًا .بعده انتجت ال�رشكة العمالقة «�إبراهيم الأبي�ض» ور�صدت له ميزانية �ضخمة ما ين ّم طبع ًا عن رغبة يف موا�صلة «املغامرة ال�سينمائية» لكنها يف املقابل �أعلنت عن قرب ولوجها عامل الإنتاج التلفزيوين� ،إذ تتحدث الآن عن م�سل�سل �ضخم عن تاريخ الإخوان امل�سلمني .وكذلك ثمة حديث ال يزال غام�ض ًا عن حت ّول م�رشوع «حممد علي» من فيلم �سينمائي �إىل م�سل�سل تلفزيوين� ...إذاً؟! �إذا كان ك ٌرث قد نعوا خالل �سنوات و�سنوات غياب �أفالم الكوميديا املو�سيقية� ،أو الأفالم الغنائية ب�شكل عام عن ال�سينما امل�رصية، ف�إن مو�سم 2008جاء كنوع من اال�ستجابة، بحيث لوحظ �إن مل يكن وجود �أفالم غنائية خال�صة ،من النوع الأمريكي (ميوزيكال) �أو من النوع امل�رصي الذي كان من جنومه يف املا�ضي ال�سعيد فريد الأطر�ش وعبداحلليم حافظ ،فعلى الأقل وجود �أفالم تعقد فيها �أولوية البطولة ملغ ّنني �أو مغ ّنيات ،ما ي�ضعنا �أمام �أفالم يلعب الغناء فيها دوراً �أ�سا�سي ًا ،تبع ًا حل�ضور املغني� ،أو املغنية وجماهرييته .ويف هذا الإطار ميكننا احلديث عن ما ال يقل عن 12فيلم ًا �شهدت ،يف بطولتها ،ويف بطولتها املطلقة �أحيان ًا ،وجود جنوم طرب تلفزيونيني عرب ومنها :تامر ح�سني (يف «كابنت هيما»)
الف�صل الثاين الإبداع ال�سينمائي والدارمي 361
روال �سعد (يف «غرفة )»707حمادة هالل (يف «حلم العمر») ،م�صطفى قمر (يف «مافي�ش فايدة») مادلني مطر («�آخر الكالم») �سريين عبدالنور وروبي ودوللي �شاهني (يف «رم�ضان مربوك »...و«الوعد» و«امل�ش مهند�س ح�سن» هن تباع ًا� )...إلخ .والالفت �أن معظم املغنيات ّ من لبنان ،بينما معظم املغ ّنني من م�رص!
ال�سينما املغربية :الرهانات التي تتحقق
يف عام � ،2008أنتج املغرب فيلم ًا روائي ًا طويالً� ،إ�ضاف ًة �إىل ع�رشات الأفالم الق�صرية .وهو رقم ت ّبو�أ بف�ضله املغرب املركز الثاين من ناحية عدد الأفالم املنتجة ،يف طول القارة الأفريقية وعر�ضها ،بعد م�رص ،وبالت�ساوي مع دولة جنوب �أفريقيا. 15
�أفالم �أوىل
من ناحية عددية� ،شاهد الأفالم املغربية املعرو�ضة يف املغرب عام � ،2008أكرث من 461 متفرج .وح�سبنا هنا لفهم داللة هذا الرقم، �ألف ٍ ّ �أن نتذكر كيف �أنه حني احتل فيلم مثل «حب يف الدار البي�ضاء» مكان ًا متقدم ًا بني الأفالم املعرو�ضة يف املغرب �أوا�سط الت�سعين ّيات اع ُترب الأمر حالة ا�ستثنائية يحتفل بها .وكذلك كانت احلال بعد ذلك حني حقّق فيلم «مكتوب» لنبيل مماث ًال .يومها ،ويف احلالتني عيو�ش جناح ًا ّ جرى البحث لتف�سري الظاهرة عن �أ�سباب غري �سينمائية (العن�رص اجلن�سي يف الأول ،وعن�رص النقل من حدث بولي�سي و�سيا�سي �أثار الر�أي العام يف الثاين) .اليوم ،ومنذ �سنوات ،مل يعد ثمة اهتمام بالبحث عن جناح فيلم ما ،خارج �إطاره ال�سينمائي .ولع ّل هذا �أهم ما ميكن �أن يحدث بالن�سبة �إىل �سينما كاملغربية كانت طرية العود ل�سنوات قليلة خلت.
حتت ّل ال�سينما املغربية وللمرة الأوىل يف تاريخها ،املركز الثالث بني املناطق التي تعر�ض �أفالمها يف املغرب بن�سبة 15.57من ال�سوق املحلية ،بعد ال�سينما الأمريكية ( )%38.06والهندية ( 26.8يف املئة) وقبل ال�سينما امل�رصية التي حازت هذا العام على �أقل من %15من ح�صته يف ال�سوق املغربية.
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإبداع
يف العام ،2008احتفل املغرب بالذكرى ال�سنوية اخلم�سني لوالدة �أول فيلم مغربي، وهو فيلم «االبن العاق» ملحمد ع�صفور� .إذاً �صار عمر هذه ال�سينما خم�سني عام ًا ،وهي منا�سبة يحتفل بها طبع ًا .وكانت هناك، بالفعل ،احتفاالت ع ّمت العديد من املهرجانات الكثرية التي تقام �سنوي ًا يف املغرب ،وو�صلت �إىل ذروتها خالل الدورة التي �أقيمت �أواخر العام املن�رصم ملهرجان «مراك�ش» ال�سينمائي الدويل .غري �أن هذه االحتفالية كلّها مل متنع رئي�س املركز الوطني لل�سينما يف املغرب، نور الدين �صايل ،من �أن ي�ؤكّد مرة �أخرى� ،أن خري احتفال ب�إجنازات ال�سلف تكون يف ال�سري على خطاهم� ،أي يف حتقيق �أفالم جديدة ..لأن ال�سلف حني كان يخو�ض مغامرته ويحقق فيلم ًا� ،إمنا كان يبني خطوات �أوىل مل�ستقبل يت�صوره �أكرث ازدهاراً .ويف املغرب لي�س هذا كالم ليل ميحوه النهار .وهو �أمر ت�ؤكده الأرقام� .إذ يف عام � ،2008أنتج املغرب 15 فيلم ًا روائي ًا طوي ًال� ،إ�ضاف ًة �إىل ع�رشات الأفالم الق�صرية .وهو رقم قد ال تظهر �أهميته �إال من خالل املقارنة� .إذ بف�ضله ت ّبو�أ املغرب املركز الثاين من ناحية عدد الأفالم املنتجة ،يف طول القارة الأفريقية وعر�ضها ،بعد م�رص، وبالت�ساوي مع دولة جنوب �أفريقيا .وهو املركز نف�سه الذي تبو�أه بني البلدان العربية، بعد م�رص �أي�ض ًا .و�إذا كان يف و�سعنا �أن نقول ب�صدد هذا الرقم �إن ال�سينما املغربية حقّقت رهانها للعام الرابع على التوايل من حيث
االزدياد امللحوظ يف عدد الأفالم املنتجة، ما جعل معظم ال�سينمائيني املغاربة يحققون �أفالم ًا ،ف�إن الأمور تتجاوز هذا الواقع الرقمي، ويف اتجّ اهات ع ّدة .فمن ناحية �أوىل يتم ّيز املغرب يف �أن امل�س�ألة ال�سينمائية ،فيه ،ت� َؤخذ م�أخذ اجلدية الالفتة ،ولي�س فقط من جانب ال�سينمائيني �أنف�سهم ،بل خ�صو�ص ًا من جانب الدولة ،التي ق ّدمت يف العام � ،2008أكرث من 6 ماليني دوالر لدعم الإنتاج ال�سينمائي ،ا�ستفاد منها 11فيلم ًا من بني التي انتجت .ولع ّل هنا يكمن ذلك الواقع اجلديد الذي جعل ال�سينما املغربية ،ب�شكل �إجمايل ،عرب عرو�ض الأفالم املنتجة حديث ًا ،و�إعادة عر�ض الأفالم القدمية، حتت ّل وللمرة الأوىل يف تاريخها ،املركز الثالث بني املناطق التي تعر�ض �أفالمها يف املغرب بن�سبة 15.57من ال�سوق املحلية ،بعد ال�سينما الأمريكية ( )%38.06والهندية ( 26.8يف املئة) وقبل ال�سينما امل�رصية التي حازت هذا العام على �أقل من %15من ح�صته يف ال�سوق املغربية.
التقرير العربي الثاين 362للتنمية الثقافية
حقّق يف املغرب �إذاً ،خالل عام ،2008 نحو � 14إىل 15فيلم ًا ،يلفت فيها تن ّوع مده�ش، من ناحية ،ومن ناحية ثانية �أن من بينها ما ال يقل عن �سبعة �أفالم هي �أوىل خمرجيها («حجاب احلب» لعزيز ال�ساملي« ،فرن�سية» ل�سعاد البوحاطي« ،خربو�شة» حلميد الزوغي، «زمن الرفاق» ملحمد �رشيف الطريبق« ،منرب وان» ل�سعاد الطاهري« ،بحريتان من الدموع» ملحمد حا�سيني) ،كما يلفت النظر �أن من بينها �أفالم ًا ملخرجني مغاربة يعي�شون يف اخلارج («نور الدين اخلماري �صاحب «كازانيغرا» � ٍآت من الرنوج ،و�سعاد البوحاطي من فرن�سا، وجريوم �أوليغار �صاحب «قندي�شة» من �أمريكا، وحممد زين الدين �صاحب «عقلتي على عادل» من �إيطاليا.)... �إن ما يالحظ ،من ا�ستعرا�ض �أ�سماء �أ�صحاب هذه الأفالم ،غياب املخ�رضمني عن قدمت الدولة يف املغرب يف عام حتقيق �أفالم يف مو�سم ،2008لكن املط ْمئن هو ّ � 2008أكرث من 6ماليني دوالر لدعم �أن م�ؤمن �سميحي وجاليل فرحاتي وعبدالقادر الأقطع و�أحمد املعنوين وفريدة بليزيد... الإنتاج ال�سينمائي. وغريهم من جيل امل� ّؤ�س�سني ،لي�سوا عاطلني عن العمل ،بل �أن لدى ك ّل منهم م�رشوعه ،الذي قد يرى النور خالل املو�سم التايل� .أما ن�صف املخ�رضم نبيل عيو�ش ،ف�إنه �شارك يف ر�صيد عام 2008بواحد من �أجنح الأفالم ،جتاري ًا (وهو «كل ما تريده لوال» الذي �شاهده �أكرث من مئة �ألف مغربي� ،أي %25من اجلمهور الذي �شاهد ك ّل الأفالم املغربية) ،حتى و�إن كان الفيلم قد �سوجل كثرياً واعرت�ض نقا ٌد كرث على مو�ضوعه.
حظوظ اجلدد وح�ضور املخ�رضمني
انطالق ًا من «كل ما تريده لوال» وال�سجاالت التي دارت من حوله ،ميكن القول �إن �أبرز ما ا ّت�سمت به ال�سينما املغربية خالل ،2008كان اجلر�أة :ك ّل �أنواع اجلر�أة ،وال �سيما حركت اجلر�أة االجتماعية وال�سيا�سية التي ّ الأقالم والأفواه .فهل كان ميكن �أال يفعل هذا فيل ًما ممي ًزا و�صاخ ًبا هو «وداع ًا �أمهات» ،كان
من �إنتاج العام ،2007لكنه عر�ض يف مو�سم مير مرور الكرام فيلم 2008؟ هل كان ميكن �أن ّ يتحدث مبو�ضوعية – ولغة �سينمائية تكاد تكون كال�سيكية – عن هجرة يهود املغرب �إىل �إ�رسائيل (وغريها) �أوائل �ستين ّيات القرن الع�رشين؟ مهما يكن ،ف�إن هذا املو�ضوع مل تعر�ضت له ال�سينما يكن املحظور الوحيد الذي ّ املغربية يف الأونة الأخرية� ،إذ ها هي �سنوات القمع ال�سيا�سي املرعب (�أوائل ال�سبعين ّيات) تط ّل فيلم ًا بعد فيلم ،من منظور يدين القمع باحث ًا عن �آفاق م�صاحلة جديدة يف املغرب ال تعر�ضوا �إىل ذلك القمع. تكون على ح�ساب الذين ّ ولقد كان �أحدث الأعمال يف هذا ال�سياق فيلم «�أماكننا املمنوعة» لليلى كيالين� .أما بالن�سبة حمظوري اجلن�س والعنف فلقد تولّت �إىل ّ �أمورهما �أفالم مثل «كازانيغرا» لنور الدين اخلماري و «حجاب احلب» لعزيز �ساملي ..ما يقول لنا �إن ال�سينما املغربية وب�شكل �إجمايل، �سياق مع ما يقوله نور الدين �صايل من ويف ٍ �أن املغرب ي�أخذ ال�سينما م�أخذ اجلدية ،ت�أخذ هي بدورها ،موا�ضيعها م�أخذ اجلدية .وهذا �إىل درجة �أنه �إذا كانت ثمة �شكوى عامة من قلة عدد ال�صاالت يف املغرب (� 77صالة ،بعد �أن �أغلقت �أربع �أبوابها خالل هذا العام) ف�إن تقديرات املركز الوطني لل�سينما ت�ؤكّد �أن املغرب �سوف ي�شهد حتى العام � ،2011إن�شاء ما ال يق ّل عن � 300صالة جديدة.
�أموال الأفالم الأجنبية
واحلقيقة �أن هذا لن يبدو ا�ستثنائي ًا يف بلد يحب �شعبه ال�سينما ،من � ّأي مكان �أتت ،وتتابع ّ نخبته ب�شغف ما ال يق ّل عن ثالثني مهرجان ًا �سينمائي ًا يف العام� ،أ�شهرها و�أهمها طبع ًا مهرجان «مراك�ش ال�سينمائي الدويل» ،الذي �صار ُيح�سب له ح�ساب ،يف جمال املهرجانات العربية ،كما يف جمال املهرجانات الأوروبية. و�أخرياً ،لتغليف هذا كلّه ال ب ّد �أن نذكر خا�صية �أخرى من خ�صائ�ص احلياة ال�سينمائية املغربية :كون املغرب منطقة خمتارة لت�صوير
الف�صل الثاين الإبداع ال�سينمائي والدارمي 363
الأفالم الأوروبية والأمريكية .ففي مدينة ورزازات اجلنوبية ،ويف غريها ،ت�ص ّور �رشكات عاملية بع�ض ًا من �أ�ضخم �أفالمها ،وهو تقليد بد�أ منذ �سنوات عديدة ،لكنه ي ّتخذ طابع ًا �أكرث �أهمية وفائدة للمغرب منذ �سنوات ،علم ًا ب�أن ت�سهيالت الت�صوير واليد العاملة والطبيعة وحرية التحرك الن�سبية اجتذبت للت�صوير يف املغرب عام ،2008نحو 28فيلم ًا بلغ جمموع ما ا�ستثمر يف املغرب من ميزانياتها ما يزيد عن 90مليون يورو� ،أي نحو �ضعفي ما ا�ستثمر يف العام الذي �سبقه.
ال�سينما الفل�سطينية :يقظة طائر الفينيق
الإبداع
�إىل �سنوات قليلة كان ثمة ح�ضور لل�سينما الفل�سطينية ،يتمثّل �إما يف تاريخ طويل يرتبط ب�أفالم حول الق�ضية ،طويلة �أو ق�صرية ،حققت، عربي ًا �أو عاملي ًا� ،أو حتى �ضمن �إطار البنى الفل�سطينية ،لتظهر التعاطف مع الق�ضية، وبالتايل ت�ضمن مكانة ما وجوائز معينة يف املهرجانات املح�سوبة �سلف ًا لأ�سباب غالب ًا ما تكون �سيا�سية� ،أو ب�أفالم قليلة العدد راح يحققها فل�سطينيون حاملني ب�أنف�سهم هذه املرة �أعباء �سينما �شعبهم وبالدهم .وبالتدريج ّ راح هذا ال ّنوع الأخري يح ّل حمل النوع الأول. كما بالتدريج راحت نظرات الإعجاب حت ّل حمل نظرات التعاطف� ...إىل درجة �أن «امل�س�ألة ال�سينمائية الفل�سطينية» راحت ت� َؤخذ م�أخذ اجلدية يف كل مكان ،حتى و�إن كانت �أفالمها قد ظهرت �أو ًال قليلة العدد� ،أي ما معدله فيلم واحد يف ال�سنة .وعلى الأقل منذ ظهر «عر�س اجلليل» ملي�شال خليفي �أوا�سط ثمانينيات القرن الع�رشين .واحلال �أن ثمة هنا ،يف هذا الواقع الف ّني – التاريخي ،ما يدفعنا �إىل اعتبار «عر�س اجلليل» فيلم ًا افتتح التاريخ الراهن واحلديث لل�سينما الفل�سطينية .ومن بعده حقق خليفي نحو ن�صف دزينة من �أفالم حقق معظمها جناحات �أ�سا�سية ..ثم تلته �أ�سماء �أخرى ،من ر�شيد م�شهراوي �إىل هاين �أبو �أ�سعد،
ومن �إيليا �سليمان �إىل �آن ماري جا�رس وجنوى جنار ..ما خلق تياراً �سينمائي ًا مميزاً �أ�سهم يف �إعطاء الق�ضية الفل�سطينية يف العامل �سمعة فنية مده�شة. �إن املالحظة الأوىل التي ميكن ايرادها هنا تكمن يف �أن العدد الأكرب من ف ّناين ال�سينما الفل�سطينية ه�ؤالء� ،أتوا من الداخل الفل�سطيني املحتلّ� ،أي من �أو�ساط ما ي�س ّمى عادة «بعرب �إ�رسائيل»� ،أو «فل�سطين ّيي ،»48مبعنى �أن معظمهم در�س يف املدار�س «الإ�رسائيلية» ويحمل اجلن�سية الإ�رسائيلية .غري �أن معظمهم يف الوقت نف�سه بات ،ومنذ بداية اهتمامه بالفن ال�سينمائي ،يعي�ش خارج ال�رشق الأو�سط، ّ يف بلجيكا �أو هولندا ،يف فرن�سا �أو �أمريكا� ،أي نوع جديد من املنايف .وهذا النفي� ،أو النفي يف ٍ – الطوعي يف �أغلب الأحيان ،مل يقطع عالقة ه�ؤالء املبدعني ،ال بالق�ضية الفل�سطينية ،طبع ًا، وال بالوطن و�أهله كذلك .بل �س ّهل عليهم �إنتاج �أفالمهم ون�رشها� .أما الفوز الكبري الذي حقّقه واحد منهم وهو �إيليا �سليمان ،يف دورة عام 2002من مهرجان «كان» ال�سينمائي الدويل، حني فاز فيلمه بثاين �أكرب جوائز املهرجان «جائزة جلنة التحكيم الكربى» ف�إنه – هذا الفوز – �أعطى ال�سينما الفل�سطينية زخم ًا كبرياً، مكر�س ًا مكانتها يف حا�رض ال�سينما العاملية باملعنى الف ّني للكلمة .كان فيلم �إيليا �سليمان الذي نتكلم عنه «يد �آلهيه» ،الذي عومل على الفور مثلما يعامل �أي عمل فني كبري وم�ستقل. و�إذا كان يف �إمكاننا �أن نفرت�ض هنا �أن ما كان من ردود فعل عاملية على هذا الفيلم وجناحه، �شجع �سينمائيني �إ�رسائيليني �شبان ًا وم�ستقلني ّ على حتقيق �أفالم �أقل ما ميكن �أن نقول عنها �إنها �أتت معادية لبع�ض ال�سمات الأيديولوجية والقمعية لإ�رسائيل ،ف�إن علينا �أن نقول �أي�ض ًا حرك ال�سينما الفل�سطينية �إن فيلم «يد �إلهية» قد ّ �أكرث و�أكرث ،لي�شكل ثاين نقطة انعطاف كبرية فيها ،بعد تلك الت�أ�سي�سية التي كانها «عر�س اجلليل». ً من هنا مل يعد غريبا� ،أن ت�صبح ال�سينما مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 364للتنمية الثقافية
مل يعد غريباً� ،أن ت�صبح ال�سينما الفل�سطينية اجلديدة ،حا�رضة يف مهرجانات عاملية كثرية� .إن دورة عام 2009وحدها من مهرجان «كان» �سوف ت�شهد ما ال يق ّل عن ثمانية �أفالم تدور من حول فل�سطني وق�ضيتها من دون �أن يبارح معظمها لغة ال�سينما اجليدة بل املميزة.
�شهد العام 2008ثالثة �أفالم روائ ّية فل�سطينية طويلة هي جممل الإنتاج الفل�سطيني لهذا العام.
الفل�سطينية اجلديدة ،حا�رضة يف مهرجانات عاملية كثرية ..وي�صبح الرهان على هذه ال�سينما رهان ًا ناجح ًا .ونرجو �أ ّال نكون هنا م�ستبقني للأمور �إن ذكرنا �أن دورة عام 2009 وحدها من مهرجان «كان» �سوف ت�شهد ما ال يق ّل عن ثمانية �أفالم تدور من حول فل�سطني وق�ضيتها من دون �أن يبارح معظمها لغة ال�سينما اجليدة بل املميزة .لكن احلديث عن هذا يجب �أن ُيرتك حتى العام املقبل� .أما بالن�سبة �إىل مو�سم ،2008ف�إن ما ميكن قوله �إنه فيما كان �إيليا �سليمان ينجز فيلمه اجلديد «الزمن الباقي» الذي عر�ض يف دورة 2009لـ «كان»، وفيما كانت �شريين دعيب�س ،القادمة حديث ًا �إىل ال�سينما الروائية الفل�سطينية الطويلة عرب حتفة ا�سمها «�أمريكا»ُ ،عر�ض �أوائل عام ،2009 يف مهرجان «�صاندان�س» الأمريكي لل�سينما امل�ستقلة ثم يف مهرجان «كان» ،كان ثالثة �سينمائيني فل�سطينيني يعر�ضون �أفالم ًا روائية فل�سطينية طويلة هي جممل الإنتاج الفل�سطيني يف هذا املجال للعام .2008ولع ّل يف �إمكاننا، قبل �أن نوا�صل احلديث عن هذه الأفالم �أن ن�شري �إىل �أنها نتيجة ط ّيبة ،بالن�سبة �إىل وطن يعي�ش �أبنا�ؤه ،وال �سيما املبدعون منهم ،يف املنايف ويحققون �أفالم ًا ال ي�ضمنون �سلف ًا �إمكانية عر�ضها� ،أ�ص ًال� ،أمام اجلمهور املعني بها� ،أي اجلمهور الفل�سطيني .من ناحية لعدم �أو �ض�آلة وجود �صاالت داخل املدن الفل�سطينية ،ومن ناحية ثانية لأن ثمة ،بعد ،بلدان ًا عربية يعي�ش فيها الفل�سطينيون يف جت ّمعات كربى ،متنع عر�ض هذه الأفالم وحتى ا�ستقبال �أ�صحابها، لأنهم يحملون اجلن�سية الإ�رسائيلية!! الأفالم الثالثة التي �شكّلت املنت الإنتاجي لل�سينما الفل�سطينية – �إىل جانب �أعداد ال ميكن ح�رصها من ال�رشائط الق�صرية – كان منها عمالن �أوالن ل�سينمائيتني فل�سطينيتني للمرة الأوىل بعد تخو�ضان الروائي الطويل ّ جتارب ق�صرية� :آن – ماري جا�رس ،يف «ملح «املر والرمان». هذا البحر» وجنوى جنار يف ّ ويف املقابل عر�ض ر�شيد م�شهراوي ،فيلماً
جديداً له هو «عيد ميالد ليلى» الذي راح منذ خريف العام 2008يطوف بني املهرجانات ويحقق ح�ضوراً ،وجناح ًا �أي�ض ًا متثّل يف جوائز عديدة. �صحيح �أن اي ًا من هذه الأفالم الثالثة ال ميكن اعتباره حتفة ا�ستثنائية ،قيا�س ًا �إىل ما بات ينبغي �أن تكون عليه الأفالم الفل�سطينية اليوم ،بعد �أن باتت �سينما فل�سطني جزءاً من ال�سينما الطليعية الكربى يف العامل على �أيدي م�ؤ�س�سيها اجلدد .لكنها ،بكل ت�أكيد �سينما تزداد متيزاً وابتكاراً يف موا�ضيعها (لدى م�شهراوي) ويف لغتها ال�سينمائية (لدى �آن ماري جا�رس).. حتى و�إن كانت جرعة اجلر�أة الزائدة يف تناول املوا�ضيع (املتن ّوعة على �أية حال) ال تزال حم�صورة يف التلميح �إىل امل�ساوئ الداخلية (داخل البيت الفل�سطيني �أو العربي عموم ًا)، ويف الت�رصيح حول ال�رشور اخلارجية (�إ�رسائيل وعن�رصيتها وابتالعها فل�سطني ب�شكل عام). لكن ما يجمع بني هذه الأفالم هو رغبة عارمة يف تطوير الأداء ال�سينمائي الفل�سطيني ب�شكل عام ،و�إلقاء نظرة تزداد مرارة على الواقع وما يحدث فيه .ونكاد هنا ن�شري �إىل �أن بع�ض الأفالم الإ�رسائيلية التي يحققها ،منذ �سنوات قليلة ،جيل من�شق – ب�شكل �أو ب�آخر – موا ٍز للجيل الفل�سطيني الراهن ،تبدو �أكرث جذرية (لنتذكر هنا «زيارة الفرقة» و»فال�س مع ب�شري» ولكن بخا�صة ،يف عام « ،2008ب�ستان الليمون» و «بوفور» و «� 7أيام» وغريها.)... غري �أن املهم يف هذا كله هو �أن ال�سينما الفل�سطينية ،وعلى الرغم من كل العقبات املو�ضوعة يف وجهها ،موجودة وت�سري �سرياً حثيث ًا �إىل �أمام .وهو ما �سيت�أكد – نوعي ًا على الأقل – يف العام التايل ...ورمبا خالل العام الذي �سيليه� ،إذ نعرف منذ الآن �أن ثمة م�شاريع عديدة هي قيد التح�ضري ...وثمة �أ�سماء جديدة �ستن�ضاف �إىل ذلك العدد املميز من �صانعي ال�سينما الفل�سطينية اجلديدة بكل ما يف هذه الكلمة من معنى ..ومنها مث ًال مي م�رصي» املقيمة يف لبنان والتي �إذ عر�ضت خالل عام
الف�صل الثاين الإبداع ال�سينمائي والدارمي 365
،2008فيلمها الوثائقي عن �أحداث لبنان بعنوان « 33يوم ًا» ت�ستع ّد الآن يف �شكل جدي لتحقيق روائ ّيها الطويل الأول عن مو�ضوع فل�سطيني خال�ص .وكذلك حال اثنتني من خرية املمثالت الفل�سطينيات :هيام عبا�س وعرين العمري ،اللتني ت�ستع ّد ك ّل منهما خلو�ض الإخراج للمرة الأوىل...
ال�سينما اللبنانية :هدوء ما بعد العا�صفة
يف مو�سم ،2007كانت ال�سينما اللبنانية
املفرو�ض �أن يت ّم مع املخرج �أ�سد فوالدكار – �صاحب «ملا حكيت مرمي»� ،أحد جناحات الأعوام ال�سابقة � -سيت ّم الحق ًا ،يف مو�سم ،2008مع �سمري حب�شي ،عرب فيلم «دخان بال تبخر ،حتى نار») .غري �أن هذا كلّه �رسعان ما ّ من دون �أن يكون زخم جناح «�سكر بنات» قد انطوى ..خ�صو�ص ًا �أن النجاح العاملي لهذا الفيلم واكبه جناح عربي – على االقل يف مهرجانات �سينمائية عربية مثل القاهرة ودم�شق...
قد و�صلت� ،إنتاج ًا – ولكن �أكرث من هذا� :أهمية �سينما /تلفزيون
يف العام 2007بلغ عدد الأفالم الطويلة املنتجة يف لبنان واملوقعة من �سينمائيني لبنانيني 12فيلماً، بينما �شهد العام � 2008إنتاج ن�صف هذا العدد من الأفالم.
الإبداع
– �إىل درجة خ ّيل معها لكرث من ال�سينمائيني اللبنانيني واملهتمني بال�سينما اللبنانية عموم ًا� ،أن اخلط االنحنائي حلركة الإنتاج يف لبنان �سيميل �أكرث و�أكرث يف اجتاه الت�صاعد. ففي ذلك العام بلغ عدد الأفالم الطويلة ،من �أنواع خمتلفة ،املنتجة يف لبنان واملوقّعة من �سينمائيني لبنانيني 12 ،فيلم ًا .وهو رقم بدا كبرياً مقارن ًة بحركية الإنتاج منذ انتهاء احلرب اللبنانية �أول �سنوات الت�سعني. غري �أن الأهم من هذا ،كان �أن بع�ض نتاجات ذلك العام ،حقّق جناحات نقدية �أو جتارية، �أواالثنني مع ًا ،داخل لبنان وخارجه ،بحيث بات متوقع ًا �أن الإنتاج اللبناين لن يكون مذاك و�صاعداً عبئ ًا على امل�ساعدات �أو على �أموال م�ستثمرين مغامرين .ولع ّل النماذج التي غذّت هذه القناعة تتمثّل يف النجاح املهرجاين والتجاري والنقدي الذي حققه فيلم «�سكر بنات» لنادين لبكي ..والنقدي الذي حققته �أفالم مثل «فالفل» ملي�شال كمون و«الرجل التائه» لدانيال عربيد، ناهيك بانفتاح منتجني حمرتفني من خارج لبنان على اال�ستثمار لدى ال�سينمائيني اللبنانيني (م�شاريع بني «م�رص لل�سينما» – غابي وماريان خوري – وبني �سينمائيني لبنانيني ،و�صل زخمها �إىل ح ّد افتتاح �رشكة يو�سف �شاهني هذه ،فرع ًا لها يف لبنان، حتى وان كان امل�رشوع الأول الذي كان من
وهنا لع ّل يف �إمكاننا �أن نقول �إن الأو�ضاع ال�سيا�سية اللبنانية التي ا�ست�رشت وا�صل ًة �إىل ح ّد �ش ّل احلركة االقت�صادية واالجتماعية يف هذا البلد� ،أ�سهمت ب�شكل �أ�سا�سي يف تراجع م�شاريع عديدة كانت ولدت يف �سياق جناح «�سكر بنات» .ومبا �أن تلك الأو�ضاع توا�صلت طوال العام 2007وحتى منت�صف العام 2008 على الأقل ،كان من املنطقي �أن تكون تلك الفرتة ،فرتة الرتاجع الأ�سا�سية وائد ًة الكثري من الآمال يف ازدهار �سينما ،عرفت طوال عقود وعقود كيف تولد من رمادها ،يف ك ّل مرة ،وعلى �إيقاع التط ّورات املت�سارعة يف ال�سيا�سة واملجتمع اللبنانيني .ومن هنا� ،إذا كانت ال�ساحة ال�سينمائية اللبنانية قد �شهدت �إنتاج �ستة �أفالم روائية طويلة (�أي بنق�صان 50يف املئة عن املو�سم ال�سابق) ،طوال العام ،2008ف�إن هذا الرقم يجب �أال يخدع �أحداً ،لأن الأفالم «ال�سينمائية» احلقيقية بني هذه الأعمال التي �أُنتجت ،ال يتجاوز عددها الفيلم الواحد ..وهو «بدي �شوف» للزوجني خليل جريج وجوانا حاجي توما.. مما ح�شد له بل �إن هذا الفيلم ،وعلى الرغم ّ من دعاية وميزانية ،وعلى الرغم من وجود فاتنة ال�سينما الفرن�سية كاترين دونوف يف «بطولته» ،مل يب ُد مقنع ًا لكرث من النقاد – وال للجمهور العري�ض بالتايل – وال �سيما منهم النقاد الذين كانوا يتعاطفون دائم ًا مع �أفالم
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 366للتنمية الثقافية
الزوجني جريج – حاجي توما .ولكن من دون �أن نن�سى هنا ان الفيلم لقي قبو ًال لدى النقد الأجنبي ،يكاد مياثل القبول الذي لقيه قبله بعام فيلم لبناين �آخر �شبيه به ،هو «حتت الق�صف» لفيليب عرقتنجي ،وللأ�سباب نف�سها رمبا� :أ�سباب يغلب عليها الطابع ال�سيا�سي طاملا �أن الفيلمني تنطّ حا للحديث عن حرب متوز (يوليو) ،2006التي هاجمت خاللها �إ�رسائيل لبنان بذريعة �أن حزب اهلل ا�ستف ّزها بن�صب كمني جلنودها قرب احلدود اللبنانية. يف الفيلمني حتلّق ،من حول هذا املو�ضوع، عماده امر�أة (يف «حتت الق�صف» لبنانية جنوبية تبحث عن ابن لها و�سط دمار اجلنوب واحلرب عليه ،ويف «بدي �شوف» جنمة فرن�سية ت�سعى �إىل ر�صد ما يحدث يف هذا اجلزء من العامل) و�سيارة (�سيارة �أجرة مع �سائق يف الفيلم الأول ،و�سيارة ممثل لبناين �شاب يف الفيلم الثاين) ورحلة يف جنوب لبنان يف الفيلمني تت�ضافر مع ثرثرة ال تنتهي ،تريد يف احلالني �أن تربهن ،رمبا على ما يعرفه النا�س جميع ًا م�سبق ًا.
جادون وخم�رضمون
مهما يكن ،كان «بدي �شوف» العمل ال�سينمائي «اجل ّدي» الوحيد الذي حقّق وعر�ض لبناني ًا ،يف مو�سم ،2008حتى و�إن كان يف و�سعنا �أن ن�ضيف �إىل ذخرية هذا املو�سم فيلم ًا �سوف جندنا م�ضطرين �إىل العودة للحديث عنه يف املو�سم املقبل ،وهو «دخان بال نار» ل�سمري حب�شي ،وهو من �إنتاج م�رصي ،يدور مو�ضوعه حول خمرج م�رصي �شاب (خالد النبوي) �أتى �إىل لبنان ليحقق فيلم ًا حول التعذيب والقمع يف املنطقة العربية ،فيجابه بحكايات لبنانية تبدو يف ت�ضافر �أحداثها كاملتاهة ،مقدمة – على الرغم من هذا – �صورة �سينمائية جيدة عن الأو�ضاع اللبنانية .واحلقيقة �أن �سمري حب�شي ،معروف منذ بدايات �سنوات الت�سعني ب�سينمائيته اجليدة ،وال �سيما بف�ضل فيلمه الروائي الطويل الأول «الإع�صار» الذي حقّق
من النجاح يف ذلك احلني ما �س ّهل �ضم هذا املخرج ال�شاب الدار�س ال�سينما يف مو�سكو، �إىل اجليل التايل كجيل الراحل مارون بغدادي، جرب حظه واملخ�رضم برهان علوية (الذي كان ّ بالعودة �إىل ال�ساحة ال�سينمائية ،عام ،2007 لكنه مل يلق النجاح املتوقع بفيلمه «خل�ص»)، ورندة ال�شهال ،املخرجة التي كان رحيلها عن خم�سني عام ًا ،يف عام ،2008واحدة من ال�صدمات الكربى يف ال�ساحة ال�سينمائية اللبنانية ،هي التي كانت طوال �سنوات من �أن�شط �أبناء جيلها.
غزوة تلفزيونية
يف مقابل «بدي �شوف» ...وقبل �أن يربز «دخان بال نار» على ح�صان بني مو�سمني ،كانت هناك ،خم�سة «�أفالم» لبنانية �أخرى عر�ضت خالل مو�سم ،2008من �أبرزها – و�أكرثها جناح ًا على �أية حال – «بحر النجوم» الذي �أتى فيلم ًا غنائي ًا �ض ّم يف «بطولته» عدداً كبرياً من جنوم الغناء العربي .غري �أن م�شكلة هذا الفيلم تكمن يف �أنه لي�س �أ�ص ًال فيلم ًا �سينمائي ًا ،بل هو عمل تلفزيوين خال�ص� ،أتاحت له التقنيات احلديثة �أن يعر�ض يف �صاالت ال�سينما ،ولي�س يف لبنان فقط .وهو �أ�ص ًال ،من �إنتاج �شبكة تلفزيونية ،مثله يف هذا مثل «الأفالم» الأخرى، الباقية�« :أبو ريا�ض مني قدو» و «خليك معي» و «ليلة عيد» و�أخرياً «ميلودراما حبيبي» لهاين طمبا والذي يبقى من �أف�ضل هذه الأفالم ويكاد يكون ،يف نهاية الأمر� ،سينمائي ًا علم ًا ب�أن خمرجه �سبق له �أن خا�ض التجربة ال�سينمائية الق�صرية بنجاح ،ما يجعل من «ميلودراما حبيبي» فيلم ًا ي�ستكمل ذلك النجاح ،م�شك ًال، على عك�س الأفالم «التلفزيونية» الباقية ج�رس عبور منطقي بني ال�شا�شتني. بهذه الأفالم� ،إذاً� ،أط ّل لبنان على املو�سم ال�سينمائي الذي نحن يف �صدد احلديث عنه هنا ،لكنه مل يخ ُل ،يف الوقت نف�سه من �أفالم ق�صرية عديدة ،من الوا�ضح �أن معظمها مي ّهد لوالدة �سينمائيني حقيقيني ،بحيث نعرف منذ
الف�صل الثاين الإبداع ال�سينمائي والدارمي 367
�سنوات �أن ال�سينما الروائية اللبنانية الطويلة تولد دائم ًا من رحم ال�سينما الق�صرية .ويف الوقت نف�سه نعرف �أن كرثاً من ال�سينمائيني اللبنانيني ،مل ي�ستكينوا طوال � 2008إىل الك�سل ،ومل يردعهم ابتعاد اال�ستثمار املايل يف ال�سينما ،بل راحوا يح�ضرّ ون م�شاريعهم التي ي�سعون دائم ًا للح�صول على �إنتاج لها، وال �سيما يف �أوروبا .ونعرف �أن بع�ض هذه امل�شاريع بد�أ يتج�سد ،من دون �أن يكون ثمة ما ي�ؤكد �إجنازها خالل العام .2009ومع هذا ف�إن نجز يف الوقت ،حتى نهاية ، 2009مت�سع ًا .وقد ُت َ �أفال ٌم عديدة من الآن وحتى نهاية العام .وعلى الأقل من �أجل اال�ستفادة من زخم جناحات العام ال�سابق ،وكذلك من �أجل حتقيق ح�ضور ما ،لي�س يف املهرجانات اللبنانية (العديدة، والتي على عك�س ما يحدث للإنتاج ،تلقى ،هي رواج ًا على تن ّوعها اجلغرايف واملو�ضوعي) فقط ،بل يف املهرجانات العربية والعاملية. ويف انتظار ذلك تكفكف احلياة ال�سينمائية اللبنانية دموع ًا ذرفتها على رندة ال�شهال، كما على يو�سف �شاهني ،وت�شجع برهان علوية على املحاولة من جديد ،وتنتظر ما قد يحققه مي�شال كمون ونادين لبكي و�سمري حب�شي وبهيج حجيج وجو�سلني �صعب وغريهم.
قبل �سنوات ،حني ت�سلم الناقد املعروف حممد الأحمد ،مقادير م� ّؤ�س�سة ال�سينما ال�سورية، التي تعترب ب�شكل �أو ب�آخر �آخر ح�صون القطاع ال�سينمائي العام ،يف امل�رشق العربي ،تل ّم�س ال�سينمائيون ال�سوريون �آفاق تغيريات جذرية ر�أوا �أنها �ستطاول احلركة ال�سينمائية يف بلدهم .وقبل �أي �شيء �آخر على �صعيد ت�رسيع وتكثيف عملية الإنتاج ال�سينمائي� ،إ�ضافة �إىل جتديدات �أخرى كان قد بدا �أنها باتت ال غنى عنها� :إ�صدار ت�رشيعات �سينمائية قانونية وحترره ،حت�سني جديدة تط ّور القطاع الإنتاجي ّ و�ضعية ال�صاالت� ،إيجاد �سبل جديدة ال�سترياد
الإبداع
ال�سينما ال�سورية� :آفاق على الرغم من كل �شيء
الأفالم لإبقاء املتفرج ال�سوري على متا�س مع ما يحدث يف العامل حق ًا؛ �إعادة هيكلة مهرجان دم�شق الدويل ...و�إيجاد حوافز للقطاع اخلا�ص كي ي�ستثمر يف ال�سينما ال�سورية بعد غياب طويل عنها ،وبالتايل اجتذاب انتاجات م�شرتكة� ...إن املح�صلة اليوم تبدو مت�أرجحة، على الرغم من كل النوايا الطيبة واجلهود التي بذلها ويبذلها حممد الأحمد ...علم ًا ب�أن حركته تبدو حمدودة بني ثالثة �ضوابط كان من ال�صعب توقعها �أول ا�ستالمه للم� ّؤ�س�سة: ا�ستمرار الأبعاد البريوقراطية – والأيديولوجية االقت�صادية – التي ال تزال حت ّد من حركة �إ�صدار ت�رشيعات جديدة �أكرث ليربالية من ذي قبل ،تفاقم الأو�ضاع االقت�صادية الذي يحول دون تخ�صي�ص مزيد من امليزانيات لل�ش�ؤون ال�سينمائية يف خمتلف تفرعاتها ،و�أخرياً، ال�رصاعات واملعارك التي وجدت امل� ّؤ�س�سة نف�سها تخو�ضها ،يف مواجهة حياة �سينمائية كثرية التطلب� ،شديدة التعقيد ،ورمبا غري قادرة على فهم الظروف املركّبة و�سلم الأولويات. ومع هذا كله ،متكّنت امل� ّؤ�س�سة ،ويف وقت بد�أ فيه القطاع اخلا�ص يعود بالتدريج (مث ًال، �رشكة املنتج املخ�رضم نادر الأتا�سي الذي يتحرك على م�ستويني على �رشع يف عام ّ ،2008 الأقل :العودة �إىل �إنتاج الأفالم ال�سينمائية من خالل «�سيلينا» عن م�رسحية «هالة وامللك» لالخوين رحباين ،ب�إخراج من حامت علي ،يف فيلم �سيعر�ض املو�سم التايل ،والبدء يف م�رشوع طموح يهدف �إىل جتديد �صاالت �سينمائية بدءاً ب�صالة «دم�شق العريقة») ،متكّنت ،امل� ّؤ�س�سة، من جتاوز ك ّل العقبات املقامة يف طريقها وعلى �صعد عديدة� ،إن مل يكن على �صعيد الإنتاج وحده ،والذي كان م�أمو ًال من حركيته �أن تكون �أف�ضل :فمن ناحية ،متكّنت امل� ّؤ�س�سة تكر�س مهرجان دم�شق ال�سينمائي من �أن ّ الدويل ،مهرجان ًا �سنوي ًا بعدما كان يقام مرة كل �سنتني .واحلقيقة �أن من ال يعرف �أهمية هذا الأمر ،من الداخل ،لن يدرك هذه الأهمية �أبداً (وهو �أمر نتحدث عنه يف مكان �آخر من هذا مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 368للتنمية الثقافية
متكنت م�ؤ�س�سة ال�سينما ال�سورية يف جمال التثقيف ال�سينمائي من �إ�صدار ما ال يقل عن 25كتاب ًا �سينمائي ًا خالل العام .2008
على الرغم من كل الزخم الذي وفّرته منا�سبة «احتفالية دم�شق عا�صمة الثقافة العربية» مل ينتج يف �سوريا �سوى �أفالم قليلة العدد خالل .2008
التقرير) ،ومن ناحية ثانية ،متكّنت امل� ّؤ�س�سة، ويف جمال التثقيف ال�سينمائي ،من �إ�صدار ما ال يق ّل عن 25كتاب ًا �سينمائي ًا خالل عام ،2008وهو �أمر نادر احلدوث حتى يف �أكرث البلدان عراقة يف ن�رش الثقافة ال�سينمائية، ومن ناحية ثالثة ،متكّنت «امل� ّؤ�س�سة» ب�شكل �أو ب�آخر ،من �أن جتعل من نف�سها ،حق ًا ،مركزاً �أ�سا�سي ًا للن�شاط اال�سا�سي يف �سورية ،بل حتى يف امل�رشق العربي ،بانفتاحها على املناطق العربية الأخرى. رتجم غري �أن هذا كلّه يظل قا�رصاً عن �أن ُي َ �إىل ما هو �أ�سا�سي� :إنتاج �سينمائي حقيقي يجعل من �سورية ،حق ًا ،بلداً منتج ًا للأفالم� .إذ خالل عام ،2008وعلى الرغم من كل الزخم الذي وفّرته منا�سبة «احتفالية دم�شق عا�صمة الثقافة العربية» – وهي املنا�سبة التي �شغلت احلياة الثقافية ال�سورية عام ًا كام ًال ور�صدت لها ميزانيات �ضخمة ،-مل ينتج يف �سوريا �سوى �أفالم قليلة العدد (من ال�صعب حتديد عددها هذا ،طاملا �أن بع�ض هذه الأفالم، حتى و�إن كانت عر�ضت ،يف ال�صاالت ،ويف املهرجانات خالل ُ ،2008يح�سب على العام الذي �سبقه ،وقد ُيح�سب �أي�ض ًا على العام الذي يليه) .ومن هنا ،نذكر عناوين هذه الأفالم هنا، مرفقة بكل هذا التحفظ« :بوابة اجلنة»�« ،أيام الفجر»« ،ح�سيبة»�« ،سبع دقائق �إىل منت�صف الليل» و «دم�شق يا ب�سمة احلزن» ،وامل� ّؤ�س�سة هي التي �أنتجت هذه الأفالم كلها� ،إ�ضافة �إىل �إنتاجها ما ال يق ّل عن ثمانية �أفالم ق�صرية.
لفتت �أنظار كرث� .أما الفيلم الثاين فهو «ح�سيبة» لرميون بطر�س عن رواية معروفة للكاتب خريي الذهبي ،تعالج ،ب�شكل �أو ب�آخر ،و�ضعية املر�أة ال�سورية الدم�شقية وتبدالت هذه الو�ضعية على �ضوء التبدالت االجتماعية وال�سيا�سية التي عرفها التاريخ ال�سوري احلديث. لقد متكّن «�أيام ال�ضجر» و «ح�سيبة» من �أن ي�ؤكّدا ح�ضوراً ما لل�سينما ال�سورية طوال عام ال ب�أ�س من القول �إنه كان بدوره عام ًا انتقالي ًا... غري �أن هذين الفيلمني �أتيا يف الوقت نف�سه ليطرحا �أ�سئلة هامة حول الزمن الذي يتمكّن فيه ال�سينمائي ال�سوري� ،أخرياً ،من اخلروج من �أ�رس التاريخ له ..علم ًا ب�أن «ح�سيبة» فتح الأبواب وا�سعة �أمام العودة ال�سينمائية ال�ستلهام الأدب الروائي والق�ص�صي ال�سوري. يف مقابل هذا� ،أتى فيلم هالة العبداهلل، املحقق انطالق ًا من خارج �سورية بعنوان «هيه! ما تن�سى الكمون» ليطرح من جديد م�س�ألة التجديد الذي بات حتمي ًا يف لغة ال�سينمائي ال�سوري ،بحيث يحاول هذا الفيلم التجريبي الذي نال �إعجاب ًا عام ًا� ،أن يقول �أموراً جديدة بلغة جديدة ،فيت�صادم بهذا ،ت�صادم ًا �إيجابي ًا، مع الكال�سيكية التي ما فتئت تطبع �سينما، ال يخلو واقعها من جتديد و�رصاعات و�أحالم وخيبات ،لكنها تراهن ،كما �ش�أنها دائم ًا ،على امل�ستقبل ،وعلى ر�صد دقيق ملا يحدث يف عامل ال�صاالت وا�سترياد الأفالم ،بو�صفه جزءاً ا�سا�سي ًا من بناء هذا امل�ستقبل.
ال�سينما اجلزائرية :العودة املن�شودة �إىل ومهما يكن من �أمر ،ف�إن الأفالم التي املا�ضي ال�سعيد
ميكن التوقّف عندها يف هذا ال�سياق ،من بني هذه الأفالم ،اثنان ،جتوال يف املهرجانات العربية وغري العربية وارتبطا بالعام ،2008 ب�شكل وثيق� ،أولهما فيلم عبداللطيف عبداحلميد اجلديد «�أيام ال�ضجر» الذي اعتربه كرث واحداً من �أف�ضل الأفالم التي حقّقها يف الأونة الأخرية. وهو فيلم عاد فيه هذا املخرج الن�شيط �إىل اجلوالن زمن طفولة جيل ليق ّدم حكاية �شفافة
من «زد» كو�ستا غافرا�س �إىل «ع�صفور» يو�سف �شاهني ،ومن «عودة االبن ال�ضال» لهذا الف ّنان امل�رصي املبدع �إىل «غريب» لوكينو في�سكونتي و»اغتيال» �إيف بوا�سيه ،وع�رشات غريها من �أفالم عربية و�أفريقية و�أوروبية، عرفت اجلزائر التي كانت حازت لتوها يف ذلك احلني على اال�ستقالل ،كيف ت�صنع لنف�سها جمداً �سينمائي ًا كبرياً ،عرب الإ�سهام يف متويل
الف�صل الثاين الإبداع ال�سينمائي والدارمي 369
لل�سنوات املقبلة
ولكن خالل العامني الأخريين ،وكما واع، يحدث دائم ًا حني يالحق م�س�ؤول ماٍ ، م�رشوع ًا معين ًا ،وملنا�سبة اختيار اجلزائر أح�س «عا�صمة للثقافة العربية للعام ّ � ،»2007 املعنيون بالأمر ،ويف مقدمهم وزيرة الثقافة خالدة تومي� ،أن ال ب ّد من التحرك ..والتحرك هنا مايل يف املقام الأول ،لأن يف اجلزائر ثمة وجود لكل العنا�رص التي ميكن �أن ت�صنع �سينما مميزة ..يف ا�ستثناء املال .وهكذا طلبت تومي 230مليون يورو من احلكومة ،للإنفاق على م�شاريع ثقافية نه�ضوية على مدى 5 خالل العام 2008متكّنت اجلزائر من نه�ضة �سنوات ( )2113-2009مبا فيها م�شاريع �إنتاج 60عم ًال بني �أفالم روائ ّية طويلة �سينمائية حقيقية� .صحيح �أن احلكومة مل ت�ؤمن و�رشائط ق�صرية و�أفالم تلفزيونية. هذا املال كله ،لكن �أجزا ًء منه توافرت خالل العامني الفائتني ،ما مكّن من �إقامة تظاهرات ثقافية ،ومن الإنفاق على مهرجان �سينمائي يف وهران �أُريد له �أن يكون �ضخم ًا وعربي ًا �شام ًال ،ثم على �إنتاجات �سينمائية حتديداً، كما على �إعادة ترميم العديد من ال�صاالت ال�سينمائية ،مع حماولة ا�ستعادة مزدوجة: من ناحية ا�ستعادة مبدعي ال�سينما اجلزائرية الذين كانوا غادروا الوطن ،لأ�سباب معي�شية �أو �سيا�سية �أو خلوفهم من ا�ست�رشاء الإرهاب خالل ربع القرن املن�رصم؛ ومن ناحية ثانية ا�ستعادة اجلمهور ال�سينمائي. طبع ًا ال يزال الوقت �أبكر من �أن ي�سمح لنا مبعرفة ما �إذا كانت هذه ال�سيا�سة قد جنحت. ولكن ،خالل العام ،2008على الأقل كان ثمة الكثري من العالمات امل�شجعة ،حتى خارج �إطار «جناح» مهرجان وهران الذي ميكن املجادلة يف �ش�أنه .ولع ّل يف مقدمة هذه العالمات� ،أن اجلزائر متكّنت من �إنتاج ما يقدر بـ 60عم ًال، مؤسسة الفكر العربي ّ
الإبداع
�أفالم وم�شاريع مميزة �آتية من اخلارج ،بل تنتمي حتى �إىل بلدان �ضخمة الإنتاج (م�رص، فرن�سا� ،إيطاليا ،)...ولكن – �أكرث من هذا – عرب خلق �صناعة جزائرية �أ�صبحت ب�رسعة ذات �ش�أن وراحت تنتج ع�رشات الأفالم �سنوي ًا.. �أفالم تفر�ض ح�ضورها يف العامل اخلارجي. ولكن اي�ض ًا يف الداخل .خالل عقد ون�صف العقد �صار هناك ما ي�س ّمى �سينما جزائرية ،و�صارت تواقيع املخرجني اجلزائريني �أمراً يح�سب له ح�ساب .من هنا مل تكن املفاج�أة كبرية حني ح�صد حممد الأخ�رض حامينا� ،سعفة «كان» الذهبية عام ،1975بفيلمه «وقائع �سنوات اجلمر» ،هو الذي كان قبل ذلك ح�صد جناحات مع «رياح الأورا�س» .ومل يكن مده�ش ًا �أن ت�صبح ثمة تيارات داخل ال�سينما اجلزائرية ،وال �سيما منها تلك التي راحت تعيد النظر يف التاريخ.. و�صو ًال �إىل ر�ؤية جذرية يف هذا املجال كان من عالماتها «الفحام» ملحمد بوعماري و«نوه» لعبد العزيز طلبي ثم «نوبة ن�ساء جبل �شنوة» لآ�سيا جبار ،عن دور الن�ساء يف الثورة وتهمي�شهن بعدها .ولقد و�صل هذا كله �إىل ّ ذروته حني حقّق مرزاق علوا�ش فيلم «عمر قتلته الرجولة» الذي طرح �س�ؤا ًال كان نادراً ما يجر�ؤ فنان على طرحه :ما الذي فعلناه بالثورة؟ ما الذي فعلناه باال�ستقالل؟ و�إذا كان «عمر قتلته الرجولة» قد اعترب فاحتة لنه�ضة �سينمائية – راديكالية جديدة، ف�إن الأحداث ال�سيا�سية التالية ،يف اجلزائر، �أتت لتن�سف ذلك التوقع� ..إذ طوال عقود بعد ذلك راح الألق ال�سينمائي اجلزائري يختفي تدريجي ًا ،حتى و�إن ظلّت هناك �أفالم تطلع ودمرت بني احلني والآخر .وهاجر املبدعون ّ ال�صاالت بالتدريج .غري �أن الرغبة يف انبعاثة جديدة لل�سينما اجلزائرية مل تخب ،ال عند نخبها القدمية وال عند �أهلها اجلدد� ...صحيح �أن كل املحاوالت راحت تتهاوى على �صخور ولكن كان ثمة الواقع ال�سيا�سي واالقت�صاديْ ، �شعور ب�أن زمن ًا �سي�أتي تفيق فيها ال�سينما اجلزائرية من رقادها ...ولكن عام ًا بعد عام،
راح يبدو م�ؤكداً� ،أن ذلك الزمن يبتعد ،خ�صو�ص ًا �أن ال�سينما اجلزائرية ،بعدما كانت تدعم �سينمائيني �آتني من �شتى �أنحاء العامل� ،صارت يف حاجة �إىل دعم خارجي (فرن�سي غالب ًا) كي تقوم.
التقرير العربي الثاين 370للتنمية الثقافية
مل ي�شهد العام 2008يف تون�س �سوى �إنتاج �أربعة �أفالم فقط ،بينما كانت ال�سينما التون�سية هي الوحيدة �إىل جانب اجلزائرية التي ناف�ست �إنتاج ال�سينما امل�رصية كم ًا ونوع ًا بني ال�سبعينيات والثمانينيات.
بني فيلم روائي طويل ،و�رشائط ق�صرية و�أفالم تلفزيونية .والالفت �أن معظم هذه الأعمال قد عر�ض عرو�ض ًا �أوىل و�سط اهتمام ر�سمي �إعالمي كبري ،وال �سيما يف �صالة جممع ريا�ض الفتح ،الذي �صار بعد جتديدهُ ،يعترب املمر الأ�سا�س لك ّل جتديد ف ّني يف اجلزائر. ح�صة حتى الآن ال ميكن القول ،طبع ًا �إن ّ الأفالم الطويلة – من روائية وغري روائية – امل�صنوعة للتلفزيون ،كانت كبرية :بالكاد ميكن �إح�صاء �ستة �أفالم طويلة ،هي الأفالم الروائية «�إذان» و «حبيبي» و «ق�ضية دجال» و»م�سخرة» و «م�صطفى بولعيد» ،والفيلم الوثائقي «ال�صني ال تزال بعيدة» .غري �أن الأهم من هذا ،هو �أن هذه الأفالم ت�ضافرت مع بع�ض �أعمال حققت مع اخلارج («اينالند» لطارق تيغيا) لتعطي اجلزائر زخم ًا �سينمائي ًا جديداً ،من الناحية النوعية �إن مل يكن من الناحية الكمية .ولع ّل العالمة الأ�سا�س يف هذا، كان فيلم «م�سخرة» للمخرج اجلزائري ال�شاب �إليا�س �سامل ،يف �أول جتربة روائية طويلة له. لقد �أتى هذا الفيلم حدث ًا �سينمائي ًا ا�ستثنائي ًا. وحقق حتى الآن جناحات كبرية� ،سواء حني عر�ض يف عرو�ض جتارية �أم يف مهرجانات عربية �أو عاملية .لقد �أتى «م�سخرة» من طينة تلك الأفالم التي تتطلّع �إىل ما ي�س ّمى ب�إعادة الت�أ�سي�س ،و�شبهه كرث ،بالن�سبة �إىل الت�أثري الذي �سيكون له يف ال�سينما اجلزائرية ،مبا كان عليه «رياح الأورا�س» يف ال�ستين ّيات ،و»عمره قتلته الرجولة» يف ال�سبعين ّيات .حيث �إنه بدوره يتناول واقع املجتمع اجلزائري ،بق�سوة و�إمنا مبرح وحنان.
نحو عودة ما
�أما بالن�سبة �إىل «م�صطفى بني بولعيد» ف�إنه �شهد عودة املخ�رضم �أحمد را�شدي �إىل الإخراج ال�سينمائي بعد غياب طويل ،هو الذي كان واحداً من امل�ؤ�س�سني من خالل «الأفيون والع�صا»« .م�صطفى بن بولعيد» الذي ح�رض رئي�س اجلمهورية عبدالعزيز بوتفليقة حفل
عر�ضه الأول يف جممع ريا�ض الفتح ،هو �أ�ضخم فيلم �أنتج يف اجلزائر حتى اليوم .وهو يق ّدم ،على غرار الأفالم الثورية الت�أ�سي�سية الأوىل� ،سرية م�ؤفلمة لواحد من �أبطال الثورة اجلزائرية و�شهدائها ،هو �أمر جعل الكالم ي�سود ،ب�أنه يف مقابل الت�سا�ؤالت حول الراهن اجلزائري («م�سخرة») ها هو احلر�س القدمي ير ّد مذكراً ببطوالت الزمن الثوري ال�سعيد. واحلال �أنه مهما يكن املوقف من هذا كله، ف�إن ما ميكن ر�صده من خالله ،هو �أن العودة �إىل ال�سجاالت القدمية ،من طريق ال�سينما� ،سيكون الفن ال�سابع ،م�ستعيداً �أمراً حيوي ًا بالن�سبة �إىل ّ له مكانة كانت كبرية يف جزائر ال�سبعين ّيات. ولقد حان الوقت لهذا البلد كي يتجاوز جراحه وينطلق م�ستعيداً �أبنا َءه ال�سينمائ ّيني الذين يعملون يف �أنحاء عديدة من �أوروبا حمققني بالأموال الأوروبية �أفالم ًا تقول بدورها الواقع اجلزائري� ...إمنا من دون �أن ت�سهم يف خلق ذلك الرتاكم ال�سينمائي ال�رضوري كي تعود اجلزائر بلداً �سينمائي ًا على م�ستوى العامل.
ال�سينما التون�سية� :أ�سئلة الزمن ال�صعب
ذات حقبة من الزمن ،ما بني �سبعين ّيات القرن الع�رشين وثمانين ّياته وبعد ذلك قلي ًال �أي�ض ًا ،بدت ال�سينما التون�سية وك�أنها� ،إىل جانب اجلزائرية ،الوحيدة القادرة على �أن تنتج من الأفالم ،كمي ًا ،ما يداين �إنتاج ال�سينما امل�رصية ،ونوعي ًا ما يتف ّوق كثرياً على معظم �إنتاج هذه ال�سينما .وكان لدى تون�س ،يف ذلك احلني ،من العنا�رص ،ثم من الإنتاج الفعلي ،ما ي�ؤهلها حق ًا لتطوير تلك االندفاعة كلّها .ولكن ينكب �أهل ال�سينما يف بالتدريج ولأ�سباب ّ تون�س ،على درا�ستها يف العمق وعلى حماولة ا�ستخال�ص الدرو�س منها ،هبط ذلك الإنتاج وتبخرت الآمال .ومع هذا ،ظ ّل حب ال�سينما ّ على حاله والأجيال ال�سينمائية التي �أنتجتها واحدة من �أكرب حركات نوادي ال�سينما يف العامل العربي ال تزال حا�رضة ..والقوى الب�رشية التقنية نا�شطة ،ومهرجان قرطاج – مهد
الف�صل الثاين الإبداع ال�سينمائي والدارمي 371
املهرجانات ال�سينمائية العربية الكربى – ال مرة كل �سنتني� .أما الأجهزة التقنية يزال يقام ّ فمزدهرة كحالها دائم ًا ..ف�إذا �أ�ضفنا �إىل هذا �أن يف تون�س ،عدا عن معظم البلدان املغربية الأخرى ،بنى �إنتاجية و�رشكات توزيع ،يحقّ لنا �أن نت�ساءل ملاذا مل تنتج تون�س خالل العامني الفائتني �أكرث من ثمانية �أفالم ،مبعدل �أربعة �أفالم لكل عام؟ هذا ال�س�ؤال مطروح اليوم ومطروح بقوة.. وهو بعدما كان مطروح ًا يف �أو�ساط �أهل ال�سينما �أنف�سهم (والذين ثمة يف تون�س منهم عدد ي�ضاهي نوعي ًا ،بع�ض �أف�ضل ال�سينمائ ّيني العرب ،وحتى الأوروبيني �أحيان ًا :ر�ضا الباهي، حممود بن حممود ،فريد بو غدير ،نوري بوزيد، مفيدة تالتلي ...نا�رص خمري وغريهم) ،وبعدما كان مدار ت�سا�ؤالت وا�ستنكار النقاد (الذين لدى تون�س �أي�ض ًا منهم بع�ض �أف�ضل ما يف العامل العربي) ،ها هو منذ فرتة ي�شكّل ال�شغل ال�شاغل لأو�ساط حكومية ،وخرج ال�سجال حوله هناك �إىل ال�ساحة العامة ،م�صحوب ًا ب�أ�سئل ٍة تثري احلرية مثل :ملاذا تتقدم ال�سينما املغربية وتت�أخر التون�سية؟ وملاذا لل�سينما الإيرانية ك ّل هذه املكانة يف العامل على الرغم من ال�ضغوط الرقابية املت�ش ّددة يف طهران؟
�أ�سئلة �شائكة
ح�رضت �إذن ال�سينما الروائية التون�سية الطويلة خالل مو�سم ،2008ب�أربعة �أفالم ،ال ب ّد �أن نالحظ يف الوقت نف�سه� ،أنها من �إنتاج �أجنبي ..بل علينا �أن نالحظ �أي�ض ًا �أن واحداً منها («خم�سة») هو من �إخراج التون�سي الأ�صل املقيم يف فرن�سا ،كرمي الدريدي ،الذي �سبق �أن عرف ب�أفالم عديدة ،قد تكون عربية املو�ضوع (لأن جلّها يرتكّز من حول مهاجرين عرب يف فرن�سا) لكن �أحداثها يدور معظمها يف فرن�سا.. وهذا ما ميكن �أن يقال �أي�ض ًا عن «خم�سة» الذي تدور �أحداثه كذلك يف خارج تون�س �أو يف عامل الطفولة امل� ّرشدة للأقليات العرقية التي تعي�ش على الهام�ش يف �أوروبا .واحلقيقة �أن ق�ضية فيلم «خم�سة» تذكر مبا ذكر يف العام الفائت من �ض ّم فيلمني على الأقل لعبد اللطيف ق�شي�ش (وهما فيلمان فرن�سيان ...مئة باملئة) �إىل الفيلموغرافيا التون�سية ملجرد �أن ق�شي�ش من �أ�صل تون�سي. �إذاً ،مرة �أخرى ال ب ّد من الت�سا�ؤل هذا العام �أين عبداللطيف بن عمار؟ �أين ر�ضا الباهي وبو زيد؟ �أين نا�رص قطاري ونا�رص خمري... و�أين ك ّل الآخرين؟ وهل �سي�ؤدي ذلك ال�سجال احلار ،والذي ت�شارك فيه �أو�ساط حكومية
الإبداع
�أربعة �أفالم فقط
واحلقيقة �أن دورة عام 2008من مهرجان قرطاج ال�سينمائي الدويل يف تون�س� ،شكّلت لتفجر كل هذه الأ�سئلة و�رضوب منا�سبة ّ احلرية� .صحيح �أن تون�س �شاركت يف تلك الدورة مبا ال يق ّل عن ثالثة �أفالم روائية طويلة ،فيما كان فيلم رابع حديث النا�س طوال الدورة ،وهو ما يعترب �أمراً جيداً ب�شكل عام. لكن امل�شكلة كمنت يف �أن �أهل مهرجان قرطاج مل يعانوا كثرياً دون اختيار االفالم املمثلة لتون�س .ذلك �أنها كانت ك ّل ما �أنتج وعر�ض خالل العام .من ناحية النوعية لي�س ثمة ما يقال �سلب ًا .فالأفالم الثالثة (وهي «خم�سة» لكرمي الدريدي ،و»اجلانب الآخر من ال�سماء»
لكلثوم بورناز ،و»رحلة جميلة» خلالد غربال) تنتمي مع ًا �إىل ال�سينما اجليدة ،وحتاول �أن توا�صل تلك امل�سرية ال�سينمائية التون�سية التي كانت مم ّيزة طوال عقود .و�إذا �أ�ضفنا �إىل هذا فيلم «ثالثون» لفا�ضل اجلعايبي ،الذي عر�ض يف قرطاج �إمنا خارج التظاهرات الر�سمية، ليعود ويفتتح دورة عام 2009من مهرجان روتردام للفيلم العربي يف هولندا ،ي�صبح لدينا منت �سينمائي جيد ،يزيده �ألق ًا عدد من ال�رشائط الق�صرية التون�سية الناجحة. غري �أن مثل هذا املنت ال ميكنه ،بالطبع، �أن ي�شكل ما ميكن ت�سميته� :صناعة �سينمائية تون�سية ،الأمر الذي يعيد اللعبة ال�سينمائية يف تون�س �إىل ما قبل زمن الوفرة.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 372للتنمية الثقافية
ب�شكل ر�سمي� ،إىل انبعاث ال�سينما التون�سية من �سباتها� ..أو �أن امل�س�ألة يف حاجة �إىل انبثاق جهد فردي مثل ذاك الذي بذله املنتج الراحل �أحمد بهاء الدين عطية طوال �سنوات كي يح ّول ال�سينما التون�سية من حالة ثقافية �إىل حالة �صناعية /ثقافية؟ يف انتظار الإجابة على هذه الأ�سئلة، ي�شاهد حم ّبو ال�سينما التون�سية ب�شغف �أفالم بورناز والدريدي واجلعايبي وغربال... ويتمنون لو تتوا�صل هذه ال�سينما التي متكّنت ذات يوم من �أن ت�ؤثّر ب�شكل �إيجابي ،حتى يف �سينمات عربية مناف�سة معطية �إياها درو�س ًا يف لغة ال�سينما وعالقتها باملوروث (خمري)... ويف خرق املحظور (بوزيد) ويف ت�صوير الطفولة (بوغدير) والن�ساء (تالتلي) �إىل �أعمال �سينمائية حية. �شهد العام
2008
يف العراق ما
ال�سينما العراقية� :سقوط الأيديولوجيات
مثل لعبة كلمات متقاطعة غريبة التفا�صيل، ال يقل عن ثالثة �أفالم حملت عبء فر�ض ح�ضور ال�سينما العراقية ،يلتئم �شمل ال�سينما العراقية منذ �سنوات ..ولكن يف مقدمتها فيلم املخرج املغرتب من دون احللم ب�أن ي�صبح ثمة يف العراق� ،أو فا�ضل عبا�س «فجر العامل». بغداد ،ما �أطلق عليه �صحافيون – قب�ضوا ثمن ذلك نقداً ذات يوم – ا�سم «هوليوود على �ضفاف دجلة» .ذاك كان حلم ًا �سينمائي ًا حجمه �أكرب من �أي واقع ومل ينتج �سوى �رشائط قليلة كلّفت ما تكلّفه ع�رشات الأفالم ومل ي�شاهدها �أحد ،يومها ،لأنها بد ًال من ال�سينما ،غا�صت يف الأيديولوجيا («القاد�سية» من �إخراج الراحل �صالح �أبو �سيف) وبد ًال من احلديث عن حياة ال�شعب غا�صت يف احلديث عن احلياة املتخيلة البطولية ملن عينّ نف�سه قائداً لل�شعب («الأيام الطويلة» للم�رصي الكبري الآخر توفيق �صالح). كل هذا كان قد �صار جزءاً من املا�ضي ،حني ح ّل االحتالل على �أر�ض العراق .واحلقيقة �أن هذا االحتالل �إذا كان قد �أوقف عجلة �أمور كثرية يف العراق ،ف�إنه مل يوقف عجلة ال�سينما لأن ال�سينما كانت انتهت منذ زمن ،و�صار �أهلها يف املنايف �أو ال�سجون �أو يف القبور ،مع �أقلية ظلّت ت�ش ّغل كامرياتها لر�صد حياة وحتركات
«القائد» .ولكن ،كما �أن لكل �شيء نهاية يف هذا الكون ..انتهى ،ذات يوم� ،صمت ال�سينما العراقية� ..أي�ض ًا .ولكن بكثري من البطء وكثري من اخلجل� .صحيح �أن عام � ،2008شهد نوع ًا من الرتاجع ،الكمي على الأقل ،ع ّما كان حتقق من �سينما يف العراق ،خالل ال�سنوات ال�سابقة عليه ،لكنه – كما يبدو – كان تراجع ًا تكتيكي ًا، �أ�سبابه عديدة ،منها ما هو مايل ،ولكن �أي�ض ًا منها ما يتعلق ب�أن فورة القبول اخلارجي – بل حتى الداخلي �أي�ض ًا ،-بالأفالم التي حققت ،لغرابة الأمر وانطالق ًا من ف�ضول ما �أو تعاطف ما ،انتهت وبات مطلوب ًا من بلد يع ّد مبدعوه ،يف املجاالت كافة ،بالألوف ويعترب جراء �سنوات ال�سجن واملنايف التي تط ّورهم من ّ ً ً ً عا�شوها ،تط ّورا مثاليا ،بات مطلوبا منهم �أن يحققوا �أف�ضل و�أكرث. يف جمال ال�رشائط الق�صرية ،حقّق عراقيون كرث �أعما ًال ،يظل من حقنا �أن ن�س�أل :من يراها؟ هل يكفي ح�ضور بع�ضها يف املهرجانات، الثانوية ليكون لها ح�ضور؟ �أو �أن عر�ضها على �شا�شات التلفزة ُيبقي لها م�رشوعيتها ال�سينمائية؟ مهما يكن ،يبقى �أن مو�سم ،2008 حمدود من الأفالم الروائية عدد ٍ �شهد �إنتاج ٍ الطويلة� ،أو الت�سجيلية التي يرقى بع�ض خطابها �إىل م�ستوى ال�سينما الطويلة والروائية .وثمة ما ال يق ّل عن ثالثة �أفالم حملت خالل ذلك املو�سم عبء فر�ض ح�ضور ال�سينما العراقية ،علم ًا ب�أن مفاعيلها ظلت متوا�صلة خالل العام التايل، وعلى الأقل يف انتظار ظهور �إنتاجات جديدة، حتمل الراية .ولع ّل يف مقدمة هذه الإنتاجات، الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرج العراقي املقيم يف فرن�سا ،فا�ضل عبا�س ،والذي �سبق له �أن حقّق بع�ض الأفالم الوثائقية .يف فيلمه اجلديد «فجر العامل» ،والذي عر�ض يف العديد من العوا�صم الأوروبية وتفاوتت ردود الفعل النقدية عليه ،حت ّدث فا�ضل عن العراق الراهن من خالل حكاية حب تدور يف منطقة الأهوار.. لك ّنها حكاية حب «م�ستحيلة» كما يحاول احلب الفيلم ان يقول لنا ،وك�أنه يريد و�ضع ّ
الف�صل الثاين الإبداع ال�سينمائي والدارمي 373
ال�سينما الأردنية� :آمال كبرية وتقنيات جيدة
خالل تاريخها ال�سينمائي الذي بات طوي ًال من الناحية الزمنية ،و�شديد التن ّوع، تفخر احلياة الثقافية الأردنية ب�أن الأردن يعترب ،ومنذ بداية �سنوات ال�ستني من القرن الع�رشين ،على الأقل ،بلداً خمتاراً بنجاح لت�ص ّور فيه �أفالم �أجنبية غالب ًا ما تكون �أفالم ًا �ضخمة («لوران�س العرب» على �سبيل املثال) .واحلال �أن هذا احل�ضور امليداين للعمل ال�سينمائي الأجنبي يف الأردن ،خلق ،كما تقول الناقدة فيكي حبيب�« ،أجيا ًال متتالية من الكادرات التقنية ،لكنه خلق دائم ًا رغبات حارة يف الو�صول �إىل يوم ي�صبح فيه الأردن بلداً منتج ًا ل�سينما �أردنية يحققها مبدعون �أردنيون ،عن موا�ضيع �أردنية» .ومن الوا�ضح �أن ثمة عنا�رص عديدة تقول �إن الأردن ب�أجوائه وطاقاته الب�رشية ومبدعيه ،خمرجني وكتاب ًا وممثلني، جاهز لهذا .ومع ذلك مل يحقق يف الأردن من �أفالم �أردنية ،كلي ًا �أو جزئي ًا� ،سوى �ستة �أفالم، من بينها فيلم «عا�صفة على البرتاء» من �إخراج امل�رصي فاروق عجرمة .واحلقيقة �أن هذا الفيلم كان ميكن اعتباره عم ًال اجنبي ًا �آخر لوال
نعرف �أن ثمة دائم ًا عراقي ًا ما، ي�صور فيلماً ،طوي ًال �أو يف بلد ماّ ، ق�صرياً� ،إمنا من دون �أن يدري �أو ندري ما الذي �سوف يكون عليه م�صري هذا الفيلم .فالعراق وفنونه، تظ ّل حتت الأ�سئلة.
الإبداع
جانب ًا بعدما جعله �أو ًال نقطة جذب يف الفيلم. احلب �إمنا يقوم بني زهرة ،الأرملة وذلك لأن هذا ّ العراقية ال�شابة و�صديق لزوجها الراحل .لقد حقّق هذا الفيلم جوائز ال ب�أ�س بها ،لكن �أهميته احلب ،التي قدمت فيه مل تقف عند ا�ستحالة ّ عر�ض ًا ،بل عند املناخ ،الذي ربط بني احلرب وم�أ�ساة الإن�سان خالل احلرب ،وبني منطقة هي �أ�ص ًال فتانة من حيث �صورتها .واحلقيقة �أن �أق ّل ما ميكن قوله حول هذا الفيلم هو �أنه يفتح �آفاق ًا جديدة ل�سينما عراقية روائية ال تزال تبحث عن نف�سها ،را�سم ًا خط طريق يو�صل �إىل تعاون عربي م�أمول .بحيث �أدار فا�ضل يف هذا الفيلم عدداً من املواهب التمثيلية العربية، غري العراقية ،ب�شكل �أعطى الفيلم قوة ما :هيام عبا�س ،الفل�سطينية املعروفة واملقيمة يف فرن�سا ،وحف�صية حرزي ،اجلزائرية الأ�صل، الفرن�سية الإقامة والتي كانت برزت يف فيلم «�أ�رسار الك�سك�س» لعبداللطيف ق�شي�ش. يف مقابل هذا الفيلم ،عرف الإنتاج العراقي ما ال يق ّل عن �إنتاج فيلمني وثائقيني طويلني لفتا الأنظار حق ًا ،وق ّدما يف عرو�ض مما قدما يف عرو�ض تلفزيونية �سينمائية �أكرث ّ (هي عادة م�صري هذا النمط من الأفالم)� ،أولهما «حياة ما بعد ال�سقوط» لقا�سم عبد ،الذي اتبع م�سار �أول ثالثة �أيام بغدادية تلت �سقوط بغداد، وثانيهما – وهو الأهم على �أي حال -هو «عد�سات مفتوحة على العراق» ،الذي �ص ّورت فيه مي�سون الباجه جي ،م�صائر وحيوات عدد من ال�سيدات العراقيات اللواتي يع�شن يف املنايف ،التي مل يلغها «حترير» العراق بعد، وال �سيما يف �سورية .قوة هذا الفيلم تكمن يف �أنه �ص ّور مو�ضوعه من خالل فن يتت ّبع م�سار فن �آخر :ال�سينما تتابع تفا�صيل ور�شة ت�صوير فوتوغرايف لن�ساء يع�شن ويت�صورن ويروين عي�شهن هذا. تفا�صيل اليومي يف ّ طبع ًا ال ميكن القول �إن هذا كل �شيء، �إذ نعرف �أن ثمة دائم ًا عراقي ًا ما ،يف بلد ما، ي�ص ّور فيلم ًا ،طوي ًال �أو ق�صرياً� ،إمنا من دون �أن يدري �أو ندري ما الذي �سوف يكون عليه م�صري
هذا الفيلم .فالعراق وفنونه ،تظ ّل حتت الأ�سئلة، حتى و�إن كان ثمة من يرى �أن زمن «الأجوبة» ا�ستكمال لعراق قد حلّ ،و�أن عراق اليوم ،يف ٍ الأم�س وما قبله ،يظ ّل حاف ًال باملوا�ضيع ،ولكن �أي�ض ًا بالطاقات الب�رشية .وهذه الطاقات يف حلظات توقعها الدائمة ،تراهن بعد كل �شيء على امل�ستقبل .امل�ستقبل الذي مل يعد مرتبط ًا ب�أي �شيء �سوى با�ستتباب الأمن ،بحيث ي�سجل بقوة �سقوط ال�ضغوط الأيديولوجية ،على الإبداع العراقي منذ �سنوات ،الأمر الذي يفتح الآفاق وا�سع ًا� ،إن مل يكن على انبثاق م�ستحيل لـ «هوليوود على �ضفاف دجلة» ،فعلى الأقل على وجود �صناعة �سينمائية ت�ستفيد من الطاقات الب�رشية ،وكذلك من الإبداع العراقي يف املجاالت كافة.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 374للتنمية الثقافية
«الهيئة امللكية الأردنية للأفالم» هي هيئة �شبه ر�سمية �أخذت على عاتقها دعم احلركة ال�سينمائية الأردنية وت�شجيعها� ،آمل ًة �أن حترك تتمكّن من خالل ن�شاطها �أن ّ ال�سينمائيني �إما للعمل يف �أفالم للتحرك �أجنبية ت�ص َّور يف الأردن� ،أو ّ مبا�رشة لتحقيق �أفالم.
«كابنت �أبو رائد» ي�شكل م�صدر يهمه �أمر ال�سينما فخر الآن لك ّل من ّ الأردنية .ويف املح�صلة ميكن القول �إن ال�صخب الدائر من حول هذا الفيلم ،ال ب ّد �أن ينتهي به �إىل �إعادة �إحياء �سينما ما يف الأردن.
�أن منتجه املم ّول كان املو ّزع الأردين ليو�سف الطاهر ،الأمر الذي فتح الباب يومها ()1969 تتكرر ،فظ ّل تاريخ تتكرر التجربة .لكنها مل ّ كي ّ «ال�سينما الأردنية» تاريخ حنني يز ّينه ا�سمان �أو ثالثة ...وظلّت احلال هكذا ،حتى حقّق الفيلم الأردين ،اخلام�س« ،حكاية �رشقية» لنجدت �أنزور ،الذي على الرغم من جناحه نقدي ًا، �رسعان ما «نفى» نف�سه �إىل التلفزيون وحقّق معظم �أعماله التلفزيونية الكربى �ضمن �إطار ت�أ�سي�سه لنوع معينّ من امل�سل�سالت ال�سورية التاريخية ،قبل �أن يعومل �إنتاجه ،يف وقت ظ ّل يحلم فيه ب�أن يعود «لي� ّؤ�س�س» ال�سينما الأردنية من جديد. لكنه مل يكن احلامل الوحيد يف هذا املجال. ذلك �أن حلم �إعادة الت�أ�سي�س هذا ال ينفك يداعب خياالت �أجيال متعاقبة من املبدعني ،وال �سيما منهم �أولئك الذين ين�ش�أون على حب ال�سينما من خالل م�ؤ�س�سات �أ�شبه بنوادي ال�سينما (مثل م� ّؤ�س�سة �شومان ،التي تقدم عرو�ض ًا حتت ا�رشاف نقّاد متحم�سني �أمام جمهور ال يق ّل عنهم حما�س ًا) .ونعرف �أن هذه امل� ّؤ�س�سات قد �أُ�ضيفت �إليها منذ �سنوات قليلة م� ّؤ�س�سة جديدة هي «الهيئة امللكية الأردنية للأفالم»، وهي هيئة �شبه ر�سمية �أخذت على عاتقها دعم احلركة ال�سينمائية الأردنية وت�شجيعها، حترك �آمل ًة �أن تتمكّن من خالل ن�شاطها �أن ّ ال�سينمائيني �إما للعمل يف �أفالم �أجنبية ت�ص َّور للتحرك مبا�رشة لتحقيق �أفالم. يف الأردن� ،أو ّ بالن�سبة �إىل املجال الأول ،تبدو الهيئة ناجحة حتى اليوم ،وهي ت�شارك منذ فرتة يف بع�ض املهرجانات العاملية (يف «كان» أفالم ت�ص َّور مث ًال) �أم ًال يف اجتذاب مزي ٍد من � ٍ يف الأردن� ..أما بالن�سبة �إىل املجال الثاين، ف�إن الأمنيات ال تزال �أكرب من الواقع بكثري. و�إذا كان م�س�ؤولو الهيئة ي�ؤكّدون م�ضاعفة خطواتهم يف هذا املجال طوال العام ،2008 ومع �إطاللة العام التايل له ،ف�إنه كان عليهم طوال مو�سم � ،2008أن يكتفوا بدعم الفيلم ال�ساد�س الذي �أُنتج يف الأردن ،وهو «كابنت
�أبو رائد» لأمني مطالقة� .صحيح �أن هذا الفيلم حقّق يف العام ال�سابق ،لكن مفاعيل جناحه، عاملي ًا ،ظلّت متوا�صلة طوال املو�سم الذي نتحدث عنه هنا ،حيث يتجول ليعر�ض يف البلدات واملدن ال�صغرية يف الأردن ،يف الوقت الذي توا�صل فيه عرو�ضه جناحاتها يف العديد من املهرجانات العاملية. واحلقيقة �أن «كابنت �أبو رائد» ي�شكل م�صدر فخر الآن ،لك ّل من يه ّمه �أمر ال�سينما الأردنية التي تبقى دائم ًا على و�شك الوالدة من جديد .ويف املح�صلة العامة ميكن القول �إن ال�صخب الدائر من حول هذا الفيلم والذي توا�صل طوال مو�سم ،2008ال ب ّد �أن ينتهي به �إىل �إعادة احياء �سينما ما يف الأردن ،يف وقت يزداد فيه ن�شاط ت�صوير امل�سل�سالت التلفزيونية ،من ناحية ،وح�ضور طواقم ومبدعي الأفالم الأجنبية م�ستفيد ًة من مهارة يد عاملة رخي�صة ،وطبيعة خالبة من ناحية أحالم ال تنتهي ب�أن ي�ضاعف ثانية .ناهيك ب� ٍ الأردن خالل عامني تاليني عدد الأفالم التي ت�شكّل منت �إنتاجه ،تاريخي ًا.
ال�سينما ال�سعودية� :أفالم ومبدعون و�سجاالت
منذ زمن ..بل منذ زمن بعيد ،هناك ما ميكننا �أن ن�س ّميه �سينما �سعودية ،بل هناك ما هو �أكرث و�أهم من هذا ..هناك �سينمائيون �سعوديون� .صحيح �أنهم كانوا قلّة يف �أول الأمر ،لكن دائم ًا �إىل تكاثر ،بحيث �إن هناك اليوم عدداً ال ي�ستهان به من �صانعي الأفالم.. كما �أن هناك �أفالم ًا عديدة �سعودية تعر�ض يف املهرجانات املحلية (لأن هناك منها يف ال�سعودية ،مهرجانات �سينمائية حملية، كما هناك مهرجانات م�رسحية .على عك�س ال�صورة ال�شائعة) ،كما يف املهرجانات العربية والدولية .وهناك من ينال منها اجلوائز .ولئن كان الأمر مقت�رصاً حتى �سنوات قليلة على ا�سم واحد معروف خارج اململكة هو ا�سم عبداهلل املحي�سن ،ف�إن هناك اليوم �أ�سما ًء عديدة
الف�صل الثاين الإبداع ال�سينمائي والدارمي 375
بدايات راهنة
طبع ًا ال ميلك �أحد اليوم �إح�صاءات تتعلّق مب�ستوى هذه الأفالم ونوعيتها ،ولكن يف �إمكاننا �أن نخ ّمن ،على � ّأي حال� ،أنها من الأفالم الأوروبية والأمريكية الرائجة ومن الأفالم امل�رصية والهندية وما �شاكل ذلك .ويف هذا ال�سياق قد يكون �صعب ًا علينا �أن نتخ ّيل وجود ن�سخ م�شابهة من الأفالم ال�سعودية يف مثل هذه املكتبات .ومن هنا تواجهنا امل�سرية نف�سها التي �سبق �أن واجهت جمتمعات عربية من قبل :حيث تكون ال�سينما املحلية غالب ًا من دون جمهور حملي .ولكن يف املقابل نعرف �أن يف جمتمعات عربية مثل لبنان واملغرب وتون�س واجلزائر وحتى �سورية (وال نذكر هنا م�رص لأن م�رص حالة خمتلفة متام ًا)، كانت ال�سينما املحلية من دون جمهور حملي – وغالب ًا وقف ًا على املهرجانات واملنا�سبات اخلا�صة ،-لكنها عرفت بالتدريج كيف ت�شقّ طريقها �إىل هذا اجلمهور بحيث �أن ثمة �أفالم ًا باتت تر ّد كلفتها من عرو�ضها املحلية ،ومن بيع الإ�سطوانات للجمهور املحلي. ح�س املغامرة الذي ومن هنا نفهم �أن ّ يطبع اليوم بدايات حركة الإنتاج ال�سينمائي ال�سعودي ،اخلجولة بعد كل �شيء ،لي�س حالة يائ�سة ،بل هو �إرها�ص مبا �سوف ي�أتي بالت�أكيد .ولع ّل يف �إمكاننا �أن نقول هنا �إن ما �سوف ي�أتي ،وخالل زمن قريب ،على الأرجح� ،إمنا �سيكون �أ�شبه بالتتويج مل�سرية رائد �أ�سا�سي من ر ّواد �صنع ال�سينما ال�سعودية
خجول – وجود �صاالت للأطفال و�أخرى للعائالت .هي على � ّأي حال خطوة ،ميكن �أن تبد�أ بها رحلة الألف ميل .وميكن �أن تكون عار�ضة، ح�سبما �ست�ؤدي �إليه ال�سجاالت بني معرت�ض على وجود ال�صاالت وم�ؤيد لوجودها.
يف ك ّل بيت �سعودي اليوم، مكتبة �سينمائية كاملة ومتكاملة. ويحدث كثرياً �أن تعر�ض الأفالم يف البيوت الأ�رسية ،يف ح�ضور الأهل والأقارب ،مبا ُيف�صح عن اجتماعية نوع جديد و «مبتكر» للعر�ض من ٍ ال�سينمائي.
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإبداع
معروفة ،لع ّل �أبرزها – والذي ي�شكّل منذ �سنوات مفاج�أة لكرث – هو ا�سم ال�سينمائية ال�شابة هيفاء املن�صور .ولأن هذه الظاهرة – ظاهرة وجود �سينما و�سينمائيني �سعوديني – انك�شفت ب�شكل مباغت منذ �سنوات قليلة� ،ساد �أول الأمر نوع من التعاطف الإيجابي معها .تعاطف كان ي�ؤجل النقد والتحليل ل�صالح نظرة تقول: فلرنحب الآن ولنتع ّمق الحق ًا! ّ ومع هذا كله ثمة الآن ،ومنذ فرتة لي�ست بالق�صرية� ،سجال حول وجود ال�سينما ال�سعودية �أو عدم وجودها. واحلقيقة �أن هذا ال�سجال حمقّ ..ولكن �إذا نظرنا �إىل ح�ضور ال�سينما يف جمتمع ما ،على �أنه هو هو ح�ضور �صاالت ال�سينما ،وطقو�س فن من امل�شاهدة اجلماعية واالجتماعية على ّ الف ّنون� ،إذا نظرنا بهذه الطريقة ميكن �أن نقول: �أجل ،لي�س ثمة «�سينما» يف ال�سعودية� ،أو هي مل تبد�أ ح�ضورها الراهن ،على �شكل �صاالت عر�ض �إال يف العام ،2008حني بد أ� – ويف �شكل خجول – وجود �صاالت للأطفال و�أخرى للعائالت .هي على � ّأي حال خطوة ،ميكن �أن تبد�أ بها رحلة الألف ميل .وميكن �أن تكون عار�ضة، ح�سبما �ست�ؤدي �إليه ال�سجاالت بني معرت�ض على وجود ال�صاالت وم�ؤيد لوجودها. ويف انتظار ما �سوف تف�ضي �إليه هذه ال�سجاالت التي حتت ّد حين ًا وتهد�أ يف حني طرف من الأطراف التي �آخر ،ويبدو �أن لك ّل ٍ تخو�ضها حججه ..ميكننا �أن نلتفت �إىل ناحية �أخرى من املو�ضوع لنذكّر �أن غياب ال�صاالت، العامة والتجارية ،مل مينع ال�شعب ال�سعودي، م�ستهلك ومنذ زمن طويل ،من �أن يكون �أكرب ٍ للعرو�ض ال�سينمائية يف بلدان ال�رشق الأو�سط... وهو ترتيب ما كان له �أن يتوافر لوال التقنيات احلديثة ولوال انت�شار الف�ضائيات والقنوات التلفزيونية ال�سينمائية امللتقطة بخا�صة عرب الكابالت والتي تفيدنا دائم ًا �أن ال�سعوديني هم يف مقدمة م�شاهديها .فالأ�رسة ال�سعودية، ومن دون �أن تخ�ضع لهيمنة الفكرة القائلة �إن ال�سينما ت�ساوي وجود �صاالت ال�سينما ،ا�ستغلّت
انت�شار امل�شاهدة عرب �رشائط الفيديو �أو ًال ،ثم عرب الإ�سطوانات املدجمة ،كي تعي�ش «حالة �سينمائية» نادرة الوجود يف هذه املنطقة من العامل ،حيث نعرف �أن يف ك ّل بيت �سعودي اليوم ،مكتبة �سينمائية كاملة ومتكاملة .و�أنه يحدث كثرياً �أن تعر�ض الأفالم يف البيوت لي�س ثمة «�سينما» يف ال�سعودية، الأ�رسية ،يف ح�ضور الأهل والأقارب ،مبا �أو هي مل تبد�أ ح�ضورها الراهن نوع جديد و «مبتكر» على �شكل �صاالت عر�ض �إال يف ُيف�صح عن اجتماعية من ٍ العام ،2008حني بد�أ – ويف �شكل للعر�ض ال�سينمائي.
التقرير العربي الثاين 376للتنمية الثقافية
هو عبداهلل املحي�سن ،الذي بعدما حقّق �أفالم ًا ت�سجيلية �سينمائية الفتة خالل �أكرث من ربع قرن (ومنها خ�صو�ص ًا «اغتيال مدينة» ،عني احلرب اللبنانية ،و»ال�صدمة» عن غزو الكويت من قبل قوات �صدام ح�سني) �أقدم قبل عامني من الآن على حتقيق �أول فيلم روائي طويل له وهو «ظالل ال�صمت» ،الذي عر�ض يف مهرجان «كان» ويف ع ّدة مهرجانات عربية وعاملية �أخرى ،ولفت الأنظار ب�شكل �إيجابي� .صحيح �أن �أحداث الفيلم ال تدور يف ال�سعودية .لكنها تدور يف مكان غري م�سمى� ،أي يف الالمكان ..ومعنى ذلك �أنها تدور يف ك ّل مكان. «ظالل ال�صمت» هو ،بالت�أكيد ،وعلى الرغم من عمومية جغرافيته ،الفيلم ال�سعودي الروائي الطويل الأول ،حتى و�إن كانت هناك �أفالم، حققها فنانون من جن�سيات �أخرى ،حاولت مناف�سته على ذلك اللقب ،ومنها «كيف حالك» «ظالل ال�صمت» لي�س الفيلم الروائي و»مناحي» وهما من �إنتاج «روتانا» و�ص ّورا الطويل الأول من ال�سعودية حتى الآن ،يف دبي ليوحيا �أنهما �سعود ّيا املو�ضوع!
بل هو الوحيد .ويف املقابل ،هناك ع�رشات ال�رشائط الروائية والتحريكية �سجاالت ون�ساء ال�سعودية الق�صرية واملتو�سطة ،وهذا �إذا ،انطالق ًا من هنا ميكننا �أن نقول �إن ما يفيد ب�أن ثمة طابوراً كام ًال من املبدعني ال�سعوديني هم الآن جاهزون« ،ظالل ال�صمت» لي�س الفيلم الروائي الطويل الأول من ال�سعودية حتى الآن ،بل هو الوحيد. فني ًا وفكرياً ،لتطوير التجربة.
ويف املقابل ،هناك ع�رشات ال�رشائط الروائية والتحريكية ال�سعودية الق�صرية واملتو�سطة، والتي �أقل ما ميكن �أن يقال فيها ب�أن ك ًال منها يكاد يكون مقدمة مل�رشوع طويل ،وب�أن فيها من التن ّوع يف اللغات ال�سينمائية ويف املوا�ضيع ،ما يفيد ب�أن ثمة طابوراً كام ًال من املبدعني ال�سعوديني هم الآن جاهزون، فني ًا وفكري ًا ،لتطوير التجربة ما �إن تتوفّر الر�ساميل التي� ،إذ جتد نف�سها غارقة يف اللعبة ال�سينمائية ،تو ّد فقط �أن تت�أكّد من �أن مغامرتها �سوف لن تكون من دون جدوى. لقد ذكرنا �أعاله ،جتربة هيفاء املن�صور، التي باتت ذات �سمعة ف ّنية عاملية خالل ال�سنوات الأخرية ،وي�شي ما ي�شبه ال�صمت الذي ان�رصفت �إليه يف العامني ال�سابقني� ،إىل �أنها
حت�ضرّ مل�رشوع روائي طويل ،رمبا �سيكون مفاج�أة كربى لو حتقق .نعرف �أن كل فيلم حققته هيفاء حتى الآن كان حدث ًا يف ح ّد ذاته ومثاراً لل�سجال ،من «ن�ساء بال ظل» (الذي كان �أول فيلم ت�سجيلي عن املر�أة ال�سعودية حتقّقه مبدعة �سعودية) �إىل «�أنا والآخر» و «من» «والرحيل املر» .ولع ّل من الأمور ذات الداللة �أن تقول هيفاء املن�صور مرة ،جواب ًا على �س�ؤال �صحفي�« :أنا ،يف عملي ،مل تواجهني م�شكالت �أو عوائق باعتباري �أنثى ،بل يف مهمتي ك�سينمائية ،لأنني مل �أ�ستطع �أن اجد فنيني �سينمائ ّيني متخ�ص�صني ،من �أجل العودة �إليهم، �أول بداياتي مل�ساعدتي كمبتدئة حتاول تل ّم�س طريقها»... ً ً هذا الكالم �سيبدو اليوم بعيدا ..جزءا من التاريخ� ،إذ بني عام ،2004الذي قالته فيه ان هيفاء املن�صور ،واليوم ،2008 ،حقّق �ش ّب ٌ �سعوديون ،هواة دائم ًا لكن بع�ضهم حت ّول بالتدريج �إىل االحرتاف ،ع�رشات الأفالم. وح�سبنا �أن نذكر �أن العام 2008وحده� ،شهد «زحام ًا» �سينمائي ًا �سعودي ًا ،لع ّل املثل الأف�صح عنه ،م�شاركة ما ال يق ّل عن �ستة �أفالم متفاوتة الطول يف الدورة الأخرية ملهرجان ابو ظبي ال�سينمائي (�آخر العام .)2008وهذه الأفالم لي�ست متفاوتة الطول فقط ،بل �أي�ض ًا متفاوتة املوا�ضيع واحل�سا�سيات ال�سينمائية� ،إذ ترتاوح بني عمل �إجتماعي م�أخوذ عن حادثة حقيقية: «مهمة طفل» ملمدوح �سامل ،الذي يعترب من �أبرز العاملني من خالل عمله اخلا�ص �أو �رشكة التوزيع والإنتاج التعاونية التي �أ�س�سها («رواد ميديا»)� ،أو من خالل مهرجان ج ّدة الذي �أ�س�سه كذلك وي�رشف عليه – على نه�ضة ال�سينما ال�سعودية .لقد �أتى هذا الفيلم تراجيدي ًا مكثّف الر�ؤيا ،يك�شف عن �أن خطوة ممدوح �سامل املقبلة، ورمبا يف حتقيق �أول روائي طويل له ،لن تكون قفزة يف املجهول .ترتاوح هذه ال�سينما �إذن بني تراجيدية «مهمة طفل» و�سخرية من�صور بدران الكوميدية يف «عنغليزي» الفيلم الذي ا�ستطاع يف 7دقائق �ساخرة �أن يقول الكثري عن املواقف
الف�صل الثاين الإبداع ال�سينمائي والدارمي 377
التي يواجهها املواطن ال�سعودي الذي بات يجد نف�سه حما�رصاً بالإجنليزية يف ك ّل مكان.
حلم
...و�سينمات البلدان الأغنى والأفقر
هناك فئتان من البلدان العربية كان ميكن �أن يقال ل�سنوات قليلة خلت �إن �أي ًا
العام 2008وحده� ،شهد «زحاماً» �سينمائي ًا �سعودياً ،لع ّل املثل الأف�صح عنه ،م�شاركة ما ال يق ّل عن �ستة �أفالم متفاوتة الطول يف الدورة الأخرية ملهرجان ابو ظبي ال�سينمائي (�آخر العام .)2008
الإبداع
ومن تراجيدية ممدوح �سامل� ،إىل �سخرية من�صور البدران ،ننتقل �إىل حركية حممد هالل، يف فيلم وطني هو «مهمة و�سط البلد» وهو فيلم متو�سط ك�شف عن لغة مم ّيزة وناب�ضة باحلركة. ّ احلركة �أي�ض ًا� ،إمنا يف �رشائط م�صورة (حتريك) كان من �أبرزها فيلمان جلا�سم عقيلي ،الذي اختار هذه الدرب ويبدو ناجح ًا فيها حتى الآن: «ما بعد الرماد» و «حلم حياة» .وعلى اخلطوات نف�سها� ،إمنا يف عمل ب�سيط موجه لل�صغار ،ي�سري حممد مهدي �آل عبيد يف «مغامرات نحول». ونحن �إذا ك ّنا ذكرنا هذه الأ�سماء هنا ،ف�إن نو�سع الدائرة ونذكر جمموعة يف و�سعنا �أن ّ «املليونري» و�سينماها التجريبية وفي�صل العتيبي و�أ�سماء عديدة �أخرى .بل ونذكر �أي�ض ًا �أن مهرجان اخلليج ال�سينمائي وحده� ،شهد يف دورته الثانية قبل �شهور قليلة عر�ض 27فيلم ًا �سعودي ًا� ،أي نحو ن�صف العدد الإجمايل للأفالم اخلليجية التي عر�ضت يف املهرجان .فما الذي قد يقوله لنا هذا كله؟ يقول لنا ما ميكننا نقله عن �أحد ال�سينمائيني ال�سعوديني ال�شبان ،فايز املالكي، من «�أننا يجب �أن نفر�ض وجودنا ك�سينمائيني، ف�أر�ض اململكة حافلة باملوهوبني يف هذا املجال.»... فهل يعني هذا �شيئ ًا �آخر �سوى �أن حلم عبداهلل املحي�سن يتحقّق ولو ب�شكل جزئي... وعلى الأقل يف انتظار �أن يتحقّق ما حلم به �سعوديون كرث قبل ع�رشات ال�سنني ،حني نُقل عن املغفور له م� ّؤ�س�س اململكة عبدالعزيز ابن �سعود� ،أثر زيارته البحرين� ،إعجابه بوجود �صاالت �سينمائية فيها؟
منهما مل يعرف �إنتاج ًا �سينمائي ًا حقيقي ًا. الفئة الأوىل هي فئة البلدان الأكرث فقراً ،من موريتانيا �إىل اليمن وال�سودان .والفئة الثانية هي فئة البلدان الأكرث ثراء ،ونعني بها حتديداً، بلدان اخلليج العربي من الكويت �إىل عمان، ومن البحرين �إىل قطر �إىل الإمارات ،ولندع ال�سعودية جانب ًا لأن حكايتها مع ال�سينما حكاية خمتلفة ،تناولناها – على � ّأي حال – يف فقرات �سابقة .ومع هذا ال �شكّ يف �أن كل بلد من بلدان هاتني الفئتني كانت له «حلظة جمد» �سينمائية ما ،حتى و�إن كان من البينّ �أن تلك اللحظات مل تتطابق زمني ًا. فموريتانيا ،على �سبيل املثال ،عرفت �أفالم ًا ع ّدة ملخرجني متن ّوعني منذ �سنوات ال�سبعني من القرن الع�رشين ،من دون �أن تعرف ما ميكن �أن يعترب �صناعة �سينمائية ...وحتى اليوم ،مع هذا كلّه ،ال يتجاوز عدد الأفالم التي حققها خمرجون موريتانيون الفتون (وعلى الأخ�ص حممد عبيد هندو ،وعبدالرحمن �سي�ساكو) دزينة من الأفالم ،معظم ما ُحقق منها خالل العامني الأخريين حقق للتلفزة يف �شكل ي�ص ّعب اعتبارها توا�ص ًال مل�سار �سينمائي ما� .أما ال�سودان ،ف�إنه يف احلقيقة مل يعرف من الإنتاج ال�سينمائي يف تاريخه املن�رصم، باملعنى احلريف للكلمة� ،سوى فيلم واحد، روائي طويل ،اقتب�س عن واحدة من �أجمل روايات الراحل الطيب �صالح« ،عر�س الزين». غري �أن هذا الفيلم� ،إذا كان «ال�سوداين» الوحيد، ف�إنه يف الوقت نف�سه فيلم ينتمي� ،أكرث� ،إىل ال�سينما الكويتية ،ذلك �أنه كان ثاين فيلم روائي طويل ،حقّقه الكويتي خالد ال�صديق يف عام ،1977بعد رائعته الأوىل «ب�س يا بحر» ،الفيلم الذي جتاوز ،حني حقق عام ،1970حمليته الكويتية لي�صبح ،يف عرف النقاد والدار�سني، واحداً من الأفالم امل� ّؤ�س�سة لل�سينما العربية اجلديدة و�أحد الأفالم الأ�سا�سية يف عامل منط جديد من �سينما �أنرثوبولوجية بد�أت بالظهور منذ ذلك احلني.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 378للتنمية الثقافية
ال�سينما الكويتية
مل يعرف ال�سودان من الإنتاج ال�سينمائي يف تاريخه املن�رصم، باملعنى احلريف للكلمة� ،سوى فيلم واحد ،روائي طويل ،اقتب�س عن واحدة من �أجمل روايات الراحل الطيب �صالح« ،عر�س الزين».
عقود طويلة ا�ستغرقها �صمت ال�سينما الكويتية .ولكن فقط يف عام ،2008ظهرت �رشائط كويتية ع ّدة ،ومن بينها فيلمان روائيان طويالن ،يف مناخ ت�ستعيد فيه احلالة ال�سينمائية ألق يدين بوجوده يف الكويت بع�ض � ٍ �إىل وجود نادي ال�سينما.
من ناحية مبدئية ،كان من املنطقي ،يف بلد فائق الرثاء مثل الكويت� ،أن يك�شف وجود م�شجعة خالد ال�صديق فيه� ،إىل جانب بدايات ّ لوجود تلفزيوين حاذق قاده حممد ال�سنعو�سي، �إمكانية �أن تنطلق ال�صناعة ال�سينمائية يف �شكل جيد وجدي ،وتكون م�س�ؤولة عن �إنتاج �أعمال مم ّيزة تنهل من انطالقة الأدب الروائي والق�ص�صي الكويتي (على �أيدي مبدعني يرتاوحون بني ليلى العثمان و�إ�سماعيل فهد �إ�سماعيل و�صو ًال �إىل طالب الرفاعي وغريهم). لكن هذا مل يح�صل .بل �إن «ب�س يا بحر» ،نف�سه �رسعان ما حت ّول �إىل فيلم� /شبح وفيلم متحفي واختفى خالد ال�صديق يف عامل ال�رشائط الإعالنية ،كما �سيحدث �إن مل حت�صل «معجزة �سعودية ما» لعبداهلل املحي�سن ،الذي كان الحق ًا وباملعنى نف�سه رائد ال�سينما الروائية ال�سعودية بفيلمه «ظالل ال�صمت». عقود طويلة �إذا ،ا�ستغرقها �صمت ال�سينما الكويتية .ولكن فقط يف عام ،2008 ولأ�سباب وخلفيات قد تظ ّل غام�ضة ،ظهرت �رشائط كويتية ع ّدة ،ومن بينها فيلمان روائيان طويالن .طبع ًا من ال�صعب القول �إن �أي ًا من هذين الفيلمني ميكن اعتباره ا�ستكما ًال مل�سرية «ب�س يا بحر» ،لكن الرتحيب بهما منطقي ،يف مناخ ت�ستعيد فيه احلالة ألق يدين ال�سينمائية يف الكويت ،بع�ض � ٍ بوجوده �إىل وجود نادي ال�سينما ،من ناحية، و�إىل ان�سياق الكويت من ناحية ثانية ،متا�شي ًا مع تاريخها ال�سينمائي املجيد ،ولو بفيلم واحد� ،إىل امل�شاركة يف تلك الرئة التي باتت، منذ عام ،2008تتنف�س ال�سينما اخلليجية يف �شكل عام ،من خاللها� ،أي مهرجان اخلليج ال�سينمائي الذي �أقام دورته الأوىل عام ،2008فك�شف عن وجود رغبات �سينمائية كويتية و�سعودية و�إماراتية وبحرينية وغري ذلك .هذا املهرجان ال ي�صبح الآن ،فقط ،رئة ل�سينما الأثرياء الفقرية ،بل وعداً بامل�ستقبل. �أما بالن�سبة �إىل الكويت ،ف�إن الفيلمني
الروائيني والـ 14فيلم ًا ق�صرياً التي عر�ضت يف تلك الدورة الأوىل ،كانت خال�صة اجلهود ال�سينمائية التي بذلها �ش ّبان كويتيون مبدعون. �أما �أبرز النتاج الكويتي فكان يف الأونة الأخرية – وهي ت�شمل اختالط ًا يف ال�سنوات بني �إنتاج وعر�ض وم�شاركة يف املهرجان اخلليجي وغريه « -الدجنوانة» لفي�صل �شم�س ،و «فر�صة �أخرى» حل�سن عبدال ،و «كيوت» حل�سن �إبراهيم، ومن كتابة و�إنتاج �أحمد بدر ،الذي كان خا�ض من قبل جتربة �أوىل يف «�شباب كول» الذي حقّق جناح ًا الفت ًا� ،إ�ضافة �إىل «�سنوات ال�ضياع» وجمموعة من �أعمال �أخرى ،من بينها الفيلم الوطني «عندما تكلّم ال�شعب» لعامر زهري. �إن ذلك كلّه ،و�إن كان ميثّل قفزة كمية ،ف�إنه ال يزال يف حاجة �إىل اال�ستمرارية والنوعية كي ي�ؤمن �إرث ًا حقيقي ًا لل�سينما الكويتية التي كانت واعدة ذات يوم.
ال�سينما البحرينية
ما يقال يف هذا ال�سياق �سينما الكويت و�إرثها ،ميكن �أن يقال يف البحرين ...و�إن كانت التجربة البحرينية قد ت�أخرت ع�رشين عام ًا عن الكويتية ،وال �سيما يف �إنتاج ب�سام الذوادي ،الذي � ّأمن وحده ،وطوال عقد ون�صف عقد من ال�سنني ،وجوداً م�رشف ًا لل�سينما ن�سبي ًا يف هذا البلد ال�صغري ،الذي �سيظ ّل يده�شنا منه �أن نه�ضته الأدبية العريقة والتي �أنتجت �شعراً و�أدب ًا وفكراً تعترب من �أ�سا�سيات احلياة الثقافية يف اخلليج وامل�رشق العربي منذ ن�صف قرن ،عجز ،حتى جميء الذوادي ،عن رفد هذه النه�ضة الأدبية بنه�ضة �سينمائية ،على الرغم من وجود نقّاد وهواة وم�ؤلفني لكتب �سينمائية رائدة (�أعمال �أمني �صالح على �سبيل املثال). املهم �أن الذوادي حقق عدداً من الأفالم، طوال �سنوات ،حتى �أ�سلم العلم يف عام ،2008 �إىل ثالثة خمرجني �ش ّبان حقّق �أولهم ،ح�سن عبا�س ،فيلم ًا روائي ًا طوي ًال الفت ًا هو «�أربع بنات» ،فيما حقق االثنان الآخران ،ح�سني الرفاعي وحممود را�شد بوعلي ،فيلم ًا ق�صرياً
الف�صل الثاين الإبداع ال�سينمائي والدارمي 379
لك ّل واحد منهما« :ع�شاء» للأول و «غياب» للثاين .وبالن�سبة �إىل ه�ؤالء �أي�ض ًا ،ال ب ّد من القول �إن مهرجان اخلليج ،يف دورته الأوىل على الأقل ،كان رئة تنف�س حقيقية ،و�سط غياب فر�ص حقيقية للعرو�ض اجلماهريية التجارية، ٍ وال مباالة عامة لدى التلفزات العربية بعر�ض هذا النوع من الأفالم.
�سينما الإمارات وقطر وعمان
البحرين هذا البلد ال�صغري ،الذي �ستظ ّل تده�شنا نه�ضته الأدبية العريقة ،والتي �أنتجت �شعراً و�أدب ًا وفكراً تعترب من �أ�سا�سيات احلياة الثقافية يف اخلليج وامل�رشق العربي منذ ن�صف قرن ،عجز ،حتى جميء الذوادي ،عن رفد هذه النه�ضة الأدبية بنه�ضة �سينمائية.
ثانيًا :2008 :عام من حياة الدراما التلفزيونية
يقول املثل الفرن�سي «ال يغيرّ املرء فريق ًا يربح» .واملعنى وا�ضح ،بحيث من ال�صعب حدوث � ّأي عملية تغيري حني يكون النجاح حم�صلة اجلهد .و�إذا كان من غري املنطقي البحث عن � ّأي تغريات حقيقية يف امل�سار الدرامي على �شا�شات التلفزة العربية ،جتعل عام ،2008 متميزاً عن العام الذي �سبقه� ،أو مغايراً له ،ف�إن ما ميكن قوله للوهلة الأوىل هو �أن ال�سبب يعود �إىل «عدم �رضورة» �أحداث � ّأي تغيري يقلّ�ص من فر�ص النجاحات الدرامية التلفزيونية العربية، ب�شكل عام ،التي حتققت يف املو�سم ال�سابق. ولكن يبقى هنا �س�ؤال �أ�سا�س :ما هو مقيا�س النجاح؟ كيف نقول �إن هذا الربنامج ناجح وذاك فا�شل ،كثرياً �أو قلي ًال؟ بل كيف ميكننا �أن نحكم على حمطّ ة ب�أ�رسها ما �إذا كانت ناجحة �أو خا�رسة؟ �س�ؤاالن منطقيان ،لكنهما يف الف�ضاء العربي ال يرتبطان ب�أي منطق .ولع ّل املحنة االقت�صادية الكربى التي �أتت �أوا�سط عام 2008لت�رضب العامل كله – تقريب ًا – كانت خري جتربة يف هذا املجال .فمن ناحية منطقية ،ومبا �أنه من املعروف �أن املحطّ ات العربية الأكرث جناح ًا ،هي تلك التي تقوم على �أ�س�س جتارية وترتبط بال�سوق الإعالنية املرتبطة بدورها بالإقبال اجلماهريي على
ميكن لإمارتني من الإمارات العربية امل ّتحدة ،وهما �أبو ظبي ودبي� ،أن تفخرا خالل ال�سنوات الأخرية ب�أن لدى ك ّل منهما واحداً من �أغنى و�أ�صخب املهرجانات ال�سينمائية يف العامل.
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإبداع
طبع ًا ميكن لإمارتني من الإمارات العربية امل ّتحدة ،وهما �أبو ظبي ودبي� ،أن تفخرا خالل ال�سنوات الأخرية ب�أن لدى ك ّل منهما واحداً من �أغنى و�أ�صخب املهرجانات ال�سينمائية يف العامل ،من دون �أن يفوتنا هنا حجم التناف�س بني املهرجانني اللذين ينفق على كل واحد منهما ،ما يوازي موازنة ع�رشات الأفالم اجليدة ،ملبدعني نا�شئني. غري �أن الالفت هو ا�ستمرار هذه الإمارات يف حال الفقر الكبري يف �إنتاج الأفالم ،بحيث مل �سجل طوال عام 2008كله �سوى �إنتاج �رشائط ُي ّ ق�صرية قليلة العدد ،و�إن كان بع�ضها ُيع ّد جيداً� .أما العمالن الأكرث ظهوراً ،فكانا فيلم ًا متو�سط ًا لنا�رص اليعقوبي هو «�شيخ اجلبل»، وفيلم ًا روائي ًا طوي ًال هو «رمال عربية» ملاجد عبدالرزاق. يف املقابل مل نعرف من قطر �سوى فيلم واحد طوال العام هو «كارناكاغو» ،فيما ال تزال ُعمان تعي�ش على «�أجماد» الروائي الطويل الوحيد الذي حقّق قبل ثالث �سنوات «اليوم» خلالد الزرجايل ،وترت ّدد من دون خو�ض مزي ٍد من التجارب. وك ّل هذا ،على الرغم من �أن يف و�سعنا �أن نقول �إن �أر�ض هذه البلدان وتاريخها ،وال �سيما تاريخ �إن�سانها ،ناهيك مب�سار فنونها و�آدابها الأخرى ،تبدو حافلة مبا ي�ؤمن موا�ضيع أفالم من الوا�ضح �أن ثمة و�أ�ساليب لتحقيق � ٍ ع�رشات ال�ش ّبان من حم ّبي ال�سينما جاهزون خلو�ض مغامراتها.
ف�إىل متى تبقى الوعود وعوداً؟ هذا هو ال�س�ؤال الكبري الذي� ،إذ يطرح على ال�سينما اخلليجية ينبغي �أي�ض ًا �أن يطرح على اليمن ،بلد الألف تاريخ وتاريخ ،والذي ال يزال يعي�ش على ذكريات جناح «يوم جديد يف �صنعاء القدمية» لبدر بن احلر�سي �أو �رشائط خديجة ال�سالمي ذات البعد االجتماعي� .أو حتى على ال�سودان الذي على الرغم من فقره وم�شاكله ا�ستطاع �أن يحقق عام 2008فيلم ًا روائي ًا طوي ًال مل�صطفى �إبراهيم حممد ،عنوانه «تراب الغرباء» كمنت م�شكلته يف �أنه مل ي�شاهد تقريب ًا من �أحد!
التقرير العربي الثاين 380للتنمية الثقافية
املحطة ،وبا�ستهالكية هذه اجلماهري التي ت ّربر تدفّق الإعالنات ،وبالتايل الأموال ،لتمويلها ب�شكل عادي ،كان من املتوقّع ،على �ضوء احلدث املايل – االقت�صادي الكبري يف عام � ،2008أن تقفل حمطات كثرية �أبوابها ،و�أن تقلّ�ص �أخرى نفقاتها ،مبا يف ذلك نفقات �رشاء �أو �إنتاج برامج درامية ،كل الذي حدث كان عك�س هذا متام ًا� .إذ من بني نحو 500حمطّ ة تبث براجمها يف اجتاه امل�شاهدين متن ّوعة ّ العرب ،حتى و�إن مل تكن تنتج من �أ�صلهم معظم براجمها ،مل يغلق �أبوابه �سوى ما ن�سبته �أقل من واحد من املئة� .أما الإقبال على �رشاء و�إنتاج الربامج الدرامية فلم يتقلّ�ص .و�إذا قال قائل هنا �إن عام 2008نف�سه ما كان ميكنه �أن يكون عالمة وا�ضحة ،لأن عقود �أعماله كانت توقع يف العام الذي �سبقه� ،أو خالل الن�صف الأول من العام ،ف�إن اجلواب �سي�أتي على �ضوء عدم لي�س عر�ض امل�سـل�سالت الأجنبية ت�ضا�ؤل عقود وم�شاريع املو�سم التايل .2009 املدبجـلة �أمـراً جـديـداً بالن�سـبـة �إلـى واحلقيقة �أننا �إذا بحثنا جيداً� ،سنجد �أنف�سنا يف املتفرجني العرب ،لكن العن�رص الرتكي و�ضعية معاك�سة متام ًا لكل منطق .فهل يعود هو اجلديد هنا. هذا �إىل واقع �أن املنطق التجاري /الإعالين/ اال�ستهالكي لي�س هو املتحكّم الرئي�س يف حرك ّية الإنتاج وال�رشاء والعر�ض ،بل عوامل �أخرى قد تكون �أيديولوجية �أو �شخ�صية �أو �أي �شيء �آخر؟ جواب هذا ال�س�ؤال لي�س هنا ،بل هو يف الق�سم املتعلّق بحركية الإعالم العربي يف هذه التقارير ال�شاملة� .أما هنا ف�إن الهم يجب �أن يرتكّز فقط ،على حركية الدراما التلفزيونية، �إنتاج ًا وعر�ض ًا وم�شاهدة وت�أثرياً .ويف هذا الإطار ميكن �أن نقول منذ الآن �إن اجلديد لي�س كثرياً وطاغي ًا ،من دون �أن يعني هذا �أنه غري موجود .بل هو موجود ويف �أ�شكال عديدة ،لع ّل �أولها ،انبثاق الدراما الرتكية امل�سل�سلة ،كواحدة من الظواهر الأكرث ح�ضوراً ..وكظاهرة «عربية» عامة ال تخت�رص ببلد عربي دون غريه ،وال يخت�رص متابعتها ،جلمهور عربي دون غريه. يف احلقيقة لي�س عر�ض امل�سل�سالت الأجنبية املدبجلة �أمراً جديداً بالن�سبة �إىل
املتفرجني العرب ،لكن العن�رص الرتكي هو اجلديد هنا .ولقد كانت �شبكة �أم .بي� .سي ال�س ّباقة يف هذا املجال� .إذ عر�ضت تباع ًا م�سل�سلني �رسعان ما �صارا ظاهرة عربية عامة ،لي�س يف مو�ضوعيهما فقط ،ولي�س يف �شكلهما الف ّني – واملو�ضوع وال�شكل ميكن �أن نقول عنهما �إنهما �أتيا بائ�سني مقارن ًة باملعدل لفن الدراما ال�سورية وامل�رصية .-بل الو�سط ّ كذلك يف ت�أثريهما ثم يف ...احلمالت التي �شُ ّنت عليهما .ونتح ّدث هنا طبع ًا عن م�سل�سلي «نور» و»�سنوات ال�ضياع» ،اللذين تراوح ر ّد الفعل �إزاءهما بني �شجب وتنديد – �سيا�س ّيني ا ّتخذا قناع ًا �أخالقي ًا وديني ًا ،-من ناحية ،و�إعجاب �شديد و�صل �إىل ح ّد ال�رشوخ الأ�رسية وما �شابه. ولع ّل يف �إمكاننا ،هنا� ،أن نعزو ك ّل هذا �إىل ع ّدة عنا�رص جمتمعة ،يف مقدمتها �أن الإقبال على امل�سل�سلني ارتبط بال�رصاع اجليوا�سرتاتيجي بني من يتطلّعون ناحية �إيران (امل ّمانعة، على ح ّد قولها) و�أولئك الذين يتطلّعون ناحية تركيا (التي متيل فنونها و�أخالقياتها ناحية الغرب الأوروبي) ،وهناك �أي�ض ًا ،يف ال�سياق نف�سه عنا�رص فنية (منها مت ّيز لعبة الدوبالج) واجتماعية (ي�صور امل�سل�سالن جمتمع ًا �إ�سالمي ًا منفتح ًا على العامل� .أي جمتمع ًا تتوقف الطبقات الو�سطى العربية ب�شكل عام �إىل التماهي معه) و�أ�سلوبية (لغة فنية ب�سيطة، موا�ضيع ميلودرامية ،وجوه ك�أنها طالعة من ال�رشق العربي ...وحبكات تذكر بالع�رص الذهبي للميلودراما ال�سينمائية امل�رصية). واحلال �أن هذا كله جعل امل�سل�سالت الرتكية، الظاهرة الأ�سا�س يف العام التلفزيوين الدرامي العربي .كذلك قد يكون علينا هنا �أن ن�ضيف �إىل هذا كلّه واقع ًا مل يج ِر احلديث عنه مبا ي�ستحق :وهو �أن معظم امل�سل�سالت الرتكية التي عر�ضت من على ال�شا�شات ال�صغرية العربية ،مت عر�ضها خارج �إطار �شهر رم�ضان ،الذي ميتلئ عاد ًة بامل�سل�سالت العربية ،غري تارك من �إنتاج العام ،لل�شهور الأخرى من ال�سنة �سوى الفتات الي�سري ..وهذا ما � ّأمن للم�سل�سالت الرتكية �إقبا ًال
الف�صل الثاين الإبداع ال�سينمائي والدارمي 381
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإبداع
ما ..خارج الإطار الرم�ضاين. ويقودنا هذا الواقع ،طبع ًا� ،إىل امل�س�ألة الأ�سا�س التي تثري القدر الأكرب من النقا�ش يف عامل الدراما التلفزيونية العربية ،وهي م�س�ألة انح�صار عرو�ضها يف �شهر رم�ضان .ونعرف �أن حرباً كثرياً ي�سيل منذ �سنوات عديدة حول هذا املو�ضوع� ،إذ بات معروف ًا منذ �سنوات� ،أن معظم ما ي�ص ّور من دراما تلفزيونية عربية، �إمنا ي�ص ّور ليعر�ض يف رم�ضان ،وهو من �أجل ذلك يراعي املعايري الرم�ضانية ،التي باتت، تلفزيوني ًا ،ثابتة �إىل ح ّد مده�ش ،ويقا�س بامل�سطرة :عدد حمدد من الربامج الدينية، عدد �آخر من الربامج االجتماعية ،م�سل�سالت يبث بعد الفطور تاريخية و�أخرى كوميدية .هذا ّ مبا�رشة ،وهذا عند منت�صف الليل وذاك قبل ال�سحور .ومن البديهي �أن هذا كلّه ال يرتك � ّأي جمال ملفاج�أة ،مبا يجعل اللعبة الفنية تتبع متام ًا هذه املعايري االجتماعية – الدينية. ولع ّل من �ش�أن هذا �أن يقودنا مبا�رش ًة �إىل لعبة الإح�صاءات التي باتت ت�شكّل �شغ ًال �شاغ ًال لل�صحافة املخت�صة ،وت�سلي عن قرائها ،من دون �أن يكون يف �إمكان �أحد �أن ي�ؤكّد �صحة الإح�صاءات ،بحيث نعرف �أن املعايري والأقي�سة ال�صحيحة غري موجودة ،فيما يظ ّل ك ّل �إح�صاء، �أمراً ع�شوائي ًا .ومع هذا نغامر هنا ،ملنا�سبة هذا احلديث عن امل�سل�سالت الرم�ضانية ،با�ستعارة بع�ض الإح�صائيات الرم�ضانية التي تناولها بع�ض ال�صحافة ،ومن �أبرز هذه الإح�صائيات ذاك الذي ر�صد (جملة «غودنيوز» امل�رصية) حال الدراما العربية كما عر�ضت خالل �شهر رم�ضان ،2008نذكر �أن جمموع الأعمال التي عر�ضت طوال ال�شهر الف�ضيل على القنوات بث يف �ش ّتى املناطق الرئي�سية (�أي التي ُت ّ العربية و�إىل املتفرجني العرب يف اخلارج) بلغ 104م�سل�سالت ،منها ما هو م�رصي و�سوري وخليجي ولبناين وبدوي (من دون حتديد). ومن املعروف �أن جمموعة ما ُيعر�ض من م�سل�سالت يف رم�ضان ،يق ّل طبع ًا عن جمموع ما ُينتج� .أما الباقي الذي ال يدخل هنا يف هذه
الإح�صائية ،ف�إنه يغيب عن رم�ضان ،فقط ،لأنه مل يكن من حظّ ه �أن يعر�ض يف �شهر ال�صيام. مهما يكن ف�إن الإح�صائية نف�سها �أفادت �أن %42من جممل ما عر�ض هو م�سل�سالت م�رصية ،وهذا ما جعل م�رص تتفوق هذا العام، ومن بعيد ،على �أخواتها العربيات. �أما يف املركز الثاين فحلّت الدراما اخلليجية (بن�سبة )%28تليها ال�سورية (بن�سبة )%22ثم البدوية (بن�سبة )%8و�أخرياً اللبنانية (بن�سبة ال تزيد عن .)%2ومن الوا�ضح �أن هذا الإح�صاء ال يتناول درامات �أنتجت يف بلدان املغرب العربي لأنها ظلّت حملية مل تعرف طريقها �إىل العر�ض العربي ال�شامل) وال تلك التي �أنتجت يف فل�سطني �أو العراق �أو الأردن... وهي جميع ًا بقيت حملية على �أي حال ،ومل تكن كبرية العدد. غري �أن الواقع يقول لنا ،يف املقابل� ،إن هذا التوزيع الن�سبي ،ال يك�شف ك ّل الأمور التي خالل �شهر رم�ضان يف العام ميكن التوقف عندها ،ومنها مث ًال �أن الدرامات 2008بلغ جمموع الأعمال الدرام ّية التلفزيونية امل�رصية ،على الرغم من تق ّدم التي عر�ضت على القنوات الرئي�سية �إنتاجها العددي ورواجها يف مناطق كثرية من 104م�سل�سالت %42منها م�رصي، �أما الدراما اخلليجية فن�سبتها %28 العامل العربي ،مل تعد ذات حظوة كلية يف بلدان اخلليج ،حني تفيد الإح�صاءات �أن القنوات تليها ال�سورية %22واللبنانية .%2 اخلليجية مل تعر�ض خالل رم�ضان املن�رصم، ومن �أ�صل ع�رشات امل�سل�سالت التي �أنتجت يف م�رص �سوى �ستة �أو �سبعة م�سل�سالت م�رصية، فيما اكتفت قناة �أبو ظبي ،مث ًال ،بعر�ض� ،أربعة م�سل�سالت م�رصية� ،ضاربة «الرقم القيا�سي» مقارن ًة مع قناة «الر�أي» الكويتية التي عر�ضت م�سل�سلني ،فيما مل تعر�ض ك ّل من MBCودبي وقطر وروتانا اخلليجية� ،سوى م�سل�سل م�رصي واحد لك ّل منها .واحلق �أننا مهما كان موقفنا من هذا الأمر ،ال ب ّد �أن نقول �إنه يف التحليل الأخري� ،أمر عادل� ،إذ يف املقابل مل تعر�ض م�رص �أي م�سل�سل خليجي �أو عربي �آخر طوال املو�سم الرم�ضاين .وهو �أمر طرح جمدداً م�س�ألة الندية» يف العالقات التلفزيونية ،وهي امل�س�ألة املطروحة نف�سها على ال�صعيد ال�سينمائي. لك ّنها مل تكن الق�ضية اجلدية الوحيدة املطروحة
التقرير العربي الثاين 382للتنمية الثقافية
تفيد الإح�صاءات �أن القنوات اخلليجية مل تعر�ض خالل رم�ضان املنـ�صـرم ،ومـن �أ�صـل عـ�شـرات امل�سل�سالت التي �أنتجت يف م�رص �سوى �ستة �أو �سبعة م�سل�سالت م�رصية ،وهو �أمر عادل� ،إذ يف املقابل مل تعر�ض م�رص �أي م�سل�سل خليجي �أو عربي �آخر طوال املو�سم الرم�ضاين.
تر�سخت �أكرث و�أكرث الظاهرة التي ّ هذا العام ،كانت ظاهرة م�شاركة فنانني عرب من بلد ما ،يف �أعمال منتجة يف بلد �آخر .واحلقيقة �أن م�رص، التي تو�سم عادة ب�أنها «�شوفينية» يف هذا املجال ،احتلّت الرقم واحد ،كد�أبها دائماً ،يف �سلم البلدان العربية التي ت�ستقبل برتحاب مبدعني من بلدان عربية �أخرى.
وللمرة يف هذا الإطار� ،إذ برزت هذا العام، ّ الأوىل على مثل هذه اجلدية واخلطورة ،م�س�ألة حتكّم املجتمع يف ما يعر�ض وما ال يعر�ض، وذلك من خالل عدد ال ب�أ�س به من الأحداث، كان �أبرزها ال�سجال احلاد الذي دار من حول امل�سل�سالت الرتكية ،ف�إن �أخطرها م�س�ألة املنع الذي طاول عر�ض م�سل�سلني بدويني هما «�سعدون العواجي» و «فنجان الدم» (الذي قيل �إن عر�ضه ت� ّأجل ومل مينع قطع ًا) ..ذلك �أن اخلطر يف الأمر هو �أن املنع مل ي�أت لأ�سباب �سيا�سية �أو دينية ،بل حتت �ضغط قبلي واجتماعي، ما يه ّدد ب�أن يحيي «تقاليد» منع قدمية كان �أبطالها �أهل املهن� ،أو العائالت �أو �أ�رس مبدعني �أو �سيا�سيني �شاءت التلفزة �أن تق ّدم �سريهم (من احتجوا يف املا�ضي على فيلم املحامني الذين ّ «الأفوكاتو» لر�أفت امليهي� ،إىل �أهل �أ�سمهان احتجوا على م�سل�سل يحمل ا�سمها... الذين ّ �إلخ). ولع ّل يف �إمكاننا ،هنا� ،أن نختم هذا الكالم العربي العام حول الدراما التلفزيونية، تر�سخت بالإ�شارة� ،إىل �أن الظاهرة التي ّ �أكرث و�أكرث هذا العام ،كانت ظاهرة م�شاركة فنانني عرب من بلد ما ،يف �أعمال منتجة يف بلد �آخر .واحلقيقة �أن م�رص ،التي تو�سم عادة ب�أنها «�شوفينية» يف هذا املجال ،احتلّت الرقم واحد ،كد�أبها دائم ًا ،يف �سلم البلدان العربية التي ت�ستقبل برتحاب مبدعني من بلدان عربية �أخرى :وال �سيما من �سورية (مبن فيهم خمرجون وجنوم كبار) ومن لبنان (خ�صو�ص ًا على �صعيد اال�ستعانة بعنا�رص متثيل ن�سائية). �صحيح �أن هذه الظاهرة مل تكن جديدة يف تر�سخها جعل م�رص عالمة مو�سم ،2008لكن ّ فارقة يف هذا الإطار.
الإنتاج الدرامي يف م�رص
من بني نحو 150م�سل�س ًال �أنتجت يف العامل العربي ب�شكل �إجمايل ،خالل عام ،2008كانت ح�صة م�رص 49م�سل�س ًال ،ي�صعب اعتبارها جميع ًا م�سل�سالت «م�رصية» خال�صة� ،سواء
�أكان ذلك من ناحية التمويل (الذي �شاركت فيه �أطراف عربية عديدة منها �رشكات خليجية) �أو اللعبة الفنية (حيث كرث امل�شاركون العرب كمنتجني وخمرجني وممثلني) ..وحتى من حيث املوا�ضيع ودالالتها .غري �أن هذا «الدم اجلديد» الذي جرى – �أو املفرو�ض �أن يكون قد جرى – يف �رشايني الدراما امل�رصية ،مل يتمكّن من �إخفاء الدروب امل�سدودة التي باتت تعيق �أي تق ّدم للدراما امل�رصية ب�شكل عام� .إذ ينبغي �أو ًال التن ّبه �إىل �أن اجلديد مل يكن جديداً حق ًا بحيث حت�رس النا�س كثرياً على �أيام «ليايلأعمال كان ي�ؤمل منها �أن احللمية» وغريها من � ٍ تق ّدم جديداً ،-ومل يفد ال�شا�شة ال�صغرية كثرياً، �إذ حتى �أن الفنانني �أنف�سهم وجدوا �أنف�سهم يف يكرروا ،يف ّ فخ �صارم� :أن املطلوب منهم هو �أن ّ موا�ضيع م�شابهة ،نف�س ما كان و�سم عملهم يف موا�سم �سابقة ،ما يعيدنا �إىل العبارة التي بها افتتحنا هذا الكالم« :ال يغيرّ �أحد فريق ًا يربح». ولكن �إىل متى �سيظ ّل هذا «الفريق» يربح، م�ستعين ًا مبا �سبق �أن �أك�سبه يف موا�سم �سابقة؟ ف�س�ؤال جوابه عند اجلمهور نف�سه ،الذي يبدو �أنه ا�ست�ساغ اللعبة ،وعدم املغامرة بالبحث �ضخ الدم عن جديد .ولع ّل الالفت هنا هو �أن ّ اجلديد ،مل ي�شمل بعد ح ّيز «الأدوار» يف الدراما امل�رصية ،حيث كثرياً ما نالحظ وجود املمثلني �أنف�سهم يف م�سل�سالت عديدة يف مو�سم واحد. ويف هذا ال�صدد يلفت الإح�صاء الذي يفيد �أن املمثلني الأكرث انت�شاراً يف الدراما امل�رصية لعام ،2008كانوا خريية �أحمد ويو�سف فوزي و�أحمد راتب ،الذين �شارك ك ّل واحد منهم يف 6 م�سل�سالت! وتالهم �أحمد خليل وحممود اجلندي ورجاء اجلداوي الذين ح�رض ك ّل واحد منهم يف 5م�سل�سالت ثم �صالح عبداهلل وعزت �أبو عوف، يف 4م�سل�سالت لك ّل واحد� .أما �إذا كان النجوم الكبار ،من �أمثال ي�رسا ويحيى الفخراين و�سمرية �أحمد ،قد اكتفى ك ّل منهم مب�سل�سل واحد ،ف�إن النجمة مريفت �أمني �شذّت عن القاعدة لتظهر يف م�سل�سلني يف مو�سم واحد .ومع هذا كله ف�إن النجمة الأبرز يف امل�سل�سالت امل�رصية
الف�صل الثاين الإبداع ال�سينمائي والدارمي 383
�سورية :تراجع الكم ..م�ؤقت ًا
منذ �سنوات عديدة حتت ّل �سورية ،من ناحية الإنتاج الدرامي التلفزيوين ،املرتبة الثانية بعد الإنتاج امل�رصي .وللإن�صاف يتذكّر املرء �سنوات وموا�سم ،كان ق�صب ال�سباق فيها للإبداع التلفزيوين ال�سوري ،يف تف ّوقه على زميله امل�رصي ،بحيث قيل حينها �إن ال�سوريني قد �أيقظوا زمالءهم امل�رصيني من �سبات تلفزيوين عميق .واحلقيقة �أننا �إذا �أخذنا يف عني ي�ضخه االعتبار اليوم ذلك الدم اجلديد الذي ّ الفنانون ال�سوريون يف �رشايني الفن امل�رصي (من دون م ّنة طبع ًا ،طاملا �أن ال�ساحة امل�رصية تعطي املبدعني ال�سوريني – وبع�ض اللبنانيني �أي�ض ًا – ف�سحة �إبداع وحرية متكّنهم من �إبراز ما عندهم) ،ميكننا �أن ن�ؤكّد �أن معني الإبداع الفني ال�سوري التلفزيوين مل ين�ضب ،بل ها هو يجد لنف�سه �أقنية جديدة ،لي�ست القناة امل�رصية �أقلها �أهمية بالطبع .غري �أن هذا مل مينع �سوريا من �إنتاج بع�ض �أجمل الأعمال العربية لهذا العام ،2008على الرغم من غياب جندت �أنزور وبا�سل اخلطيب وتراجع هيثم حقي ،وغريهم. ومهما يكن من �أمر ،ال ميكن الإقالل من �ش�أن حجم الإنتاج ال�سوري لهذا العام ،والذي �أنتجت فيه �سوريا 22م�سل�س ًال ُعر�ض كثري منها على قنوات عربية ف�ضائية ولكن لي�س على القنوات امل�رصية! وهنا ،من �أجل مزيد من االن�صاف، قد يكون مفيداً �أن ننقل عن ا�ستبيان -ي ّت�سم بقدر كبري من العلمية كما يخيل �إلينا – �أجرته �صحيفة «الثورة» ال�سورية (� )2008/11/12أن نحو 71يف املئة من الذين �س�ألتهم ال�صحيفة ع ّما �إذا كانوا قد �شاهدوا م�سل�سالت غري �سورية، خالل رم�ضان ،2008قالوا �إنهم مل ي�شاهدوا �سوى امل�سل�سالت ال�سورية .كما �أن �أكرث من ربع الذين ُ�سئلوا �أ�شاروا �إىل �أنهم �شاهدوا امل�سل�سالت الرم�ضانية على الف�ضائية ال�سورية فقط. ويف هذا اال�ستبيان نف�سه� ،أجاب ه�ؤالء عن �أ�سئلة عديدة تتعلق بر�أيهم يف �أف�ضل ما �شاهدوا ،على ال�شكل التايل :من بني الـ 22م�سل�س ًال �سوري ًا
«�أ�سمهان» كان العمل التلفزيوين العربي الأبرز خالل عام .2008فقد لفت الأنظار فنياً ،وبدا وك�أنه يفتح الأبواب وا�سع ًة �أمام منط جديد من الكتـابـة والإخـراج التـلفزيـونيـّيـن، علم ًا ب�أنه ق ّدم �أي�ض ًا منوذج ًا يحتذى يف التعاون الدرامي العربي.
الإبداع
ملو�سم ،2008مل تكن �أي ًا من ه�ؤالء ،بل كانت الف ّنانة ال�سورية �سالف فواخرجي ،التي قامت بطولة م�سل�سل «�أ�سمهان» من �إخراج التون�سي �شوقي املاجري ،وكفاية املخرج ال�سينمائي ال�سوري املعروف نبيل املالح� .صحيح �أن «�أ�سمهان» ال ميكن احت�سابه كلي ًا يف خانة الدراما امل�رصية ،لكنه ينتمي جزئي ًا �إليها. اي حال ،كان العمل التلفزيوين وهو على ّ العربي الأبرز خالل عام .2008ولع ّل – يف جميع احل�سابات – امل�سل�سل العربي الوحيد، الذي لفت الأنظار فني ًا ،وبدا وك�أنه يفتح الأبواب وا�سع ًة �أمام منط جديد من الكتابة والإخراج التلفزيون ّيني ،بل حتى التمثيل �أي�ض ًا ،علم ًا ب�أنه ق ّدم �أي�ض ًا منوذج ًا يحتذى يف التعاون الدرامي العربي� ،إذ �شارك يف �صبغه ف ّنانون وف ّنيون ومنتجون من ثالثة �أو �أربعة بلدان عربية .وطبع ًا لي�س من ال�سهل هنا و�ضع الئحة كاملة بامل�سل�سالت امل�رصية ،ولكن ميكن الإ�شارة مع هذا� ،إىل �أبرز الأعمال التي حظيت بالعر�ض والنجاح ،ومنها «الدايل» يف جزئه اجلديد من بطولة نور ال�رشيف كالعادة، و»�رشف فتح الباب» و»ن�سيم الروح» و»ظ ّل املحارب» و»علي مبارك» و»راجل و�ست �ستات» ...ونعرف �أن بع�ض هذه الأعمال �إمنا هو ا�ستكمال لأعمال كانت �أجزاء �أخرى منها ق ّدمت يف املوا�سم الفائتة� .أما يف جمال العمل ال�سيا�سي ،فلقد مت ّيز م�سل�سل «نا�رص» الذي �أخرجه ال�سوري /الفل�سطيني با�سل اخلطيب، حتى و�إن مل يكن قد ا�ستقبل عربي ًا كما كان يليق به .واحلال �أن �شكوى «نا�رص» هذه تتماثل مع �شكوى «�أ�سمهان» امل�سل�سل املميز، الذي ا�شتغل �ض ّده � ّرس غام�ض ،جعله يعر�ض – خالل رم�ضان – يف بع�ض املحطات الثانوية العربية ،مع �أنه لو عر�ض يف حمطات رئي�سية لكان من �ش�أنه �أن يفعل فعل م�سل�سل «�أم كلثوم» الذي قبل �سنوات� ،أحدث قلبة �أكيدة يف العمل الدرامي العربي .ترى هل كان م�صري «�أ�سمهان» و»نا�رص» على هذا النحو ،لأنهما خرجا عن امل�ألوف بعربية اجتاههما و�أفقدهما
حملية داعمة ما؟ ل�سنا ندري.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 384للتنمية الثقافية
عن ا�ستبيان �أجرته �صحيفة «الثورة» ال�سورية �أن نحو 71يف املئة من الذين �س�ألتهم ال�صحيفة ع ّما �إذا كانوا قد �شاهدوا م�سل�سالت غري �سورية خالل رم�ضان ،2008قالوا �إنهم مل ي�شاهدوا �سوى امل�سل�سالت ال�سورية.
التي عر�ضت ،ح ّل جزء هذا العام من «باب احلارة» يف املرتبة الأوىل يليه ك ّل من «اخلط الأحمر» و «�أهل الراية»� .أما �أف�ضل ممثّل فكان �سامر امل�رصي (يف «باب احلارة») ،بينما حلّت الفنانة كاري�س ب�شار يف املرتبة الأوىل بني الن�ساء .وهنا قد يكون من املفيد �أن نذكّر �أن ا�ستبيان ًا �آخر �أجرته «�سرييا نيوز» يف الوقت نف�سه �أعطى الأولوية لأهل الراية كم�سل�سل، ولك ّل من وائل �رشف و�صباح اجلزائري كممثلني ،وب�سام املال كمخرج يليه عالء الدين كوك�ش عن «�أهل الراية»ّ � .أما الالفت ب�شكل �أكرث ج ّدية يف ا�ستبيان الآراء يف �صحيفة «الثورة» تكرر �أكرث من غريه قائ ًال فكان الر�أي الذي ّ �إن «امل�سل�سالت جاءت مملّة مت�شابهة كثيفة ال ميكن متابعة �إال القليل منها ،و�إنها كانت، ب�شكل عام للت�سلية ومت�ضية الوقت .وكان من ال�صعب �إيجاد م�سل�سل يحمل م�ضمون ًا هام ًا �أو ر�سالة �سامية» .ويف املقابل �أجمع الذين �س�ألتهم ال�صحيفة على �أن «�أعمالنا �أف�ضل من امل�سل�سالت الرتكية املدبلجة لأنها تدور حول ق�ص�ص ذات مغزى و�أقرب �إىل الواقع».
عودة لبنانية و ...لكن مع بداية الفورة الف�ضائية العـربية ،وفـي وقــت راحـت فـيـه امل�سل�سالت االجتماعية العربية ت�أخذ مكان ال�سينما يف حياة الطبقات الو�سطى واجلماهري العربية ب�شكل عام ،خبا نور امل�سل�سالت اللبنانية، و�صار ما ُيحقق ،على قلته ،يف لبنان غري قادر على الو�صول �إىل املتفرجني العرب.
قبل فورة امل�سل�سالت ال�سورية واخلليجية بزمن طويل� ،أي ح ّتى يف الزمن ال�سابق لظهور الف�ضائيات كان لبنان ُيعترب ،بعد م�رص، املنتج الرئي�س للم�سل�سالت التلفزيونية التي ُتعر�ض على ال�شا�شات ال�صغرية اللبنانية والعربية الأخرى .والالفت �أن هذا الإنتاج الكبري واملتن ّوع (والذي كان يخلط ما هو بلهجة لبنانية مبا هو ف�صيح �أو بدوي حتى)، كان ي�ص ّور من لبنان ،ولكن اي�ض ًا خارج لبنان بطاقات فنية لبنانية و�إن مل يكن دائم ًا ب�إنتاج لبناين .وحتى يف ع ّز احتدام احلرب الأهلية اللبنانية ظ ّل الإنتاج قائم ًا وراحت امل�سل�سالت «اللبنانية» ت�ص ّور يف اليونان �أو الأردن� ،أو حتى يف دبي وغريها .لكن املده�ش هو �أنه مع بداية الفورة الف�ضائية العربية ،ويف وقت راحت فيه امل�سل�سالت االجتماعية العربية ت�أخذ مكان
ال�سينما يف حياة الطبقات الو�سطى واجلماهري العربية ب�شكل عام ،خبا نور امل�سل�سالت اللبنانية ،و�صار ما يحقق ،على قلته ،يف لبنان غري قادر على الو�صول �إىل املتفرجني العرب. ولرمبا يكون يف و�سعنا �أن نربط امل�س�ألة بع�ض ال�شيء ،من ناحية ببدايات ظهور امل�سل�سالت ال�سورية ،ومن ناحية �أخرى با�ستعادة م�رص مركز القيادة يف احلركة الثقافية والف ّنية العربية .فهل ن�ضيف �إىل هذا �أنه ،حتى و�إن كانت عجلة الإنتاج املحلي يف لبنان ظلّت تدور وال تتوقف ،ف�إن ما �صار ينتج ،بات املتفرج اللبناين عاجزاً حتى عن الو�صول �إىل ّ الذي راحت حمطاته تتكاثر ولكن ،يف الوقت نف�سه ،يزداد اعتمادها على امل�سل�سالت العربية غري اللبنانية .ترى هل يف الإمكان ر�سم �صورة دقيقة لل�سبب يف هذا كله؟ رمبا ..ولكن امله ّم يف الأمر ،هو �أن لبنان �صار ،وب�شكل �شبه كلي غائب ًا عن �ساحة املناف�سة التي راحت حتتدم بني امل�سل�سالت ال�سورية وامل�رصية ،لين�ضاف �إليها الإنتاج اخلليجي الحق ًا� .أما يف الداخل اللّبناين ،وكما قلنا ،ف�إن انتاج ًا معين ًا ،ظل موجوداً ،وظلت له، من الناحية ال�شكل ّية على الأقل� ،سمات الإنتاج املنوع ،فهناك الكوميديات والدراما ورمبا التاريخي �أي�ض ًا ،غري �أن م�شاكل عديدة ظلّت تعرت�ض �سبيل خروج هذه الأعمال �إىل رحاب الأ�سواق العربية ،لع ّل �أولها امل�ستوى الفكري وتالقي الأعمال مع دينامية املجتمعات التي �أرادت �أن تعرب عنها .فاحلال �أنه ح�سب املراقب �أن ير�صد احلياة اللبنانية من ك ّل نواحيها ويف ت�شعباتها كافة ،ويقارنها بامل�سل�سالت املنتجة ،ليجد �أن ال عالقة بني االثنتني، وهو �أمر مل يعد م�ست�ساغ ًا متام ًا من قبل متفرجني عرب �صارت مرجعيتهم التلفزيونية مليئة ب�أعمال م�رصية �أو �سورية ،تبدو �أكرث موهبة بكثري و�أكرث تعبرياً عن جمتمعاتها (مثل «ليايل احللمية» �أو «�أم كلثوم»« ،خان احلرير» �أو حتى م�سل�سالت جندت �أنزور وبا�سل اخلطيب التاريخية ذات القدرة على الإ�سقاط
الف�صل الثاين الإبداع ال�سينمائي والدارمي 385
من ال�سعودية �إىل االزدهار اخلليجي
ل�سنوات قليلة خلت كانت هذه اخلارطة الدرامية التلفزيونية العربية ال تعرف �شيئ ًا ا�سمه �إنتاج خليجي .فامل�رسح اخلليجي الذي كان على ازدهار منذ عقود ،مل يكن قد عرف نتاج بعد كيف يتح ّول ب�إبداعه ومبدعيه �إىل ٍ
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإبداع
املعا�رص.).. من هنا� ،إذا كان مو�سم 2008قد �شهد يف لبنان ،بح�سب الإح�صاءات الأكرث �صدقية، �إنتاج ما ال يق ّل عن 22م�سل�س ًال ،ف�إن ما جنح ي�صح من هذه الأعمال �ضئيل العدد وقد ال ّ �أحيان ًا ح�سبانه بني امل�سل�سالت اللبنانية (كحال م�سل�سل «جربان» الذي هو� ،أو ًال و�أخرياً، �إنتاج �سوري ،بتمثيل لبناين ،جزئي ًا) ..طبع ًا لن يفيد يف �شيء و�ضع الئحة ب�أ�سماء امل�سل�سالت املنتجة يف لبنان� ،إذا ما ا�ستثنينا بع�ض «فلتان ال�شوط» مثل «ع�رص احلرمي» (وهو �سل�سلة) ،و «بني بريوت ودبي» و «مالح يا بحر» ،ومع هذا ف�إن اجلودة ،التقنية على الأقل، لبع�ض هذه الأعمال يف ن�رشها عربي ًا ،ما يدفع �إىل الت�سا�ؤل :كيف العمل لإعادة الإنتاج الدرامي اللبناين �إىل ال�ساحة العربية؟ وتبدو �أهمية هذا الت�سا�ؤل مزدوجة �إذ نحن تذكّرنا �أن ثمة طاقات لبنانية متع ّددة ومتن ّوعة تفر�ض ح�ضورها يف ال�ساحة الدرامية ولكن دائم ًا من خالل نتاجات م�رصية� ،أو �سورية. ومن امل�ؤكد �أن الإجابة على هذا ال�س�ؤال باتت ملحة ،يف وقت ي�ستعيد فيه لبنان بع�ض �أدواره ّ وتتح�سن العربية ،ويف وقت يزداد فيه عدد – ّ نوعية – املبدعني الذين يبحثون عن فر�ص. فهل يكون االزدهار الكمي ( 22م�سل�س ًال يف عام واحد ،ما ي�ساوي رقمي ًا الإنتاج ال�سوري يف يحرك �أموا ًال وم�ستثمرين، العام نف�سه) حافزاً ّ ويحرك �أي�ض ًا مبدعني ،وال �سيما كتاب ًا يعرفون ّ حق ًا ما الذي يجب �أن ُيكتب حتى يحوز على �رشعية عربية عامة ،فت�صبح املنتوجات الدرامية التلفزيونية اللّبنانية جزءاً من اخلارطة العربية؟
تلفزيوين .وح ّتى �إذا كانت املحطّ ات والقنوات اخلليجية كثرية ومزدهرة ،وغن ّية �أي�ض ًا ،ف�إن من املنطقي القول �إنها كانت تكتفي دائم ًا ب�رشاء وعر�ض ما ينتج ،يف لبنان �أو ًال ،ثم يف م�رص و�سورية بعد ذلك .غري �أنه كان ال ب ّد يف النهاية من �أن يحدث ما كان يجب �أن يحدث: فج�أة وب�شكل غري متوقّع ،حتولّت بع�ض بلدان اخلليج لت�صبح منتجة للم�سل�سالت،لكن من دون ان تكون هذه الأخرية مع ّدة لال�ستهالك يف البلدان اخلليجية نف�سها ووحدها ،بل �صار ح�ضور هذه البلدان وامتداداتها قائ ًما يف �أ�سواق �أخرى� .صحيح �أن الإنتاج اخلليجي ،ال ميكنه �أن يكون – حتى الآن على الأقل – مناف�س ًا جدي ًا للم�سل�سالت امل�رصية �أو ال�سورية ،لكن ح�ضوره �إىل جانب هذه وتلك �صار ملحوظ ًا .ولع ّل عام 2008ميثّل عام ذروة يف هذا املجال ،بحيث ن�ستعيد هنا ،ذلك الإح�صاء الذي ذكرناه �أول هذا التقرير ،عن كون امل�سل�سالت اخلليجية، ثمة طاقات لبنانية متع ّددة وب�شكل عام ،حلّت يف املرتبة الثانية عام ومتنوعة تفر�ض ح�ضورها يف ّ ،2008من ناحية عدد ما عر�ض منها ،بعد ال�ساحة الدرامية ولكن دائم ًا من امل�سل�سالت امل�رصية ،ولكن قبل ال�سورية ،على خالل نتاجات م�رصية �أو �سورية. م�ستوى ال�شا�شات العربية ككلّ .واحلقيقة �أنه �إذا قال قائل هنا �إن العدد الأكرب من �إنتاج الدول اخلليجية مبا فيها ال�سعودية� ،إمنا عر�ض على الف�ضائيات اخلليجية ،مثل �أم .بي� .سي .وروتانا و�إي� .آر .تي .ودبي� ...إلخ ،ف�إن اجلواب هو �أن هذه املحطات ال ت ّت�سم فقط بطابع خليجي ،بل هي حمطات عربية عامة �أي�ض ًا .ولع ّل يف ذكر عدد امل�سل�سالت اخلليجية املنتجة يف مو�سم ،2008ما ي�ضفي ف�صاحة وا�ضحة على هذا كله ،ذلك �أن هذا الإنتاج بح�سب بع�ض امل�صادر جتاوز الـ 46م�سل�س ًال .و�إذا كان للكويت العدد الأكرب منها ،ف�إن لل�سعودية �إ�سهامات فيها جميع ًا ...ومن هنا كان على حق ذلك التقرير ال�صحفي الذي ن�رشته جريدة «احلياة» ( )2008-12-31من ج ّدة وجاء فيه :ي�ستذكر العاملون يف الدراما ال�سعودية عام 2008 باخلري ،فهو عام الإجنازات واال�ستحقاقات الأول� ،سواء لناحية الأعمال املنتجة �أم لن�سب
التقرير العربي الثاين 386للتنمية الثقافية
لع ّل عام 2008ميثّل عام ذروة كون امل�سل�سالت اخلليجية ،وب�شكل عام ،حلّت يف املرتبة الثانية عام ،2008من ناحية عدد ما عر�ض منها، بعد امل�سل�سالت امل�رصية ،ولكن قبل ال�سورية ،على م�ستوى ال�شا�شات العربية ككلّ.
�إن ما «ال جتر�ؤ» على فعله �أقالم وم�سل�سالت و�أنواع �أخرى من الفنون العربية ،وهو بالتحديد الإ�شارة �إىل تناق�ضات تنتج غالب ًا عن دخول احلداثة اال�ستهالكية املعوملة من دون متهيد لذلك� ،إن هذا الذي ال جتر�ؤ �أعما ٌل فنية – وغري فنية – غري خليجية على الدنو منه كثرياً ،وجد ي�صوره يف الأعمال اخلليجية من ّ بلغة انتقادية حادة.
امل�شاهدة املرتفعة التي �ستفتح الباب وا�سع ًا �أمام تط ّور الإنتاج الدرامي يف امل�ستقبل». والطريف �أن هذا التقرير� ،إذ يتح ّدث عن «احلدث الفتي الأبرز يف ال�سعودية للعام »2008يذكر م�سل�سل «طا�ش ما طا�ش» انطالق ًا من غيابه يف هذا املو�سم ،ولي�س انطالق ًا من ح�ضور له ،ويقول يف هذا ال�صدد :لع ّل غياب م�سل�سل «طا�ش ما طا�ش» عن �شا�شة هذا العام بعد ح�ضور دام � 16سنة ي�شكّل احلدث الف ّني الأبرز يف ال�سعودية بعد �أن اختار بطال امل�سل�سل نا�رص الق�صيبي وعبداهلل ال�سدحان �أن ي�سرتيحا من «طا�ش» ويق ّدما م�سل�سل «كلنا عيال قرية» الذي مل ي�ستطع ،يف ر�أي كاتب التقرير، �أن ي�صمد يف وجه م�سل�سل «بيني وبينك» للثالثي ال�شهري را�شد ال�شعراين وفايز املالكي وح�سني الع�سريي الذين ب ّدلوا دفة امل�شاهدة مل�صلحتهم بعد احتكار دام عقداً ون�صف العقد مل�صلحة الق�صيبي وال�سدحان» .وكاتب هذا �سجل التقرير نف�سه يذكر هنا �أنه «طوال العام ّ املمثلون املنتجون ال�سعوديون ح�ضوراً الفت ًا على ال�شا�شات العربية ،من خالل �أكرث من 45 م�سل�س ًال كان للكوميديا منها الن�صيب الأوفر، حمققني �إيرادات كبرية» .وما يلفت النظر – دائم ًا بح�سب هذا التقرير ،هو ح�ضور ممثالت وم�شاركتهن بقوة يف �أعمال درامية �سعوديات ّ وكوميدية ،بعدما كان احل ّل يف ال�سابق اللجوء �إىل ممثالت من دول خليجية �أخرى... ولع ّل يف �إمكاننا �أن ن�شري هنا �إىل �أن الـ 45م�سل�س ًال املذكورة يف التقرير ،لي�ست جممل الإنتاج ال�سعودي للمو�سم الذي نتحدث عنه ،هي بالأحرى جممل الإنتاج اخلليجي ملو�سم 2008كما �سرنى� .أما بالن�سبة �إىل ال�سعودية ،ف�إن من ال�صعب جداً ،خارج �إطار ثالثة �أو �أربعة �أعمال ،حتديد ما �إذا كان العمل �سعودي ًا خال�ص ًا� ،أو خليجي ًا م�شرتك ًا ،علم ًا ب�أن الإعالم اعتاد �أن يتحدث عن ك ّل هذه الأعمال حتت م�سمى «دراما خليجية» .لكن هذا ال مينع �سجل جناحات �إ�ضافية القول �إن عام 2008قد ّ للفنانني اخلليجيني ،بحيث ح�صل املمثل
عبدالعزيز احلماد على جائزة الإبداع الذهبية يف مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون عن م�سل�سل �إذاعي ،وحاز م�سل�سل «�صباحة» للمخرج عامر احلمود على جائزة �أف�ضل خمرج و�أف�ضل م�سل�سل ،فيما فازت الكاتبة ال�سعودية ليلى الهاليل بجائزة �أف�ضل كتابة تلفزيونية وكرم ملتقى املنتجني العرب املمثلني عبداهلل ّ ال�سدحان ونا�رص الق�صيبي .فيما ت ّوج املمثل فايز املالكي جنم العام يف ال�سعودية بف�ضل �شخ�صيته يف م�سل�سل – ثم فيلم – «مناحي». �أما كيفية تو ّزع الإنتاج اخلليجي ،مبا فيه ال�سعودي للعام 2008فكانت كما يلي: جممل الإنتاج ( 45م�سل�س ً ال) منها بني 6 و� 8سعودية ،و 3م�سل�سالت بحرينية («بيت العنكبوت» و «لعنة امر�أة» و «مالع ب�رش») وم�سل�سالن قطريان («جدار ال�صمت» و «ظ ّل �إليا�س مني») و 6م�سل�سالت من الإمارات («�أبله نوره»« ،احلوت»« ،بينا وبينكم» و «حظ يان�صيب» ،و»�رصاع على الرمال» و «غ�شم�شم � .)»3أما من الكويت فت�ض ّم الالئحة الإح�صائية 31م�سل�س ًال ،من الوا�ضح �أن عدداً كبرياً منها يت�ض ّمن ،كما بقية الأعمال اخلليجية ،جهوداً كويتية وخليجية غري كويتية .واحلقيقة �أن هذا كلّه ،حتى و�إن كان ي�صعب ح�سبانه كله يف خانة الأعمال الكبرية ،من الوا�ضح �أنه يف طريقه للتحول �ضمن نظرية �شهرية عن حت ّول الك ّم �إىل نوعية .ذلك �أن ر�صداً دقيق ًا خلط املنحنى النوعي – والكمي باملقابل – الذي ي�سم الأعمال املنتجة يف معظم بلدان اخلليج خالل ال�سنوات الع�رش الأخرية ،يقول لنا �إن ثمة تطوراً و�إىل الأمام بالت�أكيد ،على الرغم من املعوقات الرقابية ،واملناف�سة ال�سورية/ امل�رصية ال�شديدة. واحلقيقة �أن ما ميكن هنا التوقّف عنده، يف جمرى احلديث عن الإنتاج الدرامي اخلليجي ب�شكل عام ،ال ميكن له �أن ينح�رص �ضمن حدود احلديث الكمي ،بل ال ب ّد من لفت الأنظار �إىل �أن كثافة هذا الإنتاج ،تعترب ت�أكيداً لر�سوخ ح�ضوره ،لي�س فقط يف احلياة الف ّنية اخلليجية
الف�صل الثاين الإبداع ال�سينمائي والدارمي 387
م�سل�سالت البالد الفقرية
ل�سنا ندري ما �إذا كانت هناك �إح�صاءات اجتماعية عربية تتحدث عن التفاوت يف عدد جمهور امل�سل�سالت والدراما التلفزيونية العربية
الإبداع
– وهذا يف ح ّد ذاته �أمر ال ميكن اال�ستهانة به- بل كذلك يف احلياة االجتماعية اخلليجية ،التي على تفاوت درجات تطورها ،تبقى مت�شابهة �إىل ح ّد ما ،يف �أمناط العي�ش وال�سلوك .وهذا ما ي�ضفي �صفة التعميم ،على ذلك النقد االجتماعي – الذي يبدو لطيف ًا عتابي ًا �أحيان ًا ،لكنه يبدو يف �أحيان �أخرى �شديد الق�سوة – الذي يطاول ذلك ال�سلوك .ذلك �أن ما «ال جتر�ؤ» على فعله �أقالم وم�سل�سالت و�أنواع �أخرى من الفنون العربية ،وهو بالتحديد الإ�شارة �إىل تناق�ضات �شديدة القوة يف احلياة و�رضوب ال�سلوك االجتماعي يف تلك البلدان اخلليجية والتي تنتج غالب ًا عن دخول احلداثة اال�ستهالكية املعوملة �إىل جمتمعاتها من دون متهيد لذلك، ناقلة �إياها من امل�ستوى القبلي الع�شائري، الذي و�سم حياتها منذ ع�صور �ساحقة وحتى الربع الأخري من القرن الع�رشين� ،إىل م�ستوى ممار�سات احلياة اال�ستخدام املفرط لتقنيات و ّ احلديثة� ،إن هذا الذي ال جتر�ؤ �أعما ٌل فنية – وغري فنية – غري خليجية على الدنو منه كثرياً ،وجد يف الأعمال اخلليجية من ي�ص ّوره بلغة انتقادية حادة .ويف هذا االطار لن يكون ينكب باحثون اجتماعيون خليجيون غريب ًا �أن ّ على درا�سة الت�أثري الذي ميكن �أن متار�سه الأعمال ال�ساخرة اخلليجية على جممتعات ممار�ساتهم احلياتية .ويف يقيننا �أ�صحابها و ّ �أن هذا البعد �سيكون �أمامه جماالت كبرية للظهور والرت�سخ و�إن ب�شكل تدريجي ،علم ًا ب�أن ما هو جدير باملالحظة يف هذا املجال ،هو �أن الأعمال الدرامية التلفزيونية اخلليجية الأكرث جناح ًا هي تلك التي ت ّت�سم بطابع كوميدي ناقد للمجتمعات املعنية ،ما يعني �أن ثمة جتاوب ًا �أكيداً معها ،من املنطقي له �أن ينقلب مع الوقت �إىل جتاوب عملي وتغيريي بالتايل.
بني جمتمع عربي و�آخر� ،أو بني خمتلف الفئات العمرية� ،أو بني �أهل املدن و�أهل الأرياف، وذلك مقابل ما هو متوافر عادة من �إح�صاءات تفيد بالفارق يف كمية اال�ستقبال املخ�ص�ص مل�سل�سالت هذا البلد �أو ذاك ونوعيته ،يف �شتى �أنحاء العامل العربي ..وهي – طبع ًا – الإح�صاءات التي تو ّزع املتفرجني والنجاحات بني الدراما امل�رصية وال�سورية واخلليجية. ويف هذه االح�صاءات يالحظ دائم ًا �أن املناف�سة هي بني هذه احل ّيزات اجلغرافية الثالثة .ويف املقابل هناك جمتمعات ت�شاهد �إىل جانب ما ي�أتيها من م�صادر الإنتاج العربي الرئي�سة، متر من �أعما ًال تنتج حملي ًا من امل�ؤ�سف �أنها ّ دون �أن ت�شارك �شعوب جمتمعات �أخرى يف م�شاهدتها .ولع ّل املثالني الأو�ضح هما جمتمع لبنان وجمتمع املغرب .ولكن يف مقابل هذا وذاك هناك جمتمعات ال تزال ال�صناعة الدرامية التلفزيونية فيها م�ؤجلة� ،أو هي يف بع�ض الأحيان تنمو عام ًا لتخبو يف العام الذي يليه ،وبالتايل فهي جمتمعات م�ستهلكة لفنون «الآخرين» يف �أغلب الأحيان ،حتى و�إن �أنتجت حملي ًا م�سل�س ًال �أو م�سل�سلني يف العام. وت�أتي يف مقدمة هذه البلدان فل�سطني والأردن والعراق واليمن وال�سودان ...وهي بلدان يقول الواقع امل�ؤ�سف �إنها تعي�ش – تلفزيوني ًا – على �إيقاع ما ينتجه الآخرون ،وال �سيما امل�رصيون وال�سوريون ،مع �أن الواقع الغريب يقول لنا �أي�ض ًا �إن لدى ك ّل منها من الطاقات واملواهب واملوا�ضيع والأعمال الأدبية والتاريخ املركب ما كان من �ش�أنه ان يجعلها يف مقدمة البلدان املنتجة ..بل حتى املنتجة ملا قد يكون جديداً متام ًا .بل �إن حال الأردن تبدو حمرية هنا، �إذ نعرف �أن الفنانني – واملنتجني �أحيان ًا – الأردنيني لهم باع طويل يف هذا احلقل.. والأردن كان يف �سنوات ذهبت ،واحداً من كبار املنتجني الواعدين للدراما التلفزيونية يف العامل العربي .ومن هنا �سيبدو غريب ًا ومفارق ًا هنا �أال ينتج الأردن خالل مو�سم � ،2008سوى ثالثة م�سل�سالت هي «�أبو جعفر املن�صور» مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 388للتنمية الثقافية
هناك جمتمعات ال تزال ال�صناعة الدرامية التلفزيونية فيها م�ؤجلة، وبالتايل فهي جمتمعات م�ستهلكة لفنون «الآخرين» يف �أغلب الأحيان، حتى و�إن �أنتجت حملي ًا م�سل�س ًال �أو م�سل�سلني يف العام .وت�أتي يف مقدمة هذه البلدان فل�سطني والأردن والعراق واليمن وال�سودان مع �أن لدى ك ّل منها من الطاقات واملواهب واملوا�ضيع والأعمال الأدبية والتاريخ املركب ما كان من �ش�أنه �أن يجعلها يف مقدمة البلدان املنتجة..
و«الرحيل» و«عيون عليا»� .إن البداهة عينها تكاد تقول لنا �إن ثمة يف الأمر خط�أ ما ..ف�أين يكمن هذا اخلط�أ ،وملاذا يفوت الأردن قطار إنتاج كان ميكنه �أن يعود �إليه بكثري من الفوائد � ٍ وم�صادر الدخل حتى؟ هل اخلط�أ يف االفتقار �إىل الر�ساميل؟ يف ندرة املوا�ضيع؟ يف غياب احلما�س؟ ل�سنا ندري ،لكن ما نعلمه علم اليقني هو �أن الأردن كان من �ش�أنه �أن يكون بلداً عربي ًا �أ�سا�سي ًا يف الإنتاج الدرامي. وما يقال عن االردن هنا ميكن �أن يقال عن فل�سطني ،تو�أم الأردن ،فهذا البلد الذي ميلك موا�ضيع ال تنتهي و�أدب ًا كبرياً ،وما ال يقل عن ع�رشة خمرجني �سينمائيني كبا ٍر عرفوا كيف مما ي�صنعون ال�سينما الفل�سطينية ،طالعني بها ّ ي�شبه العدم ،على خارطة ال�سينما الطليعية يف العامل ،مل ينتج عام � 2008أي م�سل�سل ،على الأقل ح�سب الإح�صاءات واملعلومات املتوفرة لدينا .فماذا ينتظر؟ بل حتى – و�إن كان هذا ال�س�ؤال �سيبدو هرطوقي ًا هنا – ماذا ينتظر مبدعوه ال�سينمائيون قبل �أن يخو�ضوا جتارب تلفزيونية لو حتققت ،لن يندموا عليها �أبداً؟ والعراق ،الذي يعترب البلد العربي الأكرث امتال ًء باملبدعني ويف املجاالت كافة .البلد الذي ترتاكم يف خلفية �صورته الفنية مئات اخلربات يف جماالت الإبداع الب�رصي والأدبي. والذي امتلك يف �أواخر �سنوات اخلم�سني �أول حمطّ ات التلفزة العربية ،كيف– وهو الذي حتبل �أر�ضه وذاكرة �أبنائه مبوا�ضيع متتد �ألوف ال�سنني – مل يتمكن من �إنتاج �أكرث من م�سل�سل واحد طوال عام 2008هو «�آالم و�آمال»؟ وملاذا ي� ّرص مبدعوه من �أهل ال�صورة املتحركة فيه على خو�ض جتارب �سينمائية معظمها يبدو غري جم ٍد ،يف وقتنا احلا�رض، ل�ضخ ع�رشات مف ّوتني فر�ص ذهبية ،على الأقل ّ تبث من العراق، القنوات التلفزيونية التي ّ ب�ساعات درامية تفتح �آفاق ًا وا�سعة �أمام �أجيال جديدة من املبدعني؟ ترى �أال تنطبق هذه الت�سا�ؤالت �أي�ض ًا، وب�إحلاح ،على بلدان عربية �أخرى يغيب ا�سمها
عن خرائط الإنتاج الدرامي العربي امل�صنوع للتلفزيون ،ولغري التلفزيون ،خالل مو�سم 2008 مثل اليمن وال�سودان ...وغريهما؟ ف�إىل كم من الوقت �أي�ض ًا �سوف تبقى هذه البلدان مكتفية بلعب دور امل�ستهلك؟ و�إىل كم من الوقت �سوف يظ ّل املتفرجون العرب يف �شتى �أنحاء العامل العربي ،يف جهل تام لآداب وفنون وجمتمعات هذه البلدان ،وهي كلها �أمور نعرف �أن و�صولها يف طريق امل�سل�سالت والدراما التلفزيونية كان من �ش�أنه �أن يكون الطريق الأق�رص والأف�ضل خللق تعارف عربي �شامل؟
انتفا�ضة من املغرب الأق�صى
يف الإح�صاءات املتداولة يف امل�رشق العربي ،عن الإنتاج الدرامي املغربي للعام � ،2008أتى �أن ما �أنتج «هناك» خالل هذا املو�سم هو م�سل�سل واحد عنوانه «تريكة البطا�ش» .لكن هذا لي�س �صحيح ًا على الإطالق� .إذ رمبا يكون هذا امل�سل�سل هو الذي عرف �أكرث من غريه يف «اخلارج» لكن الواقع يقول لنا� ،إنه كان جمرد واح ٍد من �أعمال تلفزيونية درامية عديدة �أُنتجت يف هذا البلد الذي يعرف انتفا�ضة مده�شة على �صعيد الإنتاج ال�سمعي – الب�رصي ،منذ �سنوات عديدة .ولع ّل يف �إمكاننا هنا �أن نورد بع�ض املعلومات من امل�صادر املغربية نف�سها، للتدليل على �أن املغرب بات ،عن حق وحقيق، بلداً منتج ًا للم�سل�سالت الدرامية التلفزيونية ويف �شتى الأنواع ،حتى و�إن كان الوجه الآخر للميدالية يقول لنا – بكل �أ�سف – �إن ك ّل هذا الإنتاج يبقى �إنتاج ًا حملي ًا ،بالكاد ي�شاهد حتى يف اجلزائر وتون�س وموريتانيا التي تتقا�سم مع املغرب القدرة على فهم اللهجات املحلية ،مع �إ�شارة �أ�سا�سية هنا �إىل �أن الق�سم الأعظم من امل�سل�سالت املغربية ،كما حال اجلزائرية والتون�سية �إن وجدت ،ي�شاهد وباطّ راد من قبل ماليني املغاربة الذين يعي�شون يف �أوروبا ...وهم ي�شكلون جمهوراً كثيف ًا ووفي ًا بالت�أكيد .فاملعلومات املغربية ،التي ت�ؤكد كما احلال يف بقية البلدان العربية على �أن عرو�ض
الف�صل الثاين الإبداع ال�سينمائي والدارمي 389
بات املغرب عن حق وحقيق، بلداً منتج ًا للم�سل�سالت الدرامية التلفزيونية ويف �شتى الأنواع ،حتى و�إن كان الوجه الآخر يقول لنا �إن ك ّل هذا الإنتاج يبقى �إنتاج ًا حملياً، بالكاد ُي�شاهد حتى يف اجلزائر وتون�س وموريتانيا.
الإبداع
�شهر رم�ضان املبارك هي املقيا�س احلقيقي الزدهار �أو عدم �إزدهار الإنتاج الدرامي، تفيدنا حتت عنوان عام هو «�صنع يف املغرب» �أنه يف رم�ضان ،2008جاءت امل�سل�سالت املغربية متقدمة بالن�سبة �إىل العرو�ض املحلية على الأعمال امل�رصية وال�سورية «وهو �أمر مل يعتد عليه املغاربة» .وبالتايل كان مده�ش ًا ذلك ال�سباق الذي كان وا�ضح ًا بني القناتني املغربيتني الأوىل والثانية على عر�ض الأعمال التي و�صفها املواطنون ب�أنها «�صناعة وطنية» وتن ّوعت بني الربامج الفكاهية وم�سل�سالت «ال�سيت كوم» ب�شكل عام مطلّة على معاجلة الواقع املغربي� ،أو بالأحرى وح�سب الأقالم املغربية «الواقع املغربي» ،وال �سيما يف بعده االجتماعي �سواء تعلّق الأمر ب�أحوال البادية املغربية وما تعي�شه من �رصاعات كما احلال بالن�سبة �إىل م�سل�سل «تركة البطا�ش»� ،أم ب�أمور مدينية كما يف �سل�سلة «�سريحتى جتي» من ت�أليف امل�رسحي املعروف حممد اجلم ،وهي �سل�سلة عاجلت البريوقراطية احلكومية وما يعرتيها من ف�ساد� .أما م�سل�سل «الأبرياء» والذي «ا�ستقى مو�ضوعه من �أحداث واقعية ف�إنه دنا من تناق�ضات حياة رجل ال�رشطة ال�ضائع بني التزامات املهنية وحياته ال�شخ�صية» .ويبقى بعد هذا ،يف هذا املجال ،ال�س�ؤال الأ�سا�س ،لي�س من حول ما �إذا كانت امل�سل�سالت املغربية قادرة على الو�ضول �إىل متفرجني عرب خارج املغرب ،بل حتى على �إقناع املتفرج املغربي. وهنا تختلف الآراء ،تبع ًا ملا ميكن ر�صده يف ال�صحافة املغربية نف�سها ،حيث يقول البع�ض الفن لي�س م�س�ألة ت�شجيع� ،آخذاً �إن الإقبال على ّ على امل�سل�سالت املغربية انح�صار موا�ضيعها، ما يه ّدد بالعودة قريب ًا �إىل امل�سل�سالت ال�سورية وامل�رصية ،التي مل تغب �أ�ص ًال ال عن ذاكرة املتفرج املغربي وال عن حياته اليومية. تتو�ضح ال�صورة متام ًا ،خالل ويف انتظار �أن ّ املوا�سم املقبلة يبقى �أن املغرب يعي�ش انتفا�ضة فنية حقيقية ،قد ال يكون جانبها التلفزيوين الدرامي ،على امل�ستوى امللحوظ
يف ال�سينما املغربية ،ال من ناحية الكم وال من ناحية الكيف ،لكنها يف نهاية الأمر انتفا�ضة ميكن ت�شبيهها دائم ًا باخلطوات الأوىل التي بها تبد�أ رحلة الألف ميل. غري �أن امل�س�ألة التلفزيونية املغربية، �سوف تبدو يف �أح�سن �أحوالها �إن نحن قارناها مث ًال مبا يحدث – على مثل هذا ال�صعيد – يف اجلزائر .فهذا البلد الذي و�صل الإنتاج الإبداعي يوم �إىل درجة ه ّددت معها ال�سينما فيه ذات ٍ اجلزائرية مثيلتها امل�رصية ،بل حتى �أنتجت ملبدعني م�رصيني كبار� ،رسعان ما تدهورت �أو�ضاعه الفنية ،على الرغم من الإعالنات والت�رصيحات الكثرية حول نه�ضة فنية مدعومة من الدولة ،ومن متكّن وزيرة الثقافة من احل�صول على ماليني الدوالرات لدعم ال�سينما والتلفزة يف اجلزائر ،ولو فقط ملنا�سبة �إعالن اجلزائر عا�صمة ثقافية .من الناحية ال�سينمائية ميكن القول �إن اجلهود �أثمرت ولو ب�شكل حمدود� ،أما من الناحية التلفزيونية فعلى الأرجح �أن االنتظار �سيطول بع�ض الوقت، و�ستظ ّل احلركة الفنية اجلزائرية حمرومة حتى زمن مقبل من �أية �إبداعات يف هذا املجال� ،أو على الأقل من ك ّم من الإبداعات يتما�شى �أهمي ًة مع املا�ضي القريب للإنتاج الفني يف اجلزائر، بحيث مل ي�شهد العام الفائت �إنتاج �أكرث من �ستة م�سل�سالت و�أفالم تلفزيونية هي «�أ�شواك املدينة» و «قلوب يف �رصاع» و «البذرة »2 و «عمارة احلاج خ�رض» و «عائلة جمعي» و «حال و�أحوال» ،ناهيك مب�سل�سل «موعد مع القدر» الذي حتى و�إن كان �أنتج قبل ذاك ،ف�إنه فاز هذا العام بجائزة يف املهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون يف تون�س. يف ذلك املهرجان نف�سه فاز باجلائزة الأوىل امل�سل�سل التون�سي «�صيد الرمي» الذي اعترب من �أ�شهر – و�أف�ضل رمبا – ما انتج يف تون�س خالل العامني الفائتني ،وامل�سل�سل من ت�أليف رفيقة لوجدي ويتعر�ض �إىل مو�ضوع التحر�ش اجلن�سي باملر�أة العاملة طارح ًا يف طريقه م�شاكل الفتيات العامالت يف م�صانع
اجلزائر البلد الذي و�صل الإنتاج الإبداعي فيه ذات يوم �إىل درجة ه ّددت معها ال�سينما اجلزائرية مثيلتها امل�رصية ،بل حتى �أنتجت ملبدعني م�رصيني كبار� ،رسعان ما تدهورت �أو�ضاعه الفنية.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 390للتنمية الثقافية
فاز هذا العام بجائزة املهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون يف تون�س امل�سل�سل التون�سي «�صيد الرمي» الذي اعترب من �أ�شهر –و�أف�ضل رمبا– ما �أُنتج يف تون�س خالل العامني الفائتني.
اخلياطة التون�سية ،حيث يغو�ص «بجر�أة غري «معاناتهن النف�سية معهودة» بح�سب النقاد ،يف ّ وظروفهن االجتماعية التي ظلّت �إىل زمن ّ طويل من املوا�ضيع امل�سكوت عنها» .وهنا ال ب�أ�س من �أن نذكر يف هذا املجال �أي�ض ًا ال�سهرة التلفزيونية التون�سية «�شوفلي حل يف ر�أ�س العام» ،الذي كان من �أف�ضل الأفالم التلفزيونية التي �أتت من بلدان املغرب العربي.. طبع ًا مل يخ ُل الأمر يف تون�س كما يف تبث يف هذا ال�شهر �أو ذاك، اجلزائر من �إنتاجات ُ ولكن �إذا كانت ال�صحافة يف البلدين �أعلنت ،وال تنفك تعلن �أن اجلمهور املحلي نف�سه بالكاد ي�شاهد هذه الأعمال ،ما الذي يبقى منها يف نهاية الأمر؟ و�إذا كان املمثل امل�رسحي اكرام بث عزوز وهو �أحد ابطال م�سل�سل �شبابي ّ يف عنوان «�أوالد اليوم» قد قال �إن امل�ستوى التون�سي يرتاجع ،هل يحقّ لنا �أن نت�ساءل ع ّما مينع عر�ض امل�سل�سالت التون�سية خارج تون�س؟
اخلال�صــة
�إذا كانت ال�سيا�سة واالقت�صاد ورمبا اجلغرافيا �أي�ضاً ،قد عجزت عن حتقيق احللم العربي املن�شود بالوحدة العربية ،ف�إن الفنون – والآداب والأفكار يف ركابها – هي املجال الوحيد الذي ال يزال ،بعد، قادراً على حتقيق مثل هذه الوحدة. ومن هنا املطلوب التكاف�ؤ يف الفر�ص الإنتاجية ،واملزيد من اال�ستثمار املايل العربي اجلماعي.
يف احلقيقة يبدو هذا ال�س�ؤال خارج ال�سياق، لي�س فقط بالن�سبة �إىل الإنتاج التون�سي ،بل �أكرث من هذا :بالن�سبة �إىل معظم ما ينتج يف العدد الأكرب من البلدان العربية .ذلك �أن الواقع املر� ..إذا �شئتم – يقول لنا ويف كل ب�ساطة، – ّ �إن معركة الإنتاج الدرامي التلفزيوين ،لي�ست معركة متع ّددة الأطراف ،على عك�س،مث ًال، معركة ال�سينما العربية اجلديدة .ففي املعركة التلفزيونية ثمة طرفان �أو ثالثة فقط :ال�سوري وامل�رصي ...ورمبا اخلليجي و�أحيان ًا نادرة اللبناين .ويقين ًا �أن لهذا بع�ض احل�سنات، و�أهمها �أنه واقع قد يدفع الآخرين �إىل التحرك؛ متام ًا كما حدث حني تراجعت امل�سل�سالت امل�رصية ذات حقبة مبا �أتاح املجال لظهور امل�سل�سالت ال�سورية ،وهو الأمر الذي عاد وانعك�س �إيجاب ًا على امل�رصية التي ا�ستفاقت
من نومها لت�ست�أنف �إبداعها وت�صبح قادرة على املناف�سة ،ثم بعد ذلك على التف ّوق .لكن ال�سيئات كثرية و�سبق يف ثنايا هذا التقرير �أن �أ�رشنا �إىل بع�ضها� .أما امل�شكلة الأهم فتبقى يف �أن هذا النوع من الإبداع الفني يتوجب عليه مبدئي ًا �أن يحقق من ال�شعبية ما يجر يف ركابه �شعبية لفنانني �آتني من �شتى البلدان العربية، وك�شفا للعربي عن �أ�ساليب عي�ش وتفكري العربي الآخر ،وج�رس تفاهم بني �شتى املناطق العربية، بل يف حدود ق�صوى� ،إعادة االعتبار �إىل �أعمال �أدبية وتاريخية �آتية من كل البلدان العربية.. وهو �أمر من الوا�ضح مدى فائدته ل�شتى �أنواع الفنون ومدى قدرته على التفاعل مع ع�رشات ماليني املتفرجني.وما هذا ،يف نهاية الأمر� ،إال لأنه �إذا كانت ال�سيا�سة واالقت�صاد ورمبا اجلغرافيا �أي�ض ًا ،قد عجزت عن حتقيق احللم العربي املن�شود بالوحدة العربية ،ف�إن الفنون – والآداب والأفكار يف ركابها – هي املجال الوحيد الذي ال يزال ،بعد ،قادراً على حتقيق مثل هذه الوحدة التي عمادها التقريب بني ال�شعوب .ويف يقيننا �أن هذا الدور ميكن للتلفزيون �أن يقوم به .هو قد يتمكّن من هذا عرب معظم براجمه ،مبا يف ذلك برامج الألعاب والتحقيقات وبرامج احلكي وما �شابه ،لكنه الفن.. �سيكون �أقدر كثرياً على ذلك من خالل ّ الإبداع الفني ،هذا الإبداع الذي ال �شكّ ميكنه �أن يتجلّى �أكرث ما يتجلّى يف امل�سل�سالت التلفزيونية .ومن هنا املطلوب التكاف�ؤ يف الفر�ص الإنتاجية ،واملزيد من اال�ستثمار املايل العربي اجلماعي ،لي�س فقط يف �إنتاج م�سل�سالت �آتية من بلدان متنوعة ويحققها فنانون معروفون ،بل �أف�ضل من هذا :من مناطق وفنون ال تزال يف حاجة �إىل اكت�شاف. فمن الذي ميكنه �أن يحقق هذا كله� ،أف�ضل من �أعمال فنية تعتمد الروايات واحلكايات وفنون التمثيل والت�صوير ،من دون �أن تكون يف حاجة حقيقية �إىل جنوم �أو ميزانيات ا�ستثنائية؟
الف�صل الثاين الإبداع ال�سينمائي والدارمي 391
�شكل رقم ( )1مقارنة بني �إنتاج العامني 2007و 2008يف البلدان الرئي�سة املنتجة للأفالم الروائية الطويلة مالحظة :الأرقام هنا هي �أرقام تقنية على عك�س الأرقام الواردة يف �سياق الن�ص وهي �أرقام حتمل قيمة ما.
48
48
50 45 40 35 30 25 20
15
14 8 4
10
8
6
6 4
15 15
4
3
5
1
تون�س
�سوريا
فل�سطني
اجلزائر
املغرب
لبنان
م�رص
0
�شكل رقم ( )2توزيع الأنواع ال�سينمائية يف الإنتاج العربي للأفالم الطويلة 2008مقارنة مع �سابقه 20 20 18 18
14 14 12 12 10
9
8
7
6
5 4
4
4
2 2 0
هزلية اجتماعية
هزلية خال�صة
حركة "�أك�شن"
درامية
اجتماعية
ت�شويق بولي�سي مؤسسة الفكر العربي ّ
0
الإبداع
16 16
التقرير العربي الثاين 392للتنمية الثقافية
�شكل رقم (� )3أنواع امل�سل�سالت العربية التي عر�ضت عام 2008 ً املجموع العام يزيد عن العدد الإجمايل للم�سل�سالت لأن هناك �أعماال عديدة تنتمي �إىل �أكرث من نوع واحد (جمموع الإنتاج 143م�سل�س ًال منه 104عر�ضت يف رم�ضان) 40 36 32 28 24 20 16 12 8 4
كوميدي
دراما
بوليسي
فانتازيا
تاريخي
كوميديا سوداء
ميلو دراما
سيت كوم
0
الف�صل الثاين الإبداع ال�سينمائي والدارمي 393
٪ 15.57 ٪ 26.8 ٪ 15 ٪4 ٪ 38.06
السينما األميركية
السينما املغربية سينمات أخرى آوروبية خاصة أقل من 5باملئة
السينما املصرية سينمات متنوعة
�شكل رقم ( )4توزيع ح�ص�ص امل�شاهدة على املتفرجني املغاربة
٪ 28
الإبداع
٪ 22
٪2 ٪ ٪6 4 ٪ 42
خليجية
سورية
مصرية
أخرى
لبنانية
�شكل رقم ( )5ح�ص�ص املناطق العربية من العرو�ض الرم�ضانية للم�سل�سالت (املجموع 104م�سل�سالت مت عر�ضها) مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 394للتنمية الثقافية
الف�صل الثالث امل�رسح العربي
�أبعاد الأزمة و�أ�شكال التطور
ال ميكننا �أن ننكر اليوم �أن امل�رسح العربي مير مبرحلة تطورات حا�سمة على �صعيد ّ م�ستقبله� ،ش�أنه �ش�أن املجتمعات العربية، هذا الذي كان يف البداية جزءاً من م�رشوعها النه�ضوي واحلداثي ،ومن ثم جزءاً من امل�رشوع القومي الوطني يف خمتلف الأقطار العربية. عرفت الدول العربية امل�رسح يف فرتة االحتكاك مع الثقافة الغربية ،فدخل تباع ًا م�رص وبالد ال�شام ثم بقية الدول العربية، و�رسعان ما انغم�س يف �صميم حركية الأفكار حركت والأيديولوجيات والنظريات التي ّ ال�ساحة العربية منذ النه�ضة وحتى احلداثة، فحمل هذا الفن على عاتقه ،يف مرحلة البدايات هاج�س ًا �إ�صالحي ًا فكري ًا ،من خالل مثقفني �إ�صالحيني متطلّعني �إىل ن�رش العلم والتق ّدم والرقي� .إن امل�رسح العربي هو ابن املدينة ّ العربية احلديثة يف م�رشوع نه�ضتها ،مبدار�سها ونواديها و�صحافتها وجامعاتها وم�ؤ�س�ساتها، فاملدينة احلديثة يف حماولتها لدخول احلداثة، جتاوزت حدود املدينة القدمية بكل ما حتمله من تقاليد وقيم .وامل�رسح �أي�ض ًا هو ابن الفئات االجتماعية اجلديدة التي تب ّنت هذه النه�ضة وثقافتها� ،إال �أن التفاوت بني املجتمعات العربية انعك�س تفاوت ًا يف وجود امل�رسح بني �أقطار الوطن العربي ،من دون �أن مينعه ذلك من �أن يحقّق لنف�سه تواجداً ملمو�س ًا على الأر�ض خالل القرن املا�ضي ،ف�شهد مرحلته الذهبية يف فرتة ال�ستينيات وال�سبعينيات .ونتيجة للظروف املو�ضوعية التي منا فيها ،كانت الهوية منذ البداية هاج�س هذا امل�رسح ،خ�صو�ص ًا �أن
الأمر برمته يتعلق باملتفرج العربي ،فظهرت �إ�شكاليات مثل (الأ�صالة والت�أ�صيل ،الرتاث واحلداثة ،اال�ستقالل والعالقة مع الغرب، التثاقف والتبعية) وجميعها على رغم من تن ّوعها و�أهميتها كانت تكراراً ل�س�ؤال �أ�سا�سي يرتكز حول �رشعية هذا امل�رسح وخ�صو�صيته، ومدى تغلغله يف الن�سيج االجتماعي العربي، وطبيعة العالقة التي يفرت�ض �أن يتبناها مع ثقافته اخلا�صة وتراثه ومع مناذج عاملية من الثقافات الأخرى. وعلى الرغم من نُبل امل�رشوع ،ف�إن م�شاكل امل�رسح العربي ظهرت مبكرة وتفاقمت مع الزمن .بعد مرحلة الر ّواد الأوائل التي كان فيها امل�رسح هاوي ًا �رسعان ما عرف امل�رسح العديد من الإ�شكاالت البنيوية كنتيجة مبا�رشة مل�شكلة غياب الدعم له .وب�شكل موا ٍز متام ًا عرف امل�رسح نوع ًا �آخر من الإ�شكاالت التي تتعلق بو�ضعه يف املجتمع :امل�رسح وهو نتاج جهود �أفراد ينتمون يف احلقيقة �إىل فئات اجتماعية وثقافية متم ّيزة ،حاولت ربط هذا اجلديد مبا يتنا�سب مع الذائقة العامة ،والدفع بهذا النتاج مما �أدى �إىل نوع نحو ح ّيز مقبول اجتماعي ًاّ ، من الفرز على الأر�ض بني م�رسح ثقايف نخبوي عماده الن�ص الأدبي ،وم�رسح ترفيهي عماده الغناء والرق�ص والفقرات املنوعة .وقد حت ّول هذا الفرز بعد حني �إىل �إ�شكالية نظرية مت ّيز بني امل�رسح كعر�ض وفرجة ،وهو موقف الفرق امل�رسحية التي كانت حتت ّل ال�ساحة على الأر�ض ،وبني امل�رسح كن�ص وك�أدب، وهو موقف النخبة املثقفة من امل�رسح ل�سنني طويلة دامت حتى تاريخ عودة خمرجني
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 395
و�إذا كانت العالقة مع الغرب خالية من التوتر يف البداية ،فذلك لأن النه�ضويني مل يروا يف الغرب قوة ا�ستعمارية ،و�إمنا ر�أوا يف فكره و�إجنازاته ُبعداً كونياً .فبد�أ املثقف وامل�رسحي يعي�ش ازدواجية عميقة بيـن اقـتـبا�س الأفـكار والـنمـاذج الثقافية وبني مقاومتها يف �آن واحد.
الإبداع
در�سوا امل�رسح يف �أوروبا يف اخلم�سينيات وال�ستينيات .كان هاج�س الكثريين من الأوائل، ممن ترجموا للم�رسح و�أع ّدوا الن�صو�ص مثل ّ ممن كتبوا بعد ذلك مثل توفيق و أبي�ض، � جورج ّ احلكيم ،الت�أكيد على �أدبية الن�ص امل�رسحي، وعلى قدرة العرب على جماراة الغرب يف كتابة ن�صو�ص حتمل �سمات الدراما املكتوبة ب�شكل جيد ،بناء على القواعد التي كانت حتكم الن�ص امل�رسحي الغربي. و�إذا كانت العالقة مع الغرب خالية من التوتر يف البداية ،فذلك لأن النه�ضويني مل يروا يف الغرب قوة ا�ستعمارية ،و�إمنا ر�أوا يف فكره و�إجنازاته ُبعداً كوني ًا ،تعاملوا معه بب�ساطة على الرغم من ح�ضور م�س�ألة الهوية على �شكل �إقرار الذات و�إمكاناتها .بعد ذلك بد�أت هذه العالقة بالتوتر ب�شكل �صارخ ،منذ �أن بد�أت الدول الغربية يف تق�سيم املنطقة وا�ستعمارها، فبد�أ املثقف وامل�رسحي بطبيعة احلال ،يعي�ش ازدواجية عميقة بني اقتبا�س الأفكار والنماذج الثقافية وبني مقاومتها يف �آن واحد. هذه الإ�شكالية �ستطبع �أكرث ف�أكرث امل�رسح يف مرحلة ال�ستينيات وهي مرحلة هامة .يف تلك املرحلة ،ومع جديدة وحمطة ّ فورة احلداثة وامل ّد القومي يف العامل العربي، والتغريات ال�سيا�سية واالجتماعية الكبرية التي عرفتها املنطقة منذ ثورة يوليو 1952 يف م�رص وثورة العراق 1958وثورة �آذار 1963 يف �سوريا ،ثم ا�ستقالل دول املغرب العربي وظهور النفط يف دول اخلليج ،دخل امل�رسح العربي مرحلة جديدة �أه ّم مظاهرها� ،إعادة النظر يف تعريف امل�رسح ذاته و�صياغة مواقف (بع�ضها جاء على �شكل بيانات) ،للت�أكيد على الهوية اخلا�صة والبحث يف وظيفة امل�رسح يف املجتمع .وقد ظهرت �شعارات جديدة مثل ا�ستلهام الرتاث و�إحيائه ،وكانت الغاية ت�أ�صيل امل�رسح يف املجتمع .وبالفعل فقد كان املوقف من الرتاث يف هذه املرحلة �أكرث عمق ًا من املرحلة الأوىل التي اكتفت با�ستلهام املوا�ضيع منه.
يف هذه املرحلة بد�أت احلركة امل�رسحية العربية باالزدهار ،ومن �أه ّم مظاهر هذا االزدهار ظهور امل� ّؤ�س�سات امل�رسحية ومعاهد تعليم امل�رسح وتنظيم املهرجانات والندوات التي كانت ُتقام على هام�ش العرو�ض ،والتي بدت منا�سبة لطرح فكرة م�رسح عربي والبحث يف خ�صو�صيته و�أهدافه .كما برزت تيارات واجتاهات جديدة متام ًا بالن�سبة للما�ضي، تب ّنت التجديد على امل�ستوى اللغوي وعلى م�ستوى الكتابة و�أ�سلوب التعامل مع الفرق امل�رسحية ومع املمثل (املحرتفات والعمل اجلماعي) ،والبحث عن �أ�شكال م�رسحية جديدة، تعتمد �أ�سا�س ًا لها الطقو�س و�أ�شكال الفرجة ال�شعبية .ومع �أن امل�رسحيني املج ّددين العرب يف فورة التجديد والن�شاط هذه ت�أثّروا بالتجديد امل�رسحي يف الغرب� ،إال �أنهم حاولوا �أن ي�ضعوا هذا التجديد يف �إطار همومهم اخلا�صة ،ويف هذه املرحلة �أي�ض ًا تراجع م�رسح املن ّوعات ب�شكل وا�ضح. وعلى الرغم من الأهمية ال�شديدة لهذه املرحلة ،ف�إنها كانت حتمل يف طياتها بذور الأزمة احلالية ،فامل�رسح العربي الذي تب ّنته الدول و�أ�صبح جزءاً من امل�ؤ�س�سة الر�سمية ،مل يبتكر لنف�سه �آليات تطّ ور ت�سمح له بالتعامل مع امل�ستجدات ال�سيا�سية واالجتماعية ،فالبنى امل�رسحية التي كانت ف ّعالة يف البدايةُ ،ج ّمدت يف �أطر ل�سنني طويلة ،ومل حتمل �إمكانية التطور بل حت ّولت �إىل م�ؤ�س�سات �أكرث من كونها مراكز �إبداع .هذا من ناحية� ،أما من حيث امل�ضمون، فقد طغى املو�ضوع ال�سيا�سي والرتاثي على ما هو م�رسحي ب�شكل كبري ،لدرجة �أن امل�رسحيني العرب ح ّولوا «خ�شبات» م�سارحهم �إىل حلبات معارك �سيا�سية واجتماعية .هذا ما جنده اليوم عندما ندر�س و�ضع �أغلب امل�سارح يف الدول العربية� ،إذ ما تزال الأطر التي كانت موجودة يف تلك املرحلة هي ال�سائدة وما من فكرة لتطويرها ،ال بل �إن العامل تغيرّ وامل�ؤ�س�سات امل�رسحية العربية مل تتطور� .إن التح ّوالت ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية
امل�رسح العربي الذي تب ّنته الدول و�أ�صبح جزءاً من امل�ؤ�س�سة الر�سمية، مل يبتكر لنف�سه �آليات تطّ ور ت�سمح له بالتعامل مع امل�ستجدات ال�سيا�سية واالجتماعية.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 396للتنمية الثقافية
هناك �أعمال ت�ستند �إىل تقنيات عالية وتطرح نف�سها �أ�سا�س ًا كم�رسح نخبوي يطمح �إىل مناف�سة �أو جماراة التجارب العاملية (بع�ض التجارب الرواد �أو بع�ض التون�سية جليل ّ املخرجني املهاجرين �أو املقيمني يف اخلارج.
والتكنولوجية (و�أهمها ثورة االت�صاالت) التي طر�أت على جمتمعات العامل يف الن�صف الثاين من القرن الع�رشين ،غيرّ ت من طبيعة احلياة فيها ،ف�سيطر النموذج الأحادي وحت ّول امل�رسح مثل جميع الأن�شطة الإن�سانية �إىل �سلعة تخ�ضع ل�سوق العر�ض والطلب والربح كقيمة ،بينما قام العديد من الدول يف العامل بالبحث عن حلول جمدية للدفاع عن امل�رسح� .أمام هذا اخلطر امل�ؤكّد ،مل يج ِر مثل هذا البحث يف العامل العربي �إال نادراً� ،أ�ضف �إىل ذلك انعدام اال�ستقرار ال�سيا�سي والأمني الذي عرفته يف ال�سنوات املا�ضية بع�ض البلدان العربية ،ذلك اال�ستقرار الذي ي�شكّل �أ�سا�س ًا للتطور( .عند درا�سة حالة العراق مث ًال �أو اجلزائر �أو حتى لبنان �أو حالة ال�سودان �أو حالة امل�رسح الفل�سطيني ،نرى كيف �أن الأزمات ال�سيا�سية والأمنية �أثّرت على منو امل�رسح يف هذه الدول). اليوم تنعك�س هذه الأزمات يف امل�رسح العربي على م�ستوى عالقته باملجتمع والواقع، ومن �أه ّم �سماتها عجز امل�رسح عن �إمكانية التعبري عن الواقع «الذي تغيرّ » ،وتنعك�س �أي�ض ّا على م�ستوى هجرة امل�رسحيني ،بحيث �سن�ضطر عند الكالم على امل�رسح اجلزائري مث ًال �أو العراقي �أو حتى الّلبناين ،الأخذ يف االعتبار ت�ش ّتت الفنانني وتفاوت امل�ستوى بني الداخل واخلارج .كما يبدو الأمر وا�ضح ًا يف تدهور حال امل�رسح الكويتي بعد احتالل العراق للكويت ،وكيف اتجّ هت �أغلب العرو�ض �إىل التهريج. احلقيقة �أن ثورة املعلومات وو�سائل االت�صال �أ ّدت �إىل بروز �سوق ثقافية مفتوحة متع ّددة اجلن�سيات تقوم على التجاور واملناف�سة ،مبا ي�شكّل حت ّدي ًا للثقافة القومية، و�أ ّدت �أي�ض ًا �إىل تراجع دور امل� ّؤ�س�سات العامة، وو�ضعت على عاتق الأفراد م�س�ؤولية االنتقاء والتقومي النقدي ،كما �أفرزت �أ�شكا ًال جديدة من الفرجة اجلماعية والفردية تختلف جذري ًا عن امل�رسح (املباريات الريا�ضية املنقولة مبا�رشة على التلفزيون وغريها) .كذلك �أ ّدت
�إىل تهمي�ش الثقافة ب�شكل عام وتعميم �شكل ثقافة ا�ستهالكية بديلة بعيدة عن غنى امل�رسح و�شموليته ،وهذا حت ّد ها ّم للم�رسح� ،إ�ضافة �إىل �أن بع�ض هذه الأ�شكال من الفرجة ،مل تنبع من حاجات اجلماعة و�إمنا فُر�ضت عليها كبديل لكل �أ�شكال االحتفال والفرجة القدميني .وقد تو�صلت هذه التظاهرات «الفنية» لأن تفر�ض ّ نف�سها على املجتمع كنموذج عامُ ،يدخل الأفراد واملجموعة يف دوامة اال�ستهالك والإنتاج ،وكل هذا ي�شكّل حتدي ًا �أمام امل�رسح العربي.
�أو ًال -مالمح عامة حلركة امل�رسح العربي اليوم
ال يخلو امل�رسح العربي اليوم من وجود هامة ومتنوعة يف العديد من الأقطار جتارب ّ العربية ،لكن هذه التجارب قليلة من حيث الك ّم وتبقى على هام�ش احلياة العامة ،وهي �أي�ض ًا م�ش ّتتة التوجهات ب�شكل كبري .وقد يكون ال�سمة العامة التي تر�سم هذه هذا الت�ش ّتت هو ّ املرحلة .هناك �أعمال ت�ستند �إىل تقنيات عالية وتطرح نف�سها �أ�سا�س ًا كم�رسح نخبوي يطمح �إىل مناف�سة �أو جماراة التجارب العاملية مثل بع�ض التجارب التون�سية جليل الر ّواد (فا�ضل اجلعايبي ،وتوفيق اجلبايل ،وحممد �إدري�س) �أو بع�ض املخرجني املهاجرين �أو املقيمني يف اخلارج (الكويتي ب�سام ال�سليمان� ،أو العراقي جواد الأ�سدي �أواللبناين الكندي وجدي مع ّو�ض). هناك �أي�ض ًا امل�رسح الذي ال يزال ي�ستند �إىل الرتاث وفكرة الفرجة واالحتفالية ،من دون �أن يجد الرابط اجلذري بني هذه االحتفالية والواقع احلايل (�أغلب دول اخلليج العربي واليمن واملغرب) .وهناك �أي�ض ًا �إ�شكالية تتعلّق ب�إنتاج اجليل اجلديد الذي ُيفرت�ض �أن ينه�ض باحلركة امل�رسحية كك ّل (التجارب ال�شابة التي �سنتكلم عليها الحق ًا) والتي ُت�ص ّنف �أحيان ًا حتت ا�سم التجريب وهي كثرية ،وتبدو يف �أغلب الأحيان متعثرّ ة يف �إيجاد عالقة وا�ضحة بالواقع .عند
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 397
الكتابة امل�رسحية
�إن التغيريات التي ع�صفت بالثقافة ب�شكل عام� ،أثّرت على امل�رسح يف العقود الأخرية، فت�ضاءلت الكتابة للم�رسح ب�شكل م�ستقل عن العر�ض وهذا اجتاه عاملي ،لكن الن�ص عاد وظهر يف امل�رسح العاملي ،وهناك ما ميكن �أن ن�سميه الن�ص اجلديد� .أما بالن�سبة للم�رسح العربي ،فقليلة هي الن�صو�ص وهي غري جم ّددة، هناك م�شاريع تن�شط من خالل م� ّؤ�س�سات خا�صة ور�سمية �أحيان ًا� ،أو مراكز ثقافية �أجنبية ت�سعى لتن�شيط الكتابة امل�رسحية وت�شجيعها (م�رشوع �إقليمي قادته م� ّؤ�س�سات مثل املورد الثقايف واملجل�س الثقايف الربيطاين واملركز الثقايف الفرن�سي يف دم�شق وم�رشوع دار عدوان يف دم�شق ووزارة الثقافة يف اليمن)� .إن قراءة مت�أ ّنية لبع�ض هذه الن�صو�ص ُتظهر تغيريات ملمو�سة يف الق�ضايا املطروحة ،وهذا ما ي�شي بتح ّول جذري يف طبيعة االهتمامات ،وقد يف�سرّ عدم جلوء املخرجني ال�شباب �إىل ا�ستخدام ن�صو�ص الآباء يف عرو�ضهم ،بل التوجه �إىل كتابة ن�صو�صهم اخلا�صة. وامللمح الرئي�سي لعام 2008كان عودة الكتابة من خالل م�شاريع حاولت �إخراج هذا اجلديد �إىل العلن ،فت ّمت طباعة ن�صو�ص ال�شباب كتتويج حلركة دعم الكتابة التي ولدت منذ �سنوات قليلة ،دار عدوان يف دم�شق طبعت خا�صني بن�صو�ص ال�شباب احتويا ع�رشة جز�أين ّ مت اختيارهم من ن�صو�ص من جممل مائة ن�ص ّ خمت�صة (اجلزءان املتعلقان مب�رسح قبل جلنة ّ ال�شباب عن دار ممدوح عدوان يف دم�شق 2008 ي�ض ّمان ع�رشة ن�صو�ص) .كذلك قامت اليمن يف العام 2008ب�إجراء م�سابقة لت�شجيع الت�أليف امل�رسحي .ويف هذا العام �أي�ض ًا اختار بنك ومقره ال�شارقة، الن�صو�ص امل�رسحية العربي ّ
هنـاك اتـجـاهـات فـي الـم�سـرح العربي تعبرّ عن نو�ستاليجا عالية مثل امل�رسح الرومان�سي الذي عاد ليظهر .وهناك �أي�ض ًا االجتاه التجاري الذي يتغلغل �أكرث ف�أكرث يف م�رسحنا العربي ،وهناك عودة اىل امل�رسح الديني
الإبداع
ر�صد حركة امل�رسح يف الأعوام الأخرية ،نلحظ كرثة اللجوء �إىل نوع املونودراما وم�رسح ال�صوت الواحد ،ونلحظ اجلديد على م�ستوى لغة التعبري ،من ج�سد وحركة ،واللجوء �إىل �أ�شكال تعبري جديدة ما بعد حداثية ،وهذا ما جنده يف لبنان ما بعد احلرب الأهلية ب�شكل ملمو�س ،ويف بع�ض الدول العربية الأخرى مثل تون�س وم�رص واملغرب و�سوريا .وبالتايل ال يجب املزج بني هذا التوجه والتوجه الآخر الذي �سبقه ورمبا م ّهد له ،وهو «التجريب» الذي مهرجان يف م�رص هو مهرجان خ�ص�ص له ٌ ُي ّ امل�رسح التجريبي! لكن ال�س�ؤال هو هل حقّقنا احلداثة لننتقل �إىل مرحلة ما بعد احلداثة؟ مقابل عرو�ض الربفورمان�س وعرو�ض التجهيزات التي تبتعد عن مبد�أ احلكاية املبنية واملت�سل�سلة ،وت�ستند �أ�ص ًال �إىل عالقة مغايرة وجديدة بالواقع (ب�رصف النظر عن مدى تنا�سبها مع هذا الواقع) ،ومقابل انتفاء اخل�صو�ص ّية امل�رسحية على م�ستوى الن�ص والعر�ض يف �آن واحد ،مقابل هذا، هناك اجتاهات يف امل�رسح العربي تعبرّ عن نو�ستاليجا عالية مثل امل�رسح الرومان�سي الذي عاد ليظهر .وهناك �أي�ض ًا االجتاه التجاري الذي يتغلغل �أكرث ف�أكرث يف م�رسحنا العربي ،وهناك عودة اىل امل�رسح الديني واجلديد منه هو امل�رسح الذي يعبرّ عن اجتاهات «�إ�سالموية» عربية ويتب ّناه بع�ض الأحزاب ال�سيا�سية. يف جانب �آخر ،تبدو الأزمة جل ّية من خالل ظاهرة تراجع الكتابة للم�رسح ،فتح ّول �أغلب الك ّتاب ال�شباب منهم والكهول �إىل الكتابة للتلفزيون لأ�سباب مادية� ،أو �أنهم يكتبون للعر�ض فقط وبت� ّرسع ،ن�ستنتج من كمية العرو�ض التي يكتبها خمرجوها� ،أن الن�ص العربي �أ�صبح قا�رصاً عن التعبري كما يريد �أن يقوله اجليل اجلديد ،والن�ص امل�رسحي املطبوع ب�شكل م�ستقل عن العر�ض �أ�صبح نادراً �أي�ض ًا .كما تنعك�س الأزمة على م�ستوى البنى امل�رسحية باملعنى الوا�سع للكلمة ،وهي تظهر يف العالقة املـ�أزومة مع امل� ّؤ�س�سة (مهما
كان نوعها) والتي ُيفرت�ض بها �أن ترعى امل�رسح ،وهي تظهر يف �ضعف البنى التحتية املخ�ص�صة للعرو�ض للم�رسح وقلّة الف�ضاءات ّ امل�رسحية.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 398للتنمية الثقافية
خم�سة �أعمال م�رسحية مين ّية لك ّتاب �شباب� ،أمناط �إنتاج
ثمة �إ�شكالية �أ�سا�سية وا�ضحة لدى امل�ؤ�س�سات امل�رسحية تتجلى يف اهرتاء البنى الثقافية التي ت� ّرشع لوجود امل�رسح يف املجتمع ،فقد باتت املنظومات الإدارية (واملالية)، املوروثة من حقبة �سابقة ،جامدة، كما �أن هناك حماولة م�ستمرة للرقابة على حرية التعبري� .إ�ضافة �إىل ذلك، ف�إن امل�رسح العربي اليوم يعاين من �أزمة حا ّدة تتعلق بالتمويل والرعاية، وبالعالقة بني الدولة وامل�رسح.
تتوىل دائرة الثقافة والإعالم يف حكومة ال�شارقة طباعتها ون�رشها يف جميع الأقطار العربية .وامل�رسحيات هي :الألفية الثالثة لعبلة عبد ربه الهيثمي ،يوم املكال الدامي ملنري طالل، مرياث هادي لوجدي الأهدل ،عودة �سيف بن ذي يزن لعبد العزيز عبا�س ،عبد يغوث لإبراهيم ال�شا�ش .وتربز يف هذه الن�صو�ص موا�ضيع جديدة مل يتطرق �إليها جيل الآباء نهائي ًا ،ت�ضع «الأنا» اجلائعة امل�ضطربة ال�ضائعة (اجلن�س، اال�ستقرار ،الزواج ،العنف ،الرف�ض ،الهجرة، ال�سفر ،الندم) يف قلب هذا العامل املعقّد (خالف ًا جليل الآباء الذي غ ّيب الأنا متام ًا وحاول طرح ق�ضايا عامة)� .إن امل�شاكل املطروحة يف �أغلب الن�صو�ص والعرو�ض اليوم هي م�شاكل يومية معي�شية وهي خا�صة �أكرث منها عامة ،لكنها ت�صب يف م�شاكل املجتمع ككلّ .وعلى الرغم من ّ �أن الق�ضايا املطروحة �أحيان ًا ُتعبرّ عن م�شاكل جيل ب�أكمله� ،إال �أن طرق طرحها ت�أتي يف �إطار �ض ّيق �إىل ح ّد كبري .لكن تبقى امل�شكلة الأ�سا�سية التي تعاين منها �أغلب الن�صو�ص اليوم هي اعتمادها �أفكاراً جديدة ،لكن �أغلبها ي�أتي يف قوالب قدمية فتفقد بذلك ر�سالتها وهويتها� .إن �أغلب هذه الن�صو�ص حتاول �أن تكون ثورة على القيم املوجودة� ،سواء يف اختيار املو�ضوع �أم يف �شكل التعبري عنه ،بينما تغيب نهائي ًا حماولة تف�سري �أ�سباب هذا ال�ضياع �أو ربط م�شكلة الأنا والأنا والآخر مبا هو �أو�سع من هام�ش ت�صوير امل�شكلة ،واخلروج �إىل ما يتجاوزها من �سياق اجتماعي �أو �سيا�سي �أو غريه .فهل العامل الذي نعي�ش فيه اليوم متعذّر الفهم �إىل هذا احل ّد لكي نقف عند حد طرح الأ�شياء من دون حماولة فهمها �أو م�رسحتها؟ ما هو م ّربر املبا�رشة يتفجر؟ مباذا الفجة �إىل هذا احل ّد؟ �أهو غ�ضب ّ ّ يختلف �إن�سان اليوم عن �إن�سان البارحة؟ ثم مباذا نف�سرّ �أي�ض ًا ميل الأجيال ال�شا ّبة نحو ا�ستخدام اللغة املحكية يف امل�رسح ؟ �أهو قرار فني جمايل؟ �أو مزيد من الواقعية؟ �أو هو ت�أثري لغة التلفزيون؟ �أو االثنني مع ًا؟
ثمة �إ�شكالية �أ�سا�سية وا�ضحة لدى امل�ؤ�س�سات امل�رسحية يف بع�ض الدول العربية، ويبدو هذا الو�ضع متفاقم ًا يف الدول التي كان لها الأ�سبقية يف جمال امل�رسح ،مقارنة بالدول التي عرفت امل�رسح و� ّرشعته يف مرحلة الحقة. وتتجلى تلك الإ�شكالية يف اهرتاء البنى الثقافية التي ت� ّرشع لوجود امل�رسح يف املجتمع ،فقد باتت املنظومات الإدارية (واملالية) ،املوروثة من حقبة �سابقة ،جامدة ،كما �أن هناك حماولة م�ستمرة للرقابة على حرية التعبري� .إ�ضافة �إىل ذلك ،ف�إن امل�رسح العربي اليوم يعاين من �أزمة حا ّدة تتعلق بالتمويل والرعاية ،وبالعالقة بني الدولة وامل�رسح. �إن �أغلب الدول العربية تب ّنت بعد اال�ستقالل نوع ًا من الهيكلية الثقافية ،ونق�صد بذلك �شكل تنظيم العالقة بني الدولة وامل�ؤ�س�سة الثقافية والأفراد مبا يتنا�سب و�سيا�ستها العامة. مناذج �أو �أطراً موجودة وا�ستعارت بع�ض الدول َ يف العامل ،وقامت الدول الأخرى بتطبيق ما مت �سابق ًا يف الدول التي كان لها دور الريادة. ّ ومن هذه النماذج منوذجان ي�شكّالن ح ّدين مت تبنيهما يف ال�ستينيات من القرن �أق�صيني ّ املا�ضي ،الأ ّول هو النموذج ال�رشقي ملنظومة دول االحتاد ال�سوفييتي �سابق ًا ،حيث تكون امل� ّؤ�س�سة الثقافية تابعة كلي ًا للدولة التي تق ّدم الرعاية املادية ،وت�رشف على ال�سيا�سة الثقافية من دون � ّأي هام�ش ا�ستقاليل للم� ّؤ�س�سة بح ّد ذاتها (�سوريا ،العراق ،م�رص ،اجلزائر حتى الت�سعينيات من القرن املا�ضي) ،وهو قانوني ًا ما زال �ساري املفعول حتى الآن ،ف�أنتجت �أطراً لها ت�سميات تب ّنت العمليات الثقافية ب�أنواعها ومنها امل�رسح والفنون� .أما النموذج الثاين فهو النموذج الغربي ،ال �سيما الفرن�سي ،حيث توجد ع ّدة �أ�شكال من الرعاية ،وهناك م� ّؤ�س�سات ثقافية تابعة ب�شكل كامل مل� ّؤ�س�سات الدولة كالوزارات �أو الهيئات العامة للثقافة ،وهناك �أ�شكال رعاية �أخرى ت�أتي على �شكل منح من الدولة �أو من خارجها ،تف�سح يف املجال ب�شكل
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 399
حلول وجتارب
• يف تون�س و�ضعت يف ثمانينيات القرن املا�ضي (�أعيد النظر بها بعد ذلك يف الت�سعينيات ثم يف 2003ويف )2008وثيقة تفكري حتت عنوان من �أجل م�رشوع ثقايف �أع ّدتها جمموعة من اخلرباء و�أر�سلت �إىل املجل�س الأعلى للثقافة .وقد و�ضعت �آلية متويلية للثقافة ُ�س ّميت �صندوق العمل الثقايف
الإبداع
�أكرب حلرية الف�ضاء الثقايف على الرغم من وجود الدعم وا�ستقالليته ،وهذا ما جنده يف بلد مثل تون�س .وقد عادت هذه الدول وتب ّنت يف ما بعد �إ�صالحات على هذا النموذج كما يف الدول الأوروبية بعد الت�سعينيات من القرن املا�ضي. هناك حالة ثالثة خمتلفة برزت يف ما بعد، تق ّدم فيها الدولة الرعاية املادية لفنون من منطق خمتلف (دول جمل�س التعاون اخلليجي)، وهناك ا�ستثناء عن هذه القاعدة (حالة امل�رسح الّلبناين مث ًال وتبدو الرعاية يف ح ّدها الأدنى �أو معدومة). بقيت هذه الأمناط من التنظيم والإنتاج �سائدة وف ّعالة حتى الثمانينيات من القرن املا�ضي ،لكن بع�ض اخللل بد�أ بالظهور لديها نتيجة عجزها عن تطوير نف�سها ،بحيث مل تتمكّن من جماراة التح ّوالت اجلوهرية التي ح�صلت على امل�ستوى العاملي كانفتاح �سوق الإنتاج الثقايف (ما هي ميزانية �إنتاج م�رسحية اليوم؟) وهناك مك ّونات غري حملية بد�أت بالت�أثري ب�شكل مبا�رش� .إن هذا العجز م�س الثقافة ب�شكل جوهري ،وبد�أت النتائج ّ بالظهور على �شكل تخلّف من حيث القوانني (هل هناك فع ًال حقوق للم�ؤلف؟) ومع افرتا�ض النوايا احل�سنة على امل�ستوى الر�سمي� ،إال �أنه مت�س �شكل ال ب ّد من القيام بتغيريات جوهرية ّ تنظيم العالقة بني الثقافة وامل� ّؤ�س�سة والثقافة والأفراد .لكن مع الأ�سف ،يف �أغلب الأحيان مل تت ّم مثل هذه املراجعة ال�رضورية على امل�ستوى العملي واملحلي ،لذلك فقدت الهيكليات والبنى املوجودة جزءاً من فعاليتها .
يعطي منح ًا لدعم الإنتاج الثقايف وي�ساعد على ن�رش وتوزيع الأعمال الثقافية .ويت�شكّل مورد هذا ال�صندوق من �رضائب على الأعمال والعقود ،وقد كان له �أثر كبري يف ازدهار العمل الثقايف يف البالد ،لكن هذا الدعم �أ�صبح حمدوداً منذ بداية الت�سعينيات بعد ظهور تعقيدات �إدارية متنوعة �أعاقت تطوره .ويف الأعوام 1996-1992ثم 2001-1997فُتح املجال �أمام القطاع اخلا�ص لال�ستثمار يف كل قطاعات الثقافة :مو�سيقى ،فنون ت�شكيلية، م�رسح ،تلفزيون� ،سينما ...و�أُعفي هذا القطاع من ال�رضائب مع ا�ستمرار خ�ضوعه للرقابة الر�سمية .وبذلك فتحت الدولة الباب �أمام ا�ستثمار القطاع اخلا�ص ليوظّ ف �أمواله على �شكل ا�ستثمار ت�سويقي. • يف الأردن يت ّم دعم بع�ض امل�ؤ�س�سات الفنية (الفرق والتجمعات) من خالل وزارة الثقافة� ،إ�ضافة �إىل بع�ض الدعم من البلديات (تعترب بلدية عمان � -أمانة عمان -من �أن�شط البلديات يف املنطقة على م�ستوى الدعم الثقايف) ،لكن يف املح�صلة يبقى هذا الدعم حمدوداً للغاية وال يكفي لدعم �أي �أن�شطة لها طابع اال�ستمرارية ت�سمح ببناء هياكل ثقافية ثابتة ،فهي تتعامل مع منا�سبات ولي�س مع �أطر ثابتة ،وال ت�ستطيع � ّأي م� ّؤ�س�سة �أن تعتمد يف �أن�شطتها على هذا الدعم ب�شكل تلقائي. • يف لبنان تق ّدم وزارة الثقافة دعم ًا حمدوداً للغاية لبع�ض امل�رشوعات الثقافية وب�شكل غري دوري ،ويف �أحيان نادرة دعمت يف ال�سنوات الأخرية �سفر بع�ض الفرق للم�شاركة يف مهرجانات �إقليمية يف حال �سمحت امليزانية بذلك ،وتعتا�ش الثقافة على دعم جهات متع ّددة لكنها غري ثابتة ولي�س لها � ّأي هدف �أو عالقة بالثقافة. • يف م�رص وكذلك يف �سوريا وغريها من الدول العربية ،تقوم وزارة الثقافة بدعم الأجهزة والهيئات التابعة لها فقط (مديرية امل�سارح واملو�سيقى ،هيئة امل�رسح ،قطاع الثقافة اجلماهريية ،هيئة ق�صور الثقافة ،دار مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 400للتنمية الثقافية
الأوبرا�..إلخ ) .ومع بداية الت�سعينيات بد�أت يف م�رص حماولة لإن�شاء �آليات بديلة مثل �صندوق التنمية الثقافية التابع للوزارة ،الذي �أ�صبح ب�سبب امل�صاعب الإدارية يقوم تدريجي ًا بدعم �أن�شطة تابعة للدولة ب�شكل �أو ب�آخر. تو�ضح هذه الأمثلة �أن التح ّوالت مل ت�أت مت�ساو يف كل دول العامل العربي ،و�أن ب�شكل ٍ التجديد نادر واخللل يظهر ب�شكل �أو�ضح عندما يتعلق الأمر بالأجيال اجلديدة ال�شا ّبة ،وغالب ًا ال توجد برامج ت�سمح لهم بدخول ال�ساحة امل�رسحية� ،أو �أنها موجودة وتعاين من اخللل (م�رص)� ،أو يف جماالت فنية ثقافية جديدة مل تكن معروفة �سابق ًا .وعلى الرغم من وجود حراك يف مناطق عديدة لتجاوز الأزمات� ،إال �أن هذا احلراك مل ي�ساعد بال�رضورة على جتاوز الأزمة كونها �أزمة بنيوية.
التمويل اخلارجي
�إىل جانب التمويل الرئي�سي وهو متويل الدولة ،هناك ظاهرة التمويل عرب م� ّؤ�س�سات تناه�ض الهيمنة الثقافية وت�سليع الفنون وتوفّر اخلدمات للمبدعني ،وهي م�ؤ�س�سات حملية دولية �أو �إقليمية :خالل ال�سنوات اخلم�س ع�رشة الأخرية ولأ�سباب مو�ضوعية وحملية ،من بينها التطور التكنولوجي وظهور الفن املفهومي، ولأ�سباب لها عالقة بالظروف ال�سيا�سية واحلروب يف املنطقة وما تالها من حركات هجرة �أ ّدت �إىل تزايد اهتمام الغرب بق�ضايا مثل الهجرة والإرهاب والتنمية وغريها ،وفّرت البنى الأورومتو�سطية والأجنبية فر�ص ًا غري م�سبوقة للتمويل والتدريب والتجوال والإنتاج امل�شرتك وللقاء جمهور جديد .وقد �أ ّدى ذلك قانوني ًا ومالي ًا �إىل خلق فر�ص جديدة للتنظيم والعمل خارج الأطر احلكومية يف املنطقة العربية (حالة امل�رسح الفل�سطيني واللبناين). ويتكاثر عدد املنظمات واجلمعيات ال�شبابية امل�ستقلة ،التي تتيح ف�ضاءات للقاء جمهور جديد وا�ست�ضافة تظاهرات وفعاليات متعلقة ببنى غري ر�سمية وغري جتارية .وعلى امل�ستوى
الإقليمي يوجد �صندوق ال�شباب العربي وال�صندوق العربي للثقافة والفنون ،وهذا الأخري له طابع عربي مركزه ع ّمان .ويف م�رص مث ًال ،يوجد �صندوق روبرت �شيميتو املخت�ص بتنقالت الأفراد �أو ا�ستوديو عماد الدين (ف�ضاء خا�ص) املخت�ص بت�أمني �أماكن تدريب ويقيم دورات تدريبية ،و�أي�ض ًا م�ؤ�س�سة املورد الثقايف ( م�ؤ�س�سة لها طابع �إقليمي لدعم ال�شباب) تعطي متوي ًال حمدوداً مل�شاريع و�أن�شطة ثقافية وتقيم م�شاريع تدريبية ،وهي �أ�صدرت برناجم ًا العام املا�ضي حتت عنوان مواعيد يهت ّم بتمويل املخت�صة انتقال الفرق ،وفرقة �ساقية ال�صاوي ّ ب�إتاحة ف�ضاءات العر�ض وغريها.
ثاني ًا -حركة امل�رسح يف الدول العربية امل�رسح امل�رصي
امل�رسح يف جهورية م�رص العربية من �أه ّم و�أقدم امل�سارح العربية و�أكرثها ح�ضوراً على م�ستوى املجتمع ،وله و�ضع خا�ص و�أ�شكال متنوعة من امل�رسح التقليدي �إىل امل�رسح التجريبي �إىل �أ�شكال العر�ض الأخرى (رق�ص وم�رسح راق�ص �إىل �أ�شكال �أكرث حداثة �إىل م�سارح جتارية تعتمد وجود النجم) .توجد �أي�ض ًا م�سارح عديدة يف العا�صمة واملدن تعر�ض الكربى مثل الإ�سكندرية .عام ّ 2008 دمره امل�رسح القومي يف القاهرة حلريق هائل ّ فكانت خ�سارة كبرية ،وبناء امل�رسح القومي له داللة �أكرب من كونه عمارة م�رسحية ،لذا نرى مث ًال� ،أن ناقدة مثل الدكتورة نهاد �صليحة عندما تق ّيم و�ضع امل�رسح امل�رصي خالل العام املن�رصم ،تبد�أ بذكر هذا احلريق لرمزيته ولت�صل �إىل الإ�شكاالت التي يعاين منها هذا امل�رسح (الأهرام الإنكليزية .)Ahram Weekly
البدايات
بدايات امل�رسح يف م�رص كانت مت�أثّرة بامل�رسح الذي كان موجوداً بني اجلاليات الأجنبية ،وبامل�سارح الأوروبية التي اطّ لع عليها بع�ض املثقفني يف فرن�سا بالتحديد .لقد
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 401
الإبداع
دخل امل�رسح احلياة العامة كجزء من حركة مت افتتاح دار الأوبرا امل�رصية النه�ضة ،و ّ عام 1869بالتزامن مع افتتاح قناة ال�سوي�س كظاهرة مدنية .وظهر امل�رسح يف نهايات القرن التا�سع ع�رش على ي ّد يعقوب �ص ّنوع ،الذي كان م�رسحه واقعي ًا هزلي ًا ،على خالف ن�ش�أة امل�رسح يف بالد ال�شام ،الذي اعتمد يف البداية على الرتاث ل�صياغة حكاياته (القباين ونقّا�ش). بعد ذلك تط ّور امل�رسح يف م�رص ب�رسعة �شديدة وانغر�س يف املجتمع ،ومل يعرف انقطاعات كغريه من امل�سارح .ا�ستفاد امل�رسح يف م�رص من هجرة امل�رسحيني من �سوريا ولبنان ،ويف مرحلة مبكرة ظهرت الفرق امل�رصية وكانت م�ستقلة وال تلقى دعم ًا من الدولة. مت ت�أ�سي�س �أول م� ّؤ�س�سة عام ّ 1930 تعليمية م�رسحية هي كون�رسفتوار الفن الدرامي يف القاهرة .ويف الثالثينيات �أي�ض ًا الك�سار ظهرت الفرق الكوميدية مثل فرقة علي ّ وفرقة جنيب الريحاين ،وكانت هذه الفرق تق ّدم عرو�ض ًا للرتفيه ب�شكل �أ�سا�سي .باملقابل ظهر امل�رسح اجلا ّد الذي قام على اقتبا�س الن�صو�ص العاملية .يف الأربعينيات ،وحتديداً عام ،1944 مت حتويل كون�رسفتوار الفن الدرامي �إىل املعهد ّ العايل لفن التمثيل .مع نهاية الأربعينيات وبداية اخلم�سينيات ظهر عدد من الك ّتاب الذين بد�أوا بكتابة امل�رسح ال�سيا�سي (نعمان عا�شور وميخائيل رومان) ،وتبلور هذا االجتاه ب�شكل خا�ص بعد ثورة يوليو .1952يف ال�ستينيات بد�أت دعوات ت�أ�صيل امل�رسح يف م�رص ويف عدة دول عربية �أخرى ،وكان هناك بحث يف الرتاث (م�رسح ال�سامر مع يو�سف �إدري�س وحممود دياب) ،ويف هذه املرحلة �أي�ض ًا عادت جمموعة من املخرجني ال�شباب الذين در�سوا امل�رسح يف �إيطاليا (كرم مطاوع و�سعد �أرد�ش وغريهما) ،وكان لهم �أثر بالغ يف تطوير فن العر�ض امل�رسحي يف م�رص ،وتنامى �أي�ض ًا امل�رسح ال�شعري الذي كان موجوداً بالأ�صل (�صالح عبد ال�صبور وعبد الرحمن ال�رشقاوي). مت عام 1962ت�أ�سي�س �أكادميية الفنون كذلك ّ
كم� ّؤ�س�سة علمية �ض ّمت عدداً من املعاهد العليا املتخ�ص�صة يف الدرا�سات الفنية ،ومن �ضمنها املعهد العايل للفنون امل�رسحية .وعلى الرغم من ذلك ،بقي االجتاه الأن�شط والأكرث ح�ضوراً يف امل�رسح امل�رصي هو امل�رسح التجاري الكوميدي ،وقد تنامى اعتماد هذا امل�رسح على وجود النجم ،وكان الأبرز بني جنوم هذا امل�رسح عبد املنعم مدبويل وف�ؤاد املهند�س و�أبو بكر عزت وحممد عو�ض ،وا�ستمر هذا االجتاه بعد ذلك مع عادل �إمام و�سعيد �صالح و�سمري غامن وغريهم. هناك ثالثة مراكز ثقل ت�رشف على امل�رسح و�إنتاجه يف م�رص هي :امل� ّؤ�س�سات الر�سمية التابعة لوزارة الثقافة ،الثقافة اجلماهريية املوجودة يف املحافظات ،الفرق امل�ستقلة. ومن املفيد النظر �إىل �آلية عمل الفرق امل�ستقلة وطريقة دعمها واملنابر التي تتم ّتع بها لتقدمي عرو�ضها. �إن الهيئة امل�س�ؤولة عن امل�رسح يف م�رص هي وزارة الثقافة من خالل البيت الفني للم�رسح ،وهو املديرية امل�س�ؤولة عن جميع الأن�شطة امل�رسحية يف م�رص ،وهي �أي�ض ًا هيئة �إنتاجية لعرو�ض م�سارح الدولة، با�ستثناء هيئات تتمتع با�ستقاللية جزئية من �أهمها :دار الأوبرا امل�رصية وم�رسح الهناجر ومركز الإبداع والهيئة العامة لق�صور الثقافة والثقافة اجلماهريية� .إن الهيئة العامة لق�صور الثقافة (هيئة حكومية م�س�ؤولة عن عدد من املراكز الثقافية املنت�رشة يف عدد كبري من املدن امل�رصية) هي هيئة تهتم ب�إنتاج عدد من الأن�شطة الثقافية كاحلفالت املو�سيقية والعرو�ض امل�رسحية� ،إىل جانب كونها تن�رش املطبوعات وعدداً من الدوريات ،وال ميكن تقييم العرو�ض التي تنتجها ،لكنها حا�رضة بكثافة يف احلياة الثقافية يف املحافظات. هناك �أي�ض ًا الهيئة العامة لدار الأوبرا امل�رصية ،وهي جت ّمع لعدد من امل�سارح يف القاهرة والإ�سكندرية ،تقوم ب�إنتاج احلفالت املو�سيقية والعرو�ض الأوبرالية� ،أما العرو�ض مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 402للتنمية الثقافية
غري الأوبرالية التي تقام على هذه امل�سارح، فهي تقام غالب ًا بالتعاون مع جهة �إنتاجية �أخرى وخ�صو�ص ًا البيت الفني للم�رسح. م�رسح الهناجر ومركز الإبداع يف القاهرة، مركزان بد�أ ن�شاطهما يف الت�سعينيات لدعم الأن�شطة امل�رسحية والثقافية للأجيال ال�شابة، و�إنتاج العرو�ض امل�ستقلة للفرق ال�صغرية. لكن م�رسح الهناجر �أ�صبح ميلك فرقة با�سمه، مت فر�ض �رشوط معينة على العرو�ض ويبدو �أنه ّ القابلة للإنتاج ،الأمر الذي �أ ّدى �إىل حمدودية الإنتاج يف ال�سنوات الأخرية� ،إىل جانب �إغالق امل�رسح لفرتة طويلة ب�سبب الإ�صالحات. ويتم ّتع املركزان مبيزانية م�ستقلة وحمدودة، وعادة ما يقيمان العرو�ض بالتعاون يف ما بينهما �أو مع البيت الفني للم�رسح� .إىل جانب هذا يقيم مركز الإبداع دورات تدريبية معتمدة يف الإخراج والتمثيل والكتابة امل�رسحية، حيث �أُن�شئت داخل املركز مدر�سة م�رسحية منذ ثالث �سنوات من قبل خالد جالل وهو تابع لوزارة الثقافة مبا�رشة .ق ّدم جالل يف العام تخرج يف 2008م�رسحية قهوة �سادة كم�رشوع ّ املدر�سة داخل مركز الإبداع ،وحت ّول �إىل ا�سم المع يف اخلريطة امل�رسحية امل�رصية .بعد ذلك ُق ّدمت امل�رسحية با�سم فرقة �صندوق التنمية الثقافية يف مهرجان القاهرة التجريبي لعام 2008وحازت على جائزة �أح�سن �إنتاج .ولف�ضاء الهناجر يف القاهرة ف�ضل يف ا�ستمرارية حركة امل�رسح امل�ستقل وهو م�رسح ال�شباب ،ويق ّدم دعم ًا مادي ًا ومعنوي ًا على �شكل منح ت�أ�سي�سية. البيت الفني للفنون ال�شعبية ،هو هيئة تابعة لوزارة الثقافة ت�رشف على الفرق الرتاثية ومن بينها الفرق املو�سيقية والراق�صة� ،إىل جانب الفنون ال�شعبية الأخرى ،وتنتج بع�ض العرو�ض امل�رسحية القائمة ب�شكل مبا�رش على الفنون الرتاثية .ومن الهيئات احلكومية الأخرى التي تقوم ب�إنتاج العرو�ض امل�رسحية املعهد العايل للفنون امل�رسحية ،وهو م�ؤ�س�سة خرج تعليمية م�رسحية �أ�سا�سية يف م�رصُ ،ت ّ �سنوي ًا عدداً من الطلبة ،واملعهد موجود يف
القاهرة و له فرع يف الإ�سكندرية .ميلك بع�ض اجلامعات احلكومية برامج لدرا�سة امل�رسح تابعة لكليات الآداب مثل جامعات القاهرة، عني �شم�س ،حلوان ...ومنذ حو�إىل ع�رش �سنوات يقوم �أي�ض ًا �صندوق التنمية الثقافية وهو هيئة حكومية لتمويل الأن�شطة الثقافية بتمويل عرو�ض من �إنتاج م�سارح الدولة. تقوم بع�ض الهيئات احلكومية الأخرى نادراً برعاية �أو متويل عرو�ض و�أن�شطة م�رسحية ملوظفيها ،ومن الهيئات التي تقوم بتمويل هذا النوع من الأن�شطة ،وزارة النفط ووزارة ال�شباب التي مت ّول عرو�ض ًا و�أن�شطة م�رسحية �شبابية. كذلك تقوم بع�ض ال�رشكات اخلا�صة امل�س�ؤولة عن قطاعـات اقت�صاديـة وخـدمـاتية كربى، ب�إنتاج بع�ض العرو�ض امل�رسحية �أحيان ًا ،مثل امل�رصية لالت�صاالت (�رشكة خا�صة ب�إ�رشاف وزارة االت�صاالت). املتخ�ص�صة هناك بع�ض الهيئات اخلا�صة ّ ب�إنتاج الأن�شطة الثقافية ورعايتها من �أهمها، املورد الثقايف (الذي يق ّدم عرو�ضه يف م�رسح اجلنينة) و�ساقية عبد املنعم ال�صاوي وم�رسح روابط (حممد عبد الف ّتاح وفرقته ،فرقة حالة) وا�ستوديو عماد الدين (�أحمد العطّ ار) وفرقة الور�شة (ح�سن اجلريتلي) ،وكلها م� ّؤ�س�سات غري حكومية تعمل ب�شكل م�ستقل ،وت�ستند مالي ًا �إىل دعم متن ّوع امل�صدر حملي �أو خارجي. ويتعاون بع�ض هذه الهيئات مع ًا ،ويرعى بع�ضها مهرجانات �أو تظاهرات م�رسحية، رمبا �أن�شطها يف هذا املجال �ساقية عبد املنعم ال�صاوي واملورد الثقايف. الفرق امل�رسحية التابعة للدولة ت�ستق ّر يف �صاالت م�سارح م�سماة با�سمها ،ونادراً ما تعترب هيئات م�رسحية م�ستقلة بح ّد ذاتها ،وغالب ًا ما تكون عرو�ضها من �إنتاج البيت الفني للم�رسح، و�أه ّم هذه الفرق :امل�رسح القومي ،م�رسح الطليعة، م�رسح ال�سالم ،م�رسح الغد ،م�رسح ال�سامر، امل�رسح احلديث ،م�رسح ال�شباب ،م�رسح اجليب.. توجد جمموعة من الفرق امل�رسحية اخلا�صة التي بد�أت ت�شكّل اجتاهها املتم ّيز
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 403
الدوريات امل�رسحية هي:
ت�صدر من م�رص ع ّدة دوريات م�رسحية
املهرجانات
يقام �سنوي ًا عدد كبري من املهرجانات �أه ّمها :مهرجان القاهرة الدويل للم�رسح التجريبي الذي تقيمه وزارة الثقافة ،بد�أ يف الت�سعينيات وله مدير ثابت �أو �شبه ثابت. ي�ستقبل هذا املهرجان عرو�ض ًا جتريبية م�رصية وعربية و�أجنبية وفيه م�سابقة وجوائز ،وهو ينطلق يف بداية �شهر �أيلول �سبتمرب من كل عام وله �إ�صداراته امل�رسحية �سنوي ًا ،وهي �إ�صدارات هامة تتمحور حول امل�رسح العاملي .و�إذا نظرنا ّ �إىل قائمة امل�رسحيات امل�شاركة يف املهرجان لعام 2008جند �أن العرو�ض امل�رصية و�صلت �إىل خم�سة ع�رش عر�ض ًا م�رسحي ًا تقريب ًا وهي متفاوتة امل�ستوى� ،أما عدد العرو�ض العربية فقليل جداً ن�سب ًة للعرو�ض الأجنبية� .أما الندوة الفكرية لعام 2008فكانت حتت عنوان امل�رسح امل�ستقل :جتلياته الفنية والفكرية ومع�ضالت ا�ستمراره .وت�ض ّمنت الندوة ثالثة حماور هي: «من�ش�أ ومفهوم امل�رسح امل�ستقل يف العامل»، «امل�رسح امل�ستقل وجتلياته الفنية والفكرية»، «امل�رسح امل�ستقل ومع�ضالت وم�شكالت ا�ستمراره». كما تنظّ م وزارة الثقافة املهرجان القومي للم�رسح ،وهناك مهرجانان م�رسح ّيان خم�ص�صان للمعهد العايل للفنون امل�رسحية ّ لعرو�ض الطالب ،الأول هو مهرجان امل�رسح العربي ويقام يف �شهر كانون الأول من كل عام ،والثاين مهرجان امل�رسح العاملي ويقام يوم � 27آذار �سنوي ًا .م ّدة كل مهرجان �أ�سبوع �إ�ضافة �إىل تنظيم مهرجان م�رسح الطفل. الفرق امل�ستقلة لها �أي�ض ًا مهرجان �سنوي يف
الإبداع
يف امل�رسح امل�رصي ،وهي تقوم ب�إنتاج عرو�ضها ب�شكل م�ستقل �أو برعاية من جهات �إنتاجية م�ستقلة .من �أه ّم هذه الفرق الور�شة وجمموعة حالة مل�رسح ال�شارع .لقد كان الف�ضل ملنحة البطراوي الناقدة ال�صحفية يف الأهرام يف �إ�شعال ال�رشارة الأوىل لفكرة �إقامة بديل ملهرجان امل�رسح التجريبي حني �ألغي عام 1990بعد غزو العراق للكويت� ،إذ نظمت اجتماع ًا يف نقابة املهن التمثيلية يف � 23أكتوبر 1990دعت �إليه �أن�صار الفكرة، احلرة يف م�رص ،وكان الهدف من وولدت الفرق ّ وراء ذلك �إيجاد خيار ثالث غري م�رسح الدولة الر�سمي وامل�رسح اخلا�ص التجاري. يقوم بع�ض امل�ؤ�س�سات اجلامعية ب�أن�شطة م�رسحية ،من �أهمها اجلامعة الأمريكية التي تقوم ب�إنتاج عرو�ض م�رسحية باللغتني العربية والإنكليزية� ،إىل جانب رعايتها لأن�شطة م�رسحية م�ستقلة من خالل تقدمي مكان العر�ض ،حيث متلك اجلامعة �صالة ا�سمها ( )Howard Theateت�ست�ضيف العرو�ض اخلا�صة عادة .يف العام 2008ا�ست�ضافت هذه ال�صالة عدداً من العرو�ض ،لكن بعد انتقال اجلامعة �إىل مبناها اجلديد �صيف عام 2008 مل تتوفّر معلومات عن �أن�شطة م�رسحية من هذا النوع .وهناك �أي�ض ًا يف املنيا ويف مدينة الإ�سكندرية مراكز للجزويت تدعم امل�رسح وت�ستقبل عرو�ض ًا وور�شات عمل ولديها ما ي�س ّمى ف�ضاء بديل ،هو عبارة عن مر�آب ي�ستقبل العرو�ض امل�رسحية. هناك م�سابقات للت�أليف امل�رسحي و�أخرى �أدبية فيها جانب للت�أليف امل�رسحي� ،أه ّمها جائزة حممد تيمور للت�أليف امل�رسحي التي تق ّدمها الهيئة امل�رصية العامة للكتاب ،وجائزة �إبداعات ال�شباب التي ت�شمل جائزة �أف�ضل كاتب م�رصي �شاب.
جملة امل�رسح :ت�صدر عن الهيئة امل�رصية العامة للكتاب. جريدة م�رسحنا :ت�صدر عن الهيئة العامة لق�صور الثقافة مب�رص. هناك �أي�ض ًا جملة م�رسحية غري منتظمة ال�صدور ،ت�صدر عن املعهد العايل للفنون امل�رسحية خالل مهرجانات املعهد.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 404للتنمية الثقافية
القاهرة حتت عنوان حم ّدد ،وقد ميتد ملدة طويلة (عام 2008ا�ستمر ل�شهرين) ويقام يف مركز الهناجر ،ويالحظ �أن �أعمال هذه الفرق متفاوتة امل�ستوى. مهرجان الإ�سكندرية وهو م�ستقل تابع ملكتبة الإ�سكندرية ،يقام يف �شهر �شباط من كل عام ،وهو مهرجان للم�رسح امل�ستقل يق ّدم ندوات وور�ش عمل ،حيث تعقد املكتبة �رشاكات مع جمعيات �أهلية لتمويل الن�شاطات التي تق ّدمها ،ويكون املهرجان منا�سبة الجتماع الهيئات املم ّولة العربية وغري العربية. وعلى الرغم من غنى كل هذه الأطر وتن ّوعها التي تدمج بني امل�سارح التابعة للقطاع العام وتلك الأخرى امل�ستقلة ،وعلى الرغم من وجود �أ�شكال دعم مايل متن ّوع� ،إال �أن امل�رسح يف م�رص يعاين من �أزمات ع ّدة� ،أه ّمها تلك التي تتعلق مب�ستوى ما ينتج من عرو�ض وخ�صو�ص ًا يف القطاع العام ،ومنها ما يتعلق ب�إمكانية اال�ستمرار للفرق ال�شابة التي ال تتمتع نهائي ًا بدعم حمدود ملدة ق�صرية بالدعم� ،أو تتمتع ٍ وب�إمكانيات هذه الفرق لتطوير نف�سها .نذكر مث ًال من جممل عدد الفرق امل�ستقلة ( 20فرقة) يف البداية ،بالإ�ضافة �إىل املخرجني اجلدد، يف حني توجد اليوم �أربع فرق فقط حظيت بامكانية الدميومة والبحث وهي( :عفت يحيى، نورا �أمني ،هاين املتناوي ،عزة احل�سيني). لقد حاول ه�ؤالء يف ال�سنوات املا�ضية تطوير �أدواتهم عرب دمج امل�رسح بالفنون الأخرى من رق�ص ومولتي ميديا (م�رسحية ذاكرة املياه لعفّت يحيى ونورا �أمني ،م�رسحية التطريز عن كتاب بر�سبولي�س للإيرانية مورجان �سرتابي من �إخراج عفّت يحيى ،م�رسحية �أو�سكار وال�سيدة الوردية ت�أليف مانويل �شميت و�إخراج هاين املتناوي ،م�رسحية يف ح ّد داي�س على قلبي ت�أليف جماعي و�إخراج عبري علي.
املو�سم امل�رسحي لعام 60
2008
خالل العام 2008ت ّي�رس �إح�صاء �أكرث من عر�ض ًا م�رصي ًا ،على الرغم من �أن العدد
احلقيقي يبدو �أكرب من ذلك ،لكن عدم توفر االح�صائيات الر�سمية الدقيقة من قبل الدولة �أو امل� ّؤ�س�سات املعنية ،يحول دون معرفة العدد احلقيقي للعرو�ض �سنوي ًا ،وهذا الأمر ين�سحب على معظم الدول العربية .لقد ا ّت�سم املو�سم امل�رسحي يف م�رص بالتن ّوع ،فهناك الكوميديا ال�سيا�سية وامل�رسح االجتماعي وامل�رسح اال�ستعرا�ضي وامل�رسح التجاري والب�سيكودراما وامل�رسح الديني ،ومن املالحظ غياب الكتابة امل�رسحية اجلديدة. من �أبرز امل�رسحيات التي �شهدها العام 2008م�رسحية زكي يف الوزارة ت�أليف لينني الرملي و�إخراج ع�صام ال�س ّيد ،وهي كوميديا �سيا�سية عر�ضت على امل�رسح القومي يف �شهر كانون الثاين ،م�رسحية الب�ؤ�ساء لفيكتور هوغو من �إخراج ه�شام عطوة (امل�رسح القومي حيث مت �إعداد جديد للرواية) ،م�رسحية قهوة �سادة ّ مت ت�أليف جماعي و�إخراج خالد جالل وقد ّ عر�ضها لوقت طويل يف مركز الإبداع ،وتدور امل�رسحية حول فقدان ك ّل الأ�شياء اجلميلة الن�ص يف احلياة ،م�رسحية منني �أجيب نا�سّ ، لنجيب �رسور و�إخراج ح�سن �سعد وقد وحاول فيها املخرج تقدمي ا�ستعرا�ض غنائي مو�سيقي. �إىل جانب ذلك ا�ستمر م�رسح الدولة يف اجتاه كان قد بد�أه يف العام ال�سابق وهو �إنتاج عرو�ض كوميدية لنجوم امل�رسح التجاري ،مثل عر�ض النمر ملحمد جنم وعر�ض روايح لفيفي عبده ،اللذين بد�أ عر�ضهما عام 2007و ا�ستمر خالل العام .2008 ومن عرو�ض م�رسح ال�شباب عر�ض ما �أجملنا ت�أليف حمفوظ عبد الرحمن و�إخراج �أحمد رجب ،وعر�ض موت فو�ضوي ن�ص داريوفو و�إخراج �أحمد ح�سان ،و�سابع �أر�ض من ت�أليف �إبراهيم احل�سيني و�إخراج �سامح جماهد .وق ّدم مركز الهناجر للفنون م�رسحية حتت التهديد من ت�أليف �أبو العال ال�سالموين و�إخراج حممد متويل ،وهي تتناول م�أ�ساة فنان يف جمتمع ال يثق بالفنانني وعليه �أن يثبت براءته من جرمية مل يرتكبها ،ولي�س لديه
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 405
دليل �سوى ا ّتهام الآخرين بق�صد �أو من دون ق�صد حتى و�إن كانوا �أقرب النا�س �إليه .وتنتمي امل�رسحية �إىل ال�سيكودراما ( الدراما النف�سية). ومن عرو�ض الفرق امل�ستقلّة الوافد من ت�أليف ميخائيل رومان و�إخراج �رشيف الد�سوقي و�إنتاج �إ�ستديو امل�رسح البديل الذي ي�رشف عليه حممود �أبو دومة. ويبدو �أن التيار الديني قد دخل �إىل حلبة الإنتاج امل�رسحي هذا العام ب�إنتاج م�رسحية ال�شفرة من ت�أليف �أحمد مر�سي و�إخراج كمال عطية ،وتدور �أحداث امل�رسحية حول و�ضع �أحد بلدان العامل الثالث يف الزمن الآتي (عام )2200حيث متوج الدولة باخلالفات ال�سيا�سية وم�شاكل الف�ساد و�رصاع مراكز القوى ،وهو ما يتج�سد يف ال�رصاع املحتدم بني املعار�ضة ّ ورئي�س البالد ،وبالطبع من دون م�شاركة العن�رص الن�سائي يف التمثيل ،ومب�شاركة ممن اعتزلوا الفن. ممثلني رجال ّ وقد انتهى العام بعر�ض �سي علي من �إخراج مراد منري وهو الن�سخة املع ّدلة يف العام 1991 التي كتبها �ألفريد فرج من م�رسحيته على جناح التربيزي ،ونقلها �إىل العامية حتت عنوان �سي علي وجاءت �أ�ضعف بكثري من ال�صيغة الأوىل.
البدايات
يف بداية القرن الع�رشين كان يف اجلزائر العا�صمة معلم ثقايف بناه الفرن�سيون يتمثّل
الإبداع
امل�رسح اجلزائري
تبدو حالة امل�رسح اجلزائري مثا ًال لثالثة تخ�ص امل�رسح العربي ب�شكل �أنواع من الق�ضايا ّ عام ،لكنها هنا جمتمعة؛ وهي تباع ًا ق�ضية املرجعية (الت�أثريات التي �أ ّدت �إىل ظهوره ثم �إىل تطور هذا امل�رسح) ق�ضية اللغة (وتتعلق مر بها البلد واجلمهور بالأوىل وبالظروف التي ّ الذي كان يف البداية بغالبيته � ّأمي ًا) وق�ضية اال�ستمرارية والعالقة بامل�ؤ�س�سة الراعية (الظروف ال�سيا�سية ثم العالقة بامل� ّؤ�س�سة الر�سمية بعد اال�ستقالل).
يف دار الأوبرا ،وكانت هناك فرق وعرو�ض م�رسحية ف�صلية ت�أتي من فرن�سا �أو من دول �أوروبية �أخرى وتق ّدم عرو�ضها .كذلك الأمر بالن�سبة للمناطق الأخرى (اجلهوية) التي تفتح ف�ضاءاتها دوري ًا جلمهور مك ّون �أ�سا�س ًا من الأوروبيني .كذلك بد�أت تظهر يف املرحلة ذاتها فرق �صغرية من اجلزائريني �أغلبها مك ّون من ممثلني هواة ،تعر�ض �أعما ًال م�ستلهمة من الواقع املعا�ش املفعم بامل�شاكل كالبطالة والإدمان والزواج املختلط والتقليد الأعمى و�رصاع الأجيال ،وذلك يف م�رسح اجتماعي هادف ي ّتخذ من الأ�سلوب الهزيل و�سيلة ملعاجلة تلك الق�ضايا ويعتمد االرجتال .وكانت هذه العرو�ض عبارة عن جمموعة من «اال�سكت�شات» ت�ص ّور لوحات من حياة النا�س اليومية التي حت ّولت �إىل نوع من الكوميديا واالرجتال� .أما بالن�سبة للّغة امل�ستخدمة فاللهجات املحلية كانت امل�سيطرة ،وقد ا�ستخدم امل�رسح اجلزائري منذ بداياته الرتاث بكثافة (�شخ�صية جحا مث ًال �أو �شخ�صيات �أكرث حملية) يف كل مراحله، البدايات وما تالها مثل �أعمال الثنائي عاللو و�ساليل ودحمون �سعداهلل ،اللّذين ق ّدما طرائف حي باب الواد جحا يف م�رسح الكور�صال يف ّ يف العا�صمة. يف بداية القرن الع�رشين �أي�ض ًا ،وبت�أثري عربي ،ظهر م�رسح له طابع عربي� .أ ّول عمل هاو باللغة الف�صحى يعود �إىل العام م�رسحي ٍ 1923حمل عنوان فتح الأندل�س ،وهو مقتب�س عن رواية للكاتب جرجي زيدان ،ق ّدمه طلبة جمعية العلماء امل�سلمني� .أن�ش�أ بعد ذلك عاللو (الذي يعترب �أبو امل�رسح اجلزائري) فرقته الزاهية وق ّدمت روايات مثل �أبو احل�سن اخلليفة ال�صياد ،عا�شور النية ،عنرت احل�شاي�شي� ،أبو عقلني .ثم جاء ر�شيد ق�سنطيني (فكاهي وحمر�ض �سيا�سي �ألّف بعد ذلك العديد بارع ّ من امل�رسحيات) وحمي الدين با�ش طرزي، وذلك من �سنة � 1934إىل 1938تاريخ توقيف اال�ستعمار للفرقة وت�شتيت �أع�ضائها. �أثناء احلرب العاملية الثانية ،وجد مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 406للتنمية الثقافية
بعد فرتة ت�ألّق يف ال�سبعينيات والثمانينيات وجد امل�رسح اجلزائري نفـ�سه �ضـحيـة لـلأزمـة ال�سـيـا�سيـة والأمنية اخلانقة التي ع�صفت باجلزائر خالل الت�سعينيات ،وهذا ما �أ ّدى �إىل هجرة العديد من امل�رسحيني وغياب (وفاة) �آخرين منهم .ويبدو امل�شهد امل�رسحي اليوم يف هذا البلد ما�سة �إىل ا�سرتاتيجية منهك ًا وبحاجة ّ جديدة و�إىل رغبة �سيا�سية حقيقية لدفعه �إىل الأمام.
امل�رسح اجلزائري الفر�صة لال�ستمرار من خالل ت�شجيع ال�سلطات اال�ستعمارية ،التي �سمحت املوجه للفرق بتنظيم جوالت يف �إطار امل�رسح ّ للمجندين كنوع من الدعاية حلكومة في�شي، و�أ�سندت املهمة ملحيي الدين با�ش طرزي .وبقي امل�رسح الفرن�سي املرجع الأ�سا�سي بالن�سبة للم�رسح اجلزائري ،لكن م�ضمون امل�رسحيات كان تراثي ًا وق ّدمت �أعمال مقتب�سة من الرتاث العربي واملحلي ومن الرتاث الثقايف الفرن�سي، لكن جمهور امل�رسح بقي من النخبة .امل�رسح اجلزائري مل يرتكّز يف العا�صمة فقط ،وقد مثّل الوجه الأ�سا�سي للم�رسح الثقايف ما قبل اال�ستقالل م�صطفى كاتب ،الذي كان يف �أول فرقة �أن�شئت قبل اال�ستقالل وجمعت ممثلني جزائريني مثل حممد توري ،حبيب ر�ضا، روي�شد ،عبد احلليم راي�س ،م�صطفى بديع ،ح�سن احل�سني� ،أبو احل�سن ،م�صطفى قزدريل ،كلثوم، نورية ..ومع بلوغ الثورة اجلزائرية ذروتها، غادر م�صطفى كاتب الأوبرا واجته �إىل اخلارج (تون�س) وقاد الفرقة امل�رسحية التابعة جلبهة التحرير الوطني يف املنفى من �سنة 1957حتى .1962 �شهدت فرتة اخلم�سينيات بروز طالب �شاب من مدينة م�ستغامن ،هو ولد عبد الرحمان كاكي الذي لعب دوراً مميزاً يف احلركة امل�رسحية اجلزائرية من خالل م�ؤلفاته التي ت�ستلهم الأ�ساطري ال�شعبية مثل الغربان ال�صاحلني� .أما كاتب يا�سني فكتب م�رسح ًا باللغة الفرن�سية بعد اندالع الثورة حتى ما بعد التحرير ،ثم حت ّول �إىل اللغة املحكية وكان لكتابته ت�أثري كبري يف الغرب والوطن العربي، وق ّدمت �أعماله يف بلجيكا وفرن�سا وتون�س �أثناء الثورة اجلزائرية. بعد اال�ستقالل عمدت امل� ّؤ�س�سة �إىل توظيف كل من عمل يف امل�رسح ،ونظّ مت امل� ّؤ�س�سات امل�رسحية بت�أثري النموذج ال�سوفييتي وت�شكّل امل�رسح الوطني اجلزائري ،وفتحت مدر�سة الفنون الدرامية �أبوابها للطلبة الراغبني يف االلتحاق بفن التمثيل الذي �سيتح ّول يف ما
بعد �إىل معه ٍد عال .يف هذا ال�سياق كتب كاكي م�رسحياته ذات ال�صبغة ال�سيا�سية� ،أما كاتب يا�سني فعاد �إىل اجلزائر بعد املنفى و�أ�صبح مدير م�رسح جهوي يف �سيدي بلعبا�س وعمل مع فرقة هاوية هي م�رسح البحر ،وق ّدم �أعماله اجلزائرية باللهجات العامية مثل حممد خذ حقيبتك ،وحرب �سنة ،2000و�صوت الن�ساء، وفل�سطني املغدورة� .أبرز من ميثّل هذه الفرتة من الأعالم هو عبد القادر علّولة الذي عمل كهاو يف البداية ،يف م�رسح ال�شعب ،وكتب ٍ جمموعة من الن�صو�ص امل�رسحية التي القت جناح ًا كبرياً يف الفرتة الواقعة بني 1969 و .1993لقد كان لتكوينه يف فرن�سا ومعرفته الوا�سعة بالثقافة ال�شعبية اجلزائرية �أث ٌر يف تطوير امل�رسح اجلزائري ،لكنه اغتيل يف العام 1994تارك ًا وراءه �إرث ًا م�رسحي ًا هام ًا ،ومن تلك الأعمال اخلالدة الق ّوال والأجواد .على غرار علولة �شقّ م�رسحيون �آخرون يحملون الهموم نف�سها طريقهم ،نذكر منهم �سليمان بن عي�سى وحممد قطاف وزياين �رشيف عياد وعزالدين ممن �أ�سهموا يف بناء امل�رسح جموبي ،وغريهم ّ اجلزائري. بعد فرتة ت�ألّق يف ال�سبعينيات والثمانينيات من خالل جتارب عبد القادر علّولة وكاكي و�سيدي �أحمد �أقومي (م�ستقر يف فرن�سا حالي ًا) ،وجد امل�رسح اجلزائري نف�سه �ضحية للأزمة ال�سيا�سية والأمنية اخلانقة التي ع�صفت باجلزائر خالل الت�سعينيات ،وهذا ما �أ ّدى �إىل هجرة العديد من امل�رسحيني وغياب (وفاة) �آخرين منهم .ويبدو امل�شهد امل�رسحي ما�سة �إىل اليوم يف هذا البلد منهك ًا وبحاجة ّ ا�سرتاتيجية جديدة و�إىل رغبة �سيا�سية حقيقية لدفعه �إىل الأمام. هذا الو�ضع يبدو جلي ًا من خالل �ضعف الن�شاط امل�رسحي يف اجلزائر� ،سواء على م�ستوى الك ّم �أم الكيف يف الإنتاج والتوزيع، وذلك ب�سبب غياب الدعم احلكومي للبنى واملجموعات امل�ستقلّة على الرغم من قلّة عددها ،واقت�صار هذا الدعم على امل�سارح
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 407
التابعة لوزارة الثقافة وهي:
امل�رسح الوطني اجلزائري -اجلزائر العا�صمة -وهو الف�ضاء امل�رسحي الوحيد النا�شط يف العا�صمة. امل�سارح اجلهوية (وهران ،مع�سكر، م�ستغامن ،بجاية ،ع ّنابة ،ق�سنطينة� ،سكيكدة، تزي �أوزو) مع العلم �أنه ال وجود لفرق تابعة لهذه امل�سارح. يف املقابل هناك ن�شاط مم ّيز لبع�ض املجموعات امل�ستقلّة التي تعتمد على منح م�ساعدة من جهات خا�صة �أو م� ّؤ�س�سات الدعم الدولية حتى تتمكن من موا�صلة العمل .و�أه ّم هذه املجموعات م�رسح العف�سة يف تلم�سان، فرقة �إبداع اجلزائر يف وهران ،م�رسح املوجة يف م�ستغامن ،فرقة البللريي يف ق�سنطينة. عال للتكوين يوجد يف اجلزائر معهد ٍ امل�رسحي حتت �إ�رشاف وزارة الثقافة ،كما يوجد مهرجان للم�رسح املحرتف ينظّ مه امل�رسح الوطني اجلزائري ( /2008الدورة الثالثة) ،واملهرجان الدويل للم�رسح املحرتف الذي يزمع امل�رسح الوطني تنظيم دورته الأوىل خالل �شهر �أكتوبر من �سنة .2009
املهرجانات والعرو�ض اجلزائرية لعام �شهدت ال�ساحة امل�رسحية اجلزائرية جمموعة متن ّوعة من العرو�ض هذا العام ،كان �أبرزها ما ُعر�ض خالل املهرجان الوطني اجلزائري للم�رسح املحرتف لعام ،2008وهي من �إنتاج امل�رسح الوطني وامل�سارح اجلهو ّية واجلمعيات امل�رسحية ،ومنها م�رسحية احلب املتفجر عن ن�ص للكاتب كاتاييف عمر فطمو�ش و�إخراج فوزية �آيت احلاج جمعية م�رسح الغدُ .ق ّدم العر�ض على خ�شبة م�رسح دار ج�سدت امل�رسحية الثقافة يف �أم البواقي ،وقد ّ وطرحت ب�شكل هزيل امل�شاكل االجتماعية التي يتخ ّبط بها املواطن اجلزائري كالزواج وال�سكن ،وتروي امل�رسحية ق�صة �شابني تخرجا حديث ًا من اجلامعة يعمل ك ّل منهما
الإبداع
2008
يف اخت�صا�صه ،وقد ا�ضطرا لتقا�سم قبو بناية عي�سى مهند�س دولة و�إبراهيم رجل قانون ،ك ٌل منهما يجلب زوجته من دون معرفة الآخر� .إن اختالف منط التفكري و�أ�سلوب العي�ش يجعالن احلياة م�ستحيلة بني ه�ؤالء الأربعة ،فهل يعقل ويفجروا القبو والبناء؟ �أو �أن يعلنوا احلرب ّ ير�ضخوا لواقع يقوم على النفاق والكذب؟ وقد ا�ستقطب العر�ض جمهوراً وا�سع ًا ،وكان الأداء وتقنية الكتابة الدرامية التي ميتاز بها عمر فطمو�ش وبناء الف�ضاء امل�رسحي عنا�رص ملفتة للنظر .وهناك �أي�ض ًا م�رسحية احلوات والق�رص للم�رسح اجلهوي بق�سنطينة مازالت مت عر�ض تعر�ض منذ العام .2007و�أي�ض ًا ّ وعر�ض ببجاية ُ التقرير للم�رسح اجلهوي ّ القطار الأخري للم�رسح اجلهوي بوهران و�إن�سو هريو�سرتات للم�رسح الوطني اجلزائري، ودعاء احلمام للم�رسح اجلهوي يف تيزي �أوزو وم�رسحية �رصخة �أوفيليا عن هاملت بال هاملت للعراقي خزعل املاجدي و�إخراج كمال عطّ و�ش ،وم�رسحية لغة الأمهات لألك�سي�س دارني�س اقتبا�س العراقي قا�سم حممد و�إخراج �صونيا ،واحلكواتي الأخري للمغربي عبد الكرمي بر�شيد من �إخراج املنجي بن �إبراهيم، ومد ّونات املن�شود بني املوجود واملن�شود من ت�أليف قا�سم حممد. كل هذه العرو�ض ما عدا العر�ض الأول هي �أمثلة على نوعية الن�صو�ص التي يق ّدمها امل�رسح اجلزائري اليوم ،وهي غالب ًا مقتب�سة عن امل�رسح العاملي �أو العربي لكنها ال توحي باجتاه حمدد �أو مبحاولة مواكبة الواقع اجلزائري ،وتظهر غياب الكتابة امل�رسحية اجلديدة .واملفارقة �أن الندوة الفكرية التي عقدت �ضمن امللتقى العلمي للمهرجان كانت حتت عنوان «امل�رسح واملحيط االجتماعي الت�أثري والت�أثر» ،و�ض ّمت حماور ع ّدة منها« ،امل�رسح واملنظومة الرتبوية»، «امل�رسح واملدار�س» و «امل�رسح واجلامعة» وك�أنها ت�شي بالإ�شكال الرئي�سي الذي يعاين منه هذا امل�رسح. �أما املهرجان الوطني مل�رسح الهواة مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 408للتنمية الثقافية
يف م�ستغامن والذي بد�أ منذ ثالثني �سنة وال يزال ن�شيط ًا ،فقد عقد هذه ال�سنة من � 7/12إىل ،2008/7/17وق ّدم م�رسح م�ستغامن م�رسحية دار ربي وهي �أقرب �إىل الواقع. وهناك مهرجانات �أخرى مثل املهرجان املحلي للم�رسح املحرتف يف �سيدي بلعبا�س، املهرجان املحلي للم�رسح املحرتف يف عنابة من � 12إىل ،26/4/2008الأيام الوطنية الأوىل للم�رسح النخلة الذهبية يف والية �أدرار مببادرة اجلمعية الثقافية للفنون الدرامية ،فر�سان الركح الذين ق ّدموا م�رسحية احلب املمنوع خالل الفرتة املمتدة من � 18إىل 23كانون الأول دي�سمرب. مهرجان امل�رسح اجلامعي يف مدينة تلم�سان والأيام الق�سطنطينية مل�رسح الطفل، ق�سطنطينة ،جمعية دعاء الغد .جتدر الإ�شارة �إىل م�شاركة امل�رسح ال�صحراوي يف املهرجانات امل�رسحية اجلزائرية ب�شكل دائم ،وهو م�رسح له خ�صو�صيته كونه يركّز على ق�ضية ال�صحراء املغربية.
�إ�صدارات م�رسحية
�صدرت يف اجلزائر يف العام خمتارات من امل�رسح اجلزائري ،من�شورات املعهد العربي العايل للرتجمة ،وي�ض ّم هذا الكتاب ع�رش م�رسحيات لع�رشة ك ّتاب جزائريني اختاروا ا�ستخدام اللغة الفرن�سية �أداة للتعبري. 2008
امل�رسح التون�سي البدايات
يتم ّيز امل�شهد امل�رسحي يف تون�س بالتن ّوع الذي ميكن مالحظته على امل�ستوى العملي واجلمايل والفني ،وهناك جتارب م�رسحية متفردة ومتم ّيزة لها طابع حداثي الفت. ّ هامة وقد عرف امل�رسح التون�سي تطورات ّ يكون تاريخه منوذج ًا للعالقة بني امل� ّؤ�س�سة وامل�رسح امل�ستقل. عرفت تون�س امل�رسح مبكراً ف�إرها�صاته الأوىل تعود للعقد الأول من القرن الع�رشين
( )1909من خالل جوالت الفرق الزائرة امل�رصية .وت� ّأ�س�ست �أول جمعية للآداب عام ،1911ثم جمعية ال�شهامة العربية يف عام ،1912واتحّ دت اجلمعيتان حتت ا�سم التمثيل العربي عام .1922عام ّ � 1951أ�س�س ح�سن الزمريل مدر�سة التمثيل العربي التي �أ�صبحت مركز الفن امل�رسحي .بعد اال�ستقالل مت ت�أ�سي�س �أول مدر�سة للم�رسح يف تون�س ّ وجرى تطويرها �إىل معهد بعد ذلك .ومع ح�سن ا�ستقر نوع من التنظيم الإداري على الزمريل ّ مرحلتني يف عامي 1961و 1964ودام العمل بهذا التنظيم حتى الثمانينيات ،وهو �شكّل تنظيم ًا �إداري ًا لآليات عمل الفرق وامل�سارح على النموذج الغربي والفرن�سي حتديداً ،يعطي رعاي ًة للم�رسح من دون التدخل املبا�رش .يف حينها بد�أ ت�شكّل «ال�رشكات» وهو �إطار لفرق وجتمعات م�رسحية� ،أولها كان امل�رسح اجلديد الذي �ض ّم العديد من الفنانني الكبار وممثلني وخمرجني �سي�شكّلون فرقهم وف�ضاءاتهم اخلا�صة بعد انحالل ال�رشكة .يف الثمانينيات �أي�ض ًا �صدرت قرارات تنظّ م قطاع امل�رسح على امل�ستويني املهني والهيكلي ،و�صدرت قرارات �سمحت بنوع من الالمركزية امل�رسحية ،بحيث مت ت�شجيع امل�سارح يف املحافظات (اجلهوية)، ّ وفع ًال ت� ّأ�س�س مركز الفنون الدرامية بالكاف عام 1993ويف �أغلب املحافظات الأخرى. ت�رشف الوزارة على ن�شاط امل�رسح الوطني التون�سي ومراكز الفنون الدرامية بكل من الكاف ،قف�صة� ،صفاق�س� ،إ�ضافة �إىل املركز الوطني لفن العرائ�س. عام � 1999صدر قرار برفع ميزانية امل�رسح و�أدخلت بع�ض التعديالت البنيوية ت�شجع اال�ستثمارات الثقافية ،وبالفعل التي ّ ارتفع عدد العرو�ض وعدد ال�صاالت والف�ضاءات امل�رسحية ،و ُد ّعم امل�رسح املحرتف وم�رسح الهواة وكل تنويعات التظاهرات امل�رسحية مثل امل�رسح املدر�سي واجلامعي و�إىل ما هنالك. مت تعديل مناهج يف العامني ّ 2008/2007 املعهد امل�رسحي لي�شمل اخت�صا�صات عديدة
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 409
حركة امل�رسح التون�سي يف العام
2008
�شهد امل�رسح التون�سي م�رسحية خم�سون للفا�ضل اجلعايبية من �إنتاج فاميليا 2006 وا�ستمرت جوالتها حتى العام ،2008 وهي م�رسحية حتكي عن القمع ال�سيا�سي واملجتمعي خالل الأعوام اخلم�سني من تاريخ
الإبداع
ويواكب تطور الع�رص واحلاجات .يوجد يف تون�س اليوم العديد من امل�ؤ�س�سات والهياكل امل�رسحية احلكومية وغري احلكومية ،وهناك �إدارة للم�رسح حتت �إ�رشاف وزارة الثقافة واملحافظة على الرتاث ،مهمتها �رشعنة (ما ي�سمى ببطاقة االحرتاف) الفرق و�أعمالها، وتقدمي الدعم للإنتاج وامل�ساعدة على التوزيع. ويف العا�صمة ف�ضاءات م�رسح حكومية �أه ّمها مدينة الثقافة التي ينتظر افتتاحها خالل العام 2009والتي حتت�ضن دار �أوبرا وم�رسح ًا جتريبي ًا وقاعة للعرو�ض املختلفة ،امل�رسح البلدي بتون�س العا�صمة ،قاعة الفن الرابع، قاعة ابن ر�شيق ،قاعة ابن خلدون (م�رسح جيب) ،ق�رص امل�رسح (احللفاوين وال�سريك الوطني التون�سي) .كما توجد يف تون�س العديد املخت�صة يف امل�رسح ك�أيام من املهرجانات ّ قرطاج امل�رسحية الذي يقام كل عامني (وهو مهرجان عربي �إفريقي) ،مهرجان م�رسح الهواة يف قربة ،مهرجان نيابولي�س الدويل يف نابل، مهرجان املن�ستري الدويل للم�رسح اجلامعي، �إ�ضافة �إىل العديد من املهرجانات والتظاهرات اجلهوية ،و�أه ّمها تظاهرة � 24ساعة يف الكاف التي تقوم مبنا�سبة يوم امل�رسح العاملي يف 27 �آذار من كل عام ،وهي بد�أت عام 2001وكان مو�ضوع عام 2008امل�رسح يحتفل بال�سينما. و�إىل جانب القطاع احلكومي الذي تتم ّيز حركته بنوع من البطء ،على عك�س القطاع اخلا�ص املحرتف والن�شط ،يتك ّون هذا القطاع من حو�إىل � 150رشكة �إنتاج تعمل يف احلقل امل�رسحي وتق ّدم �أعما ًال يف خمتلف الأ�صناف والأ�شكال امل�رسحية (م�رسح كهول ،م�رسح �أطفال ،م�رسح عرائ�س ،م�رسح �إدماج).
تون�س ،وتطرح ق�صة فتاة ابنة �أبوين ي�ساريني تتح ّول �إىل احلجاب خالل �إقامتها يف فرن�سا. م�رسحية الزنو�س � -شواطى احلكّة من �إخراج �صالح حمودة ،م�رسحية املو�سو�س اقتبا�س عن مري�ض الوهم من �إخراج حممد دري�س و�إنتاج امل�رسح الوطني ،2008م�رسحية يا � ّأمة �ضحكة �إخراج نور الدين الورغي و�إنتاج م�رسح الأر�ض ،2008م�رسحية حتت برج الدين�صور �إخراج عبد الوهاب اجلملي ،م�رسحية وزن الري�شة �إخراج غازي الزغباين ،م�رسحية عط�شان يا �صبايا �إخراج �صابر احلامي و�إنتاج مركز الفنون الدرامية والركحية ب�صفاق�س ل�سنة ،2008م�رسحية احلياة حلم �إخراج ح�سن امل�ؤذّن و�إنتاج امل�رسح الوطني ل�سنة ،2008 م�رسحية �إىل متى �إخراج �سن ّية زرق عيون، م�رسحية �سهرة �إخراج �شاديل العرفاوي و�إنتاج كتار�سي�س للإنتاج الفني ل�سنة .2008 كما �شارك العديد من الفنانني التون�سيني يف املهرجانات العربية ،منهم زهرية بن ع ّمار يف مونودراما ال�سنديانة وهي من ت�أليف و�إخراج و�أداء زهرية بن ع ّمار ،وم�رسحية امر�أة عن ن�ص لع ّز الدين املدين �إخراج و�أداء زهرية بن ع ّمار .وحتكي م�رسحية �سنديانة عن معاناة املر�أة العربية يف حتقيق ذاتها كعن�رص ف ّعال يف املجتمع له حقوق وعليه واجبات .وق ّدمت رجاء بن ع ّمار واملن�صف ال�صامي م�رسحية هوى وطني ،كما عر�ض توفيق اجلبايل مذكرات دينا�صور ،وق ّدم غازي الزعباين م�رسحية وزن الري�شة. �شهد امل�رسح التون�سي بع�ض الأعمال املخ�ص�صة للطفل ومنها م�رسحية كائنات ّ �ضوئية من �إخراج حامت دربال و�إنتاج املركز فن العرائ�س بتون�س ل�سنة الوطني مل�رسح ّ .2008كما ُعر�ضت م�رسحية حمراء والذئب وم�رسحية الالعبان من �إخراج نزار ال�سعيدي ويو�سف مار�س .جتدر الإ�شارة �إىل �أن امل�رسح التون�سي غالب ًا ما يكون تون�سي ًا قبل كل �شيء، فالن�صو�ص تكتب من قبل خمرجني �أو ك ّتاب تون�سيني ،واملوا�ضيع املطروحة هي الأقرب مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 410للتنمية الثقافية
�إىل الواقع املعا�ش والق�ضايا ال�ساخنة كق�ضية احلجاب �أو املر�أة �أو العالقة بالوطن.
�أه ّم اال�صدارات امل�رسحية منذ العام 2008
فتحي العكاري املم ّثل االنتحاري املعهد العايل للفن امل�رسحي ،حممود املاجري م�رسح العرائ�س يف تون�س من �ألعاب كاراكوز �إىل العرو�ض احلديثة ،دار �سحر املعهد العايل للفن امل�رسحي ،حممد م�سعود �إدري�س يف تاريخ امل�رسح التون�سي ن�صو�ص ووثائق ،دار �سحر املعهد العايل للفن امل�رسحي� ،سمري العيادي �أنطولوجيا امل�رسح التون�سي ن�رش اتحّ اد الكتّاب التون�سيني ،قرن من امل�رسح التون�سي ت�أليف جماعي ،الدار العربية للكتاب ،حممد املديوين مغامرة الفعل امل�رسحي يف تون�س، �أحمد حاذق العرف امل�رسحي التون�سي وعوائق التجاوز ،حافظ اجلديدي يف الفنون امل�شهدية العر�ض الن�ص والأداء. متت خالل لقد �أ�سهمت التعديالت التي ّ العقود الأخرية من قرارات وزارية وغريها، و�شملت رفع امليزانيات و�شكل انتظام العالقة بني امل� ّؤ�س�سات الراعية للم�رسح (حكومية �أو غري حكومية) ،يف من ّو امل�رسح التون�سي با�ضطراد لريتفع عدد البنى امل�رسحية وعدد العرو�ض وعدد الف�ضاءات امل�رسحية ،وكذلك �سمح هذا النوع من التنظيم للعالقة بني امل� ّؤ�س�سة وامل�رسح ،باحل�صول على نوع من الرعاية غري املقرون بالرقابة املبا�رشة.
امل�رسح املغربي البدايات
ظهر امل�رسح يف املغرب العربي يف ع�رشينيات القرن الع�رشين بت�أثري من جوالت الفرق العربية (� ،)1923إىل جانب االحتكاك بامل�رسح الفرن�سي من قبل �أقل ّية متعلمة .يف البداية تك ّون امل�رسح داخل الفرق اخلا�صة و�أه ّمها فرقة الهالل ( )1923يف طنجة وفرقة طلبة ثانوية املوىل �إدري�س يف فا�س (.)1924
يف العام ّ � 1926أ�س�س م�صطفى اجل ّزار فرقة يف مراك�ش ثم يف املدن .يف فرتة احلرب العاملية الثانية توقّف امل�رسح تقريب ًا ،وبعد �أن انتهت احلرب عادت الفرق لتن�شط من جديد معلن ًة ميالد حقبة جديدة ،فظهر بع�ض الفرق امل�رسحية اجلديدة ومنها الأحرار والنجم املغربي للتمثيل العربي وفرقة جمعية الطالب املغربي و�إخوان الفن .يف تلك املرحلة ن�شطت حركة االقتبا�س عن الأعمال العاملية ومن الأدب العربي والرتاث املحلي وعانى امل�رسح من رقابة اال�ستعمار. بعد اال�ستقالل عام 1956قامت الدولة بتنظيم و�ضع امل�رسح ،ف�أن�ش�أت مركز الفن امل�رسحي الوطني ،كما �س َّنت جمموعة قوانني ت�ساعد على �إقامة مراكز تدريبية جهوية على م�ستوى املناطق ،وا�ستقدمت مدربني عامليني ونظّ مت مهرجان ًا �سنوي ًا مل�رسح الهواة. واعتباراً من هذا التاريخ انتظم امل�رسح على ال�شكل التايل :م�رسح الإذاعة والتلفزيون، وكان م�رسح الإذاعة قد تبلور اعتباراً من العام ،1954وهو م�رسح �إذاعي م�سموع ،م�رسح الهواة الذي كان مبثابة الّلبنة الأوىل التي �سبقت االحرتاف والتكوين الأكادميي .ومن �أهم الأ�سماء يف هذا املجال الذّكي العلوي وم�رسح االحرتاف ،حيث تك ّونت الفرقة امل�رسحية املغربية املحرتفة ،وت� ّأ�س�س معهدان م�رسح ّيان يف كل من الرباط والدار البي�ضاء عام .1952ثم �أن�شئ معهد للفن امل�رسحي والتن�شيط الثقايف مت ت�أ�سي�سه يف مدينة ب�إ�رشاف وزارة الثقافةّ ، الرباط عام .1985ويق ّدم هذا املعهد تكوين ًا فن التمثيل (م�رسح وتلفزيون و�سينما) يف ّ مت �إقفاله ملدة ثالث �سنوات وقد وال�سينوغرافيا. ّ خريجي املعهد ،ثم بطالة عندما ظهرت �أزمة ّ �أعيد فتحه مع اخلطة الوزارية اجلديدة .بعد ذلك ظهرت اجتاهات �أخرى يف امل�رسح املحرتف ارتبطت ب�أ�سماء م�رسحيني كان لهم الف�ضل يف من ّو امل�رسح املغربي االحرتايف ،كما ظهر اجتاه امل�رسح االحتفايل يف ال�سبعينيات.
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 411
ومن الأ�سماء التي برزت يف تلك املرحلة امل�رسح املغربي عام
الط ّيب ال�صديقي و�أحمد الطيب العلج� ،إ�ضافة �إىل عبد القادر البدوي ،وكان له�ؤالء امل�رسحيني ملمو�س وكب ٌري يف �إمناء احلركة االحرتافية دو ٌر ٌ يف امل�رسح املغربي .وال ب ّد من الإ�شارة �إىل حركة التنظري امل�رسحي التي ن�شطت يف املغرب يف املرحلة نف�سها ،ونذكر ب�شكل خا�ص جماعة االحتفاليني املغاربة.
البنية امل�رسحية يف املغرب
منذ ثالث �سنوات على الأقل يعي�ش امل�رسح املغربي دينامية جديدة بف�ضل �سيا�سة م�رسحية جديدة� ،سمحت للم�رسحيني اال�ستفادة من الدعم املادي للدولة من جهة ،وت�أ�سي�س فرق حملية يف جهات املغرب من جهة �أخرى. �أ�ضف �إىل ذلك بروز فاعلني م�رسحيني جدد، مثل امل�رسح اجلامعي وخريجي املعهد العايل للفن امل�رسحي� ،إ�ضافة �إىل تراكم م�رسحي غني ومت�ألق متثّل يف م�رسح الهواة الذي ي�شكّل ذاكرة حقيقية للم�رسح املغربي .هناك ن�ضج ملحوظ للنقد امل�رسحي باملغرب بعد ظهور تخرجت من اجلامعة، طاقات نقدية جديدة ّ وخربت �أدواتها النقدية يف م�رسح الهواة وامل�رسح اجلامعي .ولع ّل ال�سمة الأهم على �صعيد �إنتاج العام 2008امل�رسحي هي غياب املركزية ،فهناك عرو�ض ومهرجانات يف ك ّل املحافظات (الواليات) ولهذا يبدو من ال�صعب �إح�صاء ما ق ّدم فعلي ًا من عرو�ض م�رسحية، ثم هناك تن ّوع كبري وعدد هائل من الفرق واجلمعيات اخلا�صة و�شبه اخلا�صة ،وعدد مماثل من املهرجانات ،لكن امللمح العام ّ الذي يبدو هذه ال�سنة هو االبتعاد ن�سبي ًا عن امل�رسح الرتاثي واالقرتاب من الواقع مبوا�ضيع كالإرهاب واحلياة اليومية والقمع� ..إلخ.
الإبداع
�أبرز ما ميكن مالحظته بالن�سبة للم�شهد امل�رسحي يف املغرب هو �ضعف دعم الدولة لهذا القطاع وغياب املركزية� ،إذ لي�س هناك م� ّؤ�س�سة ت�سمى امل�رسح الوطني الذي ي�شكّل الواجهة الر�سمية للم�رسح املغربي .يف املقابل يرتكّز الن�شاط امل�رسحي باملغرب يف �أغلب املدن واملناطق مثل الرباط ،الدار البي�ضاء، �سال ،مراك�ش� ،أغادير ،فا�س ،مكنا�س� ،إ�ضافة �إىل امل�رسح الأمازيغي يف �أغادير( .ن�شاط هذه الفرقة يبدو جممداً منذ �سنة .)2007ويتجلّى الن�شاط امل�رسحي على �شكل �إن�شاء جتمعات فرق �أو م� ّؤ�س�سات� ،أغلبها ال تلقى دعم ًا يذكر �إمنا تن�شط هذه الفرق على م�ستوى املناطق وتتعامل مع املجال�س البلدية يف املدينة �أو اجلهة التي تنتمي �إليها� ،أو تطلب الدعم من جهات خارجية. يقيم امل�رسح املغربي ،وبت�شجيع من الدولة، مهرجانات على امل�ستويات كافة لت�شجيع حركة ال�سياحة ،ولهذا نالحظ وجود عالقات قوية بني الفعاليات امل�رسحية ،من عرو�ض ومهرجانات وور�ش ،وبني ممثلي املدينة (بلديات �أو م� ّؤ�س�سات �أو رجال �أعمال �أو دعم م�ؤ�س�سات دولية)� ،إ�ضافة �إىل الدور الذي يقوم به مندوب وزارة الثقافة يف اجلهة �أو املدينة، وهذا ما يف�سرّ الغزارة يف وجود املهرجانات يف جميع �أرجاء املغرب .هذه الفرق ،وعلى الرغم من املجهود الها ّم الذي تقوم به ،ال تبدو بعد قادرة على ا�ستقطاب اجلمهور الوا�سع لتبقى �آمالها حكراً على جمهور �ضئيل من املثقفني ومن �أهل امل�رسح.
2008
�أهم ف�ضاءات العرو�ض امل�رسحية املحرتفة
وهي تقع حتت �إ�رشاف وزارة الثقافة يف الدار البي�ضاء :م�رسح حممد اخلام�س وم�رسح �أنفا .يف الرباط :م�رسح حممد اخلام�س وف�ضاء مهدي بن بركة واملركز الثقايف �أكدال. ت�رشف وزارة الثقافة على تنظيم املهرجان الوطني للم�رسح املحرتف ،الذي حتت�ضنه مدينة مكنا�س خالل �شهر متوز من ك ّل عام .كما توجد مهرجانات للم�رسح اجلامعي (مراك�ش� ،أغادير ،الدار البي�ضاء) ومهرجانات مل�رسح الهواة .هناك عدد من املجموعات والفرق امل�ستقلة التي جتد الدعم من املراكز مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 412للتنمية الثقافية
الثقافية لعدد من البلدان الأوروبية مثل فرقة �آفروديت الرباط ،عبد املجيد اله ّوا�س .فرقة دابا تياتر فرن�سا -املغرب ،جواد ال�سنني .فرقة الكعب العايل � Takoonشوان� ،سامية �آقريو، فرقة تان�سيفت مراك�ش ،ح�سن همو�ش ،فرقة لواء الدار البي�ضاء ،الزيتوين .وهناك جمعيات عديدة كجمعية اجلدار الرابع للم�رسح والفنون اجلميلة ،1991جمعية ال�شعاع امل�رسحية، حركة الطفولة ال�شعبية ،جمعية منتدى التوا�صل التابعة لنادي الإبداع الدرامي ،جمعية � ّأجاج للإبداع امل�رسحي ،الناظور.
املهرجانات امل�رسحية
املهرجان الوطني العا�رش للم�رسح وكان �سابق ًا مهرجان امل�رسح االحرتايف ،لكن وب�سبب مت التفرغ للم�رسح (مادي ًا) ّ �صعوبة االحرتاف �أو ّ تغيري ا�سم املهرجان .املهرجان الثقايف والفني اخلام�س ،مهرجان البي�ضاء االحرتايف الثالث للم�رسح الأمازيغي ،مهرجان �أكادير الدويل للم�رسح اجلامعي ،املهرجان اخلام�س للم�رسح – طاطا – دورة دولية ،مهرجان �أكادير الدويل مل�رسح التعبري اجل�سدي ،املهرجان الوطني اخلام�س مل�رسح ال�شباب ،مهرجان امل�رسح اجلامعي بفا�س – الدورة اخلام�سة تاريخ ،8/5/2008مهرجان مراك�ش الدويل للم�رسح، مهرجان �أ�صيلة مل�رسح الطفل. يف �إطار افتتاح املو�سم امل�رسحي ،2008/2007نظّ مت وزارة الثقافة �أيام ًا م�رسحية يف ك ّل من الرباط و�سال اجلديدة، وت�ض ّمنت هذه التظاهرة عرو�ض ًا م�رسحية للأطفال والكبار وح�صلت على دعم الوزارة (�إنتاج ًا �أو ترويج ًا) خالل املو�سم احلايل كما ح�صلت على �أه ّم جوائز املهرجان الوطني للم�رسح.
�أبرز العرو�ض امل�رسحية املغربية خالل مو�سم 2008
�ضمن املهرجان الثقايف والفني جلمعية الرتبية والتنمية بالناظورُ ،عر�ضت م�رسحية
بريتانيكو�س للكاتب الفرن�سي را�سني ،من �إعداد �أحمد ال�سبيع و�إخراج حممد بوغالد ،ق ّدمت امل�رسحية جماعة م�رسح املدينة ال�صغرية ب�شف�شاون ،وهي من �إنتاج 2007و�أعيد عر�ضها يف ،2008وعر�ضت �أي�ض ًا فرقة م�رسح متارة الر�صيف وهي اقتبا�س من جثّة على الر�صيف ل�سعد اهلل و ّنو�س ومن �إخراج ه�شام بومعروف. وعقدت يف املهرجان نف�سه ندوة حتت عنوان «تقنيات امل�رسح يف خدمة التنوع الثقايف». ومن العرو�ض البارزة لعام 2008م�رسحية بالدي �إخراج �إدري�س الروخ و�إنتاج جمموعة �آدم للإنتاج الفني ،م�رسحية الإمرباطور من �إنتاج وزارة الثقافة وبالتعاون مع مندوبية الناظور وت�أليف الكاتب الإ�سباين فرناندو �أرابال و�إخراج حفيظ مو�ساوي .وقد �أع ّد و�أخرج يو�سف الريحاين عر�ضني عن ن�صو�ص لبيكيت بعنوان عدوى بيكيت ،يطرح فيهما ق�ضية الإرهاب من خالل م�شاهدة حقيقية لعدد من �شباب بلدته يقومون بعمليات انتحارية .كما ق ّدمت فرقة م�رسح �أبينوم ب�شف�شاون م�رسحية �سيدة املتو�سط من ت�أليف حممد زيطان و�إخراج يا�سني اجحان. وعر�ض م�رسح تان�سيفت يف مراك�ش م�رسحية كيف طوير طار اقتبا�س عبد اللطيف فردو�س و�إخراج ح�سن همو�ش� .شهد اجلمهور املغربي �أي�ض ًا هذا العام م�رسحية ن�شوة البوح من ت�أليف عبد احلقّ الزروايل و�إخراج عبد الكبري ال�شداتي .كذلك م�رسحية اخلرافة اقتبا�س عبد احلق بلمجاهد و�إخراج عبد املوىل حمرتمي احلر يف الرباط .وق ّدمت فرقة ملحرتف امل�رسح ّ م�رسح �أكادمييا م�رسحية �صياد النعام كما ق ّدمت فرقة م�رسح ال�شامات م�رسحية حياة وحلم و�شعب يف تيه دائم (عر�ضت �أي�ض ًا) يف مهرجان دم�شق الرابع ع�رش للم�رسح عام .2008وق ّدمت فرقة م�رسح �أبنيوم من مدينة �شف�شاون م�رسحية �سيدة املتو�سط ،وحتكي احلرة» بحكمتها الدور الذي لعبته «ال�سيدة ّ وغريتها و�إقدامها يف التخفيف من معاناة �أهايل الأندل�س بعد �سقوط املنطقة وت�سليم
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 413
امل�رسح املوريتاين البدايات
ظهر امل�رسح يف موريتانيا بت�أثري فرن�سي
الإبداع
مفاتيح غرناطة للإ�سبان ،وكذلك يف ر ّد �أطماع الإيبرييني وتهافتهم على مرافئ املغرب الأق�صى .كما ت�ستعر�ض امل�رسحية ،وهي من ت�أليف حممد زيطان و�إخراج يا�سني �أحجام، حكاية «الفردو�س املفقود» واملحاوالت الرامية �إىل طم�س الهوية العربية والإ�سالمية و�أحداث تعر�ض لها امل�سلمون. التنكيل والقتل التي ّ ومـن عـرو�ض � 2008أيـ�ضـ ًا ،مـ�سـرحيـة فيولون �سني لفرقة م�رسح �أفروديت (حائزة على جائزة الإخراج للمهرجان الوطني التا�سع للم�رسح االحرتايف مبكنا�س) ،وم�رسحية �أركاز �إزنزن تافوكت لفرقة م�رسح نون (وح�صلت على جائزة الأمل يف الت�شخي�ص للمهرجان الوطني التا�سع للم�رسح االحرتايف مبكنا�س). كما ق ّدمت جمعية اجلدار الرابع للم�رسح والفنون اجلميلة باملركب الثقايف بالناظور و�ضمن املهرجان الثقايف والفني جلمعية الرتبية والتنمية ،عر�ض ًا م�رسحي ًا اجتماعي ًا بعنوان �سلطانـــة من ت�أليف �سعد اهلل عبد املجيد و�إخراج حميد الر�ضواين .وتعالج هذه امل�رسحية جمموعة من امل�شاكل التي يعرفها املغرب املعا�رص كالتفاوت الطبقي وال�رصاع االجتماعي وا�ستغالل الآخرين وانت�شار ظاهرة الفقر والبطالة .ومن العرو�ض �أي�ضا م�رسحية جمرة لفرقة ف�ضاء اللواء لالبداع (ح�صلت على اجلائزة الكربى وجائزة الت�شخي�ص ذكور للمهرجان الوطني التا�سع للم�رسح االحرتايف مبكنا�س ) وم�رسحية زنقة �شك�سبري من �إخراج جياليل فرحاتي عن ن�ص للزبري بن بو�شتى، مثّلت املغرب يف مهرجان �أيام قرطاج وعر�ضت يف خمتلف املدن امل�رسحية ُ ،2007 و�سجلت زنقة �شك�سبري . 2008 املغربية العام ّ عودة املخرج جياليل فرحاتي �إىل خ�شبة امل�رسح بعد �أكرث من ع�رشين عام ًا من التفرغ الكلّي لل�سينما.
عام ،1958من خالل ما يعرف ب�سهرات الكيكوطية وهي �سهرات ت�سلية ،وذلك بظهور همام فال وفرقة الكيكوطية .ولت�أخر دخول امل�رسح �إىل موريتانيا �أ�سباب عديدة منها: طبيعة املجتمع الذي بقي ملدة طويلة جمتمع بداوة ،كما �أن تعددية اللغات تعطي للم�رسح الناطق باللغة العربية حيزاً حمدوداً. يف بدايات امل�رسح املوريتاين ظهر جيل من الر ّواد �أبرزهم حممد ولد منني ،حممد فال بن عبد الرحمن ،حممد بن م�سعود .ويف ثان رائده حممد الأمني الثمانينيات ظهر جيل ٍ ولد عداهي ،تط ّور معه امل�رسح على م�ستوى �أداء املمثل والديكور والإ�ضاءة .وظهرت اجلمعيات الثقافية وامل�رسحية و�شُ كّل ما ي�سمى باالحتاد الوطني مل�رسح الهواة ،وبد�أ انفتاح امل�رسح املوريتاين على العامل من خالل هذا االحتاد، ف�شارك يف مهرجانات عربية وفرنكوفونية. يعي�ش جزء كبري من هذا امل�رسح يف �إطار امل�رسح واملهرجانات الفرنكوفونية ،وبعد الثمانينيات بد�أت مرحلة جديدة من تاريخ هذا امل�رسح .يف العام 1990ظهرت فرقة امل�رسح ال�شعبي وق ّدمت م�رسح ًا يعتمد اال�ضحاك .بعد عام � 1996سافر بع�ض ال�شباب لالخت�صا�ص يف املعهد امل�رسحي يف تون�س ،كذلك دخلت بع�ض الوجوه ال�شابة اجلديدة هذا املجال (باب ولد ميني) ،فرفدت امل�رسح بروح جديدة وحاولت �إدخال ما ي�سمى بامل�رسح اجلا ّد وتعويد اجلمهور عليه� .إىل جانب ذلك ظهرت فرق م�رسحية تق ّدم عرو�ضها بلغات غري اللغة العربية وهي فرق ن�شطة.
الواقع الراهن للم�رسح املوريتاين
يعاين امل�رسح املوريتاين العديد من امل�شاكل ،من بينها غياب الأطر التنظيمية التي ت�رشف عليها الدولة ،وغياب الدرا�سة امل�رسحية يف الداخل وعدم وجود بعثات لدرا�سة امل�رسح يف اخلارج وعدم وجود �أماكن عر�ض جم ّهزة (يوجد فقط دار ال�شباب القدمية ودار ال�شباب اجلديدة وهي قاعات �صغرية وغري جم ّهزة مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 414للتنمية الثقافية
كاف) .وهذا يعني غياب البنية التحتية ب�شكل ٍ كلي ًا .وعلى الرغم من وجود الفنان امل�رسحي الفل�سطيني خليل طاف�ش الذي ق ّدم درا�سات لتطوير هذا امل�رسح ووجود اجلمعيات امل�رسحية يف نواك�شوط ،فقد بقي امل�رسح املوريتاين حتى الآن م�رسح هواة يفتقر للدعم والرعاية والتنظيم امل� ّؤ�س�ساتي .وقد فاز الكاتب والناقد امل�رسحي املوريتاين ال�شاب عبد الرحمن �أحمد الغزايل هذا العام بع�ضوية جمعية امل�رسحيني ال�سعوديني تقديراً لدوره يف تطوير امل�رسح ال�سعودي ،ومن م�ؤلفاته امل�رسحية ممنوع االقرتاب وهي م�رسحية تنتقد وتر ّد على الر�سوم امل�سيئة للر�سول �صلى اهلل عليه و�سلّم ،م�رسحية جحيم ال�سعادة ،م�رسحية �شنب �أكادميي وهي ملهاة كوميدية ،م�رسحية انتحار الإن�سانية التي تعالج معاناة �أهل غزة .كذلك �شهدت دار ال�شباب اجلديدة يف بداية العام 2009عر�ض ًا م�رسحي ًا بعنوان فدائيون ق ّدمته جمموعة من الفنانيني امل�رسحيني املوريتانيني من فرق خمتلفة ب�أ�سلوب امل�رسح التجريبي ،و�شمل م�شاهد ح ّية ع ّما يح�صل يف فل�سطني يف ظل العدوان الإ�رسائيلي على قطاع غزة .ودارت امل�رسحية التي يلعب فيها دور البطولة الفنان بون ولد �أميدة حول تعامل الأنظمة العربية مع الق�ضية الفل�سطينية وواقع ال�صمت العربي الذي يرافق العدوان الإ�رسائيلي .واختتمت امل�رسحية مب�شهد يوحي برف�ض خيار التنديد وال�شجب يف التعاطي مع الق�ضية وتثمني خيار املقاومة، تدخل الفنان بابا مني يف امل�شهد قبل حيث ّ الأخري وهو يهتف مبقطع من ق�صيدة �أمل دنقل ال ت�صالح .كذلك ُعر�ضت يف العام 2008 م�رسحية حلمنا اجلميل للمخرج بابا مني وهي �شبه ملحمة غنائية تعبرّ عن ثراء الثقافة يف هذا البلد يف عمل معقّد جداً ي�ض ّم ما ال يقل عن �أربعني ممث ًال. وقد دعا امل�رسحي �أوغ�ست بوال ،من خالل منرب مهرجان امل�رسح الفرنكوفوين� ،إىل تطوير تقنيات خا�صة مب�رسح امل�ضطهدين يف موريتانيا ( خالل لقاء معه يف �صحيفة
الأومانيتيه الفرن�سية يف �شهر �آب ،)2008 ويبدو �أن امل�رسح التنموي يتطور يف موريتانيا ب�إ�سهام جهات داعمة �أجنبية .كما وا�صلت موريتانيا تنظيمها لفعاليات م�رسحية حتت �شعار امل�رسح يف خدمة حمو الأم ّية يف م�رسح دار ال�شباب القدمي ،وهذا نوع من امل�رسح التنموي الذي ينمو حالي ًا يف موريتانيا، وكانت بداية هذه الفعاليات قد انطلقت يف يوم امل�رسح العاملي عام . 2004
امل�رسح الليبي البدايـات
يكمن تق�سيم م�سرية امل�رسح الليبي �إىل ثالث مراحل :االحتالل الإيطايل ،بداية ظهور الفرق الأهلية املرحلة التي �أعقبت ثورة الفاحت من �أيلول ،وتاريخ �إن�شاء �أول نقابة للفنانني. كانت بدايات امل�رسح الليبي مبكرة يف فرتة االحتالل الإيطايل الذي كان عام ًال م�ؤثراً على ن�ش�أة امل�رسح الليبي ،فكما جرى يف اجلزائر مع اال�ستعمار الفرن�سي الذي �أن�ش�أ داراً للأوبرا يف العا�صمة اجلزائر ،اهت ّم الإيطاليون ب�إن�شاء وخ ّ�ص�صت بع�ض دور املالهي بالدرجة الأوىلُ ، العر�ض للإيطاليني فقط ،ومل يكن لليبيني احلق يف ارتياد هذه الدور ،الأمر الذي دفع بع�ض الليب ّيني� ،أمثال م�صطفى الأمري و�إبراهيم عامر، لتكوين فرقة م�رسحية من بع�ض العنا�رص ال�شابة ،وذلك بعد �أن �سمح لهم الإيطاليون بالعمل .ومن امل�رسحيات التي جرى عر�ضها اللحظات الأخرية من حياة �سكّري من ت�أليف �إبراهيم عامر ،وتهدف �إىل حماربة تعاطي اخلمور التي كان اال�ستعمار الإيطايل يعمد �إىل ن�رشها ،وكذلك م�رسحية قاتل �أخيه التي دعت بث �إىل مناه�ضة �أفكار اال�ستعمار و�أهدافه يف ّ الفرقة بني �أبناء الوطن الواحد. ولع ّل بداية امل�رسح الليبي كانت مع حممد عبد الهادي الذي عاد من بريوت �سنة 1926 لي� ّؤ�س�س الفرقة امل�رسحية الأوىل يف مدينة طربق حتت ا�سم فرقة هواة التمثيل ،ثم انتقل امل�رسح �إىل املدن الأخرى كبنغازي وطرابل�س
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 415
مهرجانات م�رسحية
�أقيم املهرجان الوطني الأول للم�رسح �سنة 1971على �أن يقام كل �سنتني ،وجرى تنظيم املهرجان الوطني الثاين للم�رسح �سنة 1973ليختفي مدة ت�سع �سنوات حتى 1982 املوعد غري الر�سمي للمهرجان الوطني الثالث. �أثناء هذا الغياب ظهر ما يعرف با�سم املوا�سم امل�رسحية لكل فرقة ،وهي عبارة عن ريربتوار من الأعمال التي ق ّدمت يف ال�سابق مع �إ�ضافة عمل جديد ،وبهذه الطريقة حت�صل الفرقة على مو�سم م�رسحي م ّدته �أ�سبوع. هناك عدة مهرجانات منها مهرجان امل�رسح اجلامعي و�أه ّمها املهرجان احلادي ع�رش للفنون امل�رسحية الذي �أقيم يف العام 2008يف مدينتي البي�ضاء و�شحات الأثرية برعاية اللجنة ال�شعبية العامة للثقافة والإعالم حتت �شعار «ت�أكيد جماهريية امل�رسح» .افتتح املهرجان ب�أوبريت حتيا دولة احلقراء من
الإبداع
وهو اليوم يف ك ّل املحافظات واملدن الليبية، لكنه كان يف البداية على م�ستوى الهواية .ومن رموز امل�رسح الليبي �سليمان املنفي و�أنور عبد الوهاب الطرابل�سي الذي مت ّيز بدور رائد يف جتربته مع جيله من امل�رسحيني .وقد كانت فرقة طالئع خريجي الفنون وال�صنائع ( من عام � 1936إىل )1939هي النواة امل�رسحية الأوىل يف طرابل�س ،وهي فرقة من الهواة املثقفني الذين مل ي�ستعملوا �أ�سماءهم احلقيقية وكان م�ستهجن ًا من الناحية االجتماعية �أن ي�شتهر �أحد بالتمثيل �أو الغناء يف ذلك الوقت. وقد ق ّدموا م�رسحيات وطنية مثل �صالح الدين الأيوبي ومعركة الريموك وا�سكت�شات فكاهية، وكذلك بالن�سبة للفرق الأخرى مثل فرقة نادي العمال وفرقة نادي ال�شباب وفرقة نادي النه�ضة. املرحلة الثانية بد�أت بظهور الفرق الأهلية ،ولع ّل �أهمها الفرقة القومية التي ت� ّأ�س�ست عام ،1951ومن �أوىل الأعمال التي ق ّدمتها م�رسحيات الدنيا �ساعة ب�ساعة ،نكران واعرتاف ،الوارث ،وكلّها من ت�أليف و�إخراج مقر الفرقة �آنذاك يف �سعيد ال�رساج ،وقد كان ّ �سوق الرتك وكانت الفرقة ت�صنع املناظر من �أكيا�س الإ�سمنت. يف هذه الفرتة ظهرت فرق كثرية واختفت �أخرى �أي�ض ًا ،ومن الفرق التي ظهرت اجليل ال�صاعد ،الأمل ،الفرقة الوطنية ،فرقة النه�ضة امل�رسحية ،الأنوار ،فرقة امل�رسح الليبي� .أما اختفاء بع�ض الفرق �أو الكثري منها فريجع �إىل �ضعف الإمكانات املادية ،و�إىل العرو�ض الهزيلة التي كان يق ّدمها بع�ض هذه الفرق على عك�س ما تع ّوده اجلمهور من فرقة نادي االحتاد. املرحلة الثالثة تبد�أ بقيام ثورة الفاحت. و�أه ّم ال�سمات املميزة لهذه الفرتة� ،إن�شاء نقابة الفنانني وتكوين الهيئة العامة للم�رسح ،وقد �أعطى قرار ت�شكيلها احلق يف اال�ستيالء على مقرات الفرق و�أثاثاتها وتغيري �أ�سمائها ،بل ّ ونقل �أع�ضائها من دون �أن يكون وراء ذلك
خطة لتنظيم احلركة امل�رسحية �أو متابعتها واالهتمام بها .وقد �أ ّدى ذلك �إىل ان�سحاب الكثري من القدرات الفنية ،وقامت الهيئة بتجربة دمج الفرق� ،إال �أن هذه التجربة ف�شلت وتركّز ج ّل مت ح ّل اهتمامها على الفنون ال�شعبية �إىل �أن ّ الفرق املندجمة بعد �سنتني من التجربة. ومن الفرق التي ظهرت فرقة امل�رسح الوطني وهي فرقة متفرغة ُت�رصف لها مر ّتبات من الدولة لكن عملها يكاد يكون مو�سمي ًا يبد�أ يف اخلريف وينتهي مع بداية ال�صيف ،فرقة نقابة املعلمني وهي من العالمات املميزة لفرتة الثورة وقد تك ّونت يف نهاية العام .1976 �أما يف بنغازي فقد ظهرت �أول فرقة م�رسحية عام 1936وكان م� ّؤ�س�سها رجب البكو�ش ،وكانت تق ّدم عرو�ضها على �شاطئ البحر لعدم وجود م�سارح يف املدينة ،ولهذا اتخذت الفرقة ا�سم فرقة ال�شاطئ .وقد عا�شت احلركة امل�رسحية يف املدينة حياة ن�شطة منذ عام 1939وحتى يومنا هذا.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 416للتنمية الثقافية
هناك ممثلون م�رسحيون يف البلدان العربية ويف �أرجاء العامل وعددهم كبري ،منهم من ال يزال ميار�س العمل امل�رسحي ومنهم من انقطعت �أخباره ،وكلهم يحاولون العمل يف جمال امل�رسح �أو الدراما يف حال متكّنوا من ذلك.
�إعداد امل�سكيني ال�صغري و�إخراج عز الدين املهدي ،واختتم بعمل نزيف احلجر لفرقة �سبها للفنون امل�رسحية يف مدينة درنة ،وهو مقتب�س عن رواية الكاتب العاملي �إبراهيم الكوين. يف 2008/10/9انطلق اليوم الوطني للم�رسح ملنا�سبة مرور مائة عام على ت�أ�سي�س امل�رسح الليبي احلديث ،و�سيتكرر االحتفال �سنوي ًا يف التاريخ املذكور �إحياء لهذه الذكرى. وعقدت على هام�شه ندوة حتت عنوان «امل�رسح الليبي تاريخ و�آفاق» ُدعي �إليها خمت�صون .كما ق ّدمت فرقة خرباء م�رسحيون ّ غفران للأعمال الفنية وامل�رسحية على م�رسح الك�شّ اف م�رسحية فتح مكة ت�أليف املفكر الإ�سالمي �أحمد القطعاين بالتعاون مع العديد من الفرق الفنية امل ّماثلة ،كما ق ّدمت فرقة رابطة الفنانني يف طرابل�س م�رسحية من يقتل مني .ومن العرو�ض امل�رسحية التي ق ّدمت عام 2008م�رسحية الغول من �إخراج الدكتور ح�سن قرفال. ومن الفرق امل�رسحية يف ليبيا بيت �شحات الثقايف ،فرقة ليبيا– �شحات ،امل�رسح الأخ�رض، امل�رسح احلديث – البي�ضاء ،اجليل ال�صاعد بغريان ،امل�رسح الوطني ب�سبها� ،أ�صدقاء التمثيل– اجدابيا ،هواة الفن بالبي�ضاء ،غفران للأعمال الفنية وامل�رسحية.
امل�رسح العراقي �أزمة راهنة
تق�صي الن�شاط امل�رسحي من ال�صعب ّ العراقي اليوم ب�سبب ت�ش ّتته ونق�ص املعلومات، فال�سمة الرئي�سية لهذا امل�رسح العريق هي الت�شتت .هناك ممثلون م�رسحيون يف البلدان العربية ويف �أرجاء العامل وعددهم كبري ،منهم من ال يزال ميار�س العمل امل�رسحي ومنهم من انقطعت �أخباره ،وكلهم يحاولون العمل يف جمال امل�رسح �أو الدراما يف حال متكّنوا من ذلك .بالن�سبة لو�ضع امل�رسح يف الداخل العراقي هناك بع�ض الظروف التي ما زالت ت�ؤثّر يف وجود هذا امل�رسح و�أدائه� ،أه ّمها
و�ضع ال�صاالت امل�رسحية يف بغداد حيث توجد �صالة واحدة فقط �صاحلة لال�ستخدام ،وكذلك احلالة الأمنية التي جتعل من العرو�ض ،يف حال وجدت ،عرو�ض ًا نهارية ولي�ست م�سائية، لكن هذا الو�ضع بد�أ يتغري م�ؤخراً� .إ�ضافة �إىل ذلك غياب القوانني التي تتعلق ب�ش�ؤون الثقافة وغياب الرعاية من الدولة واالنفتاح ب�شكل كبري على التمويل اخلارجي� ،إذ جند جمعيات تعنى بامل�رسح والفنون يف حالة بحث دائم عن التمويل ،وهذا يتعلق خ�صو�ص ًا بجيل ال�شباب ،ويالحظ عدم بروز �أ�سماء جديدة على ال�ساحة العراقية .و�أحوال امل�رسحيني العراقيني يف ال�شتات لي�ست واحدة ،فمنهم من �سمحت له الفر�صة بالعمل يف دول جمل�س التعاون اخلليجي ويف �سوريا ولبنان ،مثل حممود �أبو العبا�س الذي عمل فرتة طويلة يف الإمارات (الفجرية) ،قا�سم حممد الذي تويف يف عام ،2008جواد الأ�سدي الذي عمل يف امل�رسح الوطني الفل�سطيني ثم يف �سوريا ويف لبنان وافتتح يف بريوت ف�ضا ًء م�رسحي ًا حتت ا�سم بابل يف دار �سينما قدمية .وهناك م�رسحيون يف املهجر ،منهم قا�سم مطرود املوجود يف هولندا ،روناك �شوقي يف �إجنلرتا ،با�سم قهار بني �أ�سرتاليا و�سوريا ،ر�سول ال�صغري يف هولندا ،وقبله عوين كرومي الذي عا�ش يف �أملانيا وتويف فيها. ومن امل�رسحيني من بقي يف العراق وما زال يعمل يف جمال امل�رسح وعددهم كبري، مثل يو�سف العاين� ،سامي عبد احلميد� ،صالح ق�صاب ،عزيز خيون ،عواطف نعيم ،هيثم عبد الرزاق وغريهم.
البدايـات
ن�ش�أ امل�رسح العراقي يف بدايات القرن املا�ضي وبد�أ يتبلور مع ظهور الفرق امل�رسحية يف اخلم�سينيات مع تبلور الفكر ال�سيا�سي واحلراك ال�سيا�سي يف تلك املرحلة .وقد بد�أ تدري�س امل�رسح يف معهد الفنون اجلميلة يف وقت مبكر .ففي العام 1940ت� ّأ�س�س ق�سم
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 417
امل�رسح العراقي :بني احلروب واحل�صار واالحتالل
ب�سـبـب االحـتـالل الأمـريـكـي انهارت امل� ّؤ�س�سات امل�رسحية يف العراق ،و�شكّلت هذه الظروف ال�رضبة القا�صمة للم�رسح العراقي ،الذي ما زال منذ ذلك الوقت يحاول ا�ستعادة ذاته و�ألقه.
الإبداع
امل�رسح التابع ملعهد الفنون اجلميلة ،وعام 1968ت� ّأ�س�س ق�سم امل�رسح يف اجلامعة يف كلية الفنون اجلميلة يف بغداد ثم يف املو�صل والب�رصة ،وقد وفّر هذا الق�سم جما ًال للدرا�سة وتخ�ص�صية يف امل�رسحية يف درا�سات عامة ّ ثالثة اخت�صا�صات هي :التمثيل والإخراج والنقد ،وكان ذلك يف بغداد ثم املو�صل وبعده الب�رصة .يف ال�ستينيات كانت بد�أت الفرق الأهلية بالظهور وهي كغريها من الفرق يف الدول العربية مل تكن تطرح مو�ضوع التمويل كق�ضية� ،إذ كانت مت ّول نف�سها بنف�سها ،ومعها بد�أت النه�ضة امل�رسحية احلقيقية لأنها ا�ستقطبت العديد من الأ�سماء التي �ست�شكّل �أعمدة بناء امل�رسح العراقي مثل �إبراهيم جالل، يو�سف العاين� ،سامي عبد احلميد ،كاظم حيدر، ناظم الغزايل. يف عام 1968ت� ّأ�س�ست م�صلحة ال�سينما وامل�رسح وكان على ر�أ�سها يو�سف العاين، و� ّأ�س�ست فرقة الر�شيد وفرقة امل�رسح القومي، وو�ضعت هيكلية للم�صلحة وقوانني ت�سمح بتعيني الفنانني ،حيث يكون الفنان حتت رعاية الدولة (على منط الدول اال�شرتاكية). وت�شكّلت عدة فرق منها امل�رسح احلر وم�رسح 14متوز وم�رسح الهواة وم�رسح الرافدين، وكانت هذه الفرق تعمل مع املراكز الثقافية (املركز الثقايف الرو�سي).
العراقية الإيرانية ،ت�شكّلت دائرة التوجيه املعنوي ثم �أ�صبحت دائرة التوجيه ال�سيا�سي، ووجهت امل�رسح ب�شكل م�ضطرد نحو امل�رسح ّ املوجه وامل�ؤدلج حتت م�سميات جديدة ترتبط ّ بحزب �سيا�سي ،وكان الأهم هو �إن�شاء امل�رسح الع�سكري (ارتباط ًا باحلرب) والكثري من الفنانني ُع ّينوا يف امل�رسح الع�سكري يف بداية حياتهم املهنية ومنهم كاظم ال�ساهر وجواد ال�شكرجي .يف مقابل هذا التوجه ظهر امل�رسح التجاري وتنامى ب�شكل م�ضطرد وهذه ظاهرة طبيعية� .أما يف الثمانينيات فقد بد�أت موجات هجرة املثقفني ،ومن بينهم امل�رسحيون ،تتزايد �أكرث ف�أكرث (�إ�ضافة للعوامل ال�سابقة دخل عامل �إ�ضايف وهو الت�ضييق ال�سيا�سي والأمني على الفنانني) لكن بقي امل�رسح العراقي يق ّدم �أعما ًال جيدة مع فنانني مثل فا�ضل خليل (عميد املعهد ملدة طويلة) ،عزيز خ ّيون ،هيثم عبد الرازق ،عواطف نعيم وغريهم. ب�سبب االحتالل الأمريكي انهارت امل� ّؤ�س�سات امل�رسحية يف العراق ،و�شكّلت هذه الظروف ال�رضبة القا�صمة للم�رسح العراقي، الذي ما زال منذ ذلك الوقت يحاول ا�ستعادة ذاته و�ألقه ،وظهرت �إ�شكاليات خطرية �أه ّمها تق�سيم امل�رسح العراقي �إىل ق�سمني الداخل واخلارج ،والغياب الكامل جلميع �أ�شكال الدعم احلكومي للم�رسح ،و انعدام ال�سعي لدى احلكومات العراقية بعد االحتالل للتطوير الثقايف عموم ًا وامل�رسحي خ�صو�ص ًا.
يف ال�سبعينيات من القرن املا�ضي عرف 2008هل يحمل �إرها�صات اخلروج من امل�رسح العراقي نه�ضة جديدة ،وكانت مرحلة الأزمة؟
ن�ضج للم�رسح وامل�رسحيني ،فظهر العديد من الفرق والبنى امل�رسحية مثل امل�رسح املدر�سي، امل�رسح اجلامعي ،امل�رسح الريفي ،امل�رسح العمايل� ..إلخ ،ومنذ تلك املرحلة بد�أ �أي�ض ًا تراجع امل�رسح لأ�سباب عديدة غري متالزمة، منها احلروب التي خا�ضها العراق وبعدها احل�صار .لكن من الناحية ال�سيا�سية وهذا �سي�ؤثر على الناحية الفنية وخالل احلرب
مت ا�ستحداث مركز بغداد للثقافة والفنون ّ عام 2008بهدف دعم الثقافة والفنون يف عموم العراق حتت �إدارة املخرج �أحمد ح�سن مت تعيني مدير جديد لدائرة مو�سى ،كما ّ ال�سينما وامل�رسح هو د� .شفيق مهدي .و�أنتجت وزارة الثقافة يف العامني املا�ضيني عدة عرو�ض منها عر�ض املوت والعذراء �إعداد و�إخراج �إبراهيم حنون ( .)2008وت�صدر فرقة مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 418للتنمية الثقافية
بعد �سقوط نظام �ص ّدام ح�سني عام 2003وانهيار البنى التحتية، قامت فرقة من حتت الأنقا�ض �أطلقت على نف�سها ا�سم فرقة ناجني ببناء ن�صب لعائلة عراقية ناجية يف �ساحة الفردو�س ،وجرى عر�ض م�رسحية ارجتالية على �أنقا�ض م�رسح الر�شيد لتكون هذه الفرقة �أول �شكل من �أ�شكال �إعادة احلياة للم�رسح.
باب امل�رسحية جملة م�رسحية �شهرية بعنوان اخل�شبة ير�أ�س حتريرها حامت عودة .ويف العام 2008ت� ّأ�س�س مهرجان الربيع للم�رسح يف بغداد .كما ظهرت جمعيات وفرق ت� ّأ�س�ست بعد احلرب منها ور�شة الثقافة امل�رسحية التابعة جلمعية �آفاق لل�سالم والتنمية وم�ؤ�س�سة عيون للإعالم والثقافة والفنون .ويحاول الفنان منا�ضل البياتي �إعادة �إحياء فرقة م�رسح الفن احلديث (التي ت� ّأ�س�ست يف املرة الأوىل عام )1952حيث ق ّدم م�رسحية هاملت بال هاملت. وق ّدمت الفرقة القومية للتمثيل يف مهرجان القاهرة للم�رسح التجريبي 2008م�رسحية حتت ال�صفر .يف �شهر �آب �أغ�سط�س 2008عقد املركز العراقي الكندي للثقافة والفنون امل�ؤمتر متت الت�أ�سي�سي يف مقاطعة (برت�ش كوملبيا) ،و ّ املوافقة عليه فدرالي ًا من قبل احلكومة الكندية ب�شكل ر�سمي بتاريخ . 2008/6/11 وعلى الرغم من هذه الظروف �إال �أن الأعمال امل�رسحية املنتجة يف العراق لي�ست بالقليلة ،ومنها م�رسحية الأ�شباح من �إخراج د.عادل كرمي و�إنتاج كلية الفنون اجلميلة. م�رسحية م�سافر زاده اخليال �إخراج عزيز خيون ،م�رسحية �أعتذر �أ�ستاذي مع التحية من �إخراج هيثم عبد الرزاق ،م�رسحية ن�ساء يف احلرب �إخراج جواد الأ�سدي الذي �أعاد اخراجها الن�صار� ،إىل جانب �إخراجه م�ؤخراً الفنان كاظم ّ م�رسحية كون�رشتو .كما ُق ّدمت م�رسحية الأ�سفـار من �إخراج حازم كمال الدين� ،إ�ضافة �إىل تقدميه م�رسحية �صحراء ال�شلب يف منتدى امل�رسح ،م�رسحية بابل حبي الأزيل ل�سعدي يون�س ،م�رسحية وداع ًا غودو من �إخراج حامت عودة ،م�رسحية حريق البنف�سج �إخراج حيدر منعث ،م�رسحية اللعبة الأخرية �إخراج جواد احل�سب ،وهو نف�سه ق ّدم �أي�ض ًا احل�سني ثائراً يف الفرتة نف�سها ،و�أحدب نيونوتردام �إخراج كرمي جثري. كما �شهدت م�سارح املحافظات العراقية يف ال�سنوات الثالث الأخرية تقدمي عرو�ض م�رسحية متع ّددة ،و�أقامت مهرجانات
م�رسحية متوا�صلة يف بع�ض املحافظات مثل بابل والقاد�سية والب�رصة وذي قار ونينوى وال�سليمانية. وقد كان م�رسح املحافظات يف العراق متطوراً ويتمتع ب�سمعة فنية عالية ،وغالب ًا ما كانت حمافظات غري بغداد هي التي حت�صد اجلوائز الرئي�سية يف املهرجانات امل�رسحية العراقية ،ولكنها الآن تعاين من م�شكالت كثرية تزيد من �أزمة امل�رسح العراقي ،ومن �أه ّم هذه الأزمات غياب اخلدمات الإنتاجية والتمويل مبان م�رسحية جم ّهزة. وعدم وجود ٍ بعد �سقوط نظام �ص ّدام ح�سني عام 2003 وانهيار البنى التحتية ،قامت فرقة من حتت الأنقا�ض �أطلقت على نف�سها ا�سم فرقة ناجني ببناء ن�صب لعائلة عراقية ناجية يف �ساحة الفردو�س ،وجرى عر�ض م�رسحية ارجتالية على �أنقا�ض م�رسح الر�شيد لتكون هذه الفرقة �أول �شكل من �أ�شكال �إعادة احلياة للم�رسح. وبعد عودة احلياة �إىل م� ّؤ�س�سات الدولة الثقافية ُق ّدم خالل ال�سنوات اخلم�س املا�ضية ما يزيد على ال�سبعني عر�ض ًا م�رسحي ًا كان لدائرة ال�سينما وامل�رسح ح�صة الأ�سد يف �إنتاجها� ،إ�ضافة �إىل دار ثقافة الأطفال وكلية الفنون اجلميلة يف بغداد ومعهد الفنون .و ُق ّدمت العرو�ض يف بداية الأمر من خالل مهرجانات تنظمها هذه امل� ّؤ�س�سات ،واعتمدت هذه العرو�ض على �أطروحات فكرية جاهزة ودعوات مبا�رشة لنبذ العنف و�إ�شاعة ال�سالم والتعاون وتع�ضيد التغيري ال�سيا�سي الذي ح�صل ،وكانت هذه العرو�ض تعمل فكري ًا على خطّ ني يف البداية :الأول �إعادة بع�ض عرو�ض الربرتوار القدمي (ال�سبعني) فجاءت عرو�ض الب�ستوكه وجلجام�ش ،واخلط الثاين كان يحاول �أن يبقى على الن�سق الذي اجرتحه منتدى امل�رسح يف منت�صف ثمانينيات القرن املن�رصم ،ويقوده بع�ض املخرجني ال�شباب (حيدر منعرث ،هيثم عبد الرزاق ،كاظم الن�صار ،عماد حممد ).. لتدعيم ال�شكل احلداثي يف امل�رسح ،الذي �أُخذ عليه يف الزمن ال�سابق الغمو�ض والرمزية
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 419
ال�شديدة والت�شفري �إال فيما ندر من العرو�ض التي كان ُينظر �إليها ويت ّم تقييمها بحذر من قبل امل� ّؤ�س�سات الثقافية يف العهد ال�سابق .ومن هذه امل�رسحيات حرية املدنية ،اخلادمات، احلرمي� ،سور ال�صني� ،أولئك ،هاملت بال هاملت ..الخ .وبعد �أن ك�رس (التابو) الذي م ّيز املرحلة املا�ضية ظهرت عرو�ض «تعوي�ضية» ب�سبب املنع ال�سابق لل�شعائر احل�سينية ،فجاء بع�ضها ميت �إىل ال�شكل امل�رسحي طقو�سي ًا وتلقائي ًا ال ّ ب�صلة ،با�ستثناء عر�ض م�رسحية احل�سني ثائراً و�شهيدا مل�ؤلفها عبدالرحمن ال�رشقاوي وخمرجها جواد احل�سب ،وهي ق ّدمت �شك ًال م�رسحي ًا خال�ص ًا للملحمة.
بع�ض مالمح العرو�ض امل�رسحية يف 2008
امل�رسح العراقي يف العامل
كان للم�رسح العراقي وجوده يف اخلارج وقد ُعر�ضت يف بريوت م�رسحية جواد الأ�سدي ن�ساء ال�سك�سوفون يف ف�ضاء بابل يف �شارع احلمرا ،وهي عمل مقتب�س عن م�رسحية بيت برناردا �إلبا للإ�سباين غار�سيا لوركا ،وتتمحور امل�رسحية حول قدرة احلوار على حماية البيت الداخلي وان�سجام من فيه ،وقد وا�ستقراره ّ �أنتجت يف 2007و�شاركت يف مهرجان دم�شق يف 2008حتت عنوان �أرامل على الب�سكليت .كما ق ّدم با�سم الق ّهار م�رسحية تياترو يف �سوريا وهي من �إنتاج �سوري ،وق ُّدمت مونودراما من ت�سعة �أجزاء للرغبة للكاتبة واملمثلة العراقية الأمريكية هيرث رقّو و�إخراج جوانا �سيتل يف ،2008وهي حتكي عن ن�ساء عراقيات يف املنفى وت�ستعر�ض حاالت عدة.
امل�رسح الأردين البدايـات
للم�رسح الأردين ظهوره الوا�ضح يف املهرجانات على الرغم من �أن تواجده على الأر�ض خالل العام ال يوحي بحركة م�رسحية نا�شطة .يف املقابل يوجد يف الأردن م�رسح مدر�سي متط ّور ن�سبي ًا ،خ�صو�ص ًا يف املدار�س اخلا�صة ،وهناك �أي�ض ًا م�رسح جتاري ن�شط. لقد ظهر امل�رسح يف الأردن يف مطلع القرن الع�رشين من خالل بع�ض امل�رسحيات التاريخية والدينية واالجتماعية وعدد من امل�رسحيات املرتجمة� ،إ�ضافة �إىل بع�ض املحاوالت يف الت�أليف املحلي التي قام بها بع�ض الهواة يف الأردن ،وكانت هذه الأعمال امل�رسحية تق ّدم يف الأندية واملدار�س والكنائ�س واجلمعيات اخلريية وكذلك يف املدن و القرى وم�ضارب
الإبداع
لوحظ �أن معظم املخرجني اعتمدوا ن�صو�ص ًا مل�ؤلفني حمليني (فاروق حممد ،عقيل مهدي ،مثال غازي ،يو�سف الكاتب ،حازم كمال الدين ،جواد احل�سب ،جواد الأ�سدي ،عزيز عبد ال�صاحب ،مهند هادي ،عواطف نعيم ،فالح �شاكر ،علي ح�سني) .وتناولت العرو�ض الواقع االجتماعي من خالل انتقاد ظاهرة العنف والتطرف الديني واملذهبي والقبول بالآخر واملوقف الإجرائي من املذنب وهو ابن البلد وال�صديق �أو اجلار ،ويظهر ذلك من خالل عرو�ض املوت والعذراء ،ر�ؤيا �أخرية ،ح�صان الدم ،حظر جتوال ،علي الوردي وغرميه .وقد اتخذ بع�ض العرو�ض خطاباته الفكرية من م�شاكل اخلارج وهمومه .وحتت عنوان الهجرة ،ت�شكّل خطاب م�رسحية ن�ساء يف احلرب مل�ؤلفها وخمرجها جواد الأ�سدي مب�شاركة املخرج كاظم الن�صار، و�سرب �أغوار م�شاكل جديدة وقيم و�أفكار ترتبط ببيئات �أخرى ا�صطدم بها املهاجر العراقي من م�شاربهن الثقافية خالل ثالث ن�سوة اختلفت ّ تعاملهن واالجتماعية وتغريت �إثر ذلك طريقة ّ مع الواقع اجلديد. وقد اعتمدت العرو�ض على (�سنيوغرافيا) قليلة الكلفة �رسيعة النقل لأ�سباب �إنتاجية
و�رشوط العرو�ض يف اخلارج .كما لوحظ افتقار هذه العرو�ض امل�رسحية للعنا�رص القادرة فني ًا ومنها العن�رص الن�سائي ،الذي ابتعد عن اال�شتغال يف العرو�ض امل�رسحية وف�ضل العمل يف الدراما التلفزيونية. ّ
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 420للتنمية الثقافية
البدو .وظهرت بعد ذلك مرحلة امل�رسح املرتجم ،وبرز خاللها يف ال�ساحة الفنية ا�سم تخرج من كودمان ثيرت يف هاين �صنوبر الذي ّ الواليات املتحدة الأمريكية �سنة .1957عمل �صنوبر لفرتة يف امل�رسح ال�سوري ثم قدِم �إىل ع ّمان و�أخذ يعمل على ا�ستقطاب هواة الفن امل�رسحي من الإذاعة الأردنية (ق�سم الدراما) واجلامعة الأردنية وبع�ض الهواة ،و� ّأ�س�س من هذه الطاقات الواعدة �آنذاك �أ�رسة امل�رسح الأردين. �شهد عقد ال�سبعينيات تخرج �أعداد ّ من املخرجني الأكادمييني من اجلامعات واملعاهد والأكادمييات العربية والعاملية، اخلريجني من الأكادمييات ثم تزايد عدد ّ واجلامعات واملعاهد الفنية العربية والعاملية يف الثمانينيات� ،إ�ضافة �إىل �إن�شاء كلية الفنون يف جامعة الريموك ومركز التدريب امل�رسحي متردت التجارب التابع لوزارة الثقافة ،وقد ّ امل�رسحية اجلديدة على الن�ص وال�شكل الفني التقليديني.
فرق ومهرجانات م�رسحية
يف الثمانينيات ظهرت عدة فرق م�رسحية �أ�ضيفت �إىل ما تقدمه وزارة الثقافة من عرو�ض م�رسحية� ،أه ّم هذه الفرق الفواني�س، م�رسح امل�رسح ،خمترب الرحالة ،م�رسح الـ “60 كر�سي” ،م�رسح الفن يف �إربد ،خمترب م ّوال امل�رسحي ،م�رسح اخليمة ،امل�رسح ال�شعبي. وظهرت م�ؤ�س�سة نور احل�سني كرافد ها ّم يف الإنتاج الف ّني ب�شكل عام وامل�رسحي ب�شكل خا�ص .و�شهدت الت�سعينيات ازدهاراً وانت�شاراً وا�سع ًا للم�رسح الأردين بعد حرب اخلليج نتيجة لقلة الطلب على الأعمال الأردنية التلفزيونية عربي ًا ،الأمر الذي دفع الفنانني باجتاه امل�رسح، فانت�رشت الفرق امل�رسحية وق ّدمت الكثري من امل�رسحيات التي �ساعدت يف �إنتاجها وزارة الثقافة .و ُنظّ مت املهرجانات الثقافية عامة وامل�رسحية خ�صو�ص ًا ،و�أقيم مهرجان امل�رسح الأردين ومهرجان م�رسح ال�شباب بالتعاون
مع رابطة الفنانني ومهرجان م�رسح الأطفال، وقامت بالتعاون مع اجلامعات والكليات املتو�سطة بتنظيم مهرجان يحمل نف�س اال�سم، �إ�ضافة �إىل مهرجان جر�ش للثقافة والفنون الذي يقام �سنوي ًا منذ العام 1980وحتى اليوم. تتوفر يف الأردن بنى ثقافية تابعة لوزارة الثقافة وكذلك لأمانة مدينة ع ّمان ،وهناك بنى م�ستقلة وهي فرق وف�ضاءات م�رسحية وغري م�رسحية مثل م�رسح البلد ومركز الفنون الأدائية ب�إدارة لينا التلّ ،الذي ين�شط بتقدمي عرو�ض تفاعلية .ونذكر هنا �أن ع ّمان ا�ست�ضافت ل�سنوات ،وما زالت ،ومن خالل �أيام ع ّمان امل�رسحية وفرقة فواني�س بالتعاون مع �أمانة عمان ،مهرجان ًا ي�ستقطب الفرق امل�ستقلة ب�شكل خا�ص (هذا ال يعني غياب الفرق الأخرى) ،لكن خ�صو�صية هذا املهرجان كانت تكمن يف �أنه منا�سبة للقاء بني �أجيال خمتلفة من امل�رسحيني (فيه العديد من ور�شات العمل) و ُتق ّدم فيه عرو�ض م�رسحية ،وهو �أي�ض ًا (كما مهرجان الإ�سكندرية يف الوقت احلا�رض) يدعو م� ّؤ�س�سات داعمة للقاء امل�رسحيني وي�شكّل و�سيلة ات�صال يف ما بينها ويقام هذا املهرجان يف نهاية �شهر �آذار من كل عام. يف الأردن �أي�ض ًا ،ثالثة مهرجانات �أ�سا�سية ت�ست�ضيف العديد من العرو�ض العربية والأجنبية هي مهرجان �أيام ع ّمان امل�رسحية وكانت دورته الرابعة ع�رشة هذا العام من 27 �آذار مار�س � 2008إىل 6ني�سان �أبريل 2008 وقد �شاركت فيه فرق م�ستقلة من فل�سطني ولبنان و�سورية والعراق وقطر وتون�س وم�رص وفرن�سا و�سوي�رسا والنم�سا وهولندا �إ�ضافة �إىل الأردن .وت�ض ّمنت فعاليات املهرجان عرو�ض �شوارع ت�شاركت فيها فرقتا التنورة امل�رصية الع�صي التون�سية ،كما ُق ّدمت وامل�شي على ّ فعاليات موازية �سينمائية ،و�أقام املخرج امل�رسحي العراقي جواد الأ�سدي ور�شة عمل الع�صي حول تقنيات املمثل ،ونظّ مت فرقة ّ التون�سية ور�شة عمل تدريبية مل�ؤدين �أردنيني.
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 421
امل�رسح ال�سوري البدايـات ومراحل التط ّور
كان ن�شاط امل�رسح ال�سوري وافراً هذا العام ،وذلك لتقاطع منا�سبتني :الأوىل �إعالن دم�شق عا�صمة للثقافة العربية ،ولهذه املنا�سبة مت �إنتاج وا�ستقدام عدد ال ب�أ�س به من العرو�ض ّ امل�رسحية ،والثانية انعقاد الدورة الرابعة ع�رشة مت �إنتاج بع�ض ملهرجان دم�شق امل�رسحي� ،إذ ّ العرو�ض امل�رسحية ،لكن ذلك مل يغيرّ كثرياً من و�ضع امل�رسح ال�سوري ب�شكل عام املعروف بتاريخه وطاقاته ،لكنه يف ال�سنوات الأخرية عرف تراجع ًا ملمو�س ًا ،خ�صو�ص ًا على م�ستوى مر امل�رسح ال�سوري مبراحل عديدة الإنتاج .لقد ّ
الإبداع
و�إىل جانب مهرجان �أيام ع ّمان امل�رسحية، هناك مهرجان الأردن امل�رسحي الذي تنظّ مه احلر وزارة الثقافة ،ومهرجان ليايل امل�رسح ّ احلر بالتعاون مع الذي تنظمه فرقة امل�رسح ّ وزارة الثقافة و�أمانة ع ّمان وا�ستمر العام املا�ضي ملدة خم�سة �أيام ،وجاءت دورته الثالثة بني 10و� 15أيار مايو ،2008وقد �شاركت فيه �سبع دول ،منها خم�س دول عربية ودولتان �أوروبيتان هما ال�سويد و�إ�سبانيا، ونُظم املهرجان بالتعاون بني فرقة امل�رسح ووزارة الثقافة و�أمانة ع ّمان الكربى. وعقدت الدورة العربية ال�سابعة ملهرجان امل�رسح الأردين بني 14و 27ت�رشين الثاين نوفمرب ،2008وهو مهرجان ثقايف فني عربي تقيمه وزارة الثقافة �سنوي ًا ،يت ّم فيه تقدمي �أعمال م�رسحية حملية وعربية ،وقد عقدت دورته الأوىل عام 1991و�أخذ �صبغته العربية منذ دورته التا�سعة عام 2001و�أ�صبحت العرو�ض العربية امل�شاركة تدخل �ضمن امل�سابقة الر�سمية على جوائز املهرجان ،وتقام على هام�شه عرو�ض م�رسحية موازية وندوة فكرية رئي�سية وندوات نقدية لك ّل العرو�ض امل�رسحية امل�شاركة،وهو يهدف �إىل خلق حالة من التوا�صل بني امل�رسحيني الأردنيني و�أقرانهم العرب للنهو�ض باحلركة امل�رسحية .
�أ ّولها مرحلة البدايات وهي طويلة ،بد�أت مع جتربة �أبو خليل القباين يف الن�صف الثاين من القرن التا�سع ع�رش ،وامتدت حتى بدايات ظهور امل�رسح مع جيل الر ّواد الذي �أعقب القباين يف بدايات القرن الع�رشين �إىل �أواخر اخلم�سينيات من القرن ،تاريخ ت�أ�سي�س امل�سارح العامة التابعة للدولة وت�أ�سي�س امل�رسح القومي ( )1961وظهور �صيغ م�رسحية حتمل توجه ًا حم ّدداً مثل م�رسح العمال ،امل�رسح اجلوال، م�رسح الأطفال ،م�سارح املحافظات�...إلخ. وكانت ال�سمة العامة للمرحلة الأوىل هي غياب الرعاية الر�سمية للم�رسح ،وقد كان وجود امل�رسح وهذا حال كل م�سارح بالد ال�شام وم�رص يف تلك املرحلة ،ي�أتي �ضمن �صيغ �أغلبها على �شكل جتمعات خا�صة وجمعيات �أهلية وفرق غلب عليها الطابع العائلي� .أما امللمح الثاين فهو غياب امل�رسح االحرتايف. ف�أغلبية العاملني يف امل�رسح كانوا من الهواة املتطوعني .وامللمح الثالث هو قلة عدد �أماكن واملخ�ص�صة للم�رسح .وعلى العر�ض املبنية ّ الرغم من ذلك� ،أفرز امل�رسح ال�سوري �أ�سما ًء المعة ،منها رفيق ال�صبان و�رشيف خزندار يف الإخراج ،وعدداً كبرياً من املمثلني. يف املرحلة الثانية و�ضمن هيكيلية وزارة الثقافة ت� ّأ�س�ست مديرية امل�سارح بفروعها يف العا�صمة واملحافظات وهي امل�س�ؤولة حتى الآن عن امل�رسح ،وعاد الكثري من املخرجني الدار�سني املحرتفني من الإيفاد .ثم بعد ذلك ت� ّأ�س�س املعهد امل�رسحي الذي افتتح يف العام الدرا�سي 1977/1976ودار الأ�سد للثقافة والفنون يف عام 2004و�أ�صبح بالإمكان �إنتاج عرو�ض م�رسحية عرب هاتني امل� ّؤ�س�ستني. حقّق امل�رسح ال�سوري لنف�سه تواجداً هام ًا يف مرحلته الذهبية خالل ال�ستينيات وال�سبعينيات من القرن الع�رشين ،يف تلك املرحلة ُكتبت الن�صو�ص امل�رسحية وعرف امل�رسح املكتوب ازدهاراً مع ك ّتاب وخمرجني وممثلني ا�شتهروا على م�ستوى العامل العربي وعلى امل�ستوى العاملي يف جمال الكتابة، مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 422للتنمية الثقافية
ومنهم �سعد اهلل ونو�س ،ممدوح عدوان ،فرحان بلبل ،وليد �إخال�صي؛ ويف جمال الإخراج مثل �أ�سعد ف�ضة (خمرج وممثل) ،فواز ال�ساجر ،نائلة الأطر�ش ،مانويل جيجي ،ح�سن عويتي؛ ويف جمال التمثيل منى وا�صف� ،سناء وثراء دب�سي، مها ال�صالح وغريهم .خالل تلك املرحلة مت ت�أ�سي�س امل�رسح ظهرت امل� ّؤ�س�سة امل�رسحية و ّ القومي ،بعد افتتاح املعهد العايل للفنون امل�رسحية �أ�صبح تعليم امل�رسح متوفراً للجيل وج ّهزت �صاالت عر�ض هي بغالبيتها اجلديدُ ، �صاالت �سينما ُح ّولت �إىل �صاالت م�رسح. وقد لعبت م�ؤ�س�سة امل�رسح اجلامعي دوراً هام ًا يف ال�سبعينيات ،خ�صو�ص ًا يف ت�شكيل كادر للم�رسح وتخريج عدد من املمثلني الذين �أ�صبحوا الحق ًا جنوم �سوريا ومنهم عبا�س النوري ،ر�شيد ع�ساف� ،سلوم حداد ،ب�سام كو�سا (�أهم خمرجي املرحلة ق ّدموا عرو�ض ًا يف هذا من �أهم مالمح �أزمة امل�رسح الإطار نائلة الأطر�ش ح�سن فواز ال�ساجر). ّ
ال�سوري هجرة �أهل امل�رسح ب�سبب �صعوبة الإنتاج من حيث التمويل والتعقيدات (الإدارية) واالنكفاء عن الكتابة للم�رسح .وال ب ّد من ذكر غياب العديد من امل�رسحيني يف ال�سنوات الأخرية .كذلك ال ب ّد من ذكر ظاهرة فورة الدراما التلفزيونية التي ا�ستقطبت �أغلب العاملني يف جمال امل�رسح.
مالمح �أزمة وحماوالت للخروج
كل امل�ؤ�رشات اليوم تدلّ على الأزمة التي يعي�شها امل�رسح ال�سوري ،لكن هناك حماوالت جادة للخروج من هذه الأزمة يقودها م�رسحيون للخروج واالنفتاح على امل�رسح املعا�رص ،تتجلى يف ت�شكيل فرق �شبابية وتن�شيط عرو�ض �شبابية والبحث عن �أمكنة بديلة وت�أ�سي�س معاهد خا�صة واالنفتاح على �أ�شكال عرو�ض جديدة ،مثل م�رسح ال�شارع وم�رسح ال�صورة وغريها ،وذلك عرب فرق باب، كون ،لي�ش وغريها .كما ظهر م�رسح تنموي يعمل يف املجتمع والأرياف (جمموعة امل�رسح التفاعلي حتت �إ�رشاف ماري �إليا�س وم�رسح الإ�ستديو) .ولو حاولنا ر�صد �صورة امل�رسح ال�سوري اليوم وفهم �أ�سباب الأزمة جنده يعي�ش يف �أطر املا�ضي من حيث ف�ضاءاته امل�رسحية و�صيغه و�أ�شكال �إنتاجه (م�رسح عمال وم�رسح قومي )...تلك التي مار�س فيها جيل الآباء جتربتهم يف ظروف خمتلفة متام ًا عن اليوم. ومن �أه ّم مالمح �أزمة امل�رسح ال�سوري هجرة
�أهل امل�رسح ب�سبب �صعوبة الإنتاج من حيث التمويل والتعقيدات (الإدارية) واالنكفاء عن الكتابة للم�رسح (تعترب ن�صو�ص �سعد اهلل ونو�س ا�ستثناء يف تلك املرحلة) .وال ب ّد من ذكر غياب العديد من امل�رسحيني يف ال�سنوات الأخرية مثل �سعد اهلل ونو�س وممدوح عدوان واملمثلة مها ال�صالح وقبلهم املخرج فواز ال�ساجر ،كذلك ال ب ّد من ذكر ظاهرة فورة الدراما التلفزيونية التي ا�ستقطبت �أغلب العاملني يف جمال امل�رسح من خمرجني وممثلني ،وبالتايل كانت النتيجة �إفقار امل�رسح. لع ّل مالمح جتربة م�رسح اجليل اجلديد تبينّ �أن امل�رسح يف �سوريا كما يف دول عديدة يف العامل العربي يعي�ش م�شاكل حقيقية، كفقدان املرجعية ووجود ه ّوة مو�ضوعية تف�صل بينه وبني اجليل ال�سابق� ،أي جيل ال�ستينيات وال�سبعينيات .فاجليل اجلديد ال ي�شكّل ا�ستمرارية طبيعية ملا �سبقه ،وما ُينتج �أو ُيكتب للم�رسح اليوم يدلّ على �أنه غري قادر على �أقل تقدير �أن يحيل �إىل احلا�رض املركب املعا�ش من عبثية احلياة واحلاح الق�ضايا الكبرية وامل�صريية ،وقد ي�شكّل هذا الأمر �إحدى �أهم �صعوبات الكتابة للم�رسح اليوم .ويالحظ يف املقابل �أن عرو�ض القطاع اخلا�ص نادرة والفرق اخلا�صة قليلة� ،أما الفرق ال�شبابية فهي تزداد من دون �آفاق وا�ضحة .هناك يف العا�صمة على الأقل خم�س �أو �ست فرق منها فرقة كون وفرقة لي�ش وجت ّمع باب ،وهي فرق م�ستقلة م�ستقرة يف �أع�ضائها وا�ستمراريتها لكنها غري ّ نظراً لغياب الدعم ،وهذا ما يدفع م� ّؤ�س�سيها �إىل التوجه �إىل م�صادر متويل ب�شكل دائم من �أجل احل�صول على متويل للعمل الواحد .وبعد فورة امل�رسح التجاري يف العقود املا�ضية تراجع هذا النوع من امل�رسح يف ال�سنوات الأخرية.
مهرجانات وعرو�ض م�رسحية يف العام 2008
لكل حمافظة يف �سوريا مهرجان ،هناك مهرجان دم�شق امل�رسحي الدورة الرابعة
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 423
الإبداع
ع�رشة ،مهرجان املونودراما يف الالذقية، مهرجان حممد املاغوط الثاين يف ال�سلمية من � 19إىل 24متوز يوليو ،2008مهرجان يف دير الزور ،مهرجان الرقة ،مهرجان حماه. خالل هذا العام الثقايف الذي �شهد �إعالن مت �إنتاج عدد دم�شق عا�صمة للثقافة العربيةّ ، خ�ص�صت لها ميزانية �سخ ّية من امل�رسحيات ّ �أحيان ًا ،فطالعتنا ظاهرة امل�رسحيات التي �أخرجها النجوم الثقافية وظاهرة م�رسح ال�شباب ،هذه الظاهرة �أعادت بع�ض الأ�سماء الكبرية �إىل ال�ساحة امل�رسحية بعد قطيعة مت دعم املبدعني ال�شباب دامت ل�سنوات .كما ّ عن طريق �إطالق منح �إنتاجية �أعلن التق ّدم �إليها على �شكل م�سابقة يف بداية عام الثقافة، و�أ�سفرت عن عدد من العرو�ض الأدائية التي متت �أي�ض ًا حماولة �إعادة قدمت تباع ًا .وقد ّ االعتبار للن�ص امل�رسحي املكتوب ،وجتلى ذلك يف �إ�صدار عدد من الن�صو�ص امل�رسحية للك ّتاب القراءات ال�شباب� ،إ�ضافة �إىل تقدمي عدد من ّ امل�رسحية وور�شات الكتابة للم�ؤلفني ال�شباب. وقد �شهدت فعاليات امل�رسح ال�سوري العديد من الأعمال مثل تراجيديا كارمن (�سوري – فرن�سي) يف دار الأوبرا للمخرج جهاد �سعد، وعر�ض حماولة طريان للمخرج وليد قوتلي ُق ّدمت يف دار الأوبرا ،عر�ض �أحالم �شقية الن�ص ل�سعد اهلل ونو�س و�إخراج نائلة الأطر�ش ُق ّدم يف دار الأوبرا ،م�رسحية تكتيك لعبد املنعم عمايري ُعر�ضت على م�رسح احلمراء ،م�رسحية عربة ا�سمها الرغبة من �إعداد عن ن�ص تني�سي وليامز �إخراج غ�سان م�سعود ُعر�ضت يف دار الأوبرا .كذلك عر�ض ب�سام كو�سا كذا انقالب عن ن�ص ق�صة ق�صرية للكاتب الرتكي عزيز ن�سني و�إخراج مانويل جيجي ،مونودراما �صوت ماريا يف �صالة امل�رسح الدائري املعهد العايل للفنون امل�رسحية ،ولوحظ �أن هذه املونودراما ُق ّدمت يف العام 2007يف قراءة �أخرى يف م�رص .وق ّدم يا�رس عبد اللطيف خمرج �سوداين مقيم يف �سوريا م�رسحية عدو ال�شعب لي�س �إال يف دار الأ�سد للثقافة والفنون،
ن�صو�ص الغرفة رقم ( 7قراءات م�رسحية)، حب خوف ،دم�شق و�أ�صدقاء �آخرون (قراءات م�رسحية) ،ال�ساعة الأخرية من ما�ضي ال�سيدة حكمت :املرج العراقي با�سم ق ّهار� ،إحياء ذكرى مت �سعد اهلل ونو�س يف قرية ح�صني البحر حيث ّ عر�ض م�رسحيتي العميان �إخراج �سامر عمران وجثة على الر�صيف لفرقة كون امل�رسحية من �إخراج �أ�سامة حالل. نورا مراد وفرقة لي�ش ق ّدمت خارج �سياق دم�شق عا�صمة للثقافة ،عر�ض ًا حركي ًا بعنوان �إذا ماتوا انتبهوا يف قبو غالريي م�صطفى علي (بيت عربي قدمي جرى حتويله �إىل بيت للفن). هذه التجربة هي ا�ستمرار ملحاوالت �سابقة يف امل�رسح ال�سوري للبحث عن �أماكن بديلة عرب ا�ستغالل البيوت الدم�شقية التقليدية وقلعة دم�شق. وتوجه لدعم اخلروج ويف فعل مت�صل ّ بامل�رسح �إىل الأماكن البديلة� ،أنتجت م� ّؤ�س�سة دم�شق عا�صمة الثقافة العربية عر�ض ًا م�رسحي ًا جرى تقدميه يف ملج�أ مهجور بعنوان املهاجران للكاتب البولوين �سوافومري مروجيك و�إخراج �سامر عمران ،وجرى عر�ض �آخر يف خم�ص�ص للم�شاة ق ّدمه �أ�سامة حالل، �شارع ّ وق ّدمت التون�سية رجاء بن عمار عر�ض الزائر يف ور�شة ت�صليح القاطرات يف حمطة القدم. كما �أُنتجت كذلك م�رسحية من نوع م�رسح ال�شارع بتجهيزات �ضخمة �أطلق عليها ا�سم �صندوق الكار من ت�صميم وتنفيذ ال�سينوغراف بي�سان ال�رشيف ،وهو عر�ض يحكي عن اندثار �صناعة احلرير يف مدينة دم�شق .وق ّدمت احتفالية دم�شق منح ًا �إنتاجية لإطالق مواهب �شابة يف جماالت متع ّددة ،منها امل�رسح والرق�ص ،و�أنتجت يف هذا الإطار ع ّدة عرو�ض منها كونرتاكت الكوريوغراف ملي �سعيفان، ذكريات زرقاء �أخرجته ديانا القا�سم� ،أبواب خلفية لر ّواد الزاقوت وهو عر�ض راق�ص، البحث عن الوردة �أخرجه ح�سام حمود .وق ّدم جمال �سلوم عر�ض ًا بعنوان امر�أة املا�ضي يف املعهد العايل للفنون امل�رسحية ،كما ق ّدم مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 424للتنمية الثقافية
�أ�سامة حالل عر�ض دون كي�شوت با�سم فرقة كون يف املعهد العايل للفنون امل�رسحية، و�سامر �أبو ليلى ق ّدم م�رسحية البولي�س .وقد حاولت االحتفالية يف جمال امل�رسح �أي�ض ًا �إعادة االعتبار للن�ص امل�رسحي املكتوب، مت متويل م�رشوع دارعدوان للكتابة ال�شابة. و ّ و�ضمن فعاليات امل�رسح ال�سوري �أنتج خالل عام � 2008إ�ضافة ملا �سبق عدد من العرو�ض منها العر�ض الراق�ص ال�صقر عبد الرحمن �صح النوم لل�سيدة الداخل لفرقة �إنانا ،م�رسحية ّ فريوز والرحابنة ،رق�ص التحطيب لفرقة مركز مدحت فوزي لفنون الع�صا (م�رص) .كما عرو�ض من الرق�ص الكال�سيكي �إىل ا�ستقدمت ٌ الرق�ص املعا�رص ومن امل�رسح التقليدي �إىل امل�رسح التجريبي. وقد كان عام الثقافة الفر�صة الأكرث مالئمة ملتابعة جتارب خمرجني كبار �أمثال بيرت بروك ،جوزيف نادج ،عر�ض حركي ،ن�شيد ال�صباح ال�صغري لأكرم خان يف عر�ض رق�ص بريطاين� .آربارد �شلينغ هولندا النور�س .فيليب جانتيي فرن�سا عر�ض نهاية الأر�ض وهو من نوع م�رسح ال�صورة .ومن تون�س فا�ضل اجلعايبي عر�ض خم�سون ،توفيق جبايل مذكرات دينا�صور .ومن لبنان روجيه ع�ساف بوابة فاطمة ،ومن الكويت �سليمان الب�سام عر�ض ريت�شارد الثالث ،العراقي جواد الأ�سدي �أرامل عالب�سكليت ،ومن الأردن اخلبز اليومي ل�سو�سن دروزة. وقد كان لور�شات العمل والدورات التدريبية التي �أقيمت على هام�ش هذه العرو�ض دورها يف ت�أهيل الكوادر ال�شابة العاملة يف خمتلف املجاالت امل�رسحية من طلبة املعهد العايل للفنون امل�رسحية .و�أنتجت مديرية امل�سارح عدداً من العرو�ض بهذه املنا�سبة، ومنها عر�ض ال ميكن ت�سميته جتاري ًا باملعنى م�سل وجماهريي عن الدقيق للكلمة ،لكنه عر�ض ٍ ن�ص داريو فو �سوبر ماركت �إخراج �أمين زيدان مع ممثلني كوميديني ،وقد القى �إقبا ًال كبرياً وهو �إعادة �إخراج للن�ص الذي كان �أمين زيدان
ق ّدمه مع امل�رسح اجلوال (ي�شكّل هذا العر�ض منوذج ًا لر�ؤية �صاحبه حول عرو�ض ميكن �أن ت�ش ّد املتفرج) .وقد �شهدت دم�شق على �صعيد �إ�صدارات الن�صو�ص امل�رسحية �إ�صداراً عن دار عدوان هو �سل�سلة من ع�رشة ن�صو�ص لك ّتاب امل�رسح على مدى تاريخ امل�رسح ال�سوري من القباين �إىل ونو�س وعدوان ،ثم �شهدت جز�أين خا�صني بكتابة ال�شباب وهذه الن�صو�ص هي مناذج لكتابة ال�شباب.
امل�رسح اللبناين
البدايات وظهور امل�رسح اللبناين اجلديد �إن ر�سم تاريخ امل�رسح اللبناين وعالقته بال�سيا�سات الثقافية يف لبنان �أم ٌر معقّد، فهناك عوامل كثرية م�ؤثرة (البعد الطائفي مر بها والظروف الداخلية واخلارجية التي ّ لبنان من حرب �أهلية �إىل حروب �أخرى). البع�ض يتحدث عن بدايات للم�رسح اللبناين ولي�س بداية واحدة ،وهذه الت�سمية تلخ�ص �إ�شكالية هذا امل�رسح .كانت البداية ّ الأوىل مع مارون النقا�ش �ضمن حركة نه�ضوية ( )1848تلتها حركة هجرة امل�رسحيني اللبنانيني وال�سوريني �إىل م�رص (�إذا كان �سليم النقا�ش �أول من �سافر بدعوة من اخلديوي لتقدمي مو�سم م�رسحي ،ف�إن دافع غالبية من �سافروا بعده كان الهروب من الظروف القا�سية �أو بحث ًا عن �سبل العمل) .كانت هذه بداية هجرة امل�رسحيني التي بلغت ذروتها مع جورج �أبي�ض ( .)1959-1880وجاءت الوالدة الثانية بعد اال�ستقالل مبدة وارتبطت بحركة احلداثة واملواقف منها وبالتحديد خالل عامي ( )1960-1958وبعد ت�أ�سي�س مهرجانات بعلبك الدولية عام .1956ما بني عامي ( )1958-1952وبهدف تفعيل قطاعي ال�سياحة واخلدماتُ ،ع ّدل قانون املطبوعات وو�ضع قانون جديد للأحزاب واجلمعيات يف لبنان .بعدها وخالل عهد الرئي�س ف�ؤاد �شهاب (بني العامني 1958و )1960ظهر اجتاه يدعو �إىل االمناء االجتماعي والالمركزية ،وقد
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 425
احلرب الأهلية :تداعيات على امل�رسح
جاءت احلرب الأهلية ()1990 - 1975 وق�سمت املدينة �إىل �شطرين لترتك تداعياتها ّ على حركة الإبداع امل�رسحي يف لبنان. حاول املثقفون يف البداية املحافظة على خط التوا�صل بني �شطري الوطن على الرغم من التزام بع�ضهم بخياراته ال�سيا�سية .لكن مع الوقت اتخذ ه�ؤالء اجتاهات متباعدة بعد �أن احتدم اخلالف حول �أ�سباب اندالع احلرب الأهلية ودوافعها ،وا�ستطاع عدد من املثقفني والفنانني خلق ح ّيز عملي لأفكارهم ،فعملوا يف جتارب منوذجية مثل اللجان ال�شعبية لتوفري �صيغة تعاي�ش طائفي و�إنتاج ،يف ظل غياب تام مل� ّؤ�س�سات الدولة ،ثم تع ّممت هذه التجربة على مناطق خمتلفة. يف النهاية تط ّور امل�رسح باجتاهني متباينني ،يف بريوت ال�رشقية حيث هيمنت ق ّوة �سيا�سية واحدة و�سادت �أيديولوجية متجان�سة ،ازدهر امل�رسح التجاري املحافظ ذو الطابع االنتقادي ال�ساخرّ � .أما يف بريوت الغربية فازدهرت حركة ف ّنية جم ّددة وثائرة يف ال�سينما واملو�سيقى والر�سم وامل�رسح، ع�ساف، خ�صو�ص ًا م�رسح احلكواتي مع روجيه ّ وهي حركة مت ّيزت ب�صلتها الع�ضوية مع احلياة
الإبداع
�أُن�شئت جمال�س عديدة وعدد كبري من املدار�س يف القرى النائية والأرياف ،الأمر الذي ف ّعل الأندية الثقافية وال�شبابية يف الأرياف التي �أنتجت يف ما بعد حركة ثقافية مثل امل�رسح ال�شعبي يف عكار .كانت هذه من العوامل التي �أ ّدت �إىل والدة امل�رسح اللبنانـي اجلديد� ،إىل جانب العوامل الأ�سا�سية الأخرى التي متثّلت يف جلنة مهرجانات بعلبك الدولية واملركز الثقايف الفرن�سي الّلذين لعبا دوراً �أ�سا�سي ًا يف تعزيز احلركة الثقافية يف لبنان ،وكذلك وزارة ال�ش�ؤون االجتماعية التي كانت تنظّ م جوالت مل�رسحيات بارزة يف القرى واملناطق اللبنانية .يف العام 1958انطلق نادي الدراما يف اجلامعة الأمريكية يف بريوت ،وت� ّأ�س�ست فرقة فاهرام بابازيان (امل�رسح الأرمني اللبناين) .يف العام نف�سه بد�أ البث التلفزيوين اللبناين ،التقى منري �أبو دب�س و�أنطوان ملتقى (�أ�ستاذ الفل�سفة) وقدما م�رسحية ماكبث ،ويف مت االتفاق بني �أبو دب�س وجلنة العام نف�سه ّ مهرجانات بعلبك لت�أ�سي�س معهد التمثيل احلديث وفرقة امل�رسح احلديث .ومع �أن امل�رسح مل ينقطع قبل ذلك �إال �أنه كان يف غالبه م�رسح هواة �أو م�رسح ًا مدر�سي ًا �أو جامعي ًا ،كذلك مل تنقطع الكتابة امل�رسحية وحركة الرتجمة والإعداد .واملالحظ �أنه منذ البداية كان الإنتاج الثقايف الإبداعي خارج �إطار الدوائر الر�سمية للدولة ،و�إن كان هذا ال�رشط قد حرم الثقافة وامل�رسح من مقومات اال�ستمرار ،لكنه �أعطاها هام�ش حرية وديناميكية بحث ًا عن م�صادر متويل منذ البدايات. �أفرزت تلك املرحلة الكثري من الأعمال امل�رسحية وامل�رسحيني الذين �سيكون لهم ت�أثري على امل�رسح اللبناين والعربي ب�شكل عام، وخاللها وبعدها عرف امل�رسح اللبناين خمتلف االجتاهات امل�رسحية من امل�رسح الرومان�سي ال�شعري (ن�صو�ص �سعيد عقل وغريه) وامل�رسح ال�سيا�سي (جالل خوري ورميون جبارة) وامل�رسح ال�شعبي مع �شو�شو .ويف ال�ستينيات ظهر م�رسح ال�ساعة العا�رشة (انتقادي �ساخر مع
�إيفيت �رس�سق) وامل�رسح الغنائي مع الرحابنة وروميو حلود .ومنذ ال�سبعينيات ظهرت جتربة زياد الرحباين يف امل�رسح ال�سيا�سي الغنائي، وجتارب امل�رسح الراق�ص وجتربة العمل اجلماعي بني ن�ضال الأ�شقر وروجيه ع�ساف وغريهما يف حمرتف بريوت ،الذي ا�ستمر خم�س �سنوات من العام � 1968إىل ،1972 وج ّدد كثرياً يف �آليات العمل يف امل�رسح اللبناين جلهة الكتابة والإخراج اجلماعي واخلروج من ال�صالة املغلقة �إىل اجلمهور (�إىل القرى) .كان يوجد يف بريوت عدد من ال�صاالت امل�رسحية قبل احلرب الأهلية التي غيرّ ت وجه املدينة، بدءاً مب�رسح الكري�ستا وم�رسح التياترو الكبري وم�رسح الفاروق.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 426للتنمية الثقافية
ال�سيا�سية. يف املقابل بد�أت البنى الثقافية الر�سمية تتهاوى نتيجة الإهمال واحلرب ،وبد�أت م�سارح بريوت �إغالق �أبوابها الواحد تلو الآخر، و�أغلقت م�سارح �شارع احلمرا التي بقيت �أبوابها مفتوحة حتى الثمانينيات فرتة االجتياح الإ�رسائيلي ( .)1982وقد عرفت املدينة هجرة الأ�شخا�ص وامل�سارح (هجرة م�سارح �أو انزياح نحو منطقة جونيه الآمنة ،حيث ظهرت عدة م�سارح للأطفال ما زالت قائمة حتى الآن، ومنها م�رسح الأتينيه وم�سارح جتارية م�سل ّية) .عرفت هذه احلقبة �أي�ض ًا موجات من الهجرة لأ�شخا�ص ،من بينهم مثقفون وكوادر �شبابية واعدة ،م ّدت املقيمني بالدعم املايل والثقايف وج ّددت �أفق عالقات جتارية وثقافية مع اخلارج.
بع�ض هذه اجلمعيات بف�ضاءات خا�صة ،كما �أن نظام اجلمعيات الثقافية حت ّول م�ؤخراً �إىل نظام اجلمعيات غري الربحية مثل جمعية دي �سي ،وهي جمعية �شبابية ُتعنى بفن الفيديو والب�رصيات .ا�ستقرت هذه اجلمعيات يف �صاالت ال�سينما القدمية �أو �أمكنة بديلة رممّ ت ال�ستخدامات جديدة ،مثل مركز �أمم للأبحاث الذي كان هنغاراً للتفاح جرى حتويله �إىل ف�ضاء عر�ض (ت�شكيالت) ،كذلك غالريي �سمعان وهو مكان مهجور يف منطقة الكرنتينا �أ�صبح مركزاً للفنون املعا�رصة� ،إذ ق ّدم ربيع مر ّوة ولينا ال�صانع عر�ضهما الأخري فيه .وهناك مظاهر فنية جديدة تتمثّل يف تظاهرات م�رسحية ما بعد حداثية ،تدمج العديد من الفنون ال�سمعية الب�رصية وت�شكّل جتديداً �صارخ ًا على م�ستوى امل�ضمون.
امل�رسح وامل� ّؤ�س�سات التعليمية واملراكز بعد احلرب ومع بداية ال�سلم الأهلي ا�س ُتحدثت وزار ٌة للثقافة يف لبنان عام الثقافية
1993بهدف العناية ب�ش�ؤون الثقافة وبع�ض قطاعات التعليم ،و�إذا كانت وزارة الثقافة يف البداية قد اهت ّمت بتمويل بع�ض القطاعات الثقافية� ،إال �أن دورها تراجع ب�سبب �ضعف امليزانية ،الأمر الذي دفع اجلمعيات الأهلية وامل� ّؤ�س�سات املدنية �إىل جانب القطاع اخلا�ص واملثقفني والفنانني للتعوي�ض عن هذا النق�ص، فن�شّ طوا الثقافة مببادرات فردية مدعومة �أحيان ًا بتمويالت خا�صة �أو عربية �أو �أجنبية.
لعبت اجلامعات وامل� ّؤ�س�سات الثقافية والتعليمية دوراً مهم ًا منذ بداية امل�رسح اللبناين ،فاجلامعة اللبنانية بفرعيها ،وكذلك اجلامعات اخلا�صة ،ت�ض ّم �أق�سام ًا لتدري�س امل�رسح �أو �أندية للم�رسح و�صاالت عر�ض على غرار م�رسح مونو يف اجلامعة الي�سوعية ونادي امل�رسح يف اجلامعة الأمريكية .وتلعب املراكز الثقافية الأجنبية ،كالفرن�سي والرو�سي والربيطاين ،دوراً يف متويل امل�رسح وتن�شيطه.
امل�رسح اللبناين اجلديد
مهرجانات وعرو�ض م�رسحية
اعتباراً من نهاية احلرب الأهلية ،بد�أت مالمح امل�رسح الّلبناين ترت�سم من جديد من خالل ف�ضاءات م�رسحية (م�رسح املدينة مع ن�ضال الأ�شقر هي الآن ب�صدد حتويله �إىل جمعية ،هيئات م�رسح بريوت ثم م�رسح �شم�س) ومهرجانات (�أغلبها تنتظم على �شكل جمعيات تعاونية مثل �شم�س جمعية تعاونية تابعة لوزارة الزراعة� ،أي�ض ًا الفرقة اللبنانية للدمى وجمعية خيال مع كرمي دكروب) .ويتم ّتع
ال يوجد مهرجان ر�سمي مركزي للم�رسح يف لبنان ،بل توجد جمموعة من املهرجانات امل�ستقلة التي ت ّتخذ مو�ضوعات حم ّددة �أو اجتاهات م�رسحية حم ّددة .من هذه املهرجانات مهرجان بريوت لعرو�ض ال�شارع الذي يقام بني �أيلول �سبتمرب وت�رشين الأول �أكتوبر ويجمع ع ّدة عرو�ض تفاعلية وبرفورمان�س ،مهرجان الربيع الذي يقام يف م�رسح التورن�سول م�ستديرة الطيوين وهو مهرجان متن ّوع متع ّدد الفنون،
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 427
الإبداع
فيه رق�ص ومو�سيقى وعرو�ض وغريه ،ويقام يف �شهر �أيار مايو يف بريوت والقاهرة .وتقيم جمعية مقامات مهرجان ًا يف فرعها اجلديد م�ساحات وهي جمعية للم�رسح الراق�ص (عمر راجح) وكانت الدورة ال�سابقة يف العام 2008 هي الدورة الثالثة .كما ظهر يف الت�سعينيات مهرجان �أيلول مل�رسح البيئة لكنه توقف. ومن العرو�ض والتظاهرات امل�رسحية يف العام 2008علبة مو�سيقى ملايا زبيب، وهو عر�ض م�رسحي من نوع الربفورمان�س مبني على ق�ص�ص واقع ّية وخيالية ،تروي ممار�سات وحقائق �أو حقائق �أحداث ًا وعادات و ّ يربطهن حمتملة ملجموعة من الن�ساء وما ّ ببيوتهن مبا متثّله هذه البيوت من تناق�ضات ّ وما تخفيه يف زواياها من �أوجاع و�أحالم مت تقدمي العر�ض يف �صالونات ورغبات ،و ّ بيوت خمتلفة يف مناطق ع ّدة من بريوت، وهو ي�شبه نوعية عرو�ض مهرجان �أيلول. غري خم�ص�ص للجمهور العري�ض له�شام جابر، م�سل�سل م�رسحي على منط امل�سل�سل التلفزيوين من ثالث حلقات تتو ّزع على ثالث �أم�سيات متتالية يحاكي برامج تلفزيون الواقع ويطمح �إىل �إ�رشاك اجلمهور طارح ًا ق�ضايا االغت�صاب والإجها�ض واملوقف من �أمريكا .عر�ض حلظة تال�شي لنان�سي نعو�س رق�ص معا�رص� ،شارون وحماتي كوميديا �سوداء عن احلياة حتت االحتالل عن كتاب الفل�سطينية �سعاد العامري الذي �صدرت ن�سخة �أ�صلية منه بالإنكليزية وترجم �إىل 17لغة� ،أع ّدته للم�رسح عفاف ال�ش ّوا بيبي ،وهي تلعب �أي�ض ًا دور البطولة يف امل�رسحية من �إخراج ح�سن براي�سلر ،تنذكر ما ن�ص للكاتبة تنعاد تقدمي جمموعة كهربا عن ّ بريين غريزالن ترجمة كرمي هارون و�إخراج �إيريك دينيو ،عر�ض وافد مل�رسحي لبناين يف املهجر هو نبيل الأظن (وفرقته ال -باكارا) ن�ص عن رواية عبلة فرهود جمنون عمر ُعر�ض يف نهاية عام 2008وا�ستمر لغاية 4كانون الثاين جانيوري 2009يف م�رسح رون بوان الطيوين .م�رسح د ّوار ال�شم�س ا�ست�ضاف عر�ض
نان�سي نعو�س حلظة تال�شي خالل الفرتة الواقعة بني 21و 23ت�رشين الثاين نوفمرب ،كما ا�ست�ضاف امل�رسح نف�سه عر�ض قهوة بي�ضا ليلة بي�ضا يف 24ت�رشين الأول �أكتوبر وا�ست�ضاف �أي�ض ًا عر�ض ي�ضحك �أيه ب�س يف ال�شهر نف�سه. بريوت كل يوم �آخر �أو املدينة كما نح ّبها (�أن تكون) من تنظيم جمعية � 98أ�سبوع جمعت بني والفن املعا�رص �ضمن تيمة التجريب الهند�سة ّ العامة ،هكذا دعت اجلمعية على امل�ساحة ّ ف ّنانني من حول العامل �إىل بريوت ليق�ضوا ب�ضعة �أ ّيام ويجولوا على بع�ض الأماكن بحث ًا عن �أ�ساليب جديدة لفهم امل�ساحة املدين ّية .هذه الأ�سئلة ح ّولها الف ّنانون يف العر�ض النهائي الفن من جتهيز وبرفورمان�س �إىل ك ّل �أنواع ّ �سجل �رشبل الهرب وت�صوير ور�سم وهند�سةّ . �أ�صوات ًا من املدينة ،ود ّون كري�ستوف قطريب مالحظاته على �شكل فيديو و�صور فوتوغرافية و�رشيط �صوتي بعد ق�ضائه ب�ضعة �أ ّيام يف منزل مهجور� .أما �إدواردو بالن�شا (�إ�سبانيا) ٍ ف�أح�رض �أ�سطوانات من �سوق الرو�شة اجلديد للفت االنتباه �إىل م�س�ألة االقت�صاد الهام�شي العامة ،لكن بريوت الذي ين�ش�أ يف امل�ساحات ّ املنظّ مني للقول �إن ك ّل يوم �آخر كانت طريقة «الفن هو املنفذ الوحيد ح ّتى نتخ ّيل ونفكّر ّ ونتم ّنى مدينتنا كما نريدها �أن تكون». ومن العرو�ض اجلامعية التي �شهدها العام 2008العميان ت�أليف موري�س مرتلينك و�إعداد لينا �أبي�ض ور�شيد ال�ضعيف و�إخراج لينا �أبي�ض ،اجلامعة اللبنانية الأمريكية ،وقد �شارك هذا العر�ض يف مهرجان القاهرة التجريبي ومن ثم يف دم�شق يف العام � .2008أما م�رسح مونو وباال�شرتاك مع م�رسح التياترو التون�سي الذي يديره توفيق اجلبايل فق ّدم يف بداية �شهر كانون الأول من العام 2008عر�ض ًا بعنوان مذكرات دينا�صور لتوفيق اجلبايل .ومن عرو�ض فناين جيل ما قبل احلرب الزير �سامل والدكتور فاو�ست ل�شكيب خوري ،ق ّدام باب الن�ص لعي�سى خملوف ال�سفارة الليل كان طويل ّ ون�ضال الأ�شقر والإخراج لن�ضال الأ�شقر، مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 428للتنمية الثقافية
الدب لأنطون ت�شيخوف �إخراج منري م�رسح ّية ّ �أبو دب�س ،مقام اجلدي ت�أليف و�إنتاج و�إخراج رئيف كرم على م�رسح مونو وهو عبارة عن توليف للغة امل�رسح التقليدي مع عنا�رص املالتي ميديا .ومن �أه ّم الإ�صدارات امل�رسحية للعام 2008خالدة ال�سعيد اال�ستعارة الكربى يف �شعرية امل�رسح (ذاكرة تتح ّول �إىل تاريخ امل�رسح) �صادر عن دار الآداب يف بريوت، وروجيه ع�ساف �أعمال و�أعالم �سرية امل�رسح دار الآداب . 2008
امل�رسح الفل�سطيني معاناة ووالدات متتالية
امل�رسح الفل�سطيني هو مثال �صارخ على عالقة امل�رشوع امل�رسحي مب�س�ألة الهوية والتاريخ واجلغرافيا ومثال على ق�ضية اخل�صو�صية .عانى هذا امل�رسح ب�شكل دائم ومر من م�شاكل جعلت م�سريته �صعبة للغايةّ ، مبراحل عديدة ك�أنها والدات متتالية .الوالدة الأوىل كانت قبل 1948والوالدة الثانية بعد ،1967خ�صو�ص ًا خالل االنتفا�ضة الأوىل يف 1987والوالدة الثالثة بعد .1993 الوالدة الأوىل كانت مع بداية امل�رسح ون�ش�أته يف املدن الفل�سطينية يف �سياق ق�صة دخول امل�رسح ب�شكل عام �إىل بالد ال�شام يف منت�صف القرن التا�سع ع�رش وبداية القرن الع�رشين .يقول كمال �أحمد غنيم يف كتابه عن امل�رسح الفل�سطيني�« ،إن الإ�شارات على وجود امل�رسح تعود لفرتة مبكرة ن�سبي ًا لكن لي�س هناك �أ�سماء ر ّواد مبكرين وال �إنتاج يت�سم ب�أغلبية فالحية م�رسحي يذكر» .جمتمع ّ تعي�ش حتت االنتداب الربيطاين وامل�رسح هو ظاهرة مدينية بامتياز ،يف الوقت نف�سه كان هناك نوع من النه�ضة احل�ضارية يف بع�ض املناطق واملدن ،كان امل�رسح منذ البداية ن�ضالي َا (�ضد وعد بلفور) وتنويري ًا .وقد ُوجد امل�رسح يف النوادي الثقافية (يف حيفا النادي الأورثوذوك�سي والنادي الكاثوليكي والنادي الإ�سالمي) ومن خالل املدار�س التب�شريية التي
انت�رشت يف العديد من املدن) يف املدن الكربى القد�س (�أن�شئت اجلمعيات فيها اعتباراً من العام .)1877ويف العام ُ 1932عر�ضت يف دار املعلمني م�رسحية هاملت ل�شك�سبري. يقال �إن امل�رسح الفل�سطيني منا يف ح�ضن �أجواء من التنوير كت�أ�سي�س الإذاعة الفل�سطينية عام 1936ب�إدارة �إبراهيم طوقان (ون�شاط عائلة اجلوزي فني ًا) .وكانت ال�صحف قد بد�أت تنت�رش اعتباراً من العام .1918لعب ك ّل هذا دوراً �إيجابي ًا يف التوجه نحو احلداثة التي كانت تنقل التمثيليات �إذاعي ًا .واعتباراً من العام 1919ظهرت �أ�سماء ك ّتاب م�رسح ،مثل الأخوة �صليبا وجميل حبيب بحري وله ن�صو�ص طبعت يف القاهرة ومنها الوطن املحبوب عام ،1923والأخوة ن�رصي وفريد وجميل اجلوزي وجوالت الفرق ال�شامية وامل�رصية (مذكرات العديد من الفنانني) .وت�ؤكد املراجع ومذكرات الفنانني وجود (ف�ضاءات) �أو �صاالت على �شكل مقا ٍه كانت ت�ستقبل العرو�ض حتى املدر�سية منها .هذه الوالدة الأوىل تعثرّ ت ب�سبب ظروف متع ّددة �أه ّمها حالة عدم اال�ستقرار ال�سيا�سي والأمني التي كانت ت�سود �أغلب املناطق. الوالدة الثانية جاءت يف ظ ّل هزمية عام 1967مع بداية ت�شكّل حركة التحرر الفل�سطينية ثم �أحداث �أيلول عام .1970لقد بدت والدة امل�رسح الفل�سطيني يف ال�شتات كما يف الأرا�ضي املحتلة �صعبة ومتعثرّ ة ب�شكل كبري من جديد .وبغ�ض النظر عن النتائج على امل�ستوى الفني ،كانت هناك اعتباراً من نهاية ال�ستينيات وبداية ال�سبعينيات رغبة وا�ضحة يف بلورة م�رسح يحمل الهوية الفل�سطينية يف اجتاهات متع ّددة وب�شكل متزامن لكن من دون �أي تن�سيق.
امل�رسح الوطني الفل�سطيني يف ال�شتات
�أول حماولة خللق م�رسح فل�سطيني جاءت من خالل فرقة فتح عام 1966وهي جتربة عا�شت �سنتني وق ّدمت م�رسحية �شعب ال ميوت من ت�أليف فتى الثورة و�إخراج �صربي
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 429
�سند�س .و ُيعترب خليل طاف�ش م� ّؤ�س�س امل�رسح الوطني الفل�سطيني يف ال�شتات ،وهو دعا �إىل �إن�شاء م�رسح وطني فل�سطيني بعد �أن توقف ن�شاط فرقة فتح يف �أعقاب �أحداث �أيلول يف الأردن .وقد در�س طاف�ش امل�رسح يف القاهرة وتخرج من املعهد العايل للفنون امل�رسحية يف ّ القاهرة عام ،1969و�أكمل خالل هذه الفرتة تقدمي عمل م�رسحي لل�شاعر العربي ال�سوري ممدوح عدوان بعنوان حماكمة الرجل الذي مل يحارب من �إخراج ح�سن عويتي .ومن الأ�سماء التي عملت يف امل�رسح الفل�سطيني يف ال�شتات، ح�سني الأ�سمر وح�سن العويتي الذي ق ّدم عر�ض ًا بعنوان الزيارة عن ن�ص ليو�سف القعيد ،وقد مثّل فيه زيناتيي قد�سية وتدور �أحداثه حول زيارة نيك�سون مل�رص .كما جرى عر�ض احللم الن�ص لر�شاد �أبو �شاور والإخراج الفل�سطيني ّ مت �أي�ض ًا عر�ض م�ؤ�س�سة حل�سني الأ�سمر ،و ّ اجلنون من �إخراج فواز ال�ساجر عن ن�ص ل�سميح القا�سم ،ويف مرحلة مت� ّأخرة املخرج العراقي جواد الأ�سدي .وكانت �آخر م�رسحية �أنتجت �ضمن هذا الإطار يف دم�شق بداية الت�سعينيات م�رسحية االغت�صاب ل�سعد اهلل و ّنو�س من �إخراج جواد الأ�سدي.
بد�أ هذا امل�رسح يتبلور اعتباراً من ال�سبعينيات ،خ�صو�ص ًا يف مدن مثل رام اهلل والبرية والقد�س ،على الرغم من املعوقات الإ�رسائيلية (رقابة ومنع وم�س�ألة الت�رصيحات والأذونات) .ويعترب طارق م�صاورة �أول من �شكّل فرقة م�رسحية قبل العام 1970و�أع ّد م�رسحية �أليخاندرو كا�سونا مركب بال �صياد. و�إذا كان م�رسح ال�شتات حمدود الت�أثري لأنه م�رسح متثيل دبلوما�سي �أكرث منه م�رسح يوجه يوم ًا �إىل جمهور� ،إذ �إن هذا امل�رسح مل ّ املخيمات الفل�سطينية �أو �إىل � ّأي �شكل من �أ�شكال التجمعات الفل�سطينية ،ف�إن امل�رسح يف ال�ضفة الغربية �شكّل حالة خمتلفة ،فقد لعب
ت�شكيل الفرق امل�رسحية
كانت البداية مع فرقة عائلة امل�رسح التي حت ّولت �إىل فرقة باللني وقامت �سنة 1970يف رام اهلل ،ث ّم ت�أ�س�ست فرقة دبابي�س �سنة 1972 يف رام اهلل ،ومنها انبثقت فرقة احلكواتي 1983وال تزال موجودة �إىل اليوم حتت ا�سم امل�رسح الوطني الفل�سطيني وفرقة �صندوق العحب وفرقة م�رسح الق�صبة يف القد�س وفرق �أخرى� .إ�ضافة �إىل م�رسح ال�سنابل وعناد يف البرية وبع�ض الفرق التي �أُن�شئت يف املخيمات �سن�أتي على ذكر بع�ضها .ومن م�ؤ�س�سي احلركة امل�رسحية يف تلك املرحلة فران�سوا �أبو �سامل، جاكي لوبيك ،را�ضي �شحادة� ،إدوار املعلم .و�أقيم �أول مهرجان للم�رسح والفولكلور الفل�سطيني يف رام اهلل عام 1973وا�ستمر املهرجان حتى العام 1975وكان هو الأ�سا�س يف ت�شكيل عدد من الفرق امل�رسحية التي توالدت من بع�ضها البع�ض .وقد �أخذ هذا امل�رسح �شك ًال وتوجه ًا خمتلفني عن امل�رسح العربي وعانى من م�شاكل خا�صة به متام ًا ،منها غياب الريربتوار وغياب املخت�صني وغياب املرجعية (حتى �أداء املمثل فيه ال ي�شبه �أداء املمثل العربي) وغياب الرعاية وم�شكلة الرقابة واملنع ،لهذا ظهر �شكل العمل اجلماعي يف �إعداد الن�صو�ص �أو الكتابة.
الإبداع
امل�رسح يف ال�ضفة الغربية (حتى االنتفا�ضة الأوىل)
منذ البداية دوراً اجتماعي ًا هام ًا على الأر�ض، ال بل مت ّيز عن �أ�شكال التعبري الأدبية والفنية الأخرى.
امل�رسح بعد الت�سعينيات (بعد �أو�سلو واالنتفا�ضة الأوىل)
بعد اتفاقية �أو�سلو وعودة الفل�سطينيني من تون�س �إىل ال�ضفة الغربية وت�شكيل ال�سلطة الفل�سطينية ،ح�صل حت ّول كبري يف �شكل امل� ّؤ�س�سة امل�رسحية ،فال�سلطة خلقت بنى، املخ�ص�صة منها وزارة الثقافة ،لكن امليزانية ّ لهذه الوزارة كانت �ضعيفة .لقد �سمحت هذه البنى ب�إن�شاء م� ّؤ�س�سات تابعة للمجتمع املدين لكن مل تق ّدم لها امل�ساعدات الالزمة ،فتح ّولت
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 430للتنمية الثقافية
هذه امل� ّؤ�س�سات �إىل التمويل الأجنبي لكي تنتج م�رسح ًا ،وهذه ال�صيغة لي�ست حكراً على امل�رسح الفل�سطيني �إمنا هي موجودة يف ع ّدة دول عربية .يف ظ ّل العوملة ومع توحيد �أ�شكال الثقافة منا امل�رسح الفل�سطيني (على م�ستوى الك ّم بخا�صة) ،ويوجد اليوم عدد كبري من الفرق وامل� ّؤ�س�سات امل�رسحية يف خمتلف �أرجاء الأرا�ضي الفل�سطينية. م�رسح احلكواتي املنبثق عن فرقة باللني عام 1977مع فرن�سوا �أبو �سامل الذي ميكن �أن يطلق عليه م� ّؤ�س�س امل�رسح الفل�سطيني، وهو �أول من � ّأ�س�س فرقة يف القد�س ال�رشقية يف ال�سبعينيات من القرن املا�ضي يف بيته. ا�ستطاعت الفرقة �أن ت�ستمرمن دون انقطاعات ( وهذا ا�ستثناء) واعتمدت مبد�أ العمل اجلماعي والتجوال بحث ًا عن جمهورها ،جت ّولت يف فل�سطني ويف �أوروبا وق ّدمت عدداً كبرياً من العرو�ض م�رسحية حمجوب حمجوب ،لكن عدم التفرغ وغياب الرعاية وامل�شاكل العديدة التي تعر�ضت لها الفرقة �أنهكتها ،فحاولت البحث ّ عن موقع لها ووجدت �ضالتها يف �سينما حمروقة يف القد�س ومن خالل �إ�سهامات تطوعية كثرية ،ح ّولت هذه ال�سينما �إىل مركز م�رسحي (�أول بيت م�رسح) يف عام .1984جتدر الإ�شارة �إىل �أن امل�ساهمات والتمويل الأجنبي للفرق الفل�سطينية قد توفر يف ما بعد عرب هذا امل�رسح ،و�أ�صبح اليوم هذا الف�ضاء امل�رسحي ف�ضا ًء ثقافي ًا ي�ستقبل ن�شاطات عديدة متنوعة من مو�سيقى وعرو�ض وندوات ،ويف � 3آب �أغ�سط�س � 2008أغلقت القوات الإ�رسائيلية هذا امل�رسح.
م�رسح الق�صبة ف�ضاء فرقة م�رسح الق�صبة
م�رسح و�سينماتك الق�صبة على اعتبار �أنه ال�رصح الثقايف الفل�سطيني املز ّود باملرافق املختلفة والتقنيات العالية يف مدينة رام اهلل، وهو جم ّهز لال�ستخدام يف املجاالت الفنية كافة .وم�رسح و�سينماتك الق�صبة م� ّؤ�س�سة
متخ�ص�صة ثقافية فل�سطينية غري حكومية ّ ت� ّأ�س�ست يف العام 1970يف القد�س ،ويف العام 2000افتتح امل�رسح يف مدينة رام اهلل. يعمل امل�رسح على تفعيل احلياة الثقافية يف فل�سطني من خالل �إنتاج �أعمال م�رسحية وا�ست�ضافة عرو�ض فنية يف جماالت امل�رسح واملو�سيقى والرق�ص ،بالإ�ضافة �إىل عر�ض الأفالم ال�سينمائية اليومية وتنظيم الأ�سابيع املتخ�ص�صة .ويقوم واملهرجانات ال�سينمائية ّ امل�رسح بتنظيم برامج ون�شاطات ودورات وندوات ثقافية وفنية خمتلفة ،وي�ستهدف يف عمله �رشائح املجتمع كافة. م�رسح ع�شتار :فرقة ع�شتار لتعليم وتدريب امل�رسح يف رام اهلل ،وهي م� ّؤ�س�سة غري حكومية ب�إ�رشاف �إدوار املعلم و�إميان عون ،وهي يف الأ�صل فرقة طالبية يف البرية لها �أهداف تنموية وتربوية .ت� ّأ�س�ست يف مدينة القد�س عام موجه لطلبة 1991كربنامج تدريبي للم�رسح ّ املدار�س واجلامعات ،ويف العام 1995افتتحت مقرها الثاين يف رام اهلل وعملت على ت�أهيله ّ كف�ضاء م�رسحي من خالل قاعتني ،واحدة للتدريب و�أخرى للعر�ض ( 70متفرج ًا) وحت ّولت م�ؤ�س�سة ع�شتار �إىل خمترب م�رسحي اعتمد بالأ�سا�س على تقنية امل�رسح التفاعلي� .صدر عنها م�ؤخراً ع ّدة كتب حول امل�رسح التفاعلي (�أوغ�ستو بوال).
امل�رسح يف غزة
يعترب و�ضع امل�رسح يف غزة �أكرث �صعوبة واحلركة امل�رسحية هناك ن�شطة ولها امتداد تاريخي طويل .جمموعة كبرية من ال�شباب اجتمعت على �شكل فرق م�رسحية وق ّدمت خمتلف �ألوان الفن امل�رسحي وبجهود ذاتية على امل�ستويني املادي والفني خالل ال�سنوات املا�ضية ،وتعترب مرحلة ما بعد 1993الفرتة الأه ّم بالن�سبة للم�رسح يف غزة . ت� ّأ�س�ست يف قطاع غزة ع ّدة فرق م�رسحية منها ال�شموع امل�رسحية والأمل للفن وامل�رسح التي � ّأ�س�سها الفنانان �صائب ال�سقا ونبيل �ساق
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 431
اهلل ،و�أي�ض ًا فرقة حنا�ضل التي ت� ّأ�س�ست عام 1989وق ّدمت عدة م�رسحيات وفرقة وجم ّمع الكرامة التي ت� ّأ�س�ست عام 1992وم�ؤ�س�سة يوم امل�رسح وم�ؤ�س�سة اجلنوب وم�ؤ�س�سة ب�سمة وفرقة م�رسح للجميع وجمعية فكرة وغريها العديد من الفرق امل�رسحية ،التي غاب بع�ضها ومازال بع�ضها الآخر يعمل حتى اليوم. مل ت�ستطع تلك التجارب من الناحية الفنية ،على الرغم من كرثتها ومن املحاوالت اجلا ّدة يف حتقيقها� ،أن ت�شكّل حركة م�رسحية واعية ت�سري باجتاه الن�ضج الفني وبالتايل نحو التطور و�إمنا بقيت تدور يف فلك الهواية.
امل�رسح يف �أرا�ضي الـ
1948
عرو�ض م�رسحية عام
2008
ق ّدمت القد�س م�رسحيتني :الأوىل هي ن�ص الكاتبة الكندية كارول عقد هيلني عن ّ فري�شيت و�إخراج الفرن�سي اللبناين الأ�صل نبيل الأظن مع ممثلني وتقنيني فل�سطينيني، مت االفتتاح يف �شهر �شباط فرباير.2008 وقد ّ وكانت امل�رسحية قد ُعر�ضت قبل ذلك يف عدة عوا�صم عربية ويف فرن�سا مع فريق عمل عربي �آخر ،وهي تتحدث عن رحلة امر�أة غربية تدعى هيلني يف �إحدى املدن العربية باحث ًة عن عقد ل�ؤل�ؤ �أبي�ض �أ�ضاعته ،وي�صبح �سائق التاك�سي املدعو نبيل حار�سها وحاميها يف متاهات مدينة هي مكان البحث عن العقد ومدينة ت�سمح لها بالتعرف �إىل واقع ما� .أما امل�رسحية الثانية فهي �أبوك ياخلوف عن ن�ص الكاتب حممود �شقري �إخراج ح�سام �أبو عي�شة، ُعر�ضت يف مدينة القد�س يف نهاية �شهر ت�رشين الثاين نوفمرب 2008، وتتناول تفكري الفتيان والفتيات يف الوطن حني يخطّ طون للم�ستقبل وهم قد عا�شوا ما�ضي ًا ميل�ؤه اخلوف وحا�رضاً �أ�سو�أ يخيفهم من امل�ستقبل .وق ّدمت فرقة ع�شتار م�رسحية الع�شاء الأخري يف كانون الثاين يناير مع خمرج هولندي و�ستة ممثلني من الفرقة، وتطرح امل�رسحية ق�ضية احلدود وال�سفر وهي عبارة عن خليط من �أ�شكال تعبري متنوعة من كوميديا وتراجيديا ورق�ص تعبريي (ق ّدمته ر�شا جه�شان من النا�رصة) .و ُق ّدم العر�ض يف رام اهلل ثم يف جولة على �أرا�ضي الـ .1948 وهناك �أي�ض ًا عر�ض يتناول واقع ال�سجناء الفل�سطينيني عنوانه الق�سم رقم 603الن�ص لعماد فراجي و�إنتاج م�رسح الق�صبة يف رام اهلل، وتتحدث امل�رسحية عن �أربعة معتقلني يف ال�سجن ثالثة منهم ينتظرون �إطالق �رساحهم يف عملية
و�إذا كان توفيق زياد قد كتب يوم ًا �أن الأقلية العربية يف �إ�رسائيل ال متتلك م�رسحاً ،ف�إن الو�ضع اليوم قد تغيرّ ،خ�صو�ص ًا بعد تن�شيط امل�رسح يف ال�ضفة الغربية بعد الت�سعينيات. فقد حاول فنانون (در�سوا يف اجلامعات اليهودية ويعملون يف امل�رسح العربي) �إن�شاء م�رسح عربي يف �إ�رسائيل.
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإبداع
توجد فرق م�رسحية عربية يف العديد من املدن الفل�سطينية يف النا�رصة وحيفا وعكا �أغلبها فرق م�ستقلة لكنها تابعة لوزارة املعارف الإ�رسائيلية ،و�إذا كان توفيق زياد قد كتب يوم ًا «�أن الأقلية العربية يف �إ�رسائيل ال املرة ...و�أن متتلك م�رسح ًا وهذه هي احلقيقة ّ و�ضع امل�رسح العربي م�ؤمل للغاية ،فكل ما هنالك حماوالت م�شكورة ع�صامية لبناء هذا امل�رسح»� .إن الو�ضع اليوم قد تغيرّ ،خ�صو�ص ًا بعد تن�شيط امل�رسح يف ال�ضفة الغربية بعد الت�سعينيات ،وقد حاول فنانون (در�سوا يف اجلامعات �إليه ودية يعملون يف امل�رسح العربي) �إن�شاء م�رسح عربي يف �إ�رسائيل ،منهم املمثل حممد البكري ،املمثلة حنان احللو، املمثلة �سلوى نقارة ،را�ضي �شحادة الذي �أ�صدر كتاب ًا بالغ الأهمية حول «امل�رسح يف فل�سطني 48بني �رصاع البقاء وانف�صام الهوية» وو�ضع يف مقدمته �إ�صبعه على امل�شاكل التي يعاين منها هذا امل�رسح بقوله «نحن بخالف كل امل�سارح يف العامل عربية كانت �أم �أجنبية لي�س لدينا املفهوم املعروف نف�سه حول معنى امل�رسح التجاري وامل�رسح اجلا ّد� ،أما م�شكلة امل�رسح الفل�سطيني يف �إ�رسائيل وال�شاذة عن باقي امل�سارح يف العامل ،فتكمن يف عدم وجود م�رسح جتاري باملفهوم الذي �أو�ضحته �سابق ًا،
لأن م�رسحنا ال ي�ستطيع �أن يعتا�ش من دخل التذاكر وجمهورنا ال يتهافت على امل�سارح»� .إن هذا امل�رسح يعاين من م�شاكل الرعاية والهوية والتوا�صل ويغلب عليه الطابع ال�سيا�سي �أو ال�سيا�سي ال�ساخر.
التقرير العربي الثاين 432للتنمية الثقافية
تبادل للأ�رسى .وعر�ض م�رسح الرواة املقد�سي ٍ مونودراما الأحداث الأليمة يف حياة �أبو حليمة عن ق�صة الأديب طه حممد و�إعداد امل�رسحي جنوان دروي�ش و�أداء �إ�سماعيل د ّباغ و�إخراج حتولت امل�رسحية �إىل الإ�سباين جاكوب �آمو ،وقد ّ وعقدت حولها ظاهرة �شعبية ُق ّدمت يف القد�س ُ ندوات (جامعة القد�س) ثم ُعر�ضت يف الأرا�ضي الفل�سطينية .وق ّدم م�رسح الق�صبة م�رسحية بيت الدمية لإب�سن من �إخراج جورج �إبراهيم ،ويف مدينة حيفا ق ّدمت فرقة تفانني م�رسحية باب احلارة وهي م�رسحية حتاكي امل�سل�سل العربي (ال�سوري) باب احلارة الذي ا�ستحوذ على ن�سبة متابعة عالية يف �أرجاء الوطن العربي .وق ّدم م�رسح امليدان يف حيفا يف �شهر ت�رشين الأول �أكتوبر 2008م�رسحية ق�صة خريف للإيطايل �ألدو نيكوالي و�إخراج �أمري نزار الزعبي ومتثيل �سلوى نقارة (وهي تطرح ق�ضية ال�شيخوخة). وقد ح ّل العر�ض �ضيف ًا على م�رسح الق�صبة يف رام اهلل .وق ّدمت فرقة م�رسح توا�صل م�رسحية عن �إعالن اال�ستقالل الفل�سطيني وم�رسحية اجلدارية عن ن�ص ملحمود دروي�ش ،وا�ستكملت جوالتها وق ّدمت عرو�ض ًا يف مناطق ع ّدة ،من بينها مهرجانا دم�شق و�أدنربة يف .2008 و�ضمن فعاليات ق�سم امل�رسح يف مركز ثقافة الطفل الفل�سطيني التابع جلمعية الثقافة احلر والذي يوا�صل عمله مع ال�شباب والفكر ّ املبدعني واملوهوبني يف جمال امل�رسح ،قام خم�سة ع�رش �شاب ًا ب�إنتاج ثالث م�رسحيات خالل عام 2008ومبعدل خم�سة عرو�ض لكل م�رسحية ،تناولت وجهة نظر ال�شباب جتاه ق�ضايا املجتمع املختلفة ،وامل�رسحيات هي حارة العميان و�شهيق وزفري وك�أنها غرفة. وقد �شهد العام 2008وفاة املخرج امل�رسحي الفل�سطيني يعقوب �إ�سماعيل رئي�س رابطة امل�رسحيني الفل�سطينيني.
امل�رسح يف دول جمل�س التعاون اخلليجي مالمح وخ�صو�صيات
تظهر درا�سة تاريخ امل�رسح اخلليجي ع ّدة
مالمح ت�ؤكد خ�صو�صية جتربته ،فالواقع �أن جتربة هذا امل�رسح وطيدة ال�صلة بتاريخ ت�شكّل دول اخلليج العربي وحت ّوالتها التاريخية واالقت�صادية واالجتماعية� .إن ال�رشوط التي ت�ؤطّ ر هذا امل�رسح تتو ّزع بني املالمح العامة واخل�صو�صيات املحلية وبني هذه اخل�صو�صيات حني تتمرد على الذات وعلى ثوابتها .وهكذا ف�إن امل�رسح يف دول جمل�س التعاون اخلليجي بكل مك ّوناته وجتاربه ،يبقى موزع ًا بني �سلطة الرتاث وبني النزوع �إىل احلداثة مع ما فتحه ع�رص التقنيات من �أبواب للم�رسح .وقد عك�س امل�رسح اخلليجي ب�شكل وا�ضح �شك ًال وم�ضمون ًا، تناق�ض الواقع بكل �أبعاده االقت�صادية واالجتماعية والثقافية� ،إنه تناق�ض الدخول يف زمن احلداثة يف جمتمع تتكاثر فيه الأ�سئلة وتكرب حول �أ�صالة هذا املجتمع �أمام هذه احلداثة ،التي نقلت املجتمعات اخلليجية من زمن الغو�ص واالرتباط بالبحر كم�صدر للرزق والأ�رسار واحلكايات� ،إىل زمن النفط بكل ما حقّقه من منط جديد للعي�ش والرفاهية .لقد دخل امل�رسح اخلليجي من قلب ذلك التناق�ض لريبط ممار�سته اليومية بالذاكرة ال�شعبية وبالواقع ّ لنقل اخللل ونقده والك�شف عن معاناة الإن�سان يف مرحلتني متناق�ضتني وخمتلفتني ،هما ما قبل النفط وما بعده من دون �أن يخفي نزوعه نحو جعل امل�رسح يف دول جمل�س التعاون ذا هوية متما�سكة املقومات ،مو�صولة �إىل تراثها املحلي بكل ثرائه وتاريخيته. وقد احتفت التجربة امل�رسحية اخلليجية – من دون امل�رسح العربي – كثرياً بالتغيري االجتماعي ،لأن املجتمعات العربية الأخرى مل تواجه ظواهر االنق�سام والتوتر وال�رصاع والقلق وعدم التوازن التي خلّفها ظهور النفط وانقالب منط الإنتاج يف فرتة وجيزة من الزمن كما ح�صل يف دول جمل�س التعاون .ويالحظ من التجربة امل�رسحية يف اخلليج انتقالها من �ساحات املدار�س والأندية �إىل املكان الطبيعي املخ�ص�ص لقيام العر�ض امل�رسحي ،وهذا يعني ّ ً �أن امل�رسح مل يعد هام�شيا ،وقد �أ�صبح تكوين
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 433
امل�رسح القطري البدايـات
ال تختلف التجربة القطرية عن مثيالتها يف دول اخلليج العربية وهي بد�أت باالرجتاالت الهزلية يف املجال�س اخلا�صة ،و�صو ًال �إىل الأندية االجتماعية الثقافية التي ظهرت مع ع�رص النفط مثل نوادي الطليعة واجلزيرة نواد ق ّدمت العديد من وكبار املوظفني ،وهي ٍ العرو�ض امل�رسحية اعتباراً من العام .1959 ومع �إن�شاء الأندية الريا�ضية واملراكز ال�شبابية يف بداية ال�ستينيات بد�أت الظاهرة امل�رسحية بالتبلور ب�شكل �أف�ضل ،ويف الفرتة نف�سها بد�أ امل�رسح املدر�سي بالظهور .وقد ظهرت �أول فرقة م�رسحية قطرية عام 1972واختارت امل�رسح القطري ا�سم ًا لها ،بعدها ظهرت ثالث فرق �أخرى هي م�رسح ال�سد وم�رسح الأ�ضواء وامل�رسح ال�شعبي ،ثم دجمت الفرق الأربع يف فرقتني هما :فرقة قطر امل�رسحية وفرقة مت الدوحة امل�رسحية ،وقبل �سنوات قليلة ّ ت�أ�سي�س فرقة م�رسح اخلليج . مطلـع العـام 1986بـد�أت املـ� ّؤ�سـ�سـات الفنية اخلا�صة التي تعمل يف جمال الإنتاج امل�رسحي بالظهور ،فقامت بتقدمي جمموعة �أعمال م�رسحية حظيت ب�إقبال كبري من
وعلى الرغم من �أن احلكومات اخلليجية م�س�ؤولة كلي ًا عن رعاية امل�رسح يف بالدها� ،إال �أن هناك م� ّؤ�س�سات خا�صة تقوم بتمويل عرو�ض م�رسحية �أو بت�شجيع امل�ؤلفني من خالل املنح واجلوائز العديدة.
الإبداع
الفرق امل�رسحية منذ �أواخر العقد اخلام�س من القرن الع�رشين ا�ستقطاب ًا الهتمام جوهري بامل�رسح . ومنذ بداية العقد ال�ساد�س جند مولداً حقيقي ًا للجهد الكامن وراء تكامل العر�ض امل�رسحي ،وقد تبلورت جماعية العر�ض املتخ�ص�صة ،كما بظهور الفرق امل�رسحية ّ تبلورت حرارة التغريات بعمقها وت�سارعها عند ظهور املحلية التي ُتكتب باللهجة العامية من �أجل �أن ُتعر�ض ال �أن ُتقر�أ .لذلك مل ي�ستطع الن�ص امل�رسحي اخلليجي اال�ستقالل عن العر�ض امل�رسحي لأ�سباب عديدة �أه ّمها غياب اال�سرتاتيجية امل�رسحية لدى الفرق الأهلية، يظهر ذلك جلي ًا يف عدم ظهور �أ�سماء مهمة على �صعيد الكتابة امل�رسحية اخلليجية ،الأمر الذي دفع ببع�ض امل� ّؤ�س�سات الر�سمية �إىل تخ�صي�ص م�سابقات للت�أليف امل�رسحي ،خ�صو�ص ًا يف ال�شارقة. وعلى الرغم من �أن احلكومات اخلليجية م�س�ؤولة كلي ًا عن رعاية امل�رسح يف بالدها، �إال �أن هناك م� ّؤ�س�سات خا�صة تقوم بتمويل عرو�ض م�رسحية �أو ت�شجيع امل�ؤلفني من خالل املنح واجلوائز العديدة ،نذكر منهم جائزة �سلطان العوي�س .كما �أن دائرة الثقافة والإعالم بال�شارقة تقوم حثيثة بت�شجيع الت�أليف للم�رسح �سواء �أكانت ن�صو�ص ًا م�رسحية �أم �أبحاث ًا يف جمال امل�رسح .كما الب ّد من الإ�شارة �إىل �إ�سهامات الكويت يف �إثراء الدرا�سات والرتجمة يف العامل العربي ،من خالل �سل�سلة عامل املعرفة و�سل�سلة امل�رسح العاملي وهي ق ّدمت ما يزيد على 300ن�ص م�رسحي عاملي مرتجم. وبعد �أن ت�أثر امل�رسح اخلليجي يف العقود املا�ضية بالأطروحات القومية ،كانت مرحلة ال�صوت العايل يف امل�رسح االحتجاجي وخ�صو�ص ًا ب�ش�أن ق�ضية فل�سطني ،حيث كانت الن�صو�ص والعرو�ض مفتوحة على ال�شعارات القومية ،يف الوقت الذي نرى فيه امل�رسح اليوم يعي�ش مرحلة انزياح نحو الق�ضايا ال�صغرية
والهموم الذاتية ،ويتح ّول كلي ًا �إىل الفرد وعوامله اخلا�صة .كما �أ�صبح االجتاه ال�سائد هو امليل نحو الن�صو�ص الق�صرية الب�رصية البعيدة عن ال�رصاعات امل�صريية ،و�إىل التقليل من ال�شخ�صيات امل�رسحية واالكتفاء بحاالت �إن�سانية فردية ،ورمبا لهذا ال�سبب كان طبيعي ًا �أن يتقلّ�ص امل�رسح ن�ص ًا و�شك ًال ليتح ّول نحو املونودراما. مما تق ّدم من مالمح م�شرتكة وعلى الرغم ّ يف م�رسح دول جمل�س التعاون� ،إال �أن ذلك ال ينفي تفاوت التجارب و�إن بن�سب �ضئيلة بني هذه الدول ،خ�صو�ص ًا من حيث ح�ضور �أو غياب توجهات امل� ّؤ�س�سات الر�سمية املر�أة ومن حيث ّ يف دعم هذا امل�رسح.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 434للتنمية الثقافية
اجلمهور .وت�ستعني هذه امل� ّؤ�س�سات مبمثلني من الفرق امل�رسحية الأهلية املحلية مط ّعمة بفنانني م�رسحيني من دول اخلليج وبع�ض الدول العربية.
امل� ّؤ�س�سة امل�رسحية
ت�رشف الدولة يف قطر على الفرق الأهلية ب�شكل كامل من خالل ق�سم امل�رسح يف �إدارة الثقافة والفنون بوزارة الثقافة والرتاث ،وتق ّدم هذه الإدارة دعم ًا مادي ًا �سنوي ًا لهذه الفرق، مقابل تقدمي عر�ض واحد يف ال�سنة ومتثيل قطر يف املهرجانات املحلية والعربية .كما ت�رشف الدولة على 13فرقة �شبابية موزعة على الأندية الريا�ضية واملراكز ال�شبابية عرب الهيئة العامة لل�شباب .ويتم ّيز امل�رسح ال�شبابي بالن�شاط فينظّ م مهرجانني �سنويني يف الربيع وال�صيف �إ�ضافة �إىل العديد من الور�ش امل�رسحية .يف مت ت�أ�سي�س املركز ال�شبابي للفنون العام ّ 2005 امل�رسحية (�أ�صبحت تابعيته هذا العام لوزارة الثقافة بد ًال من الهيئة العامة لل�شباب). من جهة �أخرى ت�رشف وزارة الرتبية والتعليم على امل�رسح املدر�سي الذي ت� ّأ�س�س منذ العام 1974وبقي فاع ًال قي املدار�س حتى العام 2005تاريخ �صدور قرار جتميده. وكان توجيه الرتبية امل�رسحية ي�ض ّم �أكرث من 50م�رشف ًا م�رسحي ًا موزعني على املدار�س غالبيتهم من اجلاليات العربية. �أما امل� ّؤ�س�سات الفنية اخلا�صة والتي ظهرت يف فرتات مت�أخرة ،فهي غري فاعلة وتعتمد على �إنتاج م�رسحيات جتارية للأطفال يف الأعياد فقط� .أما م�رسح النجم الواحد فيعتمد على جهود الفنان غامن ال�سليطي ،الذي يق ّدم كوميديا �سيا�سية مو�سمية ذات طابع جتاري ،ومع ذلك ف�إن الدولة ت�سهم �أحيان ًا يف الدعم املادي لهذه امل� ّؤ�س�سات. خم�ص�صة توجد يف دولة قطر ثالثة م�سارح ّ للعرو�ض امل�رسحية جم ّهزة بتقنيات متق ّدمة هي :م�رسح قطر الوطني الذي افتتح عام1986 وم�رسح الرتبية وهو م�رسح خا�ص ب�إدارة
التوجيه امل�رسحي يف الوزارة وت�ستخدمه فرق �أخرى يف بع�ض الأحيان ،وم�رسح الدوحة باليرز التابع للجالية الإجنليزية بالدوحة وت�ستعني به الفرق الأخرى .وتقوم الدولة حالي ًا احلي الثقايف بالدوحة الذي �سي�ضم داراً ببناء ّ للأوبرا وعدداً ال ب�أ�س به من امل�سارح متع ّددة اال�ستخدامات ،وذلك ا�ستعداداً للدوحة عا�صمة للثقافة العربية .2010
�أبرز العرو�ض امل�رسحية لعام
2008
�شهد العام 2008عر�ض م�رسحية �أبو حيان التوحيدي من ت�أليف و�إخراج حمد الرميحي و�إنتاج �رشكة املوال للإنتاج الفني، وقد ُعر�ضت يف مهرجان دم�شق الرابع ع�رش للفنون امل�رسحية .2008وق ّدمت فرقة قطر م�رسحية ياغافل �إلك اهلل من ت�أليف خليفة ال�سيد و�إخراج نا�رص عبد الر�ضا ،كما ُعر�ضت م�رسحية �شدو ال�ضعاين من ت�أليف و�إخراج عبد الرحمن املناعي (رائد امل�رسح القطري) فرقة الدوحة امل�رسحية ،وم�رسحية الأطفال فلّه وعرو�س البحر من ت�أليف عبد الواحد حممد و�إخراج فالح فايز و�إنتاج وتقدمي ال�سعيد للإنتاج الفني .و�شهد العام املا�ضي اجلرة من ت�أليف �أي�ض ًا عرو�ض ًا �أخرى هي ّ و�إخراج �سامل املن�صوري و�إنتاج وتقدمي املركز ال�شبابي للفنون امل�رسحية� ،إ�ضافة �إىل �أوبريت ع�سل يا وطني من ت�أليف عبد الرحيم ال�صديقي وتي�سري عبد اهلل و�إخراج ح�سن �إبراهيم ونا�رص عبد الر�ضاُ ،ق ّدمت على خ�شبة م�رسح قطر الوطني �ضمن املهرجان امل�رسحي الأول للأ�شخا�ص ذوي الإعاقة يف دول جمل�س التعاون اخلليجي.
امل�رسح الإماراتي بداية وحماولة
ال ميكن ف�صل امل�رسح يف الإمارات العربية املتحدة عن ت�أثريات امل�سارح اخلليجية، خ�صو�ص ًا البحرين والكويت� ،إذ �إن امل�رسح كما التعليم بد�أ فيهما مبكراً .لقد كانت ال�شارقة ب�ؤرة
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 435
الأعمال امل�رسحية املعرو�ضة يف العام 2008
كل هذه االعمال هي من �إنتاج قطاع احلكومة .وقد �شهد العام املا�ضي العديد من العرو�ض امل�رسحية �أه ّمها العزبة من ت�أليف حميد فار�س حميد و�إخراج خالد علي ربيع، زمان اليوم من ت�أليف جا�سم اخلراز ،عنمرب للمخرج مروان عبد اهلل �صالح وت�أليف طالل حممود ،ال�ستارة من �إخراج حمد عبد الرزاق. كما ق ّدمت جمعية عجمان للفنون ال�شعبية وامل�رسحية الغاوي من ت�أليف حممد ح�سن �أحمد وحممد عبد اهلل احلمادي و�إخراج حممد عبد اهلل احلمادي.
الأعمال التي ق ّدمت يف مهرجان ال�شارقة امل�رسحي 2008الدورة
18
�شهد هذا املهرجان العديد من العرو�ض امل�رسحية ،من بينها م�رسحية دهن العود ت�أليف �أحمد بورحيمة و�إخراج حممد العامري، هاوية ت�أليف و�إخراج علي جمال� ،رصخة من ت�أليف ا�سماعيل عبداهلل ،ميادير من ت�أليف الكاتب �إ�سماعيل عبداهلل و�إخراج الفنان �أحمد الأن�صاري ،ال حيلة ت�أليف الكاتب �سعيد ا�سماعيل و�إخراج الفنان بالل عبداهلل ،حمطات من حياة �أبوي ت�أليف �سعيد ا�سماعيل و�إخراج الفنان بالل عبداهلل ،م�رسحية فانو�س ت�أليف حممد �سعيد ال�ضنحاين و�إخراج عبداهلل را�شد ،النمرود ت�أليف ال�شيخ د� .سلطان بن حممد القا�سمي و�إخراج املن�صف ال�سوي�سي وجرى عر�ضها يف عدة مهرجانات م�رسحية ودول عربية.
مت ت�أ�سي�س الهيئة العربية ّ للم�رسح مببادرة �إماراتية كان الهدف منها ت�شجيع امل�رسح العربي ككلّ ،لذلك تقام م�سابقات �سنوية لت�شجيع الت�أليف امل�رسحي� ،إ�ضافة �إىل مهرجان عربي �سنوي.
الإبداع
ظهور امل�رسح يف الإمارات ،و ُيع َتقد حتى الآن �أن �أول م�رسحية جرى عر�ضها هي طول عمر وا�شبع طما�شة عام 1958يف النادي العماين بال�شارقة ،ثم ُعر�ضت عام 1959م�رسحية وكالء �صهيون يف نادي ال�شعب يف ال�شارقة �أي�ض ًا. ا�شتهرت �أول فرقة م�رسحية م�ستقلة عام 1972با�سم امل�رسح القومي لل�شباب يف دبي، ويف تلك الفرتة كانت وزارة الإعالم والثقافة تع ّد الع ّدة لتطوير ق�سم امل�رسح التابع للإدارة الثقافية لديها كجزء من اخت�صا�صات الوزارة. وا�ستعان ق�سم امل�رسح باخلربات العربية ابتدا ًء من زكي طليمات ،الذي ق ّدم تقريره عن كيفية النهو�ض باحلركة امل�رسحية بعد جولة ملدة �شهرين يف الإمارات ال�سبع .بعدها ا�ستقدمت الوزارة الفنان �صقر الر�شود الذي كان له الدور الكبري يف و�ضع خمطط علمي وتنفيذي للنهو�ض باحلركة امل�رسحية ،كما ا�ستفادت الدولة من بع�ض اخلربات الأكادميية العربية ومن الر ّواد مثل الفنان �إبراهيم ال�صالل. يوجد على ال�ساحة امل�رسحية يف دولة الإمارات حالي ًا نحو 15فرقة م�رسحية 10منها م�ستقلة� ،أما الفرق الأخرى فهي مو ّزعة بني نواد �أو جمعيات فنون وتق ّدم م�رسحيات حملية ٍ وعربية وعاملية .كما يوجد يف الإمارات �أكرث من اثنتي ع�رشة قاعة م�رسحية بع�ضها ُ�ص ّمم وج ّهز بتقنيات متطورة. على الطراز احلديث ُ �أما �أبرز الفرق امل�رسحية اليوم فهي امل�رسح القومي لل�شباب (دبي) ،م�رسح الفجرية القومي، م�رسح الإمارات القومي (�أبو ظبي) ،م�رسح دبي ال�شعبي. مت ت�أ�سي�س الهيئة العربية للم�رسح كما ّ مببادرة �إماراتية كان الهدف منها ت�شجيع امل�رسح العربي ككلّ ،لذلك تقام م�سابقات �سنوية لت�شجيع الت�أليف امل�رسحي� ،إ�ضافة �إىل مهرجان عربي �سنوي .ومن الأحداث امله ّمة يف عام 2008اختيار ال�شيخ �سلطان بن حممد القا�سمي حاكم �إمارة ال�شارقة من قبل املنظمة
الدولية للم�رسح التابعة لليون�سكو ،لكتابة كلمة تكرم يوم امل�رسح العاملي ( تقليد �سنوي دويل ّ فيه كل �سنة �شخ�صية هامة من �شخ�صيات عامل امل�رسح) .كذلك �أعيد يف العام 2008ن�رش عدد هائل من � ّأمهات الكتب امل�رسحية يف طبعة متي�رسة دعم ًا للثقافة امل�رسحية.
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 436للتنمية الثقافية
امل�رسح الكويتي ريادة يف منطقة اخلليج
تعترب فرتة الأربعينيات بداية احلركة امل�رسحية يف دولة الكويت ،وهي بذلك �أقدم حركة م�رسحية يف اخلليج العربي .لقد بد�أ امل�رسح مدر�سي ًا يف الكويت ،وبح�سب املراجع التاريخية ف�إن �أول عر�ض م�رسحي ظهر يف دولة الكويت يعود �إىل عام 1922يف حفل اختتام العام الدرا�سي الأول ملدر�سة الأحمدية. �أما املرحلة الثانية فقد جاءت مع ت�أ�سي�س امل�رسح الوطني وجميء زكي طليمات الذي �أن�ش�أ فرقة م�رسحية و�شارك يف التمثيل و�أ�رشف على الإخراج وتر�أّ�س �أول معهد للدرا�سات امل�رسحية يف الكويت .ومت ّيزت هذه املرحلة بتع ّدد الفرق وتن ّوعها ،وقد لعبت وزارة ال�ش�ؤون االجتماعية دوراً هام ًا يف رعاية احلركة امل�رسحية ودعم امل�رسح اجلا ّد ،بحيث قررت �إ�شهار �أربعة م�سارح �أهلية هي :امل�رسح العربي، م�رسح اخلليج العربي ،امل�رسح الكويتي .وكان امل�رسح ال�شعبي (الأم) قد ا�شتهر يف عام .1964 يعترب امل�رسح يف الكويت الأول يف حميط منطقة اخلليج العربي وله الف�ضل والريادة على م�سارح اخلليج التي نهلت منه الكثري وت�أثّرت ب�أن�شطته .وقد �أ�سهم امل�رسحيون الكويتيون يف ت�أ�سي�س وتطوير احلركة امل�رسحية يف ع ّدة دول خليجية منها م�رسح الإمارات مع �صقر الر�شود وف�ؤاد ال�شطي. وبرزت يف الثمانينيات من القرن املا�ضي ظاهرة امل�سارح اخلا�صة �أو ذات ال�صبغة التجارية ،ومن �أ�شهر هذه امل�سارح :م�رسح الفنون ومركز �سكوب �سنرت للإنتاج الفني ومركز الأبرق للإنتاج الفني وجمموعة طيف وم�رسح ال�سالم واجلزيرة والوطني ،وهناك جهات �أهلية خريية تق ّدم �أعما ًال م�رسحية. �أواخر العام 1969افتتح يف الكويت معهد الدرا�سات امل�رسحية ،وكانت الدرا�سة فيه م�سائية ويعطي الطالب يف ختام دوراته م�ؤه ًال متو�سط ًا .كما �صدر مر�سوم �أمريي عام 1973يق�ضي ب�إن�شاء املعهد العايل للفنون
امل�رسحية الذي اقت�رص القبول فيه على حملة �شهادات الثانوية العامة ،وحت ّددت م ّدة الدرا�سة ب�أربع �سنوات يمُ نح الطالب بعدها درجة (بكالوريو�س).
عرو�ض م�رسحية عام
2008
�شهد العام 2008العديد من العرو�ض امل�رسحية يف الكويت من بينها م�رسحية بو خريطة لفرقة اجليل الواعي من ت�أليف و�إخراج ح�سني م�سلم ،العرثة لفرقة امل�رسح الكويتي ت�أليف حممد الفرج و�إخراج وليد �رساب، م�رسحية ليـر للم�ؤلف الإجنليزي وليم �شك�سبري ق ّدمتها فرقة املعهد العايل للفنون امل�رسحية، م�رسحية بال مالمح لفرقة م�رسح ال�شباب من ت�أليف عبد الأمري �شمخي و�إخراج عبد العزيز �صفرعلى خ�شبة م�رسح الد�سمة� ،إين �أرى ما تراه لفرقة امل�رسح ال�شعبي من ت�أليف �شاكر املعتوق و�إخراج �إبراهيم بوطيبان ،امل�ست�أجر اجلديد لفرقة امل�رسح العربي من ت�أليف يوجني يون�سكو و�إخراج ع ّمار �سليمان.
العماين امل�رسح ُ بداية حديثة وتطلّعات لتطوير الدراما
تعود بدايات امل�رسح ال ُعماين �إىل ظهور التعليم النظامي وكذلك امل ّمار�سات امل�رسحية داخل الأندية الريا�ضية ،التي �ض ّمت عنا�رص عاي�شت التجارب امل�رسحية يف بع�ض دول اخلليج العربي� ،إىل �أن جاء م�رسح ال�شباب عام 1980ليحت�ضن امل�رسح و�أعقبه ظهور فرق مل�سارح ال�شباب وامل�رسح اجلامعي .وقد اف ُتتح ق�سم الفنون امل�رسحية بجامعة ال�سلطان قابو�س عام 1991الذي ي�ض ّم ثالث �شعب هي الإخراج والتمثيل والنقد والديكور� ،ساعد ك ّل ذلك على نهو�ض امل�رسح وتطويره. انتقل امل�رسح ال ُعماين نحو االحرتاف بعد �أن �أ�صدرت الدولة قراراً بت�أ�سي�س الفرق الأهلية للم�سارح التي يبلغ عددها حالي ًا قرابة 18فرقة تقوم الدولة بدعمها مادي ًا عن طريق وزارة الثقافة والرتاث .و�أبرز الفرق املوجودة حالي ًا
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 437
ال�صحوة امل�رسحية( م�سقط) ،الدن للثقافة والفن امل�رسحية (والية �سمائل)� ،صاللة للفنون امل�رسحية (حمافظة ظفار) وغريها. عام � 2008صدر قرار �سامي من قبل ال�سلطان قابو�س بن �سعيد بت�شكيل جلنة عليا لر�سم ا�سرتاتيجية جديدة للدراما ال ُعمانية، �سواء �أكان ذلك امل�رسح �أم التليفزيون �أم الإذاعة �أم ال�سينما .و�ستقوم هذه اللجنة بدرا�سة و�ضع امل�رسح وم�ستوى الدراما بال�سلطنة وتقييم امل�ستوى احلايل لها بهدف و�ضع خطة عري�ضة للنهو�ض بهذا القطاع .
�أبرز العرو�ض امل�رسحية عام
2008
امل�رسح ال�سعودي البدايــات
ظهر �أول ن�ص م�رسحي �سعودي مكتوب
عرو�ض العام
الإبداع
�شهد العام املا�ضي بع�ض العرو�ض لفرقة الدن للثقافة والفن وموقعها والية �سمائل، وهي م�رسحية جنوم منتخبنا من ت�أليف �سمري العرميي و�إخراج جمموعة من �أع�ضاء الفرقة. و�أي�ض ًا م�رسحية �شخابيط للأطفال من �إنتاج الفرقة ،م�رسحية جمرد عابر ،م�رسحية �آخر الرجال املحرتمني .كما قدمت فرقة مزون م�رسحية القرد �صديق للأطفال وم�رسحية الك�رشة� .أما فرقة ال�صحوة فنظّ مت مهرجان ًا م�رسحي ًا ملدة �أ�سبوع وق ّدمت عر�ض ًا بعنوان ف�ؤادي �أقتل املع ّد عن ن�ص توفيق احلكيم �أريد �أن �أقتل� ،إ�ضافة �إىل عر�ضني �آخرين بعنوان جونو – وطن و�أمل. وق ّدمت امل�سارح التابعة لوزارة الرتاث والثقافة بع�ض امل�رسحيات ومنها عري�س الغفلة لفرقة �صاللة للفنون من ت�أليف هالل العرميي ،م�رسحية املزار ت�أليف ع ّمار بن حم�سن ال�شنفري و�إخراج �أحمد معروف اليافعي، م�رسحية بنت ال�شيخ من ت�أليف و�إخراج عماد ال�شنفري ،ه�سترييا من ت�أليف �صالح املناعي و�إخراج �سعيد البو�سعيدي ،كما ق ّدمت فرقة ظفّار م�رسحية �شجرة الهيل.
ع�شية والدة اململكة العربية ال�سعودية عام ،1932وقد قام بت�أليفه ال�شاعر ح�سني عبد اهلل مت درا�سته يف اجلامعة الأمريكية �رساج الذي �أ ّ ببريوت .يف العام 1960بد�أت �أوىل حماوالت امل�رسح يف ال�سعودية على ي ّد ال�شيخ �أحمد ال�سباعي ،الذي � ّأ�س�س فرقة م�رسحية يف مكة و�أن�ش�أ �إىل جانبها مدر�سة للتمثيل �أطلق عليها ا�سم دار قري�ش للتمثيل الإ�سالم ،وانطلقت اال�ستعدادات للقيام ب�أول عر�ض م�رسحي �إال �أن الظروف حالت دون ذلك و�أُغلقت دار العر�ض. بقي امل�رسح يف ال�سعودية ذا طابع مدر�سي قبل �أن تطر�أ تطورات هامة ت�سهم يف حتديثه ومنها :ت�أ�سي�س جمعية الفنون ال�شعبية عام � ،1970إن�شاء ق�سم الفنون امل�رسحية بالرئا�سة العامة لرعاية ال�شباب عام ،1974قيام اجلمعية العربية ال�سعودية للثقافة والفنون بعناية الآداب والفنون من عام � ،1973إن�شاء �شعبة للفنون امل�رسحية يف ق�سم الإعالم بكلية الآداب جامعة امللك �سعود .1991ت�رشف الدولة على امل�رسح ال�سعودي وتدعمه مالي ًا ،ويتمثّل هذا اال�رشاف من قبل جهتني حكوميتني هما الرئا�سة العامة لرعاية ال�شباب ووزارة الثقافة والإعالم ممثّلة بجمعية الفنون .ومن �أبرز الفرق امل�رسحية ال�سعودية فرقة مواهب، فرقة �أمواج ،امل�رسح ال�رشقي ،جمعية الثقافة والفنون – جدة وغريها. 2008
ق ّدم م�رسح الطائف عدداً من العرو�ض عام ،2008ومنها حالة قلق وعندما ي�أتي امل�ساء وعرو�ض �أخرى للأطفال ،ومنها ب�ساط الريح والك�شّ اف امليمون .كما �شهدت اململكة عرو�ض ًا �أخرى منها م�رسحية ابن زريق ليمتد ت�أليف را�شد ال�شمراين و�إخراج م�ساعد الزهراين .ويف الظهران جرى عر�ض كا�ش ماكا�ش من �إخراج اجلراح وت�أليف ماجد العبيد� ،إ�ضافة يو�سف ّ �إىل م�سابقة العرو�ض امل�رسحية الق�صرية يف الدمام .ومن العرو�ض امل�شاركة اخلادم ،بغ�ض ّ النظر ،حلظة زيف ،الفنار البعيد .كما ق ّدمت مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 438للتنمية الثقافية
�أمانة الريا�ض م�رسحية �شباب التحلية فكرة في�صل العي�سى وت�أليف عبد العزيز الفريحي �إخراج في�صل اجلرب .و�أقيم عام 2008مهرجان الريا�ض الأول للمونودراما ومهرجان امل�رسح ال�سعودي الرابع .وت�شهد مدينة الريا�ض مهرجان امل�رسح ال�سعودي الذي توقّف ثماين �سنوات وعاد يف دورته الرابعة يف �شهر �آذار عام ،2008و�شارك يف املهرجان ع�رش فرق م�رسحية حملية من خمتلف املناطق ال�سعودية مت االعالن ق ّدمت ع�رش م�رسحيات خمتلفة ،وقد ّ خالل االفتتاح عن ال�سماح للن�ساء باحل�ضور، لكن على الرغم من ذلك فقد كان احل�ضور الن�سائي �ضعيف ًا� .أما امل�رسحيات امل�شاركة فهي حالة قلق ،املكعب الزجاجي ،رمبا ي�أتي الربيع ،اللعب على خيوط املوت ،رحلة بحث، ال�صندوق الأ�سود ،موت م�ؤلف ،الرق�ص مع الطيور وعرو�ض �أخرى كلّها من �إنتاج اجلمعية العربية ال�سعودية للثقافة والفنون .وي�ؤخذ على امل�رسحيات املعرو�ضة �إيغالها يف الرمزية وتوجهها للنخبة بح�سب التعليقات .وقد ح�صلت �أربع م�رسحيات فقط من �أ�صل ع�رش على جممل اجلوائز ،وكانت جمعية الثقافة والفنون فرع الإح�ساء الفائز الأكرب بخم�س جوائز عن م�رسحية موت امل�ؤلف ،تلتها جمعية الريا�ض ب�أربع جوائز عن م�رسحية الرق�ص مع الطيور، ثم كانت جائزتان لفرع جنران عن م�رسحية اللعب على خيوط املوت ،وجائزة يتيمة لفرع ج ّدة عن م�رسحية رمبا ي�أتي الربيع .ومن بني جميع الفائزين الرجال فازت امر�أة �سعودية واحدة فقط بجائزة �أف�ضل ديكور عن م�رسحية الرق�ص مع الطيور .وقد ُخ ّ�ص�ص مهرجان وعر�ضت اجلنادرية عام 2008مل�رسح الأطفال ُ فيه 18م�رسحية .
امل�رسح البحريني من املدر�سة �إىل الأندية �إىل الفرق امل�رسحية
ي ّتفق الباحثون امل�رسحيون يف مملكة البحرين �أن عام � 1925شهد ظهور �أول عر�ض
م�رسحي يف البالد ،وقد كان عر�ض ًا مدر�سي ًا ق ّدمه طالب مدر�سة الهداية اخلليفية باملحرق، وهي �أول مدر�سة نظامية ر�سمية افتتحت يف البالد عام .1919بد�أ امل�رسح يف البحرين كغريه من دول اخلليج مدر�سي ًا ،بعدها انتقل �إىل الأندية ثم تط ّور نحو الفرق امل�رسحية، وكان �أولها الفرقة التمثيلية املتنقلة التي هدفت �إىل نقل الن�شاط امل�رسحي �إىل �أماكن خمتلفة من مدن وقرى البحرين ،لكن هذه الفرقة توقّفت بعد �أن ق ّدمت ثالث م�رسحيات ق�صرية يف عر�ض واحد عام .1955ومن خالل بع�ض �أع�ضاء الفرقة التمثيلية املتنقلة ،تك ّونت فرقة جديدة با�سم �أ�رسة هواة الفن ت� ّأ�س�ست عام 1956وتغيرّ ا�سمها بعد ذلك �إىل �أ�رسة فناين البحرين .عام 1970ت� ّأ�س�س م�رسح �أوال ،ويف العام 1992ت� ّأ�س�ست فرقة م�رسحية جديدة با�سم م�رسح ال�صواري .عام 1998انطلقت فرقة جديدة با�سم م�رسح جلجام�ش ُعنيت مت بامل�رسح اال�ستعرا�ضي ،ويف العام ّ 2005 �إ�شهار فرقتني م�رسحيتني جديدتني هما م�رسح الريف وم�رسح البيادر ،وبذلك و�صل عدد الفرق امل�رسحية يف البحرين �إىل �ست فرق. ت�رشف الدولة على امل�رسح وتدعمه مادياً من خالل قطاع الثقافة والرتاث الوطني يف وزارة الثقافة واالعالم ،وتقوم الوزارة بت�شجيع الإبداع امل�رسحي عرب و�سائل ع ّدة منها �إقامة م�سابقة للت�أليف امل�رسحي و�أخرى للعمل امل�رسحي املتم ّيز ،كما توفّر الدعم املادي وتوفراملقرات لهم واملعنوي للفرق الأهلية ّ �إ�ضافة �إىل الدعاية واالعالن .و ُتعترب البحرين مقراً للّجنة الدائمة للفرق الأهلية يف دول جمل�س التعاون اخلليجي ،وتن�شط يف البحرين الفرق امل�ستقلة املهمة كفرقة ال�صواري التي تعمل �ضمن �شبكة م�سارح عربية م�ستقلة.
عرو�ض و�أحداث م�رسحية عام
2008
�شهد العام املا�ضي �إ�شهار �أول احتاد للم�رسحيني يف البحرين ،وي�ض ّم يف ع�ضويته اجلمعيات امل�رسحية الأهلية املرخ�صة من قبل
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 439
وزارة الإعالم وهي م�سارح �أوال ،جلجام�ش، ال�صواري ،اجلزيرة ،البيادر ،الريف .كما �شهد �إطالق مهرجان م�رسحي �سنوي حتت عنوان �أيام البحرين امل�رسحية ،و�أقيم مهرجان �أوال امل�رسحي الرابع مب�شاركة خم�سة عرو�ض م�رسحية هي� :إذا ما طاعك الزمان لل�شاعر �إبراهيم بوهندي من �إخراج عبداهلل �سويد وهلو�سة مل�ؤلفته زهرة ال�شويخ و�إخراج خليفة العريفي� .أما العرو�ض امل�شاركة من خارج �أوال فكانت لفرقة م�رسح الريف التي ق ّدمت عر�ض املبجل للمخرج حممد احلجريي .كما �شهد العام 2008مهرجان ربيع الثقافة الدورة الثالثة الذي نظّ مه جمل�س التنمية االقت�صادية باال�شرتاك مع مركز ال�شيخ �إبراهيم بن حممد �آل خليفة للثقافة والبحوث� ،إ�ضافة �إىل مراكز الفنون و�صاالت عر�ض �أخرى من البحرين، ق ّدموا �أكرث من 30فعالية على مدى خم�سة �أ�سابيع .ومن عرو�ض العام 2008م�رسحية درب امل�صل من ت�أليف فريد رم�ضان و�إخراج خالد الرويعي ،وق ّدم م�رسح ال�صواري عر�ض ًا يف ال�صالة الثقافية� ،إ�ضافة �إىل م�رسحية الكر�سي عن ق�صة للكاتب البحريني حممد عبد امللك.
ت� ّأ�س�س امل�رسح يف اليمن مبكراً ن�سبة �إىل ومر مبراحل عديدة� ،إال �أنه باقي دول املنطقة ّ اليوم وب�شهادة كل من يكتب عنه ومن عاي�شه مير مبرحلة ركود .يعاين امل�رسح اليمني من ّ غياب العنا�رص املتفرغة له منذ بداياته، لكن �إقبال اجلمهور على امل�رسح كان حافزاً ال�ستمراره .ت�أثر امل�رسح اليمني يف كل مراحله بالظروف ال�سيا�سية ال�سائدة .املرحلة الأوىل وتعود �إىل العقد الأول من القرن الع�رشين كانت مع امل�رسح امل�ستند �إىل الرتاث ،واعتمد فيها امل�رسحيون على االقتبا�س والإعداد من الأدب العربي وبع�ض الأعمال العاملية حتت ت�أثري العرو�ض امل�رسحية للجالية الهندية التي كانت
الإبداع
امل�رسح اليمني بداية قدمية وفرتة ركود
موجودة يف اليمن� .أما يف املرحلة الثانية التي �شكّلت انطالقة ثانية للم�رسح يف اليمن ،فقد اتجّ ه الك ّتاب امل�رسحيون �إىل الرتاجم العربية ووقائع التاريخ .ويف املرحلة الثالثة بدءاً من مطلع الأربعينيات حتى منت�صف اخلم�سينيات من القرن الع�رشين ،انتقل الن�ص امل�رسحي اليمني من املو�ضوعات العاطفية والتاريخية �إىل امل�رسحيات االجتماعية النقدية امل�ستوحاة من قلب احلياة العامة يف اليمن ،خ�صو�ص ًا بعد �أن ظهر �إىل جانب الفرق امل�رسحية التي كانت قائمة العديد من الفرق امل�رسحية اجلديدة. ومن تلك امل�رسحيات ح�رضموت لعبداهلل حممد الهادي وحممد الرخم وم�رسحيات حممد عبد اهلل ال�صائغ .كما ظهر يف هذه املرحلة العديد من الن�صو�ص امل�رسحية املطبوعة �شعراً ونرثاً، مثل ه ّمام يف بالد الأحقاف ال�شعرية للكاتب امل�رسحي علي �أحمد باكثري ،وامل�رسحية النرثية ليلة العيد للكاتب حمزة علي لقمان وهو �أول ن�ص حواري مكتوب نرثاً للم�رسح يف العام .1948 املرحلة الرابعة من تاريخ امل�رسح اليمني بد�أت منت�صف اخلم�سينيات من القرن الع�رشين وحتى منت�صف ثمانينيات القرن املا�ضي، وقد ظهر العديد من العالمات اال�ستب�شارية التي تنبئ بوجود حركة م�رسحية متنامية يف اليمن ،متثّلت بظهور الك ّتاب امل�رسحيني خ�صو�ص ًا بعد قيام الثورة اليمنية عام 1963 الذي يعترب تاريخ ميالد امل�رسح اليمني على امل�ستوى املهني� ،إذ ت� ّأ�س�ست اجلمعيات والفرق املهنية وت� ّأ�س�ست بعدها جمعية الفنانني اليمنيني التي ير�أ�سها علي حرازي. يف العقدين الأخريين عا�ش امل�رسح اليمني فرتة ركود و�سيطر امل�رسح التجاري على ال�ساحة ،وق ّدمت عام 2008فرقة خليج عدن �إحدى �أ�شهر الفرق م�رسحية مهند ونور من �إخراج مدير الفرقة عمرو جمال ،وهو عر�ض نقدي للدراما التلفزيونية الرتكية يف قالب كوميدي القى رواج ًا هائ ًال .كذلك جرى عر�ض م�رسحيات نقدية ذات طابع جتاري، مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 440للتنمية الثقافية
ويبدو �أن هذا النوع من العرو�ض هو الأكرث ن�سجل رواج ًا يف املنطقة .وال ب ّد �أي�ض ًا من �أن ّ غياب م�رسح الطفل حالي ًا وندرة الكتابة يف هذا املجال �سابق ًا. ويرتكّز امل�رسح يف اليمن يف العا�صمة �صنعاء ويف مدينة عدن ويرتاجع وجوده يف الأطراف ،ويتوفر عدد قليل من القاعات امل� ّؤهلة للعرو�ض امل�رسحية .ففي �صنعاء توجد قاعة املركز الثقايف وقاعة الدرا�سات والبحوث ،ويف حمافظة عدن توجد قاعتني م�ؤهلتني �أي�ض ًا وهما قاعة فل�سطني وقاعة املركز الثقايف. �أما بالن�سبة للتمويل فغالب ًا ما تتكفل وزارة الثقافة بهذا اجلانب ،وقد افتقر هذا امل�رسح على الدوام للعنا�رص الن�سائية وجاءت وفاة ممثلته الأوىل الفنانة مديحة احليدري التي ت�سمى «ملكة امل�رسح اليمني» يف 23 كانون الثاين عام 2008لتزيده فقراً .وهناك فرق خا�صة وجمعيات تعتمد على متويل �أجنبي بد�أت بالظهور يف ال�سنوات الأخرية لكنها تهتم بالرتاث الثقايف �أكرث من امل�رسح. يوجد يف اليمن �أي�ض ًا املعهد العايل للفنون الدرامية الذي ق ّدم عام 2008عر�ض ممنوع اللعب من ت�أليف عبد العزيز عبا�س و�إخراج جميلة جميل وجميل حمفوظ .ويت ّم تدري�س امل�رسح يف ع ّدة جامعات مينية �ضمن كليات الفنون.
عرو�ض م�رسحية وحماوالت تطوير
من العرو�ض املحلية التي ق ُّدمت منذ العام 2004وحتى 2009م�أ�ساة احلالج من �إخراج فريد الظاهري الذي تويف العام ،2005 اجلاروف وهو من امل�رسح التجريبي من �إخراج جميل حمفوظ ،عر�ض �أ�صل احلكاية �إخراج �أمني هزبر ،ال�سبع خيارات �إخراج �إن�صاف العلوي ومنجوت النويرة .وقد ا�ست�ضافت اليمن عرو�ض ًا زائرة خالل الأعوام املا�ضية ،منها جلجام�ش وهو عر�ض �سوري �أُنتج بالتعاون مع املركز الثقايف الفرن�سي يف دم�شق،
وعر�ض م�رصي بعنوان لن ت�سقط القد�س من �إخراج ع�صام ال�شوبا�شي (بطولة نور ال�رشيف وعفاف را�ضي) ،وعر�ض تون�سي بالعربي الف�صيح �إخراج �صالح ال�سيد .ويبدو �أن �إقبال اجلمهور اليمني على العرو�ض الزائرة �أكرث بكثري من �إقباله على العرو�ض اليمنية .وتق ّدم بع�ض اجلمعيات اخلريية كجمعية النه�ضة االجتماعية الثقافية يف حمافظة ح�رضموت �أن�شطة ثقافية لكنها تهت ّم بالرتاث ال�شعبي �أكرث من امل�رسح. وال تزال الفنون يف اليمن دون بقية الأن�شطة الثقافية م�ستوى ،ومل ُتعر�ض خالل العام � 2008أكرث من ع�رش م�رسحيات �أبرزها �أورك�سرتا تايتنك التي ُعر�ضت على خ�شبة املركز الثقايف ب�صنعاء (وهي م�رسحية قطرية تركية �أنتجت عام .)2007و�أقيم املهرجان امل�رسحي الأول الذي نظمته نقابة الفنانني اليمنيني للمهن التمثيلية بتعز يف ال�سابع من ني�سان �أبريل وا�ستمر �أ�سبوع ًا ،مب�شاركة 12مدر�سة من خمتلف مديريات املحافظة. كما �شهد �شهر �آذار مار�س من العام 2008 �صدور القرار اجلمهوري الذي ق�ضى ب�إن�شاء امل�ؤ�س�سة العامة للم�رسح وال�سينما التي راهن اليمنيون عليها لتفعيل احلراك امل�رسحي يف البالد .كما جرى تنظيم م�سابقة امل�رسح بقرار جمهوري لت�شجيع الكتابة ،وقد �أنتجت ظاهرة الك ّتاب ال�شباب وفاز بع�ضهم بجائزة رئي�س اجلمهورية يف جمال الت�أليف امل�رسحي ،وهي جائزة يفرت�ض �أن تقيمها �سنوي ًا وزارة ال�شباب والريا�ضة .كما ُد�شّ ن يف العام 2008امل�رسح املفتوح يف مبنى احتاد نقابات العمال وهو من �أقدم امل�سارح يف اليمن.
بع�ض مالمح حركة امل�رسح العربي يف العام 2008
ظهور اجتاهات جديدة يف عرو�ض ال�شباب،خ�صو�ص ًا جلهة الربفورمان�س وم�رسح ال�صورة وم�رسح اجل�سد (املغرب) وامل�رسح ما بعد احلداثي (�أعمال ربيع مروة ولينا
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 441
يالحظ ارتباط الإنتاج امل�رسحي بظاهرة املنا�سبة كاملهرجانات �أو �إعالن مدينة ما عا�صمة للثقافة كما جرى يف دم�شق.
الإبداع
ال�صانع يف لبنان) وامل�رسح الراق�ص ،حيث تلعب الكوريغرافيا دوراً كبرياً (�شبكة قطرية للرق�ص جتمع بني �أربع دول عربية هي: لبنان مقامات ،فل�سطني �رساية رام اهلل� ،سوريا تنوين للرق�ص ،الأردن املركز الوطني للثقافة والفنون الأدائية) .هذه العرو�ض اجلديدة مهما كانت طبيعتها ال تعتمد احلكاية التقليدية �أو تفجر مفهوم احلكاية ،وهي تتمو�ضع يف �أنها ّ دول مثل لبنان� ،سوريا ،اململكة املغربية، مملكة البحرين فرقة ال�صواري ،قطر فرقة قطر امل�رسحية. نتيجة لذلك ولأ�سباب �أخرى ،خرج امل�رسح�إىل ف�ضاءات جديدة تنتمي �إىل احلياة اليومية كال�شارع والأقبية والأنفاق والبيوت ..ا�إخ، ومنت هذه الظاهرة وتط ّورت عام 2008والأمثلة عديدة داخل الن�ص مع مالحظة �أن امل�رسح (� ّأي م�رسح العلبة الإيطالية التقليدي) ،وعلى الرغم من �أزمة امل�سارح ،ما زال طاغي ًا يف امل�رسح العربي (�أنظر ال�شكل رقم .)3ويالحظ �أنه خالل هذا العام بد�أت تظهر �أطروحات البحث عن «ف�ضاءات بديلة» ( ظهر ذلك وا�ضح ًا يف الكثري من عرو�ض مهرجان دم�شق عام 2008ويف بع�ض الندوات يف مهرجانات م�رسحية). تراجع امل�رسح ال�سيا�سي ال�رصيح واملبا�رشوبروز اجتاه امل�رسح الكوميدي االجتماعي وال�سيا�سي ال�ساخر ،الذي و�صل بع�ضه �إىل ح ّد التهريج .هذا االجتاه وا�ضح يف م�رسح دول جمل�س التعاون اخلليجي ،خ�صو�ص ًا يف الكويت (طارق العلي و�إنت�صار ال�رشاح يف م�رسحية �أم علي) ويف قطر (غامن ال�سليطي م�رسحية عنرب و�11سبتمر وغريها) ويف �أغلب الدول العربية. وقد �شهد هذا العام �أي�ض ًا عودة �إىل امل�رسح الرتاثي بكل تن ّوعاته و�أهدافه (م�رسح جمل�س التعاون واململكة املغربية) ،كذلك �شهد هذا العام ورمبا الأعوام املا�ضية عودة �إىل امل�رسح الديني الطقو�سي الذي كان يف املا�ضي حكراً على امل�رسح الكن�سي يف بع�ض الدول العربية. بروز ظاهرة امل�ؤلف املخرج واملمثل يفالعر�ض الواحد ،خ�صو�ص ًا عند اجليل اجلديد
من امل�رسحيني ،وذلك لأ�سباب متنوعة منها �إنتاجية تتعلق بق�ضايا التمويل ومنها ما هو �أعمق يتعلق باختيار املو�ضوع الذي يريد املخرج التعبري عنه ،وهذا ي�شي بفهم �ض ّيق للم�رسح و�آلياته و�أحيان ًا برغبة يف ك�رس كل ما هو تقليدي (�سوريا ،لبنان ،املغرب ،م�رص، قطر.).. بروز م�رسح الأقل ّيات كامل�رسح الأمازيغييف املغرب والكردي يف العراق وال�صحراوي يف اجلزائر. ازدياد وا�ضح يف العرو�ض امل�رسحية منقبل جهات غري ر�سمية وغري حكومية يف �أغلب الدول العربية. (ال�شكل رقم 2حيث ازدادت العرو�ض ال�سوريةهذا العام ملنا�سبة دم�شق عا�صمة للثقافة العربية .)2008 على الرغم من �أن امل�رسح الن�سوي وم�رسحاملخرجة ن�شط خالل العام � ،2007إال �أن العام 2008مل ي�شهد تطوراً بهذا اخل�صو�ص (مو�ضوع املر�أة وامل�رسح ُطرح يف ندوة مهرجان الأردن امل�رسحي فقط) ،بل �أن عدد املخرجات بع�ضهن ال�شابات يف م�رص تراجع نتيجة اجتاه ّ نحو التمثيل يف ال�سينما �أو التلفزيون لأ�سباب مادية ،و�أي�ض ًا ل�صعوبة �إيجاد م�صادر متويل لهن اال�ستقرار الفني .كما مل ن�شهد يف حتقّق ّ العام 2008بروز �أ�سماء ن�سائية جديدة ،هناك ا�ستثناءات تتعلق ببوادر ظهور دور للمر�أة يف امل�رسح ال�سعودي ،حيث برز ا�سم م�ص ّممة الديكور الدكتورة �سم ّية حممد يف مهرجان امل�رسح ال�سعودي الرابع يف .2008 تط ّور نوع من امل�رسح التفاعلي (بداياته تعودلع�رشة �أعوام على الأقل) ،وهو م�رسح ذو طابع تنموي �أو تربوي ،موجود يف الأردن و�سوريا وفل�سطني وم�رص واملغرب وموريتانيا ،هذا امل�رسح مي ّول غالب ًا من قبل م� ّؤ�س�سات دولية وهو مهم لكن وجوده ال ميكن �أن يكون على ح�ساب امل�رسح مبفهومه الثقايف الوا�سع. لي�س هناك جداول �إح�صائية �شاملةللم�رسحيات و�أنواعها يف الدول العربية ،ال
لأ�سباب عديدة خرج امل�رسح العربي �إىل ف�ضاءات جديدة تنتمي �إىل احلياة اليومية كال�شارع والأقبية والأنفاق والبيوت..ا�إخ، وتطورت عام ومنت هذه الظاهرة ّ . 2008
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 442للتنمية الثقافية
على م�ستوى الدولة الواحدة وال على م�ستوى الدول عموم ًا ،وهذا جزء من نق�ص ي�شمل امل�رسح العربي ب�شكل عام ،فالتوثيق للم�رسح العربي �ضعيف ،الأمر الذي ي�ؤثّر على �ضياع ذاكرة هذا امل�رسح. واجلداول التي �سرتد الحق ًا تعتمد علىمت ر�صده �إعالمي ًا� ،أو من �إح�صاء �شخ�صي ملا ّ خالل امل�شاهدات امل�رسحية واملتابعة العامة لإ�شكاليات امل�رسح العربي: �شكل رقم ( )1يبينّ العرو�ض امل�رسحية العربية لعام 2008بح�سب م�ضامينها. هذا ال�شكل يزاوج بني �أنواع العرو�ض جدول رقم 1 عمود1
م�رص �سورية لبنان الأردن العراق فل�سطني ال�سودان ليبيا تون�س اجلزائر املغرب موريتانيا ال�سعودية البحرين الكويت قطر عمان اليمن
والدول وهو يبينّ تن ّوع هذا امل�رسح ،لكنه يبينّ �أي�ض ًا غياب �أو تراجع بع�ض املوا�ضيع التي كانت �سائدة �سابق ًا و�أهمها امل�رسح ال�سيا�سي ب�شكله املبا�رش حل�ساب املو�ضوع االجتماعي النف�سي الديني «الطقو�سي» .واحلقيقة �أن املو�ضوع ال�سيا�سي مل يغب متام ًا لكنه ي�أتي يف قالب �شخ�صي �أو اجتماعي �أو حتى كوميدي. والالفت للنظر �أن التباينات بني امل�سارح العربية ال تكمن يف املوا�ضيع التي يتطرق �إليها العر�ض امل�رسحي و�إمنا يف البنى التي حتمل هذا امل�رسح.
جدول ب�أنواع العرو�ض كما بدت يف عام .2008 م�أ�ساوي
�ساخر
تراثي
اجتماعي
�سيا�سي مبا�رش
رومان�سي
تفاعلي
ن�سوي
ديني
املجموع
10
9
3
9
6
7
9
6
1
60
11
9
0
10
2
4
2
0
0
38
5
4
0
6
2
3
1
2
0
23
4
5
0
7
2
4
2
1
0
25
6
5
1
5
2
2
1
3
4
32
4
2
2
3
1
1
2
0
2
17
4
3
2
3
1
2
0
0
1
16
3
4
2
3
0
0
1
0
0
13
5
4
0
6
3
3
0
2
0
25
5
4
2
8
2
3
3
1
1
19
8
9
7
6
2
2
2
1
0
37
0
0
0
1
1
0
2
0
0
2
3
4
4
3
0
0
2
1
6
23
3
7
3
6
2
4
2
1
1
29
3
8
5
6
0
3
2
0
2
28
2
4
2
3
0
0
2
0
4
17
5
6
6
7
0
1
1
0
4
29
3
4
3
6
0
0
1
0
3
20
الف�صل الثالث امل�سرح العربي 443
�شكل رقم - 1يبينّ العرو�ض امل�رسحية العربية لعام 2008بح�سب م�ضامينها 70
ديني ن�سوي تفاعلي
60
رومان�سي مبا�رش اجتماعي
50
تراثي
40
�ساخر 30
م�أ�ساوي
20
10
0
قطر مان ع من الي
ا راق لع ا طني فل�س دان �سو ال بيا لي ن�س تو ائر جلز ا رب ملغ ا نيا يتا ور م دية سعو ل� ا رين بح ال يت لكو ا
لأر
لب
دن
نان
�سو
م
ريا
�رص
�شكل رقم - 2يو�ضح العرو�ض امل�رسحية العربية بح�سب طبيعة العرو�ض لعام 2008
70
م�رسح �أطفال تقليدي
60
راق�ص
50
م�رسح �صورة مونو دراما
40
Performance 30
20
10
0
دن لأر ا راق لع ا طني فل�س دان �سو ال بيا لي ن�س تو ائر جلز ا رب غ امل نيا يتا ور م دية س عو ل� ا رين بح ال يت لكو ا قطر مان ع من الي
لب
ريا
نان
�سو
م
�رص
مؤسسة الفكر العربي ّ
الإبداع
غنائي جتهيزات
التقرير العربي الثاين 444للتنمية الثقافية
�شكل رقم( )2يو�ضح العرو�ض امل�رسحية العربية بح�سب طبيعة العرو�ض لعام .2008 هنا التفاوت كبري بني دولة عربية و�أخرى، فهناك بع�ض الدول (لبنان وتون�س و�سوريا واملغرب وفل�سطني) يبدو التنوع فيها �أكرب بكثري من دول �أخرى ما زالت تتعامل مع امل�رسح ب�شكله التقليدي (دول جمل�س التعاون اخلليجي ال�شكل - 3ر�سم تو�ضيحي يبني طبيعة الف�ضاءات امل�رسحية العربية لعام 2008 ف�ضاءات العرو�ض امل�رسحية العربية لعام 2008 علبة �إيطالية
�أماكن �أخرى
٪6
م�رسح �شارع حديقة عامة �أنفاق ومالجئ �أماكن �أثرية �أماكن �أخرى
علبة �إيطالية
٪ 58
�أماكن �أثرية
٪ 12
�أنفاق ومالجئ ٪ 6 حديقة عامة ٪ 8
م�رسح �شارع 10٪
واليمن واجلزائر والأردن) ،ومن الالفت �أي�ض ًا وجود وغياب م�رسح الطفل �أو �أنواع العرو�ض التي تدخل �ضمن ت�صنيف الفنون الأدائية وهي غري امل�رسح ب�شكله املعروف. ال�شكل ( )3ر�سم تو�ضيحي يبينّ طبيعة الف�ضاءات امل�رسحية العربية لعام .2008 يوجد فقر عام يف الأماكن امل�رسحية، لكن بع�ض التجارب والفرق بد�أت بتطبيق �أفكار طرحت منذ �أعوام ،تتعلق مبكان العر�ض امل�رسحي وتدعو �إىل املكان التقليدي امل�سمى مت جتريب عرو�ض بالعلبة الإيطالية .وبالفعل ّ يف �أماكن بديلة ،ويف هذه احلالة يكون العر�ض يف مكان مثل حديقة عامة �أو ملج�أ �أو �شارع �أو ت�أهيل �أمكنة (مر�آب م�صنع ) لت�صبح قادرة على ا�ستقبال عرو�ض م�رسحية. �شكل رقم ( )4يو�ضح نوعية وعدد الإ�صدارات امل�رسحية العربية لعام .2008 • مالحظة :ا�ستثنينا من هذا الر�سم الن�صو�ص امل�رسحية التي كتبت خ�صي�ص ًا للعرو�ض ومل تن�رش يف كتب.
�شكل رقم - 4يو�ضح نوعية وعدد الإ�صدارات امل�رسحية العربية لعام 2008 ويالحظ هنا الفقر يف كتابة الن�ص امل�رسحي على ح�ساب الن�ص النقدي واملرتجمات وهذه ظاهرة غري �صحية. م�رسحيات مرتجمة
80
مواقع م�رسحية
70 60
مدونات
50
درا�سات مرتجمة
40
درا�سات عربية
30 20
م�رسحيات عربية
10
م �سو نان لب دن لأر ا طني فل�س راق ع ال دان �سو ال بيا لي ن�س تو ائر جلز ا رب غ امل دية سعو � ال رين بح ال رات لإما ا قطر مان ع يت لكو ا من الي نيا يتا مور ريا
�رص
جمالت م�رسحية م�رسحيات
0
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
447
امللف اخلام�س احل�صاد الفكري ال�سنوي
الح�صاد مؤسسة الفكر العربي ّ
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
الح�صاد
�أو ًال :يف الأ�سئلة امل�ألوفة ثاني ًا :يف الأ�سئلة امل�س َتج ّدة ثالث ًا :الرتجمة و�أ�سئل ُتها
449
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 450للتنمية الثقافية
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
التفاعل ر�ص ِد عملية ُ ينطلق هذا امللف ،من ْ والتدافع بني الأفكار والق�ضايا واخلطابات التي مت ّيز بها العام � 2008ضمن الأطر التي تتيح مثل ذلك التفاعل ويجري يف ِح ْ�ض ِنها من ر�ص ٌد ال م�ؤمترات وندوات وحلقات نقا�ش .وهو ْ ي�سمح لنا فح�سب مبعرفة �أمناط التبادل الثقايف للقيم الذي يقع بني النخب ،وحتليل م�ضمونه وبيان اجتاهاته ،و�إمنا هو ُي ْط ِل ُعنا – يف الوقت عي ِنه – على نوع الهواج�س وامل�شكالت التي اهتج�س بها الوعي العربي يف الفرتة الزمنية املر�صودة :ما ج َّد منها وما تك َّرر االن�شغال به يف املا�ضي (القريب والبعيد) ،ودالالت ذلك يف احلالينْ .ولي�س من �شك يف �أن هذا ال�رضب من الر�صد ذو فائدة ا�ستطالعية كبرية مزدوجة: بيان نوع الأفكار والر�ؤى واملقاربات والأ�سئلة والإ�شكاليات من وجه ،وبيان حالة احلوار والتناظر يف احلقل الثقايف العربي. ويرتكز ر�صد �أهم مظاهر هذا احلراك الفكري على ثالث واجهات: • ال ّن ْدوات وامل�ؤمترات واحللقات النقا�شية واملحا�رضات التي َد َع ْت �إليها ونظّ م ْتها م�ؤ�س�سات �أكادميية �أو بحثية �أو ثقافية كاجلامعات ومراكز البحوث والدرا�سات واجلمعيات العلمية والثقافية املتخ�ص�صة. • امللفات الفكرية والفكرية – ال�سيا�سية (واال�سرتاتيجية واالقت�صادية واالجتماعية)... املن�شورة يف املجالت الفكرية والثقافة العربية. لغات • املادة الفكرية املرتجمة ،من ٍ عاملية� ،إىل الل�سان العربي يف نطاق الربامج وامل�شاريع العلمية الهادفة �إىل ترجمة الإنتاج الفكري الإن�ساين. والواقع �أن اختيار هذه الواجهات الثالث
التفاعل الثقايف الذي �شدي ُد االت�صال مبفهوم ُ يروم هذا التقري ُر ر�ص َده بح�سبانه واحداً من عالمات ا َ حل َراك الفكري .ف�إ ْذ ت�شكّل امل�ؤمترات الرئي�س وحلقات النقا�ش املوج َه والنَّدوات ُ َ لذلك التفاعل بني املثقفني والباحثني العرب، و�إ ْذ متثل امللفات املن�شورة يف الدوريات (دون الأول �صخب ًا الفكرية وجه ًا ثاني ًا للتفاعل َ ُ وحرارة و�إن كان ال ينقُ�ص قيم ًة و�أهمية) ،ف�إن املاد َة الثقافية املر�صودة يف الواجهة الثالثة (الرتجمة) َت ُد ُّلنا على وج ٍه �آخر من التفاعل يقع خارج نطاق عالقات احلقل الثقايف العربي، هو التفاعل بني الوعي العربي وفكر «الآخر»: الفكر الإن�ساين.
مدارات احل�صاد الفكري
هناك جملة من م�سائل الوعي العربي على نحو ما �أف�صحت عنها حركي ُته الإنتاجية والتداولية خالل العام 2008يف �ضوء ما �أمكن ر�صده.. ولع َّل �أول ما ميكن مالحظته ب�ش�أن امل�سائل واملو�ضوعات التي �شغلت الوعي العربي يف هذا العام ،فانعقدت لها النْدوات وامل�ؤمترات وملفات يف املجالّت، و�أُ ْف ِر َد ْت لها م�ساحات َ �أن بع� ًضا كثرياً منها – لع َّله الأكرث وال ْأظ َهر – ما كان جديداً على ذلك الوعي وان�شغاالته، مما يثري انتباه ًا وال كان ح�ضو ُره الكثيف ّ وت�سا�ؤ ًال؛ فلقد تك َّرر يف املا�ضي القريب �إىل ح ّد َب َدا فيها – �أحيان ًا – وك�أنه بات يف عداد ثوابت ذلك الوعي حتى ال نقول :يف عداد «الفولكلور الفكري» .ولي�س يف امل�س�ألة وج ُه غرابة ،ذلك �أن َت َوا ُتر االن�شغال بق�ضايا من نوع الدميقراطية واحلريات والإعالم والأمن الإقليمي والتنمية وت�رشع ُن االهتجا�س نزول» ت ِّرب ُره ِ أ�سباب ٍ له «� ُ امل�ستم َّر به .ف�إىل �أنها من � ّأمهات امل�سائل التي
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
املالية العاملية ودالالتها على �أكرث من �صعيد وت�أثرياتها املختلفة على حا�رض وم�ستقبل املجتمعات والدول واالقت�صادات يف الوطن العربي. من الوا�ضح� ،إذاً ،لمِ َ ن يلقي نظراً على عناوين امل�سائل التي �شغلت الوعي العربي يف هذا العام� ،أنها تو َّزعت بني عناوين تقليدية م�ألوفة ،وثانية �أخذت باهتمام �أكرب ،وثالثة فر�ضت نف�سها ب�سبب ج ّدتها وطارئيتها على م�شهد الوقائع والتطورات.
�أو ًال -يف الأ�سئلة امل�ألوفة
وهي يف جملتها م�سائل فكرية �رصف، و�أخرى فكرية – اجتماعية ،وثالثة �سيا�سية �أو اقت�صادية �..إلخ تداول ْتها النخب الثقافية طوي ًال و�أعي َد االهتمام بها يف عام التقرير .على �أن َ القول فيها و�صفها بامل�ألوفة لي�س يعني �أن م�ألوف ،مكرور ،يعيد �إنتاج نف�سه على النحو املعهود؛ و�إمنا هي م�ألوفة ك�أ�سئلة فح�سب� .أما مقارب ُتها ،ففيها الكثري مما ي�ضيف �إىل ما �سبق. بل �إن من �أ�سباب الإ�ضافات تلك ما يطر�أ على الأ�سئلة نف�سها من تعديل وتط ّور� .إذ املعلو ُم، من زاوية نظر �إب�ستمولوجية� ،أن طريقة مقاربة خيط �صل ٍة �إىل طريقة � ّأي �س�ؤال م�شدودة ب�ألف ِ �صوغ ال�س�ؤال .وهكذا كلما تط َّورت طرائق بناء الأ�سئلة ،تطورت – بال َّت ِب َع ِة – طرائق التفكري فيه .وهذا – �أي� ًضا – ما نقف عليه من معاينة كيف تق َّد َم النظر يف بع�ض امل�ألوف من الأ�سئل ِة تراج َع يف بع�ضها الآخر. تلك ،وكيف َ لنطالع – يف ما يلي – بع�ض تلك الأ�سئلة (امل�ألوفة) على نحو ما جرى التفكري فيها يف هذا العام ( )2008يف امل�ؤمترات والندوات وحلقات النقا�ش وعلى �صفحات املجالت املتخ�ص�صة.
الح�صاد
يفر�ضها الواقع العربي على الوعي� ،أو يطرحها على نح ٍو ال �سبيل �إىل �أن يتجاهل ذلك الوعي �أولويتها �أو �أهميتها ،ف�إن عدم �إحراز جناح مادي وواقعي ُيذْك َر يف جمال تقدمي جواب ّ عن تلك املع�ضالت يفر�ض ا�ستمرار �إع�ضالها و�س�ؤالها يف الواقع والفكر على ال�سواء .و�سيكون من باب التزيد القول �إنه علينا انتظار املزيد الفكري بكث ٍري من تلك امل�سائل من االهتجا�س ّ التي لي�س يبدو يف الأفق �أنها �ستجد ح ًّال ما ّدي ًا يرفعها من جدول �أعمال الوعي ،ومنها م�سائل الدميقراطية والتنمية والأمن (الوطني والإقليمي والقومي) .بل �إن املتابع للمو�ضوع ال يتز َّيد حني ُي ْبدي «اخل�شية» من �إمكان ارتفاع مع ّدل االهتمام بها يف امل�ستقبل القريب متى �أخذنا يف احل�سبان �أن الأو�ضاع الدميقراطية والتنموية والأمنية تزداد تدهوراً وي�ستفحل �سو�ؤها ،و�أن �أو�ضاع ًا دولي ًة واقليمية طارئة ت�ساعد على ذينك التدهور واال�ستفحال. ُ يالحظه م�ستطلع تلك امل�سائل مما غري �أن ّ واملو�ضوعات (التي كانت مدار ان�شغاالت الوعي العربي يف العام � )2008أن االهتمام مو�ضوعات ان�رصف – يف الوقتِ عي ِنه – �إىل ٍ ما كانت ت�أخذ ح ّيزاً يف التفكري والبحث� ،أو ما كان كث ٌري منها ي�أخذ احل ّيز الكايف يف هذا اهتمام امل�ضمار ،ومن ذلك ما �شهدنا ُه من ٍ متزايد بالتحوالت اجلارية يف عالقات الرثوة والقوة والنفوذ على ال�صعيد العاملي من خالل االن�رصاف �إىل االنتباه الكبري لدور بع�ض مراكز القوة يف النظام الدويل مثل ال�صني ورو�سيا .ومن ذلك� ،أي� ًضا ،ما �شهدنا ُه من اهتمام �أكرب بعالقات البالد العربية بجوارها ٍ الإقليمي (الآ�سيوي والأفريقي والأوروبي). ولقد ن�ش�أت �أو�ضاع جديدة فر�ضت هذا النوع من االنتباه العايل لهذه امل�سائل يف الوعي العربي �سري�صدها امللف .و�إىل ذلك كلّه ن�ضيف �أن الفكر العربي – االقت�صادي وال�سيا�سي واال�سرتاتيجي – تفاعل مع متغريات جديدة فر�ضت عناوينها ومو�ضوعاتها عليه يف هذا العام ،ومن ذلك – مث ًال – مو�ضوع الأزمة
451
يف امل�س�ألة الدميقراطية
وهي ت�شغل اليوم ،بل منذ عقدين ،ح ّيزاً وا�سع ًا من التفكري واالهتمام والكتابة وا َ حل َراك املدين .تطالعك م�سائ ُلها يف الكتب والن ْدوات مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 452للتنمية الثقافية
وامل�ؤمترات ،يف ال�صحافة وو�سائل الإعالم، يف املواقع الإلكرتونية ،يف فعاليات املنظمات الأهلية امل ْعنية بق�ضايا احلريات العامة وحقوق الإن�سان ،يف �أدبيات الأحزاب ال�سيا�سية والنقابات امل ْهنية ،يف �أحاديث النا�س يف الأماكن العامة .حتى �أن خطاب ال�سلطة الر�سمي �أدرك ما لها من موقعي ٍة وح�سا�سي ٍة يف عي للنخب والنا�س ،ف ََط ِفق يتحدث الوجدان اجل ْم ّ إعالمي يف �أمرها حديث ًا َت َراوح بني اال�ستثمار ال ّ الذكي واال�ستثمار الإعالمي امل�ألوف على ّ نح ٍو �أعلى من ذي قبل �أن ال�سيا�سات الدولية ا�ستدخ َل ْت َها يف ن�سيج مفرداتها و�إمالءاتها وهي َ تقارب ق�ضايا «ال�رشق الأو�سط» بعد منعطف �أحداث � 11أيلول� /سبتمرب َ 2001ف ُو ِج َد هناك َمن َتلقَّف اال�سرتاتيجيا الأمريكية «اجلديدة» (يف عهد املحافظني ا ُ وخ َ ال �أن جلدد)َ ، الدميقراطية مو�ضوعة فع ًال على جدول �أعمال ال�سيا�سة الدولية ،و�أن متغيرّ اً كون ّي ًا بهذا احلجم ال َّ فعلي �شك � ِآخ ٌذ َ مطلب الدميقراطية �إىل تحَ َ قُّق ٍ ّ مما َح َف َز بع� ًضا قادم بال ريب فيه .ولع ّل ذلك َّ ٍ من القوى واجلماعات على تركيب َب َّطارية «ن�رش الدميقراطية» (= الأمريكية) على جهاز ا�شتغال ال�سيا�سي بحث ًا عن طاق ِة برناجمه ٍ ّ متج ّددة قبل نفاذ طاقة َّ البطارية و�أفول ع�رص املحافظني اجلدد. على �أن االن�شغال – الفكري وال�سيا�سي – بالدميقراطية ما انتك�س و�إن َت َلقَّى �رضب ًة من �رسيع من حني تو�س َل ْت بها يف ٍ �سيا�س ٍة دولية َّ ٍ الزمن على �سبيل االفتعال والزعم والتوظيف الكاذب .ذلك �أنه كان يف جوف املجتمع العربي ،كما يف جوف عالقات ال�سيا�سة وال�سلطة ،ما ي� ِّؤ�س�س لذلك االن�شغال �رشعي َته إنتاجها .و�إذا �أ�ضفنا �إىل هذا ك ِلّه �أن وعي ًا ويعيد � َ عرب ّي ًا دميقراط ّي ًا بد�أ يف الظهور خارج نطاق النخب� ،أو يف �أو�ساط اجلمهور االجتماعي ،و�أن العمومي مع التحوالت الدميقراطية التفاعل ّ على ال�صعيد الكوين بد�أ يتعاظم بف�ضل ثورة الإعالم واملعلومات ،و�أن حركة حقوق الإن�سان العربية تقطع �شوط االمتداد واالت�ساع
واالنت�شار يف بيئات اجتماعية كانت – �إىل عه ٍد قريب – مق َف َلة �أمام الفكرة الدميقراطية أ�سباب كافة لالعتقاد ب�أن لهذه ...اجتمعتِ ال ُ امل�س�ألة ما ي ّرب ُر �ش َّدة االنتباه �إليها يف احلياة الفكرية (وال�سيا�سية) العربية مبعزل عن �أي خارجي �آخر ،وب�أن ذلك االنتباه ال�شدي َد اعتبا ٍر ّ ّ تفاعل �سالم ُ �إليها � ْإن هو �إال �أف�صح دليل على ِ العربي مع �إع�ضاالتِ واقعه االجتماعي الوعي ّ و�رشوطه التاريخية. ي�ستمر االن�شغال ما كان م�ستغْرب ًا� ،إذاً� ،أن ّ بال�ش�أن الدميقراطي – خالل العام – 2008 نف�سه الذي كان به َق ْب ًال ،و�أن تتن َّوع بالإيقاع ِ ومو�ضوعات و�أ�سئل ُة ذلك االن�شغال. اجتاهات ُ ُ ف�إىل �أن �شيئ ًا مثرياً ما َح َ�صل بحيث يخفّف من ح َّدة ذلك االهتمام (من قبيل �إحراز تق ُّدم ما يف حتقيق التنمية الدميقراطية يف البالد حمدود منها) ،ف�إن بع�ض ولو ٍ العربية �أو يف ٍ عادت تنوعت وما �أ�سئلة الدميقراطية ِ ْ نف�سها ْ َت ْق َبل النظ َر �إليها بلغة العموميات .وهو �إذا مما َي ِ�س ُم التفكري يف م�س�ألتها يف الفكر كان َّ مما يبعث على االرتياح الإن�ساين احلديث ،ف�إن َّ بات غ َري بعيد عن �أن الوعي العربي بها َ َّ التدقيق يف م�س�ألتها واالن�رصاف �إىل مقاربة «مهني»� ،أي: �أ�سئلتها التف�صيلية على نح ٍو ّ على نح ٍو متح ِّر ٍر ،نوع ًا من التح ُّرر ،من التعميم الأيديولوجي .و َلع َّلنا َن ْل َحظ بع� ًضا من هذا التط ُّور يف �أ�سلوب – �أو يف طريقة – مقاربة ر�ص ُد ُه م�س�ألة الدميقراطية يف ما �أمكننا ْ من فعاليات الوعي العربي يف العام 2008 املت�صلة باملو�ضوع .ويف و�سعنا �أن نر�صد خم�سة مو�ضوعات يف امل�س�ألة الدميقراطية دار يف �ش�أنها حوا ٌر يف هذا العام ،وهي :املواطنة، احلريات ،الدميقراطية والتنمية ،االنتخابات، ثمر الالمركزية. من النافل القول �إن املواطنة ،مبا هي عالقة �سيا�سية – قانونية واجتماعية ،هي جوهر الدميقراطية .ال تقوم دميقراطية �إال يف جمتمع مواطنني ،وال ي ْبنيها �إ ّال املواطنون ،كما عالقات املواطنة �إال يف بيئة �سيا�سية ال تن�ش�أ ُ
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
تبد�أ امل�شكلة بالذات من قيام ق�سم كب ٍري ال�سيا�سة والتمثيل –يف ٍ من املجتمعات العربية– على الـمقـتـ�ضى الـعـ�صـبـوي :الـعـرقـي والطائفي واملذهبي والع�شائري، ومن التمكني لهذا التكوين من التعبري عن نف�سه ،ك ًّال �أو بع�ضاً، يف عالقات ال�سيا�سة وال�سلطة. وعند هذه العتبة ،تبدو املواطنة �أفق ًا م�ستحي ًال �أو ممتنع الكينونة والتحقُّق على �أقل تقدير.
الح�صاد
دميقراطية .ثمة جدلية تكوينية ووظيفية بني املواطنة والدميقراطية يثري �أكرث من عالمة ا�ستفهام .حني يقال �إن املواطنة ُت َراد ُِف التم ّتع الكامل باحلقوق املدنية وال�سيا�سية كافة، ويقت�ضي معناها ووجو ُدها امل�ساوا َة الكامل َة �أمام القانون مبعزل عن التمايز العرقي والع�صبوي ،ف�إن امل�شكلة تبد�أ بالذات والديني ّ ق�سم كب ٍري من يف – والتمثيل ال�سيا�سة قيام من ٍ املجتمعات العربية – على املقت�ضى الع�صبوي: العرقي والطائفي واملذهبي والع�شائري ،ومن التمكني لهذا التكوين من التعبري عن نف�سه، ك ًّال �أو بع� ًضا ،يف عالقات ال�سيا�سة وال�سلطة. وعند هذه العتبة ،تبدو املواطنة �أفق ًا م�ستحي ًال �أو ممتنع الكينونة والتحقُّق على �أقل تقدير. وبامتناعه يتعر�ض البناء الدميقراطي �إىل تقوي�ض �أه ّم �أ�سا�ساته ومداميكه .و�إىل ذلك ي�ضاف – يف حالة املجتمعات العربية املتح ِّررة ن�سب ّي ًا من العالقات الع�صبوية – �أن التمتع بحقوق املواطنة لي�س كام ًال حتى ال منقو�ص وجزئي� .إذ امل�ساوا ُة بني نقول �إنه ٌ اجلن�سينْ لي�ست مكفولة ،واحلق يف التعبري وامل�شاركة ال�سيا�سية والتداول على ال�سلطة متقرراً ،وبالتايل ال �شيء يقيم دلي ًال على لي�س ّ �أن عالقات املواطنة حاكم ٌة للعقل ال�سيا�سي العربي. هذه الأ�سئلة وغ ُريها كانت يف خلفية تنظيم الندوة الفكرية ال�سنوية لـِ منتدى الفكر العربي يف مو�ضوع املواطنة يف الوطن العربي والتي احت�ضنتها العا�صمة املغربية الرباط ،برعاية من امللك حممد ال�ساد�س .ولقد تناولت بحوثُها ومناق�شا ُتها على مدار يومني ( 21و 22ني�سان� /أبريل )2008بع� ًضا من �أه ّم الأ�سئلة التي تثريها «�أو�ضاع املواطنة» يف الوطن العربي ،واحلاجة �إىل توفري �أ�سبابها ال�سيا�سية واالجتماعية واالقت�صادية والثقافية والقانونية. وما اكتفت الندوة ال�سنوية مبقاربة م�شكالت املواطنة يف احلياة العربية وت�شخي�ص عوائقها وا�ست�رشاف ممكناتها امل�ستقبلية
فح�سب ،و�إمنا اختار منظومها ،وامل�شاركون فيها� ،أن ي�ستغلوا منا�سب َة انعقادها لإ�صدار خا�ص حول امل�س�ألة َح َمل ا�سم�« :إعالن � ٍ إعالن ٍّ الرباط حول املواطنة يف الوطن العربي» .وهو �إعالن �ش َّدد على جمموعة من املبادئ يف هذا املو�ضوع ،و�أكّد على �أن «حقوق املواطنة ... حقوق طبيعية» على الدولة توفريها وكفالتها، و�أنها ذات �أبعاد متكاملة� :سيا�سية – مدنية، واقت�صادية – اجتماعية ،وثقافية – ح�ضارية. مثلما �ش ّدد على وجوب �إطالق خطة لتفعيل املواطنة ت�أخذ يف احل�سبان ا�ستئهال كل �صور اال�ستبداد والف�ساد ،ومكافحة كل �صور الفقر من طريق التوزيع العادل للرثوة ،ثم «مقاومة االحتالل الأجنبي والتبعية» الت�صال ذلك ب�رشوط حتقيق املواطنة ،حيث «لي�س بو�سع الأفراد �أو اجلماعات �أن يتمتعوا بحقوق املواطنة الفاعلة �إذا كان الوطن حمت ًال �أو تابع ًا �أو منقو�ص ال�سيادة» كما ورد يف الإعالن. يف مو�ضوع احلريات ،ما َّ الوعي انفك ُ العربي ين�شغل بامل�س�ألة يف ال�سنوات الأخرية. ولع َّل املثقفني �أ�شبعوها بحث ًا ونظراً وحواراً مبا ال مزي َد عليه .غري �أن َم ْي ًال حثيث ًا نحو التحديد تناول مو�ضوعة احلريات والتخ�صي�ص يف ِ ُ ن�ضج ل دلي وهو أخرية. ل ا آونة بات ُي ْل َحظ يف ال َ ٍ ُ وتراك ٍم يخ ُرج بالنظر يف امل�س�ألة من عموميات – رمبا كانت �رضوري ًة يف حلظة التد�شني تخ�ص�صية � ْأجز ََل عائداً من – نحو مقاربات ُّ مما وجهة نظر معرفية .ومن ذلك ما الحظنا ُه َّ َو َق َع االهتما ُم به يف هذا العام ( )2008يف عمل املثقفني وامل�ؤ�س�سات الثقافية ،ومنه م�س�ألة حرية تداول املعلومات .فلقد يكون احلقّ ّ يف املعلومات :حت�صي ًال �أو حياز ًة وتدا ُو ًال، من �أظهر حقوق الإن�سان يف ع�رصنا ،ع�رص املعرفة واملعلومات .وهو حقٌّ ال ُي ْكفَل من دون كفالة احلرية يف ممار�سته .وامل�شكلة يف كيفية التوفيق بني تكري�س هذا احلق وممار�سته من ناحية وبني حماية الأمن الوطني واال�ستقرار االجتماعي من ناحية �أخرى! ويكفي دلي ًال على ذلك ما تعانيه حرية املواطنني يف
453
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 454للتنمية الثقافية
�شهد العام 2008جد ًال ملحوظ ًا يف �أو�ساط املثقّفني وامل�ؤ�س�سات الثقافية حول حرية تداول املعلومات بني �رضورات حقوق الإن�سان ومتطلبات الأمن الوطني واال�ستقرار االجتماعي.
االت�صال مب�صادر املعلومات من طريق ال�شبكة العنكبوتية من ت�ضييق يرتاوح بني التدخل (املو�ضعي) يف ح ّد ِه الأدنى وبني الرقابي ّ ّ احلظر الكامل للحق يف ا�ستعمال ال�شبكة الدولية للمعلومات ولأهمية املو�ضوع وحيويته يف جمال املعرفة وممار�سة احلقوق الدميقراطية، عقدت مكتبة الإ�سكندرية م�ؤمتراً حتت عنوان: حرية تداول املعلومات :املعلومات حق لكل مواطن ،وذلك بتاريخ � 7شباط /فرباير 2008 يف مركز امل�ؤمترات .وهو جزء من برنامج العلمي منذ �أطلقت م�ؤمترها حول عمل املكتبة ّ الإ�صالح قبل �سنوات ود َرجت على عقده �سنو ّي ًا، وات ذاتِ �صلة مبو�ضوعاته. �أو على عقد ن ْد ٍ ال�صلة الع�ضوية الطردية بني وحيث تت�أكد ِّ الدميقراطية والتنمية يف عاملنا املعا�رص ويف ببع�ض جتارب �شعوبه ودوله ،حظيتِ امل�س�ألة ِ بات م�ألوف ًا �أن االنتباه يف الفكر العربيَ . يقال �إن ال�صلة بني احل َّد ْين تالزمية وجدلية. تكر�ستِ الدميقراطية يف جمتمع ودولة، كلما َ �أمكن للتنمية �أن ُت ْق ِلع وتنجح .ذلك �أن هذه ال تكون ممكنة �إ ّال ب�رشوط ويف �سياق �رشوط: اال�ستقرار ال�سيا�سي والثقة (= ثقة ر�أ�س املال) يف الو�ضع ال�سيا�سي؛ ال�شفافية يف عالقات ال�سيا�سة باالقت�صاد؛ انعدام الف�ساد واالرت�شاء والزبائنية؛ الرقابة احلكومية والنيابية وال�شعبية على املال العام ووجوه ا�ستعماله و�رصفه؛ الق�ضاء امل�ستقل والنزيه؛ النظام القانوين الع�رصي املنظّ م لال�ستثمار؛ قوانني العمل التي حتمي حقوق القوى املنتجة وتوفّر التغطية االجتماعية؛ وهذه ،غريها ،ال تتحقق �إ ّال يف كنف احلياة الدميقراطية� .أما يف الوجه الثاين للعالقة ،ف�إن املعادلة ت�ستقيم على تر�س َخت التنمية و�أثمرت النحو التايل :كلما َّ نتائجها� ،أمكن للتطور الدميقراطي �أن ي�ستقيم م�ساراً و�أن يتخطى الكثري من عوائقه الكابحة. ذلك �أن التنمية لدميقراطية تعاين – يف العادة جمتمعات يتحكم الفق ُر و�سو ُء توزيع – يف ٍ الرثوة والأمية والتهمي�ش االجتماعي يف م�صائر �شعوبها .حتى �أن ظواهر �شاذة يف
احلياة ال�سيا�سية مثل اال�ستعمال غري امل�رشوع للمال ال�سيا�سي يف املوا�سم االنتخابية ال تن�ش�أ وتت�سع وتنجح يف �إف�ساد التمثيل وامل�ؤ�س�سات �إ ّال يف املجتمعات اتي تعاين �شعو ُبها من �آفات الفقر والأمية مثل الأع ّم الأغلب من املجتمعات العربية .ولقد كانت هذه العالقة حمور حلقة نقا�شية نظّ مها املعهد العربي للتخطيط يف 12 �شباط /فرباير 2008على نحو َف َت َح فيه نافذ ًة على عوامل غري اقت�صادية ذاتِ �صل ٍة مب�سائل االقت�صاد والتنمية التي متثل مركز اهتمام املعهد واخت�صا�صه الرئي�س. �أما مو�ضوعة االنتخابات يف احلياة ال�سيا�سية العربية ،فما �أغناها عن بيان ما حتتله من مكانة حيوية يف الفكر والواقع على ال�سواء .فهي �إذا كانت – يف تعريفها النظري املادي والو�سيلة الإجرائية ال�صحيح – ال�شكل ّ العامة التي من طريقها تعبرِّ ال َّأمة عن �إرادتها ّ ( La Volonté généraleيف نظرية العقد االجتماعي عند جان جاك رو�سو التي ا�ستهلمتها الدميقراطيات احلديثة منذ الثورة الفرن�سية)، ف�إن على طريق ذلك «التعبري» تر�سانة هائلة من امل�شاكل ت�صيب معنى االقرتاع نف�سه يف مقتل وقد تز ّيفُه متام ًا و ُت ْف ِرغُ ه من � ّأي م�ضمون؛ ٍ العربي وقوا ُه ون َُخبه، العام أي � الر أن � ذلك ومن ّ كما الر�أي العام الدويل وعوا�صمه وم�ؤ�س�ساته، ت�شكو من �أن جمرى االنتخابات يف البالد العربية ال ي�أخذ �إرادة ال�شعب �إىل َم َ�ص ّبها اجتاهات يح ُرف حركتها �إىل ٍ الطبيعي ،و�إمنا ْ �أخرى جمافية لتلك الإرادة .وهذا ما يطرح � َ ألف عالم ِة ا�ستفهام على �سالمة العمليات االنتخابية يف البالد العربية :على نزاهتها، ودرجة ترجمتها لإرادة املواطنني ،وم�ستوى �شفافيتها ،ومدى حياد الإدارة يف جمراها، وما يف نتائجها من �ص ْدقية � ...إلخ .ولقد نف�سها على فر�ضت هذه الهواج�س والأ�سئلة َ بع�ض احلوار الفكري العربي يف العام .2008 وهكذا عقدت املنظمة العربية ملكافحة الف�ساد (مق ُّرها يف بريوت) ندو ًة فكرية بالتعاون مع مركز درا�سات الوحدة العربية يف مو�ضوع:
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
بلدان عربية تعاين دميقراطية ،وخ�صو� ًصا يف ٍ من ُع�سرْ ٍ يف االندماج �إىل احل ّد الذي تتعاىل فيه حاالت مثل ال�صحراء دعوات انف�صالية كما يف ٍ املغربية و�إقليم دارفور ال�سوداين وجنوب اليمن وتيزي َو ّزو ومناطق ال ْق َبا ْيل اجلزائرية و�سواها.
يف التنمية
أعوام �سابقة� ،أتى العام 2008 على مثال � ٍ
حاف ًال ب�ألوان خمتلفة منه االحتفال الفكري والأكادميي واخلربائي مب�سائل التنمية على ما ي�شهد بذلك �إيقاع امل�ؤمترات والندوات واحللقات النقا�شية املنعقدة يف مو�ضوع من مو�ضوعاتها خالل ذلك العام .ولي�س من جمال لل�شك يف �أن كثافة االهتمام ب�إ�شكالية التنمية منذ عقدين ،ال ُت ْط ِل ُعنا على املكانة احليوية واال�سرتاتيجية للتنمية يف احلياة الوطنية والقومية فح�سب ،و�إمنا هي تلقي �ضوءاً بيان ّي ًا على �سالمة حال التفاعل لدى الوعي العربي مع �أ�سئلتها وحتدياتها .ومن املنا�سب ،هنا� ،أن يالحظ القارئ يف معطيات ذلك التفاعل ،يف ال�سنوات الأخرية� ،أن �شك ًال من التقدم يف مقاربة مع�ضالتها َح َ�صل على نح ٍو خرج بالنظر �إليها من احلدود ال�ضيقة للمقاربة االقت�صادوية � Economisteإىل التفكري الأرحب يف وجوهها وم�ستوياتها كافة :االقت�صادية واالجتماعية وال�سيا�سية والثقافية والقيمية � ...إلخ� ،أي يف نطاق املنظور ال�شامل والرتكيبي الذي يفتحه �أمام التفكري مفهوم التنمية الإن�سانية ،وهذا ما َ نالحظ ُه يف ب ِع�ض التناول للم�س�ألة َي َ�س ُعنَا �أن يف تفاعالت هذا العام الثقافية و� ْإن مل َي ُك ِن ال ْأظ َه َر فيها وال ْأطغَى. و�إذا كان لبع�ض امل�شكالت املزمنة يف احلياة العربية املعا�رصة ،ويف الن�سيج االجتماعي – االقت�صادي بخا�صة ،مثل تدنيّ ن�سبة من ّو االقت�صادات العربية ،وهيمنة االقت�صاد ال َّر ّيعي غري الإنتاجي ،وغلبة قطاع اخل ْدمات (�سياحة ،جتارة )...على القطاع املنتج (�صناعة ،زراعة) ،وف�ساد القطاع العام،
الح�صاد
النزاهة يف االنتخابات الربملانية :مق ّوماتها و�آليا ُتها يف الأقطار العربية يومي 13-12 �آذار /مار�س 2008يف فندق الربي�ستول يف بريوت .وحظيت جتربة م�رص باهتمام خا�ص يف هذا الباب خالل العام ،فعقد مركز الدرا�سات ال�سيا�سية واال�سرتاتيجية (= الأهرام) م�ؤمتراً حول :النظام االنتخابي اجلديد يف م�رص يف مقره يوم 17كانون االول /دي�سمرب ،2008 ّ وقبل ذلك كان قد عقّد ور�شة عمل يف مو�ضوع: الطعون االنتخابية يف م�رص مع املقارنة بحالة �إندوني�سيا بتاريخ 9ني�سان� /أبريل .2008ويف نف�سه ،ن�رشت املجلة العربية للعلوم االجتاه ِ خا�ص ًا يف مو�ضوع االنتخابات ال�سيا�سية ملف ًا ّ امل�رصية والرقابة الدولية ت�ض َّمنت ثالث درا�سات (العدد ،18ربيع .)2008 و�أخرياً حظي مو�ضوع الالمركزية، َ بح�سبانه وجه ًا من وجوه �إعادة التنظيم ببع�ض من االهتمام العقالين للإرادة والتمثيلٍ ، يف هذا العام .وكان الفت ًا �أن مركز الدرا�سات ال�سيا�سية واال�سرتاتيجية (بالأهرام) هو َمن بادر �إىل ت�سليط ال�ضوء عليه ،ف�أفرد للم�س�ألة ور�شتي عمل :الأوىل حتت عنوان الالمركزية ْ وعقدت يف � 11أيار/ وانتخابات املحلياتُ ، مايو ،2008والثانية حتت عنوان التق�سيم الإداري اجلديد للوحدات املحلية وعالقته بالالمركزية يف م�رص ،وعقدت يف 9متوز/ يوليو .2008ومع �أن املو�ضوع يف الور�شتني �أتى م�رص ّي ًا لأ�سباب قد يكون منها انتماء املركز مل�رص� ،أو ثقل امل�س�ألة يف احلياة ال�سيا�سية امل�رصية� ،إ ّال �أنه َيظل هاج�س ًا عرب ّي ًا يف الأحوال كافة .وال يحتاج املرء �إىل كب ِري �رشح لبيان �أهميته يف م�ضمار �إعادة التوزيع الإداري للمجال الرقابي على النحو الذي يخفّف من وط�أة التمركز الإداري ال�شديد� ،أو يف م�ضمار زخم التمثيل املحلّي وتعزيز وظائفه االجتماعية واالقت�صادية؛ كما �أنه يف غري حاجة �إىل بيان مقدار ما ينطوي عليه من قيمة ا�سرتاتيجية وحيوية يف باب حتقيق االندماج االجتماعي والوطني بني الأقاليم على �أ�س�س
455
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 456للتنمية الثقافية
وج�شع القطاع اخلا�ص ،و َت َخ ُّلف املنظومات القانونية لال�ستثمار ،ونزيف هجرة ر�ؤو�س الأموال العربية �إىل اخلارج ،والتبعية ال�صارخة لالقت�صادات العربية للمرتوبول الأجنبي ،و�ضعف الروابط والعالقات االقت�صادية ال َب ْينية العربية ،وتخ ُّلف النظام املايل وامل�رصيف العربي ،والفجوة الرهيبة و�ض ْعف القوى املتزايدة بني ال�سكان واملواردَ ، املنتجة امل� َّؤهلة ،وهيمنة العمالة االجنبية (=الآ�سيوية) املهاجرة على ح�ساب العمالة العربية ،واملعدالت املخيفة للبطالة التي طالت خريجي اجلامعات واملعاهد العليا ،والتوزيع غري العادل للرثوة ،والتهمي�ش املتعاظم لفئات عري�ضة من املجتمع ،وخراب الزراعة وزحف �سكان الأرياف �إىل املدن واال�ستقرار يف �أحزمة الب�ؤ�س املتنا�سلة من بع�ضها يف ال�ضواحي، وازدياد الفوارق الفاح�شة بني الطبقات نتيجة التطور غري املتوازن بني ال ِغنى الفاح�ش والفقر ا ُمل ْد ِقع �..إلخ .هي ما ي ّربر الكثافة التي يبدو بها اهتمام الوعي العربي مب�سائل التنمية و�أ�سئلتها االجتماعية ،ف�إن من املتغريات املنهمرة يف العامل املعا�رص ،ويف حقائق االقت�صاد والتنمية على ال�صعيد الكوين ،ما ي ّربر ذلك �أي� ًضا .وقد �شهد العام � 2008أي� ًضا معطيات م�ستجدة على امل�شهد االقت�صادي العاملي ذات �أثر �سيىء على برامج التنمية يف الوطن العربي .ولعل �أهم هذه الوقائع الأزمة املالية ال�شديدة التي �رضبت الواليات املتحدة ابتدا ًء وامتدت مفاعيلها �إىل معظم املراكز امليرتوبولية الر�أ�سمالية يف العامل ،وانهارت و�رشكات وبنوك وحيا ُة �صناعات بنتيجتها ٌ ٌ ع�رشات املاليني من الأ�رس .وكانت �إ�سقاطا ُتها �شديد َة الوط�أة على اقت�صاديات الدول العربية التي ع�صفت ب�أ�سواقها املالية ،و�صناعاتها، وقطاع البناء والعقار فيها ،وفر�ص العمل ملئات الآالف من �أيديها العاملة � ...إلخ. كما �شهد العام 2008انهياراً مروع ًا يف �أ�سعار ال ِّنفْط والطاقة منذ �صيف العام تراجعي ،2008والذي َح َ�صل فج�أ ًة وب�إيقاع ّ
دراماتيكي على نح ٍو � ْأح َدث �إرباك ًا كام ًال يف لعدد من البلدان �سيا�سات وبرامج التنمية ٍ العربية ،وبخا�صة منها املعتمدة على ا�ستخراج الطاقة ،و�أ َّث َر على قوة ودائعها املال ّية يف البنوك الأجنبية وعائدات تلك الودائع. وث ّمة م�سائل ان�رصف �إليها االهتمام يف ال�سعة، هذا العام و� ْ أخذت منه ح ّيزاً ملحوظ ّ و�أتت عناوينُها تت�أرجح بني الإ�شكالية الكربى وامل�شكلة القطاعية هي� :إ�شكاليات التنمية، الأمن الغذائي ،مع�ضالت الفقر والبطالة، التنمية والبيئة ،القطاع املايل ،القطاع اخلا�ص، اال�ستثمار االجنبي ،والبدائل التنموية. كان للم�ؤمتر ال�سنوي ال�سابع لـِ م� َّؤ�س�سة الفكر العربي ،املنعقد يف القاهرة بتاريخ 16 - 13ت�رشين الثاين /نوفمرب ،2008 م�ستويات ف َْ�ض ُل العروج مب�س�ألة التنمية �إىل ٍ �إ�شكالية �أعلى من مع َّدل املقاربة امل�ألوف لهذا املو�ضوع� .إذ �أخذ امل�ؤمتر على عاتقه –وقد انعقد حتت عنوان :ثقافة التنمية :اال�ستدامة –املعرفة–البيئة–التكنولوجيا–ا لإ�صالح الثقايف– �أن َي ْ�ستَ�شْ كل م�س�ألة التنمية فيتناولها، بر�ؤي ٍة تركيبية ،يف �أبعادها كافة على نح ٍو َي ْل َحظ تن ُّو َع وجو ِه وجودها ،وتع ُّد َد دالالتها، و�شبكة العالقات القائمة فيها بني االقت�صادي واالجتماعي والطبيعي والتقني والثقايف وهو �رضوري لأن من النادر �أن نعرث على ا�ست�شكال ّ نظائره يف التفكري العربي امل�شتبك مع م�سائل التنمية ،ولأنه يوفّر فر�صة ملقاربات نظرية قلما يحتفل بها من يبحثون يف املو�ضوع يف الأطر امل�ؤ�س�سية للحوار ،بل زاد ماد َة امل�ؤمتر و�إ�شكالي َت ُه قيم ًة هو انتقالها باملو�ضوع من نطاق �س� ِؤال التنمية �إىل نطاق �س�ؤال «ثقافة التنمية» انتق ً اال َه َ دف �إىل الت�شديد على ما وراء حامل ثقايف ،وعلى التنموي من امل�رشوع ٍ ّ ات�صال عملية التنمية بر�ؤية ثقافية ت�أ�سي�سية ال تنمية ممكنة من دونها. و َّملا كان مو�ضوع الأمن الغذائي يف �أ�سا�س حتديات التنمية يف الوطن العربي ،الأ�سا�س يف م�رشوع الأمن االقت�صادي بح�سبانه دافع ًة من
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
الح�صاد
روافع ا�سرتاتيجية االمن القومي؛ و ّملا كانت �أو�ضاع الغذاء على درج ٍة من التدهور والت�أ ُّزم ُت ْن ِذ ُر بال َد العرب ب�أوخم النتائج ،و ُتنذِر – من ورائها – �أمنَها القومي مبزي ٍد من اال�ستباح ِة هذا العام – و�إن كانت هزيلة – فتناول ْتها ودرا�سات ع ّدة (من دون �أن تنعقد لها مقاالت ٌ ٌ م�ؤمترات �أو ن ْدوات) ،ومن ذلك امللف اخلا�ص الذي ك َّر َ�س ْته جملة �ش�ؤون خليجية للمو�ضوع حتت عنوان :الأمن الغذائي يف العامل العربي درا�سات عت ُ (العدد � ،54صيف .)2008ولقد تو َّز ْ امللف على مو�ضوعات خمتلفة ومرتابطة ،من البحث يف الأو�ضاع الغذائية العامة يف الوطن العربي وما تعانيه من �أزمة� ،إىل البحث يف الفجوة العلمية الزراعية� ،إىل حتليل �أزمة الغذاء واملياه والطاقة� ،إىل البحث يف مناذج عينية من قبيل �أزمة الغذاء يف دول اخلليج العربي، وم�رشوع التنمية الزراعية يف ال�سودان�« :سلة الغذاء العربي» ،و�سوى هذه من امل�سائل ذات العالقة. وتت�صل مب�شكلة الغذاء م�س�ألتا الفقر والبطالة :مبا هما حالتان متثيليتان من حاالت التعبري عن فقدان القدرة على َج ْبه مع�ضلة الغذاء .و�إذا كان الفقر يف �صور ٍة من ُ�ص َو ِره من نتائج �أو�ضاع اجتماعية �شديدة الق�سوة منها البطالة ال�ضاربة �أطنابها يف م�ست �أو�ساط القوى امل� َّؤهلة للعمل – وهي اليوم َّ وح َم َلة مئات الآالف من اخلريجني اجلامعيينّ َ ال�شهادات العليا يف البالد العربية – ف�إن ظاهرة الفقر طالت ب�ضغوطها ونتائجها حتى الفئات الدنيا واملتو�سطة من القوى العاملة يف و�ض ٌع قطاعات الإنتاج ويف �أجهزة الدولة .وهو ْ من �ش�أنه �إعادة تعريف الفقر با�ستدخال ما طر�أ على و�ضعه ( )Statutمن م�ؤ�رشات جديدة ،ورفّع درجة االنتباه �إىل ما ُي ْن ِذ ُر به َتفَا ُق ُم ُه ،والبطال ُة يف امتداده ،من خماطر على �صعيد اال�ستقرار االجتماعي – االقت�صادي .ولقد كانت هذه الهواج�س يف �أ�سا�س �إقدام مكتبة الإ�سكندرية على عقد ندو ٍة يف املو�ضوع حتت عنوان :م�شكلة الفقر وطرق مواجهتها يف مركز امل�ؤمترات
بتاريخ 19ت�رشين الثاين /نوفمرب .2008ومع �أن احلالة امل�رصية كانت تفر�ض �شبحها على الندوة� ،إ ّال �أنها لي�ست حالة ا�ستثنائية ،بل تكاد تكون متثيلية للأع ّم الأغلب من البالد العربية نف�سها كان اليوم .ولع ّل كثرياً من الهواج�س ِ ِ يف �أ�سا�س �إقدام املعهد العربي للتخطيط على عقد م�ؤمت ٍر دويل يف مو�ضوع �أزمة البطالة يف الدول العربية بتاريخ � 18-17آذار /مار�س 2008يف القاهرة. ولأن التفكري يف �ش�ؤون التنمية ال ميلك يتجاهل ال�رشوط الطبيعية للتنمية� ،أو �أن َ �أن ينغم�س يف يقينيات �صناعوية وتقنوية ناظراً �إىل الطبيعة بو�صفها جم َّرد مو�ضوع أهداف لال�ستغالل ولف ّع ٍل ب�رشي م�شدود �إىل � ٍ ّ الوعي ربحية ،ف�إن �أ�سئلة البيئة بد�أت تقتحم ّ العربي تدريج َّي ًا و َتفْر�ض على نظرته �إىل َّ تعديالت تقت�ضيها الفكرة البيئوية التنمية ٍ املت�صاحلة مع الطبيعة احلري�صة على تنمية «م َل َكاتها» ومواردها ال تبديدها .ومع �أننا َ ال نعرث يف ح�صاد العام 2008على �شواه َد دالّة على مثل هذا الوعي امل�سكون بالنزعة ا ِمل ْ�ضياف َية ( Convivialitéبعبارة �إيفان �إيليت�ش)� ،إ ّال �أن بع� ًضا قلي ًال من ا�ستدعاء �س�ؤال البيئة ح�صل حني التفكري يف بع�ض مع�ضالت وج ٍه تقتني �صرِ ْ ف لذلك التنمية ولو يف ْ ّ ال�س�ؤال .وهذا – مث ًال – ما ينطبق على امل�ؤمتر الدويل التا�سع لتنمية الأرا�ضي اجلافة :التنمية امل�ستدامة يف الأرا�ضي اجلافة – مواجهة حت ّدي التغيرُّ املناخي العاملي ،الذي عقدته مقرها بتاريخ 7ت�رشين مكتبة الإ�سكندرية يف ّ آلت الثاين /نوفمرب .2008غري �أن الناظ َر يف ما � ْ ناجم �إليه �أو�ضاع البيئة يف العامل من دما ٍر ٍ عن انفالت نزعة اال�ستغالل ال�صناعي الوح�شي قال (قانوين �أو اخالقي) ،وما ج َّره ذلك من كل ِع ٍ عت اال�ستغالل من تغريات مناخية ُم ْرعبة ا�ست ْد ْ – يف نهاية القرن املا�ضي – قمة كونية خا�صة (= قمة الأر�ض)؛ والناظر يف �إع�ضاالت التنمية (الزراعية) يف املناطق اجلافةَ ،ي ْل َحظ – من دون �شك – �أهمية املقاربة العلمية لهذا
457
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 458للتنمية الثقافية
بد�أت �أ�سئلة البيئة تقتحم الوعي العربي وتفر�ض على نظرته �إىل التنمية تعديالت تقت�ضيها الفكرة البيئوية املت�صاحلة مع الطبيعة.
املو�ضوع يف �أفق توفري �أجوب ٍة ناجحة ع ّما يطرحه من م�شكالت. ولقد كان من �أه ّم ما َط َب َع االهتمام الفكري العربي ب�إ�شكاليات التنمية يف العام مت�س 2008االن�رصاف �إىل البحث يف ٍ م�شكالت ّ قطاعات بعينها ذات حيوية .ومن ذلك القطاع حظي بانتبا ٍه �أعلى يف هذا العام، املايل الذي َ ب�سبب موقعية املال يف االقت�صاد والإنتاج اوح االهتمام بهذا املو�ضوع والتنمية .ولقد َت َر َ اهتمام �شمو ّ يل وعام يطال البالد العربية بني ٍ كافة – كما يف امل�ؤمتر الذي عقد ْته اجلمعية العربية للبحوث االقت�صادية يف القاهرة بتاريخ 2-1ت�رشين الثاين /نوفمرب 2008حتت عنوان دور القطاع املايل يف التنمية العربية، ويف احللقة النقا�شية التي نظمتها املنظمة العربية ملكافحة الف�ساد يف مقر مركز درا�سات الوحدة العربية يف بريوت حتت عنوان حت�سني الرقابة املالية يف الأقطار العربية ،بتاريخ � 24أيار /مايو ،2008وبني اهتمام «قطري» يخ�ص بلدان ًا بعينها كما يف حالة احللقة ّ النقا�شية التي نظّ مها املعهد العربي للتخطيط يف مو�ضوع ا�ستهداف الت�ضخم النقدي :ماذا يعني لدول جمل�س التعاون؟ ،بتاريخ 4ت�رشين الثاين /نوفمرب ،2008وكما يف حالة احللقة النقا�شية التي نظم ْتها مكتبة الإ�سكندرية يف مو�ضوع ر�ؤية وحتليل ل�سوق املال امل�رصي بتاريخ � 30آب� /أغ�سط�س 2008مبركز امل�ؤمترات. و َّملا كانتِ التنمي ُة هدف ًا يحتاج حتقي ُق ُه �إىل توظيف الأدوات واملوارد والإمكانيات كافة؛ وملا كانتِ الدول ُة وحدها ال متلك القدرة الكافية على النهو�ض بها ،با ُملتاح لها من املوارد ،وال متلك اال�ستغناء عن �رشكاء �آخرين يف هذا الباب وعلى �سبيل هذا الهدف ،فقد كان مفهوم ًا �أن ين�رصف بع�ض االهتمام �إىل جمالينْ �شدي َد ْي الأهمية واالت�صال مبو�ضوع التنمية هما :القطاع اخلا�ص واال�ستثمار الأجنبي وقد ر�صدنا يف ح�صاد هذا العام اثنتينْ – على الأقل – من عالمات ذلك االهتمام يف التفكري
العربي� .أوالهما احللقة النقا�شية التي نظمها املعهد العربي للتخطيط بتاريخ 29ني�سان/ �أبريل 2008حتت عنوان بنية ممار�سة �أن�شطة الأعمال ودور القطاع اخلا�ص ،وثانيهما احللقة نف�سه يف � 13أيار/ النقا�شية التي نظمها املعه ُد ُ مايو 2008يف مو�ضوع دور اال�ستثمار االجنبي املبا�رش يف التنمية العربية. و�أخرياً ،كان لبع�ض التفكري امل�ستقبلي مكا ُن ُه يف اهتمامات الوعي العربي مب�س�ألة التنمية هذا العام ( .)2008ومن النافل القول أبواب �إن احلاجة �إليه ما�سة كلما انقفلت � ُ وم�شاه ُد (= �سيناريوهات) التنمية ا ُمل َط َّبقَة واحتيج �إىل جتريب �أخرى �أو التفكري فيها. ولي�س معنى ذلك �أن هذا ال�رضب من التفكري (امل�شدود �إىل فر�ضية «البدائل املمكنة») َي ْجنح نف�سها نحو افرتا�ضات نظرية جم َّردة ت�ضع ّ يف خمترب جتربة جديدة من جتارب التنمية لإثبات وجاهتها ،بل �إن معظم التفكري يف �إع�ضاالت التنمية من زاوية نظر فر�ضية البديل أغلب منه املمكن �إمنا هو ي�ستند – يف الأع ِّم ال ِ – �إىل جتارب جمتمعات ودول �أخرى حماو ًال اال�ستفادة منها .وهذا ما حاولت ندوة بدائل التنمية العربية التي عقد ْتها اجلمعية العربية للبحوث االقت�صادية يف القاهرة 14-13 نيسان� /أبريل )2008بامل�شاركة مع مركز البحوث العربية والأفريقية �أن تق ّدم مث ً اال له يف بحوثها و�أ�سئلتها ومناق�شاتها. قد تكون احل�صة التي انتزعتها م�س�ألة التنمية من االهتمام الفكري العربي بحجم تلك التي كانت مل�س�ألة الدميقراطية �سع ًة ووفرة .وهي ،بذلك� ،إمنا تعك�س – �ش�أن الثانية – املكانة املركزية التي حتتلها يف رهان ح�صة الإعالم (يف ذلك امل�ستقبل ،على �أن ّ االهتمام) ما كانت دون تينك احل�صتني �سعة.
يف الإعالم
مل يختلف العام 2008عن الأعوام ال�سابقة له يف �ش ّدة االهتمام الفكري العربي مب�س�ألة الإعالم ومركزية �أدواره يف احلياة االجتماعية
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
�أحدثت ثورة الإعالم يف العامل فعلها يف احلياة العربية �إن �سلب ًا من خالل الإمعان يف اخرتاق ن�سيجها االجـتـمـاعــــي–الـثـقـافـي– القيمي و�إن �إيجاب ًا من خالل التكيف مع حتدياتها.
الح�صاد
وال�سيا�سية والثقافية .ويكاد هذا االهتمام ي�شكل ،منذ مطالع عقد الت�سعين ّيات من القرن الع�رشين املا�ضي ،واحداً من �أبرز ما ا�ستج َّد من معطيات ومتغريات على م�شهد احلياة الثقافية ٍ والفكرية يف الوطن العربي .وهو �أم ٌر ي ّرب ُر ُه الأث ُر الكبري الذي كان لثورة الإعالم واالت�صال يف حياة الب�رشية املعا�رصة ،وبخا�صة يف الع�رشين عام ًا الأخرية ،وما جنم عنها من �إحداث ثورة �شاملة وعميقة يف مفاهيم املكان والزمان والتوا�صل � ...إلخ ،على نح ٍو تغيرَّ ت معه دالال ُتها التقليدية .ولع َّل التح ُّول احلا�سم يف فاعلية الإعالم قد َح َ�صل يف امتداد حقائق ثالث (جديدة) متداخلة هي :هيمنة املادة الإعالمية الب�رصية� ،أو هيمنة ال�صورة على املادة املكتوبة (�صحافة) وامل�سموعة (�إذاعة)؛ ثم اال�ستثمار الناجح للثورة التكنولوجية اجلديدة من طريق �إطالق البث الإعالمي والتو�سع (التلفزيوين) عرب الف�ضاء اخلارجي ُّ فيه؛ و�أخرياً عوملة املعلومات (بعد عوملة ال�صورة) من طريق فتح احلدود �أمام تدفّق معلومات ال�شبكات الدولية لكل امل�ستهلكني يف العامل .ومبقدار ما �س َم َحتِ احلقيقة الأوىل ب َك�سرْ حاجز اللغة بني املجتمعات وال�شعوب وتوحيد القدرة اال�ستقبالية للمعطى الإعالمي من طريق ال�صورة مبا هي لغة م�شرتكة عابرة �سمحت احلقيقتان حلدود اللغات املنطوقة، ْ الثانية والثالثة بك�رس حاجز الرقابة على املادة الإعالمية (= الب�رصية) واملعلومات واالنتقال بهما �إىل حلظة االنت�شار اجلماهريي ين ال َع ِ�ص ّي على مدى يف املكان الكو ّ الأو�سع ً الرقابة وا َ َ جل ْم َركة الثقافية. و َّملا كانت �آثار ثور ُة الإعالم يف العامل قد َف َعلت ِف ْعلها يف احلياة العربية� ،سلب ًا :من خالل الإمعان يف احرتاق ن�سيجه االجتماعي – القيمي ،و�إيجاب ًا :من خالل التك ُّيف الثقايف – ّ الإيجابي مع حتدياتها والدخول الف َّعال يف برنامج عملها بالإعالم الف�ضائي الذي �أُ ْح ِدث َْت م�ؤ�س�سا ُت ُه وبامل�شاركة املتعاظمة يف برامج الإنرتنت (�إنتاج ًا وا�ستهالك ًا) ،...فقد �أتى ذلك
ك ُّله ي�شكّل حافزاً �إ�ضاف ّي ًا للمزيد من االهتمام الفكري العربي باملو�ضوع يف املنا�شط اجلماعية (امل�ؤمترات والن ْدوات واحللقات النقا�شية) كما يف جمال الكتابة والت�أليف. وعلى الرغم من وفرة اللقاءات التي انعقدت لتناول هذا املو�ضوع ،على مدار العام ،2008فمن املهم التوقّف بالإ�شارة ال�رسيعة عنوان �أمام �أربعة منها تقع ماد ُتها حتت ٍ رئي�سي هو :الإعالم والدميقراطية خ�ص�صت مكتبة َج ْري ًا على تقليد حمي ٍدَّ ، الإ�سكندرية م�ؤمترها اخلام�س للإ�صالح العربي ملو�ضوع الإعالم والدميقراطية وامل�س�ؤولية املجتمعية ،الذي انعقد يف مركز امل�ؤمترات يوم � 2آذار /مار�س ،2008و�أري ّد به – بحوث ًا ومناق�شات – �أن يلقي �ضوءاً على الرهان الإعالمي يف عملية الإ�صالح والتنمية الدميقراطية ،وعلى ات�صال جناح دوره التوعوي مبدى حيازة امل�رشوعية املعنوية القائمة على مبد�أ االلتزام االجتماعي واملهني .ويف نطاق ذي �صلة ،ولكن �أكرث تف�صي ًال ،عقد مركز الدرا�سات ال�سيا�سية واال�سرتاتيجية (بالأهرام) ور�شة عمل حول دور الإعالم يف العملية االنتخابية بتاريخ � 5آذار /مار�س .2008ولأن ال�صحافة (املكتوبة) وا�سطة من و�سائط الإعالم ذات ت�أثري كبري ،والتي مل َت ْ�سقُط مكان ُتها – و� ْإن مرئي كا�سح تخو�ض إعالم ْ تراجعت – �أمام � ٍ ّ معه مناف�سة �صعبة؛ ولأن املعار�ضة واح ٌد من �أه ّم مك ّونات امل�شهد الدميقراطي ،بادرت مكتبة الإ�سكندرية �إىل تنظيم ندوة يف املو�ضوع حتت عنوان �إ�شكالية �صحافة املعار�ضة املعا�رصة يف 7حزيران /يونيو 2008مبركز امل�ؤمترات يف املكتبة .وكانت الندوة منا�سبة لت� ُّأمل مزدوج يف �أو�ضاع ال�صحافة (املكتوبة) من وجه ،ويف �أو�ضاع خطاب املعار�ضة على نحو ما يق ّدم نف�سه �صحاف ّي ًا من وج ٍه ثان. و َّملا كان للدميقراطية ٌ حتتي عميق �رشط ٌّ هو ال�رشط الثقايف الذي من دونه ال ي�ستقيم لها �أمر� .أي ّملا كانت الدميقراطية ،كعالقات �سيا�سية ،تفرت�ض ثقاف ًة دميقراطية تكون لها
459
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 460للتنمية الثقافية
تنامت م�ساحة احلوار يف املجتمع العربي يف العام ,2008 لكن ذلك مل يخل من ظواهر الت�شاجر والتجريح ال�شخ�صي ،الأمر الذي يطرح الت�سا�ؤل حول �إ�شكالية �آداب احلوار يف ثقافتنا املعا�رصة.
احلامل �أو الرافعة ،وال�ضامن للر�سوخ يف مقام ِ واال�ستمرار ،كان على التفكري يف �أو�ضاع الدميقراطية �أن يلحظ احلاجة �إىل التفكري يف ثقافتها ،و َّملا كان جوهر الثقافة الدميقراطية (�أو ثقافة الدميقراطية) هو احلوار :مبا هو تبا ُد ٌل ُ وتناظ ٌر و�إ�صغاء متبادل ،فقد كان يف ُح ّر، معر ّ ُ ْ من الطبيعي �أن ُتل َحظ �أهمية املو�ضوع و ُي ْف َرد له ح ِّي ٌز للتفكري اجلماعي .على �أن الأه ّم يف املو�ضوع ذاك �أن ين�رصف التفكري �إىل �صلة الإعالم مب�س�ألة ثقافة احلوار� :إيجاب ًا و�سلب ًا. حام ٌل مم َّي ٌز ف�إذا كانتِ القاعد ُة �أن الإعالم ِ لهذه الثقافة وف�ضاء جماهري ّي ًا �أمث َل للتعبري عنها ون ْق ِلها �إىل �أو�سع قطاعات اجتماعية، ف�إن التجربة الإعالمية العربية املعا�رصة مل ُت ِق ْم دلي ًال كافي ًا على الوفاء بهذه القاعدة. ذلك �أن م�ساحات احلوار يف م�ؤ�س�ساتها ظلت �ضيقة وحمدودة ،واملفتوح منها �أمامه لي�س حراً مبا يكفي ،لكن املالحظ �أن بع�ض الربامج ّ التي �أتاحت م�ساحة كبرية من حرية الر�أي مل تخل على الرغم من ذلك من ظواهر الت�شاجر والتجريح ال�شخ�صي ،الأمر الذي يطرح الت�سا�ؤل حول �إ�شكالية �آداب التحاور يف ثقافتنا املعا�رصة. يف ك ّل الأحوال ،ومبعزل عن هذه التجاهل �أو االعتبارات (التي قد ال تقبل ُ الن�سيان) ،كان التفكري يف ثقافة احلوار من مدخل الإعالم ودوره خياراً موفَّق ًا من مكتبة دعت �إليها َّ ونظمتها الإ�سكندرية يف الندوة التي ْ نف�سه الإعالم وثقافة احلوار حتت العنوان ِ بتاريخ � 9شباط /فرباير .2008وقد تكون ندوة فريدة يف بابها ،ق َّل لها نظري على وفر ِة ما ُع ِقد من م�ؤمترات وندوات حول الإعالم يف هذا العام ويف الأعوام التي َ�س َب َق ْته ،وعلى ِ�ش َّد ِة تخ�ص� ًصا وفائد ٍة و�أقل حاجتنا �إىل ن ْدوات �أكرث ُّ عمومية وا�ستهالكية يف جمال �أدوار الإعالم يف احلياة الدميقراطية.
يف النظام العربي
حال من املعاناة مل يكن النظام العربي يف ٍ ال�شديدة يف �أو�ضاعه الذاتية – يف كل تاريخه احلديث ومنذ قيام �أطره امل� َّؤ�س�سية يف منت�صف �أربعينيات القرن الع�رشين – كما هو عليه اليوم ُقدان للتما�سك �أمام ما ينهمر من َ�ض ْع ٍف وف ٍ حتديات من الداخل واخلارج .ف�إىل عليه من ٍ ً ً �أنه ما عاد ميلك ت�أثريا �سيا�س ّيا يف ما يجري من تطورات يف العامل ويف حميطه املبا�رش – على وفرة ما لديه من �أر�صدة قو ٍة مالية وطاقوية وب�رشية – ما عاد ميلك �أن يجرتح �سيا�س ًة دفاعية (باملعنى ال�شامل ال الع�سكري فح�سب) للح ّد من الآثار ال�سلبية الناجمة عن اندفاعة �سيا�سات خارجية �إىل قلبه وم�سا�سها ب�أمنه وم�صالح �شعوبه. ولع ّل احلالة ال�صحية الوحيدة للنظام العربي� ،أو التي َب َدا فيها هذا النظام ،يف العام جناحه يف اال�ستيعاب الن�سبي لأزمة ،2008هي ُ لبنان الداخلية امل�ستفحلة ،ولكن بعد انفجارها اجلزئي يف ا�شتباكات 7و � 8أيار /مايو 2008 يف بريوت واجلبل وال�شمال؛ وهو اال�ستيعاب الذي �أثمر «اتفاق الدوحة» الذي َر َع ْت ُه قطر على تفاه ِم �سعودي – �سوري على ت�سوية قاعد ِة ُ اخلالف اللبناين ب�صورة حتفظ التوازن ال�سيا�سي بني فريق ْيه (� 8آذار و � 14آذار) .ولقد كان ميكن �أن ُي ْبنَى على هذا النجاح لتوليد دينامية وفاق عربي ُينهي حالة اال�ستقطاب الداخلي ،ويفتح َاهم �أفق ًا �أمام معاجلة عربية جماعية – ومتف َ عليها – للأزمة الداخلية الفل�سطينية .لكن ذلك امتنع �أمره ،بل زاد ال�شقاق ات�ساع ًا حني وجدتِ نف�سها يف غزة وحيد ًة – �إ ّال من املقاومة َ عربي قليل – يف مواجهة العدوان ِ بع�ض َ�س َن ٍد ٍّ الإ�رسائيلي. وال�ضعف من الطبيعي� ،أمام حال الت� ُآكل َّ يف النظام العربي� ،أن يظل الأخري مو�ضوع تفك ٍري وبحث من ِقبل النخب الثقافية .وعلى ؤمترات الرغم من �أن العام 2008مل ي�شهد م� ٍ وات علمي ًة تعكف على مو�ضوع �أزمة �أو ن ْد ٍ النظام العربي �أو م�شكالته ،مل َي ُف ْت ُه �أن يتابعه بالدرا�سة والبحث .و�إذا ما تركنا جانب ًا ع�رشات
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
�شهد العام 2008بداية جدل حمتدم حول كيفية ممار�سة الدور الإقليمي العربي ،وحول ما �إذا كانت الأدوار الإقليمية يف منطقتنا قد انتقلت من العرب �إىل قوى غري عربية.
الح�صاد
الدرا�سات واملقاالت التي ُن�شرِ َ ت – يف هذا الباب – يف جمالّت ر�صينة مثل امل�ستقبل العربي ،وال�سيا�سة الدولية ،و�ش�ؤون الأو�سط، و�ش�ؤون خليجية ،واملجلة العربية للعلوم ال�سيا�سية و�سواها ،و�رصفنا االهتمام �إىل امللفات اخلا�صة � ،...سنجد �أن املجلة الأكرث ارتباط ًا بالنظام العربي وعناي ًة مب�سائله (لأنها واحدة من �أدواته الثقافية) – وهي جملة �ش�ؤون عربية – ك َّر َ�س ْت ملفَّني ملو�ضوع النظام العربي �ضمن �أعدادها ال�صادرة يف العام :2008العدد 134ل�صيف العام ،2008والعدد 135خلريف العام نف�سه. يف العدد َ ،135ح َمل امللف اخلا�ص عنوان ًا ا�ستفهام ّي ًا ذا داللة :هل �سقطتِ االدوار الإقليمية من ح�سابات ال�سيا�سات العربية؟، وتناولت درا�سا ُته جمل ًة من امل�سائل املت�صلة ْ بال�س�ؤال الإ�شكايل الذي َت َع ْن َو َن به امللف كم�س�ألة ال�سيا�سات العربية جتاه بع�ض ق�ضايا املنطقة وما �إذا كانت متثل �أدواراً �أقليمية م�ؤثرة ،وكيفية ممار�سة الدور الإقليمي العربي ا�ستقطاب داخلي بني «مت�ش ّددين» يف مناخ ٍ و «معتدلني» ،وما �إذا كانت الأدوار الإقليمية يف منطقتنا قد انتقلت من العرب �إىل قوى غري عربية � ...إلخ� .أما ملف العدد ،134فان�رصف �إىل البحث يف �إمكانية �إعادة بناء ر�ؤية عربية مما ع َّد ُه امللف جديدة من طريق تبديد جملة َّ مفاهيم ور�ؤى ملتب�سة .وقد تناولت املواد املن�شورة حتت عنوان «الر�ؤى امللتب�سة» جملة من الق�ضايا من نوع العالقة بني العمل العربي امل�شرتك وم�ساحات ال�سيادة الوطنية املحفوظة فيه ،وعالقة العرب باجلوار التاريخي الإيراين وباخلطر الإ�رسائيلي وما يكتنف هذه العالقة من التبا�سات يف بع�ض الوعي العربي، وم�ستقبل وجود النظام العربي يف �ضوء �أمناط حتالفاته اخلارجية القائمة� .أما املواد املن�شورة حتت عنوان املفاهيم الغام�ضة، فتناولت م�سائل خمتلفة مثل مفهوم الإرهاب ومفهومي التطرف وغمو�ض تعريفاته، ْ �ضابط يف التداول واالعتدال ال�شائعينْ على غري ٍ
العربي ،ومفهوم الأمن القومي ال�ضائع يف فو�ضى التحديات النظرية ،واملقاومة و�سوى ذلك من امل�سائل /املفاهيم. ومبقدار ما كان االهتمام بالنظام العربي، يف دائرته القومية الكلية ،باهت ًا يف حراك العام 2008الثقايف ومل َي َت َع َّد نطاق ًا متوا�ضع ًا من التعبري عن نف�سه ،مبقدار ما كان االهتمام باحل ّيزات الإقليمية من ذلك النظام �أ�ش َّد و� َ أكثف و�أ ْو َ�س َع م َدى .ولع َّله من غري امل�ستغرب �أن ين�رصف االنتبا ُه �أكرث �إىل هذه احل ِّيزات الإقليمية لأنها � ْأظ َهر ح�ضوراً من النظام العربي العام .على �أنه من ال َبينِّ �أن الإقليمي (الفرع َّي) يف النظام العربي �إمنا يكا ُد يعني ِ اليوم الإقليمي اخلليجي ح�رصاً َب ْع َد � ْأن َو َ�صل ْتَ جترب ُة «جمل�س التعاون العربي» �إىل نهايتها امل�أ�ساوية يف امتداد �أزمة اخلليج وحربه (خالل العامني 1990و ،)1991وبعد الف�شل الذريع الذي �أ�صاب الفكرة املغاربية ونظامها �سي («احتاد املغرب العربي») الإقليمي امل� َّؤ�س ّ منذ العام :1993عقب «�أزمة لوكربي» وانفجار اخلالف املغربي – اجلزائري حول ق�ضية ال�صحراء. و�إذا كان �صمو ُد النظام اخلليجي – فرعي من النظام العربي – يف كنظام اقليمي ٍ ّ البقاء ح ّي ًا يف وجه عوا�صف دولية وعربية و�إقليمية عظمى (احلرب العراقية – الإيرانية، �أزمة اخلليج وحربه ،غزو العراق ،مت ُّدد النفوذ الإقليمي الإيراين ،االنق�سام احلا ّد يف النظام العربي ،)..قد و َّف َر م ِّربراً ال�ستمرار االهتمام به وم�ستمر يف �أداء وظائفه الطبيعبة، حي ّ كنظام ّ ف�إن جناحاته املتعاقبة يف حتقيق االندماج الإقليمي ،ومكانته يف االقت�صاد العاملي و�شبكة امل�صالح الدولية ،كان لها – هي �أي� ًضا – دورها يف ت�شديد االهتمام به خليج ّي ًا وعرب ّي ًا (ودول ّي ًا) وخ�صو� ًصا يف �ضوء املكانة املتزايدة للطاقة يف االقت�صاد العاملي .على م�شكالت داخلي ًة عديدة ُت�سهم بدورها يف �أن ٍ وح�صة ت�سليط ال�ضوء على اخلليج وم�ستقب ِله، ّ ح�صة اهتمام �أبناء املنطقة بها �أعلى من ّ ِ
461
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 462للتنمية الثقافية
التح ُّول االقت�صادي املت�سارع الذي حمل يف ركابه تغيرياً �شام ًال يف �أمناط احلياة واال�ستهالك والعالقة با ُمل ْن َت َجات املادية وال ِّتقَانية للثورة العلمية ،مل يرا ِف ْق ُه حت ُّو ٌل يف منظومة القيم التي ظلت ُمنْ�ش َّد ًة �إىل املواريث االجتماعية والثقافية.
اهتمام غريهم يف هذا النطاق .ولهذه الأ�سباب جميعها – ولغريها – كان يف حكم املفهوم �أن يحتل احل ّيز الإقليمي اخلليجي من النظام العربي م�ساح ًة كبرية من التفكري يف �أو�ضاع النظام العربي وم�ستقبله. وجدير بالر�صد ،يف هذا الإطار ،جملة من معطيات ا َ أو�ضاع حل َراك الفكري الذي كانت � ُ اخلليج مدا َر ُه – يف العام – 2008حتت عناوين ثالثة مرتابطة :م�سائل داخلية يف النظام الإقليمي اخلليجي ،و�أمن اخلليج العربي ،ثم عالقات دول منظومة اخلليج العربي بالقوى اخلارجية -الدولية والإقليمية. حتت العنوان الأول ،املتعلق مب�سائل ثالث من امل�سائل الداخل اخلليجيُ ،ت َطال ُعنا ٌ ِ بع�ضها الثاين ال�شديدة الأهمية ،يتعلق ُ مب�شكالت الرتكيبة والتوازن ال�سكان َّيينْ يف تلك البلدان ،فيما يت�صل ثالثها بق�ضايا التخطيط والتنمية فيها: تغيريات عميق ًة يف �أحدثت الفورة النفطية ٍ احلياة االقت�صادية واالجتماعية ملجتمعات اخلليج انتقلت بها هذه الأخرية �إىل م�ستويات املادي عالية وقيا�سية يف �إيقاعها من التم ُّدن ّ ً الزمني مقارنة بغريها من البلدان العربية ومن بلدان العامل حديثة النم ّو .لكن النتائج االقت�صادية واالجتماعية – اال�ستهالكية للطفرة النفطية مل تكن دائم ًا متنا�سبة مع النتائج التي ترتبت عنها (= الطفرة) على �صعيد منظومة القيم االجتماعية .ذلك �أن التح ُّول االقت�صادي املت�سارع – وقد حمل يف ركابه تغيرياً �شام ًال يف �أمناط احلياة واال�ستهالك والعالقة با ُمل ْن َت َجات املادية وال ِّتقَانية للثورة العلمية – مل يرا ِف ْق ُه حت ُّو ٌل يف منظومة القيم التي ظلت ُمنْ�ش َّد ًة �إىل املواريث االجتماعية والثقافية .وهكذا ظلت جمتمعات اخلليج ترزح حتت ثقل مفاعيل ازدواجي ٍة مندفع تقاطبي ٍة �صارخ ٍة :بني َح َر ٍاك اقت�صادي ٍ نحو حدودة الق�صوى ،وحمافظ ٍة اجتماعية – ثقافية – قيمية تعيد �إنتاج ا�ستمراريتها التاريخية .هذه الظاهرة هي ما التقطها مركز
الإمارات للدرا�سات والبحوث اال�سرتاتيجية حني عقد م�ؤمتره ال�سنوي حتت عنوان اخلليج العربي بني املحافظة والتغيري (بتاريخ 31 �آذار /مار�س – 2ني�سان� /أبريل 2008يف مقر املركز) حماو ًال التفكري يف ظاهرة املراوحة هذه بني ديناميتينْ متعار�ضتني. ومثلما عانى اخلليج من �ضغط ظاهرة عدم التنا�سب �أو االختالل بني التغيري يف �أمناط احلياة واملحافظة يف منظومة العالقات ،عانى – وال يزال – من �ضغط ظاهرة احتالل �سكاين لي�ست ح�سابية ( عددية) ،و�إمنا هي اجتماعية وثقافية �أو ُق ْل تتولّد عنها نتائج وتبعات بات � ْأهل اخلليج ي�ست�شعرون من هذا النوع َ خطور َتها على هو ّية �أوطانهم .ولقد كانت هذه امل�شكلة ،وما تفر�ضه على الوعي اخلليجي من هواج�س ،يف �أ�سا�س �إقدام مركز اخلليج للأبحاث على تنظيم حلقة نقا�شية يف املو�ضوع حتت عنوان الرتكيبة ال�سكانية يف دول جمل�س التعاون :تنمية اقت�صادية �أم �أزمة اجتماعية؟ (بتاريخ � 14-13أيار /مايو ،)2008وذلك ق�صد التفكري يف الكلفة االجتماعية الفادحة التي تدفعها دول اخلليج العربي لقاء حتقيق التنمية االقت�صادية! وجري ًا على تقلي ٍد َد َر َج عليه املعهد العربي للتخطيط يف متابعة �أو�ضاع وجتارب التخطيط التنموي يف البالد العربية ،وانطالق ًا من مالحظة الرتاكم الناجح يف العالقات االقت�صادية الب ْينية يف منظومة دول اخلليج العربي ،وبخا�صة يف م�سرية االندماج الإقليمي التدريجي وما يتطلبه مثل هذا االندماج من ا�سرتاتيجيات تنموية َّ خمططة (لقطاع الدولة وللقطاع اخلا�ص مع ًا) ،نظّ م املعهد ور�شة عمل حتت عنوان واقع وم�ستقبل التخطيط بدول جمل�س التعاون اخلليجي �أيام 29-27حزيران/ يونيو يف القاهرة .وقد �سلطت الور�شة �ضوء اال�ستطالع والتحليل على �أو�ضاع �سيا�سات التخطيط يف اخلليج وعلى م�ستقبلها يف �ضوء الطموح الكبري لتحقيق االندماج االقت�صادي الإقليمي الكامل.
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
الح�صاد
و ُت َطا ِلعنا حتت العنوان الثاين ،املتعلق ب�أمن اخلليج ،م�س�أل َتان رئي�ستان هما وجهان من وجوه ق�ضية الأمن املتعددة العناوين، أوالهما يف نطاق الأمن اال�سرتاتيجي تندرج � ُ (يف �صورته الع�سكرية – الأمنية على نح ٍو خا�ص) ،بينما تنتمي الثانية �إىل جمال الأمن االقت�صادي .يف امل�س�ألة الأوىل ن�رشت املجلة العربية للعلوم ال�سيا�سية ملف ًا خا� ًصا حتت عنوان �أمن اخلليج (يف العدد � 19صيف )2008 تناولت موا ُّده مفهوم الأمن من زاوية نظرية �ألقت �ضوءاً على معناه وم�ستوياته ،واحلرب الأمريكية على العراق وما كان لها من تداعيات خطرية على �أمن منطقة اخلليج العربي حا�رضاً وم�ستقب ًال� .أما يف امل�س�ألة الثانية ،فقد ن�رشت جملة التعاون يف عددها ال�ساد�س وال�ستني (كانون الأول /دي�سمرب � )2008أوراق عمل ندوة الأمن الغذائي يف دول جمل�س التعاول اخلليجي تناولت جملة من الأ�سئلة وامل�شكالت ذات ال�صلة مثل م�ستقبل الأمن الغذائي يف دول اخلليج العربي ،و�سيا�سات مواجهة نق�ص الغذاء يف هذا الإقليم العربي ،واال�ستثمار الزراعي امل�رصوف للجواب عن مع�ضلة الأمن الغذائي و�سواها من الق�ضايا. ولي�س من �شك يف �أن ارتفاع درجة االهتمام مب�س�ألة الأمن يف �إقليم اخلليج العربي ،يف �أبعادها الع�سكرية – اال�سرتاتيجية والغذائية، له ما يبرّ ُره .ف�إىل �أن منطقة اخلليج �شهدت – منذ قيام منظومة جمل�س التعاون – �سل�سلة من احلروب التي ه ّز ْت ا�ستقرارها وه َّددت �أمنها (و�آخرها حرب غزو العراق واحتالله)، نق�ص حا ّد يف الغذاء ب�سبب �ضعف تعاين من ٍ و�شح موارده الطبيعية فيها الزراعي القطاع ّ (البيئة والهيدروليكية) والكلفة الباهظة التي تدفعها اقت�صادات اخلليج لتخ�صيب الرتبة �أو للري الزراعي .وكما ا�ستخراج املياه ال�صاحلة ّ �أن وعي �أبناء اخلليج ب�أن فكرة ا�سترياد الأمن (وقد ازدهرت بعد �أزمة الكويت يف العام )1990 أمن مبقدار ما تقود �إىل ال تقود �إىل ا�ستتباب � ٍ بات ا�ستباحته من القوى الأجنبية ،كذلك وع ُيهم َ
حا ّداً ب� َّأن ِال�سترياد الغذاء وفقدان �أمنه تبعات على ا�ستقاللية القرار الوطني والإقليمي نف�سه. وهذا ما يف�سرّ تزا ُيد ن�سبة االهتمام باملو�ضوع لدى املثقفني و�صناع القرار وامل�ؤ�س�سات ذات العالقة يف اخلليج العربي. � ّأما حتت العنوان الثالث – امل َّت�صل بعالقات النظام الإقليمي اخلليجي بالعامل اخلارجي – ف ُت َطا ِل ُعنَا ثالث دوائر �إقليمية وعاملية وقَع االهتمام بها يف َح َراك العام 2008الفكري هي :الأمريكية والأوروبية والآ�سيوية مع ت�شدي ٍد على الأخرية ملحوظ. من حت�صيل احلا�صل القول �إن عالقات دول اخلليج العربي بالواليات املتحدة الأمريكية ذات �أبعاد ا�سرتاتيجية ب�سبب �أهمية هذه املنطقة بالن�سبة �إىل امل�صالح احليوية الأمريكية ،وب�سبب ما باتت تنه�ض به دول هذا الإقليم العربي من �أدوار يف ال�سيا�سة الإقليمية منذ حرب �أكتوبر ،1973وبخا�صة منذ احلرب العراقية – الإيرانية يف �سنوات الثمانينيات .ولأن هذه الأهمية ت�ضاعفت منذ احلروب الأمريكية يف املنطقة (على العراق خا�صة) عامي 1991و 2003وما �أعقبها من احتالل و�إقامة ممتدة منذ �ست �سنوات ون�صف، ٍ ومنذ ارتفاع �أ�سعار الطاقة وارتفاع الطلب العاملي عليها ،ثم منذ اندالع الأزمة الأمريكية واخلليجية مع �إيران ب�سبب �سعيها حليازة قدر ٍة نووية ،و�أخرياً منذ انطالق ال�ضغوط الأمريكية على دول اخلليج عقب �أحداث احلادي ع�رش من �أيلول� /سبتمرب ،... 2001كان من الطبيعي �أن يت�ضاعف االهتمام مب�ستقبل العالقات بني منظومة دول اخلليج والواليات املتحدة .وهو ما تب َّينَت قرائنُه يف ال�سنوات ال�سبع املا�ضية من خالل �س ْيل امل�ؤمترات والندوات املنعقدة لهذا الغر�ض .ويف االجتاه نف�سه َي�أتي م�ؤمتر العالقات الأمريكية – اخلليجية يف �ضوء مقاربة ا�سرتاتيجية جديدة الذي عقد ُه مركز اخلليج للأبحاث (يف 25-22ت�رشين الثاين/ نوفمرب )2008ل ُيلقي �ضوءاً على �س�ؤال امل�ستقبل يف �ضوء م�شكالت العالقة اليوم ،ول ُيحاول
463
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 464للتنمية الثقافية
عالقات دول اخلليج العربي مبنظومة االحتاد االوروبي ودوله ال َت ِق ّل متان ًة ور�سوخ ًا و�سعة عن عالقاتها بالواليات املتحدة� ،إ ّال �أنها دون الثانية �سيا�س ّياً ،وهي اهتمام يف لذلك ال حتظى بكبري ٍ الن�شاطات الفكرية ،التي تقوم بها امل�ؤ�س�سات البحثية املخت�صة, ومبا يوازي �أو يوازن االهتمام بالعالقات مع �أمريكا.
منط جديد من العالقة يرتجم ر�ؤية التفكري يف ٍ ا�سرتاتيجية قائمة على ال�رشاكة والتوزان. ومع �أن عالقات دول اخلليج العربي مبنظومة االحتاد الأوروبي ودوله ال َت ِق ّل متان ًة ور�سوخ ًا و�سعة عن عالقاتها بالواليات املتحدة – حتى ال نقول �إنها �أمنت و�أو�سع اقت�صاد ّي ًا وبرتول ّي ًا – �إ ّال �أنها دون الثانية اهتمام يف �سيا�س ّي ًا ،وهي لذلك ال حتظى بكبري ٍ الن�شاطات الفكرية ،التي تقوم بها امل�ؤ�س�سات البحثية املخت�صة ,ومبا يوازي �أو يوازن االهتمام بالعالقات مع �أمريكا� ،أو – وهذا هو الأهم – مبا يوازي االهتمام الأوروبي باخلليج يف م�ؤ�س�سات الأبحاث والدرا�سات واملراكز العلمية اال�سرتاتيجية� ،أو يف ال�سيا�سات العليا لدول االحتاد الأوروبي .على �أن العام 2008 �شهد مبادرة فرن�سية – خليجية م�شرتكة هي عقد حلقة نقا�شية يف مو�ضوع «االحتاد الأوروبي ودول جمل�س التعاون اخلليجي: التحديات والآفاق يف ظل رئا�سة فرن�سا لالحتاد الأوروبي» دعا �إليها مركز اخلليج للأبحاث، بتاريخ � 21أيار /مايو ،2008بالتعاون مع معهد الدرا�سات ال�سيا�سة يف باري�س ورعاي ٍة من وزارة اخلارجية الفرن�سية. ويبقى االهتمام اخلليجي باملحيط الآ�سيوي كبرياً لع َّد ِة �أ�سباب منها ات�صاله املبا�رش به :جغراف ّي ًا واقت�صاد ّي ًا وب�رش ّي ًا، ووجود كتلة ب�رشية هائلة من اليد العاملة الآ�سيوية يف بلدانه ،وتنامي عالقاته التجارية بالدول الكربى فيه (اليابان ،الهند ،ال�صني، كوريا اجلنوبية ،)...ناهيك مبا يثري ُه االختالل ال�سكاين يف بلدان اخلليج ل�صالح العمالة الآ�سيوية الوافدة من م�شكالت ع ّدة على حا�رضه وم�ستقبله وهوية جمتمعاته .جند متثي ًال لهذا االهتمام ،يف نطاق معطيات ح�صاد العام ،2008يف ثالث حلقات نقا�شية ع ِقدت لهذا الغر�ض من قبل مركز اخلليج للأبحاث� ،أولها مو�ضوع �أع ّم هو التحديات التي تواجه يف ٍ التو�سع االقت�صادي امل�ستدام يف دول جمل�س التعاون :العالقات مع �آ�سيا وتبعاتها الإيجابية
املحتملة وقد عقدت بتاريخ 30كانون الثاين/ يناير .2008وثانيها يف مو�ضوع �أقليمي فرعي من �آ�سيا يتناول العالقات بني منطقة اخلليج و�رشق �أ�سيا ،وعقدت بتاريخ 23-22ت�رشين الأول� /أكتوبر ّ � .2008أما ثالثها ،ففي مو�ضوع �أكرث تخ�صي� ًصا يتعلق بـ العالقات اخلليجية – الهندية ،وقد عقدت بتاريخ 13-12ت�رشين الثاين /نوفمرب .2008 يت�صل مب�سائل النظام العربي ،يف �صورته ال�شاملة ويف نطاقاته الإقليمية الفرعية ،ما يح�صل من متغريات �أو ما يجري تنفيذه من �سيا�سات يف نطاق النظام الدويل ،وبخا�صة ما له �صلة ما – مبا�رشة �أو غري مبا�رشة – بالأو�ضاع يف الوطن العربي .وهو ما َو َق َع بع�ض االهتمام به ،و�إن ب�شكل حمدود ،خالل العام .2008
النظام العاملي وت�أثريا ُت ُه عرب ّي ًا
منذ َد َخل النظام الدويل طور حت ّوالت عميق ٍة �أطلقت �سيول َة َح َر ٍاك فيه ،وبخا�صة تلك التي كانت �آثا ُرها تلقي بنتائجها على الأو�ضاع العربية .وما �ش َّد االهتمام باملو�ضوع عي ِن ِه يف العام 2008عن االهتمام به يف الأعوام ال�سابقة و� ْإن على نح ٍو �أق ّل يف الكثافة. مما تناول ْت ُه �أقالم ومناق�شات ويف جملة كث ٍري ّ النخبة العربية املهتمة بهذا ال�ش�أن من م�سائل، ميكن الوقوف عند �أربع منها ذات �أهمية ،يت�صل بع�ضها بامل�ستج ّد واحلادث يف جمرى تطورات ُ النظام الدويل يف الفرتة الأخرية؛ ويتعلق إ�شكاليات جديدة بد�أت تفر�ض بع�ضها الثاين ب� ُ ٍ نف�سها على الناظر يف لوحة معطيات هذا النظام ومالحمه ودينامياته اجلديدة؛ ويتعلق بع�ضها الثالث بدور م�ؤ�س�سات النظام الدويل جتاه الأزمات وال�رصاعات الإقليمية املزمنة؛ بع�ضها الرابع مبا حتتله مناطق ثم يتعلق ُ بعينها من العامل من مكانة يف اال�سرتاتيجيات الدولية. يف الطارئ وامل�س َتجد من الأو�ضاع يف النظام العاملي يف الن�صف الثاين من العام
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
من �أكرث ما م َّيز االهتمام الفكري العربي بالنظام الدويل هذا العام انتباهه �إىل مو�ضوع املجتمع املدين على ال�صعيد العاملي وموقع م�س�ألة التنمية يف ن�شاطات قوا ُه وم�ؤ�س�ساته .وتنا ُو ِل جتارب جمتمع – مدنية يف �إدارة م�رشوعات تنموية يف العامل.
الح�صاد
،2008ن�رشت جملة �ش�ؤون عربية (يف عددها الـ :135خريف )2008ملف ًا حتت عنوان تطورات دولية جديدة وتداعياتها على املنطقة ت�ض ّمن درا�سات ثالث ًا حول �أحداث القوقاز وت�أثرياتها اال�سرتاتيجية وما ع َن ْته من انتقال من حقبة الأيديولوجيا �إىل حقائق اجلغرافيا ال�سيا�سية؛ وال�سيا�سة اخلارجية الأمريكية حلقبة ما بعد بو�ش واملحافظني اجلدد واحتماالتها يف املنطقة العربية؛ ثم ق�ضايا احلوار واجلوار بني �أوروبا والعرب يف �ضوء قيام االحتاد من �أجل املتو�سط .ومع �أن هذه التطورات طارئة وم�ستج َّدة ،فقد و�ضعناها �ضمن نطاق «الأ�سئلة َ امل�ألوفة» .ذلك �أن الوعي العربي َد َر َج على متابعة مثل هذه املتغريات وتناولها بالر�صد والتحليل بح�سبانها عنا�رص جديدة �ضمن بنية النظام الدويل. وقد يكون من �أكرث ما م َّيز االهتمام الفكري العربي بالنظام الدويل هذا العام انتباهه �إىل مو�ضوع املجتمع املدين على ال�صعيد العاملي وموقع م�س�ألة التنمية يف ن�شاطات قوا ُه وم�ؤ�س�ساته .ومل يكن جديداً مثل هذا االن�شغال منه بدور املجتمع املدين وتنامي ت�أثرياته على ال�صعيد الكوين ،و�إمنا كان االن�رصاف �إىل م�س�ألة التنمية يف عمل ذلك املجتمع املدين هو الذي يدعو �إىل الت�سجيل واالعتبار .ولقد كر�ست جملة ال�سيا�سة الدولية لهذا الغر�ض ملف ًا خا� ًصا حتت عنوان :املجتمع املدين العاملي وق�ضية التنمية (العدد ،174ت�رشين الأول� /أكتوبر )2008تناولت موا ُّد ُه جمل ًة من املو�ضوعات ترتاوح بني ال�س�ؤال الإ�شكايل مبفردات عامة عن م�س�ألة العالقة تلك (= بني املجتمع املدين العاملي والتنمية) ،وعن �أثر املجتمع املدين يف �إعادة بناء العقد االجتماعي ،وبني تنا ُو ِل جتارب جمتمع – مدنية يف �إدارة م�رشوعات تنموية يف العامل :يف �أفريقيا و�أمريكا الالتينية والوطن العربي ،مروراً مب�سائ َل ذات اعتبار يف هذا ال�ش�أن من قبيل �صلة نظام الوقف الإ�سالمي مب�ؤ�س�سات املجتمع املدين وعمله وما يعتور تلك ال�صلة من م�شكالت على مثال م�شكلة
التمويل ،ومن قبيل امل�س�ؤولية االجتماعية لرجال الأعمال و�سوى تلك من امل�سائل. ولأهمية ق�ضايا ما ي�س َّمى بـ «ال�رشق الأو�سط» (= الوطن العربي وجواره الإقليمي الآ�سيوي) يف تقرير م�ستقبل الأمن واال�ستقرار يف املنطقة والعامل؛ وللدور املركزي الذي ت�ضطلع به الأمم املتحدة – �أو الذي ُي ْفترَ َ �ض �أن ت�ضطلع به – يف مقاربة �أ ْزمات هذه املنطقة على مقت�ضى املعاجلة وا َ حل ّل (وهو املتعذّر حتى الآن)� ،أو على مقت�ضى الإدارة� :إدارة الأ ْزمات (وهو املمكن واجلاري) ،ن�رشت جملة �ش�ؤون الأو�سط يف عددها الـ �( 129صيف )2008ملف ًا خا� ًصا باملو�ضوع حتت عنوان الأمم املتحدة وال�رشق الأو�سط .وقد اهتمت موا ُّده مب�سائل حديث وبع�ضها بع�ضها ُمزم ٌن يف الت�أ ُّزم ُ �أربع ُ ُ عه ٍد بذلك هي� :أزمة لبنان يف �سياق القرارات الدولية اخلا�صة بها ،و�أزمتا دارفور والعراق يف القانون الدويل ،والدولة الفل�سطينية �أمام القانون الدويل ،ثم الربنامج النووي الإيراين يف امتداد القرارات الدولية اخلا�صة به .وعلى الزمني، أازمات يف االمتداد تفا ُوت بني هذه ال ْ ّ ف�إن ح َّد َتها وراهني َتها تكاد تكون واحدة يف الوزن والت�أثري. وعلى مثال احل ّيز الذي �شغلته منطقة اخلليج العربي وق�ضاياها يف االهتمام الفكري ب�ش�ؤون النظام العربي �شغلت املنطق ُة �إياها بع�ض االهتمام بالنظام الدويل وت�أثريات معطياته وتطويراته يف الوطن العربي .فتحت عنوان اخلليج يف اال�سرتاتيجيات الدولية، ن�رشت جملة �ش�ؤون خليجية – يف عددها :52 خا�ص ًا تناولت فيه درا�سا ُته �شتاء – 2008مل َّف ًا ّ بالعر�ض والتحليل ثالث ًا من اال�سرتاتيجيات الدولية الكربى وما يحتله اخلليج �ضمنها من مكانة .ويتعلق الأمر فيها باال�سرتاتيجية الأمريكية ،وا�سرتاتيجية القوى الآ�سيوية – ورو�سيا يف جملتها ،-ثم اال�سرتاتيجية الأوروبية� .أي – بعبارة �أدق – يتعلق با�سرتاتيجيات �أه ّم القوى الدولية ذات الت�أثري والتي ي�شكل اخلليج ،برثواته وموقعه اجليو
465
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 466للتنمية الثقافية
– �سيا�سي والأزمات املتالحقة التي �أملت به منذ مطلع الثمانينيات ،هاج�س ًا من هواج�سها الأمنية واالقت�صادية الكبرية.
ق�ضية فل�سطني
نكبة 48ما تزال ت�ستوطن الذاكرة (الفل�سطينية والعربية) ،واالعرتاف ال�سيا�سي (اال�ضطراري) مبا نجَ َ م عنها َّ نف�سي اعرتاف من وقائع مل ُي َوا ِز ِه ٌ ّ دليل ي�سِ لّم بالأمر الواقع ،ويف ذلك ٍ على �صورةٍ ما من ُ�ص َو ِر مقاومة ذلك رمزي. الأمر الواقع ولو على نح ٍو ّ
ا�ستمرتِ الق�ضية هذه �أ َّم الق�ضايا يف الوعي ال�سيا�سي العربي منذ عقود ،ومل يرتاجع االهتمام بها حتى حينما كانت تطفو على ال�سطح ق�ضايا متفجرة جديدة يف املنطقة مثل احلرب العراقية – الإيرانية وغزو العراق وغزو �أفغان�ستان وانفجار الأزمة اللبنانية ... �إلخ .ومع �أن ن�سبة التفكري ال�سيا�سي يف �ش�أن ق�ضية فل�سطني هزيلة وال تكاد ُتذ َْكر �أمام ن�سبة املتابعة الإعالمية وال�صحفية لها (الأمر الذي يعني �أن امل�س�ألة انتقلت من �إطارها الإ�شكايل �إىل جم َّرد َخبرَ !) ،ف�إن ن�سبة هذا الهزيل من االهتمام ،يف الت�أليف وامل�ؤمترات والندوات واحللقات النقا�شية ومن�شورات مراكز الدرا�سات، �أعلى من غريها من ن�سب االهتمام الفكري بق�ضايا �سيا�سية �أخرى (ما َخ َال الدميقراطية). وهو ما ُي ْط ِل ُعنا على حقيقة ما حتتله الق�ضية (�أو ما فتئت حتتله) يف تفكري النخب العربية ويف رهانات التغيري والتقدم لديها على الرغم تالحق الهزائم والنكبات و�إطباق الظالم من ُ الدام�س على اللحظة والأفق. مل يكن كثرياً ما تحَ ََّ�صل يف ح�صاد العام 2008الثقايف من مقاربة هذا املو�ضوع .غري حم�ض �أن املتوفّر منه – وهو يف ما �سيلي ُ ع ّينة متثيلية – يكفي ِل ُي ِبني �ش ّدة االن�شغال به يف �أو�ساط املثقفني والباحثني العرب .و�إن نحن �ألقينا نظراً على عناوين امل�سائل التي َوقَع التفكري فيها واال�شتغال عليها� ،أ ْلفينا ثالث ًا منها الأظهر :ذكرى النكبة (يف عامها ال�ستني) ،والق�ضايا الأ�سا�س يف جدول �أعمال حق تقرير امل�صري الوطني ،ثم الأفق املمكن �أو املمتنع للح ّل ال�سيا�سي. ال�ستني عام ًا وحدها ما مل تكن «م�صادفة» ّ ب َّرر االلتفات �إىل مو�ضوع النكبة ،بح�سبانها من مفردات ال�سيا�سة والفكر ال�سيا�سي ،وهي مبد�أ
تف�سري كثري من �إع�ضاالت واقع العرب املعا�رص ناهيك مب�أ�ساة �أهل فل�سطني املمتدة يف الزمان من غري انقطاع .غري �أن حلول ذكراها ين ّبه الوعي العربي �إىل �أن ا�ستمرار مفاعيلها يف جناح الزمن على مدى ِجيلينْ من دون �إحراز ٍ يف حت�صيل احل ّد الأدنى من احلقوق الوطنية لأولئك الذين وقعت عليهم ،بل حتى من دون القدرة على حماية ما تبقى من تلك احلقوق من التبديد ،وحماية �شعب فل�سطني من القمع والعدوان اليومي واغت�صاب الأر�ض والتهويد ... �إلخ� ،إمنا تدفع بالأو�ضاع يف املنطقة �إىل مزيد من ال�رصاعات والت�أزم (على نحو ما ح�صل يف نهاية العام 2008يف حرب غزة) ،و�إىل مزي ٍد من االنق�سام العربي حيال املوقف اجلاري يف فل�سطني .غري �أن �أكرث ما ميكن �أن يكون دا ًّال يف �ش�أن االهتمام بالنكبة وذكراها� .أن هذا االهتمام ي ُد ُّلنا – و� ْإن على نح ٍو غ ِري مبا�رش – على �أن نكبة 48ما تزال ت�ستوطن الذاكرة ال�سيا�سي (الفل�سطينية والعربية) ،و�أن االعرتاف َّ (اال�ضطراري) مبا نجَ َ م عنها من وقائع (= قيام ي�سلّم اعرتاف الدولة العبرْ ية) مل ُي َوا ِز ِه ٌ نف�سي ِ ّ لدليل على �صور ٍة بالأمر الواقع ،و�أن يف ذلك ٍ ما من ُ�ص َو ِر مقاومة ذلك الأمر الواقع ولو على رمزي. نح ٍو ّ وعلى وفر ِة ما ُك ِت َب وا ْن ُتد َِي حوله يف املنا�سبة ،نقف بالإ�شارة ال�رسيعة على فاعليتينْ ثَقافيتينْ يف املو�ضوع� ،أوالهما ومتثلت يف ندو ٍة عقدها مركز الإمارات للدرا�سات والبحوث اال�سرتاتيجية حتت عنوان �ستون عام ًا على نكبة فل�سطني يف مبنى مركز الإمارات يف �أبو ظبي (بتاريخ 17حزيران/ يونيو .)2008وثانيهما ومتثلت يف ن�رش ملف خا�ص عن النكبة يف جملة ال�سيا�سة الدولية حتت عنوان �ستة عقود على ن�ش�أة �إ�رسائيل ... مع�ضالت ال�سيا�سية والأمن والدميغرافيا .وفيما �أطلّت وقائع ندوة مركز الإمارات على م�ساحة وا�سعة من امل�شكالت التي �أطلقتها نكبة العام 1948وقيام دولة �إ�رسائيل يف نطاقات خمتلفة ومتعددة ،ان�رصف ملف ال�سيا�سة الدولية �إىل
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
الأ�سا�س يف مداوالت هذا اليوم الدرا�سي .وهو الأمر الذي ال حتتاج مركزي ُته �إىل تف�سري بالنظر �إىل قدمه (�أكرث من �ستني عام ًا) و�إىل �أعداد َمن �أ�صاب ْت ُهم نتائجه (�ستة ماليني من الب�رش هم ثلثا �شعب فل�سطني عدداً!). وثانيها تكري�س جملة الدرا�سات الفل�سطينية ،ال�صادرة عن م� ّؤ�س�سة الدرا�سات خا�ص ًا الفل�سطينية (مقرها يف بريوت) ملف ًا ّ بالقد�س حتت عنوان ملف القد�س (املجلد تكري�س ،19العدد � ،73شتاء .)2008وثالثها ُ خا�ص ًا باملو�ضوع عي ِنه املجلة نف�سها ملف ًا ّ يف عددها ال�ساد�س وال�سبعني (خريف .)2008 ويف امللفني مع ًا درا�سات حول ال�رصاع يف �ش�أن تاريخ القد�س ،و�آثارها وما تتعر�ض له من نهب بجدار الف�صل والتنقيب غري امل�رشوع وجتارة الآثار و�سوى ذلك. �أما يف امل�س�ألة الثالثة وعليها ،فقد عقد مركز درا�سات الوحدة العربية يف بريوت حلقة نقا�شية حتت عنوان هل من �أفق لفل�سطني؟، بتاريخ 9ت�رشين الثاين /نوفمرب ،2008ناق�ش مو�سعة ق َّدمها د. امل�شاركون فيها ورقة عمل َّ عزمي ب�شارة يف املو�ضوع و�أثارت �أ�سئلة على درج ٍة كبرية من اال�ست�شكال الداعي �إىل الت� ّأمل. مما تو َّق َع ْته الورقة وكان املثري �أن الكثري ّ (املح َّر َرة يف ت�رشين الأول� /أكتوبر واملعرو�ضة على املناق�شة يف ت�رشين الثاين /نوفمرب) َح َ�صل فع ًال بعد �شهر ون�صف :يف نهاية العام 2008مبنا�سبة احلرب الإ�رسائيلية على غزة، تفاعل الأمر الذي يقو ُم به دلي ٌل على ُح ْ�سن ُ الوعي العربي مع معطيات الو�ضع الفل�سطيني وال�رصاع العربي – الإ�رسائيلي.
الح�صاد
التفكري يف احل ِّيز الإ�رسائيلي ح�رصاً باحث ًا يف �أ�سئلة ومو�ضوعات من قبيل ما تبقّى من ال�صهيونية ،وقوة �إ�رسائيل بني نظريات الأمن ونتائج احلروب ،و�إ�شكالية اجلغرافيا والدميوغرافيا يف �إ�رسائيل ،وتطور النظام ال�سيا�سي فيها ،و�أو�ضاع العلم والتكنولوجيا فيها ،ور�ؤاها لعملية الت�سوية ... وعلى مثال االن�شغال بالنكبة ،كان االن�شغال بالق�ضايا الأ�سا�س يف م�س�ألة حق تقرير امل�صري الوطني ،وبخا�صة منها ق�ضية القد�س وق�ضية الالجئني .وكما �أنه ما كان ان�شغ ً ألوف ومعدو ٌد اال جديداً �أو م�ستج ّداً ،بل م� ٌ يف املعتاد واجلاري ،ف�إنه ما كان م�ستغرب ًا يف الوقتِ نف�س ِه � ْإن �أخذنا يف احل�سبان ظروف التعبري عنه ،والتي يقع العام � 2008ضمن �سياقاتها .فلقد ت�ضاعفت درج ُة االهتجا�س (خ�صو�صا يف اجلوار الفل�سطيني والعربي ً العربي لفل�سطني ويف لبنان على نحو خا�ص) مب�ستقبل ق�ضية الالجئني يف امتداد الرف�ض الإ�رسائيلي القاطع لالعرتاف باحلق يف العودة. ت�ضاعف اخلوف على م�ستقبل عروبة مثلما َ القد�س نتيجة �سيا�سات التهويد وم�صادرة الأرا�ضي واال�ستيطان وعزلها الكامل عن امتدادها اجلغرايف وال�سكاين يف ال�ضفة الغربية. ون�شري – يف هذا املعر�ض – �إىل ثالث فعاليات ثقافية تناولت هذه امل�سائل يف العام .2008 يوم درا�سي يف مو�ضوع ق�ضية �أوالها عقد ٍ الالجئني من طرف جمعية الدرا�سات الدولية (ومقرها يف تون�س) بالتعاون مع «املفو�ضية ال�سامية ل�ش�ؤون الالجئني» بتاريخ 24ت�رشين الأول� /أكتوبر ،2008تناولت �أ�شغاله �أو�ضاع الالجئني يف �ضوء احلاجة �إىل معاجلتها وفق القانون الدويل والقرارات اخلا�صة ،كما يف �ضوء احلاجة �إىل املعاجلة الفورية جلوانبها الإن�سانية املتفاقمة اليوم .ومع �أن ق�ضية الالجئني اليوم مل تعد فل�سطينية فح�سب ،بعد �أن تع ّددت عناوينها (البوروندية والرواندية وال�صومالية وال�سودانية والعراقية � ،)...إال �أن اللجوء الفل�سطيني وم�شكالته املتعاظمة كان
467
العروبة والإ�سالم
ربمّا كان التفكري يف جدلية العالقة بني العروبة (القومية العربية ا�ستطراداً) والإ�سالم مما َخ َبا بريقُه يف ال�سنوات الأخرية قبل �أن َّ ينبعث جم َّدداً يف نهاية العام ( 2008ولذلك �أ�سبابه التي ال ي�سمح مقام تقري ٍر بالوقوف عليها تف�صي ًال وبيان ًا) .غري �أن �س�ؤا ّ يل القومية مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 468للتنمية الثقافية
والإ�سالم منف�صالن� ،أو بالنظر �إىل ك ٍّل منهما ا�ستمر االن�شغال مما مبعزل عن عالقته بالآخرّ ، ّ به على نح ٍو مل ينقطع ،ومع تع ُّدد الندوات التي عقدت يف املو�ضوع ،وكان طاب ُعها �سيا�س ّي ًا يف الأع ّم الأغلب منها ،ميكن ر�صد �أربع فعاليات يف امل�س�ألة نف�سها �أتت يف العام 2008على النحو التايل:
انبعثت جمدداً يف نهاية العام 2008جدل ّية العالقة بني العروبة والإ�سالم وهي اجلدلية التي ت�شغل الذهن العربي منذ عقود.
�أوالها ندوة احلوار القومي – الإ�سالمي التي عقدها مركز درا�سات الوحدة العربية بالتعاون مع املعهد ال�سويدي يف الإ�سكندرية بتاريخ ،2008و�شارك فيها ح�شد من الباحثني من التيارين القومي والإ�سالمي يف الوطن العربي .وقد تناولت بحوثها ومناق�شاتها جملة من امل�سائل الهامة املتعلقة بالدميقراطية، واملواطنة ،والوحدة ،والتنمية ،وم�صادر ال�سلطة ،واجلماعة الوطنية واجلماعات الفرعية، واملر�أة ،والعدالة االجتماعية ،واملقاومة، والأمن القومي ،و�سواها من �أمهات امل�سائل التي ت�شغل التيارين الفكريني وال�سيا�س َّيينْ برمته .وقد املتحاور ّين واملجتمع العربي ّ �أتت ندو ُة الإ�سكندرية هذه ت�ست�أنف �سابقتها التي عقدها املرك ُز عينُه يف القاهرة (يف �أيلول � /سبتمرب من العام )1989حتت عنوان احلوار القومي – الديني و�شارك فيها باحثون و�سيا�سيون من التيار ْين .وكما �أرادت ندو ُة القاهرة نف�سها – قبل ع�رشين عام ًا – تد�شين ًا حلوا ٍر بني تيا ْرين عا�شا قطيعة دراماتيكية منذ �أوا�سط اخلم�سينيات �إىل الثمانينيات من القرن أرادت ندوة الإ�سكندرية �أن تقي�س املا�ضيْ � ، التفاهم الرتاجع يف ن�سبة درجة التقدم �أو ُ ُ والتوافق بني الفريقني يف ر�ؤية ق�ضايا امل�صري وامل�ستقبل بعد عقدين على حوا ٍر ت�أ�سي�سي ا�ستكمله ،يف �سنوات الت�سيعنيات وما تالها، قيام امل�ؤمتر القومي – الإ�سالمي والتعاون احلثيث بني التيارين يف مواقف جامعة وم�شرتكة. وثانيها وتتمثل يف احللقة النقا�شية التي نظمها مركز درا�سات الوحدة العربية
مقره يف بريوت (بتاريخ 4ت�رشين الأول/ يف ّ �أكتوبر )2008ملناق�شة م�رشوع يتعلق ب�إجناز مو�سوعة الأحزاب واحلركات والتنظيمات القومية يف الوطن العربي .وهي مناق�شة �شارك فيها عدد من الباحثني املتخ�ص�صني يوم كامل ،على درا�سة وانك َّب ْت ،على مدار ٍ َ تاريخ م�س َّود ِة م�رشوع للمو�سوعة يروم كتابة ٍ للم� َّؤ�س�سات القومية العربية منذ نهايات القرن التا�سع ع�رش حتى اليوم ،وتاريخ للأفكار واملفاهيم الرئي�سية يف اخلطاب القومي: الفكري وال�سيا�سي .وهو امل�رشوع الذي �أ ُق َّر بعد ّ أدخلت على املناق�شات ،وبعد التعديالت التي � ِ خمططه وهيكله ،والذي �سي�شارك يف �إعداده عد ٌد كبري من الباحثني العرب و�سي�ستغرق العمل فيه قرابة عامينْ . وثالثها وتتمثل يف حلقة نقا�شية� ،شبيهة يف الفكر ِة والتخطيط بال�سابقة ،نظمها مركز درا�سات الوحدة العربية يف مقره يف بريوت (بتاريخ 9ت�رشين االول� /أكتوبر )2008 رديف يتعلق ب�إجناز ملناق�شة م�س َّود ِة م�رشوع ٍ ٍ مو�سوعة االحزاب واحلركات والتنظيمات الإ�سالمية يف الوطن العربي تتناول تاريخ هذه احلركات منذ نهايات القرن الثامن ع�رش (منذ اللحظة الوهابية) حتى اليوم ،مقرون ًا بتاريخ الأفكار واملفاهيم الكربى املفتاحية يف اخلطاب الإ�سالمي احلديث واملعا�رص .وقد إ�شكاالت تناولت مناق�شات هذه احللقة جمل َة � ٍ تتعلق بتاريخ هذه احلركات وت�صنيف اجتاهاتها ومدار�سها الفكرية ال�سيا�سية .و�أق َّر، يف �أعقابها ،م�رشوع املو�سوعة الذي �سي�شارك يف �إعداده عد ٌد كبري من الباحثني وي�ستغرق �إجنا ُز ُه ،مثل الأول ،فرتة �سنتني. �أما رابعها ،فيتعلق بور�شة عمل نظمها منتدى الفكر العربي يف ع ّمان حتت عنوان م�ستقبل العمل الوحدوي العربي .وهي ور�شة حتتفل مبنا�سبة مرور ن�صف قرن على �أول عمل وحدوي عربي ،بعد قيام «جامعة جتربة ٍ الدول العربية» ،ونعني بها الوحدة امل�رصية – ال�سورية (�شباط /فرباير ،)1958وتلتفت
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
�إىل م�س�ألة ما برحت تفر�ض نف�سها على الوعي والوجدان العرب َّيينْ حتى اليوم ،وبخا�صة حينما َت ْد َل ِه ُّم الآفاق �أكرث و َي ْب ُلغ ال�شعو ُر بالعجز و�ضعف احليل ِة َم َدا ُه على نحو ما هو عليه الأمر منذ حقب ٍة من الزمن غ ِري ي�سري.
التعليـم
�أزمة التعليم التي تواجه الوطن العربي وته ّدد م�ستقبله العلمي والثقايف والتنموي بالتبديد، منا�سبة ملالحظ ِة ظاهرةٍ جديدة باالنتباه واالهتمام – يف احلياة الفكرية العربية يف ال�سنوات الأخرية – هي ارتفاع مع ّدل االن�شغال بق�ضايا التعليم يف الوطن العربي يف وجوهٍ خمتلفة منها :ييداغوجية وعلمية واجتماعية .وهي ظاهرة ُتطْ ِل ُعنَا على حجم القلق الذي ي�ستب ّد ببيئات وا�سعة من املجتمع العربي جراء ما بل َغ ْت ُه �أو�ضاع التعليم من ّ اهرتا ٍء وا�ستنقاع.
الح�صاد
من النافل القول �إن جملة هائلة من الأو�ضاع املزرية التي تعي�ش يف كنفها جتربة التنمية والبناء االجتماعي – االقت�صادي وبناء الدولة وامل�ؤ�س�سات يف البالد العربية املعا�رصة �إمنا تت�صل �شدي َد �صل ٍة ب�أو�ضاع التعليم الناحية وم ْرعب .ف�إىل �أن التعليم منحى تدهور ٍ خميف ُ ُ ومدماكها الذي ال تقوم وت�ستقيم �أ�سا�س التنمية من دونه ومن دون ما يو ِّف ُر ُه لها من عائدات يف م�ضمار تكوين املوارد الب�رشية امل� َّؤه َلة، ف�إن غياب – بل انعدا ُم – ا�سرتاتيجيات خا�صة للنهو�ض ب�أو�ضاعه :تخطيط ًا ومتوي ًال وتطويراً وتكييف ًا مع احلاجات واملتغرياتُ ،ي ْف ِقر دوره الريادي كقاطر ٍة للتنمية و ُي ْ�ض ِعف من قدرته بح�صة هائلة من الطاقة احلية على تزويدها َّ لال�شتغال .وعلى الرغم من �أن الإنفاق احلكومي العربي على قطاع الرتبية والتعليم ي�ستهلك موارد مالية هائلة (ت�صل يف بع�ض البلدان العربية �إىل ثلث املوازنة العامة للدولة)� ،إال ان نتائج ذلك مازالت حتى اليوم هزيلة وغري ذات قيمة �أو �أهمية� .إذ ما برح قرابة ن�صف ال�سكان الإجمايل يف البالد العربية يف عداد اجلمهور ال ّأم ّي ،ون�صف املتمدر�سني �أو يزيد ال يق�ضي من �سنوات الدرا�سة �إال مراحلها االبتدائية نق�ص والإعدادية ،ناهيك مبا يعانيه التعليم من ٍ فادح يف الإمكانيات واملوارد الب�رشية الكف�ؤة، ومن تخلّف �صارخ يف الربامج الدرا�سة و�سوى ذلك من الأ�سباب التي تف�سرّ هزاله و�أزمته. حت�صل من ذلك �أن التنمية مل تنجح فقط ولقد َّ ب�سبب �أن التعليم يف غرب ٍة �شبه كلية عنها، وال يز ّود �آلتها بقطع الغيار التي حتتاج �إليها لال�شتغال ،بل �إن التعليم مل ينجح لأن «برامج التنمية» مل َت ْل َح َظه بو�صفه رهان ًا حيو ّي ًا يف
«ا�سرتاتيجيتها» .وهكذا َت َ�ضافرا مع ًا على نبذ بع�ضهما يف احلياة العربية املعا�رصة! لي�س املقام ،يف هذا امللف ،مقام حديث يف �أزمة التعليم – حتى ال نقول يف كارثة التعليم – التي تواجه الوطن العربي وته ّدد م�ستقبله العلمي والثقايف والتنموي بالتبديد، و�إمنا هو منا�سبة ملالحظ ِة ظاهر ٍة جديدة باالنتباه واالهتمام – يف احلياة الفكرية العربية يف ال�سنوات الأخرية – هي ارتفاع مع ّدل االن�شغال بق�ضايا التعليم يف الوطن العربي يف وجو ٍه خمتلفة منها :ييداغوجية وعلمية واجتماعية .وهي ظاهرة ُت ْط ِل ُعنَا على حجم القلق الذي ي�ستب ّد ببيئات وا�سعة من جراء ما بل َغ ْت ُه �أو�ضاع التعليم املجتمع العربي ّ من اهرتا ٍء وا�ستنقاع (يف�سرّ ه – من وج ٍه �آخر – �ش َّد ُة الإقبال لدى الأُ�سرَ املو�رسة على التعليم اخلا�ص والتعليم الأجنبي )...؛ لكنها – وهذا هو الأه ّم يف ما يعنينا يف هذا امللف وهذا التقرير العربي اليوم تفاع ِل الوعي – ُت ْط ِل ُعنا على ُح ْ�سن ُ ّ مع واحد ٍة من �أظهر امل�شكالت تفاقُم ًا واحتداداً ر�ص ْدنَا ح ً اال من يف احلياة العربية اليوم .ولقد َ التفاعل ذاك مع امل�س�ألة عينيها يف ا�ستمرار ِ حراك العام 2008الثقايف ،ومنثّل له – يف ما �سيلي – بفاعليات فكرية ثالث: بور�شتي عمل نظمتهما تتعلق الأوىل منها ْ مقرها يف املو�ضوع. مكتبة الإ�سكندرية يف ّ الأوىل حتت عنوان ا�سرتاتيجية التعليم ،وعقدت بتاريخ � 22شباط /فرباير 2008؛ والثانية حتت عنوان اجلامعات :بناة احلداثة ومقدمو اخلدمة التعليمية ،وعقدت يومي 14 – 13حزيران/ يونيو .2008وقد تناولتا م�س�ألتني يف غاية الأهمية :التخطيط اال�سرتاتيجي يف ميدان التعليم ودور اجلامعات .ومع �أن الهاج�س نف�سه� ،إ ّال �أن امل�رصي يف الور�شتني فر�ض َ اال�ستنتاجات والأحكام النقدية قابلة للتعميم على معظم الو�ضع التعليمي يف البالد العربية ِل َت�شَ ا ُبه املعطيات .وتتعلق الثانية مببادرة خا�ص جملة �ش�ؤون عربية �إىل �إ�صدار ملف ّ حول التعليم (العدد � ،134صيف )2008اهتمت
469
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 470للتنمية الثقافية
الأع ّم الأغلب من الإنتاج الفكري الر�صني �إمنا هو �إنتاج تخرجوا من حقبة تعليمية من َّ ً وثقاف ّية �سابقة (تقع زمان ّيا بني الأربعينيات وبدايات ال�سبعينيات)، علم ًا ب�أن جمهوراً غري ي�س ٍري منهم جامعات تلقى تعليمه العايل يف ٍ غربية!
درا�سا ُته بالتفكري يف جمل ٍة من امل�سائل ذاتِ ال�صلة مثل �أو�ضاع البحث العلمي يف الوطن العربي (= وهي الأدنى و�ضع ًا والأكرث �سوءاً العامل كلِّه) ،و�أو�ضاع التعليم العايل فيه، يف ِ والقيم الدميقراطية يف بيئة التعليم اجلامعي وغريهاّ � .أما الثالثة من تلك الفعاليات ،فتتعلق مب�ؤمتر فكري عقد ُه مركز الإمارات للدرا�سات والبحوث اال�سرتاتيجية حتت عنوان اللغة العربية والتعليم :ر�ؤية م�ستقبلية للتطوير يف مقر املركز (�أبو ظبي) بتاريخ 22-21كانون الثاين /يناير .2008وعلى الرغم من �أن امل�ؤمتر متخ�ص�ص وحمدود املو�ضوع (=اللغة العربية)� ،إ ّال �أن مو�ضوعه يف غاية الأهمية بالن�سبة �إىل م�ستقبل التعليم والنظام االجتماعي – الثقايف ،بالنظر �إىل ما تتعر�ض له اللغة العربية من حم ٍو �أو �إفقار �أو ُه َما مع ًا يف احلياة التعليمية العربية .وقد ك�شفت �أوراق امل�ؤمتر، وامل�سائل التي تناولتها ،عن قيمة املو�ضوعات التي ُعر�ضت على مناق�شات امل�ؤمتر مثل دور جمامع اللغة العربية يف تطوير اللغة ،ونقد مناهج تدري�سها يف النظام التعليمي العربي من خالل درا�سة حاالت (الإمارات العربية املتحدة ،اململكة العربية ال�سعودية) ،وت�أهيل معلمي اللغة العربية ،ودرا�سة جتارب التدري�س ّ باللغة العربية يف بع�ض البلدان العربية (�سوريةُ ،عمان ،اليمن) ،وواقع اللغة العربية يف ظل حتديات العوملة ،والتعريب والرتجمة يف امتداد الثورة التقنية املعا�رصة ،و�أدوار الأ�رسة والإعالم وامل�ؤ�س�سات االجتماعية يف تطوير اللغة وغري ذلك من امل�سائل التي و�ضعتِ اللغ َة القومي َة والتعليم مع ًا مو�ضع تفك ٍري وت�سا�ؤل.
�إ�شكاليات فكرية م�ألوفة
يف ط ّيب يف مل َي ْخ ُل عا ٌم من ح�صاد ثقا ّ ٍ جمال مقاربة ق�ضايا الفكر .لكنه – قطع ًا – دون حجم ح�صاد الدرا�سات الإن�سانية املت�صلة بق�ضايا ال�سيا�سة واالجتماع واالقت�صاد واال�سرتاتيجيا والإعالم؛ وهو – من دون �شكّ – دون حجم احل�صاد يف ميادين الأدب
والفن والإبداع .وما �أغنانا عن القول �إنه هزيل ّ ج ّداً مبعايري ما تنتجه ثقافات وجمتمعات هذا الع�رص! فعلى وفرة اجلامعات العربية (وباتت تحُ ّْ�سب باملئات يف ال�سنوات الع�رشين الأخرية) ،ومراكز الدرا�سات والبحوث واملعاهد العليا للبحث ،واملجالت واجلمعيات الفكرية الفكري يف الثقافة املتخ�ص�صة ،ف�إن ال�ش�أن ّ العربية ما َب ِر َح يعاين – حتى اليوم – من و�ضمور �شديد ّين .وال يتعلق الأمر فح�سب ُهز ٍَال ُ بالفعاليات اجلماعية من النوع الذي يتناوله يف هذا امللف (م�ؤمترات ،ندوات ،حلقات نقا�شية و ُو َر�ش عمل ،ملفات فكرية متخ�ص�صة) و�إمنا الفكري (الفردي) هو يتعلق �أي� ًضا بالإنتاج ّ الذي يدخل يف باب الت�أليف ،ذلك �أن هذا يعرف – بدوره – تعثرُّ اً ملحوظ ًا زادت ح َّدته على نح ٍو �أظهر يف ال�سنوات الع�رش الأخرية. ال ي�سمح املجال يف هذا امللف (= التقريري) بتحليل الأ�سباب والعوامل الدافعة نحو هذه احلال من الرتاجع امللحوظ يف وترية الإنتاج وا َ حل َراك على �صعيد ال�ش�أن منا�س َبة منا�س َب ٌة – ج ّد ِ الفكري واملعريف .لكنها َ – للقول �إن هذه احلال تق ِّدم �شهادة نقدية �صارخة �ض ّد امل�ؤ�س�سات العلمية والأكادميية واجلامعية والبحثية التي ُي ْفترَ َ �ض �أنها تتع َّهد الفكري واملعر َّ يف بالت�أطري والرعاية ال�ش�أن َّ نف�سه – منا�سبة والربجمة .لكنها ،يف الوقتِ ِ مالئمة للوقوف على حجم اخلراب الثقايف والفكري الذي تع َّر�ضت له �أجيا ٌل من املتعلمني منذ �أربعة عقود ب�سبب نوع النظام التعليمي والثقايف ال�سائد .وال �أدلّ على ذلك من �أن الأع ّم الأغلب من الإنتاج الفكري الر�صني �إمنا هو �إنتاج من تخ َّرجوا من حقبة تعليمية وثقاف ّية �سابقة (تقع زمان ّي ًا بني الأربعينيات وبدايات ال�سبعينيات) :وجمهو ٌر غ ُري ي�س ٍري منهم تلقى جامعات غربية! تعليمه العايل يف ٍ العربي (= الأكادميي)، الوعي ا�ست�أنف ُ ُّ ببع�ض امل�ألوف يف العام ،2008ان�شغاله ِ من ق�ضايا الفكر التي تناولها� ،أو اعتاد على تناولها ،يف املا�ضي .ومن ح�صاد هذا العام
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
الح�صاد
فكر ّي ًا ،تتجلّى ثنائية الذات والآخر .وهما من �أمهات الق�ضايا يف الوعي العربي من ثالثينيات القرن التا�سع ع�رشُ :ت ِطالّن على ب�ص َو ٍر ومفردات خمتلفة. الر�أي العام ُ َي ْعر�ض �س�ؤال الذات نف�سه ،يف ح�صاد هذا العام ،من طريق جتديد االهتمام بالتاريخ: وم ْه َجع �أ�سئلة م�ستودع خربة الأمة يف الزمان َ اليوم ومرجعها عند �أغلب َمن ت�ش ُّد ُهم جترب ُتها التاريخية ومييلون �إىل االعتقاد ب�إمكان البناء عليها .ويف باب التاريخ� ،شهد العام 2008ثالث مبادرات فكرية� :أ ّولها متخ�ص�صة تتعلق بدور الوثيقة يف كتابة التاريخ .وثانيها �أ�سطوغرافية ا�ستعرا�ضية حتاول �أن تطل على زمني �شاملّ � .أما امتداد التاريخ العربي يف ٍ ّ ثالثها ،فمن طبيعة �أكادميية �رصف حتاول – عن طريق تفعيل مبد�أ التكرمي العلمي – �أن تقر�أ مبفردات حتليلية نقدية متن ًا فكري ًا تاريخ ّي ًا لواح ٍد من � ْأم َيز امل�ؤرخني العرب منذ �ستة عقود نباه ًة ودقة و�أغزرهم كتاب ًة وعطا ًء. انعقدت الندوة الأوىل يف �إطار الربنامج الثقايف ملكتبة الإ�سكندرية يف مركز امل�ؤمترات بتاريخ � 24أيار /مايو 2008حتت عنوان الوثائق م�صدراً للتاريخ وهي – كما ي ُدل عليها عنوانُها – ندو ٌة تغ َّيت �إلقاء �ضو ٍء جديد على �أهمية العناية بالوثائق بح�سبانها مادة حيوية �شاهدة على وقائع املا�ضي ومورداً رئي�س ًا لكتابة التاريخ و�إعادة كتابته .ولع ّل مما ي�ضيف قيم ًة �إىل الندوة �أن الكثري من وثائق التاريخ لي�س حتت ت� ّرصف �أهله لأ�سباب بع�ضها �إىل احلقبة الكولونيالية، �شتى يعود ُ و�أن ما يف حوزتهم مل ُي ْدر�س درا�سة علمية مبا فيه الكفاية� ،إن بع�ضه مل ُيحقِّق حتقيق ًا علم ّي ًا .وهذا �إمنا ينطبق ،على الوجه الأو�ضح، على حال الوثائق العربية (الو�سيطة واحلديثة واملعا�رصة) :ما يوجد منها خارج املكتبات العربية ،وما َظ ِفر منها بالوجود يف هذه املكتبات من دون �أن ي�س َت ْ�ص ِح َب هذا الوجود عناي ٌة َتليق به .واحلال �إن التاريخ لي�س �شيئ ًا �آخر غري تلك الوثائق :ي�ستبني بها �أو ي�ستغلق
بغيابها �أو �سوء الت�رصف فيها. وانعقدت الندوة الثانية بدعوة من جهة خمت�صة ،هي احتاد م�ؤرخي العرب، علمية َّ حتت عنوان تاريخ الوطن العربي عرب الع�صور: التاريخ الثقايف يومي 13-12ت�رشين الثاين/ نوفمرب 2008يف القاهرة ،وهي الندوة ال�سنوية لالحتاد .ومع �أن احتاد م�ؤرخي العرب اعتاد االهتمام ب�أ�سئلة التاريخ العلمي يف ن�شاطاته العلمية� ،إ ّال �أن اختيا َر ُه مقاربة التاريخ الثقايف يف هذه الندوة ،و َت ْو ِ�س َع َة نطاق زمن َّية مما هذا التاريخ بحيث ت�شمل حقبه كافةَّ ، ُي ْح َم ُد له تف ُّرده به واملبادرة �إليه ،خ�صو� ًصا �أن خارج نطاق يف ناد ٌر االحتفال بالتاريخ الثقا ّ َ انعقدت الت�أليف الفردي (الأكادميي)� ،أو قلّما ْ له امل�ؤمترات والندوات يف البالد العربية على �أهميته يف �إ�ضاءة جوانب �أخرى من التاريخ َ ناهيك ب�أن الفكر العربي يعاين من ال�سيا�سي. نق�ص حا ّد يف ميدان التاريخ الثقايف بحيث ما نزال نعي�ش – حتى الآن – على العملينْ العلم َّيني الرائد ْين اللّذين تركهما ك ٌّل من جرجي زيدان (تاريخ التم ّدن الإ�سالمي) و�أحمد �أمني (ثالثية :فجر الإ�سالم� ،ضحى الإ�سالم ،ظهر الإ�سالم) على الرغم من مرور ما يقل قلي ًال عن قرن من �صدور العمل الأول ،وما يقل قلي ًال عن ٍ �ستني عام ًا من �صدور الثاين ب�أجزائه كافة. ثم �إن اخت�صا�ص التاريخ الثقايف مازال ناد َر الوجود يف �أو�ساط امل�ؤرخني العرب ،و�أغلب َمن ت�ص ّدى للمهمة كان من امل�شتغلني يف حقول الفل�سفة والأدب العربي والدرا�سات الإ�سالمية. �أما الندوة الثالثة ،فعقدها مركز درا�سات الوحدة العربية ملناق�شة «�أعمال الدكتور عبدالعزيز الدوري» يف مبادرة منه لتكرمي الع َّالمة وامل�ؤرخ الكبري مبنا�سبة بلوغه عامه الت�سعني .وقد ان�رصفت مناق�شاتها �إىل تناول عمله العلمي يف ميدان التاريخ متق�صية مو�ضوعاتها بالتحليل وال َّدر�س، ّ واملنهج املتبع فيها يف درا�سة تاريخ ال�سرية وتاريخ الدولة والتاريخ االقت�صادي للعراق وظواهر كال�شعوبية ،ف�ض ًال عن تاريخ النظم
471
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 472للتنمية الثقافية
وامل�ؤ�س�سات الإ�سالمية ،وتاريخ التاريخ (علم التاريخ) عند العرب ،والأثر الفكري الذي تركته �أعما ُله الكثرية يف �صفوف جيلني من امل�ؤرخني والباحثني العرب يف ميدان التاريخ .وقد دارت تلك املناق�شات على مدار يوم 9ت�رشين الثاين/ نوفمرب 2008يف مقر املركز ببريوت ،وكان بع�ض من تالمذته من امل�ؤرخني – الذين ٌ تتلمذوا ل ُه يف �سنوات ال�ستينيات – يف جملة امل�شاركني يف الندوة .وقد �أتى عقد الندوة يف �سياق �إقدام مركز درا�سات الوحدة العربية على �إعادة ن�رش الأعمال العلمية الكاملة للدكتور عبد العزيز الدوري (والتي �صدر منها حتى تاريخ عقد الندوة �ستة كتب). اتخذ �س�ؤال الذات� ،إذاً� ،شكل م�سا َءل ٍة للتاريخ :تاريخ الأمة .ولي�س املقام – هنا ُوف على نوع تلك امل�سا َءلة ون�سبية – مقام وق ٍ أيديولوجي فيها .غري �أن اختيارها العلمي وال ّ ّ مما َي ْح ُ�سن بنا ح�سبا ُن ُه اختياراً ة نافذ التاريخ ً ّ منا�سب ًا ،لأنه ما من طريق ٍة �أف�ضل للتفكري يف الذات وم�ساءلتها من العودة �إىل التاريخ� :رشط �أن ال تكون عود ًة تبجيليةّ � .أما �س�ؤال الآخر، اهتمام بوجهينْ من �إنتاج الثقافة ف�أخذ �شك َل ٍ الغربية :اال�ست�رشاق من جهة ،والإنتاج الثقايف الغربي املنقول �إىل العربية من طريق الرتجمة من جهة ثانية. �س ُن ْف ِرد للرتجمة فقر ًة خا�صة ن ُِط ُّل من خاللها على نوع الهواج�س الفكرية التي ت�شغل الوعي العربي يف الوقت الراهن ،ويف عام التقرير ( )2008على نح ٍو خا�ص .لكنه من املنا�سب التنبيه �إىل �أن الرتجمة ،مبا هي العربي على ثقافات الآخر �أداة رئي�س لإِ ْط َال ِع ِّ (خ�صو� ًصا َمن ال يتقن لغ ًة �أو �أكرث من اللغات العاملية) ،مل َت ُعد «هواية» معرفية لدى َمن ي�ست�شعرون احلاجة �إىل تزويد املعرفة العربية ببع�ض ن�صو�ص الفكر الغ ْربي (�أَو �سوا ُه من خارج دائرة الل�سان العربي) ،و�إمنا � ْأ�ض َحت اخت�صا� ًصا علم ّي ًا ومهن ّي ًا له �أ�صو ُل ُه وقواع ُده. خمت�صة هي املركز الوطني هذا ما َح َدا بجهة ّ للرتجمة يف اجلزائر �إىل عقد ندوة يف املو�ضوع،
بتاريخ 29-28ت�رشين الثاين /نوفمرب حتت عنوان الرتجمة من التكوين �إىل التمهني. وهي ندوة �أرادت �أن تقف على ال�سبل الأكفل �إىل تنظيم حقل الرتجمة يف ح ّيزين رئي�سينْ منه :الأكادميي واالحرتايف .وهو التنظيم الذي مازال – حتى اليوم – يعوز الرتجمة يف البالد العربية فيحملها على الرت ُّدد بني ح َّد ْين �سلبيينْ :االرجتال والفو�ضى من جهة وان�سداد �أفق االحرتاف الوظيفي من جهة �أخرى. �أما يف امل�س�ألة الثانية من م�سائل التفكري يف الآخر (= اال�ست�رشاق) ،فقد بادر احتاد امل�ؤرخني العرب �إىل عقد ندوة يف املو�ضوع، بتاريخ 9حزيران /يونيو ،2008حتت عنوان اال�ست�رشاق بني االنحياز واملو�ضوعية .وهو عنوان م�ألوف ج ّداً يف مقاربة املفكرين والباحثني العرب للم�س�ألة منذ عقود .فلقد بدا اال�ست�رشاق للوعي العربي ،منذ نهايات القرن التا�سع ع�رش ،مزيج ًا من الأمر ّين .فهو ،من وج ٍهْ � ،أ�سدى للثقافة العربية الإ�سالمية ِخ ْدمات ال تقبل النكران (حتقيق م�صادر الرتاث ون�رشها علمية ،و�إِ ْعمال مناهج حديثة يف درا�سته ،)... بع�ض رموزه الكبار عن ق ْد ٍر من النزاهة ُ وعبرَّ ً يف قراءته ،بل – و�أحيانا – عن َق ْد ٍر من الإعجاب بتاريخ الإ�سالم ومن التعاطف مع ثان� ،أ�سدى وج ٍه ٍ العرب وامل�سلمني .وهو ،من ْ خدمات كبرية لل�سيا�سات الكولونيالية يف العاملني العربي والإ�سالمي ،بل ارتبط بها وا�ستمر ارتباط ًا وظيفي ًا يف �أحايني كثرية، ّ يعبرّ عن خمزون ثقايف ونف�سي من الأحقاد وم�شاعر العداء للإ�سالم وامل�سلمني موروث عن حقبة الع�صور الو�سطى واجلداالت الالهوتية و�رصاعات الإ�سالم وامل�سيحية .وعلى ذلك ،ف�إن ال�صورة املزدوجة واملتناق�ضة عن اال�ست�رشاق يف الوعي العربي ما كانت متخ َّي َلة �أو مف َت َع َلة، مفارقات يف ذلك الوعي، وال هي تك�شف عن ٍ مبقدار ما كانت تعك�س يف مر�آتها �صور َة ذلك اال�ست�رشاق يف تن ّو ِع ِه وتناق�ضه .وهذا �إمنا ي ّربر أرجح ملاذا كان ال�س�ؤال يف الوعي العربي عن ت� ُ املعرفة الغربية بال�رشق بني العداء واحلياد 2008
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
طرحه اليوم ،كما �س�ؤا ًال حا ّداً ،وملاذا يتجدد ُ يف ندوة احتاد امل�ؤرخني العرب بالقاهرة، وبخا�صة بعد �أن انبعثت ظاهرة اخل َواف من الإ�سالم (الإ�سالموفوبيا) عقب انهيار «املع�سكر اال�شرتاكي» وانبعاث احلاجة الغربية �إىل عد ٍّو جديد (يع ّو�ض عن غياب العد ّو ال�شيوعي) ،ثم عقب �أحداث � 11أيلول� /سبتمرب 2001وا�ستثمار بع�ض الدوائر الغربية لها ق�صد �أخذ ذلك العد ّو اجلديد باجلرم امل�شهود .ولقد كان على ندوة «اال�ست�رشاق بني االنحياز واملو�ضوعية» �أن َت ْل َحظ �أن ظرفية جتديد ال�س�ؤال م�رشوعة لأن بع� ًضا كثرياً من اخلطاب الغربي حول ال�رشق والإ�سالم والعرب َجنَح جنوح ًا فا�ضح ًا نحو التعبري عن م�شاعر عداء �رصيح �آخذاً امل�سلمني جميع ًا ،ومعتقداتهم وثقافتهم وجمتمعاتهم، بجرير ِة زمرة �صغري ٍة منهم!
يف الأ�سئلة الأظهر
التعيني (= الأ�سئلة االظهر) ،وجدنا ثالثة منها والر�صد، – على وفرتها – �أ ْد َعى �إىل االهتمام ّ وتتعلق بالنظام الدويل ومتغرياته ،وبتطورات �أزمة الوحدة الوطنية يف قط ٍر من الأقطار العربية ،وبامل�شكلة ال�سكانية – وم�شكلة خا�ص – يف البالد العربية الهجرة على نح ٍو ّ املعا�رصة؛ �أي �أنها تتعلق مب�سائل تنتمي �إىل ال�سيا�سة والعالقات الدولية وتوازنات القوى يف النظام العاملي (وعالقات العرب بالقوى اجلديدة ال�صاعدة يف هذا النظام)؛ و(تنتمي) العربي ال�سيا�سي �إىل مع�ضالت االجتماع ّ ّ وما يعي�ش يف كنفه من جدلية حادة لفعل ديناميات التوحيد واالنق�سام فيه؛ و (تنتمي) �إىل االجتماع املدين وم�شكالت اال�ستقرار االجتماعي واملواطنة.
قوى دولية جديدة حتت ال�ضوء
العرب بالنظام الدويل منذ وعي َم َّر ِ ُ القرن التا�سع ع�رش (قرن احلملة الكولونيالية) بلحظتني :حلظة �إدراك الثنائية الربيطانية – الفرن�سية كثنائية حاكمة للنظام العاملي منذ مطالع القرن التا�سع ع�رش حتى اندالع احلرب العاملية الثانية؛ وحلظة �إدراك الثنائية الأمريكية – ال�سوفيتيية كثنائية حاكمة لذلك النظام يف حقبة ما �س ّم َي بـ «احلرب الباردة» الثمانينيات بني نهاية الأربعينيات ونهاية َ من القرن الع�رشين .و�إذا كان �صعود الق ّوتني الأمريكية والرو�سية بعد احلرب الثانية قد خلّف االنطباع ب�أفول دور بريطانيا وفرن�سا يف ال�سيا�سة الدولية ونهاية �أملانيا واليابان ،ف�إن انت�صار �أمريكا يف احلرب الباردة خلق االنطباع بنهاية رو�سيا وانت�صار الغرب وانت�صار �أمريكا داخل الغرب (على الغر َبينْ الأوروبي والياباين) .ومثلما اكت�شف الوعي العربي – والعاملي – خط�أ اعتقاده بنهاية بريطانيا وفرن�سا و�أملانيا واليابان بعد احلرب الثانية قوى عظمى ولو (بعد �أن �أقامتِ الدليل على �أنها ً اقت�صاد ّي ًا) ،فقد اكت�شف خط�أ اعتقاده بنهاية رو�سيا و�أوروبا و�آ�سيا الر�أ�سمالية بعد نهاية
الح�صاد
نق�صد بالأ�سئلة الأظهر الق�ضايا التي �أثارت انتباه النخب الثقافية يف العام 2008 على نح ٍو �أ�ش ّد من ذي قبل ،و ّب ّدا الرتكيز عليها م�ستوى يف الوعي ب�أهميتها �أعلى. دا ًّال على ً ويعني هذا التعريف للأ�سئلة الأظهر �أنها لي�ست جديدة متام ًا على الوعي العربي� ،ش�أن �سابقتها ا�ستج ّد ور َف َع (= الأ�سئلة امل�ألوفة) ،لكن فيها ما َ من مع ّدل �أهميتها يف وعي تلك النخب .على �أن واحتكارها ظهور هذه الق�ضايا على غريها َ احل ّي َز الأك َرب من االنتباه لي�س ُي ْعزَى �إىل طوارئ مو�ضوعية طر�أت ف�ألقت �ضوءاً كا�شف ًا عليها، ذاتي (= فكري) هو و�إمنا ُي ْعزَى �أي� ًضا �إىل �سبب ّ ن�ضج الإدراك والتقدير لقيمة تلك املو�ضوعات �أو – على الأقل – للحاجة �إىل تظهريها �أكرث بعد �أن �صرُ ِ ف االهتما ُم �إىل غريها طوي ًال� .إن �إخراجها من التهمي�ش والإهمال و َو ْ�ض َعها يف �صلب عملية التفكري هو عينُه الإظهار الذي رئي�سة �أو يف جملة الق�ضايا به باتت ق�ضايا َ الرئي�سة. َ � ّإن �ألق ْينَا نظراً ا�ستعرا�ض ّي ًا على املو�ضوعات وامل�سائل التي تدخل يف جملة هذا
473
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 474للتنمية الثقافية
ُلوحِ ظَ – يف ال�سنني الأخرية أو�سع و�أكثف مع تفاع ٌل – ُ عربي � ُ ٌّ حقيقة االنتها�ض الرو�سي من �صدمة االنهيار ال�سوفيتي ونتائجه، وتقدير خمتلف ملا بات يف و�سع ٌ مو�سكو �أن تقوم به موازن ًة للدور الأمريكي.
احلرب الباردة� .إذ ت�ضافر النجاح الأمريكي يف ح�سم احلرب الباردة �ضد االحتاد ال�سوفييتي من ْ دون قتال ب�صعود املارد الإقليمي الأوروبي يف �أعقاب وحدته االقت�صادية والنقدية واجليو – �سيا�سية ،وبدخول اليابان طور مناف�سة اقت�صادية وعلمية وتكنولوجية �شديدة للواليات املتحدة (�رسعان ما دخلت كوريا اجلنوبية يف جملتها) .لكن الأه ّم من ذلك عودة رو�سيا قوية �إىل ال�ساحة الدولية وال�صعود املفاجئ لل�صني كقوة عظمى يف املجاالت االقت�صادية واملالية وال ِّتقَا ِن َّية والع�سكرية. راجـع االهـتمـام الـعـربـي -والـدولـي َت َ ا�ستطراداً – برو�سيا طيلة عقد الت�سعينيات من القرن الع�رشين املا�ضي� ،أي يف �أعقاب وتف�سخ رو�سيا انهيار االحتاد ال�سوفييتي ُّ الفيدرالية يف عهد بوري�س يلت�سني وتنامي االعتقاد با�ستحالة عودتها �إىل النهو�ض ب�أي دور وازن يف ال�سيا�سة الدولية بالنظر �إىل أو�ضاعها االقت�صادية من انهيا ٍر ما بلغته � ُ و�إفال�س و�أو�ضاعها االجتماعية والقومية من تفاق ُِم حا ّد يف الأزمات وامل�شكالت ،مع ما كان لذلك من نتائج ملحوظة وفورية من قبيل انكفائها ال�سيا�سي �إىل حدودها القومية (امله َّددة بالتو�سع الأطل�سي) و�إىل م�شكالتها الداخل ّية .وقد كاد ي�ستقر يف الأذهان – لفرتة غري ق�صرية – �أن �أيلولة رو�سيا �إىل ما �صادق عليه تركيا بعد انهيار الإمرباطورية العثمانية اختالف يف التفا�صيل (احلجم الإقليمي مع ٍ والع�سكري وال�سكاين للحالتني) .غري �أن هذا االعتقاد �رسعان ما بد�أ يتب َّدد بالتدريج منذ نهايات القرن املا�ضي :منذ رحيل يلت�سني عن ال�سلطة و�صعود فالدميري وبداية بناء التما�سك يف �أو�ضاع رو�سيا .وقد تع َّزز االعتقاد �أكرث يف نهاية الن�صف الأول من العقد الأول من هذا القرن ،حني �أعاد بوتني لرو�سيا الكثري مما فقد ْته من هيبتها ودفَع الواليات املتحدة والغرب �إىل �إعادة احل�سابات من جديد و�أخذ م�صالح رو�سيا ودورها الدويل يف احل�سبان. تفاعلٌ ولقد ُل ِ وح َظ – يف ال�سنني الأخرية – ُ
عربي �أو�س ُع و�أكثف مع حقيقة االنتها�ض ٌّ الرو�سي من �صدمة االنهيار ال�سوفييتي ونتائجه ،وتقدي ٌر خمتلف ملا بات يف و�سع مو�سكو �أن تقوم به موازن ًة للدور الأمريكي �أو تعدي ًال يف من ِزعه الإمرباطوري واالحتكاري، ف�شهدنا اجتاه ًا �رصيح ًا نحو ت�صحيح يقينيات �سابقة عن «نهاية رو�سيا» كقوة عظمى ون�سبي ًة يف �إطالق الأحكام �أعلى .و�إ ْذ �أخذ االعرتا�ض الرو�سي على ال�سيا�سة الأمريكية ُ واقع مداه يف اجتياح جورجيا وفر�ض �أم ٍر ٍ تق�سيمي عليها ،و َدفْع دول الغرب – و�أولها الواليات املتحدة – �إىل �إبداء العجز عن �إنقاذ �سكا�شفياي والت�سليم بنتائج ما فر�ضته رو�سيا يف حميطها الإقليمي املبا�رش� ،أخذ االهتمام الفكري وال�سيا�سي العربي بها مداه :يف دوائر ال�سيا�سة والإعالم وال�صحافة ابتدا ًء ،ويف مراكز الدرا�سات وامل�ؤمترات الفكرية والت�أليف الأكادميي تالي ًا ،و�إن كان �أكرث ما ُك ِت َب – يف النطاق الفكري والتحليلي – عن رو�سيا ما بعد اجتياح جورجيا �إمنا كتب يف بداية العام 2009ب�سبب حداثة حدث االجتياح (يف نهاية نر�ص َد – يف �صيف العام .)2008وميكننا �أن ُ ْ هذا املعر�ض وعلى نح ٍو �رسيع – �شَ كلني من ذلك االهتمام الفكري العربي املتج ّدد بالدور الرو�سي :اهتمام بر�ؤية النخب الرو�سية لدور بالدها ،واهتمام بر�ؤية النخب العربية �إىل ذلك الدور: كر�ست جملة �ش�ؤون الأو�سط ملف ًا خا� ًصا يف عددها �( 128شتاء – ربيع )2008ملو�ضوع «رو�سيا وال�رشق الأو�سط» لعر�ض ر�ؤية النخب الفكرية الرو�سية للم�س�ألة من خالل درا�سات لبع�ض كبار ك ّتابها وباحثيها املخت�صني (بوبوف ،باكالنوف ،بيلنكايا ،خرينكوف، �سلطانوف ،)..وتناولت مادة امللف جمل ًة من املو�ضوعات الهامة عن العالقات العربية – الرو�سية ،ونظر رو�سيا �إىل العامل العربي، وموقفها من «عملية ال�سالم» يف ال�رشق الأو�سط، و�إيران يف ال�سيا�سة الرو�سية ،وال�رشق الأو�سط بني ال�سيا�سة الرو�سية وال�سيا�سات الغربية،
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
الفكري نف�سه بال�صني االهتمام َّ ما زال يف بداياته ،ويفتقر �إىل معرف ٍة كافية بهذا البلد وتاريخه و�أدواره املعا�رصة والقوى والديناميات منوه وتقدمه .ذلك �أنه الفاعلة يف ّ ما انْ�رصمت حقب ُة َولَع بع�ض الي�سار العربي ب�صني ماو ت�سي تونغ ،وتراثها الأيديولوجي ال�شيوعي املعا�رص، حتى �أعقبتها حقبة االنبهار باملعجزة ال�صينية من دون معرف ٍة ب�أ�سباب تلك املعجزة وعواملها .ولع ّل ذلك ناج ٌم –يف املقام الأول– عن انعدام مراكز درا�سات خا�صة بال�صني واالفتقار �إىل �أطر وكفاءات ب�رشية علمية متخ�ص�صة.
الح�صاد
وامل�صالح الرو�سية يف البحر الأحمر ،ثم رو�سيا والعامل الإ�سالمي .وقد وفّرت مواد امللف فر�صة ملطالعة اجتاهات ال�سيا�سة الرو�سية جتاه «ال�رشق الأو�سط» والوطن العربي �ضمنه على نح ٍو خا�ص ،و�أَ ْط َل َعنا ن� ُرشها يف جملة عربية على تنامي االهتمام مبعرفة ما تفكّر به رو�سيا جتاه منطقتنا� .أما املجلة العربية للعلوم ال�سيا�سية ،فن�رشت يف عددها الع�رشين (خريف )2008ملف ًا عنوانه رو�سيا والنظام الدويل ت�ض ّمن درا�ستني عن رو�سيا بو�صفها قوة كربى عاملية ،وعن �سيا�ستها العربية واال�ستقرار يف النظام الدويل .وقارئ امللف َي ْل َحظ َم ْي ًال نحو �إعادة ت�صحيح الر�ؤية العربية جتاه الأدوار الدولية الكربى التي باتت رو�سيا قادرة على النهو�ض بها والآثار الإيجابية – املح َت َم َلة لها – يف الو�ضع العربي. حني كان يرتاجع االهتمام العربي برو�سيا – بعد انهيار االحتاد ال�سوفييتي – كان يتنامى بال�صني يف امتداد تنامي قوتها االقت�صادية واملالية وال ِّتقانية على الرغم من اهتمام بال�صريورة قو ًة �أن ال�صني مل ُتب ِد كب َري ٍ وزن �سيا�سي يف ق�ضايا العا ْملني العربي ذات ٍ َ ً والإ�سالمي ،واكتفت باالقت�صاد نطاقا وماد ًة للعالقة بدول هذين العاملينْ .على �أن اهتمام النخب الفكرية العربية بال�صني كقوة عظّ مى جديدة ال ُيترَ ْ ِجم �شيئ ًا �سيا�س ّي ًا ذا بال�ِ ،إ ْذ ظلتِ ال�سيا�سة الر�سمية العربية بعيدة عن �إدراك هذا املتغري اال�سرتاتيجي الكبري الذي ميثله ال�صعود امل ّدوي لل�صني يف الع�رشين عام ًا االخرية ،وارت�ضت �أن ت�ستمر العالقة بها رتيبة يف املجال ال�سيا�سي والدفاعي ون�شطة – �إىل ح ٍّد – يف املجال االقت�صادي والتجاري .غري نف�سه بال�صني ما زال �أن االهتمام َّ الفكري َ يف بداياته ،ويفتقر �إىل معرف ٍة كافية بهذا البلد وتاريخه و�أدواره املعا�رصة والقوى والديناميات الفاعلة يف من ّوه وتقدمه .ذلك �أنه ما انْ�رصمت حقب ُة َو َلع بع�ض الي�سار العربي ب�صني ماو ت�سي تونغ ،وتراثها الأيديولوجي ال�شيوعي املعا�رص ،حتى �أعقبتها حقبة االنبهار
باملعجزة ال�صينية من دون معرف ٍة ب�أ�سباب تلك املعجزة وعواملها ال َّل ُهم ما كان من عموميات ال َتقْبل الت�صنيف يف خانة املعرفة .ولع ّل ذلك ناج ٌم – يف املقام الأول – عن انعدام مراكز درا�سات خا�صة بال�صني واالفتقار �إىل �أطر وكفاءات ب�رشية علمية متخ�ص�صة يف ال�صني بالعامل العربي و ُت َو ّ�سع من دائرة تعليم اللغة العربية لل�صينيني الراغبني فيها. لعل مركز الدرا�سات ال�سيا�سية واال�سرتاتيجية (الأهرام) من �أكرث مراكز الدرا�سات العربية متابع ًة لل�ش�أن ال�صيني وتفاع ًال معه .ولقد ن�رشت جملته ال�سيا�سية الدولية يف عددها ( 173متوز /يوليو )2008 ملف ًا خا� ًصا حتت عنوان ال�صني � ...إ�شكالية التوازن يف مواجهة التناق�ضات ت�ض َّمن �أربع ع�رشة مادة (بني درا�س ٍة ومقالة) تناولت مو�ضوعات �شتى تراوحت بني قوة ال�صني االقت�صادية والع�سكرية من الداخل ،ومكانتها ودورها يف العامل ،مروراً بعالقاتها اخلارجية. وهكذا ان�رصفت درا�سات امللف �إىل التفكري يف �ش�ؤون �صينية داخلية من قبيل النتائج املرتتبة عن حت ُّول االقت�صاد ال�صيني عن الزراعة، والأبعاد االجتماعية لل�صعود ال�صيني ،وخيار الطاقة البديلة فيها ،و�صناعتها الع�سكرية، والتلوث وخماطر تدهور البيئة يف ال�صني، والف�ساد وخماطره على عملية التنمية ،ثم احلركات االنف�صالية يف ال�صني؛ كما ان�رصفت �إىل مطالعة وجوه ال�صعود والعاملية يف النموذج ال�صيني والر�ؤى املختلفة �إىل دور ال�صني العاملي ،وموقعها يف التجارة الدولية مبا يف ذلك ما طر�أ من تغيري يف خياراتها انتقل بها من التناف�س �إىل االعتماد املتبادل؛ بع�ض و�أخرياً، ان�رصفت مواد امللف �إىل مطالعة ٍ ْ من وجوه عالقاتِ ال�صني الدولية من قبيل العالقات ال�صينية – الأمريكية وما يكتنفها من �رصاع وتعا ُون ،وعالقات ال�صني بالدول النامية ومنطلقات تلك العالقة و�أبعادها ،ثم ال�صني وال�رشق الأو�سط حيث املعادلة بني ال�سيا�سة واالقت�صاد فيها خمتلة ل�صالح الثاين.
475
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 476للتنمية الثقافية
مل تحَ ْ ظَ �أملانيا مبثل ما حظيت به رو�سيا وال�صني من اهتمام عربي على الرغم من مكانتها كقوة ّ اقت�صادية رابعة يف العامل وكدولة حمور ومرك ٍز يف االحتاد الأوروبي، ٍ و ذلك على الرغم من �أن عالقة العامل العربي بها �أوثق اقت�صاد ّي ًا و�سيا�س ّي ًا – من الزاوية التاريخية املعا�رصة – من عالقته بالدولتني تينك.
لع ّل ما م َّيز االهتمام العربي بالقوى الدولية اجلديدة ،يف حراك العام 2008الفكري ،تن ُّوعه الن�سبي و�شموله َح ِّيزات �أقليمية َن َد َر �أن و َق َع االن�رصاف �إىل التفكري فيها، ومن ذلك مث ًال االهتمام ب�أ�سرتاليا وعالقاتها بالعامل العربي.
وهكذا �أطلت مواد امللف على ثالث زوايا رئي�س: ال�صني من الداخل ،وال�صني يف �سيا�ستها الدولية والإقليمية ،ثم مالمح النموذج ال�صيني ومكانته يف عالقات القوى على ال�صعيد بحثي م�رصي ،فقد العاملي .ولأن املرك َز مرك ٌز ّ ملف جملته يف هذا العدد �أن يثري ال�س�ؤال �آثر ُّ (ال�رضوري) عن «واقع وم�ستقبل الدرا�سات ال�صينية يف م�رص» .و�أغنانا عن القول �إنه �س�ؤال قابل للتعريب �أو للتعميم عرب ّي ًا. مل تحَ َْظ �أملانيا مبثل ما حظيت به رو�سيا عربي على الرغم من وال�صني من اهتمام ّ مكانتها كقوة اقت�صادية رابعة يف العامل (بعد الواليات املتحدة واليابان وال�صني) ،وكدولة حمو ٍر ومرك ٍز يف االحتاد الأوروبي ،وعلى الرغم من �أن عالقة العامل العربي بها �أوثق اقت�صاد ّي ًا و�سيا�س ّي ًا – من الزاوية التاريخية املعا�رصة – من عالقته بالدولتني تينك ،من دون �أن نتحدث عن دورها املحوري يف �ضبط �سلوك ال�سيا�سة الغربية نحو �إيران ولجَ ْ م اندفاعتها نحو خيا ٍر ع�سكري لن يدفع كلفته ،يف ح�ساب حال النتائج� ،سوى اخلليج العربي ودوله يف ِ ف�ض نزاع الغرب مع �إيران الذهاب �إليه ِل ِّ النووي .ومل نعرث يف احلراك حول برناجمها ّ الثقايف للعام 2008على �أية فعالية فكرية ج ّدية تتناول التجربة الأملانية مو�ضوع ًا �سوى ور�شة عمل عقدها مركز الإمارات للدرا�سات والبحوث اال�سرتاتيجية بتاريخ 14كانون مو�ضوعها بعيداً الثاين /يناير ،2008وكان ُ عن االقت�صاد وال�سيا�سة العربية و«ال�رشق نف�سه �أو�سطية» الأملانية ،ولكنه – يف الوقت ِ – يف غاية الأهمية ،هو ال�سيا�سة اخلارجية الأملانية( ،عنوان الور�شة« :الديبلوما�سية يف عام – 2008اجلوانب العلمية لل�سيا�سة عامل معومل :التجربة الأملانية). اخلارجية يف ٍ على �أن العناية بهذا ال�ش�أن اجلزئي من �ش�ؤون ال�سيا�سة الأملانية لي�س بالأمر الي�سري لأنه ما كان م�ألوف ًا متام ًا �أن ي�شغل ال�ش�أن الأملاين ح ّيزاً يف التفكري العربي على نح ٍو ُي�شْ ِع ُرنا بوجود تق�ص ٍري يف ذلك االهتمام هذا العام.
ولع ّل ما م َّيز االهتمام العربي بالقوى الدولية اجلديدة ،يف حراك العام 2008الفكري، تن ُّوعه الن�سبي و�شموله َح ِّيزات �أقليمية َن َد َر �أن و َق َع االن�رصاف �إىل التفكري فيها ،ومن ذلك مث ًال االهتمام ب�أ�سرتاليا وعالقاتها بالعامل العربي ،بعد نطاقات �ضيقة ال يتعداها من نوع م�س�ألة الهجرة العربية �إىل �أ�سرتاليا و�أو�ضاع املهاجرين العرب فيها� ،أو مبنا�سبات عار�ضة مثل م�شاركة احلكومة الأ�سرتالية ورئي�سها هاورد يف حرب غزو العراق واحتالله يف العام .2003ولقد ك�رس مركز الإمارات للدرا�سات والبحوث اال�سرتاتيجية القاعدة يف العام 2008 حني عقد ندوة يف مو�ضوع �أ�سرتاليا والعامل العربي بتاريخ 18-17كانون االول /دي�سمرب 2008يف مقر املركز ب�أبو ظبي ،وكانت منا�سبة لإلقاء ال�ضوء على جمل ٍة من الق�ضايا كال�سيا�سة الأ�سرتالية جتاه العامل العربي وق�ضاياه، وامل�صالح اال�سرتاتيجية لأ�سرتاليا يف ال�رشق الأو�سط ،والعالقات التجارية بني �أ�سرتاليا واخلليج العربي ،والإ�سالم يف �أ�سرتاليا ،وت�أثري اجلاليات العربية فيها � ...إلخ .وقد �شارك فيها باحثون وديبلوما�سيون عرب و�أ�سرتاليون.
الأزمة ال�سودانية
لي�ستِ الأزم ُة ال�سودانية يف عدا ِد الأ ْزمات اجلديدة التي تنزف بها �أو�ضاع الوطن العربي ال�سن ،وتعود جذورها اليوم ،فهي طاعن ٌة يف ّ االنفجارية �إىل ما قبل ربع قرن� :إىل اندالع املواجهة -يف العام – 1983بني جنوب ٍ و�شمال ير ُّد على االنف�صال يتطلع �إىل االنف�صال ٍ بعنف يغذّي طاق َته و ُي�شرّ ْ ِع ُن ق�ضي َته! لكن ٍ �أزمة ال�سودان اليوم ا�ستفحلت �أكرث من ذي قبل ،وما عادت فح�سب مثلما كانت يف عهد جعفر منريي ويف عهد الثورة عليه وقيام نظام مرغني – املهدي �رصاع ًا بني ال�شمال واجلنوب ،بني العرب والزجن ،بني امل�سلمني وامل�سيحيني والوثنيني�ِ ،إ ِذ انتقلت �إىل ال�شمال لل�سودان نف�سه و�إىل الدائرة العربية والإ�سالمية ِ ِ فبات لها ِ نف�سها ،يف عهد حكومة «الإنقاذ»َ ،
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
الح�صاد
عنوانان :االنف�صال يف اجلنوب و «التمرد» يف �إقليم دارفور .و�إ ْذ تع َّممت املواجهات يف دارفور بني اجلنجويد والقوات احلكومية من جهة والف�صائل الدارفورية وال�سكان من جهة ثانية؛ و�إِ ِذ ا ُّتهمت احلكومة ال�سودانية من طرف املنظمات املدنية الدولية وحكومات الغرب و ِب ْعثَات الأمم املتحدة ومنظماتها الإن�سانية باقرتاف جرائم �ض ّد الإن�سانية وجرائم �إبادة جماعية؛ و�إذ ُتوبع م�س�ؤولوه يف الدولة بتهم امل�شاركة يف تلك الإبادة و�صدرت مذكرة ق�ضائية يف حق عمر ح�سن الب�شري؛ و�إ ْذ �سا َءتِ العالقة بني النظام الع�سكري واملعار�ضة الدميقراطية يف ال�شمال ،...فقد جت َّمعت الأ�سباب كافة لكي جتعل من الأزمة ال�سودانية واحدة من �أكرث الأ ْزمات ا�شتع ً اال واحتدام ًا ،ولكي ي�صبح االهتمام بها �أظهر من ذي قبل. ولي�س من �شك يف �أن ما يجري يف ال�سودان يثري خماوف العرب جميع ًا على م�صري وحدته الكيانية وا�ستقراره� ،إ ْذ هو جزء من منظومتهم القومية والإقليمية ،وما ي�صيبه ي�صيب جمتمعاتهم ودولهم بال َّتبع ّية؛ ولي�س من �شك يف �أن ات�صال �أمن جمتمعات ودول بع�ضهم ب�أمن ال�سودان � ْأظ َهر من غريهم بقوة �أحكام اجلغرافيا واجلوار ،وذلك ما ينطبق – بتفاوت – على حالة م�رص وليبيا وال�سعودية واليمن. غري �أن �أ�ش ّد ال�صالت قوة ومتان ًة وع�ضوي ًة بال�سودان هي �صل ُة م�رص به؛ �صلة �صنعتها الوحدة الكيانية التاريخية بني الإقليمني، واجلوار اجلغرافيا و�أحكام ال ّنيل .فال عجب، �إذاً� ،إن كان ان�شغال م�رص – دول ًة ونخب ًا – مبا يجري يف ال�سودان على ذلك النحو من احل ّدة التي نلحظها كلما كان ال�سودان مو�ضوع تفك ٍري �أو حديث .ولعل ذلك ما يف�سرِّ – �أي� ًضا – ملاذا كان مركز الدرا�سات ال�سيا�سية واال�سرتاتيجية (بالأهرام) �أكرث املراكز وامل�ؤ�س�سات البحثية العربية عناي ًة بالأزمة ال�سودانية :متابع ًة ور�صداً وحتلي ًال .ذلك �أنه �إذا كان من �أظهر وير�س ُم له جدول �أعماله ما َي�شْ غَل املركز، ُ ودرا�سات يف وات وور�ش عمل ٍ العلمي :ن ْد ٍ
جملة «ال�سيا�سة الدولية» ،هو «الأمن القومي تر�سخ يف عقيدة هذا املركز امل�رصي» ،ف�إن ّ مما ّ – منذ ت�أ�سي�سه – �أن هذا الأمن �شدي ُد االت�صال بال�سودان وامل�رشق العربي ومبا يجري فيهما. وهذا �سبب كاف لتف�سري مركزية املو�ضوع ال�سوداين وق�ضية فل�سطني ال�رصاع العربي – ال�صهيوين يف برناجمه العلمي. لي�ستِ املنا�سب ُة منا�سب َة حديثٍ يف املركز ون�شاطه البحثي ،لكن احلام َل على املالحظة �أن املركز ك َّر�س للمو�ضوع ال�سوداين جمل ًة من الفعاليات الفكرية خالل العام 2008نقف على أربع منها� :أولها – بح�سب الت�سل�سل الزمني � ٍ – ور�شة عمل بعنوان �أزمة دارفور ومعوقات الت�سوية ال�سيا�سية وانعقدت يف � 5شباط/ فرباير .2008وثانيها ندوة حتت عنوان ال�سودان� ...أي م�ستقبل؟ ،بتاريخ � 21أيلول/ �سبتمرب .2008وثالثها ندوة يف مو�ضوع ال�سودان بني التحديات الداخلية واال�ستهداف اخلارجي بتاريخ 1ت�رشين الثاين /نوفمرب .2008ثم رابعها ندوة حول �أبعاد املرحلة الراهنة يف الأزمة ال�سودانية بتاريخ 14كانون الأول /دي�سمرب .2008يف هذه الفعاليات الأربع (من دون ذكر غريها ومنها ور�شة عمل خا�صة باتفاق �أبوجا لل�سالم والو�ضع يف ال�سودان) .جولة حتليلية دقيقة يف �أو�ضاع الأزمة ال�سودانية عموم ًا ويف ال�شقّ املتعلق منها بدارفور على وج ٍه خا�ص .وهي جولة ت�سمح ببع�ض االعتقاد �أن التفاعل الفكري العربي – ويف م�رص خا�صة – مع الأو�ضاع امل�ستفحلة يف ال�سودان كان َي ِقظ ًا �إىل ح ّد ومل َت ُف ْت ُه متابعة �أدق التطورات وامل�ستجدات الطارئة على م�شهد �أزم ٍة ُت ِخيف م�صائ ُرها ِم�صرْ َ والبالد العربية كافة.
477
الهجرة واحلركات االجتماعية
مازالتِ العلوم االجتماعية يف البالد نق�ص حا ّد يف املوارد العلمية العربية تعاين من ٍ واملنهجية وامل�ؤ�س�سية لأ�سباب عديدة لي�س هذا املقا ُم منا�سب ًا للحديث التف�صيلي فيها. مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 478للتنمية الثقافية
ي�صعب على القارئ يف ح�صاد الفردي الإنتاج الفكري العربي – ّ واجلماعي – �أن يعرث على مادةٍ ّ ذات بال يف جمال حتليل علمية ِ ظواهر االجتماع العربي �إ ّال ما كان منها مت�ص ًال بال�سيا�سية.
وينعك�س ذلك النق�ص عليها عجزاً يف الإنتاج فا�ض ًا يف الرتاكم .وهي يف ح�ساب وانخ َ الفكري َ املقارنة بغريها من حقول املعرفة العربية الو�سع متييز الأخرى �أ�ضعف .و�إذا كان يف ْ بع�ضها عن البع�ض من حيث درجة التفاعل مع مو�ضوعات املجتمع ون�سبة الرتاكم العلمي والقول – تبع ًا لذلك – �إن علم االجتماع منها (بفروعه كافة) �أ�ضعف من العلوم ال�سيا�سية والقانونية واالقت�صادية � ...إلخ ،ف�إن ذلك لي�س يعني �أن هذه �أف�ضل ح ً اال من الأول و�إن كان جمهور امل�شتغلني فيها من الباحثني �أو�سع و�أكرث عدداً .ولقد ي�صعب على القارئ الفردي يف ح�صاد الإنتاج الفكري العربي – ّ واجلماعي – �أن يعرث على ماد ٍة علمية ذاتِ بال ّ يف جمال حتليل ظواهر االجتماع العربي �إ ّال ما ح�سب حينها كان منها مت�ص ًال بال�سيا�سية (ف ُي َ يف �إطار علم االجتماع ال�سيا�سي وعلم ال�سيا�سة نف�سه)� .أما غري هذه من امل�سائل يف الآن ِ والظواهر الأخرى التي يزخر بها االجتماع العربي (جدليات ال َّت َم ْد ُين الرت ُّيف ،االجتماع الديني ،حت ّوالت منظومات القيم ،التق�سيم االجتماعي للعمل ،ن ُُظم الر�أ�سمال االجتماعي و�أ�شكال �إعادة �إنتاجه ،الروابط والعالقات التقليدية و�إعادة �إنتاجها ،حتليل احلركات االجتماعية وديناميات ا َ حل َراك فيها ،الذكورة والأنوثة يف نظام العالقات االجتماعية ويف الإنتاج ،العالقات ال َب ْط ِر َي ْركية ،الطبقات االجتماعية والتم ّيز الطبقي ،ظواهر التهمي�ش االجتماعي ،)...فال تكاد حتظى بالكثري من االهتمام الفكري وبخا�صة يف نطاق العمل العلمي اجلماعي (فرق �أو جمموعات البحث العلمي ،املو�سوعات ،امل�ؤمترات والندوات.).. وقد يكون ح�صاد العام 2008الفكري من اال�شتغال على ظواهر االجتماع العربي قي�س مبثيله – بهذا املعنى – طيب ًا �إىل ح ّد� ،إن َ بع�ض ما يغطي أعوام �سابقة� .إ ْذ كان منه ُ يف � ٍ احلاجة �إىل املعرفة بظواه َر ذاتِ �ش�أن يف احلياة العربية اليوم ُي َف َّكر يف بع�ضها فرد ّي ًا و�أن ُي َتنَا َول من طريق الت�أليف .ولقد ا�ستوقفتنا
م�سائل اجتماعية ثالث يف حراك هذا العام الثقايف :الهجرة ،العمل ال�شبابي ،واحلركات االجتماعية. نف�سها بد�أت ظاهرة الهجرة تفر�ض َ يف احلياة العربية منذ عقود بعد �أن تزايدت وترياتها لأ�سباب �شتى :معي�شية و�سيا�سية و�سوى ذلك .و�إ ْذ حت َّول املهاجرون العرب �إىل اخلارج �أو يف داخل �أوطانهم �إىل ن�سبة �سكانية كبرية ،فقد فر�ض ذلك ن�شوء �سيا�سات وم�ؤ�س�سات خا�صة :حكومية و�أهلية تعتني ب�أمور املهاجرين .ومل تكن �أ�سباب االهتمام راجعة فح�سب �إىل ما �أ�صبحت متثله الهجرة مورد مايل واقت�صادي واملهاجرون من ٍ بالن�سبة �إىل بع�ض البلدان العربية الفقرية، و�إمنا – �أي� ًضا – لأن الهجرة تطرح جمل ًة من امل�شكالت التي تبد�أ باخلوف من فقدان �صلة املغرتب بالوطن الأم (وخ�صو� ًصا مع اجليلني الثاين والثالث من املهاجرين) من دون �أن تنتهي مب�شاكل الالجئني .ومع �أن املغرتبني (وه ْم ُي ْح َ�سبون باملاليني) العرب يف ا َمل َهاجر ُ �أفلحوا ،يف العقود الأربعة الأخرية ،يف ت�أ�سي�س �أطرهم الأهلية اخلا�صة – ويف الأع ّم الأغلب من الأحيان من دون م�ساعدة دولهم الأ�صل – من �أجل تنظيم وجودهم والدفاع عن حقوقهم ك�أقلية قومية �أو دينية يف َم َو ِاطن الهجرة� ،إ ّال �أن ال�صلة تكاد تكون رمزية – حتى ال نقول مفقودة – بني م�ؤ�س�ساتهم اخلا�صة وتلك التي �أقام ْتها دولهم لهم حتت عنوان حماية حقوق رعاياها املهاجرين �إىل اخلارج .وقد تكون املهجرين داخل �أوطانهم العربية �أو م�شكالت َّ من بل ٍد عربي �إىل �آخر (كما يف حالة الالجئني الفل�سطينيني ،وقد ان�ضاف �إليهم الالجئون العراقيون وال�سودانيون وال�صوماليون) �أ�ش َّد مرار ًة و�إيالم ًا وم�أ�ساوي ًة من املهاجرين �إىل اخلارج ،مبن يف ذلك َمن �سلكوا دروب الهجرة بو�ضع و�إقام ٍة ممن ال يتمتعون ال�رسيةَ ، ٍ قانون َّيينْ . بع�ض هذه امل�شكالت ندو ٌة عقد ْتها �أثارت َ مكتبة الإ�سكندرية حول الأبعاد اخلا�صة
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
و�إذا كانت الأحزاب واملنظمات ال�سيا�سية قد انتبهت مبكّراً �إىل الطاقة احليوية الكامنة يف ال�شباب، فاعتنت بهم ووفَّرت لفعالياتهم �أطراً تنظيمية منتمية �إىل البنية احلزبية، ف�إن احلركة ال�شبابية العربية �سني الثمانينيات من �ستعرف ،منذ ّ القرن الع�رشينْ ،مي ًال نحو االنتظام يف �أط ٍر م�ؤ�س�سية م�ستقلة – ن�سب ّي ًا – عن ال�سلطة والأحزاب ال�سيا�سية، ين ومن�رصفة، �أي ذات طابع مد ّ ان�رصاف ًا كامالً ،نحو االعتناء بق�ضايا ال�شباب االجتماعية .
الح�صاد
بالهجرة �إىل اخلارج بتاريخ 5كانون الثاين/ يناير 2008يف مركز امل�ؤمترات باملكتبة، وتناولت بالدرا�سة تلك الأبعاد يف حاالت الهجرة كافة� :سواء �إىل خارج الوطن العربي �أم �إىل بع�ض �أقطاره القادرة على ا�ستقبال الأيدي كر َ�س ْت ُه العاملة .غري �أن امللف اخلا�ص الذي ّ جملة �إ�ضافات ال�صادرة عن اجلمعية العربية لعلم االجتماع ملو�ضوع الهجرة ،حاول �أن ُي ِطل على امل�س�ألة ،م�س�ألة الهجرة ،يف وج ْهيها اخلارجي والداخلي .وهكذا و�ضعتنا الندو ُة اختالف يف م�ساحة املو�ضوع وامللف – على ِ ا ُمل ْح َتفَى به – �أمام مادة �شاملة حول امل�س�ألة. �سن الثالثني قو ًة متثل فئة ال�شباب ما دون ّ �سكانية كبرية يف املجتمع العربي ذي البنية الدميقراطية املتجددة مبع ّدل من ٍّو وخ�صوبة هو يف عداد الأعلى من املعدالت يف العامل .و�إذا �أ�ضيفت �إليها الفئات العمرية الدنيا (طفولة، �صبا ،مراهقة) ،ك ّنا �أمام قوة �سكانية ال تقل عن ال�ستني باملائة من الإجمايل الدميغرايف العام يف الوطن العربي .غري �أن فر�ص هذه الفئة االجتماعية احليوية من اال�ستفادة من الإمكانيات واملوارد املتاحة ،لإجابة حاجاتها وللم�ساهمة يف التنمية االجتماعية، تكاد تكون منعدمة يف معظم البلدان العربية، وبخا�صة ذات الكثافة ال�سكانية العالية مثل م�رص ،واجلزائر ،واملغرب ،والعراق ،وال�سودان، واليمن ،و�سورية� ،أو التي تعاين من فقر حا ّد مثل موريتانيا وال�صومال والأرا�ضي الفل�سطينية املحتلة� .إ ْذ ال تتمتع بفر�ص التعليم والت�أهيل الكافية ،وترتفع يف �أو�ساطها ن�سبة امله َّم�شني وا َملقْ�صيني من دائرة الإنتاج؛ كما واخلريجني ال يجدون ُبنَى �أن املتعلمني منها ّ ا�ستقبال Structures d’acceuilت�ستوعب طاقاتهم وكفاءاتهم فتوظفها يف عملية التنمية االجتماعية ،وتوفّر لهم – يف الوقتِ نف�سه – فر�ص احلياة الكرمية. و�إذا كانت الأحزاب واملنظمات ال�سيا�سية قد انتبهت مبكّراً �إىل الطاقة احليوية الكامنة يف ال�شباب ،فاعتنت بهم ووفَّرت لفعالياتهم
�أطراً تنظيمية منتمية �إىل البنية احلزبية �أو ملحقة بها على نح ٍو ما من الأنحاء ،ف�إن �سني احلركة ال�شبابية العربية �ستعرف ،منذ ّ الثمانينيات من القرن الع�رشينْ ،مي ًال نحو االنتظام يف �أط ٍر م�ؤ�س�سية م�ستقلة – ن�سب ّي ًا – عن ال�سلطة والأحزاب ال�سيا�سية� ،أي ذات طابع ين ومن�رصفة ،ان�رصاف ًا كام ًال ،نحو االعتناء مد ّ بق�ضايا ال�شباب االجتماعية التي غُ ِّي َب ْت – �أو ُه ِّم�شَ ْت – يف الأطر التنظيمية (ال�شبابية) ال�سابقة نتيجة ال َّت ْ�سيي�س ا ُ مل ْف ِرط Surpolitisat tionللعمل ال�شبابي. ولأن �أطر العمل ال�شبابي املدنية �أو الأهلية – �أي امل�ستقلة عن ال�سلطة والأحزاب واملنظمات ال�شبابية ال�شعبية – ما تزال يف طور التكوين والبناء ،وتفتقر �إىل الإمكانيات املادية ،وي ْغ ُلب واملحلي ،وتعاين من املو�ضعي عليها الطابع ّ ّ غياب عالقات التن�سيق والرتابط بينها ،ناهيك تع�سفي ملطالب مبا َي ِ�س ُم ع َم َلها من ف َْ�ص ٍل ّ ال�شباب عن مطالب جمموع فئات املجتمع الأخرى ،ف�إنها – لتلك الأ�سباب كافة – ال متلك �أن ت ّدعي لنف�سها �شمولية التمثيل ال�شبابي �أو جتاو َز الأطر ال�شبابية :الر�سمية واحلزبية، القائمة يف البالد العربية .ولذلك ،ال منا�ص من �إعادة ت�أهيل حقل العمل ال�شبابي بواجهاته كافة (الر�سمية ،واحلزبية ،واملدنية) لتمكني هذه الفئة االجتماعية احليوية من �أدوات تنظيمية فعالة للتمثيل والعمل .وهو الهدف الذي َر َامه منتدى الفكر العربي (يف ع َّمان) يف عقده امل�ؤمتر ال�شبابي الثالث حتت عنوان نحو تطوير م�ؤ�س�سات العمل ال�شبابي العربي هدف بتاريخ 15-14متوز /يوليو .2008وهو ٌ ع�س ُري املنال �إن مل ت�سبقه وترافقه ر�ؤية �شاملة ملكانة هذه الفئة يف املجتمع ودورها احليوي واال�سرتاتيجي يف البناء االجتماعي كما الحظه امل�ؤمتر بحقّ .كما تويل م�ؤ�س�سة الفكر العربي بدورها اهتمام ًا بالغ ًا بال�شباب حيث يت�ض ّمن م�ؤمترها ال�سنوي العام حموراً حول ق�ضايا ال�شباب العربي. ت�شهد البالد العربية ،يف ال�سنوات الع�رشين
479
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 480للتنمية الثقافية
الأخرية ،ح ً اال من ا َ حل َراك االجتماعي ال �سابق لها يف االت�ساع والت�سارع ،وعلى ن َْح ٍو ت�ضعنا ج�سم اجتماعي قابل لأن نطلق عليه فيه �أمام ٍ ا�سم احلركة (�أو احلركات) االجتماعية .وعلى الرغم من �أن �ض ْيق الهوام�ش ال�سيا�سية املتاحة �أمام مثل هذه احلركات – يف الأع ّم الأغلب من البلدان العربية – ال ُيف ِْ�س ُح كبري جمال �أمام التعبري ا ُ حل ّر عن مطالبها وعن وجهة احتوائها �سيا�س ّي ًاّ � ،إما ِمن قبل ال�سلطة �أو من قبل الأحزاب ،ما انف َّكت جت ِّرب َّ حظها� ،إال �أن هذه احلركات – �أو ق�سم ًا كبرياً منها للدقة – جنح يف �أن يحفظ لنف�سه هام�ش املبادرة ،على الرغم من املوانع ،وهام�ش اال�ستقاللية ،وعلى الرغم من حماوالت اال�ستيعاب. ً ً من النافل القول �إن ق�سما كبريا من هذه احلركات لي�س جديداً متام ًا على امل�شهد عقود االجتماعي العربي ،و�إمنا ُع ِرف منذ ٍ طويلة وبات م�ألوف ًا يف يوميات االجتماع العربي؛ وتلك – مث ًال – حال احلركات النقابية: الع َّمالية واملهنية والطالبية ،واحلركات ال�شبابية ،وقد كان لبع�ضها �ش�أن كبري يف عدد من البلدان العربية يف الن�صف الثاين من القرن الع�رشين (املغرب ،تون�س ،لبنان، البحرين ،م�رص .)...لكن �أكرث احلركات ِج َّدة على ذلك امل�شهد هي حركات حقوق الإن�سان واحلركات الن�سائية وحركات البيئة واحلركات املناه�ضة للف�ساد ولتزوير االنتخابات � ...إلخ. وقيامها وات�ساع نطاق عملها ،وتعاظم جمهور ُ النا�شطني فيها ،وجر�أتها يف التعبري عن نف�سها ومواجهة �سيا�سات املنع ،كلها تن ّم عن ن�ضج يف الن�سيج االجتماعي العربي ونقلة يف الفعاليات املطلبية .على �أنه �إذا كان يف جوف املجتمع العربي اليوم من امل�شكالت ما ي ّربر قيام هذه احلركات االجتماعية و�إطالق مطالبها ،ف�إن تراجع احلياة ال�سيا�سية واحلزبية يف الوطن العربي – منذ �سنوات الثمانينيات – يع ّزز من دور تلك احلركات ومن �رشعيتها من دون يعني ذلك – حكم ًا – �أنها باتت بدي ًال من �أن َ احلركات ال�سيا�سية على نحو ما يذهب �إىل
القول بذلك بع�ض ن�شطاء منظمات املجتمع املدين. الوعي مل ينتج العربي بعد ر�ؤي ًة فكرية ُ ُّ حول هذه احلركات االجتماعية وموقعيتها يف عملية التطور االجتماعي على نحو ما �أنتج ر�ؤي ًة عن الظاهرة احلزبية قبل عقود �أ ّي ًا يكن ر�أينا يف تلك الر�ؤية اليوم ،لكنه بد�أ ينتبه �إليها �أكرث من ذي قبل حماو ًال مقاربة بع�ض م�سائلها و�أ�سئلتها .و�إذا ما تركنا جانب ًا مما كتب عنها �أو نوق�ش من م�سائلها يف الكثري ّ العام في األسئلة المسَتج ّدة -لأنه ُك ِت َب ونو ِق َ�ش �سيا�س ّي ًا ولي�س مبفردات الفكر – �سنجد �أن واحداً من �أف�ضل مقارباتها الفكرية املن�شورة هو املجموع �ضمن ملف خا�ص �أ�صدر ْته جملة احلركات االجتماعية يف الوطن العربي، وقد تناولت مواده جمل ًة من املو�ضوعات كاحلركات االجتماعية يف تون�س ،واحلركة النقابية يف اجلزائر ،واحلركة الن�سائ ّية يف لبنان ،واحلركات االجتماعية يف العراق وما يكتنفها من التبا�سات �إثنية ومذهبية.
ثاني ًا :يف الأ�سئلة امل�س َتج ّدة
َي ْح ُدث يف كل فرتة زمنية �أن ت�ستج ّد ق�ضايا ومو�ضوعات يف ال�سيا�سة واالقت�صاد واالجتماع والثقافة تفر�ض نف�سها على الر�أي العام وعلى تفكري النخب فت�شغل ح ّيزاً كبرياً من االهتمام .و ّملا كان العام هو الوحدة الزمنية التي تعتمدها التقارير الدرا�سية ،يف العادة ،ف�إن هذه الوحدة الزمنية ت�شكّل – على أحداث ِق�صرَ م ّدتها الزمنية – ف�ضا ًء تن�ش�أ فيه � ٌ كربى �رسعان ما تتح َّول �إىل ظواهر وق�ضايا �شاغلة للتفكري� ،أو َت ْكبرِ ُ فيه �أخرىُ ،و ِل َد ْت قبل �أن َيه ّل هالل العام فين�ضج االهتما ُم بها �أكرث. و ّملا كان تقريرنا �سنو ّي ًا ويتناول – يف هذه الدورية منه – ق�ضايا العام ،2008ف�إن يف مما ا�ستج َّد نزو ُل ُه وتحَ َ ينَّ هذه الق�ضايا الكثري ّ عنوانُه ليفر�ض نف�سه على الر�صد والتحلل. على �أن معنى امل�س َت َجد ال ُي َرادِف دائم ًا واملفاجئ وغ ِري املتوقع، معنى الطارئ ِ
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
فقد ت ًكون معلوم ًة ِج َّد ُته للرا�صد �أو املحلّل (انتخابات الرئا�سة الأمريكية الأخرية مث ًال). لكن وقوعه يف َب ْحر الفرتة الزمنية التي يتناولها التقرير يفر�ض النظر �إليه مبا هو مو�ضوع جديد. �شهد العام 2008هذه الأمناط الثالثة من وقوع ُه، الق�ضايا والأ�سئلة امل�ستج َّدة (املعلو ُم ُ املتوقَّع ،املفاجئ) ،و�سرن�ص ُدها من خالل ثالثة �أ�سئلة ان�رصف �إليها التفكري اجلماعي (النخبوي) يف الوطن العربي (هذا العام):
امل�ستج ُّد املعلوم َ
الح�صاد
مع �أن انتخابات الرئا�سة الأمريكية يف خريف العام 2008يف عداد املواعيد ال�سيا�سية املعلومة لدى اجلميع� ،إ ّال �أن نتائجها ما كنت لتكون معلوم ًة لدى �أحد على الزخ اليومي لتوقّعات ا�ستطالعات الرغم من ّ الر�أي العديدة التي �أجر ْتها املعاهد واملراكز اخلا�صة با�ستمزاج اجتاهات الر�أي العام الأمريكي جتاه املتناف�سني .ولذلك ال�سبب� ،إذا مل يكن يجوز �أن نح�سب موعداً معلوم ًا �سلف ًا نتائجه غري املعلومة م�ستج ّداً ،ف�إن حديث ًا َ َ حدث م�س َتجد .على �أن �سلف ًا حت ّو ُل ُه حكم ًا �إىل ٍ مكانة الواليات املتحدة الأمريكية يف العامل ويف النظام الدويل ،والأثر البالغ الذي ُ يرتك ُه � ُّأي تغيري يف اجتاهات �سيا�ساتها (بتغيري طاقمها احلاكم) ،يجعل من حدث االنتخابات الرئا�سية فيها احلدث الأهم اجلديد يف يوميات العامل كلِّه ،فكيف �إذا كانت هذه االنتخابات على مثال تلك التي جرت يف ت�رشين الثاين/ وتواج َه فيها حزبان ومر�شَّ حان نوفمرب 2008 َ بدت جمي ُعها – يف حلظ ٍة و�سيا�ستان و�أُ ُفقَان ْ ال�سيا�سي الأمريكي والكوين – على من الزمن ّ طر ْ يف نقي�ض. مل تنعقد م�ؤمترات �أو ن ْدوات ،وال ُن�شرِ َ ت ملفات يف املجالت الفكرية ،ملناق�شة وحتليل نتائج االنتخابات الرئا�سية الأمريكية لأنها لكن جرت يف الهزيع الأخري من العام ّ .2008 اهتمام ًا بها كان �أو�سع منذ اقرتبت املناف�سة،
للمر�شحني داخل بل منذ االنتخابات التمهيدية ِ احلزبينْ اجلمهوري والدميقراطي .وقد َب َدا هذا االهتمام بها لدى النخب العربية – احلاكمة واملعار�ضة و «املحايدة» – �أكرب �أحيان ًا من انتخابات الرئا�سات والربملانات يف البالد العربية .وما �أغناها عن القول �إنه �أم ٌر مفهوم لأكرث من �سبب ،منها �أنها انتخابات �أك ِرب دولة يف العامل لن يتقرر بها م�صري هذه الدولة ل�سنوات فح�سب بل م�صري العامل برمته معها؛ ومنها االت�صال ال�شديد لل�سيا�سة الأمريكية مبنطقتنا الناجم عن وجود م�صالح حيوية لأمريكا يف هذه املنطقة لي�س �أقلها ال ِّنفْط؛ ومنها عالقات �أمريكا اال�سرتاتيجية بالكيان ال�صهيوين وما تر ّتبه هذه العالقات على الوطن العربي وفل�سطني وحقوق �شعبها الوطنية من تبعات؛ ومنها ا�ستمرار االحتالل الأمريكي لبل ٍد رئي�س يف املنظومة العربي هو العراق وما ٍ ذيول على الأمن َي ُج ُّر ُه بقا ُء ذلك االحتالل من ٍ واال�ستقرار يف اجلوار العربي للعراق وعلى وحدة هذا البلد :الكيانية والوطنية؛ ومنها التجاذب الأمريكي – الإيراين يف مو�ضوع برنامج طهران النووي واخل�شية من و�صوله �إىل حلظ ِة مواجه ٍة ع�سكرية �س َيدفع اخلليج العربي �أكالفها من �أمنه وا�ستقراره؛ ومنها �سيا�سات ا�ستعداء العرب وامل�سلمني حتت عنوان مواجهة الإرهاب وجتفيف ينابيعه (املالية والثقافية والدينية )...وما جت ُّر ُه من مزي ٍد من م�شاعر الكراهية ال�شعبية لأمريكا ومن مزي ٍد من التطرف يف الر ّد على �سيا�سات اال�ستفزاز؛ ثم �إن منها �أن العرب – دو ًال و�شعوب ًا – ق�ضوا �سنوات من املعاناة والإرهاق ال�شديد ْين �أ�سو ًة ٍ بغريهما من دول و�شعوب العامل – مع الإدارة اجلمهورية املحافظة التي تركت ب�صم ّتها يف التاريخ الأمريكي والعاملي كواحدة من �أ�شد وتطرق ًا ... العهود ال�سيا�سية ق�سو ًة ّ لهذه الأ�سباب ،ولغريها ،كان االهتمام �شديداً بانتخابات الرئا�سة الأمريكية يف الوعي نتائجها من العربي ،وكان ال�س�ؤال عما �ستحمله ُ تداعيات على �أو�ضاع الوطن العربي من �أظهر
481
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 482للتنمية الثقافية
الأ�سئلة اجلارية على الأل�سن ويف الن�صو�ص والنفو�س .لقد كان هذا – مث ًال – هو ال�س�ؤال الذي دارت حوله مناق�شات احللقة النقا�شية التي عقدها مركز درا�سات الوحدة العربية يف بريوت حول مو�ضوع الت�أثريات املحتمة لنتائج االنتخابات الرئا�سية الأمريكية على الوطن العربي ،وذلك يف ال�سابع والع�رشين من حزيران /يونيو .2008وهو �س�ؤا ٌل مل يركن ال�ستطالعات الر�أي التي كانت – حينها – ترجح كفة الدميقراطيني (�سواء كان مر�شحهم ّ َّ اجلواب ب ل ق بل كلينتون)، هيالري أم � أوباما � َ َ على االحتماالت كافة كي يقر�أ لوحة القادم يف ظل م�شه َد ْين �سيا�س َّيينْ متمايز ْين .وقبل هذه نف�سه.كان احللقة النقا�شية ب�أ�شهر كان ال�س�ؤال ُ ال�س�ؤال عن �شخ�ص املر�شح باراك �أوباما ،ي�شغل الر�أي العام على نحو ما حلظنا يف ملفّ ن�رشته جملة جامعة الدول العربية �ش�ؤون عربية يف مو�ضوع االنتخابات الأمريكية ...الدالالت والتداعيات ،يف العدد �( 136شتاء ،)2008 وقد اهت ّم بالبحث يف االنتخابات الأمريكية وال�سيا�سية اخلارجية يف ال�رشق الأو�سط ،ومبا تعنيه �شخ�صية �أوباما يف العاملني العربي والإ�سالمي. ولي�س من �شك يف �أن قيمة ما ُك ِتب ونوق�ش يف املو�ضوع يف نْدوات وم�ؤمترات وملفات بعد االنتخابات �أعلى مما ُكتب ونوق�ش قبلها .لكنه َج َرى مثلما ُن�شرِ يف العام :2009وهو ما ال يدخل يف نطاق احل ّيز الزمني لهذا التقرير.
امل�س َت َج ُّد املتو َّقع
�شهد العام 2008مثاالت لهذه الق�ضايا امل�ستج ّدة املتو َّق َعة يف حراك العام 2008 َ الفكري مثل املوقف ال�سيا�سي والقانوين والأخالقي من جرائم احلرب التي جرى تظهريها �أكرث يف العام 2008وكانت ذروتها اجلرائم الإ�رسائيلية يف غزة (التي ْاه ُت َّم بها بدءاً من مطالع العام ،)2009ومثل املوقف من الطاقة النووية واحلق يف حيازتها للأغرا�ض العلمية واملدنية وما يرتبط بذلك
من خماف ٍة من َح ْر ِف هذا احلقّ نحو توظيفها لأغرا�ض الت�سلح الع�سكري (وهو ما َر َف َع من مو�ضوع الربنامج النووي مع ّدل االن�شغال به ُ الإيراين) ،...لكن �أكرث ما �شغل التفكري ق�ضية مثل ق�ضية املتو�سط مبنا�سبة رعاية فرن�سا – يف عهد الرئي�س �ساركوزي – م�رشوع «االحتاد من �أجل املتو�سط» ونقل امل�رشوع �إىل ح ّيز ؤ�س�سي يف متوز /يوليو التنفيذ ال�سيا�سي وامل� ّ ّ من العام .2008 مل َت ُك ِن الفكرة املتو�سطية كفكرة اقليمية جديدة على فرن�سا وال جديدة كم�رشوع �سيا�سي بع�ض ما �أُنجْ ِ ز .فلقد ُ�س ِع َي فيه و�أُنجْ ِ َز منه ُ دغدغت طموحات نابليون قبل ما يزيد على أ�سباب �أخرى حمل ْت ُه القرنني ،وكانت يف جمل ِة � ٍ على غزو م�رص يف خواتيم القرن الثامن ع�رش، مثلما ف�سرَّ تِ التحالف الفرن�سي – الربيطاين َ وحتالف الدولتني مع ًا �إىل �ض ّد تركيا ابتدا ًء جانب تركيا لوقف نفوذ حممد علي و�إبراهيم با�شا؛ كما مل يكن احتالل اجلزائر وتون�س واملغرب ( )1912 – 1883 – 1830بعيداً عنها .لكن هذه الفكرة املتو�سطية �ست�شهد اندفاع ًة �أقوى يف �سنوات اخلم�سينيات من القرن الع�رشين يف مواجهة َخ َط َر ْين متالزمينْ ومتعار�ضينْ :قيام فكرة وم�رشوع «ال�رشق عهدي ترومان الأو�سط» (= الأمريكيني) يف ْ و�أيزينهاور ،وانطالق املقاومة امل�سلحة يف املغرب واجلزائر �ض ّد االحتالل الفرن�سي .ولقد كان على اجلمهورية الرابعة (الفرن�سية) �أن جتيب على التحد ّيني مع ًا با�سم م�رشوع �إقليمي – جغرايف ُي َح ّيد الدور االمريكي املتنامي يف املنطقة ويوحي لبلدان املغرب العربي وم�رص وال�شام �أن فرن�سا تد�شّ ن عهداً تعاون ّي ًا جديداً. غري �أن م�رشوع �ساركوزي االحتاد من �أجل �سياق جدي ٍد خمت ِلف ،و�إن مل املتو�سط تبلور يف ٍ َي�شُ َّذ عن تاريخ فكرته املتو�سطية امل ّت�صل ،هو �سياق البحث لفرن�سا عن مدى للنفوذ الإقليمي يتعزز به مركزُها داخل االحتاد الأوروبي لـِ «موازنة» املركز الأملاين املتعاظم والقائد املتو�سع نفوذاً يف �رشق للقاطرة الأوروبية، ّ
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
مل تكن م�س�ألة «االحتاد من �أجل املتو�سط» كثيفة احل�ضور يف فعاليات العام 2008الفكرية لأن �إعالنه �أتى يف �صيف ذلك العام ومع ذلك ،ف�إن �س�ؤال املتو�سط نف�سه يف الوعي العربي َ فر�ض َ – هذا العام – على نح ٍو ال ل ْب َ�س فيه (ربمّا �أي� ًضا ب�سبب انكفاء م�رشوع «ال�رشق الأو�سط الكبري» بانكفاء قوة املحافظني اجلدد يف �أمريكا ومراوحة «النظام الإقليمي العربي» يف مكانه حما�رصاً بالأزمات الداخلية واخلارجية).
الح�صاد
�أوروبا ،و «موازنة» املركز الربيطاين املدعوم من الواليات املتحدة الأمريكية .وهو م�رشوع حت َّرك با�سم �أوروبا جمتمع ًة ،والبلدان املطلة خا�ص ومبا�رش، منها على املتو�سط على نح ٍو ّ ال�ستثمار خماوف �أوروبية متزايدة من �أن يكون «النظام ال�رشق �أو�سطي» (الأمريكي) �إطاراً لل�سيطرة الأمريكية الكاملة على منطقة «ال�رشق الأو�سط» ولإق�صاء دول «االحتاد االوروبي» – ذات امل�صالح الكبرية يف هذه املنطقة – عن �أداء � ّأي دو ٍر �سيا�سي فيها .هكذا يطل امل�رشوع املتو�سطي القدمي /اجلديد – بعد تعثرُّ �صيغته اجلديدة يف بر�شلونة – حتت عنوان االحتاد من �أجل املتو�سط كنظام �إقليمي يريد نف�سه نظرياً ون ّداً لنظام ال�رشق الأو�سط». على �أن الفكرة املتو�سطية �شغلت عرب املتو�سط مثلما �شغلتِ الأوروبيني والفرن�سيني لأ�سباب �شتى لي�س هنا جمال بيانها والوقوف امر كثريين منهم �شعو ٌر عليها .ولعله َخ َ ب�إمكاني ِة قيام �رشاكة حقيقية بني بلدان ّتي املتو�سط تعود ب�أجزل العوائد على �ضف ْ بلدان جنوب املتو�سط و�رشقه ،وهو ما ف�سرَّ حما�سة البع�ض لبيان بر�شلونة ثم لـِ «االحتاد من �أجل املتو�سط» �إىل درجة «التغا�ضي» عن وجودها �أن �إ�رسائيل جز ٌء من امل�رشوعينْ ،و�أن َ ف�ضلوا النظام بع�ض َمن َّ حجة ِ فيهما مع ًا ُي ْ�س ِقط َّ املتو�سطي على النظام ال�رشق �أو�سطي بدعوى �أن الأول �أوروبي والثاين �أمريكي – �إ�رسائيلي. مل تكن م�س�ألة «االحتاد من �أجل املتو�سط» كثيفة احل�ضور يف فعاليات العام 2008الفكرية لأن �إعالنه �أتى يف �صيف ذلك العام ،ومعظم ما انعقد حوله� ،أو ُكتب يف �إطار ملفاته� ،إمنا جرى يف العام .2009ومع ذلك ،ف�إن �س�ؤال املتو�سط نف�سه يف الوعي العربي – هذا العام – َ فر�ض َ على نح ٍو ال ل ْب َ�س فيه (ربمّا �أي� ًضا ب�سبب انكفاء م�رشوع «ال�رشق الأو�سط الكبري» بانكفاء قوة املحافظني اجلدد يف �أمريكا ومراوحة «النظام الإقليمي العربي» يف مكانه حما�رصاً بالأزمات الداخلية واخلارجية) .وميكننا يف هذا املعر�ض �أن �ست فعاليات فكرية – على الأقل – نح�صي ّ َ
كان املتو�سط مو�ضوعها يف هذا العام ،وكان �أكرثها مببادر ٍة من جمعية الدرا�سات الدولية (تون�س): تتعلق الأوىل من تلك الفعاليات ِبندوة عقد ْتها اجلمعية �إياها يف مو�ضوع التعاون متعدد االطراف والإمكانيات الالمتناهية بتعاون للتعاون يف منطقة املتو�سط ،وذلك ٍ بني اجلمعية و�شبكة الأوروم�سكو .وقد عقدت الندوة يف 7حزيران /يونيو .2008وتتعلق نف�سها حتت عنوان دعم الثانية بندو ٍة للجمعي ِة ِ العالقات الأورومتو�سطية :املبادرات وامل�سائل واالنعكا�سات املمكنة على منطقة املغرب العربي ،بتاريخ 22-21ني�سان� /أبريل .2008 و�إذا كان هاج�س املغرب العربي حا�رضاً يف هذه الندوة الثانية ،ف�إن هاج�س تون�س طغى يف الندوة الثالثة التي عقدتها اجلمعية عينُها بتاريخ � 25شباط /فرباير 2008حتت عنوان التحديات اجلديدة التي تواجه تون�س ومنطقة املتو�سط بعد ارتفاع �أ�سعار املحروقات. كما عقدتِ اجلمعي ُة ندو ًة رابع ًة يف مو�ضوع منطقة التبادل ا ُ حل ّر الأورومتو�سطية :الإجناز والآفاق وحدود املمكن بتاريخ � 31-30أيار/ بتعاون مع م�ؤ�س�سة فريديرك �إبرت مايو 2008 ٍ الأملانية� .أما الندوة اخلام�سة للجمعية ،فكانت يف مو�ضوع االحتاد من �أجل املتو�سط ،وعقدت بتاريخ 10ت�رشين الثاين /نوفمرب .2008على �أن مكتبة الإ�سكندرية خرجت مبو�ضوع املتو�سط ومقارن يف الندوة التي نطاق ثقايف �إىل ٍ ِ عقدتها حتت عنوان حوار ال�شعوب والثقافات يف املنطقة الأورومتو�سطية واخلليج بتاريخ 19كانون الثاين /يناير .2008 كان من املتوقَّع� ،إذاً� ،أن ي�ستج ّد االهتمام مب�س�ألة املتو�سط ،خ�صو� ًصا لدى امل�ؤ�س�سات الثقافية العاملة يف بيئات عربية متو�سطية مثل «جمعية الدرا�سات الدولية» (التون�سية) ومكتبة الإ�سكندرية (امل�رصية) ،و�أن يزيد مع َّدل ذلك االهتمام �أكرث مبنا�سبة �إعالن ميالد االحتاد من �أجل املتو�سط وبداية ا�ستعادة �أوروبا بع�ض نفوذها يف املنطقة العربية
483
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 484للتنمية الثقافية
(جنوب املتو�سط و�رشقه) يف �أعقاب تراجع الفكرة ال�رشق �أو�سطية و�أفول حقبة املحافظني اجلدد يف �أمريكا.
املفاجئ ا ُمل�س َت َج ُّد ِ
�شهد العام 2008مث ً اال �صارخ ًا لهذا النمط من امل�سائل امل�س َت َج َّدة املفاجئة يف �صور ِة �أزم ٍة مالية هزَّتِ االقت�صاد ْين الأمريكي والعاملي و�أحدث َْت �أ�رضاراً هي الأفدح يف تاريخ االقت�صاد الر�أ�سمايل الكوين منذ �أزمة أيام معدودات من �صيف العام .1929ففي � ٍ العام ،2008ويف الهزيع الأخري من الوالية الثانية جلورج بو�ش واملحافظني اجلدد، انهارت �أ�سواق العقارات والبور�صات ،وبد�أت عالئم الإفال�س تزحف على ال�رشكات العمالقة والبنوك الكربى وال�صناعات ال�ضخمة ك�صناعة ال�سيارات والبنوك الكربى وال�صناعات ال�ضخمة أ�صيب قطاع ك�صناعة ال�سيارات والطائرات ،و� َ ال�سياحة وملحقا ُته (�رشكات املالحة اجلوية والبحرية ،الن�شاط العقاري )...ب�أ�رضار فادحة بل غري م�سبوقة يف ِح َّد ِة وقائعها .وكانت الآثا ُر والنتائج االجتماعية �أَ ْف َد َح و�آذَى :ماليني العاملني يف هذه القطاعات (�أطراً وم�ستخ َدمني وعم ً اال) ُي ْقذ َُف بهم خارج دائرة الإنتاج والعلم ل ُي�ضافوا �إىل مئات املاليني من العاطلني عن العمل؛ وك�ساد وركود يف االقت�صاد والإنتاج ال َع ْهد للب�رشية به حتى �أثناء احلروب الكربى يف العامل؛ وموجة غالء فاح�ش �أَ َك َل الأخ�رض والياب�س و�أتى على الطبقة الو�سطى ب�إفقا ٍر �إ�ضايف نزل بها �إىل �أو�ضاع الكادحني املفقرين. � َّإن �أكرث َم ْن �أ�صاب ُه مكرو ٌه من هذه جمتمعات اجلنوب الأزمة املالية العاملية هي ُ واقت�صادا ُته ومنها املجتمعات واالقت�صادات العربية :التابعة وال َه�شَّ ة .لذلك ما كان م�س َت ْغ َرب ًا ين�صب االهتمام الكبري بهذه الأزمة يف �أن ّ الإعالم وال�صحافة وال�سيا�سات الر�سمية العربية ،على الرغم من �أن ح�صولها يف نهايات �صيف العام – 2008وما �أَ ْح َد َث ُه ح�صو ُلها من
مفاج�أ ٍة و�صدم ٍة يف الوعي -مل َيترْ ُ َكا جم ً اال منا�سب ًا لقرا َء ٍة فكرية مت�أنية يف م�شهدها زمن ّي ًا ِ املتحرك .لذلك �أتت مقارب ُتها الفكرية – �أي من ّ خارج نطاق املتاعة والتعليق ال�صحاف َّيينْ والإعالم َّيينْ – متوا�ضعة. الفكري املتوا�ضع من ح�صاد ذلك االهتمام ّ باملو�ضوع ميكننا �أن نر�صد – على ال�رسيع – فعاليتني فكريتينْ خا�صتينْ � :أوالهما ذلك امللف اخلا�ص الذي ك َّر َ�س ْته جملة �ش�ؤون عربية حتت عنوان الأزمة املالية وت�أثرياتها ال�سيا�سية واالقت�صادية (العدد )2008 ،136 وتناولت مواده بع�ض املو�ضوعات ذات العالقة مثل النموذج الأمريكي بالن�سبة �إىل العرب ونقائ�ضه ،ونهاية فكرة النموذج يف �سياق الأزمة االقت�صادية العاملية و�آثارها على العامل العربي ،ونهاية الليربالية اجلديدة .وثانيتهما، وكانت فعالية خا�صة� :أي تتناول حالة عربية واحدة (و�إن كانت قابلة لالنطباق على غريها من احلاالت العربية) :هي حالة م�رص؛ ويتعلق الأمر يف هذه الفعالية بـم�ؤمت ٍر عقد ْته مكتبة الإ�سكندرية يف املو�ضوع حتت عنوان الأزمة املالية العاملية وتداعياتها على االقت�صاد امل�رصي ،يف مركز امل�ؤمترات باملكتبة ،يوم 22ت�رشين الثاين /نوفمرب .2008واملثاالن أو�سع باملو�ضوع يف ما هذان د�شَّ نَا اهتمام ًا � َ بعد :منذ مطلع العام .2009 للح َراك الفكري تلك هي املدارات الثالثة َ على نحو ما تب َّدى يف العام .2008حاولنا ر�صدها حتت العناوين الثالثة التي و�ضعنا ْ (الأ�سئلة امل�ألوفة ،الأ�سئلة الأظهر ،الأ�سئلة امل�ستج َّدة) ،متخذين من الأطر اجلماعية الفكرية (م�ؤمترات ،ن ْدوات ،ح ْلقات نقا�شيةُ ،ور�ش عمل ،ملفات فكرية خا�صة )...مادة لر�صدها، م�ستبعدين عن ق�صد الفعاليات الفكرية الفردية (الت�أليف ،املحا�رضات) ،وخمرجني و�سائط الإعالم وال�صحافة من دائرة الر�صد يف هذا امللف .ولقد ي�سعنا – يف معر�ض اال�ستنتاج – ت�سجيل جملة من املالحظات عن م�ستوى هذا ا َ حل َراك الثقايف والفكري.
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
مدارات ا َ حل َراك الثقايف
على وفرة امل�ؤمترات والن ْدوات واحللْقات النقا�شية التي ُعقِدت على مدار العام – 2008وكان أغلب منها حول م�سائ َل يف الأع ُّم ال ُ االقت�صاد وال�سيا�سة واالجتماع واال�سرتاتيجيا والعالقات الدولية ح�صة والإقليمية والأمن -تبدو َّ الفك ِر واملعرف ِة فيها هزيلة .ذلك �أن قلي ًال ج ّداً من الفعاليات الثقافية مب�شكالت من اجلماعية ان�شغل ٍ طبيعة نظرية ومعرفية وثقافية. وهذه ظاهرة تدعو �إىل القلق ال�شديد.
ال�ضعف ال�شديد يف �إن هذا ّ الفعاليات الفكرية اجلماعية املن�رصفة �إىل الق�ضايا النظرية مما ميثل م�ؤ�رشاً واملعرفية هو ّ َ�س ّيئ ًا على تراجع الدور املعريف للجامعات العربية ،بح�سبانها البيئة الأ�سا�س للبحث العلمي، وتراجع التقاليد الأكادميية العريقة فيها (امل�ؤمترات والن ْدوات الفكرية)، وبخا�صة �أق�سام الفل�سفة والعلوم الإن�سانية وعلوم اللغة.
ثمة �ضعف يف ن�سبة امللفات الفكرية �إىل جمموع ما ت�صدره الدوريات العربية املتخ�ص�صة من ملفات :ومعظمها يتعلق بال�ش�ؤون ال�سيا�سية واالقت�صادية واال�سرتاتيجية. مؤسسة الفكر العربي ّ
الح�صاد
• � ّإن ن�سبة كبرية من املو�ضوعات والأ�سئلة املطروقة يف الأطر اجلماعية للتفكري ذات – يف العام – 2008مل ت�شهد ٍ تعديالت َ �ش� ٍأن يف �صيغ طرحها وا�ست�شكالها على نح ٍو يج ِّد ُد التفك َري فيها ومقارب َتها من زوايا مل ُين َْظر �إليها منها قبل� ،أو – على الأقل – مل ُين َْظر �إليها منها بالق ْدر الكايف من العنايةَ .ف َب َدا «جتدي ُد» تلك الأ�سئلة – لذلك ال�سبب – �شَ ْك ًال من �إعادة تدويرها يف احلقل الثقايف و� ْإن بعناوين �أخرى ال يغيرّ تعدي ُلها من �أن طريقة طرحها هي نف�سها مل تتغيرَّ .وامل�شكلة يف هذا النوع من الأ�سئلة املتكررة على املنوال الإ�شكا ِّ يل عي ِنه تدخل يف ن�سيج �أنها �إ ْذ ال ت�ضيف جديداً وال ُ نف�سها على � ِّأي تقري ٍر الرتاكم الثقايف ،تفر�ض َ جتاهلها عند ثقايف من هذا النوع وال ميكن ُ ر�ص ِد � ِّأي ح�صاد .ولذلكَ ،ح�ضرَ َ كث ٌري منها يف ْ ثنايا هذا امللف عن احل�صاد الفكري. ْ • على وفرة امل�ؤمترات والن ْدوات واحللقات النقا�شية التي ُع ِقدت على مدار العام 2008 أغلب منها حول م�سائ َل يف – وكان الأع ُّم ال ُ االقت�صاد وال�سيا�سة واالجتماع واال�سرتاتيجيا والعالقات الدولية والإقليمية والأمن – ...تبدو ح�صة الفك ِر واملعرف ِة فيها هزيلة .ذلك �أن قلي ًال َّ ج ّداً من الفعاليات الثقافية اجلماعية – التي مب�شكالت من ا�ستعر�ضنا �أعاله – ان�شغل ٍ طبيعة نظرية ومعرفية وثقافية (فكرية :غري �أدبية وغري فنية) من قبيل اللغة واال�ست�رشاق والتاريخ .وهذه ظاهرة تدعو �إىل القلق ال�شديد. ذلك �أن نه�ض ًة اجتماعية و�سيا�سية متتنع عن الإمكان يف � ّأي جمتمع �إن مل تكن م�سنود ًة فكري ومعر ٍّ حقيقي؛ كما �أن �أي َة يف برتاكم ٍّ ٍ ّ ثقاف ٍة تفتقر �إىل ر�صي ٍد من املعارف النظرية تعجز عن �أن جتيب عن حاجات املجتمع: املعرفية واجلمالية .بل �إن كل االن�شغال بق�ضايا ال�سيا�سة واالقت�صاد والأمن القومي – وهو من �صميم البحث والتفكري – لي�س ي�ساوي �شيئ ًا يف ح�ساب املنفعة العلمية �إن مل
يرتكز على ر�صي ٍد من الإنتاج الفكري والنظري و�إ ّال حت َّول الباحثون يف تلك املجالت �إىل جم َّرد «خرباء»! وهو – بكل �أ�سف – عينْ ُ ما ت� ُ ؤول �إليه �أو�ضاع البحث العلمي يف الوطن العربي .وما ال�ضعف ال�شديد يف �أغنانا عن القول �إن هذا ّ الفعاليات الفكرية اجلماعية املن�رصفة �إىل مما ميثل م�ؤ�رشاً الق�ضايا النظرية واملعرفية هو ّ َ�س ّيئ ًا على تراجع الدور املعريف للجامعات العربية ،بح�سبانها البيئة الأ�سا�س للبحث العلمي ،وتراجع التقاليد الأكادميية العريقة فيها (امل�ؤمترات والن ْدوات الفكرية) وبخا�صة �أق�سام الفل�سفة والعلوم الإن�سانية وعلوم اللغة. لكن م�ؤ�شرِّ اً �آخر ال يقل عن الأول �سوءاً هو انعدام مراكز درا�سات خا�صة بق�ضايا الفكر (فل�سفة ،علم اجتماع� ،أنرثوبولوجيا ،ل�سانيات، �سيميائيات ،علم نف�س ،تاريخ ،دميغرافيا ،)... الأمر الذي ينجم عنه نق�ص فادح يف الإنتاج العلمي – خ�صو� ًصا اجلماعي – يف هذه امليادين. • على مثال ال�ضعف احلا�صل يف ن�سبة امل�ؤمترات والن ْدوات الفكرية يف العام 2008 – ويف �سوابقه من الأعوام – ثمة �ضعف رديف و�شبيه يف ن�سبة امللفات الفكرية �إىل جمموع ما ت�صدره الدوريات العربية املتخ�ص�صة من ملفات :ومعظمها يتعلق بال�ش�ؤون ال�سيا�سية واالقت�صادية واال�سرتاتيجية .بل �إن ح�صيلة هذا العام ( )2008من امللفات الفكرية تبدو �أهزل من �سابقاتها يف الأعوام املن�رصمة وعلى ن َْح ٍو يدعو �إىل املفاج�أة! ولي�س من �شَ ٍّك يف �أن واحد ًة من الأ�سباب التي تف�سرّ هذه احلال من ال ُهزال هي غياب جمالّت فكرية متخ�ص�صة �إ ّال يف ما َن َدر جم َّالت الفكر العربي ّ املعا�رص ،الت�سامح ،فكر ونقد ،...وعلى نح ٍو ال ميكن �أن يقا�س بكمية ما هو موجو ٌد – على قلّته – من جمالت ثقافية تعنى بالأدب والفن والنقد االدبي .ورمبا ُي َ�ضاف �إىل ذلك �أن ّ املجالت الفكرية العربية الر�صينة امل�ستقبل العربي� ،ش�ؤون عربية ،ال�سيا�سة الدولية� ،ش�ؤون الأو�سط ...م�ستغرقة يف ق�ضايا الفكر وال�سيا�سة
485
التقرير العربي الثاين 486للتنمية الثقافية
حني تزي ُد الفجو ُة العلمية واملعرفية بني الثقافات – مثلما هي عليها احلال اليوم بني الثقافة الغَربية والثقافة العربية – ف�إن االنفتاح ذاك ،من طريق الرتجمة، يغدو يف مقام الفري�ضة العلمية.
املت�صلة باالقت�صاد وال�سيا�سة واال�سرتاتيجيا والعالقات الدولية والإقليمية ،وال تكا ُد ُت ْف ِر ُد لق�ضايا النظرية واملعرفة والفكر �إ َّال ح ّيزاً �شب َه رمزي! • �إن �أكرث ما يالحظ ال�ش�أن يف ا َ حل َراك الثقايف للعام 2008هو غزارة الفعاليات الفكرية اجلماعية التي َّ نظ َمها بع�ض امل�ؤ�س�سات الثقافية العربية وبخا�صة يف م�رص .ذلك �أن ما عقدته مكتبة الإ�سكندرية �أو مركز الدرا�سات ال�سيا�سة واال�سرتاتيجية (التابع للأهرام) من م�ؤمترات ون ْدوات و ُور�ش عمل وحلقات نقا�شية يكاد يعادل – َك َّم ًا – ُث ُل َث ما قامت به امل�ؤ�س�سات واملراكز الدرا�سية والبحثية العربية كافة (على الأقل يف ما توفَّر لدينا من ر�صي ٍد من املعلومات) .وهذه ِن�سبة عالية وا�ستثنائية، �رصيح دالل ٍة – على ما باتت حتت ُّله وت ُدلُّ – َ املكتبة واملركز من مكانة يف امل�شهد الثقايف العربي اليوم. هذه جمل ٌة من �أه ّم ما بدا لنا مفيداً ا�ستنتاجه من مالحظات يف معر�ض ر�صدنا حراك العام 2008الفكري يف الوطن العربي. وهي – جم َّدداً – ا�ستنتاجات غرية ق َْطعية ونهائية لأنها حمكومة ِب َك ِّم املادة املتوفّرة الر�صد وامللف وما تقت�ضيه لدى حم ِّرر هذا ْ الع ِّينَة من حت ُّو ٍط من التعميم املطلق للأحكام. تتعلق الواجهة الثالثة ،من واجهات احل�صاد الفكري العربي يف العام ،2008 بالرتجمة :ترجمة ن�صو�ص الفكر الإن�ساين من لغات �أجنبية �إىل اللغة العربية .وهذه الواجهة �شديدة الأهمية يف م�ضمار بيان اجتاهات ذات الر�أي العام الفكر يف امل�سائل التي تبدو له َ �أهمي ٍة �أو �أولوية ويطفق باحث ًا عن �أجوب ٍة عنها من خارج دائرة الفكر العربي ويحاول االطالع عليها عن طريق الرتجمة .و�إ ْذ تتزايد مكانة الرتجمة وا ُملترَ ْ َجمات يف املجال التداويل العربي املعا�رص ،ي�صبح يف حكم ال�رضورة �أن عمل يروم ر�صد امل�شهد ُي ْع َتنَى ب�أمرهما يف �أي ٍ الثقايف العربي �أو حتليل معطياته.
ثالث ًا :الرتجمة و�أ�سئل ُتها
رئي�س من وجوه البناء وج ٌه الرتجمة ْ ٌ الثقايف والفكري واالجتماعي واحل�ضاري، و�شكل من �أ�شكال التثاقف � Acculturationأو التبادل الثقايف بني املجتمعات والثقافات. و�إذا كانتِ الثقافات الكربى ذات ال�سطوة والنفوذ ال تجَ ِ د يف نف�سها حرج ًا من االنفتاح على غريها من الثقافات الأ�صغر – �أو حتى الأقل �ش�أن ًا – من طريق ترجمة �آثارها يف الفكر والآداب والتاريخ والعلوم ،فكيف بثقافات �ضعيف ِة احليلة يف املناف�سة والتوازن ٍ الثقاف َّيينْ على ال�صعيد الكوين :على نحو ما با َت ْت عليه الثقافة العربية اليومّ � ،أما حني تزي ُد الفجو ُة العلمية واملعرفية بني الثقافات – مثلما هي عليها احلال اليوم بني الثقافة الغَربية والثقافة العربية – ف�إن االنفتاح ذاك، من طريق الرتجمة ،يغدو يف مقام الفري�ضة العلمية التي ال �سبيل �إىل �إ�سقاط النهو�ض بها. وهي حقيقة التقطها املفكرون النه�ضويون العرب ،منذ القرن التا�سع ع�رش ،وكانت يف بع�ض �أ�سا�س �س ْعيهم يف الإقبال على ترجمة ٍ من الآثار الغربية (الأوروبية بخا�صة) على نح ٍو مل َي َك ْد ينقطع طيلة ذلك القرن والذي تاله منذ د�شَّ ن عملية الرتجمة عمي ُدها رفاعة رافع ومن بعده �أحمد فار�س ال�شدياق. الطهطاوي ِ واحل�ضاري يف ومازال تاريخنا الثقا ّ ّ (الو�سيط) �شاهداً على جتربة بيت احلكمة يف بغداد ،وم�رشوع الرتجمة ال�ضخم والطموح الذي بخا�صة ،والذي أمون َت َع َّهد ُه الر�شي ُد ابتدا ًء ،وامل� ُ ّ العربي حتى را َم َن ْق َل «علو َم الأولني» �إىل الل�سان ّ ي�ضيف �إىل ثقافة العرب وامل�سلمني ِخبرْ ات غريهم املعرفية .وهو م�رشوع ج َّن َد ْت له الدولة (العبا�سية) �إمكانياتها املادية ،وا�ست ْق َد َم ْت له خري َة الرتاجمة من ك ّل ح ْد ٍب و�صوب .ما كان له من �آثا ٍر بليغة يف نه�ضة الثقافة العربية – الإ�سالمية يف الفرتة الفا�صلة بني منت�صف القرن الهجري الثاين ونهاية القرن الهجري الرابع :وهي الع�رص الذهبي للثقافة العربية – الإ�سالمية يف ميادين العلوم العقلية والتجريبية والفل�سفة واملنطق والكالم و�أ�صول
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
الفقه � ...إلخ. ولقد تجَ َ َّدد الدلي ُل على ذلك يف احلقبة احلديثة واملعا�رصة :يف القرنني التا�سع ع�رش ألف عام من جتربة «بيت والع�رشين .بعد � ِ احلكمة» – �أو ما يقل عن ذلك بعقود قليلة – جت َّددت «مغامرةُ» الرتجمة يف حلظة ثقافية نه�ضوية عربية يف القرن التا�سع ع�رش ويف بع�ض فرتات الن�صف الأول من القرن الع�رشين مما �أ�س َه َم يف �صناعة تلك املتقطعة ،ولع َّل َّ اللحظة ما ق َّد َم ْت ُه الرتجمة من ماد ٍة ثقافية وفكرية و�أدبية للوعي العربي من خالل ما كان ين�شرَ من ن�صو�صها يف كتب �أو جمالّت ذاتِ �صيت مثل «الهالل» و «املقتطف» و�سواهما، تفاع ٍل مع مادتها من ِق َبل وما كان يقع من ُ ق�سم كبري من النخبة املثقفة وجمهور املتعلمني والقراء .ولقد ا�ستمرت جهود الرتجمة ن�شطة يف القرن املا�ضي فانتقلت �أحيان ًا من املبادرات الفردية �أو اجلماعية ال�صغرية (فرق عمل يف عمل م� َّؤ�س�سي ر�سمي �أو �إطار جمالت مث ًال) �إىل ٍ م�ستقل؛ ومن ذلك ما قامت به هيئة الت�أليف والرتجمة والن�رش يف القاهرة خالل �سنوات عمل علمي الثالثينيات والأربعينيات من ٍ كبري يف جمال الرتجمة ،وما نه�ضت به الدولة امل�رصية – يف اخلم�سينيات وال�ستينيات – من م�رشوع طموح لرتجمة عيون الفكر الإن�ساين �إىل الل�سان العربي .بل �إن �أفراداً من املثقفني العرب بذلوا من اجلهد يف هذا الباب مبقدار ما ت�ستطيعه م�ؤ�س�سات؛ وذلك – مث ًال – ما ينطبق على حاالت رجال مثل عبدالرحمن بدوي، وحممد عبدالهادي �أبو ريدة ،وف�ؤاد زكريا �...إلخ. قد يقال �إن ِف ْع َل الرتجمة لي�س يف جملة م�ؤ�رشات التنمية الثقافية لأنه ال ينتمي �إىل املنتوج الثقايف الذاتي الذي ميكن قراء ُة �أبعاده الكمية والنوعية واحلكم عليه تبع ًا لذلك. فهو �أ�شبه ما يكون بال�سلعة امل�ستوردة التي ال املحلي .لكن الواقع �أن تحُ َْ�سب يف عدا ِد الإنتاج ّ
هذه «ال�سلعة امل�ستور َدة» َت ُد ُّلنا – مثل �أية �سلعة م�ستوردة يف الغذاء واال�ستهالك احلياتي – على منط العي�ش ونوع التطلبات احلياتية للنا�س �أو املجتمع� .إذ الطلب على �سلع ٍة بعينها – غري حملية – ذو دالل ٍة بالغة على منط اال�ستهالك. ولي�س يختلف الأمر يف ميدان الفكر .فال تخلو املرتج َمة – الفكرية �أو العلمية املادة الثقافية َ دليل من عليها الطلب وم�ستوى �أو الأدبية – ٍ ِ على نوع اال�ستهالك الثقايف لدى النخب وعموم القراء .وكما ت�شكل الأوىل م�ؤ�رشاً اقت�صادي ًا – اجتماع ّي ًا ال ميكن جتاهله يف �سيا�سات التنمية وبراجمها ،ت�شكل الثانية م�ؤ�رشاً فكر ّي ًا �أو ثقاف ّي ًا رديف ًا ال يقبل التجاهل يف عملية التنمية الثقافية .بهذا املعنى ميكن للرتجمة �أن ُت ْط ِل َعنَا على جملة من احلقائق الثقافية ال تقل عن تلك التي ُي ْطلعنا عليها الإنتاج الثقايف نف�س ِه الذي تك�شف أ�صيل �أو الذاتي ،يف الوقت ِ ال ِ فيه عن �أهميتها على �أكرث من �صعيد .ثمة �أربع ُة من وجوه الأهمية والداللة التي تكت�سبها الرتجمة يف نطاق ثقافتنا العربية املعا�رصة: �أ ّو ُلها �أن الرتجمة من اللّغات الأجنبية للمادة الثقافية – الفكرية والإبداعية – �إىل اللغة العربية ُت ْط ِل ُعنَا على نوع الهموم والأ�سئلة والهواج�س لدى النخب الثقافية ولدى اجلمهور القارئ على ال�سواء .فالذين يرتجمون – وهم جز ٌء من النخبة – ينقلون هواج�س تلك النخبة التي �إليها ينتمون لأنهم ال يرتجمون – يف العادة – �سوى ما يع ّدونَه يف جملة املادة الثقافية التي جتيب عن حاجات عقلية �أو جمالية �أو عن �أ�سئلة تدور يف حميط املجتمع املرتجمة �أو الثقايف .والذين يتلقَّون املادة َ ُي ْق ِبلون عليها ا�ستهالك ًا وقراءةً� ،إمنا يك�شفون عن نوع الهواج�س التي ت�ستبد بهم .ويف بالغ الأهمية يف احلالينْ ،نحن �أمام م�ؤ�شرِّ ِ املجال الثقايف ِل ِع َيا ِر درجة التفاعل مع م�سائل الفكر والثقافة والإبداع يف املجتمع. َ وثانيها �أن الرتجمة تحُ ْ ِك ُم ر ْبط الوعي وعي النخب واجلمهور املتعلّم العربي – َ
الح�صاد
يف الأهمية والدالالت
487
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 488للتنمية الثقافية
دور يف بيان درجة للرتجمة ٍ التفاعل الثقايف بني «الأنا» بيان يف منتهى و«الآخر»؛ وهو ٌ احليوية لقيا�س درجة ال�صلة يف بني الفكر العربي وزمنه املعر ّ العاملي ،وبخا�صة يف �ضوء ّ حقيقة االختالل الفادح يف توازن القوى الثقايف بني الثقافة العربية والثقافة الغربية.
املتلقي – بحركة الإنتاج الثقايف والفكري خارج الوطن العربي ،وت�ضيف �إىل هذا الوعي مورداً حيو ّي ًا من املوارد املعرفية �إىل جانب املوارد الذاتية واملحلية التي يوفرها الإنتاج الثقايف العربي .و َت ْع ُظم حقيق ُة هذه الأهمية متى �أخذنا يف احل�سبان �أن �إمكانيات الإطّ الع على هذه املوارد املعرفية الإن�سانية يف مظانها الأ�صل ،وبلغاتها الأ�صلية (العاملية) ،لي�ست متاحة للمثقفني العرب كافة ولعموم القراء، وبخا�صة يف �ضوء حقيقة تراجع م�ستوى املعرفة باللغات الأجنبية يف الوطن العربي يف الثالثني عام ًا الأخرية والرت ّدي املتزايد لربامج تعليم اللغات الأجنبية يف املقررات املدر�سية .و�إذا ما �أ�ضفنا �إىل ذلك �أن معظم املثقفني واملتعلمني الذين يتقنون لغ ًة ثانية ممن ال يعرفون �أو ثالثة – غري العربية – ُه ْم ّ يف الأع ّم الأغلب �سوى الإجنليزية �أو الفرن�سية �أو ُه َما مع ًا ،تب َّينَا �إىل � ّأي ح ٍّد تفر�ض الرتجم ُة �رضور َتها يف حياتنا الثقافية لت�أمني ما لي�س يف ال ُو ْ�سع ت�أمينُه من املعارف �إ ّال عن طريقها وبوا�سطتها. ال�صلة التي تقيمها وثالثها �أن هذه ِّ الرتجمة بني الوعي العربي وم�صادر الفكر الإن�ساين ،التي لي�س متاح ًا االت�صال بها بوا�سطة اللغات الأجنبية (لدى ال�سواد الأعظم القراء العرب) ،ت�ضع يف حوزة ذلك الوعي من ّ موار َد ومواد جديدة للإجابة عن كث ٍري من �أ�سئلة الواقع االجتماعي والثقايف ومع�ضالته مما ال تكفي املوار ُد الذاتية للإجابة عنه .لي�ست ّ ّ ترجمة ما ي�س َّمى بالعلوم الدقيقة �إال واحداً من �أمثل ٍة ع ّدة لذلك ،حيث لي�س لدينا – يف حقيقي يف هذا الباب إنتاج الوطن العربي – � ٌ ٌّ – بل يجوز تعميم امل�س�ألة واحلديث عن العلوم الإن�سانية واالجتماعية �أي� ًضا؛ فهذه ،و�إن كان بع�ض من الإنتاج يف فروعها� ،إ ّال �أن الفارق لنا ٌ يف فيها بني الثقافة العربية يف الرتاكم املعر ّ والثقافة ال َغ ْربية – مث ًال – يفر�ض االنتهال مع�ضالت منها ومن خربتها الفكرية يف َج ْب ِه ٍ �شبيهة لال�ستفادة منها على مقت�ضى ال�رضورة،
ورمبا على مقت�ضى الواجب. �أما راب ُعها ،في َّت ِ�ص ُل مبا للرتجمة من دو ٍر يف بيان درجة التفاعل الثقايف بني «الأنا» و بيان يف منتهى احليوية لقيا�س «الآخر»؛ وهو ٌ يف درجة ال�صلة بني الفكر العربي وزمنه املعر ّ العاملي ،وبخا�صة يف �ضوء حقيقة االختالل ّ الفادح يف توازن القوى الثقايف بني الثقافة العربية والثقافة الغربية ،وحاجة الثقافة ج�سد العربية �إىل ا�ستدراك هذا االختالل يف �أفق ّ بع�ض اخل ْر ِق فجوته� ،أو – على الأقل – َر ْت ِق ِ ْ فيه ،كما يف �ضو ِء تزا ُي ِد ا َمل ْيل �إىل التعبري عن �أفكا ٍر انكفائية تدعو �إىل االن�سحاب من الع�رص حتت عنوان حفظ الهوية من التبديد واالقتالع وا َمل ْحو � ...إلخ. بع�ض من �أَ ْم َي ِز الأ�سباب التي ت�صنع هذه ٌ للرتجمة �أهمي َتها ومكانتها يف احلياة الثقافية العربية اليوم .ال َج َر َم� ،إذاًْ � ،إن َت َع َ اظ َم االهتما ُم بها ،والإقدا ُم والطلب عليها ،وتزايدت �أعدا ُد املمار�سني لها وامل�ؤ�س�سات املتع َهدة لرباجمها يف ال�سنوات الأخرية.
طلب متزايد على الرتجمة وم�ؤ�س�ساتها
منذ العقد االخري من القرن الع�رشين، وبخا�صة منذ مطلع العقد الأول من القرن احلايلَ ،تزَا َيد عدد امل�ؤ�س�سات التي ُتعنى ق�سم كبري من البلدان العربية، بالرتجمة يف ٍ وتكاثرت املن�شورات /ا ُملترَ ْ َج َمات ال�صادرة عنها �أو ال�صادرة بتمويل منها عن دور ن�رش �أخرى .ويف حني كان معظم الن�صو�ص املرتجمة عن الفكر الإن�ساين والآداب العاملية، خالل الفرتة من ال�سبعينيات �إىل الت�سعينيات من القرن املا�ضي ،ح�صيلة مبادرات فردية من املثقفني �أو املهتمني بالرتجمة يف الأع ّم الأغلب منها ،وذلك ب�سبب غياب الأطر امل�ؤ�س�سية – الر�سمية واخلا�صة – التي ميكن �أن ترعى املادي،... عملية الرتجمة وتتعهدها بالإنفاق ّ فقد �أ�صبح معظم اجلهد املبذول يف الرتجمة، يف اخلم�سة ع�رش عام ًا الأخرية ،يجري يف نطاق م� َّؤ�س�سي �أو – للدقة – يف نطاق برنامج ٍ
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
يف حني كان معظم الن�صو�ص املرتجمة خالل الفرتة من ال�سبعينيات �إىل الت�سعينيات من القرن املا�ضي ،ح�صيلة مبادرات فردية� ،أ�صبح معظم اجلهد املبذول يف الرتجمة ،يف اخلم�سة ع�رش عام ًا نطاق م� َّؤ�س�سي. الأخرية ،يجري يف ٍ وهو تحَ ُّول �شديد القيمة يف امل�شهد الثقايف العربي اليوم.
الح�صاد
عمل تتع َّه ُد ُه �أو ترعاه جهات م ْعن َّية بالرتجمة. وهو تحَ ُّول �شديد القيمة يف امل�شهد الثقايف العربي اليوم. �أك ُرث ما يلحظه املر ُء حني ُي ْل ِقي نظراً على خريطة امل�ؤ�س�سات العربية املعتنية بالرتجمة � ْأمرين اثنني� :أولهما �أن هذه عام ٍة وخا�صة ،حكومية امل�ؤ�س�سات تتو ّز ُع بني ّ وم�ستقلة :و�إن كانتِ الغلب ُة والرجحان للثانية على الأوىل يف الك ِّم والعدد دون املوارد بع�ض ا ُمل ْه َتم من والإمكانيات .وثانيهما �أن َ امل�ؤ�س�سات الثقافية العربية ب� ْأم ِر الرتجمة مل ين�ش�أ يف الأ�صل لهذه الغر�ض ،و�إمنا �أتى اهتمام ُه بالرتجمة الحق ًا بعد �أن تب َّينت له ُ �أهميتها احليوية يف التنمية الثقافية .هكذا اختالف بني امل�ؤ�س�سات جند �أنف�سنا – على ٍ املعتنية بالرتجمة يف الهوية (حكومية، خا�صة) والوظيفة (الرتجمة ح�رصاً ،الرتجمة والبحث� – )...أمام لوحة معطيات ثقافية ذات ح�سبان جديدة حتتل فيها الرتجمة مكانة َ يف رهانات التنمية املعرفية. على تع ُّدد هذه امل�ؤ�س�سات ،ميكن و�ض َع ْت لنف�سها برنامج التمييز بني التي َ علمي وخا�ضت فيه تنفيذاً و�إجنازاً، ع َم ٍل ّ وبني التي ر�سمت لنف�سها خطط عمل مازالت يف طور الدرا�سة �أو خرج جز ٌء ي�س ٌري منها �إىل ح ّيز التحقيق .و�إذا كان من ال�صعب �إح�صاء الفئة الثانية من امل�ؤ�س�سات لكرثتها من جهة، ولعدم جدوى االحتفال بها يف مرحلة ما قبل الإجناز من جهة �أخرى ،ف�إن من الي�سري التنويه بتلك التي بد�أت يف �إجناز ما طرح ْت ُه على نف�سها من برامج عمل� :إ�رشاف ًا مبا�رشاً �أو رعاي ًة مادي ًة .وميكن �أن ُي�شَ ار يف هذا الباب – وعلى �سبيل التمثيل – �إىل �أظهرها و�أه ّمها اليوم مثل :املركز القومي للرتجمة (القاهرة، حكومي) ،واملنظمة العربية للرتجمة (بريوت، م�ستقلة) ،وم�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم (دبي ،خا�صة) ،وم�ؤ�س�سة الفكر العربي (بريوت، خا�صة) ،واملعهد العايل العربي للرتجمة (اجلزائر ،حكومي)� ،إىل جانب جمعيات �أهلية
عربية عدة مثل جمعية املرتجمني واللغويني امل�رصيني ،واجلمعية امل�رصية لتعريب العلوم، ف�ض ًال عن مراكز ر�سمية مثل املركز العربي للرتجمة والتعريب والت�أليف والن�رش ... هذا التزايد امل�ستمر لعدد امل�ؤ�س�سات اخلا�صة بالرتجمة يف الوطن العربي� ،أو للم�ؤ�س�سات الفكرية التي باتت تعتني بها وت�ستدجمها �ضمن براجمها العلمية ،ف�ض ًال عن داللته على ن�ضج الوعي بالأهمية احليوية لقطاع الرتجمة يف م�رشوع التنمية الثقافية – قرين ٌة على وجو ِد َط َل ٍب اجتماعي وثقايف القراء ،و�إ ّال ما الن�ص َ على ّ املرتجم يف جمتمع ّ برامج ؤ�س�سات بالإنفاق على كانت غامرت م� ٌ َ للرتجمة غري قابلة لال�ستهالك .و�إذا كان َي َ�س ُعنا �أن نفرت�ض �إمكانية حت ُّمل الدولة لل�صرَّ ف على «�صناعة ثقافية» غري ذات عائدات مادية (تغطي كلفة �إنتاجها على الأقل) بح�سبان عمل الدولة ،يف هذه احلال ،حمكوم ًا مبنطق امل�صلحة العامة ال باعتبارات الر ّبح ،ف�إن امل�ؤ�س�سات اخلا�صة وامل�ستقلة (غري احلكومية، وغري املدعومة من احلكومات) ال َتقْوى على حت ُّمل مثل هذه اخل�سارة املادية :لي�س لأن م�رشوع الرتجمة ال ي�ضمن لها ر ْبح َّية ،ولكن لأنه قد يرهقها �إىل احل ّد الذي ال ت�ستطيع معه �أن تغطّ ي احل ّد الأدنى من «اخل�سارة املقبولة». ولي�س من �شك يف �أن الكثري من امل�ؤ�س�سات الفكرية اخلا�صة وامل�ستقلة يف الوطن العربي الر ْبح ت�شتغل بوازع ثقايف ،وبعيداً عن مبد�أ ّ نف�سه منذ املادي؛ و�أن بع�ضها تحَ َ َّمل – بل ه َّي�أ ّ البداية ليتح َّمل – قدراً من اخل�سارة املادية، �أي من الإنفاق غري املتوازن مع العائداتَ � ،أم ًال يف �أن يع ّو�ض عنها بر ْب ٍح معنوي :ك�سب رهانة نف�سه الثقايف و�أداء الر�سالة العلمية التي ا ْن َت َد َب َ لأدائها .غري �أن للخ�سارة حدوداً ال َت ْق َبل ال َّت َح ُّمل يكن اال�ستعداد �أ ّي ًا َت ُك ِن النوايا والرهانات ،و�أ ّي ًا ِ الذاتي للتفاين يف َح ْمل الر�سالة الثقافية .وهذه احلقيقة � ْأ�ص َدقُ ما تكون يف حالة امل� َّؤ�س�سات ذات املوارد املالية املحدودة :وهي الأكرث عدداً يف جملة امل�ؤ�س�سات غري احلكومية.
489
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 490للتنمية الثقافية
ُتعَبرّ �ش َّد َة الإقدام على الرتجمة –يف وج ٍه من وجوهها -عن �ش َّد ِة الطلب العام عليها .وهذا لي�س ا�ستنتاج ًا نظر ّي ًا فح�سب، و�إمنا ت�ؤكده �أرقام املبيعات يف املعار�ض و�أ�سواق الكتب يف الظن �أن ذلك ال�سنوات الأخرية .ويف ّ التعاظُ م املح�سو�س يف الطلب على الرتجمة ميثل عالم ًة �صح ّية يف و�سط اجلمهور القارئ.
تقود هذه املالحظة �إىل اال�ستنتاج ب�أن �ش َّد َة الإقدام على الرتجمة ُتعَبرّ – يف وج ٍه من وجوهها عن �ش َّد ِة الطلب العام عليها .وهذا لي�س ا�ستنتاج ًا نظر ّي ًا �أو منطق ّي ًا فح�سب ،و�إمنا ت�ؤكده �أرقام املبيعات يف املعار�ض و�أ�سواق الظن �أن ذلك الكتب يف ال�سنوات الأخرية .ويف ّ ُ التعاظم املح�سو�س يف الطلب على الرتجمة ميثل عالم ًة �صح ّية يف و�سط اجلمهور القارئ. ف�إىل �أنه يبعث على ال�شعور بالتح ُّرر الن�سبي من املركزية الذاتية (العربية والإ�سالمية) لدى القارئ العربي وباال�ستعداد النف�سي للإ�صغاء والتفاعل معه ،ي�ضع حتت �إىل خطاب الآخر ُ نتيج ًة وبال َّت ِب َع ِة ت� ُّرصف ذلك القارئ – َ منظومات من املعارف والقيم – معطيات ٍ ً ُ اجلمالية مل َيك ِن الكث ُري منها متاحا له قبل مما ال االطالع عليها من طريق الرتجمة .وهذا َّ َّ الت يف الواقع الثقايف العربي �شك �س ُي ْحدِث حت ُّو ٍ يف املدى املتو�سط والبيعد.
ح�صا ُد الرتجم ِة الفكري
ؤ�س�سات عربية للرتجمة جنحت م� ٌ يف ك�سب رهان طموحها املعلّن يف أهداف حدد ْتها ال�شتغالها؛ بلوغ � ٍ مثل املركز القومي للرتجمة يف م�رص الذي َب َل َغ هدف ترجم ِة َ الألف كتاب قبل ثالث �سنوات، وانتقل رقم �إجنازه يف الرتجمة �إىل املائة وخم�سة وخم�سني كتاب ًا يف العام ،2008وما قامت به م�ؤ�س�سة حممد بن را�شد من متويل ترجمة مئات الكتب يف العام ،2008 وم�ؤ�س�سة الفكر العربي التي بد�أت م�رشوعها بالتعاون مع م�ؤ�س�سة La Découverteالفرن�سية لرتجمة التقرير ال�سنوي «�أو�ضاع العامل» �ضمن �سل�سلة كتب مرتجمة �أطلقت عليها ا�سم «ح�ضارة واحدة» ،وما فعل ْته مبادرة جائزة امللك عبداهلل العاملية للرتجمة التي �أطلقتها اململكة العربية ال�سعودية.
�أ�صبح حتت ت� ُّرصف جمتمع القراء – نتيجة هذا اجلهد الطيب املبذول يف ترجمة الآثار الأجنبية – مئات الكتب املرتجمة يف كل عام �إىل الل�سان العربي من خمتلف اللغات العاملية �أو – ُق ْل للدقة – من بع�ض �أكرثها تدا ُو ًال وانت�شاراً يف عامل اليوم ،فيما مل يكن املرتجم �إىل اللغة العربية يتجاوز ب�ضع معظم َ ع�رشات من الكتب قبل ع�رشين عام ًا .ولقد ؤ�س�سات عربية للرتجمة يف ك�سب جنحت م� ٌ أهداف ح َّدد ْتها رهان طموحها املعلّن يف بلوغ � ٍ ال�شتغالها .وذلك ما ينطبق – مث ًال – على املركز القومي للرتجمة يف م�رص الذي َب َل َغ َ هدف ترجم ِة الألف كتاب قبل ثالث �سنوات، وانتقل رقم �إجنازه يف الرتجمة �إىل املائة وخم�سة وخم�سني كتاب ًا يف العام ( 2008مع طموح �إىل بلوغ الثالثمائة كتاب يف العام ٍ 2009كما ي�أمل القائمون على �إدارة املركز). كما �أن م�ؤ�س�سات ثقافية عربية �أخرى – غري خمت�صة بالرتجمة ح�رصاً – جنحت يف �إجناز
رعاي ٍة ناجحة لعملية الرتجمة ،ومن ذلك ما قامت به م�ؤ�س�سة حممد بن را�شد من متويل ترجمة مئات الكتب يف العام .2008وبع�ضها الثاين جنح يف �إقرار برنامج طموح للرتجمة على مثال م�ؤ�س�سة الفكر العربي التي بد�أت م�رشوعها بالتعاون مع م�ؤ�س�سة La Découv verteالفرن�سية لرتجمة كتاب� :أو�ضاع العامل � 2008ضمن �سل�سلة كتب مرتجمة �أطلقت عليها ا�سم «ح�ضارة واحدة»� ،أما بع�ض ثالث من امل�ؤ�س�سات الثقافية ،فارت�أى ت�شجيع م�رشوع الرتجمة من خالل تكري�س جوائز خا�صة بها على مثال ما فعل ْته مبادرة جائزة امللك عبداهلل العاملية للرتجمة التي �أطلقتها اململكة العربية ال�سعودية .ولي�س من �شك يف �أن الرتاكم املتحقق اليوم يف ميدان الرتجمة َيدين لهذه اجلهود املت�ضافرة للم�ؤ�س�سات التي ذكرنا مما مل نذكره. ولغريها ّ
نظرة على احل�صاد الفكري من الرتجمة
يرتاوح عدد الكتب املرتجمة ال�صادرة عن املنظمة العربية للرتجمة بني الثالثني والأربعني كتاب ًا يف العام ،مي ّيزها �أنها تنتمي �إىل حقل الفل�سفة والعلوم الإن�سانية واالجتماعية و�إب�ستيمولوجيا العلوم يف املعظم منها .لكن من�شوراتها يف العام 2008 مل تتجاوز – على غري العادة – �ستة وع�رشين كتاب ًا �أكرث مادتها يف حقول املعرفة امل�شار �إليها .و�إذا ما ا�ستثنينا �سبعة عناوين منها يقع وع ْر ُ�ضه .وميكننا ر�ص ُد ُه َ يف �صلب ما يعنينا ْ تق�سيم هذه املادة الفكرية املرتجمة واملن�شورة – يف العام � – 2008إىل �أربعة حقول معرفية عامة :الفل�سفة ،علم االجتماع ،علوم الل�سانيات وال�سيميائيات ،ثم العلوم ال�سيا�سية ،ن ْعر�ض وبيانات عنها يف ما يلي: معطياتها ٍ يف حقل الفل�سفة �صدرت ت�سعة كتب مو ّزعة على ميادين فل�سفية فرعية �أربعة على النحو التايل :خم�سة منها يف نطاق الفل�سفة الن�ص الفل�سفي املح�ض (النظري، العامة �أو ّ ون�ص واح ٌد يف نطاق تاريخ الفل�سفة، املج َّرد)ٌّ ،
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
ن�صان ٌّ ون�ص واح ٌد يف نطاق فل�سفة العلوم ،ثم ّ يف نطاق الفل�سفة ال�سيا�سية. العامة� ،أعيد ن�رش ترجمة يف الفل�سفة َّ كتاب حديث الطريقة للفيل�سوف الفرن�سي املرتجم هرني ديكارت .ومع �أن عنوان الكتاب َ قد يخلق بع�ض االلتبا�س واالعرتا�ض ،حيث من امل�ألوف �أن ُيقْر�أ عنوان كتاب ديكارت خطاب يف ()Discours de la méthode ٌ املرتج َم عمر ال�شارين (�أ�ستاذ املنهج� ،إ ّال �أن ِ الفل�سفة يف تون�س ويف جامعة كالرمون للن�ص ودق ًة فا َّران بفرن�سا) �أ ْب َدى وفا ًء كبرياً ّ يف ترجمته و�إ�سهاب ًا ا�ستثنائي ًا يف �إ�ضاءة مفاهيمه يف الهوام�ش على نح ٍو َج َم َع فيه بني الرتجمة والتحقيق (ت�شكل الهوام�ش �أكرث من ثالثة �أرباع الكتاب) ،ورمبا مبا قد ي�شفع الجتهاده يف اخلروج بالعنوان عن م�ألوفه يف ترجمات �سابقة .ونُ�رشت ترجمة كتابle : visible et l’invisibleللفيل�سوف الفرن�سي موري�س مريلو – بونتي حتت عنوان املرئي والالمرئي برتجمة عبد العزيز العيادي (�أ�ستاذ الفل�سفة يف اجلامعة التون�سية) مع مقدمة للمرتجم من � 33صفحة .ويتناول كتاب مريلو – بونتي ،املت�أثر ب�أطروحات �إدموند هو�رسل يف الفينومينولوجيا ،جملة من املفاهيم الفل�سفية الرائجة بالنقد و�إعادة النظر (الذات، املو�ضوع ،اجلوهر ،احلدث ،الوجود ،العدم، الوعي )...من �أجل جتديد الر�ؤية �إىل العامل مبفاهيم �أخرى منا�سبة .ونُ�رشت ترجمة كتاب An Enquiry concerning Human un derstandingللفيل�سوف الإ�سكتلندي داييفيد
ي�ست�أنف �سابقه نقد العقل اخلال�ص :والذي �صدرت ترجمته العربية عن الأملانية قبل �سنتني �ضمن من�شورات املنظمة – بحث نقدي وبيان للقانون الذي ينظم الأخالق. يف العقل ٌ و�أخرياً ن�رشت الرتجمة العربية لكتاب Die Krisis der europaischen wissenchaften und die transzendentale phanomenolo gieللفيل�سوف الأملاين �إدموند هو�رسل من
�إجناز �إ�سماعيل امل�ص َّدق (�أ�ستاذ الفل�سفة يف جامعة ابن طفيل يف القنيطرة – املغرب) حتت عنوان �أزمة العلوم الأوروبية والفنومينولوجيا ن�ص نقدي لنزعة الرتان�سندنتالية والكتاب ٌّ «املو�ضوعية» احلاكمة للعلم واملعرفة ولتغييب �أ�سئلة املعنى والغاية. �أما يف نطاق تاريخ الفل�سفة ،فقد نُ�رشت ترجمة كتاب Fifty key Contemporary thinkers: from structuralism to post mo dernityليمون لي�شته – �أحد تالمذة جوليا
يدر�س يف جامعة ماكواري كري�ستيفا والذي ّ – حتت عنوان خم�سون مفكّراً �أ�سا�س ّي ًا معا�رصاً: من البنيوية �إىل ما بعد احلداثة ،من �إجناز فاتن الب�ستاين (�أ�ستاذة املنطق يف جامعة جورج مي�سون) .وللكتاب قيمة تعليمية فائقة لكو ِن ِه ُيط ِل ُع القارئ على َط ْي ٍف من الفل�سفات (البنيوية، احلوليات ،ما بعد البنيوية ،نظرية العالمات �أو ال�سيميوطيقا ،ما بعد املارك�سية ،احلداثة ،ما بعد احلادثة) ،ومن رموز الفكر الفل�سفي احلديث واملعا�رص مثل نيت�شه ،وفرويد ،وكلود ليفي �سرتاو�س ،وبا�شالر ،وجاكوب�سون ،و�أدورنو، وجاك ال كان ،و�ألتو�سري ،وهابرما�س ،وفوكو، وبورديو ،و�أندت ،ودولوز وغريهم. ونُ�رشت ،يف نطاق فل�سفة العلوم ،الرتجمة العربية لكتاب Images of knowledge: An
الح�صاد
هيوم حتت عنوان حتقيق يف الذهن الب�رشي من �إجناز حممد حمجوب (�أ�ستاذ الفل�سفة يف جامعة تون�س) .وهو كتاب يبحث يف كيفية �أن يكون العلم �إن�ساني ًا و�أن ال يفقد الفيل�سوف م�ضمونه الإن�ساين .ثم ن�رشت ترجمة كتاب Kritik der praktischen vernunftللفيل�سوف الأملاين �إميانويل َكنْت حتت عنوان نقد العقل العملي من �إجناز غامن هنا (�أ�ستاذ الفل�سفة يف جامعة برمين ب�أملانية) .ويف الكتاب – الذي
491
Introduction to contemporary Philoso phies of scienceحتت عنوان �صور املعرفة:
مقدمة لفل�سفة العلم املعا�رصة للفيل�سوف الأمريكي باتريك هيلي .وترجمة الأ�ستاذ اجلامعي يف �سورية وفرن�سا نور الدين �شيخ عبيد .ويتناول الكتاب نظرية العلوم و�صالتها
مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 492للتنمية الثقافية
بنظرية املعرفة كما �أد ْتها الديكارتية وكما تناولت مقدماتها فل�سفات حديثة ومعا�رصة َ(كنْت ،هيغل ،كارل بوبر ،هيدغر ،فوكو ،دولوز) ومقاربات ذات طبيعة �إب�ستيمولوجية لعلماء مثل با�شالر وكانغيليم. �أما يف نطاق الفل�سفة ال�سيا�سية ،ف ُن�شرِ َ ن�صان� :أولهما ترجمة عربية لكتاب On Revo َّ olutionلعاملة االجتماع الأملانية �أ�صو ًال، الأمريكية جن�سي ًة ،ح ّنة �أرندت حتت عنوان يف الثورة .وهو كتاب تن�رصف فيه كاتب ُته �إىل حتليل ظاهرة الثورة يف التاريخ والوقوف على املبادئ احلاكمة لها حتلي ًال �أقرب �إىل الفل�سفة ال�سيا�سية منه �إىل علم االجتماع ال�سيا�سي .وثانيهما ترجمة عربية لكتاب Discours de la Servitude Volontaire
للكاتب الفرن�سي �إيتيان دوال بوي�سي حتت عنوان مقالة العبودية الطوعية .وهو ترجمة ع ّبود كا�سوحة ،وتدور �أطروحته حول حقيقة �أن العبودية لي�ست نتيجة من نتائج �سيا�سة الطغاة فح�سب ،بل قد يف�سرّ ها �أي� ًضا �أنها كثرياً ما تكون طوعية من قبل �أولئك الذين تقع عليهم. َّ هذا يف ما َت َعلق باملن�شور يف حقل رتج َمات املنظمة� ،أما الن�صو�ص الفل�سفة من ُم َ – املرتجمة واملن�شورة – التي تنتمي �إىل حقل علم االجتماع ،فعددها �ستة ن�صو�ص تنتمي �إىل ثالثة جماالت فرعية :علم االجتماع العام، والأنرثوبولوجيات ثم علم اجتماع املعرفة، وبياناتها على النحو التايل: ُن�شرِ ت يف نطاق علم االجتماع العام �شديدي الأهمية، لن�صني ْ ترجمتان عربيتان َّ �أولهما كتاب The Age of Capitalللم�ؤرخ الكبري �إريك هوبزباوم حتت عنوان ع�رص ر�أ�س املال من �إجناز فايز ال�صياغ (الباحث ال�سو�سيولوجي الأردين) .ومع ان امل�ؤلف م�ؤرخ يف املقام الأول� ،إ ّال �أن كتابة هذا ن ََحا فيه منحى الدار�س ال�سو�سيولوجي يف تت ُّبعه لتط ّور الر�أ�سمالية ونتائج ذلك التطور على املجتمعات يف �أوروبا والعامل .وين�رصف الكتاب �إىل حتليل
�صعود النظام الر�أ�سمايل يف حقبته ال�صناعية وتر�سخ الثقافة الربجوازية والتغيريات الهائلة ُّ التي جنمت عن ذلك يف املجتمعات الأوروبية. وثانيهما كتابSimulacres et Simulation للفيل�سوف وعامل االجتماع الفرن�سي جان بودريار حتت عنوان ا ُمل َ �صطنع واال�صطناع وترجمة جوزيف عبداهلل (الأ�ستاذ يف معهد العلوم االجتماعية بلبنان) .والكتاب كناية عن بحث نقدي ،من موقف فل�سفة ما بعد – احلداثة، يف عالقة املجتمع احلديث بالواقع ويف �أمناط اال�صطناع والتجريد اجلديدة التي متيز نظرته �إىل الأ�شياء. ونُـ�شــرت فــي نـطـاق الــدرا�ســات الأنرثوبولوجية ترجمتان عربيتان لكتابني، �أولهما ،L‘Invention de la mythologie ترجمة م�صباح ال�صمد (�أ�ستاذ الأدب الفرن�سي والنقد امليثولوجي يف اجلامعي اللبنانية)؛ وهو ن�ص ينتمي �إىل جمال التحليل الأنرثوبولوجي ّ للأ�سطورة .وثانيهما كتاب The East in the Westلأ�ستاذ الأنرثوبولوجيا االجتماعية يف جامعة كامربيدج جاك غودي حتت عنوان ال�رشق يف الغرب ،ترجمة حممد اخلويل. ويتناول الكتاب الر�ؤى وال�صور النمطية التي ك َّونها الغرب عن ال�رشق لفرتات طويلة من التاريخ الأوروبي حماو ًال تبديدها وتنفيذ النظرة الغربية اال�ستعالئية جتاهه. �أما يف نطاق علم اجتماع املعرفة، ف ُن�شرِ ت ترجمتان عربيتان لكتابني� ،أولها The Impact of Science on Society
للفيل�سوف الربيطاين برتراند را�سل ،وترجمة املهند�س �صباح �ص ّديق الدملوجي حتت عنوان �أثر العلم يف املجتمع .ومع �أن را�سل فيل�سوف وعامل ريا�ضي� ،إ ّال �أنه ن ََحا يف هذا الكتاب منحى الباحث يف اجتماعيات املعرفة حني ذهب يبحث يف ت�أثري العلم يف النظام الأوليغار�شي وتزويد هذا النظام ببع�ض حاجته من �أ�سباب اال�ستبداد والتطرف ولو ب�شعارات تقدمية .وثانيهما كتاب Introduction à la sociologie des sciences et des connais-
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
عنوان الأ�صول االجتماعية للديكتاتورية والدميقراطية .وعلى الرغم من �أن الكتاب يبدو تاريخ ًا يتعقب م�سارات التطور التي قطعتها جمتمعات عدة نحو الفا�شية والديكتاتورية �أو نحو الدميقراطية� ،إال �أن �أدوات التحليل املعتمدة م�ستقاة من جمال العلوم ال�سيا�سية. وهكذا ين�رصف م�ؤلفه �إىل حماولة فهم العوامل الديناميات امل�شتغلة يف عمق البنية االجتماعية-ال�سيا�سية وامل�س�ؤولة عن تقرير وجهة ذلك التطور نحو هذين النظامني مبا فيها �أدوار طبقات اجتماعية مثل الفالحني وكبار املالّك الزراعيني ،م�ش ِّدداً على مناذج من البلدان مثل فرن�سا و�أمريكا وال�صني واليابان والهند� .أما ثاين الكتابني املرتجمني فهو كتاب America Right or Wrong: An Anatomy .of American Nationalismلـ �أناتول ليفن
(الباحث يف «امل�ؤ�س�سة الأمريكية اجلديدة بوا�شنطن») ،وترجمته نا�رصة ال�سعدون حتت عنوان �أمريكا بني احلق والباطل :ت�رشيح القومية الأمريكية .ويف الكتاب نقد حاد للأ�س�س التي تقوم عليها ال�سيا�سة الأمريكية جتاه الآخرين على نحو ما بدت عليه بعد �أحداث احلادي ع�رش من �أيلول� /سبتمرب ،2001و�أهم تلك الأ�س�س -يف نظره -القومية ال�شوفينية ،م�سلط ًا ال�ضوء على الأدوار التي تقوم بها «ال�صهيونية امل�سيحية» والتيارات الإجنيلية املتطرفة يف تغذية هذه ال�سيا�سة والنزعة العن�رصية فيها.
ما زالت عملية الرتجمة حتى اليوم ،ويف الأع ّم الأغلب من مبادراتها ،مقت�رصة على النقل من اللغات العاملية امل�ألوفة يف احلياة الثقافية العربية (اللغتان الإجنليزية والفرن�سية بخا�صة ,والأملانية �إىل ح ٍّد ن�سبي ورمزي) �إىل اللغة العربية. مرتج َمة ونكاد ال نعرث على ن�صو�ص َ مبا�رشة من اللغات ال�صينية واليابانية والهندية والربتغالية والهولندية والأوردية واليونانية �إ ّال لغات �أخرى -كالإجنليزية بتو�سط ٍ ُّ والفرن�سية.
مالحظات
يقود هذا اجلرد اجلزئي حل�صيلة الرتجمة يف ميدان الفكر والعلوم الإن�سانية �إىل جملة مالحظات قابل ٍة للتعميم على جممل املرتجمني ٍ �إىل العربية من ن�صو�ص الرتاث الفكري العاملي ولي�ست مقت�رصة على الع ِّينة التي تناولها احل�صاد يف هذا امللف:
الح�صاد
sance scientifiquesلـ مي�شيل دوبوا (الباحث يف املركز القومي للبحوث العلمية و�أ�ستاذ يف جامعة باري�س العا�رشة) ،ترجمة �سعود املوىل (�أ�ستاذ علم االجتماع ال�سيا�سي يف معهد العلوم االجتماعية بلبنان) حتت عنوان مدخل �إىل علم اجتماع العلوم .وهو كتاب يبحث يف ال�رشوط اخلارجية واالجتماعية ال�شتغال التجربة العلمية. �أما احلقل املعريف الثالث الذي �صدرت فيه ترجمات عربـية عن املنـظمة ،فهو حقل الل�سانيات وال�سيميائيات وما يرتبط بهما من مناهج يف التحليل مثل التحليل الهريمنوطيقي (= الت�أويلي احلديث كما عند غادامري وبول ريكور .)...و ُن�شرِ َ ت يف نطاق هذا احلقل ترجمتان عربيتان �أوالهما لكتاب Semiatics: The basicsلـ دانييل ت�شاندلر (املحا�رض يف جامعة �أبريي�ستويث) حتت عنوان �أ�س�س ال�سيميائية ،وترجمها طالل وهبه (الأ�ستاذ يف جامعة الروح القد�س ويف جامعة ال َب َلمنْد بلبنان) .وهو كتاب ذو قيمة تعليمية كبرية ،حيث يعر�ض – بدقة وب�ساطة – �أ�س�س ال�سيمائية ومنظومة الإ�شارات التي حتتل فيها موقع املو�ضوع الرئي�س ،واجتاهات ال�سيمياء ومدار�سها ،وعالقة هذا احلقل املعريف بالل�سانيات .وثانيهما كتاب L‘Implicite لكاترين كريبرات – �أوريكيوين (الأ�ستاذة يف جامعة لوميري – ليون الثانية) حتت عنوان ا ُمل ْ�ض َمر .والكتاب يبحث – بحث ًا ل�ساني ًا – يف الآليات التي ُي ْ�ضمر بها ُ القول م�ضمونَه ويلج�أ �إليها كت�ضمينات وتلميحات �أكان القول �أدب ّي ًا �أم �سيا�س ّي ًا �أم �إعالن ّي ًا. و�أخرياً ،ف�إن احلقل املعريف الرابع الذي �صدرت فيه ترجمات عربية عن اجلهة نف�سها هو حقل العلوم ال�سيا�سية ،ويف جملتها هذا العام ( )2008ترجمتان عربيتان لكتابني، �أولهما كتاب Social Origins of Dictators ship and Democracyلـ بارينجتون مور (الباحث يف مركز الأبحاث الرو�سية بجامعة هارفارد) ،وترجمه �أحمد حممود حتت
493
�أ ّول هذه املالحظات �أن عملية الرتجمة ما زالت حتى اليوم ،ويف الأع ّم الأغلب من مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 494للتنمية الثقافية
�ستظل الرتجمة يف بالدنا العربية باب ًا غري م� ّرشع على الثقافة الإن�سانية �إن ظلت تختزل الثقافة هذه �إىل ما هو من�شور باللغتني الإجنليزية والفرن�سية. وال ي�شفع للرتجمة يف هذه احلال، ورمزي بع�ض قلي ٌل – �أن ُيترَ ْ َج َم ٌ ٌّ لغات �أخرى – من الن�صو�ص من ٍ غري تينك اللغتني الطاغيتينّ ، ن�صو�ص هذه وال �أن تُترَ ْ َج َم ُ اللغات العاملية الكربى (ال�صينية، اليابانية ،الأملانية ،الإ�سبانية، بتو�سط الهندية ،الربتغالية)... ُّ اللغتني الإجنليزية والفرن�سية.
مبادراتها ،مقت�رصة على النقل من اللغات العاملية امل�ألوفة يف احلياة الثقافية العربية (اللغتان الإجنليزية والفرن�سية بخا�صة والأملانية �إىل ح ٍّد ن�سبي ورمزي) �إىل اللغة مرتج َمة العربية .ونكاد ال نعرث على ن�صو�ص َ مبا�رشة من اللغات ال�صينية واليابانية والهندية والربتغالية والهولندية والأوردية لغات �أخرى- بتو�سط ٍ واليونانية (احلديثة) �إ ّال ُّ كالإجنليزية والفرن�سية -وعن طريقها .فيما لن�صو�ص فكرية جند نذراً ي�سرياً ،و�شبه رمزي، ٍ مرتجمة عن الإ�سبانية والإيطالية والرو�سية و�-أقل منها -عن الرتكية والفار�سية والعربية عطب كبري �إىل اللغة العربية مبا�رشةً .وهذا ٌ يف �آلة ا�شتغال الثقافة .ذلك �أن اال�ستغراق يف ثقافة ما من الثقافات الإن�سانية والإعرا�ض عن غريها (التي ال تقل عنها قيم ًة وانت�شاراً) لي�س من التفاعل الثقايف يف �شيء وال هو عالم ُة ه ّم ٍة يف الثقافة العربية .ولي�س �صحيح ًا �أن يقال -تف�سرياً لهذا � -إن الإجنليزية والفرن�سية من �أكرث اللغات انت�شاراً وتداو ًال يف العامل ،ومن �أكرث اللغات احت�ضان ًا للمعارف الكربى وتعبرياً عنها من خالل املكتوب. ذلك �أن الناطقني بالإ�سبانية وامل�ستعملني لها يف العامل هم �أكرث من خم�سة �أ�ضعاف الناطقني بالفرن�سية وامل�ستخدمني لها ،كما �أن جغرافية اللغة ال�صينية ب�رش ّي ًا ال تقل عن جغرافية الإجنليزية� .أما املتحدثون بال�صينية واليابانية والهندية والإ�سبانية والربتغالية، فهم �أكرث بكثري من ن�صف �سكان الأر�ض .و�إذا ما �أخذنا جمال الفكر فقط ،ف�إن ما �أنتجه الفكر الأملاين َي ْعلو ،من حيث املكانة والقيمة، فكري �آخر �صدر بالإجنليزية على �أي �إنتاج ّ والفرن�سية. من البينّ � ،إذاً� ،أن ال�سبب يف هذا االن�رصاف �شبه الكلّي للرتجمة واملرتجمني العرب �إىل الآثار املن�شورة باللغتني الإجنليزية والفرن�سية لي�س م�أتا ُه �سعة انت�شار هذين الل�سانني (التي ال ت�ضاهي – كما �أملحنا – �سعة انت�شار غريهما من اللغات) ،و�إمنا َ�سبب ُه التبعية الثقافية
واللغوية يف املقام الأول .وهي لي�ست تبعية ناجمة عن ثقل املرياث اال�ستعماري الثقايف واللغوي – لأنه مرياث قابل للتخل�ص من �آثاره ال�سلبية على نحو ما جنحت يف ذلك جمتمعات وثقافات �أخرى ت�شبه حالتنا – و�إمنا هي ناجمة عن �سيا�سات تعليمية وثقافية تعيد �إنتاج تلك التبعية الثقافية واللغوية يف الوطن العربي؛ وما املكانة التي ت�شغلها ال�سيا�سات الفرنكوفونية يف بلدان املغرب العربي ،مث ًال، �إ ّال من ال�شواهد على ذلك. على �أن عام ًال �آخر – لي�س بعيداً عن ال�سيا�سات التعليمية والثقافية ولو �أنه يبدو «تقن ّي ًا» – ي�سهم ،من جهته ،يف �إفقار عملية الرتجمة يف الوطن العربي ،هو قلة املعرفة باللغات يف معظم –حتى ال نقول يف البلدان العربية كافة– �إما لعدم الإقبال على تعلّمها يف حال وجودها ب�سبب غياب احلوافز الرتبوية واملهنية للإقدام على تعلمها� ،أو ب�سبب حمدودية اخليارات اللغوية املتاحة يف معاهد الرتجمة .وقد يحدث �أن توجد كفاءات لغوية عالية يف بع�ض اللغات العاملية، لكنها ال تخو�ض مغامرة الرتجمة � ّإما لعدم م�ضي َعة االقتناع بجدواها (والبع�ض يعتربها ْ للوقت!)� ،أو لأنها – بكل �أ�سف – ال تعرف اللغة العربية ولو �أنها تكونت يف مدار�س يف البالد العربي (غالب ًا ما تكون تابعة للبعثات الأجنبية) مثلما هي احلال – منذ عقود – يف املغرب العربي ،ومثلما قد ت�صبح عليه احلال يف اخلليج العربي بعد انهمار �س ْيل املدار�س واجلامعات الأجنبية! و�أخرياً، قد يكون مل�ؤ�س�سات الرتجمة� ،أو للم�ؤ�س�سات ن�صيب الثقافية املع ّينة بالرتجمة جزئ ّي ًا، ٌ يف هذا الفقر الذي تعاين منه الرتجمة يف الوطن العربي نتيجة ان�رصافها �إىل لغات دون �أخرى؛ ذلك �أنها قد تكون م�س�ؤولة – من خالل التخطيط والربْمجَ َ ة مل�شاريع الرتجمة فيها – عن الرتكيز على دوائر ثقافية ولغوية بعينها دون �أخرى ،الأمر الذي ينعك�س على
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
نوع الكفاءات اللغوية التي تطل ُبها �أو تتعاقد املرتجمة التي ت�ص ُدر معها ونوع الن�صو�ص َ عنها. وباجلملة� ،ستظل الرتجمة يف بالدنا العربية باب ًا غري م�رشع على الثقافة الإن�سانية �إن ظلت تختزل الثقافة هذه �إىل ما هو من�شور باللغتني الإجنليزية والفرن�سية .وال ي�شفع بع�ض للرتجمة يف هذه احلال� ،أن ُيترَ ْ َج َم ٌ لغات قلي ٌل – ورمزي – من الن�صو�ص من ٍ ٌّ �أخرى غري تينك اللغتني الطاغيتينّ ،وال �أن ن�صو�ص هذه اللغات العاملية الكربى تُترَ ْ َج َم ُ (ال�صينية ،اليابانية ،الأملانية ،الإ�سبانية، بتو�سط اللغتني الهندية ،الربتغالية )... ُّ الإجنليزية والفرن�سية.
مل يكن لتجربة «بيت احلكمة» ما كان لها من عظيم �أثر يف تخ�صيب الفكر العربي وفتحِ ِه على �آفاق الثقافة الإن�سانية ،يف ذلك العهد� ،إال لأن الرتجمة ان�رصفت �إىل �أمهات ن�صو�ص الفكر الفل�سفي واملنطقي والعلمي يف الثقافة الإغريقية وغريها من الثقافات الكربى �آنئذ.
الح�صاد
وثانيها َ�ض ْعف ن�سبة ما هو مرتجم من َ �أ�صول الفكر احلديث يف ميادينه كافة (الفل�سفة، املنطق ،التاريخ ،علم االجتماع ،العلوم .)... ونعني بالأ�صول الن�صو�ص الت�أ�سي�سية للفكر احلديث واملعا�رص ،التي على قواعدها النظرية واملفهومية قام هذا الفكر .فعلى كرثة ما ُت ْرجم ن�صو�ص حديثة ومعا�رصة يف ال�سنوات من ٍ ّ والعقود املا�ضية ،ال نكاد جند �إال القليل من تلك الن�صو�ص الت�أ�سي�سية ،ن�صو�ص ديكارت، وبيكون ،وهوبز ،ولوك ،وهيوم ،و�سبينوزا، واليبنتزَ ، وكنْت ،وفيورباخ ،ومونت�سكيو، ورو�سو ،و�شيلينغ ،وهيغل ،وتوكفيل ،وجان �ستيوارت ميل ،وليو�شرتاو�س ،وغرام�شي ،وكارل بوبر ،وهيدجر ،وهابرما�س ...يف الفل�سفة، ون�صو�ص �أوغ�ست كونت ،و�إميل دوركامي، وحنَّة �أ ِرندت ،وبيري بورديو.. وماك�س فيربَ ، يف علم االجتماع ،ولو �سيان فيفر وبروديل ... يف التاريخ ،و�أين�شتاين ،وبا�شالر ،وكانغيليم... يف �إب�ستيمولوميا العلوم ،وبياجي ،وجاك الكان ...يف �إي�ست�سمولوجيا العلوم الإن�سانية، ومالينوف�سكي ،وكلود ليفي �سرتاو�س ...يف الأنرثوبولوجيا و�سوى هذه من الن�صو�ص التي كانت يف �أ�سا�س قيام الفكر احلديث واملعا�رص.
ي�شكل �ضعف هذه الن�سبة من ن�صو�ص الفكر احلديث الت�أ�سي�سية واملرجعية ثغرة كبرية يف عملية الرتجمة ،بل هو يفق ُدها الدور املعريف املفرت�ض �أن تنه�ض به يف جمال تغذية الفكر العربي املعا�رص باملادة الفكرية التي يحتاج �إليها .ذلك �أن � ّأي م�رشوع للرتجمة لن ي�ؤدي وظيفته العلمية املطلوبة �إال متى ان�رصف �إىل الأ�سا�سات� :إىل املتون الكربى، واعرت�ض عن احلوا�شي واملخت�رصات� .إذ مل يكن لتجربة «بيت احلكمة» مث ًال ما كان لها وفتح ِه من عظيم �أثر يف تخ�صيب الفكر العربي ِ على �آفاق الثقافة الإن�سانية ،يف ذلك العهد، �إال لأن الرتجمة ان�رصفت �إىل �أمهات ن�صو�ص الفكر الفل�سفي واملنطقي والعلمي يف الثقافة الإغريقية وغريها من الثقافات الكربى �آنئذ. ولن يكون للرتجمة من معنى اليوم �إن مل ت�سلك ال�سبيل نف�سه .ومع �أننا نعرتف ب�أن بع�ض اجلهد الطيب ُيبذل -م�ؤخراً -على هذا الطريق، على نحو ما نلحظ يف بع�ض مرتجمات املركز القومي للرتجمة ويف معظم مرتجمات املنظمة العربية للرتجمة و�سواها� ،إال �أن الكثري ما زال ينتظر جمهودات الرتجمة يف الوطن العربي حتى يتحقّق احلد الأدين من املادة الفكرية املرجعية املرتجمة �إىل الل�سان العربي. ولع َّل حتقيق مثل هذه البغية العلمية يتطلّب ت�ضافر عوامل ثالثة :ر�ؤية برناجمية للأولويات علمي؛ ورعاية الفكرية والتخطيط لها على نح ٍو ّ م�ؤ�س�سية مل�رشوع من هذا النوع الكبري توفّر له التمويل الالزم واملتابعة الإجرائية يف التنفيذ؛ علمي من املرتجمني املتمر�سني من ثم طاقم ّ املخت�صني يف ميادين الفكر النظري والعلوم الإن�سانية ،وا ُملتقنني للغات متعددة.
495
وثالثها ،ولها عالقة باملالحظة ال�سابقة، مرتجم �إىل اللغة العربية هو �ضعف ن�سبة ما هو َ من �أمهات كتب اال�ست�رشاق التي �صدرت منذ منت�صف القرن التا�سع ع�رش ،وكان لها الأثر البالغ يف الإ�ضاءة العلمية للكثري من م�سائل التاريخ الثقايف والدين واحل�ضاري العربي- مؤسسة الفكر العربي ّ
التقرير العربي الثاين 496للتنمية الثقافية
حتتاج املكتبة العربية �إىل معاجم وقوامي�س متخ�ص�صة يف جمال الفكر والعلوم والعلوم الإن�سانية باللغة العربية ،ب�سبب غياب تلك املعاجم والقوامي�س� ،أو عدم وحدة ا�صطالحات املتوفر مها (وهو نادر)، ي�ضطر املرتجمون �إىل االجتهاد واملبادرة ال�شخ�صية يف �إيجاد املقابالت املفهومية واال�صطالحية، الأمر الذي ُيدخل عملية الرتجمة يف فو�ضى لغوية ال ميكن ال�سيطرة عليها من دون حل الأ�سباب التي كانت يف �أ�سا�سها.
الإ�سالمي ،ويف حفز الفكرالعربي املعا�رص على االعتناء ب�إ�شكاليات الرتاث و�إعادة قراءته ب�إعمال املناهج العلمية احلديثة .ومع �أن ال�صورة النمطية ال�سائدة عن اال�ست�رشاق يف الوعي العربي �سلبية يف الغالب ،وتقرن املعرفة الغربية بالإ�سالم والعرب با�سرتاتيجيات الدول اال�ستعمارية؛ ومع �أن كثرياً من امل�ست�رشقني ُ�س ِّخروا �سيا�سي ًا من قبل الإدارات الكولونيالية فكتبوا ما كتبوه خدم ًة ل�سيا�سات دولهم، وبع�ضهم �أعاد �إنتاج النظرة النمطية الغربية- الو�سطية والكال�سيكية -عن الإ�سالم وامل�سلمني ور�سخ �أحكام ًا �سلبية وعدائية جتاههم،... َّ ً ً حترى امل�ست�رشقني من ال هائ ا ق�سم أن � �إال ّ الدقة واملو�ضوعية يف ما كتب ،وكان وازعه مو�سوعي املعرفة بتاريخ ال�رشق علمي ًا ،وكان َّ وثقافاته ولغاته ،بل �إن بع�ضهم ما كان يخفي التعاطف مع العرب وامل�سلمني وم�شاركتهم الإعجاب بثقافاتهم والدفاع عنها داخل الغرب، والرتويج لها يف جامعاته .والأه ّم من ذلك كلّه �أن ه�ؤالء امل�ست�رشقني ق ّدموا م�ساهمات علمية خالّقة وت�أ�سي�سية يف درا�سة الإ�سالم :عقيد ًة وح�ضار ًة وثقاف ًة وجمتمعات ،ووفروا تراكم ًا غنى للوعي العربي والإ�سالمي عنه. معرفي ًا ال ً �إن جهداً علمي ًا ينتظر عملية الرتجمة والقائمني عليها لنقل �أمهات ن�صو�ص اال�ست�رشاق من لغاتها الأهل (الأملانية، الإجنليزية ،الفرن�سية ،الرو�سية ،الإيطالية، الإ�سبانية ،الهولندية ،الربتغالية ،اليابانية)... �إىل اللغة العربية ،من قبيل �أعمال :هورغرونيه، وبيكر ،ونولدكه ،وغولد ت�سيهر ،ورينان، وفلهاوزن ،وبروكلمان ،وما�سينيوف ،و�شاخت، وبال�شري ،وهاملتون جب ،ومونتغمري وات، وجال بريل ،وهرني الوو�ست ،وفان �إ�س، ومك�سيم رودن�سوف ،وتور �أندريه وع�رشات �آخرين ممن �أثروا «املكتبة العربية» ب�أعمالهم العلمية .و�إذا كان معلوم ًا �أن بع�ض تلك الأعمال ترجم �إىل العربية منذ عقود ،ف�إن الأع ّم الأغلب رتجم بعد وما زال القارئ العربي منها مل ُي َ
يجهله على ما يحويه من قيمة علمية كبرية. ولع َّلنا نحتاج �إىل برنامج علمي يخطط لرتجمة هذه الآثار ويوفّر لها التمويل الالزم ،وهو ما ي� َؤمل �أن تنتبه �إىل �أهميته م�ؤ�س�سات الرتجمة ال�سابق الإ�شارة �إليها. �أما رابعها ،ف�شديد االت�صال مب�شكلة حاجة املكتبة العربية �إىل معاجم وقوامي�س متخ�ص�صة يف جمال الفكر والعلوم والعلوم الإن�سانية باللغة العربية ،الأمر الذي ينجم وت�ضارب �أحيان ًا- تنازع وتباين- عنه ٌ ٌ يف ا�ستعمال املقابالت العربية للمفاهيم امل�صطلحات املنقولة من اللغات العاملية من ِق َبل املرتجمني العرب� .إذ ب�سبب غياب تلك املعاجم والقوامي�س� ،أو عدم وحدة ا�صطالحات املتوفر مها (وهو نادر) ،ي�ضطر املرتجمون �إىل االجتهاد واملبادرة ال�شخ�صية يف �إيجاد املقابالت املفهومية واال�صطالحية ،الأمر الذي ُيدخل عملية الرتجمة يف فو�ضى لغوية ال ميكن ال�سيطرة عليها من دون حل الأ�سباب التي كانت يف �أ�سا�سها .و�إذا كان هذا الت�ضارب (الفو�ضى اال�صطالحية) يبدو للبع�ض م�س�ألة تقنية �ستجد لها ح ًال مع الزمن من طريق الرتاكم والتداول ور�سوخ اال�صطالح ،ف�إن ترحيل عالجها �إىل الزمن القادم لي�س مقارب ًة �سليمة للمع�ضلة حتى ال نقول �أنه يخفي رغبة يف الهروب من معاجلة �أ�سبابها التحتية ،ناهيك ب�أنه ترحيل �سيظل ا�سرتاتيجية «عمل» (�أو ك�سل) مفتوحة �إىل ما �شاء اهلل من الزمن بالنظر �إىل التدفق املذهل وامل�ستمر للمفاهيم التي تولّدها حركة الإنتاج الفكري يف اللغات العاملية الكربى، والتي ال تقبل املواكبة واال�ستيعاب مبثل هذه «اال�سرتاتيجيا». ال منا�ص� ،إذن ،من توفري البنى التحتية الو�سائلية للرتجمة من معاجم متخ�ص�صة يف ميادين الفكر والعلوم الإن�سانية باللغة العربية ،تكون على م�ستوى من الدقة وال�صدقية
احل�صاد الفكري ال�سنوي :مفهومه و�أطره
بحيث تتح�صل قبو ًال لدى العاملني يف حقل الرتجمة ،و�أن ت�ستوعب املنظومات املفاهيمية واال�صطالحية يف اللغات العاملية الأغزر �إنتاج ًا للمفاهيم وا�شتقاق ًا لال�صطالحات وتداو ًال يف حقل البحث العلمي .وما �أغنانا عن القول �إن جهداً �آخرباملوازاة ينبغي �أن ُيبذل
497
من �أجل اتفاق �أهل االخت�صا�ص على معايري وقواعد يف اال�شتقاق اال�صطالحي حتى ال يقع �شطط يف االجتهاد واملبادرات ا ُ حل ّرة .وهذه جميعها مهام تفرت�ض رعاية م�ؤ�س�سية ومالية توفر لها املوارد املادية والب�رشية ال�رضورية واملنا�سبة للإجناز.
�إن جهداً �آخر باملوازاة ينبغي �أن ُيبذل من �أجل اتفاق �أهل االخت�صا�ص على معايري وقواعد يف اال�شتقاق اال�صطالحي حتى ال يقع �شطط يف االجتهاد واملبادرات ا ُ حل ّرة .وهذه جميعها مهام تفرت�ض رعاية م�ؤ�س�سية ومالية توفر لها املوارد املادية والب�رشية ال�رضورية واملنا�سبة للإجناز.
الح�صاد مؤسسة الفكر العربي ّ