Second Arab Report

Page 1


‫هذا التقرير برعاية‬

‫�صاحب ال�سم ّو امللكي الأمري عبد العزيز بن فهد‬ ‫خم�ص�ص ل�صالح م� ّؤ�س�سة الفكر العربي‬ ‫وريعه ّ‬



‫حقوق الطبع حمفوظة مل� ّؤ�س�سة الفكر العربي‬ ‫ال ي�سمح ب�إعادة �إ�صدار هذا الكتاب �أو �أي جزء منه �أو تخزينه يف نطاق ا�ستعادة املعلومات �أو‬ ‫إذن خطي من م� ّؤ�س�سة الفكر العربي‪.‬‬ ‫نقله ب�أي �شكل من الأ�شكال من دون � ٍ‬ ‫‪All rights reserved. No part of this book may be reproduced, stored in a retrieval‬‬ ‫‪system or transmitted in any form or any means without prior permission from‬‬ ‫‪Arab Thought Foundation.‬‬

‫الطبعة الأوىل‬ ‫‪ 1430‬هـ ‪ 2009 -‬م‬ ‫‪ISBN: 978 - 9953 - 0 - 1513 - 2‬‬

‫م� ّؤ�س�سة الفكر العربي‬

‫�شارع املعر�ض‪ ،‬خلف اجلامع العمري‪ ،‬الو�سط التجاري‬ ‫�ص‪.‬ب‪ - 11 - 524 :.‬بريوت ‪ -‬لبنان‬ ‫هاتف‪ - 00961 1 997100 :‬فاك�س‪00961 1 997101 :‬‬ ‫‪www.arabthought.org‬‬ ‫‪info@arabthought.org‬‬

‫تعب بال�رضورة عن وجهة نظر م� ّؤ�س�سة الفكر العربي‬ ‫الآراء الواردة يف هذا التقرير ال رّ‬


‫هيئــة التقريــر‬ ‫اللجنة الإ�ست�شارية (�أبجدي ًا)‬

‫�سحاب – كاتب لبناين‬ ‫• �إليا�س ّ‬ ‫• جواد الأ�سدي ‪ -‬م�رسحي عراقي‬ ‫• زياد عبداهلل الدري�س – كاتب عربي‪� ،‬سفري اململكة العربية ال�سعودية لدى منظمة اليون�سكو‬ ‫• �صالح بن عبدالرحمن العذل – �أ�ستاذ جامعي من ال�سعودية‪ ،‬رئي�س مدينة امللك عبدالعزيز للعلوم والتقنية �سابق ًا‬ ‫• عبداهلل النجار ‪ -‬رئي�س امل� ّؤ�س�سة العربية للعلوم والتكنولوجيا‪ ،‬الإمارات العربية املتحدة‬ ‫• علي عقلة عر�سان – كاتب وناقد من �سوريا‬ ‫• حممد الرميحي – رئي�س حترير جريدة �أوان الكويتية‬ ‫• حممد �سلماوي – �أمني عام احتاد الكتاب العرب‬

‫الباحثون الرئي�سيون‬

‫امللف الأول‪ :‬املعلوماتية كرافعة للتنمية الثقافية‬ ‫• جمال غيطا�س – خبري معلوماتية‪ ،‬رئي�س حترير جملة لغة الع�رص يف م�رص‬ ‫• نبيل علي – خبري ا�سرتاتيجيات احلا�سب الآيل ‪ -‬م�رص‬ ‫امللف الثاين‪ :‬التمويل وا�ستقاللية الإدارة يف التعليم العايل‬ ‫• عدنان الأمني – خبري تربوي‪� ،‬أ�ستاذ جامعي ‪ -‬لبنان‬ ‫امللف الثالث‪ :‬اخلطاب الثقايف يف و�سائل الإعالم‬ ‫• حممود خليل – مدير مركز التوثيق والتدريب ال�صحفي يف جامعة القاهرة‪� ،‬أ�ستاذ جامعي من م�رص‬ ‫امللف الرابع‪ :‬الإبداع‬ ‫• الإبداع الأدبي‪ :‬عبدو وازن – �شاعر وناقد ثقايف من لبنان‬ ‫• الإبداع ال�سينمائي والدرامي‪� :‬إبراهيم العري�س – كاتب وناقد �سينمائي من لبنان‬ ‫• الإبداع امل�رسحي‪ :‬ماري �إليا�س – ناقدة م�رسحية فل�سطينية (�سوريا)‬ ‫امللف اخلام�س‪ :‬احل�صاد الفكري ال�سنوي‬ ‫• عبدالإله بلقزيز – مفكر �أكادميي من املغرب‬

‫�أ�صحاب الأوراق املرجعية والباحثون امل�ساعدون (�أبجدي ًا)‬ ‫• �أبو احلجاج حممد ب�شري‬ ‫• �أحمد �إ�سماعيل حجي‬ ‫• �أ�رشف �شوبك‬ ‫• �أمين العمري‬

‫• خالد �أحمد ال�رصايرة‬ ‫• زيكي حبيب‬ ‫• �شريين �سالمة‬ ‫• �شيماء مازن‬

‫جلنة التدقيق واملراجعة‬

‫• عبد العايل كعوا�شي‬ ‫• كمال �أبو �شديد‬ ‫• ماهيناز رمزي‬ ‫• حم�سن املهدي �سعيد‬

‫• مرفت عبدالعزيز‬ ‫• نورما غمراوي‬ ‫• و�سام هندي‬ ‫• وليد مبي�ض‬

‫• هرني العويط – نائب رئي�س جامعة القدي�س يو�سف لل�ش�ؤون الأكادميية‪ ،‬رئي�س اللجنة الوطنية اللبنانية لليون�سكو‬ ‫• رفيف ر�ضا �صيداوي – م� ّؤ�س�سة الفكر العربي • ثناء عطوي – م� ّؤ�س�سة الفكر العربي • رميا كوثراين – م� ّؤ�س�سة الفكر العربي‬

‫�سكرتاريا فنية‬

‫• رميا كوثراين – م� ّؤ�س�سة الفكر العربي‬

‫من�سق التقرير‬

‫• �سليمان عبداملنعم – �أمني عام م� ّؤ�س�سة الفكر العربي‬



‫مقدمة‬

‫رئي�س م� ّؤ�س�سة الفكر العربي‬ ‫�صاحب ال�سم ّو امللكي الأمري خالد الفي�صل‬ ‫ي�سعد م� ّؤ�س�سة الفكر العربي �أن توا�صل – للعام الثاين – �إ�صدار هذا التقرير ال�سنوي وهو الإ�صدار‬ ‫العربي الأول املعني بر�صد احلراك الثقايف على م�ستوى الدول العربية وحتليله وت�شخي�صه للتعرف‬ ‫على حجم الإجناز‪ ،‬والوقوف على مواطن الق�صور‪ ،‬وتقييم التط ّور احلا�صل يف �آليات �صناعة الثقافة‬ ‫وخمرجاتها ثم طرح النتائج على ال�ساحة عامة‪ ،‬وخا�صة بني يدي �أ�صحاب القرار الثقايف‪ .‬وقد‬ ‫ك�شفت الأ�صداء الطيبة التي حظي بها التقرير الأول وما �أثاره من جدل ونقا�شات عن تط ّلع �ساحتنا‬ ‫العربية لإعالء قيم املراجعة واحلوار‪ ،‬والنقد الذاتي املو�ضوعي البنَّـاء‪.‬‬ ‫وي�ؤكد هذا التقرير (الثاين)‪ ،‬مبا ت�ضمنه من ملفات وحماور‪ ،‬ال�صلة الوثيقة بني الثقافة وبني‬ ‫التنمية الإن�سانية مبفهومها ال�شامل‪ ،‬و�أن التنمية الثقافية بتجلياتها املختلفة يف التعليم‪ ،‬والإبداع‪،‬‬ ‫والإعالم واملعلوماتية هي قوة الدفع للتنمية الإن�سانية بكل �أبعادها االقت�صادية واالجتماعية‬ ‫وال�سيا�سية‪.‬‬ ‫ومن امل�ؤكد �أن حلم التق ّدم الذي يراود كل �إن�سان عربي هو حق م�رشوع ل ّأمة �شاركت بفاعلية‬ ‫يف �صنع احل�ضارة الإن�سانية‪ ،‬كما �أن حتقيق هذا احللم يجب �أن ينطلق من م�رشوع هدفه التنوير‪،‬‬ ‫وم�ضمونه الثقافة واملعرفة‪ ،‬ومنهجه العلم‪ ،‬وو�سيلته قراءة مو�ضوعية مع ّمقة لواقع احلا�رض من‬ ‫�أجل البناء عليها يف ا�ست�رشاف امل�ستقبل‪ .‬وهو ما يحر�ص عليه التقرير ليكون لبنة م�ضافة �إىل‬ ‫جهود املخل�صني من �أبناء ال ّأمة‪ ،‬ال�ساعني ل�صياغة م�رشوعها احل�ضاري‪.‬‬



‫هذا التقرير‬

‫هذا التقرير ‪...‬‬ ‫من�سق التقرير‬ ‫�أمني عام م� ّؤ�س�سة الفكر العربي ‪ّ -‬‬ ‫�سليمان عبداملنعم‬ ‫يجيء هذا التقرير العربي الثاين للتنمية الثقافية ا�ست�صحاب ًا للر�ؤية ذاتها التي انطلق منها التقرير‬ ‫الأول‪ .‬ر�ؤية حتاول جاهدة �أن ت� ّؤ�س�س ملنهجية عمل ثقايف يت�سم بال�شمول واال�ستمرار‪ .‬ال�شمول بحيث يغطي‬ ‫هذا التقرير ما ميكن اعتباره �أهم املقومات الأ�سا�سية للتنمية الثقافية يف حواىل ع�رشين دولة عربية‪.‬‬ ‫واال�ستمرار بحيث ي�صدر هذا التقرير ب�صفة �سنوية ليمثل مرجعية بحثية يف احلا�رض وامل�ستقبل تتطلب‬ ‫متابعة د�ؤوب حلركة التنمية الثقافية يف العامل العربي‪ ،‬وما تت�سم به من تراكم وجتدد دائمني‪.‬‬ ‫ولع َّل الإحاطة مبالمح هذا التقرير والتمهيد لقراءته يتطلبان �إ�شارة �أولية �إىل الت�سا�ؤالت التي يطرحها‪،‬‬ ‫واملنهجية التي يعتمد عليها‪ ،‬واملحتوى الذي يت�ضمنه‪.‬‬

‫الت�سا�ؤالت التي يطرحها التقرير‬

‫لئن كانت كل �إجابة �صحيحة تتوقف على دقّة ال�س�ؤال املطروح‪ ،‬ف�إن � َّأي ر�ؤية للتنمية الثقافية‬ ‫(بح�سبانها �إجابة مفرت�ضة) تتطلب طرح �أ�سئلة دقيقة ب�ش�أن ق�ضايا حمددة‪ .‬ومثل هذه الر�ؤية‪ ،‬على‬ ‫�رصامتها املنهجية‪ ،‬ال تنفي حاجتنا �إىل خيال ثقايف وا�سع‪ .‬وبهاتني االثنتني – املنهجية واخليال –‬ ‫ميكن طرح ق�ضية التنمية الثقافية وما تثريه من ت�سا�ؤالت يف جمتمعنا العربي‪.‬‬ ‫وامللحة يف‬ ‫ويحاول هذا التقرير يف ملفاته اخلم�سة �أن يقدم �إجابة عن عدد من الت�سا�ؤالت الهامة‬ ‫َّ‬ ‫جماالت املعلوماتية والتعليم والإعالم والإبداع‪ .‬ففي جمال املعلوماتية تتعدد الأ�سئلة‪ :‬ما هي �أو�ضاع‬ ‫عاملنا العربي طبق ًا مل�ؤ�رشات جمتمع املعلومات يف ظل اال�سرتاتيجيات احلكومية احلالية؟ وكيف تبدو‬ ‫هذه الأو�ضاع طبق ًا مل�ؤ�رشات البيئة الإبداعية‪ ،‬ال�سيما يف جماالت البحث العلمي والتعليم و�صادرات‬ ‫التكنولوجيا؟ وما هي نقاط القوة ومظاهر ال�ضعف يف البنية املعلوماتية العربية من املنظور الثقايف؟‬ ‫وهل يبدو احل�ضور الثقايف العربي على ال�شبكة العنقودية كافي ًا ومر�ضي ًا لطموحنا وما تختزنه ثقافتنا‬ ‫من ثراء؟ ويف الأحوال كافة ما هو الدور املحتمل للمعلوماتية يف دعم التنمية الثقافية وما هي مالمح‬ ‫الر�ؤية امل�ستقبلية يف هذا اخل�صو�ص؟‬ ‫وقد ت�ض ّمن التقرير يف ملف املعلوماتية من املعلومات والأرقام‪ ،‬ما يثري التفا�ؤل �أحيان ًا‪ ،‬وي�ستثري‬ ‫القلق �أحيان ًا �أخرى‪ .‬فدول جمل�س التعاون اخلليجي مع تون�س قطعت ‪ -‬وفق ًا ملا تثبته الأرقام املوثقَّة‬ ‫– �شوط ًا بعيداً على طريق تكري�س جمتمع املعلومات‪ ،‬فقد احتلت هذه الدول �أحد املراكز الع�رشة الأوىل‬ ‫عاملي ًا يف �أحد ع�رش م�ؤ�رشاً من م�ؤ�رشات تقنية املعلومات‪ .‬لكن‪ ،‬ويف املقابل‪ ،‬ف�إن موقع ًا عربي ًا واحداً فقط‬ ‫دخل قائمة املواقع الألف الأوىل الأكرث ارتياداً على �شبكة الإنرتنت‪ ،‬وللمفارقة فقد كان هذا املوقع موقع ًا‬ ‫لل�سينما! وبخالف مواقع ال�سينما واملو�سيقى‪ ،‬ال يوجد موقع عربي �ضمن قائمة الع�رشة �آالف موقع الأكرث‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫ ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫ للتنمية الثقافية‬

‫زيارة على �شبكة الإنرتنت! وعلى جانب �آخر يت�سم دور املواقع العربية الر�سمية وغري الر�سمية ب�ضعف‬ ‫ملحوظ يف جماالت التعليم الإلكرتوين واملكتبات الرقمية والأدب والفولكلور‪ .‬بل �إن مواقع املتاحف‬ ‫امل�رصية وال�سورية على �شبكة الإنرتنت‪ ،‬وهما بلدان زاخران بالآثار‪ ،‬تت�سم ب�ضعف �شديد‪� .‬أما ح�ضور اللغة‬ ‫العربية على �شبكة الإنرتنت فال يقل �ضعف ًا‪ ،‬بل لوحظ وجود الكثري من املواقع “العربية” بلغات “�أجنبية”‪.‬‬ ‫وهو �أمر يثري العديد من عالمات الده�شة واال�ستفهام‪.‬‬ ‫وعلى �صعيد التعليم كان ال�س�ؤال الأبرز حول �أزمة اال�ستقاللية الإدارية واملالية يف اجلامعات العربية‬ ‫وهل �أف�ضت معدالت الإنفاق على التعليم العايل يف البلدان العربية �إىل حتقيق اجلودة التعليمية املن�شودة؟‬ ‫وما هي هذه املعدالت التي تبدو يف �أكرثية الدول العربية �أقل بكثري جداً من مثيالتها يف الدول املتقدمة؟‬ ‫فالإنفاق احلكومي ال�سنوي على الطالب اجلامعي ال يتجاوز ‪ 800‬دوالر يف كل من م�رص والأردن و�سوريا‬ ‫واملغرب‪ ،‬وي�صل �إىل نحو ‪ 1.800‬دوالر يف لبنان وتون�س‪ ،‬ويبلغ ‪ 8.000‬دوالر يف ال�سعودية لكنه ي�صل يف‬ ‫�إ�رسائيل وفرن�سا �إىل �أكرث من ‪ 10.000‬دوالر‪ ،‬ويف الواليات املتحدة الأمريكية يبلغ ‪ 22.000‬دوالر‪.‬‬ ‫وكان من �ضمن الأ�سئلة املرتبطة مبلف التعليم ال�س�ؤال حول ن�سبة خم�ص�صات البحوث �إىل املوازنة‬ ‫يف اجلامعات العربية‪ .‬وهنا يبدو التفاوت �شا�سع ًا بني دولة عربية و�أخرى بقدر ما يبدو التناق�ض �أحيان ًا‬ ‫بني دول ذات معدل �إنفاق عال على الطالب اجلامعي لكن ن�سبة خم�ص�صات البحوث �إىل املوازنة فيها‬ ‫تبدو متدنية‪ .‬ولعل مثل هذه املعطيات والنتائج جديرة بالدرا�سة لت�أخذ طريقها �إىل �صناع القرار التعليمي‬ ‫و�صائغي ال�سيا�سات التعليمية‪.‬‬ ‫على �أن �أهم ما يثريه ملف التعليم يف هذا التقرير هو مو�ضوع “الوقفيات” اجلامعية التي �أ�سهمت يف‬ ‫الدول الغربية‪ ،‬ويف دولة مثل تركيا يف حتقيق �أعلى م�ستويات اجلودة التعليمية‪ .‬ومن هنا كان ال�س�ؤال‬ ‫املطروح هو كيف ال�سبيل �إىل حتفيز الدور االجتماعي والثقايف لرجال الأعمال العرب انطالق ًا من مفهوم‬ ‫امل�س�ؤولية االجتماعية لر�أ�س املال؟ وكيف �أن م�صطلح “الوقف” املعروف يف الثقافات الأجنبية ي�ستمد‬ ‫م�صدره التاريخي من اللغة العربية بينما يبدو دور الوقفيات التعليمية يف عاملنا العربي �أقل بكثري من‬ ‫دورها يف املجتمعات الغربية؟ وهل من ر�ؤى ومقرتحات لتحفيز التمويل الأهلي لي�ضطلع بدوره يف دعم‬ ‫التعليم اجلامعي وتطويره؟‬ ‫�أما على �صعيد امللف الإعالمي فثمة ت�سا�ؤالت هامة لع ّل �أولها ما يتعلق مب�ضمون اخلطاب الثقايف‬ ‫يف �إعالمنا املكتوب واملرئي‪ .‬ما هي القيم التي يدعو لها هذا اخلطاب الثقايف العربي؟ وكيف واجه هذا‬ ‫اخلطاب بع�ض الإ�شكاليات العربية املزمنة مثل ق�ضية العالقة بالآخر ال�سيا�سي والديني‪ ،‬وعالقة املثقف‬ ‫بال�سلطة واملال‪ ،‬وق�ضية الرتاث واملعا�رصة‪ ،‬وامل�ساواة بني الرجل واملر�أة‪ ،‬وعالقة اللغة بالثقافة؟ ثم هل‬ ‫هناك خطاب ثقايف عربي واحد �أو هناك “خطابات” ثقافية عربية؟‬ ‫وعلى �صعيد امللف الإبداعي كان الت�سا�ؤل يف ف�ضاء الإبداع الأدبي حول مالمح وهموم الرواية‬ ‫العربية عموم ًا خالل العام ‪ .2008‬وما هي �أهم الروايات العربية ال�صادرة التي متيز بها العام املن�رصم؟‬ ‫وكان امللف الأدبي �ساحة للت�سا�ؤل حول ما ات�سمت به الكثري من الروايات العربية من حماولة ا�ستعادة‬ ‫املا�ضي (يف املكان والزمان)؛ وحت ّوالت الواقع العربي وتناق�ضاته؛ وكيف تواجه هذه الرواية �س�ؤالها‬ ‫القدمي احلديث حول العالقة بني ال�رشق والغرب؟ وهل ث ّمة حق ًا رواية ن�سوية م�ضادة؟ مل تغب ت�سا�ؤالت‬


‫هذا التقرير‬

‫ال�شعر �أي�ض ًا عن امللف الإبداعي �سواء حول �شعر الف�صحى �أم �شعر العامية والنبطية‪ .‬ومل يخل امللف الإبداعي‬ ‫من ت�سا�ؤل هام حول ق�ضية ترجمة الأعمال الأدبية العربية‪� ،‬إذ ما هي املعايري الأدبية التي يخ�ضع لها‬ ‫اختيار الروايات التي ترتجم �إىل لغات �أجنبية؟ وهل �صحيح حق ًا �أن بع�ض الروائيني العرب يقبلون على‬ ‫كتابة روايات �صاحلة للرتجمة بناء على ا�ستقراء لذائقة القارئ الأجنبي؟‬ ‫وجاء ملف الإبداع ال�سينمائي والدرامي بدوره حاف ًال بالت�سا�ؤالت حول املهرجانات ال�سينمائية‬ ‫العربية‪ ،‬ال �سيما مفارقة التمويل ال�سخي لبع�ض املهرجانات ال�سينمائية من دون اهتمام مقابل بتمويل‬ ‫يتمخ�ض عن ر�صد حركة الإنتاج العربي يف ال�سينما‬ ‫حركة �إنتاجية �أو دعم املبدعني يف بع�ض البلدان‪ .‬كما ّ‬ ‫والدراما العديد من الت�سا�ؤالت‪� ،‬سواء على �صعيد توزيع ح�ص�ص امل�شاهدة �أم على �صعيد توزيع الأنواع‬ ‫ال�سينمائية‪ ،‬مثل غلبة ال�سينما الهزلية يف العام ‪ 2008‬على ال�سينما االجتماعية‪ .‬ومل يخل ملف الإبداع‬ ‫امل�رسحي من �إثارة الت�سا�ؤل حول �ضعف البنى الثقافية التي ت� ّرشع لوجود امل�رسح العربي �سواء فيما‬ ‫يتعلق باملنظومات الإدارية واملالية �أم ب�سبب �إ�شكالية الرقابة على حرية التعبري‪ .‬ولع ّل مقارنة حركة‬ ‫الإبداع امل�رسحي من دولة عربية لأخرى ت�شي بذاتها عن جملة ت�سا�ؤالت حول “وترية” االهتمام املجتمعي‬ ‫بامل�رسح والعوامل التي ت�ؤثر يف ذلك‪.‬‬ ‫وكان ملف احل�صاد الفكري ال�سنوي‪� ،‬آخر ملفات هذا التقرير‪ ،‬كا�شف ًا عن ت�سا�ؤالت عميقة حول‬ ‫ان�شغاالت العقل العربي خالل العام ‪� 2008‬سواء من حيث مو�ضوعات الق�ضايا املثارة �أم �أولوياتها‪.‬‬ ‫وكان من �أبرز هذه الت�سا�ؤالت اجلدل الدائر حول ممار�سة الدور الإقليمي العربي وق�ضايا التنمية والتحول‬ ‫االقت�صادي وتداول املعلومات‪ .‬وبخالف هذه الت�سا�ؤالت ذات “العمق” الفكري و“الظاهر” ال�سيا�سي‪،‬‬ ‫ف�إن ثمة ت�سا�ؤالت �أخرى فكرية �رصفة بدت ملحة على العقل العربي يف العام ‪ 2008‬مثل الت�سا�ؤل حول‬ ‫جدلية العالقة بني العروبة والإ�سالم‪ ،‬و�ضعف االهتمام العربي بالقوى العاملية اجلديدة البازغة‪ .‬كما‬ ‫�أثري الت�سا�ؤل حول ق�ضية الرتجمة من اللغات الأجنبية �إىل العربية‪ ،‬وما ت ّت�سم به من تركيز بالغ على‬ ‫اللغتني الإجنليزية والفرن�سية مقابل �إهمال ملحوظ حلركة الرتجمة من لغات �أخرى كال�صينية واليابانية‬ ‫ليم�س يف ال�صميم ق�ضية حوار‬ ‫والهندية؛ وهو ت�سا�ؤل يتجاوز اجلوانب الفنية والتجارية يف عملية الرتجمة ّ‬ ‫الثقافات وما توجبه من �رضورة االنفتاح على كل ثقافات العامل‪ ،‬ال �سيما يف ظل تنامي دور الثقافات‬ ‫الآ�سيوية يف حركة التق ّدم العاملي املعا�رص كما يف حاالت ال�صني واليابان والهند‪.‬‬

‫منهجية التقرير‬

‫لئن كانت ال�سمة البارزة ملنهجية التقرير الأول هي الأخذ مبنهج الر�صد والت�شخي�ص يف درا�سة‬ ‫اجلوانب املختلفة للتنمية الثقافية‪ ،‬ف�إن تقرير هذا العام مازال ي�ستند �إىل املنهجية ذاتها ب�أكرث من‬ ‫ان�شغاله مبحاولة تنظري الواقع الثقايف العربي و“�أدجلته” وا�ست�رشاف �آفاقه‪ .‬كنا ومازلنا ن�ؤمن �أن التنظري‬ ‫هامة ومطلوبة‪ ،‬لكن ر�صد الواقع وت�شخي�صه مازاال �أي�ض ًا‬ ‫و“الأدجلة” واال�ست�رشاف كلها م�ستويات بحث ّية ّ‬ ‫�أولويتني �رضوريتني على الأقل يف املرحلة الأوىل من التقرير‪ ،‬ال �سيما يف ظل �أزمة املعلومة والرقم التي‬ ‫يعاين منها املجتمع العربي‪ .‬فلع ّل ر�صد الواقع الثقايف وت�شخي�صه ال ينفيان �أهمية حتليل معطيات هذا‬ ‫الواقع بل وطرح ر�ؤية نقدية‪ ،‬وهو ما جاء عليه تقرير هذا العام يف بع�ض امللفات التي اقت�ضت طبيعتها‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫ ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 10‬للتنمية الثقافية‬

‫ذلك‪ .‬ففي ملف املعلوماتية ثمة ا�ست�رشاف للدور املحتمل للمعلوماتية يف دعم التنمية الثقافية‪ ،‬وطرح‬ ‫ر�ؤية م�ستقبلية لتنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي‪ .‬ويف ملف التعليم مل يقت�رص الأمر على‬ ‫معاجلة ق�ضايا التمويل واال�ستقاللية الإدارية يف اجلامعات العربية‪ ،‬بل ا�شتمل هذا امللف على عر�ض‬ ‫بع�ض النماذج العاملية الناجحة يف الوقفيات اجلامعية مثل درا�سة حالة جلامعة هارفارد الأمريكية‬ ‫وجامعة �سيدين الأ�سرتالية بالإ�ضافة لدرا�سة حالة عن اجلامعات الأهلية يف تركيا‪ .‬ويف ملف الإبداع‪ ،‬الذي‬ ‫غلب عليه �أي�ض ًا املنهج الو�صفي حلركة الإبداع الأدبي وال�سينمائي والدرامي وامل�رسحي يف العامل العربي‬ ‫خالل العام ‪ ،2008‬ف�إن الأمر مل يخل من ر�ؤية نقدية لبع�ض مالمح هذا الإنتاج الإبداعي‪ .‬وكذلك احلال‬ ‫يف ملف احل�صاد الفكري ال�سنوي الذي ُ�سلِّط فيه ال�ضوء – من منظور فكري – على �أهم الأحداث والق�ضايا‬ ‫التي حفل بها العام املن�رصم‪ ،‬مع تركيز نقدي خا�ص على بع�ض هذه الأحداث والق�ضايا‪ ،‬مثل الهجرة‬ ‫واحلركات االجتماعية‪ ،‬وجدلية العروبة والإ�سالم‪ ،‬والرتجمة و�أ�سئلتها‪.‬‬ ‫كما تتج َّلى منهجية التقرير ابتدا ًء من هذا العام على �صعيد �آخر‪ ،‬هو التوقّف يف كل ملف من امللفات‬ ‫التي ا�شتمل عليها عند ق�ضية معينة تت�سم ب�أهمية خا�صة من منظور مو�ضوعي هو منظور التنمية الثقافية‪،‬‬ ‫ملحة يف الوقت الراهن‪ .‬وبهذا ينتقل التقرير من منهجية “امل�سح الأفقي”‬ ‫ومن منظور زمني كق�ضية َّ‬ ‫التي ات�سم بها العام املا�ضي �إىل منهجية “التعميق الر�أ�سي” لبع�ض الق�ضايا والظواهر هذا العام‪ .‬وقد‬ ‫كانت منهجية امل�سح الأفقي مطلوبة ومالئمة يف التقرير الأول‪� ،‬سواء يف التعليم �أم الإعالم �أم حركة‬ ‫الت�أليف والن�رش حيث كان ال بد من “الت�أ�سي�س” للتقرير بدرا�سة ما ميكن ت�سميته بالبنية التحتية ملقومات‬ ‫التنمية الثقافية يف العامل العربي‪� .‬أما وقد انتهينا من مرحلة “الت�أ�سي�س” فكان طبيعي ًا االنتقال �إىل‬ ‫مرحلة “التعميق”‪ .‬ولهذا فقد اخرتنا هذا العام يف ملف التعليم – على �سبيل املثال – ق�ضية التمويل‬ ‫واال�ستقاللية الإدارية واملالية يف التعليم العايل والتي متثل �ضمانة �أثبتت التجارب التعليمية الناجحة‬ ‫يف العامل �أهميتها وجدواها‪ .‬كما اخرتنا يف ملف الإعالم ق�ضية اخلطاب الثقايف يف و�سائل الإعالم لتكون‬ ‫هي مو�ضوع ملف هذا العام‪ ،‬وهي ق�ضية تبدو على درجة بالغة من الأهمية �سواء من حيث مو�ضوعها �أم‬ ‫توقيتها يف حلظة زمنية يطرح فيها ب�شدة �س�ؤال “الكم” و“النوعية” يف الإعالم العربي‪ ،‬بقدر ما يطرح‬ ‫�أي�ض ًا �س�ؤال “الذاتية” و “الآخر”‪ ،‬ال �سيما يف ع�رص ال�سماوات املفتوحة‪ ،‬حيث يواجه الإعالم الف�ضائي‬ ‫العربي حتد ّيات ال ميكن اال�ستهانة بها يف مواجهة الإعالم الأجنبي‪.‬‬

‫حمتوى التقرير‬

‫يت�ضمن هذا التقرير خم�سة ملفات تعك�س ما ميكن اعتباره املقومات اخلم�سة الأ�سا�سية للتنمية‬ ‫الثقافية‪:‬‬ ‫امللف الأول‪ :‬املعلوماتية كرافعة للتنمية الثقافية‬ ‫امللف الثاين‪ :‬التمويل وا�ستقاللية الإدارة يف التعليم العايل‬ ‫امللف الثالث‪ :‬اخلطاب الثقايف يف و�سائل الإعالم‬ ‫امللف الرابع‪ :‬الإبداع‬ ‫امللف اخلام�س‪ :‬احل�صاد الفكري ال�سنوي‬


‫‪11‬‬

‫ويالحظ �أن ملف “حركة الت�أليف والن�رش” الذي ت�ض ّمنه التقرير الأول قد ح ّل حم َّله هذا العام ملف‬ ‫تق�صى �إ�صدارات العرب‬ ‫“املعلوماتية كرافعة للتنمية الثقافية”‪ .‬وكان ملف حركة الت�أليف والن�رش قد َّ‬ ‫�سنوي ًا من الكتب‪� ،‬سواء على امل�ستوى القومي �أم القطري وما ارتبط بهذه امل�س�ألة من ق�ضايا‪ ،‬و�أثار حالة‬ ‫من اجلدل ال�صحي يف العامل العربي‪ ،‬ورمبا نحتاج لعام �أو عامني لكي نعود من جديد لتتبع هذه احلركة‬ ‫يف جتلياتها و�إ�شكالياتها الأخرى‪ .‬لهذا بدا حمبذاً و�رضوري ًا �أن يت�ضمن تقرير هذا العام‪ ،‬بدي ًال من ملف‬ ‫يف للعرب على �شبكة الإنرتنت‪.‬‬ ‫الت�أليف والن�رش‪ ،‬ملف ًا �آخر ير�صد ويحلل مدى احل�ضور الثقايف واملعر ّ‬ ‫وقد ا�ستتبع هذا تق�صي وحتليل خمتلف �أوجه الثقافة العربية الرقمية على �شبكة الإنرتنت‪ ،‬مثل التعليم‬ ‫الإلكرتوين‪ ،‬البحث العلمي‪ ،‬الإعالم‪ ،‬املتاحف‪ ،‬الرتاث‪ ،‬امل�رسح وال�سينما واملو�سيقى‪ ،‬الفولكلور‪ ،‬املكتبات‬ ‫الرقمية‪ ،‬اللغة العربية ‪�...‬إلخ‪.‬‬ ‫كما يالحظ �أنه بالإ�ضافة �إىل امللفات الثالثة الأول التي تغريت مو�ضوعاتها هذا العام‪ ،‬فقد ت�ضمن‬ ‫التقرير ملفني �آخرين ثابتني هما الإبداع واحل�صاد الفكري ال�سنوي‪ .‬وجاء ملف الإبداع م�شتم ًال على �أهم‬ ‫جتلياته وهي الإبداع الأدبي (�رسداً و�شعراً) والإبداع ال�سينمائي والدرامي والإبداع امل�رسحي‪ .‬ولئن كان‬ ‫ف�ضاء الإبداع مازال رحب ًا يت�سع لتجليات ون�شاطات �أخر‪ ،‬فلرمبا يتيح التقرير م�ستقب ًال حيزاً لالهتمام‬ ‫مبا ت�ستحقّه هذه التجليات والن�شاطات الإبداعية‪� .‬أما ملف احل�صاد الفكري ال�سنوي فقد ت�ضمن هذا العام‬ ‫�أهم الق�ضايا والظواهر والت�سا�ؤالت التي ان�شغل بها العقل العربي خالل العام ‪� 2008‬سواء على �صعيد‬ ‫ما �شهدته املنطقة العربية من م�ؤمترات وملتقيات وندوات �أم على �صعيد ما �أ�صدره العرب من دوريات‬ ‫ودرا�سات وجمالت‪ .‬رمبا كان اجلديد الذي طر�أ على ملف احل�صاد الفكري ال�سنوي هذا العام مقارنة بتقرير‬ ‫العام املا�ضي‪� ،‬أنه كان ر�صداً للحراك الفكري ب�صفة عامة‪ ،‬مبا فيه من ق�ضايا وظواهر اجتماعية وتنموية‬ ‫و�سيا�سية‪ ،‬ب�أكرث من كونه ر�صداً للم�شهد الثقايف يف مفهومه ال�ضيق‪.‬‬ ‫وبعـــد‪،‬‬ ‫لع َّل هذا التقرير ي�سهم – مع كل اجلهود واملبادرات العربية الأخرى – يف و�ضع ق�ضية التنمية الثقافية‬ ‫مو�ضعها ال�صحيح واملطلوب يف جممل حركة التنمية الب�رشية يف العامل العربي‪.‬‬ ‫ال�شكر واجب لهيئة التقرير اال�ست�شارية والبحثية‪ ،‬وجلنة املراجعة والتدقيق‪ ،‬ولرعاة التقرير‪ :‬امل�ؤ�س�سة‬ ‫العربية للعلوم والتكنولوجيا ممثلة برئي�سها الدكتور عبداهلل النجار‪ ،‬وال�صحف العربية التي نتقدم �إليها بكل‬ ‫وعمان (م�سقط)‪،‬‬ ‫اعتزاز وامتنان‪ ،‬وهي (ب�أ�سبقية الإ�صدار التاريخي)‪ :‬النهار (اللبنانية)‪ ،‬واحلياة (الدولية)‪ُ ،‬‬ ‫وال�سفري (اللبنانية)‪ ،‬والراية (القطرية)‪ ،‬والبيان (الإماراتية)‪ ،‬والأيام (البحرينية)‪ ،‬وال�صباح (املغربية)‪،‬‬ ‫والوطن (ال�سعودية)‪ ،‬وال�رشوق (اجلزائرية)‪ ،‬وامل�رصي اليوم (امل�رصية)‪ ،‬والغد (الأردنية)‪ ،‬ودبي الثقافية‬ ‫(الإماراتية)‪ ،‬والوطن (ال�سورية)‪ ،‬و�أوان (الكويتية)‪.‬‬ ‫نتطلع لأن تكون هذه الرعاية بداية طريق �رشاكة ثقافية فاعلة طاملا دعا �إليها �صاحب ال�سم ّو امللكي‬ ‫الأمري خالد الفي�صل رئي�س م� ّؤ�س�سة الفكر العربي‪ ،‬وهو القائل يوم �إطالق فكرة م� ّؤ�س�سة الفكر العربي �إن‬ ‫“الوحدة التي تن�شدها ال ّأمة العربية – وهي حقها الطبيعي – ال بد و�أن تبد�أ بدايتها ال�صحيحة بوحدة‬ ‫الفكر والثقافة ‪”...‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬



‫‪13‬‬

‫املعلوماتية‬

‫امللف الأول‬ ‫املعلوماتية كرافعة للتنمية الثقافية‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 14‬للتنمية الثقافية‬


‫‪15‬‬

‫املعلوماتية‬

‫الف�صل الأول‪:‬‬ ‫واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف‬ ‫�أو ًال‪� :‬أو�ضاع العامل العربي طبق ًا مل� رّؤ�شات جمتمع املعلومات يف ظل الر�ؤى واال�سرتاتيجيات احلكوم ّية‬ ‫ثاني ًا‪� :‬أو�ضاع العامل العربي طبق ًا مل� رّؤ�شات البنية املعلوماتية الأ�سا�سية‬ ‫الف�صل الثاين‪:‬‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬ ‫�أو ًال‪ :‬ثمانية �أوجه للثقافة الرقمية‬ ‫ثاني ًا‪ :‬مالمح الوجه الرقمي للثقافة العربية طبق ًا جلماهريية املواقع ومعدل زيارتها‬ ‫الف�صل الثالث‪: :‬‬

‫«التوجهات الأ�سا�سية»‬ ‫الدور املحتمل للمعلوماتية يف دعم التنمية الثقافية ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫�أو ًال‪ :‬التنمية الثقافية وتقنية املعلومات‬ ‫ثاني ًا‪ :‬تقنية املعلومات وتفعيل امل�صادر املفتوحة كرافعة للتنمية الثقافية‬

‫الف�صل الرابع‪:‬‬ ‫قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية‬ ‫الف�صل اخلام�س‪:‬‬ ‫نحو ر�ؤية م�ستقبلية لتنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي‬ ‫�أو ًال‪ :‬ثالثية الثقافة واملعرفة واملعلومات‬ ‫ثاني ًا‪ :‬نحو �سيا�سة ثقافية مغايرة‬ ‫ثالث ًا‪ :‬ر�ؤية م�ستقبلية ملجاالت املحتوى الثقايف‬ ‫رابع ًا‪ :‬زيادة الإنتاج الفكري والعلمي‬ ‫خام�س ًا‪ :‬تنمية مك ّون اللغة يف ثقافة ع�رص املعلومات‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬منطلقات وم�رشوعات مقرتحة لتنمية مك ّون اللغة‬ ‫�سابع ًا‪ :‬تنمية مك ّون الرتبية يف ثقافة ع�رص املعلومات‬ ‫ثامن ًا‪ :‬ر�ؤية م�ستقبلية لتنمية مك ّون الإعالم يف ثقافة ع�رص املعلومات‬ ‫تا�سع ًا‪ :‬تنمية مك ّون الإبداع يف ثقافة ع�رص املعلومات‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬



‫‪17‬‬

‫املعلوماتية‬

‫متهيد‬

‫املعلوماتية‪� :‬أفق بال حدود للتنمية الثقافية‬

‫منذ ظهورها وبدء ا�ستخدامها عملي ًا‬ ‫يف �أربعينيات القرن املا�ضي وح ّتى بداية‬ ‫الألفية اجلديدة‪ ،‬كان مناط تركيز تقنية‬ ‫املعلومات واالت�صاالت من�ص ّب ًا على‬ ‫«امل�ؤ�س�سة» و«املن�ش�أة» بغية حت�سني �أدائها‬ ‫و�إنتاجيتها وكفاءة العاملني بها‪ .‬بعبارة‬ ‫�أخرى كانت املعلوماتية و�أدواتها املختلفة‬ ‫تطرح نف�سها ك�أداة �إنتاج وتنمية اقت�صادية‬ ‫�أو جتارية �أو علمية �أو �إدارية‪ ،‬من دون �أن‬ ‫ُينظر لتقنية املعلومات واالت�صاالت ك�أ�شياء‬ ‫ميكن �أن تتقاطع �أو تتداخل مع الثقافة والفكر‬ ‫�إىل الدرجة التي جتعل منها �أداة للتنمية‬ ‫الثقافية‪.‬‬ ‫مع مطلع الألفية اجلديدة وحتى الآن‬ ‫تغيرّ ت الأمور ب�شدة على اجلانبني‪ ،‬فالتقنية‬ ‫ر�أت يف الثقافة ف�ضا ًء رحب ًا بكراً ي�سمح لها‬ ‫بتم ّدد غري م�سبوق يف ن�سيج املجتمعات‬ ‫احلديثة‪ ،‬والثقافة ر�أت يف التقنية �أداة‬ ‫جديدة ذات �إمكانات غري م�سبوقة يف التنمية‬ ‫واالنت�شار والتوا�صل بني فئات املجتمع‪.‬‬ ‫ومبرور الوقت تقارب الطرفان وانتهى الأمر‬ ‫�إىل �أن التطبيقات الثقافية للتقنية ـ يف‬

‫جماالت الإبداع والرتفيه والتوا�صل والفنون‬ ‫والآداب والتعبري والرتاث والرتبية والبحث‬ ‫وال�سياحة وال�شبكات االجتماعية وغريها‬ ‫ـ �أ�صبحت �صاحبة ال�صوت امل�سموع على‬ ‫ال�ساحة‪� ،‬سواء داخل الإنرتنت �أم خارجها‪،‬‬ ‫وحالي ًا بلغ التمازج بني الثقافة وتقنية‬ ‫املعلومات م�ستوى جعل التوظيف الثقايف‬ ‫للتقنية واحدة من �أبرز ال�سمات التي ت ّت�سم بها‬ ‫ثورة املعلومات يف الوقت احلايل‪.‬‬ ‫ويف الوقت الذي يحدث فيه هذا التالقي‬ ‫والتمازج بني الثقافة والتقنية يبدو املجتمع‬ ‫العربي يف �أ�ش ّد حاالته احتياج ًا لتنمية ثقافية‬ ‫�رسيعة وعميقة وم�ؤثّرة و�شاملة ت�ساعده على‬ ‫مواجهة حتديات عاتية على �أ�صعدة ع ّدة‪،‬‬ ‫الكثري منها �صنعه التق ّدم الثقايف العاملي‬ ‫الكبري املدفوع بقوة تقنية املعلومات التي‬ ‫ر�ضخت متام ًا ملتطلبات الثقافة و�أ�صبحت‬ ‫�إحدى �أهم �أدواتها الفاعلة‪.‬‬ ‫يف �ضوء ذلك تتج ّلى �أهمية الدور الذي‬ ‫ميكن �أن تلعبه تقنية املعلومات واالت�صاالت‬ ‫كرافعة للتنمية الثقافية يف الوطن العربي‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 18‬للتنمية الثقافية‬

‫الف�صل الأول‬ ‫واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف‬ ‫من قيا�س الكم �إىل قيا�س الن�ضج‬

‫من املهم ا�ستعرا�ض املالمح الرئي�سية‬ ‫ملك ّونات البنية املعلوماتية العربية بعنا�رصها‬ ‫املختلفة من منظور ت�أثريها وتفاعلها مع‬ ‫جهود التنمية الثقافية‪ ،‬على اعتبار �أن هذه‬ ‫البنية هي احلا�ضنة الرئي�سية لدور املعلوماتية‬ ‫كرافعة للتنمية الثقافية املبتغاة بالوطن‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫واحلا�صل �أنه توجد العديد من م�صادر‬ ‫املعلومات وقواعد البيانات التي توفّر‬ ‫م� رّؤ�شات لقيا�س مك ّونات البنية املعلوماتية‬ ‫ور�صدها لي�س يف الوطن العربي فقط ولكن‬ ‫ّ‬ ‫على م�ستوى العامل‪ ،‬وت�صدر يف هذا ال�ش�أن‬ ‫�إح�صاءات وتقارير متنوعة ب�صفة دورية‪ ،‬وقد‬ ‫�شكّل اختيار م�صادر البيانات والإح�صاءات‬ ‫التي ميكن ا�ستخدامها يف معاجلة الأمر من‬ ‫املنظور الثقايف حت ّدي ًا كبرياً بالن�سبة لفريق‬ ‫البحث‪ ،‬فاملعتاد �أن تق ّدم هذه الإح�صاءات‬ ‫ـ على تن ّوعها ـ بيانات كمية عن واقع هذه‬ ‫البنية‪ ،‬كعدد خطوط الهاتف وم�ستخدمي‬ ‫الإنرتنت وعدد احلا�سبات ال�شخ�صية وخطوط‬ ‫االت�صاالت عالية ال�رسعة �إىل غري ذلك من‬ ‫�إح�صاءات قد تكون مفيدة يف معاجلة ق�ضايا‬ ‫�أخرى كالفجوة الرقمية والتنمية االقت�صادية‬ ‫وم�ستوى ن�ضج ما يطلق عليه دائم ًا «جمتمع‬ ‫املعلومات»‪ .‬لكنها يف �صورتها الكمية ال توفّر‬ ‫م� رّؤ�شاً يربط بني هذه البنية واحتياجات التنمية‬

‫متت مراجعة العديد‬ ‫الثقافية وحتدياتها‪ ،‬ولذلك ّ‬ ‫من قواعد البيانات وم�صادر املعلومات التي‬ ‫تتناول هذه البنية بطريقة تقرتب من متطلبات‬ ‫التنمية الثقافية وحتدياتها‪ .‬ويف هذا ال�صدد‬ ‫متت مراجعة تقارير وم� رّؤ�شات �صادرة عن‬ ‫ّ‬ ‫الربنامج الإمنائي للأمم املتحدة واالحتاد‬ ‫الدويل لالت�صاالت والقمة العاملية ملجتمع‬ ‫املعلومات وغريها‪ ،‬ثم جرى اختيار قاعدة‬ ‫البيانات التفاعلية على الإنرتنت اخلا�صة‬ ‫بالتقرير العاملي لتقنية املعلومات ال�صادر‬ ‫عن منتدى دافو�س االقت�صادي العاملي يف‬ ‫مار�س ‪http://www.insead.edu/v1/ ،2009‬‬ ‫مت‬ ‫‪ gitr/wef/main/home.cfm‬وبعد ذلك ّ‬ ‫اخ�ضاع هذه البيانات ملجموعة من اخلطوات‬ ‫املنهجية‪.1‬‬

‫�أو ًال‪� :‬أو�ضاع العامل العربي طبق ًا‬ ‫مل� رّؤ�شات جمتمع املعلومات‬ ‫يف ظل الر�ؤى واال�سرتاتيجيات‬ ‫احلكومية‬

‫تعود �أهمية هذه املجموعة من امل� رّؤ�شات �إىل �أنه‬ ‫ال ميكن احلديث عن توظيف تقنية املعلومات‬ ‫واالت�صاالت يف جهود التنمية الثقافية �إذا مل‬ ‫تكن التنمية املعلوماتية والتكنولوجية نف�سها‬ ‫مدرجة على اهتمامات الدولة و�أولوياتها‬ ‫ب�صورة �أو ب�أخرى‪ ،‬ومن دون ذلك ال ُيتوقع �أن‬ ‫تكون تقنية املعلومات واالت�صاالت يف و�ضع‬

‫متت مراجعة الـ ‪ 64‬م� رّؤ�ش قيا�س املوجودة بقاعدة البيانات وانتقاء امل� رّؤ�شات التي تخدم الدرا�سة فقط‪� ،‬أي التي تن�شئ‬ ‫‪ 1‬يف خطوة �أوىل ّ‬ ‫مت اختيار ‪ 40‬م� رّؤ�شاً فقط من بني الـ ‪ 64‬املوجودة بقاعدة البيانات‪ .‬ويف خطوة‬ ‫عالقة ما بني البنية املعلوماتية والتنمية الثقافية وهنا ّ‬ ‫متت ت�صفية هذه البيانات لتكون مق�صورة على البلدان‬ ‫مت ا�ستخال�ص البيانات املرتبطة بها من قاعدة البيانات‪ .‬ويف خطوة ثالثة ّ‬ ‫ثانية ّ‬ ‫مت تق�سيم هذه امل� رّؤ�شات �إىل خم�س جمموعات‪ ،‬كل‬ ‫العربية فقط ولي�س على الـ ‪ 134‬دولة الواردة يف قاعدة البيانات‪ .‬ويف خطوة رابعة ّ‬ ‫جمموعة تر�صد جانب ًا من اجلوانب التي لها عالقة بالتنمية الثقافية‪.‬‬


‫الف�صل االول‬ ‫واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف‬

‫يف خطط ور�ؤى احلكومات‪ ،‬وت�شمل �أربعة‬ ‫م� رّؤ�شات هي‪ :‬تقنية املعلومات واالت�صاالت‬

‫الدولة لديها خطّ ة �ضعيفة وغري وا�ضحة‬ ‫وتدلّ الدرجة الأقرب �إىل ‪ 7‬على �أن اخلطة‬ ‫وا�ضحة وف ّعالة‪ ،‬وت�شري البيانات املتاحة �إىل‬ ‫�أن الدرجات املمنوحة للبلدان العربية يف هذا‬ ‫امل� رّؤ�ش ترتاوح بني ‪ 5.86‬وهي الدرجة التي‬ ‫ح�صلت عليها الإمارات و‪ 3.32‬وهي الدرجة‬ ‫التي ح�صلت عليها ليبيا‪ ،‬وذلك مبتو�سط عام‬ ‫قدره ‪ 4.57‬لدى الدول املتاح عنها بيانات‪،‬‬ ‫�أما الرتتيب عاملي ًا فرتاوح بني املركز الثالث‬ ‫الذي ح�صلت عليه الإمارات واملركز ‪ 112‬الذي‬ ‫ح�صلت عليه ليبيا‪.‬‬

‫املعلوماتية‬

‫ي�سمح لها بالتوظيف �سواء يف التنمية الثقافية‬ ‫�أم غريها‪ ،‬بعبارة �أخرى ف�إن التقنية ك�أداة‬ ‫ورافعة لن تكون متوافرة من الأ�صل �إذا كانت‬ ‫احلكومات غري مهتمة بها وبتوفريها وبنائها‬ ‫وتطويرها و�إدارتها ب�صورة تخدم التنمية‪.‬‬ ‫وت�ض ّم جمموعة امل� رّؤ�شات التي تقي�س‬ ‫و�ضعية تقنية املعلومات واالت�صاالت داخل‬ ‫ر�ؤى وا�سرتاتيجيات احلكومات العربية ت�سعة‬ ‫م� رّؤ�شات تتو ّزع على جمموعتني فرعيتني‪:‬‬ ‫• الأوىل تقي�س و�ضعية تقنية املعلومات‬

‫بالر�ؤية احلكومية‪ ،‬وم�ستوى تقنية املعلومات �أولويات متو�سطة و�أخرى �ضعيفة‬

‫يف قائمة �أولويات احلكومة‪ ،‬وم�ستوى‬ ‫جناح احلكومة يف ترويج تقنية املعلومات‬ ‫باملجتمع‪ ،‬وم�ستوى م�شرتوات احلكومة من‬ ‫تقنية املعلومات‪.‬‬ ‫• والثانية تقي�س الأداء احلكومي وعالقته‬

‫بتقنية املعلومات ت�أثرياً وت�أثراً وت�شمل‬ ‫خم�سة م� رّؤ�شات هي‪ :‬م�ستوى تدريب موظفي‬

‫احلكومة على التقنية‪ ،‬ومدى اال�ستعداد للحكومة‬ ‫الإلكرتونية‪ ،‬ومدى توافر اخلدمات الإلكرتونية‬ ‫بالإنرتنت‪ ،‬و م�ستوى تفعيل تقنية املعلومات‬ ‫وتط ّور الأداء احلكومي‪ ،‬وم�ستوى انت�شار تقنية‬ ‫املعلومات باملكاتب احلكومية‪.‬‬

‫م� رّؤ�شات الر�ؤى واال�سرتاتيجيات‬

‫�إذا ما نظرنا �إىل �أو�ضاع تقنيات املعلومات‬ ‫واالت�صاالت بالعامل العربي طبق ًا مل� رّؤ�شات‬ ‫املجموعة الفرعية الأوىل (انظر اجلدول رقم ‪)1‬‬ ‫�سنجد �أن‪:‬‬ ‫امل� رّؤ�ش اخلا�ص مب�ستوى تقنية املعلومات‬ ‫يف اخلطط والر�ؤى احلكومية يقي�س هل لدى‬ ‫احلكومة خطة وا�ضحة ال�ستخدام تقنيات‬ ‫املعلومات واالت�صاالت لتح�سني �إجمايل‬ ‫التناف�سية العامة للدولة مبا يف ذلك تنمية‬ ‫اجلوانب الثقافية واالجتماعية‪ ،‬ويف هذا‬ ‫التقييم متنح كل دولة درجة ترتاوح بني‬ ‫‪� 1‬إىل ‪ ،7‬وتدلّ الدرجة الأقرب للـ ‪ 1‬على �أن‬

‫‪19‬‬

‫يقي�س امل� رّؤ�ش اخلا�ص مب�ستوى تقنيات‬ ‫املعلومات واالت�صاالت يف قائمة �أولويات‬ ‫احتلت الإمارات املركز اخلام�س‬ ‫احلكومة ما �إذا كانت تقنيات املعلومات‬ ‫واالت�صاالت ق�ضية ذات �أولوية عامة لدى واملغرب املركز ‪ 111‬عاملي ًا وفقا ً‬ ‫احلكومة �أم ال‪ ،‬وترتاوح درجات امل� رّؤ�ش بني مل� رّؤ�ش مدى اعتبار تقنية املعلومات‬ ‫واالت�صاالت �أولوية حكومية‪.‬‬ ‫‪ 1‬و‪ ،7‬ومتنح الدرجات الأقرب �إىل الواحد‬ ‫للحكومات التي تعار�ض ب�ش ّدة �أن تكون‬ ‫تقنيات االت�صاالت وتقنية املعلومات ق�ضية‬ ‫ذات �أولوية عامة‪ ،‬والأقرب �إىل ‪ 7‬للحكومات‬ ‫التي ت�ؤيد ذلك بقوة‪ ،‬ويف هذا ال�صدد ت�شري‬ ‫البيانات املتاحة �إىل �أن الدرجات املمنوحة‬ ‫للحكومات العربية يف هذا ال�صدد ترتاوح بني‬ ‫‪ 6.05‬وهي الدرجة التي ح�صلت عليها الإمارات‬ ‫و‪ 4.14‬وهي الدرجة التي ح�صلت عليها املغرب‪،‬‬ ‫مبتو�سط عام ‪ 5.02‬لدى الدول املتاح عنها‬ ‫بيانات‪� ،‬أما الرتتيب دولي ًا فرتاوح بني املركز‬ ‫اخلام�س الذي ح�صلت عليه الإمارات واملركز‬ ‫‪ 111‬الذي ح�صلت عليه املغرب‪.‬‬ ‫يقي�س امل� رّؤ�ش اخلا�ص مب�ستوى جناح‬ ‫احلكومة يف ترويج تقنيات املعلومات‬ ‫واالت�صاالت باملجتمع مدى كفاءة وفعالية‬ ‫الربامج احلكومية التي تر ّوج ال�ستخدام تقنية‬ ‫املعلومات واالت�صاالت‪ ،‬ومينح درجات من ‪1‬‬ ‫�إىل ‪ ،7‬حيث الدرجة ‪ =1‬برامج ترويج حكومية‬ ‫غري ناجحة‪ ،‬والدرجة ‪ = 7‬برامج ترويج‬ ‫حكومية ناجحة للغاية‪ ،‬وت�شري البيانات‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 20‬للتنمية الثقافية‬

‫جدول رقم ‪1‬‬

‫الدولة‬

‫الأردن‬ ‫الإمارات‬ ‫البحرين‬ ‫اجلزائر‬ ‫ال�سعودية‬ ‫ال�سودان‬ ‫ال�صومال‬ ‫العراق‬ ‫الكويت‬ ‫املغرب‬ ‫اليمن‬ ‫تون�س‬ ‫�سوريا‬ ‫عمان‬ ‫فل�سطني‬ ‫قطر‬ ‫لبنان‬ ‫ليبيا‬ ‫م�رص‬ ‫موريتانيا‬ ‫�أوروبا الغربية‬

‫تقنيات املعلومات واالت�صاالت يف ر�ؤى وخطط احلكومات العربية «الرتتيب �أبجدي ًا»‬ ‫تقنيات املعلومات‬ ‫واالت�صاالت بالر�ؤية‬ ‫احلكومية‬

‫جناح احلكومة‬ ‫يف ترويج تقنيات‬ ‫املعلومات باملجتمع‬

‫الدرجة‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫الدرجة‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫الدرجة‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫الدرجة‬

‫الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫‪4.04‬‬

‫‪33‬‬

‫‪5.52‬‬

‫‪17‬‬

‫‪5.04‬‬

‫‪18‬‬

‫‪5.21‬‬

‫‪18‬‬

‫‪4.53‬‬

‫‪11‬‬

‫‪6.05‬‬

‫‪5‬‬

‫‪5.86‬‬

‫‪3‬‬

‫‪5.8‬‬

‫‪4‬‬

‫‪4.1‬‬

‫‪27‬‬

‫‪5.42‬‬

‫‪21‬‬

‫‪5.03‬‬

‫‪19‬‬

‫‪4.98‬‬

‫‪27‬‬

‫‪2.88‬‬

‫‪118‬‬

‫‪4.37‬‬

‫‪85‬‬

‫‪3.68‬‬

‫‪100‬‬

‫‪4.08‬‬

‫‪79‬‬

‫‪4.33‬‬

‫‪15‬‬

‫‪5.17‬‬

‫‪33‬‬

‫‪4.81‬‬

‫‪27‬‬

‫‪4.89‬‬

‫‪32‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪3.23‬‬

‫‪98‬‬

‫‪4.28‬‬

‫‪96‬‬

‫‪3.61‬‬

‫‪102‬‬

‫‪3.95‬‬

‫‪93‬‬

‫‪3.69‬‬

‫‪58‬‬

‫‪4.14‬‬

‫‪111‬‬

‫‪3.93‬‬

‫‪82‬‬

‫‪4.61‬‬

‫‪45‬‬

‫م�شرتوات احلكومة‬ ‫من تقنيات املعلومات‬

‫م�ستوى تقنيات املعلومات‬ ‫يف قائمة‬ ‫�أولويات احلكومة‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪5.07‬‬

‫‪3‬‬

‫‪5.8‬‬

‫‪8‬‬

‫‪5.45‬‬

‫‪10‬‬

‫‪5.86‬‬

‫‪3‬‬

‫‪3.35‬‬

‫‪90‬‬

‫‪4.51‬‬

‫‪75‬‬

‫‪4.02‬‬

‫‪71‬‬

‫‪4.2‬‬

‫‪71‬‬

‫‪4.19‬‬

‫‪22‬‬

‫‪5.02‬‬

‫‪46‬‬

‫‪4.97‬‬

‫‪21‬‬

‫‪4.85‬‬

‫‪34‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪4.6‬‬

‫‪9‬‬

‫‪5.55‬‬

‫‪15‬‬

‫‪5.66‬‬

‫‪6‬‬

‫‪5.56‬‬

‫‪8‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪3.27‬‬

‫‪96‬‬

‫‪4.4‬‬

‫‪83‬‬

‫‪3.32‬‬

‫‪112‬‬

‫‪3.89‬‬

‫‪102‬‬

‫‪3.7‬‬

‫‪57‬‬

‫‪5.18‬‬

‫‪32‬‬

‫‪4.45‬‬

‫‪45‬‬

‫‪4.92‬‬

‫‪30‬‬

‫‪3.45‬‬

‫‪76‬‬

‫‪4.91‬‬

‫‪51‬‬

‫‪4.16‬‬

‫‪62‬‬

‫‪4.76‬‬

‫‪39‬‬

‫‪3.792‬‬

‫ـ‬

‫‪4.602‬‬

‫ـ‬

‫‪4.214‬‬

‫ـ‬

‫‪4.302‬‬

‫ـ‬

‫امل�صدر‪ :‬قاعدة بيانات التقرير العاملي لتقنية املعلومات ال�صادر عن منتدى دافو�س االقت�صادي العاملي مار�س ‪2009‬‬ ‫‪http://www.insead.edu/v1/gitr/wef/main/home.cfm‬‬

‫املتاحة حول هذا امل� رّؤ�ش �إىل �أن الدرجات‬ ‫املمنوحة للحكومات العربية ترتاوح بني ‪5.86‬‬ ‫وهي الدرجة التي حقّقتها تون�س و‪ 3.89‬وهي‬ ‫الدرجة التي ح�صلت عليها ليبيا‪ ،‬مبتو�سط‬ ‫عام ‪ 4.83‬لدى الدول املتاح عنها بيانات‪� ،‬أما‬ ‫الرتتيب العاملي فيرتاوح بني املركز الثالث‬

‫الذي ح�صلت عليه تون�س واملركز ‪ 102‬الذي‬ ‫ح�صلت عليه ليبيا‪.‬‬

‫�رشاء التكنولوجيا بني ال�رشاهة والعجز‬

‫امل� رّؤ�ش اخلا�ص مب�شرتوات احلكومات‬ ‫العربية من تقنيات املعلومات واالت�صاالت‪،‬‬


‫الف�صل االول‬ ‫واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف‬

‫م� رّؤ�شات الأداء احلكومي وتقنيات‬ ‫املعلومات واالت�صاالت‬

‫املعلوماتية‬

‫ويقي�س م�ستوى كفاءة و�سالمة قرارات ال�رشاء‬ ‫احلكومية جللب التقنية املتقدمة ومينح درجة‬ ‫ترتاوح بني ‪� 1‬إىل ‪ 7‬درجات‪ ،‬بحيث �إن الدرجة‬ ‫‪ = 1‬قرارات ال�رشاء التي تعتمد فقط على ال�سعر‪،‬‬ ‫والدرجة ‪ = 7‬قرارات ال�رشاء التي تعتمد على‬ ‫الأداء واالبتكار التقني‪ ،‬وت�شري البيانات‬ ‫املتاحة �إىل �أن الدرجات املمنوحة للحكومات‬ ‫العربية يف هذا ال�صدد ترتاوح بني ‪ 5.07‬وهي‬ ‫الدرجة التي ح�صلت عليها تون�س و‪ 2.88‬وهي‬ ‫الدرجة التي ح�صلت عليها اجلزائر مبتو�سط‬ ‫عام ‪ 3.89‬لدى الدول املتاح عنها بيانات‪،‬‬ ‫�أما الرتتيب العاملي للحكومات العربية يف‬ ‫هذه النقطة فيرتاوح بني املركز الثالث عاملي ًا‬ ‫الذي �سجلته تون�س واملركز ‪ 118‬الذي �سجلته‬ ‫اجلزائر‪.‬‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش مدى اال�ستعداد للحكومة‬ ‫الإلكرتونية ا�ستعداد احلكومة لتنفيذ برامج‬ ‫احلكومة الإلكرتونية وم�رشوعاتها‪ ،‬وذلك بناء‬ ‫على تقييم مواقع الويب اخلا�صة باحلكومة‬ ‫الإلكرتونية لكل دولة وبنية االت�صاالت وتطور‬ ‫املوارد الب�رشية املتعلقة بها‪ ،‬ومينح درجات‬ ‫من �صفر �إىل واحد‪ ،‬حيث ال�صفر = عدم وجود‬ ‫برامج ومواقع للحكومة الإلكرتونية‪ ،‬والـ ‪=1‬‬ ‫برامج ومواقع نا�ضجة وفاعلة وذات توا�صل‬ ‫مع اجلماهري‪ ،‬ويف هذا امل� رّؤ�ش ترتاوح الدرجات‬ ‫املمنوحة للحكومات العربية بني ‪ 0.63‬وهي‬ ‫الدرجة التي ح�صلت عليها الإمارات و‪0.2‬‬ ‫وهي الدرجة التي ح�صلت عليها موريتانيا‪،‬‬ ‫مبتو�سط عام ‪ 0.41‬درجة لدى الدول املتاح‬ ‫عنها بيانات‪� ،‬أما الرتتيب العاملي فرتاوح بني‬ ‫املركز ‪ 32‬الذي ح�صلت عليه الإمارات واملركز‬ ‫‪ 124‬الذي ح�صلت عليه موريتانيا‪.‬‬

‫تون�س الأوىل عربي ًا ويف املركز‬ ‫الثالث عاملي ًا وليبيا الأخرية عربيا ً‬ ‫ويف املركز ‪ 102‬عاملي ًا وفق ًا مل� رّؤ�ش‬ ‫كفاءة الربامج احلكومية يف الرتويج‬ ‫لتقنية املعلومات واالت�صاالت‪.‬‬

‫يو�ضح اجلدول رقم (‪� )2‬أو�ضاع تقنيات حكومة �إلكرتونية على طريق النمو‬

‫االت�صاالت وتقنية املعلومات يف العامل العربي‬ ‫طبق ًا مل� رّؤ�شات املجموعة الفرعية الثانية‬ ‫املتعلقة بالأداء احلكومي وبهذه التقنيات‪،‬‬ ‫وذلك على النحو التايل‪:‬‬ ‫يقي�س م� رّؤ�ش م�ستوى تدريب موظفي‬ ‫احلكومة على التقنية املنهج العام الذي تتبعه‬ ‫احلكومات جتاه ت�أهيل موظفي احلكومة على‬ ‫تقنيات املعلومات واالت�صاالت‪ ،‬وهو مك ّون من‬ ‫�سبع درجات‪ ،‬الدرجة ‪ = 1‬ا�ستثمار �ضعيف يف‬ ‫التدريب وتنمية مهارات املوظفني‪ ،‬والدرجة ‪7‬‬ ‫= ا�ستثمار كثيف يف جذب املوظفني وتدريبهم‬ ‫واالحتفاظ بهم‪ ،‬وت�شري الدرجات املمنوحة‬ ‫للحكومات العربية يف هذا امل� رّؤ�ش �إىل �أن �أعلى‬ ‫درجة بلغت ‪ 4.79‬وهي الدرجة التي ح�صلت‬ ‫عليها تون�س و�أقل درجة بلغت ‪ 2.69‬التي‬ ‫ح�صلت عليها موريتانيا‪ ،‬مبتو�سط عام ‪3.84‬‬ ‫لدى الدول املتاح عنها بيانات‪� ،‬أما الرتتيب‬ ‫الدويل فرتاوح بني املركز ‪ 27‬الذي ح�صلت‬ ‫عليه تون�س واملركز ‪ 130‬الذي ح�صلت عليه‬ ‫موريتانيا‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش مدى توافر اخلدمات‬ ‫الإلكرتونية عرب الإنرتنت عدد وفاعلية وم�ستوى‬ ‫ن�ضج اخلدمات احلكومية التي ُتقدم �إلكرتونيا‬ ‫للمواطنني مثل ال�رضائب و�سجالت ال�سيارات‬ ‫وطلبات جواز ال�سفر وت�صاريح ال�رشكات‬ ‫وامل�شرتوات احلكومية الإلكرتونية‪ ،‬ومينح هذا‬ ‫امل� رّؤ�ش درجات ترتاوح بني الدرجة ‪ 1‬التي‬ ‫تعني �أن هذه اخلدمات غري متاحة‪ ،‬والدرجة ‪7‬‬ ‫احتلت تون�س املركز الثالث‬ ‫التي تعني �أنها متاحة بوفرة‪ ،‬وطبق ًا للبيانات واجلزائر املركز ‪ 118‬عاملي ًا وفق ًا‬ ‫املتاحة ف�إن الدرجات املمنوحة للحكومات مل� رّؤ�ش كفاءة امل�شرتوات احلكومية‬ ‫العربية يف هذا امل� رّؤ�ش ترتاوح بني ‪ 5.26‬وهي من تقنية املعلومات واالت�صاالت‪.‬‬ ‫الدرجة التي حقّقتها قطر و‪ 1.69‬وهي الدرجة‬ ‫التي حقّقتها �سوريا‪ ،‬مبتو�سط عام ‪ 3.66‬لدى‬ ‫الدول املتاح عنها بيانات‪� ،‬أما الرتتيب دولي ًا‬ ‫فرتاوح بني املركز ‪ 25‬الذي ح�صلت عليه قطر‬ ‫واملركز ‪ 131‬الذي ح�صلت عليه �سوريا‪.‬‬ ‫يقي�س م� رّؤ�ش م�ستوى تفعيل تقنية‬ ‫املعلومات وتط ّور الأداء احلكومي م�ستوى‬ ‫الن�ضج والر�شادة يف ا�ستخدام تقنيات‬ ‫املعلومات واالت�صاالت من قبل احلكومة‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 22‬للتنمية الثقافية‬

‫جدول رقم ‪2‬‬

‫الأداء احلكومي وتقنيات املعلومات واالت�صاالت بالعامل العربي «الرتتيب �أبجدي ًا»‬

‫الدولة‬

‫توافر اخلدمات‬ ‫الإلكرتونية‬ ‫بالإنرتنت‬

‫الأردن‬ ‫الإمارات‬ ‫البحرين‬ ‫اجلزائر‬ ‫ال�سعودية‬ ‫ال�سودان‬ ‫ال�صومال‬ ‫العراق‬ ‫الكويت‬ ‫املغرب‬ ‫اليمن‬ ‫تون�س‬ ‫�سوريا‬ ‫عمان‬ ‫فل�سطني‬ ‫قطر‬ ‫لبنان‬ ‫ليبيا‬ ‫م�رص‬ ‫موريتانيا‬ ‫�أوروبا‬ ‫الغربية‬

‫م�ستوى تدريب‬ ‫موظفي احلكومة‬ ‫على التقنيات‬

‫م�ؤ�رش اال�ستعداد‬ ‫للحكومة‬ ‫الإلكرتونية‬

‫تفعيل تقنيات‬ ‫املعلومات وتطور‬ ‫الأداء احلكومي‬

‫م�ستوى انت�شار‬ ‫م�ستوى امل�شاركة‬ ‫تقنيات املعلومات‬ ‫الإلكرتونية‬ ‫باملكاتب احلكومية‬ ‫م�ستوى‬ ‫الن�ضج‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫الرتتيب درجة الرتتيب‬ ‫دولي ًا امل�شاركة دولي ًا‬

‫م�ستوى‬ ‫الن�ضج‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫م�ستوى‬ ‫الن�ضج‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫م�ستوى‬ ‫الن�ضج‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫م�ستوى‬ ‫الن�ضج‬

‫‪0.55‬‬

‫‪15‬‬

‫‪4.73‬‬

‫‪40‬‬

‫‪4.19‬‬

‫‪50‬‬

‫‪0.55‬‬

‫‪49‬‬

‫‪3.16‬‬

‫‪90‬‬

‫‪4.94‬‬

‫‪29‬‬

‫‪39‬‬

‫‪5.71‬‬

‫‪17‬‬

‫‪4.49‬‬

‫‪37‬‬

‫‪0.63‬‬

‫‪32‬‬

‫‪5.19‬‬

‫‪27‬‬

‫‪5.84‬‬

‫‪4‬‬

‫‪0.3‬‬

‫‪5.13‬‬

‫‪30‬‬

‫‪4.03‬‬

‫‪60‬‬

‫‪0.57‬‬

‫‪42‬‬

‫‪4.76‬‬

‫‪32‬‬

‫‪4.98‬‬

‫‪28‬‬

‫‪0.34‬‬

‫‪34‬‬

‫‪118‬‬

‫‪2.8‬‬

‫‪128‬‬

‫‪0.35‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2.25‬‬

‫‪120‬‬

‫‪3.05‬‬

‫‪125‬‬

‫‪0.02‬‬

‫‪115‬‬

‫‪3.25‬‬

‫‪4.12‬‬

‫‪52‬‬

‫‪0.49‬‬

‫‪66‬‬

‫‪4.32‬‬

‫‪46‬‬

‫‪4.68‬‬

‫‪44‬‬

‫‪0.32‬‬

‫‪36‬‬

‫‪4.7‬‬

‫‪42‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0.2186‬‬

‫‪161‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0.01‬‬

‫‪161‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪183‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫‪183‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0.269‬‬

‫‪151‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0.01‬‬

‫‪151‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪4.05‬‬

‫‪57‬‬

‫‪0.52‬‬

‫‪55‬‬

‫‪2.97‬‬

‫‪97‬‬

‫‪3.79‬‬

‫‪93‬‬

‫‪0.07‬‬

‫‪95‬‬

‫‪4.02‬‬

‫‪81‬‬

‫‪3.74‬‬

‫‪79‬‬

‫‪0.29‬‬

‫‪113‬‬

‫‪3.31‬‬

‫‪81‬‬

‫‪3.97‬‬

‫‪82‬‬

‫‪0‬‬

‫‪123‬‬

‫‪3.59‬‬

‫‪97‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0.2142‬‬

‫‪164‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫‪164‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪4.79‬‬

‫‪27‬‬

‫‪0.35‬‬

‫‪103‬‬

‫‪4.49‬‬

‫‪41‬‬

‫‪5.27‬‬

‫‪20‬‬

‫‪0.02‬‬

‫‪115‬‬

‫‪5.04‬‬

‫‪32‬‬

‫‪3.31‬‬

‫‪112‬‬

‫‪0.36‬‬

‫‪98‬‬

‫‪1.69‬‬

‫‪131‬‬

‫‪3.6‬‬

‫‪102‬‬

‫‪0.05‬‬

‫‪105‬‬

‫‪3.38‬‬

‫‪108‬‬

‫‪4.21‬‬

‫‪49‬‬

‫‪0.47‬‬

‫‪76‬‬

‫‪4.58‬‬

‫‪38‬‬

‫‪4.78‬‬

‫‪38‬‬

‫‪0.2‬‬

‫‪58‬‬

‫‪4.6‬‬

‫‪50‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪4.59‬‬

‫‪33‬‬

‫‪0.53‬‬

‫‪52‬‬

‫‪5.26‬‬

‫‪25‬‬

‫‪5.43‬‬

‫‪15‬‬

‫‪0.18‬‬

‫‪66‬‬

‫‪5.33‬‬

‫‪23‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0.484‬‬

‫‪74‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0.12‬‬

‫‪74‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪3.28‬‬

‫‪114‬‬

‫‪0.35‬‬

‫‪99‬‬

‫‪2.19‬‬

‫‪121‬‬

‫‪3.16‬‬

‫‪120‬‬

‫‪0.2‬‬

‫‪58‬‬

‫‪3.28‬‬

‫‪116‬‬

‫‪3.49‬‬

‫‪96‬‬

‫‪0.48‬‬

‫‪72‬‬

‫‪4.09‬‬

‫‪55‬‬

‫‪4.35‬‬

‫‪62‬‬

‫‪0.25‬‬

‫‪47‬‬

‫‪4.13‬‬

‫‪76‬‬

‫‪2.69‬‬

‫‪130‬‬

‫‪0.2‬‬

‫‪124‬‬

‫‪2.99‬‬

‫‪96‬‬

‫‪4.12‬‬

‫‪73‬‬

‫‪0.11‬‬

‫‪77‬‬

‫‪4.33‬‬

‫‪65‬‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫‪0.738‬‬

‫ـ‬

‫‪4.746‬‬

‫ـ‬

‫‪4.866‬‬

‫ـ‬

‫‪0.422‬‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫امل�صدر‪ :‬قاعدة بيانات التقرير العاملي لتقنية املعلومات ال�صادر عن منتدى دافو�س االقت�صادي العاملي مار�س ‪2009‬‬ ‫‪http://www.insead.edu/v1/gitr/wef/main/home.cfm‬‬

‫و�أجهزتها و�إداراتها‪ ،‬ومدى ال�سهولة التي‬ ‫يحدثها هذا اال�ستخدام يف معامالت احلكومة‬ ‫مع املواطنني وال�رشكات‪ ،‬ومينح هذا امل� رّؤ�ش‬

‫�سبع درجات‪ ،‬الدرجة واحد تعني �أن م�ستوى‬ ‫الن�ضج يف هذه النقطـة منخـف�ض بــ�شدة‪،‬‬ ‫والدرجة �سبعة تعني �أن م�ستوى الن�ضج مرتفع‬


‫الف�صل االول‬ ‫واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف‬

‫امل�شاركة الإلكرتونية بني فتور وحما�س‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش امل�شاركة الإلكرتونية مدى‬ ‫فاعلية وموثوقية وجاذبية وجودة املواقع‬ ‫احلكومية و�أهميتها وا�ستعدادها لتقدمي‬ ‫املعلومات و�أدوات امل�شاركة واخلدمات عرب‬ ‫الإنرتنت للمواطنني وبالتايل معدل ا�ستخدام‬ ‫املواطنني لها‪ ،‬ومينح هذا امل� رّؤ�ش درجة من‬ ‫�صفر �إىل واحد وكلما كانت الدرجة قريبة‬ ‫للواحد ال�صحيح كان ذلك دلي ًال على ارتفاع‬ ‫امل�شاركة الإلكرتونية والعك�س‪ ،‬وترتاوح‬ ‫درجات الدول العربية املتاح عنها بيانات‬ ‫بني ‪ 0.55‬وهي الدرجة التي حقّقتها الأردن‬ ‫وح�صلت بها على املركز ‪ 15‬عاملي ًا‪ ،‬وال�سودان‬ ‫التي حقّقت ‪ 0.01‬درجة وح�صلت بها على‬ ‫املركز ‪ 161‬عاملي ًا‪ ،‬وبلغ متو�سط الدرجات‬ ‫التي ح�صلت عليها الدول املتاح عنها بيانات‬ ‫‪ 0.16‬درجة من الواحد ال�صحيح‪.‬‬

‫حقيقة ميكنة املكاتب‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش م�ستوى انت�شار وت�شغيل‬ ‫تقنيات املعلومات واالت�صاالت يف املكاتب‬ ‫احلكومية ومينح �سبع درجات‪ = 1 ،‬وجود‬ ‫وت�شغيل نادر للغاية‪ ،‬و‪ = 7‬وجود وت�شغيل‬ ‫�شائع و�سائد‪ ،‬وطبق ًا للبيانات املتاحة ف�إن‬ ‫الدرجات التي ح�صلت عليها احلكومات العربية‬ ‫يف هذا امل� رّؤ�ش ترتاوح بني ‪ 5.71‬وهي الدرجة‬ ‫التي ح�صلت عليها الإمارات و‪ 3.25‬وهي‬ ‫الدرجة التي ح�صلت عليها اجلزائر‪ ،‬مبتو�سط‬ ‫عام ‪ 4.37‬لدى الدول املتاح عنها بيانات‪� ،‬أما‬

‫الرتتيب الدويل فرتاوح بني املركز ال�سابع ع�رش‬ ‫الذي ح�صلت عليه الإمارات‪ ،‬واملركز ‪ 118‬الذي‬ ‫ح�صلت عليه اجلزائر‪.‬‬

‫املعلوماتية‬

‫متام ًا‪ ،‬وطبق ًا للبيانات املتاحة ف�إن الدرجات‬ ‫التي ح�صلت عليها احلكومات العربية يف هذا‬ ‫امل� رّؤ�ش ترتاوح بني ‪ 5.84‬وهي الدرجة التي‬ ‫ح�صلت عليها الإمارات و‪ 3.05‬وهي الدرجة‬ ‫التي ح�صلت عليها اجلزائر مبتو�سط عام ‪4.43‬‬ ‫لدى الدول املتاح عنها بيانات‪� ،‬أما الرتتيب‬ ‫الدويل فرتاوح بني املركز الرابع الذي ح�صلت‬ ‫عليه الإمارات واملركز ‪ 125‬الذي ح�صلت عليه‬ ‫اجلزائر‪.‬‬

‫‪23‬‬

‫ثاني ًا‪� :‬أو�ضاع العامل العربي‬ ‫طبق ًا مل� رّؤ�شات البنية املعلوماتية‬ ‫الأ�سا�سية‬

‫تر�صد هذه املجموعة من امل� رّؤ�شات‬ ‫مالمح البنية الأ�سا�سية يف جمال تقنيات‬ ‫املعلومات واالت�صاالت بالعامل العربي‪ ،‬وهي‬ ‫بدورها ت�ض ّم جمموعتني فرعيتني‪:‬‬ ‫الأوىل تتعلق بر�صد �أو�ضاع قطاع‬ ‫االت�صاالت وت�ض ّم �سبعة م� رّؤ�شات لقيا�س عدد‬ ‫خطوط الهاتف وتكلفة الو�صالت الهاتفية‬ ‫للمنازل وتكلفة اال�شرتاك الهاتفي ال�شهري‬ ‫وتكلفة مكاملة املحمول وم�شرتكي الهاتف‬ ‫املحمول وم�شرتكي اخلطوط ال�رسيعة ومدى‬ ‫توافر خطوط الهواتف اجلديدة‪.‬‬ ‫الثانية تتعلق بر�صد �أو�ضاع قطاع تقنيات‬ ‫املعلومات وت�ض ّم �سبعة م� رّؤ�شات لقيا�س �سعة‬ ‫الربط الدويل بالإنرتنت وحا�سبات الإنرتنت‬ ‫اخلادمة امل�ؤمنة وتكلفة ا�شرتاك دي �إ�س �إل‬ ‫�شهري ًا و�أقل تكلفة خلطوط االت�صاالت ال�رسيعة‬ ‫واحلا�سبات ال�شخ�صية وم�شرتكي اخلطوط‬ ‫ال�رسيعة وم�ستخدمي الإنرتنت‪.‬‬

‫قطر هي الأوىل عربي ًا ويف املركز‬ ‫عربيا‬ ‫‪ 25‬عامليا ً و�سوريا الأخرية‬ ‫ً‬ ‫ويف املركز ‪ 131‬عاملي ًا وفق ًا مل� رّؤ�ش‬ ‫مدى توافر اخلدمات احلكومية عرب‬ ‫الإنرتنت‪.‬‬

‫م� رّؤ�شات قيا�س قطاع االت�صاالت‬

‫يو�ضح اجلدول رقم (‪� )3‬أو�ضاع قطاع‬ ‫االت�صاالت يف العامل العربي طبق ًا للم� رّؤ�شات‬ ‫ال�سبعة امل�شار �إليها‪ ،‬ومن خالل هذا اجلدول‬ ‫ُيالحظ الآتي‪:‬‬

‫خطوط االت�صال‪ :‬تخمة هنا وجوع هناك‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش عدد خطوط الهاتف عدد‬ ‫اخلطوط الأر�ضية واملحمولة بالن�سبة لكل ‪100‬‬ ‫ن�سمة كمعيار ملدى انت�شار خطوط االت�صال‬ ‫داخل كل دولة ومدى ح�صول مواطنيها على‬ ‫حقهم يف امتالك خطوط ات�صال ت�سمح لهم‬ ‫بالتوا�صل مع الآخرين والو�صول للمعلومات‪،‬‬

‫الإمارات الأوىل عربي ًا ويف‬ ‫املركز الـ ‪ 17‬عاملي ًا واجلزائر‬ ‫الأخرية عربي ًا ويف املركز الـ ‪118‬‬ ‫عاملي ًا وفق ًا مل� رّؤ�ش انت�شار تقنية‬ ‫املعلومات واالت�صاالت يف املكاتب‬ ‫احلكوم ّية‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 24‬للتنمية الثقافية‬

‫البنية املعلوماتية بالعامل العربي (قطاع االت�صاالت) «الرتتيب �أبجدي ًا»‬

‫جدول رقم ‪3‬‬

‫الدولة‬

‫الأردن‬ ‫الإمارات‬ ‫البحرين‬ ‫اجلزائر‬ ‫ال�سعودية‬ ‫ال�سودان‬ ‫ال�صومال‬ ‫العراق‬ ‫الكويت‬ ‫املغرب‬ ‫اليمن‬ ‫تون�س‬ ‫�سوريا‬ ‫عمان‬ ‫فل�سطني‬ ‫قطر‬ ‫لبنان‬ ‫ليبيا‬ ‫م�رص‬ ‫موريتانيا‬ ‫�أوروبا‬ ‫الغربية‬

‫عدد خطوط التليفون‬ ‫الأر�ضية‬

‫تكلفة الو�صالت‬ ‫التليفونية للمنازل‬

‫معدل‬ ‫االنت�شار الرتتيب‬ ‫لكل ‪ 100‬دولي ًا‬ ‫ن�سمة‬

‫تكلفة اال�شرتاك‬ ‫التليفونى ال�شهري‬

‫تكلفة مكاملة‬ ‫املحمول‬

‫م�شرتكو التليفون‬ ‫املحمول‬

‫م�شرتكو اخلطوط‬ ‫ال�رسيعة ‪D.S.L‬‬

‫درجة‬ ‫�سهولة‬ ‫و�إتاحة‬ ‫اخلطوط‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫‪9.88‬‬

‫‪90‬‬

‫‪2.2‬‬

‫‪81‬‬

‫‪2.89‬‬

‫‪92‬‬

‫‪0.26‬‬

‫‪81‬‬

‫‪80.53‬‬

‫‪65‬‬

‫‪1.55‬‬

‫‪72‬‬

‫‪6.55‬‬

‫‪19‬‬

‫‪31.63‬‬

‫‪39‬‬

‫‪0.15‬‬

‫‪14‬‬

‫‪0.12‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪2‬‬

‫‪173.37‬‬

‫‪1‬‬

‫‪5.17‬‬

‫‪48‬‬

‫‪6.57‬‬

‫‪18‬‬

‫‪26.3‬‬

‫‪53‬‬

‫‪0.26‬‬

‫‪24‬‬

‫‪0.16‬‬

‫‪3‬‬

‫‪0.02‬‬

‫‪20‬‬

‫‪148.28‬‬

‫‪4‬‬

‫‪5.23‬‬

‫‪47‬‬

‫‪6.22‬‬

‫‪36‬‬

‫‪9.06‬‬

‫‪96‬‬

‫‪1.21‬‬

‫‪68‬‬

‫‪8.87‬‬

‫‪114‬‬

‫‪0.08‬‬

‫‪52‬‬

‫‪81.41‬‬

‫‪64‬‬

‫‪0.85‬‬

‫‪84‬‬

‫‪5.16‬‬

‫‪92‬‬

‫‪16.16‬‬

‫‪74‬‬

‫‪0.59‬‬

‫‪49‬‬

‫‪0.64‬‬

‫‪39‬‬

‫‪0.04‬‬

‫‪36‬‬

‫‪114.74‬‬

‫‪22‬‬

‫‪2.43‬‬

‫‪65‬‬

‫‪6.03‬‬

‫‪47‬‬

‫‪0.9‬‬

‫‪173‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪21.31‬‬

‫‪161‬‬

‫‪0.11‬‬

‫‪129‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪1.15‬‬

‫‪166‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪6.9‬‬

‫‪186‬‬

‫‪0‬‬

‫‪188‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪4.71‬‬

‫‪139‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪48.36‬‬

‫‪115‬‬

‫‪0‬‬

‫‪167‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪18.7‬‬

‫‪67‬‬

‫‪0.44‬‬

‫‪37‬‬

‫‪0.33‬‬

‫‪14‬‬

‫‪0.02‬‬

‫‪14‬‬

‫‪97.28‬‬

‫‪43‬‬

‫‪0.93‬‬

‫‪83‬‬

‫‪5.65‬‬

‫‪70‬‬

‫‪7.67‬‬

‫‪98‬‬

‫‪3.46‬‬

‫‪88‬‬

‫‪8.71‬‬

‫‪113‬‬

‫‪0.63‬‬

‫‪104‬‬

‫‪64.15‬‬

‫‪80‬‬

‫‪1.53‬‬

‫‪73‬‬

‫‪5.95‬‬

‫‪56‬‬

‫الن�سبة‬ ‫من دخل‬ ‫الفرد‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫الن�سبة‬ ‫من دخل‬ ‫الفرد‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫الن�سبة‬ ‫من دخل‬ ‫الفرد‬

‫عدد‬ ‫الن�سبة‬ ‫الرتتيب‬ ‫الرتتيب امل�شرتكني الرتتيب‬ ‫لكل ‪100‬‬ ‫دولي ًا‬ ‫دولي ًا لكل ‪ 100‬دولي ًا‬ ‫ن�سمة‬ ‫ن�سمة‬

‫توافر خطوط‬ ‫التليفونات اجلديدة‬

‫‪4.47‬‬

‫‪142‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪13.76‬‬

‫‪174‬‬

‫‪0‬‬

‫‪203‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪12.33‬‬

‫‪85‬‬

‫‪0.5‬‬

‫‪42‬‬

‫‪0.73‬‬

‫‪48‬‬

‫‪0.13‬‬

‫‪64‬‬

‫‪75.94‬‬

‫‪69‬‬

‫‪1.11‬‬

‫‪79‬‬

‫‪6.24‬‬

‫‪35‬‬

‫‪17.32‬‬

‫‪71‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0.5‬‬

‫‪25‬‬

‫‪0.26‬‬

‫‪80‬‬

‫‪33.62‬‬

‫‪105‬‬

‫‪0.04‬‬

‫‪110‬‬

‫‪5.35‬‬

‫‪86‬‬

‫‪10.33‬‬

‫‪89‬‬

‫‪0.22‬‬

‫‪16‬‬

‫‪0.67‬‬

‫‪41‬‬

‫‪0.03‬‬

‫‪31‬‬

‫‪96.33‬‬

‫‪45‬‬

‫‪0.73‬‬

‫‪86‬‬

‫‪5.31‬‬

‫‪88‬‬

‫‪9.31‬‬

‫‪119‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪27.46‬‬

‫‪148‬‬

‫‪1.49‬‬

‫‪94‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪28.24‬‬

‫‪48‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪8‬‬

‫‪0.14‬‬

‫‪2‬‬

‫‪0.01‬‬

‫‪5‬‬

‫‪150.41‬‬

‫‪2‬‬

‫‪8.37‬‬

‫‪39‬‬

‫‪5.99‬‬

‫‪48‬‬

‫‪18.85‬‬

‫‪86‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪30.74‬‬

‫‪141‬‬

‫‪4.88‬‬

‫‪63‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪14.56‬‬

‫‪80‬‬

‫‪0.45‬‬

‫‪38‬‬

‫‪0.17‬‬

‫‪5‬‬

‫‪0.04‬‬

‫‪43‬‬

‫‪73.05‬‬

‫‪75‬‬

‫‪0.16‬‬

‫‪98‬‬

‫‪4.38‬‬

‫‪117‬‬

‫‪14.87‬‬

‫‪76‬‬

‫‪3.56‬‬

‫‪91‬‬

‫‪0.99‬‬

‫‪59‬‬

‫‪0.13‬‬

‫‪63‬‬

‫‪39.82‬‬

‫‪96‬‬

‫‪0.57‬‬

‫‪89‬‬

‫‪6.4‬‬

‫‪25‬‬

‫‪1.1‬‬

‫‪118‬‬

‫‪2.86‬‬

‫‪84‬‬

‫‪6.05‬‬

‫‪110‬‬

‫‪0.64‬‬

‫‪105‬‬

‫‪41.62‬‬

‫‪92‬‬

‫‪0.03‬‬

‫‪111‬‬

‫‪5.97‬‬

‫‪49‬‬

‫‪53.034‬‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫‪114.25‬‬

‫ـ‬

‫‪22.226‬‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫امل�صدر‪ :‬قاعدة بيانات التقرير العاملي لتقنية املعلومات ال�صادر عن منتدى دافو�س االقت�صادي العاملي مار�س ‪2009‬‬ ‫‪http://www.insead.edu/v1/gitr/wef/main/home.cfm‬‬

‫وبناء على هذا املعدل يت ّم ترتيب مركز كل دولة‬ ‫على م�ستوى العامل‪ ،‬وتقول البيانات املتاحة‬ ‫�إن معدل انت�شار خطوط االت�صال بالدول‬ ‫العربية مقارنة بكل ‪ 100‬ن�سمة يرتاوح بني‬ ‫‪ً 31.63‬‬ ‫خطا لكل ‪ 100‬ن�سمة وهو املعدل الذي‬

‫و�صلت �إليه الإمارات وجعلها حتتل املركز ‪39‬‬ ‫عاملي ًا‪ ،‬و‪ 0.9‬خط لكل ‪ 100‬ن�سمة يف ال�سودان‬ ‫وهو املعدل الذي جعلها حتتل املركز ‪173‬‬

‫عاملي ًا‪� ،‬أما املتو�سط العام على م�ستوى الدول‬ ‫العربية املتاح عنها بيانات فيبلغ ‪ 12.88‬خط ًا‬


‫الف�صل االول‬ ‫واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف‬

‫تكاليف متباينة‬

‫عدد خطوط التليفون االر�ضي معدل االنت�شار لكل ‪ 100‬ن�سمة‬

‫املحمول ‪ ...‬والدخول‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش تكلفة مكاملة املحمول‬ ‫ن�سبة تكلفة مكاملة املحمول من �إجمايل‬ ‫الدخل املحلي ال�شهري للفرد‪ ،‬وذلك كمعيار‬ ‫يو�ضح العبء املادي الذي يتك ّبده املواطن يف‬ ‫اال�ستفادة من خدمات الهاتف املحمول‪ ،‬وت�شري‬ ‫البيانات املتاحة �إىل �أن ن�سبة تكلفة مكاملة‬ ‫املحمول ملدة ‪ 3‬دقائق خالل �ساعات الذروة‬

‫‪53.034‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪31.63‬‬ ‫‪28.24‬‬

‫‪26.3‬‬

‫‪18.85‬‬

‫‪18.7‬‬

‫‪17.32‬‬

‫‪14.56 14.87‬‬ ‫‪9.31‬‬ ‫‪1.1‬‬

‫‪30‬‬

‫‪10.33‬‬

‫‪16.16‬‬

‫‪20‬‬

‫‪12.23‬‬ ‫‪7.67‬‬ ‫‪4.47‬‬

‫‪9.06‬‬

‫‪9.88‬‬

‫‪4.71‬‬

‫‪10‬‬

‫‪0.9 1.15‬‬ ‫‪0‬‬

‫ردن‬ ‫الأ رات‬ ‫ما‬ ‫الإ رين‬ ‫لبح‬ ‫ا زائر‬ ‫اجل دية‬ ‫�سعو‬ ‫ال دان‬ ‫و‬ ‫ال�س مال‬ ‫�صو‬ ‫ل‬ ‫ا عراق‬ ‫ال‬ ‫ويت‬ ‫لك‬ ‫ا غرب‬ ‫امل‬ ‫يمن‬ ‫ال‬ ‫ن�س‬ ‫تو‬ ‫وريا‬ ‫�س‬ ‫مان‬ ‫ع طني‬ ‫فل�س‬ ‫قطر‬ ‫نان‬ ‫لب‬ ‫يبيا‬ ‫ل‬ ‫رص‬ ‫م� انيا‬ ‫وريت ربية‬ ‫م ا الغ‬ ‫روب‬ ‫أ�و‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش تكلفة الو�صالت الهاتفية‬ ‫للمنازل ن�سبة تكلفة تو�صيل الهاتف باملنازل‬ ‫من �إجمايل الدخل القومي للفرد‪ ،‬وذلك كمعيار‬ ‫يو�ضح مدى قدرة املواطن على اال�ستفادة‬ ‫من خطوط االت�صاالت وتوظيفها يف حياته‪،‬‬ ‫وتدلّ البيانات املتاحة على �أن ن�صيب تكلفة‬ ‫الو�صالت الهاتفية للمنازل من دخل الفرد‬ ‫الإجمايل بالدول العربية ترتاوح بني ‪%0.1‬‬ ‫وهي الن�سبة التي �سجلتها قطر واحتلت‬ ‫مبوجبها املركز الثامن على العامل‪ ،‬و ‪%3.56‬‬ ‫وهي الن�سبة التي �سجلتها م�رص واحتلّت‬ ‫مبوجبها املركز احلادي والت�سعني على العامل‪،‬‬ ‫�أما املتو�سط العام على م�ستوى الدول العربية‬ ‫املتاح عنها بيانات فبلغ ‪.%1.23‬‬ ‫يقي�س م� رّؤ�ش تكلفة اال�شرتاك الهاتفي‬ ‫ال�شهري ن�سبة تكلفة اال�شرتاك الهاتفي ال�شهري‬ ‫(بالدوالر) من �إجمايل الدخل املحلي ال�شهري‬ ‫للفرد‪ ،‬وذلك كمعيار يو�ضح العبء املادي الذي‬ ‫يتك ّبده املواطن �شهري ًا لكي ي�ستفيد من خدمات‬ ‫خطوط االت�صاالت‪ ،‬وتدلّ البيانات املتاحة‬ ‫على �أن ن�سبة اال�شرتاك الهاتفي ال�شهري من‬ ‫دخل الفرد الإجمايل بالدول العربية ترتاوح‬ ‫بني ‪ %0.12‬يف الإمارات وهي الن�سبة التي‬ ‫جعلتها حتتل املركز الأول على العامل و‪%8.87‬‬ ‫يف اجلزائر التي احتلّت املركز ‪ 114‬على العامل‪،‬‬ ‫�أما املتو�سط العام على م�ستوى الدول العربية‬ ‫املتاح عنها بيانات فبلغ ‪.%2.21‬‬

‫‪60‬‬

‫‪Series1‬‬

‫(بالدوالر) �إىل �إجمايل دخل الفرد بالدول‬ ‫العربية ترتاوح بني ‪ %0.01‬وهي الن�سبة التي‬ ‫حقّقتها قطر وجعلتها حتت ّل املركز اخلام�س‬ ‫على العامل‪ ،‬و‪ %0.64‬وهي الن�سبة التي حقّقتها‬ ‫موريتانيا وجعلتها حتتل املركز ‪ 105‬على‬ ‫العامل‪� ،‬أما املتو�سط العام على م�ستوى الدول‬ ‫العربية املتاح عنها بيانات فبلغ ‪.%0.16‬‬ ‫يقي�س م� رّؤ�ش م�شرتكي الهاتف املحمول‬ ‫�أعداد م�شرتكي الهاتف املحمول بالن�سبة لكل‬ ‫‪ 100‬ن�سمة بكل دولة‪ ،‬وذلك كمعيار ملدى‬ ‫انت�شار خطوط الهاتف املحمول‪ ،‬وت�شري‬ ‫قطر الأوىل عرب ّي ًا والثامنة‬ ‫البيانات املتاحة �إىل �أن �أعداد م�شرتكي‬ ‫عاملي ًا وم�رص الأخرية عربي ًا والـ ‪91‬‬ ‫الهاتف املحمول بالن�سبة لكل ‪ 100‬ن�سمة يف عاملي ًا وفق ًا مل� رّؤ�ش تكلفة الو�صالت‬ ‫الدول العربية املختلفة ترتاوح بني ‪ 173.37‬التلفونية للمنازل‪.‬‬ ‫خط ًا يف الإمارات وهو العدد الذي جعلها حتتل‬ ‫املركز رقم واحد يف هذا امل� رّؤ�ش‪ ،‬و‪ 6.9‬خطوط‬ ‫لكل ‪ 100‬ن�سمة يف ال�صومال التي حتتل املركز‬ ‫رقم ‪ 186‬على م�ستوى العامل‪� ،‬أما املتو�سط‬ ‫العام على م�ستوى الدول العربية املتاح عنها‬ ‫بيانات فبلغ ‪ 70.95‬خط ًا حممو ًال لكل ‪ 100‬من‬ ‫الإمارات الأوىل عربي ًا وعاملي ًا‬ ‫ال�سكان‪.‬‬ ‫الإمارات الأوىل عرب ّي ًا ويف‬ ‫املركز الـ ‪ 39‬عاملي ًا وال�سودان‬ ‫الأخرية عربي ًا ويف املركز الـ ‪173‬‬ ‫عاملي ًا يف م� رّؤ�ش االت�صاالت (عدد‬ ‫خطوط الهاتف الأر�ضي واملحمول‬ ‫لكل ‪ 100‬من ال�سكان)‪.‬‬

‫الإنرتنت عالية ال�رسعة ‪ ..‬وافد جديد‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش م�شرتكي اخلطوط ال�رسيعة‬ ‫�إجمايل عدد امل�شرتكني يف خطوط االت�صال‬

‫يف عدد م�شرتكي الهاتف املحمول‬ ‫بن�سبة ‪ 173‬خط ًا لكل مائة من‬ ‫ال�سكان!! وال�صومال الأخرية عربي ًا‬ ‫والـ ‪ 186‬عاملي ًا مبعدل ‪ 7‬خطوط لكل‬ ‫مائة من ال�سكان‪.‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫املعلوماتية‬

‫لكل ‪ 100‬ن�سمة‪.‬‬

‫�شكل رقم ‪1‬‬

‫‪25‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 26‬للتنمية الثقافية‬

‫ال�رسيعة بالإنرتنت لكل ‪ 100‬ن�سمة من ال�سكان‪،‬‬ ‫وت�شري البيانات املتاحة �إىل �أن �أعداد امل�شرتكني‬ ‫يف هذه النوعية من اخلطوط بالعامل العربي‬ ‫ترتاوح بني ‪ 8.37‬خط ًا لكل ‪ 100‬ن�سمة وهو‬ ‫املعدل الذي حقّقته قطر وجعلها حتت ّل املركز‬ ‫رقم ‪ 39‬عاملي ًا‪ ،‬و‪ 0.03‬خطوط لكل ‪ 100‬ن�سمة‬ ‫وهو املعدل الذي حقّقته موريتانيا وجعلها‬ ‫حتتل املركز ‪ ،111‬بخالف دول �أخرى كالعراق‬ ‫واليمن وال�صومال مل تذكر الإح�صاءات �شيئ ًا‬ ‫عن معدل ما متلكه من خطوط عالية ال�رسعة‬

‫قطر الأوىل عربي ًا والـ ‪ 39‬عاملي ًا‬ ‫وموريتانيا الأخرية عربي ًا والـ‬ ‫عاملي ًا من حيث امل�شرتكني يف‬ ‫خطوط االت�صال ال�رسيعة بالإنرتنت‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫عدد احلا�سبات ال�شخ�صية لكل ‪ 100‬ن�سمة‬

‫�شكل رقم ‪2‬‬

‫‪60‬‬

‫‪57.246‬‬

‫‪50‬‬

‫‪40‬‬ ‫‪30.06‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪22.33‬‬ ‫‪18.71‬‬

‫‪18.28‬‬

‫‪20‬‬

‫لكنها م�صنفة يف املراكز ‪ 167‬و‪ 203‬و‪ 188‬على‬ ‫التوايل‪� ،‬أما املتو�سط العام يف الدول العربية‬ ‫املتاح عنها بيانات فبلغ ‪ 2.07‬خطوط ات�صال‬ ‫�رسيع لكل ‪ 100‬من ال�سكان‪.‬‬ ‫يقي�س م� رّؤ�ش توافر خطوط الهواتف‬ ‫اجلديدة مدى ال�سهولة وال�رسعة التي يح�صل‬ ‫بها املواطنون على خطوط الهواتف اجلديدة‪،‬‬ ‫ومينح امل� رّؤ�ش درجات من واحد �إىل �سبعة‪،‬‬ ‫بحيث ‪ = 1‬خطوط نادرة وي�صعب احل�صول‬ ‫عليها‪ ،‬و‪ = 7‬خطوط متاحة ووا�سعة االنت�شار‬ ‫وعالية الكفاءة وي�سهل احل�صول عليها‪،‬‬ ‫وترتاوح درجات الدول العربية وفق ًا لهذا‬ ‫املعيار بني ‪ 6.57‬وهي الدرجة التي ح�صلت‬ ‫عليها الإمارات وجعلتها حتتل املركز ‪ 18‬على‬ ‫العامل‪ ،‬و‪ 4.38‬وهي الدرجة التي ح�صلت عليها‬ ‫ليبيا وجعلتها حتتل املرتبة ‪ 111‬على العامل‪،‬‬ ‫�أما متو�سط الدرجة للدول املتوافر عنها بيانات‬ ‫فبلغ ‪.5.84‬‬

‫‪13.89‬‬

‫‪4.4‬‬

‫‪6.89‬‬

‫‪4.19‬‬

‫‪6.66‬‬

‫‪6.34‬‬

‫‪6.22‬‬ ‫‪2.99‬‬

‫‪2.22‬‬

‫‪10‬‬

‫‪1.06‬‬ ‫‪0‬‬

‫م‬ ‫وريت‬ ‫م‬ ‫ربية‬ ‫ا الغ‬ ‫روب‬ ‫أ�و‬

‫ل‬

‫�رص‬

‫يبيا‬

‫قطر‬

‫ا‬ ‫لبح‬ ‫ا‬ ‫زائر‬ ‫اجل‬ ‫دية‬ ‫�سعو‬ ‫ال‬ ‫ويت‬ ‫الك‬ ‫غرب‬ ‫امل‬ ‫ن�س‬ ‫تو‬ ‫وريا‬ ‫�س‬ ‫مان‬ ‫ع‬

‫انيا‬

‫رين‬

‫لإما‬

‫الأ‬

‫رات‬

‫ردن‬

‫عدد م�ستخدمي الإنرتنت لكل ‪ 100‬ن�سمة‬

‫�شكل رقم ‪3‬‬

‫‪60‬‬ ‫‪53.198‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪41.75‬‬ ‫‪38.3‬‬

‫‪40‬‬ ‫‪33.22‬‬

‫‪52.51‬‬

‫‪31.57‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪25.07‬‬ ‫‪21.14‬‬ ‫‪17.41‬‬

‫‪19.02‬‬

‫‪16.68‬‬

‫‪20‬‬

‫‪13.1‬‬

‫‪11.42‬‬ ‫‪9.52‬‬

‫‪9.08‬‬

‫‪10.34‬‬

‫‪10‬‬

‫‪4.36‬‬ ‫‪0.95‬‬

‫‪30.06‬‬

‫‪1.13 0.95‬‬ ‫‪0‬‬

‫م� رّؤ�شات قيا�س قطاع تقنية املعلومات‬

‫ردن‬ ‫لأ‬ ‫ا رات‬ ‫لإما‬ ‫ا رين‬ ‫لبح‬ ‫ا زائر‬ ‫اجل دية‬ ‫�سعو‬ ‫ال دان‬ ‫و‬ ‫ال�س مال‬ ‫�صو‬ ‫ل‬ ‫ا عراق‬ ‫ال‬ ‫ويت‬ ‫لك‬ ‫ا غرب‬ ‫امل‬ ‫يمن‬ ‫ال‬ ‫ن�س‬ ‫تو‬ ‫وريا‬ ‫�س‬ ‫مان‬ ‫ع طني‬ ‫فل�س‬ ‫قطر‬ ‫نان‬ ‫لب‬ ‫يبيا‬ ‫ل‬ ‫رص‬ ‫م� انيا‬ ‫وريت ربية‬ ‫م ا الغ‬ ‫روب‬ ‫أ�و‬

‫يو�ضح اجلدول رقم (‪� )4‬أو�ضاع قطاع‬ ‫تقنية املعلومات يف العامل العربي طبق ًا‬ ‫للم� رّؤ�شات امل�شار �إليها‪ ،‬ومن خالل هذا اجلدول‬ ‫يالحظ الآتي‪:‬‬ ‫يقي�س م� رّؤ�ش �سعة الربط الدويل بالإنرتنت‬ ‫طاقة خطوط االت�صال اخلارجي بالإنرتنت‬ ‫متـر من خاللـها حـركة االت�صــال‬ ‫والتـي ّ‬ ‫بالإنرتنت بني امل�ستخدمني داخل الدولة وبقية‬ ‫�أجزاء �شبكة الإنرتنت يف العامل اخلارجي‪،‬‬ ‫والتي يطلق عليها «بوابات االت�صال اخلارجي‬ ‫متر‬ ‫بال�شبكة» وهي تقا�س بامليجابايت التي ّ‬ ‫بهذه البوابات كل ثانية بالن�سبة لكل ‪ 100‬ن�سمة‬ ‫من ال�سكان‪ ،‬وطبق ًا للبيانات املتاحة ف�إن �سعة‬ ‫الربط الدويل بالإنرتنت بالدول العربية ترتاوح‬ ‫بني ‪ 27.66‬ميجا‪/‬ثانية لكل ‪ 100‬ن�سمة وهو‬ ‫املعدل املوجود لدى قطر وجعلها حتت ّل املركز‬ ‫رقم ‪ 28‬عاملي ًا‪ ،‬و‪ 0.21‬ميجا‪/‬ثانية لكل ‪100‬‬ ‫ن�سمة وهو املعدل املوجود بليبيا وجعلها‬ ‫حتتل املركز رقم ‪ 99‬عاملي ًا‪� ،‬أما متو�سط الدول‬


‫الف�صل االول‬ ‫واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف‬ ‫جدول رقم ‪4‬‬

‫البنية املعلوماتية بالدول العربية (الإنرتنت وتقنيات املعلومات) «الرتتيب �أبجديا»‬

‫الأردن‬ ‫الإمارات‬ ‫البحرين‬ ‫اجلزائر‬ ‫ال�سعودية‬ ‫ال�سودان‬ ‫ال�صومال‬ ‫العراق‬ ‫الكويت‬ ‫املغرب‬ ‫اليمن‬ ‫تون�س‬ ‫�سوريا‬ ‫عمان‬ ‫فل�سطني‬ ‫قطر‬ ‫لبنان‬ ‫ليبيا‬ ‫م�رص‬ ‫موريتانيا‬ ‫�أوروبا الغربية‬

‫ميجا‪/‬‬ ‫ثانية لكل‬ ‫‪100‬ن�سمة‬

‫الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫عدد‬ ‫احلا�سبات الرتتيب‬ ‫لكل مليون دوليا‬ ‫ن�سمة‬

‫ن�سبة‬ ‫اال�شرتاك‬ ‫من الدخل‬ ‫ال�شهري‬

‫�أقل تكلفة خلطوط‬ ‫االت�صاالت ال�رسيعة‬ ‫ن�سبة تكلفة‬

‫الرتتيب ‪ 100‬كيلوبايت الرتتيب‬ ‫ثانية من‬ ‫دوليا‬ ‫دوليا‬ ‫الدخل ال�شهري‬

‫احلا�سبات‬ ‫ال�شخ�صية‬ ‫عدد‬ ‫احلا�سبات‬ ‫لكل ‪100‬‬ ‫ن�سمة‬

‫‪0.54‬‬

‫‪84‬‬

‫‪5.95‬‬

‫‪77‬‬

‫‪7.95‬‬

‫‪44‬‬

‫‪0.78‬‬

‫‪21.63‬‬

‫‪32‬‬

‫‪95.54‬‬

‫‪32‬‬

‫‪2.95‬‬

‫‪28‬‬

‫‪0.2‬‬

‫‪32‬‬

‫‪5.54‬‬

‫‪51‬‬

‫‪55.79‬‬

‫‪40‬‬

‫‪7.71‬‬

‫‪43‬‬

‫‪1.69‬‬

‫‪57‬‬

‫‪0.89‬‬

‫‪81‬‬

‫‪0.24‬‬

‫‪118‬‬

‫‪309.84‬‬

‫‪93‬‬

‫‪37.69‬‬

‫‪101‬‬

‫‪1.06‬‬

‫‪1.18‬‬

‫‪75‬‬

‫‪6.61‬‬

‫‪73‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪58.3‬‬

‫‪106‬‬

‫‪13.89‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫م�ستخدمو الإنرتنت‬

‫عدد‬ ‫الرتتيب امل�ستخدمني الرتتيب‬ ‫دوليا بني كل ‪ 100‬دوليا‬ ‫ن�سمة‬

‫‪48‬‬

‫‪6.34‬‬

‫‪74‬‬

‫‪19.02‬‬

‫‪72‬‬

‫‪30.06‬‬

‫‪32‬‬

‫‪52.51‬‬

‫‪26‬‬

‫‪18.28‬‬

‫‪41‬‬

‫‪33.22‬‬

‫‪48‬‬

‫‪113‬‬

‫‪10.34‬‬

‫‪92‬‬

‫‪52‬‬

‫‪25.07‬‬

‫‪59‬‬

‫ـ‬

‫‪9.08‬‬

‫‪125‬‬

‫ـ‬

‫‪1.13‬‬

‫‪174‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0.95‬‬

‫‪179‬‬

‫‪3.28‬‬

‫‪61‬‬

‫‪50.7‬‬

‫‪44‬‬

‫‪9.3‬‬

‫‪47‬‬

‫‪0.91‬‬

‫‪49‬‬

‫‪22.33‬‬

‫‪37‬‬

‫‪31.57‬‬

‫‪50‬‬

‫‪8.05‬‬

‫‪44‬‬

‫‪1.07‬‬

‫‪96‬‬

‫‪50.08‬‬

‫‪74‬‬

‫‪1.52‬‬

‫‪56‬‬

‫‪2.99‬‬

‫‪93‬‬

‫‪21.14‬‬

‫‪66‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪1.43‬‬

‫‪170‬‬

‫‪3‬‬

‫‪62‬‬

‫‪0.98‬‬

‫‪100‬‬

‫‪61.18‬‬

‫‪78‬‬

‫‪5.92‬‬

‫‪84‬‬

‫‪6.22‬‬

‫‪75‬‬

‫‪16.68‬‬

‫‪77‬‬

‫‪0.34‬‬

‫‪93‬‬

‫‪0.1‬‬

‫‪126‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0.37‬‬

‫‪37‬‬

‫‪6.66‬‬

‫‪72‬‬

‫‪17.41‬‬

‫‪75‬‬

‫‪4.82‬‬

‫‪57‬‬

‫‪5.77‬‬

‫‪79‬‬

‫‪56.11‬‬

‫‪76‬‬

‫‪2.83‬‬

‫‪71‬‬

‫‪6.89‬‬

‫‪69‬‬

‫‪13.1‬‬

‫‪83‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪9.52‬‬

‫‪123‬‬

‫‪27.66‬‬

‫‪28‬‬

‫‪49.04‬‬

‫‪45‬‬

‫‪2.09‬‬

‫‪22‬‬

‫‪0.12‬‬

‫‪27‬‬

‫‪18.71‬‬

‫‪40‬‬

‫‪41.75‬‬

‫‪40‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪38.3‬‬

‫‪54‬‬

‫‪0.21‬‬

‫‪99‬‬

‫‪0.16‬‬

‫‪122‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪12.46‬‬

‫‪92‬‬

‫‪2.22‬‬

‫‪99‬‬

‫‪4.36‬‬

‫‪110‬‬

‫‪1.43‬‬

‫‪71‬‬

‫‪0.85‬‬

‫‪103‬‬

‫‪100.46‬‬

‫‪86‬‬

‫‪5.84‬‬

‫‪83‬‬

‫‪4.19‬‬

‫‪88‬‬

‫‪11.42‬‬

‫‪88‬‬

‫‪0.29‬‬

‫‪94‬‬

‫‪1.92‬‬

‫‪93‬‬

‫‪8904.4‬‬

‫‪107‬‬

‫‪1456.59‬‬

‫‪119‬‬

‫‪4.4‬‬

‫‪87‬‬

‫‪0.95‬‬

‫‪123‬‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫‪57.246‬‬

‫ـ‬

‫‪53.198‬‬

‫ـ‬

‫امل�صدر‪ :‬قاعدة بيانات التقرير العاملي لتقنية املعلومات ال�صادر عن منتدى دافو�س االقت�صادي العاملي مار�س ‪2009‬‬ ‫‪http://www.insead.edu/v1/gitr/wef/main/home.cfm‬‬

‫املتوافر عنها بيانات فبلغ ‪ 5.63‬ميجا‪/‬ثانية‬ ‫لكل ‪ 100‬ن�سمة‪.‬‬ ‫يقي�س م� رّؤ�ش حا�سبات الإنرتنت اخلادمة‬ ‫امل�ؤمنة عدد احلا�سبات اخلادمة العاملة على‬ ‫الإنـرتنت والتي ت�ست�ضـيف املواقـع وتدير‬ ‫حركة الربيد الإلكرتوين وغريها من خدمات‬ ‫الإنرتنت‪ ،‬وذلك بالن�سبة لكل مليون ن�سمة‬ ‫من ال�سكان‪ ،‬وت�شري البيانات املتوافرة �إىل �أن‬ ‫عدد هذه احلا�سبات بالن�سبة لكل مليون ن�سمة‬ ‫بالعامل العربي يرتاوح بني ‪ 95.54‬حا�سب ًا لكل‬

‫مليون ن�سمة وهو الرقم الذي حقّقته الإمارات‬ ‫وجعلها حتت ّل املركز ‪ 32‬على العامل‪ ،‬و‪0.1‬‬ ‫جهاز لك ّل مليون ن�سمة وهو الرقم الذي حقّقته‬ ‫�سوريا وجعلها حتت ّل املركز ‪ 126‬على العامل‪،‬‬ ‫�أما متو�سط الدول املتوافر عنها بيانات فبلغ‬ ‫‪ 19.62‬جهازاً لك ّل مليون ن�سمة‪.‬‬ ‫يقي�س م� رّؤ�ش تكلفة ا�شرتاك دي �إ�س �إل‬ ‫ن�سبة ر�سوم اال�شرتاك ال�شهري يف االت�صال‬ ‫عايل ال�رسعة بالإنرتنت (بالدوالر) من �إجما ّ‬ ‫يل‬ ‫الدخل القومي ال�شهري للفرد وذلك كمعيار‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫املعلوماتية‬

‫�سعة الربط الدويل حا�سبات الإنرتنت تكلفة ا�شرتاك دى‬ ‫�إ�س �إل �شهريا‬ ‫اخلادمة امل�ؤمنة‬ ‫بالإنرتنت‬ ‫الدولة‬

‫‪27‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 28‬للتنمية الثقافية‬

‫براءات االخرتاع القابلة للتطبيق‬

‫�شكل رقم ‪4‬‬

‫‪60‬‬ ‫‪48.516‬‬

‫‪50‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪0‬‬

‫‪0 0.16‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0.05‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0.03 0‬‬

‫‪2.25‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0 0.83‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0.35 0.46‬‬ ‫‪0‬‬

‫ردن‬ ‫لأ‬ ‫ا رات‬ ‫لإما‬ ‫ا رين‬ ‫لبح‬ ‫ا زائر‬ ‫اجل دية‬ ‫�سعو‬ ‫ال دان‬ ‫و‬ ‫ال�س مال‬ ‫�صو‬ ‫ل‬ ‫ا عراق‬ ‫ال‬ ‫ويت‬ ‫لك‬ ‫ا غرب‬ ‫امل‬ ‫يمن‬ ‫ال‬ ‫ن�س‬ ‫تو‬ ‫وريا‬ ‫�س‬ ‫مان‬ ‫ع طني‬ ‫فل�س‬ ‫قطر‬ ‫نان‬ ‫لب‬ ‫يبيا‬ ‫ل‬ ‫رص‬ ‫م� انيا‬ ‫وريت ربية‬ ‫م ا الغ‬ ‫روب‬ ‫أ�و‬ ‫‪Series1‬‬

‫عدد الرباءات لكل مليون ن�سمة‬

‫�شكل رقم ‪5‬‬

‫حقيقة �أو�ضاع احلا�سبات ال�شخ�صية‬

‫‪6‬‬ ‫‪4.87‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪3.75‬‬

‫‪3.74‬‬ ‫‪3.25‬‬ ‫‪2.6‬‬

‫‪4‬‬

‫‪3.35‬‬

‫‪2.85‬‬

‫‪2.8‬‬

‫‪3.01‬‬

‫‪2.74‬‬

‫‪3.11‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪2.51‬‬

‫‪2.51‬‬ ‫‪2.17‬‬

‫‪2.1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬

‫م‬ ‫وريت‬ ‫م‬ ‫ربية‬ ‫ا الغ‬ ‫روب‬ ‫أ�و‬

‫ل‬

‫�رص‬

‫يبيا‬

‫قطر‬

‫انيا‬

‫ا‬ ‫لبح‬ ‫ا‬ ‫زائر‬ ‫اجل‬ ‫دية‬ ‫�سعو‬ ‫ال‬ ‫ويت‬ ‫الك‬ ‫غرب‬ ‫امل‬ ‫ن�س‬ ‫تو‬ ‫وريا‬ ‫�س‬ ‫مان‬ ‫ع‬ ‫رين‬

‫رات‬

‫لإما‬

‫الأ‬ ‫ردن‬

‫الإمارات الأوىل عربي ًا والـ ‪32‬‬ ‫عاملي ًا وفق ًا مل�ؤ�رش عدد احلا�سبات‬ ‫ال�شخ�صية بن�سبة ت�صل �إىل ‪ 30‬حا�سو ًبا‬ ‫لكل مائة من ال�سكان واجلزائر يف‬ ‫املركز الـ ‪ 113‬عاملي ًا بن�سبة حا�سوب‬ ‫واحد لكل مائة من ال�سكان‪.‬‬

‫‪ %890‬وجعلها حتقق املركز ‪ 107‬على العامل‪،‬‬ ‫�أما متو�سط الدول املتوافر عنها بيانات فبلغ‬ ‫‪ %864‬من دخل الفرد ال�شهري‪.‬‬ ‫يقي�س م� رّؤ�ش �أقل تكلفة خلطوط االت�صاالت‬ ‫ال�رسيعة �أقل تكلفة للخطوط ال�رسيعة (بالدوالر)‬ ‫لكل ‪ 100‬كيلوبايت كن�سبة من �إجمايل الدخل‬ ‫القومي‪ ،‬وت�شري البيانات املتاحة يف هذا‬ ‫امل�ؤ�شرّ�إىل �أن �أقل تكلفة يف العامل العربي‬ ‫حقّقتها قطر وتبلغ ‪ 0.12‬وجعلتها حتتل املركز‬ ‫الـ ‪ 27‬عاملي ًا يف هذا امل� رّؤ�شـ و�أعلى تكلفة‬ ‫حقّقتها موريتانيا وتبلغ ‪ 1456‬وجعلتها حتت ّل‬ ‫متو�سط التكلفة لدى‬ ‫املركز ‪ 119‬عاملي ًا‪� ،‬أما‬ ‫ّ‬ ‫الدول املتوافر عنها بيانات يف هذا امل� رّؤ�ش‬ ‫فتبلغ ن�سبته ‪ 113.23‬من الدخل ال�شهري‪.‬‬

‫‪Series1‬‬

‫لتحديد العبء املادي الذي يتك ّبده املواطن‬ ‫العربي يف االت�صال بالإنرتنت عرب خطوط‬ ‫عالية ال�رسعة‪ ،‬وت�شري البيانات املتوافرة يف‬ ‫هذا ال�صدد �إىل �أن �أقل ن�سبة ا�شرتاك �شهري‬ ‫قيا�س ًا �إىل متو�سط الدخل ال�شهري للفرد حقّقتها‬ ‫قطر وبلغت ‪ %2.09‬من الدخل وجعلتها‬ ‫حتتل املركز ‪ 22‬عاملي ًا‪ ،‬و�أعلى ن�سبة حقّقتها‬ ‫موريتانيا والتي جتاوزت متو�سط الدخل‬ ‫ال�شهري للفرد ب�أكرث من ثمانية �أ�ضعاف �أو‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش احلا�سبات ال�شخ�صية عدد‬ ‫احلا�سبات ال�شخ�صية املتاحة لكل ‪ 100‬ن�سمة‪،‬‬ ‫وت�شري البيانات يف هذا ال�صدد �إىل �أن عدد‬ ‫احلا�سبات ال�شخ�صية املتاحة لكل ‪ 100‬ن�سمة‬ ‫بالدول العربية يرتاوح بني ‪ 30.06‬حا�سبات‬ ‫لكل ‪ 100‬ن�سمة وهو ما حقّقته الإمارات وجعلها‬ ‫حتتل املركز ‪ 32‬على العامل‪ ،‬و‪ 1.06‬حا�سبات‬ ‫لكل ‪ 100‬ن�سمة وهو ما حقّقته اجلزائر وجعلها‬ ‫حتتل املركز ‪ 113‬عاملي ًا‪� ،‬أما متو�سط انت�شار‬ ‫احلا�سبات لدى الدول املتوافر عنها بيانات‬ ‫فبلغ ‪ 10.30‬حا�سب ًا لكل ‪ 100‬ن�سمة‪.‬‬ ‫يقي�س م� رّؤ�ش م�ستخدمي الإنرتنت عدد‬ ‫م�ستخدمي الإنرتنت من بني كل ‪ 100‬ن�سمة‪،‬‬ ‫ويف هذا ال�صدد ت�شري البيانات املتاحة �إىل �أن‬ ‫عدد م�ستخدمي الإنرتنت بني كل ‪ 100‬ن�سمة‬ ‫لدى الدول العربية يرتاوح بني ‪ 52.51‬ن�سمة‬ ‫لدى الإمارات والذي جعلها حتت ّل املركز رقم‬ ‫‪ 26‬عاملي ًا‪ ،‬و‪ 0.95‬ن�سمة لدى موريتانيا والذي‬ ‫جعلها حتت ّل املركز ‪ 123‬عاملي ًا‪� ،‬أما متو�سط‬ ‫م�ستخدمي ال�شبكة لدى الدول املتوافر عنها‬ ‫بيانات فيبلغ ‪ 17.95‬م�ستخدم ًا بني كل ‪100‬‬ ‫ن�سمة‪.‬‬


‫الف�صل االول‬ ‫واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف‬

‫االخرتاعات العربية ‪ ..‬حتبو‬

‫تر�صد هذه املجموعة من امل� رّؤ�شات بع�ض‬ ‫الأو�ضاع ذات الت�أثري املزدوج على الثقافة‬ ‫والتنمية الثقافية من ناحية‪ ،‬وفر�ص التوظيف‬ ‫واال�ستفادة من تقنيات املعلومات واالت�صاالت‬ ‫وتطويرها وحت�سينها وتر�شيد ا�ستخدامها من‬ ‫ناحية �أخرى‪.‬‬ ‫جدول رقم ‪5‬‬

‫البيئة الإبداعية بالدول العربية من منظور تقنيات املعلومات «الرتتيب �أبجديا»‬ ‫براءات االخرتاع‬ ‫القابلة للتطبيق‬

‫الدولة‬

‫وت�ض ّم هذه املجموعة �سبعة م� رّؤ�شات هي‬ ‫ا�ستخدام براءات االخرتاع وحرية ال�صحافة‬ ‫والقوانني التي لها عالقة بتقنيات املعلومات‬ ‫واالت�صاالت وا�ستقاللية الق�ضاء وفعالية‬ ‫الإطار القانوين وحماية حقوق امللكية والقدرة‬ ‫على الإبداع واالبتكار‪ ،‬ويف �ضوء الأرقام‬ ‫الواردة يف اجلدول رقم (‪ )5‬ميكن تناول هذه‬ ‫امل� رّؤ�شات كما يلي‪:‬‬

‫من بني �سبع دول عربية �أُتيح‬ ‫االطالع على بياناتها ف�إن الكويت‬ ‫هي الأوىل عربي ًا والـ ‪ 37‬عاملي ًا يف‬ ‫معدل براءات االخرتاع (‪ 2.25‬براءة‬ ‫اخرتاع لكل مليون ن�سمة)‪.‬‬

‫عدد‬ ‫الرباءات‬ ‫لكل‬ ‫مليون‬ ‫ن�سمة‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫حرية ال�صحافة‬ ‫م�ستوى‬ ‫احلرية‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫قوانني لها عالقة‬ ‫بتقنيات املعلومات‬ ‫واالت�صاالت‬ ‫م�ستوى‬ ‫الإتاحة‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫ا�ستقاللية‬ ‫الق�ضاء‬

‫فعالية الإطار‬ ‫القانوين‬

‫م�ستوى الرتتيب م�ستوى‬ ‫اال�ستقالل دولي ًا الفاعلية‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫القدرة على‬ ‫حماية امللكية‬ ‫الإبداع واالبتكار‬ ‫الفكرية‬ ‫م�ستوى‬ ‫احلماية‬

‫الأردن‬ ‫الإمارات‬ ‫‪4.94‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪4.06‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪4.6‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪4.59‬‬ ‫‪92‬‬ ‫‪4.71‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪0‬‬ ‫البحرين‬ ‫‪2.51‬‬ ‫‪90‬‬ ‫‪3.08‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪3.12‬‬ ‫‪129‬‬ ‫‪2.32‬‬ ‫‪88‬‬ ‫‪4.78‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪0‬‬ ‫اجلزائر‬ ‫‪4.51‬‬ ‫‪41‬‬ ‫‪4.46‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪4.98‬‬ ‫‪43‬‬ ‫‪4.31‬‬ ‫‪123‬‬ ‫‪3.82‬‬ ‫‪49‬‬ ‫‪0.83‬‬ ‫ال�سعودية‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ال�سودان‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ال�صومال‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫العراق‬ ‫‪3.59‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪4.57‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪5.04‬‬ ‫‪99‬‬ ‫‪3.09‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪5.52‬‬ ‫‪37‬‬ ‫‪2.25‬‬ ‫الكويت‬ ‫‪3.33‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪3.71‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪3.9‬‬ ‫‪97‬‬ ‫‪3.12‬‬ ‫‪101‬‬ ‫‪4.43‬‬ ‫‪83‬‬ ‫‪0.03‬‬ ‫املغرب‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫اليمن‬ ‫‪4.38‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪4.94‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪5.02‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪4.87‬‬ ‫‪104‬‬ ‫‪4.36‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪0‬‬ ‫تون�س‬ ‫‪3.81‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪3.54‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪3.62‬‬ ‫‪127‬‬ ‫‪2.37‬‬ ‫‪124‬‬ ‫‪3.75‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪0.05‬‬ ‫�سوريا‬ ‫‪4.9‬‬ ‫‪27‬‬ ‫‪4.93‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪5.15‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪4.34‬‬ ‫‪126‬‬ ‫‪3.63‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪0‬‬ ‫عمان‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫فل�سطني‬ ‫‪5.12‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪5.02‬‬ ‫‪21‬‬ ‫‪5.66‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪4.82‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪5.2‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪0‬‬ ‫قطر‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫ـ‬ ‫‪0‬‬ ‫لبنان‬ ‫‪3.12‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪3.71‬‬ ‫‪59‬‬ ‫‪4.2‬‬ ‫‪126‬‬ ‫‪2.39‬‬ ‫‪131‬‬ ‫‪2.94‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ليبيا‬ ‫‪3.64‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪3.92‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪4.95‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪3.86‬‬ ‫‪78‬‬ ‫‪5.07‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪0.16‬‬ ‫م�رص‬ ‫‪2.68‬‬ ‫‪110‬‬ ‫‪2.89‬‬ ‫‪99‬‬ ‫‪3.12‬‬ ‫‪119‬‬ ‫‪2.67‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪5.2‬‬ ‫‪89‬‬ ‫‪0‬‬ ‫موريتانيا‬ ‫�أوروبا‬ ‫‪5.288‬‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫ـ‬ ‫‪48.516‬‬ ‫الغربية‬ ‫امل�صدر‪ :‬قاعدة بيانات التقرير العاملي لتقنية املعلومات ال�صادر عن منتدى دافو�س االقت�صادي العاملي مار�س ‪2009‬‬ ‫‪0.35‬‬

‫‪64‬‬

‫‪4.13‬‬

‫‪110‬‬

‫‪4.05‬‬

‫‪54‬‬

‫‪4.96‬‬

‫‪41‬‬

‫‪4.85‬‬

‫‪29‬‬

‫‪4.65‬‬

‫‪0.46‬‬

‫‪59‬‬

‫‪4.44‬‬

‫‪100‬‬

‫‪5.13‬‬

‫‪22‬‬

‫‪5.2‬‬

‫‪33‬‬

‫‪4.93‬‬

‫‪26‬‬

‫‪5.18‬‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫م�ستوى‬ ‫الإبداع‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫‪36‬‬

‫‪3.11‬‬

‫‪66‬‬

‫‪24‬‬

‫‪3.01‬‬

‫‪74‬‬

‫‪27‬‬

‫‪2.51‬‬

‫‪118‬‬

‫‪120‬‬

‫‪2.1‬‬

‫‪133‬‬

‫‪38‬‬

‫‪3.75‬‬

‫‪7‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪62‬‬

‫‪2.74‬‬

‫‪94‬‬

‫‪78‬‬

‫‪2.8‬‬

‫‪87‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪40‬‬

‫‪3.74‬‬

‫‪38‬‬

‫‪54‬‬

‫‪2.51‬‬

‫‪117‬‬

‫‪30‬‬

‫‪3.35‬‬

‫‪49‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪25‬‬

‫‪3.25‬‬

‫‪60‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪88‬‬

‫‪2.17‬‬

‫‪131‬‬

‫‪60‬‬

‫‪2.85‬‬

‫‪85‬‬

‫‪115‬‬

‫‪2.6‬‬

‫‪109‬‬

‫ـ‬

‫‪4.87‬‬

‫ـ‬

‫‪http://www.insead.edu/v1/gitr/wef/main/home.cfm‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫املعلوماتية‬

‫�أو�ضاع العامل العربي طبق ًا مل� رّؤ�شات‬ ‫البيئة الإبداعية‬

‫‪29‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 30‬للتنمية الثقافية‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش براءات االخرتاع عدد‬ ‫براءات االخرتاع العملية (�أي القابلة للتطبيق)‬ ‫املمنوحة �أو ال�صادرة من الدول املختلفة‬ ‫خالل الفرتة من ‪ 1‬يناير �إىل ‪ 31‬دي�سمرب ‪2007‬‬ ‫مقارن ًة بكل مليون ن�سمة‪ ،‬وطبق ًا للبيانات‬ ‫املتاحة ف�إن �أعلى عدد لرباءات االخرتاع‬ ‫القابلة للتطبيق يف كل مليون ن�سمة بالدول‬ ‫العربية حتقق يف الكويت وبلغ ‪ 2.25‬براءة لكل‬ ‫ً‬ ‫الكويت الأوىل عربيا والـ ‪ 59‬مليون ن�سمة‪ ،‬وجعل الكويت حتتل املركز ‪37‬‬ ‫عاملي ًا وفق ًا مل� رّؤ�ش حرية ال�صحافة‬ ‫عاملي ًا‪ ،‬و�أق ّل عدد حتقّق يف املغرب وبلغ ‪0.03‬‬ ‫مبع ّدل ‪ 5.52‬درجة من ‪.7‬‬ ‫براءة لكل مليون ن�سمة واحتلت مبوجبه املركز‬ ‫الـ ‪ 83‬عاملي ًا‪ ،‬و ُيالحظ �أن �سبع دول عربية فقط‬ ‫هي التي �أوردت البيانات حولها �أنها ا�صدرت‬ ‫براءات اخرتاع قابلة للتطبيق يف العام ‪2007‬‬ ‫وهي الكويت وال�سعودية والإمارات والأردن‬ ‫وم�رص و�سوريا واملغرب‪ ،‬واملتو�سط العام لعدد‬ ‫الرباءات يف هذه الدول هو ‪ 0.59‬براءة لكل‬ ‫مليون ن�سمة‪.‬‬ ‫يقي�س م� رّؤ�ش حرية ال�صحافة م�ستوى‬ ‫احلرية الذي تتمتع به ال�صحافة وو�سائل‬ ‫الإعالم داخل كل دولة‪ ،‬ومينح امل� رّؤ�ش درجة‬ ‫الإمارات الأوىل عربي ًا والـ ‪ 24‬من �سبع درجات بحيث الدرجة ‪� = 1‬صحافة‬ ‫حرة‬ ‫عامل ّي ًا وفق ًا مل� رّؤ�ش حماية امللك ّية مق ّيدة متام ًا‪ ،‬والدرجة ‪� = 7‬صحافة ّ‬ ‫الفكرية واجلزائر يف املركز الـ ‪ 120‬متام ًا‪ ،‬ويف هذا ال�سياق تراوحت درجات‬ ‫عامل ّياً‪.‬‬ ‫الدول العربية بني ‪ 5.52‬درجة ح�صلت عليها‬ ‫الكويت وجعلتها يف املركز ‪ 59‬عاملي ًا‪ ،‬و‪2.94‬‬ ‫درجة ح�صلت عليها ليبيا وجعلتها يف املركز‬ ‫‪ 131‬عاملي ًا‪� ،‬أما املتو�سط العام لدرجة حرية‬ ‫ال�صحافة يف الدول التي توافرت عنها بيانات‬ ‫فكان ‪ 4.43‬درجة من �سبع درجات‪.‬‬

‫قوانني غائبة و�أخرى ناق�صة‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش القوانني التي لها عالقة‬ ‫بتقنيات املعلومات واالت�صاالت مدى وجود‬ ‫و�إتاحة القوانني املتعلقة با�ستخدام تقنيات‬ ‫املعلومات واالت�صاالت وتنظيمها مثل قوانني‬ ‫التجارة الإلكرتونية‪ ،‬والتوقيعات الرقمية‪،‬‬ ‫وحماية امل�ستهلك وقوانني االت�صاالت‪ ،‬ومينح‬ ‫امل� رّؤ�ش لك ّل دولة درجة من �سبع درجات‪ ،‬بحيث‬

‫�إن الدرجة ‪ =1‬قوانني غائبة وغري موجودة‪،‬‬ ‫مت �سنها وتطبيقها‪ ،‬ويف‬ ‫والدرجة ‪ = 7‬قوانني ّ‬ ‫هذا ال�صدد تراوحت الدرجات التي ح�صلت‬ ‫عليها الدول العربية بني ‪ 5.13‬درجة حقّقتها‬ ‫الإمارات وح�صلت بها على املركز ‪ 22‬عاملي ًا‪،‬‬ ‫و‪ 2.32‬درجة حقّقتها اجلزائر وح�صلت بها على‬ ‫املركز ‪ 129‬عاملي ًا‪� ،‬أما متو�سط درجات الدول‬ ‫التي توافرت عنها بيانات فبلغ ‪ 3.71‬درجة من‬ ‫�سبع درجات‪.‬‬

‫�إىل �أين و�صل ا�ستقالل الق�ضاء؟‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش ا�ستقاللية الق�ضاء مدى‬ ‫ا�ستقاللية الق�ضاء وبعده عن امل�ؤثرات ال�سيا�سية‬ ‫وغري ال�سيا�سية لأع�ضاء احلكومة �أو املواطنني‬ ‫�أو ال�رشكات‪ ،‬ومينح كل دولة درجة من �سبع‬ ‫درجات‪ ،‬بحيث �إن الدرجة ‪ = 1‬ق�ضاء منحاز‬ ‫للغاية‪ ،‬والدرجة ‪ = 7‬ق�ضاء م�ستقل متام ًا‪ ،‬ويف‬ ‫هذا ال�سياق تراوحت الدرجات التي ح�صلت‬ ‫عليها الدول العربية بني ‪ 5.66‬درجة حقّقتها‬ ‫قطر وح�صلت بها على املركز ‪ 21‬عاملي ًا‪،‬‬ ‫و‪ 3.12‬درجة حقّقتها موريتانيا وح�صلت بها‬ ‫على املركز ‪ 99‬عاملي ًا‪� ،‬أما متو�سط درجات‬ ‫الدول التي توافرت عنها بيانات فبلغ ‪4.54‬‬ ‫درجة من �سبع درجات‪.‬‬

‫‪ ..‬وهل القوانني مط َّبقة وقيد التفعيل؟‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش فعالية الإطار القانوين قدرة‬ ‫القوانني على ت�سوية النزاعات ومدى قدرتها‬ ‫على فر�ض �رشعية وقانونية الإجراءات‬ ‫احلكومية‪ ،‬ومينح لكل دولة درجة من �سبع‬ ‫درجات‪ ،‬بحيث �إن الدرجة ‪ = 1‬قوانني غري‬ ‫ف ّعالة وخا�ضعة للتالعب‪ ،‬والدرجة ‪= 7‬‬ ‫قوانني ف ّعالة وتتبع نهج ًا وا�ضح ًا حمايداً‪،‬‬ ‫ويف هذا ال�سياق تراوحت الدرجات التي‬ ‫ح�صلت عليها الدول العربية بني ‪ 5.02‬درجة‬ ‫حقّقتها قطر وح�صلت بها على املركز ‪24‬‬ ‫عاملي ًا‪ ،‬و‪ 2.89‬درجة حقّقتها موريتانيا‬ ‫وح�صلت بها على املركز ‪ 110‬عاملي ًا‪� ،‬أما‬ ‫متو�سط الدرجات التي توافرت عنها بيانات‬


‫الف�صل االول‬ ‫واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف‬

‫فبلع ‪ 4.19‬درجة من �سبع درجات‪.‬‬ ‫يقي�س م� رّؤ�ش حماية امللكية الفكرية‬ ‫م�ستوى احلماية الذي تتمتع به حقوق امللكية‬ ‫الفكرية‪ ،‬ومينح درجة من �سبع درجات‪ ،‬بحيث‬ ‫�إن الدرجة ‪ = 1‬حماية �ضعيفة وغري مط ّبقة‪،‬‬ ‫والدرجة ‪ = 7‬حماية قوية ومط ّبقة‪ ،‬ويف‬ ‫هذا ال�صدد تراوحت الدرجات التي ح�صلت‬ ‫عليها الدول العربية بني ‪ 5.18‬درجة حقّقتها‬ ‫الإمارات وح�صلت بها على املركز ‪ 24‬عاملي ًا‪،‬‬ ‫و‪ 2.51‬درجة حقّقتها اجلزائر وح�صلت بها على‬ ‫املركز ‪ 120‬عاملي ًا‪� ،‬أما متو�سط درجات الدول‬ ‫التي توافرت عنها بيانات فبلغ ‪ 4.03‬درجة من‬ ‫�سبع درجات‪.‬‬

‫تفكري �أم تقليد‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش القدرة على الإبداع واالبتكار‬ ‫الطريقة التي حت�صل بها امل�ؤ�س�سات وال�رشكات‬ ‫العاملة بالدولة على التقنية‪ ،‬ومينح درجة من‬ ‫�سبع درجات بحيث �إن الدرجة ‪ = 1‬احل�صول‬ ‫على التقنية من الرتاخي�ص وتقليد ال�رشكات‬ ‫الأجنبية‪ ،‬والدرجة ‪ = 7‬احل�صول على التقنية‬ ‫من الأبحاث واملنتجات الرائدة والعمليات‬ ‫اجلديدة اخلا�صة بها‪ ،‬ويف هذا ال�صدد تراوحت‬ ‫الدرجات التي ح�صلت عليها الدول العربية بني‬ ‫‪ 3.75‬درجة حقّقتها ال�سعودية وح�صلت بها‬ ‫على املركز ال�سابع عاملي ًا‪ ،‬و‪ 2.1‬درجة حقّقتها‬ ‫اجلزائر وح�صلت بها على املركز ‪ 133‬عاملي ًا‪،‬‬ ‫�أما متو�سط درجات الدول التي توافرت عنها‬ ‫بيانات فبلغ ‪ 2.89‬درجة من �سبع درجات‪.‬‬

‫�أو�ضاع العامل العربي طبق ًا مل� رّؤ�شات‬ ‫الإطار التعليمي‬

‫توفر جمموعة امل� رّؤ�شات التي تر�صد الإطار‬ ‫التعليمي والعلمي والبحثي والتدريبي ال�سائد‬ ‫�أر�ضية ج ّيدة لفهم العالقة بني التعليم والبحث‬ ‫والتدريب من جهة والتنمية الثقافية من جهة‬ ‫ثانية وتقنية املعلومات ك�أداة للتنمية والتعليم‬

‫املعلوماتية‬

‫احرتام حقوق الآخرين‬

‫مع ًا من جهة ثالثة‪ .‬فالتعليم والبحث والتدريب‬ ‫ـ كما �أ�سلفنا ـ من املرتكزات الأ�سا�سية للتنمية‬ ‫الثقافية ويف الوقت نف�سه من �أبرز القطاعات‬ ‫التي ت�ستفيد ب�ش ّدة من التطورات اجلارية يف‬ ‫تقنية املعلومات واالت�صاالت‪ ،‬وتنق�سم هذه‬ ‫املجموعة بدورها �إىل جمموعتني فرع ّيتني‪،‬‬ ‫الأوىل حول الإطار التعليمي ال�سائد وتتك ّون من‬ ‫�ستة م� رّؤ�شات هي جودة نظام التعليم والإنفاق‬ ‫على التعليم‪ ،‬وجودة تعليم الريا�ضيات والعلوم‬ ‫وم�ستوى الت�سجيل اجلامعي‪ ،‬والو�صول‬ ‫للإنرتنت باملدار�س وجودة كليات الإدارة‪.‬‬ ‫واملجموعة الثانية تر�صد �إطار التدريب‬ ‫والبحث العلمي ال�سائد وتتك ّون من �أربعة‬ ‫م� رّؤ�شات هي جودة م�ؤ�س�سات البحث العلمي‬ ‫وتوافر خدمات البحوث والتدريب حملي ًا و�إنفاق‬ ‫امل�ؤ�س�سات على البحوث والتعاون البحثي بني‬ ‫ال�صناعة واجلامعة‪.‬‬

‫‪31‬‬

‫ال�سعود ّية الأوىل عرب ّي ًا ويف‬ ‫املركز ال�سابع عامل ّي ًا وفق ًا مل� رّؤ�ش‬ ‫القدرة على الإبداع واالبتكار‬ ‫واجلزائر يف املركز الـ ‪ 133‬عامل ّي ًا‬

‫م� رّؤ�شات الإطار التعليمي‬

‫يف �ضوء الأرقام الواردة يف اجلدول رقم‬ ‫(‪ )6‬ميكن تناول هذه امل� رّؤ�شات كما يلي‪:‬‬

‫حلم التعليم عايل اجلودة ‪ ..‬هل يتحقق؟‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش جودة النظام التعليمي مدى‬ ‫قدرة هذا النظام على تلبية ودعم احتياجات‬ ‫عمليات وبرامج التنمية القائمة على املعلومات‬ ‫واملعرفة واحتياجات االقت�صاد التناف�سي‪،‬‬ ‫ومينح يف هذا ال�صدد �سبع درجات‪ ،‬بحيث �إن‬ ‫الدرجة ‪ 1‬تعني �أنه ال يلبي هذه االحتياجات‪،‬‬ ‫والدرجة ‪ 7‬تعني �أنه يلبي هذه االحتياجات‪،‬‬ ‫وقد تراوحت الدرجات التي ح�صلت عليها‬ ‫الدول العربية يف هذا ال�صدد بني ‪ 5.09‬درجة‬ ‫وهي الدرجة التي حقّقتها قطر وح�صلت بها‬ ‫على املركز ال�ساد�س ع�رش عاملي ًا‪ ،‬و‪ 2.3‬درجة‬ ‫التي حقّقتها موريتانيا وح�صلت بها على‬ ‫املركز ‪ 129‬عاملي ًا‪� ،‬أما متو�سط درجات الدول‬ ‫التي توافرت عنها بيانات فكان ‪ 3.52‬درجة‬ ‫من �سبع درجات‪.‬‬ ‫يقي�س م� رّؤ�شالإنفاق على التعليم ن�سبة‬

‫قطر الأوىل عرب ّي ًا والـ ‪ 16‬عامل ّي ًا‬ ‫يف م� رّؤ�ش جودة النظام التعليمي‬ ‫وقدرته على دعم احتياجات التنمية‬ ‫القائمة على املعلومات واملعرفة‪.‬‬

‫ال�سعودية الأوىل عرب ّي ًا ويف‬ ‫املركز الثامن عامل ّي ًا يف م� رّؤ�ش ن�سبة‬ ‫الإنفاق على التعليم من �إجمايل‬ ‫الدخل القومي و (‪ )%7.19‬وموريتانيا‬ ‫يف املركز الـ ‪ 114‬عامل ّياً‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 32‬للتنمية الثقافية‬ ‫جدول رقم ‪6‬‬

‫�أو�ضاع التعليم بالدول العربية من منظور تقنيات املعلومات (نظام التعليم)»الرتتيب �أبجديا»‬

‫الأردن‬ ‫الإمارات‬ ‫البحرين‬ ‫اجلزائر‬ ‫ال�سعودية‬ ‫ال�سودان‬ ‫ال�صومال‬ ‫العراق‬ ‫الكويت‬ ‫املغرب‬ ‫اليمن‬ ‫تون�س‬ ‫�سوريا‬ ‫عمان‬ ‫فل�سطني‬ ‫قطر‬ ‫لبنان‬ ‫ليبيا‬ ‫م�رص‬ ‫موريتانيا‬ ‫�أوروبا‬ ‫الغربية‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫م�ستوى‬ ‫اجلودة‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫‪4.49‬‬

‫‪45‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪85‬‬

‫الإنفاق على التعليم‬

‫جودة تعليم‬ ‫الريا�ضيات والعلوم‬

‫الت�سجيل اجلامعي‬

‫القدرة على‬ ‫دعم التنمية‬ ‫التناف�سية‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫الن�سبة‬ ‫من الدخل‬ ‫القومي‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫م�ستوى‬ ‫اجلودة‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫معدل‬ ‫النمو‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫م�ستوى‬ ‫الو�صول‬ ‫لل�شبكة‬

‫‪4.65‬‬

‫‪27‬‬

‫‪5.61‬‬

‫‪23‬‬

‫‪4.79‬‬

‫‪37‬‬

‫‪39.05‬‬

‫‪55‬‬

‫‪3.87‬‬

‫‪51‬‬

‫‪4.25‬‬

‫‪38‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪4.63‬‬

‫‪42‬‬

‫‪22.9‬‬

‫‪79‬‬

‫‪4.96‬‬

‫‪27‬‬

‫‪4.47‬‬

‫‪3.79‬‬

‫‪56‬‬

‫‪4.36‬‬

‫‪62‬‬

‫‪4‬‬

‫‪68‬‬

‫‪32.05‬‬

‫‪64‬‬

‫‪4.55‬‬

‫‪37‬‬

‫‪3.79‬‬

‫‪2.52‬‬

‫‪122‬‬

‫‪4.47‬‬

‫‪56‬‬

‫‪3.36‬‬

‫‪99‬‬

‫‪21.83‬‬

‫‪80‬‬

‫‪2.23‬‬

‫‪113‬‬

‫‪3.14‬‬

‫‪117‬‬

‫‪3.6‬‬

‫‪70‬‬

‫‪7.19‬‬

‫‪8‬‬

‫‪3.73‬‬

‫‪85‬‬

‫‪30.24‬‬

‫‪69‬‬

‫‪3.34‬‬

‫‪71‬‬

‫‪3.89‬‬

‫‪75‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫جودة نظام التعليم‬ ‫الدولة‬

‫الو�صول للإنرتنت‬ ‫باملدار�س‬

‫جودة كليات الإدارة‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪3.09‬‬

‫‪94‬‬

‫‪4.18‬‬

‫‪68‬‬

‫‪3.51‬‬

‫‪93‬‬

‫‪17.56‬‬

‫‪87‬‬

‫‪3.43‬‬

‫‪64‬‬

‫‪3.71‬‬

‫‪89‬‬

‫‪2.98‬‬

‫‪100‬‬

‫‪6.47‬‬

‫‪15‬‬

‫‪4.01‬‬

‫‪67‬‬

‫‪11.83‬‬

‫‪99‬‬

‫‪3.35‬‬

‫‪70‬‬

‫‪4.2‬‬

‫‪63‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪5.06‬‬

‫‪17‬‬

‫‪6.67‬‬

‫‪14‬‬

‫‪5.59‬‬

‫‪7‬‬

‫‪31.03‬‬

‫‪67‬‬

‫‪4.62‬‬

‫‪34‬‬

‫‪5.32‬‬

‫‪17‬‬

‫‪3.14‬‬

‫‪91‬‬

‫‪2.6‬‬

‫‪108‬‬

‫‪4.19‬‬

‫‪60‬‬

‫‪13.55‬‬

‫‪97‬‬

‫‪2.02‬‬

‫‪123‬‬

‫‪3.64‬‬

‫‪95‬‬

‫‪3.82‬‬

‫‪51‬‬

‫‪3.72‬‬

‫‪81‬‬

‫‪3.83‬‬

‫‪83‬‬

‫‪25.48‬‬

‫‪77‬‬

‫‪3.89‬‬

‫‪50‬‬

‫‪3.58‬‬

‫‪97‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪5.09‬‬

‫‪16‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪5.33‬‬

‫‪12‬‬

‫‪15.93‬‬

‫‪92‬‬

‫‪4.95‬‬

‫‪28‬‬

‫‪4.7‬‬

‫‪35‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪2.57‬‬

‫‪121‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪3.63‬‬

‫‪90‬‬

‫‪55.75‬‬

‫‪32‬‬

‫‪1.97‬‬

‫‪126‬‬

‫‪2.58‬‬

‫‪130‬‬

‫‪2.43‬‬

‫‪126‬‬

‫‪4.41‬‬

‫‪59‬‬

‫‪2.61‬‬

‫‪128‬‬

‫‪34.75‬‬

‫‪59‬‬

‫‪2.5‬‬

‫‪99‬‬

‫‪3.2‬‬

‫‪116‬‬

‫‪2.3‬‬

‫‪129‬‬

‫‪2.36‬‬

‫‪114‬‬

‫‪3.28‬‬

‫‪101‬‬

‫‪3.5‬‬

‫‪117‬‬

‫‪2.09‬‬

‫‪120‬‬

‫‪2.47‬‬

‫‪131‬‬

‫‪4.312‬‬

‫ـ‬

‫‪4.708‬‬

‫ـ‬

‫‪4.54‬‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫امل�صدر‪ :‬قاعدة بيانات التقرير العاملي لتقنية املعلومات ال�صادر عن منتدى دافو�س االقت�صادي العاملي مار�س ‪2009‬‬ ‫‪http://www.insead.edu/v1/gitr/wef/main/home.cfm‬‬

‫الإنفاق على التعليم من �إجمايل الدخل القومي‬ ‫بكل دولة‪ ،‬وطبق ًا للبيانات املتاحة فقد تراوحت‬ ‫الن�سبة املخ�ص�صة للإنفاق على التعليم بالدول‬ ‫العربية من �إجمايل الدخل القومي بني ‪%7.19‬‬ ‫يف ال�سعودية التي ح�صلت على املركز الثامن‬ ‫عاملي ًا‪ ،‬و‪ %2.36‬يف موريتانيا التي ح�صلت‬ ‫على املركز ‪ 114‬عاملي ًا‪ ،‬وبلغ متو�سط ن�سبة‬ ‫الإنفاق على التعليم يف الدول التي توافرت‬

‫عنها بيانات‬ ‫القومي‪.‬‬

‫‪%4.73‬‬

‫نحن والريا�ضيات‬

‫من �إجمايل الدخل‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش جودة تعليم الريا�ضيات‬ ‫والعلوم م�ستوى جودة تدري�س وتعليم‬ ‫الريا�ضيات والعلوم يف املدار�س واجلامعات‪،‬‬ ‫ومينح يف ذلك �سبع درجات‪ ،‬بحيث �إن الدرجة‬


‫الف�صل االول‬ ‫واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف‬

‫�إنرتنت املدار�س وفعالية التعليم‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش الو�صول للإنرتنت باملدار�س‬ ‫�أو�ضاع الإنرتنت داخل املدار�س ومدى قدرتها‬ ‫على تو�صيل الأطفال والطالب بال�شبكة‬ ‫وتوظيفها يف الو�صول للمعلومات والتوا�صل‬ ‫مع العامل‪ ،‬ومينح درجة من �سبع درجات‪،‬‬ ‫بحيث �إن الدرجة ‪ 1‬تعني �أن �إمكانية الو�صول‬ ‫للإنرتنت يف املدار�س حمدودة للغاية‪ ،‬والدرجة‬ ‫‪ 7‬تعني �أن �إمكانية الو�صول �شاملة و�أغلب‬ ‫الأطفال باملدر�سة لديهم فر�صة االت�صال‬ ‫بالإنرتنت‪ ،‬وترتاوح الدرجات التي ح�صلت‬ ‫عليها الدول العربية املتوافر عنها بيانات بني‬ ‫‪ 4.96‬درجة حقّقتها الإمارات وح�صلت بها‬ ‫على املركز‪ 27‬عاملي ًا‪ ،‬و‪ 1.97‬درجة حقّقتها‬ ‫ليبيا وح�صلت بها على املركز ‪ 126‬عاملي ًا‪،‬‬ ‫وبلغ متو�سط درجات هذه الدول ‪ 3.41‬درجة‬ ‫من �سبع درجات‪.‬‬ ‫يقي�س م� رّؤ�ش جودة كليات ومدار�س الإدارة‬ ‫امل�ستوى العلمي والتعليمي للمدار�س والكليات‬ ‫املتخ�ص�صة يف علوم الإدارة‪ ،‬ومينح درجة‬

‫املعلوماتية‬

‫‪ = 1‬جودة منخف�ضة متخلفة عن �أغلب مدار�س‬ ‫الدول الأخرى‪ ،‬والدرجة ‪ = 7‬جودة مرتفعة‬ ‫بني املدار�س الأف�ضل يف العامل‪ ،‬ويف هذا‬ ‫امل� رّؤ�ش ترتاوح درجات الدول العربية املتوافر‬ ‫عنها بيانات بني ‪ 5.59‬درجة حقّقتها تون�س‬ ‫وح�صلت بها على املركز ال�سابع عاملي ًا و‪2.61‬‬ ‫حقّقتها م�رص وح�صلت بها على املركز ‪128‬‬ ‫متو�سط الدرجات التي حقّقتها‬ ‫عاملي ًا‪ ،‬وبلغ‬ ‫ّ‬ ‫هذه الدول ‪ 4.04‬درجة من �سبع درجات‪.‬‬ ‫يقي�س م� رّؤ�ش الت�سجيل اجلامعي معدل‬ ‫النمو يف الت�سجيل وااللتحاق بالتعليم‬ ‫اجلامعي‪ ،‬ويرتاوح هذا املعدل لدى الدول‬ ‫العربية املتاح عنها بيانات بني ‪ 55.75‬وهو‬ ‫املعدل الذي حقّقته ليبيا وح�صلت به على‬ ‫املركز ‪ 32‬عاملي ًا‪ ،‬و‪ 3.5‬وهو املعدل الذي‬ ‫حقّقته موريتانيا وح�صلت به على املركز ‪117‬‬ ‫عاملي ًا‪� ،‬أما متو�سط معدل النمو يف هذه الدول‬ ‫فبلغ ‪.25.39‬‬

‫من �سبع درجات‪ ،‬بحيث �إن الدرجة ‪ 1‬تعني �أن‬ ‫هذه امل�ؤ�س�سات حمدودة �أو �ضعيفة امل�ستوى‪،‬‬ ‫والدرجة ‪ 7‬تعني �أنها مرتفعة امل�ستوى ومن‬ ‫بني الأف�ضل يف العامل‪ ،‬وترتاوح الدرجات‬ ‫التي ح�صلت عليها الدول العربية املتاح‬ ‫عنها بيانات يف هذا امل� رّؤ�ش بني ‪ 5.32‬درجة‬ ‫حقّقتها تون�س وح�صلت بها على املركز ال�سابع‬ ‫ع�رش عاملي ًا‪ ،‬و‪ 2.47‬درجة حقّقتها موريتانيا‬ ‫وح�صلت بها على املركز ‪ 131‬عاملي ًا‪ ،‬وبلغ‬ ‫متو�سط درجات هذه الدول ‪ 3.80‬درجة من‬ ‫�سبع درجات‪.‬‬

‫‪33‬‬

‫الإمارات الأوىل عرب ّي ًا والـ‬ ‫عاملي ًا يف م� رّؤ�ش انت�شار الإنرتنت‬ ‫داخل املدار�س وليبيا يف املركز الـ‬ ‫‪ 126‬عاملياً‪.‬‬

‫‪27‬‬

‫م� رّؤ�شات الإطار البحثي والتدريبي‬

‫يف �ضوء الأرقام الواردة باجلدول رقم (‪)7‬‬ ‫ميكن تناول جمموعة م� رّؤ�شات البحث العلمي‬ ‫والتدريب على النحو التايل‪:‬‬ ‫يقي�س م� رّؤ�ش جودة م�ؤ�س�سات البحث‬ ‫العلمي مدى �إتاحة م�ؤ�س�سات البحث العلمي‬ ‫كاجلامعات ومراكز الأبحاث احلكومية والأهلية‬ ‫واخلا�صة‪ ،‬وقدرتها على الأداء واال�ضطالع‬ ‫بالبحوث العلمية‪ ،‬ومينح كل دولة درجة من‬ ‫�سبعة‪ ،‬بحيث �إن الدرجة ‪ = 1‬م�ؤ�س�سات بحث‬ ‫غري موجودة �أو �ضعيفة وهام�شية‪ ،‬والدرجة‬ ‫‪ =7‬م�ؤ�س�سات بحث قائمة والأف�ضل يف جمالها‬ ‫دولي ًا‪ ،‬وقد تراوحت درجات الدول العربية‬ ‫ؤ�ش بني ‪4.73‬‬ ‫املتاح عنها بيانات يف هذا امل� رّ‬ ‫وهي الدرجة التي حقّقتها قطر وح�صلت بها‬ ‫على املركز ‪ 30‬عاملي ًا‪ ،‬و‪ 2.46‬وهي الدرجة‬ ‫التي حقّقتها موريتانيا وح�صلت بها على‬ ‫املركز ‪ 131‬عاملي ًا‪� ،‬أما متو�سط درجات هذه‬ ‫الدول فبلغ ‪ 3.75‬درجة من �سبع درجات‪.‬‬

‫تون�س الأوىل عربي ًا والـ ‪28‬‬ ‫عاملي ًا يف م� رّؤ�ش مدى �إقبال‬ ‫ال�رشكات وامل� ّؤ�س�سات داخل الدولة‬ ‫على متويل البحوث‪.‬‬

‫البحوث املحلية‪ :‬عدد قليل وجدوى �أقل‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش توافر خدمات البحوث‬ ‫والتدريب حملي ًا مدى �إتاحة وتوافر خدمات‬ ‫الأبحاث والتدريب حملي ًا �أمام املواطنني‪،‬‬ ‫املتخ�ص�صة‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا يف ما يتعلّق بالبحوث‬ ‫ّ‬ ‫ومينح كل دولة درجة من �سبع درجات‪ ،‬بحيث‬ ‫�إن الدرجة ‪ = 1‬خدمات غري متوافرة‪ ،‬والدرجة‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 34‬للتنمية الثقافية‬

‫جدول رقم ‪� 7‬أو�ضاع التعليم بالدول العربية من منظور تكنولوجيا املعلومات(التدريب والبحث) «الرتتيب �أبجدي ًا»‬

‫الدولة‬

‫جودة م�ؤ�س�سات البحث‬ ‫العلمي‬

‫توافر خدمات البحوث‬ ‫والتدريب حمليا‬

‫م�ستوى‬ ‫اجلودة‬

‫الرتتيب دولي ًا‬

‫مدى توافر‬ ‫اخلدمات‬

‫الرتتيب دولي ًا‬

‫�إنفاق امل�ؤ�س�سات على‬ ‫البحوث‬ ‫درجة‬ ‫الإنفاق‬

‫التعاون البحثي بني‬ ‫ال�صناعة واجلامعة‬

‫درجة‬ ‫الرتتيب دولي ًا‬ ‫الرتتيب دولي ًا‬ ‫التعاون‬

‫الأردن‬ ‫الإمارات‬ ‫البحرين‬ ‫اجلزائر‬ ‫ال�سعودية‬ ‫ال�سودان‬ ‫ال�صومال‬ ‫العراق‬ ‫الكويت‬ ‫املغرب‬ ‫اليمن‬ ‫تون�س‬ ‫�سوريا‬ ‫عمان‬ ‫فل�سطني‬ ‫قطر‬ ‫لبنان‬ ‫ليبيا‬ ‫م�رص‬ ‫موريتانيا‬

‫‪4.13‬‬

‫‪51‬‬

‫‪4.14‬‬

‫‪53‬‬

‫‪2.94‬‬

‫‪79‬‬

‫‪3.32‬‬

‫‪60‬‬

‫‪3.73‬‬

‫‪74‬‬

‫‪4.39‬‬

‫‪44‬‬

‫‪3.36‬‬

‫‪50‬‬

‫‪3.35‬‬

‫‪58‬‬

‫‪3.37‬‬

‫‪100‬‬

‫‪3.82‬‬

‫‪72‬‬

‫‪2.9‬‬

‫‪82‬‬

‫‪2.77‬‬

‫‪101‬‬

‫‪3.23‬‬

‫‪108‬‬

‫‪3.16‬‬

‫‪111‬‬

‫‪2.55‬‬

‫‪116‬‬

‫‪2.29‬‬

‫‪124‬‬

‫‪4.27‬‬

‫‪47‬‬

‫‪4.42‬‬

‫‪42‬‬

‫‪3.6‬‬

‫‪43‬‬

‫‪3.77‬‬

‫‪37‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪4.09‬‬

‫‪54‬‬

‫‪3.96‬‬

‫‪64‬‬

‫‪2.77‬‬

‫‪93‬‬

‫‪3.09‬‬

‫‪73‬‬

‫‪3.5‬‬

‫‪94‬‬

‫‪3.84‬‬

‫‪69‬‬

‫‪3.01‬‬

‫‪69‬‬

‫‪2.79‬‬

‫‪99‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪4.34‬‬

‫‪42‬‬

‫‪4.76‬‬

‫‪28‬‬

‫‪3.72‬‬

‫‪38‬‬

‫‪3.84‬‬

‫‪35‬‬

‫‪3.58‬‬

‫‪89‬‬

‫‪3.47‬‬

‫‪95‬‬

‫‪2.55‬‬

‫‪115‬‬

‫‪2.77‬‬

‫‪100‬‬

‫‪4‬‬

‫‪59‬‬

‫‪3.76‬‬

‫‪79‬‬

‫‪3.49‬‬

‫‪44‬‬

‫‪3.74‬‬

‫‪39‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪4.73‬‬

‫‪30‬‬

‫‪4.36‬‬

‫‪45‬‬

‫‪3.77‬‬

‫‪35‬‬

‫‪4.23‬‬

‫‪25‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪3.63‬‬

‫‪82‬‬

‫‪3.23‬‬

‫‪106‬‬

‫‪2‬‬

‫‪124‬‬

‫‪2.54‬‬

‫‪114‬‬

‫‪3.41‬‬

‫‪96‬‬

‫‪3.57‬‬

‫‪92‬‬

‫‪3.26‬‬

‫‪57‬‬

‫‪3.04‬‬

‫‪79‬‬

‫‪2.46‬‬

‫‪131‬‬

‫‪2.77‬‬

‫‪129‬‬

‫‪2.46‬‬

‫‪122‬‬

‫‪2.19‬‬

‫‪128‬‬

‫�أوروبا الغربية‬

‫‪4.862‬‬

‫ـ‬

‫‪5.26‬‬

‫ـ‬

‫‪4.562‬‬

‫ـ‬

‫‪4.214‬‬

‫ـ‬

‫امل�صدر‪ :‬قاعدة بيانات التقرير العاملي لتقنية املعلومات ال�صادر عن منتدى دافو�س االقت�صادي العاملي مار�س ‪2009‬‬ ‫‪http://www.insead.edu/v1/gitr/wef/main/home.cfm‬‬

‫‪ = 7‬خدمات متاحة من امل�ؤ�س�سات املحلّية‬ ‫والعاملية‪ ،‬وقد تراوحت درجات الدول العربية‬ ‫املتاح عنها بيانات بني ‪ 4.76‬وهي الدرجة‬ ‫التي حقّقتها تون�س وح�صلت بها على املركز‬ ‫‪ 28‬عاملي ًا‪ ،‬و‪ 2.77‬وهي الدرجة التي حقّقتها‬ ‫موريتانيا وح�صلت بها على املركز ‪129‬‬ ‫عاملي ًا‪� ،‬أما متو�سط درجات هذه الدول فبلغ‬

‫‪ 3.83‬درجة من �سبع درجات‪.‬‬ ‫يقي�س م� رّؤ�ش �إنفاق امل�ؤ�س�سات على‬ ‫البحوث مدى �إقبال ال�رشكات وامل�ؤ�س�سات‬ ‫داخل الدولة على متويل البحث والتطوير‬ ‫والإنفاق عليهما‪ ،‬ومينح كل دولة درجة من‬ ‫�سبع‪ ،‬بحيث �إن الدرجة واحد تعني �أن هذه‬ ‫امل�ؤ�س�سات ال تنفق على البحوث والتطوير وال‬


‫الف�صل االول‬ ‫واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف‬

‫ال�صناعة والبحث‪ :‬ك ٌّل يف وا ٍد‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش التعاون البحثي بني‬ ‫ال�صناعة واجلامعة مدى تفاعلية العالقة بني‬ ‫ال�رشكات واجلامعات املحلية وكذلك مدى‬ ‫عمقها ومتانتها‪ ،‬ومينح كل دولة درجة من‬ ‫�سبع درجات‪ ،‬بحيث �إن الدرجة واحد تعني‬ ‫�أن هذا التعاون قليل �أو غري موجود‪ ،‬والدرجة‬ ‫�سبعة تعني �أن التعاون كثيف وم�ستمر‪ ،‬وقد‬ ‫تراوحت درجات الدول العربية املتاح عنها‬ ‫بيانات يف هذا امل� رّؤ�ش بني ‪ 4.23‬وهي الدرجة‬ ‫التي حقّقتها قطر وح�صلت بها على املركز‬ ‫‪ 25‬عاملي ًا‪ ،‬و‪ 2.19‬وهي الدرجة التي حقّقتها‬ ‫موريتانيا وح�صلت بها على املركز ‪128‬‬ ‫عاملي ًا‪� ،‬أما متو�سط درجات هذه الدول ككل‬ ‫فبلغ ‪ 3.12‬درجة من �سبع درجات‪.‬‬

‫�أو�ضاع العامل العربي طبق ًا مل� رّؤ�شات‬ ‫البيئة االقت�صادية والتجارية‬

‫على الرغم من �أن البيئة االقت�صادية‬ ‫والتجارية تبدو للوهلة الأوىل بعيدة نوع ًا ما‬ ‫عن جهود التنمية الثقافية‪ ،‬ف�إن هذا ال ينفي �أن‬ ‫ثمة جوانب اقت�صادية يتعينّ النظر �إليها عند‬ ‫تناول تقنيات املعلومات واالت�صاالت كرافعة‬ ‫للتنمية الثقافية‪ ،‬ف�سالمة البعد االقت�صادي‬ ‫لتطبيق التقنية يف التنمية ـ كما �سبقت الإ�شارة‪،‬‬ ‫مينحها قوة دفع �إ�ضافية يحقق لها مزيداً من‬ ‫االنت�شار‪ ،‬ال�سيما �أن ق�سم ًا كبرياً من م�رشوعات‬ ‫التنمية الثقافية طويلة املدى تتطلب دعم ًا‬

‫املعلوماتية‬

‫متولّها‪ ،‬والدرجة �سبعة تعني �أن امل�ؤ�س�سات‬ ‫تنفق بكثافة على البحوث والتطوير ومتولّها‬ ‫مبا ي�ضاهي ال�رشكات الدولية‪ ،‬وقد تراوحت‬ ‫درجات الدول العربية املتاح عنها بيانات‬ ‫يف هذا امل� رّؤ�ش بني ‪ 3.77‬وهي الدرجة التي‬ ‫ح�صلت عليها قطر وح�صلت بها على املركز‬ ‫‪ 35‬عاملي ًا‪ ،‬و‪ 2‬وهي الدرجة التي ح�صلت عليها‬ ‫ليبيا وح�صلت بها على املركز ‪ 124‬عاملي ًا‪،‬‬ ‫�أما متو�سط درجات هذه الدول ككل فبلغ ‪3.03‬‬ ‫درجة من �سبع درجات‪.‬‬

‫تقني ًا ومتوي ًال م�ستدمي ًا‪� ،‬أي تت�ضمن بعداً‬ ‫اقت�صادي ًا وجتاري ًا كبرياً وم�ؤثّراً‪ ،‬كما هو‬ ‫احلال مع م�رشوعي رقمنة املحتوى والن�رش‬ ‫الإلكرتوين وغريها‪ ،‬وتتك ّون هذ املجموعة من‬ ‫�ستة م� رّؤ�شات هي �صادرات التقنيات العالية‪،‬‬ ‫والو�صول للمحتوى الرقمي‪ ،‬وجودة املناف�سة‬ ‫يف قطاع االت�صاالت وتقنيات املعلومات‪،‬‬ ‫ومدى ا�ستيعاب التقنيات داخل امل�ؤ�س�سات‪،‬‬ ‫ومدى ا�ستخدام الإنرتنت جتاري ًا‪ ،‬وواردات‬ ‫خدمات تقنيات املعلومات واالت�صاالت‪ .‬ويف‬ ‫�ضوء الأرقام الواردة يف اجلدول رقم (‪ )8‬ميكن‬ ‫تناول �أو�ضاع العامل العربي بالن�سبة لهذه‬ ‫امل� رّؤ�شات كما يلي ‪:‬‬

‫‪35‬‬

‫قطر الأوىل عربي ًا والـ ‪ 25‬عاملي ًا‬ ‫يف م� رّؤ�ش التعاون البحثي بني قطاع‬ ‫ال�صناعة واجلامعات‪.‬‬

‫�صادرات التكنولوجيا على الطريق‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش �صادرات التقنيات العالية‬ ‫ن�سبة ال�صادرات من التقنية املتطورة �إىل‬ ‫�إجمايل ال�صادرات من ال�سلع والب�ضائع‪.‬‬ ‫وداخل الدول العربية املتاح عنها بيانات‬ ‫ترتاوح هذه الن�سبة بني ‪ %6.96‬وهي الن�سبة‬ ‫التي حقّقتها املغرب وجعلتها حتتل املركز ‪34‬‬ ‫عاملي ًا‪ ،‬و ‪ %0.02‬وهي الن�سبة التي حقّقتها‬ ‫ُعمان وجعلتها حتت ّل املركز ‪ 119‬عاملي ًا‪� ،‬أما‬ ‫متو�سط الن�سبة بهذه الدول فيبلغ ‪ %01.17‬من‬ ‫�إجمايل ال�صادرات‪.‬‬

‫حمتوى‪ :‬نعم ‪ ..‬و�صول �إليه ‪ :‬لي�س دائما!‬

‫املغرب الأوىل عربي ًا والـ ‪34‬‬ ‫عاملي ًا يف م� رّؤ�ش ن�سبة �صادرات‬ ‫تقنيات املعلومات واالت�صاالت �إىل‬ ‫�إجمايل ال�صادرات (‪ )%6.9‬و�إجمايل‬ ‫الن�سبة يف الدول العربية يبلغ ‪.%1.2‬‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش الو�صول للمحتوى الرقمي‬ ‫الن�صي‬ ‫مدى ال�سهولة يف الو�صول �إىل املحتوى ّ‬ ‫واملرئي وامل�سموع ومنتجات الربجميات عرب‬ ‫قنوات االت�صاالت املتع ّددة كالإنرتنت الثابتة‬ ‫والال�سلكية وال�شبكات املحمولة والأقمار‬ ‫ال�صناعية‪ ،‬ومينح هذا امل� رّؤ�ش كل دولة درجة‬ ‫من واحد �إىل �سبع‪ ،‬حيث واحد تعني �أنه من‬ ‫ال�صعب الو�صول للمحتوى الرقمي‪ ،‬و�سبعة‬ ‫تعني �أنه من ال�سهل الو�صول �إىل املحتوى‬ ‫الرقمي‪ ،‬وترتاوح الدرجات التي ح�صلت عليها‬ ‫الدول العربية املتاح عنها بيانات يف هذا‬ ‫امل� رّؤ�ش بني ‪ 5.57‬وهي الدرجة التي حقّقتها‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 36‬للتنمية الثقافية‬

‫عاملي ًا‪ ،‬امل�ؤ�س�سات والتكنولوجيا‪ :‬ا�ستيعاب عالٍ‬

‫قطر وح�صلت بها على املركز‬ ‫و‪ 3.04‬وهي الدرجة التي حقّقتها �سوريا‬ ‫وح�صلت بها على املركز ‪ 128‬عاملي ًا‪ ،‬وقد بلغ‬ ‫متو�سط درجات الدول املتاح عنها بيانات‬ ‫يف هذا امل� رّؤ�ش‪ 4.46‬درجة من �سبع درجات‪.‬‬ ‫(جدول رقم ‪) 8‬‬ ‫‪28‬‬

‫مناف�سة فتية‬

‫م�رص الأوىل عربي ًا والـ ‪ 36‬عاملي ًا‬ ‫يف م� رّؤ�ش مدى ا�ستخدام الإنرتنت‬ ‫جتار ّي ًا بن�سبة ‪ %4.7‬ون�سبة املتو�سط‬ ‫العربي يبلغ ‪%3.9‬‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش جودة املناف�سة يف قطاع‬ ‫االت�صاالت وتقنيات املعلومات ما �إذا كانت‬ ‫هناك مناف�سة كافية بني مز ّودي خدمات‬ ‫الإنرتنت وخدمات االت�صاالت الأخرى ل�ضمان‬ ‫اجلودة العالية وقلة انقطاع اخلدمة وتخفي�ض‬ ‫الأ�سعار‪ ،‬ومينح امل� رّؤ�ش كل دولة درجة من‬ ‫واحد �إىل �سبع‪ ،‬حيث �إن الدرجة واحد تعني �أنه‬ ‫ال توجد مناف�سة والدرجة ‪ 7‬تعني �أن املناف�سة‬ ‫قائمة ومكافئة لأرقى امل�ستويات يف العامل‪،‬‬ ‫وقد تراوحت �أرقام الدول العربية املتاح عنها‬ ‫�أرقام يف هذا امل� رّؤ�ش بني ‪ 5.34‬وهي الدرجة‬ ‫التي حقّقتها م�رص وح�صلت بها على املركز‬ ‫‪ 20‬عاملي ًا و‪ 3.17‬وهي الدرجة التي حقّقتها‬ ‫موريتانيا وح�صلت على املركز ‪ 125‬عاملي ًا‪،‬‬ ‫�أما متو�سط الدرجات التي ح�صلت عليها هذه‬ ‫الدول فبلغ ‪ 4.12‬درجة من �سبع درجات‪.‬‬

‫�شكل رقم ‪6‬‬

‫الن�سبة لإجمايل ل�صادرات التقنيات العالية‬

‫‪16‬‬

‫‪13.338‬‬

‫‪14‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪6.96‬‬

‫‪6‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪3.28‬‬

‫‪0.07 0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0.29 0‬‬

‫‪0.28 0.02‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0.02 0 0.02 0.07‬‬

‫‪0.67‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬

‫ردن‬ ‫لأ‬ ‫ا رات‬ ‫لإما‬ ‫ا رين‬ ‫لبح‬ ‫ا زائر‬ ‫اجل دية‬ ‫�سعو‬ ‫ال دان‬ ‫و‬ ‫ال�س مال‬ ‫�صو‬ ‫ال‬ ‫عراق‬ ‫ال ويت‬ ‫لك‬ ‫ا غرب‬ ‫امل‬ ‫يمن‬ ‫ال‬ ‫ن�س‬ ‫تو‬ ‫وريا‬ ‫�س‬ ‫مان‬ ‫ع طني‬ ‫فل�س‬ ‫قطر‬ ‫نان‬ ‫لب‬ ‫يبيا‬ ‫ل‬ ‫رص‬ ‫م� انيا‬ ‫ريت ربية‬ ‫مو ا الغ‬ ‫روب‬ ‫أ�و‬ ‫‪Series1‬‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش ا�ستيعاب التقنيات داخل‬ ‫امل�ؤ�س�سات هل ال�رشكات وامل�ؤ�س�سات القائمة‬ ‫يف كل دولة قادرة بالفعل على ا�ستيعاب‬ ‫تقنيات املعلومات واالت�صاالت وتوظيفها‬ ‫يف دورة �أعمالها الداخلية ويف عالقاتها‬ ‫مع �رشكائها وزبائنها �أم ال‪ ،‬ومينح امل� رّؤ�ش‬ ‫ك ّل دولة �سبع درجات‪ ،‬بحيث تعني الدرجة‬ ‫واحد �أن امل�ؤ�س�سات غري قادرة على ا�ستيعاب‬ ‫التقنيات اجلديدة‪ ،‬والدرجة ‪ 7‬تعني �أنها �شديدة‬ ‫النهم يف ا�ستيعاب التقنيات اجلديدة‪ ،‬وترتاوح‬ ‫الدرجات التي ح�صلت عليها الدول العربية‬ ‫ؤ�ش بني ‪5.93‬‬ ‫املتاح عنها بيانات يف هذا امل� رّ‬ ‫درجة وهي التي حقّقتها الإمارات وح�صلت‬ ‫بها على املركز‪ 14‬عاملي ًا‪ ،‬و‪ 3.56‬وهي الدرجة‬ ‫التي حقّقتها اجلزائر وح�صلت بها على املركز‬ ‫‪ 128‬عاملي ًا‪� ،‬أما متو�سط الدرجات التي ح�صلت‬ ‫عليها هذه الدول فبلغ ‪ 4.93‬درجة من �سبع‬ ‫درجات‪.‬‬

‫ا�ستخدام جتاري طموح‬

‫يقي�س م� رّؤ�ش مدى ا�ستخدام الإنرتنت‬ ‫جتاري ًا �إىل � ّأي حد ت�ستخدم الإنرتنت من قبل‬ ‫املواطنني وال�رشكات وامل�ؤ�س�سات يف بيع‬ ‫و�رشاء ال�سلع والتعامل مع العمالء واملوردين‪،‬‬ ‫ومينح امل� رّؤ�ش كل دولة درجة من �سبع‬ ‫درجات‪ ،‬بحيث تعني الدرجة واحد �أن الإنرتنت‬ ‫ال ت�ستخدم جتاري ًا‪ ،‬والدرجة �سبعة تعني �أنها‬ ‫ت�ستخدم بكثافة وعلى نطاق وا�سع‪ ،‬وترتاوح‬ ‫درجات الدول العربية املتاح عنها بيانات‬ ‫يف هذا امل� رّؤ�ش بني ‪ 4.68‬وهي الدرجة التي‬ ‫حقّقتها م�رص وح�صلت بها على املركز ‪36‬‬ ‫عاملي ًا‪ ،‬و‪ 2.14‬وهي الدرجة التي حقّقتها‬ ‫اجلزائر وح�صلت بها على املركز ‪ 134‬عاملي ًا‪،‬‬ ‫�أما متو�سط درجات الدول املتاح عنها بيانات‬ ‫فبلغ ‪ 3.87‬درجة من �سبع درجات‪.‬‬ ‫يقي�س م� رّؤ�ش واردات خدمات تقنيات‬ ‫املعلومات واالت�صاالت ن�سبة الواردات من‬ ‫خدمات تقنيات املعلومات واالت�صاالت‬


‫الف�صل االول‬ ‫واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف‬ ‫جدول رقم ‪8‬‬

‫الأردن‬ ‫الإمارات‬ ‫البحرين‬ ‫اجلزائر‬ ‫ال�سعودية‬ ‫ال�سودان‬ ‫ال�صومال‬ ‫العراق‬ ‫الكويت‬ ‫املغرب‬ ‫اليمن‬ ‫تون�س‬ ‫�سوريا‬ ‫عمان‬ ‫فل�سطني‬ ‫قطر‬ ‫لبنان‬ ‫ليبيا‬ ‫م�رص‬ ‫موريتانيا‬

‫�أوروبا الغربية‬

‫البيئة االقت�صادية والتجارية لتقنيات املعلومات واالت�صاالت بالدول العربية «الرتتيب �أبجدي ًا»‬ ‫جودة املناف�سة يف‬ ‫�صادرات التقنيات الو�صول للمحتوى قطاع االت�صاالت‬ ‫وتقنيات‬ ‫الرقمي‬ ‫العالية‬ ‫املعلومات‬

‫مدى ا�ستيعاب‬ ‫التقنيات داخل‬ ‫امل�ؤ�س�سات‬

‫مدى ا�ستخدام‬ ‫الإنرتنت جتاري ًا‬

‫واردات خدمات‬ ‫تقنيات املعلومات‬ ‫واالت�صاالت‬

‫درجة‬ ‫ال�سهولة‬ ‫يف‬ ‫الو�صول‬

‫الرتتيب‬ ‫دولي ًا‬

‫م�ستوى‬ ‫جودة‬ ‫املناف�سة‬

‫‪0.67‬‬

‫‪81‬‬

‫‪5.05‬‬

‫‪46‬‬

‫‪5.3‬‬

‫‪22‬‬

‫‪0.02‬‬

‫‪120‬‬

‫‪5.34‬‬

‫‪34‬‬

‫‪3.85‬‬

‫‪91‬‬

‫‪0‬‬

‫‪123‬‬

‫‪5.52‬‬

‫‪29‬‬

‫‪4.37‬‬

‫‪58‬‬

‫‪5.43‬‬

‫‪0.02‬‬

‫‪117‬‬

‫‪3.22‬‬

‫‪125‬‬

‫‪3.59‬‬

‫‪107‬‬

‫‪3.56‬‬

‫‪0.07‬‬

‫‪110‬‬

‫‪4.63‬‬

‫‪74‬‬

‫‪4.86‬‬

‫‪36‬‬

‫‪5.17‬‬

‫‪44‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪4.6‬‬

‫‪75‬‬

‫‪4.27‬‬

‫‪65‬‬

‫‪5.49‬‬

‫‪28‬‬

‫‪4.23‬‬

‫‪63‬‬

‫‪1.62‬‬

‫‪6.96‬‬

‫‪34‬‬

‫‪4.44‬‬

‫‪82‬‬

‫‪4.09‬‬

‫‪76‬‬

‫‪4.68‬‬

‫‪70‬‬

‫‪3.32‬‬

‫‪110‬‬

‫‪28.59‬‬

‫‪57‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪3.28‬‬

‫‪55‬‬

‫‪4.96‬‬

‫‪48‬‬

‫‪4.84‬‬

‫‪37‬‬

‫‪5.44‬‬

‫‪34‬‬

‫‪4.12‬‬

‫‪70‬‬

‫‪20.76‬‬

‫‪80‬‬

‫‪0.28‬‬

‫‪95‬‬

‫‪3.04‬‬

‫‪128‬‬

‫‪3.38‬‬

‫‪118‬‬

‫‪4.4‬‬

‫‪87‬‬

‫‪3.01‬‬

‫‪123‬‬

‫‪11.16‬‬

‫‪107‬‬

‫‪0.02‬‬

‫‪119‬‬

‫‪4.57‬‬

‫‪77‬‬

‫‪3.82‬‬

‫‪95‬‬

‫‪4.54‬‬

‫‪82‬‬

‫‪4.14‬‬

‫‪67‬‬

‫‪39.36‬‬

‫‪28‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫الن�سبة‬ ‫إجمايل الرتتيب‬ ‫ل‬ ‫ال�صادرات دولي ًا‬

‫الن�سبة‬ ‫لإجمايل‬ ‫واردات‬ ‫اخلدمات‬

‫الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫‪5.43‬‬

‫‪35‬‬

‫‪4.64‬‬

‫‪39‬‬

‫‪9.65‬‬

‫‪110‬‬

‫‪5.93‬‬

‫‪14‬‬

‫‪4.66‬‬

‫‪37‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪36‬‬

‫‪4.29‬‬

‫‪60‬‬

‫‪11.7‬‬

‫‪106‬‬

‫‪128‬‬

‫‪2.14‬‬

‫‪134‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪4.44‬‬

‫‪48‬‬

‫‪69.65‬‬

‫‪3‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬ ‫‪119‬‬

‫الرتتيب درجة الرتتيب درجة‬ ‫اال�ستخدام الرتتيب‬ ‫دولي ًا اال�ستيعاب دولي ًا التجارى دولي ًا‬

‫‪0.29‬‬

‫‪92‬‬

‫‪5.57‬‬

‫‪28‬‬

‫‪3.41‬‬

‫‪116‬‬

‫‪5.31‬‬

‫‪40‬‬

‫‪4.39‬‬

‫‪53‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪3.6‬‬

‫‪112‬‬

‫‪3.43‬‬

‫‪114‬‬

‫‪4.29‬‬

‫‪97‬‬

‫‪2.96‬‬

‫‪126‬‬

‫‪11.88‬‬

‫‪105‬‬

‫‪0.07‬‬

‫‪109‬‬

‫‪4.44‬‬

‫‪83‬‬

‫‪5.34‬‬

‫‪20‬‬

‫‪4.8‬‬

‫‪63‬‬

‫‪4.68‬‬

‫‪36‬‬

‫‪28.52‬‬

‫‪58‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪3.51‬‬

‫‪113‬‬

‫‪3.17‬‬

‫‪125‬‬

‫‪4.58‬‬

‫‪79‬‬

‫‪3.22‬‬

‫‪113‬‬

‫‪0‬‬

‫ـ‬

‫‪13.338‬‬

‫‪-‬‬

‫‪5.622‬‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫‪5.012‬‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫ـ‬

‫امل�صدر‪ :‬قاعدة بيانات التقرير العاملي لتقنية املعلومات ال�صادر عن منتدى دافو�س االقت�صادي العاملي مار�س ‪2009‬‬ ‫‪http://www.insead.edu/v1/gitr/wef/main/home.cfm‬‬

‫وغريها �إىل �إجمايل واردات اخلدمات التجارية نقاط القوة وال�ضعف يف البنية‬ ‫لكل دولة‪ ،‬وترتاوح الن�سبة لدى الدول العربية املعلوماتية العربية «من املنظور‬ ‫بني ‪ 69.65‬وهي الن�سبة التي حقّقتها ال�سعودية‪ ،‬الثقايف»‬ ‫وح�صلت بها على املركز الثالث عاملي ًا‪ ،‬و‪1.62‬‬

‫وهي الن�سبة التي حقّقتها الكويت وح�صلت بها‬ ‫على املركز ‪ 119‬عاملي ًا‪ ،‬وبلغ متو�سط الن�سبة‬ ‫لدى الدول املتاح عنها بيانات ‪ %23.29‬من‬ ‫�إجمايل واردات اخلدمات التجارية للدولة‪.‬‬

‫حتمل الأرقام والتحليالت ال�سابقة عن‬ ‫واقع البنية املعلوماتية العربية الراهنة العديد‬ ‫من نقاط الق ّوة وال�ضعف من حيث قدرتها‬ ‫وجهوزيتها للتعامل مع خطط وم�رشوعات‬ ‫التنمية الثقافية �سواء اجلارية �أم املقبلة‪،‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫املعلوماتية‬

‫الدولة‬

‫‪37‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 38‬للتنمية الثقافية‬ ‫جدول رقم ‪9‬‬

‫متو�سط درجات ومتو�سط ترتيب الدول العربية املتاح عنها بيانات عامليا يف م�ؤ�رشات البنية املعلوماتية‬

‫م�ؤ�رشات تقنيات‬ ‫املعلومات واالت�صاالت‬ ‫يف الر�ؤى احلكومية‬ ‫م�ؤ�رشات الأداء‬ ‫احلكومي وتقنيات‬ ‫املعلومات واالت�صاالت‬ ‫م�ؤ�رشات البنية‬ ‫املعلوماتية (قطاع‬ ‫االت�صاالت)‬

‫م�شرتوات احلكومة من تقنيات‬ ‫املعلومات‬ ‫متو�سط الدرجة‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫‪3.89‬‬

‫‪50.93‬‬

‫م�ستوى تدريب موظفي احلكومة على‬ ‫التقنيات‬ ‫متو�سط الدرجة‬ ‫‪3.84‬‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬ ‫‪73.14‬‬

‫عدد خطوط التليفون‬

‫م�ؤ�رشات البيئة‬ ‫الإبداعية‬

‫م�ؤ�رشات �أو�ضاع‬ ‫التعليم (البحث‬ ‫والتدريب)‬

‫‪5.02‬‬

‫‪48.43‬‬

‫‪4.57‬‬

‫م�ؤ�رش اال�ستعداد للحكومة الإلكرتونية‬ ‫متو�سط الدرجة‬ ‫‪0.41‬‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬ ‫‪95.47‬‬

‫‪48.43‬‬

‫توافر اخلدمات الإلكرتونية بالإنرتنت‬ ‫متو�سط الدرجة‬ ‫‪3.66‬‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬ ‫‪71.43‬‬

‫معدل االنت�شار لكل‬ ‫‪ 100‬ن�سمة‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫متو�سط الن�سبة من‬ ‫دخل الفرد‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫متو�سط الن�سبة من‬ ‫دخل الفرد‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫‪12.88‬‬

‫‪95.45‬‬

‫‪1.23‬‬

‫‪49.23‬‬

‫‪2.21‬‬

‫‪47.57‬‬

‫حا�سبات الإنرتنت اخلادمة امل�ؤمنة‬

‫تكلفة ا�شرتاك دي �إ�س �إل �شهريا‬

‫متو�سط ميجا‪/‬ثانية‬ ‫لكل ‪100‬ن�سمة‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫متو�سط عدد‬ ‫احلا�سبات لكل‬ ‫مليون ن�سمة‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫متو�سط ن�سبة‬ ‫اال�شرتاك من الدخل‬ ‫ال�شهري‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫‪5.63‬‬

‫‪66.57‬‬

‫‪19.62‬‬

‫‪82.00‬‬

‫‪864.73‬‬

‫‪63.45‬‬

‫براءات االخرتاع القابلة للتطبيق‬ ‫متو�سط عدد الرباءات‬ ‫لكل مليون ن�سمة‬ ‫‪0.59‬‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬ ‫‪76.21‬‬

‫حرية ال�صحافة‬ ‫متو�سط م�ستوى‬ ‫احلرية‬ ‫‪4.43‬‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬ ‫‪98.21‬‬

‫الإنفاق على التعليم‬

‫قوانني لها عالقة بتقنيات املعلومات‬ ‫واالت�صاالت‬ ‫متو�سط م�ستوى‬ ‫الإتاحة‬ ‫‪3.71‬‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬ ‫‪73.00‬‬

‫جودة تعليم الريا�ضيات والعلوم‬

‫متو�سط القدرة‬ ‫على دعم التنمية‬ ‫التناف�سية‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫متو�سط الن�سبة من‬ ‫الدخل القومي‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫متو�سط م�ستوى‬ ‫اجلودة‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫‪3.52‬‬

‫‪75.57‬‬

‫‪4.73‬‬

‫‪55.27‬‬

‫‪4.04‬‬

‫‪69.43‬‬

‫جودة م�ؤ�س�سات البحث العلمى‬

‫توافر خدمات البحوث والتدريب حمليا‬

‫�إنفاق امل�ؤ�س�سات على البحوث‬

‫متو�سط م�ستوى‬ ‫اجلودة‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫متو�سط مدى توافر‬ ‫اخلدمات‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫متو�سط درجة‬ ‫الإنفاق‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫‪3.75‬‬

‫‪75.50‬‬

‫‪3.83‬‬

‫‪73.50‬‬

‫‪3.03‬‬

‫‪76.21‬‬

‫�صادرات التقنيات العالية‬

‫م�ؤ�رشات البيئة‬ ‫االقت�صادية والتجارية‬

‫متو�سط الدرجة‬

‫تكلفة الو�صالت التليفونية للمنازل‬

‫جودة نظام التعليم‬

‫م�ؤ�رشات �أو�ضاع‬ ‫التعليم(نظام التعليم)‬

‫متو�سط الدرجة‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫تكلفة اال�شرتاك التليفونى ال�شهري‬

‫�سعة الربط الدويل بالإنرتنت‬

‫م�ؤ�رشات البنية‬ ‫املعلوماتية (الإنرتنت‬ ‫وتقنيات املعلومات)‬

‫م�ستوى تقنيات املعلومات يف قائمة‬ ‫�أولويات احلكومة‬

‫تقنيات املعلومات واالت�صاالت بالر�ؤية‬ ‫احلكومية‬

‫الو�صول للمحتوى الرقمي‬

‫جودة املناف�سة يف قطاع االت�صاالت‬ ‫وتقنيات املعلومات‬

‫متو�سط الن�سبة‬ ‫لإجمايل ال�صادرات‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫متو�سط درجة‬ ‫ال�سهولة يف الو�صول‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫متو�سط م�ستوى‬ ‫جودة املناف�سة‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫‪1.17‬‬

‫‪95.91‬‬

‫‪4.46‬‬

‫‪75.29‬‬

‫‪4.12‬‬

‫‪77.14‬‬


‫الف�صل االول‬ ‫واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف‬

‫متو�سط الدرجة‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫‪4.83‬‬

‫‪41.79‬‬

‫تفعيل تقنيات املعلومات وتطور الأداء‬ ‫احلكومي‬ ‫متو�سط الدرجة‬ ‫‪4.43‬‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬ ‫‪59.64‬‬

‫تكلفة مكاملة املحمول‬

‫م�ستوى امل�شاركة الإلكرتونية‬ ‫متو�سط الدرجة‬ ‫‪0.16‬‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬ ‫‪90.32‬‬

‫م�شرتكو التليفون املحمول‬

‫م�ستوى انت�شار تقنيات املعلومات‬ ‫باملكاتب احلكومية‬ ‫متو�سط الدرجة‬ ‫‪4.37‬‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬ ‫‪63.93‬‬

‫م�شرتكو اخلطوط ال�رسيعة‬

‫متو�سط الن�سبة من‬ ‫دخل الفرد‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫متو�سط امل�شرتكني‬ ‫لكل ‪ 100‬ن�سمة‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫متو�سط الن�سبة لكل‬ ‫‪ 100‬ن�سمة‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫‪0.16‬‬

‫‪50.00‬‬

‫‪70.95‬‬

‫‪84.40‬‬

‫‪2.07‬‬

‫‪96.40‬‬

‫�أقل تكلفة خلطوط االت�صاالت ال�رسيعة‬

‫احلا�سبات ال�شخ�صية‬

‫متو�سط ن�سبة تكلفة‬ ‫‪ 100‬كيلوبايت‬ ‫ثانية من الدخل‬ ‫ال�شهري‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫متو�سط عدد‬ ‫احلا�سبات لكل‬ ‫‪ 100‬ن�سمة‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫متو�سط عدد‬ ‫امل�ستخدمني بني‬ ‫كل ‪ 100‬ن�سمة‬

‫‪113.23‬‬

‫‪68.71‬‬

‫‪10.30‬‬

‫‪69.43‬‬

‫‪17.95‬‬

‫‪91.70‬‬

‫ا�ستقاللية الق�ضاء‬ ‫متو�سط م�ستوى‬ ‫اال�ستقالل‬ ‫‪4.54‬‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬ ‫‪52.43‬‬

‫الت�سجيل اجلامعي‬

‫متو�سط م�ستوى‬ ‫الفاعلية‬ ‫‪4.19‬‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬ ‫‪50.36‬‬

‫الو�صول للإنرتنت باملدار�س‬

‫توافر خطوط التليفونات اجلديدة‬

‫متو�سط درجة‬ ‫�سهولة و�إتاحة‬ ‫اخلطوط‬ ‫‪5.84‬‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬ ‫‪56.14‬‬

‫م�ستخدمو الإنرتنت‬ ‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫فعالية االطار القانوين‬

‫املعلوماتية‬

‫جناح احلكومة يف ترويج تقنيات‬ ‫املعلومات باملجتمع‬

‫حماية امللكية الفكرية‬ ‫متو�سط م�ستوى‬ ‫احلماية‬ ‫‪4.03‬‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬ ‫‪56.93‬‬

‫القدرة على الإبداع واالبتكار‬ ‫متو�سط م�ستوى‬ ‫الإبداع‬ ‫‪2.89‬‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬ ‫‪83.43‬‬

‫جودة كليات الإدارة‬

‫متو�سط معدل النمو‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫متو�سط م�ستوى‬ ‫الو�صول لل�شبكة‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫متو�سط م�ستوى‬ ‫اجلودة‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫‪25.39‬‬

‫‪76.71‬‬

‫‪3.41‬‬

‫‪72.36‬‬

‫‪3.80‬‬

‫‪81.50‬‬

‫التعاون البحثي بني ال�صناعة‬ ‫واجلامعة‬

‫متو�سط درجة‬ ‫التعاون‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫‪3.12‬‬

‫‪76.57‬‬

‫مدى ا�ستيعاب التقنيات داخل‬ ‫امل�ؤ�س�سات‬

‫مدى ا�ستخدام الإنرتنت جتاريا‬

‫واردات خدمات تقنيات املعلومات‬ ‫واالت�صاالت‬

‫متو�سط درجة‬ ‫اال�ستيعاب‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫متو�سط درجة‬ ‫اال�ستخدام التجاري‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫متو�سط الن�سبة‬ ‫لإجمايل واردات‬ ‫اخلدمات‬

‫متو�سط الرتتيب‬ ‫دوليا‬

‫‪4.93‬‬

‫‪59.79‬‬

‫‪3.87‬‬

‫‪77.07‬‬

‫‪23.29‬‬

‫‪77.30‬‬

‫‪39‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 40‬للتنمية الثقافية‬

‫وبقراءة املتو�سطات امل�ستخرجة من هذه‬ ‫الأرقام وامل� رّؤ�شات والواردة ب�شكل ملخ�ص يف‬ ‫اجلدول رقم (‪ )9‬الذي يت�ضمن متو�سط الدرجات‬ ‫التي ح�صلت عليها الدول العربية املتاح عنها‬ ‫بيانات مقارنة باملتو�سط العاملي ال�سائد ‪..‬‬ ‫ميكن عر�ض نقاط ال�ضعف والقوة يف هذه‬ ‫البنية من املنظور الثقايف كالتايل‪:‬‬

‫نقاط الق ّوة وتتم ّثل يف‪:‬‬ ‫بيئة قوية للبناء‬

‫يف العامل العربي الذي يبلغ عدد‬ ‫�سكانه ‪ 342‬مليون ن�سمة يوجد‬ ‫ماليني خط هاتفي (حممول وثابت)‬ ‫و‪ 55‬مليون �شخ�ص ي�ستخدمون‬ ‫الإنرتنت ب�صورة �أو ب�أخرى‪ .‬ويوجد‬ ‫ع�رشة من كل مائة عربي لديهم‬ ‫جهاز كومبيوتر‪.‬‬ ‫‪203‬‬

‫وجود اجتاه معقول القوة لدى احلكومات‬ ‫العربية بدعم ت�شييد و�صيانة وتوظيف البنية‬ ‫الأ�سا�سية لتقنية املعلومات‪ ،‬وهو ما تدلّ‬ ‫عليه جمموعة م� رّؤ�شات تقنيات املعلومات‬ ‫واالت�صاالت بالر�ؤى احلكومية‪ ،‬حيث تراوحت‬ ‫الدرجات التي ح�صلت عليها احلكومات‬ ‫ؤ�شات بني ‪ 3.98‬و‪5.02‬‬ ‫العربية يف هذه امل� رّ‬ ‫درجة من �سبع درجات‪ ،‬وهذا يعك�س م�ستوى‬ ‫ال ي�ستهان به من القبول وااللتزام لدى‬ ‫احلكومات ب�رضورة الإنفاق على تقنية‬ ‫املعلومات باعتبارها �إحدى الأدوات والروافع‬ ‫املطلوبة لعملية التنمية ال�شاملة‪ ،‬مبا فيها‬ ‫التنمية الثقافية‪ ،‬وهذه نقطة ق ّوة يف �صالح‬ ‫الثقافة‪ ،‬لأنه لو كان االلتزام احلكومي �ضعيف ًا‬ ‫جتاه تقنيات االت�صاالت واملعلومات فلن‬ ‫تكون هناك بنية معلوماتية ت�سمح با�ستخدام‬ ‫تقنيات املعلومات واالت�صاالت كرافعة للتنمية‬ ‫الثقافية �أو غريها‪.‬‬

‫�رشيحة �سكان ع�رصية متنامية‬

‫على الرغم من �أن �أعداد م�شرتكي الهواتف‬ ‫الأر�ضية واملحمولة والإنرتنت واحلا�سبات‬ ‫ي�شكلون ن�سبة قليلة من �إجمايل عدد ال�سكان‬ ‫بالعامل العربي ف�إنهم من الناحية العددية‬ ‫ي�شكلون �رشيحة من ال�سكان ال ي�ستهان بها‪،‬‬ ‫ففي مقابل �إجمايل عدد �سكان يبلغ ‪342.99‬‬ ‫مليون ن�سمة بالعامل العربي‪ ،‬يوجد حو�إىل ‪203‬‬ ‫ماليني خط حممول وثابت و‪ 55‬مليون �شخ�ص‬ ‫ي�ستخدمون الإنرتنت ب�صورة �أو ب�أخرى‪ ،‬كما �أن‬

‫حو�إىل ‪ 10‬من كل مائة �شخ�ص لديهم حا�سب‬ ‫�شخ�صي مكتبي �أو حممول �أو يتعاملون معه‪،‬‬ ‫وهو ما يعني �أن بالعامل العربي حو�إىل ‪34‬‬ ‫مليون حا�سب منت�رشة باملنازل وامل�ؤ�س�سات‬ ‫العامة واخلا�صة واحلكومية‪.‬‬ ‫وجود نقطة بداية ج ّيدة وقابلة للتطوير‬ ‫يف ما يتعلق بالإقبال على �رشاء وامتالك‬ ‫�أدوات تقنية املعلومات‪ ،‬فيقرتب مث ًال متو�سط‬ ‫ن�سبة الواردات من خدمات و�أدوات تقنيات‬ ‫املعلومات من حو�إىل ربع الواردات اخلدمية‬ ‫بالعامل العربي‪ ،‬مبا يدلّ على �أن لدى امل�ؤ�س�سات‬ ‫الر�سمية واخلا�صة بالعامل العربي دافع ًا‬ ‫وقابلية لأن تدفع يف مقابل �أدوات التقنية‬ ‫وتخ�ص�ص لذلك ميزانيات معقولة احلجم‪.‬‬

‫ا�ستعداد للتح�سن والتطور‬

‫هناك عالمة على وجود ا�ستعداد لدى‬ ‫الأجهزة احلكومية والإدارية بالدول العربية‬ ‫لتفعيل دور تقنيات املعلومات واالت�صاالت يف‬ ‫حت�سني �أو�ضاعها ورفع كفاءة �أدائها يف العمل‬ ‫ويف عالقتها مع جماهريها‪ ،‬وي�ستدلّ على ذلك‬ ‫مما ح�صلت عليه احلكومات العربية يف م� رّؤ�ش‬ ‫ّ‬ ‫تفعيل تقنيات املعلومات واالت�صاالت لتطوير‬ ‫الأداء احلكومي والذي ح�صلت فيه على متو�سط‬ ‫درجات بلغ ‪ 4.43‬درجة من ‪ 7‬درجات‪ ،‬وكذلك‬ ‫ما ح�صلت عليه يف تدريب وت�أهيل املوظفني‬ ‫والإداريني على التعامل مع تقنية املعلومات‪،‬‬ ‫بحيث بلغ متو�سط درجات احلكومات العربية‬ ‫يف هذه النقطة ‪ 3.84‬من �سبع درجات وهو‬ ‫ما يعك�س بداي ًة جيدة لتكوين قناعة لدى‬ ‫احلكومات العربية يف القبول بتقنيات‬ ‫املعلومات ك�أداة من �أدوات التدريب والتطوير‪.‬‬ ‫وهناك �أمر ي�ستدل منه على هذه النقطة هو‬ ‫ن�سبة الإقبال التي بد�أت تظهر يف ما يتعلق‬ ‫بحر�ص احلكومات العربية على تقدمي اخلدمات‬ ‫احلكومية للمواطنني �إلكرتونيا‪ ،‬وهو الأمر الذي‬ ‫ح�صلت فيه احلكومات على ‪ 3.66‬درجة من ‪7‬‬ ‫درجات‪.‬‬


‫الف�صل االول‬ ‫واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف‬

‫بدايات مهارات وق�ص�ص جناح‬

‫نقاط ال�ضعف‬

‫معدل �إتاحة تقنيات االت�صاالت‬ ‫واملعلومات بالعامل العربي اليزال منخف�ض ًا‬ ‫ب�صورة كبرية‪ ،‬ومرجع ذلك �إىل �أن حجم البنية‬ ‫التحتية ككل اليزال حمدوداً وال يتنا�سب‬ ‫مع عدد ال�سكان‪ .‬وبا�ستثناء دول اخلليج‬ ‫الغنية وقليلة ال�سكان ميكن القول �إن البنية‬ ‫املعلوماتية املتاحة يف الدول العربية هي �إما‬ ‫حمدودة �أو فائقة املحدودية قيا�س ًا �إىل عدد‬ ‫ال�سكان‪ ،‬وهذا يعني عملي ًا �أن �رشائح ال�سكان‬ ‫العري�ضة بالعامل العربي بعيدة عن خدمات‬ ‫و�إمكانات البنية التحتية املعلوماتية (هواتف‬

‫ـ حا�سبات ـ �إنرتنت ‪� ...‬إلخ)‪ ،‬وبالتايل حمرومة‬ ‫من احل�صول على � ّأي من مزاياها �أو �إمكاناتها‪.‬‬ ‫كما تبدو البيئة الإبداعية بالعامل العربي غري‬ ‫مواتية �إىل ح ّد كبري‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف ما يتعلّق‬ ‫بحرية ال�صحافة والقدرة على الإبداع واالبتكار‬ ‫وبراءات االخرتاع القابلة للتطبيق وحماية‬ ‫امللكية الفكرية وحرية تداول املعلومات‪ ،‬حيث‬ ‫تتدنى امل� رّؤ�شات اخلا�صة بكل هذه الأبعاد‪.‬‬

‫املعلوماتية‬

‫تدلّ امل� رّؤ�شات ال�سابقة على بروز قدر ال‬ ‫ب�أ�س به من املهارات والنجاح يف اال�ستفادة‬ ‫من تقنيات املعلومات عملي ًا وحماولة توليد‬ ‫قيمة م�ضافة من وراء امتالكها‪ ،‬ويتجلّى ذلك‬ ‫من الأرقام املحقّقة يف م� رّؤ�شات مثل م� رّؤ�ش‬ ‫درجة النجاح يف ا�ستيعاب تقن ّيات املعلومات‬ ‫واالت�صاالت من قبل امل�ؤ�س�سات العامة‬ ‫واخلا�صة والتي �سجلت فيها الدول العربية‬ ‫‪ 4.93‬درجة من ‪ 7‬درجات‪ ،‬ومثّل م� رّؤ�ش النجاح‬ ‫يف توظيف الإنرتنت جتاري ًا الذي حقّقت فيه‬ ‫الدول العربية ‪ 3.87‬درجة من ‪ 7‬درجات‪.‬‬ ‫وينبغي هنا التنويه ب�أن نقاط الق ّوة‬ ‫ال�سابقة يف جمملها لي�ست نقاط قوة بارزة‬ ‫را�سخة قادرة على ح�سم املناف�سة مع الأو�ضاع‬ ‫املناوئة للتوظيف الثقايف للتقنيات االت�صاالت‬ ‫واملعلومات �أو حل�سم املناف�سة مع املجتمعات‬ ‫الأخرى‪ ،‬بل هي نقاط �أقرب �إىل �أو�ضاع حديثة‬ ‫الن�ش�أة توفّر عالمات �أو م� رّؤ�شات على �أن‬ ‫تغيرياً ما يحدث داخل العامل العربي ويحمل‬ ‫مغزى وقيمة يتعينّ الوقوف عنده‪ ،‬لكونه ي ّتجه‬ ‫للتعاظم والر�سوخ مع الوقت‪ ،‬ومن ثم فهو قابل‬ ‫للبناء عليه وتطويره مع الوقت واتخاذه ركيزة‬ ‫للعديد من التحركات م�ستقب ًال‪ ،‬ونقاط قوة‬ ‫حالية �أو حمتملة‪.‬‬

‫‪41‬‬

‫تعليم ي�ستغيث‬

‫تدلّ امل� رّؤ�شات املتاحة على �أن �أو�ضاع‬ ‫التعليم ـ الذي ُيع ّد �أحد �أهم مقومات التنمية‬ ‫الثقافية ون�رش وتفعيل تقنيات املعلومات‬ ‫واالت�صاالت يف �آن واحد ـ تعاين تدهوراً وا�ضح ًا‬ ‫يف معظم مناحيها‪� ،‬سواء من حيث جودة نظام‬ ‫التعليم ودوره يف دعم القدرات التناف�سية‬ ‫للمجتمع‪� ،‬أم يف ما يتعلّق بالإنفاق على التعليم‪،‬‬ ‫وعلى ا�ستخدام الإنرتنت يف املدار�س وغريها‪،‬‬ ‫بحيث تراوح متو�سط الدرجات التي ح�صلت‬ ‫عليها الدول العربية يف هذا ال�صدد بني ‪ 3‬و‪3.5‬‬ ‫درجة من ‪ 7‬درجات‪� ،‬أما متو�سط املراكز التي‬ ‫ح�صلت عليها الدول العربية عاملي ًا فت�أرجح‬ ‫بني املركزين ‪ 55‬و‪.81‬‬

‫تكلفة ت�صدم الأغلبية‬

‫التزال تكلفة ا�ستخدام مفردات البنية‬ ‫التحتية املعلوماتية و�أدواتها املختلفة مرتفعة‬ ‫للغاية بالن�سبة لغالبية دول العامل العربي‪،‬‬ ‫فبا�ستثناء الدول اخلليجية الغن ّية ذات الدخل‬ ‫املرتفع‪ ،‬اليزال عن�رص التكلفة ي�شكّل قيداً‬ ‫على انطالقة اجلماهري العري�ضة يف ا�ستخدام‬ ‫تقنيات املعلومات واالت�صاالت‪ ،‬ففي بع�ض‬ ‫البلدان ـ كموريتانيا وال�سودان ـ تفوق ر�سوم‬ ‫اال�شرتاك ال�شهري يف خطوط االت�صال عالية‬ ‫ال�رسعة �إجمايل دخل الفرد ال�شهري بع ّدة‬ ‫�أ�ضعاف‪ ،‬وهناك املاليني يف م�رص يرغبون يف‬ ‫اقتناء احلا�سبات والدخول على الإنرتنت وال‬ ‫ت�سمح ظروفهم االقت�صادية بذلك‪ ،‬ناهيك مبا‬

‫من بني الإيجابيات التي حققها‬ ‫متو�سط‬ ‫العرب ح�صولهم على‬ ‫ّ‬ ‫درجات ‪ 4.4‬درجة من ‪ 7‬يف توظيف‬ ‫تقنية املعلومات لتطوير الأداء‬ ‫احلكومي‪ ،‬وعلى ‪ 3.8‬من ‪ 7‬درجات‬ ‫يف ت�أهيل املوظفني على التعامل‬ ‫مع تقنية املعلومات‪ ،‬وعلى ‪3.6‬‬ ‫من ‪ 7‬درجات يف تقدمي اخلدمات‬ ‫احلكوم ّية للمواطنني �إلكرتونياً‪،‬‬ ‫وعلى ‪ 3.8‬من ‪ 7‬درجات يف التوظيف‬ ‫التجاري للإنرتنت‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 42‬للتنمية الثقافية‬

‫يجري يف ال�سودان واليمن واجلزائر وغريها‬ ‫من الدول العربية خارج نطاق الدول الغنية‬ ‫باخلليج‪.‬‬

‫بحث علمي حتت املطرقة‬

‫هذا ال�صدد ‪ 4.46‬درجة من ‪ 7‬درجات‪� ،‬أي �أن ما‬ ‫يقرب من ن�صف املحتوى العربي املتاح على‬ ‫ال�شبكة ي�صعب الو�صول �إليه‪� ،‬أو على الأقل لي�س‬ ‫من ال�سهل الو�صول �إليه‪.‬‬

‫ت�شري الأرقام الواردة يف التحليالت فجوة بني الفعل احلكومي والقبول‬ ‫ال�سابقة �إىل �أن �أو�ضاع البحث العلمي اجلماهريي‬

‫والتدريب املتق ّدم يف م�ؤ�س�سات املجتمع كك ّل‬ ‫تعاين ب�صورة وا�ضحة �أقل مما يجب‪ ،‬ويبدو‬ ‫ذلك جلي ًا يف الأرقام اخلا�صة مبدى التعاون‬ ‫بني اجلامعات وم�ؤ�س�سات البحث من جهة‬ ‫واجلهات ال�صناعية والتطبيقية واخلدمية من‬ ‫جهة ثانية‪ ،‬حيث �سجلت الدول العربية يف هذا‬ ‫امل� رّؤ�ش ‪ 3.12‬درجة من ‪ 7‬درجات وبلغ متو�سط‬ ‫ترتيبها الدويل الـ ‪ ،76‬وال يختلف الأمر كثرياً‬ ‫يف ما يتعلّق مب�ستوى الإنفاق على البحث‬ ‫والتطوير �أو جودة م�ؤ�س�سات البحث العلمي �أو‬ ‫مدى توافر خدمات البحث العلمي حمليا‪ ،‬حيث‬ ‫ترتاوح درجات هذه امل� رّؤ�شات جميع ًا بني‬ ‫‪ 3.75‬و‪ 3.03‬درجة من ‪ 7‬درجات‪.‬‬

‫�ضعف احلا�سبات امل�ؤمنة‬

‫يظهر العامل العربي �ضعف ًا �شديداً يف‬ ‫الإقبال على اقتناء وت�شغيل حا�سبات الإنرتنت‬ ‫اخلادمة امل�ؤمنة‪ ،‬بحيث ي�صل متو�سط عدد‬ ‫هذه النوعية من احلا�سبات بالعامل العربي‬ ‫�إىل ‪ 19.62‬جهازاً لكل مليون ن�سمة‪ ،‬وهو رقم‬ ‫متدن للغاية‪ ،‬وتتمثل خطورته يف �أنه يعك�س‬ ‫ٍ‬ ‫الفقر ال�شديد للغاية يف حجم املحتوى الرقمي‬ ‫العربي املو�ضوع على الإنرتنت‪ ،‬لكون هذه‬ ‫النوعية من احلا�سبات هي التي عادة ما تدير‬ ‫وت�ست�ضيف املحتوى الذي ي�ضعه �أ�صحابها‪،‬‬ ‫ومن ثم ف�إن قلة عددها يعني قلة املحتوى‪،‬‬ ‫وال تقف امل�شكلة عند قلة املحتوى بل متتد‬ ‫�إىل مدى ال�سهولة وال�رسعة يف الو�صول �إليه‬ ‫من جانب امل�ستخدمني وامل�ستهدفني‪ ،‬ويظهر‬ ‫م� رّؤ�ش ال�سهولة يف الو�صول للمحتوى تدني ًا‬ ‫يف هذا الأمر بالعامل العربي‪ ،‬حيث بلغ متو�سط‬ ‫الدرجة التي ح�صلت عليها الدول العربية يف‬

‫التزال هناك فجوة وا�ضحة بني ما‬ ‫تفعله �أو تق ّدمه احلكومات العربية من برامج‬ ‫وم�رشوعات وخدمات تعتمد على تقنية‬ ‫املعلومات وبني ثقة املواطنني واجلماهري‬ ‫العري�ضة يف هذه الربامج وجدواها‪ ،‬وكذلك‬ ‫قدرتها على الو�صول �إليها واال�ستفادة منها‪،‬‬ ‫ومثل هذه الفجوة جتعل الكثري من الربامج‬ ‫وامل�رشوعات املط ّبقة تتقدم تقني ًا وتتقوقع‬ ‫جمتمعي ًا وال يكتب لها النجاح امل�أمول‪،‬‬ ‫والدليل على هذا الأمر هو تدين متو�سط عام‬ ‫الدرجة التي حقّقتها الدول العربية يف م� رّؤ�ش‬ ‫امل�شاركة الإلكرتونية والذي بلغ ‪ 0.16‬درجة‬ ‫من الواحد ال�صحيح‪ ،‬وهو رقم منخف�ض وقليل‬ ‫�إذا ما قورن مب� رّؤ�شات امل�شاركة يف العديد‬ ‫من الدول الأخرى‪ ،‬ولذلك جعل متو�سط ترتيب‬ ‫العامل العربي يف م� رّؤ�ش امل�شاركة يف املرتبة‬ ‫الـ ‪.90‬‬ ‫التزال البيئة القانونية العربية ذات‬ ‫العالقة بتفعيل تقنيات املعلومات واالت�صاالت‬ ‫�ضعيفة ويف حاجة �إىل تطوير كبري‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫يف ما يتعلق با�ستقالل الق�ضاء والقوانني‬ ‫ذات العالقة بتفعيل و�إطالق �إمكانات تقنيات‬ ‫املعلومات واالت�صاالت عرب �رشايني املجمتع‬ ‫ومفا�صله الأ�سا�سية والعري�ضة النطاق داخل‬ ‫اجلماهري الوا�سعة‪ ،‬وكذلك يف ما يتعلق بفعالية‬ ‫الإطار القانوين القائم يف �إدارة ق�ضايا الإبداع‬ ‫وح�سمها ل�صالح التقدم والتنمية‪.‬‬

‫الفر�ص والتحديات يف البنية‬ ‫املعلوماتية العربية‬

‫انطالق ًا من نقاط القوة وال�ضعف ال�سابقة‬ ‫ميكن ا�ستخال�ص جمموعة فر�ص وحتديات‬


‫الف�صل االول‬ ‫واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف‬

‫الفر�ص‬ ‫نقطة انطالق‬

‫املعلوماتية‬

‫تطرحها البنية املعلوماتية العربية بو�ضعها‬ ‫الراهن‪ ،‬هي على متا�س مع جهود توظيف‬ ‫تقنيات االت�صاالت واملعلومات كرافعة خلدمة‬ ‫جهود التنمية الثقافية‪ ،‬وذلك على النحو‬ ‫التايل‪:‬‬

‫التنمية الثقافية �إىل �رشائح �أخرى من اجلماهري‬ ‫العري�ضة التي ال يتاح لها االحتكاك املبا�رش‬ ‫مع املوارد الثقافية‪ .‬فيمكن بالتايل �أن حتقق‬ ‫هذه اجلماهري العري�ضة توا�صلها مع الثقافة‬ ‫عرب م�ستخدمني لتقنيات االت�صاالت وتقنية‬ ‫املعلومات‪ ،‬فيتفاعلون معها ويعي�شون يف‬ ‫حميطها‪.‬‬

‫تتوافر لربامج التنمية الثقافية بالعامل تربة حكومية �سابقة الإعداد‬

‫العربي حالي ًا م�ساحة معقولة من البنية‬ ‫املعلوماتية التي ميكن ا ّتخاذها كنقطة‬ ‫انطالق �أو كمن�صة �أولية نحو التوظيف‬ ‫الثقايف لتقنيات املعلومات واالت�صاالت‪،‬‬ ‫�آخذاً يف االعتبار قابلية هذه البنية للتج ّدد‬ ‫والتو�سع والإ�ضافة‪ ،‬وذلك انطالق ًا‬ ‫والتط ّور‬ ‫ّ‬ ‫من االلتزام احلايل لدى احلكومات العربية‬ ‫بدعم ت�شييد و�صيانة وتو�سيع نطاق البنية‬ ‫الأ�سا�سية لتقنيات املعلومات واالت�صاالت‬ ‫حالي ًا وم�ستقب ًال‪ ،‬ويهيىء هذا الو�ضع �إجما ًال‬ ‫فر�صة �أمام خمطّ طي ومنفّذي برامج التنمية‬ ‫الثقافية لبناء برامج وم�رشوعات تدخل فيها‬ ‫البنية املعلوماتية النا�شئة �أو ال�صاعدة كمك ّون‬ ‫يتطور مع الوقت‪.‬‬ ‫�أ�سا�سي‬ ‫ّ‬

‫نواة �سكانية جاهزة‬

‫�إذا ما �أخذنا يف االعتبار �أن م�ستخدمي‬ ‫الإنرتنت واحلا�سبات وخطوط االت�صاالت‬ ‫هم يف العادة �أقرب للفئات التي ح�صلت على‬ ‫م�ستوى معقول من التعليم وذات قدرة معي�شية‬ ‫ومادية متو�سطة �أو فوق املتو�سطة‪ ،‬ف�إن هذه‬ ‫ال�رشيحة من ال�سكان‪ ،‬التي يدور عددها حول‬ ‫‪ 50‬مليون ن�سمة ما بني م�ستخدمني لل�شبكة �أو‬ ‫مالكني للحا�سبات‪ُ ،‬تعترب نواة حميط اجتماعي‬ ‫�سكاين ثقايف ميكن ملخطّ طي ومنفّذي برامج‬ ‫التنمية الثقافية ا�ستخدامها ب�صورة م�ؤثرة‬ ‫يف التوظيف الثقايف لتقنيات املعلومات‬ ‫واالت�صاالت داخل هذه ال�رشيحة نف�سها من‬ ‫ال�سكان‪ .‬كما �أن ا�ستخدام هذه ال�رشيحة من‬ ‫�ش�أنه �أن يكون كمعرب ي�صل بالثقافة وبجهود‬

‫‪43‬‬

‫يهيىء اال�ستعداد املوجود لدى اجلهات‬ ‫احلكومية واخلا�صة والأفراد للإنفاق على‬ ‫امتالك وت�شغيل تقنيات املعلومات واالت�صاالت‬ ‫ترب ًة �سابقة اال�ستعداد �أمام خمططي ومنفذي‬ ‫برامج التنمية الثقافية لكي ي�ستخدموها يف‬ ‫زرع وتوطني جهود التنمية الثقافية‪ ،‬على‬ ‫اعتبار �أن من لديه ا�ستعداداً للدفع يف امتالك‬ ‫�أدوات تقنيات املعلومات واالت�صاالت يكون‬ ‫مهيئ ًا ب�صورة �أو ب�أخرى وبدرجة �أو ب�أخرى‬ ‫لتح ّمل بع�ض �أو ك ّل الأعباء املادية التي قد‬ ‫يتطلّبها التوظيف الثقايف لتقنيات املعلومات‬ ‫واالت�صاالت‪ ،‬كالتعاطي مع املواد الثقافية‬ ‫عرب الكتب الإلكرتونية �أو �أ�سطوانات الفيديو‬ ‫الرقمية �أو حت ّمل تكلفة تلقي املواد الثقافية‬ ‫عرب خطوط االت�صال ال�رسيعة الأعلي ن�سبي ًا‪،‬‬ ‫وغريها من �صور التثقيف الرقمي الأخرى‪.‬‬ ‫يلقي الواقع االجتماعي االقت�صادي‬ ‫ال�سيا�سي يف العامل العربي باجلزء الأكرب‬ ‫من �أعباء وم�س�ؤوليات التنمية الثقافية على‬ ‫عاتق اجلهات وامل�ؤ�س�سات التابعة للدول‬ ‫واحلكومات‪ .‬وحل�سن احلظ ف�إن احلكومات‬ ‫والدول والأجهزة الر�سمية التابعة لها ـ كما‬ ‫�أو�ضحت امل� رّؤ�شات ال�سابقةـ تبدي ا�ستعداداً‬ ‫لتفعيل تقنيات املعلومات واالت�صاالت يف‬ ‫تنفيذ خططها وحت�سني �أو�ضاعها ورفع كفاءة‬ ‫�أدائها يف العمل ويف عالقتها مع جماهريها‪،‬‬ ‫ويف �ضوء هذين العاملني ميكن القول �إنه‬ ‫من املمكن بل ومن ال�سهل �أن تقبل الأجهزة‬ ‫الر�سمية العربية املعنية بالتنمية الثقافية‬ ‫بدمج قدرات تقنيات املعلومات واالت�صاالت‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 44‬للتنمية الثقافية‬

‫يف براجمها وم�رشوعاتها التنموية‪ .‬وهو �أمر‬ ‫يحتاج فقط �إىل قدر من التوعية ولفت االنتباه‬ ‫�إليه مبا ميثّل فر�صة مواتية بالن�سبة للقائمني‬ ‫على تخطيط وتنفيذ برامج التنمية الثقافية‬ ‫بالعامل العربي‪.‬‬

‫م�ستخدمون م�سلحون باملهارات‬

‫�إن امل� رّؤ�شات الدالة على وجود قدر ال ب�أ�س‬ ‫به من املهارات والنجاح يف اال�ستفادة من‬ ‫تقنيات املعلومات عملي ًا وتوليد قيمة م�ضافة‬ ‫منها تق ّدم يف ح ّد ذاتها نقطة بداية جيدة �إىل‬ ‫حد ما �أمام جهود التنمية الثقافية‪� .‬إذ ميكن‬ ‫للقائمني على هذه اجلهود االطمئنان �إىل �أن‬ ‫منتجهم املتولّد عن التوظيف الثقايف لتقنية‬ ‫املعلومات واالت�صاالت �سيجد م�ستخدمني‬ ‫م�سلحني �إىل ح ّد كبري باملهارات املطلوبة‬ ‫ال�ستخدامه وتوظيفه واحل�صول على قيمة‬ ‫م�ضافة من ورائه‪ ،‬بعبارة �أخرى ف�إن توافر‬ ‫قدر من مهارات اال�ستخدام لدى قطاع من‬ ‫م�ستخدمي تقنيات املعلومات واالت�صاالت‬ ‫العرب واملتعاملني معها يخفّف �إىل ح ّد كبري‬ ‫من العوائق التي عادة ما تعرت�ض طريق‬ ‫البع�ض وهم يتعاطون مع املحتوى الثقايف‬ ‫املع ّد يف قالب رقمي يتداول عرب احلا�سبات �أو‬ ‫عرب الإنرتنت �أو حتى الهاتف املحمول‪.‬‬ ‫وكما هو وا�ضح ف�إن هذه الفر�صة قابلة‬ ‫للتطوير والتح�سني وجاهزة لال�ستغالل‪ ،‬لكنها‬ ‫يف الوقت نف�سه عر�ض ًة لل�ضياع والتال�شي �إذا‬ ‫ما تركت لفرتة من دون رعاية وتنمية وجهد‬ ‫ر�صني يف ا�ستغاللها‪ ،‬وهو ما يتعينّ �أن يعيه‬ ‫ك ّل من يخطّ ط �أو ينفّذ م�رشوع ًا �أو برناجم ًا‬ ‫للتنمية الثقافية بالعامل العربي‪.‬‬

‫التحديـات‬

‫انطالق ًا من نقاط ال�ضعف ال�سابقة ميكن‬ ‫ا�ستخال�ص جمموعة التحديات التي تطرحها‬ ‫البنية املعلوماتية العربية و�ضعها الراهن على‬ ‫جهود توظيف تقنيات االت�صاالت واملعلومات‬ ‫كرافعة خلدمة جهود التنمية الثقافية‪ ،‬وذلك‬

‫على النحو التايل‪:‬‬

‫عقبة ال�رشائح املحرومة‬

‫متثّل ال�رشائح املحرومة من اال�ستفادة‬ ‫من �إمكانات تقنيات املعلومات واالت�صاالت‬ ‫�أو التعامل معها حتدي ًا كبرياً �أمام جهود‬ ‫توظيف هذه التقنيات يف التنمية الثقافية يف‬ ‫العامل العربي‪� .‬إذ �إن حمدودية انت�شار البنية‬ ‫املعلوماتية باملجتمعات العربية ـ خ�صو�ص ًا‬ ‫خارج بع�ض دول اخلليج الغنية ـ يجعل‬ ‫الن�سبة الأكرب من �سكان العامل العربي حتت‬ ‫وط�أة الفجوة الرقمية والعجز عن اال�ستفادة‬ ‫من منجزات ثورة املعلومات واالت�صاالت‪.‬‬ ‫و�سي�شكّل هذا التحدي عائق ًا قوي ًا على الأجل‬ ‫املتو�سط‪ ،‬ورمبا البعيد‪ ،‬و�سيجعل التوظيف‬ ‫الثقايف لتقنيات املعلومات حمدود الأثر يف‬ ‫هذا ال�صدد على م�ستوى املجتمع العربي ككل‪،‬‬ ‫ما مل ت�س َع اجلهات املعنية بالتنمية الثقافية يف‬ ‫العامل العربي �إىل ابتكار حلول �أو م�سارات غري‬ ‫تقليدية تخفّف من ح ّدته وتبحث عن بدائل �أو‬ ‫تتعاون مع اجلهات القائمة على ت�شييد البنية‬ ‫املعلوماتية من �أجل البحث عن �أف�ضل ال�سبل‬ ‫لتعظيم العائد الثقايف من ورائها والو�صول‬ ‫�إىل �أعداد �أو�سع داخل ال�رشائح املحرومة‪.‬‬

‫ت�أثري �سلبي ل�ضعف الإبداع‬

‫هناك اربتاط �شديد بني التنمية الثقافية‬ ‫ومقومات البيئة الإبداعية ال�سائدة‪ ،‬كما �أن‬ ‫هناك ارتباط ًا مماث ًال بني فر�ص ن�رش وتوظيف‬ ‫تقنيات املعلومات واالت�صاالت ومقومات‬ ‫البيئة الإبداعية‪ ،‬ومن �سوء احلظ �أن العديد من‬ ‫مقومات البيئة الإبداعية املطلوبة للطرفني غري‬ ‫م�ؤاتية بالعامل العربي‪ ،‬وهو ما ي�شكّل حتدي ًا‬ ‫جديراً باالعتبار عند التفكري يف التوظيف‬ ‫الثقايف لتقنيات املعلومات واالت�صاالت‪،‬‬ ‫وميكن القول �إن مثل هذا التوظيف �سي�صطدم‬ ‫عملي ًا ـ حال بدء تنفيذه ـ بالقيود املفرو�ضة على‬ ‫احلر للمعلومات‬ ‫الإعالم وال�صحافة والتداول ّ‬ ‫والقيود التي تعوق الإبداع واالبتكار وهي‬


‫الف�صل االول‬ ‫واقع جمتمع املعلومات العربي من منظور ثقايف‬

‫تدين دخل الفرد ‪..‬هاج�س �أ�سا�سي‬

‫ال ميكن توظيف تقنيات املعلومات‬ ‫واالت�صاالت ثقافيا �أو حتى يف املجاالت‬ ‫غري الثقافية من دون تكلفة‪ ،‬ويتفاوت عبء‬ ‫هذه التكلفة عاملي ًا تبع ًا مل�ستوى دخل الفرد‬ ‫امل�ستهدف بالتنمية‪ ،‬واحلا�صل �أن معظم‬ ‫الدول العربية م�صنفة على �أنها �إما �شديدة‬ ‫الفقر �أو فقرية �أو متو�سطة‪ ،‬وحتقّق دخو ًال‬ ‫منخف�ضة ملواطنيها �إىل الدرجة التي جتعل‬ ‫تكلفة املكاملة ال�شهرية �أو اال�شرتاك ال�شهري‬ ‫يف خدمة اخلدمات �أو اقتناء حا�سب مع�ضلة‬ ‫حقيقية تلتهم جزءاً ال ي�ستهان به من دخل‬ ‫الفرد‪ ،‬والقلة القليلة من الدول العربية هي‬ ‫الغنية التي تتمتع بفوائ�ض حتقق دخو ًال عالية‬ ‫ملواطنيها متكّنهم من حت ّمل تكلفة ا�ستخدام‬ ‫تقنيات املعلومات واالت�صاالت �سواء يف‬ ‫التنمية الثقافية �أم غريها‪ ،‬وهذا الو�ضع �سوف‬ ‫ي�شكّل حتدي ًا �أمام جهود التوظيف الثقايف‬ ‫لتقنيات املعلومات يف العامل العربي‪ ،‬ما مل‬ ‫يت ّم‬ ‫التو�سع يف مبادرات وخطط تخفف من‬ ‫ّ‬ ‫وط�أة هذا الواقع ال�صعب كم�رشوعات اخلدمة‬ ‫ال�شاملة يف جمال خطوط االت�صاالت ومبادرات‬ ‫الإنرتنت منخف�ضة القيمة �أو املجانية بقيمة‬

‫املعلوماتية‬

‫�أمور ال ميكن جتاهلها �أو �إنكارها يف العديد‬ ‫من الدول واملناطق بالعامل العربي‪.‬‬ ‫�سي�شكّل الو�ضع املتدين جلودة نظم التعليم‬ ‫بالعامل العربي حتدي ًا كبرياً �أمام التوظيف‬ ‫الثقايف للبنية املعلوماتية‪� ،‬سواء املتاحة‬ ‫حالي ًا �أم التي تتطور مع الوقت‪ ،‬لأن نظم‬ ‫التعليم ركيزة �أ�سا�سية من ركائز الثقافة يف‬ ‫�أي جمتمع‪ ،‬وبالتايل ف�إن الثقافة احلقة ال‬ ‫ميكن �إنتاجها ون�رشها بنجاح يف بيئة جاهلة‪،‬‬ ‫�سواء كانت هذه البيئة م�سلحة ب�أرقى �أدوات‬ ‫تقنية املعلومات �أم حمرومة منها‪ ،‬ويف �ضوء‬ ‫امل� رّؤ�شات املتدنية حول جودة نظم التعليم‬ ‫قوي‬ ‫مبعظم الدول العربية يظل هناك‬ ‫هاج�س ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫حول مدى النجاح الذي ميكن �أن يتحقق يف‬ ‫جهود التوظيف الثقايف لتقنيات املعلومات‪.‬‬

‫املكاملة كما هو احلال يف م�رص �إىل غري ذلك‬ ‫من املبادرات التي ميكن �أن ت�سهم فيها الدول‬ ‫الغنية ب�صورة �أو ب�أخرى‪.‬‬

‫ظالل �أزمة البحث العلمي على املحتوى‬

‫ُيعترب التوظيف الثقايف لتقنيات‬ ‫املعلومات من املجاالت امل�ستحدثة التي تخطو‬ ‫خطواتها الأوىل يف الكثري من دول العامل ولي�س‬ ‫العامل العربي فقط‪ ،‬ومن ثم ال توجد و�صفات‬ ‫�سهلة �أو �سابقة التجهيز ميكن االعتماد عليها‬ ‫كلية يف تطوير املحتوى الثقايف املعتمد على‬ ‫تقنيات املعلومات واالت�صالت‪ ،‬بل يحتاج‬ ‫الأمر يف كثري من الأحيان �إىل قدر كبري من‬ ‫عمليات البحث العلمي والتطوير امل�ستمر لكي‬ ‫تتم وتخرج مبنتجات وحلول ونظم معلومات‬ ‫وبرجميات ثقافية منا�سبة‪ ،‬واحلا�صل �أن‬ ‫�أو�ضاع البحث العلمي والتدريب يف العامل‬ ‫العربي تئن حتت وط�أة ظروف عديدة غري‬ ‫م�ؤاتية باملرة‪ ،‬وهو �أمر ين�سحب تلقائي ًا على‬ ‫جهود البحث والتطوير يف جمال التوظيف‬ ‫الثقايف للتقنيات املعلومات واالت�صاالت‪،‬‬ ‫الأمر الذي ي�صنع حتد ّي ًا عميق ًا على الأجل‬ ‫البعيد‪ ،‬لكونه مرتبط ًا ب�إعادة �صياغة �أو�ضاع‬ ‫البحث العلمي ككل داخل العامل العربي وو�ضعه‬ ‫يف املكانة التي ي�ستحقها ومنحه الدور الذي‬ ‫يتعني �أن يلعبه يف م�سرية التنمية‪.‬‬ ‫ي�شكل املحتوى الوقود الأ�سا�سي للتنمية‬ ‫الثقافية ب�صورة عامة‪ ،‬لكنه يف حالة التوظيف‬ ‫الثقايف لتقنيات املعلومات واالت�صاالت يعترب‬ ‫�أمراً فائق احليوية‪ ،‬بل وي�صبح هو «امللك» الذي‬ ‫بدونه ال يتحقق �شيء بل وي�ضيع كل �شيء حتى‬ ‫الر�صيد املتبقي لدى الفرد من ثقافته وهويته‪،‬‬ ‫ناهيك با�ستحالة تنمية هذا الر�صد وتدعيمه‪،‬‬ ‫لأنه يف العامل الرقمي هناك حمتوى ثقايف‬ ‫معاد متاح دائم ًا عند‬ ‫مغاير ومناف�س و�أحيان ًا ٍ‬ ‫�أطراف �أ�صابع من ي�ستخدم التقنية‪ ،‬وما مل يكن‬ ‫لديه املحتوى الثقايف العربي ب�صورة �سهلة‬ ‫وا�سعة الإتاحة فالغرق يف املحتوى الثقايف‬ ‫الأجنبي واقع ال حمالة‪ .‬ويف هذا ال�صدد ي�شكّل‬

‫‪45‬‬

‫�سي�شكّل الو�ضع املتدين جلودة‬ ‫نظم التعليم بالعامل العربي حتدي ًا‬ ‫كبرياً �أمام التوظيف الثقايف للبنية‬ ‫املعلوماتية‪ ،‬لأن الثقافة احلقّة‬ ‫ال ميكن �إنتاجها ون�رشها بنجاح‬ ‫يف بيئة جاهلة‪� ،‬سواء كانت هذه‬ ‫البيئة م�سلحة ب�أرقى �أدوات تقنية‬ ‫املعلومات �أم حمرومة منها‪ ،‬ويف‬ ‫�ضوء امل� رّؤ�شات املتدنية حول جودة‬ ‫نظم التعليم مبعظم الدول العربية‪،‬‬ ‫قوي حول مدى‬ ‫يظل هناك‬ ‫هاج�س ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫النجاح الذي ميكن �أن يتحقق يف‬ ‫جهود التوظيف الثقايف لتقنيات‬ ‫املعلومات‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 46‬للتنمية الثقافية‬

‫ي�شكّل تدين عدد احلا�سبات العربية‬ ‫اخلادمة امل� ّؤمنة احلاملة للمحتوى‬ ‫على الإنرتنت‪ ،‬حتدي ًا الب ّد من االنتباه‬ ‫�إليه جيداً يف جهود التنمية الثقافية‪،‬‬ ‫و�إال �ست�صبح البنية املعلوماتية‬ ‫املتاحة �أ�شبه بطرق جرى تعبيدها‬ ‫لكي ي�أتي املنتج الثقايف الرقمي‬ ‫الأجنبي وي�ستعمر العقل العربي من‬ ‫دون �أدنى مقاومة‪ ،‬بل وبالبنية‬ ‫املعلوماتية التي حت ّمل الإن�سان‬ ‫العربي تكاليفها‪.‬‬

‫تدين عدد احلا�سبات العربية اخلادمة امل�ؤمنة‬ ‫احلاملة للمحتوى على الإنرتنت حتدي ًا الب ّد من‬ ‫االنتباه �إليه جيداً يف جهود التنمية الثقافية‪،‬‬ ‫و�إال �ست�صبح البنية املعلوماتية املتاحة �أ�شبه‬ ‫بطرق جرى تعبيدها لكي ي�أتي املنتج الثقايف‬ ‫الرقمي الأجنبي وي�ستعمر العقل العربي من‬ ‫دون �أدنى مقاومة بل وبالبنية املعلوماتية‬ ‫التي حت ّمل الإن�سان العربي تكاليفها‪.‬‬ ‫ت�ؤ�س�س فجوة الثقة بني ما تعر�ضه‬ ‫امل�ؤ�س�سات الر�سمية العربية من خدمات‬ ‫معتمدة على تقنية املعلومات حالي ًا لفجوة‬ ‫مماثلة �ستعرت�ض طريق التوظيف الثقايف‬ ‫للتقنية حال البدء فيها ب�صورة جادة‪ ،‬ومثل‬ ‫هذا التحدي �سيظل قائم ًا حتى ت�ستطيع‬ ‫امل�ؤ�س�سات الثقافية الر�سمية العربية تقدمي‬ ‫حمتوى ثقايف �صادق ور�صني وجدير بالنفاذ‬ ‫�إىل عقول وقلوب مواطنيها‪.‬‬

‫فجوة القوانني ‪ ..‬حت ٍّد كبري‬

‫فر�ضت ثورة املعلومات واالت�صاالت‬ ‫على كل دول العامل �أو�ضاع ًا اجتماعية‬ ‫واقت�صادية وثقافية جديدة‪ ،‬جنمت عنها �أعباء‬ ‫ت�رشيعية وقانونية غري م�سبوقة يف التزاماتها‬ ‫وم�س�ؤولياتها و�أدوارها‪ ،‬وبات مطلوب ًا من كل‬ ‫دولة �أن تراجع ما لديها من ت�رشيعات و�أطر‬ ‫قانونية قدمية وتقوم بتحديثها وتطويرها‬

‫لتواكب امل�ستجدات اجلديدة‪ ،‬و�أن ُت�صدر‬ ‫ت�رشيعات وقوانني جديدة متام ًا بل وتظل‬ ‫تفكر يف ت�رشيعات و�أطر قانونية م�ستقبلية‬ ‫تالحق بها الأعباء امل�ستمرة لهذه الثورة‪،‬‬ ‫ومتثّل الت�رشيعات الثقافية امل�ستحدثة واحدة‬ ‫من �أهم احللقات التي فر�ضتها وتغذيها ثورة‬ ‫املعلومات واالت�صاالت با�ستمرار‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫يف ما يتعلق بحقوق الن�رش وامللكية الفكرية‬ ‫وق�ضايا الإبداع الثقايف وغريها‪ ،‬واحلا�صل �أن‬ ‫ا�ستجابة العامل العربي لهذا اجلانب متفاوتة‬ ‫من حيث ال�رسعة والن�ضج �إىل حد كبري‪ ،‬وجاءت‬ ‫يف معظمها بطيئة وقا�رصة‪ ،‬وهو ما ي�شكّل‬ ‫حتدي ًا �أمام التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات‬ ‫واالت�صاالت‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق بالأطر‬ ‫القانونية احلاكمة حلقوق الت�أليف والن�رش‬ ‫وامللكية الفكرية وغريها من القوانني ذات‬ ‫ال�صلة املبا�رشة والوثيقة بالإبداع الثقايف عرب‬ ‫الف�ضاء الإلكرتوين الرقمي‪.‬‬ ‫تبقى الإ�شارة �إىل �أن التحديات ال�سابقة‬ ‫جميع ًا لي�ست مهام ًا م�ستحيلة �أو م�ستع�صية‬ ‫على احلل‪ ،‬بل ميكن بالإمكانات الراهنة‬ ‫مواجهتها والتخفيف من �آثارها �إىل ح ّد كبري‬ ‫متهيداً ال�ستيعابها وتقلي�صها و�إزالتها من‬ ‫طريق التوظيف الثقايف لتقنيات املعلومات‬ ‫واالت�صاالت‪ ،‬والأمر يتطلب فقط بع�ض اجلهد‬ ‫والد�أب والتخطيط طويل املدى يف املواجهة‪.‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫من املهم التعرف �إىل مدى �أو م�ستوى‬ ‫مت ر�صدها‬ ‫توظيف البنية املعلوماتية التي ّ‬ ‫بالف�صل الأول يف التنمية الثقافية الراهنة‬ ‫بالوطن العربي‪ ،‬بعبارة �أخرى حماولة حتليل‬ ‫الوجه املعلوماتي الرقمي الراهن لواقع التنمية‬ ‫الثقافية العربية يف �ضوء البنية املعلوماتية‬ ‫املتاحة‪.‬‬ ‫وللو�صول �إىل ذلك كان هناك العديد‬ ‫من البدائل �أمام الفريق البحثي‪ ،‬مثل املك ّون‬ ‫التقني واملعلوماتي داخل ال�سيا�سات والربامج‬ ‫وامل�رشوعات التي تنفذها اجلهات الثقافية‬ ‫الر�سمية وغري الر�سمية العربية‪ ،‬وامل�رشوعات‬ ‫التقنية واملعلوماتية امل�ستقلة التي تنفّذ‬ ‫يف جمال التنمية الثقافية بالبلدان العربية‬ ‫املختلفة‪� ،‬سواء على امل�ستوى القطاعي �أو‬ ‫اجلماهريي‪ ،‬واجلهود اخلا�صة والأهلية‬ ‫والفردية التي جتري على �صعيد التوظيف‬ ‫الثقايف لتقنيات املعلومات واالت�صاالت‪،‬‬ ‫وغريها من البدائل الأخرى‪ ،‬وقد اختار‬ ‫الفريق البحثي بدي ًال �آخر لر�صد الوجه الرقمي‬ ‫جلهود التنمية الثقافية الراهنة وهو احل�ضور‬ ‫والفعاليات الثقافية العربية على الإنرتنت يف‬ ‫�شتى امل�سارات الثقافية‪ ،‬واعترب الفريق البحثي‬ ‫�أن هذا البديل هو الأكرث دقة يف التعبري عن‬ ‫الوجه الرقمي للتنمية الثقافية العربية ومدى‬ ‫اال�ستفادة من البنية املعلوماتية القائمة‬ ‫للأ�سباب التالية‪:‬‬ ‫• �إن الإنرتنت ب�صورتها احلالية وما حقّقته‬ ‫من انت�شار وتغلغل وارتباط ب�شتى مفردات‬ ‫احلياة على م�ستوى الفرد واملن�ش�أة والدولة‬ ‫واملجتمع ككل باتت هي نهاية املطاف الذي ال‬ ‫ت�صب فيه كل �أو بع�ض نتائج �أية خطط‬ ‫ب ّد و�أن ّ‬ ‫�أو برامج �أو م�رشوعات للتنمية الثقافية �سواء‬ ‫كانت مت�ضمنة يف ال�سيا�سات العامة للوزارات‬

‫املعلوماتية‬

‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫‪47‬‬

‫والهيئات الثقافية الر�سمية وغري الر�سمية‪� ،‬أم‬ ‫م�رشوعات معلوماتية م�ستقلة قائمة بذاتها‪،‬‬ ‫ومن ثم ف�إن �أية جهود للتنمية الثقافية ال‬ ‫تظهر نتائجها على الإنرتنت ب�صورة �أو ب�أخرى‬ ‫ُتعترب جهوداً قابلة للت�شكيك يف جدواها ومدى‬ ‫قدرتها على التما�س مع املجتمع العري�ض‬ ‫واجلماهري الوا�سعة التي ُت َعـ ّد الهدف النهائي‬ ‫للتنمية الثقافية‪.‬‬ ‫• �إن احل�ضور على الإنرتنت يك�شف عن‬ ‫م�ستوى القيمة امل�ضافة احلقيقية املتحققة‬ ‫من وراء جهود التنمية الثقافية التي تعتمد‬ ‫على تقنية املعلومات واالت�صاالت‪ ،‬وذلك من‬ ‫دون مواربة �أو دعاية �أو حماولة للتجميل‬ ‫تقوم بها هذه اجلهة �أو تلك عن نف�سها‪ ،‬مبعني‬ ‫�آخر يوفر احل�ضور على الإنرتنت حمك ًا واقعي ًا‬ ‫بال رتو�ش يفرز م�ستوى اجلدية والنجاح يف‬ ‫توظيف املعلوماتية خلدمة �أغرا�ض التنمية‬ ‫الثقافية‪.‬‬ ‫• ُيع َترب حتليل احل�ضور الثقايف على الإنرتنت‬ ‫ح ًال �إجرائي ًا وعملي ًا جيداً يع ّو�ض النق�ص‬ ‫ال�شديد يف البيانات واملعلومات املطلوبة‬ ‫للقيام بهذه املهمة‪ .‬فعلى الرغم من اجلهود‬ ‫احلثيثة التي بذلها الفريق البحثي للح�صول‬ ‫على معلومات وبيانات ذات قيمة يعتد بها يف‬ ‫هذا التحليل من خارج الإنرتنت ومن م�صادرها‬ ‫الأولية بوزارات الثقافة العربية وامل�ؤ�س�سات‬ ‫الأخرى‪ ،‬ف�إن النتيجة مل تكن كافية لالعتماد‬ ‫عليها يف التحليل‪ ،‬الأمر الذي �شكّل �صعوبة‬ ‫وحتدي ًا كاد �أن ي�ستع�صي على احلل‪ ،‬ومن ثم‬ ‫ر�أى الفريق البحثي االعتماد على الإنرتنت يف‬ ‫ر�صد الوجه الرقمي جلهود التنمية الثقافية‬ ‫العربية‪ ،‬باعتباره ـ كما �سبق القول ـ يق ّدم‬ ‫�صورة واقعية بال رتو�ش يف هذه النقطة‪.‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 48‬للتنمية الثقافية‬

‫�أو ًال‪ :‬ثمانية �أوجه للثقافة الرقمية‬

‫مت �إجراء جمموعة من امل�سوح لر�صد‬ ‫ّ‬ ‫وحتليل احل�ضور الثقايف العربي على الإنرتنت‪،‬‬ ‫وذلك يف �سبعة م�سارات‪ ،‬وت�ض ّمن بع�ض‬ ‫امل�سارات م�سح ًا واحداً فيما ت�ض ّمنت م�سارات‬ ‫�أخرى �أكرث من م�سح‪ ،‬و�شمل امل�سح الواحد‬ ‫‪ 25‬موقع ًا يف املتو�سط‪ ،‬وقد متثلت امل�سارات‬ ‫ال�سبعة يف ما يلي‪:‬‬ ‫• الوجه الرقمي للم�ؤ�س�سات الثقافية العربية‬ ‫الر�سمية «وزارات الثقافة وم�ؤ�س�سات التنمية‬ ‫الثقافية‪� ...‬إلخ»‪.‬‬ ‫• الوجه الرقمي للمتاحف العربية‪.‬‬ ‫• الوجه الرقمي للفن العربي «ال�سينما ـ‬ ‫امل�رسح ـ املو�سيقى والأغاين»‪.‬‬ ‫• الوجه الرقمي للأدب العربي «ال�شعر ـ الق�صة‬ ‫ـ الرواية ‪�..‬إلخ‪.‬‬ ‫• الوجه الرقمي للرثاث العربي «ديني ـ‬ ‫ح�ضاري ـ �شعبي ‪� ..‬إلخ»‪.‬‬ ‫• الوجه الرقمي للكتاب العربي «الكتب ـ دور‬ ‫الن�رش»‪.‬‬ ‫• الوجه الرقمي للتعليم والبحث العلمي العربي‬ ‫«مراكز البحث العلمي ـ التعليم الإلكرتوين»‪.‬‬ ‫• ي�ضاف �إىل ذلك ملحة عن املحتوى العربي‬ ‫الإعالمى الرقمي ب�صفة عامة ‪. 1‬‬

‫امل�ؤ�س�سات الثقافية الأجنبية على‬ ‫�شبكة الإنرتنت‬

‫ُتع ّد املواقع والبوابات الن�شطة على الإنرتنت‬ ‫�أبرز جتليات الوجه الرقمي للم�ؤ�س�سات الثقافية‬ ‫الر�سم ّية يف الوقت الراهن‪� ،‬سواء بالن�سبة‬ ‫لوزارات الثقافة �أم الهيئات والكيانات التابعة‬ ‫�أو ذات العالقة بال�ش�أن الثقايف‪ .‬ففي الدول‬ ‫املتقدمة التي قطعت �شوط ًا طوي ًال يف التوظيف‬ ‫الثقايف لتقنيات املعلومات واالت�صاالت‬ ‫يتبلور هذا التوظيف بو�ضوح كبري داخل بنية‬ ‫مواقع اجلهات الثقافية الر�سمية على الإنرتنت‬

‫واخلدمات التي يق ّدمها للجماهري‪ ،‬حتى �أن‬ ‫هذه املواقع تبدو كقنوات حقيقية للتوا�صل‬ ‫بني اجلهات الر�سمية واجلماهري العري�ضة‪،‬‬ ‫وكقنوات لن�رش فكر و�سيا�سات الدولة الثقافية‬ ‫والتعرف �إىل مدى قبول املواطنني لها‪ ،‬وميكن‬ ‫بلورة بع�ض املالمح ال�رسيعة للوجه الرقمي‬ ‫للم�ؤ�س�سات الثقافية عاملي ًا على �سبيل املثال‬ ‫ال احل�رص يف ما يلي‪:‬‬ ‫• املهمة الأوىل ملوقع الوزارة �أو الهيئة هي‬ ‫التوا�صل مع املواطنني عرب خدمة الر ّد الفوري‬ ‫على �أ�سئلة املواطنني يف ك ّل ما يتعلق بالوزارة‬ ‫و�أن�شطتها وم�رشوعاتها وميزانيتها والهيئات‬ ‫التابعة لها‪.‬‬ ‫• ي ّتخذ املوقع �أعلى درجات الإبهار والأناقة‬ ‫يف الت�صميم والعر�ض وا�ستخدام العرو�ض‬ ‫والر�سوم املتحركة‪ ،‬كما يحتفي احتفا ًء‬ ‫وا�ضح ًا بالطابع املحلي والثقايف اخلا�ص بكل‬ ‫بلد‪ ،‬ففي اليونان مث ًال تر ّكز الوزارة على الآثار‬ ‫اليونانية واملتاحف‪.‬‬ ‫• يعمل املوقع كبوابة تغطي املو�سيقى‬ ‫وفنون الأداء والر�سوم املرئية‪ ،‬مثل ال�سينما‬ ‫والفن الت�شكيلي وغريها من �أ�شكال الفنون‬ ‫والثقافة الأخرى للمجتمع التابعة له‪ ،‬كما‬ ‫يعمل كبوابة معلومات ت�ض ّم املطبوعات التي‬ ‫ت�صدرها الوزارة ومعلومات عن امل�رشوعات‬ ‫التي تنفذها وم�ستوى تقدمها‪ ،‬كما تك�شف عن‬ ‫ميزانية الوزراة وكيفية ا�ستغاللها و�إنفاقها‬ ‫على امل�رشوعات الثقافية املختلفة‪ ،‬والتقارير‬ ‫ال�سنوية واخلطة املعتمدة على النتائج‪،‬‬ ‫واجلوائز واملنح التي تقدمها وزارة الثقافة‪،‬‬ ‫ون�ص قانون وزارة الثقافة‪ ،‬وتفا�صيل و�صور‬ ‫لفعاليات و�أن�شطة الوزارة‪.‬‬ ‫• ي�ستخدم املوقع �أحدث �أدوات التفاعل مع‬ ‫اجلمهور ك�أدوات البحث العادي واملتقدم‬ ‫و�أدوات امل�شاركة االجتماعية عرب مواقع في�س‬ ‫بوك وغريها لكي يت ّمكن اجلمهور من متابعة‬

‫وت�ضمنت اال�ستمارة جمموعة من احلقول وقوائم البيانات التي يعبرّ ك ّل منها عن معيار من املعايري امل�ستخدمة يف التحليل‪،‬‬ ‫كعينة للتحليل‪،‬‬ ‫‪ّ 1‬‬ ‫مت ت�صميم ا�ستمارة لتحليل املواقع املختارة ّ‬ ‫ّ‬ ‫مثل �شخ�صية وطبيعة اجلهة القائمة على املوقع؛ ومنط املوقع؛ ونوعية املحتوى الثقايف املق ّدم عرب املوقع؛ ومدى �أهمية املحتوى بالن�سبة للتنمية الثقافية؛ وفئات اجلمهور التي يخاطبها‬ ‫املوقع؛ وم�ستوى الإقبال على املوقع وعدد الزوار الذين يقبلون عليه ويتابعونه‪ ،‬وذلك كمعيار يدل على مدى جماهريية املوقع وانت�شاره‪ ،‬وا�ستخدم يف هذا ال�صدد ت�صنيف موقع «�أليك�سا‬ ‫‪»http://www.alexa.com/siteinfo‬؛ ومدى جودة املحتوى الثقايف املق ّدم طبق ًا للمعايري املح ّددة جلودة املحتوى على الإنرتنت‪.‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫الو�ضع عربي ًا‬ ‫عدم ا�ستقرار م�ؤ�س�سي‬

‫يختلف الوجه الرقمي للوزارات‬ ‫وامل�ؤ�س�سات الثقافية العربية عما هو �سائد‬ ‫عاملي ًا‪ ،‬فوزارات الثقافة العربية ـ بناء على ما‬ ‫يبدو من مواقعها ووجها الرقمي على الإنرتنت ـ‬ ‫تختلف من حيث �أهميتها من دولة عربية‬ ‫لأخرى‪ ،‬ففي حني حتظى وزارة م�ستقلة يف‬ ‫بع�ض الدول بدعم كبري‪ ،‬ف�إنها يف بع�ض البالد‬ ‫الأخرى ال ترقى �إىل �أن تكون وزارة م�ستقلة‬ ‫كما هي احلال يف الكويت‪� .‬إذ يطلق عليها ا�سم‬ ‫املجل�س الوطني للثقافة والفنون والآداب‪.‬‬ ‫ويف بع�ض الدول العربية ت�ض ّم الوزارة �أق�سام ًا‬ ‫خمتلفة وت�شكّل وزارات م�ستقلة يف دول‬ ‫�أخرى‪ ،‬كوزارة الثقافة وال�سياحة يف دولة‬ ‫اليمن‪ ،‬ووزارة الثقافة والرتاث يف دولة عمان‪،‬‬ ‫ووزارة الثقافة والفنون والرتاث يف قطر‪،‬‬ ‫ووزارة الثقافة واملحافظة على الرتاث يف‬ ‫تون�س‪ ،‬ووزارة الثقافة وال�شباب والريا�ضة يف‬ ‫ال�سودان‪ ،‬ووزارة الثقافة والإعالم يف البحرين‬ ‫وال�سعودية‪ ،‬ووزارة الثقافة وال�شباب وتنمية‬ ‫املجتمع يف الإمارات‪.‬‬ ‫يلقي الو�ضع غري امل�ستقر لهذه الوزارات‬ ‫بظالله على ح�ضورها عرب الإنرتنت وقدرتها‬ ‫على التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات‪ ،‬وهو‬ ‫ما تك�شف عنه نتائج امل�سح التحليلي ملواقع‬ ‫وزارات الثقافة العربية وبع�ض امل�ؤ�س�سات‬ ‫الر�سمية املعنية بالثقافة كما يو�ضح اجلدول‬ ‫رقم «‪ ،»10‬وذلك على النحو التايل ‪:‬‬

‫‪ ..‬ونق�ص يف املعلومات‬

‫على الرغم من �أن عدد الدول العربية‬ ‫ر�سميا هو ثالث وع�رشون دولة‪ ،‬ف�إننا مل‬ ‫نتمكن من الو�صول �إال �إىل مواقع وزارات‬ ‫الثقافة اخلا�صة بثماين ع�رشة دولة منها‬

‫جدول رقم ‪ 10‬نتائج حتليل عينة مواقع الوزارات‬ ‫معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع»‬

‫�أفراد‬ ‫م�ؤ�س�سة ر�سمية‬ ‫اجلهة القائمة على املوقع‬ ‫م�ؤ�س�سة مدنية‬ ‫�رشكات خا�صة‬ ‫موقع كال�سيكي‬ ‫منتدى‬ ‫منط املوقع‬ ‫مدونة‬ ‫ثابت‬ ‫متجدد‬ ‫نوعيات املحتوى‬ ‫تفاعلي‬ ‫متنوع‬ ‫مهم جدا‬ ‫مهم‬ ‫�أهمية املحتوى للتنمية‬ ‫الثقافية‬ ‫متو�سط الأهمية‬ ‫�ضئيل الأهمية‬ ‫�أطفال‬ ‫�شباب‬ ‫بالغون‬ ‫فئات اجلمهور التي‬ ‫م�س ّنون‬ ‫يخاطبها املوقع‬ ‫تعليم حتت املتو�سط‬ ‫تعليم متو�سط‬ ‫تعليم عال ومثقفون‬ ‫مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول»‬ ‫مرتفع جدا» من �ألف �إىل‪� 10‬آالف موقع‬ ‫مرتفع من ‪� 10‬إىل ‪�30‬ألف‬ ‫حجم الزوار «ح�سب متو�سط متو�سط من ‪� 30‬إىل ‪� 50‬ألف‬ ‫الرتتيب يف مقيا�س �أليك�سا» منخف�ض من ‪� 50‬إىل ‪� 70‬ألف‬ ‫�ضعيف من ‪� 70‬إىل ‪� 100‬ألف‬ ‫�ضعيف للغاية من ‪�100‬ألف وما بعدها‬ ‫مهمل وخارج الت�صنيف‬ ‫ممتاز‬ ‫جيد‬ ‫جودة حمتوى املوقع‬ ‫متو�سط‬ ‫منخف�ض‬ ‫ن�صو�ص‬ ‫�صوت‬ ‫الو�سائط املتعددة‬ ‫فيديو‬ ‫�صور‬

‫الوزارات‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪5.6‬‬ ‫‪2.8‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪54.2‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪26.3‬‬ ‫‪26.3‬‬ ‫‪36.8‬‬ ‫‪21.1‬‬ ‫‪84.2‬‬ ‫‪84.2‬‬ ‫‪84.2‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪10.5‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪52.6‬‬ ‫‪36.8‬‬ ‫‪2.6‬‬ ‫‪21.1‬‬ ‫‪44.7‬‬ ‫‪21.1‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪31.6‬‬ ‫‪26.3‬‬ ‫‪78.9‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫املعلوماتية‬

‫�أخبارها‪ ،‬كما يت�ض ّمن تقينات ت�شغيل الفيديو‬ ‫والتع ّدد اللغوي وا�ستطالعات ر�أي للمواطنني‬ ‫حول ال�ش�ؤون الثقافية‪.‬‬

‫‪49‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 50‬للتنمية الثقافية‬

‫فقط‪ ,‬لأن دول ال�صومال وجيبوتي وجزر القمر �سيطرة الن�صّ‬

‫وموريتانيا لي�س لديها مواقع لوزارات الثقافة‬ ‫عرب الإنرتنت‪ ,‬ومتثّل ن�سبة هذه الدول التي مل‬ ‫ُتعرث لوزارات الثقافة مواقع فيها على حو�إىل‬ ‫‪ %17.4‬وكلها بقارة �إفريقيا‪ ،‬بينما متثّل ن�سبة‬ ‫الدول التي تتمتع وزارات الثقافة فيها مبواقع‪،‬‬ ‫نحو ‪� . %78.3‬أما الن�سبة الباقية وهي ‪%4.3‬‬ ‫تقريب ًا فخا�صة مبوقع وزارة الثقافة بدولة‬ ‫اليمن‪ ،‬حيث اختلف و�ضعه عند بداية و�ضع‬ ‫التقرير عن حلظة االنتهاء منه‪ .‬ففي البداية‬ ‫كان املوقع موجوداً عرب الإنرتنت ووارداً حتت‬ ‫مت ت�سجيله‪ ،‬لكن عند التعامل معه‬ ‫عنوان حم ّدد ّ‬ ‫لال�ستدالل على البيانات املطلوبة ات�ضح �أنه‬ ‫مت ا�ستثنا�ؤه من البيانات الواردة يف‬ ‫تعطل‪ ،‬ثم ّ‬ ‫ً‬ ‫التقييم باعتباره غري موجود �أ�صال و�إن �شملته‬ ‫ا�ستمارة البحث‪.‬‬ ‫يالحظ �أن جميع الوزارات وبن�سبة ‪%100‬‬ ‫اعتمدت على �شكل املوقع الكال�سيكي ك�شكل‬ ‫عام لن�رش املحتوى الذي تريده‪ ،‬ومل يعتمد � ٌّأي‬ ‫منها الأ�شكال الأخرى غري �أن وزارة الثقافة‬ ‫ال�سودانية هي الوحيدة التي جعلت املنتدى‬ ‫�أحد مكونات موقعها عرب ال�شبكة ‪.‬‬ ‫يف ما يتعلق بنوعية املحتوى حقق‬ ‫املحتوى الثابت ‪ 5.6‬نقطة من مائة نقطة‪،‬‬ ‫واملحتوى املتج ّدد الذي ي ّت�سم باحليوية‬ ‫والتحديث ‪ 2.8‬نقطة‪ ،‬بينما حقق املحتوى‬ ‫املتن ّوع الذي يجمع بني املحتوى الثابت‬ ‫واملتجدد ‪ 54.2‬نقطة‪� ،‬أما املحتوى الديناميكي‬ ‫التفاعلي فلم يظهر ب�أي من مواقع الوزارات‬ ‫العربية‪ ،‬و�إن كانت البيانات اخلا�صة بوزارة‬ ‫الثقافة يف دولة ليبيا مل تكن وا�ضحة لأن‬ ‫املوقع قيد التطوير‪ ،‬كما �أن البيانات اخلا�صة‬ ‫باجلمهورية التون�سية غري معروفة لأن‬ ‫الواجهة الفرن�سية ملوقعها وحدها هي التي‬ ‫تعمل‪ ،‬بينما �أكد املوقع �أن الواجهة العربية‬ ‫والإجنليزية قيد الإن�شاء‪ ،‬ومن ثم ف�سيت ّم ذكر‬ ‫املوقعني عند حتديد الن�سب اخلا�صة ب�إجمايل‬ ‫املواقع باعتبارهما موقعني موجودين بالفعل‬ ‫عرب الإنرتنت ‪.‬‬

‫يف ما يتعلق بتعددية الو�سائط ات�ضح �أن‬ ‫‪ %100‬من املواقع لديها حمتوى ن�صي‪ ،‬و‪6‬‬ ‫مواقع بن�سبة ‪ 31.6‬من الع ّينة لديها حمتوى‬ ‫�صوتي‪ ،‬و‪ 5‬مواقع بن�سبة ‪ %26.3‬لديها حمتوى‬ ‫فيديوي‪ ،‬و‪ 15‬موقع ًا بن�سبة ‪ %78.9‬لديها‬ ‫�صور ثابتة‪ ،‬وو�ضعت دولة واحدة حمتوى‬ ‫فيديوي ًا متجدداً هي اململكة العربية ال�سعودية‪،‬‬ ‫مع الأخذ يف االعتبار �أنه قد يطر�أ على الن�سب‬ ‫املعرو�ضة بع�ض اخللل الحق ًا يف حالة انتهاء‬ ‫التطوير مبوقع وزارة الثقافة باجلماهريية‬ ‫الليبية وانتهاء الواجهة العربية ملوقع وزارة‬ ‫الثقافة التون�سية ‪.‬‬

‫الثلث �ضئيل الأهمية‬

‫من حيث �أهمية املحتوى للتنمية الثقافية‬ ‫ومع تطبيق اال�ستدراك نف�سه الوارد ذكره �سلف ًا‬ ‫على موقعي اجلمهورية التون�سية واجلماهريية‬ ‫الليبية‪ ،‬فقد حظيت خم�سة مواقع فقط من‬ ‫املواقع الثمانية ع�رش املعرو�ضة مبرتبة مهم‪،‬‬ ‫وهو ما ميثّل ‪ %26.3‬تقريب ًا‪ .‬وينطبق الأمر‬ ‫ذاته على املواقع التي حظيت بتقييم متو�سط‬ ‫الأهمية وبالن�سبة نف�سها �أي ‪ %26.3‬تقريب ًا‪.‬‬ ‫�أما املواقع التي ورد تقييمها حتت فئة �ضئيل‬ ‫الأهمية فبلغت �سبعة مواقع بن�سبة ت�صل �إىل‬ ‫‪ %36.8‬تقريب ًا‪ .‬ومل يرد املحتوى اخلا�ص‬ ‫مبواقع �أي من وزارات الثقافة العربية حتت‬ ‫فئة مهم جداً للتنمية الثقافية‪.‬‬

‫الأطفال فئة من�سية‬

‫ك�شف التحليل �أن ثالثًا فقط من وزارات‬ ‫الثقافة العربية تعترب الأطفال من بني الفئات‬ ‫التي تخاطبها عرب مواقعها‪ ،‬مع مالحظة �أن‬ ‫املحتوى اخلا�ص بالأطفال جاء يف �أغلبه‬ ‫غري مق�صود لذاته عندما و�ضعت هذه املواقع‬ ‫حمتوى بع�ض املجالت التي تقوم بن�رشها عرب‬ ‫املوقع‪� .‬أما عن بقية فئات اجلمهور كال�شباب‬ ‫والبالغني وامل�سنني فكان املحتوى املقدم‬ ‫ي�صلح لها جميع ًا من حيث الفهم والتلقي لكنه‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫الإعالم يطغى على الثقافة‬

‫يف بع�ض مواقع الوزارات يطغى قطاع‬ ‫الإعالم على الثقافة‪ ،‬فال حتظى الثقافة‬ ‫بقطاعاتها التقليدية من فنون ت�شكيلية‬ ‫وكتب وم�رسح وغريها من الأن�شطة بالأهمية‬ ‫املنا�سبة‪ ،‬كما ال يتعر�ض املوقع لدور املتاحف‬ ‫وغريها باعتبارها من قطاعات الثقافة على‬ ‫الرغم من توافرها و�أهميتها‪ ،‬ويف بع�ض البلدان‬ ‫يكون للقطاع ال�سياحي الغلبة باعتبار �أن‬ ‫الثقافة مدخل للجذب ال�سياحي ويت ّم التعامل‬

‫املعلوماتية‬

‫مل يق ّدم �شيئ ًا خا�ص ًا وحمدداً لفئة بعينها من‬ ‫هذه الفئات‪ ،‬حيث ق ّدمت ‪ %85‬من الوزارات‬ ‫حمتوى ينا�سب ال�شباب والبالغني وامل�سنني ‪.‬‬ ‫ومن حيث امل�ستوى التعليمي والثقايف‬ ‫جلمهور املواقع فاملالحظ �أنه يف جممله‬ ‫حمتوى ي�ستطيع فهمه الذين تلقوا تعليم ًا‬ ‫حتت املتو�سط وفوق املتو�سط وعالي ًا بحكم‬ ‫كونه حمتوى غري متخ�ص�ص‪ ،‬وبتطبيق الن�سبة‬ ‫املئوية واال�ستدراك الوارد على موقعي وزارتي‬ ‫الثقافة الليبية والتون�سية تكون ن�سبة اجلمهور‬ ‫يف الفئات الثالث ‪.%100‬‬ ‫وبالن�سبة ملعيار جودة املحتوى املق ّدم‬ ‫املبني على جودة الت�صميم وثقل املحتوى‬ ‫وتكامل البيانات وحتديثها‪ ،‬فقد حقّق‬ ‫املحتوى املمتاز ‪ 2.6‬نقطة من مائة نقطة‪،‬‬ ‫واملحتوى اجليد ‪ 21.1‬نقطة واملتو�سط ‪44.7‬‬ ‫نقطة‪ ،‬واملحتوى املنخف�ض اجلودة ي�شكل ‪21.1‬‬ ‫نقطة‪.‬‬ ‫يف ما يتعلق مب�ستوى جماهريية املواقع‬ ‫ومعدل زيارتها ح�صل موقع واحد فقط على‬ ‫تقدير مرتفع للغاية وهو موقع تابع لفئة‬ ‫ال�سينما وهو موقع مهرجات اجلزيرة للأفالم‬ ‫الت�سجيلية‪ ،‬لكونه جاء يف ت�صنيف �أليك�سا‬ ‫يف امل�ستوى بني الألف من بني املواقع‬ ‫الع�رشة �آالف الأول على العامل‪� ،‬أما مواقع‬ ‫الوزارات فجاءت جميعها يف ترتيب �أكرث من‬ ‫مائةالففح�صلت على تقدير «منخف�ض للغاية»‬ ‫من حيث عدد الزيارات واالنت�شار اجلماهريي‪.‬‬

‫معها على هذا النحو‬ ‫وي�سخر املوقع الر�سمي‬ ‫ّ‬ ‫للوزارة خلدمة هذا الغر�ض‪ ،‬ويف بع�ض الدول ال‬ ‫حتظى وزارة الثقافة عرب الإنرتنت مبوقع حتى‬ ‫و�إن كان �صغرياً ومن ذلك وزارات الثقافة يف‬ ‫موريتانيا وجيبوتي وال�صومال وجزر القمر‪.‬‬ ‫تغيب عن املواقع الر�سمية العربية‬ ‫لوزارات الثقافة واجلهات الر�سمية معظم‬ ‫ال�صيغ التفاعلية مع زائري مواقعها‪ ،‬ومن ثم‬ ‫فال جمال لأي تفاعل �سواء باال�ستبيانات �أم‬ ‫ال�سماح بامل�ساهمات �أو ترك املجال مفتوح ًا‬ ‫لتعليقات القراء‪ ،‬والفر�صة الوحيدة للتوا�صل‬ ‫تكون من خالل رابط ات�صل بنا‪ ،‬وعند فتح‬ ‫الرابط يجد القارئ يف الغالب عنوان ًا بريدي ًا‬ ‫�أو رقم ًا للهاتف �أو على الأكرث عنوان الربيد‬ ‫الإلكرتوين لبع�ض �أ�شخا�ص الوزارة‪.‬‬ ‫والتحديث يف معظمه حمدود ويقت�رص على‬ ‫ن�رش نبذات عن الفعاليات الثقافية املزمعة‪،‬‬ ‫�أما باقي �أجزاء املوقع فال تتعر�ض للتجديد‬ ‫�إال يف �أ�ضيق احلدود لأنها يف الغالب ثابتة‬ ‫املحتوى ‪� ،‬إذ قد ت�ض ّم نبذة عن الوزارة ون�ش�أتها‬ ‫وكلمة الوزير �أو امل�س�ؤول الأول‪ ،‬ونبذة �صغرية‬ ‫عن املتاحف والقالع واحل�صون واملباين‬ ‫التاريخية‪ ،‬ويف الغالب تفتقد هذه اجلهات‬ ‫الأخرية ملواقع لها على �شبكة الإنرتنت‪ .‬وحتى‬ ‫لو متيز حمتوى بع�ض هذه املواقع بالثقل‪ ،‬ف�إن‬ ‫عدم القدرة على التحديث واقت�صار املوقع يف‬ ‫النهاية على ما ميكن �أن يطلق عليه «�إثبات‬ ‫ح�ضور» على ال�شبكة وفقط من دون اهتمام‬ ‫بالتطوير �أو احلر�ص على اجتذاب الزائر ب�شكل‬ ‫دائم‪ ،‬هي من الأمور التي حت ّد الحق ًا من ثقل‬ ‫هذه املواقع‪.‬‬ ‫ولعل بع�ض مواقع وزارات الثقافة العربية‬ ‫مواقع خدمية يقت�رص دورها على ا�ستبدال‬ ‫املعامالت والإجراءات التي تت ّم على �أر�ض‬ ‫الواقع يف وزارة الثقافة �إىل معامالت تت ّم‬ ‫عرب الإنرتنت‪ ،‬من دون �أن يكون املوقع نافذة‬ ‫حقيقية للثقافة يف املجتمع‪ ،‬ومن ذلك مث ًال‬ ‫موقع وزارة الثقافة الإماراتية ‪.‬‬

‫‪51‬‬

‫تغيب عن املواقع الر�سمية‬ ‫العربية لوزارات الثقافة واجلهات‬ ‫الر�سمية معظم ال�صيغ التفاعلية مع‬ ‫زائري مواقعها‪ ،‬ومن ثم فال جمال‬ ‫لأي تفاعل �سواء باال�ستبيانات �أم‬ ‫بال�سماح بامل�ساهمات �أم برتك‬ ‫املجال مفتوح ًا لتعليقات القراء‪،‬‬ ‫والفر�صة الوحيدة للتوا�صل تكون‬ ‫من خالل رابط ات�صل بنا‪ ،‬وعند فتح‬ ‫الرابط يجد القارئ يف الغالب عنوان ًا‬ ‫بريدي ًا �أو رقم ًا للهاتف‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 52‬للتنمية الثقافية‬

‫املتاحـف‬

‫يكاد يكون الوجه الرقمي للمتاحف‬ ‫بديال للمتاحف الواقعية بالن�سبة ملن يرغب‬ ‫يف الذهاب �إىل املتحف املف�ضل وال ي�ستطيع‪،‬‬ ‫حتى �أن البع�ض بات يت�ساءل عما �إذا كان‬ ‫الوجه الرقمي للمتاحف عرب الإنرتنت قد‬ ‫�أ�صبح و�سيلة مناف�سة يت ّم من خاللها القيام‬ ‫بال�سياحة الثقافية بد ًال من ال�سفر والرتحال‬ ‫�إىل املتاحف بال�سياحة العادية‪ ،‬و�أن هذا‬ ‫الوجه رمبا ي�ؤثر يف �صناعة ال�سياحة العادية‬ ‫ب�صورة �أو ب�أخرى‪.‬‬ ‫وفق ًا لهذا الت�صور تن�ش�أ مواقع املتاحف‬ ‫و ُتدار ويجري تطويرها وحت�سني حمتواها على‬ ‫مدار اليوم‪ ،‬لتنقل املتحف بتفا�صيله وكنوزه‬ ‫و�صوره ومتاثيله ور�سومه ومقتنياته ب�صور‬ ‫ثنائية �أو ثالثية الأبعاد‪ ،‬وت�ضعها عند �أطراف‬ ‫�أ�صابع من يريد ال�سياحة وزيارة املتاحف‬ ‫وهو جال�س على �أريكته مبنزله‪ ،‬في�أخذه املوقع‬ ‫يف جوالت افرتا�ضية داخل مقتنياته‪ ،‬ويز ّوده‬ ‫مبعلومات وافرة بالن�ص وال�صورة و الفيديو‬ ‫ملا يحتويه املتحف وما ميوج به من فعاليات‬ ‫�أو ي�ضاف �إليه‪ ،‬ويق ّدم ذلك بع�رشات اللغات‬ ‫التي يختار منها الزائر لغته‪.‬‬ ‫عند بناء مواقع املتاحف وت�شغيلها‪ ،‬عاد ًة‬ ‫ما ي�ستخدم اجلزء العلوي من املوقع يف عر�ض‬ ‫�رشائح متتابعة من ال�صور‪ ،‬ويف الق�سم الأول‬ ‫من املوقع توجد نبذة عامة عنه وعن تاريخه‬ ‫وموا�صفات مبناه وتق�سيماته‪ ،‬ثم جوالت‬ ‫افرتا�ضية داخله‪ ،‬و�صفحة للكتب والأقرا�ص‬ ‫املدجمة و�أقرا�ص «دي يف دي» التي تعر�ض‬ ‫وتتحدث عن خمتلف حمتويات املتحف‪.‬‬ ‫يخ�ص�ص املوقع بعد ذلك ق�سم ًا للمقتنيات‬ ‫�أو املجموعات‪ ،‬يوجد نبذة عامة و�أق�سام‬ ‫م�صنفة وق�سم امل�شكالت وقواعد البيانات‪،‬‬ ‫ويعمل هذا الق�سم كمر�شد �سياحي افرتا�ضي‬ ‫ي�رشح للزائر مقتنيات املعر�ض قطع ًة قطعة‪،‬‬ ‫ب�أ�سلوب الو�سائط املتعددة �صوت ًا و�صورة‬ ‫ون�ص ًا‪ ،‬بالطريقة املج�سمة ثالثية الأبعاد‪،‬‬ ‫وبعد ذلك يكون هناك �صفحة �أو ق�سم يخت�ص‬

‫بعر�ض تفا�صيل املعار�ض احلالية واملعار�ض‬ ‫امل�ستقبلية واملعار�ض ال�سابقة التي تت ّم‬ ‫حول مقتنيات املتحف‪ ،‬وكذلك يكون هناك‬ ‫ق�سم يعر�ض تفا�صيل احلفالت واملحا�رضات‬ ‫وعرو�ض الأفالم والقراءات‪ ،‬وغري ذلك من‬ ‫الأن�شطة الثقافية باملتحف‪.‬‬ ‫تت�ض ّمن املواقع املتحفية �أي�ض ًا ق�سماً‬ ‫للزيارة ي�رشح موقع املتحف ومدخله �أو‬ ‫مداخله و�ساعات االفتتاح ور�سوم الدخول‬ ‫والو�سائل ال�صحية والإ�سعافات واملجموعات‬ ‫والزوار املعاقني والتذاكر الإلكرتونية‬ ‫واملتاجر وحمالت العاديات والتذكارات‪ ،‬كما‬ ‫يت�ض ّمن �صفحة ملن يرغب يف الت ّربع للمتحف‬ ‫عرب الإنرتنت‪ ،‬كما ي�ض ّم �صفحات �أو �أق�سام ًا‬ ‫لفئات عمرية مع ّينة كال�شباب والأطفال‪� ،‬أو‬ ‫فئات مهنية كال�صحفيني و�رشكات ال�سياحة‪،‬‬ ‫ويف النهاية يعمل املوقع كمو�سوعة �أثرية‬ ‫ثقافية تتيح للزوار �إن�شاء ح�ساب �شخ�صي يف‬ ‫املوقع يحتوي على كل الأق�سام واملو�ضوعات‬ ‫املف�ضلة‪.‬‬

‫الو�ضع عربي ًا‬

‫جرى خالل الدرا�سة حتليل اختيار‬ ‫موقع ًا من مواقع املتاحف العربية للتحليل‬ ‫من بني العديد من املواقع‪ ،‬وعند بدء التحليل‬ ‫الفعلي كانت ثمانية مواقع منها قد تعطلت‬ ‫كلية ومل تعد تعمل‪ ،‬وظلّت على هذه احلالة‬ ‫طوال �شهور الدرا�سة‪ ،‬ولذلك انخف�ض عدد‬ ‫املواقع التي جرى حتليلها فعلي ًا �إىل ‪ 19‬موقع ًا‪،‬‬ ‫وب�شكل عام انتهى التحليل كما يو�ضح اجلدول‬ ‫رقم «‪� »11‬إىل ما يلي‪:‬‬ ‫• تتوزع م�س�ؤولية �إدارة وت�شغيل هذه املواقع‬ ‫على الأفراد بن�سبة ‪ %26.3‬وامل�ؤ�س�سات‬ ‫الر�سمية ‪ %36.8‬وامل�ؤ�س�سات املدنية ‪%10.5‬‬ ‫وال�رشكات اخلا�صة ‪.26.3‬‬ ‫والنمط الكال�سيكي هو الغالب على هذه الفئة‬ ‫من املواقع‪� ،‬إذ ي�شكّل ‪ %94.7‬من العينة‪ ،‬بينما‬ ‫ت�شكّل املدونات ‪ ( .%5.3‬جدول رقم ‪.) 11‬‬ ‫‪27‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫ثبات املحتوى �سمة غالبة‬

‫متدن‬ ‫�إقبال ٍ‬

‫�سجلت معدالت الإقبال على هذه املواقع‬ ‫تدني ًا �شديداً‪ ،‬حيث كان ‪ %51.9‬منها �ضمن‬ ‫املواقع املهملة خارج الت�صنيف‪ ،‬و‪%40.7‬‬ ‫منها �ضمن املواقع التي حتظى مبعدالت زيارة‬ ‫�ضعيفة للغاية‪.‬‬ ‫وين�سحب التدهور كذلك على م�ستوى‬ ‫�سجل املحتوى املمتاز‬ ‫جودة املحتوى‪ ،‬حيث ّ‬ ‫‪ 1.3‬نقطة من حيث كثافة االنت�شار يف هذه‬ ‫و�سجل املحتوى اجليد ‪ 26.3‬نقطة‬ ‫املواقع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫واملحتوى املتو�سط ‪ 32.9‬نقطة‪ ،‬واملحتوى‬ ‫املنخف�ض ‪ 39.5‬نقطة‪.‬‬ ‫وقد اعتمدت هذه املواقع على الن�صو�ص‬ ‫وال�صور ب�شكل �أ�سا�سي‪ ،‬فيما يتعلق با�ستخدامها‬ ‫لتعددية الو�سائط‪ ،‬حيث احتوت جميع املواقع‬ ‫على ن�صو�ص و�صور‪ ،‬ولكن ‪ %15.8‬منها‬ ‫فقط ا�ستخدمت امللفات ال�صوتية و‪%10.5‬‬ ‫ا�ستخدمت ملفات الفيديو‪.‬‬

‫جدول رقم ‪ 11‬نتائج حتليل عينة مواقع املتاحف‬ ‫معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع»‬ ‫�أفراد‬ ‫م�ؤ�س�سة ر�سمية‬ ‫اجلهة القائمة على املوقع‬ ‫م�ؤ�س�سة مدنية‬ ‫�رشكات خا�صة‬ ‫موقع كال�سيكي‬ ‫منتدى‬ ‫منط املوقع‬ ‫مدونة‬ ‫ثابت‬ ‫متجدد‬ ‫نوعيات املحتوى‬ ‫تفاعلي‬ ‫متنوع‬ ‫مهم جدا‬ ‫مهم‬ ‫�أهمية املحتوى للتنمية‬ ‫الثقافية‬ ‫متو�سط الأهمية‬ ‫�ضئيل الأهمية‬ ‫�أطفال‬ ‫�شباب‬ ‫بالغون‬ ‫فئات اجلمهور التي‬ ‫م�س ّنون‬ ‫يخاطبها املوقع‬ ‫تعليم حتت املتو�سط‬ ‫تعليم متو�سط‬ ‫تعليم عال ومثقفون‬ ‫مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول»‬ ‫مرتفع جدا من �ألف �إىل‪� 10‬آالف موقع‬ ‫مرتفع من ‪� 10‬إىل ‪� 30‬ألف‬ ‫حجم الزوار «ح�سب متو�سط متو�سط من ‪� 30‬إىل ‪� 50‬ألف‬ ‫الرتتيب يف مقيا�س �أليك�سا» منخف�ض من ‪� 50‬إىل ‪� 70‬ألف‬ ‫�ضعيف من ‪� 70‬إىل ‪� 100‬ألف‬ ‫�ضعيف للغاية من ‪�100‬ألف وما بعدها‬ ‫مهمل وخارج الت�صنيف‬ ‫ممتاز‬ ‫جيد‬ ‫جودة حمتوى املوقع‬ ‫متو�سط‬ ‫منخف�ض‬ ‫ن�صو�ص‬ ‫�صوت‬ ‫الو�سائط املتعددة‬ ‫فيديو‬ ‫�صور‬

‫املتاحف‬ ‫‪26.3‬‬ ‫‪36.8‬‬ ‫‪10.5‬‬ ‫‪26.3‬‬ ‫‪94.7‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪5.3‬‬ ‫‪56.6‬‬ ‫‪9.2‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪1.3‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪10.5‬‬ ‫‪42.1‬‬ ‫‪47.4‬‬ ‫‪15.8‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪78.9‬‬ ‫‪94.7‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪3.7‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪40.7‬‬ ‫‪51.9‬‬ ‫‪1.3‬‬ ‫‪26.3‬‬ ‫‪32.9‬‬ ‫‪39.5‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪15.8‬‬ ‫‪10.5‬‬ ‫‪100.0‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫املعلوماتية‬

‫نوعية املحتوى الثابت هي الغالبة متام ًا‬ ‫ي�سجل املحتوى الثابت‬ ‫على هذه املواقع‪� ،‬إذ ّ‬ ‫اجلامد ‪ 56.6‬نقطة من حيث م�ستوى االنت�شار‬ ‫ي�سجل املحتوى املتج ّدد‬ ‫يف هذه املواقع‪ ،‬بينما ّ‬ ‫‪ 9.2‬نقطة واملتن ّوع ‪ 1.3‬نقطة‪� ،‬أما التفاعلي فال‬ ‫يوجد‪.‬‬ ‫ومل يكن يف املحتوى املوجود يف هذه‬ ‫املواقع ما ميكن اعتباره حمتوى «مهم جداً»‬ ‫للتنمية الثقافية‪ ،‬ولكن ‪ %10.5‬من املحتوى‬ ‫حاز على ت�صنيف مهم‪ ،‬و‪ %42.1‬حاز على‬ ‫ت�صنيف متو�سط الأهمية‪ ،‬و‪ 47.4‬حاز على‬ ‫ت�صنيف �ضئيل الأهمية‪.‬‬ ‫ومن املالحظ تن ّوع اجلمهور الذي‬ ‫ت�ستهدفه هذه املواقع من بني الأطفال بن�سبة‬ ‫‪ ،%15.8‬وال�شباب والبالغني وامل�سنني بن�سبة‬ ‫‪ ،%100‬ومن حيث التعليم ا�ستهدف ‪ %87.9‬من‬ ‫املواقع التعليم حتت املتو�سط‪ ،‬و‪ %94.7‬التعليم‬ ‫املتو�سط‪ ،‬و‪ %100‬التعليم العايل واملثقفني‪.‬‬

‫‪53‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 54‬للتنمية الثقافية‬

‫�إهمال التحديث وال�صيانة‬

‫يفاج�أ الزائر ب�أن عناوين بع�ض‬ ‫حتولت �إىل‬ ‫املتاحف عرب الإنرتنت قد ّ‬ ‫عناوين ملواقع دعائية و�إعالنات‬ ‫عن جماالت ال عالقة لها باملحتوى‬ ‫املتاح‪ ،‬ومن ذلك مث ًال موقع متحف‬ ‫البحرين‪ ،‬وبع�ض املواقع الأخرى‬ ‫اكتفت بعر�ض الفتة ت�شري �إىل �أن‬ ‫هذا هو موقع املتحف‪ ،‬من دون �أن‬ ‫ي�صل الأمر �إىل �أبعد من ذلك‪ .‬وال‬ ‫يظهر عرب املوقع �أي حمتوى‪ ،‬وكثري‬ ‫من املتاحف املوجودة على �أر�ض‬ ‫الواقع ال متلك �صفحة �أو موقع ًا لها‬ ‫عرب الإنرتنت‪.‬‬

‫تعاين مواقع املتاحف العربية ب�شكل‬ ‫عام من الإهمال ال�شديد‪� ،‬سواء يف ما يتعلق‬ ‫باجلوانب الفنية �أم غريها‪ ،‬ومن ذلك االن�رصاف‬ ‫عن �صيانة املوقع �أو حتديثه‪ ،‬بل وحتى عدم‬ ‫االنتباه �إىل حتديث عناوين هذه املواقع عرب‬ ‫الإنرتنت �إذا حدث هذا التغيري‪ ،‬وقد يفاج�أ الزائر‬ ‫ب�أن عناوين بع�ض املتاحف عرب الإنرتنت قد‬ ‫حت ّولت �إىل عناوين ملواقع دعائية و�إعالنات‬ ‫عن جماالت ال عالقة لها باملحتوى املتاح‪،‬‬ ‫ومن ذلك مث ًال موقع متحف البحرين‪ .‬وبع�ض‬ ‫املواقع الأخرى اكتفت بعر�ض الفتة ت�شري �إىل‬ ‫�أن هذا هو موقع املتحف‪ ،‬من دون �أن ي�صل‬ ‫الأمر �إىل �أبعد من ذلك‪ .‬وال يظهر عرب املوقع‬ ‫�أي حمتوى‪ ،‬ومن ذلك موقع متحف ال�شارقة‪.‬‬ ‫وقد �أ ّدى ذلك كله �إىل عجز �أدلة املواقع عرب‬ ‫الإنرتنت عن تو�صيل الباحث �إىل املواقع‬ ‫احلقيقية للمتاحف عرب الإنرتنت‪.‬‬ ‫وكثري من املتاحف املوجودة على‬ ‫�أر�ض الواقع ال متلك �صفحة �أو موقع ًا لها عرب‬ ‫الإنرتنت‪ ،‬فتمتلك �سوري ًا مث ًال عدداً كبرياً من‬ ‫املتاحف ي�صل �إىل �أكرث من �ستة ع�رش متحف ًا‪،‬‬ ‫�إال �أن املديرية العامة للمتاحف والآثار ال ي�ض ّم‬ ‫موقعها عرب الإنرتنت �أي روابط لهذه املتاحف‬ ‫على كرثتها‪ ،‬وهي «متحف تدمر ومتحف حلب‬ ‫واملتحف الوطني بحلب واملتحف الوطني‬ ‫بدم�شق ومتحف الرقة ومتحف طرطو�س‬ ‫ومتحف دم�شق التاريخي ومتحف ق�رص العظم‬ ‫ومتحف القنيطرة والبيمار�ستان النوري‬ ‫ومتحف التقاليد ال�شعبية بتدمر ومتحف‬ ‫حم�ص ومتحف �أرواد ومتحف دير عطية‬ ‫ومتحف درعا»‪.‬‬ ‫كما ينق�ص مواقع املتاحف العربية احلدث‬ ‫اليومي‪ ،‬الذي ينبغي �أن يكون ترجمة للن�شاط‬ ‫الذي يت ّم على �أر�ض املتحف ب�شكل متج ّدد‪،‬‬ ‫فلي�س معنى �أن املحتوى يتحدث عن متحف‬ ‫�أن يكون املحتوى �أي�ضا متحفي ًا‪ ،‬و�إال فما هو‬ ‫الفارق بني زيارة املتحف على �أر�ض الواقع‬ ‫وزيارته عرب الإنرتنت‪ ،‬وكيف يحدث التفاعل‬

‫بينه وبني جمهوره �إذا ظ ّل املحتوى ثابت ًا‪ ،‬وقد‬ ‫واجهت املتاحف العاملية هذه امل�شكلة فلج�أت‬ ‫�إىل القيام بتوليد �أحداث يومية‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫متحف احل�ضارة الكندي‪ ،‬الذي يحر�ص على‬ ‫احلديث عرب املوقع عن جمموعة مع ّينة من‬ ‫مقتنيات املتحف ب�شكل متج ّدد‪ ،‬وو�ضع بع�ض‬ ‫الأفالم عنها وبع�ض امل�سابقات وعر�ض �أفالم‬ ‫الآي ماك�س ‪.‬‬

‫تفاعلية مفقودة‬

‫تفتقد مواقع املتاحف العربية للخدمات‬ ‫التفاعلية مع جمهور املوقع‪ ،‬وهي خا�صية‬ ‫قائمة يف نظريتها العاملية‪ ،‬ومن ذلك متحف‬ ‫احل�ضارة الكندي الذي يقوم بن�رش �سل�سلة‬ ‫من املحا�رضات‪ ،‬ويقوم اجلمهور باختيار‬ ‫ال�شخ�صيات التي يرى �أن لها دوراً م�ؤثراً يف‬ ‫حياة دولته‪ ،‬ومن هذه اخلدمات طرح بع�ض‬ ‫الأ�سئلة وامل�سابقات‪ ،‬كذكر بع�ض الأ�ساطري‬ ‫�أو ال�شخ�صيات التاريخية �أو الإجابة على‬ ‫ا�ستبيان �شخ�صي يح ّدد بع�ض ال�شخ�صيات‬ ‫التاريخية‪ ،‬ومنها �أن يذكر املتحدث ر�أيه‬ ‫بالت�صويت على اختيار �شخ�صيات تاريخية‬ ‫مع ّينة �سواء بالت�صويت ل�شخ�صيات يعر�ض لها‬ ‫املوقع ب�ألفعل �أم بتحديد �شخ�صيات �أخرى غري‬ ‫املعرو�ضة وتر�شيحها للعر�ض‪ ،‬وكذلك خدمة‬ ‫بث املحا�رضات حلظي ًا عرب املوقع ون�رش‬ ‫ّ‬ ‫ا�ستبيانات الختيار �أف�ضل مقتنيات املتحف‬ ‫وو�ضعها مبوقع متميز‪� ،‬أو اختيار �شخ�صية‬ ‫تاريخية كمرحلة �أوىل لتحقيق التفاعل‪.‬‬ ‫وهناك نوع من التمييز موجه �ض ّد‬ ‫جمهور اللغة العربية يف ما يتعلق بتقدمي‬ ‫حمتوى املتاحف عرب الإنرتنت‪ ،‬حتى و�إن‬ ‫كان املحتوى املق ّدم عربي ًا حم�ض ًا �أو �إ�سالمي ًا‬ ‫�رصف ًا‪ ،‬وك�أن اجلمهور املق�صود بهذا املحتوى‪،‬‬ ‫هو اجلمهور الناطق باللغة الأجنبية املق ّدم بها‬ ‫املحتوى‪ ،‬ومن ذلك مث ًال‪ ،‬مواقع متاحف �شمتو‬ ‫الأثري بتون�س وموقع طارق رجب بالكويت‬ ‫ومتحف دار �رشيط بتون�س واملقدم باللغتني‬ ‫الفرن�سية والعربية مع �إهمال العربية كلية‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫ثمانية مواقع معطلة‬

‫ثمانية من مواقع املتاحف امل�رصية التي‬ ‫ت�ض ّم �أهم املقتنيات الأثرية يف العامل مل تعمل‪،‬‬ ‫مت فتح هذه‬ ‫على الرغم من �أنه يف وقت �سابق ّ‬ ‫ال�صفحات وم�شاهدة بع�ضها‪ ،‬غري �أنه خالل‬ ‫فرتة تقرتب من ال�شهرين‪ ،‬وهي �ألفرتة املمتدة‬ ‫من ‪ 12‬فرباير حتى الرابع والع�رشين من �أبريل‪،‬‬ ‫مل تعمل هذه املواقع وكانت نتيجة البحث‬ ‫دوم ًا عن العناوين املوجودة عرب موقع وزارة‬ ‫الثقافة امل�رصية ذاته تعر�ض ر�سالة واحدة‬ ‫هي «(‪،»Bad Request (Invalid Hostname‬‬ ‫وذلك عند ا�ستخدام م�ستك�شف فاير فوك�س‪،‬‬ ‫على حني كانت الر�سالة عند ا�ستخدام مت�صفح‬ ‫«�إك�سبلورر تقول‪The webpage cannot be :‬‬ ‫‪ ،found‬ويف هذا داللة على عدم االهتمام حتى‬ ‫مبتابعة مدى ا�ستمرار هذا الوجود �أ�ص ًال‪.‬‬ ‫املالحظة الأخرية �أن مواقع املتاحف‬ ‫العربية مل ت�ستطع �أن ترتجم الرثاء الذي حتظى‬ ‫به هذه املتاحف بني جنباتها �إىل ثراء على‬ ‫مواقعها عرب الإنرتنت‪� ،‬سواء بالتخلي عن‬ ‫عر�ض هذا املحتوى يف �شكل �صور �أو ملفات‬ ‫فيديو �أم يف عرو�ض فال�ش‪.‬‬

‫البحث العلمي‬

‫�أبرز ما يف الوجه الرقمي مل�ؤ�س�سات البحث‬ ‫العلمي �أنه يقوم بثالث وظائف قد ال تقوم بها‬ ‫امل�ؤ�س�سة البحثية نف�سها يف واقعها العملي‬ ‫بال�صورة نف�سها‪ ،‬فاملوقع الإلكرتوين الذي‬ ‫يج�سد هذا الوجه يقوم �أو ًال بوظيفة «م�ساعد‬ ‫ّ‬

‫املعلوماتية‬

‫وكذلك متحف اجلزائر الوطني واملقدم باللغة‬ ‫الفرن�سية فقط‪.‬‬ ‫وكثري من مواقع املتاحف العربية لي�ست‬ ‫مواقع باملعنى املفهوم و�إمنا هي عبارة عن‬ ‫جهد تطوعي قام به �شخ�ص عرب الإنرتنت‬ ‫يف �شكل �صفحة على مد ّونة تربز �أهم الآثار‬ ‫املوجودة يف مكان ما‪ ،‬ومن ذلك ال�صفحة‬ ‫اخلا�صة مبتحف �صرباته الليبي والكثري من‬ ‫متاحف ليبيا‪.‬‬

‫الباحث �أو العامل» من خالل دعم توا�صله مع‬ ‫�إدارته وزمالئه بامل�ؤ�س�سه ونظرائه خارجها‪،‬‬ ‫وكذلك مع موارد البحث والعلوم املختلفة‬ ‫كقواعد البيانات واملجالت املتخ�ص�صة‬ ‫وامل�ؤمترات العلمية وغري ذلك‪ ،‬ويقوم ثانية‬ ‫بوظيفة التعليم والتعلم امل�ستمر لي�س لأع�ضاء‬ ‫امل�ؤ�س�سة البحثية فح�سب‪ ،‬ولكن جلميع املهتمني‬ ‫بتخ�ص�صها ونطاق عملها من خارجها �سواء‬ ‫من اجلمهور العام �أم املتخ�ص�ص‪� .‬أما الوظيفة‬ ‫الثالثة فهي الإعالم والتثقيف العلمي عرب ما‬ ‫يتيحه من حمتوى يت�ضمن قدراً معقو ًال من‬ ‫ال�شمول واجلهد الوا�ضح يف تب�سيط املادة‬ ‫العلمية ذات العالقة بتخ�ص�ص املوقع وطرحها‬ ‫للجمهور العام ليت ّمكن من املعرفة واملتابعة‪.‬‬ ‫يف هذه املواقع يق ّدم املركز �أو اجلهة‬ ‫البحثية نف�سه للزائر من خالل حقائق وبيانات‬ ‫كاملة حول �أن�شطته وخططه واهتماماته‬ ‫البحثية وموارده الب�رشية وغري ذلك‪ ،‬ثم ينتقل‬ ‫املوقع �إىل القيام بواجبه الإعالمي والتعليمي‬ ‫فيق ّدم الأخبار واخلال�صات والكتيبات املب�سطة‬ ‫والكور�سات التعليمية وامل�ساعدات املالية‪،‬‬ ‫والقبول (طلبة – خريجون – متخ�ص�صون)‬ ‫والأبحاث (مراكز ومعامل – مكتبات – بحوث‬ ‫ـ اخلدمات ‪ -‬الوظائف ‪ -‬العطاء) واملجتمع‬ ‫(الطالب ‪ -‬املوظفون – الكلية – الآباء‬ ‫– اخلريجون) والتقومي (الأحداث – الأن�شطة‬ ‫الأكادميية – �ألفنون – الريا�ضيون) والفيديو‬ ‫(الدورات – املحا�رضات) والأخبار‪ ،‬ثم �أداة‬ ‫البحث‪ .‬ويتيح املوقع �إمكانية البحث‪ ،‬ومن‬ ‫خالل ذلك تعر�ض امل�ؤ�س�سة البحثية نف�سها‬ ‫كبوابة علمية تقود �إىل ع ّدة مواقع �أخرى‪،‬‬ ‫خم�ص�صة البتكار �أو اخرتاع �أو‬ ‫قد تكون‬ ‫ّ‬ ‫تكنولوجيا جديدة‪ ،‬ولهذا من ال�صعب ح�رص كل‬ ‫هذه املواقع‪.‬‬ ‫ويف ق�سم الأبحاث يعر�ض موقع امل�ؤ�س�سة‬ ‫برامج ومو�ضوعات الأبحاث بح�سب املو�ضوع‬ ‫مر ّتب ًة باحلروف الأبجدية‪ ،‬وعند النقر على �أي‬ ‫جمال يعر�ض املوقع روابط جلهود املعهد يف‬ ‫هذا املجال‪ ،‬وك ّل من هذه الروابط يقود �إىل‬

‫‪55‬‬

‫هناك نوع من التمييز موجه‬ ‫�ض ّد جمهور اللغة العربية يف ما‬ ‫يتعلق بتقدمي حمتوى املتاحف عرب‬ ‫الإنرتنت‪ ،‬حتى و�إن كان املحتوى‬ ‫املق ّدم عربي ًا حم�ض ًا �أو �إ�سالمي ًا‬ ‫�رصفاً‪ ،‬وك�أن اجلمهور املق�صود بهذا‬ ‫املحتوى هو اجلمهور الناطق باللغة‬ ‫الأجنبية املق ّدم بها املحتوى‪.‬‬

‫ثمانية من مواقع املتاحف‬ ‫امل�رصية التي ت�ض ّم �أهم املقتنيات‬ ‫الأثرية يف العامل مل تعمل‪ ،‬على الرغم‬ ‫مت فتح هذه‬ ‫من �أنه يف وقت �سابق ّ‬ ‫ال�صفحات وم�شاهدة بع�ضها‪ ،‬غري‬ ‫�أنه خالل فرتة تقرتب من ال�شهرين‬ ‫مل تعمل هذه املواقع‪ ،‬ويف هذا داللة‬ ‫على عدم االهتمام حتى مبتابعة‬ ‫مدى ا�ستمرار هذا الوجود �أ�صالً‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 56‬للتنمية الثقافية‬

‫موقع منف�صل تقريب ًا يت ّميز بواجهة ا�ستخدام �سيادة الكال�سيكية‬

‫متميزة وت�صميم خمتلف‪.‬‬ ‫ويف ق�سم الأخبار توجد روابط للأخبار‬ ‫احلديثة و�أخبار الأبحاث و�أخبار املعهد‬ ‫و�أخبار بح�سب املو�ضوع و�أخبار املنا�سبات‬ ‫و�أر�شيف للأخبار ال�سابقة‪ ،‬مع �إمكانية‬ ‫اال�شرتاك يف الن�رشة الإخبارية الدورية للموقع‬ ‫وتنزيل ملفات الأخبار ال�صوتية (البودكا�ست)‬ ‫والأخبار الإلكرتونية‪ ،‬وميكن يف هذا الق�سم‬ ‫طلب �صور �أو �إر�سال �أخبار �أو ترويج الأخبار‬ ‫�أو �إر�سال ا�ستف�سارات �صحفية �أو التوا�صل مع‬ ‫اخلرباء مبا�رشة‪ ،‬ويتيح املوقع التوا�صل مع‬ ‫امل�ؤ�س�سة البحثية بع ّدة طرق‪ ،‬منها (النماذج‬ ‫الإلكرتونية – �إر�سال بريد �إلكرتوين مبا�رش‬ ‫– قائمة املوظفني)‪.‬‬ ‫تق ّدم بع�ض امل�ؤ�س�سات البحثية املتقدمة ـ‬ ‫مثل معهد ما�سا�سو�سيت�ش للتكنولوجيا ـ مناهج‬ ‫درا�سية وكور�سات علمية كاملة ب�شكل مفتوح‬ ‫للكافة‪ ،‬ومن دون مقابل‪ ،‬ويعتمد يف ذلك على‬ ‫التربعات ومنها كور�سات بال�صوت وال�صورة‬ ‫وكور�سات مرتجمة وتتناول هذه الكور�سات‬ ‫خمتلف املجاالت (العمارة والتخطيط‬ ‫– الهند�سة – العلوم ال�صحية – الإن�سانيات‬ ‫– الإدارة – العلوم – وغريها الكثري جداً)‪.‬‬ ‫وميكن تنزيل �أي كور�س يف ملف م�ضغوط‬ ‫مع �إمكانية تنزيل امللفات ال�صوتية و الفيديو‬ ‫ب�صورة منف�صلة‪.‬‬

‫الو�ضع عربي ًا‬

‫جرى اختيار وحتليل ‪ 29‬موقع ًا من مواقع‬ ‫م�ؤ�س�سات البحث العلمي العربية يف املجاالت‬ ‫املختلفة‪ ،‬وقد �أ�سفر التحليل كما يو�ضح اجلدول‬ ‫رقم «‪ »12‬عن النتائج التالية‪:‬‬ ‫• جميع املواقع تابعة مل�ؤ�س�سات ر�سمية‪،‬‬ ‫وال توجد م�ؤ�س�سات مدنية �أو �رشكات خا�صة‬ ‫ترعى �أو تدير مواقع للبحث العلمي وكذلك‬ ‫الأفراد‪.‬‬

‫جميع املواقع تنتمي �إىل منط املواقع‬ ‫الكال�سيكي ولي�س من بينها مدونات �أو‬ ‫منتديات �أو �أدوات تنتمي للجيل الثاين للويب‬ ‫امل�ستخدمة يف العديد من مواقع البحث العلمي‬ ‫عاملي ًا‪.‬‬

‫حمتوى ثابت‬

‫على الرغم من �أن حركة البحث العلمي‬ ‫حتمل اجلديد كل يوم حول العامل‪ ،‬ف�إن مواقع‬ ‫هذه الفئة عربي ًا كانت �أكرث مي ًال نحو ا�ستخدام‬ ‫�سجل هذا النوع‬ ‫املحتوى الثابت اجلامد‪ ،‬بحيث ّ‬ ‫من املحتوى ‪ 48.3‬نقطة جلهة كثافة االنت�شار‬ ‫�سجل املحتوى املتج ّدد‬ ‫يف هذه املواقع‪ ،‬بينما ّ‬ ‫‪ 20.7‬نقطة والتفاعلي ‪ 0.9‬نقطة‪.‬‬ ‫مل تق ّدم هذه املواقع حمتوى يجعلها‬ ‫«مهمة جداً» بالن�سبة للتنمية الثقافية‪ ،‬لكن‬ ‫‪ %3.4‬منها ق ّدم حمتوى مه ّم ًا للتنمية الثقافية‪،‬‬ ‫و‪ %44.8‬قدم حمتوى متو�سط الأهمية و‪%48.3‬‬ ‫قدم حمتوى �ضئيل الأهمية للتنمية الثقافية‪.‬‬ ‫وقد بلغت ن�سبة املواقع التي ا�ستهدفت‬ ‫ال�شباب ‪ %93.1‬والبالغني ‪ %96.6‬وامل�سنني‬ ‫‪ .%93.1‬ومل تكن هناك مواقع تهت ّم با�ستهداف‬ ‫الأطفال‪ .‬ومن حيث م�ستوى التعليم اهتمت‬ ‫‪ %13.8‬من املواقع بذوي التعليم حتت‬ ‫املتو�سط‪ ،‬و‪ %24.1‬بذوي التعليم املتو�سط‪،‬‬ ‫بينما اهتمت جميع املواقع بن�سبة ‪%100‬‬ ‫بذوي التعليم العايل واملثقفني‪.‬‬ ‫وتبدو هذه املواقع فقرية للغاية يف ما‬ ‫يتعلق باجلماهريية واالنت�شار‪� ،‬إذ ا ّت�ضح �أن‬ ‫‪ %86.2‬منها يتلقى معدل زيارات �ضعيف‬ ‫للغاية‪ ،‬و‪ %13.8‬مهملة وخارج ت�صنيف‬ ‫الزيارات‪.‬‬

‫تهمي�ش و�سطحية‬

‫يعاين بع�ض مواقع البحث العلمي من‬ ‫التهمي�ش وال�سطحية وغياب االهتمام‪ ،‬حتى �أن‬ ‫بع�ضها يكتفي ب�أن يكون جمرد لوحة �إعالنات‬ ‫�إلكرتونية عن اجلوائز واملنح‪ ،‬على الرغم من‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫جدول رقم ‪ 12‬نتائج حتليل عينة مواقع البحث العلمي‬ ‫معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع»‬ ‫�أفراد‬ ‫م�ؤ�س�سة ر�سمية‬ ‫اجلهة القائمة على‬ ‫املوقع‬ ‫م�ؤ�س�سة مدنية‬ ‫�رشكات خا�صة‬ ‫موقع كال�سيكي‬ ‫منتدى‬ ‫منط املوقع‬ ‫مدونة‬ ‫ثابت‬ ‫متجدد‬ ‫نوعيات املحتوى‬ ‫تفاعلي‬ ‫متنوع‬ ‫مهم جدا‬ ‫مهم‬ ‫�أهمية املحتوى‬ ‫للتنمية الثقافية‬ ‫متو�سط الأهمية‬ ‫�ضئيل الأهمية‬ ‫�أطفال‬ ‫�شباب‬ ‫بالغون‬ ‫فئات اجلمهور التي‬ ‫م�س ّنون‬ ‫يخاطبها املوقع‬ ‫تعليم حتت املتو�سط‬ ‫تعليم متو�سط‬ ‫تعليم عال ومثقفون‬ ‫مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول»‬ ‫مرتفع جدا من �ألف �إىل‪� 10‬آالف موقع‬ ‫مرتفع من ‪� 10‬إىل ‪�30‬ألف‬ ‫حجم الزوار «ح�سب متو�سط من ‪� 30‬إىل ‪� 50‬ألف‬ ‫متو�سط الرتتيب يف‬ ‫منخف�ض من ‪� 50‬إىل ‪� 70‬ألف‬ ‫مقيا�س �أليك�سا»‬ ‫�ضعيف من ‪� 70‬إىل ‪� 100‬ألف‬ ‫�ضعيف للغاية من ‪�100‬ألف وما بعدها‬ ‫مهمل وخارج الت�صنيف‬ ‫ممتاز‬ ‫جيد‬ ‫جودة حمتوى املوقع‬ ‫متو�سط‬ ‫منخف�ض‬ ‫ن�صو�ص‬ ‫�صوت‬ ‫الو�سائط املتعددة‬ ‫فيديو‬ ‫�صور‬

‫البحث العلمي‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪48.3‬‬ ‫‪20.7‬‬ ‫‪0.9‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪3.4‬‬ ‫‪44.8‬‬ ‫‪48.3‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪93.1‬‬ ‫‪96.6‬‬ ‫‪93.1‬‬ ‫‪13.8‬‬ ‫‪24.1‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪86.2‬‬ ‫‪13.8‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪38.8‬‬ ‫‪33.6‬‬ ‫‪20.7‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪6.9‬‬ ‫‪10.3‬‬ ‫‪82.8‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫املعلوماتية‬

‫قدرته على �إثراء واقع البحث العلمي بفتح‬ ‫املنتديات العلمية و�إتاحة فر�ص احلوار بني‬ ‫الباحثني من اجلهات كافة‪ ،‬و�إثارة الق�ضايا‬ ‫العلمية ور�صد احلوار املجتمعي حولها‪.‬‬ ‫يلقي الو�ضع الإداري وال�سيا�سي لأن�شطة‬ ‫البحث العلمي بظالله القوية على مواقع البحث‬ ‫العلمي العربية‪ ،‬فنظراً الرتباط وزارة البحث‬ ‫العلمي يف معظم احلاالت بوزارة التعليم‪ ،‬يت ّم‬ ‫�إغفال دور البحث العلمي ل�صالح التعليم‪ ,‬ويت ّم‬ ‫االكتفاء غالب ًا يف تغطية �أخبار ون�شاطات‬ ‫البحث العلمي باحلديث عن املنح والبعثات‬ ‫التعليمية واملزايا واال�شرتاطات‪ ،‬من دون‬ ‫التعر�ض خلطط البحث وم�رشوعاته‪� ،‬أو عر�ض‬ ‫ّ‬ ‫الق�ضايا البحثية والعلمية‪ ،‬واملثال الوا�ضح‬ ‫لذلك موقع وزارة التعليم العايل والبحث‬ ‫العلمي امل�رصية ‪.‬‬ ‫كثري من مواقع م�ؤ�س�سات البحث العلمي‬ ‫جتعل من مواقعها واجهة تكتفي فيها بعر�ض‬ ‫ما تراه جمي ًال عن ن�ش�أتها وخططها ونواياها‪،‬‬ ‫لكنها ال تعر�ض �شيئ ًا مهم ًا عن جهودها‬ ‫احلقيقية التي ميكن من خاللها تقييم دورها‬ ‫وفقا لوجهة نظر املتلقي‪.‬‬ ‫تغيب عن هذه املواقع يف الغالب فكرة‬ ‫�إن�شاء املنتديات وال�سماح بن�رش امل�ساهمات‬ ‫وفتح باب التعليق عليها �أو فتح باب احلوار‬ ‫حول ق�ضية معينة‪� ،‬أو �إن�شاء جمموعات‬ ‫للمهتمني مبجال معينّ من جماالت البحث‬ ‫العلمي �أو العر�ض لنتائج الدرا�سات املختلفة‪،‬‬ ‫وخمتلف ال�صيغ التفاعلية الأخرى ‪.‬‬ ‫وتفتقد مواقع م�ؤ�س�سات البحث العلمي يف‬ ‫كثري منها الدعم �ألف ّني الذي ي�ؤ ّدي �إىل �إ�ضعاف‬ ‫قيمة املحتوى املن�شور و�أهميته‪ ،‬فكثري من‬ ‫فئات املحتوى ال تعمل وبع�ضها يت ّم ن�رشه‬ ‫يف �صيغ ت�ستلزم تخزينه يف ذاكرة احلا�سب‬ ‫�أو ًال بد ًال من عر�ضه مبا�رشة‪ ,‬من ذلك موقع‬ ‫الهيئة العليا للبحث العلمي يف �سوريا‪ ،‬الأمر‬ ‫الذي جعل املوقع‪ ،‬على الرغم من تعدد فئاته‬ ‫وو�ضوحها‪� ،‬ضئيل �ألفائدة للمهتمني‪.‬‬ ‫ومعظم هذه املواقع ت�ضع خطط ًا تف�صيلية‬

‫‪57‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 58‬للتنمية الثقافية‬

‫عن م�رشوعاتها ونواياها وخططها وجهودها‬ ‫لكنها غالب ًا فئات فارغة �أو ال ميكن فتحها‪،‬‬ ‫�أو خالية حتت م�سميات عديدة «حتت الإن�شاء‪،‬‬ ‫حتت الت�صميم‪ ،‬حتت الإجناز‪ ،‬ب�صدد التكوين»‪،‬‬ ‫وذلك على الرغم من �أن كثرياً من هذه الأجزاء‬ ‫غري املنجزة متثّل جزءاً من املحتوى الأ�سا�سي‬ ‫للموقع ولي�ست فئة طارئة عليه �أو فئة‬ ‫ا�ستدعت احلاجة �إىل �إن�شائها‪ ،‬ومن ذلك فئة‬ ‫الكيمياء و �ألفيزياء يف موقع مركز البحوث‬ ‫النووية يف ليبيا‪ ،‬وموقع املعهد الوطني لعلوم‬ ‫وتكنولوجيا البحار حيث يفاج�أ الزائر ب�أنه مل‬ ‫يجد املعلومات امل�شار �إليها‪.‬‬ ‫وكثري من مواقع م�ؤ�س�سات البحث العلمي‬ ‫ال حتفل مبخاطبة جمهورها الأول وهو‬ ‫اجلمهور العربي‪ ،‬و�إمنا تهتم مبخاطبة فئتني‪:‬‬ ‫فئة العامل اخلارجي‪ ،‬وفئة اجلمهور �شديد‬ ‫التخ�ص�ص‪� ،‬أما اجلمهور العادي فال اهتمام به‬ ‫لكون الإجنليزية هي لغة عر�ض املحتوى‪.‬‬ ‫وبع�ض املواقع يتوقف دور القائمني‬ ‫وين�صب‬ ‫عليها على حلظة بناء املوقع‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫االهتمام وقتها على اجلوانب كافة بالت�ساوي‪،‬‬ ‫�أما بعد مرور فرتة من الوقت فيقت�رص االهتمام‬ ‫غالب ًا على جانب واحد ويت ّم حتديثه‪ ،‬وهو‬ ‫غالب ًا اجلانب اخلربي‪ ،‬بينما تظ ّل بقية فئات‬ ‫املحتوى ثابتة من دون � ّأي تطوير‪.‬‬

‫التعليم الإلكرتوين‬

‫بالنظر �إىل مواقع وبوابات التعليم‬ ‫الإلكرتوين الرائدة وال�شهرية عاملي ًا‪ ،‬ميكن‬ ‫القول �إنها من الناحية التقنية تقوم بالأ�سا�س‬ ‫على التفاعلية وتعددية الو�سائط والت�صميمات‬ ‫الب�سيطة البعيدة عن الإبهار‪ ،‬ومن حيث تق�سيم‬ ‫املحتوى هناك �أربعة �أق�سام �أ�سا�سية عادة ما‬ ‫تكون موجودة باملواقع التي تق ّدم خدمات‬ ‫التعليم الإلكرتوين‪ ،‬الأول هو الدليل الذي يق ّدم‬ ‫باقة وا�سعة من املوارد وم�صادر املعلومات‬ ‫تخ�ص�ص املوقع ونوعية التعليم‬ ‫املتاحة حول ّ‬ ‫الذي يق ّدمه‪ ،‬ويجري تنظيمها بح�سب الفئة‬ ‫ومو�ضوع االهتمام‪ ،‬ويتك ّون حمتوى هذا‬

‫الدليل من املقاالت واللقاءات واملقابالت‬ ‫وامل�رشوعات واملطبوعات واملراجع واملوارد‬ ‫وامل�ؤ�س�سات وال�شبكات واخلرباء والأحداث‬ ‫واملنا�سبات والنداءات املفتوحة‪ ،‬ثم ُتفهر�س‬ ‫هذه املوارد واملعلومات بطرق معينة ح�سبما‬ ‫يت ّما�شى مع �سيا�سة وتوجهات املوقع‪ ،‬كما‬ ‫ي�ض ّم �أوراق التعليم الإلكرتوين التي تهتم‬ ‫باملعلومات حول التعليم الإلكرتوين وحتفّز‬ ‫البحث‪ ،‬وتت�ضمن مقاالت ومقابالت ومراجعات‬ ‫وملخ�صات مع �إمكانية العثور على معلومات‬ ‫حول امل�ؤلفني وم�صادر املعلومات املرتبطة‬ ‫و�أدوات امل�شاركة‪.‬‬ ‫والق�سم الثاين هو جمتمع التعليم‬ ‫الإلكرتوين‪ ،‬و ُيخ�ص�ص مل�ساعدة امل�ستفيدين‬ ‫من التعليم الإلكرتوين يف مناق�شة الق�ضايا‬ ‫ون�رش املعلومات والأفكار التي تتعلق‬ ‫باملهام واالحتياجات اليومية والبحث‬ ‫عن هذه املعلومات‪ ،‬ويت�ض ّمن ع ّدة �أدوات‬ ‫وقنوات للتفاعل‪ ،‬منها املنتديات ولوحات‬ ‫الر�سائل واملقابالت التي يكتبها امل�ستخدمون‬ ‫وامل�سابقات واقرتاحات امل�ستخدمني‪.‬‬ ‫والق�سم الثالث هو الن�رشات الإخبارية‬ ‫التي تق ّدم مل�شرتكي املوقع �أخباراً �شهرية‬ ‫حول الق�ضايا احلالية ذات ال�صلة والنداءات‬ ‫املفتوحة واملنا�سبات القادمة وموارد‬ ‫التعليم الإلكرتوين‪ ،‬والق�سم الرابع هو املناهج‬ ‫والكور�سات التعليمية والتي تق ّدم من خالل‬ ‫برجميات ُتبنى لهذا الغر�ض وتعيد عر�ض‬ ‫و�رشح املنهج التعليمي ب�صورة �إلكرتونية‬ ‫عرب املوقع مب�ساعدة �أو من دون م�ساعدة‬ ‫املدر�سني واملعلمني‪� ،‬أو �إعداد الكور�سات‬ ‫من ّ‬ ‫التعليمية يف �صورة ملفات وتطبيقات ميكن‬ ‫تنزيلها على احلا�سب واال�ستعانة بها يف‬ ‫ال�رشح والتدري�س والتعلم‪.‬‬

‫الو�ضع عربي ًا‬ ‫�صعوبات خا�صة‬

‫عند اختيار وحتليل ع ّينة من مواقع التعليم‬ ‫الإلكرتوين العربية تبدو بع�ض ال�صعوبات التي‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫املعلوماتية‬

‫تتكرر يف �أي فئة �أخرى‪ ،‬فاملحتوى الذي‬ ‫ال ّ‬ ‫تق ّدمه هذه املواقع ال ُيتاح �إال للم�شرتكني �سواء‬ ‫كان هذا اال�شرتاك والت�سجيل مبقابل مادي‬ ‫�أم جماني ًا‪ ،‬حيث حت ّتم هذه املواقع �أن يكون‬ ‫الزائر ملحتواها طالب ًا مق ّيداً يف مدار�سها �أو‬ ‫جامعاتها‪ ،‬ومن ذلك موقع جامعة القد�س‬ ‫املفتوحة وبوابة التعليم الإلكرتوين بجامعة‬ ‫احلديدة‪ ،‬وهذه الأخرية ال تتيح �أية معلومات‬ ‫عنها للزائر على الإطالق وال يت ّمكن من ر�ؤية‬ ‫�أي حمتوى‪ ،‬حتى بع�ض املواد الدرا�سية التي‬ ‫ي�شري املوقع �إىل �إمكانية اطّ الع الزائرين عليها‬ ‫يبحث عنها الزائر فال يجدها‪ ،‬ي�ضاف �إىل ذلك‬ ‫�أن مواقع هذه الفئة ت ّت�سم ب�أن املوقع غالبا‬ ‫هو نف�سه التطبيق امل�ستخدم يف عر�ض املناهج‬ ‫الدرا�سية‪ ،‬عالوة على �أن املحتوى نف�سه يتالحم‬ ‫فيه املحتوى التعليمي ال�رصف مع الت�صميم‬ ‫و�أدوات العر�ض وال�رشح‪.‬‬ ‫وتطغى املواقع التابعة للم�ؤ�س�سات‬ ‫الر�سمية على هذه الفئة‪� ،‬إذ ت�شكل ‪%52‬‬ ‫من �إجمايل املواقع‪ ،‬تليها املواقع التابعة‬ ‫للم�ؤ�س�سات املدنية بن�سبة ‪ ،%28‬ثم ال�رشكات‬ ‫اخلا�صة ‪ %12‬والأفراد ‪.%8‬‬ ‫على الرغم من �أن الأدوات والتقنيات‬ ‫احلديثة يف جمال التعليم الإلكرتوين تركّز على‬ ‫املحتوى التفاعلي واملتج ّدد‪ ،‬ف�إن املواقع التي‬ ‫خ�ضعت للتحليل ق ّدمت حمتوى ثابت ًا بالدرجة‬ ‫الأوىل حيث �سجل املحتوى الثابت ‪ 68‬نقطة‬ ‫من حيث معدل االنت�شار يف هذه املواقع‪،‬‬ ‫�سجل ‪ 4‬نقاط‪،‬‬ ‫تاله املحتوى املتن ّوع الذي ّ‬ ‫واملحتوى املتج ّدد الذي �سجل نقطتني‪.‬‬ ‫ومن حيث الأهمية للتنمية الثقافية حازت‬ ‫‪ %76‬من املواقع على ت�صنيف «مهم» بالن�سبة‬ ‫للتنمية الثقافية‪ ،‬و‪ %8‬على متو�سط الأهمية‪،‬‬ ‫و‪ %16‬على �ضئيل الأهمية‪.‬‬ ‫وتخاطب هذه املواقع ال�شباب والبالغني‬ ‫ب�صورة �أ�سا�سية‪ ،‬فقد ا ّت�ضح �أن ‪ %92‬منها يقدم‬ ‫لهذه الفئة العمرية‪ ،‬و‪ %68‬منها يق ّدم حمتوى‬ ‫ينا�سب البالغني‪� ،‬أما امل�س ّنون فتخاطبهم ‪%8‬‬ ‫من املواقع والأطفال ‪ %20‬من املواقع‪ ،‬ومن‬

‫حيث امل�ستوى التعليمي ركّزت هذه املواقع‬ ‫على ذوي التعليم العايل‪ ،‬بحيث ا ّت�ضح �أن‬ ‫‪ %86‬منها يخاطب هذه الفئة و‪ %40‬يخاطب‬ ‫التعليم املتو�سط و‪ %28‬يخاطب التعليم حتت‬ ‫املتو�سط‪.‬‬ ‫وال حتظى هذه النوعية من املواقع‬ ‫باجلماهريية املتوقعة �أو املطلوبة لها‪ ،‬بحيث‬ ‫�إن ‪ %86‬منها يحظى مبعدل زيارة �ضعيف‬ ‫للغاية‪ ،‬و‪ %16‬منها مهمل وخارج ت�صنيف‬ ‫الزيارات‪ ،‬و‪ %4‬منها يحظى مبعدل زيارة‬ ‫�ضعيف‪ ،‬و‪ %4‬يحظى مبعدل زيارة منخف�ض‪،‬‬ ‫و‪ %8‬يحظى مبعدل زيارة متو�سط‪.‬‬ ‫وبعيداً عن اجلزء التعليمي يبدو حمتوى‬ ‫هذه املواقع يف الغالب خفيف ًا ودعائي ًا‬ ‫تعريفي ًا باخلدمة ومميزاتها‪ ،‬وتغيب عنها‬ ‫الأق�سام الثالثة الأخرى التي غالب ًا ما ت�ض ّمها‬ ‫مواقع التعليم الإلكرتوين وهي الدليل والن�رشة‬ ‫الإخبارية واملجتمع‪ .‬وكثرياً ما يظهر حمتوى‬ ‫هذه املواقع وك�أنه للتخدمي على هدف املوقع‬ ‫الرئي�سي للجهة املالكة للموقع‪ ،‬خ�صو�ص ًا �إذا‬ ‫كانت جهة ر�سمية كجامعة �أو مدر�سة‪� ،‬أو حتى‬ ‫لإ�ضفاء طابع اجتماعي على ال�صفحة الرئي�سية‬ ‫للموقع‪ ،‬ومن ثم يجد الزائر �أن هذا املحتوى‬ ‫يف بع�ض الأحيان غري من�سجم مع املحتوى‬ ‫الأ�سا�سي للموقع‪ .‬ومن ذلك موقع املدر�سة‬ ‫العربية‪ ( .‬جدول رقم ‪)13‬‬

‫‪59‬‬

‫حيوية وراء املنتديات‬

‫يحر�ص الكثري من مواقع التعليم الإلكرتوين‬ ‫العربية على �أن ي�شتمل املوقع على منتدى �أو‬ ‫�ساحة للحوار‪ ،‬وال تكتفي بال�شكل الكال�سيكي‬ ‫رغب ًة يف حتقيق التفاعل املطلوب لهذه العملية‬ ‫التعليمية التي تت ّم ب�شكل �إلكرتوين‪ ،‬ومن‬ ‫ذلك موقع الأكادميية الإ�سالمية املفتوحة‪،‬‬ ‫والكلية الإلكرتونية للجودة ال�شاملة‪ ،‬واجلامعة‬ ‫االفرتا�ضية التون�سية‪ ،‬وموقع بوابة املدار�س‬ ‫الإلكرتونية‪ ،‬مركز التدرب الإلكرتوين وم�صادر‬ ‫التدريب‪ ،‬ومدر�سة �رساقب االفرتا�ضية‪ .‬ومتثّل‬ ‫منتديات النقا�ش �أدوات توا�صل غري متزامنة‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 60‬للتنمية الثقافية‬

‫جدول رقم ‪ 13‬نتائج حتليل عينة مواقع التعليم الإلكرتوين‬ ‫معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع»‬ ‫�أفراد‬ ‫اجلهة القائمة على م�ؤ�س�سة ر�سمية‬ ‫املوقع‬ ‫م�ؤ�س�سة مدنية‬ ‫�رشكات خا�صة‬ ‫موقع كال�سيكي‬ ‫منتدى‬ ‫منط املوقع‬ ‫مدونة‬ ‫ثابت‬ ‫متجدد‬ ‫نوعيات املحتوى‬ ‫تفاعلي‬ ‫متنوع‬ ‫مهم جدا‬ ‫مهم‬ ‫�أهمية املحتوى‬ ‫الثقافية‬ ‫للتنمية‬ ‫متو�سط الأهمية‬ ‫�ضئيل الأهمية‬ ‫�أطفال‬ ‫�شباب‬ ‫بالغون‬ ‫فئات اجلمهور التي‬ ‫م�س ّنون‬ ‫يخاطبها املوقع‬ ‫تعليم حتت املتو�سط‬ ‫تعليم متو�سط‬ ‫تعليم عال ومثقفون‬ ‫مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول»‬ ‫مرتفع جدا من �ألف �إىل‪� 10‬آالف موقع‬ ‫مرتفع من ‪� 10‬إىل ‪�30‬ألف‬ ‫حجم الزوار «ح�سب متو�سط من ‪� 30‬إىل ‪� 50‬ألف‬ ‫متو�سط الرتتيب يف‬ ‫منخف�ض من ‪� 50‬إىل ‪� 70‬ألف‬ ‫مقيا�س �أليك�سا»‬ ‫�ضعيف من ‪� 70‬إىل ‪� 100‬ألف‬ ‫�ضعيف للغاية من ‪�100‬ألف وما بعدها‬ ‫مهمل وخارج الت�صنيف‬ ‫ممتاز‬ ‫جيد‬ ‫جودة حمتوى‬ ‫املوقع‬ ‫متو�سط‬ ‫منخف�ض‬ ‫ن�صو�ص‬ ‫�صوت‬ ‫الو�سائط املتعددة‬ ‫فيديو‬ ‫�صور‬

‫التعليم الإلكرتوين‬ ‫‪8.0‬‬ ‫‪52.0‬‬ ‫‪28.0‬‬ ‫‪12.0‬‬ ‫‪92.0‬‬ ‫‪48.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪68.0‬‬ ‫‪2.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪4.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪76.0‬‬ ‫‪8.0‬‬ ‫‪16.0‬‬ ‫‪20.0‬‬ ‫‪92.0‬‬ ‫‪68.0‬‬ ‫‪8.0‬‬ ‫‪28.0‬‬ ‫‪40.0‬‬ ‫‪68.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪8.0‬‬ ‫‪4.0‬‬ ‫‪4.0‬‬ ‫‪68.0‬‬ ‫‪16.0‬‬ ‫‪3.0‬‬ ‫‪73.0‬‬ ‫‪16.0‬‬ ‫‪8.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪52.0‬‬ ‫‪52.0‬‬ ‫‪92.0‬‬

‫تكمل الفعاليات املبا�رشة يف املحتوى التعليمي‬ ‫بحيث ال يحتاج املتعلمون امل�شاركون يف هذه‬ ‫املناق�شات �إىل �أن يكونوا م ّت�صلني بالإنرتنت‬ ‫يف الوقت نف�سه‪ .‬وميكنهم يف الغالب الر ّد �أو‬ ‫اقرتاح �أي مو�ضوع من املادة يف �أي وقت‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من �أن املنتدى من �أهم �أدوات‬ ‫التفاعل يف مثل هذا النوع من املواقع تدعيم ًا‬ ‫لتوا�صل املعلم بطالبه والطالب بزمالئهم‪� ،‬إال‬ ‫�أنه �أحيانا تكون هذه القناة معطلة عن العمل‪،‬‬ ‫كما يف موقع اجلامعة الوطنية اليمنية‪ ،‬وموقع‬ ‫التعليم الإلكرتوين لتطوير درا�سة الريا�ضيات‪،‬‬ ‫و�أحيان ًا �أخرى تكون فارغة من املحتوى‬ ‫كما يف موقع اجلامعة التون�سية االفرتا�ضية‪،‬‬ ‫و�أحيانا مفعلة بدرجة جيدة كما هو احلال‬ ‫يف منتدى الأكادميية الإ�سالمية‪ .‬ولوحظ �أن‬ ‫معظم املواقع يف هذه الفئة تق ّدم ما يعرف‬ ‫باملقررات املربجمة وال تهتم بتنمية املهارات‬ ‫الذهنية الأ�سا�سية مب�ستوياتها املختلفة وال‬ ‫تركّز على املفاهيم الأ�سا�سية‪.‬‬ ‫وت ّت�سم هذه املواقع يف الغالب بثبات‬ ‫ن�سبي يف حمتواها‪� ،‬إال تلك املواقع التي يت ّم‬ ‫بنا�ؤها على مراحل وتقوم تدريجي ًا بزيادة‬ ‫املراحل التعليمية املختلفة التي يت ّم تقدمي‬ ‫املحتوى لها‪ ،‬ومن ثم فال�صفحة الرئي�سية‬ ‫غالب ًا ما تكون ثابتة ال�شكل وحم ّددة املواد‪،‬‬ ‫ومن ذلك موقع التعليم الإلكرتوين لتطوير‬ ‫درا�سة الريا�ضيات ‪.‬‬

‫املو�سيقى والأغاين‬

‫وفّر «الوجه الرقمي» للمو�سيقى والأغاين‬ ‫ملح ّبي هذه الفنون وجماهريها مميزات‬ ‫و�إمكانات مل ت�ستطع �أن تتيحها �أي من �أدوات‬ ‫�أو قنوات التعامل مع املو�سيقى والغناء من‬ ‫قبل‪ ،‬ويكفي �أنه جعل ب�إمكان �أي �شخ�ص �أن‬ ‫ي�شاهد وي�ستمع �إىل ما يريد وقتما يريد حيثما‬ ‫بث �أو بخريطة‬ ‫يريد‪ ،‬من دون �أن يتق ّيد مبوعد ّ‬ ‫برامج �أو تف�ضيالت مع ّدي ومق ّدمي الربامج‬ ‫�أو �سيا�سة قناة �أو توجهات حمطة‪ ،‬ذلك لأن‬ ‫الإنرتنت �أ�صبحت زاخرة مبا ال يح�صى من‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫املعلوماتية‬

‫امل�ستودعات املو�سيقية والغنائية ال�ضخمة‬ ‫التي ت�ضع �آالف ًا من ملفات املو�سيقى والأغاين‬ ‫الرقمية عند �أطراف �أ�صابع امل�ستمع �أو امل�شاهد‬ ‫الذي ي�ستخدم ال�شبكة‪ ،‬وترتك له الفر�صة لكي‬ ‫يب�سط نفوذه ويده على املحتوى ويرت�شف منه‬ ‫ما يحلو له‪.‬‬ ‫وتكاد تكون فكرة العمل «كم�ستودع»‬ ‫مللفات املو�سيقى والأغاين الرقمية فائق‬ ‫الفهر�سة والتن ّوع وال�شمول وال�سهولة يف‬ ‫اال�ستخدام وال�رسعة يف الو�صول �إليه هي‬ ‫ال�سمة احلاكمة ملواقع املو�سيقى والأغاين‬ ‫عرب الإنرتنت عاملي ًا‪ ،‬ويف الوقت نف�سه العمل‬ ‫تبث‬ ‫كمحطات للراديو والأغاين و الفيديو ّ‬ ‫وتر ّوج للأحلان والأغاين اجلديدة والقدمية‬ ‫والنادرة وال�شائعة‪ ،‬عالوة على �أنها تعمل‬ ‫ك�ساحات للر�أي والنقا�ش وتبادل املعلومات‬ ‫وامللفات‪ ،‬و�إن كان هذا ال ينفي وجود مواقع‬ ‫للمو�سيقى والأغاين حتافظ على ال�شكل �أو‬ ‫النمط الكال�سيكي وتق ّدم املعلومات والبيانات‬ ‫والدرا�سات عن املو�سيقى والفن والغناء تاريخ ًا‬ ‫وحا�رضاً وم�ستقب ًال‪.‬‬ ‫ومن املالمح الأخرى ملواقع املو�سيقى‬ ‫والغناء �أنها تعمل �أي�ض ًا كم�صدر لأخبار‬ ‫�صناعة املو�سيقى والغناء وجنومها ومطربيها‬ ‫وملحنيها وم�ؤلفيها بل وتبادر بالو�صول‬ ‫�إىل جماهريها عرب خدمة التغذية بالأخبار‬ ‫والن�رشات الربيدية‪ ،‬وتتبارى يف توفري و�سائل‬ ‫�أ�سهل وا�رسع للبحث يف حمتواها ال�ضخم من‬ ‫الأغاين والأحلان‪ ،‬مبا يي�سرّ على زائريها �رسعة‬ ‫أغان‪� ،‬سواء با�سم‬ ‫الو�صول ملا يريدونه من � ٍ‬ ‫الأغنية �أم با�سم املطرب‪ ،‬وت ّت�سم املواقع الكربى‬ ‫ب�أ ّنها ال حتتوي عادة على �إعالنات �صاخبة �أو‬ ‫مزعجة‪ ،‬و�إمنا على �إعالنات هادئة وب�سيطة‬ ‫ومن�سجمة مع اجلو العام للموقع‪ ،‬وتتيح للزائر‬ ‫االطّ الع على كلمات الأغنية وم�شاهدة �صور‬ ‫املطرب ومعرفة حفالته و�أغانيه امل�صورة‬ ‫وجميع �أغانيه ال�صوتية وملخ�ص �سريته‬ ‫الذاتية‪ ،‬بل وت�ساعده وتوفر له الإمكانات‬ ‫الالزمة لكي ين�شىء حمطة خا�صة به يعر�ض‬

‫فيها �أغانيه املف�ضلة‪ ،‬ويف الوقت نف�سه مت ّده‬ ‫بقوائم ب�أف�ضل مائة �أغنية م�صورة �أو �صوتية‪،‬‬ ‫وتتيح له حجز تذاكر احلفالت املو�سيقية‬ ‫�إلكرتوني ًا مع �إمكانية دعوة الأ�صدقاء‪ ،‬ويف‬ ‫الآونة الأخرية ن�شطت املدونات املو�سيقية‬ ‫والغنائية وبد�أت تناطح امل�ستودعات الكربى‬ ‫واملواقع الكال�سيكية يف مالحقة اجلديد و�إبراز‬ ‫النادر من املو�سيقى والأغاين ومتابعة �أخبار‬ ‫النجوم واملطربني‪( .‬جدول رقم ‪) 14‬‬

‫‪61‬‬

‫الو�ضع عربي ًا‬

‫مت حتليلها يف ع ّينة‬ ‫بلغت املواقع التي ّ‬ ‫مواقع املو�سيقى والغناء العربية ‪ 30‬موقع ًا‪،‬‬ ‫�شكّلت فيها املواقع ال�سعودية ح�ضوراً ملحوظا‬ ‫بحو�إىل ثمانية مواقع‪� ،‬أي ما يقرب من الثلث‪،‬‬ ‫ويرجع ذلك �إىل وجود عدد كبري من الأفراد‬ ‫الذين ي�ستثمرون يف �إن�شاء مواقع املو�سيقى‬ ‫ويحر�صون على متابعة وجتميع �أكرب قدر من‬ ‫الأغاين احلديثة وو�ضعها على مواقعهم فور‬ ‫نزولها �سعي ًا لتحقيق ربح من وراء الإعالن‬ ‫على هذه املواقع‪ ،‬وهو منوذج �شائع عاملي ًا‪.‬‬ ‫ويلفت النظر �أن معظم املواقع �أو‬ ‫امل�ستودعات العربية للمو�سيقى والأغاين من‬ ‫�إعداد �أفراد ولي�س �رشكات �أو م�ؤ�س�سات كما هو‬ ‫�شائع عاملي ًا‪ ،‬بحيث ت�شكّل مواقع الأفراد يف‬ ‫العينة ‪ ،%93.3‬واملواقع التي متلكها وتديرها‬ ‫ال�رشكات اخلا�صة ‪ ،%6.7‬مع غياب كامل‬ ‫للم�ؤ�س�سات املدنية والر�سمية‪.‬‬ ‫و�سجل املحتوى الثابت ‪ 48.3‬درجة من‬ ‫ّ‬ ‫حيث االنت�شار يف هذه املواقع‪ ،‬ورمبا تكون‬ ‫ي�سجلها �أي نوع من املحتوى‬ ‫هذه �أعلى درجة ّ‬ ‫يف جميع فئات الدرا�سة‪ ،‬ويعود ذلك �إىل فكرة‬ ‫«امل�ستودع» التي تعمل بها املواقع املو�سيقية‬ ‫والتي جتعلها حتتفظ مبلفات ن�صية و�صوتية‬ ‫وفيديوية ثابتة كبرية ومتزايدة العدد مع‬ ‫الوقت‪ ،‬لت�ضع �أمام م�ستخدميها �أكرب قدر من‬ ‫�سجل‬ ‫الأغاين طوال الوقت‪ ،‬ومن ناحية �أخرى ّ‬ ‫املحتوى املتجدد ‪ 12.5‬درجة والتفاعلي ‪5.8‬‬ ‫درجة‪.‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 62‬للتنمية الثقافية‬

‫جدول رقم ‪ 14‬نتائج حتليل عينة مواقع املو�سيقى‬ ‫معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع»‬ ‫�أفراد‬ ‫اجلهة القائمة على م�ؤ�س�سة ر�سمية‬ ‫املوقع‬ ‫م�ؤ�س�سة مدنية‬ ‫�رشكات خا�صة‬ ‫موقع كال�سيكي‬ ‫منتدى‬ ‫منط املوقع‬ ‫مدونة‬ ‫ثابت‬ ‫متجدد‬ ‫نوعيات املحتوى‬ ‫تفاعلي‬ ‫متنوع‬ ‫مهم جدا‬ ‫مهم‬ ‫�أهمية املحتوى‬ ‫الثقافية‬ ‫للتنمية‬ ‫متو�سط الأهمية‬ ‫�ضئيل الأهمية‬ ‫�أطفال‬ ‫�شباب‬ ‫بالغون‬ ‫فئات اجلمهور التي‬ ‫م�س ّنون‬ ‫يخاطبها املوقع‬ ‫تعليم حتت املتو�سط‬ ‫تعليم متو�سط‬ ‫تعليم عال ومثقفون‬ ‫مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول»‬ ‫مرتفع جدا من �ألف �إىل‪� 10‬آالف موقع‬ ‫مرتفع من ‪� 10‬إىل ‪� 30‬ألف‬ ‫حجم الزوار «ح�سب متو�سط من ‪� 30‬إىل ‪� 50‬ألف‬ ‫متو�سط الرتتيب يف‬ ‫منخف�ض من ‪� 50‬إىل ‪� 70‬ألف‬ ‫مقيا�س �أليك�سا»‬ ‫�ضعيف من ‪� 70‬إىل ‪� 100‬ألف‬ ‫�ضعيف للغاية من ‪�100‬ألف وما بعدها‬ ‫مهمل وخارج الت�صنيف‬ ‫ممتاز‬ ‫جيد‬ ‫جودة حمتوى‬ ‫املوقع‬ ‫متو�سط‬ ‫منخف�ض‬ ‫ن�صو�ص‬ ‫�صوت‬ ‫الو�سائط املتعددة‬ ‫فيديو‬ ‫�صور‬

‫املو�سيقي‬ ‫‪93.3‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪6.7‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪40.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪48.3‬‬ ‫‪12.5‬‬ ‫‪5.8‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪3.3‬‬ ‫‪96.7‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪30.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪56.7‬‬ ‫‪23.3‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪6.7‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪13.3‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪54.2‬‬ ‫‪30.8‬‬ ‫‪8.3‬‬ ‫‪5.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪96.7‬‬ ‫‪40.0‬‬ ‫‪100.0‬‬

‫نظرا للتماثل يف املحتوى يف معظم‬ ‫مواقع املو�سيقى والأغاين فقد ح�صلت جميعها‬ ‫تقريبا �أي بن�سبة ‪ %96.7‬على ت�صنيف «مهم»‬ ‫بالن�سبة للتنمية الثقافية‪ ،‬فيما ح�صل ‪%3.3‬‬ ‫على ت�صنيف مهم جداً‪.‬‬ ‫تخاطب هذه املواقع فئة ال�شباب والبالغني‬ ‫�سواء �أكانوا حا�صلني على تعليم �أقل من‬ ‫املتو�سط �أم على تعليم متو�سط �أم على تعليم‬ ‫عال �أو �سواء كانوا من املثقفني‪ .‬فقد ا ّت�ضح �أن‬ ‫ٍ‬ ‫‪ %30‬منها تخاطب ال�شباب‪ ،‬و‪ %100‬تخاطب‬ ‫البالغني‪ ،‬و‪ %100‬تخاطب ك ًال من ذوي التعليم‬ ‫حتت املتو�سط واملتو�سط والعايل‪.‬‬

‫جماهري وا�سعة‬

‫تتم ّتع مواقع املو�سيقى والغناء ب�أعلى‬ ‫ن�سبة جماهريية وانت�شار مقارنة بجميع الفئات‬ ‫الأخرى يف الدرا�سة‪ ،‬بحيث حظيت ‪%56.7‬‬ ‫منها مبع ّدل زيارات مرتفع جداً‪ ،‬و‪%23.3‬‬ ‫مبع ّدل زيارات مرتفع‪ ،‬و‪ %6.7‬مبع ّدل زيارات‬ ‫منخف�ض‪ ،‬و‪ %13.3‬مبع ّدل زيارات �ضعيف‬ ‫للغاية‪ ،‬ومل يكن من بينها مواقع مهملة خارج‬ ‫الت�صنيف‪.‬‬ ‫ومن حيث اجلودة حقّق املحتوى املمتاز‬ ‫‪ 54.2‬درجة يف مع ّدل االنت�شار بهذه املواقع‪،‬‬ ‫واملحتوى اجليد ‪ 30.8‬نقطة‪ ،‬واملتو�سط ‪8.3‬‬ ‫نقطة واملنخف�ض ‪ 5‬نقاط‪ .‬وبالن�سبة لتعددية‬ ‫الو�سائط يف هذه املواقع كانت الن�صو�ص‬ ‫موجودة يف ‪ %100‬من املواقع‪ ،‬و الفيديو يف‬ ‫‪ %40‬من املواقع وال�صوت يف ‪ %96.7‬من‬ ‫املواقع‪ ،‬وال�صور يف ‪ %100‬من املواقع‪.‬‬

‫امل�رسح‬

‫الت�سويق امل�رسحي والنقد امل�رسحي‬ ‫هما امللمحان الأكرث بروزاً يف الوجه الرقمي‬ ‫للحركة امل�رسحية عاملي ًا‪ ،‬فاملواقع امل�رسحية‬ ‫العاملية تتعامل مع امل�رسحيات املج�سدة‬ ‫كفن ي�ستحق املتابعة‬ ‫على خ�شبات امل�سارح ّ‬ ‫وال�رشح والنقد‪ ،‬ويف الوقت نف�سه ن�شاط يحتاج‬ ‫�إىل الت�سويق والرتويج والإعالن عنه‪ ،‬ويف‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫الو�ضع عربي ًا‬

‫بلغ عدد املواقع التي ت�ض ّمنتها هذه‬ ‫الفئة من الع ّينة ‪ 26‬موقع ًا ت�ص ّدرتها املواقع‬ ‫امل�رسحية امل�رصية ثم املواقع امل�رسحية‬ ‫ال�سعودية‪ ،‬وقد �أ�سفر حتليل هذه املواقع كما‬

‫املعلوماتية‬

‫�ضوء ذلك تق ّدم املواقع امل�رسحية حمتوى‬ ‫ي�ض ّم ق�سم ًا للو�سائط املتع ّددة ك�صور وم�شاهد‬ ‫من امل�رسحية املعرو�ضة �أو املرتقبة‪ ،‬ومقاطع‬ ‫فيديو من بع�ض ف�صولها وت�سجيالت �صوتية‬ ‫لأبطالها‪ ،‬كما تقدم روابط للبث الإذاعي‪ ،‬وت�سلّط‬ ‫ال�ضوء على كيفية اال�شرتاك يف موقع امل�رسح‬ ‫وجتديد اال�شرتاك وكيفية الت ّربع للم�سارح عرب‬ ‫الإنرتنت والوظائف اخلالية وفر�ص التدريب‬ ‫يف امل�رسح‪ ،‬كما توفّر خدمة حجز التذاكر عرب‬ ‫الإنرتنت‪ ،‬ومعلومات عن موا�سم امل�رسح‪.‬‬ ‫ويف بع�ض الدول واملدن تظهر مواقع‬ ‫تعمل كبوابات كربى و�شاملة جلميع م�سارح‬ ‫هذه الدولة �أو املدينة‪ ،‬بحيث ميكن من خالل‬ ‫البوابة معرفة جميع العرو�ض امل�رسحية داخل‬ ‫املدينة �أو الدولة‪ ،‬وكذلك ميكن اختيار امل�رسح‬ ‫ملعرفة امل�رسحيات املعرو�ضة فيه حالي ًا‪ ،‬مع‬ ‫�إمكانية حجز التذاكر عرب الإنرتنت ومعرفة‬ ‫عنوان امل�رسح وخريطة املقاعد وخريطة‬ ‫الو�صول للم�رسح نف�سه وتاريخ امل�رسح‪ .‬ومن‬ ‫املمكن اختيار تاريخ معينّ ملعرفة جميع‬ ‫العرو�ض امل�رسحية املتاحة يف جميع م�سارح‬ ‫املدينة يف ذلك اليوم‪.‬‬ ‫وبعد النقد والت�سوق ت�أتي مالمح �أخرى‬ ‫للوجه الرقمي للحركة امل�رسحية عاملي ًا‪ ،‬منها‬ ‫مث ًال‪ ،‬املجتمعات �أو التجمعات االفرتا�ضية‬ ‫للم�رسحيني حول العامل والتي يت ّم من خاللها‬ ‫التوا�صل وتبادل الإبداعات والر�أي واملناق�شة‪،‬‬ ‫ومنها كذلك التعامل مع الإنرتنت ومواقعها‬ ‫كقنوات للتعريف بن�صو�ص الإبداع امل�رسحي‬ ‫املكتوبة ون�رشها ولي�س املج�سدة على خ�شبة‬ ‫امل�رسح‪ ،‬وكمخزون �ضخم من املعلومات عن‬ ‫تاريخ امل�رسح ودرا�ساته وجنومه وك ّتابه حول‬ ‫العامل واملدار�س امل�رسحية املختلفة‪.‬‬

‫يو�ضح اجلدول رقم «‪ »15‬ع ّما يلي‪:‬‬ ‫• يت�ص ّدر الأفراد قائمة اجلهات امل�س�ؤولة‬ ‫عن ت�صميم و�إدارة هذه املواقع بن�سبة ‪،%50‬‬ ‫تليهم امل�ؤ�س�سات املدنية بن�سبة ‪ ،%23.1‬ثم‬ ‫امل�ؤ�س�سات الر�سمية وال�رشكات اخلا�صة بواقع‬ ‫‪ %15.4‬لك ّل منهما‪.‬‬ ‫• حواىل ثلثي هذه املواقع تنتمي �إىل النمط‬ ‫الكال�سيكي‪ ،‬وذلك بن�سبة ‪ ،76.95‬يف حني �أن‬ ‫‪ %38.5‬من املواقع كانت منتديات �أو مواقع‬ ‫كال�سيكية �أُحلقت بها منتديات‪.‬‬ ‫�سجل املحتوى‬ ‫• من حيث نوعية املحتوى ّ‬ ‫الثابت ‪ 31.7‬نقطة من حيث االنت�شار يف هذه‬ ‫�سجل املحتوى املتج ّدد ‪8.7‬‬ ‫املواقع‪ ،‬بينما ّ‬ ‫نقطة والتفاعلي ‪ 3.8‬نقطة واملتن ّوع ‪ 1.9‬نقطة‪.‬‬ ‫• بدت هذه املواقع مهمة بدرجة �أو ب�أخرى‬ ‫للتنمية الثقافية‪ ،‬بحيث حظي ‪ %34.6‬منها‬ ‫بت�صنيف مهمة جداً للتنمية الثقافية‪ ،‬و‪26.9‬‬ ‫مهم‪ ،‬و‪ %269‬متو�سطة الأهمية و‪� 15.4‬ضئيلة‬ ‫الأهمية‪.‬‬

‫‪63‬‬

‫ترويج غائب‬

‫حتتاج املواقع امل�رسحية �إىل العناية‬ ‫برتويجها على الإنرتنت‪� ،‬إذ �إن ترتيبها يف‬ ‫معدل الزيارات مرتاجع للغاية‪ ،‬ورمبا يعود‬ ‫ذلك �إىل �أن املواقع ال تدلّ الزائر على عناوين‬ ‫امل�سارح والعرو�ض املتاحة يف القاهرة �أو‬ ‫غريها من العوا�صم العربية‪ ،‬وال يوجد موقع‬ ‫يتابع امل�رسح التجاري اخلا�ص �أو امل�رسح‬ ‫امل�رصي احلديث �أو يحتوي على �سري الفنانني‬ ‫امل�رسحيني القدامى �أو املعا�رصين‪.‬‬ ‫ويرجع العدد الكبري من املنتديات التي‬ ‫تناولت امل�رسح �إىل �أنها منتديات عامة يف‬ ‫الأغلب �أو منتديات ثقافية �أدبية‪ ،‬ولهذا من‬ ‫الطبيعي �أن تتناول كل فئة امل�رسح باعتباره‬ ‫ف ّن ًا من فنون الأدب ولون ًا من �ألوان املعرفة‪،‬‬ ‫فاملنتديات تقريب ًا تناق�ش كل �شيء وتتناول‬ ‫�أق�سام ًا عديدة ومتن ّوعة‪.‬‬ ‫وقلي ًال ما توجد مواقع متخ�ص�صة بالكامل‬ ‫يف فن و�أدب امل�رسح‪ ،‬لأن �أغلب مواقع ال�سينما‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 64‬للتنمية الثقافية‬

‫جدول رقم ‪ 15‬نتائج حتليل عينة مواقع امل�رسح‬ ‫معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع»‬ ‫�أفراد‬ ‫اجلهة القائمة على م�ؤ�س�سة ر�سمية‬ ‫املوقع‬ ‫م�ؤ�س�سة مدنية‬ ‫�رشكات خا�صة‬ ‫موقع كال�سيكي‬ ‫منتدى‬ ‫منط املوقع‬ ‫مدونة‬ ‫ثابت‬ ‫متجدد‬ ‫نوعيات املحتوى‬ ‫تفاعلي‬ ‫متنوع‬ ‫مهم جدا‬ ‫مهم‬ ‫�أهمية املحتوى‬ ‫الثقافية‬ ‫للتنمية‬ ‫متو�سط الأهمية‬ ‫�ضئيل الأهمية‬ ‫�أطفال‬ ‫�شباب‬ ‫بالغون‬ ‫فئات اجلمهور التي‬ ‫م�س ّنون‬ ‫يخاطبها املوقع‬ ‫تعليم حتت املتو�سط‬ ‫تعليم متو�سط‬ ‫تعليم عال ومثقفون‬ ‫مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول»‬ ‫مرتفع جدا من �ألف �إىل‪� 10‬آالف موقع‬ ‫مرتفع من ‪� 10‬إىل ‪� 30‬ألف‬ ‫حجم الزوار «ح�سب متو�سط من ‪� 30‬إىل ‪� 50‬ألف‬ ‫متو�سط الرتتيب يف‬ ‫منخف�ض من ‪� 50‬إىل ‪� 70‬ألف‬ ‫مقيا�س �أليك�سا»‬ ‫�ضعيف من ‪� 70‬إىل ‪� 100‬ألف‬ ‫�ضعيف للغاية من ‪�100‬ألف وما بعدها‬ ‫مهمل وخارج الت�صنيف‬ ‫ممتاز‬ ‫جيد‬ ‫جودة حمتوى‬ ‫املوقع‬ ‫متو�سط‬ ‫منخف�ض‬ ‫ن�صو�ص‬ ‫�صوت‬ ‫الو�سائط املتعددة‬ ‫فيديو‬ ‫�صور‬

‫امل�رسح‬ ‫‪50.0‬‬ ‫‪15.4‬‬ ‫‪23.1‬‬ ‫‪15.4‬‬ ‫‪76.9‬‬ ‫‪38.5‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪31.7‬‬ ‫‪8.7‬‬ ‫‪3.8‬‬ ‫‪1.9‬‬ ‫‪34.6‬‬ ‫‪26.9‬‬ ‫‪26.9‬‬ ‫‪15.4‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪7.7‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪19.2‬‬ ‫‪7.7‬‬ ‫‪3.8‬‬ ‫‪3.8‬‬ ‫‪65.4‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪36.5‬‬ ‫‪24.0‬‬ ‫‪23.1‬‬ ‫‪26.9‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪3.8‬‬ ‫‪11.5‬‬ ‫‪69.2‬‬

‫�أو مواقع الأدب تتناول امل�رسح باعتباره �شك ًال‬ ‫من �أ�شكال الرتفيه وباعتباره القرين املنطقي‬ ‫والطبيعي لل�سينما والتليفزيون‪ .‬وال يوجد‬ ‫موق ٌع للم�رسح القومي امل�رصي وهو من �أقدم‬ ‫امل�سارح يف العامل العربي ووقف عليه كبار‬ ‫الفنانني الر ّواد يف هذا املجال‪ ،‬وال توجد‬ ‫مواقع ميكن من خاللها معرفة ُدور امل�رسح �أو‬ ‫العرو�ض احلالية املتاحة بك ّل منها‪.‬‬ ‫كما ال توجد مواقع ميكنها اال�ضطالع‬ ‫بدور البوابة امل�رسحية املتكاملة على م�ستوى‬ ‫املدينة �أو الدولة �أو على م�ستوى العامل العربي‪،‬‬ ‫وتربط بني جميع امل�سارح العاملة يف نطاقها‬ ‫كما هو احلال يف بوابة م�سارح لندن على‬ ‫الإنرتنت مث ًال‪.‬‬

‫ال�سينما‬

‫تعاظم التوظيف الثقايف لتقنية‬ ‫املعلومات واالت�صاالت يف �صناعة ال�سينما‬ ‫خالل ال�سنوات الأخرية ب�صورة كبرية �شملت‬ ‫جميع عنا�رص العمل ال�سينمائي ومراحله‪،‬‬ ‫بدءاً من كتابة الق�صة وانتها ًء بالعر�ض وتلقي‬ ‫تعليقات اجلمهور على العمل‪ ،‬ومروراً بكتابة‬ ‫ال�سيناريو والت�صوير والتمثيل واملونتاج‬ ‫واخلدع والإخراج‪ ،‬فالت�سويق والرتويج‬ ‫والعر�ض‪ .‬ومن منظور التنمية الثقافية يحت ّل‬ ‫الوجه الرقمي لل�سينما ـ عرب مواقع الأفالم‬ ‫و�رشكات الإنتاج والتوزيع ال�سينمائي والنقّاد‬ ‫واملمثلني واملخرجني وامل�صورين ـ منطقة‬ ‫القلب يف هذا التوظيف‪ ،‬بحيث حت ّولت املواقع‬ ‫�إىل �أداة مناف�سة �إن مل تكن �أهم من الأدوات‬ ‫التقليدية العادية‪ ،‬و�أول ما تت�سم به هذه‬ ‫املواقع هو �رسعة التحديث ومواكبة اجلديد‬ ‫من الأفالم‪ ،‬خ�صو�ص ًا �أن حركة ال�سينما‬ ‫العاملية والأمريكية منها متالحقة و�رسيعة‬ ‫جداً‪ ،‬فال يخلو �أ�سبوع من عر�ض ع�رشات‬ ‫الأفالم اجلديدة‪ ،‬كما ت ّت�سم بغزارة ما تق ّدمه‬ ‫من عرو�ض �أو �إعالنات الأفالم املعروفة با�سم‬ ‫الرتيلر ‪ ،trailer‬التي ي�ستطيع امل�ستخدم اختيار‬ ‫ال�صيغة وم�ستوى النقاء واحلجم الذي يالئم‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫الو�ضع عربي ًا‬

‫متت زيارة وحتليل ‪ 38‬موقع ًا من مواقع‬ ‫ّ‬ ‫ال�سينما العربية كع ّينة جرى انتقا�ؤها من‬ ‫بني الأف�ضل والأهم بني العديد من املواقع‬ ‫امل�شابهة‪ ،‬وكان مل�رص الن�صيب الأكرب منها‬

‫جدول رقم ‪ 16‬نتائج حتليل عينة مواقع ال�سينما‬ ‫معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع»‬ ‫�أفراد‬ ‫م�ؤ�س�سة ر�سمية‬ ‫اجلهة القائمة على‬ ‫املوقع‬ ‫م�ؤ�س�سة مدنية‬ ‫�رشكات خا�صة‬ ‫موقع كال�سيكي‬ ‫منتدى‬ ‫منط املوقع‬ ‫مدونة‬ ‫ثابت‬ ‫متجدد‬ ‫نوعيات املحتوى‬ ‫تفاعلي‬ ‫متنوع‬ ‫مهم جدا‬ ‫مهم‬ ‫�أهمية املحتوى‬ ‫للتنمية الثقافية‬ ‫متو�سط الأهمية‬ ‫�ضئيل الأهمية‬ ‫�أطفال‬ ‫�شباب‬ ‫بالغون‬ ‫فئات اجلمهور التي‬ ‫م�س ّنون‬ ‫يخاطبها املوقع‬ ‫تعليم حتت املتو�سط‬ ‫تعليم متو�سط‬ ‫تعليم عال ومثقفون‬ ‫مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول»‬ ‫مرتفع جدا من �ألف �إىل‪� 10‬آالف موقع‬ ‫مرتفع من ‪� 10‬إىل ‪� 30‬ألف‬ ‫حجم الزوار «ح�سب متو�سط من ‪� 30‬إىل ‪� 50‬ألف‬ ‫متو�سط الرتتيب يف‬ ‫منخف�ض من ‪� 50‬إىل ‪� 70‬ألف‬ ‫مقيا�س �أليك�سا»‬ ‫�ضعيف من ‪� 70‬إىل ‪� 100‬ألف‬ ‫�ضعيف للغاية من ‪�100‬ألف وما بعدها‬ ‫مهمل وخارج الت�صنيف‬ ‫ممتاز‬ ‫جيد‬ ‫جودة حمتوى املوقع‬ ‫متو�سط‬ ‫منخف�ض‬ ‫ن�صو�ص‬ ‫�صوت‬ ‫الو�سائط املتعددة‬ ‫فيديو‬ ‫�صور‬

‫ال�سينما‬ ‫‪34.2‬‬ ‫‪31.6‬‬ ‫‪15.8‬‬ ‫‪18.4‬‬ ‫‪81.6‬‬ ‫‪5.3‬‬ ‫‪13.2‬‬ ‫‪23.7‬‬ ‫‪25.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪10.5‬‬ ‫‪10.5‬‬ ‫‪31.6‬‬ ‫‪36.8‬‬ ‫‪21.1‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪81.6‬‬ ‫‪60.5‬‬ ‫‪97.4‬‬ ‫‪92.1‬‬ ‫‪2.6‬‬ ‫‪10.5‬‬ ‫‪5.3‬‬ ‫‪5.3‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪71.1‬‬ ‫‪5.3‬‬ ‫‪36.8‬‬ ‫‪22.4‬‬ ‫‪25.0‬‬ ‫‪15.8‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪26.3‬‬ ‫‪26.3‬‬ ‫‪84.2‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫املعلوماتية‬

‫�رسعة ات�صاله‪ ،‬وميكنه االختيار بني �صيغة‬ ‫‪� QuickTime‬أو ‪� WMP‬أو ‪ ،RealPlayer‬وب�شكل‬ ‫عام ميكن ر�صد �أهم مالمح الوجه الرقمي من‬ ‫منظور التنمية الثقافية يف املجال ال�سينمائي‬ ‫عرب الإنرتنت يف ما يلي‪:‬‬ ‫• معار�ض ال�صور الرقمية امل�أخوذة من‬ ‫الأفالم �سواء املعرو�ضة حالي ًا �أم التي �سيت ّم‬ ‫عر�ضها يف دور ال�سينما قريب ًا‪.‬‬ ‫• م�شاهد �صنع الأفالم التي تعرف با�سم ما‬ ‫وراء الكامريا �أو خلف امل�شاهد التي تبينّ‬ ‫للم�شاهد ما يحدث خلف كوالي�س الأفالم‪.‬‬ ‫• توفري حجز التذاكر عرب الإنرتنت مع �إمكانية‬ ‫حتديد دار ال�سينما والفيلم واليوم ووقت احلفلة‪،‬‬ ‫بحيث ي�ستطيع امل�ستخدم �إن�شاء ح�ساب با�سم‬ ‫في�سجل بياناته املالية‬ ‫م�ستخدم وكلمة مرور‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وميكنه حجز تذاكر ال�سينما ب�سهولة واحل�سم‬ ‫من بطاقته االئتمانية مبا�رشة‪ ،‬مع تو�ضيح‬ ‫مواقع دور ال�سينما التي تعر�ض الأفالم احلالية‬ ‫و�أماكن عر�ضها والأفالم املتوقعة‪.‬‬ ‫• قواعد وا�ضحة حت ّدد طبيعة حمتوى الأفالم‬ ‫التي تنا�سب الأ�رسة والتي ال حتتوي على‬ ‫م�شاهد عنيفة �أو م�شاهد جن�سية‪ ،‬بل �إنها حت ّدد‬ ‫م�ستوى العري يف الأفالم ويت ّم ت�صنيفها وفقا‬ ‫لدرجات �أو م�ستويات‪.‬‬ ‫• قواعد بيانات مركزية تعر�ض �أكرث الأفالم‬ ‫من حيث الإيرادات يف �شباك التذاكر والأفالم‬ ‫التي �ستعر�ض يف ال�سينما يف الأ�سبوع اجلاري‬ ‫والأفالم التي �سيت ّم عر�ضها يف الأ�سابيع‬ ‫املقبلة والأفالم التي حتولت �إىل �أقرا�ص ‪DVD‬‬ ‫هذا الأ�سبوع‪ ،‬والأفالم التي حت ّولت �إىل �أقرا�ص‬ ‫‪ Bluray‬عالية الدقة‪ ،‬والأفالم التي حازت على‬ ‫تف�ضيل �أغلبية الزوار وامل�ستخدمني‪ ،‬والأفالم‬ ‫التي حازت على جوائز‪( .‬جدول رقم ‪) 16‬‬

‫‪65‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 66‬للتنمية الثقافية‬

‫بحكم ريادتها يف هذا املجال‪ ،‬حيث بلغ عدد‬ ‫املواقع امل�رصية يف ال�سينما ‪ 19‬موقع ًا‪ ،‬تليها‬ ‫الإمارات التي تنظم مهرجان دبي و�أبوظبي‬ ‫لل�سينما بعدد ‪ 5‬مواقع‪ ،‬ثم امل�ؤ�س�سات الأوربية‬ ‫بعدد ‪ 4‬مواقع‪ ،‬ثم العراق مبوقعني‪ ،‬ثم املغرب‬ ‫وتون�س والكويت مبوقع واحد لكل منها‪.‬‬

‫كال�سيكية وفردية‬

‫الالفت للنظر �أن مواقع ال�سينما‬ ‫العربية على الإنرتنت قد ا�ستبعدت‬ ‫الأطفال متام ًا من جمهورها و�أن‬ ‫‪ %100‬من هذه املواقع لي�س لديها‬ ‫موجه للأطفال‪.‬‬ ‫حمتوى ّ‬

‫يغلب على مواقع ال�سينما العربية املجهود‬ ‫والن�شاط الفردي‪ ،‬حيث كان هناك ‪ %34.2‬من‬ ‫الع ّينة �سينمائي ًا ي�رشف على حتريرها �أفراد‬ ‫من النقاد واملتخ�ص�صني الهواة واملحرتفني‪،‬‬ ‫تليها امل�ؤ�س�سات الر�سمية بواقع ‪%31.6‬‬ ‫و�أغلبها مواقع ملهرجانات حكومية يف جمال‬ ‫ال�سينما‪ ،‬ثم ال�رشكات اخلا�صة بن�سبة ‪ ،15.8‬ثم‬ ‫امل�ؤ�س�سات املدنية بن�سية ‪.%18.4‬‬ ‫وت ّت�سم �أغلب املواقع ال�سينمائية العربية‬ ‫بالطابع الكال�سيكي التقليدي‪ ،‬ف�شكّل هذا النمط‬ ‫‪ %81.6‬من الع ّينة‪ ،‬و�شكّلت مواقع املدونات‬ ‫‪ ،%13.2‬عبرّ فيها �أ�صحابها عن �آرائهم النقدية‪،‬‬ ‫�أما املنتديات فكانت بن�سبة ‪ %5.3‬فقط‪ ،‬و�إن‬ ‫كانت هذه املنتديات تقوم بو�ضع روابط لتنزيل‬ ‫الأفالم العربية والأجنبية ب�صورة غري قانونية‬ ‫عرب الإنرتنت‪ ،‬من مواقع م�شاركة امللفات‪.‬‬ ‫ويف �ضوء املحتوى املق ّدم وبناء على‬ ‫ال�سمات العامة التي ت ّت�صف بها مواقع العاملية‪،‬‬ ‫ميكن القول �إن ‪ %10‬هي التي حظيت بت�صنيف‬ ‫مهم جداً بالن�سبة للتنمية الثقافية يف املجال‬ ‫ال�سينمائي‪ ،‬يليها ‪ %31.6‬تعترب مهمة‪%36.8 ،‬‬ ‫متو�سط الأهمية‪ ،‬ثم ‪ %21.1‬يف مرتبة �ضئيل‬ ‫الأهمية بالن�سبة للتنمية الثقافية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من �أن جمال ال�سينما يعتمد‬ ‫على تعددية الو�سائط يف تقدمي املحتوى‪ ،‬ف�إن‬ ‫حمتوى الفيديو ـ الأهم على الإطالق بالن�سبة‬ ‫ملواقع ال�سينما ـ ظهر يف ‪ %26.3‬فقط من‬ ‫املواقع‪ ،‬وحمتوى ال�صوت ظهر يف الن�سبة‬ ‫نف�سها‪� ،‬أما ال�صور فظهرت يف ‪ %84.2‬من‬ ‫املواقع‪ ،‬وظهرت الن�صو�ص يف ‪ %100‬من‬ ‫املواقع‪.‬‬

‫و�أغلب مواقع ال�سينما ت�ستهدف ال�شباب‬ ‫والبالغني وامل�سنني من جميع امل�ستويات‬ ‫التعليمية والثقافية‪ ،‬نظراً ل�شعبية و�شهرة‬ ‫ال�سينما بني الكبار وال�صغار على ح ّد �سواءٍ‪.‬‬ ‫والالفت للنظر �أن مواقع ال�سينما على تع ّدد‬ ‫�أنواعها قد ا�ستبعدت الأطفال متام ًا من‬ ‫جمهورها‪� ،‬إذ ا ّت�ضح �أن ‪ %100‬من املواقع لديها‬ ‫موجه لل�شباب والبالغني‪ ،‬و‪ 81.6‬لديها‬ ‫حمتوى ّ‬ ‫موجه ينا�سب امل�سنني‪ ،‬و‪ %100‬من‬ ‫حمتوى ّ‬ ‫موجه للأطفال‪.‬‬ ‫املواقع لي�س لديها حمتوى ّ‬ ‫�أخذا يف االعتبار ال�سمات واملالمح العامة‬ ‫مت حتليل‬ ‫للوجه الرقمي لل�سينما العاملية‪ّ ،‬‬ ‫جودة حمتوى مواقع ال�سينما العربية الواقعة‬ ‫يف الع ّينة من حيث جودة ما تقدمه من خدمات‬ ‫ومعلومات‪ ،‬ووجد �أن املحتوى املمتاز قد حقق‬ ‫‪ 36.8‬نقطة من مائة‪ ،‬واملحتوى اجليد حقق‬ ‫‪ 22.4‬نقطة واملتو�سط ‪ 25‬نقطة واملنخف�ض‬ ‫اجلودة ‪ 15.8‬نقطة‪.‬‬

‫مواقع خارج الفهار�س‬

‫ال حتر�ص مواقع ال�سينما العربية بدرجة‬ ‫كافية على ت�سجيل نف�سها يف فهار�س قوائم‬ ‫البحث العاملية‪ ،‬فعند كتابة كلمة «ال�سينما» يف‬ ‫حمرك «جوجل» تظهر لك ع ّدة نتائج معقولة ال‬ ‫تتجاوز ع�رشة مواقع هي �إيجي فيلم (‪egyfilm.‬‬ ‫‪ )com‬ثم �صفحات ال�سينما يف بوابة ما�شي‬ ‫(‪ )mashy.com‬وبوابة �شبيك لبيك (‪shobiklob‬‬ ‫‪ )bik.com‬وي�أتي املوقع الأف�ضل وهو قاعدة‬ ‫بيانات الأفالم وامل�سل�سالت (‪elcinema.‬‬ ‫‪ )com‬يف املركز الرابع‪� ،‬أما النتيجة اخلام�سة‬ ‫وال�ساد�سة فهما عبارة عن منتدى لتنزيل‬ ‫الأفالم ولي�س لهما �أي قيمة ثقافية‪ ،‬وي�أتي‬ ‫موقع �شبكة ال�سينما العربية (�شبكة ال�سينما‬ ‫العربية) يف املركز ال�سابع و�صفحة ال�سينما يف‬ ‫ويكيبيديا يف املركز الثامن ومنتدى ال�سينما‬ ‫يف املركز التا�سع على الرغم من قلة �أهميته‬ ‫الثقافية ثم موقع �أفالمي يف املركز العا�رش‪،‬‬ ‫وعندما تغو�ص يف بقية النتائج تكت�شف �أنك‬ ‫تزور منتديات ومواقع لتنزيل الأفالم‪.‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫مدونات فردية و�أداء جماعي‬

‫االعتزاز باللغة مفقود‬

‫ال يظهر بع�ض مواقع ال�سينما العربية ـ‬ ‫خ�صو�ص ًا مواقع املهرجانات ـ اعتزازاً كافي ًا‬ ‫باللغة العربية باعتبارها اخلطوة الأوىل يف‬ ‫االلتزام بالثقافة القومية‪ ،‬فمهرجان القاهرة‬ ‫ـ الذي ُيع ّد من �أقدم املهرجانات يف العامل‬ ‫العربي ـ اليزال باللغة الإجنليزية حتى الآن‪،‬‬ ‫وكذلك مهرجان �أبوظبي ومهرجان اخلليج‬ ‫لل�سينما‪ ،‬وهذا بالطبع ي�شكل قيداً كبرياً على‬ ‫ا�ستخدام هذه املواقع يف التوظيف الثقايف‬ ‫للتقنية كو�سيلة للتنمية الثقافة ال�سينمائية‪،‬‬ ‫ويبدو التناق�ض �صارخ ًا مع مواقع ال�سينما التي‬ ‫تت ّم برعاية �أو متويل �أجنبي‪ ،‬فهي حري�صة على‬ ‫التحدث باللغة القومية للمنطقة التي تخاطبها‪،‬‬ ‫ومن �أمثلة ذلك �شبكة ال�سينما العربية (‪http://‬‬ ‫‪ )www.cinearabe.org‬وموقع مهرجان‬ ‫الفيلم العربي (‪ ،)www.cinearabe.net‬فهما‬ ‫باللغة العربية على الرغم من �أنهما بتمويل‬ ‫�أوروبي من هولندا وموقع مقهى اليوروميد‬ ‫(‪ُ .)/www.euromedcafe.org‬يالحظ كذلك‬

‫�أن مهرجان دبي على الرغم من حداثته حر�ص‬ ‫ثنائي اللغة يف كل‬ ‫حر�ص ًا �شديداً على �أن يكون‬ ‫ّ‬ ‫�أق�سام و�صفحات املوقع‪ ،‬كما �أن املهرجانات‬ ‫املغربية حر�صت على التحدث باللغة العربية‬ ‫بجانب الفرن�سية ومن �أمثلة ذلك مهرجان‬ ‫�أيام قرطاج (‪.)www.jccarthage.org‬‬

‫املعلوماتية‬

‫على الرغم من �أن املدونات العربية‬ ‫املتخ�ص�صة يف ال�سينما تعترب جهداً فردي ًا يف‬ ‫�أغلبها‪ ،‬ف�إنها حافلة باملقاالت النقدية والآراء‬ ‫التحليلية للأفالم ومتابعات املهرجانات‬ ‫واجلوائز ب�صورة مل جندها يف عدة مواقع‬ ‫ر�سمية كثرية‪ .‬فمواقع املهرجانات خلت‬ ‫متام ًا من الآراء النقدية والتحليلية العميقة‬ ‫التي وجدت يف مدونات ال�سينما العربية‪.‬‬ ‫ومن املدونات املتميزة التي �شملها امل�سح‬ ‫مد ّونة بنحب ال�سيما (‪b7b55.blogspot.‬‬ ‫‪ )com‬ومدونة الك�شكول ال�سينمائي (‪medbell‬‬ ‫‪ )louch2007.maktoobblog.com‬ومدونة‬ ‫�أبعاد (‪)dimension4future.blogspot.com‬‬ ‫ومدونة الناقد �أمري العمري (‪http://life-in-‬‬ ‫‪ ،)/cinema.blogspot.com‬وهناك مدونات‬ ‫�أخرى كثرية مل ي�شملها البحث ولكنها ثرية‬ ‫باملعلومات واملقاالت ال�سينمائية املهمة‪.‬‬

‫‪67‬‬

‫تاريخ ال�سينما ق�ضية من�س ّية‬

‫ال يوجد يف خمتلف املواقع التي ترعاها‬ ‫امل�ؤ�س�سات الكربى �أو مواقع املهرجانات � ّأي‬ ‫�أق�سام تتحدث عن تاريخ ال�سينما �أو حتتوي‬ ‫على مو�سوعة �سينمائية للأفالم امل�رصية‬ ‫والعربية‪ ،‬لكن املد ّونات �س ّدت هذا العجز حيث‬ ‫احتوت على مقاالت ت�رشح تاريخ ال�سينما‬ ‫امل�رصية وبداياتها وتطورها‪ ،‬وحفلت كذلك‬ ‫مبقاالت نقدية عن الأفالم املتميزة �سواء‬ ‫العربية �أم الأجنبية‪ ،‬ويالحظ �أن هذه املدونات‬ ‫ال تن�ساق �إىل ال�ضجة الإعالمية التي ت�صاحب‬ ‫الأفالم العربية التجارية احلديثة‪ ،‬وتتابع‬ ‫الأو�سكار وحتلل الأفالم الأجنبية بب�صرية‬ ‫وعمق كبريين‪.‬‬ ‫وحتاول مو�سوعة الويكيبيديا العاملة‬ ‫باللغة العربية �س ّد هذه الفجوة املعلوماتية من‬ ‫خالل املو�ضوعات التالية (الت�صوير املتحرك)‬ ‫خ�ص�صتها لكل �سينما‬ ‫وال�صفحات التي‬ ‫ّ‬ ‫عربية على حدة (امل�رصية – الفل�سطينية‬ ‫– الكويتية – البحرينية – ال�سورية – العراقية‬ ‫– اللبنانية – الأردنية – اخلليجية – التون�سية‬ ‫– اجلزائرية – املغربية – اليمنية – الليبية‬ ‫– ال�سودانية)‪ ،‬ومع ذلك تعاين مو�ضوعات‬ ‫ومقاالت الويكيبيديا من الفقر ال�شديد يف‬ ‫املعلومات بعك�س املد ّونات الفردية للنقاد‬ ‫واملتخ�ص�صني التي حتفل باملعلومات العميقة‬ ‫واحلقائق التاريخية ال�شاملة‪.‬‬ ‫ومل تظهر وتنت�رش بعد املواقع اخلا�صة‬ ‫بالأفالم العربية على غرار الأفالم الأجنبية‪،‬‬ ‫التي يحظى ك ّل منها مبوقع متم ّيز على الإنرتنت‬ ‫حتى بعد رفع الفيلم من دور ال�سينما وحتويله‬ ‫�إىل �أقرا�ص دي يف دي‪ .‬و�إن كانت بع�ض الأفالم‬

‫ال ُيظهر بع�ض مواقع ال�سينما‬ ‫العربية ـ خ�صو�ص ًا مواقع املهرجانات‬ ‫ـ اعتزازاً كافي ًا باللغة العربية‪,‬‬ ‫فمهرجان القاهرة ـ الذي ُيع ّد من‬ ‫�أقدم املهرجانات يف العامل العربي ـ‬ ‫اليزال باللغة الإجنليزية حتى الآن‪،‬‬ ‫وكذلك مهرجان �أبوظبي ومهرجان‬ ‫اخلليج لل�سينما‪ ،‬وهذا بالطبع ي�شكل‬ ‫قيداً كبرياً على ا�ستخدام هذه املواقع‬ ‫يف التوظيف الثقايف للتقنية كو�سيلة‬ ‫للتنمية الثقافة ال�سينمائية‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 68‬للتنمية الثقافية‬

‫العربية ذات الإنتاج ال�ضخم خ�ص�صت لنف�سها‬ ‫مواقع م�ستقلة مثل موقع فيلم ليلة البيبي دول‪،‬‬ ‫وهو موقع متميز من حيث الت�صميم والعر�ض‬ ‫ب�شكل ي�ضاهي املواقع الأجنبية‪ ،‬لكنه كان‬ ‫باللغة الإجنليزية فقط‪ ،‬ويالحظ �أن عدداً كبرياً‬ ‫من الأفالم بد�أت مواقعها تتهاوى بعد رفعها‬ ‫من دور ال�سينما وعدم اهتمام ال�رشكة املنتجة‬ ‫ب�صيانة املوقع �أو جتديد ا�شرتاكه‪.‬‬

‫الرتاث ال�شعبي «الفلكلور»‬

‫وفق ًا لتعريف مو�سوعة «الويكيبيديا» ف�إن‬ ‫الفلكلور هو جمموعة الفنون القدمية والق�ص�ص‬ ‫واحلكايات والأ�ساطري املح�صورة مبجموعة‬ ‫�سكانية مع ّينة يف �أي بلد من البالد‪ ،‬ويت ّم نقل‬ ‫املعرفة املتعلقة بالفلكلور من جيل �إىل جيل‬ ‫عن طريق الرواية ال�شفهية غالب ًا‪ ،‬وكلمة فلكلور‬ ‫يقابلها باللغة العربية (الرتاث) وهو �إرثنا عن‬ ‫�أ�سالفنا من الثقافة‪ .‬ينق�سم الرتاث ال�شعبي (�أو‬ ‫الفولكلور) �أو امل�أثورات ال�شعبية �إىل �أربعة‬ ‫�أق�سام‪ :‬املعتقدات واملعارف ال�شعبية‪ ،‬والعادات‬ ‫والتقاليد ال�شعبية والأدب ال�شعبي‪ ،‬وفنون‬ ‫املحاكاة والفنون ال�شعبية‪ ،‬والثقافة املادية‪.‬‬ ‫ومن منظور املعلومات‪ ،‬يرت ّكز دور مواقع‬ ‫الرتاث ال�شعبي والفلكلور عاملي ًا يف حفظ‬ ‫وتنمية الذاكرة الوطنية من خالل جمع وتوثيق‬ ‫ويو�سع‬ ‫و�إعادة عر�ض تراثها الثقايف ال�شعبي‪ّ ،‬‬ ‫بع�ض مواقع الفلكلور العاملية مهمته لت�شمل‬ ‫حفظ وتوثيق املو�سيقى واحلكايات ال�شعبية‬ ‫والرق�ص والأ�ساطري والتاريخ ال�شفهي والأمثال‬ ‫والنكات واملعتقدات والعادات ال�شعبية‪ ،‬وهو‬ ‫ما يلتزم به موقع الفلكلور الأمريكي ‪http://‬‬ ‫‪ /www.americanfolklore.net‬مث ًال‪ ،‬والذي‬ ‫ي�ض ّم �أق�سام ًا متع ّددة حول احلكايات والأ�ساطري‬ ‫وق�ص�ص الأ�شباح وفولكلور الواليات املتحدة‬ ‫والأبطال والأ�رشار وق�ص�ص احليوانات‬ ‫وفولكلور ال�شعوب الأ�صلية وق�ص�ص الأطفال‬ ‫والفولكلور الكندي واملك�سيكي‪.‬‬ ‫وانطالق ًا من هذا الت�ص ّور املبدئي تزخر‬ ‫مواقع الفلكلور بجميع �أ�شكال املحتوى التي‬

‫تدعم مهام اجلمع والتوثيق و�إعادة العر�ض‬ ‫على اجلماهري‪ ،‬مبا يرفع وين ّمي الوعي بالذاكرة‬ ‫الوطنية وي�سهم يف التنمية الثقافية ككلّ‪،‬‬ ‫ولذلك يالحظ يف بع�ض هذه املواقع غياب‬ ‫ال�صور واالعتماد على الن�صو�ص وعدم وجود‬ ‫مقاطع فيديو وعدم ا�شتماله على �أدوات الويب‬ ‫الثانية‪ ،‬على اعتبار �أنها تق ّدم حمتوى ال يتوافر‬ ‫له �صور �أو ملفات فيديو �أو �صوت‪ ،‬بينما تلج�أ‬ ‫مواقع �أخرى �إىل ال�صوت و الفيديو الذي ميكن‬ ‫توفريه عرب الفرق الفنية وامل�رسحية ال�شعبية‬ ‫جت�سد الرتاث ال�شعبي‪ ،‬ويف جميع الأحوال‬ ‫التي ّ‬ ‫تق ّدم مواقع الفلكلور معلومات عن تاريخ‬ ‫الفلكلور يف املنطقة �أو الدولة التي يتحدث عنها‬ ‫املوقع والدرا�سات التي تت ّم حوله يف املعاهد‬ ‫والأكادمييات و�أبرز الفعاليات امل�ستمرة حتى‬ ‫جت�سد هذا الفلكلور ال�شعبي‪ .‬كما‬ ‫اليوم والتي ّ‬ ‫حتاول هذه املواقع العمل كقناة للتوا�صل‬ ‫بني املهتمني بالفلكلور والعمل كم�صدر‬ ‫يوفر املواد التعليمية والوثائقية التي ت�رشح‬ ‫كنوع من‬ ‫الفلكلور وتق ّدم مناذج منه للجمهور ٍ‬ ‫التثقيف العام واحلفاظ على الذاكرة الوطنية‪،‬‬ ‫وكذلك العمل كمنتديات يت ّم من خاللها تبادل‬ ‫الر�أي وعر�ض املحتوى النادر حول الفولكلور‬ ‫وتقدميه للعامل بع ّدة لغات‪ ،‬كما ي�ض ّم بع�ض‬ ‫املواقع قواعد بيانات حول الفلكلور والرتاث‪،‬‬ ‫و�إن كان االعتماد الكثيف على الن�صو�ص هو‬ ‫ال�سمة الغالبة يف هذه املواقع‪( .‬جدول رقم‬ ‫‪)17‬‬

‫الو�ضع عربي ًا‬ ‫الأفراد يرعون الفلكلور‬

‫تتو ّزع م�س�ؤولية هذه املواقع على الأفراد‬ ‫وامل�ؤ�س�سات املدنية والر�سمية بن�سب متقاربة‪،‬‬ ‫فكانت ن�سبة املواقع التي ميلكها ويديرها �أفراد‬ ‫‪ ،%25‬وامل�ؤ�س�سات الر�سمية واملدنية ‪%31.3‬‬ ‫لك ّل منهما‪ ،‬وال�رشكات اخلا�صة ‪.%12.5‬‬ ‫وي�سيطر النمط الكال�سيكي على الغالبية‬ ‫العظمى من هذه املواقع بن�سبة ‪ ،%87.5‬يف‬ ‫حني يظهر منط املنتديات املحتوية على‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫اجتهاد يف خدمة الثقافة‬

‫تبدو هذه املواقع جمتهدة يف خدمة‬ ‫ق�ضايا التنمية الثقافية‪ ،‬حيث ق ّدم ‪%18.8‬‬ ‫منها حمتوى �ص ّنف على �أنه مهم جدا بالن�سبة‬ ‫لق�ضايا التنمية الثقافية‪ ،‬وح�صل ‪ %37.5‬من‬ ‫املحتوى على ت�صنيف مهم بالن�سبة للتنمية‬ ‫الثقافية‪ ،‬و‪ %25‬على ت�صنيف متو�سط الأهمية‬ ‫و‪ 18.8‬على ت�صنيف �ضئيل الأهمية‪.‬‬ ‫وال يخاطب املحتوى الذي تق ّدمه هذه‬ ‫املواقع الأطفال و�صغار ال�سن‪ ،‬لكنه يركّز على‬ ‫الفئات التي تلي ذلك‪ ،‬فجميع املواقع وبن�سبة‬ ‫‪ %100‬تق ّدم حمتوى ينا�سب ال�شباب والبالغني‪،‬‬ ‫و‪ %93.8‬منها يق ّدم حمتوى ينا�سب امل�سنني‪،‬‬ ‫يتوجه ‪ %100‬من هذا‬ ‫ومن حيث التعليم‬ ‫ّ‬ ‫املحتوى �إىل ذوي التعليم العايل واملثقفني‪،‬‬ ‫يتوجه لذوي التعليم املتو�سط‪،‬‬ ‫و‪ %93.8‬منه ّ‬ ‫يتوجه لذوي التعليم حتت‬ ‫و‪ %6.3‬منه‬ ‫ّ‬ ‫املتو�سط‪.‬‬ ‫وال حتقق هذه املواقع جماهريية و�شعبية‬ ‫وا�سعة بني م�ستخدمي الإنرتنت‪ ،‬لأن ‪%50‬‬ ‫منها مهمل وخارج دائرة االهتمام‪ ،‬و‪%37.5‬‬ ‫يتلقى زيارات مبعدل �ضعيف للغاية‪ ،‬و‪%12.5‬‬ ‫يحظى مبعدل زيارات مرتفع‪.‬‬ ‫ويف ما يتعلق مبدى ا�ستخدام تع ّددية‬ ‫الو�سائط يف عر�ض املحتوى ركّزت هذه املواقع‬ ‫على الن�صو�ص وال�صور على ح�ساب ال�صوت و‬ ‫الفيديو‪ ،‬بحيث ق ّدم ‪ %100‬من املواقع حمتوى‬ ‫ن�ص ّي ًا‪ ،‬و‪ %93.8‬ق ّدم حمتوى �صو ٍر‪� ،‬أما حمتوى‬

‫جدول رقم ‪ 17‬نتائج حتليل عينة مواقع الفلكلور‬ ‫معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع»‬ ‫�أفراد‬ ‫م�ؤ�س�سة ر�سمية‬ ‫اجلهة القائمة على‬ ‫املوقع‬ ‫م�ؤ�س�سة مدنية‬ ‫�رشكات خا�صة‬ ‫موقع كال�سيكي‬ ‫منتدى‬ ‫منط املوقع‬ ‫مدونة‬ ‫ثابت‬ ‫متجدد‬ ‫نوعيات املحتوى‬ ‫تفاعلي‬ ‫متنوع‬ ‫مهم جدا‬ ‫مهم‬ ‫�أهمية املحتوى‬ ‫للتنمية الثقافية‬ ‫متو�سط الأهمية‬ ‫�ضئيل الأهمية‬ ‫�أطفال‬ ‫�شباب‬ ‫بالغون‬ ‫فئات اجلمهور التي‬ ‫م�س ّنون‬ ‫يخاطبها املوقع‬ ‫تعليم حتت املتو�سط‬ ‫تعليم متو�سط‬ ‫تعليم عال ومثقفون‬ ‫مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول»‬ ‫مرتفع جدا من �ألف �إىل‪� 10‬آالف موقع‬ ‫مرتفع من ‪� 10‬إىل ‪� 30‬ألف‬ ‫حجم الزوار «ح�سب متو�سط من ‪� 30‬إىل ‪� 50‬ألف‬ ‫متو�سط الرتتيب يف‬ ‫منخف�ض من ‪� 50‬إىل ‪� 70‬ألف‬ ‫مقيا�س �أليك�سا»‬ ‫�ضعيف من ‪� 70‬إىل ‪� 100‬ألف‬ ‫�ضعيف للغاية من ‪�100‬ألف وما بعدها‬ ‫مهمل وخارج الت�صنيف‬ ‫ممتاز‬ ‫جيد‬ ‫جودة حمتوى املوقع‬ ‫متو�سط‬ ‫منخف�ض‬ ‫ن�صو�ص‬ ‫�صوت‬ ‫الو�سائط املتعددة‬ ‫فيديو‬ ‫�صور‬

‫الفلكلور‬ ‫‪25.0‬‬ ‫‪31.3‬‬ ‫‪31.3‬‬ ‫‪12.5‬‬ ‫‪87.5‬‬ ‫‪12.5‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪39.1‬‬ ‫‪9.4‬‬ ‫‪6.3‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪18.8‬‬ ‫‪37.5‬‬ ‫‪25.0‬‬ ‫‪18.8‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪93.8‬‬ ‫‪6.3‬‬ ‫‪93.8‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪12.5‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪37.5‬‬ ‫‪50.0‬‬ ‫‪23.4‬‬ ‫‪21.9‬‬ ‫‪32.8‬‬ ‫‪21.9‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪12.5‬‬ ‫‪12.5‬‬ ‫‪93.8‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫املعلوماتية‬

‫بع�ض �أدوات اجليل الثاين للويب يف‬ ‫من املواقع‪ ،‬وهي واقعي ًا لي�ست مواقع قائمة‬ ‫بذاتها ولكنها منتديات ملحقة �أو مرتبطة‬ ‫مبواقع كال�سيكية يف الأ�صل‪..‬‬ ‫ومن حيث النوعية ‪ ،‬حقّق املحتوى الثابت‬ ‫اجلامد ‪ 39.1‬درجة من حيث االنت�شار يف هذه‬ ‫املواقع‪ ،‬يليه املحتوى املتج ّدد الذي حقق ‪9.4‬‬ ‫درجة ثم املحتوى التفاعلي الذي حقق ‪6.3‬‬ ‫درجة؛ �أما املحتوى املتن ّوع فلم يظهر كلية‬ ‫بهذه املواقع‪.‬‬ ‫‪%12.5‬‬

‫‪69‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 70‬للتنمية الثقافية‬ ‫ال�صوت و الفيديو فظهر ك ّل منهما يف ‪%12.5‬‬

‫والهوية ومقاومة حماوالت التهويد‪.‬‬

‫نق�ص وا�ضح و�إ�سهامات �أفراد‬

‫اجلمعيات واملنظمات الثقافية غري‬ ‫احلكومية‬

‫من مواقع هذه الفئة‪.‬‬

‫يعاين ف�ضاء الإنرتنت يف املنطقة‬ ‫العربية من نق�ص �شديد يف مواقع‬ ‫الرتاث ال�شعبي‪ ،‬و�أغلب املواقع‬ ‫املتخ�ص�صة يف هذا الرتاث ال�شعبي‬ ‫�أو الفنون ال�شعبية هي يف الأغلب‬ ‫مبادرات �أفراد �أو م�ؤ�س�سات مدنية‪.‬‬

‫يالحظ وجود عدد كبري من‬ ‫املواقع املتخ�ص�صة يف الرتاث‬ ‫ال�شعبي الفل�سطيني‪ ،‬ورمبا يرجع ذلك‬ ‫�إىل حماولة حت ّدي االحتالل والرغبة‬ ‫يف البقاء واحلفاظ على الوجود‬ ‫والهوية ومقاومة حماوالت التهويد‪.‬‬

‫يعاين ف�ضاء الإنرتنت يف املنطقة العربية‬ ‫من نق�ص �شديد يف مواقع الرتاث ال�شعبي‪ ،‬و�أغلب‬ ‫املواقع املتخ�ص�صة يف هذا الرتاث ال�شعبي �أو‬ ‫الفنون ال�شعبية هي يف الأغلب مبادرات �أفراد‬ ‫�أو م�ؤ�س�سات مدنية‪ ،‬فعلى الرغم من البحث‬ ‫املجهد على الإنرتنت‪ ،‬مل ميكن ر�صد �سوى ‪16‬‬ ‫موقع ًا عربي ًا على الإنرتنت ت�ستحق التحليل‬ ‫وخم�ص�صة للرتاث ال�شعبي �أو الفولكلور‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫عند البحث عن الرتاث ال�شعبي يف مواقع‬ ‫الإنرتنت العربية ي ّت�ضح �أن املوجود منه �أغلبه‬ ‫عبارة عن �إ�سهامات من الأفراد يف املنتديات‬ ‫العامة ال�شاملة‪ ،‬وتنتمي �أغلب هذه املنتديات‬ ‫�إىل منطقة اخلليج‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف ال�سعودية‬ ‫والإمارات‪ ،‬نظراً لرغبة العديد من القبائل يف‬ ‫ت�سجيل تراثها القبلي وتقاليدها ال�شعبية‪،‬‬ ‫وميكن يف هذا ال�صدد القول �إن دماء الرتاث‬ ‫مفرقة يف مواقع املنتديات‪.‬‬ ‫ال�شعبي العربي ّ‬ ‫ميكن القول �إن الرتاث ال�شعبي العربي‬ ‫يعاين من ندرة يف املواقع املتخ�ص�صة التي‬ ‫تتناول ق�ضاياه واجتاهاته‪ ،‬وحتاول الت�أ�صيل‬ ‫لعلومه ونظرياته �أو ت�سجيله وتدوينه‪ ،‬و�إذا‬ ‫كان هذا الرتاث ال�شعبي يعاين من نق�ص يف‬ ‫املجالت واملطبوعات الورقية املتخ�ص�صة‪،‬‬ ‫فمن الطبيعي �أن يكون النق�ص يف املطبوعات‬ ‫واملواقع الإلكرتونية �أ�ش ّد و�أفدح‪.‬‬ ‫ويالحظ كذلك وجود عدد كبري من املواقع‬ ‫املتخ�ص�صة يف الرتاث ال�شعبي الفل�سطيني‪،‬‬ ‫ورمبا يرجع ذلك �إىل حماولة حت ّدي االحتالل‬ ‫والرغبة يف البقاء واحلفاظ على الوجود‬ ‫والهوية ومقاومة حماوالت التهويد ال�رش�سة‬ ‫التي ي�شنها االحتالل الإ�رسائيلي‪.‬‬ ‫ويالحظ وجود عدد كبري من املواقع‬ ‫املتخ�ص�صة يف الرتاث ال�شعبي الفل�سطيني‪،‬‬ ‫ورمبا يرجع ذلك �إىل حماولة حت ّدي االحتالل‬ ‫والرغبة يف البقاء واحلفاظ على الوجود‬

‫يرى الكثريون �أن الإنرتنت ومواقعها‬ ‫وخدماتها املختلفة هي ال�ساحة احلقيقية‬ ‫لعمل املنظمات الأهلية ومنظمات املجتمع‬ ‫املدين يف �شتى املجاالت‪ ،‬واملنظمات الثقافية‬ ‫غري احلكومية لي�س ا�ستثنا ًء من ذلك‪ ،‬فهي ت ّتخذ‬ ‫من مواقعها على الإنرتنت حلقة للتوا�صل‬ ‫احلي وامل�ستمر يف ما بينها وبني‬ ‫والتفاعل ّ‬ ‫نظرائها من املنظمات الأخرى‪ ،‬وكذلك مع‬ ‫جماهريها التي تخاطبها ومع امل�ؤ�س�سات‬ ‫الأخرى املعنية ب�ش�ؤون الثقافة‪ ،‬وعادة ما‬ ‫ينخرط موقع املنظمة �أو اجلمعية يف �شبكة‬ ‫�أو�سع من املنظمات واجلمعيات املماثلة �أو ذات‬ ‫االهتمام امل�شرتك‪ ،‬لتبادل اخلربات وتن�سيق‬ ‫اجلهود حيال ق�ضايا ثقافية معينة‪ ،‬كما بد�أ‬ ‫يظهر اجتاه جديد يف هذه الفئة من املواقع‬ ‫يجعلها مراكز للمنتديات وطرح املناق�شات‬ ‫والأفكار وعر�ض الإ�سهامات الثقافية‪،‬‬ ‫والبع�ض منها يعمل ك�ساحات حقيقية للحوار‬ ‫وامل�شاركة‪ ،‬مبا يجعل منها �أداة فاعلة للتثقيف‬ ‫ورفع الوعي وامل�شاركة يف ال�ش�أن الثقايف من‬ ‫قبل اجلمهور العام‪.‬‬ ‫ومن حيث الت�صميم تخلو مواقع امل�ؤ�س�سات‬ ‫الثقافية املدنية من البهرجة يف الت�صميم‬ ‫والعرو�ض الفال�شية ال�صاخبة والفيديو وتعتمد‬ ‫على الن�صو�ص وال�صور‪ ،‬وي ّت�سم ت�صميمها‬ ‫بالأناقة والر�صانة‪ ،‬حتى العرو�ض الفال�شية‬ ‫ت ّت�سم بالأناقة والب�ساطة والهدوء‪ ،‬وعادة ما‬ ‫يحتوي املوقع نبذة عن اجلمعية وتاريخها‬ ‫ومبادراتها و�أن�شطتها واجلهات املمولة لها‬ ‫واجلهات الراعية لأن�شطتها وكيفية التربع‬ ‫للجمعية وكيفية االت�صال بها والأخبار‬ ‫ال�صحفية‪ ،‬كما حتتوي على خدمة اال�شرتاك‬ ‫يف الن�رشة ال�صحفية ملتابعة �أخبار امل�ؤ�س�سة‪،‬‬ ‫وتقدم درا�سات حالة حول امل�رشوعات التي‬ ‫�أجنزتها امل�ؤ�س�سة‪ ،‬كما توفر روابط �رسيعة‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫الو�ضع عربي ًا‬

‫بوجه عام هناك ندرة وا�ضحة يف املواقع‬ ‫العربية التي تعك�س الوجه الرقمي للمنظمات‬ ‫الأهلية وغري احلكومية العاملة يف جمال‬ ‫الثقافة‪ ،‬وبعد جوالت بحث عن هذه النوعية من‬ ‫املواقع مل توفّر حمركات البحث املختلفة �سوى‬ ‫حفنة قليلة من املواقع من بينها ‪ 18‬موقع ًا‬ ‫جديرة بالتحليل والعر�ض‪ 17 ،‬منها بن�سبة‬ ‫‪ %94.4‬متلكه وتديره م�ؤ�س�سات �أهلية بالفعل‪،‬‬ ‫بينما هناك موقع واحد يعبرّ عن جمعية �أهلية‬ ‫لكنه تابع ملوقع �آخر متلكه م�ؤ�س�سة ر�سمية على‬ ‫الرغم من �أن �أغلبها جلميعات وروابط �أهلية‬ ‫عاملة يف جمال املكتبات والكتب بالأ�سا�س‪.‬‬ ‫(جدول رقم ‪) 18‬‬

‫�شعب ّية حمدودة وحمتوى متوا�ضع‬

‫ركّزت هذه املواقع على البالغني ب�شكل‬ ‫�أ�سا�سي كجمهور م�ستهدف‪� ،‬إذ بلغت ن�سبة‬ ‫موجه للبالغني‬ ‫املواقع التي لديها حمتوى ّ‬ ‫تتوجه لل�شباب ‪،%33.3‬‬ ‫‪ ،%66.7‬واملواقع التي ّ‬ ‫وللأطفال ‪� ،%11.1‬أما امل�س ّنون فال توجد مواقع‬ ‫تخاطبهم‪ .‬ويف ما يتعلق بنوعية اجلمهور‬ ‫طبق ًا للم�ستوى التعليمي اهتمت هذه املواقع‬ ‫ب�شكل �أكرب بامل�ستوى التعليمي العايل‪ ،‬حيث‬ ‫موجه‬ ‫بلغت ن�سبة املواقع التي لديها حمتوى ّ‬ ‫لهذه الفئة ‪ %100‬من �إجمايل املواقع‪ ،‬يليها‬ ‫املحتوى الذي ينا�سب م�ستوى التعليم املتو�سط‬ ‫بن�سبة ‪� ،%83.3‬أما فئة التعليم حتت املتو�سط‬ ‫فلم َ‬ ‫حتظ �سوى مبحتوى ن�سبته ‪.%5.6‬‬ ‫وامتدت حالة ال�ضعف �إىل املعيار اخلا�ص‬ ‫بجودة املحتوى‪ ،‬فحقّق املحتوى املنخف�ض‬ ‫اجلودة ‪ 45.8‬نقطة‪ ،‬يليه املحتوى اجليد الذي‬ ‫حقّق ‪ 43.1‬نقطة‪ ،‬ثم املحتوى متو�سط اجلودة‬ ‫الذي حقق ‪ %11.1‬نقطة‪� ،‬أما املحتوى املمتاز‬ ‫فلم يظهر يف �أي موقع‪.‬‬

‫جدول رقم ‪ 18‬نتائج حتليل عينة مواقع املنظمات غري احلكومية‬ ‫معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع»‬ ‫�أفراد‬ ‫اجلهة القائمة م�ؤ�س�سة ر�سمية‬ ‫على املوقع م�ؤ�س�سة مدنية‬ ‫�رشكات خا�صة‬ ‫موقع كال�سيكي‬ ‫منط املوقع منتدى‬ ‫مدونة‬ ‫ثابت‬ ‫متجدد‬ ‫نوعيات‬ ‫املحتوى‬ ‫تفاعلي‬ ‫متنوع‬ ‫مهم جدا‬ ‫�أهمية‬ ‫مهم‬ ‫املحتوى‬ ‫للتنمية‬ ‫متو�سط الأهمية‬ ‫الثقافية‬ ‫�ضئيل الأهمية‬ ‫�أطفال‬ ‫�شباب‬ ‫فئات اجلمهور بالغون‬ ‫التي يخاطبها م�س ّنون‬ ‫املوقع‬ ‫تعليم حتت املتو�سط‬ ‫تعليم متو�سط‬ ‫تعليم عال ومثقفون‬ ‫مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول»‬ ‫مرتفع جدا من �ألف �إىل‪� 10‬آالف موقع‬ ‫حجم الزوار‬ ‫مرتفع من ‪� 10‬إىل ‪� 30‬ألف‬ ‫«بح�سب‬ ‫متو�سط من ‪� 30‬إىل ‪� 50‬ألف‬ ‫متو�سط‬ ‫الرتتيب‬ ‫منخف�ض من ‪� 50‬إىل ‪� 70‬ألف‬ ‫يف مقيا�س �ضعيف من ‪� 70‬إىل ‪� 100‬ألف‬ ‫�أليك�سا»‬ ‫�ضعيف للغاية من ‪�100‬ألف وما بعدها‬ ‫مهمل وخارج الت�صنيف‬ ‫ممتاز‬ ‫جودة حمتوى جيد‬ ‫املوقع‬ ‫متو�سط‬ ‫منخف�ض‬ ‫ن�صو�ص‬ ‫�صوت‬ ‫الو�سائط‬ ‫املتعددة‬ ‫فيديو‬ ‫�صور‬

‫املنظمات غري احلكومية‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪5.6‬‬ ‫‪94.4‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪33.3‬‬ ‫‪13.9‬‬ ‫‪2.8‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪5.6‬‬ ‫‪27.8‬‬ ‫‪22.2‬‬ ‫‪44.4‬‬ ‫‪11.1‬‬ ‫‪33.3‬‬ ‫‪66.7‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪5.6‬‬ ‫‪83.3‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪77.8‬‬ ‫‪22.2‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪43.1‬‬ ‫‪11.1‬‬ ‫‪45.8‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪11.1‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪88.9‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫املعلوماتية‬

‫ت�سهل ت�صفح الزائرين بجانب �إمكانية البحث‬ ‫وخدمة التغذية بالأخبار لأع�ضائها وجمهورها‬ ‫وللجمعيات املناظرة‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 72‬للتنمية الثقافية‬

‫وال حتظى هذه املواقع بجماهريية �أو‬ ‫�شعبية معقولة‪� ،‬إذ ا ّت�ضح �أن ‪ %77.8‬منها‬ ‫مواقع حتظى مبعدل زيارة �ضعيف للغاية‪،‬‬ ‫و‪ %22.2‬منها مواقع مهملة وخارج ت�صنيف‬ ‫�أليك�سا لت�صنيف الزوار‪.‬‬ ‫وخالل الأ�شهر الثالثة التي ا�ستغرقها‬ ‫البحث مل يتم الو�صول �إال �إىل ‪ 18‬موقع ًا من‬ ‫هذه الفئة‪ ،‬على الرغم من �أن حمركات البحث‬ ‫�أظهرت الكثري من النتائج يف هذا ال�صدد حتت‬ ‫العديد من امل�سميات‪� .‬إال �أن املحاوالت ف�شلت‬ ‫يف الو�صول �إىل تلك املواقع �إما لأنها �ألغيت من‬ ‫على الإنرتنت �أو لأن �أ�صحابها مل يد�شّ نوا موقع ًا‬ ‫من اال�صل‪ ،‬مثل جمعية املكتبات واملعلومات‬ ‫الأردنية ‪ www.jorla.org‬وجمعية املكتبات‬ ‫البحرينية ‪ www.bla-bh.com‬وكذلك جمعية‬ ‫املكتبات ال�سودانية‪.‬‬ ‫يكاد يكون القا�سم امل�شرتك بني املواقع‬ ‫التي ت�صفحناها ندرة املواد التفاعلية بني‬ ‫املوقع واجلمهور‪ ،‬كما ارتفعت عبارات ال�صفحة‬ ‫حتت الإن�شاء‪ ،‬وافتقرت املواقع التقارير‬ ‫والأبحاث املتخ�ص�صة يف جمال الثقافة‬ ‫و�إتاحة حتميلها للزوار عرب املواقع ومل تتو�سع‬ ‫هذه املواقع �أي�ض ًا يف تقدمي بع�ض امل�ؤلفات‬ ‫اللغوية �أو الثقافية التي ميكن �أن يطالعها‬ ‫املتج ّول على �صفحات املوقع‪ ،‬بل �إن �أحد‬ ‫املواقع قام باخللط يف ما بني اللغة العربية و‬ ‫الفرن�سية على �صفحات املوقع وكان الأجدر‬ ‫بامل�ؤ�س�سني عمل واجهة بالعربية و�أخرى ب‬ ‫الفرن�سية وهكذا‪.‬‬ ‫وظهر �ضعف وا�ضح يف املحتوى‬ ‫الإخباري املتخ�ص�ص �سواء اخلا�ص باملنظمة‬ ‫نف�سها �أو مبثيلتها من املنظمات العربية‪ ،‬مثل‬ ‫امل�ؤمترات والندوات وور�ش العمل التي تنظمها‬ ‫امل�ؤ�س�سة وميكن احل�صول عليها من الإ�صدارات‬ ‫ال�صحفية التي تغطي هذه الأحداث‪.‬‬ ‫وال يالحظ ما يدلّ على �أن هذه املنظمات‬ ‫ت�ستخدم مواقعها يف �إقامة روابط �شبكية‬

‫لتعميق عالقاتها ببع�ضها البع�ض �أو مع‬ ‫جمهورها امل�ستهدف‪ ،‬بل ت�ستخدمها فقط يف‬ ‫عر�ض املحتوى من دون الو�صول �إىل مراحل‬ ‫وخطوات تفاعلية �أكرث من ذلك‪.‬‬

‫دور الن�رش ومعار�ض الكتب‬

‫تتلخ�ص املالمح الأ�سا�سية للوجه الرقمي‬ ‫لدور الن�رش عاملي ًا يف �أنها ت ّتخذ من مواقعها‬ ‫على الإنرتنت ذراع ًا للت�سويق والرتويج وعر�ض‬ ‫�إنتاجها و�أن�شطتها وكذلك ا�ستقطاب وجذب‬ ‫قرائها وم�ؤلفيها والبحث عن �أمناط جديدة‬ ‫للن�رش خارج الطباعة كقناة تقليدية يت ّم من‬ ‫خاللها ن�رش الثقافة وتنميتها عرب الكتاب‪.‬‬ ‫وميكن ا�ستعرا�ض �أهم الوظائف التي تقوم بها‬ ‫مواقع دور الن�رش عادة يف ما يلي‪:‬‬ ‫• تقدمي الن�رشات الإخبارية حول �أحدث‬ ‫الإ�صدارات من الكتب والكتب املتوقع‬ ‫�إ�صدارها قريب ًا وتقدمي العرو�ض الرتويجية‬ ‫عن الكتب الفائزة باجلوائز‪ ،‬مواعيد حفالت‬ ‫توقيع وقراءة الكتب وتوفري خدمة ا�شرتاك يف‬ ‫املوقع للقراء ملتابعة ك ّل هذه الأمور �أو �إر�سال‬ ‫ن�رشات �أخبارية �إليهم �أو ًال ب�أول‪.‬‬ ‫القراء ت�شمل‬ ‫• تقدمي خدمات تفاعلية مع ّ‬ ‫للقراء حول‬ ‫تنظيم ا�ستطالعات ر�أي متج ّددة ّ‬ ‫�أف�ضل الكتب‪ ،‬واالرتباط مبواقع ال�شبكات‬ ‫االجتماعية مثل تويرت وفي�سبوك‪ ،‬وتقدمي‬ ‫خ�صومات للم�شرتكني يف املوقع‪ ،‬وتقدمي‬ ‫قائمة ب�أف�ضل الكتب مبيع ًا‪.‬‬ ‫• تخ�صي�ص �صفحة لك ّل كتاب‪ ،‬ت�ض ّم �صورة‬ ‫الغالف وا�سم امل�ؤلف ورقم الإيداع الدويل‬ ‫وال�صيغة وال�شكل واملقا�س وعدد الأوراق‬ ‫وتاريخ الن�رش وال�سعر و�إمكانية ال�رشاء من‬ ‫الإنرتنت وملخ�ص ملو�ضوع الكتاب‪ ،‬مع‬ ‫�إمكانية قراءة جزء من الكتاب قبل ال�رشاء‪.‬‬ ‫• يق ّدم املوقع و�سائل للتوا�صل مع م�ؤلفي الدار‬ ‫كك ّل من خالل قوائم بامل�ؤلفني مر ّتبة �أبجدي ًا‪،‬‬ ‫ون�رش روابط ملدونات امل�ؤلفني ومدونات عن‬ ‫الكتب والأدب‪ ،‬وتخ�صي�ص �صفحات ملناق�شة‬ ‫الكتب والتعليق عليها وم�ساحة للقراء لقراءة‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫ويف جمال املعار�ض نالحظ املالمح‬ ‫الرقمية التالية‪:‬‬

‫• تع ّددية اللغات التي يعمل بها املعر�ض والتي‬ ‫ت�صل يف بع�ض املواقع �إىل ت�سع لغات بينها‬ ‫العربية مثلما هو احلال مع موقع معر�ض لندن‬ ‫للكتاب‪ ،‬وتق�سيم بنية املوقع تقي�سم ًا فئوي ًا‬ ‫وظيفي ًا‪ ،‬بحيث يق ّدم كل ق�سم خدمات تنا�سب‬ ‫كل فئة من زواره‪ ،‬من العار�ضني والوكاالت‬ ‫والزوار التجاريني وال�صحفيني ثم اجلمهور‬ ‫العام‪.‬‬ ‫• يعمل موقع املعر�ض على مدار العام ولي�س‬ ‫خالل فرتة االنعقاد فقط‪ ،‬وتتاح كل البيانات‬ ‫واملعلومات اخلا�صة بالدورات ال�سابقة‪.‬‬ ‫• ي�شارك املوقع ك�أداة من �أدوات التنظيم‬ ‫والرتويج‪ ،‬فهو يقوم بالإعالن عن تواريخ‬ ‫و�ساعات االفتتاح‪ ،‬و�أ�سعار التذاكر واملبيعات‬ ‫وكيفية الو�صول للمعر�ض والإقامة وت�أ�شريات‬ ‫الدخول‪ ،‬وبع�ض الأرقام عن املعر�ض وتاريخ‬ ‫املعر�ض وقائمة العار�ضني وخمطط املعر�ض‬ ‫واملنتديات وامل�ؤمترات ومعلومات عن الفنادق‬ ‫وال�سياحة والطعام ومعلومات عن �ضيف‬

‫ال�رشف ونقاط الرتكيز الأ�سا�سية‪ ،‬ويت�ض ّمن‬ ‫املوقع خدمات للت�سجيل يف املعر�ض ككل‬ ‫�إلكرتونيا ويف الندوات والأحداث والفعاليات‬ ‫ين�سق بع�ض املواقع مع‬ ‫التي �ستقام فيه‪ ،‬كما ّ‬ ‫�رشكات ال�سياحة حلجز تذاكر الطريان والفنادق‬ ‫عرب موقع املعر�ض‪.‬‬

‫املعلوماتية‬

‫الكتب والتعليق عليها‪.‬‬ ‫• حتر�ص العديد من دور الن�رش على �أن تكون‬ ‫مواقعها لي�ست فقط للح�ضور على الإنرتنت‬ ‫و�إمنا �أي�ضا للت�شجيع على القراءة والرتويج‬ ‫للكتب وامل�ؤلفني ولبيع و�رشاء الكتب مبختلف‬ ‫�أ�شكالها (ورقية‪� ،‬إلكرتونية‪� ،‬صوتية)‪ ،‬وتقوم‬ ‫هذه املواقع بتكوين جمموعات من القراء‬ ‫ملناق�شة وتقييم كتاب معينّ من خمتلف‬ ‫اجلوانب‪ ،‬مع �إمكانية �أي ع�ضو يف موقع دور‬ ‫الن�رش �إن�شاء جمموعة قراءة �أو اقرتاح �أفكار‬ ‫للمجموعات‪.‬‬ ‫• �أغلب مواقع دور الن�رش مزودة بوظائف‬ ‫وقدرات مواقع التجارة الإلكرتونية‪ ،‬وميكن‬ ‫من خاللها �إن�شاء �سلة للم�شرتيات وجتميعها‬ ‫و�رشاء الكتب ودفع ثمنها و�شحنها‪ ،‬ويحتوي‬ ‫بع�ض املواقع على ق�سم للكتب التي ير�شّ حها‬ ‫املحررون يف دار الن�رش للقراءة‪.‬‬

‫‪73‬‬

‫الو�ضع عربي ًا‬

‫تكونت ع ّينة املواقع التي �شملتها هذه‬ ‫الفئة من ‪ 24‬موقع ًا‪ 8 ،‬منها ملعار�ض الكتب‬ ‫العربية بن�سبة ‪ %33.3‬من الع ّينة وجميعها‬ ‫تابعة جلهات ر�سمية‪ ،‬و‪ 15‬موقع ًا لدور ن�رش‬ ‫جميعها �رشكات خا�صة بن�سبة ‪ %62.5‬من‬ ‫الع ّينة يف ما عدا موقع واحد كان ملنظمة‬ ‫مدنية خريية متخ�ص�صة يف الن�رش‪ ،‬وجميع هذه‬ ‫املواقع كانت كال�سيكية تقليدية مل تت�ضمن �أي‬ ‫من الأمناط احلديثة يف بناء وت�شغيل املواقع‬ ‫كاملنتديات واملدونات وغريها‪ ،‬وب�شكل عام‬ ‫�أ�سفرت التحليالت التي �أجريت على هذه الفئة‬ ‫كما يو�ضح اجلدول رقم «‪»19‬ع ّما يلي‪.‬‬

‫الالفت للنظر �أن املواقع‬ ‫الإلكرتونية للمنظمات واجلمع ّيات‬ ‫الأهل ّية العربية ال حتظى ب�شعبية‬ ‫معقولة‪ ،‬فهناك ‪ %77.8‬منها حظي‬ ‫مبع ّدل زيارة �ضعيف للغاية و‪%22.2‬‬ ‫منها هي مواقع مهملة وخارج‬ ‫ت�صنيف �أليك�سا‪.‬‬

‫كتب ت�صدر وحمتوى ثابت ‪ ...‬كيف؟‬

‫كان املحتوى الثابت هو الأكرث �شيوع ًا يف‬ ‫هذه املواقع‪ ،‬حيث حقّق املحتوى الثابت ‪35.4‬‬ ‫نقطة من مائة‪ ،‬واملتج ّدد ‪ 11.5‬نقطة واملت ّنوع‬ ‫‪ 2.1‬نقطة‪� ،‬أما املحتوى التفاعلي فلم يظهر‬ ‫على الإطالق‪.‬‬ ‫ق ّدمت هذه املواقع حمتوى جيد الأهمية‬ ‫بالن�سبة للتنمية الثقافية‪� ،‬إذ كان ‪ %16.7‬من‬ ‫املحتوى مهم ًا جداً‪ ،‬و‪ %45.8‬مهم‪ ،‬و‪%16.7‬‬ ‫متو�سط الأهمية‪ ،‬و‪� 20.8‬ضئيل الأهمية‪.‬‬ ‫�شكّل البالغون الفئة الأوىل التي ُتركّز‬ ‫هذه املواقع على خماطبتها فكان ‪%79.2‬‬ ‫من املحتوى الذي قدمته خم�ص�ص ًا لهذه‬ ‫الفئة‪ ،‬تليها فئة ال�شباب بن�سبة ‪ %37.5‬ثم فئة‬ ‫امل�سنني بن�سة ‪ ،16.7‬والأطفال بن�سبة ‪.%12.5‬‬ ‫ومن حيث التعليم ر ّكزت هذه املواقع خطابها‬ ‫على ذوي التعليم العايل واملثقفني وخ�ص�صت‬ ‫لهم ‪ 62.5‬مما تقدمه من حمتوى‪ ،‬تليهم فئة‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 74‬للتنمية الثقافية‬

‫جدول رقم ‪ 19‬نتائج حتليل عينة مواقع دور الن�رش واملعار�ض‬ ‫معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع»‬ ‫�أفراد‬ ‫اجلهة القائمة على م�ؤ�س�سة ر�سمية‬ ‫املوقع‬ ‫م�ؤ�س�سة مدنية‬ ‫�رشكات خا�صة‬ ‫موقع كال�سيكي‬ ‫منتدى‬ ‫منط املوقع‬ ‫مدونة‬ ‫ثابت‬ ‫متجدد‬ ‫نوعيات املحتوى‬ ‫تفاعلي‬ ‫متنوع‬ ‫مهم جدا‬ ‫مهم‬ ‫�أهمية املحتوى‬ ‫الثقافية‬ ‫للتنمية‬ ‫متو�سط الأهمية‬ ‫�ضئيل الأهمية‬ ‫�أطفال‬ ‫�شباب‬ ‫بالغون‬ ‫فئات اجلمهور التي‬ ‫م�س ّنون‬ ‫يخاطبها املوقع‬ ‫تعليم حتت املتو�سط‬ ‫تعليم متو�سط‬ ‫تعليم عال ومثقفون‬ ‫مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول»‬ ‫مرتفع جدا من �ألف �إىل‪� 10‬آالف موقع‬ ‫مرتفع من ‪� 10‬إىل ‪� 30‬ألف‬ ‫حجم الزوار «بح�سب متو�سط من ‪� 30‬إىل ‪� 50‬ألف‬ ‫متو�سط الرتتيب يف‬ ‫منخف�ض من ‪� 50‬إىل ‪� 70‬ألف‬ ‫مقيا�س �أليك�سا»‬ ‫�ضعيف من ‪� 70‬إىل ‪� 100‬ألف‬ ‫�ضعيف للغاية من ‪�100‬ألف وما بعدها‬ ‫مهمل وخارج الت�صنيف‬ ‫ممتاز‬ ‫جيد‬ ‫جودة حمتوى‬ ‫املوقع‬ ‫متو�سط‬ ‫منخف�ض‬ ‫ن�صو�ص‬ ‫�صوت‬ ‫الو�سائط املتعددة‬ ‫فيديو‬ ‫�صور‬

‫دور الن�رش‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪33.3‬‬ ‫‪4.2‬‬ ‫‪62.5‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪35.4‬‬ ‫‪11.5‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪2.1‬‬ ‫‪16.7‬‬ ‫‪45.8‬‬ ‫‪16.7‬‬ ‫‪20.8‬‬ ‫‪12.5‬‬ ‫‪37.5‬‬ ‫‪79.2‬‬ ‫‪16.7‬‬ ‫‪4.2‬‬ ‫‪33.3‬‬ ‫‪62.5‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪83.3‬‬ ‫‪16.7‬‬ ‫‪10.4‬‬ ‫‪33.3‬‬ ‫‪22.9‬‬ ‫‪33.3‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪4.2‬‬ ‫‪91.7‬‬

‫التعليم املتو�سط بن�سبة ‪ %33.3‬من املحتوى‪،‬‬ ‫ثم التعليم حتت املتو�سط بن�سبة ‪.%4.2‬‬

‫مواقع �ضعيفة �أو مهملة‬

‫ات�سمت هذه املواقع مبعدل زيارة غري‬ ‫باملرة‪ ،‬فطبق ًا ملقيا�س �أليك�سا‪ ،‬جاء‬ ‫مر�ضية‬ ‫ّ‬ ‫‪ %83.3‬منها يف فئة املواقع التي حتظى‬ ‫مبعدل زيارة «منخف�ض للغاية»‪ ،‬و‪ %16‬يف‬ ‫فئة املواقع املهملة خارج ت�صنيف �أليك�سا‬ ‫كلية‪ .‬ويف ما يتعلّق بجودة املحتوى كان الأداء‬ ‫�أف�ضل من معدل الزيارة‪ ،‬حيث حقق املحتوى‬ ‫املمتاز ‪ 10.4‬درجة من مائة من حيث كثافة‬ ‫احل�ضور يف هذه املواقع‪ ،‬واملحتوى اجلديد‬ ‫‪ 33.3‬درجة واملحتوى متو�سط اجلودة ‪22.9‬‬ ‫درجة‪ ،‬واملحتوى منخف�ض اجلودة ‪33.3‬‬ ‫درجة‪ .‬ومن حيث تعددية الو�سائط اعتمدت هذه‬ ‫املواقع على الن�صو�ص �أو ًال‪ ،‬وقد ا�ستخدمها‬ ‫‪ %100‬من املواقع‪ ،‬ثم ال�صور التي ا�ستخدمها‬ ‫‪ %91.7‬من املواقع‪� ،‬أما ا�ستخدام الفيديو فجاء‬ ‫�ضئي ّال للغاية بحيث مل يظهر �إال يف ‪ %4.2‬من‬ ‫املواقع‪� ،‬أما ال�صوت فلم ي�ستخدم يف هذه الفئة‬ ‫على الإطالق‪.‬‬ ‫و�إىل جانب الأرقام ال�سابقة فقد لوحظ‬ ‫�أن ال�سمة الغالبة على مواقع دور الن�رش‬ ‫العربية �أنها خارج �سياق اخلدمات التفاعلية‬ ‫التي تعترب حمور االرتكاز يف مواقع دور‬ ‫الن�رش احلديثة والقوية‪� ،‬إذ تخلو منها خدمات‬ ‫التوا�صل مع امل�ؤلفني والقراء‪ ،‬والتعامل مع كل‬ ‫كتاب ككيان م�ستقل ي�ستحق �صفحة م�ستقلة‪.‬‬

‫توا�ضع التجارة الإلكرتونية‬

‫ال توجد توجهات جدية لدى مواقع دور‬ ‫الن�رش العربية ال�ستخدام �إمكانات التجارة‬ ‫الإلكرتونية يف الت�سويق والرتويج للكتب‪،‬‬ ‫كذلك ال تهتم هذه الدور با�ستغالل مواقعها‬ ‫ك�أدوات للت�شجيع على القراءة والرتويج للكتب‬ ‫وامل�ؤلفني ولبيع و�رشاء الكتب‪.‬‬ ‫وظهر العديد من مواقع املعار�ض كرابط‬ ‫متفرع من املوقع الر�سمي لوزارة الثقافة‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫املكتبات الرقمية‬

‫يق�صد باملكتبات الرقمية مواقع الإنرتنت‬ ‫التي ميكن �رشاء �أو تنزيل الكتب منها �أو‬ ‫البحث عن الكتب من خاللها‪� ،‬سواء كانت هذه‬ ‫املكتبات «واجهات رقمية» ملكتبات قائمة‬ ‫بالفعل يف الواقع �أم مكتبات رقمية موجودة‬ ‫على الإنرتنت فقط‪ ،‬ومن املالمح البارزة‬ ‫للمكتبات الرقمية ما يلي‪:‬‬

‫املعلوماتية‬

‫وال يحتوي على �شيء �سوى جدول فعاليات‬ ‫املعر�ض ال�سابق وجدول بامل�شاركني وال‬ ‫يحتوي على �صور للمعار�ض ال�سابقة كما مل‬ ‫يهتم معظمها ب�أخبار املعار�ض ال�سابقة‪.‬‬ ‫كانت معظم مواقع املعار�ض تقليدية وال‬ ‫تت�ض ّمن حمرك بحث �أو قاعدة بيانات با�سماء‬ ‫الكتب املعرو�ضة‪ ،‬وظهر بع�ض املواقع القليلة‬ ‫بت�صميم جيد واحتوت هذه املواقع على الكثري‬ ‫من الأدوات التي قد تفيد من يبحثون عن الكتب‬ ‫�أو امل�ؤلفني الذين ي�شاركون يف املعار�ض‪،‬‬ ‫ومنها �أدوات البحث املز ّودة بالعديد من‬ ‫االختيارات التي تفيد زائر املوقع‪ ،‬و�إن كانت‬ ‫جميع املواقع خ�ص�صت نف�سها لفرتة انعقاد‬ ‫املعر�ض فقط من دون �أن تربط البيانات‬ ‫واملعلومات اخلا�صة باملعار�ض ال�سابقة مع‬ ‫املعر�ض احلايل‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من �أن العديد من مواقع‬ ‫دور الن�رش بدا جيد الت�صميم‪ ،‬ف�إن الكثري من‬ ‫اخلدمات التي احتواها هذا الت�صميم كانت ال‬ ‫تعمل‪ ،‬ومنها مث ًال خدمة «طلب �رشاء»‪ .‬كما‬ ‫�أن بع�ض املواقع كان �أ�شبه مبدونة حيث ال‬ ‫توجد �أيقونة واحدة فعالة على �صفحته الأوىل‪،‬‬ ‫وهو عبارة عن �صفحات عر�ض لبع�ض الكتب‬ ‫متتالية ال�صفحة الأوىل ثم الثانية وهكذا‪،‬‬ ‫وكانت معظم ال�صفحات الداخلية فارغة بل �إن‬ ‫بع�ض الأيقونات التي تت�ص ّدر ال�صفحة الأوىل‬ ‫عندما تظهر حمتوياتها تكون �أ�سفل ال�صفحة‬ ‫ولي�ست �أمام امل�ستخدم على الرغم من ترك‬ ‫امل�ساحة العلوية التي تظهر على �سطح املكتب‬ ‫فارغة‪.‬‬

‫• عر�ض �أغلفة الكتب واملجالت وال�صحف‬ ‫الإلكرتونية‪ ،‬وتخ�صي�ص �صفحة منف�صلة لكل‬ ‫كتاب‪ ،‬حتتوي على ا�سم الكتاب وامل�ؤلف و�سعر‬ ‫الن�سخة الورقية و�سعر الن�سخة الإلكرتونية‬ ‫ومقدار التوفري‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل نبذة عن الكتاب‬ ‫وحجمه وعدد ال�صفحات والنا�رش واللغة والرقم‬ ‫الدويل و�آراء العمالء الآخرين‪ ،‬وتوفري خدمة‬ ‫البيع وال�رشاء �إلكرتونيا مع اجلماهري‪� ،‬سواء‬ ‫بو�سائل دفع �إلكرتونية عرب املوقع �أم بالدفع‬ ‫عند اال�ستالم‪.‬‬ ‫• عر�ض �أ�سماء الكتب التي ا�شرتاها زوار‬ ‫�سابقون للموقع لي�شرتيها الزائر �إذا وجدها‬ ‫تنا�سبه‪ ،‬ومتكينه من مطالعة جدول املحتويات‬ ‫والغالف الأمامي وال�صفحات الأوىل والغالف‬ ‫اخللفي مع �إمكانية البحث داخل الكتاب‪،‬‬ ‫وعر�ض الدرجة التي ح�صل عليها الكتاب من‬ ‫تقييم القراء والزوار الآخرين وتقا�س بخم�س‬ ‫جنوم‪ ،‬مع عر�ض قائمة ب�أف�ضل الكتب مبيع ًا‬ ‫مع �إمكانية ت�صفح املو�ضوعات والبحث يف‬ ‫الكتب والبحث املتقدم‪.‬‬ ‫• يف مواقع املكتبات القومية واملكتبات‬ ‫العامة والكربى تت ّم �إتاحة البحث يف‬ ‫الكتالوجات واملجموعات الرقمية وامللفات‬ ‫ال�صوتية واملو�سيقى املطبوعة وال�صور‬ ‫واملخطوطات واخلرائط والدوريات و�أدب‬ ‫الأطفال والأبحاث والر�سائل العلمية مع‬ ‫�إمكانية حتديد الدولة الأوربية‪ ،‬والعمل كذاكرة‬ ‫رقمية قومية �أو عامة تتيح الو�صول املجاين‬ ‫للخرائط التاريخية وال�صور والوثائق وامللفات‬ ‫ال�صوتية واملرئية‪.‬‬ ‫• توفري خدمات تفاعلية مع اجلمهور‬ ‫كالن�رشات االخبارية الدولية ومنتديات‬ ‫مناق�شة الكتب والإفادة املتبادلة عن البحث‬ ‫يف الكتب النادرة و�إبداء املالحظات حول‬ ‫الكتب ذات العالقة بالق�ضايا اجلارية‪.‬‬ ‫• عر�ض املقتنيات النادرة و�صور املخطوطات‬ ‫القدمية يف حالتها الأ�صلية‪ ،‬وتقدمي ملفات‬ ‫من خمتلف الو�سائط‪ :‬برامج ون�صو�ص و�صور‬ ‫وملفات فيديو وملفات �صوتية‪.‬‬

‫‪75‬‬

‫معظم مواقع دور الن�رش واملعار�ض‬ ‫العربية على الإنرتنت ال ت�ستخدم‬ ‫�إمكانيات التجارة الإلكرتونية وال‬ ‫تت�ضمن حمرك بحث �أو قاعدة بيانات‬ ‫ب�أ�سماء الكتب املعرو�ضة‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 76‬للتنمية الثقافية‬

‫• عر�ض فهار�س و�أدلة �ضخمة بالكتب‬ ‫وتزويدها ب�أدوات متخ�ص�صة يف البحث‬ ‫عن الكتب با�سم امل�ؤلف �أو ا�سم الكتاب �أو‬ ‫املو�ضوع �أو البحث احلر بالكلمة وغريها من‬ ‫معايري البحث‪.‬‬

‫الو�ضع عربي ًا‬

‫�شملت الع ّينة التي ا�ستخدمت يف التحليل‬ ‫مت اختيارها على �أ�سا�س‬ ‫بهذه الفئة ‪ 30‬موقع ًا‪ّ ،‬‬ ‫مراعاة الت ّنوع يف املحتويات قدر الإمكان‪،‬‬ ‫وجرى ا�ستبعاد املواقع التي �أهمل حتديثها‬ ‫منذ فرتة كبرية �أو التي اكتفي امل�س�ؤولون عنها‬ ‫بعدم تنويع الأبواب بالقدر الذي ي�سمح ب�أن‬ ‫تدخل مراحل التقييم‪.‬‬

‫ن�صو�ص ثابتة وحمتوى مهمل‬

‫من حيث اجلهة القائمة على املواقع ف�إن‬ ‫‪ %50‬من املواقع م�س�ؤول عنها �أفراد‪،‬‬ ‫م�س�ؤول عنها م�ؤ�س�سات ر�سمية‪ ،‬و‪ %6.7‬م�س�ؤول‬ ‫عنها م�ؤ�س�سات مدنية و‪ %23.3‬م�س�ؤول عنها‬ ‫�رشكات خا�صة‪.‬‬ ‫ومن حيث منط املوقع كان ‪ %53.3‬من‬ ‫املواقع كال�سيكية تقليدية‪ ،‬و‪ %20‬منتديات‪،‬‬ ‫و‪ 26.7‬مدونات‪.‬‬ ‫�سجل املحتوى الن�صي الثابت غري املتجدد‬ ‫ّ‬ ‫‪ 30‬درجة من مائة درجة من حيث الثقل‬ ‫�سجل املحتوى‬ ‫واالنت�شار بهذه املواقع‪ ،‬بينما ّ‬ ‫املتج ّدد ‪ 14.2‬درجة واملحتوى التفاعلي ‪0.8‬‬ ‫درجة واملحتوى املت ّنوع ‪ 4.2‬درجة‪.‬‬ ‫بدا ثلثا هذه املواقع تقريبا �إما �ضئيل‬ ‫الأهمية �أو متو�سط الأهمية بالن�سبة للتنمية‬ ‫الثقافية‪ ،‬فبلغت ن�سبة املواقع �ضئيلة الأهمية‬ ‫للتنمية الثقافية ‪ ،%23.3‬ومتو�سطة الأهمية‬ ‫‪� ،%43.3‬أما املواقع املهمة فكانت ن�سبتها‬ ‫‪ ،%13.3‬واملواقع املهمة ‪ %20‬فقط‪.‬‬ ‫وبالنظر �إىل اجلمهور الذي ت�ستهدفه هذه‬ ‫املواقع‪ ،‬وجد �أنها من حيث معيار ال�سن تركز‬ ‫خطابها على البالغني‪ ،‬فبلغت ن�سبة املحتوى‬ ‫و‪%20‬‬

‫املخ�ص�ص جلمهورها من البالغني ‪،%90‬‬ ‫واملخ�ص�ص لل�شباب ‪ %13.3‬وللأطفال ‪� ،3.3‬أما‬ ‫امل�س ّنون فال تخاطبهم كلية‪ ،‬ومن حيث معيار‬ ‫التعليم تتجاهل ذوي التعليم حتت املتو�سط‪،‬‬ ‫وتركز على ذوي التعليم املتو�سط بن�سبة ‪،%40‬‬ ‫والتعليم العايل واملثقفني بن�سبة ‪.%60‬‬ ‫وتت�أرجح جماهريية هذه املواقع بني‬ ‫مرتبة متو�سط و�ضعيف للغاية‪ ،‬وقد �أظهر‬ ‫التحليل �أن معدل الزيارات لـ ‪ %13.3‬منها‬ ‫متو�سط‪ ،‬و‪� 56.7‬ضعيف للغاية‪� ،‬أما املواقع‬ ‫ذات الزيارة املرتفعة فن�سبتها ‪ ،%6.7‬يف ما‬ ‫كان هناك ‪ %20‬من املواقع مهملة وخارج‬ ‫ت�صنيف الزيارات‪.‬‬ ‫و�أظهرت هذه املواقع �أدا ًء خمتلف ًا يف ما‬ ‫يتعلق بجودة املحتوى‪ ،‬بحيث حقق املحتوى‬ ‫ممتاز اجلودة ‪ 10.8‬نقطة‪ ،‬واملحتوى اجلديد‬ ‫‪ 23.3‬نقطة‪ ،‬واملتو�سط ‪ 52.5‬نقطة‪ ،‬واملنخف�ض‬ ‫اجلودة ‪ 26.7‬نقطة‪ .‬وقد مالت هذه الفئة من‬ ‫املواقع للرتكيز على الن�صو�ص وال�صور يف ما‬ ‫يتعلق بتوظيفها خلا�صية تع ّدد الو�سائط يف‬ ‫الن�صي‬ ‫عر�ض املحتوى‪ ،‬بحيث انت�رش املحتوى ّ‬ ‫يف ‪ %100‬من املواقع‪ ،‬وال�صور يف ‪%83.3‬‬ ‫من املواقع‪ ،‬بينما مل يظهر حمتوى ال�صوت‬ ‫وحمتوى الفيديو �إال يف ‪ %6.7‬فقط من املواقع‪.‬‬ ‫(جدول رقم ‪) 20‬‬

‫غمو�ض امل�ؤ�س�سني‬

‫كانت املواقع التي ال تعلن �رصاحة‬ ‫وبو�ضوح عن جهة ت�أ�سي�سها و�إدارتها �أكرث مت ّيزاً‬ ‫باملقارنة مبواقع املكتبات الر�سمية التي خلت‬ ‫جميعها تقريب ًا من وجود الكتب التي ميكن �أن‬ ‫ي�ستفيد منها الزائرون واكتفت معظمها بخدمة‬ ‫البحث يف قاعدة بيانات عن �أ�سماء الكتب التي‬ ‫ميكن �أن ي�ستعريها طالب الكتب ولكن بالطرق‬ ‫مقر املكتبة ولي�س فيها‬ ‫التقليدية والذهاب �إىل ّ‬ ‫خدمات تذكر يف ما يتعلّق بعمليات اال�ستعارة‬ ‫من خالل املواقع‪.‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫‪ ..‬وغمو�ض قانوين‬

‫�أمثلة نادرة‬

‫برزت جمموعة مواقع متم ّيزة يف هذه‬ ‫الفئة تناف�س الكثري من املواقع العاملية من‬ ‫حيث الت�صميم واملحتوى واخلدمات التفاعلية‬ ‫الوراق منوذج ًا جيداً‬ ‫مع اجلمهور‪ ،‬و ُيع ّد موقع ّ‬ ‫يف هذا ال�صدد‪ ،‬فهو يوفّر عدداً �ضخم ًا من‬ ‫الكتب النادرة وقد ُيع ّد منوذج ًا ملا يجب �أن‬ ‫يكون عليه موقع متخ�ص�ص يف عامل الكتب‪� ،‬إذ‬ ‫ت�ضمن الكثري من اخلدمات التي قد يحتاج �إليها‬ ‫حمركات البحث‬ ‫الباحثون عن الكتب من حيث ّ‬ ‫وكمية الكتب املتوافرة جمان ًا‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل‬ ‫توثيق الكتب من الناحية القانونية‪.‬‬

‫املد ّونات يف ت�صاعد‬

‫على الرغم من حداثة املد ّونات يف‬ ‫العامل العربي ف�إنها �شهدت انت�شاراً �رسيع ًا يف‬ ‫جماالت ع ّدة‪ ،‬من بينها مدونات الأ�شخا�ص‬ ‫الذين يكتبون معلومات عن �أنف�سهم �أو‬ ‫ي�ضيفون مو�ضوعات عامة �أو يعر�ضون كتب ًا‪،‬‬ ‫و ُتعترب مدونة «كتب» منوذج ًا جيداً على ذلك‪.‬‬ ‫كما �أن الكثري من املكتبات الرقمية يت�ض ّمن‬ ‫ت�صنيفات قليلة مقارنة بالكثري من املجاالت‬ ‫الأخرى العامة‪ ،‬بع�ضها يف حاجة �إىل ت�سويق‬ ‫عرب �شبكة الإنرتنت نظراً ملا يحمله من قيمة‬

‫جدول رقم ‪ 20‬نتائج حتليل عينة مواقع املكتبات الرقمية‬ ‫معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع»‬ ‫�أفراد‬ ‫اجلهة القائمة على م�ؤ�س�سة ر�سمية‬ ‫املوقع‬ ‫م�ؤ�س�سة مدنية‬ ‫�رشكات خا�صة‬ ‫موقع كال�سيكي‬ ‫منتدى‬ ‫منط املوقع‬ ‫مدونة‬ ‫ثابت‬ ‫متجدد‬ ‫نوعيات املحتوى‬ ‫تفاعلي‬ ‫متنوع‬ ‫مهم جدا‬ ‫مهم‬ ‫�أهمية املحتوى‬ ‫للتنمية الثقافية‬ ‫متو�سط الأهمية‬ ‫�ضئيل الأهمية‬ ‫�أطفال‬ ‫�شباب‬ ‫بالغون‬ ‫فئات اجلمهور‬ ‫م�س ّنون‬ ‫التي يخاطبها‬ ‫املوقع‬ ‫تعليم حتت املتو�سط‬ ‫تعليم متو�سط‬ ‫تعليم عال ومثقفون‬ ‫مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول»‬ ‫مرتفع جدا من �ألف �إىل‪� 10‬آالف موقع‬ ‫مرتفع من ‪� 10‬إىل ‪� 30‬ألف‬ ‫حجم الزوار‬ ‫متو�سط من ‪� 30‬إىل ‪� 50‬ألف‬ ‫«بح�سب متو�سط‬ ‫الرتتيب يف مقيا�س منخف�ض من ‪� 50‬إىل ‪� 70‬ألف‬ ‫�أليك�سا»‬ ‫�ضعيف من ‪� 70‬إىل ‪� 100‬ألف‬ ‫�ضعيف للغاية من ‪�100‬ألف وما بعدها‬ ‫مهمل وخارج الت�صنيف‬ ‫ممتاز‬ ‫جيد‬ ‫جودة حمتوى‬ ‫املوقع‬ ‫متو�سط‬ ‫منخف�ض‬ ‫ن�صو�ص‬ ‫�صوت‬ ‫الو�سائط املتعددة‬ ‫فيديو‬ ‫�صور‬

‫املكتبات الرقمية‬ ‫‪50.0‬‬ ‫‪20.0‬‬ ‫‪6.7‬‬ ‫‪23.3‬‬ ‫‪53.3‬‬ ‫‪20.0‬‬ ‫‪26.7‬‬ ‫‪30.0‬‬ ‫‪14.2‬‬ ‫‪0.8‬‬ ‫‪4.2‬‬ ‫‪20.0‬‬ ‫‪13.3‬‬ ‫‪43.3‬‬ ‫‪23.3‬‬ ‫‪3.3‬‬ ‫‪13.3‬‬ ‫‪90.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪40.0‬‬ ‫‪60.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪6.7‬‬ ‫‪13.3‬‬ ‫‪3.3‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪56.7‬‬ ‫‪20.0‬‬ ‫‪10.8‬‬ ‫‪23.3‬‬ ‫‪52.5‬‬ ‫‪26.7‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪6.7‬‬ ‫‪6.7‬‬ ‫‪83.3‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫املعلوماتية‬

‫بع�ض املواقع التي بها خدمة حتميل‬ ‫الكتب مل تهتم ب�إي�ضاح قانونية احل�صول على‬ ‫هذه الكتب‪ ،‬بل �إن معظمها مل يذكر �شيئ ًا عن‬ ‫امل�س�ؤول عن هذا املوقع واكتفي بوجود �أيقونة‬ ‫ملرا�سلة امل�س�ؤول عرب الربيد الإلكرتوين‪.‬‬ ‫وتعاين مواقع العديد من املكتبات الوطنية‬ ‫العربية ـ حتى التي حتمل �أ�سماء الر�ؤ�ساء‬ ‫وامللوك ـ من م�شكالت يف مدى �سالمة الروابط‬ ‫الن�شطة املوجودة بال�صفحة الرئي�سية‪ ،‬فبع�ض‬ ‫روابط املكتبات ال تعمل �أو تقود الزائر �إىل‬ ‫�صفحات فارغة �أو �إىل �صفحات يذكر املوقع‬ ‫�أنها قيد التطوير وما �شابه ذلك‪.‬‬

‫‪77‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 78‬للتنمية الثقافية‬

‫قد يكون الكثري من املهتمني بعامل الثقافة‬ ‫والكتب ال يعلمون عنها �شيئ ًا‪.‬‬ ‫ال تخلو املكتبات الرقمية العربية‬ ‫على الإنرتنت من غمو�ض قانوين من‬ ‫حيث �إي�ضاح قانون ّية احل�صول على‬ ‫الكتب‪.‬‬

‫هناك مكتبات رقم ّية عربية‬ ‫تتاف�س الكثري من املواقع العاملية‬ ‫من حيث الت�صميم واملحتوى‬ ‫واخلدمات التفاعل ّية مع اجلمهور‬ ‫الوراق‪.‬‬ ‫مثل موقع ّ‬

‫يبدو موقع مكتبة الإ�سكندر ّية من‬ ‫املواقع املميزة عربي ًا وعاملي ًا يف‬ ‫جمال املكتبات ومع ذلك فم�ستوى‬ ‫زواره ال يعك�س �أهم ّية ما يقدمه من‬ ‫حمتوى‪� ،‬إذ كان ت�صنيفه بني املواقع‬ ‫يوم ال�سبت ‪� 31‬أكتوبر ‪ 2009‬هو ‪54‬‬ ‫الف و‪ 592‬زائراً فقط‪.‬‬

‫حمتوى ثري و�إقبال �ضعيف‬

‫على الرغم من مت ّيز العديد من مواقع‬ ‫املكتبات الرقمية العربية‪ ،‬ف�إن الإقبال‬ ‫اجلماهريي عليها ال يتنا�سب وما تقدمه‬ ‫من خدمات وحمتوى‪ ،‬ويربز موقع مكتبة‬ ‫الإ�سكندرية كمثال مهم يف هذا ال�صدد‪،‬‬ ‫فهو يعد من املواقع املهمة واملميزة عربي ًا‬ ‫وعاملي ًا يف جمال املكتبات‪ ،‬لكن م�ستوى‬ ‫زواره وجماهريه ال يتنا�سب مع ما يقدمه‬ ‫من حمتوى‪ ،‬ويكفي �أن نعلم مثال �أنه يف يوم‬ ‫ال�سبت ‪� 31‬أكتوبر ‪ 2009‬كان ت�صنيفه بني‬ ‫املواقع هو ‪54‬الف و ‪ 592‬زائر وهي مرتبة‬ ‫متدنية بالن�سبة ملكتبة الإ�سكندرية‪.‬‬

‫الأدب‬

‫ينفرد الوجه الرقمي حلركة الأدب على‬ ‫متكررة‬ ‫الإنرتنت عاملي ًا ب�سمة تكاد تكون غري ّ‬ ‫يف غريه من �صنوف الثقافة الأخرى‪ ،‬وهي‬ ‫ا�ستخدامه للإنرتنت يف بناء جمتمعات �أدبية‬ ‫«تخيلية» �أو افرتا�ضية مكتملة العنا�رص‪،‬‬ ‫فعلى م�ستوى التخ�ص�ص الأدبي هناك‬ ‫جمتمعات وجتمعات افرتا�ضية خم�ص�صة‬ ‫لك ّتاب الق�صة و�أخرى لك ّتاب الرواية‬ ‫وثالثة لل�شعراء ورابعة للنقاد والأكادمييني‬ ‫واملتابعني من اجلمهور العام‪ ،‬وعلى م�ستوى‬ ‫الأدوات التقنية ت�شكّل املنتديات واملدونات‬ ‫واملواقع املعتمدة على �أدوات اجليل الثاين‬ ‫للويب العمود الفقري حلركة الأدب الرقمي‬ ‫عاملي ًا‪ ،‬وعلى م�ستوى الوظيفة تق ّدم هذه‬ ‫املجتمعات التخيلية ك ّل ما ميكن �أن يحتاجه‬ ‫الأديب من م�صادر معلومات وتوا�صل حلظي‬ ‫مع نظرائه وفر�ص لن�رش �إبداعه وقنوات‬ ‫لتلقي ردود الفعل عليها‪ ،‬و�أدوات ملتابعة ما‬ ‫يجري على ال�ساحة الأدبية بطريقة تفاعلية‬ ‫مع الأخرين‪.‬‬ ‫و ُتع ّد �شبكة الأدب ‪http://www.onl‬‬

‫‪ /line-literature.com‬واحدة من النماذج‬ ‫احلية للمجتمعات االفرتا�ضية الأدبية التي‬ ‫جت�سد حركة الأدب الرقمي على ال�شبكة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فاملن�شور عليها ي�صل �إىل ‪ 260‬م�ؤلفا �أدبي ًا‬ ‫و‪ 2874‬كتاب ًا و‪ 3828‬ق�صيدة وق�صة ق�صرية‪.‬‬ ‫كما يعمل يف الوقت نف�سه كمنتدى وجمتمع‬ ‫�أدبي تخيلي ي�صل عدد �أع�ضائه �إىل ‪52,569‬‬ ‫�أديب ًا وقا�ص ًا و�شاعراً من خمتلف �أنحاء‬ ‫العامل‪ ،‬وو�صل عدد الر�سائل احلية املتبادلة‬ ‫عليه ويدور حولها نقا�ش بني االع�ضاء وقت‬ ‫زيارة املوقع وحتليله �إىل ‪ .606,270‬وت�ضم‬ ‫ال�صفحة الرئي�سية قائمة جلميع امل�ؤلفني‪،‬‬ ‫وعند النقر على امل�ؤلف تظهر �صفحة حتتوي‬ ‫على نبذة عن امل�ؤلف و�سريته الذاتية وقائمة‬ ‫بجميع �أعماله من ق�ص�ص وروايات و�شعر‪،‬‬ ‫وبالنقر على ا�سم العمل الأدبي تظهر �صفحة‬ ‫�أخرى حتتوي على ف�صول �أو ن�ص هذا العمل‬ ‫مع روابط �أخرى مللخ�صات الف�صول ور�سائل‬ ‫املنتدى حول هذا العمل الأدبي‪ .‬ويق ّدم املوقع‬ ‫خدمة اال�شرتاك املجاين‪ ،‬كما يق ّدم خدمة‬ ‫للمعلمني مع �إمكانية �إدارة الطالب وغري ذلك‪،‬‬ ‫ومن املمكن م�شاركة �أي �صفحة يف هذا املوقع‬ ‫من خالل مواقع التوا�صل االجتماعي �أو مواقع‬ ‫الروابط االجتماعية‪ .‬ويحتوي املوقع على‬ ‫�إعالنات ولكنها متناغمة مع ت�صميم املوقع‪،‬‬ ‫وال ميكن تنزيل العمل الأدبي و�إمنا قراءته من‬ ‫الإنرتنت فقط‪.‬‬

‫الو�ضع عربي ًا‬

‫مت اختيار ‪ 26‬موقع ًا كع ّينة حتليل للمواقع‬ ‫ّ‬ ‫واملجتمعات الأدبية العربية الرقمية على‬ ‫الإنرتنت‪.‬‬

‫وجود ن�شط وقطاع خا�ص‬

‫ي�ضطلع املجتمع املدين والأفراد بالعبء‬ ‫الأكرب يف �إن�شاء و�إدارة هذه النوعية من‬ ‫املواقع‪ ،‬بحيث بلغت ن�سبة املواقع الأدبية التي‬ ‫ميلكها ويديرها �أفراد ‪ ،%57.7‬واملواقع التابعة‬ ‫مل�ؤ�س�سات مدنية و�أهلية ‪ ،%23.1‬والتابعة‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫جمود املحتوى‬

‫�سجل املحتوى‬ ‫من حيث تن ّوع املحتوى ّ‬ ‫الثابت اجلامد ‪ 43.3‬نقطة من حيث االنت�شار‬ ‫و�سجل املحتوى املتجدد‬ ‫يف مواقع هذه الفئة‪ّ ،‬‬ ‫‪ 8.7‬نقطة‪ ،‬واملتنوع ‪ 6.7‬نقطة‪� ،‬أما املحتوى‬ ‫التفاعلي فلم يظهر كلية‪.‬‬ ‫كان ‪ %11.5‬من املحتوى الذي قدمته هذه‬ ‫املواقع مهم ًا جداً بالن�سبة للتنمية الثقافية‪،‬‬ ‫بينما كان ‪ %34.6‬من املحتوى مهم ًا‪ ،‬و‪%34.6‬‬ ‫متو�سط الأهمية‪ ،‬و‪� %19.2‬ضئيل الأهمية‪.‬‬ ‫وتخاطب هذه املواقع ال�شباب والبالغني‬ ‫بالدرجة الأوىل‪ ،‬بحيث ق ّدمت ‪ 46.2‬منها‬ ‫حمتوى يخاطب ال�شباب‪ ،‬و ‪ %53.8‬منها‬ ‫ق ّدم حمتوى يخاطب البالغني‪ ،‬ومل يقم‬ ‫�أي منها بتقدمي حمتوى يخاطب الأطفال‪.‬‬ ‫وعلى امل�ستوى التعليمي‪ ،‬ق ّدمت ‪ %65.4‬من‬ ‫املواقع للتعليم املتو�سط‪ ،‬وق ّدمت ‪%34.6‬‬ ‫من املواقع حمتوى لذوي التعليم العايل‬ ‫واملثقفني‪� ،‬أما فئة التعليم حتت املتو�سط فلم‬ ‫تخاطبها �أي من املواقع التي ت�ضمنتها العينة‪.‬‬ ‫(جدول رقم ‪)21‬‬

‫مرة �أخرى ‪ ..‬جماهري غائبة‬

‫كما هو معتاد يف معظم الفئات ال�سابقة‬ ‫�سجلت مواقع الأدب جماهريية �ضئيلة جداً‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بحيث ا ّت�ضح �أن ‪ %3.3‬من املواقع حتظى‬ ‫مبعدل زيارات مرتفع‪ ،‬و‪ %3.3‬حتظى مبعدل‬ ‫زيارات متو�سط‪ ،‬و‪ %3.3‬حتظى مبعدل زيارات‬ ‫�سجلت معدل‬ ‫منخف�ض‪ ،‬و‪ %40‬من املواقع ّ‬ ‫زيارات منخف�ض ًا للغاية‪ ،‬و‪ %36.7‬من املواقع‬ ‫كانت مهملة وخارج الت�صنيف‪.‬‬

‫جدول رقم ‪ 21‬نتائج حتليل عينة مواقع الأدب‬ ‫معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع»‬ ‫�أفراد‬ ‫اجلهة القائمة على م�ؤ�س�سة ر�سمية‬ ‫املوقع‬ ‫م�ؤ�س�سة مدنية‬ ‫�رشكات خا�صة‬ ‫موقع كال�سيكي‬ ‫منتدى‬ ‫منط املوقع‬ ‫مدونة‬ ‫ثابت‬ ‫متجدد‬ ‫نوعيات املحتوى‬ ‫تفاعلي‬ ‫متنوع‬ ‫مهم جدا‬ ‫مهم‬ ‫�أهمية املحتوى‬ ‫للتنمية الثقافية‬ ‫متو�سط الأهمية‬ ‫�ضئيل الأهمية‬ ‫�أطفال‬ ‫�شباب‬ ‫بالغون‬ ‫فئات اجلمهور‬ ‫م�س ّنون‬ ‫التي يخاطبها‬ ‫املوقع‬ ‫تعليم حتت املتو�سط‬ ‫تعليم متو�سط‬ ‫تعليم عال ومثقفون‬ ‫مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول»‬ ‫مرتفع جدا من �ألف �إىل‪� 10‬آالف موقع‬ ‫مرتفع من ‪� 10‬إىل ‪30‬الف‬ ‫حجم الزوار‬ ‫متو�سط من ‪� 30‬إىل ‪ 50‬الف‬ ‫«بح�سب متو�سط‬ ‫الرتتيب يف مقيا�س منخف�ض من ‪� 50‬إىل ‪ 70‬الف‬ ‫�أليك�سا»‬ ‫�ضعيف من ‪� 70‬إىل ‪ 100‬الف‬ ‫�ضعيف للغاية من ‪�100‬ألف وما بعدها‬ ‫مهمل وخارج الت�صنيف‬ ‫ممتاز‬ ‫جيد‬ ‫جودة حمتوى‬ ‫املوقع‬ ‫متو�سط‬ ‫منخف�ض‬ ‫ن�صو�ص‬ ‫�صوت‬ ‫الو�سائط املتعددة‬ ‫فيديو‬ ‫�صور‬

‫الأدب‬ ‫‪57.7‬‬ ‫‪3.8‬‬ ‫‪23.1‬‬ ‫‪15.4‬‬ ‫‪50.0‬‬ ‫‪30.8‬‬ ‫‪19.2‬‬ ‫‪43.3‬‬ ‫‪8.7‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪6.7‬‬ ‫‪11.5‬‬ ‫‪34.6‬‬ ‫‪34.6‬‬ ‫‪19.2‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪46.2‬‬ ‫‪53.8‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪65.4‬‬ ‫‪34.6‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪3.3‬‬ ‫‪3.3‬‬ ‫‪3.3‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪40.0‬‬ ‫‪36.7‬‬ ‫‪13.5‬‬ ‫‪31.7‬‬ ‫‪26.0‬‬ ‫‪28.8‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪30.8‬‬ ‫‪30.8‬‬ ‫‪88.5‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫املعلوماتية‬

‫ل�رشكات خا�صة ‪� ،%15.4‬أما املواقع الر�سمية‬ ‫فكانت ن�سبتها ‪.%3.8‬‬ ‫كما كان متوقع ًا ازدادت ن�سبة املدونات‬ ‫واملنتديات يف هذه الفئة عن غريها من الفئات‬ ‫الأخرى‪ ،‬بحيث �شكلت املنتديات ‪ %30.8‬من‬ ‫املواقع الأدب ية واملدونات ‪ ،%19.2‬واملواقع‬ ‫الكال�سيكية ‪.%50‬‬

‫‪79‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 80‬للتنمية الثقافية‬

‫ت�سجل مواقع الأدب العربية على‬ ‫الإنرتنت ح�ضوراً �ضئي ًال للغاية فال‬ ‫يحظى مبعدل زيادات مرتفع �سوى‬ ‫‪ %3.3‬من هذه املواقع‪.‬‬

‫�سجل املحتوى‬ ‫بالن�سبة جلودة املحتوى ّ‬ ‫املمتاز ‪ 13.5‬نقطة من حيث االنت�شار يف‬ ‫و�سجل املحتوى اجليد ‪31.7‬‬ ‫مواقع الأدب‪ّ ،‬‬ ‫نقطة‪ ،‬واملحتوى املتو�سط ‪ 26‬نقطة‪ ،‬واملحتوى‬ ‫املنخف�ض ‪ 28.8‬نقطة‪.‬‬ ‫وكما هو معتاد �أي�ض ًا يف معظم الفئات‬ ‫ال�سابقة مالت �أو�ضاع تعددية الو�سائط‬ ‫امل�ستخدمة يف املواقع ب�ش ّدة �إىل الن�صو�ص‬ ‫ف�سجل‬ ‫وال�صور على ح�ساب ال�صوت و الفيديو‪ّ ،‬‬ ‫املحتوى الن�صي ح�ضوراً يف ‪ %100‬من املواقع‬ ‫الأدبية‪ ،‬وحمتوى ال�صور ‪ ،%88.5‬وال�صوت و‬ ‫الفيديو ‪ %30.8‬لكل منهما‪.‬‬ ‫ولوحظ �أن هناك ندرة وا�ضحة يف ما‬ ‫يتعلق باملدونات العربية يف هذا املجال‪ ،‬لكن‬ ‫هذا مل مينع من وجود بع�ض املدونات واملواقع‬ ‫املتميزة التي تت�ضمن العديد من الت�صنيفات‬ ‫املتخ�ص�صة‪.‬‬ ‫يف املقابل كانت هناك العديد من املواقع‬ ‫التي ال تت�ضمن �سوى حمتوى �ضئيل وت�صنيفات‬ ‫قليلة‪ ،‬حتى �أن هناك موقع ًا مل يت�ضمن �إال ثالثة‬ ‫ت�صنيفات مثل �أجمل �أبيات الف�صحى والعامية‬ ‫والأبيات الطريفه‪ ،‬وركز على الإ�ضافات‬ ‫اخلارجية وم�شاركات الزائرين‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫مل يحت ِو �إال على عدد قليل من �أبيات ال�شعر‪.‬‬ ‫وهناك مواقع جمعت ما بني الن�صو�ص و‬ ‫الفيديو وال�صوت لل�شعراء‪� ،‬إال �أنه ي�ؤخذ عليها‬ ‫ا�ستخدام الكثري من الألوان والفال�ش الذي‬ ‫ي�ش ّتت عيون الزائرين‪ ،‬حتى �أن ال�صفحة الأوىل‬ ‫يف �أحد املواقع احتوت على نحو ‪� 130‬أيقونة‬ ‫ميكن ال�ضغط عليها للدخول �إىل ال�صفحات‪،‬‬ ‫وهو ما يعني ح�رش الكثري من املو�ضوعات‬ ‫على ال�صفحة الأوىل‪ ،‬والغريب وجود �أيقونة‬ ‫للألعاب ُح�رشت و�سط هذا الكم املتم ّيز من‬ ‫املحتويات اخلا�صة بال�شعر‪.‬‬ ‫وحاول بع�ض املواقع العمل كقنوات‬ ‫لن�رش �إبداعات و�إ�سهامات ال�شعراء والأدباء‬

‫الأقل �شهرة واهتمت بهم بدرجة وا�ضحة‬ ‫مقارن ًة بال�شعراء والأدباء �أ�صحاب الأ�سماء‬ ‫الكربى وامل�شاهري‪ .‬وا ّت�سم حمتوى املد ّونات‬ ‫الأدبية ب�أنه الأ�ضعف والأكرث توا�ضع ًا مقارنة‬ ‫باملحتوى املق ّدم عرب املنتديات واملواقع‬ ‫الكال�سيكية‪.‬‬

‫الثقافة والإعالم الإلكرتوين العربي‬

‫‪1‬‬

‫يف درا�سة �أجريت على الو�ضع الراهن ملحتوى‬ ‫قطاع الإعالم الإلكرتوين العربي ُوجد �أن‬ ‫الإعالم العربي ـ كقناة ناقلة للثقافة ـ مل ي�ستع ّد‬ ‫بالقدر الكايف للنقالت املتوالية التي حتدثها‬ ‫تقنية االت�صاالت وتكنولوجيا املعلومات يف‬ ‫عامل الإعالم‪ ،‬وهناك العديد من ال�شواهد على‬ ‫للتوجه املتنامي‬ ‫ذلك‪ ،‬منها عدم اال�ستعداد‬ ‫ّ‬ ‫للفيديو بح�سب الطلب والذي بد�أ يحيل م�ؤ�س�سات‬ ‫الإعالم �إىل م�ستودعات برامج‪ ،‬وهو ما ي�ؤ ّدي‬ ‫�إىل تزايد الطلب ب�صورة كبرية على املحتوى‬ ‫الإعالمي وتن ّوعه وت�صنيفه و�إثرائه بالقيمة‬ ‫امل�ضافة‪.‬‬ ‫وثاين امل� رّؤ�شات الدالة على ذلك هو �شيوع‬ ‫ظاهرة �إهدار الأر�شيف الإعالمي العربي‪ ،‬مبا‬ ‫يحمله ذلك من ت�أثري على الذاكرة الإعالمية‬ ‫العربية ومن ثم الت�أثري �سلبي ًا على الدور‬ ‫الثقايف للإعالم‪ ،‬ورمبا يرجع ال�سبب يف‬ ‫هذه الظاهرة �إىل �ضعف الطلب علي الأر�شيف‬ ‫الإعالمي نظراً لقلّة الدرا�سات والبحوث يف‬ ‫املجاالت التاريخية واالجتماعية وال�سيا�سية‬ ‫و�إىل �ضمور الإنتاج الوثائقي �إىل الآن‪ ،‬وقد‬ ‫�سعى بع�ض دور ال�صحف العربية‪ ،‬كالأهرام‬ ‫امل�رصية وجريدة احلياة اللندنية‪� ،‬إىل �إتاحة‬ ‫�أر�شيفاتها للجمهور‪.‬‬ ‫وثالث هذه امل� رّؤ�شات هو عدم الإعداد‬ ‫للنقلة النوعية التي بد�أت حتدث �إثر التالحم‬ ‫والتمازج بني الإنرتنت واملحمول والإعالم‬ ‫حتى يف �صورته التقليدية الورقية‪ ،‬وهو‬

‫‪ 1‬م�صدر املعلومات يف هذا اجلزء هو «م�سح املحتوى العربي الرقمي وبرجمياته وتطبيقاته وتقييم احتياجاته» الذي قام به الباحث‬ ‫باال�شرتاك مع الدكتور نبيل علي يف �إطار درا�سة ل�صالح منظمة الإ�سكوا �أعدتها املنظمة �ضمن م�رشوع تعزيز وتطوير �صناعة املحتوى‬ ‫العربي الرقمي يف حا�ضنات تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت‪.‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫جدول رقم ‪ 22‬توزيع �أعداد املواقع التي �شملتها‬ ‫الدرا�سة طبقا لفئات التحليل‬ ‫الفئة‬ ‫الوزارات‬ ‫املتاحف‬ ‫البحث العلمي‬ ‫التعليم الإلكرتوين‬ ‫املو�سيقى‬ ‫امل�رسح‬ ‫ال�سينما‬ ‫الفلكلور‬ ‫املنظمات غري احلكومية‬ ‫دور الن�رش‬ ‫املكتبات الرقمية‬ ‫الأدب‬ ‫�إجم�إيل‬

‫وال ميكن �إغفال �أي�ض ًا �أن هناك بدايات‬ ‫واعدة لل�صحافة الإلكرتونية العربية بعد �أن‬ ‫حقّقت العديد من املواقع الإلكرتونية جناح ًا‬ ‫ملحوظ ًا و�أخذت حتت ّل مواقع متقدمة يف قائمة‬ ‫املواقع الأكرث جذب ًا للزوار‪ ،‬وميكن القول �إن‬ ‫بع�ض ال�صحف الإلكرتونية العربية قد تف ّوقت‬ ‫على مواقع دور ال�صحف املطبوعة من حيث‬ ‫ثراء املحتوى وتفاعليته وجاذبية تقدميه‪.‬‬

‫املعلوماتية‬

‫ما �سيتطلب حمتوى خمتلف ًا ك ّم ًا وكيف ًا عن‬ ‫املحتوى الإعالمي التقليدي‪ ،‬ويفتح �آفاق ًا‬ ‫وا�سعة وغري م�سبوقة للت�أثري الثقايف للإعالم‬ ‫الذي تغيرّ بفعل ثورة االت�صاالت وتقنية‬ ‫املعلومات‪.‬‬ ‫ورابع هذه امل� رّؤ�شات هو �ضعف م�شاركة‬ ‫املتلقي ب�صورة عامة‪ ،‬ويظهر ذلك بو�ضوح يف‬ ‫امل�شاركات التي تت ّم عرب املواقع الإلكرتونية‬ ‫الإعالمية العربية �سواء يف امل�ستوى الأول‬ ‫املتعلق ب�إر�سال التعليقات من خالل الربيد‬ ‫الإلكرتوين �أم بالتعليقات املبا�رشة من خالل‬ ‫�صفحات املواقع‪.‬‬ ‫لكن على اجلانب الآخر كان هناك بع�ض‬ ‫امل� رّؤ�شات الإيجابية‪ ،‬فقد ظهرت مبادرات‬ ‫م�شجعة يف الإعالم الوثائقي الذي يعترب غذا ًء‬ ‫ثقافي ًا مهم ًا‪ ،‬خ�صو�ص ًا من قبل عدد قليل من‬ ‫الف�ضائيات العربية‪ .‬وعلى الرغم من كونه‬ ‫يعتمد �أ�سا�س ًا على ترجمة الربامج واملواد‬ ‫الأجنبية‪ ،‬ف�إن هناك مبادرات م�شجعة لإنتاج‬ ‫وثائقي عربي �أ�صيل‪ .‬ومن املعروف �أن �إنتاج‬ ‫املحتوى الوثائقي‪ ،‬وبخا�صة يف املجال‬ ‫العلمي يتطلّب كلفة عالية وخربة متقدمة‬ ‫يف ت�صميمه و�إخراجه‪ ،‬وهو ما يتطلّب ت�أهيل‬ ‫كوادر عربية ل�صناعة �إعالم وثائقي جيد والذي‬ ‫�سيتنامى الطلب عليه مع التو�سع يف ا�ستخدام‬ ‫تكنولوجيا الفيديو حتت الطلب‪ ،‬وكذلك ب�سبب‬ ‫تزايد االهتمام بالثقافة العلمية التكنولوجية‪.‬‬ ‫وتعترب املد ّونات من امل� رّؤ�شات الإيجابية‬ ‫يف ال�صورة الراهنة للمحتوى الإلكرتوين العربي‬ ‫كوعاء لنقل وتبادل و�إنتاج الزاد الثقايف ولي�س‬ ‫فقط املحتوى العام‪ ،‬حتى �أنها باتت متثّل نوع ًا‬ ‫من الإعالم البديل �أو ال�صحافة ال�شعبية كما‬ ‫ُيطلق �أحيان ًا وميكنه �أن يناف�س قنوات الإعالم‬ ‫الر�سمي الذي يبدي قلق ًا متزايداً �إزاء هذا‬ ‫املناف�س اجلديد ال�صاعد من القاعدة والأكرث‬ ‫قدرة على التفاعل املبا�رش مع جماهريه‪،‬‬ ‫وبالتايل بد�أ يطرح نف�سه كو�سيلة لن�رش خطاب‬ ‫�إعالمي ثقايف جديد خارج القوالب املعروفة‬ ‫للإعالم التقليدي‪.‬‬

‫‪81‬‬

‫العدد‬ ‫‪19‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪38‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪307‬‬

‫�إنتاج املحتوى الوثائقي‪،‬‬ ‫وبخا�صة يف املجال العلمي‬ ‫يتطلّب كلفة عالية وخربة متقدمة‬ ‫يف ت�صميمه و�إخراجه‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫يق�ضي بت�أهيل كوادر عربية ل�صناعة‬ ‫�إعالم وثائقي جيد‪� ،‬سوف يتنامى‬ ‫الطلب عليه مع التو�سع يف ا�ستخدام‬ ‫تكنولوجيا الفيديو حتت الطلب‪.‬‬

‫الوجة الرقمي للثقافة العربية‬ ‫«النتائج الإجمالية �أفقي ًا»‬ ‫(جداول رقم ‪ 22‬و‪) 23‬‬

‫مالمح الوجه الرقمي للثقافة العربية‬ ‫طبق ًا للجهات القائمة على املواقع‬ ‫ومنطها‬

‫يو�ضح اجلدول رقم «‪ »24‬مالمح الوجه‬ ‫الرقمي للجهات القائمة على املواقع ومنط‬ ‫هذه املواقع كالتايل»‪:‬‬ ‫الأفراد‪ :‬يربز ح�ضور الأفراد ب�شكل قوي‬ ‫و�ساحق يف جمال املو�سيقى‪ ،‬بحيث ات�ضح‬

‫حقّقت العديد من املواقع‬ ‫الإلكرتونية جناح ًا ملحوظ ًا و�أخذت‬ ‫حتت ّل مواقع متقدمة يف قائمة‬ ‫املواقع الأكرث جذب ًا للزوار‪ ،‬وميكن‬ ‫القول �إن بع�ض ال�صحف الإلكرتونية‬ ‫تفوقت على مواقع دور‬ ‫العربية قد ّ‬ ‫ال�صحف املطبوعة‪.‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 82‬للتنمية الثقافية‬ ‫جدول رقم ‪ 23‬نتائج حتليل العينة الإجمالية ككل «‪ »307‬موقع‬ ‫معيار التحليل «بالن�سبة املئوية لإجمايل املواقع»‬ ‫�أفراد‬ ‫اجلهة القائمة على م�ؤ�س�سة ر�سمية‬ ‫املوقع‬ ‫م�ؤ�س�سة مدنية‬ ‫�رشكات خا�صة‬ ‫موقع كال�سيكي‬ ‫منتدى‬ ‫منط املوقع‬ ‫مدونة‬ ‫املواقع املعطلة‬ ‫ثابت‬ ‫متجدد‬ ‫نوعيات املحتوى تفاعلي‬ ‫متنوع‬ ‫املواقع املعطلة‬ ‫مهم جدا‬ ‫مهم‬ ‫�أهمية املحتوى‬ ‫متو�سط الأهمية‬ ‫للتنمية الثقافية‬ ‫�ضئيل الأهمية‬ ‫املواقع املعطلة‬ ‫�أطفال‬ ‫�شباب‬ ‫بالغون‬ ‫فئات اجلمهور‬ ‫م�س ّنون‬ ‫التي يخاطبها‬ ‫تعليم حتت املتو�سط‬ ‫املوقع‬ ‫تعليم متو�سط‬ ‫تعليم عال ومثقفون‬ ‫املواقع املعطلة‬ ‫مرتفع للغاية «بني املواقع الألف الأول»‬ ‫مرتفع جدا من �ألف �إىل‪� 10‬آالف موقع‬ ‫مرتفع من ‪� 10‬إىل ‪� 30‬ألف‬ ‫حجم الزوار‬ ‫متو�سط من ‪� 30‬إىل ‪� 50‬ألف‬ ‫«بح�سب متو�سط‬ ‫الرتتيب يف مقيا�س منخف�ض من ‪� 50‬إىل ‪� 70‬ألف‬ ‫�أليك�سا»‬ ‫�ضعيف من ‪� 70‬إىل ‪� 100‬ألف‬ ‫�ضعيف للغاية من ‪�100‬ألف وما بعدها‬ ‫مهمل وخارج الت�صنيف‬ ‫ممتاز‬ ‫جيد‬ ‫جودة حمتوى‬ ‫متو�سط‬ ‫املوقع‬ ‫منخف�ض‬ ‫املواقع املعطلة‬ ‫ن�صو�ص‬ ‫�صوت‬ ‫الو�سائط املتعددة فيديو‬ ‫�صور‬ ‫املواقع املعطلة‬

‫العدد‬

‫النسبة إلجمالي العدد أو درجة االنتشار‬

‫‪95.0‬‬ ‫‪112.0‬‬ ‫‪51.0‬‬ ‫‪49.0‬‬ ‫‪254.0‬‬ ‫‪52.0‬‬ ‫‪20.0‬‬ ‫‪7.0‬‬ ‫‪448.0‬‬ ‫‪112.0‬‬ ‫‪34.0‬‬ ‫‪105.0‬‬ ‫‪7.0‬‬ ‫‪30.0‬‬ ‫‪110.0‬‬ ‫‪85.0‬‬ ‫‪75.0‬‬ ‫‪7.0‬‬ ‫‪18.0‬‬ ‫‪226.0‬‬ ‫‪262.0‬‬ ‫‪140.0‬‬ ‫‪103.0‬‬ ‫‪214.0‬‬ ‫‪251.0‬‬ ‫‪7.0‬‬ ‫‪1.0‬‬ ‫‪22.0‬‬ ‫‪23.0‬‬ ‫‪11.0‬‬ ‫‪6.0‬‬ ‫‪2.0‬‬ ‫‪177.0‬‬ ‫‪65.0‬‬ ‫‪217.0‬‬ ‫‪388.0‬‬ ‫‪319.0‬‬ ‫‪267.0‬‬ ‫‪7.0‬‬ ‫‪300.0‬‬ ‫‪78.0‬‬ ‫‪61.0‬‬ ‫‪262.0‬‬ ‫‪7.0‬‬

‫‪30.9‬‬ ‫‪36.5‬‬ ‫‪16.6‬‬ ‫‪16.0‬‬ ‫‪82.7‬‬ ‫‪16.9‬‬ ‫‪6.5‬‬ ‫‪2.3‬‬ ‫‪36.5‬‬ ‫‪9.1‬‬ ‫‪2.8‬‬ ‫‪8.6‬‬ ‫‪2.3‬‬ ‫‪9.8‬‬ ‫‪35.8‬‬ ‫‪27.7‬‬ ‫‪24.4‬‬ ‫‪2.3‬‬ ‫‪5.9‬‬ ‫‪73.6‬‬ ‫‪85.3‬‬ ‫‪45.6‬‬ ‫‪33.6‬‬ ‫‪69.7‬‬ ‫‪81.8‬‬ ‫‪2.3‬‬ ‫‪0.3‬‬ ‫‪7.2‬‬ ‫‪7.5‬‬ ‫‪3.6‬‬ ‫‪2.0‬‬ ‫‪0.7‬‬ ‫‪57.7‬‬ ‫‪21.2‬‬ ‫‪17.7‬‬ ‫‪31.6‬‬ ‫‪26.0‬‬ ‫‪21.7‬‬ ‫‪2.3‬‬ ‫‪100.0‬‬ ‫‪26.0‬‬ ‫‪20.3‬‬ ‫‪87.3‬‬ ‫‪2.3‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫جدول رقم ‪24‬‬

‫املعلوماتية‬

‫�أنهم م�س�ؤولون عن امتالك و�إدارة ‪ %93.3‬من‬ ‫مواقع املو�سيقى‪ ،‬تليها مواقع الأدب ‪ ،%57‬ثم‬ ‫املكتبات الرقمية وامل�رسح ‪ %50‬لكل منهما‪،‬‬ ‫ال�سينما ‪ ،%34.2‬واملتاحف ‪ ،%26.3‬والفلكلور‬ ‫‪ ،%25‬ولي�س للأفراد دور يف مواقع الوزارات‬ ‫والبحث العلمي واملنظمات غري احلكومية‪.‬‬ ‫تظهر امل�ؤ�س�سات الر�سمية ب�شكل كامل‬ ‫يف ‪ %100‬من مواقع الوزارات والبحث العلمي‬ ‫وهذا متوقع ومنطقي‪ ،‬ولكن ينخف�ض ح�ضورها‬ ‫يف مواقع التعليم الإلكرتوين �إىل ‪ %52‬و‪%36.8‬‬ ‫يف املتاحف‪ ،‬و‪ 31.3‬يف ال�سينما‪ ،‬و‪ 31.6‬يف‬ ‫الفلكلور‪ ،‬و‪ %33.3‬يف دور الن�رش واملعار�ض‪،‬‬ ‫و‪ %20‬يف املكتبات الرقمية‪ ،‬و‪ %3.8‬يف‬ ‫الأدب‪ ،‬ويختفي متام ًا يف املو�سيقى‪.‬‬ ‫�أما املنظمات غري احلكومية وامل�ؤ�س�سات‬ ‫املدنية فح�ضورها الأ�سا�سي كان يف مواقع‬ ‫املنظمات الثقافية الأهلية‪ ،‬حيث كانت‬ ‫م�س�ؤولة عن ‪ %94.4‬من مواقع هذه الفئة‪ ،‬ثم‬ ‫كانت م�س�ؤولة عن ‪ %31.3‬يف الفلكلور ثم ‪%28‬‬ ‫تعليم �إلكرتوين ثم ‪ 23.1%‬يف كل من الأدب‬

‫وامل�رسح‪ ،‬و‪ %15.8‬يف ال�سينما و‪ %4.2‬يف‬ ‫دور الن�رش واملعار�ض‪ ،‬وخمتفية يف املو�سيقى‬ ‫والبحث العلمي والوزارات‪.‬‬ ‫كان ح�ضور ال�رشكات اخلا�صة باهت ًا‬ ‫و�ضعيف ًا يف معظم الفئات يف ما عدا فئة دور‬ ‫الن�رش واملعار�ض التي كان القطاع اخلا�ص‬ ‫م�س�ؤو ًال عن ‪ %62.5‬من مواقعها‪� ،‬أما ح�ضور‬ ‫ال�رشكات اخلا�صة يف الفئات الأخرى فبلغ‬ ‫‪ %23.3‬يف املكتبات الرقمية‪ ،‬و‪ %26.3‬يف‬ ‫املتاحف‪ ،‬و‪ 18.4‬يف ال�سينما والأدب‪ ،‬و‪%12.5‬‬ ‫فلكلور‪ ،‬و‪ %12‬تعليم �إلكرتوين‪ ،‬ومل تظهر‬ ‫ال�رشكات اخلا�صة والقطاع اخلا�ص يف مواقع‬ ‫البحث العلمي والوزارات واملنظمات غري‬ ‫احلكومية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ي�سود النمط الكال�سيكي كال من الوزارات‬ ‫والبحث العلمي واملو�سيقى واملنظمات غري‬ ‫احلكومية ودور الن�رش بن�سبة ‪ ،%100‬واملتاحف‬ ‫‪ ،%94.7‬والتعليم الإلكرتوين ‪ %92‬والفلكلور‬ ‫‪ ،%81.5‬وال�سينما ‪ ،%81.6‬وامل�رسح ‪،%76.9‬‬ ‫واملكتبات الرقمية ‪ ،%53.3‬والأدب ‪.%50‬‬

‫مالمح الوجه الرقمي للثقافة طبقا للجهة القائمة على املوقع ومنطه‬

‫الفئة‬ ‫الوزارات‬ ‫املتاحف‬ ‫البحث العلمي‬ ‫التعليم الإلكرتوين‬ ‫املو�سيقى‬ ‫امل�رسح‬ ‫ال�سينما‬ ‫الفلكلور‬ ‫املنظمات غري احلكومية‬ ‫دور الن�رش‬ ‫املكتبات الرقمية‬ ‫الأدب‬

‫اجلهة القائمة على املوقع‬

‫منط املوقع‬ ‫موقع‬ ‫كال�سيكي‬

‫منتدى‬

‫مدونة‬

‫‪0.0‬‬

‫‪100.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪100.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪26.3‬‬

‫‪36.8‬‬

‫‪10.5‬‬

‫‪26.3‬‬

‫‪94.7‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪5.3‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪100.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪100.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪8.0‬‬

‫‪52.0‬‬

‫‪28.0‬‬

‫‪12.0‬‬

‫‪92.0‬‬

‫‪48.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪93.3‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪6.7‬‬

‫‪100.0‬‬

‫‪40.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪50.0‬‬

‫‪15.4‬‬

‫‪23.1‬‬

‫‪15.4‬‬

‫‪76.9‬‬

‫‪38.5‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪34.2‬‬

‫‪31.6‬‬

‫‪15.8‬‬

‫‪18.4‬‬

‫‪81.6‬‬

‫‪5.3‬‬

‫‪13.2‬‬

‫‪25.0‬‬

‫‪31.3‬‬

‫‪31.3‬‬

‫‪12.5‬‬

‫‪87.5‬‬

‫‪12.5‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪5.6‬‬

‫‪94.4‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪100.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪33.3‬‬

‫‪4.2‬‬

‫‪62.5‬‬

‫‪100.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪50.0‬‬

‫‪20.0‬‬

‫‪6.7‬‬

‫‪23.3‬‬

‫‪53.3‬‬

‫‪20.0‬‬

‫‪26.7‬‬

‫‪57.7‬‬

‫‪3.8‬‬

‫‪23.1‬‬

‫‪15.4‬‬

‫‪50.0‬‬

‫‪30.8‬‬

‫‪19.2‬‬

‫�أفراد‬

‫م�ؤ�س�سة‬ ‫ر�سمية‬

‫م�ؤ�س�سة مدنية �رشكات خا�صة‬

‫‪83‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 84‬للتنمية الثقافية‬

‫�أما منط املنتديات فكان ح�ضوره ‪ %48‬يف توعية املحتوى‬

‫التعليم الإلكرتوين‪ ،‬و‪ %40‬املو�سيقى‪ ،‬و‪%38.5‬‬ ‫امل�رسح‪ ،‬و‪ %30.8‬الأدب‪ ،‬و‪ %20‬املكتبات‬ ‫الرقمية‪ ،‬و‪ 12.5‬الفلكلور‪ ،‬و‪ %5.3‬ال�سينما‪،‬‬

‫�سجل املحتوى الثابت كثافة انت�شار يف‬ ‫ّ‬ ‫مواقع يف التعليم الإلكرتوين بلغت ‪ 68‬نقطة‪،‬‬ ‫ويف املتاحف ‪ 56.6‬نقطة‪ ،‬والبحث العلمي‬ ‫واملو�سيقى ‪ 48.3‬نقطة‪ ،‬و‪ 43.3‬نقطة يف الأدب‪،‬‬ ‫و‪ 39.1‬نقطة يف الفلكلور‪ ،‬ودور الن�رش ‪35.4‬‬ ‫نقطة‪ ،‬واملنظمات غري احلكومية ‪ 33.3‬نقطة‪،‬‬ ‫وامل�رسح ‪ 31,7‬نقطة‪ ،‬وال�سينما ‪ 23.7‬نقطة‪،‬‬ ‫والوزارات ‪ 5.6‬نقطة‪.‬‬ ‫�سجل املحتوى املتج ّدد كثافة انت�شار‬ ‫ّ‬ ‫يف مواقع ال�سينما بلغت ‪ 25.0‬نقطة‪ ،‬والبحث‬ ‫العلمري ‪ 20.7‬نقطة‪ ،‬واملكتبات الرقمية‬ ‫‪ 14.2‬نقطة‪ ،‬واملنظمات غري احلكومية ‪،13.9‬‬ ‫واملو�سيقى ‪ 12.5‬نقطة‪ ،‬ودور الن�رش ‪،11.5‬‬ ‫والفلكلور ‪ ،9.4‬واملتاحف ‪ ،9.2‬والأدب ‪،8.7‬‬ ‫وامل�رسح ‪ ،8.0‬والوزارات ‪ ،2.8‬ونقطتني للتعليم‬ ‫الإلكرتوين‪.‬‬ ‫ظهر املحتوى التفاعلي يف مواقع الفلكلور‬ ‫مبعدل كثافة بلغ ‪ 6.3‬نقطة‪ ،‬ويف املو�سيقى‬ ‫‪ 5.8‬نقطة‪ ،‬وامل�رسح و‪ 3.8‬نقطة‪ ،‬واملنظمات‬

‫ويختفي من الوزارات واملتاحف والبحث‬ ‫العلمي واملنظمات غري احلكومية ودور الن�رش‪.‬‬ ‫�سجلت املدونات �أدنى ح�ضور داخل الوجه‬ ‫ّ‬ ‫الرقمي للثقافة العربية بحيث ظهرت يف‬ ‫‪ %26.7‬من املكتبات الرقمية‪ ،‬و‪ %19.2‬من‬ ‫الأدب‪ ،‬و‪ %13.2‬من ال�سينما‪ ،‬و‪ %5.3‬من‬ ‫املتاحف‪ ،‬ومل تظهر مطلق ًا يف كل من الوزارات‬ ‫والبحث العلمي والتعليم الإلكرتوين واملو�سيقى‬ ‫وامل�رسح والفلكلور واملنظمات غري احلكومية‬ ‫ودور الن�رش‪.‬‬

‫مالمح الوجه الرقمي للثقافة العربية‬ ‫طبق ًا لنوعية املحتوى وجودته‬

‫يو�ضح اجلدول رقم «‪ »25‬مالمح الوجه‬ ‫الرقمي للثقافة العربية طبق ًا لنوعية املحتوى‬ ‫وجودته كالتايل‪:‬‬

‫جدول رقم ‪ 25‬مالمح الوجه الرقمي للثقافة طبقا لنوعية املحتوى وجودته‬ ‫الفئة‬ ‫الوزارات‬ ‫املتاحف‬ ‫البحث العلمي‬ ‫التعليم الإلكرتوين‬ ‫املو�سيقى‬ ‫امل�رسح‬ ‫ال�سينما‬ ‫الفلكلور‬ ‫املنظمات غري احلكومية‬ ‫دور الن�رش‬ ‫املكتبات الرقمية‬ ‫الأدب‬

‫جودة املحتوى‬

‫نوعية املحتوى‬ ‫ثابت‬

‫متجدد‬

‫تفاعلي‬

‫متنوع‬ ‫ّ‬

‫ممتاز‬

‫جيد‬

‫متو�سط‬

‫منخف�ض‬

‫‪5.6‬‬

‫‪2.8‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪54.2‬‬

‫‪2.6‬‬

‫‪21.1‬‬

‫‪44.7‬‬

‫‪21.1‬‬

‫‪56.6‬‬

‫‪9.2‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪1.3‬‬

‫‪1.3‬‬

‫‪26.3‬‬

‫‪32.9‬‬

‫‪39.5‬‬

‫‪48.3‬‬

‫‪20.7‬‬

‫‪0.9‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪38.8‬‬

‫‪33.6‬‬

‫‪20.7‬‬

‫‪68.0‬‬

‫‪2.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪4.0‬‬

‫‪3.0‬‬

‫‪73.0‬‬

‫‪16.0‬‬

‫‪8.0‬‬

‫‪48.3‬‬

‫‪12.5‬‬

‫‪5.8‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪54.2‬‬

‫‪30.8‬‬

‫‪8.3‬‬

‫‪5.0‬‬

‫‪31.7‬‬

‫‪8.0‬‬

‫‪3.8‬‬

‫‪1.9‬‬

‫‪36.5‬‬

‫‪24.0‬‬

‫‪23.1‬‬

‫‪26.9‬‬

‫‪23.7‬‬

‫‪25.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪10.5‬‬

‫‪36.8‬‬

‫‪22.4‬‬

‫‪25.0‬‬

‫‪15.8‬‬

‫‪39.1‬‬

‫‪9.4‬‬

‫‪6.3‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪23.4‬‬

‫‪21.9‬‬

‫‪32.8‬‬

‫‪21.9‬‬

‫‪33.3‬‬

‫‪13.9‬‬

‫‪2.8‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪43.1‬‬

‫‪11.1‬‬

‫‪45.8‬‬

‫‪35.4‬‬

‫‪11.5‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪2.1‬‬

‫‪10.4‬‬

‫‪33.3‬‬

‫‪22.9‬‬

‫‪33.3‬‬

‫‪30.0‬‬

‫‪14.2‬‬

‫‪0.8‬‬

‫‪4.2‬‬

‫‪10.8‬‬

‫‪23.3‬‬

‫‪52.5‬‬

‫‪26.7‬‬

‫‪43.3‬‬

‫‪8.7‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪6.7‬‬

‫‪13.5‬‬

‫‪31.7‬‬

‫‪26.0‬‬

‫‪28.8‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫يف ال�سينما ودور الن�رش واملتاحف والأدب‬ ‫والوزارات والتعليم الإلكرتوين‪.‬‬ ‫ظهر املحتوى املتنوع مبعدل كثافة بلغ‬ ‫‪ 54.2‬نقطة مبواقع الوزارات‪ ،‬ويف ال�سينما‬ ‫‪ 10.5‬نقطة‪ ،‬والأدب ‪ 6.7‬نقطة‪ ،‬واملكتبات‬ ‫الرقمية ‪ 4.2‬نقطة‪ ،‬والتعليم الإلكرتوين ‪4.0‬‬ ‫نقطة‪ ،‬ودور الن�رش نقطة ‪ ،2.1‬وامل�رسح ‪1.9‬‬ ‫نقطة‪ ،‬واملتاحف ‪ 1.3‬نقطة‪ ،‬ومل يظهر بالفلكلور‬ ‫واملو�سيقى واملنظمات غري احلكومية والبحث‬ ‫العلمي‪.‬‬

‫جودة املحتوى‪:‬‬

‫�سجلت مواقع‬ ‫• يف فئة املحتوى املمتاز ّ‬ ‫املو�سيقى ‪ 54.2‬نقطة من حيث كثافة انت�شار‬ ‫و�سجلت‬ ‫هذه النوعية من املحتوى بداخلها‪ّ ،‬‬ ‫مواقع ال�سينما ‪ 36.8‬نقطة‪ ،‬وامل�رسح ‪،36.5‬‬ ‫والفلكلور ‪ ،23.4‬والأدب ‪ ،13.5‬واملكتبات‬ ‫الرقمية ‪ ،10.8‬ودور الن�رش ‪ ،10.4‬والتعليم‬ ‫الإلكرتوين ‪ ،3.0‬والوزارات ‪ ،2.6‬واملتاحف‬ ‫ت�سجل مواقع املنظمات غري احلكومية‬ ‫‪ ،1.3‬ومل ّ‬ ‫والبحث العلمي �أي نقاط‪.‬‬ ‫�سجلت مواقع‬ ‫• يف فئة املحتوى اجليد ّ‬ ‫التعليم الإلكرتوين ‪ 73.0‬نقطة‪ ،‬واملنظمات غري‬ ‫احلكومية ‪ ،43.1‬والبحث العلمي ‪ ،38.8‬ودور‬ ‫الن�رش ‪ ،33.3‬والأدب ‪ ،31.7‬واملو�سيقى ‪،30.8‬‬ ‫واملتاحف ‪ ،26.3‬وامل�رسح ‪ ،24.0‬واملكتبات‬ ‫الرقمية ‪ ،23.3‬وال�سينما ‪ ،22.4‬والفلكلور ‪،21.9‬‬ ‫والوزارات ‪ 21.1‬نقطة‪.‬‬ ‫�سجلت مواقع‬ ‫• يف فئة املحتوى املتو�سط ّ‬ ‫املكتبات الرقمية ‪ 52.5‬نقطة‪ ،‬والوزارات‬ ‫‪ ،44.7‬والبحث العلمي ‪ ،33.6‬واملتاحف ‪،32.9‬‬ ‫والفلكلور ‪ ،32.8‬والأدب ‪ ،26.0‬وال�سينما ‪،25.0‬‬ ‫وامل�رسح ‪ ،23.1‬ودور الن�رش ‪ ،22.9‬والتعليم‬ ‫الإلكرتوين ‪ ،16.0‬واملنظمات غري احلكومية‬ ‫‪ ،11.1‬واملو�سيقى ‪ 8.3‬نقطة‪.‬‬ ‫�سجلت‬ ‫• يف فئة املحتوى منخف�ض اجلودة ّ‬ ‫مواقع املنظمات غري احلكومية ‪ 45.8‬نقطة‪،‬‬

‫واملتاحف ‪ ،39.5‬ودور الن�رش ‪ ،33.3‬والأدب‬ ‫‪ ،28.8‬وامل�رسح ‪ ،26.9‬واملكتبات الرقمية‬ ‫‪ ،26.7‬والفلكلور ‪ ،21.9‬والوزارات ‪،21.1‬‬ ‫والبحث العلمي ‪ ،20.7‬وال�سينما ‪ ،15.8‬والتعليم‬ ‫الإلكرتوين ‪ ،8.0‬واملو�سيقى ‪ 5.0‬نقاط‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬مالمح الوجه الرقمي للثقافة‬ ‫العربية طبق ًا جلماهريية املواقع ومعدل‬ ‫زيارتها‬

‫يو�ضح اجلدول رقم «‪ »26‬مالمح الوجه‬ ‫الرقمي للثقافة العربية طبق ًا جلماهريية‬ ‫املواقع ومعدل زيارتها‪.‬‬ ‫مل يظهر �أي موقع من �أي فئة يف م�ستوى‬ ‫الزيارات «املرتفع للغاية» امل�صنَّفة �ضمن �أكرث‬ ‫منالفموقع على العامل من حيث عدد الزيارات‪،‬‬ ‫با�ستثناء موقع واحد يف فئة ال�سينما ي�شكّل‬ ‫‪ %2.6‬من هذه الفئة‪.‬‬ ‫ظهر ‪ %56.7‬من مواقع املو�سيقى يف‬ ‫فئة «مرتفع جداً»‪ ،‬كما ظهر ‪ %10.5‬من مواقع‬ ‫ال�سينما يف هذه الفئة‪ ،‬ويف ما عدا ذلك مل تظهر‬ ‫�أي مواقع من �أي فئة �أخرى‪.‬‬ ‫يف فئة «مرتفع» بد�أت الدائرة ت ّت�سع‪،‬‬ ‫فظهر ‪ %23.3‬من مواقع املو�سيقى‪ ،‬وامل�رسح‬ ‫‪ ،%19.2‬والفلكلور ‪ ،%12.5‬والوزارات ‪،%10.5‬‬ ‫واملكتبات الرقمية ‪ ،%6.7‬وال�سينما ‪،%5.3‬‬ ‫واملتاحف ‪ ،%3.7‬والأدب ‪ ،%3.3‬ومل تظهر �أي‬ ‫مواقع من املنظمات غري احلكومية والبحث‬ ‫العلمي والتعليم الإلكرتوين ودور الن�رش‪.‬‬ ‫يف فئة «متو�سط» ظهر ‪ %13.3‬من مواقع‬ ‫املكتبات الرقمية‪ ،‬والتعليم الإلكرتوين ‪،%8.0‬‬ ‫وامل�رسح ‪ ،%7.7‬وال�سينما ‪ ،%5.3‬والأدب‬ ‫‪ ،%3.3‬ومل تظهر �أي مواقع من املو�سيقى‬ ‫والفلكلور والوزارات واملتاحف واملنظمات‬ ‫غري احلكومية والبحث العلمي ودور الن�رش‪.‬‬ ‫يف فئة «منخف�ض» ظهر ‪ %6.7‬من‬ ‫مواقع املو�سيقى‪ ،‬والتعليم الإلكرتوين ‪،%4.0‬‬ ‫وامل�رسح ‪ ،%3.8‬واملكتبات الرقمية ‪،%3.3‬‬ ‫والأدب ‪ ،%3.3‬ومل تظهر �أي مواقع من ال�سينما‬ ‫والفلكلور والوزارات واملتاحف واملنظمات‬

‫املعلوماتية‬

‫غري احلكومية ‪ 2.8‬نقطة‪ ،‬والبحث العلمي ‪0.9‬‬ ‫نقطة‪ ،‬واملكتبات الرقمية ‪ 0.8‬نقطة‪ ،‬واختفي‬

‫‪85‬‬

‫مواقع املو�سيقى وال�سينما‬ ‫تت�ص ّدر فئة املحتوى املمتاز‬ ‫للمواقع العربية (‪ 54‬نقطة للمو�سيقى‬ ‫و‪ 36‬نقطة لل�سينما) بينما يت�ضاءل‬ ‫ترتيب مواقع املكتبات الرقم ّية (‪11‬‬ ‫نقطة) والتعليم الإلكرتوين (‪ 3‬نقاط)‬ ‫والوزارات (‪ 2.6‬نقطة) واملتاحف‬ ‫(‪ 1.3‬نقطة)‪.‬‬

‫لدينا موقع عربي واحد لل�سينما‬ ‫يف قائمة الألف موقع الأكرث زيارة‬ ‫على �شبكة الإنرتنت‪ ،‬ومواقع �أخرى‬ ‫عرب ّية للمو�سيقى وال�سينما �ضمن‬ ‫قائمة الع�رشة �آالف موقع الأكرث‬ ‫زيارة على �شبكة الإنرتنت‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 86‬للتنمية الثقافية‬

‫غري احلكومية والبحث العلمي ودور الن�رش‪.‬‬ ‫تقييم الوجه الرقمي للثقافة العربية‬ ‫يف فئة «�ضعيف» ظهر ‪ %4‬من مواقع نقاط القوة‬

‫ال يوجد موقع عربي واحد‪،‬‬ ‫بخالف ال�سينما واملو�سيقى‪� ،‬ضمن‬ ‫قائمة الع�رشة �آالف موقع الأكرث‬ ‫زيارة على �شبكة الإنرتنت‪ ،‬وي�رسي‬ ‫ذلك على مواقع الأدب واملكتبات‬ ‫الرقم ّية والبحث العلمي والتعليم‬ ‫الإلكرتوين واملنظمات الأهلية‬ ‫وامل�ؤ�س�سات الثقافية‪.‬‬

‫التعليم الإلكرتوين‪ ،‬و‪ %3.8‬من مواقع امل�رسح‪،‬‬ ‫ومل تظهر مواقع من �أي فئة �أخرى‪.‬‬ ‫يف فئة «منخف�ض للغاية» ظهر ‪%86.2‬‬ ‫من مواقع البحث العلمي‪ ،‬ودور الن�رش‪،%83.3‬‬ ‫واملنظمات غري احلكومية ‪ ،%77.8‬وال�سينما‬ ‫‪ ،%71.1‬والتعليم الإلكرتوين ‪ ،%68.0‬وامل�رسح‬ ‫‪ ،%65.4‬واملكتبات الرقمية ‪ ،%56.7‬والوزارات‬ ‫‪ ،%52.6‬واملتاحف ‪ ،%40.7‬والأدب ‪،%40.0‬‬ ‫والفلكلور‪ ،%37.5‬واملو�سيقى ‪.%13.3‬‬ ‫يف فئة «مهمل وخارج الت�صنيف» ت�ص ّدرت‬ ‫املتاحف القائمة بـ ‪ ،%51.9‬ثم الفلكلور‬ ‫‪ ،%50.0‬والوزارات ‪ ،%36.8‬والأدب ‪،%36.7‬‬ ‫واملنظمات غري احلكومية ‪ ،%22.2‬واملكتبات‬ ‫الرقمية ‪ ،%20.0‬ودور الن�رش ‪ ،%16.7‬والتعليم‬ ‫الإلكرتوين ‪ ،%16.0‬والبحث العلمي ‪،%13.8‬‬ ‫وال�سينما ‪ ،%5.3‬ومل تظهر �أي مواقع من‬ ‫امل�رسح واملو�سيقى يف هذه الفئة‪.‬‬

‫يف �ضوء الأرقام والتحليالت ال�سابقة‬ ‫ميكن القول �إن الوجه الرقمي للثقافة العربية‬ ‫حاليا يتم ّتع بنقاط القوة التالية‪:‬‬

‫معايري عاملية‬

‫يوجد بع�ض املواقع العربية الثقافية‬ ‫التي ُ�ص ّممت مبعايري عاملية و ُتق ّدم حمتوى‬ ‫يناف�س الكثري من املواقع العاملية من حيث‬ ‫اجلماهريية والقوة واخلدمات التفاعلية مع‬ ‫اجلمهور‪ ،‬بخا�ص ًة يف ال�سينما واملو�سيقى‬ ‫وبع�ض املدونات الأدبية واملكتبات الرقمية‪،‬‬ ‫و ُتع ّد هذه املواقع على قلّتها ـ �أو كونها‬ ‫ا�ستثناء ـ عالمة من عالمات القوة التي تثبت‬ ‫�أنه بالإمكان الو�صول بالوجه الرقمي للثقافة‬ ‫العربية �إىل م�ستويات �أف�ضل بكثري مما هو‬ ‫�سائد الآن‪.‬‬

‫جدول رقم ‪ 26‬مالمح الوجه الرقمي للثقافة طبقا جلماهريية املواقع وزوارها ا�ستنادا �إىل ترتيبها بقوائم «�أليك�سا»‬ ‫الفئة‬ ‫الوزارات‬ ‫املتاحف‬ ‫البحث العلمي‬ ‫التعليم‬ ‫الإلكرتوين‬ ‫املو�سيقى‬ ‫امل�رسح‬ ‫ال�سينما‬ ‫الفلكلور‬ ‫املنظمات غري‬ ‫احلكومية‬ ‫دور الن�رش‬ ‫املكتبات‬ ‫الرقمية‬ ‫الأدب‬

‫مرتفع للغاية مرتفع جدا‬ ‫«بني املواقع من �ألف‬ ‫الألف الأول» �إىل‪� 10‬آالف‬

‫مرتفع‬ ‫من ‪� 10‬إىل‬ ‫‪� 30‬ألف‬

‫متو�سط‬ ‫من ‪� 30‬إىل‬ ‫‪� 50‬ألف‬

‫منخف�ض‬ ‫من ‪� 50‬إىل‬ ‫‪� 70‬ألف‬

‫�ضعيف �ضعيف للغاية‬ ‫مهمل وخارج‬ ‫من ‪� 70‬إىل من ‪�100‬ألف‬ ‫الت�صنيف‬ ‫‪� 100‬ألف وما بعدها‬

‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬

‫‪10.5‬‬ ‫‪3.7‬‬ ‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬

‫‪52.6‬‬ ‫‪40.7‬‬ ‫‪86.2‬‬

‫‪36.8‬‬ ‫‪51.9‬‬ ‫‪13.8‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪8.0‬‬

‫‪4.0‬‬

‫‪4.0‬‬

‫‪68.0‬‬

‫‪16.0‬‬

‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪2.6‬‬ ‫‪0.0‬‬

‫‪56.7‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪10.5‬‬ ‫‪0.0‬‬

‫‪23.3‬‬ ‫‪19.2‬‬ ‫‪5.3‬‬ ‫‪12.5‬‬

‫‪0.0‬‬ ‫‪7.7‬‬ ‫‪5.3‬‬ ‫‪0.0‬‬

‫‪6.7‬‬ ‫‪3.8‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬ ‫‪3.8‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬

‫‪13.3‬‬ ‫‪65.4‬‬ ‫‪71.1‬‬ ‫‪37.5‬‬

‫‪0.0‬‬ ‫‪0.0‬‬ ‫‪5.3‬‬ ‫‪50.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪77.8‬‬

‫‪22.2‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪83.3‬‬

‫‪16.7‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪6.7‬‬

‫‪13.3‬‬

‫‪3.3‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪56.7‬‬

‫‪20.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪3.3‬‬

‫‪3.3‬‬

‫‪3.3‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪40.0‬‬

‫‪36.7‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫تقا�سم عملي للم�س�ؤولية‬

‫املحتوى التفاعلي يبد�أ الت�سلّل‬

‫ثمة �أرقام ت�شري �إىل �أن املحتوى‬ ‫التفاعلي ـ الذي ينا�سب التنمية الثقافية �أكرث‬ ‫من غريه ـ قد بد�أ يت�سلّل �إىل بع�ض املجاالت‬ ‫وي�سجل فيها درجة من الكثافة يف احل�ضور‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كاملو�سيقى وامل�رسح والفلكلور ب�شكل �أ�سا�سي‪،‬‬ ‫كما ظهرت �أرقام ت�شري �إىل بداية طيبة لن�رش‬ ‫املحتوى املتجدد يف جماالت ال�سينما والبحث‬ ‫العلمي واملكتبات الرقمية‪ ،‬وبد�أ َيظهر اهتما ٌم‬ ‫باملنتديات يف التعليم الإلكرتوين واملو�سيقى‬ ‫وامل�رسح والأدب‪ ،‬و�إذا كانت هذه الظواهر مل‬ ‫ت�صبح بعد نقطة قوة ُيح�سب لها ح�ساب فعلي‪،‬‬ ‫فهي على الأق ّل تدل على �أن نقطة �ضعف‬ ‫يف الوجه الرقمي للثقافة العربية قد بد�أت‬ ‫«ت�ضعف» وتخفت‪.‬‬

‫وتع ّددية الو�سائط على الطريق‬

‫ب�شكل عام هناك اهتمام ن�سبي قابل‬ ‫للتطور والتح�سني يف الإقبال على الأخذ مببد�أ‬

‫تع ّددية الو�سائط يف عر�ض املحتوى‪ ،‬وهو‬ ‫مبد�أ حتتاج �إليه املواد الثقافية ب�ش ّدة عرب‬ ‫الف�ضاء الإلكرتوين لكي ت�صبح فاعلة وجاذبة‬ ‫للجمهور‪ ،‬فهي ت�ضع �صوت ال�شاعر مع كلمات‬ ‫الق�صيدة‪ ،‬وفيديو املطرب مع كلمات الأغنية‪،‬‬ ‫و�صوت و�صورة الفلكلور مع الن�ص الذي ي�رشح‪،‬‬ ‫والأرقام ت�شري �إىل �أن ِخم�س املواقع التي‬ ‫خ�ضعت للتحليل فيها تعددية و�سائط كاملة‪،‬‬ ‫ن�صو�ص وفيديو و�صور و�صوت‪ ،‬وربعها فيه‬ ‫تعددية و�سائط ثالثية ت�شمل الن�صو�ص وال�صور‬ ‫وال�صوت‪.‬‬

‫جناح جماهريي حمدود‬

‫ق ّدم بع�ض املواقع مناذج ناجحة تثبت‬ ‫�أنه بالإمكان وبقدر من ال�صرب واجلدية جذب‬ ‫قطاعات كربى من اجلماهري العربية لكي‬ ‫تقبل وتتابع وتنجذب �إىل املحتوى الثقايف‬ ‫الرقمي املق ّدم عرب الإنرتنت‪ ،‬وحدث هذا‬ ‫ب�صورة وا�ضحة يف فئة ال�سينما واملو�سيقى‬ ‫التي ظهرت بها ع ّدة مواقع تتم ّتع مب�ستويات‬ ‫زيارة «مرتفعة للغاية» �أي م�ص ّنفة �ضمن‬ ‫�أكربالفموقع من حيث معدالت الزيارة على‬ ‫م�ستوى الإنرتنت و»مرتفعة جدا» �أي بني‬ ‫املواقع منالف�إىل ع�رشة �آالف‪ ،‬وهذه خربة ال‬ ‫ي�ستهان بها يف كيفية ت�صميم وبناء وت�شغيل‬ ‫مواقع ثقافية ت�ستطيع حتقيق جماهريية‬ ‫وا�سعة على هذا النحو‪ .‬وعلى الرغم من �أن هذه‬ ‫النوعية ذات اجلماهريية العالية من املحتوى‬ ‫كانت ا�ستثناءات نادرة‪ ،‬ف�إنها يف النهاية‬ ‫ت�شكّل نقطة قوة ميكن اال�ستفادة منها والبناء‬ ‫عليها يف جماالت �أخرى‪ ،‬وثقافية‪ ،‬وعلم ّية‪،‬‬ ‫و�أدب ّية ‪� ...‬إلخ‪.‬‬ ‫ويف معيار نوعية املحتوى ظهرت ن�سبة‬ ‫طفيفة من املواقع التي ت ّت�سم مبحتوى متجدد‬ ‫وتفاعلي ومتنوع وهي نقطة قوة تفتح املجال‬ ‫نحو �إمكانية ان�سياب الإنتاج الثقايف العربي‬ ‫عرب الإنرتنت م�سقب ًال‪� .‬أما يف معيار جودة‬ ‫املحتوى‪ ،‬فظهرت ن�سبة طفيفة من املواقع‬ ‫�أي�ض ًا تتم ّتع مب�ستوى من اجلودة يف املحتوى‬

‫املعلوماتية‬

‫يف ن�سبة ا�ستثنائية من املواقع كان‬ ‫هناك ح�ضور وا�ضح للجهات التي يفرت�ض‬ ‫�أن ت�ضطلّع مب�س�ؤولية ن�رش الثقافة الرقمية يف‬ ‫هذه املجاالت‪ ،‬ومن هذه الأمثلة اال�ستثنائية‬ ‫�أن الأفراد حققوا ح�ضوراً طاغي ًا يف حتمل‬ ‫م�س�ؤولية املواقع التي حتقق فعلي ًا زيارات‬ ‫كربى على ال�شبكة ويف مقدمتها املو�سيقى‪،‬‬ ‫والأرقام اخلا�صة باملنظمات غري احلكومية‬ ‫ت�شري �إىل دور بارز لهذه املنظمات يف رعاية‬ ‫وتقدمي مواقع الفلكلور والتعليم الإلكرتوين‪،‬‬ ‫بينما يربز دور ال�رشكات والقطاع اخلا�ص‬ ‫قوي ًا يف جمال دور الن�رش واملعار�ض‪ .‬ويف هذه‬ ‫الأمثلة تبدو الأمور طبيعية من دون حدوث‬ ‫«تبادل للأدوار» �أو تراجع يف الأدوار ما بني‬ ‫كل جهة و�أخرى‪ ،‬وهذا يعني �أن كل طرف «�أفراد‬ ‫ـ جهات ر�سمية ـ جهات �أهلية ـ قطاع خا�ص»‬ ‫لديه قدر من الوعي باملجاالت الثقافية التي‬ ‫حتتاج لدوره �أكرث من غريه‪.‬‬

‫‪87‬‬

‫هناك مواقع عربية يف ال�سينما‬ ‫واملو�سيقى حققت جناح ًا كبرياً‬ ‫يجب اال�ستفادة منها والبناء عليها‬ ‫يف املواقع الثقافية والعلمية‬ ‫والأدبية الأخرى‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 88‬للتنمية الثقافية‬

‫ال�سمة الغالبة للمواقع الثقافية‬ ‫العربية �أنها ذات حمتوى ثابت قلّما‬ ‫يتجدد‪.‬‬

‫يرتاوح بني ممتاز وجيد‪ ،‬وهي نقطة قوة‬ ‫ل�صالح املحتوى القائم‪.‬‬ ‫ويف معيار �أهمية املحتوى للتنمية‬ ‫الثقافية حظيت الن�سبة الأكرب من املواقع التي‬ ‫مت حتليلها بت�صنيف مهمة جداً ومهمة بالن�سبة‬ ‫ّ‬ ‫للتنمية الثقافية‪ ،‬الأمر الذي يدلّ على �أن القاعدة‬ ‫الأكرب من املواقع مهي�أة‪ ،‬ولو على م�ستوى‬ ‫قناعات �أ�صحابها‪ ،‬لكي تكون قريبة ال�صلة‬ ‫بق�ضية التنمية الثقافية ب�صورة �أو ب�أخرى‪.‬‬ ‫اجتماع نقاط القوة الثالث ال�سابقة مع ًا ي�ضيف‬ ‫نقطة قوة رابعة هي �أن هناك بذرة �أو «نواة»‬ ‫للجدية والوعي يف �إعداد وعر�ض املحتوى‬ ‫الثقايف العربي يف �صورة رقمية وعر�ضه على‬ ‫الإنرتنت‪ ،‬وهذه النواه قابلة لأن تعمل كنقطة‬ ‫قوة تنمو مع الوقت‪.‬‬

‫مظاهر ال�ضعف‬

‫يف مقابل نقاط القوة ال�سابقة ت�شري‬ ‫التحليالت والأرقام ال�سابقة �إىل �أن هناك‬ ‫الكثري من مظاهر ال�ضعف التي تعرتي الوجه‬ ‫الرقمي للثقافة العربية لعل �أهمها‪:‬‬

‫وجه ثابت جامد‬

‫ثمة �إهمال ملحوظ للأطفال يف‬ ‫الأغلبية ال�ساحقة للمواقع الثقافية‬ ‫العربية على �شبكة الإنرتنت‪.‬‬

‫بعيداً عن اال�ستثناءات التي ذُكرت يف‬ ‫نقاط القوة ف�إن ال�سمة الغالبة على الوجه‬ ‫الثقايف الرقمي العربي �أنه وجه ثابت جامد‬ ‫غري متجدد وبعيد عن التفاعلية واحليوية‪� ،‬إذ‬ ‫ي�سيطر املحتوى الثابت على معظم املواقع‬ ‫وكثافة انت�شاره يف املواقع عامة تناهز ورمبا‬ ‫تزيد على �ضعفي كثافة انت�شار املحتوى‬ ‫املتجدد وثالثة �أو �أربعة �أ�ضعاف املحتوى‬ ‫التفاعلي واملتن ّوع‪.‬‬ ‫وهذا ما يجعل الن�سبة الأكرب من اجلهود‬ ‫التي تبذل فيه تتوارى وتتال�شى �ضمن الركام‬ ‫الهائل املنت�رش يف الف�ضاء الرقمي من دون �أن‬ ‫يح�س بها �أحد‪.‬‬ ‫ّ‬

‫منط كال�سيكي م�سيطر‬

‫�سيادة النمط الكال�سيكي على ت�صميم‬

‫وبناء املواقع الثقافية وعدم التطوير واالنتقال‬ ‫للأمناط الأحدث القائمة على التفاعلية‬ ‫احلر للمعلومات والتي تع ّد‬ ‫والتداول اللحظي ّ‬ ‫جوهر اجليل الثاين للويب‪ ،‬وتع ّد الوزارات‬ ‫واملتاحف والبحث العلمي ودور الن�رش هي‬ ‫الأكرث معاناة من نقطة ال�ضعف هذه‪ .‬ويف‬ ‫�سجلت املدونات �أدنى ظهور لها‬ ‫هذا ال�سياق ّ‬ ‫ووجدت ب�صورة خفيفة وطفيفة يف املكتبات‬ ‫الرقمية والأدب وال�سينما ومل تظهر بباقي‬ ‫الفئات‪.‬‬ ‫والغالبية ال�ساحقة من املواقع ال تركّز‬ ‫على فئة الأطفال بني املراحل العمر ّية املختلفة‬ ‫وفئة التعليم حتت املتو�سط بني فئات امل�ستوى‬ ‫التعليمي‪ ،‬وهذه نقطة ِ�ضعف خطرية لأن‬ ‫هاتني الفئتني اللّتني �سقطتا تقريب ًا من اهتمام‬ ‫املواقع الثقافية العربية هما الأوىل باالهتمام‬ ‫والرعاية و�إعداد حمتوى ثقايف ينا�سبهما‪ ،‬على‬ ‫�أ�سا�س �أن اجلمهور ذو التعليم الأقل من املتو�سط‬ ‫هو اجلمهور الأو�سع نطاق ًا حالي ًا‪ ،‬و�أن الأطفال‬ ‫اليوم هم الفئة التي �سيقع على عاتقها عبء‬ ‫التنمية الثقافية يف امل�ستقبل‪ ،‬عالوة على �أنها‬ ‫الفئة الأ�سهل تعليم ًا وتعلّم ًا وا�ستيعاب ًا للثقافة‬ ‫الرقم ّية‪.‬‬ ‫ي�شكّل الإهمال اجلماهريي للمواقع‬ ‫الثقافية العربية �سمة غالبة و�ساحقة يف جميع‬ ‫الفئات با�ستثناء ال�سينما واملو�سيقى‪ ،‬ف�أكرث من‬ ‫ن�صف املواقع يف البحث العلمي ودور الن�رش‬ ‫واملنظمات غري احلكومية والتعليم الإلكرتوين‬ ‫وامل�رسح واملكتبات الرقمية والوزارات‬ ‫واملتاحف والأدب والفلكلور جميعها يحظى‬ ‫مبعدل زيارة �ضئيل للغاية‪ ،‬بل وحو�إىل ربع‬ ‫مواقع الع ّينة �إجما ًال هي عملي ًا مواقع خارج‬ ‫الت�صنيف‪� ،‬أي مهملة ال يزورها �أحد تقريب ًا‪.‬‬

‫تراجعات يف الأدوار‬

‫بعيداً عن اال�ستثناءات يف بع�ض احلاالت‬ ‫اخلا�صة بتوزيع الأدوار وامل�س�ؤوليات التي‬ ‫�أ�رشنا �إليها يف نقاط القوة‪ ،‬ف�إن ال�سمة الغالبة �أن‬ ‫هناك تراجع ًا يف الأدوار التي يفرت�ض �أن تقوم‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫حلقات �شديدة ال�ضعف‬

‫على الرغم من القوة الطفيفة التي ظهرت حقوق ملكية مهدرة‬

‫يف �أهمية املحتوى بالن�سبة للتنمية الثقافية‪،‬‬ ‫ف�إن هناك حلقات �شديدة ال�ضعف يف هذا‬ ‫امل�ضمار �أهمها على الإطالق ال�ضعف ال�شديد‬ ‫يف املحتوى الذي تق ّدمه مواقع البحث العلمي‬ ‫للتنمية الثقافية‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق‬ ‫بالثقافة العلمية والتوعية العامة وغريها‪،‬‬ ‫كذلك هناك حلقات �ضعف تتعلّق بطغيان‬ ‫الن�ص كو�سيط يف عر�ض املحتوى على غالبية‬ ‫املواقع‪ ،‬و�ض�آلة ال�صوت و الفيديو وظهوره‬ ‫مبظهر �أقل مما يجب يف ن�سبة كبرية من مواقع‬ ‫ال�سينما واملو�سيقى والفلكلور التي حتتاج �إليه‬ ‫ب�شدة‪.‬‬

‫تق�صري يف جت�سيد الثقافة‬

‫يف جميع احلاالت ـ مبا فيها احلاالت‬ ‫اال�ستثنائية التي ظهر فيها بع�ض عالمات‬ ‫ال�صحة واجلودة والقوة ـ مل ي�ستطع املحتوى‬ ‫الثقايف املعرو�ض على الإنرتنت ب�شكل عام‬ ‫�أن يعك�س قدراً ولو قلي ًال من الرثاء ال�شديد الذي‬ ‫تتميز به الثقافة العربية والرتاث العربي يف‬ ‫املجاالت املختلفة‪ ،‬وتق ّدم املتاحف منوذج ًا‬ ‫�صارخ ًا على ذلك‪ ،‬فال يوجد موقع متحفي‬ ‫واحد ا�ستطاع �أن يرتجم لزواره الرثاء الذي‬ ‫حتتويه جدرانه احلقيقية من تراث �إن�ساين‬ ‫وح�ضاري فريد‪ ،‬وت�شهد مواقع املتاحف‬ ‫امل�رصية وال�سورية على ذلك بك ّل و�ضوح‪،‬‬ ‫ويتكرر هذا الأمر يف �شتى املجاالت الثقافية‬ ‫ّ‬

‫ال تهتم املواقع الثقافية العربية ب�صورة‬ ‫وا�ضحة بحقوق امللكية الفكرية وحقوق امل�ؤلف‬ ‫وجميع اجلوانب املتعلقة بقوانني الن�رش على‬ ‫الإنرتنت‪ ،‬وي�ستوي يف ذلك مواقع املو�سيقى‬ ‫مع ال�سينما مع املكتبات الرقمية وغريها‪،‬‬ ‫حتى �أن بع�ض املواقع ذات الأ�سماء الالمعة‬ ‫ال تهتم باي�ضاح قانونية احل�صول على الكتب‬ ‫التي تعر�ضها‪ ،‬بل �أن معظمها ال يذكر �شيئ ًا عن‬ ‫امل�س�ؤول عن هذا املوقع‪.‬‬ ‫على الرغم من �أن املواقع الثقافية عاملي ًا‬ ‫تعترب يف معظم ـ �إن مل يكن يف كل ـ الأحوال‬ ‫نقاط ًا للتالقي وتبادل املعارف والآراء‪ ،‬ف�إن‬ ‫الدرا�سة مل تر�صد ما يدلّ على �أن هذه املواقع‬ ‫واجلهات القائمة عليها ت�ستخدم مواقعها يف‬ ‫�إقامة روابط �شبكية تعمق عالقاتها ببع�ضها‬ ‫البع�ض �أو مع جمهورها امل�ستهدف‪.‬‬

‫املعلوماتية‬

‫بها جهات مع ّينة جتاه جماالت معينة‪ ،‬كما هو‬ ‫احلال يف تراجع دور امل�ؤ�س�سات الر�سمية لدى‬ ‫العديد من املجاالت التي حتتاجها ب�ش ّدة مثل‬ ‫التعليم الإلكرتوين والفلكلور واملكتبات الرقمية‬ ‫والأدب‪ ،‬بحيث تبينّ �أن دور امل�ؤ�س�سات الر�سمية‬ ‫يف هذه املجاالت �ضعيف ب�شكل وا�ضح‪ ،‬وحدث‬ ‫ال�شيء نف�سه يف ما يتعلق بدور املنظمات غري‬ ‫احلكومية يف املجاالت التي حتتاج �إىل دعم‬ ‫فعلي وهي البحث العلمي والأدب وامل�رسح‪.‬‬

‫الأخرى‪ ،‬حتى يف الكتب التي ُتع ّد �أف�ضل الفئات‬ ‫حا ًال‪.‬‬ ‫هناك فتور وا�ضح يف موقف القطاع‬ ‫اخلا�ص العربي وال�رشكات العربية يف اقتحام‬ ‫جمال الثقافة الرقمية وتطبيقاتها وخدماتها‪،‬‬ ‫فبا�ستثناء فئة املعار�ض ودور الن�رش ال نكاد‬ ‫نلحظ وجوداً م�ؤثراً للقطاع اخلا�ص و�رشكاته‬ ‫يف بناء وت�صميم وت�شغيل املواقع‪ ،‬حتى يف‬ ‫املجاالت التي اقتحمها القطاع اخلا�ص عاملي ًا‬ ‫كالتعليم الإلكرتوين واملكتبات الرقمية‪.‬‬

‫‪89‬‬

‫ي ّت�سم دور امل� ّؤ�س�سات العربية‬ ‫الر�سم ّية ب�ضعف ملحوظ يف مواقع‬ ‫التعليم الإلكرتوين واملكتبات‬ ‫الرقم ّية والأدب والفولكلور‪.‬‬

‫ثمة �ضعف �شديد يف حمتوى‬ ‫مواقع البحث العلمي على �شبكة‬ ‫الإنرتنت‬

‫�إهمال لغوي‬

‫هناك ن�سبة غري قليلة من املواقع الثقافية‬ ‫العربية تظهر �إهما ًال وا�ضح ًا للّغة العربية وال‬ ‫تبدي �أي اعتزاز باللغة كوعاء للثقافة‪ ،‬ويظهر‬ ‫ذلك جلي ًا لدى املواقع العربية التي تق ّدم‬ ‫حمتواها الثقايف املوجه �إىل املواطن العربي‬ ‫بالأ�سا�س باللغة الإجنليزية �أو الفرن�سية كما‬ ‫هو احلال مع الكثري من املواقع التون�سية‬ ‫والقطرية والإماراتية واملغربية‪.‬‬ ‫ومل تك�شف التحليالت التي �أجريت على‬

‫املواقع الثقافية العربية ال تعك�س‬ ‫الرثاء ال�شديد الذي تتم ّيز به الثقافة‬ ‫العربية والرتاث العربي‪ ،‬ومواقع‬ ‫املتاحف امل�رصية وال�سورية مثال‬ ‫على ذلك‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 90‬للتنمية الثقافية‬

‫مواقع املجامع اللغوية العربية عن وجود خربات ت�صميم عالية‬

‫االهتمام الواجب ببحوث التنظري اللغوي‬ ‫ان�صب االهتمام على‬ ‫واملعجمي‪ ،‬حيث‬ ‫ّ‬ ‫امل�صطلحات‪ ،‬كما لوحظ ندرة �أو عدم وجود‬ ‫ذخائر ن�صو�ص حمو�سبة للغة العربية بهذه‬ ‫املواقع والتي ُتع ّد مق ّوما �أ�سا�سي ًا للتنظري‬ ‫اللغوي واملعجمي وبناء املعاجم‪.‬‬

‫عمل بال منوذج عمل‬

‫ال حتر�ص املواقع الثقافية‬ ‫العربية على ت�سجيل نف�سها يف‬ ‫فهار�س قوائم البحث العاملية‪،‬‬ ‫وبالتايل ال تظهر ب�سهولة �أمام زوار‬ ‫وم�ستخدمي �شبكة الإنرتنت‪.‬‬

‫ال تعمل املواقع الثقافية العربية ب�شكل‬ ‫عام وفق منوذج عمل ي�أخذ الأبعاد االقت�صادية‬ ‫يف اعتباره ب�أي �شكل‪ ،‬وبالتايل مل تظهر بعد‬ ‫مواقع ثقافية عربية تعتني وحتتفي ب�آليات‬ ‫التجارة الإلكرتونية يف املجال الثقايف‪ ،‬ويكاد‬ ‫يكون منوذج بيع الكتب �أو عر�ضها بغر�ض‬ ‫البيع عرب املواقع هو الن�شاط االقت�صادي �أو‬ ‫التجاري الوحيد عرب هذه املواقع‪.‬‬ ‫وال حتر�ص مواقع الثقافة العربية ـ يف ما‬ ‫عدا ا�ستثناءات قليلة ـ على ت�سجيل نف�سها يف‬ ‫فهار�س قوائم البحث العاملية‪ ،‬وبالتايل ف�إن‬ ‫الكثري منها ـ حتى ممن ميتلك حمتوى ثقافي ًا‬ ‫�ضخم ًا ومهم ًا ـ ال يظهر ب�سهولة �أمام زوار‬ ‫وم�ستخدمي ال�شبكة‪ ،‬بخا�صة من املواطنني‬ ‫العاديني‪ ،‬بل يدخل يف عداد «الإنرتنت اخلفية»‬ ‫�أو «الإنرتنت غري املرئية» والتي يق�صد بها‬ ‫املحتوى ال�ضخم املوجود على ال�شبكة‪ ،‬ولكن‬ ‫ال يظهر يف قوائم ونتائج حمركات البحث‬ ‫ال�شهرية‪ ،‬لأن �أ�صحابه ال يقومون بفهر�سة‬ ‫مواقعهم جيداً يف قوائم حمركات البحث �إما‬ ‫جه ًال �أو �إهما ًال‪ ،‬وهذا حال ن�سبة كبرية من‬ ‫املواقع الثقافية العربية‪.‬‬

‫الفر�ص‬

‫انط ًالقا من نقاط القوة ال�سابقة ميكن‬ ‫ا�ستخال�ص جمموعة فر�ص يطرحها الوجه‬ ‫الرقمي الراهن للثقافة العربية‪ ،‬وميكن �أن‬ ‫تت ّم اال�ستفادة منها يف جهود توظيف تقنيات‬ ‫االت�صاالت واملعلومات كرافعة خلدمة جهود‬ ‫التنمية الثقافية‪ ،‬وذلك على النحو التايل‪:‬‬

‫لدى الوطن العربي خربات عالية يف‬ ‫ت�صميم و�إنتاج مواقع ثقافية تعمل وفق‬ ‫معايري عاملية وت�ستطيع تقدمي حمتوى‬ ‫يناف�س املحتوى الأجنبي‪ ،‬وهذه الفر�صة يدل‬ ‫عليها العديد من املواقع التي ظهرت على‬ ‫ال�شبكة وا�ستطاعت حتقيق ح�ضور كبري وم�ؤثّر‬ ‫ومناف�س حتى لو كانت ا�ستثناءات‪ ،‬فوجود‬ ‫هذه اخلربات ميثّل فر�صة قابلة للتوظيف‬ ‫والتح�سني مع الوقت لتوفري قاعدة خربة قادرة‬ ‫على بناء مواقع ونظم وتطبيقات وخدمات‬ ‫تدعم ا�ستخدام تقنية املعلومات واالت�صاالت‬ ‫يف التنمية الثقافية‪.‬‬

‫فئة ناجحة‬

‫هناك فئة من الأفراد وامل�ؤ�س�سات‬ ‫الر�سمية وغري احلكومية واخلا�صة ا�ستطاعت‬ ‫�أن جتتهد وتعرف طريقها �إىل ما يتعني عليها‬ ‫القيام به يف جمال بناء الوجه الرقمي للثقافة‬ ‫العربية‪ ،‬وهذه الفئة على قلتها وحمدوديتها‬ ‫يف الوقت احلا�رض متثّل فر�صة يتعينّ اغتنامها‬ ‫واال�ستفادة من جتاربها الناجحة يف تو�سيع‬ ‫نطاق من ي�سريون على دربها �أو من لديهم‬ ‫يو�سع نطاق الأطراف‬ ‫اال�ستعداد لذلك‪ ،‬مبا ّ‬ ‫امل�شاركة ب�شكل �سليم يف امل�سار ال�سليم داخل‬ ‫عملية التنمية الثقافية املعتمدة على �إمكانات‬ ‫تقنية املعلومات واالت�صاالت‪.‬‬

‫بذرة ثقافة متع ّددة الو�سائط‬

‫ثمة ب�صي�ص �أمل �آخر على �أن الثقافة‬ ‫العربية قد بد�أت ترنو بب�رصها �إىل مزايا الدمج‬ ‫بني كونها ثقافة �سماعية يف الغالبية ال�ساحقة‬ ‫من الأحيان وانقرائية يف بع�ض الأحيان �إىل‬ ‫كونها ثقافة متع ّددة الو�سائط يت ّمازج فيها‬ ‫الن�ص مع ال�صورة وال�صوت و الفيديو‪ ،‬وهذا‬ ‫ّ‬ ‫جمال وا�سع النطاق �أمام تذويب املنتج الثقايف‬ ‫القدمي �أو احلديث يف عقول ماليني الأميني‬ ‫وقليلي املعرفة والتعليم يف الوطن العربي‪،‬‬ ‫وقد �أثبتت التقنيات احلديثة كفاءة وا�ضحة يف‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫جناحات يف جذب اجلماهري‬

‫�إذا كانت لدينا كفاءات يف الت�صميم متثّل‬ ‫فر�صة يتعينّ اغتنامها‪ ،‬فلدينا �أي�ض ًا كفاءات يف‬ ‫كيفية جذب جماهري الف�ضاء الرقمي والو�صول‬ ‫�إىل قطاعات وا�سعة منها باملنتج الثقايف‪.‬‬ ‫�صحيح �أن التجارب الناجحة التي �أ�شار �إليها‬ ‫التحليل جميعها يف جمال املو�سيقى وال�سينما‪،‬‬ ‫نكرر جتربة‬ ‫لكن هذا يعني �أن لدينا فر�صة لكي ّ‬ ‫اجلماهريية واالنت�شار يف جماالت �أخرى و�أن‬ ‫اخلربة موجودة ومن ثم فالفر�صة ممكنة‪.‬‬ ‫ورمبا تكون �أف�ضل و�أقوى فر�صة يتيحها‬ ‫الو�ضع الراهن للوجه الرقمي للثقافة العربية‬ ‫هي تلك «البذرة» من اجلودة واجلدية والأهمية‬ ‫التي تقول الأرقام ال�سابقة �إنها بد�أت تت�شكل‬ ‫يف الأفق البعيد �أو لنقل داخل املزارع �صعبة‬ ‫املرا�س يف الف�ضاء الثقايف الرقمي العربي‪،‬‬ ‫وهذه البذرة قوامها جمموعة قليلة وا�ستثنائية‬ ‫من املواقع التي تق ّدم حمتوى ذا طبيعة‬ ‫ح ّية متجددة وجودة ممتازة �أو جيدة ويف‬ ‫الوقت نف�سه على قد ٍر كب ٍري من الأهمية‪ ،‬وهذا‬ ‫بالتحديد ما حتتاجه جهود التنمية الثقافية‬ ‫وهي توظيف تقنيات املعلومات واالت�صاالت‬ ‫ل�صاحلها‪ ،‬ولذلك ف�إنها بذرة �أو فر�صة ت�ستحق‬ ‫�أن نح ّولها �إىل نبتة ثم �إىل �شجرة ثم ما ال‬ ‫ُيح�صى من الأ�شجار املماثلة التي ب�إمكانها �أن‬ ‫حت ّول الف�ضاء الثقايف الرقمي العربي من حالة‬ ‫�صعبة املرا�س قليلة الإنتاج حالي ًا �إىل �أداة ذات‬ ‫فاعلية م�ؤثرة يف التنمية الثفافية‪.‬‬

‫التحديـات‬

‫من رحم نقاط ال�ضعف العديدة ال�سابقة‬ ‫تنبثق الكثري من التحديات التي ال ب َّد من‬ ‫العمل على تفاديها لكي يتطور ويتح�سن الوجه‬ ‫الرقمي الراهن للثقافة العربية ويتخل�ص من‬

‫بع�ض �أو كل م�شكالته‪ ،‬وهذه التحديات هي‪:‬‬

‫املعلوماتية‬

‫تقدمي منتجات ثقافية وحمتوى ثقايف متعدد‬ ‫الو�سائط‪ ،‬ومن ثم ف�إن �إقبال ن�سبة ال ي�ستهان‬ ‫بها من املواقع العربية على تعددية الو�سائط‬ ‫هو فر�صة لدعم جهود التنمية الثقافية‪.‬‬

‫‪91‬‬

‫ثقافة �إدارة املحتوى والتغيري املطلوب‬

‫تغيري «ثقافة» �إنتاج و�إدارة وتوظيف‬ ‫املحتوى العربي عموم ًا على الإنرتنت‬ ‫واملحتوى الثقايف على وجه اخل�صو�ص‪.‬‬ ‫والقائمة حالي ًا على اعتقال املعلومات‬ ‫والبيانات ودفنها يف �أ�ضابريها �أو ت�رسيب‬ ‫�أقل القليل منها ثم تركه جاف ًا جامداً خام ًال‬ ‫على الإنرتنت ورمبا ن�سيانه متام ًا لي�صبح‬ ‫يف �صورة واحدة طوال الوقت‪ .‬لت�صبح هذه‬ ‫الثقافة ثقاف ًة ع�رصي ًة مغايرة قائمة على‬ ‫التج ّدد واحليوية والتفاعلية واالن�سياب احلر‬ ‫املتدفق للمعلومات والبيانات من خمازنها‬ ‫وم�ستودعاتها لدى مالكيها ومنتجيها �إىل‬ ‫يبث احليوية‬ ‫م�ستهلكيها وم�ستخدميها‪ ،‬مبا ّ‬ ‫والتن ّوع والتج ّدد يف الوجه الثقايف الرقمي‬ ‫اجلامد احلالة‪ .‬واملع�ضلة هنا �أن هذا التغيري‬ ‫تكتنفه �صعوبات جمة تتعلّق ب�أو�ضاع حرية‬ ‫التعبري وحرية تداول املعلومات ومدى االقتناع‬ ‫بحق اجلمهور العري�ض يف احل�صول على‬ ‫املعلومات واالقتناع بجدوى و�ضع املحتوى‬ ‫الثقايف على الإنرتنت �أو الوعي ب�أهمية هذه‬ ‫اخلطوة‪ .‬والو�ضع يف جممله ي�شكل حتدي ًا كبرياً‬ ‫�أمام جهود التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات‬ ‫واالت�صاالت‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق ببناء‬ ‫روابط �شبكية وبينية بني الكيانات الثقافية‬ ‫املختلفة يف العامل العربي كاجلمعيات‬ ‫الثقافية والهيئات الثقافية الر�سمية �أو حتى‬ ‫بناء جمتمعات تخ ّيلية للأفراد املبدعني يف‬ ‫املجال الثقايف‪.‬‬

‫التغيري املطلوب يف توظيف‬ ‫املحتوى العربي على �شبكة‬ ‫الإنرتنت تكتنفه �صعوبات ع ّدة‬ ‫تتعلق ب�أو�ضاع حرية التعبري‪،‬‬ ‫وحرية تداول املعلومات‪ ،‬ومدى‬ ‫االقتناع بحق اجلمهور يف احل�صول‬ ‫على املعلومات‪.‬‬

‫خطاب ثقايف حداثي و�شبابي‬

‫يرتبط االنتقال �إىل «ثقافة» جديدة يف‬ ‫�إنتاج و�إدارة املحتوى وتوظيفه ب�رضورة‬ ‫تغيري الأدوات والتقنيات امل�ستخدمة يف‬ ‫جت�سيد الوجه الثقايف الرقمي على الإنرتنت‬ ‫والتعبري عنه يف �صورة خدمات وتطبيقات‬ ‫ونظم ناب�ضة باحلياة‪ ،‬مبعني �أنه من ال�رضوري‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 92‬للتنمية الثقافية‬

‫يجب العمل على تطوير املواقع‬ ‫الثقافية العربية لتعمل ب�أدوات‬ ‫اجليل الثاين للويب التي تعتمد‬ ‫على التفاعلية املبا�رشة وامل�ستمرة‬ ‫واخلطية بني املوقع وزواره‪.‬‬

‫من ال�رضوري تطوير اخلطاب‬ ‫الثقايف الرقمي ليلبي احتياجات‬ ‫فئات �صغار ال�سن والفئات الأقل‬ ‫تعليماً‪.‬‬

‫العمل على نقل املواقع الثقافية احلالية والعمل‬ ‫على تطوير املواقع الثقافية امل�ستقبلية لتعمل‬ ‫ب�أدوات اجليل الثاين للويب التي تعتمد على‬ ‫التفاعلية املبا�رشة وامل�ستمرة واللحظية بني‬ ‫القائمني على املواقع وروادها اعتماداً جوهري ًا‬ ‫وكام ًال‪ .‬بعبارة �أخرى االنتقال من املواقع‬ ‫الكال�سيكية �إىل ال�شبكات الثقافية العاملة بنمط‬ ‫ال�شبكات االجتماعية‪ ،‬واملدونات واملنتديات‬ ‫وجمموعات املناق�شة احلرة وم�ستودعات‬ ‫البيانات والبوابات الثقافية العمالقة القائمة‬ ‫على امل�شاركة على منط املو�سوعات ذاتية‬ ‫البناء‪ .‬وت�شكّل هذه اخلطوة حتدي ًا كبرياً �أمام‬ ‫جهود التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات‬ ‫واالت�صاالت ملا حتتاجه من تغيري يف فكر‬ ‫ومهارات مالكي هذه املواقع والقائمني على‬ ‫�إدارتها وت�شغيلها و�أي�ض ًا ما تفر�ضه من �أعباء‬ ‫مالية �إ�ضافية تتطلّبها عملية التغيري‪.‬‬ ‫يف ظ ّل االنت�شار وا�سع النطاق للأمية‬ ‫الأبجدية والأمية احلا�سوبية يف غالبية‬ ‫املجتمعات العربية‪ ،‬ويف ظ ّل اجتاه الهرم‬ ‫ال�سكاين بهذه املجتمعات �إىل ا ّتخاذ الو�ضع‬ ‫املعتدل الذي يجعل منها جمتمعات فت ّية‬ ‫�أغلبها من �صغار ال�سن‪ ،‬ي�صبح تطوير خطاب‬ ‫ثقايف رقمي ينا�سب هذه اخل�صو�صية يف الواقع‬ ‫االجتماعي من التح ّديات الوا�ضحة �أمام جهود‬ ‫التوظيف الثقايف لتكنولوجيا املعلومات‪ ،‬لأن‬ ‫هذه اخل�صو�صية تتطلّب تطوير حمتوى يركّز‬ ‫على فئات الأطفال والفئات الأقل تعليم ًا ووعي ًا‪،‬‬ ‫وهو نوع من املحتوى يحتاج قدرات �إبداعية‬ ‫ب�شح‬ ‫خا�صة ت ّت�سم عادة بالندرة �أو على االقل ّ‬ ‫املوجه‬ ‫الإتاحة‪ ،‬عك�س اخلطاب �أو املحتوى‬ ‫ّ‬ ‫لفئات ال�شباب والبالغني وذوي التعليم املرتفع‬ ‫الذي ال يحمل مالمح خا�صة وال يحتاج �إىل‬ ‫�إبداع �إ�ضايف �أو متخ�ص�ص‪ .‬ويف ظ ّل حمدودية‬ ‫الإمكانات وبدائية املهارات وعدم ال�صرب على‬ ‫حتمل م�س�ؤولية الإبداع لهذه الفئات‪ ،‬يتوقع‬ ‫�أن ي�ستمر هذا التحدي قائم ًا لفرتة غري قليلة‬ ‫مقبلة‪ ،‬ليلقي بظالله على جهود التوظيف‬

‫الثقايف لتقنية املعلومات واالت�صاالت‪.‬‬

‫حتدي االن�رصاف اجلماهريي‬

‫يف العموم ال تع ّد الثقافة �سلعة �أو منتج ًا‬ ‫جاذب ًا للجماهري الوا�سعة طوال الوقت‪ ،‬ويف‬ ‫ما عدا بع�ض �أ�شكال الثقافة املحدودة ـ‬ ‫كال�سينما واملو�سيقى والغناء ـ ال جند الثقافة‬ ‫مغرية للجماهري‪ ،‬ولعل ما تعانيه حركة ن�رش‬ ‫الكتب اجلادة وحركة الأدب وال�شعر من تراجع‬ ‫جماهريي حاد خري دليل على ذلك‪ ،‬وهذا الواقع‬ ‫ج�سد نف�سه جت�سيداً كام ًال يف الواقع‬ ‫الفعلي ّ‬ ‫الرقمي عرب الإنرتنت‪ ،‬ف�إذا نح ّينا جانب ًا مواقع‬ ‫املو�سيقى وال�سينما‪� ،‬سنجد �أن هناك �إهماال‬ ‫جماهرييا حادا للمواقع الثقافية القائمة‪ ،‬وهذا‬ ‫الو�ضع ميثّل حتدي ًا �ضخم ًا �أمام جهود التوظيف‬ ‫الثقايف لتقنية املعلومات واالت�صاالت‪ ،‬ويلقي‬ ‫بعبء ثقيل على �أ�صحاب املواقع الثقافية من‬ ‫حيث اجلهود املطلوبة للرتويج واجلذب وتوليد‬ ‫«والءات» وا�سعة النطاق للمواقع بني جماهري‬ ‫ال�شبكة والف�ضاء الرقمي الذين تتخاطفهم‬ ‫�أ�شياء �أخرى عديدة خارج ال�سياق الثقايف‪.‬‬ ‫ولأن مرتبة الثقافة ووزنها يرتاجعان‬ ‫على �أجندة �أولويات العديد من الهيئات‬ ‫والكيانات الر�سمية بل على �أجندة العديد من‬ ‫املنظمات غري احلكومية يف الواقع الفعلي‪ .‬فقد‬ ‫انعك�س ذلك على الدور الذي يفرت�ض �أن تقوم‬ ‫به هذه الأطراف يف بناء الوجه الرقمي للثقافة‬ ‫العربية‪ ،‬وقد ر�أينا يف التحليالت ال�سابقة كيف‬ ‫تراجع دور امل�ؤ�س�سات الر�سمية يف العديد من‬ ‫املجاالت التي حتتاج هذا الدور ب�ش ّدة مثل‬ ‫التعليم الإلكرتوين واملكتبات الرقمية و�صيانة‬ ‫وعر�ض الفلكلور ال�شعبي‪ ،‬وبالتايل من‬ ‫ال�صعوبة مبكان املطالبة بدور ثقايف رقمي‬ ‫لهذه اجلهات وهي يف الواقع الفعلي فاقدة لهذا‬ ‫الدور‪ ،‬مبعنى �أن «فاقد ال�شيء فعلي ًا ال ميكن �أن‬ ‫يعطيه رقمي ًا»‪ ،‬والنتيجة �أننا �إزاء حت ٍّد �إ�ضايف‬ ‫�أمام جهود التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات‬ ‫واالت�صاالت‪.‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الوجه الرقمي الراهن للتنمية الثقافية العربية‬

‫�صعوبات جت�سيد الرثاء الثقايف‬

‫املعلوماتية‬

‫يجعل الرثاء ال�شديد يف الإرث احل�ضاري‬ ‫والثقايف العربي عملية التعبري عنه وجت�سيده‬ ‫جت�سيداً حقيقي ًا ومنا�سب ًا يف الف�ضاء الرقمي‬ ‫�أمراً بالغ ال�صعوبة‪ ،‬لأن اجلهود املبذولة للتعبري‬ ‫الرقمي عن هذا الإرث �ستظ ّل لفرتة طويلة‬ ‫قا�رصة وحمدودة مقارنة مبا يتعني القيام به‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل �أن التنمية الثقافية احلقّة تتطلّب‬ ‫جهوداً �ضخمة وم�ستمرة لتعريب وتوطني ق�سم‬ ‫ال ي�ستهان به من الإرث احل�ضاري ال�سابق‬ ‫واحلايل للأمم واملجتمعات الأخرى‪ .‬والتحدي‬ ‫هنا �أن ال�سنوات املا�ضية مل ت�شهد جهداً يتنا�سب‬ ‫مع متطلبات التح ّول نحو الثقافة الرقمية‪،‬‬ ‫وقد ر�أينا �أن املواقع الثلثمائة التي خ�ضعت‬ ‫للتحليل ـ مبا فيها من مواقع �شكّلت عالمات‬ ‫ا�ستثنائية من حيث ال�صحة واجلودة والقوة ـ مل‬ ‫ت�ستطع مبا فيها من حمتوى ثقايف �أن تعك�س‬ ‫قدراً معقو ًال من الرثاء ال�شديد الذي تتميز به‬ ‫الثقافة العربية والرتاث العربي يف املجاالت‬ ‫املختلفة‪ ،‬وبالتايل نحن ب�صدد حت ٍ ّد يت ّمثل يف‬ ‫الفجوة ال�ضخمة بني الإرث الثقايف املتاح عرب‬ ‫الع�صور ويتزايد مع الوقت واملطلوب رقمنته‬ ‫و�إعادة ن�رشه بني اجلماهري يف �صورة رقمية‪،‬‬ ‫متت رقمنته‬ ‫وبني املحتوى الثقايف الذي ّ‬ ‫و�أدخلت تقنية املعلومات واالت�صاالت �ضمن‬ ‫�أدوات وجهود ن�رشه وحتويله �إىل جزء فاعل‬ ‫يف الذاكرة الثقافية والذهن الثقايف العربي‬ ‫احلايل‪.‬‬ ‫مل تق ّدم خربة ال�سنوات املا�ضية منذ بدء‬ ‫دخول الإنرتنت �إىل العامل العربي يف الن�صف‬ ‫الثاين من ت�سعين ّيات القرن املا�ضي ما يدل‬ ‫على �أن الوجه الرقمي للثقافة العربية هو‬ ‫جمال جاذب لال�ستثمارات وتوليد قدر من‬ ‫العوائد والأرباح كما هو احلال يف العديد من‬ ‫مناطق العامل الأخرى‪ ،‬وقد �شكّل هذا الو�ضع‬ ‫حتدي ًا يف ما يتعلق مبدى �إقدام القطاع‬ ‫اخلا�ص على اقتحام هذا املجال وامل�ضي قدم ًا‬ ‫يف اال�ستثمار فيه وتقدمي خدمات وتطبيقات‬ ‫وبوابات ثقافية فاعلة قائمة على الربح‬

‫وتخدم املاليني من النا�س‪� ،‬سواء يف ما يتعلق‬ ‫بالن�رش الإلكرتوين العادي �أو املتعدد الو�سائط‬ ‫�أم يف تقدمي املنتجات الثقافية الرتفيهية يف‬ ‫ال�سينما واملو�سيقى وغريها‪ .‬ومن هنا �سيظل‬ ‫الفتور بني ر�أ�س املال العربي اخلا�ص من‬ ‫جهة وم�رشوعات التوظيف الثقايف لتقنية‬ ‫املعلومات من جهة ثانية مع�ضلة رمبا تعيق‬ ‫ق�سم ًا من امل�رشوعات اجلارية يف هذا ال�صدد‪.‬‬ ‫يكتنف الغمو�ض موقف العديد من املواقع‬ ‫الثقافية العربية من ق�ضايا امللكية الفكرية‬ ‫وحقوق الت�أليف والن�رش وما يتعلق بها من‬ ‫قوانني وت�رشيعات‪ ،‬فال هي تعلن �رصاحة‬ ‫التزامها بهذه القوانني والت�رشيعات وما‬ ‫يرتتب عنها من �أعباء وحقوق ومكت�سبات‪ ،‬وال‬ ‫هي تعلن �رصاحة عن تبنيها لفكر ومنهجية‬ ‫املحتوى الثقايف املفتوح البعيد عن قيود‬ ‫امللكية الفكرية ومظلّتها القانونية مع ما‬ ‫يرتتب عن ذلك من �أعباء ومكت�سبات‪ .‬ولعل هذا‬ ‫الغمو�ض من الأمور التي تغذي التحدي ال�سابق‬ ‫املتعلق بفتور القطاع اخلا�ص يف �إقباله على‬ ‫م�رشوعات التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات‬ ‫واالت�صاالت‪ ،‬لكنه �أي�ض ًا ي�شكّل يف ح ّد ذاته‬ ‫حتدي ًا لهذه امل�رشوعات �سواء كان القطاع‬ ‫اخلا�ص طرف ًا فيها �أم كانت تابعة لأطراف‬ ‫�أخرى ك�أ�شخا�ص �أو منظمات غري حكومية �أو‬ ‫م�ؤ�س�سات وهيئات ر�سمية‪.‬‬

‫‪93‬‬

‫من ال�صعوبة املطالبة بدور‬ ‫ثقايف رقمي للم� ّؤ�س�سات الر�سمية‪،‬‬ ‫وهي يف الواقع الفعلي فاقدة لهذا‬ ‫الدور لأن فاقد ال�شيء فعلي ًا ال ميكن‬ ‫�أن يعطيه رقم ّياً‪ ،‬وهذا حت ّد �إ�ضايف‬ ‫�آخر‪.‬‬

‫االجنذاب للآخر واالنكفاء على الذات‬

‫ُيع ّد االجنذاب نحو ثقافة الآخر حتدي ًا‬ ‫م�ستحدث ًا‪ .‬و�أبرز مثال يظهر فيه هذا االجنذاب‬ ‫هو ميل عدد متزايد من املواقع الثقافية‬ ‫العربية املوجهة �إىل املواطن العربي ـ ولي�س‬ ‫الغربي ـ �إىل االبتعاد عن لغتها العربية والعمل‬ ‫بلغات �أجنبية �أخرى‪ ،‬حتى �أن البع�ض منها‬ ‫يبدو وك�أنه يت�أفف من لغته‪ ،‬وامل�ؤ�سف �أن هذا‬ ‫االجتاه يتزايد مع الوقت و�إذا كان ي�شكّل الآن‬ ‫حتدي ًا يظهر على ا�ستحياء‪ ،‬ف�إنه يف امل�ستقبل‬ ‫�سيكون حتدي ًا وا�ضح ًا يتحدى اجلميع‪.‬‬ ‫�إذا كان داء «االجنذاب» الأعمى للآخر‪،‬‬

‫من ال�رضوري حتفيز ر�أ�س‬ ‫املال العربي على اال�ستثمار يف‬ ‫م�رشوعات التوظيف الثقايف لتقنية‬ ‫املعلومات وتقدمي خدمات وبوابات‬ ‫ثقافية قائمة على الربح‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 94‬للتنمية الثقافية‬ ‫ثمة غمو�ض قانوين يف موقف‬ ‫املواقع الثقافية العربية من ق�ضايا‬ ‫امللكية الفكرية على �شبكة الإنرتنت‪.‬‬

‫ميثّل حتدي ًا نا�شئ ًا يف الف�ضاء الرقمي‪ ،‬ف�إن داء‬ ‫«التقوقع» واالنكفاء على الذات هو حت ّد يحتل‬ ‫الطرف املقابل من املعادلة‪ ،‬فن�سبة كبرية من‬ ‫املواقع العربية التي ت�شكّل ق�سم ًا ال ي�ستهان‬ ‫به من الوجه الرقمي للثقافة العربية متار�س‬ ‫على نف�سها «ثقافة» االنكما�ش والتقوقع‪ ،‬وال‬ ‫تقوم بالإعالن عن نف�سها يف الفهار�س الكربى‬ ‫ملحركات البحث العاملية‪ ،‬وال تر ّوج لنف�سها‬ ‫مبا يكفي‪� ،‬إما ـ كما �سبق القول ـ عمداً �أو �إهما ًال‬

‫وك�أنها تت�أفف من الو�صول �إىل اجلمهور‬ ‫العري�ض �سواء كان عربي ًا �أم غري عربي وتدفع‬ ‫بنف�سها �إىل ما ي�سمى «بالإنرتنت اخلفية»‪.‬‬ ‫وبالطبع ف�إن هذا التوجه ي�شكّل حتدي ًا لكونه‬ ‫يفرغ جهود التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات‬ ‫واالت�صاالت من الكثري من م�ضمونه ويحيله‬ ‫�إىل ما ي�شبه الكتب املخزنة يف �أ�ضابري داخل‬ ‫خمازن حتت الأر�ض ي�صعب الو�صول �إليها‬ ‫فيغدو ك�أ ّنه مل يكن �أو بال قيمة‪.‬‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫الدور املحتمل للمعلوماتية يف دعم التنمية الثقافية‬

‫املعلوماتية‬

‫الف�صل الثالث‬ ‫الدور املحتمل للمعلوماتية يف دعم التنمية الثقافية‬ ‫«التوجهات الأ�سا�سية»‬ ‫ّ‬ ‫االن�سياب والتداول للحر للمعلومات‬

‫ميكن القول �إن �ضعف املحتوى وقلة‬ ‫توظيف تقنية املعلومات كرافعة للتنمية‬ ‫الثقافية لي�سا ناجمني عن فقر يف البنية‬ ‫الأ�سا�سية واملوارد املتعلقة بن�رش احلا�سبات‬ ‫وتقنية املعلومات بقدر ما هما ناجمان عن‬ ‫�أن املعلومات نف�سها ـ ثقافية وغري ثقافية ـ‬ ‫تواجهها �صعوبات يف التداول والتدوير والن�رش‪،‬‬ ‫�أو �أن املعلومات نف�سها �ضئيلة واليزال الق�سم‬ ‫الأكرب منها خارج �سياق التنمية با�ستخدام‬ ‫تقنية املعلومات‪� .‬إذ ت�ؤكّد التحليالت ال�سابقة‬ ‫حر يف املعلومات‬ ‫جميعها عدم وجود ان�سياب ّ‬ ‫الثقافية املتداولة عرب املواقع الثقافية وما‬ ‫تت�ض ّمنه من قنوات‪ ،‬كما ت�ؤكد على الغياب‬ ‫�شبه الكامل ملنهجيات و�أدوات الإبداع املفتوح‬ ‫واحلر يف ما بني عنا�رص ومكونات الثقافة‬ ‫ّ‬ ‫العربية �سواء الرقمية �أو غري الرقمية‪ ،‬وهو ما‬ ‫جعل الوجه الرقمي للثقافة العربية يبدو مكب ًال‬ ‫ثقيل احلركة �سواء على �صعيد تداول املعلومات‬ ‫�أم على �صعيد الإبداع‪ .‬وال�س�ؤال‪ :‬هل من دور‬ ‫يحتمل �أن تلعبه املعلوماتية كرافعة للتنمية‬ ‫الثقافية وهي تعاين من هذه الإ�شكالية؟‬ ‫ويف �ضوء القراءة املت�أنية للتحليالت‬ ‫والنتائج ال�سابقة مبا فيها من نقاط قوة‬ ‫و�ضعف وفر�ص وحتديات ميكننا القول �إن‬ ‫التغلب على �ض�آلة املحتوى الثقايف وهزاله‬ ‫لي�س له �سوى و�سيلة واحدة هي «احلرية»‬ ‫يف تداول املعلومات ويف منهجية �إنتاجها‬ ‫وامل�شاركة فيها وتوظيفها‪.‬‬ ‫ولكي ن�صل �إىل هذه الو�سيلة هناك توجهان‬

‫�أ�سا�سيان يتعني توافرهما لدى خمططي برامج‬ ‫وم�رشوعات التنمية الثقافية العربية‪ ،‬وذلك‬ ‫ك�رشط �أ�سا�سي وحيوي من �أجل متهيد الأر�ضية‬ ‫الالزمة لكي ت�سري عليها جهود التوظيف‬ ‫الثقايف لتقنية املعلومات واالت�صاالت‬ ‫التوجهان هما‪:‬‬ ‫لأق�صى م�ستوى ممكن‪ ،‬وهذان ّ‬ ‫االن�سياب والتداول احلر للمعلومات يف العامل‬ ‫كتوجه يعمل كع�صب رئي�سي لتدعيم‬ ‫العربي‬ ‫ّ‬ ‫التنمية والإبداع الثقايف بالوطن العربي من‬ ‫ناحية؛ و»امل�صادر املفتوحة» باعتبارها‬ ‫التوجه املالئم والأن�سب حالي ًا للتطبيق يف‬ ‫م�رشوعات التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات‬ ‫واالت�صاالت من ناحية �أخرى‪.‬‬ ‫وقد تط ّورت النظرة �إىل حرية تداول‬ ‫املعلومات عرب الزمن حتى �أ�صبح ينظر �إليها‬ ‫الآن على �أنها واحدة من �أهم مقت�ضيات‬ ‫التنمية املجتمعية ال�شاملة‪ ،‬وتنطلق هذه‬ ‫النظرة من �أن احلق يف تداول املعلومات ركيزة‬ ‫�أ�سا�سية من ركائز التنمية �سيا�سي ًا واقت�صادي ًا‬ ‫واجتماعي ًا‪ .‬لكن هذه النظرة ال�شاملة ال تنفي‬ ‫�أن حرية التعبري �إعالمي ًا وثقافي ًا ـ كحقّ �أ�صيل‬ ‫من حقوق الإن�سان ـ كانت هي الرحم الأ�سا�سي‬ ‫الذي ولد وت�شكّل فيه هذا التوجه وال يزال ينمو‬ ‫من خالله‪.‬‬ ‫وخالل ال�سنوات الأخرية تزايد االعرتاف‬ ‫الر�سمي بحق احل�صول على املعلومات‪ ،‬بحيث‬ ‫تب ّنى العديد من البلدان د�ساتري جديدة تعرتف‬ ‫بو�ضوح بهذا احلق‪ ،‬وقامت املحاكم العليا يف‬ ‫بلدان �أخرى بتف�سري ال�ضمانات الد�ستورية‬ ‫اخلا�صة بحرية التعبري على �أنها تت�ضمن‬

‫‪95‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 96‬للتنمية الثقافية‬

‫احلق يف حرية الو�صول �إىل املعلومات‪ ،‬وحتى‬ ‫مار�س ‪ 2009‬كانت ‪ 66‬دولة قد �أ�صدرت قوانني‬ ‫تتعلق بحقّ احل�صول على املعلومات‪ ،‬وذلك‬ ‫طبق ًا لتقديرات موقع منطمة «حرية احل�صول‬ ‫على املعلومات‬ ‫‪»/http://www.freedominfo.org‬‬ ‫حتى مار�س ‪ 2009‬كانت ‪ 66‬دولة‬

‫ثنائية الثقافة واملعلومات‬

‫املنتج الثقايف ـ بغ�ض النظر عن نوعيته‬ ‫يف العامل قد �أ�صدرت قوانني تتعلق‬ ‫بحق احل�صول على املعلومات‪.‬‬ ‫وطبيعته ـ هو يف التحليل الأخري ‏وجبة‏‬ ‫“معلومات” ومعارف مو�ضوعة يف �صيغة‬ ‫ن�صية مطبوعة يف كلمات �أو �صور ور�سوم‪...‬‬ ‫�إلخ‪� ،‬أو �صورة م�سموعة �أو مرئية‪ ،‬واملفرت�ض �أن‬ ‫‏تتيح هذه الوجبة ملتلقيها التعرف �إىل عامله‬ ‫املحيط به وترفع وعيه مبا�ضيه وحا�رضه‬ ‫وم�ستقبله‪ ،‬كما تن ّمي لديه املعرفة بحقوقه‬ ‫القانونية واملالية والد�ستورية وال�سيا�سية‬ ‫والوظيفية واخلدمية والعالجية والتعليمية‪،‬‬ ‫وكيفية احل�صول عليها وكيفية ا�ستخدام و�سائل‬ ‫ممار�سته لهذه احلقوق والدفاع عنها والتعبري‬ ‫عنها‪ ،‬وعليه ف�إن عملية �إنتاج وا�ستهالك‬ ‫الثقافة ت�ض ّم طرف ًا ينتج وميلك الثقافة وقد‬ ‫يكون فرداً �أو من�ش�أ ًة �أو م�ؤ�س�س ًة �أو دول ًة‪ ،‬وطرف ًا‬ ‫يقوم ب�إعداد ونقل هذه الوجبة وتقدميها وهي‬ ‫امل�ؤ�س�سات القائمة على ن�رش الثقافة من دور‬ ‫ن�رش و�صحف وقنوات �إعالم وترفيه و�سينما‬ ‫وم�رسح ومعار�ض فنية وكتب وغريها‪ ،‬وطرف ًا‬ ‫يتلقى الثقافة ويتفاعل معها ويت�أثر بها ويثري‬ ‫ردود فعل حولها وهو اجلمهور العري�ض‪.‬‬ ‫ال غنى عن حرية املعلومات‬ ‫وفق ًا لهذا التحليل نحن �أمام حالة مثالية‬ ‫ك�ضمانة �أ�سا�سية ملنتجي الثقافة‬ ‫يف احتياجها �إىل احلقّ يف الو�صول �إىل‬ ‫وناقليها وم�ستهليكيها‪.‬‬ ‫املعلومات وحرية �إعدادها ونقلها ثم ن�رشها‬ ‫وتوزيعها والتعبري عنها‪ ،‬وكذلك حالة مثالية‬ ‫يف احتياجها لآلية وا�ضحة ت�ؤ�س�س لعالقة‬ ‫منظّ مة متوازنة وعادلة عند ممار�سة هذا احلق‬ ‫يف ما بني الأطراف الثالثة‪ ،‬مبا ي�ؤدي �إىل‪:‬‬ ‫ممار�سة منتجي الثقافة لدورهم يف الإبداع‬ ‫والتعبري والنقد من ناحية؛ وممار�سة ناقلي‬ ‫الثقافة لدورهم يف ن�رش وتوزيع املنتج الثقايف‬

‫وتداوله من ناحية �أخرى‪ .‬وممار�سة م�ستهلكي‬ ‫الثقافة حلقهم يف الو�صول للمنتج الثقايف‬ ‫والتعاطي معه بال�صورة التي ترفع وعيهم‬ ‫وتن ّمي ثقافتهم من ناحية ثالثة و�أخرية‪ .‬من‬ ‫هنا ف�إن حرية املعلومات ُتع ّد �إحدى ال�ضمانات‬ ‫الأ�سا�سية املطلوبة لكي ميار�س منتجو الثقافة‬ ‫وناقلوها وم�ستهلكوها دورهم ويح�صلون على‬ ‫حقوقهم‪.‬‬

‫�أو ًال‪ :‬التنمية الثقافية وتقنية املعلومات‬

‫منذ ظهور الأجيال الأوىل لتقنية‬ ‫املعلومات يف خم�سين ّيات القرن املا�ضي ظ ّل‬ ‫التوجه الرئي�سي لتقنية املعلومات مركّزاً على‬ ‫قطاعات املال والأعمال واالقت�صاد والتجارة‬ ‫والت�صنيع‪ ،‬وقد تكثّف هذا التوجه مبرور الوقت‬ ‫حتى بلغ ذروته مع موجة الإنرتنت الكربى‬ ‫التي انطلقت يف الت�سعين ّيات و ُت ّوجت مبا عرف‬ ‫«مبوجة الدوت كوم»‪ ،‬ذلك اال�صطالح الذي مت‬ ‫ا�شتقاقه من الق�سم الأول للفظة �رشكة ‪compan‬‬ ‫‪ ny‬بالإجنليزية‪ ،‬للداللة على �أن قوة الإنرتنت‬ ‫ـ التي متثّل اخلال�صة املركّزة لقوة تقنية‬ ‫املعلومات عموم ًا ـ قد تالحمت ومتازجت مع‬ ‫«ال�رشكة» باعتبارها اللبنة الأ�سا�سية واحليوية‬ ‫لالقت�صاد يف عامل اليوم‪.‬‬ ‫ومع مطلع القرن اجلديد وظهور اجليل‬ ‫الثاين للويب وما يعرف بالويب الداللية‬ ‫وغريها من التطورات الرئي�سية الأخرى يف‬ ‫تقنية املعلومات مل تعد «الكوم» �أو ال�رشكة هي‬ ‫حمطّ �أنظار التقنية �أو قلبها وحمورها الناب�ض‬ ‫والغالب‪ ،‬بل �أ�صبحت الثقافة بتنويعاتها‬ ‫وفروعها وامتدادتها املختلفة هي مركز‬ ‫اجلذب الرئي�سي‪ ،‬و�أ�صبحت التطبيقات الثقافية‬ ‫للتقنية يف جماالت الإبداع والرتفيه والتوا�صل‬ ‫والفنون والآداب والتعبري والرتاث والرتبية‬ ‫والبحث وال�سياحة وال�شبكات االجتماعية‬ ‫وغريها �صاحبة ال�صوت امل�سموع على ال�ساحة‪،‬‬ ‫�سواء داخل الإنرتنت �أو خارجها‪ ،‬وحالي ًا بلغ‬ ‫التمازج بني الثقافة وتقنية املعلومات م�ستوى‬ ‫جعل التوظيف الثقايف للتقنية واحدة من �أبرز‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫الدور املحتمل للمعلوماتية يف دعم التنمية الثقافية‬

‫‪97‬‬

‫وا�سرتاتيجيات وخطط التنمية املجتمعية‬ ‫ال�شاملة‪ ،‬وراحت ت�ؤثّر وتت�أثر مبا يجري على‬ ‫هذه ال�ساحة من تغريات‪ ،‬بعد �أن ظهر للعيان‬ ‫ما فعله االقت�صاد يف غيبة الثقافة مب�سرية‬ ‫التنمية املجتمعية‪ ،‬كان الب ّد للثقافة من �أن‬ ‫ت�صبح هي حمور التنمية‪ ،‬فاحتلت بذلك موقع‬ ‫القلب‬ ‫املحرك الذي تدور حوله عمليات التنمية‬ ‫ّ‬ ‫القطاعية‪� ،‬سيا�سية واقت�صادية وتربوية‬ ‫وعلمية وتكنولوجية‪ ،‬وذلك عالوة على التنمية‬ ‫الفكرية والإبداعية‪.‬‬ ‫وعلى اجلانب الآخر تظهر تقنية املعلومات‬ ‫كمحور للمنظومة التنموية ال�شاملة‪ ،‬فهي ـ‬ ‫�أى تقنية املعلومات ـ قد �أثبتت جدارتها يف‬ ‫ك ّل امليادين �إىل �أن غدت قا�سم ًا م�شرتك ًا‬ ‫بني جميع التقنيات من دون ا�ستثناء‪ ،‬تقنية‬ ‫الزراعة وتقنية ال�صناعة وتقنية الطب والدواء‬ ‫وتقنية التعليم وتقنية الإعالم وتقنية النقل‬ ‫واملوا�صالت‪ ،‬ويتنامى حالي ًا دور تقنية‬ ‫املعلومات يف جمايل الفنون والرتفيه‪ ،‬وتلتقي‬ ‫الثقافة مع تقنية املعلومات �أ�سا�س ًا على جبهة‬ ‫الرمز‪ ،‬و�أ�صبحت تقنية املعلومات �أهم �أدوات‬ ‫�صناعة الثقافة و�أهم ق�ضاياها االجتماعية‪،‬‬ ‫كما �أ�صبحت �صناعة الثقافة �أهم تطبيقات‬ ‫تقنية املعلومات‪ ،‬فتطبيقات الثقافة من تربية‬ ‫و�إعالم وترفيه قد �صارت هي الآن التطبيقات‬ ‫احلاكمة التي تدفع بتقنية املعلومات ‪ :‬عتاد‬ ‫وبرجمة وات�صاالت �إىل م�شارف جديدة‪ ،‬وذلك‬ ‫حتت �ضغط املطالب الفنية القا�سية التي ت ّت�سم‬ ‫بها التطبيقات الثقافية‪ ،‬فالفنان الت�شكيلي‬ ‫يحتاج �إىل �شا�شة حا�سب ثرية الألوان دقيقة‬ ‫التحليل‪ ،‬وم�ص ّمم الربامج الرتبوية يحتاج �إىل‬ ‫حا�سب �أكرث ذكاء ليتجاوب مع املتعلم ب�صورة‬ ‫دينامية وطبيعية‪ ،‬و�أر�شفة الرتاث الثقايف‬ ‫املكتوب وامل�سموع واملرئي تتطلّب و�سائل‬ ‫تخزين �إلكرتونية عالية ال�سعة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل‬ ‫‪1‬‬ ‫�آليات ا�سرتجاع تت�صف باملرونة وال�رسعة»‬

‫كان احلبل ال�رسي �أو اجل�رس الأ�سا�سي الذي‬ ‫فتح املجال لهذا التمازج الوا�سع النطاق هو مبد�أ‬ ‫«حرية الو�صول للمعلومات» �أو «حرية تداول‬ ‫املعلومات»‪ ،‬فاملنتج الثقايف بطيعيته ـ كما‬ ‫�أ�سلفنا ـ هو منتج ذهني فكري مك ّونه الأ�سا�سي‬ ‫هو املعلومات والبيانات وال�صور والإبداعات‬ ‫جت�سد فكر مبدع ومنتج الثقافة �أي ًا كان‬ ‫التي ّ‬ ‫تخ�ص�صه �أو م�ستواه �أو مكانه على الأر�ض‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وتقنية املعلومات هي بطبيعتها قنوات لنقل‬ ‫املعلومات وتداولها معاجلتها و�إدارتها بني‬ ‫النا�س ب�صورة �أو ب�أخرى‪ ،‬وبالتايل ف�إن مبد�أ‬ ‫حق الو�صول �إىل املعلومات وحرية تداولها‬ ‫يعد ال�ضابط الأ�سا�سي لقوة اجلذب التي من‬ ‫�ش�أنها جذب الثقافة للتقنية والعك�س‪ ،‬بعبارة‬ ‫�أخرى ن�ستطيع القول �إن حرية الو�صول �إىل‬ ‫املعلومات كانت والتزال هي العامل الأ�سا�سي‬ ‫يف الت�أثري على بارومرت العالقة بني التنمية‬ ‫الثقافية من جهة‪ ،‬وتقنية املعلومات من‬ ‫جهة �أخرى‪ ،‬يف جميع املجتمعات‪ .‬حتى �أنه‬ ‫�سجلت تقدم ًا‬ ‫ميكننا القول �إن املجتمعات التي ّ‬ ‫حقيقي ًا وفعلي ًا على �صعيد حرية الو�صول �إىل‬ ‫املعلومات وتداولها هي ذاتها املجمعات التي‬ ‫�سجلت تقدم ًا حقيقي ًا وقطعت �شوط ًا طوي ًال‬ ‫ّ‬ ‫يف توظيف تقنية املعلومات ك�أداة من �أدوات‬ ‫التنمية الثقافية‪ ،‬وحدث فيها متازج عميق‬ ‫ووا�سع النطاق بني الطرفني‪ ،‬والعك�س‪.‬‬

‫املعلوماتية‬

‫ال�سمات التي ت ّت�سم بها ثورة املعلومات‪.‬‬ ‫حرية املعلومات‪ :‬منظور العالقة بني‬ ‫انتقلت تداعيات هذه الظاهرة �إىل ر�ؤى الثقافة والتقنية‬

‫�سجلت تقدم ًا‬ ‫املجتمعات التي ّ‬ ‫حقيقي ًا وفعلي ًا على �صعيد حرية‬ ‫الو�صول �إىل املعلومات وتداولها‪،‬‬ ‫�سجلت‬ ‫هي ذاتها املجتمعات التي ّ‬ ‫تقدم ًا حقيقي ًا وقطعت �شوط ًا طوي ًال‬ ‫يف توظيف تقنية املعلومات ك�أداة‬ ‫من �أدوات التنمية الثقافية‪.‬‬

‫ثالثية الثقافة واملعلومات والتقنية‬ ‫عربي ًا‬

‫يف �ضوء ما عر�ضناه حول البنية التحتية‬ ‫املتاحة حال ّي ًا للمجتمعات العربية يف الق�سم‬ ‫الأول من هذه الدرا�سة‪ ،‬وما تو�صلت �إليه‬ ‫حتليالت الواقع الراهن يف الق�سم الثاين‪ ،‬ميكن‬ ‫القول �إن املجتمعات العربية تتوافر لديها‬ ‫قنوات تكنولوجية ال ب�أ�س بها لإنتاج ونقل‬ ‫املنتج الثقايف ون�رشه وتوزيعه على �رشيحة‬

‫‪ 1‬ـ د‪.‬نبيل على ـ الثقافة العربية وع�رص املعلومات ـ الكويت ـ عامل املعرفة ـ ‪ 2001‬ـ �ص ‪93‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 98‬للتنمية الثقافية‬

‫من اجلماهري ال ي�ستهان بها؛‪ 1‬بيد �أن القيود‬ ‫على تدفق املعلومات وحرية تداولها تلعب‬ ‫دوراً يف جعل البنية املعلوماتية التي �أُن�شئت‬ ‫�أو يجري �إن�شا�ؤها يف الوطن العربي تبدو‬ ‫يف ال�ساحة الثقافية والإبداعية كما لو كانت‬ ‫«بنادق فارغة» �أو طرق ًا �رسيعة عالية الكفاءة‬ ‫مير عليها �أحد‪� ،‬أو خمازن �ضخمة ال‬ ‫ولكن ال ّ‬ ‫تدخلها ب�ضائع‪� ،‬أو �أرا�ضي م�ست�صلحة ال يزرع‬ ‫فيها �شيء‪ ،‬وتق ّدم نتائج الو�ضع الراهن للكثري‬ ‫من املواقع ذات العالقة بالتنمية الثقافية‬ ‫التي �شملتها التحليالت ال�سابقة دلي ًال على‬ ‫ذلك‪ ،‬بخا�صة يف ما يتعلق بالأداء الرقمي‬ ‫للم�ؤ�س�سات الثقافية الر�سمية‪.‬‬

‫�أمام ان�سياب وحرية تداول املعلومات‪ ،‬ونعني‬ ‫بها امل�شكالت التي تربز عندما يحدث التما�س‬ ‫بني ما هو تكنولوجي وما هو اجتماعي‬ ‫و�سلوكي وجمتمعي‪ ،‬والتي تتج�سد يف �صورة‬ ‫عديدة داخل املجتمع العربي‪ ،‬من �أبرزها‬ ‫ت�شابك الفقر مع الغنى‪ ،‬واجلهل مع العلم‪،‬‬ ‫أياد قوية تكبح‬ ‫والع�شوائية مع النظام‪ ،‬ووجود � ٍ‬ ‫حركة وان�سياب املعلومات لأ�سباب متعددة‪،‬‬ ‫بل ولديها ر�ؤاها اخلا�صة لكيفية �إحداث تنمية‬ ‫معلوماتية‪ ،‬وحم�صلة هذه امل�شكالت هي‬ ‫احل ّد من ان�سياب املعلومات وحرية تداولها‬ ‫بامل�ستوى الذي تقت�ضيه التنمية الثقافية‬ ‫وم�رشوعاتها‪.‬‬

‫الإ�شكالية و�أ�سبابها‬

‫امل�سار الثاين‪ :‬الهاج�س ال�سيا�سي‬

‫مل تن�ش�أ �إ�شكالية «البنادق الفارغة» التي‬ ‫يعاين منها ق�سم كبري من البنية املعلوماتية‬ ‫العربية القائمة من فراغ‪ ،‬فهناك �أ�سباب تكمن‬ ‫وراء ال�ضمور يف حجم املعلومات املتداولة‬ ‫عرب البنية املعلوماتية العربية يف جماالت‬ ‫عديدة يت�ص ّدرها املجال الثقايف‪ ،‬وتتو ّزع هذه‬ ‫الأ�سباب يف ثالثة م�سارات‪:‬‬

‫امل�سار املجتمعي‬

‫ن�رش تقنية املعلومات يف ن�سيج �أي‬ ‫نام ـ كاملجتمع العربي ـ يتطلّب ت�شييد‬ ‫جمتمع ٍ‬ ‫البنية الأ�سا�سية لتقنية املعلومات داخل‬ ‫املجتمع‪ ،‬كبناء ال�شبكات وتدريب الب�رش و�رشاء‬ ‫الأجهزة وعقد االتفاقات‪ ،‬وعوائق ذلك ال‬ ‫تتعدى امليزانيات وبع�ض التعقيدات ال�شائعة‬ ‫يف التنفيذ‪ ،‬ويعقب ذلك حماولة توظيف ما مت‬ ‫�أو يت ّم بنا�ؤه يف خدمة املجتمع ب�شكل عملي‬ ‫وفعلي‪ ،‬وهنا يتطلب الأمر التعامل مع ما يوجد‬ ‫باملجتمع من تراث ح�ضاري و�سلوكيات وطرق‬ ‫يف التفكري وثقافة �سائدة و�أ�ساليب يف العمل‬ ‫وتوازنات للقوى‪ ،‬ن�ش�أت يف كنفها م�صالح‬ ‫ومكت�سبات للبع�ض‪ ،‬وهنا بالتحديد تن�ش�أ ما‬ ‫ميكن �أن نطلق عليه العقبة «التكنواجتماعية»‬ ‫‪1‬‬

‫راجع �إح�صاءات الف�صل الأول‬

‫تثري ق�ضية ان�سياب وحرية تداول‬ ‫املعلومات الكثري من التحفظات لدى م�ؤ�س�سات‬ ‫عديدة بالوطن العربي يف الوقت احلايل‪،‬‬ ‫وت�أتي هذه التحفظات عادة مدفوعة بهواج�س‬ ‫�سيا�سية بالأ�سا�س‪ ،‬تفرت�ض �أن ان�سياب وحرية‬ ‫تداول املعلومات الب ّد و�أن يولّد متاعب بدرجة‬ ‫�أو ب�أخرى‪ ،‬خ�صو�ص ًا �إذا كان الأمر متعلق ًا‬ ‫بالثقافة والتنمية الثقافية والإبداع يف الفنون‬ ‫والآداب والفكر وال�صحافة والإعالم‪ ،‬وتبدو‬ ‫الق�ضية يف كثري من الأحيان وداخل العديد‬ ‫من املحافل وك�أنها تكاد ت�شطر املوقف‬ ‫ال�سيا�سي الثقايف العربي حيالها �إىل ق�سمني‪،‬‬ ‫الأول يت ّمركز فيه الداعون �إىل ان�سياب وحرية‬ ‫تداول املعلومات باعتبارها و�سيلة ال غنى‬ ‫عنها لتحقيق التنمية الثقافية واملجتمعية‬ ‫ممن ينتمون لفئات‬ ‫ال�شاملة‪ ،‬وهم يف الغالب ّ‬ ‫ثقافية و�إعالمية وفكرية ودعاة حقوق‬ ‫�إن�سان وجمتمع مدين ‪�..‬إلخ‪ ،‬والثاين يت ّمركز‬ ‫فيه الداعون �إىل «�أمن وحماية املعلومات»‬ ‫ك�ضمانة ال غنى عنها ال�ستقرار و�أمن املجتمع‬ ‫ممن‬ ‫و�صيانة م�صاحله العليا‪ ،‬وهم يف الغالب ّ‬ ‫ينتمون لفئات �سيا�سية و�أمنية‪.‬‬ ‫وت�شهد الق�ضية �سجا ًال م�ستمراً بني‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫الدور املحتمل للمعلوماتية يف دعم التنمية الثقافية‬

‫امل�سار الثالث‪ :‬الإرث القانوين احلاجب‬ ‫للمعلومات‬

‫تنت�رش ظاهرة الإرث القانوين احلاجب‬ ‫للمعلومات يف املجتمعات العربية مب�ستويات‬ ‫متفاوتة احل ّدة والعمق‪ ،‬وتكاد ال تخلو‬ ‫املنظومة القانونية لأي دولة عربية من‬ ‫قوانني وت�رشيعات تتعار�ض ومبادىء حرية‬ ‫املعلومات ال�سابق ذكرها‪.‬‬ ‫وال�سبب الأ�سا�سي يف هذه الظاهرة �أن البناء‬ ‫الت�رشيعي بالدول العربية ي�ستند �إىل تراث كبري‬ ‫من القوانني التي �صدرت وا�ستخدمت يف وقت‬ ‫مل تكن ثورة املعلومات قد بلغت هذه الدرجة‬ ‫من القوة والعنفوان واالنت�شار والتغلغل بعمق‬ ‫يف ج�سد املجتمع‪ ،‬ومن ثم فهو بنيان غري مهي�أ‬ ‫ابتداء للتعامل مع م�ستج ّدات وحت ّديات ع�رص‬ ‫ثورة املعلومات لأنه مل ي�أخذها يف اعتباره‬ ‫من الأ�صل‪ ،‬وزاد على ذلك �أن ا�ستجابة هذا‬ ‫البنيان للتغريات ات�سمت ـ وال تزال ـ بالبطء‬ ‫ال�شديد والتجزئة‪ .‬بعبارة �أخرى يتعامل البنيان‬ ‫الت�رشيعي العربي مع التحديات القانونية‬ ‫لثورة املعلومات بالقطعة و�رسعة ال�سلحفاة‬ ‫بينما ثورة املعلومات نف�سها هادرة �شاملة‬ ‫فائقة ال�رسعة‪.‬‬

‫امل�صادر املفتوحة‬

‫قد يبدو ظاهري ًا �أن هناك تباعداً بني‬

‫املعلوماتية‬

‫الفريقني يف الكثري من املجتمعات العربية‪،‬‬ ‫فلم ينجح الداعون حلرية تداول املعلومات يف‬ ‫�إقناع الفريق الآخر ب�أنه ال خماطر �سيا�سية‬ ‫�أو �أمنية على املجتمع والدولة وم�ؤ�س�ساتها‬ ‫من ان�سياب املعلومات‪ ،‬كما مل ينحج الداعون‬ ‫«لأمن املعلومات» يف �إقناع الفريق الأول‬ ‫ب�أن املعلومات املحجوبة لي�س لها ت�أثري على‬ ‫م�سرية التنمية ثقافي ًا وجمتمعي ًا‪ ،‬لذلك ف�إن هذا‬ ‫امل�سار ي�شكّل مع�ضلة حقيقية ذات ح�سا�سية‬ ‫وا�ضحة ومن املتعينّ على النخب ال�سيا�سية‬ ‫والثقافية العربية العمل على ح�سمه يف �أقرب‬ ‫وقت �إذا ك ّنا ن�سعى جادين لتوظيف حقيقي‬ ‫لتقنية املعلومات يف التنمية الثقافية‪.‬‬

‫املعنى اال�صطالحي لك ّل من امل�صادر‬ ‫(‪ ،)sources‬واالنفتاحية (‪ ،)openness‬ولذلك‬ ‫رمبا يتبادر �إىل ذهن البع�ض ت�سا�ؤل حول‬ ‫دواعي اجتماع هذا مع ذاك ليخرج لنا يف‬ ‫النهاية ما عرف بامل�صادر املفتوحة (‪open‬‬ ‫‪ ،)source‬فما حدث خالل قرون طويلة م�ضت‬ ‫�أن معظم من اجتهد و�أبدع و�أجنز ح�صيلة‬ ‫معرفية وجنح يف حتويلها �إىل م�صدر يحوي‬ ‫�رس �صنعة خا�صة مبنتج ما‪ ،‬رغب يف حجبها‬ ‫عن الآخرين واالحتفاظ بتفا�صيلها لنف�سه‪،‬‬ ‫حتى يظ ّل هو وحده القادر على �إنتاج ال�شيء‬ ‫املبني على هذه الأ�رسار ثم حت�سينه وتطويره‬ ‫وتعديله مع الوقت‪ ،‬فيما َيرتك للآخرين �رشاءه‬ ‫وت�شغيله فقط‪ ،‬وتولّدت هذه الرغبة لدى الأفراد‬ ‫واجلماعات وامل�ؤ�س�سات على ال�سواء بهدف‬ ‫احل�صول على عائد من وراء �إبداعاتهم‪ ،‬و�شيئ ًا‬ ‫ف�شيئ ًا حت ّولت الرغبة �إىل فعل ثم انتهى الفعل‬ ‫�إىل قوانني تط ّورت حتى �صارت ُتعرف حالي ًا‬ ‫بقوانني حماية امللكية الفكرية على اختالف‬ ‫�أنواعها‪.‬‬ ‫تر�سخ هذا املنهج يف‬ ‫ومبرور ال�سنني ّ‬ ‫العمل والإبداع و�أ�صبح طريق ًا �شائع ًا يف‬ ‫التعامل مع كل ما يخرجه العقل الب�رشي من‬ ‫م�صادر حتمل �أ�رساراً معرفية و�إبداعية يف �شتى‬ ‫املجاالت‪ ،‬كالربجميات واالت�صاالت و�صناعة‬ ‫الدواء و�صناعة الإلكرتونيات و�صناعات النقل‬ ‫كال�سيارات والطائرات وال�سفن و�صناعات‬ ‫املالب�س و�صناعات العطور وم�ستح�رضات‬ ‫التجميل والإنتاج الثقايف على اختالف �أنواعه‬ ‫أغان و�أحلان‬ ‫من �شعر و�أدب وق�صة وكتب و� ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫وغريها‪ ،‬ف�أ�صبح هناك ر�صيد هائل من‬ ‫امل�صادر واحل�صائل املعرفية املحجوبة التي‬ ‫تعرف بامل�صادر املغلقة‪.‬‬ ‫ولأن التفكري الب�رشي يقوم على التن ّوع‪،‬‬ ‫ولأن الفطرة الإن�سانية ال�سليمة تنزع دائم ًا �إىل‬ ‫مقاومة املمار�سات التي ت ّت�سم بالظلم وتركيز‬ ‫ال�سلطة والرثوة يف �أي ٍد قليلة‪ ..‬بد�أت �أ�صوات‬ ‫عديدة يف العامل تعرت�ض على ممار�سات‬ ‫ال�رشكات وامل�ؤ�س�سات االحتكارية الكربى‬

‫‪99‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 100‬للتنمية الثقافية‬

‫مفهوم امل�صادر املفتوحة يدعو‬ ‫واقعي ًا �إىل العمل على توفري ح�صائل‬ ‫معرفية و�أ�رسار �صنعة تتاح �أمام‬ ‫اجلميع حول العامل ب�شكل مفتوح‪،‬‬ ‫ومن هنا تالقي مفهوم (امل�صادر)‬ ‫مع م�صطلح (االنفتاحية) يف العمل‪،‬‬ ‫ليخرج امل�صطلح اجلديد املعروف‬ ‫با�سم ( امل�صادر املفتوحة)‪.‬‬

‫عاملي ًا‪ ،‬وراحت تبحث عن منهج جديد للعمل‬ ‫والتنمية والبناء يخفّف عن امل�ستخدمني‬ ‫وامل�شرتين ومن ال ميلكون الإبداع وط�أة الوقوع‬ ‫فري�سة لأ�صحاب هذه االحتكارات وال�ساعني‬ ‫للهيمنة �سواء على الأ�سواق �أم على امل�صائر‪.‬‬ ‫بنا ًء على ذلك ف�إن هذا املنهج يدعو واقعي ًا‬ ‫�إىل العمل على توفري ح�صائل معرفية و�أ�رسار‬ ‫�صنعة تتاح �أمام اجلميع حول العامل ب�شكل‬ ‫مفتوح‪ ،‬ومن هنا تالقي مفهوم (امل�صادر)‬ ‫مع م�صطلح (االنفتاحية) يف العمل‪ ،‬ليخرج‬ ‫امل�صطلح اجلديد املعروف با�سم ( امل�صادر‬ ‫املفتوحة)‪.‬‬

‫امل�صادر املفتوحة ك�أداة تنموية‬

‫حمايدة‪ ،‬الأمر الذي يوفّر �ساحة وا�سعة مرتامية‬ ‫الأطراف ميكن ا�ستخدامها كمورد �أ�سا�سي ومهم‬ ‫من موارد التنمية الب�رشية مبختلف �صورها‬ ‫االقت�صادية واالجتماعية والثقافية ملن يريد‪،‬‬ ‫ولنا �أن نتخيل مث ًال �أن جميع الكتب وامل�ؤلفات‬ ‫الفن‬ ‫الأدبية والعلمية والإنتاج العاملي يف ّ‬ ‫والأدب واملو�سيقى وال�شعر والكيمياء والفيزياء‬ ‫والريا�ضيات والطب والزراعة وال�صناعة‬ ‫وغريها جميعه �أ�صبح متاح ًا جلميع الب�رش بال‬ ‫قيود‪ ،‬ليت�شاركوا فيها بال حدود وي�ستخدموها‬ ‫يف �شتى مناحي حياتهم بال قيود‪ ،‬ففي هذه‬ ‫احلالة �ستتاح فر�ص غري م�سبوقة �أمام هذه‬ ‫املجتمعات لكي تط ّور نف�سها �إىل الأف�ضل‪.‬‬

‫�أبرز ما يف منهج امل�صادر املفتوحة �أنه ثانيًا‪ :‬تقنية املعلومات وتفعيل‬ ‫يتوجه �إىل الإن�سان الفرد حماو ًال �أن يغر�س لديه امل�صادر املفتوحة كرافعة للتنمية‬ ‫ّ‬ ‫تنموية‬ ‫خربات‬ ‫بناء‬ ‫أن‬ ‫�‬ ‫يف‪:‬‬ ‫ّل‬ ‫ث‬ ‫تتم‬ ‫حمورية‬ ‫فكرة‬ ‫الثقافية‬

‫«امل�صادر املفتوحة» ت�ضع‬ ‫بني �أيدي املجتمعات املعا�رصة‬ ‫ـ بخا�صة النامية ـ ق�سم ًا كبرياً من‬ ‫الإنتاج الذهني والإبداعي الب�رشي‬ ‫يف املا�ضي واحلا�رض وامل�ستقبل‬ ‫بال قيود‪ ،‬وب�صورة حمايدة‪ ،‬الأمر‬ ‫الذي يوفّر �ساحة وا�سعة ميكن‬ ‫ا�ستخدامها كمورد �أ�سا�سي ومهم‬ ‫من موارد التنمية الب�رشية مبختلف‬ ‫�صورها ‪.‬‬

‫حقيقية م�ستقلة تقود الفرد واجلماعات حول‬ ‫العامل �إىل �إبداع ثقايف وفكري وعلمي و�إنتاجي‬ ‫وتكنولوجي واقت�صادي و�إىل منتجات ثقافية‬ ‫و�سلعية و�أجهزة �أق ّل �سعراً و�أعلى كفاء ًة و�أخفّ‬ ‫يف �رشوط ا�ستخدامها وتطويرها‪ ،‬هو �أمر ميكن‬ ‫حتقيقه من خالل قيام الفرد �أو اجلماعة طوع ًا‬ ‫ور�ضى بو�ضع الأ�رسار �أو احل�صيلة‬ ‫وعن قناعة‬ ‫ً‬ ‫املعرفية ملا يقومون ب�إبداعه �أمام الآخرين من‬ ‫دون قيود‪ ،‬ليطّ لعوا عليها ويعرفوها وي�شاركوا‬ ‫فيها ويكون لهم حق التعديل والإ�ضافة �إليها‬ ‫وتطويرها‪� ،‬رشيطة �أن يلتزم الآخرون بالفكر‬ ‫ور�ضى‪ ،‬مبا يقود �إىل معارف‬ ‫نف�سه عن قناعة‬ ‫ً‬ ‫وح�صائل معرفية و�أ�رسار �صنعة و�إبداع ثقايف‬ ‫و�إن�ساين وفكري غري مملوك لأحد‪ ،‬و�إمنا �شارك‬ ‫اجلميع يف �إبداعه طوع ًا‪.‬‬ ‫خال�صة هذه الأفكار �أن «امل�صادر‬ ‫املفتوحة» ت�ضع بني �أيدي املجتمعات‬ ‫املعا�رصة ـ بخا�صة النامية والطاحمة �إىل‬ ‫النمو كالبلدان العربية ـ ق�سم ًا كبرياً من‬ ‫الإنتاج الذهني والإبداعي الب�رشي يف املا�ضي‬ ‫واحلا�رض وامل�ستقبل بال قيود‪ ،‬وب�صورة‬

‫�إذا ما نظرنا �إىل موقع تقنية املعلومات‬ ‫توجه‬ ‫بالن�سبة لق�ضايا التنمية الثقافية وتطبيق ّ‬ ‫�أو منهج امل�صادر املفتوحة �سنجدها تلعب دور‬ ‫البنية الأ�سا�سية �أو الأر�ضية التي توفّر رابطة‬ ‫قوية وعري�ضة النطاق ت�سمح بتالقي الطرفني‬ ‫مع ًا بل ومتازجهما يف ن�سيج مرتابط يجعل‬ ‫ك ًال منهما مفيداً للآخر‪ ،‬فالإنتاج الثقايف‬ ‫مبختلف �صوره عبارة عن �إبداع ذهني وفكري‬ ‫�إما يف �صورة حمتوى قابل للتحويل �إىل �صيغة‬ ‫رقمية �أو جاهزة من الأ�صل يف �صورة رقمية‪،‬‬ ‫والتوجه اخلا�ص بامل�صادر املفتوحة كما‬ ‫�سبق القول ال يتعامل تقريب ًا �إال يف املحتوى‬ ‫املو�ضوع يف �صورة رقمية �أو القابل للتحويل‬ ‫�إىل �صورة رقمية‪.‬‬ ‫وتقنية املعلومات واالت�صاالت ـ ويف‬ ‫�صدارتها الإنرتنت ـ ظهرت بالأ�سا�س لتكون‬ ‫قناة �رسيعة وا�سعة جلمع وتخزين وتدوير‬ ‫املحتوى الرقمي وتداوله و�إدارته ومعاجلته‪.‬‬ ‫فهو يف �أغلبه الأعم حمتوى ثقايف‪ ،‬ومعنى ذلك‬ ‫�أننا �أ�صبحنا �أمام ناجت ثقايف من �أدب و�شعر‬ ‫ومو�سيقى وفكر و�سينما وم�رسح وتراث �إن�ساين‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫الثقافية‬ ‫الدور املحتمل للمعلوماتية يف دعم التنمية‬ ‫‪101‬‬

‫�أمناط امل�صادر املفتوحة والتنمية‬ ‫الثقافية العربية‬ ‫‪1‬‬ ‫الرتجمة الت�شاركية املفتوحة‬

‫ُيع ّد �أ�سلوب «الرتجمة الت�شاركية املفتوحة»‬ ‫من الأ�ساليب التي ن�ش�أت وبد�أت تنت�رش يف‬ ‫كنف الإنرتنت بالأ�سا�س‪ ،‬ويق�صد به ذلك النوع‬ ‫من الرتجمة الذي يقوم فيه موقع �أو بوابة ما‬ ‫على ال�شبكة بطرح الكتب وامل�ؤلفات واملواد‬ ‫ثقافية والفكرية والأدبية والعلمية التي دخلت‬ ‫يف ما يعرف «بامللك العام» ككتب الرتاث‬ ‫الإ�سالمي مث ًال‪� ،‬أو املواد وامل�ؤلفات مفتوحة‬ ‫امل�صدر غري املحمية بحقوق الن�رش والت�أليف‬ ‫املعروفة ليت�شارك م�ستخدمو املوقع وزواره‬ ‫يف ترجمتها من لغتها الأ�صلية للغة املطلوب‬ ‫الرتجمة �إليها‪ ،‬وذلك طواعية وباملجان‪ ،‬فيقوم‬ ‫امل�ستخدم باختيار فقرة من �صفحة �أو �صفحة‬ ‫كاملة �أو جمموعة �صفحات �أو ف�صل من الكتاب‬ ‫�أو املادة الثقافية املعرو�ضة ويعلن للموقع �أنه‬ ‫يقوم برتجمتها طواعية وباملجان‪� ،‬رشط �أن‬ ‫تتاح الرتجمة �أي�ض ًا ب�صورة مفتوحة امل�صدر‬ ‫وغري خا�ضعة حلقوق الت�أليف �أو الرتجمة‬ ‫املعروفة‪ ،‬ثم يقوم مرتجمون حمرتفون من‬ ‫ذوي اخلربة الأعلى مبراجعة وتدقيق الرتجمة‬ ‫واعتمادها �أي�ضا طواعية وباملجان‪ ،‬وتت ّم هذه‬ ‫العملية عرب برجميات متخ�ص�صة يف �إدارة‬ ‫عملية الرتجمة وجتميع ال�صفحات �أو الأجزاء‬ ‫وتوزيعها على من يريد ومتابعة جتميع املواد‬ ‫بعد ترجمتها ثم ت�صعيدها للمراجعني‪ ،‬و�إىل‬

‫املعلوماتية‬

‫�إما قابل للتحول �إىل �صورة رقمية �أو �أن يتح ّول‬ ‫بالفعل �إىل توجه فكري يرى �رضورة �إتاحة‬ ‫هذا الناجت بال قيود �أمام اجلميع للم�شاركة فيه‬ ‫�إنتاج ًا وا�ستهالك ًا‪ ،‬وبنية حتتية معلوماتية‬ ‫حمورها الإنرتنت تقوم بالفعل مبهمة التو�صيل‬ ‫ال�رسيع لهذا الناجت وتدويره يف ما بني �أكرث من‬ ‫مليار من الب�رش يف حلظات‪.‬‬

‫غري ذلك من العمليات‪ ،‬ومن �أبرز املواقع التي‬ ‫ت�ستخدم �أ�سلوب الرتجمة الت�شاركية مو�سوعة‬ ‫ويكيبيديا ال�شهرية‪ ،‬كما يدعو موقع بوابة‬ ‫«املعرفة ‪ »http://marefa.org‬الذي يع ّد من‬ ‫�أهم املواقع العربية التي تهتم بن�رش املعرفة‬ ‫واملواد الثقافية العربية �إىل ا�ستخدام هذا‬ ‫الأ�سلوب يف الرتجمة �إىل العربية‪.‬‬ ‫وال يقت�رص مفهوم الرتجمة الت�شاركية‬ ‫فقط على فكرة التط ّوع والعمل حتت ظالل‬ ‫منهج امل�صادر املفتوحة‪ ،‬ف ُدور الرتجمة‬ ‫والن�رش املحرتفة والقائمة على الربح ميكنها‬ ‫الإفادة �أي�ض ًا من هذا الأ�سلوب يف �إدارة‬ ‫وحتديث وتطوير �أعمالها وا�ستقطاب املزيد‬ ‫من املرتجمني و�إدارة عملية الرتجمة ب�شكل‬ ‫كفوء ومبوارد قليلة‪ ،‬فعرب هذا الأ�سلوب ميكن‬ ‫ل ُدور الرتجمة والن�رش العربية تكوين فرق عمل‬ ‫قائمة على فكرة «امل�شاركة يف الرتجمة»‪،‬‬ ‫تعتمد على �شبكة للمعلومات ت�ستخدم الإنرتنت‬ ‫كقناة للتوا�صل يف ما بني �أطرافها‪ ،‬ثم جمتمع‬ ‫املرتجمني الذي ي�ض ّم متطوعني �أو حمرتفني‪،‬‬ ‫وتتيح عرب هذه ال�شبكة الذخرية اللغوية‬ ‫واخلوارزميات اللغوية‪ ،‬وتت�ضمن كذلك �آلية‬ ‫لإدارة عملية الرتجمة وتتبع كفاءة املرتجمني‪،‬‬ ‫ثم نظام ًا للمحا�سبة‪ ،‬ونظام ًا لإدارة تواجد‬ ‫املرتجمني عرب ال�شبكة‪ ،‬وميزة هذا الأ�سلوب‬ ‫�أنه يجمع بني ميزات كل من الرتجمة الآلية‬ ‫والب�رشية ويتخطى عيوبها‪ ،‬و�أنه يولّد كمية‬ ‫�ضخمة من البيانات اللغوية املهمة لتمكني‬ ‫الأبحاث العلمية والربجمية يف جماالت‬ ‫الرتجمة الآلية واملعاجلة الآلية للغة العربية‪،‬‬ ‫كما �أنه يالئم ب�شكل خا�ص تقنيات الوب ‪2.0‬‬ ‫واملعتمدة على تكافل �إ�سهامات عدد كبري‬ ‫من املتطوعني واملبدعني لإنتاج املحتوى‬ ‫وتقييمه‪ ،‬كما ي�سهم يف حت�سني جودة الرتجمة‬ ‫الآلية‪ ،‬وميكن ا�ستخدامه لرتجمة �أي نوع من‬ ‫املحتوى‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ ( ا�ستفاد فريق البحث يف هذا اجلزء من حما�رضة «الرتجمة الت�شاركية واملحتوى الرقمي العربي» للدكتور �أن�س طويلة بجامعة‬ ‫كارديف �إجنلرتا والتي قدمها �إىل ور�شة عمل املحتوى العربي املفتوح املنعقدة بالريا�ض يف ‪ 17‬ـ ‪ 18‬يناير ‪2009‬م‪).‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 102‬للتنمية الثقافية‬

‫�أدوات الو�صول احلر يف ن�رش الإنتاج‬ ‫‪1‬‬ ‫الثقايف واملعريف‬

‫ميكن للجهات العربية املعنية‬ ‫بالتنمية الثقافية انتهاج و�سيلة‬ ‫لتو�صيل املحتوى الثقايف والعلمي‬ ‫واملـعـرفـي‪ ،‬عـبـر رعـايـة و�إنــ�شـاء‬ ‫احلر عرب الإنرتنت‬ ‫دوريات للو�صول ّ‬ ‫ميكن �أن ي�شارك فيها متطوعون‬ ‫من امل�ؤلفني وال�شعراء والك ّتاب‬ ‫والباحثني واخلرباء وغريهم‪.‬‬

‫�أدوات «الو�صول احلر» يف ن�رش الإنتاج‬ ‫الثقايف واملعريف‪ ،‬هي �إحدى جتليات �أو �صور‬ ‫امل�صادر املفتوحة يف ا�ستخدامها الوا�سع‬ ‫والن�شط للإنرتنت‪ ،‬فهي تعتمد كلية على �إتاحة‬ ‫املحتوى الثقايف واملعريف ذي اجلودة العالية‬ ‫كام ًال �أمام جميع امل�ستخدمني بحيث ي�صلون‬ ‫حرة ال تعوقها التزامات مادية �أو‬ ‫�إليه ب�صورة ّ‬ ‫ً‬ ‫قانونية‪ ،‬ومن �أبرز هذه الأدوات عامليا ـ والتي‬ ‫مل جتد طريقها للمجتمعات العربية بال�صورة‬ ‫املطلوبة ـ ما يلي‪:‬‬ ‫احلر ‪Open Access Journ‬‬ ‫• دوريات الو�صول ّ‬ ‫‪ ،nals‬ويق�صد بها الدوريات التي تتيح مقاالتها‬ ‫ب�صورة جمانية على الإنرتنت‪ ،‬وتتمتع ب�سمات‬ ‫الدوريات العلمية التقليدية نف�سها‪ ،‬والتي ميكن‬ ‫الو�صول ملحتواها عرب ا�شرتاكات مدفوعة‪،‬‬ ‫وميكن للجهات العربية املعنية بالتنمية‬ ‫الثقافية انتهاج هذه الو�سيلة لتو�صيل املحتوى‬ ‫الثقايف والعلمي واملعريف عرب رعاية و�إن�شاء‬ ‫احلر عرب الإنرتنت ميكن �أن‬ ‫دوريات للو�صول ّ‬ ‫ي�شارك فيها متطوعون من امل�ؤلفني وال�شعراء‬ ‫والكتاب والباحثني واخلرباء وغريهم‪.‬‬ ‫وعاملي ًا حقّقت هذه التجربة جناح ًا ملحوظ ًا‬ ‫احلر ‪Direct‬‬ ‫حتى �أن دليل دوريات الو�صول ّ‬ ‫‪)tory of Open Access Journals (DOAJ‬‬ ‫�أ�صبح ي�شتمل على ‪ 3612‬دورية من خمتلف‬ ‫�أنحاء العامل حتى �سبتمرب ‪2008‬م‪ ،‬وذلك يف‬ ‫تخ�ص�صات املكتبات واملعلومات والدوريات‬ ‫ّ‬ ‫العامة يف الن�شاط العلمي والدوريات الفكرية‬ ‫والثقافية‪ ،‬ومثل هذه التجربة ميكن تكرارها‬ ‫عربي ًا �إذا ما تب ّنت اجلهات املعنية بالتنمية‬ ‫الثقافية م�رشوع ًا لإن�شاء �أو رعاية �سل�سلة من‬ ‫الدوريات الثقافية والعلمية على الإنرتنت‬ ‫احلر ثم ت�ضمينها يف‬ ‫تعمل مبفهوم الو�صول ّ‬ ‫احلر والرتويج له‬ ‫دليل عربي لدوريات الو�صول ّ‬ ‫بني اجلماهري امل�ستخدمة للإنرتنت واجلمهور‬ ‫العربي العام‪.‬‬

‫• «الأر�شفة الذاتية ‪»Self-archiving‬‬ ‫والتي يقوم فيها ك ّل مبدع �أو منتج للثقافة‬ ‫والفكر ب�ش ّتى �صوره بن�رش �إبداعه و�إنتاجه‬ ‫الثقايف عرب الإنرتنت‪ ،‬مبا يتيح للآخرين حرية‬ ‫الو�صول �إليه واالطّ الع عليه واال�ستفادة منه‪،‬‬ ‫وذلك عرب ن�رشه على موقعه ال�شخ�صي �أو على‬ ‫موقع امل�ؤ�س�سة التي يعمل بها‪.‬‬ ‫• «امل�ستودعات الرقمية ‪Digital Rep‬‬ ‫‪ »positories‬وهي مواقع �أو بوابات على‬ ‫الإنرتنت ـ �أو حتى عرب �شبكات معلومات خارج‬ ‫الإنرتنت ـ تن�شئها م�ؤ�س�سات حكومية �أو غري‬ ‫حكومة ال ت�ستهدف الربح �أو �أفراد �أو جماعات‬ ‫وت�شتمل على كثري من �أمناط الإنتاج الفكري‬ ‫والثقايف‪ ،‬وعلى ر�أ�سها مقاالت الدوريات‬ ‫العلمية‪ ،‬والكتب‪ ،‬التقارير‪ ،‬الر�سائل اجلامعية‪،‬‬ ‫ملفات الباوربوينت وال�صور ولقطات الفيديو‬ ‫وق�صائد ال�شعر والق�ص�ص الق�صرية والرتاث‬ ‫ال�شعبي والديني وغريها‪.‬‬ ‫وكما هو وا�ضح ف�إن هذه الأدوات توفّر‬ ‫للجهات العربية املعنية بالتنمية الثقافية‬ ‫فر�صة �سانحة للو�صول باملنتج الثقايف‬ ‫واملعريف �سواء العربي �أم العاملي �إىل قطاع‬ ‫ال ي�ستهان به من اجلماهري العربية‪ ،‬وذلك �إذا‬ ‫ٌ‬ ‫خطط جادة تتب ّنى االعتماد على‬ ‫ما ُو�ضعت‬ ‫هذه الأدوات يف ت�سهيل و�صول اجلماهري‬ ‫�إىل املحتوى الثقايف والعلمي ذي امل�ستوى‬ ‫واجلودة العالية‪.‬‬

‫امل�رشوعات الثقافية التخ�ص�صية‬ ‫مفتوحة امل�صدر‬

‫فتحت الإنرتنت ب�إمكاناتها الوا�سعة‬ ‫للتوا�صل والن�رش والتفاعل ما بني منتج‬ ‫الثقافة ومتلقيها وم�ستهلكها �آفاق ًا وا�سعة‬ ‫�أمام اجلهات املعنية بالتنمية الثقافية يف‬ ‫العديد من دول العامل لكي ت�ستخدمها كبنية‬ ‫�أ�سا�سية ت�ستند �إليها وهي ُتن�شىء م�رشوعاتها‬ ‫الثقافية والتوعوية التي ت�ستلهم روح التوجه‬

‫‪1‬‬ ‫احلر وم�صادره» للدكتور عبدالرحمن فراج الأ�ستاذ بجامعة الإمام‬ ‫(ا�ستفاد فريق البحث يف هذا اجلزء من حما�رضة «جتليات الو�صول ّ‬ ‫حممد بن �سعود الإ�سالمية والتي قدمها �إىل ور�شة عمل املحتوى العربي املفتوح املنعقدة بالريا�ض يف ‪ 17‬ـ ‪ 18‬يناير‪ .»2009‬‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫الثقافية‬ ‫الدور املحتمل للمعلوماتية يف دعم التنمية‬ ‫‪103‬‬

‫املوارد التعليمية مفتوحة امل�صدر‬

‫املعلوماتية‬

‫اخلا�ص بامل�صادر املفتوحة وق ّوته وهي‬ ‫تخاطب جماهريها وحتاول تعزيز وتنمية‬ ‫وحتديث وعيهم الثقايف وتطويره با�ستمرار‪.‬‬ ‫وخالل ال�سنوات املا�ضية �شهد العامل ظهور‬ ‫�سل�سلة من امل�رشوعات الثقافية املتخ�ص�صة‬ ‫القائمة على توجه امل�صادر املفتوحة وعلى‬ ‫اال�ستفادة من الإنرتنت كبنية �أ�سا�سية‪ ،‬بع�ضها‬ ‫بد�أ منذ فرتات طويلة وي�شارك فيه مبدعون من‬ ‫مناطق خمتلفة‪ ،‬وبع�ضها اليزال قيد الإن�شاء‬ ‫ويوجه �أ�صحابه الدعوة للمبدعني للم�شاركة‪،‬‬ ‫واملت�صور �أن اجلهات القائمة على التنمية‬ ‫الثقافية يف العامل العربي الب ّد �أن ت�أخذه يف‬ ‫اعتبارها‪ .‬ويف ما يلي �أمثلة على امل�رشوعات‬ ‫الثقافية ذات املحتوى مفتوح امل�صدر عاملي ًا‬ ‫والتي ميكن مل�ؤ�س�سات التنمية الثقافية بالعامل‬ ‫العربي ا�ستلهام �أفكارها وتطويعها وتعريبها‬ ‫وتوظيف البنية الأ�سا�سية املعلوماتية املتاحة‬ ‫توظيف ًا جيداً يف تنفيذها ب�صورة تنا�سب‬ ‫احتياجات املجتمعات العربية‪:‬‬ ‫• م�رشوع �أر�شيف بريلنجر‪ :‬عبارة عن‬ ‫�أر�شيف للأفالم‪ ،‬وهدفه التجميع واحلفاظ على‬ ‫الأفالم‪ ،‬وت�سهيل الو�صول ب�شكل مفتوح �إليها‪،‬‬ ‫وخ�صو�ص ًا تلك التي حتمل مغزى تاريخي ًا‬ ‫مكان �آخر‪ .‬وقد‬ ‫والتي مل يت ّم جتميعها يف �أي ٍ‬ ‫�أن�شىء امل�رشوع عام ‪ 1983‬يف نيويورك ووا�صل‬ ‫من ّوه حتى �أ�صبح فيه ‪� 48‬ألف ًا من الأفالم يف‬ ‫جماالت والتعليم وال�صناعة و�أفالم الهواة‪.‬‬ ‫وعربي ًا ميكن اال�ستفادة من اخلربة املتحققة‬ ‫من هذا امل�رشوع يف �إن�شاء �أر�شيف �أفالم عربي‬ ‫ير�صد تاريخ ال�سينما العربية وتطورها‪.‬‬ ‫• م�رشوع املكتبة العلمية العامة‪ :‬وهو‬ ‫م�رشوع تنفّذه منظمة غري حكومية وغري‬ ‫هادفة للربح تت�شكل من العلماء والأطباء‬ ‫وهدفها جعل الإنتاج العلمي والطبي العاملي‬ ‫مورداً عام ًا متاح ًا للجميع بحرية وب�شكل‬ ‫مفتوح‪ ،‬وميكن للجمعيات العلمية العربية �أو‬ ‫نقابات واحتادات الأطباء وال�صيادلة العرب‬ ‫اال�ستفادة بالفكر املطبق فيه لإن�شاء م�رشوع‬

‫املكتبة العلمية الط ّبية العربية العامة‪.‬‬ ‫• م�رشوع بالنيت ماث‪ :‬يرفع �شعار‬ ‫الريا�ضيات من �أجل النا�س وبوا�سطة النا�س‪،‬‬ ‫وهو عبارة عن جت ّمع تخ ّيلي عرب الإنرتنت‬ ‫ي�ستهدف امل�ساعدة يف جعل املعرفة الريا�ضية‬ ‫�أكرث �سهولة يف الو�صول اليها‪ ،‬وحمتوى هذا‬ ‫امل�رشوع يت ّم تكوينه ب�شكل تعاوين‪ ،‬و�أهم‬ ‫منجزاته مو�سوعة علم الريا�ضيات مبداخلها‬ ‫متت كتابتها ومراجعتها مبعرفة �أع�ضاء‬ ‫التي ّ‬ ‫يف هذا التجمع حتت رخ�صة التوثيق احلر‪،‬‬ ‫وعربي ًا ميكننا اال�ستفادة من �إنتاج هذا‬ ‫امل�رشوع ونقله للعربية �أو على الأقل االن�ضمام‬ ‫�إىل هذا املجتمع التخيلي لتبادل املعرفة‬ ‫والثقافة‪.‬‬

‫ميكن للجمعيات العلمية العربية �أو‬ ‫نقابات واحتادات الأطباء وال�صيادلة‬ ‫العرب‪ ،‬اال�ستفادة من الفكر املطبق‬ ‫يف امل�رشوعات مفتوحة امل�صدر‬ ‫على الإنرتنت لإن�شاء م�رشوع املكتبة‬ ‫العلمية الط ّبية العربية العامة‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫ق ّدمت الإنرتنت وثورة تقنية املعلومات‬ ‫توجه ًا جديداً وفعا ًال يف توفري فر�ص هائلة‬ ‫للتعليم والتعلّم ا�ستناداً �إىل تقنية املعلومات‬ ‫وفق ًا ملنهج امل�صادر املفتوحة‪ ،‬وذلك عرب‬ ‫ع�رشات املبادرات وامل�رشوعات التي ن�ش�أت‬ ‫جميع ًا يف كنف الإنرتنت وراحت تتبلور حتى‬ ‫�أ�صبحت ُتعرف با�سم «حركة املوارد التعليمية‬ ‫مفتوحة امل�صدر»‪ ،‬وتتمثّل دعوتها الأ�سا�سية‬ ‫يف �أن تقبل امل�ؤ�س�سات التعليمية والأكادميية‬ ‫والبحثية ب�إتاحة ما لديها من مناهج‬ ‫ومقررات وحما�رضات وبحوث �أكادميية ومواد‬ ‫تدر�سها لطالبها وباحثيها‬ ‫تعليمية �أخرى ّ‬ ‫ب�شكل كامل ومفتوح على الإنرتنت بال مقابل‬ ‫ملن يريد �أن يتعلّم �أو ي�ستفيد‪ ،‬و�أن ت�شارك‬ ‫امل�ؤ�س�سات التعليمية الأخرى يف هذا املحتوى‬ ‫�أخذاً وعطا ًء‪ ،‬كما ت�شارك يف تطويره وحت�سينه‬ ‫با�ستمرار مع الآخرين الذين يقبلون بهذا املبد�أ‬ ‫�أو الفكرة‪.‬‬ ‫وقد حقّقت هذه احلركة ح�ضوراً عاملي ًا‬ ‫ملحوظ ًا خالل ال�سنوات الأخرية حتى �أن‬ ‫ت�صنيفات منظمة اليون�سكو ذكرت �أن املبادرات‬ ‫التي ت ّتم يف �إطار دعوة املوارد التعليمية‬

‫«حركة املوارد التعليمية مفتوحة‬ ‫امل�صدر»‪ ،‬تتمثّل دعوتها يف �أن تقبل‬ ‫امل� ّؤ�س�سات التعليمية والأكادميية‬ ‫والبحثية ب�إتاحة ما لديها من مناهج‬ ‫ومقررات وحما�رضات وبحوث‬ ‫�أكادميية ومواد تعليمية �أخرى‬ ‫تدر�سها لطالبها وباحثيها على‬ ‫ّ‬ ‫الإنرتنت بال مقابل ملن يريد �أن يتعلّم‬ ‫�أو ي�ستفيد‪ ،‬و�أن ت�شارك امل�ؤ�س�سات‬ ‫التعليمية الأخرى يف هذا املحتوى‬ ‫�أخذاً وعطا ًء‪.‬‬

‫‪ 1‬ا�ستند فريق البحث يف هذا اجلزء �إىل حما�رضة «املوارد التعليمية املفتوحة‪ :‬واقعها وم�ستقبلها « للدكتورة هند بنت �سليمان اخلليفة �أ�ستاذة م�ساعدة بق�سم تقنية املعلومات بكلية علوم‬ ‫احلا�سب واملعلومات‪ -‬جامعة امللك �سعود‪ ،‬والتي قدمتها �إىل ور�شة عمل املحتوى العربي املفتوح املنعقدة بالريا�ض يف ‪ 17‬ـ ‪ 18‬يناير‪.»2009‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 104‬للتنمية الثقافية‬

‫املفتوحة باتت ت�ضم مبادرات على م�ستوى‬ ‫وطني (‪ ،)National initiatives‬ومبادرات على‬ ‫م�ستوى م�ؤ�س�سي (‪،)Institutional initiatives‬‬ ‫ومبادرات على م�ستوى جمتمعي (‪Communit‬‬ ‫‪ ،)ty development projects‬ومبادرات على‬ ‫م�ستوى فردي (‪. )Individual initiatives‬‬ ‫وحالي ًا هناك �أكرث من ‪ 150‬جامعة �صينية‬ ‫م�ساهمة يف حركة املوارد التعليمية املفتوحة‬ ‫ال�صينية‪ ،‬و�أ�شهر �إحدى ع�رشة جامعة فرن�سية‬ ‫قاموا بتكوين م�رشوع ( ‪)ParisTech OCW‬‬ ‫الذي يحتوي على ‪ 150‬دورة درا�سية‪ ،‬وهناك‬ ‫�سبع جامعات �أمريكية لها برامج وا�سعة يف‬ ‫حركة املوارد التعليمية املفتوحة (‪MIT,‬‬ ‫وجدت حركة املوارد التعليمية‬ ‫املفتوحة طريقها �إىل بع�ض البلدان‬ ‫العربية يف الآونة الأخرية‪ ،‬مثل التي‬ ‫بد�أ بع�ض جامعاتها ترجمة املناهج‬ ‫املفتوحة من جامعة ‪ ،MIT‬وذلك‬ ‫باختيار عددٍ من املناهج وتكييفها‬ ‫لتلبية احتياجاتهم املحلية‪ ،‬مبا يف‬ ‫ذلك الرتجمة �إىل اللغة الفرن�سية‪.‬‬

‫‪Rice, Johns Hopkins, Tufts, Carnegie‬‬ ‫‪ ،.)Mellon, and Utah State University‬كما‬ ‫�أن هناك �أكرث من ‪ 2000‬دورة درا�سية متاحة‬

‫على الويب مب�ساهمة من دول مثل �أ�سرتاليا‬ ‫وكندا والربازيل وهنغاريا والهند و�إيران‬ ‫و�إيرلندا وهولندا و الربتغال ورو�سيا وجنوب‬ ‫�إفريقيا و�إ�سبانيا و تايالند والواليات املتحدة‬ ‫واململكة املتحدة وفيتنام‪.‬‬ ‫وقد وجدت حركة املوارد التعليمية‬ ‫املفتوحة طريقها �إىل بع�ض البلدان العربية يف‬ ‫الآونة الأخرية‪ ،‬مثل التي بد�أ بع�ض جامعاتها‬ ‫ترجمة املناهج املفتوحة من جامعة ‪MIT‬‬ ‫عدد من املناهج وتكييفها لتلبية‬ ‫وذلك باختيار ٍ‬ ‫احتياجاتهم املحلية‪ ،‬مبا يف ذلك الرتجمة‬ ‫�إىل اللغة الفرن�سية ‪ ،‬كما �أن هذه املبادرة‬ ‫�ستعمل على ا�ستكمال بع�ض الوحدات الدرا�سية‬ ‫و�إ�ضافة الر�سومات و‪�/‬أو الر�سوم املتحركة‬ ‫لتو�ضيح املفاهيم‪ ،‬كذلك بد�أت جامعة ال�سودان‬ ‫املفتوحة تتفاعل مع حركة املوارد التعليمية‬ ‫املفتوحة‪ ،‬وكذلك جامعة امللك فهد للبرتول‬ ‫واملعادن باململكة العربية ال�سعودية‪.‬‬ ‫وبالنظر �إىل �أفكار و�أهداف هذه احلركة‬ ‫�سنجدها تتوافق متام ًا مع متطلبات التنمية‬ ‫الثقافية واحتياجاتها بالبلدان العربية‪،‬‬ ‫فهي كما �سبق القول حركة ت�ستهدف تطوير‬

‫وتعميق التعليم والتعلّم من خالل التوا�صل‬ ‫مع �أحدث املقررات والبحوث واملحا�رضات‬ ‫التعليمية الكاملة يف �أرقى جامعات العامل‬ ‫وم�ؤ�س�ساته الأكادميية‪ ،‬وهي فر�صة للتوا�صل‬ ‫بني جيل ال�شباب والدار�سني العرب خ�صو�ص ًا‬ ‫يو�سع‬ ‫يف املراحل الدرا�سية اجلامعية‪ ،‬مبا ّ‬ ‫�أفق التوعية الثقافية و�سبل التوا�صل الثقايف‬ ‫اجلاد مع العامل‪ .‬وميكن مل�ؤ�س�سات التنمية‬ ‫الثقافية العربية ب�سهولة دعم هذه احلركة‬ ‫وتب ّنيها حملي ًا خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق بالعملية‬ ‫التعليمية والدرا�سية يف املجاالت ذات ال�صلة‬ ‫الأقرب �إىل ال�سياق الثقايف العام‪ ،‬كالدرا�سات‬ ‫الأدبية والفكرية والفنية والفل�سفية‪ ،‬والتوا�صل‬ ‫مع اجلامعات والأكادمييات وم�ؤ�س�سات‬ ‫التعليم العاملية يف املجال الثقايف واملن�ضوية‬ ‫حتت لواء هذه احلركة للإفادة مما تتيحه‬ ‫من مقررات وموارد تعليمية كاملة ب�صورة‬ ‫مفتوحة‪ ،‬مبا ي�شكّل دعم ًا �إ�ضافي ًا جلهود‬ ‫تو�سيع البنية املعرفية والثقافية لدى الأجيال‬ ‫ال�شابة واجلديدة‪.‬‬ ‫وتو�صي الدرا�سات يف هذا ال�صدد‬ ‫ب�رضورة قيام امل�ؤ�س�سات الأكادميية‬ ‫والتعليمية والثقافية العربية بالتعريف‬ ‫باملوارد التعليمية ورعاية وجودها عن طريق‬ ‫امل�ؤ�س�سات احلكومية واخلا�صة املهتمة‪،‬‬ ‫و�إجراء املزيد من الأبحاث عن و�ضع العامل‬ ‫العربي من حركة املوارد التعليمية املفتوحة‬ ‫واحلاجة �إليها وباملثل �إجراء �أبحاث للو�ضع‬ ‫حملي ًا‪ ،‬وخلق املحفزات للم�شاركة باملوارد‬ ‫التعليمية �سواء كان يف التعليم العايل عن‬ ‫طريق احت�ساب درجات الرتقية الأكادميية‬ ‫من م�ساهمة الأ�ستاذ باملحتوى املفتوح �أم يف‬ ‫التعليم العام عن طريق املحفزات املعنوية‪،‬‬ ‫ون�رش ثقافة امل�شاركة وامل�ساهمة باملعرفة‬ ‫يف املجتمع ككل والتحفيز لها‪ ،‬و�إيجاد قنوات‬ ‫مل�شاركة املوارد التعليمية املفتوحة عرب‬ ‫بوابات وم�ستودعات رقمية وغريها‪.‬‬


‫الف�صل الرابع‬ ‫قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية ‪105‬‬

‫املعلوماتية‬

‫الف�صل الرابع‬ ‫قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية‬ ‫�إذا ما تع ّززت حرية تداول املعلومات‬ ‫ون�شط منهج امل�صادر املفتوحة‪ ،‬وبرزا على‬ ‫كتوجهني رئي�س ّيني يف �إدارة‬ ‫ال�ساحة العربية‬ ‫ّ‬ ‫العالقة بني تقنية املعلومات وق�ضايا الثقافة‪،‬‬ ‫وجهات‬ ‫ؤ�س�سات‬ ‫ٍ‬ ‫ف�ستتاح �أمام العرب ـ �أفراداً وم� ٍ‬ ‫ر�سمية ـ حزمة من القنوات �أو امل�سارات التي‬ ‫ميكن من خاللها تفعيل دور تقنية املعلومات‬ ‫كرافعة للتنمية الثقافية‪.‬‬

‫امل�سار الأول‪ :‬رقمنة املحتوى ‪�..‬ضبط‬ ‫«الذاكرة» وتقوية «التذكر»‬

‫�أي تنمية �أو تطوير �أو حتديث يطر�أ على‬ ‫ذاكرة املجتمع يع ّد يف الوقت نف�سه تنمي ًة‬ ‫وحتديث ًا وتطويراً لثقافته‪ ،‬واملع�ضلة التي‬ ‫تواجهها املجتمعات املعا�رصة �أن �رسعة‬ ‫توليد وتداول املعلومات واملواد التي تبني‬ ‫الذاكرة تط ّورت وارتفعت وت�ضخمت �إىل الدرجة‬ ‫التي جعلت قدرة املجتمعات على «التذكر»‬ ‫تق ّل وت�ضمحل‪ ،‬لي�س فقط على �صعيد تذكّر‬ ‫الإرث �أو مواد الذاكرة القدمية �أو املوغلة يف‬ ‫القدم بل وحتى احلديثة �أو قريبة العهد‪ .‬وقليلة‬ ‫هي املجتمعات التي ا�ستطاعت �أن توازن بني‬ ‫ت�ضخم الذاكرة واالحتفاظ بالقدرة‬ ‫معدالت‬ ‫ّ‬ ‫على التذكر‪ .‬والعامل الأ�سا�سي للخروج من‬ ‫هذه املع�ضلة هو الذكاء يف ا�ستخدام تقنية‬ ‫املعلومات واالت�صاالت ك�أداة لل�سيطرة على‬ ‫ت�ضخم الذاكرة وتروي�ضها بال�شكل الذي ي�ضمن‬ ‫احلفاظ على ق ّوة التذكر لدى املجتمع‪.‬‬ ‫وقد تبو�أت تقنية االت�صاالت وتكنولوجيا‬ ‫املعلومات هذه املكانة «الفا�صلة» يف‬ ‫التعامل مع مع�ضلة «الذاكرة والتذكر» لأنها‬

‫�سمحت بتحويل الأ�شياء التي ت�شكّل الذاكرة‬ ‫من �صورتها التقليدية على الورق �أو الكتب‬ ‫القدمية �أو �أذهان النا�س �أو حتى جدران املعابد‬ ‫والربديات والنقو�ش على احلجر‪� ،‬سواء كانت‬ ‫ذاكرة قدمية �أم حديثة �أم معا�رصة‪� ،‬إىل �صورة‬ ‫رقمية قابلة للتخزين والت�صنيف والفهر�سة‬ ‫واملعاجلة لتتحول من جمرد «مواد ت�شكل‬ ‫ذاكرة» �إىل «معارف قادرة على �أن ت�شارك يف‬ ‫بناء «الذهن»‪.‬‬ ‫وتق ّدم الإنرتنت يف هذا ال�صدد الو�سيلة‬ ‫الأجنح والأكرث تكام ًال على الإطالق يف ح ّل‬ ‫مع�ضلة ت�ضخم الذاكرة و�ضعف القدرة على‬ ‫التذكر‪ ،‬فالإنرتنت وعاء تخزين ال حدود‬ ‫ق�صوى لطاقته اال�ستيعابية‪ ،‬وقناة تو�صيل‬ ‫«ال �ضفاف لها»‪ ،‬ورخي�صة للغاية ت�ستوعب‬ ‫مئات املاليني من امل�ستخدمني والراغبني يف‬ ‫امل�شاركة‪ ،‬ومورد للتثقيف وبناء الذاكرة ال‬ ‫ُي�ضاهي يف قوة ت�أثريه لأنه ال حدود لب�ساطته‬ ‫و�سهولة و�رسعة الو�صول �إليه‪.‬‬ ‫هذا بال�ضبط ما يجعل م�رشوعات رقمنة‬ ‫املحتوى واحدة من امل�سارات املر�شحة لتوظيف‬ ‫تقنية املعلومات واالت�صاالت كرافعة للتنمية‬ ‫الثقافية باملجتمع العربي‪ ،‬ومن ح�سن احلظ‬ ‫�أن الوطن العربي بد�أ ي�شهد برامج وم�رشوعات‬ ‫رقمنة للذاكرة واملحتوى العربي تدلّ على �أن‬ ‫بع�ض امل�ؤ�س�سات العربية يف القطاع الر�سمي‬ ‫والقطاع الأهلي غري احلكومي بد�أت ت�ست�شعر‬ ‫ما لدى هذه الآلية من �أهمية يف تنمية الثقافة‬ ‫وجتديد الذاكرة العربية‪ ،‬منها م�رشوع ذاكرة‬ ‫العامل العربي الذي ت�شارك فيه �أكرث من خم�س‬ ‫ع�رشة دولة عربية‪ ،‬ومبادرة حممد بن را�شد‬

‫م�رشوعات رقمنة املحتوى‪� ،‬أي‬ ‫حتويل الذاكرة �إىل معارف‪ ،‬هي واحدة‬ ‫من امل�سارات املر�شّ حة لتوظيف‬ ‫تقنية املعلومات واالت�صاالت كرافعة‬ ‫للتنمية الثقافية يف العامل العربي‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 106‬للتنمية الثقافية‬

‫يجب االنتباه �إىل حت ّدي «الغمر‬ ‫باملحتوى» الأجنبي الذي يت�سلل‬ ‫بنعومة و�رسعة �إىل ن�سيج الذاكرة‬ ‫العربية لي�صري جزءاً منها �شيئ ًا‬ ‫ف�شيئاً‪ ،‬وباعتباره الأحدث والأكرث‬ ‫جاذبية لدى العديد من فئات‬ ‫املجتمع العربي‪.‬‬

‫للمحتوى العربي ومبادرة امللك عبداهلل بن‬ ‫عبدالعزيز للمحتوى‪ ،‬ف�ض ًال عن م�رشوعات‬ ‫رقمنة وحتديث تابعة للقطاع اخلا�ص‪،‬‬ ‫وجميعها مي�ضي يف طريق حتويل �آالف الكتب‬ ‫والوثائق وال�صور ومقتنيات املتاحف وغريها‬ ‫�إىل �شكل رقمي يو�ضع يف م�ستودعات رقمية‬ ‫ويتاح للجميع عرب الإنرتنت‪.‬‬ ‫بيد �أن هذه امل�رشوعات التزال يف بدايتها‬ ‫وحمدودة العدد للغاية قيا�س ًا �إىل حجم الذاكرة‬ ‫�أو مقدار الثقافة العربية الواجب رقمنتها‬ ‫وحتديثها و�إتاحتها للجماهري العربية وللعامل‪،‬‬ ‫فهذه امل�رشوعات مل تنقل �سوى نذر ي�سري من‬ ‫الذاكرة العربية �إىل ال�صورة الرقمية‪ ،‬ناهيك‬ ‫ب�أن منتجها الرقمي مل ي�شقّ طريقه بقوة بعد‬ ‫داخل فئات اجلمهور العربي العري�ض‪ .‬لذلك‬ ‫على النخب الثقافية والإعالمية العربية‬ ‫الرتكيز على دعم مثل هذه امل�رشوعات‬ ‫والإقدام على املزيد منها‪ ،‬مبا مي ّد املجتمع‬ ‫العربي بقوى �إ�ضافية تتيح له مزيداً من القدرة‬ ‫على التذكر والإدارة الأف�ضل للذاكرة بال�صورة‬ ‫التي تتنا�سب والتحديات الثقافية املحدقة‬ ‫به‪ ،‬ويف مقدمتها حت ّدي «الغمر باملحتوى»‬ ‫الأجنبي الذي يت�سلل بنعومة و�رسعة �إىل ن�سيج‬ ‫الذاكرة العربية لي�صري جزءاً منها �شيئ ًا ف�شيئ ًا‪،‬‬ ‫وباعتباره الأحدث والأكرث جاذبية لدى العديد‬ ‫من فئات املجتمع العربي ت�صبح قدرة هذه‬ ‫الفئات على «تذكر» وا�سرتجاع الثقافة العربية‬ ‫�أمراً �أكرث �صعوبة‪.‬‬

‫امل�سار الثاين‪ :‬الت�شبيك الثقايف ‪..‬‬ ‫«املعرفة من خالل الت�شبيك»‬

‫من الأهداف الأ�سا�سية التي كانت وراء‬ ‫ن�ش�أة �صناعة تقنية املعلومات واالت�صاالت‬ ‫وانت�شارها ككل هدفا «الت�شبيك» و»امل�شاركة»‪،‬‬ ‫�أي ربط جمموعة من الأطراف « قد تكون‬ ‫جمتمعات»‬ ‫ؤ�س�سات �أو‬ ‫ٍ‬ ‫أدوات �أو �أ�شخا�ص ًا �أو م� ٍ‬ ‫� ٍ‬ ‫مع بع�ضهم البع�ض عرب و�سيلة �أو و�سائل‬ ‫تقنية معينة يف �صدارتها �شبكات االت�صاالت‬ ‫واملعلومات‪ ،‬لكي ي�سهل على هذه الأطراف‬

‫«امل�شاركة» مع بع�ضها البع�ض يف معلومات‬ ‫�أو بيانات متتلكها لتحقيق �أهداف �أو �أغرا�ض‬ ‫تبتغيها‪.‬‬ ‫وقد ا�ستفادت مئات املجتمعات حول‬ ‫العامل ثقافي ًا من �إمكانات تقنية املعلومات‬ ‫واالت�صاالت يف هذا ال�صدد‪ ،‬والآن هناك اجتاه‬ ‫قوي يف امل�شهد الثقايف العاملي مي�ضي حتت‬ ‫�شعار «املعرفة من خالل الت�شبيك»‪� ،‬أو ا�ستغالل‬ ‫قوة التكنولوجيا يف الربط والت�شبيك لتحقيق‬ ‫تنمية ثقافية ومعرفية قائمة على التوا�صل‬ ‫امل�ستمر للبيانات واملعلومات‬ ‫والتبادل‬ ‫ّ‬ ‫واملعارف بني جمموعات من الب�رش ي ّت�صف‬ ‫من ين�ضوون حتت لوائها ب�أنهم ذوو �أفكار‬ ‫متجان�سة �أو �أهداف م�شرتكة �أو اهتمامات‬ ‫وم�صالح موحدة‪ .‬ويف هذا ال�سياق تزخر‬ ‫الإنرتنت ب�آالف من التجمعات املختلفة القائمة‬ ‫على فكرة الربط وامل�شاركة عرب ال�شبكة‪.‬‬ ‫وقد تطورت فكرة الت�شبيك والربط الثقايف‬ ‫عرب الإنرتنت حتى ظهر ما يعرف «باملجتمعات‬ ‫التخيلية»‪ ،‬وهي مواقع على ال�شبكة متثّل نقطة‬ ‫التقاء ملجموعة من الأ�شخا�ص يتوا�صلون مع ًا‬ ‫من خاللها با�ستخدام نظم القوائم الربيدية‬ ‫�أو الرتا�سل الفوري واملحادثة والدرد�شة‬ ‫واحلوارات املطولة وجمموعات الأخبار‬ ‫وغريها من �أ�ساليب التوا�صل اجلماعي‪،‬‬ ‫ويكون القا�سم امل�شرتك بينهم ق�ضية ذات‬ ‫اهتمام م�شرتك �أو التخ�ص�ص املهني �أو‬ ‫التوافق يف الهوايات واالهتمامات‪ ،‬ومبرور‬ ‫الوقت تن�ش�أ بني امل�شاركني �أو الأع�ضاء يف‬ ‫املوقع عالقات وثيقة على م�ستوى الفكر‬ ‫وعالقات العمل والقناعات والآراء فيت�شكل‬ ‫املجتمع التخيليي اخلا�ص بق�ضية ما‪ ،‬لأنه‬ ‫يوجد فقط على ال�شبكة ولي�س يف العامل‬ ‫الواقعي‪ .‬وتعترب املجتمعات التخيلية عرب‬ ‫الإنرتنت ظاهرة الفتة للنظر لكونها ت�ستقطب‬ ‫اهتمام املاليني من الأع�ضاء الن�شطني يف‬ ‫خمتلف املجاالت والتخ�ص�صات ما بني‬ ‫�أطباء وفنانني وباحثني وطالب و�سيا�سيني‬ ‫وجماعات مدنية‪ ،‬بعدما �أثبتت جدواها يف‬


‫الف�صل الرابع‬ ‫قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية ‪107‬‬

‫املعلوماتية‬

‫تكوين عالقات قوية بني �أع�ضائها تتعدى‬ ‫جمرد تبادل املعلومات املفيدة �إىل ح ّل بع�ض‬ ‫امل�شكالت مثل املر�ض �أو الأزمات املالية‪،‬‬ ‫و�أخرياً امل�شاركة ال�سيا�سية وا�ستخدام احلقوق‬ ‫الدميقراطية يف ممار�سة الكثري من الفعاليات‬ ‫والأن�شطة الإيجابية‪ .‬وت�شمل املجتمعات‬ ‫التخيلية حالي ًا جماالت الفن والأدب والفكر‬ ‫واملو�سيقى والفن الت�شكيلي وال�سينما والكتب‬ ‫والن�رش والبحث العلمي وغريها من �أوجه‬ ‫احلياة الثقافية‪.‬‬ ‫و ُتن ِبئنا التحليالت ال�سابقة حول امل�شهد‬ ‫الثقايف العربي الراهن ب�أوجهه الرقمية‬ ‫املختلفة التي جرى تناولها �أنه على الرغم‬ ‫من وجود بنية معلوماتية ال ي�ستهان بها يف‬ ‫معظم البلدان العربية‪ ،‬ف�إن �أهداف «الربط‬ ‫«و»امل�شاركة» لي�ست مط ّبقة من قبل م�ستخدمي‬ ‫هذه البنية املعلوماتية �أو من يفرت�ض �أنهم‬ ‫م�س�ؤولون عن توظيفها ثقافي ًا‪ ،‬فاملعارف‬ ‫العربية ال تتدفق بني املجتمعات العربية عرب‬ ‫قنوات التكنولوجيا بال�صورة املبتغاة‪ ،‬و�سبب‬ ‫مهم يف ذلك �أن امل�ؤ�س�سات والكيانات العربية‬ ‫املعنية بال�ش�أن الثقايف مل ت�ستخدم بعد هذه‬ ‫وت�شبيك يف ما بني‬ ‫ربط‬ ‫ٍ‬ ‫البنية يف �إجناز عملية ٍ‬ ‫�أطرافها املنت�رشة عرب العامل العربي‪ .‬وعليه‬ ‫ف�إن م�سار «املعرفة من خالل الت�شبيك» يفر�ض‬ ‫نف�سه بقوة كم�سار من م�سارات توظيف تقنية‬ ‫املعلومات كرافعة للتنمية الثقافية‪ ،‬وذلك‬ ‫للقيام مبا يلي‪:‬‬ ‫• ت�شبيك �أدبي يربط ما بني الأدباء العرب من‬ ‫القا�صني وال�شعراء والنقّاد يف جمتمع تخيلي‬ ‫واحد �أو ع ّدة جمتمعات تخيلية تلتزم التوجهني‬ ‫ال�سابقني املتعلقني بحرية تداول املعلومات‬ ‫وامل�صادر املفتوحة لتبادل امل�ساهمات‬ ‫والآراء ال�ستعرا�ض الإبداعات اجلديدة ل�صغار‬ ‫وكبار الأدباء و�إدارة حوار جاد حولها وحتقيق‬ ‫م�ستوى من التوا�صل الداخلي يف ما بينهم‬ ‫وخارجي مع اجلمهور العام‪.‬‬ ‫• ت�شبيك ثقايف م� ّؤ�س�سي يحقق نوع ًا من‬ ‫الربط وامل�شاركة يف ما بني امل�ؤ�س�سات‬

‫الثقافية العربية كوزارات الثقافة وغريها من‬ ‫امل�ؤ�س�سات امل�شابهة‪ ،‬مبا يفتح الطريق نحو‬ ‫حركة تن�سيق جادة يف جهود التنمية الثقافية‬ ‫الر�سمية‪ ،‬تعتمد على تبادل املنافع وتكامل‬ ‫امل�صادر واملوارد املتاحة للبلدان العربية‪.‬‬ ‫فالبع�ض ميلك ذخرية تراثية عري�ضة و�ضاربة‬ ‫يف القدم والبع�ض الآخر ميلك موارد مالية‬ ‫وفريق ثالث ميلك خربات وكوادر ذات قدرات‬ ‫متنوعة يف العمل الثقايف والتنمية الثقافية‪،‬‬ ‫ومن خالل جمتمع تخيلي للم�ؤ�س�سات الثقافية‬ ‫الر�سمية العربية ميكن القفز بعيداً فوق العديد‬ ‫من امل�شكالت والعوائق الروتينية ال�سائدة‬ ‫واملع�ضالت ال�سيا�سية املزمنة واالنطالق يف‬ ‫تعاون طوعي �رسيع و�سهل ميكن �أن يحقق‬ ‫مردوداً �إيجابي ًا قد يبد�أ ب�سيط ًا لكنه قابل‬ ‫للتعاظم مع الوقت‪.‬‬ ‫• ت�شبيك ف ّني على �صعيد ال�سينما واملو�سيقى‬ ‫وامل�رسح يتيح توا�صل وم�شاركة جادة بني‬ ‫مراكز الإنتاج الفني الرئي�سية بالعامل العربي‬ ‫بالقاهرة وبريوت واخلليج واملغرب العربي‬ ‫وغريها‪ ،‬ويفتح جماالت للتعاون وتبادل‬ ‫الأفكار وامل�رشوعات امل�شرتكة و�إعادة عر�ض‬ ‫الرتاث الفني العربي عرب الإنرتنت‪.‬‬ ‫• ت�شبيك بحثي وعلمي لربط م� ّؤ�س�سات‬ ‫البحث العلمي والعاملني بها وحتقيق قدر‬ ‫من امل�شاركة يف الأفكار والإبداعات وتبادل‬ ‫النتائج وفتح نقا�شات �أكادميية وعلمية‬ ‫حولها‪ ،‬وكذلك تبادل املعلومات والبيانات‬ ‫املتعلقة باملو�ضوعات العلمية ذات ال�صبغة‬ ‫الت�صحر وندرة املياه‬ ‫امل�شرتكة كق�ضايا‬ ‫ّ‬ ‫وحتلية مياه البحر والتلوث البيئي‪.‬‬ ‫• ت�شبيك يف جمال الن�رش والإعالم والكتب‬ ‫واملكتبات والرتاث‪ ،‬لفتح قنوات لتبادل‬ ‫املعارف والكتب يف خمتلف املجاالت‪،‬‬ ‫من خالل املكتبات الرقمية وامل�ستودعات‬ ‫الإخبارية والإعالمية التخ ّيلية املفتوحة‪،‬‬ ‫وم�ستودعات الن�رش الرقمي واملد ّونات‬ ‫وال�شبكات االجتماعية وغريها‪ .‬الأمر الذي‬ ‫يتيح موارد ثقافية هائلة �أمام املواطن العربي‬

‫على الرغم من وجود بنية‬ ‫معلوماتية ال ي�ستهان بها يف معظم‬ ‫البلدان العربية‪ ،‬ف�إن �أهداف «الربط»‬ ‫و «امل�شاركة» لي�ست مط ّبقة من قبل‬ ‫م�ستخدمي هذه البنية املعلوماتية‬ ‫�أو من يفرت�ض �أنهم م�س�ؤولون‬ ‫عن توظيفها ثقافياً‪ ،‬و�سبب ذلك‬ ‫�أن امل�ؤ�س�سات والكيانات العربية‬ ‫املعنية بال�ش�أن الثقايف مل ت�ستخدم‬ ‫ربط‬ ‫بعد هذه البنية يف �إجناز عملية ٍ‬ ‫وت�شبيكٍ يف ما بني �أطرافها املنت�رشة‬ ‫عرب العامل العربي‪.‬‬

‫هناك �إمكانيات مل ت�ستغل‬ ‫لعمليات ت�شبيك عربي على الإنرتنت‬ ‫ت�شمل مثالً‪ ،‬الربط بني الأدباء �أو‬ ‫امل�ؤ�س�سات الثقاف ّية �أو م�ؤ�س�سات‬ ‫البحث العلمي �أو يف جمال الن�رش‬ ‫والإعالم واملكتبات‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 108‬للتنمية الثقافية‬

‫للنهل منها طوال الوقت ب�صورة جمانية �أو‬ ‫بتكلفة زهيدة‪.‬‬

‫التكنولوجيا يف خدمة الت�شبيك‬

‫�إن ا�ستخدام الإنرتنت وتكنولوجيا‬ ‫الـمعلومات واالت�صالت كو�سيلة للإتاحة‬ ‫الدائمة للمعارف ب�صورة احرتافية‬ ‫للمبدعني واملوهوبني‪ ،‬يتيح ن�رش الفن‬ ‫والإبداع القائم على املعرفة‪ ،‬ويك�رس‬ ‫احتكار الو�سائل التقليدية الناقلة‬ ‫للمعرفة للمبدعني‪ ،‬ويف مقدمتها‬ ‫امل� ّؤ�س�سات التعليمية والأكادميية‬ ‫والكتب واملواد املطبوعة‪.‬‬

‫ميكن �أن يجري توظيف التكنولوجيا‬ ‫خلدمة الت�شبيك والربط بني التجمعات والنخب‬ ‫الثقافية العربية كالتايل‪:‬‬ ‫• الإعالن عن �أهداف امل�ؤ�س�سات والتجمعات‬ ‫الثقافية والأدبية والفكرية العربية املختلفة‬ ‫من خالل بناء املواقع وقوائم الربيد الإلكرتوين‬ ‫ومواقع الدرد�شة واملحادثة‏ واملواقع‬ ‫الإخبارية‪ ،‬وهي �أمور مل تكن و�سائل التوا�صل‬ ‫التقليدية تتيحها من قبل‪ ،‬حتى يف ظل وجود‬ ‫�أجهزة الإعالم امل�سموع واملرئي والو�سائل‬ ‫املطبوعة‏‪.‬‬ ‫• التنقيب عن املعلومات‏‪� ،‬إذ متثّل الإنرتنت‬ ‫و�سيلة مهمة جلمع معلومات �صغرية يت ّم‬ ‫الربط بينها لت�شكّل �صورة اكرب ملعلومة مهمة‬ ‫حول ما يجري من �أن�شطة وفعاليات ثقافية‪.‬‬ ‫• التمويل حيث ميكن ا�ستخدام الربط وامل�شاركة‬ ‫عرب الإنرتنت يف احل�صول على ت ّربعات‬ ‫با�ستخدام التحويالت املالية عرب الإنرتنت من‬ ‫اجلماهري والأطراف امل�ؤمنة ب�أفكار و�أهداف‬ ‫بع�ض م�رشوعات التنمية الثقافية الكربى التي‬ ‫حتتاج �إىل متويل‪ ،‬كم�رشوعات رقمنة الرتاث‬ ‫والرتجمة من و�إىل العربية وجمع ون�رش مئات‬ ‫الآالف من املخطوطات‪.‬‬ ‫• دعم وح�شد الطاقات مع اجلماهري‪� ،‬إذ �أنه‬ ‫من خالل املجتمعات التخيلية وعمليات‬ ‫الربط وامل�شاركة على نطاق وا�سع ميكن القيام‬ ‫بعملية دعم وح�شد للطاقات املطلوبة يف العديد‬ ‫من امل�رشوعات الثقافية عرب املجتمعات‬ ‫والروابط التخيلية‪ ،‬بحيث تتيح عملية التوا�صل‬ ‫امل�ستمر الو�صول �إىل الأفراد واجلماعات الأكرث‬ ‫اهتمام ًا بق�ضايا الثقافة والتنمية الثقافية‬ ‫وح�شد جهودهم حتت مظلة برامج وم�رشوعات‬ ‫وا�ضحة لن�رشها يف حميطهم وجمتمعهم‬ ‫املحلي والقطري‪.‬‬ ‫• تدعيم البناء التنظيمي والهيكلي للم�ؤ�س�سات‬

‫واجلماعات الداعمة واملدافعة عن التنمية‬ ‫الثقافية وحتقيق نوع من الرتابط امل� ّؤ�س�سي‬ ‫والوظيفي بني �أع�ضاء الكيان الواحد �أو بني‬ ‫الكيانات واملن�ش�آت املختلفة‪ ،‬وهو ما ميكّن‬ ‫هذه املنظمات �أو امل�ؤ�س�سات من �إدارة �أن�شطتها‬ ‫ب�أ�سلوب ال مركزي عرب الإنرتنت والتن�سيق‬ ‫بينها �أفقي ً‏ا‪.‬‏‬ ‫• التخطيط والتن�سيق‏‪ ،‬بحيث ميكن ا�ستخدام‬ ‫تقنية املعلومات كقناة ت�س ّهل التخطيط‬ ‫والتن�سيق امل�شرتك‪� ،‬سواء على امل�ستوى‬ ‫املعلوماتي �أم على م�ستوى العمل التنفيذي‬ ‫املرتبط ب�أن�شطة التنمية الثقافية‪ ،‬كتن�سيق‬ ‫امل�ؤمترات وحلقات البحث وور�ش العمل‬ ‫و�إ�صدار الكتيبات والن�رشات وتنظيم برامج‬ ‫التوعية �إىل غري ذلك‪.‬‬

‫امل�سار الثالث‪ :‬ثقافة الإبداع القائم على‬ ‫املعرفة‬

‫ي�ستم ّد الإبداع الثقايف رحيق �إبداعه‬ ‫من م�صدرين‪ :‬املوهبة الطبيعية لدى املبدع‪،‬‬ ‫و�أدوات التعلّم وم�صادر املعرفة املتاحة له‪،‬‬ ‫فالأول ي�ضعه على بداية طريق الإبداع والثاين‬ ‫يقوده �إىل التطوير والتجديد والإ�ضافة بال‬ ‫كلل‪ .‬ويف فجر التاريخ كان حجر ال�صوان‬ ‫والإزميل واملطرقة والفر�شاة والقلم وال�سكني‬ ‫من �أدوات نقل و�إنتاج املعرفة الداعمة للإبداع‬ ‫وا�ستيعابها‪ ،‬ويف ع�صور تالية ظهرت النقو�ش‬ ‫ثم ظهرت الطباعة ثم ح ّل ع�رص املعلومات‬ ‫بتقنياته العديدة التي وفّرت و�سائل ال ح�رص‬ ‫لها لإتاحة املعرفة كالن�سخ ثم الت�صوير‪ ،‬ثم‬ ‫االنتقال بكل ذلك �إىل ال�شكل الرقمي يف بداية‬ ‫ظهور احلا�سبات‪ ،‬و�أخرياً ظهرت الإنرتنت لتوفّر‬ ‫ف�ضا ًء وا�سع ًا للإتاحة الدائمة للمعرفة‪ ،‬حتى‬ ‫�أ�صبح «الإبداع الرقمي» �ساحة جديدة قائمة‬ ‫بذاتها‪.‬‬ ‫ويف هذا ال�سياق تربز املجموعات‬ ‫املهنية» عرب الإنرتنت ك�آلية ميكن مل�رشوعات‬ ‫وبرامج التنمية الثقافية العربية توظيفها‬ ‫لدعم الإتاحة الدائمة للمعرفة �أو املعارف‬


‫الف�صل الرابع‬ ‫قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية ‪109‬‬

‫املعلوماتية‬

‫التي ميكن للموهوبني اال�ستفادة بها يف �صقل‬ ‫مهاراتهم وقدراتهم على الإبداع‪ ،‬فاحلا�صل‬ ‫�أن �أع�ضاء مثل هذه ال�شبكات ينقلون معارفهم‬ ‫ومهاراتهم للآخرين‪ ،‬بخا�صة يف ما يتعلق‬ ‫بالتوا�صل ما بني الأجيال‪ ،‬فهي تتيح للأ�ساتذة‬ ‫تقدمي خرباتهم ب�شكل دائم ومتجدد لل�شباب‬ ‫لال�ستفادة منها‪ .‬وقد عرف منذ زمن طويل �أن‬ ‫�شعور االنتماء للمجموعة املحرتفة هو عامل‬ ‫ثقة‪ ،‬و�أن �إمكانات اللقاء والتبادل مع حمرتفني‬ ‫حتفّز املوهبة لالحرتاف والرغبة يف التعلّم‪.‬‬ ‫�إن ا�ستخدام الإنرتنت وتكنولوجيا‬ ‫املعلومات واالت�صاالت كو�سيلة للإتاحة‬ ‫الدائمة للمعارف ب�صورة احرتافية للمبدعني‬ ‫واملوهوبني يتيح ن�رش الفن والإبداع القائم‬ ‫على املعرفة ويك�رس احتكار الو�سائل التقليدية‬ ‫الناقلة للمعرفة للمبدعني‪ ،‬ويف مقدمتها‬ ‫امل�ؤ�س�سات التعليمية والأكادميية والكتب‬ ‫واملواد املطبوعة‪ ،‬ومن هنا ف�إن الفر�صة‬ ‫�سانحة �أمام م�رشوعات التنمية الثقافية‬ ‫العربية وامل�ؤ�س�سات القائمة عليها لكي‬ ‫تتب ّنى �سل�سلة من اخلطط وامل�رشوعات املعنية‬ ‫بالتنمية الثقافية العربية بهدف �إتاحة معارف‬ ‫من نوع الدرا�سات النقدية والق�صائد ال�شعرية‬ ‫وامل�رسحيات اجلديدة بني �أدباء �شبان وكبار‬ ‫ين�ضوون يف جمموعات مهنية حمرتفة‪،‬‬ ‫و�إتاحة الربامج الدرا�سية واملحا�رضات‬ ‫الأكادميية ولوحات الفن الت�شكيلي بني‬ ‫جتمعات الفنانيني الت�شكيليني املن�ضوين يف‬ ‫قوائم مهنية حمرتفة‪ ،‬و�إتاحة �أفالم ال�سينما‬ ‫ومكتبات ال�سيناريو وكتب الرتاث والفقه ب�شكل‬ ‫دائم وعلى نطاق وا�سع بني حمرتيف كتابة‬ ‫ال�سيناريو و�ص ّناع ال�سينما‪� ،‬إىل غري ذلك من‬ ‫املجموعات املهنية ذات العالقة بالإبداع‬ ‫الثقايف‪ .‬و�إذا متت �صياغة هذه اجلهود بطريقة‬ ‫احرتافية تنا�سب احتياجات املبدعني العرب‬ ‫يف كل اجتاه‪ ،‬ف�إن ذلك ميكن �أن يحقّق توظيف ًا‬ ‫فعا ًال و�رسيع ًا لتكنولوجيا املعلومات يف �إجناز‬ ‫ما يعرف «بالإبداع من خالل �إتاحة املعرفة»‪،‬‬ ‫وهو اجتاه ترى اليون�سكو �أنه يحمل يف طياته‬

‫احتماالت طيبة كو�سيلة للتنمية الثقافية‪ ،‬وهو‬ ‫ما جعلها تطلق م�رشوع بوابة اليون�سكو للمعرفة‬ ‫حتت ا�سم «الفنون الرقمية» �أو «‪ »digi arts‬على‬ ‫‪http://portal.unesco.org/cult‬‬ ‫الإنرتنت‬ ‫_‪ture/en/ev.php-URL_ID=1391&URL‬‬ ‫‪DO=DO_TOPIC&URL_SECb‬‬ ‫‪ TION=201.html‬وهو م�رشوع معني ب�إتاحة‬

‫ونقل املعارف واملمار�سات الثقافية والفنية‬ ‫الرقمية �إلكرتونيا عرب املوقع كو�سيلة من‬ ‫و�سائل دعم الإبداع‪.‬‬

‫امل�سار الرابع‪ :‬رفع امل�شاركة‪:‬‬ ‫«من ال�سلبية والفجوة املعرفية �إىل‬ ‫الإيجابية وامل�شاركة يف املعرفة»‬

‫ال ميكن احلديث عن تنمية ثقافية يف‬ ‫جمتمع ت�سودة ال�سلبية والعزوف عن امل�شاركة‬ ‫يف ال�ش�أن العام وق�ضاياه‪ ،‬ويف الوقت نف�سه‬ ‫ال ميكن �أن نتوقع من جمتمع ما �أن يكون‬ ‫�إيجابي ًا وم�شارك ًا يف ال�ش�أن العام وهو يعاين‬ ‫فجوة معرفية ومعلوماتية رمبا حترمه من �أن‬ ‫يعي كيفية امل�شاركة �أ�ص ًال و�أهميتها‪ ،‬وحينما‬ ‫جتتمع ال�سلبية مع فجوة املعرفة يعاين‬ ‫املجتمع من «م�أزق مزدوج»‪.‬‬ ‫وغني عن البيان �أن املجتمع العربي ظ ّل‬ ‫لعقود طويلة يرزح حتت ت�أثري هذا امل�أزق‬ ‫املزدوج‪ ،‬فاجلزء الأكرب من �رشائحه االجتماعية‬ ‫االقت�صادية عزف عن امل�شاركة و�سادته‬ ‫ال�سلبية وفرت لديه الإقبال على ال�ش�أن العام‪،‬‬ ‫ومن ناحية �أخرى �أ�صيب بفجوة معرفية ركّزت‬ ‫املعارف والبيانات واملعلومات التي تعترب‬ ‫الوقود الأ�سا�سي ملختلف عمليات التنمية ـ مبا‬ ‫فيها التنمية الثقافية ـ يف �أيدي نخبة قليلة‬ ‫العدد حمدودة االنت�شار‪ ،‬وما �ضعف امل�شاركة‬ ‫ال�سيا�سية يف االنتخابات مث ًال‪ ،‬وانت�شار الأمية‬ ‫�إال وجهان ميثّالن هذا امل�أزق‪.‬‬ ‫والثابت الآن �أنه ميكن ا�ستخدام تقنية‬ ‫املعلومات واالت�صاالت بنجاح ملحوظ يف‬ ‫ت�ضييق فجوة املعرفة داخل املجتمع الواحد‬ ‫وما بني املجتمعات وبع�ضها البع�ض‪ ،‬بحكم ما‬

‫�إن التوظيف الف ّعال وال�رسيع‬ ‫لتكنولوجيا املعلومات يف �إجناز‬ ‫ما يعرف «بالإبداع من خالل �إتاحة‬ ‫املعرفة»‪ ،‬هو اجتاه ترى اليون�سكو‬ ‫�أنه يحمل يف طياته احتماالت طيبة‬ ‫كو�سيلة للتنمية الثقافية‪.‬‬

‫ال ميكن �أن نتوقع من جمتمع‬ ‫ما �أن يكون �إيجابي ًا وم�شارك ًا‬ ‫يف ال�ش�أن العام وهو يعاين فجوة‬ ‫معرفية ومعلوماتية‪ ،‬رمبا حترمه‬ ‫من �أن يعي كيفية امل�شاركة �أ�ص ًال‬ ‫و�أهميتها‪.‬‬

‫ميكن ا�ستخدام تقنية املعلومات‬ ‫واالت�صاالت بنجاح ملحوظ يف‬ ‫ت�ضييق فجوة املعرفة داخل املجتمع‬ ‫الواحد‪ ،‬وما بني املجتمعات بع�ضها‬ ‫البع�ض‪.‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 110‬للتنمية الثقافية‬

‫من اجلدير بالر�صد ما �أحدثته‬ ‫ال�شبكات االجتماعية على الإنرتنت‬ ‫حتوالت‬ ‫مثل “الفي�س بوك” من ّ‬ ‫كربى لدى قطاعات ال ي�ستهان‬ ‫بها من ال�شباب العربي جعلتهم‬ ‫ي�شاركون يف ال�ش�أن العام كما مل‬ ‫ي�شاركوا من قبل عرب �أي قنوات‬ ‫تقليدية �أخرى‪.‬‬

‫ميكن توظيف تقنية املعلومات‬ ‫واالت�صاالت «كمخرج مزدوج» من‬ ‫«امل�أزق املزدوج» الذي يعاين منه‬ ‫املجتمع العربي ويتعلق بال�سلبية‬ ‫والفجوة املعرفية وي�شكّل عقبة‬ ‫ك�ؤود على طريق التنمية الثقافية‪.‬‬

‫تتيحه �أدواتها من قدرات فائقة يف نقل وتداول‬ ‫املعارف بني ماليني الب�رش يف «الالوقت»‬ ‫و»طوال الوقت بال انقطاع» من �أي مكان لأي‬ ‫مكان كما �سبق التو�ضيح يف �أكرث من مو�ضع‪.‬‬ ‫ويف الوقت نف�سه ثبت �أن تقنية املعلومات‬ ‫توفّر قنوات للم�شاركة ت ّت�صف بقدرتها على‬ ‫�إثارة �إعجاب ماليني الب�رش واهتمامهم‪،‬‬ ‫من خمتلف الأعمار واملهن وامل�ستويات‬ ‫االجتماعية واالقت�صادية والتعليمية‪ ،‬ولننظر‬ ‫مث ًال �إىل ما �أحدثته ال�شبكات االجتماعية‬ ‫على الإنرتنت «مثل الفي�س بوك» من حت ّوالت‬ ‫كربى لدى قطاعات ال ي�ستهان بها من ال�شباب‬ ‫العربي وكيف جعلتهم ي�شاركون يف ال�ش�أن‬ ‫العام كما مل ي�شاركوا من قبل عرب �أي قنوات‬ ‫تقليدية �أخرى‪.‬‬ ‫�إن تقنية املعلومات واالت�صاالت ـ‬ ‫والإنرتنت على قمتها ـ �أوجدت ف�ضا ًء �إلكرتونيا‬ ‫مرتامي الأطراف‪ ،‬يتيح حرية غري م�سبوقة يف‬ ‫امل�شاركة والتعبري عن الر�أي واالنخراط يف‬ ‫ال�ش�أن العام‪� ،‬إذ يكفي ال�شخ�ص �أن يجل�س �إىل‬ ‫حا�سبه وي ّت�صل بالإنرتنت ليدخل يف حوارات‬ ‫ح�سبما يروق له يف الق�ضايا التي تعجبه‪،‬‬ ‫ويبدي �آراءه مبنتهى احلرية واجلر�أة من دون‬ ‫تدخل من �أحد‪ ،‬فيختار املو�ضوع الذي يناق�شه‬ ‫واللغة التي يتحاور بها واملعلومات التي‬ ‫ي�سوقها بل والطرف الذي يحاوره والقناة‬ ‫التي ي�ضع فيها ر�أيه‪ ،‬فك ّل الطرق مفتوحة �أمام‬ ‫اجلميع من خمتلف الأعمار وامللل والنحل‬ ‫واملهن والتخ�ص�صات واجلن�سيات والألوان‬ ‫وامل�شارب ال�سيا�سية واالقت�صادية والعقائدية‪.‬‬ ‫وال �شك �أن تقنية املعلومات واالت�صاالت‬ ‫ميكن توظيفها يف هذا ال�صدد «كمخرج‬ ‫مزدوج» من «امل�أزق املزدوج» الذي يعاين‬ ‫منه املجتمع العربي ويتعلق بال�سلبية والفجوة‬ ‫املعرفية وي�شكّل عقبة ك�ؤود على طريق التنمية‬ ‫الثقافية‪ ،‬وما يع ّزز الدعوة �إىل هذا امل�سار �أننا‬ ‫�إذا ما نظرنا �إىل نتائج التحليالت ال�سابقة‬ ‫املتعلقة ب�أو�ضاع البنية املعلوماتية التحتية‬ ‫العربية ونتائج حتليالت الوجه الرقمي للثقافة‬

‫العربية �سنخل�ص �إىل �أن املجتمع العربي من‬ ‫حيث امل�شاركة والفجوة املعرفية ينق�سم �إىل‬ ‫ثالث �رشائح اجتماعية‪:‬‬ ‫• الأوىل ت�ض ّم ع�رشات املاليني الذين‬ ‫ال يزالون حتت وط�أة الفجوة الرقمية مبا‬ ‫فيها من ت�ضا�ؤل وق�صور مبعدالت انت�شار‬ ‫احلا�سبات والإنرتنت والتليفونات واملحتوى‬ ‫املحلي على الإنرتنت وتدهور التعليم وافتقار‬ ‫مهارات التعامل مع التكنولوجيا‪ ،‬حتى �أن‬ ‫الكثري منهم مل يج ِر حتى الآن مكاملة تليفونية‬ ‫واحدة يف حياته‪ ،‬الأمر الذي يجعلهم �أ�ص ًال‬ ‫خارج الق�ضية‪.‬‬ ‫• الثانية �رشيحة قوية ونافذة وال تعاين‬ ‫فجوة رقمية لكنها الهية وال يعنيها من ثورة‬ ‫املعلومات �سوى ا�ستهالك منجزاتها بنهم‪،‬‬ ‫تعب من منتجات هذه الثورة‬ ‫ومن ثم فهي ّ‬ ‫وخدماتها ب�أق�صى ما ت�ستطيع لإ�شباع رغبات‬ ‫ال عالقة لها بحراك اجتماعي �سيا�سي ر�شيد‬ ‫يقود �إىل مزيد من التنمية والن�ضج املجتمعي‪.‬‬ ‫• والثالثة �رشيحة ت ّت�سم بروح املبادرة‬ ‫والإبداع والوعي بطبيعة وحدود ت�أثري‬ ‫هذه الثورة وما تنجزه من تغيريات عميقة‬ ‫تتغلغل يف ج�سد املجتمعات احلديثة‪ ،‬كما‬ ‫ت ّت�سم باجلر�أة يف ممار�سة حقها الطبيعي يف‬ ‫توظيف هذه الثورة ومنجزاتها توظيف ًا ثقافي ًا‬ ‫و�سيا�سي ًا ودميقراطي ًا حتى و�إن �أ ّدى الأمر �إىل‬ ‫ت�ضحيات مريرة يف كثري من الأحيان‪ ،‬تبد�أ‬ ‫باحلرمان من التعبري عن الر�أي وقد تنتهي‬ ‫بال�سجن واملالحقة‪.‬‬ ‫وميكن القول �إن هذه ال�رشيحة هي بيت‬ ‫الق�صيد التي يتعني �أن تركّز عليها وت�ستهدفها‬ ‫�أية ا�سرتاتيجيات �أو خطط للتنمية الثقافية‬ ‫بالوطن العربي‪ ،‬لكونها الأكرث قابلية وا�ستعداداً‬ ‫ال�ستخدام تقنية املعلومات يف ت�ضييق فجوة‬ ‫املعرفة والق�ضاء على ال�سلبية‪.‬‬

‫امل�سار اخلام�س‪ :‬التعليم والتعلّم‬ ‫امل�ستمر‬

‫ال حتتاج العالقة بني التعليم والتعلّم‬


‫الف�صل الرابع‬ ‫قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية ‪111‬‬

‫املعلوماتية‬

‫من جهة والتنمية الثقافية من جهة ثانية �إىل‬ ‫�إثبات �أو �رشح‪ ،‬فالتعليم كان دائم ًا من �أهم‬ ‫�رشوط التنمية ب�صورة عامة والتنمية الثقافية‬ ‫ب�صورة خا�صة‪ ،‬والتنمية الثقافية كانت واحدة‬ ‫من �أهم الأهداف النهائية للتعلّم والتعليم �إن مل‬ ‫تكن �أهم �أهدافهما على الإطالق‪.‬‬ ‫ويف جتارب تنموية عديدة �سابقة حول‬ ‫العامل كان تطبيق مفهوم التعليم والتعلّم‬ ‫امل�ستمر يواجه �صعوبات متنوعة حت ّد من‬ ‫القدرة على تنفيذه كما تقلّل كثرياً من ح�صيلته‬ ‫النهائية‪ ،‬لكن يف الوقت احلايل تغيرّ الو�ضع‬ ‫التو�سع يف‬ ‫ب�صورة كبرية‪ ،‬و�أ�صبح بالإمكان‬ ‫ّ‬ ‫تطبيق هذا املفهوم وزيادة النتائج املتحققة‬ ‫من ورائه‪ ،‬والف�ضل يف ذلك يعود �إىل تقنية‬ ‫املعلومات واالت�صاالت التي �أتاحت فر�ص ًا غري‬ ‫م�سبوقة يف �إتاحة املعارف الالزمة للتعليم‬ ‫والتعلّم امل�ستمر للجميع طوال الوقت بتكلفة‬ ‫زهيدة �أو من دون تكلفة على الإطالق‪.‬‬ ‫وت�ضع البنية الأ�سا�سية املعلوماتية‬ ‫املتاحة حتى الآن بالوطن العربي‪ 1‬بني‬ ‫يدي خمططي برامج التنمية الثقافية نقطة‬ ‫بداية ال ب�أ�س بها ميكن ا�ستخدامها يف تدعيم‬ ‫ون�رش مفهوم التعليم والتعلّم امل�ستمر للجميع‬ ‫وتعميقه‪ ،‬باعتبار �أن التعليم والتعلم امل�ستمر‬ ‫م�س�ؤول ّية املجتمع ككل‪ ،‬وميكن لأي جهة‬ ‫م�س�ؤولّة عن التخطيط لربامج التنمية الثقافية‬ ‫�أن توظف ما هو متاح حالي ًا من بنية �أ�سا�سية‬ ‫معلوماتية يف ثالثة �أوجه‪:‬‬ ‫• الوجه الأول‪ :‬دعم العملية التعليمية داخل‬ ‫املدار�س واجلامعات العربية واالنتقال‬ ‫بعملية التعليم من طور التعليم املعتمد على‬ ‫الورق وبع�ض الو�سائل التعليمية التقليدية‬ ‫�إىل التعليم التفاعلي املعتمد على الو�سائط‬ ‫املتعددة واحلا�سبات داخل قاعات الدر�س‬ ‫واملعامل‪ ،‬بحيث ال يكون الطالب �أو التلميذ‬ ‫عند جلو�سه �أمام احلا�سب جمرد متلق ملا يظهر‬ ‫على ال�شا�شة‪ ،‬بل م�ستخد ٌم يتفاعل مع املادة‬

‫العلمية عرب احلا�سب بد ًال من �أن يخ�ضع له‪ ،‬و�أن‬ ‫يجعله مالئم ًا لعاداته وثقافته‪ ،‬وهذا الأ�سلوب‬ ‫ي�س ّهل التعليم والتعلّم ويجعله قادراً على التعلّم‬ ‫الذاتي‪ ،‬وبالتايل ف�إن تقنية املعلومات و�أدواتها‬ ‫ال جتعل التعليم يقف عند كونه جمرد كتلة من‬ ‫املعارف املحدودة بعمر معني من احلياة‪ ،‬بل‬ ‫جتعل الفرد يجد نف�سه دائم ًا يف و�ضع املتعلّم‪،‬‬ ‫حتى حينما يكون خارج امل�ؤ�س�سة التعليمية‪.‬‬ ‫• الوجه الثاين‪� :‬إتاحة التعليم والتعلّم امل�ستمر‬ ‫ب�شكل مفتوح ملختلف فئات اجلمهور �أو‬ ‫املواطنني العرب‪ ،‬خ�صو�ص ًا لدى البالغني‬ ‫وكبار ال�سن ممن مل يح�صلوا على التعليم‬ ‫الأ�سا�سي ب�صورة كاملة‪ ،‬ويدخل يف نطاق‬ ‫ذلك من هم يف حكم الأميني �أو من تمّ حمو‬ ‫�أميتهم الأبجدية ويحتاجون لأدوات تعليم‬ ‫وم�صادر تعلّم غري تقليدية وغري معتادة تغطي‬ ‫جميع املجاالت وجميع امل�ستويات ملن يريد‬ ‫�أو يرغب يف اال�ستزادة‪ .‬ويف هذا ال�سياق ف�إن‬ ‫املدار�س واجلامعات وامل�ؤ�س�سات التعليمية‬ ‫العربية ميكن �أن تتعاون مع اجلهات امل�س�ؤولة‬ ‫عن التنمية الثقافية من �أجل �إتاحة حمتوى‬ ‫معريف وتعليمي للجمهور العربي العام‪ ،‬يقوم‬ ‫على مفهوم التعليم والتعلّم امل�ستمر بعيداً‬ ‫عن الأطر املح ّددة ورمبا اجلامدة التي تربط‬ ‫مناهج التعليم الر�سمية بامل�ؤ�س�سات التعليمية‪.‬‬ ‫وهنا ميكن اال�ستفادة من جتارب دولية عديدة‬ ‫قامت يف معظمها على منهجية» امل�صادر‬ ‫املفتوحة» يف �إعداد وتقدمي وعر�ض املواد‬ ‫التعليمية واملعارف املختلفة املرتبطة بها‬ ‫على اجلميع‪ ،‬مبا يع ّزز دور امل�ؤ�س�سات املدر�سية‬ ‫واجلامعية ويجعلها م�صدراً حقيقي ًا للإ�شعاع‬ ‫الثقايف للجماعات املحلية التي ت�شكّل القاعدة‬ ‫الأ�سا�سية التي يتعينّ �أن تتوجه لها جهود‬ ‫التنمية الثقافية‪.‬‬ ‫• الوجه الثالث‪ :‬هو التو�سع يف عمليات‬ ‫التعليم الإلكرتوين عن بعد عرب الإنرتنت‬ ‫�سواء للجمهور العام �أم للطالب الدار�سني يف‬

‫‪ 1‬راجع الف�صل الأول من هذا امللف‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 112‬للتنمية الثقافية‬

‫� ّإن حمدودية املوارد وانت�شار‬ ‫الأمية يف الكثري من �أجزاء الوطن‬ ‫العربي يفر�ضان التو�سع يف م�سار‬ ‫التعليم والتعلّم الإلكرتوين‪ ،‬ال�سيما‬ ‫مت ت�شييده ون�رشه من بنية‬ ‫�أن ما ّ‬ ‫�أ�سا�سية يف جمال االت�صاالت‬ ‫وتكنولوجيا املعلومات ي�سمح مبزيد‬ ‫من التو�سع يف م�رشوعات التعليم‬ ‫الإلكرتوين ع ّما هو عليه الآن‪.‬‬

‫م�ؤ�س�سات التعليم املختلفة‪ ،‬ويف هذا ال�سياق‬ ‫ميكن �إن�شاء م�ؤ�س�سات كبرية للتعلّم عن بعد‬ ‫داخل الوطن العربي لتعمل كذراع تع ّو�ض‬ ‫النق�ص يف املوارد التعليمية �أو تتيح فر�ص ًا‬ ‫�أو�سع للتعليم �أمام فئات ال ت�ستطيع حت ّمل‬ ‫�أعباء التعليم التقليدي‪« .‬كما بد�أ التعليم‬ ‫الإلكرتوين عن بعد ميار�س على م�ستوى‬ ‫التعليم الثانوي‪ ،‬وميار�سه نحو مليون تلميذ‬ ‫يف الواليات امل ّتحدة من املنازل‪ ،‬وبخا�صة يف‬ ‫املناطق التي تعاين �صعوبات ويبحث لها عن‬ ‫بديل‪ ،‬والثانويات التي ال ت�ستطيع تعليم كل‬ ‫�شيء وتعمد �إىل �إكمال ما تعر�ضه من درو�س‬ ‫بف�ضل تلك املقرتحة على الإنرتنت‪ ،‬وقد بد�أ هذا‬ ‫بالتحقق يف البلدان النامية‪ ،‬كاملدر�سة الهندية‬ ‫الوطنية املفتوحة»‪.‬‬ ‫كما ميكن لهذه امل�ؤ�س�سات تبني منهجية‬ ‫املحتوى التعليمي املفتوح‪« ،‬وقد و�ضعت‬ ‫بع�ض امل�ؤ�س�سات ال�شهرية كل ثقلها من �أجل‬ ‫توظيف الإمكانات الرتبوية للإنرتنت مثل‬ ‫معهد ما�سا�شو�سيت�س للتكنولوجيا الذي التزم‬ ‫من خالل م�رشوع املناهج مفتوحة امل�صدر‬ ‫�إتاحة ك ّل ما لديه من مواد درا�سية على‬ ‫الإنرتنت من خمططات ومالحظات ومتارين‬ ‫وحلول ومراجع‪ ،‬فهناك �أكرث من خم�سمائة‬ ‫در�س متاحة و‪ 1500‬بعد ثالثة �أعوام ومعارف‬ ‫عال ميكن للطلبة الو�صول �إليها‬ ‫ذات م�ستوى ٍ‬ ‫من �أي مكان‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل �سيا�سة فتح‬ ‫وتقا�سم املوارد العقلية»‪.‬‬ ‫لقد �أ�شارت نتائج امل�سح الذي اجريناه‬ ‫على مواقع التعليم الإلكرتوين العربية �إىل �أن‬ ‫التعليم الإلكرتوين العربي واجه ق�صوراً وا�ضح ًا‬ ‫على م�ستوى الكم والكيف‪ ،‬فهو غري منت�رش‬ ‫�أفقي ًا وغري معتمد ك�آلية ذات ح�ضور منا�سب‬ ‫لدى م�ؤ�س�سات التعليم العربية واجلهات القائمة‬ ‫عليها‪ ،‬ويف املقابل ف�إن حمدودية املوارد‬ ‫وانت�شار الأمية يف الكثري من �أجزاء الوطن‬ ‫العربي يفر�ضان التو�سع يف م�سار التعليم‬ ‫مت ت�شييده‬ ‫والتعلّم الإلكرتوين‪ ،‬ال�سيما �أن ما ّ‬ ‫ون�رشه من بنية �أ�سا�سية يف جمال االت�صاالت‬

‫وتكنولوجيا املعلومات ي�سمح مبزيد من‬ ‫التو�سع يف م�رشوعات التعليم الإلكرتوين ع ّما‬ ‫هو عليه الآن‪.‬‬

‫امل�سار ال�ساد�س‪ :‬تطوير البحث العلمي‬ ‫والثقافة العلمية‬

‫ت ّتخذ العالقة بني البحث العلمي وثورة‬ ‫االت�صاالت وتكنولوجيا املعلومات �أوجه ًا‬ ‫متعددة‪ ،‬فالبحث العلمي هو الذي يغذّي هذه‬ ‫الثورة ومينحها التدفق امل�ستمر مبا يوفّره‬ ‫من �إبداعات واخرتاعات وتطورات ناجمة عن‬ ‫�آلة البحث والتطوير يف املعامل واملختربات‬ ‫والأكادمييات‪ ،‬ويف املقابل ف�إن هذه‬ ‫الإبداعات �رسعان ما تعود مرة �أخرى لتدعم‬ ‫البحث العلمي نف�سه فتخف�ض الزمن الالزم‬ ‫لإجراء البحوث العلمية مبا توفّره من قوة‬ ‫هائلة يف جمع املعلومات وحتليلها وا�ستنباط‬ ‫النتائج‪ ،‬كما ت�سقط �سطوة وت�أثري اجلغرافيا‬ ‫وتباعد امل�سافات وجتعل �أي قدر من املعارف‬ ‫�أو املوارد العلمية متاح ًا يف �أي مكان لأي‬ ‫جمموعة من الباحثني توافقوا على �أن يعملوا‬ ‫مع ًا يف فريق‪ .‬ويف غ�ضون ذلك كله ميكن‬ ‫للجمهور العام �أن يتابع ويعرف دقائق ما‬ ‫يجري ويتعلمه ويفهمه فتنه�ض على التوازي‬ ‫تو�سع‬ ‫عمليات تثقيف علمي وا�سعة النطاق ّ‬ ‫نطاق «بحرية املعرفة والإبداع» لدى املجتمع‬ ‫الإن�ساين‪ ،‬والتي ت�شكّل يف النهاية املنبع‬ ‫الرئي�سي الذي يخرج منه الباحثون واملبدعون‬ ‫يف جمال العلم‪.‬‬ ‫هذا الواقع املعقد الب ّد �أن ت�أخذه خطط‬ ‫وبرامج التنمية الثقافية بعني االعتبار‪،‬‬ ‫وتتعامل معه كحزمة متكاملة يت�أثر بع�ضها‬ ‫بالبع�ض الآخر لكونها تعي�ش حالة تفاعل بال‬ ‫انقطاع يف ما بينها‪ .‬و�إذا كانت الدول املتق ّدمة‬ ‫قد خطت خطوات وا�سعة وعديدة يف التعامل‬ ‫ثقافي ًا مع هذا الواقع حتى ا�ستقرت على �آليات‬ ‫نا�ضجة‪ ،‬ح ّددت موقع الثقافة العلمية والتنمية‬ ‫الثقافية عموم ًا يف هذا اخل�ضم املتدفق‪ ،‬ف�إن‬ ‫الأو�ضاع يف املجتمعات النامية والناه�ضة‬


‫الف�صل الرابع‬ ‫قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية ‪113‬‬

‫املعلوماتية‬

‫كاملجتمع العربي تبدو جد خمتلفة‪ ،‬ولعل‬ ‫مت حول الوجه الرقمي‬ ‫نتائج امل�سح الذي ّ‬ ‫للبحث العلمي العربي يق ّدم م� رّؤ�شاً وا�ضح ًا‬ ‫على ذلك‪ ،‬وعند البحث عن حدود ومالمح دو ٍر‬ ‫لتقنية املعلومات واالت�صاالت يف �إعادة ت�أهيل‬ ‫«الواقع العالئقي» املت�شابك بني البحث العلمي‬ ‫والتكنولوجيا وثقافة املجتمع �سنجد �أن البحث‬ ‫العلمي يف الوطن العربي تكتنفه نقاط ال�ضعف‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫• م�شكلة احلرية وبخا�صة احلرية الأكادميية‪.‬‬ ‫• غياب الر�ؤية واال�سرتاتيجية‪.‬‬ ‫• عجز نظام التعليم‪.‬‬ ‫• �ضعف البنية الأ�سا�سية والإدارية مل�ؤ�س�سات‬ ‫البحث العلمي بالوطن العربي‪.‬‬ ‫• م�شكالت التمويل‪ ،‬وهي هنا ال تقت�رص فقط‬ ‫على �ضعف التمويل ولكنها تت�ضمن �أي�ض ًا �سوء‬ ‫ا�ستخدامه وعدم معرفة كيفية الت�رصف فيه‪.‬‬ ‫• املناخ الطارد للكفاءات العلمية‪.‬‬ ‫• تعار�ض امل�صالح بني البحث الوطني وقوى‬ ‫اال�سترياد وت�سليم املفتاح‪.‬‬ ‫• انت�شار ثقافة اخلرافة والالعلمية لدى‬ ‫قطاعات وا�سعة من املجتمع العربي حتى‬ ‫يف �رشائحه الأكرث غنى وتعليم ًا يف �أحيان‬ ‫كثرية‪.‬‬ ‫وكل نقطة من نقاط ال�ضعف ال�سابقة‬ ‫ميكن �أن تكون جما ًال لتوظيف تقنية املعلومات‬ ‫واالت�صاالت ب�صورة تخفّف من ت�أثريها �أو‬ ‫تعاجلها‪ ،‬ومن منظور التنمية الثقافية العامة‬ ‫والثقافة العلمية ب�شكل خا�ص ميكن توظيف‬ ‫تقنية املعلومات واالت�صاالت خلدمة البحث‬ ‫العلمي على النحو التايل‪:‬‬ ‫• ن�رش الثقافة العلمية ال�سلمية ومكافحة‬ ‫اخلرافة والالعلمية باملجتمع العربي‬ ‫من خالل املواقع واملنتديات واملدونات‬ ‫العلمية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل قوائم الربيد الإلكرتوين‬ ‫وجمموعات الأخبار واملن�شورات العلمية‬ ‫املتخ�ص�صة والأكادميية على الإنرتنت‪ ،‬فكل‬ ‫الو�سائل ال�سابقة لها جمهورها العري�ض من‬ ‫م�ستخدمي ال�شبكة من الباحثني واملهتمني‬

‫واملتابعني‪ ،‬وكذلك من‬ ‫القراء واجلمهور‬ ‫ّ‬ ‫العادي‪.‬‬ ‫وحالي ًا تعترب الإنرتنت بدي ًال �شديد‬ ‫الأهمية والفاعلية للآالف من املجالت‬ ‫والن�رشات العلمية التي كانت ت�صدر �سابق ًا يف‬ ‫�صورة ورقية‪ ،‬و�أ�صبحت الآن ن�سخ ًا �إلكرتونية‬ ‫م�سجلة بكامل ن�صو�صها وحمتواها العلمي‬ ‫يف مكتبات رقمية تابعة مل�ؤ�س�سات عامة‬ ‫وجامعية و�أكادميية ويتاح الو�صول �إليها‬ ‫ب�سهولة من قبل جميع م�ستخدمي ال�شبكة‪،‬‬ ‫وت�ستطيع اجلهات القائمة على التنمية الثقافية‬ ‫يف الوطن العربي ت�سهيل الو�صول �إىل هذه‬ ‫املعارف العلمية الرقمية ال�ضخمة التي تتزايد‬ ‫كل يوم‪� ،‬سواء بتمويل عملية الو�صول �إليها �إذا‬ ‫كانت با�شرتاكات مدفوعة �أو ب�إن�شاء قواعد‬ ‫بيانات رقمية عربية عامة ت�ض ّم هذا املحتوى‬ ‫العلمي العربي والعاملي برتتيب خا�ص مع‬ ‫�أ�صحابه‪� ،‬أو حتى على الأقل جتميع املحتوى‬ ‫العلمي العاملي املفتوح وفهر�سته وت�صنيفه‬ ‫وعر�ضه جلمهور الباحثني واملتابعني‬ ‫واملهتمني العرب‪.‬‬ ‫وهناك مناذج ميكن االحتذاء بها عربي ًا‬ ‫يف هذا ال�صدد‪ ،‬منها “برنامج دعم معلومات‬ ‫البحث» الذي �أن�ش�أته ال�شبكة الدولية للو�صول‬ ‫�إىل املعلومات العلمية من قبل اليون�سكو‬ ‫يف ‪ 1991‬بتكلفة قليلة‪ ,‬ويتيح و�صو ًال تام ًا‬ ‫�إىل الإنرتنت لأكرث من ‪� 8‬آالف جملة وقاعدة‬ ‫بيانات‪ .‬وت�س ّهل خدمات الربنامج الو�صول �إىل‬ ‫نتائج البحوث املحلية والتدريب على ا�ستخدام‬ ‫الإنرتنت وتقنيات الن�رش املوجه للباحثني‬ ‫والنا�رشين واملدققني والقائمني على املكتبات‪،‬‬ ‫وبرنامج» املجلة الإفريقية على اخلط” الذي‬ ‫تديره ال�شبكة الدولية لإتاحة املن�شورات‬ ‫العلمية ويت ّم من خالله عر�ض حمتوى حو�إىل‬ ‫‪ 50‬جملة تن�رش يف �إفريقيا‪ .‬وهناك �أي�ض ًا‬ ‫مبادرة الو�صول �إىل البحث ل�شبكة ال�صحة‬ ‫وهي مبادرة ملنظمة ال�صحة العاملية متكّن‬ ‫امل�ؤ�س�سات العامة املعتمدة من اال�ستفادة من‬ ‫احلر بتكلفة قليلة �إىل �أكرث من ‪2000‬‬ ‫الو�صول ّ‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 114‬للتنمية الثقافية‬

‫هناك مناذج ميكن االحتذاء بها‬ ‫عربي ًا لتوظيف الإنرتنت يف تطوير‬ ‫البحث العلمي‪ ،‬منها «برنامج دعم‬ ‫معلومات البحث» الذي �أن�ش�أته‬ ‫الـ�شــبكـة الدولـية للـو�صــول �إلـى‬ ‫املعلومات العلمية من قبل اليون�سكو‬ ‫يف ‪ 1991‬بتكلفة قليلة‪ ,‬ويتيح و�صو ًال‬ ‫تام ًا �إىل الإنرتنت لأكرث من ‪� 8‬آالف‬ ‫جملة وقاعدة بيانات‪.‬‬

‫«املخترب التعاوين»‪ ،‬حركة وا�سعة‬ ‫تـ�سـتـخــدم الإنـتـرنــت و�شــبـكـات‬ ‫كمقرللمعاملواملختربات‬ ‫املعلومات ّ‬ ‫املقر اجلغرايف التقليدي‪،‬‬ ‫عو�ض ًا عن ّ‬ ‫املقر يكون معمل الأبحاث‬ ‫ويف هذ ّ‬ ‫�أو املخترب م� ّؤ�س�سة تعاونية يت�شارك‬ ‫فيها مئات ورمبا �آالف من الباحثني‬ ‫ينتمون لع�رشات �أو مئات من مراكز‬ ‫البحث املنت�رشة حول العامل يف‬ ‫�أماكن ومناطق جغرافية متباعدة‪.‬‬

‫مفهوم «املخترب التعاوين»‬ ‫يع ّد ثورة كربى يف البحث العلمي‬ ‫بد�أت تلقي بظاللها على جهود‬ ‫التنمية الثقافية والثقافة العلمية‬ ‫حول العامل‪ ،‬ويتعينّ على م� ّؤ�س�سات‬ ‫البحث العلمي العربية واجلهات‬ ‫القائمة على التنمية الثقافية‪� ،‬أن‬ ‫تقرتب منها وتتفاعل معها قدر‬ ‫الإمكان‪ ،‬لبناء �سل�سلة من املختربات‬ ‫التعاونية العربية التي تتعاون‬ ‫قطري ًا يف ما بني الدول العربية‪.‬‬ ‫ويف الوقت نف�سه تكون حلقة و�صل‬ ‫مع املختربات التعاونية العاملية‬ ‫الفاعلة‪.‬‬

‫جملة طبية بيولوجية كربى‪ .‬ومبادرة الو�صول‬ ‫�إىل البحث العلمي حول الزراعة يف الإنرتنت‬ ‫هي مبادرة جديدة ت�ستهدف تزويد الباحثني‬ ‫والعلماء الآخرين يف بع�ض البلدان الأكرث‬ ‫فقراً يف العامل بو�صول جماين وقليل التكلفة‬ ‫�إىل الوثائق حول التغذية والغذاء والزراعة‬ ‫واملو�ضوعات املقاربة يف العلوم البيولوجية‬ ‫والبيئية واالجتماعية وتتيح املبادرة �أكرث‬ ‫من ‪ 400‬جملة كربى يف هذه امليادين‪ ،‬وهي‬ ‫تابعة ملنظمة الأمم املتحدة للأغذية والزراعة‬ ‫وبع�ض اجلهات الدولية الأخرى‪ .‬وبالطبع نحن‬ ‫يف حاجة ما�سة �إىل ع�رشات من هذه املبادرات‬ ‫داخل املنطقة العربية �رشط �أن ت�أتي �ضمن‬ ‫�إطار عام يدعم الثقافة العلمية وجهود التنمية‬ ‫الثقافية ككّل‪.‬‬ ‫• دعم م�ؤ�س�سات البحث العلمي العربية‬ ‫�سواء بتعزيز فر�ص التوا�صل بينها وبني‬ ‫املراكز البحثية العاملية‪� ،‬أو الربط يف ما بينها‬ ‫لتحقيق مزي ٍد من التكامل والتن�سيق يف جمال‬ ‫البحث العلمي‪ ،‬عرب تكامل املوارد وتبادل‬ ‫الأفكار وتداخل التخ�ص�صات وتعددها‪ .‬وهنا‬ ‫توجد على ال�ساحة الدولية ع�رشات ورمبا مئات‬ ‫من املبادرات وامل�رشوعات التي توظّ ف تقنية‬ ‫املعلومات يف دعم التكامل واملنافع املتبادلة‬ ‫بني مراكز البحث العلمي املختلفة‪ ،‬ويربز يف‬ ‫هذا ال�صدد ما يطلق عليه «املخترب التعاوين»‪،‬‬ ‫وهي حركة وا�سعة ت�ستخدم الإنرتنت و�شبكات‬ ‫كمقر للمعامل واملختربات عو�ض ًا‬ ‫املعلومات ّ‬ ‫املقر اجلغرايف التقليدي‪ ،‬ويف هذ‬ ‫عن‬ ‫املقر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يكون معمل الأبحاث �أو املخترب م�ؤ�س�سة‬ ‫تعاونية يت�شارك فيها مئات ورمبا �آالف‬ ‫من الباحثني ينتمون لع�رشات �أو مئات من‬ ‫مراكز البحث املنت�رشة حول العامل يف �أماكن‬ ‫ومناطق جغرافية متباعدة‪ ،‬وتت�شارك يف‬ ‫االهتمامات والأهداف‪ ،‬وبا�ستغالل �إمكانات‬ ‫ثورة االت�صاالت وتكنولوجيا املعلومات‬ ‫والإنرتنت ي�ستطيع العلماء البعيدون العمل‬ ‫مع ًا على م�رشوع �أو جتربة �أو بحث واحد‪،‬‬

‫بعبارة �أخرى ي�ستطيع الباحثون �أن ي�ستفيدوا‬ ‫من جممل التقنيات والأدوات والتجهيزات‬ ‫املنت�رشة يف هذه املعامل املتباعدة جغرافي ًا‬ ‫كما لو كانوا يجل�سون داخلها‪.‬‬ ‫وال �شك �أن مفهوم «املخترب التعاوين»‬ ‫يع ّد ثورة كربى يف البحث العلمي بد�أت‬ ‫تلقي بظاللها وت�أثريها العميق على جهود‬ ‫التنمية الثقافية والثقافة العلمية حول العامل‪،‬‬ ‫ويتعينّ على م�ؤ�س�سات البحث العلمي العربية‬ ‫واجلهات القائمة على التنمية الثقافية �أن‬ ‫تقرتب منها وتتفاعل معها قدر الإمكان لبناء‬ ‫�سل�سلة من املختربات التعاونية العربية التي‬ ‫تتعاون قطريا يف ما بني الدول العربية ويف‬ ‫الوقت نف�سه تكون حلقة و�صل مع املختربات‬ ‫التعاونية العاملية الفاعلة وامل�ؤثرة‪ ،‬ومثل‬ ‫هذا التوجه ميكن �أن يخفّف �إىل ح ّد كبري من‬ ‫نقاط ال�ضعف املتعلقة ب�ض�آلة التمويل و�ضعف‬ ‫البنية التحتية داخل العديد من م�ؤ�س�سات‬ ‫البحث العلمي العربية‪.‬‬ ‫• ربط العلماء والباحثني املغرتبني‬ ‫العرب ب�أوطانهم وجمتمعاتهم الأم و�إدماجهم‬ ‫�ضمن خطط التنمية العلمية والتكنولوجية‬ ‫اعتماداً على قنوات توا�صل عرب الإنرتنت‪،‬‬ ‫تتمثّل يف املجموعات الربيدية وجماعات‬ ‫الأخبار واملناق�شة واملحادثات الفورية‬ ‫والتوا�صل متعدد الو�سائط بال�صوت وال�صورة‬ ‫و الفيديو على مدار اللحظة بتكلفة تكاد تكون‬ ‫جمانية بالكامل‪ ،‬الأمر الذي جعل ر�أ�س املال‬ ‫املعريف قاب ًال للتنقل يف «الالوقت» ما بني‬ ‫مكان و�آخر ومن �أدمغة لأخرى حول العامل بال‬ ‫م�شكالت‪ .‬وهنا تبدو يف الأفق فر�صة وا�سعة‬ ‫لإعادة جذب العقول العربية املهاجرة وجعلها‬ ‫�رشيك ًا �أ�سا�سي ًا وفاع ًال يف برامج التنمية‬ ‫العلمية والتنمية ال�شاملة‪ ،‬مبا فيها التنمية‬ ‫الثقافية من دون حاجة لأن تغادر مراكزها‬ ‫ووظائفها وتعود يف هجرة عك�سية لأوطانها‪.‬‬ ‫وميكن يف هذا ال�سياق اال�ستفادة من التجارب‬ ‫الناجحة للعديد من الدول التي ا�ستطاعت‬


‫الف�صل الرابع‬ ‫قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية ‪115‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫املعلوماتية‬

‫بالفعل التخفيف من ظاهرة نزيف العقول بل‬ ‫وجذب كوادرها التي هاجرت عرب التوظيف‬ ‫اجلاد لتكنولوجيا املعلومات‪ ،‬مثل الهند‬ ‫وتايالند التي ق ّدمت منوذج ًا ذائع ال�صيت يف‬ ‫هذا ال�صدد يطلق عليه « امل�رشوع التايالندي‬ ‫لهجرة العقول املعاك�سة»‪.‬‬ ‫وهناك جتربتان برزتا على ال�سطح يف‬ ‫املنطقة العربية‪ ،‬الأوىل كانت �إقبال بع�ض‬ ‫الدول العربية على تطبيق م�رشوع « توكتني»‬ ‫لنقل اخلربة واملعرفة عن طريق العلماء‬ ‫املغرتبني باخلارج واال�ستفادة منهم‪ ،‬وهو‬ ‫م�رشوع تابع للربنامج الإمنائي للأمم املتحدة‪،‬‬ ‫واهتمت به دول مثل م�رص والأردن لفرتة‪،‬‬ ‫والثانية �شبكة «�أ�ستا» للعلماء والتكنولوجيني‬

‫مت ت�شكيلها ب�صورة‬ ‫املغرتبني العرب التي ّ‬ ‫تلقائية عفوية من قبل بع�ض العلماء العرب‬ ‫املغرتبني �أنف�سهم‪ ،‬وكان التوا�صل مع الوطن‬ ‫يف �صدارة �أهدافها‪ ،‬بيد �أن �أ ّي ًا من التجربتني‬ ‫مل حتقق ما حققه الربنامج الهندي ـ مث ًال ـ يف‬ ‫اال�ستفادة من الكوادر املغرتبة والتوا�صل معها‬ ‫عرب تقنية املعلومات خلدمة التنمية املحلية‪.‬‬ ‫والتزال ال�ساحة العربية �شبه خالية وتنتظر‬ ‫م�شاريع ومبادرات جادة طويلة الأجل ت�ستطيع‬ ‫بالفعل �أن حتقق هجرة معاك�سة للأوطان لي�س‬ ‫بالأبدان والأج�ساد ولكن باملعارف ور�أ�س‬ ‫املال الفكري الذي يتدفق طوال الوقت ليحدث‬ ‫تنمية ثقافية وعلمية تخدم التنمية ال�شاملة‬ ‫وتخفف من وط�أة املناخ الطارد للكفاءات‪.‬‬

‫تبدو يف الأفق فر�صة وا�سعة‬ ‫لإعادة جذب العقول العربية‬ ‫املهاجرة وجعلها �رشيك ًا �أ�سا�سي ًا‬ ‫وفاع ًال يف برامج التنمية العلمية‬ ‫والتنمية ال�شاملة‪ ،‬مبا فيها التنمية‬ ‫الثقافية‪ ،‬من دون حاجة لأن تغادر‬ ‫مراكزها ووظائفها وتعود يف هجرة‬ ‫عك�سية لأوطانها‪ ،‬وذلك عرب التوظيف‬ ‫اجلاد لتكنولوجيا املعلومات‪ ،‬مثل‬ ‫الهند وتايالند التي ق ّدمت منوذج ًا‬ ‫ذائع ال�صيت يف هذا ال�صدد يطلق‬ ‫عليه “امل�رشوع التايالندي لهجرة‬ ‫العقول املعاك�سة”‪.‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 116‬للتنمية الثقافية‬

‫خال�صة وتو�صيات‬ ‫نخل�ص من امل�سوح والتحليالت والأرقام‬ ‫ال�سابقة �إىل �أن التوظيف الثقايف لتقنية‬ ‫املعلومات واالت�صاالت يف العامل العربي �أم ٌر‬ ‫غري قائم الآن كما يجب‪ ،‬لكنه ممكن �إىل ح ّد بعيد‬ ‫وميكن �أن يحدث يف املدى الق�صري وبفعالية‬ ‫معقولة قابلة للتح�سن والتط ّور مع الوقت‪،‬‬ ‫و�آية ذلك �أن البنية املعلوماتية القائمة �أقل‬ ‫كثرياً مما هو مطلوب‪ ،‬لكنها ت�شكّل بعنا�رصها‬ ‫ومكوناتها وم�ستخدميها نقطة بداية جيدة‬ ‫قادرة على خدمة �رشيحة ال ب�أ�س بها من‬ ‫مواطني العامل العربي على �صعيد امل�شاركة يف‬ ‫�إنتاج الثقافة والوعي بها وا�ستهالكها‪.‬‬ ‫وهناك �أي�ض ًا توجه �إيجابي لدى‬ ‫احلكومات العربية جتاه تقنية املعلومات‬ ‫واالت�صاالت ودورها املنتظر يف التنمية‪ ،‬على‬ ‫الأقل داخل اخلطط واال�سرتاتيجيات املعلنة‬ ‫واخلطاب الر�سمي‪ ،‬وهذه نقطة بداية �أخرى‬ ‫ميكن ملخطّ طي برامج وم�رشوعات التنمية‬ ‫الثقافية اال�ستفادة منها عند التوظيف الثقايف‬ ‫للتقنية‪ ،‬كما يوجد قبول و�إقبال من جانب‬ ‫�رشائح معقولة من مواطني العامل العربي‬ ‫وم�ؤ�س�ساته املختلفة على اقتناء تقنيات‬ ‫املعلومات واالت�صاالت وحماولة توظيفها يف‬ ‫دورات العمل والإنتاج‪ ،‬مع بروز قدر ال ب�أ�س‬ ‫به من املهارات والنجاح يف اال�ستفادة من‬ ‫تقنيات املعلومات عملي ًا وحماولة توليد قيمة‬ ‫م�ضافة من وراء امتالكها‪ ،‬وهذه ثالث نقطة‬ ‫من نقاط البداية القابلة لأن ت�ستثمر جيداً يف‬ ‫برامج التنمية الثقافية‪.‬‬ ‫وعلى �صعيد التوظيف احلايل لتقنية‬ ‫املعلومات واالت�صاالت هناك بع�ض النجاحات‬ ‫التي تبدو ك�ضوء خافت يف نهاية النفق‪ ،‬فقد‬

‫ظهرت مواقع ثقافية عربية ُ�ص ّممت مبعايري‬ ‫عاملية وق ّدمت حمتوى يناف�س الكثري من‬ ‫املواقع العاملية من حيث اجلماهريية والقوة‬ ‫واخلدمات التفاعلية مع اجلمهور‪ ،‬كما بدا‬ ‫�أن املحتوى التفاعلي ـ الذي ينا�سب التنمية‬ ‫الثقافية �أكرث من غريه ـ قد بد�أ يت�سلل �إىل‬ ‫وي�سجل فيها درجة ح�ضور‪،‬‬ ‫بع�ض املجاالت‬ ‫ّ‬ ‫كاملو�سيقى وامل�رسح والفلكلور ب�شكل �أ�سا�سي‪،‬‬ ‫وظهر تع ّدد وتن ّوع يف الفئات التي تخاطبها‬ ‫املواقع الثقافية‪ ،‬كما ا�ستطاع بع�ض املواقع‬ ‫جذب قطاعات كربى من اجلماهري العربية لكي‬ ‫تقبل وتتابع وتنجذب �إىل املحتوى الثقايف‬ ‫الرقمي املقدم عرب الإنرتنت‪ ،‬و�أمكن ر�صد‬ ‫بروز حت�سن طفيف على �صعيد نوعية املحتوى‬ ‫الثقايف املق ّدم وم�ستوى جودته و�أهميته‬ ‫لربامج وم�رشوعات التنمية الثقافية‪ ،‬مبا يدلّ‬ ‫على �أن هناك بذرة �أو «نواة» للجدية والوعي‬ ‫يف �إعداد املحتوى الثقايف العربي وعر�ضه يف‬ ‫�صورة رقمية على الإنرتنت‪ ،‬وهذه النواة قابلة‬ ‫لأن تعمل كنقطة قوة تنمو مع الوقت‪.‬‬ ‫لكن يف مقابل هذه البوادر امل�شجعة‪،‬‬ ‫ال يزال التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات‬ ‫واالت�صاالت بعيداً عن امل�أمول‪ ،‬ويبدو يف‬ ‫جممله �صعب ًا وتكتنفه الكثري من العقبات‪،‬‬ ‫منها �أن البوادر امل�شجعة ال�سابقة مل ت�صبح‬ ‫بعد عنا�رص قوة بارزة را�سخة قادرة على‬ ‫ح�سم املناف�سة مع الأو�ضاع املناوئة للتوظيف‬ ‫الثقايف لتقنيات االت�صاالت واملعلومات �أو‬ ‫حل�سم املناف�سة مع املجتمعات الأخرى التي‬ ‫ت�شتبك مع العامل العربي يف �رصاع وجودي‬ ‫وخ�صومة وا�ضحة كما هو احلال مع الكيان‬ ‫ال�صهيوين‪� ،‬أو ت�شتبك يف تناف�س اقت�صادي‬


‫الف�صل الرابع‬ ‫قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية ‪117‬‬

‫املعلوماتية‬

‫ثقايف اجتماعي جتاري كما هو احلال مع بقية‬ ‫دول العامل املختلفة‪.‬‬ ‫ومنها كذلك �ضعف �إتاحة تقنيات‬ ‫االت�صاالت واملعلومات بالعامل العربي ب�سبب‬ ‫حمدودية البنية التحتية وعدم تنا�سبها‬ ‫مع عدد ال�سكان‪ ،‬ي�ضاف �إىل ذلك �أن تكلفة‬ ‫ا�ستخدام مفردات البنية التحتية املعلوماتية‬ ‫و�أدواتها املختلفة مرتفعة للغاية بالن�سبة‬ ‫لغالبية دول العامل العربي‪ ،‬فبا�ستثناء الدول‬ ‫اخلليجية الغنية ذات الدخل املرتفع‪ ،‬اليزال‬ ‫عن�رص التكلفة ي�شكّل قيداً على انطالقة‬ ‫اجلماهري العري�ضة يف ا�ستخدام تقنيات‬ ‫املعلومات واالت�صاالت‪ .‬ومنها كذلك �أن‬ ‫البيئة الإبداعية بالعامل العربي غري م�ؤاتية‬ ‫�إىل ح ّد كبري خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق بحرية‬ ‫ال�صحافة والقدرة على الإبداع واالبتكار‬ ‫وبراءات االخرتاع القابلة للتطبيق وحماية‬ ‫امللكية الفكرية وحرية تداول املعلومات‪.‬‬ ‫�أما �أو�ضاع التعليم ـ الذي يعد �أحد �أهم قواعد‬ ‫التنمية الثقافية ون�رش وتفعيل تقنيات‬ ‫املعلومات واالت�صاالت يف �آن واحد ـ فتعاين‬ ‫تدهوراً وا�ضح ًا يف معظم مناحيها‪� ،‬سواء‬ ‫من حيث جودة نظام التعليم ودوره يف‬ ‫دعم القدرات التناف�سية للمجتمع‪� ،‬أم يف ما‬ ‫يتعلق بالإنفاق على التعليم‪ ،‬وعلى ا�ستخدام‬ ‫الإنرتنت يف املدار�س وغريها‪.‬‬ ‫والتزال هناك فجوة وا�ضحة بني ما‬ ‫تفعله �أو تق ّدمه احلكومات العربية من برامج‬ ‫وم�رشوعات وخدمات تعتمد على تقنية‬ ‫املعلومات‪ ،‬وبني ثقة املواطنني واجلماهري‬ ‫العري�ضة يف هذه الربامج وجدواها‪ ،‬وكذلك‬ ‫قدرتها على الو�صول �إليها واال�ستفادة منها‪.‬‬ ‫ومثل هذه الفجوة جتعل الكثري من الربامج‬ ‫وامل�رشوعات املطبقة تتقدم تقني ًا وتتقوقع‬ ‫جمتمعي ًا وال ُيكتب لها النجاح امل�أمول‪.‬‬ ‫كما �أن البيئة القانونية العربية ذات العالقة‬ ‫بتفعيل تقنيات املعلومات واالت�صاالت التزال‬ ‫�ضعيفة ويف حاجة �إىل تطوير كبري‪ ،‬ال�سيما‬ ‫يف ما يتعلق با�ستقالل الق�ضاء والقوانني‬

‫ذات العالقة بتفعيل و�إطالق �إمكانات تقنيات‬ ‫املعلومات واالت�صاالت عرب �رشايني املجمتع‬ ‫ومفا�صله الأ�سا�سية والعري�ضة النطاق داخل‬ ‫اجلماهري الوا�سعة‪ ،‬وكذلك يف ما يتعلق بفعالية‬ ‫الإطار القانوين القائم يف �إدارة ق�ضايا الإبداع‬ ‫وح�سمها ل�صالح التق ّدم والتنمية‪.‬‬ ‫ومن املالحظ �أن الوجه الثقايف الرقمي‬ ‫العربي ـ يف املجمل ـ ثابت وجامد وغري‬ ‫متجدد وبعيد عن التفاعلية واحليوية‪،‬‬ ‫وواقع حتت �سيطرة النمط الكال�سيكي يف‬ ‫ت�صميم وبناء املواقع الثقافية وعدم التطوير‬ ‫واالنتقال للأمناط الأحدث‪ ،‬القائمة على‬ ‫احلر للمعلومات‪،‬‬ ‫التفاعلية والتداول اللحظي ّ‬ ‫ناهيك ب�أن املحتوى الثقايف املعرو�ض‬ ‫على هذه املواقع ب�شكل عام ال يعك�س قدراً‬ ‫معقو ًال من الرثاء ال�شديد الذي تتميز به‬ ‫الثقافة العربية والرتاث العربي يف املجاالت‬ ‫املختلفة‪ .‬كما �أن هناك ن�سبة غري قليلة من‬ ‫املواقع الثقافية العربية تظهر �إهما ًال وا�ضح ًا‬ ‫لل ّغة العربية وال تبدي � ّأي اعتزاز بها كوعاء‬ ‫للثقافة‪ .‬وهذه �أمور ت�سهم بدرجة وا�ضحة يف‬ ‫حدوث حالة من الإهمال اجلماهريي للمواقع‬ ‫الثقافية العربية‪ ،‬وهذه �سمة غالبة و�ساحقة‬ ‫يف جميع املجاالت الثقافية با�ستثناء‬ ‫ال�سينما واملو�سيقى‪ .‬ف�أكرث من ن�صف املواقع‬ ‫يف البحث العلمي ودور الن�رش واملنظمات‬ ‫غري احلكومية والتعليم الإلكرتوين وامل�رسح‬ ‫واملكتبات الرقمية والوزارات واملتاحف‬ ‫والأدب والفلكلور جميعها يحظى مبعدل‬ ‫زيارة �ضئيل للغاية‪ ،‬وربعها تقريب ًا مهم ٌل وال‬ ‫يزوره �أحد‪.‬‬ ‫من امللحوظ كذلك �أن املواقع الثقافية‬ ‫العربية ب�شكل عام ال تعمل وفق منوذج عمل‬ ‫ي�أخذ الأبعاد االقت�صادية يف اعتباره ب�أي �شكل‪،‬‬ ‫وبالتايل مل تظهر بعد مواقع ثقافية عربية‬ ‫ُتعنى وحتتفي ب�آليات التجارة الإلكرتونية‬ ‫يف املجال الثقايف‪ ،‬ولع ّل ذلك كان من �أ�سباب‬ ‫وجود فتور وا�ضح يف موقف القطاع اخلا�ص‬ ‫العربي وال�رشكات العربية يف اقتحام جمال‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 118‬للتنمية الثقافية‬

‫الثقافة الرقمية وتطبيقاتها وخدماتها‪.‬‬ ‫نخل�ص من ذلك �أن العامل العربي ـ‬ ‫يف عمومه ـ لديه بنية معلوماتية �ضئيلة‬ ‫وحمدودة لكنها ناه�ضة وتتطور مع الوقت‪،‬‬ ‫وت�شكّل قاعدة انطالق نحو التوظيف الثقايف‬ ‫لتقنية املعلومات واالت�صاالت‪ ،‬ويف الوقت‬ ‫نف�سه ف�إن هذا القدر املحدود من القدرات‬ ‫املعلوماتية مل ي�ستغل كما يجب‪ ،‬بل يتح ّول يف‬ ‫كثري من الأحيان �إىل موارد �ضائعة �أو مهملة‬ ‫�أو مل يعرف �أ�صحابها كيف يوظفونها جيداً‪،‬‬ ‫واملخرج الوحيد الذي يقودنا �إىل ا�ستثمار‬ ‫وتوظيف ما هو قائم ب�أق�صى ما ن�ستطيع هو‬ ‫�أن جنعل من مبد�أ «احلرية» وقيمتها قاعدة‬ ‫�أ�سا�سية للتوظيف الثقايف لتقنية املعلومات‪،‬‬ ‫ولكي يت ّم حتويل هذه القيمة العليا �إىل‬ ‫�إجراءات يحث تدفع �إىل مزي ٍد من التوظيف‬ ‫الثقايف لتقنية املعلومات‪ ،‬يحتاج العامل‬ ‫توجهني �أ�سا�سيني يتعينّ العمل على‬ ‫العربي �إىل ّ‬ ‫الأخذ بهما بكل جدية واقتناع‪ ،‬وهما توجه‬ ‫االن�سياب احلر للمعلومات يف ما بني جنبات‬ ‫املجتمعات العربية داخلي ًا‪ ،‬ويف ما بني‬ ‫بع�ضها البع�ض‪ ،‬والثاين اعتماد منهج امل�صادر‬ ‫املفتوحة كتوجه عام للتنمية الثقافية لكونه‬ ‫منهج ًا قائم ًا على الإبداع وامل�شاركة الفردية‬ ‫واجلماعية الطوعية يف ك ّل ما يتعلق بالتنمية‬ ‫الثقافية وخططها وبراجمها وم�رشوعاتها على‬ ‫امتداد العامل العربي‪ ،‬باال�ستناد �إىل ما توفره‬ ‫تقنيات املعلومات واالت�صاالت يف هذا ال�صدد‪.‬‬ ‫وعند �سيادة هذين التوجهني وانت�شارهما‬ ‫�ستتاح للعامل العربي العديد من القنوات‬ ‫وامل�سارات العملية الناجحة التي ميكن من‬ ‫خاللها توظيف تقنية املعلومات واالت�صاالت‬ ‫ثقافي ًا‪ ،‬مثل م�سار رقمنة املحتوى والتعليم‬ ‫امل�ستمر والإبداع من خالل �إتاحة املعرف‬ ‫والبحث العلمي وغريها‪.‬‬ ‫وننتهي من الدرا�سة ال�سابقة �إىل جمموعة‬ ‫من اخلال�صات والتو�صيات املوجهة للقائمني‬ ‫على التخطيط لربامج وم�رشوعات التنمية‬ ‫الثقافية بالعامل العربي‪ ،‬والتي من �ش�أنها‬

‫حتفيز دور املعلوماتية ودعمها كرافعة للتنمية‬ ‫الثقافية‪ ،‬طبق ًا ملعطيات الو�ضع الراهن على‬ ‫املدى الق�صري‪ ،‬وهذه التو�صيات هي‪:‬‬

‫�أو ًال‪:‬خال�صات وتو�صيات على‬ ‫م�ستوى املنظومة العامة للثقافة‬ ‫• النقطة الأوىل‪ :‬التوجه نحو االن�سياب احلر‬ ‫للمعلومات يف ما بني جنبات املجتمعات‬ ‫العربية داخلي ًا‪ ،‬ويف ما بني بع�ضها البع�ض‪.‬‬ ‫حث الأجهزة الر�سمية‬ ‫• النقطة الثانية‪ّ :‬‬ ‫العربية املعن ّية بالتنمية الثقافية على دمج‬ ‫قدرات تقنيات املعلومات واالت�صاالت يف‬ ‫براجمها وم�رشوعاتها التنموية‪.‬‬ ‫• النقطة الثالثة‪� :‬رضورة املوازنة الدقيقة‬ ‫بني �رضورات االنفتاح على الآخر واالجنذاب‬ ‫للآخر واالنبطاح �أمامه‪.‬‬ ‫• النقطة الرابعة‪ :‬االهتمام بالبعد االقت�صادي‬ ‫يف امل�رشوعات الثقافية الرقمية‪ ،‬حتى يكون‬ ‫لدى هذه امل�رشوعات ـ �أو البع�ض منها ـ القابلية‬ ‫لال�ستمرار واحلياة‪ ،‬والعمل على ح ّل �إ�شكالية‬ ‫ملكية املحتوى من خالل االهتمام بق�ضايا‬ ‫امللكية الفكرية يف ن�رش املحتوى الثقايف‪.‬‬ ‫• النقطة اخلام�سة‪ :‬العمل على تطوير وبلورة‬ ‫�سيا�سات ثقافية على م�ستوى الإقليم العربي‬ ‫العربي وعلى امل�ستوى القطري على �أن‬ ‫تتفاعل ال�سيا�سات الإقليمية مع القطرية و�شبه‬ ‫الإقليمية‪ ،‬والعمل على تعديل وحت�سني مرتبة‬ ‫الثقافة وزنها على �أجندة و�أولويات اله ّيئات‬ ‫والكيانات الر�سمية وغري الر�سمية‪.‬‬ ‫• النقطة ال�ساد�سة‪ :‬رقمنة املحتوى الثقايف‬ ‫العربي مبختلف �صوره �سواء للإتاحة على‬ ‫الإنرتنت �أو للجماهري يف الداخل واخلارج‬ ‫ب�صورة �أخرى‪.‬‬


‫الف�صل الرابع‬ ‫قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية ‪119‬‬

‫• النقطة الثامنة‪ :‬مل ي�ستطع املحتوى الثقايف‬ ‫املعرو�ض على الإنرتنت ب�شكل عام �أن يعك�س‬ ‫قدراً ولو قلي ًال من الرثاء ال�شديد الذي تتم ّيز به‬ ‫الثقافة العربية والرتاث العربي يف املجاالت‬ ‫املختلفة‪ ،‬وتق ّدم املتاحف منوذج ًا �صارخ ًا‬ ‫على ذلك‪ ،‬فال يوجد موقع متحفي واحد ا�ستطاع‬ ‫�أن يرتجم لزواره الرثاء الذي حتتويه جدرانه‬ ‫احلقيقية من تراث �إن�ساين وح�ضاري فريد‪.‬‬ ‫وت�شهد مواقع املتاحف امل�رصية وال�سورية‬ ‫ويتكرر هذا الأمر يف‬ ‫على ذلك بكل و�ضوح‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫�ش ّتى املجاالت الثقافية الأخرى‪ ،‬حتى يف‬ ‫الكتب التي ُتع ّد �أف�ضل الفئات حا ًال‪.‬‬ ‫• النقطة التا�سعة‪ :‬التعاون مع الأجهزة‬ ‫الر�سمية واملعن ّية لتخفي�ض تكلفة امتالك‬ ‫وت�شغيل �أدوات تقنية املعلومات واالت�صاالت‪،‬‬ ‫لأنه ال ميكن توظيف هذه التقنيات ثقافي ًا‬ ‫�أو حتى يف جماالت غري ثقافية من دون‬ ‫تكلفة‪ .‬ويتفاوت عبء هذه التكلفة عاملي ًا‬ ‫تبع ًا مل�ستوى دخل الفرد امل�ستهدف بالتنمية‪.‬‬ ‫واحلا�صل �أن معظم الدول العربية م�ص ّنفة على‬ ‫�أنها �إما �شديدة الفقر �أو فقرية �أو متو�سطة‪،‬‬ ‫وبالتايل متثل التكلفة عائق ًا �أمام التوظيف‬ ‫الثقايف وغري الثقايف لهذه التقنية‪.‬‬ ‫• النقطة العا�رشة‪ :‬العمل على تعديل وحت�سني‬ ‫مرتبة الثقافة ووزنها على �أجندة �أولويات‬ ‫الهيئات والكيانات الر�سمية وغري احلكومية‪،‬‬ ‫لأن ذلك ينعك�س على الدور الذي يفرت�ض �أن‬ ‫تقوم به هذه الأطراف يف بناء الوجه الرقمي‬ ‫للثقافة العربية‪.‬‬

‫املعلوماتية‬

‫• النقطة ال�سابعة‪ :‬ال�سمة الغالبة على الوجه‬ ‫الثقايف الرقمي العربي �أنه وجه ثابت جامد‬ ‫غري متج ّدد وبعيد عن التفاعلية واحليوية ‪ ،‬كما‬ ‫ي�شكّل الإهمال اجلماهريي للمواقع الثقافية‬ ‫العربية �سمة غالبة و�ساحقة للوجه الرقمي‬ ‫للثقافة العربية‪ ،‬ال�سيما يف ما يتعلق باخلطاب‬ ‫املوجه للآخر الغربي‪.‬‬

‫• النقطة احلادية ع�رشة‪ :‬اال�ستفادة من‬ ‫االلتزام احلايل لدى احلكومات العربية‬ ‫بدعم وت�شييد و�صيانة وتو�سيع نطاق البنية‬ ‫الأ�سا�سية لتقنيات املعلومات واالت�صاالت‬ ‫حالي ًا وم�ستقب ًال‪� ،‬إذ �إن ذلك يوفّر فر�صة �أمام‬ ‫خمططي ومنفّذي برامج التنمية الثقافية‬ ‫لبناء برامج وم�رشوعات تدخل فيها البنية‬ ‫املعلوماتية النا�شئة �أو ال�صاعدة كمك ّون‬ ‫�أ�سا�سي يتط ّور مع الوقت‪.‬‬ ‫• النقطة الثانية ع�رشة‪ :‬العمل على ا�ستخدام‬ ‫�رشيحة ال�سكان التي تتعامل مع تكنولوجيا‬ ‫املعلومات واالت�صاالت ـ ما ال يقل عن ‪50‬‬ ‫مليون ن�سمة ـ كنواة حميط اجتماعي �سكاين‬ ‫ثقايف ميكن ا�ستخدامها ب�صورة م ؤ�ثّرة‬ ‫يف التوظيف الثقايف لتقنيات املعلومات‬ ‫واالت�صاالت �سواء داخل هذه ال�رشيحة نف�سها‬ ‫من ال�سكان‪� ،‬أم كمعرب ي�صل بالثقافة وجهود‬ ‫التنمية الثقافية �إىل �رشائح �أخرى من اجلماهري‬ ‫العري�ضة التي ال يتاح لها االحتكاك املبا�رش‬ ‫مع املوارد الثقافية‪.‬‬ ‫• النقطة الثالثة ع�رشة‪ :‬ا�ستغالل اال�ستعداد‬ ‫املوجود لدى اجلهات احلكومية واخلا�صة‬ ‫والأفراد للإنفاق على امتالك وت�شغيل تقنيات‬ ‫املعلومات واالت�صاالت وت�شغيلها يف زرع‬ ‫جهود التنمية الثقافية وتوطينها‪ ،‬على اعتبار‬ ‫�أن من لديه ا�ستعداداً للدفع يف امتالك �أدوات‬ ‫تقنيات املعلومات واالت�صاالت يكون مهي�أً‬ ‫ب�صورة �أو ب�أخرى لتح ّمل بع�ض �أو ك ّل الأعباء‬ ‫املادية التي قد يتطلبها التوظيف الثقايف‬ ‫لتقنيات املعلومات واالت�صاالت‪ ،‬كالتعاطي‬ ‫مع املواد الثقافية عرب الكتب الإلكرتونية �أو‬ ‫�أ�سطوانات الفيديو الرقمية �أو حت ّمل تكلفة تلقي‬ ‫املواد الثقافية عرب خطوط االت�صال ال�رسيعة‬ ‫الأعلى ن�سبي ًا‪ ،‬وغريها‪.‬‬ ‫• النقطة الرابعة ع�رشة‪ :‬ت�شجيع ودعم‬ ‫التجارب واملحاوالت الناجحة والرائدة حالي ًا‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 120‬للتنمية الثقافية‬

‫يف التوظيف الثقايف لتقنية املعلومات ثقافي ًا‪،‬‬ ‫والعمل على ن�رشها وتعميمها‪.‬‬ ‫• النقطة اخلام�سة ع�رشة‪� :‬رضورة االهتمام‬ ‫والوعي بطرق و�أ�ساليب عر�ض «الب�ضاعة‬ ‫الثقافية» العربية على الآخر بالأ�ساليب‬ ‫والأدوات املنا�سبة وال�سائدة يف الف�ضاء‬ ‫الإلكرتوين العاملي ويف مقدمتها الت�سجيل يف‬ ‫الفهار�س والأدلة‪ ،‬حتى ال يتح ّول املحتوى‬ ‫الثقايف العربي �إىل حمتوى «خفي» على‬ ‫ال�شبكة‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬خال�صات وتو�صيات خا�صة‬ ‫مبك ّون اللغة يف منظومة الثقافة‬ ‫• النقطة الأوىل‪ :‬هناك ن�سبة غري قليلة من‬ ‫املواقع الثقافية العربية تظهر �إهما ًال وا�ضح ًا‬ ‫للّغة العربية وال تبدي �أي اعتزاز باللغة كوعاء‬ ‫للثقافة‪.‬‬ ‫• النقطة الثانية‪ :‬مل تك�شف التحليالت التي‬ ‫�أجريت على مواقع املجامع اللغوية العربية‬ ‫عن وجود االهتمام الواجب ببحوث التنظري‬ ‫ان�صب االهتمام على‬ ‫اللغوي واملعجمي‪ ،‬بحيث‬ ‫ّ‬ ‫امل�صطلحات‪.‬‬ ‫• النقطة الثالثة‪ :‬لوحظ ندرة �أو عدم وجود‬ ‫ذخائر ن�صو�ص حمو�سبة للّغة العربية بهذه‬ ‫املواقع والتي تع ّد مق ّوم ًا �أ�سا�سي ًا للتنظري‬ ‫اللغوي واملعجمي وبناء املعاجم‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬خال�صات وتو�صيات خا�صة‬ ‫مبك ّون الرتبية يف منظومة الثقافة‬ ‫حث الأجهزة الر�سمية‬ ‫• النقطة الأوىل‪ّ :‬‬ ‫العربية على رفع جودة نظم التعليم‪ ،‬لأن نظم‬ ‫التعليم ركيزة �أ�سا�سية من ركائز الثقافة يف �أي‬ ‫جمتمع‪.‬‬ ‫• النقطة الثانية‪ :‬ت�ضع البنية الأ�سا�سية‬

‫املعلوماتية املتاحة حتى الآن بالوطن‬ ‫العربي ـ راجع الق�سم الأول من الدرا�سة ـ بني‬ ‫يدي خمطّ طي برامج التنمية الثقافية نقطة‬ ‫بداية ال ب�أ�س بها ميكن ا�ستخدامها يف تدعيم‬ ‫ون�رش وتعميق مفهوم التعليم والتعلّم امل�ستمر‬ ‫للجميع‪ ،‬باعتبار �أن التعليم والتعلّم امل�ستمر‬ ‫م�س�ؤولية املجتمع ككل‪.‬‬ ‫• النقطة الثالثة‪� :‬إيالء تركيز خا�ص لفئتي‬ ‫الأطفال وذوي التعليم املنخف�ض يف برامج‬ ‫وم�رشوعات التنمية الثقافية املعتمدة على‬ ‫تقنية املعلومات واالت�صاالت‪ ،‬لأن هاتني‬ ‫الفئتني هما الأوىل باالهتمام والرعاية و�إعداد‬ ‫حمتوى ثقايف ينا�سبهما‪ ،‬على �أ�سا�س �أن‬ ‫اجلمهور ذو التعليم الأقل هو اجلمهور الأو�سع‬ ‫نطاق ًا حالي ًا‪ ،‬و�أن االطفال اليوم هم الفئة التي‬ ‫�سيقع على عاتقها عبء التنمية الثقافية يف‬ ‫امل�ستقبل‪.‬‬ ‫• النقطة الرابعة‪ :‬معظم املواقع يف هذه الفئة‬ ‫تق ّدم ما يعرف باملقررات املربجمة وال تهتم‬ ‫بتنمية املهارات الذهنية الأ�سا�سية مب�ستوياتها‬ ‫املختلفة وال تركّز على املفاهيم الأ�سا�سية‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬خال�صات وتو�صيات خا�صة‬ ‫مبك ّون الإعالم يف منظومة الثقافة‬ ‫• النقطة الأوىل‪ :‬عدم اال�ستعداد للنقالت‬ ‫املرتقبة يف الإعالم الإلكرتوين كالفيديو‬ ‫حتت الطلب والتالحم بني الإنرتنت واملحمول‬ ‫والإعالم الورقي والف�ضائي‪.‬‬ ‫• النقطة الثانية‪ :‬عدم اال�ستعداد ملوجة‬ ‫الإعالم ال�شعبي القائم على الفرد كاملدونني‬ ‫واملنتج الإعالمي املوجه للفرد ب�صورة‬ ‫�شخ�صية‪.‬‬ ‫• النقطة الثالثة‪� :‬رضورة �إحداث ت�شبيك‬ ‫يف جمال الن�رش والإعالم والكتب واملكتبات‬


‫الف�صل الرابع‬ ‫قنوات وم�سارات توظيف البنية املعلوماتية ‪121‬‬

‫خام�س ًا‪ :‬خال�صات وتو�صيات خا�صة‬ ‫مبك ّون الإبداع يف منظومة الثقافة‬ ‫• النقطة الأوىل‪ :‬العمل على حت�سني �أو�ضاع‬ ‫البيئة الإبداعية ال�سائدة بالوطن العربي‪ ،‬على‬ ‫اعتبار �أن هناك اربتاط ًا �شديداً بني التنمية‬ ‫الثقافية ومقومات البيئة الإبداعية ال�سائدة‪،‬‬ ‫كما �أن هناك ارتباط ًا مماث ًال بني فر�ص ن�رش‬ ‫وتوظيف تقنيات املعلومات واالت�صاالت‬ ‫ومق ّومات البيئة الإبداعية‪.‬‬ ‫• النقطة الثانية‪ :‬ا�ستخدام الإنرتنت‬ ‫وتكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت كو�سيلة‬ ‫للإتاحة الدائمة للمعارف ب�صورة احرتافية‬ ‫للمبدعني واملوهوبني مبا ي�سمح بن�رش الفن‬

‫املعلوماتية‬

‫والرتاث‪ ،‬لفتح قنوات لتبادل املعارف والكتب‬ ‫يف خمتلف املجاالت من خالل املكتبات‬ ‫الرقمية وامل�ستودعات الإخبارية والإعالمية‬ ‫التخيلية املفتوحة‪ ،‬وم�ستودعات الن�رش الرقمي‬ ‫واملدونات وال�شبكات االجتماعية وغريها‪ ،‬مبا‬ ‫يتيح موارد ثقافية هائلة �أمام املواطن العربي‬ ‫للنهل منها طوال الوقت ب�صورة جمانية �أو‬ ‫بتكلفة زهيدة‪.‬‬

‫والإبداع القائم على املعرفة وبك�رس احتكار‬ ‫الو�سائل التقليدية الناقلة للمعرفة �إىل‬ ‫املبدعني‪.‬‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬خال�صات وتو�صيات خا�صة‬ ‫مبك ّون البحث العلمي يف منظومة‬ ‫الثقافة‬ ‫• النقطة الأوىل‪ :‬اعتبار تقنية املعلومات‬ ‫واالت�صاالت يف دعم م�ؤ�س�سات البحث العلمي‬ ‫العربية الأداة الأ�سا�سية يف توفري فر�ص‬ ‫التوا�صل بني م�ؤ�س�سات البحث العلمي العربية‪،‬‬ ‫وبينها وبني املراكز البحثية العاملية‪� ،‬أو‬ ‫الربط يف ما بينها لتحقيق مزيد من التكامل‬ ‫والتن�سيق يف جمال البحث العلمي‪ ،‬عرب تكامل‬ ‫املوارد وتبادل الأفكار وتداخل‬ ‫التخ�ص�صات‬ ‫ّ‬ ‫وتع ّددها‪.‬‬ ‫• النقطة الثانية‪ :‬ن�رش الثقافة العلمية ال�سلمية‬ ‫ومكافحة اخلرافة والالعلمية باملجتمع العربي‬ ‫من خالل املواقع واملنتديات واملدونات‬ ‫العلمية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل قوائم الربيد الإلكرتوين‬ ‫وجمموعات الأخبار واملن�شورات العلمية‬ ‫املتخ�ص�صة والأكادميية على الإنرتنت‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 122‬للتنمية الثقافية‬

‫الف�صل اخلام�س‬ ‫نحو ر�ؤية م�ستقبلية لتنمية الثقافة العربية من منظور‬ ‫معلوماتي‬ ‫�أو ًال‪ :‬ثالثية الثقافة واملعرفة‬ ‫واملعلومات‬

‫جوهر العالقة بني الثقافة واملعرفة‪:‬‬ ‫من منظور عربي‪ :‬الثقافة ـ كما �أوجزها البع�ض‬

‫ـ هي ما يبقى بعد زوال كل �شيء‪ ،‬واملعرفة ـ‬ ‫على خالف املوارد املادية ـ هي املورد الوحيد‬ ‫الذي يبقى وينمو مع زيادة ا�ستهالكه‪ ،‬رمبا‬ ‫يكمن هنا جوهر العالقة الوثيقة بني الثقافة‬ ‫وتقانة املعلومات‪ ،‬ومن املهم �إدراك مغزى‬ ‫ثنائية التعريف فلن يبقى لل�شعوب يف نهاية‬ ‫الأمر �إال ثقافتها ومواردها الب�رشية‪� ،‬صانعة‬ ‫هذه الثقافة و�صنيعتها‪ .‬ولي�س �أمامنا‪ ،‬بعد كل‬ ‫ما �أهدر من مواردنا املادية‪� ،‬إال مورد املعرفة‬ ‫املتجدد‪ ،‬و�إنتاجها وتوظيفها على يد املبدعني‬ ‫العرب �صغاراً وكباراً‪ ،‬نخب ًة وعام ًة‪.‬‬

‫«جمتمع املعرفة» ال «جمتمع‬ ‫املعلومات»‪ :‬كما �أفرزت تكنولوجيا ال�صناعة‬

‫جمتمع ًا خمتلف ًا عن جمتمع الزراعة‪� ،‬أفرزت‬ ‫تكنولوجيا املعلومات كذلك جمتمع ًا خمتلف ًا‬ ‫عن جمتمع ال�صناعة‪ ،‬ولكن �شتان بني هذا‬ ‫االختالف وذاك‪ ،‬فالنقلة النوعية �إىل جمتمع‬ ‫املعلومات تفوق �سابقتها بكثري‪� ،‬سواء من‬ ‫حيث عظمة الآمال التي تب�رش بها‪� ،‬أم ج�سامة‬ ‫املخاطر التي تنطوي عليها‪ ،‬وقد تع ّددت �أ�سماء‬ ‫هذا املجتمع اجلديد‪ ،‬ومن �أكرثها �شيوع ًا‪:‬‬ ‫جمتمع املعلومات وجمتمع املعرفة‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم ممّ ا يبدو من ت�شابه ظاهري بينهما‪،‬‬ ‫ف�إن هناك اختالف ًا جوهري ًا من حيث املفهوم‪،‬‬ ‫وي�ستلزم ح�سمه من البداية‪ ،‬على �أ�سا�س تعريف‬ ‫دقيق لكل منهما‪ .‬فمجتمع املعلومات هو وليد‬ ‫الفي�ض الكثيف من املعلومات‪ ،‬واالنتقال احلر‬ ‫للمعلومات والأفكار‪ ،‬وتنظيم موارد املعلومات‪،‬‬

‫ومتثيلها رقمي ًا بحيث ي�سهل الو�صول �إليها‬ ‫وحتويلها و�إدماجها‪� .‬أما جمتمع املعرفة‬ ‫فهو القائم على ا�ستغالل املعرفة ك�أهم مورد‬ ‫مير مبرحلة‬ ‫للتنمية‪ .‬فالعامل من خالل الإنرتنت ّ‬ ‫يطلق عليها «جمتمع املعلومات العاملي»؛‬ ‫ويرى �أهل التنمية �أنه ميكن ا�ستغالله يف بناء‬ ‫جمتمع معا�رص مغاير متام ًا ل�سوابقه‪ ،‬هو‬ ‫«جمتمع املعرفة»‪ ،‬ويف متكني الدول النامية‬ ‫من بناء منوذجها اخلا�ص له مبا يوافق‬ ‫ثقافتها وهويتها احل�ضارية‪ ،‬وهو حت ّد هائل‬ ‫بكل املقايي�س‪ .‬ومن املهم ا�ستح�ضار مفهوم‬ ‫يخ�ص التفريق بني‬ ‫منظمة اليون�سكو يف ما‬ ‫ّ‬ ‫جمتمعي املعلومات واملعرفة‪ ،‬والتي خل�صت‬ ‫�إليها املنظمة يف الدورة الأوىل لـ «القمة‬ ‫العاملية حول جمتمع املعلومات ‪ »WSIS‬يف‬ ‫جنيف (دي�سمرب ‪ ،)2003‬حني �أو�صت بتبني‬ ‫مفهوم «جمتمع املعرفة» بد ًال من جمتمع‬ ‫املعلومات؛ لقدرة التوجه «املعريف» �أن‬ ‫يت�سامى على «املعلوماتي»‪ ،‬الذي يركز على‬ ‫ال�شق التكنولوجي االت�صايل‪ .‬بعبارة �أخرى‪� :‬إن‬ ‫خطاب جمتمع املعلومات ين�شغل ب�أمور البنى‬ ‫التحتية‪ ،‬التي توفر الو�سائل العملية للنفاذ �إىل‬ ‫م�صادر املعلومات وتبادلها‪ ،‬وهي مهمة يتكفل‬ ‫بها عاملي ًا االحتاد الدويل لالت�صاالت ‪.ITU‬‬ ‫�إن �إقامة جمتمع املعرفة يتطلب من‬ ‫امل�ؤ�س�سات العربية �رضورة تغطية الدورة‬ ‫الكاملة الكت�ساب املعرفة‪ ،‬والتي ت�شمل بجانب‬ ‫مهمة النفاذ �إىل م�صادر املعلومات‪ ،‬مه ّمات‬ ‫�أخرى ت�شمل ا�ستيعاب املعرفة وتنظيماتها‬ ‫و�إدارتها و�إنتاجها و�أر�شفتها‪ ،‬وتوفري قنوات‬ ‫التوا�صل التي ت�ضمن االن�سياب احلر للمعرفة‬ ‫من م�ستويات الت�شغيل �إىل الإدارة العليا‪ .‬‬


‫الف�صل اخلام�س‬ ‫تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي ‪123‬‬

‫الهوية‪ :‬من منظور معلوماتي عربي‬

‫املعلوماتية‬

‫الهوية والنقلة النوعية ملجتمع‬ ‫املعرفة‪� :‬ستظ ّل الهوية هي املالذ الأخري الذي‬

‫املثال ال احل�رص‪.‬‬

‫خطورة تهمي�ش الثقافة‪:‬‬ ‫تلج�أ �إليه الأمم وال�شعوب واجلماعات يف �أوقات من منظور معلوماتي عربي‬

‫الأزمات‪ ،‬وي�صدق هذا القول ـ �أكرث ما ي�صدق ـ‬ ‫على الهوية العربية‪ ،‬ف�أ�صحابها ي�ؤمنون ب�أنهم‬ ‫�أ�صحاب �إرث تاريخي عظيم يفر�ض عليهم دوراً‬ ‫عاملي ًا ينبثق من هذا الإرث التاريخي‪ ،‬والهوية‬ ‫العربية هي مالذ العرب وهم يواجهون ال�صدمة‬ ‫املجتمعية احلادة التي �أحدثتها تكنولوجيا‬ ‫املعلومات واالت�صاالت‪.‬‬ ‫الهوية �شاغل اجلميع‪ :‬لقد �أ�صبحت‬ ‫الهوية �شاغل اجلميع‪ ،‬فها هم �أهل فرن�سا‪ ،‬رائدة‬ ‫الثقافة عاملي ًا‪ ،‬راحوا يت�ساءلون ما هي فرن�سا؟‬ ‫�أما �أهل اليابان الذين �سبق لهم �أن طرحوا ب�ش ّدة‬ ‫�س�ؤال الهوية‪ ،‬وهم ينتقلون ب�أمتهم �إىل ع�رص‬ ‫الثورة ال�صناعية‪ ،‬وقد �أ�صبحوا بف�ضل حتقيقهم‬ ‫لهذه النقلة يف مقدمة الركب التكنولوجي‬ ‫عاملي ًا‪ ،‬فهم بدورهم يعيدون طرح ال�س�ؤال ذاته‬ ‫من جديد‪ ،‬من منظور معلوماتي هذه املرة‪،‬‬ ‫فهم يخ�شون على لغتهم‪ ،‬ومن ثم ثقافتهم‪ ،‬من‬ ‫االن�سحاق حتت هيمنة اللّغة الإجنليزية على‬ ‫�ساحة الإنرتنت‪.‬‬ ‫تكنولوجيا املعلومات وتهديد الهوية‪:‬‬ ‫لقد انتاب اجلميع قلق بالغ على م�صري هويتهم‬ ‫من جراء هذه التكنولوجيا ال�ساحقة املاحقة؛‬ ‫تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت‪ ،‬وقد و�صل‬ ‫هذا القلق �إىل ح ّد توقع �أن تق�ضي التكنولوجيا‬ ‫املعلوماتية على التن ّوع الثقايف مثلما كادت‬ ‫�أن تق�ضي �سابقتها ال�صناعية‪ ،‬على التن ّوع‬ ‫البيولوجي‪ .‬يف مقابل ما ذكر‪ ،‬هناك من‬ ‫يب�رش بـ «هيرتوتوبيا» عاملية‪ ،‬مدينة فا�ضلة‬ ‫معلوماتية‪ ،‬حتتفي بالتن ّوع الثقايف بف�ضل‬ ‫هذه التكنولوجيا ذاتها‪ ،‬وما توفره من و�سائل‬ ‫عملية للحوار الثقايف‪ ،‬والتهجني الإبداعي بني‬ ‫م�آثر تراث ال�شعوب‪ ،‬بني املو�سيقى العربية‬ ‫واملو�سيقى الفار�سية‪ ،‬وبني �أدب �أوروبا و�أدب‬ ‫�أمريكا الالتينية‪ ،‬وبني الرف�ض الهندي ورف�ض‬ ‫القبائل الأفريقية‪ ،‬وذلك بالطبع على �سبيل‬

‫الثقافة ال تهم�ش‪ :‬الثقافة ـ كما قيل ـ ال‬ ‫تقبل التهمي�ش‪ ،‬فهي حمور منظومة التنمية‬ ‫املجتمعية‪ ،‬وم�صدر اال�ستدامة‪ ،‬ونبع الإبداع‬ ‫الذي ال ين�ضب‪ ،‬وقد بات جلي ًا �أن تهمي�ش‬ ‫الثقافة من �أهم الأ�سباب وراء �إخفاق الكثري من‬ ‫م�شاريع التنمية يف ما م�ضى وحتى الآن ‪ .‬كان‬ ‫من الطبيعي �أن تعمل عوملة قوامها االقت�صاد‬ ‫على تهمي�ش الثقافة‪ ،‬فرناها ال ت�ستوعب التن ّوع‬ ‫يق�ض م�ضجعها �أن ي�سود خطاب‬ ‫الثقايف‪ ،‬وال ّ‬ ‫فكري قائم على �صدام احل�ضارات و�رصاع‬ ‫الثقافات‪ .‬وقد �سعى االحتاد الأوروبي يف بداية‬ ‫�إن�شائه �إىل �إقامة تكتله على �أ�سا�س �سيا�سي‬ ‫واقت�صادي و�أمني لكنه �آمن يف النهاية‬ ‫ب�رضورة التمحور حول الثقافة‪ ،‬ويقول يف‬ ‫هذا ال�ش�أن «جان موتيه»‪�« ،‬أبو �أوروبا كما‬ ‫يطلق عليه»‪�« :‬إنه لو قدر له �أن يطلق م�سرية‬ ‫التكامل الأوروبي من جديد لتعينّ عليه �أن يبد�أ‬ ‫بالتعليم والثقافة»‪ .‬وهو الدر�س ذاته امل�ستفاد‬ ‫من جتربة �إقليم بلدان جنوب �رشق �آ�سيا‪ ،‬الذي‬ ‫�شهد طفرة كبرية يف جمال التكامل الإقليمي‬ ‫من خالل منظمة «الآ�سيان ‪.»ASEAN‬‬

‫كان من الطبيعي �أن تعمل عوملة‬ ‫قوامها االقت�صاد على تهمي�ش‬ ‫الثقافة‪ ،‬فرناها ال ت�ستوعب‬ ‫التنوع‬ ‫ّ‬ ‫يق�ض م�ضجعها �أن‬ ‫الثقايف‪ ،‬وال‬ ‫ّ‬ ‫ي�سود خطاب فكري قائم على �صدام‬ ‫احل�ضارات و�رصاع الثقافات‪ .‬وقد‬ ‫�سعى االحتاد الأوروبي يف بداية‬ ‫�إن�شائه‪� ،‬إىل �إقامة تكتله على �أ�سا�س‬ ‫�سيا�سي واقت�صادي و�أمني‪ ،‬لكنه �آمن‬ ‫يف النهاية ب�رضورة التمحور حول‬ ‫الثقافة‪.‬‬

‫املدخل املعلوماتي الثقايف للتكتل‬

‫العربي‪ :‬يبدو العامل الثقايف حموري ًا يف‬ ‫�إحداث التكامل الإقليمي العربي‪ .‬فعلى الرغم‬ ‫من قوة الدوافع‪ ،‬واجه التكتل العربي الإقليمي‬ ‫كغريه م�صاعب جمة من �أجل حتقيقه من خالل‬ ‫املدخل الأمني �أو ال�سيا�سي �أو االقت�صادي‪ ،‬ومل‬ ‫يبقَ �إال املدخل الثقايف �أ�سوة مبا حدث يف‬ ‫تكتالت �إقليمية �أخرى‪ .‬وتتوفر لهذا املدخل‬ ‫عوامل عدة ت�ؤكّد �أ�صالته‪ ،‬يكفي منها عامل‬ ‫اللغة والتاريخ‪ ،‬وتوفر تكنولوجيا املعلومات‬ ‫واالت�صاالت و�سائل عدة لإمكانية ترجمته �إىل‬ ‫واقع عملي‪ ،‬بيد �أن هذا ال يعني �سهولة تطبيقه‬ ‫فال غنى عن توفر الإرادة ال�سيا�سية والت�صدي‬ ‫ملحاوالت تقوي�ض الهوية العربية‪.‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 124‬للتنمية الثقافية‬

‫ثاني ًا‪:‬‬ ‫نحو �سيا�سة ثقافية مغايرة‬

‫�أبرز مالمح الو�ضع الراهن‪:‬‬

‫• احلاجة �إىل بلورة �سيا�سة ثقافية �إقليمية‬ ‫وفق ًا ملطالب ع�رص املعلومات ‪.‬‬ ‫• احلاجة �إىل نظرة �أ�شمل لنظم احلكومة‬ ‫يخ�ص توفري ال�شفافية‪.‬‬ ‫الإلكرتونية يف ما ّ‬ ‫وحث‬ ‫• احلاجة �إىل مزيد من حرية التعبري ّ‬ ‫اجلماهري على امل�شاركة ‪.‬‬ ‫• �رضورة �إعطاء مرتبة �أعلى للثقافة على‬ ‫�أجندة التنمية املجتمعية ‪.‬‬ ‫• �رضورة ر�أب الفجوة املعرفية التي باتت‬ ‫تف�صل بني العامل العربي والعامل املتقدم‪،‬‬ ‫التي �أظهرتها بجالء م�ؤ�رشات الو�ضع الراهن ‪.‬‬ ‫• العمل على حت�سني مرتبة الثقافة على �أجندة‬ ‫التنمية االجتماعية ‪.‬‬ ‫احلاجة �إىل �إبداع �سيا�سي‪ :‬خل�ص تقري ٌر‬ ‫لليون�سكو �إىل �أن اخليال ال�سيا�سي قد �أ�صيب‬ ‫باخلمول‪ ،1‬وقد تخلّف عن الطفرات التي حققها‬ ‫ويحققها اخليال العلمي والتكنولوجي‪ ،‬وهو‬ ‫أدى بدوره �إىل حدوث فجوة بني‬ ‫الأمر الذي � ّ‬ ‫ال�سيا�سات وبني العلم والتكنولوجيا‪ ،‬ومن‬ ‫ثم ثقافة ع�رص املعلومات التي ترتكز عليها‬ ‫ب�صفة �أ�سا�سية‪ ،‬وال �شك �أن و�ضع �سيا�سة‬ ‫للتنمية الثقافية يف جمتمع املعرفة يحتاج �إىل‬ ‫درجة عالية من اخليال والإبداع االجتماعي‪،‬‬ ‫عال من اجل�سارة مل�ساءلة الأو�ضاع‬ ‫و�إىل قد ٍر ٍ‬ ‫القائمة‪ ،‬وجتاوز ما هو �سائد وم�ألوف‪.‬‬ ‫وال يعني ذلك بالطبع البداية من ال�صفر‪،‬‬ ‫فقد قامت املنظمة العربية للرتبية والثقافة‬ ‫والعلوم بع ّدة حماوالت لبلورة �سيا�سة ثقافية‬ ‫عربية‪� ،‬أهمها اخلطة ال�شاملة للثقافة العربية‪،‬‬ ‫والتي ت�ضمنت ا�ست�رشاف ًا لآفاق امل�ستقبل‬ ‫الثقايف‪ ،‬وم�شاريع حمددة لتنمية املجاالت‬

‫الثقافية املختلفة‪ ،‬بيد �أن اخلطة حتتاج‬ ‫�إىل مراجعة �شاملة من منظور ثقافة ع�رص‬ ‫املعلومات (‪.)2‬‬ ‫وقد قامت منظمة الأمم املتحدة لإقليم‬ ‫غرب �آ�سيا «الإ�سكوا» بعدد كبري من الدرا�سات‬ ‫وامل�سوح املتعلقة بالتنميةاملعلومانية‪� ،‬سواء‬ ‫على م�ستوى �إر�ساء البنى التحتية اخلا�صة‬ ‫ب�شبكات االت�صاالت‪� ،‬أم على م�ستوى تعزيز‬ ‫�صناعة املحتوى الرقمي عموم ًا واملحتوى‬ ‫الثقايف ب�صفة خا�صة‪ .‬وهناك كم هائل من‬ ‫الدرا�سات وح�صاد الندوات وامل�ؤمترات التي‬ ‫عقدتها منظمة اليون�سكو التي تناولت اجلوانب‬ ‫املختلفة للتنمية املعلوماتية واملعرفية من‬ ‫منظور الدول النامية‪.‬‬ ‫ولع ّل من واجبات احلكومة الرئي�سية‬ ‫و�سن‬ ‫يف ع�رص املعلومات و�ضع ال�سيا�سات ّ‬ ‫القوانني التي ت�سعى �إىل فر�ض نوع من النظام‬ ‫على تلك الفو�ضى التي �ستظ ّل تعاود الظهور‪،‬‬ ‫نتيج ًة للفرق بني �رسعة التطور التكنولوجي‬ ‫وقدرة املجتمعات على ا�ستيعابه‪ .‬بقول �آخر‪،‬‬ ‫يتطلّب الأمر من احلكومات العربية االنتقال من‬ ‫«�إدارة الأزمات « �إىل «�إدارة الفجوات»‪ ،‬والذي‬ ‫يتطلّب بدوره ت�أهيل كوادر عربية قادرة على‬ ‫املزج بني ال�سيا�سي والتكنولوجي من جانب‪،‬‬ ‫وبني االقت�صادي والثقايف من جانب �آخر ‪.‬‬

‫�أهم غايات ال�سيا�سة الثقافية يف‬ ‫جمتمع املعرفة ‪ :‬نظراً ال ّت�ساع نطاق منظومة‬

‫ثقافة ع�رص املعلومات‪ ،‬هناك العديد من‬ ‫الغايات والأهداف التي ت�صبو �إليها التنمية‬ ‫الثقافية يف جمتمع املعرفة‪ ،‬ولعل �أهمها‪:‬‬ ‫• ر�أب الفجوة املعرفية بني العامل العربي‬ ‫والعامل املتقدم وبني البلدان العربية ذاتها ‪.‬‬ ‫• حتقيق مزيد من ال�شفافية‪ ،‬باعتبارها مقوم ًا‬ ‫�أ�سا�سي ًا لآليات الت�صويب الذاتي ل�ضمان عدم‬

‫‪ 1‬تقرير لليونسكو من إعداد اللجنة العاملية املعنية بالثقافة والتنمية بعنوان التن ّوع البشري اخلالق – ترجمة اجمللس األعلى للثقافة عام‬ ‫‪ ،1997‬ص‪96‬‬ ‫‪ 2‬املنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‪ :‬اخلطة الشاملة للثقافة العربية‪ ،‬وثيقة العمل الرئيسية للمؤمتر اخلامس للوزراء العرب‬ ‫املسؤولني عن الشؤون الثقافية تونس ‪ ،1985‬والتي متّ حتديثها من قبل املنظمة عام ‪.1996‬‬


‫الف�صل اخلام�س‬ ‫تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي ‪125‬‬

‫ر�أب الفجوة املعرفية ‪:‬ات�ساق ًا مع ا ّتخاذ‬ ‫مفهوم «جمتمع املعرفة» بد ًال من «جمتمع‬ ‫املعلومات»‪ ،‬يتطلّب الأمر خطاب ًا جديداً‬ ‫لـ «الفجوة املعرفية»‪ ،‬يختلف عن نظريه‬ ‫املعلوماتي حيث عادة ما يطلق عليها «الفجوة‬ ‫الرقمية»‪ .‬تندمج يف �إطار هذا اخلطاب اجلديد‬ ‫وجهات نظر املفكرين ذوي ال�صلة باملجال‬ ‫الثقايف من تربويني واجتماعيني‪ ،‬وفال�سفة‬ ‫ون�شطاء حقوق الإن�سان‪ ،‬ومناه�ضي العوملة‬ ‫الراهنة‪ ،‬وفال�سفة نوجز يف ما يلي وجهات‬ ‫نظرهم‪:‬‬ ‫• وجهة نظر الرتبويني‪ :‬يرون الفجوة املعرفية‬ ‫ق�ضية تعليمية يف املقام الأول‪ ،‬ومظهراً لعدم‬ ‫امل�ساواة يف النفاذ �إىل فر�ص التعليم‪ ،‬واحل ّل ـ‬ ‫يف ر�أيهم ـ هو �إك�ساب املتعلّم القدرة على التعلّم‬ ‫ذاتي ًا مدى احلياة‪ ،‬وعلى ات�ساعها‪ ،‬با�ستغالل‬ ‫الإمكانات التي تتيحها تكنولوجيا املعلومات‬ ‫واالت�صاالت ويف مقدمتها الإنرتنت‪.‬‬ ‫• وجهة نظر االجتماعيني‪ :‬يرون الفجوة‬ ‫املعرفية �رضب ًا من عدم امل�ساواة االجتماعية‬ ‫عرب الفوا�صل االجتماعية املختلفة‪ :‬كالدخل‬ ‫وال�سن والنوع (ذكر‪�/‬أنثى) وم�ستوى التعليم‬ ‫ّ‬ ‫و�سكنى املدينة والريف (�أو املناطق البدوية)‪،‬‬ ‫ويرون �رضورة بلورة نظرية اجتماعية جديدة‬ ‫ملجتمع املعرفة‪ ،‬يت�ص ّدى لظاهرة اال�ستبعاد‬ ‫االجتماعي مبفهومه الوا�سع ‪.‬‬ ‫• وجهة نظر ن�شطاء حقوق الإن�سان‪ :‬يرون‬ ‫الفجوة املعرفية انتهاك ًا حلق الإن�سان يف‬ ‫تنمية ذاته‪ ،‬بحرمانه من حرية النفاذ �إىل‬ ‫املعلومات واملعرفة‪ ،‬وحقه يف موا�صلة تعليمه‬ ‫وتعلّمه وحتقيق ذاته ‪.‬‬ ‫• وجهة نظر مناه�ضي العوملة‪ :‬يرون �أن‬

‫املعلوماتية‬

‫تراكم امل�شكالت ‪.‬‬ ‫• �إقامة �صناعة للمحتوى الثقايف العربي‬ ‫قادرة على املناف�سة‬ ‫• حتقيق مزيد من امل�شاركة اجلماهريية‪ ،‬من‬ ‫قبل الأفراد واجلماعات واملنظمات الأهلية‪.‬‬ ‫• �ضمان حرية التعبري‪.‬‬

‫العوملة احلالية يف �صيغتها الأمريكية تعمل‬ ‫على ات�ساع الفجوة املعرفية ب�سبب نزعتها‬ ‫اال�ستقطابية االحتكارية‪ ،‬وهم ي�ؤكدون �أن‬ ‫حترير التجارة والأ�سواق �سيقلل من فر�ص‬ ‫الدول النامية للّحاق بركب اقت�صاد املعرفة‪.‬‬ ‫• وجهة نظر الفال�سفة‪ :‬يرون الفجوة املعرفية‬ ‫ق�ضية �أخالقية يف املقام الأول �إىل ح ّد اعتبار‬ ‫البع�ض منهم �أمور التنمية التكنولوجية فرع ًا‬ ‫من فل�سفة الأخالق‪.‬‬

‫الفجوة املعرفية بني العرب و�إ�رسائيل‪:‬‬

‫على الرغم ممّ ا يبديه الكثريون من حما�س‬ ‫�شديد لثورة املعلومات و�أهميتها‪� ،‬إال �أن هناك‬ ‫تغاف ًال ع ّما يجري داخل �إ�رسائيل من تنمية‬ ‫معرفية ن�شطه وفعالة‪ .‬ومن امل�ؤكّد �أن التنمية‬ ‫الثقافية عموم ًا‪ ،‬والتنمية املعرفية على وجه‬ ‫اخل�صو�ص‪ ،‬هما جانبان بالغا الأهمية على‬ ‫�صعيد املقارنة مع �إ�رسائيل‪ .‬ويكفي مثا ًال هنا‬ ‫ما للّغة والدين من �أهمية لدينا ولديهم‪� .‬أ�ضف‬ ‫�إىل ذلك‪ ،‬املوقع البارز الذي حتتله التكنولوجيا‬ ‫املتقدمة ب�صفة عامة‪ ،‬وتكنولوجيا املعلومات‬ ‫ب�صفة خا�صة يف عقل �سا�سة �إ�رسائيل وعلمائها‬ ‫وخمططيها وموجهيها‪ .‬وكمثال على ذلك ما‬ ‫ير ّددونه عن عظمة وادي ال�سيلكون الإ�رسائيلي‪،‬‬ ‫الذي يربط بني مراكز البحث والتطوير‬ ‫املعلوماتي يف مثلث‪ :‬تل �أبيب ـ القد�س ـ حيفا‪،‬‬ ‫والذي ال يفوقه ـ على ح ّد زعمهم ـ �سوى وادي‬ ‫ال�سيلكون الأمريكي‪ ،‬وقد �أتت �إ�رسائيل يف تقرير‬ ‫املعلومات العاملي ل�سنة ‪ 2003‬يف املرتبة‬ ‫رقم ‪ 12‬يف م�ؤ�رش اجلاهزية ال�شبكية الدال‬ ‫على مدى ا�ستعداد املجتمع لدخول جمتمع‬ ‫املعلومات‪ ،‬وهي ت�سبق يف هذا دو ًال متقدمة‪،‬‬ ‫مثل‪� :‬سوي�رسا‪ ،‬وفرن�سا‪ ،‬و�أ�سبانيا‪ ،‬و�إيطاليا‪،‬‬ ‫والرنويج‪ ،‬وجتدر الإ�شارة هنا �إىل �أن تون�س‪،‬‬ ‫�أعلى الدول العربية مرتبة يف هذا التقرير‪ ،‬قد‬ ‫جاءت يف املرتبة رقم ‪ .34‬ويف ظل هذا الواقع‬ ‫مفر من تناول الفجوة املعرفية الآخذة‬ ‫ف�إنه ال ّ‬ ‫يف االت�ساع بيننا وبني �إ�رسائيل‪ ،‬فهي متثل ـ‬ ‫بال �أدنى مبالغة ـ موقف ًا م�صريي ًا‪ ،‬ومن الغريب‬

‫جاءت �إ�رسائيل يف تقرير‬ ‫املعلومات العاملي ل�سنة ‪ 2003‬يف‬ ‫املرتبة رقم ‪ 12‬يف م�ؤ�رش اجلاهزية‬ ‫ال�شبكية الدال على مدى ا�ستعداد‬ ‫املجتمع لدخول جمتمع املعلومات‪،‬‬ ‫وهي ت�سبق يف هذا دو ًال متقدمة‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫�سوي�رسا‪ ،‬وفرن�سا‪ ،‬و�إ�سبانيا‪ ،‬و�إيطاليا‪،‬‬ ‫والرنويج‪ .‬وجتدر الإ�شارة هنا �إىل �أن‬ ‫تون�س‪� ،‬أعلى الدول العربية مرتبة يف‬ ‫هذا التقرير‪ ،‬قد جاءت يف املرتبة رقم‬ ‫مفر‬ ‫‪ .34‬يف ظل هذا الواقع ف�إنه ال ّ‬ ‫من تناول الفجوة املعرفية الآخذة يف‬ ‫االت�ساع بيننا وبني �إ�رسائيل‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 126‬للتنمية الثقافية‬

‫�أن اال�سرتاتيجيات العربية للتنمية املعلوماتية‬ ‫قد حتا�شت اخلو�ض يف هذا الأمر احليوي‪.‬‬

‫نظم احلكومة الإلكرتونية وحتقيق‬ ‫ال�شفافية‪ :‬تر ّكز نظم احلكومة الإلكرتونية‬

‫لن تفلح �أ�ساليب الرقابة‬ ‫الإلكرتونية و�رشطة الإنرتنت‪ ،‬يف‬ ‫ال�صمود �أمام هذا التيار اجلارف من‬ ‫املدونات‪ ،‬ولو جنحنا يف تر�شيح هذه‬ ‫املدونات وتخلي�صها مما يعرف بـ‬ ‫«�ضو�ضاء الويب»‪ ،‬ميكن حينئذ �أن‬ ‫ت�ستفيد منها احلكومات العربية يف‬ ‫التعرف ب�صورة واقعية ومبا�رشة‬ ‫توجهات الر�أي العام ‪ web‬وتوقّع‬ ‫�إىل ّ‬ ‫امل�شكالت يف وقت مبكر جتنب ًا لطابع‬ ‫ر ّد الفعل‪.‬‬

‫على التخفيف من حدة الروتني والبريوقراطية‬ ‫املكتبية يف تقدمي اخلدمات احلكومية من‬ ‫�إ�صدار الرتاخي�ص و�سداد فواتري املرافق وما‬ ‫�شابه‪� ،‬إال �أنه يت ّم حجب كثري من الوثائق‬ ‫احلكومية التي ال �صلة لها ب�أمور الأمن القومي‬ ‫واملحافظة على مكانة الدولة عاملي ًا‪ .‬لقد‬ ‫�أ�صبحت ال�شفافية �ضمن احلقوق الأ�سا�سية‬ ‫للمواطن‪ ،‬وبدونها يفقد املجتمع قدرته‬ ‫على امل�ساءلة واملحا�سبة‪ ،‬وتوفري �آليات‬ ‫الت�صويب الذاتي التي ال غنى عنها ملواجهة‬ ‫الكم الهائل من امل�شكالت املعقدة التي تعاين‬ ‫منها املجتمعات العربية‪ .‬من زاوية �أخرى‬ ‫وبا�ستثناء الأمور املتعلقة بالأمن الداخلي‪،‬‬ ‫ف�إن تبادل املعلومات احلكومية ما بني البلدان‬ ‫العربية حمدود للغاية‪ ،‬وهذا ما يح ّد ب�شدة من‬ ‫فر�ص التعاون االقت�صادي‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ً‬ ‫الإنرتنت وحرية التعبري‪ :‬وفقا لقول‬ ‫«�أمارتا �سن» ‪ -‬االقت�صادي الهندي العظيم‬ ‫واحلائز على جائزة نوبل يف «اقت�صاد الفقراء»‬ ‫ ف�إن حرية التعبري لي�ست جمرد �ش�أن �سيا�سي‪،‬‬‫لأنها ذات �أبعاد اقت�صادية واجتماعية وثقافية‪،‬‬ ‫وهي ـ من ثم ـ وثيقة ال�صلة بالتنمية‪ .‬وبخا�صة‬ ‫يف ما يتعلق بـ «جمتمع املعرفة» الذي ي�ستحيل‬ ‫بنا�ؤه يف بيئة تقمع الر�أي وتخر�س الأل�سنة ‪.‬‬ ‫لقد وفّرت الإنرتنت منابر عديدة للتعبري‬ ‫تتيح للأغلبية العامة‪ ،‬وللفئات امل�ست�ضعفة‬ ‫واملهم�شة‪� ،‬أن ت�سمع �صوتها‪ ،‬واالنت�شار ال�رسيع‬ ‫للمدونات العربية عرب الإنرتنت‪� ،‬سواء من قبل‬ ‫الأفراد �أم منظمات املجتمع املدين‪ ،‬خلري دليل‬ ‫على مدى ت�شوق املجتمعات العربية ملمار�سة‬ ‫حقها يف حرية التعبري‪ ،‬ولن تفلح �أ�ساليب‬ ‫الرقابة الإلكرتونية‪ ،‬و�رشطة الإنرتنت‪ ،‬يف‬ ‫ال�صمود �أمام هذا التيار اجلارف من املدونات‪،‬‬

‫ولو جنحنا يف تر�شيح هذه املدونات وتخلي�صها‬ ‫مما يعرف بـ «�ضو�ضاء الويب»‪ ،‬ميكن حينئذ‬ ‫�أن ت�ستفيد منها احلكومات العربية يف التعرف‬ ‫توجهات الر�أي‬ ‫ب�صورة واقعية ومبا�رشة �إىل ّ‬ ‫العام ‪ web‬وتوقّع امل�شكالت يف وقت مبكر‬ ‫جتنب ًا لطابع ر ّد الفعل‪.‬‬

‫ال�شبكات االجتماعية �أداة امل�شاركة‬ ‫اجلماهريية‪ :‬ثقافة «الويب»‪� ،‬أو الثقافة‬

‫الرقمية كما ي�س ّميها البع�ض‪ ،‬ثقافة جماعية‬ ‫بحكم طبيعتها ون�ش�أتها وتط ّورها‪ .‬لقد ظ ّل هذا‬ ‫�شعاراً �إىل �أن حتقق ل�شبكة الإنرتنت ن�ضوجها‬ ‫جت�سد يف ما يعرف‬ ‫الثقايف االجتماعي‪ ،‬وقد ّ‬ ‫بـ «ال�شبكات االجتماعية «و�أبرز �أمثلة عن‬ ‫هذه ال�شبكات‪ ،‬نظام «الفي�سبوك ‪»Facebook‬‬ ‫واليوتيوب‪.‬‬ ‫�إن النا�س باتت تقوم ب�أعمالها ومتار�س‬ ‫�أن�شطتها احلياتية ب�صورة مغايرة‪ ،‬بحيث‬ ‫�أ�صبحت الإنرتنت «من�صة العمل الأ�سا�سية‪ .‬لقد‬ ‫ارتقت الإنرتنت من حلقات الدرد�شة والت�سامر‬ ‫عن بعد �إىل فاعلية امل�شاركة والتفاعل وح�شد‬ ‫الذكاء اجلمعي‪ ،‬و�أ�صبح يف �إمكان الفرد �أن يولد‬ ‫املعلومات بو�سائل مي�رسة ك�آالت الت�صوير‬ ‫الرقمية ومعدات الت�سجيل املرئي وال�سمعي‪.‬‬ ‫ومن خالل نظم نقل احل�ضور ‪Transmiss‬‬ ‫‪� ،sion of presence‬أو ما ميكن �أن نطلق عليه‬ ‫«التحا�رض» بد ًال من «التهاتف»‪ ،‬ومع التو�سع‬ ‫يف ا�ستخدام نظم ات�صاالت النطاق العري�ض‬ ‫‪ Broad Band‬ذات ال�سعة العالية‪� ،‬سي�صبح‬ ‫احلوار عن بعد �أقرب ما يكون من التحاور‬ ‫وجه ًا لوجه �إن مل يكن �أكرث فاعلية وت�أثرياً‪.‬‬ ‫لقد ك�رست ال�شبكات االجتماعية احتكار‬ ‫امل�ؤ�س�سات الر�سمية لعملية �إنتاج املعرفة‬ ‫وتوظيفها‪ .‬فال�شفافية مبعناها احلق عملية ذات‬ ‫اجتاهني‪� :‬شفافية من احلكومة �إىل جماهريها‪،‬‬ ‫و�شفافية من اجلماهري �إىل حكوماتها‪ .‬بقول‬ ‫�آخر‪ ،‬لقد �أخذت اجلماهري بزمام املبادرة حتى‬ ‫ال ت�صبح رهن ًا لربودة جتاوب الأجهزة مع‬ ‫امل�شكالت بفعل وط�أة الثقل البريوقراطي‪� .‬إن‬


‫الف�صل اخلام�س‬ ‫تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي ‪127‬‬

‫نحو اقت�صاد ثقايف جديد من منظور‬ ‫جمتمع املعرفة‬ ‫�أبرز مالمح الو�ضع الراهن (اقت�صاديا)‪ً:‬‬

‫عدم التجاوب مع النقالت النوعية التي‬ ‫طر�أت على منظومة االقت�صاد نتيجة املتغري‬ ‫املعلوماتي من ناحية �أوىل‪ ،‬و�ضعف االهتمام‬ ‫بالبعد االقت�صادي يف امل�رشوعات الثقافية‬ ‫الرقمية من ناحية ثانية‪ ،‬وعزوف القطاع‬ ‫اخلا�ص عن اال�ستثمار يف م�شاريع التنمية‬ ‫الثقافية من ناحية ثالثة و�أخرية‪.‬‬ ‫احلاجة املا�سة �إىل فكر اقت�صادي جديد‪:‬‬ ‫�إن اقت�صاد الثقافة‪ ،‬كغريه من فروع املعرفة‪،‬‬ ‫ي�صعب �إخ�ضاعه لنموذج االقت�صاد التقليدي‪،‬‬ ‫وهو امل�سعى اخلاطئ الذي ينتهجه اقت�صاد‬ ‫العوملة مل ّد منوذج اقت�صاد ال�صناعة لي�شمل‬ ‫االقت�صاد اجلديد‪ ،‬اقت�صاد ع�رص املعلومات‪.‬‬ ‫والواقع �أن املهمة الأ�سا�سية للنظام‬ ‫االقت�صادي هي تر�شيد توظيف املوارد املتاحة‬

‫املعلوماتية‬

‫�إن�سان الع�رص مل تعد له رفاهية انتظار �إ�صدار‬ ‫الإجراءات و�إقرار التنظيمات يف مواجهة‬ ‫هذه امل�شكالت التي تتو�إىل عادة مبعدالت‬ ‫مت�سارعة‪.‬‬ ‫والواقع �أن ال�شبكات االجتماعية ميكن �أن‬ ‫تلعب دوراً رئي�سي ًا على �صعيد الثقافة العربية‪،‬‬ ‫نذكر من ذلك على �سبيل املثال ال احل�رص‪:‬‬ ‫• �إقامة منتديات ثقافية على م�ستوى الوطن‬ ‫العربي ملواجهة ظاهرة الت�رشذم الثقايف‪.‬‬ ‫• ر�صد ظاهرة الفقر مبعناها الوا�سع مبا يف‬ ‫ذلك فقر املعلومات‪.‬‬ ‫• اقتفاء مظاهر التن ّوع الثقايف وثقافات‬ ‫اجلماعات املحلية والفئات املهم�شة‪.‬‬ ‫• و�ضع ا�سرتاتيجية واقعية لإقامة ج�سور‬ ‫التعاون وامل�شاركة بني جميع �أ�صحاب‬ ‫امل�صلحة‪ ،‬بحيث ت�شري جتارب الدول �إىل �أن‬ ‫موحدة يتفق عليها اجلميع ٌ‬ ‫�رشط‬ ‫خلق ر�ؤية ّ‬ ‫�أ�سا�سي لنجاح جهود �إن�شاء �صناعة ثقافة‬ ‫عربية‪.‬‬

‫من �أجل تلبية حاجات الإن�سان الأ�سا�سية‪ .‬وقد‬ ‫حتولت املعرفة‪ ،‬يف غيبة من ال�ضمري الإن�ساين‬ ‫�إىل �سلعة تباع وت�شرتى وا�ستخدمت �أ�سلحة‬ ‫التجويع املعريف واملقاطعة املعلوماتية‬ ‫لت�أديب اجلماعات املناوئة وما ي�سمونها‬ ‫بالدول املارقة‪� .‬إن املنطق الأخالقي يفر�ض‬ ‫علينا �أال تتحول احتياجات الإن�سان الأ�سا�سية‬ ‫�إىل �سلعة‪ ،‬وقد �أ�صبحت املعلومات واملعرفة ـ‬ ‫بالفعل ـ �ضمن هذه االحتياجات الأ�سا�سية‪،‬‬ ‫بعد �أن ثبت كونها مورداً ال غنى عنه لإنتاج‬ ‫غذاء الإن�سان‪ ،‬وتوفري م�سكنه وملب�سه وتعليمه‬ ‫ورعاية �صحته والرتفيه عنه‪.‬‬ ‫ومما يعقد الأمور يف ا�ستيعاب ظاهرة‬ ‫اقت�صاد املعرفة �أنه ال يتعامل فقط مع موارد‬ ‫المادية بل متت ّد اخلا�صية الالمادية ـ بحكم‬ ‫املنطق ـ لت�شمل �آليات معاجلة موارد املعرفة‬ ‫من برجميات ونظم معلومات‪ ،‬ولت�شمل كذلك‬ ‫عنا�رص العائد والكلفة املرتبطة باال�ستثمار‬ ‫املعريف والثقايف‪ ،‬بحكم كونها غري حم�سو�سة‬ ‫وي�صعب قيا�سها‪ ،‬والت�سا�ؤالت تو�ضح‬ ‫هذه احلقيقة‪ :‬فما هو العائد الطويل الأجل‬ ‫لال�ستثمار يف جمال الرتبية؟ وما هو حجم‬ ‫اخل�سارة املرتتبة عن فقدان الهوية القومية؟‬ ‫ثم كيف تتحقق املوازنة بني العائد ال�سياحي‬ ‫والكلفة االجتماعية لتدمري البيئة املحلية‪،‬‬ ‫وتهديد الآثار التاريخية‪ ،‬والعبث بالتقاليد‬ ‫االجتماعية كما ن�شهده يف بع�ض املناطق‬ ‫والقرى ال�سياحية؟‬

‫تغيات جذرية يف منظومة االقت�صاد‪:‬‬ ‫رّ‬

‫نتيجة للثورة املعلوماتية – املعرفية‪ ،‬طر�أت‬ ‫تغيرّ ات جذرية على الأ�س�س التي تقوم عليها‬ ‫املنظومة االقت�صادية ميكن �إيجازها يف ما‬ ‫يلي‪:‬‬ ‫• مفهوم القيمة‪ :‬النقلة من ثنائية قيمتي‬ ‫التبادل واملنفعة �إىل رباعية ت�شمل ـ عالوة‬ ‫على هذه الثنائية التقليدية ـ قيمة املعلومات‬ ‫والقيمة الرمزية‪ .‬كتلك املتعلقة بالهوية‬ ‫الثقافية على �سبيل املثال‪.‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 128‬للتنمية الثقافية‬

‫تفاقمت م�شكلة «حمل املعلومات‬ ‫هائل‬ ‫الزائد» ويق�صد بها توليد ك ّم‬ ‫ٍ‬ ‫من املعلومات ي�صعب على املرء‬ ‫ا�ستيعابها‪� ،‬إىل حد القول ب�أن اقت�صاد‬ ‫االنتباه رمبا يفوق يف �أهميته عما‬ ‫قريب االقت�صاد املايل‪ ،‬فهو املدخل‬ ‫لـ «ا�صطياد» امل�ستهلكني من خالل‬ ‫تلك الرباعية التي تقوم عليها‬ ‫�صناعة الإعالن‪ :‬اقتنا�ص االنتباه‬ ‫ف�إثارة االهتمام ثم توليد الرغبة‬ ‫فحث املتلقي على القيام بالفعل‬ ‫ّ‬ ‫القتناء �سلعة �أو اتخاذ موقف‪.‬‬

‫• مفهوم امللكية‪ :‬النقلة من امللكية املادية‪،‬‬ ‫التي ي�سهل ح�رصها وتوثيقها وحمايتها‪،‬‬ ‫�إىل امللكية الفكرية التي ي�صعب حتديدها‬ ‫وحمايتها‪.‬‬ ‫• عالقة الإنتاج باال�ستهالك‪ :‬النقلة من‬ ‫ن�ضوب املوارد املادية مع زيادة ا�ستهالكها‬ ‫يخ�ص املوارد املعرفية‬ ‫�إىل عك�س ذلك يف ما‬ ‫ّ‬ ‫التي تنمو مع زيادة ا�ستهالكها‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫النقلة النوعية من منط اقت�صادي قائم على‬ ‫طور الإنتاج‪� ،‬إىل منط اقت�صادي قائم على طور‬ ‫�إعادة الإنتاج؛ من �أمثلته ا�ستن�ساخ الربامج‬ ‫وو�سائط املو�سيقى والأفالم‪ ،‬وخالفه‪.‬‬ ‫• عالقة العر�ض بالطلب‪ :‬النقلة من الرتكيز‬ ‫على جانب العر�ض؛ حيث كان الو�ضع يف‬ ‫ما م�ضى �أن تعر�ض التكنولوجيا ك ّل ما يف‬ ‫و�سعها �أن تنجزه‪� ،‬إىل الرتكيز على جانب‬ ‫الطلب بعد �أن �أم�ست التكنولوجيا ذات قدرة‬ ‫�إجناز هائلة‪ ،‬ولي�س ك ّل ما يف و�سعها �أن تنجزه‬ ‫ميكن للأ�سواق �أن ت�ستوعبه‪ ،‬بحيث يتوقف ذلك‬ ‫على توفر الطلب االجتماعي عليه‪.‬‬ ‫• منط الإدارة‪ :‬النقلة من �إدارة ذات منط‬ ‫مركزي‪ ،‬تقوم على �رسيان ال�سلطة من �أعلى �إىل‬ ‫�أ�سفل‪� ،‬إىل �إدارة ذات منط المركزي يت�صاعد فيه‬ ‫قدر ال�سلطات‪ ،‬ومن ثم امل�س�ؤوليات‪ ،‬من �أ�سفل‬ ‫�إىل �أعلى‪ ،‬وذلك بعد �أن �أ�ضحى �أداء املن�ش�آت‬ ‫رهن ًا ب�إبداع عمالتها ال �رصامة �إدارتها‪.‬‬ ‫ومن زاوية �أخرى‪ ،‬ونظراً العتماد اقت�صاد‬ ‫املعرفة على طور �إعادة الإنتاج‪� ،‬أي ا�ستن�ساخ‬ ‫ال�سلع واخلدمات من دون ا�ستهالك مزي ٍد من‬ ‫املواد وطاقة العمل �أو لنقل ا�ستهالك قدر طفيف‬ ‫منها‪ ،‬ووفق ًا ملا يراه الكثريون‪ ،‬فقد �أ�صبحت‬ ‫التناف�سية يف هذا االقت�صاد الالمادي تعتمد‬ ‫على ما يتعذّر ا�ستن�ساخه من �أمور �أ�سا�سية‪،‬‬ ‫من قبيل العنا�رص االبتكارية يف الت�صميم‬ ‫والإنتاج والت�سويق‪� ،‬أو عوامل ثانوية من قبيل‬ ‫�رسعة العثور على املعلومات وتقدمي الدعم‬ ‫للمتلقي لكي ي�صبح �أكرث قدرة على ت�أويل‬ ‫املعلومات واكت�شاف ما حتمله يف ثناياها من‬ ‫معرفة ذات مغزى‪.‬‬

‫ت�ؤكد ذلك �رضورة تعزيز املحتوى الثقايف‬ ‫العربي بالقيمة امل�ضافة التي تك�سبه القدرة‬ ‫على املناف�سة‪.‬‬ ‫اقت�صاد االنتباه‪ :‬االنتباه �سلعة نادرة‪،‬‬ ‫فقدرة الإن�سان على تلقي املدركات احل�سية‬ ‫حمدودة بقيود ف�سيولوجيا اجلهاز الع�صبي‪،‬‬ ‫�إن ثراء املعلومات احلايل يقابله ـ كما خل�ص‬ ‫البع�ض ـ فقر يف االنتباه‪ ،‬بحيث يت ّم على‬ ‫ح�ساب ا�ستهالك املوارد الإدراكية‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫يتطلّب �رضورة تر�شيد ا�ستخدامها و�إدارتها‬ ‫على �أ�س�س اقت�صادية‪ ،‬وقد تفاقمت م�شكلة‬ ‫«حمل املعلومات الزائد» ويق�صد بها توليد‬ ‫هائل من املعلومات ي�صعب على املرء‬ ‫ك ّم‬ ‫ٍ‬ ‫ا�ستيعابها �إىل حد القول ب�أن اقت�صاد االنتباه‬ ‫رمبا يفوق يف �أهميته عما قريب االقت�صاد‬ ‫املايل‪ ،‬فهو املدخل لـ «ا�صطياد» امل�ستهلكني‬ ‫من خالل تلك الرباعية التي تقوم عليها �صناعة‬ ‫الإعالن‪ :‬اقتنا�ص االنتباه ف�إثارة االهتمام ثم‬ ‫فحث املتلقي على القيام بالفعل‬ ‫توليد الرغبة ّ‬ ‫القتناء �سلعة �أو اتخاذ موقف‪.‬‬ ‫وكما يتوقع الكثريون‪� ،‬سيتعاظم دور‬ ‫اقت�صاد االنتباه وعالقته باالقت�صاد الفعلي‪،‬‬ ‫وهو ما ي�ستوجب �رضورة االهتمام به حتى ال‬ ‫يقع املواطن العربي فري�سة الفخاخ التي �سوف‬ ‫حتيكها له اال�سرتاتيجيات الت�سويقية لل�رشكات‬ ‫املتعددة اجلن�سية التي تفر�ض �سيطرتها‬ ‫ب�إحكام على معظم الأ�سواق العربية‪.‬‬

‫ت�شجيع القطاع اخلا�ص على اال�ستثمار‬ ‫يف م�شاريع التنمية الثقافية‪ :‬اقت�رص �إ�سهام‬

‫القطاع اخلا�ص ب�صفة �أ�سا�سية على جمال‬ ‫انت�شار الإعالم الف�ضائي‪ ،‬دون غريه من‬ ‫املجاالت اخلا�صة مب�شاريع التنمية الثقافية‬ ‫الأخرى‪ ،‬على الرغم من كونها ذات عائد‬ ‫ا�ستثمار جمز‪ .‬ويرجع ذلك �إىل عدة �أ�سباب‬ ‫لعل �أهمها‪ :‬غياب الوعي الكايف للفر�ص التي‬ ‫يتيحها اقت�صاد املعرفة يف �صناعة املحتوى‬ ‫الثقايف من ناحية �أوىل وعدم توفر مناذج عمل‬


‫الف�صل اخلام�س‬ ‫تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي ‪129‬‬

‫�إر�ساء البنية التحتية للتوا�صل الثقايف‬

‫�أبرز مالمح الو�ضع الراهن يكمن يف‬ ‫�ضعف الرتابط البيني ‪ Inter-Connectivity‬ما‬ ‫بني �شبكات االت�صاالت العربية على امل�ستوى‬ ‫الإقليمي و�شبه الإقليمي‪ ،‬وكذلك �رضورة توفري‬ ‫احلر للمعلومات‬ ‫البنية التحتية لالن�سياب‬ ‫ّ‬ ‫ما بني البلدان العربية‪ .‬بالإ�ضافة �إىل �ضعف‬ ‫التوا�صل بني امل�ؤ�س�سات الثقافية‪.‬‬

‫الإقليمي‬

‫على‬

‫�صعيد‬

‫التكامل‬ ‫االت�صاالت‪ :‬ويتطلّب ذلك جهوداً ع ّدة ومتن ّوعة‬

‫م�رشوع الإنرتنت العربية‪ :‬بات �رضوري ًا‬ ‫ال�سعي �إىل تنفيذ امل�رشوع املقرتح اخلا�ص‬ ‫ب�شبكة الإنرتنت العربية‪ ،‬والذي يهدف �إىل �إن�شاء‬ ‫نقاط نفاذ لربط �شبكات الإنرتنت يف املنطقة‪،‬‬ ‫بحيث يت ّم مترير احلركة عرب هذه النقاط‪� ،‬سواء‬ ‫ما بني الدول العربية �أم منها �إىل خارجها‪.‬‬ ‫و�سوف ي�ؤدي ربط �شبكات الإنرتنت العربية‬ ‫عرب نقاط النفاذ ال�شاملة �إىل اال�ستخدام الأمثل‬ ‫للبنى التحتية وال�سعات املتوفرة‪ ،‬ومن ثم �إىل‬ ‫تقليل تكلفة ا�ستخدام الإنرتنت‪ ،‬عالوة على‬ ‫حت�سني جودة اخلدمات وتقليل االختناقات‬ ‫بات �رضوري ًا ال�سعي �إىل تنفيذ‬ ‫و�رسعة احل�صول على التطبيقات‪.‬‬ ‫امل�رشوع املقرتح اخلا�ص ب�شبكة‬

‫ت�ضييق الفجوة الرقمية بني البلدان‬ ‫من العمل اجلماعي امل�شرتك بني اخلرباء العربية‬ ‫واملنظمات للقيام بالدرا�سات الالزمة لتقييم‬ ‫املوقف الراهن وتبادل اخلربات املتوفرة‪،‬‬ ‫وحتديد الأولويات �إىل م�ستوى �إقامة حلقات‬ ‫الربط ومنه �إىل التكامل املبني على ال�رشاكة‪،‬‬ ‫بجانب ذلك يتطلب التكامل الإقليمي �إعادة‬ ‫ت�شكيل حركة البيانات عن طريق �رشاء ال�سعة‬ ‫املطلوبة لربط املنطقة بال�شبكة العاملية‬ ‫للإنرتنت بهدف «�أقلمة» الإنرتنت ‪regionaliz‬‬ ‫‪. zation‬‬

‫�إقامة �شبكة فقرية �إقليمية‪ :‬من خالل‬ ‫اال�ستفادة ب�شبكة دول اخلليج ‪ FOG‬ال�سابق‬ ‫الإ�شارة �إليها‪ ،‬وقد �أو�صت الإ�سكوا لهذا الغر�ض‬ ‫با�ستغالل �شبكة الألياف ال�ضوئية امل�ستخدمة‬ ‫لنظام التحكم يف ال�شبكة الكهربية العربية‪.‬‬ ‫اال�ستعداد ل�شبكات النطاق العري�ض‪:‬‬ ‫بينما مل يحن الوقت بعد للم�ؤ�س�سات والأفراد‬ ‫يف املنطقة ال�ستغالل مزايا �شبكات االت�صاالت‬ ‫ذات النطاق العري�ض‪� ،‬إال �أنه يجب التخطيط‬

‫�أبرز مالمح الو�ضع الراهن يف ما ت�ؤكّده‬ ‫امل�ؤ�رشات على وجود فجوة رقمية داخل الإقليم‬ ‫العربي بني البلدان الغنية والبلدان املحدودة‬ ‫اقت�صادي ًا‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل عدم توفّر و�سائل‬ ‫�إتاحة النفاذ �إىل م�صادر املعلومات‪.‬‬ ‫احلاجة حللول مبتكرة‪ :‬لقد تع ّددت‬ ‫تكنولوجيات االت�صاالت ب�صورة كبرية‪،‬‬ ‫وتعقدت العالقات بينها وبني البيئة اجلغرافية‬ ‫واالجتماعية التي تطبق فيها‪ ،‬وهناك حاجة‬ ‫ما�سة حللول مبتكرة ميكن من خاللها �إتاحة‬ ‫اخلدمات بكلفة �أقل‪ ،‬وحتقيق نه�ضة ات�صالية‬ ‫بوثبة �ضفدعية‪ ،‬ويتطلب ذلك‪ :‬البحث عن‬ ‫بدائل للتنمية االت�صالية تقوم على دمج‬ ‫التكنولوجيات ال�سلكية والال�سلكية والف�ضائية‪،‬‬ ‫وعلى ا�ستخدام «القدمي يف ثوب جديد»‪.‬‬

‫الإنرتنت العربية‪ ،‬والذي يهدف‬ ‫�إىل �إن�شاء نقاط نفاذ لربط �شبكات‬ ‫الإنرتنت يف املنطقة‪ ،‬بحيث يت ّم‬ ‫مترير احلركة عرب هذه النقاط‪� ،‬سواء‬ ‫ما بني الدول العربية �أم منها �إىل‬ ‫خارجها‪ .‬و�سوف ي�ؤدي ربط �شبكات‬ ‫الإنرتنت العربية عرب نقاط النفاذ‬ ‫ال�شاملة‪� ،‬إىل اال�ستخدام الأمثل للبنى‬ ‫التحتية وال�سعات املتوفرة‪ ،‬ومن ثم‬ ‫�إىل تقليل تكلفة ا�ستخدام الإنرتنت‪،‬‬ ‫عالوة على حت�سني جودة اخلدمات‬ ‫وتقليل االختناقات و�رسعة احل�صول‬ ‫على التطبيقات‪.‬‬

‫�أمثلة من احللول املبتكرة يف جمال‬ ‫االت�صاالت‪ :‬هناك عدد كبري من احللول‬ ‫مت تطبيقها يف الدول النامية‬ ‫املبتكرة ّ‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫املعلوماتية‬

‫للم�شاركة بني القطاعني احلكومي واخلا�ص‪،‬‬ ‫وعدم توفر الكوادر القادرة على القيام‬ ‫بدرا�سات اجلدوى االقت�صادية يف املجال‬ ‫الثقايف من ناحية ثانية‪ ،‬ونق�ص يف م�صادر‬ ‫متويل ر�أ�س املال املغامر ‪Venture capital‬‬ ‫من ناحية ثالثة و�أخرية‪.‬‬

‫لها مبكراً‪ ،‬بحيث �أ�صبح االندماج بني و�سائل‬ ‫الإعالم اجلماهريي والإنرتنت و�شيك ًا والإعداد‬ ‫له يحتاج �إىل وقت لي�س بالق�صري‪.‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 130‬للتنمية الثقافية‬

‫والبازغة واملتقدمة لإتاحة النفاذ �إىل م�صادر‬ ‫املعلومات للفئات املحدودة الدخل‪ ،‬نذكر منها‬ ‫على �سبيل املثال ال احل�رص‪:‬‬ ‫• �سيا�سة «الباب املفتوح» يف الربازيل لإتاحة‬ ‫خدمات الإنرتنت من خالل �أك�شاك ومراكز‬ ‫اجلماعات‪ ،‬ومكاتب الربيد واملكتبات‪.‬‬ ‫• تطوير حا�سوب �شخ�صي �سهل اال�ستخدام‬ ‫زهيد التكلفة واملعروف بـ «‪ »Simpwter‬وهو‬ ‫مزود بو�سيلة ات�صال بالإنرتنت من خالل‬ ‫الهاتف ‪.‬‬ ‫• �إتاحة النفاذ للم�رشدين بال م�أوى يف‬ ‫الواليات امل ّتحدة من خالل ما يعرف بالتليفون‬ ‫اخلائلي ‪ ،virtual telephone‬يت ّم من خالله‬ ‫توفري رقم تليفون (بدون عدة)‪ ،‬و�صندوق بريد‬ ‫للر�سائل ال�صوتية ‪ ،voice mail box‬ميكن من‬ ‫خاللهما ا�ستخدام �أي تليفون عام يف ال�شارع‬ ‫ملعرفة ما تلقاه من ر�سائل �صوتية‪.‬‬ ‫• �إعطاء �أولوية لإعالم املحليات والقرى‪:‬‬ ‫بحيث �أثبتت جتارب الدول النامية �أن �إعالم‬ ‫اجلماعات املحلية ميكن �أن يلعب دوراً �أكرث‬ ‫ت�أثرياً من التقانات الأكرث تقدم ًا‪ ،‬وجتربة راديو‬ ‫القرية التي نفّذتها الهند خري �شاهد على ذلك‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬ر�ؤية م�ستقبلية ملجاالت‬ ‫املحتوى الثقايف‬

‫من �أبرز مالمج الو�ضع الراهن الق�صور‬ ‫يف تغطية املجاالت املختلفة للمحتوى الثقايف‬ ‫من ناحية‪ ،‬وكال�سيكية املحتوى وتركيزه على‬ ‫الن�صو�ص من ناحية �أخرى‪.‬‬ ‫حمتوى الن�رش‪ :‬وي�شمل ك ّل ما ينتجه‬ ‫ويقدمه الن�رش الإلكرتوين والورقي الذي ت�صدره‬ ‫دور الن�رش وامل�ؤ�س�سات الإعالمية واحلكومية‬ ‫والتجارية والأكادميية‪.‬‬ ‫البث‬ ‫حمتوى البثّ ‪ :‬والذي بات ي�شمل ّ‬ ‫اجلماهريي ‪ -‬الإذاعي والتليفزيوين وال�شبكي‬ ‫(عرب الإنرتنت) ‪ -‬والبث الفردي‪ .‬قامت م�صادر‬ ‫املحتوى املذكورة �أعاله على مفهوم بناء‬

‫ؤ�س�سات �إنتاج‬ ‫املحتوى من �أعلى‪� ،‬أي من قبل م� ّ‬ ‫املحتوى �أ�سا�س ًا‪ ،‬بيد �أن هناك توجه ًا متنامي ًا‬ ‫حالي ًا لبناء املحتوى من �أ�سفل‪.‬‬ ‫حمتوى الو�سائط املتع ّددة‪ :‬مبعناها‬ ‫الوا�سع‪ ،‬وت�شمل‪ :‬الإنتاج ال�سينمائي‪ ،‬و الفيديو‪،‬‬ ‫والفنون الرقمية‪ ،‬والنظم اخلائلية‪ ،‬والت�سجيالت‬ ‫املو�سيقية‪ ،‬وقواعد البيانات‪ ،‬وبنوك ال�صور‪،‬‬ ‫والأر�شيفات الإلكرتونية‪.‬‬ ‫برجميات خا�صة باملحتوى‪ :‬وميكن‬ ‫ت�صنيفها �إىل نوعني رئي�سيني‪:‬‬ ‫برجميات تطبيقية‪ :‬مثل الربجميات‬ ‫التعليمية والرتفيهية‪ ،‬وبرامج الألعاب‬ ‫الإلكرتونية‪ ،‬ونظم الرتجمة الآلية‪ ،‬وغريها‪.‬‬ ‫برجميات �أدائية (م�ساعدة)‪ :‬خا�صة‬ ‫ب�إعداد املحتوى و�أر�شفته وت�أمينه‪ ،‬وت�صميم‬ ‫و�إدارة مواقع خدماته على الإنرتنت‪.‬‬ ‫ويعني هذا الت�صنيف �أن برجميات املحتوى‬ ‫ال ت�شمل الربجميات الأ�سا�سية اخلا�صة بنظم‬ ‫الت�شغيل (مثل نظام ويندوز ولينك�س‪ ،‬ونظم‬ ‫�إدارة ال�شبكات وما �شابه)‪.‬‬ ‫املحتوى املولّد �آلي ًا‪ :‬بف�ضل �أ�ساليب‬ ‫الذكاء اال�صطناعي يتنامى ظهور نوع جديد‬ ‫من املحتوى املولد �آلي ًا‪ ،‬وميكن تق�سيمه �إىل‬ ‫�أربعة فروع هي‪:‬‬

‫املحتوى املرتجم �آلي ًا يف املجاالت‬ ‫العلمية بخا�صة‪ :‬عرب ا�ستخدام تكنولوجيا‬

‫الرتجمة الآلية ونظم �إعادة ال�صياغة‪.‬‬ ‫املحتوى امل�ستخل�ص �آلي ًا‪ :‬عن طريق‬ ‫النظم الآلية لال�ستخال�ص والتلخي�ص‪.‬‬ ‫املحتوى امل�ؤلف �آلي ًا‪ :‬عن طريق‬ ‫تكنولوجيا توليد الن�صو�ص �آلي ًا ‪text‬‬ ‫‪ generation‬لت�أليف املقاالت وا�ستخراج‬ ‫التقارير الدورية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫املحتوى املكت�شف �آليا‪ :‬عن طريق نظم‬ ‫التنقيب يف مناجم الن�صو�ص ‪textual‬‬ ‫‪ ،data mining‬و�آالت اال�ستنتاج ‪inference‬‬


‫الف�صل اخلام�س‬ ‫تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي ‪131‬‬

‫حمتوى البثّ عرب الإنرتنت‪ :‬وهنا بع�ض‬ ‫التوجه‪:‬‬ ‫الأمثلة املطبقة عن هذا ّ‬ ‫البثّ الفردي‪ :‬املتمثل يف قيام الأفراد‬ ‫بن�رش مذكراتهم وخواطرهم و�آرائهم يف‬ ‫مدونات الإنرتنت (‪ ،)BLOGS‬وي�شمل‬ ‫البث الفردي �أي�ض ًا الن�صو�ص كالبحوث‬ ‫واملقاالت والق�ص�ص وما �شابه (كما يف‬ ‫موقع ‪ ،)myspace.com‬ولقد بد�أت هذه‬ ‫الظاهرة منذ عام ‪ 1997‬نتيجة توفر �أدوات‬ ‫مي�سرّ ة لن�رش �صفحات الويب ‪.‬‬ ‫البثّ الت�شاركي‪ :‬با�ستخدام ما يعرف‬ ‫ب�أ�سلوب الويكي ‪ wki‬ومن �أ�شهر �أمثلته‬ ‫مو�سوعة الويكبيديا التي يقوم الأفراد‬ ‫ببنائها وتر�شيح مادتها جماعي ًا‪.‬‬ ‫امليتا حمتوى‪ :‬ويق�صد به املحتوى‬ ‫اخلا�ص باملحتوى ذاته وي�شمل معايري قيا�سية‬ ‫لتوحيد ال�صيغ التي تقدم بها موارد املحتوى‬ ‫من ن�صو�ص و�أ�صوات و�أ�شكال‪ ،‬بغر�ض ت�سهيل‬ ‫امل�شاركة يف هذه املوارد‪ ،‬و�إعادة ا�ستخدامها‬ ‫و�إمكانية عملها على من�صات ت�شغيل خمتلفة‬ ‫‪ ،platforms‬وقد تنامت �أهمية امليتا حمتوى‬ ‫يف اجليل الثاين للإنرتنت‪ ،‬بخا�ص ًة يف ما‬ ‫يتعلّق بـ «الويب الداليل ‪ »Semanic Web‬الذي‬ ‫يقوم �أ�سا�س ًا على ا�ستخدام معايري قيا�سية‬ ‫لتمثيل م�ضمون الوثائق الإلكرتونية جلعلها‬ ‫�سافرة بطريقة ت�سمح للآلة بالنفاذ �إىل دالالتها‬ ‫ومفاهيمها‪.‬‬

‫تعزيز املحتوى الثقايف العربي‬

‫�أبرز مالمح الو�ضع الراهن تتمثل يف‬ ‫�ضعف الطلب على �صناعة املحتوى الثقايف‬ ‫بداللة تدين حجم زوار مواقعه‪ ،‬وكذلك نق�ص‬ ‫الكوادر الب�رشية املتخ�ص�صة بداللة عدم جودة‬ ‫ت�صميم املواقع و�إخراجها‪ .‬بالإ�ضافة �إىل عدم‬ ‫االهتمام ب�أمور امللكية الفكرية ‪.‬‬

‫املعلوماتية‬

‫‪ machines‬التي تقوم باكت�شاف املعرفة‬ ‫الكامنة يف ثنايا الن�صو�ص‪.‬‬

‫العرب وفر�صتهم الذهبية‪ :‬يبدو امل�صري‬ ‫املعلوماتي للأمة العربية رهن ًا بنجاحها يف‬ ‫�إقامة �صناعة حمتوى عربية فاعلة وقادرة‬ ‫على املناف�سة عاملي ًا‪ ،‬وهذه ال�صناعة احليوية‬ ‫هي �أن�سب املداخل املتاحة للتك ّتل الإقليمي‬ ‫مرت تقانة املعلومات‬ ‫يف ظرفنا الراهن‪ ،‬وقد ّ‬ ‫واالت�صاالت يف رحلة تط ّورها بع ّدة نقالت‬ ‫نوعية ا�ستغلتها بلدان كثرية للّحاق بالركب‬ ‫متر حالي ًا بنقلة هائلة هي‬ ‫املعلوماتي‪ .‬وهي ّ‬ ‫نقلة �صناعة املحتوى املتمثلة يف تعاظم‬ ‫�أهمية التطبيقات االجتماعية والثقافية وتقانة‬ ‫الو�سائط املتع ّددة القائمة‪ ،‬وهي النقلة النوعية‬ ‫التي ت�سعى بريطانيا من خاللها �إىل ا�ستعادة‬ ‫ريادتها عاملي ًا‪ ،‬وميثّل ذلك بالن�سبة للعرب‬ ‫فر�صة ذهبية ي�صعب على الزمن �أن يجود‬ ‫مبثلها للّحاق بركب جمتمع املعرفة ‪.‬‬

‫�صناعة حمتوى عربية ال �صناعة‬ ‫حمتوى عربي مبعنى عدم االقت�صار على‬ ‫امل�صادر العربية فقط‪ ،‬بل يجب اقتناء موارد‬ ‫املحتوى الأجنبي نظراً لكون الوطن العربي‬ ‫م�ستهلك ّا للمعرفة �أكرث منه منتج ًا لها‪.‬‬

‫عدم الف�صل بني املحتوى الرقمي‬ ‫واملحتوى غري الرقمي‪ :‬كما تفعل بع�ض‬

‫الدول املتقدمة‪� ،‬إذ �إن معظم م�صادر املحتوى‬ ‫الثقايف لدينا ما زالت يف �صورتها الورقية‬ ‫(غري الرقمية)‪.‬‬

‫تنمية الطلب من خالل تعزيز حمتوى‬ ‫املنزل العربي الإلكرتوين‪ .‬وذلك الرتباطه‬

‫ال�شديد بثقافة املنزل العربي‪ ،‬وباللغة العربية‬ ‫على وجه اخل�صو�ص‪ ،‬نظراً لأن �أغلب مواطني‬ ‫البلدان العربية ال يتقنون اللّغات الأجنبية‪،‬‬ ‫وجناح قنوات التليفزيون الرتفيهية العربية‬ ‫ل�شاهد على قدرة �صناعة املحتوى العربي �أن‬ ‫تقتحم املنزل الرقمي من �أو�سع �أبوابه‪ .‬ويف ما‬ ‫يلي بع�ض املنطلقات املقرتحة لتعزير حمتوى‬ ‫املنزل العربي الرقمي‪:‬‬ ‫• حمتوى ترفيهي مبتكر ي�ستطيع �أن يل ّم �شمل‬ ‫الأ�رسة العربية‪ ،‬ومن �أجنح �أنواع هذا املحتوى‬ ‫م�سابقات اخترب معلوماتك التي ميكن �أن‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 132‬للتنمية الثقافية‬

‫ت�شارك فيها جمموعة من املنازل العربية‪.‬‬ ‫• ا�ستغالل حمتوى املنزل الرقمي العربي‬ ‫يف �إحياء تذوق ال�شعر العربي‪ ،‬بحيث ميثّل‬ ‫منه ًال خ�صب ًا لإبداع حمتوى منزيل يجمع‬ ‫احل�س اجلمايل وامت�صا�ص رحيق‬ ‫بني تنمية ّ‬ ‫احلكمة الذي تزخر به كنوز ال�شعر العربي‪،‬‬ ‫ومتثّل املباريات ال�شعرية يف حفظ م�آثره من‬ ‫�أكرث املجاالت �إثارة‪.‬‬ ‫• �ألعاب �إلكرتونية مغايرة‪ :‬لقد احتكرت‬ ‫الألعاب الإلكرتونية القائمة على الفعل ‪action‬‬ ‫‪ -oriented‬مثل‪ :‬امل�صارعات واملطاردات‬ ‫واجتياز العوائق عند ال�رشكات الدولية‪ ،‬بيد‬ ‫�أن هناك �أجيا ًال �أخرى من الألعاب القائمة‬ ‫على تنمية املهارات الذهنية بد�أت يف الظهور‬ ‫حمدودة للغاية �إ�ضافة �إىل تطوير برامج‬ ‫تعليمية جتمع بني التعلّم والفكاهة مثال‬ ‫كوميديا الريا�ضيات ‪ mathcomic‬الذي حقق‬ ‫جناح ًا كبرياً‪ .‬ي�شمل امل�رشوع املقرتح مولداً‬ ‫�أتوماتي ًا لأ�سئلة «اخترب معلوماتك» يقوم على‬ ‫�إحدى مو�سوعات اجليب التي تقدم املعارف‬ ‫يف �صورة جداول وعناوين موجزة ور�ؤو�س‬ ‫مو�ضوعات ميكن �أن تكون �أ�سا�س ًا لتوليد‬ ‫الأ�سئلة والإجابة عليها �أتوماتي ًا‪.‬‬ ‫• ا�ستغالل حمتوى املنزل العربي يف‬

‫التعليم العالجي لتعوي�ض النق�ص يف‬ ‫م�ستوى التعليم النظامي‪ ،‬ويف هذا ال�صدد‬ ‫ميكن �أن ي�سهم حمتوى املنزل الرقمي العربي‬ ‫تدريجي ًا يف ح ّل م�شكلة الدرو�س اخل�صو�صية‬ ‫املتف�شية يف كثري من البلدان العربية‪.‬‬

‫مر�شد الإنرتنت اخلائلي‪ :‬ما زالت غالبية‬ ‫حجيج الإنرتنت العرب غري قادرة على الإبحار‬ ‫بفاعلية ما بني املواقع العربية‪ ،‬وتكتفي بوابات‬ ‫�أدلة املواقع العربية (بوابة العرب على �سبيل‬ ‫املثال) بقوائم املواقع من دون معلومات عن‬ ‫نوعية وجودة خدمات املعلومات التي تقدمها‪،‬‬ ‫ويهدف امل�رشوع �إىل ا�ستخدام تكنولوجيا‬ ‫الوكالة الآلية‪� ،‬أو الروبوتات املعرفية‪ ،‬كمر�شد‬ ‫خائلي للم�ستخدم العربي‪.‬‬

‫احلاجة �إىل ابتكارية ت�سويقية‪ :‬حتتاج‬ ‫�صناعة املحتوى �إىل ابتكارية ت�سويقية يف‬ ‫توزيع �سلعها وخدماتها وهو �أمر تفر�ضه‬ ‫االعتبارات التالية‪:‬‬ ‫• احلاجة �إىل توعية امل�ستهلك بالطبيعة‬ ‫اخلا�صة مبنتجات �صناعة املحتوى و�إقناعه‬ ‫مبا �سيعود عليه اقتنا�ؤه من فوائد حم�سو�سة‬ ‫وغري حم�سو�سة‪ ،‬مع لفت نظره �إىل حدوده‬ ‫و�آثاره ال�سلبية �إن وجدت‪.‬‬ ‫• معظم منتجات �صناعة املحتوى يت ّم‬ ‫ت�سويقها �إلكرتوني ًا عن بعد‪،‬الأمر الذي يتطلّب‬ ‫جت�سد للم�ستهلك‬ ‫ا�ستحداث و�سائل مبتكرة‬ ‫ّ‬ ‫املنتج يف �سياق بيئته االجتماعية وتتيح له‬ ‫�إمكانية التجريب واالختبار واال�ستف�سار‪.‬‬ ‫• ت�سارع معدالت تطوير منتجات �صناعة‬ ‫املحتوى يتطلب ت�سويق ًا دينامي ًا �رسيع‬ ‫التجاوب مع مطالب ال�سوق‪ ،‬فما �أ�رسع ما‬ ‫تتقادم هذه املنتجات بظهور البديل الأف�ضل‪.‬‬ ‫• �رضورة تو�سيع نطاق الت�سويق ل�صناعة‬ ‫املحتوى العربي‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف املجالني‬ ‫العربي وتعليم اللغة العربية لي�شمل البلدان‬ ‫الإ�سالمية واجلاليات العربية باخلارج‪.‬‬

‫النهو�ض ب�صناعة الربجميات الثقافية‪:‬‬

‫ُتع ّد الربجميات الثقافية �أهم فروع �صناعة‬ ‫الربجميات بالن�سبة للوطن العربي و ُيقرتح‬ ‫لتطويرها املنطلقات التالية‪:‬‬ ‫• تبني برجميات امل�صدر املفتوح‪open :‬‬ ‫‪� source software‬سواء يف نظم ت�شغيل‬ ‫احلوا�سيب املركزية ملواقع املحتوى (ا�ستخدام‬ ‫نظام ‪ Apache‬على �سبيل املثال)‪� ،‬أم برجميات‬ ‫التطبيقات‪� ،‬أم نظم ت�أمني املواقع و�إدارة‬ ‫ال�شبكات‪ ،‬وذلك �أ�سوة مبا اتخذته كثري من‬ ‫بلدان العامل‪ :‬متقدمة ونامية‪ ،‬ونكتفي هنا‬ ‫ببع�ض الأمثلة‪:‬‬ ‫• ي�ستخدم عدد كبري من الدول‪ ،‬منها فرن�سا‬ ‫و�أملانيا ورو�سيا وال�صني وكوريا اجلنوبية‬ ‫وبريطانيا‪ ،‬نظام الت�شغيل مفتوح امل�صدر‬ ‫‪.LINYX‬‬


‫الف�صل اخلام�س‬ ‫تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي ‪133‬‬

‫نحو نظرة �أ�شمل حلماية امللكية‬ ‫يخ�ص‬ ‫الفكرية واخل�صو�صية الفردية‪ :‬يف ما ّ‬

‫حماية امل�ستهلك العربي �ض ّد مظاهر‬ ‫العنف الرمزي‪ :‬يحمل حمتوى املعلومات على‬

‫حماية امللكية الفكرية‪ ،‬فقد ان�ضمت معظم‬ ‫الدول العربية التفاقية منظمة التجارة العاملية‬ ‫اخلا�صة بحماية امللكية الفكرية (‪، )TRIPs‬‬ ‫و�أن�ش�أ بع�ض هذه الدول بالفعل التنظيمات‬ ‫وامل�ؤ�س�سات اخلا�صة بحماية امل�صنفات الفنية‪.‬‬ ‫وع ّدلت كثري من البلدان العربية املن�ضمة �إىل‬ ‫اتفاقية التجارة العاملية ت�رشيعاتها املحلية‬ ‫ا�ستجاب ًة للوفاء ببنود هذه االتفاقية‪ .‬ومن‬ ‫املتوقع �أن تطر�أ على جمال امللكية الفكرية‬ ‫تغريات جذرية مع انت�شار ات�صاالت النطاق‬ ‫العري�ض‪ ،‬والتو�سع يف ا�ستخدام الروبوتات‬ ‫املعرفية يف م�سح مواقع الإنرتنت ب�صفة‬ ‫دورية‪ ،‬والربط بني الوثائق الإلكرتونية‬

‫اختالف م�صادر انتقائه ـ حملي ًا �أو خارجي ًا �أو‬ ‫من خالل الإنرتنت ـ مظاهر عديدة من احل�شو‬ ‫الزائد والتكرار‪ ،‬واملعلومات التافهة وال�ضارة‪،‬‬ ‫الأمر الذي يتطلّب عمليات تر�شيح ال�ستخال�ص‬ ‫املحتوى النقي واملفيد‪ ،‬وهي عملية ت ّت�سم‬ ‫بال�صعوبة الفنية التي تزداد كلما انتقلنا من‬ ‫الن�صو�ص �إىل الكالم املنطوق و�إىل ال�صور‬ ‫الثابتة واملتحركة‪ .‬وما زالت هذه العملية‬ ‫يف انتظار حلول مبتكرة يف جمال التنقيب‬ ‫عن املعرفة يف مناجم الن�صو�ص (‪textual‬‬ ‫‪ )data mining‬ونظـم البحث الذكية يف قواعد‬ ‫البيانات الن�صية وامل�سموعة وامل�صورة‪.‬‬ ‫ومتثل حماية امل�ستهلك �ض ّد العنف‬

‫املعلوماتية‬

‫• توجه متزايد لوزارة الدفاع الأمريكية‬ ‫ال�ستخدام برجميات امل�صادر املفتوحة‪.‬‬ ‫• و�ضع الربازيل ل�سيا�سة تلزم الوكاالت‬ ‫الفيدرالية والوزارات وم�ؤ�س�سات الدولة‬ ‫با�ستخدام الربجميات املفتوحة امل�صدر‪.‬‬ ‫• تخ�صي�ص ال�صني ال�ستثمارات كبرية لتطوير‬ ‫نظام ‪ LINYX‬خلدمة الأغرا�ض ال�صينية‪.‬‬ ‫• قيام املك�سيك بتحويل عدد كبري من‬ ‫احلوا�سيب امل�ستخدمة من قبل الإدارات‬ ‫املحلية �إىل نظم الت�شغيل مفتوحة امل�صدر‬ ‫مت توفريها لدعم نظام‬ ‫وحتويل املبالغ التي ّ‬ ‫املعونة االجتماعية‪.‬‬ ‫• املطالب اخلا�صة للم�ستخدم العربي‪،‬‬ ‫بحيث �إن تبني برجميات امل�صدر املفتوح‬ ‫هو مق ّوم �أ�سا�سي للح�ؤول دون الوقوع حتت‬ ‫رحمة �رشكات الربجميات العاملية التي ت�سوق‬ ‫براجمها يف هيئة حزم ‪ ....‬ال تتيح �أي فر�صة‬ ‫للتعديل‪.‬‬ ‫• يعيب البع�ض على برجميات امل�صدر املفتوح‬ ‫�صعوبة ا�ستخدامها و�أنها غري مدعومة فني ًا‬ ‫وتقع م�س�ؤولية �صيانتها على عاتق امل�ستخدم‪،‬‬ ‫ولكن �أوجه الق�صور هذه لها جانبها الإيجابي‬ ‫يخ�ص بناء القدرات الذاتية‪.‬‬ ‫يف ما ّ‬

‫�أتوماتي ًا‪ ،‬وهو ما ي�ستوجب �أن ن�ستع ّد من الآن‬ ‫خلو�ض مفاو�ضات �سيا�سية �ساخنة على جبهة‬ ‫امللكية الفكرية ب�إعداد الكوادر الب�رشية القادرة‬ ‫على التفاو�ض التكنو‪� -‬سيا�سي يف مثل هذه‬ ‫الأمور املعقدة‪ .‬وهناك العديد من �أمور امللكية‬ ‫الفكرية التي �ستطرح م�ستقب ًال وهو ما يتطلب‬ ‫ت�ضامن ًا عربي ًا يف التفاو�ض املتعلق بها‪ .‬وال‬ ‫ب ّد كذلك من االهتمام بحماية امللكية الفكرية‬ ‫اجلماعية ذات الأهمية اخلا�صة برتاثنا العربي‬ ‫والإ�سالمي والتي مل َ‬ ‫حتظ ب�أي اهتمام من قبل‬ ‫منظمة التجارة العاملية حتى الآن‪ ،‬بحيث‬ ‫ان�صب اجلهد على حماية امللكية الفكرية‬ ‫اخلا�صة بامل�ؤ�س�سات االقت�صادية‪.‬‬ ‫ومن املالحظ وجود تناق�ض جوهري‬ ‫بني حماية حقوق املوردين وحماية حقوق‬ ‫امل�ستهلكني‪ ،‬مرجعه �أن حماية امللكية الفكرية‬ ‫تتطلب نوع ًا من الرقابة على نفاذ الأفراد �إىل‬ ‫م�صادر املعلومات وعلى ا�ستخدامهم لها‪،‬‬ ‫وهي الرقابة التي تنطوي على تهديد حقيقي‬ ‫للخ�صو�صية الفردية‪ ،‬وجتدر الإ�شارة �إىل �أن‬ ‫هناك تناق�ض ًا �آخر بني حماية اخل�صو�صية‬ ‫الفردية وت�أمني نظم املعلومات الذي يتطلب‬ ‫هو الآخر نوع ًا من الرقابة على من ينفذ �إليها‪.‬‬

‫من املتوقع �أن تطر�أ على جمال‬ ‫امللكية الفكرية‪ ،‬تغريات جذرية مع‬ ‫انت�شار ات�صاالت النطاق العري�ض‬ ‫والتو�سع يف ا�ستخدام الروبوتات‬ ‫املعرفية يف م�سح مواقع الإنرتنت‬ ‫ب�صفة دورية والربط بني الوثائق‬ ‫الإلكرتونية �أتوماتياً‪ ،‬وهو ما‬ ‫ي�ستوجب �أن ن�ستع ّد من الآن خلو�ض‬ ‫مفاو�ضات �سيا�سية �ساخنة على‬ ‫جبهة امللكية الفكرية‪ ،‬ب�إعداد الكوادر‬ ‫الب�رشية القادرة على الـتـفـاو�ض‬ ‫التكـنو ‪� -‬سيـا�سي فـي مثل هذه‬ ‫الأمور املعقدة‪ .‬وهناك العديد من‬ ‫�أمور امللكية الفكرية التي �ستطرح‬ ‫م�ستقب ًال وهو ما يتطلب ت�ضامن ًا‬ ‫عربي ًا يف التفاو�ض املتعلق بها‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 134‬للتنمية الثقافية‬

‫الرمزي عرب الإنرتنت و�إعالم الف�ضائيات‬ ‫وبع�ض الإنتاج ال�سينمائي م�شكلة �صعبة من‬ ‫وجهة النظر االجتماعية‪ ،‬وم�صدر ال�صعوبة‬ ‫�أن الو�سائل امل�صممة حلماية امل�ستهلك �ضد‬ ‫مظاهر العنف الرمزي ميكن �أن ت�ستغل ـ هي‬ ‫ذاتها ـ لو�ضع قيود على �إ�شاعة املحتوى وعلى‬ ‫حرية التعبري‪ ،‬و ُيقرتح يف هذا ال�ش�أن مر�ص ٌد‬ ‫عربي للعنف الرمزي‪ ،‬يتب ّنى ر�ؤية عربية يف ما‬ ‫يخ�ص العنف الرمزي انطالق ًا من قيم الثقافة‬ ‫ّ‬ ‫العربية‪ ،‬وميكن اال�ستهداء يف ذلك باملوقع‬ ‫الذي �أقامته منظمة اليون�سكو القتفاء م�صادر‬ ‫العنف الرمزي املختلفة‪.‬‬ ‫املتخ�ص�صة‪:‬‬ ‫ت�أهيل الكوادر العربية‬ ‫ّ‬ ‫هناك ت�شكيلة وا�سعة من التخ�ص�صات املتعلقة‬ ‫ب�صناعة املحتوى الثقايف من خمططيني‪،‬‬ ‫ومديري مواقع الإنرتنت‪ ،‬وباحثني‪ ،‬وم�صممي‬ ‫نظم الواقع اخلائلية‪ ،‬وخرباء رقمنة‪ ،‬وم�صممي‬ ‫�أ�شكال‪ ،‬وخرباء التقييم التكنولوجي‪ .‬ويتوفّر‬ ‫لدى العامل العربي عدد ال ب�أ�س به من عمالة‬ ‫املعلوماتية التقليدية‪ ،‬مثل حملّلي النظم‬ ‫وخمطّ طي الربامج‪ ،‬ومع ّدي البيانات‪� ،‬إال �أنه‬ ‫�شح �شديد يف التخ�ص�صات امل�ستحدثة‬ ‫ي�شكو من ّ‬ ‫ل�صناعة املحتوى‪ .‬وي�صعب على مراكز تنمية‬ ‫العن�رص الب�رشي‪ ،‬من جامعات ومعاهد فنية‪،‬‬ ‫مواكبة املجاالت احلديثة ل�صناعة املحتوى‪،‬‬ ‫مثل الو�سائط املتعددة وتقانة الواقع اخلائلي‪،‬‬ ‫وت�صميم �صفحات الويب و�إدارة مواقع‬ ‫الإنرتنت‪.‬‬

‫دعم الرتاث الثقايف العربي الإلكرتوين‬

‫�أبرز مالمح الو�ضح الراهن تبديد الكثري‬ ‫من املعلومات العربية وموارد الرتاث الثقايف‪،‬‬ ‫ووجود وجه ثقايف رقمي ثابت وجامد يفتقد‬ ‫�إىل الدينامية والتفاعلية‪ ،‬والق�صور يف تغطية‬ ‫الفروح املختلفة للرتاث‪ ،‬وعجز املحتوى الثقايف‬ ‫عن �إبراز مدى ثراء الرتاث العربي‪ ،‬والدفاع عن‬ ‫الهوية العربية واحل�ضارة الإ�سالمية من دون‬ ‫مراعاة عقلية املتلقّي العربي‪ .‬كما يالحظ‬

‫�أن �أ�ساليب تقدمي الرتاث ت ّت�سم بالكال�سيكية‬ ‫والتقليدية وال تق ّدم عنا�رصه يف �سياق‬ ‫ح�ضاري و�إن�ساين‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل ق�صور يف‬ ‫تقدمي حمتوى الفلكولور ال�شعبي‪.‬‬ ‫التاريخ الرقمي‪ :‬بزغ م�ؤخراً مايعرف‬ ‫بـ «التاريخ الرقمي» الذي يتوقع البع�ض �أن‬ ‫تكون له انعكا�سات وا�ضحة على جميع فروع‬ ‫درا�سة التاريخ‪ .‬وي�شمل التاريخ الرقمي على‬ ‫�سبيل املثال ال احل�رص‪:‬‬ ‫• نظم الذكاء اال�صطناعي لتحليل م�ضمون‬ ‫الوثائق التاريخية‪.‬‬ ‫• نظم الرقمنة ‪ digitization‬املختلفة للرتاث‬ ‫املنطوق واملرئي‪ ،‬وكذلك الرقمنة ثالثية‬ ‫الأبعاد للرتاث الثابت من م�آثر املعمار‬ ‫واملنحوتات وما �شابه‪.‬‬ ‫• الدعم التكنلوجي لت�سهيل عملية حتقيق‬ ‫م�ضمون الوثائق وترميمها �إلكرتوني ًا ‪.‬‬ ‫• �أ�ستخدام �أ�ساليب الأر�شفة الإلكرتونية‬ ‫املزودة ب�آليات بحث متط ّورة على �أ�سا�س‬ ‫ن�صي ومو�ضوعي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫• بناء م�ستودعات البيانات التاريخية ‪Data‬‬ ‫‪ warehouses‬با�ستخدام و�سائل التنظيم‬ ‫املعلوماتي الفائقة ‪، hazer organizers‬‬ ‫وو�سائل ذكية �رسيعة للت�صفّح و�رسعة النفاذ‪.‬‬ ‫�إعادة بناء التاريخ خائلي ًا‪ :‬من‬ ‫ال�رضوري البدء مبكراً يف بناء مدن خائلية‬ ‫‪ virtual cities‬للمدن العربية والإ�سالمية‪،‬‬ ‫وخ�صو�ص ًا ذات الأهمية للتاريخ العربي‪ ،‬وذلك‬ ‫با�ستخدام تكنولوجيا الواقع اخلائلي ‪Virtual‬‬ ‫‪ ،Reality‬ومن �أول امل�رشوعات املقرتحة يف‬ ‫هذا ال�صدد م�رشوع بناء مدينة القد�س خائلي ًا‪.‬‬ ‫و ُيع ّد امل�رشوع مبثابة الر ّد العربي على ما‬ ‫فعلته �إ�رسائيل يف حديقة �ألفية «والت ديزين»‪،‬‬ ‫و�سي�ستخدم امل�رشوع ع ّدة تكنولوجيات من‬ ‫�أهمها‪:‬‬ ‫• تكنولوجيا الواقع اخلائلي املدعمة ببنوك‬ ‫ال�صور واخلرائط وما �شابه‪.‬‬


‫الف�صل اخلام�س‬ ‫تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي ‪135‬‬

‫تقدمي الرتاث العربي يف �سياق ح�ضاري‬ ‫�أ�شمل‪ :‬لإبراز القيمة الإن�سانية للرتاث العربي‬

‫يجب تقدمي عنا�رصه يف ال�سياق الإن�ساين‬ ‫الأو�سع‪ :‬ومن �أمثلة ذلك توظيف الفنون من‬ ‫خالل اال�ستعانة بالأعمال الأوروبية التالية‪:‬‬ ‫• عمل يوجني دي الكروا الفرن�سي الذي زار‬ ‫دول املغرب العربي‪ ،‬ومن لوحاته ال�شهرية‬ ‫«ن�ساء من اجلزائر»‪.‬‬ ‫• �إبداع هرني ماتي�س الفنان الفرن�سي‬ ‫ال�شهري‪ ،‬والذي ا�ستلهم «موتيفات» الزخرفة‬ ‫العربية وت�سطيحاتها يف �أعماله‪ ،‬وقد زار دول‬ ‫املغرب العربي وح�رض كثرياً من معار�ض الفن‬ ‫الإ�سالمي يف �أوروبا‪.‬‬ ‫• ا�ستخدام الفنان الت�شكيلي الربيطاين ويليام‬ ‫موري�س موتيفات من الفنون الإ�سالمية من‬ ‫�أهمها القي�شاين الرتكي وال�سجاد الفار�سي من‬ ‫�أجل تد�شني حركة فنية جديدة حتافظ على‬ ‫جمال فنون ال�صنعة اليدوية التي مل تت�أثر‬ ‫بربودة وميكانيكية الت�شكيل يف املجتمعات‬ ‫ال�صناعية‪ ،‬ويف م�سعاه هذا جتاوز ويليام‬ ‫موري�س التجليات ال�سطحية لينفذ �إىل عمق‬ ‫الأ�س�س التي قام عليها الفن الإ�سالمي‪.‬‬ ‫• الربط بني فيثاغورث �أبي املو�سيقى الذي‬ ‫ال يراها �إال �أرقام ًا‪ ،‬والفارابي �أول منظري‬ ‫علم املو�سيقى‪ ،‬الذي و�ضع الأقانيم الأ�سا�سية‬ ‫لكيفية �إخراج ترديدات النغم‪.‬‬ ‫• �إقامة خرائط زمنية تربط بني اجلوامع‬ ‫الهامة يف املدن العربية الإ�سالمية‪ ،‬والربط‬ ‫يف ما بينها من حيث الطراز ونوعية الزخارف‬ ‫و�أ�شكال امل�آذن وخمططات ال�صحون‪.‬‬ ‫• عر�ض الرتاث املعماري الفريد ملدينة‬ ‫�صنعاء («ل�ؤل�ؤة اجلزيرة العربية» كما يطلق‬

‫املعلوماتية‬

‫• �إعداد جرد كامل باملباين واملواقع يف‬ ‫القد�س ال�رشيف‪.‬‬ ‫• نظم املعلومات اجلغرافية ‪ GIS‬وت�سجيل‬ ‫مواقعها قبل االحتالل الإ�رسائيلي وبعده‪.‬‬ ‫• تكنولوجيا توليد الأ�شكال املج�سمة‪ ،‬وكذلك‬ ‫تلك املولدة ريا�ضي ًا (‪.)Fractals‬‬

‫عليها ال�شعراء) مب�آذنها وقبابها البي�ضاء‬ ‫و�أبراج بيوتها «البا�سقات»‪ ،‬وميكن اال�ستعانة‬ ‫يف ذلك بكتاب رونالد ليوكوك وعنوانه ‪The‬‬ ‫‪.Old Walled City of Sana’a‬‬ ‫• ت�أثر الفنان املجري فازاريلي‪ ،‬رائد فن‬ ‫التجريد الهند�سي‪ ،‬بالزخرفة العربية وتوليدها‬ ‫الأ�شكال ريا�ضي ًا با�ستخدام ح�ساب املثلثات‪.‬‬ ‫و ُينقل عن فازاريلي قوله ‪� :‬إنني ال �أر�سم بل‬ ‫�أ�ضع معادلة اللوحة ‪.‬‬ ‫• �إبراز ال�صلة بني نظريات الهند�سة اليونانية‬ ‫والزخرفة العربية ب�صفتها تطبيق ًا عملي ًا لهذه‬ ‫النظريات‪ ،‬وذلك ت�أكيداً على الطابع العملي‬ ‫للفن الإ�سالمي‪.‬‬ ‫• �إبراز �إ�سهام العلماء والفال�سفة العرب‪ ،‬من‬ ‫�أمثال ابن �سينا والكندي والفارابي و�إخوان‬ ‫ال�صفا وزرياب‪ ،‬يف التنظري املو�سيقي وت�صميم‬ ‫الآالت وتدوين ال�سجالت املو�سيقية‪.‬‬ ‫• الربط بني ما �أورده الكندي (القرن التا�سع‬ ‫امليالدي) عن عالقة املو�سيقى بالألوان‬ ‫والروائح ومبد�أ تعادل احلوا�س لبودلري (القرن‬ ‫التا�سع ع�رش)‪.‬‬ ‫• طرح العمارة الإ�سالمية يف �سياق حديث‪،‬‬ ‫وذلك ب�إبراز ت�أثريها على العمارة الغربية‬ ‫من مق�صورات امللوك �إىل جدران املطابخ‪،‬‬ ‫ومن �أبرز الأمثلة على ذلك ت�أثر املعماري‬ ‫الإيطايل ال�شهري» بيليني» ‪ Bellini‬يف القرن‬ ‫ال�ساد�س ع�رش‪ ،‬وكذلك عمارة «�أنطوين جودي‬ ‫رائد العمارة الإ�سبانية احلديثة حيث ت�شري‬ ‫خطوط ت�صميماته �إىل ال�صلة الوا�ضحة بني‬ ‫�أبراجه القوطية املدببة وواجهاته وت�صميماته‬ ‫الداخلية من جهة‪ ،‬والعمارة الإ�سالمية من جهة‬ ‫ثانية‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف عالقة العمارة بالطبيعة‬ ‫وكيفية ا�ستغالل ال�ضوء الطبيعي‪� .‬إن عمارة‬ ‫جودي الذي ُعرف بعمق تد ّينه متثّل امتداداً‬ ‫زمني ًا لت�أثر الغرب مب�آثر العمارة الأندل�سية‬ ‫ذات الطابع الديني ‪.‬‬

‫من ال�رضوري البدء مبكراً يف‬ ‫بناء مدن خائلية ‪ virtual cities‬للمدن‬ ‫العربية والإ�سالمية وخ�صو�ص ًا‬ ‫ذات الأهمية للتاريخ العربي‪ ،‬وذلك‬ ‫با�ستخدام تكنولوجيا الواقع اخلائلي‬ ‫‪ ،Virtual Reality‬ومن �أول امل�رشوعات‬ ‫املقرتحة يف هذا ال�صدد م�رشوع بناء‬ ‫مدينة القد�س خائلياً‪ .‬و�سي�ستخدم‬ ‫امل�رشوع ع ّدة تكنولوجيات من‬ ‫�أهمها‪:‬‬ ‫• تكنولوجيا الواقع اخلائلي املدعمة‬ ‫ببنوك ال�صور واخلرائط وما �شابه‬ ‫• �إعداد جرد كامل باملباين واملواقع‬ ‫يف القد�س ال�رشيف‬ ‫• نظم املعلومات اجلغرافية ‪GIS‬‬ ‫وت�سجيل مواقعها قبل االحتالل‬ ‫الإ�رسائيلي وبعده‪.‬‬ ‫• تكنولوجيا توليد الأ�شكال املج�سمة‪،‬‬ ‫وكذلك تلك املولدة ريا�ضياً‪.‬‬

‫االهتمام بت�سجيل الفولكولور �إلكرتوني ًا‪:‬‬ ‫وذلك من خالل �إقامة ع ّدة مواقع على ال�شبكة‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 136‬للتنمية الثقافية‬

‫لت�سجيل الرتاث ال�شعبي العربي والإ�سالمي‬ ‫و�أر�شفته‪ ،‬بحيث ت�شمل احلروف اليدوية‬ ‫والزجاجيات والفنون الزخرفية والفخارات‬ ‫وال�سجاد والن�سيج والأ�سلحة‪ ،‬وكذلك الرتاث‬ ‫احلي كاللهجات واملمار�سات ال�شعبية وطقو�س‬ ‫ّ‬ ‫الأعياد وموالد الأولياء‪ ،‬والفوازير والأهازيـج‬ ‫ومـا �شابه‪ ،‬مع الرتكيز على ان�سجام هذه‬ ‫الطقو�س مع ثوابت الثقافة الإ�سالمية‪ ،‬على‬ ‫متخ�ص�صة يف‬ ‫�أن ي�صاحبها �إ�صدار مو�سوعات‬ ‫ّ‬ ‫امل�أثورات ال�شعبية (مو�سوعة الأمثال العربية‪،‬‬ ‫مو�سوعة الألعاب ال�شعبية‪ ،‬مو�سوعة احللي‬ ‫ال�شعبية‪ ،‬مو�سوعة الأزياء العربية … �إلخ)‪.‬‬

‫جتديد م�ضمون الر�سالة الثقافية‬ ‫العربية‪ :‬بخا�صة يف ما يتعلّق بتلك الر�سائل‬

‫املوجهة �إىل املتلقي الأجنبي‪ ،‬وذلك برتجمة‬ ‫مت �إنتاجه‬ ‫املحتوى الثقايف املتم ّيز الذي ّ‬ ‫حديث ًا ويتوا�صل �إنتاجه‪ ،‬كتلك الرتجمات التي‬ ‫ت�صدرها مراكز الدرا�سات اال�سرتاتيجية يف‬ ‫الوطن العربي‪ .‬والب ّد �أن تتوفر يف املعلومات‬ ‫املزمع ن�رشها �أو بثّها من خالل الإنرتنت ع ّدة‬ ‫للن�ص �أو الوثيقة‬ ‫مق ّومات �أ�سا�سية كي يكون ّ‬ ‫�صالحية للح�ضور على ال�شبكة (‪،)networthy‬‬ ‫و�صاحلة لل�رسيان عربها‪ ،‬من �أهمها مقبولية‬ ‫القراءة والبحث وتوفر حلقات الت�شعب الن�صي‬ ‫والتنا�ص فيه؛ و�إن مل تتوفر هذه املقومات يف‬ ‫ما ير�سل من املعلومات يكون م�آلها �صناديق‬ ‫القمامة‪ .‬وما �أكرث هذه املعلومات يف الإنرتنت‪،‬‬ ‫وهو �أمر منطقي ي ّت�سق وظاهرة الإفراط يف‬ ‫املعلومات التي منت معها نزعة �إ�ستهالك‬ ‫املعلومات‪ ،‬بينما �ضمرت نزعة االحتفاظ بها‪.‬‬

‫ا�ستخدام امل�ؤ�س�سات الثقافية‬ ‫لتكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت‬

‫�أبرز مالمح الو�ضع الراهن يف هذا‬ ‫املجال تخلّف �أ�ساليب عر�ض مقتنيات‬ ‫املتاحف؛ وغياب التن�سيق وعدم توحيد‬ ‫�أ�ساليب العمل بني املكتبات العربية؛ والق�صور‬ ‫ال�شديد يف الكتب املرتجمة من و�إىل العربية‪،‬‬

‫وبخا�صة يف املجاالت العلمية؛ بالإ�ضافة �إىل‬ ‫حاجة املجامع العربية �إىل مزيد من الدعم‬ ‫التكنولوجي‪.‬‬ ‫و�ضع املكتبات عاملي ًا‪ :‬املكتبات هي‬ ‫ـ بال �شك ـ �أهم م�ستودعات م�صادر املعرفة‬ ‫الالزمة للبحث العلمي والتنمية التكنولوجية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬وقد ظن البع�ض خط�أ �أن‬ ‫الإنرتنت �ستغني عن املكتبة‪� ،‬إال �أن العالقة‬ ‫بينهما قد تطورت لت�أخذ طابع ًا تكاملي ًا تقوم‬ ‫فيه املكتبة بدور امل�ستودع مل�صادر املعرفة‪،‬‬ ‫يف حني تقوم الإنرتنت مبهمة ن�رش وتوزيع‬ ‫هذه امل�صادر‪ ،‬وتوفري و�سائل العثور على‬ ‫املعلومات املطلوبة‪ ،‬وت�صفح قوائمها ‪browsi‬‬ ‫‪ ،ing‬والبحث يف م�ضمون وثائقها‪ .‬ويف�رس‬ ‫ذلك ما ن�شهده اليوم من حتالفاملكتبات‪،‬‬ ‫وتطوير تكنولوجياتها‪ ،‬وتوحيد �أ�ساليب عملها‬ ‫با�ستخدام بروتوكوالت قيا�سية‪.‬‬ ‫و�ضع املكتبات عربي ًا‪ :‬ي�شكو عاملنا‬ ‫العربي من «ت�رشذم معلوماتي» حاد من‬ ‫�أبرز �شواهده تلك املعدالت املتدنية لتبادل‬ ‫املعلومات ما بني �أرجاء الوطن العربي‪،‬‬ ‫وت�شكو مكتباتنا العربية من انعزالية حادة‬ ‫حتى على امل�ستوى القطري‪ ،‬وال تتوفر لديها‬ ‫الو�سائل العملية للم�شاركة يف املوارد وتوحيد‬ ‫�أ�ساليب ت�شغيلها‪ ،‬وتبادل البيانات ما بني نظم‬ ‫معلوماتها‪ ،‬ويرجع ذلك �أ�سا�س ًا �إىل ا�ستخدامها‬ ‫لأ�ساليب خمتلفة و�إتباعها لنظم غري م ّت�سقة يف‬ ‫�إدارتها‪.‬‬

‫«الكتالوج» املوحد اجلامع للمكتبات‬

‫العربية‪ :‬كركيزة �أ�سا�سية لأن�شطتها املختلفة‪،‬‬ ‫تقوم كل مكتبة ببناء «كتالوجني» �أ�سا�س ّيني‬ ‫حل�رص وتنظيم ر�صيد مقتنياتها‪« :‬كتالوج»‬ ‫املو�ضوعات‪ ،‬وهو عبارة عن قاعدة بيانات‪،‬‬ ‫ميثل وحد َة بنائها الرئي�سية �سج ٌّل لك ّل عن�رص‬ ‫من مقتنيات املكتبة‪ .‬وكذلك «كتالوج» امل�ؤلف‬ ‫ويت�ض ّمن قائمة مبقتنيات املكتبة م�ص ّنفة على‬ ‫�أ�سا�س ا�سم امل�ؤلف الذي تندرج حتته جمموعة‬


‫الف�صل اخلام�س‬ ‫تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي ‪137‬‬

‫حتديث �أ�ساليب عر�ض مقتنيات‬ ‫املتاحف‪ :‬وهو حتديث ميكن �أن يعتمد‬ ‫الو�سائل التالية‪:‬‬

‫• �إقامة مواقع للمتاحف العربية‬ ‫والإ�سالمية والربط بينها من خالل موقع‬ ‫مركزي يف �أحد العوا�صم العربية �أو الإ�سالمية‬ ‫وربطها بال�شبكة العاملية للمتاحف التابعة‬ ‫ملنظمة اليون�سكو‪.‬‬ ‫• �رضورة البدء يف بناء املتاحف‬ ‫الإ�سالمية با�ستخدام تقانة الو�سائط املتع ّددة‬ ‫لعر�ض مقتنياتها يف �سياق خلفيتها التاريخية‬ ‫و�أهميتها الرتاثية‪ ،‬وعالقاتها بجوانب الرتاث‬ ‫الأخرى ذات ال�صلة‪� .‬إن �أ�سلوب الرقمنة ‪digit‬‬ ‫‪� tization‬سيحيل متاحف هذه الأيام «�إىل‬ ‫املتحف»‪ ،‬ويعيد احلياة من جديد ملقتنياتها‬ ‫حبي�سة الرفوف واجلدران وال�صناديق‬ ‫الزجاجية‪.‬‬ ‫• ا�ستخدام امل�ساعدات ال�شخ�صية الرقمية‬ ‫ال�سمعية والب�رصية لتعني زائري املتاحف‬ ‫على التعرف �إىل املقتنيات ب�صورة �أعمق‪.‬‬

‫املعلوماتية‬

‫م�ؤلفاته على اختالف مو�ضوعاتها‪ ،‬وميكن‬ ‫للم�ؤلف �أن يكون فرداً‪� ،‬أو جمموع ًة من الأفراد‪،‬‬ ‫�أو منظم ًة‪� ،‬أو م�ؤمتراً ‪� ..‬إلخ‪ .‬ومن �أجل حتقيق‬ ‫امل�شاركة يف املوارد يت ّم دمج كتالوجات‬ ‫املقتنيات ملجموعة من املكتبات يف هيئة‬ ‫«كتالوج» موحد جامع يتم بنا�ؤه وفق ًا لأ�ساليب‬ ‫قيا�سية موحدة‪ ،‬ويهدف امل�رشوع �إىل‪:‬‬ ‫• بناء «الكتالوج» العربي اجلامع‪،‬‬ ‫الذي تندمج يف �إطاره كتالوجات املقتنيات‬ ‫للمكتبات العربية الرئي�سية‪ ،‬على امل�ستوى‬ ‫القطري �أوال متهيداً لدجمها على امل�ستوى‬ ‫الإقليمي‪ .‬ويت ّم النفاذ �إىل «الكتالوج» اجلامع‬ ‫من خالل �شبكة الإنرتنت‪.‬‬ ‫• تقليل كلفة اقتناء م�صادر املعلومات‪،‬‬ ‫�إذ تعجز املكتبات العربية منفردة عن توفري‬ ‫الت�ضخم‬ ‫حجم التمويل الالزم ملواجهة‬ ‫ّ‬ ‫املتزايد يف �إنتاج م�صادر املعرفة العلمية‬ ‫والتكنولوجية‪.‬‬

‫«�أك�شاك» املتاحف ‪:Museum Kiosks‬‬ ‫من �أجل ن�رش الثقافة العلمية والتكنولوجية‬ ‫يف مناطق الريف واملناطق النائية ي�ستخدم‬ ‫حالي ًا ما يطلق عليه «�أك�شاك» املتاحف التي‬ ‫ت�ستغل تكنولوجي ًا الو�سائط املتع ّددة �أ�سا�س ًا‪.‬‬ ‫حتتاج �إقامة هذه الأك�شاك املتخفّية �إىل قدر‬ ‫كبري من االبتكار االجتماعي من �أجل تب�سيط‬ ‫تقدمي املعرفة العلمية‪-‬التكنولوجية وربطها‬ ‫بالواقع املحلي‪ .‬وقد �أثبتت هذه التجربة‬ ‫جناح ًا كبرياً يف �إيطاليا وال�صني التي قامت‬ ‫ب�إن�شاء �شبكة للربط ما بني هذه الأك�شاك يف‬ ‫املناطق املختلفة‪.‬‬

‫دعم تكنولوجيا املعلومات مل�ؤ�س�سات‬ ‫الرتجمة‪ :‬مازالت معظم م�ؤ�س�سات الرتجمة‬

‫العربية تعمل ب�أ�ساليب تقليدية‪ ،‬يف حني ميكن‬ ‫لتكنولوجيا املعلومات �أن تق ّدم �أ�شكا ًال متع ّددة‬ ‫من الدعم ت�شمل على �سبيل املثال ال احل�رص‪:‬‬ ‫• ا�ستخدام ما يعرف بنظم «ذاكرة الرتجمة»‬ ‫التي ُتخزن بها ن�صو�ص �سبقت ترجمتها‬ ‫ميكن اال�ستعانة بها يف ترجمة الن�صو�ص‬ ‫اجلديدة من خالل �أ�ساليب ذكية لتحديد اجلمل‬ ‫القريبة واملت�شابهة مع اجلمل املخزنة يف‬ ‫ذاكرة الرتجمة‪.‬‬ ‫• ا�ستخدام املعاجم الإلكرتونية العامة‬ ‫واملتخ�ص�صة‪ ،‬وكذلك معاجم املرتادفات‬ ‫املزودة بو�سائل ت�ساعد املرتجم على انتقاء‬ ‫املقابل الرتجمي وفق ًا لل�سياق ‪.‬‬ ‫• و�سائل للتحرير الالحق ‪Post editing‬‬ ‫لت�صويب �أخطاء الن�صو�ص املرتجمة �آلي ًا‪.‬‬ ‫• بناء حمطات عمل لتدريب املرتجمني‬ ‫املبتدئني والتي تدمج تكنولوجيا الرتجمة مع‬ ‫نظم التعليم والتعلّم مبعاونة احلا�سوب‪.‬‬ ‫• نظم �آلية لإدارة امل�رشوعات الكبرية للرتجمة‬ ‫التي ي�شارك فيها فريق من املرتجمني ل�ضمان‬ ‫االت�ساق والتوحيد‪� ،‬سواء من حيث الأ�سلوب �أم‬ ‫من حيث توحيد ا�ستخدام امل�صطلحات ‪.‬‬ ‫دعم املجامع اللغوية‪ :‬وذلك ب�إمدادها‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 138‬للتنمية الثقافية‬

‫بنظم بناء بنوك امل�صطلحات‪ ،‬وذخائر‬ ‫الن�صو�ص املحو�سبة لتوثيق اال�ستخدام اللغوي‬ ‫وبناء املعاجم التاريخية‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬زيادة الإنتاج الفكري‬ ‫والعلمي‬ ‫�أبرز مالمح الو�ضع الراهن‪:‬‬

‫ا�ستناداً �إىل بيانات مكتب ت�سجيل‬ ‫براءات االخرتاع لالحتاد الأوروبي‪،‬‬ ‫ف�إن عدد الرباءات هو كالتايل‪%46 :‬‬ ‫دول �أوروبية‪� %37 ،‬أمريكا ال�شمالية‪،‬‬ ‫‪ %16‬دول �آ�سيا ال�صناعية‪ .‬وبالتايل‬ ‫ال يبقى للعامل العربي بالإ�ضافة‬ ‫�إىل �أمريكا اجلنوبية و�أفريقيا وباقي‬ ‫�آ�سيا غري ال�صناعية �سوى ‪ %1‬فقط‬ ‫من �إجمايل براءات االخرتاع‪.‬‬

‫• نق�ص الدرا�سات اخلا�صة بالتنمية الثقافية‪.‬‬ ‫• م�ؤ�رشات رقمية عديدة ت�ؤكد التدين ال�شديد‬ ‫للإنتاج العلمي‪.‬‬ ‫• انف�صال ما بني مراكز البحوث والتطوير‬ ‫وقطاعات الإنتاج واخلدمات‪.‬‬ ‫• عدم توفر بيئة م�ؤاتية لتنمية الإبداع العلمي‬ ‫والتكنولوجي واالجتماعي‪.‬‬ ‫• تعاظم دور الأبعاد الأخالقية للإنتاج‬ ‫العلمي والتطبيق التكنولوجي‪.‬‬ ‫• نق�ص الدرا�سات والبحوث يف جمال الفكر‬ ‫الثقايف‪.‬‬

‫�رضورة الت�صدي الحتكار املعرفة من‬ ‫قبل العامل املتق ّدم‪ :‬على الرغم من ك ّل ما قيل‬

‫عن الإنرتنت كعامل لزيادة امل�شاركة والتبادل‬ ‫العلمي بني دول ال�شمال واجلنوب‪ ،‬ف�إن‬ ‫الإح�صاءات جاءت خميبة للآمال‪ ،‬وتدلّ على‬ ‫�أن الإنتاج العلمي �أ�صبح حمتكراً من قبل ثالث‬ ‫دول كربى‪ .‬فا�ستناداً �إىل بيانات مكتب ت�سجيل‬ ‫براءات االخرتاع لالحتاد الأوروبي‪ ،‬ف�إن عدد‬ ‫الرباءات هو كالتايل‪ %46 :‬دول �أوروبية‪%37 ،‬‬ ‫�أمريكا ال�شمالية‪ %16 ،‬دول �آ�سيا ال�صناعية‪.‬‬ ‫ويف املكتب الأمريكي لرباءات االخرتاع‬ ‫كان التوزيع كالتايل‪� %55 :‬أمريكا ال�شمالية‪،‬‬ ‫‪ %28‬دول �آ�سيا ال�صناعية‪ %18 ،‬دول �أوروبا‪،‬‬ ‫‪� %3‬أمريكا الالتينية‪.‬‬ ‫وي�صل �إ�سهام ك ّل املناطق اجلغرافية‬ ‫املتبقية �إىل ‪ %1.5‬من �إجمايل عدد براءات‬ ‫االخرتاع العاملية‪.‬‬

‫الفر�ص املتاحة يف جمال الإنتاج‬ ‫العلمي‪ :‬وفّرت تكنولوجيا املعلومات‬

‫واالت�صاالت فر�ص ًا عديدة لزيادة الإ�سهام‬ ‫العربي يف الإنتاج العلمي نذكر يف ما يلي‬ ‫�أهمها‪:‬‬ ‫• عودة �إىل العلم ال�صغري‪� :‬أفرزت تكنولوجيا‬ ‫ال�صناعة ـ �ضمن ما �أفرزته من تنظيمات‬ ‫كبريةـ م�ؤ�س�سات العلم ال�ضخم‪ ،‬وحت ّولت معامل‬ ‫�إنتاج العلم �إىل ما ي�شبه امل�صانع‪ ،‬فيما يلوح‬ ‫يف الأفق حالي ًا حت ّول جذري يف هذا التوجه‬ ‫ميكن �أن نعتربه مبثابة عودة �إىل الكيانات‬ ‫ال�صغرية لإنتاج العلم‪� ،‬أو ما �أطلق عليه البع�ض‬ ‫م�صطلح «العلم الدميوقراطي»‪� .‬إن امل�ؤ�س�سة‬ ‫العلمية ال�ضخمة ذات الطابع املركزي وليدة‬ ‫ع�رص ال�صناعة يكاد ي�أفل جنمها لتح ّل حملها‬ ‫�شبكات �إنتاج العلم الالمركزية املوزعة‪ ،‬القائمة‬ ‫ـ �أ�سا�س ًا ـ على املبدع العلمي �أو التكنولوجي‪ .‬يف‬ ‫حني �أن �إجنازات علمية �ضخمة يف البيولوجيا‬ ‫املخ‪ ،‬والبيئة وعلم املناعة وعلوم‬ ‫وف�سيولوجيا ّ‬ ‫متت على يد جمموعات �صغرية من‬ ‫الفلك‪ ،‬قد ّ‬ ‫العلماء جمعوا بني ج�سارة العقل‪ ،‬و�رسعة‬ ‫حب العلم وخدمته‪.‬‬ ‫الفعل‪ ،‬والتفاين يف ّ‬ ‫• املعلومات ب�صفتها ركيزة �أ�سا�سية‬ ‫للبحث العلمي‪ :‬العلم يف تطوره ي�صبو نحو‬ ‫الليونة حتى كاد البحث العلمي يتح ّول‪ ،‬يف‬ ‫كثري من الأحيان‪� ،‬إىل بحث عن املعلومات؛‬ ‫فت�سل�سالت اجلينات وتركيبات الربوتينيات‬ ‫ـ على �سبيل املثال ـ هي يف الأ�صل عملية تنقيب‬ ‫عن املعرفة يف مناجم البيانات اجلينومية‬ ‫ال�ضخمة‪ ،‬وقد امتدت هذه النزعة املعلوماتية‬ ‫للبحث العلمي من البيولوجي احلديث �إىل فروع‬ ‫علمية �أخرى كعلوم البيئة والفلك والباثولوجيا‬ ‫الكلينيكية‪ ،‬ناهيك بالدرا�سات املقارنة يف‬ ‫الل�سانيات ويف كثري من العلوم الإن�سانية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬وال �شك �أن النزعة املعلوماتية‬ ‫للبحث العلمي هي يف �صالح الباحثني العرب‬ ‫�رشيطة توفر املهارات الأ�سا�سية للتعامل مع‬ ‫موارد املعلومات العلمية‪ ،‬وهو لي�س بالأمر‬ ‫الع�سري‪.‬‬ ‫• وفرة موارد املعلومات العلمية‪ :‬لقد كان‬ ‫الباحثون العرب يف ما م�ضى ي�شكون من‬


‫الف�صل اخلام�س‬ ‫تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي ‪139‬‬

‫«�أيكولوجيا» جديدة لإنتاج العلم‬ ‫والتكنولوجيا‪ :‬يتطلّب التح ّول من اقت�صاد‬

‫املعلوماتية‬

‫�صعوبة احل�صول على م�صادر املعرفة‪ ،‬وعدم‬ ‫توفر املراجع‪ ،‬وها هي الإنرتنت ت�سهم يف‬ ‫ح ّل هذه امل�شكلة ب�شكل جذري‪� ،‬إال �أنه يجب‬ ‫التنويه هنا �إىل الفرق ال�شديد بني احل�صول‬ ‫على املعلومات‪ ،‬وا�ستخال�ص املعرفة من‬ ‫خ�ضم حميطاتها ال�شا�سعة عرب الإنرتنت‪� .‬إن‬ ‫على الباحث العربي �أن يكت�سب عدة مهارات‬ ‫م�ستجدة مما ميكن �أن ن�سميه «مهارات ما‬ ‫بعد املعلومات ‪ ،»post-informatica‬ونق�صد‬ ‫بذلك القدرة على جتميع املعرفة من �شظايا‬ ‫املعلومات املتناثرة عرب ال�شبكة‪.‬‬ ‫• امل�شاركة العلمية عن بعد‪ :‬ي�شكو كثري‬ ‫من طلبة الدرا�سات العليا لدينا من عدم وجود‬ ‫�أ�ساتذة م�رشفني يف التخ�ص�صات العلمية‬ ‫احلديثة‪ ،‬و�إن توفر ذلك فعادة ما تكون ال�شكوى‬ ‫من االن�شغال ال�شديد له�ؤالء الأ�ساتذة مبا ال‬ ‫يتيح وقت ًا كافي ًا للإ�رشاف العلمي‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫على م�ستوى املاج�ستري‪ ،‬حيث الباحث �أحوج‬ ‫ما يكون للتوجيه‪� ،‬سواء من حيث املو�ضوع �أم‬ ‫املنهج‪ .‬تتيح الإنرتنت فر�ص ًا عديدة للإ�رشاف‬ ‫العلمي من خالل التوا�صل عرب ال�شبكة والتلمذة‬ ‫عن ُبعد‪.‬‬ ‫• زيادة الطلب على العلم‪ :‬نتيجة للتوجه‬ ‫نحو اقت�صاد املعرفة �سيتزايد الطلب على‬ ‫العلم مبا يفوق قدرة الدول املتقدمة على‬ ‫�إنتاجه‪ ،‬والدليل على ذلك زيادة نهم هذه الدول‬ ‫الجتذاب نخبة عقول الدول النامية‪ ،‬ويتوازى‬ ‫ذلك مع تنامي التوجه الثقايف االجتماعي‬ ‫لتطبيقات تكنولوجيا املعلومات‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫�سيرتتب عليه زيادة الطلب على العلم الذي‬ ‫يتناول ال�ش�أن املحلي‪ :‬الثقايف واالجتماعي‪،‬‬ ‫لي�صب يف تيار اقت�صاد العوملة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫• انف�صال املعريف عن التكنولوجي‪ :‬من‬ ‫�أهم ما مي ّيز منتجات اقت�صاد املعرفة عن‬ ‫غريها هو �إمكانية ف�صل ال�شقّ املعريف عن‬ ‫ال�شقّ التكنولوجي‪ ،‬وهناك من ال�شواهد التي‬ ‫ت�شجع على القول ب�أن كلفة �إنتاج املعرفة‬ ‫ّ‬ ‫�ستق ّل بف�ضل تكنولوجيا املعلومات‪ ،‬على‬ ‫عك�س ما يحدث حالي ًا بالن�سبة الرتفاع كلفة‬

‫ال�شقّ التكنولوجي لتحويل هذه املعرفة �إىل‬ ‫منتجات فعلية‪ .‬وبذلك يعطي انف�صال املعريف‬ ‫عن التكنولوجي فر�صة للعلماء واملهند�سني‬ ‫العرب كي ي�سهموا معرفي ًا من دون �أن ين�شغلوا‬ ‫باجلانب التكنولوجي‪ ،‬فيمكن ـ على �سبيل‬ ‫املثال ـ ت�صميم الدوائر الإلكرتونية لل�رشائح‬ ‫ال�سيليكونية وتكليف م�سابك ت�صنيع هذه‬ ‫ال�رشائح ب�إنتاج الت�صميمات يف �صورتها‬ ‫املادية‪.‬‬

‫ي�شكو الكثري من طلبة الدرا�سات‬ ‫العليا لدينا من عدم وجود �أ�ساتذة‬ ‫م�رشفني يف التخ�ص�صات العلمية‬ ‫احلديثة‪ ،‬و�إن توفر ذلك فعادة ما‬ ‫تكون ال�شكوى من االن�شغال ال�شديد‬ ‫له�ؤالء الأ�ساتذة مبا ال يتيح وقت ًا‬ ‫كافي ًا للإ�رشاف العلمي‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫على م�ستوى املاج�ستري‪ ،‬حيث‬ ‫الباحث �أحوج ما يكون للتوجيه‪،‬‬ ‫�سواء من حيث املو�ضوع �أم املنهج‪.‬‬

‫ال�صناعة �إىل اقت�صاد املعرفة «�أيكولوجيا»‬ ‫مغايرة لإقامة املن�ش�آت االقت�صادية‪ .‬بعد �أن‬ ‫�أ�ضحت �سابقتها غري مالئمة �إن مل تكن منافية‬ ‫لطبيعة املنتج املعريف ت�صميم ًا وتطويراً‬ ‫و�إنتاج ًا وت�سويق ًا ومتوي ًال‪ .‬لقد قام منوذج‬ ‫ؤ�س�سون‬ ‫ع�رص ال�صناعة على مبد�أ �أن يرعى امل� ّ‬ ‫املن�ش�أة االقت�صادية عرب دورة حياتها الكاملة‪،‬‬ ‫متر بها بدءاً من الفكرة و�أعمال البحوث‬ ‫التي ّ‬ ‫والتطوير وانتها ًء بالإنتاج والدفع باملنتجات‬ ‫�إىل الأ�سواق‪ ،‬وما يتبع ذلك من توفري م�صادر‬ ‫التمويل ملداومة النم ّو حتى تبلغ املن�ش�أة درجة‬ ‫من �أهم ما مي ّيز منتجات اقت�صاد‬ ‫من الن�ضوج ت�ؤهلها الجتذاب م�ستثمرين جدد‪،‬‬ ‫املعرفة عن غريها هو �إمكانية ف�صل‬ ‫�أو طرحها يف االكتتاب العام‪.‬‬

‫ومن �أهم العوامل وراء ظهور احلاجة‬ ‫�إىل �أيكولوجيا مغايرة القت�صاد املعرفة‪:‬‬

‫• ارتفاع حجم املخاطرة يف اقت�صاد املعرفة‬ ‫نظراً لطبيعة املعرفة ذاتها‪ ،‬وق�رص عمر‬ ‫املنتج املعريف‪ ،‬فهو عر�ضه للفناء ولأن تلفظه‬ ‫الأ�سواق بظهور فكرة �أو توجه معريف جديد‪،‬‬ ‫�أو با�ستحداث نظام تكنولوجي �أكرث تقدم ًا‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا يف �سوق ت ّت�سم مبناف�سة �رش�سة حملي ًا‬ ‫و�إقليمي ًا وعاملي ًا‪.‬‬ ‫• الطابع االبتكاري‪ ،‬والذي يتطلب �رسعة‬ ‫اقتنا�ص الفر�ص املتاحة ومواكبة الإيقاع‬ ‫املت�سارع للتطور العلمي والتكنولوجي‪.‬‬ ‫• عامل ال�رسعة يف اقتحام الأ�سواق‪ ،‬وهو‬

‫ال�شقّ املعريف عن ال�شقّ التكنولوجي‪،‬‬ ‫ت�شجع‬ ‫وهناك من ال�شواهد التي‬ ‫ّ‬ ‫على القول ب�أن كلفة �إنتاج املعرفة‬ ‫�ستق ّل بف�ضل تكنولوجيا املعلومات‪،‬‬ ‫على عك�س ما يحدث حالي ًا بالن�سبة‬ ‫الرتفاع كلفة ال�شقّ التكنولوجي‬ ‫لتحويل هذه املعرفة �إىل منتجات‬ ‫فعلية‪ .‬وبذلك يعطي انف�صال املعريف‬ ‫عن التكنولوجي فر�صة للعلماء‬ ‫واملهند�سني العرب كي ي�سهموا‬ ‫معرفي ًا من دون �أن ين�شغلوا باجلانب‬ ‫التكنولوجي‪ ،‬فيمكن ـ على �سبيل‬ ‫املثال ـ ت�صميم الدوائر الإلكرتونية‬ ‫لل�رشائح ال�سيليكونية وتكليف‬ ‫م�سابك ت�صنيع هذه ال�رشائح ب�إنتاج‬ ‫الت�صميمات يف �صورتها املادية‪.‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 140‬للتنمية الثقافية‬

‫اجلامعات العربية ال تتوفر لها‬ ‫البيئة املالئمة لإقامة تنظيمات‬ ‫مبتكرة ومرنة‪ ،‬جتمع بني الأكادميي‬ ‫والت�سويقي من جانب‪ ،‬والنظري‬ ‫والتطبيقي من جانب �آخر‪ .‬ولي�س‬ ‫�رساً �أن جامعاتنا ت�شكو من انعزالية‬ ‫�شديدة تف�صل بينها وبني قطاعات‬ ‫الإنتاج واخلدمات‪ .‬وال �شك �أن‬ ‫احلا�ضنات‪� ،‬إن جنحنا يف زرعها‬ ‫يف تربتنا الأكادميية‪� ،‬سوف ت�سهم‬ ‫يف توثيق العالقة بينهما‪ ،‬ويتطلّب‬ ‫ذلك من اجلامعات العربية �أن تويل‬ ‫اهتمام ًا يف براجمها‪ ،‬بتنمية مهارات‬ ‫طلبتها وطالباتها يف �إن�شاء الأعمال‬ ‫و�إك�سابهم القدرة على ت�سويق‬ ‫�أفكارهم و�إدارة م�شاريع تطويرها‬ ‫املرت�سخة عن‬ ‫وتغيري الذهنية‬ ‫ّ‬ ‫الالربحية‪ ،‬بحيث ال تقف حجر عرثة‬ ‫�أمام �إقامة تنظيمات �شبه ربحية‪،‬‬ ‫ال تتعار�ض مع ر�سالتها الأكادميية‬ ‫والوفاء بواجباتها جتاه طلبتها‪.‬‬

‫ما ال توفّره تنظيمات ال�رشكات الكبرية ذات‬ ‫التنظيمات ال�ضخمة التي يعوق ثقل ق�صورها‬ ‫الذاتي �رسعة التجاوب مع ديناميات التطور‬ ‫التكنولوجي وتقلبات �أ�سواقه‪.‬‬ ‫• انف�صال ال�شقّ املعريف عن التكنولوجي الذي‬ ‫ي�سمح بانف�صال �أعمال الت�صميم عن عمليات‬ ‫الت�صنيع ومن ثم ظهور �أ�ساليب مغايرة لتوزيع‬ ‫العمل بني امل�شاركني يف �إخراج املنتجات �إىل‬ ‫حيز الوجود‪.‬‬ ‫• تغري العالقة بني العر�ض والطلب بعد �أن‬ ‫�أ�صبح توفّر الطلب االجتماعي هو العامل‬ ‫احلاكم يف منتجات اقت�صاد املعرفة‪ ،‬وهو‬ ‫الأمر الذي يتطلّب بع�ض ال�ضمانات قبل‬ ‫ال�رشوع يف �إقامة من�ش�آت الت�صنيع النهائي �أو‬ ‫تقدمي اخلدمات‪.‬‬

‫ثالثية احلا�ضنات واملحميات ومراكز‬ ‫مت يف دول نامية وبازغة‪،‬‬ ‫التميز‪� :‬أ�سوة مبا ّ‬

‫ُيقرتح تبني ثالثية احلا�ضنات واملجمعات‬ ‫التكنولوجية ومراكز التم ّيز‪.‬‬ ‫• احلا�ضنات‪ :‬ويقرتح بنا�ؤها يف كنف‬ ‫اجلامعات ب�صفتها رائدة ركب جمتمع املعرفة‪،‬‬ ‫و�ستظ ّل اجلامعات هي �أف�ضل البيئات لتفريخ‬ ‫رواد �إن�شاء �أعمال ‪ entrepreneurs‬عرب‬ ‫مبوا�صفات اقت�صاد املعرفة‪ ،‬وتلزم الإ�شارة‬ ‫هنا �إىل �أن احلا�ضنات التي ترعاها امل� ّؤ�س�سات‬ ‫الأكادميية يف البلدان املتقدمة تقدر ن�سبتها‬ ‫التوجه ُيع ّد �أكرث مالءمة‬ ‫بـ ‪ %25‬فقط‪� ،‬إال �أن هذا ّ‬ ‫للدول النامية‪ ،‬والدول العربية ب�صفة خا�صة‪،‬‬ ‫حيث اجلامعات ـ بحكم طبيعتها ـ �أكرث دراية‬ ‫مبا يجري على �صعيد اقت�صاد املعرفة‪ .‬وتقوم‬ ‫احلا�ضنات مب�شاريع �إي�ضاحية ‪pilot projects‬‬ ‫لإثبات وجاهة الفكرة علمي ًا وواقعيتها عملي ًا‪،‬‬ ‫مبا ير�شّ حها ملزيد من جهود البحوث والتطوير‬ ‫لتحويلها �إىل مناذج �أولية‪� ،‬أو ن�صف م�صنعة‪،‬‬ ‫تتكفّل بها املجمعات التكنولوجية‪.‬‬ ‫وهناك عائق رئي�سي يف هذا ال�صدد هو‬ ‫�أن اجلامعات العربية ال تتوفر لها البيئة‬ ‫املالئمة لإقامة تنظيمات مبتكرة ومرنة‪،‬‬

‫جتمع بني الأكادميي والت�سويقي من جانب‪،‬‬ ‫والنظري والتطبيقي من جانب �آخر‪ .‬ولي�س �رساً‬ ‫�أن جامعاتنا ت�شكو من انعزالية �شديدة تف�صل‬ ‫بينها وبني قطاعات الإنتاج واخلدمات‪ .‬وال �شك‬ ‫�أن احلا�ضنات‪� ،‬إن جنحنا يف زرعها يف تربتنا‬ ‫الأكادميية‪� ،‬سوف ت�سهم يف توثيق العالقة‬ ‫بينهما‪ ،‬ويتطلّب ذلك من اجلامعات العربية‬ ‫�أن تويل اهتمام ًا يف براجمها بتنمية مهارات‬ ‫طلبتها وطالباتها يف �إن�شاء الأعمال‪ ،‬وتو�سيع‬ ‫معارفهم خارج النطاق الأكادميي النمطي‪،‬‬ ‫و�إك�سابهم القدرة على ت�سويق �أفكارهم و�إدارة‬ ‫م�شاريع تطويرها‪ ،‬ويتوازى مع ذلك �رضورة‬ ‫توجيه البحوث اجلامعية نحو م�سائل واقعية‬ ‫بد ًال من هذا الركام الهزيل لر�سائل املاج�ستري‬ ‫املرت�سخة عن‬ ‫والدكتوراه‪ ،‬وتغيري الذهنية‬ ‫ّ‬ ‫الالربحية بحيث ال تقف حجر عرثة �أمام �إقامة‬ ‫تنظيمات �شبه ربحية‪ ،‬ال تتعار�ض مع ر�سالتها‬ ‫الأكادميية والوفاء بواجباتها جتاه طلبتها‪.‬‬ ‫• املجمعات التكنولوجية‪� :‬أقام بع�ض‬ ‫الدول العربية جممعات تكنولوجية يف جمال‬ ‫تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت (مدينة‬ ‫الإنرتنت بدبي‪ ،‬القرية الذكية يف م�رص‪ ،‬قرية‬ ‫املعرفة يف عمان‪ ،‬وجممع «غزالة التكنولوجي»‬ ‫يف تون�س)‪ ،‬وقد احتلت ق�سم ًا كبرياً منها‬ ‫املكاتب املمثلة لل�رشكات املتع ّددة اجلن�سية‪،‬‬ ‫وهو �سالح ذو حدين‪ ،‬يزيد من �إطّ الع هذه‬ ‫ال�رشكات على مطالب امل�ستخدم املحلي من‬ ‫جانب‪ ،‬ويزيد من قدرتها ـ يف الوقت ذاته ـ على‬ ‫اخرتاق م�شاريع التنمية املعلوماتية وتوجيهها‬ ‫وفق ًا لهواها من جانب �آخر‪ .‬وتق ّدم احلا�ضنات‬ ‫�إىل املجمعات ح�صاد جتاربها يف تطوير‬ ‫م�شاريعها الإي�ضاحية ومناذجها الأولية‪ ،‬ويف‬ ‫املقابل تغذي املجمعات احلا�ضنات اجلامعية‬ ‫مب�شكالت تتطلّب البحث عن حلول مبتكرة لها‪.‬‬ ‫• مراكز التميز‪� :‬أ�صبحت �إقامة مراكز‬ ‫التم ّيز �ضمن التوجهات الرئي�سية للإ�رساع يف‬ ‫حركة التنمية العلمية التكنولوجية‪ ،‬وتدين‬ ‫الهند يف ما ت�شهده حالي ًا من تق ّدم علمي‬ ‫وتكنولوجي‪� ،‬إىل وجود العديد من مراكز التم ّيز‬


‫الف�صل اخلام�س‬ ‫تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي ‪141‬‬

‫التخ�ص�صي)‬ ‫البيني (عرب‬ ‫التفكري‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتنمية الدرا�سات يف جمال الإن�سانيات‪:‬‬

‫لقد ولىّ ع�رص الب�ساطة بعد �أن بات املجتمع‬ ‫الإن�ساين يواجه العديد من الإ�شكاليات املعقدة‬ ‫واملتفاقمة‪ ،‬يحتاج تو�صيفها‪ ،‬ومن ثم اقرتاح‬ ‫احللول لها‪� ،‬إىل تداخل التخ�ص�صات املعرفية‬ ‫وتع ّددها ‪ ،inter & multi-disciplinary‬وما‬ ‫املخ �إىل درا�سة اخللية‪،‬‬ ‫�أكرث الأمثلة من درا�سة ّ‬ ‫ومن درا�سة الأ�سواق �إىل درا�سة الظواهر البيئية‪،‬‬ ‫ومن �إ�شكالية الرتبية �إىل �إ�شكالية اللغة‪ ،‬ومن‬ ‫ظواهر العوملة �إىل �سلوك اجلماعات املحلية‪.‬‬ ‫التخ�ص�صي يف علم ما‬ ‫تر�سخ التوجه‬ ‫ّ‬ ‫لقد ّ‬ ‫قبل النقلة املعلوماتية �إىل ح ّد جعل احلوار بني‬ ‫العلوم من ال�صعوبة مبكان‪ ،‬وال ميكن �إنكار‬ ‫التخ�ص�ص على تقدم املعرفة الإن�سانية‬ ‫ف�ضل‬ ‫ّ‬ ‫امل�ضي يف م�سارات‬ ‫لكن الأمر مل يعد يتح ّمل‬ ‫ّ‬ ‫التخ�ص�ص املت�شعبة‪ ،‬والتي تزداد �ضيق ًا يوم ًا‬ ‫بعد يوم‪ ،‬من دون وقفة يبحث فيها العلم عن‬

‫املعلوماتية‬

‫ويت ّم حتديد هذه املراكز يف �إطار ا�سرتاتيجية‬ ‫للتنمية العلمية والتكنولوجية تتب ّنى ما يعرف‬ ‫بالنموذج الريادي االنتقائي‪ ،‬من �أجل حتقيق‬ ‫ريادة عاملية يف جماالت علمية وتكنولوجية‬ ‫معينة‪ ،‬يت ّم انتقا�ؤها بعناية من منظور تطوير‬ ‫القدرات الذاتية وتوطني التكنولوجيا يف الرتبة‬ ‫املحلية‪ ،‬وذلك وفق ًا لعدة عوامل ت�شمل‪ :‬توفر‬ ‫املوارد الطبيعية والكتل احلرجة من املوارد‬ ‫الب�رشية‪ ،‬وفر�ص احل�صول على املعلومات‬ ‫العلمية والتكنولوجية الالزمة‪ ،‬وتوفّر الطلب‬ ‫املتوقع على املنتجات واخلدمات امل�ستهدفة‪.‬‬ ‫والأهم من هذا وذاك‪� ،‬أن ت�ست�رشف هذه‬ ‫اال�سرتاتيجية التوجهات املرتقبة للتطور‬ ‫العلمي ‪ -‬التكنولوجي يف �إطار ت�صور وا�ضح‬ ‫لغايات التنمية املجتمعية ال�شاملة‪.‬‬ ‫ترتبط مراكز التميز ب�شبكة احلا�ضنات يف‬ ‫اجلامعات من خالل م�شاريع البحوث امل�شرتكة‪،‬‬ ‫وتق ّدم املجمعات التكنولوجية دعم ًا لهذه‬ ‫املراكز مقابل الفر�ص التي تتيحها لها القتناء‬ ‫املعرفة اجلديدة يف جماالت تخ�ص�صها‪.‬‬

‫موقف و�سط يوازن بني عمق التخ�ص�ص ر�أ�سي ًا‬ ‫و�شمولية التو�سع املعريف �أفقي ًا‪ .‬وهكذا ظهرت‬ ‫�أهمية العلوم البيئية‪ ،‬التي مل تعد ترف ًا �أكادميي ًا‪،‬‬ ‫بل �رضورة تفر�ضها طبيعة امل�شكالت التي‬ ‫يواجهها عامل اليوم‪.‬‬ ‫جتاوب ًا مع هذا التوجه‪ ،‬ظهرت فروع‬ ‫علمية بين ّية جتمع بني فرعني معرف ّيني من‬ ‫قبيل ما حتقق على جبهة تكنولوجيا املعلومات‬ ‫مثل‪ :‬البيولوجيا املعلوماتية والل�سانيات‬ ‫احلا�سوبية وحو�سبة فيزياء الكوانتم‪ ،‬و�أخرى‬ ‫ما فوق تخ�ص�صية‪ ،‬قادرة على اخرتاق احلواجز‬ ‫الفا�صلة بني فروع العلوم والفنون‪ ،‬مثل‬ ‫نظريات املعلومات والنظرية العامة للنظم‬ ‫ونظرية الفو�ضى ونظرية التعقد‪.‬‬ ‫البيني عربي ًا‪ :‬يغيب‬ ‫�أهمية التفكري‬ ‫ّ‬ ‫عن ال�ساحة الأكادميية العربية مفهوم تعدد‬ ‫التخ�ص�صات املعرفية وتداخلها‪ ،‬وما زال كثري‬ ‫ّ‬ ‫من العلماء واملفكرين واملهنيني العرب �أ�رسى‬ ‫التخ�ص�صي‪ ،‬و ُيع ّد هذا من الأ�سباب‬ ‫االنغالق‬ ‫ّ‬ ‫الرئي�سية يف �ضعف القدرة على الت�صدي‬ ‫ملعظم امل�شكالت التي تعاين منها املجتمعات‬ ‫العربية‪ ،‬والتي �أ�صبحت ت�ستع�صي يف كثري من‬ ‫الأحيان على احللول امل�ستوردة التي غالب ًا ما‬ ‫تغفل عن االعتبارات املحلية‪ ،‬واالجتماعية‬ ‫والثقافية‪ .‬يفر�ض هذا �رضورة �إقامة �أق�سام‬ ‫تخ�ص�صية يف اجلامعات العربية‪ ،‬والعمل‬ ‫بني‪ّ -‬‬ ‫على بلورة لغة موحدة ومت�سقة للتوا�صل داخل‬ ‫كل جمال معريف متخ�ص�ص من خالل دفع‬ ‫جهود العمل امل�صطلحي‪ .‬من زاوية �أخرى‪ ،‬ف�إن‬ ‫تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت تلعب دوراً‬ ‫�أ�سا�سي ًا يف الربط بني التخ�ص�صات املختلفة‪،‬‬ ‫الأمر الذي يق�ضي باعتبارها مدخ ًال هام ًا‬ ‫لزرع نواة الفكر البيني والتع ّددي يف رحاب‬ ‫الأكادميية العربية‪.‬‬ ‫ ‬

‫تعاظم الأبعاد الأخالقية ال�ستخدام‬ ‫التكنولوجيا‪� :‬أفرزت تكنولوجيا املعلومات‬ ‫واالت�صاالت مت�ضافر ًة مع التكنولوجيا‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 142‬للتنمية الثقافية‬

‫البيولوجية‪� ،‬أجنا�س ًا �أخالقية م�ستحدثة من‬ ‫قبيل �أخالقيات الإنرتنت و�أخالقيات الإعالم‬ ‫و�أخالقيات الهند�سة الوراثية‪ .‬لقد ولىّ �إىل الأبد‬ ‫ع�رص الب�ساطة يف تناول امل�سائل املتعلقة‬ ‫بالقيم‪ ،‬فمعظم الق�ضايا التي تثريها هذه‬ ‫الأخالقيات امل�ستج ّدة ذات طابع خاليف‪،‬‬ ‫بعد �أن اقرتبت التكنولوجيا من املناطق‬ ‫ملخ الإن�سان وج�سده‪ ،‬وبعد �أن نفذت‬ ‫احلميمية ّ‬ ‫�إىل �صلب الكيان املجتمعي مولّد ًة فجوات‬ ‫وطبقيات جديدة‪ ،‬ته ّدد بيئته وا�ستقراره‪ ،‬لقد‬ ‫حدا ذلك بالبع�ض لأن يطالب ب�رضورة اعتبار‬ ‫التكنولوجيا فرع ًا من فل�سفة الأخالق ال من‬ ‫العلم‪.‬‬ ‫اجلمع بني الإلزام وااللتزام‪ :‬لن ينح�رص‬ ‫يخ�ص �أخالقيات ع�رص املعلومات‬ ‫الأمر يف ما ّ‬ ‫يف نوعية القيم‪ ،‬بل كذلك ـ وهو الأهم ـ يف‬ ‫�أ�سلوب فر�ض هذه القيم و�إ�شاعتها‪ ،‬فلم يعد‬ ‫جمدي ًا ما كان �ساري ًا يف ع�رص تكنولوجيا‬ ‫ال�صناعة‪ ،‬الذي �صاغ الأخالق يف �صورة‬ ‫قوانني وت�رشيعات‪ .‬لقد ولىّ ع�رص حرا�سة‬ ‫البوابات الأخالقية‪ ،‬و�أ�صبحت م�س�ألة الأخالق‬ ‫ت�شغل منطقة و�سطى بني االجتماعي ذي طابع‬ ‫الإلزام والنف�سي ذي طابع االلتزام‪.‬‬ ‫يتطلّب الأمر مراجعة �شاملة ملنظومة‬ ‫القيم العربية من منظور ع�رص املعلومات‪ ،‬من‬ ‫دون امل�سا�س بالثوابت منها‪ ،‬وعدم الت� ّرسع‬ ‫يف افتعال اخل�صومة مع بع�ض منها‪ ،‬وذلك‬ ‫من خالل التمحي�ص الدقيق ملوا�ضع التما�س‬ ‫والتداخل‪� ،‬إ�ضافة �إىل ا�ستحداث و�سائل مبتكرة‬ ‫لإ�شاعة هذه القيم يف بيئة املجتمعات العربية‪.‬‬ ‫وكمثال على ما نق�صده هنا‪ ،‬فقد ظهرت منذ‬ ‫فرتة �آراء مت�رسعة ب�صدد قيم حماية امللكية‬ ‫الفكرية كادت ت�صل �إىل ح ّد رف�ض املفهوم على‬ ‫�أ�سا�س من تف�سري ديني خاطئ قد غفل يقين ًا‬ ‫ع ّما يبديه الدين الإ�سالمي من تقدير للفكر‬ ‫والعلماء‪ .‬متثّل قيم حماية امللكية الفكرية‬ ‫منوذج ًا عملي ًا لتطبيق مبد�أ الإلزام وااللتزام‪،‬‬ ‫ويف هذا ال�صدد‪ ،‬وفّرت تكنولوجيا املعلومات‬

‫واالت�صاالت نظم ًا �آلية الكت�شاف ال�رسقات‬ ‫العلمية يف اللغات الأجنبية‪ ،‬يحتاج �إليها‬ ‫تطوير نظم عربية مناظرة‪.‬‬

‫خام�س ًا‪ :‬تنمية مك ّون اللغة يف‬ ‫ثقافة ع�رص املعلومات‬ ‫�أبرز مالمح الو�ضع الراهن‪:‬‬

‫• هناك ن�سبة غري قليلة من املواقع الثقافية‬ ‫العربية تظهر �إهما ًال وا�ضح ًا للّغة العربية وال‬ ‫تبدي �أي اعتزاز باللغة كوعاء للثقافة‪.‬‬ ‫• مل تك�شف مواقع املجامع اللغوية العربية‬ ‫عن وجود االهتمام الواجب ببحوث التنظري‬ ‫اللغوي واملعجمي‪.‬‬ ‫• لوحظ ندرة �أو عدم وجود ذخائر ن�صو�ص‬ ‫حمو�سبة للّغة العربية بهذه املواقع والتي‬ ‫تع ّد مقوم ًا �أ�سا�سي ًا للتنظري الّلغوي واملعجمي‬ ‫وبناء املعاجم‪.‬‬ ‫متت ترجمة هذه املالمح �إىل عدد من‬ ‫وقد ّ‬ ‫التوجهات امل�ستقبلية من املنطلقات وامل�شاريع‬ ‫املقرتحة لتنمية ركن مك ّون اللغة‪.‬‬

‫�أهمية اللغة يف ثقافة ع�رص املعلومات‬

‫تعاظم دور اللغة يف ع�رص املعلومات‪:‬‬

‫�أ�صبحت الثقافة حمور منظومة التنمية‪ ،‬واللغة‬ ‫ـ بدورها ـ احتلّت موقع القلب من منظومة‬ ‫الثقافة‪ ،‬فهي ترتبط بعالقات وثيقة مع جميع‬ ‫الفروع الثقافة الأخرى من دون ا�ستثناء‪ :‬تربي ًة‬ ‫و�إعالم ًا و�إبداع ًا وفكراً وتراث ًا‪ ،‬ناهيكم بعالقتها‬ ‫الع�ضوية مع منظومة القيم واملعتقدات‪.‬‬ ‫املدخل اللغوي للتكت ّل الإقليمي‪:‬‬ ‫�صاحب انت�شار العوملة تنامي نزعة التكتل‬ ‫الإقليمي‪ ،‬ومل يكن ذلك ملجرد املحافظة على‬ ‫الهويات القومية واخل�صو�صيات الثقافية‪ ،‬بل‬ ‫حتركه دوافع اقت�صادية و�سيا�سية و�أمنية يف‬ ‫املقام الأول‪ ،‬ومن �أمثلة هذا التكتل م�سعى‬ ‫�أملانيا �إىل �إقامة حلف لغوي �أملاين يجمع‬ ‫بينها وبني النم�سا و�سوي�رسا‪ .‬وملجموعة‬ ‫الدول الإ�سكندنافية م�شاريع م�شابهة للتكت ّل‬


‫الف�صل اخلام�س‬ ‫تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي ‪143‬‬

‫�أهمية اللغة معرفي ًا‪ :‬تتبو�أ اللغة موقع ًا‬ ‫بارزاً على خريطة املعرفة الإن�سانية ال�شاملة‪،‬‬ ‫يزداد ثق ًال يوم ًا بعد يوم‪ .‬وتنفرد اللغة بكونها‬ ‫املجال املعريف الوحيد الذي يرتبط بعالقات‬ ‫وثيقة مع فروع املعرفة كافة‪ :‬الفل�سفة وعلم‬ ‫الإن�سانيات وعلوم الطبيعيات‪ ،‬وكذلك مع‬ ‫الفنون ب�أنواعها‪ .‬وقد �أقامت اللغة‪ ،‬م�ؤخراً‪،‬‬ ‫عالقة وطيدة مع الهند�سة؛ وذلك من خالل‬ ‫هند�سة الذكاء اال�صطناعي وهند�سة املعرفة‪.‬‬ ‫�أهمية اللغة �إبداعي ًا‪ :‬اللغة هي الن�سق‬ ‫الرمزي العام الذي ُيع ّد ك�أ�سا�س لتمثيل �أجنا�س‬ ‫الفنون‪ ،‬فهناك لغة الت�شكيل ولغة املو�سيقى‬ ‫ولغة امل�رسح بل لغة فنون الأداء احلركي‪،‬‬ ‫وتعترب فنون اللغة من �أدب و�شعر �أبرز جوانب‬ ‫�إبداعنا الثقايف بال منازع‪.‬‬ ‫�أهمية اللغة تكنولوجي ًا‪ :‬يتعاظم دور‬ ‫اللغة يف منظومة تكنولوجيا املعلومات‬ ‫واالت�صاالت‪ ،‬ومعظم التطبيقات احلالية من‬ ‫برجميات تن�سيق الكلمات وبناء قواعد البيانات‬ ‫وحمركات البحث يف الإنرتنت‪ ،‬وذلك على �سبيل‬ ‫ّ‬ ‫املثال ال احل�رص‪ ،‬هي يف جوهرها تطبيقات‬ ‫لغوية‪� .‬أما التطبيقات املتقدمة التي تعتمد على‬ ‫الذكاء اال�صطناعي من قبيل الرتجمة الآلية‬ ‫ومتييز وفهم الكالم �آلي ًا‪ ،‬ونظم اال�ستخال�ص‬ ‫والتلخي�ص الآيل وت�صنيف الوثائق الإلكرتونية‬ ‫تلقائي ًا فتعتمد على اللغة ب�صورة �أعمق و�أ�شمل‪،‬‬ ‫حيث متثل الل�سانيات احلا�سوبية �أهم جماالت‬ ‫الذكاء اال�صطناعي الذي يقوم �أ�ص ًال على‬ ‫حماكاة الوظائف اللغوية للذهن‪.‬‬

‫توجهات م�ستقبلية للّغة يف ع�رص‬ ‫املعلومات من منظور عربي‬

‫املعلوماتية‬

‫اللغوي‪ .‬وعلى م�ستوى ما فوق الإقليمي ي�سود‬ ‫ال�ساحة اجليومعلوماتية ـ حالي ًا ـ ن�شاط متزايد‬ ‫لإحياء التحالفات اللغوية مث ًل «الأجنلوفونية»‬ ‫و»الفرانكفونية» و»الإ�سبانوفونية»‪.‬‬

‫اللغة منظومة قوامها ثالثية النحو (نظام‬ ‫القواعد) واملعجم وا�ستخدام اللغة ممث ًال يف‬ ‫ن�صو�صها �أ�سا�س ًا‪ ،‬وتكمن توجهات منظومة‬ ‫اللغة يف ع�رص املعلومات انطالق ًا من هذه‬ ‫الثالثية يف ما يلي‪:‬‬ ‫التنظري اللغوي من التحليل �إىل التوليد‪:‬‬ ‫كان التنظري اللغوي يف البداية حتليلي ًا‪ ،‬يعتمد‬ ‫على جتميع حاالت الأطراد وال�شذوذ‪ ،‬لذا فقد‬ ‫عجز هذا التوجه التنظريي عن تناول �أهم‬ ‫خا�صية يف �إ�شكالية اللغة‪� ،‬أال وهي النهائية‬ ‫التوليد اللغوي‪ ،‬ويق�صد بها قدرة الناطقني‬ ‫باللغة على توليد عدد غري حمدود من التعبريات‬ ‫اللغوية‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فمهما زادت �أمثلة الأطراد‬ ‫وال�شذوذ ال ميكن لها �أن تغطي جميع احتماالت‬ ‫الرتاكيب اللغوية التي ت�سمح بها لغة ما‪ .‬لقد‬ ‫مثّل ذلك عقبة �أ�سا�سية لتوليد التعبريات اللغوية‬ ‫مت التغلّب على‬ ‫وحتليلها (�إعرابها) حا�سوبي ًا و ّ‬ ‫هذه العقبة بعد �أن �أ�صبح يف الإمكان �صياغة‬ ‫قواعد اللغة يف �صورة ريا�ضية ميكن من‬ ‫خاللها توليد الرتاكيب اللغوية ال�سليمة كافة‪،‬‬ ‫التي تتيحها لغة ما‪ ،‬وذلك بف�ضل عمومية‬ ‫التمثيل الريا�ضي نظراً العتماده على الرموز‬ ‫والعالقات املجردة ال على الكلمات والعالقات‬ ‫املح�سو�سة التي تربط بينها‪ .‬وهكذا فتح التوجه‬ ‫التوليدي الباب على م�رصاعيه �أمام �إقامة‬ ‫مناذج لغوية متعددة �أ�سهم يف و�ضعها لغو ّيون‬ ‫ومناطقة وحا�سب ّيون‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬ما زال التنظري للّغة‬ ‫العربية حتلي ًال يف �سمته الغالب‪ ،‬يعتمد على‬ ‫جتميع حاالت الأطراد وال�شذوذ‪ ،‬ومل يواكب‬ ‫الفكر اللغوي العربي ثورة علم اللغة التي‬ ‫تفجرت منذ ما يزيد عن ن�صف قرن والتي‬ ‫�أفرزت‪ ،‬انطالق ًا من النهج التوليدي‪ ،‬ما يزيد‬ ‫عن �أثني ع�رش منوذج ًا لتمثيل الظاهرة اللغوية‬ ‫وتف�سريها‪ ،‬ومل يطبق منها على اللغة العربية‬ ‫�إال عدداً حمدوداً وعلى �أجزاء حمدودة للغاية من‬ ‫الف�ضاء التنظريي للّغة العربية‪ ،‬ورمبا ُي�ستثنى‬ ‫مت و�ضعه بتغطية‬ ‫من ذلك منوذج ريا�ضي ّ‬ ‫�شبه مكتملة لنحو العربية‪� ،‬أثبت جدارته بعد‬

‫�صاحب انت�شار العوملة تنامي‬ ‫نزعة التكتل الإقليمي‪ ،‬ومل يكن‬ ‫ذلك ملجرد املحافظة على الهويات‬ ‫القومية واخل�صو�صيات الثقافية‪ ،‬بل‬ ‫حتركه دوافع اقت�صادية و�سيا�سية‬ ‫و�أمنية يف املقام الأول‪ ،‬ومن �أمثلة‬ ‫هذا التكتل م�سعى �أملانيا �إىل �إقامة‬ ‫حلف لغوي �أملاين يجمع بينها وبني‬ ‫النم�سا و�سوي�رسا‪ .‬وملجموعة الدول‬ ‫الإ�سكندنافية م�شاريع م�شابهة‬ ‫للتكت ّل اللغوي‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 144‬للتنمية الثقافية‬

‫نظام لإعراب اجلمل العربية‬ ‫تطبيقه يف تطوير ٍ‬ ‫وت�شكيلها تلقائي ًا‪.‬‬

‫حو�سبة اللغة من ظاهر الن�صو�ص �إىل‬ ‫عمق معناها‪ :‬ي�شهد حالي ًا جمال معاجلة‬

‫مل ي�رشع �أحد يف بناء معاجم‬ ‫عربية على �أ�سا�س املفاهيم ال‬ ‫الألفاظ‪ ،‬وكما هو معروف ميثل‬ ‫«املفهوم» الوحدة الأ�سا�سية لبناء‬ ‫املعرفة وثيقة ال�صلة باملعنى‪.‬‬

‫الن�صو�ص �آلي ًا (حا�سوبي ًا) نقلة نوعية حا�سمة‪،‬‬ ‫من التعامل مع ظاهر الألفاظ و�سطحية البنى‬ ‫الرتكيبية‪� ،‬إىل عمق معاين الألفاظ واجلمل‬ ‫والعالقات املنطقية وال�سياقية التي تربط‬ ‫بينها‪ ،‬وذلك توطئة �إىل تطوير نظم �آلية لفهم‬ ‫الن�صو�ص وحتليل م�ضمونها ب�صورة تلقائية‪.‬‬ ‫�إن الهدف من وراء ذلك هو الت�صدي للإِ�شكالية‬ ‫الأ�سا�سية التي يعاين منها اجليل احلايل‬ ‫للإنرتنت‪ ،‬الذي يتعامل مع ظاهر الن�صو�ص‪،‬‬ ‫حمركات البحث يف الويب‬ ‫وهو ما جعل ّ‬ ‫عاجزة عن مواجهة م�شكلة حمل املعلومات‬ ‫الزائد ‪ ،information overload‬حيث تقذف‬ ‫املحركات طالب املعلومة بك ّم هائل‬ ‫هذه‬ ‫ّ‬ ‫من الوثائق الإلكرتونية يثبت يف ما بعد �أن‬ ‫معظمها لي�س له مغزى بالن�سبة للمق�صود‬ ‫من طلب البحث‪ ،‬وهو ما �أطلق عليه البع�ض‬ ‫«�ضو�ضاء الإنرتنت»‪ ،‬من �أجل التغلب على‬ ‫هذه امل�شكلة املحورية املتفاقمة‪ .‬يقوم جيل‬ ‫الإنرتنت الثاين على تكنولوجيا «الويب الداليل‬ ‫‪ »Semantic Web‬التي تتعامل مع امل�ضمون‬ ‫الداليل للن�صو�ص ولي�س مع ظاهرها وهذه‬ ‫النقلة النوعية احلا�سمة يف معاجلة الن�صو�ص‬ ‫حمركات بحث ذكية‬ ‫�آلي ًا �سوف مت ّهد لتطوير ّ‬ ‫�أكرث قدرة على انتقاء الوثائق الإلكرتونية ذات‬ ‫املغزى ا�ستناداً �إىل فحواها‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬لقد م ّهد توفّر نظام‬ ‫الإعراب الآيل‪ ،‬ال�سابق الإ�شارة �إليه‪ ،‬لإمكانية‬ ‫حلاق اللغة العربية باملوجة الثانية ملعاجلة‬ ‫اللغات الإن�سانية �آلي ًا‪ ،‬التي تتعامل مع‬ ‫الن�صو�ص داللي ًا‪ ،‬بيد �أن اجلهود توقفت يف‬ ‫هذا ال�صدد‪ ،‬خ�صو�ص ًا �أن العربية تفتقر �إىل‬ ‫عنا�رص البنى التحتية الالزمة ملواكبة الويب‬ ‫الداليل‪ ،‬والتي ت�شمل البحوث اخلا�صة بدرا�سة‬ ‫املعنى اللغوي‪ ،‬وحتويل البنى الرتكيبية �إىل‬

‫مت يف‬ ‫ال�صيغ املنطقية املناظرة لها �أ�سوة مبا ّ‬ ‫اللغات الأخرى مثل الإجنليزية و الفرن�سية ‪.‬‬ ‫�إ�ضافة ملا �سبق‪ ،‬مل ي�رشع �أحد يف بناء معاجم‬ ‫عربية على �أ�سا�س املفاهيم ال الألفاظ‪ ،‬وكما‬ ‫هو معروف ميثل «املفهوم» الوحدة الأ�سا�سية‬ ‫لبناء املعرفة وثيقة ال�صلة باملعنى‪.‬‬ ‫من جانب �آخر‪ ،‬ما زال نحو العربية �أ�سري‬ ‫وحدة اجلملة‪ ،‬ال يتجاوزها �إىل الوحدات اللغوية‬ ‫الأكرب‪ ،‬مثل الفقرة وال�رسد املت�صل‪ ،‬وهو ما ُيع ّد‬ ‫مطلب ًا �أ�سا�سي ًا لالنتقال من البالغة التقليدية‬ ‫القائمة على ثالثية املعاين والبيان والبديع‬ ‫�إىل البالغة اجلديدة �أو ما يعرف ا�صطالح ًا‬ ‫بـ «علم الن�ص» �أو «حتليل اخلطاب ‪discourse‬‬ ‫‪.»analysis‬‬ ‫املعجمية من ال�صنعة �إىل العلم الدقيق‪:‬‬ ‫ان�صب الرتكيز على �صنعة‬ ‫حتى وقت قريب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫املعاجم ‪ ،lexicography‬التي تتعامل مع‬ ‫املعجم على �أنه قائمة من املفردات ومعانيها‬ ‫يت ّم تنظيمها يف �سل�سلة من املدخالت املعجمية‪.‬‬ ‫ونظراً لتعاظم دور املعجم نظري ًا وتطبيقي ًا يف‬ ‫يخ�ص معاجلة اللغات الإن�سانية �آلي ًا‪ ،‬ي�صبو‬ ‫ما ّ‬ ‫ً‬ ‫�أهل املعجم حاليا �إىل االرتقاء به من �صنعة‬ ‫املعاجم �إىل م�صاف العلوم الدقيقة يف ما‬ ‫يعرف بـ «علم املعاجم ‪ .»lexicology‬يتبادل‬ ‫هذا العلم اجلديد �إ�شكالية املعجم ب�صفته �شبكة‬ ‫كثيفة من العالقات التي تربط بني بنى الكلمات‬ ‫ومعانيها وبني معاين الكلمات وم�شتقاتها‬ ‫ومرادفاتها ومت�ضادها‪ .‬ويهدف علم املعاجم‬ ‫ـ �ضمن ما يهدف ـ �إىل تف�سري الآليات الذهنية‬ ‫لتوليد الكلمات وا�ستنباط معانيها‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫يف ما يتعلق باال�ستعارة وما يعرف بـ «الإزاحة‬ ‫الداللية» التي تتناول التغريات التي تطر�أ على‬ ‫معاين الكلمات تو�سيع ًا وت�صنيف ًا‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬ميثّل املعجم العربي‪،‬‬ ‫نظراً العتماده على اجلذور‪ ،‬بنية متع ّددة‬ ‫امل�ستويات زاخرة بالعالقات اال�شتقاقية‬ ‫والداللية‪ ،‬ومل يت ّم �إىل الآن �سرب �أغوار هذه البنية‬ ‫املعرفية اللغوية‪ ،‬وهي مهمة يتعذّر القيام بها‬


‫الف�صل اخلام�س‬ ‫تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي ‪145‬‬

‫بناء املعاجم من ذاكرة املعجم ّيني �إىل‬ ‫ذخائر الن�صو�ص املحو�سبة‪ :‬مل تعد عملية‬

‫املعاجم تعتمد على ح�صيلة املفردات لدى‬ ‫املعجميني‪ ،‬فمهما كان ثراء هذه احل�صيلة ال‬ ‫ميكنها تغطية جميع معاين املعجم‪ ،‬وال مواكبة‬ ‫التغريات التي تطر�أ عليها ب�صورة م�ستمرة‬ ‫ب�سبب الإزاحة الداللية امل�شار �إليها‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫يف ظ ّل الظاهرة احلالية املتفاقمة لالنفجار‬ ‫املعريف‪ .‬لقد �أ�صبح بناء املعاجم يعتمد على ما‬ ‫يعرف بـ «ذخرية الن�صو�ص املحو�سبة ‪comp‬‬ ‫‪ ،»puterized textual corporus‬التي تخزن‬ ‫بها عينة منتقاة على �أ�س�س �إح�صائية بحيث‬ ‫متثل اال�ستخدام الفعلي للغة‪ ،‬وهو ما ميكّن من‬ ‫حتديد معاين الكلمات وفق ًا لل�سياقات الواقعية‬ ‫التي ترد بها داخل الن�صو�ص الواقعية ال وفق ًا‬ ‫ملا يت�ص ّوره املعجم ّيون‪ ،‬وهو �أ�سلوب يتيح‬ ‫اقتفاء التغريات التي تطر�أ على معاين الكلمات‬ ‫والتقاط املعاين اجلديدة التي تكت�سبها من‬ ‫خالل التدفق امل�ستمر لال�ستخدام اللغوي‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬هناك بع�ض املحاوالت‬ ‫لبناء ذخرية للّغة العربية يف اجلزائر‬ ‫وال�سعودية و�سوريا �إال �أنها مل ت�صل بعد �إىل‬ ‫م�ستوى التطبيق العملي‪ ،‬وحتتاج اللغة العربية‬ ‫�إىل جهود من�سقة ومتكاملة لتوثيق ا�ستخدامها‬ ‫مت يف لغات‬ ‫املعا�رص والكال�سيكي �أ�سوة مبا ّ‬ ‫�أخرى مثل الإجنليزية و الفرن�سية ‪ ،‬وغني‬ ‫عن القول �إن جناح م�رشوع املعجم العربي‬ ‫التاريخي الذي �رشع يف بنائه جممع اللغة‬ ‫العربية امل�رصي يتوقف ب�صورة �أ�سا�سية على‬ ‫توفر ذخائر الن�صو�ص املحو�سبة‪.‬‬

‫توليد امل�صطلح من اليدوي �إىل �شبه‬

‫البحث اللغوي من النظري املجرد �إىل‬ ‫البيولوجي املح�سو�س‪� :‬أيقن اجلميع �أن �سرب‬

‫�أغوار اللغز اللغوي لن يتحقق ب�شكل حا�سم‬ ‫من دون �إماطة اللثام عن الأ�سا�س البيولوجي‬ ‫(اجليني) لعمليات الذهن اللغوية‪ ،‬وقد �أقامت‬ ‫�أمريكا واالحتاد الأوروبي واليابان م�رشوعات‬ ‫املخ الب�رشي وما يرتبط به من بحوث‬ ‫لدرا�سة ّ‬ ‫الل�سانيات البيولوجية‪ ،‬وهي املجاالت التي‬ ‫�شهدت تقدم ًا كبرياً بف�ضل الدعم الذي تق ّدمه‬ ‫لها التكنولوجيا الأع�صابية ‪neurotechnolo‬‬ ‫‪.ogy‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬م�ضى العقد الأخري من‬ ‫القرن املا�ضي‪ ،‬والذي �أطلق عليه «عقد املخ»‪،‬‬

‫املعاجم العربية كمعجم «ل�سان‬ ‫العرب»‪ ،‬وحتليل مفرداته �صوتي ًا‬ ‫و�رصفي ًا وتفكيك معانيها �إىل‬ ‫عنا�رصها الداللية الأولية‪ ،‬وذلك‬ ‫مت يف ا�ستغالل املعاجم‬ ‫�أ�سوة مبا ّ‬ ‫الإجنليزية للر�صيد املعجمي للّغة‬ ‫الالتينية‪.‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل ما �سبق‪ ،‬ميكن‬ ‫مت‬ ‫ا�ستخدام النظام �شبه الآيل‪� ،‬إذا ما ّ‬ ‫بنا�ؤه‪ ،‬يف م�سح الن�صو�ص العربية‬ ‫الكال�سيكية‪ ،‬مثل الأغاين للأ�صفهاين‪،‬‬ ‫اللتقاط الكلمات ذات القيمة‬ ‫امل�صطلحية لإثراء الر�صيد املعجمي‬ ‫اال�سرتاتيجي‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫املعلوماتية‬

‫من دون اللجوء �إىل الإمكانات التي توفرها‬ ‫تكنولوجيا املعلومات وما توفره من و�سائل‬ ‫لبناء قواعد البيانات املعجمية‪ .‬عالوة على‬ ‫ما �سبق‪ ،‬يحتاج الأمر �إىل التعمق يف ظاهرة‬ ‫اال�ستعارة التي مل يتزحزح تناولها كثرياً عن‬ ‫املو�ضع الذي تركها فيه عبد القاهر اجلرجاين‬ ‫يف «�أ�رسار بالغته»‪.‬‬

‫الآيل‪ :‬باتت الو�سائل اليدوية عاجزة عن مواجهة‬ ‫تنامي الطلب على امل�صطلحات اجلديدة نتيجة‬ ‫لظاهرة االنفجار املعريف‪ ،‬لذا جل�أت اللغات‬ ‫املتقدمة �إىل ا�ستغالل تكنولوجيا املعلومات‬ ‫يف تطوير نظم �شبه �آلية اللتقاط الكلمات‪� ،‬سواء‬ ‫املفردة �أم املركبة‪ ،‬املر�شحة لت�صبح م�صطلح ًا‬ ‫معتمداً‪ ،‬وي�شمل الدعم التكنولوجي كذلك اقرتاح‬ ‫ميثّل املعجم العربي‪ ،‬بنية‬ ‫ترجمات لهذه امل�صطلحات وفق ًا لع ّدة معايري‬ ‫مثل مدى الوفاء يف نقل املفهوم الذي يحمله متع ّددة امل�ستويات زاخرة بالعالقات‬ ‫اال�شتقاقية والداللية‪ ،‬ومل يت ّم �إىل‬ ‫امل�صطلح‪ ،‬وا�ست�ساغة املقابل املرتجم ‪.‬‬ ‫الآن �سرب �أغوار هذه البنية املعرفية‬ ‫املنظور العربي‪ :‬ما زال العمل امل�صطلحي اللغوية‪ ،‬وهي مهمة يتعذّر القيام‬ ‫العربي يدوي ًا ب�صورة مرت�سخة‪ ،‬وهناك بع�ض بها من دون اللجوء �إىل الإمكانات‬ ‫جهود متناثرة لبناء بنوك م�صطلحات عربية‪ ،‬التي توفرها تكنولوجيا املعلومات‬ ‫ويحتاج الأمر �إىل �إعادة ا�ستخدام (تدوير) وما توفره من و�سائل لبناء قواعد‬ ‫الر�صيد اللغوي الهائل املهجور يف املعاجم البيانات املعجمية‪ .‬عالوة على ما‬ ‫�سبق‪ ،‬يحتاج الأمر �إىل التعمق يف‬ ‫العربية كمعجم «ل�سان العرب» على �سبيل ظاهرة اال�ستعارة‪ ،‬التي مل يتزحزح‬ ‫املثال‪ ،‬وحتليل مفرداته �صوتي ًا و�رصفي ًا تناولها كثرياً عن املو�ضع الذي‬ ‫وتفكيك معانيها �إىل عنا�رصها الداللية تركها فيه عبد القاهر اجلرجاين يف‬ ‫مت يف ا�ستغالل املعجم «�أ�رسار بالغته»‪.‬‬ ‫الأولية‪ ،‬وذلك �أ�سوة مبا ّ‬ ‫الإجنليزية للر�صيد املعجمي للّغة الالتينية‪.‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل ما �سبق‪ ،‬ميكن ا�ستخدام النظام‬ ‫مت بنا�ؤه‪ ،‬يف م�سح الن�صو�ص‬ ‫�شبه الآيل‪� ،‬إذا ما ّ‬ ‫هناك بع�ض جهود متناثرة لبناء‬ ‫العربية الكال�سيكية‪ ،‬مثل الأغاين للأ�صفهاين‪ ،‬بنوك م�صطلحات عربية‪ ،‬ويحتاج‬ ‫اللتقاط الكلمات ذات القيمة امل�صطلحية لإثراء الأمر �إىل �إعادة ا�ستخدام (تدوير)‬ ‫الر�صيد اللغوي الهائل املهجور يف‬ ‫الر�صيد املعجمي اال�سرتاتيجي‪.‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 146‬للتنمية الثقافية‬

‫وكاد ينق�ضي العقد احلايل‪ ،‬الذي �أطلق عليه‬ ‫«عقد ال�سلوك الذهني» من دون �أي اهتمام من‬ ‫قبل البحث اللغوي العربي‪ .‬ويعزو البع�ض هذا‬ ‫الق�صور �إىل عدم توفر الو�سائل التكنولوجية‪،‬‬ ‫ولع ّل ال�سبب الأهم هو غياب التوجه عرب‬ ‫التخ�ص�صات & ‪inter‬‬ ‫التخ�ص�صي ومتع ّدد‬ ‫ّ‬ ‫‪ multi-disciplinary‬الذي ي�سود مثل هذه‬ ‫الدرا�سات‪.‬‬

‫�ساد�س ًا‪ :‬منطلقات وم�رشوعات‬ ‫مقرتحة لتنمية مك ّون اللغة‬

‫مركز متيز بحوث اللغة العربية‬ ‫وحو�سبتها‪�:‬أ�صبحت عملية التطوير اللغوي‬

‫مهمة متع ّددة التخ�ص�صات ي�شارك فيها‬ ‫اللغويون واملعجميون والرتبويون والريا�ضيون‬ ‫واالخ�صائيون واحلا�سوبيون‪ ،‬وقد ان�ضم �إليهم‬ ‫املخ من البيولوجيني ‪ .‬ت�شمل‬ ‫م�ؤخراً علماء ّ‬ ‫مهام املركز املقرتح على �سبيل املثال ال‬ ‫احل�رص ‪:‬‬ ‫• القيام بالدرا�سات اللغوية املقارنة‬ ‫والتقابلية بني العربية ولغات العامل‪.‬‬ ‫• تطوير �أ�ساليب التنظري اللغوي واملعجمي‪.‬‬ ‫• اللحاق بالبحوث احلديثة يف الل�سانيات‬ ‫البيولوجية‪.‬‬ ‫• درا�سة عالقة التنظري للّغة مع التنظري‬ ‫للأدب ‪.‬‬ ‫• حتديث �أ�ساليب درا�سة املجاز‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫ظاهرة اال�ستعارة والإزاحة الداللية يف معاين‬ ‫الكلمات‪.‬‬ ‫• مراجعة �آليات توليد الكلمات يف العربية‪،‬‬ ‫لكونها مازالت �أ�سرية اال�شتقاق من الأ�صل‬ ‫الثالثي ب�صفة �أ�سا�سية‪ ،‬مع �إغفال �آليات توليد‬ ‫الكلمات الأخرى من مزج وتركيب وتعريب ‪.‬‬ ‫• االنتقال من �صفة املعاجم �إىل علم املعاجم‬ ‫املن�ضبط والإ�سهام يف ما يعرف بنحورة‬ ‫املعجم الذهني ‪. mental lexicon‬‬

‫تطوير بحوث التنظري للّغة العربية‪:‬‬

‫ويعتمد ذلك على املنطلقات الرئي�سية‬

‫التالية‪:‬‬ ‫• تتم ّيز اللغة العربية بتو�سيطة ملفتة‬ ‫بني لغات العامل فهي جتمع بني كثري من‬ ‫خ�صائ�ص اللغات الأخرى كاجلمع بني اجلمل‬ ‫اال�سمية والفعلية وت ّت�سم منظومتها بتوازن‬ ‫دقيق‪ ،‬فهي تكره ال�شاذ وال�شارد‪ ،‬ومن �أمثلة‬ ‫ذلك �أن لها ثالث حاالت �إعراب يف حني تخلو‬ ‫الإجنليزية من الإعراب وت�شتمل الرو�سية على‬ ‫�ست حاالت �إعراب وتتطرف اليابانية فلها ‪51‬‬ ‫حالة �إعراب‪ ،‬لذا ميكن ا�ستغالل هذا التو�سط‬ ‫بني لغات العامل من �أجل الإ�رساع يف �س ّد فجوة‬ ‫التنظري من خالل االهتداء ـ �إىل ح ّد االقرتا�ض ـ‬ ‫مت يف اللغات التي تت�شابه مع العربية يف‬ ‫مما ّ‬ ‫ّ‬ ‫بع�ض خ�صائ�صها‪.‬‬ ‫• تع ّدد الر�ؤى ملنظومة اللغة العربية من‬ ‫خالل تطبيق �أكرث من منوذج لغوي عليها‪ ،‬يت ّم‬ ‫انتقا�ؤها بحيث جتمع بني التمركز حول النحو‬ ‫(�أو الرتكيب) والتمركز حول الداللة املنطقية‬ ‫(�أو املعنى تب�سيط ًا)‪.‬‬ ‫• عقد �سل�سلة من الدرا�سات املقارنة والتقابلية‬ ‫من �أجل ا�ستخال�ص اخل�صائ�ص املميزة‬ ‫ملنظومة اللّغة العربية ب�صورة �أكرث عمق ًا من‬ ‫تكرر ذكرها يف اخلطاب‬ ‫تلك اخل�صائ�ص التي ّ‬ ‫اللغوي الراهن مثل عظمة ال�رصف ومرونة‬ ‫النحو وثراء املعجم‪.‬‬ ‫• حتليل دقيق لأهم النماذج اللغوية املحورية‬ ‫لتحديد مدى مالءمتها للّغة العربية على �ضوء‬ ‫اخل�صائ�ص املذكورة ويقرتح يف ذلك �أختيار‬ ‫�أربعة مناذج رئي�سية هي‪:‬‬ ‫• ا�ستخدام تكنولوجيا ذخائر الن�صو�ص‬ ‫املحو�سبة ‪computerized textual corpora‬‬ ‫لتوثيق اللّغة العربية على �أ�سا�س ع ّينة منتقاة‬ ‫من الن�صو�ص املكتوبة والأحاديث امل�سجلة‪،‬‬ ‫بحيث متثّل اال�ستخدام الفعلي للّغة العربية يف‬ ‫املجاالت املختلفة‪ ،‬وتغطي النطاق العري�ض‬ ‫لأ�ساليب الك ّتاب على مدى العامل العربي‪ ،‬على‬ ‫�أن يت ّم جتهيز قواعد ذخائر الن�صو�ص هذه‬ ‫ب�أدوات بحث فعالة يف منت الن�صو�ص العربية‪.‬‬ ‫�إن ذخائر الن�صو�ص �ستربز البنى النحوية‬


‫الف�صل اخلام�س‬ ‫تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي ‪147‬‬

‫املا�سح ال�ضوئي الذكي حلروف العربية‬

‫مت تطوير ما�سح �ضوئي‬ ‫‪ّ :Smart Arabic OCR‬‬ ‫ً‬ ‫حلروف العربية‪ ،‬وقد حقّق �أدا ًء مقبوال يف‬ ‫مت جتميعها من خالل نظم‬ ‫القراءة اجليدة التي ّ‬ ‫الن�رش الإلكرتوين‪ ،‬ولكن ف�شله ثبت بالن�سبة‬ ‫مت جتميعها يدوي ًا‪ ،‬نظراً لأن‬ ‫للن�صو�ص التي ّ‬ ‫هناك ك ّم ًا هائ ًال من املحتوى العربي املطبوع‬ ‫قدمي ًا‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف املجال الثقايف والتعليمي‪.‬‬ ‫وبالتايل ظهرت احلاجة �إىل ما�سح �ضوئي ذكي‬ ‫للحروف العربية لقراءة الن�صو�ص العربية �آلي ًا‪،‬‬ ‫يقوم على دمج ال�شقّ ال�ضوئي لتمييز �أ�شكال‬ ‫احلروف مع النظم الذكية ملعاجلة الن�صو�ص‬ ‫العربية �آلي ًا الكت�شاف حاالت الأخطاء الناجمة‬ ‫عن �أخطاء التمييز ‪.misrecognition‬‬

‫م�صحح الن�صو�ص العربية الأوتوماتي‬ ‫ّ‬ ‫‪Proofreader‬‬

‫‪Arabic‬‬

‫‪:Automatic‬‬

‫�أثبتت التجربة العملية �أن نظم التدقيق الهجائي‬ ‫للّغة العربية امل�ستخدمة يف نظم الن�رش‬ ‫الإلكرتوين مل حتقق الغر�ض املرجو منها �أ�سوة‬ ‫مبا حتقق بالن�سبة للّغة الإجنليزية‪ ،‬ويرجع‬ ‫ذلك �إىل خ�صائ�ص الن�صو�ص العربية النحوية‬ ‫وال�سياقية والرتقيمية‪( .‬مثال‪ :‬هذه جملة‬ ‫جميع كلماتها �سليمة هجائي ًا وخاطئة نحوي ًا‪:‬‬ ‫جاءت الرجل ومع طفلني) من جانب �آخر‪ ،‬ف�إن‬ ‫ت�صحيح الن�صو�ص كما يت ّم يف دور الن�رش‬ ‫والطباعة يتجاوز عملية التدقيق الهجائي‬ ‫والنحوي‪ ،‬بحيث ميكن �أن يفلت من هذا التدقيق‬ ‫الكثري من الأخطاء ذات الأ�سا�س الداليل (مثال‬ ‫«�أ�سعار الفقد» بدال من «�أ�سعار النقد»‪ ،‬غاية من‬ ‫الأ�شجار بد ًال من غابة من الأ�شجار وهكذا‪.)..‬‬ ‫ويهدف امل�رشوع �إىل تطوير نظام خبري يحاكي‬ ‫امل�صحح الب�رشي ي�ستخدم �أدوات لغوية‬ ‫عمل‬ ‫ّ‬ ‫ومعجمية ومناذج �إح�صائية لغوية وما �شابه‪.‬‬ ‫�أنطولوجيا الن�صو�ص الدينية ‪Ontology‬‬ ‫‪ :of Islamic Texts‬ا�ستعداداً لتطبيقات‬

‫املعلوماتية‬

‫والعالقات الداللية التي يجب �أن يركّز عليها‬ ‫التنظري اللغوي‪.‬‬

‫تكنولوجيا «الويب الداليل» ظهر �إىل الوجود ما‬ ‫يعرف بـ «الهند�سة الأنطولوجية» بهدف بناء‬ ‫قواعد املعارف اخلا�صة مبجال معريف معينّ ‪.‬‬ ‫تقوم الأنطولوجيا على «املفهوم» ب�صفته نقطة‬ ‫االنطالق الأ�سا�سية للمعرفة‪ ،‬ويتح ّدد املفهوم‪،‬‬ ‫وتتع ّدد الألفاظ الدالة عليه مثل «العام وال�سنة‬ ‫واحلول»‪ ،‬وقد حقّقت نظم معاجلة الن�صو�ص‬ ‫الدينية كما �أظهر امل�سح درجة من الن�ضج‬ ‫ت�ؤهلها لالنتقال �إىل تطبيقات «الويب الداليل‬ ‫‪ »semantic web‬الذي يهدف �إىل توحيد‬ ‫البنى املفهومية للوثائق الإلكرتونية ب�صورة‬ ‫متكّن من تعاملها مع الروبوتات املعرفية‬ ‫ال�ستخال�ص املعرفة من دون عون ب�رشي‪،‬‬ ‫وتتوفّر حالي ًا �أدوات عملية لبناء ال�سلميات‬ ‫الأنطولوجية ويجري كذلك بناء العديد من‬ ‫الأنطولوجيات ملجاالت املعرفة املختلفة‪،‬‬ ‫فهناك على �سبيل املثال �أنطولوجيا لالقت�صاد‬ ‫وعلم االجتماع واملجال القانوين والت�رشيعي‪.‬‬ ‫ويعترب هذا امل�رشوع منوذج ًا ميكن تكراره‬ ‫ملجاالت خمتلفة من املحتوى العربي‪ ،‬ولي�س‬ ‫هناك �أف�ضل من الن�صو�ص الدينية حالي ًا لتكون‬ ‫هي ر�أ�س حربة املحتوى العربي القتحام عامل‬ ‫الويب الداليل‪.‬‬

‫نظم التدقيق الهجائي للّغة‬ ‫العربية امل�ستخدمة يف نظم الن�رش‬ ‫الإلكرتوين‪ ،‬مل حتقّق الغر�ض املرجو‬ ‫منها �أ�سوة مبا حتقق بالن�سبة للّغة‬ ‫الإجنليزية‪ ،‬ويرجع ذلك �إىل خ�صائ�ص‬ ‫الن�صو�ص العربية النحوية وال�سياقية‬ ‫والرتقيمية‪.‬‬

‫الفهر�سة الذكية للن�صو�ص العربية‬

‫‪ :Smart Arabic Indexing‬هناك بع�ض‬ ‫حماوالت بدائية لتطوير نظم �آلية لفهر�سة‬ ‫الن�صو�ص العربية على �أ�سا�س �إح�صائي‬ ‫ال�ستخال�ص الكلمات املفتاحية الدالة على‬ ‫الن�ص‪� ،‬إال �أنها قد حققت نتائج‬ ‫م�ضمون‬ ‫ّ‬ ‫متوا�ضعة‪ .‬يقوم امل�رشوع املقرتح على دمج‬ ‫الأ�ساليب الإح�صائية باملعاجلات ال�رصفية‬ ‫والنحوية واملعجمية ومكانز املو�ضوعات‬ ‫واملرتادفات واملت�ضادات من �أجل ا�ستخال�ص‬ ‫الكلمات املفتاحية املفردة واملركبة‪ ،‬وميكن‬ ‫اال�ستعانة يف ذلك (بال�شبكة املعجمية العاملية‬ ‫يخ�ص الت�صنيف‬ ‫املعروفة بـ ‪ )Word.net‬يف ما ّ‬ ‫املو�ضوعي للمعاين املختلفة للألفاظ‪.‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 148‬للتنمية الثقافية‬

‫حم ّرك بحث ن�صي متقدم‬

‫املحركات احلالية‬ ‫ال تلبي‬ ‫ّ‬ ‫للبحث يف الن�صو�ص العربية مطالب‬ ‫امل�ستخدم العربي‪ ،‬فهي ا�ستندت ـ‬ ‫�أ�سا�س ًا ـ �إىل �أ�ساليب البحث امل�صممة‬ ‫للّـغة الإجنلـيـزيـة ويحــتاج البحث‬ ‫يف الن�صو�ص العربية‪� ،‬إىل تطوير‬ ‫حمركات بحث متقدمة تقوم على‬ ‫ّ‬ ‫املعاجلات ال�رصفية املعجمية‪،‬‬ ‫وتطبيق �أدوات برجمية لرتتيب نتائج‬ ‫البحث من حيث مغزاها بالن�سبة‬ ‫لطلب البحث‪ ،‬وذلك على �أ�س�س ترتبط‬ ‫بهيكلية ن�صو�ص الوثائق العربية‪.‬‬

‫يتطلّب االرتقاء من نظم‬ ‫معاجلة املعلومات �إىل نظم معاجلة‬ ‫املعارف �رضورة التعامل مع وحدة‬ ‫البناء الأ�سا�سية للمعرفة �أال وهي‬ ‫«املفهوم»‪ ،‬ويتجاوز املفهوم حدود‬ ‫اللفظ �إىل فحوى ال�صيغة اللغوية‪.‬‬

‫العرب �أحوج من غريهم لتطوير‬ ‫نظم متقدمة للرتجمة الآلية نظراً‬ ‫للنق�ص ال�شديد يف املرتجمني‬ ‫الب�رشيني يف جمال الرتجمة العلمية‬ ‫على وجه اخل�صو�ص‪.‬‬

‫‪Advanced‬‬

‫املحركات‬ ‫‪ :Arabic Search Engine‬ال تلبي‬ ‫ّ‬ ‫احلالية للبحث يف الن�صو�ص العربية مطالب‬ ‫امل�ستخدم العربي‪ ،‬بحيث ا�ستندت ـ �أ�سا�س ًا ـ‬ ‫�إىل �أ�ساليب البحث امل�صممة للّغة الإجنليزية‬ ‫يخ�ص‬ ‫والتي تختلف اختالف ًا جذري ًا يف ما‬ ‫ّ‬ ‫بنية الكلمة‪.‬‬ ‫ويحتاج البحث يف الن�صو�ص العربية‪،‬‬ ‫وبخا�صة يف التطبيقات الثقافية والتعليمية‪،‬‬ ‫حمركات بحث متقدمة تقوم على‬ ‫�إىل تطوير ّ‬ ‫املعاجلات ال�رصفية املعجمية‪ ،‬وتطبيق �أدوات‬ ‫برجمية لرتتيب نتائج البحث من حيث مغزاها‬ ‫بالن�سبة لطلب البحث‪ ،‬وذلك على �أ�س�س ترتبط‬ ‫بهيكلية ن�صو�ص الوثائق العربية‪ .‬ي�شتمل‬ ‫نظام البحث املقرتح على و�سيلة �آلية لتحديد‬ ‫الكلمات املفتاحية يف طلب اال�ستفهام الذي‬ ‫يدخله امل�ستخدم ويتيح ذلك التعامل مع قواعد‬ ‫املعلومات باللغة الطبيعية‪.‬‬

‫نظام متقدم لنطق الن�صو�ص العربية‬ ‫املكتوبة ‪ :Advanced Arabic T-T-S‬هناك‬

‫ع ّدة حماوالت بدائية لنطق الن�صو�ص العربية‪،‬‬ ‫�إال �أن الكالم املولّد غري طبيعي وميكانيكي ‪rob‬‬ ‫‪ botic‬وهو ما يحتاج �إىل تطوير نظام متق ّدم‬ ‫لالرتقاء مب�ستوى جودة ال�صوت املولّد �آلي ًا‬ ‫خالل ما يعرف بنقل �أمناط التنغيم ‪intent‬‬ ‫‪ tional transplanting‬عالوة على حت�سني �أداء‬ ‫اخلوارزميات الفونوتيكية الأ�سا�سية لتحويل‬ ‫املكتوب �إىل منطوق‪.‬‬

‫نظام ت�صنيف الوثائق �أتوماتي ًا‪ :‬عادة‬ ‫حمركات البحث عدداً هائ ًال من‬ ‫ما ت�سرتجع ّ‬ ‫الوثائق ال ميكن ا�ستعرا�ضها ولو جزئي ًا‪ ،‬لذا‬ ‫حمركات البحث حتتاج �إىل تدعيمها‬ ‫ف�إن ّ‬ ‫بنظم ذكية لت�صنيف الوثائق �أتوماتي ًا لتجميع‬ ‫املتطابق واملتقارب منها يف جمموعات ت�س ّهل‬ ‫حمركات البحث عملية انتقاء عينات دالة‬ ‫على ّ‬ ‫من كل جمموعة تكفي ـ عاد ًة ـ لتلبية الغر�ض‬ ‫من وراء البحث‪� .‬إ�ضافة �إىل ما ذكر ميكن تطوير‬

‫امل�رشوع تكنولوجي ًا با�ستخدام نظم �آلية لتوقع‬ ‫مو�ضوع الوثيقة ‪ theme prediction‬على‬ ‫�أ�سا�س معدل تكرار الألفاظ الدالة‪.‬‬ ‫البحث على �أ�سا�س املفهوم ‪:concept‬‬ ‫يتطلّب االرتقاء من نظم معاجلة املعلومات‬ ‫‪� Information processing‬إىل نظم معاجلة‬ ‫املعارف ‪� knowledge processing‬رضورة‬ ‫التعامل مع وحدة البناء الأ�سا�سية للمعرفة �أال‬ ‫وهي «املفهوم»‪ ،‬ويتجاوز املفهوم حدود اللفظ‬ ‫�إىل فحوى ال�صيغة اللغوية‪ ،‬فمفهوم «املوت» ـ‬ ‫على �سبيل املثال ـ ميكن �أن يعرب عنه يف اللغة‬ ‫العربية مبا يزيد عن خم�سني �صيغة ال يرد فيها‬ ‫ذكر لفظة «موت» �أو م�شتقاتها‪ ،‬نذكر منها‬ ‫على �سبيل املثال ال احل�رص‪ :‬لقي حتفه‪ ،‬زفّت‬ ‫�إىل امل�سيح‪ ،‬وافته املنية‪ ،‬زهقت روحه‪ ،‬لفظ‬ ‫�أنفا�سه الأخرية‪� ،‬صعدت روحه �إىل �أعلى‪ ،‬غادر‬ ‫دار الفناء �إىل دار البقاء‪ ،‬واعبد ربك حتى ي�أتيك‬ ‫يخ�ص املثال املعطى‪ ،‬تقوم‬ ‫«اليقني»‪ .‬يف ما‬ ‫ّ‬ ‫حمركات البحث على �أ�سا�س املفهوم بتو�سيع‬ ‫ّ‬ ‫نطاق البحث عن كلمة «موت» بكل هذه‬ ‫التعابري الذي يتعذّر على امل�ستخدم الإتيان‬ ‫بها ولو جزئي ًا‪.‬‬

‫تطوير نظم متقدمة للرتجمة الآلية‪:‬‬

‫�أثبتت الرتجمة الآلية جناح ًا ملحوظ ًا يف جمال‬ ‫الرتجمة العلمية يف ع ّدة لغات مثل اليابانية‬ ‫والأملانية‪ ،‬والعرب �أحوج من غريهم لتطوير‬ ‫نظم متقدمة للرتجمة الآلية نظراً للنق�ص‬ ‫ال�شديد يف املرتجمني الب�رشيني يف جمال‬ ‫الرتجمة العلمية على وجه اخل�صو�ص‪ ،‬ناهيكم‬ ‫بعجز الرتجمة الب�رشية عن مواكبة ظاهرة‬ ‫االنفجار املعريف‪.‬‬ ‫توجهان �أ�سا�س ّيان للرتجمة‬ ‫هناك حالي ًا ّ‬ ‫التوجه الإح�صائي الذي يولّد ترجمة‬ ‫الآلية هما ّ‬ ‫وتوجه قائم على‬ ‫تقريبية‬ ‫متخ�ص�صة اجلودة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫�صياغة قواعد النحو ب�أ�سلوب ريا�ضي‪ ،‬وهو‬ ‫يولد ترجمة متو�سطة امل�ستوى‪ .‬يجري حالي ًا‬ ‫االنتقال �إىل الرتجمة الآلية القائمة على‬


‫الف�صل اخلام�س‬ ‫تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي ‪149‬‬

‫�سابع ًا‪ :‬تنمية مك ّون الرتبية يف‬ ‫ثقافة ع�رص املعلومات‬ ‫ ‬

‫�أهمية الرتبية يف ثقافة ع�رص املعلومات‬ ‫�أهمية الرتبية جمتمعي ًا‪ :‬يف ع�رص‬

‫املعلومات �أ�صبحت التنمية مرادفة للرتبية‪،‬‬ ‫وعليه فالتنمية امل�ستدامة تعني تربية‬ ‫م�ستدامة يف املقام الأول‪ .‬وتلعب الرتبية دوراً‬ ‫هام ًا يف �إحداث التما�سك بني �أفراد املجتمع‬ ‫وفئاته املختلفة من خالل تنمية الوعي‬ ‫و�إ�شاعة املعرفة‪ .‬وهذا التما�سك �رشط �أ�سا�سي‬ ‫يف حتقيق الذكاء اجلمعي الذي تتوقف عليه‬ ‫قدرة املجتمع كك ّل على التناف�س يف ع�رص‬ ‫املعلومات‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬العامل العربي �أحوج‬ ‫من غريه �إىل تبني مفهوم التنمية امل�ستدامة؛‬ ‫فما زالت الرتبية العربية �أ�سرية منوذج التعليم‬ ‫القائم على التمدر�س �أ�سا�س ًا من دون النظر �إليه‬ ‫ب�صورة �أ�شمل يف �إطار ر�ؤية متكاملة لعملية‬ ‫التنمية‪ .‬من زاوية �أخرى تعاين الكثري من‬ ‫املجتمعات العربية من ت�شظي نظم التعليم فيها‬ ‫�إىل درجة �أ�صبحت ته ّدد التما�سك االجتماعي‬ ‫الكلّي وحت ّد كثرياً من قدرة هذه املجتمعات‬ ‫على ح�شد الذكاء اجلمعي‪ ،‬وهو مفهوم ما زال‬ ‫غائب ًا عن �أفق الر�ؤية الرتبوية العربية‪.‬‬ ‫�أهمية الرتبية اقت�صادي ًا‪� :‬أثبتت درا�سات‬ ‫عديدة قامت بها منظمات دولية و�إقليمية‬ ‫االرتباط الوثيق بني الرتبية والنم ّو االقت�صادي‬ ‫و�أن اال�ستثمارات يف املجاالت كافة ال ت�ؤتي‬ ‫ثمارها �إذا ما ن�أت عن اال�ستثمار يف تنمية‬ ‫العن�رص الب�رشي‪ .‬لقد �أ�صبح جناح م�ؤ�س�سات‬ ‫الإنتاج واخلدمات وقدرتها على التناف�س يف‬

‫الرتبية �شاغل اجلميع يف ع�رص‬ ‫املعلومات‪ :‬لقد �أ�صبح التعلّم �شاغل اجلميع‪،‬‬

‫وهو �شاغل الدول املتقدمة حفاظ ًا على الريادة‬ ‫والتناف�سية‪ ،‬و�شاغل الدول النامية �أم ًال يف‬ ‫اللحاق بالركب‪� ،‬أو بدافع غريزة حب البقاء‪ .‬لقد‬ ‫�أ�صبح �سباق التعلّم من �أبرز مظاهر التناف�س‬ ‫الدويل �إىل احل ّد الذي �أ�صبحت فيه نتائج‬ ‫امل�سابقات الأوملبية الأكادميية لقيا�س م�ستوى‬ ‫التح�صيل العلمي لدى ال�صغار �ضمن بنود‬ ‫�أجندة الأمن القومي‪ ،‬وتظهر الواليات املتحدة‬ ‫انزعاج ًا �شديداً من فجوة تربوية «با�سيفيكية»‬ ‫باتت تف�صل بينها وبني اليابان وبع�ض‬ ‫دول حافة البا�سيفيك بعد �أن �أظهرت نتائج‬ ‫هذه امل�سابقات‪ :‬تخلّف ال�صغار الأمريكيني‬ ‫عن �أقرانهم الآ�سيويني يف جماالت اللغة‬ ‫والريا�ضيات والعلوم‪ .‬وتكفي هنا الإ�شارة �إىل‬ ‫مقولة الرئي�س الأمريكي ال�سابق بيل كلينتون‪:‬‬ ‫«�إن حكومتنا تف�شل عندما تف�شل مدار�سنا»‪.‬‬ ‫�أما بريطانيا العظمى فتظهر اهتمام ًا‬ ‫بالتعلّم الذاتي بغية ا�ستعادة جمدها القدمي‪،‬‬ ‫وقد بادرت ب�إن�شاء �أول وزارة متخ�ص�صة‬

‫املعلوماتية‬

‫املعرفة‪ ،‬والتي تعتمد على ما يعرف بنظم الفهم‬ ‫الن�ص املطلوب‬ ‫الأتوماتي لتحليل م�ضمون‬ ‫ّ‬ ‫ترجمته داللي ًا بحيث يك�شف عن عالقات‬ ‫املعنى وم�سارات التما�سك ال�سياقي والرتابط‬ ‫املنطقي‪ ،‬وهو املدخل الأ�صيل للرتجمة اجلادة‪،‬‬ ‫وهو ما ينبغي اللحاق به يف مراحله املبكرة ‪.‬‬

‫ظل اقت�صاد املعرفة رهن ًا بتحولها �إىل م� ّؤ�س�سات‬ ‫متعلّمة‪ ،‬ت�ستطيع ا�ستغالل املعارف واخلربات‬ ‫لدى خربائها‪ ،‬ون�رشها وتوزيعها يف �أرجاء‬ ‫امل�ؤ�س�سة كافة‪ ،‬وتنمية القدرات الإبداعية على‬ ‫جميع امل�ستويات بدءاً من القيادات الإدارية‬ ‫و�أنتها ًء بعمالة املهارات الدنيا‪.‬‬ ‫يف�ضل معظم م� ّؤ�س�سات‬ ‫املنظور العربي‪ّ :‬‬ ‫الأعمال يف بلدان اخلليج العربي التعامل‬ ‫مع العمالة اجلاهزة املكتملة الت�أهيل‪،‬‬ ‫وتن�أى هذه امل� ّؤ�س�سات عن اال�ستثمار يف‬ ‫يخ�ص‬ ‫جمال تنمية العن�رص الب�رشي يف ما‬ ‫ّ‬ ‫العمالة الوافدة نظراً للطابع ال�سائد يف عدم‬ ‫ا�ستقرارها‪ ،‬وبخا�صة يف ما يتعلّق بعمالة‬ ‫تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت التي ت ّت�سم‬ ‫مبرونة هائلة يف تنقّلها نظراً ملا توفره هذه‬ ‫التكنولوجيا من نظم عمل قيا�سية‪ ،‬واحتياجها‬ ‫موحدة لي�ست ح�سا�سة لتغري بيئة‬ ‫ملهارات ّ‬ ‫العمل‪.‬‬

‫تعاين الكثري من املجتمعات‬ ‫العربية من ت�شظي نظم التعليم فيها‬ ‫�إىل درجة �أ�صبحت ته ّدد التما�سك‬ ‫االجتماعي الكلّي وحت ّد كثرياً من‬ ‫قدرة هذه املجتمعات على ح�شد‬ ‫الذكاء اجلمعي‪ ،‬وهو مفهوم ما‬ ‫زال غائب ًا عن �أفق الر�ؤية الرتبوية‬ ‫العربية‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 150‬للتنمية الثقافية‬

‫�أ�صبح �سباق التعلّم من �أبرز‬ ‫مظاهر التناف�س الدويل‪� ،‬إىل احل ّد‬ ‫الذي �أ�صبحت فيه نتائج امل�سابقات‬ ‫الأوملبية الأكادميية لقيا�س م�ستوى‬ ‫التح�صيل العلمي لدى ال�صغار �ضمن‬ ‫بنود �أجندة الأمن القومي‪ ،‬وتظهر‬ ‫الواليات املتحدة انزعاج ًا �شديداً‬ ‫من فجوة تربوية «با�سيفيكية» باتت‬ ‫تف�صل بينها وبني اليابان وبع�ض‬ ‫دول حافة البا�سيفيك‪ ،‬بعد �أن �أظهرت‬ ‫نتائج هذه امل�سابقات‪ ،‬تخلّف ال�صغار‬ ‫الأمريكيني عن �أقرانهم الآ�سيويني يف‬ ‫جماالت اللغة والريا�ضيات والعلوم‪.‬‬

‫للتعليم امل�ستمر مدى احلياة‪ ،‬وللأقطار الأوربية‬ ‫املتقدمة الأخرى باع طويلة على �صعيد التعلّم‬ ‫بتو�سعها يف �إن�شاء اجلامعات املفتوحة ومنح‬ ‫�شهادات الدرجات العلمية العالية من خالل‬ ‫نظام التعليم عن بعد‪ ،‬و�أخرياً وبالن�سبة لليابان‬ ‫التي تدين بنه�ضتها احلالية �إىل حركة الإ�صالح‬ ‫التعليمي ال�شامل يف نهاية القرن التا�سع‬ ‫الكرة يف بناء جمتمع تعلّم‬ ‫ع�رش‪ ،‬نراها تعاود ّ‬ ‫منوذجي با�ستغالل الإمكانيات التي توفّرها‬ ‫تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬بد�أ التعليم يحظى برتبة‬ ‫�أعلى على �أجندة التنمية يف كثري من الأقطار‬ ‫العربية وكذلك يف جمل�س التعاون لدول‬ ‫اخلليج‪ ،‬وقد �أدرجت م�س�ألة تطوير التعليم للمرة‬ ‫الثانية يف �أجندة القمة العربية الأخرية التي‬ ‫عقدت يف دم�شق‪.‬‬

‫توجهات م�ستقبلية للرتبية يف ع�رص‬ ‫ّ‬ ‫املعلومات‬

‫من التعليم �إىل التعلّم مدى احلياة‪ :‬لقد‬ ‫توجه ًا‬ ‫�أم�سى �شعار «التعلّم من املهد �إىل الّلحد» ّ‬ ‫�أ�سا�سي ًا تفر�ضه مطالب احلياة يف جمتمع‬ ‫املعرفة‪ .‬فقد ولىّ �إىل الأبد ع�رص التعليم املغلق‬ ‫واملنغلق‪ ،‬املحدود مكان ًا باملدر�سة‪ ،‬واملحدود‬ ‫زمان ًا مبراحل العمر املبكرة‪ ،‬واملحدود نطاق ًا‬ ‫التخ�ص�ص ال�ضيقة‪ ،‬ليح ّل حملّه‬ ‫يف جماالت‬ ‫ّ‬ ‫التعلّم مدى احلياة‪ ،‬وعلى ات�ساعه‪ ،‬حيث ميتزج‬ ‫التعليم والتعلّم �أثناء العمل والتعلّم يف �أوقات‬ ‫الفراغ‪ ،‬وت�صبح الرغبة يف التعلّم متج ّددة‬ ‫ي�صعب �إ�شباعها‪ .‬وبينما كانت الدرا�سة اجلامعية‬ ‫مبثابة مرحلة التعليم النهائية‪� ،‬أ�صبحت الآن‬ ‫بداية لرحلة تعلّم على امتداد احلياة‪ .‬وكرث‬ ‫احلديث عن اجلامعات املفتوحة‪ ،‬وجامعات‬ ‫الهواء الطلق‪ ،‬وجامعات بال جدران‪ ،‬ومدار�س‬ ‫بال �أ�سوار‪ ،‬وجامعات �شعبية‪ ،‬وجامعات‬ ‫ع ّمالية و�صناعية‪ ،‬وجامعات العمر الثالث‪،‬‬ ‫ومراكز املعرفة الريفية‪ .‬والتعليم الذاتي مدى‬ ‫احلياة يتطلّب اهتمام ًا خا�ص ًا برتبية الطفولة‬ ‫بحيث يتوقف عليها جناح الفرد يف حياته‬

‫التعليمية امل�ستقبلية‪ ،‬وقد تنامى االهتمام‬ ‫برتبية الطفولة م�ؤخراً يف املجتمعات العربية‬ ‫�إال �أنها مازالت تفتقد �إىل ا�ستخدام الو�سائل‬ ‫التكنولوجية احلديثة يف هذا املجال‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬التعلّم مدى احلياة‬ ‫م�س�ؤولية املجتمع كك ّل ال امل�ؤ�س�سة الرتبوية‬ ‫وحدها‪ ،‬وهو �أمر يتطلّب خطاب ًا تربوي ًا مغايراً‬ ‫ولي�س جمرد �إ�ضافة الّلم�سة املعلوماتية ـ كما‬ ‫خطط للتنمية الرتبوية‬ ‫�سعى البع�ض ـ على‬ ‫ٍ‬ ‫مت و�ضعها قبل الثورة املعلوماتية‪� .‬إن هذا‬ ‫ّ‬ ‫اخلطاب ال ب ّد �أن ينطلق من ر�ؤية تربوية ي�سهم‬ ‫يف و�ضعها وبلورتها جميع �أ�صحاب امل�صلحة‪،‬‬ ‫ر�ؤية ت�ؤكّد على �رضورة التن�سيق‪� ،‬إىل ح ّد‬ ‫قريب من التكامل‪ ،‬بني امل�ؤ�س�سات الرتبوية‬ ‫والإعالمية والثقافية‪ ،‬وكذلك م�ؤ�س�سات �إدارة‬ ‫الأعمال ومنظمات املجتمع املدين‪ ،‬وال ب ّد لهذه‬ ‫الر�ؤية �أن ت�أخذ يف اعتبارها عزوف معظم‬ ‫املتعلّمني العرب على اختالف م�ستوياتهم عن‬ ‫موا�صلة م�سرية تعلّمهم لعدم �إميانهم بجدوى‬ ‫التعليم �أ�ص ًال‪ ،‬وكذلك عزوف م� ّؤ�س�سات القطاع‬ ‫اخلا�ص عن اال�ستثمار يف تنمية مواردها‬ ‫الب�رشية‪.‬‬

‫من معرفة املاهية �إىل معرفة الكيفية‪:‬‬

‫ركّز تعليم املا�ضي على «ماذا تعرف؟»‪ ،‬ال‬ ‫«كيف تعرف؟»‪ .‬مع ظاهرة االنفجار املعريف‬ ‫انقلب الو�ضع؛ �إذ �أ�صبحت الأولوية للكيفية التي‬ ‫نح�صل بها على املعرفة‪ ،‬وكيفية �إتقان �أدوات‬ ‫التعامل معها‪ ،‬ال ماذا تت�ضمنه هذه املعرفة‬ ‫من معلومات ومهارات وخربات‪� .‬إن التعليم‬ ‫يف ع�رص املعلومات هي �أن نعلّم الفرد كيف‬ ‫يتعلّم ذاتي ًا‪ ،‬والثقافة يف ع�رص املعلومات هي‬ ‫فن ممار�سة احلياة يف ظ ّل بدائل هذا الع�رص‬ ‫العديدة ومتغرياته الهادرة‪ .‬وجميع هذه الأمور‬ ‫ـ بال ا�ستثناء ـ تتطلب تغيرياً جذري ًا يف عالقة‬ ‫الإن�سان باملعرفة يف دورتها الكاملة‪� :‬إملام ًا‬ ‫وا�ستيعاب ًا وتوظيف ًا و�إنتاج ًا‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬كما هو معروف‪ ،‬يكتظّ‬ ‫معظم مناهجنا مبادة تعليمية مت�ضخمة‪ ،‬على‬ ‫ح�ساب تنمية مهارات التفكري‪ .‬وتتوقف دورة‬


‫الف�صل اخلام�س‬ ‫تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي ‪151‬‬

‫من التعامل مع عامل الواقع �إىل عوامل‬ ‫الف�ضاء املعلوماتي‪ :‬مع التو�سع يف ا�ستخدام‬

‫تكنولوجيا املعلومات‪ ،‬يزداد التعامل مع‬ ‫واقع احلياة من خالل الو�سيط الإلكرتوين‪ ،‬من‬ ‫�شا�شات العر�ض وو�سائل االت�صال والتحكّم‪.‬‬ ‫ومع انت�شار الإنرتنت‪ ،‬مل يعد تعامل الفرد‬ ‫حم�صوراً يف عامل الواقع فقط؛ بل يزداد تعامله‪،‬‬ ‫يوم ًا بعد يوم‪ ،‬مع العوامل اخلائلية التي يزخر‬ ‫بها الف�ضاء املعلوماتي‪ ،‬عوامل من �صنع �أن�ساق‬ ‫الرموز‪ ،‬ميار�س فيها الفرد كثرياً من �أن�شطة‬ ‫حياته اليومية‪ ،‬وميار�س فيها خربات غري‬ ‫م�سبوقة‪ .‬وال �شكّ �أن ت�أهيل الفرد للتعامل مع‬ ‫هذه العوامل اخلائلية‪ ،‬يتطلّب �إك�سابه معارف‬ ‫ومهارات مغايرة لتلك التي يحتاجها يف‬ ‫التعامل مع دنيا الواقع‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬ممّ ا ال �شك فيه‪� ،‬أن‬ ‫الغرب املتقدم �ستتاح له فر�ص �أكرب لإقامة‬ ‫عوامل خائلية‪ ،‬يكت�سب من خاللها خربات‬ ‫جديدة‪ ،‬ويجري بها جتارب الختبار فاعلية‬ ‫و�سائله وخمططاته التي ال ندري عنها �شيئ ًا‪،‬‬ ‫و�سي�ؤدي ذلك ـ بدوره ـ �إىل فجوة تف�صل بيننا‬ ‫وبينه‪ ،‬يف م�ستوى الوعي بحقائق العامل‪ :‬واقعه‬ ‫وخائله‪ ،‬وذلك عالوة على املخاطر املحتملة‬ ‫لأن يطبق علينا ما ت�سفر عنه جتاربه اخلائلية‪،‬‬ ‫ولو بغر�ض ت�سويق م�ستهلكاته �إلينا‪.‬‬ ‫من الفردي �إىل التكافلي‪ :‬يتطلّب ذلك‪،‬‬ ‫من تربية ع�رص املعلومات‪ ،‬االهتمام بتنمية‬ ‫مهارات التوا�صل والتفاو�ض الثقايف‪ ،‬وتنمية‬ ‫القدرة على الإقناع وهند�سة احلوار‪ ،‬و�إبرام‬

‫املعلوماتية‬

‫اكت�سابنا للمعرفة ـ عاد ًة ـ عند حدود الإملام‬ ‫بها من دون توظيف لها؛ وهو الأمر الذي‬ ‫يجعلها عر�ضة لل�ضياع والتب ّدد‪ .‬وي�شكو معظم‬ ‫طالبنا من نق�ص �شديد يف مهارات البحث عن‬ ‫املعرفة‪ ،‬وطرق متثيلها منهجي ًا من جهة‪ ،‬ومن‬ ‫عر�ضها وت�سويقها من جهة �أخرى‪ .‬ولكي يتمكّن‬ ‫املدر�س العربي من تنمية مهارات التفكري لدى‬ ‫طالبه‪ ،‬ال ب ّد �أن يكون هو نف�سه مالك ًا لها‪ ،‬ومل ّم ًا‬ ‫ب�أ�سا�سيات نظرية املعرفة وفل�سفتها‪ ،‬وتاريخ‬ ‫تطور الفكر الإن�ساين وحتدياته الراهنة‪.‬‬

‫ال�صفقات املتوازنة‪ ،‬ويتطلّب كذلك تنمية‬ ‫مهارات القيادة و�إدارة امل�رشوعات‪ ،‬وامل�شاركة‬ ‫يف املوارد‪ ،‬وتبادل الآراء واخلربات‪ ،‬وكيفية‬ ‫خلق التوازن بني نزعة التناف�س‪ ،‬وتنمية روح‬ ‫التعاون ت�أكيداً لأهمية املزج بني التناف�س‬ ‫والتعاون‪ ،‬فقد �صكّ البع�ض امل�صطلح «‪co-‬‬ ‫‪ »opetition‬ليمزج بني ‪ competition‬و‪co-ope‬‬ ‫‪.eration‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬من �أ�صعب التحديات‬ ‫الرتبوية يف هذا املجال‪ ،‬هو تنمية العمل بروح‬ ‫الفريق‪ ،‬خ�صو�ص ًا �أن معظم طالبنا ي�شكون‬ ‫من �ضمور مهارات التوا�صل اللغوي؛ وذلك‬ ‫كنتيجة لآفة التلقي ال�سلبي التي تعاين منها‬ ‫نظم تعليمنا‪ .‬ويحتاج ذلك من الرتبية العربية‬ ‫تغيرياً جوهري ًا يف تعليم اللغات عموم ًا‪ ،‬واللغة‬ ‫العربية بوجه خا�ص‪ ،‬وكذلك التنويع يف �أمناط‬ ‫تقدمي املادة التعليمية؛ بحيث ت�شمل بجانب‬ ‫املحا�رضات‪ ،‬الندوات وحلقات النقا�ش‪ .‬ويع ّد‬ ‫تعميم منوذج اجلامعة العربية‪ ،‬ومنوذج الأمم‬ ‫املتحدة ‪،MUN:Model United Nations‬‬ ‫يف املدار�س واجلامعات‪ ،‬من الو�سائل اجلذابة‬ ‫لتنمية مهارات احلوار والتفاو�ض‪.‬‬ ‫بارادمي تربوي جديد‪ :‬تتطلب تربية ع�رص‬ ‫املعلومات بارادمي ًا ‪ paradigm‬تربو ّي ًا جديداً‬ ‫يقوم على الأ�س�س التالية‪:‬‬ ‫• مراعاة الوحدة املركبة للطبيعة الإن�سانية‪:‬‬ ‫من حيث كون الإن�سان كائن ًا فيزيائي ًا‬ ‫وبيولوجي ًا ونف�سي ًا وثقافي ًا واجتماعي ًا‬ ‫وتاريخي ًا؛ وهي الوحدة املعرفية التي �ش ّتتتها‬ ‫مناهج التعليم ما بني املواد الدرا�سية املختلفة‬ ‫�إىل درجة تعوق ـ ب�شدة ـ �إدراك ما يعنيه الكائن‬ ‫الإن�ساين �أ�ص ًال‪.‬‬ ‫• االهتمام برتبية الطفولة والتخل�ص من‬ ‫املفاهيم اخلاطئة عن كيفية تعلّم الأطفال‬ ‫وطابع �إبداعهم‪.‬‬ ‫• التوازن بني العنا�رص الرتبوية‪ :‬ونق�صد بذلك‬ ‫التوازن بني ثالثية العلمي والتكنولوجي‪،‬‬ ‫الأخالقي والثقايف‪ ،‬االقت�صادي واالجتماعي‪.‬‬ ‫وم�صدر الإ�شكالية هنا وجود قدر ال ي�ستهان به‬

‫يكتظّ معظم مناهجنا مبادة‬ ‫تعليمية مت�ضخمة‪ ،‬على ح�ساب‬ ‫تنمية مهارات التفكري‪ .‬وهو الأمر‬ ‫الذي يجعلها عر�ضة لل�ضياع‬ ‫والتب ّدد‪ .‬وي�شكو معظم طالبنا من‬ ‫نق�ص �شديد يف مهارات البحث عن‬ ‫املعرفة‪ ،‬وطرق متثيلها وعر�ضها‬ ‫املدر�س‬ ‫وت�سويقها‪ .‬ولكي يتمكّن‬ ‫ّ‬ ‫العربي من تنمية مهارات التفكري‬ ‫لدى طالبه‪ ،‬ال ب ّد �أن يكون هو نف�سه‬ ‫مالك ًا لها‪ ،‬ومل ّم ًا ب�أ�سا�سيات نظرية‬ ‫املعرفة‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 152‬للتنمية الثقافية‬

‫�أ�صبح املتعلّم حمور العملية‬ ‫التعليمية‪ ،‬وذلك بعد �أن �أ�صبحت‬ ‫القدرة على موا�صلة التعلّم ذاتياً‪،‬‬ ‫ال التعليم‪ ،‬هي �أ�سا�س تربية ع�رص‬ ‫املعلومات‪ .‬وتعني حمورية املتعلّم‬ ‫هذه الرتكيز على احتياجات املتعلّم‪،‬‬ ‫و�إ�ضفاء الطابع الفردي ال�شخ�صي‬ ‫على عملية التعليم‪ ،‬ومراعاة خلفيته‬ ‫املعرفية وما يف حوزة عقله من‬ ‫مفاهيم‪.‬‬

‫من تعار�ض التوجهات �أو امل�صالح ‪� -‬إن جاز‬ ‫القول ‪ -‬بني هذه العنا�رص الثالثة‪ .‬وال �شك �أن‬ ‫هذا التعار�ض يكمن وراء بع�ض املتناق�ضات‬ ‫الوارد ذكرها �أعاله‪.‬‬ ‫• التمحور حول املتعلّم‪� :‬أ�صبح املتعلّم حمور‬ ‫العملية التعليمية‪ ،‬وذلك بعد �أن �أ�صبحت‬ ‫القدرة على موا�صلة التعلّم ذاتي ًا‪ ،‬ال التعليم‪،‬‬ ‫هي �أ�سا�س تربية ع�رص املعلومات‪ .‬وتعني‬ ‫حمورية املتعلّم هذه الرتكيز على احتياجات‬ ‫املتعلّم‪ ،‬و�إ�ضفاء الطابع الفردي ال�شخ�صي على‬ ‫عملية التعليم‪ ،‬ومراعاة خلفيته املعرفية وما‬ ‫يف حوزة عقله من مفاهيم‪� ،‬صائبة كانت �أم‬ ‫خاطئة‪� .‬إن التمحور حول املتعلّم‪� ،‬سيغيرّ من‬ ‫طبيعة العالقات البين ّية التي تربط رباعية‪:‬‬ ‫املتعلّم ـ املعلّم ـ املنهج ـ املنهجيات‪ .‬و�سيتطلّب‬ ‫�أي�ض ًا بنية تعليمية متجاوبة مع مطالب‬ ‫املتعلّم وقدراته‪� .‬أما بالن�سبة للمعلم فيجب �أن‬ ‫توفر له هذه البيئة التعليمية مزيداً من احلرية‬ ‫يف اختيار مادة الدرا�سة‪ ،‬و�أ�سلوب تقدميها‬ ‫وعر�ضها‪ ،‬وكذلك يف تقومي �أداء طلبته‪.‬‬ ‫• التخلّ�ص من نزعات التع�صب والعنف‪:‬‬ ‫يتطلب ذلك من تربية ع�رص املعلومات‬ ‫االهتمام بتدري�س تاريخ احل�ضارات‪ ،‬والدين‬ ‫املقارن‪ ،‬وت�شجيع مهارات احلوار عرب الإنرتنت‪،‬‬ ‫والت�صدي للعنف الرتفيهي لو�سائل الإعالم‬ ‫اجلماهريي‪ ،‬وذلك بالإ�ضافة �إىل ا�ستخدام‬ ‫�أ�ساليب علم النف�س الرتبوي‪ ،‬بغية تخلي�ص‬ ‫ال�صغار والكبار من النزعات العدوانية والقبلية‬ ‫وكره الأجنبي‪ ،‬واخلوف من الغريب‪ ،‬وما �شابه‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬ال �شك �أن ح�ضارتنا‬ ‫وثقافتنا العربية تتم ّتع بقدر هائل من‬ ‫الت�سامح‪ ،‬ونبذ العنف والتع�صب‪ .‬لذا‪ ،‬ف�إن‬ ‫الرتبية العربية يف ع�رص املعلومات ال ب ّد �أن‬ ‫ترت ّد �إىل �أ�صولها الثقافية واحل�ضارية؛ من‬ ‫�أجل التخل�ص من نزعات التع�صب التي �أخذت‬ ‫تت�سلّل �إىل قاعات درو�سنا‪.‬‬ ‫يخت�ص علم‬ ‫نحو نظرة نقدية للرتبية‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫اجتماع الرتبية بو�ضع الأ�س�س العادلة التي‬

‫يت ّم بناء عليها انتقاء املعرفة‪ ،‬وتنظيمها‪،‬‬ ‫وتوزيعها داخل املدر�سة‪ ،‬وكيف ميكن �أن تعمل‬ ‫�آليات التفاعل االجتماعي خارج املدر�سة على‬ ‫تقوي�ض هذه الأ�س�س مبا يجعل من املعرفة‬ ‫الرتبوية م�س�ألة اجتماعية و�سيا�سية‪ ،‬ولي�س‬ ‫م�س�ألة فنية ومو�ضوعية فح�سب‪ .‬ويركّز‬ ‫املنحى النقدي لعلم اجتماع الرتبية على‬ ‫درا�سة �أو�ضاع الفئات االجتماعية املقهورة‪،‬‬ ‫وتعرية �آليات توظيف املعرفة اجتماعي ًا‬ ‫ك�سالح �أيديولوجي بهدف حتقيق ال�سيطرة‪،‬‬ ‫وتربير ممار�سات ال�سلطة‪ ،‬وتر�سيخ العالقات‬ ‫االجتماعية القائمة و�إعادة �إنتاجها‪ .‬وكعالج‬ ‫لهذا اخللل االجتماعي ذي الأ�سا�س املعريف‪،‬‬ ‫ت�سعى املدر�سة النقدية لعلم اجتماع الرتبية‬ ‫�إىل ا�ستحداث �أ�ساليب بديلة للفكر‪ ،‬و�أ�شكال‬ ‫جديدة للفهم‪ ،‬و�أمناط خمتلفة لل�سلوك‪ ،‬و�أبعاد‬ ‫جديدة للمعرفة مغايرة لتلك التي ت�ساندها نظم‬ ‫الرتبية املوالية لل�سلطة احلاكمة‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬الفكر الرتبوي العربي‬ ‫فكر غري ناقد‪ ،‬ومل ينجح يف حتويل امل�س�ألة‬ ‫الرتبوية �إىل م�س�ألة اجتماعية‪ ،‬على الرغم من‬ ‫ك ّل املتغريات املعلوماتية وال�ضغوط التي‬ ‫متار�سها العوملة‪ .‬لقد بد�أت املجتمعات العربية‬ ‫تعاين بدرجات متفاوته من فجوة تربوية‬ ‫ميكن �أن تفرز طيف ًا م�ستحدث ًا من الطبق ّيات‬ ‫ذات الأ�سا�س املعريف‪ ،‬والتي من املفرت�ض‬ ‫�أن تن�شغل بها املدر�سة النقدية لعلم اجتماع‬ ‫الرتبية كق�ضية حمورية ب�صفتها �أهم �أ�سباب‬ ‫الفجوة املعرفية‪ ،‬و�أخطر عواقبها يف الوقت‬ ‫ذاته‪.‬‬

‫منطلقات وم�رشوعات مقرتحة لتنمية‬ ‫مك ّون الرتبية‬

‫مركز مت ّيز التكنولوجيا اخلائلية‪ :‬تع ّد‬ ‫تكنولوجيا الواقع اخلائلي ‪Virtual Reali‬‬ ‫‪� ity‬أكرث التكنولوجيات الواعدة يف تطوير‬ ‫الربجميات التعليمية والرتفيهية والإعالمية ‪.‬‬ ‫ت�شمل مهام املركز املقرتح‪:‬‬ ‫بلورة �أ�ساليب ت�صميم النظم اخلائلية يف‬


‫الف�صل اخلام�س‬ ‫تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي ‪153‬‬

‫جامعات واقعية �أكرث وجامعات‬ ‫خائلية �أقلّ‪ :‬تزايد عدد اجلامعات يف البلدان‬

‫العربية حتى جتاوز ‪ 400‬جامعة‪ ،‬بيد �أنه‬ ‫مازالت هناك حاجة �إىل املزيد منها‪ ،‬كما يدلّ‬ ‫على ذلك انخفا�ض م�ؤ�رش الت�سجيل اجلامعي‪.‬‬ ‫يف املقابل‪� ،‬رشعت بع�ض البلدان العربية مثل‬ ‫ال�سعودية وتون�س وم�رص و�سوريا يف �إقامة‬ ‫جامعات خائلية ‪ Virtual‬من دون �أي تن�سيق‬ ‫بينها‪ .‬واجلامعات اخلائلية لي�ست بحاجة �إىل‬ ‫التكرار بقدر ما هي بحاجة �إىل ح�شد الإمكانيات‬ ‫والتخ�ص�صات‪ ،‬وميكن التحّ اد‬ ‫وتوزيع الأدوار‬ ‫ّ‬ ‫اجلامعات العربية التابع للجامعة العربية �أن‬ ‫يقوم بدور حمور التن�سيق يف هذا ال�صدد‪.‬‬

‫متخ�ص�ص يف بحوث التعليم‬ ‫مركز‬ ‫ّ‬ ‫امل�ستمر‪ :‬كما �أ�سلفنا ف�إن تنفيذ �سيا�سة التعليم‬

‫ي�ضطلع بها‬ ‫امل�ستمر عملية معقدة ال ب ّد �أن ّ‬ ‫املجتمع ب�أ�رسه‪ ،‬ويتطلّب تكاتف العديد من‬ ‫التخ�ص�صات و�أ�صحاب امل�صلحة‪ .‬ت�شمل مهام‬ ‫املركز على �سبيل املثال ال احل�رص‪:‬‬ ‫التن�سيق بني ثالثية التعليم النظامي‬ ‫‪ formal‬والتعليم غري النظامي ‪ non-formal‬من‬ ‫خالل مراكز التدريب و�إعادة الت�أهيل والتعليم‬ ‫الالنظامي (العفوي) عرب م�ؤ�س�سات الإعالم‬

‫حمو طيف �أ ّميات جمتمع املعرفة‪ :‬مل‬ ‫تعد الأمية يف جمتمع املعرفة مق�صورة على‬ ‫الأمية الأبجدية‪ ،‬بل باتت ت�شمل طيف ًا ممتداً‬ ‫ومتجدداً من ال ّأميات ‪� :‬أمية الكمبيوتر و�أمية‬ ‫املعلومات و�أمية الإنرتنت‪ ،‬و�أمية ا�ستخدام‬ ‫الو�سائل الرقمية من كامريات وم�ساعدات‬ ‫�شخ�صية رقمية‪ ،‬وو�سائط ت�سجيل وحترير‬ ‫املعلومات املرئية وال�سمعية‪ ،‬وال خالف �أن‬ ‫حمو الأمية الأبجدية هو الركيزة الأ�سا�سية‪،‬‬ ‫وهو يتطلّب حلو ًال مبتكرة ت�ستغل الإمكانات‬ ‫العديدة التي توفرها تكنولوجيا املعلومات‬ ‫واالت�صاالت يف هذا ال�صدد‪ ،‬مثل ا�ستخدام‬ ‫ال�شا�شات التي تعمل بالّلم�س‪ ،‬واللوحات‬ ‫الإلكرتونية الناطقة‪ ،‬واملعاجم الإلكرتونية‬ ‫امل�صورة‪ ،‬والتعامل املبا�رش مع الكمبيوتر‬ ‫من خالل الكالم الطبيعي‪� ،‬إ�ضافة �إىل تعزيز‬ ‫برامج حمو الأمية مبواقف طبيعية ال�ستخدام‬ ‫اللغة الب�سيطة وظيفي ًا يف احلياة اليومية‪.‬‬ ‫وميكن اال�ستهداء يف ذلك بتجربة كوبا ملحو‬ ‫الأمية التي �أ�شادت بها منظمة اليون�سكو‪ ،‬وهي‬ ‫التجربة التي جنحت يف حمو الأمية متام ًا‬ ‫يف وقت قيا�سي‪ ،‬و�أ�صبحت كوبا ت�ص ّدر حزمة‬ ‫متكاملة ملحو الأمية �إىل دول �أمريكا الالتينية‬ ‫وبع�ض دول جنوب �رشق �آ�سيا‪.‬‬

‫املعلوماتية‬

‫جماالت التعليم والإعالم والإبداع الفني‪.‬‬ ‫و�ضع ت�صميمات مبتكرة لواجهات تعامل‬ ‫امل�ستخدم ‪ User interfaces‬مع النظم اخلائلية‬ ‫جتمع بني الأ�س�س اجلمالية واعتبارات الهند�سة‬ ‫الب�رشية يف التعامل مع النظم الآلية ‪.‬‬ ‫التوليد الريا�ضي للأ�شكال امل�سطّ حة‬ ‫واملج�سمة ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تدريب الكوادر املتخ�ص�صة على ت�صميم‬ ‫نظم تكنولوجيا الواقع اخلائلي‪ ،‬والتي تختلف‬ ‫ب�صورة �أ�سا�سية عن نظم املعلومات التقليدية‪،‬‬ ‫لكونها �أقرب �إىل الإخراج ال�سينمائي ‪.‬‬ ‫الإ�سهام يف تطوير �أ�ساليب املحاكاة‬ ‫الريا�ضية والإح�صائية والفيزيائية وو�ضع‬ ‫�سيناريوهات التعامل معها‪.‬‬

‫وامل�ؤ�س�سات الثقافية من مكتبات ومتاحف‪.‬‬ ‫�إتاحة نظام تعليمي متع ّدد امل�سارات ي�سمح‬ ‫للفئات املختلفة بالنفاذ �إليه و�إعادة االلتحاق‬ ‫به بعد انقطاع ‪.‬‬ ‫الأمور املتعلقة بتعليم الكبار والتعليم‬ ‫العالجي والتعلّم عن بعد‪.‬‬ ‫تنمية مهارات التعلّم الب�سيطة واملركبة‬ ‫وكذلك ما يعرف باملهارات امليتامعرفية ‪meta‬‬ ‫‪ acognitive‬ويق�صد بها مهارات التفكري يف‬ ‫التفكري التي ت�ساعد الفرد على �إدراك موا�ضع‬ ‫القوة وال�ضعف يف طرق تفكريه وتعامله مع‬ ‫امل�شكالت‪.‬‬ ‫ربط التعليم مبطالب �سوق العمل ‪.‬‬

‫�رشعت بع�ض البلدان العربية‬ ‫مثل ال�سعودية وتون�س وم�رص‬ ‫و�سوريا يف �إقامة جامعات خائلية‬ ‫‪ Virtual‬من دون �أي تن�سيق بينها‪.‬‬ ‫واجلامعات اخلائلية لي�ست بحاجة‬ ‫�إىل التكرار بقدر ما هي بحاجة �إىل‬ ‫ح�شد الإمكانيات وتوزيع الأدوار‬ ‫والتخ�ص�صات‪ ،‬وميكن التحّ اد‬ ‫ّ‬ ‫اجلامعات العربية التابع للجامعة‬ ‫العربية �أن يقوم بدور حمور‬ ‫التن�سيق يف هذا ال�صدد‪.‬‬

‫حمو الأمية الأبجدية يتطلّب‬ ‫حلو ًال مبتكرة ت�ستغل الإمكانات‬ ‫العديدة التي توفرها تكنولوجيا‬ ‫املعلومات واالت�صاالت‪ ،‬مثل‬ ‫ا�ستخدام ال�شا�شات التي تعمل‬ ‫بالّلم�س واللوحات الإلكرتونية‬ ‫الناطقة واملعاجم الإلكرتونية‬ ‫امل�صورة‪� ،‬إ�ضافة �إىل تعزيز‬ ‫برامج حمو الأمية مبواقف‬ ‫طبيعية ال�ستخدام اللغة الب�سيطة‬ ‫وظيفي ًا يف احلياة اليومية‪ .‬وميكن‬ ‫اال�ستهداء يف ذلك بتجربة كوبا‬ ‫ملحو الأمية التي �أ�شادت بها‬ ‫منظمة اليون�سكو‪.‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 154‬للتنمية الثقافية‬

‫التو�سع يف �إقامة املعامل اخلائلية‪:‬‬

‫�أي الإعالم ـ ميثّل اخلط ال�ساخن اللتقاء الثقافة‬ ‫باملجتمع‪ .‬فهو يعك�س الرتكيبة الطبقية‬ ‫للمجتمع‪ ،‬ويك�شف عن �رصاعاته وتفاعل‬ ‫اخلطابات املختلفة التي ت�رسي يف كيانه‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪� :‬أجمعت الآراء على �أن‬ ‫الإعالم من �أهم �أدوات التحديث يف املجتمعات‬ ‫النامية‪ ،‬وهناك من يرى �أن الإعالم ميكن �أن‬ ‫يلعب دوراً �أكرث ت�أثرياً من الكمبيوتر و�شبكات‬ ‫االت�صاالت يف تنمية هذه املجتمعات؛‬ ‫خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق بجماعاتها املحلية‪.‬‬ ‫وب�صفة عامة‪ ،‬يتحا�شى مفكرو التنمية العرب‬ ‫�إبراز الدور الذي ميكن �أن يلعبه الإعالم يف‬ ‫جهود الإ�صالح املجتمعي جتنب ًا ل�صدام ال‬ ‫يحمد عقباه مع القوى القاب�ضة على زمام‬ ‫الإعالم يف املجتمعات العربية‪.‬‬

‫ثامن ًا‪ :‬ر�ؤية م�ستقبلية لتنمية مك ّون‬ ‫الإعالم يف ثقافة ع�رص املعلومات‬

‫�أهمية الإعالم �سيا�سي ًا‪ :‬مل يعد الإعالم‬ ‫ميثل ال�سلطة الرابعة‪� ،‬أو اخلام�سة‪ ،‬بل �أ�صبح‬ ‫ي�شغل املجال ال�شفاف بني الفعل ال�سيا�سي‬ ‫ور ّد الفعل اجلماهريي م�س�ألة‪ .‬من هنا �أ�صبحت‬ ‫النظرة �إىل الإعالم على �أنه املعيار الذي ُتقا�س‬ ‫به كفاءة الأداء ال�سيا�سي واالقت�صادي للنظم‬ ‫املعا�رصة‪ .‬وقد لعبت ال�صحافة دوراً �أ�سا�سي ًا‬ ‫يف ظهور الدولة احلديثة‪ ،‬وبلورة عالقة م�ؤ�س�سة‬ ‫احلكم بامل�ؤ�س�سات الأخرى‪ .‬وها هو �إعالم‬ ‫الإنرتنت بات يه ّدد نظام الدولة ال�سيا�سي‪-‬‬ ‫االقت�صادي من �أ�سا�سه‪.‬‬

‫من �أجل تعوي�ض النق�ص ال�شديد يف املعامل‬ ‫داخل املدار�س العربية‪ ،‬وعدم توفر البيئة‬ ‫االجتماعية التي تتواجد فيها املن�ش�آت‬ ‫العلمية والتكنولوجية املتقدمة من مفاعالت‬ ‫ومعجالت وجم ّمعات �صناعية ومعامل بحثية‪،‬‬ ‫التو�سع يف �إن�شاء‬ ‫من �أجل هذا وذاك يجب‬ ‫ّ‬ ‫املعامل اخلائلية ‪ Virtual labs‬يف املواد‬ ‫العلمية املختلفة‪ .‬يهدف هذا امل�رشوع �إىل بناء‬ ‫�إطار عام لإن�شاء هذه املعامل اخلائلية يت�ضمن‬ ‫حزمة من الأدوات التكنولوجية لتطويع موارد‬ ‫املعلومات املختلفة للمعاجلة الآلية وحتويل‬ ‫املادة التعليمية �إىل �سال�سل من التجارب‬ ‫العلمية و�إىل �سيناريوهات متن ّوعة لتقدمي‬ ‫املادة‪.‬‬

‫�أبرز مالمح الو�ضع الراهن‬

‫• عدم اال�ستعداد للنقالت املرتقبة يف‬ ‫الإعالم الإلكرتوين كالفيديو حتت الطلب‬ ‫والتالحم بني الإنرتنت واملحمول والإعالم‬ ‫الورقي والف�ضائي‪.‬‬ ‫• عدم اال�ستعداد ملوجة الإعالم ال�شعبي‬ ‫القائم على الفرد كاملدونني واملنتج الإعالمي‬ ‫املوجه للفرد ب�صورة �شخ�صية‪.‬‬ ‫• االفتقار �إىل عمليات الت�شبيك يف‬ ‫جمال الن�رش والإعالم من خالل املكتبات‬ ‫الرقمية وامل�ستودعات الأخبارية والإعالمية‬ ‫التخيلية املفتوحة‪ ،‬وم�ستودعات الن�رش الرقمي‬ ‫واملدونات وال�شبكات االجتماعية‪.‬‬

‫�أهمية الإعالم يف ثقافة ع�رص‬ ‫املعلومات‬

‫�أهمية الإعالم عموم ًا‪ :‬ال تقوم للمجتمع‬ ‫نظام لالت�صال‪،‬‬ ‫الإن�ساين قائمة من دون‬ ‫ٍ‬ ‫والإعالم هو بال منازع‪� ،‬أهم و�سيلة لإ�شاعة‬ ‫الأفكار‪ ،‬وت�شكيل الآراء‪ ،‬وجت�سيد الثقافة‬ ‫ون�رشها و�إ�سقاطها على �أر�ض الواقع‪ .‬وهو ـ‬

‫املنظور العربي‪ :‬الإعالم‪ ،‬بال منازع‪� ،‬أ�ش ّد‬ ‫�أ�سلحة القوى اللينة �رضاوة يف يد ال�سلطة على‬ ‫اختالف �أنواعها‪ ،‬ومتثّل الإنرتنت يف هذا ال�صدد‬ ‫عامل توازن مبا توفره من قنوات �إعالمية‪،‬‬ ‫موازية للإعالم التقليدي‪ ،‬يجيد ا�ستخدامها‬ ‫الأفراد واملنظمات غري احلكومية‪.‬‬ ‫�أهمية الإعالم اقت�صادي ًا‪ :‬عوملة االقت�صاد‬ ‫وعوملة الإعالم تو�أمان‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف ما‬ ‫يتعلق باقت�صاد الثقافة‪ ،‬فهو ـ �أي الإعالم ـ‬ ‫و�سيلة القوى االقت�صادية لعوملة الأ�سواق من‬ ‫جانب‪ ،‬وتنمية النزعات اال�ستهالكية ل�سلع‬


‫الف�صل اخلام�س‬ ‫تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي ‪155‬‬

‫توجهات م�ستقبلية للإعالم يف ع�رص‬ ‫ّ‬ ‫املعلومات‬

‫من الإعالم �إىل التوا�صل‪ :‬يرتكز مفهوم‬ ‫الإعالم �أ�سا�س ًا على مهمة توجيه الر�سائل من‬ ‫املر�سل �إىل امل�ستقبل‪ .‬وقد �آن لهذا التوجه الذي‬ ‫طال عليه الأمد �أن يتغيرّ يف ظل تكنولوجيا‬ ‫املعلومات‪ ،‬وغاية ذلك �أن ي�صبح توا�ص ًال‪،‬‬ ‫�أي حواراً ذا اجتاهني‪ ،‬ال جمرد �إعالم �أحادي‬ ‫ي�صب «جام» ر�سائله على م�ستقبليه‪.‬‬ ‫االجتاه‬ ‫ّ‬ ‫�إنه التوا�صل مبعناه الوا�سع‪ ،‬الذي ال يقت�رص‬ ‫على �إبالغ الر�سائل‪ ،‬بل يتجاوز ذلك �إىل مهام‬ ‫التعليم والتعلّم والرتا�سل والتحاور عن بعد‪،‬‬ ‫و�أهم من هذا وذاك �إقامة �ساحة �إعالمية لدعم‬ ‫امل�شاركة يف توظيف املعرفة القائمة و�إنتاج‬ ‫املعرفة اجلديدة‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬يتطلّب التح ّول من‬ ‫الإعالم �إىل التوا�صل �إقامة بنية حتتية مغايرة‬ ‫من �شبكات االت�صاالت ذات ال�سعة العالية‬ ‫‪ ،broad band‬الأمر الذي ُيخ�شى معه ـ نظراً‬

‫املعلوماتية‬

‫�صناعة الثقافة من مو�سيقى و�أفالم و�ألعاب‬ ‫وبرامج تليفزيونية‪ ،‬من جانب �آخر‪ ،‬ال�سيما �أن‬ ‫هذه ال�سلع ـ بحكم طبيعتها ـ ذات قابلية عالية‬ ‫للتوزيع �إلكرتوني ًا عرب الإنرتنت والو�سائط‬ ‫الرقمية الأخرى‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬ميكن لعوملة الإعالم �أن‬ ‫تلحق �أ�ش ّد ال�رضر باقت�صاديات الدول النامية‬ ‫من خالل تنمية النزعات اال�ستهالكية يف‬ ‫مما يفاقم من‬ ‫�صورتها املادية والثقافية‪ .‬و ّ‬ ‫هذه العواقب‪� ،‬أن نظم التجارة الإلكرتونية‬ ‫الثقافية للدول املتقدمة تعمل بو�سائل ت�سويق‬ ‫مبتكرة كثيفة التكنولوجيا ب�شكل ي�صعب معه‬ ‫على الدول النامية جماراتها‪.‬‬ ‫عالوة على ما �سبق‪ ،‬ف�إن جمال‬ ‫الإعالم ميثل جما ًال مغري ًا للغاية لال�ستثمار‬ ‫االقت�صادي‪ ،‬بحيث ُتخ�شى معه �سيطرة ر�أ�س‬ ‫املال على الإعالم‪ ،‬وتغليب العامل الرتفيهي‬ ‫ذي العائد االقت�صادي الأعلى على العامل‬ ‫التنموي‪.‬‬

‫نوع من‬ ‫الرتفاع كلفة هذه ال�شبكات ـ ظهور ٍ‬ ‫الفجوة الإعالمية تف�صل بني العامل املتق ّدم‬ ‫والعامل النامي‪ ،‬وبني املجتمعات العربية‬ ‫ذاتها‪ ،‬على �أ�سا�س الفارق بني �إعالم التوا�صل‬ ‫ذي االجتاهني‪ ،‬و�إعالم الإبالغ الأحادي‬ ‫االجتاه‪ .‬لقد �أقامت م�ؤ�س�ساتنا الإعالمية‬ ‫جمدها االجتماعي على مهمة الإبالغ‬ ‫وتر�سخت لدى املواطن العربي عادة‬ ‫والتوجيه‪ّ ،‬‬ ‫التلقي ال�سلبي‪ .‬وال�س�ؤال الآن‪ :‬هل ميكن �إحداث‬ ‫النقلة النوعية لالرتقاء ب�إعالمنا �إىل م�ستوى‬ ‫التوا�صل؟‬ ‫ ‬

‫من �سيطرة املر�سل �إىل حمورية‬ ‫املتلقي‪ :‬لقد عانى املتلقي كثرياً من �سطوة‬

‫القاب�ض على زمام الإر�سال الإعالمي‪ ،‬وي�أمل‬ ‫الكثريون �أن ت�ؤدي تكنولوجيا املعلومات‬ ‫واالت�صاالت �إىل التحول من �سيطرة املر�سل‬ ‫�إىل حمورية املتلقي‪ ،‬يق�صد بذلك �أن يكون‬ ‫لديه احلق يف اختيار ر�سالته الإعالمية‪� ،‬سواء‬ ‫من حيث املحتوى �أم ال�شكل �أم وقت ا�ستقباله‬ ‫لها؛ فقارئ اجلريدة �أ�صبح ب�إمكانه �أن يح ّدد‬ ‫مو�ضوعاته املف�ضلة و�شكل �إخراج جريدته‬ ‫ومواعيد �صدورها‪ ،‬وم�شاهد التليفزيون �أ�صبح‬ ‫ب�إمكانه‪ ،‬بدرجة حمدودة حالي ًا لكنها �آخذة‬ ‫يف�ضلها‪،‬‬ ‫يف التو�سع‪� ،‬أن يح ّدد الربامج التي ّ‬ ‫والأوقات التي تنا�سبه مل�شاهدتها؛ وذلك‬ ‫با�ستخدام ما يعرف بنظام «الفيديو ـ حتت ـ‬ ‫الطلب ‪ .»video–on-demand‬وي�رسف البع�ض‬ ‫يف توقعاته ب�ش�أن حمورية املتلقي �إىل ح ّد �أن‬ ‫ت�صبح لكل �شخ�ص‪ ،‬يف زمن لي�س ببعيد‪ ،‬وكالة‬ ‫الأنباء اخلا�صة به؛ وذلك من خالل ما يعرف‬ ‫بـ «الوكيل الآيل» �أو الروبوت املعريف الذكي‪،‬‬ ‫الذي مي�سح الإنرتنت طو ًال وعر�ض ًا‪ ،‬وي�ستعر�ض‬ ‫قنوات التليفزيون وحمطات الإذاعة‪ ،‬ويطالع‬ ‫ال�صحف اليومية واملجالت الدورية ويتابع‬ ‫وكاالت الأنباء‪ ،‬بحث ًا ع ّما يلبي رغبات من‬ ‫ينوب عنه‪ ،‬ويتفق مع بروفيلـه املعلوماتي‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪� :‬سوف ي�ؤدي توجه‬ ‫«فيديو‪-‬حتت – الطلب» �إىل حتويل م�ؤ�س�سات‬

‫ميكن لعوملة الإعالم �أن‬ ‫تلحق �أ�ش ّد ال�رضر باقت�صاديات‬ ‫الدول النامية من خالل تنمية‬ ‫النزعات اال�ستهالكية يف �صورتها‬ ‫مما يفاقم‬ ‫املادية والثقافية‪ .‬و ّ‬ ‫من هذه العواقب‪� ،‬أن نظم التجارة‬ ‫الإلكرتونية الثقافية للدول املتقدمة‬ ‫تعمل بو�سائل ت�سويق مبتكرة كثيفة‬ ‫التكنولوجيا ب�شكل ي�صعب معه على‬ ‫الدول النامية جماراتها‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 156‬للتنمية الثقافية‬

‫الإعالم �إىل م�ستودعات للربامج الإعالمية‪،‬‬ ‫وهو و�ضع يتطلّب بدوره تعديالت جوهرية يف‬ ‫�أجهزة الإعالم العربية‪� ،‬سواء من حيث التنظيم‬ ‫�أم �أ�سلوب الإدارة �أم التجهيز التكنولوجي‪.‬‬ ‫والأخطر من هذا وذاك‪ ،‬هو �رضورة توفر‬ ‫القدرات لإنتاج مواد وبرامج �إعالمية متميزة‬ ‫قادرة على املناف�سة‪ ،‬بعد �أن �أ�صبحت �سوق‬ ‫الإعالم �سوق ًا تعود للمتلقي فيها الكلمة العليا‪،‬‬ ‫و�إن عجزت و�سائل الإعالم املحلية عن تلبية‬ ‫مطالبه‪ ،‬فال بديل �أمام املتلقي العربي �إال‬ ‫اقتناء زاده الثقايف من اخلارج‪ .‬وكما ن�ستورد‬ ‫الب�ضائع الأجنبية ذات اجلودة العالية �سيزداد‬ ‫ا�ستريادنا ملنتجات الإعالم الأجنبي بعد‬ ‫تعريبها ودبلجتها‪.‬‬ ‫�سوف ي�ؤدي توجه «فيديو ‪-‬‬ ‫حتت – الطلب» �إىل حتويل م�ؤ�س�سات‬ ‫الإعالم �إىل م�ستودعات للربامج‬ ‫الإعالمية‪ ،‬وهو و�ضع يتطلّب‬ ‫بدوره تعديالت جوهرية يف �أجهزة‬ ‫الإعالم العربية‪� ،‬سواء من حيث‬ ‫التنظيم �أم �أ�سلوب الإدارة �أم التجهيز‬ ‫التكنولوجي‪ .‬والأخطر من هذا وذاك‪،‬‬ ‫هو �رضورة توفر القدرات لإنتاج مواد‬ ‫وبرامج �إعالمية متميزة قادرة على‬ ‫املناف�سة‪.‬‬

‫االنتقال من الإعالم الفوقي �إىل الإعالم‬ ‫ال�شعبي‪ :‬يرجع ما حقّقه التليفزيون من قدرة‬

‫�إعالمية مذهلة �إىل احتوائه الراديو‪ .‬باملقارنة‪،‬‬ ‫تقوم عظمة الإنرتنت على احتوائها ال�صحافة‬ ‫والإذاعة والتيلفزيون والبحث عن املعلومات‪.‬‬ ‫لقد وفّرت الإنرتنت و�سيط ًا �إعالمي ًا غاية يف‬ ‫البث على نطاق‬ ‫الإثارة واملرونة يجمع بني ّ‬ ‫والبث على نطاق �ضيق‬ ‫عري�ض ‪ّ broadcasting‬‬ ‫والبث امل�صوب لفرد �أو فئة‬ ‫‪،narrowcasting‬‬ ‫ّ‬ ‫حمدودة من الأفراد ‪.pintcasting‬‬ ‫الأهم من ك ّل ما �سلف �أن الإنرتنت‪ ،‬من‬ ‫خالل املدونات ‪ ،blogs‬وما يطلق عليه �شبكات‬ ‫التوا�صل االجتماعي‪ ،‬من قبيل‪,my space :‬‬ ‫‪ facebok, u-bube‬تعمل حالي ًا على التح ّول‬ ‫من منط الإعالم ذي الطابع الفوقي �إىل ما ميكن‬ ‫�أن نطلق عليه «الإعالم ال�شعبي» املنبثق من‬ ‫�أ�سفل‪� ،‬أي من القاعدة اجلماهريية العري�ضة‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬هناك عدة مبادرات‬ ‫عربية ناجحة على �صعيد �صحافة الإنرتنت‬ ‫�سواء التي ترعاها م�ؤ�س�سات الإعالم العربية �أم‬ ‫التي ولدت �إلكرتونية‪ .‬من جانب �آخر‪ ،‬انت�رشت‬ ‫املدونات العربية كالنار يف اله�شيم لتف�صح‬ ‫عن مدى تطلّع اجلماهري العربية �إىل حرية‬ ‫التعبري وقدرتها على ممار�سته‪.‬‬

‫نحو مزيد من �أجهزة املعلومات النقالة‪:‬‬

‫فر�ضت احلياة الع�رصية على الإن�سان �أن يظ ّل‬ ‫على ات�صال دائم ومبا�رش مب�صادر معلوماته‪،‬‬ ‫و�أماكن عمله ومعي�شته؛ وهو الأمر الذي �أ ّدى‬ ‫�إىل التو�سع يف �أجهزة املعلومات النقالة‬ ‫التي ت�شمل حالي ًا الهاتف النقّال‪ ،‬وامل�ساعد‬ ‫ال�شخ�صي الرقمي ‪ ،PDA‬وذاكرة اجليب‬ ‫الإلكرتونية و�رشائح املو�سيقى الرقمية وما‬ ‫�شابه‪ .‬ويت�سابق عمالقة �صناعة االت�صال يف‬ ‫دمج ك ّل هذه اخلدمات املعلوماتية يف جهاز‬ ‫�صغري واحد يجمع بني الهاتف والتليفزيون‬ ‫والتعامل مع الإنرتنت بجانب ا�ستخدامه‬ ‫مبثابة كمبيوتر �شخ�صي نقّال‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬مل ت�أخذ م�ؤ�س�سات‬ ‫الإعالم العربية �أهبتها ا�ستعداداً لالندماج‬ ‫املرتقب بني التليفزيون والهاتف النقّال‬ ‫والإنرتنت‪ ،‬وهو �أمر يحتاج �إىل �إنتاج غزير‬ ‫ملحتوى مبتكر يل ّبي مطالب الأجهزة النقالة‬ ‫املدجمة‪.‬‬ ‫من زاوية �أخرى‪ ،‬ف�إن �شا�شة عر�ض هذه‬ ‫الأجهزة النقالة ذات احلجم ال�صغري تتطلّب‬ ‫حلو ًال مبتكرة من �أجل تطويعها ملطالب‬ ‫اللغة العربية‪� ،‬سواء من حيث طرق البحث عن‬ ‫املعلومات يف الإنرتنت �أم من حيث تطوير نظم‬ ‫ذكية الخت�صار الن�صو�ص �آلي ًا‪.‬‬ ‫لقد حت ّول الإعالم من �إعالم جماهريي‬ ‫‪� mass media‬إىل �إعالم العامة ‪pubice med‬‬ ‫‪ ،dia‬وكما حت ّول �إىل م�ستودع للربامج لتلبية‬ ‫توجه «فيديو‪-‬حتت‪-‬الطلب‪ ،‬ها هو يتح ّول �إىل‬ ‫ركيزة حمورية للتوا�صل ‪communication‬‬ ‫ي�صنع حمتواه الإعالمي من خالل م�شاركة‬ ‫اجلماهري‪.‬‬

‫م�رشوعات مقرتحة لتنمية مك ّون الإعالم‬

‫�إن�شاء مركز مت ّيز لالبتكار الإعالمي‪:‬‬ ‫حتى ي�ستطيع الإعالم العربي املناف�سة يف‬ ‫ع�رص ال�سماوات املفتوحة‪ ،‬ال ب ّد �أن يكون قادراً‬ ‫على تقدمي خدمات مبتكرة تلبي مطالب املتلقي‬ ‫العربي ترفيه ًا وتثقيف ًا وتعليم ًا‪ .‬تت�ض ّمن مهام‬


‫الف�صل اخلام�س‬ ‫تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي ‪157‬‬

‫�إنتاج �إعالمي كثيف الإبداع ال كثيف‬ ‫التكنولوجيا‪ :‬ي�ستطيع �أن يقف على قدم‬

‫امل�ساواة مع الإنتاج امل�ستورد‪ ،‬فنحن بحاجة‬ ‫�إىل �إنتاج �إعالمي‪ ،‬ال يعتمد على التكنولوجيات‬ ‫املكثفة وعنا�رص الإبهار‪ ،‬بقدر ما يعتمد على‬ ‫الفكرة املبتكرة‪ ،‬والفهم العميق لأذواق املتلقني‬ ‫وتوقعاتهم‪ .‬ويتيح الإعالم احلديث فر�ص ًا �أكرث‬ ‫لتنمية الإبداع بجميع فروعه‪� :‬أدب ًا و�شعراً و�أدا ًء‬ ‫وت�شكي ًال ومو�سيقى‪� .‬إن توجه «فيديو ـ حتت ـ‬ ‫متدرجة وطويلة‬ ‫الطلب»‪ ،‬يتطلب ا�سرتاتيجية ّ‬ ‫املدى لتوفري �إنتاج �إعالمي غزير ومتن ّوع‬ ‫يجمع بني ثالثة عنا�رص �أ�سا�سية‪:‬‬ ‫• ا�ستغالل �أر�شيفات امل�ؤ�س�سات الإعالمية‪،‬‬ ‫وبناء م�ستودعات �أر�شيفية جامعة ت�شارك‬ ‫فيها امل�ؤ�س�سات الإعالمية العربية‪.‬‬ ‫• ا�ستحداث �أجنا�س جديدة للإنتاج الإعالمي‬

‫املعلوماتية‬

‫املركز املقرتح على �سبيل املثال ال احل�رص ‪:‬‬ ‫• ا�ستغالل اللغة العربية كميزة تناف�سية يف‬ ‫الإنتاج الإعالمي‪ ،‬وي�شهد على ذلك النجاح‬ ‫الكبري الذي حققته الدراما التليفزيونية‬ ‫العربية واملرتجمة عن الرتكية‪.‬‬ ‫• ا�ستغالل حمتوى الإنرتنت يف �إثراء الإنتاج‬ ‫التليفزيوين رمبا يتجاوز الربامج احلالية التي‬ ‫تركّز على حمو �أمية الإنرتنت ‪.‬‬ ‫• �إ�سهام الإعالم يف تعزيز العمل امل�صطلحي‬ ‫لكون الإعالم هو خط املواجهة الأول ملا‬ ‫يظهر من مفاهيم جديدة‪.‬‬ ‫• ا�ستحداث و�سائل �سهلة لكيفية تعامل‬ ‫املتلقي العربي على اختالف م�ستوياته‪ ،‬مع‬ ‫و�سائل الإعالم التفاعلي‪.‬‬ ‫البث االنتقائي امل�ص ّورة لفئة‬ ‫• تطوير �أ�ساليب ّ‬ ‫جماهريية معينة‪.‬‬ ‫• ا�ستغالل كنوز الرتاث العربي الأدبي‬ ‫وال�شعري واملو�سيقي لإحياء االعتزاز بالهوية‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫• ا�ستغالل الإعالم ك�أداة فعالة للتعريب بني‬ ‫اللغة العربية الف�صحى امل�ستخدمة �إعالمي ًا‬ ‫والعاميات العربية‪.‬‬

‫تقوم على التفاعلية والو�سائط املتع ّددة‪.‬‬ ‫• تعريب الربامج الأجنبية التي تالئم املتلقي‬ ‫العربي‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف جمال الثقافة العلمية‬ ‫والتكنولوجية من خالل نظم جتمع بني‬ ‫الرتجمة الآلية والب�رشية‪.‬‬

‫التو�سّ ع يف حمتوى الهواتف النقالة‪:‬‬

‫وذلك تلبية ملطالب االندماج املرتقب بني‬ ‫الإنرتنت والتليفزيون والهواتف النقالة‪ ،‬على‬ ‫�أن يقدم قائمة خدمات يختار منها امل�ستخدم‬ ‫ما ينا�سبه وفق ًا الهتماماته وقدراته‪ ،‬وجدير‬ ‫بالذكر هنا �أنه مل تت ّم �إىل الآن درا�سة جادة‬ ‫لتحديد مطالب امل�ستخدم العربي بفئاته‬ ‫املختلفة يف هذا اخل�صو�ص‪ ،‬با�ستثناء فئة‬ ‫املديرين ور�ؤ�ساء املكاتب‪� .‬إن حمتوى الهواتف‬ ‫النقالة يتطلّب حلو ًال مبتكرة لكيفية عر�ض‬ ‫املعلومات العربية و�رسعة البحث ونظم‬ ‫�آلية لال�ستخال�ص والتلخي�ص لواجهة حمل‬ ‫املعلومات الزائدة‪.‬‬

‫م�رشوع تطوير حزمة للثقافة العلمية‬ ‫والتكنولوجية‪ :‬هذا امل�رشوع جت�سيد‬

‫لال�سرتاتيجية التي ط ّورتها املنظمة العربية‬ ‫للرتبية والثقافة والعلوم لن�رش الثقافة العربية‬ ‫على مدى الوطن العربي‪ ،‬ويتبنى امل�رشوع‬ ‫التوجهات الرئي�سية التالية‪:‬‬ ‫• تغطية فئات خمتلفة من امل�ستفيدين‪.‬‬ ‫• احلر�ص على اال�ستغالل الأق�صى للموارد التي‬ ‫توفرها منظمة اليون�سكو يف هذا اخل�صو�ص‪.‬‬ ‫التو�سع يف تعريب الربامج الوثائقية التي‬ ‫•‬ ‫ّ‬ ‫�أ�صبحت جتتذب مزيداً من امل�شاهدين يوماً‬ ‫بعد يوم‪ ،‬وميكن �أن ي�ضاف �إليها ما يع ّزز‬ ‫حمتواها بالن�سبة للم�شاهد العربي الذي تختلف‬ ‫خلفيته العلمية‪-‬التكنولوجية مع ذلك امل�شاهد‬ ‫الأجنبي الذي ُ�ص ّممت من �أجله هذه الربامج‪.‬‬ ‫• ا�شتمال الثقافة العلمية على ثقافة علوم‬ ‫الإن�سانيات‪.‬‬ ‫• ا�شتمال احلزمة على جمموعة من الربجميات‬ ‫اخلا�صة بتنمية مهارات التفكري النقدي‬

‫مل ت�أخذ م�ؤ�س�سات الإعالم‬ ‫العربية �أهبتها ا�ستعداداً لالندماج‬ ‫املرتقب بني التليفزيون والهاتف‬ ‫النقّال والإنرتنت‪ ،‬وهو �أمر يحتاج‬ ‫�إىل �إنتاج غزير ملحتوى مبتكر يل ّبي‬ ‫مطالب الأجهزة النقالة املدجمة‪.‬‬ ‫من زاوية �أخرى‪ ،‬ف�إن �شا�شة عر�ض‬ ‫هذه الأجهزة النقالة ذات احلجم‬ ‫ال�صغري تتطلّب حلو ًال مبتكرة من‬ ‫�أجل تطويعها ملطالب اللغة العربية‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 158‬للتنمية الثقافية‬

‫والإبداعي‪.‬‬ ‫• �إن التطور العلمي التكنولوجي املت�سارع‬ ‫يتطلّب الرتكيز على املفاهيم الأ�سا�سية بد ًال‬ ‫من الرتكيز على املنتجات الفعلية لأن املفهوم‬ ‫هو وحدة البناء الأ�سا�سية للبنى املعرفية‪ .‬ومن‬ ‫املعروف �أن �إنتاج حمتوى عايل اجلودة للثقافة‬ ‫العلمية والتكنولوجية يتطلب كلفة باهظة‪ .‬على‬ ‫العك�س من ذلك ف�إن �إنتاج املحتوى القائم على‬ ‫املفاهيم هو ذو كلفة منخف�ضة‪ ،‬بحيث يت ّم‬ ‫مب�سطة‪،‬‬ ‫تقدمي املفاهيم بر�سومات تخطيطية ّ‬ ‫ومن �أمثلة هذه املفاهيم ت�أثري ال�صوبة الذي‬ ‫�أدى �إىل ارتفاع حرارة الكوكب ومفهوم اجلني‬ ‫�أ�سا�س لغة اجلينات والكود الثنائي �أ�سا�س‬ ‫احلو�سبة الإلكرتونية وكثري من املفاهيم الطبية‬ ‫مثل ت�صلب ال�رشايني واجللطة الدماغية‪.‬‬ ‫الأر�شيف ال�صحفي املوحد‪� :‬أر�شيفات‬ ‫ال�صحف العربية املتوفرة على الإنرتنت‬ ‫ما زالت تعمل معزولة عن بع�ضها البع�ض‪،‬‬ ‫مبا يقلّل من فر�ص ت�سويقها‪ .‬يهدف هذا‬ ‫امل�رشوع �إىل بناء نظام موحد يجمع هذه‬ ‫الأر�شيفات ويتيح النفاذ �إليها من خالل �شجرة‬ ‫مو�ضوعات متع ّددة امل�ستويات‪ ،‬ويوفر �آليات‬ ‫بحث ن�صي ومو�ضوعي ت�ستخدم نظم الفهر�سة‬ ‫الآلية واال�ستخال�ص الآيل‪ .‬يولّد املوقع نواجت‬ ‫فرعية عديدة لدعم العمل امل�صطلحي وبحوث‬ ‫الن�صية‪.‬‬ ‫الأ�سلوبية والّل�سانيات ّ‬

‫تا�سع ًا‪ :‬تنمية مك ّون الإبداع يف‬ ‫ثقافة ع�رص املعلومات‬ ‫�أهمية الإبداع يف ثقافة ع�رص‬ ‫املعلومات‬

‫�أهمية الإبداع عموم ًا‪ :‬الإبداع حمرك �أويل‬ ‫للثقافة‪ ،‬وق ّوة دفع �أ�سا�سية للحركة الفكرية‪.‬‬ ‫فهو �أول من ي�شعر بحراك جمتمعه‪ ،‬و�أول من‬ ‫يتحمل �أوزاره‪ ،‬ت�شهد على ذلك املحاكمات‬ ‫الثقافية غري املعلنة‪ ،‬التي تقام للمفكرين‬ ‫واملبدعني بعد احلروب والكوارث‪ .‬ف�أ�شد �أخطاء‬

‫الإبداع خطراً �أن يف�شل يف �أن ينذر قومه مبا‬ ‫يحمله لهم م�ستقبل �أيامهم‪ .‬والإبداع هو مر�آة‬ ‫الثقافة‪ ،‬واملدافع عن مواقفها يف �رصاع القوى‬ ‫االجتماعية‪ ،‬واملتحدث با�سمها يف حوار‬ ‫الثقافات‪ .‬ولكونه طليعة الثقافة ف�إن حوار‬ ‫الثقافات يف ع�رص ثقافة املعلومات �سي�سته ّل‬ ‫باحلوار على جبهة الإبداع‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬يواجه الإبداع الف ّني‬ ‫العربي حتديات ع ّدة ب�سبب تلك اخل�صومة‬ ‫املفتعلة التي �أقامها البع�ض بني الدين ومعظم‬ ‫�أجنا�س الفنون‪ .‬والإبداع العربي اللغوي‪� ،‬أدب ًا‬ ‫و�شعراً‪ ،‬هو �أبرز جوانب الإبداع العربي قاطبة‪،‬‬ ‫وي�أتي من بعده الت�شكيل الذي �شهد �إجنازات‬ ‫عربية جديرة بالإ�شادة‪.‬‬ ‫�أهمية الإبداع معرفي ًا‪� :‬إن الفن يجعل‬ ‫حوا�سنا �أكرث قدرة على �إدراك ما كان ميكن‬ ‫مير من دون �أن نلحظه‪ .‬هذا عن الفن ك�أداة‬ ‫�أن ّ‬ ‫ل�شحذ �أدوات �إدراكنا للواقع‪� ،‬أما ما يفعله يف‬ ‫�أذهاننا ف�أخطر و�أعمق‪� ،‬إنه يك�سبنا القدرة على‬ ‫الإم�ساك بتالبيب م�شاعرنا الزائغة‪ ،‬فالفنان‬ ‫ال ينقل لنا ما ي�شعر به‪ ،‬بل ينقل لنا معرفته‬ ‫عن كنه امل�شاعر‪ ،‬ويك�شف لنا عن جوانب ال‬ ‫نراها مع كونها ماثلة هناك‪ ،‬وال يعوقنا عن‬ ‫ذلك �إال كوننا ال نعرف كيف ننظر �إليها‪ ،‬وهو‬ ‫يدعنا نرى العامل من منظور خمتلف‪ ،‬يخرجنا‬ ‫من عاملنا املعتاد الذي ت�آكلت مالحمه بفعل‬ ‫التكرار‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬ما زال الكثريون لدينا‬ ‫الفن �رضب ًا من‬ ‫يجدون �صعوبة بالغة يف كون ّ‬ ‫املعرفة‪ ،‬معرفة حد�سية تختلف عن املعرفة‬ ‫العلمية لكنها ال تق ّل عنها �إثارة و�أهمية‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا بالن�سبة لثقافة ع�رص املعلومات‬ ‫التي ت�صبو �إىل تكامل معريف يجمع بني فروع‬ ‫املعرفة العلمية وبينها وبني �أجنا�س الفنون‬ ‫املختلفة‪ ،‬وقد �أ ّدى ذلك الق�صور الفكري �إىل‬ ‫�أهمال املعرفة الكامنة يف جوف الفنون‪ ،‬فعلى‬ ‫�سبيل املثال حال احتفا�ؤنا بكنوز ال�شعر العربي‬ ‫احل�سية اجلمالية دون ا�ستخال�ص‬ ‫على جوانبه ّ‬


‫الف�صل اخلام�س‬ ‫تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي ‪159‬‬

‫�أهمية الإبداع لغوي ًا‪ :‬يرى البع�ض‬ ‫�أن التحليل الأدبي هو �أف�ضل مدخل لتناول‬ ‫�إ�شكالية اللغة‪ ،‬وذلك لع ّدة �أ�سباب �أهمها‪:‬‬ ‫قدرة الأدب على تناول �إ�شكالية املعنى‬ ‫وعالقته بالرمز ب�صورة �أعمق و�أ�شمل‪.‬‬ ‫ما �سيفر�ضه الأدب من �رضورة جتاوز‬ ‫وحدة اجلملة املفردة التي يقوم عليها التنظري‬ ‫اللغوي الراهن �إىل ال�سياق الأكرب من الفقرات‬ ‫وال�رسد املت�صل‪.‬‬ ‫ما �سيفر�ضه الأدب كذلك ل�شدة �صلتة‬ ‫بالواقع من �رضورة تناول اجلوانب الربجماتية‬ ‫ال�ستخدام اللغة وعالقته باملقام الذي يجري‬ ‫فيه احلدث اللغوي‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬مل يواكب تنظرينا اللغوي‬ ‫الثورة التي تفجرت على �صعيد علم اللغة منذ‬ ‫ما يزيد عن ن�صف قرن‪ ،‬ويا ليته يلحق مع‬ ‫الآخرين املوجة الثانية للتنظري اللغوي التي‬ ‫تربط بينه وبني التنظري الأدبي‪ ،‬وذلك �سعي ًا‬ ‫�إىل تعوي�ض تخلّفه باالنطالق من نقطة بداية‬ ‫متقدمة‪ ،‬ويوفّر الأدب العربي‪ ،‬قدميه وحديثه‪،‬‬ ‫ذخرية ثرية من الن�صو�ص الأدبية لدعم هذا‬ ‫التوجه التنظريي‪.‬‬

‫توجهات م�ستقبلية للإبداع يف ع�رص‬ ‫ّ‬ ‫املعلومات‬

‫من فنون الإدارك احل�سّ ي �إىل فنون‬ ‫املعرفة‪ :‬ميكن ت�صنيف الفنون التقليدية على‬

‫احل�سي �أ�سا�س ًا‪،‬‬ ‫�أنها فنون قائمة على الإدراك ّ‬ ‫وقد �شهدت الآونة الأخرية ظهور فنون قائمة‬ ‫فن الت�شكيل‬ ‫على املعرفة‪ ،‬خ�صو�ص ًا على �صعيد ّ‬ ‫نوجز �أهم مظاهرها يف ما يلي‪:‬‬ ‫الفن املفهومي‬ ‫الف ّن املفهومي‪ :‬غاية ّ‬ ‫‪ conceptual art‬هي نقل الفكرة �إىل املتلقي‪،‬‬ ‫فلي�س هدفه �إنتاج �أعمال فنية مادية من‬ ‫لوحات ومنحوتات‪.‬‬ ‫الفن النانوي ‪Nanoart‬‬ ‫الف ّن النانوي‪ :‬يتعامل ّ‬

‫املعلوماتية‬

‫املكنون املعريف واحلكمة الإن�سانية العميقة‬ ‫التي يحملها يف ثناياه‪.‬‬

‫مع البنية امليكروية �أو النانوية للمادة‪ .‬ولقد‬ ‫الفن التقليدي على اللقاء املبا�رش للحوا�س‬ ‫قام ّ‬ ‫مع العامل‪ ،‬فحالت قيودها دون ر�ؤية الكبري‬ ‫يف هيلولته‪� ،‬أو ال�صغري يف دقته‪ ،‬فال نرى من‬ ‫الفن النانوي‬ ‫الأ�شياء �إال ظاهرها اخلارجي‪� .‬أما ّ‬ ‫فينفذ بنا لرنى جمال البناء الداخل للمادة‬ ‫الع�ضوية وغري الع�ضوية وتفا�صيل عنا�رصها‬ ‫الدقيقة‪ ،‬فما هو �أروع من جمال البلورات و�أكرث‬ ‫�سحراً هو ر�ؤيتها وهي تت�شكّل �أمام �أعيننا‪.‬‬ ‫الف ّن البيولوجي‪� :‬ألهبت الكائنات احلية‬ ‫�إن�سان ًا وحيوان ًا و�أ�شجاراً وزهوراً خيال الفنان‪،‬‬ ‫ومل يكن مبقدوره �إال �أن يرى ظاهرها‪ ،‬يراها‬ ‫الفن البيولوجي ‪� bioart‬إىل‬ ‫من خارجها‪ .‬ي�سعى ّ‬ ‫ر�ؤية هذه الكائنات من داخلها‪ ،‬من جيناتها‬ ‫وخالياها و�أن�سجتها و�أع�ضائها‪ ،‬يرى الآليات‬ ‫البيولوجية البالغة التعقيد‪� ،‬أداة تلك املاكينة‬ ‫الطبيعية العجيبة التي تتوىل مهمة �صنع‬ ‫احلياة‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬للوهلة الأوىل‪ ،‬ورمبا‬ ‫ب�سبب املوقف ال�سلبي احلايل �إزاء معظم‬ ‫�أجنا�س الفنون‪ ،‬يبدو ك�أن لي�س للعرب �ش�أن‬ ‫مبعرفة الفنون ويف هذا �إجحاف �شديد‪ ،‬فقد‬ ‫كانت لهم �إ�سهامات ذات قيمة علمية وعملية‬ ‫�سواء يف املعرفة الكامنة وراء الفنون �أم يف‬ ‫الفنون القائمة على املعرفة‪ ،‬نورد يف ما يلي‬ ‫بع�ض ًا من �شواهدها‪:‬‬ ‫و�صف ابن �سينا لتع ّدد‬ ‫جمال املو�سيقى‪ْ :‬‬ ‫الأ�صوات (البوليفينة) و�أبحاث الكندي يف‬ ‫طبيعة الأ�صوات وحتديد نطاق ذبذباتها‪ ،‬وما‬ ‫�أورده الفارابي يف كتاب املو�سيقى الكبري‬ ‫عن تاريخ املو�سيقى وعن تناغم الأ�صوات‬ ‫وتنافرها وتع ّدد املقامات‪.‬‬ ‫جمال معارف الأدب وال�شعر‪ :‬ما �أبدعه‬ ‫ال�سلف من �أمثال الأغاين للأ�صفهاين وما �أورده‬ ‫يف الأ�صول اجلمالية لل�شعر العربي‪ ،‬وما �أورده‬ ‫الن�ص‬ ‫ابن كثري عن م�صادر اجلمال يف حالوة ّ‬ ‫القر�آين وطالوته‪.‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 160‬للتنمية الثقافية‬

‫يحتاج الرتاث العربي �إىل �إعادة‬ ‫طرحه من منظور احلا�رض‪ ،‬ويتطلب‬ ‫ذلك رقمنة هذا الرتاث و�أر�شفته‬ ‫�إلكرتونياً‪.‬‬

‫يخ�ص الفنون القائمة على املعرفة‬ ‫ويف ما ّ‬ ‫وفن املعمار‪:‬‬ ‫فن الزخرفة ّ‬ ‫فمن �أبرز جماالتها ّ‬ ‫فن قائم ب�شكل مبا�رش على‬ ‫ف ّن الزخرفة‪ :‬هو ّ‬ ‫النظريات الهند�سية وح�ساب املثلثات‪ ،‬وقد‬ ‫�أبرز اخلا�صية التوليدية للأن�ساق الريا�ضية‪،‬‬ ‫وقدرتها على متثيل الالنهائي‪ ،‬فمن معادلة‬ ‫هند�سية ب�سيطة حل�ساب املثلثات ميكن توليد‬ ‫�أ�شكال زخرفية غاية يف الرثاء والتن ّوع‪.‬‬ ‫ف ّن املعمار‪ :‬وقد قام هو الآخر على‬ ‫الريا�ضيات وعلوم خوا�ص املواد وفيزياء‬ ‫ال�ضوء والأ�صوات وحركة الهواء‪.‬‬

‫من �إ�سقاط املا�ضي �إىل االنطالق منه‪:‬‬

‫تتم ّيز تكنولوجيا املعلومات‬ ‫واالت�صاالت بقدرتها على دعم‬ ‫الفنون اجلماهريية من دون �أن حترم‬ ‫نخبة املبدعني من ممار�سة دورهم‬ ‫للفن مداومة‬ ‫الطليعي الذي ي�ضمن ّ‬ ‫جت ّدده ونزوعه نحو الأرقى والأعمق‪.‬‬

‫فن احلداثة من ح�سبانه �صلته باملا�ضي‬ ‫�أ�سقط ّ‬ ‫وتفرده‪،‬‬ ‫وذلك بتمجيد �أ�صالة العمل وابتكاريته ّ‬ ‫فن ما بعد احلداثة معلن ًا �أن الأ�صالة ال‬ ‫لي�أتي ّ‬ ‫تعنيه يف �شيء‪ ،‬ولي�س ثمة غ�ضا�ضة يف �أن‬ ‫يقرت�ض الف ّنان وين�سج ويعيد ا�ستخدام �أعمال‬ ‫فنية من املا�ضي‪.‬‬ ‫تعترب تكنولوجيا املعلومات �أم�ضى‬ ‫الو�سائل للحفاظ على ما خلفه املا�ضي من‬ ‫تراث فني وتقطري رحيقه املعريف‪ ،‬بالإ�ضافة‬ ‫�إىل الأدوات العملية العديدة ملعاجلة الأعمال‬ ‫الفنية و�إعادة �إنتاجها على اختالف �أنواعها‬ ‫�صوراً �أو ر�سوم ًا �أو ن�صو�ص ًا �أو �أحلان ًا‪ .‬و�إن‬ ‫كانت تكنولوجيا الت�صوير قد عملت على‬ ‫الفن لتنقله من �صاالت املتاحف‬ ‫دمقرطة ّ‬ ‫و�صالونات املقتنيات �إىل غرف املعي�شة‪ ،‬فقد‬ ‫للفن متحف ًا �شام ًال ومعر�ض ًا‬ ‫جعلت الإنرتنت ّ‬ ‫متج ّدداً على ا ّت�ساع العامل‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬يحتاج الرتاث العربي‬ ‫�إىل �إعادة طرحه من منظور احلا�رض‪ ،‬ويتطلب‬ ‫ذلك ـ �أول ما يتطلب ـ رقمنة هذا الرتاث‬ ‫و�أر�شفته �إلكرتوني ًا‪ ،‬ويلزم التنويه هنا باجلهد‬ ‫اجلاد املبذول حالي ًا لأر�شفة مقنيات املتحف‬ ‫امل�رصي‪� ،‬أو الرتاث املنقول‪ ،‬بيد �أن التحدي‬ ‫احلقيقي يكمن يف رقمنة الرتاث الثابت من‬ ‫معابد ومقابر ومتاثيل وما �شابه‪.‬‬

‫من الف ّن النخبوي �إىل اجلماهريي‪:‬‬

‫فن احلداثة بنخبويته املفرطة‪ ،‬يف حني‬ ‫يو�صم ّ‬ ‫فن ما بعد احلداثة موتيفاته من نطاق‬ ‫يقرت�ض ّ‬ ‫وا�سع ومتن ّوع من م�صادر ف ّنية معظمها له‬ ‫فن احلداثة‬ ‫طابع جماهريي‪ ،‬ويف حني �أغفل ّ‬ ‫اجلماهري بتمحوره حول العمل الف ّني ذاته‪،‬‬ ‫مفرت�ض ًا وجود و�سيط من النقاد يقوم مبا‬ ‫الفن العايل‬ ‫ي�شبه دور الهوي�س بني من�سوبي ّ‬ ‫فن ما بعد احلداثة‬ ‫وفن الطبقات الدنيا‪ ،‬ف�إن ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتمحور حول املتلقي وتقا�س قيمة العمل‬ ‫الإبداعي مبدى ا�ستجابة املتلقي‪.‬‬ ‫تتم ّيز تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت‬ ‫بقدرتها على دعم الفنون اجلماهريية من دون‬ ‫�أن حترم نخبة املبدعني من ممار�سة دورهم‬ ‫للفن مداومة جت ّدده‬ ‫الطليعي الذي ي�ضمن ّ‬ ‫ونزوعه نحو الأرقى والأعمق‪ .‬بقول �آخر �إن‬ ‫تكنولوجيا املعلومات واالت�صاالت يف طريقها‬ ‫�إىل حتطيم ثنائية النخبوي واجلماهريي ب�أن‬ ‫ترقى بذائقة اجلماهري وحتثّها على امل�شاركة‬ ‫لفن النخبة م�سارات‬ ‫من جانب‪ ،‬و�أن توفّر ّ‬ ‫ي�سلكها لكي يتحقق له التوا�صل مع اجلماهري‬ ‫العري�ضة‪.‬‬ ‫املنظور العربي‪ :‬وت�شكو فنوننا العربية‬ ‫احلديثة من نخبوية طاغية‪ ،‬وهو ما �أ ّدى �إىل‬ ‫ا�ستفحال الأمية الف ّنية‪ ،‬خ�صو�ص ًا على �صعيد‬ ‫الت�شكيل واملو�سيقى‪ .‬وما زاد الطني بلة هبوط‬ ‫الفن اجلماهريي �إىل ذلك امل�ستوى املرتدي‬ ‫ّ‬ ‫الذي تبثّه و�سائل الإعالم‪ ،‬وبد ًال من �أن يرقى‬ ‫الفن بوعي جماهريه نراه ي�ش ّوه هذا الوعي �إىل‬ ‫ّ‬ ‫ح ّد االبتذال �أحيانا‪ً.‬‬ ‫م�رشوع بناء �أول قاعدة معارف ‪knowle‬‬ ‫‪ edge-base‬لل�شعر العربي‪ :‬من املعروف �أن‬

‫مت بنا�ؤه حتى الآن بالن�سبة لل�شعر‬ ‫�أق�صى ما ّ‬ ‫العربي هو قواعد بيانات ‪ ،data bases‬و�شتان‬ ‫بني هذه وتلك‪ ،‬فبينما ال تتجاوز قواعد البيانات‬ ‫ظاهر الألفاظ‪ ،‬تتعامل قاعدة املعارف مع‬ ‫عنا�رص الداللة من معاين الكلمات وال�صيغ‬


‫الف�صل اخلام�س‬ ‫تنمية الثقافة العربية من منظور معلوماتي ‪161‬‬

‫�إثراء الإنتاج ال�سينمائي ‪ :‬مع انت�شار‬ ‫و�سائل توزيع الأفالم ال�سينمائية‪� ،‬أ�صبح‬ ‫لل�سينما دور خطري يف الت�أثري على �أفكار‬ ‫اجلماهري‪ ،‬وكما يرى البع�ض ف�إن ال�سينما‪،‬‬

‫املعلوماتية‬

‫اال�ستعارية واملفاهيم الأ�سا�سية والأفكار‬ ‫املحورية وعالقات التما�سك ال�سياقي والرتابط‬ ‫املنطقي‪ .‬يهدف امل�رشوع �إىل‪:‬‬ ‫تطوير �آليات بحث ذكية للنفاذ �إىل �أعماق‬ ‫املنت ال�شعري مثل البحث على �أ�سا�س املعنى‬ ‫واملفهوم و�أمناط التعابري اال�ستعارية‪ ،‬عالوة‬ ‫ـ بالطبع ـ على �أنواع البحث النمطية كالبحث‬ ‫بداللة ا�سم ال�شاعر �أو ا�سم الق�صيدة‪� ،‬أو �أول بيت‬ ‫فيها وما �شابه‪.‬‬ ‫الن�صي‬ ‫�إقامة �شبكة كثيفة من حلقات الت�ش ّعب ّ‬ ‫الن�ص ال�شعري‪،‬‬ ‫‪ hypertext links‬تربط بني ّ‬ ‫وتراجم ال�شعراء واملعاجم ودوائر املعارف‪،‬‬ ‫واملراجع التاريخية وتراث الدرا�سات النقدية‪،‬‬ ‫واملكتبة غن ّية مبثل هذه املوارد للمعلومات‬ ‫ال�شعرية‪.‬‬ ‫ا�ستخراج املعجم ال�شعري ل�شاعر معني‪،‬‬ ‫�أو ملجموعة من ال�شعراء‪� ،‬أو ملرحلة زمنية‬ ‫�أو مدر�سة �شعرية مع ّينة‪ ،‬ودرا�سة الت�أثري‬ ‫املعجمي املتبادل ما بني �شاعرين �أو جمموعة‬ ‫من ال�شعراء‪.‬‬ ‫تطوير نظام �آيل ذكي لتمييز بحور ال�شعر‬ ‫والزحافات والعلل والتفريق بينها �أتوماتي ًا‪،‬‬ ‫مع تطبيق ا�ستثناءات ال�رضورات ال�شعرية‬ ‫ومطالب القوايف‪.‬‬ ‫حمرك بحث خا�ص بال�شعر ميكنه‬ ‫بناء �أول ّ‬ ‫البحث على �أ�سا�س البحر و�أنواع الزحافات‬ ‫والعلل و�أمناط القوايف وال�رضورات ال�شعرية‬ ‫وخالفه‪.‬‬ ‫تقدمي �أنواع خمتلفة من الدعم م�ستخل�صة من‬ ‫ذخرية الن�صو�ص ال�شعرية لدفع جهود تطوير‬ ‫املعجم العربي والعمل امل�صطلحي‪.‬‬ ‫تطوير نظام لفهر�سة الن�صو�ص ال�شعرية‬ ‫مو�ضوعي ًا ال�ستخال�ص مفاهيمها الأ�سا�سية‬ ‫و�أفكارها املحورية‪.‬‬

‫ال�سيما الوثائقية‪ ،‬ميكن �أن تفوق الإعالم‬ ‫التليفزيوين يف هذا ال�ش�أن‪ ،‬ويرجع ذلك �إىل‬ ‫�أن ال�سينما �أكرث حترراً يف عر�ض ق�ضاياها‪،‬‬ ‫بحيث ال تكتفي بعر�ض الأحداث وال تلتزم‬ ‫بتعاقب وقوعها‪ ،‬بل تعيد ترتيبها وتنظيمها‬ ‫وتطعيمها‪� .‬إن الإعالم التليفزيوين ي ّت�سم‬ ‫بالفورية واالهتمام بالأحداث اجلارية‪،‬‬ ‫مبا يجعله �أق ّل قدرة على عر�ض امل�شكالت‬ ‫والق�ضايا ذات الإيقاع البطيء والتي هي بال‬ ‫�شك �أكرث مغزى و�أهمية‪ ،‬مثل م�شكلة البطالة‬ ‫وتغري املناخ ‪ .‬وهنا ي�أتي دور ال�سينما‬ ‫الوثائقية‪ .‬ولعلّه يجب الرتكيز يف الإنتاج‬ ‫ال�سينمائي القائم على الفكرة‪ ،‬باتباع توجه‬ ‫�سينما امليزانية املحدودة التي باتت تناف�س‬ ‫�سينما الإنتاج ال�ضخم الأمريكية‪ ،‬وهي �سينما‬ ‫تقوم على املفهوم مثل «فيلم حتت ال�شم�س»‬ ‫املريازعية الذي تناول ظاهرة الث�أر‪ ،‬وفيلم‬ ‫«الرجوع» ‪ The return‬الرو�سي الذي يناق�ش‬ ‫عالقة الأبناء ب�أبيهم‪.‬‬ ‫وهناك عدة مبادرات �شخ�صية قام بها‬ ‫مبدعون �سينمائيون يف اجلزائر وتون�س‬ ‫وم�رص‪ ،‬وجتدر الإ�شارة هنا �إىل النجاح الكبري‬ ‫التي حققته ال�سينما الإيرانية‪.‬‬

‫ت�شكو فنوننا العربية احلديثة‬ ‫من نخبوية طاغية‪ ،‬وهو ما �أ ّدى �إىل‬ ‫ا�ستفحال الأم ّية الفن ّية‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫على �صعيد الت�شكيل واملو�سيقى‪ .‬وما‬ ‫الفن اجلماهريي‬ ‫زاد الطني بلة هبوط ّ‬ ‫�إىل ذلك امل�ستوى املرتدي الذي تبثّه‬ ‫و�سائل الإعالم‪ ،‬وبد ًال من �أن يرقى‬ ‫ي�شوه هذا‬ ‫ّ‬ ‫الفن بوعي جماهريه نراه ّ‬ ‫الوعي �إىل ح ّد االبتذال �أحياناً‪.‬‬

‫تهجني املو�سيقى العربية مع مو�سيقى‬ ‫البلدان الإ�سالمية‪ :‬يتم ّيز الرتاث املو�سيقي‬

‫العربي برثاء �شديد من حيث عدد املقامات‬ ‫بيد �أن معظمها بات مهدداً بال�ضياع ‪ .‬هناك‬ ‫فر�ص عديدة �أمام املبدع املو�سيقي العربي‬ ‫لتهجني املو�سيقى العربية مع مو�سيقى‬ ‫ال�شعوب الأخرى‪ ،‬خ�صو�ص ًا املو�سيقى الفار�سية‬ ‫والرتكية والهندية‪.‬‬ ‫يقوم امل�رشوع على ا�ستغالل الأدوات‬ ‫التي توفرها تكنولوجيا املعلومات يف‬ ‫رقمنة البيانات املو�سيقية وحترير املو�سيقى‬ ‫والعزف الفوري التلقائي للم�ؤلفات املو�سقية‬ ‫ومتييز الأنغام وف�صل الأنغام يف املو�سيقى‬ ‫البولوفينية‪� .‬إن هذا الهجني ميكن �أن يثمر‬ ‫مقاي�ضة �إبداعية رائعة بني ثراء الأحلان يف‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 162‬للتنمية الثقافية‬

‫املو�سيقى العربية وتع ّدد النغمات يف املو�سيقى‬ ‫البولوفينية الغربية‪.‬‬

‫تهجني الغناء العربي مع غناء ال�شعوب‬ ‫الأخرى‪ :‬هناك ع ّدة مبادرات ناجحة قام بها‬

‫مغ ّنون عرب و�أجانب لدمج الغناء العربي مع‬ ‫�أغاين ال�شعوب الأخرى‪ ،‬بحيث يت ّم تهجني‬ ‫الأحلان وامل�شاركة يف الغناء‪.‬‬ ‫م�ستودع بيانات الأدب العربي‪ :‬هناك‬ ‫ع ّدة مبادرات لتخزين امل�ؤلفات الأدبية لكاتب‬ ‫معينّ مثل جنيب حمفوظ‪� ،‬إال �أننا نحتاج �إىل‬ ‫بناء م�ستودعات ت�شمل النتاج الأدبي العربي‬ ‫احلديث‪ ،‬وذلك بهدف حتقيق الأهداف التالية ‪:‬‬ ‫دعم الدرا�سات اخلا�صة بالأ�سلوبية العربية‬

‫والتي نفتقدها ب�شدة‪.‬‬ ‫دعم التنظرياللغوي‪ ،‬بحيث يرى البع�ض �أن‬ ‫الأدب هو �أن�سب املداخل لتطوير البحث اللغوي‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق بتناول �إ�شكالية املعنى‪،‬‬ ‫وعالقة اللغة بال�سياق لدعم بحوث الربجميات‬ ‫اللغوية التي ت�شتغل على عالقة اللغة مبا هو‬ ‫خارجها ‪.‬‬ ‫ا�ستخراج اال�ستعارات اجلديدة ومظاهر‬ ‫الإزاحة الداللية يف معاين الألفاظ وذلك لإثراء‬ ‫املعجم العربي‪.‬‬ ‫ا�ستخراج املكنون املعريف الذي يت�ض ّمنه‬ ‫ال�رسد الأدنى ‪.‬‬ ‫دعم درا�سات النقد املقارن الذي يعتمد ب�صفة‬ ‫�أ�سا�سية على ذخائر الن�صو�ص املحو�سبة‪.‬‬


163



‫‪165‬‬

‫التـعليم‬

‫امللف الثاين‬ ‫التمويل وا�ستقاللية الإدارة‬ ‫يف التعليم العايل‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬



‫‪167‬‬

‫الف�صل الأول‪:‬‬

‫التـعليم‬

‫�إدارة التعليم العايل و�أزمة الإ�ستقاللية‬ ‫�أو ًال‪� :‬إدارة �ش�ؤون التعليم العايل‪ :‬الطابع احلكومي‬ ‫ثاني ًا‪� :‬إدارة اجلامعات احلكومية‪� :‬ضعف اال�ستقاللية الإدارية واملالية‬ ‫ثالث ًا‪� :‬إدارة اجلامعات غري احلكومية‬

‫الف�صل الثاين‪:‬‬

‫م�شكلة متويل التعليم العايل‬ ‫�أو ًال‪ :‬الإنفاق احلكومي على التعليم العايل‬ ‫ثاني ًا‪� :‬إيرادات اجلامعات احلكومية‬ ‫ثالث ًا‪� :‬إيرادات اجلامعات غري احلكومية‬ ‫رابع ًا‪ :‬الإنفاق والنوعية‬

‫الف�صل الثالث‪:‬‬

‫مبادرات يف تنويع التمويل ويف �إقامة الوقفيات اجلامعية‬ ‫�أو ًال‪ :‬املعونات الأجنبية‬ ‫ثاني ًا‪ :‬املعونات العربية‬ ‫ثالث ًا‪ :‬ال�صناديق املحلية واملكرمات‬ ‫رابع ًا‪ :‬امل�ؤ�س�سات الأهلية‬ ‫خام�س ًا‪ :‬الوقفيات اجلامعية‬ ‫�ساد�س ًا‪ :‬خال�صة ومناق�شة‬

‫الف�صل الرابع‪:‬‬

‫مناذج عاملية يف الوقفيات اجلامعية‬

‫�أو ًال‪ :‬جتارب دولية‬ ‫ثاني ًا‪ :‬درا�سة حالة جامعة هارفارد (الواليات املتحدة الأمريكية)‬ ‫ثالث ًا‪:‬درا�سة حالة جامعة �سيدين (�أ�سرتاليا)‬ ‫رابع ًا‪ :‬درا�سة حالة تركيا‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 168‬للتنمية الثقافية‬

‫مقدمة‬ ‫لي�س هذا التقرير درا�سة عن الوقفيات‬ ‫اجلامعية يف البلدان العربية كواقعة قائمة‬ ‫(لأن هذه الوقفيات غائبة �إجما ًال فيها)‪ ،‬بل‬ ‫يج�سد التقدم‬ ‫عن الوقفيات كبديل حمتمل‪ّ ،‬‬ ‫نحو مزيد من اال�ستقاللية للجامعات ومزيد‬ ‫من التمويل ومن ال�رشاكة االجتماعية يف‬ ‫حمل م�س�ؤولية التعليم العايل‪ ،‬يرفد دور الدولة‬ ‫التنظيمي والتحفيزي والتوجيهي‪� .‬إنه بديل‬ ‫ملواجهة م�شكلتني �أ�سا�سيتني‪ :‬الإدارة والتمويل‪.‬‬ ‫لذلك يتناول هذا التقرير هاتني الق�ضيتني �أوال‬ ‫(الف�صالن الأول والثاين)‪ ،‬ثم يق ّدم ما �أمكن‬ ‫من معلومات عن م�صادر التمويل الإ�ضافية‬ ‫(امل�ساعدات واملنح وغريها) مبا يف ذلك‬ ‫الوقفيات القائمة حالي ًا �أو قيد الإن�شاء (الف�صل‬ ‫الثالث)‪ .‬ثم ي�ستعر�ض جتربة الوقفيات يف عدد‬ ‫من دول العامل (الف�صل الرابع)‪.‬‬ ‫كان التقرير الأول للتنمية الثقافية يف‬ ‫البلدان العربية (‪ )2008‬قد ق ّدم عر�ض ًا وا�سع ًا‬ ‫حول التعليم العايل يف البلدان العربية‪ ،‬وتوقف‬ ‫ب�صورة خا�صة عند خم�س ق�ضايا هي‪ :‬الفر�ص‬ ‫الدرا�سية‪ ،‬تنويع التعليم العايل‪ ،‬نوعية التعليم‪،‬‬ ‫تعليم الإن�سانيات‪ ،‬تعليم املر�أة‪ .‬وا�ستخرج‬ ‫عدداً من التوجهات والآفاق امل�ستقبلية‪.‬‬ ‫بي �أن البلدان‬ ‫وكان التقرير املذكور قد نَّ‬ ‫العربية حققّت �إجنازات ملحوظة على �صعيد‬ ‫توفري فر�ص التعليم العايل (معدالت االلتحاق)‪،‬‬ ‫و�أن هناك جهوداً ما زالت مطلوبة للتو�سع‬ ‫يف هذه الفر�ص لكي ت�صبح هذه البلدان يف‬

‫م�صاف البلدان املتقدمة �أو امل�صنعة حديث ًا �أو‬ ‫غريها من النماذج الناجحة يف العامل‪ .‬لكنه‬ ‫بينّ �أن النوعية هي م�شكلة �أعمق و�أكرث انت�شاراً‬ ‫من م�شكلة الفر�ص الدرا�سية‪ ،‬لدرجة �أنه‬ ‫ميكن القول � ّإن التو�سع يف الفر�ص الدرا�سية‬ ‫كانت النوعية �ضحيته‪ ،‬ب�صورة مبا�رشة �أو‬ ‫غري مبا�رشة‪ .‬وهذا �أمر ميكن فهمه بالتحليل‬ ‫املنطقي‪� ،‬إذا اعتربنا �أن تو�سع التعليم العايل‪،‬‬ ‫ل�سيا�سات حكومية �أو ل�ضغوط اجتماعية‪،‬‬ ‫مت ب�رسعة ويف �سياق مل تزد فيه املوارد‬ ‫ّ‬ ‫املتاحة ب�صورة تتنا�سب مع النمو امللحوظ‬ ‫يف الأعداد‪.‬‬ ‫�إن احل�ساب الأخري للتعليم العايل يف �أي‬ ‫بلد‪ ،‬ولأي كتلة من البلدان‪ ،‬يكمن يف النهاية‬ ‫يف هذين البعدين‪ :‬الفر�ص الدرا�سية ونوعية‬ ‫التعليم العايل‪ .‬البعد الأول يحيل �إىل «ا ُملن َتج»‬ ‫الب�رشي �أو حجم القوة الب�رشية اجلامعية‬ ‫التي ينتجها التعليم العايل (والذي ت�شري �إليه‬ ‫معدالت االلتحاق ن�سبة �إىل ال�سكان)‪ .‬والبعد‬ ‫الثاين يحيل �إىل «ا ُملن َتج املعريف» �أي نوعية‬ ‫املتخرجني من م�ؤ�س�سات التعليم العايل‬ ‫وقدرتهم على املناف�سة الإقليمية والدولية‪،‬‬ ‫و�إ�سهام التعليم العايل يف تطوير املعارف‪ ،‬عن‬ ‫طريق البحث العلمي (يف �شتى حقول املعرفة)‪.‬‬ ‫ومن املعروف �أن جل املب ّينات (‪)Indicators‬‬ ‫التي يعتمدها ت�صنيف �شانغهاي للجامعات‬ ‫الأُول يف العامل يقع يف احلقل املعريف (البحث‬ ‫العلمي) ‪.1‬‬

‫‪1‬‬ ‫املبينات‪:‬‬ ‫للتذكري بهذه ّ‬ ‫‪ )1‬عدد املتخرجني من اجلامعة الذين نالوا جوائز نوبل �أو ميداليات يف حقل اخت�صا�صهم‪.‬‬ ‫‪ )2‬عدد �أفراد الهيئة التعليمية يف اجلامعة الذين نالوا جوائز نوبل �أو ميداليات يف حقل اخت�صا�صهم‪.‬‬ ‫‪ )3‬الباحثون الأكرث ذكراً يف ‪ 21‬حق ًال معرفي ًا وا�سعاً‪.‬‬ ‫‪ )4‬املقاالت املن�شورة يف جمالت الطبيعة والعلوم‪.‬‬ ‫‪ )5‬املقاالت املذكورة يف الك�شاف املو�سع لإ�سنادات العلوم (‪ ،)Science Citation Index-expanded‬وك�شاف الإ�سنادات يف العلوم االجتماعية (‪Social Science Citation‬‬ ‫‪ )Index‬وك�شاف الإ�سنادات يف الفنون والإن�سانيات (‪.)Arts & Humanities Citation Index‬‬ ‫‪ )6‬الأداء الأكادميي ن�سبة �إىل حجم اجلامعة (حا�صل ق�سمة العالمات التي حت�صل عليها اجلامعة يف البنود اخلم�سة ال�سابقة على عدد �أفراد الهيئة التعليمية املتفرغني)‪.‬‬


‫‪169‬‬

‫التـعليم‬

‫خلف �أهلية ومالءمة هذين»ا ُملن َتجني»‬ ‫تكمن عوامل عديدة‪ ،‬لكن �أبرز هذه العوامل‬ ‫يكمن من دون �شك يف املوارد‪ .‬وميكن و�ضع‬ ‫الكثري من البنود يف باب املوارد مث ًال الأبنية‬ ‫والتجهيزات‪ ،‬والهيئة التعليمية‪ ،‬واملوارد‬ ‫املالية‪ .‬لكن املوارد املالية هي الأ�سا�س يف‬ ‫حت�سني �أنواع املوارد الأخرى �أو يف تقلي�صها‪.‬‬ ‫وهي على كل حال امل�شكلة التي تعاين وت�شكو‬ ‫منها معظم البلدان العربية‪.‬‬ ‫لذلك ف�إن ال�س�ؤال الذي يطرح نف�سه يتعلق‬ ‫مب�شكلة متويل التعليم العايل يف البلدان‬

‫العربية والبدائل املمكنة ملواجهتها‪ .‬على‬ ‫�أن التفكري بالتعليم العايل يف دول اخلليج‬ ‫العربي مث ًال يلفت االنتباه �إىل �أن م�شكلة‬ ‫التمويل لي�ست وحدها علة النوعية‪ .‬وبالتايل‬ ‫فان �إدارة �ش�ؤون التعليم العايل ت�شكّل مفتاح ًا‬ ‫�إ�ضافي ًا لفهم جمريات الأمور وتف�سري ح�سن‬ ‫النوعية �أو �سوئها‪ .‬وهذا �سبب طرح مو�ضوع‬ ‫الوقفية اجلامعية كمو�ضوع لهذا التقرير‪ .‬ذلك‬ ‫�أن الوقفية اجلامعية لي�ست بدي ًال مالي ًا فقط بل‬ ‫هي بديل يتناول �إدارة التعليم العايل �أي�ض ًا‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 170‬للتنمية الثقافية‬

‫الف�صل الأول‬ ‫�إدارة التعليم العايل و�أزمة ا�ستقاللية اجلامعات‬ ‫يتناول هذا الف�صل �ش�ؤون �إدارة‪ 1‬التعليم‬ ‫العايل عامة‪ ،‬و�إدارة اجلامعات احلكومية وغري‬ ‫احلكومية‪� ،‬سعي ًا وراء الإجابة عن �س�ؤالني‪:‬‬ ‫الأول يتعلق مبدى ا�ستقاللية اجلامعات‪ ،‬تلك‬ ‫اال�ستقاللية التي ت�سمح لها بتحمل امل�س�ؤولية‪،‬‬ ‫ولو جزئي ًا‪ ،‬يف متويل التعليم العايل مبا ي�سمح‬ ‫لها بتطوير مك ّونات النوعية فيها‪ ،‬وبالتايل‬ ‫اخل�ضوع للم�ساءلة حول املو�ضوع‪ ،‬والثاين‬ ‫يتعلق باملكانة التي يحتلها ممثلو القطاعات‬ ‫االجتماعية واالقت�صادية يف املجال�س التي‬ ‫تدير التعليم العايل‪� ،‬أو مبدى �رشاكة املجتمع‬ ‫يف حمل م�س�ؤولية التعليم العايل‪.‬‬ ‫�سوف نقوم باجلواب على هذين ال�س�ؤالني‬ ‫من خالل املعطيات املتوافرة يف عدد من‬ ‫التقارير املرجعية التي كتبت لتغذية هذه‬ ‫الدرا�سة‪ .‬ويف كل الأحوال ف�إن العر�ض يتناول‬ ‫عدداً حمدوداً من احلاالت (بلدانا وجامعات)‪،‬‬ ‫على �سبيل الإ�شارة �إىل النموذج �أو النماذج‬ ‫ال�شائعة يف هذا املجال‪ .‬وقد اخرتنا خم�سة‬ ‫بلدان عربية من �أجل تناول هذا املو�ضوع‬ ‫وغريه من املوا�ضيع التي يتناولها هذا التقرير‬ ‫(الأردن‪ ،‬لبنان‪ ،‬ال�سعودية‪ ،‬م�رص‪ ،‬املغرب)‪،‬‬ ‫لكننا �سوف نتجاوز البلدان اخلم�سة �أحيان ًا‬ ‫ونط ّل على بلدان �أخرى‪ ،‬وذلك تبع ًا لتوافر‬ ‫املعلومات‪.‬‬ ‫يتناول العر�ض بالن�سبة مل�س�ألتي‬ ‫اال�ستقاللية وامل�شاركة الواردتني �أعاله يف‬ ‫كل حالة من احلاالت املدرو�سة‪ ،‬وبح�سب توفر‬ ‫املعلومات النقاط الآتية‪:‬‬ ‫• وجود جمال�س (للتعليم العايل‪ ،‬للجامعة)‪،‬‬ ‫• نطاق �صالحيات هذه املجال�س‪ ،‬و�إذا ما‬ ‫كانت ت�شمل ال�صالحيات املالية واتخاذ‬

‫القرارات وبخا�صة �إذا كانت خم ّولة بالتعيني‬ ‫والرت�شيح‪.‬‬ ‫• تكوين هذه املجال�س (مالمح �أع�ضائها)‬ ‫و�إذا ما كانت ت�ض ّم ممثلني عن الفعاليات‬ ‫االجتماعية واالقت�صادية‪ ،‬واجلهة التي تعينّ‬ ‫الأع�ضاء �أو ما �إذا كانوا منتخبني �أو خمتارين‬ ‫من قبل زمالئهم‪.‬‬ ‫• تعيني ر�ؤ�ساء اجلامعات والعمداء‪� ،‬أو ما‬ ‫�إذا كانوا منتخبني �أم خمتارين من قبل‬ ‫زمالئهم‪.‬‬

‫�أو ًال‪� :‬إدارة �ش�ؤون التعليم العايل‪ :‬الطابع‬ ‫احلكومي‬

‫هناك عموم ًا جمل�س ي�رشف على‬ ‫التعليم العايل يف البلدان املدرو�سة‪ ،‬ي�سمى‬ ‫يف معظم الأحيان «جمل�س التعليم العايل»‪،‬‬ ‫وي�سمى �أحيان ًا «جمل�س اجلامعات» (م�رص)‬ ‫�أو «اللجنة الوطنية للتن�سيق» (املغرب)‪ .‬وهو‬ ‫عموم ًا «حكومي» الطابع‪ :‬يتكون �أع�ضا�ؤه‬ ‫من �شخ�صيات ر�سمية (وزراء‪ ،‬وزراء �سابقون‪،‬‬ ‫مدراء لإدارات حكومية‪ ،‬ر�ؤ�ساء جامعات‪،‬‬ ‫حاليون �أو �سابقون‪ ،‬م�ست�شارون‪� ،‬أعيان‪...‬الخ)‬ ‫يع ّينون من قبل ال�سلطة احلكومية (الرئي�س �أو‬ ‫امللك‪ ،‬بناء على اقرتاح الوزير املخت�ص‪ -‬وزير‬ ‫التعليم العايل)‪ .‬وينطبق الطابع احلكومي على‬ ‫جمال�س التعليم العايل التي تعنى باجلامعات‬ ‫اخلا�صة حتديداّ (لبنان‪ ،‬م�رص)‪ .‬ويرت�أ�س هذه‬ ‫املجال�س عادة وزير التعليم العايل‪.‬‬ ‫هذه املجال�س ت�شكل �أذرع ًا للحكومات‬ ‫وال تتم ّتع ب�صالحيات تقريرية �إال يف عدد من‬ ‫ال�ش�ؤون الأكادميية والتنظيمية‪ ،‬لكنها ال تتمتع‬ ‫ب�أي �صالحية يف التعيني‪ ،‬فر�ؤ�ساء اجلامعات‬

‫‪ 1‬ن�ستخدم م�صطلح �إدارة التعليم العايل �أو اجلامعات مقابل (‪ )management‬بالإنكليزية �أو (‪ )gestion‬بالفرن�سية‪.‬‬


‫الف�صل االول‬ ‫�إدارة التعليم العايل و�أزمة ا�ستقاللية اجلامعات ‪171‬‬

‫الأردن‬

‫ي�رشف على التعليم العايل يف الأردن‬ ‫جمل�س يدعى «جمل�س التعليم العايل» وهو‬ ‫يتم ّتع ب�سلطات ترتاوح بني التعيني (للجامعات‬ ‫اخلا�صة) والرت�شيح (للجامعات الر�سمية)‬ ‫ور�سم ال�سيا�سات واخلطط وحتديد �إجراءات‬ ‫القبول والرتخي�ص للجامعات اخلا�صة وقبول‬ ‫الهبات وامل�صادقة على املوازنات ال�سنوية‬ ‫(�إطار ‪.)1-1‬‬ ‫�إطار ‪ 1-1‬جمل�س التعليم العايل يف الأردن‬ ‫ي�شكّل جمل�س التعليم العايل وفق ًا‬ ‫لن�ص املادة (‪ )5‬من قانون التعليم‬ ‫العايل والبحث العلمي برئا�سة‬ ‫وزير التعليم العايل والبحث العلمي‬ ‫وع�ضوية ك ّل من‪:‬‬ ‫‪ .1‬وزير الرتبية والتعليم نائب ًا‬ ‫للرئي�س‪.‬‬ ‫‪ .2‬ر�ؤ�ســاء اجلامعــات الأردنيــة‬ ‫الر�سمية‪.‬‬ ‫‪� .3‬أربعة من ر�ؤ�ساء اجلامعــات‬ ‫اخلا�صة وبالتناوب‪.‬‬ ‫‪� .4‬أمني عام الوزارة‪.‬‬ ‫‪� .5‬سبعــة �أ�شخا�ص مـن ذوي‬ ‫االخت�صا�ص واخلربة واالهتمام‬ ‫بالتعليم العايل على �أن يكون �أربعة‬ ‫منهم من القطاع اخلا�ص يف جماالته‬ ‫الإنتاجية �أو اخلدمية الرئي�سية‪.‬‬ ‫ويعينّ الأع�ضاء املن�صو�ص عليهم‬ ‫يف البندين (‪ )3‬و(‪ ،)5‬ملدة �سنتني‪،‬‬ ‫بناء على‬ ‫بقرار من جمل�س الوزراء ً‬ ‫تن�سيب وزير التعليم العايل والبحث‬ ‫العلمي على �أن يقرتن القرار بالإرادة‬ ‫امللكية ال�سامية‪ ،‬ويعفى �أي منهم‬ ‫بالطريقة نف�سها‪.‬‬ ‫يتوىل املجل�س املهام وال�صالحيات‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫ ر�سم �سيا�سة التعليم العايل يف‬‫اململكة ورفعها ملجل�س الوزراء‬

‫التـعليم‬

‫احلكومية يع ّينون من قبل احلكومة (الرئي�س‪،‬‬ ‫امللك)‪ .‬ي�ستثنى من ذلك �أن جمل�س التعليم‬ ‫العايل يف الأردن يعينّ ر�ؤ�ساء اجلامعات‬ ‫اخلا�صة‪ ،‬وير�شّ ح ر�ؤ�ساء اجلامعات احلكومية‪،‬‬ ‫و�أن وزير التعليم العايل يف م�رص يعينّ رئي�س‬ ‫جامعة خا�صة يف لبنان (جامعة بريوت‬ ‫العربية)‪ ،‬ويوافق على الرئي�س الذي يع ّينه‬ ‫جمل�س الأمناء يف اجلامعة اخلا�صة مب�رص!‬ ‫وهما ا�ستثناءان ي�ؤكدان مت ّدد الطابع احلكومي‬ ‫نحو اجلامعات اخلا�صة �أحيان ًا‪ .‬ي�ستثنى من‬ ‫هذه ال�صورة لبنان الذي لي�س ملجل�سه �أي‬ ‫�صالحيات �إ�رشافية على اجلامعات اخلا�صة‬ ‫وال عالقة له �أ�ص ًال باجلامعة احلكومية‪.‬‬ ‫�أما يف اجلانب املايل ف�صالحيات هذه‬ ‫املجال�س ال ت�شمله يف كل من ال�سعودية واملغرب‬ ‫(ولبنان طبع ًا)‪ ،‬يف حني �أن جمل�س اجلامعات‬ ‫يف م�رص «يبدي الر�أي يف مقدار الإعانة‬ ‫احلكومية التي متنح �سنوي ًا لكل جامعة»‪،‬‬ ‫و�أن جمل�س التعليم العايل يف �سوريا «يقرتح‬ ‫م�رشوع املوازنة العامة لك ّل من اجلامعات‬ ‫واملعاهد وامل�ؤ�س�سات التابعة للوزارة»‪ .‬وهذه‬ ‫تعابري تفهم على �أن ال�صالحيات املالية هي‬ ‫ا�ست�شارية لأن وزارات املالية يف البلدان‬ ‫تقرر موازنات اجلامعات‬ ‫املعنية هي التي ّ‬ ‫احلكومية‪ .‬يختلف الأردن قلي ًال يف �أن جمل�سه‬ ‫يزيد على مو�ضوع النظر يف املوازنات �صالحية‬ ‫تتمثل يف «تدبري امل�صادر لدعم املوارد املالية‬ ‫مل�ؤ�س�سات التعليم العايل الر�سمية»‪ ،‬وال ندري‬ ‫ما هي �أ�ساليب «التدبري» املذكور لأن املعطيات‬ ‫التي بحوزتنا عن اجلامعات احلكومية ال تبينّ‬ ‫وجود م�صادر متويل مهمة خارج املوازنة‪.‬‬ ‫باخت�صار نقول � ّإن جمال�س التعليم العايل‬ ‫هي هيئات «م�ساعدة» للحكومة �إداري ًا ومالي ًا‪،‬‬ ‫يف حني �أن القرارات القيادية واملالية تقع على‬ ‫كاهل احلكومات‪ .‬وبالتايل ف�إنه ي�صعب على‬ ‫هذه املجال�س حت ّمل م�س�ؤولية مواجهة م�شكالت‬ ‫متويل التعليم العايل واتخاذ القرارات ب�ش�أنها‬ ‫ب�صورة م�ستقلة عن التوجهات احلكومية‪.‬‬

‫ون�ستعر�ض �أدناه احلاالت التي بنينا‬ ‫عليها هذه املالحظات‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫التخاذ قراره الالزم ب�ش�أنها (بند ‪.)1‬‬ ‫ املوافقة على �إن�شاء م�ؤ�س�سات‬‫التعليم العايل يف اململكة (‪( )...‬بند‬ ‫‪.)2‬‬ ‫ و�ضع الأ�س�س العامة املتعلقة‬‫بقبول الطلبة يف م�ؤ�س�سات التعليم‬ ‫العايل وحتديد �أعداد املقبولني منهم‬ ‫�سنوي ًا يف حقول التخ�ص�ص املختلفة‬ ‫(بند ‪.)4‬‬ ‫ التن�سيب بتعيني ر�ؤ�ساء اجلامعات‬‫الر�سمية‪ ،‬وتعيني نواب الرئي�س‬ ‫والعمداء يف اجلامعة (بند ‪.)5‬‬ ‫ تعيني ر�ؤ�ساء اجلامعات اخلا�صة‬‫وجمال�س �أمنائها (بند ‪.)6‬‬ ‫ تدبري امل�صادر لدعم املوارد‬‫املالية مل�ؤ�س�سات التعليم العايل‬ ‫الر�سمية (بند ‪.)7‬‬ ‫ قبول الهبات واملنح والو�صايا‬‫مل�ؤ�س�سات التعليم العايل التي تزيد‬ ‫قيمتها على خم�سمائة �ألف دينار‬ ‫للجامعات الر�سمية وعلى مائة‬ ‫�ألف دينار للجامعات اخلا�صة على‬ ‫�أن ت�ؤخذ موافقة جمل�س الوزراء �إذا‬ ‫كانت من م�صدر غري �أردين مهما‬ ‫كانت قيمتها (بند ‪.)11‬‬ ‫ امل�صادقة على املوازنات ال�سنوية‬‫واحل�سابات اخلتامية مل�ؤ�س�سات‬ ‫التعليم العايل (‪( )...‬بند ‪.)12‬‬

‫‪ 1‬قانون التعليم العايل والبحث العلمي رقم (‪ )4‬ل�سنة ‪( 2005‬وتعديالته) (الأردن)‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 172‬للتنمية الثقافية‬

‫يرت�أ�س هذا املجل�س وزير التعليم العايل‬ ‫والبحث العلمي‪ ،‬وي�ضم عدداً كبرياً من الأع�ضاء‬ ‫(حواىل ‪ 22‬ع�ضواً)‪ .‬معظم الأع�ضاء هم ر�ؤ�ساء‬ ‫جامعات (منهم وزراء �سابقون) وم�س�ؤولون‬ ‫يف التعليم العايل‪� ،‬أما املجتمع املدين فيتمثل‬ ‫ب�أربعة من «القطاع اخلا�ص يف جماالته‬ ‫الإنتاجية �أو اخلدمية الرئي�سية»‪ .1‬واجلميع‬ ‫يع ّينون من قبل ال�سلطة احلكومية‪.‬‬ ‫جتدر املالحظة �أن مهام جمل�س التعليم‬ ‫العايل تت�ضمن �أموراً مالية مثل «تدبري امل�صادر‬ ‫لدعم املوارد املالية» و «قبول الهبات واملنح‬ ‫والو�صايا» بحدود معينة‪ ،‬وعلى �أن ت�ؤخذ‬ ‫«موافقة جمل�س الوزراء �إذا كانت من م�صدر‬ ‫غري �أردين مهما كانت قيمتها»‪.‬‬

‫الرتخي�ص لإن�شاء م�ؤ�س�سات وبرامج يف التعليم‬ ‫اخلا�ص فقط‪� ،‬أن�شئ مبوجب قانون �صدر يف‬ ‫العام ‪ .1961‬ويف العام ‪� 1996‬صدر مر�سوم‬ ‫�شكلت مبوجبه «جلنة فنية» مهمتها الإطالع‬ ‫على ملفات طلبات الرتخي�ص وو�ضع درا�سات‬ ‫فنية ب�ش�أنها ترفعها �إىل جمل�س التعليم العايل‪،‬‬ ‫والتحقق من ا�ستمرار تطبيق املوا�صفات‬ ‫واملعايري وال�رشوط‪ .‬وجميع هذه الأمور‬ ‫ال عالقة لها باجلامعة اللبنانية‪ ،‬اجلامعة‬ ‫احلكومية الوحيدة يف لبنان (من �أ�صل ‪32‬‬ ‫جامعة)‪� .‬أي �أن العالقة بينها وبني احلكومة‬ ‫متر عن طريق وزير التعليم العايل‪ ،‬وال عالقة‬ ‫ّ‬ ‫للمديرية العامة للتعليم العايل بها‪ ،‬وال جمل�س‬ ‫التعليم العايل وال اللجنة الفنية‪.3‬‬

‫لبنان‬

‫ال�سعودية‬

‫ال توجد يف لبنان هيئة م�رشفة على‬ ‫التعليم العايل‪ .‬ثمة مديرية عامة للتعليم‬ ‫العايل‪ ،‬مل تو�ضع لها هيكلية �إدارية وال �صدر‬ ‫ت�رشيع يح ّدد مهامها‪ ،‬وهناك جمل�س ي�سمى‬ ‫«جمل�س التعليم العايل» ينظر يف طلبات‬ ‫�إطار ‪ 2-1‬جمل�س التعليم العايل يف اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫يت�ألف جمل�س التعليم العايل على‬ ‫الوجه التايل‪:‬‬ ‫رئي�س جمل�س الوزراء‪ ،‬رئي�س اللجنة‬ ‫العليا ل�سيا�سة التعليم‪ ،‬رئي�ساً‪،‬‬ ‫وزير التعليم العايل‪ ،‬نائب ًا للرئي�س‪،‬‬ ‫وزير الرتبية والتعليم العايل‪ ،‬وزير‬ ‫املالية واالقت�صاد الوطني‪ ،‬وزير‬ ‫العمل وال�ش�ؤون االجتماعية‪ ،‬وزير‬ ‫التخطيط‪ ،‬وزير اخلدمة املدنية‪،‬‬ ‫الرئي�س العام لتعليم البنات‪ ،‬مديرو‬ ‫اجلامعات (املادة الرابعة ع�رشة)‬ ‫جمل�س التعليم العايل هو ال�سلطة‬

‫‪2‬‬

‫العليا امل�س�ؤولة عن �ش�ؤون التعليم‬ ‫فوق امل�ستوى الثانوي والإ�رشاف‬ ‫عليه والتن�سيق بني م�ؤ�س�ساته‬ ‫عدا التعليم الع�سكري‪ ،‬وبالن�سبة‬ ‫للجامعات على وجه اخل�صو�ص‪:‬‬ ‫‪ .1‬توجيه التعليم اجلامعي مبا‬ ‫يتفق وال�سيا�سة املر�سومة لذلك‪،‬‬ ‫‪ .2‬الإ�رشاف على تطوير التعليم‬ ‫اجلامعي يف جميع قطاعاته‪.3 ،‬‬ ‫حتقيق التن�سيق بني اجلامعات‬ ‫وبخا�صة يف جمال الأق�سام العلمية‬ ‫والدرجات اجلامعية‪.‬‬

‫ي�رشف على التعليم العايل يف اململكة‬ ‫العربية ال�سعودية «جمل�س التعليم العايل» وهو‬ ‫ي�ضم جهات حكومية وجامعية‪ .‬ومن مهامه‪:‬‬ ‫توجيه التعليم اجلامعي‪ ،‬والإ�رشاف على‬ ‫تطويره‪ ،‬والتن�سيق ما بني اجلامعات‪ .‬وكما‬ ‫ي ّت�ضح من الإطار ‪ 2-1‬فان �صالحيات هذا‬ ‫املجل�س عامة وخمت�رصة‪ ،‬بل غام�ضة‪ ،‬مقارنة‬ ‫مبجل�س التعليم العايل يف الأردن‪.‬‬

‫م�رص‬

‫ي�رشف على التعليم العايل يف م�رص جمل�س‬ ‫ي�س ّمى «املجل�س الأعلى للجامعات»‪ .‬ويت�شكل‬ ‫هذا املجل�س من ر�ؤ�ساء اجلامعات و�أكادمييني‪،‬‬ ‫وال ي�ضم ممثّلني عن القطاعات االقت�صادية‬ ‫واالجتماعية‪ .‬وه�ؤالء الأكادمييون يع ّينون‬ ‫من قبل الوزير املخت�ص‪ .‬وتتعلق �صالحياته‬ ‫بال�ش�ؤون التنظيمية والإ�رشافية على اجلامعات‬ ‫من دون �أن ت�شمل �صالحياته �أمور التمويل‪،‬‬

‫‪ 1‬يف املجل�س احلايل (‪ )2009‬جند �ستة �أع�ضاء لي�سوا ر�ؤ�ساء جامعات �أو من وزارة التعليم العايل‪ :‬ب�سام ال�ساكت (رئي�س هيئة الأوراق املالية)‪،‬‬ ‫عامر املجايل (مدير عام م�ؤ�س�سة املدن ال�صناعية)‪ ،‬عماد الفاخوري (الرئي�س التنفيذي ل�رشكة تطوير العقبة)‪� ،‬أميمة الدهان (�أكادميي وحملل‬ ‫اقت�صادي)‪ ،‬النا مامكغ (�أكادميية و�إعالمية)‪ ،‬العميد الركن حممد خري الروابدة (مدير الرتبية والتعليم والثقافة الع�سكرية)»‪.‬‬ ‫‪2‬اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬الأمانة العامة ملجل�س التعليم العايل‪ ،‬نظام جمل�س التعليم العايل واجلامعات ولوائحه‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1428 ،‬هـ‪،‬‬ ‫‪2007‬م‪.‬‬ ‫‪3‬املادة التا�سعة من قانون التعليم العايل اخلا�ص‪ ،‬ال�صادر يف ‪ 26‬كانون الأول �سنة ‪( 1961‬تنظيم التعليم العايل اخلا�ص)‪.‬‬


‫الف�صل االول‬ ‫�إدارة التعليم العايل و�أزمة ا�ستقاللية اجلامعات ‪173‬‬

‫املغرب‬

‫ي�رشف على التعليم العايل يف املغرب جلنة‬ ‫ت�سمى «اللجنة الوطنية لتن�سيق التعليم العايل»‬ ‫وت�ضم ممثلي ال�سلطات احلكومية ور�ؤ�ساء‬ ‫جامعات ومدراء مل�ؤ�س�سات تعليمية وبحثية‬ ‫و«�شخ�صيتني من القطاع االقت�صادي»‪ .‬وتبحث‬ ‫هذه اللجنة يف �أمور �إدارية وتنظيمية على‬ ‫�سبيل �إبداء الر�أي بهدف التن�سيق بني اجلامعات‬ ‫ولكنها ال تبحث يف ال�ش�ؤون املالية (�إطار ‪.)4-1‬‬ ‫علما ب�أن هناك «جلنة وطنية لتن�سيق التعليم‬ ‫العايل اخلا�ص»‪ ،‬و«جمل�س تن�سيق» مل�ؤ�س�سات‬ ‫التعليم العايل خارج اجلامعات‪ ،‬مبا يف ذلك‬ ‫التعليم الثانوي‪.3‬‬ ‫‪ 1‬القانون رقم ‪ 49‬ل�سنة ‪.1972‬‬ ‫‪ 2‬القانون رقم ‪ 101‬ل�سنة ‪ ،1992‬والالئحة التنفيذية (قرار رئي�س‬ ‫اجلمهورية رقم ‪ 355‬ل�سنة ‪ ،)1996‬و الالئحة التنفيذية ( القرار رقم ‪219‬‬ ‫ل�سنة ‪.)2002‬‬ ‫‪ 3‬اململكة املغربية‪ ،‬ظهري �رشيف رقم ‪� 1.00.199‬صادر يف ‪ 15‬من �صفر‬ ‫‪ 19 ( 1421‬ماي ‪ )2000‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 01.00‬املتعلق بتنظيم‬ ‫التعليم العايل (مادة ‪.)28‬‬ ‫‪ 4‬اململكة املغربية‪ ،‬املرجع املذكور‪( ،‬مادة ‪ .)81‬واملر�سوم رقم‬ ‫‪ 2.01.2330‬ال�صادر يف ‪ 4‬يونيو ‪( 2002‬املادة الأوىل)‪.‬‬

‫ي�شكّل املجل�س الأعلى للجامعات‬ ‫برئا�سة الوزير املخت�ص بالتعليم‬ ‫العايل وع�ضوية‪:‬‬ ‫‪ .1‬ر�ؤ�ساء اجلامعات (ويف حالة‬ ‫غياب رئي�س اجلامعة يح ّل حمله‬ ‫�أقدم نوابه)‪.‬‬ ‫‪ .2‬خم�سة �أع�ضاء على الأكرث من ذوي‬ ‫اخلربة يف �ش�ؤون التعليم اجلامعي‬ ‫يعينون ملدة �سنتني‬ ‫وال�ش�ؤون العامة ّ‬ ‫قابلة للتجديد بقرار من الوزير‬ ‫املخت�ص بالتعليم العايل بعد �أخذ‬ ‫ر�أي املجل�س الأعلى للجامعات‪.‬‬ ‫‪� .3‬أمني املجل�س الأعلى للجامعات‪.‬‬ ‫(ومن مهام املجل�س)‪:‬‬ ‫ ر�سم ال�سيا�سة العامة للتعليم‬‫اجلامعي والبحث العلمي يف‬

‫اجلامعات والعمل على توجيهها‬ ‫وتن�سيقها مبا يتفق مع حاجات‬ ‫البالد وتي�سري حتقيق الأهداف‬ ‫القومية واالجتماعية واالقت�صادية‬ ‫والعلمية للدولة (بند ‪.)1‬‬ ‫ التن�سيق بني نظم الدرا�سة‬‫واالمتحان والدرجات العلمية يف‬ ‫اجلامعات (بند ‪.)2‬‬ ‫ تنظيم قبول الطالب يف اجلامعات‬‫وحتديد �أعدادهم (بند ‪.)6‬‬ ‫ و�ضع الالئحة التنفيذية للجامعات‬‫واللوائح الداخلية للكليات واملعاهد‬ ‫(بند ‪.)9‬‬ ‫ �إبداء الر�أي يف مقدار الإعانة‬‫احلكومية التي متنح �سنويا لكل‬ ‫جامعة (بند ‪.)11‬‬

‫�إطار ‪ 4-1‬اللجنة الوطنية لتن�سيق التعليم العايل يف املغرب‬

‫‪4‬‬

‫تت�ألف اللجنة من‪:‬‬ ‫�أع�ضاء بحكم القانون وهم‪:‬‬ ‫ال�سلطة احلكومية املكلفة بالتعليم‬ ‫العايل �أو ممثلها‪ ،‬رئي�ساً؛ ال�سلطة‬ ‫احلكومية املكلفة بتكوين الأطر �أو‬ ‫ممثلها؛ ال�سلطة احلكومية املكلفة‬ ‫بالبحث العلمي �أو ممثلها؛ ال�سلطة‬ ‫احلكومية املكلفة بالتعليم الثانوي‬ ‫�أو ممثلها؛ ال�سلطة احلكومية املكلفة‬ ‫بالأوقاف وال�ش�ؤون الإ�سالمية �أو‬ ‫ممثلها؛ �أمني ال�رس الدائم لأكادميية‬ ‫احل�سن الثاين للعلوم والتقنيات �أو‬ ‫ممثله‪.‬‬ ‫معينون وهم‪:‬‬ ‫�أع�ضاء ّ‬ ‫يعينون‬ ‫خم�سة ر�ؤ�ساء للجامعات ّ‬ ‫من لدن ال�سلطة احلكومية املكلفة‬ ‫بالتعليم العايل؛ مديران مل�ؤ�س�ستني‬ ‫يعينان من‬ ‫غري تابعتني للجامعات ّ‬ ‫لدن ال�سلطة احلكومية املكلفة بتكوين‬ ‫الأطر؛ مديران مل�ؤ�س�ستني للتعليم‬ ‫يعينان من لدن ال�سلطة‬ ‫العايل اخلا�ص ّ‬ ‫احلكومية املكلفة بالتعليم العايل؛‬ ‫مديران مل�ؤ�س�ستني للبحث �إحداهما‬ ‫يعينان من‬ ‫عامة والأخرى خا�صة ّ‬

‫لدن ال�سلطة احلكومية املكلفة بالبحث‬ ‫العلمي؛ ممثل عن النقابة الوطنية‬ ‫الأكرث متثيلية للأ�ساتذة الباحثني‬ ‫بالتعليم العايل يعينّ من لدن ال�سلطة‬ ‫احلكومية املكلفة بالتعليم العايل؛‬ ‫�شخ�صيتان من القطاعات االقت�صادية‬ ‫يعينان من لدن ال�سلطة‬ ‫واالجتماعية ّ‬ ‫احلكومية املكلفة بالتعليم العايل‪.‬‬ ‫يعهد �إىل هذه اللجنة مبا يلي‪:‬‬ ‫ �إبداء الر�أي يف ما يتعلق ب�إحداث‬‫اجلامعات �أو �أي م�ؤ�س�سة �أخرى للتعليم‬ ‫العايل العام �أو اخلا�ص‪.‬‬ ‫ حتديد معايري و�آليات الت�صديق‬‫املتبادلة لربامج الدرا�سات واعتمادها‪.‬‬ ‫ تن�سيق معايري قبول الطلبة‬‫وت�سجيلهم يف خمتلف الأ�سالك وكذا‬ ‫معايري التقييم امل�ستمر واالمتحانات‬ ‫ومناق�شة وقبول البحوث العلمية‪.‬‬ ‫ �إحداث و�إقامة �شبكات معلوماتية‬‫مفيدة لهذه الأغرا�ض‪.‬‬ ‫ النهو�ض بالبحث العلمي وت�شجيع‬‫التفوق‪.‬‬ ‫ اقرتاح نظم الدرا�سات واالمتحانات‪.‬‬‫ تفعيل الت�ضامن والتعاون املايل‪.‬‬‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫التـعليم‬

‫با�ستثناء «�إبداء الر�أي يف مقدار الإعانة‬ ‫احلكومية التي تمُ نح �سنوي ًا لكل جامعة» (�إطار‬ ‫‪.)3-1‬‬ ‫�أما اجلامعات اخلا�صة فينظّ م �ش�ؤونها‬ ‫«جمل�س اجلامعات اخلا�صة»‪ .‬ويقوم هذا‬ ‫املجل�س بو�ضع �سيا�سات التعليم اجلامعي‬ ‫اخلا�ص‪ ،‬وي�سعى للتن�سيق بني اجلامعات‬ ‫اخلا�صة واجلامعات احلكومية من خالل‬ ‫رئي�سني للجامعات احلكومية و�أمني املجل�س‬ ‫الأعلى للجامعات‪ ،‬ي�ضمهم املجل�س‪ .‬ويقوم‬ ‫املجل�س �أي�ض ًا ب�ضبط اجلامعات اخلا�صة‪،‬‬ ‫فهو الذي يح ّدد �أعداد الطالب املقبولني بها‬ ‫�سنوي ًا‪ ،‬ويتابع �أن�شطتها ويق ّيم �أداءها‪ .‬ف�ض ًال‬ ‫عن �أن وزير التعليم العايل يعينّ ممثلني له‬ ‫كم�ست�شارين لدى اجلامعة اخلا�صة يراقبونها‬ ‫ويتابعون �أحوالها ويبلغونه بها‪ .‬ويفر�ض‬ ‫القانون على اجلامعات اخلا�صة توفري جميع‬ ‫الو�سائل الالزمة حل�سن �أداء امل�ست�شارين‬ ‫ملهامهم‪.2‬‬

‫�إطار ‪3-1‬‬

‫املجل�س الأعلى للجامعات يف م�رص‬

‫‪1‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 174‬للتنمية الثقافية‬

‫ثاني ًا‪� :‬إدارة اجلامعات احلكومية‪� :‬ضعف‬ ‫�سوريا‬ ‫�سوريا‬ ‫يف‬ ‫العايل‬ ‫التعليم‬ ‫على‬ ‫ي�رشف‬ ‫اال�ستقاللية الإدارية واملالية‬

‫«جمل�س التعليم العايل» وهو يتك ّون من ر�ؤ�ساء‬ ‫اجلامعات و�أكادمييني‪ ،‬ف�ضال عن مدراء يف‬ ‫حقول متعددة‪ ،‬وهم من املوظفني احلكوميني‪.1‬‬ ‫وهم يع ّينون مبوجب قرار ي�صدر عن رئي�س‬ ‫جمل�س الوزراء بناء على اقرتاح الوزير‪ .‬ويخت�ص‬ ‫هذا املجل�س بالتخطيط للتعليم العايل وتنظيمه‬ ‫وو�ضع �سيا�ساته والأ�صول والقواعد لعمله‪.‬‬ ‫ويف ال�ش�أن املايل يقرتح املجل�س م�رشوع‬ ‫املوازنة العامة لكل من اجلامعات واملعاهد‬ ‫وامل�ؤ�س�سات التابعة للوزارة (�إطار ‪)5-1‬‬ ‫نخل�ص من هذه املراجعة ال�رسيعة �إىل �أن‬ ‫جمال�س التعليم العايل هي ذات تكوين حكومي‬ ‫�رصف (با�ستثناء املغرب)‪ ،‬لي�س لها �صالحيات‬ ‫يف الرت�شيح والتعيني (ما عدا يف الأردن حيث‬ ‫ير�شّ ح املجل�س الر�ؤ�ساء ويعينّ عمداء اجلامعات‬ ‫الر�سمية ويعينّ ر�ؤ�ساء اجلامعات اخلا�صة)‬ ‫و�صالحياتها املالية حمدودة‪.‬‬ ‫�إطار ‪ 5-1‬جمل�س التعليم العايل يف �سوريا‬

‫‪2‬‬

‫يرتبط جمل�س التعليم العايل بالوزير‬ ‫ومن مهامه‪:‬‬ ‫�أ‌‪ -‬اقرتاح �سيا�سة التعليم العايل‬ ‫بجميع تخ�ص�صاته وم�ستوياته يف‬ ‫�إطار ال�سيا�سة العامة للدولة‪.‬‬ ‫ب‪ -‬و�ضع ال�سيا�سة العامة للبحوث‬ ‫العلمية يف اجلامعات واملعاهد (‪)...‬‬ ‫ج‪ -‬و�ضع اخلطط الالزمة لتنفيذ‬ ‫�سيا�سة التعليم العايل التي ت�ضعها‬ ‫الدولة (‪)...‬‬ ‫د‪ -‬و�ضع اخلطط العامة مل�ؤ�س�سات‬ ‫التعليم العايل من تدريب (‪)...‬‬ ‫للعاملني العلميني فيها وتقومي‬ ‫�أدائهم وحتديد و�سائل التنفيذ‬ ‫ومتابعته‪.‬‬

‫ه‪ -‬و�ضع قواعد قبول الطالب يف‬ ‫اجلامعات واملعاهد‪.‬‬ ‫ز‪ -‬و�ضع نظام تقومي الأداء وقواعد‬ ‫االعتماد العلمي للجامعات و�رشوط‬ ‫منحه و�إلغائه‪.‬‬ ‫ح‪ -‬اقرتاح م�رشوع املوازنة‬ ‫العامة لكل من اجلامعات واملعاهد‬ ‫وامل�ؤ�س�سات التابعة للوزارة‪.‬‬ ‫ي‪ -‬حتديد مدة الدرا�سة ومواعيد‬ ‫االمتحانات والعطل واملع�سكرات‬ ‫الإنتاجية والتدريب‪.‬‬ ‫ل‪ -‬و�ضع القواعد وال�رشوط النتقاء‬ ‫املعيدين و�إيفادهم‪.‬‬ ‫م‪ -‬و�ضع القواعد وال�رشوط لتعيني‬ ‫�أع�ضاء الهيئة التعليمية وترفيعهم‪.‬‬

‫قد يكون الطابع احلكومي ملجال�س‬ ‫التعليم العايل �أمراً طبيع ّي ًا �أو منطقي ًا‪� ،‬إذا �أخذنا‬ ‫بعني االعتبار �أن هذه املجال�س هي هيئات‬ ‫تن�شئها احلكومات من �أجل تنفيذ ال�سيا�سات‬ ‫الوطنية يف التعليم العايل‪ .‬بل ميكن االفرتا�ض‬ ‫�أن هذه الهيئات ت�ستطيع �أن ت�شكّل منطقة‬ ‫و�سطى تعبرّ فيها �أي�ضا م�ؤ�س�سات التعليم‬ ‫العايل عن م�شاغلها واجتاهاتها‪ .‬قانونيا‬ ‫تبدو الأمور بخالف ذلك‪� ،‬أي �أن هذه املجال�س‬ ‫هي �أذرع احلكومات �أكرث من �أي �شيء �آخر‪،‬‬ ‫ينق�صها الكثري من ال�صالحيات لكي ت�شكّل‬ ‫«منطقة و�سطى»‪ ،‬وبالتايل ي�ستطيع املرء �أن‬ ‫ي�ستنتج من التبعية �إىل ال�سلطة املركزية يف‬ ‫ال�صالحيات املالية و�صالحيات التعيني �أن‬ ‫�إدارة اجلامعات احلكومية غري م�ستقلة �إداري ًا‬ ‫تن�ص عليه القوانني‬ ‫مما ّ‬ ‫وال مالي ًا‪ ،‬على الرغم ّ‬ ‫والأنظمة املقررة يف البلدان التي ا�ستعر�ضناها‬ ‫من «ا�ستقاللية اجلامعة الإدارية واملالية‬ ‫والأكادميية»‪.‬‬ ‫فبا�ستثناء الأردن (وجامعة الأزهر يف‬ ‫م�رص)‪ ،‬ال توجد جمال�س �أمناء للجامعات‬ ‫احلكومية‪ .‬وجمال�س الأمناء هي‪ ،‬كما هو‬ ‫معروف عاملي ًا‪ ،‬هيئات تقع فوق رئي�س اجلامعة‬ ‫وتلعب دوراً �أ�سا�سي ًا يف ا ّتخاذ القرارات الكربى‬ ‫املالية والإدارية للجامعة‪ ،‬مبا يف ذلك تعيني‬ ‫رئي�س اجلامعة (و�أحيان ًا العمداء)‪ .‬واقع احلال‬ ‫�أن رئي�س اجلامعة احلكومية يعينّ يف جميع‬ ‫احلاالت التي ا�ستعر�ضناها من قبل احلكومة‬ ‫(امللك‪ ،‬الرئي�س‪ ،‬جمل�س الوزراء)‪ ،‬مبا يف ذلك يف‬ ‫الأردن‪ ،‬حيث يوجد جمل�س �أمناء‪ ،‬فهذا املجل�س‬ ‫ال �صالحية له يف هذا املو�ضوع‪ ،‬ال من حيث‬ ‫الرت�شيح وال من حيث التعيني‪.‬‬ ‫�أما «جمل�س اجلامعة» املوجود يف جميع‬

‫‪ 1‬املدير العام ملركز الدرا�سات والبحوث العلمية‪ ،‬املدير العام لهيئة الطاقة الذرية‪ ،‬املدير العام للهيئة العامة لال�ست�شعار عن بعد‪ ،‬املدير‬ ‫العام للهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية‪ ،‬املدير العام للهيئة العامة للتقانة احليوية‪ ،‬املدير العام للمركز الوطني لبحوث الطاقة‪ ،‬مدير‬ ‫�أكادميية الأ�سد للهند�سة الع�سكرية‪.‬‬ ‫‪ 2‬القانون رقم ‪ 6‬للعام ‪( 2006‬قانون تنظيم اجلامعات)‪ ،‬املادة ‪ 2‬واملادة ‪.3‬‬


‫الف�صل االول‬ ‫�إدارة التعليم العايل و�أزمة ا�ستقاللية اجلامعات ‪175‬‬

‫الأردن‬

‫تع ّد اجلامعة احلكومية مبوجب املادة (‪)3‬‬ ‫من قانون اجلامعات الأردنية الر�سمية رقم (‪)42‬‬ ‫ل�سنة ‪ 2001‬م�ؤ�س�سة م�ستقلة تتمتع ب�شخ�صية‬ ‫اعتبارية ذات ا�ستقالل مايل و�إداري‪ ،‬ولها حق‬ ‫متلك الأموال املنقولة وغري املنقولة و�إجراء‬ ‫جميع الت�رصفات القانونية مبا يف ذلك �إبرام‬ ‫العقود واالقرتا�ض وقبول امل�ساعدات والتربعات‬ ‫والهبات واملنح والو�صايا‪ .‬ويحق للجامعات‬ ‫�أن ت�ستثمر �أموالها كما يح�صل مث ًال يف جامعة‬ ‫م�ؤتة‪ .1‬وي�رشف على اجلامعة احلكومية جمل�س‬ ‫�أمناء ورئي�س وجمل�س جامعة‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫ين�ص نظام �صندوق اال�ستثمار يف جامعة م�ؤتة رقم ‪ ٣٨‬ل�سنة ‪ ٢٠٠٣‬على ما يلي‪ « :) :‬املادة (‪ :)3‬ين�ش�أ يف اجلامعة �صندوق ي�سمى (�صندوق‬ ‫ّ‬ ‫اال�ستثمار يف جامعة م�ؤتة) تكون له موازنة م�ستقلة‪ ،‬املادة (‪ :)4‬يهدف ال�صندوق �إىل دعم �أن�شطة اجلامعة وب�صورة خا�صة متويل م�شاريعها‬ ‫التنموية‪ ،‬املادة (‪ :)5‬تت�ألف موارد ال�صندوق املالية مما يلي‪� :‬أ‪.‬امل�ساهمة ال�سنوية التي تخ�ص�صها اجلامعة لل�صندوق‪ ،‬ب‪ .‬عائدات ا�ستثمار‬ ‫�أموال ال�صندوق‪ ،‬ج‪ .‬الهبات والتربعات وامل�ساعدات واملنح والو�صايا التي تقدم لل�صندوق (‪.)...‬‬

‫التـعليم‬

‫اجلامعات قيد الدرا�سة فهو بدوره ال ير�شّ ح‬ ‫العمداء وال رئي�س اجلامعة (با�ستثناء لبنان)‪.‬‬ ‫فه�ؤالء جميع ًا يع ّينون من قبل احلكومة‪ .‬وهذا‬ ‫�أمر ملفت‪� ،‬إذا تذكرنا �أنه يف م�رص مث ًال وحتى‬ ‫العام ‪ 1993‬كان العمداء ينتخبون من قبل‬ ‫زمالئهم‪ ،‬و�أن رئي�س اجلامعة والعمداء ينتخبون‬ ‫من قبل زمالئهم يف النظام الفرن�سي‪ ،‬يف حني‬ ‫يع ّينون يف النظام الأمريكي من قبل جمل�س‬ ‫الأمناء ا�ستناداً �إىل تر�شيحات ت�ضعها «جلنة‬ ‫التعيني والرت�شيحات» �أو «جلنة التق�صي»‬ ‫(‪ .)search committee‬وتبينّ احلاالت التي‬ ‫در�سناها �أن االنتخاب يغيب حتى عن جمل�س‬ ‫اجلامعة احلكومية يف كل من م�رص وال�سعودية‬ ‫و�سوريا‪� ،‬إن يف ما يتعلق بالرئي�س �أو العميد‬ ‫�أو حتى رئي�س الق�سم‪ .‬لكننا جنده يف لبنان‬ ‫واملغرب‪ ،‬من دون �أن يغيرّ ذلك من واقعة‬ ‫تبعية اجلامعة اللبنانية (وهي اجلامعة‬ ‫احلكومية الوحيدة) للخيارات ال�سيا�سية‬ ‫والإدارية واملالية للحكومة يف لبنان‪ .‬كما‬ ‫ينفرد املغرب يف �أن رئي�س اجلامعة يجري‬ ‫تعيينه ا�ستناداً �إىل تر�شيحات ت�ضعها جلنة‬ ‫تق�ص‪ ،‬و�إىل �إعالن مفتوح للرت�شيح ي�شرتك فيه‬ ‫ٍّ‬ ‫من يرغب �ضمن ال�رشوط املعلنة‪ .‬وبهذا املعنى‬ ‫يكون هام�ش ا�ستقاللية اجلامعة احلكومية يف‬ ‫املغرب هو الأو�سع مقارنة بالبلدان العربية‬ ‫الأخرى‪ .‬وينفرد جمل�س اجلامعة يف ال�سعودية‬ ‫ب�أنه برئا�سة وزير التعليم العايل‪ ،‬بحيث يكون‬ ‫رئي�س اجلامعة نائبه‪ ،‬وب�أنه ي�ض ّم ثالثة �أع�ضاء‬ ‫يع ّينهم الوزير نف�سه �أي�ض ًا‪.‬‬ ‫�أما يف ال�ش�ؤون املالية ف�صالحيات‬ ‫جمل�س الأمناء يف اجلامعة احلكومية الأردنية‬ ‫حمدودة‪ .‬وهي �صالحيات �شبيهة ب�صالحيات‬ ‫جمل�س التعليم العايل مع الفرق يف قيمة مبالغ‬ ‫الهبات‪ ،‬ويف �أن جمل�س الأمناء «يوافق» على‬ ‫املوازنة يف حني �أن جمل�س التعليم العايل‬ ‫«ي�صادق» عليها‪ .‬وت�صبح ال�صالحيات املالية‬

‫�أكرث تقييداً يف جمال�س اجلامعات احلكومية‪،‬‬ ‫مثل «مناق�شة م�رشوع موازنة اجلامعة»‬ ‫(الأردن‪ ،‬لبنان) �أو �إعداده (�سوريا)‪ ،‬وقبول‬ ‫الهبات والتربعات والو�صايا �ضمن حد معني‬ ‫الن�ص يف ال�سعودية‬ ‫(جميع البلدان)‪ .‬علم ًا ب�أن ّ‬ ‫ال يو�ضح �صالحيات جمل�س اجلامعة �أكانت‬ ‫مالية �أم غري مالية‪ ،‬و�أنه يف م�رص ي�ستعمل‬ ‫�أي�ض ًا عبارة « تدبري �أموال اجلامعة وا�ستثمارها‬ ‫و�إدارتها والت�رصف فيها»‪ ،‬ويف �سوريا عبارة‬ ‫«�إدارة �أموال اجلامعة وا�ستثمارها»‪ .‬وهذه‬ ‫التعابري مفارقة بع�ض ال�شيء لأنها تنتمي �إىل‬ ‫لغة ال�رشكات يف حني �أن كل �شيء يف هذين‬ ‫النظامني يحيل �إىل اللغة احلكومية‪.‬‬ ‫تقرر فيه احلكومة‪،‬‬ ‫ويف الوقت الذي ّ‬ ‫عرب وزارة املالية‪ ،‬ميزانية اجلامعات ف�إن‬ ‫ما جتمعه هذه الأخرية من �إيرادات �إ�ضافية‬ ‫يدخل عموم ًا جم ّدداً �إىل وزارة املالية‪ .‬ولعل‬ ‫اال�ستقاللية املالية للجامعة تكمن يف هذين‬ ‫البعدين (اتخاذ القرارات املالية وجمع موارد‬ ‫�إ�ضافية بقيم مهمة ُتد َّور مل�صلحة اجلامعة)‪،‬‬ ‫واجلامعات العربية تفتقد هذين الأمرين مع ًا‬ ‫يف الأعم الأغلب‪ .‬ون�ستعر�ض �أدناه احلاالت‬ ‫التي اطّ لعنا عليها‪.‬‬

‫جمال�س التعليم العايل هي �أذرع‬ ‫احلكومات �أكرث من �أي �شيء �آخر‪،‬‬ ‫ينق�صها الكثري من ال�صالحيات لكي‬ ‫ت�شكّل «منطقة و�سطى»‪ ،‬وبالتايل‬ ‫ي�ستنتج من التبعية �إىل ال�سلطة‬ ‫املركزية يف ال�صالحيات املالية‬ ‫و�صالحيات التعيني �أن �إدارة‬ ‫اجلامعات احلكومية غري م�ستقلة‬ ‫مما‬ ‫�إداري ًا وال مالياً‪ ،‬على الرغم ّ‬ ‫تن�ص عليه القوانني والأنظمة املقررة‬ ‫ّ‬ ‫يف البلدان من «ا�ستقاللية اجلامعة‬ ‫الإدارية واملالية والأكادميية»‪.‬‬ ‫فبا�ستثناء الأردن (وجامعة الأزهر‬ ‫يف م�رص)‪ ،‬ال توجد جمال�س �أمناء‬ ‫للجامعات احلكومية‪ .‬وجمال�س الأمناء‬ ‫هي‪ ،‬كما هو معروف عاملياً‪ ،‬هيئات‬ ‫تقع فوق رئي�س اجلامعة وتلعب دوراً‬ ‫�أ�سا�سي ًا يف ا ّتخاذ القرارات الكربى‬ ‫املالية والإدارية للجامعة‪ ،‬مبا يف‬ ‫ذلك تعيني رئي�س اجلامعة (و�أحيان ًا‬ ‫العمداء)‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 176‬للتنمية الثقافية‬

‫ي�ضم جمل�س الأمناء رئي�س ًا و�سبعة �أع�ضاء‬ ‫يع ّينون من قبل احلكومة‪ .‬وال ي�ض ّم ممثلني عن‬ ‫الفعاليات االجتماعية واالقت�صادية‪ .‬ويالحظ‬ ‫�أن �أع�ضاء جمل�س الأمناء معظمهم وزراء‬ ‫�سابقون‪� ،1‬أي من �أو�ساط حكومية‪.‬‬ ‫للمجل�س طابع �إ�رشايف على اجلامعة جلهة‬ ‫ر�سم ال�سيا�سة العامة للجامعة و�إقرار خطتها‬ ‫ال�سنوية والتن�سيق بني �أن�شطتها وغريها‪ .‬لكن‬ ‫ال دور له يف التعيينات يف اجلامعة‪ ،‬كتعيني‬ ‫الرئي�س مثال �أو حتى تر�شيحه‪ ،2‬كما تفعل‬ ‫جمال�س الأمناء يف اجلامعات الأمريكية‪.‬‬ ‫�أما يف ال�ش�ؤون املالية ف�إن من مهام‬ ‫املجل�س ال�سعي لدعم املوارد املالية للجامعة‬ ‫�إطار ‪ 6-1‬جمل�س �أمناء اجلامعة احلكومية يف الأردن‬ ‫لكل جامعة ر�سمية (حكومية) جمل�س‬ ‫�أمناء يت�ألف من رئي�س و�سبعة �أع�ضاء‬ ‫ممن يحملون الدرجة اجلامعية‬ ‫الأوىل حداً �أدنى وتتوافر فيهم اخلربة‬ ‫واملقدرة على القيام بامل�س�ؤوليات‬ ‫املوكولة �إليهم يف �سبيل حتقيق‬ ‫�أهداف اجلامعة على �أن يكون رئي�س‬ ‫اجلامعة بحكم من�صبه واحداً منهم‬ ‫ويتم تعيينهم وقبول ا�ستقاالتهم‬ ‫و�إعفا�ؤهم من منا�صبهم ب�إرادة‬ ‫بناء على تن�سيب رئي�س‬ ‫ملكية �سامية ً‬ ‫الوزراء‪ .‬وحددت املادة (‪ )6‬الفقرة‬ ‫(ب) من قانون اجلامعات الأردنية‬ ‫الر�سمية �صالحيات وم�س�ؤوليات‬ ‫جمل�س الأمناء مبا ي�أتي‪:‬‬ ‫‪ .1‬ر�سم ال�سيا�سة العامة للجامعة‬ ‫بناء على تن�سيب جمل�س اجلامعة‬ ‫ً‬ ‫ومتابعة تنفيذها‪.‬‬ ‫‪� .2‬إقرار اخلطة ال�سنوية مل�شاريع‬

‫‪4‬‬

‫اجلامعة الإمنائية التي يع ّدها‬ ‫الرئي�س‪.‬‬ ‫‪ .3‬التن�سيق بني الأن�شطة العلمية‬ ‫والتعليمية والتدريبية واال�ست�شارية‬ ‫(‪.)...‬‬ ‫‪ .4‬و�ضع �أ�س�س مراقبة جودة التعليم‬ ‫يف اجلامعة ونوعيته (‪.)...‬‬ ‫‪ .5‬تعزيز ن�شاط البحث العلمي داخل‬ ‫اجلامعة وكلياتها ومراكزها (‪.)...‬‬ ‫‪ .6‬حتديد الر�سوم التي ت�ستوفيها كل‬ ‫جامعة من طلبتها (‪.)...‬‬ ‫‪ .7‬ال�سعي لدعم املوارد املالية‬ ‫للجامعة وتنظيم �ش�ؤون ا�ستثمارها‪.‬‬ ‫‪ .8‬قبول الهبات واملنح والو�صايا‬ ‫�إذا كانت من م�صدر �أردين بقيمة‬ ‫خم�سمائة �ألف دينار �أو �أقل‪.‬‬ ‫‪ .9‬املوافقة على موازنة اجلامعة‬ ‫وح�ساباتها اخلتامية ورفعها �إىل‬ ‫املجل�س للم�صادقة عليها‪.‬‬

‫وتنظيم �ش�ؤون ا�ستثمارها‪ ،‬وقبول الهبات‬ ‫واملنح والو�صايا (بحدود معينة)‪ ،‬واملوافقة‬ ‫على موازنة اجلامعة ورفعها �إىل جمل�س التعليم‬ ‫العايل للم�صادقة عليها (�إطار ‪.)6-1‬‬ ‫رئي�س اجلامعة احلكومية‪ ،‬من جهته‪،‬‬ ‫يعينّ من قبل امللك بناء على اقرتاح من‬ ‫جمل�س التعليم العايل‪ ،‬وهو بح�سب املادة ‪ 8‬من‬ ‫قانون اجلامعات احلكومية م�س�ؤول عن �إدارة‬ ‫�ش�ؤون اجلامعة وهو �آمر ال�رصف فيها‪ ،‬ويتمتع‬ ‫بالتايل ب�صالحيات وا�سعة‪.‬‬ ‫�أما جمل�س اجلامعة في�ض ّم �أكادمييني من‬ ‫اجلامعة بالإ�ضافة �إىل «اثنني من املجتمع‬ ‫املحلي»‪ ،‬يع ّينهما رئي�س اجلامعة‪ ،‬وتتناول‬ ‫�صالحيات هذا املجل�س ال�ش�ؤون الأكادميية‪،3‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل �أمرين مال ّيني ‪« :‬التن�سيب �إىل‬ ‫جمل�س الأمناء مبقدار الر�سوم التي ت�ستوفيها‬ ‫اجلامعة من طلبتها التخاذ قراره ب�ش�أنها»‬ ‫و«مناق�شة م�رشوع موازنة اجلامعة وح�ساباتها‬ ‫اخلتامية ورفعها �إىل جمل�س الأمناء»‪.‬‬

‫لبنـان‬

‫ين�ص القانون على �أن اجلامعة اللبنانية‬ ‫ّ‬ ‫تتمتع باال�ستقاللية الإدارية واملالية‬ ‫والأكادميية لكن ال يوجد جمل�س �أمناء فيها‪.‬‬ ‫ويتك ّون جمل�س اجلامعة من عمداء الكليات‬ ‫وممثلي الأ�ساتذة املنتخبني‪ ،‬وممثلي احتاد‬ ‫طالب اجلامعة اللبنانية‪ .‬وهو ال ي�ض ّم �أي ممثل‬ ‫للمجتمع الأهلي‪.‬‬ ‫ت�شمل �صالحيات جمل�س اجلامعة بح�سب‬ ‫قانون رقم ‪ 75‬تاريخ ‪� ،1967/12/26‬أموراً‬ ‫تنظيمية و�أكادميية‪ ،‬ف�ض ًال عن تر�شيح رئي�س‬

‫‪� 1‬أع�ضاء جمل�س �أمناء اجلامعة الها�شمية حاليا‪ ،‬هم‪ :‬م�رض بدران‪ /‬رئي�س جمل�س الأمناء (رئي�س �سابق للوزراء)‪� ،‬سليمان عربيات ( رئي�س‬ ‫اجلامعة الها�شمية)‪ ،‬حممد حمدان (وزير �سابق ورئي�س جامعة �سابق)‪ ،‬كامل العجلوين (وزير �سابق ورئي�س جامعة �سابق)‪ ،‬جمحم اخلري�شة‬ ‫(وزير �سابق)‪� ،‬صالح �إر�شيدات (وزير �سابق)‪� ،‬إبراهيم عز الدين (وزير �سابق ورجل �أعمال)‪� .‬أما �أع�ضاء جمل�س الأمناء يف جامعة م�ؤتة فهم‪:‬‬ ‫الأمري في�صل بن احل�سني‪ /‬رئي�س جمل�س الأمناء‪ ،‬الدكتور عبد الرحيم احلنيطي ( رئي�س اجلامعة)‪� ،‬أديب هل�سا (وزير �سابق)‪� ،‬أجمد املجايل‬ ‫(وزير �سابق)‪ ،‬ريا�ض �أبو كركي (وزير �سابق)‪ ،‬الفريق �أول الركن خالد جميل ال�رصايرة (رئي�س هيئة الأركان امل�شرتكة)‪ ،‬اللواء مازن تركي‬ ‫القا�ضي (مدير الأمن العام)‪ ،‬نهى املعايطة (نائب �سابق)‪.‬‬ ‫‪ 2‬علمنا �إبان �إعداد هذه الدرا�سة �أن هناك قانون ًا جديداً يعطي هذه ال�صالحيات �إىل املجل�س لكننا مل نطّ لع عليه‪.‬‬ ‫‪ 3‬املرجع نف�سه‪ ،‬مادة ‪.10‬‬ ‫‪ 4‬قانون اجلامعات الأردنية الر�سمية‪ ،‬مادة ‪.6‬‬


‫الف�صل االول‬ ‫�إدارة التعليم العايل و�أزمة ا�ستقاللية اجلامعات ‪177‬‬

‫اجلامعة والعمداء (الذين يع ّينهم جمل�س‬ ‫الوزراء)‪� .1‬أما يف ال�ش�أن املايل فيقوم املجل�س بـ‬ ‫«درا�سة م�رشوع املوازنة»‪ ،‬و «قبول التربعات»‬ ‫(يف حدود معينة)‪.‬‬

‫ال�سعودية‬

‫م�رص‬ ‫جامعة القاهرة‬

‫ال يوجد جمل�س �أمناء للجامعة احلكومية‬ ‫يف م�رص‪ .‬ويتوىل �إدارة جامعة القاهرة‪ :‬جمل�س‬ ‫جامعة القاهرة ورئي�س اجلامعة‪.‬‬ ‫يتكون جمل�س اجلامعة من الرئي�س ونوابه‬ ‫والعمداء و�أربعة �أع�ضاء يختارهم رئي�س‬ ‫اجلمهورية‪ .‬و ُيعنى بر�سم ال�سيا�سات واللوائح‬

‫التـعليم‬

‫اجلامعات «م�ؤ�س�سات علمية وثقافية تعمل‬ ‫على هدي ال�رشيعة الإ�سالمية‪ ،‬وتقوم بتنفيذ‬ ‫ال�سيا�سة التعليمية بتوفري التعليم اجلامعي‪،‬‬ ‫والدرا�سات العليا‪ ،‬والنهو�ض بالبحث العلمي‬ ‫(‪ .»)...‬وتتمتع كل جامعة «ب�شخ�صية معنوية‬ ‫ذات ذمة مالية تعطيها حق التملك والت�رصف‬ ‫والتقا�ضي»‪.‬‬ ‫ال يوجد جمل�س �أمناء يف اجلامعة‬ ‫احلكومية ال�سعودية‪ .‬ويعينّ مدير اجلامعة‬ ‫ويعفى من من�صبه ب�أمر ملكي‪ ،‬بناء على اقرتاح‬ ‫وزير التعليم العايل‪.‬‬ ‫ويت�ألف جمل�س اجلامعة احلكومية يف‬ ‫اململكة من‪ :‬وزير التعليم العايل (رئي�س ًا‬ ‫للمجل�س)‪ ،‬مدير اجلامعة (نائب ًا للرئي�س)‪ ،‬وكالء‬ ‫اجلامعة‪� ،‬أمني عام التعليم العايل‪ ،‬العمداء‪،‬‬ ‫ثالثة من ذوي اخلربة يع ّينهم وزير التعليم‬ ‫العايل ملدة ثالث �سنوات‪ .‬وال يو�ضح النظام‬ ‫�صالحيات هذا املجل�س‪.2‬‬

‫التنفيذية وو�ضع خطط ا�ستكمال املباين وتنظيم‬ ‫قبول الطالب وغريها من ال�ش�ؤون التنظيمية‪،‬‬ ‫ومتابعة تنفيذ اخلطط‪ ،‬وتعيني �أع�ضاء هيئة‬ ‫التدري�س ونقلهم‪ ،‬ومن �صالحياته يف ال�ش�ؤون‬ ‫املالية‪�« :‬إعداد م�رشوعات املوازنة»‪« ،‬تدبري‬ ‫�أموال اجلامعة وا�ستثمارها و�إدارتها والت�رصف‬ ‫فيها»‪ « ،‬قبول التربعات يف حدود ما تن�ص‬ ‫عليه املادة ال�سابعة»‪ .3‬وجمل�س اجلامعة لي�س‬ ‫له �صالحية يف تر�شيح رئي�س اجلامعة الذي‬ ‫يعينّ بقرار من رئي�س اجلمهورية‪ ،‬ويعينّ‬ ‫بالطريقة نف�سها نواب رئي�س اجلامعة و�أمني‬ ‫اجلامعة‪ .‬ورئي�س اجلامعة هو الذي يعينّ‬ ‫العمداء ووكالءهم ور�ؤ�ساء الأق�سام‪.‬‬

‫جامعة الأزهر‬

‫جامعة الأزهر هي جامعة حكومية �أي�ض ًا‬ ‫لكنها ذات مكانة خمتلفة عن �سائر اجلامعات‬ ‫طبيعي للأزهر ال�رشيف‬ ‫احلكومية‪ ،‬فهي امتداد‬ ‫ّ‬ ‫�أقدم املعاهد العلمية الإ�سالمية و�أ�شهرها‪.‬‬ ‫للجامعة خم�س هيئات‪� ،4‬أحدها املجل�س‬ ‫الأعلى للأزهر‪ .‬هذا املجل�س هو امل�رشف على‬ ‫�ش�ؤون اجلامعة (على غرار جمال�س الأمناء)‪.‬‬ ‫وهو يتناول ال�ش�ؤون الأ�سا�سية للجامعة‪،‬‬ ‫مبا يف ذلك �إقرار املوازنة ال�سنوية‪ ،‬وقبول‬ ‫الأوقاف والو�صايا والهبات‪ ،‬وتدبري �أموال‬ ‫الأزهر وا�ستثمارها و�إدارتها‪ .‬وجميع �أع�ضاء‬ ‫هذا املجل�س هم من داخل هيكلية الأزهر‪.‬‬ ‫لكن املجل�س ال يعينّ رئي�س اجلامعة‬ ‫(�إطار ‪ .)7-1‬رئي�س جامعة الأزهر يع ّينه رئي�س‬ ‫اجلمهورية بناء على تر�شيح الوزير املخت�ص‬ ‫واقرتاح �شيخ الأزهر‪ .5‬ويتوىل رئي�س اجلامعة‬ ‫�إدارة �ش�ؤون اجلامعة العلمية والإدارية‬ ‫واملالية‪.‬‬

‫‪ 1‬هذا ال يعني الكثري‪ ،‬ذلك �أن التقليد ق�ضى ب�أن ُيعينّ الأ�ساتذة من قبل احلكومة‪ ،‬و�أن تربم العقود مع الأ�ساتذة املتفرغني من قبل احلكومة‬ ‫�أي�ضاً‪.‬‬ ‫‪ 2‬اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬الأمانة العامة ملجل�س التعليم العايل‪ ،‬نظام جمل�س التعليم العايل واجلامعات ولوائحه‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1428 ،‬هـ‪،‬‬ ‫‪2007‬م‪.‬‬ ‫‪ 3‬وزارة التجارة وال�صناعة (‪ .)2009‬قانون تنظيم اجلامعات والئحته التنفيذية‪� ،‬ص �ص ‪.10-12‬‬ ‫‪ 4‬املجل�س الأعلى للأزهر‪ ،‬جممع البحوث الإ�سالمية‪� ،‬إدارة الثقافة والبحوث الإ�سالمية‪ ،‬جامعة الأزهر‪ ،‬املعاهد الأزهرية‪.‬‬ ‫‪ 5‬علم ًا ب�أن �شيخ الأزهر يعينّ بدوره من قبل رئي�س اجلمهورية على �أن يكون ع�ضواً يف املجل�س الأعلى للأزهر‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 178‬للتنمية الثقافية‬

‫�أما جمل�س اجلامعة فيتكون من‬ ‫الأكادمييني بالإ�ضافة �إىل ممثل عن وزارة‬ ‫الرتبية والتعليم يختاره الوزير‪ .‬وتنح�رص‬ ‫�صالحيات املجل�س يف ال�ش�ؤون الأكادميية‪،‬‬ ‫ما عدا مهمة واحدة تتعلق بـ «�إعداد م�رشوعات‬ ‫‪1‬‬ ‫امليزانية واحل�ساب اخلتامي»‪.‬‬

‫من عدة �شخ�صيات‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل الرئي�س‬ ‫وعمداء الكليات واملعاهد‪ .‬ومن بني ه�ؤالء‬ ‫هناك �سبعة ممثلني عن القطاعات االقت�صادية‬ ‫واالجتماعية من بينهم ر�ؤ�ساء الغرف املهنية‪،‬‬ ‫يختارهم وزير الو�صاية‪ .‬وهو ي�ضم ثالثة‬ ‫ممثلني للأ�ساتذة وثالثة ممثلني للموظفني‬ ‫وثالثة ممثلني للطالب‪ ،‬يختارهم زمال�ؤهم يف‬ ‫احلاالت الثالث‪.4‬‬ ‫وين�ص القانون على �أنه يحق للجامعات‬ ‫�أن تق ّدم خدمات مبقابل و�أن حتدث حما�ضن‬ ‫و�أن ت�ستغل الرباءات والرتاخي�ص و�أن ت�س ّوق‬ ‫منتجات �أن�شطتها‪ .‬ويحق لها �أن تقوم مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ )1‬امل�ساهمة يف مقاوالت عمومية وخا�صة‬ ‫ب�رشط �أال تقل هذه امل�ساهمة عن ‪ %20‬من ر�أ�س‬ ‫مال املقاوالت املذكورة‪� )2 .‬إحداث �رشكات‬ ‫تابعة ب�رشط �أن يكون الغر�ض منها �إنتاج‬ ‫�سلع �أو خدمات وحت�سني قيمتها وت�سويقها يف‬ ‫امليادين االقت�صادية والعلمية والتكنولوجية‬ ‫والثقافية و�أن متلك اجلامعات ما ال يقل عن‬ ‫‪ %50‬من ر�أ�س مال هذه ال�رشكات التابعة‪.5‬‬ ‫وهذه ال�صالحيات ال مثيل لها يف‬ ‫اجلامعات احلكومية يف كل من الأردن ولبنان‬ ‫وال�سعودية وم�رص و�سوريا‪ ،‬ولو �أن الوزارة‬ ‫يجب �أن توافق على هذه الأن�شطة‪.6‬‬

‫ين�ص القانون على �أن اجلامعات احلكومية‬ ‫ّ‬ ‫تعترب «م�ؤ�س�سات عمومية تتمتع بال�شخ�صية‬ ‫املعنوية واال�ستقالل الإداري واملايل»‬ ‫(املادة ‪ .)4‬وال يوجد جمل�س �أمناء يف اجلامعة‬ ‫احلكومية املغربية‪.‬‬ ‫يعينّ رئي�س اجلامعة من قبل امللك بعد‬ ‫�إعالن مفتوح للرت�شيحات وبنا ًء على اقرتاحات‬ ‫«جلنة تر�شيح»‪ .3‬ويدير اجلامعة جمل�س مك ّون‬

‫�سوريا‬

‫�إطار ‪ 7-1‬املجل�س الأعلى جلامعة الأزهر‬ ‫يتكون املجل�س الأعلى على النحو‬ ‫ّ‬ ‫الآتي‪:‬‬ ‫�شيخ الأزهر‪ ،‬وله ريا�سة املجل�س‪،‬‬ ‫وكيل الأزهر‪ ،‬رئي�س جامعة الأزهر‪،‬‬ ‫نواب رئي�س جامعة الأزهر‪� ،‬أقدم‬ ‫العمداء يف كل فرع من فروع جامعة‬ ‫الأزهر باملحافظات‪ ،‬الأمني العام‬ ‫ملجمع البحوث الإ�سالمية‪ ،‬امل�ست�شار‬ ‫القانوين ل�شيخ الأزهر‪ ،‬وكيل الوزارة‬ ‫ل�ش�ؤون املعاهد الأزهرية‪ ،‬الأمني‬ ‫العام للمجل�س الأعلى للأزهر‪،‬‬ ‫�أربعة �أع�ضاء من جممع البحوث‬ ‫الإ�سالمية يختارهم �أع�ضاء املجمع‬ ‫ملدة �سنتني‪ ،‬وي�صدر بتعيينهم قرار‬ ‫من �شيخ الأزهر‪� ،‬أحد وكالء الوزارة‬ ‫من كل من وزارة الأوقاف‪ ،‬والعدل‪،‬‬ ‫والرتبية والتعليم‪ ،‬و�ش�ؤون الأزهر‬

‫املغرب‬

‫‪2‬‬

‫واملالية‪ .‬وي�صدر بتعيينهم قرار من‬ ‫�شيخ الأزهر بناء على تر�شيح الوزراء‬ ‫املمثلة وزاراتهم يف املجل�س‪.‬‬ ‫ويخت�ص املجل�س الأعلى بالنظر يف‬ ‫ّ‬ ‫الأمور الآتية‪:‬‬ ‫ التخطيط ور�سم ال�سيا�سة العامة‬‫(‪( .)...‬بند‪.)1‬‬ ‫ النظر يف م�رشوع ميزانية هيئات‬‫الأزهر و�إعداد احل�ساب اخلتامي‪.‬‬ ‫(بند‪.)3‬‬ ‫ قبول الأوقاف والو�صايا والهبات‪.‬‬‫( بند‪.)5‬‬ ‫ النظر يف كل م�رشوع قانون �أو‬‫قرار جمهوري يتعلق ب�أي �ش�أن من‬ ‫�ش�ؤون الأزهر‪( .‬بند ‪.)6‬‬ ‫ تدبري �أموال الأزهر وا�ستثمارها‬‫و�إدارتها‪ ( .‬بند ‪.)9‬‬

‫ال يوجد جمل�س �أمناء يف اجلامعات‬ ‫احلكومية ال�سورية‪ .‬ويتولىّ �إدارتها جمل�س‬ ‫اجلامعة ورئي�س اجلامعة‪.‬‬ ‫يتك ّون جمل�س اجلامعة من �أكادمييني‪،‬‬ ‫ف�ض ًال عن ممثلي الطالب وممثل النقابة وممثل‬ ‫عن الوزير‪ .‬وهو يخت�ص بجميع �ش�ؤون اجلامعة‬ ‫الأكادميية والإدارية‪� .‬أما يف ال�ش�أن املايل‬

‫‪ 1‬القانون رقم ‪ 103‬ل�سنة ‪.1961‬‬ ‫‪ 2‬املرجع نف�سه‪.‬‬ ‫‪« 3‬من بني املرت�شحني الذين يقدمون م�رشوع ًا خا�ص ًا لتطوير اجلامعة‪ .‬وتدر�س هذه الرت�شيحات وامل�شاريع من لدن جلنة تعينها ال�سلطة‬ ‫احلكومية الو�صية‪ ،‬التي توافيها اللجنة املذكورة بثالثة تر�شيحات تخ�ضع للم�سطرة املعمول بها يف ما يتعلق بالتعيني يف املنا�صب العليا»‪.‬‬ ‫‪ 4‬اململكة املغربية‪ ،‬ظهري �رشيف رقم ‪� 1.00.199‬صادر يف ‪ 15‬من �صفر ‪ 19 ( 1421‬ماي ‪ ) 2000‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 01.00‬املتعلق بتنظيم‬ ‫التعليم العايل‪ ،‬املادة ‪.9‬‬ ‫‪ 5‬املرجع نف�سه مادة ‪.6‬‬ ‫‪ 6‬املرجع نف�سه‪ ،‬مادة ‪.12‬‬


‫الف�صل االول‬ ‫�إدارة التعليم العايل و�أزمة ا�ستقاللية اجلامعات ‪179‬‬

‫التـعليم‬

‫يخت�ص ب�إدارة �أموال‬ ‫فين�ص القانون على �أنه‬ ‫ّ‬ ‫اجلامعة وا�ستثمارها وقبول التربعات التي‬ ‫ترد �إليها عن طريق الوقف والو�صايا والهبات‬ ‫وغريها والت�رصف‪ ،‬وب�إعداد خطة اجلامعة‬ ‫وم�رشوعات املوازنة وتوزيع اعتماداتها‬ ‫واحل�ساب النهائي‪ .1‬ويف حني �أن رئي�س اجلامعة‬ ‫يعينّ مبر�سوم (جمهوري) وهو يتوىل �إدارة‬ ‫�ش�ؤون اجلامعة العلمية والإدارية واملالية‪ ،‬ف�إن‬ ‫العميد ور�ؤ�ساء الأق�سام يع ّينهم الوزير‪.‬‬ ‫تن�ص‬ ‫تفيد هذه املعطيات �أن القوانني التي ّ‬ ‫على ا�ستقاللية اجلامعات الإدارية واملالية‬ ‫ت�ضع القيود الالزمة جلعلها غري م�ستقلة يف‬ ‫قراراتها الإدارية واملالية‪� .‬أما من ناحية‬ ‫ال�صالحيات الأكادميية فرمبا تتم ّتع اجلامعات‬ ‫ببع�ض ال�صالحيات الأكادميية التقنية‬ ‫الطابع‪ 2‬لكن ال�ش�ؤون الأكادميية التي حتتاج‬ ‫�إىل متويل �إ�ضايف (وبخا�صة الربامج البحثية‬ ‫واملختربات) مرهونة بحدود ال�صالحيات‬ ‫املالية مل ّتخذي القرارات يف اجلامعات‪ .‬و�إذا‬ ‫�أ�ضفنا �أن اجلامعات احلكومية تعمل مبوجب‬ ‫لوائح و�أنظمة موحدة ت�صدر ب�صورة قوانني‬ ‫ومرا�سيم عن ال�سلطتني الت�رشيع ّية والتنفيذية‪،‬‬ ‫�أمكن االفرتا�ض �أن ال�صالحيات الأكادميية‬ ‫للجامعات احلكومية العربية مق ّيدة عموما‪،‬‬ ‫وهذا ما مينعها من الدخول يف مناف�سات‬ ‫حملية وعربية و�إقليمية يف �إنتاج املعارف‪.‬‬ ‫الوجه الآخر ل�ضعف اال�ستقاللية هو‬ ‫�ضعف ال�رشاكات املجتمعية‪ .‬هذه ال�رشاكة‬ ‫تتخذ مبدئيا �شكل الهبات واملنح والو�صايا‬ ‫والأوقاف التي تر�صدها جهات جمتمعية‬ ‫لإن�شاء �أو دعم اجلامعة يف وجه �أو �أكرث من‬ ‫وجوه ن�شاطها‪ ،‬كما ت�أخذ �شكل عقود اخلدمات‬ ‫واال�ست�شارات واالتفاقات‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف‬ ‫مو�ضوع البحوث‪ .‬وهي تف�ضي �إىل نتيجتني‬

‫مرتابطتني‪� .‬أوالهما توفري «التوازن» بني‬ ‫االعتبارات وال�ضغوط احلكومية‪ ،‬واالعتبارات‬ ‫االقت�صادية واالجتماعية التي تطرحها القوى‬ ‫الفاعلة يف املجتمع‪ .‬وهذا التوازن ي�صب يف‬ ‫زيادة حجم «الأنظمة» والتقاليد اجلامعية‬ ‫والطابع العام لعمل اجلامعة (اال�ستقاللية)‪.‬‬ ‫وثانيتهما زيادة موارد اجلامعة املالية‪،‬‬ ‫يح�سن �أداءها ويخفف العبء املايل عن‬ ‫مبا ّ‬ ‫احلكومة (اال�ستقاللية املالية)‪.‬‬ ‫تبينّ درا�سات احلاالت التي ا�ستعر�ضناها‪،‬‬ ‫�أن الفعاليات االجتماعية واالقت�صادية غائبة‬ ‫�أو �ضعيفة احل�ضور يف جمال�س التعليم العايل‬ ‫وجمال�س الأمناء وجمال�س اجلامعات على‬ ‫ال�سواء‪ .‬فال يوجد ممثلون عن هذه الفعاليات‬ ‫يف جمال�س التعليم العايل يف ال�سعودية وم�رص‬ ‫ولبنان و�سوريا‪ ،‬وال يف جمال�س الأمناء يف‬ ‫اجلامعات احلكومية واخلا�صة يف الأردن‪� ،‬أو‬ ‫اجلامعات اخلا�صة يف م�رص‪ ،‬وال يف جمال�س‬ ‫اجلامعات يف جميع البلدان اخلم�سة املذكورة‪.‬‬ ‫جند اال�ستثناءات يف جمل�س التعليم العايل يف‬ ‫الأردن (الذي ي�ضم «�أربعة من القطاع اخلا�ص‬ ‫يف جماالته الإنتاجية �أو اخلدمية الرئي�سية»)‪.‬‬ ‫وجندها يف املغرب الذي ينفرد ب�أن ممثلي هذه‬ ‫القطاعات موجودون يف اللجنة الوطنية لتن�سيق‬ ‫التعليم العايل (�شخ�صيتان من القطاعات‬ ‫االقت�صادية واالجتماعية يع ّينان من لدن‬ ‫ال�سلطة احلكومية املكلفة بالتعليم العايل) ويف‬ ‫جمل�س اجلامعة احلكومية (�سبعة ممثلني عن‬ ‫القطاعات االقت�صادية واالجتماعية من بينهم‬ ‫ر�ؤ�ساء الغرف املهنية)‪ .‬وبهذا املعنى تعترب‬ ‫اجلامعات احلكومية املغربية الأكرث انفتاح ًا‬ ‫على ال�رشاكات االجتماعية‪ ،‬وهذا ما يعطيها‬ ‫قدراً �أكرب من اال�ستقاللية‪.‬‬

‫الفعاليات االجتماعية واالقت�صادية‬ ‫غائبة �أو �ضعيفة احل�ضور يف جمال�س‬ ‫التعليم العايل وجمال�س الأمناء‬ ‫وجمال�س اجلامعات‪ .‬فال يوجد ممثلون‬ ‫عن هذه الفعاليات يف جمال�س التعليم‬ ‫العايل يف ال�سعودية وم�رص ولبنان‬ ‫و�سوريا‪ ،‬وال يف جمال�س الأمناء يف‬ ‫اجلامعات احلكومية واخلا�صة يف‬ ‫الأردن‪� ،‬أو اجلامعات اخلا�صة يف‬ ‫م�رص‪ .‬وجند اال�ستثناءات يف جمل�س‬ ‫التعليم العايل يف الأردن (الذي‬ ‫ي�ضم «�أربعة من القطاع اخلا�ص‬ ‫يف جماالته الإنتاجية �أو اخلدمية‬ ‫الرئي�سية»)‪ ،‬وجندها يف املغرب الذي‬ ‫ينفرد ب�أن ممثلي هذه القطاعات‬ ‫موجودون يف اللجنة الوطنية لتن�سيق‬ ‫التعليم العايل‪.‬‬

‫‪ 1‬قانون رقم ‪ 6‬للعام ‪( 2006‬قانون تنظيم اجلامعات)‪.‬‬ ‫‪ 2‬مثل‪ :‬تنظيم قبول الطالب يف اجلامعة وحتديد �أعدادهم‪ ،‬تنظيم �ش�ؤون املنح واملكاف�آت الدرا�سية املختلفة‪ ،‬تنظيم �شئون اخلدمات الطالبية‬ ‫يف اجلامعة‪� ،‬إعداد ال�سيا�سة العامة للكتب واملذكرات اجلامعية وتنظيمها‪ ،‬تنظيم �ش�ؤون الطالب الثقافية والريا�ضية واالجتماعية‪� ،‬إ�صدار‬ ‫اللوائح اخلا�صة باملتاحف واملكتبات وغريها من املن�ش�آت اجلامعية‪ ،‬حتديد و�إن�شاء تخ�ص�صات الأ�ستاذية‪ ،‬و�ضع النظام العام للدرو�س‬ ‫واملحا�رضات والبحوث والتمرينات العملية واالنتداب لها‪ ،‬و�ضع النظام لأعمال االمتحان ولالنتداب لها‪� ،‬إلخ (مقتطفات من �صالحيات‬ ‫جمل�س اجلامعة احلكومية يف م�رص)‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 180‬للتنمية الثقافية‬

‫ثالث ًا‪� :‬إدارة اجلامعات غري احلكومية‬

‫اال�ستقاللية تعني مبدئيا‬ ‫خ�ضوع ال�ش�ؤون الإدارية واملالية‬ ‫والأكادميية ملنطق امل�ؤ�س�سة‬ ‫الإداري واملايل ولل�سلطة الأكادميية‬ ‫(املتمثلة يف الأكادمييني واملعايري‬ ‫الأكادميية املتداولة حملي ًا و�إقليمي ًا‬ ‫وعاملياً)‪ ،‬وذلك ا�ستناداً �إىل ر�سالة‬ ‫اجلامعة و�أهدافها ولوائحها‬ ‫التنظيمية‪ ،‬بغ�ض النظر عما �إذا‬ ‫كانت حكومية �أو غري حكومية‪.‬‬ ‫لذلك ال ب ّد من فح�ص هذه الأمور‬ ‫ملعرفة مدى ا�ستقاللية اجلامعة‬ ‫اخلا�صة‪.‬‬

‫يظن البع�ض �أن اجلامعات غري احلكومية‬ ‫تتمتع باال�ستقاللية الإدارية واملالية‬ ‫والأكادميية‪ ،‬ملجرد �أنها غري حكومية‪ .‬لأن‬ ‫اال�ستقاللية مرتبطة يف ذهن هذا البع�ض‬ ‫باالنف�صال عن احلكومة‪ .‬غري �أ ّنه و�إن كانت‬ ‫ميزانية اجلامعة غري احلكومية غري تابعة‬ ‫لقرارات احلكومة (وهذا مظهر من مظاهر‬ ‫اال�ستقاللية) لكنها قد تكون تابعة‪ ،‬ماليا‪،‬‬ ‫لأفراد �أو جمموعة �أو �رشكة بق�صد الربح‪ ،‬وهذا‬ ‫بدوره ين�سحب على القرارات الأكادميية ذات‬ ‫البعد املايل‪ ،‬وقد تكون تابعة جلماعة تفر�ض‬ ‫�أجندتها على اجلامعة و�أهلها‪ .‬الأمر الذي‬ ‫يفقدها اال�ستقاللية‪ ،‬ويجعلها تابعة مل�شيئة‬ ‫«�أ�صحابها» (�أفرادا �أو جماعات �أو �رشكات‬ ‫�أو جمعيات �أو جماعات)‪ .‬وهكذا يح ّل الوالء‬ ‫لأ�صحاب امل�ؤ�س�سة حمل الوالء للحكومة و�أهل‬ ‫ال�سيا�سة‪ .‬اال�ستقاللية تعني مبدئيا خ�ضوع‬ ‫ال�ش�ؤون الإدارية واملالية والأكادميية ملنطق‬ ‫امل�ؤ�س�سة الإداري واملايل ولل�سلطة الأكادميية‬ ‫(املتمثلة يف الأكادمييني واملعايري الأكادميية‬ ‫املتداولة حملي ًا و�إقليمي ًا وعاملي ًا)‪ ،‬وذلك‬ ‫ا�ستناداً �إىل ر�سالة اجلامعة و�أهدافها ولوائحها‬ ‫التنظيمية‪ ،‬بغ�ض النظر عما �إذا كانت حكومية �أو‬ ‫غري حكومية‪ .‬لذلك ال ب ّد من فح�ص هذه الأمور‬ ‫ملعرفة مدى ا�ستقاللية اجلامعة اخلا�صة‪.‬‬ ‫تبينّ درا�سات احلالة القليلة التي نتوقف‬ ‫عندها �أدناه �أنه يوجد يف اجلامعات «اخلا�صة»‬ ‫جمل�س �أمناء‪ ،‬و�أنه ي�ض ّم �أ�سا�س ًا املالكني ومن‬ ‫ين�سبهم املالكون (يف الأردن وم�رص و�سوريا)‪،‬‬ ‫ويتمتع ب�صالحيات وا�سعة مالية و�إدارية‬ ‫و�أكادميية‪ .‬ويف هذه البلدان الثالثة يغيب تقليد‬ ‫االنتخاب‪ ،‬وم�شاركة الفعاليات االجتماعية‬ ‫واالقت�صادية‪ .‬النظام «فوقي»‪ ،‬كما هي احلال‬ ‫يف اجلامعات احلكومية‪� ،‬إمنا ينتهي هنا عند‬ ‫املالكني �أو بالتن�سيق مع ال�سلطات احلكومية‪.‬‬ ‫وهذا ي�شمل ال�ش�ؤون املالية طبع ًا‪.‬‬ ‫�أما يف لبنان‪ ،‬اجلامعات فئتان‪« ،‬غري‬

‫ربح ّية» و «ربح ّية»‪ .‬اجلامعة الأمريكية يف‬ ‫بريوت لديها جمل�س �أمناء هو ال�سلطة العليا‬ ‫يف اجلامعة‪ ،‬بالن�سبة ل�صالحيات التعيني (مبا‬ ‫يف ذلك تعيني الرئي�س) وال�صالحيات املالية‪.‬‬ ‫وهي تتمتع با�ستقاللية تامة عن جماعة‬ ‫مع ّينة‪ ،‬دينية �أو غري دينية‪ ،‬علما ب�أن جمل�س‬ ‫الأمناء فيها ي�ضم �شخ�صيات لبنانية (متنوعة‬ ‫الأديان والطوائف) وعربية و�أجنبية‪ .‬وبهذا‬ ‫املعنى تعترب اجلامعة الأمريكية يف بريوت‬ ‫الأكرث متتع ًا باال�ستقاللية الإدارية واملالية‬ ‫والأكادميية‪ ،‬والأقل اتكا ًال على «جهة» ما‬ ‫مت ّولها وتوجهها‪ ،‬والأكرث ا�ضطراراً �إىل حت�صيل‬ ‫تكر�سه لهذا‬ ‫مواردها وتنويعها بجهد خا�ص ّ‬ ‫الغر�ض‪ .‬وباملثل يوجد جمل�س �أمناء يف جامعة‬ ‫البلمند و�أع�ضا�ؤه لي�سوا مالّكا للجامعة‪ ،‬وي�ض ّم‬ ‫�شخ�صيات وفعاليات متنوعة‪� .‬صحيح �أن هذه‬ ‫ال�شخ�صيات والفعاليات تتبع �سلطة دينية‪� ،‬إال‬ ‫�أن رئي�س اجلامعة هو �شخ�ص مدين‪ ،‬وكذلك‬ ‫العمداء‪.‬‬ ‫كما جند ال�رشاكة املجتمعية يف اجلامعات‬ ‫اخلا�صة يف لبنان (الأمريكية‪ ،‬البلمند‪ ،‬العربية)‪،‬‬ ‫�إن من حيث تبعية اجلامعات لهيئات اجتماعية‬ ‫غري ربحية‪� ،‬أو من حيث ح�ضور ممثلي الفعاليات‬ ‫االقت�صادية واالجتماعية‪� ،‬أو �شخ�صيات‬ ‫اقت�صادية حملية و�إقليمية وعاملية يف جمال�س‬ ‫الأمناء‪� ،‬أو من حيث تقدمي اخلدمات واال�ست�شارات‪.‬‬ ‫وهذا مفتقد يف اجلامعات «اخلا�صة» يف البلدان‬ ‫العربية الأخرى املدرو�سة‪.‬‬ ‫ن�ستعر�ض �أدناه هذه احلاالت ونقت�رص‬ ‫على جمال�س الأمناء والرئي�س‪� ،‬أما جمل�س‬ ‫اجلامعة يف اجلامعات غري احلكومية فهو ي�ضم‬ ‫�أكادمييني ويهتم بال�ش�ؤون الأكادميية‪.‬‬

‫الأردن‬

‫اجلامعات غري احلكومية يف الأردن هي‬ ‫بح�سب القانون جامعات «خا�صة»‪� ،‬أي �رشكات‬ ‫تبغي الربح‪ ،‬تن�ش�أ بناء على طلب مق ّدم من‬ ‫وين�ص القانون‪ 1‬على وجود جمل�س‬ ‫«املالك»‪.‬‬ ‫ّ‬


‫الف�صل االول‬ ‫�إدارة التعليم العايل و�أزمة ا�ستقاللية اجلامعات ‪181‬‬

‫�أمناء وجمل�س جامعة فيها‪.‬‬ ‫يتكون جمل�س �أمناء يف اجلامعة اخلا�صة‬ ‫من خم�سة ع�رش ع�ضواً‪ ،‬معظمهم ينتمي اىل‬ ‫اجلهة املالكة للجامعة‪ ،‬وال �رشوط تبينّ متثيل‬ ‫�أي منهم لقطاع اقت�صادي �أو اجتماعي معني‪،‬‬ ‫وهو يتم ّتع بح�سب القانون ب�صالحيات وا�سعة‬ ‫يعي بقرار من‬ ‫(�إطار ‪ .)8-1‬الرئي�س من جهته نَّ‬ ‫جمل�س التعليم العايل بنا ًء على اقرتاح من‬ ‫جمل�س الأمناء‪.‬‬

‫يت�ألف جمل�س الأمناء من خم�سة ع�رش‬ ‫يعينهم جمل�س التعليم العايل‬ ‫ع�ضواً ّ‬ ‫ملدة �أربع �سنوات‪ ،‬وي�سمى احدهم‬ ‫رئي�س ًا له على �أن يكون ثلثهم على‬ ‫الأقل من حملة الدكتوراه والباقون‬ ‫من ذوي اخلربة ممن يحملون الدرجة‬ ‫اجلامعية الأوىل (البكالوريو�س) على‬ ‫الأقل‪ ،‬وي�شكّل على النحو التايل‪:‬‬ ‫‪ .1‬رئي�س اجلامعة‪.‬‬ ‫‪ .2‬ثالثة �أع�ضاء يختارهم جمل�س‬ ‫التعليم العايل‪.‬‬ ‫‪ .3‬خم�سة �أع�ضاء على الأكرث من‬ ‫املالكني �أو امل�ساهمني تن�سبهم‬ ‫الهيئة (جمل�س �إدارة ال�رشكة)‪.‬‬ ‫‪ .4‬بقية الأع�ضاء من غري املالكني‬ ‫�أو امل�ساهمني ومن غري العاملني‬ ‫يف اجلامعة نف�سها ين�سبهم املالك‬ ‫�رشيطة �أن يكون ن�صفهم على الأقل‬ ‫من احلا�صلني على رتبة الأ�ستاذية‬ ‫من �أي جامعة �أردنية‪.‬‬ ‫(من مهام جمل�س الأمناء)‪:‬‬ ‫‪ -‬ر�سم ال�سيا�سة العامة للجامعة يف‬

‫�ضوء �سيا�سة التعليم العايل (بند ‪.)1‬‬ ‫ التن�سيب �إىل جمل�س التعليم العايل‬‫بتعيني رئي�س اجلامعة (بند ‪.)3‬‬ ‫ تعيني نواب الرئي�س والعمداء‬‫بتن�سيب من الرئي�س وفق ًا لأحكام‬ ‫قانون اجلامعات الأردنية اخلا�صة‬ ‫(بند ‪.)4‬‬ ‫ حتديد الر�سوم اجلامعية وتدبري‬‫امل�صادر لدعم املوارد املالية‬ ‫للجامعة وتنظيم �ش�ؤون ا�ستثمارها‪.‬‬ ‫(بند‪)7‬‬ ‫ حتديد �سلم الرواتب جلميع‬‫العاملني يف اجلامعة مبا يف ذلك‬ ‫�أع�ضاء الهيئة التدري�سية‪( .‬بند ‪)8‬‬ ‫ قبول الهبات واملنح والو�صايا �إذا‬‫كانت من م�صدر �أردين وقلّت عن مئة‬ ‫�ألف دينار على �أن تخ�ص�ص للإنفاق‬ ‫على الأغرا�ض التنموية والتطويرية‬ ‫داخل اجلامعة‪( .‬بند ‪)10‬‬ ‫ �إقرار م�رشوع املوازنة ال�سنوية‬‫للجامعة ورفعه �إىل جمل�س التعليم‬ ‫العايل للم�صادقة عليه‪( .‬بند ‪)11‬‬

‫يفر�ض قانون التعليم العايل يف لبنان �أن‬ ‫يكون �صاحب الرخ�صة لإن�شاء جامعة خا�صة‬ ‫«جمعية �أو هيئة» �إذا كان لبناني ًا‪ ،‬وهذا يعني‬ ‫�أن م�ؤ�س�سات التعليم العايل غري احلكومي لي�ست‬ ‫بح�سب هذا القانون �رشكات‪� ،‬أو �أن تكون جهة‬ ‫تتمتع بحق �إن�شاء اجلامعات يف بلد املن�ش�أ‪� ،‬إذا‬ ‫كان �أجنبيا‪ .3‬وال ي�ضع القانون �أية �رشوط حول‬ ‫الهيئات التي تدير اجلامعة غري احلكومية‪ ،‬لذلك‬ ‫�سوف ن�ستعر�ض �أحوال عدد من هذه اجلامعات‪.‬‬ ‫ونظراً لكرثة اجلامعات غري احلكومية (‪ )31‬وتع ّدد‬ ‫�أنواعها (تبع ًا للثقافة التي تعتمدها ول�صالتها‬ ‫اخلارجية والرتباطاتها باجلماعات املحلية)‪،‬‬ ‫ف�إننا نقت�رص على ثالثة �أمثلة �أو مناذج‪.‬‬

‫وامل�صالح العامة‪ ،‬من لبنان وامل�رشق العربي‬ ‫واالغرتاب اللبناين وامل�رشقي»‪ ،‬ويت ّم ا�ستبدال‬ ‫�أع�ضائه ذاتي ًا ب�صورة دورية (�إطار ‪.)9-1‬‬

‫جامعة البلمند‬

‫اجلامعة الأمريكية يف بريوت‬

‫�أن�شئت جامعة البلمند من قبل بطريركية‬ ‫�إنطاكية و�سائر امل�رشق للروم الأرثوذك�س‬ ‫مبوجب املر�سوم رقم ‪ 4885‬تاريخ ‪.4/5/1988‬‬ ‫ي�رشف على اجلامعة جمل�س �أمناء يتمتع‬ ‫ب�صالحيات وا�سعة مبا يف ذلك تعيني رئي�س‬ ‫اجلامعة والإ�رشاف على �ش�ؤون اجلامعة‬ ‫الأكادميية والإدارية واملالية‪ .‬وي�ضم جمل�س‬ ‫الأمناء �إىل جانب اجلماعة املن�شئة للجامعة‪،‬‬ ‫�أي البطريركية املذكورة‪ ،‬ما ال يقل عن ع�رشين‬ ‫ع�ضواً «من ذوي اخلربة يف الثقافة‪ ،‬والأعمال‪،‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫ت�أ�س�ست هذه اجلامعة يف العام ‪ 1866‬من‬ ‫قبل �إر�سالية �إجنيلية �أمريكية با�سم «الكلية‬ ‫ال�سورية الإجنيلية»‪ ،‬ويف العام ‪� 1920‬أ�صبحت‬ ‫جامعة حتمل ا�سمها احلايل‪.‬‬ ‫جمل�س الأمناء هو ال�سلطة العليا يف هذه‬ ‫يقر ميزانياتها وخططها وم�شاريعها‪،‬‬ ‫اجلامعة ّ‬ ‫ويعينّ رئي�سها وعمداءها‪ .‬يتك ّون املجل�س من‬ ‫‪ 31‬ع�ضواً كح ّد �أدنى و‪ 45‬كح ّد �أق�صى‪ ،‬على‬ ‫�أن يكون ثالثة منهم من خريجي اجلامعة‪.‬‬ ‫ويتكون املجل�س احلايل (يف العام ‪)2009‬‬

‫قانون اجلامعات الأردنية اخلا�صة ل�سنة ‪.2007‬‬ ‫امل�صدر نف�سه (مادة ‪.)10‬‬ ‫قانون التعليم العايل اخلا�ص ال�صادر يف ‪ ، 1961/12/ 26‬املادة ‪.7‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫التـعليم‬

‫لبنان‬

‫�إطار ‪ 8-1‬جمل�س الأمناء يف اجلامعة اخلا�صة يف الأردن‬

‫‪2‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 182‬للتنمية الثقافية‬

‫�إطار ‪ 9-1‬جمل�س الأمناء يف جامعة خا�صة يف لبنان (البلمند)‬ ‫املادة ‪ :4‬يرعى �ش�ؤون اجلامعة‬ ‫الأكادميية والإدارية واملالية جمل�س‬ ‫�أمناء يتوىل ال�سلطة التقريرية ورئي�س‬ ‫يديرها ب�إ�رشاف جمل�س الأمناء‬ ‫ويعاونه بذلك جمل�س اجلامعة‪.‬‬ ‫املادة ‪ :5‬يتمتع جمل�س الأمناء ب�أو�سع‬ ‫ال�صالحيات ب�صفته ال�سلطة العليا‬ ‫للجامعة (‪ .)...‬ي�رشف جمل�س الأمناء‬ ‫على �ش�ؤون اجلامعة الأكادميية‬ ‫والإدارية واملالية؛ وملجل�س‬ ‫الأمناء ت�شكيل جلان خا�صة لتقدمي‬ ‫التو�صيات والتوجيهات منها(‪.)...‬‬ ‫املادة ‪ :6‬يت�ألف جمل�س الأمناء من‬ ‫�أع�ضاء موزعني على ال�شكل التايل‪:‬‬ ‫ غبطة بطريرك �إنطاكية و�سائر‬‫امل�رشق رئي�س ًا للمجل�س؛‬ ‫ عدد من املطارنة من املجمع‬‫املقد�س ال يزيد على �أربعة؛‬ ‫‪� -‬أع�ضاء من لبنان وامل�رشق العربي‬

‫واالغرتاب اللبناين وامل�رشقي‪ ،‬من‬ ‫ذوي اخلربة يف الثقافة‪ ،‬والأعمال‪،‬‬ ‫وامل�صالح العامة‪ ،‬ال يق ّل عددهم عن‬ ‫ع�رشين؛‬ ‫ �أع�ضاء �رشف‪.‬‬‫املادة ‪ :7‬والية جمل�س الأمناء‬ ‫هي ملدة ثالث �سنوات‪ .‬ويبحث‬ ‫يف االجتماع ال�سنوي املنعقد يف‬ ‫�آذار قبول ا�ستقالة �أع�ضاء و�إ�ضافة‬ ‫�أع�ضاء جدد‪.‬‬ ‫املادة ‪ :9‬ير�أ�س غبطة البطريرك‬ ‫جمل�س الأمناء‪ .‬يف حال غيابه عن‬ ‫�إحدى اجلل�سات يرئ�سه املطران الذي‬ ‫يكلّفه �صاحب الغبطة بذلك‪.‬‬ ‫املادة ‪ :10‬يعينّ جمل�س الأمناء‬ ‫رئي�س اجلامعة كما يعينّ بتو�صية‬ ‫من رئي�سها نواب الرئي�س والعمداء‬ ‫واملديرين‪.‬‬

‫�إطار ‪ 10-1‬املجل�س الأعلى جلامعة بريوت العربية‬ ‫يخت�ص املجل�س الأعلى للجامعة‬ ‫ّ‬ ‫بالعمل على �إمناء اجلامعة وتطويرها‬ ‫وا�ستكمال مقوماتها الأكادميية‬ ‫والإدارية واملالية و�إقرار خططها‬ ‫اال�سرتاتيجية و�سبل متويلها‪ ،‬و(من‬ ‫مهامه) ب�صفة خا�صة ما يلي‪:‬‬ ‫ �إقرار قواعد قبول الطالب يف‬‫اجلامعة وحتديد �أعدادهم‪( .‬بند ‪)5‬‬ ‫ �إقرار موازنة اجلامعة واحل�ساب‬‫اخلتامي والتقارير املالية‪( .‬بند ‪)8‬‬ ‫ �إقرار قبول التربعات والهبات‬‫واملنح‪( .‬بند ‪)9‬‬ ‫ �إقرار االتفاقات التي تعقدها‬‫اجلامعة مع اجلامعات وامل�ؤ�س�سات‬ ‫والهيئات الأخرى‪( .‬بند ‪)10‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪1‬‬

‫‪4‬‬

‫ �إقرار تعيني نواب رئي�س اجلامعة‬‫وعمداء الكليات والقائمني ب�أعمال‬ ‫العمداء‪( .‬بند ‪)12‬‬ ‫ �إقرار تعيني �أمني عام اجلامعة‪.‬‬‫(بند ‪)13‬‬ ‫ تر�شيح ثالثة من الأ�ساتذة بجامعة‬‫الإ�سكندرية امل�ستوفني ال�رشوط‬ ‫املُح ّددة يف هذه الالئحة وذلك ل�شغل‬ ‫من�صب رئي�س اجلامعة‪( .‬بند ‪)22‬‬ ‫ و�ضع قواعد الرقابة على امل�سائل‬‫والعلمية والإدارية للجامعة‪،‬‬ ‫املالية‬ ‫ّ‬ ‫مبا يف ذلك �أنظمة التقومي الذاتي‬ ‫الدولية‪( .‬بند‬ ‫للجامعة وفق ًا للمعايري‬ ‫ّ‬ ‫‪)23‬‬

‫من �أكادمييني (�أ�ساتذة و�أ�ساتذة متقاعدون‪،‬‬ ‫ومديرو مراكز طبية �أو بحثية يف جامعات‬ ‫�أمريكية وبريطانية)‪ ،‬ورجال �أعمال ومدراء‬ ‫�رشكات مالية وهند�سية ونفطية وت�أمني‬ ‫و�سيارات (املدير العام ل�رشكة ني�سان مث ًال)‪،‬‬ ‫ونواب و�شيوخ �سابق ًا‪ ،‬وه�ؤالء من جن�سيات‬ ‫متنوعة‪� :‬أمريكيون وبريطانيون وعرب (قطر‪،‬‬ ‫ال�سعودية‪ ،‬الأردن‪� ،‬سوريا‪� ...‬إلخ) و�أجانب من‬ ‫�أ�صل لبناين‪ ،‬وقلة من اللبنانيني املقيمني‬ ‫(رئي�س وزراء مكلف‪ ،‬رئي�س جمعية �أهلية)‪.2‬‬ ‫ويجري ا�ستبدال ثلث �أع�ضاء املجل�س دوري ًا �أو‬ ‫امل�ستقيلني من قبل زمالئهم يف املجل�س‪ .‬ولهذا‬ ‫الغر�ض ي�ضم املجل�س عدة جلان منها الع�ضوية‬ ‫والرت�شيحات‪.3‬‬

‫جامعة بريوت العربية‬

‫ت� َّأ�س َ�ست جامعة بريوت العربية يف العام‬ ‫‪ 1961‬بالتعاون بني «جمعية ال ّرب والإح�سان»‬ ‫اللبنانية (التي ح�صلت على الرخ�صة يف‬ ‫ت�أ�سي�س اجلامعة) وجامعة الإ�سكندرية يف‬ ‫م�رص التي ت�رشف على ال�ش�ؤون الأكادميية‬ ‫فيها‪ .‬واعتباراً من تاريخ ‪ 1985/6/5‬حت ّولت‬ ‫اجلمعية �إىل «وقف ال ّرب والإح�سان» وبالتايل‬ ‫تعترب «جامعة بريوت العربية» ملك ًا لوقف‬ ‫جمعية ال ّرب والإح�سان التي تلعب دوراً �أ�سا�سي ًا‬ ‫يف التخطيط اال�سرتاتيجي لها‪ .‬وي�رشف على‬ ‫اجلامعة «املجل�س الأعلى للجامعة» وهو‬ ‫برئا�سة رئي�س جامعة الإ�سكندر ّية وع�ضوية‬ ‫�أربعة �أع�ضاء يختارهم جمل�س جامعة‬ ‫الإ�سكندرية و�أربعة �أع�ضاء يختارهم جمل�س‬ ‫�أمناء وقف ال ّرب والإح�سان ومن رئي�س جامعة‬ ‫بريوت العربية و�أمني عام اجلامعة‪ ،‬وي�صدر‬ ‫بذلك قرار من وزير التعليم العايل يف م�رص‪ .‬وال‬ ‫يوجد يف هذا املجل�س رجال �أعمال وممثّلون‬ ‫عن القطاعات االقت�صادية واالجتماعية غري‬

‫النظام الأ�سا�سي جلامعة البلمند كما وافق عليه جمل�س الأمناء يف ‪.2004/7/24‬‬ ‫‪http://www.aub.edu.lb/about/bot.html‬‬

‫‪ 3‬جلنة الع�ضوية والرت�شيحات (‪ ،)Nomination Committee‬اللجنة التنفيذية‪ ،‬جلنة اال�ستثمارات‪ ،‬جلنة التمويل واملوازنة‪ ،‬جلنة التدقيق‪،‬‬ ‫جلنة الأبنية وامل�ساحات‪ ،‬جلنة التعوي�ضات (التي تقرتح رواتب الرئي�س ونائب الرئي�س والعمداء ومراقب احل�سابات)‪ ،‬وغريها‪.‬‬ ‫‪https://pnp.aub.edu.lb/by-laws/corporate/179910001.html‬‬ ‫‪ 4‬جامعة بريوت العربية‪ ،‬الالئحة الأ�سا�سية ‪.2007/2006‬‬


‫الف�صل االول‬ ‫�إدارة التعليم العايل و�أزمة ا�ستقاللية اجلامعات ‪183‬‬

‫ممثلي وقف ال ّرب والإح�سان‪ .‬وي�رشف املجل�س‬ ‫الأعلى للجامعة على جميع �ش�ؤون اجلامعة‬ ‫الإدارية والأكادميية واملالية (�إقرار املوازنة‬ ‫وتدقيق احل�سابات وتعيني مراقب عقد النفقة)‪،‬‬ ‫ولكنه ال يعينّ رئي�س اجلامعة‪ ،‬بل يقوم برت�شيح‬ ‫ثالثة من الأ�ساتذة بجامعة الإ�سكندرية‪ ،‬يختار‬ ‫�أحدهم ويع ّينه وزير التعليم العايل يف م�رص‬ ‫(�إطار ‪.)10-1‬‬ ‫اجلامعات اخلا�صة يف م�رص ي�ؤ�س�سها �أفراد‬ ‫�أو جمموعات بر�أ�سمال وح�ص�ص معينة لكل‬ ‫منهم على غرار الأردن و�سوريا‪ .‬ويديرها جمل�س‬ ‫الأمناء وجمل�س اجلامعة ورئي�س اجلامعة‪ .‬ي�شكّل‬ ‫جمل�س الأمناء من بني امل�ؤ�س�سني وغريهم‪،‬‬ ‫على �أن يكون من بني �أع�ضائه رئي�س اجلامعة‬ ‫و«نخبة من كبار العلماء والأ�ساتذة املتخ�ص�صني‬ ‫وال�شخ�صيات العامة»‪ .‬وال يتمثل فيه ممثلون‬ ‫عن القطاعات االقت�صادية واالجتماعية‪ .‬وقد‬ ‫خ ّول القرار اجلمهوري جماعة امل�ؤ�س�سني‬ ‫و�ضع الالئحة اخلا�صة بت�شكيل جمل�س الأمناء‪،‬‬ ‫ويخت�ص جمل�س الأمناء‬ ‫و�إ�صدار قرار ت�شكيله‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫بتعيني رئي�س اجلامعة ونوابه و�أمينها العام‬ ‫و�أع�ضاء جمل�س اجلامعة‪ ،‬وي�ضع ‪ ،‬بعد �أخذ ر�أي‬ ‫جمل�س اجلامعة‪ ،‬اللوائح الداخلية لإدارة �ش�ؤون‬ ‫اجلامعة وت�سيري �أعمالها‪ ،‬وتت�ض ّمن القواعد‬ ‫اخلا�صة ا�ستخدام �صايف الفائ�ض الناجت عن‬ ‫ن�شاط اجلامعة طبق ًا مليزانيتها ال�سنوية‪ .‬على �أن‬ ‫تعيني رئي�س اجلامعة يجب �أن يحظى مبوافقة‬ ‫وزير التعليم العايل‪ .‬ويف ال�ش�ؤون املالية يقوم‬ ‫جمل�س الأمناء ب�إدارة �أموال اجلامعة‪ ،‬واعتماد‬ ‫ميزانية اجلامعة و قبول التربعات والو�صايا‬ ‫والهبات واملنح التي حتقق �أغرا�ض اجلامعة‬ ‫(�إطار ‪.)11-1‬‬ ‫يتبني من هذه املراجعة ال�رسيعة �أن جميع‬ ‫اجلامعات غري احلكومية امل�شمولة بالدرا�سة‬ ‫(�أو‪ :‬الداخلة يف الع ّينة املختارة) لها جمل�س‬ ‫�أمناء‪ ،‬و�أن هذا املجل�س يتمتع ب�صالحيات‬

‫يخت�ص جمل�س الأمناء مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ - 1‬ر�سم ال�سيا�سة العامة للجامعة‪،‬‬ ‫والأخذ مبا يراه من تو�صيات‬ ‫امل�ؤمترات العلمية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬و�ضع القواعد اخلا�صة با�ستخدام‬ ‫�صايف الفائ�ض الناجت عن ن�شاط‬ ‫اجلامعة طبق ًا مليزانيتها‬ ‫ال�سنوية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بعد �أخذ ر�أى جمل�س اجلامعة (بند‬ ‫‪.)3‬‬ ‫‪� - 3‬إدارة �أموال اجلامعة (بند ‪.)4‬‬ ‫‪ - 4‬تعيني رئي�س اجلامعة‪ ،‬ونوابه‪،‬‬

‫و�أمينها العام‪ ،‬و�أع�ضاء جمل�س‬ ‫اجلامعة‪ ،‬وعمداء ووكالء ور�ؤ�ساء‬ ‫جمال�س الأق�سام والكليات واملعاهد‬ ‫العليا املتخ�ص�صة (بند‪.)6‬‬ ‫‪ - 5‬قبول التربعات والو�صايا‬ ‫والهبات واملنح التي حتقق �أغرا�ض‬ ‫اجلامعة‪ ،‬وذلك من داخل البالد‬ ‫وخارجها‪ ،‬مبا يتفق وم�صالح البالد‬ ‫(بند ‪.)9‬‬ ‫‪ - 6‬اعتماد ميزانية اجلامعة (بند‬ ‫‪.)10‬‬

‫وا�سعة‪ ،‬مبا يف ذلك تعيني الرئي�س (ما عدا يف‬ ‫الأردن وجامعة بريوت العربية) و�إقرار ال�ش�ؤون‬ ‫املالية‪ .‬والفرق بني لبنان والبلدان الأخرى‬ ‫�أن جمل�س الأمناء يف هذه البلدان يحكمه‬ ‫«�أ�صحاب» اجلامعة‪ ،‬كما تتميز جامعتا البلمند‬ ‫واجلامعة الأمريكية يف بريوت ب�أن جمل�س‬ ‫الأمناء ي�ض ّم فعاليات اجتماعية واقت�صادية‪،‬‬ ‫و�أن الأع�ضاء يجري تبديل جزء منهم دوري ًا‬ ‫عن طريق زمالئهم‪� .‬أما يف جامعة بريوت‬ ‫العربية فيعينّ الأع�ضاء من قبل اجلهتني‬ ‫امل�رشفتني عليها‪ ،‬وقف ال ّرب والإح�سان وجامعة‬ ‫الإ�سكندرية‪.‬‬ ‫ال�صورة الإجمالية لإدارة التعليم‬ ‫العايل وجامعاته يف البلدان املعنية تكمن‬ ‫باخت�صار يف افتقار اجلامعات املدرو�سة‬ ‫�إىل اال�ستقاللية الإدارية واملالية‪ ،‬مع وجود‬ ‫ا�ستثناءات �أ�رشنا �إليها‪ ،‬وهذا ما يق ّيد التمويل‬ ‫يف حجمه وم�صادره‪ .‬وهذا ما �سنب ّينه يف‬ ‫الف�صل الالحق‪ .‬وبالتايل ف�إن اخلروج من‬ ‫�أزمة التمويل والإنفاق يحتاج‪ ،‬لي�س فقط �إىل‬ ‫تدبري الأموال‪ ،‬بل �إىل �إجراء تعديالت جوهرية‬ ‫على نظم الإ�رشاف على التعليم العايل و�إدارة‬ ‫جامعاته‪ ،‬باجتاه املزيد من تفوي�ض ال�سلطات‬ ‫لأهل اجلامعة ومزيد من �إ�رشاك املجتمع يف‬ ‫حمل امل�س�ؤولية‪ ،‬وتغليب منطق امل�ؤ�س�سة‬ ‫والأكادمييا على ت�سيريها‪.‬‬

‫‪ 1‬القرارات اجلمهورية ب�إن�شاء جامعات خا�صة (رقم ‪ 243‬و ‪ 244‬وغريها ال�صادرة يف العام ‪ 1996‬وما بعده)‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫التـعليم‬

‫م�رص‬

‫�إطار ‪ 11-1‬جمل�س الأمناء يف اجلامعة اخلا�صة يف م�رص‬

‫‪1‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 184‬للتنمية الثقافية‬

‫الف�صل الثاين‬ ‫م�شكلة متويل التعليم العايل‬

‫•‬

‫تت�ض ّمن التقارير الوطنية التي ق ّدمت �إىل‬ ‫«امل�ؤمتر الإقليمي العربي حول التعليم العايل»‬ ‫بع�ض ال�شواهد على ثقل م�شكلة التمويل على‬ ‫اجلامعات يف البلدان العربية‪ .‬كما يبينّ الإطار‬ ‫‪� ،1-2‬أحوال هذا التمويل التي ن�ستعر�ضها يف‬ ‫�إطار ‪� 1-2‬شواهد حول م�شكالت متويل التعليم العايل يف عدد من البلدان‬ ‫‪1‬‬ ‫العربية‬ ‫الأردن‪� :‬إن تدين ن�سبة الإنفاق على‬ ‫التعليم اجلامعي و�صعوبة ت�أمني‬ ‫م�صادر متويلية كافية وثابتة �أ ّدت �إىل‬ ‫تفاقم مديونية اجلامعات وعجزها‬ ‫عن تنفيذ ا�سرتاتيجيات تطويرها‬ ‫وفق جداول زمنية حمددة‪ ،‬وعدم‬ ‫متكنها من توفري �أدنى متطلبات‬ ‫النوعية كزيادة �أعداد �أع�ضاء الهيئة‬ ‫التدري�سية �أو باحلد الأدنى احلفاظ‬ ‫على ما لديها من كوادر م�ؤهلة ووقف‬ ‫نزيف هجرتهم‪ ,‬وتوفري م�ستلزماتها‬ ‫من الأجهزة والتقانات التعليمية‬ ‫املتطورة‪ ،‬وزيادة خم�ص�صات البحث‬ ‫العلمي‪ ،‬وتكثيف برامج �إيفاد الطلبة‪،‬‬ ‫وا�ستكمال بناها التحتية (�ص ‪.)24‬‬ ‫ال�سودان‪ :‬لقد �أدى النق�ص يف التمويل‬ ‫�إىل تعرث م�رشوعات التنمية يف‬ ‫م�ؤ�س�سات التعليم العايل وق�صور‬ ‫الأداء الأكادميي لهيئة التدري�س‬ ‫وتزايد هجرة الأ�ساتذة �إىل اخلارج‬ ‫�أو �إىل العمل يف م�ؤ�س�سات داخل‬ ‫البالد �أو �إىل القيام بعمل �إ�ضايف �إىل‬ ‫التدري�س و�إىل تدهور البيئة الرتبوية‬ ‫والبحثية املنا�سبة للطالب لعدم توفر‬ ‫املوارد الالزمة لتدريبهم يف خمتلف‬ ‫املجاالت (�ص ‪.)22 ،20‬‬

‫فل�سطني‪� :‬إن االنخفا�ض يف الدعم‬ ‫احلكومي لتغطية امل�صاريف‬ ‫الت�شغيلية مل�ؤ�س�سات التعليم العايل‬ ‫�أ ّثر �سلبي ًا على عدة جوانب منها‪:‬‬ ‫اللجوء �إىل قبول طلبة حتت مظلة‬ ‫«تعليم مواز» بحيث يدفع الطالب‬ ‫ر�سوم ًا �أعلى‪ ،‬عدم االنتظام يف دفع‬ ‫رواتب العاملني‪ ،‬ا�ستعمال �صناديق‬ ‫االدخار لال�ستمرارية‪ ،‬التخفي�ض‬ ‫«الوهمي» لكلفة الطالب من خالل‬ ‫عدم زيادة �أع�ضاء الهيئة التعليمية‬ ‫بقدر الزيادة املالئمة لعدد الطلبة‪،‬‬ ‫تقليل امل�رصوفات على املكتبات‪،‬‬ ‫زيادة �أعباء �أع�ضاء هيئة التدري�س‪،‬‬ ‫زيادة عدد امل�شغلني ب�شكل غري‬ ‫متفرغ‪ ،‬تقليل الإنفاق على ح�ضور‬ ‫ّ‬ ‫امل�ؤمترات العلمية وتقليل ميزانيات‬ ‫البحث العلمي‪ ،‬تقليل فر�ص االبتعاث‬ ‫وما �شابه (�ص ‪.)13 ،10‬‬ ‫م�رص‪ ،‬اليمن‪ :‬يعترب نق�ص املوارد‬ ‫املالية م�شكلة م�ستمرة‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫من الزيادة يف االعتمادات التي‬ ‫تخ�ص�صها الدولة للتعليم العايل‪� ،‬إال‬ ‫�أنها الزالت تعترب غري كافية (م�رص‪،‬‬ ‫�ص ‪ ،16‬اليمن �ص ‪.)16‬‬

‫هذا الف�صل‪ ،‬من �أجل �إظهار وجهني مرتابطني‬ ‫للتحدي املايل‪� )1 :‬أحادية التمويل‪� ،‬أي �أن‬ ‫احل�صول على موارد �أخرى يف اجلامعات ما‬ ‫زالت �أبوابه �ضيقة‪ ،‬حيث �إن متويل اجلامعات‬ ‫احلكومية يف بلداننا يقع ب�صورة رئي�سية على‬ ‫كاهل الدولة‪ ،‬وهي تنوء بهذا احلمل نتيجة عدم‬ ‫تنا�سب املوارد مع �ضغوط الإنفاق املتزايدة‪،‬‬ ‫يف حني �أن اجلامعات غري احلكومية حت ّمل‬ ‫الأهايل‪ ،‬عن طريق الر�سوم‪ ،‬كلفة تعليم �أبنائهم‪،‬‬ ‫‪� )2‬أن حجم الإنفاق على التعليم (وعلى الطالب‬ ‫الواحد) �ضعيف �إجما ًال‪ ،‬وال يل ّبي احلاجة املا�سة‬ ‫�إىل توفري نوعية جيدة يف التعليم العايل‪ .‬ميكن‬ ‫�أن ي�ستثنى الأردن من هذه ال�صورة يف جزء‬ ‫من وجهها الأول‪ ،‬حيث مت نقل ثقل التمويل‬ ‫من احلكومة �إىل الأهل‪ ،‬عن طريق الر�سوم‪،‬‬ ‫علم ًا ب�أن ذلك مل يح ّل امل�شكلة الأ�سا�سية‪ ،‬فيما‬ ‫يف�ضي �إىل زيادة ال�ضغوط املالية على الأهايل‬ ‫و�إىل ارتفاع الأ�صوات املعار�ضة لهذا التدبري‪.‬‬ ‫وميكن �أن ُت�ستثنى من ال�صورة يف وجهها‬ ‫الثاين دول اخلليج العربي التي ال ت�شكو عموم ًا‬ ‫من م�شكلة حجم الإنفاق‪.‬‬ ‫تت ّم درا�سة �أحوال التمويل يف البلدان‬ ‫العربية‪ ،‬كما يف الف�صل ال�سابق‪ ،‬من خالل‬ ‫املعطيات املتوافرة يف عدد من التقارير‬ ‫املرجعية التي كتبت لتغذية هذه الدرا�سة حول‬ ‫عدد حمدود من هذه البلدان‪ .‬لكن احل�صول على‬ ‫املعطيات املالية كان �أ�صعب من احل�صول‬ ‫على املعطيات املتعلقة بال�ش�ؤون الإدارية‪ .‬ذلك‬ ‫�أن الن�صو�ص ذات العالقة بال�ش�ؤون الإدارية‬

‫• �أتوجه بال�شكر من الدكتور �رشبل نحا�س‪ ،‬اخلبري االقت�صادي‪ ،‬الذي اطلع على هذا الف�صل وقدم اقرتاحات قيمة (ع‪ .‬ا‪.).‬‬ ‫‪ 1‬مكتب اليون�سكو الإقليمي للرتبية يف الدول العربية (‪ )2009‬امل�ؤمتر العربي الإقليمي حول التعليم العايل‪ ،‬القاهرة‪� 31 ،‬أيار‪/‬مايو‪ 2 -‬حزيران‬ ‫يونيو ‪ ،2009‬عقد على التعليم العايل يف البلدان العربية‪ :‬الإجنازات والتحديات‪ ،‬التقرير الإقليمي‪� ،‬ص ‪.65‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫م�شكلة متويل التعليم العايل ‪185‬‬

‫�أو ًال‪ :‬الإنفاق احلكومي على التعليم‬ ‫العايل‬ ‫الأردن‬

‫بلغت موازنة وزارة التعليم العايل يف‬ ‫الأردن ‪ 25.019‬مليون دينار يف العام ‪،2007‬‬ ‫ي�ضاف اليها ‪ 65.387‬مليون دينار كدعم‬ ‫حكومي للجامعات‪ ،‬فيكون املجموع ‪90.406‬‬ ‫مليون دينار (‪ 127.6‬مليون دوالر)‪ ،‬وهذا ما‬ ‫ي�شكّل ‪ % 1.69‬من املوازنة احلكومية العامة‬ ‫و‪ % 0.77‬من الناجت املحلي اخلام ‪.2GDP‬‬ ‫والالفت �أن التمويل احلكومي ال ي�شكّل �سوى‬ ‫خم�س (‪ )%20.9‬الإنفاق يف التعليم العايل‬ ‫احلكومي يف حني ت�شكّل الر�سوم التي يدفعها‬ ‫الطالب ‪ ،%65.6‬والباقي يعزى �إىل م�صادر‬ ‫�أخرى‪ .3‬و�إذا اعتربنا �أن هناك ‪ 167,237‬طالب ًا‬ ‫كانوا ملتحقني باجلامعات احلكومية يف العام‬ ‫‪ ،4 2008/2007‬يكون مع ّدل االنفاق احلكومي‬ ‫على الطالب الواحد ‪ 763‬دوالراً‪ .‬ف�إذا �أ�ضفنا‬ ‫الأربعة �أخما�س الباقية يكون الإنفاق الإجمايل‬ ‫على الطالب الواحد يف اجلامعات احلكومية‬ ‫‪ 3,815‬دوالراً �أمريكي ًا‪.‬‬ ‫وت�شيع يف الأردن زيادة املوارد احلكومية‬ ‫للتعليم العايل عن طريق ال�رضائب‪ .5‬كما تقوم‬ ‫اجلامعات احلكومية با�ستكمال �إيراداتها عن‬

‫التـعليم‬

‫متاحة للجميع‪ ،‬لكونها ت�أخذ �شكل ت�رشيعات‬ ‫(قوانني‪ ،‬مرا�سيم‪� ،‬أنظمة) من�شورة (�أحيان ًا‬ ‫على الإنرتنت)‪ .‬يف حني �أن البلدان العربية‬ ‫(حكومات وجامعات) �أقل �شفافية بكثري يف‬ ‫ال�ش�ؤون املالية‪� .‬أ�ضف �إىل ذلك �أن اجلامعات‬ ‫غري احلكومية تتمنع عادة عن عر�ض بياناتها‬ ‫املالية للباحثني �أو للر�أي العام‪ .‬وقد ا�ستع ّنا‬ ‫ال�ستكمال ال�صورة التي مل تكتمل من الأوراق‬ ‫املرجعية مب�سودات الأوراق التي ق ّدمت يف‬ ‫منتدى البحوث االقت�صادية (‪Economic Res‬‬ ‫‪ )search Forum-ERF‬الذي عقد يف عمان‬ ‫يف ‪ 18-17‬حزيران‪ /‬يونيو ‪ ،2009‬ومبعطيات‬ ‫جمعت حت�ضريا للم�ؤمتر العربي الإقليمي حول‬ ‫التعليم العايل‪ ،‬القاهرة‪� 31 ،‬أيار‪/‬مايو‪2 -‬‬ ‫حزيران يونيو ‪ .2009‬ومع تن ّوع امل�صادر يجب‬ ‫توقع تباين الأرقام‪ .‬كما �أن هناك �صعوبات‬ ‫تقنية متعددة جتعل من ال�صعب الركون �إىل‬ ‫الأرقام املدرجة ب�صورة نهائية‪.1‬‬ ‫تت ّم معاجلة املو�ضوع على ثالث مراحل‪.‬‬ ‫الأوىل تتعلق بالإنفاق احلكومي على التعليم‬ ‫العايل‪ ،‬والثانية مب�صادر التمويل يف اجلامعات‬ ‫احلكومية وغري احلكومية‪ ،‬والثالثة بحجم‬ ‫الإنفاق يف هذه اجلامعات‪ .‬وننهي العر�ض يف‬ ‫كل مرحلة بعدد من املقارنات‪ .‬ويف ما يخ�ص‬ ‫م�صادر التمويل نعتمد منوذجا للإيرادات‬ ‫يت�ضمن البنود الآتية‪ )1:‬ر�سوم الطالب‪)2 ،‬‬ ‫املخ�ص�صات احلكومية‪ )3 ،‬عوائد الأن�شطة‬ ‫الإنتاجية والعقود‪ )4 ،‬ريوع املمتلكات‪)5 ،‬‬

‫الهبات والتربعات‪ )6 ،‬الأوقاف‪ )7 ،‬غري ذلك‪،‬‬ ‫وذلك ت�سهي ًال للمقارنة ومن �أجل ا�ستخراج‬ ‫بع�ض اال�ستنتاجات‪.‬‬

‫‪ 1‬منها �أن الأرقام املالية يعرتيها يف كثري من الأحيان االلتبا�س وعدم الدقة والتباين يف امل�صطلحات‪ .‬لذلك ف�إن املقارنة بني الدول قد‬ ‫ت�سبب �سوء الفهم ب�سبب التباين يف الأو�ضاع العامة للبلدان‪ .‬ف�إذا قلنا مث ًال � ّإن الإنفاق على الطالب هو ثالثة �آالف دوالر �أمريكي‪ ،‬فهذه القيمة‬ ‫لي�س لها املغزى نف�سه بني بلدان فقرية ومتو�سطة وعالية الدخل نظراً الختالف م�ستوى املعي�شة بينها‪ .‬ومنها �أن الأرقام املالية (�أحجام ًا‬ ‫ي�صح‬ ‫ون�سباً) غري ثابتة يف البلد نف�سه بني �سنة و�أخرى العتبارات عديدة‪ ،‬بل ي�صيبها التبدل‪ .‬وهذا ما يعني �أن ا�ستنتاج ًا ما حول بلد معينّ‬ ‫ّ‬ ‫ي�صح �إطالقه ب�صورة �إجمالية‪� ،‬إال �إذا توفّرت املعلومات عن ال�سنوات املا�ضية ال�ستخراج النمط‪ .‬وهذا �أمر غري متاح يف‬ ‫على ال�سنة‬ ‫ّ‬ ‫املعنية وال ّ‬ ‫الدرا�سة احلالية‪ .‬ثم �إن �سعر �رصف العمالت الوطنية �إىل الدوالر الأمريكي �أو بالعك�س (بالن�سبة للموازنات)‪ ،‬يخ�ضع للتغري امل�ستمر‪ ،‬ويتغيرّ‬ ‫تبع ًا للم�صدر‪ ،‬ولو بفروق �صغرية جداً للدوالر الواحد‪ ،‬لكنها ت�صبح ذات �أهمية عندما تكون املوازنة مبليارات العملة الوطنية‪.‬‬ ‫‪Kanaan, Taher (2009). Financing Higher Education in Jordan. Paper submitted to Economic Research 2‬‬ ‫‪. Forum-ERF (Amman, June 17-18, 2009), p11‬‬ ‫‪.op. cit. p 12 3‬‬ ‫‪ 4‬امل�ؤمتر العربي الإقليمي حول التعليم العايل القاهرة‪� 31 ،‬أيار‪/‬مايو‪ 2 -‬حزيران يونيو ‪ .2009‬التقرير الإح�صائي‪.‬‬ ‫‪ 5‬فقد ن�رش يف ‪ 2009/1/28‬مث ًال خرب مفاده �أنه ا�ستحدثت �رضيبة جديدة تدعى �رضيبة دعم اجلامعات من خالل اقتطاع دينار �أردين واحد‬

‫من كل م�شرتك يف الهاتف النقاّل (اخللوي) ملرة واحدة كل عام‪ .‬وت�صل قيمة هذه ال�رضيبة التي جتمعها احلكومة ل�صالح دعم اجلامعات �إىل‬ ‫نحو خم�سة ماليني دينار (‪.)/http://krwetatnt.net/vb/t228144‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 186‬للتنمية الثقافية‬

‫طريق الر�سوم التي يدفعها الطلبة وعن طريق‬ ‫التعليم املوازي‪ .‬وهذه التدابري تثري عادة‬ ‫االعرتا�ضات‪ ،‬احتجاج ًا على حتميل الطالب‬ ‫كلفة تعليمه وعلى مبد�أ جمع ال�رضائب من‬ ‫املواطنني وت�شكيك ًا يف كيفية �إنفاق هذه‬ ‫الإيرادات‪.1‬‬

‫لبنان‬

‫بلغت موازنة وزارة التعليم العايل‬ ‫مليار لرية لبنانية يف العام ‪ 118( 2007‬مليون‬ ‫دوالر)‪ ،‬ذهبت كلها تقريب ًا للجامعة اللبنانية‬ ‫(‪ 175.8‬مليار)‪ .‬وي�شكّل الإنفاق على اجلامعة‬ ‫اللبنانية ‪ % 0.5‬من الناجت املحلي اخلام‬ ‫(‪ ،)GDP‬وهي ن�سبة منخف�ضة مقارنة بالبلدان‬ ‫املتو�سطة الدخل‪ .‬لكن احلكومة تنفق ب�صورة‬ ‫غري مبا�رشة على التعليم من خالل «املنح»‬ ‫املدر�سية واجلامعية التي تق ّدمها ملوظفيها‬ ‫الذين يرتاد �أبنا�ؤهم مدار�س وجامعات خا�صة‪.‬‬ ‫ويبلغ جمموع الإنفاق غري املبا�رش بح�سب‬ ‫�رشبل نحا�س ‪ 230.4‬مليار لرية لبنانية (‪153‬‬ ‫مليون دوالر) �أو ما ي�شكّل ‪ %0.6‬من الناجت‬ ‫املحلي اخلام‪ .‬ت�ضاف �إىل ذلك النفقات التي‬ ‫يبذلها الأهايل (‪ 985‬مليار‪� ،‬أو ‪ %3.0‬من الناجت‬ ‫املحلي اخلام) وما تنفقه اجلهات املانحة (‪120‬‬ ‫ملياراً‪ %0.4 ،‬من الناجت املحلي اخلام)‪ .‬ف�إذا‬ ‫ما جمعنا هذه النفقات مع النفقات احلكومية‬ ‫(‪ )%0.7‬يكون جمموع ما ينفق على التعليم‬ ‫العايل ‪ 1323‬مليار لرية (‪ 828‬مليون دوالر)‪،‬‬ ‫�أو ‪ %4.1‬من الناجت املحلي اخلام‪ .‬وهذه من‬ ‫�أعلى الن�سب يف العامل (ويف التعليم ككل ت�صبح‬ ‫الن�سبة ‪ %13.1‬وهي �أي�ض ًا من �أعلى الن�سب يف‬ ‫العامل‪ ،‬بل هي ت�شكّل �ضعفي ما جنده يف دولة‬ ‫مثل �أمريكا‪ ،)%7.1 :‬بح�سب تقديرات امل�ؤلف‬ ‫‪177‬‬

‫نف�سه‪.2‬‬ ‫تبينّ معطيات لبنان �أننا �أمام حالة فريدة‬ ‫يف الإنفاق على التعليم العايل‪ .‬و�إذا اقت�رصنا‬ ‫على الإنفاق احلكومي املبا�رش واحت�سبنا ح�صة‬ ‫الطالب منه (على اعتبار �أن عدد الطالب يف‬ ‫اجلامعة احلكومية هو ‪ 72,177‬للعام ‪)2007‬‬ ‫تكون ح�صة الطالب ‪ 1,635‬دوالراً‪ .‬وهذا رقم‬ ‫متوا�ضع‪.‬‬

‫ال�سعودية‬

‫ما نعرفه �أن املوازنة الإجمالية للتعليم‬ ‫العايل يف العام ‪ 2007‬بلغت ‪ 23‬مليار ريال‬ ‫�سعودي‪� ،‬أي ما يوازي ‪ 6.1‬مليار دوالر‪.‬‬ ‫وهذا املبلغ ي�شكّل ‪ %1.3‬من الناجت املحلي‬ ‫اخلام و‪ %1.9‬من املوازنة احلكومية العامة‪.‬‬ ‫وباعتبار �أن عدد الطالب يف اجلامعات‬ ‫احلكومية هو ‪ ، 670,341‬ف�إن ح�صة الطالب‬ ‫الواحد من املوازنة احلكومية هو ‪ 8,186‬دوالراً‬ ‫�أمريكي ًا‪ ،‬وهو رقم مرتفع مقارنة مبا ورد �أعاله‬ ‫حول الأردن ولبنان‪.‬‬

‫م�رص‬

‫بلغت موازنة التعليم العايل ‪ 7.5‬مليار‬ ‫جنيه للعام ‪ 2006-2007‬يف م�رص (‪ 1.3‬مليار‬ ‫دوالر)‪ ،‬وهذا ما ي�شكّل ‪ % 3.5‬من املوازنة‬ ‫احلكومية العامة و‪ %1.3‬من الناجت املحلي‬ ‫اخلام ‪ .3‬وبافرتا�ض �أن جمموع عدد الطالب‬ ‫اجلامعيني هو ‪ 1,776,699‬طالب ًا‪ ،‬ف�إن الإنفاق‬ ‫على الطالب الواحد يكون مبقدار ‪ 757‬دوالراً‪.‬‬ ‫وهذا رقم متوا�ضع جداً‪.‬‬

‫املغرب‬

‫بلغت موازنة وزارة التعليم العايل يف‬

‫‪ 1‬أنظر‪http://www.factjo.com/newsletterFullNews.aspx?id=4993&INo=154 :‬‬ ‫‪http://www.ammannet.net/look/article.tpl?IdLanguage=18&IdPublication=3&NrArticle=26188&NrIssue‬‬ ‫‪=5&NrSection=1&search.x=1&search.y=1‬‬ ‫‪Nahas, Charbel (2009). Financing Higher Education in Lebanon. Paper submitted to Economic Research 2‬‬ ‫‪Forum-ERF (Amman, June 17-18, 2009), (Preliminary draft) p 22‬‬ ‫‪Fahim, Yasmine, Sami, Noha (2009), Financing Higher Education in Egypt, Paper submitted to Econ 3‬‬ ‫‪nomic Research Forum-ERF (Amman, June 17-18, 2009) (Preliminary draft). P 38‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫م�شكلة متويل التعليم العايل ‪187‬‬

‫�سوريا‬

‫بلغت موازنة وزارة التعليم العايل يف‬ ‫�سوريا ‪ 20.9‬مليار لرية �سورية للعام ‪2007‬‬ ‫(‪ 454.4‬مليون دوالر)‪ .‬وبافرتا�ض �أن عدد‬ ‫الطالب هو ‪ 558,131‬طالب ًا‪ ،‬يكون الإنفاق‬ ‫احلكومي على الطالب الواحد ‪ 814‬دوالراً‬ ‫�أمريكي ًا ‪ .2‬وهذا رقم متوا�ضع جدا‪ .‬وي�شكّل‬ ‫الإنفاق على التعليم العايل يف �سوريا ‪% 3.57‬‬ ‫من الإنفاق الإجمايل احلكومي‪ ،‬و ‪ % 1.04‬من‬ ‫الناجت املحلي اخلام ‪.3‬‬

‫تون�س‬

‫بلغت موازنة التعليم العايل يف تون�س ‪990‬‬

‫احلكومي ‪ .4‬وهي ن�سب عالية مقارنة بالبلدان‬ ‫العربية الأخرى املذكورة �سابقا‪ ،‬الأمر الذي يدلّ‬ ‫على مقدار اجلهد املبذول جتاه التعليم العايل‪.‬‬ ‫�أما الإنفاق على التعليم العايل للطالب الواحد‬ ‫فبلغ ‪ 1,948‬دوالراً �أمريكي ًا (على �أ�سا�س �أن عدد‬ ‫الطالب هو ‪ ،)350,000‬وهو رقم متوا�ضع‪.‬‬

‫الإنفاق احلكومي على التعليم العايل يف عدد من البلدان العربية‬ ‫جدول ‪1-2‬‬ ‫‪5‬‬ ‫وبلدان منظمة التعاون االقت�صادي والتنمية‬ ‫البلد‬

‫موازنة التعليم‬ ‫العايل بالدوالر‬ ‫الأمريكي‬

‫الإنفاق‬ ‫الن�سبة من الن�سبة من عدد الطالب‬ ‫الناجت املحلي الإنفاق يف اجلامعات احلكومي على‬ ‫احلكومية الطالب الواحد‬ ‫احلكومي‬ ‫اخلام‬

‫الأردن‬

‫‪127,653,272‬‬

‫‪0.77‬‬

‫‪1.69‬‬

‫‪167,237‬‬

‫‪763‬‬

‫لبنان‬

‫‪118,000,000‬‬

‫‪0.5‬‬

‫‪1.5‬‬

‫‪72,177‬‬

‫‪1,635‬‬

‫ال�سعودية‬

‫‪6,142,004,276‬‬

‫‪1,3‬‬

‫‪1.6‬‬

‫‪750,341‬‬

‫‪8,186‬‬

‫م�رص‬

‫‪1,345,274,527‬‬

‫‪1.3‬‬

‫‪3.5‬‬

‫‪1,776,999‬‬

‫‪757‬‬

‫املغرب‬

‫‪777,000,000‬‬

‫‪0.92‬‬

‫‪3.8‬‬

‫‪282,724‬‬

‫‪2,748‬‬

‫�سوريا‬

‫‪454,433,431‬‬

‫‪1.04‬‬

‫‪3.57‬‬

‫‪558,131‬‬

‫‪814‬‬

‫تون�س‬

‫‪681,818,182‬‬

‫‪2.04‬‬

‫‪6.45‬‬

‫‪350,000‬‬

‫‪1,948‬‬

‫الواليات‬ ‫املتحدة‬

‫‪-‬‬

‫‪1.3‬‬

‫‪3.5‬‬

‫‪-‬‬

‫‪22,476‬‬

‫فرن�سا‬

‫‪-‬‬

‫‪1.2‬‬

‫‪2.3‬‬

‫‪-‬‬

‫‪10,305‬‬

‫تركيا‬

‫‪-‬‬

‫‪1.1‬‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪3,909‬‬

‫�إ�رسائيل‬

‫‪-‬‬

‫‪1.1‬‬

‫‪2.2‬‬

‫‪-‬‬

‫‪10,704‬‬

‫‪1.3‬‬

‫‪3.1‬‬

‫‪-‬‬

‫‪10,526‬‬

‫معدل دول‬ ‫املنظمة‬ ‫للعام ‪ ، 2007‬للعام ‪،2008‬‬

‫للعام ‪2004‬‬

‫‪Maroc. Département de l’enseignement supérieur, 2008 1‬‬ ‫‪ 2‬التقرير الإح�صائي املق ّدم للم�ؤمتر العربي حول التعليم العايل (القاهرة ‪.)31/5-2/6/2009‬‬ ‫‪Kabbani, Nadir (2009). Financing Higher Education in Syria. Paper submitted to Economic Research 3‬‬ ‫‪Forum-ERF (Amman, June 17-18, 2009), (Preliminary draft)p 3‬‬ ‫‪Abdessalem, Taher (2009). Financing Higher Education in Tunisia. Paper submitted to Economic Res 4‬‬ ‫‪search Forum-ERF (Amman, June 17-18, 2009), (Preliminary draft)p 10-12‬‬

‫‪� 5‬أ�سعار �رصف العمالت الوطنية يف البلدان العربية �إىل الدوالر الأمريكي التي احت�سبت على �أ�سا�سها الأرقام الواردة يف هذا اجلدول و�سائر‬ ‫فقرات الف�صل‪ :‬الأردن‪ :‬دينار = ‪ 1.412‬دوالراً �أمريكياً‪ ،‬لبنان‪ :‬الدوالر الأمريكي = ‪ 1500‬لرية ‪ ،‬ال�سعودية‪ :‬الدوالر الأمريكي = ‪ 3.75‬رياالً‪،‬‬ ‫م�رص‪ :‬الدوالر الأمريكي = ‪ 5.555‬جنيهاً‪ ،‬املغرب‪ :‬الدوالر الأمريكي = ‪ 7.948‬درهم ًا ‪� ،‬سوريا‪ :‬الدوالر الأمريكي = ‪ 46.155‬لرية‪ ،‬تون�س‪:‬‬ ‫الدوالر الأمريكي = ‪ 1.32‬ديناراً‪.)/http://www.xe.com/ucc( .‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫التـعليم‬

‫املغرب ‪ 777‬مليون دوالر يف العام ‪ .2008‬وهذا‬ ‫ي�شكّل ‪ %3.8‬من موازنة الدولة و‪%0.92‬من‬ ‫الناجت الداخلي اخلام (‪( )PIB‬البالغ ‪84.25‬‬ ‫مليار دوالر)‪ .‬وت�شكّل نفقات الت�سيري (اجلارية)‬ ‫‪ % 87‬من املوازنة (‪ 673.4‬مليون دوالر)‪ ،‬مقابل‬ ‫‪ % 13‬للنفقات الر�أ�سمالية (اال�ستثمارية)‪ .1‬وملا‬ ‫كان عدد الطالب يف العام نف�سه يبلغ ‪282,724‬‬ ‫ف�إن الإنفاق على الطالب الواحد من الإنفاق‬ ‫احلكومي هو مبقدار ‪ 2,748‬دوالراً‪.‬‬ ‫وتبلغ القيمة الإجمالية ملوازنة البحث‬ ‫العلمي ‪ 460.12‬مليون دوالر‪ .‬وامللفت يف‬ ‫هذه املوازنة �أنها ت�شتمل على خم�ص�صات‬ ‫حكومية وخم�ص�صات غري حكومية‪ .‬ت�شكّل‬ ‫املخ�ص�صات احلكومية ‪ % 75.4‬منها‪ ،‬مقابل‬ ‫‪ % 24.6‬للمخ�ص�صات غري احلكومية‪ .‬وتتوزع‬ ‫هذه الأخرية بني �رشاكات مع املجتمع املحلي‬ ‫(‪ )%22‬والتعاون الدويل (‪ .)%2.6‬وهذا �أمر غري‬ ‫�شائع يف البلدان العربية الأخرى‪.‬‬

‫مليون دينار تون�سي يف العام ‪681.8( 2008‬‬ ‫مليون دوالر)‪ ،‬وهذا ي�شكّل ‪ % 2.04‬من الناجت‬ ‫املحلي اخلام و‪ % 6.45‬من جمموع الإنفاق‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 188‬للتنمية الثقافية‬

‫مقارنات‬

‫ن�ستعيد املعطيات املذكورة �أعاله ون�ضيف‬ ‫�إليها معطيات عن بلدان خمتارة من منظمة‬ ‫التعاون االقت�صادي والتنمية (‪ ،)OECD‬من‬ ‫�أجل املقارنة‪ .‬يفيد اجلدول ‪� 1-2‬أن ن�سبة‬ ‫الإنفاق على التعليم من الناجت املحلي اخلام‬ ‫ر�سم بياين ‪ :1-2‬حجم الإنفاق احلكومي على الطالب يف عدد من البلدان‬ ‫‪1‬‬ ‫املختارة‬ ‫‪25000‬‬

‫‪22،476‬‬

‫‪20000‬‬ ‫‪15000‬‬ ‫‪10،526‬‬

‫‪10،704‬‬

‫‪10،305‬‬

‫‪10000‬‬

‫‪8،186‬‬ ‫‪3،909‬‬ ‫‪2،748‬‬

‫‪1،948‬‬ ‫‪814‬‬

‫معدل دول‬ ‫املنظمة‬ ‫التعاون‬ ‫االقت�صادي‬ ‫والتنمية‬

‫�إ�رسائيل‬

‫تركيا‬

‫فرن�سا‬

‫الواليات‬ ‫املتحدة‬

‫تون�س‬

‫�سوريا‬

‫‪1،635‬‬ ‫‪757‬‬

‫املغرب‬

‫‪5000‬‬

‫م�رص‬

‫‪763‬‬

‫ال�سعودية‬

‫لبنان‬

‫الأردن‬

‫‪0‬‬

‫ر�سم بياين ‪ :2-2‬ن�سبة الإنفاق احلكومي على الطالب �إىل الناجت املحلي‬ ‫اخلام للفرد‬ ‫‪120‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪20‬‬

‫معدل دول �إ�رسائيل‬ ‫املنظمة‬ ‫التعاون‬ ‫االقت�صادي‬ ‫والتنمية‬

‫تركيا‬

‫فرن�سا‬

‫الواليات‬ ‫املتحدة‬

‫تون�س‬

‫�سوريا‬

‫املغرب‬

‫م�رص‬

‫ال�سعودية‬

‫لبنان‬

‫الأردن‬

‫‪0‬‬

‫متدنية يف ك ّل من الأردن ولبنان واملغرب‬ ‫و�سوريا‪ ،‬و�أنها متدنية ن�سبة �إىل الإنفاق‬ ‫احلكومي يف ك ّل من الأردن ولبنان وال�سعودية‪،‬‬ ‫مقارنة ببلدان منظمة التعاون االقت�صادي‬ ‫والتنمية‪.‬‬ ‫ويبينّ الر�سم البياين ‪ 1-2‬امل�شتق من‬ ‫اجلدول �أن معدل مبلغ الإنفاق احلكومي على‬ ‫الطالب الواحد يف البلدان العربية منخف�ض‬ ‫مقارنة بدول منظمة التعاون مبا يف ذلك‬ ‫تركيا‪ ،‬با�ستثناء ال�سعودية‪ .‬و�سوف نرى �أن‬ ‫البلدان اخلليجية ال�صغرى ذات معدالت �إنفاق‬ ‫�أعلى من ال�سعودية‪ ،‬و�أن معدالت البلدان‬ ‫العربية الأفقر (مثل اليمن وال�سودان وغريهما)‬ ‫ذات معدالت �أدنى من تلك امل�سجلة يف م�رص‬ ‫�أو �سوريا‪.‬‬ ‫على �أنه عندما ن�أخذ بعني االعتبار الناجت‬ ‫املحلي للفرد ون�سبة الإنفاق على الطالب منه‬ ‫(الر�سم البياين ‪ )2-2‬تتغري ال�صورة‪ .‬وفيه جند‬ ‫�أن ك ًال من الأردن ولبنان وم�رص واملغرب‬ ‫و�سوريا يخ�ص�ص ن�سبة �أعلى من فرن�سا مث ًال‬ ‫ولو �أن حجم الإنفاق يف فرن�سا �أكرب من حجم‬ ‫الإنفاق يف هذه البلدان‪� ،‬أي هي تنفق ن�سبي ًا‬ ‫�أكرث‪ ،‬فيما هي تنفق بالأرقام الكلية �أقل‪.‬‬ ‫وهذه حال تركيا �أي�ضا‪ .‬وهذا يبينّ اجلهد الذي‬ ‫تبذله البلدان العربية املدرجة يف الر�سم‪ ،‬ما‬ ‫عدا ال�سعودية‪ ،‬على التعليم العايل نظراً �إىل‬ ‫مواردها العامة املحدودة‪� ،‬أو مقدار ال�ضغوط‬ ‫التي تعانيها هذه البلدان لتلبية الطلب على‬ ‫التعليم العايل‪.‬‬

‫ثاني ًا‪� :‬إيرادات اجلامعات احلكومية‬

‫ننتقل الآن �إىل فح�ص م�صادر التمويل‬ ‫وحجمه يف عدد من اجلامعات احلكومية‪،‬‬

‫‪1‬‬

‫بالإ�ضافة �إىل املراجع املذكورة يف منت الف�صل �أعاله راجع‪:‬‬

‫ ‪Organization for Economic Co-operation and Development. Education at a Glance, 2007, p230,433, 434‬‬‫ ‪El-Raby, Ashraf (2009). A Comparative Assessment of Financing Policies in Six Arab Countries, Paper‬‬‫‪submitted to Economic Research Forum-ERF (Amman, June 17-18, 2009), (Preliminary draft) p 4‬‬ ‫ مكتب اليون�سكو الإقليمي للرتبية يف الدول العربية (‪ )2009‬امل�ؤمتر العربي الإقليمي حول التعليم العايل‪ ،‬القاهرة‪� 31 ،‬أيار‪/‬مايو‪2 -‬‬‫حزيران يونيو ‪ ،2009‬التقرير الإح�صائي‪.‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫م�شكلة متويل التعليم العايل ‪189‬‬

‫باعتبار �أن النفقات احلكومية على التعليم‬ ‫العايل تذهب يف جزء منها �إىل �إدارات الوزارات‪،‬‬ ‫وباعتبار �أن اجلامعات قد تكون لها �إيرادات‬ ‫�أخرى خارج النفقات احلكومية‪ .‬و�سوف نالحظ‬ ‫�أدناه �أن حجم الإنفاق متوا�ضع و�أن التمويل‬ ‫جله حكومي‪ ،‬با�ستثناء الأردن حيث ت�شكّل‬ ‫الر�سوم التي يدفعها الطالب ن�سبة مهمة من‬ ‫�إيرادات اجلامعة‪ ،‬وحيث املنح والوقفيات ذات‬ ‫مكانة هام�شية يف بنية الإيرادات‪.‬‬ ‫�إذا ت�أملنا يف متويل جامعتني حكوميتني‬ ‫�أردنيتني (جدول ‪ )2-2‬نالحظ �أن ر�سوم الطالب‬ ‫هي امل�صدر الأ�سا�سي ملوارد اجلامعة يف حني‬ ‫�أن املخ�ص�صات احلكومية ت�شكّل ما ال يقل‬ ‫عن اخلم�س يف �إحداها و�أكرث من ا ُ‬ ‫م�سني يف‬ ‫خل َ‬ ‫الثانية‪� .‬أما الهبات والتربعات فتحظى ب�أقل‬ ‫من ‪ %1‬وعوائد املمتلكات مبقدار ‪ %3‬يف �إحدى‬ ‫اجلامعتني‪ ،‬وال يحظى هذان البندان مع ًا ب�أي‬ ‫ح�صة يف اجلامعة الثانية‪ .‬كما �أنه ال وجود‬ ‫للأوقاف يف اجلامعتني‪ .‬ويرتافق هذا ال�ضيق‬ ‫يف م�صادر التمويل مع االنخفا�ض يف معدل‬ ‫الإنفاق للطالب الواحد‪ ،‬الذي يبلغ ‪� 3.3‬آالف‬ ‫دوالر �أمريكي يف الأوىل و‪� 3.03‬آالف دوالر يف‬ ‫اجلامعة الثانية‪.‬‬

‫لبنان‬

‫بلغت موازنة اجلامعة اللبنانية ‪185.7‬‬ ‫مليار لرية لبنانية يف العام ‪2007/2006‬‬ ‫(‪ 123.8‬مليون دوالر �أمريكي)‪ .‬ويبينّ (جدول‬ ‫‪� )3-2‬أن املخ�ص�صات احلكومية هي امل�صدر‬ ‫�شبه الوحيد ملوارد اجلامعة اللبنانية (‪94.7‬‬ ‫‪ ،)%‬وبخالف الأردن ف�إن ر�سوم الطالب ال‬

‫ت�شكّل �شيئ ًا يذكر من جملة موارد هذه اجلامعة‬ ‫(‪� ،)% 4.7‬أما الهبات والتربعات والأوقاف فال‬ ‫وجود لها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪Nahas, Charbel (2009). Op. cit. p 18‬‬

‫‪ 2‬بلغت موازنة اجلامعة اللبنانية ‪ 200‬مليار لرية لبنانية يف العام‬ ‫الدرا�سي ‪ 133( 2008/2007‬مليون دوالر �أمريكي)‪.‬‬

‫�أ‌‪ .‬اجلامعة الها�شمية‬ ‫املبلغ بالدينار الأردين‬

‫‪%‬‬

‫‪ )1‬ر�سوم الطالب‬

‫‪19,161,634‬‬

‫‪47.5‬‬

‫‪ )2‬املخ�ص�صات احلكومية‬

‫‪18,161,860‬‬

‫‪44.9‬‬

‫‪819,523‬‬

‫‪2.0‬‬

‫‪1,275,334‬‬

‫‪3.2‬‬

‫‪10,000‬‬

‫‪0.02‬‬

‫‪ )6‬الأوقاف‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪ )7‬غري ذلك‬ ‫املجموع‬

‫‪982,100‬‬

‫‪2.4‬‬

‫‪40,370,451‬‬

‫‪100‬‬

‫البند‬

‫‪ )3‬عوائد الأن�شطة الإنتاجية والعقود‬ ‫‪ )4‬ريوع املمتلكات‬ ‫‪ )5‬الهبات والتربعات‬

‫املجموع بالدوالر‪ .57,003,076 :‬عدد الطالب‪ .17,085 :‬معدل الإنفاق للطالب الواحد بالدوالر‪3,336 :‬‬

‫ب‪ .‬جامعة م�ؤتة‬ ‫املبلغ بالدينار الأردين‬

‫‪%‬‬

‫‪ )1‬ر�سوم الطالب‬

‫‪25,231,894‬‬

‫‪71.7‬‬

‫‪ )2‬املخ�ص�صات احلكومية‬

‫‪7,456,265‬‬

‫‪21.2‬‬

‫‪ )3‬عوائد الأن�شطة الإنتاجية والعقود‬

‫‪2,505,378‬‬

‫‪7.1‬‬

‫‪ )4‬ريوع املمتلكات‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪ )5‬الهبات والتربعات‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪ )7‬الأوقاف‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪ )6‬غري ذلك‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪35,193,537‬‬

‫‪100‬‬

‫البند‬

‫املجموع‬

‫املجموع بالدوالر‪ .49,693,274 :‬عدد الطالب‪ .15,522 :‬معدل الإنفاق للطالب الواحد بالدوالر‪3,201 :‬‬

‫جدول ‪� 3-2‬إيرادات اجلامعة احلكومية اللبنانية (موازنة ‪)2007/2006‬‬ ‫املبلغ مباليني اللريات اللبنانية‬

‫‪%‬‬

‫‪8,807‬‬

‫‪4.7‬‬

‫‪175,882.3‬‬

‫‪94.7‬‬

‫‪926.9‬‬

‫‪0.5‬‬

‫‪ )4‬ريوع املمتلكات‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪ )5‬الهبات والتربعات واملنح‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪ )6‬الأوقاف‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪ )7‬غري ذلك‬ ‫املجموع‬

‫‪111.2‬‬

‫البند‬ ‫‪ )1‬ر�سوم الطالب‬ ‫‪ )2‬املخ�ص�صات احلكومية‬ ‫‪ )3‬عوائد الأن�شطة الإنتاجية والعقود‬

‫‪185,727.4‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0.1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪100‬‬

‫تدريب‪ ،‬مبيع من�شورات‪ ،‬ت�أجري قاعات‪ ،‬عائدات عيادات طب الأ�سنان‬ ‫املجموع بالدوالر‪ . 123,818,267 :‬عدد الطالب‪ .72,177 :‬معدل الإنفاق للطالب الواحد بالدوالر‪.1,715 :‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫التـعليم‬

‫الأردن‬

‫جدول ‪� 2-2‬إيرادات جامعتني حكوميتني يف الأردن (موازنة العام ‪)2008‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 190‬للتنمية الثقافية‬

‫هذه اجلامعة هي يف ‪ %98‬منها خم�ص�صات‬ ‫حكومية‪.‬‬

‫جدول ‪� 4-2‬إيرادات جامعة القاهرة (موازنة ‪)2008/2007‬‬ ‫البند‬ ‫‪ )1‬ر�سوم الطالب‬ ‫‪ )2‬املخ�ص�صات احلكومية‬

‫املبلغ باجلنيه‬ ‫امل�رصي‬

‫‪$‬‬

‫‪%‬‬

‫‪22,000,000‬‬

‫‪3,960,396‬‬

‫‪1,5‬‬

‫‪1,403,583,119‬‬

‫‪252,670,228‬‬

‫‪98,0‬‬

‫‪ )3‬عوائد الأن�شطة الإنتاجية والعقود‬

‫‪-----‬‬

‫‪ )4‬ريوع املمتلكات‬

‫‪-----‬‬

‫‪ )5‬الهبات والتربعات واملنح‬

‫‪6,250,000‬‬

‫‪ )6‬الأوقاف‬

‫‪-----‬‬

‫‪ )7‬غري ذلك‬

‫‪-----‬‬

‫املجموع‬

‫‪1,431,833,119‬‬

‫‪1,125,113‬‬

‫‪257,755,737‬‬

‫‪0,5‬‬

‫‪100‬‬

‫جدول ‪� 5-2‬إيرادات جامعة الأزهر (موازنة ‪)2007/2006‬‬ ‫املبلغ باجلنيه‬ ‫امل�رصي‬

‫‪$‬‬

‫‪ )1‬ر�سوم الطالب‬

‫‪31,810,545‬‬

‫‪5,726,471‬‬

‫‪5‬‬

‫‪ )2‬املخ�ص�صات احلكومية‬

‫‪597,999,000‬‬

‫‪107,650,585‬‬

‫‪95‬‬

‫‪ )3‬عوائد الأن�شطة الإنتاجية والعقود‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪ )4‬ريوع املمتلكات‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪ )5‬الهبات والتربعات‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪ )6‬الأوقاف‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪ )7‬غري ذلك‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪629,809,454‬‬

‫‪113,377,056‬‬

‫‪100‬‬

‫املجموع‬

‫م�رص‬ ‫جامعة القاهرة‬

‫نظريا تتكون ميزانية جامعة الأزهر مما‬ ‫ي�أتي‪ )1 :‬االعتمادات التي تخ�ص�ص للجامعة‬ ‫مبيزانية الدولة‪ )2 ،‬غلة �أموال اجلامعة الثابتة‬ ‫واملنقولة وما قد يكون حم�سوب ًا عليها من‬ ‫�أوقاف وما ي�ؤول �إليها من و�صايا وهبات‪،‬‬ ‫‪ّ � )3‬أي موارد �أخرى‪ .‬لكنها‪ ،‬عملي ًا‪ ،‬ت�شبه يف‬ ‫مواردها �سائر اجلامعات احلكومية يف م�رص‬ ‫كما يبينّ (اجلدول ‪ %95( )5-2‬خم�ص�صات‬ ‫حكومية و‪ %5‬ر�سوم)‪ ،‬بل �أن ميزان ّيتها للطالب‬ ‫الواحد هي مبقدار ربع ميزانية الطالب يف‬ ‫جامعة القاهرة (‪ 294‬دوالر)‪.‬‬

‫املغرب‬

‫‪%‬‬

‫البند‬

‫جامعة الأزهر‬

‫بلغ املجموع الإجمايل ملوازنة‬ ‫جامعة القاهرة مليار جنيه ون�صف تقريب ًا‬ ‫(‪ )1,431,833,119‬للعام الدرا�سي ‪2008/2007‬‬ ‫(‪ 257,755,737‬دوالر)‪ .‬ف�إذا كان عدد الطالب‬ ‫للعام املذكور يف جميع امل�ستويات الدرا�سية‬ ‫‪ 211,470‬طالب ًا يكون الإنفاق على الطالب‬ ‫الواحد مبقدار ‪ 1,219‬دوالراً �أمريكي ًا‪ .‬وهو‬ ‫رقم متوا�ضع‪ .‬ويبينّ (اجلدول ‪� )4-2‬أن �إيرادات‬

‫ال منلك معلومات عن �إيرادات جامعة‬ ‫حكومية معينة يف املغرب‪ .‬لكن طبق ًا للقانون‪،‬‬ ‫تت�شكل موارد اجلامعة من املخ�ص�صات‬ ‫احلكومية والر�سوم و«املحا�صيل والأرباح‬ ‫املت�أتية من القيام بالأبحاث ومن تقدمي‬ ‫اخلدمات وال�سيما منها �أعمال اخلربة»‬ ‫و«املحا�صيل والأرباح املت�أتية من العمليات‬ ‫التي تقوم بها اجلامعة ومن ممتلكاتها»‪،‬‬ ‫و«الهبات والو�صايا»‪� ...‬إلخ‪ .‬وطبق ًا ملا ذكرناه‬ ‫يف الف�صل ال�سابق عن هام�ش ا�ستقاللية‬ ‫اجلامعة احلكومية وانخراطها يف �أن�شطة‬ ‫ا�ستثمارية ف�إنه من املحتمل �أن تكون ن�سبة‬ ‫املوارد احلكومية �أعلى مما الحظناه يف الأردن‬ ‫ولبنان‪.‬‬

‫مقارنات‬

‫نقارن �أو ًال بني اجلامعات التي توقفنا‬ ‫عندها �أعاله‪ .‬ويبينّ الر�سم البياين ‪� 3-2‬أن‬ ‫النموذج ال�شائع يف هذه اجلامعات هو االعتماد‬ ‫على املخ�ص�صات احلكومية‪ ،‬با�ستثناء الأردن‬ ‫حيث حتتل ر�سوم الطالب ح�صة كربى توازي‬ ‫يف �إحداها املخ�ص�صات احلكومية‪� .‬أما م�صادر‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫م�شكلة متويل التعليم العايل ‪191‬‬

‫‪ 1‬حفاظ ًا على خ�صو�صية اجلامعات‪ ،‬باعتبار �أن املعلومات املجمعة‬ ‫يف ا�ستق�صاء اليون�سكو هي للتحليل الإح�صائي ولي�ست لعر�ض‬ ‫احلاالت الفردية‪ .‬وقد �ألغينا تون�س من الر�سم البياين بعد �أن تبني لنا‬ ‫�أن موازنات اجلامعات احلكومية التون�سية ال ت�شتمل على رواتب الهيئة‬ ‫التعليمية التي تدفعها الوزارة من خارج موازنة اجلامعة‪.‬‬

‫‪120‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪80‬‬

‫ر�سوم الطالب‬ ‫خم�ص�صات حكومية‬ ‫عوائد وربوع‬ ‫منح ووقفية‬

‫‪60‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪20‬‬

‫االزهر‬

‫اللبنانية‬

‫القاهرة‬

‫م�ؤتة‬

‫‪0‬‬

‫الها�شمية‬

‫ر�سم بياين ‪:4-2‬‬ ‫املوازنة للطالب الواحد يف عدد من اجلامعات العربية احلكومية بالدوالر الأمريكي‬ ‫‪4000‬‬ ‫‪3336‬‬

‫‪3500‬‬

‫‪3201‬‬

‫‪3000‬‬ ‫‪2500‬‬ ‫‪2000‬‬

‫‪1715‬‬

‫‪1500‬‬

‫‪1219‬‬

‫‪1000‬‬ ‫‪294.0‬‬

‫‪500‬‬ ‫‪0‬‬

‫جامعة االزهر‬

‫جامعة القاهرة‬

‫اجلامعة اللبنانية‬

‫جامعة م�ؤتة‬

‫اجلامعة الها�شمية‬

‫ر�سم بياين ‪ :5-2‬الإنفاق على الطالب الواحد بح�سب موازنات جامعات‬ ‫حكومية خمتارة يف البلدان العربية‬ ‫�أ ‪ -‬بلدان امل�رشق واملغرب واجلنوب العربي‬ ‫‪2623‬‬

‫‪3000‬‬ ‫‪2500‬‬ ‫‪2000‬‬

‫‪1715‬‬ ‫‪1341.5‬‬

‫‪1476.2‬‬

‫‪1339.1‬‬ ‫‪982.7‬‬

‫‪783.6‬‬ ‫‪372.9‬‬

‫اليمن موريتانيا املغرب م�رص ليبيا لبنان‬

‫‪1500‬‬ ‫‪1072.2‬‬ ‫‪1000‬‬ ‫‪415.6‬‬

‫العراق �سوريا ال�سودان الأردن‬

‫‪500‬‬ ‫‪0‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫التـعليم‬

‫التمويل الأخرى فهي �شبه معدومة‪ ،‬وبخا�صة‬ ‫بند «منح ووقفية»‪.‬‬ ‫�أما بالن�سبة للإنفاق على الطالب الواحد‬ ‫(بالدوالر الأمريكي) يف اجلامعات احلكومية‬ ‫املذكورة �أعاله فان الر�سم البياين ‪ 4-2‬يبينّ �أنه‬ ‫�أعلى يف الأردن مقارنة بلبنان وم�رص مبقدار‬ ‫ال�ضعفني تقريب ًا‪.‬‬ ‫ولتكبري �صورة اجلامعات احلكومية‬ ‫العربية بالن�سبة للإنفاق على الطالب الواحد‬ ‫ن�ستعني مبعطيات جممعة من اال�ستق�صاء‬ ‫الذي �أجري على اجلامعات العربية يف �سياق‬ ‫التح�ضري للم�ؤمتر الإقليمي حول التعليم العايل‬ ‫(القاهرة ‪ ،)2009/6/2-5/31‬ون�أخذ جامعة‬ ‫واحدة فقط من كل بلد عربي من البلدان التي‬ ‫�أعدت تقارير وطنية (وهي غري اجلامعات‬ ‫التي ذكرت �سابق ًا با�ستثناء اجلامعة اللبنانية‬ ‫لأنها اجلامعة احلكومية الوحيدة)‪ .‬ونق�سم هذه‬ ‫اجلامعات �إىل جمموعتني ت�ضم بلدان اخلليج‬ ‫العربي وثانية ت�ضم البلدان الأخرى‪ .‬ونقت�رص‬ ‫على ذكر ا�سم البلد الذي �أخذت منه اجلامعة من‬ ‫دون ذكر ا�سم اجلامعة ‪.1‬‬ ‫يبينّ الر�سم البياين ‪ 5-2‬يف �شقه الأول �أن‬ ‫املوازنة للطالب الواحد يف البلدان العربية غري‬ ‫اخلليجية ت�صل �إىل ‪ 2,600‬دوالر يف �أق�صاها‬ ‫( يف الأردن) وهي تنخف�ض دون الألفي دوالر‬ ‫يف خم�سة بلدان‪ ،‬وتنخف�ض دون الألف دوالر‬ ‫يف �أربعة بلدان‪.‬‬ ‫ويبينّ ال�شق الثاين من الر�سم حول البلدان‬ ‫اخلليجية �أن احلد الأدنى للإنفاق على الطالب‬ ‫الواحد يف اجلامعة هو ‪� 12‬ألف دوالر (عمان)‪،‬‬ ‫فيما ي�صل املبلغ يف الكويت �إىل ‪� 30‬ألف دوالر‪،‬‬ ‫وهذا �أعلى من معدل الإنفاق احلكومي للطالب‬ ‫يف الواليات املتحدة‪ .‬وبالتايل ف�إنه ال توجد‬ ‫م�شكلة متويل حكومي يف هذه البلدان‪ ،‬جلهة‬ ‫حجمه‪� ،‬أو �أن التمويل لي�س هو العامل املف�رس‬ ‫لأداء جامعاتها احلكومية‪ ،‬و�إذا كانت هناك‬

‫ر�سم بياين ‪:3 - 2‬‬ ‫توزيع الإيرادات يف عدد من اجلامعات العربية احلكومية‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 192‬للتنمية الثقافية‬

‫ر�سم بياين ‪ :5-2‬الإنفاق على الطالب الواحد بح�سب موازنات جامعات‬ ‫حكومية خمتارة يف البلدان العربية‬ ‫ب ‪ -‬بلدان اخلليج العربي‬ ‫‪35000‬‬ ‫‪30158‬‬

‫‪30000‬‬ ‫‪22853‬‬

‫‪25000‬‬ ‫‪20000‬‬

‫‪18197‬‬ ‫‪14053‬‬

‫‪15000‬‬

‫‪12410‬‬

‫‪10000‬‬ ‫‪5000‬‬

‫الكويت‬

‫عمان‬

‫قطر‬

‫ال�سعودية‬

‫االمارات‬

‫‪0‬‬

‫جدول ‪ 6-2‬موازنة جامعة الإ�رساء اخلا�صة‪ -‬الأردن (موازنة ‪)2008/2007‬‬ ‫البند‬ ‫‪ )1‬ر�سوم الطالب*‬

‫الن�سبة من جموع املوارد‬ ‫‪89.27‬‬

‫‪ )2‬املخ�ص�صات احلكومية‬

‫‪-‬‬

‫‪ )3‬عوائد الأن�شطة الإنتاجية والعقود‬

‫‪-‬‬

‫‪ )4‬ريوع املمتلكات**‬

‫‪10.73‬‬

‫‪ )5‬الهبات والتربعات واملنح‬

‫‪-‬‬

‫‪ )6‬االوقاف‬

‫‪-‬‬

‫‪ )7‬غري ذلك‬ ‫املجموع‬

‫‬‫‪%100‬‬

‫* موزعة على ال�شكل التايل‪:‬‬ ‫ر�سوم االلتحاق‬

‫‪0.43‬‬

‫ر�سوم الت�سجيل‬

‫‪2.61‬‬

‫ر�سوم الف�صل‬

‫‪13.81‬‬

‫ر�سوم ال�ساعات املدر�سية املعتمدة (املواد الدرا�سية)‬

‫‪72.42‬‬

‫** موزعة على ال�شكل التايل‪:‬‬ ‫�إيراد الت�أمني ال�صحي‬

‫‪2.15‬‬

‫�صايف �أرباح مبيعات اال�ستثمارات املالية‬

‫‪0.55‬‬

‫�أرباح �أ�سهم يف �رشكات �أخرى‬

‫‪0.18‬‬

‫�إيرادات �أخرى‬

‫‪2.90‬‬

‫�إيرادات نقل‬

‫‪1.46‬‬

‫�إيرادات الكفترييا‬

‫‪3.14‬‬

‫�أرباح تعديالت �سنوات �سابقة‬

‫‪0.35‬‬

‫م�شاكل يف النوعية فلعله يجب التفتي�ش عنها‬ ‫يف �إدارة �ش�ؤون التعليم العايل ويف �أحادية‬ ‫التمويل‪.‬‬

‫ثالث ًا‪� :‬إيرادات اجلامعات غري احلكومية‬ ‫الأردن‬

‫ين�ص قانون اجلامعات الأردنية اخلا�صة‬ ‫ّ‬ ‫(مادة ‪ )17‬على �أن موارد اجلامعة اخلا�صة‬ ‫تت�ألف من الر�سوم الدرا�سية‪ ،‬وريع �أموال‬ ‫اجلامعة املنقولة وغري املنقولة‪ ،‬والهبات‬ ‫والتربعات واملنح وامل�ساعدات‪ ...‬الخ‪.‬‬ ‫ون�أخذ مثا ًال من احدى اجلامعات اخلا�صة‬ ‫التي قبلت �أن تز ّودنا بالن�سب املئوية فقط‪.‬‬ ‫ويالحظ يف اجلدول ‪� 6-2‬أن �إيرادات اجلامعة‬ ‫املذكورة حم�صورة يف نوعني فقط‪ :‬الر�سوم‬ ‫التي يدفعها الطالب‪ ،‬والعوائد املت�أتية من‬ ‫املمتلكات‪� .‬أما م�صادر التمويل الأخرى‬ ‫فال توجد �أي �إ�شارة حولها �ضمن خطتها‬ ‫اال�سرتاتيجية ‪ ،2012/2008‬وهي مل تتلق �أي‬ ‫نوع من الهبات �أو امل�ساعدات �أو التربعات‬ ‫خالل عامها اجلامعي ‪�( 2008/2007‬أو يف �أي‬ ‫من الأعوام ال�سابقة ومنذ ت�أ�سي�سها)‪ .‬واجلامعة‬ ‫املذكورة ال يوجد لها �أي نوع من الوقف‪.‬‬ ‫�أما موازنة هذه اجلامعة فقد بلغت‬ ‫‪ 3,906,292‬دوالراً يف العام نف�سه يف حني �أن‬ ‫عدد الطالب كان ‪ ،6824‬ما يعني �أن الإنفاق‬ ‫على الطالب الواحد هو مبقدار ‪ 572‬دوالراً‪.‬‬

‫لبنان‬

‫ال يحدد القانون اللبناين �أي �رشوط �أو‬ ‫قواعد لتمويل م�ؤ�س�سات التعليم العايل اخلا�ص‬ ‫�أو للإنفاق فيها‪ .‬وللتعرف على مناذج التمويل‬ ‫ال�شائعة نتوقف عند بع�ض اجلامعات غري‬ ‫احلكومية العاملة يف لبنان‪.‬‬

‫اجلامعة الأمريكية يف بريوت‬

‫ت�شكّل اجلامعة الأمريكية يف بريوت مثا ًال‬ ‫نادراً يف البلدان العربية عن م�ساهمة �أطراف‬ ‫عدة يف تعزيز مالية اجلامعة وعن وجود وقف‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫م�شكلة متويل التعليم العايل ‪193‬‬

‫جامعة البلمند‬

‫النظام املايل املعمول به يف اجلامعة هو‬

‫‪$‬‬

‫الن�سبة من‬ ‫جمموع املوارد‬

‫‪82,708,000‬‬

‫‪64.7‬‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪6,796‬‬

‫‪0.01‬‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪ )5‬الهبات والتربعات واملنح‬

‫‪20,961,000‬‬

‫‪16.6‬‬

‫‪ )6‬الأوقاف‬

‫‪7,880,000‬‬

‫‪6.2‬‬

‫‪ )7‬غري ذلك‬

‫‪16,169,204‬‬

‫‪12.7‬‬

‫املجموع‬

‫‪127,725,000‬‬

‫‪100‬‬

‫البند‬ ‫‪ )1‬ر�سوم الطالب‬ ‫‪ )2‬املخ�ص�صات احلكومية‬ ‫‪ )3‬عوائد الأن�شطة الإنتاجية والعقود‪/‬ا�ستثماران‬ ‫‪ )4‬ريوع املمتلكات‬

‫نظام امل�ؤ�س�سات الأهل ّية التي ال تبتغي الربح‪،‬‬ ‫على غرار اجلامعة الأمريكية يف بريوت‪ .‬وتت�ألف‬ ‫موارد اجلامعة من ‪ )1‬موارد الأمالك والأموال‬ ‫املوقوفة لها‪ ،‬و‪ )2‬التربعات‪ ،‬وامل�ساعدات‪،‬‬ ‫والهبات‪ ،‬والو�صايا‪ ،‬و‪ )3‬من اخلدمات التي‬ ‫تق ّدمها اجلامعة‪ ،‬ف�ض ًال عن ‪ )4‬الأق�ساط (الر�سوم)‬ ‫و�سائر املوارد امل�سموح بها قانون ًا وفق ما يقرره‬ ‫جمل�س الأمناء‪ .‬والأوقاف فيها عقارية ونقدية‪،‬‬ ‫مقيدة ( ُت ْ�س َت ْعمل يف ت�أمني م�ستلزمات برنامج‬ ‫معينّ )‪ ،‬وغري مقيدة (تبقى حتت ت�رصفها طاملا‬ ‫هي قائمة‪ ،‬وت�ستعملها تبع ًا حلاجاتها)‪ .‬ويبينّ‬ ‫اجلدول ‪ 8-2‬توزيع هذه املوارد على اجلامعة‬ ‫بح�سب الن�سبة املئوية لكل منها‪ .‬وفيه نالحظ‬ ‫�أن الر�سوم �شكلت ‪ %81‬من الإيرادات فيما �شكلت‬ ‫الوقفية واملنح مع ًا‪.%9.9‬‬

‫‪� 1‬أمثلة على امل�ؤ�س�سات(‪ )Foundations‬و املنظمات غري احلكومية‪ :‬الأجنبية‪� :‬أنا ليندت‪ ،‬كارنيجي‪ ،‬فلورا‪ ،‬فورد‪ ،‬هرني�ش بول‪ ،‬امل�ؤ�س�سة العاملية للبحوث‪ ،‬جمعية الكيمياء الأمريكية‪،‬‬ ‫اجلمعية امللكية للكيمياء‪ ،‬املركز العاملي للبحوث الزراعية يف املناطق اجلافة‪ ،‬جمعية نا�شيونال جيوغرافيك‪� ،‬إلخ‪ .‬العربية‪ :‬م�ؤ�س�سة الفكر العربي‪ ،‬امل�ؤ�س�سة العربية للعلوم والتكنولوجيا‪،‬‬ ‫ملتقى البحث االقت�صادي‪ ،‬جمموعة عمل الأ�رس العربية‪ .‬لبنانية‪ :‬م�ؤ�س�سة �أميل ب�ستاين‪ ،‬م�ؤ�س�سة احلريري‪ ،‬م�ؤ�س�سة رينيه معو�ض‪ ،‬م�ؤ�س�سة ال�صفدي‪ ،‬العمل التنموي بال حدود‪ ،‬املركز اللبناين‬ ‫لدرا�سة ال�سيا�سات‪ ،‬املنظمة اللبنانية للمنتجات ال�صحية‪.‬‬ ‫‪� 2‬أمثلة عن املنظمات احلكومية‪ :‬البنك الدويل‪ ،‬الإ�سكوا‪ ،‬الفاو‪ ،‬الوكالة الدولية للطاقة الذرية‪ ،‬منظمة العمل الدولية‪ ،‬اليون�سيف‪ ،‬برنامج الأمم املتحدة الإمنائي‪ ،‬برنامج الأمم املتحدة‬ ‫للبيئة‪ ،‬منظمة ال�صحة العاملية‪� ...‬إلخ‪.‬‬ ‫‪� 3‬أمثلة عن ال�رشكات والأفراد‪ :‬بدر احلمي�ضي‪� ،‬رشكة الزين‪� ،‬رشكة الغذاء والدواء‪� ،‬آي بي امي لل�رشق الأو�سط‪ ،‬م�صطفى احل�سيني‪ ،‬نعمت فرمي‪ ،‬الخ‪.‬‬ ‫‪� 4‬أمثلة عن احلكومات‪ :‬حكومة الواليات املتحدة‪ ،‬احلكومة الكندية‪ ،‬اللجنة الأوروبية‪ ،‬ال�سفارة الإيطالية‪ ،‬ال�صندوق العربي للتنمية االقت�صادية واالجتماعية‪ ،‬وزارة ال�صحة والتعليم الطبي‬ ‫يف �إيران‪ ،‬وزارة ال�صحة العامة وال�سكان يف اليمن‪ .‬لبنان‪ :‬جمل�س الإمناء واالعمار‪ ،‬املجل�س الوطني للبحوث العلمية ‪ ،‬وزارات متعددة‪ ،‬الخ‪.‬‬

‫‪http://staff.aub.edu.lb/~webdevpt/cont0708/endowment.html 5‬‬ ‫‪,http://www.ameinfo.com/150946.html 6‬‬ ‫‪http://en.wikipedia.org/wiki/American_University_of_Beirut#Fundraising‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪Nahas, Charbel (2008).op.cit‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫التـعليم‬

‫لها‪� .‬إذ ت�شكّل ر�سوم الطالب ‪ %65‬من جمموع‬ ‫املوازنة‪ ،‬مقابل ‪ %16.6‬للهبات واملنح‪،‬‬ ‫و‪ %6.2‬للوقف (جدول ‪.)7-2‬‬ ‫وهبات للجامعة‬ ‫اجلهات التي تق ّدم منح ًا‬ ‫ٍ‬ ‫متعددة‪ ،‬منها امل�ؤ�س�سات (‪)Foundations‬‬ ‫واملنظمات غري احلكومية ‪ ،1‬واملنظمات‬ ‫احلكومية ‪ ،2‬وامل�ؤ�س�سات الأكادميية (‪Institut‬‬ ‫‪ )tions‬وال�رشكات اخلا�صة والأفراد ‪ ،3‬وعدد من‬ ‫احلكومات ‪.4‬‬ ‫وي�شارك يف وقف اجلامعة الأمريكية‬ ‫عملي ًا �أكرث من �أربعمائة �شخ�ص‪ ،‬ي�سهمون‬ ‫مبلء حواىل ‪ 90‬حمفظة يحمل كل منها ا�سما‬ ‫مع ّينا ي�شري �إىل وجهة الإنفاق (وقف مقيد) �أو‬ ‫ال ي�شري �إىل ذلك (وقف غري مقيد) ‪ .5‬ويذكر يف‬ ‫هذا ال�صدد �أنه خالل رئا�سة جون ووتربري‬ ‫مت و�ضع خطة حلملة جلمع‬ ‫لهذه اجلامعة ّ‬ ‫�أموال (‪ ،)fundraising campaign‬حتت ا�سم‬ ‫«حملة االمتياز»‪ .‬انطلقت احلملة يف �شهر‬ ‫ت�رشين الأول‪� /‬أكتوبر ‪ ،2002‬وحدد الهدف بـ‬ ‫‪ 150‬مليون دوالر‪ .‬عملي ًا انتهت هذه احلملة يف‬ ‫‪ 31/12/2007‬بجمع ‪ 170‬مليون دوالر ‪.6‬‬ ‫�أما موازنة هذه اجلامعة فقد بلغت ‪127,7‬‬ ‫مليون دوالر يف العام ‪ ،2008/2007‬وهذا يعني‬ ‫�أن الإنفاق على الطالب الواحد كان مبقدار ‪17‬‬ ‫�ألف دوالر (باعتبار �أن عدد الطالب هو ‪.)7497‬‬ ‫ويعترب هذا املعدل موازي ًا ملعدالت الدول‬ ‫اخلليجية وجلامعات �أوروبا و�أمريكا‪.‬‬

‫جدول ‪7-2‬‬

‫�إيرادات اجلامعة الأمريكية يف بريوت للعام ‪2007‬‬

‫‪7‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 194‬للتنمية الثقافية‬

‫وقد بلغت ميزانية هذه اجلامعة‬ ‫مليون دوالر يف العام ‪ 2008/2007‬بحيث كان‬ ‫معدل الإنفاق للطالب الواحد ‪� 10.1‬آالف دوالر‬ ‫(باعتبار �أن عدد الطالب هو ‪.)3,285‬‬ ‫‪33,2‬‬

‫جامعة بريوت العربية‬

‫هي جامعة ال تبغي الربح �أي�ض ًا‪ ،‬لكن‬ ‫�إيراداتها وعالقتها بالوقف خمتلفة عن‬ ‫اجلامعة الأمريكية يف بريوت وجامعة البلمند‪.‬‬ ‫ذلك �أن �أموال اجلامعة كافة تعترب �أموال وقف‬

‫جدول ‪� 8-2‬إيرادات جامعة البلمند (لبنان) (موازنة ‪)2008/2007‬‬ ‫الن�سبة من جمموع املوارد‬

‫البند‬ ‫‪ )1‬ر�سوم الطالب‬

‫‪81‬‬

‫‪ )2‬املخ�ص�صات احلكومية‬

‫‪-‬‬

‫‪ )3‬عوائد الأن�شطة الإنتاجية والعقود واخلدمات‬

‫‪7‬‬

‫‪ )4‬ريوع املمتلكات‬

‫‪-‬‬

‫‪ )5‬الهبات والتربعات واملنح‬

‫‪5‬‬

‫‪ )6‬االوقاف‬

‫‪4.5‬‬

‫‪ )7‬غري ذلك‬

‫‪2.5‬‬

‫املجموع‬

‫‪100‬‬

‫جدول ‪� 9-2‬إيرادات جامعة بريوت العربية (موازنة ‪)2008/2007‬‬ ‫املبلغ ‪$‬‬

‫البند‬ ‫‪ )1‬ر�سوم الطالب‬

‫‪٪‬‬

‫‪42,390,000‬‬

‫‪86.2‬‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪110,000‬‬

‫‪0.2‬‬

‫‪ )4‬ريوع املمتلكات‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪ )5‬الهبات والتربعات واملنح‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪ )6‬االوقاف‬

‫‪-‬‬

‫‪-‬‬

‫‪ )7‬غري ذلك‬

‫‪6,650,000‬‬

‫‪13.5‬‬

‫‪49,150,000‬‬

‫‪100‬‬

‫‪ )2‬املخ�ص�صات احلكومية‬ ‫‪ )3‬عوائد الأن�شطة الإنتاجية والعقود*‬

‫املجموع‬ ‫* �إيرادات عيادات طب الأ�سنان‬

‫ال ّرب والإح�سان‪ .‬ويتك ّون هذا الوقف من جميع‬ ‫العقارات وامل�ؤ�س�سات والرتاخي�ص واحلقوق‬ ‫املادية واملعنوية اململوكة من اجلمعية‪.‬‬ ‫وبالتايل ف�إن اجلامعة تابعة مالي ًا للوقف‬ ‫ولي�س الوقف بت�رصفها‪ ،‬ولهذا ال يظهر بند‬ ‫«الأوقاف» بني موارد اجلامعة �أدناه ‪.1‬‬ ‫تت�ألف املوارد املالية للجامعة مبدئيا مما‬ ‫ي�أتي‪ :‬الر�سوم الدرا�سية‪ ،‬ريع �أموال اجلامعة‬ ‫املنقولة وغري املنقولة‪ ،‬الهبات والتربعات‬ ‫واملنح وامل�ساعدات املقدمة للجامعة‪ ،‬وما‬ ‫يت�أتى من �أن�شطة تدري�سية وا�ست�شارية وبحثية‬ ‫للكليات واملراكز ومن امل�شاريع الإنتاجية‬ ‫واملرافق اجلامعية مثل عائدات عيادات طب‬ ‫الأ�سنان وما �شابه‪.‬‬ ‫ويبينّ اجلدول ‪� 7-2‬أن ر�سوم الطالب ُت�شكّل‬ ‫فعليا م�صدر التمويل الأهم للجامعة (‪،)%86.2‬‬ ‫فيما تغيب الإيرادات الأخرى �أو تلعب دوراً‬ ‫طفيف ًا يف متويل اجلامعة‪.‬‬ ‫بلغت املوازنة العامة جلامعة بريوت‬ ‫العربية لعام (‪ )2008-2007‬حواىل ‪ 49‬مليون‬ ‫دوالر �أمريكي‪ ،‬وكانت ت�ضم ‪ 20,666‬طالب ًا‪� ،‬أي‬ ‫�أن معدل الإنفاق على الطالب فيها هو مبقدار‬ ‫‪ 2,378‬دوالراّ‪.‬‬

‫مقارنات‬

‫مل نتمكن من احل�صول على معطيات‬ ‫كافية حول �إيرادات اجلامعات غري احلكومية‬ ‫يف البلدان العربية‪ .‬لذلك ن�ستعيد يف الر�سم‬ ‫البياين ‪ 6-2‬املعطيات املتعلقة باجلامعات‬ ‫الأربع املذكورة �أعاله‪ ،‬لنالحظ �أن القاعدة يف‬ ‫اجلامعات اخلا�صة تقوم على املراهنة على‬ ‫الر�سوم التي يدفعها الطالب يف حني �أن املنح‬ ‫والوقفيات �شبه غائبة ما عدا يف لبنان‪ ،‬يف‬ ‫جامعتي البلمند والأمريكية‪.‬‬ ‫�أما بالن�سبة للموازنة للطالب الواحد يف‬ ‫اجلامعات املذكورة فالر�سم البياين ‪ 7-2‬ي�شري‬ ‫�إىل ارتفاعها �إىل ‪� 10‬آالف دوالر وما فوق يف‬ ‫اجلامعتني اللتني تتغذيان �أكرث من غريهما‬

‫‪ 1‬وهذه حال عدد ال ب�أ�س به من اجلامعات غري احلكومية يف لبنان‪ ،‬بحيث �إن �إحداها‪ ،‬كما ذُكر لنا‪ ،‬ت�أخذ من عوائد اجلامعة لتنفقها يف‬ ‫ن�شاطات �أخرى للوقف‪.‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫م�شكلة متويل التعليم العايل ‪195‬‬

‫العربية‬

‫منح ووقفية‬

‫ا�ستناداً �إىل املعلومات املتوافرة يف‬ ‫بيانات اليون�سكو عن اجلامعات املدرو�سة‬ ‫�أعاله احت�سبنا ن�سبة املخ�ص�صات املوجهة‬

‫الأمريكية‬ ‫عوائد وربوع‬

‫ر�سوم الطالب‬

‫ر�سم بياين ‪:7-2‬‬ ‫الإنفاق على الطالب الواحد يف �أربع جامعات غري حكومية‬

‫العربية‬

‫رابعا‪ :‬الإنفاق والنوعية‬

‫البلمند‬

‫الإ�رساء‬

‫البلمند‬

‫الإ�رساء‬

‫الأمريكية‬

‫‪15042‬‬

‫‪6149‬‬

‫‪2596‬‬

‫‪2430‬‬

‫‪2207‬‬ ‫‪889‬‬

‫لبنان‬

‫الكويت‬

‫‪18000‬‬ ‫‪16000‬‬ ‫‪14000‬‬ ‫‪12000‬‬ ‫‪10000‬‬ ‫‪8000‬‬ ‫‪6000‬‬ ‫‪4000‬‬ ‫‪2000‬‬ ‫‪0‬‬

‫ر�سم بياين ‪ :8-2‬املوازنة للطالب الواحد يف اجلامعات العربية غري احلكومية‬ ‫(‪)2008/2007‬‬ ‫‪15651‬‬

‫�سوريا‬

‫‪100‬‬ ‫‪90‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪0‬‬

‫ال�سودان‬

‫البحرين‬

‫الإمارات‬

‫الأردن‬

‫‪18000‬‬ ‫‪16000‬‬ ‫‪14000‬‬ ‫‪12000‬‬ ‫‪10000‬‬ ‫‪8000‬‬ ‫‪6000‬‬ ‫‪4000‬‬ ‫‪2000‬‬ ‫‪0‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫التـعليم‬

‫من املنح والأوقاف‪ .‬ولتكوين �صورة �أ�شمل عن‬ ‫املوازنة للطالب الواحد يف اجلامعات اخلا�صة‬ ‫العربية ن�ضيف ما توفر من املعطيات املجمعة‬ ‫يف بيانات اليون�سكو على غرار ما فعلنا بالن�سبة‬ ‫للجامعات احلكومية‪ .‬علم ًا ب�أن املعلومات‬ ‫�شح ًا يف اجلامعات اخلا�صة‬ ‫املالية كانت �أكرث ّ‬ ‫مقارن ًة باجلامعات احلكومية‪ .‬ونقت�رص على‬ ‫جامعة واحدة يف كل بلد توفرت فيه املعلومات‬ ‫هذه‪ ،‬علم ًا ب�أن اجلامعتني الواردتني من لبنان‬ ‫والأردن هما غري اجلامعات اخلا�صة املذكورة‬ ‫�سابقا‪.‬‬ ‫يظهر الر�سم البياين ‪ 8-2‬النمط نف�سه‬ ‫الذي الحظناه يف اجلامعات احلكومية‪� ،‬أي‬ ‫�أن اجلامعات غري احلكومية ت�شبه اجلامعات‬ ‫احلكومية يف بلدان اخلليج (مع ارتفاع يف‬ ‫الإنفاق فوق الـ ‪� 14‬ألف دوالر‪ ،‬با�ستثناء‬ ‫البحرين) ‪ ،‬يف حني �أن اجلامعات غري احلكومية‬ ‫ت�شبه اجلامعات احلكومية يف البلدان الأخرى‪،‬‬ ‫مع انخفا�ض يف معدل الإنفاق دون الألفني‬ ‫دوالر‪ ،‬با�ستثناء اجلامعة اخلا�صة امل�أخوذة‬ ‫من لبنان‪ ،‬وهي جامعة �أهلية‪ ،‬تتبع جلهة‬ ‫دينية ذات وقف‪.‬‬

‫ر�سم بياين ‪:6-2‬‬ ‫توزيع الإيرادات يف بع�ض اجلامعات غري احلكومية (موازنة)‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 196‬للتنمية الثقافية‬

‫ر�سم بياين ‪ :9-2‬ن�سبة خم�ص�صات البحوث اىل املوازنة يف اجلامعات احلكومية‬ ‫‪25‬‬ ‫‪983‬‬

‫‪20‬‬ ‫‪14053‬‬

‫‪15‬‬ ‫‪416‬‬

‫‪2623‬‬ ‫‪18197 22853 30158‬‬

‫‪10‬‬

‫‪1715‬‬

‫‪12410‬‬

‫‪1072 1339‬‬

‫‪1342‬‬

‫‪373‬‬

‫‪784‬‬

‫‪5‬‬ ‫‪0‬‬

‫ويت‬

‫الك‬

‫ا‬

‫دية‬

‫رات‬

‫لإما‬

‫قطر‬

‫�سعو‬

‫ال‬

‫ع‬ ‫مان‬

‫الأ‬ ‫ردن‬

‫نان‬

‫لب‬

‫م‬ ‫وريت‬

‫انيا‬

‫وريا‬

‫�رص‬ ‫م‬

‫�س‬

‫ل‬ ‫يبيا‬

‫يمن‬

‫ال‬

‫ا‬ ‫دان‬

‫ل�سو‬

‫امل‬ ‫غرب‬

‫ب ‪ -‬معدل الطالب لال�ستاذ الواحد‬ ‫‪60‬‬

‫‪784‬‬

‫‪50‬‬ ‫‪14053‬‬

‫‪1342‬‬

‫‪2623‬‬

‫‪1072‬‬

‫‪416‬‬

‫‪983‬‬

‫‪40 373‬‬ ‫‪30‬‬

‫‪30158‬‬

‫‪22853‬‬

‫‪1715‬‬ ‫‪18197‬‬

‫‪1339‬‬

‫‪20‬‬

‫‪12410‬‬

‫‪10‬‬ ‫‪0‬‬

‫ويت‬

‫الك‬

‫الإ‬ ‫رات‬ ‫ما‬

‫قطر‬

‫ال‬ ‫دية‬

‫�سعو‬

‫ع‬ ‫مان‬

‫الأ‬ ‫ردن‬

‫نان‬

‫لب‬

‫م‬

‫انيا‬

‫وريت‬

‫�رص‬ ‫م‬

‫وريا‬

‫�س‬

‫ل‬ ‫يبيا‬

‫ال‬ ‫يمن‬

‫ال�‬ ‫دان‬ ‫سو‬

‫امل‬ ‫غرب‬

‫للبحوث من املوازنة العامة للجامعة‪ ،‬ورتبنا‬ ‫اجلامعات تبع ًا للإنفاق على الطالب الواحد‬ ‫ت�صاعدي ًا (ر�سم بياين ‪ .)9-2‬يتبينّ �أن اجلامعات‬ ‫ذات امليزانية العالية للطالب الواحد تخ�ص�ص‬ ‫ن�سب ًا منخف�ضة للبحث العلمي (الإمارات‪ ،‬قطر‪،‬‬ ‫عمان‪ ،‬الكويت) مثلها مثل اجلامعات ذات‬ ‫امليزانية املنخف�ضة للطالب الواحد‪ .‬وترتفع‬ ‫ن�سبة املوازنة املخ�ص�صة للبحث العلمي فوق‬ ‫‪ %5‬يف �أربعة بلدان ذات موازنات متفاوتة‬ ‫(ال�سودان‪ ،‬ليبيا‪ ،‬الأردن‪ ،‬ال�سعودية)‪ .‬ما يعني‬ ‫�أن زيادة الإنفاق ال تعني بال�رضورة زيادة‬ ‫املخ�ص�صات املوجهة للبحث العلمي‪.‬‬ ‫من جهة �أخرى يبينّ الر�سم البياين نف�سه‬

‫(يف �شقه الثاين) �أنه كلما انخف�ضت املوازنة‬ ‫للطالب الواحد ارتبط ذلك مبعدالت �أعلى لعدد‬ ‫الطالب للأ�ستاذ الواحد‪ .‬واجلامعة احلكومية‬ ‫اليمنية (‪ 784‬دوالراً) مثال منوذجي على ذلك‪،‬‬ ‫حيث تنخف�ض ن�سبة البحوث �إىل ال�صفر ويرتفع‬ ‫معدل الطالب للأ�ستاذ الواحد �إىل ‪.56‬‬ ‫وتنطبق هذه القاعدة على اجلامعات غري‬ ‫احلكومية‪ ،‬فالإنفاق على البحوث متدن �إجما ًال‬ ‫حتى لو كانت املوازنة مرتفعة للطالب الواحد‪،‬‬ ‫كما هي احلال يف الإمارات (‪ )%0.3‬والكويت‬ ‫(‪( ،)%0.9‬بحيث �أدخلنا �أي�ض ًا اجلامعات الأربع‬ ‫التي ا�ستقينا حولها معلومات من الأردن‬ ‫ولبنان)‪ ،‬يف حني �أن عدد الطالب للأ�ستاذ يزيد‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫م�شكلة متويل التعليم العايل ‪197‬‬

‫خال�صة‬

‫تبني معطيات هذا الف�صل �ست نتائج‬ ‫رئي�سية‪� )1 :‬أن اجلامعات يف البلدان العربية‬ ‫�أحادية التمويل‪ ،‬تراهن على التمويل احلكومي‬ ‫(يف اجلامعات احلكومية) وعلى الأق�ساط التي‬ ‫يدفعها الطالب (يف اجلامعات اخلا�صة ويف‬ ‫اجلامعات احلكومية يف الأردن)‪ ،‬و�أن اللجوء �إىل‬ ‫موارد �أخرى‪ ،‬عن طريق الهبات والوقفيات هو‬ ‫اال�ستثناء الذي ي�ؤكد القاعدة‪� )2 .‬أن اجلامعات‪،‬‬ ‫احلكومية وغري احلكومية‪ ،‬ذات موازنات �ضعيفة‬ ‫عموم ًا با�ستثناء اجلامعات القائمة يف بلدان‬ ‫اخلليج العربي‪� )3 .‬أن البلدان العربية تبذل جهداً‬ ‫كبرياً للإنفاق على التعليم العايل لتلبية الطلب‬ ‫االجتماعي عليه‪ ،‬مبا ي�شكّل عبئ ًا عليها‪ ،‬وهذا‬ ‫ما يتب ّدى يف ارتفاع ن�سبة الإنفاق احلكومي‬ ‫على التعليم العايل �إىل الناجت املحلي اخلام‬ ‫للفرد‪� )4 .‬أن املوازنات ال�ضعيفة ترتبط عموم ًا‬ ‫مبعدالت �أعلى لعدد الطالب للأ�ستاذ الواحد‪،‬‬ ‫ك�أحد مبينات النوعية‪� )5 .‬أن املخ�ص�صات‬ ‫املوجهة للبحوث �ضعيفة �إجما ًال وال يرتبط‬ ‫ذلك بحجم املوازنة العامة �أو املوازنة للطالب‬ ‫الواحد‪ ،‬التي قد تكون مرتفعة‪ ،‬كما هي احلال‬ ‫‪1‬‬

‫وهي اجلامعة نف�سها التي ذكرنا �سابقا �أنها تقتطع من العائدات مبالغ حتولها �إىل �أن�شطة الوقف (التابعة له)‪.‬‬

‫التـعليم‬

‫مع انخفا�ض معدل الإنفاق على الطالب الواحد‬ ‫(�أعلى ن�سبة تعود �إىل جامعة يف ال�سودان)‪.‬‬ ‫ي�ستثنى من هذه القاعدة ثالث جامعات‬ ‫يف لبنان‪ .‬ففي اجلامعة الأمريكية يف بريوت‬ ‫يرتفع معدل الإنفاق على الطالب �إىل ‪� 17‬ألف‬ ‫دوالر (وترتفع فيها ن�سبة م�ساهمة املنح‬ ‫والوقفية)‪ ،‬وترتفع ن�سبة املوازنة املخ�ص�صة‬ ‫للبحوث �إىل ‪ %8.6‬وهي �أعلى ن�سبة �سجلت‬ ‫باملقارنة مع جميع اجلامعات‪ ،‬وتنخف�ض‬ ‫ن�سبة الطالب للأ�ستاذ الواحد‪ .‬كذلك تقع‬ ‫جامعة البلمند يف �صف اجلامعة الأمريكية يف‬ ‫بريوت مع �أرقام �أدنى يف املبينات الثالثة‪� .‬أما‬ ‫اجلامعة اخلا�صة الثالثة فريتفع فيها معدل‬ ‫الإنفاق على الطالب الواحد �إىل ‪� 6‬آالف دوالر‬ ‫لكن ن�سبة الإنفاق على البحوث متدنية ومعدل‬ ‫الطالب للأ�ستاذ مرتفعة ‪.1‬‬

‫يف دول اخلليج العربي‪ ،‬الأمر الذي يوحي ب�أن‬ ‫االهتمام بالبحوث‪ ،‬وحت�سني املنتج املعريف‬ ‫عموم ًا‪ ،‬يحتاج بالإ�ضافة �إىل املوارد املالية‪،‬‬ ‫�إىل �أ�سلوب يف التدبري والإدارة يعطي ثماره على‬ ‫م�ستوى النوعية‪� )6 ،‬أن هناك عدداً قلي ًال جداً من‬ ‫اجلامعات العربية (مثال اجلامعة الأمريكية‬ ‫يف بريوت)‪ ،‬ذات موارد مالية متنوعة‪ ،‬مبا يف‬ ‫ذلك الوقفيات‪ ،‬ومعدل عال للإنفاق على الطالب‬ ‫الواحد‪ ،‬ون�سبة عالية للإنفاق على البحث العلمي‪،‬‬ ‫ومعدل منخف�ض للطالب لك ّل �أ�ستاذ‪.‬‬ ‫ال �شك �أن م�شكلة التمويل ترتك �آثاراً على‬ ‫�أداء اجلامعات‪ :‬منو امل�ؤ�س�سة مبعدل ال يتنا�سب‬ ‫مع معدل من ّو خم�ص�صاتها‪ ،‬تقلّ�ص عدد الأ�ساتذة‬ ‫الذين يجري ت�أهيلهم يف اجلامعات الغربية‬ ‫املرموقة والّلجوء �إىل �إعدادهم حملي ًا‪ ،‬عجز‬ ‫اجلامعات عن متويل الإجازات التدري�سية‬ ‫والبحثية لأع�ضائها خارج البلد‪ ،‬انخفا�ض‬ ‫م�ستوى اخلدمات الطالبية من �سكن وطعام‬ ‫وموا�صالت ورعاية طبية‪ ،‬توقف م�رشوعات‬ ‫التطوير يف التعليم العايل �أو �سريها ببطء‪ ،‬تراجع‬ ‫ن�صيب الطالب من الإنفاق‪...‬الخ‪ .‬وهذا ما ي�س ّوغ‬ ‫التفكري والبحث يف بدائل متنوعة للتمويل‪.‬‬ ‫�إن تنويع التمويل ميكن �أن يكون ب�أحد‬ ‫منطني هما‪ )1:‬اجلهود الذاتية‪ :‬عن طريق عقود‬ ‫اال�ست�شارات والإنتاج والبحوث وا�ستثمار �أمالك‬ ‫اجلامعة املنقولة وغري املنقولة عرب �آليات‬ ‫البيع �أو الإيجار‪ )2 .‬االلتزام املجتمعي‪ :‬وهو ما‬ ‫يق ّدم من قبل الأفراد وامل�ؤ�س�سات اخلريية �إىل‬ ‫م�ؤ�س�سات التعليم العايل عن طريق التربعات‬ ‫والهبات واملنح النقدية والعينية والقرو�ض‬ ‫املال ّية وتخ�صي�ص الوقفيات للجامعة‬ ‫لت�ساعدها على حتقيق �أهدافها‪ ،‬وال�سيما تلك‬ ‫املوجهة للبحث والربامج اجلديدة‪.‬‬ ‫و�إذا كانت املعلومات املجمعة عن‬ ‫جامعات وبلدان معينة قد �أو�صلتنا �إىل‬ ‫ا�ستنتاج �أحادية التمويل يف معظمها‪ ،‬ف�إنه‬ ‫ال ب�أ�س من التفتي�ش عن البدائل املتاحة عند‬ ‫اجلهات املمولة هذه املرة‪ ،‬لعلنا جند �أمورا مل‬ ‫تبينها معطيات الف�صل احلايل‪.‬‬

‫ال �شك �أن م�شكلة التمويل ترتك‬ ‫�آثاراً على �أداء اجلامعات‪ :‬منو‬ ‫امل�ؤ�س�سة مبعدل ال يتنا�سب مع‬ ‫منو خم�ص�صاتها‪ ،‬تقلّ�ص عدد‬ ‫معدل ّ‬ ‫الأ�ساتذة الذين يجري ت�أهيلهم يف‬ ‫اجلامعات الغربية املرموقة والّلجوء‬ ‫�إىل �إعدادهم حملياً‪ ،‬عجز اجلامعات‬ ‫عن متويل الإجازات التدري�سية‬ ‫والبحثية لأع�ضائها خارج البلد‪،‬‬ ‫انخفا�ض م�ستوى اخلدمات الطالبية‬ ‫من �سكن وطعام وموا�صالت ورعاية‬ ‫طبية‪ ،‬توقف م�رشوعات التطوير يف‬ ‫التعليم العايل �أو �سريها ببطء‪ ،‬تراجع‬ ‫ن�صيب الطالب من الإنفاق‪�...‬إلخ‪.‬‬ ‫ي�سوغ التفكري والبحث يف‬ ‫وهذا ما ّ‬ ‫بدائل متنوعة للتمويل‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 198‬للتنمية الثقافية‬

‫الف�صل الثالث‬ ‫مبادرات يف تنويع التمويل ويف �إقامة الوقفيات اجلامعية‬ ‫ثمة م�شكلة جدية �إذاً يف متويل التعليم‬ ‫العايل يف البلدان العربية املتو�سطة �أو املتدنية‬ ‫الدخل‪ ،‬تنعك�س �سلب ًا وال �شك على نوعيته وتعيق‬ ‫تطويره‪ ،‬ف�ضال عن �أنها تلجم التو�سع يف توفري‬ ‫الفر�ص الدرا�سية يف التعليم العايل احلكومي‪،‬‬ ‫من �أجل ا�ستقبال ذوي الدخل املحدود والطالب‬ ‫املوهوبني‪ ،‬وال�سيما يف متابعة الدرا�سات‬ ‫نتجني‬ ‫العليا‪� .‬إنها‪ ،‬باخت�صار‪ ،‬تنعك�س على ا ُمل َ‬ ‫الب�رشي واملعريف للتعليم العايل‪.‬‬ ‫�صحيح �أن بلدان اخلليج العربي ال تعاين‬ ‫من م�شكلة التمويل هذه‪ ،‬كما تبينّ لنا يف الف�صل‬ ‫بالتو�سع يف الفر�ص‬ ‫ال�سابق‪ ،‬مبا ي�سمح لها‬ ‫ّ‬ ‫الدرا�سية‪ ،‬ومبا يتنا�سب مع الطلب االجتماعي‪،‬‬ ‫�إال �أن جامعاتها تفتقد �إىل تنويع م�صادر‬ ‫التمويل‪ ،‬ال�رضوري لتحقيق اال�ستقاللية‪� .‬أ�ضف‬ ‫�إىل ذلك‪ ،‬بنا ًء على ما ورد يف الف�صل الأول‪،‬‬ ‫�أن اجلامعات احلكومية هنا تخ�ضع‪ ،‬كما يف‬ ‫البلدان العربية الأخرى‪ ،‬للإ�رشاف احلكومي‬ ‫املبا�رش‪ ،‬وهذا ما يجعلها ت�سري �ضمن �آليات‬ ‫الإدارات احلكومية وتفتقر �إىل اال�ستقاللية‬ ‫الإدارية واملالية الكافية لتغليب االعتبارات‬ ‫امل�ؤ�س�سية اجلامعية‪.‬‬ ‫ن�ستعر�ض يف هذا الف�صل البدائل التي‬ ‫توفرها التجربة العربية من �أجل مواجهة‬ ‫ّ‬ ‫م�شكلة النق�ص يف التمويل احلكومي و�أحاديته‪،‬‬ ‫�أو مواجهة قيود الأنظمة الر�سمية للتمويل‬ ‫و�إدارته‪ .‬ون�ص ّنف هذه البدائل يف خم�سة‬

‫�أبواب‪ :‬املعونات الأجنبية‪ ،‬املعونات العربية‪،‬‬ ‫ال�صناديق املحلية واملكرمات احلكومية‪،‬‬ ‫م�ؤ�س�سات الدعم الأهلية‪ ،‬الوقفيات‪ .‬ومعظم‬ ‫املعلومات املعرو�ضة هنا م�ستقاة من و�سائل‬ ‫الإعالم والإنرتنت‪.‬‬

‫�أو ًال‪ :‬املعونات الأجنبية‬

‫مثلها مثل �سائر اجلامعات يف الدول‬ ‫النامية تراهن اجلامعات العربية على تلقي‬ ‫امل�ساعدات من جهات مانحة �أجنبية‪ ،‬من �أجل‬ ‫تنفيذ م�شاريع تطويرية مع ّينة �أو من �أجل تنفيذ‬ ‫عدد من الربامج ذات االهتمام امل�شرتك‪ .‬ولن‬ ‫يكون مبقدورنا م�سح هذه امل�ساعدات ب�سبب‬ ‫تعقد املو�ضوع والعدد الكبري من الأطراف‬ ‫املنخرطة يف مثل هذه امل�ساعدات على‬ ‫املر�سلني وجانب املتلقّني‪.‬‬ ‫اجلانبني‪ ،‬جانب‬ ‫ِ‬ ‫لكننا نقت�رص على بع�ض الإ�شارات التي تبينّ‬ ‫بع�ض �أنواع هذا الدعم و�أ�شكاله‪.‬‬ ‫لعل البنك الدويل من �أكرث الهيئات‬ ‫العاملية �شهرة يف تقدمي الدعم املايل للتعليم‬ ‫على ال�صعيد الدويل‪ .‬ولقد قام خالل ال�سنوات‬ ‫الأخرية بتمويل عدد من م�شاريع تطوير التعليم‬ ‫العايل يف م�رص‪ 1‬وتون�س‪ 2‬واليمن‪ 3‬ولبنان‪،4‬‬ ‫على �سبيل املثال‪ .‬وتتم هذه امل�شاريع عادة‬ ‫من خالل اتفاقيات مع الدول املعنية‪ ،‬تنح�رص‬ ‫يف التعليم احلكومي‪ ،‬وتقوم على القرو�ض‬ ‫بالدرجة الرئي�سية‪.‬‬

‫‪� 1‬أطلق م�رشوع تطوير التعليم العايل ‪ Higher Education Enhancement Project‬يف العام ‪ 2002‬بقر�ض من البنك الدويل‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل‬ ‫متويل جزئي من احلكومة امل�رصية وبع�ض امل�صادر الأخرى (مثال‪ :‬م�ؤ�س�سة هيكلنج الكندية من خالل هيئة املعونة الكندية)‪.‬‬ ‫‪ 2‬برنامج دعم اجلودة‪.‬‬ ‫‪ 3‬م�رشوع التطوير التناف�سي‪ ،‬وم�رشوع تطوير التعليم العايل (املرحلة الثانية)‪ ،‬الذي ح�صلت ب�صدده اليمن على منحة مالية من البنك الدويل‬ ‫قدرها ع�رشة ماليني دوالر‪ ،‬و ‪ 570.000‬دوالر من احلكومة اليابانية‪.‬‬ ‫‪� 4‬شمل امل�رشوع القطاعات الرتبوية الثالثة‪ :‬التعليم العام‪ ،‬التعليم املهني‪ ،‬التعليم العايل‪.‬‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫مبادرات يف تنويع التمويل ويف �إقامة الوقفيات اجلامعية ‪199‬‬

‫‪1‬‬

‫التـعليم‬

‫ومي ّول البنك الدويل واالحتاد الأوروبي‬ ‫م�رشوع التعليم العايل الذي تنفذه وزارة الرتبية‬ ‫والتعليم العايل يف فل�سطني‪ ،‬والذي انطلق يف‬ ‫منت�صف العام ‪ 2005‬ويتوقع انتها�ؤه يف نهاية‬ ‫العام ‪ .1 2009‬ي�شتمل امل�رشوع على «�صندوق‬ ‫أقر م�ؤخرا جمموعة‬ ‫تطوير اجلودة»‪ ،‬الذي � ّ‬ ‫من امل�رشوعات اجلديدة التي تقدمت بها‬ ‫اجلامعات وامل�ؤ�س�سات الأكادميية يف جمال‬ ‫تقنية املعلومات بغية رفع نوعيه التعليم‬ ‫العايل يف فل�سطني وتطويره‪ .‬وقد بلغ عدد‬ ‫هذه امل�رشوعات ‪ 14‬م�رشوع ًا بكلفة �إجمالية‬ ‫حواىل ‪ 2.85‬مليون دوالر �أمريكي موزعة على‬ ‫�ست جامعات و�أربع كليات ‪ .2‬يذكر �أن �صندوق‬ ‫تطوير اجلودة كان قد دعم م�ؤ�س�سات التعليم‬ ‫العايل‪� ،‬ضمن دورتني �سابقتني‪ ،‬لتمويل �ستة‬ ‫ع�رش م�رشوع ًا بقيمة ‪ 3.5‬مليون دوالر وهي‬ ‫حالي ًا يف مرحلة التنفيذ‪ .‬كما �أن ال�صندوق‬ ‫يقوم ب�إدارة ومتابعة ِمنَح تطوير اجلودة والتي‬ ‫تبلغ قيمتها حواىل ‪ 11.5‬مليون دوالر‪ ،‬التي‬ ‫هي �أحد مك ّونات م�رشوع التعليم العايل يف‬ ‫وزارة الرتبية والتعليم العايل‪.‬‬ ‫ويقوم �صندوق التنمية الدويل (‪Int‬‬ ‫‪)ternational Development Fund-IDF‬‬ ‫ب�إقرا�ض الطلبة الفل�سطينيني‪ .‬فقد �أعلن املركز‬ ‫الفل�سطيني لالت�صال والدرا�سات التنموية يف‬ ‫مدينة اخلليل جنوب ال�ضفة الغربية‪ ،‬و�صندوق‬ ‫التنمية الدويل‪ ،‬عن انطالق م�رشوع �إقرا�ض‬ ‫طلبة اجلامعات الفل�سطينية‪ ،‬والهادف �إىل‬ ‫تقدمي القرو�ض للطلبة اجلامعيني يف اجلامعات‬ ‫املحلية من �أجل تخفيف الأعباء املالية على‬ ‫الأ�رس الفقرية‪� .‬سيق ّدم امل�رشوع «قرو�ض ًا كاملة‬ ‫لألف طالب جامعي يف الف�صل الواحد من‬

‫�أبناء الفقراء واملهم�شني داخل املناطق النائية‬ ‫والأكرث فقراً‪ ،‬واملناطق املت�رضرة من بناء جدار‬ ‫الف�صل العن�رصي‪ ،‬و�أبناء العاطلني عن العمل‬ ‫والالجئني‪ ،‬بحيث �سيقوم الطلبة امل�ستفيدون‬ ‫بتق�سيط مبلغ القر�ض للف�صل الدرا�سي الواحد‬ ‫على �ستة �أ�شهر»‪ .‬وهذه القرو�ض بدون فوائد‬ ‫با�ستثناء ر�سوم ت�سجيل الطلب‪ .‬و�سوف يقوم‬ ‫املركز الفل�سطيني بح�سب اتفاقية امل�رشوع‬ ‫بتحديد �أ�سماء امل�ستفيدين من امل�رشوع‬ ‫ومتابعة �سداد القرو�ض‪ ،‬يف حني يقوم �صندوق‬ ‫‪3‬‬ ‫التنمية الدويل بعملية الإقرا�ض‪.‬‬ ‫كما تق ّدم وكالة التنمية الأمريكية (‪Unite‬‬ ‫‪ed States Agency for International De‬‬‫‪ )velopment-USAID‬الدعم للتعليم العايل‬

‫ب�أ�شكال متنوعة‪ .‬وعلى �سبيل املثال ورد‬ ‫يف و�سائل الإعالم �أن الوكالة دفعت �شيكني‬ ‫بقيمة ‪ 2.9‬مليون دوالر �أمريكي لتمويل املنح‬ ‫الدرا�سية للطالب يف اجلامعة الأمريكية يف‬ ‫‪4‬‬ ‫بريوت واجلامعة اللبنانية الأمريكية‪.‬‬ ‫ومن الهيئات الدولية نذكر كذلك برنامج‬ ‫الأمم املتحدة الإمنائي الذي نفّذ م�رشوع ًا‬ ‫لتقييم برامج التعليم العايل وتطوير نظم‬ ‫الإح�صاءات بني العامني ‪ 2001‬و‪ ،2009‬وقد‬ ‫�شاركت يف امل�رشوع ب�صورة �أو �أخرى ‪36‬‬ ‫جامعة عربية يف ‪ 15‬دولة عربية ‪.5‬‬ ‫�أما برنامج تامبو�س (‪Trans Europ‬‬ ‫‪pean Mobility Scheme for University‬‬ ‫‪ ،Studies- TEMPUS) 6‬فقد نفّذ م�رشوعا‬

‫لتقييم نوعية التعاليم العايل يف دول البحر‬ ‫الأبي�ض املتو�سط (‪PROJET EVQUA-‬‬ ‫‪MEDA: ÉVALUATION DE LA QUAL‬‬‫‪� ،)ITE –REGION MEDA‬شمل �سبعة بلدان‬

‫‪http://www.tep.ps/etemplate.php?id=75‬‬

‫‪2‬‬ ‫وكليتا فل�سطني‬ ‫هي جامعة بريزيت و جامعة النجاح وجامعة بيت حلم وجامعة البوليتكنيك واجلامعة الإ�سالمية وجامعة القد�س املفتوحة ّ‬ ‫التقنية للبنات يف كل من رام اهلل ودير البلح بغزة وكلية الرو�ضة بنابل�س وكلية العلوم املهنية والتطبيقية يف غزة‪.‬‬

‫‪http://www.jame3a.com/vb/showthread.php?s=692296b1633316c154ae2eb9266585c3&t=52138 3‬‬ ‫‪ 4‬ن�رشة املجال االلكرتونية‪ ،‬العدد ‪�/46‬شهر‪.2007/7‬‬ ‫‪5‬‬

‫�أنظر مثال حول تقييم برامج الرتبية يف هذه اجلامعات‪:‬‬

‫‪United Nations Development Program-Regional Bureau for Arab States (UNDP-RBAS) (December 2006).‬‬ ‫‪.Quality Assessment of Programmes in the Field of Education in the Arab Universities‬‬ ‫‪http://www.enpi-info.eu/mainmed.php?id=10718&id_type=1 6‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 200‬للتنمية الثقافية‬

‫عربية‪ .‬كما قدم الربنامج م�ساعدات للتعليم‬ ‫العايل يف الأردن حيث مت تطبيق العديد من‬ ‫امل�شاريع امل�شرتكة ‪� .1‬أما يف فل�سطني‪ 2‬فرتجع‬ ‫امل�شاركة الفل�سطينية يف برنامج تامبو�س‬ ‫�إىل العام ‪ 2002‬حني �شارك معظم م�ؤ�س�سات‬ ‫التعليم العايل الفل�سطينية عرب �أحد ع�رش‬ ‫م�رشوع ًا �أوروبي ًا م�شرتك ًا وثالثة �إجراءات‬ ‫هيكلية‪� .‬إ�ضافة �إىل ذلك‪ ،‬مت توفري ‪ 49‬منحة‬ ‫فردية لتغطية نفقات ال�سفر والتنقل �إىل �أ�ساتذة‬ ‫اجلامعات‪ .‬ويف لبنان ثمة العديد من برامج‬ ‫التعاون ما بني اجلامعات اللبنانية واجلامعات‬ ‫الأوروبية يف �إطار برنامج تامبو�س‪.‬‬ ‫ويف هذا ال�سياق نذكر املفو�ضية‬ ‫الأوروبية التي وقّعت متويل م�رشوع تطوير‬ ‫منظومة التعليم العايل يف �سوريا (‪،)2007‬‬ ‫لربنامج مدته �أربع �سنوات ومبيزانية قدرها‬ ‫ع�رشة ماليني يورو‪ .‬كما دعمت املفو�ضية‬ ‫الأوروبية اتفاقية تعاون بني املعهد العايل‬ ‫لإدارة الأعمال يف �سوريا وجامعتي بوردو‬ ‫الرابعة الفرن�سية و�أتونوما بر�شلونة الإ�سبانية‪.‬‬ ‫و مبوجب هذه االتفاقية يح�صل الطالب يف‬ ‫املعهد على �شهادتني‪� :‬شهادة ماج�ستري من‬ ‫املعهد و�شهادة من جامعة بر�شلونة (تقرير‬ ‫�صحايف ن�رش يف ‪� ... 3)2007/10/24‬إلخ‪.‬‬ ‫من الوا�ضح �أن املعونات الأجنبية ت�صب‬ ‫ب�صورة �أ�سا�سية يف م�شاريع تقييم التعليم‬ ‫العايل وتطويره و�إقامة برامج و�شهادات‬ ‫م�شرتكة ويف تقدمي منح بحثية للأ�ساتذة‪،‬‬ ‫وهي تتعلق جميعها بتطوير مكونات النوعية‪،‬‬ ‫ي�ستثنى من ذلك م�رشوع �إقرا�ض طلبة اجلامعات‬ ‫الفل�سطينية‪ .‬وهذه املعونات تغطي اجلامعات‬ ‫احلكومية و‪�/‬أو النظم واخلطط واال�سرتاتيجيات‬ ‫التي ت�ضعها احلكومات لتطوير التعليم العايل‬ ‫يف قطاعاته كافة‪.‬‬ ‫ومما ال�شك فيه �أن البلدان امل�ستفيدة‬ ‫«تطلب» هذه املعونات‪ ،‬لنق�ص يف مواردها‬

‫املالية �أو الب�رشية‪ ،‬و� ّأن اجلهات املانحة‬ ‫«تعر�ض» هذه املعونات‪ .‬من هنا نفهم‬ ‫النقا�ش الذي يدور �أحيان ًا حول مغزى هذه‬ ‫امل�ساعدات‪ .‬املوقف النقدي لها يركز على �أن‬ ‫«العر�ض» تق�صد منه اجلهات املانحة تنفيذ‬ ‫�أجندات ما تفر�ضها �ضمن ًا �أو علن ًا على البلدان‬ ‫امل�ستفيدة‪ ،‬يف حني �أن اجلهات املانحة تف�سرّ‬ ‫امل�ساعدات على �أنها جمرد دعم للأنظمة‬ ‫الوطنية التي تعاين من �صعوبات‪� ،‬ضمن نطاق‬ ‫مبادئها و�سيا�ساتها ويف �إطار التعاون الدويل‬ ‫واال�ستقرار‪.‬‬ ‫ميكن االكتفاء يف هذا ال�سياق مبالحظات‬ ‫ثالث‪ :‬الأوىل �أن احل�صول على دعم خارجي‬ ‫�أعطى البلدان امل�ستفيدة فر�ص ًا لإجراء‬ ‫تعديالت وتطويرات على نظام التعليم العايل‬ ‫مل تكن لتتم لوال ح�صول هذا الدعم‪ .‬وهو‬ ‫�شديد الأهمية للدول ذات املوارد املحدودة �أو‬ ‫الأفقر‪ ،‬ويبقى مهما بالن�سبة للدول املتو�سطة‬ ‫الدخل‪ .‬الثانية‪� ،‬إذا كان تقدمي العون اخلارجي‬ ‫ميثّل حاجة للدول املتلقية ف�إنه �أي�ض ًا يعك�س‬ ‫نزعة الدول واملنظمات املانحة لتقدمي العون‬ ‫لأ�سباب �إن�سانية وعلمية من جهة وذات عالقة‬ ‫بالعوملة ومب�صالح القوى امل�سيطرة عاملي ًا‬ ‫من جهة �أخرى‪ .‬وبالتايل ف�إن اال�ستفادة من‬ ‫هذا الدعم �أمر ن�سبي يتعلق بال�رشوط املرجعية‬ ‫لتقدمي الدعم (وهذا تقع م�س�ؤوليته الكربى على‬ ‫اجلهة املانحة) وب�رشوط «اكت�ساب» نتائج‬ ‫الدعم (وهذا تقع م�س�ؤوليته الكربى على اجلهة‬ ‫امل�ستفيدة)‪ .‬الثالثة‪� ،‬أن امل�شاريع املدعومة‬ ‫هي بال�رضورة م�شاريع حمدودة يف الزمان‬ ‫واملكان والنطاق‪ ،‬وبالتايل ف�إنها ال تع ّو�ض‬ ‫عن النق�ص يف التمويل (والتطوير) �إال ب�صورة‬ ‫م�ؤقتة ومو�ضعية‪ ،‬وهي حتمل غالب ًا خطر �أن‬ ‫يلتهم ال�سياق القائم نتائجها بحيث يحتاج‬ ‫املرء �إىل جهد كبري للتعرف على الأثر الدائم‬ ‫�أو الرا�سخ لأي منها‪ ،‬مبا يعني �أن تطوير نظم‬

‫‪http://www.alghad.jo/index.php/rss/index.php?news=399225 1‬‬ ‫‪http://www.delwbg.ec.europa.eu/ar/whatsnew/n17-7-08.htm 2‬‬ ‫‪http://thawra.alwehda.gov.sy/_print_veiw.asp?FileName=75954518520071023214235 3‬‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫مبادرات يف تنويع التمويل ويف �إقامة الوقفيات اجلامعية ‪201‬‬

‫متويل دائمة ومالئمة وحملية هو يف غاية‬ ‫الأهمية من �أجل ح�صول تطوير فعلي يف �أنظمة‬ ‫التعليم العايل‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬املعونات العربية‬

‫بع�ض هذه املعونات تق ّدمها حكومات‬ ‫عربية وبع�ضها تق ّدمها م�ؤ�س�سات مانحة‪ ،‬وهي‬ ‫ت�أتي يف احلالتني من بلدان اخلليج العربي‪.‬‬

‫هي امل�ساعدات التي تقدمها البلدان‬ ‫العربية الغنية �إىل البلدان الأفقر يف املنطقة‪.‬‬ ‫نكتفي بعدد من الأمثلة امل�ستقاة من الأخبار‬ ‫التي تن�رشها و�سائل الإعالم عن م�ساعدات‬ ‫�سعودية وكويتية وقطرية لليمن وفل�سطني‬ ‫والعراق‪ .‬و�سوف نالحظ �أنها تختلف يف‬ ‫توجهاتها عن تلك التي تركز عليها امل�ساعدات‬ ‫الأجنبية‪.‬‬

‫امل�ساعدات ال�سعودية‬

‫ن�رشت و�سائل الإعالم �أن وزير التعليم‬ ‫العايل والبحث العلمي اليمني «�أ�شاد مبا تق ّدمه‬ ‫دعم للجمهورية‬ ‫اململكة العربية ال�سعودية من ٍ‬ ‫اليمنية يف جمال التعليم العايل والبحث‬ ‫العلمي من خالل تقدمي منح درا�سية جامعية‬ ‫يف خمتلف التخ�ص�صات»‪ .‬و�أو�ضح �أنها «تق ّدم‬ ‫يف كل عام ما بني ‪� 450‬إىل ‪ 500‬منحة درا�سية‬ ‫و يوجد يف جامعة امللك عبد العزيز بجده‬ ‫وحدها ‪ 1200‬طالب وطالبة مينية» ‪.1‬‬ ‫ويف خرب �آخر وجه فل�سطينيون ال�شكر �إىل‬ ‫اللجنة ال�سعودية لدعم انتفا�ضة القد�س على‬ ‫امل�ساعدات التي ق ّدمتها اللجنة للتعليم العايل‬ ‫يف فل�سطني (�إطار ‪.)1-3‬‬

‫امل�ساعدات الكويتية‬

‫بلغ حجم امل�ساعدات التي ق ّدمها ال�صندوق‬ ‫العربي للإمناء االقت�صادي واالجتماعي (وهو‬

‫قال الدكتور داوود الزعرتي‬ ‫رئي�س جامعة بوليتكنيك فل�سطني‬ ‫يف اخلليل �إن املعونات ال�سعودية‬ ‫ت�ساعد يف �إنقاذ التعليم العايل‬ ‫الفل�سطيني‪ .‬و�أ�ضاف‪ :‬علمنا �أن‬ ‫اللجنة ال�سعودية لدعم انتفا�ضة‬ ‫القد�س �ستق ّدم مائتي �ألف دوالر‬ ‫لكل جامعة فل�سطينية ع�ضو يف‬ ‫وزارة التعليم العايل الفل�سطيني‪،‬‬ ‫وتلقينا هذا اخلرب بكل �رسور‪ ،‬كما‬ ‫علمنا �أن اللجنة �ستقدم م�ساعدات‬ ‫للطلبة املحتاجني يف العامني‬ ‫الأخريين يف درا�ستهم ت�صل �إىل‬ ‫‪ %50‬من الر�سوم‪ .‬و�أو�ضح الدكتور‬ ‫الزعرتي �أن قرابة ‪ %40‬من‬ ‫طلبة جامعة بوليتكنيك فل�سطني‬

‫�سي�ستفيدون من هذه امل�ساعدة‬ ‫ملدة عام درا�سي‪.‬‬ ‫وقال نعيم الداعور م�س�ؤول‬ ‫العالقات العامة يف جامعة‬ ‫اخلليل �أن دعم اللجنة ال�سعودية‬ ‫ي�سهم ب�شكل ف ّعال يف �إخراج‬ ‫جامعة اخلليل من �أزمتها املالية‬ ‫التي تعاين منها ب�سبب الظروف‬ ‫الراهنة‪ .‬و�أ�ضاف‪ :‬ق ّدمنا �أ�سماء‬ ‫قرابة �أربعة �آالف طالب وطالبة‬ ‫من ال�سنتني الثالثة والرابعة للّجنة‬ ‫ال�سعودية مل�ساعدتهم بـ‪ %50‬من‬ ‫الق�سط‪ ،‬وننتظر املوافقة عليها‬ ‫خالل الأ�سبوعني القادمني‪( .‬اليوم‬ ‫‪2‬‬ ‫الإلكرتوين‪.)2002/8/4 ،‬‬

‫�صندوق كويتي حكومي) لفل�سطني ‪ 240‬مليون‬ ‫دوالر منذ بداية عمل ال�صندوق يف فل�سطني‪،‬‬ ‫منها ‪ 160‬مليون دوالر منذ بداية انتفا�ضة‬ ‫الأق�صى عام ‪ .2000‬ويف العام ‪ 2001‬اعتمد‬ ‫ال�صندوق برناجم ًا حتت م�سمى «برنامج‬ ‫الدعم العاجل لل�شعب الفل�سطيني»‪ .‬وبلغ جممل‬ ‫االلتزامات التي نفّذها ال�صندوق على خم�س‬ ‫مراحل يف �إطار هذا الربنامج حواىل ‪50‬‬ ‫مليون دينار كويتي �أي ما يعادل ‪ 160‬مليون‬ ‫وخ�ص�صت هذه املبالغ يف جمملها‬ ‫دوالر‪ُ .‬‬ ‫لدعم اجلامعات وامل�ؤ�س�سات التعليمية ودعم‬ ‫اجلمعيات وامل�ؤ�س�سات الأهلية ودعم القطاع‬ ‫ال�صناعي والزراعي وتطوير الريف والآبار‬ ‫و�شبكات املياه‪ .‬وحتظى اجلامعات والكليات‬ ‫الفل�سطينية كافة بدعم ال�صندوق العربي‪،‬‬ ‫ويرتاوح حجم هذا الدعم �سنويا بني ‪10-12‬‬ ‫مليون دوالر‪� ،‬أما �إذا جمعنا هذا الدعم مع‬

‫‪http://www.iayemen.org/news.asp?id=287 1‬‬ ‫‪http://www.alyaum.com/issue/article.php?IN=10642&I=7585&G=1 2‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫التـعليم‬

‫املعونات العربية احلكومية‬

‫�إطار ‪ 1-3‬فل�سطينيون ي�شكرون جلنة االنتفا�ضة وال�شعب ال�سعودي‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 202‬للتنمية الثقافية‬

‫تن�سق م�شاريعها‬ ‫دعم امل�ؤ�س�سات العربية التي ّ‬ ‫بالتعاون معه فيبلغ حواىل ‪ 20‬مليون دوالر‬ ‫�سنوي ًا ‪.1‬‬

‫امل�ساعدات القطرية‬

‫بتاريخ ‪ 2009/2/1‬ن�رشت و�سائل الإعالم‬ ‫خرباً مفاده �أن ال�شيخة موزة بنت نا�رص امل�سند‬ ‫رئي�سة جمل�س �إدارة م�ؤ�س�سة قطر للرتبية‬ ‫والعلوم وتنمية املجتمع �أعلنت عن ت�أ�سي�س‬ ‫وقفية الفاخورة بر�أ�سمال قدره ‪ 200‬مليون‬ ‫دوالر بهدف �إعادة ت�أهيل املنظومة التعليمية‬ ‫يف قطاع غزة‪ .‬وقد ت ّربعت بن�صف هذه الوقفية‬ ‫على �أن يت ّم حت�صيل الن�صف املتبقي من املبلغ‬ ‫عرب حملة التربعات‪ .‬وقد و�صلت قيمة التربعات‬ ‫يف التاريخ املذكور �إىل ‪ 398,763,286‬ريا ًال‬ ‫قطري ًا ‪ 109.5( 2‬مليون دوالر)‪.‬‬ ‫ويف م�ؤمتر �صحفي جمع امل�شاركني يف‬ ‫ندوة باري�س �أعلن جورج حداد‪ ،‬م�س�ؤول برنامج‬ ‫املنحة الدولية لإنعا�ش التعليم العايل يف‬ ‫العراق‪ ،‬عن زيادة املبلغ املق ّدم من قطر‪ ،‬و�شكر‬ ‫وكيل وزارة التعليم العايل يف العراق دولة قطر‬ ‫التي جاءت منها مبادرة دعم التعليم العايل‬ ‫يف العراق‪ ،‬مو�ضحا �أن التنفيذ قليل بالقيا�س‬ ‫�إىل املنحة‪ ،‬فمن جمموع ‪ 500‬زمالة درا�سية‬ ‫هناك ‪ 75‬نفذت حتى الآن ‪.3‬‬ ‫ويف اليمن ن�رشت و�سائل الإعالم �أن وزارة‬ ‫التعليم العايل والبحث العلمي ت�سلمت املنحة‬ ‫املالية ال�سنوية لدعم الطالب املبتعثني للدرا�سة‬ ‫يف اخلارج من دولة قطر‪ .‬ويف لقاء جمع وزير‬ ‫التعليم العايل والبحث العلمي يف اليمن و�سفري‬ ‫دولة قطر ب�صنعاء‪ ،‬الذي ق ّدم مبلغ ‪� 600‬ألف‬ ‫دوالر كمنحة للمبتعثني للدرا�سة يف اخلارج‪،‬‬ ‫ناق�ش الوزير مع ال�سفري �إمكانية م�ساهمة دولة‬ ‫قطر يف ا�ستيعاب الطلبة املتفوقني من �أبناء‬

‫اليمنيني املغرتبني يف قطر يف اجلامعات‬ ‫‪4‬‬ ‫القطرية‪.‬‬ ‫ويف هذا ال�سياق نذكر �أي�ض ًا �صندوق دعم‬ ‫اجلامعات الفل�سطينية الذي ت�أ�س�س يف العام‬ ‫‪ 1992‬مبوجب قرارات جمل�س احتاد اجلامعات‬ ‫العربية‪ ،‬وير�أ�س جمل�س �إدارته رئي�س اجلامعة‬ ‫الأردنية وي�ضم يف ع�ضويته ر�ؤ�ساء جامعات‬ ‫الريموك والنجاح الوطنية وبريزيت والأمني‬ ‫العام امل�ساعد الحتاد اجلامعات العربية‪ ،‬ويبلغ‬ ‫عدد اجلامعات الفل�سطينية التي تتلقى دعم ًا‬ ‫مالي ًا من ال�صندوق حالي ًا ع�رش جامعات ‪.5‬‬

‫امل�ؤ�س�سات العربية املانحة‬ ‫م�ؤ�س�سة الوليد بن طالل‬

‫مير يوم يف و�سائل الإعالم‬ ‫يكاد ال ّ‬ ‫اللبنانية �إال ويكون هناك خرب عن م�ساعدة‬ ‫ق ّدمتها م�ؤ�س�سة الوليد بن طالل اخلريية لبلدية‪،‬‬ ‫�أو م�ؤ�س�سة �صحية‪� ،‬أو جمعية �أهلية‪� ،‬أو م�ؤ�س�سة‬ ‫تربوية (خا�صة �أو ر�سمية) للتعليم العام �أو‬ ‫العايل‪.‬‬ ‫مت احل�صول عليها من‬ ‫وتبينّ الالئحة التي ّ‬ ‫امل�ؤ�س�سة (�إطار ‪� )2-3‬أن هذه امل�ساعدات ت�شمل‬ ‫خمتلف اجلامعات‪ ،‬و�أنها مركزة على البنى‬ ‫التحتية من �أبنية وقاعات وخمتربات وغريها‪.‬‬ ‫وهي من هذه اجلهة تختلف عن امل�ساعدات‬ ‫التي قدمتها امل�ؤ�س�سة �إىل عدد من اجلامعات‬ ‫خارج العامل العربي‪ ،‬والتي تتعلق ب�إن�شاء �أو‬ ‫دعم برامج درا�سات و�أبحاث عربية و�إ�سالمية‬ ‫والتفاهم بني احل�ضارات‪ .‬على �أنه ت�ستفيد من‬ ‫هذا النوع الثاين من امل�ساعدات اجلامعات‬ ‫العربية ذات االمتدادات الأمريكية والأوروبية‬ ‫كاجلامعتني الأمريكيتني يف بريوت والقاهرة‬ ‫واجلامعة اللبنانية الأمريكية وجامعة القد ّي�س‬ ‫يو�سف (اجلامعة الي�سوع ّية) يف لبنان ‪.6‬‬

‫‪http://www.insanonline.net/news_details.php?id=2354 1‬‬ ‫‪http://www.mofa.gov.qa/localnews.cfm?newsid=1&selected_date=01/02/2009 2‬‬ ‫‪ 3‬جريدة ال�رشق الأو�سط (يف ‪:)2005/2/25‬‬ ‫‪http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=284885&issueno=9586‬‬ ‫‪http://www.al-yemen.org/vb/showthread.php?t=213185 4‬‬ ‫‪http://forum.sh3bwah.maktoob.com/t179380.html 5‬‬ ‫‪� 6‬أنظر حول امل�ساعدة التي ق ّدمت للجامعة الأمريكية يف القاهرة‪http://www.aljazeera.net/art_culture/2003/1/1-29-7.htm :‬‬ ‫وجلامعة كمربيدج‪http://www.aleqt.com/2009/01/27/article_189278.html :‬‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫مبادرات يف تنويع التمويل ويف �إقامة الوقفيات اجلامعية ‪203‬‬

‫م�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم‬

‫�إطار ‪ 2-3‬م�ساعدات م�ؤ�س�سة الوليد بن طالل منذ ت�أ�سي�سها للجامعات يف‬ ‫‪2‬‬ ‫لبنان‬ ‫اجلامعة الأمريكية يف بريوت‪:‬‬ ‫ت�أهيل قاعة املحا�رضات يف كلية‬ ‫ال�صحة العامة وجتهيزها جتهيزاً‬ ‫كامالً‪ ،‬امل�ساهمة يف ت�أهيل مركز‬ ‫التدريب ال�صحي‪ ،‬دعم �صندوق‬ ‫املنح الدرا�سية املخ�ص�صة للطالب‬ ‫املتفوقني واملحتاجني‪ ،‬جتهيز �أول‬ ‫خمترب لتخطيط الدماغ والأع�صاب‬ ‫والع�ضالت واحلوا�س يف لبنان يف‬ ‫املركز الطبي يف اجلامعة‪.‬‬ ‫اجلامعة اللبنانية ‪:‬‬ ‫كلية العلوم (الفرع الثاين)‪ :‬ت�أهيل‬ ‫وجتهيز خمترب التحاليل الكيميائية‪-‬‬ ‫تقنيات طيفية وتغطية نفقات‬ ‫ا�ستقدام ‪ 30‬باحثًا فرن�س ًيا للم�ساعدة‬ ‫يف ت�شغيل املخترب‪ .‬كلية ال�صحة يف‬ ‫احلدث‪ :‬خمترب التحليالت الطبية‪.‬‬ ‫كلية �إدارة الأعمال واالقت�صاد يف‬ ‫كرم الزيتون‪ :‬خمترب املعلوماتية الذي‬ ‫�سيوظف للأبحاث العلمية وملراحل‬ ‫التخ�ص�ص العليا املرتبط باملكتبة‬ ‫العامة التي �أعيد ت�أهيلها وجتهيزها‪،‬‬ ‫والذي �سيوظف للأبحاث العلمية‬ ‫وملراحل التخ�ص�ص العليا‪ .‬كلية‬ ‫الزراعة يف الدكوانة‪ :‬ت�أهيل وجتهيز‬ ‫املكتب املخ�ص�ص ل�ش�ؤون الطالب‬ ‫ومركز �ضخم يحمل ا�سم الوليد بن‬ ‫ي�ضم م�رسحني للمحا�رضات‬ ‫طالل و ّ‬ ‫والندوات وقاعة لالمتحانات حتمل‬ ‫ا�سم الرئي�س ريا�ض ال�صلح‬ ‫وي�ضم‬ ‫ّ‬

‫ثالث ًا‪ :‬ال�صناديق املحلية واملكرمات‬

‫ن�ضع هذين النوعني من املعونة للتعليم‬ ‫العايل مع ًا لأنهما‪ ،‬كما �سرنى‪ ،‬يحمالن غالب ًا‬ ‫طابع ًا حكومي ًا‪ .‬هما ظاهراً من خارج املوازنة‬ ‫ولكنهما عملي ًا جزء من الإنفاق احلكومي‪ ،‬ولوال‬ ‫ظاهرهما هذا‪ ،‬وبع�ض اال�ستثناءات‪ ،‬ملا �أدرجا‬ ‫يف هذا الف�صل‪� ،‬أي يف باب مبادرات الدعم‪،‬‬ ‫التي يجمعها �أنها خارج الإنفاق احلكومي‪.‬‬

‫ال�صناديق املحلية‬ ‫• �صندوق دعم البحث العلمي (الأردن)‬

‫مت �إن�شاء هذا ال�صندوق ا�ستناداً �إىل املادة‬ ‫رقم (‪ )13‬من قانون التعليم العايل والبحث‬ ‫العلمي رقم (‪ )4‬ل�سنة ‪ 2005‬وتعديالته‪.‬‬ ‫وتتك ّون املوارد املالية لل�صندوق يف معظمها‬ ‫من ن�سبة ‪ %1‬من �صايف الأرباح ال�سنوية‬

‫خم�ص�ص ًا لإقامة املعار�ض‬ ‫مكان ًا‬ ‫ّ‬ ‫املتحركة و�آخر لال�ستقبال‪ .‬ا�ستحداث‬ ‫مركز للتوثيق واملعلومات و�آخر‬ ‫للإعالم وال�صحافة با�سم علياء‬ ‫ريا�ض ال�صلح يف كلية الإعالم يف‬ ‫اجلامعة اللبنانية بفرعيها الأول يف‬ ‫اليون�سكو والثاين يف الفنار‪.‬‬ ‫اجلامعة اللبنانية الأمريكية يف‬ ‫بريوت‪ :‬ا�ستحداث طريق دائري‬ ‫حلرم اجلامعة لربط احلرم الرئي�سي‬ ‫باملبنيني اجلديدين لكلية �إدارة‬ ‫الأعمال واملكتبة العامة‪ ،‬وذلك‬ ‫بهدف تو�سيع حرم اجلامعة من‬ ‫ناحية واحلفاظ على ال�سالمة العامة‬ ‫لتنقل الطالب والأ�ساتذة واملوظفني‬ ‫بني املبنيني من ناحية �أخرى‪� .‬إن�شاء‬ ‫م�رشوع «الوليد» بال�رشاكة بني‬ ‫م�ؤ�س�سة الوليد بن طالل الإن�سانية‬ ‫واجلامعة اللبنانية الأمريكية بهدف‬ ‫تدريب طالب املدار�س الثانوية‬ ‫الر�سمية واخلا�صة ومن خمتلف‬ ‫املناطق اللبنانية حول منوذج الأمم‬ ‫املتحدة‪.‬‬ ‫جامعة �سيدة اللويزة (‪ ،)...‬جامعة‬ ‫القدي�س يو�سف (‪ ،)...‬جامعة‬ ‫هايكازيان (‪ ،)...‬اجلامعة الأمريكية‬ ‫للعلوم والتكنولوجيا يف زحلة (‪،)...‬‬ ‫جامعة اجلنان يف طرابل�س (‪،)...‬‬ ‫جامعة املنار يف طرابل�س‪.‬‬

‫لل�رشكات امل�ساهمة العامة‪ .‬ويتم ّتع ال�صندوق‬ ‫باال�ستقالل املايل والإداري و يرت�أ�س جمل�س‬ ‫�إدارته وزير التعليم العايل والبحث العلمي‪.‬‬ ‫ويحق لل�صندوق ت�سجيل امللكية الفكرية‬ ‫وبراءات االخرتاع للأبحاث العلمية التي يت ّم‬ ‫متويلها من ال�صندوق ‪.3‬‬

‫‪http://www.mbrfoundation.ae/Arabic/Knowledge/Pages/Fellows.aspx 1‬‬ ‫‪2‬‬

‫امل�صدر‪ :‬م�ؤ�س�سة الوليد بن طالل الإن�سانية‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫‪http://www.srf.gov.jo/Fund/fund1/tabid/60/Default.aspx 3‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫التـعليم‬

‫يف حني تر ّكز م�ؤ�س�سة الوليد بن طالل‬ ‫على تطوير البنى التحتية للجامعات املحلية‬ ‫(النوعية) ف�إن م�ؤ�س�سة حممد بن را�شد املكتوم‬ ‫تركّز على توفري املنح الدرا�سية يف اخلارج‬ ‫للطالب املتميزين (الفر�ص الدرا�سية)‪ ،‬وذلك‬ ‫�ضمن برنامج حممد بن را�شد �آل مكتوم‬ ‫للبعثات‪ .‬ويهدف هذا الربنامج �إىل «ا�ستثمار‬ ‫الإمكانات الواعدة للطالب املتميزين‬ ‫وتطويرها يف الوطن العربي‪ ،‬عرب ابتعاثهم‬ ‫للح�صول على �شهادة املاج�ستري يف �إدارة‬ ‫الأعمال‪ ،‬والإدارة العامة‪ ،‬وال�سيا�سة العامة‪،‬‬ ‫واملالية‪ ،‬من �أرقى اجلامعات العاملية‪ .‬وتغطي‬ ‫املنحة التكاليف املالية املتعلقة بر�سوم‬ ‫الدرا�سة كافة‪ ،‬واخلدمات اجلامعية‪ ،‬والكتب‪،‬‬ ‫وال�سكن‪ ،‬وامل�رصوف ال�شهري‪ ،‬وتذكرة �سفر‬ ‫�سنوية للدار�س طوال فرتة االبتعاث» ‪.1‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 204‬للتنمية الثقافية‬

‫• �صندوق دعم البحث العلمي (�سوريا)‬

‫هو �صندوق عام �أي�ض ًا �أقر بتاريخ‬ ‫‪ 2009/7/2‬لي�ضطلع مبهمة متويل امل�شاريع‬ ‫البحثية بالتعاون ما بني ال�رشكات واجلامعات‬ ‫ال�سورية والهيئات واملراكز البحثية احلكومية‬ ‫والهيئات العربية واملنظمات الدولية ‪.1‬‬

‫• �صندوق دعم الطالب اجلامعي (الأردن)‬

‫هو �صندوق عام �أي�ض ًا‪ .‬فقد «�أعلن الأمني‬ ‫العام لوزارة التعليم العايل والبحث العلمي‬ ‫الدكتور تركي عبيدات عن �شمول �صندوق دعم‬ ‫الطالب اجلامعي للعام احلايل ‪2008 - 2007‬‬ ‫نحو ‪� 12‬ألف طالب وطالبة �أي بزيادة نحو‬ ‫�ألف طالب عن العام املا�ضي ‪ ،‬مب ّينا �أن عدد‬ ‫الطلبات التي قدمت لل�صندوق العام احلايل‬ ‫نحو ‪� 25‬ألف طلب‪ .‬ودعا عبيدات القطاع‬ ‫اخلا�ص والبنوك و�أ�صحاب ر�ؤو�س الأموال �إىل‬ ‫الإ�سهام يف ال�صندوق الذي ازدادت ن�سبة الطلبة‬ ‫املحتاجني لال�ستفادة من منحه وقرو�ضه‪،‬‬ ‫حيث �إن لأي طالب احلق با�ستكمال درا�سته‬ ‫اجلامعية وفق ظروف مريحة‪ ،‬ومي�رسة»‬ ‫(‪ .2 )2009/9/27‬ويف خرب �سابق (‪)2009/4/12‬‬ ‫قيل �إن عدد امل�ستفيدين هو ‪� 18‬ألفا ‪ ،3‬ويف �آخر‬ ‫(‪� )2009/3/16‬إنهم ‪� 20‬ألفا (�إطار ‪.4)5-3‬‬

‫• �صندوق عبد احلميد �شومان لدعم‬ ‫البحث العلمي (الأردن)‬

‫�أن�شئ هذا ال�صندوق يف العام ‪ .1999‬وهو‬ ‫غري حكومي‪ .‬يهدف ال�صندوق �إىل دعم البحث‬ ‫العلمي وت�شجيعه يف اجلامعات وامل�ؤ�س�سات‬

‫واملراكز العلمية الأردنية‪ ،‬على �أن تكون هذه‬ ‫الأبحاث العلمية املر�شحة للدعم مندرجة‬ ‫�ضمن الأولويات الوطنية للبحث العلمي‬ ‫ومتفقة مع �سيا�سة وتوجهات امل�ؤ�س�سة يف‬ ‫الدعم العلمي‪ .‬وتق�ضي تعليمات ال�صندوق ب�أن‬ ‫تقدم طلبات دعم م�رشوعات الأبحاث العلمية‬ ‫�إىل ال�صندوق بعد تقييمها من اجلهة التي يعمل‬ ‫بها الباحث‪.5‬‬

‫• �صندوق �أبو ظبي للتنمية (الإمارات‬ ‫العربية املتحدة)‬

‫يق ّدم هذا ال�صندوق «القرو�ض املي�رسة‬ ‫ومنح متويل امل�شاريع التي ترتبط بربامج‬ ‫التنمية‪ ،‬بجانب تطوير القطاعات اجلديدة‬ ‫وم�شاريع البنية التحتية للخدمات‪ ،‬كم�شاريع‬ ‫الكهرباء واملياه والنقل واملوا�صالت وال�صحة‬ ‫والزراعة والتعليم»‪ .‬وقد وقّع ال�صندوق م�ؤخراً‬ ‫مذكرة تفاهم مع جامعة الإمارات العربية‬ ‫ن�صت على �إيجاد فر�ص التدريب‬ ‫امل ّتحدة ّ‬ ‫للطلبة‪ ،‬و�إحلاق اخلريجني يف جماالت العمل‬ ‫املختلفة‪� ،‬إ�ضافة �إىل تقدمي الدعم والتمويل‬ ‫لتغطية خمتلف الأن�شطة الطالبية‪ ،‬داخل الدولة‬ ‫وخارجها‪.6‬‬

‫• ال�صندوق القومي لرعاية الطالب‬ ‫(ال�سودان)‬

‫�أن�شئ هذا ال�صندوق بقرار جمهوري يف‬ ‫�أيلول‪�/‬سبتمرب عام ‪ .1991‬وهو يهدف �إىل تقدمي‬ ‫العون للطالب غري القادرين على �إكمال درا�ستهم‬ ‫‪7‬‬ ‫اجلامعية‪ ،‬وال�صندوق �رشاكة بني الدولة‬

‫‪ 1‬حمطة �أخبار �سورية ‪Syrian News Station-SNS: http://sns.sy/sns/?path=news/read/2819‬‬ ‫‪� 2‬صحيفة الد�ستور‪http://www.addustour.com/ViewTopic.aspx?ac=%5CLocalAndGover%5C2008%5C01%5CLocalAndGover_issue90_day09_ :‬‬ ‫‪id16602.htm‬‬ ‫‪http://www.addustour.com/ViewTopic.aspx?ac=/LocalAndGover/2009/04/LocalAndGover_issue552_day12_id132206.htm 3‬‬ ‫‪http://www.manbaralrai.com/?q=node/28846 4‬‬ ‫‪http://www.shoman.org/ar/sci_research.aspx 5‬‬ ‫‪http://www.alrroya.com/node/12421 6‬‬

‫‪ 7‬يقول التحقيق الذي ا�ستقيت منه هذه املعلومات على ل�سان مدير ال�صندوق �أننا « وفرنا عمالت �صعبة بوا�سطة متزيق «�إلغاء» فاتورة الطالب الذين كانوا يدر�سون خارج ال�سودان‬ ‫ب�أعداد كبرية على ح�ساب الدولة»‪� .‬صحيفة الو�سط االقت�صادي (‪:)2009/7/21‬‬ ‫‪http://www.wasat.sd/index.php?option=com_content&view=article&id=1728:2009-06-21-06-14-05&catid=7:2009-03-12-13-02-15&Item‬‬‫‪id=25‬‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫مبادرات يف تنويع التمويل ويف �إقامة الوقفيات اجلامعية ‪205‬‬

‫• �صندوق التعليم اجلامعي (ال�سعودية)‬

‫هو �صندوق حكومي �أي�ض ًا‪ ،‬يغطي ‪ %50‬من‬ ‫ر�سم التعليم املوازي يف اجلامعات احلكومية‬ ‫ال�سعودية‪ ،‬يف حني يتحمل الطالب الـ ‪%50‬‬ ‫الباقية‪ .‬ويف خرب ن�رش بتاريخ ‪� 2008/10/7‬أنه‬ ‫�صدرت �إرادة ملكية ب�إعفاء الطالب من ر�سوم‬ ‫التعليم املوازي لذلك العام‪ ،‬وقد ر ّدت اجلامعات‬ ‫ما كانت قد تقا�ضته من الطالب ‪.2‬‬

‫• �صندوق احل�سني للإبداع والتفوق‬ ‫(الأردن)‬

‫�أن�شئ هذا ال�صندوق مببادرة من ‪25‬‬ ‫م�رصف ًا وم�ؤ�س�سة مالية عاملة يف الأردن‪.‬‬

‫التـعليم‬

‫واملجتمع‪ .‬وت�شمل خدمات ال�صندوق ال�سكن‬ ‫والرعاية ال�صحية ‪ 1‬واالجتماعية وغريها من‬ ‫اخلدمات‪ .‬وقد �أ�سهم ال�صندوق يف �إقامة مدن‬ ‫جامعية يف الواليات ي�سكنها �أكرث من ‪150‬‬ ‫�ألف طالب وطالبة‪ ،‬حتى نهاية العام ‪،2008‬‬ ‫الأمر الذي �س ّهل التحاق الكثريين باجلامعات‬ ‫وبخا�صة الإناث منهم‪ ،‬وح ّد من الهجرة من‬ ‫الريف �إىل املدن‪ .‬ويتقا�ضى ك ّل من ه�ؤالء‬ ‫الطالب معونة �شهرية مقدارها ‪ 150‬جنيه ًا‬ ‫(‪ 61‬دوالراً)‪ ،‬وي�سكن من دون ر�سوم ويتمتع‬ ‫بت�أمني �صحي‪ .‬وهناك كفالة ثابتة لأ�صحاب‬ ‫الأمرا�ض املزمنة والدائمة ومعاينات للطالب‬ ‫من �أ�صحاب الإعاقة‪ .‬ويتم ال�رصف على‬ ‫الطالب حتى التخرج‪ ،‬مبا يف ذلك ال�رصف على‬ ‫ترحيلهم‪ .‬ويق ّدم ال�صندوق للطالب املتفوقني‬ ‫�إعانة �شهرية �إ�ضافية مببلغ ‪ 75‬جنيه ًا كنوع‬ ‫من التحفيز‪ .‬وقد بلغ عدد الطالب املكفولني‬ ‫حتى نهاية العام ‪� 2008‬أكرث من ‪� 100‬ألف طالب‬ ‫وطالبة على م�ستوى ال�سودان‪.‬‬

‫وقد �أقرت الهيئة العامة لل�صندوق املوازنة‬ ‫التقديرية لعام ‪ 2008‬بقيمة ‪ 6‬ماليني دينار‬ ‫(‪ 8,5‬ماليني دوالر �أمريكي)‪ ،‬و�أو�صت برفع‬ ‫ر�أ�سمال ال�صندوق لي�صل �إىل ‪ 10‬ماليني دينار‬ ‫(‪ 14,12‬مليون دوالر) على �أن تخ�ص�ص هذه‬ ‫الزيادة لدعم الطالب الفقري والإنفاق على‬ ‫البحث العلمي ‪ .3‬ومي ّول ال�صندوق برامج تهدف‬ ‫�إىل قيا�س النوعية وحت�سينها يف اجلامعات‬ ‫الأردنية كما يق ّدم جوائز للجامعات الفائزة يف‬ ‫مباريات تتم على امل�ستوى الوطني‪ .‬و�أ�صبح‬ ‫من ال�شائع يف الأردن �أن ت�سارع اجلامعات‬ ‫�إىل و�ضع �إعالنات ون�رش الأخبار عن فوزها‬ ‫بجائزة ال�صندوق �أو بغريها من املباريات‪.‬‬

‫املكرمات‬

‫هي م�ساعدات يق ّدمها احلكام عادة‬ ‫مل�ساعدة الطالب وبخا�صة �أبناء فئات الدخل‬ ‫املحدود لتي�سري التحاقهم بالتعليم العايل‪.‬‬ ‫ونقت�رص هنا على �شواهد من بلدين اثنني‬ ‫(الأردن وال�سعودية)‪ .‬واجلدير ذكره �أن تعبري‬ ‫تو�سع ا�ستعماله م� ّؤخراً يف عدد من‬ ‫«مكرمة» ّ‬ ‫البلدان العربية و�صار ي�ستعمل لو�صف القرارات‬ ‫التي يتخذها احلاكم (الرئي�س‪ ،‬امللك) �أكان ذلك‬ ‫يتعلق ب�إعطاء رخ�صة جلامعة خا�صة �أم لإقرار‬ ‫زيادة على رواتب �أ�ساتذة اجلامعة‪.‬‬

‫اململكة العربية ال�سعودية‬

‫ن�رشت و�سائل الإعالم يف‬ ‫ت�رصيح ًا لوزير التعليم العايل يف اململكة‬ ‫�أن هناك مكرمة ملكية جلميع املبتعثني �إىل‬ ‫اخلارج بزيادة ‪ %50‬على املكاف�أة ال�شهرية‬ ‫لهم‪ ،‬و�أن هذه املكرمة ت�أتي بعد مكرمة‬ ‫�سابقة‪ ،‬قبل عامني‪ ،‬بزيادة املكاف�أة بن�سبة‬

‫‪2008/11/15‬‬

‫‪« 1‬يق ّدم ال�صندوق عدة خدمات يف جمال الرعاية ال�صحية تتمثل يف التثقيف ال�صحي للطالب عن طريق املطبقات واملحا�رضات ال�صحية‬ ‫وتوفري الإمداد الكايف ملياه ال�رشب النقية والعمل على الإ�صحاح الأ�سا�سي للبيئة واالهتمام بنظافة البيئة ال�سكنية عن طريق التعاقد مع‬ ‫�رشكات متخ�ص�صة يف النظافة ومكافحة احل�رشات والقيام بحمالت التطعيم وااللتزام بكل م�صاريف عالج الطالب امل�صابني بالأمرا�ض‬ ‫املزمنة مثل ال�سكري والف�شل الكلوي عن طريق تقدمي العالج ب�صورة م�ستمرة حتى التخرج من اجلامعة» (املرجع نف�سه)‪.‬‬

‫‪http://aswaqweb.net/vb/s-74237.html, http://www.bentvip.com/389046-post1.html 2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪http://www.addustour.com/PrintTopic.aspx?ac=%5CEconomy%5C2008%5C04%5CEconomy_iss‬‬ ‫‪sue185_day10_id41125.htm‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 206‬للتنمية الثقافية‬

‫لريتفع العدد من ‪� 300‬إىل ‪ 350‬مقعداً لهم‬ ‫اعتباراً من العام اجلامعي ‪.4 2009/2008‬‬

‫‪ .1 %51‬ويف خرب �آخر �أن «امللحقية الثقافية‬ ‫ال�سعودية يف م�رص بد�أت ب�رصف املكرمة التي‬ ‫تف�ضل بها الأمري �سلطان بن عبد العزيز ويل‬ ‫ّ‬ ‫العهد نائب رئي�س جمل�س الوزراء وزير الدفاع‬ ‫والطريان واملفت�ش العام وقدرها خم�سة ماليني‬ ‫دوالر تخ�ص�ص لر�سوم الدار�سني على ح�سابهم‬ ‫اخلا�ص من الطلبة ال�سعوديني يف اجلامعات‬ ‫امل�رصية وفق املعايري التي حددتها وزارة‬ ‫التعليم العايل يف اململكة» ‪.2‬‬

‫مل نقع �إال على مثالني من هذا النوع يف‬ ‫لبنان فقط‪ .‬وكما �سنالحظ ف�إن واحدة من‬ ‫امل�ؤ�س�ستني ق ّدمت الدعم مرة واحدة جلامعة‬ ‫واحدة‪ ،‬فيما امل�ؤ�س�سة الثانية ق ّدمت الدعم‬ ‫خالل فرتة زمنية �سابقة (‪.)1997-1979‬‬

‫الأردن‬

‫جمعية العزم وال�سعادة (لبنان)‬

‫ن�رشت و�سائل الإعالم يف ‪ 2007/11/8‬ب�أن‬ ‫جمل�س التعليم العايل �أقر زيادة ‪ 50‬مقعداً على‬ ‫عدد مقاعد املكرمة امللكية لأبناء املخيمات‬ ‫�إطار ‪ 3-3‬جمعية العزم وال�سعادة (لبنان)‬ ‫و ّقع رئي�س اجلامعة اللبنانية زهري‬ ‫�شكر وامل�رشف العام على جمعية‬ ‫العزم وال�سعادة عبد الإله ميقاتي‬ ‫اتفاقية تعاون بني اجلانبني‬ ‫لدعم التعليم العايل والتخ�ص�ص‬ ‫العلمي عرب �إن�شاء مراكز وخمتربات‬ ‫للبحوث العلمية وتوفري منح للطالب‬ ‫املتفوقني لكي يتمكنوا من �إنهاء‬ ‫حت�صيلهم للتفرغ للدرا�سة والبحث‬ ‫العلمي‪ ،‬على �أن ي�صل عدد املنح يف‬ ‫‪� 12‬سنة �إىل ‪ 144‬منحة‪ ،‬وقيمة كل‬ ‫منحة ‪� 6‬آالف دوالر �أمريكي �سنوياً‪.‬‬ ‫وتخ�ص�ص ن�صف تلك املنح لطالب‬ ‫اجلامعة يف طرابل�س وال�شمال‪.‬‬ ‫ويح�صل كل طالب على دعم مايل‬ ‫ملدة ‪� 4‬سنوات درا�سية كح ّد �أق�صى‬ ‫يح�صل خاللها على الدكتوراه‪،‬‬ ‫و ُتعطى الأف�ضلية يف ذلك للطالب‬ ‫امل�سجلني �ضمن اتفاقية �أطروحة‬

‫م�شرتكة بني اجلامعة اللبنانية‬ ‫وجامعة �أجنبية ويتابعون درا�ستهم‬ ‫بني هاتني اجلامعتني‪.‬‬ ‫مت االتفاق على �إن�شاء مركز‬ ‫و ّ‬ ‫لأبحاث علوم البيوتكنولوجيا يحمل‬ ‫ا�سم جمعية العزم لأبحاث علوم‬ ‫البيوتكنولوجيا ويعمل بالإ�رشاف‬ ‫العلمي للمعهد العايل للدكتوراه يف‬ ‫العلوم والتكنولوجيا يف اجلامعة‬ ‫وتتم‬ ‫ويكون مقره يف مدينة طرابل�س ّ‬ ‫ت�سمية مدير املركز بناء على اقرتاح‬ ‫من جمعية العزم خلم�سة �أ�شخا�ص‬ ‫تتوافر فيهم ال�رشوط املطلوبة يف‬ ‫اجلامعة ويتم تعيني املدير مبوجب‬ ‫قرار من رئي�س اجلامعة‪ .‬ت� ّؤمن‬ ‫اجلامعة املقر للمركز وتقدم اجلمعية‬ ‫الدعم املايل بقيمة مليون دوالر‬ ‫�أمريكي لتجهيزه‪( .‬جريدة امل�ستقبل‪،‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪)2008/11/4‬‬

‫رابع ًا‪ :‬امل�ؤ�س�سات الأهلية‬

‫دعمت هذه اجلمعية جامعة طرابل�س‬ ‫يف �إقامة دبلوم الدرا�سات العليا يف احلديث‬ ‫النبوي ال�رشيف‪ .5‬كما ق ّدمت دعم ًا للجامعة‬ ‫اللبنانية لإن�شاء مراكز وخمتربات للبحوث‬ ‫العلمية وتوفري منح للطالب املتفوقني (�إطار‬ ‫‪.)3-3‬‬

‫م�ؤ�س�سة احلريري‬

‫منذ ت�أ�سي�سها يف العام ‪ 1979‬عملت‬ ‫م�ؤ�س�سة احلريري على تقدمي الر�سوم اجلامعية‬ ‫للطالب‪ ،‬وقد تو�سعت امل�ساعدات هذه يف بع�ض‬ ‫اجلامعات حتى �شملت ‪ %45‬من طالبها ‪ .6‬ومبا‬ ‫�أن ه�ؤالء الطالب متميزون ويتحدرون من‬ ‫�أو�ساط اجتماعية متدنية الدخل فقد �أ ّدى دعم‬ ‫امل�ؤ�س�سة لهم �إىل تغيري الرتكيب االجتماعي‬ ‫لبع�ض اجلامعات التي كانت مقت�رصة على‬ ‫النخبة‪ .‬وبعد �أن توقفت امل�ؤ�س�سة عن تقدمي‬ ‫املنح الدرا�سية يف العام ‪ 1997‬عادت الأمور‬ ‫�إىل ما كانت عليه �سابق ًا يف هذه اجلامعات ‪.7‬‬ ‫وقد ق ّدمت امل�ؤ�س�سة بني العام ‪1979‬‬ ‫والعام ‪ 1996‬القرو�ض (غري امل�ستعادة عملي ًا)‬

‫‪/http://travel.maktoob.com/vb/travel235722 1‬‬ ‫‪http://www.mohe.gov.sa/Arabic/News/Pages/News%20125.aspx 2‬‬ ‫‪http://almoustaqbal.net/stories.aspx?StoryID=316094 3‬‬ ‫‪http://www.syriastar.org/vb/showthread.php?t=41642 4‬‬ ‫‪http://www.islahonline.org/News/Details.aspx?NewID=101 5‬‬ ‫‪http://www.hariri-foundation.org.lb/condev.htm 6‬‬ ‫‪Majzoub, Hana (1999), The Socioeconomic background of AUB students and their Career Decisions, 7‬‬ ‫‪MA theses, Faculty of Education, Lebanese University‬‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫مبادرات يف تنويع التمويل ويف �إقامة الوقفيات اجلامعية ‪207‬‬

‫خام�س ًا‪ :‬الوقفيات اجلامعية‬

‫الوقف قدمي يف التاريخ الإ�سالمي‪ ،‬وهناك‬ ‫اليوم وزارات للأوقاف يف العديد من البلدان‬ ‫العربية تهتم ب�ش�ؤون امل�ؤ�س�سات الدينية‬ ‫(وخخ�صو�ص ًا اجلوامع وامل�ساجد)‪ ،‬كما �أن هناك‬ ‫وقفيات جامعية لربامج �أو كليات �أو م�ؤ�س�سات‬ ‫جامعية دينية‪ .‬كل هذه الأمور تخرج عن نقاط‬

‫و�ضع خادم احلرمني ال�رشيفني‬ ‫الأحد املا�ضي حجر الأ�سا�س لأول‬ ‫وقف تعليمي يف املنطقة‪ ،‬ووافق‬ ‫على �إطالق ا�سمه على الربج الرئي�سي‬ ‫وكرم الدفعة الأوىل‬ ‫�ضمن امل�رشوع ّ‬ ‫من املتربعني والداعمني لأوقاف‬ ‫تربع‬ ‫جامعة امللك �سعود؛ حيث ّ‬ ‫ال�شيخ حممد ح�سني العمودي‪،‬‬ ‫وم�رصف الراجحي‪ ،‬واملهند�س بكر‬ ‫بن حممد بن الدن‪ ،‬وال�شيخ �صالح‬ ‫كامل ب�أبراج كاملة �ضمن م�رشوع‬ ‫وتربعت �رشكة الرا�شد‬ ‫�أبراج اجلامعة‪ّ .‬‬ ‫للتجارة واملقاوالت املحدودة مببلغ‬ ‫(‪ )50‬مليون ريال‪ ،‬والدكتور نا�رص‬ ‫بن �إبراهيم الر�شيد مببلغ (‪)20‬‬ ‫مليون ريال‪ ،‬واملهند�س عبد اهلل �أحمد‬ ‫بق�شان مببلغ (‪ )20‬مليون‪ ،‬والدكتور‬ ‫وليد �أمني كيايل مببلغ (‪ )20‬مليون‬ ‫تربع موظف من من�سوبي‬ ‫ريال‪ .‬كما ّ‬ ‫جامعة امللك �سعود مبرتبه ال�شهري‬

‫لأوقاف اجلامعة وهو املوظف حممد‬ ‫بن دخيل عي�ضة املالكي‪ .‬وبينّ مدير‬ ‫اجلامعة �أن جهود الأمري �سلمان بن‬ ‫عبد العزيز‪� ،‬أمري منطقة الريا�ض‬ ‫رئي�س اللجنة العليا لأوقاف جامعة‬ ‫امللك �سعود‪� ،‬أثمرت بجمع تربعات‬ ‫تزيد على مليار ريال‪.‬‬ ‫ويف هذا ال�صدد ي�رس �أوقاف اجلامعة‬ ‫�أن تقدم الدعوة للمتربعني واملتربعات‬ ‫من قطاع املال والأعمال وكذلك‬ ‫امل�ؤ�س�سات واخلريجني واخلريجات‬ ‫للإ�سهام يف متويل باكورة م�شاريع‬ ‫�أوقاف اجلامعة والذي يهدف �إىل‬ ‫تعزيز وا�ستقرار املوارد الذاتية‬ ‫للجامعة �أ�سوة باجلامعات العاملية‬ ‫البحثية الرائدة‪ .‬رقم ح�ساب �أوقاف‬ ‫جامعة امللك �سعود يف بنك الريا�ض‬ ‫(‪.)2410055909940‬‬ ‫‪2‬‬ ‫(جريدة اليوم‪)2009/2/15 ،‬‬

‫بحثنا‪ .‬فاملو�ضوع يرتكز هنا حول ما �إذا‬ ‫كانت هناك وقفيات جامعية �أن�شئت مل�ساندة‬ ‫م�ؤ�س�سات جامعية مدنية (حكومية �أو خا�صة)‪،‬‬ ‫ومل تظهر لنا يف درا�سات احلاالت يف الف�صلني‬ ‫الأول والثاين‪ .‬وقد قمنا ب�سرب املو�ضوع من‬ ‫خالل الإنرتنت ومل جند ما ن�سجله هنا �إال يف‬ ‫ال�سعودية وفل�سطني‪ ،‬ون�ضيف �إليهما لبنان‪.‬‬

‫اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫وقف جامعة امللك �سعود‬

‫بتاريخ ‪ 2009/2/15‬ن�رشت و�سائل‬ ‫الإعالم خرب «و�ضع حجر الأ�سا�س لأول وقف‬ ‫تعليمي (جامعي) يف املنطقة»‪ ،‬خم�ص�ص‬ ‫جلامعة امللك �سعود احلكومية (�إطار ‪.)4-3‬‬ ‫وتقدر قيمة املرحلة الأوىل من الوقف (�أبراج‬ ‫اجلامعة) مببلغ ‪ 500‬مليون ريال‪ 3.‬ويبينّ‬

‫‪http://www.hariri-foundation.org.lb/program.htm 1‬‬ ‫‪http://press.ksu.edu.sa/?p=8301 2‬‬ ‫‪http://www.alriyadh.com/2008/05/21/article344194.html 3‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫التـعليم‬

‫حلواىل ‪� 32‬ألف طالب وطالبة‪ .‬معظم ه�ؤالء‬ ‫(‪ )20,322‬در�سوا يف لبنان‪ ،‬مقابل ‪ 8,726‬تابعوا‬ ‫درا�ساتهم على ح�ساب امل�ؤ�س�سة يف الواليات‬ ‫املتحدة وكندا و�أوروبا و�شمال �أفريقيا‪،‬‬ ‫والباقي (‪ )2,800‬تابعوا دورات تدريبية باللغة‬ ‫الإنكليزية‪ ،‬وقد بلغ عدد الذين تخرجوا �ضمن‬ ‫برنامج الدعم هذا ‪ 4000‬مهند�س و‪ 1500‬طبيب‬ ‫على �سبيل املثال‪.1‬‬ ‫وقد �أن�ش�أت امل�ؤ�س�سة بالإ�ضافة �إىل‬ ‫برنامج القرو�ض برامج �أخرى خلدمة الطالب‬ ‫اجلامعيني‪ ،‬منها‪ )1 :‬برنامج اللغة الإنكليزية‪،‬‬ ‫‪ )2‬برنامج «ال�سنة التح�ضريية» (لإتقان اللغة‬ ‫الفرن�سية) الذي ط ّبق يف العام ‪1986/1987‬‬ ‫وا�ستفاد منه ‪ 2,777‬ابتعثوا �إىل فرن�سا‪ ،‬و‪710‬‬ ‫يف لبنان‪ )3 ،‬برنامج تدريب اخلريجني وقد‬ ‫ا�ستفاد منه ‪ 144‬مهند�س ًا و‪ 124‬طبيب ًا‪)4 ،‬‬ ‫برنامج التوجيه والإر�شاد (بالتعاون مع‬ ‫اجلامعة الأمريكية يف بريوت)‪ ،‬الذي �أ�صبح‬ ‫جزءاً من الهيكلية الإدارية للم�ؤ�س�سة‪ .‬بالإ�ضافة‬ ‫�إىل ذلك دعمت امل�ؤ�س�سة عددا من اجلامعات يف‬ ‫لبنان من خالل التعاون يف م�شاريع م�شرتكة‪،‬‬ ‫وتزويدها بالتجهيزات‪ ،‬وتقدمي املنح البحثية‬ ‫لأ�ساتذتها‪ .‬ومن �أبرز ما قامت به امل�ؤ�س�سة‬ ‫يف هذا املجال بناء وجتهيز املعهد العايل‬ ‫للتكنولوجيا يف اجلامعة اللبنانية (الذي �أن�شئ‬ ‫يف العام ‪ )1998/1997‬والذي �أن�شئ له جمل�س‬ ‫�إدارة تتمثّل فيه امل�ؤ�س�سة‪.‬‬

‫�إطار ‪ 4-3‬و�ضع حجر الأ�سا�س لأوقاف جامعة امللك �سعود‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 208‬للتنمية الثقافية‬ ‫املوقع الإلكرتوين‪ 1‬لأوقاف اجلامعة (‪Univers‬‬ ‫‪� )sity Endowment‬صور الأبراج التي ي�ضمها‬

‫امل�رشوع ‪ ،2‬و�أهداف الوقف ‪ .3‬على �أن املوقع ال‬ ‫يو�ضح البنية التنظيمية لإدارة هذا الوقف‪ ،‬وال‬ ‫هو يح ّدد ن�سب ًا �أو مبالغ مع ّينة للإنفاق من هذا‬ ‫الوقف مبا يحقق الأهداف املذكورة‪ ،‬ب�صورة‬ ‫برامج �أو �صناديق وما �إىل ذلك‪.‬‬ ‫وتعر�ض جملة �أوقاف اجلامعة �أع�ضاء‬ ‫اللجنة العليا لأوقاف اجلامعة‪ ،‬حيث يتبني‬ ‫�أن هذه اللجنة تتكون من ‪� 21‬شخ�صية‪ ،‬منها‬ ‫‪ 14‬من رجال الأعمال ومدراء ال�رشكات‬ ‫وامل�رصفيني‪ ،‬والأمري �سلمان بن عبد العزيز‪،‬‬ ‫رئي�س اللجنة‪ ،‬والأمري خالد بن �سلطان بن عبد‬ ‫العزيز‪ ،‬م�ساعد وزير الدفاع والطريان لل�ش�ؤون‬ ‫الع�سكرية‪ ،‬واثنان من �أع�ضاء جمل�س ال�شورى‪،‬‬ ‫ورئي�س جمل�س �إدارة م�ؤ�س�سة �إعالمية‪ ،‬ف�ض ًال‬ ‫عن مدير اجلامعة و�أمني عام الأوقاف فيها‪.‬‬ ‫كما تن�رش ن�صو�صا تقدم الت�سويغ الإ�سالمي‬ ‫للأوقاف ‪.4‬‬ ‫الوقف العلمي جلامعة امللك عبد العزيز‬ ‫يفيد املوقع الإلكرتوين جلامعة امللك‬ ‫عبد العزيز �أن هناك وقف ًا علمي ًا لدعم �أبحاث‬ ‫اجلامعة‪ .‬وال تتوافر معلومات عن تاريخ �إن�شاء‬ ‫هذا الوقف وال عن حجمه املايل �أو هيكليته‬ ‫الإدارية‪ .‬ويذكر �أنه م�ؤ�س�سة مالية غري حكومية‬ ‫وغري ربحية‪ ،‬وي�رشف عليه جمل�س نظارة‬ ‫برئا�سة �أمري منطقة مكة املكرمة وع�ضوية‬

‫عدد من العلماء وجمموعة من رجال الأعمال‬ ‫و�أهل االخت�صا�ص‪ ،‬وتنبثق عنه جلنة تنفيذية‬ ‫خمولة بتنفيذ ر�سالته و�أهدافه‪� .‬أما املجاالت‬ ‫البحثية التي يغطيها الوقف فهي ع�رشة‪ ،‬منها‬ ‫ثالثة دينية ‪.5‬‬

‫جامعة امللك عبد اهلل للعلوم‬ ‫والتكنولوجيا‬

‫ت�صل قيمة هذه الوقفية �إىل ع�رشة‬ ‫مليارات ريال �سعودي (‪ 2.7‬مليار دوالر)‪ .‬وكما‬ ‫يقول موقعها الإكرتوين باللغة االنكليزية فهي‬ ‫جامعة م�ستقلة ال تخ�ضع للأنظمة املعمول بها‬ ‫يف اجلامعات احلكومية ال�سعودية‪ .‬و�سوف تبد�أ‬ ‫الدرو�س فيها يف �شهر �سبتمرب‪�/‬أيلول ‪.2009‬‬ ‫وذكرت �صحيفة الفيغارو الفرن�سية �أن نظام‬ ‫هذه اجلامعة �سيرتكز حول معاهد بحث متعددة‬ ‫التخ�ص�صات‪ ،‬ت�شمل الطاقة والبيئة وعلوم‬ ‫الأحياء والهند�سة والريا�ضيات املطبقة وعلوم‬ ‫احلا�سوب‪ .‬و�ستت�سع اجلامعة يف البداية لألفي‬ ‫طالب يتوقع �أن ميثل ال�سعوديون خم�سهم ‪.6‬‬ ‫وم�ؤخراً ن�رشت ال�صحف �رشوحات �إ�ضافية عن‬ ‫اجلامعة وت�رصيحات لرئي�سها ت�شون فونغ �شي‬ ‫الرئي�س ال�سابق جلامعة �سنغافورة ‪.7‬‬

‫جامعة امللك فهد للبرتول واملعادن‬

‫�أن�ش�أت جامعة امللك فهد للبرتول‬ ‫واملعادن �صندوق دعم البحوث والربامج‬

‫‪http: //eksu.org/ar/index.php?news=7 1‬‬ ‫‪� 2‬أنظر تفا�صيل �إ�ضافية عن هذه الأبراج‪http://www.aleqt.com/2009/03/04/article_201486.html :‬‬

‫‪ 3‬وهي‪:‬‬ ‫‪ )1‬تعزيز موارد اجلامعة الذاتية �أ�سوة باجلامعات العاملية املرموقة لتحفيز الإبداع والتميز على الأ�صعدة كافة‪ )2 .‬متويل برامج‬ ‫البحث والتطوير التقني مبا يخدم الب�رشية ويع ّزز اقت�صاديات املعرفة لتحقيق التنمية امل�ستدامة للوطن‪ )3 .‬ا�ستقطاب وحتفيز وتكرمي‬ ‫الباحثني واملبدعني واملوهوبني واملتميزين ورعايتهم‪ )4 .‬زيادة اال�ستفادة من موارد اجلامعة الب�رشية والبنية التحتية والتجهيزات‪)5 .‬‬ ‫دعم امل�ست�شفيات اجلامعية يف عالج الأمرا�ض املزمنة‪ )6 .‬متويل معامل جامعة امللك �سعود اخلارجية يف ك ّل من‪� :‬سنغافورة (�صناعة‬ ‫البرتوكيماويات)‪ ،‬وال�صني (�صناعة النانو)‪ ،‬وفرن�سا (�أمرا�ض نق�ص املناعة والتقنية احليوية)‪ ،‬وبريطانيا (النانو و�أمرا�ض القلب)‪ ،‬والهند‬ ‫الرب والتكافل االجتماعي وم�ساعدة الأيتام والأرامل من من�سوبي اجلامعة‪.‬‬ ‫(تقنية املعلومات)‪ ،‬و�أمريكا (تقنية النانو)‪ )7 .‬تعزيز �أعمال ّ‬ ‫‪ 4‬جملة �أوقاف جامعة امللك �سعود‪ ،‬العدد‪ ،1‬فرباير ‪.2009‬‬ ‫‪ 5‬هي‪)1 :‬بيئة احلج والعمرة وامل�شاعر ومتطلبات واحتياجات منطقة مكة املكرمة‪)2 .‬البيئة العامة ومكافحة التلوث‪)3 .‬املياه‪)4 .‬النقل‬ ‫الطبيعية‪ )7 .‬الأمرا�ض الوراثية والوافدة وامل�ستوطنة‬ ‫واملرور‪ )5 .‬االقت�صاد الإ�سالمي وم�شكالت اال�ستثمار والتمويل‪ )6 .‬ا�ستك�شاف املوارد‬ ‫ّ‬ ‫يف اململكة‪ )8 .‬التنمية الب�رشية وال�سكانية‪ )9 .‬خدمة املجتمع ومعاجلة م�شكالته املختلفة‪ )10 .‬م�شكالت املر�أة و�سبل معاجلتها يف �ضوء‬ ‫مبادئ و�أحكام ال�رشيعة الإ�سالمية‪:‬‬ ‫‪http://www.waqf.org.sa/Magazine/Ar/Default.aspx?Sub_Id=17‬‬ ‫‪http://www.arabvolunteering.org/corner/avt3708.html, http://www.kaust.edu.sa/news/faq.aspx 6‬‬ ‫‪ 7‬جريدة احلياة اللندنية (‪ ،)31/8/2009‬وجريدة النهار اللبنانية (‪.)2009 /2/9‬‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫مبادرات يف تنويع التمويل ويف �إقامة الوقفيات اجلامعية ‪209‬‬

‫ملعهد احلقوق ت�سمى وقفية كر�سي ال�شيخ حمد‬ ‫الثاين (�أمري قطر)‪ .‬وت�أمل اجلامعة �أن تعزز‬ ‫التربعات هذه الوقفية من خالل دعوة وجهتها‬ ‫عرب و�سائل الإعالم للمتربعني (�إطار ‪.)5-3‬‬

‫�إذ تفيد املعلومات املعرو�ضة �أعاله ب�أن‬ ‫هناك مبادرات لدعم التعليم العايل �أو طالبه‬ ‫ف�إنها تفيد �أي�ضا ب�أن هذه املبادرات حمدودة‬ ‫وال ترقى �إىل م�صاف مواجهة التحديات املالية‬

‫التـعليم‬

‫التعليمية (وقف اجلامعة) يف العام الدرا�سي‬ ‫‪ 2006/2007‬بهدف العمل على تنويع املوارد‬ ‫الب�رشية للجامعة على النحو الذي ي�سهم يف‬ ‫دفع براجمها البحثية والعلمية‪ ،‬ويوفر �ضمان ًا‬ ‫وتر�سيخ ًا للربامج التعليمية والأن�شطة البحثية‬ ‫القائمة حالي ًا واملخطط لها م�ستقب ًال ورفع‬ ‫قدراتها على مواجهة االرتفاع املطرد يف‬ ‫تكلفة التعليم العايل املتميز كما يتم الإنفاق‬ ‫من ريع ال�صندوق لتمويل البحوث العلمية‬ ‫الأ�سا�سية والتعاقدية وبرامج الإبداع واالبتكار‬ ‫وا�ستقطاب حملة كرا�سي الأ�ستاذية من‬ ‫املتميزين عاملي ًا بتخ�ص�صاتهم ‪.1‬‬

‫امل�ؤ�س�سة تابعة للجهة �صاحبة الوقف‪ .‬وهذا‬ ‫النموذج (الذي ن�سميه الوقف الت�أ�سي�سي) رمبا‬ ‫قرر‬ ‫يكون �شائع ًا يف البلدان العربية‪ ،‬كلما ّ‬ ‫�شخ�ص‪� ،‬أو جمموعة �أ�شخا�ص �أو جماعة‪ ،‬تقدمي‬ ‫عقارات �أو �أموال من �أجل ت�أ�سي�س جامعة خدمة‬ ‫لق�ضية معينة (كجامعة الأحفاد يف ال�سودان‬ ‫مثال‪ ،‬التي ت ّربع م�ؤ�س�سها بكلفة ت�أ�سي�سها من‬ ‫�أجل تي�سري تعليم الإناث يف ال�سودان)‪ .‬بكالم‬ ‫�آخر ميكن القول �إن �صفة جامعة «�أهلية» تعني‪،‬‬ ‫كما يف احلالة اللبنانية على الأقل‪ّ � ،‬أن اجلامعة‬ ‫تابعة جلماعة �أهلية‪ ،‬ولي�ست ذات طابع «�أهلي‬ ‫عام»‪ .‬وهذا التمييز �رضوري لفهم واقع الوقفية‬ ‫اجلامعية يف املنطقة العربية و�آفاقه‪.‬‬

‫فل�سطني‬ ‫ً‬ ‫يبدو �أن جامعة بريزيت �أقامت وقفية �ساد�سا‪ :‬خال�صة ومناق�شة‬

‫لبنان‬

‫�سبق وذكرنا �أن عدداً من م�ؤ�س�سات التعليم‬ ‫العايل يف لبنان من�ش�أة من قبل �شخ�صيات‬ ‫معنوية هي عبارة عن جمعيات ال تبغي‬ ‫الربح‪ .‬كما ذكرنا �أن جامعة البلمند واجلامعة‬ ‫الأمريكية يف بريوت ت�شتمل �إيراداتهما على‬ ‫�إيرادات وقفية‪ .‬ن�ضيف الآن �أن الكثري من‬ ‫اجلامعات غري احلكومية (وغري الدينية يف‬ ‫نظامها العام) يف لبنان �أُن�شئت من قبل جهات‬ ‫دينية (�إ�سالمية وم�سيحية) ولديها �أوقاف‬ ‫وا�سعة‪ .‬على �أن منطق الوقف هنا يختلف‬ ‫عن منطق الوقف يف اجلامعة الأمريكية يف‬ ‫بريوت‪� .‬إنه يف تلك اجلامعات وقف «ت�أ�سي�سي»‬ ‫على غرار وقف الرب والإح�سان يف جامعة‬ ‫بريوت العربية‪ ،‬ولي�س وقف ًا وظيفي ًا (يدعم عمل‬ ‫اجلامعة التدري�سي والبحثي)‪ ،‬وهو يجعل من‬ ‫‪http://www.aleqt.com/2009/02/01/article_191241.html 1‬‬ ‫‪http://lawcenter.birzeit.edu/iol/ar/index.php?action_id=30 2‬‬

‫�إطار ‪ 5-3‬دعوة للم�ساهمة يف وقفية معهد احلقوق يف جامعة بريزيت‬

‫‪2‬‬

‫�إن معهد احلقوق يف جامعة بريزيت‬ ‫يدعوكم لدعم وقفيته وزيادتها‪� .‬إن‬ ‫الإ�سهام يف وقفية معهد احلقوق هي‬ ‫مبثابة دفعة للّذين يعملون جاهدين‬ ‫لت�أ�سي�س وتعزيز دور القانون يف‬ ‫فل�سطني‪ ،‬الذي هو مبثابة مفتاح‬ ‫النجاح لت�شكيل �رشعية ال�سلطة‬ ‫الوطنية الفل�سطينية‪� .‬إن جمل�س �أمناء‬ ‫جامعة بريزيت قد تبنى �سيا�سة‬ ‫(�أخذ على عاتقه) العمل على تغطية‬ ‫و�إدارة الوقفية مثلها مثل الن�شاطات‬ ‫اال�ستثمارية واملحا�سبة اخلا�صة‬ ‫باجلامعة‪ .‬حيث �إن جامعة بريزيت‬ ‫ت�أمل جتهيز وحت�ضري م�ستقبل‬ ‫�آمن �أكرث من خالل ت�أ�سي�س دعم‬ ‫مايل لوقفياتها لتقويتها �أكادمييا‬ ‫وجمتمعيا على املدى البعيد‪.‬‬ ‫وحيث �إن ر�أ�س املال الأ�سا�سي ال‬ ‫ينفق ف�إن هذه الهبة ت�ستطيع توفري‬ ‫دعم مايل �أبدي‪� .‬إن التربع من قبل‬

‫�أ�شخا�ص‪ ،‬م�ؤ�س�سات �أو جمعيات‬ ‫�سوف يكون له الأثر على مقدرة‬ ‫امل�ؤ�س�سة اال�ستمرار يف براجمها‬ ‫ون�شاطاتها ال�رضورية والهامة مثل‬ ‫املنح والبعثات الدرا�سية‪ ،‬كرا�سي‬ ‫الدائرة‪ ،‬الأ�ستاذية‪ ،‬املحا�رضات‪،‬‬ ‫دعم الربامج‪ ،‬احتياجات املكتبة‪،‬‬ ‫البناء والتجهيزات‪� .‬إن معهد احلقوق‬ ‫حاليا لديه وقفية رئي�سية ت�سمى‬ ‫وقفية كر�سي ال�شيخ حمد الثاين‬ ‫– �أمري قطر‪ . -‬كما ويعمل معهد‬ ‫احلقوق جاهداً لزيادة منحة قدمت‬ ‫له من م�ؤ�س�سة فورد‪ ،‬حيث �إنها‬ ‫ت�ستوجب من م�ؤ�س�سة فورد �أن تقدم‬ ‫مبلغ ًا من املال ي�صل �إىل مليون‬ ‫دوالر و�سيوازي املبلغ الذي ي�ستطيع‬ ‫املعهد احل�صول عليه ل�صالح الوقفية‬ ‫وبالتايل ف�إن �أي منحة �ستقدمونها‬ ‫للمعهد �ستت�ضاعف‪ .‬ندعوكم ملواجهة‬ ‫هذا التحدي معنا‪.‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 210‬للتنمية الثقافية‬

‫التي تواجه اجلامعات العربية �أو مواجهة‬ ‫حتديات توفري ا�ستقالليتها الإدارية واملالية‪.‬‬ ‫فاملكرمات يقدمها احلاكم لذوي الدخل‬ ‫املحدود و�أبناء املناطق النائية‪� ،‬صحيح �أنها‬ ‫تعترب م�سعى لتوفري قدر �أكرب من العدالة يف‬ ‫توفري الفر�ص الدرا�سية‪ ،‬لكنها جزء من الإنفاق‬ ‫احلكومي‪ ،‬مع �إخراج لها ك�أنها من خارجه‪،‬‬ ‫�أي تعيدنا �إىل م�شكلة �أحادية التمويل وحجمه‬ ‫املحدود‪ ،‬من جهة واىل �أنها حتتمل وجه ًا‬ ‫�سيا�سي ًا من جهة �أخرى‪ ،‬يع ّيق اال�ستقاللية‪� .‬إذ‬ ‫جتري الأمور يف البلدان ذات العالقة وك�أن‬ ‫احلاكم ينفق من ماله اخلا�ص يف تقدمي املنح‬ ‫و�إن�شاء اجلامعات وغريها‪ ،‬بل يح�صل خلط‬ ‫مق�صود ما بني املال العام واملال اخلا�ص‬ ‫للحاكم‪.‬‬ ‫وباملثل ف�إن ال�صناديق املحلية هي‬ ‫�إنفاق حكومي‪ ،‬مع م�شاركة جزئية من‬ ‫املجتمع‪ ،‬لكنها حمدودة يف عددها ونطاقها‬ ‫ويف مداها الزمني‪ .‬واقع احلال �أنه �أمكن ر�صد‬ ‫ثمانية �صناديق فقط (�أربعة منها يف الأردن)‪،‬‬ ‫�ستة منها ذات طابع حكومي‪ .‬وال�صندوقان‬ ‫الباقيان جندهما يف الأردن (�صندوق احل�سني‬ ‫للإبداع و�صندوق عبد احلميد �شومان)‪ .‬هذه‬ ‫ال�صناديق خم�سة منها تهتم بدعم البحوث‬ ‫(والتقييم) �أي ب�أحد مكونات النوعية‪ ،‬مقابل‬ ‫ثالثة (يف الأردن وال�سعودية وال�سودان) تق ّدم‬ ‫امل�ساعدات واملنح للطالب (الفر�ص الدرا�سية)‪.‬‬ ‫املعونات الأجنبية والعربية موجهة من‬ ‫جهتها نحو البلدان العربية الأفقر‪ ،‬كبلدان‬ ‫م�ستفيدة‪� .‬أما الفرق بينها فيكمن يف �أن‬ ‫املعونات الأجنبية موجهة نحو نظام التعليم‬ ‫العايل ككل‪ ،‬ونحو تطوير مكونات النوعية‬ ‫(تقييم‪ ،‬تطوير‪ ،‬برامج و�شهادات م�شرتكة‪ ،‬منح‬ ‫للأ�ساتذة‪� ...‬إلخ) يف حني �أن امل�ساعدات العربية‬ ‫موجهة بالدرجة الأوىل نحو البنى التحتية‬ ‫وتقدمي املنح للطالب وامل�ؤ�س�سات‪� .‬أي �أن الدعم‬ ‫الأجنبي هو دعم فكري‪ ،‬تتبني �آثاره يف التنظيم‬ ‫العام والربامج وغريها‪ ،‬فيما الدعم العربي‬ ‫هو دعم مايل بحت تتبينّ �آثاره يف الأبنية‬

‫والتجهيزات ويف عدد امل�ستفيدين‪ ،‬ويف تعابري‬ ‫ال�شكر والعرفان باجلميل‪ .‬هذه املعونات حتدث‬ ‫فرق ًا يف احلالتني‪ ،‬لكن حدودها تكمن‪ ،‬يف �أن‬ ‫تقدمي الدعم وزيادته و�إنقا�صه‪ ،‬وعدم ح�صوله‬ ‫�أ�ص ًال‪� ،‬أمور مرتبطة عموما بال�سياق ال�سيا�سي‪،‬‬ ‫ويف �أنها �آنية ومتقطعة‪ ،‬بحيث �إنها ال ت�شكّل‬ ‫م�صدرا ثابتا لتطوير التعليم العايل الوطني‪.‬‬ ‫يبقى البديالن االثنان الأخريان‪ :‬م�ؤ�س�سات‬ ‫الدعم الأهلية‪ ،‬والوقفيات اجلامعية‪ .‬يتميز‬ ‫االثنان ب�أنهما يج�سدان ال�رشاكة املجتمعية يف‬ ‫حتمل �أعباء التعليم العايل‪ ،‬ويزيحان عن كاهل‬ ‫الدولة بع�ض العبء الذي تنوء حتته‪.‬‬ ‫ويالحظ �أن م�ؤ�س�سات الدعم الأهلية‬ ‫قليلة احل�ضور يف البلدان العربية‪ ،‬ورمبا‬ ‫يعزى ذلك �إىل قوة الدولة يف حمل م�س�ؤولية‬ ‫التعليم وخ�شيتها من �أن تكون لهذه امل�ؤ�س�سات‬ ‫«�أجنداتها» ال�سيا�سية‪ .‬وهي خ�شية يف حملها‪.‬‬ ‫ولعل التجربة اللبنانية حيث تكرث هذه‬ ‫امل�ؤ�س�سات‪ ،‬و ي�شتهر بع�ضها‪ ،‬دليل على مثل‬ ‫هذه اخل�شية‪� .‬أما الوقفيات فلم جند عليها �إال‬ ‫�أمثلة قليلة حديثة الن�ش�أة و�إن كانت واعدة‪ ،‬يف‬ ‫ال�سعودية وفل�سطني‪ .‬كما �أ�رشنا �إىل �أن الكثري‬ ‫من اجلامعات يف لبنان �أ�س�ست من قبل جهات‬ ‫ذات وقفيات‪ ،‬ما �سميناه بوقفيات ت�أ�سي�سية‪،‬‬ ‫بحيث تكون اجلامعة تابعة جلماعة �أهلية‪،‬‬ ‫با�ستثناء اجلامعة الأمريكية يف بريوت‪ ،‬الأمر‬ ‫الذي يحيلنا جمددا �إىل م�شكلة عدم ا�ستقاللية‬ ‫اجلامعة وتبعيتها �إىل جماعة �أهلية‪ .‬وال �شك‬ ‫�أن هذا ما حتاول �أن تتجنبه البلدان العربية‬ ‫الأخرى‪ ،‬خ�شية «اللبننة»‪.‬‬ ‫خال�صة الأمر �أن بدائل التمويل التي‬ ‫�أمكن عر�ضها تعاين �إما من حمدوديتها �أو من‬ ‫ت�سيي�سها‪ ،‬باجتاه احلكومة �أو باجتاه اجلماعات‬ ‫الأهلية‪ .‬وعلى الرغم من ذلك تبدو الوقفية‬ ‫اجلامعية‪ ،‬املدنية‪ ،‬هي البديل املمكن التفكري‬ ‫به جمدداً‪ ،‬باعتباره الأكرث توفرياً لل�رشوط التي‬ ‫حتتاجها النوعية (والفر�ص الدرا�سية) �أال وهي‬ ‫اال�ستقاللية املالية والأكادميية والإدارية‪،‬‬ ‫والأكرث متتع ًا ب�صفة اال�ستقرار‪.‬‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫مبادرات يف تنويع التمويل ويف �إقامة الوقفيات اجلامعية ‪211‬‬

‫الوقفية اجلامعية‬

‫التـعليم‬

‫لي�س الوقف جديداً على الثقافة العربية‬ ‫بل العك�س هو ال�صحيح‪ .‬ذلك �أن فكرة الوقف‬ ‫اجلامعي املنت�رشة اليوم يف عدد من دول العامل‬ ‫قد يكون �أ�صلها �إ�سالمي ًا‪ .‬فمنذ ن�شوء «املدار�س»‬ ‫(املعادلة للجامعات يف ع�رصنا)‪ ،‬التي كانت‬ ‫توفّر التعليم العايل خارج النظم التي كانت‬ ‫مت ذلك ا�ستناداً‬ ‫�سائدة (امل�سجد والكتاتيب) ّ‬ ‫�إىل �أوقاف �أن�ش�أها �أمراء وعلماء و�أئمة ورجال‬ ‫مي�سورون‪ ،‬ا�شتمل كل منها على نطاق معينّ‬ ‫من املمتلكات حتول �إيراداتها �إىل «الوقف»‬ ‫املق�صود‪ ،‬وعلى تعيني �إدارة للوقف (نظارة)‬ ‫تعمل على ح�سن �سري العمل فيها وحتويل‬ ‫�إيراداتها �إىل اجلهة املوقوفة عليها‪ .‬والوقف‬ ‫يكون مبا�رشاً (وقف عقار ما ال�ستعمال معينّ ‪،‬‬ ‫على �سبيل املثال) �أو ا�ستثماري ًا(ا�ستثمار �أ�صل‬ ‫الوقف عقاراً كان �أم منقو ًال‪� ،‬أو ا�ستثمار الريع‬ ‫الناجت عن ا�ستغالل الوقف ل�صالح مو�ضوع‬ ‫يقررها‬ ‫معينّ )‪ .‬ويعمل الوقف بال�رشوط التي ّ‬ ‫الواقف‪� ،‬أو ورثته يف الوقف الذري (التابع‬ ‫للورثة)‪� ،‬أكانت مطلقة (وقف غري م�رشوط) �أو‬ ‫م�رشوطة‪.‬‬ ‫وقد تن ّوعت ب�صورة وا�سعة جداً �أغرا�ض‬ ‫الأوقاف ف�شملت التعليم (الكتاتيب ودور القر�آن‬ ‫الكرمي واملدار�س واملعاهد واجلامعات الدينية)‬ ‫وم�ساعدة الفقراء ومرافق املاء والغذاء ودور‬ ‫رعاية املقعدين والأيتام واللقطاء وامل�شايف‬ ‫وامل�ساجد وغريها‪ .‬وهناك �إرث كبري يف فقه‬ ‫الأوقاف يف العامل الإ�سالمي ما زال يتحينّ‬ ‫حتى اليوم ‪.1‬‬ ‫تعرف �إىل‬ ‫ويقال � ّإن نابليون بونابرت ّ‬ ‫الوقف من خالل «م�ست�شفى املن�صوري» يف‬ ‫القاهرة الذي كان عمره مئات ال�سنني يف ذلك‬ ‫احلني ويعمل بانتظام بف�ضل الوقف املقام له‪،‬‬ ‫فاقتب�س نابليون الفكرة وان�ش�أ على �أ�سا�سها‬ ‫امل�ست�شفيات احلكومية يف فرن�سا‪ ،‬ويقال �إن‬

‫اجلامعات الربيطانية ا�ستفادت من التجربة‬ ‫الأندل�سية حيث كانت هناك كليات للتعليم‬ ‫العايل يف الأندل�س مت ّول عن طريق الوقف الأمر‬ ‫الذي حفز جامعة �أك�سفورد لتقيم وقفية علمية‬ ‫للجامعة ‪ .2‬فيما ت�شري مو�سوعة ويكيبيديا �إىل‬ ‫�أن الوقف اقتب�سه الإنكليز من العامل الإ�سالمي‬ ‫خالل احلروب ال�صليبية ونقلوا الفكرة �إىل‬ ‫�إنكلرتا ‪ .3‬كما يرى الأب �أنطوان راجح يف كتابه‬ ‫«الأوقاف امل�سيحية يف م�ضامني ال�رشع» �أن‬ ‫مفهوم امل�ؤ�س�سة الوقفية اقتب�سته امل�سيحية عن‬ ‫الرومان و�أن كلمة «وقف» �إ�سالمية املن�ش�أ‪.‬‬ ‫املهم �أن ال�صورة احلالية اليوم للأوقاف‬ ‫عرب العامل هي باخت�صار على ال�شكل التايل‪:‬‬ ‫ثمة جامعات مرموقة يف بلدان �أخرى يعود � ّرس‬ ‫جناحها وتفوقها العاملي �إىل اعتمادها على‬ ‫الأوقاف (كما يف �أمريكا وبريطانيا و�أ�سرتاليا‬ ‫وتركيا)‪ ،‬وثمة �أوقاف ووزارات �أوقاف يف‬ ‫معظم البلدان العربية تعنى بال�ش�ؤون الدينية‬ ‫فقط‪� .‬أي �أن فكرة الوقف حت ّولت �إىل �سند �أ�سا�سي‬ ‫للتفوق يف اجلامعات احلديثة عرب العامل فيما‬ ‫اجلامعات احلديثة (املدنية) يف البلدان العربية‪،‬‬ ‫احلكومية واخلا�صة‪ ،‬منف�صلة عن الأوقاف بقدر‬ ‫انف�صالها عن ال�ش�ؤون الدينية‪.‬‬ ‫يف هذه ال�صورة املب�سطة تبدو الوقفيات‬ ‫اجلامعية النا�شئة حديث ًا يف العامل العربي‪،‬‬ ‫جلامعات حديثة‪ ،‬مبثابة ا�ستثناءات واعدة‬ ‫ت�ؤكد القاعدة‪ .‬لكن تبدو الأمور وك�أن اعتماد‬ ‫الوقفية اجلامعية لي�س �أمراً مقبو ًال يف البلدان‬ ‫العربية‪� .‬أو �أن طرح منوذج الوقف لإحداث نقلة‬ ‫يف التعليم العايل العربي غري الديني (املدين)‪،‬‬ ‫قد ي�س ّبب رف�ض ًا يف الأو�ساط احلكومية يف عدد‬ ‫كبري من البلدان العربية‪ ،‬ب�سبب انتماء م�صطلح‬ ‫الوقف فيها �إىل احل ّيز الديني‪ .‬واحل ّيز الديني‬ ‫يجر معه طابعه العقائدي واحلركات الدينية‬ ‫ال�سيا�سية التي ي�شهدها العامل العربي منذ‬ ‫فرتة غري وجيزة‪� .‬أما يف لبنان ف�إن الوقفيات‬

‫ت ّعرف نابليون بونابرت �إىل الوقف‬ ‫من خالل «م�ست�شفى املن�صوري»‬ ‫يف القاهرة الذي كان عمره مئات‬ ‫ال�سنني يف ذلك احلني ويعمل بانتظام‬ ‫بف�ضل الوقف املقام له‪ ،‬فاقتب�س‬ ‫نابليون الفكرة وان�ش�أ على �أ�سا�سها‬ ‫امل�ست�شفيات احلكومية يف فرن�سا‪،‬‬ ‫ويقال �إن اجلامعات الربيطانية‬ ‫ا�ستفادت من التجربة الأندل�سية حيث‬ ‫كانت هناك كليات للتعليم العايل يف‬ ‫متول عن طريق الوقف الأمر‬ ‫الأندل�س ّ‬ ‫الذي حفز جامعة �أك�سفورد لتقيم‬ ‫وقفية علمية للجامعة‪ .‬فيما ت�شري‬ ‫مو�سوعة ويكيبيديا �إىل �أن الوقف‬ ‫اقتب�سه الإنكليز من العامل الإ�سالمي‬ ‫خالل احلروب ال�صليبية ونقلوا الفكرة‬ ‫�إىل �إنكلرتا‪.‬‬

‫‪� 1‬أنظر مثال الهيئة العاملية للوقف‪http://links.bdr130.net/ei49349.html :‬‬ ‫‪http://artilces.alzoa.com/docView.php?con=40&docID=10957 2‬‬ ‫‪http://en.wikipedia.org/wiki/Waqf 3‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 212‬للتنمية الثقافية‬

‫حتيل �إىل تبعية اجلامعات للجماعات‬ ‫الأهلية‪ ،‬ما يدفع البلدان العربية �إىل جتنب‬ ‫اجلامعات «الأهلية» خ�شية «اللبننة»‪� .‬إذاً‬ ‫نحن �إزاء م�شكلة جدية تواجه الطرح املتعلق‬ ‫بالوقفية اجلامعية و«اجلامعات الأهلية»‬ ‫يف البلدان العربية‪ .‬وهذا يفر�ض التقدم يف‬ ‫طرح املو�ضوع بطريقة ت�سمح بتقبل فكرة‬ ‫تطبيق الوقف يف امل�ؤ�س�سات املدنية وتبديد‬

‫املخاوف الأيديولوجية ال�شائعة‪.‬‬ ‫�سوف ن�ستعر�ض يف الف�صل التايل ب�صورة‬ ‫خمت�رصة �أحوال الوقفيات اجلامعية عرب العامل‬ ‫مع التوقف عند عدد من درا�سات احلاالت‪ ،‬وهو‬ ‫يت�ضمن عر�ض ًا لتجربة الوقفيات اجلامعية يف‬ ‫بلد قريب يف تكوينه الثقايف واالقت�صادي من‬ ‫البلدان العربية (تركيا)‪ ،‬لعلّنا ن�ستخرج من هذه‬ ‫احلاالت بع�ض الدرو�س‪.‬‬


‫الف�صل الرابع‬ ‫مناذج عاملية يف الوقفيات اجلامعية ‪213‬‬

‫الف�صل الرابع‬ ‫مناذج عاملية يف الوقفيات اجلامعية‬

‫�أو ًال‪ :‬جتارب دولية‬

‫تعتمد العديد من م�ؤ�س�سات التعليم العايل‬ ‫يف الواليات املتحدة الأمريكية و�أوروبا‬ ‫و�أ�سرتاليا وغريها من الدول املتقدمة على ع ّدة‬ ‫م�صادر للتمويل‪ ،‬من بينها عوائد وقفياتها‬ ‫و�أ�صولها اال�ستثمارية‪ ،‬واملنح والهبات املق ّدمة‬ ‫من �أفراد وجمعيات وم�ؤ�س�سات �إجتماعية‬ ‫و�رشكات وجهات حكومية‪ .‬ويجري �إنفاق هذه‬ ‫املوارد الإ�ضافية عادة على دعم برامج بحثية‬ ‫ومتويل كرا�سي الأ�ستاذية وت�أمني تقاعد �أع�ضاء‬ ‫هيئة التدري�س‪ ،‬وتقدمي املنح الدرا�سية للطالب‬ ‫وت�أهيل مرافق اجلامعة من مكتبات وخمتربات‬ ‫و�أجهزة وتو�سيع من�ش�آتها كامل�ساحات اخل�رضاء‬ ‫والأبنية و�صيانتها‪ .‬ويتفاوت التمويل الوقفي‬ ‫من حيث حجمه من بلد �إىل �آخر ومن جامعة‬ ‫�إىل �أخرى‪ .‬وحتت ّل الواليات املتحدة الأمريكية‬

‫التـعليم‬

‫يعر�ض هذا الف�صل جتارب دولية يف‬ ‫متويل التعليم العايل عن طريق الأوقاف‬ ‫(‪ )Endowments‬و�أهمية هذا النظام يف‬ ‫ت�أمني ا�ستقاللية امل�ؤ�س�سة اجلامعية ودوره‬ ‫يف متويل التعليم العايل جلهة دعم الأن�شطة‬ ‫البحثية والهيئة التعليمية والطالب وغريها‪.‬‬ ‫يبد�أ العر�ض بتناول التجارب العاملية التالية‪:‬‬ ‫الأمريكية‪ ،‬الأوروبية‪ ،‬الكندية‪ ،‬الأ�سرتالية‪ ،‬ث ّم‬ ‫ينتقل �إىل عر�ض حاالت جامعة هارفارد يف‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية وجامعة �سيدين يف‬ ‫�أ�سرتاليا والوقفيات اجلامعية يف تركيا‪.‬‬

‫مركز ال�صدارة يف متويل التعليم العايل‬ ‫عن طريق الأوقاف‪ .‬فقد بلغ حجم وقفيات‬ ‫جامعة هارفارد مث ًال ‪ 36.9‬مليار دوالر يف‬ ‫ال�سنة املالية ‪ ،2008‬فيما بلغت قيمة وقفيات‬ ‫جامعة كامربدج يف بريطانيا نحو ‪ 8.2‬مليار‬ ‫دوالر‪ ،‬وجامعة �أك�سفورد نحو ‪ 5.7‬مليار‬ ‫دوالر واملعهد ال�سوي�رسي للتكنولوجيا ملياراً‬ ‫واحداً ‪ .1‬ويتفاوت التمويل الوقفي من حيث‬ ‫م�صدره‪� .‬إذ تعتمد اجلامعات الأمريكية على‬ ‫الهبات املقدمة من هيئات اجتماعية و�أفراد‬ ‫كم�صدر �أ�سا�سي لتغذية الوقفيات‪ ،‬بينما تعتمد‬ ‫اجلامعات الكندية والربيطانية والأ�سرتالية‬ ‫احلكومية على امل�ساعدات احلكومية بالدرجة‬ ‫الأوىل‪ ،‬ب�صورة تعك�س ال�رشاكة بني القطاعني‬ ‫العام واخلا�ص‪.‬‬

‫حتت ّل الواليات املتحدة الأمريكية‬ ‫مركز ال�صدارة يف متويل التعليم‬ ‫العايل عن طريق الأوقاف‪ .‬فقد بلغ‬ ‫حجم وقفيات جامعة هارفارد مث ًال‬ ‫‪ 36.9‬مليار دوالر يف ال�سنة املالية‬ ‫‪ ،2008‬فيما بلغت قيمة وقفيات جامعة‬ ‫كامربدج يف بريطانيا نحو ‪ 8.2‬مليار‬ ‫دوالر‪ ،‬وجامعة �أك�سفورد نحو ‪5.7‬‬ ‫مليار دوالر واملعهد ال�سوي�رسي‬ ‫للتكنولوجيا ملياراً واحداً ‪.‬‬

‫جتربة الواليات املتحدة الأمريكية‬

‫ينت�رش نظام الوقفيات بقوة يف الواليات‬ ‫املتحدة الأمريكية‪ .‬وحتتل جامعة هارفارد‬ ‫املرتبة الأوىل جلهة حجم وقفياتها و�أ�صولها‪،‬‬ ‫تليها جامعة يال ‪ Yale‬التي بلغت وقفياتها‬ ‫‪ 22.9‬مليار دوالر عام ‪ 2008‬ثم جامعة‬ ‫�ستانفورد (‪ 17.2‬مليار دوالر)‪ ،‬تليها جامعتا‬ ‫برن�ستون وتك�سا�س اللتان جتاوزت قيمة‬ ‫�أ�صول ك ّل منهما ‪ 16‬مليار دوالر ثم معهد‬ ‫ما�سات�شو�ست�س التقني (‪Massachusetts Ins‬‬ ‫‪ )stitute of Technology- MIT‬كما يبينّ‬ ‫الر�سم البياين ‪.2 1 .4‬‬

‫‪ 1‬مت احل�صول على قيم وقفيات اجلامعات الربيطانية وال�سوي�رسية من‪http://press.ksu.edu.sa/?p=12079 :‬‬ ‫‪http://en.wikipedia.org/wiki/List_of_colleges_and_universities_in_the_United_States_by_endowment 2‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 214‬للتنمية الثقافية‬

‫ر�سم بياين ‪1-4‬‬ ‫ترتيب بع�ض اجلامعات يف الواليات املتحدة الأمريكية بح�سب حجم وقفياتها (مليارات الدوالرات)‬ ‫‪36.9‬‬

‫‪40‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪30‬‬

‫‪22.9‬‬ ‫‪16.1‬‬ ‫‪6.7‬‬

‫‪7.1‬‬

‫‪7.2‬‬

‫‪7.6‬‬

‫كولومبيا‬

‫�شمال‬ ‫غرب‬

‫جامعة‬ ‫ميت�شيغني‬

‫‪16.3‬‬

‫‪25‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪15‬‬

‫‪17.2‬‬

‫‪10.1‬‬

‫‪10‬‬ ‫‪5‬‬

‫تك�سا�س‬ ‫‪A&M‬‬

‫‪MIT‬‬

‫تك�سا�س‬

‫برين�ستون �ستانفورد‬

‫و ُيقدر عدد اجلامعات الأمريكية التي‬ ‫تزيد وقفياتها على ‪ 5‬مليارات دوالر ب�سبع‬ ‫جامعات‪ ،‬بينما ي�صل عدد اجلامعات التي تزيد‬ ‫�أوقافها على ملياري دوالر �إىل �ست وع�رشين‬ ‫جامعة‪ ،‬كجامعة جون هوبكين�س مثال (حوايل‬ ‫‪ 2.5‬مليار دوالر يف العام ‪ .1 )2008‬وي�صل عدد‬ ‫اجلامعات التي تزيد وقفياتها على مليار دوالر‬ ‫�إىل �أكرث من خم�سني جامعة ‪� .2‬أي �أن معظم‬ ‫جامعات الواليات املتحدة الأمريكية تنح�رص‬ ‫وقفياتها يف خانة املليار دوالر وهو مبلغ‬ ‫�ضئيل مقارنة مع جامعة هارفارد �أو جامعة‬ ‫يال‪ ،‬وكبري مقارنة باجلامعات الأخرى يف‬ ‫العامل‪.‬‬ ‫وترتبط الفروق يف حجم التمويل بعدد‬ ‫كرا�سي البحث فكلما زاد عدد هذه الكرا�سي‬ ‫كلما زادت معها فر�ص التمويل من قبل‬ ‫اجلهات املانحة ب�شكل خا�ص‪ ،‬مثلما �أن زيادة‬ ‫التمويل تزيد عدد الكرا�سي‪ .‬كما تلعب حقول‬ ‫االخت�صا�ص دوراً هام ًا يف ا�ستقطاب التمويل‪.‬‬

‫يال‬

‫هارفرد‬

‫‪0‬‬

‫ففي جامعة كاليفورنيا ترتفع ن�سبة عائدات‬ ‫الأوقاف التي تنفق على الدرا�سات املت�صلة‬ ‫بالقطاع ال�صحي‪ ،‬حيث بلغت ن�سبة الإنفاق على‬ ‫البحوث الطبية ‪ %25‬من جمموع امل�صاريف‬ ‫اجلارية للجامعة خالل العام ‪ ،2008‬وهي‬ ‫الن�سبة الأعلى مقارنة مع باقي امل�صاريف‬ ‫اجلارية للجامعة‪ ،‬يف حني �أن ‪ %30‬من الإنفاق‬ ‫على البحوث الطبية �أتى من تربعات وهبات ‪.3‬‬ ‫ويف بع�ض اجلامعات يرتفع حجم الوقف يف‬ ‫كلية الآداب والعلوم (‪)Arts and Sciences‬‬ ‫كما هي احلال يف جامعة هارفارد حيث بلغت‬ ‫ن�سبة حجم وقفيات هذه الكلية فيها ‪%42.6‬‬ ‫يف ال�سنة املالية ‪ 2008‬مقابل ‪ %11.7‬لكلية‬ ‫الطب بينما كانت �أدناها يف الربامج الإدارية‪.4‬‬ ‫وبالإ�ضافة �إىل البحوث والربامج‪ ،‬تنفق‬ ‫ن�سبة مئوية ترتاوح بني ‪ 3‬و‪ %5‬من عائدات‬ ‫الأوقاف يف املنح املقدمة لطالب اجلامعة‪،‬‬ ‫وبخا�صة يف �إطار ت�أمني تكاف�ؤ الفر�ص بني‬ ‫اجلن�سني‪ .‬ومن العوامل امل�ساهمة يف ا�ستقطاب‬

‫‪1‬‬ ‫‪http://www.nacubo.org/documents/research/NES2008PublicTable-AllInstitutionsByFY08MarketV‬‬ ‫‪Value.pdf‬‬ ‫‪http://www.alriyadh.com/2008/02/21/article319759.html 2‬‬ ‫‪http://www.universityofcalifornia.edu/finreports/index.php?file=/07-08/pdf/factsinbrief2008.pdf 3‬‬ ‫‪ 4‬التقرير املايل ال�سنوي ‪ 2008‬جلامعة هارفارد �ص‪ .39 .‬وقد مت جتميع املكتبة واملتاحف والتعليم امل�ستمر والأن�شطة الريا�ضية يف‬ ‫خانة كلية الفنون والعلوم وذلك يف تقرير ال�سنة املالية ‪.2008‬‬


‫الف�صل الرابع‬ ‫مناذج عاملية يف الوقفيات اجلامعية ‪215‬‬

‫�أموال الوقف عمر اجلامعة الذي يعترب م�ؤ�رشاً‬ ‫خلربتها وحجم اخلدمات التي قدمتها للمجتمع‬ ‫من خريجني و�أبحاث علمية ‪.1‬‬

‫التجربة الربيطانية‬

‫التـعليم‬

‫كما هي احلال يف اجلامعات الأمريكية‪،‬‬ ‫تتفاوت وقفيات اجلامعات الربيطانية ب�صورة‬ ‫كبرية من جامعة �إىل �أخرى كما يو�ضح ذلك‬ ‫الر�سم البياين ‪.2-4‬‬ ‫وتنق�سم وقفيات اجلامعات الربيطانية �إىل‬ ‫نوعني‪ :‬وقفيات الكليات التي تعترب م�ؤ�س�سات‬ ‫خريية (‪ )Charitable institutions‬تتمتع‬ ‫با�ستقاللية يف جمع و�إنفاق الأموال‪ ،‬ووقفيات‬ ‫اجلامعة ‪ .2‬ويكون الق�سم الأكرب من الوقفيات‬ ‫عادة خم�ص�ص ًا للجامعة‪ .‬ففي جامعة كامربيدج‬ ‫مث ً‬ ‫ال‪ ،‬تبلغ وقفيات الكليات ‪ %30‬مقابل ‪%70‬‬ ‫لوقفيات اجلامعة‪� .‬أما م�صدر التمويل الأ�سا�سي‬ ‫جلامعة كامربيدج فهي احلكومة كونها‬ ‫عال حكومية‪ ،‬تليها تربعات‬ ‫م�ؤ�س�سة تعليم ٍ‬ ‫من جمعيات خريية وم�ؤ�س�سات وطنية للبحث‬ ‫العلمي وخا�صة يف القطاع ال�صحي املتعلق‬

‫بالأمرا�ض املزمنة‪� .3‬أما جامعة �أك�سفورد‬ ‫فقد بلغت �إيراداتها الوقفية يف العام ‪2008‬‬ ‫حواىل ‪ 1.2‬مليون دوالر منها ‪ %35.3‬لكلياتها‬ ‫مقابل ‪ %64.6‬للجامعة‪ .‬و�أتت م�صادر متويل‬ ‫اجلامعة والكليات مع ًا خالل ال�سنة املالية‬ ‫‪ 2008‬على ال�شكل التايل‪ %38 :‬من م�ؤ�س�سات‬ ‫معظمها خريية تدعم البحوث العلمية‪%25 ،‬‬ ‫من املجل�س الأعلى لتمويل التعليم العايل يف‬ ‫�إنكلرتا‪ %15 ،‬من ر�سوم الطالب و‪ %22‬من‬ ‫�أن�شطة جتارية وا�ستثمارية‪ .4‬وهذا ما يبينّ‬ ‫ال�رشاكة بني املجتمع واحلكومة يف امل�ساهمة‬ ‫يف متويل اجلامعة يف النموذج الربيطاين‪.‬‬

‫التجربة الكندية‬

‫تت�صدر اجلامعات الكندية امل�صنفة‬ ‫«جمموعة الثالث ع�رشة»‪ ،‬املرتبة الأوىل جلهة‬ ‫حجم وقفياتها كجامعة الربتا وتورونتو‬ ‫وجامعة كولومبيا الربيطانية (‪British Col‬‬ ‫‪ .)lombia‬علم ًا ب�أن هذه اجلامعات تعتمد‬ ‫بالدرجة الأوىل على امل�ساعدات واملنح‬ ‫احلكومية يف متويل براجمها وتوفري امل�صاريف‬

‫ر�سم بياين ‪2-4‬‬ ‫ترتيب �أول خم�س م�ؤ�س�سات تعليم عالٍ يف بريطانيا بح�سب حجم وقفياتها (مليارات الدوالرات)‬

‫‪5‬‬

‫‪8.2‬‬

‫‪5.7‬‬

‫‪0.11‬‬

‫‪0.19‬‬

‫‪0.3‬‬

‫كلية كينكز‬

‫جامعة غال�سكو‬

‫جامعة �أدنربغ‬

‫‪9‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫جامعة �أوك�سفورد‬

‫جامعة كامربيدج‬

‫‪http://www.alriyadh.com/2008/02/21/article319759.html 1‬‬ ‫‪http://en.wikipedia.org/wiki/University_of_Cambridge#Finances 2‬‬ ‫‪http://www.medschl.cam.ac.uk/gppcru/userfiles/Publications/GPPCRU_AnnualReport200708.pdf 5‬‬ ‫‪http://www.ox.ac.uk 4‬‬ ‫‪ 5‬مت حتويل قيمة األوقاف من اجلنيه اإلسترليني إلى الدوالر األميركي بحسب متوسط سعر صرف اجلنيه مقابل الدوالر األميركي لسنة‬ ‫نشر التقرير املالي للجامعة‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 216‬للتنمية الثقافية‬

‫اجلارية كرواتب هيئة التدري�س مث ًال‪ .‬فقد بلغ‬ ‫حجم وقفيات جامعة كولومبيا الربيطانية يف‬ ‫ال�سنة املالية ‪ 2007‬حواىل مليار دوالر ‪ 1‬فيما‬ ‫بلغت �إيراداتها لتلك ال�سنة نحو ‪ 1.59‬مليون‬ ‫دوالر �أتى معظمها من منح حكومية (‪،)%48‬‬ ‫و‪ %7.7‬من هبات قدمتها جهات غري حكومية‬ ‫و�أدناها من عوائد اال�ستثمار (‪ .)%5‬ويف جامعة‬ ‫تورونتو تقدر قيمة الأوقاف بـ ‪ 1.9‬مليار دوالر‬ ‫يف ال�سنة املالية ‪ .2 2009‬و�أتت الن�سبة الأعلى‬ ‫يف تلك ال�سنة من م�ساعدات ومنح حكومية‬ ‫خم�ص�صة للطالب وذلك بن�سبة ‪ ،%34‬مقابل‬ ‫‪ %34‬من ر�سوم الطالب‪ ،‬و‪ %23‬من منح‬ ‫مقدمة من جهات غري حكومية والن�سبة الباقية‬ ‫(‪ )%9‬من املبيعات ‪ .3‬ونالحظ النمط نف�سه يف‬ ‫جامعات كندية �أخرى حيث يربز االعتماد على‬ ‫اجلهات احلكومية يف متويل التعليم العايل‪.‬‬ ‫وبح�سب التقرير املايل جلامعة الربتا لل�سنة‬ ‫املالية ‪ 2009‬فقد بلغ حجم وقفياتها نحو‬ ‫‪ 1.3‬مليار دوالر ‪ ،4‬حيث جاء متويل اجلامعة‬ ‫من جهات حكومية بن�سبة ‪ %64‬مقابل ‪%13‬‬ ‫من احلكومة الفيدرالية و‪ %51‬من احلكومة‬ ‫املحلية‪� .‬أما ن�سبة املنح والهبات من م�ؤ�س�سات‬ ‫غري حكومية فقد بلغت ن�سبتها ‪.%8‬‬

‫التجربة الأ�سرتالية‬

‫قدرت وقفيات جامعة �أ�سرتاليا الوطنية‬ ‫(‪ )Australian National University‬بح�سب‬ ‫التقرير املايل لعام ‪ 2007‬بـ ‪ 850‬مليون‬ ‫دوالر‪ ،‬يف حني بلغت �إيراداتها من الأوقاف‬ ‫(ا�ستثمارات‪ ،‬تربعات‪ ،‬منح حكومية) ‪32.2‬‬ ‫مليون دوالر يف تلك ال�سنة ‪ .5‬و�أتت معظم‬ ‫الإيرادات من اال�ستثمارات والهبات املقدمة‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪8‬‬

‫من جمعيات غري حكومية (‪ )%87.3‬توزعت‬ ‫كالتايل‪ %73.7 :‬من اال�ستثمارات‪ ،‬و ‪%13.6‬‬ ‫من التربعات من قبل اجلمعيات‪ ،‬وهذه ن�سبة‬ ‫مرتفعة �أي�ض ًا وم�ؤ�رش ملدى دعم املجتمع‬ ‫مل�ؤ�س�سات التعليم العايل احلكومية‪ .‬وكما‬ ‫�سرنى الحق ًا ف�إن جامعة �سيدين احلكومية‬ ‫تختلف عن جامعة ا�سرتاليا الوطنية ب�أن‬ ‫معظم وقفياتها تتغذى من الدعم احلكومي‪.‬‬ ‫�أما يف جامعة ملبورن اخلا�صة فقد بلغ حجم‬ ‫الوقفيات يف ال�سنة املالية ‪� 2007‬أكرث من مليار‬ ‫دوالر ‪ 6‬وهي قيمة قريبة من وقفيات زميالتها‬ ‫الكندية‪ .‬ومبا �أنها جامعة خا�صة فهي تعتمد‬ ‫على ر�سوم الطالب بن�سبة و�صلت يف ال�سنة‬ ‫املالية ‪� 2008‬إىل حواىل ‪ %80‬مقابل ‪%4‬‬ ‫ح�صلت عليها من تربعات ق ّدمتها جمعيات‬ ‫وهيئات غري حكومية ‪.7‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬درا�سة حالة جامعة هارفارد‬ ‫(الواليات املتحدة الأمريكية)‬ ‫�صورة عامة عن اجلامعة‬ ‫الإن�شاء‬

‫تعود ت�سمية جامعة هارفارد �إىل �أول‬ ‫مت ّربع لها‪ ،‬الق�س جون هارفارد املهاجر‬ ‫الربيطاين التي ترك ن�صف تركته ومكتبته‬ ‫اخلا�صة للجامعة عند وفاته‪ .‬وهي م�ؤ�س�سة‬ ‫مت ت�أ�سي�سها‬ ‫خا�صة غري ربحية (‪ّ )non-profit‬‬ ‫يف العام ‪ 1636‬عن طريق الت�صويت من قبل‬ ‫املجل�س النيابي العام ملحكمة م�ستعمرة خليج‬ ‫ما�سات�شو�ست�س يف الواليات املتحدة الأمريكية‬ ‫ومبنحة مالية منها ‪.8‬‬

‫‪http://www.treasury.ubc.ca/assets/pdf/endowment07s.pdf‬‬ ‫‪http://www.finance.utoronto.ca/Assets/reports/financial/2009.pdf‬‬ ‫‪http://www.finance.utoronto.ca/Assets/reports/financial/2009.pdf‬‬ ‫‪http://www.financial.ualberta.ca/pdf/StatementofOperations0809.pdf‬‬ ‫‪http://www.anu.edu.au/mac/images/uploads/Annual_Report_2007_for_web.pdf‬‬ ‫‪http://www.fpmagazine.com.au/files/uni-melb-endowment-report.pdf‬‬ ‫مت احت�ساب الن�سب املئوية من قبل الكاتب بح�سب �أرقام التقرير املايل لعام ‪.2008‬‬ ‫‪http://www.hno.harvard.edu/guide/intro/index.html‬‬


‫الف�صل الرابع‬ ‫مناذج عاملية يف الوقفيات اجلامعية ‪217‬‬

‫الطالب واخلريجون والهيئة التعليمية‬

‫الإدارة‬

‫الكليات والربامج‬

‫بلغ جمموع الطالب امل�سجلني‬

‫التـعليم‬

‫ت�ض ّم جامعة هارفارد ع ّدة كليات‬ ‫و«مدار�س» (‪ ،)Schools‬معظمها يف احلقول‬ ‫الإن�سانية‪ ،‬وواحدة للدرا�سات املتقدمة‬ ‫(رادكليف)‪ .‬وتوفّر ‪ 141‬مركزاً للأبحاث تتوزع‬ ‫على الكليات بن�سب متفاوتة‪� ،‬أكرب عدد لها جنده‬ ‫يف كلية الآداب والعلوم‪ ،‬تليها كلية الطب‪ ،‬كما‬ ‫ي�شري الر�سم البياين ‪.3-4‬‬ ‫ومن مرافق جامعة هارفارد احليوية‬ ‫جمموعة من املكتبات‪� .‬إذ ت�ض ّم اجلامعة حواىل‬ ‫‪ 80‬مكتبة فرعية حتتوي على ‪ 15.9‬مليون جمل ٍد‪،‬‬ ‫وحواىل ‪ 7.5‬ماليني �صورة فوتوغرافية وب�ضعة‬ ‫ماليني من اخلرائط والت�سجيالت ال�صوتية‬ ‫والأفالم‪ .‬وتعترب املكتبة الرئي�سية للجامعة‬ ‫من �أعرق املكتبات الأكادميية يف الواليات‬ ‫املتحدة و�أغناها يف العامل جلهة احتوائها على‬ ‫�أكرب جمموعة من الكتب واملجالت املتخ�ص�صة‬ ‫والت�سجيالت واخلرائط وغريها ‪ .1‬هذا بالإ�ضافة‬ ‫�إىل جمموعة من املتاحف واملرافق الأخرى‬ ‫التي ت�سهم يف م�ساندة �أن�شطة التعليم والبحث‬ ‫العلمي والتطوير‪.‬‬

‫طالب ًا يف ف�صل اخلريف لعام ‪ .2008‬ويرتكز‬ ‫معظم الطالب يف الدرا�سات العليا (‪10,401‬‬ ‫طالب) مقابل ‪ 7,156‬طالب ًا يف ال�شهادة‬ ‫اجلامعية الأوىل و‪ 2,763‬طالب ًا يف الدرجات‬ ‫املهنية (‪ .)Professional degrees‬ويبلغ عدد‬ ‫خريجي اجلامعة الأحياء ‪ 300,000‬متخرج‪،‬‬ ‫يقيم ‪ 250,000‬منهم يف الواليات املتحدة‬ ‫الأمريكية ويتو ّزع الباقون على ‪ 190‬بلداً يف‬ ‫�أنحاء العامل كافة‪ .‬ويعترب اخلريجون م�صدراً‬ ‫مهم ًا من م�صادر متويل اجلامعة ودعمها‪.‬‬ ‫�أما بالن�سبة لأع�ضاء هيئة التدري�س فقد‬ ‫بلغ عددهم ‪� 1909‬أ�ساتذة بالإ�ضافة �إىل �أ�ساتذة‬ ‫كلية الطب حيث بلغ عدد املتعاقدين والأ�ساتذة‬ ‫الزائرين فيها ما يقارب ‪� 10,000‬أ�ستاذ خالل‬ ‫ال�سنة الدرا�سية ‪ .2008-2007‬و�إذا اعتربنا �أن‬ ‫ه�ؤالء ي�شكّلون ‪� 2500‬أ�ستاذ متفرغ (�أي �أن وقت‬ ‫املتفرغ ي�ساوي �أربعة �أ�ضعاف وقت املتعاقد)‬ ‫و�أ�ضفنا هذا العدد �إىل عدد املتفرغني نح�صل‬ ‫على ما جمموعه ‪� 4409‬أ�ساتذة متفرغني‪،‬‬ ‫فيكون معدل الطالب للأ�ستاذ الواحد ‪ 4.6‬على‬ ‫�أكرث تقدير‪.‬‬

‫يف جامعة هارفارد بلغ‬ ‫جمموع الطالب امل�سجلني‬ ‫طالب ًا يف ف�صل اخلريف لعام ‪،2008‬‬ ‫بينما يوجد ‪� 4409‬أ�ساتذة متفرغني‪،‬‬ ‫فيكون مع ّدل الطالب للأ�ستاذ‬ ‫الواحد ‪ 4.6‬على �أكرث تقدير‪.‬‬ ‫‪20,320‬‬

‫ال�سلطة العليا يف جامعة هارفارد تتمثل‬

‫‪20,320‬‬

‫ر�سم بياين ‪3-4‬‬ ‫توزع مراكز الأبحاث بح�سب الكليات يف جامعة هارفارد‬ ‫‪40‬‬ ‫‪32‬‬

‫‪17‬‬

‫‪13‬‬

‫‪6‬‬

‫ال�صحة‬ ‫العامة‬

‫القانون‬

‫الطب‬

‫‪9‬‬

‫‪7‬‬

‫‪10‬‬

‫احلكومة‬

‫الهند�سة‬ ‫والعلوم‬ ‫التطبيقية‬

‫الرتبية‬

‫‪3‬‬

‫‪4‬‬

‫الالهوت‬

‫الت�صميم‬

‫�إدارة‬ ‫الأعمال‬

‫الأداب‬ ‫والعلوم‬

‫‪45‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪0‬‬

‫‪ 1‬التقرير ال�سنوي ‪� ،2007-2008‬ص‪http://en.wikipedia.org/wiki/Harvard_University_Library :32 .‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 218‬للتنمية الثقافية‬

‫يف جمل�سني‪ ،‬جمل�س الإدارة (�أو �رشكة هارفارد)‬ ‫وجمل�س امل�رشفني‪ .‬يت�ألف جمل�س امل�رشفني‬ ‫(‪ )Board of Overseers‬من ‪ 30‬ع�ضوا‪ ،‬مبن‬ ‫فيهم رئي�س اجلامعة و�أمني ال�صندوق‪ ،‬ينتخبون‬ ‫من قبل خريجي اجلامعة ومعهد رادكليف‬ ‫للدرا�سات املتقدمة‪ .‬ويتمتع جمل�س امل�رشفني‬ ‫ب�صفة االئتمان (‪ )Fiduciary‬حيث يقوم من‬ ‫خالل جلانه الدائمة مبهام االطالع والإ�رشاف‬ ‫على ال�سيا�سات والأن�شطة التعليمية للجامعة‬ ‫واملوافقة على الإجراءات الهامة للجامعة بعد‬ ‫در�سها‪ .‬ويتحمل هذان املجل�سان م�س�ؤولية‬ ‫اتخاذ القرارات املتعلقة بالتدري�س واملناهج‬ ‫والتعيينات الإدارية‪ .‬ويدير اجلامعة جمل�س‬ ‫مديرين (‪ )Board of Directors‬يدعى «جمل�س‬ ‫ت�سيري �رشكة هارفارد» (‪Harvard Managem‬‬ ‫‪ .)ment Company‬وهو جمل�س منتخب من‬ ‫قبل �رشكة هارفارد‪ .‬وبالإ�ضافة �إىل ع�ضوية‬ ‫الرئي�س و�أمني ال�صندوق يف ال�رشكة ويف‬ ‫جمل�س امل�رشفني معا‪ ،‬ف�إنهما ي�شاركان يف‬ ‫جمل�س ت�سيري �رشكة هارفارد ك�أع�ضاء بحكم‬ ‫ر�سم بياين ‪4-4‬‬ ‫هيكلية الإ�رشاف يف جامعة هارفارد‬

‫�رشكة هارفارد وجمل�س‬ ‫امل�رشفني‬

‫من�صبهم (‪ .)ex-officio‬وقد درج التقليد على �أن‬ ‫ير�أ�س �أمني ال�صندوق اجتماعات جمل�س �إدارة‬ ‫�رشكة ت�سيري هارفارد‪ .‬ويلخ�ص الر�سم البياين‬ ‫‪ 4-4‬هيكلية الإ�رشاف‪ ،‬حيث نالحظ �أن مكانة‬ ‫الرئي�س تقع حتت جمل�سي الإدارة وفوق جمل�س‬ ‫�رشكة ت�سيري هارفارد‪ ،‬وهذا يعني �أن الرئي�س‬ ‫ال يدير ال�ش�ؤون الإجرائية اليومية يف اجلامعة‬ ‫بل ي�رشف عليها‪ ،‬وكذا حال املدبر(‪.)Provost‬‬ ‫وتعترب �رشكة ت�سيري هارفارد وحدة‬ ‫م�ستقلة قائمة بح ّد ذاتها‪ ،‬وهي التي تدير‬ ‫وقفية اجلامعة‪ .‬ويقوم جمل�س ت�سيري �رشكة‬ ‫هارفارد مبهامه من خالل خم�س جلان دائمة‬ ‫‪1‬‬

‫‪Standing committees‬‬

‫التمويل‬ ‫ن�شوء الوقف‬

‫قامت جامعة هارفارد منذ ت�أ�سي�سها على‬ ‫املنح والهبات فهي ت�أ�س�ست �أ�ص ًال مبنحة مالية‬ ‫من حمكمة م�ستعمرة خليج ما�سات�شو�ست�س‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫رئي�س اجلامعة‬ ‫واملدير‬

‫الت�رشيفات‬

‫�أمني ال�صندوق‬

‫�رشكة ت�سيري‬ ‫هارفارد‬

‫مكتبة‬ ‫اجلامعة‬

‫�أنظمة‬ ‫املعلوماتية‬

‫اخلدمات ال�صحية‬

‫نائب الرئي�س‬ ‫امل�شارك‬

‫الأمني العام‬

‫‪http://vpf-web.harvard.edu/budget/factbook/95-96/page2.html 1‬‬ ‫‪ 2‬جلنة التعوي�ضات (‪ ،)Compensation committee‬جلنة تر�شيح وحكم ال�رشكة (‪nominating/corporate governance‬‬ ‫‪ ،)committee‬جلنة املال (‪ ،)Finance committee‬جلنة ا�ست�شارة اال�ستثمار (‪ ،)Investment advisory committee‬وجلنة‬ ‫التثمني والتقييم (‪.)Valuation and benchmark committee‬‬


‫الف�صل الرابع‬ ‫مناذج عاملية يف الوقفيات اجلامعية ‪219‬‬

‫م�صادر التمويل و�إدارتها‬

‫تدير وقفيات جامعة هارفارد و�أ�صولها‬ ‫(‪ )Assets‬ح�رصي ًا �رشكة متلكها اجلامعة (‪Harv‬‬ ‫مت �إن�شا�ؤها‬ ‫‪ّ )vard Management Company‬‬ ‫العام ‪ 1974‬وتوىل من�صب رئي�سها التنفيذي‬ ‫حممد العريان خالل فرتة ‪ .2008-2005‬ويف‬ ‫عام ‪ 2009‬تولت جاين منديلو (‪Jane Mendill‬‬ ‫‪ )lo‬رئا�سة ال�رشكة‪ .‬ويعمل يف ال�رشكة حواىل‬ ‫‪ 180‬موظف ًا وتتوزع حمفظتها اال�ستثمارية‬ ‫على ‪ 12‬قطاع ًا يف الأ�سواق الأمريكية و�أ�سواق‬ ‫�أخرى ناه�ضة (‪ )Emerging markets‬البع�ض‬ ‫منها يتم ّتع بعوائد ثابتة كال�سندات والأوراق‬ ‫املالية و�أخرى متغرية كال�سلع والعقارات‬ ‫واملن�ش�آت الزراعية ‪ .1‬والأ�صول التي تديرها‬ ‫‪2‬‬ ‫ال�رشكة هي حواىل ‪� 11,600‬صندوق خمتلف‬ ‫معظمها مق ّيد لأغرا�ض حمددة يقوم بتغذية‬ ‫العديد من مرافق اجلامعة الأكادميية والبحثية‬ ‫ولكرا�سي الأ�ستاذية يف جماالت حمددة ‪.3‬‬ ‫وبح�سب تقرير جامعة هارفارد لل�سنة‬ ‫املالية ‪ ،2008‬فقد بلغ حجم وقفيات اجلامعة‬ ‫‪ 36,9‬مليار دوالر �أمريكي يف ‪ 30‬حزيران من‬ ‫ال�سنة املالية ‪ ،2008‬منها ‪ %16‬غري مق ّيدة‬ ‫تت�رصف بها اجلامعة بح�سب �سيا�ستها املالية‪،‬‬ ‫و‪ %71‬مق ّيدة ب�شكل م�ؤقت ت�ستخدم كاحتياط‬ ‫و‪ %13‬مق ّيدة ت�شرتط اجلهة املانحة يف‬ ‫ا�ستخدامها لأغرا�ض حم ّددة وعادة ما تكون‬ ‫ومنح ًا للطالب ‪� .4‬أما جمموع �إيرادات‬ ‫م�ساعدات ِ‬ ‫اجلامعة حتى ‪ 30‬حزيران من ال�سنة املالية‬ ‫‪ 2008‬فقد بلغ ‪ 3.5‬مليار دوالر‪� ،‬أتى معظمها‬

‫التـعليم‬

‫ولعل �أول هبة عينية قدمت للجامعة كانت‬ ‫عقاراً مق ّدم ًا من الق�س جون هارفارد حيث‬ ‫�شيدت مكتبة اجلامعة الرئي�سية على ق�سم من‬ ‫هذا العقار بالإ�ضافة �إىل مكتبته اخلا�صة الذي‬ ‫تربع بها للجامعة‪ ،‬ورمبا كان هذا �أول وقف‬ ‫من النوع املايل (‪)Financial endowment‬‬ ‫الذي يت�ضمن وهب ممتلكات لفرتة طويلة‬ ‫وتر�سخ تقليد الهبات والهدايا واملنح يف‬ ‫الأمد‪ّ .‬‬ ‫جامعة هارفارد منذ ت�أ�سي�سها‪ ،‬وهو تقليد درج‬ ‫يف الواليات املتحدة الأمريكية وارتبط بالعمل‬ ‫اخلريي والتطوعي للمب�رشين امل�سيحيني الذين‬ ‫�أ�سهموا يف دفع هذا التقليد باجتاه م�ساعدة‬ ‫ال�رشائح الفقرية يف املجتمع‪ .‬ولكن هذا التقليد‬ ‫ا ّتخذ طابع ًا خمتلف ًا يف جامعة هارفارد‪� .‬إذ‬ ‫ي�شري مقال يحمل عنوان «زيادة �أموال الوقف‬ ‫لهارفارد» (‪The increased endowment of‬‬ ‫‪ )Harvard college‬ن�رشته جملة العلوم (‪Scie‬‬ ‫‪ )ence‬يف عددها ‪ 543‬ال�صادر عام ‪،1905‬‬ ‫ح�صول جامعة هارفارد على ‪ 1,800,000‬دوالر‬ ‫لزيادة وقفياتها وا�ستخدامها يف زيادة رواتب‬ ‫�أع�ضاء الهيئة التعليمية يف اجلامعة‪� ،‬أي نوع‬ ‫من الوقف املق ّيد (‪)Restricted endowment‬‬ ‫الذي ي�ستخدم لغر�ض م ّعني‪ .‬ويوجز املقال‬ ‫عري�ضة موقعة من الرئي�س الأمريكي الأ�سبق‬ ‫روزفلت وهو �أحد خريجي جامعة هارفارد‬ ‫واملطران وليم لورن�س تدعو �إىل ا�ستثمارات‬ ‫�إ�ضافية لأموال الوقف داعية خريجي هارفارد‬ ‫وا�صدقاءها لعدم ال�سماح بح�صول املدر�سني‬ ‫يدر�سون �أوالدهم على رواتب متوا�ضعة‪.‬‬ ‫الذين ّ‬ ‫وت�ضيف العري�ضة ب�رضورة متايز �أع�ضاء الهيئة‬ ‫التعليمية يف جامعة هارفارد عن زمالئهم يف‬ ‫م�ؤ�س�سات التعليم العايل كافة يف الواليات‬ ‫املتحدة‪� .‬إذ على ه�ؤالء �أداء واجبهم ودورهم‬ ‫بعيدا عن ال�ضغوط املعي�شية التي تعيق حتقيق‬ ‫ر�سالتهم الأكادميية من خالل تعزيز اجلامعة‬

‫لرواتبهم وتوفري فر�ص ترقيتهم‪ .‬وعلى �صعيد‬ ‫م�ساعدة الطالب‪ ،‬فقد �أُن�شئ �أول �صندوق للمنح‬ ‫الدرا�سية يف العام ‪ 1643‬مع هدية من ال�سيدة‬ ‫�آن رادكليف لدعم الطالب املتفوقني وحتفيزهم‬ ‫على موا�صلة متايزهم الأكادميي‪.‬‬

‫يت�ض ّمن مقال يحمل عنوان‬ ‫«زيادة �أموال الوقف لهارفارد»‬ ‫ن�رشته جملة العلوم عام ‪،1905‬‬ ‫عري�ضة موقعة من الرئي�س‬ ‫الأمريكي الأ�سبق روزفلت وهو �أحد‬ ‫خريجي جامعة هارفارد تدعو‬ ‫خريجي هارفارد وا�صدقاءها‬ ‫لعدم ال�سماح بح�صول املدر�سني‬ ‫يدر�سون �أوالدهم على رواتب‬ ‫الذين ّ‬ ‫متوا�ضعة‪ .‬وت�ضيف العري�ضة‬ ‫ب�رضورة متايز �أع�ضاء الهيئة‬ ‫التعليمية يف جامعة هارفارد‬ ‫عن زمالئهم يف م�ؤ�س�سات التعليم‬ ‫العايل كافة يف الواليات املتحدة‪.‬‬ ‫�إذ على ه�ؤالء �أداء واجبهم ودورهم‬ ‫بعيدا عن ال�ضغوط املعي�شية التي‬ ‫تعيق حتقيق ر�سالتهم الأكادميية‬ ‫من خالل تعزيز اجلامعة لرواتبهم‬ ‫وتوفري فر�ص ترقيتهم‪.‬‬

‫‪ 1‬ال�سعدون‪ ،‬عبد الوهاب‪ .)2009( .‬هل يتم توظيف «الوقف» لالرتقاء ب�أداء اجلامعات الوطنية؟ الإلكرتونية االقت�صادية‪ ،‬عدد ‪5656‬‬ ‫(‪.) http://www.aleqt.com/2009/04/06/article_212437.html‬‬ ‫‪2‬‬

‫تتخ�ص�ص ال�صناديق الوقفية بخدمة غر�ض معني‪� .‬أما املحفظة فهي �أموال ت�ستخدمها ال�رشكة لال�ستثمار‪.‬‬

‫‪Harvard University Fact Book, 2007-2008 3‬‬ ‫‪Financial endowment - Wikipedia, the free encyclopedia.mht 4‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 220‬للتنمية الثقافية‬

‫(‪ )%34‬من وقفيات اجلامعة والباقي هو عبارة‬ ‫عن منح مق ّدمة من م�ؤ�س�سات غري حكومية‪� ،‬أما‬ ‫الر�سوم (�أق�ساط الطالب) فت�شكّل ‪ %20‬فقط كما‬ ‫يتبينّ ذلك من الر�سم البياين ‪.5-4‬‬ ‫وت�شكّل الوقفيات غري املق ّيدة واملق ّيدة‬ ‫م�ؤقت ًا ما ن�سبته ‪ %87‬مقابل ‪ %13‬لتلك‬ ‫املق ّيدة والتي ت�ستخدم لأغرا�ض حم ّددة‬ ‫يوافق عليها جمل�س الإدارة‪ ،‬الأمر الذي ي�شري‬ ‫�إىل م�ساحة وا�سعة من احلرية للت�رصف مبال‬ ‫ر�سم بياين ‪: 5-4‬‬ ‫توزيع �إيرادات جامعة هارفارد للعام املايل حتى ‪ 30‬حزيران عام ‪2008‬‬

‫‪4٪‬‬ ‫م�ؤ�س�سات غير حكومية وعقود ا�ستثمارية‬ ‫�أق�ساط الطالب‬

‫‪20٪‬‬

‫‪1‬‬

‫‪15٪‬‬

‫هدايا‬ ‫�أوقاف‬

‫‪7٪‬‬

‫‪20٪‬‬

‫تقديمات �أخرى‬ ‫منح حكومية وعقود ا�ستثمارية‬

‫ر�سم بياين ‪6-4‬‬ ‫اوجه االنفاق يف جامعة هارفارد‬

‫‪34٪‬‬

‫‪2‬‬

‫دعم م�ؤ�س�سي‬ ‫خدمات طالبية‬

‫‪18٪‬‬

‫منح للطالب‬

‫‪4٪‬‬

‫�أبحاث‬

‫‪3٪‬‬

‫تعليم‬ ‫مكتبات‬ ‫دعم �أكاديمي‬ ‫خدمات �إ�ضافية‬

‫‪12٪‬‬ ‫‪13٪‬‬ ‫‪6٪‬‬

‫‪16٪‬‬ ‫‪28٪‬‬

‫الوقف‪ .‬ويف العادة يت ّم تخ�صي�ص ‪ %5‬من‬ ‫عوائد اال�ستثمار التي حتققها �رشكة هارفارد‬ ‫�سنويا من وقفياتها للم�ساهمة يف ميزانية‬ ‫اجلامعة الت�شغيلية (‪ )Operating‬للجامعة‬ ‫والفائ�ض يعاد ا�ستثماره من قبل ال�رشكة‬ ‫لتعزيز الأ�صول اال�ستثمارية لل�رشكة و�ضمان‬ ‫تعوي�ض �أي خ�سائر قد تنتج عن الت�ضخم �أو‬ ‫الرتاجع االقت�صادي (‪.)Recession‬‬

‫الإنفاق‬

‫بلغ جمموع الإنفاق ‪ 3.5‬مليار دوالر‬ ‫لل�سنة املالية حتى ‪ 30‬حزيران ‪ ، 2008‬وكانت‬ ‫�أعلى ن�سبة منها موجهة نحو قطاع التعليم‬ ‫موجهة نحو‬ ‫(‪ )%28‬فيما كانت �أدنى ن�سبة ّ‬ ‫منح الطالب (‪ )%3‬علم ًا ب�أن ن�سبة منح الطالب‬ ‫قد زادت من العام ‪� 2001‬إىل ‪ 2008‬بن�سبة‬ ‫‪ ،%94‬من ‪ 156‬مليون دوالر عام ‪� 2001‬إىل‬ ‫‪ 302‬مليون دوالر عام ‪ .2008‬كما يالحظ �أن‬ ‫املخ�ص�صات املوجهة للبحوث تبلغ ‪ %16‬من‬ ‫جمموع النفقات (الر�سم البياين ‪.)6-4‬‬ ‫وي�شمل قطاع التعليم رواتب الهيئة‬ ‫التعليمية ونفقات امل�شاركة يف امل�ؤمترات‬ ‫املحلية والدولية‪ ،‬و�أن�شطة مرتبطة بتطوير‬ ‫الهيئة التعليمية‪� .‬أما الإنفاق على البحوث‬ ‫العلمية املدعومة (‪)Sponsored research‬‬ ‫فقد بلغ ‪ 630.113‬مليون دوالر ‪ .3‬هذا املبلغ‬ ‫مت احل�صول على ‪ %81‬منه من م�صادر‬ ‫فيدرالية (مث ًال وزارة الدفاع‪ ،‬م�ؤ�س�سات طبية‬ ‫وطنية‪ ،‬وزارة اخلارجية‪ ،‬وزارة الطاقة‪ ،‬وزارة‬ ‫التجارة‪ ،‬وكالة التنمية الدولية)‪� .‬أما امل�صادر‬ ‫غري الفيدرالية (�رشكات‪ ،‬م�ؤ�س�سات الأبحاث‪،‬‬ ‫م�ست�شفيات‪ ،‬م�ؤ�س�سات خمتلفة) ف�ساهمت‬ ‫بن�سبة ‪ .%19‬وفيها احتلت «امل�ؤ�س�سات‬ ‫الداعمة» (‪ )Foundations‬املرتبة الأوىل‪ ،‬وذلك‬ ‫بن�سبة ‪ %61.3‬بينما جاءت يف املرتبة الأخرية‬ ‫«م�ؤ�س�سات الأبحاث» (‪ .)%3.2‬وهذا يعني �أن‬

‫‪http://www.provost.harvard.edu/institutional_research/FB2008_09_IncExp.pdf 1‬‬

‫‪ 2‬امل�صدر نف�سه‪.‬‬ ‫‪ 3‬هذا املبلغ ال ينفق كله على الأبحاث بل يحول ق�سم �صغري منه لال�ستخدام يف م�شاريع �أخرى كتطوير املتاحف كمتحف ارنولد اربوريتوم‪،‬‬ ‫مثال‪ ،‬لذلك هو ي�شكل ‪ %18‬من املوازنة ولي�س ‪ %16‬كما ورد يف الر�سم البياين‪.‬‬


‫الف�صل الرابع‬ ‫مناذج عاملية يف الوقفيات اجلامعية ‪221‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬درا�سة حالة جامعة �سيدين‬ ‫(�أ�سرتاليا)‬ ‫�صورة عامة عن اجلامعة‬ ‫الإن�شــاء‬

‫التـعليم‬

‫امل�صادر احلكومية غري غائبة يف النموذج‬ ‫الأمريكي عن تغذية �إيرادات اجلامعة‪ ،‬على‬ ‫الأقل عن طريق العقود البحثية‪.‬‬ ‫خال�صة الأمر حول جامعة هارفارد‬ ‫�أنها تعترب من �أغنى م�ؤ�س�سات التعليم العايل‬ ‫يف العامل من حيث قيمة �أوقافها و�أ�صولها‬ ‫وا�ستثماراتها املتعددة‪ ،‬ف�إذا احت�سبنا امليزانية‬ ‫ال�سنوية (‪ 3.5‬مليار) على عدد الطالب (‪)20,320‬‬ ‫يكون الإنفاق على الطالب الواحد ‪ 5.8‬مليون‬ ‫دوالر‪ ،‬وهو رقم «فلكي» بالنظر �إىل ما نعرفه‬ ‫من �أرقام يف املنطقة العربية‪ .‬ومن امللفت �أن‬ ‫هذه اجلامعة ت�ستخدم ما يقرب من ‪ %5‬فقط‬ ‫من عوائد وقفياتها وثلث ميزانيتها يف الإنفاق‬ ‫على الت�شغيل (‪ ،)Operational expenses‬فيما‬ ‫يذهب الثلثان الآخران للنفقات اال�ستثمارية‪.‬‬ ‫وهذا ما يعادل ن�سبي ًا رقم الإنفاق على الطالب‬ ‫الذي ا�ستخرجناه �أعاله‪ .‬وقد �أ�سهمت �سيا�سة‬ ‫ا�ستثمار �أ�صول اجلامعة وا�ستدراج الهبات‬ ‫واملنح من اجلهات املانحة املتعددة يف ت�أمني‬ ‫عوائد ت�ستخدم يف ا�ستقطاب �أف�ضل الأ�ساتذة‬ ‫وتقدمي املنح للطالب املتفوقني وتغذية‬ ‫مكتبات اجلامعة ومرافقها بو�سائل وم�صادر‬ ‫خمتلفة ت�سهم يف تطوير التعليم والبحث العلمي‬ ‫واملحافظة على �صفة التميز الأكادميي التي‬ ‫اكت�سبتها اجلامعة منذ �إن�شائها‪ .‬وتعد جتربة‬ ‫جامعة هارفارد منوذجا رائدا يف ت�أمني‬ ‫التمويل الذاتي‪ ،‬ويف متيزها كجامعة «موجهة‬ ‫للبحوث» (‪ ،)research oriented‬حيث يكون‬ ‫حجم طلبة الدرا�سات العليا �أكرب من حجم‬ ‫طالب الدرا�سات اجلامعية‪ ،‬وحيث يتقا�ضون‬ ‫املنح بدل �أن يدفعوا ر�سوم ًا‪ ،‬وحيث ن�سبة‬ ‫عالية من الهيئة التعليمية مك ّونة من باحثني‬ ‫متفرغني �أو �شبه متفرغني �أو من �أكادمييني‬ ‫زائرين بدعوة من اجلامعة‪.‬‬ ‫على �أنه جتدر الإ�شارة �إىل املخاطر‬ ‫واخل�سائر التي تكبدتها �رشكة هارفارد‬ ‫خالل الأزمة املالية العاملية الأخرية‪ .‬فمثال‪،‬‬

‫يف �أواخر العام املا�ضي �أعلنت هارفارد �أن‬ ‫�أوقافها خ�رست ‪ %22‬من قيمتها �أو قرابة‬ ‫ثمانية مليارات دوالر يف الأربعة �شهور‬ ‫الأوىل من ال�سنة املالية التي بد�أت يف‬ ‫متوز‪ .2008‬وكانت لهذه اخل�سارة تداعيات‬ ‫مهمة على �صعيد الإنفاق على اجلامعة‪ .‬فعلى‬ ‫�سبيل املثال‪� ،‬أعلنت رئي�سة اجلامعة ‪Drew‬‬ ‫‪� Gilpin Faust‬أنها تتوقع �أن يخ�رس وقف‬ ‫هارفارد ‪ %30‬من قيمته خالل العام املايل‬ ‫‪ 2009/2008‬وحتقيق �أ�سو�أ �إيرادات خالل ‪40‬‬ ‫قررت اجلامعة‬ ‫عام ًا‪ .‬وللح ّد من ن�سب الإنفاق ّ‬ ‫�أن تطلق برناجم ًا للتقاعد املبكر الطوعي لنحو‬ ‫‪ 1600‬من موظفيها‪ ،‬وتخف�ض حواىل ‪ %25‬من‬ ‫‪1‬‬ ‫موظفيها وترفع الر�سوم بن�سبة ‪. %3.5‬‬ ‫وعلى الرغم من ذلك فقد �أثبت منوذج‬ ‫جامعة هارفارد فعاليته يف رفع حجم‬ ‫الإيرادات ب�صورة هائلة‪ ،‬ويف تنويع م�صادر‬ ‫التمويل مب�شاركة املجتمع كجهة مانحة و�إقالل‬ ‫ح�صة ر�سوم الطالب‪ ،‬ويف �إدارة الوقفية‪ ،‬ويف‬ ‫توجيه الإنفاق نحو متيز اجلامعة الأكادميي‬ ‫والبحثي‪.‬‬

‫يف �أواخر العام املا�ضي �أعلنت‬ ‫هارفارد �أن �أوقافها خ�رست‬ ‫‪ %22‬من قيمتها �أو قرابة ثمانية‬ ‫مليارات دوالر يف الأربعة �شهور‬ ‫الأوىل من ال�سنة املالية التي بد�أت‬ ‫يف متوز‪ .2008‬وكانت لهذه اخل�سارة‬ ‫تداعيات مهمة على �صعيد الإنفاق‬ ‫على اجلامعة‪ .‬وللح ّد من ن�سب‬ ‫قررت اجلامعة �أن تطلق‬ ‫الإنفاق ّ‬ ‫برناجم ًا للتقاعد املبكر الطوعي‬ ‫لنحو ‪ 1600‬من موظفيها‪ ،‬وتخف�ض‬ ‫حواىل ‪ %25‬من موظفيها وترفع‬ ‫الر�سوم بن�سبة ‪%3.5‬‬

‫يف عام ‪ 1848‬ق ّدم وليام ونتوورث‬ ‫‪ ،William Wentworth‬ال�شاعر وال�سيا�سي‬ ‫الأ�سرتايل و�أحد دعاة احلكم الذاتي للم�ستعمرات‬ ‫الربيطانية يف �أ�سرتاليا‪ ،‬اقرتاح ًا ب�إن�شاء‬ ‫جامعة حكومية يف والية جمل�س ويلز‬ ‫الت�رشيعي‪ .‬وتركّز اقرتاحه على �أهمية قيام‬ ‫ّ‬ ‫جامعة حكومية تتالءم مع تطلعات املجتمع‬ ‫نحو حتقيق اال�ستقالل واحلكم الذاتي‪ .2‬وتكللت‬ ‫خطة وينتوورث بت�أ�سي�س جامعة �سيدين‬ ‫(‪ )The University of Sydney‬يف ‪ 1‬ت�رشين‬ ‫الأول عام ‪ 1850‬مبوجب قانون ت�أ�سي�سي‬

‫‪http://dealbook.blogs.nytimes.com/2009/02/09 1‬‬ ‫‪http://en.wikipedia.org/wiki/William Wentworth 2‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 222‬للتنمية الثقافية‬ ‫(‪Act‬‬

‫‪ )Incorporation‬بهدف ن�رش املعرفة الكليات والربامج‬

‫وتعزيزها وت�شجيع �سكان نيو �ساوث ويلز‬ ‫(‪ )New South Wales‬على التعلم من خالل‬ ‫منهج علمي ليربايل‪ .‬بد�أت اجلامعة بالتدري�س‬ ‫الفعلي يف �شباط عام ‪ 1852‬يف مبنى �صغري‬ ‫�ش ّيد يف مزرعة يف مدينة �سيدين‪ .‬وهي تعترب‬ ‫من �أقدم و�أعرق اجلامعات يف �أ�سرتاليا وحتظى‬ ‫اليوم بع�ضوية جمموعة �أف�ضل ثماين جامعات‬ ‫بحثية وتعليمية يف �أ�سرتاليا‪� ،‬إىل جانب تبوئها‬ ‫با�ستمرار املراتب املتقدمة بني اجلامعات يف‬ ‫ك ّل من �أ�سرتاليا ودول �آ�سيا واملحيط الهادئ‪.‬‬

‫الطابع القانوين‬

‫على الرغم من الطابع احلكومي جلامعة‬ ‫�سيدين‪ ،‬فهي تتمتع مبالمح نظام ال�رشكة‬ ‫كما ورد يف القانون الت�أ�سي�سي‪ .‬ومبوجب‬ ‫هذا القانون يحق للجامعة ممار�سة الأن�شطة‬ ‫التجارية مبا فيها اال�ستثمار والأن�شطة املتعلقة‬ ‫بتطوير �أي مرفق �أو مورد �أو �أ�صول متتلكها‬ ‫اجلامعة‪ .‬وتهدف هذه ال�رشكة �إىل توفري التعليم‬ ‫العايل والقيام بالأن�شطة البحثية‪ .‬ويف الوقت‬ ‫نف�سه تعترب اجلامعة‪ ،‬بحكم قانون والية نيو‬ ‫�ساوث ويلز‪ ،‬حمكومة ب�أهداف العمل اخلريي‬ ‫�أي بحق احل�صول على م�ساعدات من م�ؤ�س�سات‬ ‫خريية‪.‬‬

‫تت�ألف جامعة �سيدين من ‪� 10‬أحرام‬ ‫جامعية وت�ضم ‪ 16‬كلية‪ .‬وهناك �أي�ض ًا ‪62‬‬ ‫مركزاً للأبحاث تتوزع على العديد من حقول‬ ‫االخت�صا�ص كما يت�ضح يف الر�سم البياين‬ ‫‪ .7-4‬ويبينّ هذا الر�سم تركّز �أكرب عدد من مراكز‬ ‫الأبحاث يف جماالت العلوم والطب مقارنة مع‬ ‫عدد املراكز يف جماالت �إدارة الأعمال والرتبية‬ ‫واخلدمة االجتماعية‪.‬‬ ‫ومن مرافق جامعة �سيدين احليوية‬ ‫‪ 17‬مكتبة ت�ض ّم �أكرث من ‪ 5.2‬ماليني كتاب‬ ‫و‪ 68,000‬جملة �إلكرتونية و‪ 35,000‬كتاب‬ ‫�إلكرتوين‪ .‬وتعترب مكتبات جامعة �سيدين من‬ ‫�أقدم و�أغنى املكتبات الأكادميية يف �أ�سرتاليا‪.‬‬ ‫والإ�ضافة �إىل املكتبات هناك ثالثة متاحف‬ ‫حتتوي على �أثريات وخمطوطات حول تاريخ‬ ‫ال�سكان الأ�صليني يف ا�سرتاليا وقد بلغ عدد‬ ‫زائري هذه املتاحف ‪ 71,892‬زائراً خالل ال�سنة‬ ‫الدرا�سية ‪.2008-2007‬‬

‫الطالب والهيئة التعليمية واخلريجون‬

‫خالل العام الدرا�سي ‪ 2008-2007‬بلغ عدد‬ ‫الطالب امل�سجلني يف جامعة �سيدين ‪46,054‬‬ ‫طالب ًا‪ ،‬توزعوا على ال�شكل التايل‪30.705 :‬‬ ‫طالب يف ال�شهادة الأوىل (‪ )%67‬و ‪15.349‬‬ ‫يف الدرا�سات العليا (‪ .)%33‬وبلغ عدد خريجي‬

‫ر�سم بياين ‪7-4‬‬ ‫توزع مراكز الأبحاث يف جامعة �سيدين‬ ‫‪10‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪7‬‬

‫‪6‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫‪3‬‬

‫‪4‬‬

‫‪3‬‬

‫‪1‬‬ ‫�صيدلة‬

‫طب‬

‫قانون‬

‫تربية‬ ‫هند�سة‬ ‫علوم‬ ‫�صحية ومعلوماتية وخدمة‬ ‫اجتماعية‬

‫�إدارة �أعمال‬

‫فنون‬

‫ت�صميم‬ ‫وتخطيط‬

‫زراعة‬ ‫وموارد‬ ‫طبيعية‬

‫مراكز‬ ‫اجلامعة‬

‫‪12‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬


‫الف�صل الرابع‬ ‫مناذج عاملية يف الوقفيات اجلامعية ‪223‬‬ ‫يج‪%70 ،‬‬ ‫خر ٍ‬ ‫جامعة �سيدين الأحياء ‪ّ 250.000‬‬

‫منهم يقيمون يف �أ�سرتاليا‪ ،‬فيما يتوزع الباقون‬ ‫على دول عديدة‪ .‬ويعترب ه�ؤالء بح�سب التقرير‬ ‫ال�سنوي للجامعة م�صدراً مهم ًا من م�صادر‬ ‫دعم اجلامعة و�أن�شطتها‪ .‬وباالنتقال �إىل هيئة‬ ‫التدري�س‪ ،‬فقد بلغ عدد الأ�ساتذة العاملني خالل‬ ‫العام الدرا�سي نف�سه ‪� 2796‬أ�ستاذاً‪ .‬فيكون‬ ‫مع ّدل الطالب للأ�ستاذ الواحد ‪.16.5‬‬

‫رئي�س‬ ‫ق�سم‬ ‫العمليات‬

‫م�ساعد‬ ‫نائب‬ ‫الم�ست�شار‬

‫م�ساعد‬ ‫نائب‬ ‫الم�ست�شار‬

‫متويل اجلامعة‬

‫قامت جامعة �سيدين على الهبات الوقفية‬ ‫العينية (�أرا�ض �أو ممتلكات) واملالية‪ .‬فهي‬ ‫كانت قد �أن�شئت على قطعة ار�ض ق ّدمها �أحد‬ ‫تو�سعت‬ ‫ال�ضباط لت�شييد مدر�سة للأيتام‪ .‬ثم ّ‬ ‫دائرة امل�ساعدات لتواكب تطور بناء اجلامعة‬ ‫وتو�سيع من�ش�آتها‪ .‬وت�شري وثيقة تاريخ ن�شوء‬ ‫اجلامعة �إىل ح�صول اجلامعة على تركة �سخية‬ ‫من متمول كبري (يدعى ‪ )Challis‬يف العام‬ ‫‪ ،1890‬و�أن الرتكة التي قدرت بـ ‪ 250.000‬جنيه‬ ‫�إ�سرتليني وفّرت للجامعة من�ش�آت عديدة من‬ ‫أرا�ض‪ ،‬ومنها بناء كلية الطب‪ .‬ووفّرت‬ ‫�أبنية و� ٍ‬ ‫تركة توما�س في�رش يف �سنة ‪ 1884‬حافزاً‬ ‫لتمويل بناء مكتبة اجلامعة‪ .‬والهدايا من بيرت‬ ‫نيكول را�سل يف ‪ 1896‬و ‪ 1904‬ا�ستخدمت يف‬ ‫تعزيز جماالت جديدة للهند�سة‪ .‬ومكّنت تركة‬ ‫‪ McCaughey‬يف العام ‪ 1919‬من ا�ستقطاب‬

‫التـعليم‬

‫الإدارة‬

‫يتولىّ الإ�رشاف على جامعة �سيدين جمل�س‬ ‫ويعرف بال�سلطة احلاكمة‬ ‫�شيوخ (‪)Senate‬‬ ‫ّ‬ ‫للجامعة بحكم ال�صالحيات املعطاة له مبوجب‬ ‫قانون جامعة �سيدين وتعديالته ال�صادرة يف‬ ‫العام ‪ .1989‬ومبوجب هذا القانون يعترب‬ ‫جمل�س ال�شيوخ م�س�ؤو ًال عن اجلامعة و�إدارة‬ ‫�ش�ؤونها وميثّل اجلامعة �أمام جمل�س نواب‬ ‫والية نيو �ساوث ويلز‪.‬‬ ‫يت�ألف جمل�س ال�شيوخ من ‪ 22‬ع�ضواً ثالثة‬ ‫منهم �أع�ضاء دائمون‪ :‬امل�ست�شار (‪)Chancellor‬‬ ‫ونائب امل�ست�شار ورئي�س املجل�س الأكادميي‬ ‫(‪ .)Chair of the Academic Board‬ويتم‬ ‫التوازن يف جمل�س ال�شيوخ من خالل �أع�ضاء‬ ‫منتخبني و�آخرين مع ّينني‪� .‬أما على ال�صعيد‬ ‫الأكادميي فيتوىل املجل�س الأكادميي م�س�ؤولية‬ ‫حماية احلرية الأكادميية يف اجلامعة‬ ‫واملحافظة على �أف�ضل املعايري يف التعليم‬ ‫والبحث العلمي‪ .‬ويرفع هذا املجل�س تقاريره‬ ‫ملجل�س ال�شيوخ ويق ّدم امل�شورة لك ّل من جمل�س‬ ‫ال�شيوخ ونائب امل�ست�شار فيما يتعلق بال�ش�ؤون‬ ‫الأكادميية‪ ،‬واخلطط اال�سرتاتيجية‪ ،‬وتوظيف‬ ‫�أع�ضاء الهيئة التعليمية‪ ،‬و�إقرار الربامج‬

‫والتخ�ص�صات يف اجلامعة‪ .‬ويبينّ الر�سم‬ ‫البياين ‪ 8-4‬هيكلية �إدارة اجلامعة‪.‬‬

‫ر�سم بياين ‪8-4‬‬ ‫هيكلية �إدارة جامعة �سيدين‬

‫مجل�س‬ ‫ال�شيوخ‬

‫‪1‬‬

‫المجل�س‬ ‫الأكاديمي‬

‫نائب‬ ‫الم�ست�شار‬

‫م�ساعد‬ ‫نائب‬ ‫الم�ست�شار‬

‫المدبر‬ ‫وم�ساعد نائب‬ ‫الم�ست�شار‬

‫القن�صل‬ ‫العام‬

‫مدير‬ ‫الموارد‬

‫�سكريتير‬ ‫مجل�س‬

‫‪http://www.usyd.edu.au/about/organisation_administration/structure.shtml 1‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 224‬للتنمية الثقافية‬

‫�أ�ساتذة يف الفنون والطب‪ .‬وخالل مطلع‬ ‫القرن التا�سع ع�رش �شهدت اجلامعة تو�سع ًا‬ ‫وتطوراً نوعي ًا وكمي ًا يف براجمها الأكادميية‪،‬‬ ‫وذلك بفعل الهبات وامل�ساعدات املقدمة من‬ ‫الأغنياء‪.‬‬ ‫يف العام ‪ 1920‬ا ّتخذ متويل اجلامعة‬ ‫طابع ًا دولي ًا م�ؤ�س�سي ًا وانتقلت من االعتماد على‬ ‫هبات الأفراد �إىل االعتماد على احلكومات‪ .‬فقد‬ ‫�أبرمت اجلامعة العديد من معاهدات التعاون‬ ‫مع حكومات الكومنولث (‪)Commonwealth‬‬ ‫التي �أدت �إىل املزيد من امل�ساعدات من هذه‬ ‫احلكومات وبخا�صة تلك املقدمة لأغرا�ض‬ ‫�إن�شاء مرافق للأبحاث لت�شجيع البحث املرتبط‬ ‫ب�أولويات وطنية‪ ،‬و�إن�شاء املختربات العلمية‬ ‫وتطوير الهند�سة الفيزيائية التي لعبت يف ما‬ ‫بعد دوراً مهما يف �إنتاج ال�صناعات احلربية‪.‬‬ ‫ويف اخلم�سين ّيات من القرن املا�ضي �أدت‬ ‫زيادة العوائد من امل�ساعدات املقدمة من‬ ‫احلكومة الفيدرالية �إىل زيادة وتو�سيع الأبنية‬ ‫القائمة وت�شييد العديد من الأبنية واملرافق‬ ‫جدول ‪� 1-4‬إيرادات جامعة �سيدين من ‪ 2007 /12/ 30‬لغاية ‪/12/ 31‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2008‬‬

‫البند‬

‫‪٪‬‬

‫م�ساعدات حكومية خمتلفة‬

‫‪2.70‬‬

‫حكومة �ساوث ويلز‬

‫‪7.70‬‬

‫برنامج م�ساهمة احلكومة للتعليم العايل‪ -‬وقفية‬

‫‪8.30‬‬

‫منح احلكومة اال�سرتالية‪ -‬وقفية‬

‫‪44‬‬

‫برنامج احلكومة للم�ساعدات الطالبية‪ -‬وقفية‬

‫‪2.60‬‬

‫�أق�ساط‬

‫‪22.50‬‬

‫رخ�ص جتارية‬

‫‪0.00‬‬

‫درا�سات ا�ست�شارية‪ -‬وقفية‬

‫‪7‬‬

‫�أرباح‬ ‫مداخيل �أخرى‬

‫‪4.60‬‬

‫املجموع‬

‫‪99.40‬‬

‫احلديثة فيها‪ .‬وا�ستمرت امل�ساعدات والهبات‬ ‫يف ال�سنوات الالحقة‪ ،‬منها مث ًال تركة عبارة‬ ‫عن لوحات فنية من جون باور (‪)1962‬‬ ‫جعلت من املمكن �إن�شاء ق�سم الفنون اجلميلة‬ ‫بالإ�ضافة �إىل عدد كبري من التربعات التي‬ ‫م ّولت كلية العلوم التي �أدت �إىل تطورات مهمة‬ ‫يف التدري�س والبحث يف احلو�سبة وعلم الفلك‬ ‫والفيزياء النووية‪.‬‬ ‫وتقدر قيمة �أوقاف جامعة �سيدين بـ ‪1.26‬‬ ‫مليار دوالر‪ ،‬وهي بذلك حتتل املرتبة الثانية‬ ‫بعد جامعة ملبورن الأ�سرتالية اخلا�صة التي‬ ‫بلغت قيمة �أوقافها ‪ 1.3‬مليار دوالر حتى العام‬ ‫‪ .2008‬وبلغ جمموع �إيراداتها ‪ 1.240‬مليار‬ ‫دوالر لغاية ‪ 31‬من كانون الأول‪/‬دي�سمرب‬ ‫عام ‪� 2008‬أتى معظمها من هبات وم�ساعدات‬ ‫ق ّدمت للجامعة من م�صادر حكومية وهي‬ ‫مق ّيدة وحمددة اال�ستخدام للم�صاريف اجلارية‬ ‫للجامعة و�ضمنها منح الطالب‪ .‬ويبينّ اجلدول‬ ‫‪ 1-4‬تو ّزع القائمة املخت�رصة لهذه الإيرادات‬ ‫(‪.)Consolidated financial statement‬‬

‫يبينّ هذا اجلدول �أن الن�سبة الأعلى‬ ‫للإيرادات �أتت من م�صادر حكومية (‪.)%63‬‬ ‫وجاءت بعدها ر�سوم الطالب (‪ )%22.5‬و�أتت‬ ‫يف املرتبة الأخرية الأرباح من مبيعات‬ ‫اجلامعة والعقود التجارية‪ .‬وميكن اعتبار‬ ‫الهبات احلكومية املمنوحة جلامعة �سيدين‬ ‫مال وقف للمنح (‪)Scholarship endowment‬‬ ‫الذي ي�شرتط فيه املانح ا�ستخدام هذه الهبة‬ ‫للمنح الدرا�سية وم�ساعدة الطالب دون غريها‬ ‫وا�ستخدامه يف خالل فرتة زمنية حمددة‪� .‬أما‬ ‫الن�سبة املئوية ملال الوقف املق ّيد (‪Restricte‬‬ ‫‪ )ed endowment‬والذي ي�ستخدم يف متويل‬ ‫كرا�سي الأ�ستاذية (‪ )Professorship‬واملنح‬ ‫البحثية للطالب و�أع�ضاء هيئة التدري�س فقد‬ ‫بلغت قيمتها ‪( %7‬درا�سات ا�ست�شارية ممولة‪،‬‬ ‫هبات من م�ؤ�س�سات و�رشكات)‪ .‬ويف العموم‬ ‫‪1‬‬ ‫‪http://www.usyd.edu.au/about/publications/ann‬‬ ‫‪nual_report/2008/financial_annual_report_2008.pdf‬‬


‫الف�صل الرابع‬ ‫مناذج عاملية يف الوقفيات اجلامعية ‪225‬‬

‫كلما زادت الأموال والهبات املمنوحة من ملحة عامة عن التعليم العايل‬ ‫احلكومة �أي املال العام‪ ،‬كانت �أموال الأوقاف مرحلة الت�أ�سي�س املعا�رصة‬

‫مق ّيدة‪ .‬هكذا يختلف النموذج الأ�سرتايل اختالف ًا‬ ‫جذري ًا عن النموذج الأمريكي يف �أن احلكومة‬ ‫هي املم ّول الرئي�سي للجامعة وب�أن الوقفية‬ ‫ذات موارد حكومية بالدرجة الأوىل‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬درا�سة حالة (تركيـا)‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪6‬‬

‫التـعليم‬

‫منذ �إعالن اجلمعية العمومية الرتكية‬ ‫(‪� )Turkish National Assembly‬إن�شاء‬ ‫جمهورية تركيا يف العام ‪ 1923‬على �أ�س�س‬ ‫ومبادئ م�صطفى كمال �أتاتورك العلمانية‪ ،‬مت‬ ‫�إقفال جميع دور التعليم املعروفة باملدر�سة‬ ‫تدر�س الدين و�أ�ضحت بذلك‬ ‫(‪ )Medresse‬التي ّ‬ ‫‪1‬‬ ‫م�ؤ�س�سات التعليم كافة علمانية تابعة للدولة ‪.‬‬ ‫وبينما �ألغت قوانني الدولة العلمانية وزارة‬ ‫الأوقاف‪ ،‬مل تقم ب�إلغاء اجلمعيات اخلريية‬ ‫العائدة للأوقاف (‪ )Vakif‬التي قامت �سابق ًا‬ ‫بت�أ�سي�س �أو متويل املدار�س الدينية‪ ،‬بل بقيت‬ ‫هذه الأوقاف م�ؤ�س�سات للنفع العام ترعى‬ ‫�ش�ؤونها �إىل يومنا هذا دائرة امل�سائل الدينية‬ ‫(‪ )Diyanet İşleri Bakanlığ‬التابعة لوزارة‬ ‫الدولة ‪ .2‬وتالي ًا‪ ،‬ما زال الوقف ي�سهم يف دعم‬ ‫�أن�شطة احلياة االجتماعية الرتكية‪ ،‬ومن بينها‬ ‫التعليم ‪ .3‬ومع دخول تركيا مرحلة التحرر‬ ‫االقت�صادي يف �أوائل الت�سعين ّيات من القرن‬ ‫املا�ضي وبروز �أهمية دور القطاع اخلا�ص‬ ‫يف رفع م�ستوى التعليم‪ ،‬ات�سعت دائرة �أن�شطة‬ ‫اجلمعيات اخلريية العائدة للأوقاف لت�شمل‬ ‫بالإ�ضافة �إىل تقدمي املنح للطالب اجلامعيني‬ ‫وخ�صو�ص ًا الفقراء منهم‪� 4‬إن�شاء املدار�س‬ ‫وم�ؤ�س�سات التعليم العايل ا�ستناداً �إىل د�ستور‬ ‫(‪ )Anayasa‬عام ‪ 1981‬املع ّدل‪.‬‬

‫قام م�صطفى كمال �أتاتورك م�ؤ�س�س‬ ‫جمهورية تركيا ب�إعادة هيكلة مراحل التعليم‬ ‫العام كافة وبنائها على �أ�س�س علمانية م�ستعين ًا‬ ‫بخربات �أوروبية يف جمال التعليم العايل‪ .‬ففي‬ ‫العام ‪ 1931‬ا�ستقدمت احلكومة الرتكية �ألربت‬ ‫مال�شي ‪ Albert Malche‬الأ�ستاذ املحا�رض يف‬ ‫جامعة جنيف ال�سوي�رسية لتنفيذ درا�سة تقيمية‬ ‫لدار الفنون‪ ،‬وتقدمي اقرتاحات لإ�صالح نظام‬ ‫التعليم العايل‪ .‬ويف �سياق مراجعته لتقرير‬ ‫مال�شي تق ّدم �أتاتورك مبالحظات و�أفكار تعترب‬ ‫من الق�ضايا املهمة واملثارة اليوم حول التعليم‬ ‫العايل‪ ،‬كاحلرية الأكادميية وامل�ساءلة (‪Acc‬‬ ‫‪ ،)countability‬ومعايري ترقية �أع�ضاء هيئة‬ ‫التدري�س‪ ،‬والدور القيادي لر�ؤ�ساء اجلامعات‪،‬‬ ‫واملنهج الأ�سا�سي (‪ )Core curriculum‬عرب‬ ‫االخت�صا�صات كافة‪ ،‬ودور املكتبات وتوظيف‬ ‫الطالب‪ .5‬ومنذ ت�أ�سي�س جامعة �إ�سطنبول‬ ‫عام ‪� 1933‬أخذت م�ؤ�س�سات التعليم العايل‬ ‫باالنت�شار يف املناطق الرتكية كافة حامل ًة‬ ‫معها مهمة ن�رش مبادئ �أتاتورك العلمانية‪،‬‬ ‫وم�ستلهمة مناهجها من مناذج التعليم العايل‬ ‫يف �أوروبا ‪ .6‬وخالل حكم احلزب الدميقراطي‬ ‫يف اخلم�سينيات من القرن املا�ضي دخل‬ ‫النموذج الأمريكي التعليم العايل �إىل تركيا ومت‬ ‫�إن�شاء العديد من اجلامعات التي تتبع النموذج‬ ‫الأمريكي كجامعة �إيجة (‪ )Ege University‬يف‬ ‫�أزمري عام ‪ 1955‬وجامعة �أتاتورك يف �إيرزوروم‬ ‫(‪ )Erzurum University‬عام ‪ 1957‬وجامعة‬ ‫ال�رشق الأو�سط التقنية يف �أنقرة عام ‪.1956‬‬ ‫وبذلك �أ�صبح التعليم العايل يف جمهورية‬ ‫تركيا يتك ّون من منوذجني‪ :‬النموذج الأوروبي‬ ‫وهو الأكرث انت�شاراً والنموذج الأمريكي‪.‬‬

‫‪Mizikaci, Fatma. (2006). Higher Education in Turkey. Bucharest: UNESCO‬‬ ‫‪http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7‬‬ ‫‪http://www.eicds.org/arabic/publicationsAR/saadarticles/08/march/muslemeen.html‬‬ ‫‪http://www.studyturkey.metu.edu.tr/arabic.htm‬‬ ‫‪Mizikaci, Fatma. (2006). Higher Education in Turkey. Bucharest: UNESCO‬‬

‫املرجع نف�سه‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 226‬للتنمية الثقافية‬

‫�أنواع م�ؤ�س�سات التعليم العايل‬

‫قبل العام ‪ 1981‬كانت م�ؤ�س�سات‬ ‫التعليم العايل يف تركيا حكومية‬ ‫فقط ومل يكن هناك �أي جامعة‬ ‫ذات طابع �أهلي �أو خا�ص‪ .‬ومع‬ ‫التعديالت الد�ستورية يف العام‬ ‫‪ 1981‬فتح الباب �أمام امل�ؤ�س�سات‬ ‫اخلريية ب�إن�شاء اجلامعات حتت‬ ‫�إ�رشاف جمل�س التعليم العايل‪.‬‬ ‫وتن�ص املادتان ‪ 130‬و‪ 131‬من هذا‬ ‫ّ‬ ‫الد�ستور �أن تكون هذه اجلامعات‬ ‫غري ربحية ك�رشط �أ�سا�سي ملنحها‬ ‫الرتخي�ص‪.‬‬

‫قبل العام ‪ 1981‬كانت م�ؤ�س�سات التعليم‬ ‫العايل يف تركيا حكومية فقط ومل يكن‬ ‫هناك �أي جامعة ذات طابع �أهلي �أو خا�ص‪.‬‬ ‫ومع التعديالت الد�ستورية يف العام ‪1981‬‬ ‫فتح الباب �أمام امل�ؤ�س�سات اخلريية ب�إن�شاء‬ ‫اجلامعات حتت �إ�رشاف جمل�س التعليم العايل‪.‬‬ ‫وتن�ص املادتان ‪ 130‬و‪ 131‬من هذا الد�ستور‬ ‫ّ‬ ‫�أن تكون هذه اجلامعات غري ربحية ك�رشط‬ ‫�أ�سا�سي ملنحها الرتخي�ص‪ .‬ومينح القانون‬ ‫الرتكي هذه امل�ؤ�س�سات حرية �إدارة �ش�ؤونها‬ ‫املالية والإدارية على �أن تخ�ضع لتفتي�ش �سنوي‬ ‫يقوم به جمل�س التعليم العايل (‪ )YöK‬ولتقييم‬ ‫وزارتي الرتبية واملال‪ .‬ويطلق القانون على‬ ‫هذه اجلامعات ت�سمية «هيئات قانونية ر�سمية»‬ ‫‪ .1Public legal entities‬ووفق ًا للقانون رقم‬ ‫‪ 2547‬يف البند ‪ 46‬منه تعفى هذه امل�ؤ�س�سات‬ ‫من �رضيبة امللكية ‪ .2‬و�إذا ما خالفت هذه‬ ‫اجلامعات القوانني ال�سائدة‪ ،‬ت�ضع احلكومة اليد‬ ‫عليها وتخ�ضعها وطالبها ل�سيطرة اجلامعات‬ ‫احلكومية ‪.3‬‬ ‫منذ تعديالت ‪ 1981‬بد�أت اجلمعيات‬ ‫اخلريية ب�إن�شاء اجلامعات‪ ،‬وكان �أولها جامعة‬ ‫بيلكنت (‪ )Bilkent University‬التي �أن�ش�أتها‬ ‫ثالثة �أوقاف خريية عام ‪ 1984‬واتبعت‬ ‫بجامعات �أخرى منذ العام ‪ .1992‬وللتمييز‬ ‫بني قطاعات التعليم العايل يف تركيا ت�ستخدم‬ ‫الأدبيات عبارة دولة (‪ )State‬للتعريف‬ ‫باجلامعات احلكومية وعبارة م�ؤ�س�سة (‪Found‬‬ ‫‪ )dation‬للجامعات الأهلية التي �أن�ش�أتها‬

‫امل�ؤ�س�سات اخلريية العائدة للأوقاف‪ .‬وتتم ّتع‬ ‫هذه اجلامعات باال�ستقاللية يف �إدارة �ش�ؤونها‬ ‫عرب جمل�س الأمناء والتمويل‪ ،‬يف حني تبقى‬ ‫حتت رقابة جمل�س التعليم العايل ‪.4‬‬

‫م�ؤ�س�سات التعليم العايل والطالب‬

‫ي�ض ّم نظام التعليم العايل يف تركيا ‪115‬‬ ‫م�ؤ�س�سة‪ ،‬منها ‪ 85‬جامعة حكومية و‪ 30‬جامعة‬

‫�أهلية‪ .5‬وهناك �أي�ض ًا م�ؤ�س�ستان حكوميتان‬ ‫للتكنولوجيا ومدر�سة مهنية للتعليم العايل‬ ‫عائدة للأوقاف‪ .6‬لكن ح�صة اجلامعات‬ ‫الأهلية هي �أقل من ذلك بكثري ا�ستناداً �إىل عدد‬ ‫طالبها‪� ،‬إذ يدر�س فيها حالي ًا ‪ %5‬فقط من‬ ‫جمموع الطالب البالغ حوايل مليونيَ طالب يف‬ ‫اجلامعات الرتكية ‪ .7‬ويبلغ عدد �أع�ضاء هيئة‬ ‫‪8‬‬ ‫التدري�س اجلامعي حواىل ‪.77,100‬‬

‫�إدارة �ش�ؤون التعليم العايل‬

‫�أدخل قانون رقم ‪ 2547‬ال�صادر عام ‪1981‬‬

‫�إ�صالحات مهمة على نظام التعليم العايل‪.‬‬ ‫فمجل�س التعليم العايل م�ستقل عن وزارة الرتبية‬ ‫ويت�ألف من ‪ 25‬ع�ضواً يعينّ رئي�س اجلمهورية‬ ‫مبا�رشة ثمانية منهم‪ ،‬ويعينّ جمل�س اجلامعات‬ ‫ثمانية �آخرين‪ ،‬ويعينّ جمل�س الوزراء �ستة‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل اثنني من وزارة الرتبية وع�ضو‬ ‫واحد يع ّينه رئي�س �أركان القوات امل�سلحة ‪.9‬‬ ‫وبالإ�ضافة �إىل �إن�شاء جمل�س التعليم العايل‪،‬‬ ‫مت �إن�شاء ثالثة جمال�س ت�سانده يف عملية �إدارة‬ ‫ّ‬ ‫التعليم العايل والإ�رشاف عليه‪ :‬هيئة امل�رشفني‬ ‫على التعليم العايل‪ ،‬مركز اختيار الطالب‬

‫‪Doğramaci, Ali. (2008). Private university initiatives in Turkey: The Bilkent experience. International 1‬‬ ‫‪.Conference in Higher Education-Technion, Turkey‬‬ ‫‪http://eacea.ec.europa.eu/ressources/eurydice/eurybase/pdf/section/TR_EN_C6_17.pdf 2‬‬ ‫‪http://www.eicds.org/arabic/publicationsAR/saadarticles/08/march/muslemeen.html 3‬‬ ‫‪Mizikaci, Fatma. (2006). Higher Education in Turkey. Bucharest: UNESCO 4‬‬ ‫‪Doğramaci, Ali. (2008). Private university initiatives in Turkey: The Bilkent experience. International 5‬‬ ‫‪Conference in Higher Education-Technion, Turkey‬‬ ‫‪http://www.gse.buffalo.edu/org/IntHigherEdFinance/files/Country_Profiles/Europe/Turkey.pdf 6‬‬ ‫‪World Bank (2007). Strategic Directions for higher education in Turkey. Turkey 7‬‬ ‫‪http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7 8‬‬ ‫‪http://countrystudies.us/turkey/50.htm 9‬‬


‫الف�صل الرابع‬ ‫مناذج عاملية يف الوقفيات اجلامعية ‪227‬‬

‫وتوجيهم للجامعات‪ ،‬وهيئة اجلامعات‪.‬‬ ‫اجلامعات الأهلية (امل�ؤ�س�سات اخلريية‬ ‫�أما على �صعيد �إدارة م�ؤ�س�سات التعليم التابعة للأوقاف)‬

‫التمويــل‬ ‫اجلامعات احلكومية‬

‫‪2‬‬

‫يتم متويل اجلامعات احلكومية من قبل‬ ‫احلكومة بن�سبة ‪ ،%59‬و‪ %37‬من �صندوق املال‬ ‫املتحول (‪ )Revolving fund‬و‪ %4‬من ر�سوم‬ ‫الطالب‪ .‬وامل�صدر الأ�سا�سي للمال املتح ّول‬ ‫هو �إيرادات اجلامعة من العقود واال�ست�شارات‪،‬‬ ‫البحوث العلمية‪ ،‬اخلدمات ال�صحية‪ ،‬امل�شاريع‬ ‫ال�صناعية (منتجات زراعية‪ ،‬مزارع منتجة‬ ‫للحليب وم�شتقاته)‪ ،‬طباعة وخدمات‬ ‫الكمبيوتر‪ .‬ت�ضاف الأموال التي مل يتم �رصفها‬ ‫�إىل ال�سنة املالية التالية لتغذية �صندوق املال‬ ‫ويخ�ص�ص ‪ %30‬من مال ال�صندوق‬ ‫املتحول‪ُ .‬‬ ‫ل�رشاء و�صيانة املعدات ومتويل الأبحاث‪ ،‬فيما‬ ‫يت ّم �إنفاق الباقي على �أع�ضاء هيئة التدري�س‬ ‫واملوظفني الإداريني‪� .‬أما التمويل احلكومي‬ ‫(‪ )%59‬فيتم �إنفاقه على البنية التحتية وتغطية‬ ‫امل�صاريف اجلارية للجامعة‪ .‬وقد بلغت ن�سبته‬ ‫‪ %3.7‬من الناجت املحلي اخلام (‪.)GDP‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫التـعليم‬

‫العايل‪ ،‬فالنظام املعمول به هو نف�سه يف جميع‬ ‫اجلامعات الرتكية با�ستثناء وجود جمل�س‬ ‫�أمناء يف اجلامعات الأهلية‪ ،‬وهو الذي يعينّ‬ ‫رئي�س اجلامعة‪� .‬أما يف اجلامعة احلكومية فيتم‬ ‫تعيني الرئي�س من قبل رئي�س اجلمهورية‪� ،‬إذ‬ ‫يختار واحداً من الئحة ت�ضم ثالثة مر�شحني‬ ‫يرفعها �إليه جمل�س التعليم العايل‪ .‬ه�ؤالء‬ ‫املر�شحون هم من ينالون �أعلى الأ�صوات عن‬ ‫طريق االقرتاع ال�رسي (‪ )Secret ballot‬من قبل‬ ‫�أع�ضاء هيئة التدري�س ‪.1‬‬

‫هناك ثالثة م�صادر متويل يف اجلامعات‬ ‫الأهلية‪ )1( :‬وقفيات و�أموال امل�ؤ�س�سة اخلريية‬ ‫وتربعات الأفراد‪ )2( ،‬ر�سوم الطالب‪ )3( ،‬متويل‬ ‫حكومي فرعي للأن�شطة التي تفيد املجتمع ‪.3‬‬ ‫علما � ّأن الوقفيات اخلريية املذكورة هي غري‬ ‫الوقفيات التي �أن�ش�أت اجلامعة‪� .‬أما التمويل‬ ‫احلكومي فيخ�ضع ملعايري منها‪ :‬عدد الأبحاث‬ ‫العلمية التي قامت بها اجلامعة ن�سبة �إىل عدد‬ ‫املدر�سني بالن�سبة‬ ‫�أع�ضاء هيئة التدري�س‪ ،‬عدد ّ‬ ‫لعدد الطالب‪ ،‬وترية ا�ستخدام اللغات الأجنبية‬ ‫يف التدري�س‪ ،‬عدد املنح التي ا�ستفاد منها‬ ‫الطالب‪ ،‬القيام ب�أن�شطة ثقافية‪ ،‬الإنفاق على‬ ‫الكتب واملجالت العلمية‪ ،‬عدد الطالب الذين‬ ‫حققوا مراكز متقدمة من بني الـ ‪ 250‬طالبا‬ ‫الذين حققوا املراتب الأوىل يف اختبارات‬ ‫الدخول �إىل اجلامعة‪ .‬ويرتاوح التمويل احلكومي‬ ‫لهذه امل�ؤ�س�سات بني ‪ %1‬و ‪� %3.6‬سنوي ًا ‪.4‬‬ ‫وت�شكّل ر�سوم الطالب امل�صدر الرئي�سي لتمويل‬ ‫اجلامعات الأهلية ‪ ،5‬تليها الوقفية‪.‬‬ ‫ولتقدمي مثال عن توزيع هذه امل�صادر‬ ‫ن�ستعني ببع�ض الأرقام جلامعة بيلكنت‪ .‬بلغت‬ ‫�إيرادات هذه اجلامعة يف �سنة ‪ 2007‬حواىل‬ ‫‪ 202‬مليوين دوالر �أمريكي‪ %47 ،‬منها �أتت من‬ ‫ر�سوم الطالب‪ ،‬و‪ %18‬من البحوث وم�ساعدات‬ ‫حكومية‪ ،‬و‪ %4.5‬من ت�أجري �سكن الطالب ومن‬ ‫تربعات وهبات �صغرية‪ ،‬و‪ %30‬من �أموال‬ ‫وقف اجلامعة‪� .‬أما جلهة الإنفاق فاجلامعة‬ ‫�أنفقت ‪ %25‬من جمموع م�صاريفها على املنح‬ ‫الدرا�سية يف العام ‪ 2007‬حيث ا�ستفاد ‪3,000‬‬ ‫طالب من هذه املنح (�أي ربع الطالب البالغ‬ ‫ٍ‬ ‫‪6‬‬ ‫عددهم ‪. )12,000‬‬

‫امل�صدر نف�سه‪.‬‬ ‫امل�صدر نف�سه‪.‬‬ ‫مبوجب قانون وزارة العدل رقم ‪ 4896‬وقانون التعليم العايل رقم ‪.18‬‬

‫‪Council of Higher Education(2007), Report on Foundation Universities 4‬‬ ‫‪Chawla, Mukesh (2005). How much does Turkey spend on education? World Bank 5‬‬ ‫‪Doğramaci, Ali. (2008). Private university initiatives in Turkey: The Bilkent experience. International 6‬‬ ‫‪Conference in Higher Education-Technion, Turkey‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 228‬للتنمية الثقافية‬

‫خال�صة وا�ستنتاجات‬

‫وفق ًا لنموذج الوقفيات‬ ‫اجلامعية ال تغيب احلكومة‪ ،‬بل‬ ‫تكون حا�رضة بعدة �أ�شكال �أبرزها‪:‬‬ ‫امل�شاركة اجلزئية امل�رشوطة يف‬ ‫متويل اجلامعات غري احلكومية‬ ‫(الواليات املتحدة‪ ،‬تركيا) وهو‬ ‫دور حتفيزي‪ ،‬وامل�شاركة الأ�سا�سية‬ ‫يف متويل اجلامعات احلكومية‬ ‫وتغذية �أوقافها (بريطانيا‪ ،‬كندا‪،‬‬ ‫ا�سرتاليا)‪ ،‬وهو دور متويلي‪،‬‬ ‫وو�ضع القوانني الآيلة �إىل تنظيم‬ ‫عمل اجلامعات الأهلية ومراقبة‬ ‫�أدائها‪ ،‬وهو دور ت�أطريي و�إ�رشايف‬ ‫وتنظيمي‪ ،‬بحيث �أن اجلامعة‬ ‫امل�ستقلة �إداري ًا ومالي ًا يفرت�ض �أن‬ ‫تكون �شفافة و�أن تخ�ضع للم�ساءلة‬ ‫(احلكومية واملجتمعية)‪.‬‬

‫ت�سمح املعلومات املج ّمعة واملعرو�ضة‬ ‫يف هذا الف�صل با�ستخال�ص عدة ا�ستنتاجات‪:‬‬ ‫�أولها �إن الوقفيات اجلامعية منت�رشة‬ ‫عاملي ًا‪ ،‬يف الدول املتقدمة كما يف الدول‬ ‫الناه�ضة التي ت�شبه البلدان العربية يف ثقافتها‬ ‫كرتكيا‪.‬‬ ‫ثانيها‪� ،‬إن هذه الوقفيات قائمة يف‬ ‫اجلامعات احلكومية كما يف اجلامعات غري‬ ‫احلكومية‪.‬‬ ‫ثالثها‪� ،‬إنها‪ ،‬يف النموذج الرتكي‪ ،‬تقت�رص‬ ‫على اجلامعات غري احلكومية‪ ،‬كبديل عن‬ ‫اجلامعات الربحية‪ .‬وهي بالتايل تزيح عن‬ ‫احلكومة عبء جزء من كلفة التعليم العايل‪ ،‬من‬ ‫دون �أن يقع هذا العبء على الطالب و�أهاليهم‬ ‫بالدرجة الأوىل‪.‬‬ ‫رابعها‪� ،‬إن الوقفية اجلامعية لي�ست‬ ‫م�صدراً فقط لإيرادات �إ�ضافية‪ ،‬ول�رشاكة‬ ‫اجتماعية يف توفري هذه الإيرادات‪ ،‬بل هي‬ ‫�رشاكة جمتمعية يف حت ّمل �ش�ؤون �إدارة التعليم‬ ‫جت�سد‬ ‫العايل (اجلامعات)‪ ،‬وهي بهذا املعنى ّ‬ ‫ال�رشاكة املجتمعية يف حتمل م�س�ؤولية التعليم‬ ‫العايل‪ ،‬وهي بهذا املعنى �أي�ض ًا نظام يف متويل‬ ‫اجلامعات و�إدارتها يف الوقت نف�سه‪� ،‬أ�سا�سه‬ ‫ت�أمني ا�ستقاللية اجلامعة الإدارية واملالية‬ ‫والأكادميية‪ ،‬مبا يف ذلك املحافظة على‬ ‫احلريات الأكادميية‪.‬‬ ‫خام�سها‪� ،‬إنه يف هذا النموذج ال تغيب‬ ‫احلكومة‪ ،‬بل تكون حا�رضة بعدة �أ�شكال‬ ‫�أبرزها‪ :‬امل�شاركة اجلزئية امل�رشوطة يف متويل‬ ‫اجلامعات غري احلكومية ( الواليات املتحدة‪،‬‬ ‫تركيا) وهو دور حتفيزي‪ ،‬وامل�شاركة الأ�سا�سية‬

‫يف متويل اجلامعات احلكومية وتغذية‬ ‫�أوقافها (بريطانيا‪ ،‬كندا‪ ،‬ا�سرتاليا)‪ ،‬وهو دور‬ ‫متويلي‪ ،‬وو�ضع القوانني الآيلة �إىل تنظيم عمل‬ ‫اجلامعات الأهلية ومراقبة �أدائها‪ ،‬وهو دور‬ ‫ت�أطريي و�إ�رشايف وتنظيمي‪ ،‬بحيث �إن اجلامعة‬ ‫امل�ستقلة �إداري ًا ومالي ًا يفرت�ض �أن تكون �شفافة‬ ‫و�أن تخ�ضع للم�ساءلة (احلكومية واملجتمعية)‪،‬‬ ‫�ساد�سها‪� ،‬إن الوقفية تتغذى من م�صادر‬ ‫جمتمعية متع ّددة‪ ،‬لكنها تدار من قبل جهاز‬ ‫معينّ م�ستقل يف �إجراءاته‪ ،‬ويقع حتت �سلطة‬ ‫اجلامعة‪ ،‬و�أن اجلامعة تختار (يف الوقفية‬ ‫غري املقيدة) �أبواب �إنفاقها تبع ًا حلاجاتها‪،‬‬ ‫وبالتايل فالوقفية اجلامعية هي يف خدمة‬ ‫اجلامعة (ر�سالتها‪� ،‬أهدافها‪ ،‬براجمها)‪ ،‬ولي�ست‬ ‫اجلامعة يف خدمة الوقفية لتحقيق �أجندات‬ ‫معينة‪ ،‬فمن ي�شاء �أن يدعم اجلامعة له ذلك‪،‬‬ ‫مبا فيه متويل برامج مع ّينة فيها (الوقفية‬ ‫املق ّيدة)‪.‬‬ ‫�سابعها‪� ،‬إن �أموال الوقفية ميكن‬ ‫ا�ستثمارها مبا يزيد من حجمها وي�ؤدي �إىل‬ ‫تعظيم الفائدة منها‪ .‬وقد ب ّينت حالة جامعة‬ ‫هارفارد �أنها ت�ستخدم ما يقرب من ‪ %5‬فقط‬ ‫من عوائد وقفياتها يف الإنفاق على الت�شغيل‬ ‫(النفقات اجلارية)‪ .‬لكن احلالة نف�سها تبينّ �أن‬ ‫اال�ستثمار يف ال�سوق يحمل معه تقلبات ال�سوق‬ ‫و�أحيان ًا نك�ساته‪ ،‬كما ح�صل م�ؤخراً فيها‪،‬‬ ‫ثامنها‪� ،‬إن املح�صلة النهائية للوقفية‬ ‫اجلامعية تكمن يف �أمرين يتعلقان حتديداً‬ ‫باملنتجني الب�رشي واملعريف للتعليم العايل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ذلك �أن جل �أوجه الدعم عن طريق الأوقاف‪،‬‬ ‫الذي تتقدم به احلكومات �أو الهيئات‬


‫خال�صة و�إ�ستنتاجات‬

‫‪229‬‬

‫االجتماعية على ال�سواء‪ ،‬يتجه نحو تقدمي املنح م�شكلة التمويل‬

‫ملخــ�ص‬

‫ي�ستعر�ض هذا التقرير م�شكلة متويل التعليم‬ ‫العايل يف البلدان العربية وما يت�صل بها من‬ ‫م�سائل �إدارة هذا التعليم‪ ،‬وال�سيما ا�ستقاللية‬ ‫اجلامعات الإدارية واملالية والأكادميية‪ .‬كما‬ ‫يتوقف عند جتارب يف الوقفية اجلامعية يف‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا‬ ‫و�أ�سرتاليا وتركيا‪ ،‬من اجل ا�ستخراج عدد‬ ‫من الدرو�س حول الوقفيات اجلامعية كبديل‬ ‫منا�سب لإدارة ومتويل اجلامعات يف البلدان‬ ‫العربية‪ .‬وقد ا�ستند التقرير �إىل عدد من درا�سات‬ ‫احلاالت لعدد حمدود من اجلامعات والبلدان‬ ‫(�أوراق مرجعية) �أع ّدت خ�صي�ص ًا لتغذية هذا‬ ‫التقرير‪ ،‬و�إىل قواعد بيانات ودرا�سات �سابقة‬ ‫ومواقع �إنرتنت وو�سائل �إعالم‪.‬‬

‫التـعليم‬

‫الدرا�سية للطالب ونحو التعليم (رواتب الهيئة‬ ‫التعليمية‪ ،‬الأبنية والتجهيزات‪ ،‬املكتبات‪ ،‬فتح‬ ‫الكليات واملعاهد والربامج‪...‬الخ‪ ).‬والبحث‬ ‫العلمي (م�شاريع وبرامج وكرا�س بحثية)‪ .‬بل �إن‬ ‫الوقفية اجلامعية‪ ،‬يف النموذج الأمريكي على‬ ‫الأقل‪ ،‬هي املف�سرّ الأ�سا�سي لتميز اجلامعات‬ ‫يف تطوير املعارف عن طريق الأبحاث‪ ،‬يف‬ ‫العلوم البحتة والإن�سانية على ال�سواء‪ ،‬وهي‬ ‫التي جعلت البع�ض منها من �أغنى اجلامعات‬ ‫يف العامل‪ ،‬ومن اجلامعات التي حتتل املراتب‬ ‫الأوىل يف الت�صنيفات املحلية والدولية حول‬ ‫النوعية‪.‬‬ ‫�إن مراجعة حاالت اجلامعات الأمريكية‬ ‫والربيطانية والكندية والأ�سرتالية والرتكية‪،‬‬ ‫احلكومية وغري احلكومية‪ ،‬تبينّ � ّأن متويل‬ ‫التعليم العايل عن طريق الأوقاف يرتبط‬ ‫بتحقيق اجلودة و�إعالء �ش�أن التعليم العايل‬ ‫ارتباط ًا بتوفري ا�ستقاللية اجلامعة الإدارية‬ ‫واملالية‪ .‬ولع ّل هذه املراجعة توفر مناذج‬ ‫وتقدم درو�س ًا ميكن اال�ستفادة منها لتطوير‬ ‫م�ؤ�س�سات التعليم العايل يف البلدان العربية‪.‬‬

‫تتخذ م�شكلة التمويل يف البلدان العربية‬ ‫وجهني رئي�سني‪:‬‬ ‫• قلة املال املتوافر مقارنة مبتطلبات‬ ‫توفري نوعية تعليم جيدة‪ ،‬ون�سميها م�شكلة‬ ‫«حجم التمويل»‪ .‬وقد ا�ستدلينا على ذلك‪،‬‬ ‫حيثما �أمكن جتميع املعلومات‪ ،‬من انخفا�ض‬ ‫الإنفاق على الطالب الواحد �إن يف موازنات‬ ‫وزارات التعليم العايل �أو يف موازنات‬ ‫اجلامعات‪ .‬وينطبق ذلك على اجلامعات‬ ‫احلكومية وغري احلكومية‪ .‬ويرتاوح الإنفاق‬ ‫بني �ألف وثالثة �آالف دوالر للطالب الواحد‪،‬‬ ‫وينخف�ض دون الألف يف بع�ض البلدان‪ .‬مع‬ ‫مالحظة اال�ستثناءين الآتيني‪� :‬أن الإنفاق‬ ‫على الطالب يف بلدان اخلليج العربي مرتفع‬ ‫ويوازي بل يفوق الإنفاق على الطالب يف معدل‬ ‫دول منظمة التعاون والتنمية االقت�صادية‬ ‫(‪ ،)OECD‬مبا فيها بلدان مثل الواليات‬ ‫املتحدة الأمريكية وفرن�سا‪� ،‬إذ ي�صل الإنفاق‬ ‫على الطالب الواحد �إىل ‪� 22‬ألف دوالر يف‬ ‫جامعة حكومية يف الإمارات العربية املتحدة‬ ‫و�إىل ‪� 30‬ألف دوالر يف الكويت‪ .‬وبالتايل ف�إن‬ ‫هذه البلدان ال تعاين من م�شكلة حجم التمويل‪.‬‬ ‫اال�ستثناء الثاين يتعلق بجامعتني خا�صتني يف‬ ‫لبنان يرتفع فيهما الإنفاق على الطالب الواحد‬ ‫مبا يوازي �أو يفوق معدل دول منظمة التعاون‬ ‫والتنمية االقت�صادية (‪� 10‬آالف دوالر و‪� 17‬ألف‬ ‫دوالر)‪ .‬ومن املحتمل �أن جند مثل هذه الأرقام‬ ‫يف جامعات غري حكومية �أخرى يف البلدان‬ ‫العربية‪ ،‬و�إن بعدد قليل جداً‪.‬‬

‫�إن مراجعة حاالت اجلامعات‬ ‫الأمريكية والربيطانية والكندية‬ ‫والأ�سرتالية والرتكية‪ ،‬احلكومية‬ ‫وغري احلكومية‪ ،‬تبينّ � ّأن متويل‬ ‫التعليم العايل عن طريق الأوقاف‬ ‫يرتبط بتحقيق اجلودة و�إعالء‬ ‫�ش�أن التعليم العايل ارتباط ًا‬ ‫بتوفري ا�ستقاللية اجلامعة‬ ‫الإدارية واملالية‪ .‬ولع ّل هذه‬ ‫املراجعة توفر مناذج وتقدم‬ ‫درو�س ًا ميكن اال�ستفادة منها‬ ‫لتطوير م�ؤ�س�سات التعليم العايل‬ ‫يف البلدان العربية‪.‬‬

‫• � ّإن اجلامعات يف البلدان العربية تقت�رص‬ ‫تقريب ًا على التمويل احلكومي (يف اجلامعات‬ ‫احلكومية) وعلى الر�سوم التي يدفعها الطالب‬ ‫(يف اجلامعات اخلا�صة)‪ .‬ون�سميها م�شكلة‬ ‫«�أحادية التمويل»‪ .‬ذلك �أن اللجوء �إىل موارد‬ ‫�أخرى (تنويع م�صادر التمويل) عن طريق العقود‬ ‫الإنتاجية واال�ست�شارية والهبات والوقفيات‬ ‫هو اال�ستثناء الذي ي�ؤكد القاعدة‪ ،‬وقد الحظناه‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 230‬للتنمية الثقافية‬

‫يف اجلامعتني اخلا�صتني يف لبنان‪ .‬وت�شكّل‬ ‫حالة الأردن ا�ستثنا ًء من نوع �آخر حيث ال‬ ‫متثّل املوارد احلكومية يف اجلامعات احلكومية‬ ‫�إال ُخم�س املوارد �إىل ن�صفها‪ ،‬ح�سب اجلامعة‪،‬‬ ‫وحيث يجري االعتماد باملقابل على الر�سوم‬ ‫التي يدفعها الطالب (يف التعليم العادي �أو‬ ‫التعليم املوازي)‪.‬‬ ‫ويف حماولة لر�صد العالقة بني التمويل‬ ‫ونوعية التعليم وجدنا �أن ال فروق ذات‬ ‫�أهمية يف املخ�ص�صات املوجهة للبحث‬ ‫العلمي بني اجلامعات احلكومية (يف البلدان‬ ‫اخلليجية) ذات املوازنات العالية للطالب‬ ‫الواحد‪ ،‬واجلامعات ذات املوازنات املنخف�ضة‪،‬‬ ‫وجميعها ذات م�صادر متويل �أحادية‪ .‬وتبينّ‬ ‫من جهة ثانية �أنه كلما انخف�ضت املوازنة‬ ‫للطالب الواحد ارتبط ذلك مبعدالت �أعلى لعدد‬ ‫الطالب للأ�ستاذ الواحد‪ .‬وهذه القاعدة تنطبق‬ ‫على اجلامعات غري احلكومية‪ ،‬حيث الإنفاق‬ ‫على البحوث‬ ‫متدن �إجماال‪ُ .‬ت�ستثنى من ذلك‬ ‫ٍّ‬ ‫اجلامعتان اخلا�صتان يف لبنان املذكورتان‬ ‫�سابق ًا‪ ،‬حيث يرتفع فيهما حجم الإنفاق وح�صة‬ ‫املخ�ص�صات املوجهة للبحث العلمي وينخف�ض‬ ‫معدل الطالب للأ�ستاذ الواحد‪.‬‬

‫البدائل القائمة لتنويع التمويل وتوفري‬ ‫موارد �إ�ضافية‬

‫ت�أخذ احللول القائمة مل�شكلة التمويل �شكلني‬ ‫رئي�سيني‪ :‬امل�ساعدات اخلارجية (الأجنبية‬ ‫والعربية) وامل�ساندة املحلية (ال�صناديق‪،‬‬ ‫املكرمات‪ ،‬امل�ؤ�س�سات الأهلية‪ ،‬الوقفيات)‪ .‬وقد‬ ‫ا�ستق�صينا �أنواع امل�ساعدات هذه عن طريق‬ ‫الإنرتنت ولي�س عن طريق درا�سات احلاالت‪،‬‬ ‫لذلك قد تكون هناك م�ساعدات �أخرى مل نتمكن‬ ‫من ح�رصها‪.‬‬ ‫هناك عدد من املنظمات الدولية (ومن‬ ‫الدول) التي ق ّدمت وتق ّدم التمويل (عن طريق‬ ‫القرو�ض والهبات) لعدد من البلدان العربية‬ ‫ذات الدخل املحدود (م�رص‪ ،‬لبنان‪ ،‬فل�سطني‪،‬‬ ‫اليمن‪ ،‬تون�س‪...‬الخ‪ ).‬وذلك لتنفيذ برامج مع ّينة‬

‫ت ّت�سم ب�أنها تتناول جممل نظام التعليم العايل‪،‬‬ ‫�أو اجلامعات احلكومية (برامج‪� ،‬شهادات‬ ‫م�شرتكة‪ ،‬منح بحثية للأ�ساتذة‪...‬الخ)‪ .‬وينخرط‬ ‫يف برامج امل�ساعدة هذه عادة خرباء املنظمات‬ ‫والدول التي تق ّدم امل�ساعدة‪ .‬وهذا يعني �أن‬ ‫هذا النوع من املعونة يرتكّز عموم ًا على �إدارة‬ ‫التعليم العايل ونوعيته‪ ،‬ويعني �أن املعونة ذات‬ ‫بعدين مايل وفكري‪.‬‬ ‫�صحيح �أن امل�ساعدات العربية تتجه نحو‬ ‫الوجهة اجلغرافية نف�سها‪� ،‬أي نحو البلدان‬ ‫الأفقر �أو التي تعاين من احتالل �أو ا�ضطرابات‬ ‫�إال �أنها تختلف عن امل�ساعدات الأجنبية يف‬ ‫�أمرين‪ :‬الأول �أنها تركز على املنح املق ّدمة‬ ‫للطالب (الفر�ص الدرا�سية) وعلى وجه معينّ‬ ‫من وجوه النوعية �أال وهو الأبنية والتجهيزات‪.‬‬ ‫والثاين �أنها ذات طبيعة مالية بحتة وال حتمل‬ ‫(يف متنها) �أي بعد فكري‪.‬‬ ‫موجهة‬ ‫كما يالحظ �أن امل�ساعدات العربية ّ‬ ‫عموم ًا �إىل امل�ؤ�س�سات اجلامعية �أو الطالب‬ ‫مبا�رشة‪ ،‬يف حني �أن امل�ساعدات الأجنبية تتم‬ ‫بالتعاون مع احلكومات ويف البلدان املحدودة‬ ‫نوعي امل�ساعدات‬ ‫الدخل‪ .‬وهذا فرق ثالث بني َ‬ ‫العربية والأجنبية‪ .‬ما ي�شرتك به هذان النوعان‬ ‫من امل�ساعدات‪ ،‬ما وراء الفروق‪ ،‬يبدو يف �أن‬ ‫تقدمي الدعم وزيادته و�إنقا�صه‪ ،‬وعدم ح�صوله‬ ‫�أ�ص ًال‪� ،‬أمور مرتبطة عموما بال�سياق ال�سيا�سي‬ ‫للجهات املانحة والبلدان امل�ستفيدة‪ ،‬و�أنها‬ ‫�آنية ومتقطعة‪ ،‬بحيث �إنها ال ت�شكّل م�صدراً‬ ‫ثابت ًا و�أكيداً لتطوير التعليم العايل الوطني‪.‬‬ ‫�أما يف ما يتعلق بامل�ساندة املحلية فقد‬ ‫وجدنا �أربع �صيغ منها‪ :‬املكرمات وال�صناديق‬ ‫وامل�ؤ�س�سات الأهلية والوقفيات‪ .‬نتوقف عند‬ ‫ال�صيغ الثالث الأوىل ونعود �إىل الوقفيات يف‬ ‫نهاية هذا امللخ�ص‪.‬‬ ‫املكرمات هي خم�ص�صات يوفّرها احلاكم‬ ‫(امللك‪ ،‬الرئي�س) لإتاحة الفر�ص الدرا�سية‬ ‫(حملي ًا �أو عن طريق االبتعاث) لذوي الدخل‬ ‫املحدود و�أبناء املناطق النائية‪ .‬وهي من هذه‬ ‫الناحية م�سعى لتحقيق قدر �أكرب من العدالة‬


‫خال�صة و�إ�ستنتاجات‬

‫�إدارة �ش�ؤون التعليم العايل و�أزمة‬ ‫ا�ستقاللية اجلامعات‬

‫يتك ّون ت�سيري (‪ )management‬التعليم‬ ‫العايل من م�ستويني‪ :‬م�ستوى الإدارة الوطنية‬ ‫للتعليم العايل‪ ،‬وم�ستوى �إدارة اجلامعات‬

‫التـعليم‬

‫يف توفري الفر�ص الدرا�سية‪ .‬لكنها عملي ًا جزء‬ ‫من الإنفاق احلكومي‪ ،‬مع �إخراج لها ك�أنها‬ ‫من خارجه‪� ،‬أي تعيدنا �إىل م�شكلة �أحادية‬ ‫التمويل وحجمه املحدود‪ ،‬من جهة‪ ،‬واىل �أنها‬ ‫حتتمل وجه ًا �سيا�سي ًا من جهة �أخرى‪ ،‬يع ّيق‬ ‫اال�ستقاللية‪� .‬إذ جتري الأمور يف البلدان ذات‬ ‫العالقة وك�أن احلاكم ينفق من ماله اخلا�ص‬ ‫يف تقدمي املنح و�إن�شاء اجلامعات وغريها‪ ،‬بل‬ ‫يح�صل خلط مق�صود ما بني املال العام واملال‬ ‫اخلا�ص للحاكم‪.‬‬ ‫وباملثل ف�إن ال�صناديق املحلية هي �إنفاق‬ ‫حكومي‪ ،‬مع م�شاركة جزئية من املجتمع‪ ،‬وهي‬ ‫حمدودة يف عددها ونطاقها ويف مداها الزمني‪.‬‬ ‫واقع احلال �أنه �أمكن ر�صد ثمانية �صناديق‬ ‫فقط (�أربعة منها يف الأردن)‪� ،‬ستة منها ذات‬ ‫طابع حكومي‪ ،‬وال�صندوقان الباقيان جندهما‬ ‫يف الأردن (�صندوق احل�سني للإبداع و�صندوق‬ ‫عبد احلميد �شومان)‪ .‬وبالتايل ف�إن هذا البديل‬ ‫يبدو �ضعيف الوجود يف البلدان العربية ويقوم‬ ‫على �أكتاف اجلهود احلكومية‪ ،‬و�أن نطاق‬ ‫تغطيته للحاجات املالية حمدود‪.‬‬ ‫�أما م�ؤ�س�سات الدعم الأهلية فلم جند عنها‬ ‫�أمثلة �إال يف لبنان‪ .‬ورمبا تعزى هذه القلة‬ ‫اىل خ�شية الدول العربية من �أن تكون لهذه‬ ‫امل�ؤ�س�سات «�أجندتها» ال�سيا�سية‪ .‬ولع ّل التجربة‬ ‫اللبنانية حيث تكرث هذه امل�ؤ�س�سات‪� ،‬أو ي�شتهر‬ ‫بع�ضها‪ ،‬دلي ٌل على مثل هذه اخل�شية‪.‬‬ ‫خال�صة القول حول البدائل التي �أمكن‬ ‫االهتداء �إليها يف التجربة العربية حل ّل م�شكلة‬ ‫التمويل �إنها �ضعيفة الوجود والأثر وذات‬ ‫تر ّددات �سيا�سية‪ ،‬الأمر الذي يعيدنا �إىل مو�ضع‬ ‫ا�ستقاللية اجلامعات و�ش�ؤون �إدارة التعليم‬ ‫العايل‪.‬‬

‫(احلكومية واخلا�صة)‪ .‬وبحثنا تناول‪ ،‬بالن�سبة‬ ‫لك ّل من امل�ستويني‪� ،‬أمرين‪ :‬ال�صالحيات (واجلهة‬ ‫التي تتخذ القرارات)‪ ،‬وتكوين املجال�س ومن‬ ‫�ضمنها املكانة التي يحتلها ممثلو القطاعات‬ ‫االجتماعية واالقت�صادية فيها‪� ،‬أو مدى �رشاكة‬ ‫املجتمع يف حمل م�س�ؤولية التعليم العايل‪ .‬وقد‬ ‫مت‬ ‫ا�ستندنا يف ذلك �إىل القوانني املرعية التي ّ‬ ‫جتميعها وحتليلها يف عدد حمدود من البلدان‬ ‫العربية هي‪ :‬الأردن‪ ،‬لبنان‪ ،‬ال�سعودية‪ ،‬م�رص‪،‬‬ ‫املغرب‪� ،‬سوريا‪ ،‬وهي البلدان نف�سها التي‬ ‫حاولنا جمع املعطيات املالية عنها‪.‬‬ ‫هناك عموم ًا جمال�س للتعليم العايل ذات‬ ‫ت�سميات متن ّوعة يف البلدان العربية ت�رشف‬ ‫على التعليم العايل‪ .‬هذه املجال�س هي عموم ًا‬ ‫«حكومية» التكوين‪� ،‬أي يتكون �أع�ضا�ؤها من‬ ‫�شخ�صيات ر�سمية (وزراء‪ ،‬وزراء �سابقون‪،‬‬ ‫مدراء لإدارات حكومية‪ ،‬ر�ؤ�ساء جامعات‪،‬‬ ‫حاليون �أو �سابقون‪ ،‬م�ست�شارون‪� ...‬إلخ)‪ ،‬وال‬ ‫يوجد بينهم ممثلون عن الفعاليات االجتماعية‬ ‫واالقت�صادية (با�ستثناء املغرب)‪ .‬ثم �إن اجلميع‬ ‫يع ّينون من قبل ال�سلطة احلكومية‪ ،‬وال يجري‬ ‫اختيارهم من قبل زمالئهم يف املجل�س �أو‬ ‫زمالئهم يف املهنة‪� .‬أما جلهة ال�صالحيات فهذه‬ ‫املجال�س غري خم ّولة بتعيني ر�ؤ�ساء اجلامعات‬ ‫احلكومية وال حتى برت�شيحهم‪ ،‬مع بع�ض‬ ‫اال�ستثناءات‪ ،‬لأن هذا التعيني يتم من قبل‬ ‫ال�سلطة العليا عن طريق «اقرتاح» يق ّدمه الوزير‬ ‫املخت�ص‪ .‬كذلك احلال يف ال�ش�ؤون املالية‪ ،‬ف�إن‬ ‫هذه املجال�س غري خمولة باتخاذ قرارات مالية‪.‬‬ ‫خال�صة القول �إن هذه املجال�س هي �أقرب �إىل‬ ‫�أن تكون ذراع ًا للحكومة من �أن تكون هيئات‬ ‫و�سيطة بني احلكومة و�أهل التعليم العايل‪ ،‬يف‬ ‫و�ضع تبدو فيه ال�سلطة �شديدة املركزية‪.‬‬ ‫طبيعي‬ ‫م�ستوى �إدارة اجلامعات هو امتداد‬ ‫ّ‬ ‫مل�ستوى الإدارة الوطنية للتعليم العايل‪ .‬فال‬ ‫توجد جمال�س �أمناء للجامعات احلكومية‬ ‫با�ستثناء الأردن (وما ي�شبه جمل�س الأمناء‬ ‫يف جامعة الأزهر يف م�رص)‪ ،‬لكن املجل�س يف‬ ‫احلالتني ال �صالحية له يف الرت�شيح والتعيني‪.‬‬

‫‪231‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 232‬للتنمية الثقافية‬

‫وهناك جمل�س جامعة يف جميع اجلامعات‪.‬‬ ‫وهو بدوره ال ير�شّ ح العمداء وال رئي�س اجلامعة‬ ‫يف معظم الأحيان‪ ،‬با�ستثناء لبنان‪ .‬فرئي�س‬ ‫اجلامعة (والعمداء �أحيان ًا) تع ّينه احلكومة‬ ‫(امللك‪ ،‬الرئي�س‪ ،‬جمل�س الوزراء) يف جميع‬ ‫البلدان املدرو�سة‪� .‬أما �صالحيات هذا املجل�س‬ ‫املالية فمحدودة �أو غام�ضة‪ ،‬باعتبار �أن‬ ‫تقرر‬ ‫احلكومة‪ ،‬عرب وزارة املالية‪ ،‬هي التي ّ‬ ‫ميزانية اجلامعات‪ ،‬وهي التي تتح ّول �إليها‬ ‫املداخيل الإ�ضافية للجامعة‪.‬‬ ‫�أما جلهة التكوين ف�إن جمال�س اجلامعات‬ ‫ت�ض ّم عمداء ومدراء‪ ،‬وغالب ًا ال ت�ضم ممثلني‬ ‫منتخبني عن الهيئة التعليمية (با�ستثناء لبنان‬ ‫واملغرب) وال جند فيها ممثلني عن الفعاليات‬ ‫االجتماعية واالقت�صادية‪ ،‬با�ستثناء املغرب‪،‬‬ ‫الذي ينفرد �أي�ض ًا ب�أن اجلامعة يحق لها‬ ‫امل�ساهمة يف املقاوالت العمومية واخلا�صة‬ ‫و�أن تن�شئ �رشكات تابعة لها‪� ...‬إلخ‪.‬‬ ‫خال�صة القول �إن اجلامعات احلكومية‬ ‫يف البلدان العربية املدرو�سة‪ ،‬التي ت�صفها‬ ‫القوانني ب�أنها م�ستقلة مالي ًا و�إداري ًا‪ ،‬تفتقد‪،‬‬ ‫مبوجب القوانني نف�سها‪ ،‬ال�صالحيات الالزمة‬ ‫التخاذ القرارات (�أو امل�شاركة يف ا ّتخاذ‬ ‫القرارات) املتعلقة بتعيني القياديني فيها‪،‬‬ ‫وبتحديد ميزانياتها ومواردها‪ .‬وبهذا املعنى‬ ‫نقول �إنها تفتقد ا�ستقالليتها الإدارية واملالية‬ ‫(ولو �أن اجلامعة احلكومية يف املغرب تبدو‬ ‫�أكرث متتع ًا بهام�ش من اال�ستقاللية)‪ .‬ومن‬ ‫املنطقي االفرتا�ض �أن اال�ستقاللية الأكادميية‬ ‫تكون مق ّيدة يف هذه احلالة‪ ،‬كلما تعلق الأمر‬ ‫بالربامج ذات الكلفة املالية‪ ،‬حيث ال ت�ستطيع‬ ‫البت بالأمر من دون موافقة ال�سلطات‬ ‫اجلامعة ّ‬ ‫العليا‪.‬‬ ‫�أما �أن تكون اجلامعة غري حكومية فهذا ال‬ ‫يعني �أنها تتمتع باال�ستقاللية حكم ًا‪ .‬لأنها قد‬ ‫تكون خا�ضعة مل�شيئة �أ�صحابها �أكانوا �أفراداً‬ ‫�أم �رشكات �أم جماعات‪ .‬وقد ب ّينا يف الف�صل‬ ‫الأول �أن اجلامعات غري احلكومية قليال ما‬ ‫تتمتع باال�ستقاللية و�أنها ال ت�ضم ممثلني عن‬

‫الفعاليات االجتماعية واالقت�صادية‪ ،‬مع بع�ض‬ ‫اال�ستثناءات النادرة‪ .‬فاجلامعة الأمريكية يف‬ ‫بريوت لها جمل�س �أمناء هو ال�سلطة العليا فيها‪،‬‬ ‫بالن�سبة ل�صالحيات التعيني (مبا يف ذلك تعيني‬ ‫الرئي�س) وال�صالحيات املالية‪ ،‬وهو يتك ّون من‬ ‫�شخ�صيات لبنانية (متن ّوعة الأديان والطوائف)‬ ‫وعربية و�أجنبية‪ .‬واجلامعة غري تابعة جلماعة‬ ‫معينة‪ ،‬دينية �أو غري دينية‪� ،‬أو لأفراد �أو ل�رشكة‪.‬‬ ‫وبهذا املعنى تعترب اجلامعة الأمريكية يف‬ ‫بريوت الأكرث ا�ستقال ًال بني اجلامعات التي‬ ‫�شملتها الدرا�سة‪� ،‬أي الأقل اتكا ًال على «جهة»‬ ‫واحدة متولها وتوجهها‪ ،‬والأكرث ا�ضطرارا‬ ‫�إىل حت�صيل مواردها وتنويعها بجهد خا�ص‬ ‫تكر�سه لهذا الغر�ض‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ا�ستنادا �إىل هذه ال�صورة عن �أحوال‬ ‫�إدارة �ش�ؤون التعليم العايل ميكن القول �إن‬ ‫م�شكلة التمويل لي�ست فقط م�شكلة تدبري �أموال‬ ‫�إ�ضافية‪ ،‬و�إن َح َّل املال م�شكلة الفر�ص الدرا�سية‬ ‫(مقاعد �إ�ضافية منح حملية ويف اخلارج‪ ،‬كما‬ ‫هي احلال يف البلدان اخلليجية) ف�إنه ال يح ّل‬ ‫امل�شكلة الأ�سا�سية (النوعية)‪ .‬ي�صعب ف�صل‬ ‫التمويل عن الت�سيري‪.‬‬ ‫يف هذا ال�سياق ن�ضع «الوقفية اجلامعية»‪،‬‬ ‫باعتبارها بدي ًال ميكن �أن يوفّر الأمرين مع ًا‪:‬‬ ‫التمويل (حجم ًا وتنويع ًا) واال�ستقاللية‪ .‬فماذا‬ ‫تق ّدم لنا التجربة العاملية حول املو�ضوع‪،‬‬ ‫وماذا تق ّدم التجربة العربية‪ ،‬وما هي �آفاق‬ ‫تطوير هذه التجربة؟‬

‫الوقفية اجلامعية بني التجربة الدولية‬ ‫والتجربة العربية‬

‫الوقفية اجلامعية منت�رشة عاملي ًا‪ .‬ق ّدمنا‬ ‫�أمثلة عليها من الواليات املتحدة الأمريكية‬ ‫وكندا وبريطانيا و�سوي�رسا و�أ�سرتاليا وتركيا‪،‬‬ ‫مع فروق مهمة بينها‪.‬‬ ‫ما يجمع بني هذه التجارب ع ّدة �أمور‪.‬‬ ‫�إنها قائمة يف اجلامعات احلكومية كما‬ ‫يف اجلامعات غري احلكومية‪،‬‬ ‫�إنها تتغذى من املتربعني يف املجتمع‪،‬‬


‫خال�صة و�إ�ستنتاجات‬

‫التـعليم‬

‫على �سبيل الهدايا والو�صايا والعمل اخلريي‬ ‫وغريها‪ ،‬ومن امل�ساعدات واملنح البحثية‬ ‫احلكومية‪ ،‬وغريها‪.‬‬ ‫�إنها تتغذى من م�صادر جمتمعية متع ّددة‪،‬‬ ‫لكّنها تدار من قبل جهاز م�ستقل يف �إجراءاته‬ ‫يقع يف الوقت نف�سه حتت �سلطة اجلامعة‪،‬‬ ‫واجلامعة تختار (يف الوقفية غري املقيدة)‬ ‫�أبواب �إنفاقها تبع ًا حلاجاتها‪ ،‬وبالتايل‬ ‫فالوقفية اجلامعية هي يف خدمة اجلامعة‬ ‫(ر�سالتها‪� ،‬أهدافها‪ ،‬براجمها)‪ ،‬ولي�ست اجلامعة‬ ‫يف خدمة الوقفية لتحقيق �أجندات معينة‪ ،‬فمن‬ ‫ي�شاء �أن يدعم اجلامعة له ذلك‪ ،‬مبا فيه متويل‬ ‫برامج معينة فيها (الوقفية املقيدة)‪.‬‬ ‫�إن �أموال الوقفية ميكن ا�ستثمارها مبا‬ ‫يزيد من حجمها وي�ؤدي �إىل تعظيم الفائدة‬ ‫منها‪ .‬وقد ب ّينت حالة جامعة هارفارد �أنها‬ ‫ت�ستخدم ما يقرب من ‪ %5‬فقط من عوائد‬ ‫وقفياتها يف الإنفاق على الت�شغيل (النفقات‬ ‫اجلارية)‪ .‬لكن احلالة نف�سها تبينّ �أن اال�ستثمار‬ ‫يف ال�سوق يحمل معه تقلبات ال�سوق و�أحيانا‬ ‫نك�ساته‪ ،‬كما ح�صل م�ؤخراً فيها‪.‬‬ ‫�إنها لي�ست م�صدراً فقط لإيرادات �إ�ضافية‪،‬‬ ‫بل هي �رشاكة جمتمعية يف حتمل �ش�ؤون �إدارة‬ ‫التعليم العايل (اجلامعات)‪ ،‬وهي بهذا املعنى‬ ‫جت�سد ال�رشاكة املجتمعية يف حتمل م�س�ؤولية‬ ‫ّ‬ ‫التعليم العايل‪ ،‬وهي بهذا املعنى �أي�ض ًا نظام‬ ‫يف متويل اجلامعات و�إدارتها يف الوقت نف�سه‪،‬‬ ‫�أ�سا�سه ت�أمني ا�ستقاللية اجلامعة الإدارية‬ ‫واملالية والأكادميية‪ ،‬مبا يف ذلك املحافظة‬ ‫على احلريات الأكادميية‪،‬‬ ‫�إنها ال تغ ّيب احلكومة‪ ،‬بل تكون احلكومة‬ ‫حا�رضة بعدة �أ�شكال �أبرزها‪ :‬امل�شاركة اجلزئية‬ ‫امل�رشوطة يف متويل اجلامعات غري احلكومية‬ ‫( الواليات املتحدة‪ ،‬تركيا) وهو دور حتفيزي‪،‬‬ ‫وامل�شاركة الأ�سا�سية يف متويل اجلامعات‬ ‫احلكومية وتغذية �أوقافها (بريطانيا‪ ،‬كندا‪،‬‬ ‫�أ�سرتاليا)‪ ،‬وهو دور متويلي‪ ،‬وو�ضع القوانني‬ ‫الآيلة �إىل تنظيم عمل اجلامعات الأهلية‬ ‫ومراقبة �أدائها‪ ،‬وهو دور ت�أطريي و�إ�رشايف‬

‫وتنظيمي‪ ،‬بحيث �أن اجلامعة امل�ستقلة �إداري ًا‬ ‫ومالي ًا يفرت�ض �أن تكون �شفافة و�أن تخ�ضع‬ ‫للم�ساءلة (احلكومية واملجتمعية)‪،‬‬ ‫�إنها تتوجه ب�صورة رئي�سية نحو ثالثة‬ ‫جماالت هي بالأولوية‪ :‬البحوث‪ ،‬و�إن�شاء‬ ‫مرافق جديدة للجامعة‪ ،‬وتقدمي املنح الدرا�سية‬ ‫للطالب‪ ،‬علم ًا ب�أن الأثر احلا�سم للوقفيات يكمن‬ ‫عملي ًا يف البحوث (درا�سات‪ ،‬برامج بحثية‪،‬‬ ‫مراكز بحثية‪ ،‬كرا�س بحثية و�أكادميية)‪ .‬مبعنى‬ ‫�أن املح�صلة النهائية للوقفية اجلامعية تكمن‬ ‫باملنتجني الب�رشي واملعريف للتعليم‬ ‫حتديدا‬ ‫َ‬ ‫العايل‪ ،‬و�أن الوقفية اجلامعية‪ ،‬يف النموذج‬ ‫الأمريكي على الأقل‪ ،‬هي املف�رس الأ�سا�سي‬ ‫لتميز اجلامعات يف تطوير املعارف عن طريق‬ ‫الأبحاث‪ ،‬يف العلوم البحتة والإن�سانية على‬ ‫ال�سواء‪ ،‬وهي التي جعلت البع�ض منها من �أغنى‬ ‫اجلامعات يف العامل‪ ،‬ومن اجلامعات التي‬ ‫حتت ّل املراتب الأوىل يف الت�صنيفات املحلية‬ ‫والدولية حول النوعية‪.‬‬ ‫وتختلف هذه التجارب من �أكرث من‬ ‫ناحية‪:‬‬ ‫من ناحية احلجم‪ :.‬ذلك �أن وقفية جامعة‬ ‫هارفارد مث ًال تبلغ ‪ 36.9‬مليار دوالر‪ ،‬يف حني‬ ‫�أن وقفية املعهد ال�سوي�رسي للتكنولوجيا تبلغ‬ ‫ملياراً واحداً‪ .‬والتفاوت يظهر �أي�ض ًا يف ن�سبة ما‬ ‫تق ّدمه الوقفية باملقارنة مع املوارد الأخرى‬ ‫للجامعة‪.‬‬ ‫من ناحية اجلهة الواقفة‪ ،‬ما بني متربعني‬ ‫�أفراد وم�ؤ�س�سات وواهبني ومو�صني (جهات‬ ‫غري حكومية)‪ ،‬كما يف اجلامعات الأمريكية‬ ‫التي توقفنا عندها‪ ،‬ومن وقفيات «ت�أ�سي�سية»‬ ‫وجمعيات �أهلية خريية كما يف النموذج‬ ‫الرتكي‪ ،‬وم�ساهمات حكومية كما يف اجلامعات‬ ‫الربيطانية والكندية والأ�سرتالية احلكومية‪.‬‬ ‫علم ًا ب�أن احلكومة يف هذه اجلامعات ت� ّؤمن‬ ‫(من خارج الوقفية) بع�ض النفقات الت�شغيلية‬ ‫وبخا�صة رواتب الهيئة التعليمية‪ ،‬واحلكومة‬ ‫الرتكية مت ّول اجلامعات الأهلية يف جمال‬ ‫البحوث وتبع ًا لأداء اجلامعات بناء على �رشوط‬

‫‪233‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 234‬للتنمية الثقافية‬

‫ن�ص عليها القانون‪ ،‬تتعلق بالنوعية‪ ،‬واحلكومة‬ ‫ّ‬ ‫الفيدرالية يف �أمريكا تقدم للجامعات احلكومية‬ ‫وغري احلكومية منحا بحثية وم�ساعدات‬ ‫حتفيزية تقع خارج الوقفيات‪ .‬ويف ك ّل الأحوال‬ ‫تتباين وجهة امل�ساهمة تبع ًا للجهة الواقفة‪.‬‬ ‫من ناحية نطاق الوقفية‪ .‬ففي بريطانيا‬ ‫هناك وقفيات للكليات منف�صلة عن وقفيات‬ ‫اجلامعات (حتى داخل اجلامعة نف�سها)‪ ،‬وهذا‬ ‫غري �شائع يف البلدان الأخرى‪.‬‬ ‫من ناحية القطاع‪ .‬ذلك �أن الوقفيات‬ ‫جندها يف القطاعني احلكومي واخلا�ص يف‬ ‫جميع هذه البلدان ما عدا يف تركيا‪.‬‬ ‫على الرغم من هذه الفروق العائدة �إىل‬ ‫تنوع التجارب وتفاوت الأحوال االقت�صادية‬ ‫والنظم ال�سيا�سية للبلدان التي تقع فيها‪ ،‬ف�إن‬ ‫«القاعدة العامة» تتمثل يف ما ي�أتي‪ :‬احلر�ص‬ ‫على تنويع م�صادر التمويل‪ ،‬وزيادة املوارد‪،‬‬ ‫وال�سعي �إىل �إ�رشاك املجتمع يف هذا التمويل‪،‬‬ ‫وت�أمني ا�ستقاللية اجلامعة عن ال�ضغوط‬ ‫احلكومية والأهلية و�إ�رشاكهما مع ًا يف الوقت‬ ‫عينه‪ ،‬وتوجيه التمويل نحو حت�سني النوعية‬ ‫�ضمن �سياق املناف�سة املحلية والدولية‪.‬‬ ‫وجميع هذه الأمور يحتاجها التعليم العايل يف‬ ‫البلدان العربية‪.‬‬ ‫ماذا تق ّدم التجربة العربية يف هذا‬ ‫املجال‪ ،‬جمال الوقفيات اجلامعية؟ ال �شيء‬ ‫يذكر تقريب ًا‪ .‬وجدنا بداية وقفيات‪ ،‬واعدة‪ ،‬يف‬ ‫ال�سعودية‪ ،‬ووقفية متوا�ضعة يف كلية احلقوق‬ ‫يف جامعة بريزيت يف فل�سطني‪.‬‬ ‫ومن املنطقي بعد الوقوف على حجم‬ ‫امل�شكالت املالية والإدارية التي يعاين منها‬ ‫التعليم العايل العربي‪ ،‬وانعكا�ساتها القوية على‬ ‫نوعية التعليم‪ ،‬القول �إنه من ال�رضوري التفكري‬ ‫اجلدي ب�إقامة الوقفيات اجلامعية ون�رشها يف‬ ‫البلدان العربية يف القطاعني احلكومي غري‬ ‫احلكومي‪.‬‬ ‫�إن الوقفية اجلامعية لي�ست فكرة‬ ‫«م�ستوردة» �أو خارج ال�سياق الثقايف العربي‪،‬‬ ‫بل على العك�س من ذلك‪ ،‬فهي بعيدة اجلذور‬

‫التاريخية فيه‪ ،‬منذ «املدار�س النظامية» يف‬ ‫بغداد يف العهد ال�سلجوقي (‪ ،)1105-1194‬والتي‬ ‫تعادل اجلامعات يف م�صطلحنا اليوم‪ .‬وهناك‬ ‫من يقول �إن فكرة الوقفية تعرف عليها الإنكليز‬ ‫من العامل الإ�سالمي �إبان احلروب لل�صليبية يف‬ ‫القرنني الثاين ع�رش والثالث ع�رش‪ ،‬ونقلوها �إىل‬ ‫�إنكلرتا‪ .‬والوقف م�صطلح له �أدبياته الغزيرة‬ ‫يف الثقافة العربية الإ�سالمية و�شائع �أي�ض ًا يف‬ ‫الثقافة امل�سيحية‪ .‬ومن �أركان الوقف «الناظر»‬ ‫�أو «املتوكل» الذي يديره با�ستقاللية عن‬ ‫الواقف وامل�ستفيد‪.‬‬ ‫لكن يجب الإقرار ب�أن اعتماد الوقفية‬ ‫اجلامعية لي�س �أمراً �شائع القبول حتى الآن‬ ‫يف البلدان العربية‪ ،‬وب�أن طرح منوذج الوقف‬ ‫لإحداث نقلة يف التعليم العايل العربي املدين‪،‬‬ ‫قد ي�س ّبب رف�ض ًا يف الأو�ساط احلكومية يف عدد‬ ‫كبري من البلدان العربية‪ .‬لع ّل ذلك يعود �إىل‬ ‫انتماء م�صطلح الوقف فيها �إىل احليز الديني‪.‬‬ ‫يجر معه طابعه العقائدي‬ ‫واحليز الديني ّ‬ ‫واحلركات الدينية ال�سيا�سية التي ي�شهدها‬ ‫العامل العربي منذ فرتة غري وجيزة‪ .‬ولعل‬ ‫امل�شكلة تعود يف �أحوال �أخرى �إىل �أن م�صطلح‬ ‫اجلامعات «الأهلية» التي تقوم على الأوقاف‬ ‫حتيل �إىل النزاع الأهلي‪ .‬وهذه م�شكلة جدية‬ ‫تواجه هذا البديل‪ ،‬ما يفر�ض التقدم يف طرح‬ ‫املو�ضوع بطريقة ت�سمح بتق ّبل الفكرة وتبديد‬ ‫املخاوف الأيديولوجية من الوقفية اجلامعية‬ ‫ونقل الفكرة من احليز الديني وحيز اجلماعات‬ ‫الأهلية �إىل احليز املدين‪.‬‬ ‫رمبا ال يكون النموذج الأمريكي منا�سب ًا‬ ‫لالقتداء‪ ،‬ب�سبب النظام ال�شديد الليربالية فيه‪،‬‬ ‫حيث احلكومات الفيدرالية واملحلية تتبع‬ ‫�سيا�سة الالتدخل يف التعليم العايل وتكتفي‬ ‫بالتحفيز والت�أطري العام‪ .‬ويف الأ�سا�س لي�س‬ ‫من الواقعي التفكري بتقليد جامعة مثل جامعة‬ ‫هارفارد‪ ،‬الع�صية على املناف�سة حتى يف‬ ‫�أمريكا‪ .‬ثم �إن جامعة هارفارد هي جامعة‬ ‫«موجهة للبحوث» (‪،)research oriented‬‬ ‫وهذا النموذج ال�شائع يف �أمريكا غري �شائع‬


‫خال�صة و�إ�ستنتاجات‬

‫التـعليم‬

‫يف العامل‪ .‬لكن التجربة الأمريكية تو�ضح‬ ‫الفكرة ب�صورة مكربة‪ ،‬وتفيدنا ب�أن الوقف له‬ ‫�رشوطه‪� .‬أولها و�أهمها �أن ت�أتي هذه امل�ساعدات‬ ‫لتحقيق �أهداف اجلامعة ور�سالتها كما هي‬ ‫مقررة م�سبق ًا و�أن ال تتح ّول اجلامعة �إىل مكان‬ ‫لتحقيق «�أجندات» حملية �أو خارجية معينة‪.‬‬ ‫وثانيها �أن تكون لأموال الوقف �إدارة م�ستقلة‬ ‫تخ�ضع للم�ساءلة‪ ،‬وتقع حتت �سلطة اجلامعة‪.‬‬ ‫الوقف يكون يف خدمة اجلامعة وال تكون‬ ‫اجلامعة يف خدمة الوقف‪.‬‬ ‫�أما النموذج الربيطاين (كما الكندي‬ ‫والأ�سرتايل)‪ ،‬فهو يفيدنا ب�أنه ميكن �إقامة‬ ‫الأوقاف يف اجلامعات احلكومية‪ ،‬و�أنه ميكن‬ ‫للحكومات (ذات النزعة التدخلية كما هي‬ ‫احلال يف بلداننا) �أن ت�سهم يف هذه الأوقاف‪،‬‬ ‫بل �أن تكون امل�سهم الرئي�سي فيها‪ .‬وهو يفيدنا‬ ‫بالتايل �أن اجلامعة احلكومية م�ستقلة يف‬ ‫وتقرر احلكومة �أن ت�سهم‬ ‫�إدارتها وميزانيتها‪ّ ،‬‬ ‫يف وقفيتها (�أو ميزانيتها) بقدر معني‪.‬‬ ‫�أخرياً تفيدنا التجربة الرتكية �أن اجلامعات‬ ‫«الأهلية» هي بديل للجامعات غري احلكومية‬ ‫التي تبغي الربح‪� ،‬أي التي حت ّمل الطالب كلفة‬

‫التعليم (فتقلل الفر�ص الدرا�سية) وتقتطع من‬ ‫عوائد الر�سوم الأرباح التي حت ّول �إىل املالكني‬ ‫�أو مالكي الأ�سهم (فتعيق تطوير عنا�رص‬ ‫النوعية‪ ،‬وال�سيما البحث العلمي)‪ .‬وهي تفيدنا‬ ‫�أي�ض ًا ب�أن ذلك ال يت ّم من دون �ضوابط قانونية‬ ‫جتنب اجلامعة االنزالق نحو تبعية جديدة‬ ‫جتاه مالّكني �أو جماعات �سيا�سية ت�سعى من‬ ‫وراء امل�ؤ�س�سة �إىل حتقيق «�أجندات» معينة‪،‬‬ ‫وب�أن احلكومة تق ّدم حوافز للجامعات الأهلية‬ ‫من �أجل حت�سني عنا�رص النوعية‪.‬‬ ‫أ�سا�سا �ش�أن عام‪ ،‬باعتبار‬ ‫الوقف هو � ً‬ ‫�أنه متن ّوع امل�صادر وم�ستقل عن الواقف �أو‬ ‫الواقفني‪ ،‬وعوائده تكون مو�ضوعة يف خدمة‬ ‫م�ؤ�س�سة عامة هي اجلامعة‪ .‬يف هذا ال�سياق‬ ‫ميكن القول �إن الأنظمة والقوانني التي ت�سري‬ ‫مبوجبها م�ؤ�س�سات التعليم العايل احلكومية‬ ‫وغري احلكومية بحاجة �إىل تغيريات جوهرية‪.‬‬ ‫ويحتاج الأمر �إىل درا�سة تف�صيلية عن الوقف‪،‬‬ ‫وعن نقله من احليز الديني �إىل احليز املدين‪،‬‬ ‫وعن تطبيقاته املختلفة بني اجلامعات‬ ‫احلكومية واجلامعات غري احلكومية‪.‬‬

‫‪235‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬



‫‪237‬‬

‫الإعالم‬

‫امللف الثالث‬ ‫اخلطاب الثقايف يف و�سائل الإعالم‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬



‫‪239‬‬

‫الإعالم‬

‫الف�صل الأول‪:‬‬

‫اخلطاب الثقايف‪ :‬املنهج واملفهوم‬ ‫�أو ًال‪� :‬أهمية اخلطاب الثقايف يف و�سائل الإعالم‬ ‫ثاني ًا‪ :‬الأهداف املرج َّوة من حتليل اخلطاب الثقايف‬

‫الف�صل الثاين‪:‬‬

‫اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية‬

‫�أو ًال‪ :‬م�ستويات اهتمام اجلرائد اليومية العربية بال�صفحات الثقافية‬ ‫ثاني ًا‪ :‬خ�صائ�ص امل�ضمون ال�صحفي بخطاب املجالت الثقافية العربية‬ ‫ثالث ًا‪ :‬الق�ضايا الإ�شكالية املركزية داخل خطاب املجالت الثقافية العربية‬ ‫الف�صل الثالث‪:‬‬

‫اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية‬

‫�أو ًال‪ :‬االجتاهات العامة ملعاجلة امل�ضامني الثقافية عرب القنوات والربامج التليفزيونية‬ ‫ثاني ًا‪ :‬ت�شكيل اخلطاب الثقايف يف قناة النيل الثقافية‬ ‫ثالث ًا‪ :‬ت�شكيل اخلطاب الثقايف يف قنوات الثقافة ال�شعبية ال�سعودية‬ ‫رابع ًا‪ :‬ت�شكيل اخلطاب الثقايف يف برنامج «ال�صالون الثقايف» بالقناة املغربية‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 240‬للتنمية الثقافية‬

‫الف�صل الأول‬ ‫اخلطاب الثقايف‪ :‬املنهج واملفهوم‬ ‫�أو ًال‪� :‬أهمية اخلطاب الثقايف يف‬ ‫و�سائل الإعالم‬

‫ُيعنى هذا امللف بتحليل �سمات وعنا�رص‬ ‫و�أطر ت�شكيل اخلطاب الثقايف عرب �أجهزة‬ ‫الإعالم‪ ،‬على م�ستوى الق�ضايا والأطروحات‬ ‫التي يتبناها هذا اخلطاب‪ ،‬والقوى الفاعلة التي‬ ‫يربزها‪ ،‬وعنا�رص تقدمي الهوية الثقافية للذات‪،‬‬ ‫و�أبعاد عالقة الهوية الذاتية بالآخر (الداخلي‪:‬‬ ‫القطري – املذهبي) والآخر (اخلارجي‪ :‬الغربي‬ ‫�أو الآ�سيوي)‪ .‬وتكت�سب هذه الدرا�سة �أهميتها‬ ‫مما يلي‪:‬‬ ‫• �إن التجلي الإعالمي للخطاب الثقايف �أ�صبح‬ ‫التجلي الأبرز‪ ،‬والأكرث �أهمية وجماهريية‪،‬‬ ‫بل ميكننا القول ب�أن و�سائل الإعالم اليوم‬ ‫�أ�صبحت الو�سيلة الأ�سا�سية والنافذة املحورية‬ ‫لرتويج اخلطابات الثقافية املختلفة‪ ،‬و�إك�سابها‬ ‫نوع ًا مـن اجلماهريية والقبول‪� ،‬سواء على‬ ‫م�ستوى جمهور ال�صفوة (النخبة املثقفة)‪� ،‬أم‬ ‫على م�ستوى اجلمهور العام‪.‬‬ ‫• �إن الك�شف عن �أجندة املو�ضوعات والق�ضايا‬ ‫التي يهتم بها اخلطاب الثقايف الذي تقدمه‬ ‫و�سائل الإعالم مينحنا عدداً من امل�ؤ�رشات‬ ‫املهمة حول جمموعة ان�شغاالت العقل الثقايف‬ ‫العربي‪ ،‬خالل فرتة زمنية معينة‪� ،‬سواء على‬ ‫م�ستوى منتجي اخلطاب‪� ،‬أم على م�ستوى‬ ‫م�ستهلكيه‪.‬‬ ‫• يعبرّ اخلطاب الثقايف عن منظومة حم ّددة‬ ‫من القيم التي وظّ فها �سواء يف حتديد مالمح‬ ‫الذات‪� ،‬أم يف حتديد �سمات الآخر‪ .‬وي�ؤدي‬ ‫الك�شف عن منظومة القيم تلك �إىل فهم الطريقة‬ ‫التي يفكّر بها العقل العربي عند النظر �إىل هوية‬ ‫الذات‪ ،‬وكذلك عند الوقوف �أمام هوية الآخر‪.‬‬ ‫• �إن حتديد ن�سبة و�أ�شكال اهتمام و�سائل‬ ‫الإعالم العربي بتقدمي امل�ضامني الثقافية‬

‫يوفّر لنا �أ�سا�س ًا منهجي ًا لتحديد م�ستوى اهتمام‬ ‫هذه الو�سائل بالقيام بالوظيفة التثقيفيـة‪ ،‬التي‬ ‫تعد �إحدى الوظائف الأ�سا�سية لو�سائل الإعالم‬ ‫يف املجتمعات النامية‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬الأهداف املرج َّوة من حتليل‬ ‫اخلطاب الثقايف‬

‫يتمثل الهدف الرئي�سي يف حتليل �سمات‬ ‫و�أطر ت�شكيل اخلطاب الثقايف باملجالت‬ ‫الثقافية والقنوات والربامج التليفزيونية‬ ‫الثقافية خالل العام ‪ .2008‬ويتفرع عن هذا‬ ‫الهدف الرئي�سي جمموعة الأهداف التالية‪:‬‬ ‫• حتليل الق�ضايا العامة التي يهتم بها‬ ‫اخلطاب الذي تت�صدى لتقدميه كل من‬ ‫القنوات الف�ضائية الثقافية واملجالت الثقافية‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫• حتليل الأطروحات التي يتبناها اخلطاب يف‬ ‫معاجلة جمموعة الق�ضايا املركزية التي يهتم‬ ‫ب�إبرازها‪.‬‬ ‫• حتليل �سمات وعنا�رص ت�شكيل الهوية‬ ‫الثقافية لل�شخ�صية العربية يف اخلطاب‬ ‫الثقايف عرب و�سائل الإعالم‪.‬‬ ‫• حتليل �سمات وعنا�رص ت�شكيل الهوية الثقافية‬ ‫للآخر يف اخلطاب الثقايف الإعالمي‪.‬‬ ‫• حتليل الروافد الأ�سا�سية لت�شكيل هذا‬ ‫اخلطاب‪:‬‬ ‫• الرافد الديني‪.‬‬ ‫• الرافد التاريخي‪.‬‬ ‫•الرافد املت�صل بالثقافة ال�شعبية (املحلية)‪.‬‬ ‫• الرافد املت�صل بق�ضايا الع�رص‪.‬‬ ‫• حتليل القوى الفاعلة التي يعتمد عليها‬ ‫اخلطاب الثقايف ‪ -‬عرب �أجهزة الإعالم ‪ -‬يف‬ ‫�إنتاج وت�أ�سي�س �أطروحاته‪.‬‬ ‫• حتليل جتليات مفهوم الأحادية (القطرية)‬


‫الف�صل االول‬ ‫اخلطاب الثقايف‪ :‬املنهج واملفهوم ‪241‬‬

‫ومفهوم التعددية (القومية �أو العوملية) داخل‬ ‫اخلطاب الثقايف الإعالمي‪.‬‬ ‫• حتليل �آليات الدمج‪ /‬التفكيك التي يعتمد‬ ‫عليها اخلطاب يف بناء �أطروحاته املتعلقة‬ ‫بعالقة الذات الثقافية بالآخر‪.‬‬

‫جمتمع وع ّينة الدرا�سة‬

‫ع ّينة املجالت الثقافية‬

‫�شملت ع ّينة املجالت الثقافية داخل هذه‬ ‫الدرا�سة جمموعة املجالت التالية ‪:1‬‬ ‫• جملة الهالل (امل�رصية)‪ :‬وهي جملة �شهرية‪،‬‬

‫الإعالم‬

‫تتبع هذه الدرا�سة �سمات و�أطر ت�شكيل‬ ‫اخلطاب الثقايف داخل نوعني من الو�سائل‬ ‫الإعالمية‪:‬‬ ‫• املجالت الثقافية العربية‪.‬‬ ‫• القنوات التليفزيونية‪ ،‬والربامج التليفزيونية‬ ‫الثقافية املتخ�ص�صة‪.‬‬ ‫وبذا يتحدد جمتمع الدرا�سة التحليلية يف‬ ‫�إطار كل من املنظومتني الثقافيتني ال�صحفية‬ ‫والتليفزيونية‪ .‬وقـد تـ ّم حتـديـد ع ّينـة من‬ ‫املجالت الثقافية العربية‪ ،‬وكذلك من القنوات‬ ‫والربامج التليفزيونية الثقافية العربية املمثلة‬ ‫خل�صائ�ص جمتمع الـدرا�سة‪ ،‬على النحو التايل‪:‬‬

‫وتعد �أقدم جملة ثقافية عربية‪� ،‬إذ ت�أ�س�ست عام‬ ‫‪ 1892‬على يد جرجي زيدان‪ ،‬وما زالت ت�صدر‬ ‫حتى الآن عن م�ؤ�س�سة «دار الهالل»‪.‬‬ ‫• جملة الآداب (اللبنانية)‪ :‬وهي جملة ت�صدر‬ ‫�ست مرات �سنوي ًا‪� ،‬أي كل �شهرين‪ ،‬وتعد من �أقدم‬ ‫املجالت الثقافية يف العامل العربي‪� ،‬إذ �صدرت‬ ‫عام ‪ 1953‬من بريوت‪ ،‬وتوىل مهمة ت�أ�سي�سها‬ ‫الأديب واملفكر اللبنـاين الدكتور «�سهيل‬ ‫�إدري�س»‪ .‬والزالت املجلة م�ستمرة يف ال�صدور‬ ‫حتى الآن‪.‬‬ ‫• جملة العربي (الكويتية)‪ :‬وهي جملة �شهرية‬ ‫ثقافية م�صورة‪ ،‬ت�أ�س�ست عام ‪ ،1958‬وت�صدرها‬ ‫وزارة الإعالم بدولة الكويت لتوجه �إىل الوطن‬ ‫العربي ككل‪.‬‬ ‫• ال�صحيفة الثقافية (املغربية)‪ :‬وهي جملة‬ ‫ت�صدر عن جملة فواني�س املغربية ب�صورة‬ ‫�شهرية‪ .‬وجملة فواني�س هي جملة �إلكرتونية‬ ‫ُتعنى ب�ش�ؤون الأدب ‪.2‬‬

‫ع ّينة القنوات والربامج التلفزيونية‬ ‫الثقافية‬

‫غطّ ت عي ّنة القنوات والربامج التليفزيونية‬ ‫مت حتليل اخلطاب املقدم عربها‬ ‫الثقافية التي ّ‬ ‫ما يلي‪: 3‬‬

‫‪1‬‬ ‫العينة عدد من ال�رشوط‪� ،‬أهمها‪:‬‬ ‫ يتحقق يف هذه ّ‬ ‫• تغطية قطاعات جغرافية متنوعة داخل العامل العربي‪ ،‬ت�شمل امل�رشق العربي واملغرب العربي‪ ،‬ووادي النيل‪.‬‬ ‫• التوجه �إىل جمالت ثقافية متنوعة على عدة م�ستويات‪� ،‬أهمها‪ :‬التنوع على م�ستوى الر�ؤية والأهداف‪ ،‬والتنوع على م�ستوى العمق التاريخي‪ ،‬والتنوع على م�ستوى دورية ال�صدور‪،‬‬ ‫والتنوع على م�ستوى الطبيعة واخل�صائ�ص‪ ،‬ما بني جمالت مطبوعة و�أخرى �إلكرتونية‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫مت م�سح �أربعة من الأعداد ال�صادرة من كل جملة من هذه املجالت الأربع‪ ،‬با�ستثناء ال�صحيفة الثقافية املغربية التي توافر منها ثالثة �أعداد فقط على موقع جملة فواني�س على �شبكة‬ ‫ّ‬ ‫مت م�سح �أربعة �أعداد من جملة الآداب البريوتية خالل عام ‪ ،2008‬غطت الأ�شهر التالية‪ - :‬عدد يناير‪ /‬فرباير‪ /‬مار�س‪ - .‬عدد �أبريل‪ /‬مايو‪/‬‬ ‫الإنرتنت (يناير – فرباير – مار�س ‪ .)2007‬و ّ‬ ‫مت ا�ستبعاد العدد ال�صادر يف‬ ‫يونيو‪ - .‬عدد يوليو‪� /‬أغ�سط�س‪� /‬سبتمرب‪ - .‬عدد دي�سمرب‪ .‬وقد �صدر من جملة الآداب خالل عام ‪ 2008‬خم�سة �أعداد‪ ،‬غطت الدرا�سة التحليلية �أربعة منها‪ ،‬و ّ‬ ‫�أكتوبر‪ /‬نوفمرب ‪ ،2008‬لالعتبارات املنهجية اخلا�صة باملقارنة‪ ،‬بحيث اعتمدت الدرا�سة �سحب �أربعة �أعداد من كل من جملتي الهالل والعربي ب�أ�سلوب العينة املنتظمة‪ .‬فتم تق�سيم ال�سنة‬ ‫مت �سحب العدد الأول من الفرتة الأوىل (�شهر يناير)‪ ،‬والعدد الثاين من الفرتة الثانية (مايو)‪ ،‬والعدد الثالث من الفرتة الثالية (�سبتمرب)‪،‬‬ ‫�إىل �أربع فرتات (ت�شتمل كــل فرتة على ثالثة �أ�شهر)‪ ،‬و ّ‬ ‫والعدد الأخري من الفرتة الرابعة (�شهر دي�سمرب)‪.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫متت مراعاة جمموعة ال�رشوط الآتية يف حتديد هذه املجموعة من القنوات والربامج كمادة لتحليل اخلطاب الثقايف التليفزيوين‪:‬‬ ‫وقد ّ‬ ‫• التنويع على م�ستوى امللكية‪ :‬حيث تتنوع �أ�شكال ملكية هذه القنوات‪ ،‬ما بني قنوات متتلكها وتديرها حكومات (قناة النيل الثقافية)‪ ،‬وثانية مملوكة ل�شعراء ومثقفني (القنوات‬ ‫ال�شعبية ال�سعودية)‪.‬‬ ‫العينة قنوات تتخ�ص�ص ب�شكل كامل يف تقدمي الربامج الثقافية‪ ،‬وقنوات ذات طبيعة عامة‪ ،‬لكنها تويل الربامج‬ ‫• التنويع على م�ستوى الإطار التليفزيوين لتقدمي اخلطاب‪ :‬حيث �شملت ّ‬ ‫الثقافية �أهمية خا�صة‪ ،‬وبرامج ثقافية متخ�ص�صة تقدم يف قنوات عامة (برنامج ال�صالون الثقايف على القناة املغربية)‪.‬‬ ‫• التنويع على امل�ستوى اجلغرايف‪ :‬حيث تغطي العينة قنوات وبرامج ت�شمل ثالث دول عربية‪ ،‬تتمثّل يف م�رص‪ ،‬واململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬واململكة املغربية‪.‬‬ ‫فالعينة تتعامل مع قنوات ثقافية تهتم بتقدمي خطاب ثقايف يغطي �أجندة متنوعة من االهتمامات (قناة النيل الثقافية)‪ ،‬وقنوات تركز على �أ�شكال‬ ‫• التنويع على م�ستوى اخلطاب‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ثقافية معينة‪ ،‬مثل ال�شعر والثقافة ال�شعبية (القنوات ال�شعبية ال�سعودية)‪ ،‬و�أخرى متزج اخلطاب الثقايف بق�ضايا و�إ�شكاليات الواقع العام‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل برنامج تليفزيوين يق ّدم الق�ضايا‬ ‫الثقافية من منظور احلوار مع الآخر (برنامج ال�صالون الثقايف)‪.‬‬ ‫مت حتليل جمموعة من الربامج الأ�سا�سية التي تعر�ض على �شا�شتها خالل الأ�شهر الثالثة الأخرية من عام ‪ ،2008‬والأ�شهر الثالثة الأوىل من عام‬ ‫ويف �إطار كل قناة من القنوات ال�سابقة ّ‬ ‫‪ ،2009‬يف �ضوء توافر ت�سجيالت للمادة الرباجمية اخلا�ضعة للتحليل‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 242‬للتنمية الثقافية‬

‫• قناة النيل الثقافية‪ :‬وهي القناة العربية‬ ‫الأ�سا�سية املتخ�ص�صة ب�شكل �رصيح يف‬ ‫معاجلة ال�ش�ؤون الثقافية‪ .‬وبد�أت تبث خدماتها‬ ‫– �ضمن باقة قنوات النيل املتخ�ص�صة – منذ‬ ‫عام ‪.1998‬‬ ‫• جمموعة القنوات ال�شعبية ال�سعودية‪ :‬وت�شمل‬ ‫قناة ال�صحراء‪ ،‬وديوان العرب‪ ،‬واملرقاب‪ .‬وهي‬ ‫قنوات تهتم بتقدمي ال�شعر والثقافة ال�شعبية‬ ‫ب�صورة �أ�سا�سية‪« .‬وقد ا�ستطاعت هذه القنوات‬ ‫ويف فرتة زمنية ق�صرية تكوين قاعدة م�ؤلفة‬ ‫من جمهور كبري الم�ست هذه القنوات م�شاعره‪،‬‬ ‫مبا تبثّه من واقع بيئته‪ ،‬مرتكز ًة على تراثه‬ ‫و�أدبه ال�شعبي‪ ،‬فوجد فيها متنف�س ًا بعيداً عن‬ ‫العديد من القنوات الف�ضائية الأخرى» ‪ .1‬وقد‬ ‫ا�ستطاعت هذه القنوات �أن تخلق نوع ًا من‬ ‫اجلدل حول طبيعة اخلطاب الذي تقدمه داخل‬ ‫املجتمع ال�سعودي‪ ،‬الأمر الذي دفع بع�ض‬ ‫امل�س�ؤولني الإعالميني ال�سعوديني �إىل الت�أكيد‬ ‫على «�أن للإعالم ال�شعبي دوراً كبرياً وهام ًا‪،‬‬ ‫ومن اجليد �أن هذه القنوات ميتلكها م�ستثمرون‬ ‫�سعوديون‪ ،‬وعلى هذه القنوات �أال ت�سعى �إىل‬ ‫الإ�ساءة لهذه البالد‪ ،‬خ�صو�ص ًا بعد �أن �أ�صبح‬ ‫لها جمهورها الذي ت�ستطيع الت�أثري عليه‪.‬‬ ‫ومن املهم �أال تنزلق هذه القنوات يف ما ي�سمى‬ ‫بالقبلية والعن�رصية والطائفية» ‪.2‬‬ ‫• برنامج ال�صالون الثقايف الذي يقدم على‬

‫القناة املغربية الف�ضائية بالتعاون مع‬ ‫تليفزيون دويت�ش فيال الأملاين‪ .‬ويبث حلقاته‬ ‫منذ �شهر �أكتوبر ‪.2008‬‬ ‫ي ّت�ضح مما �سبق �أن عينة املجالت والقنوات‬ ‫والربامج الثقافية العربية التي خ�ضعت للتحليل‬ ‫تغطي عدداً من الدول العربية‪ ،‬ت�شمل ك ًال من‪:‬‬ ‫م�رص والكويت ولبنان واملغرب واململكة‬ ‫العربية ال�سعودية‪ ،‬وعلى الرغم من �أن مفردات‬ ‫هذه العينة تنتمي �إىل دول عربية بعينها‪� ،‬إال �أن‬ ‫ذلك ال يعني �أن كل نافذة �إعالمية منها كانت‬ ‫مغلقة على املبدعني واملثقفني املحليني‪ ،‬بل‬ ‫كانت مفتوحة ك�ساحة ي�ستطيع مثقفون عرب‬ ‫من �أقطار متنوعة التعبري فيها‪ ،‬وهذا ما جعلها‬ ‫م�ساحة جيدة الكت�شاف مالمح اخلطاب الثقايف‬ ‫الإعالمي بتنويعاته واجتاهاته القطرية كافة‬ ‫التي تغطي العامل العربي ككلّ‪.‬‬

‫منهج الدرا�سة‬

‫تعتمد الدرا�سة على منهج امل�سح كمنهج‬ ‫رئي�سي‪ ،‬واملنهج املقارن كمنهج م�ساعد‪.‬‬ ‫وي�ستند منهج امل�سح �إىل جمع وحتليل البيانات‬ ‫املتوافرة كافة حول ظاهرة �إعالمية مع ّينة من‬ ‫�أجل الإجابة عن ت�سا�ؤالت �أو اختبار فرو�ض‬ ‫حم ّددة تطرحها الدرا�سة‪ .3‬ويت ّم تطبيق هذا‬ ‫املنهج على م�ستويني‪:‬‬ ‫امل�ستوى الأول‪ ،‬ويتعلق مب�سح الر�سالة‬

‫‪ 1‬انظر يف ذلك‪ :‬قا�سم الروي�س ‪ ،‬ف�ضاء القنوات ال�شعبية وثنائية ال�شاعر والناقة (يف)‪http://jehaat.com/vb/showthread.php?t=5601 :‬‬ ‫‪ 2‬انظر يف ذلك‪ :‬ت�رصيح وكيل الإعالم ال�سعودي د‪ .‬عبد اهلل اجلا�رس يف احتفال جمعية النا�رشين ال�سعوديني (يف)‪http://www.alriyadh.com/2009/08/06/article450108.html :‬‬

‫‪3‬‬ ‫مت بناء ا�ستمارة حتليل امل�ؤ�رشات الكمية لأبعاد وعنا�رص م�ضمون اخلطاب الثقايف الذي تقدمه املجالت الثقافية‪ ،‬والقنوات والربامج الثقافية التليفزيونية‪ ،‬يف �ضوء عدد مـن املحاور‪ ،‬غطّ ى‬ ‫ّ‬ ‫كل حمور منها عدداً من املتغريات التي ا�ستهدفت الدرا�سة حتليلها‪ ،‬وذلك على النحو التايل‪:‬‬ ‫• حمور املو�ضوعات التي يعاجلها امل�ضمون الثقايف للخطاب‪ :‬وي�شمل هذا املحور جمموعة املتغريات التالية‪:‬‬ ‫ متغري نوع الق�ضايا التي يطرحها اخلطاب‪.‬‬‫ ‬ ‫ متغري الت�صنيف املو�ضوعي للربامج الثقافية‪.‬‬‫ حمور القوالب الفنية امل�ستخدمة يف تقدمي املادة اخلطابية‪.‬‬‫ ‬ ‫ متغري القطاعات الثقافية التي يغطيها اخلطاب (فكر ‪ /‬فن ‪� /‬أدب ‪ /‬علوم‪ ،‬وغري ذلك)‪.‬‬‫• حمور م�صادر املعلومات داخل اخلطاب‪ :‬ويت�ضمن املتغريات التالية‪:‬‬ ‫– متغري نوع م�صادر املعلومات التي يعتمد عليها اخلطاب (�أ�ساتذة جامعات‪ /‬فنانون‪ /‬رجال دين‪ /‬مفكرون‪ ،‬وغري ذلك)‪.‬‬ ‫– متغري القوى الثقافية الفاعلة التي يربزها اخلطاب (مثقفون ر�سميون ‪ /‬مثقفون معار�ضون لل�سلطة‪ /‬مثقفون م�ستقلون)‪.‬‬ ‫– متغري معدالت �إبراز العنا�رص الذكورية والن�سوية كقوى فاعلة داخل اخلطاب‪.‬‬ ‫• حمور التوجهات الزمنية واملكانية للخطاب‪ :‬ويربز يف �سياقه املتغريات التالية‪:‬‬ ‫ متغري التوجه املكاين للخطاب (قطري ‪� /‬إقليمي ‪ /‬دويل)‪.‬‬‫ ‬ ‫ متغري التوجه الزمني للخطاب (تاريخي ‪ /‬حايل ‪ /‬م�ستقبلي)‪.‬‬‫•حمور القيم املت�ضمنة يف اخلطاب‪ :‬وي�شمل املتغريات الآتية‪:‬‬ ‫ متغري القيم ال�سلبية امل�ستخدمة يف و�صف الذات‪.‬‬‫ ‬ ‫ متغري القيم الإيجابية امل�ستخدمة يف و�صف الذات‪.‬‬‫ متغري القيم ال�سلبية امل�ستخدمة يف و�صف الآخر‪.‬‬‫ ‬ ‫‪ -‬متغري القيم الإيجابية امل�ستخدمة يف و�صف الآخر‪.‬‬


‫الف�صل االول‬ ‫اخلطاب الثقايف‪ :‬املنهج واملفهوم ‪243‬‬

‫ال�صحفية‪ ،‬وتتحدد هذه الدرا�سة يف اخلطاب‬ ‫الثقايف املقدم عرب املجالت الثقافية العربية‬ ‫ب�صورة رئي�سية‪ ،‬وخطـاب ال�صفحات الثقافية‬ ‫املتخ�ص�صة باجلرائد اليومية ب�صورة فرعية‪.‬‬ ‫� ّأما امل�ستوى الثاين‪ ،‬فريتبط مب�سح الر�سالة‬ ‫التليفزيونية‪ ،‬وتتح ّدد يف اخلطاب الثقايف الذي‬ ‫تقدمه القنوات التليفزيونية الثقافية‪ ،‬والربامج‬ ‫الثقافية املتخ�ص�صة على القنوات العامة‪.‬‬

‫�إجراءات اختبار �صدق �أداة التحليل‬ ‫وثباتها‬

‫ُيق�صد ب�صدق التحليل مدى �صالحية‬

‫الإعالمي‪ .‬وقد اعتمدت الدرا�سة يف هذا ال�سياق‬ ‫على �أ�سلوب التحليل الإح�صائي الو�صفي‪،‬‬ ‫لو�صف التكرارات والن�سب اخلا�صة بعنا�رص‬ ‫كل متغري‪ ،‬باالعتماد على برنامج التحليل‬ ‫الإح�صائي ‪.SPSS‬‬ ‫واعتمدت الدرا�سة على مدخل التحليل‬ ‫الكيفي ب�صورة �أ�سا�سية يف حتليل الأطروحات‬ ‫املت�ضمنة يف اخلطاب‪ ،‬وا�ستك�شاف الأطر‬ ‫املرجعية التي يعتمد عليها‪ ،‬وكذلك ال�سمات‬ ‫والأو�صاف التي تقدم يف �إطارها القوى‬ ‫الفاعلة داخل اخلطاب‪.‬‬

‫الأداة البحثية لقيا�س ما و�ضعت لقيا�سه‪ ،‬مفهوم اخلطاب الثقايف يف و�سائل‬ ‫ومدى �صالحيتها لتحقيق �أهداف الدرا�سة‪ .‬الإعالم‬

‫�أ�ساليب حتليل البيانات‬

‫اعتمدت الدرا�سة على املزاوجة ما بني‬ ‫املدخلني الكمي والكيفي يف حتليل البيانات‪،‬‬ ‫حيث ا�ستخدم املدخل الأول يف حتليل‬ ‫املتغريات التي ا�ستهدفت الدرا�سة قيا�سها كمي ًا‬ ‫لتحديد خ�صائ�ص امل�ضمون الثقايف للخطاب‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫الإعالم‬

‫وللت�أكد من �صدق ا�ستمارة التحليل الكمي‬ ‫لأبعاد اخلطاب الثقايف عرب و�سائل الإعالم فقد‬ ‫مت عر�ضها على جمموعة من املحكمني ‪ ،1‬ويف‬ ‫ّ‬ ‫مت تعديل اال�ستمارة لتو�ضع‬ ‫�ضوء مالحظاتهم ّ‬ ‫يف �شكلها النهائي ال�صالح للتطبيق‪� .‬أما ثبات‬ ‫التحليل فيق�صد به �إمكان تكراره واحل�صول‬ ‫على نتائج ثابتة‪ .‬وقد قام الفريق البحثي‬ ‫ب�إجراء اختبار الثبات باالعتماد على اثنني من‬ ‫�أع�ضائه ‪ 2‬عن طريق معادلة هول�ستي ‪،Holsty‬‬ ‫و�أجري االختبار على عينة تبلغ ن�سبتها (‪)%5‬‬ ‫من �إجمايل العينة التي مت �إخ�ضاعها للتحليل‪،‬‬ ‫ومت التو�صل �إىل معامل ثبات قيمته (‪.)0.93‬‬

‫هناك �إ�شكالية �أ�سا�سية ترتبط بتحديد‬ ‫مفهوم اخلطاب الثقايف داخل و�سائل الإعالم‪،‬‬ ‫وهي ترتبط ب�إ�شكاليتني �أخريني �أكرب تت�صالن‬ ‫بتحديد مفهوم ك ّل من الثقافة من ناحية‬ ‫واخلطاب من ناحية �أخرى‪.‬‬

‫مفهوم الثقافة‬

‫يعد مفهوم الثقافة من �أكرث املفاهيم‬ ‫الأنرثبولوجية رحابة وات�ساع ًا‪ .‬فقد امت ّد علماء‬ ‫هذا التخ�ص�ص مبا يعنيه م�صطلح «ثقافـة»‬ ‫لي�شمل ذلك الكل املعقد الذي يت�ضمن املعرفة‪،‬‬ ‫واملعتقد‪ ،‬والفن‪ ،‬وا ُ‬ ‫خللق‪ ،‬والقانون‪ ،‬والعادات‬ ‫االجتماعية و�أية �إمكانيات اجتماعية �أخرى‬ ‫بل وطبائع اكت�سبها الإن�سان كع�ضو يف‬ ‫جمتمعه(‪.)1‬‬ ‫وقد اعترب البع�ض الثقافة واحل�ضارة‬ ‫�سواء‪ ،‬وجعلوا للثقافة وجهني‪� ،‬أولهما ذاتي ًا‪:‬‬ ‫وهو ثقافة العقل‪ ،‬وثانيهما مو�ضوعي ًا‪ :‬وهو‬ ‫جمموع العادات‪ ،‬والأو�ضاع االجتماعية‪،‬‬

‫�شملت قائمة حمكمي اال�ستمارة ك ًال من‪:‬‬ ‫ �أ‪ .‬د ‪ /‬ان�رشاح ال�شال‪ ..‬الأ�ستاذ بكلية الإعالم – جامعة القاهرة‪.‬‬‫ �أ‪.‬د ‪ /‬جنوى عبد ال�سالم‪ ..‬الأ�ستاذ بق�سم الإعالم بكلية الآداب – جامعة عني �شم�س‪.‬‬‫ �أ‪ .‬د ‪ /‬حممد �سعد‪ ..‬رئي�س ق�سم الإعالم بكلية الآداب ‪ -‬جامعة املنيا‪.‬‬‫ �أ‪ .‬د ‪� /‬شاهيناز ب�سيوين‪ ..‬الأ�ستاذ امل�ساعد بكلية الإعالم – جامعة القاهرة‪.‬‬‫ د ‪ /‬حممود حمدي‪ ..‬املدر�س بق�سم الإعالم بكلية الآداب – جامعة املنيا‪.‬‬‫الدكتورة �شريين �سالمة ‪ ،‬والأ�ستاذة ‪ /‬و�سام هندي‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 244‬للتنمية الثقافية‬

‫والآثـار الفكرية‪ ،‬والأ�ساليب الفنية والأدبية‪،‬‬ ‫والطرق العلمية والتقنية‪ ،‬و�أمناط التفكري‪،‬‬ ‫والإح�سا�س‪ ،‬والقيم الذائعة يف جمتمع معني‪،‬‬ ‫�أو هو طريقة حياة النا�س وكل ما ميلكونه وما‬ ‫يتداولونه اجتماعي ًا‪ ،‬ال بيولوجي ًا (‪.)2‬‬ ‫وي ّتفق الكثري من علماء االجتماع‬ ‫والأنرثبولوجيا على تو�سيع مفهوم الثقافة‬ ‫لي�شمل العادات والقيم والأفكار واالعتقادات‬ ‫التي حتكم العقل الإن�ساين‪ ،‬ويف �إطار حماوالت‬ ‫ق�سمه البع�ض �إىل‬ ‫تفكيك هذا امل�صطلح ّ‬ ‫م�صطلحني فرعيني‪� ،‬أولهما الثقافة العلمية‬ ‫وثانيهما الثقافة الأدبية‪ .‬ومن الوا�ضح �أن هذا‬ ‫التق�سيم مل ي�ستبعد �أن�شطة �إن�سانية معينة من‬ ‫االندراج حتت مفهوم الثقافة‪� ،‬إذ �إن الثقافة‬ ‫مبفهومها الأدبي ت�شمل‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل �صور‬ ‫الإبداع الأدبي‪ ،‬الأفكار والأن�شطة كافة ذات‬ ‫الطابع ال�سيا�سي �أو االقت�صادي �أو االجتماعي‬ ‫�أو التاريخي وغري ذلك‪.‬‬ ‫و�إذا كان الباحثون الغربيون ينظرون �إىل‬ ‫الثقافة من منطلق الأدوات القادرة على غر�س‬ ‫قيم و�أفكار وتقاليد‪ ،‬ف�إن ر�ؤية الباحثني العرب‬ ‫�أحيان ًا ما تتفّق مع هذا املفهوم‪ ،‬و�أحيان ًا‬ ‫تتعاك�س معه‪ ،‬وت�ؤكد على ذاتية العوامل‬ ‫التي تدفع الفرد �إىل احل�صول على املعارف‬ ‫واملعطيات الثقافية‪ ،‬وت�ش ّدد هذه الر�ؤية �أي�ض ًا‬ ‫على التفرقة بني ما هو �أخالقي وما هو غري‬ ‫�أخالقي يف هذه املعارف واملعطيات‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من الت�سليم ب�شمولية مفهوم‬ ‫الثقافة ملعطيات احلياة الإن�سانية كافة‪� ،‬إال �أن‬ ‫ذلك ال يعني �سيطرة ك ّل هذه املعطيات على كل‬ ‫مرحلة من تاريخ الب�رش‪� ،‬إذ من املمكن �أن ي�شهد‬ ‫معطى معني �صعوداً خالل مرحلة تاريخية‬ ‫حم ّددة على ح�ساب املعطيات الأخرى لي�صبح‬ ‫اجلوهر احلاكم للخطاب الثقايف ال�سائد خالل‬ ‫تلك املرحلة‪ .‬وينطبق هذا الأمر ب�صورة وا�ضحة‬ ‫على اخلطاب الثقايف العربي الذي �شهد ت�أرجح ًا‬ ‫وحتو ًال يف عنا�رصه املركزية عند االنتقال‬ ‫من مرحلة تاريخية �إىل �أخرى‪ .‬فمنذ مواجهة‬ ‫العقل العربي ل�صدمة احلملة الفرن�سية على‬

‫م�رص (‪ )1798‬وطرح الأ�سئلة املتعلقة باحلداثة‬ ‫والنه�ضة‪ ،‬برز العن�رص الديني يف اخلطاب‬ ‫الثقايف ب�صورة وا�ضحة‪ ،‬حيث كان املثقف‬ ‫احلقيقي القادر على طرح تف�سريات وحلول‬ ‫مل�شكالت املجتمع هو رجل الدين‪ ،‬وقد ارتبطت‬ ‫مركزية العن�رص الديني يف اخلطاب الثقايف‬ ‫يف العامل العربي مبحاولة حماية الذات يف‬ ‫مواجهة �صدمة اال�ستعمار الذي بد�أ يف الزحف‬ ‫على الكثري من البالد العربية‪.‬‬ ‫�شهد الأمر بعد ذلك نوع ًا من التح ّول‬ ‫على �أيدي الأدباء‪ ،‬و�أ�صبح الإبداع الأدبي‬ ‫عن�رصاً رئي�سي ًا من عنا�رص الفعل الثقايف‪ ،‬ومع‬ ‫تو�سع �أدوار الأدباء يف حياة النا�س و�صعودهم‬ ‫كنخب م�ؤثرة وفاعلة ومطالبة بتف�سري وطرح‬ ‫حلول مل�شكالت النا�س‪ ،‬بد�أ دور الأديب املثقف‬ ‫ٍ‬ ‫يف االمتداد والت� ّرسب من حقل الأدب �إىل حقول‬ ‫ال�سيا�سة واالقت�صاد واالجتماع‪ .‬وارتبطت‬ ‫مركزية العن�رص الأدبي والفكري يف اخلطاب‬ ‫الثقايف مبرحلة الليربالية التي بد�أت يف‬ ‫الظهور داخل بع�ض املجتمعات العربية (حالة‬ ‫م�رص مث ًال)‪.‬‬ ‫وحترر الكثري من الدول‬ ‫ومع قيام الثورات ّ‬ ‫العربية من اال�ستعمار‪ ،‬وحت ّول الكثري منها �إىل‬ ‫�أنظمة احلكم الع�سكري‪ ،‬جتلّى اخلطاب الثقايف‬ ‫كانعكا�س لتوجهات ال�سلطات احلاكمة‪� ،‬سواء‬ ‫كان م�صدره املفكّرين‪� ،‬أم الأدباء‪� ،‬أم رجال‬ ‫الدين املوظفني لدى ال�سلطة‪ ،‬وبد�أت عنا�رص‬ ‫�أخرى من التكنوقراط تربز كم�صادر لإنتاج‬ ‫هذا اخلطاب‪ ،‬مثل �أ�ساتـذة اجلامعات‪ .‬ويف ك ّل‬ ‫الأحوال بدا اخلطاب الثقايف �أكرث الت�صاق ًا‬ ‫باخلطاب ال�سيا�سي‪ ،‬و�أ�صبحت املو�ضوعات‬ ‫ال�سيا�سية واالقت�صادية تدخل �ضمن �أجندته‪.‬‬

‫مفهوم اخلطاب‬

‫من الإ�شكاليات الأ�سا�سية يف جمال‬ ‫اخلطاب �إ�شكالية حتديد مفهومه‪ ،‬ويتعقّد‬ ‫الأمر ب�صورة �أكرب عندما ي ّت�صل باخلطاب‬ ‫الثقايف‪« .‬ف�إذا كـان بالإمكان درا�سة احلالة‬ ‫املادية واالقت�صادية يف املجتمع بدقة العلوم‬


‫الف�صل االول‬ ‫اخلطاب الثقايف‪ :‬املنهج واملفهوم ‪245‬‬

‫مفهوم اخلطاب الثقايف الإعالمي‬

‫يو�صف الإعالم ب�أنه ثقايف حينما يكون‬ ‫امل�ضمون الذي يقدمه املر�سل ثقافي ًا‪ ،‬وبذلك‬ ‫ميكن نقل املعارف الثقافية �إىل اجلمهور‪.‬‬ ‫فالإعالم الثقايف هو عملية يتم عن طريقها‬ ‫�إر�سال ر�سالة ثقافية‪ ،‬يف �إطار دائرة معينة‪،‬‬ ‫�إىل امل�ستقبل‪ ،‬مع النتائج املرتتبة عن ذلك‪.‬‬ ‫وال خالف على �أن حتديد طبيعة امل�ضمون‬ ‫الثقايف يت�صل مبراجعة مفهوم الثقافة يف ح ّد‬ ‫ذاته‪ .‬وكما �سبقت الإ�شارة ف�إن معظم التعريفات‬ ‫التي قدمت للثقافة تتفق يف نقطة واحدة‪،‬‬ ‫هي حتويل الثقافة �إىل جمموعة من املعارف‬ ‫واالعتقادات والقيم والأخالق والعادات التي‬ ‫يكت�سبها الفرد جراء انتمائه �إىل جمتمع من‬

‫الإعالم‬

‫الطبيعية‪ ،‬ف�إن درا�سة احلالة الفكرية والذهنية‬ ‫تبدو معقدة و�شائكة» (‪.)3‬‬ ‫ويتح ّدد مفهوم اخلطاب عند م�ستويني‬ ‫�أ�سا�سيني‪:‬‬ ‫• امل�ستوى ال�ضيق ‪ :Micro‬وهو خا�ص بطريقة‬ ‫�إنتاج املعاين التي حتملها اجلمل والكلمات التي‬ ‫الن�ص‪� ،‬أي البنية اللغوية للخطاب‪.‬‬ ‫تظهر يف ّ‬ ‫• امل�ستوى املتّ�سع ‪ :Macro‬ويتعلق‬ ‫باملو�ضوعات املطروحة يف الن�ص‪ .‬ويتح ّدد‬ ‫املو�ضوع داخل اخلطاب يف جمموعة املقوالت‬ ‫التي ت�شكّل البنية الداللية امل ّت�سعة له وتهيكل‬ ‫املعلومات املهمة به (‪.)4‬‬ ‫وال يزال هناك جدل بني هذين التوجهني‬ ‫يف حتليل اخلطاب ما بني �أ�صحاب االجتاه‬ ‫الأل�سني الذين يرون �أن اجلملة هي الوحدة‬ ‫الأ�سا�سية التي ينبغي االعتماد عليها يف‬ ‫حتليل اخلطاب‪ ،‬يف حني يدعو اجتاه بحثي �آخر‬ ‫�إىل النظر �إىل اخلطاب ومادة حتليله يف ف�ضاء‬ ‫ن�صي �أكرث ات�ساع ًا من اجلملة‪ ،‬وينظر من خالله‬ ‫�إىل الن�ص ككل كوحدة حتليل للخطاب‪ .‬ويف‬ ‫مت حتديد مفهوم اخلطاب يف هذه‬ ‫�ضوء ذلك ّ‬ ‫الدرا�سة على �أنه ي�شمل الن�ص ككل مبا يتكون‬ ‫منه من جمل تنقل �أفكاراً ور�ؤى معينة يتبناها‬ ‫منتجه‪ .‬وهذا املفهوم للخطاب �أكرث ات�ساع ًا‪.‬‬

‫املجتمعات‪ .‬فالثقافة هي �أول ن�شاط اجتماعي‬ ‫لأنها ال�رشط الأول حل�صول لقاء بني �أفراد‪ ،‬لقاء‬ ‫ي�أخذ بال�رضورة بعداً تاريخي ًا‪� ،‬أي ال ينتهي‬ ‫مبا�رشة يف اللحظة التي يرتك فيها فر ٌد معني‬ ‫فرداً �آخر‪ ،‬وبعداً جغرافي ًا‪� ،‬أي ال يربط فقط بني‬ ‫�أفراد دخلوا يف عالقات �أحدهم مع الآخر يف‬ ‫ً (‪.)5‬‬ ‫الزمان ولكن يف املكان �أي�ضا‬ ‫وعندما ت�صبح الثقافة مو�ضوع ًا ومادة‬ ‫من مواد اخلطاب الإعالمي‪ ،‬ف�إن هذا اخلطاب‬ ‫ين�شط يف تفعيل وظيفة الثقافة ك�أداة للتوحيد‬ ‫والدمج‪ ،‬وميكننا ت�ص ّور �أن هذا الهدف للثقافة‬ ‫حتققه وظيفتان �أ�سا�سيتان من وظائف و�سائل‬ ‫الإعالم هما‪:‬‬ ‫• وظيفة نقل القيم ‪Transmission of Valu‬‬ ‫‪ :ues‬وتتحقق هذه الوظيفة من خالل ما تقوم‬ ‫به و�سائـل الإعالم من عمليات دمج اجتماعى‬ ‫‪ ،Socialization‬وي�شري امل�صطلح �إىل الطريقة‬ ‫التي يتبنى بها الأفراد قيم ومواقف و�سلوك‬ ‫اجلماعة التي ينتمون �إليها‪.‬‬ ‫• وظيفة االرتباط �أو التوا�صل ‪ :Linkage‬فو�سائل‬ ‫الإعالم قادرة على �إيجاد ارتباط وتوا�صل‬ ‫بني �أفراد املجتمع من خالل �آليات االت�صال‬ ‫ال�شخ�صي‪ ،‬كما تربط هذه الو�سائل �أي�ض ًا بني‬ ‫العديد من اجلماعات امل�شتتة جغرافي ًا والتي‬ ‫(‪.)6‬‬ ‫ميكن �أن جتمعها قيم واهتمامات م�شرتكة‬ ‫لكن يبقى �أن توظيف الثقافة ك�أداة للدمج‬ ‫ونقل القيم داخل املجتمع الواحد ي�أخذ يف‬ ‫الأغلب منحى قطري ًا‪ ،‬مبعنى �أن اخلطاب هنا‬ ‫يبحث عن املعاين امل�شرتكة التي ميكن �أن جتمع‬ ‫�أفراد جمموعة ب�رشية حمددة حتيا داخل رقعة‬ ‫جغرافية وا�ضحة احلدود واملعامل‪ .‬وال خالف‬ ‫على �أن الثورة املتنامية يف جمال تكنولوجيا‬ ‫االت�صال الف�ضائي ت�ضاعف با�ستمرار من قدرة‬ ‫و�سائل الإعالم على القيام بهذه الوظائف‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل ما ترتب عنها من و�ضع الهوية‬ ‫اخلا�صة للذات الثقافية �أمام هويات �أخرى‬ ‫تعبرّ عن ذوات ثقافية خمتلفة‪ ،‬توظف الإعالم‬ ‫بالطريقة نف�سها من �أجل �إبراز هوية الذات يف‬ ‫جدلها و�رصاعها مع الآخر‪ .‬وتزداد م�ساحات‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 246‬للتنمية الثقافية‬

‫وامتدادات اخلطاب لي�أخذ منحى قومي ًا (يجمع‬ ‫ما بني جمموعة من الأقطار) يف الأحيان التي‬ ‫ُيربز فيها قيم ًا �أو معاين ثقافية م�شرتكة جتمع‬ ‫ما بني �أفراد يعي�شون يف �أطر جغرافية وقطرية‬ ‫خمتلفة‪.‬‬

‫العوامل احلاكمة لإنتاج اخلطاب‬ ‫الثقايف عرب �أجهزة الإعالم‬

‫• تعبري اخلطاب الثقايف عن هوية خا�صة‪:‬‬ ‫فاخلطاب الثقافــي داخل و�سائل الإعالم‬ ‫يعك�س معامل و�سمات الهويـة اخلا�صة‬ ‫للمجموعة الب�رشية التي يعبرّ عنها‪ ،‬وتبع ًا‬ ‫للجهة املالكة للو�سيلة الإعالمية تتح ّدد طبيعة‬ ‫يتحرى اخلطاب الثقايف التعبري‬ ‫الهوية التي‬ ‫ّ‬ ‫عنها �أو جتذيرها لدى املتلقي‪ .‬على �سبيل‬ ‫املثال جند �أن قناة النيل الثقافية (امل�رصية)‬ ‫اختطّ ت لنف�سها هدف ًا ح ّددته منذ بداية عملها‬ ‫يف «االلتفات يف ما تقدمه من مواد ثقافية �إىل‬ ‫ما يربز اخل�صو�صية امل�رصية‪ ،‬و�إجراء حوارات‬ ‫بني االتــجاهـات والأيــديولوجيات الــفكرية‬ ‫وال�سيا�سية حول م�ستقبل الثقافة امل�رصية‬ ‫والعربية يف ظ ّل مفاهيم العوملة واخل�صو�صية‬ ‫الثقافية والهوية‪ ،‬والرتكيز على جوانب التم ّيز‬ ‫يف الرتاث امل�رصي عرب مراحله التاريخية‬ ‫املختلفة‪ :‬الفرعونية والقبطية والإ�سالمية‬ ‫والعربية‪ ،‬و�إلقاء ال�ضـوء على التفاعل احل�ضاري‬ ‫مت على هذه الأر�ض» (‪.)7‬‬ ‫املتميز الذي ّ‬ ‫و�إذا نظرنا �إىل قناة �أخرى مثل قناة ال�صحراء‬ ‫(ال�سعودية) ف�سنجد �أنها اختطت لنف�سها �أي�ض ًا‬ ‫هدف ًا يعك�س ر�ؤيتها يف التعبري عن هوية‬ ‫املجتمع املحدد الذي تعبرّ عنه‪� ،‬أ�شارت يف‬ ‫�سياق حديثها عنه �إىل �أنه «حينما نذكر‬ ‫ال�صحراء يتبادر �إىل الذهن العربي ابن ال�صحراء‬ ‫الذي افرت�ش �أر�ضها والتحف �سماءها وتعلم‬ ‫من جبالها ال�شموخ‪ ،‬ومن جمالها ال�صرب‪ ،‬ومن‬ ‫ريا�ضها ال�شعر والنرث‪ ،‬واغت�سل من غدرانها‪،‬‬ ‫وانطلق من جزيرة العرب يبني احل�ضارات‪،‬‬ ‫وين�رش الطهر والنقاء يف �أر�ض اهلل» (‪.)8‬‬

‫• انطالق اخلطاب من مفهوم ال�سيادة الثقافية‪:‬‬ ‫فاخلطاب الثقايف عرب و�سائل الإعالم يتحرى‬ ‫با�ستمرار حماية الذات اجلماعية‪ ،‬بل وحماولة‬ ‫ت�رسيب معامل خ�صو�صيتها �إىل الآخر والت�أثري‬ ‫ب�سماته اخلا�صة على هوية الآخر املت�صارع‬ ‫معه �أي�ض ًا عرب و�سائل �إعالمية �أخرى‪ .‬ففي‬ ‫ع�رص العوملة تتناف�س اخلطابات الثقافية عرب‬ ‫�أجهزة الإعالم يف �ضوء حمددين �أ�سا�سيني‬ ‫«�أولهما مدى قدرة الثقافة على حماية ذاتها‬ ‫من االن�صهار �أو الذوبان‪� ،‬سواء املبا�رش �أم غري‬ ‫املبا�رش‪� ،‬أو الواعي �أم غري الواعي‪ ،‬يف الآخر‪،‬‬ ‫وبالتايل مدى قدرتها على حتقيق تعامل‬ ‫واع مع حماوالت الآخر اال�ستقطابية‪� ،‬سواء‬ ‫املوجهة واملق�صودة منها �أم غري املوجهة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وثانيهما مدى قدرة الثقافة على �أن ت�ؤدي دوراً‬ ‫ا�ستقطابي ًا يحقق جناح ًا يف جذب الآخرين‬ ‫(‪.)9‬‬ ‫وامتثالهم لها»‬ ‫• تبنّي مفهوم متباين للخطاب الثقايف‪:‬‬ ‫فاخلطاب الثقايف عرب و�سائل الإعالم يت�أرجح‬ ‫بني التمــركز حول عن�رص معني من عنا�رص‬ ‫�أو مفردات الأجندة الثقافية (ال�شعر �أو الثقافة‬ ‫ال�شعبية) وبني التو�سع واالمتداد �إىل �أجندة‬ ‫وعنا�رص خمتلفة من عنا�رص املنظومة‬ ‫الثقافية‪ ،‬لين ّوع يف ما يقدمه من م�ضامني‬ ‫ثقافية بحيث يتوافق مع مفهوم �شمولية‬ ‫الثقافة للعديد من الأن�شطة الإن�سانية (ذات‬ ‫الطابع الفكري �أو الذهني)‪ .‬على �سبيل املثال‬ ‫جند يف هذا االجتاه �أن قناة مثل الأماكن‬ ‫(ال�سعودية) تنظر �إىل الثقافة من منظور‬ ‫�شعبي‪ ،‬وتركز خطابها على الثقافة ال�شعبية‪،‬‬ ‫وخ�صو�ص ًا ال�شعر‪ ،‬يف املقام الأول (‪ .)10‬ويتمركز‬ ‫خطاب قناة ديوان العرب (ال�سعودية) �أي�ض ًا‬ ‫حول ال�شعر وق�ضاياه وم�شكالته‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫داخل اململكة العربية ال�سعودية‪ .‬ويف املقابل‬ ‫من ذلك جند �أن هناك قنوات متيل �إىل تنويع‬ ‫امل�ضمون املقدم عرب خطابها الثقايف‪ ،‬منها‬ ‫قناة النيل الثقافية – كما �سبق و�أ�رشنا –التي‬ ‫تقدم خطاب ًا ثقافي ًا ميتزج فيه الأدب بالتاريخ‬ ‫بال�سيا�سة بال�سينما بالفنون ال�شعبية مبظاهر‬


‫الف�صل االول‬ ‫اخلطاب الثقايف‪ :‬املنهج واملفهوم ‪247‬‬

‫الإعالم‬

‫الفولكور والعادات امل�رصية (‪.)11‬‬ ‫• تع ّدد الأدوات التعبريية للخطاب‪ :‬ويرتبط هذا‬ ‫الأمر بتن ّوع الو�سائط التي تعتمد عليها و�سائل‬ ‫الإعالم يف نقل م�ضامني اخلطاب الثقايف‪،‬‬ ‫�سواء متثلت يف ن�صو�ص‪� ،‬أم يف و�سائط �سمعية‬ ‫�أو ب�رصية‪ ،‬مبا يعطيها فر�صة كبرية لتغطية‬ ‫نواحي الن�شاط الثقايف كافة ب�شتى �صوره‬ ‫وجتلياته‪.‬‬ ‫• جماهريية اخلطاب الثقايف‪ :‬رمبا كان‬ ‫م�صطلح الثقافة اجلماهريية ‪mass culture‬‬ ‫من �أكرث امل�صطلحات الت�صاق ًا بو�سائل الإعالم‪.‬‬ ‫فالثقافة اجلماهريية تعني جمع الأفكار‬ ‫كافة ذات الطابع ال�شعبي‪ ،‬وجمموعة العادات‬ ‫والت�صورات امل�سيطرة على جمموعة ب�رشية‬ ‫معينة والأكرث قبو ًال من جانب �أفرادها‪ ،‬ب�سبب‬ ‫تركيزها على العنا�رص امل�شرتكة التي جتمع‬ ‫بينهم (‪ .)12‬وقد وفّرت و�سائل الإعالم م�ساحة‬ ‫مت�سعة لن�رش هذا النوع من الثقافة التي ت ّت�سق‬ ‫مع طبيعتها كو�سائل جماهريية‪ ،‬ورمبا كان‬

‫ذلك هو ال�سبب يف تركيز الكثري من القنوات‬ ‫الثقافية العربية على جمال الأدب والفولكلور‬ ‫والعادات ال�شعبية‪.‬‬ ‫• التباين يف درجة عالقة اخلطاب الثقايف‬ ‫بال�سلطة ال�سيا�سية‪ :‬فاخلطابات الثقافية‬ ‫املقدمة عرب و�سائل الإعالم العربي تتباين يف‬ ‫م�ستوى عالقتها بال�سلطة ال�سيا�سية‪ .‬فهناك‬ ‫و�سائـل مملوكة مل�ؤ�س�سات ثقافية و�صحفية‬ ‫تابعة للحكومات (مثل جملة الهالل امل�رصيــة‬ ‫وجملة العربي الكويتية)‪ ،‬وهناك و�سائل‬ ‫�إعالمية �أخرى خا�صة (مملوكة لرجال �أعمال)‬ ‫ال تعرب عن ال�سلطة ال�سيا�سية يف بالدها‪ ،‬ويف‬ ‫الوقت نف�سه ال تعاك�سها (مثل قناة ال�صحراء‬ ‫وقناة املختلف)‪ .‬ويبدو هنا �أن ظاهرة القنوات‬ ‫التليفزيونية الثقافية مرتبطة مبفهوم امللكية‬ ‫اخلا�صة يف الإعالم العربي‪ ،‬يف حني ترتبط‬ ‫املجالت الثقافية – يف الأغلب – مبفهوم‬ ‫امللكية احلكومية‪.‬‬

‫(‪http://www.arabworldbooks.com/Articles/articles50.htm )1‬‬ ‫(‪ )2‬ريا�ض قا�سم (‪ ،)2003‬الثقافة واملثقف يف الوطن العربي (يف)‪ ،‬الطبعة الثانية‪� ،‬سل�سلة كتب امل�ستقبل العربي (‪ )10‬بريوت‪ :‬مركز الدرا�سات‬ ‫الوحدة العربية‪ ،‬ص‪.9‬‬ ‫(‪ )3‬حممد اليمني (‪ ،)2006‬اخلطاب ال�سيا�سي للطبقة الو�سطى امل�رصية‪ :‬درا�سة حتليلية لأفكار بع�ض رموز الطبقة الو�سطى‪( ،‬يف)‬ ‫‪http://www.kotobarabia.com‬‬ ‫(‪Dijk Van , Teun A. (1994) , Discourse and Cognition in Society , Communication Yearbook / 14 , Lond )4‬‬ ‫‪don: Sage Publication , 1994 ,P 230‬‬ ‫(‪ )5‬بـــرهان غليون (‪ ،)1986‬جمتمع النخبة‪ ،‬بريوت‪ ،‬معهد الإمناء العربي‪� ،‬ص ‪� ،75‬ص ‪.77‬‬ ‫(‪Dominick , Joseph R. (1987) , The Dynamics of Mass Communication (New York: Random House , )6‬‬ ‫‪.P. 34‬‬ ‫(‪.Http://www.ertu.org/nile_chan/ nl_culture.html )7‬‬ ‫(‪http://www.alsahraa.tv )8‬‬ ‫(‪ )9‬جابر علي خطاب‪� ،‬أزمة الإن�سان العربي املعا�رص يف �ضوء �إ�شكاليات االنفتاح والعوملة‪( ،‬د‪ .‬ن)‪� ،‬ص ‪.55‬‬ ‫(‪http://www.almajlis.net/special/342-2009-02-17-00-48-44.html )10‬‬ ‫(‪http://www.moheet.com/show_news.aspx?nid=182346&pg=62 )11‬‬ ‫(‪http://en.wikipedia.org/wiki/Popular_culture )12‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 248‬للتنمية الثقافية‬

‫الف�صل الثاين‬ ‫اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية‬ ‫ملمح عام‬

‫يق ّدم هذا الف�صل حتلي ًال ل�سمات و�أطر‬ ‫ت�شكيل اخلطاب الثقايف املقدم عرب ال�صحافة‬ ‫العربية‪ ،‬من خالل حتليل م�ستويات اهتمام‬ ‫اجلرائد اليومية العربية بتخ�صي�ص �صفحات‬ ‫للثقافة‪ ،‬وطبيعة امل�ضمون الذي تقدمه هذه‬ ‫ال�صفحات‪ ،‬ثم يت�صدى بعد ذلك لو�صف وحتليل‬ ‫املالمح وال�سمات الأ�سا�سية التي متيز اخلطاب‬ ‫الثقايف داخل ع ّينة من املجالت الثقافية‬ ‫العربية (جملة الهالل امل�رصية – جملة العربي‬ ‫الكويتية – جملة الآداب اللبنانية – «ال�صحيفة‬ ‫الثقافية» املغربية)‪ ،‬وذلك على م�ستويني‬ ‫�أ�سا�سيني‪:‬‬ ‫• م�ستوى الق�ضايا العامة التي يطرحها‬ ‫م�ضمون اخلطاب‪ :‬ويف هذا ال�سياق ُيعنى‬ ‫التحليل بو�صف وحتليل جمموعة اجلوانب‬ ‫الآتية داخل اخلطاب‪:‬‬ ‫• �أبعاد اخلريطة املو�ضوعية للم�ضمون‪،‬‬ ‫وتوزعها على االهتمامات الثقافية املختلفة‬ ‫(الفكر – الفن – الأدب – العلوم وغري ذلك)‪.‬‬ ‫• القوى الفاعلة احلا�رضة �أو امل�سهمة يف �إنتاج‬ ‫املو�ضوعات املت�ضمنة يف اخلطاب‪ ،‬وحتليل‬ ‫�سماتها على ع ّدة م�ستويات �أبرزها‪ :‬االنتماء‬ ‫القطري (املكاين)‪ ،‬واالنتماء الزمني (تاريخي‬ ‫– حديث – معا�رص)‪ ،‬والنوعي‪ ،‬وكذلك على‬ ‫م�ستوى دائرة الإبداع الثقايف (فن – �أدب‬ ‫– فكر وغري ذلك)‪.‬‬ ‫• الر�ؤية املكانية التي تظهر داخل اخلطاب‪:‬‬ ‫لتحديد درجة متركز اخلطاب حول الذات‬ ‫القطرية (الدولة التي ت�صدر عنها املجلة)‪� ،‬أو‬ ‫التعدديــة القطرية (العربية)‪� ،‬أو تعددية الدوائر‬ ‫اجلغرافية والثقافية التي تغطيها مو�ضوعات‬ ‫اخلطاب‪.‬‬

‫• الر�ؤية القيمية داخل اخلطاب‪ :‬وذلك من‬ ‫خالل حتديد جمموعة القيم الأ�سا�سية التــي‬ ‫يحملها م�ضمون املو�ضوعات التي ي�شتمل‬ ‫عليها اخلطاب‪ ،‬واجتاهات تناوله ومعاجلته‬ ‫لها (�سلب ًا �أم �إيجاب ًا)‪.‬‬ ‫• م�ستوى الق�ضايا املركزية التي ي�شتمل عليها‬ ‫اخلطاب‪ :‬فمن خالل �إجراء درا�سة ا�ستطالعية‬ ‫مت حتديد �سل�سلة من الق�ضايا التي‬ ‫مبدئية ّ‬ ‫عك�س اخلطاب اهتمام ًا �أكرب بها‪ ،‬وعبرّ عنها‬ ‫كق�ضايا �أ�سا�سية ت�شغل العقل العربي خالل‬ ‫عام ‪ ،2008‬ومن مناذج هذه الق�ضايا‪ :‬ق�ضية‬ ‫العالقة بالآخر‪ ،‬وق�ضية الطائفية‪ ،‬وق�ضية‬ ‫العالقة بني املال والثقافة‪ ،‬وق�ضية العالقة‬ ‫بني الرتاث واملعا�رصة‪ ،‬والق�ضية الفل�سطينية‬ ‫وغريها‪.‬‬

‫� ً‬ ‫أوال‪ :‬م�ستويات اهتمام اجلرائد‬ ‫اليومية العربية بال�صفحات الثقافية‬

‫ميثل امل�ضمون الثقايف معلم ًا �أ�سا�سي ًا‬ ‫من معامل التجربة ال�صحفية العربية‪ .‬وينظر‬ ‫�إىل املواد الثقافية ك�شكل من �أ�شكال املواد‬ ‫ال�صحفية املتخ�ص�صة التي حتاول �أن تخاطب‬ ‫جمهور ال�صحيفة املهتم بال�ش�أن الثقايف‪ .‬وت�أخذ‬ ‫ال�صحافة الثقافية املتخ�ص�صة �أحد �شكلني‪،‬‬ ‫�أولهما �شكل ال�صفحة الثقافية املتخ�ص�صة‬ ‫التي تن�رش يف جريدة عامة‪ ،‬وثانيهما �شكل‬ ‫اجلريدة �أو املجلة املتخ�ص�صة ب�صورة كاملة‬ ‫يف املو�ضوعات وامل�ضامني الثقافية‪.‬‬ ‫مت �إجراء درا�سة ا�ستطالعية على‬ ‫وقد ّ‬ ‫املتخ�ص�صة التي تظهر‬ ‫الثقافية‬ ‫ال�صفحات‬ ‫ّ‬ ‫داخل اجلرائد اليومية بعدد من دول العامل‬ ‫العربي‪ .‬وقد �أثبتت هذه الدرا�سة �أن الكثري من‬ ‫هذه اجلرائد تهتم بتخ�صي�ص �صفحات ُتعنى‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية ‪249‬‬

‫بق�ضايا الفكر والفن والأدب والعلوم‪ .‬ويو�ضح‬ ‫اجلدول التايل م�ستويات اهتمام اجلرائد‬ ‫اليومية العربية املختلفة بال�صفحات الثقافية‪:‬‬ ‫(جدول رقم ‪ )1‬يالحظ من اجلدول ال�سابق �أن‬ ‫�أغلب اجلرائد اليومية العربية تهتم بتخ�صي�ص‬ ‫�صفحة واحدة للثقافة‪ ،‬يف حني تخت�رص بع�ض‬ ‫اجلرائد هذه ال�صفحة �إىل باب حمدد (ي�شكل‬ ‫ن�سبة معينة من م�ساحة ال�صفحة)‪ ،‬مثل �صحيفة‬ ‫ال�رشق القطرية‪ ،‬يف حني تتو�سع بع�ض اجلرائد‬ ‫الأخرى يف عدد ال�صفحات التي تخ�ص�صها‬ ‫للمواد الثقافية‪ ،‬لت�شمل ملحق ًا كام ًال يتكون‬ ‫جدول رقم ‪1‬‬ ‫الدولة‬

‫الكويت‬ ‫الإمارات‬ ‫العربية‬

‫الأردن‬

‫قطر‬

‫اجلزائر‬

‫يو�ضح ال�صفحات الثقافية باجلرائد اليومية العربية‬ ‫ال�صحيفة‬

‫ال�صفحات الثقافية‬

‫احلياة‬

‫�صفحة �آداب وفنون‬

‫ال�رشق الأو�سط �صفحة املنتدى الثقايف‬ ‫الريا�ض‬

‫�صفحة ثقافة اليوم‬

‫الوطن‬

‫�صفحة �أخبار الثقافة‬

‫عكاظ‬

‫�صفحة امل�شهد الثقايف‬

‫الوطن‬

‫�صفحة الثقافة‬

‫ال�سيا�سة‬

‫ال�صفحة الثقافية‬

‫االحتاد‬

‫�صفحة الثقايف‬

‫اخلليج‬

‫�صفحة ثقافة‬

‫الر�أي‬

‫ملحق الثقافة (عدد من ال�صفحات)‬

‫الأهايل‬

‫�صفحة �ش�ؤون ثقافية‬

‫ال�سبيل‬

‫�صفحة �أوراق ثقافية‬

‫الد�ستور‬

‫�صفحة فن وثقافة‬

‫الغد‬

‫�صفحة ثقافة‬

‫ال�رشق‬

‫باب للأدب وال�شعر يف �صفحة‬ ‫متخ�ص�صة”‬ ‫“�صفحات‬ ‫ّ‬

‫الراية‬

‫�صفحة الثقافة والفنون‬

‫الوطن‬

‫�صفحة اجتاهات ثقافية‬

‫العرب‬

‫�صفحة الثقافة‬

‫اخلرب‬

‫�صفحة ثقافة‬

‫الوحدة‬

‫�صفحة الثقافة و�صفحة ال�شعر‬

‫البالد‬

‫�صفحة ثقايف‬

‫الدولة‬ ‫�سلطنة‬ ‫عمان‬ ‫�سوريا‬ ‫لبنان‬

‫البحرين‬ ‫م�رص‬

‫اليمن‬

‫ال�صحيفة‬

‫ال�صفحات الثقافية‬

‫الوطن‬

‫�صفحة ثقافة وفنون‬

‫عمان اليوم‬

‫�صفحة “منوعات”‬ ‫تن�رش بع�ض الأخبار واملواد الثقافية‬

‫ال�شبيبة‬

‫�صفحة ثقافة وفنون‬

‫الثورة‬

‫�صفحة �ش�ؤون ثقافية‬

‫النهار‬

‫امللحق الثقايف‬

‫اللواء‬

‫�صفحة اللواء الثقايف‬

‫ال�سفري‬

‫�صفحة الثقافة‬

‫امل�ستقبل‬

‫�صفحة ثقافة وفنون‬

‫الوطن‬

‫�صفحة الثقافة‬

‫الوقت‬

‫�صفحة “�أحلى الأوقات”‬ ‫تن�رش بع�ض الأخبار الثقافية‬

‫الأهرام‬

‫دنيا الثقافة‬ ‫(�صفحة ثقافة وفنون)‬

‫ال�رشوق‬

‫�صفحة ثقافة‬

‫الثورة‬

‫�صفحة ثقافة‬

‫�أخبار اليوم‬

‫�صفحة “فعاليات”‬ ‫تهتم بن�رش بع�ض الأخبار الثقافية‬

‫الغد‬

‫�صفحة �أدب وفن‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإعالم‬

‫اململكة‬ ‫العربية‬ ‫ال�سعودية‬

‫مــن عدة �صفحات‪ ،‬مثل ملحق الثقافة الذي‬ ‫ت�صدره جريدة الر�أي الأردنية وملحق جريدة‬ ‫النهار اللبنان ّية‪ .‬وتكتفي بع�ض اجلرائد العربية‬ ‫الأخرى مبجرد ن�رش �أخبار عن الفعاليات‬ ‫الثقافية املت�صلــة مبهرجانات وم�سابقات‬ ‫وغري ذلك‪ ،‬مثل �صفحـة «منوعات» ب�صحيفة‬ ‫عمان اليوم العمانية‪ ،‬و�صفحة «فعاليات»‬ ‫ب�صحيفة �أخبار اليوم اليمنية‪.‬‬ ‫الفن‬ ‫وهناك �صحف ترى الثقافة من منظور ّ‬ ‫فال تهتم بتخ�صي�ص �صفحة للمواد الثقافية‪،‬‬ ‫وتكتفي ب�إفراد – �أو �أكرث – للفن‪ ،‬من بينها‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 250‬للتنمية الثقافية‬

‫يو�ضح �أ�ساليب ن�رش وتقدمي املواد الثقافية باجلرائد‬ ‫اليومية العربية‬

‫جدول رقم ‪2‬‬

‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫�أ�سلوب الن�رش‬ ‫�صفحة ثقافية كاملة‬

‫‪21‬‬

‫‪61.8‬‬

‫�صفحة ثقافة وفن‬

‫‪5‬‬

‫‪14.7‬‬

‫باب ثقايف‬

‫‪4‬‬

‫‪11.8‬‬

‫�صفحة �أدب وفن‬

‫‪2‬‬

‫‪5.9‬‬

‫�صفحة ثقافة و�أدب‬

‫‪1‬‬

‫‪2.9‬‬

‫ملحق ثقايف من عدة �صفحات‬

‫‪1‬‬

‫‪2.9‬‬

‫املجموع‬

‫‪34‬‬

‫‪100‬‬

‫جدول رقم ‪3‬‬

‫يو�ضح املو�ضوعات التي عاجلتها املواد ال�صحفية داخل‬ ‫ال�صفحات الثقافية باجلرائد اليومية العربية‬ ‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫املو�ضوع‬ ‫�أخبار عن �أن�شطة ثقافية‬ ‫(مهرجانات – ندوات – م�ؤمترات)‬ ‫�أخبار عن �إ�صدارات �أدبية‬ ‫ن�رش �إبداعات �أدبية‬ ‫�أخبار عن معار�ض الفن الت�شكيلي‬ ‫ق�ضايا ال�سينما‬ ‫ق�ضايا امل�رسح‬ ‫نقد �أعمال �أدبية‬ ‫حتليل لوحات فن ت�شكيلي‬ ‫عرو�ض كتب‬ ‫حوارات مع مفكرين‬ ‫�أخبار م�ؤ�س�سات ثقافية‬ ‫ق�ضايا الغناء العربي‬ ‫الأدب العاملي‬ ‫املتاحف العربية‬

‫‪91‬‬

‫‪20.1‬‬

‫‪70‬‬

‫‪15.5‬‬

‫‪42‬‬

‫‪9.3‬‬

‫‪42‬‬

‫‪9.3‬‬

‫‪36‬‬

‫‪8‬‬

‫‪28‬‬

‫‪6.2‬‬

‫‪28‬‬

‫‪6.2‬‬

‫‪21‬‬

‫‪4.6‬‬

‫‪21‬‬

‫‪4.6‬‬

‫‪20‬‬

‫‪4.4‬‬

‫‪15‬‬

‫‪3.3‬‬

‫‪14‬‬

‫‪3.1‬‬

‫‪12‬‬

‫‪2.7‬‬

‫‪12‬‬

‫‪2.7‬‬

‫املجموع‬

‫‪452‬‬

‫‪100‬‬

‫جرائد الوفد وامل�رصي اليوم‪ 1‬واجلمهورية‬ ‫امل�رصية‪ ،‬و�صحيفة الأيـام اليمنية‪ ،‬وجريدة‬ ‫الأنباء الكويتية‪ .‬ويــو�ضح اجلـدول التـايل‬ ‫�أ�ساليب الن�رش املتبعة يف تقدمي املواد الثقافية‬ ‫املتخ�ص�صة داخل اجلرائد اليومية العربية‪:‬‬ ‫(جدول رقم ‪ )2‬ي ّت�ضح من اجلدول ال�سابق‬ ‫�أن الن�سبة الأكرب من اجلرائد اليومية تكتفي‬ ‫بتخ�صي�ص �صفحة واحدة لن�رش املواد الثقافية‬ ‫املتخ�ص�صة‪ ،‬يف حني تقل ن�سبة اجلرائد التي‬ ‫تخ�ص�ص باب ًا (م�ساحة �أقل من �صفحة) ي�شغل‬ ‫جزءاً من �إحدى �صفحاتها‪ ،‬لتن�رش فيه بع�ض‬ ‫املواد الثقافية‪ ،‬وكذلك تق ّل ن�سبة اجلرائد التي‬ ‫تخ�ص�ص عدة �صفحات (يف �شكل ملحق) لن�رش‬ ‫املواد ال�صحفية الثقافية‪.‬‬ ‫ومتزج ن�سبة ال ب�أ�س بها من اجلرائد‬ ‫العربية اليومية (‪ )%23.5‬امل�ضامني الثقافية‬ ‫مبواد �صحفية ذات �صلة بالثقافة – كفكر ‪-‬‬ ‫لت�ضمها �صفحة واحدة‪ .‬وتربط العديد من هذه‬ ‫اجلرائــد بني الثقافة والفن‪ ،‬فتخ�ص�ص �صفحة‬ ‫واحدة لكل من ق�ضايا الفن‪ ،‬وق�ضايا الثقافة‪،‬‬ ‫مثل جريدة الد�ستور الأردنية‪ ،‬وجريدة الراية‬ ‫القطرية‪ ،‬وجريدة الوطن العمانية‪ ،‬وجريدة‬ ‫ال�شبيبة العمانية �أي�ض ًا‪ .‬و�أحيان ًا ما يربط بع�ض‬ ‫اجلرائد بني الفن والأدب ليتم ت�ضمني موادهما‬ ‫يف �صفحة واحدة‪ ،‬مثل جريدة احلياة ال�سعودية‪،‬‬ ‫وتربط بع�ض اجلرائد الأخرى ق�ضايا الثقافة‬ ‫بق�ضايا الأدب‪ ،‬مثل جريدة الوحدة اجلزائرية‪.‬‬ ‫وتتن ّوع امل�ضامني الثقافية التي تن�رش‬ ‫على ال�صفحات الثقافية باجلرائد اليومية‬ ‫العربية‪ ،‬وال�ستطالع الأ�شكال املختلفة لهذه‬ ‫مت حتليل املواد ال�صحفية التي‬ ‫امل�ضامني‪ّ ،‬‬ ‫ن�رشتها ال�صفحات الثقافية باجلرائد امل�شار‬ ‫�إليها يف اجلدول رقم (‪ ،)1‬خالل الأ�سبوع الأخري‬ ‫من �شهر دي�سمرب ‪ ،2008‬لتحديد املو�ضوعات‬ ‫التي ينقلها امل�ضمون‪ ،‬با�ستخدام القالب‬ ‫ال�صحفي كوحدة حتليل‪ .‬ويو�ضح اجلدول التايل‬ ‫هذه املو�ضوعات‪( :‬جدول رقم ‪)3‬‬ ‫‪ 1‬بد�أت جريدة «امل�رصي اليوم» يف �إ�صدار ملحق «�أ�سبوعي» للثقافة‬ ‫منذ الرابع من يونيو ‪.2009‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية ‪251‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬خ�صائ�ص امل�ضمون ال�صحفي‬ ‫بخطاب املجالت الثقافية العربية‬ ‫‪ - 1‬م�ضمون اخلطاب الثقايف يف‬ ‫جملة الهالل امل�رصية‬ ‫خريطة مو�ضوعات اخلطاب الثقايف‬ ‫مبجلة الهالل‬

‫مت �إجرا�ؤه على ع ّينة‬ ‫يك�شف التحليل الذي ّ‬

‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫املو�ضوع‬ ‫احتفاء ب�شخ�صية مبدع‬ ‫عر�ض وحتليل لإبداعات �أدبية‬ ‫مو�ضوعات فكرية‬ ‫مو�ضوعات تاريخية‬ ‫مو�ضوعات علمية وتكنولوجية‬ ‫تراجم �شخ�صية‬ ‫حوارات �صحفية‬ ‫عرو�ض كتب‬ ‫عر�ض وحتليل للوحات فنية‬ ‫متابعات مل�ؤمترات وندوات‬ ‫عر�ض وحتليل لإبداعات �سينمائية‬

‫‪43‬‬

‫‪51.2‬‬

‫‪10‬‬

‫‪11.9‬‬

‫‪6‬‬

‫‪7.1‬‬

‫‪5‬‬

‫‪6‬‬

‫‪4‬‬

‫‪4.8‬‬

‫‪4‬‬

‫‪4.8‬‬

‫‪3‬‬

‫‪3.6‬‬

‫‪3‬‬

‫‪3.6‬‬

‫‪3‬‬

‫‪3.6‬‬

‫‪2‬‬

‫‪2.4‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1.2‬‬

‫املجموع‬

‫‪84‬‬

‫‪100‬‬

‫من �أربعة �أعداد من جملة الهالل امل�رصية‬ ‫تراوح اخلطاب الثقايف بها ما بني جمموعة‬ ‫من الدوائر التي تت�صل بالأدب والفن والعلم‬ ‫والفكر‪ .‬ويو�ضح اجلدول التايل توزيع املواد‬ ‫ال�صحفية املختلفة التي ن�رشت مبجلة الهالل‬ ‫– خالل فرتة التحليل – على الدوائر املختلفة‬ ‫ال�سابقة‪( :‬جدول رقم ‪)4‬‬ ‫يو�ضح اجلدول ال�سابق الطابع االحتفايل‬ ‫الغالب على اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل‪� ،‬إذ‬ ‫جند �أن املواد ال�صحفية التي تعتني باالحتفاء‬ ‫ب�شخ�صية مبدع معينّ هي الأكرث ظهوراً يف‬ ‫اخلطاب ال�صحفي‪ .‬وقد متثلت ال�شخ�صيات‬ ‫التي �أبرزها اخلطاب يف هذا ال�سياق يف كل‬ ‫من‪ :‬الفنان بيكار (ال�شاعر والفنان الت�شكيلي)‪،‬‬ ‫واملطربة جناة‪ ،‬والكاتب ال�صحفي كامل‬ ‫زهريي‪ ،‬وال�سيد فاروق ح�سني وزير الثقافة‬ ‫امل�رصي‪.‬‬ ‫وعلى م�ستوى عر�ض وحتليل الإبداعات‬ ‫الأدبية اعتنى اخلطاب بتحليل �أعمال‪ :‬الروائية‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإعالم‬

‫يالحظ من اجلدول ال�سابق غلبة الطابع‬ ‫الإخباري على املواد ال�صحفية املن�شورة يف‬ ‫ال�صفحات الثقافية باجلرائد اليومية العربية‪،‬‬ ‫فهناك ن�سبة كبرية من املتابعات الإخبارية‬ ‫للأن�شطة والفعاليات الثقافية‪ ،‬من مهرجانات‬ ‫وندوات وم�ؤمترات‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل متابعة‬ ‫الإ�صدارات اجلديدة‪ ،‬وخ�صو�ص ًا يف جمال‬ ‫الإبداع الأدبي‪ ،‬ومتابعة فعاليات معار�ض‬ ‫و�إبداعات الفن الت�شكيلي‪ .‬كما تهتم ال�صفحات‬ ‫الثقافية ب�إثارة العديد من الق�ضايا املتعلقة‬ ‫بالإنتاج ال�سينمائي وامل�رسحي والغنائي‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل متابعة احلركة الثقافية من‬ ‫خالل عرو�ض الكتب‪.‬‬ ‫فالوظيفة الإخبارية هي الغالبة على‬ ‫امل�ضمون ال�صحفي بال�صفحات الثقافية‪ ،‬يف‬ ‫حني ترتاجع �أهمية الوظيفة التف�سريية التي‬ ‫تتجلّى يف االهتمام بن�رش التقارير والتحقيقات‬ ‫حول الظواهر الثقافية القطرية والقومية‪.‬‬ ‫وتظهر الوظيفة التف�سريية فقط يف �إطار العديد‬ ‫من احلوارات التي اهتمت ال�صفحات الثقافية‬ ‫ب�إجرائها مع عدد من املفكرين واملبدعني‬ ‫العرب‪ .‬وترتاجع �أي�ض ًا �أهمية الوظيفة النقدية‪،‬‬ ‫كوظيفة �أ�سا�سية من وظائف اخلطاب الثقايف‪.‬‬ ‫وقد ظهرت جتليات هذه الوظيفة يف �إطار بع�ض‬ ‫املقاالت النقدية التي تن ّوه بالأعمال الإبداعية‬ ‫للأدباء وال�شعراء العرب وحتلّلها‪ ،‬بالإ�ضافة‬ ‫�إىل بع�ض املواد ال�صحفية التي ت�صدت لتحليل‬ ‫الفن الت�شكيلي‪.‬‬ ‫لوحات ّ‬

‫جدول رقم ‪4‬‬

‫يو�ضح املو�ضوعات التي توزعت عليها مواد اخلطاب‬ ‫الثقايف مبجلة الهالل‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 252‬للتنمية الثقافية‬

‫الربيطانية دوري�س ل�سنج ‪ ،‬وال�شاعر الأمريكي‬ ‫ثـيـودور رثـكــي‪ ،‬وتـحـليل �أ�سـاليب و�صف‬ ‫الإ�سكندرية يف الروايات الأدبية املحلية‬ ‫والأجنبية‪ ،‬وحتليل رواية �سيد ق�شوع (من‬ ‫فل�سطينيي ‪ )48‬وعنوانها “عرب راق�صون”‪،‬‬ ‫ومو�ضوع عن ال�شاعر الإفريقي الأ�صل �إمييه‬ ‫�سيزير‪ ،‬و�أربع مقاالت نقدية عن جتارب �شعرية‬ ‫ملبدعني من ال�شباب‪.‬‬ ‫�أما املو�ضوعات الفكرية فقد تناولت‪:‬‬ ‫تاريخ احلركة ال�شيوعية يف م�رص (حدتو)‪،‬‬ ‫ور�ؤية الفال�سفة لفكرة املوت واحلياة‪ ،‬وخطاب‬ ‫التنوير تاريخه وتاريخيته‪ ،‬والتمويل الأجنبي‬ ‫وا�ستقالل املنظومات احلقوقية‪ ،‬و�آفة التن ّوع‬ ‫وال�رصاعات العرقية يف الواليات املتحدة‪،‬‬ ‫والأمثال ال�شعبية الكويتية‪ ،‬ومو�ضوع عن‬ ‫التناول ال�شعبي لق�صة مو�سى واخل�رض‪.‬‬ ‫وتناولت الدائرة العلمية يف اخلطاب ع ّدة‬ ‫مو�ضوعات �شملت‪ :‬الطاقة النظيفة‪ ،‬والثقافة‬ ‫الرقمية وكيفية اال�ستفادة من بع�ض مواقع‬ ‫الإنرتنت‪ ،‬واال�ستن�ساخ‪ ،‬ومو�ضوع عن تطور‬ ‫العلم‪� .‬أما املو�ضوعات التاريخية فتناولت‬ ‫تاريخ كنائ�س م�رص املحرو�سة‪ ،‬ومو�ضوع ًا عن‬ ‫التاريخ وثقافة امل�ستقبل‪ ،‬ومو�ضوع ًا عن حنني‬ ‫ابن ا�سحق ودوره يف بعث النه�ضة العربية‪،‬‬ ‫ودرا�سة عن الثورة امل�رصية (يوليو ‪،)1952‬‬ ‫�شكل رقم (‪)1‬‬ ‫يو�ضح توزّع اهتمامات خطاب الهالل على قطاعات الإبداع الثقايف املختلفة‬

‫�أدب‬ ‫فن‬ ‫فكر‬ ‫تاريخ‬ ‫علم‬

‫�أدب‬

‫علم‬

‫تاريخ‬

‫فن‬ ‫فكر‬

‫ومو�ضوع ًا عن التاريخ القبطي‪.‬‬ ‫وغطّ ت تراجم ال�شخ�صيات ع ّدة مو�ضوعات‬ ‫عن وليم �شك�سبري‪ ،‬ومنري �شكري‪ ،‬وبديع عبد‬ ‫امللك‪ ،‬و فوزي ا�سطفانو�س‪ ،‬والكاتب ال�سينمائي‬ ‫عبا�س عالم‪ .‬ون�رشت املجلة عدداً من احلوارات‬ ‫ال�صحفية مع رئي�س حتريرها جمدي الدقاق‬ ‫والر�سام حممد الطراوي‪ ،‬وحديث ذكريات‬ ‫على بقلم �أحمد �إبراهيم الفقيه‪ .‬ون�رشت ع ّدة‬ ‫عرو�ض ومراجعات لكتب �شملت‪ :‬كتاب «هموم‬ ‫�سيا�سية‪ :‬ال�سيد واخلادم” لـ حازم الببالوي‪،‬‬ ‫وكتاب “النقرا�شي با�شا” حلفيدة النقرا�شي‬ ‫با�شا‪ ،‬وكتاب “حكاية لكل الع�صور لـ �رشيف‬ ‫مقر‬ ‫قنديل‪ .‬وق ّدمت تغطية الحتفالية افتتاح ّ‬ ‫اتحّ اد ك ّتاب م�رص بالقلعة‪.‬‬ ‫وت�ضمن اخلطاب �أي�ض ًا عر�ض ًا وحتليالً‬ ‫لعدد من اللوحات الفنية �شملت‪ :‬لوحة حدث‬ ‫يف ق�رص احلمراء‪ ،‬ولوحة كوب ومظلة‪ ،‬ولوحة‬ ‫الدوجنوان‪ .‬ون�رشت تغطية مل�ؤمتر يف اجلزائر‬ ‫نظمته وزيرة الثقافة اجلزائرية خليدة بن تومي‬ ‫يف مواجهة الإرهاب‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل عر�ض‬ ‫وحتليل للفيلم ال�سينمائي جنينة الأ�سماك‪.‬‬ ‫يف �ضوء الت�أ�سي�س ال�سابق ميكننا و�صف‬ ‫اخلريطة املو�ضوعية للخطاب الثقايف داخل‬ ‫جملة الهالل على النحو التايل‪:‬‬ ‫• تنظر املجلة �إىل اخلطاب الثقايف كمزيح‬ ‫يحتوي يف دائرته على عدد من القطاعات‬ ‫الفنية والأدبية والفكرية والعلمية والتي‬ ‫تختلف يف احليز الذي ت�شغله على هذه الدائرة‬ ‫ويو�ضح ال�شكل التايل ذلك‪�( :‬شكل رقم ‪)1‬‬ ‫يو�ضح ال�شكل ال�سابق ان�شغال اخلطاب‬ ‫الثقايف يف جملة الهالل باملو�ضوعات الفكرية‬ ‫يف الأ�سا�س (‪ 32‬مو�ضوع ًا من �إجمايل ‪84‬‬ ‫مو�ضوع ًا)‪ .‬وقد تو ّزعت هذه املو�ضوعات على‪:‬‬ ‫احلديث عن �أحوال ال�صحافة امل�رصية وعالقة‬ ‫ال�صحافة بال�سلطة‪ ،‬والتطور املهني للمدر�سة‬ ‫ال�صحفية امل�رصية على يد اجليل الثاين من‬ ‫ال�صحفيني امل�رصيني الذين برزوا بعد مرحلة‬ ‫الت�أ�سي�س يف تاريخ ال�صحافة امل�رصية‪ ،‬وقد‬ ‫طرح اخلطاب هذه الق�ضايا يف معر�ض االحتفاء‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية ‪253‬‬

‫‪60‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪0‬‬

‫‪S1‬‬

‫مدار املو�ضوع‬

‫مدار الفرد‬

‫مبجلة الهالل‪� ،‬إذ ظهرت يف �إطار هذا القطاع‬ ‫ت�سعة مو�ضوعات ركّزت على جوانب يت�صل‬ ‫بع�ضها بالبيئة‪ ،‬ويت�صل بع�ضها بتاريخ العلم‪،‬‬ ‫ويت�صل بع�ضها الآخر بالتطورات العلمية‬ ‫والتكنولوجية املعا�رصة‪.‬‬ ‫• غلب على اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل قدر‬ ‫كبري من ال�شخ�صانية‪� ،‬إذ ظهر الفرد “املبدع”‬ ‫كفاعل رئي�سي يف التعبري الثقايف‪ ،‬يف مقابل‬ ‫املو�ضوع �أو الق�ضية الثقافية كمك ّون �أو‬ ‫ك�أ�سا�س يدور يف فلكه اخلطاب‪ .‬ويو�ضح ال�شكل‬ ‫التايل ذلك‪�( :‬شكل رقم ‪)2‬‬ ‫وعلى الرغم من االعرتاف بالذات كمدار‬ ‫�أ�سا�سي من املدارات التي يدور يف فلكها‬ ‫الإبداع‪� ،‬إال �أن الإفراط يف ا�ستح�ضارها يجعل‬ ‫اخلطاب الثقايف تعبرياً عن جمموعة من الأفراد‬ ‫الذين يتمركز حولهم الفكر الإبداعي‪ .‬وقد ظهر‬ ‫ذلك داخل اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل يف‬ ‫املو�ضوعات التي كان يتم االحتفاء فيها‬ ‫بنجوم الفكر والفن‪ ،‬مبا فيهم وزير الثقافة‬ ‫امل�رصية نف�سه‪ ،‬وكذلك يف الرتاجم ال�شخ�صية‬ ‫التي برز فيها العديد من رموز الفكر والعلم‬ ‫يف م�رص وخارجها‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل احلوارات‬ ‫ال�صحفية التي تعطي البطولة للفرد «املتحدث»‪،‬‬ ‫والتي كان من بينها حوار مع رئي�س حترير‬ ‫جملة الهالل نف�سه‪.‬‬

‫الإعالم‬

‫بالكاتب ال�صحفي كامل الزهريي‪ .‬ي�ضاف �إىل‬ ‫ذلك جمموعة املو�ضوعات التي تناولت ق�ضايا‬ ‫فكرية خملتفة غلب عليها الطابع الفل�سفي يف‬ ‫�أحيان (فكرة املوت واحلياة) والت�أريخي يف‬ ‫�أحيان (تاريخ احلركة ال�شيوعية يف م�رص‪،‬‬ ‫وتاريخ االتنوير)‪ ،‬وطابع االرتباط بق�ضايا‬ ‫الواقع املعا�رص يف �أحيان (منظمات حقوق‬ ‫الإن�سان)‪.‬‬ ‫فقد نظر اخلطاب ال�صحفي �إىل الثقافة‬ ‫كفن بعد ذلك (‪20‬‬ ‫كفكر يف الأ�سا�س‪ ،‬ثم ّ‬ ‫الفن كطرب ومو�سيقى‬ ‫مو�ضوع ًا)‪ .‬وبرز مفهوم ّ‬ ‫بالن�سبة الأكرب (‪ 12‬مو�ضوع ًا من بني ‪20‬‬ ‫مو�ضوع ًا �صحفي ًا)‪ ،‬وكفن ت�شكيلي بعد ذلك‬ ‫بالن�سبة الأقل (‪ 8‬مو�ضوعات) وركز يف هذا‬ ‫ال�سياق على فن الر�سم‪ ،‬ويف مرة واحدة ظهرت‬ ‫ال�سينما كفن وذلك يف �سياق املقال النقدي‬ ‫الذي ت�صدى لتحليل فيلم جنينة الأ�سماك‪.‬‬ ‫وبرزت بعد ذلك دائرة الأدب (‪ 13‬مو�ضوع ًا)‪.‬‬ ‫وقد برز يف هذا ال�سياق مفهوم الأدب كرواية‬ ‫�أكرث منه ك�شعر‪� ،‬إذ احتفى اخلطاب بالدرجة‬ ‫الأوىل بتحليل �أعمال روائية لكتاب م�رصيني‬ ‫وعرب وغربيني‪ ،‬ويف حدود �أقل اهتم بتحليل‬ ‫بع�ض الإبداعات ال�شعرية ل�شعراء م�رصيني‪.‬‬ ‫ومن الالفت �أي�ض ًا �أن اخلطاب �أدخل‬ ‫التاريخ واملو�ضوعات التاريخية يف دائرة‬ ‫الثقافة‪ .‬وكان هناك تركيز يف هذا ال�سياق‬ ‫على جوانب متنوعة من التاريخ القبطي‬ ‫مل�رص‪ ،‬و�شكل التاريخ الإ�سالمي م�سكوت ًا عنه‬ ‫داخل اخلطاب‪ ،‬حتى يف املرة الوحيدة التي‬ ‫مت االقرتاب فيه من تاريخ الدولة العبا�سية‬ ‫كانت زاوية الطرح هي الدور الذي لعبه العلماء‬ ‫الأقباط واليهود يف ترجمة املعارف الالتينية‬ ‫والفار�سية وغريها �إىل اللغة العربية ليتناولها‬ ‫العقل امل�سلم‪ .‬وتطرق اخلطاب مرة واحدة‬ ‫�إىل �أحد املو�ضوعات املت�صلة بتاريخ م�رص‬ ‫احلديث‪ ،‬وهو مو�ضوع الثورة امل�رصية يف‬ ‫يوليو ‪.1952‬‬ ‫و�شكّل العلم القطاع الأقل ظهوراً داخل‬ ‫الدائرة التي ت�شكّل يف �إطارها اخلطاب الثقايف‬

‫�شكل رقم (‪)2‬‬ ‫يو�ضح املدارات ال�شخ�صانية واملو�ضوعية للخطاب الثقايف مبجلة الهالل‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 254‬للتنمية الثقافية‬

‫الر�ؤية ال�شخ�صانية للخطاب الثقايف‬ ‫مبجلة الهالل‬

‫خل�صنا ممّ ا �سبق �إىل �أن الطابع‬ ‫“ال�شخ�صاين” كان غالب ًا على اخلطاب الثقايف‬ ‫الذي قدمته جملة الهالل‪ .‬وقد ظهر هذا الأمر‬ ‫ب�صورة جلية يف زيادة عدد املواد ال�صحفية‬ ‫التي تدور حول �شخ�صيات مبدعة يف جمال‬ ‫معينّ مقارنة بعدد املواد ال�صحفية التي‬ ‫تناولت مو�ضوعات �أو �إ�شكاليات ثقافية معينة‪.‬‬ ‫وقد ت�أكد هذا الأمر �أي�ض ًا من خالل حتليل‬ ‫الأفكار والأطروحات املختلفة التي حملها‬ ‫م�ضمون هذه املواد‪� ،‬إذ دارت يف �أغلبها يف فلك‬ ‫�شخ�صيات حمددة اعتنى اخلطاب ب�إبرازها‪.‬‬ ‫مت حتليل ال�سمات املختلفة التي ميزت‬ ‫وقد ّ‬ ‫ال�شخ�صيات التي ا�ستح�رضها اخلطاب من �أجل‬ ‫اكت�شاف خلفياته‪ ،‬ومتثلت �أبرز هذه ال�سمات‬ ‫يف ما يلي‪:‬‬ ‫• االنتماء الزمني لل�شخ�صية‪.‬‬ ‫• االنتماء املكاين لل�شخ�صية‪.‬‬ ‫• نوع ال�شخ�صية‪.‬‬ ‫• توزيع ال�شخ�صية على قطاعات الإبداع‬ ‫املختلفة‪.‬‬ ‫ومن خالل تتبع �سمات ال�شخ�صيات‬ ‫البارزة يف اخلطاب الثقايف ‪ -‬يف �ضوء املحاور‬ ‫ال�سابقة – وجد �أن جملة الهالل اهتمت يف ما‬ ‫تن�رشه من مواد �صحفية ب�إبراز ال�شخ�صيات‬ ‫جدول رقم ‪5‬‬

‫االنتماء الزمني لل�شخ�صية داخل اخلطاب الثقايف‬ ‫مبجلة الهالل‬ ‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫االنتماء الزمني لل�شخ�صية‬ ‫�شخ�صيات حديثة‬

‫‪78‬‬

‫‪72.2‬‬

‫�شخ�صيات معا�رصة‬

‫‪30‬‬

‫‪27.8‬‬

‫�شخ�صيات تاريخية‬

‫‪10‬‬

‫‪11.9‬‬

‫ن ‪84 = 1‬‬

‫التي تنتمي �إىل التاريخ امل�رصي �أو العربي‬ ‫احلديث‪ ،‬على ح�ساب ال�شخ�صيات الإبداعية‬ ‫املعا�رصة‪� ،‬أو ال�شخ�صيات التي تنتمي �إىل‬ ‫فرتات �أكرث عمق ًا وامتداداً يف التاريخ امل�رصي‬ ‫والعربي‪ .‬ويو�ضح اجلدول التايل ذلك‪( :‬جدول‬ ‫رقم ‪.)5‬‬ ‫نخل�ص من بيانات اجلدول ال�سابق �إىل‬ ‫�أن اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل ان�شغل‬ ‫با�ستعادة الأفكار التي �أفرزتها جتربة التحديث‬ ‫يف م�رص خ�صو�ص ًا‪ ،‬والعامل العربي عموم ًا‪،‬‬ ‫خالل الفرتة التي �أعقبت �إن�شاء الدولة امل�رصية‬ ‫احلديثة يف ع�رص حممد علي‪ .‬ومن مناذج‬ ‫ال�شخ�صيات التي �أبرزها اخلطاب يف هذا‬ ‫ال�سياق‪ :‬طه ح�سني‪ ،‬وجرجي زيدان‪ ،‬ورفاعة‬ ‫الطهطاوي‪ ،‬وعلي عبد الرازق‪ ،‬و�أحمد لطفي‬ ‫ال�سيد‪ ،‬وعبد الرحمن الكواكبي‪ .‬وميكن تف�سري‬ ‫هذه احلالة التي �سيطرت على اخلطاب بردها‬ ‫�إىل ا�ستمرار وامتداد الأ�سئلة نف�سها التي �شغلت‬ ‫العقل امل�رصي يف تاريخه احلديث �إىل تاريخه‬ ‫املعا�رص‪.‬‬ ‫وقد اهت ّم اخلطاب بعد ذلك ب�إبراز جمموعة‬ ‫من ال�شخ�صيات املعا�رصة‪� ،‬أبرزها الرئي�س‬ ‫ح�سني مبارك‪ ،‬وحممد ح�سنني هيكل‪ ،‬و�إدوار‬ ‫خراط‪ ،‬و�إبراهيم عبد املجيد وغريهم‪ .‬وجاء‬ ‫ذلك يف معر�ض احلديث عن ق�ضايا �سيا�سية‬ ‫وفنية و�أدبية معا�رصة‪� ،‬أما ال�شخ�صيات‬ ‫التاريخية التي اهت ّم اخلطاب با�ستح�ضارها‬ ‫فقد تركزت يف الفال�سفة امل�سملني الذين اجتهد‬ ‫اخلطاب يف العودة �إىل �أفكارهم عند احلديث‬ ‫عن الر�ؤية العقالنية يف الرتاث الإ�سالمي‪ ،‬ومن‬ ‫�أهم ال�شخ�صيات التي برزت يف هذا ال�سياق‪:‬‬ ‫�شخ�صية الفارابي‪ ،‬وابن �سينا‪ ،‬وابن خلدون‪،‬‬ ‫وابن ر�شد‪.‬‬ ‫وعلى امل�ستوى املكاين‪ ،‬اهت ّم اخلطاب‬ ‫ب�إبراز ال�شخ�صيات امل�رصية بالن�سبة‬ ‫الأكرب‪ ،‬وظهرت ال�شخ�صيات الغربية �أي�ض ًا‬ ‫بن�سبة معقولة يف حني تراجعت ن�سب �إبراز‬ ‫‪1‬‬ ‫مت ح�ساب الن�سبة يف �ضوئها‬ ‫ن= �إجمايل عدد املفردات التي ّ‬ ‫داخل اجلدول‪.‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية ‪255‬‬

‫‪1‬‬ ‫مت ح�ساب الن�سبة يف �ضوئها‬ ‫ن= �إجمايل عدد املفردات التي ّ‬ ‫داخل اجلدول‪.‬‬

‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫االنتماء املكاين لل�شخ�صية‬ ‫م�رصي‬

‫‪65‬‬

‫‪60.2‬‬

‫غربي‬

‫‪32‬‬

‫‪29.6‬‬

‫عربي‬

‫‪9‬‬

‫‪8.3‬‬

‫�آ�سيوي‬

‫‪2‬‬

‫‪1.9‬‬

‫‪108‬‬

‫‪100‬‬

‫املجموع‬

‫ن ‪( 108 = 1‬جمموع ال�شخ�صيات التي ظهرت يف اخلطاب)‬ ‫جدول رقم ‪7‬‬

‫يو�ضح االنتماءات الوظيفية لل�شخ�صيات البارزة داخل‬ ‫اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل‬ ‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫نوع ال�شخ�صية‬ ‫مفكر‬

‫‪20‬‬

‫‪18.5‬‬

‫روائي‬

‫‪12‬‬

‫‪11.1‬‬

‫مطرب ‪ /‬مطربة‬

‫‪10‬‬

‫‪9.2‬‬

‫مو�سيقار‬

‫‪10‬‬

‫‪9.2‬‬

‫�شاعر‬

‫‪8‬‬

‫‪7.4‬‬

‫رجل �سيا�سة‬

‫‪8‬‬

‫‪7.4‬‬

‫ممثل �سينمائي‬

‫‪8‬‬

‫‪7.4‬‬

‫فيل�سوف‬

‫‪5‬‬

‫‪4.6‬‬

‫خمرج �سينمائي‬

‫‪5‬‬

‫‪4.6‬‬

‫فنان ت�شكيلي‬

‫‪5‬‬

‫‪4.6‬‬

‫ناقد �أدبي‬

‫‪4‬‬

‫‪3.7‬‬

‫عامل‬

‫‪4‬‬

‫‪3.7‬‬

‫كاتب �صحفي‬

‫‪4‬‬

‫‪3.7‬‬

‫م�ؤرخ‬

‫‪3‬‬

‫‪2.8‬‬

‫كاتب م�رسحي‬

‫‪2‬‬

‫‪1.9‬‬

‫‪108‬‬

‫‪100‬‬

‫املجموع‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإعالم‬

‫ال�شخ�صيات املنتمية �إىل �أطر مكانية �أخرى‪.‬‬ ‫ويو�ضح اجلدول التايل ذلك‪( :‬جدول رقم ‪)6‬‬ ‫عبرّ اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل عن‬ ‫الذات امل�رصية بالدرجة الأكرب من خالل‬ ‫ا�ستدعاء املبدعني امل�رصيني الذين ينتمون �إىل‬ ‫ع�صور خمتلفة من الذاكرة‪ ،‬والرتكيز عليهم يف‬ ‫امل�ضمون الذي يعاجله‪ .‬وحظت ال�شخ�صيات‬ ‫الغربية (الأدباء واملفكرون ورجال ال�سيا�سية‬ ‫الأمريكيون والأوربيون) بدرجة وا�ضحة من‬ ‫احل�ضور داخل اخلطاب الثقايف‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫يك�شف الوجه التغريبي للخطاب يف قراءته‪،‬‬ ‫�أو يف حماولته االنفتاح على ثقافة الآخر‬ ‫الغربي‪.‬‬ ‫ومن مناذج ال�شخ�صيات الغربية التي‬ ‫ظهرت يف اخلطاب‪� :‬شاريل �شابلن‪ ،‬دوري�س‬ ‫ل�سنـج‪ ،‬واط�سن‪ ،‬الكاتب الهندي �أميتاب جو�ش‪،‬‬ ‫دانتي‪ ،‬فران�سي�س بيكون‪ ،‬ديكارت‪ ،‬هربرت‬ ‫�سبن�رس‪ ،‬هوبز‪ ،‬رو�سو‪� ،‬أرنولد توينبي‪ ،‬جوتة‪،‬‬ ‫بيت�س‪ ،‬والت ويتمان‪� ،‬إليوت‪� ،‬شيمو�س هيني‪،‬‬ ‫ديالن توما�س‪ ،‬توما�س فوالر‪ ،‬وليم �شك�سبري‪،‬‬ ‫�أوباما‪ ،‬جون ماكني‪ ،‬هيالري كلينتون‪ ،‬ماران‬ ‫مرة واحدة اهت ّم‬ ‫لرث كنج‪ ،‬يوجني �أونيل‪ .‬ويف ّ‬ ‫اخلطاب ب�إبراز �شخ�صية تنتمي �إىل الدائرة‬ ‫الهندية ليظهر الآخر “الآ�سيوي”‪.‬‬ ‫وعلى م�ستوى اجلانب الوظيفي يف‬ ‫مت ا�ستدعا�ؤهم‬ ‫�شخ�صية املبدعني الذين ّ‬ ‫يف اخلطاب‪ ،‬تن ّوعت االنتماءات الوظيفية‬ ‫لل�شخ�صيات التي عاجلها م�ضمون اخلطاب‬ ‫على النحو املو�ضح يف اجلدول التايل ‪( :‬جدول‬ ‫رقم ‪.)7‬‬ ‫ي ّت�ضح من اجلدول ال�سابق وجود اهتمام‬ ‫وا�ضح من جانب منتجي اخلطاب ب�إبراز‬ ‫�شخ�صيات املفكرين‪ ،‬ممن �أطلّوا فكري ًا على‬ ‫متطلبات النه�ضة بعد مواجهة اال�ستعمار‪،‬‬ ‫وخ�صو�ص ًا ممن ينتمون �إىل تاريخ م�رص‬ ‫احلديث كما �سبق و�أ�رشنا‪ .‬كذلك اهتم اخلطاب‬ ‫ب�إبراز العديد من ال�شخ�صيات الروائية العربية‬

‫جدول رقم ‪6‬‬

‫االنتماء املكاين لل�شخ�صية داخل اخلطاب الثقايف‬ ‫مبجلة الهالل‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 256‬للتنمية الثقافية‬

‫يو�ضح نوع ال�شخ�صية الإبداعية داخل اخلطاب‬ ‫الثقايف مبجلة الهالل‬

‫جدول رقم ‪8‬‬

‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫النوع‬ ‫ذكر‬

‫‪92‬‬

‫‪85.2‬‬

‫�أنثى‬

‫‪16‬‬

‫‪14.8‬‬

‫املجموع‬

‫‪108‬‬

‫‪100‬‬

‫�شكل رقم (‪)3‬‬ ‫يو�ضح ن�سبة وجود الأبعاد املختلفة ل�سمات ال�شخ�صيات داخل اخلطاب الثقايف‬ ‫مبجلة الهالل‬ ‫‪100‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪0‬‬

‫ذكور‬

‫مفكرون‬

‫م�رصيون‬

‫جدول رقم ‪9‬‬

‫�شخ�صيات‬ ‫حديثة‬

‫‪S1‬‬

‫يو�ضح القيم املت�ضمنة يف اخلطاب الثقايف داخل‬ ‫جملة الهالل‬ ‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫القيمة الظاهرة داخل اخلطاب‬ ‫الإبداع الفني‬

‫‪29‬‬

‫‪34.5‬‬

‫حرية الفكر‬

‫‪9‬‬

‫‪10.7‬‬

‫الت�سامح الديني‬

‫‪7‬‬

‫‪8.3‬‬

‫رعاية املوهبة الغنائية‬

‫‪6‬‬

‫‪7.1‬‬

‫حرية املر�أة‬

‫‪4‬‬

‫‪4.8‬‬

‫الر�ضا‬

‫‪3‬‬

‫‪3.6‬‬

‫ال يوجد‬

‫‪26‬‬

‫‪31‬‬

‫املجموع‬

‫‪84‬‬

‫‪100‬‬

‫والأجنبية‪ ،‬مثل جنيب حمفوظ و�شك�سبري‬ ‫ودوري�س ل�سنج‪ .‬وظهر �أي�ض ًا العديد من‬ ‫ال�شخ�صيات املو�سيقية‪ ،‬مثل عبد الوهاب وبليغ‬ ‫حمدي وحممود ال�رشيف وحممد املوجي وكمال‬ ‫الطويل وريا�ض ال�سنباطي‪ .‬وبن�سب حمـدودة‬ ‫ظهرت بعد ذلك �أنواع �أخرى من ال�شخ�صيات‪،‬‬ ‫�شملت فال�سفة وخمرجني �سينمائيني وفنانني‬ ‫ت�شكيليني وم� ّؤرخني‪ ،‬ورجال �سيا�سة‪ ،‬مثل عبد‬ ‫النا�رص وال�سادات وبن بيال و�أوباما وغريهم‪.‬‬ ‫وقد ك�شف حتليل اخلطاب �أي�ض ًا عن‬ ‫�سيطرة «الطابع الذكوري» على امل�ضامني‬ ‫ال�صحفية التي عاجلتها جملة الهالل‪� ،‬إذ كانت‬ ‫ن�سبة (‪ )%88.4‬من ال�شخ�صيات التي ظهرت يف‬ ‫اخلطاب من الذكور يف حني كانت الن�سبة الأقل‬ ‫من الإناث‪ .‬الأمر الذي ي�شري �إىل اجتاه اخلطاب‬ ‫للنظر �إىل الإبداع كرجل‪ .‬ويو�ضح اجلدول التايل‬ ‫ذلك‪( :‬جدول رقم ‪)8‬‬ ‫نلخ�ص ال�سمات التي‬ ‫ن�ستطيع ممّ ا �سبق �أن ّ‬ ‫ميزت ال�شخ�صيات الأكرث ح�ضوراً داخل اخلطاب‬ ‫الثقايف مبجلة الهالل يف �أنها يف الأغلب من‬ ‫ال�شخ�صيات امل�رصية التي تنتمي �إىل تاريخ‬ ‫م�رص احلديث‪ ،‬و�أن معظمها كان من املفكرين‬ ‫من رواد التنوير‪ ،‬و�أنهم من الذكور بالن�سبة‬ ‫الأكرب‪ .‬ويو�ضح ال�شكل التايل ن�سبة ح�ضور كل‬ ‫�سمة من هذه ال�سمات لدى �شخ�صيات اخلطاب‪.‬‬

‫القيمة احلا�رضة داخل اخلطاب الثقايف‬ ‫مبجلة الهالل‬

‫ي�شري حتليل اخلطاب الثقايف داخل جملة‬ ‫الهالل �إىل عدم وجود قيمة ظاهرة يعمل‬ ‫امل�ضمون على ت�أكيدها �أو تكري�سها لدى‬ ‫املتلقي يف بع�ض املوا�ضع‪ ،‬يف حني ظهرت‬ ‫يف موا�ضع �أخرى قيم معينة احتفي اخلطاب‬ ‫ب�إبرازها‪ .‬ويو�ضح اجلدول التايل القيم التي‬ ‫ظهرت يف هذا ال�سياق‪( :‬جدول رقم ‪)9‬‬ ‫ويالحظ من اجلدول ال�سابق �أن اخلطاب‬ ‫�أبرز ب�صورة �أ�سا�سية قيمة «الإبداع الفني»‪،‬‬ ‫وذلك يف مدار احتفائه باملطربني واملو�سيقيني‬ ‫واملخرجني ال�سينمائيني والأدباء وال�شعراء‪.‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية ‪257‬‬

‫‪ - 2‬م�ضمون اخلطاب الثقايف يف جملة‬ ‫الآداب اللبنانية‬ ‫خريطة مو�ضوعات اخلطاب الثقايف‬ ‫مبجلة الآداب‬

‫يق ّدم موقع جملة الآداب على �شبكة‬ ‫الإنرتنت ح�رصاً ب�أهم الق�ضايا التي اعتنى‬ ‫اخلطاب الثقايف اخلا�ص بها بطرحها على‬ ‫القارىء العربي خالل الفرتة من ‪1997‬‬ ‫– ‪ .)1(2008‬ويحلّل اجلدول التايل �إح�صائي ًا‬ ‫معدالت اهتمام املجلة باملو�ضوعات التي‬ ‫�شغلت اخلطاب الثقايف باملجلة خالل هذه‬ ‫الفرتة‪( :‬جدول رقم ‪)10‬‬ ‫تو�ضح بيانات اجلدول ال�سابق ما ي ّت�صف‬ ‫به اخلطاب الثقايف الذي تقدمه جملة الآداب‬ ‫البريوتية من �سمات �أ�سا�سية ت�شمل ما يلي‪:‬‬ ‫• اال�شتباك مع العديد من الق�ضايا املعا�رصة‬ ‫التي ت�شغل العقل الثقايف العربي كالأحداث‬ ‫التي ت�شهدها فل�سطني‪ ،‬ومو�ضوع احلرب على‬ ‫العراق‪ ،‬وال�رصاعات الطائفية يف عدد من‬

‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫املو�ضوع‬ ‫فل�سطني‬

‫‪20‬‬

‫‪13.7‬‬

‫لبنان‬

‫‪14‬‬

‫‪9.5‬‬

‫رقابة ‪ /‬حرية التعبري‬

‫‪12‬‬

‫‪8.2‬‬

‫احلرب على العراق‬

‫‪11‬‬

‫‪7.5‬‬

‫الطائفية‬

‫‪10‬‬

‫‪6.8‬‬

‫حوارات مع مفكرين عرب‬

‫‪9‬‬

‫‪6.2‬‬

‫العلمانية‬

‫‪9‬‬

‫‪6.2‬‬

‫العوملة‬

‫‪8‬‬

‫‪5.5‬‬

‫حوارات مع �أدباء عرب‬

‫‪8‬‬

‫‪5.5‬‬

‫املقاطعة ال�شعبية‬

‫‪7‬‬

‫‪4.8‬‬

‫الفن الت�شكيلي‬

‫‪7‬‬

‫‪4.8‬‬

‫العروبة‬

‫‪6‬‬

‫‪4.1‬‬

‫احلركة ال�شيوعية العربية‬

‫‪6‬‬

‫‪4.1‬‬

‫املثقفون العرب‬

‫‪6‬‬

‫‪4.1‬‬

‫امل�شاركة ال�سيا�سية لل�شباب العربي‬

‫‪4‬‬

‫‪2.7‬‬

‫البيئة‬

‫‪4‬‬

‫‪2.7‬‬

‫حوارات مع مفكرين غري عرب‬

‫‪3‬‬

‫‪2.1‬‬

‫حوار احل�ضارات‬

‫‪2‬‬

‫‪1.4‬‬

‫‪146‬‬

‫‪100‬‬

‫املجموع‬

‫املجتمعات العربية‪ ،‬وغري ذلك من مو�ضوعات‬ ‫�أ�ضفت على اخلطاب طابع ًا دينامي ًا جعله �أكرث‬ ‫حركية و�أ�ش ّد الت�صاق ًا بالق�ضايا الآنية‪ ،‬دون‬ ‫الإغراق �أو اال�ستغراق يف املو�ضوعات التارخية‬ ‫كما يالحظ يف اخلطابات الثقافية التي تق ّدمها‬ ‫املجالت العربية الأخرى‪.‬‬ ‫• ان�شغل اخلطاب الثقايف يف جملة الآداب‬ ‫مبجموعة الق�ضايا الفكرية الأ�سا�سية التي‬ ‫�شغلت العقل العربي مع مطلع الألفية اجلديدة‪،‬‬ ‫وقد برز على �أجندة مو�ضوعاته – يف هذا‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإعالم‬

‫و�شغلت قيمة “حرية الفكر” �أي�ض ًا حيزاً من‬ ‫اهتمام اخلطاب‪ ،‬يف �إطار دفاعه عن حق املبدع‬ ‫يف �أن يقدم ر�ؤيته للواقع كما ي�شاء‪ ،‬ويف �إطار‬ ‫الدفاع �أي�ض ًا عن م�ساحة احلرية التي متنحها‬ ‫ال�سلطة ال�سيا�سية يف م�رص للمبدعني‪ ،‬مما كان‬ ‫ي�صبغ اخلطاب يف هذه املوا�ضع بـ «الدعائية»‬ ‫كما �سيت�ضح يف ما بعد‪.‬‬ ‫كما برزت �أي�ض ًا قيمة الت�سامح الديني‪،‬‬ ‫وحاول اخلطاب يف هذا ال�سياق �أن ي�ضفي‬ ‫عليها �رشعية تاريخية‪ ،‬من خالل االعتماد‬ ‫على م�شاهدات من الرتاث الإ�سالمي ك�إطار‬ ‫مرجعي للت�أكيد على هذه القيمة‪ .‬وبرزت‬ ‫قيمة رعاية املواهب الفنية‪ ،‬وخ�صو�ص ًا من‬ ‫خالل امللف الذي ن�رشته الهالل حول املطربة‬ ‫«جناة»‪ .‬وظهرت كذلك قيمة «حرية املر�أة» يف‬ ‫بع�ض املوا�ضع داخل اخلطاب‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل‬ ‫قيمة الر�ضا عن الذات يف �أحوال والر�ضا عن‬ ‫الواقع يف �أحوال �أخرى‪.‬‬

‫جدول رقم ‪10‬‬

‫الق�ضايا التي اهتمت بها جملة الآداب خالل الفرتة من‬ ‫‪2008 – 1997‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 258‬للتنمية الثقافية‬

‫ال�سياق – مو�ضوع العوملة وت�أثرياتها‪،‬‬ ‫و�أو�ضاع احلركة ال�شيوعية العربية بعد تفكك‬ ‫االحتاد ال�سوفيتي وانهياره عام ‪ ،1989‬وحوار‬ ‫احل�ضارات‪ ،‬والعلمانية‪ ،‬والأزمات التي حلقت‬ ‫باملفهوم العروبي اقرتان ًا بالأحداث التي‬ ‫�شهدتها املنطقة العربية منذ احتالل العراق‬ ‫للكويت عام ‪ 1990‬وما تبعه من �أزمات‬ ‫و�رصاعات على امل�ستوى العربي‪.‬‬ ‫• اهتم اخلطاب الثقايف �أي�ض ًا بق�ضايا الفن‬ ‫والأدب‪ ،‬لكنه ح�رص اهتمامه يف جمال‬ ‫الفن بق�ضايا الفن الت�شكيلي‪ ،‬و�أبرز عدداً من‬ ‫املو�ضوعات املعنية بق�ضايا الإبداع الأدبي‬ ‫العربي‪ ،‬والأدباء والنقّاد العرب لتعبرّ عن‬ ‫اهتمام املجلة بالآداب العربية‪.‬‬ ‫• انخف�ض معدل اهتمام اخلطاب ب�صورة‬ ‫ملحوظة باملو�ضوعات العلمية‪ ،‬وحدها يف‬ ‫هذا ال�سياق بالق�ضايا املت�صلة ب�ش�ؤون البيئة‪.‬‬ ‫نخل�ص ممّ ا �سبق �إىل �أن اخلطاب الثقايف‬ ‫مبجلة الآداب نظر �إىل الثقافة كمفهوم ال ينغلق‬ ‫على جمرد تناول الق�ضايا الفكرية والأدبية‪،‬‬ ‫بل ميتد كذلك �إىل طرح العديد من املو�ضوعات‬ ‫الأخرى ذات الطابع ال�سيا�سي والتي تعك�س‬ ‫�رصاعات ثقافية بني دول وجماعات بتجليات‬ ‫و�صور خمتلفة‪ ،‬مثل مو�ضوع الطائفية‪،‬‬ ‫والق�ضية الفل�سطينية‪ ،‬واحلرب على العراق‬ ‫وغريها‪ .‬بعبارة �أخرى ميكن القول ب�أن �أجندة‬ ‫اخلطاب الثقايف الذي قدمته جملة الآداب‬ ‫كانت �أكرث ثرا ًء وتنوع ًا‪ .‬ويو�ضح ال�شكل التايل‬ ‫معدالت اهتمام هذا اخلطاب بالقطاعات‬

‫�شكل رقم (‪)4‬‬ ‫يو�ضح توزّع اهتمامات خطاب جملة الآداب على قطاعات الإبداع الثقايف‬ ‫املختلفة‬ ‫�سيا�سة‬ ‫فكر‬ ‫�أدب‬ ‫فن‬ ‫علم‬

‫الثقافية املختلفة‪�( :‬شكل رقم ‪)4‬‬ ‫ي ّت�ضح من هذا ال�شكل تركّز اهتمام اخلطاب‬ ‫الثقايف مبجلة الآداب على املو�ضوعات‬ ‫ال�سيا�سية‪ ،‬خ�صو�ص ًا داخل ب�ؤر االلتهاب‬ ‫العربي يف فل�سطني‪ ،‬ثم لبنان‪ ،‬ثم العراق‪ .‬كما‬ ‫اهتم اخلطاب يف �سياق هذه الدائرة بطرح‬ ‫العديد من الق�ضايا والإ�شكاليات املت�صلة‬ ‫بالواقع ال�سيا�سي العربي‪ ،‬مثل ق�ضية الطائفية‪،‬‬ ‫واملقاطعة ال�شعبية لإ�رسائيل ت�أثراً بتجربة‬ ‫جنوب �أفريقيا‪ ،‬وامل�شاركة ال�سيا�سية لل�شباب‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫وان�شغل اخلطاب بعد قطاع ال�سيا�سة‬ ‫بقطاع الفكر‪ ،‬بحيث اهت ّم بطرح العديد من‬ ‫الق�ضايا التي �شغلت العقل العربي مع مطلع‬ ‫الألفية اجلديدة‪ ،‬كما ذكرنا �آنف ًا‪ .‬وقد متيز‬ ‫اخلطاب يف هذا ال�سياق مبحاولة حتريك �أ�سلوب‬ ‫طرحه ومعاجلته لهذه الق�ضايا‪ ،‬من خالل عدم‬ ‫االكتفاء بتقدمي درا�سات تطرح �أفكار اخلطاب‬ ‫ور�ؤيته لها‪ ،‬بل واالهتمام �أي�ض ًا بن�رش حوارات‬ ‫مع مفكرين عرب وغري عرب‪ ،‬يت ّم طرح ق�ضايا‬ ‫الفكر فيها بطريقة �أكرث حيوية وتعتمد على‬ ‫الت�شخي�ص الواقعي بدرجة �أكرب‪.‬‬ ‫واهت ّم اخلطاب بعد ذلك ب�صورة حمدودة‬ ‫بثالثة قطاعات �أ�سا�سية‪� ،‬شملت بالرتتيب‬ ‫قطاع الأدب‪ ،‬ثم الفن (الت�شكيلي)‪ ،‬ثم العلوم‬ ‫(البيئية)‪.‬‬

‫الر�ؤية ال�شخ�صانية واملو�ضوعية يف‬ ‫اخلطاب الثقايف مبجلة الآداب‬

‫اعتمد اخلطاب ال�صحفي مبجلة الآداب فـي‬ ‫طرح مو�ضوعاته وان�شغاالته املختلفة على‬ ‫�شكل امللف ال�صحفي الذي ي�ض ّم جمموعة من‬ ‫املواد التي يربطها مو�ضوع واحد‪ .‬ويو�ضح‬ ‫حتليل الأعداد ال�صادرة من املجلة خالل‬ ‫عام ‪� 2008‬أن املجلة كانت تهتم يف بع�ض‬ ‫الأحيان بتقدمي ملفات ل�شخ�صيات ويف‬ ‫�أحيان �أخرى بفتح ملفات تتعلق مبو�ضوعات‪.‬‬ ‫ويو�ضح اجلدول التايل امللفات املختلفة التي‬ ‫قدمتها جملة الآداب على مدار عام ‪.2008‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية ‪259‬‬

‫عنوان امللف‬ ‫�سهيل �إدري�س‪ :‬وداع ًا �أيها‬ ‫الأب امل�ؤ�س�س‬ ‫ملف ‪ :2‬كي ال نن�سى‬ ‫�ستيفانو كياريني‬ ‫ت�ضامن ًا مع جملة الآداب‬ ‫و�ض ّدها‬ ‫مقاطعة �إ�رسائيل (‪)1‬‬ ‫حتديات و�آفاق واعدة‬ ‫ملف ‪� :2‬سهيل �إدري�س‪،‬‬ ‫الكاتب‪ ،‬النا�شط‪ ،‬امل�ؤ�س�سة‬

‫نوع‬ ‫امللف‬

‫عدد‬ ‫املو�ضوعات‬

‫�شخ�صي‬

‫‪24‬‬

‫�شخ�صي‬

‫‪5‬‬

‫مو�ضوعي‬

‫‪4‬‬

‫مو�ضوعي‬

‫‪7‬‬

‫�شخ�صي‬

‫‪12‬‬

‫ملف ‪ :3‬الدعوى �ضد الآداب مو�ضوعي‬ ‫تتفاعل‬ ‫ملف اليهود العرب يف دولة‬ ‫مو�ضوعي‬ ‫�إ�رسائيل‬

‫‪6‬‬ ‫‪4‬‬

‫تاريخ العدد‬ ‫يناير‪ /‬مار�س‬ ‫‪2008‬‬

‫يناير‪ /‬مار�س‬ ‫‪2008‬‬

‫يناير‪ /‬مار�س‬ ‫‪2008‬‬

‫�أبريل‪ /‬يونيو‬ ‫‪2008‬‬

‫�أبريل‪ /‬يونيو‬ ‫‪2008‬‬

‫�أبريل‪ /‬يونيو‬ ‫‪2008‬‬

‫يوليو‪�/‬سبتمرب‬ ‫‪2008‬‬

‫يوليو‪�/‬سبتمرب‬

‫ملف �أزمة ال�شعر العربي‬

‫مو�ضوعي‬

‫‪7‬‬

‫مقاطعة �إ�رسائيل (‪ )2‬على‬ ‫خطى جنوب �أفريقيا‬

‫مو�ضوعي‬

‫‪5‬‬

‫دي�سمرب ‪2008‬‬

‫ملف حممود دروي�ش‬

‫�شخ�صي‬

‫‪7‬‬

‫دي�سمرب ‪2008‬‬

‫‪2008‬‬

‫�شكل رقم (‪)5‬‬ ‫يو�ضح التفاوت يف عدد املو�ضوعات املطروحة داخل امللفات ال�شخ�صية‬ ‫واملو�ضوعية باخلطاب الثقايف يف جملة الآداب‬

‫�شخ�صي‬ ‫مو�ضوعي‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإعالم‬

‫(جدول رقم ‪)11‬‬ ‫ي ّت�ضح من اجلدول ال�سابق وجود ع�رشة‬ ‫ملفات داخل الأعداد الأربعة ال�صادرة من‬ ‫جملة الآداب خالل عام ‪ ،2008‬ا�شتبكت «�ستة»‬ ‫منها مع مو�ضوعات حمددة مطروحة على‬ ‫�ساحة النقا�ش العربي مثل‪ :‬مو�ضوع املقاطعة‬ ‫ال�شعبية (الأكادميية واالقت�صادية) لإ�رسائيل‪،‬‬ ‫ومو�ضوع اليهود العرب يف �إ�رسائيل‪ ،‬ومو�ضوع‬ ‫الدعوى التي رفعها فخري كرمي �ضد جملة‬ ‫الآداب وامل�س�ؤولني فيها‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل‬ ‫مو�ضوع �أزمة ال�شعر العربي‪.‬‬ ‫ويف املقابل من ذلك اهت ّمت �أربعة ملفات‬ ‫باملجلة ب�إبراز �شخ�صيات حمددة‪� ،‬شملت‬ ‫م�ؤ�س�س املجلة الدكتور �سهيل �إدري�س‪ ،‬والنا�شط‬ ‫املدين املدافع عن الق�ضية الفل�سطينية �ستيفانو‬ ‫كياريني‪ ،‬وال�شاعر الفل�سطيني حممود دروي�ش‪.‬‬ ‫ويو�ضح ال�شكل التايل التفاوت يف درجة‬ ‫اهتمام اخلطاب الثقايف بتناول ال�شخ�صيات‬ ‫وطرح املو�ضوعات داخل امللفات املختلفة‪:‬‬ ‫(�شكل رقم ‪)5‬‬ ‫ي ّت�ضح من اجلدول ال�سابق ظهور عدد‬ ‫�أكرب من املواد ال�صحفية داخل امللفات‬ ‫الثالثة ال�شخ�صية (‪ 41‬مو�ضوع ًا)‪ ،‬يف حني‬ ‫انخف�ض عدد املواد بامللفات املو�ضوعية‪،‬‬ ‫وعددها �ستة ملفات‪� ،‬إىل (‪ 33‬مو�ضوع ًا)‪.‬‬ ‫ويف �ضوء ذلك ميكننا �أن نخل�ص �إىل ما يلي‪:‬‬ ‫• غلب على الكثري من امللفات‪� ،‬سواء ال�شخ�صية‬ ‫�أم املو�ضوعية التي �أبرزها اخلطاب الثقايف‬ ‫مبجلة الآداب‪ ،‬نوع من الذاتية التي جتلّت يف‬ ‫االهتمام بتقدمي ملفني عن الراحل الدكتور‬ ‫�سهيل �إدري�س‪ ،‬وهو �أمر طبيعي يت�سق مع‬ ‫دوره كم� ّؤ�س�س للمجلة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل عطائه‬ ‫الفكري والأدبي‪ ،‬وقد ظهرت هذه الذاتية �أي�ض ًا‬ ‫يف تخ�صي�ص ملفينّ للكتابات التي تناولت‬ ‫مو�ضوع الدعوى التي رفعها العراقي فخري‬ ‫كرمي �ض ّد املجلة وامل�س�ؤولني فيها‪ ،‬وقد حاول‬ ‫اخلطاب هنا �أن يكون مو�ضوعي ًا ومتوازن ًا‬ ‫من خالل طرح �أفكار املناه�ضني وامل�ؤيدين‬ ‫مع ًا لهذه الدعوى‪ ،‬على امل�ستوى العربي‪.‬‬

‫جدول رقم ‪11‬‬

‫يو�ضح امللفات ال�شخ�صية واملو�ضوعية التي ظهرت‬ ‫يف �أعداد جملة الآداب ‪2008‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 260‬للتنمية الثقافية‬ ‫جدول رقم ‪12‬‬

‫توزيع كتّـاب الآداب على الأقطار العربية والأجنبية‬ ‫املختلفة‬ ‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫القطر‬ ‫لبنان‬

‫‪17‬‬

‫‪17.3‬‬

‫�سوريا‬

‫‪15‬‬

‫‪15.3‬‬

‫اململكة املتحدة‬

‫‪10‬‬

‫‪10.2‬‬

‫املغرب‬

‫‪10‬‬

‫‪10.2‬‬

‫فل�سطني‬

‫‪8‬‬

‫‪8.2‬‬

‫م�رص‬

‫‪8‬‬

‫‪8.2‬‬

‫الواليات املتحدة الأمريكية‬

‫‪6‬‬

‫‪6.1‬‬

‫الأردن‬

‫‪3‬‬

‫‪3.1‬‬

‫كندا‬

‫‪3‬‬

‫‪3.1‬‬

‫تون�س‬

‫‪3‬‬

‫‪3.1‬‬

‫اجلزائر‬

‫‪2‬‬

‫‪2‬‬

‫العراق‬

‫‪2‬‬

‫‪2‬‬

‫جنوب �أفريقيا‬

‫‪2‬‬

‫‪2‬‬

‫�إيطاليا‬

‫‪2‬‬

‫‪2‬‬

‫ال�سويد‬

‫‪2‬‬

‫‪2‬‬

‫فرن�سا‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫�أ�سبانيا‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫اليمن‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫ليبيا‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫�أملانيا‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫املجموع‬

‫‪98‬‬

‫‪100‬‬

‫• �شكّل مو�ضوع مقاومة االحتالل الإ�رسائيلي‬ ‫والق�ضية الفل�سطينية هاج�س ًا �أ�سا�سي ًا داخل‬ ‫العديد من امللفات التي ت�ض ّمنها اخلطاب‬ ‫الثقايف مبجلة الآداب‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق‬ ‫ب�أحكام املقاطعة العربية والدولية لإ�رسائيل‪.‬‬ ‫وقد حاول اخلطاب يف هذا ال�سياق �أن ي�ؤكد‬ ‫املنظور �أو الطابع الثقايف لل�رصاع العربي‬ ‫الإ�رسائيلي‪.‬‬

‫االنتماء املكاين للقوى الفاعلة املنتجة‬ ‫للخطاب‬

‫اهتمت جملة الآداب ب�صورة وا�ضحة‬ ‫مب�شاركة العديد من الكتاب يف �إنتاج مادتها‬ ‫وتقــدمي اخلطاب الثقايف املت�ضمن فيها‪� ،‬إذ‬ ‫غطّ ت دائرة ك ّتابها العديد من الأقطار العربية‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل عدد من الك ّتاب العرب الذين‬ ‫يعي�شون يف الواليات املتحدة الأمريكية‬ ‫والدول الأوربية‪ ،‬كما اهتمت املجلة مب�شاركة‬ ‫عدد من الك ّتاب الأجانب ‪ -‬الذين كانت ترتجم‬ ‫كتاباتهم �إىل اللغة العربية ‪ -‬يف �إنتاج مادتها‪.‬‬ ‫وبالتايل فقد مت ّيزت الآداب عن بع�ض املجالت‬ ‫الثقافية التي تكاد تكون منغلقة على ك ّتاب‬ ‫القطر الذي تتبعه املجلة‪ ،‬مثل جملة الهالل‬ ‫امل�رصية‪ ،‬واملجالت الأخرى التي تعتمد على‬ ‫فكرة تن ّوع القـوى الفاعلة التي ت�سهم يف �إنتاج‬ ‫اخلطاب‪ ،‬ولكن ب�صورة حمدودة‪ ،‬مثل جملة‬ ‫العربي الكويتية (كما �سي ّت�ضح يف ما بعد)‪.‬‬ ‫ويو�ضح اجلدول التايل االنتماءات املكانية‬ ‫للقوى املنتجة للخطاب يف جملة الآداب‪.‬‬ ‫(جدول رقم ‪)12‬‬ ‫يت�ضح من اجلدول ال�سابق �أن الك ّتاب‬ ‫املنتمني �إىل دائرة الأقطار العربية هم الأكرث‬ ‫ح�ضوراً كمنتجني للخطاب‪ ،‬وقد تو ّزع ه�ؤالء‬ ‫الك ّتاب على �أحد ع�رش قطراً عربي ًا‪� ،‬أبرزها‬ ‫لبنان (بلد الإ�صدار)‪ ،‬و�سوريا‪ ،‬واملغرب‪،‬‬ ‫وم�رص‪ ،‬وفل�سطني‪ .‬ي�أتي بعد ذلك الك ّتاب‬ ‫املنتمون مكاني ًا �إىل الغرب‪� ،‬سواء كانوا عرب ًا‬ ‫�أم �أجانب‪ ،‬وقد تو ّزع ه�ؤالء الك ّتاب على ثماين‬ ‫دول‪ ،‬على ر�أ�سها اململكة املتحدة‪ ،‬ثم الواليات‬ ‫املتحدة الأمريكية‪ .‬وقد برز خارج هاتني‬ ‫الدائرتني ك ّتاب من دولة �أفريقية واحدة هي‬ ‫جنوب �أفريقيا‪ .‬ويو�ضح ال�شكل التايل عدد‬ ‫الك ّتاب الذين ظهروا – كمنتجني للخطاب‬ ‫الثقايف – تبع ًا لدوائر انتمائهم املكاين‪:‬‬ ‫(�شكل رقم ‪)6‬‬ ‫وعلى قدر التن ّوع الذي م ّيز اخلطاب‬ ‫الثقايف الذي قدمته جملة «الآداب»‪ ،‬على‬ ‫م�ستوى املنتجني‪ ،‬كان هناك قدر من‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية ‪261‬‬

‫�شكل رقم (‪)6‬‬ ‫يو�ضح االنتماءات املكانية ملنتجي اخلطاب الثقايف مبجلة الآداب‬

‫‪80‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪0‬‬ ‫الدائرة الأفريقية‬

‫الدائرة الغربية‬

‫الدائرة العربية‬

‫�شكل رقم (‪)7‬‬ ‫يو�ضح االنتماءات العربية للمبدعني الذين اهتمت بهم جملة الآداب‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪S1‬‬

‫‪0‬‬

‫م�رص‬

‫اجلزائر‬

‫الأردن‬

‫فل�سطني‬

‫�سوريا‬

‫العراق‬

‫لبنان‬

‫املغرب‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإعالم‬

‫املحدودية يف م�صادر الإنتاج االبداعي الذي‬ ‫ن�رشته املجلة على مدار �أعدادها خالل عام‬ ‫‪ .2008‬فقد ن�رشت املجلة جمموعة من الأعمال‬ ‫ال�شعرية‪ ،‬والق�ص�ص الق�صرية‪ ،‬وم�رسحية نرثية‪،‬‬ ‫وتنوعت م�صادر هذه الأعمال على امل�ستوى‬ ‫العربي على النحو املو�ضح يف ال�شكل التايل‪:‬‬ ‫(�شكل رقم ‪)7‬‬ ‫يالحظ �أن جملة الآداب اهت ّمت بدرجة‬ ‫كبرية ب�إبداع املغاربة‪ ،‬وخ�صو�ص ًا من ال�شعراء‪،‬‬ ‫حيث ن�رشت �أعما ًال ل�ستة مبدعني‪ ،‬ي�أتي بعد‬ ‫ذلك املبدعون اللبنانيون (�أربعة مبدعني)‬ ‫ثم العراق (ثالثة مبدعني)‪ ،‬ثم كل من �سوريا‬ ‫وفل�سطني (مبدعان من كل قطر)‪ ،‬ثم الأردن‬ ‫واجلزائر وم�رص (مبدع واحد من كل قطر)‪.‬‬ ‫ن�ستخل�ص ممّ ا �سبق �أن اخلطاب الثقايف‬ ‫يف جملة الآداب اعتمد يف �شقه الفكري على‬ ‫منتج لبناين‪� /‬سوري يف الأ�سا�س‪ ،‬ويف �شقه‬ ‫الإبداعي على منتج مغربي‪ /‬لبناين‪ .‬وهذا ما‬ ‫يعني �أن لبنان كان حا�رضاً ب�صورة �أ�سا�سية‬ ‫يف معادلتي الفكر والإبداع‪ ،‬يف حني احتلت‬

‫�سوريا وك ّتابها موقع ًا مهم ًا على خريطة الفكر‪،‬‬ ‫واحتلت املغرب موقع ًا متميزاً على م�ستوى‬ ‫الإبداع‪ ،‬واختفت دول اخلليج متام ًا من فوق‬ ‫خريطة الإنتاج الفكري �أو الإبداعي للخطاب‪،‬‬ ‫وتقلّ�ص دور م�رص على امل�ستويني �أي�ض ًا‪.‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 262‬للتنمية الثقافية‬

‫القيمة احلا�رضة داخل اخلطاب الثقايف‬ ‫مبجلة الآداب‬

‫على عك�س الكثري من اخلطابات‬ ‫املت�ضمنة داخل املجالت الثقافية العربية‬ ‫التي ال حتتفي بالت�أكيــد على قيمة معينة يف‬ ‫امل�ضمون الذي تنقله‪ ،‬ميكن و�صف خطاب‬ ‫جملة الآداب ب�أنه خطاب «قيمة» بدرجة‬ ‫كبرية‪ .‬فالكثري من امل�ضامني التي يحملها‬ ‫اخلطاب ت�سعى با�ستمرار �إىل الت�أكيد على قيمة‬ ‫معينة يف وجدان قارئها‪ .‬ويو�ضح اجلدول‬ ‫التايل �أبرز القيم التي برزت يف هذا ال�سياق‪:‬‬ ‫(جدول رقم ‪)13‬‬ ‫ي ّت�ضح من اجلدول ال�سابق �أن قيمة‬ ‫املقاومة كانت حا�رضة ب�صورة رئي�سية داخل‬ ‫الكثري من املواد التي ن�رشتها جملة الآداب‪،‬‬ ‫لتعبرّ عن �أطروحتها اخلطابية الأ�سا�سية‬ ‫اخلا�صة بالدفاع عن الق�ضية الفل�سطينية عرب‬ ‫�آليات املقاومة ال�سلبية‪ ،‬من خالل املقاطعة‬

‫جدول رقم ‪13‬‬

‫القيم املت�ضمنة داخل اخلطاب الثقايف مبجلة‬ ‫«الآداب»‬ ‫القيمة‬

‫االقت�صادية والأكادميية لإ�رسائيل‪ ،‬والتعاون‬ ‫مع منظمات املجتمع املدين يف دول العامل‬ ‫املختلفة‪ ،‬وخ�صو�ص ًا يف الغرب من �أجل حتقيق‬ ‫هذا الهدف‪ .‬وظهرت قيمة حرية الإبداع داخل‬ ‫القطاعات ذات الطابع «الذاتي» يف اخلطاب‬ ‫الثقايف املت�ضمن يف جملة الآداب والتي‬ ‫ارتبطت بعدد من املو�ضوعات التي اهتمت‬ ‫ب�إبراز الدور الذي لعبه الراحل الدكتور �سهيل‬ ‫�إدري�س يف احلركة الثقافية والأدبية العربية‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل املو�ضوعات التي تطرقت �إىل‬ ‫الدفاع عن جملة «الآداب» �ضد الق�ضية التي‬ ‫رفعها العراقي فخري كرمي على املجلة‪ ،‬ويف‬ ‫�سياق هذا املو�ضوع ظهرت ع ّدة قيم �أخرى‬ ‫تتعلق باحلق يف االختالف‪ ،‬واحلق يف النقد‪.‬‬ ‫وبالإ�ضافة �إىل جمموعة القيم املركزية‬ ‫ال�سابقة ظهر داخل اخلطاب جمموعة من القيم‬ ‫الأخرى الفرعية‪� ،‬أبرزها قيمة العقالنية التي‬ ‫ارتبطت بعدد من املو�ضوعات التي ت�صـدت‬ ‫لتحليل بع�ض الأفكار الدينية‪ ،‬كالنبوة والر�ؤية‬ ‫املارك�سية للدين‪ ،‬ب�صورة عقالنية‪ .‬وظهرت‬ ‫قيمة حرية التعبري عن الر�أي وقيمة احلق يف‬ ‫االختالف يف حالة الدخول يف جدل يرقى �إىل‬ ‫حد ال�رصاع مع الآخر‪.‬‬

‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫املقاومة‬

‫‪28‬‬

‫‪28.6‬‬

‫حرية الإبداع‬

‫‪13‬‬

‫‪13.3‬‬

‫احلق يف االختالف‬

‫‪10‬‬

‫‪10.2‬‬

‫‪3‬ـ م�ضمون اخلطاب الثقايف يف جملة‬ ‫العربي الكويتية‬

‫احلق يف النقد‬

‫‪10‬‬

‫‪10.2‬‬

‫العقالنية‬

‫‪5‬‬

‫‪5.1‬‬

‫خريطة مو�ضوعات اخلطاب الثقايف يف‬ ‫جملة العربي‬

‫حرية التعبري‬

‫‪5‬‬

‫‪5.1‬‬

‫احلرية الأكادميية‬

‫‪3‬‬

‫‪3.1‬‬

‫حرية املر�أة‬

‫‪3‬‬

‫‪3.1‬‬

‫الثبات على املبد�أ‬

‫‪2‬‬

‫‪2‬‬

‫الدميقراطية‬

‫‪2‬‬

‫‪2‬‬

‫ال يوجد قيمة ظاهرة‬

‫‪17‬‬

‫‪17.3‬‬

‫املجموع‬

‫‪98‬‬

‫‪100‬‬

‫تتمثّل مالمح البناء املو�ضوعي للخطاب‬ ‫الثقايف ملجلة العربي يف �إطار ال يتوقف عند‬ ‫جمرد طرح املو�ضوعات التي تهتم بامل�ستويات‬ ‫ال�سياحية �أو العرقية والإثنية �أو املعلوماتية‬ ‫فقط‪ ،‬بل يتجاوز ذلك �إىل طرح ومعاجلة‬ ‫عدد من التجارب املهمة يف تطوير تقنيات‬ ‫التكنولوجيا والطب وال�صناعة والزراعة يف‬ ‫�أوربا و�آ�سيا وغريها من بقاع العامل‪ ،‬والتوقف‬ ‫حل َرف وال�صناعة والزراعة يف الدول‬ ‫�أمام ا ِ‬ ‫حل َرف‬ ‫املختلفة‪ ،‬ومعاجلة مو�ضوعات تتعلق با ِ‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية ‪263‬‬ ‫جدول رقم ‪14‬‬

‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫املو�ضوع‬ ‫مو�ضوع ت�سجيلي عن مدينة‬

‫‪8‬‬

‫‪29.6‬‬

‫عر�ض وحتليل لأعمال فن ت�شكيلي‬

‫‪4‬‬

‫‪14.8‬‬

‫حوار �صحفي‬

‫‪4‬‬

‫‪14.8‬‬

‫مو�ضوعات تاريخية‬

‫‪3‬‬

‫‪11.1‬‬

‫تراجم �شخ�صية‬

‫‪3‬‬

‫‪11.1‬‬

‫�أدب �شعبي‬

‫‪2‬‬

‫‪7.4‬‬

‫مو�ضوعات علمية‬

‫‪2‬‬

‫‪7.4‬‬

‫تغطية الحتفالية‬

‫‪1‬‬

‫‪3.7‬‬

‫املجموع‬

‫‪27‬‬

‫‪100‬‬

‫مت �إجرا�ؤها مع عدد من‬ ‫ال�صحفية التي ّ‬ ‫املفكرين والأدباء والنقّاد العرب‪ ،‬ومنهم املفكر‬ ‫منح ال�صلح‪ ،‬والناقد الأدبي جابر ع�صفور‪،‬‬ ‫وال�شاعرة البحرينية حمدة خمي�س‪ ،‬والروائية‬ ‫الربيطانية دوري�س لي�سنج‪ .‬وارتبط بهذا النوع‬ ‫من الطرح �أي�ض ًا االهتمام بن�رش تراجم تتناول‬ ‫الإنتاج الفكري والإبداعي لعدد من ال�شخ�صيات‬ ‫�أبرزها‪ :‬املخرج ال�سينمائي اجنمار برجمان‪،‬‬ ‫والدكتور عبد الوهاب امل�سريي‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل‬ ‫تقدمي ال�سرية ال�شعبية لعنرتة بن �شداد‪.‬‬ ‫يف �ضوء ما �سبق ميكن القول بتوزع‬ ‫اخلطاب الثقايف مبجلة العربي على عدد من‬ ‫القطاعات‪� ،‬شملت التاريخ والفن والأدب‪،‬‬ ‫والفكر والعلم‪ .‬ويو�ضح ال�شكل التايل ن�سبة كل‬ ‫قطاع من هذه القطاعات على دائرة اخلطاب‬ ‫الثقايف باملجلة‪�( :‬شكل رقم ‪)8‬‬ ‫خالف ًا لتوجهات اخلطاب الثقايف ملجلتي‬ ‫الهالل والآداب الذي اهت ّم بالرتكيز على قطاع‬ ‫الفكر‪ ،‬ان�شغل اخلـطاب الثقايف ملجلة «العربي»‬ ‫بقطاع التاريخ بدرجة �أكرب (‪ 11‬مو�ضوع ًا‬ ‫�صحفي ًا)‪ ،‬واهت ّم يف هذا ال�سياق بالتاريخ‬ ‫احلديث للمدن والدول التي تعر�ضت لها‬

‫الإعالم‬

‫واملهارات التقليدية التي تتوارثها �أجيال‬ ‫العامل جي ًال بعد �آخر‪ ،‬وتتم�سك بها ك�أنها جز ٌء‬ ‫من هويتها ومن مرياثها الثقايف واحل�ضاري‪،‬‬ ‫وا�ضعة �أمامها خريطة العامل باحثة فيها عن‬ ‫غري املطروق‪ ،‬النائي‪ ،‬والبعيد‪ ،‬من احل�ضارات‬ ‫والبالد (‪.)2‬‬ ‫وقد ا ّت�ضح من حتليل امل�ضمون ال�صحفي‬ ‫للخطاب الثقايف مبجلة العربي وجود درجة‬ ‫كبرية من االهتمام باملو�ضوعات التي تق ّدم‬ ‫�سياحة عرب مكان معينّ ‪ ،‬لت�رشح تاريخه‪،‬‬ ‫و�أحوال حا�رضه‪ ،‬و�أبرز معامله وغري ذلك‪ ،‬كما‬ ‫لوحظ �أن الهاج�س التاريخي ي�شغل اخلــطاب‬ ‫با�ستمرار يف �إطار ما يطرحه من مو�ضوعات‬ ‫ويو�ضح اجلدول التايل ذلك‪( :‬جدول رقم ‪)14‬‬ ‫يت�ضح من اجلدول ال�سابق �أن البطولة‬ ‫الأ�سا�سية داخل اخلطاب الثقايف مبجلة‬ ‫العربي كانت متنح للمكان‪� ،‬سواء من زاوية‬ ‫التاريخ �أم من زاوية اجلغرافيا‪� ،‬إذ ق ّدمت‬ ‫املجلة العديد من املو�ضوعات التي ي�سيح‬ ‫ك ّتابها عرب مدن ومواقع خمتلفة على خريطة‬ ‫العامل الإ�سالمي‪ .‬ويف هذا ال�سياق ارتفع عدد‬ ‫املو�ضوعات الت�سجيلية التي ت�ستعر�ض تاريخ‬ ‫وجغرافية مدن خمتلفة‪ ،‬مثل مو�ضوع اهتم‬ ‫با�ستعرا�ض ما�ضي مدينة دم�شق وحا�رضها‪،‬‬ ‫ومو�ضوع بعنوان «فل�سطني عربية‪� ..‬أطول‬ ‫حرب �ضد �شعب»‪ ،‬ومو�ضوع عن حيفا‪،‬‬ ‫ومو�ضوع عن �شينج يانغ امل�سلمة‪ ،‬ومو�ضوع‬ ‫عن ماليزيا‪ ،‬ومو�ضوع عن موريتنايا‪ .‬وارتبط‬ ‫بهذا النوع من الطرح الذي عني به اخلطاب‬ ‫العديد من املو�ضوعات الأخرى التي كانت‬ ‫تهتم با�ستعرا�ض تاريخ دول العامل العربي‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا خالل القرن التا�سع ع�رش‪.‬‬ ‫وعلى امل�ستوى الفني اهتمت العربي‬ ‫بتقدمي عر�ض وحتليل نقدي لعدد من الأعمال‬ ‫املرتبطة بالفن الت�شكيلي‪ ،‬مثل املو�ضوع الذي‬ ‫اهتم بتحليل جتربة الفنانة �سامية احللبي‪،‬‬ ‫واملو�ضوع الذي ن�رش عن الفنان ح�سن �سليمان‪..‬‬ ‫�أ�سطورة ال�ضوء والظل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ون�رشت املجلة �أي�ضا عددا من احلوارات‬

‫يو�ضح املو�ضوعات التي توزعت عليها مواد اخلطاب‬ ‫الثقايف مبجلة العربي‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 264‬للتنمية الثقافية‬

‫�شكل رقم (‪)8‬‬ ‫يو�ضح توزّع اهتمامات خطاب جملة العربي على قطاعات الإبداع‬ ‫الثقايف املختلفة‬

‫تاريخ‬ ‫ادب‬ ‫فكر‬ ‫فن‬ ‫علم‬

‫علم‬

‫تاريخ‬

‫فن‬

‫فكر‬ ‫ادب‬

‫�شكل رقم (‪)9‬‬ ‫يو�ضح معدالت ظهور قطاعات الدول املختلفة يف اخلطاب الثقايف‬ ‫مبجلة العربي‬

‫‪80‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪0‬‬ ‫�إ�رسائيل‬

‫دول �إفريقية‬

‫دول غربية‬

‫دول �إ�سالمية‬

‫دول عربية‬

‫‪S1‬‬

‫املو�ضوعات ال�صحفية باملجلة‪ ،‬مثل التاريخ‬ ‫احلديث لدولة فل�سطني منذ وعد بلفور وحتى‬ ‫نكبة عام ‪ ،1948‬والتاريخ احلديث لدم�شق‬ ‫وحلب وحيفا‪ ،‬والتاريخ احلديث مل�رص‪ ،‬وغري‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫واهت ّم اخلطاب بعد ذلك بقطاع الفكر‪،‬‬ ‫من خالل طرح العديد من الق�ضايا الفكرية‬ ‫املعا�رصة التــي ت�شغل العقل العربي‪ .‬ومن‬ ‫مناذج املو�ضوعات (‪ 5‬مو�ضوعات �صحفية)‬

‫التي ظهر فيها هــــذا التوجه‪ ،‬احلوار الذي‬ ‫�أجرته املجلة مع املفكر اللبناين منح ال�صلح ‪،‬‬ ‫والرتجمة التي عر�ضت لرحلة املفكر امل�رصي‬ ‫عبد الوهاب امل�سريي‪ .‬وبرز �أي�ض ًا قطاع الأدب‬ ‫يف عدد من املو�ضوعات (‪ 5‬مو�ضوعات)‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا يف احلوار الذي �أجرته املجلة مع‬ ‫الناقد جابر ع�صفور وال�شاعرة البحرينية حمدة‬ ‫خمي�س‪ ،‬واملو�ضوع املتعلق بتاريخ مدينة‬ ‫دم�شق‪ ،‬واملو�ضوع الذي عني بال�سرية ال�شعبية‬ ‫لعنرتة بن �شداد وغريه‪.‬‬ ‫وانخف�ض معدل اهتمام اخلطاب الثقايف‬ ‫يف جملة العربي بق�ضايا الفن (‪ 4‬مو�ضوعات)‪،‬‬ ‫وتركزت جميعها يف جمال الفن الت�شكيلي‬ ‫(الر�سم والنحت)‪ .‬وكان قطاع العلم هو �أقل‬ ‫القطاعــات ظهـوراً على دائرة اخلطاب الثقايف‬ ‫مبجلة «العربي» (مو�ضوعان)‪ .‬ومن مناذج‬ ‫املو�ضوعات التي ن�رشتها ‪ -‬يف هذا ال�سياق‬ ‫– مو�ضوع عن التن ّوع احليوي وانقرا�ض بع�ض‬ ‫الكائنات‪.‬‬

‫الر�ؤية «املكانية» للخطاب الثقايف‬ ‫مبجلة العربي‬

‫تر ّددت �أ�سماء الكثري من املدن والدول‬ ‫داخل اخلطاب الثقايف مبجلة العربي‪ ،‬وهذا‬ ‫ما ي�ؤكّد ما �سبق وذهبنا �إليه من �سيطرة ر�ؤية‬ ‫“مكانية” على اخلطاب‪ ،‬جتعله مفارق ًا ب�صورة‬ ‫وا�ضــحة للخطاب الثقـــايف مبجـلة الهالل‬ ‫والذي �سيطرت عليه ر�ؤية «�شخ�صانية» وا�ضحة‪،‬‬ ‫كما �سبق و�أ�رشنا‪ .‬وقد �أ ّدت هذه ال�سيطرة للر�ؤية‬ ‫«املكانية» على اخلطاب الثقايف مبجلة العربي‬ ‫�إىل �صبغه بقدر كبري من «ال�سكون» و�أفقدته‬ ‫الكثري من احليوية املطلوبة يف خطاب ثقايف‬ ‫يتفاعل مع االن�شغاالت الفكرية والإبداعية‬ ‫املعا�رصة للمتلقي‪ ،‬خ�صو�ص ًا �إذا �أ�ضفنا �إىل‬ ‫حالة «ال�سكون املكاين» التي �سيطرت على‬ ‫اخلطاب حالة «ال�سكون الزمني» التي ظهرت‬ ‫فيه �أي�ض ًا وارتبطت بان�شغاله بالكثري من‬ ‫الأحداث املرتبطة بالتاريخ احلديث للعديد‬ ‫من دول العامل العربي‪ .‬ويو�ضح اجلدول التايل‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية ‪265‬‬

‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫البطولة املكانية‬ ‫فل�سطني‬

‫‪10‬‬

‫‪37‬‬

‫الكويت‬

‫‪8‬‬

‫‪29.6‬‬

‫حيفا‬

‫‪7‬‬

‫‪25.9‬‬

‫لبنان‬

‫‪5‬‬

‫‪18.5‬‬

‫دم�شق‬

‫‪5‬‬

‫‪18.5‬‬

‫موريتانيا‬

‫‪5‬‬

‫‪18.5‬‬

‫مدينة �شينج يانغ ال�صينية‬

‫‪5‬‬

‫‪18.5‬‬

‫م�رص‬

‫‪3‬‬

‫‪11.1‬‬

‫باري�س‬

‫‪3‬‬

‫‪11.1‬‬

‫�إ�رسائيل‬

‫‪3‬‬

‫‪11.1‬‬

‫ماليزيا‬

‫‪3‬‬

‫‪11.1‬‬

‫الواليات املتحدة‬

‫‪2‬‬

‫‪7.4‬‬

‫�إجنلرتا‬

‫‪2‬‬

‫‪7.4‬‬

‫العراق‬

‫‪2‬‬

‫‪7.4‬‬

‫�إيران‬

‫‪1‬‬

‫‪3.7‬‬

‫جنوب �أفريقيا‬

‫‪1‬‬

‫‪37.‬‬

‫�أثينا‬

‫‪1‬‬

‫‪3.7‬‬

‫فيينا‬

‫‪1‬‬

‫‪3.7‬‬

‫زميبابوي‬

‫‪1‬‬

‫‪3.7‬‬

‫البحرين‬

‫‪1‬‬

‫‪3.7‬‬

‫ن = ‪27‬‬

‫�أن اخلطاب الثقايف يف جملة العربي كان‬ ‫«�شامي» التوجه بالن�سبة الأكرب‪ ،‬ي�ضاف �إىل‬ ‫ذلك �أنه كان �أكرث «�آ�سيوية» يف ر�ؤيته العربية‪،‬‬ ‫�إذ اهتم بالدرجة الأكرب با�ستح�ضار الدول‬ ‫العربية الآ�سيوية داخله‪ ،‬مع تقلي�ص ن�سب‬ ‫اهتمامه بالدول العربية الإفريقية‪ .‬وتوازى مع‬ ‫ذلك �أن توجهه الآ�سيوي نحو دول مثل ال�صني‬ ‫وماليزيا و�إيران كان �أكرث ظهوراً من توجهه‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإعالم‬

‫الدول املختلفة التي برزت داخل اخلطاب‪:‬‬ ‫(جدول رقم ‪)15‬‬ ‫يالحظ من اجلدول ال�سابق �أن البطولة‬ ‫املكانية داخل اخلطاب الثقايف مبجلة العربي‬ ‫�شملت دو ًال ومدن ًا عـربية‪ :‬فل�سطني‪ ،‬والكويت‪،‬‬ ‫ولبنان‪ ،‬و�سوريا‪ ،‬وموريتانيا‪ ،‬وم�رص‪ ،‬والعراق‪،‬‬ ‫والبحرين‪ .‬وبرزت كذلك بع�ض الدول الإفريقية‬ ‫مثل جنوب �أفريقيا‪ ،‬وزميبابوي‪ ،‬وكذلك الدول‬ ‫الآ�سيوية‪ ،‬مثل ماليزيا و�إيران وال�صني‪ .‬واهتم‬ ‫اخلطاب �أي�ض ًا ببع�ض الدول الغربية مثل‪:‬‬ ‫فرن�سا‪ ،‬واجنلرتا‪ ،‬والواليات املتحدة الأمريكية‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل �إ�رسائيل‪ .‬ويو�ضح ال�شكل التايل‬ ‫ن�سب ظهور كل قطاع من قطاعات الدول‬ ‫املختلفة داخل اخلطاب الثقايف مبجلة العربي‪:‬‬ ‫(�شكل رقم ‪)9‬‬ ‫وقد اهت ّم اخلطاب الثقايف – على م�ستوى‬ ‫دول العامل العربي – بدولة فل�سطني بالن�سبة‬ ‫الأكرب‪ ،‬الأمر الذي يعك�س حالة ان�شغال اخلطاب‬ ‫بهذه الق�ضية املركزية يف العقل العربي‪ .‬لكن‬ ‫يبقى �أن اخلطاب اهت ّم يف هذا ال�سياق بطرح‬ ‫البعد التاريخي �أكرث مما اهتم بجدل احلا�رض‬ ‫يف ما ي ّت�صل بهذه الق�ضية‪ .‬واحتلّت دولة‬ ‫الكويت �أي�ض ًا موقع ًا مركزي ًا داخل اخلطاب‪،‬‬ ‫بحكم االنتماء القطري ملجلة العربي‪ ،‬و�إن عك�س‬ ‫يف هذه احلالة اجتاه ًا نحو الر�سمية والوقــوع‬ ‫فخ الدعاية يف بع�ض الأحوال كما �سوف‬ ‫يف ّ‬ ‫ي ّت�ضح يف ما بعد‪ .‬وقد برز داخل اخلطاب �أي�ض ًا‬ ‫بع�ض دول العامل العربي الأخرى‪ ،‬وخ�صو�ص ًا‬ ‫دول الطوق (لبنان – �سوريا)‪ ،‬وكانت دولة‬ ‫موريتانيا هي الدولة العربية الإفريقية‬ ‫الوحيدة التي ركّز عليها اخلطاب بن�سبة كبرية‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة بالطبع �إىل م�رص والتي ركّز عليها‬ ‫اخلطاب ب�صورة حمدودة‪ .‬ومن بني دول اخلليج‬ ‫برزت فقط دول البحرين‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل دولة‬ ‫العراق التي مل مينحها اخلطاب القدر الكايف‬ ‫من االهتمام على الرغم من �أنها تواجه العديد‬ ‫من التحديات التي ال تق ّل عن التحديات التي‬ ‫تواجهها فل�سطني‪.‬‬ ‫انطالق ًا ممّ ا �سبق ميكننا �أن ن�ستخل�ص‬

‫جدول رقم ‪15‬‬

‫يو�ضح الدول واملدن التي برزت داخل اخلطاب الثقايف‬ ‫يف جملة العربي‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 266‬للتنمية الثقافية‬

‫الإفريقي نحو الدول الإفريقية‪ ،‬مثل جنوب‬ ‫�إفريقيا وزميبابوي‪.‬‬ ‫واتجّ ه اخلطاب بن�سبة حمدودة نحو الآخر‬ ‫الغربي‪ ،‬واهت ّم يف هذا ال�سياق بفرن�سا بالدرجة‬ ‫الأكرب‪ ،‬ثم الواليات املتحدة الأمريكية‬ ‫و�إجنلرتا‪.‬‬

‫ال�شخ�صيات احلا�رضة داخل اخلطاب‬ ‫الثقايف مبجلة العربي‬

‫ا�ستدعى اخلطاب الثقايف مبجلة العربي‬ ‫العديد من ال�شخ�صيات العربية والغربية التي‬ ‫اختلفت يف انتماءاتها املكانية والزمنية و‬ ‫كذلك يف نوعها و�أنواعها‪ .‬ويو�ضح اجلدول‬ ‫التايل تو ّزع ال�شخ�صيات داخل اخلطاب على‬ ‫الدائرتني العربية والغربية‪( :‬جدول رقم ‪)16‬‬ ‫يالحظ من اجلدول ال�سابق �سيطرة‬ ‫ال�شخ�صيات العربية على اخلطاب الثقايف‬ ‫ب�صورة فاقت االهتمام با�ستح�ضار بع�ض‬ ‫جدول رقم ‪16‬‬

‫يو�ضح االنتماء املكاين ل�شخ�صيات اخلطاب الثقايف‬ ‫مبجلة العربي‬ ‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫االنتماء املكاين لل�شخ�صية‬ ‫�شخ�صية عربية‬

‫‪33‬‬

‫‪80.5‬‬

‫�شخ�صية غربية‬

‫‪8‬‬

‫‪19.5‬‬

‫املجموع‬

‫‪41‬‬

‫‪100‬‬

‫جدول رقم ‪17‬‬

‫يو�ضح توزيع ال�شخ�صيات باخلطاب الثقايف طبق ًا‬ ‫للنوع‬ ‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫االنتماء املكاين لل�شخ�صية‬ ‫ذكور‬

‫‪35‬‬

‫‪85.4‬‬

‫�إناث‬

‫‪6‬‬

‫‪14.6‬‬

‫املجموع‬

‫‪41‬‬

‫‪100‬‬

‫ال�شخ�صيات الغربية‪ ،‬مبا يعك�س اهتمام اخلطاب‬ ‫ب�إبراز الذات �أو الهوية الثقافية العربية بالن�سبة‬ ‫الأكرب‪ .‬وقد اهت ّم اخلطاب – يف هذا ال�سياق‬ ‫– ب�إبراز العديد من ال�شخ�صيات امل�رصية‪،‬‬ ‫مثل‪ :‬طه ح�سني‪ ،‬ويحيى حقي‪ ،‬و�أمني اخلويل‪،‬‬ ‫وال�شاعر ح�سن توفيق‪ ،‬وف�ؤاد زكريا‪ ،‬و�شكري‬ ‫عياد‪ ،‬و�أحمد زكي‪ ،‬ورفاعـة الطهطاوي‪،‬‬ ‫وعبداحلميد يون�س‪ ،‬وحممود �أبو الفتح وعبد‬ ‫احلليم حافظ‪ ،‬و�أم كلثـوم‪ ،‬وعبد الوهاب‪ .‬وظهر‬ ‫�أي�ض ًا بع�ض الأ�سماء ل�شخ�صيات لبنانية مثل‪:‬‬ ‫منح ال�صلح‪ ،‬ورفيق �رشف‪ ،‬وفار�س �شدياق‪،‬‬ ‫و�سليم اللوزي وغريهم‪ .‬وظهرت �أ�سماء حمدودة‬ ‫ل�شخ�صيات تنتمي �إىل البحرين وموريتانيا‬ ‫و�سوريا‪ .‬وقد اهتم اخلطاب �أي�ض ًا با�ستدعاء‬ ‫بع�ض ال�شخ�صيات من الذاكرة التاريجية‬ ‫العربية‪ ،‬مثل �أبو العالء املعري‪ ،‬و�سيف الدولة‬ ‫احلمداين‪ ،‬واحلالّج‪.‬‬ ‫ن�ستخل�ص ممّ ا �سبق �أن اخلطاب الثقايف‬ ‫داخل جملة العربي ينظر �إىل كل من املثقفني‬ ‫امل�رصيني واللبنانيني كفاعلني �أ�سا�سيني يف‬ ‫تقدمي املنتج الثقايف العربي‪ ،‬ي�ضاف �إىل ذلك‬ ‫بع�ض الفاعلني الفرعيني يف دول عربية �أخرى‬ ‫مثل الكويت والبحرين و�سوريا‪.‬‬ ‫وظهر �أي�ض ًا عد ٌد من ال�شخ�صيات الغربية‬ ‫داخل اخلطاب الثقايف‪ ،‬من �أهمها‪ :‬دوري�س‬ ‫لي�سنج و�آرثر كالرك (كاتب اخليال العلمي)‪،‬‬ ‫يوحنا جوتنربج‪� ،‬إجنمار برجمان (خمرج‬ ‫�سينمائي)‪.‬‬ ‫وقد توزعت ال�شخ�صيات التي ظهرت يف‬ ‫اخلطاب – طبق ًا للنوع – على النحو املو�ضح‬ ‫يف اجلدول التايل‪( :‬جدول رقم ‪)17‬‬ ‫ي ّت�ضح من اجلدول ال�سابق غلبة الطابع‬ ‫الذكوري على اخلطاب الثقايف مبجلة العربي‪،‬‬ ‫كما هو احلال يف ما يتعلق باخلطاب الثقايف‬ ‫مبجلة الهالل‪ .‬ومن �أبرز الأ�سماء الن�سوية‬ ‫التي ظهرت داخل خطاب العربي �شخ�صية‬ ‫ال�شاعرة البحرينية حمدة اخلمي�س‪ ،‬واملطربة‬ ‫املوريتانية معلومة بنت امليداح‪ ،‬والوزيرة‬ ‫املوريتانية فاطمة بنت خاطري‪ ،‬والناقدة‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية ‪267‬‬

‫القيمة احلا�رضة داخل اخلطاب الثقايف‬ ‫مبجلة العربي‬

‫كما هو احلال يف جملة الهالل‪ ،‬ظهرت‬ ‫داخل جملة العربي بع�ض املو�ضوعات‬ ‫ال�صحفية التي مل تعك�س قيمة مع ّينة تربز‬ ‫داخل اخلطاب الذي حتمله‪ ،‬و�إن كانت ن�سبة‬ ‫هذه املو�ضوعات �أقل داخل جملة العربي‬ ‫مقارنة مبجلة الهالل‪ .‬وقد اختلفت �أي�ض ًا �أنواع‬ ‫القيم التي ظهرت داخل خطاب جملة العربي‪.‬‬ ‫ويو�ضح اجلدول التايل ذلك‪( :‬جدول رقم ‪)19‬‬ ‫ي ّت�ضح من بيانات اجلدول ال�سابق �أن‬ ‫قيمة اجلمال كانت الأكرث ظهوراً داخل اخلطاب‬ ‫الثقايف مبجلة العربي‪ ،‬وقد ارتبطت هذه القيمة‬ ‫ب�صورة �أ�سا�سية باملو�ضوعات ال�صحفية التي‬ ‫اهت ّمت بالقيام بنوع من ال�سياحة عرب العديد‬ ‫من الأماكن واملدن العربية‪ ،‬وكانت تهتم‬ ‫ب�شكل �أ�سا�سي ب�إبراز قيمة اجلمال يف معامل‬ ‫هذه املدن والأماكن‪.‬‬ ‫وكانت قيمة امل�ساواة بني الرجل واملر�أة‬

‫جدول رقم ‪18‬‬

‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫نوع ال�شخ�صية‬ ‫مفكر‬

‫‪15‬‬

‫‪36.6‬‬

‫�شاعر‬

‫‪9‬‬

‫‪22‬‬

‫ناقد �أدبي‬

‫‪5‬‬

‫‪12.2‬‬

‫مطرب ‪ /‬مطربة‬

‫‪4‬‬

‫‪9.8‬‬

‫م�س�ؤول �سيا�سي‬

‫‪3‬‬

‫‪7.3‬‬

‫كاتب �صحفي‬

‫‪2‬‬

‫‪4.9‬‬

‫روائي‬

‫‪2‬‬

‫‪4.9‬‬

‫فنان ت�شكيلي‬

‫‪1‬‬

‫‪2.4‬‬

‫املجموع‬

‫‪41‬‬

‫‪100‬‬

‫جدول رقم ‪19‬‬

‫يو�ضح القيم الظاهرة داخل اخلطاب الثقايف مبجلة‬ ‫العربي‬ ‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫القيمة الظاهرة داخل اخلطاب‬ ‫اجلمال‬

‫‪5‬‬

‫‪18.5‬‬

‫امل�ساواة بني الرجل واملر�أة‬

‫‪4‬‬

‫‪14.8‬‬

‫احلرية‬

‫‪4‬‬

‫‪14.8‬‬

‫الفرو�سية‬

‫‪4‬‬

‫‪14.8‬‬

‫ال�سالم‬

‫‪1‬‬

‫‪3.7‬‬

‫االجتهاد‬

‫‪1‬‬

‫‪3.7‬‬

‫الوعي ال�سيا�سي‬

‫‪1‬‬

‫‪3.7‬‬

‫ال يوجد‬

‫‪7‬‬

‫‪25.9‬‬

‫املجموع‬

‫‪27‬‬

‫‪100‬‬

‫من القيم البارزة داخل اخلطاب‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫يف املو�ضوعات التي كانت تربز فيها املر�أة‬ ‫كفاعل �أ�سا�سي‪ ،‬مثل احلوار الذي ن�رشته املجلة‬ ‫مع ال�شاعرة حمدة اخلمي�س‪ ،‬واملو�ضوع الذي‬ ‫تناول الأو�ضاع يف موريتانيا‪ ،‬وركّز ب�صفة‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإعالم‬

‫والباحثة الأدبية امل�رصية �سهري القلماوي‪.‬‬ ‫وعلى م�ستوى انتماء ال�شخ�صيات التي‬ ‫ظهرت يف اخلطاب �إىل قطاعات الإبداع الثقايف‬ ‫املختلفة‪ ،‬جند �أن �شخ�صيات املفكرين والأدباء‬ ‫هي الأكرث �سيطرة على املواد ال�صحفية‬ ‫املن�شورة مبجلة العربي خالل فرتة التحليل‪.‬‬ ‫ويو�ضح اجلدول التايل ذلك‪(:‬جدول رقم ‪)18‬‬ ‫ي ّت�ضح من اجلدول ال�سابق بروز دور‬ ‫املفكرين كفاعل �أ�سا�سي يف احلركة الثقافية‬ ‫العربية داخل خطاب جملة العربي‪ ،‬وقد اتفقت‬ ‫يف ذلك مع جملة الهالل‪ .‬وجاء بعد املفكرين‬ ‫«ال�شعراء» الذين احتفى اخلطاب ب�إبرازهم‬ ‫ب�صورة وا�ضحة‪ ،‬مبا يعك�س نظرته �إىل الأدب‬ ‫ك�شعر �أكرث منه كرواية‪ ،‬وذلك خالف ًا للر�ؤية التي‬ ‫يطرحها اخلطاب الثقايف يف جملة الهالل الذي‬ ‫ينظر �إىل الأدب كرواية �أكرث منه ك�شعر‪ .‬وكان‬ ‫هناك �أي�ض ًا ح�ضور لبع�ض املطربني العرب‪،‬‬ ‫و�إن مل يكن بكثافة ظهور هذه ال�شخ�صيات‬ ‫داخل اخلطاب الثقايف مبجلة الهالل‪.‬‬

‫يو�ضح �أنواع ال�شخ�صيات التي ظهرت داخل اخلطاب‬ ‫الثقايف مبجلة العربي‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 268‬للتنمية الثقافية‬

‫خا�صة على �أو�ضاع املر�أة داخل هذا القطر‪،‬‬ ‫وكذلك احلوار الذي �أجرته املجلة مع الروائية‬ ‫الربياطانية دوري�س لي�سنج‪.‬‬ ‫�أما قيمة احلرية فظهرت يف موا�ضع‬ ‫اخلطاب التي كان يربز فيها دور النقاد‬ ‫واملفكرين كفاعل �أ�سا�سي داخل حركة الإبداع‬ ‫الثقايف العربي‪ ،‬مثل احلوار الذي مت �إجرا�ؤه‬ ‫مع منح ال�صلح‪ ،‬واحلوار الذي مت �إجرا�ؤه مع‬ ‫جابر ع�صفور‪ .‬وبرزت �أي�ض ًا قيم الفرو�سية‬ ‫تطرق فيها اخلطاب �إىل‬ ‫فـي املوا�ضع الذي ّ‬ ‫مو�ضوعات تت�صل بالثقافة ال�شعبية‪ ،‬مثل‬ ‫املو�ضوع الذي ن�رشته جملة العربي حول �سرية‬ ‫عنرتة ابن �شداد‪.‬‬

‫م�ضمون اخلطاب الثقايف بال�صحيفة‬ ‫الثقافية (التابعة ملجلة فواني�س) املغربية‬

‫تعاين ال�صحافة الثقافية يف املغرب من‬ ‫م�شكالت متنوعة‪� ،‬أبرزها ندرة هذه اجلرائد‬ ‫واملجالت الثقافية ب�سبب �ضعف الطلب عليها‬ ‫من جانب القراء‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل ما تعانيه من‬ ‫معوقات اقت�صادية حتول دون ا�ستمرارها يف‬ ‫ال�صدور‪ .‬وي�شري العديد من التقارير �إىل «�أن‬ ‫املنابر ال�صحفية املتخ�ص�صة يف ال�ش�أن الثقايف‬ ‫باملغرب قليلة �إىل ح ّد الندرة‪ ،‬و�أغلب املجالت‬ ‫واجلرائد الثقافية التي حاولت اال�ستمرارية‬ ‫�ضاقت بها �سبل الوجود‪ ،‬فبع�ضها توقف بعد‬ ‫جدول رقم ‪20‬‬

‫يو�ضح املو�ضوعات التي توزعت عليها مواد اخلطاب‬ ‫الثقايف بال�صحيفة الثقافية‬ ‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫املو�ضوعات‬ ‫�شعر‬

‫‪18‬‬

‫‪47.4‬‬

‫ق�صة ق�صرية‬

‫‪11‬‬

‫‪28.9‬‬

‫م�رسح‬

‫‪4‬‬

‫‪10.5‬‬

‫رواية‬

‫‪3‬‬

‫‪7.9‬‬

‫�سينما‬

‫‪2‬‬

‫‪5.3‬‬

‫املجموع‬

‫‪38‬‬

‫‪100‬‬

‫�صدوره ب�أعداد قليلة‪ ،‬و�أخرى عانت من ك�ساد‬ ‫التوزيع وحمدودية القراءة‪� ،‬أما البع�ض القليل‬ ‫الآخر من هذه املنابر في�سعى ببطء �إىل العي�ش‬ ‫مدة �أطول اعتماداً على ت�ضحيات طاقمها‬ ‫الذي ي�شتغل يف �أجواء من الت�ضحية والن�ضال‬ ‫(‪.)3‬‬ ‫الثقايف»‬ ‫و�أمام م�شكلة الندرة‪ ،‬وعدم االنتظام‪،‬‬ ‫من جانب الإ�صدارات الثقافية يف املغرب‬ ‫مت اختيار ال�صحيفة الثقافية التابعة ملجلة‬ ‫فواني�س املغربية كم�ساحة للتحليل واخلروج‬ ‫بعدد من امل�ؤ�رشات حول �أبرز معامل اخلطاب‬ ‫الذي تقدمه ال�صحافة الثقافية يف املغرب‪.‬‬

‫خريطة مو�ضوعات اخلطاب الثقايف‬ ‫بال�صحيفة الثقافية‬

‫تعتني ال�صحيفة الثقافية بال�ش�أن الأدبي‬ ‫والفني ب�أبعاده املختلفة ب�صورة تفوق‬ ‫اهتمامها بطرح ومعاجلة ق�ضايا فكرية �أو‬ ‫علمية �أو دينية حم ّددة‪ ،‬وذلك خالف ًا ملجموعة‬ ‫املجالت الثقافية العربية التي مت حتليلها يف‬ ‫ما �سبق‪ .‬ويو�ضح اجلدول التايل خريطة توزيع‬ ‫املو�ضوعات املت�ضمنة يف اخلطاب الثقايف‬ ‫املت�ضمن يف هذه املجلة‪( :‬جدول رقم ‪)20‬‬ ‫يالحظ من اجلدول ال�سابق �أن جملة‬ ‫فواني�س تهتم بق�ضايا الأدب (�شعر – ق�صة‬ ‫– رواية) بن�سبة كبرية‪ ،‬مما يعطي م�ؤ�رشاً حول‬ ‫نظرتها �إىل الثقافة ك�أدب‪ ،‬وتركز ال�صحيفة بعد‬ ‫ذلك بن�سب حمدودة على كل من ق�ضايا ال�سينما‬ ‫وامل�رسح التمثيلي‪ ،‬كم�ساحات فنية يحاول‬ ‫اخلطاب �أن يعتني بها �إىل جوار امل�ساحات‬ ‫الأدبية‪.‬‬ ‫يف �ضوء ذلك ميكن القول �إن ال�صحيفة‬ ‫الثقافية تركّز ب�صورة �أ�سا�سية على قطاعني‬ ‫�أ�سا�سيني من قطاعات الثقافة هما قطاعا‬ ‫الأدب والفن‪ ،‬و�إن اهتمام اخلطاب الثقايف‬ ‫بالقطاع الأول يفوق بكثري اهتمامه بالقطاع‬ ‫الثاين‪ .‬ويو�ضح ال�شكل التايل التباين يف اهتمام‬ ‫املجلة بهذين القطاعني‪�( :‬شكل رقم ‪)10‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية ‪269‬‬

‫االنتماء املكاين للقوى الفاعلة املنتجة‬ ‫للخطاب بال�صحيفة الثقافية‬

‫الفنون ال�صحفية امل�ستخدمة يف تقدمي‬ ‫اخلطاب يف ال�صحيفة الثقافية‬

‫خالف ًا للعديد من املجالت الثقافية‬

‫‪35‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪5‬‬

‫قطاع الفن‬ ‫جدول رقم ‪21‬‬

‫قطاع الأدب‬

‫‪0‬‬

‫يو�ضح االنتماء املكاين للقوى الفاعلة املنتجة‬ ‫للخطاب بال�صحيفة الثقافية‬ ‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫القطر‬ ‫املغرب‬

‫‪24‬‬

‫‪63.2‬‬

‫م�رص‬

‫‪3‬‬

‫‪7.9‬‬

‫فل�سطني‬

‫‪2‬‬

‫‪5.2‬‬

‫ال�سعودية‬

‫‪2‬‬

‫‪5.2‬‬

‫اجلزائر‬

‫‪2‬‬

‫‪5.2‬‬

‫العراق‬

‫‪2‬‬

‫‪5.2‬‬

‫ليبيا‬

‫‪1‬‬

‫‪2.6‬‬

‫الكويت‬

‫‪1‬‬

‫‪2.6‬‬

‫الإمارات‬

‫‪1‬‬

‫‪2.6‬‬

‫املجموع‬

‫‪38‬‬

‫‪100‬‬

‫�شكل رقم (‪)11‬‬ ‫يو�ضح ن�سب ا�سهام الكتّاب العرب املنتمني اىل قطاعات جغرافية خمتلفة يف‬ ‫انتاج اخلطاب الثقايف بال�صحيفة الثقافية‬ ‫املغرب‬ ‫�شمال �إفريقيا‬ ‫اخلليج العربي‬ ‫فل�سطني‬ ‫العراق‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإعالم‬

‫تن ّوعت الأقطار التي ينتمي �إليها منتجو‬ ‫اخلطاب الثقايف بال�صحيفة الثقافية املغربية‪،‬‬ ‫وعلى الرغم من �أن الن�سبة الأكرب منهم انتمت‬ ‫�إىل دولة املغرب‪� ،‬إال �أن ذلك مل مينع وجود‬ ‫روافد ب�رشية قطرية �أخرى �أ�سهمت يف �إنتاج‬ ‫اخلطاب‪ ،‬وقد تركزت هذه الروافد جميعها يف‬ ‫الإطار العربي‪ ،‬ومل تلج�أ املجلة – على عك�س‬ ‫جمالت عربية �أخرى – �إىل اال�ستعانة بك ّتاب‬ ‫�أجانب‪� ،‬أو ك ّتاب عرب يعي�شون يف الغرب – �إال‬ ‫يف حدود �ضيقة للغاية ‪ -‬يف �إنتاج اخلطاب‬ ‫املت�ضمن يف مادتها ال�صحفية‪ .‬ويو�ضح‬ ‫اجلدول التايل ذلك‪( :‬جدول رقم ‪)21‬‬ ‫يالحظ من اجلدول ال�سابق حالة التمركز‬ ‫حول القطر (املغرب) يف �إنتاج اخلطاب‪ ،‬كما‬ ‫�سبق و�أ�رشنا‪ ،‬و�أن هناك اهتمام ًا بعد ذلك‬ ‫با�ستح�ضار املنتجني الثقافيني املنتمني �إىل‬ ‫دائرة �شمال �أفريقيا (م�رص واجلزائر وليبيا)‪،‬‬ ‫ثم املنتجني الثقافيني املنتمني �إىل عدد من‬ ‫دول اخلليج (ال�سعودية والكويت والإمارات)‪،‬‬ ‫ثم املنتجني املنتمني �إىل كل من فل�سطني‬ ‫والعراق‪ .‬ويو�ضح ال�شكل التايل حجم �إ�سهام‬ ‫ك ّل قطاع جغرايف من هذه القطاعات يف‬ ‫�إنتاج اخلطاب الثقايف بال�صحيفة الثقافية‪:‬‬ ‫(�شكل رقم ‪)11‬‬ ‫وقد غلب الطابع الذكوري على منتجي‬ ‫اخلطاب داخل ال�صحيفة الثقافية (‪ 31‬كاتب)‪،‬‬ ‫يف مقابل (‪ 7‬كاتبات �إناث)‪ ،‬لكن ذلك ال‬ ‫مينع �أن املجلة – مقارنة باملجالت الثقافية‬ ‫الأخرى – حاولت التخفيف من ح ّدة غلبة‬ ‫الطابع الذكوري على �إنتاج اخلطاب الثقايف‪،‬‬ ‫�إذ كانت ن�سبة الكاتبات الإناث �إىل الذكور‬ ‫(‪ ،)18.5‬وهي ن�سبة مرتفعة قيا�س ًا �إىل الو�ضع‬ ‫يف املجالت الأخرى‪.‬‬

‫�شكل رقم (‪)10‬‬ ‫بقطاعي الأدب والفن‬ ‫يو�ضح معدالت اهتمام اخلطاب الثقايف بال�صحيفة الثقافية‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 270‬للتنمية الثقافية‬ ‫جدول رقم ‪22‬‬

‫يو�ضح الفنون ال�صحفية التي اعتمد عليها خطاب‬ ‫ال�صحيفة الثقافية‬ ‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫الفن ال�صحفي‬ ‫�أعمال �إبداعية‬

‫‪20‬‬

‫‪52.6‬‬

‫خرب‬

‫‪8‬‬

‫‪21.1‬‬

‫مقال نق ّدي‬

‫‪7‬‬

‫‪18.4‬‬

‫حوار‬

‫‪3‬‬

‫‪7.9‬‬

‫املجموع‬

‫‪38‬‬

‫‪100‬‬

‫�شكل رقم (‪)12‬‬ ‫يو�ضح ن�سبة املواد الإبداعية اىل املواد ال�صحفية بخطاب ال�صحيفة الثقافية‬

‫مواد ابداعية‬ ‫مواد �صحفية‬

‫جدول رقم ‪23‬‬

‫القيم املت�ضمنة يف اخلطاب الثقايف يف‬ ‫ال�صحيفة الثقافية‬

‫يو�ضح القيم املت�ضمنة باخلطاب الثقايف يف‬ ‫ال�صحيفة الثقافية‬ ‫القيمة‬

‫الإبداع‬ ‫االنتماء‬ ‫ال�شهرة‬ ‫املادية‬ ‫احلداثة‬ ‫ال يوجد‬ ‫املجموع‬

‫الأخرى اهتمت ال�صحيفة الثقافية بتوظيف‬ ‫بع�ض الفنون ال�صحفية املتنوعة‪ ،‬من �أبرزها‬ ‫فن اخلرب ال�صحفي‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل املقاالت‬ ‫النقدية ال�رصيحة‪ ،‬واحلوارات ال�صحفية‪ .‬وكانت‬ ‫ال�صحيفة الثقافية �أي�ض ًا �أكرث اهتمام ًا من‬ ‫غريها من املجالت ب�إفراد م�ساحات مت�سعة‬ ‫لن�رش الإبداعات الأدبية‪ .‬ويو�ضح اجلدول التايل‬ ‫ذلك‪ ( :‬جدول رقم ‪)22‬‬ ‫يالحظ من اجلدول ال�سابق �أن ال�صحيفة‬ ‫الثقافية تهتم ب�أن تكون نافذة لن�رش الإبداع‬ ‫�أكرث من اهتمامها بن�رش املواد ال�صحفية التي‬ ‫ت�صب املواد‬ ‫تعالج ق�ضايا مع ّينة‪ ،‬بل وغالب ًا ما ّ‬ ‫ال�صحفية يف �إطار تقدمي الأعمال الإبداعية‬ ‫�أو التنويه بها �أو نقدها‪ .‬وتختلف ال�صحيفة‬ ‫الثقافية عن جممل املجالت الثقافية العربية‬ ‫التي تهتم ب�صورة حمدودة بنـ�رش الأعمال‬ ‫الإبداعية �سواء يف ال�شعر �أم الرواية �أم الق�صة‬ ‫الق�صرية‪ .‬ويو�ضح ال�شكل التايل حجم الأعمال‬ ‫الإبداعية قيا�س ًا �إىل املواد ال�صحفية املت�ضمنة‬ ‫يف خطاب ال�صحيفة الثقافية‪�( :‬شكل رقم ‪)12‬‬

‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫‪10‬‬

‫‪26.3‬‬

‫‪3‬‬

‫‪7.9‬‬

‫‪3‬‬

‫‪7.9‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2.6‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2.6‬‬

‫‪20‬‬

‫‪52.6‬‬

‫‪38‬‬

‫‪100‬‬

‫�أثبت التحليل الكمي للقيم املت�ضمنة‬ ‫باخلطاب الثقايف يف ال�صحيفة الثقافية �أن‬ ‫ن�سبة كبرية من املواد ال�صحفية ال تتحقق بها‬ ‫قيمة وا�ضحة ي�شري �إليها اخلطاب �أو ي�ؤكدها‬ ‫يف معر�ض معاجلته للمو�ضوعات التي‬ ‫يت�صدى لها‪� ،‬سواء كانت مو�ضوعات �إبداعية‪،‬‬ ‫�أم مو�ضوعات �صحفية‪ .‬ويف ما عدا ذلك برزت‬ ‫�أنواع خمتلفة من القيم داخل اخلطاب ال�صحفي‪،‬‬ ‫يو�ضحها اجلدول التايل‪ ( :‬جدول رقم ‪)23‬‬ ‫ي ّت�ضح من اجلدول ال�سابق �أن قيمة الإبداع‬ ‫مبدلولها الفني والأدبي كانت الأكرث ح�ضوراً‬ ‫داخل اخلطاب‪ ،‬يليها يف ذلك قيمة االنتماء‪،‬‬ ‫�سواء مبدلول االنتماء �إىل املكان‪� ،‬أم االنتماء‬ ‫�إلـى زمن معني‪� ،‬أم حتى االنتماء �إىل الرتاث يف‬ ‫بع�ض املوا�ضع‪ .‬وبرزت بعد ذلك قيمة ال�شهرة‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا يف �إطار املعاجلات الفنية التي عني‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية ‪271‬‬

‫أعمال لكبار‬ ‫بها اخلطاب واهت ّم فيها بتحليل � ٍ‬ ‫النجوم ال�سينمائيني وامل�رسحيني العرب‪.‬‬ ‫وبن�سب حمدودة للغاية ظهر بع�ض القيم‬ ‫الأخرى داخل اخلطاب‪ ،‬مثل قيمة املادية‪،‬‬ ‫وتب ّنى اخلطاب اجتاه ًا �سلبي ًا نحوها‪ ،‬وقيمة‬ ‫احلداثة وقد ارتبطت بطرح مو�ضوع البالغة‬ ‫الإلكرتونية اجلديدة التي �أفرزتها تكنولوجيا‬ ‫االت�صال عرب �شبكة الإنرتنت‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬الق�ضايا الإ�شكالية املركزية داخل‬ ‫خطاب املجالت الثقافية العربية‬

‫ق�ضية العالقة بالآخر‬

‫اختلفت �صورة الآخر داخل اخلطاب‬ ‫الثقايف باملجالت الثقافية‪ ،‬ففي �أحيان كان‬ ‫الآخر ي�أخذ مدلو ًال �سيا�سي ًا‪ ،‬ويف �أحيان كان‬ ‫ي�أخذ مدلو ًال ديني ًا‪ .‬و�سنتناول يف ما يلي �أبعاد‬ ‫طرح اخلطاب للآخر على هذين امل�ستويني‪:‬‬ ‫ال�سيا�سي والديني‪.‬‬

‫العالقة بالآخر ال�سيا�سي‬

‫يو�ضح حتليل الأطروحات املتعلقة بق�ضية‬ ‫«العالقة بالآخر» �إىل �أن هذا الآخر كان ي�شري‪،‬‬

‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫الق�ضية‬ ‫ق�ضية العالقة بالآخر‬

‫‪11‬‬

‫‪19‬‬

‫الق�ضية الفل�سطينية‬

‫‪9‬‬

‫‪15.5‬‬

‫ق�ضية عالقة املثقف بال�سلطة ال�سيا�سية‬

‫‪9‬‬

‫‪15.5‬‬

‫ق�ضية الطائفية‬

‫‪8‬‬

‫‪13.8‬‬

‫ق�ضية التفاعل بني الثقافة والدين‬

‫‪6‬‬

‫‪10.3‬‬

‫ق�ضية العالقة بني املال والثقافة‬

‫‪5‬‬

‫‪8.6‬‬

‫ق�ضية امل�ساواة بني الرجل واملر�أة‬

‫‪5‬‬

‫‪8.6‬‬

‫ق�ضية العالقة بني الرتاث واملعا�رصة‬

‫‪3‬‬

‫‪5.2‬‬

‫ق�ضية العالقة بني اللغة والثقافة‬

‫‪2‬‬

‫‪3.4‬‬

‫املجموع‬

‫‪58‬‬

‫‪100‬‬

‫يف �أحيان‪� ،‬إىل «الأمريكي» امل�سيطر �أو املتقدم‬ ‫�أو املحت ّل للأر�ض العربية‪ ،‬ويف �أحيان كان‬ ‫الآخر هو «الإ�رسائيلي» املحتل القاتل‪ ،‬ويف‬ ‫�أحيان كان الآخر هو «الأوروبي»‪.‬‬ ‫وقد ق ّدمت موا�ضع عدة من اخلطاب الآخر‬ ‫الغربي جمل ًال بالتبجيل واالحرتام‪ ،‬وخ�صو�ص ًا‬ ‫يف ما يتعلق بتقديره لقيمة العلم والعلماء‪،‬‬ ‫وقد برزت هذه القيمة يف �سياق �أطروحة ميكن‬ ‫و�صفها بـ «�أطروحة جلد الذات» من خالل دمغ‬ ‫الواقع العربي بتغييب دور العلم والعلماء‪،‬‬ ‫وذلك على النقي�ض مما يحدث يف املجتمعات‬ ‫الغربية املتقدمة‪ .‬ومن النماذج على ذلك‬ ‫املقال الذي كتبه ن�سيم جملى حول �شخ�صية‬ ‫حتتف‬ ‫فوزي �إ�سطفانو�س وكيف �أن م�رص مل‬ ‫ِ‬ ‫به و�أ�شار فيه �إىل �إهمال امل�س�ؤولني له‪ ،‬و�أ ّكّد‬ ‫على �أنهم «مل يذكروه �أبداً �ضمن تر�شيحاتهم‬ ‫لأي جائزة من جوائز الدولة للعلوم حتى من‬ ‫باب االعرتاف باجلميل �أو الت�شجيع للآخرين‬ ‫من املغرتبني‪ .‬وعموم ًا ف�إن الرجل قد حظى‬ ‫بالتقدير املادي والأدبي ممن يعرفون قيمة‬ ‫العلم والعلماء يف �أمريكا و�أوربا (‪.)4‬‬

‫يبدو خطاب العالقة بالآخر‬ ‫“الـغـربـي” مــجـلـ ًال بـالـتـبـجــيـل‬ ‫واالحرتام‪ ،‬وخ�صو�ص ًا يف ما يتعلق‬ ‫بتقديره لقيمة العلم والعلماء‪ ،‬وقـد‬ ‫برزت هذه القيمة يف �سياق �أطروحة‬ ‫ميكن و�صفها بـ «�أطروحة جلد‬ ‫الذات» من خالل دمغ الواقع العربي‬ ‫بتغييب دور العلم والعلماء‪.،‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإعالم‬

‫ان�شغل اخلطاب الثقايف داخل املجالت‬ ‫الأربع التي مت حتليلها مبجموعة من الق�ضايا‬ ‫الأ�سا�سية التي اهت ّم بها �أكرث من غريها‪،‬‬ ‫وق ّدم يف �سياقها جمموعة من الأطروحات‬ ‫التي تعك�س ر�ؤية العقل الثقايف العربي لها‬ ‫واجتاهات طرحه ومعاجلته لأبعادها‪ .‬ويح ّدد‬ ‫اجلدول التايل هذه الق�ضايا وعدد الأطروحات‬ ‫التي ارتبطت بكل منها‪ ،‬وعك�ست درجة‬ ‫�أهميتها �أو �أولويتها بالن�سبة ملنتجي اخلطاب‬ ‫الثقايف داخل املجالت الثقافية العربية‪:‬‬ ‫(جدول رقم ‪)24‬‬ ‫و�سنق ّدم يف ما يلي حتلي ًال للأطروحات‬ ‫التي قدمها اخلطاب يف ما يتعلق بكل ق�ضية‬ ‫من هذه الق�ضايا‪ ،‬واال�ستخال�صات الأ�سا�سية‬ ‫التي ميكن اخلروج بها لتو�صيف اجتاهات‬ ‫معاجلته لكل منها‪.‬‬

‫جدول رقم ‪24‬‬

‫يو�ضح الق�ضايا املحورية التي ان�شغل بها اخلطاب‬ ‫داخل املجالت الثقافية العربية‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 272‬للتنمية الثقافية‬

‫يـ�أخـذ الـخــطـاب الثقايف –‬ ‫�أحياناً‪ -‬منحى ناقداً للآخر الغربي‪،‬‬ ‫وخ�صو�ص ًا الأمريكي‪ ،‬منطلق ًا من‬ ‫�أطروحة «�سيطرة املادية على‬ ‫التنوع‬ ‫احلياة يف الغرب»‪ ،‬ومن �أن ّ‬ ‫ال�سيا�سي �أو العرقي يف الغرب‬ ‫يعك�س يف جوهره حالة اقت�صادية‬ ‫تعتمد على الطبق ّية ال�شديدة‪.‬‬

‫ويف املقابل من ذلك كان اخلطاب ي�أخذ‬ ‫– �أحيان ًا ‪ -‬منحى ناقداً للآخر الغربي‪،‬‬ ‫وخ�صو�ص ًا الأمريكي‪ ،‬منطلق ًا من �أطروحة‬ ‫«�سيطرة املادية على احلياة يف الغرب»‪،‬‬ ‫ومن �أن التن ّوع ال�سيا�سي �أو العرقي يف الغرب‬ ‫يعك�س يف جوهره حالة اقت�صادية تعتمد على‬ ‫الطبق ّية ال�شديدة‪ .‬وقد برز هذا الطرح يف املقال‬ ‫الذي ق ّدمه �أحد ك ّتاب جملة الهالل و�أ�شار فيه‬ ‫�إىل �أن اخلالفات ال�سيا�سية بني اجلمهوريني‬ ‫والدميقراطيني هي خالفات وهمية يف الأ�سا�س‬ ‫و�أن الفريقني «ال يختلفان يف مغازلة الفئات‬ ‫القادرة على التمويل‪ ،‬والتــي ال تقلقها املطالبة‬ ‫بحقوق الأقليات املغبونة» بل �إنها تتطوع‬ ‫مبنحها ما تطالب به‪ ،‬طاملا �أغفل الإن�صاف‬ ‫توزيع الرثوة‪ ،‬ف�إن هذه الفئات التي ت�سميها‬ ‫اخت�صاراً باليمني هي يف كل املجتمعات ويف‬ ‫كل الع�صور �سباقة �إىل ما ي�س ّمى بـ (الإح�سان‬ ‫الوقائي)(‪.)5‬‬ ‫وداخل اخلطاب الثقايف يف جملة‬ ‫الآداب البريوتية كان الآخر اال�ستعماري �أو‬ ‫اال�ست�رشاقي حا�رضاً �أي�ض ًا‪ ،‬و�إن مت ّيز اخلطاب‬ ‫هنا بطرح مو�ضوع ال�رصاع مع الآخر من‬ ‫املنظور الثقايف ب�صورة �أ�سا�سية‪� ،‬سواء كان‬ ‫هذا الآخر هو الغربي ال�رصيح‪� ،‬أم من املدافعني‬ ‫عنه ومن حاملي �أفكاره يف الأو�ساط العربية‪.‬‬ ‫ويوجه اخلطاب نقده ملن يطلق عليهم‬ ‫ّ‬ ‫«اال�ست�رشاقيني اجلدد» وي�شري �إىل �أن «بع�ض‬ ‫الليرباليني يف العامل العربي يحلو لهم نعت‬ ‫كل متحدث عن جتدد امل�رشوع اال�ستعماري‬ ‫بالراديكالية �أو الرجعية �أو ا�ستخدام لغة‬ ‫بائدة‪ ،‬وال نعلم �إن كان ه�ؤالء يدرون �أن العامل‬ ‫الليربايل الذي يدعون االنتماء �إليه يزخر‬ ‫– هو نف�سه – ب�إرث �ضخم ومتنام منذ انتهاء‬ ‫احلرب الباردة ي�ؤكد جت ّدد الفكر اال�ست�رشاقي‬ ‫ً (‪.)6‬‬ ‫واال�ستعماري وتطبيقه عمليا»‬ ‫ويح ّدد اخلطاب ال�رصاع مع الآخر الغربي‬ ‫يف �إطار معادلة القوة واملعرفة‪ ،‬فالآخر‬ ‫ي�ص ّور ا�ستعماره ك�رضورة �أخالقية ناجتة عن‬ ‫احتكاره للمعرفة والقوة‪« .‬ف�إذا كان تدخل‬

‫القوى الكربى يف �رصاعات حملية حتت غطاء‬ ‫دويل لي�س بجديد‪ ،‬ف�إن الالفت للنظر هو الداللة‬ ‫الأخالقية التي تربره‪ ،‬فحق التدخل عرب قرار‬ ‫من جمل�س الأمن �أ�صبح م�س�ؤولية‪ ،‬باخت�صار‬ ‫لقد حتول عبء الرجل الأبي�ض �إىل واجب‬ ‫املجتمع الدويل»(‪.)7‬‬ ‫وحذّر اخلطاب الثقايف بال�صحيفة‬ ‫الثقافية املغربية من خطورة اال�ست�سالم لغزو‬ ‫الآخر للذات يف ع�رص العوملة‪ ،‬و�رضورة تفعيل‬ ‫الأدوات الثقافية العربية يف مواجهة هذا الغزو‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا امل�رسح‪ .‬وي�ؤكّد يف هذا ال�سياق على‬ ‫�رضورة التن ّبه �إىل «العوملة وت�أثرياتها ال�سلبية‪،‬‬ ‫عندما تبدو كقوة غزو معادية‪ .‬فوظيفة امل�رسح‬ ‫هنا هي البحث عن عامل عادل جتتمع كل‬ ‫الآمال والأحالم فيه»(‪.)8‬‬ ‫ون�ستطيع �أن ن�ستخل�ص من حتليل اخلطاب‬ ‫الذي ي�ستح�رض الذات يف مواجهة الآخر الغربي‬ ‫داخل املجالت الثقافية جمموعة النتائج‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫• يت ّم ا�ستح�ضار الآخر ب�صورة م�ستمرة يف‬ ‫مواجهة الذات‪� ،‬سواء ا ّتخذ اخلطاب منحى‬ ‫احتفائي ًا بالآخر مقابل ت�سفيه الذات‪� ،‬أم ا ّتخذ‬ ‫من ت�صدير الأو�ضاع والأفكار ال�سائدة لدى‬ ‫الآخر �إىل الذات ذريعة للهجوم عليه‪.‬‬ ‫• يعتمد هذا اخلطاب على �آلية �إ�سقاطية‬ ‫وا�ضحة‪ ،‬خ�صو�ص ًا عندما يندفع �إىل تف�سري‬ ‫بع�ض الأو�ضاع ال�سائدة يف الواقع العربي‬ ‫(با�ستح�ضار فكرة امل�سكوت عنه فـي الن�ص)‬ ‫يف �ضوء ما هو �سائد لدى الآخر الغربي‪،‬‬ ‫وخ�صو�ص ًا الأمريكي‪.‬‬ ‫وظهر يف بع�ض موا�ضع من اخلطاب الآخر‬ ‫«الآ�سيوي»‪ ،‬ولكن ب�صورة حمدودة للغاية‪ ،‬على‬ ‫الرغم من �أنه الأقرب جغرافي ًا وح�ضاري ًا �إىل‬ ‫البيئة العربية‪ .‬وقد ا�ستوقف هذا الأمر �أحد ك ّتاب‬ ‫جملة الهالل يف معر�ض حديثه عن حما�رضة‬ ‫للكاتب الهندي �أميتاب جو�ش �أ�شار فيها �إىل‬ ‫جتربته يف زيارة �إحدى القرى امل�رصية «وكيف‬ ‫�أن �أهلها كانوا ينهرون َمن ي�رضب �أي ًا من‬ ‫الأبقار احرتام ًا مل�شاعره باعتبار البقرة مقد�سة‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية ‪273‬‬

‫يف الهند‪ .‬فقد �أف�ضت تلك التجربة – كما يقول‬ ‫كاتب املو�ضوع – �إىل تفاعل ثقايف عميق بني‬ ‫الأنا والآخر يف وحدات الإنتاج الزراعي يف‬ ‫م�رص‪ ،‬ولكنه لي�س مع �أي �آخر‪ ،‬و�إمنا مع �آخر من‬ ‫نوع طاملا افتقدناه يف الع�صور احلديثة التي‬ ‫غ�شاها االهتمام الكثيف بثقافات امل�ستعمرين‬ ‫الغرب ّيني‪ ،‬و�إمنا هــو الآخر يف بلد مقارب لنا‬ ‫اقت�صادي ًا من بالد اجلنوب» (‪.)9‬‬

‫العالقة بالآخر الديني‬

‫الإعالم‬

‫من املالحظات الأ�سا�سية التي يك�شف‬ ‫عنها حتليل خطاب املجالت الثقافية العربية‬ ‫�أن ظهور الآخر يف منحى �أو �صورة «دينية»‬ ‫كان يرتبط – با�ستمرار ‪ -‬بالت�أكيد على‬ ‫قيمة الت�سامح‪ ،‬و�رضورة التعاطي والتفاعل‬ ‫معه‪ ،‬مع ربط هذا الأمر بجذور فكرية �أ�سا�سية‬ ‫متتد بج�سورها �إىل الرتاث العربي والإ�سالمي‪.‬‬ ‫وقد ظهر العديد من النماذج على هذا الطرح‬ ‫على �أقالم ك ّتاب جملة الهالل امل�رصية منها‬ ‫– على �سبيل املثال ‪ -‬ما �أ�شار �إليه �أحد ك ّتاب‬ ‫املجلة حني �أكّد على �أن ابن ر�شد حقّق �أعظم‬ ‫الإجنازات يف تطوير الفكر اليهودي وتنوير‬ ‫الفكر امل�سيحي‪ ،‬حيث �ساد الت�سامح الديني‬ ‫من ثنايا احلوار الإ�سالمي اليهودي العقالين‬ ‫الذي ا�ستهدف تطهري املعتقدات من الأ�ساطري‬ ‫واخلرافات‪ ،‬م�ستنداً يف هذا ال�صدد �إىل املنهج‬ ‫املو�ضوعي يف النقد و�إيجاد حماوالت توفيقية‬ ‫بني العلم والإميان‪ ،‬واحلكمة وال�رشائع مبا يدعو‬ ‫�إىل االنبهار بفل�سفة هذا العامل اجلليل»(‪.)10‬‬ ‫ومن النماذج على ذلك �أي�ض ًا ما �أ�شار �إليه‬ ‫�أحد ك ّتاب الهالل يف معر�ض حديثه عن دور‬ ‫حنني بن ا�سحق يف بعث النه�ضة العربية‪ ،‬فقد‬ ‫�أكد على فكرة حوار احل�ضارات – بغ�ض النظر‬ ‫عن الأديان – وهو يتحدث عن حركة الرتجمة‬ ‫العربية يف الع�رص العبا�سي «الذي �شهد �أول‬ ‫و�أعظم حــركة ثقافية جت�سدت فيها فكرة‬ ‫حوار الثقافات‪ ،‬لي�س فقط لأن الرتجمة �شملت‬ ‫نقل الرتاث الإغريقي والفار�سي والهندي‪� ،‬أي‬ ‫التعامل مع ثقافات وثنية وعقالنية خمتلفة‪،‬‬

‫بل لأن هذه احلركة اعتمدت �أ�سا�س ًا على‬ ‫مرتجمني وعلماء م�سيحيني ويهود و�صابئة‬ ‫ج�سدت فكرة احلوار‬ ‫ومن ك ّل الأجنا�س‪ ،‬وبهذا ّ‬ ‫�شك ًال وم�ضمون ًا بني العرب امل�سلمني وغريهم‬ ‫من ال�شعوب واجلماعات العرقية والدينية» (‪.)11‬‬ ‫ويحمل هذا اخلطاب �إ�شارات متنوعة‬ ‫ت�ستهدف الت�أكيد على ما يلي‪:‬‬ ‫• احلوار ما بني الأديان‪ ،‬وتكري�س الإ�سالم‬ ‫لهذه الفكرة عرب تاريخه‪ ،‬و�إن ا�ستخدم احلوار‬ ‫م�صطلحي الأديان والثقافات ب�شكل مرتادف‪.‬‬ ‫• الف�صل بني الدين والعلم‪ ،‬على �أ�سا�س �أن‬ ‫العلم ال دين له وال وطن‪ ،‬و�أن امل�سلمني‬ ‫الأوائل ا�ستقوه من �أي وعاء خرج‪.‬‬ ‫• �أن النه�ضة العلمية العربية جاءت كحلقة‬ ‫من حلقات التطور العلمي على امل�ستوى‬ ‫الإن�ساين‪ ،‬وا�ستفادت ب�شكل �إيجابي من‬ ‫احللقات الأخرى التي �سبقتها وارتبطت‬ ‫ب�أ�صحاب عقائد وح�ضارات �أخرى‪ .‬بل وقد‬ ‫بلغ ال�شطط باخلطاب – يف بع�ض الأحيان‬ ‫– الو�صول �إىل مراحل تنحو جتاه نفي �أي قيمة‬ ‫للعطاء العلمي التاريخي للح�ضارة الإ�سالمية‪،‬‬ ‫وتف�سري ذلك يف �إطار عمليات الغزو التي قام‬ ‫بها امل�سلمون �ضد ال�شعوب الأخرى للعي�ش على‬ ‫مرياثهم احل�ضاري‪.‬‬ ‫وقد ظهر هذا الأمر يف خطاب جملة العربي‬ ‫يف احلوار الذي �أجرته مع ال�شاعرة البحرينية‬ ‫حمدة خمي�س‪ ،‬والني �أكدت يف �سياق حديثها‬ ‫عن الرتجمة ك�آلية لنقل الأفكار العلمية بني‬ ‫ال�شعوب «�إن ال�شعوب تناقلت ح�ضاراتها عرب‬ ‫الرتجمة منذ �أزمنة بعيدة‪ ،‬ودليلها ح�ضارتنا‬ ‫التي ن�سميها عربية و�إ�سالمية‪ .‬ففي قراءة‬ ‫تاريخ هذه احل�ضارة �سرنى �أنها مزج بني‬ ‫ح�ضارة بدوية منعزلة وح�ضارات تعددت‬ ‫جهاتها واقتحمت ق�رسا مبا ي�سمى �إىل اليوم بـ‬ ‫(الفتوحات)‪ .‬ودقة هذا القول جنده يف �أ�سماء‬ ‫النوابغ يف العلم والفل�سفة والأدب التي حتتويها‬ ‫مدوناتنا الرتاثية» (‪.)12‬‬ ‫• يعتمد هذا اخلطاب ‪ -‬يف املجمل – على‬ ‫القراءة العلمية للواقع االجتماعي‪ ،‬بل ولبع�ض‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 274‬للتنمية الثقافية‬

‫مل يفت اخلطاب الثقايف �أن‬ ‫ي�ؤكد على فكرة �أن الإ�سالم عقيدة‬ ‫ترتكز على فكرة قبول الآخر‪،‬‬ ‫وقد جتلى ذلك يف ا�ستعرا�ض‬ ‫اخلطاب لتاريخ حلب املدينة التي‬ ‫ا�ستطاعت «�أن ُتظهر دور الإ�سالم‬ ‫يف �إعطائها هويتها النهائية يف‬ ‫ردائها الف�ضفا�ض املرن الوا�سع‪،‬‬ ‫فهي وبعد مرور ‪ 15‬قرن ًا على‬ ‫دخول امل�سلمني �إليها مازالت‬ ‫حتتفظ ب�أطياف وا�سعة من الأديان‬ ‫واملذاهب والطوائف‪.‬‬

‫الأفكار الدينية �أي�ض ًا‪ ،‬وهو يحاول با�ستمرار �أن‬ ‫يوجد لنف�سه غطا ًء مرجعي ًا من الرتاث الفكري‬ ‫والفل�سفي الإ�سالمي‪ .‬ومن النماذج على هذا‬ ‫الطرح املقال الذي كتبه الدكتور مراد وهبة يف‬ ‫جملة الهالل وناق�ش فيه مو�ضوع العالقة بني‬ ‫الروح واجل�سد‪� ،‬إذ اعتمد علـى تقدمي ر�ؤية علمية‬ ‫تف�رس هذه العالقة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل اال�ستناد �إىل‬ ‫بع�ض �آراء الفال�سفة امل�سلمني‪.‬‬ ‫ف�أ�شار �إىل �أن النف�س عند الفارابي تعني‬ ‫كمال اجل�سم‪� ،‬أما كمال النف�س فهو العقل‪.‬‬ ‫والعقل �أو النف�س يفارق البدن بعد املوت‪� ،‬أما‬ ‫ابن طفيل فريى �أن الفارابي متناق�ض يف‬ ‫ق�ضية بقاء النف�س‪ ،‬فقد �أثبت يف كتابه املعنون‬ ‫(املدينة الفا�ضلة) بقاء النفو�س ال�رشيرة‬ ‫بعد املوت يف �آالم ال نهايـة لها‪ ،‬ويف كتابه‬ ‫(ال�سيا�سة املدنية) يقول عن هذه النفو�س �إنها‬ ‫منحلة و�صائرة �إىل العدم‪ ،‬و�إنه ال بقاء �إال‬ ‫للنفو�س الكاملة» (‪.)13‬‬ ‫ومل يفت اخلطاب الثقايف يف جملة العربي‪،‬‬ ‫وهو يحتفي بـ «املكان» يف موا�ضع عديدة منه‬ ‫�أن ي�ؤكد على فكرة �أن الإ�سالم عقيدة ترتكز‬ ‫على فكرة قبول الآخر‪ ،‬وقد جتلى ذلك يف‬ ‫ا�ستعرا�ض اخلطاب لتاريخ حلب املدينة التي‬ ‫ا�ستطاعت «�أن ُتظهر دور الإ�سالم يف �إعطائها‬ ‫هويتها النهائية يف ردائها الف�ضفا�ض املرن‬ ‫الوا�سع‪ ،‬فهي وبعد مرور ‪ 15‬قرن ًا على دخول‬ ‫امل�سلمني �إليها مازالت حتتفظ ب�أطياف وا�سعة‬ ‫من الأديان واملذاهب والطوائف‪ .‬وهذا �أمر‬ ‫اعتربناه دلي ًال على �أن الإ�سالم يقبل بالآخر‬ ‫ويحاوره انطالق ًا من �أ�سا�س �أخالقي را�سخ‬ ‫يقول }ادع �إىل �سبيل ربك باحلكمة واملوعظة‬ ‫احل�سنة وجادلهم بالتي هي �أح�سن{ ومن‬ ‫منطلق }�إن �أكرمكم عند اهلل اتقاكم{» (‪.)14‬‬

‫الق�ضية الفل�سطينية‬

‫احتلت الق�ضية الفل�سطينية م�ساحة كبرية‬ ‫داخل اخلطاب الثقايف العربي تتماثل مع احليز‬ ‫الذي ت�شغله يف العقل العربي‪ ،‬لكن طريقة‬ ‫طرح هذه الق�ضية اختلفت من جملة ثقافية‬

‫�إىل �أخرى‪ .‬فقد ان�شغلت جملة العربي بتت ّبع‬ ‫جغرافية «املكان» وتاريخه من خالل احلديث‬ ‫عن تاريخ الق�ضية وو�صف املدن الفل�سطينية‬ ‫كحيفا ويافا وغريها‪ ،‬يف حني ان�شغلت جملة‬ ‫الآداب اللبنانية بالأبعاد ال�سيا�سية املت�صلة‬ ‫بهذه الق�ضية‪.‬‬ ‫وقد ظهر يف خطاب العربي املعني بطرح‬ ‫الأبعاد التاريخية لهذه الق�ضية ت�أكيد على‬ ‫منهجية امل�ؤامرة التي �صاحبت ن�ش�أة �إ�رسائيل‬ ‫واغت�صاب �أر�ض فل�سطني من �أهلها «فقد ن�ش�أت‬ ‫ال�صهيونية يف رحم �أوروبا اال�ستعمارية‪،‬‬ ‫وانف�صلت عنها كما ينف�صل الوليد عن �أمه‪،‬‬ ‫ولكن احلبل ال�رسي بقي مت�ص ًال‪ ،‬واليزال يقوى‬ ‫(‪.)15‬‬ ‫وينتفخ كل يوم»‬ ‫وعلى م�ستوى الذات كان الطرح الذي‬ ‫قدمته جملة العربي يتجه نحو الت�أكيد على‬ ‫حالة التخبط العربي يف التعامل مع الق�ضية‬ ‫فاخلطاب ي�صف ما حدث عام ‪ 1948‬على‬ ‫النحو التايل‪:‬‬ ‫قوات من املتط ّوعني‬ ‫«ح�رضت �إىل فل�سطني ٌ‬ ‫العرب وق ّوات نظامية من الأردن والعراق‬ ‫و�سورية ولبنان وعدد كل منها ال يتجاوز‬ ‫ب�ضعة �آالف‪� .‬أما القوات امل�رصية وهي �أكربها‬ ‫فبد�أت بثمانية �آالف وو�صلت �إىل ثالثني‬ ‫�ألفًا‪ .‬ومل يكن بني هذه القوات �أي تن�سيق‪ ،‬بل‬ ‫�إن بع�ضها ا�ستغل عرثات الآخر‪ .‬كانت هذه‬ ‫حالة م�أ�ساوية بكل املقايي�س‪� .‬أ�صحاب احلق‬ ‫التاريخي الوا�ضح ومن ورائهم ماليني العرب‬ ‫وامل�سلمني مل يتمكّنوا من املحافظة عليه‪.‬‬ ‫و�أ�صحاب امل�ؤامرة اال�ستعمارية اال�ستيطانية‬ ‫متكّنوا من اال�ستيالء على هذا احلق التاريخي‬ ‫يف واقعة لي�س لها مثيل يف التاريخ» (‪.)16‬‬ ‫وقد كان اخلطاب الثقايف مبجلة الآداب‬ ‫�شديد االهتمام بالق�ضية الفل�سطينية‪ ،‬حيث‬ ‫�أفردت املجلة العديد من امللفات واملو�ضوعات‬ ‫التي ت�ص ّدت لتحليلها‪ ،‬خ�صو�ص ًا من املنظور‬ ‫الثقايف‪ .‬وقد متركز اخلطاب يف هذا ال�سياق‬ ‫حول فكرة «املقاومة ال�سلمية لالحتالل» من‬ ‫خالل تفعيل �آلية «املقاطعة»‪.‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية ‪275‬‬

‫• الفر�ضية الثانية ت�ؤكد على املنظور الثقايف‬

‫�أطروحة املقاطعة الأكادميية‪ :‬وذلك �أ�سوة‬ ‫بتجربة مقاومة نظام الف�صل العن�رصي يف‬ ‫جنوب �أفريقيا‪ .‬ويق ّدم اخلطاب يف هذا ال�سياق‬ ‫مناذج عملية لهذه التجربة‪ ،‬مبا حدث عام‬ ‫‪ ،1980‬حني �أقرت جمعية �أ�ساتذة اجلامعات‪،‬‬ ‫وهي نقابة متثل الهيئة الأكادميية والإدارية‬ ‫العليا يف اجلامعات الربيطانية‪ ،‬قراراً بالغ‬ ‫الأهمية بالت�شديد على املعار�ضة الكاملة‬ ‫ل�سيا�سات الأبارتهايد والرقابة على العمل‬ ‫الأكادميي والكتب والأدب‪ ،‬و�إميانه ب�أن �أكرث‬ ‫الأعمال فعالية هو فر�ض مقاطعة �شاملة‬ ‫على �أي �شكل من �أ�شكال االت�صال باجلامعات‬ ‫اجلنوب �إفريقية والأكادمييني اجلنوب‬ ‫�إفريقيني(‪.)21‬‬

‫الإعالم‬

‫وقد اهتمت املجلة – يف هذا ال�سياق ‪-‬‬ ‫ب�أطروحة املقاطعة اهتمام ًا وا�ضح ًا‪ ،‬ترجمته‬ ‫يف تخ�صي�ص ملفني داخل عددين من �أعدادها‪،‬‬ ‫وملف فرعي يف عدد ثالث حول النا�شط‬ ‫الإيطايل �ستيفانو كياريني ملعاجلة اجلدل‬ ‫الدائر يف فل�سطني والبالد العربية‪ ،‬والواليات‬ ‫املتحدة الأمريكية‪ ،‬وبع�ض الدول الأوروبية‬ ‫والأفريقية حول نداء املجتمع املدين الفل�سطيني‬ ‫الذي ت�صاعد منذ عام ‪ 2005‬والذي يطالب‬ ‫العامل مبقاطعة �إ�رسائيل و�سحب اال�ستثمارات‬ ‫منها وفر�ض العقوبات عليها‪� ،‬أ�سوة مبا فعله‬ ‫املجتمع الدويل من �أجل هزمية نظام الف�صل‬ ‫العن�رصي الأبارتهايد يف جنوب �أفريقيا‪.‬‬ ‫وقد � ّأ�س�س اخلطاب لأطروحة املقاطعة‬ ‫بفر�ضيتني �أ�سا�سيتني‪:‬‬ ‫• الفر�ضية الأوىل تذهب �إىل �أهمية تقدمي‬ ‫الق�ضية الفل�سطينية لي�س بو�صفها م�س�ألة‬ ‫�سيا�سية فح�سب‪ ،‬بل بو�صفها ق�ضية �أخالقية‬ ‫وحترك �أحيان ًا‬ ‫حترك النا�س العاديني‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫�أي�ض ًا ّ‬ ‫(‪)17‬‬ ‫�أفراداً من النخب ال�سيا�سية نف�سها ‪.‬‬ ‫ومن النماذج العملية التي �أوردها اخلطاب‬ ‫على ا�ستثمار تعاطف بع�ض ال�سيا�سيني‬ ‫الغربيني منوذج الكاتب الإيطايل �ستيفانو‬ ‫كياريني �أحد املدافعني عن املواطن الفل�سطيني‬ ‫وما ُيرتكب �ض ّده من مذابح‪ ،‬خ�صو�ص ًا مذبحة‬ ‫خ�ص�صت املجلة يف �أحد‬ ‫�صربا و�شاتيال‪ .‬وقد ّ‬ ‫�أعدادها ملف ًا كام ًال حول �شخ�صية هذا النا�شط‬ ‫الإيطايل «الذي ربط حياته املهنية وال�سيا�سية‬ ‫بق�ضايا‬ ‫التحرر الإن�ساين‪ ،‬متخذاً من الق�ضية‬ ‫ّ‬ ‫(‪.)18‬‬ ‫الفل�سطينية عنوان ًا لها»‬ ‫وكان هناك تركيز – يف هذا ال�سياق‬ ‫ على �إبراز �شخ�صية �ستيفانو كتعبري عن‬‫اجتاهات الي�سار الأوربي (الي�سار اجلديد) نحو‬ ‫الق�ضية الفل�سطينية‪ ،‬واجتهاد ال�صحف التي‬ ‫�أ�صدرها هذا التيار – كما يعبرّ عنه �ستيفانو‬ ‫– يف الدفاع عن الق�ضية الفل�سطينية‪ ،‬ومن �أبرز‬ ‫هذه ال�صحف �صحيفة املانيف�ستو (‪.)19‬‬

‫لل�رصاع العربي الإ�رسائيلي‪ ،‬وبالتايل ف�إن‬ ‫«ف�ضح ممثلي الثقافة والقيم الإ�رسائيلية على‬ ‫حقيقتهم – �أي ف�ضح منظومة القيم اخلا�صة‬ ‫بعقيدة قمعية وكولونيالية – خطوة مهمة‬ ‫من �أجل ترجمة الدعم الإجمايل لفل�سطني يف‬ ‫املجتمعات الغربية �إىل �سيا�سات حكومية‬ ‫مغايرة يف امل�ستقبل (‪.)20‬‬ ‫وقد ق ّدم اخلطاب عدداً من الأطروحات‬ ‫الفرعية التي ميكن �أن تتجلى من خاللها‬ ‫الأطروحة الرئي�سية املتمثلة يف «املقاطعة»‪.‬‬ ‫ومن �أبرز هذه االطروحات‪:‬‬

‫�أطروحة املقاطعة االقت�صادية‪ :‬وهي‬ ‫ترتبط ب�أطروحة «املقاطعة الأكادميية»‪ .‬ففي‬ ‫�سياق اقت�صاد املعرفة اليوم‪ ،‬ال يف عامل جمرد‬ ‫ما‪ ،‬ي�صبح من غري املمكن الف�صل الذي يرغب‬ ‫البع�ض يف �إقامته بني مقاطعة اقت�صادية‬ ‫ميكن �أن تكون مقبولة ومقاطعة �أكادميية غري‬ ‫مقبولة‪ ،‬وبالن�سبة �إىل بلد ك�إ�رسائيل‪ ،‬حيث‬ ‫اجلامعات مركزية بالن�سبة �إىل موقعه يف‬ ‫ال�سوق العاملية‪ ،‬وبخا�صة يف جمال املعلوماتية‬ ‫والتكنولوجيا البيولوجية‪ ،‬ف�إن مقاطعة عاملية‬ ‫لهذا البلد لن ت�ؤثر يف اجلامعات وحدها بل يف‬ ‫االقت�صاد نف�سه» (‪.)22‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 276‬للتنمية الثقافية‬

‫العالقة بني الثقافة وال�سلطة‬ ‫يف العامل العربي عالقة �شديدة‬ ‫االلتبا�س‪ ،‬وهناك نوع من الإ�رصار‪،‬‬ ‫من جانب املثقفني الذين يظهرون‬ ‫داخل اخلطاب ال�صحفي‪ ،‬للت�أكيد‬ ‫على فكرة اال�ستقالل عن ال�سلطة‬ ‫ال�سيا�سية‪ ،‬حتى ولو كانوا ر�سمي ًا‬ ‫جزءاً منها‪� ،‬إذ جندهم يف�صلون‬ ‫با�ستمرار بني فعلهم الثقايف‬ ‫ووظائفهم لدى ال�سلطة ال�سيا�سية‪.‬‬

‫�أطروحة دعم اليهود العرب يف دولة‬ ‫فل�سطني‪ :‬فاخلطاب يطرح �رضورة �أن يقوم‬ ‫العرب‪ ،‬وخ�صو�ص ًا الفل�سطينيون‪ ،‬بدعم اليهود‬ ‫العرب املزراحيم الذين يعانون من �أ�شكال‬ ‫خمتلفة من التعامل العن�رصي من جانب‬ ‫املجتمع الإ�رسائيلي‪ ،‬بحكم خ�ضوعهم للقوة‬ ‫الكولونيالية املهيمنة‪� ،‬أي لأ�شكنازيي �أوربا‬ ‫ال�رشقية‪.‬‬ ‫ويحلّل اخلطاب �أ�شكال الهيمنة تلك – من‬ ‫منظور ثقايف – في�شري �إىل �أن العنف الثقايف‬ ‫الذي ميار�س �ض ّد العرب اليهود على امل�ستوى‬ ‫الأيديولوجي‪ ،‬وا�ستخدام العلم ك�أداة من �أدوات‬ ‫العنف الثقايف‪ ،‬من خالل ترويج امل�ؤ�س�سة‬ ‫الأكادميية الأ�شكينازية لفكرة �أن روح ال�رشق‬ ‫تف�سد العقول والأفراد‪ ،‬والإ�صـرار على توجيه‬ ‫املزراحيم �إىل نظام تربوي منف�صل ذي نوعية‬ ‫تعليمية �أدنى‪ ،‬والأهم من ذلك ق�ضية �سلب‬ ‫الرتاث الفل�سطيني(‪.)23‬‬

‫عالقة املثقف بال�سلطة ال�سيا�سية‬

‫العالقة بني الثقافة وال�سلطة يف العامل‬ ‫العربي عالقة �شديدة االلتبا�س‪ ،‬وهناك نوع من‬ ‫الإ�رصار‪ ،‬من جانب املثقفني الذين يظهرون‬ ‫داخل اخلطاب ال�صحفي‪ ،‬للت�أكيد على فكرة‬ ‫اال�ستقالل عن ال�سلطة ال�سيا�سية‪ ،‬حتى ولو‬ ‫كانوا ر�سمي ًا جزءاً منها‪� ،‬إذ جندهم يف�صلون‬ ‫با�ستمرار بني فعلهم الثقايف ووظائفهم لدى‬ ‫ال�سلطة ال�سيا�سية‪ .‬وقد ظهر هذا الأمر ب�صورة‬ ‫جلية يف اخلطاب ال�صحفي داخل جملة الهالل‬ ‫حمرري املجلة‬ ‫امل�رصية‪ .‬ففي حوار �أجراه �أحد ّ‬ ‫مع رئي�س حتريرها ُ�سئل الأ�ستاذ جمدي الدقاق‬ ‫ع ّما يقال ب�ش�أن ت�سيي�س جملة الهالل وهي‬ ‫جملّة ثقاف ّية‪ ،‬و�أكّد رئي�س التحرير يف �إجابته‬ ‫�أنه «عندما يوافق رئي�س الدولة على �إجراء �أول‬ ‫حوار �صحفي له ملجلة ثقافية‪ ،‬فهذا مك�سب‬ ‫مهني للمجلة‪ .‬فمن حق النا�س �أن يعرفوا‬ ‫التكوين الثقايف للرئي�س وماذا قر�أ‪ ،‬ماذا �شاهد‬ ‫من م�رسح و�سينما‪ ،‬ما عالقته باملو�سيقى‪،‬‬ ‫بل ت�أثري جملة الهالل يف تكـوينه الثقايف‪.‬‬

‫وهذا يف منتهي الأهمية‪ ،‬حتى يعرفوا جيداً‬ ‫طبيعة َمن يتوىل �أخطر و�أرفع من�صب يف‬ ‫الدولة‪ ،‬ناهيك ب�أن الرئي�س �أ ّكد بح�سم انحيازه‬ ‫للإبداع واملثقفني‪ ،‬ودفاعه عن حرية الر�أي‬ ‫(‪.)24‬‬ ‫وال�صحافة‪.‬‬ ‫يك�شف املقتطف ال�سابق من حوار رئي�س‬ ‫حترير جملة الهالل امل�رصية حالة الرتاوح لدى‬ ‫الكثري من امل�س�ؤولني الثقافيني بني الدفاع عن‬ ‫ال�سلطة من ناحية‪ ،‬والت�أكيد على الف�صل بني‬ ‫فعلهم الثقايف �أو الفكري وانتماءاتهم ال�سيا�سية‬ ‫من ناحية �أخرى‪ .‬و�أي ًا كانت درجة الت�أكيد على‬ ‫هذا الف�صل ف�إن هذا ال ينفي وجود العديد من‬ ‫امل�شاهدات الدالة على توظيف اخلطاب الثقايف‬ ‫ال�صحفي يف تلميع �أ�صحاب املواقع الر�سمية‪.‬‬ ‫وقد متيز اخلطاب الثقايف داخل جملة‬ ‫العربي بالدرجة نف�سها من الإ�رصار على نفي‬ ‫العالقة بني املثقف وال�سلطة ال�سيا�سية‪ ،‬لكنه‬ ‫كان يهرب با�ستمرار من حماولة مناق�شة هذه‬ ‫العالقة – على م�ستوى النفي �أو الإثبات –‬ ‫يف�ضل العودة‬ ‫على امل�ستوى املعا�رص‪ ،‬وكان ّ‬ ‫�إىل الرتاث التاريخي العربي ال�ستدعاء بع�ض‬ ‫النماذج وامل�شاهدات الدالة على عدم تبعية‬ ‫املثقف لل�سلطة ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫ومن النماذج على ذلك ا�ستدعاء موقف‬ ‫ال�شاعر �أبي العالء املعري من ال�سلطة ال�سيا�سية‬ ‫يف ع�رصه ورف�ضه ال�سري يف ركابها‪ ،‬من خالل‬ ‫الت�أكيد على �أن ال�شاعر «مل يـكن يتح ّمل التملق‬ ‫للأمراء وامللوك على الرغم من رقة حاله‪ .‬فقد‬ ‫كان عزيز النف�س معت ّداً بها‪ ،‬وكتب يف مقدمة‬ ‫ديوان �سقط الزند (مل �أطرق م�سامع الر�ؤ�ساء‬ ‫بالن�شيد وال مدحت طلب ًا للثواب)‪ ،‬وعندما‬ ‫عرف �أهل بغداد حق ال�شاعر ومكانته تقربوا له‬ ‫بالهدايا والعطايا» (‪.)25‬‬ ‫�إن الأطروحة هنا ت�ؤكد على فكرة �أن والء‬ ‫املثقف دائم ًا للمتلقي الذي يتناول �إبداعه‬ ‫وينفعل به ويتفاعل معه‪.‬‬ ‫و�إذا انتقلنا �إىل اخلطاب الثقايف لـ جملة‬ ‫الآداب ف�سوف جند �أنها كانت �شديدة الرتكيز‬ ‫على مو�ضوع العالقة بني املثقف وال�سلطة‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية ‪277‬‬

‫ق�ضية الطائفية‬

‫بعد جتذّر الهزمية يف الواقع‬ ‫العربي‪ ،‬ا ّتخذ املثقّف واحداً من‬ ‫ثالث طرق‪ .‬التحق �أولها بال�سلطة‪،‬‬ ‫وي�سوغ عنفها وا�ستبدادها‬ ‫ينظر لها ّ‬ ‫لن�صل �إىل ما ي�سمى (املثقف)‪،‬‬ ‫ويتمثل ثانيها يف املثقف الهارب‬ ‫�إىل الغرب (مكاني ًا وفكرياً) مغيرّ اً‬ ‫جلده وثقافته لتتما�شى مع‬ ‫منظومة الغرب الثقافية‪ ،‬لن�صل �إىل‬ ‫منوذج املثقف املغرتب املتعايل‬ ‫تتلوث‬ ‫املنظر من بعيد‪ ،‬من دون �أن ّ‬ ‫�أيديه بوحل الواقع‪� ،‬أما الثالث‬ ‫فهو منوذج املثقف الذي بقي هنا‬ ‫وحافظ على احل ّد الأدنى من قيمه‬ ‫وارتباطه بنا�سه‪.‬‬

‫مت طرح مو�ضوع الطائفية داخل اخلطاب‬ ‫ّ‬ ‫الثقايف العربي بتنويعات خمتلفة تبع ًا حلالة‬ ‫القطر الذي تعبرّ عنه املجلة‪ ،‬ومدى معاناته‬ ‫من م�شكالت طائفية تتبدى على �أي م�ستوى‬ ‫من امل�ستويات‪� ،‬سواء ال�سيا�سية �أم املذهبية �أم‬ ‫الدينية‪.‬‬ ‫ففي �إطار جملة العربي مت طرح مو�ضوع‬ ‫الطائفية يف عالقته مب�س�ألة الهوية‪ ،‬وخ�صو�ص ًا‬ ‫داخل دولة لبنان‪ .‬وقد �أك ّدت جملة العربي من‬ ‫خالل حوار مع املفكّر منح ال�صلح ‪ -‬على‬ ‫ت�أثري الطائفية على الهوية الوطنية داخل‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإعالم‬

‫ال�سيا�سية‪ .‬وتب ّنى اخلطاب اجتاه ًا �سلبي ًا �إزاء‬ ‫العالقة التي حتكم عالقة بع�ض املثقفني‬ ‫بال�سلطة يف العامل العربي‪ ،‬ه�ؤالء املثقفني‬ ‫الذين ال هم لهم �سوى مباركة هذا امل�س�ؤول‬ ‫الثقايف‪ ،‬ورفع كتاباته‪ ،‬مهما تدنى م�ستواها‪،‬‬ ‫�إىل م�صاف الوحي الإلهي ال�رسمدي‪ .‬وهم يف‬ ‫الوقت الذي ي�شككون فيه بوجود اخلالق‪� ،‬أو‬ ‫يلعنونه جهاراً نهاراً بدعوى التحديث واحلداثة‬ ‫والدميقراطية‪ ،‬ينفجرون ب�آيات التربيك‬ ‫واملديح والتكفري وال�شتم والقدح عندما تن�رش‬ ‫مقالة متتدح هذا الكاتب» (‪.)26‬‬ ‫ويق ّدم اخلطاب تف�سرياً لأزمة الإبداع‬ ‫العربي – وخ�صو�ص ًا على امل�ستوى ال�شعري‬ ‫– من منطلق اختالل العالقة بني املثقف‬ ‫وال�سلطة‪ .‬وكد�أبه يف قراءة الأحداث ال�سيا�سية‬ ‫من منظور ثقايف ي�ؤكد اخلطاب على �أن هناك‬ ‫طامة كربى اقرتنت بهزمية عام ‪ ،1967‬حني‬ ‫نظرت �إليها الأنظمة ال�سيا�سية كهزمية �سيا�سية‪،‬‬ ‫ولي�س كهزمية ثقافية‪ ،‬ترتبط ب�سيطرة ثقافة‬ ‫�شمولية متغلغلة يف الوعي اجلماهريي‪� ،‬أما‬ ‫ر ّد فعل املثقف – با�ستثناء قلّة – فرتاوح بني‬ ‫التطبيل لل�سلطة والهرب تارك ًا املجتمع لرحمة‬ ‫�سلطة اختزلت دولتها‪ ،‬وا�ستحدثت �سجونها‪،‬‬ ‫ولرحمة فقهاء ج ّي�شوا �أتباعهم‪ ،‬وهكذا وجد‬ ‫املثقف نف�سه – بعد فرتة معزو ًال ومهم�ش ًا‪ ،‬ال‬ ‫�صوت له وال ر�أي‪.‬‬ ‫فبعد جتذّر الهزمية يف الواقع العربي‪ ،‬ا ّتخذ‬ ‫املثقّف‪ /‬ال�شاعر واحداً من ثالث طرق ال رابع‬ ‫لها‪ .‬التحق �أولها بال�سلطة‪ ،‬ينظر لها وي�س ّوغ‬ ‫عنفها وا�ستبدادها لن�صل �إىل ما ي�سمى (املثقف‬ ‫‪ /‬ال�شاعر ال�سلطوي)‪ ،‬ويتمثل ثانيها يف املثقف‬ ‫‪ /‬ال�شاعر الهارب �إىل الغرب (مكاني ًا وفكري ًا)‬ ‫مغيرّ اً جلده وثقافته لتتما�شى مع منظومة‬ ‫الغرب الثقافية‪ ،‬لن�صل �إىل منوذج املثقف ‪/‬‬ ‫ال�شاعر املغرتب املتعايل املنظر من بعيد‪ ،‬من‬ ‫دون �أن تتل ّوث �أيديه بوحل الواقع‪� ،‬أما الثالث‬ ‫فهو منوذج املثقف‪ /‬ال�شاعر الذي بقي هنا‬ ‫وحافظ على احل ّد الأدنى من قيمه وارتباطه‬ ‫(‪.)27‬‬ ‫بنا�سه‬

‫وي�ؤكد خطاب جملة الآداب يف مو�ضع �آخر‬ ‫�أن ت�ش ّوه العالقة بني املثقف وال�سلطة �أ ّدى �إىل‬ ‫حالة ركود عام يف الثقافة العربية‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫يف ظ ّل �آليات الرقابة التي حتكم طوقها حول‬ ‫رقاب املثقفني الذين يحاولون مواالة اجلماهري‬ ‫«ويرتبط مفهوم الرقابة يف جمتمعاتنا‬ ‫بالتابوهات الثالثة املعروفة‪ :‬الدين وال�سيا�سة‬ ‫واجلن�س‪ ،‬وي�سهر على تر�سيخ هذه التابوهات‬ ‫ك ّل من املجتمع والدولة والفرد‪ ،‬واملح�صلة‬ ‫ثقافة مغلقة ت�سهم عوامل كثرية يف جعلها‬ ‫ثقافة عاطلة» (‪ .)28‬وترتيب ًا على ذلك «�أحلّت‬ ‫القنوات الف�ضائية التافهة حمل الكتاب‪ ،‬وغرف‬ ‫الدرد�شة الإنرتنتية وو�سائل املحمول التافهة‬ ‫حمل ال�صالونات الأدبية الرفيعة» (‪.)29‬‬ ‫وقد اقرتب خطاب ال�صحيفة الثقافية‬ ‫املغربية من مو�ضوع العالقة بني املثقف‬ ‫وال�سلطة‪ ،‬وناق�ش يف �صورة �رصيحة الدور‬ ‫الذي ميكن �أن يلعبه املثقف امل�رسحي يف ف�ضح‬ ‫حالة ا�ستبداد احلاكم داخل بع�ض املجتمعات‬ ‫العربية‪ ،‬وذلك من خالل حتليل م�رسحية‬ ‫كارمن للفنان حممد �صبحي والتي ترتكز على‬ ‫فكرة وجود خمرج م�رسحي ديكتاتور ميثّل كل‬ ‫�أمرا�ض اال�ستبداد لدى احلاكم العربي «وكان‬ ‫يعط املخرج‬ ‫حممد �صبحي من الذكاء بحيث مل ِ‬ ‫ا�سم ًا حمدداً بعينه كي يظل رمزاً مفتوح ًا ودا ًال‬ ‫على كل حاكم م�ستب ّد �شمويل (‪.)30‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 278‬للتنمية الثقافية‬

‫ي�ؤكد اخلطاب الثقايف على‬ ‫�أن «م�رص لو عرفت �أثناء الوحدة‬ ‫كيف حترتم خ�صو�صية �سورية ملا‬ ‫�سقطت الوحدة بينهما‪ ،‬والوحدة‬ ‫�رضورية للعرب‪ ،‬ومن �أجل الوحدة‬ ‫التنوع باالعتبار‪.‬‬ ‫يجب �أن ي�ؤخذ‬ ‫ّ‬ ‫وقد الحظت من التجارب – والكالم‬ ‫ملنح ال�صلح ‪� -‬أن انتكا�سة الوحدة‬ ‫والعروبة كانت ناجتة يف معظم‬ ‫احلاالت عن عدم االلتفات �إىل‬ ‫التنوع داخلها‪.‬‬ ‫ّ‬

‫لبنان‪ .‬وي�شري اخلطاب هنا �إىل �أن «االنق�سام‬ ‫املذهبي والطائفي خطر على لبنان وعلى كل‬ ‫عنا�رصه‪ ،‬ويجب �أال تتناق�ض �شيعية ال�شيعي‬ ‫مع هوية البلد الوطنية والعربية‪ ،‬وكذلك‬ ‫�سنية ال�سني وم�سيحية امل�سيحي‪ ،‬ال يجوز �أن‬ ‫تتناق�ض مع هذه الهوية‪ ،‬على قادة املذاهب‬ ‫– ال�سيا�سيني وغري ال�سيا�سيني ب�صورة خا�صة‬ ‫ �أن يكونوا وا�سعي النظرة يف ما يتعلق بلبنان‬‫املتع ّدد»(‪.)31‬‬ ‫و�أكّد اخلطاب الثقايف مبجلة العربي �أي�ض ًا‬ ‫يف �سياق حوارها مع منح ال�صلح على عدم‬ ‫التناق�ض بني التوجه القومي العروبي والذاتية‬ ‫القطرية‪ ،‬فاالنتماء القومي يجب �أال يجور على‬ ‫االنتماء القطري‪ .‬و�أكد اخلطاب على �أن «م�رص‬ ‫لو عرفت �أثناء الوحدة كيف حترتم خ�صو�صية‬ ‫�سورية ملا �سقطت الوحدة بينهما‪ ،‬والوحدة‬ ‫�رضورية للعرب‪ ،‬ومن �أجل الوحدة يجب‬ ‫�أن ي�ؤخذ التن ّوع باالعتبار‪ .‬وقد الحظت من‬ ‫التجارب – والكالم ملنح ال�صلح ‪� -‬أن انتكا�سة‬ ‫الوحدة والعروبة كانت ناجتة يف معظم‬ ‫احلاالت عن عدم االلتفات �إىل التن ّوع داخلها‪.‬‬ ‫�أنا وطني و�أ�شعر ب�أن وطنيتي هي عروبتي‪،‬‬ ‫وهي التي تخدم عروبتي‪ .‬و�أنا عربي و�أعرف‬ ‫�أن مردود عروبتي هو متا�سك هذا الوطن الذي‬ ‫�أنتمي �إليه‪ .‬وهذه الأفكار لي�ست جديدة‪ ،‬ك ّل‬ ‫الأحزاب العربية القومية القائمة‪ ،‬ترتكز على‬ ‫االعرتاف بحقيقة القطر‪ ،‬حقيقة الوطن وحقيقة‬ ‫اجلوامع»‪ .‬وي�ؤكد يف هذا ال�سياق �أي�ض ًا على �أن‬ ‫م�شكلة العراق �إنه كان عرب ًيا �أكرث من الالزم‪،‬‬ ‫حتى �أ�صبحت عروبته م� ّرضة وم�س ّببة مل�شاكل‬ ‫مع البع�ض‪ .‬هذه الهوية �أعطت احلاكم العراقي‬ ‫ال�سابق طي�ش ًا‪ ،‬ودفعته �إىل مغامرات (‪.)32‬‬ ‫وداخل جملة الآداب كان هناك اهتمام‬ ‫وا�ضح من جانب اخلطاب مبعاجلة مو�ضوع‬ ‫الطائفية من خالل ع ّدة م�سارات‪ ،‬من بينها‬ ‫تطرق اخلطاب �إىل �أو�ضاع‬ ‫امل�سار العراقي‪ .‬فقد ّ‬ ‫الأكراد يف العراق‪ ،‬وحماوالتهم امل�ستمرة من‬ ‫�أجل تفكيك الدولة �إىل جمموعة من الدويالت‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا بعد االحتالل الأمريكي‪.‬‬

‫وي�شري اخلطاب يف هذا ال�سياق �إىل �أن‬ ‫«الأ�صل العرقي والطائفة واملنطقة والع�شرية‬ ‫�أ�ضحت حتت ّل مرتبة �أعلى من الوطن عند �أغلب‬ ‫ال�سيا�سيني‪ ،‬ولدى قطاع وا�سع من املثقفني‪،‬‬ ‫وهذا هو �أحد عنا�رص مراهنة الإدارة الأمريكية‬ ‫عند اتخاذها قرار غزو العراق منفردة‪ .‬فقد‬ ‫�سادت لدى الأمريكان قناعة تقول ب�أنهم‬ ‫يواجهون �شعوب ًا بال هوية وطنية‪� ،‬شعوب ًا ي�سهل‬ ‫لهم عزل الأغلبية الوطنية فيها عن حميطها‬ ‫القومي‪ ،‬ينزع �صفتها التاريخية تطبيق ًا ل�شعار‪:‬‬ ‫عراق ال عربي وال م�سلم» (‪.)33‬‬ ‫واملالحظ هنا �أن اخلطاب – مثله مثل‬ ‫خطاب جملة العربي– ي�ؤ ّكد على العالقة بني‬ ‫مفهوم الطائفية ومفهوم الهوية‪ ،‬من خالل‬ ‫الإ�شارة �إىل �أن امل ّربر الذي يرفعه البع�ض‬ ‫لت�أكيد �أطروحة الطائفية يرتبط بفكرة التم�سك‬ ‫بالهوية القبلية �أو الع�شائرية �أو اجلغرافية يف‬ ‫مقابل تهمي�ش الهوية مبفهومها الوطني‪ ،‬حيث‬ ‫«تغدو �سيا�سة �إعالء امل�رشوع العرقي والطائفي‬ ‫على ح�ساب امل�رشوع الوطني مقدمة لكارثة‬ ‫�سيا�سية»‪.‬‬ ‫وقد اعتمد خطاب جملة الآداب يف بع�ض‬ ‫الأحيان �آلية �إ�سقاطية‪ ،‬حينما كان يتطرق‬ ‫�إىل مو�ضوع الطائفية يف العراق‪ ،‬حيث كان‬ ‫ي�سقط الأو�ضاع يف هذا البلد على الأو�ضاع‬ ‫الطائفية يف لبنان‪ ،‬من منطلق �أن «خطاب‬ ‫العراق اجلديد مياثل من زاوية مع ّينة اخلطاب‬ ‫اللبناين الر�سمي بعد اتفاق الطائف‪ .‬ففي‬ ‫لبنان‪ ،‬كما يف العراق‪ ،‬خلقت م�شاريع الهيمنة‬ ‫الطائفية خطاب ًا وطني ًا‪ ،‬هو يف الأ�سا�س و�سيلة‬ ‫تخاطب بني الطوائف ‪ /‬الأمم‪� ،‬إىل حني تتقاتل‬ ‫�أو ت�ستق ّل بع�ضها عن بع�ض‪ ،‬ال هوية بديلة �أو‬ ‫جمرد �إمكانية هوية»(‪.)34‬‬ ‫وق ّدم خطاب جملة الآداب تف�سرياً‬ ‫للتفاعالت الطائفية ال�سلبية داخل العامل‬ ‫العربي بربطها بثقافة االلت�صاق باملكان التي‬ ‫متيز بها الإن�سان العربي «فقد كان العرب �أكرث‬ ‫التكوينات الإن�سانية تعريف ًا باملكان‪ ،‬فكانوا‬ ‫يطلقون الت�سميات على زمانهم بالتعريف‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية ‪279‬‬

‫ق�ضية عالقة املثقف العربي باملال‬

‫برزت ق�ضية عالقة املثقف باملال وعملية‬ ‫متويل الإبداع الثقايف داخل جملة الهالل من‬ ‫مت �إجرا�ؤه مع رئي�س حتريرها‬ ‫خالل حوار ّ‬ ‫جمدي الدقاق �أ�شار فيه �إىل �أنه ا�ستطاع «توفري‬ ‫‪ 2.5‬مليون جنيه دعم ًا ملطبوعات الهالل‪ ،‬على‬ ‫�سبيل املثال‪ ،‬لعدد االحتفال مبئوية ال�سينما‬ ‫الذي دعمه وزير الثقافة بـ ‪� 100‬ألف جنيه‪،‬‬ ‫والعدد اخلا�ص الذي �صدر عن جنيب حمفوظ‪،‬‬ ‫والذي دعمه بع�ض رجال الأعمال بـ ‪� 25‬ألف‬ ‫جنيه‪ ،‬وعدد حكّام م�رص مت تدعيمه �أي�ض ًا بـ‬ ‫‪� 80‬ألف جنيه‪ ،‬وكل ذلك من دون التدخل يف‬ ‫ال�سيا�سة التحريرية» (‪.)38‬‬ ‫يف حني طرح �أحد املو�ضوعات املت�ض َّمنة‬ ‫يف اخلطاب الثقايف ملجلة الآداب امل�شكالت‬

‫ي�شري اخلطاب الثقايف �إىل‬ ‫�أن الت�صاق كل عربي مبكانه هو‬ ‫ال�سبب املبا�رش يف حالة االنق�سام‬ ‫التي ت�سود داخل الوحدة العربية‬ ‫الواحدة‪ ،‬وبني الوحدات العربية‬ ‫املختلفة‪ .‬فاملجتمع املق�سوم على‬ ‫نف�سه عمودي ًا ال ميكن �أن ينتج �إال‬ ‫بنا ًء من�شطراً «لأن االنق�سامات‬ ‫الطائــفـية حـيث تـوجــد الـطـوائف‪،‬‬ ‫واملـذهبيـة حـيث الـمذاهـب‪ ،‬والقبلية‬ ‫حـيث الـقبائـل‪ ،‬والـع�شــائـرية حــيث‬ ‫الع�شائر‪ ،‬ال ميكن �أن تق ّدم بنا ًء‬ ‫مفتوح ًا على �أفق مفتوح‪ ،‬بل �ستنتج‬ ‫بال�رضورة �أبنية مغلقة عدائية‬ ‫�إلغائية»‪.‬‬

‫ق�ضية امل�ساواة بني الرجل واملر�أة‬

‫على الرغم من تهمي�ش دور املر�أة كمبدعة‪،‬‬ ‫على م�ستوى اخلطاب الذي ق ّدمته املجالت‬ ‫الثقافية‪� ،‬إال �أن ق�ضية امل�ساواة بني الرجل‬ ‫واملر�أة كانت حا�رضة بقوة داخل عدد من‬ ‫املوا�ضع اخلطابية ببع�ض املجالت الثقافية‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإعالم‬

‫املكاين‪ ،‬وي�سمون �أنف�سهم ب�أمكنتهم‪ ،‬بل كانوا‬ ‫يف حاالت كثرية ينقلون �أمكنتهم �إىل حيث‬ ‫يرحلون‪� ،‬إذا ا�ضطروا للرحيل» (‪.)35‬‬ ‫ويف �ضوء ذلك ي�شري اخلطاب �إىل �أن‬ ‫الت�صاق كل عربي مبكانه هو ال�سبب املبا�رش يف‬ ‫حالة االنق�سام التي ت�سود داخل الوحدة العربية‬ ‫الواحدة‪ ،‬وبني الوحدات العربية املختلفة‪.‬‬ ‫فاملجتمع املق�سوم على نف�سه عمودي ًا ال ميكن‬ ‫�أن ينتج �إال بنا ًء من�شطراً «لأن االنق�سامات‬ ‫الطائفية حيث توجد الطوائف‪ ،‬واملذهبية حيث‬ ‫املذاهب‪ ،‬والقبلية حيث القبائل‪ ،‬والع�شائرية‬ ‫حيث الع�شائر‪ ،‬ال ميكن �أن تق ّدم بنا ًء مفتوح ًا‬ ‫على �أفق مفتوح‪ ،‬بل �ستنتج بال�رضورة �أبنية‬ ‫مغلقة عدائية �إلغائية» (‪.)36‬‬ ‫وبالتايل يـ� ّؤ�س�س اخلطاب لفكرة �أن‬ ‫الطائفية مل تعد جمرد �سمة مميزة للواقع‬ ‫العربي‪ ،‬بل �أ�صبحت منهجية ميكن �أن نقر�أ من‬ ‫خالل عد�ستها العديد من الأو�ضاع داخل العامل‬ ‫العربي‪ ،‬مبا فيها �أو�ضاع الإبداع ال�شعري‬ ‫«فال�شعراء ال�شباب يتبنون تق�سيمات طائفية‬ ‫لل�شعر‪ ،‬فيقول �أحدهم �أنا �شاعر نرث‪ ،‬ويقول‬ ‫�آخر �أنا �شاعر تفعيلة‪ ،‬وال يعرتف �أي منهما‬ ‫بالآخر»(‪.)37‬‬

‫املرتبطة مب� ّؤ�س�سات الثقافة العربية امل�س�ؤولة‬ ‫عن متويل امل�رشوعات الثقافية والإبداعية‬ ‫على امل�ستوى العربي‪ ،‬مثل ال�صندوق العربي‬ ‫للثقافة والفنون‪ .‬وقد تب ّنى اخلطاب ر�ؤية ناقدة‬ ‫لهذا ال�صندوق واتهمه بعدم القيام بدوره على‬ ‫النحو املطلوب «فممار�سات ال�صندوق العربي‬ ‫وتعال‪،‬‬ ‫للثقافة والفنون ال تخلو من غطر�سة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وارتكاب ت�رصفات تقع خارج �أ�صول �أي عمل‪،‬‬ ‫باال�ضافة �إىل افتقاد ال�صندوق �إىل احلرفية يف‬ ‫عمله» (‪.)39‬‬ ‫وكان مو�ضوع املثقف واملال من‬ ‫مت الرتكيز عليها‬ ‫املو�ضوعات الأ�سا�سية التي ّ‬ ‫على هام�ش الدعوى التي �أقامها فخري كرمي‬ ‫ال�سكرتري الأ�سبق والع�ضو القيادي يف احلزب‬ ‫ال�شيوعي العراقي و�صاحب امل�ؤ�س�سة الإعالمية‬ ‫دار املدى �ضد جملة الآداب وامل�س�ؤولني فيها‪،‬‬ ‫وبرزت يف هذا ال�سياق �أطروحة «بحث املثقف‬ ‫العربي امل�ستمر عن املال‪ ،‬من خالل الت�أكيد‬ ‫على وجود ثالث م�صائب �أ�سا�سية جتتمع يف‬ ‫املثقف العربي يف �آن واحد‪ :‬الأوىل �أنه يق ّيم‬ ‫نف�سه ب�أكرث مما ي�ستحق‪ ،‬وامل�صيبة الثانية �أنه‬ ‫ال يقرن فكرته ب�أي جمهود لتحقيقها‪ ،‬والثالثة‬ ‫هي ر�ضوخه للمال وفق ًا الحتياجات النف�س �أو‬ ‫دناءتها» (‪.)40‬‬ ‫ويف �سياق املو�ضوع نف�سه ظهرت‬ ‫�أطروحة «التمويل النفطي للثقافة»‪� ،‬إذ �أكّد‬ ‫اخلطاب على �أن احلملة على جملة الآداب لي�ست‬ ‫م�ؤامرة‪ ،‬ولكنها لإثبات طغيان ثقافة واحدة ال‬ ‫غري يف العامل العربي‪ ،‬ثقافة مم ّولة من �أموال‬ ‫النفط ال�سعودي‪ ،‬و�إن ارتدت �شكل الليربالية‬ ‫املنقو�صة‪.‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 280‬للتنمية الثقافية‬

‫بد�أت �أ�سئلة البيئة تقتحم الوعي‬ ‫العربي وتــفــر�ض عــلـى نــظرته‬ ‫�إىل التنمية تعديالت تقت�ضيها‬ ‫الفكرة البيئوية املت�صاحلة مع‬ ‫الطبيعة‪.‬‬

‫على �سبيل املثال كانت هذه الق�ضية‬ ‫بارزة يف العديد من املو�ضوعات ال�صحفية‬ ‫التي ن�رشتها جملة العربي‪ .‬وقد ظهرت ب�صورة‬ ‫خا�صة يف بع�ض احلوارات التي ن�رشتها املجلة‪،‬‬ ‫وكانت تعتمــد عـلى مــ�صـادر «نـ�سـويـة»‪ .‬مــن‬ ‫بينها احلوار الذي ن�رشته العربي مع دوري�س‬ ‫لي�سنج‪ ،‬وركّز على روايتها «الكرا�سة الذهبية»‬ ‫تلك الرواية التي غالبا ما ينظر �إليها على �أنها‬ ‫«الكتاب املقد�س للم�ؤمنني مب�ساواة اجلن�سني‪.‬‬ ‫ويف العامل هناك عدد من امل�ؤمنني مب�ساواة‬ ‫اجلن�سني ممن يعملون يف �أجهزة الإعالم‪،‬‬ ‫وهم يعتقدون �أن م�ساواة اجلن�سني مهمة‪ ،‬لكن‬ ‫يف الغالب يكون مل�ساواة اجلن�سني ت�أثري بني‬ ‫الن�ساء �صاحبات االمتيازات يف البلدان الغربية‬ ‫املتقدمة‪ .‬بالن�سبة �إىل اجلانب الأكرب‪ ،‬ف�إ ّنها مل‬ ‫مب�س حياة الن�ساء الفقريات والعامالت يف‬ ‫تبد�أ ّ‬ ‫(‪)41‬‬ ‫دول العامل الثالث‪ ،‬وهو ما يحزنني» ‪.‬‬ ‫ويف حوار �آخر ظهرت �أطروحات هجومية‬ ‫على و�ضع املر�أة يف العامل العربي‪ ،‬متيزت‬ ‫مبرجعيتها اخلليجية‪ .‬وهو ذلك احلوار الذي‬ ‫ن�رشته جملة العربي مع ال�شاعرة حمدة‬ ‫خمي�س التي عبرّ ت يف بداية احلوار عن فكرة‬ ‫ا�ضطهاد املر�أة يف املجتمعات العربية مع‬ ‫ربطها بتجربتها الإبداعية‪� ،‬إذ �أ�شارت �إىل �أنه‬ ‫«مل يكن لكينونتي الأنثوية ‪ -‬امل�ضطهدة �أبداً‬ ‫عرب كل الع�صور ‪� -‬رشط خيار باجتاه ال�شعر‪،‬‬ ‫فلو كان الأمر كذلك لكانت كل ن�ساء الأر�ض‬ ‫(‪.)42‬‬ ‫�شاعرات»‬ ‫ويف �إطار التزام جملة الآداب باالحتكام‬ ‫�إىل املنظور الثقايف يف ت�رشيح الق�ضايا‬ ‫ال�سيا�سية واالجتماعية كافة التي ت�شتبك معها‪،‬‬ ‫اتجّ ه اخلطاب الثقايف بها �إىل حتليل �صورة‬ ‫الرجل واملر�أة بني الإرث الثقايف والواقع‪،‬‬ ‫فالفكرة الثابتة يف املوروث الثقايف تذهب‬ ‫�إىل �أن الأنثى هي خالف الذكر من كل �شيء‪،‬‬ ‫ف�إذا كان الذكر يعني القوة ف�إن الأنثى تعني‬ ‫ال�ضعف‪ ،‬ولكن مع التحوالت التي ي�شهدها‬ ‫الواقع يف معادلة العالقة بني الذكر والأنثى‪،‬‬ ‫واندماج املر�أة يف الواقع العملي ي�صبح من‬

‫ال�رضوري �أن نعيد النظر يف هذه املعادلة‬ ‫الرتاثية‪ .‬فالتق�سيم الثنائي لل�صفات ما بني‬ ‫الذكر والأنثى مل يعد مطابق ًا ملعطيات الواقع‬ ‫بعد �أن «�أثبتت املر�أة كفاءتها من خالل قيامها‬ ‫بعملها‪ ،‬و�أقنعت حتى امل�شككني فيها ب�أنها‬ ‫�أه ٌل ملمار�سة �أي مهنة‪ .‬وبذلك برهنت خط�أ كل‬ ‫النظريات القدمية التي �ص ّورتها كائن ًا �ضعيف ًا‪،‬‬ ‫م�سلوب الإرادة‪ ،‬ذات قدرات فكرية حمدودة‪،‬‬ ‫وما كان يخ�شاه فرويد �أو غريه من �أن ( ُترمى‬ ‫املر�أة يف معرتك احلياة) �أثبت �أنه يخبىء‬ ‫ا�ستئثاراً ذكوري ًا بكل مكا�سب العمل املهني‪،‬‬ ‫الفكري‪ ،‬واملادي‪ ،‬وا�ستئثاراً من ثم بقيم �إثبات‬ ‫(‪.)43‬‬ ‫الذات والنجاح والثقة بالنف�س»‬

‫ق�ضية العالقة بني الرتاث واملعا�رصة‬

‫كان الرتاوح بني االنحياز للرتاث �أو‬ ‫للمعا�رصة يف �أحيان �أو حماولة التوفيق بينهما‬ ‫يف �أحيان �أخرى‪� ،‬سمة �أ�سا�سية من ال�سمات‬ ‫املميزة للخطاب الثقايف باملجالت الثقافية‬ ‫العربية‪ .‬و ُتع ّد هذه الق�ضية ‪ -‬على وجه العموم‬ ‫– من الق�ضايا املركزية التي اعتنى بها العقل‬ ‫الثقايف العربي منذ احتكاكه بالآخر �أثناء فرتة‬ ‫اال�ستعمار‪ ،‬ومع ا�ستمرار حلقات �رصاعه معه‬ ‫التحرر وما �أعقبها‪.‬‬ ‫خالل فرتة‬ ‫ّ‬ ‫وقد برزت �أطروحة ال�رصاع بني الرتاث‬ ‫واملعا�رصة �أو بني التقليدية واحلداثة داخل‬ ‫العديد من املوا�ضع يف اخلطاب الثقايف‬ ‫للمجالت‪ ،‬واختلف نوع التجلّيات التي �أبرزتها‬ ‫كل جملة لت�صوير �أبعاد هذا ال�رصاع‪ .‬فمجلة‬ ‫العربي �ش ّددت على وجود هذا ال�رصاع يف‬ ‫مواقع كثرية داخل املدن العربية‪ .‬علـى �سبيل‬ ‫املثال اهت ّم �أحد الك ّتاب باملجلة ب�إبراز حالة‬ ‫الف�سيف�ساء التي متيز الواقع الن�سائي العربي‬ ‫يف مدينة دم�شق‪ ،‬وخ�صو�ص ًا على م�ستوى‬ ‫الزي‪ ،‬ف�أ�شار �إىل �أن التح ّول االجتماعي نحو‬ ‫ّ‬ ‫املدنية واحلداثة – بدا وا�ضح ًا على م�ستوى‬ ‫الزي ‪ -‬فال�رصاع الأبدي امل�ستدمي بني الأجيال‬ ‫ّ‬ ‫�ساحته هو الكون كلّه‪ ،‬و�أمامي جيل اليزال‬ ‫مت�ش ّبث ًا باملالب�س التقليدية و�آخر ال يعلم �أين‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية ‪281‬‬

‫ق�ضية اللغة والثقافة‬

‫كانت ق�ضية اللغة �أي�ض ًا من الق�ضايا‬ ‫التي اهتم اخلطاب الثقايف باال�شتباك معها‪،‬‬ ‫و�إن تباينت �أ�ساليب وزوايا طرح هذه الق�ضية‬ ‫يف كل جملة من املجالت الأربع التي ت�ص ّدت‬ ‫الدرا�سة لتحليلها‪.‬‬ ‫وقـد برزت �أطروحة «اللغة ك�أداة للتعبري‬ ‫الإبداعي» يف بع�ض املوا�ضع داخل اخلطاب‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا عندما يت�صل الأمر مببدعني ذوي‬ ‫�أ�صول عربية ي�ستخدمون لغات �أخرى يف‬ ‫�إنتاجهم الإبداعي‪ ،‬وقد بلغ الت�أكيد على‬ ‫هذه احلقيقة �إىل ح ّد الرتخ�ص يف ا�ستخدام‬ ‫العربية كو�سيلة للكتابة الروائية يعتمد عليها‬ ‫فل�سطينيو ‪ .1948‬وقد ظهر ذلك يف معـر�ض‬ ‫�إحدى املقاالت التي ت�ص ّدت لتحليل رواية‬ ‫عرب راق�صون لكاتبها �سيد ق�شوع مبجلة‬ ‫يحتج كاتب املقال النقدي على ر�أي‬ ‫الهالل‪� ،‬إذ ّ‬ ‫الأديب الفل�سطيني عالء حليحل حول فكرة �أن‬ ‫اللغة �أداة‪ ،‬والذي يقول فيه «ق�شوع ال يختلف‬ ‫عن ‪ %95‬من العرب يف البالد ب�أنه ال يعرف‬ ‫الكتـابة بالعربية‪ ،‬فكوننا �أقلية �أم ّية يف التعبري‬ ‫عن نف�سها هو �أمر معروف للجميع‪ .‬بل على‬ ‫العك�س على الأقل ق�شوع يكتب بلغة ما‪ ،‬ويح�سن‬ ‫التعبري عن نف�سه بالعربية‪ .‬فهل يح�سن جهال‬ ‫العربية التعبري عن �أنف�سهم ب�أي لغة كانت‪.‬‬ ‫وي ّت�ضح مما ذهب �إليه حليحل – كما يقول‬ ‫كاتب املقال النقدي – �أن اللغة العربية التي‬ ‫�أبــدع بها ق�شوع مل تكن �سوى و�سيلة‪ ،‬و�أنه جل�أ‬ ‫�إليها حتى يخاطب القارىء الإ�رسائيلـي بلغته‪،‬‬ ‫وليعبرّ من خاللها عن همومه كفل�سطيني مقيم‬ ‫داخل �إ�رسائيل» (‪.)47‬‬ ‫تطرق اخلطاب‬ ‫ومن منظور �أ�سلوبي بحت ّ‬ ‫الثقايف بال�صحيفة الثقافية املغربية �إىل �أهمية‬ ‫تطوير لغة التعبري الإبداعي – خ�صو�ص ًا على‬ ‫امل�ستوى الأدبي – باالعتماد على لغة ميكن‬ ‫و�صفها بـ (اللغة ال�شذرية) «وال�شذر يف اللغة‬ ‫قطع من الذهب �أو �صغار الل�ؤل�ؤ‪ ،‬وقد تقت�ضي‬

‫يف معـر�ض �إحدى املقاالت‬ ‫التي ت�ص ّدت لتحليل رواية عرب‬ ‫راق�صون التي كتبها بالعربية‬ ‫الكاتب �سيد ق�شوع يف جملة‬ ‫يحتج كاتب املقال النقدي‬ ‫الهالل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫على ر�أي الأديب الفل�سطيني عالء‬ ‫حليحل حول فكرة �أن اللغة �أداة‪،‬‬ ‫والذي يقول فيه «ق�شوع ال يختلف‬ ‫عن ‪ %95‬من العرب يف البالد ب�أنه‬ ‫ال يعرف الكتـابة بالعربية‪ ،‬فكوننا‬ ‫�أقلية �أم ّية يف التعبري عن نف�سها هو‬ ‫�أمر معروف للجميع‪ .‬بل على العك�س‬ ‫على الأقل ق�شوع يكتب بلغة ما‪،‬‬ ‫ويح�سن التعبري عن نف�سه بالعربية‪.‬‬ ‫فهل يح�سن جهال العربية التعبري‬ ‫عن �أنف�سهم ب�أي لغة كانت‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإعالم‬

‫يتوقف‪ ،‬والن�ساء خري جنود يف هذا ال�رصاع‪،‬‬ ‫وكثرياً ما يت�صادف مرور �سيدتني �إحداهما‬ ‫تلب�س اجلينز ال�ضيق والقمي�ص والثانية ترتدي‬ ‫جاكيت ًا طوي ًال فوق ثوب �أ�سود ف�ضفا�ض يعتليه‬ ‫حجاب �أبي�ض» (‪.)44‬‬ ‫ويف مو�ضع �آخر داخل اخلطاب الثقايف‬ ‫مبجلة العربي كان هناك ترديد لأطروحة‬ ‫«الف�سيف�ساء» مرة �أخرى لي�س على م�ستوى‬ ‫«الأزياء» هذه املرة‪ ،‬ولكن على م�ستوى‬ ‫«الف�سيف�ساء ال�سيا�سي»‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف ما يتعلّق‬ ‫ب�رصاع االجتاهات الثقافية املعا�رصة يف‬ ‫العامل العربي على ت�أويل ن�صو�ص الرتاث‪.‬‬ ‫وقد جاء ذلك يف معر�ض حوار �أجرته‬ ‫املجلة مع الناقد جابر ع�صفور �أ�شار فيه �إىل‬ ‫�أن الرتاث ي�ؤثّر بقوة يف الواقع املعا�رص‪ ،‬لأن‬ ‫الأفكار الرتاثية م�ؤثرة‪ ،‬ويزداد ت�أثريها الآن‬ ‫بفعل الأدوات الأيديولوجية املعا�رصة‪� ،‬سـواء‬ ‫�أكانت �أدوات الدولة الأيديولوجية �أم غريها‪،‬‬ ‫بث هذه‬ ‫مثل «الإخوان امل�سلمني» حيث يعاد ّ‬ ‫الأفكار لت�صوغ احلا�رض وت ّربره‪ .‬من ناحية‬ ‫�أخرى ميكن القول ب�أن الرتاث �ساحة ل�رصاع‬ ‫الت�أويالت‪ ،‬وهنا لي�س ثمة خط�أ �أو �صواب‪،‬‬ ‫هناك �إمكان للت�أويل‪ ،‬ولذلك ال ميكن �أن نح�رص‬ ‫احتماالت الفهم �أو نقيدها (‪.)45‬‬ ‫ويف �سياق اهتمام خطاب ال�صحيفة‬ ‫الثقافية (املغربية) مبو�ضوع الت�أقلم مع‬ ‫�رشوط ما بعد احلداثة‪ ،‬و�رضورة تطوير �أدوات‬ ‫الثقافة العربية لتتواءم مع الأو�ضاع اجلديدة‬ ‫التي �أفرزتها عملية التزاوج الذي حدث بني‬ ‫ثورتي املعلومات واالت�صاالت‪ ،‬كان هناك‬ ‫ت�أكيد على �رضورة االلتفات �إىل مفهوم‬ ‫«الثقافة الرقمية» كمعطى معا�رص ميكن �أن‬ ‫يعيد هيكلة �شكل التفاعل الثقايف العربي «فقد‬ ‫�أ�صبح من ال�رضوري االلتفات �إىل ما للثقافة‬ ‫الرقمية والبالغة الإلكرتونية من �أهمية يف‬ ‫�إن�شاء ج�سور ثقافية وبناء توا�صلية معرفية‪،‬‬ ‫ف�ضيلتها اقت�صار امل�سافات وجتاوز احلواجز‬ ‫وال�سفر بني الأرجاء من دون �أن نربح مقاعدنا‬ ‫�أمام �شا�شة �سحرية تداري يف بطنها �آفاق ًا ال‬

‫حرة ب�سعة الكون» (‪.)46‬‬ ‫متناهية‪ ،‬وف�ضاءات ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 282‬للتنمية الثقافية‬

‫ال�شذرية �أال تكون الكتابة خا�ضعة للخطبة‬ ‫وال�سطرية‪ ،‬بل العمل على تك�سريها باال�شتغال‬ ‫على الكلمة املطبوعة �أو على بيا�ض الورقة‪،‬‬ ‫مبا ي�سمح باالنتباه �إىل رمزية الكتابة يف‬ ‫بعدها الطباعي املادي‪ .‬فالكلمة قد تتفكك وقد‬ ‫حتذف‪ ،‬وقد ميتد �صوت من �أ�صواتها‪ ،‬واجلمل‬ ‫ترتكب بطريقة من الطرق‪ ،‬والن�ص قد يبدو‬ ‫ك�إحدى ق�صائد التفعيلة �أو ق�صائد النرث» (‪.)48‬‬

‫خال�صة‬

‫من التحليل ال�سابق ملعامل خطاب‬ ‫املجالت الثقافية العربية و�سماته‪ ،‬على‬ ‫امل�ستويني الكمي والكيفي‪ ،‬ميكننا �أن نخل�ص‬ ‫�إىل وجود �صفة �أ�سا�سية تتمحور حولها �سمات‬ ‫هذا اخلطاب وتفاعالته كافة‪ .‬وترتبط هذه‬ ‫ال�صفة بتما�سكه حول مركز معني‪� ،‬إىل احل ّد الذي‬ ‫ميكن معه �أن ن�صف هذا اخلطاب بـ «اخلطاب‬ ‫املتمركز»‪ .‬وقد يكون هذا املركز �شخ�ص ًا‪� ،‬أو‬ ‫مو�ضوع ًا‪� ،‬أو مكان ًا‪� ،‬أو زمن ًا حمدداً‪ .‬فاخلطاب‬ ‫مت حتليله يعك�س �أطياف ًا خمتلفة‬ ‫الثقايف الذي ّ‬ ‫من التمركز ميكن �إجمالها يف ما يلي‪:‬‬ ‫• التمركز حول ال�شخ�ص‪ :‬فاخلطاب الثقايف‬ ‫مت حتليلها يعتمد‬ ‫كما تعك�سه املجالت التي ّ‬ ‫على فكرة «التعبري ال�شخ�صاين»‪ .‬فالفاعل‬ ‫الثقايف يف العامل العربي يتف ّوق يف الكثري‬ ‫من الأحيان على الفعل الثقايف نف�سه‪ .‬وقد‬ ‫�أ ّدى تركيز اخلطاب على املراكز ال�شخ�صية يف‬ ‫الدوائر الثقافية العربية املختلفة �إىل دمغه‬ ‫يف الكثري من الأحيان بالطابع االحتفائي‪،‬‬ ‫واالحتفايل‪ ،‬و�أوقعه يف بع�ض املوا�ضع يف‬ ‫�رشك الدعاية و�أخرجه من دائرة الإعالم‪.‬‬ ‫• التمركز حول الذات القطرية‪ :‬ظهر هذا‬

‫الأمر بدرجات خمتلفة داخل اخلطابات التي‬ ‫ق ّدمتها املجالت الثقافية العربية‪ ،‬وقد بلغت‬ ‫هذه ال�سمة �أعلى م�ستويات حتققها داخل جملة‬ ‫الهالل امل�رصية‪ ،‬و�أدناها داخل جملة الآداب‬ ‫البريوتية‪ ،‬وكانت ك ّل من جملتي العربي‬ ‫وال�صحيفة الثقافية و�سط ما بني االثنني يف‬ ‫درجة التمركز حول القطر الذي ت�صدر منه‬ ‫املجلة‪.‬‬ ‫• التمركز حول املكان‪ :‬وقد ظهر هذا الأمر‬ ‫ب�صورة جلية داخل جملة العربي‪ ،‬يف حني‬ ‫غطّ ى التمركز حول ال�شخ�ص يف جملة الهالل‬ ‫على م�س�ألة التمركز حول املكان‪ ،‬يف الوقت‬ ‫الذي كان خطاب جملة الآداب‪ ،‬وخطاب‬ ‫ال�صحيفة الثقافية �أكرث اهتمام ًا بال�سفر عرب‬ ‫�أماكن خمتلفة‪.‬‬ ‫• التمركز حول الزمن‪ :‬فقد اهت ّم كل خطاب‬ ‫ثقايف داخل املجالت الثقافية العربية‬ ‫بالتمركز حول فرتة زمنية معينة‪ ،‬تراوحت ما‬ ‫بني التاريخ القدمي‪ ،‬كما ظهر يف جملة العربي‪،‬‬ ‫والتاريخ احلديث‪ ،‬كما ظهر يف جملة الهالل‪،‬‬ ‫والزمن املعا�رص‪ ،‬كما ظهر يف جملة الآداب‪،‬‬ ‫وكذلك يف ال�صحيفة الثقافية املغربية‪.‬‬ ‫• التمركز حول القيمة‪ :‬فقد كانت قيمة‬ ‫الإبداع قيمة مركزية داخل اخلطاب الثقايف‬ ‫بكل من جملة الهالل وال�صحيفة الثقافية‪،‬‬ ‫يف حني متركز اخلطاب الثقايف مبجلة الآداب‬ ‫حول قيمة املقاومة‪ ،‬ليعك�س الت�صاقه بق�ضايا‬ ‫احلا�رض ومتركزه حول امل�شكالت الآنية التي‬ ‫تواجه العامل العربي‪.‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫اخلطاب الثقايف يف ال�صحافة العربية ‪283‬‬

‫(‪http://www.adabmag.com )1‬‬

‫(‪� )2‬إبراهيم املليفي‪ ،‬العربي يف رحاب اليون�سكو‪ :‬تكرمي للكويت والثقافة العربي‪ ،‬جملة العربي‪ ،‬عدد �سبتمرب ‪.2008‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإعالم‬

‫(‪http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1213871203147&pagename=Zone-Arabic-ArtCulture%2FACALayout )3‬‬ ‫(‪ )4‬ن�سيم جملى‪ ،‬فوزي �إ�سطفانو�س‪ ،‬جملة الهالل‪ ،‬عدد يوليو ‪� ،2008‬ص ‪.83‬‬ ‫(‪� )5‬أحمد علي بدوي‪� ،‬آفة التنوع‪ ،‬جملة الهالل‪ ،‬عدد يوليو ‪� ،2008‬ص ‪.110‬‬ ‫(‪ )6‬ه�شام �صفي الدين‪ ،‬اال�ست�رشاقيون اجلدد واال�ستعمار عن بعد‪ :‬رجال و�آليات‪ ،‬جملة الآداب‪ ،‬عدد يوليو ‪� /‬أغ�سط�س ‪� /‬سبتمرب‪� ،2008 ،‬ص ‪.6‬‬ ‫(‪ )7‬امل�صدر ال�سابق نف�سه‪� ،‬ص ‪.9‬‬ ‫(‪ )8‬ع�صمان فار�س‪ ،‬امل�رسح العربي واجلمال والإبداع‪ ،‬ال�صحيفة الثقافية‪ ،‬ال�سنة الأوىل‪ ،‬العدد الثاين ‪ /‬فرباير‪� ،‬ص ‪.6‬‬ ‫(‪ )9‬جمدي يو�سف‪ ،‬اتحّ اد الك ّتاب يف القلعة‪ ،‬جملة الهالل‪ ،‬عدد فرباير ‪� ،2008‬ص ‪.96‬‬ ‫(‪� )10‬صموئيل لبيب �سيحة‪ ،‬التاريخ وثقافة امل�ستقبل‪ ،‬جملة الهالل‪ ،‬عدد فربارير ‪� ،2008‬ص ‪.112‬‬ ‫(‪ )11‬ن�سيم جملى‪ ،‬حنني بن ا�سحق ودوره يف بعث النه�ضة العربية‪ ،‬جملة الهالل‪ ،‬عدد فرباير ‪� ،2008‬ص ‪.170‬‬ ‫(‪ )12‬حمدة خمي�س و�سعدية مفرح‪ ،‬مع الرجل تتحقق حريتي‪ ،‬جملة العربي‪ ،‬عدد مايو ‪.2008‬‬ ‫(‪ )13‬مراد وهبة‪ ،‬حياة بال موت‪ ،‬جملة الهالل‪ ،‬عدد يناير ‪� ،2008‬ص ‪.122‬‬ ‫(‪ )14‬من دم�شق �إىل حلب‪ :‬معزوفة على قيثــارة التاريخ‪ ،‬جملة العربي‪ ،‬عدد يناير ‪.2008‬‬ ‫(‪� )15‬سلمان �أبو�سنة‪ ،‬فل�سطني عربية‪� :‬أطول حرب �ضد �شعب‪ ،‬جملة العربي‪ ،‬عدد مايو ‪.2008‬‬ ‫(‪ )16‬امل�صدر ال�سابق نف�سه‪.‬‬ ‫(‪� )17‬إيالن بابه‪ ،‬املقاطعة الأكادميية‪ :‬ب�صي�ص �أمل‪ ،‬جملة الآداب‪ ،‬عدد �أبريل ‪ /‬مايو ‪ /‬يونيو ‪� ،2008‬ص ‪.6‬‬ ‫(‪ )18‬و�سيم دهم�ش‪� ،‬ستيفانو‪ :‬البعد الأخالقي يف ال�صحافة وال�سيا�سة‪ ،‬جملة الآداب‪ ،‬عدد يناير ‪ /‬فرباير ‪ /‬مار�س ‪� ،2008‬ص ‪.74‬‬ ‫(‪ )19‬امل�صدر ال�سابق نف�سه‪� ،‬ص ‪.76‬‬ ‫(‪� )20‬إيالن بابه‪ ،‬جملة الآداب‪ ،‬م�صدر �سابق‪� ،‬ص ‪.7‬‬ ‫(‪� )21‬سوزان بالكول‪ ،‬املقاطعة والنقابات‪ :‬ملاذا �إ�رسائيل حالة خا�صة ؟‪ ،‬جملة الآداب‪ ،‬عدد �أبريل ‪ /‬مايو ‪ /‬يونيو ‪� ،2008‬ص ‪.22‬‬ ‫(‪ )22‬هيالري روز‪ ،‬احلرية الأكادميية و�إ�رسائيل واملقاطعة‪ ،‬جملة الآداب‪ ،‬دي�سمرب‪� ،2008 ،‬ص ‪.15‬‬ ‫(‪� )23‬رشون قوم�ش‪� ،‬صدام العرب اليهود بال�صهيونية‪ ،‬جملة الآداب‪ ،‬عدد يوليو ‪� /‬أغ�سط�س ‪� /‬سبتمرب‪� ،2008 ،‬ص �ص ‪.39 – 33‬‬ ‫(‪� )24‬سعيد �شعيب‪ ،‬جملة الهالل‪ ،‬م�صدر �سابق‪� ،‬ص ‪.147‬‬ ‫(‪ )25‬من دم�شق �إىل حلب‪ :‬معزوفة على قيثارة التاريخ‪ ،‬جملة العربي‪ ،‬م�صدر �سابق‪.‬‬ ‫(‪ )26‬زياد منى‪ ،‬م�ؤ�س�سات الثقافة العربية‪ ،‬جملة الآداب‪ ،‬عدد يناير ‪ /‬فرباير ‪ /‬مار�س ‪� ،2008‬ص ‪.96‬‬ ‫(‪ )27‬حممد ديبو‪ ،‬ال�شعر حي يرزق‪ ،‬جملة الآداب‪ ،‬عدد يوليو ‪� /‬أغ�سط�س ‪� /‬سبتمرب‪� ،2008 ،‬ص ‪.68‬‬ ‫(‪� )28‬صالح ح�سن‪ ،‬خما�ضات الثقافة العربية الطويلة‪� ،‬ص ‪ ،79‬امل�صدر ال�سابق‪� ،‬ص ‪.79‬‬ ‫(‪ )29‬فاطمة ناعوت‪� ،‬أزمة قارىء ومثقف‪ ،‬ال �أزمة �شعر‪ ،‬امل�صدر ال�سباق‪� ،‬ص ‪.80‬‬ ‫(‪ )30‬فاطمة ناعوت‪ ،‬حممد �صبحي‪ :‬فار�س امل�رسح النبيل‪ ،‬ال�صحيفة الثقافية‪ ،‬جملة فواني�س‪ ،‬العدد الأول‪ ،‬ال�سنة الأوىل ‪� /‬شهر يناير‪� ،‬ص ‪.13‬‬ ‫(‪ )31‬عدنان ال�ساحلي‪ ،‬وجه ًا لوجـه مع‪ :‬منح ال�صلح‪ ،‬جملة العربية‪ ،‬عدد �سبتمرب ‪.2008‬‬ ‫(‪ )32‬امل�صدر ال�سباق نف�سه‪.‬‬ ‫(‪� )33‬سالم عبود‪� ،‬أمراء املدن الدول الكردية‪ ،‬جملة الآداب‪ ،‬عدد يناير ‪ /‬فرباير ‪ /‬مار�س ‪� ،2008‬ص ‪.69‬‬ ‫(‪ )34‬عامر حم�سن‪ ،‬اخلطاب والهيمنة‪ :‬يف تلم�س وجه العراق اجلديد‪ ،‬جملة الآداب‪ ،‬عدد �أبريل ‪ /‬مايو ‪ /‬يونيو ‪� ،2008‬ص ‪.96‬‬ ‫(‪ )35‬جمال الدين اخل�ضور‪ ،‬مدن القبائل‪ ،‬رجال و�آليات‪ ،‬جملة الآداب‪ ،‬عدد يوليو ‪� /‬أغ�سط�س ‪� /‬سبتمرب‪� ،2008 ،‬ص ‪.11‬‬ ‫(‪ )36‬امل�صدر ال�سابق نف�سه‪� ،‬ص ‪.12‬‬ ‫(‪ )37‬حممد ديبو‪ ،‬ال�شعر حي يرزق‪ ،‬جملة الآداب‪ ،‬م�صدر �سابق‪� ،‬ص ‪.68‬‬ ‫(‪� )38‬سعيد �شعيب‪ ،‬جمدي الدقاق‪ :‬ال حظر �إال على التطرف‪ ،‬جملة الهالل‪ ،‬عدد يناير ‪� ،2008‬ص ‪.149‬‬ ‫(‪ )39‬زياد منى‪ ،‬م�ؤ�س�سات الثقافة العربية‪ ،‬جملة الآداب‪ ،‬عدد يناير ‪ /‬فرياير ‪ /‬مار�س ‪� ،2008‬ص ‪.98‬‬ ‫(‪ )40‬زياد حافظ‪ ،‬املثقف واملال‪ ،‬جملة الآداب‪ ،‬عدد يناير ‪ /‬فرباير ‪ /‬مار�س ‪� ،2008‬ص ‪.116‬‬ ‫(‪ )41‬دوري�س لي�سنج‪ :‬من الظالل �إىل �أ�ضواء نوبل‪ ،‬جملة العربي‪ ،‬عدد يناير ‪.2008‬‬ ‫(‪ )42‬حمدة خمي�س و�سعدية مفرح‪ ،‬مع الرجل تتحقق حريتي‪ ،‬جملة العربي‪ ،‬عدد مايو ‪.2008‬‬ ‫(‪ )43‬كارال �رسحان‪� ،‬صورة الرجل واملر�أة بني الإرث الثقايف والواقع‪ ،‬جملة الآداب‪ ،‬عدد دي�سمري‪� ،2008 ،‬ص ‪.46‬‬ ‫(‪ )44‬من دم�شق �إىل حلب‪ :‬معزوفة على قيثارة التاريخ‪ ،‬عدد يناير ‪.2008‬‬ ‫(‪ )45‬حممد بدوي‪ ،‬حوار مع د‪.‬جابر ع�صفور‪ ،‬جملة العربي‪ ،‬عدد يناير ‪.2008‬‬ ‫(‪ )46‬عبد اجلبار خمران‪ ،‬حوار مع �سباعي ال�سيد‪ :‬مدير موقع “املرح دوت كوم «‪ ،‬ال�صحيفة الثقافية‪ ،‬ال�سنة الأوىل ‪� /‬شهر فرباير‪� ،‬ص ‪.4‬‬ ‫(‪ )47‬جمال �أحمد الرافاعي‪ ،‬عرب راق�صون‪ ،‬جملة الهالل‪ ،‬عدد يوليو ‪� ،2008‬ص ‪.64‬‬ ‫(‪� )48‬شعرية الق�صة الق�صرية جداً‪ :‬ن�صو�ص �سعيد منت�سب وعبد اهلل املتقي‪ ،‬ال�صحيفة الثقافية‪ ،‬ال�سنة الأوىل‪ ،‬العدد الأول ‪� /‬شهر يناير‪� ،‬ص ‪.9‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 284‬للتنمية الثقافية‬

‫الف�صل الثالث‬ ‫اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية‬

‫�أو ًال‪ :‬االجتاهات العامة ملعاجلة‬ ‫امل�ضامني الثقافية عرب القنوات‬ ‫والربامج التليفزيونية‬ ‫م�ؤ�رشات اهتمام القنوات التلفزيونية‬ ‫العربية بالربامج الثقافية‬

‫ُتع ّد الربامج الثقافية التي تق ّدم عرب‬ ‫القنوات التليفزيونية العامة‪ ،‬وكذلك القنوات‬ ‫الثقافية املتخ�ص�صة‪ ،‬امل�ساحة الأ�سا�سية التي‬ ‫تتجلّى عربها مالمح اخلطاب الثقايف‪ .‬وتتم ّيز‬ ‫جدول رقم ‪1‬‬

‫يو�ضح توزيع �ساعات الإر�سال بالتليفزيون امل�رصي‬ ‫(‪)2‬‬ ‫على املجاالت الرباجمية املختلفة‬

‫املجاالت الرباجمية‬ ‫املجال ال�سيا�سي‬ ‫املجال الديني‬ ‫املجال الثقايف‬ ‫املجال التعليمي‬ ‫املجال الريا�ضي‬ ‫املجال االقت�صادي‬ ‫اخلدمات والتنمية‬ ‫املجال ال�صحي‬ ‫املجال االجتماعي‬ ‫جمال الرتاث والتاريخ‬ ‫املجال ال�سياحي‬ ‫م�ضامني ترفيهية‬

‫�ساعات الإر�سال‬ ‫�س‬ ‫ق‬

‫املتو�سط اليومي‬ ‫الن�سبة‬ ‫�س‬ ‫ق‬

‫‪48‬‬

‫‪5578‬‬

‫‪10.39‬‬

‫‪15‬‬

‫‪15‬‬

‫‪36‬‬

‫‪4157‬‬

‫‪7.74‬‬

‫‪22‬‬

‫‪11‬‬

‫‪26‬‬

‫‪8712‬‬

‫‪16.22‬‬

‫‪48‬‬

‫‪23‬‬

‫‪35‬‬

‫‪1250‬‬

‫‪2.23‬‬

‫‪25‬‬

‫‪3‬‬

‫‪15‬‬

‫‪3112‬‬

‫‪5.79‬‬

‫‪30‬‬

‫‪8‬‬

‫‪49‬‬

‫‪786‬‬

‫‪1.46‬‬

‫‪9‬‬

‫‪2‬‬

‫‪41‬‬

‫‪4162‬‬

‫‪7.75‬‬

‫‪22‬‬

‫‪11‬‬

‫‪46‬‬

‫‪312‬‬

‫‪0.58‬‬

‫‪51‬‬

‫‪-‬‬

‫‪56‬‬

‫‪9622‬‬

‫‪17.91‬‬

‫‪17‬‬

‫‪26‬‬

‫‪4‬‬

‫‪553‬‬

‫‪1.03‬‬

‫‪31‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪747‬‬

‫‪1.39‬‬

‫‪3‬‬

‫‪2‬‬

‫‪56‬‬

‫‪14720‬‬

‫‪27.41‬‬

‫‪13‬‬

‫‪40‬‬

‫القنوات الثقـافـية املــتخ�صـ�صــة عن الربامج‬ ‫بوجود نوع من الرتكيز الك ّمي‪ ،‬والتن ّوع على‬ ‫امل�ستوى الكيفي يف اخلطاب الذي تق ّدمه‪،‬‬ ‫بالإ�ضافـة �إىل التوجه �إىل خماطبة كل من‬ ‫اجلمهور العام‪ ،‬وكذلك الفئات اجلماهريية‬ ‫املعنية بال�ش�أن الثقايف‪.‬‬ ‫وميكن القول ب�أن الربامج الثقافية تتو ّزع‬ ‫على ثالثة جماالت �أ�سا�سية ت�شمل‪:‬‬ ‫• الفكر‪ :‬ويغطي هذا املجال الأفكار الكربى‬ ‫التي تعتمل داخل املجتمع خالل فرتة زمنية‬ ‫معينة‪.‬‬ ‫• العلم‪ :‬من خالل تقدمي احلقائق والنظريات‬ ‫والأفكار العلمية احلديثة واملعا�رصة التي ته ّم‬ ‫مب�سطة و�صياغات مفهومة‪.‬‬ ‫اجلمهور بلغة ّ‬ ‫• الفن‪ :‬وت ّت�سع الدوائر الفنية التي تهتم بها‬ ‫الـربامـج الــثقافية لـت�شمـل الأدب بـ�أجنـا�سـه‬ ‫و�أنــواعــه الــمختــلـفـة‪ ،‬والـفنـون الـت�شكـيلـية‬ ‫واملو�سيقى غريها‪.‬‬ ‫وت�ؤكّد الأرقام اخلا�صة مب�ضامني الربامج‬ ‫التليفزيونية التي يق ّدمها العديد من القنوات‬ ‫العربية على ارتفاع ن�سبة الربامج الثقافية‬ ‫التي حتر�ص على تقدميها يف �إطار املنظومات‬ ‫الرباجمية الأخرى‪ .‬على �سبيل املثال ي�شري‬ ‫الكتاب ال�سنوي التحّ اد الإذاعة والتليفزيون‬ ‫يف م�رص �إىل خريطة الربامج التي تت�ض ّمنها‬ ‫�ساعات الإر�سال على النحو املو�ضح يف‬ ‫اجلدول التايل‪( :‬جدول رقم ‪)1‬‬ ‫تــ�ؤكّد الأرقام الـ�سابـقـة ارتـفـاع عـــدد‬ ‫يخ�ص�صها التليفزيون امل�رصي‬ ‫ال�ساعات التي ّ‬ ‫للربامج الثقافية‪ ،‬حيث تبلغ ن�سبتها �إىل‬ ‫�إجمايل اخلريطة الرباجمية ل�ساعات البث‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية ‪285‬‬

‫جدول رقم ‪2‬‬

‫و�سائل الثقافة‬ ‫والفنون‬

‫الكتاب‬ ‫ال�صحافة‬ ‫ال�سينما‬ ‫املو�سيقى‬ ‫املتاحف‬ ‫امل�رسح‬ ‫الباليه‬ ‫الفنون الت�شكيلية‬ ‫املجموع‬

‫الإعالم‬

‫(‪ ،)%16.22‬وهي ن�سبة مرتفعة تتفوق على‬ ‫ن�سبة ال�ساعات املخ�ص�صة للربامج ال�سيا�سية‬ ‫والربامج الدينية واالقت�صادية‪ ،‬وكذا الربامج‬ ‫اخلدمية والتنموية‪ ،‬ويف املقابل من ذلك تق ّل‬ ‫ن�سبة الربامج الثقافية بالتليفزيون امل�رصي‬ ‫– ن�سبي ًا – عن الربامج االجتماعية‪ ،‬كما تق ّل‬ ‫ب�صورة ملحوظة عن امل�ضامني الرتفيهية‪.‬‬ ‫وعلى وجه العموم ال يح ّدد الكتاب ال�سنوي‬ ‫التحّ اد الإذاعة والتليفزيون (امل�رصي) املعايري‬ ‫التي قام يف �ضوئها بت�صنيف الربامج التي‬ ‫يق ّدمها‪ ،‬وميكننا فقط �أن ن�ستخل�ص يف �ضوء‬ ‫الت�صنيف الرباجمي الذي يت�ض ّمنه اجلدول‬ ‫ال�سابق �أن التليفزيون امل�رصي ينظر �إىل‬ ‫الربامج الثقافية كربامج متخ�ص�صة تختلف‬ ‫عن الربامج الدينية واالقت�صادية وال�سيا�سية‬ ‫وغريها‪ ،‬و�أنه ال يتبنى املنظور العام يف حتديد‬ ‫امل�ضمون الثقايف لي�رصفه �إىل كل الأ�شكال‬ ‫املو�ضوعية التي ي�شملها اخلطاب التليفزيوين‪،‬‬ ‫وتتوىل نقل قيم و�أفكار مع ّينة تتدخل يف‬ ‫ت�شكيل �أ�سلوب حياة املتلقي‪.‬‬ ‫ولكن من املمكن التحفظ على الرقم الذي‬ ‫يح ّدد املتو�سط اليومي ل�ساعات �إر�سال الربامج‬ ‫املعنية باملجال الثقايف على القنوات امل�رصية‬ ‫املختلفة (ما يقرب من ‪� 24‬ساعة يومي ًا) يف‬ ‫�ضوء ما �أ�شارت �إليه �إحدى الدرا�سات من �أن‬ ‫معظم الربامج الثقافية التي يبثّها التليفزيون‬ ‫امل�رصي هي برامج �أ�سبوعية يف املقام الأول‪،‬‬ ‫ولي�ست برامج يومية (‪.)1‬‬ ‫وي�ؤكد حتليل العالقة التكاملية بني نوعية‬ ‫الربامج الثقافية التي يعتمد عليها التليفزيون‬ ‫امل�رصي يف قناتيه الرئي�ستني (الأوىل والثانية)‬ ‫وو�سائل الثقافة والفنون الطابع االمتدادي‬ ‫للخطاب الذي تق ّدمه هذه الربامج‪ ،‬والذي‬ ‫يجعل القالب الأ�سبوعي هو الأ�صلح بالن�سبة‬ ‫له‪ ،‬مقارن ًة بالقالب الرباجمي اليومي‪.‬‬ ‫ويق�صد بتكامل الربامج الثقافية مع و�سائل‬ ‫الثقافة والفنون ما تت�ض ّمنه الربامج الثقافية‬ ‫من م�ضامني ثقافية م�ستقاة من هذه الو�سائل‪،‬‬ ‫ت�سهم يف حتقيق الأهداف الثقافية للمجتمع‪.‬‬

‫ويــو�ضح اجلدول التايل مدى تكامل الربامج‬ ‫الثقافية مع هذه الو�سائل‪ ،‬وهي ال�صحافة‬ ‫والــ�سينمــا والــم�سـرح والكـتــاب والـمو�سيقـى‬ ‫والباليه والفنون الت�شكيلية واملتاحف‪ ،‬وذلك‬ ‫داخل القناتني الأوىل والثانية يف التليفزيون‬ ‫امل�رصي (‪( :)2‬جدول رقم ‪)2‬‬ ‫ومن خالل حتليل الربامج الثقافية داخل‬ ‫تو�صل‬ ‫كل من التليفزيون امل�رصي وال�سوري ّ‬ ‫�أحد الباحثني �إىل عدد من ال�سمات التي مت ّيز‬ ‫الربامج الثقافية يف القنوات التليفزيونية‬ ‫العربية من �أهمها‪:‬‬ ‫• ينتمي معظم الربامج الثقافية �إىل فئة‬ ‫الربامج امل�سجلة‪ ،‬والن�سبة الأقل منها يت ّم‬ ‫بثّها مبا�رشة على الهواء‪ ،‬مبا ي�شري �إىل طابعها‬ ‫الر�سمي واملتحفظ‪.‬‬ ‫• يعتمد بع�ض الربامج الثقافية العربية‬ ‫على منتجات ثقافية غربية‪ ،‬خ�صو�ص ًا على‬ ‫م�ستوى املو�سيقى التي ت�صاحب عر�ض فرتات‬ ‫الربامج‪.‬‬ ‫• ترتاوح مدة الربامج الثقافية العربية ما‬ ‫بني ‪ 30 – 15‬دقيقة‪ ،‬ي�ضاف �إىل ذلك طابعها‬ ‫الأ�سبوعي‪ ،‬وهذا يعطي م�ؤ�رشاً عن حمدودية‬ ‫يو�ضح تكامل الربامج الثقافية مع و�سائل الثقافة‬ ‫والفنون يف القناتني ‪ 1‬و ‪ 2‬يف التليفزيون امل�رصي‬ ‫القناة الأوىل‬ ‫(‪)%‬‬

‫القناة الثانية‬ ‫(‪)%‬‬

‫االجتاه العام‬ ‫(‪)%‬‬

‫‪%23.48‬‬

‫‪%26.00‬‬

‫‪%29.74‬‬

‫‪%21.00‬‬

‫‪%12.00‬‬

‫‪%16.50‬‬

‫‪%19.20‬‬

‫‪%17.40‬‬

‫‪%18.30‬‬

‫‪%12.50‬‬

‫‪%5.60‬‬

‫‪%9.5‬‬

‫‪%5.80‬‬

‫‪%15.40‬‬

‫‪%10.60‬‬

‫‪%5.00‬‬

‫‪%13.00‬‬

‫‪%8.50‬‬

‫‪%3.57‬‬

‫‪%6.00‬‬

‫‪%4.79‬‬

‫‪%0.45‬‬

‫‪%4.60‬‬

‫‪%2.52‬‬

‫‪%100‬‬

‫‪%100‬‬

‫‪%100‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 286‬للتنمية الثقافية‬

‫امل�ساحة التي حتتلّها على اخلريطة الرباجمية م�ؤ�رشات اعتماد اخلطاب التليفزيوين على‬ ‫مقارن ًة ب�أنواع �أخرى من الربامج‪.‬‬ ‫الربامج امل�ستوردة وت�أثرياته الثقافية‬

‫تتفاوت الربامج الثقافية العربية‬ ‫يف درجة اعتمادها على اللغة‬ ‫العربية الف�صحى ك�أداة لتقدمي‬ ‫املحتوى‪ ،‬ففي حني ُي�ستخدم هذا‬ ‫امل�ستوى اللغوي يف تقدمي الربامج‬ ‫الـثقافية بـالـتلـيفزيون الـ�سـوري‬ ‫بن�سبة ‪ ،%65‬ف�إن الربامج الـمناظـرة‬ ‫فـي التـليـفـزيــون امل�رصي توظفه‬ ‫بن�سبة ‪ %40‬فقط‪ ،‬حيث ي�صعد دور‬ ‫امل�ستوى اللغوي (العامي) يف تقدمي‬ ‫املحتوى‪.‬‬

‫ت�شكّل الربامج التي ت�ستوردها‬ ‫الـمحطات الـتـلفـزيـونيـة الـعـربيـة‬ ‫من الدول الأجنبية كالواليات‬ ‫املتحـــدة وبريطانيا وفرن�سا‬ ‫و�أملانيا واليابان وغريها ن�سبة‬ ‫كبرية ترتاوح ـ ح�سب اليون�سكو ـ‬ ‫ما بني ‪� %40‬إىل ‪ %60‬من جمموع‬ ‫ما تبثه القنوات العربية‪ .‬ويحتل‬ ‫الإنتاج الأمريكي ن�سبة ‪ %80‬من‬ ‫جمموع الربامج امل�ستوردة التي‬ ‫تظهر على خريطة هذه القنوات‪.‬‬

‫• من �أبرز املو�ضوعات التي تركّز‬ ‫عليها الربامج الثقافية العربية‪ :‬املو�ضوعات‬ ‫الفنية من ناحية‪ ،‬واملو�ضوعات التي تت�صل‬ ‫باملعارف العامة من ناحية �أخرى‪.‬‬ ‫• تتفاوت الربامج الثقافية العربية يف‬ ‫درجة اعتمادها على اللغة العربية الف�صحى‬ ‫ك�أداة لتقدمي املحتوى‪ ،‬ففي حني ُي�ستخدم هذا‬ ‫امل�ستوى اللغوي يف تقدمي الربامج الثقافية‬ ‫بالتليفزيون ال�سوري بن�سبة ‪ ،%65‬ف�إن الربامج‬ ‫املناظرة يف التليفزيون امل�رصي توظفه بن�سبة‬ ‫‪ %40‬فقط‪ ،‬حيث ي�صعد دور امل�ستوى اللغوي‬ ‫(العامي) يف تقدمي املحتوى‪.‬‬ ‫• تتفاوت الربامج الثقافية يف درجة‬ ‫اعتنائها مبخاطبة اجلمهور العام والنخب‬ ‫املثقفة‪ ،‬ففي حني تركّز الربامج الثقافية‬ ‫امل�رصية على تو�سيع قاعدة جمهورها‬ ‫لتخاطب اجلمهور العام من خالل ق�ضايا‬ ‫متن ّوعة ومعا�رصة‪ ،‬متيل الربامج الثقافية‬ ‫ال�سورية �إىل خماطبة النخبة املثقفة من خالل‬ ‫�أجندة مو�ضوعات ال ت ّت�صل ب�شبكة االهتمامات‬ ‫العامة للجمهور (‪.)3‬‬ ‫وقد �أ�شار العديد من الدرا�سات التي‬ ‫�أجريت على اجلمهور العربي يف دول متنوعة‬ ‫�إىل وجود طلب وا�ضح من جانب امل�شاهدين‬ ‫على الربامج الثقافية‪ ،‬ففي درا�سة �أجريت على‬ ‫اجلمهور امل�رصي طالب ن�سبة ‪ %25.4‬من‬ ‫املبحوثني بزيادة امل�ساحة الزمنية املخ�ص�صة‬ ‫للربامج الثقافية على القنوات التليفزيونية (‪.)4‬‬ ‫و�أكّدت درا�سة �أخرى �أن ن�سبة ‪ %36‬من جمهور‬ ‫التليفزيون يف الإمارات يحر�ص على متابعة‬ ‫الربامج الثقافية (‪ .)5‬ويف �سوريا ت�أتي الربامج‬ ‫الثقافية يف املرتبة الثانية (بن�سبة ‪)%17.5‬‬ ‫بعد الربامج الرتفيهية مبا�رشة‪ ،‬من حيث درجة‬ ‫تف�ضيل اجلمهور لها (‪.)6‬‬

‫ت�شكّل الربامج التي ت�ستوردها املحطات‬ ‫الـتلـفـزيـونيـة الـعـربيـة مـن الـدول الأجـنـبـيـة‬ ‫كالواليات املتحـــدة وبريطانيا وفرن�سا‬ ‫و�أملانيا واليابان وغريها ن�سبة كبرية ترتاوح‬ ‫ـ ح�سب اليون�سكو ـ ما بني ‪� %40‬إىل ‪%60‬‬ ‫من جمموع ما تبثه القنوات العربية‪ .‬ويحتل‬ ‫الإنتاج الأمريكي ن�سبة ‪ %80‬من جمموع‬ ‫الربامج امل�ستوردة التي تظهر على خريطة هذه‬ ‫القنوات (‪. )7‬‬ ‫وعلى الرغم من امل ّربرات التي يق ّدمها‬ ‫البع�ض عن �أهمية التالقح ما بني الثقافات‬ ‫املختلفة عرب و�سائل الإعالم‪� ،‬إال �أن ارتفاع‬ ‫معدالت اعتماد القنوات التليفزيونية العربية‬ ‫على الربامج امل�ستوردة من م�صادر �شتى يثري‬ ‫العديد من الإ�شكاليات‪:‬‬ ‫• �إ�شكالية تهديد الهوية الثقافية‬ ‫للمواطن العربي‪ :‬فال خالف على �أن اخلطاب‬ ‫الإعالمي امل�ستورد يحمل قيم املجتمع الذي‬ ‫�أنتجه‪ ،‬وقد تتناق�ض هذه القيم مع املنظومة‬ ‫القيم ّية ال�سائدة لدى اجلمهور الذي يعتمد‬ ‫اخلطاب التليفزيوين املوجه �إليه على الربامج‬ ‫امل�ستوردة‪ .‬وهذه الإ�شكالية ال ترتبط فقط‬ ‫مبواطني العامل العربي �أو العامل الثالث ككل‪،‬‬ ‫بل تتعلق بالعديد من الدول الأخرى‪ ،‬مبا فيها‬ ‫بع�ض الدول املتقدمة‪ ،‬حيث بد�أت تتعاىل‬ ‫الأ�صوات فيها من ّبهة �إىل خطورة الربامج‬ ‫التليفزيونية امل�ستوردة على الهوية املحلية‬ ‫للمجتمع‪ .‬ففي دولة مثل اليابان بد�أ الكثري من‬ ‫الباحثني احلديث عن خطورة �سيطرة الواليات‬ ‫املتحدة الأمريكية على التجارة العاملية لربامج‬ ‫التليفزيون‪ ،‬مبا يثري م�شكلة الغزو الثقايف‪،‬‬ ‫لي�س فقط على م�ستوى دول العامل الثالث‪،‬‬ ‫بل على م�ستوى بع�ض دول العامل املتقدم‪.‬‬ ‫والالفت �أن امل�شكلة ُتطرح يف دولة كاليابان‬ ‫على هذا النحو على الرغم من �أن ن�سبة الربامج‬ ‫امل�ستوردة يف القنوات التليفزيونية اليابانية‬ ‫مل تتجاوز طيلة عقد الت�سعينيات (‪.)8( )%5.2‬‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية ‪287‬‬

‫الدولة‬

‫ن�سبة االعتماد على الربامج امل�ستوردة‬

‫البحرين‬

‫‪%85‬‬

‫قطر‬

‫‪%64‬‬

‫الإمارات‬

‫‪%55‬‬

‫م�رص‬

‫‪%43‬‬

‫�سوريا‬

‫‪%43‬‬

‫اجلزائر‬

‫‪%70‬‬

‫دول عربية‪ .‬وي�ستورد تليفزيون الإمارات ‪%55‬‬ ‫من براجمه‪ ،‬منها ‪ %20‬يت ّم ا�ستريادها من دول‬ ‫غربية و ‪ %35‬من دول عربية (‪� .)10‬أما م�رص‬ ‫و�سوريا فت�ستوردان ن�سبة ‪ %43‬من الربامج‬

‫التي تبثها تليفزيوني ًا‪ .‬وتزيد الن�سبة يف اجلزائر‬ ‫حتى ت�صل يف الربامج الثقافية بوجه خا�ص‬ ‫�إىل (‪ )%70‬من �إجمايل ما ي�ستورد من الغرب‬ ‫الأمريكي (‪.)11‬‬ ‫• �إ�شكالية ا�ستح�ضار القيم الأجنبية‬ ‫يف منتجات �إعالمية عربية‪ :‬فامل�س�ألة هنا ال‬ ‫تعتمد على اال�سترياد املبا�رش للمادة الرباجمية‬ ‫الأجنبية‪ ،‬بل على ا�ستعارة فكرة برنامج معني‬ ‫مبا حتمله من قيم‪ ،‬و�إعادة �إنتاجها يف �إطار‬ ‫البيئة العربية وبعنا�رص و�أبطال ينتمون‬ ‫�إىل هذه البيئة‪ .‬وقد تركّز معظم هذه املواد‬ ‫الرباجمية يف �إطار ما يطلق عليه تليفزيون‬ ‫الواقع الذي تزامن ظهوره مع بداية الألفية‬ ‫الثالثة عندما بثّت قنوات ف�ضائية حكومية‬ ‫وخا�صة برامج القت جناح ًا جماهرييا ملفت ًا‪،‬‬ ‫من نوع «�ستار اكادميي» ‪Star Academy‬‬ ‫و«‪ »Loft Story‬و»�سوبر �ستار» و»الأخ الأكرب»‬ ‫املتفرج‬ ‫‪ .Big Brother‬وهي برامج �أ�صبح فيها‬ ‫ّ‬ ‫يدرب على العي�ش يف املجموعة‪،‬‬ ‫فاع ًال �أ�سا�سي ًا ّ‬ ‫ومير بفرتات امتحان وجتريب ُتكلّل �إما بالنجاح‬ ‫ّ‬ ‫�أو الف�شل‪ .‬كما تقدم هذه النوعية من الربامج‬ ‫منط تن�شئة غري م�ألوف يزاحم التن�شئة امل�ألوفة‬

‫يف دولة مثل اليابان بد�أ الكثري من‬ ‫الباحثني احلديث عن خطورة �سيطرة‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية على‬ ‫التجارة العاملية لربامج التليفزيون‪،‬‬ ‫مبا يثري م�شكلة الغزو الثقايف‪ ،‬لي�س‬ ‫فقط على م�ستوى دول العامل الثالث‪،‬‬ ‫بل على م�ستوى بع�ض دول العامل‬ ‫املتقدم‪ .‬والالفت �أن امل�شكلة ُتطرح يف‬ ‫دولة كاليابان على هذا النحو‪ ،‬على‬ ‫الرغم من �أن ن�سبة الربامج امل�ستوردة‬ ‫يف القنوات التليفزيونية اليابانية‬ ‫مل تتجاوز طيلة عقد الت�سعينيات‬ ‫(‪.)%5.2‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإعالم‬

‫�إن الكثري من املجتمعات الآن �أ�صبحت‬ ‫�أكرث اهتمام ًا مبواجهة املفهوم الكوين للهوية‬ ‫الثقافية‪ ،‬الذي ير ّوج له منظّ رو العوملة‪ .‬وهو‬ ‫مفهوم يرتكز على رف�ض فكرة الهوية املحلية‪،‬‬ ‫الأمر الذي �أ ّدى �إىل تن�شيط الأدوات الإعالمية‬ ‫داخل العديد من املجتمعات يف حماولة حلماية‬ ‫مالمح وقيم الهوية اخلا�صة بها‪ ،‬واتجّ هت �إىل‬ ‫تقدمي تف�سري لفكرة الهوية الثقافية الكونية ‪-‬‬ ‫التي ر ّوج لها منظرو العوملة ‪ -‬يف �إطار مفهوم‬ ‫اال�ستعمار الثقايف ‪.Cultural Imperialism‬‬ ‫وي�صف هذا املفهوم حماوالت الدول‬ ‫املهيمنة فر�ض منتجها الثقايف مبا تعك�سه‬ ‫من اعتقادات وقيم و�أيديولوجيات يتبناها‬ ‫املجتمع امل�صدر لهذا املنتج على املجتمعات‬ ‫الأخرى الهام�شية التي متثّل حلقات �أ�ضعف‬ ‫يف النظام العاملي‪ .‬واال�ستعمار الثقايف بهذا‬ ‫املعنى هو ا�سرتاتيجية تتبناها الدول املهيمنة‬ ‫من ناحية وجتابهها �سيا�سات حملية يف الدول‬ ‫امل�ستقبلة من ناحية �أخرى (‪.)9‬‬ ‫• �إ�شكالية �ضعف الإنتاج التليفزيوين‬ ‫ببلدان العامل العربي‪� :‬إن ارتفاع معدالت‬ ‫اعتماد القنوات التليفزيونية العربية على‬ ‫املنتج الرباجمي امل�ستورد يعك�س �ضعف‬ ‫بنية الإنتاج التليفزيوين بهذه الدول وتراجع‬ ‫م�ستواه‪ ،‬ويف الوقت نف�سه ال يعطي م�ؤ�رشاً حول‬ ‫وجود نوع من ال�سعي نحو تطويرها‪ .‬يكفي يف‬ ‫هذا ال�سياق �أن نراجع بع�ض الأرقام املتعلقة‬ ‫بحجم اعتماد القنوات التليفزيونية داخل دول‬ ‫العامل العربي على الربامج امل�ستوردة لكي‬ ‫نتعرف �إىل حجم امل�شكلة‪.‬‬ ‫ي ّت�ضح من الأرقام ال�سابقة درجة التفاوت‬ ‫ما بني دول العامل العربي يف االعتماد‬ ‫على الربامج امل�ستوردة يف تقدمي اخلدمات‬ ‫التليفزيونية‪ .‬فتليفزيون البحرين يعتمد‬ ‫على الربامج امل�ستوردة بن�سبة ‪ ،%85‬تتو ّزع‬ ‫بن�سبة ‪ %50‬على برامج م�ستوردة من دول‬ ‫غربية‪ ،‬ون�سبة ‪ %35‬م�ستوردة من دول عربية‪،‬‬ ‫وي�ستورد تليفزيون قطر ن�سبة ‪ %64‬من براجمه‬ ‫منها ن�سبة ‪ %20‬من دول غربية و ‪ %44‬من‬

‫جدول رقم ‪3‬‬

‫يو�ضح ن�سب اعتماد بع�ض التليفزيونات العربية على‬ ‫الربامج امل�ستوردة‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 288‬للتنمية الثقافية‬

‫كان للف�ضائيات ت�أثري ملحوظ‬ ‫على اللغة‪ ،‬بحيث �أ�صبح للإعالم‬ ‫لغة لها منهجيتها اخلا�صة‪ ،‬بل‬ ‫و�أ�صبح الإعالم يق ّدم ع ّدة �أ�شكال‬ ‫وم�ستويات خمتلفة للتعبري‬ ‫اللغوي‪ ،‬الأمر الذي ميكن �أن يكون‬ ‫له ت�أثريات �شديدة ال�سلبية على‬ ‫م�ستقبل اللغة العربية كلغة حملية‪.‬‬

‫يف امل�ؤ�س�سة العائلية وامل�ؤ�س�سة املدر�سية‪،‬‬ ‫ف�ض ًال عن اعتمادها مبد�أ التج�س�س �أو التل�ص�ص‬ ‫على احلياة اخلا�صة وعلى االختالط يف ف�ضاء‬ ‫�ضيق وعلى امتداد كامل فرتات النهار ويف‬ ‫الليل (‪.)12‬‬ ‫وقد �أ�شارت �إحدى الدرا�سات التي حاولت‬ ‫اختبار ت�أثري امل�ضامني الإعالمية الأجنبية‬ ‫على ال�شباب العربي �إىل خطورة ما حتمله‬ ‫هذه امل�ضامني من قيم و�أفكار على الهوية‪،‬‬ ‫التعر�ض للقنوات‬ ‫و�أكّدت على �أن ارتفاع معدل ّ‬ ‫الف�ضائية الأجنبية ي�ؤدي �إىل خلق نوع من‬ ‫الت�شتيت لدى ال�شباب يف �إدراك معامل هويتهم‪،‬‬ ‫ويت�س ّبب يف �إحداث �أزمة لديهم على امل�ستوى‬ ‫القيمي‪ ،‬و�أن الـخـلــل فــي الإحـ�سـا�س بـالهــوية‬ ‫يظهر بدرجة �أكرب لدى ال�شباب من الذكور‪،‬‬ ‫ويف امل�ستويات الأعلى تعليم ًا‪ ،‬ولدى الأعمار‬ ‫كافة(‪.)13‬‬

‫م�ؤ�رشات ت�أثري اخلطاب التليفزيوين‬ ‫الف�ضائي على القيم الثقافية ملجتمعات‬ ‫العامل العربي‬

‫يف ظ ّل االمتداد امللحوظ يف ظاهرة‬ ‫القنوات العربية والأجنبية على اخلريطة‬ ‫الف�ضائية‪ ،‬خالل ال�سنوات الأوىل من القرن‬ ‫احلادي والع�رشين‪ ،‬اهت ّم العديد من الدرا�سات‬ ‫بتت ّبع الت�أثريات والتحوالت التي �أحدثها‬ ‫التعر�ض للم�ضامني التي تق ّدمها هذه القنوات‬ ‫على القيم الثقافية للجمهور داخل دول عربية‬ ‫خمتلفة‪.‬‬ ‫فـفي الـمجـتـمـع الـلـيبـي وجد �أن هناك‬ ‫ت�أثريات ملحوظة تنتج عن التعر�ض للقنوات‬ ‫الف�ضائية على القيم الثقافية التي يتبناها‬ ‫�أفراده‪ ،‬خ�صو�ص ًا من ال�شباب‪ .‬ومن �أبرز هذه‬ ‫الت�أثريات‪:‬‬ ‫• ا ّت�ضح من خالل ما تعك�سه الف�ضائيات‬ ‫العربية والأجنبية من قيم �إيجابية و�سلبية‬ ‫م�ؤثرة يف منظومة القيم املحلية‪ ،‬ظهور‬ ‫م�صدر جديد لت�رشب القيم‪� ،‬إ�ضافة �إىل امل�صادر‬ ‫الرتبوية الأخرى التي تعترب �أهمها الأ�رسة‪.‬‬

‫• متثلت �أهم مظاهر ت�أثيـر الف�ضائيات‬ ‫على الـقـيـم الـمحـلـية لـلـمجتمع اللـيبـي فـي‬ ‫اخلالف بني �أفراد الأ�رسة‪ ،‬و�ضعف التفاعل‬ ‫بني �أع�ضائها‪ ،‬وكذلك على م�ستوى العالقات‬ ‫االجتماعية الأخـرى‪ .‬وتراجع العديد من القيم‬ ‫الـتقلـيديـة داخل الـمجتمع‪ ،‬مثل قيمة الطاعة‬ ‫واحـتـرام الـوقـت والـتعـلـيم والإدخـار‪ ،‬وذلك‬ ‫على امل�ستوى الأ�رسي واالجتماعي‪� ،‬أما على‬ ‫امل�ستوى الثقايف فقد �أثّرت الف�ضائيات على‬ ‫الفرد والأ�رسة من حيث تب ّدل قيم االحتفاالت‬ ‫والـمنا�سبات االجـتـمـاعـيـة‪ ،‬وتـغـ ّيـر الـذوق‬ ‫العام(‪.)14‬‬ ‫ويف املجتمع امل�رصي ظهر العديد من‬ ‫الت�أثريات الناجتة عن ارتفاع معدالت التعر�ض‬ ‫للقنوات الف�ضائية‪ ،‬وارتبطت هذه الت�أثريات‬ ‫ب�إحداث العديد من التحوالت على م�ستوى‬ ‫عنا�رص املنظومة الثقافية للم�رصيني‪ .‬من �أهم‬ ‫هذه الت�أثريات‪:‬‬ ‫• ُيع ّد ال�سن حمدداً مهم ًا يف الت�أثري على‬ ‫اختيار الـمتـلقـي لـنوعـيـة الـربامج الإعالمية‬ ‫تف�ضل‬ ‫يف�ضلها‪ ،‬فـالـفـئات الأقـل عـمـراً ّ‬ ‫التي ّ‬ ‫الربامج الرتفيهية واملعلومات والريا�ضة‪ ،‬يف‬ ‫يف�ضل اجلمهور املتقدم يف العمر الربامج‬ ‫حني ّ‬ ‫الثقافية واالقت�صادية وال�سيا�سية‪.‬‬ ‫• كان للف�ضائيات ت�أثري ملحوظ على‬ ‫اللغة‪ ،‬بحيث �أ�صبح للإعالم لغة لها منهجيتها‬ ‫اخلا�صة‪ ،‬بل و�أ�صبح الإعالم يق ّدم ع ّدة �أ�شكال‬ ‫وم�ستويات خمتلفة للتعبري اللغوي‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫ميكن �أن يكون له ت�أثريات �شديدة ال�سلبية على‬ ‫م�ستقبل اللغة العربية كلغة حملية‪.‬‬ ‫• �سيطر على البنية الثقافية امل�رصية‬ ‫العديد من القيم املادية‪ ،‬وتراجعت القيم‬ ‫الـمعـنـويـة بـ�شـكـل مـلحـوظ‪ ،‬حـيث �سـادت‬ ‫�أذواق الفئات اجلديدة التي �أفرزتها العوملة‬ ‫االقـتـ�صـاديـة والـتـي �أحـكـمـت قـبـ�ضتها على‬ ‫االقت�صاد امل�رصي وبالتايل على فعاليات‬ ‫العملية الثقافية (‪.)15‬‬ ‫متت درا�سة‬ ‫وداخل املجتمع العماين ّ‬ ‫البث الف�ضائي‬ ‫الت�أثريات التي �أحدثها انت�شار ّ‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية ‪289‬‬

‫الإعالم‬

‫املبا�رش على البنى الثقافية للمجتمع العماين‪،‬‬ ‫و�أو�ضحت النتائج ما يلي‪:‬‬ ‫• تنظر ن�سبة كبرية من �أفراد املجتمع‬ ‫العماين �إىل القنوات الف�ضائية ك�إطار داعم‬ ‫للعديد من امل�ضامني ذات الت�أثري ال�سلبي‬ ‫على متابعيها‪ ،‬ي�أتي يف مقدمتها دعم العنف‬ ‫والإدمان واالغت�صاب‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل �إثارة‬ ‫الغرائز وترويج اجلن�س‪.‬‬ ‫البث الف�ضائي الوافد على الكثري من‬ ‫• �أثّر ّ‬ ‫القيم والعادات والتقاليد العمانية‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫ما يتعلق بنق�ص الن�شاط االجتماعي للفرد‪،‬‬ ‫وت�أثريه على �إح�سا�س الإن�سان العماين بهويته‬ ‫القطرية والعربية‪.‬‬ ‫• ارتفعت معدالت انبهار الإن�سان العماين‬ ‫التعر�ض‬ ‫باخلارج نتيجة ارتفاع م�ستويات‬ ‫ّ‬ ‫للقنوات الف�ضائية الوافدة‪ ،‬وجتلّى ذلك يف‬ ‫زيادة �إقبال املر�أة العمانية‪ ،‬وكذلك ال�شباب‬ ‫العماين على الأزياء الغربية (‪.)16‬‬ ‫مت ر�صد‬ ‫ويف �إطار املجتمع ال�سعودي‪ّ ،‬‬ ‫العديد من الت�أثريات املرتبطة بتعر�ض ال�شباب‬ ‫– على وجه اخل�صو�ص – للقنوات الف�ضائية‪،‬‬ ‫من �أبرزها‪:‬‬ ‫ً‬ ‫• تدعم القنوات الف�ضائية قيما �أجنبية‬ ‫يف م�ضمونها‪ ،‬وتق ّدم �أ�رساً ذات عالقات مفككة‬ ‫�أكرث من تلك الأ�رس التي تتبنى ر�ؤية مرتابطة‬ ‫للعالقة بني �أفرادها‪ ،‬كما تتعر�ض هذه القنوات‬ ‫متحرر‪ ،‬وهذا‬ ‫للعالقة بني الرجل واملراة ب�شكل‬ ‫ّ‬ ‫ُيع ّد م�ؤ�رشاً خطرياً على الآثار ال�سلبية املحتملة‬ ‫على ال�شباب‪.‬‬ ‫• ت�أتي القيم الأجنبية املت�ضمنة يف‬ ‫الأعمال الدرامية الأجنبية يف ظ ّل املحاوالت‬ ‫موحدة ترتكز‬ ‫الد�ؤوبة خللق ثقافة عاملية ّ‬ ‫على القيم الغربية‪ ،‬كما ميكن النظر �إىل القيم‬ ‫املزدوجة التي تت�ضمنها الدراما العربية‬ ‫كعامل م�ؤثر يف دعم مفهوم الثقافة العاملية‬ ‫املوحدة‪.‬‬ ‫• يثبت التحليل امليداين �أنه على الرغم‬ ‫من وجود نوع من الدعم للقيم الغربية يف‬ ‫املواد الدرامية‪� ،‬إال �أنه ال يوجد عالقة ارتباط‬

‫بني تعر�ض ال�شباب لهذه املواد واجتاهه نحو‬ ‫تبني القيم وال�سلوكيات الغربية (‪.)17‬‬ ‫وظهر داخل املجتمع الإماراتي العديد‬ ‫من الت�أثريات الناجتة عن التعر�ض للإعالم‬ ‫الف�ضائي املتعومل على الهوية اخلا�صة لأفراد‬ ‫هذا املجتمع‪ ،‬من �أبرزها ما يلي‪:‬‬ ‫• على الرغم من اجتياح تيار العوملة‬ ‫لدول العامل‪� ،‬إال �أن ذلك ال مينع وجود نزعة‬ ‫مقاومة من جانب العامل الإ�سالمي ترف�ض‬ ‫قبول القيم اجلديدة التي يحملها هذا التيار‬ ‫واملناق�ضة للقيم املحلية‪.‬‬ ‫• على الرغم من �أن ال�شباب هم الفئة‬ ‫اجلماهريية التي يحتمل �أن تت�أثر �أكرث من‬ ‫غريها بتيار العوملة‪� ،‬إال �أن التحليل امليداين‬ ‫لهذا القطاع يثبت �أن ن�سبة كبرية من �أفراده‬ ‫ال تزال متم�سكة بالقيم والتقاليد الثقافية‬ ‫العربية(‪.)18‬‬ ‫و�سعت �إحـدى الـدرا�سـات �إلـى تـحـلـيل‬ ‫الربنامج اللبناين �ستار �أكادميي لتحديد الدور‬ ‫الذي تلعبه برامج تليفزيون الواقع يف الت�أثري‬ ‫يف الهوية الثقافية لل�شعوب العربية‪ ،‬وتو�صلت‬ ‫�إىل عدد من النتائج‪ ،‬من �أهمها‪:‬‬ ‫• �أثارت برامج تليفزيون الواقع جدالً‬ ‫وا�ضح ًا بني املثقفني العرب حول ما حتمله‬ ‫من قيم ثقافية تتناق�ض مع الثوابت القيمية‬ ‫للمجتمع العربي‪.‬‬ ‫• عـلـى الرغـم مـن الـدور الـذي يـلعـبه‬ ‫هذا النوع من الربامج يف نقل قيم الثقافة‬ ‫الغربية �إىل الواقع العربي‪� ،‬إال �أن ذلك ال يعني‬ ‫بال�رضورة �إحداث تغيريات يف الن�سق القيمي‬ ‫ال�سائد لدى املواطنني العرب‪.‬‬ ‫• هناك جوانب خطورة متنوعة ترتبط‬ ‫بهذه الربامج �أبرزها ما يتعلق باللغة‪ ،‬حيث‬ ‫يوجد خلط يف برنامج �ستار �أكادميي بني‬ ‫ا�ستخدام اللغة العربية واللغات الأخرى‪،‬‬ ‫وبخا�صة اللغة الفرن�سية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل وجود‬ ‫العديد من اللكنات العربية التي ت�ستخدم يف‬ ‫الربنامج‪ ،‬وهذه اللكنات ال تكون مفهومة‬ ‫بالن�سبة لقطاع كبري من امل�شاهدين العرب‪.‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 290‬للتنمية الثقافية‬

‫• علـى الرغـم مـن �أن بـرنـامـج �سـتار‬ ‫�أكادميي يعبرّ عن الوحدة العربية من خالل‬ ‫جتميع عدد من �أفراد الوطن العربي من دول‬ ‫خمتلفة يف �سياق واحد‪� ،‬إال �أنه يعتبــر �أي�ض ًا‬ ‫و�سيلة تعبرّ عن تفرقتهم لأنه يو�ضح اخلالفات‬ ‫التي حتدث بني العرب (‪.)19‬‬ ‫من النتائج التي خل�صت �إليها الدرا�سات‬ ‫العلمية ال�سابقة التي تناولت ت�أثري التعر�ض‬ ‫للقنوات الف�ضائية العربية والأجنبية على‬ ‫الن�سق القيمي للثقافة العربية‪ ،‬ميكن اخلروج‬ ‫مبجموعة امل�ؤ�رشات التالية‪:‬‬ ‫• ت�ؤكد الدرا�سات ال�سابقة على الدور الذي‬ ‫ميكن �أن تلعبه القنوات الف�ضائية – ك�إحدى‬ ‫جتليات العوملة االت�صالية – يف تذويب القيم‬ ‫الأ�صيلة املرتبطة بالهوية الثقافية العربية‪.‬‬ ‫فالعقل العربي ينظر �إىل امل�ضمون الذي حتمله‬ ‫بع�ض هذه القنوات وما تق ّدمه من برامج من‬ ‫منظور «الغزو الثقايف» الذي يجب �أن تواجهه‬ ‫امل�ؤ�س�سات الثقافية العربية‪.‬‬ ‫• ينظر العديد من الباحثني واملحللني‬ ‫�إىل قطاع ال�شباب‪ ،‬كقطاع �أكرث رخاوة‪،‬‬ ‫ميكن غزوه ب�سهولة بالقيم الثقافية الغربية‬ ‫املناق�ضة للهوية الثقافية العربية‪ ،‬وعلى الرغم‬ ‫ممّ ا �أكّده بع�ض الدرا�سات على عدم وجود‬ ‫عالقة ارتباط بني التعر�ض للقنوات الف�ضائية‬ ‫– وخ�صو�ص ًا الأجنبية منها – وتبني منظومة‬ ‫القيم الثقافية الغربية‪� ،‬إال �أن هناك اتفاق ًا‬ ‫– بني الباحثني – على �أن قيم ال�شباب هي‬ ‫الأكرث عر�ضة للخلخلة من جراء تراكم عمليات‬ ‫التعر�ض للمنتج الإعالمي الثقايف الغربي‪.‬‬ ‫• �إن امل�ؤ�رش الأكرث و�ضوح ًا ومتا�سكاً‬ ‫والذي ميكن تهديده يف �إطار عمليات اخرتاق‬ ‫العقل الثقايف العربي يرتبط باللغة‪ .‬وقد ن ّوه‬ ‫العديد من الدرا�سات بالدور الذي يلعبه بع�ض‬ ‫الف�ضائيات العربية والأجنبية يف تهمي�ش اللغة‬ ‫العربية‪ ،‬مقابل دفع اللغات الأجنبية‪ ،‬واللكنات‬ ‫العامية‪� ،‬إىل دائرة اال�ستعمال ك�أداة للتعبري‪.‬‬ ‫• �إن التهديد الأكرب الذي تركّز عليه العديد‬ ‫من الدرا�سات يرتبط بقيم الأ�رسة العربية‪،‬‬

‫خـ�صـو�صـ ًا مـا يـتـ�صـل بـمـ�ستـوياـت التفاعل‬ ‫االجتماعي بني �أفرادها‪ ،‬وجمموعة الطقو�س‬ ‫التي حتكم عاداتها وتقاليدها‪ ،‬وخ�صو�ص ًا‬ ‫على م�ستوى الأزياء ك�أداة معبرّ ة عن الهوية‬ ‫الوطنية املتميزة‪.‬‬

‫ثاني ًا ‪ -‬ت�شكيل اخلطاب الثقايف يف‬ ‫قناة النيل الثقافية‬

‫بد�أت قناة النيل الثقافية بثّها – �ضمن‬ ‫قنوات النيل املتخ�ص�صة – عام ‪ .1998‬وقد‬ ‫ح ّددت القناة هدفها يف «ا�ستك�شاف روائع‬ ‫الثقافة العربية وال�شعبية يف مواجهة �سلبيات‬ ‫العوملة‪ ،‬كما تقوم بتغطية الفنون ب�أنواعها‪.‬‬ ‫اهت ّمت القناة ‪ -‬يف الآونة الأخرية ‪ -‬ب�إبراز‬ ‫البعد الديني للق�ضايا املختلفة‪� ،‬إ�سهام ًا منها‬ ‫يف مواجهة التطرف الديني وخماطره» (‪.)20‬‬ ‫وقد بد�أ �إر�سال القناة ملدة (‪� )14‬ساعة‬ ‫مت دجمها مع قناة التنوير‪ ،‬مع �إلغاء‬ ‫يومي ًا‪ ،‬ثم ّ‬ ‫الثانية عام ‪« .2008‬و�أ�صبح هناك تداخل‬ ‫بني برامج القناتني‪ ،‬و�ألغي املت�شابه منها‪،‬‬ ‫و�أ�صبحت تبث �إر�سالها على مدار �ساعات اليوم‬ ‫الأربع والع�رشين‪ .‬وتعاين قناة النيل من �ضعف‬ ‫ميزانيتها»‪ .‬فميزانية قناة النيل الثقافية يف‬ ‫�سنة واحدة �ضئيلة جدا باملقارنة بقناة ثقافية‬ ‫�أخرى مثل دي�سكفري �شانل الأمريكية‪ ،‬فالقناة‬ ‫مازالت يف حاجة �إىل دعم مادي كبري حتى‬ ‫يت�س ّنى لها تقدمي بــرامج وثائقي‪ ،‬وثقافية‬ ‫تليق ب�أمة لها تاريخ وح�ضارة كانت لها‬ ‫مت حتليل‬ ‫ب�صمة يف حياة الآخرين» (‪.)21‬وقد ّ‬ ‫جمموعة من الربامج التي تعر�ضها القناة‬ ‫خالل الأ�شهر الثالثة الأخرية من عام ‪2008‬‬ ‫(�أكتوبر‪ /‬نوفمرب‪ /‬دي�سمرب) ال�ستخال�ص �سمات‬ ‫ت�شكيل اخلطاب الثقايف املق ّدم عرب القناة‬ ‫و�أطره‪� ،‬شملت‪ :‬برنامج قمر النيل‪ ،‬وبرنامج‬ ‫م�ساحة حرة وبرنامج �سبع جنوم ‪ ،‬وبرنامج‬ ‫كتب ممنوعة ‪ ،‬وبرنامج فتاوى على الهواء‪،‬‬ ‫وبرنامـج �شاركونا احللم امل�رصي ‪ ،‬و برنامج‬ ‫�أي تي �شو‪ ،‬وبرنامج املنتدى‪ ،‬وبرنامج ال�شاعر‪،‬‬ ‫وبرنامج العامل يف م�رص‪.‬‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية ‪291‬‬

‫التوجهات املو�ضوعية للخطاب الثقايف‬ ‫بقناة النيل‬

‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫املو�ضوع‬ ‫مو�ضوعات �سيا�سية‬

‫‪26‬‬

‫‪19.1‬‬

‫مو�ضوعات �أدبية‬

‫‪26‬‬

‫‪19.1‬‬

‫مو�ضوعات فكرية‬

‫‪20‬‬

‫‪14.7‬‬

‫فنية‬ ‫مو�ضوعات ّ‬

‫‪16‬‬

‫‪11.8‬‬

‫مو�ضوعات علمية‬

‫‪15‬‬

‫‪11‬‬

‫مو�ضوعات اقت�صادية‬

‫‪13‬‬

‫‪9.6‬‬

‫مو�ضوعات دينية‬

‫‪12‬‬

‫‪8.8‬‬

‫مو�ضوعات اجتماعية‬

‫‪8‬‬

‫‪5.9‬‬

‫‪136‬‬

‫‪100‬‬

‫املجموع‬

‫الإعالم‬

‫تك�شف املو�ضوعات املت�ضمنة داخل‬ ‫�أي خطاب عن ر�ؤيته للواقع الذي يعبرّ عنه‬ ‫والأحداث التي تتفاعل فيه‪ ،‬وم�ستوى ان�شغاله‬ ‫بها‪ ،‬ويف الوقت نف�سه تعبرّ هذه املو�ضوعات‬ ‫عن الأ�س�س التي يعتمد عليها يف بناء �أجندة‬ ‫اهتماماته التي يحاول �أن يتوافق من خاللها‬ ‫مع �أجندة اهتمامات املتلقي‪.‬‬ ‫يف هذا ال�سياق تن ّوعت املو�ضوعات التــي‬ ‫اهتم اخلطاب الثقايف بقناة النيل الثقافية‬ ‫والـتطـرق �إلـيها لـتـعـكـ�س ر�ؤيته‬ ‫مبعاجلتها‬ ‫ّ‬ ‫لتفاعالت امل�شهد الثقايف داخل م�رص والعامل‬ ‫العربي‪ .‬ويـو�ضـح الـجـدول الـتـالـي جمموعة‬ ‫املو�ضـوعـات التي اهتم اخلطاب بتناولها‪:‬‬ ‫(جدو ل رقم ‪)4‬‬ ‫يتبينّ من اجلدول ال�سابق ارتفاع‬ ‫ن�سبة املو�ضوعات التي هي على متا�س مع‬ ‫منظومة الق�ضايا العامـة املحلية والعربية‬ ‫والدولية‪� ،‬سواء كانت ق�ضايا �سيا�سية‬ ‫�أم اجتماعية �أم اقت�صادية‪ ،‬ثم ت�أتي بعد‬ ‫ذلك منظومة املو�ضوعات الفكرية‪ ،‬ثم‬ ‫منظومة املو�ضوعات الأدبية‪ ،‬ثم منظومة‬ ‫املو�ضوعات العلمية‪ ،‬ثم منظومة املو�ضوعات‬ ‫الدينية‪ .‬ويو�ضح ال�شكل التايل الن�سبة التي‬ ‫ت�شكّلها كل منظومة من هذه املنظومات‬ ‫داخل دائرة اخلطاب الثقايف لـ قناة النيل‪:‬‬ ‫(�شكل رقم ‪)1‬‬ ‫ويعك�س ارتفاع ن�سبة املو�ضوعات‬ ‫امل ّت�صلة بالق�ضايا العامة‪ :‬ال�سيا�سية‬ ‫واالقت�صادية واالجتماعية حماولة اخلطاب‬ ‫الثقايف تقدمي نف�سه كخطاب دينامي متفاعل‬ ‫مع �أحداث الواقع‪ ،‬ليبتعد – يف حدود مع ّينة ‪-‬‬ ‫عن املو�ضوعات النظرية املجردة �أو اجلامدة‬ ‫التي قد تدخل يف دائرة اهتمامات النخبة‬ ‫املثقفة‪ ،‬ويحاول ا�ستقطاب اجلمهور العام‪ ،‬من‬ ‫خالل التفاعل مع جمموعة الق�ضايا والأحداث‬ ‫املطروحة على �أجندة اهتماماته والتي يقع‬ ‫�أغلبها يف دائرة الأجندة ال�سيا�سية مثل‪� :‬أو�ضاع‬

‫جدول رقم ‪4‬‬

‫يو�ضح املو�ضوعات التي �أبرزها اخلطاب الثقايف بقناة‬ ‫النيل‬

‫�شكل رقم (‪)1‬‬ ‫يو�ضح القطاعات املو�ضوعية‬ ‫للخطاب الثقايف بقناة النيل‬ ‫ق�ضايا عامة‬ ‫�أدب‬ ‫فكر‬ ‫فن‬ ‫علوم‬ ‫دين‬

‫الأحزاب ال�سيا�سية داخل م�رص‪ ،‬و�أداء املجال�س‬ ‫الت�رشيعية‪ ،‬والدميقراطية والإ�صالح ال�سيا�سي‪،‬‬ ‫والأحداث يف الأرا�ضي املحتلة وم�ستقبل الدولة‬ ‫الفل�سطينية‪ ،‬والأو�ضاع احلالية وامل�ستقبلية يف‬ ‫العراق‪ ،‬وموقف الواليات املتحدة من املنطقة‪،‬‬ ‫وغري ذلك من ق�ضايا و�ش�ؤون حاول اخلطاب‬ ‫�أن يعك�سها ويق ّدم من خاللها ر�ؤية النخبة‬ ‫املثقفة لفعالياتها وتداعياتها لي�ضعها �أمام‬ ‫اجلمهور العام‪.‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 292‬للتنمية الثقافية‬

‫وعلى امل�ستوى االقت�صادي ُطرحت ع ّدة‬ ‫ق�ضايا ت ّت�صل بحجم ال�صادرات والواردات‪،‬‬ ‫واملعونات االقت�صادية املوجهة من دول‬ ‫الغرب �إىل م�رص‪ ،‬ومدى جدواها‪ ،‬والدور الذي‬ ‫تلعبه امل�ؤ�س�سات االقت�صادية الدولية يف‬ ‫ح ّل الأزمة املالية العاملية‪ ،‬ودور اجلمعيات‬ ‫الأهلية يف تنمية املجتمع امل�رصي‪ .‬وكان‬ ‫هناك تركيز – يف ما يت�صل باملو�ضوعات‬ ‫االجتماعية ‪ -‬على ق�ضايا املر�أة والعالقة‬ ‫بني الآباء والأبناء وال�ش�ؤون املختلفة للأ�رسة‬ ‫والعالقات االجتماعية بني الطبقات‪.‬‬ ‫وعلى م�ستوى الأدب (ال�شعر والرواية)‬ ‫كان هناك اهتمام با�ستعرا�ض التجارب‬ ‫ال�شعرية لعدد من ال�شعراء امل�رصيني‪ ،‬من‬ ‫�أجيال خمتلفة‪ ،‬خ�صو�ص ًا من خالل برنامج‬ ‫�سبع جنوم‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل تغطية الفعاليات‬ ‫التي ت ّت�صل ب�أن�شطة ومهرجانات �شعرية‬ ‫وروائية مثل مهرجان العجيلي الرابع للرواية‬ ‫العربية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل طرح الإبداع الأدبي‬ ‫على ب�ساط النقد‪ ،‬من خالل ا�ست�ضافة نقّاد‬ ‫يتولون تقييم التجارب الأدبية املختلفة‪ .‬وتهت ّم‬ ‫مت �إنتاجه‬ ‫القناة بعر�ض الإبداع الأدبي الذي ّ‬ ‫بث‬ ‫متثيلي ًا على خ�شبة امل�رسح‪ ،‬مــن خالل ّ‬ ‫امل�رسحيات امل�سجلة لدى التليفزيون امل�رصي‪،‬‬ ‫مثل م�رسحية ال�سلطان احلائر لتوفيق احلكيم‪،‬‬ ‫وم�رسحية الوزير العا�شق لفاروق جويدة‪،‬‬ ‫وم�رسحية �سكة ال�سالمة ل�سعد الدين وهبة‪،‬‬ ‫وغريها‪ .‬وعلى م�ستوى املو�ضوعات الفكرية‬ ‫كان هناك تركيز على عدد من الق�ضايا التي‬ ‫ترتبط بثقافة التدوين عرب الإنرتنت والتح ّوالت‬ ‫التي �أحدثتها يف امل�شهد الثقايف امل�رصي‬ ‫والـعربـي‪ ،‬وقـ�ضايـا الأ�صـالـة والـمعـا�صـرة‪،‬‬ ‫وال�سمات الثقافية لل�شعوب املختلفة‪،‬‬ ‫وخ�صو�ص ًا ال�شعوب الأفريقية‪ ،‬وطقو�س احلياة‬ ‫يف م�رص الفرعونية‪ ،‬وكذلك الق�ضايا املتعلّقة‬ ‫بالثقافة ال�شعبية كالطقو�س والعادات اخلا�صة‬ ‫ببع�ض القطاعات اجلغرافية يف م�رص‪ ،‬كالبدو‪،‬‬ ‫و�سكان النوبة‪ ،‬وال�صعيد وغري ذلك‪.‬‬ ‫ويف ما يتعلّق مبنظومة الفن كان هناك‬

‫اهتمام بطرح العديد من الفعاليات املرتبطة‬ ‫بفنون الر�سم والنحت والت�صوير‪ ،‬وكذلك ق�ضايا‬ ‫املو�سيقى وامل�رسح‪ ،‬من خالل متابعة الأن�شطة‬ ‫واملهرجانات التي تدور يف هذا ال�سياق‪.‬‬ ‫واهتم اخلطاب يف ما يتعلّق مبنظومة‬ ‫مو�ضوعات العلم والتكنولوجيا بالكثري من‬ ‫الق�ضايا اخلا�صة بتكنولوجيا املعلومات‪ ،‬وذلك‬ ‫من خالل برنامج �أي تي �شو‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل‬ ‫معاجلة ع ّدة ق�ضايا �أخرى تت�صل ب�أزمة البحث‬ ‫العلمي يف م�رص‪ ،‬ومو�ضوع براءات االخرتاع‪،‬‬ ‫وعالقة البحث العلمي بالتط ّور التكنولوجي‪.‬‬ ‫ويف �سياق منظومة الق�ضايا الدينية‪ ،‬كان‬ ‫بالتطرق �إىل العديد من ق�ضايا‬ ‫هناك اهتمام‬ ‫ّ‬ ‫العبادات واملعامالت والأخالقيات التي يجب‬ ‫�أن يتحلّى بها امل�سلم‪ ،‬من خالل �أحد الربامج‬ ‫التي تخ�ص�صت يف جمال «الفتوى»‪.‬‬ ‫مما �سبق �إىل �أن اخلطاب الثقايف‬ ‫نخل�ص ّ‬ ‫بقناة النيل كان يهت ّم بالق�ضايا العامة يف‬ ‫قطاع منه‪ ،‬ويحاول �أن يعاجلها من منظور‬ ‫الثقافة واملثقفني‪ ،‬وان�شغل يف ع ّدة قطاعات‬ ‫مت�س �ش�ؤون الفكر‪،‬‬ ‫�أخرى منه مبو�ضوعات ّ‬ ‫والعلم‪ ،‬والفن‪ ،‬والأدب‪ ،‬وغريها من القطاعات‬ ‫التي ت�شغل النخبة املثقفة‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫حالة الدينامية التي منحها هذا التوجه نحو‬ ‫الق�ضايا العامة للخطاب‪� ،‬إال �أن ذلك ال مينع من‬ ‫�رضورة االلتفات �إىل نقطتني يف ما يتعلق بهذا‬ ‫النمط من املعاجلة‪:‬‬ ‫مما مينحه اال�شتباك مع‬ ‫• على الرغم ّ‬ ‫الق�ضايا العامة للخطابات الثقافية من طابع‬ ‫دينامي‪� ،‬إال �أنـه يخفي يف طياته حالة ال�سكون‬ ‫على م�ستوى امل�شهد الثقايف ذاته‪ ،‬وعدم متتعه‬ ‫بحالة احلراك الكايف التي جتعله ي�صعد ويحت ّل‬ ‫مرتبة متقدمة على م�ستوى �أجندة االهتمامات‬ ‫العامة‪.‬‬ ‫• �إن بع�ض املعاجلات التي ق ّدمها‬ ‫اخلطاب الثقايف للق�ضايا العامة داخل قناة‬ ‫النيل ا ّت�سمت – �أحيان ًا ‪ -‬بطابع ر�سمي‪ ،‬وكانت‬ ‫ال تخرج يف مناق�شة هذه الق�ضايا عن املقوالت‬ ‫والأفكار املطروحة يف اخلطاب ال�سيا�سي‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية ‪293‬‬ ‫جدول رقم ‪5‬‬

‫م�صدر املعلومة‬

‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫�أ�ساتذة جامعات‬

‫‪35‬‬

‫‪25.7‬‬

‫�صحفيون‬

‫‪30‬‬

‫‪22.1‬‬

‫�شعراء‬

‫‪18‬‬

‫‪13.2‬‬

‫ف ّنانون‬

‫‪17‬‬

‫‪12.5‬‬

‫فنيون‬ ‫ن ّقاد ّ‬

‫‪15‬‬

‫‪11‬‬

‫ك ّتاب رواية‬

‫‪10‬‬

‫‪7.4‬‬

‫دعاة دينيون‬

‫‪9‬‬

‫‪6.6‬‬

‫دبلوما�سيون‬

‫‪2‬‬

‫‪1.5‬‬

‫‪136‬‬

‫‪100‬‬

‫املجموع‬

‫�شكل رقم (‪)2‬‬ ‫يو�ضح معدالت االعتماد على ال�شخ�صيات العامة مقارنة باملبدعني كم�صدر‬ ‫للمعلومات يف اخلطاب الثقايف لقناة النيل‬ ‫‪80‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪40‬‬

‫مبدعون‬

‫�شخ�صيات عامة‬

‫‪30‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪0‬‬

‫التوجهات الزمنية واملكانية للخطاب‬ ‫الثقايف بقناة النيـل‬

‫مت حتليل اخلطاب الثقايف بقناة النيـل‬ ‫ّ‬ ‫على حموري الزمان واملكان‪ ،‬الكت�شاف‬ ‫توجهاته على هذين امل�ستويني‪ .‬وقد تبينّ‬ ‫�أن هناك تنوع ًا على م�ستوى التوجه الزمني‬ ‫للخطاب‪ ،‬و�إن �سيطر التوجه نحو الإطار‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإعالم‬

‫الر�سمي‪� ،‬إال يف حدود �ضيقة‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف ما‬ ‫يتعلّق باملوقف من الأحداث التي ت�شهدها ك ّل‬ ‫من الأرا�ضي الفل�سطينية املحتلة والعراق‪.‬‬ ‫وقد تن ّوعت امل�صادر التي اعتمد عليها‬ ‫اخلطاب يف بناء �أفكاره وتقدمي �أطروحاته‪،‬‬ ‫و�شملت هذه امل�صادر �أ�ساتذة اجلامعات‪ ،‬و‬ ‫الـ�شعـراء‪ ،‬والـمـبـدعـيـن الـروائـ ّييـن‪ ،‬والف ّنانني‬ ‫والك ّتاب ال�صحف ّيني‪ ،‬وغريهم‪ .‬ويو�ضح اجلدول‬ ‫التايل معدالت اعتماد اخلطاب على كل فئة‬ ‫من هذه الفئات‪ ،‬كم�صدر للمعلومات املت�ضمنة‬ ‫فيه‪( :‬جدول رقم ‪)5‬‬ ‫ي ّت�ضح من اجلدول ال�سابق �أن اخلطاب‬ ‫اعتمد بالن�سبة الأكرب على �أ�ساتذة اجلامعات‬ ‫يف التخ�ص�صات املختلفة كم�صدر للمعلومات‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا يف جماالت ال�سيا�سة واالقت�صاد‬ ‫واالجتماع والإعالم‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل �أ�ساتذة‬ ‫الأزهر ال�رشيف يف الربامج التي تناق�ش‬ ‫مو�ضوعات دينية‪ .‬ي�أتي بعد ذلك ال�صحفيون‬ ‫املعنيون بال�ش�ؤون العامة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل‬ ‫ال�صحفيني العاملني يف ال�صفحات الثقافية‬ ‫املتخ�ص�صة بـالـجـرائـد والـمـجـالت‪ ،‬وكـذلك‬ ‫ّ‬ ‫ال�صحفيني الإلكرتونيني الذين يعملون يف‬ ‫جمال �إنتاج املعلومات على مواقع �شبكة‬ ‫الإنرتنت‪ ،‬ثم ي�أتي بعد ذلك املبدعون من‬ ‫الفنانني وال�شعراء وك ّتاب الرواية‪ ،‬ثم ي�أتي‬ ‫الفن والأدب‪ ،‬ثم‬ ‫النقاد املتخ�ص�صون يف جمال ّ‬ ‫رجال الدين‪ ،‬ثم الدبلوما�س ّيون‪.‬‬ ‫وتعطي الأرقام داخل اجلدول ال�سابق‬ ‫م�ؤ�رشاً حول اعتماد اخلطاب الثقايف بقناة‬ ‫النيـل على اخلرباء واملتخ�ص�صني ورجال‬ ‫الفكر ورجال الدين بدرجة �أعلى من اهتمامه‬ ‫با�ستح�ضار املبدعني الثقافيني‪ ،‬من �شعراء‬ ‫وفنانني‪ ،‬وك ّتاب رواية‪ ،‬ونقّاد‪ ،‬كقوى فاعلة‬ ‫ومنتجة ملا يحمله من �أفكار ومقوالت‪.‬‬ ‫ويو�ضح ال�شكل التايل الفروق بني درجة اعتماد‬ ‫اخلطاب الثقايف بقناة النيل على ال�شخ�صيات‬ ‫الثقافية العامة‪ ،‬مقارنة باملبدعني (من �شعراء‬ ‫وك ّتاب رواية وفنانني ونقاد فنيني) كم�صدر‬ ‫للمعلومات‪�( :‬شكل رقم ‪)2‬‬

‫يو�ضح م�صادر املعلومات داخل اخلطاب الثقايف لقناة‬ ‫النيل‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 294‬للتنمية الثقافية‬ ‫جدول رقم ‪6‬‬

‫االطار الزمني‬

‫يو�ضح الإطار الزمني لطرح املو�ضوعات املختلفة داخل‬ ‫اخلطاب الثقايف لقناة النيل‬ ‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫تاريخي‬

‫‪20‬‬

‫‪14.7‬‬

‫حايل‬

‫‪41‬‬

‫‪30.1‬‬

‫م�ستقبلي‬

‫‪12‬‬

‫‪8.8‬‬

‫غري حمدد‬

‫‪63‬‬

‫‪46.3‬‬

‫املجموع‬

‫‪136‬‬

‫‪100‬‬

‫جدول رقم ‪7‬‬

‫التوجه املكاين‬

‫يو�ضح التوجه املكاين ملو�ضوعات اخلطاب الثقايف‬ ‫بقناة النيل‬ ‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫عربي‬

‫‪42‬‬

‫‪30.9‬‬

‫م�رصي‬

‫‪40‬‬

‫‪29.4‬‬

‫�إ�سالمي‬

‫‪6‬‬

‫‪4.4‬‬

‫خارجي‬

‫‪39‬‬

‫‪28.7‬‬

‫غري حم ّدد‬

‫‪9‬‬

‫‪6.6‬‬

‫املجموع‬

‫‪136‬‬

‫‪100‬‬

‫الزمني احلايل‪ .‬ويو�ضح اجلدول التايل ذلك‪:‬‬ ‫(جدول رقم ‪)6‬‬ ‫يت�أ ّكد من اجلدول ال�سابق امللحوظة التي‬ ‫�أ�رشنا �إليها عند احلديث عن العامل املتعلق‬ ‫بالتوجهات املو�ضوعية للخطاب‪ ،‬والتي تتمثّل‬ ‫يف وجود حالة من الدينامية واحلراك التي مت ّيز‬ ‫اخلطاب الثقايف بقناة النيـل؛ �إذ ترتبط الن�سبة‬ ‫الأكرب من الأطروحات التي يعاجلها ب�أحداث‬ ‫حالية بن�سبة (‪ ،)%30.1‬كما ي ّت�ضح �أي�ض ًا من‬ ‫الأرقام �أن الوجه املا�ضوي – �إن جاز التعبري–‬ ‫لهذا اخلطاب يفوق وجهه امل�ستقبلي؛ �إذ انح�رست‬ ‫ن�سب طرح اخلطاب لر�ؤى م�ستقبلية حول الواقع‬ ‫امل�رصي والعربي �إىل (‪ )%8.8‬فقط‪.‬‬

‫ويف مقابل ذلك جند �أن البعد الزمني يغيب‬ ‫داخل الن�سبة الأكرب من الأطروحات (‪،)%46.3‬‬ ‫وتت ّم معاجلتها يف �إطار املطلق‪ ،‬رمبا الت�صالها‬ ‫ب�أفكار تتم ّتع بدرجة دميومة وتوا�صل‪ ،‬من‬ ‫دون انتماء �إىل حمور زمني بعينه‪ ،‬مثل بع�ض‬ ‫الأفكار التي تناولت الأطماع الإ�رسائيلية يف‬ ‫املنطقة العربية و�صورة امل�سلم لدى الغرب‪� ،‬إذ‬ ‫عر�ضت ب�شكل ال يربطها مبحور زمني معني‬ ‫على �أ�سا�س تعبريها عن حالة دائمة �أو موقف‬ ‫متوا�صل وثابت‪.‬‬ ‫مت حتليل اخلطاب �أي�ض ًا على م�ستوى‬ ‫وقد ّ‬ ‫املحور املكاين‪ ،‬بهدف الك�شف عن الهويات‬ ‫املكانية (الدول والأقاليم) التي تركّز �أطروحاته‬ ‫على ا�ستدعائها‪� ،‬سواء عند التعبري عن الذات‪،‬‬ ‫وكذلك عند التعبري عن الآخر‪ .‬ويو�ضح اجلدول‬ ‫التايل طبيعة الهويات املكانية املختلفة التي‬ ‫ظهرت داخل �أطروحات اخلطاب الثقايف بقناة‬ ‫النيـل الثقافية‪( .‬جدول رقم ‪)7‬‬ ‫تربز الأرقام داخل اجلدول ال�سابق �إحدى‬ ‫الإ�شكاليات الرئي�سية داخل اخلطاب الثقايف‬ ‫العربي عموم ًا‪ ،‬والتي انعك�ست بالتبعية على‬ ‫اخلطاب الثقايف التليفزيوين‪ ،‬وهي التنازع بني‬ ‫الفكرتني القومية والقطرية عند و�صف الذات‪،‬‬ ‫ف�أحيان ًا تعلو نربة الهوية القومية داخل اخلطاب‬ ‫و�أحيان ًا تخفت �أمام �صعود نربة احلديث عن‬ ‫الهوية القطرية‪ ،‬وال�سبب يف ذلك «�أن الدولة‬ ‫القطرية العربية عندما قامت ككيان �سيا�سي‬ ‫مل تكن الدائرة ال�سيا�سية التي متثلها متطابقة‬ ‫مع الدائرة احل�ضارية والثقافية مما �أوقعها يف‬ ‫حالة تناق�ض مع فكرة الدولة القومية‪ ،‬فكثرياً‬ ‫ما تبدو م�ؤ�س�سة الدولة القطرية بالن�سبة للفرد‬ ‫العربي متناق�ضة مع الأمة‪ ،‬فالتطور االجتماعي‬ ‫وطبيعة ت�ضاري�س اجلغرافيا العربية مل ت�سمح‬ ‫�إال بنوعني من االنتماء‪ :‬الأول هو انتماء الفرد‬ ‫�إىل رابطته االجتماعية القريبة �أو الطائفة �أو‬ ‫اجلهة والثاين هو االنتماء العقيدي �أو الثقايف‪،‬‬ ‫�أى االنتماء �إىل الأمة يف بعدها الدينى �أو‬ ‫الثقايف العروبي يف معطياته وقيمه الأدبية‬ ‫والفنية» (‪.)22‬‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية ‪295‬‬

‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫التوجه املكاين‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية‬

‫‪14‬‬

‫‪35.9‬‬

‫�إ�رسائيل‬

‫‪12‬‬

‫‪30.8‬‬

‫الدول الأوربية‬

‫‪7‬‬

‫‪17.9‬‬

‫ال�صني‬

‫‪2‬‬

‫‪5.1‬‬

‫الهند‬

‫‪2‬‬

‫‪5.1‬‬

‫اليابان‬

‫‪2‬‬

‫‪5.1‬‬

‫املجموع‬

‫‪39‬‬

‫‪100‬‬

‫�سيا�سي ًا‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف ما يتعلّق ب�إ�رسائيل‬ ‫والواليات امل ّتحدة الأمريكية يف ظ ّل التطور‬ ‫املتالحق للأحداث التي تقع داخل الأرا�ضي‬ ‫املحتلة والعراق‪ ،‬فقد كان الآخر يق ّدم يف‬ ‫هذه احلالة يف �سياق عدائه للعرب وحماولته‬ ‫ال�سيطرة على مقدراتهم والتحكم يف �أرا�ضيهم‬ ‫و ثرواتهم‪.‬‬ ‫ويعود اخلطاب بعد ذلك لريكّز على‬ ‫املدلول احل�ضارى لهوية الآخر بن�سب �ضئيلة‬ ‫ت ّت�ضح يف حجم احل�ضور املحدود لعدد من‬ ‫الهويات القطرية الأخرى كال�صني واليابان؛‬ ‫�إذ كان اخلطاب يركّز على الدور الذي ميكن‬ ‫�أن ت�ؤديه ال�صني واليابان – كقوى عاملية‬ ‫�صاعدة ‪ -‬يف �إحداث نوع من التوازن يف‬ ‫النظام العاملي املختل ب�شكله الراهن لقيامه‬ ‫على وجود قوة عاملية واحدة م�سيطرة تتمثل‬ ‫يف الواليات املتحدة الأمريكية‪ ،‬وتابعيها من‬ ‫دول الغرب الأوروبي‪ ،‬تفر�ض هيمنتها على‬ ‫باقي دول العامل‪.‬‬ ‫وقد مت ّيز اخلطاب عند تناول الهوية بهذا‬ ‫املدلول بنوع من احلميمية (و�صف ال�صيني‬ ‫بال�صديق القدمي على �سبيل املثال) يف احلديث‬ ‫عن الآخر الذي يتماثل مع الذات يف التجذّر‬ ‫احل�ضاري‪ ،‬وت�شابه العادات والتقاليد‪ ،‬و�أ�سلوب‬

‫ت�ؤكّ د الأرقام �إ�شكالية التنازع‬ ‫يف و�صف هوية الذات داخل‬ ‫اخلطاب الثقايف؛ �إذ ترتفع ن�سبة‬ ‫ا�ستخدام و�صف «امل�رصي» للذات‬ ‫بن�سبة ‪ ،%29.4‬وكذا و�صف العربي‬ ‫عند حتديد الهوية‪ ،‬للت�أكيد على‬ ‫ثنائية القطر‪ /‬قومية للخطاب‬ ‫بن�سبة ‪ ،%30.9‬ويف �أحيان قليلة‬ ‫(بن�سبة ‪ )%4.4‬ي�شار �إىل الهوية‬ ‫الإ�سالمية ك�أحد �أوجه االنتماء‬ ‫للذات امل�رصية‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإعالم‬

‫وت�ؤ ّكد الأرقام داخل اجلدول ال�سابق‬ ‫بو�ضوح �إ�شكالية التنازع تلك يف و�صف هوية‬ ‫الذات داخل اخلطاب الثقايف؛ �إذ ترتفع ن�سبة‬ ‫ا�ستخدام و�صف «امل�رصي» للذات‪ ،‬وكذا و�صف‬ ‫العربي عند حتديد الهوية‪ ،‬للت�أكيد على ثنائية‬ ‫القطر‪ /‬قومية للخطاب‪ ،‬ويف �أحيان قليلة‬ ‫(بن�سبة ‪ )%4.4‬ي�شار �إىل الهوية الإ�سالمية‬ ‫ك�أحد �أوجه االنتماء للذات امل�رصية‪ .‬ومن‬ ‫املالحظ �أي�ض ًا � ّأن اخلطاب تع ّمد تغييب �أو‬ ‫عدم ا�ستح�ضار �أي و�صف للهوية يف بع�ض‬ ‫الأحيان (بن�سبة ‪ )%6.6‬بالبعد عن ا�ستخدام‬ ‫�أي �إ�شارة �رصيحة �أو �ضمنية �إىل دائرتها‬ ‫امل�رصية �أو العربية �أو الإ�سالمية وهو جانب‬ ‫�سلبي‪ ،‬فاحلديث عن الهوية املكانية يف فراغ ال‬ ‫ي�ساعد على ربط املتلقي بالأفكار والت�صورات‬ ‫التي يطرحها اخلطاب‪.‬‬ ‫ويالحظ من اجلدول ال�سابق �أي�ض ًا �أن‬ ‫«الآخـر» املكاين مت ا�ستح�ضاره بن�سبة كبرية‬ ‫تنوعت جتليات‬ ‫داخل اخلطاب (‪ .)%28.7‬وقد ّ‬ ‫هوية ذلك «الآخـر» ب�صورة كبرية‪� ،‬إذ �أحيان ًا‬ ‫ما كان يتح ّدد يف الواليات املتحدة الأمريكية‪،‬‬ ‫و�أحيان ًا يف الدول الأوبية‪ ،‬و�أحيان ًا يف �إ�رسائيل‪.‬‬ ‫ويو�ضح اجلدول التايل ذلك‪( :‬جدول رقم ‪)8‬‬ ‫يالحظ من اجلدول ال�سابق �أن الت�أكيد على‬ ‫ثنائية «القطر‪ /‬قومية» عند التعبري عن الهوية‬ ‫املكانية للذات انعك�س على عملية حتديد هوية‬ ‫الآخر «املكاين» داخل اخلطاب‪ ،‬فجعلته يف‬ ‫الأ�سا�س واقع ًا يف �سياق الدائرة القومية �أو‬ ‫احل�ضارية (الغرب)‪ ،‬ويف حدود �أقل �أوقعته يف‬ ‫�سياق دوائر قطرية‪ ،‬مما يعني �أن الطريقة التي‬ ‫نعبرّ بها عن هوية «الذات» تنعك�س بال�رضورة‬ ‫على الطريقة التي ن�صف بها هوية الآخر‪ ،‬لكي‬ ‫ي�أخذ اخلطاب الثقايف طابع ًا جدلي ًا‪ .‬وتعك�س‬ ‫هذه ال�صياغة ل�سمات «الآخر» �أي�ض ًا ر�ؤيته من‬ ‫الزاوية احل�ضارية مبا تعنيه مفردة ح�ضارة من‬ ‫منظومة قيم يتبناها جمتمع معينّ ‪ ،‬قد تختلف‬ ‫�أو تتناق�ض مع قيم ال�رشق العربي �أو امل�سلم‪.‬‬ ‫ي�أتي بعد ذلك الرتكيز على عدد من‬ ‫الهويات القطرية لي�أخذ الآخر هنا مدلو ًال‬

‫جدول رقم ‪8‬‬

‫يو�ضح الهوية املكانية للآخر “اخلارجي” داخل اخلطاب‬ ‫الثقايف بقناة النيل‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 296‬للتنمية الثقافية‬

‫احلياة من ناحية‪ ،‬ولكنه يختلف عنها يف‬ ‫قدرته على النهو�ض والتقدم ومناف�سة الغرب‬ ‫من ناحية �أخرى‪ ،‬ذلك «الغرب» الذي �أدى دوراً‬ ‫يف �إ�ضعافه خالل مراحل تاريخية �سابقة كما‬ ‫يفعل مع العرب‪ ،‬يف حدود ما يطرح اخلطاب‪.‬‬

‫القيم املتعلقة بو�صف الذات والآخر يف‬ ‫اخلطاب الثقايف لقناة النيـل‬

‫يف �إطار حماولة اكت�شاف الطريقة التي‬ ‫عبرّ بها اخلطاب عن الهوية القطر‪ /‬قومية‬ ‫للذات‪ ،‬وكذلك �أ�سلوبه يف التعبري عن هوية‬

‫�شكل رقم (‪)3‬‬ ‫معدالت اهتمام اخلطاب الثقايف بقناة النيل ب�إبراز القيم الإيجابية وال�سلبية‬ ‫للذات‬ ‫‪74‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪68‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪60‬‬

‫القيم االيجابية‬

‫القيم ال�سلبية‬

‫جدول رقم ‪9‬‬

‫‪58‬‬

‫يو�ضح القيم الإيجابية التي يطرحها اخلطاب الثقايف‬ ‫بقناة النيـل يف و�صف الذات‬ ‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫القيمة‬ ‫اال�سهام احل�ضاري‬

‫‪28‬‬

‫‪38.4‬‬

‫املقاومة‬

‫‪23‬‬

‫‪31.5‬‬

‫الت�سامح مع الآخر‬

‫‪18‬‬

‫‪24.7‬‬

‫الروحانية‬

‫‪4‬‬

‫‪5.5‬‬

‫املجموع‬

‫‪73‬‬

‫‪100‬‬

‫مت حتليل �سل�سلة القيم املت�ضمنة يف‬ ‫الآخر‪ّ ،‬‬ ‫اخلطاب على هذين امل�ستويني‪ .‬وت�شري نتائج‬ ‫التحليل �إىل ارتفاع ن�سبة اهتمام اخلطاب‬ ‫ب�إبراز القيم الإيجابية املميزة للذات (‪)%53.7‬‬ ‫مقارن ًة بالقيم ال�سلبية (‪ .)%46.3‬ويو�ضح‬ ‫ال�شكل التايل الفروق يف م�ستويات توظيف‬ ‫ك ّل نوع من هذين القيم – عند و�صف الذات‬ ‫– داخل اخلطاب‪�( :‬شكل رقم ‪)3‬‬ ‫وقد تن ّوعت القيم الإيجابية التي حر�ص‬ ‫اخلطاب على �إبرازها عند و�صف «الأنا»‪ ،‬و�إن‬ ‫دارت – فـي �أغلبها – حول التفاعل الإيجابي‬ ‫للذات مع التحديات التي يطرحها الآخر‪� ،‬سواء‬ ‫على م�ستوى الإ�سهام معه يف بناء احل�ضارة‬ ‫الب�رشية‪� ،‬أم الت�سامح معه‪ ،‬وذلك يف �أحيان‪.‬‬ ‫ويف �أحيان �أخرى كان اخلطاب يركّز على القيم‬ ‫التي تدعم الذات يف مواجهة حماوالت الآخر‬ ‫لل�سيطرة عليها وتذويبها يف كيانه احل�ضاري‬ ‫املادي‪ ،‬ويف هذا ال�سياق برزت قيمة املقاومة‪،‬‬ ‫وقيمة الروحانية‪ .‬ويو�ضح اجلدول التايل ن�سب‬ ‫اهتمام اخلطاب ب�إبراز كل قيمة من هذه القيم‪:‬‬ ‫(جدول رقم ‪)9‬‬ ‫ن�ستخل�ص من اجلدول ال�سابق �أن القيم‬ ‫الإيجابية التي يدور حولها اخلطاب يف و�صف‬ ‫الذات ترتبط بن�سبة كبرية بالبعد التاريخي‪ ،‬من‬ ‫خالل الرتكيز على قيمة الإ�سهام احل�ضاري‪،‬‬ ‫الأمر الذي يعطي انطباع ًا حول ما�ضوية‬ ‫اخلطاب يف هذا االجتاه‪ ،‬وحماولته امل�ستمرة‬ ‫لالنفالت من الواقع املحلي والإقليمي‬ ‫والدويل‪ ،‬مبا يزدحم به من �إخفاقات‪ .‬وهذا‬ ‫يف�سرّ ارتفاع معدالت تر ّدد قيمة «اال�سهام‬ ‫احل�ضاري» لت�ؤكّد حماولة اخلطاب �إثبات الذات‬ ‫(املتف ّوقة تاريخي ًا) �أمام الآخر (املتفوق واقعي ًا‬ ‫�أو حالي ًا)‪.‬‬ ‫و ُيع ّد هذا ال ّتوجه داخل اخلطاب التليفزيوين‬ ‫�صدى لإحدى الإ�شكاليات الأخرى التي ترتبط‬ ‫ً‬ ‫باخلطاب الثقايف العربي عموم ًا‪ ،‬واملتمثلة يف‬ ‫حماولة ا�ستدعاء ما هو تاريخي ‪ -‬عند احلديث‬ ‫عما هو �إيجابي يف الذات – يف مواجهة الواقع‬ ‫مما لذلك من قيمة‬ ‫احلايل املرت ّدي‪ .‬وعلى الرغم ّ‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية ‪297‬‬

‫القيمة‬

‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫التبعية‬

‫‪20‬‬

‫‪31.7‬‬

‫ال�ضعف‬

‫‪15‬‬

‫‪23.8‬‬

‫القهر‬

‫‪13‬‬

‫‪20.6‬‬

‫الت�سيب‬

‫‪10‬‬

‫‪15.9‬‬

‫الطبقية‬

‫‪5‬‬

‫‪7.9‬‬

‫املجموع‬

‫‪63‬‬

‫‪100‬‬

‫القيم ال�سلبية للذات‪ ،‬مقارن ًة بالقيم الإيجابية‪،‬‬ ‫�إال �أن املنظومة الأوىل من القيم مت ّيزت بدرجة‬ ‫�أعلى من التن ّوع‪ ،‬كما يو�ضح اجلدول التايل‬ ‫(جدول رقم ‪)10‬‬ ‫من �أبرز القيم التي حظيت بن�سب ح�ضور‬ ‫وا�ضحة – عند الو�صف ال�سلبي للذات ‪ -‬قيم‬ ‫«التبعية» و«ال�ضعف» و«القهر»‪ .‬وقد بلور‬ ‫اخلطاب العديد من املعاين يف الت�أكيد على هذه‬ ‫القيم �أبرزها‪ :‬الف�شل واجلمود و�إهدار الطاقات‬ ‫والبريوقراطية والتخ ّبط وعدم التخطيط‬ ‫واجلهل والالدافعية والتع ّنت الفكري و�ضيق‬ ‫الأفق والتهاون‪.‬‬ ‫ويرتبط ح�ضور هذه القيم داخل اخلطاب‬ ‫باال�ستجابة ملا تطرحه النخبة العربية املثقفة‬ ‫من اتهامات للواقع العربي‪ ،‬ويتمثّل �أبرزها‬ ‫يف التبعية للغرب‪« .‬فبفعل عوامل تاريخيـــة‬ ‫متع ّددة تك ّونت يف الوطن العربي �أكرث من نخبة‬ ‫متعاطفة مع الغرب‪ ،‬ويالحظ �أن هذه النخب لها‬ ‫نفوذ �سيا�سـي واجتماعي واقت�صادي‪ ،‬ف�ض ًال‬ ‫عن النفوذ الثقايف‪ ،‬وي�شكّل وجود هذه النخب‬ ‫تي�سرياً ل�رسيان االت�صال الثقايف الغربي‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا �أن هذه النخب متتلك تربيرات فكرية‬ ‫حول ارتباط يقظة الوعى العربي بالفكر‬ ‫الغربي من حيث الن�ش�أة والتطور‪� ،‬أما التخلف‬ ‫فريتبط ب�ضعف التخطيط للم�ستقبل؛ فخريطة‬

‫من �أبرز القيم التي حظيت بن�سب‬ ‫ح�ضور وا�ضحة –عند الو�صف ال�سلبي‬ ‫للذات ‪ -‬قيم «التبعية» و«ال�ضعف»‬ ‫و«القهر»‪ .‬وقد بلور اخلطاب العديد‬ ‫من املعاين يف الت�أكيد على هذه‬ ‫القيم �أبرزها‪ :‬الف�شل واجلمود و�إهدار‬ ‫الطاقات والبريوقراطية والتخ ّبط‬ ‫وعدم التخطيط واجلهل والالدافعية‬ ‫والتع ّنت الفكري و�ضيق الأفق‬ ‫والتهاون‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإعالم‬

‫– يف بع�ض الأحيان ‪ -‬يف دعم هوية الذات‬ ‫وربطها باجلوانب امل�ضيئة يف تاريخها �إال‬ ‫�أنه يف النهاية ي�شكّل «�آلية هروب» يقدم عليها‬ ‫منتج اخلطاب الثقايف �أمام عجزه عن مواجهة‬ ‫واقعه املعقّد الزاخر بامل�شكالت‪ ،‬فاخلطاب‬ ‫هنا يلج�أ �إىل ا�ستخدام �إحدى �آليات التغييب‬ ‫�أوالت�سرت‪ ،‬تعتمد على �إخفاء احلا�رض يف‬ ‫املا�ضى �أو �سرت ما هو واقعي مبا هو تاريخي‪.‬‬ ‫ويربز بعد ذلك توظيف قيمة «املقاومة»‪،‬‬ ‫وهي القيمة الأ�سا�سية التي تعك�س نوع ًا من‬ ‫االرتباط بالواقع العربي املعا�رص من ناحية‪،‬‬ ‫وتعبرّ عن نوع من الإيجابية يف التعامل مع‬ ‫الواقع من ناحية �أخرى‪ .‬وقد ظهرت هذه القيمة‬ ‫داخل اخلطاب ب�صورة �أ�سا�سية يف الأطروحات‬ ‫التي تناولت املقاومة التي يبديها الفل�سطينيون‬ ‫يف الأرا�ضي املحتلّة و�أبناء ال�شعب العراقي‬ ‫يف مواجهة الآلة الع�سكرية الأمريكية‪ ،‬كما‬ ‫جاءت يف �سياق مقاومة الذات للغزو الثقايف‬ ‫الذي ميار�سه الآخر الغربي �ض ّدها‪ ،‬ومقاومة‬ ‫�سوء فهمه �أو ت�أويله ل�سمات وعادات وتقاليد‬ ‫ال�شخ�صية العربية امل�سلمة ‪ ،‬كما جاءت �أي�ض ًا‬ ‫مبعنى مقاومة حماولة الآخر الإ�رسائيلي حمو‬ ‫الذات العربية‪.‬‬ ‫وارتبطت قيمة «الت�سامح مع الآخر» بدرجة‬ ‫�أعلى �إىل ح ّد ما بو�صف اخلطاب للهوية القطر‬ ‫‪ /‬قومية للذات امل�رصية‪ .‬فاخلطاب الثقايف‬ ‫هنا ي�ؤ ّكد على رف�ض الفر�ضيتني اللتني يقوم‬ ‫عليهما طرح �صمويل هنتنجتون لفكرة �رصاع‬ ‫احل�ضارات‪ ،‬و�أولهما �أن �أ�سا�س ال�رصاعات يف‬ ‫عامل ما بعد احلرب الباردة لن يكون �أيديولوجي ًا‬ ‫�أو اقت�صادي ًا‪ ،‬فاالنق�سامات الكربى بني ال�شعوب‬ ‫وامل�صدر الأ�سا�سي لل�رصاع �سيكون ثقافي ًا‪،‬‬ ‫وثانيهما �أن العامل �سي�صاغ ا�ستناداً �إىل حركة‬ ‫تفاعالت احل�ضارات ال�سائدة يف عامل اليوم‬ ‫ومن �أهمها احل�ضارة الغربية والكونفو�شيو�سية‬ ‫واحل�ضارة الإ�سالمية‪ ،‬وقد تتعاون الأخريتان‬ ‫مع ًا �ضد احل�ضارة الغربية(‪.)23‬‬ ‫ومن الالفت للنظر �أنه على الرغم من‬ ‫انخفا�ض درجة كثافة اهتمام اخلطاب ب�إبراز‬

‫جدول رقم ‪10‬‬

‫يو�ضح القيم ال�سلبية التي يطرحها اخلطاب الثقايف‬ ‫بقناة النيـل يف و�صف الذات‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 298‬للتنمية الثقافية‬

‫يو�ضح القيم التي طرحها اخلطاب الثقايف بقناة النيـل‬ ‫يف و�صف الآخر‬

‫جدول رقم ‪11‬‬

‫القيمة‬

‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫العدوان‬

‫‪10‬‬

‫‪25.6‬‬

‫التفوق املعريف‬

‫‪9‬‬

‫‪23.1‬‬

‫التقدم احل�ضاري‬

‫‪7‬‬

‫‪17.9‬‬

‫ا�ستنزاف الآخر‬

‫‪6‬‬

‫‪15.4‬‬

‫االنفتاح‬

‫‪4‬‬

‫‪10.3‬‬

‫احلرية‬

‫‪3‬‬

‫‪7.7‬‬

‫املجموع‬

‫‪39‬‬

‫‪100‬‬

‫�شكل رقم (‪)4‬‬ ‫يو�ضح الفروق يف معدالت توظيف القيم االيجابية وال�سلبية يف و�صف اال�آخر‬ ‫داخل اخلطاب الثقايف‬

‫‪25‬‬

‫‪20‬‬

‫‪15‬‬

‫‪10‬‬

‫‪5‬‬

‫القيم ال�سلبية‬

‫القيم االيجابية‬

‫‪0‬‬

‫امل�ستقبل العربي تكاد تخلـو من التخطيط‬ ‫اخلالق‪ ،‬ويرتبط االنغالق ب�سيادة منهج �أحادية‬ ‫النظرة لـدى العديد من االجتاهات الفكرية‬ ‫العربية» (‪.)24‬‬ ‫ت�أتي بعد ذلك جمموعة من القيم الأقل‬ ‫ح�ضوراً داخل اخلطاب وتتمثل يف‪ :‬الت�سيب‬ ‫والطبقية‪ .‬وقد تر ّدد داخل اخلطاب العديد‬ ‫من املعاين الدالة على هذه القيم مثل‪ :‬غياب‬

‫ال�شفافية وعدم مكا�شفة الذات ب�أخطائها‪،‬‬ ‫والف�ساد‪ ،‬و�إهدار القوانني‪ ،‬وعدم العدل يف‬ ‫تطبيقها‪ ،‬واخل�صومة مع الذات واملجتمع‪.‬‬ ‫وعلى م�ستوى القيم التي مت ا�ستدعا�ؤها‬ ‫عند و�صف الآخر‪ ،‬ركّز اخلطاب الثقايف لقناة‬ ‫النيـل على عدد من القيم‪ ،‬كان بع�ضها �سلبي ًا‪،‬‬ ‫والبع�ض الآخر �إيجابي ًا‪ .‬ويو�ضح اجلدول التايل‬ ‫ذلك‪ ( :‬جدول رقم ‪)11‬‬ ‫ي ّت�ضح من اجلدول ال�سابق �أن الن�سبة‬ ‫الأكرب من القيم التي ا�ستدعاها اخلطاب يف‬ ‫و�صف الآخر وقعت يف الإطار الإيجابي‪ ،‬وقد‬ ‫�شملت هذه القيم‪ :‬التف ّوق املعريف‪ ،‬والتقدم‬ ‫احل�ضاري‪ ،‬واالنفتاح‪ ،‬واحلرية‪ .‬ويف املقابل‬ ‫من ذلك انخف�ضت ن�سبة – وكذلك معدالت‬ ‫تن ّوع ‪ -‬القيم ال�سلبية التي �أبرزها اخلطاب‬ ‫يف و�صف الآخر‪ ،‬و�شملت قيمتي العدوان‪،‬‬ ‫وا�ستنزاف الآخر‪ .‬ويو�ضح ال�شكل التايل الفروق‬ ‫بني معدالت تر ّدد كل نوع من هذه القيم داخل‬ ‫اخلطاب‪�( .‬شكل رقم ‪)4‬‬ ‫وقد كانت قيمة التف ّوق املعريف من �أكرث‬ ‫القيم ظهوراً داخل اخلطاب عند و�صف الآخر‪،‬‬ ‫تالها يف ذلك قيمة التقدم احل�ضاري‪ ،‬ثم‬ ‫قيمة االنفتاح‪ ،‬ثم قيمة احلرية‪ .‬ومن املالحظ‬ ‫�أن القيمتني الإيجابيتني املركزيتني داخل‬ ‫اخلطاب (التفوق املعريف والتقدم احل�ضاري)‬ ‫ت�ستح�رضان با�ستمرار نقي�ضها على م�ستوى‬ ‫القيم ال�سلبية املطروحة يف و�صف الذات‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا يف ما يتعلق بـ «التبعية و ال�ضعف»‪،‬‬ ‫فالتبعية لدى الذات ترتبط بتفوق الآخر‪ ،‬كما‬ ‫�أن تقدم الآخر هو املر�آة التي تنعك�س عليها‬ ‫حالة ال�ضعف التي تعاين منها الذات‪ ،‬وتظهر‬ ‫بعد هاتني القيمتني املركزيتني جمموعة من‬ ‫القيم الأخرى الأقل ح�ضوراً �أو املرتبطة بهما‪،‬‬ ‫وت�شمل االنفتاح واحلرية‪ ،‬ويقابلها لدى الذات‬ ‫قيم‪ :‬القهر‪ ،‬والطبقية‪ ،‬والت�س ّيب‪.‬‬ ‫وقد ركّز اخلطاب على جمموعة من‬ ‫املعانى يف و�صفه لقيمتي التف ّوق والتقدم لدى‬ ‫الآخر �أبرزها‪ :‬التميز العلمي واملعريف والثقة‬ ‫بالنف�س والتم ّدن والتح�رض وت�شجيع املواهب‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية ‪299‬‬

‫وبث روح الإبداع واالبتكار‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وعلى م�ستوى القيم ال�سلبية ركّز اخلطاب‬ ‫على و�صف الآخر بالعدوان من �أجل ا�ستنزاف‬ ‫ما متلكه ال�شعوب العربية من ثروات‪ ،‬وحمو �أي‬ ‫وجود فاعل لها على اخلريطة العاملية‪ ،‬وقد‬ ‫ارتبط هذا الطرح باحلديث عن العنف الإ�رسائيلي‬ ‫�ض ّد الفل�سطينيني وعن دعم الواليات املتحدة‬ ‫الأمريكية لهذا العنف‪ ،‬ثم بدرجة �أقل بعدوان‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية على العراق‪.‬‬ ‫وتتمثّل �أبرز املعاين التي ارتبطت بقيمتي‬ ‫العدوان وا�ستنزاف الغري يف الو�صف ال�سلبي‬ ‫للآخر يف ما يقوم به من قتل وتدمري ودموية‬ ‫وتعذيب وتنكيل وا�ضطهاد‪ ،‬وتعامله العن�رصي‬ ‫مع الغري وت�شويه �صورته والت�آمر �ض ّده‬ ‫والرت ّب�ص به‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل الرباجماتية‬ ‫يف التعامل‪ ،‬و�إعالء لغة امل�صالح على لغة‬ ‫الأخالق‪.‬‬

‫من الظواهر الأ�سا�سية التي �أ�صبحت مت ّيز‬ ‫الإعالم الف�ضائي اخلليجي عموم ًا‪ ،‬وال�سعـودي‬ ‫خ�صو�ص ًا‪ ،‬ظهور العديد من القنوات التي‬ ‫يطلق عليها قنوات الثقافة ال�شعبية‪� ،‬أو الرتاث‬ ‫ال�شعبي‪ .‬وت�سعى هذه القنوات �إىل تقدمي املالمح‬ ‫ال�شعبية التي مت ّيز واقع ًا مكاني ًا �أو قبلي ًا مع ّين ًا‪،‬‬ ‫ونقل �أ�شكال و�أطياف التعابري كافة التي تعك�س‬ ‫أغان‪ ،‬و�أزياء‪ ،‬وطقو�س‪،‬‬ ‫هذه الثقافة‪ ،‬من �شعر‪ ،‬و� ٍ‬ ‫وعادات وتقاليد �شعبية‪ ،‬ومالمح �شخ�صية‬ ‫املكان الذي تعرب عنه هذه الثقافة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫ومن النماذج على هذه القنوات‪ :‬قناة‬ ‫الأماكن‪ ،‬وقنوات ال�ساحة‪ ،‬وقناة املرقاب‪،‬‬ ‫وقناة ديوان العرب‪ ،‬وقناة املختلف‪ ،‬وقناة‬ ‫الواحة‪ ،‬وقناة البوادي‪ ،‬وقناة روا�سي وغريها‪.‬‬ ‫وهذه القنوات – يف جمملها – مملوكة لعدد‬ ‫من امل�ستثمرين ورجال الأعمال اخلليجيني‪.‬‬ ‫واجه بع�ض هذه القنوات بالعديد من‬ ‫و ُي َ‬ ‫االتهامات �أبرزها �أنها تق ّدم خطاب ًا ثقافي ًا‬ ‫تفكيكي ًا‪ ،‬ي�سعى �إىل زرع نوع من القبلية ما‬

‫الإعالم‬

‫ثالث ًا ‪ -‬ت�شكيل اخلطاب الثقايف يف‬ ‫قنوات الثقافة ال�شعبية ال�سعودية‬

‫بني امل�شاهدين‪ ،‬من خالل دعم بع�ض النعرات‬ ‫املتعلقة باالنتماء �إىل القبيلة التي تعبرّ عنها‬ ‫القناة‪ ،‬والتهوين من �ش�أن القبائل الأخرى‪،‬‬ ‫ب�صورة تعيد �إىل الذاكرة جانب ًا من التاريخ‬ ‫العربي الذي كان االنتماء القبلي يلعب دوراً‬ ‫حموري ًا يف توجيه الأحداث خالله‪.‬‬ ‫و�إذا حتدثنا عن دافعية �أ�صحاب هذه‬ ‫لبث م�ضمونها على خريطة الف�ضاء‬ ‫القنوات ّ‬ ‫العربي ف�سوف جندهم ير ّددون �أن خدمة‬ ‫املوروث ال�شعبي هي الدافع الأ�سا�سي و�إذا‬ ‫قبلنا هذا الدافع من ال�سابقني الذين قاموا‬ ‫باملغامرات الأوىل يف هذا املجال كالواحة‬ ‫مث ًال‪ ،‬فال ميكن �أن يكون دافع ًا �أ�سا�سي ًا‬ ‫للآخرين من دون �أن ن�ستدعي دافع الربحية‬ ‫املادية للح�ضور‪ .‬فـ ال�ساحة حني تد�شّ ن قناة‬ ‫ثانية وهي يف مراحلها الأوىل‪ ،‬فهذا يعني �أن‬ ‫املك�سب املادي ي�شكّل دافع ًا ال ميكن جتاهله‪،‬‬ ‫هذه النتيجة يع�ض ّدها تع ّدد القنوات ومت ّددها‬ ‫يف الف�ضاء اخلليجي بعد ذلك؛ واحلقيقة ت ّت�ضح‬ ‫�أكرث عند املقارنة بني ما قدمه بع�ض القنوات‬ ‫يف البدايات وما قدمه الآخرون‪ .‬ولو �أن‬ ‫امل�ستثمرين احلقيقيني يف جمال الإعالم وقفوا‬ ‫وراء هذه القنوات لكانت �أف�ضل حا ًال بحكم‬ ‫اخلربة واالحرتاف يف �صناعة الإعالم (‪.)25‬‬ ‫وتعبرّ هذه القنوات عن حالة حت ّول �أو منو‬ ‫يف الو�سائط الإعالمية ال�صحفية لتوجد لنف�سها‬ ‫و�سيط ًا ف�ضائي ًا لتوزيع مادتها‪ ،‬وا�ستثمار‬ ‫كوادرها الب�رشية‪ .‬ف�أغلب القنوات ال�شعبية‬ ‫كانت يف الأ�صل جمالت مطبوعة تر ّوج‬ ‫للثقافة ال�شعبية ثم حت ّولت بعد ذلك �إىل قنوات‬ ‫تليفزيونية‪.‬‬ ‫وب�سبب ارتكان خطاب هذه القنوات‬ ‫�إىل الطابع القبلي والتناف�سي فقد �أغرى ذلك‬ ‫الكثري من ال�شعراء الذي ميتكلون القدرة املالية‬ ‫على �إن�شاء قنوات �شعبية ت�شكّل نافذة لعر�ض‬ ‫�إبداعهم ال�شعري‪.‬‬ ‫ويرى �آخرون �أن لوجود مثل هذه القنوات‬ ‫�أثراً �إيجابي ًا على املتلقني وامل�ستثمرين على ح ّد‬ ‫�سواء‪� ،‬إال �أن احلرفية التي تغيب عن تلك القنوات‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 300‬للتنمية الثقافية‬

‫بحاجة �إىل مزيد من اهتمام امل�ستثمرين بها‪،‬‬ ‫لتطوير مهارات املذيعني ومق ّدمي الربامج‬ ‫واملع ّدين والفنيني (‪.)26‬‬ ‫التوحد والت�شابه يف طبيعة‬ ‫ويف ظ ّل حالة ّ‬ ‫اخلطاب وخ�صائ�صه‪ ،‬ي�صبح من ال�صعب النظر‬ ‫�إىل القنوات الثقافية ال�سعودية – مو�ضع‬ ‫التحليل‪ -‬ب�شكل منفرد �أو منف�صل‪ .‬فاملتابع‬ ‫لهذه القنوات ميكن �أن يكت�شف على الفور‬ ‫الت�شابه الكبري يف اخلطاب الإعالمي املق ّدم‬ ‫عربها‪� ،‬سواء يف ال�شكل �أم امل�ضمون �إىل احل ّد‬ ‫الذي ميكن اعتبارها – �أي هذه القنوات ‪-‬‬ ‫باقة من القنوات الثقافية الف�ضائية ال�سعودية‬ ‫الهوية‪ ،‬واملوحدة يف الهدف واالجتاه‪.‬‬ ‫وبنا ًء على هذا الت�شابه ميكن احلديث‬ ‫عن خطاب ثقايف عام �أو �شامل يتعلق بقنوات‪:‬‬ ‫ال�صحراء‪ ،‬واملرقاب‪ ،‬وديوان العرب‪ ،‬وهي‬ ‫مت اختيارها كمجال‬ ‫جمموعة القنوات التي ّ‬ ‫للتحليل داخل هذا املبحث‪ ،‬بحكم �أنها الأكرث‬ ‫تعبرياً عن توجهات منظومة القنوات ال�شعبية‬ ‫مت حتليل معامل اخلطاب الذي‬ ‫ال�سعودية‪ .‬وقد ّ‬ ‫بثّته هذه القنوات‪ ،‬خالل الأ�شهر الثالثة‬ ‫الأخرية من عام ‪ ،2008‬يف �ضوء ثالثة‬ ‫حماور �أ�سا�سية‪� ،‬شملت‪ :‬الأهداف الإعالمية‬ ‫للخطاب الثقايف بالقنوات ال�شعبية ال�سعودية‪،‬‬ ‫التوجهات املو�ضوعية للخطاب الثقايف بهذه‬ ‫ّ‬ ‫القنوات‪� ،‬أطر ت�شكيل اخلطاب الثقايف بالقنوات‬ ‫ال�شعبية‪.‬‬ ‫و�سنعر�ض يف ما يلي للنتائج التي‬ ‫متخ�ض عنها التحليل‪ ،‬يف �إطار كل حمور من‬ ‫ّ‬ ‫هذه املحاور‪.‬‬

‫الأهداف الإعالمية للخطاب الثقايف‬ ‫بالقنوات ال�شعبية ال�سعودية‬

‫يت�أ�س�س اخلطاب الثقايف للقنوات ال�شعبية‬ ‫ال�سعودية على فكرة االلت�صاق بالتاريخ‬ ‫واجلغرافيا املم ّيزة للمكان الذي تعبرّ عنه كل‬ ‫قناة‪ ،‬وذلك بالنظر �إىل التاريخ كمجموعة من‬ ‫القيم والأفكار املتوارثة‪ ،‬وكذلك كمجموعة من‬ ‫الطقو�س والعادات والتقاليد التي ت�ضفي نوع ًا‬

‫من التميز على جمموعة ب�رشية مع ّينة مقابل‬ ‫جمموعة ب�رشية �أخرى‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل النظر �إىل‬ ‫التاريخ مبوروثاته التعبريية التي د�أبت هذه‬ ‫املجموعة الب�رشية على توظيفها يف التعبري‬ ‫عن �أ�شواقها وطموحاتها ومواقفها‪ ،‬وي�أتي‬ ‫ال�شعر على ر�أ�س هذه املوروثات‪.‬‬ ‫ويتكامل حمور اجلغرافيا مع حمور‬ ‫التاريخ يف بلورة �أهداف اخلطاب الثقايف الذي‬ ‫تق ّدمه هذه القنوات‪ ،‬من خالل الت�أكيد على‬ ‫مالمح املكان‪ ،‬ومعطيات البيئة‪ ،‬و�سماتها‪،‬‬ ‫بداي ًة من رمال ال�صحراء‪ ،‬و�أر�ضها املفتوحة‬ ‫على ال�سماء‪ ،‬واخليمة العربية التي متثّل حالة‬ ‫االلتحام القبلي يف الثقافة ال�شعبية العربية‪.‬‬ ‫وي ّت�ضح هذا النوع من االلت�صاق مبحوري‬ ‫التاريخ واجلغرافيا من مراجعة الأهداف التي‬ ‫ح ّددتها هذه القنوات لنف�سها عند �إطالق بثّها‬ ‫�إىل اجلمهور‪.‬‬ ‫فعلى �سبيل املثال يطرح القائمون على‬ ‫قناة ال�صحراء �أهداف القناة من خالل نبذة‬ ‫تعريفية ت�شري �إىل �أنه «حينما نذكر ال�صحراء‬ ‫يتبادر �إىل الذهن العربي ابن ال�صحراء الذي‬ ‫افرت�ش �أر�ضها والتحف �سماءها وتعلّم من‬ ‫جبالها ال�شموخ ومن جمالها ال�صرب ومن‬ ‫ريا�ضها ال�شعر والنرث واغت�سل من غدرانها‬ ‫وانطلق من جزيرة العرب يبني احل�ضارات‬ ‫وين�رش الطهر والنقاء يف �أر�ض اهلل‪ .‬فال�صحراء‬ ‫عند العربي هي الوطن هي ال�شهامة والنخوة‬ ‫ومن باب الوفاء ملوطن العطاء‪ ،‬لذلك فقد‬ ‫ر�أى القائمون على قناة ال�صحراء تقدمي تراث‬ ‫ال�صحراء وفق ر�ؤية �إعالمية تتنا�سب مع ع�رص‬ ‫التقدم التقني وي�سعون بجد �إىل نقل املوروث‬ ‫ال�شعبي جلزيرة العرب يف املرحلة الأوىل ثم‬ ‫االنطالق بعد ذلك لرحب �أو�سع حيث ال�صحراء‬ ‫يف الوطن العربي لت�أكيد التوا�صل والتقارب‬ ‫يف العادات والتقاليد والفنون والثقافات» (‪.)27‬‬ ‫كما �أ�شارت قناة ديوان العرب يف معر�ض‬ ‫�إعالنها عن انطالقها من النايل �سات �إىل �أنها‬ ‫«�سوف تهتم بالثقافة والأدب واالقت�صاد‪،‬‬ ‫و�أنها �أع ّدت برامج ثقافية و�أدبية كبرية جداً‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية ‪301‬‬

‫وتغطي ًة للكثري من الأم�سيات ال�شعرية‪ ،‬ومتابعة‬ ‫الفعاليات الثقافية والأدبية واالجتماعية‪ ،‬كما‬ ‫�أنها �سوف تهت ّم بالتوا�صل من خالل ال�رشيط‬ ‫الإداري والإعالين مع اجلمهور» (‪.)28‬‬ ‫وي�شري موقع قناة املرقاب �أي�ض ًا �إىل �أن‬ ‫اهتماماتها الأ�سا�سية تتبلور حول ال�شعر‪،‬‬ ‫وق�ضايا ال�شعر‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل ت�سليط ال�ضوء‬ ‫على معامل املوروث ال�شعبي يف اململكة العربية‬ ‫ال�سعودية‪ ،‬وال�شخ�صية املم ّيزة للمكان والبيئة‬ ‫يف اململكة (‪.)29‬‬

‫التوجهات املو�ضوعية للخطاب الثقايف‬ ‫بالقنوات ال�شعبية ال�سعودية‬

‫• حمور الرتاث‪:‬‬

‫مثّل الرتاث مبفرداته املختلفة حموراً‬ ‫مهم ًا يف اخلطاب الثقايف للقنوات املدرو�سة‬ ‫على م�ستويات عدة‪ ،‬فعلى م�ستوى اللغة برز‬ ‫االهتمام بالرتاث اللغوي من خالل �إحياء �ألفاظ‬ ‫�أو عبارات قدمية ومهجورة‪ ،‬وقد عبرّ بجالء‬ ‫عن هذا امل�ستوى برنامج �إيل ما له �أول ما له‬ ‫تايل والذي ُيذاع على قناة ال�صحراء‪ ،‬وي�أتي‬ ‫يف قالب خفيف‪ ،‬معتمداً على خفّة الظل يف‬ ‫طرح ال�س�ؤال من ناحية‪ ،‬و�إجابات اجلمهور غري‬ ‫املتوقعة من ناحية �أخرى‪ ،‬لي�صل يف النهاية‬ ‫لتعريف �أو �إبراز معنى كلمة قدمية م�ؤكداً على‬ ‫عبارة �إىل ما له �أول ما له تايل‪.‬‬ ‫كما يتجلّى املحور الرتاثي من خالل‬ ‫الربامج التي ركّزت على العادات وال�سلوكيات‬

‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫نوع الربامج‬ ‫تراث‬

‫‪30‬‬

‫‪30.9‬‬

‫�أدب‬

‫‪27‬‬

‫‪27.8‬‬

‫دين‬

‫‪21‬‬

‫‪21.6‬‬

‫البيئة‬

‫‪19‬‬

‫‪19.6‬‬

‫املجموع‬

‫‪97‬‬

‫‪100‬‬

‫داخل القبائل‪ ،‬مثل برنامج (قبائل) على قناة‬ ‫املرقاب والذي يربز �سلوك القبائل وعاداتها‪،‬‬ ‫وكذلك برنامج ر�صد الذي ير�صد املواهب‬ ‫النادرة والقدرات اخلارقة لبع�ض الأفراد‪ ،‬وكان‬ ‫من بني حلقاته‪ ،‬حلقة حول الطب ال�شعبي‬ ‫ولقاء مع �أحد الأطباء ال�شعبيني الذين يعاجلون‬ ‫العظام بطرق �شعبية قدمية‪.‬‬ ‫ويطرح اخلطاب �أي�ض ًا بع�ض املالمح‬ ‫الرتاثية التي تتجلى على امل�ستوى االجتماعي‪،‬‬ ‫من خالل ما يذاع من برامج ُتربز الطقو�س‬ ‫ال�شعبية املرتبطة باملنا�سبات االجتماعية‪،‬‬ ‫مثل برنامج منا�سبات و�أفراح والذي ي�شغل‬ ‫موقع ًا مم ّيزاً يف اخلريطة الرباجمية للقنوات‬ ‫املدرو�سة كافة بال ا�ستثناء وهو برنامج‬ ‫يحر�ص على عر�ض طقو�س الأفراح يف اململكة‬ ‫والتي غالب ًا ما تكون ملتزمة بال�شكل التقليدي‬ ‫الرتاثي القدمي‪.‬‬ ‫يعني ذلك �أن �أختيار خطاب ما ُي�سلّط‬ ‫ال�ضوء على معطيات الرتاث‪� ،‬أحيان ًا ما يقع يف‬ ‫�رشك البعد عن العقالنية‪ ،‬من خالل دعم بع�ض‬ ‫الأفكار ال�شعبية يف جمال الطب‪ ،‬واالرتداد �إىل‬ ‫العادات وال�سلوكيات التي ارتبطت مبراحل‬ ‫زمنية معينة من تاريخ القبائل وت�سليط ال�ضوء‬ ‫عليها‪ ،‬من �أجل ت�أكيد خ�صو�صية كل قبيلة‬ ‫ي�صب يف الإطار التفكيكي‪،‬‬ ‫منها‪ ،‬وهذا ما‬ ‫ّ‬ ‫وي�ضع عالمات ا�ستفهام حول درجة عقالنية‬ ‫اخلطاب الذي تقدمه هذه القنوات‪.‬‬

‫الإعالم‬

‫يتمحور اخلطاب الثقايف للقنوات‬ ‫ال�شعبية ال�سعودية حول جمموعة من املحاور‬ ‫املو�ضوعية التي ت�شمل الرتاث‪ ،‬والدين‪،‬‬ ‫والأدب‪ ،‬والبيئة‪ .‬وقد اختلفت معدالت اهتمام‬ ‫اخلطاب بكل حمور من هذه املحاور على النحو‬ ‫املو�ضح يف اجلدول التايل‪( :‬جدول رقم ‪)15‬‬ ‫و�سنعر�ض يف ما يلي لأ�شكال اهتمام‬ ‫اخلطاب الثقايف بكل حمور من هذه املحاور‪،‬‬ ‫واجتاهات معاجلته للمفردات املو�ضوعية‬ ‫املختلفة التي برزت يف �إطار كل حمور‪:‬‬

‫جدول رقم ‪15‬‬

‫يو�ضح خريطة اهتمامات اخلطاب الثقايف بالقنوات‬ ‫ال�شعبية ال�سعودية‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 302‬للتنمية الثقافية‬

‫�شكل رقم (‪)5‬‬ ‫يو�ضح الفروق يف معدالت اهتمام اخلطاب الثقايف بالقنوات ال�شعبية ال�سعودية‬ ‫مبفردات الرتاث ال�شعبي‬ ‫‪12‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪2‬‬

‫اللغة‬

‫العادات‬ ‫والتقاليد‬

‫الفنون‬ ‫ال�شعبية‬

‫الرتاث‬ ‫االجتماعي‬

‫‪1‬‬

‫ويت�أكد املحور الرتاثي على م�ستوى‬ ‫الفنون من خالل العديد من الربامج التي تطرح‬ ‫الفنون ال�شعبية مثل برنامج حمطات �شعبية‬ ‫على قناة املرقاب‪ ،‬ويعر�ض لفنون متنوعة‬ ‫من مناطق اململكة كافة‪ ،‬واحلوارات التي‬ ‫تتعلق بحفالت ال�سمر وما ت ّت�سم به من طقو�س‬ ‫وعادات على قناة ديوان العرب‪.‬‬ ‫ويو�ضح ال�شكل التايل الفروق الأ�سا�سية‬ ‫بني درجة اهتمام اخلطاب باملفردات ال�سابقة‬ ‫التي تت�شكل منها منظومة موروث الرتاث‬ ‫ال�شعبي داخل القنوات‪�( :‬شكل رقم ‪)5‬‬

‫•حمور ال�شعر‪:‬‬

‫يحت ّل ال�شعر ك�شكل من الأ�شكال الأدبية‬ ‫مكان ال�صدارة يف اخلطاب الثقايف للقنوات‬ ‫املدرو�سة‪ ،‬ن�ستدل على ذلك من امل�ساحة‬ ‫الإعالمية الكبرية التي حتتلّها الربامج التي‬ ‫تهت ّم بال�شعر وال�شعراء على اخلريطة الرباجمية‬ ‫يبث على قناة‬ ‫لكل قناة‪ ،‬ومن هذه الربامج ما ّ‬ ‫ديوان العرب‪ ،‬مثل برنامج لقاء مع �شاعر‪،‬‬ ‫وي�سلّط ال�ضوء على املبدعني من ال�شعراء من‬ ‫خمتلف مناطق اململكة‪ ،‬ويركّز ب�شكل �أكرب‬

‫على ال�شعراء ال�شباب الذين مل يجدوا فر�صة‬ ‫�إي�صال ما لديهم من فكر وثقافة و�إبداع ور�ؤى‬ ‫ووجهات نظر‪ ،‬فيتيح لهم الربنامج نافذة‬ ‫يتعرف عليهم اجلمهور من خاللها‪ ،‬ويتناوب‬ ‫على تقدمي الربنامج جمموعة من ال�شباب‬ ‫املق ّدمني املبدعني وهو من الربامج الثابتة‬ ‫على القناة‪ ،‬ي�ضاف �إىل ذلك نقل الأم�سيات‬ ‫ال�شعرية على م�ستوى اململكة من خالل ت�صوير‬ ‫�شعر املنتديات املعروف لديهم‪.‬‬ ‫وتزخر خريطة قناة املرقاب �أي�ض ًا‬ ‫بالعديد من الربامج التي تهتم بال�شعر منها‪،‬‬ ‫بدون جماملة وهو عبارة عن حوار مع جنوم‬ ‫ال�شعر يعتمد على نقد جتربتهم‪ ،‬وبرنامج‬ ‫ديوانية املرقاب‪ ،‬وهو عبارة عن جمل�س �شعري‬ ‫يتنقل يف املناطق كافة‪ ،‬وبرنامج حماورات‬ ‫النخبة وهو ت�سجيل نخبوي – كما ت�صفه قناة‬ ‫املرقاب ‪ -‬لنجوم �شعر املحاورة‪ ،‬وبرنامج‬ ‫�شعراء اجلنوب الذي ُيربر ما يتمتع به �شعر‬ ‫اجلنوب من فنون متنوعة‪ ،‬وبرنامج املعلقات‬ ‫وهو برنامج يهتم بال�شعر العربي الف�صيح ويف‬ ‫مقدمته املعلقات‪ ،‬برنامج الأ�شبال وهو خا�ص‬ ‫للموهوبني يف ال�شعر من �صغار ال�سن‪.‬‬

‫• حمور الدين‪:‬‬

‫ميثّل الدين مرتكزاً �أ�سا�سي ًا من مرتكزات‬ ‫اخلطاب الثقايف للقنوات ال�شعبية ال�سعودية‬ ‫التي توظف برامج دينية متع ّددة تهت ّم بتقدمي‬ ‫الإ�سالم كبناء �أخالقي وت�رشيعي‪ ،‬وكعبادات‬ ‫ومعامالت‪ .‬ومن مناذج هذه الربامج على‬ ‫خريطة قناة ديوان العرب‪ :‬برنامج وقفة مع‬ ‫الذات‪ ،‬وهو عبارة عن وقفة ملراجعة النف�س‬ ‫يف ما ق ّدمت وما يجب �أن يكون عليه حال‬ ‫امل�سلم‪ ،‬وبرنامج ر�سالة وهو عبارة عن ن�صائح‬ ‫وعظات‪ ،‬وترجمة لق�ص�ص متداولة لأ�شخا�ص‬ ‫ذاقوا حالوة التوبة من املعا�صي‪ ،‬وحلقة‬ ‫خا�صة عن الرقية ال�رشعية‪ ،‬وبرنامج النب�أ‬ ‫العظيم ويعر�ض �سل�سلة حلقات درو�س دينية‬ ‫للدكتور حممد العريفي بالإ�ضافة ملحا�رضات‬ ‫دينية‪ ،‬كما حتر�ص قناة ال�صحراء على ت�سجيل‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية ‪303‬‬

‫الندوات والدرو�س الدينية وبثها عرب القناة‪،‬‬ ‫وميثّل نقل �شعائر ال�صلوات من احلرمني‬ ‫ال�رشيفني‪ ،‬والأحاديث النبوية ال�رشيفة معلم ًا‬ ‫مم ّيزا لتلك الباقة من القنوات‪.‬‬

‫• حمور البيئة‪:‬‬

‫�أطر ت�شكيل اخلطاب الثقايف بالقنوات‬ ‫ال�شعبية ال�سعودية‬

‫مت حتليل الأطر املختلفة التي حتكم ت�شكيل‬ ‫ّ‬ ‫اخلطاب الثقايف على قنوات ال�صحراء‪ ،‬وديوان‬ ‫العرب‪ ،‬واملرقاب‪ ،‬وذلك على م�ستوى القوى‬ ‫الفاعلة التي برزت يف اخلطاب‪ ،‬والتوجهات‬ ‫الزمنية له‪.‬‬ ‫وقد �أثبت التحليل بروز العديد من القوى‬

‫الإعالم‬

‫حتتل البيئة ال�صحراوية مبختلف رموزها‬ ‫موقع ًا متميزاً يف اخلطاب الثقايف للقنوات‪-‬‬ ‫مو�ضع الدرا�سة‪ -‬وقد برز ذلك بو�ضوح من‬ ‫خالل ع ّدة م�ؤ�رشات �أ�سا�سية‪:‬‬ ‫• االهتمام ال�شديد برموز البيئة ال�صحراوية من‬ ‫احليوانات (الإبل‪ -‬اخليل – ال�صقور‪ -‬الذئاب)‪.‬‬ ‫وقد �أفردت تلك القنوات برامج وم�سابقات‬ ‫خا�صة للإبل واخليول‪ .‬ومن �أمثلة ذلك م�سابقة‬ ‫(�أجمل بكرة) التي تذاع على قناة ال�صحراء‬ ‫الختيار �أجمل بكرة و�إعطاء �صاحبها جائزة‪،‬‬ ‫وبرنامج مغاتري ومهاجيم على قناة املرقاب‬ ‫وهو برنامج متن ّوع عن الإبل يهتم مبيزانياتها‬ ‫و�أ�صنافها و�أمرا�ضها ومزاداتها‪ ،‬كما تعر�ض‬ ‫قناة املرقاب �أي�ض ًا برنامج بنات الريح وهو‬ ‫برنامج يهت ّم باخليول العربية الأ�صيلة‪ .‬كما‬ ‫حر�صت قناة ال�صحراء على �إفراد م�ساحة‬ ‫لعر�ض �رصاع البدوي مع حيوانات ال�صحراء‬ ‫كالذئب من خالل ق�صة فرحان والذئب وحتكي‬ ‫عن تغلّب البدوي على ذئب هاجمه‪.‬‬ ‫• االهتمام بعر�ض �صور وم�شاهد من ال�صحراء‬ ‫ومعاملها البيئية من نباتات �صحراوية وامتداد‬ ‫وا�سع وخيام و�صقور‪.‬‬

‫الفاعلة التي �أ�سهمت يف ت�شكيل بنية اخلطاب‪،‬‬ ‫منها �أفراد العائلة املالكة والذين برزوا‬ ‫كم�شاركني فاعليـن يف املنا�سبات كافة‪،‬‬ ‫بداية من املهرجانات الكربى مثل مهرجان‬ ‫اجلنادرية‪ ،‬وو�صو ًال �إىل م�شاركتهم يف الأفراح‬ ‫واملنا�سبات العامة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل ال�شعراء من‬ ‫�أنحاء اململكة كافة‪ ،‬ورجال الدين‪ ،‬والبدوي‬ ‫الب�سيط يف �إطار حياته العامة‪ .‬وبالتايل فقد‬ ‫حاول اخلطاب هنا �صبغ نف�سه بال�صبغة‬ ‫الر�سمية‪ ،‬على الرغم من امللكية اخلا�صة‬ ‫للقنوات‪ ،‬من جانب �شعراء وم�ستثمرين‪ ،‬ويف‬ ‫الوقت نف�سه اجتهد يف �إك�ساب نف�سه �صبغة‬ ‫�شعبية‪ ،‬من خالل تناول احلياة العامة البدوية‬ ‫بعنا�رصها ال�شعبية الفاعلة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل‬ ‫الوجه الثقايف ال�شعري الذي احتفي اخلطاب‬ ‫ب�إبرازه‪.‬‬ ‫وعلى امل�ستوى الزمني ا�ستغرق اخلطاب‬ ‫ب�شكل كبري يف املا�ضي من خالل �إبراز معامل‬ ‫الرتاث والبيئة ال�صحراوية واحلياة البدوية‪ ،‬ومل‬ ‫يحاول التنويع بني ق�ضايا املا�ضي واحلا�رض‪،‬‬ ‫حتى �أن الربنامج ذا ال�صبغة العلمية والذي‬ ‫ظهر على قناة املرقاب بعنوان ديوان الفلك‪،‬‬ ‫اهتم بح�ساب النجوم والأنواء وهو من العلوم‬ ‫القدمية �أي�ضا والتي اهت ّم بها �ساكنو ال�صحراء‪.‬‬ ‫كذلك �أ ّدى ا�ستغراق اخلطاب الثقايف‬ ‫للقنوات املدرو�سة يف مناق�شة ق�ضايا ال�شعر‬ ‫وجتارة الإبل والعادات القدمية �إىل عزله‬ ‫– ب�صورة وا�ضحة ‪ -‬عن مفردات واهتمامات‬ ‫اخلطاب الثقايف العام‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل عزله عن‬ ‫تفاعالت احلياة املعا�رصة داخل اململكة‪ ،‬وكذا‬ ‫تفاعلها مع ق�ضايا العامل العربي‪ .‬ويف هذا‬ ‫ال�سياق مل يهتم اخلطاب ب�إطالع امل�شاهد على‬ ‫ما و�صلت �إليه احلياة داخل اململكة يف املرحلة‬ ‫احلالية‪ ،‬فهو خطاب ما�ضوي م�ستغرق يف‬ ‫تفا�صيل قد يراها البع�ض ال ت�صلح �إال ملخاطبة‬ ‫قبائل‪ ،‬ال خماطبة دولة ذات كيان متما�سك‬ ‫ومتطور ومتفاعل مع معطيات الع�رص‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 304‬للتنمية الثقافية‬

‫رابع ًا ‪ -‬ت�شكيل اخلطاب الثقايف‬ ‫يف برنامج «ال�صالون الثقايف»‬ ‫بالقناة املغربية‬

‫يرتكز برنامج ال�صالون الثقايف على فكرة‬ ‫ال�صالون الأدبي الذي كان له ت�أثري كبري على‬ ‫تط ّور الفن يف العامل العربي منذ مطلع القرن‬ ‫املا�ضي‪ .‬ويعتمد الربنامج على ا�ست�ضافة‬ ‫وجوه ثقافية من املغرب والعامل العربي ومن‬ ‫�أملانيا‪ ،‬ملناق�شة الق�ضايا الثقافية الراهنة‬ ‫التي ته ّم �أوروبا ومنطقة �شمال �إفريقيا والعامل‬ ‫العربي ب�شكل عام (‪.)30‬‬ ‫ويت ّم �إنتاج هذا الربنامج بالتعاون بني كل‬ ‫من قناة ‪ DW-TV‬الأملانية والقناة املغربية‪.‬‬ ‫وهو برنامج حواري يقوم على �إقامة حوار ما‬ ‫بني طرفني حول ق�ضية ثقافية معينة‪ ،‬عادة ما‬ ‫يعبرّ �أحدهما عن �أو�ضاع الظاهرة التي تعاجلها‬ ‫احللقة يف العامل العربي عموم ًا‪ ،‬واملغرب‬ ‫خ�صو�ص ًا‪ ،‬ويعبرّ الآخر عن �أو�ضاع الظاهرة يف‬ ‫الغرب عموم ًا‪ ،‬و�أملانيا على وجه اخل�صو�ص‪.‬‬ ‫بث الربنامج بالتزامن على قناتي دويت�شه‬ ‫و ُي ّ‬ ‫فيله‪ ،‬واملغربية‪ ،‬كما تبثّه القناة الثانية �ضمن‬ ‫�شبكة براجمها الثقافية يف وقت الحق‪.‬‬ ‫ويبث الربنامج ب�صورة �شهرية‪ ،‬مل ّدة‬ ‫�ساعة‪ ،‬ويتولىّ تقدميه ك ّل من‪� :‬أ�سمهان عمور‪،‬‬ ‫بث حلقاته‬ ‫ور�شيد بو طيب‪ .‬وقد بد�أ الربنامج ّ‬ ‫منذ �أكتوبر ‪ ،2008‬ومازال م�ستمراً حتى الآن‪.‬‬ ‫مت حتليل �سمات ت�شكيل خطاب‬ ‫وقد ّ‬ ‫برنامج ال�صالون الثقايف و�أطره يف �ضوء‬ ‫ثالثة حماور‪� ،‬شملت‪:‬‬ ‫ التوجهات املو�ضوعية للخطاب الثقايف‬‫بالربنامج‪.‬‬ ‫– خ�صائ�ص ر�ؤية اخلطاب ل�صورة الذات‬ ‫والآخر‪.‬‬ ‫– عنا�رص بنية اخلطاب الثقايف بالربنامج‪.‬‬

‫التوجهات املو�ضوعية خلطاب برنامج‬ ‫ال�صالون الثقايف‬

‫ناق�شت حلقات الربناج على مدار الفرتة‬ ‫املمتدة من �أكتوبر ‪� 2008‬إىل منت�صف‬ ‫عدداً من املو�ضوعات‪� ،‬شملت ما يلي‪:‬‬

‫‪2009‬‬

‫• الفنانون العرب بني املنفي والوطن‪.‬‬ ‫• الفنانون والتابوهات‪.‬‬ ‫• املغرب يف �أدب الرحالت‪.‬‬ ‫• التع ّدد الثقايف �آفاق وحتديات‪.‬‬ ‫• ال�سينما اليورو متو�سطية‪.‬‬ ‫• الن�ساء يف الأدب‪.‬‬ ‫• العامل العربي يف �أزمة احلداثة‪.‬‬ ‫• الفرانكفونية م�صدر للتنوع �أم �أحادية الثقافة‪.‬‬ ‫تك�شف �أجندة املو�ضوعات ال�سابقة �أن‬ ‫خطاب برنامج ال�صالون الثقايف يدور يف‬ ‫فلك ثالثة قطاعات �أ�سا�سية‪ ،‬ت�شمل قطاع‬ ‫الفن والأدب والفكر‪ .‬وتربز هذه الأجندة وجود‬ ‫درجة مرتفعة من االهتمام بق�ضايا الفنانني‬ ‫مت�س حرية‬ ‫العرب‪ ،‬وخ�صو�ص ًا الق�ضايا التي ّ‬ ‫الإبداع‪ ،‬والتي ت�ؤدي ببع�ضهم �إىل الهروب من‬ ‫جمتمعاتهم الأ�صلية التي تق ّيد – يف بع�ض‬ ‫الأحيان – من حرية الفنان‪� ،‬إىل جمتمعات‬ ‫تتف ّهم ب�صورة �أعلى حرية الإبداع‪ ،‬ويرتبط‬ ‫بهذا املو�ضوع �أي�ض ًا �إثارة حق الفنان يف‬ ‫ك�رس بع�ض التابوهات التي ت�سيطر على العقل‬ ‫العربي‪� ،‬سواء على امل�ستويات االجتماعية �أم‬ ‫الثقافية �أم الإن�سانية‪.‬‬ ‫ومن الوا�ضح �أن اخلطاب كان حري�ص ًا على‬ ‫�إذابة احلدود الفا�صلة بني مفهوم الفن ومفهوم‬ ‫الأدب ك�أحد معطيات الثقافة‪ ،‬خ�صو�ص ًا عند‬ ‫احلديث عن ق�ضية حرية الإبداع‪ .‬ويف هذا الإطار‬ ‫ميكننا �أن نفهم اهتمام الربنامج بتخ�صي�ص‬ ‫حلقة عن الن�ساء يف الأدب – يف هذا ال�سياق –‬ ‫�أي�ض ًا‪� ،‬إذ تواجه املر�أة داخل بع�ض املجتمعات‬ ‫العربية – كما ي�شري الربنامج – م�ستويات‬ ‫خمتلفة من النفي والتهمي�ش‪ ،‬وبالتايل يقع‬ ‫االهتمام بتحليل معدالت ت�صدي الأدب لهذه‬ ‫الق�ضية يف �إطار الت�أكيد على مفهوم حرية‬ ‫الإبداع الفني‪.‬‬ ‫كما اهتم الربنامج بتخ�صي�ص حلقة‬ ‫عن املغرب يف �أدب الرحالت‪ ،‬و�أظهر يف هذا‬ ‫ال�سياق قيمة هذا النوع من الأدب يف التعبري‬ ‫عن لقاء ثقايف غري مبا�رش‪ ،‬بني الذات والآخر‪،‬‬ ‫حيث تظهر فيها جلي ًا كيفية ر�ؤيتنا للآخر من‬ ‫خالل ال�صورة التي نر�سمها له‪.‬‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية ‪305‬‬

‫فكر‬ ‫فن‬ ‫�أدب‬

‫جدول رقم ‪16‬‬

‫يو�ضح الق�ضايا التي ظهرت داخل خطاب برنامج‬ ‫ال�صالون الثقايف‬ ‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫الق�ضايا‬ ‫التمييز �ضد العرب يف دول الغرب‬

‫‪11‬‬

‫‪19‬‬

‫م�صادرة حرية الإبداع يف العامل العربي‬

‫‪10‬‬

‫‪17.2‬‬

‫معاناة الأقليات القومية والدينية داخل العامل‬ ‫العربي‬ ‫انتعا�ش حرية الإبداع يف الغرب‬

‫‪7‬‬

‫‪12.1‬‬

‫‪7‬‬

‫‪12.1‬‬

‫كتب الرحالت كم�صدر للمعرفة التاريجية‬

‫‪6‬‬

‫‪10.3‬‬

‫هجرة النخب املثقفة العربية �إىل الغرب‬

‫‪6‬‬

‫‪10.3‬‬

‫ت�سامح الإ�سالم مع الآخر‬

‫‪4‬‬

‫‪6.9‬‬

‫هجرة املواطنني العرب �إىل دول الغرب‬

‫‪4‬‬

‫‪6.9‬‬

‫كتب الرحالت كم�صدر للمعرفة اجلغرافية‬

‫‪3‬‬

‫‪5.2‬‬

‫املجموع‬

‫‪58‬‬

‫‪100‬‬

‫ن = عدد الأفكار الرئي�سية التي عاجلتها احللقات الثالث حمل التحليل‬

‫– يف ق�ضية حرية الإبداع يف العامل العربي‪،‬‬ ‫وركّز يف هذا ال�سياق على �أ�شكال م�صادرة‬ ‫حرية الإبداع‪ ،‬من جانب امل�ؤ�س�سات الثقافية‪،‬‬ ‫وكذلك من جانب بع�ض امل�ؤ�س�سات الدينية‪.‬‬ ‫ومن النماذج التي �أ�شار �إليها اخلطاب – يف هذا‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإعالم‬

‫ف�إىل جوار ق�ضية حرية الإبداع‪ ،‬كان‬ ‫اخلطاب �أي�ض ًا �شديد االهتمام بق�ضية العالقة‬ ‫بالآخر‪ .‬وقد ظهر ذلك جلي ًا يف جمموعة‬ ‫احللقات التي خ�ص�صت ملناق�شة ق�ضايا فكرية‪،‬‬ ‫�شملت‪ :‬مو�ضوع التع ّدد الثقايف‪ ،‬والفرانكفونية‬ ‫كم�صدر للتن ّوع �أو �أحداية الثقافة‪ ،‬والعامل‬ ‫العربي يف �أزمة احلداثة‪.‬‬ ‫مما �سبق �أن هناك �أطروحتني‬ ‫ن�ستخل�ص ّ‬ ‫مركزيتني �سيطرتا على اخلطاب الذي ق ّدمه‬ ‫برنامج ال�صالون الثقايف‪ :‬الأطروحة الأوىل‬ ‫تتمثل يف حرية الإبداع‪ ،‬والثانية هي �أطروحة‬ ‫العالقة بني الذات والآخر‪ .‬وقد اعتنت القطاعات‬ ‫الثالثة التي ت�شكل منها اخلطاب (الفكر والفن‬ ‫والأدب) بت�سليط ال�ضوء‪ ،‬من زوايا خمتلفة على‬ ‫هاتني الق�ضيتني‪ .‬ويو�ضح ال�شكل التايل توزيع‬ ‫احللقات املختلفة لربنامج ال�صالون الثقايف‬ ‫على هذه القطاعات الثالثة‪�( :‬شكل رقم ‪)6‬‬ ‫مت اختيار ثالث من حلقات ال�صالون‬ ‫وقد ّ‬ ‫مت بثها على مدار ثالثة �أ�شهر) لتحليل‬ ‫الثقايف ( ّ‬ ‫م�ضمون خطابها بالتف�صيل‪ ،‬ومت اختيارها‬ ‫بحيث تغطي تنويعات الفكر والفن والأدب‪،‬‬ ‫كدوائر اهتمام للخطاب الذي يق ّدمه الربنامج‪.‬‬ ‫وحت ّددت هذه احللقات يف‪ :‬الفنانون العرب بني‬ ‫املنفى والوطن‪ ،‬التع ّدد الثقايف �آفاق وحتديات‪،‬‬ ‫املغرب يف �أدب الرحالت‪( .‬جدول رقم ‪)16‬‬ ‫يو�ضح اجلدول ال�سابق �أن ق�ضية التمييز‬ ‫�ضد العرب‪ ،‬يف بع�ض دول الغرب‪� ،‬شكّلت‬ ‫ان�شغا ًال �أ�سا�سي ًا خلطاب برنامج ال�صالون‬ ‫الثقايف‪ ،‬وكان هناك تركيز يف هذا ال�سياق‬ ‫على �أ�شكال التمييز التالية‪:‬‬ ‫• التمييز اللغوي‪ :‬حيث ال حترتم اللغة‬ ‫العربية‪ ،‬وال مينح �أبناء املهاجرين العرب حق‬ ‫تعليم �أبنائهم للغتهم الأ�صلية‪ ،‬وال يلتفت �إىل‬ ‫اللغة الأم ك�أ�سا�س لتطوير ثقافة الإن�سان‪.‬‬ ‫• التمييز الديني‪ :‬خ�صو�ص ًا بعد �أحداث‬ ‫احلادي ع�رش من �سبتمرب ‪ ،2001‬وتظهر �أبرز‬ ‫�أ�شكال هذا التمييز يف اجلدل حول وجود‬ ‫احلجاب يف الوظائف املختلفة‪ ،‬وبناء امل�ساجد‬ ‫يف املدن العامة‪.‬‬ ‫وا�ستغـرق اخلطاب – بن�سبة كبرية �أي�ض ًا‬

‫�شكل رقم (‪)6‬‬ ‫يو�ضح معدالت اهتمام حلقات برنامج ال�صالون الثقايف مبو�ضوعات الفكر‬ ‫والفن والأدب‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 306‬للتنمية الثقافية‬

‫ال�سياق – منوذج عمر حمدي (املعروف مبالفا)‬ ‫املولود عام ‪ 1951‬يف تل نايف ب�سوريا‪ .‬وعمل‬ ‫يف �شبابه يف دار �سينما‪ ،‬وكان عمله يتمثّل يف‬ ‫ر�سم املل�صقات الدعائية للأفالم‪ .‬ثم انتقل �إىل‬ ‫دم�شق يف �سن الـ‪ 17‬ليتمكن من عر�ض لوحاته‬ ‫الزيتية �أمام اجلمهور‪ .‬بعد ذلك عمل عمر خالل‬ ‫خدمته باجلي�ش ال�سوري يف ق�سم الر�سوم مبجلة‬ ‫الفر�سان ونظّ م معار�ض يف دم�شق والقاهرة‬ ‫وبغداد و�صوفيا ومو�سكو وبوداب�ست وبلغراد‪.‬‬ ‫غري �أن نزاع ًا �شب بينه وبني وزارة الثقافة‬ ‫ال�سورية لي�ضطر اختيار منفي له حني اجته �إىل‬ ‫النم�سا حيث غيرّ هويته ب�أكملها‪ ،‬وغيرّ ا�سمه‬ ‫�إىل مالفا وقبل اجلن�سية النم�ساوية وا�شتهر‬ ‫هناك‪.‬‬ ‫ويف املقابل من ذلك �أبرز اخلطاب يف‬ ‫�أكرث من مو�ضع حرية الإبداع كحق من حقوق‬ ‫الإن�سان الغربي‪ ،‬وكيف �أن املثقفني العرب‬ ‫الذين يهاجرون �إىل الغرب – ب�سبب احلرمان‬ ‫منها يف جمتمعاتهم – يتمتعون بها يف دوله‪.‬‬ ‫وقد اهت ّم اخلطاب بق�ضية هجرة العرب �إىل‬ ‫الغرب من �أكرث من زاوية (�سواء كانوا مواطنني‬ ‫عاديني �أم مثقفني)‪ ،‬كما �أ�شار �إىل عدة �أ�سباب‬ ‫تقف وراء هذه الهجرة‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫• �أ�سباب علمية‪ :‬ترتبط ب�ضعف بنية‬ ‫امل�ؤ�س�سات العلمية والتعليمية يف العامل‬ ‫العربي‪ ،‬مبـا يغري بالهجرة �إىل دول الغرب‬ ‫املتقدم من الناحية العلمية والتقنية‪.‬‬ ‫• �أ�سباب �سيا�سية‪ :‬نتيجة ظروف ال�ضغط‬ ‫والت�ضييق ال�سيا�سي‪ ،‬ون�شوب حروب يف الكثري‬ ‫من املناطق داخل العامل العربي‪.‬‬ ‫اهت ّم اخلطاب �أي�ض ًا ب�إبراز بع�ض امل�شكالت‬ ‫التي تعاين منها الأقليات القومية والدينية‬ ‫داخل املجتمع املغربي‪ ،‬خ�صو�ص ًا القومية‬ ‫الأمازيغية‪ ،‬والأقلية اليهودية‪ .‬و�أ�شار �أي�ض ًا‬ ‫وجود �إىل بع�ض امل�شكالت التي تعاين منها‬ ‫الأقليات امل�سيحية داخل بع�ض دول العامل‬ ‫العربي‪� .‬أ�شار اخلطاب �أي�ض ًا – يف هذا ال�سياق‬ ‫– �إىل ت�شجيع بع�ض الدول الغربية‪ ،‬وخ�صو�ص ًا‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية‪ ،‬للم�سيحيني العرب‬

‫على الهجرة �إىل الغرب‪ ،‬خ�صو�ص ًا بعد الغزو‬ ‫الأمريكي للعراق‪ ،‬و�أن الهدف من ذلك هو تفريغ‬ ‫املنطقة من العرب امل�سيحيني‪ ،‬و�أملح اخلطاب‬ ‫– يف �سياق ذلك �أي�ض ًا – �إىل �أن املهاجر العربي‬ ‫امل�سيحي �إىل دول الغرب‪ ،‬قد ال يعاين بالدرجة‬ ‫نف�سها من بع�ض امل�شكالت التي يعاين منها‬ ‫املهاجر العربي امل�سلم‪.‬‬ ‫ويف املقابـل من ذلك �أكّد اخلطاب –‬ ‫بن�سبة حمدودة – ت�سامح الإ�سالم مع الآخر‪،‬‬ ‫و�أن الأقليات الدينية عا�شت يف املجتمعات‬ ‫العربية والإ�سالمية‪ ،‬واندجمت مع امل�سلمني‬ ‫من دون �أي م�شكالت‪ ،‬يف ظ ّل ما ت�ؤكّده العقيدة‬ ‫الإ�سالمية من ت�سامح مع الآخر العقائدي‪.‬‬ ‫ويف �سياق االهتمام بالآخر �أي�ض ًا �أبرز‬ ‫اخلطاب دور كتب الرحالت كم�صدر لنقل‬ ‫املعرفة اجلغرافية والتاريخية عن الآخر‪،‬‬ ‫وزيادة معرفة العربي به‪ .‬فكتب الرحالت من‬ ‫امل�صادر اجلغرافية والتاريخية واالجتماعية‬ ‫املهمة‪ ،‬لأن الكاتب ي�ستقي املعلومات‬ ‫واحلقائق من امل�شاهد احلية التي يعاينها‪،‬‬ ‫مبا يجعل قراءتها غن ّية‪ ،‬ممتعة‪ .‬كما تك�شف‬ ‫كتب الرحالت عن لقاء ثقايف غري مبا�رش‪،‬‬ ‫حيث تظهر فيها جلي ًا كيفية ر�ؤيتنا للآخر‬ ‫من خالل ال�صورة التي نر�سمها له‪ .‬وكثرياً ما‬ ‫وجهت االنتقادات �إىل كتب الرحالت الأوروبية‬ ‫ّ‬ ‫املتعلقة بالعامل العربي ب�سبب ر�سمها �صورة‬ ‫منطية �إىل ح ّد كبري عن هذه املنطقة من العامل‪.‬‬ ‫لكن هذه ال�صورة النمطية لي�ست القاعدة‪ ،‬فهناك‬ ‫�أي�ض ًا كتب �أخرى ُعنيت باالقرتاب ال�صادق من‬ ‫روح املكان الذي ي�سعى الكاتب �إىل ت�صويره‬ ‫يف كتابه‪ ،‬كما ي�ؤكد خطاب حلقة املغرب يف‬ ‫�أدب الرحالت‪.‬‬

‫خ�صائ�ص ر�ؤية خطاب برنامج ال�صالون‬ ‫الثقايف للذات والآخر‬

‫تباين اخلطاب الثقايف يف درجة �سلبية‬ ‫�أو �إيجابية ال�صورة التي يق ّدمها للذات‪ ،‬وكذلك‬ ‫ال�صورة التي يعر�ض بها الآخر‪ ،‬ففي �أحيان‬ ‫كان يهتم ب�إبراز �إيجابيات الذات و�سلبيات‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية ‪307‬‬

‫ومن الالفت للنظر �أن االجتاه ال�سلبي تغلّب‬ ‫على االجتاه الإيجابي يف تناول اخلطاب للذات‪،‬‬ ‫فقد كان حري�ص ًا على ت�صوير املجتمعات‬ ‫العربية كمجتمعات طاردة‪ ،‬وبخا�صة للمبدعني‬ ‫والأقليات‪ ،‬و�أنها تدفعهم با�ستمرار للهجرة �إىل‬ ‫الغرب‪ ،‬حيث يعي�ش املبدعون العرب يف بيئة‬ ‫حتتفي بحرية الإبداع‪ ،‬كما تنال الأقليات‬ ‫العربية من امل�سيحيني واليهود هناك‪ ،‬احلقوق‬ ‫التي يحرمون منها يف جمتمعاتهم الأ�صلية‪.‬‬ ‫وتناول اخلطاب‪ ،‬على �سبيل اال�ستدراك‪ ،‬ق�ضية‬ ‫ت�سامح الإ�سالم مع الآخر‪ ،‬كوجه �إيجابي‬ ‫�أ�سا�سي للمجتمعات العربية‪.‬‬ ‫واختلف الأمر عند تناول الآخر داخل‬ ‫اخلطاب‪� ،‬إذ ُر ّجح االجتاه الإيجابي على االجتاه‬ ‫ال�سلبي‪ ،‬من خالل الإحلاح على فكرة احلرية‬ ‫التي يعي�ش يف ظلها العرب داخل الغرب‪ ،‬مبا‬ ‫يغري املبدعني بالهجرة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل تع ّدد‬ ‫ت�شجع املواطن العربي‬ ‫وتن ّوع الفر�ص التي ّ‬ ‫العادي على الهجرة �أي�ض ًا‪ .‬وعلى امل�ستوى‬ ‫ال�سلبي �أ ّكد اخلطاب فكرة التمييز �ضد الآخر‬

‫‪30‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪5‬‬

‫ق�ضايا الآخر‬

‫ق�ضايا الذات‬

‫‪0‬‬

‫�شكل رقم (‪)8‬‬ ‫يو�ضح حجم اهتمام اخلطاب ب�إبراز املالمح االيجابية وال�سلبية ل�صورة الذات‬ ‫والآخر‬

‫الإعالم‬

‫الآخر‪ ،‬ويف �أوقات كان يفعل العك�س ويركز‬ ‫على �سلبيات الذات مقابل �إيجابيات الآخر‪.‬‬ ‫ون�ستطيع �أن ن�ستخل�ص من العر�ض ال�سابق‬ ‫الذي قدمناه للق�ضايا واملو�ضوعات املختلفة‬ ‫التي اهت ّم اخلطاب ب�إبرازها‪� ،‬أنه ان�شغل بالآخر‬ ‫مما ان�شغل بالذات العربية‪� ،‬سواء‬ ‫الغربي‪� ،‬أكرث ّ‬ ‫جاء هذا االن�شغال يف االجتاه الإيجابي �أم‬ ‫ال�سلبي‪ .‬يظهر ذلك من خالل االهتمام بق�ضايا‬ ‫التمييز �ضد العرب يف دول الغرب‪ ،‬وانتعا�ش‬ ‫حرية الإبداع يف دوله‪ ،‬وحر�ص املواطنني‬ ‫واملثقفني العرب على الهجرة �إليها‪.‬‬ ‫ويف املقابل من ذلك ان�شغل اخلطاب على‬ ‫م�ستوى الذات بطرح ق�ضايا‪ :‬ت�سامح الإ�سالم‬ ‫مع الآخر‪ ،‬وم�صادرة حرية الإبداع يف العامل‬ ‫العربي‪ ،‬ومعاناة الأقليات القومية والعربية يف‬ ‫العامل العربي‪ .‬ويو�ضح ال�شكل التايل الفروق يف‬ ‫درجة اهتمام خطاب برنامج ال�صالون الثقايف‬ ‫بق�ضايا الذات وق�ضايا الآخر‪�( :‬شكل رقم ‪)7‬‬

‫�شكل رقم (‪)7‬‬ ‫يو�ضح درجة ان�شغال اخلطاب بق�ضايا الذات مقابل ان�شغاله بق�ضايا الآخر‬

‫‪18‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪10‬‬

‫ايجابية‬

‫‪8‬‬

‫�سلبية‬

‫‪6‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬

‫�صورة االخر‬

‫�صورة الذات‬

‫«امل�سلم»‪� ،‬سواء كان عربي ًا �أم تركي ًا �أم من‬ ‫جن�سية �أخرى‪ ،‬داخل هذه املجتمعات‪.‬‬ ‫ويو�ضح ال�شكل التايل الفروق يف املالمح‬ ‫الإيجابية وال�سلبية ل�صورة الذات والآخر‬ ‫داخل خطاب برنامج ال�صالون الثقايف‪�( :‬شكل‬ ‫رقم ‪)8‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 308‬للتنمية الثقافية‬ ‫جدول رقم ‪17‬‬

‫يو�ضح نوع القوى الفاعلة يف �إنتاج خطاب برنامج‬ ‫ال�صالون الثقايف‬

‫النوع‬

‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫ذكور‬

‫‪12‬‬

‫‪75‬‬

‫�إناث‬

‫‪4‬‬

‫‪25‬‬

‫املجموع‬

‫‪16‬‬

‫‪100‬‬

‫ن = �إجمايل عدد ال�ضيوف يف احللقات الثماين‬

‫جدول رقم ‪18‬‬

‫القيمة‬

‫يو�ضح القيم املت�ضمنة يف خطاب برنامج ال�صالون‬ ‫الثقايف‬ ‫التكرار‬

‫الن�سبة‬

‫حرية التفكري‬

‫‪20‬‬

‫‪34.5‬‬

‫عدم التمييز‬

‫‪13‬‬

‫‪22.4‬‬

‫االنتماء‬

‫‪9‬‬

‫‪15.5‬‬

‫احلق يف احلياة‬

‫‪8‬‬

‫‪13.8‬‬

‫الت�سامح‬

‫‪8‬‬

‫‪13.8‬‬

‫املجموع‬

‫‪58‬‬

‫‪100‬‬

‫مت ت�ضمينها داخل جمموعة الأفكار الرئي�سية التي‬ ‫ن = القيم التي ّ‬ ‫عاجلتها احللقات الثالث حمل التحليل‬

‫عنا�رص بنية خطاب برنامج ال�صالون‬ ‫الثقايف‬

‫حاول اخلطاب �أن يظهر نوع ًا من‬ ‫التعادلية وعدم التمييز‪ ،‬يف �إطار القوى الفاعلة‬ ‫التــي اعتمد عليها يف �إنتاج مادته‪ .‬فب�سبب‬ ‫الطابع احلواري اجلديل الذي مي ّيز الربنامج‪،‬‬ ‫كان هناك احتكام ب�صورة م�ستمرة �إىل ر�ؤية‬ ‫ثنائية يف اختيار القوى الفاعلة‪ ،‬بحيث ت�شمل‬ ‫�ضيفني‪ ،‬يعبرّ كل منهما عن �إحدى وجهات‬ ‫النظر املطروحة يف مناق�شة مو�ضوع احللقة‪،‬‬ ‫و�أن يكون �أحدهما منتمي ًا �إىل البيئة العربية‬ ‫بتفاعالتها‪ ،‬و�أن يكون الثاين منتمي ًا �إىل‬

‫البيئة الغربية مبا مي ّيزها من تفاعالت �أي�ض ًا‪.‬‬ ‫وي�أتي هذا التوجه يف �إطار الهدف الذي و�ضعه‬ ‫الربنامج لنف�سه واملتمثل يف ت�شجيع احلوار بني‬ ‫�أوروبا والعامل العربي‪ ،‬وذلك يف �إطار �سل�سلة‬ ‫من الربامج امل�شرتكة التي يدعمها تلفزيون‬ ‫دويت�شه فيله مع عدد من القنوات التليفزيونات‬ ‫العربية‪ ،‬من بينها التليفزيون امل�رصي من‬ ‫خالل برنامج �شباب بال حدود‪ ،‬والتلفزيون‬ ‫اجلزائري من خالل برنامج بني ال�شمال‬ ‫واجلنوب والذي ي�سلّط ال�ضوء على الق�ضايا‬ ‫امل�شرتكة التي تهم دول املغرب العربي من‬ ‫(‪.)31‬‬ ‫جهة و�أملانيا و�أوروبا من جهة �أخرى‬ ‫ومل ي�ستطع اخلطاب حتقيق التوازن‬ ‫املطلوب على م�ستوى توظيف ك ّل من الذكور‬ ‫والإناث يف �إنتاج مادته‪ ،‬على الرغم من‬ ‫اهتمامه بوجود وجه ن�سائي ووجه ذكوري‪،‬‬ ‫عند اختيار �ضيوف بع�ض احللقات‪ ،‬مثل حلقة‬ ‫العامل العربي يف �أزمة احلداثة‪ ،‬وحلقة التعدد‬ ‫الثقايف‪� :‬آفاق وحتديات‪ ،‬وعلى الرغم من اعتماد‬ ‫حلقة الن�ساء يف الأدب على وجهني ن�سائيني‬ ‫فقط‪ ،‬ف�إن ذلك مل يخف وجود نوع من االنحياز‬ ‫�إىل الذكور كقوى فاعلة يف �إنتاج مادة اخلطاب‪،‬‬ ‫عند اختيار ال�ضيوف يف بقية حلقات الربنامج‪،‬‬ ‫مثل حلقة الفنانون العرب بني املنفي والوطن‪،‬‬ ‫وحلقة ال�سينما اليورومتو�سطية‪ ،‬وحلقة املغرب‬ ‫يف �أدب الرحالت‪ .‬ويو�ضح اجلدول التايل‬ ‫معدالت اعتماد اخلطاب على ك ّل من الذكور‬ ‫والإناث كقوى فاعلة يف �إنتاج مادته‪.‬‬ ‫(جدول رقم ‪)17‬‬ ‫واهت ّم اخلطاب الثقايف بالربنامج �أي�ض ًا‬ ‫ب�إبراز العديد من القيم التي دارت يف فلك‬ ‫الأطروحتني املركزيتني اللتني اهتم بهما‪،‬‬ ‫وهما‪� :‬أطروحة حرية الإبداع‪ ،‬و�أطروحة العالقة‬ ‫بني الأنا والآخر‪ ،‬كما �سبق و�أ�رشنا‪ .‬ففي �إطار‬ ‫هاتني الأطروحتني بلور اخلطاب عدداً من القيم‬ ‫التي �سعى �إىل �إبرازها وت�أكيدها لدى م�شاهدي‬ ‫الربنامج‪ ،‬ويو�ضح اجلدول التايل ذلك‪:‬‬ ‫(جدول رقم ‪)18‬‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية ‪309‬‬

‫احللقات الثالث حم ّل التحليل‬

‫خال�صة‬

‫ا�شتمل هذا الف�صل على خم�سة مباحث‪،‬‬ ‫ناق�ش املبحث الأول منها االجتاهات العامة‬ ‫ملعاجلة امل�ضامني الثقافية عرب القنوات‬ ‫والربامج التليفزيونية‪ ،‬من خالل حتليل �أبرز‬ ‫النتائج التي تو�صلت �إليها الدرا�سات ال�سابقة‬ ‫التي ت�ص ّدت لهذا املو�ضوع‪ .‬وقد �أثبت التحليل‬ ‫�أن القنوات التليفزيونية العربية ال تبدي‬ ‫اهتمام ًا كافي ًا بالربامج الثقافية على خرائطها‬ ‫الرباجمية‪ ،‬على الرغم من وجود العديد من‬ ‫امل�ؤ�رشات الدالة على اهتمام اجلمهور بهذه‬ ‫النوعية من الربامج‪.‬‬ ‫وكان هناك ت�أكيد داخل العديد من‬ ‫الدرا�سات على خطورة ت�أثري ارتفاع معدالت‬ ‫اعتماد الكثري من القنوات العربية «الأر�ضية»‬ ‫على الربامج امل�ستوردة على منظومة القيم‬ ‫التي تت�أ�س�س عليها الهوية الثقافية العربية‪.‬‬ ‫وقد �أجمعت الدرا�سات �أي�ض ًا على خطورة‬ ‫البث التليفزيوين‬ ‫الت�أثريات التي يحدثها‬ ‫ّ‬ ‫الف�ضائي – عموم ًا – على هذه املنظومة‬ ‫القيمية للمواطن العربي‪ ،‬وح ّددت �أبرز مظاهر‬ ‫هذا الت�أثري يف ما يلي‪:‬‬ ‫• اخللل امل�شاهد يف العالقات بني �أفراد‬ ‫الأ�رسة العربية‪.‬‬ ‫• تغيرّ الذوق العام للإن�سان العربي‪،‬‬ ‫على م�ستوى امللب�س‪ ،‬و�أ�سلوب احلديث‪ ،‬وحتى‬ ‫الذوق املو�سيقي‪.‬‬ ‫• تهديد اللغة العربية‪ ،‬من خالل �شيوع‬ ‫اللهجات واللكنات العامية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل‬

‫الإعالم‬

‫برزت قيمة حرية التفكري كقيمة �أ�سا�سية‬ ‫داخل اخلطاب (بن�سبة ‪ ،)%34.5‬لكن تناول‬ ‫هذه القيمة كان يت ّم من الزاوية النخبوية‪،‬‬ ‫�أي من زاوية النخبة املثقفة‪ ،‬حيث كانت‬ ‫تطرح با�ستمرار يف �سياق اختالل العالقة‬ ‫بني املثقفني وال�سلطة يف العامل العربي‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا يف ظل تب ّني الكثري من املثقفني‬ ‫ر�ؤى نقدية للواقع االقت�صادي وال�سيا�سي‬ ‫والثقايف والتعليمي الذي ي�سود العامل العربي‪.‬‬ ‫مت الت�أكيد يف حلقة الفنانون العرب بني‬ ‫وقد ّ‬ ‫املنفي والوطن على فكرة �أن العامل العربي‬ ‫يعاين منذ عقود من الهجرة امل�ستمرة لنخبته‬ ‫الثقافية �إىل دول الغرب على وجه اخل�صو�ص‪.‬‬ ‫ويواجه الفنانون يف معظم دول العامل العربي‬ ‫معوقات �سيا�سية واجتماعية حتول دون‬ ‫حتقيق طموحاتهم الفنية‪� ,‬إ�ضافة �إىل قلة الدعم‬ ‫املتاح للفنون‪ .‬وتدفع هذه الظروف الكثري من‬ ‫الفنانني واملثقفني �إىل موا�صلة م�سريتهم‬ ‫الفنية �أو العلمية يف العوا�صم الغربية‪.‬‬ ‫�أما قيمة عدم التمييز فقد ظهرت بتجليات‬ ‫خمتلفة عند احلديث عن املهاجرين العرب‬ ‫الذين يعي�شون يف دول الغرب‪ ،‬و�أ�شكال التمييز‬ ‫املختلفة التي متار�س �ض ّدهم‪ ،‬وكذلك عند‬ ‫تناول �أو�ضاع بع�ض الأقليات التي تعي�ش يف‬ ‫العامل العربي‪ ،‬لكن اخلطاب حر�ص عند تناول‬ ‫�أ�شكال التمييز �ض ّد العرب يف الغرب على‬ ‫الت�أكيد على �أن هذه امل�س�ألة يجب �أال تفهم من‬ ‫زاوية اختالف العقيدة‪ ،‬بل الب ّد �أن ت�ستوعب يف‬ ‫�إطار ظروف اقت�صادية يعي�شها املهاجرون‬ ‫العرب‪ ،‬تتماثل مع ظروف بع�ض الأوربيني‬ ‫الأ�صالء‪ ،‬الذين يمُ ار�س �ض ّدهم �أي�ض ًا نوع من‬ ‫التمييز‪ ،‬كما �أكد اخلطاب يف حلقة الفنانون‬ ‫العرب بني املنفي والوطن‪.‬‬ ‫وارتبطت قيم‪ :‬االنتماء‪ ،‬واحلق يف‬ ‫احلياة الكرمية‪ ،‬والت�سامح‪ ،‬بالواقع العربي‬ ‫يف الأ�سا�س‪ .‬وت�أك ّدت هذه القيم يف ال�سياقات‬ ‫التي اقتـرب فيها اخلطاب من مو�ضوع الهوية‪.‬‬ ‫فقد كان هناك ت�أكيد على املفهوم القومي‬

‫للهوية ‪ ،‬وحتفّظ على فكرة الربط ما بني‬ ‫العروبة والإ�سالم‪ .‬والنظر �إىل الدين كجزء من‬ ‫االنتماء‪ ،‬ولي�س كل االنتماء‪� ،‬أو بعبارة �أخرى‬ ‫النظر �إليه كعامل ي�سهم – بني جمموعة �أخرى‬ ‫من العوامل – يف ت�شكيل الهوية‪ .‬فالعربي قد‬ ‫يكون م�سلم ًا �أو م�سيحي ًا �أو يهودي ًا – كما ورد‬ ‫يف حلقة التعدد الثقايف على ل�سان رينيه �أبو‬ ‫العال – وهذا ال يعني �أن امل�سيحي �أقل عروبة‬ ‫من امل�سلم‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 310‬للتنمية الثقافية‬

‫�إحالل بع�ض اللغات الأجنبية حمل اللغة‬ ‫العربية ك�أداة للتعبري‪.‬‬ ‫• تراجع الكثري من القيم العربية املعنوية‬ ‫الأ�صيلة كال�صدق‪ ،‬والنجدة‪ ،‬وال�شهامة‪ ،‬مقابل‬ ‫�صعود القيم املادية التي تق ّد�س املال‪،‬‬ ‫واال�ستمتاع بامللذات‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬ ‫• تدعم الكثري من امل�ضامني التليفزيونية‬ ‫الف�ضائية مفهوم املواطن العوملي الذي يذوب‬ ‫يف الآخر‪ ،‬ويطم�س معامل هويته‪ ،‬انطالق ًا من‬ ‫تبني قيم العوملة الثقافية التي تغذيها هذه‬ ‫امل�ضامني‪.‬‬ ‫واهتمت املباحث الأربعة التالية بالتحليل‬ ‫املتعمق ل�سمات ت�شكيل اخلطاب الثقايف‬ ‫و�أطره داخل جمموعة من القنوات الثقافية‬ ‫املتخ�ص�صة‪ ،‬وكذا الربامج الثقافية التي تق ّدم‬ ‫على قنوات تليفزيونية عامة‪ .‬وقد �شملت هذه‬ ‫القنوات‪ :‬قناة النيل الثقافية امل�رصية‪ ،‬وثالث‬ ‫قنوات تليفزيونية �سعودية تهت ّم بتقدمي الثقافة‬ ‫ال�شعبية‪ ،‬وهي قناة ال�صحـراء‪ ،‬وقناة ديوان‬ ‫العرب‪ ،‬وقناة املرقاب‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل حتليل‬ ‫معامل اخلطاب الذي يق ّدمه برنامج ال�صالون‬ ‫الثقايف على القناة املغربية‪.‬‬ ‫وميكن القول بوجود جمموعة من‬ ‫القوا�سم امل�شرتكة‪ ،‬وكذا املفارقات‪ ،‬بني‬ ‫�سمات ت�شكيل اخلطاب الثقايف و�أطره داخل‬ ‫املواد التليفزيونية التي تناولها الفريق‬ ‫البحثي بالتحليل‪ .‬و�سنعر�ض يف ما يلي لأهم‬ ‫اال�ستخال�صات التي ميكن اخلروج بها يف هذا‬ ‫ال�سياق‪:‬‬ ‫• مت ّيز اخلطاب الثقايف التليفزيوين بطابع‬ ‫دينامي ملحوظ‪� ،‬إذ كان يحاول با�ستمرار‬ ‫االلت�صاق ب�أجندة الق�ضايا املعا�شة التي‬ ‫تدخل يف دائرة اهتمام اجلمهور‪ .‬وقد ظهرت‬ ‫هذه ال�سمة ب�صورة وا�ضحة يف خطاب قناة‬ ‫النيل الثقافية‪ ،‬وكـذلك يف �إطار خطاب برنامج‬ ‫ال�صالون الثقايف على القناة املغربية‪ .‬وكانت‬ ‫قنوات الثقافة ال�شعبية ال�سعودية ا�ستثنا ًء يف‬ ‫هذا ال�سياق‪� ،‬إذ �رصفها الرتكيز على ق�ضايا‬ ‫املوروث ال�شعبي وااللت�صاق القبـلي عن‬

‫اال�شتباك مع ق�ضايا الواقع الثقايف �أو الواقع‬ ‫العام‪ ،‬بل ميكن الزعم ب�أنها كانت تقّدم خطاب ًا‬ ‫مغرتب ًا عن الواقع يف العديد من املوا�ضع‪.‬‬ ‫• يف الوقت الذي كان يتخلى فيه اخلطاب‬ ‫الثقايف عن مناق�شة فعاليات الواقع املعا�رص‪،‬‬ ‫كان يحاول االرتداد – بدرجات خمتلفة‬ ‫– �إىل املا�ضي‪ .‬وقد كان هذ التوجه ي�أخذ‬ ‫�شك ًال حاداً يف بع�ض الأحيان‪ ،‬كما ظهر داخل‬ ‫قنوات الثقافة ال�شعبية ال�سعودية‪ ،‬التي كانت‬ ‫ت�ستغرق يف املا�ضي املكاين والزمني ب�صورة‬ ‫كبرية‪ ،‬وحتاول �أن ت�سرتجع م�شاهد البيئة‬ ‫املا�ضية و�صورها‪ ،‬ومت ّيز اخلطاب املق ّدم عرب‬ ‫قناة النيل الثقافية باالن�شغال باملا�ضي �أي�ض ًا‪،‬‬ ‫و�إن كان بدرجة �أقل من قنوات الثقافة ال�شعبية‬ ‫ال�سعودية‪ .‬وقد اختلفت �صور وطرق ا�ستدعاء‬ ‫كل خطاب لفرتات مع ّينة من هذا املا�ضي‪،‬‬ ‫�إذ اهتم خطاب قناة النيل الثقافية با�ستدعاء‬ ‫املا�ضي العربي والإ�سالمي‪ .‬وظهر خطاب‬ ‫برنامج ال�صالون الثقايف املغربي‪ ،‬ك�أقل‬ ‫اخلطابات اهتمام ًا باحلديث عن املا�ضي‪� ،‬أو‬ ‫االن�شغال بق�ضاياه‪.‬‬ ‫• يف �إطار ثنائية الأنا والآخر العربي‬ ‫كان اخلطاب �شديد اال�ستغراق يف مفهوم‬ ‫الأنا الوطنية‪ .‬وقد ظهر هذا التوجه يف خطاب‬ ‫قناة النيل الثقافية‪ ،‬لكن بدرجة �أقل من احل ّدة‪.‬‬ ‫وظهر �أي�ض ًا ب�صورة وا�ضحة يف خطاب القنوات‬ ‫الثقافية ال�سعودية التي بلغ الأمر بها ح ّد‬ ‫االلت�صاق بـ الأنا القبلية يف بع�ض الأحيان‪،‬‬ ‫والـ الأنا الوطنية يف الكثري منها‪ .‬وتنطبق هذه‬ ‫النتيجة �أي�ض ًا على خطاب برنامج ال�صالون‬ ‫الثقايف‪ ،‬الذي ح�رضت فيه ب�صورة �أكرب فكرة‬ ‫الأنا املغربية‪ ،‬ويعنـي ذلك �أن اخلطاب الثقايف‬ ‫العربي – من هذه الزاوية –يعلي من �ش�أن الأنا‬ ‫القطرية‪ ،‬على ح�ساب فكرة التما�سك العربي‪� ،‬أو‬ ‫الت�أكيد على فكرة الأنا القومية العربية‪.‬‬ ‫• يتكامل مع ما �سبق اختالف توجهات‬ ‫اخلطاب عند تناول ثنائية الأنا القومية‬ ‫والآخر الغربي‪� ،‬إذ ان�شغل يف هذا ال�سياق‬ ‫بالآخر‪� ،‬أكرث من ان�شغاله بالذات‪ ،‬ويف الوقت‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫اخلطاب الثقايف يف الف�ضائيات العربية ‪311‬‬

‫الإعالم‬

‫الذي اعتنى فيه اخلطاب بك�شف عورات �أو‬ ‫�سلبيات الذات‪ ،‬فقد كان �شديد االهتمام بك�شف‬ ‫�إيجابيات الآخر الغربي‪ .‬ويعني ذلك �أن نظرية‬ ‫«جلد الذات» كانت تتحكم يف اخلطاب عند‬ ‫احلديث عن «الأنا القومية»‪ ،‬يف حني �سيطرت‬ ‫نظرية «متجيد الذات» عليه عند احلديث عن‬ ‫الآخر الغربي‪.‬‬ ‫وقد كان هذا الأمر جلي ًا يف خطاب برنامج‬ ‫ال�صالون الثقايف املغربي الذي كان يبالغ ‪-‬‬ ‫يف بع�ض الأحيان ‪ -‬يف الت�أكيد على فكرة �أن‬ ‫املجتمعات العربية طاردة للإبداع واملبدعني‪،‬‬ ‫وقد كان خطاب قناة النيـل الثقافية �أكرث‬ ‫اخلطابات توزان ًا يف هذا ال�سياق‪.‬‬ ‫• عك�س اخلطاب الثقايف يف بع�ض‬ ‫املوا�ضع حالة التوتر يف عالقة الذات بالآخر؛‬ ‫و�أ ّكد على رف�ض هيمنة الآخر على الذات‪،‬‬ ‫وقد اتفق اخلطاب الثقايف التليفزيوين على‬ ‫�أن اال�سرتاتيجية الأف�ضل التي يجب �أن حتكم‬ ‫عالقة الذات بالآخر هي ا�سرتاتيجية الفائدة‬ ‫امل�شرتكة من خالل و�صف عالقة الذات بالآخر‬ ‫بالندية �أو االحرتام املتبادل‪ ،‬وقــد ظهر هذا‬ ‫الأمر بدرجة �أكرب يف خطاب قناة النيل الثقافية‬ ‫وبرنامج ال�صالون الثقايف املغربي‪.‬‬ ‫• مييل اخلطاب الثقايف التليفزيوين �إىل‬ ‫طرح القيم ال�سلبية لدى الذات يف �سياق ما‬ ‫يطرحه من قيم �إيجابية لدى الآخر‪ ،‬وقد ظهر‬ ‫هذا التوجه يف خطاب قناة النيل الثقافية‬ ‫ب�صورة وا�ضحة‪ ،‬وبرز �أي�ض ًا يف خطاب برنامج‬ ‫ال�صالون الثقايف‪ ،‬وقد كان اخلطاب �شديد‬ ‫الرتكيز ‪ -‬يف هذا االجتاه ‪ -‬على تناول قيم‬ ‫التبعية‪ ،‬وال�ضعف‪ ،‬والت�سيب‪ ،‬وم�صادرة حرية‬ ‫الإبداع‪ ،‬وغريها من القيم التي متثّل جممل‬ ‫اتهامات النخبة املثقفة للواقع العربي‪ ،‬ويف‬

‫مقابل ذلك كان هناك تو�سع ن�سبي يف الإ�شارة‬ ‫�إىل القيم الإيجابية التي حتدد هوية الآخر‪،‬‬ ‫وجاء تركيزه يف هذا الإطار على قيم التفوق‬ ‫العلمي‪ ،‬والتقدم احل�ضاري‪ ،‬وحرية التفكري‪،‬‬ ‫والتي متثّل املقابل املو�ضوعي للقيم ال�سلبية‬ ‫لدى الذات‪.‬‬ ‫• �شكّل املثقف امل�ؤ�س�سي �أو الر�سمي‬ ‫امل�صدر الرئي�سي والفاعل الأهم يف بناء مادة‬ ‫اخلطاب الثقايف التليفزيوين‪ .‬فقد برز – على‬ ‫م�ستوى م�صادر املعلومات داخل اخلطاب – ك ّل‬ ‫من‪� :‬أ�ساتذة اجلامعات‪ ،‬وامل�س�ؤولني الثقافيني‪،‬‬ ‫ورجال الدين الر�سميني‪ ،‬وامل�س�ؤولني ال�سيا�سيني‬ ‫واالقت�صاديني‪ ،‬وال�صحفيني العاملني يف‬ ‫م�ؤ�س�سات �صحفية مملوكة للحكومات‪ .‬وتنطبق‬ ‫هذه النتيجة ب�صورة خا�صة على اخلطاب‬ ‫الذي قدمته قناة النيل الثقافية‪ ،‬وكذلك بع�ض‬ ‫القنوات ال�شعبية ال�سعودية‪ .‬وخطاب برنامج‬ ‫ال�صالون الثقايف املغربي‪� ،‬إذ ا�ستند يف بنيته‬ ‫املعلوماتية �إىل م�صادر من املثقفني امل�ستقلني‬ ‫(مبعنى غري تابعني مل�ؤ�س�سة معينة)‪ ،‬بالإ�ضافة‬ ‫بالطبع �إىل املثقفني امل�ؤ�س�سني‪ ،‬وكان اخلطاب‬ ‫هنا �أكرث اعتماداً على الفنانني‪ ،‬وال�شعراء‬ ‫والأدباء‪ ،‬واملخرجني ال�سينمائيينّ ‪ ،‬والنقاد‬ ‫امل�ستقلني‪ ،‬وال�صحفيني العاملني يف م�ؤ�س�سات‬ ‫غري حكومية‪ ،‬كم�صادر للمعلومات‪.‬‬ ‫• �شكّل التوجه الليربايل �إطاراً وا�ضحا‬ ‫وحاكم ًا خلطاب برنامج ال�صالون الثقايف‬ ‫املغربي على وجه العموم‪ ،‬حيث برز هذا‬ ‫التوجه يف �إطار مفرداته املختلفة‪� ،‬سواء من‬ ‫خالل م�ضامني الربامج‪� ،‬أو الق�ضايا املثارة‪،‬‬ ‫�أو امل�صادر التي ا�ستعان بها اخلطاب لتدعيم‬ ‫�أطروحاته‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 312‬للتنمية الثقافية‬

‫(‪ )1‬كمال بديع احلاج (‪ ،)2002‬ت�أثري املواد التليفزيونية الأجنبية على �إنتاج املواد الثقافية يف التليفزيون امل�رصي وال�سوري يف ظل العوملة‪ ،‬ر�سالة دكتوراة غري من�شورة‪ ،‬كلية الإعالم‪،‬‬ ‫جامعة القاهرة‪� ،‬ص ‪.230‬‬ ‫(‪� )2‬سامية �أحمد علي و�سهري جاد (‪ ،)2000‬الربامج الثقافية يف الراديو والتليفزيون‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الفجر للن�رش والتوزيع‪� ،‬ص ‪.158‬‬ ‫(‪ )3‬كمال بديع احلاج (‪ ،)2002‬مرجع �سابق‪� ،‬ص �ص ‪.238 – 233‬‬ ‫(‪ )4‬ليلى ح�سني ال�سيد (‪ ،)2003‬اجتاهات اجلمهور نحو الف�ضائيات امل�رصية اخلا�صة‪ ،‬املجلة امل�رصية لبحوث الر�أي العام‪ ،‬املجلد الرابع‪ ،‬عدد يناير – دي�سمرب‪ ،‬كلية الإعالم‪ ،‬جامعة‬ ‫القاهرة‪� ،‬ص ‪.430‬‬ ‫(‪ )5‬فوزية عبد اهلل �آل علي (‪ ،)2005‬عالقة جمهور الإمارات بو�سائل الإعالم‪ ،‬درا�سة تطبيقية على طلبة جامعة ال�شارقة‪ ،‬درا�سة ميدانية‪ ،‬امل�ؤمتر العلمي احلادي ع�رش (م�ستقبل و�سائل‬ ‫الإعالم العربية)‪ ،‬املجلد الثالث‪ ،‬كلية الإعالم‪ ،‬جامعة القاهرة‪� ،‬ص ‪.370‬‬ ‫(‪ )6‬فريال مهنا (‪ ،)1998‬التلفزة والوعي التنموي يف �سوريا‪ ،‬املجلة امل�رصية لبحوث الإعالم‪ ،‬العدد الثالث‪� ،‬سبتمرب‪ ،‬كلية الإعالم‪ ،‬جامعة القاهرة �ص ‪.229‬‬ ‫(‪http://www.malazi.com/index.php?p=94&id=41 )7‬‬ ‫(‪.Hagiward , Shigeru (1995) , Japanese television as a window on other cultures , Japanese Psychological Research ,vol. 40 # 4 , p 223 )8‬‬ ‫(‪,Foote , Joe S. (1995) the Structure and Marketing of Global Television News, Journal of Broadcasting & Electronic Media, Winter )9‬‬ ‫‪vol. 39 # 1 , P. 2‬‬ ‫(‪http://www.isesco.org.ma/arabe/publications/cominfo/P4.php )10‬‬ ‫(‪http://www.annabaa.org/nbanews/36/067.htm )11‬‬ ‫(‪http://www.bramj.net/vb/archive/index.php/t-25892.html )12‬‬ ‫(‪ )13‬عزة م�صطفي الكحكي (‪ ،)2004‬القنوات الف�ضائية الأجنبية وانعكا�ساتها على الهوية و�أزمة القيم لدى عينة من ال�شباب العربي يف مرحلة املراهقة‪ ،‬امل�ؤمتر العلمي العا�رش (الإعالم‬ ‫املعا�رص والهوية العربية)‪ ،‬املجلد الأول‪ ،‬كلية الإعالم‪ ،‬جامعة القاهرة‪ 6 – 4 ،‬مايو‪� ،‬ص �ص ‪.268 – 267‬‬ ‫(‪ )14‬فوزية ح�سني علي قناوي (‪ ،)2008‬الق�ضائيات والتغري الثقايف يف املجتمع الليبي‪ :‬درا�سة ميدانية على عينة من ال�شباب مبدينة بنغازي‪ ،‬ر�سالة دكتوراه غري من�شورة‪ ،‬جامعة‬ ‫القاهرة‪ ،‬كلية الإعالم‪� ،‬ص �ص ‪.362 – 350‬‬ ‫(‪ )15‬عبري خمتار �شاكر حممود (‪ ،)2005‬ت�أثري الف�ضائيات على ثقافة املجتمع امل�رصي‪ :‬درا�سة لبع�ض م�شاهدي الف�ضائيات يف مدينة الثاهرة‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري غري من�شورة‪ ،‬جامعة‬ ‫القاهرة‪ ،‬كلية الإعالم‪� ،‬ص ‪.350‬‬ ‫(‪� )16‬سامل بن عامر بن �سامل املع�شني (‪� ،)2005‬أثر البث الف�ضائي املبا�رش على الهوية الثقافية العمانية‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري غري من�شورة‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬كلية الإعالم‪،‬‬ ‫�ص ‪.275 – 262‬‬ ‫(‪ )17‬ماجد عبد اهلل عبد املح�سن بن عبيد (‪ ،)1999‬ت�أثري البث املبا�رش على العالقات االجتماعية عند ال�شباب ال�سعودي‪ :‬درا�سة ميدانية على طلبة اجلامعات ال�سعودية‪ ،‬ر�سالة ماج�ستري‬

‫غري من�شورة جامعة القاهرة‪ ،‬كلية الإعالم‪.‬‬ ‫(‪ )18‬ابراهمي احلو�سني (‪ ،)2005‬عوملة الإعالم الف�ضائي و�أثره على هوية املجتمع الإماراتي‪ ،‬ر�سالة دكتوراة غري من�شورة‪ ،‬جامعة ع�سن �شم�س‪ ،‬كلية الآداب‪� ،‬ص ‪.442‬‬

‫(‪.Khatib , Lina (2006) , Language , nationalism and power: The case of reality television in the Arab world )19‬‬

‫(‪http://www.sis.gov.eg/Ar/Pub/yearbook/egypt2008//110106000000000017.htm )20‬‬ ‫(‪http://news.maktoob.com/article/2201772 )21‬‬ ‫(‪� )22‬صالح ال�سنو�سي‪ ،‬هوية الفرد العربي بني الدولة القطرية والعوملة (يف) �صالح �أبو ا�صبع و�آخرون (حمررون)‪ ،‬العوملة والهوية‪� ،‬أوراق امل�ؤمتر العلمي الرابع لكلية الآداب والفنون‪:‬‬ ‫الثقافة العربية بني العوملة واخل�صو�صية ‪ ،1998 /‬من�شورات جامعة فيالدلفيا‪� ،‬ص ‪.44‬‬ ‫(‪ )23‬ح�سني علوان ح�سني‪ ،‬العوملة والثقافة العربية (يف) �صالح �أبو ا�صبع و�آخرون (حمررون)‪ ،‬مرجع �سابق‪� ،‬ص ‪.117‬‬ ‫(‪ )24‬هادى نعمان الهيتي‪ ،‬الثقافة العربية �أمام حتديات الف�ضائيات الوافدة‪( ،‬يف) �صالح �أبو ا�صبع و�آخرون (حمررون)‪ ،‬العوملة والهوية‪ ،‬املرجع ال�سابق‪� ،‬ص ‪.319‬‬ ‫(‪http://jehaat.com/vb/showthread.php?t=5601 )25‬‬ ‫(‪http://www.aawsat.com/details.asp?section=37&article=429184&issueno=10463 )26‬‬ ‫(‪http://www.alsahraa.tv )27‬‬ ‫(‪http://www.diwanalarabtv.com )28‬‬ ‫(‪http://mergab.com/main )29‬‬ ‫(‪http://www.dw-world.com/dw/article/0,,3769077,00.html )30‬‬ ‫(‪http://www.dw-world.com/dw/article/0,,3769077,00.html )31‬‬




‫‪315‬‬

‫امللف الرابع‬ ‫الإبداع‬ ‫الإبداع‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬



‫‪317‬‬

‫الف�صل الأول‪:‬‬

‫الإبداع الأدبي‬ ‫�أو ًال‪ :‬الرواية ديوان العرب؟‬ ‫ثاني ًا‪ 2008 :‬عام ال�شعر العربي‬ ‫ثالث ًا‪ :‬الأدب العربي ال�شاب‬ ‫رابع ًا‪� :‬أدب عربي بالأجنبية‬ ‫خام�س ًا‪ :‬حت ّديات الرتجمة يف الأدب‬

‫الف�صل الثاين‪:‬‬

‫الإبداع‬

‫الإبداع ال�سينمائي والدرامي‬ ‫�أو ًال‪ :2008 :‬عام �سينمائي انتقايل بامتياز‬ ‫ثاني ًا‪ :2008 :‬عام من حياة الدراما التلفزيونية‬

‫الف�صل الثالث‪:‬‬

‫الإبداع امل�رسحي‬

‫�أو ًال‪ :‬مالمح عامة حلركة امل�رسح العربي اليوم‬ ‫ثاني ًا‪ :‬حركة امل�رسح يف الدول العربية‬ ‫امل�رسح امل�رصي ‪ -‬امل�رسح اجلزائري ‪ -‬امل�رسح التون�سي ‪ -‬امل�رسح املغربي ‪ -‬امل�رسح املوريتاين ‪ -‬امل�رسح‬ ‫الليبي ‪ -‬امل�رسح العراقي ‪ -‬امل�رسح الأردين ‪ -‬امل�رسح ال�سوري ‪ -‬امل�رسح اللبناين ‪ -‬امل�رسح الفل�سطيني‬ ‫ امل�رسح يف دول جمل�س التعاون اخلليجي ‪ -‬امل�رسح القطري ‪ -‬امل�رسح الإماراتي ‪ -‬امل�رسح الكويتي ‪-‬‬‫امل�رسح ال ُعماين ‪ -‬امل�رسح ال�سعودي ‪ -‬امل�رسح البحريني ‪ -‬امل�رسح اليمني‪.‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 318‬للتنمية الثقافية‬

‫الف�صل الأول‬ ‫الإبداع الأدبي‬ ‫ر�صد �سنوي مل�شهد متوا�صل‬

‫لقد �أثبتت هذه ال�سنة �أن الرواية‬ ‫مل ت�صبح «ديوان» العرب على ح�ساب‬ ‫ال�شعر‪ .‬فال�شعـر حـ�ضـر ب�شـدة مثــل‬ ‫الرواية حتى و�إن متكّنت الرواية من‬ ‫كمياً‪� ،‬أي يف حجم الن�رش‬ ‫�أن تتخطاه ّ‬ ‫�أو العدد‪� .‬أما نوعي ًا فبدا ال�شعر والرواية‬ ‫متكافئني يف همومهما التجريبية‬ ‫ويف �أ�سئلتهما الإبداعية‪.‬‬

‫قد ال ميثل العام بو�صفه ح ّيزاً زمني ًا‪،‬‬ ‫معياراً لقراءة م�شهد �إبداعي �شامل �أو ملقاربة‬ ‫ظواهر �إبداعية ال ميكن ف�صلها عن �سريورتها‬ ‫العامة‪ .‬فال�سنة �أ�ص ًال يف مفهوم الإبداع الأدبي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الروائي وال�شعري والق�ص�صي‪ ،‬لي�ست �إال �سليلة‬ ‫ال�سنة التي �سبقتها‪ ،‬ومدخ ًال �إىل ال�سنة التي‬ ‫�ستليها‪ .‬وقد ي�صعب فع ًال احلكم على حركة‬ ‫�أدبية �شهدتها فرتة ال تتعدى تخوم ال�سنة �أو‬ ‫االثني ع�رش �شهراً‪ ،‬فهذه الفرتة املحدودة زمني ًا‬ ‫وتر�سخ معامل‪.‬‬ ‫ال تكفي بذاتها لن�شوء ظواهر‬ ‫ّ‬ ‫فهي لي�ست بالعقد الذي غالب ًا ما ُيعتمد للتمييز‬ ‫بني جيل وجيل �أو بني تيار و�آخر‪ ،‬ولي�س يف‬ ‫�إمكانها‪ ،‬ب�صفتها الزمنية‪� ،‬أن ت�شكل بوتقة‬ ‫تنبثق منها حركة ما وتكتمل فيها‪.‬‬ ‫هذه الإ�شكالية هي �أول ما يواجه الباحث‬ ‫الذي يت�صدى‪ ،‬بالعر�ض والتحليل‪ ،‬للإنتاج‬ ‫الإبداعي الذي مت خالل �سنة‪ ،‬وهي هنا ال�سنة‬ ‫‪ .2008‬فال�سنة الإبداعية ال ميكن ح�رصها‬ ‫�ضمن ح ّيزها الزمني‪ ،‬ذلك � ّأن ما يف�صل بني‬ ‫�سنة و�أخرى‪� ،‬أيام �أو �أ�سابيع تتداخل بني �سنة‬ ‫تن�رصم و�أخرى تبد�أ‪ .‬وكم من �أعمال كتبت يف‬ ‫�سنة و�صدرت يف ال�سنة التي تلتها‪ ،‬حاملة‬ ‫�أجواء ال�سنة التي م�ضت �إىل ال�سنة التي �أقبلت‪.‬‬ ‫ومن جهة ثانية ال ب ّد من التنبه �إىل �أن املوجات‬ ‫الأدبية والتيارات واالجتاهات تفرت�ض ف�سحة‬ ‫زمنية‪ ،‬تتخطى ال�سنة حتم ًا‪ ،‬كي تتمكن من‬ ‫بلورة معاملها ومفاهيمها‪ .‬بل �إنها غالب ًا ما‬ ‫تتوا�صل عام ًا تلو عام لتبلغ غايتها وحتقق ما‬ ‫�سعت �إليه من �أفكار ور�ؤى‪.‬‬ ‫�إال � ّأن �سنة من الإبداع ت�صلح‪ ،‬من دون �أي‬ ‫�شك‪ ،‬لأن تكون منوذج ًا �إبداعي ًا ميكن من خالله‬ ‫قراءة التح ّوالت التي طر�أت على هذا الإبداع‪،‬‬

‫والأ�سئلة التي طرحها والق�ضايا التي �أثارها‪.‬‬ ‫تكون ال�سنة يف هذا املعنى �أ�شبه باملر�آة التي‬ ‫تنعك�س على �صفحتها مالمح الإبداع‪ ،‬الروائي‬ ‫وال�شعري والق�ص�صي‪ .‬فاملر�آة التي تر�سم �إطاراً‬ ‫لل�صورة متنح ال�صورة‪ ،‬يف احلني نف�سه‪ ،‬بعداً‬ ‫ال ميكن ح�رصه‪� ،‬أو خلفية ال ميكن �أ�رسها‪.‬‬ ‫فال�صورة هذه تخفي ظاللها يف ثناياها‬ ‫نف�سها مثلما يخفي ال�صوت �صداه يف جتاويفه‪.‬‬ ‫هكذا يبدو �أي كالم عن نتاج �إبداعي خالل‬ ‫العام ‪ 2008‬كالم ًا عن جتليات هذا النتاج كما‬ ‫ظهرت ومبا تخفي يف داخلها من �أ�صداء وظالل‬ ‫حملتها معها من الأعوام التي م�ضت‪.‬‬ ‫لع ّل ما م ّيز ال�سنة ‪ 2008‬عن �سائر‬ ‫ال�سنوات املن�رصمة �أنها كانت �سنة �سجالية‬ ‫على م�ستوى الإبداع الروائي وال�شعري‪ .‬لعلها‬ ‫من ال�سنوات القليلة التي ت�ساوى فيها ح�ضور‬ ‫الرواية وح�ضور ال�شعر‪ ،‬فلم يط َغ واحدهما‬ ‫على الآخر‪ .‬لقد �أثبتت هذه ال�سنة �أن الرواية‬ ‫مل ت�صبح «ديوان» العرب على ح�ساب ال�شعر‪.‬‬ ‫فال�شعر ح�رض ب�شدة مثل الرواية حتى و�إن‬ ‫متكّنت الرواية من �أن تتخطاه ك ّمي ًا‪� ،‬أي يف‬ ‫حجم الن�رش �أو العدد‪� .‬أما نوعي ًا فبدا ال�شعر‬ ‫والرواية متكافئني يف همومهما التجريبية‬ ‫ويف �أ�سئلتهما الإبداعية وبحثهما عن �آفاق‬ ‫جديدة‪ ،‬من غري �أن يتخلّى كالهما عن بع�ض‬ ‫الإ�شكاليات التي مل توجد لها �أجوبة �شافية‬ ‫ونهائية‪ ،‬ورمبا لن توجد‪.‬‬

‫�أو ًال‪ :‬الرواية ديوان العرب؟‬

‫ا�ست�أثرت الرواية العربية بالكثري من‬

‫االهتمام الإعالمي والنقدي خالل العام ‪2008‬‬

‫وغدت حتافظ على ال�صفة التي باتت تطلق‬ ‫عليها ب�أنها «ديوان» العرب حتى و�إن مل تكن‬


‫الف�صل االول‬ ‫الإبداع الأدبي ‪319‬‬

‫م�ؤمترات روائية‬

‫وعالوة على ازدياد عدد الروائيني العرب‬ ‫اجلدد وازدياد عدد الروايات املتوالية على‬ ‫ال�صدور‪ ،‬ف�إن الرواية ا�ستقطبت م�ؤمترات‬ ‫عدة خالل ‪ 2008‬وبدت هذه امل�ؤمترات ك�أنها‬ ‫متثّل رغبة الروائيني والنقاد العرب لاللتقاء‬ ‫والتحاور‪ ،‬بحث ًا عن �أجوبة للأ�سئلة الإ�شكالية‬ ‫املطروحة على املحك‪.‬‬ ‫يف القاهرة عقد يف ‪� 17‬شباط (فرباير)‬ ‫«ملتقى القاهرة الرابع للإبداع الروائي‬ ‫العربي»‪ .‬وكان عنوان امللتقى‪« :‬الرواية‬ ‫العربية الآن» وغايته ر�صد احلالة الآنية‬ ‫للرواية العربية‪ .‬وتناولت جل�سات امللتقى‬ ‫مو�ضوعات ع ّدة من بينها‪ :‬رواية الأقليات يف‬ ‫عاملنا‪ ،‬الرواية الرقمية‪� ،‬أدب املدونات‪ ،‬رواية‬ ‫ال�سرية الذاتية‪ ،‬ال�سخرية يف الرواية اجلديدة‪،‬‬ ‫حت ّوالت املكان يف الرواية العربية وغريها‪.‬‬ ‫و�إ�ضافة �إىل هذه املحاور نظّ م امللتقى خم�س‬ ‫موائد م�ستديرة تناولت املو�ضوعات الآتية‪:‬‬

‫فهي قادرة �أكرث من �أي نوع �أدبي‬ ‫�آخر على ا�ستيعاب الأزمات التي‬ ‫ت�شهدها املجتمعات العربية‪ ،‬وعلى‬ ‫مواجهة الأ�سئلة املطروحة ب�إحلاح‬ ‫على الإن�سان واجلماعة‪ ،‬وكم كان‬ ‫حتول بع�ض ال�شعراء �إىل‬ ‫الفت ًا‬ ‫ّ‬ ‫الكتابة الروائية وقد بات بع�ضهم‬ ‫ر�سخ جتربته‬ ‫ُي ّ‬ ‫�سمى روائي ًا بعدما ّ‬ ‫ال�رسدية‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإبداع‬

‫هذه ال�صفة حمقّة‪ .‬فالرواية احلا�رضة بقوة يف‬ ‫املعرتك الأدبي العربي الراهن مل ت�ستطع �أن‬ ‫تلغي ال�صفة القدمية التي �أطلقت على ال�شعر‬ ‫بكونه «ديوان العرب»‪� .‬أما «زمن الرواية» الذي‬ ‫يتح ّدث عنه النقاد‪ ،‬من �أكادمييني و�صحافيني‪،‬‬ ‫فلم يتمكن بدوره من �إلغاء «زمن ال�شعر» حتى‬ ‫و�إن طغت الإ�صدارات الروائية من ناحية‬ ‫الكم على الإ�صدارات ال�شعرية‪ .‬ولكن لي�س من‬ ‫�أرقام نهائية تو�ضح ن�سبة الفرق بني النوعني‬ ‫من حيث العدد‪� ،‬إذ ثمة دور كثرية ال تدرج‬ ‫�إ�صداراتها يف برنامج احتاد النا�رشين العرب‪،‬‬ ‫عالوة على النوادي وامل�ؤ�س�سات اخلا�صة‬ ‫والر�سمية التي تتوىل �إ�صدار الأعمال الأدبية‬ ‫من غري �أن تتوىل توزيعها فتظ ّل حم�صورة‬ ‫لكن من يراقب لوائح‬ ‫يف مكان �صدورها‪ّ .‬‬ ‫الإ�صدارات املعتمدة لدى احتاد النا�رشين‬ ‫العرب والإ�صدارات املعلنة عرب برامج الإنرتنت‬ ‫يلحظ فرق ًا وا�ضح ًا بني املن�شورات الروائية‬ ‫واملن�شورات ال�شعرية التي مهما بدت غزيرة‬ ‫فهي ال تتخطى املن�شورات الروائية‪ .‬فالرواية‬ ‫اليوم تغري الك ّتاب جميع ًا �أي ًا تكن �أعمارهم‬ ‫و�أجيالهم‪ ،‬فهي قادرة �أكرث من �أي نوع �أدبي‬ ‫�آخر على ا�ستيعاب الأزمات التي ت�شهدها‬ ‫املجتمعات العربية‪ ،‬وعلى مواجهة الأ�سئلة‬ ‫املطروحة ب�إحلاح على الإن�سان واجلماعة‪،‬‬ ‫وعلى متابعة التح ّوالت التي تطر�أ على ك ّل‬ ‫ال�صعد‪ .‬وكم كان الفت ًا حت ّول بع�ض ال�شعراء �إىل‬ ‫الكتابة الروائية وقد بات بع�ضهم ُي�س ّمى روائي ًا‬ ‫ر�سخ جتربته ال�رسدية‪ .‬ومن ه�ؤالء على‬ ‫بعدما ّ‬ ‫�سبيل املثل‪ :‬ال�شاعر ال�سعودي غازي الق�صيبي‪،‬‬ ‫ال�شاعر ال�سوري �سليم بركات‪ ،‬ال�شاعر اللبناين‬ ‫ر�شيد ال�ضعيف‪ ،‬ال�شاعر الفل�سطيني �إبراهيم‬ ‫ن�رصاهلل‪ ،‬ال�شاعر اجلزائري �أحمد عبدالكرمي‪،‬‬ ‫ال�شاعر اللبناين عبا�س بي�ضون و�سواهم‪.‬‬ ‫ومن املمكن القول �إن الرواية تعبري ف ّني‬ ‫عن الأزمات امل�صريية التي تواجه الإن�سان‬ ‫حت�س غمو�ض ًا يعرتي‬ ‫العربي‪ .‬فالذات املبدعة ّ‬ ‫حركة الواقع وجمراه‪ ،‬وت�شعر ب�أن الذات‬ ‫الإن�سانية مه ّددة بالذوبان والتال�شي‪ .‬ويف ظل‬

‫تفتت القيم واهتزاز الثوابت ومتزق املبادئ‬ ‫واملقوالت‪ ،‬وغمو�ض الزمن الراهن‪ ،‬وت�شظي‬ ‫املنطق امل�ألوف واملعتاد‪ ،‬ي�صبح الإبداع‬ ‫ال�شعري غري قادر على تف�سري الواقع وحتليله‬ ‫وفهمه‪ ،‬وعاجزاً عن التعبري عنه‪ .‬وت�صبح‬ ‫ما�سة �إىل �إبداع روائي يعيد النظر يف‬ ‫احلاجة ّ‬ ‫امل�سلّمات والثوابت‪.‬‬ ‫وبدت التجارب الروائية اجلديدة ك�أنها‬ ‫لتتمرد على املنظومات الفكرية‬ ‫كتبت‬ ‫ّ‬ ‫والأيديولوجية امل�ألوفة‪� ،‬ساعية �إىل �صوغ �أبنية‬ ‫�رسدية‪ ،‬وجت�سيد قيم التع ّدد والتن ّوع‪ ،‬وال�شك‬ ‫واحلرية‪ ،‬والتيه والإبهام‪ .‬وتبدي هذه التجارب‬ ‫الروائية ح�سا�سية خا�صة جتاه الزمن‪ ،‬الذي‬ ‫حاولت ك�رسه �أو تفتيته‪ ،‬فيفقد �أهم خ�صائ�صه‪،‬‬ ‫وهي التتابع والرتاكم‪ ،‬ويربز عو�ض ًا عنه زمان‬ ‫مبهم‪ ،‬ومكان قلق ي�ؤطران تناق�ضات الب�رش‬ ‫ومفارقاتهم‪ ،‬وال ير�سمان وجهة حمددة �سوى‬ ‫التيه‪ ،‬وغياب املنطق‪ ،‬وهيمنة القمع على ج�سد‬ ‫الرواية اليوم تغري الك ّتاب‬ ‫الإن�سان وروحه‪.‬‬ ‫جميع ًا �أي ًا تكن �أعمارهم و�أجيالهم‪،‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 320‬للتنمية الثقافية‬

‫هل ا�ستوعب العرب مفهوم‬ ‫احلداثة جيداً كي يقفزوا دفعة واحدة‬ ‫�إىل ما بعد احلداثة؟ وهل لديهم‬ ‫جتربة روائية عربية‪ ،‬قادرة على‬ ‫مراكمة الكثري من املفاهيم والأفكار‬ ‫وامل�صطلحات النقدية؟‬

‫�أ�سئلة الكتابة يف الرواية اجلديدة‪ ،‬حت ّوالت‬ ‫اللغة الروائية‪� ،‬شهرزاد اجلديدة‪ ،‬نقد الرواية‬ ‫اجلديدة‪ ،‬الرواية والتقنيات ال�سينمائية‪.‬‬ ‫و�شهدت دم�شق يف �شهر �آب (�أغ�سط�س) من‬ ‫العام ‪« 2008‬ملتقى الرواية العربية‪ :‬حت ّوالت‬ ‫ال�رسد الروائي»‪ ،‬يف �إطار احتفالية «دم�شق‬ ‫عا�صمة للثقافة ‪ .»2008‬و�سعى امللتقى �إىل‬ ‫البحث عن �أجوبة لأ�سئلة �إ�شكالية من قبيل‪ :‬هل‬ ‫ثمة «قطيعة» بني الن�صو�ص الروائية املكتوبة‬ ‫ب�أقالم اجليل ال�شاب‪ ،‬والروايات التي كتبتها‬ ‫الأجيال ال�سابقة؟ هل هذه الن�صو�ص التي‬ ‫تعرف بـ «اجلديدة» هي حق ًا جديدة ومغايرة؟‬ ‫وما �سمات هذه اجلدة‪ ،‬وتلك املغايرة؟ وثمة‬ ‫�أ�سئلة �أخرى متحورت حول اللغة الروائية‪،‬‬ ‫وحول حت ّوالت ال�شكل يف التجربة الروائية‬ ‫العربية‪ .‬ومل يغفل امللتقى الطفرة الروائية‬ ‫الن�سائية التي طغت‪ ،‬يف الأعوام الأخرية‪ ،‬على‬ ‫امل�شهد الروائي العربي‪ .‬وكان من البديهي‬ ‫�أن تطرح الرواية �أ�سئلة تواكب انت�شار الرواية‬ ‫نف�سها وتتزامن مع رواجها يف الأعوام الأخرية‬ ‫حتى كادت �أن تكون «ديوان العرب» بعدما‬ ‫حمل ال�شعر هذه ال�صفة لقرون م�ضت‪ .‬و�سعى‬ ‫امل�ؤمتر �أي�ض ًا �إىل ت�أ�صيل الرواية‪ ،‬واختبار‬ ‫�آفاق الكتابة الروائية اجلديدة وموقعها �ضمن‬ ‫امل�شهد‪ .‬ويف �سياق النقا�شات التي دارت‬ ‫برزت خالفات حادة‪ ،‬و�أثريت �سجاالت كثرية‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا عندما كانت النقا�شات تتطرق �إىل‬ ‫قدمي الرواية وجديدها‪ ،‬فال�شباب �أو «الأبناء»‬ ‫يبحثون عن االعرتاف‪ ،‬وحق الوجود‪ ،‬والقدماء‬ ‫�أو «الآباء» يطالبون بالبقاء �أو�صياء على‬ ‫الروائيني الأبناء‪ .‬ولكن من الرا�سخ �أن لكل‬ ‫جيل‪ ،‬بل لكل مرحلة معطياتها ومالحمها‬ ‫و�سماتها‪ ،‬و�إذا كانت الرواية تبحث يف وقائع‬ ‫احلياة و�أحداثها وتر�صدها وتراقبها‪ ،‬وتقتفي‬ ‫�آثارها‪ ،‬ومن ثم تدونها يف قالب فني وجمايل‪،‬‬ ‫ف�إن االختالف يف ال�شكل وامل�ضمون �أمر‬ ‫تفر�ضه طبيعة املرحلة‪.‬‬ ‫و�إن بدا ملتقى دم�شق للرواية العربية‬ ‫�صاخب ًا بالأ�سئلة والتناق�ضات‪ ،‬ف�إن ملتقى‬

‫ال�شارقة للرواية العربية الذي عقد يف �شهر‬ ‫ت�رشين الثاين (نوفمرب) ‪ 2008‬بدا ك�أنه ي�سعى �إىل‬ ‫�إعادة قراءة امل�شهد الروائي العربي من خالل‬ ‫ب�ضعة مناذج عربية‪ .‬والرواية العربية حتتاج‬ ‫القراءة العامة وال�شاملة‬ ‫فع ًال �إىل مثل هذه ّ‬ ‫ولو �أنها اقت�رصت هذه ال�سنة على ب�ضع دول‬ ‫هي‪ :‬ال�سعودية‪ ،‬م�رص‪ ،‬الأردن‪ ،‬ال�سودان‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫فل�سطني‪ ،‬الإمارات‪ .‬و�سعت الأوراق النقدية التي‬ ‫قدمت �إىل �أن تقدم �صورة بانورامية عن امل�شهد‬ ‫الروائي يف هذه البلدان‪ .‬ورافقت الأوراق‬ ‫النقدية �شهادات قدمها روائيون عرب‪.‬‬ ‫و�شهدت العا�صمة الأردنية ع ّمان �أي�ض ًا‬ ‫يف ت�رشين الثاين (نوفمرب) ملتقى �آخر بعنوان‬ ‫«ملتقى ال�رسد العربي»‪ .‬وقد تبينّ خالل امللتقى‬ ‫�أن مفهوم الرواية اجلديدة مفهوم ملتب�س‪،‬‬ ‫وغري وا�ضح وغري حم ّدد املعامل واملالمح‪ ،‬وال‬ ‫ميتلك �سمات خا�صة به‪ ،‬مبقدار ما يت�شارك مع‬ ‫م�صطلحات روائية �أخرى‪ .‬وهو ما جعل بع�ض ًا‬ ‫من امل�شاركني يتوقف عند هذه الظاهرة‪ .‬فهل‬ ‫الرواية اجلديدة هي رواية ما بعد احلداثة مث ًال؟‬ ‫وهل ا�ستوعب العرب مفهوم احلداثة جيداً كي‬ ‫يقفزوا دفعة واحدة �إىل ما بعد احلداثة؟ وهل‬ ‫لديهم جتربة روائية عربية‪ ،‬قادرة على مراكمة‬ ‫الكثري من املفاهيم والأفكار وامل�صطلحات‬ ‫النقدية‪ ،‬وقادرة على ت�شكيل تيارات عربية‬ ‫وا�ضحة يف الإبداع الروائي؟‬ ‫مير �شهر ال تعقد فيه ندوة �أو ملتقى‬ ‫ال يكاد ّ‬ ‫حول الرواية العربية‪ ،‬و�إن دلّ هذا الأمر على‬ ‫رواج الفن الروائي وعلى حت ّوله هاج�س ًا لدى‬ ‫الروائيني �أنف�سهم كما لدى النقاد والإعالميني‪،‬‬ ‫فهو يدلّ �أي�ض ًا على تراكم الأ�سئلة حول الفن‬ ‫الروائي العربي وعلى ت�أجيل الأجوبة عنها‪.‬‬ ‫ومل تقت�رص هذه امللتقيات والندوات على املدن‬ ‫بل هي تخطتها �إىل املناطق النائية والأقاليم‪.‬‬ ‫فتحت عنوان «�أ�سئلة ال�رسد اجلديد» �أقيمت‬ ‫الدورة الثالثة والع�رشون مل�ؤمتر «�أدباء م�رص»‪،‬‬ ‫يف مدينة مر�سى مطروح ال�ساحلية ودارت‬ ‫الأبحاث التي ناق�شها امل�ؤمتر حول �أربعة‬ ‫حماور‪ ،‬ف�ض ًال عن حمور خام�س خم�ص�ص‬


‫الف�صل االول‬ ‫الإبداع الأدبي ‪321‬‬

‫ل�شهادات بع�ض الروائيني‪.‬‬

‫الرواية العربية الأوىل‬

‫ال�سجال حول جائزة «بوكر» للرواية‬ ‫العربية‬

‫ما من جائزة عربية عرفت ال�سجال الذي‬ ‫عرفته «اجلائزة العاملية للرواية العربية»‬ ‫املعروفة بجائزة «بوكر» العربية‪ .‬فهذه‬ ‫اجلائزة التي �أطلقت يف �أبو ظبي يف الإمارات‬ ‫العربية املتحدة بال�رشاكة مع «جائزة بوكر»‬ ‫الربيطانية وبدعم من «م�ؤ�س�سة الإمارات» يف‬ ‫�أبو ظبي‪ ،‬خم�ص�صة ح�رصاً للرواية املكتوبة‬ ‫باللغة العربية‪ ،‬وينال كل روائي ي�صل �إىل‬ ‫الالئحة الق�صرية مبلغ ًا قدره ع�رشة �آالف‬ ‫دوالر‪ ،‬ناهيك بخم�سني �ألف دوالر �إ�ضافية‬ ‫للفائز الأول يف الت�صفية النهائية‪ .‬وهي‬ ‫تهدف �إىل مكاف�أة التم ّيز يف الكتابة الروائية‬ ‫قراء‬ ‫العربية املعا�رصة‪ ،‬و�إىل تو�سيع دائرة ّ‬ ‫الرواية العربية يف العامل‪ .‬طبع ًا لي�س العن�رص‬ ‫املادي هو الذي �أ�سهم يف تر�سيخ هذه الرواية‬ ‫التي باتت جتذب الروائيني العرب‪ ،‬بل قيمتها‬ ‫املعنوية وقدرتها على فتح �أفق عاملي �أمام‬ ‫الروائي الذي يفوز بها‪ .‬فهي «ال�شقيقة»‬ ‫العربية جلائزة «بوكر» الربيطانية التي تع ّد‬ ‫من �أرقى اجلوائز الأدبية يف العامل‪ .‬وقد ازداد‬ ‫الإقبال على الرت�شح للجائزة عام ‪ 2008‬وبلغ‬

‫الإبداع‬

‫يف العام ‪ 2008‬جت ّدد ال�سجال الذي‬ ‫مل ينت ِه حول الرواية العربية الأوىل والذي‬ ‫ما برح النقاد وم� ّؤرخو الأدب يختلفون‬ ‫حولها وحول ا�سم الروائي العربي الرائد‪ .‬دار‬ ‫ال�سجال هذا العام حول اللبناين خليل �أفندي‬ ‫اخلوري وروايته «وي‪� ...‬إذن ل�ست ب�إفرجني»‬ ‫ال�صادرة عام ‪ .1859‬هذه الرواية املجهولة‬ ‫اكت�شفها م�صادفة الباحث امل�رصي حممد‬ ‫�سيد عبدالتواب و�رسعان ما تبناها «املجل�س‬ ‫الأعلى للثقافة» يف القاهرة و�أ�صدرها مع‬ ‫مقدمة للكاتب امل�رصي �سيد البحراوي‪ .‬هذا‬ ‫الك�شف املهم �أك�سب الرواية العربية بعداً‬ ‫تاريخي ًا �إ�ضافي ًا‪ ،‬لكنه لن يحول دون اكت�شاف‬ ‫رواية جمهولة �أخرى قد تكون �سباقة يف هذا‬ ‫احلقل‪ .‬ففي ال�سابق �أكد النقاد العرب �أن رواية‬ ‫«زينب» (‪ )1914‬للم�رصي حممد ح�سني هيكل‬ ‫هي الرواية العربية الأوىل‪ ،‬ثم اكت�شفوا رواية‬ ‫«غادة الزاهرة» (‪ )1899‬للبنانية زينب فواز ثم‬ ‫رواية اللبناين �سليم الب�ستاين «الهيام يف جنان‬ ‫ال�شام» (‪ )1870‬ثم رواية ال�سوري فرن�سي�س‬ ‫املرا�ش «غابة احلق» (‪� ...)1865‬إال �أن رواية‬ ‫خليل اخلوري ال تتميز فقط بريادتها التاريخية‬ ‫�أو الزمنية‪ ،‬و�إمنا بج ّوها الروائي ولغتها‬ ‫و�شخ�صياتها‪� .‬إنها الأوىل يف املعنى الت�أ�سي�سي‬ ‫للفن الروائي العربي‪ ،‬فهي على خالف الروايات‬ ‫ال�سابقة‪ ،‬خالية من الثقل الإن�شائي وال�رسد‬ ‫البطيء والبعد الأخالقي والتعليمي‪ ،‬ومبنية‬ ‫وفق «النموذج» الأوروبي لل�صنيع الروائي‪،‬‬ ‫و�شخ�صياتها تعي�ش حا ًال من ال�رصاع مل تعرفه‬ ‫الروايات ال�سابقة واملتعاقبة تاريخي ًا‪ ،‬بل‬ ‫هي حتمل مقداراً من الت�شويق وجتذب القارئ‬ ‫بخامتتها امل�أ�سوية‪ .‬ولع ّل اعتماد �صاحبها لغة‬ ‫هي بني الف�صحى والعامية‪ ،‬ي�ؤكد مدى وعيه‬ ‫للفن الروائي الذي �شاءه �أن يكون قريب ًا من لغة‬ ‫احلياة‪.‬‬ ‫ولع ّل �إتقان خليل اخلوري اللغة الفرن�سية‬

‫(والرتكية) �ساعده على الإفادة من مفهوم‬ ‫الرواية الفرن�سية وتقنياتها «احلديثة» �آنذاك‪،‬‬ ‫فراح يبني روايته وفق «املعمار» الأوروبي‪،‬‬ ‫مبتعداً عن فن «املقامة» وال�رسديات الأوىل‪.‬‬ ‫ومل يكن م�ستغرب ًا �أن يتطرق يف روايته �إىل‬ ‫العالقة بني ال�رشق والغرب و�إن يف طريقة‬ ‫عفوية وغري �أيديولوجية‪ ،‬ففي الرواية �أربع‬ ‫�شخ�صيات تعي�ش �رصاع ًا حول الهوية واالنتماء‬ ‫بع�ضها مييل �إىل الغرب وبع�ضها �إىل ال�رشق‪.‬‬ ‫وبدا اكت�شاف هذه الرواية حدث ًا م�رصي ًا‬ ‫ولبناني ًا وعربي ًا‪ ،‬لي�س لأنها الرواية الأوىل‬ ‫تاريخي ًا‪ ،‬بل لأنها رواية حقيقية يف املعنى‬ ‫الفني للرواية‪ .‬و�إن كان مدخلها تقليدي ًا‪ ،‬فهي‬ ‫�ضمت �أكرث من ثمانني �صفحة من ال�رسد‬ ‫والق�ص امل�شوق واحلوارات‪.‬‬ ‫احلقيقي‬ ‫ّ‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 322‬للتنمية الثقافية‬

‫لئن ُحرمت الرواية ال�سعودية‬ ‫من الالئحة النهائية جلائزة «بوكر»‬ ‫العربية‪ ،‬فهذا ال يعني �أن «االنفجار»‬ ‫الروائي يف ال�سعودية‪ ،‬قد خمد‪ .‬بل‬ ‫على العك�س ف�إن «فورة» الرواية‬ ‫ال�سعودية‪ ،‬توا�صلت هذا العام حتى‬ ‫مت ن�رشها‬ ‫جتاوزت الروايات التي ّ‬ ‫خالل عام واحد‪ ،‬هو العام ‪،2006‬‬ ‫خم�سني رواية عدا الروايات التي‬ ‫اكتفت بالإنرتنت و�سيلة للو�صول �إىل‬ ‫قرائها‪.‬‬

‫عدد الروايات امل�ؤهلة للم�شاركة ‪ 121‬رواية‬ ‫وهذا عدد الفت جداً وذو داللة وا�ضحة‪ .‬فماذا‬ ‫يعني �أن ت� َّؤهل �أكرث من ‪ 120‬رواية للرت�شح �إىل‬ ‫اجلائزة خالل عام واحد؟‬ ‫لع ّل هذا ما ي�ؤكد � ّأن الرواية العربية يف‬ ‫حال من االزدهار مل تعرفه �سابق ًا‪ .‬و�إذا �أ�ضفنا‬ ‫�إىل هذا الرقم الروايات التي مل ت� َّؤهل للرت�شح‬ ‫والروايات الأخرى التي مل ير�شحها �أ�صحابها‬ ‫�أو دور الن�رش‪ ،‬ف�إن العدد يت�ضاعف رمبا‪� .‬أما‬ ‫الروائيون الذين اختريوا �ضمن الالئحة النهائية‬ ‫عام ‪ 2008‬فهم‪ :‬ال�سوري حممد �أبو معتوق‪:‬‬ ‫«القمقم واجلني»‪ ،‬العراقي علي بدر‪« :‬حار�س‬ ‫التبغ»‪ ،‬امل�رصي حممد الب�ساطي‪« :‬جوع»‪،‬‬ ‫اللبناين ربيع جابر‪« :‬االعرتافات»‪ ،‬املغربي‬ ‫عبدالكرمي اجلويطلي‪« :‬كتيبة اخلراب»‪ ،‬اللبنانية‬ ‫رينيه احلايك‪�« :‬صالة من �أجل العائلة»‪،‬‬ ‫ال�سوري فواز حداد‪« :‬املرتجم اخلائن»‪ ،‬املغربي‬ ‫�سامل حمي�ش‪« :‬هذا الأندل�سي»‪ ،‬امل�رصي يو�سف‬ ‫زيدان‪« :‬عزازيل»‪ ،‬التون�سي احلبيب ال�ساملي‪:‬‬ ‫«روائح ماري كلري»‪ ،‬امل�رصي عز الدين �شكري‪:‬‬ ‫«غرفة العناية املركزة»‪ ،‬العراقية �إنعام كجه‬ ‫جي‪« :‬احلفيدة الأمريكية»‪ ،‬الليبي �إبراهيم‬ ‫الكوين‪« :‬الورم»‪ ،‬اليمني علي املقري‪« :‬طعم‬ ‫�أ�سود رائحة �سوداء»‪ ،‬الأردين �إبراهيم ن�رص‬ ‫اهلل‪« :‬زمن اخليول البي�ضاء»‪ ،‬الفل�سطيني يحيى‬ ‫يخلف‪« :‬ماء ال�سماء»‪ .‬وكان فاز باجلائزة يف‬ ‫دورتها الأوىل الرواي امل�رصي بهاء طاهر عن‬ ‫روايته «واحة الغروب»‪.‬‬ ‫وقد �أثار خلو الالئحة النهائية جلائزة‬ ‫«بوكر» العربية من �أ�سماء روائيني �سعوديني‬ ‫جد ًال يف ال�صحافة الثقافية ال�سعودية‪ ،‬و�أعاد‬ ‫احلديث عن املوقف من �أدب اخلليج وثنائية‬ ‫«املركز والهام�ش»‪ .‬وقد �صدم هذا الواقع‬ ‫غالبية الروائيني ال�سعوديني‪ ،‬و�أثار ا�ستياءهم‬ ‫من قرارات جلنة التحكيم‪� ،‬إذ خيبت القائمة‬ ‫النهائية للمر�شحني‪� ،‬آمال ه�ؤالء‪ ،‬وج ّددت‬ ‫النقا�ش حول الرواية ال�سعودية نف�سها‪.‬‬ ‫وكانت ال�صحافة الثقافية ن�رشت عناوين‬ ‫عدد من الروايات ال�سعودية‪ ،‬تقدمت بها دور‬

‫ن�رش عربية لنيل اجلائزة‪ ،‬منها‪« :‬ريح اجلنة»‬ ‫لرتكي احلمد و «الف�سوق» لعبده خال‪ .‬وتوقع‬ ‫معظم الروائيني ال�سعوديني �أن تت�ضمن القائمة‬ ‫النهائية‪ ،‬على الأقل ا�سم ًا �سعودي ًا واحداً‪ ،‬نظراً‬ ‫�إىل ما ت�شهده الرواية يف ال�سعودية من ازدهار‪،‬‬ ‫و�إىل الإقبال الالفت على قراءتها‪ .‬وحقق عدد‬ ‫من هذه الروايات‪� ،‬أرقام ًا عالية يف املبيعات‪،‬‬ ‫و ُترجم بع�ضها �إىل لغات �أجنبية‪.‬‬

‫ظاهرة الرواية ال�سعودية‬

‫ولئن ُحرمت الرواية ال�سعودية من الالئحة‬ ‫النهائية جلائزة «بوكر» العربية‪ ،‬فهذا ال يعني‬ ‫�أن «االنفجار» الروائي يف ال�سعودية‪ ،‬كما ي�س ّميه‬ ‫الناقد ال�سعودي �سعيد ال�رسيحي‪ ،‬قد خمد‪ .‬بل‬ ‫على العك�س‪ ،‬ف�إن «فورة» الرواية ال�سعودية‪،‬‬ ‫ال�شابة والن�سائية‪ ،‬توا�صلت هذا العام حتى �أنها‬ ‫متكّنت من تر�سيخ هذه الظاهرة‪ .‬وبح�سب الناقد‬ ‫ال�رسيحي يف مداخلته عن الرواية ال�سعودية‬ ‫التي ق ّدمها يف ملتقى ال�شارقة (‪� ،)2008‬إن ذلك‬ ‫االنفجار ما �إن ح�صل حتى جتاوزت الروايات‬ ‫التي مت ن�رشها خالل عام واحد‪ ،‬هو العام‬ ‫‪ ،2006‬خم�سني رواية مقابل �ست وع�رشين‬ ‫رواية ن�رشت يف العام الذي �سبقه‪ ،‬عدا الروايات‬ ‫التي اكتفت بالإنرتنت و�سيل ًة للو�صول �إىل‬ ‫قرائها‪ .‬ومل تكن عناوين تلك الروايات تخلو من‬ ‫رغبة عارمة يف البوح و�إزاحة ال�ستار كما مل‬ ‫تكن موا�ضيعها ترت ّدد يف مالم�سة �أكرث املواقع‬ ‫ح�سا�سية يف املجتمع‪ .‬و�سعت تلك الروايات‬ ‫على رغم ما هو عليه بع�ضها من ه�شا�شة فنية‬ ‫�إىل ا�ست�صدار مدونة للهوية تقوم على �أ�سا�س‬ ‫االعرتاف بالواقع يف مواجهة الهوية املتعلّقة‬ ‫بعامل املثل‪.‬‬

‫الرواية الفل�سطينية يف ذكرى النكبة‬

‫حمل العام ‪ 2008‬الذكرى ال�ستني للنكبة‬ ‫الفل�سطينية التي َحلّت عام ‪ .1948‬وكانت‬ ‫الذكرى هذه‪ ،‬مثاراً لنقا�ش �سيا�سي وثقايف مل‬ ‫ينته يوم ًا ولن ينتهي‪� .‬إال �أن هذه الذكرى كانت‬ ‫منا�سبة ال�ستعادة الرواية الفل�سطينية التي‬


‫الف�صل االول‬ ‫الإبداع الأدبي ‪323‬‬

‫ر�سخت النكبة م�رشوعها وجعلت منها جتربة غياب �سهيل �إدري�س وف�ؤاد التكريل‬ ‫ّ‬

‫الإبداع‬

‫روائية رائدة‪.‬‬ ‫ولع ّل تاريخ الرواية الفل�سطينية يرتبط‬ ‫بتاريخ ال�شتات وهجرة الفل�سطينيني الق�رسية‬ ‫عن �أر�ضهم بعد احتالل فل�سطني عام ‪.1948‬‬ ‫وقد قامت غالبية الروايات التي كتبت بعد‬ ‫طرد الفل�سطينيني وت�رشيدهم من بالدهم‬ ‫حول �أ�سئلة الوجود وامل�صري والهوية‪ .‬وميكن‬ ‫القول �إن الرواية الفل�سطينية ت�ستند �إىل ثالثة‬ ‫�أ�سماء رائدة ا�ستطاعت �أن ت�ؤ�س�س بناء روائي ًا‬ ‫متما�سك ًا حول الق�ضية الفل�سطينية‪ :‬غ�سان‬ ‫كنفاين وجربا �إبراهيم جربا و�إميل حبيبي‪ .‬وقد‬ ‫بقيت �أعمال ه�ؤالء الروائيني الثالثة را�سخة يف‬ ‫وجدان الروائيني الذين بد�أوا الكتابة الروائية‬ ‫بعدهم‪.‬‬ ‫وثمة جتارب روائية فل�سطينية �أعقبت‬ ‫ه�ؤالء الر ّواد الثالثة ُت�ستحق الإ�شارة �إليها‬ ‫ب�صورة خا�صة‪ ،‬ومنها جتربة الروائية �سحر‬ ‫خليفة التي تنطلق من اللحظة التاريخية ومن‬ ‫الأ�سئلة التي تطرحها على املجتمع وال�سيا�سة‬ ‫والتاريخ‪ ،‬وكذلك على ال�شكل الروائي‪ .‬وانطالق ًا‬ ‫من هنا ال ميكن القول �إن الروائيني الفل�سطينيني‬ ‫الذين جا�ؤوا بعد غ�سان كنفاين وجربا و�إميل‬ ‫حبيبي مل ينجزوا �أعما ًال روائية الفتة‪ ،‬حتى‬ ‫و�إن مل يكن الإجناز الروائي له�ؤالء يف جمموعه‪،‬‬ ‫بحجم �إجناز ه�ؤالء الروائيني الثالثة‪ .‬فغلبة اله ّم‬ ‫ال�سيا�سي على االهتمام بتطوير ال�شكل الروائي‪،‬‬ ‫واال�ستفادة من �إجنازاته العربية والعاملية‪،‬‬ ‫جعلت الإجناز الروائي الفل�سطيني الالحق‬ ‫يراوح مكانه �إزاء التجربة الروائية العربية‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬ثمة جتارب روائية فل�سطينية ع ّدة‬ ‫حاولت �أن تلتقط اللحظات التاريخية املتعاقبة‬ ‫للم�س�ألة الفل�سطينية‪ ،‬يف حمطاتها املختلفة‬ ‫حتوالتها العنيفة ال�صاخبة‪ ،‬واحتكاكها‬ ‫و ّ‬ ‫باجلغرافيا العربية‪ .‬و�ضمن هذا ال�سياق تندرج‬ ‫روايات يحيى يخلف وفي�صل حوراين ور�شاد‬ ‫�أبو �شاور وتوفيق فيا�ض وليانة بدر وفاروق‬ ‫وادي و�إبراهيم ن�رصاهلل‪.‬‬

‫�شهد العام ‪ 2008‬غياب روائيني كبريين‬ ‫ميثالن عالمتني يف تاريخ الرواية العربية‬ ‫احلديثة وهما اللبناين �سهيل �إدري�س والعراقي‬ ‫ف�ؤاد التكريل‪ .‬و�سهيل �إدري�س هو م�ؤ�س�س جملة‬ ‫«الآداب» ال�شهرية ذات الت�أثري الأدبي والفكري‬ ‫يف العامل العربي‪ ،‬خ�صو�ص ًا بني منت�صف‬ ‫خم�سيـن ّيـات ومنـت�صف �سبعـيـن ّيـات الـقرن‬ ‫الع�رشين‪.‬‬ ‫�أن�ش�أ �سهيل �إدري�س «الآداب» عام ‪،1953‬‬ ‫وا�ستمرت مدة ربع قرن على الأقل ب�صفتها‬ ‫املجلة املركزية للأدب العربي احلديث‪ ،‬ثم‬ ‫�أ�س�س «دار الآداب» للن�رش العام ‪.1956‬‬ ‫وعرف عن �سهيل �إدري�س ترويجه للأدب‬ ‫الوجودي الفرن�سي‪ ،‬خ�صو�ص ًا �أعمال جان بول‬ ‫�سارتر و�سيمون دوبوفوار التي ترجم بع�ضها‬ ‫و�أ�صدرها عن دار الآداب‪ ،‬ونظر مفكرون قوميون‬ ‫يف تلك الفرتة �إىل الوجودية كفكر ي�ساندهم‬ ‫يف مواجهة املارك�سية‪ .‬و�أ�صدر �إدري�س ثالث‬ ‫روايات و�ست جمموعات ق�ص�صية‪ .‬ويف روايته‬ ‫«احلي الالتيني» (‪ )1953‬يعالج �ضالل مثقفني‬ ‫عرب قبل تفكك الوحدة امل�رصية ‪ -‬ال�سورية‬ ‫وبعدها‪ .‬ون�رش قبل �سنوات من رحيله جزءاً �أول‬ ‫من مذكراته‪.‬‬ ‫�أما الروائي العراقي ف�ؤاد التكريل فكان من‬ ‫�أبرز حمركي تيار احلداثة يف الكتابة الق�ص�صية‬ ‫والروائية العراقية والعربية‪ .‬وقد دخل التكريل‬ ‫بقوة حقل الرواية حني �أ�صدر يف ال�سبعين ّيات‬ ‫من القرن الع�رشين روايته «الرجع البعيد»‬ ‫التي و�ضعته يف مقدم الروائيني العراقيني‬ ‫والعرب‪ ،‬وي�صور فيها مرحلة ال�ستين ّيات القلقة‬ ‫يف العراق وما �شهدت من �رشوخ �سيا�سية‬ ‫و�أخالقية ي�صعب حتديد م�ساراتها ب�سبب‬ ‫فو�ضاها الطاغية‪ .‬ثم �أ�صدر روايات عدة كان‬ ‫لها �صدى كبري‪.‬‬

‫«و�صية» حنا مينة‬

‫�أما �أطرف حدث روائي ميكن الوقوف‬ ‫عنده خالل العام ‪ 2008‬فهو «الو�صية» التي‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 324‬للتنمية الثقافية‬

‫�شهد العام ‪ 2008‬غياب روائ ّيني‬ ‫كبريين وهما اللبناين �سهيل �إدري�س‬ ‫والعراقي ف�ؤاد التكريل‪ .‬و�سهيل �إدري�س‬ ‫هو م�ؤ�س�س جملة «الآداب» ال�شهرية‬ ‫ذات الت�أثري الأدبي والفكري يف‬ ‫العامل العربي‪� ،‬أما الروائي العراقي‬ ‫ف�ؤاد التكريل فكان من �أبرز حمركي‬ ‫تيار احلداثة يف الكتابة الق�ص�صية‬ ‫والروائية العراقية والعربية‪.‬‬

‫كتبها الروائي ال�سوري الرائد حنا مينة‪ ،‬يف‬ ‫الرابعة والثمانني ون�رشها يف ال�صحافة وبدت‬ ‫الو�صية بادرة جريئة جداً قلما يقوم بها الأدباء‬ ‫الذين ي�ؤثرون �إبقاء الأمور ال�شخ�صية يف الظل‪.‬‬ ‫و�أعرب مينة يف و�صيته عن رغبته يف �أ ّال‬ ‫ُيحتفى به ميت ًا و�أال يبكيه �أحد وال يحزن عليه‬ ‫�أحد و�أال تقام له حفلة ت�أبني‪ .‬و�أ�رص على جنازة‬ ‫ب�سيطة جداً مثل حياته‪ ،‬يحمل نع�شه فيها �أربعة‬ ‫�أ�شخا�ص «غرباء» من دائرة دفن املوتى‪ ،‬ثم‬ ‫يهيلون الرتاب على جثمانه وينف�ضون �أيديهم‬ ‫من بعد وك�أن �أمراً مل يح�صل‪.‬‬ ‫لي�س من ال�سهل �أن يتخيل روائي حلظة‬ ‫رحيله وجنازته‪ ...‬هذا ما اعتاد �أن يفعله �إزاء‬ ‫�شخ�صياته‪� .‬أما �أن يجعل نف�سه �شخ�صية م�رشفة‬ ‫على املوت‪ ،‬فهذا �رضب من العبث الذي ال يخلو‬ ‫من اجلمال‪� .‬إال �أن الطريف يف «و�صية» حنا‬ ‫مينة �أنها جاءت بعد ب�ضعة �أيام من �صدور‬ ‫روايته اجلديدة «عاهرة ون�صف جمنون»‪،‬‬ ‫التي هي الرواية الثالثون �ضمن �أعماله‪.‬‬ ‫وبدت الرواية ال�صادرة عام ‪ 2008‬ك�أنها‬ ‫تنق�ض «الو�صية» التي تلتها كما لو كانت هي‬ ‫«الو�صية» التي ال تخلو من �شغفه الدائم الذي‬ ‫لي�س �سوى الفن الروائي‪.‬‬

‫رواية ال�سجن العربي‬ ‫رواية «القوقعة» قد تكون من‬ ‫�أجمل ما كتب عربي ًا عن احلياة‪،‬‬ ‫�أو املوت بالأحرى‪ ،‬وراء جدران‬ ‫ال�سجون‪ .‬وقد تكون �أي�ض ًا من �أجر�أ‬ ‫ما كتب يف هذا الأدب الذي اتفق‬ ‫على ت�سميته «�أدب ال�سجن»‪ .‬ولع ّل‬ ‫البارز يف هذه الرواية �أن �صاحبها‬ ‫م�صطفى خليفة‪ ،‬لي�س بروائي بل هو‬ ‫خمرج �سينمائي‪.‬‬

‫مل تغب رواية ال�سجن عن �ساحة الإبداع‬ ‫الروائي خالل العام ‪ 2008‬وقد �صدرت روايات‬ ‫عدة يف هذا ال�صدد وكانت رواية «القوقعة»‬ ‫من �أ�ش ّدها عنف ًا وق�سوة وواقعية‪ .‬بل � ّإن رواية‬ ‫«القوقعة» قد تكون من �أجمل ما كتب عربي ًا‬ ‫عن احلياة‪� ،‬أو املوت بالأحرى‪ ،‬وراء جدران‬ ‫ال�سجون‪ .‬وقد تكون �أي�ض ًا من �أجر�أ ما كتب‬ ‫يف هذا الأدب الذي اتفق على ت�سميته «�أدب‬ ‫ال�سجن»‪.‬‬ ‫قد ال تكون «القوقعة» رواية يف املفهوم‬ ‫الرائج للفن الروائي‪ ،‬فهي �أقرب �إىل ما يدل‬ ‫عليه عنوانها الثاين «يوميات متل�ص�ص»‪.‬‬ ‫فاحلافز هنا لي�س الت�شويق وال املهارة يف‬ ‫الق�ص وال اللعبة ال�رسدية‪ ،‬بل املناخ الذي‬ ‫ّ‬

‫حتمله‪ ،‬املناخ اجلحيمي الذي مل تبلغه رواية‬ ‫عربية من قبل دارت حول عامل ال�سجن‪ .‬ولع ّل‬ ‫البارز يف هذه الرواية �أن �صاحبها م�صطفى‬ ‫خليفة‪ ،‬لي�س بروائي بل هو خمرج �سينمائي مل‬ ‫يت�سن له العمل وراء الكامريا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مل ي�س ّم م�صطفى خليفة الوطن الذي عاد‬ ‫�إليه واكتفى بت�سمية ال�سجن جمازي ًا «ال�سجن‬ ‫ال�صحراوي»‪ ،‬لكن النا�رش مل يتوان عن الإ�شارة‬ ‫�إىل �أن امل�ؤلف �سوري اجلن�سية‪.‬‬ ‫يكتب م�صطفى خليفة جتربة ال�سجن كما‬ ‫يتفن‬ ‫عا�شها‪ ،‬بفجاجتها وق�سوتها وعنفها‪ .‬مل نّ‬ ‫يف فعل ال�رسد وبناء الزمن وتقطيعه‪ ،‬بل اختار‬ ‫الكتابة العارية واملبا�رشة التي ال ت�شهد على‬ ‫التجربة فقط بل تعي�شها �أي�ض ًا‪ .‬لكن الطابع‬ ‫اال�ستعادي لهذه «اليوميات» �أتاح له اخرتاق‬ ‫زمنها الداخلي‪ ،‬فهو يكتب �أي بعد خروجه من‬ ‫ال�سجن الذي �أم�ضى فيه ثالثة ع�رش عام ًا‪ ،‬من‬ ‫دون �أن يحاكم‪ ،‬بل حوكم قبل �أ�شهر من خروجه‬ ‫على جرمية مل يرتكبها‪.‬‬ ‫و�إن كانت رواية «القوقعة» �أعنف رواية‬ ‫عربية تكتب عن ال�سجن‪ ،‬ف� ّإن روايات �أخرى‬ ‫�صدرت عام ‪ 2008‬كانت �أق ّل عنف ًا ولكن‬ ‫�أ�ش ّد �إتقان ًا يف ال�رسد و�أ�ش ّد جمالية ورمزية‪.‬‬ ‫و�أوىل هذه الروايات رواية الكاتب امل�رصي‬ ‫حممد الب�ساطي وعنوانها «�أ�سوار»‪ .‬الرواية‬ ‫هذه جمموعة من املحكيات ي�رسدها الراوي‬ ‫وهو ابن حار�س �سجن خلف �أباه بعد تقاعده‬ ‫فورث املن�صب والوظيفة وهي املراقبة‬ ‫واحلرا�سة‪ .‬وخلف �أ�سوار ال�سجن يكت�شف عامل‬ ‫املعتقلني على اختالفهم‪ ،‬املعتقلني ال�سيا�سيني‬ ‫واملجرمني وال�سارقني واحل�شا�شني‪...‬‬ ‫�أما الكاتبة امل�رصية ر�ضوى عا�شور‬ ‫فدخلت عامل ال�سجن بل ال�سجون يف روايتها‬ ‫«فرج» التي �صدرت يف العام ‪ 2008‬وهي‬ ‫جتمع بني الوثائقي واملتخ ّيل‪ .‬تتناول الكاتبة‬ ‫جتربة ال�سجن كما عا�شتها �أجيال م�رصية‬ ‫�سيا�سي‬ ‫ثالثة متعاقبة‪ ،‬وال�سجن هنا ذو طابع‬ ‫ّ‬ ‫فالكثريون من ال�سجناء هم من املنا�ضلني‬ ‫الي�ساريني‪ .‬و�إحدى ال�شخ�صيات الرئي�سة التي‬


‫الف�صل االول‬ ‫الإبداع الأدبي ‪325‬‬

‫عامل الرواية اجلديدة‬

‫كثرية هي الروايات التي �صدرت خالل‬ ‫العام ‪ 2008‬وقد يحتاج �إح�صا�ؤها �إىل خمطط‬ ‫يتم بوا�سطته متابعة هذه الروايات التي‬ ‫�صدرت يف العوا�صم واملدن العربية قاطبة‪،‬‬ ‫ذلك �أن دور ن�رش عديدة ال متلك قوائم جاهزة‬ ‫لإ�صداراتها عام ًا تلو عام وهي �أ�ص ًال ال تعتمد‬ ‫منهج ًا حمدداً يف الن�رش‪� .‬أما احتاد النا�رشين‬ ‫العرب فال يتوافر لديه �إح�صاء �شامل مبا ي�صدر‬ ‫من �أعمال روائية و�شعرية ويفتقر �إىل منهجية‬

‫�شهد العام ‪� 2008‬صدور خم�س‬ ‫روايات عربية تدور حول عامل‬ ‫ال�سجون لل�سور ّيني م�صطفى خليقة‬ ‫وحممد �أبو معتوق وللم�رص ّيني حممد‬ ‫الب�ساطي ور�ضوى عا�شور وللبنانية‬ ‫– الفرن�سية جويل جيابزي‬

‫بع�ض الروائيني اجلدد راحوا‬ ‫ي�سائلون الفن الروائي نف�سه‪� ،‬ساعني‬ ‫�إىل ال�شك يف معطياته و�إىل حتريره‬ ‫من الثوابت التي باتت مبثابة القيود‬ ‫ال�رسدي‪ .‬حاول‬ ‫التي تثقل الفعل‬ ‫ّ‬ ‫البع�ض تطوير بع�ض التقنيات‬ ‫الروائية عرب لعبة ال�ضمائر �أو لعبة‬ ‫الرواية داخل الرواية �أو التقطيع‬ ‫امل�شهدي م�ستفيدين مثل بع�ض‬ ‫�أ�سالفهم من تقنيات ال�سينما �أو‬ ‫امل�رسح‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإبداع‬

‫حتيا هذه التجربة ن�ش�أت يف كنف والدها الذي‬ ‫ينتمي �إىل احلزب ال�شيوعي‪ ،‬و�أمها الفرن�سية‪.‬‬ ‫وهناك داخل ال�سجن تكت�شف امل�أ�ساة املريرة‬ ‫التي عا�شها ال�سجناء ال�سيا�سيون عرب حقبات‬ ‫متوالية‪.‬‬ ‫الروائي ال�سوري حممد �أبو معتوق‬ ‫�أ�صدر �أي�ض ًا رواية بعنوان «ثالث تفاحات»‬ ‫تدور �أحداثها يف �سجن الن�ساء الذي تكت�شف‬ ‫ال�سجينات �أنه �أ�ش ّد رحمة و�إن�سانية من ال�سجن‬ ‫اخلارجي الكبري‪� ،‬أي املجتمع املحا�رص‬ ‫بالتقاليد البالية والعنف العائلي والقمع‬ ‫الذكوري‪.‬‬ ‫ويف بريوت �أ�صدرت الروائية اللبنانية‬ ‫– الفرن�سية جويل جيابزي رواية بالفرن�سية‬ ‫عنوانها «اجلدران ال ت�صنع ال�سجن»‪ .‬ولعلها‬ ‫املرة الأوىل تتناول كاتبة لبنانية جتربتها‬ ‫ّ‬ ‫يف �سجن الن�ساء كما عا�شتها طوال خم�سة‬ ‫�أعوام‪ ،‬بجر�أة تامة‪ ،‬غري متهيبة �أية عواقب‪،‬‬ ‫بل فا�ضحة جحيم ال�سجن و�أ�رساره اخلفية‪.‬‬ ‫وقد تكون اللغة الفرن�سية �ساعدتها على‬ ‫تخطي املحرمات والرقابة الذاتية ورمبا‬ ‫اخلوف من الف�ضيحة‪ .‬وقد ال تكون الرواية‬ ‫هذه رواية يف املفهوم ال�شائع للفن الروائي‬ ‫بل هي �أقرب �إىل ال�سرية الذاتية ولكن ذات‬ ‫الإطار املحدد وال�سياق املحدد اللذين‬ ‫يتمثّالن يف ال�سجن‪ .‬فالراوية هنا هي نف�سها‬ ‫الكاتبة التي هي ال�سجينة التي ت�رسد حياتها‬ ‫داخل ال�سجن‪.‬‬

‫الإح�صاء التي تتيح له ر�صد حركة الن�رش علمي ًا‬ ‫وبدقة‪.‬‬ ‫�إال �أن �صدور الروايات بهذه الوفرة �أو‬ ‫يعن �أن الرتاكم‬ ‫الكرثة خالل العام ‪ 2008‬مل ِ‬ ‫الك ّمي برز على ح�ساب النوعية الروائية‪ .‬فهذا‬ ‫العام �شهد حركة ت�أ�صيل �أو تر�سيخ للمفهوم‬ ‫الروائي ولالجتاهات التي عرفتها الرواية‬ ‫العربية خالل الأعوام ال�سابقة‪ .‬ولع ّل الق�ضايا‬ ‫التي �أثارتها الرواية من قبل �أثريت يف النتاج‬ ‫الروائي هذا العام‪ ،‬وكذلك العالقات القائمة‬ ‫بني املجتمع وال�سلطة مبختلف �أنواعها‪ ،‬وبني‬ ‫الفرد واملجتمع‪ ،‬وبني �سلطة الذكورة واحل�ضور‬ ‫الأنثوي‪ .‬ناهيك بال�ش�ؤون التي طاملا كانت‬ ‫مثار اهتمام الروائيني العرب مثل‪ :‬الهوية‪،‬‬ ‫الرتاث‪،‬‬ ‫التحرر‪ ،‬الغربة �أو املنفى‪ ،‬االغرتاب‬ ‫ّ‬ ‫النف�سي‪� ،‬رصاع الأجيال‪ ،‬اخليبة الوجودية‪،‬‬ ‫الفردية و�سواها‪.‬‬ ‫�أما على م�ستوى ال�شكل �أو الأ�سلوب‪،‬‬ ‫فقد وا�صل الروائيون العرب خالل �أعمالهم‬ ‫ال�صادرة عام ‪ 2008‬جتربة التجديد �أو التحديث‬ ‫ور�سخوها‪.‬‬ ‫التي بد�أها الروائيون ال�سابقون ّ‬ ‫لكن بع�ض الروائيني اجلدد راحوا ي�سائلون‬ ‫الفن الروائي نف�سه‪� ،‬ساعني �إىل ال�شك يف‬ ‫معطياته و�إىل حتريره من الثوابت التي باتت‬ ‫مبثابة القيود التي تثقل الفعل‬ ‫ال�رسدي‪ .‬هكذا‬ ‫ّ‬ ‫حاول البع�ض تطوير بع�ض التقنيات الروائية‬ ‫عرب لعبة ال�ضمائر �أو لعبة الرواية داخل الرواية‬ ‫�أو التقطيع امل�شهدي م�ستفيدين مثل بع�ض‬ ‫�أ�سالفهم من تقنيات ال�سينما �أو امل�رسح �أو‬ ‫الفيديو كليب‪ .‬و�سعوا �أي�ض ًا �إىل �إعادة النظر‬ ‫يف بناء ال�شخ�صيات وتثوير �أفعالها وتبديل‬ ‫عالقاتها‪.‬‬ ‫ومل يكن م�ستغرب ًا مث ًال �أن يحتل اجلن�س‬ ‫هموم الكثريين من الروائيني الذين حاولوا‬ ‫املحرمات وف�ضح امل�سكوت‬ ‫ك�رس «التابوات» �أو‬ ‫ّ‬ ‫عنه‪ ،‬ال �سيما العالقات غري ال�سو ّية التي ت�سود‬ ‫املجتمعات العربية املغلقة �أو «املحا�رصة»‪.‬‬ ‫و�إن كان اجلن�س لدى بع�ض الروائيني حافزاً‬ ‫والتحرر من ال�سلطة الأخالقية‬ ‫على الك�شف‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 326‬للتنمية الثقافية‬

‫املفرو�ضة م�سبق ًا واملتوارثة ف�إنه لدى روائيني‬ ‫�أخر نحا نحواً ف�ضائحي ًا و�شبه جماين‪ .‬وهذا ما‬ ‫�أمكن مالحظته يف بع�ض الأعمال‪ ،‬التي تع ّمدته‬ ‫يف �سياق بحثها عن «التغريب» الروائي الذي‬ ‫القراء عادة‪ ،‬عرب ًا كانوا �أم �أجانب‪ .‬هنا‬ ‫يجذب ّ‬ ‫بدا اجلن�س مو�ضوع ًا م�صطنع ًا ومقحم ًا على‬ ‫الفن الروائي وغري نابع من التجارب التي‬ ‫ّ‬ ‫حتياها ال�شخ�صيات‪� .‬إ ّنه اجلن�س للجن�س ولي�س‬ ‫اجلن�س كحقيقة �إن�سانية �أو كحافز نف�سي‪.‬‬ ‫كان ال ب ّد من هذا املدخل من �أجل مقاربة‬ ‫احلركة الروائية التي جتلّت خالل العام ‪2008‬‬ ‫والتي ميكن قراءتها عرب حماور �أو حقول ع ّدة‬ ‫تو ّزعتها الروايات التي �صدرت بالتتايل‪ .‬وهذه‬ ‫القراءة امل�ستندة �إىل املحاور الرئي�سة قد تكون‬ ‫ّ‬ ‫الطريقة الأ�ش ّد مالءمة لر�صد نتاج روائي حم ّدد‬ ‫داخل فرتة زمنية هي ال�سنة هنا‪.‬‬

‫‪ - 1‬املحور الأول‪ :‬التاريخ واملكان‬ ‫بو�صفهما ما�ضي ًا م�ستعاداً‬

‫عرفت احلركة الروائية العربية جتربة‬ ‫«الرواية التاريخية» يف جتلياتها املختلفة‪،‬‬ ‫وعاد روائيون كثريون �إىل التاريخ البعيد‬ ‫والقريب‪ ،‬ي�ستوحون �أحداثه ووقائعه يف هدف‬ ‫�إ�سقاطه على الواقع �أو لقراءة احلا�رض يف �ضوئه‪،‬‬ ‫ال �سيما خالل الأزمات التي ع�صفت بالعامل‬ ‫العربي‪ ،‬وهي �أزمات ح�ضارية ووجودية كما‬ ‫ّ‬ ‫هي �أزمات �سيا�سية واجتماعية‪ .‬و�سعى بع�ض‬ ‫الروائيني �إىل ا�ستنباط بع�ض الأ�شكال الروائية‬ ‫التي وجدت يف الرتاث العربي حماولني‬ ‫تطويرها لتخدم م�آربهم ال�رسدية‪ .‬ومن هذه‬ ‫الأ�شكال املقامة وفن الراوي �أو احلكواتي‬ ‫والتخييل اخلرايف و�سواها‪ .‬وقد �أ�سدى الرتاث‬ ‫خدمة �إىل ه�ؤالء الروائيني الذين جل�أوا �إليه‬ ‫و�أم ّدهم بطرائق �رسدية ومواد راحوا يط ّورونها‬ ‫ويح ّدثونها‪ .‬وقد وجدوا يف ثناياه الكثري‬ ‫من احلكايات والق�ص�ص ال�شعبية واخلرافات‬ ‫البديعة وال�شخ�صيات الفريدة والطريفة‪.‬‬ ‫ويف هذا ال�صدد ميكن �إدراج روايات ع ّدة‬ ‫�صدرت يف العام ‪� 2008‬ضمن هذا املحور‬

‫الرئي�س‪ ،‬ومنها على �سبيل املثل‪:‬‬ ‫• رواية «قابيل‪� ...‬أين �أخوك هابيل؟» للروائي‬ ‫الليبي �إبراهيم الكوين وفيها يتناول العقد‬ ‫الأخري من القرن الثامن ع�رش وجمرياته‬ ‫يف مملكة «طرابل�س» التابعة للإمرباطورية‬ ‫العثمانية وير�صد ال�رصاع على ال�سلطة بني‬ ‫الإخوة الذين يتح ّولون �إىل �أعداء‪.‬‬ ‫• رواية «عزازيل» للكاتب امل�رصي يو�سف‬ ‫زيدان وهي تدور حول خمطوط قدمي‪ ،‬وتك�شف‬ ‫جزءاً من تاريخ �شبه جمهول ملقية �ضوءاً على‬ ‫ناحية من الرتاث امل�رصي القبطي طاملا ظلّت‬ ‫مغ ّيبة �أو م�سكوت ًا عنها‪.‬‬ ‫• رواية «رن» للكاتب امل�رصي جمال الغيطاين‪،‬‬ ‫وهي اجلزء ال�ساد�س من �سل�سلة «دفاتر التدوين»‬ ‫التي د�أب الروائي على كتابتها بالتوايل‪ ،‬حتى‬ ‫ليمكن و�صفها باملتوالية الروائية‪ .‬وفيها يعيد‬ ‫اكت�شاف املرياث اجلماعي يف ال�رسد التاريخي‬ ‫وال�صويف‪ ،‬باحث ًا عن التجلّي الأكرث ر�سوخ ًا‬ ‫للهوية الفردية التي ال تنف�صل عن الهوية‬ ‫اجلماعية‪.‬‬ ‫• رواية «ال�سماء الثامنة» للروائي اجلزائري‬ ‫�أمني الزاوي‪ ،‬وهي توغل يف التاريخ ال�شخ�صي‬ ‫على ل�سان الراوي الذي ي�ستعيد ما�ضيه القريب‬ ‫يف �إحدى الثكنات الع�سكرية‪� .‬إنها رواية تواجه‬ ‫الواقع العبثي عرب ا�ستعادة الذكريات التي قد‬ ‫ت�صل �إىل طارق بن زياد‪.‬‬ ‫«�سن الغزال» للكاتب ال�سوداين �صالح‬ ‫• رواية ّ‬ ‫ح�سن �أحمد‪ .‬تدور �أحداث هذه الرواية على‬ ‫�ضفتي ال�شطر ال�سوداين من نهر النيل‪ ،‬وت�ستعيد‬ ‫طقو�س «النيل» وعاداته ورمزيته‪ ،‬بخ�صوبته‬ ‫حب‪.‬‬ ‫وفي�ضاناته من خالل ق�صة ّ‬ ‫• رواية «العلم» للكاتب امل�رصي فتحي �إمبابي‪،‬‬ ‫وهي تر�صد التح ّوالت ال�سيا�سية والثقافية‬ ‫التي ع�صفت باملجتمعات العربية‪� ،‬سواء �أكانت‬ ‫جمتمعات قبلية ذات طابع بدوي �أم جمتمعات‬ ‫ح�رضية‪.‬‬ ‫• رواية «طعم �أ�سود‪ ...‬رائحة �سوداء» للكاتب‬ ‫اليمني علي‬ ‫املقري‪ .‬تتناول الرواية �رشيحة‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫اجتماعية مينية نادرا ما جرى الكالم على‬


‫الف�صل االول‬ ‫الإبداع الأدبي ‪327‬‬

‫‪ - 2‬املحور الثاين‪ :‬الواقع ب�صفته مر�آة‬ ‫التح ّوالت والتناق�ضات‬

‫لئن كان من ال�صعب الكالم على مدر�سة‬ ‫روائية واحدة وحم ّددة تبع ًا لتداخل املدار�س‬ ‫بع�ضها ببع�ض‪ ،‬وهذا �ش�أن �أكدته الروايات التي‬ ‫تو�صف بـ «ال�شاملة» �إذ جتمع بني اجتاهات‬ ‫ع ّدة (االجتاه التاريخي والنف�سي والواقعي‬ ‫والأ�سطوري‪ ،)...‬ف�إن من املمكن الكالم على‬ ‫رواية واقعية ولكن يف املفهوم الرحب للواقعية‬ ‫ولي�س يف مفهومها ال�ضيق �أو املجتز�أ‪ .‬والواقعية‬ ‫املتحررة‬ ‫املق�صودة هنا هي الواقعية احلديثة‬ ‫ّ‬ ‫من الإرث العاملي للرواية الواقعية ومن‬ ‫املعايري التي كانت حتكمها �سابق ًا‪ .‬وبات من‬ ‫املمكن و�صف كل رواية حتاول مقاربة الواقع‬ ‫يف كل �أ�شكاله‪ ،‬اجتماعي ًا و�سيا�سي ًا ونف�سي ًا‬ ‫و�أيديولوجي ًا‪ ،‬بالرواية الواقعية‪.‬‬ ‫هنا روايات تدرج يف هذه اخلانة �صدرت‬ ‫عام ‪:2008‬‬ ‫• رواية «املرتجم اخلائن» للكاتب ال�سوري فواز‬ ‫حداد‪� .‬إنها رواية املثقف الذي يرتهن نف�سه �إىل‬ ‫ال�سلطة في�صبح ذا �سلطة قوية‪ .‬ويخ�ضع الكاتب‬ ‫�صورة املثقف لأمناط عدة‪ :‬املثقف املافيوي‪،‬‬ ‫املثقف املقنع‪ ،‬املثقف املقاول‪ ،‬املثقف‬ ‫الع�صابي‪...‬‬ ‫• رواية «رحلة ال�سفرجل» للكاتب ال�سوري وليد‬ ‫�إخال�صي‪ .‬يتناول الكاتب يف الرواية حياة‬ ‫املقتاعدين الذين يواجهون واقع ًا جديداً ال‬ ‫ي�ستطيعون التكيف معه‪.‬‬ ‫• رواية «احلار�س» للكاتب امل�رصي ع ّزت‬ ‫القمحاوي‪ .‬تك�شف الرواية �أجواء جهاز احلرا�سة‬

‫الإبداع‬

‫حياتها وتقاليدها و�أو�ضاعها املده�شة وهي‬ ‫ال�رشيحة التي ت�سمى بـ «الأخدام»‪ .‬ويقر�أ الكاتب‬ ‫احلا�رض االجتماعي امل�أ�سوي لهذه اجلماعة يف‬ ‫�ضوء عاداتها وتقاليدها املتوارثة‪.‬‬ ‫• رواية «�أر�ض الكالم» للروائي ال�سوري‬ ‫ممدوح عزام‪ .‬تدور �أحداث الرواية يف اجلنوب‬ ‫ال�سوري وتك�شف عن التاريخ القريب لإحدى‬ ‫القرى وتقرتب من ذاكرة هذه الأر�ض احلافلة‬ ‫بحكايات �أبنائها الذين يعي�شون حا ًال من‬ ‫ال�رصاع الطبقي والعائلي‪.‬‬ ‫• رواية «كتيبة اخلراب» للكاتب املغربي‬ ‫عبدالكرمي جويطي‪ .‬ت�سعى الرواية �إىل ا�ستعادة‬ ‫املا�ضي ال�سعيد لإحدى املناطق الأمازيغية‬ ‫القائمة بني اجلبال وتعز‪.‬‬ ‫• رواية «�ساق الغراب» للروائي ال�سعودي‬ ‫يحيى �أمقا�سم‪ .‬تقتفي الرواية معامل عامل مندثر‬ ‫وت�صوغ حكايات الأجداد منذ مئة عام يف‬ ‫�أ�سلوب جديد‪ .‬وقد نف�ض الكاتب الغبار عن زمن‬ ‫قدمي‪ ،‬بعاداته وطقو�سه و�أهازيجه وطعامه‬ ‫ونباته‪...‬‬ ‫• رواية «خالف املق�صود» للكاتب ال�سوري‬ ‫�أحمد عمر وهي رواية ت�سعى �إىل توثيق الذاكرة‬ ‫البعيدة لبلدة كردية من�سية متاخمة للحدود‬ ‫الرتكية يف ال�شمال ال�سوري‪.‬‬ ‫• رواية «بدو على احلافة» للكاتب‬ ‫املغربي‬ ‫ّ‬ ‫عبدالعزيز الرا�شدي‪ .‬تدور �أحداث الرواية يف‬ ‫قرية �أو «واحة» يف جنوب ال�صحراء املغربية‪،‬‬ ‫وي�شكل املكان القروي ال�صحراوي ف�ضاء‬ ‫لأحداث يختلط فيها الواقعي باملتخيل‪.‬‬ ‫• رواية «خيال �ساخن» للروائي امل�رصي حممد‬ ‫الع�رشي‪ .‬الرواية �أ�شبه برحلة فريدة �إىل عوامل‬ ‫الأ�ساطري القدمية وال�سحر واملخيلة والرتاث‪.‬‬ ‫�إنها رواية املوروث ال�شعبي واحلكايات التي‬ ‫تتناقلها الأجيال‪.‬‬ ‫• رواية «كائنات من طرب» للكاتبة ال�سعودية‬ ‫الفاران‪ .‬تدور �أحداث الرواية يف البادية‪،‬‬ ‫�أمل ّ‬ ‫وتق ّدم الكاتب خاللها �صورة عن البيئة الريفية‬ ‫املحاذية للربع اخلايل‪.‬‬ ‫• رواية «لوعة الأليف الالمو�صوف املحيرّ‬

‫يف �صوت �سارماك» للكاتب ال�سوري �سليم‬ ‫بركات‪ .‬تدور �أحداث الرواية يف �أر�ض «ري�س»‬ ‫التي متثّل الال‪-‬مكان وهي بقعة جمهولة من‬ ‫الأر�ض‪ ،‬موغلة يف بدائيتها‪ ،‬ال ي�سكنها �سوى‬ ‫العميان‪.‬‬ ‫• رواية «�سالم» للكاتب ال�سعودي هاين‬ ‫نق�شبندي‪ .‬ي�ستخدم الروائي �أ�سلوب «الواقعية‬ ‫أندل�سي‪.‬‬ ‫ال�سحرية» ليحيي التاريخ ال‬ ‫ّ‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 328‬للتنمية الثقافية‬

‫الذي يتوىل حماية رئي�س الدولة من خالل‬ ‫�شخ�صية املالزم «وحيد» امللحق بهذا اجلهاز‪.‬‬ ‫• رواية «مئة وثمانون غروب ًا» للكاتب اللبناين‬ ‫ح�سن داود‪ .‬ير�صد الروائي هنا �صعود جمتمع‬ ‫وانحداره‪ ،‬وير�سم �شخ�صيات تتحرك بني واقع‬ ‫فقري وعامل حتلم به‪.‬‬ ‫• رواية «االعرتافات» للكاتب اللبناين ربيع‬ ‫جابر ت�سرتجع الرواية الأجواء الأوىل للحرب‬ ‫اللبنانية وحتديداً حرب ال�سنتني ‪1975-‬‬ ‫‪ 1976‬لتعيد كتابتها من خالل اعرتافات �أحد‬ ‫املقاتلني‪.‬‬ ‫• رواية «�إمرباطورية الرمال» للكاتب اجلزائري‬ ‫�صالح �شكريو‪ .‬تتناول الرواية �إحدى الف�ضائح‬ ‫التي ه ّزت اجلزائر وهي ف�ضيحة البليونري‬ ‫اجلزائري عبد املومن خليفة ب�أ�سلوب يجمع‬ ‫بني الواقع واخليال‪ ،‬بني التحقيق ال�صحايف‬ ‫والتوثيق والعمل الفني‪.‬‬ ‫• رواية «العائلة» للكاتب الكويتي حممد‬ ‫التحوالت التي طر�أت‬ ‫ال�شارخ‪ .‬تر�صد الرواية ّ‬ ‫على بيئة اجتماعية مغلقة ترف�ض الت�أثر‬ ‫مبعطيات العامل اجلديد‪ ،‬الذي � ّرشعت العوملة‬ ‫�أبوابه على رياح التغيري‪.‬‬ ‫• رواية «خرائط ل�شهوة الليل» للكاتب اجلزائري‬ ‫ب�شري مقني‪ .‬تعالج الرواية �أحوال اجلزائر‪ ،‬الدولة‬ ‫التي انق�سمت خالل احلرب الداخلية �إىل خرائط‬ ‫جغرافية متباينة ومربعات �أمنية موزعة بني‬ ‫املتقاتلني‪.‬‬ ‫• رواية «القمقم واجل ّني» للكاتب ال�سوري‬ ‫حممد �أبو معتوق‪ .‬تتناول الرواية واقع الثقافة‬ ‫ال�شعبية وتر�صد التح ّوالت التي �أحدثتها‬ ‫الثقافة الر�سمية ومفرداتها يف املجتمع ويف‬ ‫حياة اجلماعة‪.‬‬ ‫• رواية «ع�صري الزنزخلت» للكاتب اللبناين‬ ‫جورج �شامي‪ .‬عالقة الراوي ب�أ�ستاذه ال�صحايف‬ ‫تتحول �إىل عالقة بني �أب وابنه‪ ،‬بكل ما حتمل‬ ‫هذه العالقة من حم ّبة وكراهية‪.‬‬ ‫• رواية «عرق الآلهة» للكاتب اليمني حبيب‬ ‫عبدالرب �رسوري‪ .‬عامل يندمج فيه الواقع‬ ‫ّ‬ ‫باملتخ ّيل من خالل ح�ضور ثقافة الكومبيوتر‬

‫الذي يعيد كتابة احلا�رض يف طريقة خمتلفة‪.‬‬ ‫• رواية «الأم واالبن» للكاتبة الكردية العراقية‬ ‫كالويز �صالح فتاح‪ .‬تعك�س الرواية �صورة‬ ‫واقعية لأو�ضاع ال�شعب الكردي ومعاناته يف‬ ‫ظ ّل ال�سلطة املتع ّنتة‪.‬‬ ‫• رواية «حياة م�ؤجلة» للكاتب ال�سعودي بدر‬ ‫الإبراهيم‪ .‬رواية ذات �أبعاد اجتماعية تلقي‬ ‫�ضوءاً على عادات املجتمع وتقاليده و�أفكاره‬ ‫والتح ّوالت التي ي�شهدها‪.‬‬ ‫• رواية «الفاعل» للكاتب امل�رصي حمدي‬ ‫�أبو جلّيل‪ .‬ي�ستمد الروائي ما ّدة روايته هذه‬ ‫و�أحداثها من خمزونه احلياتي وك� ّأن الفن‬ ‫الروائي رديف للعي�ش نف�سه‪.‬‬ ‫• رواية «�أحمر خفيف» للكاتب امل�رصي وحيد‬ ‫الطويلة‪ .‬الواقع احلافل بالتغريات والتح ّوالت‬ ‫والتناق�ضات كما ينظر �إليه رجل حمت�رض يرقد‬ ‫على �رسير يف م�ست�شفى‪.‬‬ ‫• رواية «�أهداب» للكاتب ال�سوري يا�سني‬ ‫رفاعية‪ .‬رواية تتناول العالقة بني الفنان‬ ‫ومو�ضوعه‪ ،‬وهو هنا لوحة فنية لي�ست �إال‬ ‫�صورة للواقع الذي يعي�شه الفنان‪.‬‬ ‫• رواية «كر�سي» للكاتبة ال�سورية دمية و ّنو�س‪.‬‬ ‫تف�ضح الرواية انتهازية املوظفني الذين‬ ‫ت�سخرهم الدولة مل�صلحتها وتعهد �إليهم مهمة‬ ‫ّ‬ ‫مراقبة زمالئهم يف العمل وامل�ؤ�س�سات‪.‬‬ ‫• رواية «فانيليا» للكاتب امل�رصي الطاهر‬ ‫يوجه حركة ال�رسد‬ ‫�رشقاوي‪ .‬الراوي الذي ّ‬ ‫يحكي عن �أ�شخا�ص يحيطون به جاع ًال منهم‬ ‫�شخ�صيات واقعية وطريفة‪.‬‬ ‫• رواية «وردة ال�شمال» للكاتب ال�سوري ح�سن‬ ‫�صقر‪ .‬رواية تر�صد حركة �صعود �أحد الع�سكريني‬ ‫�إىل ال�سلطة عن طريق الهزمية‪.‬‬ ‫• رواية «تلفزيون» للكاتب اللبناين ح�سان‬ ‫الزين‪ .‬تعالج الرواية ت�أثري التلفزيون يف الفرد‬ ‫واجلماعة‪ ،‬يف املعنى االجتماعي والثقايف‬ ‫وال�سيا�سي‪.‬‬ ‫• رواية «كرييالي�سون» للكاتب امل�رصي هاين‬ ‫عبد املريد‪ .‬رواية حتتفي بالواقع الهام�شي �أو‬ ‫امله ّم�ش وتك�شف معامله �شبه املجهولة‪.‬‬


‫الف�صل االول‬ ‫الإبداع الأدبي ‪329‬‬

‫‪ - 3‬املحور الثالث‪ :‬العالقة بني ال�رشق‬ ‫والغرب‬

‫‪ - 4‬املحور الرابع‪ :‬الرواية الن�سوية‬ ‫«امل�ضادة»‬

‫برزت خالل العام ‪ 2008‬ظاهرة لي�ست‬ ‫بجديدة و�إن عرفت فرتات من الغياب �أو التواري‪،‬‬ ‫وتتمثّل يف ما ميكن ت�سميته «الرواية الن�سوية‬ ‫امل�ضادة»‪ ،‬وقد تعاقب على كتابتها روائيات‬ ‫وروائيون على ال�سواء‪ ،‬وعمد الروائيون �إىل‬ ‫�إ�سناد فعل «ال�رسد» �أو «الق�ص» �إىل امر�أة بدت‬ ‫هي الراوية التي تتكلم ب�ضمري الأنا‪ .‬لكن بع�ض‬ ‫الروائيني – كما �سرنى – تناول ق�ضايا املر�أة‬ ‫من خالل وجوه ن�سائية احتلّت امل�شهد الروائي‬ ‫وكانت هي «البطالت» �أو ال�شخ�صيات الرئي�سة‬ ‫حترك «عملية» ال�رسد‪ .‬ولع ّل ابرز ما مي ّيز‬ ‫التي ّ‬ ‫هذه الظاهرة �أ ّنها تتخطى املعطى «الن�سوي» �أو‬ ‫ر�سختها روايات كثرية‬ ‫املعايري الن�سوية التي ّ‬ ‫التحرر و «القتل» املجازي‬ ‫�سيطر عليها هاج�س ّ‬ ‫للذكورة والثورة على ال�سلطة البطريركية يف‬ ‫جتلياتها كافة‪ .‬من هذه الروايات‪:‬‬ ‫• رواية «خذها ال �أريدها» للكاتبة الكويتية‬ ‫ليلى العثمان‪ ،‬وهي رواية متع ّددة ال�شخ�صيات‬ ‫الن�سائية وت�أتي يف مق ّدمها لبنى التي ت�ستعيد‬ ‫املا�ضي امل�ضطرب الذي جمع بني والدها‬ ‫ووالدتها يف حلظة وفاة الوالدة بل عند غ�سل‬ ‫ج�سدها‪.‬‬ ‫• رواية «رائحة القرفة» للكاتبة ال�سورية �سمر‬ ‫يزبك‪ ،‬وهي تر�صد عالقة جتمع بني �سيدة‬ ‫وخادمتها وهي عالقة «منحرفة» وملتب�سة‬

‫مازالت العالقة بني ال�رشق‬ ‫والغرب مو�ضوع ًا �أثرياً لدى الأدب‬ ‫العربي املعا�رص‪ ،‬ال�سيما بعد �أحداث‬ ‫احلادي ع�رش من �سبتمرب حيث �شهد‬ ‫العام ‪� 2008‬ست روايات عربية يف‬ ‫هذا امليدان‪.‬‬

‫الإبداع‬

‫�شغلت العالقة بني ال�رشق والغرب‬ ‫الروائيني العرب منذ �أوا�سط القرن الع�رشين‬ ‫واحتلّت ق�ضية ال�رصاع احل�ضاري هذه حيزاً من‬ ‫االنتاج الروائي‪ .‬وقد برزت على هذا امل�ستوى‬ ‫�أعمال مهمة يف مق ّدمها «ع�صفور من ال�رشق»‬ ‫«احلي الالتيني» ل�سهيل‬ ‫لتوفيق احلكيم و‬ ‫ّ‬ ‫�إدري�س و «مو�سم الهجرة �إىل ال�شمال» للطيب‬ ‫�صالح‪ .‬هذه العالقة ما زالت عالقة �إ�شكالية‬ ‫وقد زادت من تعقّدها حادثة احلادي ع�رش‬ ‫من �أيلول (�سبتمرب) التي كانت مبثابة ال�صدمة‬ ‫التاريخية احلديثة‪ .‬مل تغب هذه الق�ضية عن‬ ‫النتاج الروائي خالل العام ‪ .2008‬وهنا ب�ضع‬ ‫روايات‪:‬‬ ‫• رواية «العمامة والقبعة» للكاتب امل�رصي‬ ‫�صنع اهلل �إبراهيم‪ .‬يعود الروائي يف روايته‬ ‫هذه �إىل احلملة الفرن�سية على م�رص م�ستعيداً‬ ‫�إحدى حلقات ال�رصاع بني ال�رشق والغرب و�أول‬ ‫�أ�شكال ال�صدام بني احلداثة العربية يف مرحلة‬ ‫ما قبل التحديث‪.‬‬ ‫• رواية «الزلزال» للكاتب اجلزائري الطاهر‬ ‫وطار‪ .‬تتناول الرواية التح ّوالت التي طر�أت‬ ‫حترر‬ ‫على مدينة ق�سنطينة اجلزائرية بعد ّ‬ ‫اجلزائر من اال�ستعمار الفرن�سي وهي حت ّوالت‬ ‫جذرية و�شاملة على م�ستوى املكان واجلماعة‬ ‫والعادات والتقاليد‪.‬‬ ‫• رواية «روائح ماري كلري» للكاتب التون�سي‬ ‫احلبيب ال�ساملي‪ .‬تعالج الرواية عالقة الأنا‬ ‫(العربية) بالآخر (الأجنبي) على امل�ستوى‬ ‫العاطفي واحل�ضاري‪� .‬إنها ق�صة حب جتمع بني‬ ‫رجل قادم من الريف التون�سي وامر�أة فرن�سية‬ ‫يف املغرتب الفرن�سي‪.‬‬ ‫• رواية «�سيقان ملتوية» للكاتبة ال�سعودية‬ ‫زينب حفني‪� .‬إنها رواية االغرتاب يف �صقيع‬ ‫بالد ال�شمال وحتديداً يف لندن حيث جتد املر�أة‬ ‫نف�سها �ضحية �رصاع بني ما�ضيها وحا�رضها‪،‬‬ ‫بني براءتها الأوىل و�إغراء احلرية‪.‬‬ ‫• رواية «�سنني مبعرثة» للكاتبة العمانية‬

‫غالية �آل �سعيد‪ .‬تر�صد الرواية العالقات القائمة‬ ‫على امل�صالح الآنية يف مدينة كوزموبوليتية‬ ‫وتتطرق‬ ‫هي لندن التي تعي�ش فيها «البطلة»‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الرواية مل�سائل دولية‪ ،‬قدمية وحديثة‪،‬‬ ‫كاال�ستعمار والعالقة بني ال�شمال واجلنوب‬ ‫والبنك الدويل و�سواها‪.‬‬ ‫• رواية «املر�سى» للكاتبة امل�رصية جنوى‬ ‫�شعبان‪ .‬تدور �أحداث الرواية و�سط التخوم‬ ‫القائمة بني م�رص وال�سودان وتر�صد كيفية‬ ‫ا�ستغالل اال�ستعمار الأوروبي ل�شعب هذين‬ ‫البلدين‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 330‬للتنمية الثقافية‬

‫تلقي �ضوءاً على بع�ض الزوايا ال�رسية والغام�ضة‬ ‫الكامنة يف �أعماق العامل امل�ضطرب‪.‬‬ ‫• رواية «الفرا�ش الأبي�ض» للكاتبة امل�رصية‬ ‫فوزية �سالمة‪ .‬ت�رسد الراوية حكايتها عرب‬ ‫�ضمري املتكلم متناولة �آليات القمع املتع ّددة‬ ‫امل�صادر والأنواع التي متار�س على البطلة –‬ ‫الراوية التي ال تتمكن من ا�سرتجاع حقها يف‬ ‫احلياة �إال عرب ال�سفر �أو الهروب نحو املجهول‪.‬‬ ‫• رواية «�أفراح �صغرية» للكاتبة ال�سورية هيفاء‬ ‫بيطار‪� .‬إنها رواية املر�أة الأربعينية التي تدعى‬ ‫هيام‪ ،‬ت�صارع احلياة والوحدة وتعاين الرتابة‬ ‫يف عامل �صغري ال يت�سع لأحالمها‪.‬‬ ‫• رواية «مي�س �إيجيبت» للكاتبة امل�رصية‬ ‫�سهري امل�صادفة‪ .‬هذه رواية ت�سعى كاتبتها �إىل‬ ‫ف�ضح الواقع ال�سلبي من خالل عني الأنثى التي‬ ‫تر�صد الظواهر ال�سلبية لهذا الواقع من خالل‬ ‫ق�صة قتل الفتاة التي �س ّميت ملكة جمال م�رص‬ ‫والتمثيل بجثتها‪.‬‬ ‫• رواية «ا�ستديو بريوت» للكاتبة اللبنانية‬ ‫هالة كوثراين وفيها حت ّول الراوية املدينة �إىل‬ ‫ما ي�شبه اال�ستوديو حيث ت�ضيع ال�شخ�صيات‬ ‫والأدوار نف�سها‪.‬‬ ‫• رواية «ن�ساء املنكر» للكاتبة ال�سعودية �سمر‬ ‫املقرن‪ .‬ت�ضيء هذه الرواية �أروقة جمتمع‬ ‫ن�سائي قابع يف الظل من خالل �شخ�صية امر�أة‬ ‫زانية‪.‬‬ ‫• رواية «�صالة من �أجل العائلة» للكاتبة‬ ‫اللبنانية رينيه احلايك‪� .‬سرية الأم كما ترويها‬ ‫االبنة التي تتلقى خرب وفاة الأم يف م�أوى‬ ‫العجزة‪.‬‬ ‫• رواية «نب�ض الأ�شياء ال�ضائعة» للكاتب‬ ‫امل�رصي �رشيف حتاتة‪ ،‬تدور الرواية على‬ ‫ل�سان طبيب �أمرا�ض ن�سائية ي�رسد حكايات‬ ‫بينهن رجل واحد‪ ،‬يف ما‬ ‫ن�سوة ثالث‪ ،‬جمع‬ ‫ّ‬ ‫يعني هذا «اجلمع» من تناق�ض و�رصاع‪.‬‬ ‫• رواية «�رسير الأ�رسار» للكاتب اجلزائري‬ ‫الب�شري الدامون‪ .‬ت�رسد الراوية – البطلة معامل‬ ‫احلياة الدونية التي تعرفها الطبقات ال�سفلى‪.‬‬ ‫• رواية «زهور و�سارة ونارميان» للكاتب‬

‫ال�سوري خليل �صويلح‪� .‬إنها ق�صة كاتب �سيناريو‬ ‫احلب ت�صنعها ن�سوة‬ ‫ي�ضيع بني حاالت ع ّدة من ّ‬ ‫واحدتهن عن الأخرى‪.‬‬ ‫تختلف‬ ‫ّ‬

‫‪ -5‬رواية ال�سرية الذاتية‬

‫ال تغيب معامل ال�سرية الذاتية عن �أي رواية‬ ‫حتى و�إن مل تكن تنتمي �إىل هذا النوع من‬ ‫الأدب الروائي‪ .‬فالكاتب يح�رض ولو خلف قناع‬ ‫ويح ّمل �شخ�صياته يف غالب الأحيان مالمح‬ ‫منه ويلقي على هذه ال�شخ�صيات الكثري من‬ ‫يتجرد‬ ‫ظالله‪ .‬فالروائي عندما يكتب ال ميكنه �أن ّ‬ ‫من نف�سه ومن �أفكاره ومن ما�ضيه وذكرياته‪.‬‬ ‫لكن ثمة رواية تو�صف بكونها «�سرية ذاتية»‬ ‫ّ‬ ‫يتوىل الكاتب فيها �رسد �سريته‪ّ � ،‬إما مبا�رشة‬ ‫وب�رصاحة تامة و�إما مواربة وك�أنه متوا ٍر خلف‬ ‫قناع الراوي الذي يتوىل فعل ال�رسد‪ .‬وكالعادة‬ ‫�صدرت خالل العام ‪ 2008‬روايات هي روايات‬ ‫�سرية ذاتية‪ ،‬حقيقية و�شبه حقيقية‪ .‬ومن هذه‬ ‫الروايات «ال�سريية»‪:‬‬ ‫• «�سرية الظل‪ :‬ن�صو�ص عن �آخر هو �أنت»‬ ‫للكاتب الفل�سطيني فاروق وادي‪ .‬ي�رسد الكاتب‬ ‫�سرية املا�ضي الذي تندمج فيه �صورة الطفل‬ ‫ب�صورة الأر�ض التي هجرها باكراً‪� .‬إنها‬ ‫�سرية املكان الذي اندثرت �صورته يف الذاكرة‬ ‫متقاطعة مع �سرية املنفى الذي �أ�صبح مكان ًا‪.‬‬ ‫• «وقفة قبل املنحدر‪ :‬من �أوراق مثقف‬ ‫م�رصي» للكاتب امل�رصي عالء الديب‪ .‬تختلف‬ ‫ال�سرية هنا عن مفهوم ال�سرية التقليدية وترتبط‬ ‫بحياة املثقف والأ�سئلة التي يطرحها‪.‬‬ ‫• «ذكريات مل تكتمل» للكاتبة اللبنانية نازك‬ ‫�سابا يارد‪ .‬ت�رسد الكاتبة �سريتها متقطعة على‬ ‫طريقة الذكريات امل�ستعادة مد ّونة حمطات‬ ‫مهمة‪ ،‬يف �سريورة الزمن واملكان‪ ،‬و�إن كان‬ ‫كتاب يارد �أقرب �إىل الذكريات منه �إىل‬ ‫الرواية‪.‬‬ ‫• «يوميات ميونيخ» للكاتب التون�سي ح�سونة‬ ‫امل�صباحي‪ .‬يكتب الروائي هنا �سريته يف‬ ‫مدينة ميونيخ الأملانية التي �أقامها فيها‬ ‫�أعوام ًا طويلة‪.‬‬


‫الف�صل االول‬ ‫الإبداع الأدبي ‪331‬‬

‫• «املمنوعة» للكاتبة اجلزائرية مليكة مق ّدم‪.‬‬ ‫تكتب الروائية هنا �سريتها من خالل �شخ�صية‬ ‫�سلطانة التي تعود من منفاها الفرن�سي �إىل‬ ‫بالدها عند بلوغها خرب وفاة حبيبها القدمي‪.‬‬ ‫وعند عودتها ت�ستعيد �سريتها يف تلك البالد‪.‬‬ ‫(ترجمت الرواية من الفرن�سية �إىل العربية عام‬ ‫‪.)2008‬‬ ‫• «ملك الغائبني» للكاتب الفل�سطيني �إليا�س‬ ‫�صنرب‪ .‬ي�رسد الكاتب �سريته املمتدة بني‬ ‫فل�سطني �إبان حرب ‪ 1948‬والنزوح �إىل بريوت‬ ‫ثم �إىل املنفى الفرن�سي‪( .‬ترجمت الرواية من‬ ‫الفرن�سية �إىل العربية)‪.‬‬ ‫• «يد اهلل» للكاتبة اللبنانية يا�سمني �شار‪.‬‬ ‫ت�ستعيد الروائية ال�شابة م�شاهد من �سريتها‬ ‫خالل احلرب اللبنانية بعيني فتاة عانت‬ ‫عائلتها م�أ�ساة هذه احلرب‪( .‬كتبت الرواية‬ ‫بالفرن�سية)‪.‬‬

‫رواية احلرب العراقية‬

‫الإبداع‬

‫خالل احلرب التي �شنتها الواليات‬ ‫املتحدة الأمريكية وحلفا�ؤها على العراق يف‬ ‫العام ‪ 2003‬وما �أعقبها من وقائع قا�سية‬ ‫وم�آ�س و�أعمال عنف مل ي�ستطع الروائيون (كما‬ ‫ال�شعراء والكتاب عموم ًا) �أن يبقوا �صامتني‬ ‫وجمرد �شاهدين على ما يجري يف بالدهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فراحوا ي�ستوحون هذه احلرب يف �أعمال روائية‬ ‫بدت على قدر من التفاوت‪ ،‬منها ما �سعى �إىل‬ ‫ا�ستعادة العراق خالل احلكم ال�سابق الذي كان‬ ‫على ر�أ�سه الرئي�س �صدام ح�سني‪ ،‬ومنها ما‬ ‫توقّف عند الواقع امل�أ�سوي الذي �أ�سفرت عنه‬ ‫احلرب واملواجهات الدامية التي تلتها‪ ،‬ومنها‬ ‫ما تناول �أجواء احل�صار الذي �ضرُ ب على‬ ‫العراق‪ .‬وقد برزت خالل العام ‪ 2008‬روايات‬ ‫ع ّدة ميكن �إدراجها يف خانة «رواية احلرب‬ ‫العراقية»‪ .‬ومن هذه الروايات‪:‬‬ ‫• «الال�س�ؤال والالجواب» للكاتب العراقي ف�ؤاد‬ ‫التكريل‪ ،‬وقد �صدرت هذه الرواية قبل رحيله‬ ‫ب�أ�شهر‪� .‬إنها رواية احل�صار الأمريكي (والدويل)‬ ‫للعراق‪ ،‬وم�رسحها مدينة بغداد وبطلها يعي�ش‬

‫حالة من االنهيار اجل�سدي والنف�سي �إزاء‬ ‫امل�أ�ساة التي حلّت به وبعائلته ووطنه‪.‬‬ ‫• «احلفيدة الأمريكية» للكاتبة العراقية‬ ‫�إنعام كجه جي‪ .‬ت�رسد الرواية حكاية املج ّندة‬ ‫واملرتجمة الأمريكية‪ ،‬العراقية الأ�صل زينة‬ ‫التي تلتحق باجلي�ش الأمريكي الزاحف �إىل‬ ‫العراق‪ .‬وهناك تكت�شف الوجه احلقيقي لبالدها‬ ‫الأم‪.‬‬ ‫• «ق�شور الباذجنان» للكاتب العراقي عبدال�ستار‬ ‫نا�رص‪ .‬الراوي البطل ي�رسد تراجيديا بلد هو‬ ‫العراق املمتدة من �أقبية التعذيب ال�سابقة �إىل‬ ‫�سجن احلياة الراهنة‪.‬‬ ‫• «مطر اهلل» للكاتبة العراقية هدية ح�سني‪.‬‬ ‫تقارب الكاتبة العالقة بني ال�سلطة واملواطنني‬ ‫يف وطن هو العراق‪ ،‬خا�ضع للقهر والإذالل‪.‬‬ ‫• «حار�س التبغ» للكاتب العراقي علي بدر‪.‬‬ ‫تدور �أحداث الرواية حول م�أ�ساة املو�سيقار‬ ‫العراقي كمال مدحت الذي اختطف وقتل يف‬ ‫بغداد خالل احلرب‪.‬‬ ‫• «حليب املارينز» للكاتب العراقي عواد علي‪.‬‬ ‫تك�شف هذه الرواية تداعيات احلرب الأمريكية‬ ‫على العراق و�آثارها يف نفو�س �أبطالها‬ ‫وانعكا�سها على مواقفهم‪.‬‬ ‫• «�إنه يحلم �أو يلعب �أو ميوت» للكاتب العراقي‬ ‫�أحمد ال�سعداوي‪ .‬تتناول الرواية املراحل‬ ‫ال�سوداء يف تاريخ العراق احلديث بدءاً من حكم‬ ‫البعث وانتهاء باحلرب الأمريكية‪.‬‬ ‫• «كالب جلجام�ش» للكاتب العراقي �شاكر‬ ‫نوري‪ .‬الواقع امل�أ�سوي الذي �آل �إليه العراق‬ ‫خالل احلرب وبعدها‪ ،‬هو مادة هذه الرواية‬ ‫وم�رسح �أ�شخا�صها‪.‬‬ ‫• «جمعة يعود �إىل بالده» للكاتب العراقي خالد‬ ‫املعايل‪ .‬لي�س هذا الكتاب برواية يف املفهوم‬ ‫«املعياري» للرواية لكنه يحوي يوميات‬ ‫وحكايات وم�شاهد عن العراق الراهن‪ ،‬ي�رسدها‬ ‫الكاتب العائد �إىل بالده بعد غياب طويل‪.‬‬

‫ثاني ًا ‪ 2008 :‬عام ال�شعر العربي‬

‫اختلطت الأجيال واملدار�س ال�شعرية خالل‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 332‬للتنمية الثقافية‬

‫العام ‪ 2008‬يف م�شهد واحد بدا ك�أنه ي�ؤالف بني‬ ‫تيارات عدة طاملا اختلف بع�ضها عن بع�ض‪،‬‬ ‫وطاملا تنافرت وتناق�ضت‪ .‬فهذا العام كان‬ ‫عام ق�صيدة النرث مثلما كان عام الق�صيدة‬ ‫احلرة والق�صيدة العمودية القائمة‬ ‫التفعيلية ّ‬ ‫على العرو�ض‪ .‬وكان هذا العام �أي�ض ًا عام‬ ‫ال�شعراء ال�شباب اجلدد وما بعد احلداثيني مثلما‬ ‫كان عام ال�شعراء الر ّواد واملخ�رضمني الذين‬ ‫خا�ضوا معركة احلداثة‪ ،‬ال �سيما يف ال�ستين ّيات‬ ‫من القرن املن�رصم‪ ،‬مثلما كان �أي�ض ًا يف بع�ض‬ ‫مالحمه عام بع�ض ال�شعراء النه�ضويني الذين‬ ‫متت ا�ستعادتهم ولو عابراً‪.‬‬

‫ا�ستعادة �أمل دنقل‬

‫مرت الذكرى اخلام�سة‬ ‫يف العام ‪ّ 2008‬‬ ‫والع�رشون لرحيل ال�شاعر امل�رصي �أمل دنقل‬ ‫(‪ )1983-1940‬الذي ما برح يحتل موقعه‬ ‫اخلا�ص يف حركة ال�شعر العربي احلديث‪.‬‬ ‫وكانت هذه الذكرى منا�سبة ال�ستعادة مواقفه‬ ‫اجلريئة الراف�ضة للتطبيع مع �إ�رسائيل‪ .‬ف�أمل‬ ‫دنقل هو �شاعر ق�صيدة «ال ت�صالح» التي ما‬ ‫فتئت الأجيال امل�رصية والعربية املتوالية‬ ‫تر ّددها بحما�سة‪ .‬وقد �صنعت هذه الق�صيدة‬ ‫جزءاً كبرياً من �شهرته‪ ،‬لكنها �أ�سهمت يف احلني‬ ‫نف�سه يف اجتزاء �صورته ك�شاعر ويف �إ�ضفاء‬ ‫حال من االلتبا�س �أو �سوء الفهم حيال �شعريته‪.‬‬ ‫فهل ميكن ح�رص جتربة �أمل دنقل‪ ،‬يف بعدها‬ ‫ال�سيا�سي؟ �ألي�س يف هذا الأمر جناية على‬ ‫�شاعر هو �أبعد من �أن ُيح ّد يف اجتاه �أو �إطار �أو‬ ‫تيار؟ مثل هذه الأ�سئلة كان ال ب ّد من طرحها‬ ‫خالل الذكرى اخلام�سة والع�رشين لغياب �أمل‬ ‫دنقل بغية البحث عن الوجه احلقيقي لإحدى‬ ‫التجارب الفريدة يف ال�شعر امل�رصي والعربي‬ ‫املعا�رص‪.‬‬ ‫ق�صيدة «ال ت�صالح» التي �سبقت �شعر �أمل‬ ‫دنقل الآخر كانت ح�صيلة املرحلة التي كتبت‬ ‫فيها‪ ،‬وبدت رد فعل وا�ضح ًا على احلال التي‬ ‫�آلت �إليها الظروف ال�سيا�سية امل�رصية يف‬ ‫الثمانين ّيات‪ .‬ومل يكن رواجها ال�شعبي م�رصي ًا‬

‫وعربي ًا �إال دلي ًال ب ّين ًا على مدى تعبريها عن‬ ‫الواقع ال�سلبي الذي عرفته تلك املرحلة‪ .‬ق�صيدة‬ ‫هي �أ�شبه ببيان �سيا�سي عام يخت�رص حا ًال‬ ‫�شعبية عامة‪ ،‬ي�شوبها الغ�ضب مقدار ما ي�شوبها‬ ‫االعرتا�ض والأمل والتململ‪ ...‬ق�صيدة �سيا�سية‬ ‫ولكن خالية من �أي �رصاخ �أو «زعيق» ومن �أي‬ ‫بطوالت وهمية �أو لفظية‪ .‬فال�صوت اخلفي�ض‬ ‫الذي يعرتيها‪ ،‬على الرغم من مبا�رشتها‪ ،‬منحها‬ ‫طابع ًا احتجاجي ًا وح َّررها من مبا�رشة املوقف‬ ‫الن�ضايل‪ .‬وقد يكون ال�صوت اخلفي�ض هذا هو‬ ‫ما ي�سم �شعر �أمل دنقل ال�سيا�سي عموم ًا‪ ،‬عالوة‬ ‫على بع�ض اخل�صائ�ص الأخرى كاال�ستيحاء‬ ‫الرتاثي والبعد الدرامي والرتميز‪.‬‬ ‫وكان �أمل دنقل كتب الكثري من الق�صائد‬ ‫ال�شخ�صية �أو لأقل الذاتية‪ ،‬عندما ان�رصف �إىل‬ ‫ال�شعر ال�سيا�سي‪ .‬وكم بدا وا�ضح ًا تنقله بني‬ ‫هذين القطبني ال�شعريني‪ :‬الذات وال�سيا�سة‪.‬‬ ‫الذات يف ما تعني من هموم �شخ�صانية ممعنة‬ ‫يف امل�أ�ساة والأمل وال�صمت والغياب‪ ،‬وال�سيا�سة‬ ‫يف ما تعني من ح�ضور يف العامل والتزام‬ ‫ب�ش�ؤون النا�س وتطلّع �إىل م�ستقبل �أقل ب�ؤ�س ًا‪.‬‬ ‫�أ�ضحى �صوت �أمل دنقل �صوت النا�س‬ ‫الب�سطاء وبات �إيقاع �شعره هو �إيقاع احلياة‬ ‫نف�سها‪ ،‬يف تناق�ضاتها ويف �آمالها وخيباتها‪.‬‬ ‫وقد ال يقر�أ �شعر �أمل دنقل ال�سيا�سي �إال انطالق ًا‬ ‫من امل�رشوع ال�شعري الكامل الذي هي�أ ال�شاعر‬ ‫نف�سه له‪ :‬م�رشوع طوباوي يعيد �إىل الكلمة‬ ‫فعلها‪ ،‬و�إىل احلياة رونقها املفقود و�إىل العامل‬ ‫براءته ال�ضائعة‪ .‬لكن «طوباوية» هذا امل�رشوع‬ ‫�رسعان ما ا�صطدمت بجدار اخليبة‪ ،‬اجلدار‬ ‫الذي ينه�ض «يف وجه ال�رشوق» كما يعرب �أمل‬ ‫يف احدى ق�صائده‪ ،‬واخليبة التي ت�ؤول �إليها‬ ‫احلما�سة املتمثّلة �أبداً كنهاية قدرية‪.‬‬ ‫قد ُيظلم �أمل دنقل لو هو اعترب �شاعراً‬ ‫�سيا�سي ًا فقط و�شاعر القومية العربية فقط و�شاعر‬ ‫االلتزام والوطنية و�سواها من مقوالت حولتها‬ ‫امل�أ�ساة العربية العامة �إىل �شعارات كبرية‪ .‬وقد‬ ‫ُيظلم كثرياً �إن قيل عنه �شاعر النك�سة والهزمية‬ ‫�أو �شاعر الثورة والتمرد ال�سيا�سي‪� ...‬أمل دنقل‬


‫الف�صل االول‬ ‫الإبداع الأدبي ‪333‬‬

‫�شاعر يتخطى حدود الت�صنيف املو�ضوعي (�أو‬ ‫املو�ضوعاتي) لكونه جعل �شعره �سليل احلياة‬ ‫نف�سها يف ما ت�ضم من متناق�ضات ويف ما‬ ‫حتوي من ظواهر والتبا�سات ومفارقات‪.‬‬

‫ديوان ل�رسكون بول�ص بعد رحيله‬

‫النه�ضوي امل�رصي عبدالرحمن �شكري‬

‫�إال �أن العام ‪ 2008‬كان يجب �أن يكون �أي�ض ًا‬ ‫عام ال�شاعر امل�رصي عبدالرحمن �شكري‪ ،‬لي�س‬ ‫لأنه ي�صادف الذكرى اخلم�سني لرحيله فقط‪ ،‬بل‬ ‫لأن هذا ال�شاعر النه�ضوي الكبري ي�ستحق فع ًال‬ ‫�أن يخرج من الظل الذي رقد فيه طوي ًال‪ ،‬و�أن‬ ‫ي�ستعيد موقعه الريادي الذي ُ�سلب منه �أو الذي‬ ‫�سلبه منه بالأحرى �شعراء عا�رصوه‪ .‬وال�س�ؤال‬ ‫الذي ال جواب له والذي كان ال ب ّد من طرحه‬ ‫يف الذكرى اخلم�سني لرحيل عبدالرحمن �شكري‬ ‫هو‪ :‬ما �رس هذا الظلم الذي ح ّل بهذا ال�شاعر‬ ‫الفريد واملجدد و�أبعده عن اال�ضواء وكاد‬ ‫يحذفه من امل�شهد ال�شعري العربي النه�ضوي؟‬ ‫وال مبالغة يف القول �إن عبدالرحمن �شكري‬ ‫الذي يكاد يكون �شبه من�سي والذي ق�صرّ النقاد‬ ‫العرب يف حقه هو يف طليعة �شعراء النه�ضة‬ ‫«الثانية»‪ ،‬مثله مثل جمايليه‪ :‬حافظ �إبراهيم‪،‬‬ ‫�أحمد �شوقي‪ ،‬خليل مطران ومعروف الر�صايف‬ ‫و�سواهم‪.‬‬ ‫ولئن كان �شكري واحداً من �شعراء‬ ‫«الديوان» فهو ا�ستطاع ان يكون على ر�أ�س‬ ‫هذه اجلماعة التي �ضمت عبا�س حممود العقاد‬ ‫و�إبراهيم املازين‪ ،‬بل �إنه تخطى اجلماعة هذه‪.‬‬ ‫وكان �شعار جماعة «الديوان» قد ا�ستل �أ�ص ًال‬ ‫من �إحدى ق�صائد �شكري‪�« :‬أال يا طائر الفردو�س‬ ‫�إن ال�شعر وجدان»‪ .‬وقد اعرتف �شاعرا «الديوان»‬ ‫غداة رحيل �شكري بريادته‪ ،‬واكت�شفا غداة‬ ‫رحيله �أنه �أ�صبح يف الطليعة‪.‬‬ ‫عبدالرحمن �شكري �شاعر كبري من غري‬ ‫منازع‪ ،‬والدواوين التي �أ�صدرها كانت كافية‬

‫الإبداع‬

‫ويف موازاة الذكرى اخلام�سة والع�رشين‬ ‫لرحيل �أمل دنقل حلّت الذكرى الأوىل لرحيل‬ ‫ال�شاعر العراقي �رسكون بول�ص‪ ،‬الذي اختار‬ ‫املنفى الأمريكي وق�ضى فيه �أكرث من �أربعني‬ ‫عام ًا‪ .‬وكانت الذكرى منا�سبة ل�صدور ديوانه‬ ‫الأخري (بعد رحيله) بعنوان «عظمة �أخرى لكلب‬ ‫القبيلة»‪ .‬وقد رحل �رسكون عن ثالثة و�ستني‬ ‫عام ًا كان خاللها �شاعراً‪ ،‬بحياته وق�صائده‬ ‫على ال�سواء‪ .‬فهو مل ميتهن �أي وظيفة �أو عمل‬ ‫�سوى ال�شعر الذي كان يعكف على كتابته‬ ‫قرر الن�رش كان يف‬ ‫غري �آبه بن�رشه‪ .‬وعندما ّ‬ ‫احلادية والأربعني‪ ،‬وحمل ديوانه الأول عنواناً‬ ‫طريف ًا هو «الو�صول �إىل مدينة �أين» و�صدر‬ ‫العام ‪ 1985‬حاوي ًا الق�صائد التي كتبها يف‬ ‫الثمانين ّيات من القرن املا�ضي‪ .‬لكن �رسكون‬ ‫الذي ا�ستهل الكتابة يف ال�سابعة ع�رشة كان‬ ‫كتب ق�صائد كثرية مل يلبث �أن ن�رشها الحق ًا‪.‬‬ ‫وكان كل ديوان ين�رشه ميثل مفاج�أة �شعرية‪،‬‬ ‫فهو نادراً ما كان ين�رش على الرغم من غزارته‪،‬‬ ‫م�ؤثراً االبتعاد عن الأ�ضواء‪ .‬فالق�صيدة يف‬ ‫نظره هي حلظة حياة مثلما هي حلظة حمفورة‬ ‫يف قلب اللغة‪ ،‬وال�شعر جتربة عي�ش مثلما هو‬ ‫جتربة كتابة وت�أمل ور�ؤيا ومواجهة‪ .‬وقبل‬ ‫�أن يهاجر �رسكون بول�ص �إىل �سان فرن�سي�سكو‬ ‫�سعي ًا وراء «احللم الأمريكي» الذي راج يف‬ ‫ال�ستين ّيات‪ ،‬عرج على بغداد ثم على بريوت‬ ‫حيث التقى �شعراء جملة «�شعر» التي د�أب على‬ ‫الن�رش فيها برتحاب من م�ؤ�س�سها يو�سف اخلال‪.‬‬ ‫وهذا الرتحال بني املدن والبلدان كان د�أب هذا‬ ‫الفتى العراقي الذي �سمي الحق ًا بـ «ال�شاعر‬ ‫املت�سكع» و «ال�سندباد» و «عولي�س»‪.‬‬ ‫ولئن بدا �رسكون مقتلع ًا �أو بال �أ�سالف يف‬ ‫املعنى ال�شعري‪ ،‬فهو ا�ستطاع �أن يبتدع �شعريته‬

‫اخلا�صة القائمة على حال املنفى‪ ،‬على الرغم‬ ‫من عالقته القوية بال�شعر العربي‪ ،‬قدميه‬ ‫وحديثه‪ .‬لكن �رسكون بول�ص ت�أثر مثل �سائر‬ ‫رفاقه يف مدر�سة «كركوك» بالثورة ال�شعرية‬ ‫احلداثية التي �أجنزها بدر �شاكر ال�سياب و�سواه‪،‬‬ ‫وكذلك بالثورة الثانية التي حققتها جملة‬ ‫«�شعر»‪ .‬لكنه كان دوم ًا بال �أب» �شعري وبال‬ ‫«مرجع» معني ميكن ربطه به‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 334‬للتنمية الثقافية‬

‫كانت جملة «�شعر» مبثابة‬ ‫ال�صدمة الأوىل يف تاريخ ال�شعر‬ ‫العربي‪ .‬ومل تكن مواجهة �شعرائها‬ ‫احلا�سمة لل�شعر التقليدي والثقافة‬ ‫التقليدية �إال انف�صا ًال عن التاريخ‬ ‫بغية قراءته قراءة نقدية‪.‬‬

‫فع ًال لرت�سيخ جتربته العميقة التي يتقاطع‬ ‫فيها ال�شعر العربي القدمي وال�شعر العاملي‬ ‫املعا�رص‪ .‬فهذا ال�شاعر الذي �أجاد الإنكليزية‬ ‫ودر�س يف �إحدى اجلامعات الربيطانية اط ّل‬ ‫على احلركات ال�شعرية العاملية القدمية‬ ‫واحلديثة‪ ،‬مثلما قر�أ الرتاث العربي م�سحوراً‬ ‫باملعري و�أبي متام وال�رشيف الر�ضي وابن‬ ‫املقفع‪ ،‬قر�أ �شك�سبري وبايرون وغوته و�شلي‬ ‫وكيت�س و�سواهم‪ .‬وقد كتب مقاالت كثرية‬ ‫عن �شعراء �أعالم وناثرين اعالم‪ ،‬عرب ًا‬ ‫و�أجانب‪ .‬فهو كان ابن ع�رصه كما كان ابن‬ ‫الع�صور القدمية‪ ،‬وقد حرر ال�شعر النه�ضوي‬ ‫من وط�أة «املنا�سبات» على اختالفها ومن‬ ‫ربقة «الأغرا�ض» اجلاهزة م�سبغ ًا على ال�شعر‬ ‫مهمة الك�شف عن حاالت النف�س الإن�سانية‪،‬‬ ‫وعن الوجدان العميق الذي «يحكم» الكائن‪.‬‬ ‫وابتعد عن م�ضارب «ال�صنعة» التي �أرهقت‬ ‫اللغة ال�شعرية‪ ،‬مركزاً على املوقف االنفعايل‬ ‫املتجلي يف �شفافية اللغة وان�سيابها‬ ‫وعذوبتها‪.‬‬ ‫ومن ناحية �أخرى �شهد لبنان حدث ًا �شعري ًا‬ ‫«نه�ضوي ًا» متثّل يف ت�أ�سي�س متحف لل�شاعر‬ ‫النه�ضوي �إليا�س �أبو �شبكة‪ ،‬وقد �أعاد افتتاح‬ ‫هذا املتحف ال�شاعر الكبري هذا �إىل ال�ساحة‬ ‫ال�شعرية‪ ،‬اللبنانية والعربية‪ .‬و�شارك يف حفلة‬ ‫االفتتاح ال�شاعر �أدوني�س الذي ينتمي �إىل جيل‬ ‫مما قال �أدوني�س يف‬ ‫احلداثة وجملة «�شعر»‪ ،‬و ّ‬ ‫الكلمة التي �ألقاها‪« :‬ن�ش�أت يف مناخ كتابي‬ ‫�أ�س�س له �إليا�س �أبو �شبكة وال�شعراء الذين‬ ‫جايلهم‪ ،‬خ�صو�ص ًا ما ات�صل منه بجمالية‬ ‫الت�سا�ؤل و�إعادة النظر‪ ،‬جذري ًا يف امل�سلّمات‬ ‫أخ�ص‪.‬‬ ‫وامل�سبقات‪ ،‬الدينية والثقافية على نحو � ّ‬ ‫وعندما �أ�ستعيد نتاجهم‪� ،‬أجد يف �شعرهم مادة‬ ‫غنية يجدر بالعقول والقلوب �أن ت�ست�ضيء‬ ‫بها»‪.‬‬

‫�أدوني�س واحلداثة‬

‫�أما �أدوني�س فكان حا�رضاً ب�ش ّدة خالل عام‬ ‫‪� 2008‬سواء بدواوينه وكتبه اجلديدة �أم مبواقفه‪.‬‬

‫وبدا كعادته جريئ ًا يف اقتحام جدار امل�سكوت‬ ‫عنه ويف خو�ض غمار الق�صيدة احلديثة التي‬ ‫لكن �أدوني�س الذي ال‬ ‫كان من ر ّوادها الأوائل‪ّ .‬‬ ‫يكف عن �إثارة ال�سجال يف الأو�ساط الثقافية‬ ‫العربية كان مثار �سجال يف «ملتقى ال�شعر‬ ‫العربي املعا�رص» الذي �أحيته دم�شق يف منا�سبة‬ ‫اختيارها عا�صمة للثقافة العربية للعام ‪.2008‬‬ ‫وكان �شارك يف امللتقى �شعراء عرب متع ّددو‬ ‫الهويات والأ�ساليب‪ :‬املغربي حممد بني�س‪،‬‬ ‫العماين �سيف الرحبي‪ ،‬الأردين طاهر ريا�ض‪،‬‬ ‫العراقي �شوقي عبد الأمري‪ ،‬امل�رصي عماد �أبو‬ ‫�صالح‪ ،‬الفل�سطيني را�سم املدهون و�سواهم‪.‬‬ ‫ويف �إحدى اجلل�سات النقدية دار اجلدل حول‬ ‫�أدوني�س وجملة «�شعر» وقد اختلف املنتدون‬ ‫حولهما‪ ،‬بني منتقد وم�ؤيد‪ .‬لكن دم�شق �شاءت‬ ‫�أن تكرم جملة «�شعر» فت ّم �إحياء �أم�سية خا�صة‬ ‫ب�شعرائها من �أمثال‪ :‬يو�سف اخلال‪� ،‬أدوني�س‪،‬‬ ‫بدر �شاكر ال�سياب‪� ،‬أن�سي احلاج‪ ،‬حممد املاغوط‪،‬‬ ‫�شوقي �أبي �شقرا وف�ؤاد رفقة‪ .‬ولع ّل هذا التكرمي‬ ‫�أعاد �إىل الذاكرة الدور الكبري الذي �أدته جملة‬ ‫«�شعر» يف حتديث ال�شعر العربي وجتديد لغته‬ ‫مرت‬ ‫و�أ�ساليبه ومقارباته وم�ضامينه‪ ...‬وكانت ّ‬ ‫قبل عام الذكرى اخلم�سون ل�صدور هذه املجلة‬ ‫التي مل يزل �شعرا�ؤها مبعظمهم حا�رضين يف‬ ‫ال�ساحة ال�شعرية العربية املعا�رصة‪ .‬والالفت‬ ‫�أن جملة «�شعر» مل تغب عن املعرتك ال�شعري‬ ‫الراهن‪ ،‬وما برح ال�شعراء والنقاد يعودون �إليها‬ ‫و�إىل �شعرائها و�إىل بياناتها والنظريات التي‬ ‫تبنتها‪ .‬فاملجلة التي �أعادت النظر يف ال�شعر‬ ‫العربي والثقافة العربية مل تكن جمرد منرب‬ ‫�شعري الت�أم حوله �شعراء معا�رصون‪ ،‬يختلف‬ ‫واحدهم عن الآخر‪ ،‬بل كانت حركة قائمة‬ ‫بذاتها‪ ،‬حركة هدم وبناء‪ ،‬حركة مترد وت�أ�سي�س‪.‬‬ ‫كانت جملة «�شعر» مبثابة ال�صدمة الأوىل يف‬ ‫تاريخ ال�شعر العربي‪ .‬ومل تكن مواجهة �شعرائها‬ ‫احلا�سمة لل�شعر التقليدي والثقافة التقليدية اال‬ ‫انف�صا ًال عن التاريخ بغية قراءته قراءة نقدية‪.‬‬ ‫و�أدركت املجلة �أهمية املرحلة التي انطلقت‬ ‫خاللها وهي مرحلة ال�ستين ّيات التي �س ّميت‬


‫الف�صل االول‬ ‫الإبداع الأدبي ‪335‬‬

‫مرحلة «التحرر» ال�شامل‪ .‬ف�أعلنت ثورتها �ض ّد‬ ‫كل ما ورثته كحركة من ثوابت وم�سلمات‬ ‫جامدة وتقليدية‪ .‬وبدت مرتبطة ارتباط ًا‬ ‫وثيق ًا بالأ�سئلة والق�ضايا التي �شغلت الع�رص‬ ‫وخ�ضت العامل العربي‪ ،‬ووجدت يف تلك الأ�سئلة‬ ‫ّ‬ ‫والق�ضايا حافزاً على التخطي والتجاوز وعلى‬ ‫االنطالق نحو �أفق كياين �أعمق و�أ�شمل‪.‬‬

‫جائزة م�رصية لل�سوداين حممد‬ ‫الفيتوري‬

‫�أن�سي احلاج و�سعدي يو�سف يف‬ ‫القاهرة‬

‫وقد فتحت القاهرة �أي�ض ًا �أبوابها �أمام‬ ‫ال�شاعر اللبناين �أن�سي احلاج‪ ،‬رائد ق�صيدة‬ ‫النرث‪ ،‬و�أعادت �إ�صدار �أعماله الكاملة يف طبعة‬ ‫م�رصية هي الأوىل يف م�رص‪ .‬وكان �صدور‬ ‫�أعمال هذا ال�شاعر يف القاهرة حدث ًا �شعري ًا‬ ‫وقد ا�ستقبله ال�شعراء اجلدد بحفاوة‪ ،‬ال �سيما‬ ‫�شعراء ق�صيدة النرث الذين وجدوا يف �صدور‬ ‫هذه الأعمال اعرتاف ًا م�رصي ًا ب�رشعية ق�صيدة‬ ‫النرث التي ما زالت محُ اربة يف م�رص �أو �شبه‬ ‫م�ضطهدة‪.‬‬ ‫�أن�سي احلاج ما برح حا�رضاً بقوة و�أثره‬ ‫ينتقل من جيل �إىل جيل‪ .‬وديوانه الأول الذي‬ ‫حمل عنوان ًا غريب ًا وغري م�ألوف وهو «لن»‬ ‫(‪ )1960‬كان مبثابة ال�رصخة ال�شعرية التي‬ ‫�أعلنت والدة ق�صيدة جديدة والتي ما زالت‬ ‫�أ�صدا�ؤها ترتدد حتى الآن‪ .‬و�إن بدت مقدمة‬ ‫ديوان «لن» مبثابة «البيان» الأول لق�صيدة‬ ‫النرث العربية يف مفهومها التقني واجلمايل‪،‬‬ ‫ف�إن فرادة هذا الديوان الذي تقبل عليه‬ ‫الأجيال اجلديدة تكمن يف اجلمالية اجلديدة‬ ‫التي �أر�ساها‪ ،‬اجلمالية القائمة على الهدم‬ ‫احلب‬ ‫واالحتجاج والتوتر‪ .‬لكن �أن�سي هو �شاعر ّ‬ ‫مثلما هو �شاعر التمرد والهتك‪ ،‬وقد متكّن يف‬ ‫ما كتب ويكتب من ق�صائد حب �أن يجعل من‬ ‫املر�أة ذات ًا �إن�سانية و�أن يرتقي بالع�شق �إىل‬ ‫�أرقى جتلياته احل�س ّية والروحية‪.‬‬ ‫�أما �سعدي يو�سف ال�شاعر العراقي‬ ‫«املخ�رضم»‪ ،‬الرائد واملج ّدد الذي مل يتخ ّل عن‬ ‫نظام ال�شعر التفعيلي ف�صدر له يف القاهرة �أي�ض ًا‬ ‫كتاب ي�ض ّم ديوانني هما «�أغنية �صيادي ال�سمك»‬ ‫و «ق�صائد نيويورك»‪ .‬و�سعدي �أ�ص ًال مل يتوقف‬ ‫عن الن�رش البتة‪ ،‬فهو يكتب با�ستمرار وين�رش‬ ‫با�ستمرار‪ ،‬يف عا�صمة عربية و�أخرى‪ .‬وما برحت‬

‫منح احتاد الكتاب امل�رصيني‬ ‫جائزة ال�شعر التي حتمل ا�سم جنيب‬ ‫حمفوظ لل�شاعر ال�سوداين حممد‬ ‫رواد‬ ‫الفيتوري الذي يع ّد واحداً من ّ‬ ‫احلر اجلديد‪ .‬وقد ر ّدت �إليه‬ ‫ال�شعر ّ‬ ‫بع�ض ًا من اعتبار طاملا احتاج‬ ‫�إليه‪ ،‬وهو اعتبار �سيا�سي ووطني‬ ‫بامتياز‪.‬‬

‫الإبداع‬

‫وعلى الرغم من الدعوة الدائمة �إىل تخطّ ي‬ ‫«الأبوة» ال�شعرية التي د�أب على �إطالقها‬ ‫حال‬ ‫ال�شعراء اجلدد وال�شباب‪ ،‬معربني عن ٍ‬ ‫من التململ �إزاء تهمي�شهم و�أمام تكري�س رواد‬ ‫احلداثة‪ ،‬ف�إن بع�ض ًا من ه�ؤالء ال�شعراء ح�رضوا‬ ‫خالل العام ‪� :2008‬أن�سي احلاج‪ ،‬ف�ؤاد رفقة‪،‬‬ ‫�سعدي يو�سف الذي كانت جملة «�شعر» فتحت‬ ‫له �أبوابها منذ العدد الأول ال�صادر مطلع العام‬ ‫حرة‪ .‬ومن جهة �أخرى‬ ‫‪ 1957‬ون�رش فيه ق�صائد ّ‬ ‫منح احتاد الكتاب امل�رصيني جائزة ال�شعر‬ ‫التي حتمل ا�سم جنيب حمفوظ لل�شاعر ال�سوداين‬ ‫حممد الفيتوري الذي يع ّد واحداً من ر ّواد ال�شعر‬ ‫احلر اجلديد‪ .‬وكانت البادرة هذه مهمة وبدت‬ ‫ّ‬ ‫�أ�شبه بتحية م�رصية لهذا ال�شاعر امل�رصي‬ ‫الن�ش�أة والهوى‪ ،‬وقد ر ّدت �إليه بع�ض ًا من اعتبار‬ ‫طاملا احتاج �إليه ‪ ،‬وهو اعتبار �سيا�سي ووطني‬ ‫بامتياز‪ .‬ففي دم هذا ال�شاعر متتزج �أعراق‬ ‫الأر�ض التي ولد عليها يف غرب ال�سودان‪ :‬عرق‬ ‫بدوي وقبيلي وزجني و «نيلي»‪ ...‬ومل يكن‬ ‫ي�ضريه �أن ي�سمى �شاعراً �سوداني ًا �أو ليبي ًا هو‬ ‫الليبي الأ�صل‪ ،‬بح�سب حتدر عائلته‪� ،‬أو �شاعراً‬ ‫�إفريقي ًا �أو عربي ًا‪� ،‬أو �شاعراً مهاجراً ومرتح ًال‬ ‫ومقتلع ًا‪ .‬وقد عا�ش يف م�رص الردح الأكرب‬ ‫من حياته ف�صنعته مثلما �صنعت �أبناءها‪.‬‬ ‫وفيها انطلق وحيداً من غري �أن ينتمي �إىل تيار‬ ‫�أو حركة �أو «جملة» �شعرية‪ .‬ومثلما �صنعته‬ ‫الثقافة امل�رصية �صنعته اي�ض ًا ثقافة الرتحال‬ ‫والغربة �أو املنفى الأ�شبه بالقدر ال�شخ�صي‪.‬‬ ‫عا�ش يف الإ�سكندرية ويف الريف امل�رصي‬

‫والقاهرة واخلرطوم وبنغازي وبريوت ودم�شق‬ ‫والدار البي�ضاء وروما ثم اختار القاهرة اخرياً‬ ‫بعدما �أم�سى على حافة خريف العمر‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 336‬للتنمية الثقافية‬

‫�شهد العام ‪� 2008‬صدور كتاب‬ ‫ي�ض ّم ديوانني لل�شاعر العراقي‬ ‫املخ�رضم �سعدي يو�سف هما �أغنية‬ ‫�صيادي ال�سمك‪ ،‬وق�صائد نيويورك‪،‬‬ ‫وهو ال�شاعر الذي يحتفي باحلياة‬ ‫والطبيعة والأ�شياء الب�سيطة التي ال‬ ‫تعار عادة كثري اهتمام‪.‬‬

‫�أعماله ال�شعرية الكاملة ت�صدر تباع ًا يف طبعات‬ ‫خمتلفة‪� .‬شاعر يقظ �أو متيقظ‪ ،‬يتابع حركة الزمن‬ ‫الواقعي عن كثب‪ ،‬ي�ستوحي الأحداث الراهنة من‬ ‫غري �أن يتخلّى حلظة عن ذاكرته التي تغو�ض‬ ‫يف �أعماق تاريخه ال�شخ�صي والتاريخ العام‪،‬‬ ‫تاريخ العراق وال�شعوب‪ .‬هكذا يحتفي �شعر �سعدي‬ ‫باحلياة والطبيعة والأ�شياء الب�سيطة التي ال تعار‬ ‫عادة كثري اهتمام‪ ،‬يقف عند التفا�صيل ويلقي‬ ‫عليها ظال ًال �شعرية‪.‬‬ ‫ال�شاعر ف�ؤاد رفقة الذي �شارك يف جملة‬ ‫«�شعر» �أ�صدر يف بريوت ديوان ًا بعنوان‬ ‫«خرب�شات» موا�ص ًال م�ساره اخلا�ص وجتربته‬ ‫التي جتمع بني اللحظة الوجودية واللحظة‬ ‫الت�أملية‪ .‬وقد عرف رفقة برتجمته الكثري من‬ ‫عيون ال�شعر الأملاين الرومنطيقي واملعا�رص‬ ‫واحلديث‪.‬‬ ‫ولئن ح�رض ال�شعراء الر ّواد الذين ينتمون‬ ‫�إىل اجليل احلداثي االول خالل العام ‪ 2008‬ف�إن‬ ‫ح�ضورهم هذا ال يعني �أنهم ي�سيطرون على‬ ‫امل�شهد ال�شعري الذي يتقا�سمه معهم اجليل‬ ‫الذي �أعقبهم و ُي�س ّمى عادة جيل ال�سبعين ّيات‪،‬‬ ‫ناهيك بالأجيال التي تلت هذا اجليل خالل‬ ‫الثمانين ّيات والت�سعين ّيات حتى العقد الراهن‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من �صعوبة تق�سيم ال�شعراء �إىل‬ ‫�أجيال تق�سيم ًا نهائي ًا وثابت ًا نظراً �إىل تداخل‬ ‫الأجيال‪ ،‬زمني ًا و�شعري ًا‪ ،‬ف�إن من املمكن‬ ‫ر�صد ح�ضور �شعراء ال�سبعينات �أي ال�شعراء‬ ‫الذين برزوا يف الأعوام ال�سبعني من القرن‬ ‫املن�رصم �أو الذين ن�ش�أوا يف حميط هذا العقد‪.‬‬ ‫لكن االنتماء �إىل جيل واحد ال يعني �أن ال�شعراء‬ ‫ينتمون �إىل مدر�سة واحدة �أو تيار واحد‪ ،‬بل على‬ ‫العك�س‪ ،‬ف�إن �شعراء اجليل الواحد قد يختلفون‬ ‫بع�ض ًا عن بع�ض‪ ،‬يف الر�ؤيا واملفهوم ال�شعري‬ ‫واللغة والأ�سلوب‪ .‬وكم من �شعراء بدوا ك�أنهم‬ ‫يوا�صلون جتربة �شعراء �سبقوهم منتمني �إىل‬ ‫مدر�ستهم ولي�س �إىل جيلهم‪ .‬والأمثلة يف هذا‬ ‫ال�صدد كثرية‪.‬‬ ‫و�إن كان ال ب ّد من �إدراج �شعراء ال�سبعين ّيات‬ ‫الذين ح�رض بع�ضهم ب�شدة خالل العام ‪2008‬‬

‫يف خانة زمنية واحدة‪ ،‬فهذا ال يعني �أن ثمة‬ ‫�أفق ًا واحداً يجمعهم كافة‪ .‬ال�شاعر املغربي‬ ‫حممد بني�س مث ًال يختلف عن ال�شاعر ال�سوري‬ ‫الكردي �سليم بركات‪ ،‬و�سليم بركات يختلف‬ ‫عن ال�شاعر اللبناين عبا�س بي�ضون وعن‬ ‫ال�شاعرين امل�رصيني رفعت �سالم وحلمي‬ ‫�سامل وعن ال�شاعر اليمني ح�سن عبد الوارث �أو‬ ‫ال�شاعرة الأردنية زليخة �أبو ري�شة �أو ال�شاعرين‬ ‫ال�سعوديني عبدالعزيز حميي الدين خوجة و�سعد‬ ‫احلميدين �أو ال�شاعر اللبناين وديع �سعادة‪...‬‬ ‫وه�ؤالء جميع ًا ح�رضوا خالل العام ‪ 2008‬عرب‬ ‫�صدور �أعمال جديدة لهم �أو عرب �صدور �أعمالهم‬ ‫ال�شعرية‪ .‬والأعمال ال�شعرية ظاهرة �أ�ضحت‬ ‫العربي وتخطت مبد�أ الأجيال‪،‬‬ ‫رائجة يف العامل‬ ‫ّ‬ ‫وقد عمد الر ّواد �إىل جمع �أعمالهم و�إ�صدارها‬ ‫يف جملدات مثلما عمد بع�ض من �شعراء‬ ‫ال�سبعين ّيات والثمانينات على جمع �أعمالهم‬ ‫ومنهم على �سبيل املثل‪ :‬البحريني قا�سم حداد‪،‬‬ ‫اجلراح‪،‬‬ ‫العراقي ها�شم �شفيق‪ ،‬ال�سوري نوري ّ‬ ‫الأردين �أجمد نا�رص‪ ،‬اللبنانيان حممد علي‬ ‫�شم�س الدين و�شوقي بزيع و�سواهم‪...‬‬

‫ا�ستعادات �شعرية‬

‫لئن بدا عام ‪ 2008‬عام ا�ستعادة �شعر‬ ‫الر ّواد والق�ضايا التي �أثاروها وما برحت‬ ‫قائمة وعر�ضة للنقا�ش‪ ،‬ف�إن الأجيال التي‬ ‫�أعقبتهم ح�رضت بقوة كعادتها يف الأعوام‬ ‫الأخرية لأنها هي التي ت�صنع اليوم امل�شهد‬ ‫جترب وتبحث‬ ‫ال�شعري الراهن‪ ،‬وهي التي ّ‬ ‫وتطرح الأ�سئلة �ساعية �إىل �إيجاد �أجوبة عليها‪،‬‬ ‫نظري ًا وعرب الن�صو�ص نف�سها‪ .‬ولع ّل اجليل الذي‬ ‫ميكن و�صفه باجليل احلداثي «املخ�رضم» الذي‬ ‫و�صل بني ر ّواد احلداثة والأجيال‬ ‫كان �صلة‬ ‫ٍ‬ ‫التي تعاقبت منذ الثمانين ّيات من القرن‬ ‫املا�ضي‪ ،‬والذي برز �إما يف نهاية ال�ستين ّيات‬ ‫وا�ستمر حا�رضاً‪ ،‬هذا‬ ‫�أو يف مطلع ال�سبعين ّيات‬ ‫ّ‬ ‫اجليل �أط ّل بع�ض �شعرائه هذا العام‪� ،‬سواء‬ ‫ب�أعمال جديدة �أو ب�أعمال قدمية �أعيد ن�رشها‬ ‫�أو مبختارات �شعرية ت�ض ّم باقة من ق�صائد‬


‫الف�صل االول‬ ‫الإبداع الأدبي ‪337‬‬

‫�شهد العام ‪� 2008‬صدور خمتارات‬ ‫لل�شاعر الفل�سطيني �سميح القا�سم‪،‬‬ ‫وقد �ض ّمت �سبعني ق�صيدة �شكّلت‬ ‫نوع ًا من البانوراما ال�شاملة ملراحل‬ ‫ال�شاعر ون ّدت عن خ�صائ�ص �شعريته‬ ‫امل� ّرشعة على ق�ضية الأر�ض‬ ‫الفل�سطينية وحق العودة وامل�صري‪،‬‬ ‫وعلى �أ�سئلة الوجود والإن�سان‪.‬‬

‫الإبداع‬

‫متثّل املراحل كافة‪ .‬ويف هذا القبيل �أ�صدرت‬ ‫القاهرة خمتارات لل�شاعر الفل�سطيني �سميح‬ ‫القا�سم‪ ،‬وقد �ض ّمت �سبعني ق�صيدة �شكّلت نوع ًا‬ ‫من البانوراما ال�شاملة ملراحل ال�شاعر ون ّدت‬ ‫عن خ�صائ�ص �شعريته امل�رشعة على ق�ضية‬ ‫الأر�ض الفل�سطينية وحق العودة وامل�صري‪،‬‬ ‫وعلى �أ�سئلة الوجود والإن�سان‪ .‬وجمعت هذه‬ ‫املختارات بني �صفة القا�سم ك�شاعر منا�ضل‬ ‫و�صفته ك�شاعر منغر�س يف �أدمي الوجود‬ ‫الإن�ساين‪ .‬وبدت هذه املختارات �أ�شبه بال�شهادة‬ ‫ال�شعرية على امل�أ�ساة الفل�سطينية التي مل تلبث‬ ‫�أن جتلّت يف احلرب الإ�رسائيلية على غ ّزة التي‬ ‫اندلعت يف نهاية العام ‪.2008‬‬ ‫توالت الأ�سماء خالل هذا العام‪ :‬ال�شاعر‬ ‫امل�رصي حممد �أبو �سنة �صدر له ديوان «مرايا‬ ‫النهار البعيد‪ ...‬ورد الف�صول الأخرية» وفيه‬ ‫يوا�صل جتربته اخلا�صة التي خا�ضها منفرداً‪.‬‬ ‫ال�شاعرة ال�سورية الراحلة �سنية �صالح زوجة‬ ‫ال�شاعر الكبري الراحل حممد املاغوط �صدرت‬ ‫�أعمالها ال�شعرية الكاملة‪ .‬ال�شاعر ال�سعودي‬ ‫عبدالعزيز حميي الدين خوجه �صدر له ديوان‬ ‫«رحلة البدء واملنتهى»‪ .‬ال�شاعر اللبناين جوزف‬ ‫حرب �صدر له ديوان بعنوان «كلك عندي �إال‬ ‫�أنتِ »؟ ال�شاعر امل�رصي فاروق �شو�شة �صدرت‬ ‫له الأعمال ال�شعرية‪� ،‬إ�ضافة �إىل ديوان جديد‬ ‫بعنوان «ربيع خريف العمر»‪ .‬ال�شاعر اللبناين‬ ‫وديع �سعادة �صدرت �أعماله الكاملة وكذلك‬ ‫ال�شاعر اللبناين ر�شيد ال�ضعيف الذي ا�ستهل‬ ‫م�سريته �شاع ًرا ثم انتقل �إىل الرواية‪ .‬ال�شاعر‬ ‫امل�رصي ح�سن طلب �أ�صدر ديوان ًا بعنوان‬ ‫«نزهة يف ظالم ال�ضوء» وال�شاعر امل�رصي‬ ‫حممد �سليمان �أ�صدر ديوانه «�أوراق �شخ�صية»‬ ‫وال�شاعر اللبناين حممد العبداهلل �أ�صدر ديوان ًا‬ ‫بعنوان «زهرة ال�ص ّبار»‪ .‬و�أ�صدر ال�شاعر‬ ‫ال�سعودي �سعد احلميدين ديوان ًا بعنوان «غيوم‬ ‫ياب�سة»‪ .‬وال�شاعر اليمني ح�سن عبدالوارث‬ ‫ديوان ًا بعنوان «حدث ذات قبلة»‪ .‬و�أ�صدر‬ ‫ال�شاعر اللبناين عبا�س بي�ضون ديوانه «املوت‬ ‫ي�أخذ مقا�ساتنا» وال�شاعرة الأردنية زليخة‬

‫�أبو ري�شة ديوانها «جوى»‪ .‬و�صدرت لل�شاعر‬ ‫ال�سوري �سليم بركات �أعماله الكاملة‪ ،‬ولل�شاعر‬ ‫امل�رصي رفعت �سالم ديوان «حجر يطفو على‬ ‫املاء» ولل�شاعر امل�رصي حلمي �سامل ديوانه‬ ‫«ال�شاعر وال�شيخ» ولل�شاعر امل�رصي �أجمد ريان‬ ‫ديوانه «حني يغرق العامل �شعراً»‪...‬‬ ‫ه�ؤالء ال�شعراء و�سواهم ممن مل ي�صدروا‬ ‫�أعما ًال خالل العام ‪ 2008‬ميثلون حلقة و�صل‬ ‫بني اجليل احلداثي الذي برز يف ال�ستين ّيات‬ ‫والأجيال الالحقة‪ ،‬وقد ا�ستطاع الكثريون منهم‬ ‫احتالل مواقع �شعرية متقدمة و�أ�س�سوا جتارب‬ ‫جديدة تلتقي مع التجارب ال�سابقة وتختلف‬ ‫عنها يف � ٍآن واحد‪ .‬وه�ؤالء بات لهم ح�ضورهم‬ ‫القوي على خريطة ال�شعر العربي احلديث كما‬ ‫بات لهم �أثر يف بع�ض �شعراء الأجيال الالحقة‪.‬‬ ‫�أما اجليل الذي تالهم ويعرف عادة بجيل‬ ‫الثمانينات فوا�صل م�سريته مثل اجليل ال�سباق‬ ‫منطلق ًا من الإرث ال�شعري احلداثي الذي �شارك‬ ‫يف �صنعه ال�شعراء ال�سابقون‪ .‬وقد توالت �أعمال‬ ‫�شعراء كثريين يف ال�صدور خالل العام ‪،2008‬‬ ‫و�صدر بع�ض هذه الأعمال نهاية العام ‪2007‬‬ ‫ومل تو ّزع �إال يف مطلع العام التايل فاعتربت‬ ‫�أنها تنتمي �إىل هذا العام (‪ .)2008‬ومن ه�ؤالء‬ ‫ال�شعراء‪ :‬املغربي ح�سن جنمي (ديوان‪ :‬على‬ ‫انفراد)‪ ،‬الفل�سطيني غ�سان زقطان (ديوان‪ :‬كطري‬ ‫من الق�ش يتبعني)‪ ،‬املغربي عبداهلل زريقة (�إبرة‬ ‫الوجود)‪ ،‬امل�رصية فاطمة قنديل (�أ�سئلة معلقة‬ ‫كالذبائح)‪ ،‬الإماراتية مي�سون �صقر القا�سمي‬ ‫مفرح‬ ‫(�أرملة قاطع طريق)‪ ،‬الكويتية �سعدية ّ‬ ‫(ليل م�شغول بالفتنة)‪ ،‬العماين �سيف الرحبي‬ ‫(ن�شيد الأعمى)‪ ،‬اللبناين عبده وازن (حياة‬ ‫معطلة)‪ ،‬اللبناين �أنطوان �أبو زيد (ف�ضاء حر)‪،‬‬ ‫امل�رصي جمال الق�صا�ص (كوملبو�س على‬ ‫احلافة)‪ ،‬العراقي فاروق يو�سف (هواء الو�شاية)‪،‬‬ ‫و�ساط (فرا�شة من هيدروجني)‪،‬‬ ‫املغربي مبارك ّ‬ ‫ال�سوري �إبراهيم جرادي (دع املوتى يدفنون‬ ‫موتاهم)‪...‬‬ ‫ولع ّل �صدور الأعمال الكاملة لل�شاعرة‬ ‫ال�سورية �سنية �صالح كان حدث ًا الفت ًا لأنه �أعاد‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 338‬للتنمية الثقافية‬

‫�إىل الواجهة �شاعرة كانت من�سية �أو �شبه من�سية‬ ‫�أو رمبا مه ّم�شة �أو حمذوفة‪ .‬فهي مل حتظ مبا‬ ‫كانت ت�ستحق‪ ،‬وكاد �شعرها �أن يغيب على الرغم‬ ‫من �أنها ن�رشت القليل منه يف جملة «�شعر» ويف‬ ‫جملة «مواقف»‪ .‬وقد غابت عن ال�سجال ال�شعري‬ ‫يف ال�ستين ّيات فيما كانت ت�ستحق �أن حت�رض‪،‬‬ ‫وغابت عن ال�ساحة ال�شعرية يف ال�سبعين ّيات‬ ‫بينما كان �آخرون ي�صعدون وهم ال يزيدونها‬ ‫موهبة‪.‬‬ ‫يتحدث الكثريون عن �سنية �صالح ولكن‬ ‫قلة تتحدث عن �شعرها‪ .‬ديوانها الأول «الزمان‬ ‫ال�ضيق» اختفى ودواوينها االخرى مل تنل حقها‬ ‫يف النقد على اختالفه‪ .‬ظلمت هذه ال�شاعرة‬ ‫مماتها‪ .‬ويحتاج‬ ‫كثرياً‪ ،‬يف حياتها كما بعد ّ‬ ‫�شعرها �إىل �أن يقر�أ من جديد ال ل�صعوبته‪،‬‬ ‫وهو �أ�ص ًال �صاخب بتلقائيته احلية‪ ،‬بل ليحت ّل‬ ‫املرتبة التي ي�ستحقها بني ال�شعراء احلقيقيني‬ ‫ولينال احلظوة التي تليق به‪.‬‬ ‫قد يربز �أثر �ضئيل من �شعر حممد املاغوط‬ ‫(زوجها) يف ق�صائد �سنية �صالح‪� ،‬أثر يف‬ ‫مما يف اللغة نف�سها �أو‬ ‫الأ�سلوب والنربة �أكرث ّ‬ ‫املوقف ال�شعري من العامل‪ .‬فهي �أقل ق�سوة من‬ ‫زوجها و�أقل حدة و�سخرية وعبثية‪ ...‬لكنها �أ�شد‬ ‫�شفافية وحنينا و�ضعفا وحرية‪� .‬إنها تكتب‬ ‫بعفوية مطلقة وتلقائية �ساحرة‪ .‬ال يهمها‬ ‫ال�شكل بذاته وال اللغة بذاتها‪ .‬ما يهمها هو‬ ‫املناخ الآ�رس الذي تبوح به الق�صائد وتنه�ض‬ ‫يف ظله‪ .‬ويف �شعرها قد يربز �أثر لل�شاعر‬ ‫�أدوني�س وخ�صو�صا يف بداياته «التفعيلية»‬ ‫لكنها ت�رص على النرث‪� ،‬شعرا وق�صيدة‪.‬‬ ‫اجليل التايل ميكن ت�سميته جيل‬ ‫الت�سعين ّيات وهو ميتد حتى العام ‪ 2000‬وما‬ ‫بعده‪ ،‬وقد �أ�صدر بع�ض �شعراء هذا اجليل �أعما ًال‬ ‫كان لها �صدى وبد�أوا بدورهم يوا�صلون امل�سار‬ ‫ال�شعري مت�أثرين بال�شعراء الذين �سبقوهم على‬ ‫اختالف �أجيالهم‪ .‬ففي العام ‪ 2008‬برز �شعراء‬ ‫كثريون‪ ،‬منهم‪ :‬ال�سورية هالة حممد (ديوان‪:‬‬ ‫ك�أين �أدق بابي)‪ ،‬االماراتي �أحمد را�شد ثاين‬ ‫(ي�أتي الليل وي�أخذين)‪ ،‬العماين زاهر الغافري‬

‫(كلما ظهر مالك يف القلعة)‪ ،‬الإماراتية جنوم‬ ‫الغامن (مالئكة الأ�شواق البعيدة)‪ ،‬ال�سوري‬ ‫عابد �إ�سماعيل (ملع �رساب)‪ ،‬امل�رصي خالد‬ ‫ال�صاوي (�أجرا�س)‪ ،‬ال�سعودية هدى الدغفق‬ ‫(امر�أة مل تكن)‪ ،‬اللبناين زاهي وهبي (يعرفك‬ ‫مايكل �أجنلو)‪ ،‬العراقية �أمل اجلبوري (هاجر)‪،‬‬ ‫اللبنانية �سوزان عليوان (كل الطرق ت�ؤدي �إىل‬ ‫�صالح �سامل) ال�سورية �سعاد جرو�س (رمان)‪،‬‬ ‫اللبناين غ�سان جواد (�ضوء بني حياتني)‪،‬‬ ‫الإماراتية خلود املعال (رمبا هنا)‪ ،‬امل�رصي‬ ‫�إبراهيم داود (�ست حماوالت)‪ ،‬اللبنانية زينب‬ ‫ع�ساف (بواب الذاكرة الفظ)‪ ،‬ال�سعودي عبد اهلل‬ ‫ثابت (كتاب الوح�شة)‪ ،‬امل�رصي عماد ف�ؤاد‬ ‫(حرير)‪ ،‬اللبنانية �آمال نوار (نبيذها �أزرق‬ ‫وي�ؤن�س الزجاج)‪ ،‬ال�سوري ح�سني دروي�ش‬ ‫(�شامة ليل)‪ ،‬الفل�سطيني يو�سف �أبو لوز (خط‬ ‫الهزالج)‪ ،‬ال�سورية الكردية كزال �أحمد (ق�صائد‬ ‫متطر نرج�س ًا‪.)...‬‬

‫خمتارات �شعرية‬

‫برزت خالل العام ‪ 2008‬ظاهرة املختارات‬ ‫�أو «الأنطولوجيات» التي متثّل �أجيا ًال �شعرية‬ ‫وجتارب واجتاهات‪ .‬واملختارات ت�سهم عاد ًة‬ ‫يف ك�رس احلاجز الذي يحول دون توزيع‬ ‫الدواوين التي تن�رش تباع ًا‪ ،‬ال �س ّيما عندما‬ ‫ت�صدر يف العوا�صم العربية خمرتق ًة ح�صار‬ ‫الأ�سواق املحلية ال�صغرية‪ .‬يف فل�سطني‬ ‫مث ًال‪� ،‬أ�صدر «بيت ال�شعر» (رام اهلل) خمتارات‬ ‫بعنوان «خارج �سياق النهر» وقد �أع ّده وقدمه‬ ‫ال�شاعر الفل�سطيني مراد ال�سوداين‪ ،‬وقد حوت‬ ‫ق�صائد لل�شعراء ال�شباب الذين ي�صنعون‬ ‫امل�شهد الفل�سطيني الراهن‪ .‬و�أعد �أي�ض ًا ال�شاعر‬ ‫الفل�سطيني غ�سان زقطان خمتارات �أخرى لل�شعر‬ ‫الفل�سطيني اجلديد بعنوان «الق�صيدة الفل�سطينية‬ ‫املعا�رصة» وقد ترجمت �إىل الفرن�سية و�صدرت‬ ‫يف طبعة مزدوجة بالعربية والفرن�سية يف‬ ‫بلجيكا‪ .‬وهذه املختارات هي فع ًال من �أهم‬ ‫الكتب التي ق ّدمت ال�شعر الفل�سطيني اجلديد‬ ‫والراهن‪ .‬وقد جتاوز غ�سان زقطان‪ ،‬مع ّد هذه‬


‫الف�صل االول‬ ‫الإبداع الأدبي ‪339‬‬

‫الإبداع‬

‫املختارات‪ ،‬التق�سيمات ال�سيا�سية واجلغرافية‬ ‫التي ر�أى �أنها ت�ض ّيق امل�شهد ال�شعري وتدفعه‬ ‫نحو تقوميات‪ ،‬ذات بعد واحد متتبعة احلدث‬ ‫والقراءة ال�سيا�سية‪ ،‬وهو ما حكم‬ ‫ال�سيا�سي‬ ‫ّ‬ ‫حركة ال�شعر الفل�سطيني عقوداً طويلة و�أغرقها‬ ‫مبطالبات ومعايري كانت دائم ًا خارج ال�شعر‪.‬‬ ‫هذا بال�ضبط ما مترد عليه ال�شعراء وما حاولوا‬ ‫عرب كتابتهم واقرتاحاتهم اجلمالية واقرتابهم‬ ‫من احلياة اليومية التحرك به نحو �ضفاف‬ ‫�أخرى‪ ،‬م�ستعينني بخربة خمتلفة وذائقة‬ ‫خمتلفة‪ .‬على حتريك الأ�شياء‪.‬‬ ‫ويف بريوت �أ�صدرت اللجنة الوطنية ملنظمة‬ ‫اليون�سكو‪ ،‬فرع لبنان‪« ،‬ديوان ال�شعر اللبناين‬ ‫املعا�رص – خمتارات» من �إعداد حمزة عبود‬ ‫وتقدميه‪ .‬وبدت هذه املختارات مهمة و�شاملة‪،‬‬ ‫وقد جمعت الأجيال كافة وكذلك املدار�س‬ ‫واالجتاهات التي ي�شملها ال�شعر اللبناين‬ ‫املعا�رص‪ .‬و�ض ّمت املختارات �أكرث من �ستني‬ ‫�شاعراً ميثلون خمتلف االجتاهات والتح ّوالت‬ ‫التي عرفتها احلركة ال�شعرية يف لبنان منذ‬ ‫منت�صف القرن املا�ضي‪ .‬وقد حاولت �أن تقدم‬ ‫�صورة للم�شهد ال�شعري تتيح للقارئ �أن يتبينّ‬ ‫املالمح الأ�سا�سية لهذه احلركة من جهة‪ ،‬و�أن‬ ‫يل ّم ب�أبعاد عدد من التجارب ال�شعرية البارزة‬ ‫من جهة ثانية‪ .‬ولذلك ف�إن عدد ال�صفحات‬ ‫والق�صائد املختارة هنا من ال�شعراء ال يعبرّ ‪ ،‬يف‬ ‫كل احلاالت‪ ،‬عن موقع ال�شاعر ومدى ح�ضوره‬ ‫�أو ت�أثريه يف احلركة ال�شعرية اللبنانية بقدر‬ ‫ما يحاول الك�شف عن جتربة ال�شاعر والأبعاد‬ ‫التي اتخذتها هذه التجربة على �أكرث من �صعيد‪.‬‬ ‫وحاولت املختارات‪ ،‬من جهة ثانية‪� ،‬أن تبينّ‬ ‫الروابط ال�ضمنية واملبا�رشة بني ه�ؤالء ال�شعراء‬ ‫الذين ت�شكّلت مالحمهم يف عدد من ال�صحف‬ ‫واملنتديات الثقافية والأدبية �أو على �صفحات‬ ‫جملة «�شعر» وبني اجليل ال�شعري الذي ن�ش�أ يف‬ ‫مطلع ال�سبعين ّيات‪ .‬وحاولت هذه املختارات‬ ‫�أن تبيهن املالمح الأ�سا�سية لتجارب ال�شعراء‬ ‫ال�شبان الذين ظهرت جمموعاتهم الأوىل خالل‬ ‫العقدين الأخريين‪ ،‬منذ ال�سنوات الأخرية للحرب‬

‫الأهلية حتى الآن‪.‬‬ ‫وقد ح�رض �أي�ض ًا ال�شعر ال�سوري املعا�رص‬ ‫واجلديد عرب نوعني من املختارات‪ ،‬النوع الأول‬ ‫حمله «كتاب يف جريدة» �ضمن �سل�سلة «ديوان‬ ‫ال�شعر العربي يف الربع الأخري من القرن‬ ‫الع�رشين»‪ .‬وقد اختار الق�صائد وق ّدمها ال�شاعر‬ ‫�شوقي بغدادي وقال يف تقدميه‪« :‬ما من �شك‬ ‫يف �أنها كانت مهمة �شاقة‪ ،‬ف�سورية حافلة‬ ‫بال�شعراء‪ ،‬ويف حدود �صفحات «كتاب يف‬ ‫جريدة» يبدو �أن �إر�ضاء اجلميع غاية ال تدرك»‪.‬‬ ‫تخ�ص‬ ‫وي�شف الكالم هذا عن �أزمة ثقافية ال‬ ‫ّ‬ ‫تخ�ص‬ ‫العمل الإبداعي ذاته‪ ،‬وهو ال�شعر هنا‪ ،‬بل ّ‬ ‫العالقات بني ال�شعراء قبل �أي �شيء �آخر‪ ،‬ذلك‬ ‫�أن عدد �صفحات «كتاب يف جريدة» يربو على‬ ‫الثالثني وهي من القطع الكبري‪� .‬أما املختارات‬ ‫الأخرى ف�صدرت يف عدد خا�ص �أفردته جملة‬ ‫حترك‬ ‫«ال�شعر» امل�رصية بعنوان «ثمة �أغنيات ّ‬ ‫املاء»‪ ،‬وقد �أع ّد املختارات وق ّدمها ندمي الو ّزة‪.‬‬ ‫وقد تكون مقدمة ندمي الوزة لل�شعر ال�سوري هي‬ ‫ال�صورة الأن�صع ملا يجب �أن تكون عليه مقدمات‬ ‫املختارات ال�شعرية‪ ،‬ذلك �أنها جنحت يف واحدة‬ ‫من �أهم وظائف النقد‪ :‬التبويب والت�صنيف‪ .‬فقد‬ ‫ا�ستطاع الناقد �أن يظهر العالقات ال�شعرية بني‬ ‫الأجيال ال�شعرية ال�سورية‪ ،‬و�أن يبينّ كيف �أن‬ ‫«قلق الت�أثري» �أي ت�أثر ال�شعراء بع�ضهم ببع�ض‪،‬‬ ‫وكتابة ال�شعر من خالل ر�ؤى متقاطعة تارة‬ ‫ومتوازية طوراً‪ ،‬متقاربة حين ًا ومتباعدة حين ًا‬ ‫�آخر‪ ،‬هو ما يعطي ال�شعر يف مكان وزمان‬ ‫حمددين خ�صو�صيته‪.‬‬

‫�سوق عكاظ يف ال�سعودية ومهرجان‬ ‫لل�شعر الأنثوي يف دم�شق‬

‫�شهد العام كالعادة مهرجانات �شعرية‬ ‫العربي ومنها مهرجان الأردن‬ ‫ع ّدة يف العامل‬ ‫ّ‬ ‫ومهرجان املالجة يف �سورية ومهرجان �أ�صيلة‬ ‫يف املغرب‪� ،‬إ�ضافة �إىل اللقاءات ال�شعرية التي‬ ‫ال تتوقف �أ�ص ًال يف العوا�صم واملدن العربية‪.‬‬ ‫وكان الالفت هذا العام مهرجان «�سوق عكاظ»‬ ‫ال�سعودي يف دورته الثانية‪ ،‬التي �شهدت تطوراً‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 340‬للتنمية الثقافية‬

‫كان الالفت هذا العام مهرجان‬ ‫«�سوق عكاظ» ال�سعودي يف دورته‬ ‫الثانية‪ ،‬التي �شهدت تطوراً ميكن‬ ‫�أن يدل على نهو�ض مرحلة مهمة‬ ‫بالن�سبة لل�شعر العربي يف �شكل‬ ‫عام‪ ،‬قد ت�سهم يف �إعادته �إىل واجهة‬ ‫امل�شهد الأدبي عربياً‪.‬‬

‫ميكن �أن يدل على نهو�ض مرحلة مهمة بالن�سبة‬ ‫لل�شعر العربي يف �شكل عام‪ ،‬قد ت�سهم يف �إعادته‬ ‫�إىل واجهة امل�شهد الأدبي عربي ًا‪ .‬ولع ّل الدعم‬ ‫والرعاية اللذين حظي بهما �سوق عكاظ من‬ ‫ال�شاعر الأمري خالد الفي�صل‪� ،‬أمري منطقة مكة‬ ‫املكرمة التي تتبع لها حمافظة الطائف ويقع‬ ‫فيها ال�سوق‪ ،‬حيث كان يتبارى ال�شعراء يف‬ ‫الع�رص اجلاهلي‪ ،‬دفعا القائمني على املهرجان‬ ‫�إىل امل�ضي قدم ًا‪ ،‬يف العناية بالتنظيم وتنويع‬ ‫امل�شاركني وحتديد وقت النطالق فعالياته يف‬ ‫كل عام‪� ،‬إ�ضافة‪� ،‬إىل الدقة يف اختيار �أع�ضاء‬ ‫جلنة اجلائزة التي متنح �سنوي ًا‪ ،‬والتي ينبغي‬ ‫�أن تكون �أكرث انفتاح ًا ومرونة يف تعاملها مع‬ ‫ال�شعر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫و�شهدت دم�شق مهرجانا فريدا عنوانه‬ ‫«�شاعرات عربيات يف دم�شق» وقد نظّ مه ملتقى‬ ‫«‪� 48‬ساعة �شعر» وهدفه �إحياء مقولة «ال�شعر‬ ‫الأنثوي» بح�سب ما ّعرب امل�رشفون عليه‪ .‬وقد‬ ‫التقت يف املهرجان �شاعرات عربيات من‬ ‫�أجيال خمتلفة و�آفاق خمتلفة وت�شاركن يف‬ ‫�إحياء �أم�سيات وقر�أن بحرية خارج �سلطة‬ ‫املنابر املعهودة‪ .‬و�أعادت التظاهرة �إىل الذاكرة‬ ‫املعركة التي خا�ضتها ال�شاعرة العربية‪ ،‬ال‬ ‫�سيما �أوا�سط القرن املن�رصم‪ ،‬لتفر�ض �صوتها‬ ‫ك�شاعرة‪.‬‬ ‫وعندما يقال «�شعر �أنثوي» ف�إن ذلك يفتح‬ ‫الباب وا�سع ًا �أمام �سجاالت حادة �شهدتها‬ ‫ال�ساحة الثقافية العربية‪ ،‬لكن امللتقى مل يخ�ض‬ ‫يف اجلدل الدائر حول الكتابة الن�سائية‪ ،‬والفروق‬ ‫بني هذه الكتابة وتلك التي يكتبها الرجل‪ .‬ومل‬ ‫يرث كذلك �أي حديث ي�شري �إىل بحث الأنثى عن‬ ‫م�رشوعية لها‪ ،‬ولكتابتها‪� ،‬ضمن «الثقافة‬ ‫الذكورية الطاغية»‪ ،‬بل‪ ،‬على العك�س‪ ،‬جاء‬ ‫االختيار «ح ًبا باملذكر واختيا ًال بالأنثى» كما‬ ‫عبرّ ت ال�شاعرة هالة حممد مديرة املهرجان‪،‬‬ ‫ومثل هذا التعبري ال يهدف �إىل تكري�س املقوالت‬ ‫النمطية يف �ش�أن الكتابة الن�سائية بقدر ما‬ ‫يطمح �إىل �إلغاء مفهوم الن�سوية ال�ضيق الذي‬ ‫يقدم املر�أة ككائن يرف�ض «ن�سويته الناق�صة»‪.‬‬

‫ولع ّل ال�شاعرات‪ ،‬املنتميات �إىل �أجيال �شعرية‬ ‫خمتلفة‪ ،‬وميتلكن جتارب �شعرية متباينة‪،‬‬ ‫ويع�شن يف جغرافيات متباعدة يف العامل‬ ‫العربي‪ ،‬جئن كي يع�شن ال�شعر وع ّربن عن هذا‬ ‫املنحى‪ ،‬املنحى الذي ي�ؤكد ب�أن جن�س الكاتب‪،‬‬ ‫�سواء كان ذكراً �أم �أنثى‪ ،‬ال ي�شكل معياراً جلودة‬ ‫الن�ص‪.‬‬ ‫ّ‬

‫«ال�شعر البديل» يف القاهرة‬

‫�أقيمت يف القاهرة الدورة الثانية من‬ ‫م�ؤمتر «ال�شعر البديل» بعنوان «�أم�سيات �شعرية‬ ‫بديلة‪ :‬راهن ال�شعر امل�رصي»‪ ،‬وقد �أثار‪� ،‬ش�أنه‬ ‫يف ذلك �ش�أن العديد من امل�ؤمترات الثقافية‬ ‫يف م�رص‪ ،‬الكثري من ال�سجال‪ ،‬بدءاً بالعنوان‬ ‫وانتهاء بامل�شاركني مروراً بالبيانات‬ ‫واملواقف والأحداث ال�ساخنة‪ .‬فالعنوان الذي‬ ‫حمل �شعار «البديل» مل ي�ستطع القائمون على‬ ‫تنظيم امل�ؤمتر حتديد مفهوم وا�ضح له‪� .‬أما‬ ‫ال�شعراء امل�شاركون يف امل�ؤمتر فكانوا يف‬ ‫معظمهم جدداً �أو مبتدئني‪ ،‬وبد ًال من تكري�س‬ ‫ق�صيدة النرث كتيار مهم يف امل�شهد الثقايف‬ ‫امل�رصي الراهن ح�رضت ق�صيدة التفعيلة‬ ‫والنرث والق�صيدة املكتوبة بالعامية‪.‬‬

‫�شعراء عرب �شباب‬

‫الالفت �شعري ًا خالل هذا العام �أن ال�شعراء‬ ‫العرب ال�شباب ما برحوا يبحثون عن مواقعهم‬ ‫يف امل�شهد ال�شعري الراهن‪ ،‬طارحني على‬ ‫�أنف�سهم وعلى الآخرين �أ�سئلة حتيرّ هم �أو تقلقهم‪،‬‬ ‫وهي غالب ًا �أ�سئلة ال�شعر التي ال �أجوبة �شافية‬ ‫لها‪ .‬وكعادتهم يف �إ�صدار جمالت وكراري�س‬ ‫حين ًا تلو �آخر قد ت�ستمر �أو قد حتتجب‪� ،‬أ�صدر‬ ‫�شعراء �شباب جريدة «الغاوون» ال�شعرية يف‬ ‫بريوت و «مقدمة»‪ ،‬وهي جملة �أو كتاب غري‬ ‫دوري‪ ،‬يف القاهرة‪ .‬والتزامن بني الإ�صدارين‬ ‫يعن �أن امل�رشوعني مت�شابهان‪ ،‬وهنا رمبا‬ ‫مل ِ‬ ‫يكمن االختالف الذي ال ب ّد منه‪« .‬الغاوون»‬ ‫حتمل مالمح م�رشوع جديد متام ًا‪ ،‬فهي جريدة‬ ‫�شعرية جتمع بني الطابع الإبداعي والطابع‬


‫الف�صل االول‬ ‫الإبداع الأدبي ‪341‬‬

‫�أزمة القارئ ال�شعري هي الأبرز‬ ‫وت�شهد عليها �أرقام املبيعات‬ ‫ال�شعرية‪ .‬هناك دواوين ل�شعراء‬ ‫حمدثني بارزين قد يكون من‬ ‫الف�ضيحة �إبراز �أرقام مبيعها‪ .‬وقد‬ ‫يكون جلوء الكثريين من ال�شعراء �إىل‬ ‫حفالت التوقيع ح ًال لهذه امل�شكلة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لكن حركة الرتويج هذه ال تعبرّ‬ ‫عن حرية الإقبال على الدواوين‬ ‫ال�شعرية‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإبداع‬

‫ال�صحايف‪ .‬ه ّمها �أن تنزل ال�شعر من برجه‬ ‫العاجي �إىل معركة احلياة كا�شفة عن وجهه‬ ‫الآخر وارتباطه بهذه احلياة‪� .‬أما جملة «مقدمة»‬ ‫التي �أعلنت غايتها م�سبق ًا وهي اقت�صارها على‬ ‫ق�صيدة النرث‪ ،‬فهي جتمع بني الن�ص الإبداعي‬ ‫والن�ص النقدي ذي الطابع الر�صني‪ .‬على � ّأن‬ ‫«الغاوون» ت�صرّ على �صفتها م�رشوع ًا مفتوح ًا‬ ‫تتعانق فيه ق�صيدة النرث وق�صيدة التفعيلة‬ ‫ورمبا الكال�سيكية‪ .‬هكذا بدا بيانها الت�أ�سي�سي‬ ‫بعيداً من لهجة البيانات الر�سمية‪� .‬أما م� ّؤ�س�سا‬ ‫اجلريدة ورئي�سا حتريرها فهما زينب ع�ساف‬ ‫وماهر �رشف الدين‪ .‬يف حني �أن جملة «مقدمة»‪،‬‬ ‫التي كانت تطمح �أ�رسة حتريرها �إىل ت�سميتها‬ ‫«ما بعد ال�شعر» ثم عدلت عن هذا اال�سم‪ ،‬فرتبط‬ ‫«ال�شعرية العربية اجلديدة» بجو ق�صيدة النرث‪.‬‬ ‫ولع ّل بيانها الت�أ�سي�سي الذي جاهر بخروج‬ ‫املجلة عن �أي بعد �أيديولوجي جعل من ق�صيدة‬ ‫النرث ما ي�شبه النزعة الأيديولوجية ولو م�ضمرة‪.‬‬ ‫وقد �ض ّمت هيئة التحرير �أ�سماء مثل‪� :‬سامر �أبو‬ ‫هوا�ش (فل�سطني‪ /‬لبنان)‪ ،‬حممد ف�ؤاد (�سورية)‪،‬‬ ‫عاطف عبدالعزيز وغادة نبيل وحممود قري‬ ‫(م�رص)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ال�شعر بخري �إذا يف العامل العربي بح�سب‬ ‫ما «ت�شي» به هذه العناوين الكبرية‪ ،‬عالوة‬ ‫على امل�شاريع ال�شعرية ال�صغرية التي ت�شهدها‬ ‫العوا�صم‪َ .‬من ي�ستطيع �أن يقول �إن ال�شعر العربي‬ ‫الراهن يعاين «�أزمة»؟ َمن يقدر �أن يعلن �أن هذا‬ ‫ال�شعر ي�شهد حا ًال من الرتاجع فيما ال�شعراء‬ ‫يزدادون والدواوين متلأ رفوف املكتبات‬ ‫العربية؟ َمن ي�ستطيع �أن يح�صي ما ُيكتب من‬ ‫ق�صائد يف العامل العربي؟‬ ‫هذا الرواج «الظاهر» لل�شعر ولق�صيدة‬ ‫النرث على الرغم من متلمل النا�رشين العرب‬ ‫ هل يعني �أن ال�شعر العربي الراهن ال يعاين‬‫م�شكلة �أو �أزمة؟ قد ال يكفي هذا «الرواج» املعلن‬ ‫ليكون معياراً ميكن احلكم من خالله على‬ ‫«�سالمة» الواقع ال�شعري العربي وعلى ر�سوخه‬ ‫�أو نهو�ضه‪ .‬فالظاهر �أمر والواقع امللمو�س �أمر‬ ‫�آخر‪ .‬وال�شعر الذي ُيحتفى به دائم ًا والذي تر ّوج‬

‫له ال�صفحات الثقافية يف ال�صحافة وبع�ض‬ ‫الدور واملنابر يعاين فع ًال �أزمات عدة‪ ،‬لي�س يف‬ ‫العامل العربي فقط و�إمنا يف بع�ض الدول الغربية‬ ‫�أي�ض ًا‪ .‬وال�س�ؤال الأول الذي ُيطرح هو عن القارئ‬ ‫الذي يكاد يكون «�شبح ًا» جمهو ًال‪ ،‬ال ال�شعراء‬ ‫يعرفونه وال النا�رشون‪ .‬هناك طبع ًا قلّة قليلة‬ ‫القراء معظمهم من ال�شعراء �أنف�سهم‪ .‬ه�ؤالء‬ ‫من ّ‬ ‫لكن ال�شعراء حتم ًا‬ ‫ب�سهولة‪.‬‬ ‫ر�صدهم‬ ‫ميكن‬ ‫ّ‬ ‫قراءهم بل ال يعرفون ملن يكتبون‪،‬‬ ‫يجهلون ّ‬ ‫�إذا افرت�ضنا �أنهم يتوجهون �إىل قراء مع ّينني‪.‬‬ ‫ال�شعراء الكبار قد يعرفون جمهورهم‪ ،‬ال �س ّيما‬ ‫يف الأم�سيات ال�شعرية‪ ،‬عندما يقر�أون له ما‬ ‫يحب �أن ي�ستمع �إليه �أو ي�صدمونه يف �أحيان‬ ‫مق ّدمني له ق�صائد غري �شعبية وغري رائجة‪.‬‬ ‫�أزمة القارئ ال�شعري �إذاً هي الأبرز‪ ،‬وت�شهد‬ ‫عليها �أرقام املبيعات ال�شعرية‪ .‬هناك دواوين‬ ‫ل�شعراء حمدثني بارزين قد يكون من الف�ضيحة‬ ‫�إبراز �أرقام مبيعها‪ .‬هذا �أمر حقيقي‪ .‬وقد يكون‬ ‫جلوء الكثريين من ال�شعراء �إىل حفالت التوقيع‬ ‫لكن حركة الرتويج هذه ال‬ ‫ح ًال لهذه امل�شكلة‪ّ .‬‬ ‫تعبرّ عن حرية الإقبال على الدواوين ال�شعرية‪.‬‬ ‫«القراء» الذين هم‬ ‫�إنها مبادرة مفرو�ضة على ّ‬ ‫من الأ�صدقاء والأقارب‪ ...‬احلركة احلقيقية هي‬ ‫التي ُت�سجل يف املكتبات �أو معار�ض الكتب‬ ‫حني يكون فعل ال�رشاء �رضب ًا من االختيار‬ ‫احلر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أو‬ ‫�‬ ‫القارئ‬ ‫أزمة‬ ‫�‬ ‫على‬ ‫وعالوة‬ ‫القراءة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يعاين امل�شهد ال�شعري العربي الآن حا ًال من‬ ‫اال�ضطراب واالختالط والفو�ضى‪ ...‬وهذا ما‬ ‫�أ�سهمت به ق�صيدة النرث ‪ -‬عن غري ق�صد ‪-‬‬ ‫وعممت خط�أ‪ ،‬ف�أ�صبحت‬ ‫بعدما فُهمت خط�أ ُ‬ ‫�أ�شبه بالأر�ض «امل�شاع» التي ال �سياج لها وال‬ ‫�سور‪ .‬علم ًا �أن ق�صيدة النرث ال تق ّل �صعوبة عن‬ ‫ق�صيدة التفعيلة �أو الق�صيدة العمودية‪ .‬ولع ّل ما‬ ‫زاد من ارتباك هذا امل�شهد �أي�ض ًا‪ ،‬غياب النقد‬ ‫العربي الذي كان ال ب ّد له من �أن يرافق احلركة‬ ‫ال�شعرية املتنامية ب�رسعة‪ .‬فمعظم النقّاد العرب‬ ‫يتوقفون عند جيل ر ّواد احلداثة وال يتخطّ ون‬ ‫«تخوم» هذا اجليل‪� ،‬إما جلهلهم ما يح�صل يف‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 342‬للتنمية الثقافية‬

‫َمن يقر�أ ال�شعر اليوم؟ هل ا�ستطاع‬ ‫«اجلمهور» �أن يواكب الثورات ال�شعرية‬ ‫املتالحقة؟ هل ي�ستطيع هذا «اجلمهور»‬ ‫�أن ي�ستوعب ما يقر�أ لو �أ ّنه قر�أ فع ًال‬ ‫الأعمال املغالية يف جتريبيتها؟‬

‫املعرتك ال�شعري الراهن �أو لتخ ّوفهم من خو�ض‬ ‫غمار ال�شعر اجلديد الذي يجهلون كيف يقر�أونه‬ ‫وكيف يقاربون تياراته و�أجواءه اجلديدة‪.‬‬ ‫ولع ّل ال�شعار الذي حمله امللتقى الدويل‬ ‫الأول لل�شعر يف القاهرة‪ ،‬وهو «ال�شعر يف‬ ‫حياتنا»‪ ،‬يعبرّ خري تعبري عن الغاية التي ال‬ ‫التوجه �إليها‪� .‬أين �أ�صبح ال�شعر يف حياة‬ ‫ب ّد من ّ‬ ‫النا�س �أو ال�شعوب؟ هل ما زال ال�شعر ميثّل حاجة‬ ‫�إن�سانية عميقة‪ ،‬جمالية وروحية وميافيزيقية؟‬ ‫�أي موقع يحتل ال�شعر يف ع�رص العوملة؟ هل‬ ‫نالت منه احلياة املادية والتكنولوجية‬ ‫والعملية �أو الرباغماتية التي ت�سود الآن؟‬ ‫�أ�سئلة كثرية تطرح نف�سها باحلاح‪،‬‬ ‫والإجابة عليها نظري ًا ال تكفي‪ .‬وال ميكن‬ ‫التغا�ضي عن حال العزلة التي ي�ؤول ال�شعر‬ ‫�إليها‪ ،‬على الرغم من «املظاهر» �شبه اخلادعة‬ ‫التي حتيط به‪ ،‬بل على الرغم من تكاثر ال�شعراء‬ ‫والأعمال ال�شعرية‪.‬‬ ‫َمن يقر�أ ال�شعر اليوم؟ هل ا�ستطاع‬ ‫«اجلمهور» �أن يواكب الثورات ال�شعرية‬ ‫املتالحقة؟ هل ي�ستطيع هذا «اجلمهور» �أن‬ ‫ي�ستوعب ما يقر�أ لو �أ ّنه قر�أ فع ًال الأعمال‬ ‫املغالية يف جتريبيتها؟‬

‫�سجاالن �شعريان‬

‫�شعري ًا‪ ،‬على �سبيل املثل‪� ،‬شهدت ال�سنة‬ ‫‪� 2008‬سجالني مه ّمني دار �أولهما حول ق�صيدة‬ ‫احلر‪ .‬ولئن‬ ‫النرث والثاين حول مقولة «ال�شعر» ّ‬ ‫كانت منا�سبة ال�سجال الأول �صدور كتاب‬ ‫لل�شاعر امل�رصي �أحمد عبداملعطي حجازي‬ ‫الذي ينتمي �إىل جيل الر ّواد يف احلركة ال�شعرية‬ ‫احلديثة بعنوان «ق�صيدة النرث �أو الق�صيدة‬ ‫مازال ال�سجال م�ستمراً حول ق�صيدة اخلر�ساء» (من�شورات جملة «دبي الثقافية»‬ ‫النرث بني رف�ض مطلق لها وبني قبولها ‪ ،)2008‬ف�إن منا�سبة ال�سجال الثاين كانت‬ ‫م�رشوطة بتوافر �ضوابطها الداخلية‪ .‬الذكرى الأوىل لرحيل ال�شاعرة العراقية نازك‬ ‫املالئكة التي تنتمي �أي�ض ًا �إىل اجليل الريادي‬ ‫لل�شعر التفعيلي الذي ُع ِرف عربي ًا بـ «ال�شعر‬ ‫يكرر‬ ‫احلر»‪ .‬يف هذا الكتاب‪ ،‬وعلى عادته‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫حجازي موقفه الراف�ض من ق�صيدة النرث التي‬

‫يع ّدها «جتربة مل تكتمل ومل تن�ضج ومل تقنع‬ ‫�أحداً �أنها �صارت جديرة بالوجود»‪ .‬وهو على‬ ‫قناعة تامة ب�أن هذه الق�صيدة مل تتمكن بعد‬ ‫�أكرث من قرن على ظهورها �أن تكون ق�صيدة �أو‬ ‫�شعراً‪...‬‬ ‫وقد �أثار كتابه ردود فعل �سلبية‪ ،‬ال �سيما‬ ‫لدى ال�شعراء اجلدد �أو ال�شباب الذين اختاروا‬ ‫ق�صيدة النرث وباتوا ي�سيطرون على امل�شهد‬ ‫ال�شعري الراهن يف العامل العربي‪ .‬وقال بع�ضهم‬ ‫�أن �أحمد عبداملعطي حجازي يعاين م�أزق ًا‬ ‫�شخ�صي ًا يكمن يف خو�ضه �سجا ًال يف حقل ال يل ّم‬ ‫به متام ًا وهو حقل ق�صيدة النرث القائمة على‬ ‫ما ي�س ّمى بالإيقاع الداخلي‪ .‬وان كان ي�ستحيل‬ ‫�إنكار معرفته بالعرو�ض والأوزان والتفاعيل‪،‬‬ ‫فهو حني يتح ّدث عن الإيقاع والوزن‪ ،‬وعن‬ ‫ال�شعر املنثور وق�صيدة النرث‪ ،‬يبدو متعرثاً يف‬ ‫متاهة امل�صطلحات النقدية ك�أن ال مي ّيز مث ًال‬ ‫بني الإيقاع والوزن‪ ،‬اللذين يختلف واحدهما‬ ‫عن الآخر بح�سب املعجم النقدي‪ .‬فالوزن جزء‬ ‫من الإيقاع بينما الإيقاع �أ�شمل و�أرحب وال‬ ‫ميكن ح�رصه يف الوزن‪.‬‬ ‫ور�أى البع�ض �أنه قد يحقّ لأحمد‬ ‫عبداملعطي حجازي �أن ي�أخذ على بع�ض �شعراء‬ ‫ق�صيدة النرث ارتكابهم �أخطاء يف ال�رصف‬ ‫والنحو‪ ،‬لكن هذه الأخطاء ال تقع فقط يف‬ ‫ق�صيدة النرث و�إمنا �أي�ض ًا يف ق�صيدة التفاعيل‬ ‫ويف الق�صة والرواية‪ .‬وهذا ما �أ�شار �إليه ا�ص ًال‬ ‫الناقد جابر ع�صفور عندما انتقد بع�ض ق�صائد‬ ‫مما‬ ‫النرث التي وجدها ركيكة و�ضعيفة وخالية ّ‬ ‫ي�سميه «ال�ضوابط الداخلية»‪ .‬وهذه مقولة مهمة‬ ‫جداً ابتدعها ع�صفور جاع ًال منها معياراً من‬ ‫معايري ق�صيدة النرث‪ .‬ومل يتوان ال�شاعر حجازي‬ ‫عن الر ّد جمدداً على منتقديه الكرث‪ ،‬مدافع ًا عن‬ ‫موقفه ال�صلب والنهائي من ق�صيدة النرث التي‬ ‫يرف�ض �أن يطلق عليها �صفة الق�صيدة‪.‬‬ ‫�أما ال�سجال الذي دار حول نازك املالئكة‬ ‫احلر» التي كانت �أول من �أطلقها‬ ‫ومقولة «ال�شعر ّ‬ ‫عربي ًا ونظّ ر لها‪ ،‬فانطلق من خلط ال�شاعرة بني‬ ‫مفهومني �شعر ّيني خمتلفني متام ًا هما‪ :‬ال�شعر‬


‫الف�صل االول‬ ‫الإبداع الأدبي ‪343‬‬

‫احلر وال�شعر التفعيلي‪ .‬وقد كتبت نظري ًا عن «�أبجدية» نزار قباين‬ ‫ّ‬

‫احلر ال ي�ستطيع �أن يح ّل‬ ‫ال�شعر ّ‬ ‫حم ّل ال�شعر التفعيلي مهما بلغ عدد‬ ‫التفاعيل‪ ،‬مثلما ال يقدر �أي�ض ًا �أن‬ ‫يلغي ق�صيدة النرث التي تختلف عنه‬ ‫متاماً‪ .‬وهذا ما يجب العمل على‬ ‫�إي�ضاحه عربي ًا حتى تكت�سب هذه‬ ‫«امل�صطلحات» مفاهيمها احلقيقية‪.‬‬

‫الإبداع‬

‫ال�شعر التفعيلي ويف ظنها �أنها تكتب عن ال�شعر‬ ‫احلر‪ ،‬علم ًا �أنها كانت على ب ّينة من ال�شعر‬ ‫الأنغلو�ساك�سوين الذي �شهد انطالق مقولة‬ ‫«ال�شعر احلر» عاملي ًا مع ال�شاعر الأمريكي والت‬ ‫ويتمان‪ ،‬ال �سيما يف ديوانه ال�شهري «�أوراق‬ ‫الع�شب» الذي �صدر يف العام ‪ .1855‬كانت نازك‬ ‫املالئكة �سباقة فع ًال �إىل تناول هذه املقولة‪،‬‬ ‫ولو من قبيل اخلط�أ‪ ،‬يف مقدمة ديوانها الثاين‬ ‫«�شظايا ورماد» (‪ )1949‬ثم يف كتابها ال�شهري‬ ‫من عن ناقدة‬ ‫«ق�ضايا ال�شعر املعا�رص» الذي ّ‬ ‫حمرتفة‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف حقل العرو�ض‪ .‬وهذه‬ ‫املقولة �شهدت �أ�ص ًال «معركة» بينها وبني‬ ‫ال�شاعر الكبري بدر �شاكر ال�سياب بدت �أ�شبه‬ ‫بـ «معارك طواحني الهواء»‪ ،‬ال �سيما بعدما‬ ‫تخطّ اها ال�سياب و�أ�صبح واحداً من ال�شعراء‬ ‫العرب الكبار‪.‬‬ ‫واعترب الذين �شاركوا يف ال�سجال �أن‬ ‫«خط�أ» نازك املالئكة‪ ،‬و�إن مل يكن ج�سيم ًا‪،‬‬ ‫قد �أ�سهم يف رواج وانت�شار ما ي�شبه «�سوء‬ ‫الفهم»‪ ،‬خالط ًا بني نوعني �شعريني غري‬ ‫مت�شابهني البتة‪ ،‬واحدهما متحرر من القافية‬ ‫ر�سخته احلداثة‬ ‫والوزن بح�سب امل�صطلح الذي ّ‬ ‫الغربية‪ ،‬وثانيهما مقيد مبا ي�سمى وزن ًا وقافية‬ ‫ولكن بعيداً من القالب العرو�ضي التقليدي �أو‬ ‫الكال�سيكي‪ .‬هذا اخلط�أ تناوله الناقد العراقي‬ ‫عبدالواحد ل�ؤل�ؤة يف كتابه «�أوراق اخلريف»‬ ‫وحتديداً يف ف�صل �صغري عنوانه «ال�شعر احلر‬ ‫واخلط�أ امل�ستمر»‪ .‬وقد متكّن فع ًال من تو�ضيح‬ ‫خط�أ نازك املالئكة وت�صحيحه‪ .‬ور�أى البع�ض‬ ‫�أن ال�شاعرة نازك املالئكة لو انتبهت �أ�سا�س ًا‬ ‫�إىل «اخلط�أ» الذي ارتكبته عن غري ق�صد لكانت‬ ‫عادت عنه‪ ،‬فما �شاع وانت�رش عربي ًا كم�صطلح‬ ‫احلر ال‬ ‫قائم على مفهوم «خاطئ»‪ .‬فال�شعر ّ‬ ‫ي�ستطيع �أن يح ّل حم ّل ال�شعر التفعيلي مهما‬ ‫بلغ عدد التفاعيل‪ ،‬مثلما ال يقدر �أي�ض ًا �أن يلغي‬ ‫ق�صيدة النرث التي تختلف عنه متام ًا‪ .‬وهذا ما‬ ‫يجب العمل على �إي�ضاحه عربي ًا حتى تكت�سب‬ ‫هذه «امل�صطلحات» مفاهيمها احلقيقية‪.‬‬

‫ومثلما �صادف العام ‪ 2008‬الذكرى‬ ‫الأوىل لغياب نازك املالئكة‪ ،‬فهو �صادف‬ ‫�أي�ض ًا الذكرى العا�رشة لغياب ال�شاعر ال�سوري‬ ‫متر بال‬ ‫نزار قباين‪ّ .‬‬ ‫لكن هذه املنا�سبة كادت �أن ّ‬ ‫�ضجة تذكر‪ ،‬مع �أن ورثته �أ�صدروا ديوان ًا له‬ ‫�ض ّم ق�صائده الأخرية التي مل تن�رش �سابق ًا وقد‬ ‫حمل عنوان ًا «قباني ًا» بامتياز هو‪�« :‬أبجدية‬ ‫�إليا�س مني»‪ .‬والالفت �أن هذا الديوان الذي كان‬ ‫من املفرت�ض �أن ي�شكل حدث ًا �شعري ًا لكونه �آخر‬ ‫ما كتب نزار ول�صدوره يف الذكرى العا�رشة‬ ‫لرحيله‪ ،‬مل يلق الرتحاب الكبري ومل يرث حما�سة‬ ‫النقاد‪ ،‬فكتب عنه القليل يف ال�صحافة‪ .‬وقد‬ ‫يكون هذا اال�ستقبال البارد لديوان قباين الأخري‬ ‫مثاراً لأ�سئلة كثرية حول ال�شاعر الكبري الذي‬ ‫فقد بع�ض ًا من وهجه بعدما كان يف طليعة‬ ‫ال�شعراء املعا�رصين‪� .‬أما ال�س�ؤال الذي �أثار جد ًال‬ ‫فكان‪« :‬كيف نقر�أ نزار قباين اليوم؟» واختلفت‬ ‫الآراء وت�ضاربت يف حماولتها للإجابة عليه‪.‬‬ ‫فقراءة ال�شاعر بعد غيابه تختلف عن قراءته‬ ‫خالل حياته‪ ،‬ال �سيما �إذا كان ال�شاعر يف حجم‬ ‫نزار قباين‪� ،‬شعري ًا و�شعبي ًا �أو جماهريي ًا‪ .‬وهو‬ ‫يكاد يكون الوحيد الذي امتلك �سلطة متاثل‬ ‫ال�سلطة ال�سيا�سية‪ ،‬والذي �أعاد �إىل �شخ�ص‬ ‫«ال�شاعر» العربي ح�ضوره ال�ساطع ب�صفته‬ ‫احلي‪ .‬لكن املفارقة‬ ‫�صوت النا�س و�ضمريهم ّ‬ ‫تكمن يف �أن �شعرية نزار قباين احلقيقية‬ ‫جتلّت خارج هذه ال�سلطة التي كانت له �أو قبل‬ ‫ن�شوئها‪� ،‬أي يف مراحله الأوىل‪ ،‬عندما كان‬ ‫ينتمي بو�ضوح �إىل املدر�سة اجلمالية التي‬ ‫عرفها ع�رص النه�ضة يف مقلبه االخري وعندما‬ ‫راح ُيح ّدث معطيات هذه املدر�سة م�ؤ�س�س ًا لغته‬ ‫اجلديدة اخلا�صة وق�صيدته احلديثة اخلا�صة‪.‬‬ ‫�سلطة نزار قباين برزت الحق ًا عندما �رشع‬ ‫يكتب بـ «ال�سكني» (كما يعبرّ ) ق�صائد �سيا�سية‬ ‫�صارخة �ألهبت اجلماهري وراعت همومها‬ ‫وما�شت ذائقتها وم�شاعرها الآنية‪ .‬ومنذ �أن بد�أ‬ ‫يكتب بـ «ال�سكني» تراجع �شعر الوجدان والغزل‬ ‫لديه واحتل ال�شعر ال�سيا�سي �صنيعه بدءاً من‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 344‬للتنمية الثقافية‬

‫نزار قباين ال يزال ال�شاعر العربي‬ ‫املعا�رص الأكرث مبيع ًا على الرغم من‬ ‫تراجع �أرقام مبيعه خالل الأعوام‬ ‫الع�رشة‪ ،‬ال �سيما يف معار�ض الكتب‬ ‫العربية‪.‬‬

‫هزمية العام ‪ 1967‬وانتها ًء بالهزائم املتتالية‬ ‫التي �شهدتها «ال�ساحة» العربية‪ ،‬ع�سكري ًا‬ ‫و�سيا�سي ًا‪ ...‬وعرف نزار كيف ي�ستخدم احلدث‬ ‫لري�سخ جماهرييته ولو على‬ ‫ال�سيا�سي �شعري ًا ّ‬ ‫ح�ساب �شعريته‪� .‬إال �أنه بالطبع مل يهجر الغزل‬ ‫بل �أدى �أي�ض ًا �شخ�صية ال�شاعر الذي يدعو �إىل‬ ‫حترير املر�أة العربية من ال�سلطة الذكورية‬ ‫واالجتماعية‪.‬‬ ‫ور�أى البع�ض �أن نزار قباين كتب كثرياً‪،‬‬ ‫مما يقدر �شاعر وحده على كتابته‪.‬‬ ‫�أكرث ّ‬ ‫ب�أعماله ال�شعرية بلغت ت�سعة �أجزاء‪ ،‬ناهيك‬ ‫ب�أعماله النرثية ومقاالته التي ال حت�صى‪.‬‬ ‫لكن هذه الكرثة و�إن دلت على امتالكه ملكة‬ ‫اللغة وعبقريتها‪ ،‬مل تكن يف م�صلحته بل‬ ‫هي انعك�ست �سلب ًا على �شعريته‪ ،‬بخا�صة يف‬ ‫مراحله االخرية عندما راح يكرر نف�سه حتى بدا‬ ‫ك�أنه يقلد نف�سه‪ .‬لكنه مل يفقد جماهرييته وال‬ ‫قراءه الذين ظلوا يقبلون على �أعماله ويواكبون‬ ‫اجلديد منها‪.‬‬ ‫�إال �أن «ال�صدمة» ح�صلت بعدما رحل‬ ‫نزار قباين‪ .‬مل مي�ض على غيابه زمن حتى بد�أ‬ ‫مبيع �أعماله يرتاجع‪ .‬ا�سمه مل يعد يحت ّل قائمة‬ ‫الكتب الأكرث مبيع ًا يف املعار�ض العربية‪ .‬ومل‬ ‫تعد الأجيال اجلديدة «تتهافت» على دواوينه‪.‬‬ ‫غاب ال�شاعر وبقي �شعره‪ ،‬لكن ال�شعر غري قادر‬ ‫القراء املفتونون به‪،‬‬ ‫على احللول حملّه‪ .‬كان ّ‬ ‫�شبان ًا و�شابات‪ ،‬ينتظرون يف �صفوف طويلة‬ ‫ليحظوا بتوقيعه‪ .‬والأم�سيات التي كان يحييها‬ ‫تعج باجلمهور الغفري‬ ‫يف املدن العربية كانت ّ‬ ‫الذي ت�ضيق به ال�صاالت فتخرج كرثة منه‬ ‫�إىل ال�ساحات‪� .‬إال �أن نزار قباين ال يزال ال�شاعر‬ ‫العربي املعا�رص الأكرث مبيع ًا على الرغم من‬ ‫تراجع ارقام مبيعه خالل الأعوام الع�رشة‪ ،‬ال‬ ‫�سيما يف معار�ض الكتب العربية‪ .‬وهذه ميزة‬ ‫�سيظ ّل يح�سده عليها �شعراء كرث حتى بغد‬ ‫غيابه‪ .‬ويعرتف معظم �أ�صحاب املكتبات يف‬ ‫العامل العربي بهذه احلقيقة‪ :‬بني ال�شعراء ال‬ ‫يزال نزار يحت ّل املرتبة الأوىل �شعبي ًا‪ ،‬ثم يليه‬ ‫حممود دروي�ش‪ .‬هذا على امل�ستوى العربي ال‬

‫حتب �شعراءها وتقبل‬ ‫املحلي‪ .‬بع�ض املدن ّ‬ ‫عليهم جاعلة منهم جنوم ًا‪� .‬أما عربي ًا فه�ؤالء ال‬ ‫ي�ستطيعون مناف�سة نزار وحممود‪ .‬لكن حممود‬ ‫بدا خمالف ًا لنزار يف م�ساره‪ :‬ابتد�أ �شعبي ًا و�أ�صبح‬ ‫«نخبوي ًا»‪ ،‬على �أن نخبويته مل تك�رس رهبة‬ ‫الرمز الذي ميثله يف وجدان اجلماهري العربية‪.‬‬ ‫كيف نقر�أ نزار قباين اليوم‪ ،‬بعد ع�رشة‬ ‫�أعوام على غيابه؟ هذا ال�س�ؤال طرح كثرياً خالل‬ ‫العام ‪ ،2008‬ومل يجد اجلواب ال�شايف‪ .‬هل نقر�أ‬ ‫قباين يف مراحله الأوىل التي ا�ستطاع فيها‬ ‫�أن يكون خري وارث ملدر�سة ع�رص النه�ضة‬ ‫«الثانية» بجماليتها ورومنطيقيتها ورمزيتها‪،‬‬ ‫وخري ثائر على العمود ال�شعري وخري رائد‬ ‫احلر �أو التفعيلي؟ �أم نقر�أه يف مراحله‬ ‫لل�شعر ّ‬ ‫ال�سيا�سية الغا�ضبة التي مثّل فيها �ضمري‬ ‫متردها واحتجاجها؟ هل‬ ‫اجلماهري العربية يف ّ‬ ‫نقر�أه يف �شعره الغزيل اجلميل الذي ط ّور عربه‬ ‫الإرث النه�ضوي �أم يف حداثته اخلا�صة‪ ،‬حداثته‬ ‫العفوية والبعيدة عن نظريات احلداثة نف�سها؟‬ ‫نقر�أه يف �شعره ال�سيا�سي الرثائي الذي نعى به‬ ‫الواقع العربي امل�أزوم �أم يف �شعره ال�سيا�سي‬ ‫الذي وقع يف �رشك اخلطابة واملبا�رشة؟‬

‫�سنة حممود دروي�ش‬

‫مل يكن رحيل ال�شاعر حممود دروي�ش‬ ‫جمرد رحيل ل�شاعر فل�سطيني وعربي كبري‪،‬‬ ‫بقدر ما كان حدث ًا �شعري ًا و�سيا�سي ًا على‬ ‫ال�سواء‪ .‬فال�شاعر حممود دروي�ش هو مبثابة‬ ‫الرمز الأنقى للق�ضية الفل�سطينية‪ ،‬بعيداً عن‬ ‫تناق�ضاتها و�أزماتها‪� .‬إنه �شاعر الأر�ض‬ ‫وحار�س الذكريات‪� ،‬شاعر املنفى الذي عا�شه‬ ‫الفل�سطينيون‪� ،‬شاعر العودة �إىل الوطن الذي‬ ‫�أ�ضحى مبثابة املجاز ال�شعري‪.‬‬ ‫كان رحيل حممود دروي�ش حدث ًا �شعرياً‬ ‫تراجيدي ًا بل احلدث الأبرز الذي و�سم عام ‪.2008‬‬ ‫رحل حممود دروي�ش يف �أوج «�شبابه»‬ ‫ال�شعري‪ .‬فالأعوام ال�سبعة وال�ستون التي‬ ‫انطف�أت يف ‪ 2008/8/9‬مل تزده �إال �ألق ًا‪ .‬وكان‬ ‫كلما اكت�شف خريف احلياة �أوغل يف ربيع‬


‫الف�صل االول‬ ‫الإبداع الأدبي ‪345‬‬

‫�شعر بالنبطية‪ ...‬والعامية‬

‫ما زال ال�شعر العربي املكتوب باللهجات‬ ‫العامية يحتل موقعه على اخلريطة ال�شعرية كما‬ ‫النبطي‬ ‫يف وجدان اجلماهري وذاكرتهم‪ .‬ال�شعر‬ ‫ّ‬ ‫يف اخلليج العربي يزداد �شعرا�ؤه مثلما يزداد‬ ‫قرا�ؤه‪ .‬ويكفي ر�صد ما ين�رش من هذا ال�شعر يف‬ ‫تبي املرتبة‬ ‫الكتب واملجالت وال�صحف حتى نْ‬ ‫التي يت�ص ّدرها يف احلركة ال�شعرية العربية‪.‬‬ ‫�أما ال�شعر العامي يف معظم البلدان العربية‬ ‫فله رواده وجمهوره الكبري‪ ،‬يف م�رص ويف‬ ‫بلدان امل�رشق واملغرب العربيني‪ ،‬وبات هذا‬ ‫ال�شعر يعبرّ عن �آمال النا�س وتطلّعاتهم وعن‬ ‫امل�شاعر التي تخاجلهم‪ ،‬بتلقائية وعفوية من‬ ‫غري �أن يخلو من الفن ال�شعري الراقي وال�صنيع‬ ‫اجلمايلّ‪.‬‬ ‫و�إن كان ي�ستحيل �إح�صاء ما ي�صدر من‬ ‫دواوين بالنبطية والعامية‪ ،‬ف�إن بالإمكان‬

‫الإبداع‬

‫الق�صيدة‪ .‬وقد كان يف الفرتة الأخرية على‬ ‫حما�سة �شعرية نادرة وعلى قلق ال يعرفه‬ ‫الر ّواد املكر�سون عادة‪« .‬الق�ضية» التي �صنعته‬ ‫مثلما �صنع �أ�سطورتها تخطاها �إىل الأمام الذي‬ ‫هو ال�شعر‪� .‬أ�ضحت الق�ضية هي املا�ضي امللطخ‬ ‫بالدم والأ�سى‪ ،‬و�أم�ست الق�صيدة هي امل�ستقبل‬ ‫القادر على احتواء الأر�ض التي كانت ومل يبق‬ ‫منها �سوى ما بقي‪ .‬كان ال�شعر ك ّل ه ّمه يف‬ ‫�أيامه الأخرية وما قبلها‪ .‬الوجه ال�سيا�سي فيه‬ ‫كان قد تغ�ضن وغزته �ش�آبيب الي�أ�س‪� ،‬أما وجهه‬ ‫ال�شعري فكان �أ�شد ن�ضارة من قبل‪ .‬كان �أدرك‬ ‫�إدراك اليقني ان «البيت �أجمل من طريق البيت»‬ ‫كما قال مرة‪ .‬البيت يظل حلم ًا ببيت قد ي�صل‬ ‫�إليه ‪ ،‬حي ًا �أو حممو ًال على الأكف‪� ،‬أما الطريق‬ ‫فهي حمفوفة بالأ�شواك والأخطار‪ .‬البيت هو‬ ‫احللم الذي قد يفتح �أمامه �أبوابه فيما الطريق‬ ‫�ش�أن واقعي‪ ،‬وما �أقبح الواقع عندما يغلبه‬ ‫الي�أ�س �أو القنوط‪ .‬لكن حممود دروي�ش و�صل‬ ‫�أخرياً �إىل البيت الذي بال �رشفة وال عتبة وال‬ ‫�أبواب‪ ،‬و�صل مغم�ض العينني ولكن بب�صرية ال‬ ‫تخبو وحنني مل تخمد ناره‪.‬‬ ‫كان ال�شعر هو النهاية التي ارجتاها �شاعر‬ ‫«جدارية»‪ .‬ال�سيا�سة انهكته والق�ضية �أثقلت‬ ‫ملحة �إىل حريته‪،‬‬ ‫كاهله وبات ي�شعر بحاجة ّ‬ ‫احلرية التي جتعله فرداً يف جماعة بعدما‬ ‫كان جماعة يف فرد‪ .‬كان الوقت حان ليواجه‬ ‫ال�شاعر نف�سه يف مر�آة نف�سه‪ .‬مر�آة الوطن غزاها‬ ‫ال�صد�أ بعدما �سقط الوطن يف �أ�رس الواقع الأ�شد‬ ‫م�أ�سوية من التاريخ‪ .‬اكت�شف ال�شاعر �أن «املنفى‬ ‫هو املنفى‪ ،‬هنا وهناك» و�أنه �شاعر املنفيني‬ ‫اللذين ال نهاية لهما‪ ،‬اللذين �أ�صبحا قدره‬ ‫وقدر الذين هم هو‪ ،‬اخوة يف الوطن و�إخوة يف‬ ‫الالوطن‪ ،‬يف ال�شعر والتيه والرتحال‪.‬‬ ‫مل تكن حلظة املوت غريبة عن �شاعر‬ ‫املوت يف ديوان «جدارية» وديوان «يف‬ ‫ح�رضة الغياب»‪ .‬لقد واجهه بعينني مفتوحتني‬ ‫وقلب متوقد‪ .‬خربه عن كثب وعا�شه بل ماته‬ ‫ثم نه�ض منه وبه جاع ًال منه ق�صيدة ولغة‬ ‫و�صوراً متدفقة‪ .‬ومثلما تنب�أ يف «جدارية»‪،‬‬

‫مل ميهله املوت كي ينهي حديث ًا عابراً مع ما‬ ‫تبقّى من حياته‪ ،‬مل ميهله حتى ليع ّد حقيبته‪.‬‬ ‫اغم�ض حممود دروي�ش عينيه رغم ًا عن احلياة‬ ‫التي كانت ت�صخب يف داخله‪� .‬شاعر احلياة‬ ‫غلبه املوت يف ذروة احلياة التي مل تكن وجه ًا‬ ‫�آخر للموت بل كانت غرميه الأبدي‪ .‬كان �شاعر‬ ‫«�رسير الغريبة» ير ّدد‪�« :‬أريد �أن �أحيا»‪ ،‬كان‬ ‫فع ًال يريد �أن يحيا ك�شاعر فقط‪ ،‬لكن ال�شاعر‬ ‫الذي مل يحافظ �إال على �سلطة «احللم» كان‬ ‫�أرقّ من رمح املوت الذي اخرتق قلبه يف �أوج‬ ‫�شبابه‪.‬‬ ‫وقبيل رحيله ب�شهرين كان حممود دروي�ش‬ ‫ن�رش ديوانه الأخري يف حياته بعنوان «�أثر‬ ‫الفرا�شة» وقد �ض ّم ما �س ّماه هو نف�سه «يوميات»‪.‬‬ ‫يف هذا الديوان يختلط ال�شعر بالنرث‪ ،‬والق�صيدة‬ ‫باملقطوعة النرثية‪ ،‬ورهافة اللحظة ال�شعرية‬ ‫يت�سن‬ ‫بجمالية «النرث اليومي»‪ّ .‬‬ ‫لكن ال�شاعر مل ّ‬ ‫له االطالع على االثر الذي تركه هذا الكتاب‪،‬‬ ‫القراء‪ ،‬وقد ا�ستقبلوه برتحاب‬ ‫يف النقاد كما يف ّ‬ ‫كبري‪ ،‬على الرغم من طغيان رحيل ال�شاعر على‬ ‫املعرتك ال�شعري العربي والعاملي‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 346‬للتنمية الثقافية‬

‫النبطي يف اخلليج العربي‬ ‫ال�شعر‬ ‫ّ‬ ‫يزداد �شعرا�ؤه مثلما يزداد قرا�ؤه‪.‬‬ ‫ويكفي ر�صد ما ين�رش من هذا ال�شعر‬ ‫يف الكتب واملجالت وال�صحف حتى‬ ‫تبي املرتبة التي يت�ص ّدرها يف‬ ‫نْ‬ ‫احلركة ال�شعرية العربية‪.‬‬

‫�صدر خلالد الفي�صل ديوان‬ ‫بعنوان «�أ�شعار خالد الفي�صل»‪ ،‬و�ض ّم‬ ‫هذا الديوان منتخبات من الق�صائد‬ ‫التي د�أب على كتابتها‪ ،‬بروح �شفيفة‬ ‫مما علق به‬ ‫ت�سعى �إىل حترير العامل ّ‬ ‫من ب�شاعات احل�ضارة احلديثة‪.‬‬

‫التوقف �أمام مناذج متثّل �أبعاد ال�شعر ال�شعبي‬ ‫وجمالياته والق�ضايا التي يعبرّ عنها والهموم‬ ‫التي يختزنها يف داخله‪.‬‬ ‫ويف هذا ال�صدد �أ�صدر الأمري ال�شاعر خالد‬ ‫الفي�صل ديوان ًا بعنوان «�أ�شعار خالد الفي�صل»‪،‬‬ ‫و�ض ّم هذا الديوان منتخبات من الق�صائد التي‬ ‫د�أب على كتابتها‪ ،‬بروح �شفيفة ولغة تنحو‬ ‫منحى جمالي ًا �صافي ًا‪ .‬ق�صائد تغرف من‬ ‫الوجدان العميق والذات الإن�سانية‪ ،‬تخاطب‬ ‫القلب والعقل يف �آن واحد وت�سعى �إىل حترير‬ ‫مما علق به من ب�شاعات احل�ضارة‬ ‫العامل ّ‬ ‫احلديثة‪ ،‬ح�ضارة التكنولوجيا التي تكاد‬ ‫تق�ضي على القيم الأ�صيلة‪ .‬هكذا يغني ال�شاعر‬ ‫واحلب املثايل واملا�ضي الفائ�ض‬ ‫احلياة‬ ‫ّ‬ ‫بالرباءة والأمل �أو الرجاء الذي يحتاج �إليه‬ ‫العامل‪ ،‬املحا�رص بالهموم وال�شجون‪.‬‬ ‫يف القاهرة احتفى اجلمهور امل�رصي �أو‬ ‫القراء بالأحرى بال�شاعرين العاميني �أحمد ف�ؤاد‬ ‫ّ‬ ‫جنم وعبدالرحمن الأبنودي اللذين ما برحا‬ ‫وبحب‬ ‫يعانيان املر�ض ويواجهانه بال�شعر‬ ‫ّ‬ ‫احلياة نف�سها‪ .‬وقد �صدرت لهما خمتارات من‬ ‫ق�صائدهما لقيت رواج ًا كالعادة‪ ،‬ور ّددها‬ ‫اجلمهور متن ّعم ًا بلغتها احلارقة و�صورها‬ ‫الباهرة وجماليتها وم�ضمونها �أو مواقفها‬ ‫ال�صارخة وببعدها الوجداين والعاطفي‪.‬‬ ‫ال�شاعر العراقي مظفر النواب الذي يعاين‬ ‫املر�ض �أي�ض ًا‪ ،‬ويقال �إنه طريح الفرا�ش يف‬ ‫منزله الدم�شقي يف العا�صمة ال�سورية حيث‬ ‫اختار الإقامة‪ ،‬تواىل �صدور �أعماله ال�شعرية‬ ‫بالعامية العراقية ديوان ًا تلو ديوان‪ .‬ويف‬ ‫هذه الأعمال تتجلى ثورته ال�شعرية التي كان‬ ‫ج�سد فيها �صوت ال�شعب‬ ‫�أعلنها قبل �أعوام وقد ّ‬ ‫الغا�ضب واملقهور و�صوت الأمة الراف�ضة للظلم‬ ‫والإذالل والهزمية‪ .‬ولئن طغى الهم ال�سيا�سي‬ ‫يحرر‬ ‫على �شعر مظفّر النواب ف�إنه ا�ستطاع �أن ّ‬ ‫ال�سيا�سة من طابعها املبا�رش والآين جاع ًال‬ ‫منها ق�ضية �إن�سانية بامتياز‪.‬‬ ‫يف بريوت �أ�صدر ال�شاعر اللبناين ع�صام‬ ‫عبداهلل ديوان ًا بالعامية عنوانه «مقام ال�صوت»‬

‫وفيه يوا�صل ال�شاعر م�سريته اخلا�صة التي‬ ‫ا�ستطاع ان يكون فيها خري وارث للمدر�سة‬ ‫ال�شعرية اللبنانية املتجلّية يف اللغة العامية‬ ‫واحلاملة يف ثناياها �سحر الطبيعة ووهج‬ ‫الغنائية‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬الأدب العربي ال�شاب‬

‫عام ًا تلو �آخر يزداد ح�ضور الإبداع‬ ‫الأدبي ال�شاب‪� ،‬سواء يف الرواية �أم يف ال�شعر �أم‬ ‫احلرة التي تتخطى‬ ‫الق�صة الق�صرية �أم الكتابة ّ‬ ‫مقايي�س النوع الأدبي‪ .‬وهذا الأدب ظاهرة ال‬ ‫ميكن جتاهلها مهما بدت ملتب�سة وعامة �أو‬ ‫«�شاملة» بالأحرى‪ ،‬ومهما تعر�ضت حلمالت‬ ‫نقدية ي�ش ّنها بع�ض الر ّواد ومن �أعقبهم‪ .‬هذه‬ ‫الظاهرة ال ب ّد من التوقف عندها لأنها حتمل‬ ‫�أو ًال نواة الأدب املنتظر م�ستقب ًال ولأنها متثّل‬ ‫ثاني ًا امل�شهد الراهن‪ .‬الأدباء ال�شباب الآن هم‬ ‫�أدباء الغد بح�سب ما يفرت�ض املعيار الزمني‪.‬‬ ‫�إال �أن ال�صفة «ال�شبابية» التي تطلق على‬ ‫هذه الظاهرة غالب ًا ما تكون «عمومية» وبال‬ ‫حدود �أو معايري‪ .‬فهذه ال�صفة ميكن �إطالقها‬ ‫على ب�ضعة �أجيال تتو ّزع خالل عقدين �أو‬ ‫ثالثة‪ ،‬مثلما تطلق على اجليل الراهن الذي‬ ‫يخطو خطواته الأوىل يف عامل الأدب‪� .‬إنها‬ ‫�صفة ف�ضفا�ضة حتتمل �أكرث من مو�صوف‪.‬‬ ‫لكن هذا االلتبا�س مل يكن عائق ًا دون تعيني‬ ‫هذا الأدب وقراءته بو�صفه �أدب ًا �شاب ًا وراهن ًا‬ ‫وخمتلف ًا عما �سبقه من �أدب ينتمي �إىل �أجيال‬ ‫�أخرى‪ .‬وباتت ال�صفة «ال�شبابية» تطلق على‬ ‫اجليل اجلديد الذي تخطى مرحلة «االبتداء» �أو‬ ‫«الهوية» ويتهي�أ ليدخل مرحلة االحرتاف �أو‬ ‫لعله دخلها‪.‬‬ ‫بعيداً من هذه «الإ�شكاليات» يف الت�سمية‬ ‫والو�صف �أو التعيني عمدت بع�ض امل�ؤ�س�سات‬ ‫الثقافية العربية �إىل ر�صد حركة الأدب‬ ‫العربي ال�شاب �أو «الراهن» و�إىل �إحياء لقاءات‬ ‫متتالية يف عا�صمة عربية و�أخرى‪ ،‬جامعة‬ ‫�أ�سماء ووجوه ًا �شابة‪ ،‬فا�سحة �أمامها املجال‬ ‫لتتعارف وتتبادل اخلربات والأفكار وتعمل‬


‫الف�صل االول‬ ‫الإبداع الأدبي ‪347‬‬

‫معظم اجلوائز الأدبية يف العامل‬ ‫العربي تذهب �إىل الأدباء الكبار‬ ‫املكر�سني‪ .‬الأدباء ال�شباب ال‬ ‫�أو‬ ‫ّ‬ ‫يح�صدون �سوى الن�صائح وبع�ض‬ ‫عبارات الت�شجيع وال�شهادات التي‬ ‫يتكّرم بها عليهم �أ�ساتذتهم �أو الأدباء‬ ‫الذين يكربونهم �سن ًا وجتربة‪.‬‬

‫الأدباء ال�شباب العرب ي�ستحقون‬ ‫�أن يحظوا بجوائز تغطي حقول‬ ‫الرواية والق�صة وال�شعر وتدعمهم يف‬ ‫مقتبل حياتهم الأدبية وتلفت الأنظار‬ ‫�إليهم وتلقي �ضوءاً على �أعمالهم‬ ‫وجتاربهم!‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإبداع‬

‫مع ًا يف ما ي�شبه املحرتفات الأدبية‪ .‬منها‬ ‫على �سبيل املثل م�ؤ�س�سة «املورد» يف القاهرة‬ ‫وم�ؤ�س�سة القطان يف فل�سطني التي د�أبت على‬ ‫منح جوائز للأدباء ال�شباب‪.‬‬ ‫خ�ص�ص للأدب‬ ‫وقد تكون اجلوائز التي ُت ّ‬ ‫ال�شاب مهمة نظراً �إىل ت�شجيعها الأ�سماء ال�شابة‬ ‫مادي ًا و�أدبي ًا‪ ،‬لكنها ال تكفي‪ .‬فهي ال متثّل‬ ‫حافزاً على ت�صنيف هذا الأدب وبلورته و�إ�ضاءة‬ ‫زواياه ومعاجلة �أزماته‪ .‬اجلوائز ت�ضع الأ�سماء‬ ‫الفائزة حتت �أ�ضواء الإعالم و«ال�شهرة»‪ ،‬وتذكي‬ ‫يف اجليل ال�شاب نار التحدي واملثابرة‪ ،‬لكنها‬ ‫ال ت�ساعده على ا�ستيعاب العقبات التي يواجهها‬ ‫يف انتقاله من مرحلة الهواية �إىل مرحلة‬ ‫االحرتاف‪ ،‬وهذا انتقال ال يخلو من املخاطرة‬ ‫وامل�شقة‪.‬‬ ‫ومن الوا�ضح �أن معظم اجلوائز الأدبية‬ ‫يف العامل العربي تذهب �إىل الأدباء الكبار �أو‬ ‫املكر�سني‪ .‬الأدباء ال�شباب ال يح�صدون �سوى‬ ‫الن�صائح وبع�ض عبارات الت�شجيع وال�شهادات‬ ‫يتكرم بها عليهم �أ�ساتذتهم �أو الأدباء‬ ‫التي ّ‬ ‫الذين يكربونهم �سن ًا وجتربة‪ .‬ولع ّل اجلوائز‬ ‫القليلة املوجهة �إىل الأدباء ال�شباب هي جوائز‬ ‫خجولة يف معظمها‪ ،‬جوائز معنوية �أو رمزية‬ ‫وبع�ضها حملي �أو �إقليمي‪ .‬وهي غالب ًا ما‬ ‫تخ�ضع العتبارات عدة وتوجيهات ومبادئ‬ ‫جاهزة ونادراً ما ت�سعى فع ًال �إىل اكت�شاف‬ ‫املواهب وتكرميها وتبنيها‪ .‬على �أن الأدباء‬ ‫ال�شباب العرب ي�ستحقون �أن يحظوا بجوائز‬ ‫تغطي حقول الرواية والق�صة وال�شعر وتدعمهم‬ ‫يف مقتبل حياتهم الأدبية وتلفت الأنظار �إليه‬ ‫م وتلقي �ضوءاً على �أعمالهم وجتاربهم! ولع ّل‬ ‫جوائز كهذه ال تخلق فقط نوع ًا من املناف�سة‬ ‫الأدبية اجلميلة بل قد ت�سهم‪� ،‬إن كانت جوائز‬ ‫حقيقية‪ ،‬يف بلورة الأدب ال�شاب ويف ت�صنيفه‬ ‫وتر�سيخه ك�أدب �سي�صبح الحق ًا �أدب امل�ستقبل!‬ ‫وعالوة على ك�شف هذه اجلوائز مواهب جديدة‬ ‫و�أقالم ًا جريئة فهي ت�ساعد على جعل هذا‬ ‫الأدب ال�شاب يف �صميم احلركة الأدبية ولي�س‬ ‫على هام�شها‪ .‬وقد ت�سهم �أي�ض ًا يف خلق حوار‬

‫حقيقي بني ه�ؤالء ال�شباب والأدباء املكر�سني‪،‬‬ ‫حتى و�إن �أدى احلوار �إىل االختالف ولي�س �إىل‬ ‫الإلغاء طبع ًا‪.‬‬ ‫يحمل بع�ض الر ّواد وبع�ض �أهل القلم‬ ‫والنقد با�ستمرار على اجليل ال�شاب �آخذين عليه‬ ‫م�آخذ كثرية مثل الركاكة اللغوية وال�ضحالة‬ ‫يف الثقافة والالمباالة والتقاع�س‪ ...‬نزار‬ ‫قباين كان ي�صف ال�شعراء ال�شباب بـ «�أطفال‬ ‫الأنابيب» معلن ًا ت ّربمه من ق�صائدهم ولغتهم‪.‬‬ ‫وي�أخذ عليهم �أحمد عبداملعطي حجازي جهلهم‬ ‫العرو�ض وقواعد اللغة العربية نف�سها‪ .‬ومل‬ ‫يتمالك الناقد جابر ع�صفور عن توجيه نقد‬ ‫قا�س لبع�ضهم‪ .‬وقد ر ّد بع�ض ال�شباب عليهم‬ ‫متهمني �إياهم باالنغالق والتقليد والأنانية‪...‬‬ ‫قد يحقّ للجيل احلداثي الأول‪ ،‬الرائد وامل�ؤ�س�س‬ ‫�أال ي�ستوعب هذه الأ�صوات ال�شابة املختلفة عنه‬ ‫اختالف ًا �شديداً‪ ،‬وقد ي�ضري هذا اجليل �أال يجد‬ ‫�أثراً له يف نتاج ه�ؤالء ال�شباب الذين طوروا‬ ‫لغتهم و�أ�شكالهم و�أ�ساليبهم متخطني الر ّواد‬ ‫ومن �أعقبهم‪� ،‬سواء �سلب ًا �أم �إيجاب ًا‪ .‬ولكن يحقّ‬ ‫�أي�ض ًا للجيل ال�شاب �أن يدافع عن نف�سه وينتقد‬ ‫«غرماءه»‪� ،‬رشط �أن يحافظ على املو�ضوعية‬ ‫والنبل يف النقد‪.‬‬ ‫قد يحتاج امل�شهد الأدبي ال�شاب �إىل املزيد‬ ‫من الوقت كي يتبلور ويتجلى ويحكم عليه‬ ‫بالتايل‪ ،‬حتى و�إن برزت فيه ه ّنات وعرثات ال‬ ‫ميكن الغ�ض عنها‪ ،‬ومنها الركاكة التي جعلها‬ ‫ال�شباب رديف ًا للغة احلياة ونقي�ض ًا للغة املعاجم‬ ‫والقوامي�س‪ ،‬وكذلك احلرية التي ال مقايي�س لها‬ ‫والتي �أتاحت لهم �أن يتخطّ وا الأ�صول والتقاليد‪،‬‬ ‫والت�شابه يف الأ�صوات والأجواء واللغات حتى‬ ‫بدوا ك�أنهم يقلدون بع�ضهم بع�ض ًا‪ ...‬هذه م�آخذ‬ ‫ميكن �أن تالحظ ب�سهولة‪ ،‬لكنها لي�ست ذريعة‬ ‫لإلغاء جيل بكامله‪ ،‬وجتارب بكاملها‪.‬‬ ‫ي�صعب فع ًال التعامل مع �أدب ال�شباب‬ ‫بخفة وال مباالة وك�أن هذا الأدب ال ينتمي �إىل‬ ‫ّ‬ ‫�صميم التجربة الأدبية �أو ك�أنه يف �أ�سو�أ الأحوال‬ ‫�أدب البدايات الذي ال يلبث الكثري من الأدباء �أن‬ ‫ينكره �أو يتنا�ساه‪ .‬وي�صعب كذلك تهمي�ش هذا‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 348‬للتنمية الثقافية‬

‫ما يجب االلتفات �إليه هو‬ ‫«املجالت» الأدبية ال�شبابية التي‬ ‫ت�صدر يف الكثري من العوا�صم واملدن‬ ‫العربية‪ ،‬لكنها �رسعان ما تتوقف‬ ‫عن ال�صدور لأ�سباب ع ّدة من �أبرزها‬ ‫التمويل والرقابة‪.‬‬

‫�أ�صبحت ظاهرة «املنتديات»‬ ‫ال�شبابية جديرة بالكثري من الت�أمل‪،‬‬ ‫�سواء ملا تتيحه من �إمكانات للحوار‬ ‫وتبادل الأفكار �أو نظراً لكونها مالذاً‬ ‫للأدباء ال�شباب‪ ،‬يلج�أون �إليها لت�سويق‬ ‫�أعمالهم والدعاية لها‪.‬‬

‫الأدب �أو جتاهله وتدجينه واحلكم عليه حكم ًا‬ ‫م�سبق ًا وعدم قراءته واالعتناء به و�إيفائه حقه!‬ ‫وهذا ما يح�صل غالب ًا يف عاملنا العربي‪.‬‬ ‫وما يجب االلتفات �إليه هو «املجالت»‬ ‫الأدبية ال�شبابية التي ت�صدر يف الكثري من‬ ‫العوا�صم واملدن العربية‪ ،‬يف القاهرة كما‬ ‫يف الرباط �أو بريوت �أو رام اهلل وع ّمان وج ّدة‬ ‫وبغداد و�سواها‪ ،‬ناهيك ببع�ض املدن الغربية‬ ‫التي باتت �أ�شبه باملغرتب الإبداعي العربي‪.‬‬ ‫لكن هذه املجالت ال�شهرية �أو الف�صلية ال حتافظ‬ ‫على وترية منتظمة يف �صدورها‪ ،‬فمعظمها‬ ‫�رسعان ما يتوقف عن ال�صدور لأ�سباب ع ّدة‬ ‫من �أبرزها التمويل والرقابة‪ .‬والالفت خالل‬ ‫العام ‪ 2008‬موا�صلة جملّة «من و�إىل» على‬ ‫ال�صدور وهي جملة ُتعنى بـ «الأ�صوات العربية‬ ‫اجلديدة» ير�أ�س حتريرها ال�شاعر الفل�سطيني‬ ‫ال�شاب جنوان دروي�ش وت�صدر عن دار «جيل»‬ ‫حمررها‬ ‫يف رام اهلل‪ .‬واملجلة هذه عربية وي� ّرص ّ‬ ‫على جمع ق�صائد وق�ص�ص ون�صو�ص �شبابية‬ ‫يف �أنحاء العامل العربي‪.‬‬ ‫ال �شكّ يف �أن جهاز الإنرتنت �أ�صبح مالذاً‬ ‫للكتابة اجلديدة �أو ال�شابة‪� .‬سواء على م�ستوى‬ ‫الن�رش �أم من خالل اتخاذ الف�ضاء االفرتا�ضي‬ ‫مو�ضوع ًا للكتابة‪ .‬ففي املغرب مث ًال‪ ،‬كتب‬ ‫ه�شام دحماين جمموعته الق�ص�صية «�أعلى‬ ‫قلي ًال من بيل غيت�س» حماو ًال من خاللها‬ ‫مقاربة هذا الف�ضاء ومالب�ساته‪ .‬وتبعته من‬ ‫ثم فاطمة بوزيان يف ن�صو�ص جمموعتها‬ ‫الق�ص�صية «هذه ليلتي»‪ ،‬حيث ي�صبح الإنرتنت‬ ‫�أحيان ًا بطل الن�ص �أو ُيغيرّ م�صري الأ�شخا�ص‬ ‫وي�ضفي عليهم حت ّوالت تنتهي بهم �إىل نتائج‬ ‫غري متوقعة‪.‬‬ ‫ويف الأردن ا�شتهر حممد �سناجلة‬ ‫بروايتيه الرقميتني‪� ،‬أما يف م�رص‪ ،‬فال�شباب‬ ‫اليوم يكتبون بحما�سة م�ستفيدين من هبة‬ ‫االفرتا�ضي‪ ،‬ويغزو جمموعاتهم الق�ص�صية‬ ‫و�أعمالهم الروائية عامل «النت»‪ ،‬خالق ًا لهم‬ ‫فر�ص ًا جديدة للتعبري‪ .‬ثم تط ّور الأمر و�رسعان‬ ‫ما �أ�صبح الأدباء املكر�سون ي�سعون بدورهم‬

‫�إىل االنت�شار عرب الإنرتنت نظراً ملا يتيحه من‬ ‫�إمكانات‪.‬‬ ‫و�أ�صبحت �أي�ض ًا ظاهرة «املنتديات»‬ ‫ال�شبابية جديرة بالكثري من الت�أمل‪� ،‬سواء ملا‬ ‫تتيحه من �إمكانات للحوار وتبادل الأفكار �أم‬ ‫نظراً لكونها مالذاً للأدباء ال�شباب‪ ،‬يلج�أون‬ ‫�إليها لت�سويق �أعمالهم والدعاية لها‪ .‬ولع ّل هذا‬ ‫ما جعل على الأرجح‪ ،‬الكاتب امل�رصي ال�شاب‬ ‫�أ�رشف ن�رص ي�صدر روايته «حرية دوت كوم»‪،‬‬ ‫التي يبدو من عنوانها �أنها تربط �إىل ح ّد بعيد‬ ‫بني احلرية والإنرتنت‪ ،‬فهو ف�ضاء يتيح �إمكانات‬ ‫على م�ستوى التلقي‪ ،‬ويتخطّ ى كل رقابة‪ .‬وقد‬ ‫حازت الرواية منحة ن�رش من م�رشوع «�إقر�أ‬ ‫واكتب الآن» الذي تنظّ مه م�ؤ�س�ستا «املورد‬ ‫الثقايف» و «�أناليندا»‪ ،‬ومكتبة الإ�سكندرية‬ ‫وم�ؤ�س�سة تامر للتعليم يف فل�سطني‪.‬‬ ‫وقد ت�صلح هذه الرواية لتكون منوذج ًا‬ ‫�أدبي ًا �شبابي ًا‪ .‬فهي حتكي عن جماعة من‬ ‫ال�شباب ينتمون �إىل بلدان عربية خمتلفة‪ .‬ومن‬ ‫ه�ؤالء ال�شباب‪� :‬رشيف امل�رصي من الفيوم‪،‬‬ ‫جميد العراقي املقيم يف هولندا‪ ،‬خليل امل�رصي‬ ‫من �سوهاج‪� ،‬سهيل اللبناين‪ ،‬ليلى من القاهرة‪،‬‬ ‫مايكل من الإ�سكندرية‪ ،‬رغد من الإمارات‪ .‬وهم‬ ‫يتقابلون يف منتدى «حرية دوت كوم» ويت�أثر‬ ‫بع�ضهم ببع�ض عرب التوا�صل الذي يحدث‬ ‫بينهم‪.‬‬ ‫ولع ّل احلرية التي ربط �أ�رشف بينها وبني‬ ‫الإنرتنت‪ ،‬تعبري وا�ضح عن �أزمة التوا�صل‪،‬‬ ‫فال�شباب العرب‪� ،‬سعي ًا منهم نحو تفجري‬ ‫طاقاتهم‪ ،‬يعمدون �إىل التالقي عرب الإنرتنت‬ ‫البتكار مناطق جديدة للحرية ت�ساعدهم على‬ ‫التخل�ص من �ضغط الواقع‪ ،‬والبحث عن هواء‬ ‫�أرحب‪ .‬ويتيح هذا الف�ضاء لهم �إمكانات مهمة‬ ‫تخفف من ال�ضغط النف�سي وحتول دون االنهيار‬ ‫�أو ال�سقوط‪.‬‬

‫رابعً ا‪� :‬أدب عربي بالأجنبية‬

‫الأدب العربي املكتوب بالفرن�سية �أو‬ ‫بالإنكليزية و�سواهما تزداد رقعته ات�ساع ًا‪،‬‬


‫الف�صل االول‬ ‫الإبداع الأدبي ‪349‬‬

‫اللغات الأجنبية ما فتئت تغري‬ ‫الكثري من الروائيني العرب‪ ،‬هذه‬ ‫الظاهرة برزت خالل العام ‪2008‬‬ ‫وغدت حا�رضة �سواء عرب الأ�سماء‬ ‫الكبرية التي وا�صلت جتربتها‬ ‫الكتابية بالفرن�سية والإنكليزية �أم‬ ‫عرب الأ�سماء اجلديدة التي وجدت‬ ‫يف اللغة الأجنبية مالذاً للهروب من‬ ‫«ح�صار» اللغة العربية �إىل ف�ضاء‬ ‫العاملية �أو التي ن�ش�أت على الكتابة‬ ‫باللغة الأجنبية تبع ًا الغرتابها‬ ‫املكاين �أو الثقايف‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإبداع‬

‫فاللغات الأجنبية ما فتئت تغري الكثري من‬ ‫الروائيني وال�شعراء العرب‪ ،‬بع�ضهم يقيم يف‬ ‫العامل العربي والبع�ض الآخر يف املغرتب‬ ‫ال�شا�سع‪ ،‬بدءاً من �أوروبا وانتهاء يف �أمريكا‬ ‫ال�شمالية واجلنوبية‪ .‬هذه الظاهرة برزت‬ ‫خالل العام ‪ 2008‬وغدت حا�رضة �سواء عرب‬ ‫الأ�سماء الكبرية التي وا�صلت جتربتها الكتابية‬ ‫بالفرن�سية والإنكليزية �أم عرب الأ�سماء اجلديدة‬ ‫التي وجدت يف اللغة الأجنبية مالذاً للهروب‬ ‫من «ح�صار» اللغة العربية �إىل ف�ضاء العاملية‬ ‫�أو التي ن�ش�أت على الكتابة باللغة الأجنبية‬ ‫تبع ًا الغرتابها املكاين �أو الثقايف‪ .‬واليوم مل‬ ‫تعد حت�صى الأ�سماء العربية التي اختارت‬ ‫اللغات الأجنبية و�سيلة للتعبري‪ ،‬ال �سيما يف‬ ‫�أمريكا الالتينية‪ ،‬وبع�ضها ينتمي �إىل اجليل‬ ‫االغرتابي الثالث – كما يقال – الذي يرتبط‬ ‫بالعامل العربي من خالل اجلذور فقط ولي�س‬ ‫من خالل اللغة �أو الثقافة‪� .‬أما الالفت فهو‬ ‫�إقبال بع�ض الكتاب الفل�سطينيني الذين ينتمون‬ ‫�إىل فل�سطني ‪ 1948‬على الكتابة باللغة العربية‪،‬‬ ‫وهذه ظاهرة حتتاج فع ًال �إىل الوقوف عندها‪.‬‬ ‫وقد برزت على هذا امل�ستوى �أ�سماء ع ّدة من‬ ‫�أبرزها الروائي �أنطوان �ش ّما�س الذي �أحدثت‬ ‫روايته «�أرابي�سك» التي كتبها بالعربية قبل‬ ‫�أعوام ثورة وبدا فيها ك�أنه يتقن العربية مثله‬ ‫مثل الك ّتاب الإ�رسائيليني بل �أكرث‪ .‬وعلى طريقه‬ ‫�سار الروائي الفل�سطيني ال�شاب �سيد ق�شوع الذي‬ ‫حملت روايته الأوىل بالعربية عنوان ًا مثرياً هو‬ ‫«عرب يرق�صون» وبات ميثل الأدب الإ�رسائيلي‬ ‫يف املهرجانات الدولية على الرغم من انتمائه‬ ‫الفل�سطيني‪� .‬إنها حالة ا�ستالبية بامتياز‪� ،‬أن‬ ‫يختار فل�سطين ّيو الداخل لغة املحتل وي�ستبدلوا‬ ‫لغتهم العربية بها‪.‬‬ ‫�إال �أن حال «اال�ستالب» هذه مل تتج َّل كثرياً‬ ‫يف �أعمال الروائيني وال�شعراء العرب الذين‬ ‫اختاروا الفرن�سية �أو الإنكليزية �أو الإ�سبانية‪.‬‬ ‫فه�ؤالء حافظوا على هويتهم العربية حتى‬ ‫و�إن بدا بع�ضهم ينزع منزع ًا «�إكزوتيكي ًا»‪،‬‬ ‫جاع ًال من �إرثه العربي الثقايف واالجتماعي‬

‫مادة روائية تغري القارئ الأجنبي‪ .‬ويكفي‬ ‫ا�ستعرا�ض الروايات املكتوبة بالفرن�سية مث ًال‬ ‫التي ا�ستوحت �أجواء احلياة الن�سائية احلميمة �أو‬ ‫العالقات املرتفة والعادات والتقاليد التي تبهر‬ ‫القراء الغربيني‪ .‬وهذا النوع من الروايات بات‬ ‫ّ‬ ‫رائج ًا ال �سيما روايات «احل ّمامات» املغاربية‬ ‫وزنى املحارم وت ّعدد الزوجات و�سواها‪ .‬فهناك‬ ‫�أعمال ق ّيمة ومهمة ج ًدا ا�ستطاعت �أن تفر�ض‬ ‫نف�سها ك�أعمال �أدبية �رصف بعيداً من بيئتها‬ ‫�أو جذورها‪.‬‬ ‫الروائي املغربي الفرنكوفوين الطاهر بن‬ ‫جلّون �صدرت له يف باري�س رواية بالفرن�سية‬ ‫أمي»‪ ،‬وفيها ينطلق من مو�ضوع‬ ‫عنوانها «عن � ّ‬ ‫ج ّد �شخ�صي‪ ،‬ق�صة والدته‪ ،‬ملعاجلة مو�ضوعات‬ ‫خمتلفة‪ ،‬مثل مميزات الأمومة يف ال�رشق مقارنة‬ ‫بالأمومة يف الغرب‪ ،‬م�شاكل ال�شيخوخة ويف‬ ‫مقدمها مر�ض «الزهامير»‪ ،‬طبيعة العادات‬ ‫والتقاليد التي تتحكّم بعالقة الإن�سان ال�رشقي‬ ‫بوالديه‪ ،‬وذلك من دون �أن تفقد الرواية �صفتها‬ ‫الأوىل كتحية لوالدة بن جلون‪ ،‬ومن خاللها‬ ‫ملعظم الأمهات يف العامل العربي‪� .‬إنها الأم‬ ‫العجوز التي مل تعد قادرة على التمييز بني‬ ‫�أوالدها‪ ،‬ولكن �أي�ض ًا بني احلقب والأماكن‪ .‬كل‬ ‫�شيء يختلط عليها‪ .‬الزمن مل يعد يتفق داخلها‬ ‫مع الواقع‪ .‬فمنذ �أن غريت غرفتها وهي مقتنعة‬ ‫ب�أنها انتقلت �إىل منزل �آخر يف مدينة �أخرى‪.‬‬ ‫متزوجة يف اخلام�سة ع�رشة من عمرها‪� ،‬أرملة‬ ‫يف ال�ساد�سة ع�رشة‪� ،‬أعيد تزويجها مرتني من‬ ‫دون �أن يكون لها ر�أي يف ذلك‪ .‬وطوال حياتها‪،‬‬ ‫ا�شتغلت وتعبت يف الطبخ والغ�سيل والتنظيف‬ ‫داخل منزلها الذي مل يكن يتوافر فيه �آنذاك ال‬ ‫الرباد وال الغ�سالة وال الهاتف وال حتى املاء‬ ‫من احلنفية‪� .‬أمية‪ ،‬لكن غري جاهلة‪ ،‬وي�صف بن‬ ‫جلون برقّة م�ؤثّرة قناعاتها الدينية املت�ساحمة‬ ‫وقيمها وتقاليدها اجلميلة‪ .‬ولع ّل �أكرث ما يلفت‬ ‫يف هذه الرواية احلقيقية هو تفهم بن جلون‬ ‫لأمه و�سهره عليها طوال الفرتة الأخرية من‬ ‫مر�ضها‪ .‬ومن امل�ؤكد �أن كونه االبن الأخري‬ ‫والأغلى على قلبها يف�سرّ عالقته اخلا�صة بها‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 350‬للتنمية الثقافية‬

‫يف كندا برز خالل العام ‪2008‬‬ ‫ا�سم روائي لبناين يكتب بالإنكليزية‬ ‫يدعى راوي احلاج‪ ،‬وقد حققت روايته‬ ‫الأوىل «م�صائر الغبار» جناح ًا عاملي ًا‬ ‫وترجمت �إىل لغات ع ّدة وفازت �أي�ض ًا‬ ‫بجوائز ع ّدة‪.‬‬

‫ورغبته يف مواكبتها حتى مثواها الأخري‪.‬‬ ‫الروائي ال�صومايل نور الدين فرح الذي‬ ‫يكتب بالإنكليزية والذي بات ا�سمه رائج ًا‬ ‫على م�ستوى الأدب العاملي احلديث �أ�صدر‬ ‫بالإنكليزية رواية بعنوان «عقد»‪ .‬وهذه الرواية‬ ‫ميكن اعتبارها تتمة لروايته ال�سابقة «�صالت»‪.‬‬ ‫�أما العنوان «عقد» فهو يرمز �إىل الأو�ضاع‬ ‫املعقدة التي يعي�شها ال�صوماليون‪� ،‬ضحايا‬ ‫النزاعات بني ر�ؤ�ساء القبائل وخمتلف الفرق‬ ‫امل�سلحة و�أمراء احلرب الأ�صوليني املتطرفني‪،‬‬ ‫كما قد يرمز �إىل عي�ش النا�س يف ظل خوف‬ ‫دائم تفرزه حربهم الأهلية التي ت�شكل خلفية‬ ‫الرواية‪.‬‬ ‫ومن ناحية �أخرى برزت �أ�سماء �أدبية‬ ‫�سودانية يف الأدب العاملي حتى بات ممكن ًا‬ ‫الكالم على �أدب �سوادين يف املهجر‪ .‬ف�أ�سماء مثل‬ ‫طارق الطيب وليلى �أبو العال وجمال حمجوب‬ ‫وحمد امللك و�سواهم‪ ،‬تلفت مبا تبدع من �أعمال‬ ‫ومبا ترتك من �أ�صداء يف املنابر الدولية‪.‬‬ ‫تتحرك يف بلدان مثل بريطانيا‬ ‫هذه الأ�سماء ّ‬ ‫وهولندا والنم�سا‪ ،‬وتختلف يف �أ�سباب خروجها‬ ‫من ال�سودان‪ .‬وقد عرف جمال حمجوب جناح ًا‬ ‫كبرياً يف بريطانيا والعامل الأنغلو‪�-‬ساك�سوين‬ ‫وفاز بجوائز مرموقة‪.‬‬ ‫ويف كندا برز خالل العام ‪ 2008‬ا�سم روائي‬ ‫لبناين يكتب بالإنكليزية يدعى راوي احلاج‪،‬‬ ‫وقد حققت روايته الأوىل «م�صائر الغبار»‬ ‫جناح ًا عاملي ًا وترجمت �إىل لغات ع ّدة وفازت‬ ‫�أي�ض ًا بجوائز ع ّدة‪ .‬يكتب حاج‪ ،‬يف روايته عن‬ ‫احلرب اللبنانية بانف�صال يو�ضح ال انتماءه‬ ‫�إىل �أي من �أطراف احلرب‪.‬‬ ‫وبالإنكليزية �أي�ض ًا �أ�صدر الروائي والقا�ص‬ ‫الفل�سطيني املقيم يف لندن �سمري اليو�سف رواية‬ ‫جديدة بعنوان «ميثاق حب» بعد روايته الأوىل‬ ‫بالإنكليزية «وهم العودة»‪ .‬يحمل اليو�سف �إىل‬ ‫اللغة الإنكليزية هواج�س من خارج �ضفاف‬ ‫بريطانيا‪ .‬يحمل �إىل لغة الآخر ما كان بثّه يف‬ ‫ن�صو�صه التي كتبها �سابق ًا بالعربية‪ ،‬وي�شّ كل‬ ‫البث‪.‬‬ ‫ال�ش�أن ال�سيا�سي الفل�سطيني زبدة هذا ّ‬

‫واجلديد يف هذه الرواية يتجلى حني ي�سعى‬ ‫الكاتب �إىل ا�صطياد ما مل يت ّم التطرق �إليه وما‬ ‫بقي طي الكتمان يف الف�ضاء الفل�سطيني‪.‬‬ ‫ال تبتعد هذه الرواية «ميثاق حب»‬ ‫عن املناخات الفل�سطينية املعقدة �سوى‬ ‫يف ذهابها �أبعد من جهة تخطي املحظور‪.‬‬ ‫فالبطل‪� ،‬إبراهيم‪ ،‬الفل�سطيني الذي هرب من‬ ‫لبنان وطلب اللجوء ال�سيا�سي يف لندن ثم‬ ‫ح�صل على اجلن�سية الربيطانية‪ ،‬يعي�ش بني‬ ‫الأقوام والأجنا�س والإثنيات وال�شعوب التي‬ ‫تقطن لندن‪ ،‬ويقع يف حب فتاة �إ�رسائيلية‪.‬‬ ‫وتن�ش�أ بينهما عالقة �صداقة ال تلبث �أن تتطور‬ ‫�إىل م�شاعر حب متبادلة‪ .‬غري �أن هذه العالقة‬ ‫ال تنجو من التبعات التي ت�ضخها الوقائع‬ ‫ال�سيا�سية والتاريخية‪.‬‬ ‫وبالعودة �إىل الأدب العربي الفرنكوفوين‬ ‫�أ�صدر الروائي اجلزائري املعروف با�سم‬ ‫يا�سمينة خ�رضا رواية جديدة عنوانها «ما‬ ‫يدين به النهار لليل» وقد ا�ستطاع هذا الكاتب‬ ‫اجلزائري وا�سمه اال�صلي حممد بول�سهول‪،‬‬ ‫والذي تب ّنى ا�سم زوجته ليعرف به «يا�سمينة‬ ‫خ�رضا» هرب ًا من تهديد الأ�صوليني له بالقتل‪،‬‬ ‫�أن ي�صبح يف فرتة وجيزة من الأ�سماء الأدبية‬ ‫التي حققت مكانة مميزة يف امل�شهد الروائي‬ ‫الفرن�سي‪ ،‬و ُترجمت �أعماله �إىل �أكرث من ع�رشين‬ ‫لغة‪.‬‬ ‫�أما الروائية اجلزائرية بالفرن�سية �آ�سيا‬ ‫جبار ف�أ�صدرت رواية بعنوان «ال مكان يل يف‬ ‫منزل �أبي»‪ ،‬وفيها تتناول املوا�ضيع احل�سا�سة‬ ‫التي �سبق �أن عاجلتها بجر�أة ومهارة‪ ،‬وعلى‬ ‫ر�أ�سها و�ضع املر�أة يف ال�رشق الذكوري‪،‬‬ ‫وتاريخ اجلزائر احلديث‪ ،‬وم�س�ألة التحجر داخل‬ ‫املرة‬ ‫بوتقة التقاليد‪� .‬إال �أنها ت�ست�سلم هذه ّ‬ ‫لفي�ض من ذاكرتها احلميمة‪ ،‬فرتوي بانفعال‬ ‫وحياء كبريين ق�صة طفولتها ومراهقتها يف‬ ‫املنزل العائلي‪ .‬هذا الأمر يح ّول الرواية �إىل‬ ‫م�صدر مهم ينري القارئ حول ظروف ن�ش�أة هذه‬ ‫الروائية الكبرية ومينحه مفاتيح مهمة لولوج‬ ‫عاملها الروائي ككل وفهم حوافزها الكتابية‪.‬‬


‫الف�صل االول‬ ‫الإبداع الأدبي ‪351‬‬

‫�أما الروائي اللبناين ال�شاب �ألك�سندر جنار‬ ‫خام�سا‪ :‬حت ّديات الرتجمة يف الأدب‬ ‫ً‬

‫�أ�صدر الروائي اجلزائري املعروف‬ ‫با�سم يا�سمينة خ�رضا رواية جديدة‬ ‫عنوانها «ما يدين به النهار لليل»‪،‬‬ ‫وقد ا�ستطاع هذا الكاتب اجلزائري‬ ‫وا�سمه الأ�صلي حممد بول�سهول‪� ،‬أن‬ ‫ي�صبح يف فرتة وجيزة من الأ�سماء‬ ‫الأدبية التي حققت مكانة مم ّيزة يف‬ ‫امل�شهد الروائي الفرن�سي‪ ،‬و ُترجمت‬ ‫�أعماله �إىل �أكرث من ع�رشين لغة‪.‬‬

‫�أ�صدر الكاتب التون�سي هوبري‬ ‫حداد رواية بالفرن�سية بعنوان‬ ‫«فل�سطني»‪ ،‬وحازت جائزة «القارات‬ ‫اخلم�س» التي تمُ نح لأف�ضل رواية‬ ‫مكتوبة بالفرن�سية‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإبداع‬

‫الذي بات معروف ًا يف عامل الأدب الفرن�سي‬ ‫ف�أ�صدر رواية تاريخية بعنوان «فينيقيا»‪ ،‬وهي‬ ‫رواية �أ�شخا�ص عدة مثلما هي رواية زينون‬ ‫و�أمه �ألي�سا وعائلتها‪ ،‬ورواية �صور وفينيقيا‬ ‫والإ�سكندر املقدوين‪ .‬وبني الت�أريخ امللطف‬ ‫والبعيد من الت�ص ّنع والثقل‪ ،‬وال�رسد الواقعي‬ ‫واملتخ ّيل‪ ،‬ين�سج الكاتب روايته ب�أحداث‬ ‫التاريخ والوقائع‪� .‬أما ما مي ّيز هذه الرواية‬ ‫التاريخية فهو جعل ال�شخ�صيات التاريخية‬ ‫يحرر‬ ‫�شخ�صيات روائية �أو درامية‪ .‬فالكاتب ّ‬ ‫هذه ال�شخ�صيات املعروفة من �أ�رس الت�أريخ‬ ‫�صانع ًا لها مالمح و�أقداراً‪.‬‬ ‫�أما الكاتب التون�سي هوبري حداد ف�أ�صدر‬ ‫رواية بالفرن�سية بعنوان «فل�سطني» وقد‬ ‫ر�شحت جلائزة «الرواية العربية» التي مينحها‬ ‫يف باري�س جمل�س ال�سفراء العرب‪ ،‬وحازت‬ ‫جائزة «القارات اخلم�س» التي متنح لأف�ضل‬ ‫رواية مكتوبة بالفرن�سية‪ .‬اختار هوبري حداد‬ ‫ا�سم فل�سطني عنوان ًا لروايته ولكن كما تلفظ‬ ‫بالفرن�سية (بال�ستني) وا�سم بطلته «فل�سطني»‬ ‫بالعربية‪ .‬هذا التماهي بني ا�سم الرواية وا�سم‬ ‫«البطلة» يقابله متاه �آخر بني ا�سمني‪�« :‬شام»‬ ‫البطل الإ�رسائيلي و «ن�سيم» البطل الفل�سطيني‬ ‫الذي ال يح�رض �إال باال�سم بعد اختفائه �أو رمبا‬ ‫ا�ست�شهاده‪.‬‬ ‫قد تكون رواية «فل�سطني» رواية الهوية‪،‬‬ ‫الهوية املنق�سمة على ذاتها �أو املنف�صمة‪� .‬إنها‬ ‫رواية الكاتب نف�سه الذي طاملا عانى حا ًال من‬ ‫االزدواج بني عروبته هو التون�سي الذي يكتب‬ ‫بالفرن�سية وانتمائه �إليه ودي هو الذي يتحدر‬ ‫من عائلة يهودية‪ .‬لكنه جنح متام ًا يف ر�سم‬ ‫حال االزدواج هذه‪ ،‬مذ جعل من ال�شخ�صية‬ ‫الواحدة �شخ�صيتني‪ ،‬جاع ًال يف احلني نف�سه‬ ‫من «الأنا» �آخر ومن الآخر «�أنا»‪� .‬إال �أن «�شام»‬ ‫عندما يق�صد الكوخ على الرابية ي�شعر ب�أنه‬ ‫�أ�صبح بال هوية‪ ،‬كما لو �أنه كائن مقتلع ومن�سي‬ ‫وميت‪ .‬يقول يف ختام الرواية‪« :‬اكتمل ال�صمت‬ ‫الآن‪ .‬مل تبق من روح حية»‪.‬‬

‫حركة الرتجمة من العربية �إىل اللغات‬ ‫الأجنبية حافظت على وتريتها خالل العام‬ ‫‪ ،2008‬على الرغم من �سعي بع�ض امل�ؤ�س�سات‬ ‫العربية الر�سمية �إىل دعم هذه احلركة‪ ،‬ومنها‬ ‫على �سبيل املثل جائزة امللك عبداهلل بن‬ ‫عبدالعزيز العاملية للرتجمة وم�رشوع «كلمة»‬ ‫يف �أبو ظبي و «م�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل‬ ‫مكتوم» يف دبي وامل�رشوع القومي للرتجمة‬ ‫يف القاهرة وامل�رشوع الوطني للرتجمة يف‬ ‫تون�س‪ .‬و�إن كانت غاية مثل هذه امل�ؤ�س�سات‬ ‫�أ�ص ًال ت�شجيع الرتجمة �إىل العربية‪ ،‬ف�إنها مل‬ ‫تهمل مبد�أ الرتجمة من العربية �إىل اللغات‬ ‫العاملية‪ ،‬بغية ن�رش الإبداع العربي يف العامل‪.‬‬ ‫وقد �شهد العام ‪ 2008‬املزيد من الرتجمات �إىل‬ ‫لغات مثل الفرن�سية والإنكليزية والأملانية‬ ‫والإ�سبانية والإيطالية و�سواها‪ .‬واملالحظ �أن‬ ‫الرواية املرتجمة هي التي طغت على �سائر‬ ‫الأنواع كال�شعر والق�صة الق�صرية‪ .‬فالرواية‬ ‫مما يغريهم �أي‬ ‫تغري النا�رشين الأجانب �أكرث ّ‬ ‫نوع �آخر‪ .‬وبدا وا�ضح ًا �أن ال�شعراء الذين ترجموا‬ ‫خالل هذا العام يكادون يكونون هم �أنف�سهم‬ ‫ويف مق ّدمهم �أدوني�س وحممود دروي�ش وميكن‬ ‫�إ�ضافة ب�ضعة �أ�سماء قليلة مثل العراقي �سعدي‬ ‫يو�سف‪ ،‬والأردين �أجمد نا�رص‪ ،‬واللبناين عبا�س‬ ‫بي�ضون واملغربي عبداهلل زريقة واللبناين‬ ‫عي�سى خملوف واللبنانية جمانة حداد‪� ...‬أما‬ ‫الروائيون الذين يرتجمون با�ستمرار فهم ال‬ ‫يح�صون‪.‬‬ ‫هكذا تبدو ق�ضية الرتجمة ق�ضية مهمة‬ ‫جداً تعني الأدب العربي نف�سه مقدار ما تعني‬ ‫الرتجمة‪ ،‬ال �سيما الرتجمة الأدبية‪� ،‬سواء‬ ‫من العربية �إىل الأجنبية �أم من الأجنبية �إىل‬ ‫العربية‪ .‬فمن الوا�ضح �أن حركة الرتجمة من‬ ‫الأجنبية �إىل العربية‪� ،‬أو لأقل حركة التعريب‪،‬‬ ‫ت�شهد رواج ًا يف الفرتة الأخرية �سواء من‬ ‫القراء‬ ‫حيث كرثة الرتجمة �أم من ناحية �إقبال ّ‬ ‫عليها‪ ،‬على الرغم من املالحظات الكثرية التي‬ ‫قد ُت�ساق يف هذا امليدان يف نوعية الرتجمة‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 352‬للتنمية الثقافية‬

‫لع ّل الرتجمات الروائية �ساعدت‬ ‫على جعل الرواية العربية نف�سها على‬ ‫حمكّ الرواية العاملية‪� ،‬إذ �أ�صبح يف‬ ‫مقدور الناقد والقارئ مع ًا �أن يقابال‬ ‫بني النتاج العربي والنتاج العاملي‪.‬‬

‫مل مي�ض العقدان الأخريان من‬ ‫القرن املن�رصم حتى كرثت الرتجمات‬ ‫العربية متجاوز ًة ما ُترجم خالل‬ ‫ن�صف قرن بكامله‪� .‬إنها مرحلة ما‬ ‫بعد جائزة حمفوظ‪ ،‬وهذا ما ميكن‬ ‫�أن ت�سمى به مرحلة ازدهار الرتجمة‬ ‫الروائية العربية يف العامل‪.‬‬

‫و�سالمتها ودقتها‪ .‬ولع ّل الرتجمات الروائية‬ ‫�ساعدت على جعل الرواية العربية نف�سها على‬ ‫حمكّ الرواية العاملية‪� ،‬إذ �أ�صبح يف مقدور‬ ‫الناقد والقارئ مع ًا �أن يقابال بني النتاج العربي‬ ‫والنتاج العاملي‪ ،‬مثلما �أ�صبح يف ا�ستطاعة‬ ‫الروائي نف�سه‪ ،‬خ�صو�ص ًا الروائي الذي ال يجيد‬ ‫لغة �أجنبية‪� ،‬أن يتل ّم�س موقعه و�سط الروائيني‬ ‫العامليني‪ ،‬و�أن يطّ لع على الأ�ساليب احلديثة‬ ‫التي ت�شغل املخترب الروائي املعا�رص‪ ،‬ناهيك‬ ‫ب�إطالعه على املو�ضوعات �أو التيمات التي‬ ‫حتت ّل �صميم الرواية العاملية اجلديدة‪.‬‬ ‫وهنا ال ب ّد من التذكر �أن الرواية العربية‬ ‫اجلديدة مل حتظ قبل فوز جنيب حمفوظ بجائزة‬ ‫نوبل بالرواج الذي ت�شهده اليوم‪ .‬جنيب حمفوظ‬ ‫مل ترتجم �أعماله �إىل الفرن�سية (مث ًال) باملعنى‬ ‫ال�صحيح للرتجمة �إال يف مطلع ال�سبعين ّيات‪،‬‬ ‫وحتديداً مع ت�أ�سي�س دار «�سندباد» ذات‬ ‫النزعة الوا�ضحة وامليل �إىل الثقافة العربية‬ ‫واال�سالمية‪ .‬هذه الدار �أ�س�سها بيار برنار مغامراً‬ ‫ومراهن ًا على جناح مغامرته وجذب القارئ‬ ‫الفرن�سي‪ .‬ولي�س من الغريب �أن يكون برنار‬ ‫�أول من انتبه يف فرن�سا �إىل جنيب حمفوظ‪،‬‬ ‫فن�رش روايته «زقاق املدق» عام ‪ 1970‬عن‬ ‫دار �صغرية كان يعمل فيها قبل انتقاله �إىل‬ ‫الدار التي �أ�س�سها‪ ،‬ثم �أعاد طبع رواية حمفوظ‬ ‫هذه يف داره طبعات ع ّدة‪ ،‬وبلغ مبيعها يف‬ ‫فرن�سا نحو ثالثني �ألف ن�سخة‪ ،‬و�صدرت الحق ًا‬ ‫يف �سل�سلة «كتاب اجليب» التي ت�شهد رواج‬ ‫الروايات �شعبي ًا‪ .‬ولع ّل دار �سندباد التي ن�رشت‬ ‫بع�ض عيون ال�شعر العربي ورواية لعبدالرحمن‬ ‫منيف‪� ،‬إ�ضافة �إىل الكتب الرتاثية الكثرية‪،‬‬ ‫�رسعان ما وا�صلت ترجمتها لأعمال حمفوظ‬ ‫مثل «�أوالد حارتنا»‪ ،‬و «حكايات حارتنا»‪،‬‬ ‫و«الل�ص والكالب»‪.‬‬ ‫قبل �أن ينال جنيب حمفوظ جائزة نوبل‪،‬‬ ‫كان االهتمام بالرواية العربية اجلديدة �ضئي ًال‬ ‫يف الغرب ومل تكن �أ�سماء الروائيني العرب‬ ‫والقراء الغربيني‪.‬‬ ‫معروفة لدى النا�رشين‬ ‫ّ‬ ‫وبعد فوز حمفوظ بنوبل بد�أت مرحلة جديدة‬

‫على م�ستوى تق ّبل الرواية العربية واالنفتاح‬ ‫عليها والرتحيب بها‪ .‬هكذا راحت بع�ض الدور‬ ‫الغربية‪ ،‬الكبرية وال�صغرية‪ ،‬ت�صدر الرتجمات‬ ‫الروائية العربية‪ ،‬ولكن وفق �إيقاع بطيء‪ .‬ومل‬ ‫مي�ض العقدان الأخريان من القرن املن�رصم‬ ‫ِ‬ ‫حتى كرثت الرتجمات العربية متجاوز ًة ما‬ ‫ُترجم خالل ن�صف قرن بكامله‪� .‬إنها مرحلة‬ ‫ما بعد جائزة حمفوظ‪ ،‬وهذا ما ميكن �أن ت�سمى‬ ‫به مرحلة ازدهار الرتجمة الروائية العربية‬ ‫يف العامل‪ .‬وكان ال ب ّد من �أن تتو�إىل الروايات‬ ‫املرتجمة والأ�سماء العربية‪ :‬جمال الغيطاين‪،‬‬ ‫�صنع اهلل �إبراهيم‪� ،‬إليا�س خوري‪� ،‬إدوار اخلراط‪،‬‬ ‫غ�سان كنفاين‪ ،‬حنان ال�شيخ‪� ،‬إبراهيم عبداملجيد‪،‬‬ ‫حممد الب�ساطي‪ ،‬وا�سيني الأعرج‪ ،‬عبداحلكيم‬ ‫قا�سم‪ ،‬عالية ممدوح‪ ،‬احلبيب ال�ساملي و�سواهم‪.‬‬ ‫ا�ستطاع ه�ؤالء الروائيون �أن يعر�ضوا �صوراً‬ ‫متنوعة و�شاملة عن الرواية العربية اجلديدة‬ ‫يف اجتاهاتها املختلفة و�أ�ساليبها املتع ّددة‬ ‫ومقارباتها ومو�ضوعاتها‪ ...‬ومن خاللهم متكّن‬ ‫القارئ الفرن�سي من ت�شكيل فكرة ما عن الفن‬ ‫الروائي العربي احلديث بعدما �سيطرت على‬ ‫ذاكرته �صورة ملتب�سة ور�ؤية م�سبقة ال تعربان‬ ‫عن حقيقة هذا الفن‪ .‬وكان من الطبيعي �أن‬ ‫حتظى بع�ض الروايات املرتجمة بنجاح الفت‬ ‫و�أن تتناولها ال�صحف وتكتب عن �أ�صحابها‪،‬‬ ‫لكن الروائيني الذين ا�ستطاعوا �أن ي�ست�أثروا‬ ‫بطبعة «اجليب» – داللة على رواج �أعمالهم‬ ‫– هم قلة‪.‬‬ ‫غري �أن هذه الروايات العربية مل تتمكن‬ ‫من ت�شكيل ظاهرة كبرية على م�ستوى الن�رش‬ ‫و«ال�صناعة» الكتبية على غرار ما فعل مث ًال‬ ‫�أدب �أمريكا الالتينية �أو الأدب الأمريكي �أو‬ ‫ال�صيني �أو الياباين �أو الرو�سي‪.‬‬ ‫�أما ال�س�ؤال الذي يطرح نف�سه هنا فهو‪ :‬هل‬ ‫يخ�ضع اختيار الروايات العربية ملعايري �أدبية‬ ‫�رصفة �أم ملقايي�س «ال�سوق» وذائقة القارئ‬ ‫الغربي ومقيا�س الرواج؟ ومبعنى �آخر‪ :‬هل هناك‬ ‫عدل يف اختيار الروايات التي ترتجم؟ ثم من‬ ‫يختارها‪ :‬النا�رش �أم املرتجم؟ لع ّل «�إ�شكالية»‬


‫الف�صل االول‬ ‫الإبداع الأدبي ‪353‬‬

‫هل يخ�ضع اختيار الروايات‬ ‫العربية ملعايري �أدبية �رصفة �أو‬ ‫ملقايي�س «ال�سوق» وذائقة القارئ‬ ‫الغربي ومقيا�س الرواج؟ هل هناك‬ ‫عدل يف اختيار الروايات التي‬ ‫ُترتجم؟ ثم من يختارها‪ :‬النا�رش �أم‬ ‫املرتجم؟ لع ّل «�إ�شكالية» الرتجمة‬ ‫الروائية تكمن يف �صميم هذه الأ�سئلة‬ ‫التي ال ب ّد من �إيجاد �أجوبة عنها‪.‬‬

‫املده�ش �أن بع�ض الروائيني‬ ‫العرب اجلدد �أ�صبحوا يقبلون على‬ ‫كتابة روايات «�صاحلة» للرتجمة‪،‬‬ ‫وا�ضعني ن�صب �أعينهم القارئ‬ ‫الأجنبي وذائقته‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإبداع‬

‫الرتجمة الروائية تكمن يف �صميم هذه الأ�سئلة‬ ‫التي ال ب ّد من �إيجاد �أجوبة عنها! فمن املعروف‬ ‫�أن النا�رشين الغربيني ال يختارون �إال الكتب‬ ‫الذائعة ال�شهرة‪ ،‬وكذلك الروايات التي تعني‬ ‫القراء الغربيني وجتد �صدى لديهم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ترى هل املطلوب من الرواية العربية �أن‬ ‫ت�شبه الرواية الغربية حتى حتظى بالرتجمة �أو‬ ‫عليها �أن تكتفي مبوا�صفاتها احلقيقية وهويتها؟‬ ‫هل على الرواية العربية �أن حتمل طابع ًا‬ ‫�إكزوتيكي ًا قادراً على �إغراء القارئ الغربي‬ ‫وخماطبة خميلته حتى حتظى بالرتجمة؟ لع ّل‬ ‫هذا ما �سعى �إليه بع�ض الروائيني العرب الذين‬ ‫يكتبون بلغات �أجنبية‪ .‬وبدا وا�ضح ًا �أن بع�ض‬ ‫الأعمال الروائية املرتجمة مل تنجح �إال لأنها‬ ‫حتمل مادة �إكزوتيكية �أو تغريبية تثري خميلة‬ ‫القارئ الغربي وغريزته‪ ،‬خ�صو�ص ًا عندما‬ ‫تتناول بع�ض العالقات ال�شاذة يف مناطق‬ ‫عربية حمددة �أو بع�ض املحرمات‪ .‬والأمثلة‬ ‫هنا كثرية‪ .‬واملفاجئ يف �أحيان �أي�ض ًا �أن‬ ‫روايات كثرية ُتنقل �إىل االجنبية من غري �أن‬ ‫حتظى ب�أي جناح يف لغتها العربية �أي لغتها‬ ‫الأ�صلية‪ ،‬وهذا ما يدعو حق ًا �إىل الت�سا�ؤل‪ُ .‬ترى‬ ‫�ألي�ست الرتجمة هي �أو ًال و�أخرياً فعل حوار بني‬ ‫لغتني وثقافتني؟ �ألي�ست الرتجمة �أي�ض ًا فعل‬ ‫قراءة تخرتق احلدود‪ ،‬حدود اللغة والكائن‬ ‫نف�سه؟‬ ‫هكذا ال ي�ستطيع املثقف العربي مث ًال‪� ،‬أن‬ ‫يفهم فكرة �أن ُيرتجم عمل �إىل اللغة الأجنبية‬ ‫لأنه يدور حول ن�سوة عربيات‪� ،‬أو لأنه يف�ضح‬ ‫بع�ض العيوب االجتماعية‪� ،‬أو يقدم مناذج‬ ‫ب�رشية �شاذة وم�شوهة! وال ي�ستطيع هذا املثقف‬ ‫�أي�ض ًا �أن ي�ستوعب فكرة �أن يطلب النا�رش‬ ‫الأجنبي �أعما ًال روائية خفيفة قادرة على‬ ‫ت�سلية القارئ الأجنبي يف القطار �أو قبل النوم!‬ ‫واملده�ش �أن بع�ض الروائيني العرب اجلدد‬ ‫ا�صبحوا يقبلون على كتابة روايات «�صاحلة»‬ ‫للرتجمة‪ ،‬وا�ضعني ن�صب �أعينهم القارئ‬

‫الأجنبي وذائقته‪ .‬وبدا بع�ض الروائيني يف حال‬ ‫من الرتاجع روائي ًا نتيجة هذا االنف�صام بني‬ ‫ذائقة عربية وذائقة �أجنبية‪� ،‬أي بني حقيقتهم‬ ‫الذاتية وحقيقتهم املز ّورة‪ .‬وقد يكون طبيعي ًا‬ ‫�أن يطمح الروائي العربي �إىل ك�رس ح�صار لغته‬ ‫واخلروج �إىل لغات العامل‪ .‬هذا �ش�أن الكرث من‬ ‫�أدباء العامل‪ .‬لكن املفرو�ض �أن ي�أتي اخلروج‬ ‫طبيعي ًا ولي�س م�صطنع ًا‪ .‬والرواية التي ال تلقى‬ ‫جناح ًا يف بوتقتها الأوىل لن ت�صيب النجاح‬ ‫حتى لو ترجمت �إىل لغات عدة‪.‬‬ ‫�أما ترجمة ال�شعر �إىل اللغات الغربية ‪-‬‬ ‫الأجنبية التي تبدو وقف ًا على �أ�سماء معدودة‬ ‫ومعظمها من ذوي ال�شهرة‪ ،‬فلم تطرح الأ�سئلة‬ ‫التي �أثارتها الرتجمة الروائية‪ .‬فال�شعر �أ�ص ًال‬ ‫ال يعرف الرواج الذي تعرفه الرواية حتى يف‬ ‫الغرب‪ ،‬وهو بالتايل ال يجذب النا�رشين لأ ّنه‬ ‫لي�س مادة ربح‪ ،‬ونادراً ما يحظى ال�شعراء‬ ‫اجلدد برتجمات كثرية‪ .‬حتى الكثريون من‬ ‫ال�شعراء الر ّواد مل ُيرتجم من �شعرهم �إال القليل‪.‬‬ ‫لكن هذا ال يعني �أن ال�شعر العربي جمهول‬ ‫ّ‬ ‫لدى القارئ الفرن�سي �أو الإنكليزي �أو الأملاين‬ ‫و�سواهم‪ ،‬فاملختارات ال�شعرية ت�صدر حين ًا تلو‬ ‫حني مق ّدمة امل�شهد ال�شعري العربي املعا�رص‪،‬‬ ‫عرب مناذج متع ّددة‪ .‬لكن القارئ ال يتمكّن عرب‬ ‫مثل هذه املختارات (�أو الأنطولوجيات) �أن‬ ‫ي�شكّل فكرة عميقة و�شاملة عن ال�شعراء �أنف�سهم‪.‬‬ ‫فاملختارات تتيح للقارئ عادة �أن يطلّع على‬ ‫امل�شهد العام‪ ،‬مبدار�سه وتياراته‪.‬‬ ‫طرحت ق�ضية الرتجمة من العربية �إىل‬ ‫الفرن�سية الكثري من الأ�سئلة خالل العام ‪،2008‬‬ ‫ال �سيما يف ب�ضع ندوات �أقيمت يف معر�ض‬ ‫القاهرة الدويل للكتاب ويف معر�ض �أبو ظبي‬ ‫الدويل للكتاب الذي يطمح القائمون عليه‬ ‫حتويله �إىل ح ّيز لتوقيع االتفاقات املتعلقة‬ ‫بالرتجمة‪ ،‬من الأجنبية �إىل العربية‪ ،‬ومن‬ ‫العربية �إىل الأجنبية‪.‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 354‬للتنمية الثقافية‬

‫الف�صل الثاين‬ ‫الإبداع ال�سينمائي والدارمي‬ ‫�أو ًال‪ :2008 :‬عام �سينمائي انتقايل‬ ‫بامتياز‬

‫يف جمتمعات ال تزال مثل‬ ‫جمتمعاتنا العربية‪ ،‬يلعب �أفراد‬ ‫متقدمون‪� ،‬إن و�ضعوا يف �أماكن‬ ‫تطور‬ ‫منا�سبة‪� ،‬أدواراً ت�أ�سي�سية يف ّ‬ ‫الفن‪ ،‬تفوق يف �أهميتها‬ ‫الفن وغري ّ‬ ‫ّ‬ ‫ما قد يلعبه تاريخ هذه امل� ّؤ�س�سات‬ ‫ب�أكمله‪.‬‬

‫يقال يف �شكل تنظريي عاد ًة �إن ما يحدث‬ ‫خالل عام ب�أكمله بالن�سبة �إىل �صنف �إبداعي �أو‬ ‫ف ّني‪ ،‬يف منطقة ما من العامل‪� ،‬أو يف بلد ما‪� ،‬إمنا‬ ‫يكون خال�صة ونتيجة كل ما حدث بالن�سبة‬ ‫�إىل هذا ال�صنف منذ بداية والدته‪ ،‬مهما كان‬ ‫طوي ًال �أو ق�صرياً احل ّيز الزمني الفا�صل بني تلك‬ ‫املعني‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يقال �أي�ض ًا‬ ‫الوالدة والعام‬ ‫ّ‬ ‫– ودائم ًا يف �شكل تنظريي – �إن ما يحدث‬ ‫خالل ذلك العام‪� ،‬إمنا يكون املقفز الذي تكون‬ ‫منه االنطالقة نحو ما �سوف يج ّد يف الأزمان‬ ‫املقبلة‪ .‬ما يعني‪ ،‬بعبارات �أكرث و�ضوح ًا‪� ،‬أن‬ ‫عام ًا ما من تاريخ ال�صنف املعني �إمنا هو‬ ‫عام مف�صل انتقايل بني ما�ضيه وم�ستقبله‪.‬‬ ‫�إمنا من دون �أن يعني هذا‪� ،‬أن ذلك احلا�رض‬ ‫ال ي�شهد خبطات م�رسحية‪ ،‬تعيد ترتيب �أمور‬ ‫ال�صنف الف ّني املعني‪ ،‬بل تعيد خلقه من‬ ‫جديد‪ .‬ويف املجال الذي نحاول هنا �أن نر�صد‬ ‫�أبرز عالمات عامه املن�رصم‪ ،‬العام ‪،2008‬‬ ‫�سيكون من ال�صعب العثور‪ ،‬حق ًا على واحدة‬ ‫من تلك اخلبطات‪ .‬بل‪ ،‬على العك�س من هذا‪،‬‬ ‫قد تكون اخلبطة الوحيدة �سلبية‪ :‬رحيل كبري‬ ‫ال�سينمائيني العرب‪ ،‬يو�سف �شاهني‪ ،‬خالل‬ ‫�صيف هذا العام‪ ،‬بعد معاناة مع املر�ض‪ ،‬وما‬ ‫كان لذلك الرحيل من �أثر �شعبي ور�سمي‪ ،‬ومن‬ ‫الفن ال�سينمائي‪ ،‬على كل‬ ‫خالل ذلك‪ ،‬من جعل ّ‬ ‫�شفة ول�سان‪ ،‬خ�صو�ص ًا �أن �شاهني الذي عا�ش‬ ‫ال�سينما امل�رصية – وال�سينمات العربية �أي�ض ًا‬ ‫�إىل ح ّد ما – قرابة ال�ستني عام ًا من حياته‪ ،‬مل‬ ‫يقم طوال هذه احلياة ب� ّأي ن�شاط فني – �أو غري‬ ‫فني – �آخر‪ ،‬غري ال�سينما‪ .‬بل �أنه بالكاد دنا‬ ‫من امل�رسح �أو من التلفزيون‪ .‬ومن هنا اعترب‬

‫هذا احلدث حدث ًا �سينمائي ًا �أ�سا�سي ًا و�ضخم ًا‪.‬‬ ‫ولكن عدا عن هذا‪ ،‬مل يعرف العام ‪،2008‬‬ ‫يف جمال ال�سينما‪ ،‬يف � ّأي من البلدان العربية‪،‬‬ ‫� ّأي حدث كبري‪ ،‬ميكن املرء معه �أن يبدي‬ ‫ده�ش ًة �أو �إعجاب ًا‪� ،‬أو يقول بد�أ امل�ستقبل حق ًا‪.‬‬ ‫مرة‬ ‫يف املا�ضي كان هذا يحدث‪� ،‬إن مل يكن ّ‬ ‫واحدة ومن حيث ما كان يف �إمكان �أحد �أن‬ ‫يتوقّع‪ ،‬ففي تط ّور مت�سارع‪ ،‬يخلق تيارات �أو‬ ‫�سينمات وطنية �أو �أي �شيء �آخر من الأمور التي‬ ‫كان ميكن اعتبارها نقاط انعطاف يف تاريخ‬ ‫�أي �سينما من ال�سينمات التي نتناولها هنا‪،‬‬ ‫على اعتبارها �سينمات عربية (�أي حمققة يف‬ ‫البلدان العربية‪ ،‬ناطقة غالب ًا بالعربية‪ ،‬معبرّ ة‬ ‫عن مبدعني عرب‪ ،‬ويف معظم الأحيان عرب‬ ‫اال�ستعانة بف ّنانني وف ّنيني عرب‪ .)...‬فتحقيق‬ ‫�أول فيلم يف بلد ما‪ ،‬ومهما كان من �ش�أن‬ ‫قيمته‪ ،‬يعترب حدث ًا انعطافي ًا‪ ،‬وظهور فيلم مثل‬ ‫«الأر�ض» ليو�سف �شاهني‪� ،‬أو «املومياء» ل�شادي‬ ‫عبدال�سالم �أو «ب�س يا بحر» خلالد ال�صديق‪� ،‬أو‬ ‫«كفر قا�سم» لربهان علوية‪ ،‬على �سبيل املثال‬ ‫ال احل�رص‪ ،‬كان يعترب حدث ًا انعطافي ًا‪ .‬بل حتى‬ ‫تعيني م�س�ؤول ما‪ ،‬يف موقع قيادي يف م� ّؤ�س�سة‬ ‫�سينمائية فاعلة‪ ،‬كان ميكنه‪ ،‬حتى �أن يعترب‬ ‫حدث ًا (علي �أبو �شادي يف هيئة الرقابة يف‬ ‫م�رص‪� ،‬أو نور الدين �صايل يف املركز الوطني‬ ‫لل�سينما يف املغرب‪� ،‬أو حممد الأحمد‪ ،‬يف‬ ‫م� ّؤ�س�سة ال�سينما ال�سورية‪� ...‬إلخ)‪ ،‬بالنظر �إىل‬ ‫�أن يف جمتمعات ال تزال دائم ًا يف طور النم ّو‬ ‫مثل جمتمعاتنا العربية‪ ،‬يلعب �أفراد متقدمون‪،‬‬ ‫�إن و�ضعوا يف �أماكن منا�سبة‪� ،‬أدواراً ت�أ�سي�سية‬ ‫الفن‪ ،‬تفوق يف �أهميتها ما‬ ‫الفن وغري ّ‬ ‫يف تط ّور ّ‬ ‫قد يلعبه تاريخ هذه امل� ّؤ�س�سات ب�أكمله‪ .‬فهال‬ ‫ميكننا هنا �أن ن�ستطرد مث ًال لنقول �إن البداية‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الإبداع ال�سينمائي والدارمي ‪355‬‬

‫اخلجولة لوجود �صاالت عر�ض �سينمائي �أو مهرجانات يف كل مكان‬

‫بقدر ما يكون بلد عربي ما‪،‬‬ ‫خالي ًا من الإنتاج‪ ،‬يزداد اهتمامه‬ ‫باملهرجانات ومتويله لها من دون‬ ‫اهتمام جدي‪ ،‬يف املقابل‪ ،‬بتمويل‬ ‫حركة �إنتاجية‪� ،‬أو تدعيم ما يريد‬ ‫املبدعون حتقيقه يف هذا املجال‪.‬‬

‫الإبداع‬

‫مهرجانات �سينمائية يف ال�سعودية‪ ،‬ميكن �أن‬ ‫تعترب حلظة انعطافية‪� ،‬أو والدة عمالق �إنتاجي‬ ‫مثل «غود نيوز» يف م�رص حلظة انعطافية‬ ‫�أي�ض ًا‪..‬؟‬ ‫ح�سن ًا‪ ..‬كل هذا ي�شكّل حلقات من �سل�سلة‬ ‫تط ّورات ميكنها �أن تنعك�س على تاريخ ال�سينما‬ ‫وتفعل فيه‪ ...‬لكن �أي �شيء من هذا مل يحدث‬ ‫يف عام ‪ ،2008‬با�ستثناء حكايات ال�صاالت‬ ‫ال�سعودية وال�سجال من حولها‪ ...‬بل ال ب ّد لنا‬ ‫من القول �إنه يف ما عدا فيلمني هنا‪� ،‬أو فيلمني‬ ‫هناك‪ ،‬مل يعرف الإنتاج ال�سينمائي نف�سه � ّأي‬ ‫زخم ولو كمي‪ ،‬ناهيك بالنوعية‪ ،‬طوال عام‪ ،‬كان‬ ‫على �أية حال‪ ،‬عام �أزمات �سيا�سية واقت�صادية‬ ‫غمرت �أنحاء عديدة من العامل‪� ،‬ألغت م�شاريع‪،‬‬ ‫� ّأجلت �أخرى‪ ،‬وقالت يف نهاية الأمر‪ :‬اال�ستمرار‬ ‫من دون خبطات خري من ال �شيء‪ .‬لكن هذا مل‬ ‫مينع من ظهور جديد هنا‪ ،‬ومده�ش هناك‪...‬‬ ‫مل مينع بلداً من �أن يوا�صل تطوير اندفاعاته‬ ‫ال�سينمائية‪ .‬و�آخر من �أن ميعن يف ت�أ�سي�سيته‪.‬‬ ‫ولكن دائم ًا يف حراك عادي ه ّمه الأ�سا�س‬ ‫احلفاظ على وترية ت�صاعدية ما‪ ،‬تت ّم بالقفزات‬ ‫احل�سابية ال بالقفزات الهند�سية‪� .‬أما �إذا كان هذا‬ ‫كلّه قد عجز عن �أن ين ّوع احل�ضور ال�سينمائي‬ ‫لكل �سينما عربية على حدة‪ ،‬يف املهرجانات‬ ‫العديدة التي ت�شارك فيها ال�سينمات العربية‪،‬‬ ‫داخل بلدان العامل العربي وخارجها‪ ،‬فلرمبا‬ ‫ي�صح �أن نقول �إن ال�سبب يف هذا‪ ،‬لي�س متام ًا‬ ‫ّ‬ ‫قلة الأفالم ال�صاحلة لتعر�ض يف املهرجانات‪..‬‬ ‫بل كرثة هذه الأخرية‪ .‬فاحلال �أن بلدان ًا عربية‬ ‫كثرية متعن‪ ،‬منذ اكت�شفت �أن يف املهرجانات‬ ‫وجاه ًة وح�ضوراً لل�سينما يعفيها من خماطر‬ ‫الإنتاج و�صعوباته‪ ،‬متعن يف �إقامة هذه‬ ‫املهرجانات‪ .‬ولع ّل الالفت يف هذا كله �أنه‬ ‫بقدر ما يكون بلد عربي ما‪ ،‬خالي ًا من الإنتاج‪،‬‬ ‫يزداد اهتمامه باملهرجانات ومتويله لها‪ ...‬من‬ ‫دون اهتمام جدي‪ ،‬يف املقابل‪ ،‬بتمويل حركة‬ ‫�إنتاجية‪� ،‬أو تدعيم ما يريد املبدعون حتقيقه‬ ‫يف هذا املجال‪.‬‬

‫كم يبلغ اليوم عدد مهرجانات ال�سينما‬ ‫جواب‬ ‫العربية؟ من ال�صعوبة مبكان �إيراد‬ ‫ٍ‬ ‫قاطع‪ ..‬ولكن يف املقابل بات ثمة يف احلياة‬ ‫ال�سينمائية العربية‪« ،‬م�س�ألة مهرجانية»‪،‬‬ ‫مت�ش ّعبة ال�صور والأهداف والدالالت‪ ،‬ترتاوح‬ ‫كينونتها بني مهرجانات حقيقية ذات عراقة‬ ‫قدمية �أو م�ستجدة‪ ،‬حتاول �أن تكون مفيدة على‬ ‫�صعيد احلياة ال�سينمائية يف البلد الذي تقام‬ ‫فيه‪ ،‬وبني �أخرى م�ستج ّدة حتاول �أن ت� ّؤ�س�س‪،‬‬ ‫و�إن غالب ًا ب�شكل غام�ض‪ ،‬مل�ستقبل �سينمائي‬ ‫ما‪ ..‬وثمة بني النوعني مهرجانات ال تخلو من‬ ‫تاريخ وعراقة‪ ،‬ولكنها تطرح �أ�سئلة عديدة حول‬ ‫ذاتها وامكانية ا�ستعادة �أجمادها القدمية‪� .‬أما‬ ‫ما يجمع بني هذه املهرجانات جميعها ف�إمنا‬ ‫هو �أنها جميع ًا حتاول يف كل عام – وحاولت‬ ‫هذا بالت�أكيد يف العام ‪� – 2008‬أن ت�ستقطب‬ ‫الأفالم نف�سها التي ُيت�صور �أنها مهرجانية‬ ‫والتي من ال�صعب القول �إن �إجمايل عدد ما‬ ‫انتج منها خالل العام الفائت يتجاوز الع�رشة‬ ‫�أفالم‪ .‬لن نقول هنا ما هي هذه الأفالم‪ ،‬لأن‬ ‫�أمرها نعاجله الحق ًا يف التقارير املتعلّقة بكل‬ ‫�سينما من ال�سينمات العربية‪ ،‬لكننا ن�شري يف‬ ‫املقابل �إىل ظاهرة ل�سنا ندري بعد ح�سناتها‬ ‫من �سيئاتها‪ ،‬وملخ�صها �أن املهرجانات‬ ‫الف ّنية – «دبي» و «�أبو ظبي» مث ًال‪ ..‬ورمبا‬ ‫غداً «الدوحة» وغريها – تبدو الأكرث قدرة‬ ‫على ا�ستقطاب اجلديد واجليد ال�سينمائيني‪،‬‬ ‫مما تو�سم به هذه املهرجانات من‬ ‫على الرغم ّ‬ ‫ابتعاد عن ال�سينما احلقيقية‪ ،‬وذلك لأن �أجور‬ ‫العرو�ض �أكرث‪ ،‬واجلوائز املالية �أهم بكثري‪..‬‬ ‫و�رشوط ال�ضيافة اكرث كرم ًا‪ ،‬وما �إىل ذلك‪� ،‬إىل‬ ‫درجة يت�ساءل معها املرء‪ ،‬ما الذي يتبقّى يف‬ ‫ال�سنوات املقبلة ملهرجانات �أكرث �أهمية بكثري‪،‬‬ ‫�إمنا اكرث فقراً بكثري �أي�ض ًا‪ ،‬مثل «مراك�ش» و‬ ‫«دم�شق» و «قرطاج»‪ ،‬من �أفالم ُتعر�ض فيها‬ ‫عرو�ض �أوىل؟ فاملبدع‪� ،‬أو منتجه‪ ،‬الذي ُيغرى‬ ‫يخ�ص مهرجان ًا ثري ًا‬ ‫ب�ألوف الدوالرات كي‬ ‫ّ‬ ‫بفيلمه اجلديد‪� ،‬سوف يعجز قريب ًا عن مقاومة‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 356‬للتنمية الثقافية‬

‫هذا الإغراء الذي متثّله �أموال ما كان ليمكنه �أن تعاون متع ّدد الأنواع‬

‫املهرجانات الف ّنية – «دبي»‬ ‫و«�أبو ظبي» مثالً‪ ..‬ورمبا غداً‬ ‫«الدوحة» وغريها – تبدو الأكرث‬ ‫قدرة على ا�ستقطاب اجلديد واجليد‬ ‫مما تو�سم‬ ‫ال�سينمائيني‪ ،‬على الرغم ّ‬ ‫به هذه املهرجانات من ابتعاد عن‬ ‫ال�سينما احلقيقية‪ ،‬وذلك لأن �أجور‬ ‫العرو�ض �أكرث‪ ،‬واجلوائز املالية �أهم‬ ‫بكثري‪.‬‬

‫قد يكون مفيداً �أن نذكر �أن‬ ‫مهرجان دبي‪� ،‬أو مهرجان �أبو ظبي‬ ‫تبلغ ميزانية الواحد منهما لدورة‬ ‫واحدة نحو ثالثني �ضعف ميزانية‬ ‫�ضعف‬ ‫مهرجان دم�شق‪ ،‬وع�رشين‬ ‫َ‬ ‫مهرجان مراك�ش‪.‬‬

‫يحلم باحل�صول عليها‪ ،‬يف مقابل مهرجانات‬ ‫ال تعده �إال باجلمهور الواعي وال�سجاالت‬ ‫ال�سينمائية احلقيقية؟‬ ‫لتو�ضيح هذه ال�صورة قد يكون مفيداً �أن‬ ‫نذكر �أن مهرجان دبي‪� ،‬أو مهرجان �أبو ظبي‬ ‫(وهما‪ ،‬للمنا�سبة‪ ،‬متناف�سان بني بع�ضهما‬ ‫البع�ض ويحاول ك ّل منهما �أن ي�ش ّد احلبل �إىل‬ ‫جانبه‪� ،‬أفالم ًا وجنوم ًا‪ ،‬ولكن اي�ض ًا من ناحية‬ ‫�رشاء وا�ستئجار النقاد وال�سينمائيني ب�شكل‬ ‫عام) تبلغ ميزانية الواحد منهما لدورة واحدة‬ ‫نحو ثالثني �ضعف ميزانية مهرجان دم�شق‪،‬‬ ‫َ‬ ‫�ضعف مهرجان مراك�ش‪...‬‬ ‫وع�رشين‬ ‫�إن هذا يجعل ال�رصاع غري متكافئ بني‬ ‫املهرجانات الغن ّية والأخرى الفقرية‪ ..‬كما‬ ‫�أنه يثبط من عزمية مدن عربية �أخرى حتاول‬ ‫�إما �أن ت�ؤ�س�س ملهرجاناتها �أو �أن تعيد الو�صل‬ ‫ما�ض مهرجاين كان لها يف زمن ما‪ .‬فهل‬ ‫مع ٍ‬ ‫ثمة ا�ستنتاجات علينا ا�ستخال�صها من هذا‬ ‫الو�ضع؟‬ ‫�أي�ض ًا هنا تبدو الإجابة �صعبة‪ ،‬طاملا �أن‬ ‫الرهان يبدو و�أي�ض ًا ثالثي ًا‪ :‬فمن ناحية‪ ،‬هل‬ ‫�سيجد �أحد ب�أ�س ًا �إن ربح خمرج متميز ر�أ�سما ًال‬ ‫ما‪ ،‬بف�ضل عر�ض فيلمه اجلديد يف مهرجان‬ ‫غني؟ ومن ناحية ثانية‪� ،‬أال يحقّ لنا �أن نت�ص ّور‬ ‫�أنه حتى يف بلدان غنية تقيم اليوم مهرجاناتها‬ ‫على �سبيل الوجاهة‪ ،‬قد ينتهي الأمر بفائدة‬ ‫جمة على هواة هذه البلدان و�سينمائييها‪،‬‬ ‫�إذ يجدون �أنف�سهم‪ ،‬ولو خالل �أيام قليلة على‬ ‫منت �سينمائي ي�أتي من اخلارج‪،‬‬ ‫متا�س مع ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫�أفالم ًا ولكن �أي�ضا نقادا وجنوما ومطبوعات؟‬ ‫�أما من ناحية ثالثة ف�إن الرهان يقوم على‬ ‫فكرة ان والدة ت�أزم ما‪ ،‬من حول كل مهرجان‪،‬‬ ‫ومهما كانت درجة ثرائه‪ ،‬قد ينتهي بها الأمر‬ ‫�إىل خلق تعاون بني هذه املهرجانات ملا‬ ‫�سيكون فيه �صالح والدة �سينمات جديدة‪ ،‬من‬ ‫رحم ذلك الت�أزم وما ينتهي �إليه من تعاون‪.‬‬

‫مهما يكن من �أمر‪ ،‬ال ب ّد �أن ن�شري هنا �إىل‬ ‫�أن كلمة تعاون‪ ،‬التي بدت لزمن وك�أنها غابت‬ ‫متام ًا عن قامو�س احلياة ال�سينمائية العربية‪،‬‬ ‫تعود الآن ولو يف �أ�شكال متن ّوعة‪ .‬ولع ّل علينا‬ ‫هنا فقط �أن نكتفي بتعدادها‪ ،‬يف انتظار �أن‬ ‫تتبلور �أكرث و�أكرث خالل ال�سنوات املقبلة‪.‬‬ ‫فمن �أ�شكال التعاون اجلديدة قدرة بع�ض‬ ‫ال�سينمائ ّيني العرب اليوم‪ ،‬ورمبا بف�ضل‬ ‫مما بف�ضل رواج �أفالمهم‬ ‫املهرجانات �أكرث ّ‬ ‫وم�شاريعهم يف ال�صاالت‪ ،‬على احل�صول على‬ ‫متويل كلّي �أو جزئي من هذا البلد العربي �أو‬ ‫ذاك‪ .‬فمث ًال ثمة يف بع�ض املهرجانات ور�ش‬ ‫عمل ت�سهم يف �إنتاج �أفالم مقبلة‪ .‬بل ثمة‬ ‫�صناديق‪ ،‬لع ّل �أهمها اليوم ال�صندوق العربي‬ ‫(ومقره يف الأردن)‪ ،‬الذي‬ ‫للتنمية الثقافية‬ ‫ّ‬ ‫ق ّدم عام ‪ 2008‬وحده نحو ‪� 800‬ألف دوالر‬ ‫لدعم ع�رشة م�شاريع �سينمائية ملبدعني عرب‬ ‫وهيئات عربية خمتلفة‪.‬‬ ‫ومن �أ�شكال التعاون‪ ،‬ور�ش عمل متبادلة‬ ‫بني جمموعات �سينمائية يف �أكرث من بلد‪.‬‬ ‫بل �إن ثمة اليوم منتجني بد�أوا يبحثون يف‬ ‫بلدان عربية غري البلدان التي يعملون فيها‪،‬‬ ‫عن‬ ‫م�شاريع ل�سينمائيني واعدين ي�ساندونها‬ ‫ٍ‬ ‫(على �سبيل املثال م ّول املنتج غابي خوري‬ ‫– «م�رص لل�سينما» – �إنتاج اللبناين �سمري‬ ‫حب�شي لفيلم «دخان بال نار»‪ ،‬و�ساند املركز‬ ‫الوطني لل�سينما يف املغرب فيلم «عني �شم�س»‬ ‫للم�رصي �إبراهيم البطوط ‪.)...‬‬ ‫ومن �أ�شكال التعاون انفتاح املزيد من‬ ‫امل� ّؤ�س�سات الأوروبية‪ ،‬والعربية املوجودة‬ ‫خارج العامل العربي‪ ،‬على �رضورة الإمعان يف‬ ‫دعم �أفالم عربية‪ ،‬مبا ي�س ّهل احل�صول على دعم‬ ‫عربي (فيلم «�أمريكا» ل�شريين دعيب�س ح�صل‬ ‫على دعم مايل كويتي و�إماراتي؛ وفيلم «الزمن‬ ‫الباقي» لإيليا �سليمان‪ ،‬ح�صل على دعم عربي‬ ‫متن ّوع‪.)...‬‬ ‫طبع ًا هذا كله بدا خالل العام ‪2008‬‬ ‫جنيني ًا‪ ...‬ولكن �أفال ميكننا �أن نقول �إن كل ما‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الإبداع ال�سينمائي والدارمي ‪357‬‬

‫هو جنيني‪ ،‬ينتهي به الأمر �إىل �أن ي�صبح وليداً‬ ‫فبالغ ًا؟‬

‫ال�سينما امل�رصية‪ :‬عام االنزياحات‬ ‫الكربى‬

‫عودة �إىل الإنتاج‬

‫ب�شكل تقريبي �إذا‪ ،‬ميكننا �أن نقول �إن‬ ‫ال�سينما امل�رصية �أنتجت خالل العام ‪،2008‬‬ ‫نحو خم�سني فيلم ًا‪ .‬وهو رقم يعترب كبرياً ن�سبي ًا‪،‬‬

‫ثمة‪ ،‬يف مناخ ال�سينما امل�رصية‪،‬‬ ‫نوع من العودة �إىل اجتماعية ال�سينما‪.‬‬ ‫هذه االجتماعية التي كانت فقدت‬ ‫جزءاً كبرياً منها خالل العقود الفائتة‪.‬‬ ‫ويف يقيننا �أن ثمة عوامل عديدة‬ ‫لعبت‪ ،‬ورمبا �ستلعب �أكرث و�أكرث يف‬ ‫هذا االجتاه الذي ي ّنم �أول ما ي ّنم عن‬ ‫«جت ّدد» يف حركية اجتماعية معينة‪.‬‬

‫الإبداع‬

‫يف الوقت الذي يتجاوز فيه عمر ال�سينما‬ ‫الروائية يف م�رص الثمانني عام ًا‪ ،‬وعمر ح�ضور‬ ‫ال�سينما نف�سه يف هذا البلد‪ ،‬القرن‪ ،‬هل ميكننا‬ ‫�أن نقول �إن ال�سينما امل�رصية يف خري؟ من‬ ‫امل�ؤكد �أن درا�سة �إنتاج وردود الفعل على �إنتاج‬ ‫عام واحد من تاريخ هذه ال�سينما‪ ،‬ال ميكنه �أن‬ ‫يعطينا �إجابة قاطعة‪ ،‬ال من الناحية الكمية وال‬ ‫من الناحية النوعية‪ .‬وكذلك لن يعطينا هذه‬ ‫الإجابة القيام باملقارنة بني �إنتاج عامني‬ ‫متتاليني‪ ،‬وال – بالتايل – املقارنة بني ن�سب‬ ‫الإقبال على م�شاهدة الأفالم يف مثل هذين‬ ‫العامني‪ .‬ولع ّل ال�سبب الأهم يف هذا هو �أن‬ ‫لي�س ثمة �أي قاعدة علمية مطلقة حت ّدد العام‬ ‫الذي ميكن �أن ُين�سب �إليه �أي فيلم من الأفالم‪.‬‬ ‫فنحن نعرف عاد ًة �أن العمر املنطقي حلركية‬ ‫الفيلم‪ ،‬باملعنى الكال�سيكي للكلمة‪ ،‬ال يقل عن‬ ‫ثالثة �أعوام – كمتو�سط عام ‪ .-‬ذلك �أن الفيلم‬ ‫ُير�سم‪ ،‬من قبل �أ�صحابه �سواء �أكانوا منتجني‬ ‫�أم خمرجني �أم كتاب ًا �أم غري ذلك‪ ،‬طوال ما‬ ‫ال يق ّل عن عام‪ .‬ثم‪� ،‬إذا �أُتيح له �أن يحقق‪،‬‬ ‫ي�ستغرق حتقيقه عام ًا �آخر‪ ،‬ليعر�ض ويجول يف‬ ‫ال�صاالت ما طاب له الهوى‪� ،‬أو يف املهرجانات‬ ‫�إذا كان هذا ممكن ًا‪ ،‬خالل عام ثالث‪ ،‬ي�صبح‬ ‫الرف �أو جزءاً من تاريخ ال�سينما‬ ‫بعده �إما على ّ‬ ‫وذخائر التلفزيون‪ .‬ومن هنا يبقى «اعتباطي ًا»‪،‬‬ ‫�أي ن�سب لأي فيلم �إىل عام حم ّدد‪ .‬ومع هذا ال‬ ‫ب ّد من االعتماد على هذه «االعتباطية» يف �أي‬ ‫درا�سة حتليلية تريد �أن ت�صل �إىل ا�ستنتاجات‬ ‫ولو كانت هذه اال�ستنتاجات تقريبية‪.‬‬

‫يف جمرى تاريخ الإنتاج ال�سينمائي امل�رصي‪،‬‬ ‫وحتى باملقارنة مع املعدل العام لالنتاج‬ ‫امل�رصي يف عقدي الذروة‪� :‬سنوات اخلم�سني‬ ‫(حيث جتاوز املعدل ال�سنوي العام اخلم�سني‬ ‫فيلم ًا)‪ ،‬و�سنوات الثمانني (حيث قارب املعدل‬ ‫ال�سنوي العام ال�ستني فيلم ًا)‪ .‬ف�إذا تن ّبهنا هنا‬ ‫�إىل �أن معدل الإنتاج يف العقد الأخري من القرن‬ ‫الع�رشين مل يزد عن ‪ 38‬فيلم ًا يف العام‪ ،‬و�أن‬ ‫املعدل العام لل�سنوات ال�سبع الأوىل من بدايات‬ ‫القرن الواحد والع�رشين مل يزد عن ‪ 25‬فيلم ًا‪،‬‬ ‫جندنا يف العام ‪� 2008‬أمام فورة �إنتاجية ت�ؤكد‬ ‫ما كانت عليه احلال يف العام ال�سابق ‪.2007‬‬ ‫ففي هذا العام �أنتج يف م�رص نحو ‪ 48‬فيلم ًا‪،‬‬ ‫بلغت �إيراداتها الإجمالية ‪ 230‬مليون جنيه‬ ‫م�رصي‪� ،‬أي بزيادة قدرها ‪ %15‬عن ما حقّقته‬ ‫�إيرادات العام ال�سابق عليه‪� .‬أما �إيرادات عام‬ ‫‪ ،2008‬فمن املرجح �أنها تق ّل عن �إيرادات العام‬ ‫ال�سابق مبا ال يق ّل عن ‪ 75‬مليون جنيه ‪.‬‬ ‫�إن امللحوظة الأوىل التي ميكن �إيرادها هنا‬ ‫انزياح ملحوظ بني نوعية الأفالم‪� .‬إذ‬ ‫تكمن يف‬ ‫ٍ‬ ‫فيما حازت الأفالم الهزلية (امل�سماة ب�أفالم‬ ‫الكوميديني اجلدد) يف العام ‪ 2007‬الن�سبة‬ ‫الأعلى من املداخيل‪ ،‬على ح�ساب �أفالم �أكرث‬ ‫جدية – ُي�ستثنى منها فيلم «عمارة يعقوبيان»‪،‬‬ ‫الذي �سجل واحداً من النجاحات الكربى ‪� -‬أتى‬ ‫عام ‪ 2008‬ليو ّزع املداخيل بني الأنواع ب�شكل‬ ‫�أكرث عد ًال‪ ،‬بل مرجح ًا حتى كفّة ال�سينما الأقل‬ ‫«�شعبية» والأكرث اجتماعية‪ ،‬من ناحية �إقبال‬ ‫اجلمهور‪ ،‬وبالتايل من ناحية احل�ضور العام‬ ‫للأفالم‪ .‬واحلقيقة �أن يف �إمكاننا انطالق ًا من‬ ‫هذه املالحظة الأولية افرتا�ض �أن ثمة‪ ،‬يف‬ ‫مناخ ال�سينما امل�رصية‪ ،‬نوع ًا من العودة �إىل‬ ‫اجتماعية ال�سينما‪ ...‬هذه االجتماعية التي‬ ‫كانت فقدت جزءاً كبرياً منها خالل العقود‬ ‫الفائتة‪ .‬ويف يقيننا �أن ثمة عوامل عديدة‬ ‫لعبت‪ ،‬ورمبا �ستلعب �أكرث و�أكرث يف هذا االجتاه‬ ‫الذي ي ّنم �أول ما ي ّنم عن «جتدد» يف حركية‬ ‫اجتماعية معينة‪.‬‬ ‫العن�رص الأول‪ ،‬هو �أن انح�صار العمل‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 358‬للتنمية الثقافية‬

‫مهما كان ر�أينا يف ما ق ّدمه العام‬ ‫‪ 2008‬من �أفالم‪ -‬على امل�ستوى امل�رصي‬ ‫نقر ب�أنه‬ ‫على الأقل ‪ -‬ال ميكننا �إال �أن ّ‬ ‫ق ّدم جديداً‪ ...‬ل�سينما تريد �أن تقول �شيئ ًا‬ ‫على ح�ساب �سينما �سادت خالل �سنوات‬ ‫ما�ضية‪ ،‬حققت جناحات من دون �أن‬ ‫تتطلّع �إىل �أن تقول �أي �شيء‪ ...‬ومنها‬ ‫�أفالم هزلية و «جن�سية» وبولي�سية‪.‬‬

‫التلفزيوين الدرامي‪ ،‬اجلاذب ل�رشائح معينة‬ ‫من الطبقات الو�سطى (وهي الزبون الرئي�س‬ ‫لهذا النوع من الدراما)‪ ،‬للعر�ض خالل �شهر‬ ‫رم�ضان‪ ،‬جعل ال�شا�شات �شبه خالية طوال‬ ‫الأ�شهر الأخرى من العام‪ ،‬من �أعمال جاذبة‪...‬‬ ‫ما �أعاد قطاعات عري�ضة �إىل �صاالت ال�سينما‪.‬‬ ‫العن�رص الثاين‪ ،‬الناجت جدلي ًا عن الأول‪،‬‬ ‫هو �أن ن�شوء املج ّمعات التجارية الكربى يف‬ ‫القاهرة وغريها من املدن‪� ،‬أ ّدى �إىل زيادة عدد‬ ‫ال�صاالت الفخمة‪ ،‬بعد ما عانت حال ال�صاالت‬ ‫ما عانته طوال عقود‪ .‬ومن املرجح �أن ازدياد‬ ‫عدد ونوعية هذه املجمعات و�صاالتها‪ ،‬لعب‬ ‫دوراً كبرياً يف جناح العرو�ض العامة لكثري من‬ ‫الأفالم‪.‬‬ ‫�أما العن�رص الثالث فريتبط بتخفيف قيود‬ ‫التطرف على املجتمع والتي كانت �أبقت �رشائح‬ ‫ّ‬ ‫كثرية من العائالت املحافظة والأقل حمافظة‪،‬‬ ‫داخل البيوت من�ش ّدة �إىل ال�شا�شات ال�صغرية‬ ‫حارمة نف�سها من متعة امل�شاهدة ال�سينمائية‬ ‫اجلماعية‪ .‬هذه ال�رشائح يبدو �أن زوال «خوفها»‬ ‫حركها نحو‬ ‫حركها �أول ما ّ‬ ‫من اخلروج قد ّ‬ ‫ال�صاالت كتقليد بد�أ ي�ستعيد �ألقه الذي كان‬ ‫عليه يف �سنوات اخلم�سني وما حولها‪.‬‬ ‫وهناك بالإ�ضافة �إىل هذا عن�رص رابع‪ ،‬هنا‪،‬‬ ‫ال يق ّل �أهمية‪ ،‬وهو �أن العرو�ض التلفزيونية‪،‬‬ ‫تبث على‬ ‫وعلى مئات ال�شا�شات ال�صغرية التي ّ‬ ‫مدار �ساعات اليوم يف كل البيوت امل�رصية‪،‬‬ ‫والعربية عموم ًا‪ ،‬ا�ستنفدت كل خمزون ال�سينما‬ ‫امل�رصية‪ ،‬بحيث �إن املتفرجني باتوا يحفظون‬ ‫كل الأفالم ظهراً عن قلب‪ ،‬خ�صو�ص ًا �أن ك ّل‬ ‫فيلم من الأفالم الثالثة �آالف املوجودة يف‬ ‫املخزون العام‪ُ ،‬عر�ض و ُيعر�ض ع�رشات‪ ،‬بل‬ ‫مئات املرات‪ ...‬ما دفع اجلمهور‪ ،‬الذي بد�أ يزداد‬ ‫عر�ض ًا بفعل العوامل الأخرى التي ذكرناها‪،‬‬ ‫�إىل البحث عن جديد‪.‬‬

‫جديد يف �أكرث من اجتاه‬

‫واحلقيقة �أنه‪ ،‬مهما كان ر�أينا يف ما‬ ‫ق ّدمه العام ‪ ،2008‬من �أفالم – على امل�ستوى‬

‫نقر ب�أنه‬ ‫امل�رصي على الأقل – ال ميكننا �إال �أن ّ‬ ‫ق ّدم جديداً‪ ...‬ويف �أكرث من اجتاه و�إطار‪ .‬ونحن‬ ‫�إذا ك ّنا يف �سطور �سابقة قد حتدثنا‪ ،‬عر�ض ًا‪ ،‬عن‬ ‫انزياح بد�أ يعطي مكانة ل�سينما تريد �أن تقول‬ ‫ٍ‬ ‫�شيئ ًا (وهو التعريف الذي نقرتحه لل�سينما‬ ‫اجليدة ب�شكل �أو ب�آخر والتي يحاول �صناعها‬ ‫من خاللها �أن يطرحوا ر�ؤى مع ّينة �أو افكاراً‬ ‫�أو تعبريات)‪ ،‬على ح�ساب �سينما �سادت خالل‬ ‫�سنوات ما�ضية‪ ،‬حققت جناحات من دون �أن‬ ‫تتطلّع �إىل �أن تقول �أي �شيء‪ ...‬ومنها �أفالم‬ ‫هزلية و «جن�سية» وبولي�سية‪ ...‬وما �إىل ذلك ‪،‬‬ ‫ف�إن ما ال ب ّد من الإ�شارة �إليه هو �أن هذا االنزياح‬ ‫يتحرك الآن �أكرث و�أكرث يف خطّ ت�صاعدي‪.‬‬ ‫ول�سوف يكون من الظلم من قبل من ي�ستعر�ض‬ ‫الثمانية والأربعني فيلم ًا التي تتحدث عنها‬ ‫امل�صادر املتن ّوعة باعتبارها خال�صة �إنتاج‬ ‫عام ‪ 2008‬يف م�رص‪� ،‬أ ّال يرى فيها تن ّوع ًا‬ ‫حمموداً‪ ،‬وفر�ص ًا �أوىل ُتعطى ملخرجني جدد‪،‬‬ ‫وحماوالت – ولو متوا�ضعة يف معظم الأحيان‬ ‫– للخو�ض يف الق�ضايا االجتماعية‪ ،‬والنهل من‬ ‫لغة التعبري الفردي‪� ...‬أي ب�شكل خا�ص‪ ،‬التعامل‬ ‫مع امل�س�ألة ال�سينمائية ب�أ�سلوب �أكرث جدية‪.‬‬ ‫يتوجب علينا �أن ننظر بعني – حتاول‬ ‫ومن هنا ّ‬ ‫�أن جتد الطم�أنينة ال�سينمائية – �إىل حماوالت‬ ‫خمرجني من طينة ي�رسي ن�رصاهلل وخالد‬ ‫يو�سف و�إبراهيم البطوط وحتى �أحمد ر�شوان‬ ‫وجمدي �أحمد علي املميزة يف العام نف�سه الذي‬ ‫كان �أبرز حدث �سينمائي عربي فيه يتمثّل يف‬ ‫رحيل يو�سف �شاهني‪ ،‬الذي يعترب كبري الكبار‬ ‫بني �أ�ساتذة ه�ؤالء جميع ًا‪ .‬ونحن �إذا ك ّنا يف‬ ‫ال�سطور ال�سابقة قد و�ضعنا حرف «حتى» حني‬ ‫�أ�رشنا �إىل �أحمد ر�شوان وجمدي �أحمد علي‪ ،‬فما‬ ‫هذا �إال لأن فيلمي هذين‪ ،‬لن يعر�ضا جتاري ًا �إال‬ ‫يف املو�سم التايل ‪ ،2009‬حتى و�إن كانا (وهما‬ ‫«ب�رصة» لر�شوان‪ ،‬و «خلطة فوزية» ملجدي‬ ‫�أحمد علي) قد حقّقا عام ‪ 2008‬وبالتايل ال‬ ‫يح�سبان �ضمن الأفالم ال‪ 48‬التي ُعر�ضت يف‬ ‫هذا العام الأخري‪ .‬فماذا عن هذه الأفالم؟‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الإبداع ال�سينمائي والدارمي ‪359‬‬

‫جناحات متفاوتة وح�ضور عربي‬

‫�إن �أ ّول ما يجب قوله هنا‪ ،‬هو �إن هذه‬ ‫االفالم جميع ًا‪ُ ،‬عر�ضت – بنجاحات متفاوتة‬ ‫– خالل العام ‪ .2009‬ف�إذا �أ�ضفنا �إليها فيلمني‬ ‫لبنانيني ُعر�ضا يف �صاالت م�رصية خالل العام‬ ‫نف�سه (هما «�سكّر بنات» لنادين لبكي‪ ،‬و «دخان‬ ‫بال نار» ل�سمري حب�شي) وفيلم ًا �سعودي ًا‪ ،‬من‬ ‫�إنتاج يف دبي (هو «مناحي») �سيكون لدينا ‪51‬‬ ‫فيلم ًا عربي ًا �شاهدها املتفرجون امل�رصيون‪،‬‬ ‫قلي ًال �أو كثرياً – علم ًا ب�أن االقبال على الأفالم‬ ‫العربية يف م�رص ال يزال متوا�ضع ًا‪ ،‬حتى و�إن‬ ‫كان يف تط ّور ن�سب ًة �إىل ما كانت الأمور عليه‬ ‫�سابق ًا ‪ .-‬ويف املقابل لع ّل من الأمور الالفتة‬ ‫�أن امل�شاهدين امل�رصيني‪ ،‬الذين ا�ستنكفوا عن‬ ‫ح�ضور �أفالم عربية غري م�رصية‪ ،‬حتى ولو‬ ‫كان البطل م�رصي ًا يف واحد من هذه الأفالم‬ ‫(خالد النبوي يف «دخان بال نار»‪ .‬وهو من‬ ‫�إنتاج م�رص لل�سينما على �أية حال)‪� ،‬أقبلوا يف‬ ‫الوقت نف�سه على م�شاهدة مزيد من املمثلني‬ ‫أفالم م�رصية‪،‬‬ ‫العرب‪ ،‬املمثالت بخا�صة‪ ،‬يف � ٍ‬ ‫من التون�سية هند �صربي �إىل اللبنانيات نور‬ ‫ونيكول �سابا ومايا ن�رصي و�سريين عبدالنور‬ ‫وهيفاء وهبي‪ ،‬حتى و�إن كانت �أ�سباب الإقبال‬ ‫يف معظم الأحيان ج�سدية‪.‬‬ ‫املهم‪� ،‬أن التن ّوع فر�ض ح�ضوره‪ ،‬بل �إن‬ ‫اجلودة نف�سها كانت لها ح�صتها‪ ،‬حيث نالت‬ ‫�أفالم عديدة درجات ر�ضى بل �إعجاب مرتفعة‬ ‫من قبل النقاد‪ ،‬ناهيك بح�ضورها الالفت‬ ‫�أحيان ًا يف مهرجانات �سينمائية‪ ،‬م�رصية وغري‬ ‫م�رصية‪ ...‬لكن امل�ؤ�سف هنا �أننا‪� ،‬إذا ا�ستثنينا‬ ‫فيلمني على الأقل خلالد يو�سف‪ ،‬كان هناك‬ ‫ت�ساو �إمنا معتدل يف قبولها النقدي واجلمهوري‬ ‫ٍ‬ ‫(هما «الري�س عمر حرب»‪ ،‬و «حني م�رسة»‪ ،‬علماً‬ ‫ب�أن هذين الفيلمني لي�سا متام ًا من �إنتاج ‪2008‬‬ ‫و�إن كانا قد ُعر�ضا فيه)‪� ،‬إذا ا�ستثنينا �أفالم‬ ‫خالد يو�سف‪� ،‬سنجد نحو «دزينة» من الأفالم‬ ‫اجليدة (التي تريد �أن تقول �شيئ ًا) ال حتقق ذلك‬

‫مل حتقق الأفالم‪ ،‬التي يف�ضلها‬ ‫النقاد ما كّ نا نرجوه لها من جناح‪.‬‬ ‫لكن هذا الأمر لن يكون حمبط ًا �إذا‬ ‫ما الحظنا �أن اخلط االنحنائي‪،‬‬ ‫مييل على الرغم من هذا ناحية‬ ‫هذه الأفالم‪ .‬ف�أن ي�أتي العام ‪،2008‬‬ ‫لي�شهد �إنتاج وعر�ض ‪ 20‬فيلم ًا هزلياً‪،‬‬ ‫ويف مقابلها ‪ 18‬فيلم ًا اجتماعياً‪� ،‬أمر‬ ‫يقول الكثري‪ ،‬لي�س من حقنا اعتبار‬ ‫كل الأفالم «االجتماعية» �أعما ًال‬ ‫ج ّيدة‪ ،‬كذلك ف�إن كل الأفالم الهزلية‬ ‫لي�ست �سيئة‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإبداع‬

‫حتى الكوميديا تط ّورت‬

‫النجاح املرجو لها‪ ،‬من «ليلة البيبي دول»‬ ‫�إنتاج «غود نيوز» ال�ضخم‪ ،‬الذي حاول – وف�شل‬ ‫يف ذلك – �أن يعيد جناح «عمارة يعقوبيان»‪،‬‬ ‫�إىل «عني �شم�س» فيلم �إبراهيم البطوط الأول‪،‬‬ ‫والذي يعترب‪� ،‬إىل جانب «ب�رصة» لأحمد ر�شوان‬ ‫�أوىل حماوالت غزو ال�سينما امل�رصية امل�ستقلة‪،‬‬ ‫لل�صاالت امل�رصية‪ ،‬مروراً بـ «جنينة الأ�سماك»‬ ‫لي�رسي ن�رصاهلل (الذي �سيعود يف املو�سم‬ ‫املقبل ‪ ،2009‬بعمل كبري كتبه وحيد حامد‬ ‫عنوانه «احكي يا �شهرزاد»)‪.‬‬ ‫مل حتقق الأفالم‪ ،‬التي يف�ضلها النقاد‬ ‫– �إذن – ما ّكنا نرجوه لها من جناح‪ ..‬لكن‬ ‫هذا الأمر لن يكون حمبط ًا بالطبع‪ ،‬بخا�صة‬ ‫�إذا ما الحظنا �أن اخلط االنحنائي‪ ،‬مييل على‬ ‫الرغم من هذا ناحية هذه الأفالم‪ .‬ف�أن ي�أتي‬ ‫العام ‪ ،2008‬لي�شهد �إنتاج وعر�ض ‪ 20‬فيلم ًا‬ ‫هزلي ًا‪ ،‬ويف مقابلها ‪ 18‬فيلم ًا اجتماعي ًا‪� ،‬أمر‬ ‫يقول الكثري‪ ،‬لأن الن�سبة بني النوعية كانت‬ ‫متفاوتة �أكرث كثرياً‪ .‬وهنا‪� ،‬إذا الحظ �أحد‪ ،‬وله‬ ‫احلق كل احلق يف هذا‪� ،‬أن لي�س من حقنا اعتبار‬ ‫كل االفالم «االجتماعية» �أعما ًال ج ّيدة‪ ،‬ميكن‬ ‫�أن جنيبه بكل ب�ساطة‪ :‬كذلك ف�إن كل الأفالم‬ ‫الهزلية لي�ست �سيئة‪ .‬فنحن �إذا اعتربنا‪ ،‬مث ًال‪،‬‬ ‫�أن «�آ�سف على االزعاج» خلالد مرعي – من‬ ‫بطولة �أحمد حلمي ‪ -‬و «ح�سن ومرق�ص» لرامي‬ ‫�إمام – من بطولة عادل �إمام وعمر ال�رشيف‪-‬‬ ‫فيلمان هزليان‪� ،‬سيتوجب علينا يف الوقت‬ ‫نف�سه اعتبارهما يف خانة الأفالم اجليدة التي‬ ‫حققت وعر�ضت عام ‪.2008‬‬ ‫يف مقابل هذين النوعني‪ ،‬كانت هناك‬ ‫�أفالم حركة �صاخبة ت�ضاءل عددها بحيث‬ ‫مل تزد هذا العام عن خم�سة �أفالم (مقابل ‪9‬‬ ‫للعام الفائت)‪ ،‬فيما زاد هذا العام عدد �أفالم‬ ‫الكوميديا ال�سوداء والت�شويق البولي�سي �إىل‬ ‫�أربعة �أفالم بعدما كان العدد �صفراً‪ .‬ومع‬ ‫هذا كله يبقى �أن النجاح الأكرب‪ ،‬جماهريي ًا‬ ‫على الأقل‪ ،‬ظل من ن�صيب الأفالم الهزلية‪،‬‬ ‫�سواء جاءت مر�ضية للنقاد من الناحية الف ّنية‬ ‫(مثل �أفالم عادل �إمام و�أحمد حلمي‪ ،‬بل حتى‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 360‬للتنمية الثقافية‬

‫كذلك فيلم حممد هنيدي «رم�ضان مربوك �أبو‬ ‫العلمني حمودة» من �إخراج وائل اح�سان‪ ،‬الذي‬ ‫من طريق الكوميديا دار بحذق من حول م�سائل‬ ‫تتعلق بطبيعة الرتبية والتعليم يف م�رص‬ ‫املعا�رصة) �أم مل جتىء‪.‬‬

‫ظواهر وظواهر‬

‫من الوا�ضح �أن هذا كلّه ي�شكل ما ميكننا �أن‬ ‫نعتربه ظواهر الفتة لعام من الوا�ضح �أنه عام‬ ‫انتقايل‪ .‬بيد �أن ظواهره ال تتوقف هنا‪ ..‬بحيث‬ ‫يتوجب علينا هنا �أن نر�صد ظواهر جديدة تبدو‬ ‫لنا �شديدة الأهمية‪:‬‬ ‫�أول هذه الظواهر و�أهمها ظهور ما ال يق ّل‬ ‫عن ‪ 13‬خمرج ًا جديداً‪ ،‬حققوا يف العام ‪2008‬‬ ‫�أفالمهم الأوىل – �إ�ضافة �إىل �آخرين حققوا‬ ‫فيلم ًا ثاني ًا �أو ثالث ًا‪ .‬واجلدد هم �إبراهيم البطوط‬ ‫(«عني �شم�س») وح�سام اجلوهري («�شارع ‪)»18‬‬ ‫�شهد العام ‪ 2008‬يف م�رص ظهور وم�ؤن�س ال�رشبجي («حلظات �أنوثة») وحممد‬ ‫ما ال يقل عن ‪ 13‬خمرج ًا �سينمائي ًا كمال ال�شناوي («�أيامنا احللوة») وعمرو �سالمة‬ ‫جديداً قاموا ب�إخراج �أفالمهم الأوىل‪«( .‬زي النهاردة»)‪ ،‬وعبدالعزيز ح�شاد («كامب»)‬ ‫وه�شام ال�شافعي («احنا اتقابلنا قبل كدة»)‬ ‫ون�رص حمرو�س («كابنت هيما») و�أحمد عوي�س‬ ‫(«كاريوكي») ووليد حممود («�شبه منحرف»)‬ ‫و�سامح رافع («رامي االعت�صامي») و�رشيف‬ ‫عابدين («�شعبان الفار�س») و�أمري رم�سي�س‬ ‫(«ورقة �شفرة»)‪ ..‬وال ب ّد من �أن نالحظ هنا‬ ‫�أن التنويع الأكرب يف املوا�ضيع‪ ،‬وحماوالت‬ ‫البحث عن لغة �سينمائية جديدة‪ ،‬بدت خا�صة‬ ‫لدى معظم ه�ؤالء‪.‬‬ ‫الظاهرة الثانية اجلديرة بالر�صد‪ ،‬هي‬ ‫�أن ثمة ن�سبة ‪ %25‬من هذه الأفالم‪� ،‬أي ما ال‬ ‫يق ّل عن ‪� 8‬أفالم �أعطيت فيها البطولة املطلقة‬ ‫المر�أة ممثلة‪ ...‬وهو �أمر كان نادر احلدوث‬ ‫يف املوا�سم الفائتة‪ ،‬وكان دائم ًا مدار �شكوى‬ ‫وغريهن‪ .‬ويف املقابل غاب العن�رص‬ ‫املمثالت‬ ‫ّ‬ ‫الن�سائي تقريب ًا عن الإخراج‪ ،‬بعدما كانت‬ ‫�سجلن ح�ضوراً كبرياً يف‬ ‫املخرجات الن�ساء قد ّ‬ ‫ال�سنوات الفائتة وا�صالت �أحيان ًا �إىل حتقيق‬ ‫�أكرث الأعمال جناح ًا و�إثارة لل�سجال (هالة‬

‫خليل‪ ،‬و�إينا�س الدغيدي)‪ .‬ومع هذا‪ ،‬كي ال‬ ‫تكون النتيجة الن�سائية �صفراً‪ ،‬ظهر على الأقل‬ ‫فيلمان من �إخراج امر�أتني‪« :‬امل�ش مهند�س‬ ‫ح�سن» ملنال �صيفي‪ ،‬و «م�سجون ترانزيت»‬ ‫ل�ساندرا ن�ش�أت‪.‬‬ ‫كان من ظواهر العام‪� ،‬أي�ض ًا الإخفاق‬ ‫الن�سبي الذي كان من ن�صيب �إنتاج �رشكة‬ ‫«غودنيوز» العمالقة‪ ،‬والتي كانت قد وعدت‬ ‫نف�سها‪ ،‬وال�سينما امل�رصية‪ ،‬بهجمة �سينمائية‬ ‫كبرية منذ حققت ذلك النجاح الكبري مع‬ ‫«عمارة يعوقبيان» يف املو�سم الفائت‪ .‬لكن‬ ‫«حليم» الذي تبعه �شكّل خيبة ن�سبية‪ ،‬ثم ازداد‬ ‫حجم اخليبة مع «ليلة البيبي دول» الذي كان‬ ‫يفرت�ض به �أن يحقق جناح ًا �ضخم ًا‪ .‬بعده‬ ‫انتجت ال�رشكة العمالقة «�إبراهيم الأبي�ض»‬ ‫ور�صدت له ميزانية �ضخمة ما ين ّم طبع ًا عن‬ ‫رغبة يف موا�صلة «املغامرة ال�سينمائية»‬ ‫لكنها يف املقابل �أعلنت عن قرب ولوجها عامل‬ ‫الإنتاج التلفزيوين‪� ،‬إذ تتحدث الآن عن م�سل�سل‬ ‫�ضخم عن تاريخ الإخوان امل�سلمني‪ .‬وكذلك‬ ‫ثمة حديث ال يزال غام�ض ًا عن حت ّول م�رشوع‬ ‫«حممد علي» من فيلم �سينمائي �إىل م�سل�سل‬ ‫تلفزيوين‪� ...‬إذاً؟!‬ ‫�إذا كان ك ٌرث قد نعوا خالل �سنوات و�سنوات‬ ‫غياب �أفالم الكوميديا املو�سيقية‪� ،‬أو الأفالم‬ ‫الغنائية ب�شكل عام عن ال�سينما امل�رصية‪،‬‬ ‫ف�إن مو�سم ‪ 2008‬جاء كنوع من اال�ستجابة‪،‬‬ ‫بحيث لوحظ �إن مل يكن وجود �أفالم غنائية‬ ‫خال�صة‪ ،‬من النوع الأمريكي (ميوزيكال) �أو‬ ‫من النوع امل�رصي الذي كان من جنومه يف‬ ‫املا�ضي ال�سعيد فريد الأطر�ش وعبداحلليم‬ ‫حافظ‪ ،‬فعلى الأقل وجود �أفالم تعقد فيها‬ ‫�أولوية البطولة ملغ ّنني �أو مغ ّنيات‪ ،‬ما ي�ضعنا‬ ‫�أمام �أفالم يلعب الغناء فيها دوراً �أ�سا�سي ًا‪ ،‬تبع ًا‬ ‫حل�ضور املغني‪� ،‬أو املغنية وجماهرييته‪ .‬ويف‬ ‫هذا الإطار ميكننا احلديث عن ما ال يقل عن‬ ‫‪ 12‬فيلم ًا �شهدت‪ ،‬يف بطولتها‪ ،‬ويف بطولتها‬ ‫املطلقة �أحيان ًا‪ ،‬وجود جنوم طرب تلفزيونيني‬ ‫عرب ومنها‪ :‬تامر ح�سني (يف «كابنت هيما»)‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الإبداع ال�سينمائي والدارمي ‪361‬‬

‫روال �سعد (يف «غرفة ‪ )»707‬حمادة هالل (يف‬ ‫«حلم العمر»)‪ ،‬م�صطفى قمر (يف «مافي�ش‬ ‫فايدة») مادلني مطر («�آخر الكالم») �سريين‬ ‫عبدالنور وروبي ودوللي �شاهني (يف «رم�ضان‬ ‫مربوك‪ »...‬و«الوعد» و«امل�ش مهند�س ح�سن»‬ ‫هن‬ ‫تباع ًا‪� )...‬إلخ‪ .‬والالفت �أن معظم املغنيات ّ‬ ‫من لبنان‪ ،‬بينما معظم املغ ّنني من م�رص!‬

‫ال�سينما املغربية‪ :‬الرهانات التي‬ ‫تتحقق‬

‫يف عام ‪� ،2008‬أنتج املغرب‬ ‫فيلم ًا روائي ًا طويالً‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل‬ ‫ع�رشات الأفالم الق�صرية‪ .‬وهو رقم‬ ‫ت ّبو�أ بف�ضله املغرب املركز الثاين‬ ‫من ناحية عدد الأفالم املنتجة‪ ،‬يف‬ ‫طول القارة الأفريقية وعر�ضها‪ ،‬بعد‬ ‫م�رص‪ ،‬وبالت�ساوي مع دولة جنوب‬ ‫�أفريقيا‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫�أفالم �أوىل‬

‫من ناحية عددية‪� ،‬شاهد الأفالم املغربية‬ ‫املعرو�ضة يف املغرب عام ‪� ،2008‬أكرث من ‪461‬‬ ‫متفرج‪ .‬وح�سبنا هنا لفهم داللة هذا الرقم‪،‬‬ ‫�ألف‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫�أن نتذكر كيف �أنه حني احتل فيلم مثل «حب‬ ‫يف الدار البي�ضاء» مكان ًا متقدم ًا بني الأفالم‬ ‫املعرو�ضة يف املغرب �أوا�سط الت�سعين ّيات اع ُترب‬ ‫الأمر حالة ا�ستثنائية يحتفل بها‪ .‬وكذلك كانت‬ ‫احلال بعد ذلك حني حقّق فيلم «مكتوب» لنبيل‬ ‫مماث ًال‪ .‬يومها‪ ،‬ويف احلالتني‬ ‫عيو�ش جناح ًا ّ‬ ‫جرى البحث لتف�سري الظاهرة عن �أ�سباب غري‬ ‫�سينمائية (العن�رص اجلن�سي يف الأول‪ ،‬وعن�رص‬ ‫النقل من حدث بولي�سي و�سيا�سي �أثار الر�أي‬ ‫العام يف الثاين)‪ .‬اليوم‪ ،‬ومنذ �سنوات‪ ،‬مل يعد‬ ‫ثمة اهتمام بالبحث عن جناح فيلم ما‪ ،‬خارج‬ ‫�إطاره ال�سينمائي‪ .‬ولع ّل هذا �أهم ما ميكن �أن‬ ‫يحدث بالن�سبة �إىل �سينما كاملغربية كانت‬ ‫طرية العود ل�سنوات قليلة خلت‪.‬‬

‫حتت ّل ال�سينما املغربية وللمرة‬ ‫الأوىل يف تاريخها‪ ،‬املركز الثالث‬ ‫بني املناطق التي تعر�ض �أفالمها‬ ‫يف املغرب بن�سبة ‪ 15.57‬من ال�سوق‬ ‫املحلية‪ ،‬بعد ال�سينما الأمريكية‬ ‫(‪ )%38.06‬والهندية (‪ 26.8‬يف املئة)‬ ‫وقبل ال�سينما امل�رصية التي حازت‬ ‫هذا العام على �أقل من ‪ %15‬من‬ ‫ح�صته يف ال�سوق املغربية‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإبداع‬

‫يف العام ‪ ،2008‬احتفل املغرب بالذكرى‬ ‫ال�سنوية اخلم�سني لوالدة �أول فيلم مغربي‪،‬‬ ‫وهو فيلم «االبن العاق» ملحمد ع�صفور‪� .‬إذاً‬ ‫�صار عمر هذه ال�سينما خم�سني عام ًا‪ ،‬وهي‬ ‫منا�سبة يحتفل بها طبع ًا‪ .‬وكانت هناك‪،‬‬ ‫بالفعل‪ ،‬احتفاالت ع ّمت العديد من املهرجانات‬ ‫الكثرية التي تقام �سنوي ًا يف املغرب‪ ،‬وو�صلت‬ ‫�إىل ذروتها خالل الدورة التي �أقيمت �أواخر‬ ‫العام املن�رصم ملهرجان «مراك�ش» ال�سينمائي‬ ‫الدويل‪ .‬غري �أن هذه االحتفالية كلّها مل متنع‬ ‫رئي�س املركز الوطني لل�سينما يف املغرب‪،‬‬ ‫نور الدين �صايل‪ ،‬من �أن ي�ؤكّد مرة �أخرى‪� ،‬أن‬ ‫خري احتفال ب�إجنازات ال�سلف تكون يف ال�سري‬ ‫على خطاهم‪� ،‬أي يف حتقيق �أفالم جديدة‪ ..‬لأن‬ ‫ال�سلف حني كان يخو�ض مغامرته ويحقق‬ ‫فيلم ًا‪� ،‬إمنا كان يبني خطوات �أوىل مل�ستقبل‬ ‫يت�صوره �أكرث ازدهاراً‪ .‬ويف املغرب لي�س‬ ‫هذا كالم ليل ميحوه النهار‪ .‬وهو �أمر ت�ؤكده‬ ‫الأرقام‪� .‬إذ يف عام ‪� ،2008‬أنتج املغرب ‪15‬‬ ‫فيلم ًا روائي ًا طوي ًال‪� ،‬إ�ضاف ًة �إىل ع�رشات الأفالم‬ ‫الق�صرية‪ .‬وهو رقم قد ال تظهر �أهميته �إال من‬ ‫خالل املقارنة‪� .‬إذ بف�ضله ت ّبو�أ املغرب املركز‬ ‫الثاين من ناحية عدد الأفالم املنتجة‪ ،‬يف‬ ‫طول القارة الأفريقية وعر�ضها‪ ،‬بعد م�رص‪،‬‬ ‫وبالت�ساوي مع دولة جنوب �أفريقيا‪ .‬وهو‬ ‫املركز نف�سه الذي تبو�أه بني البلدان العربية‪،‬‬ ‫بعد م�رص �أي�ض ًا‪ .‬و�إذا كان يف و�سعنا �أن نقول‬ ‫ب�صدد هذا الرقم �إن ال�سينما املغربية حقّقت‬ ‫رهانها للعام الرابع على التوايل من حيث‬

‫االزدياد امللحوظ يف عدد الأفالم املنتجة‪،‬‬ ‫ما جعل معظم ال�سينمائيني املغاربة يحققون‬ ‫�أفالم ًا‪ ،‬ف�إن الأمور تتجاوز هذا الواقع الرقمي‪،‬‬ ‫ويف اتجّ اهات ع ّدة‪ .‬فمن ناحية �أوىل يتم ّيز‬ ‫املغرب يف �أن امل�س�ألة ال�سينمائية‪ ،‬فيه‪ ،‬ت� َؤخذ‬ ‫م�أخذ اجلدية الالفتة‪ ،‬ولي�س فقط من جانب‬ ‫ال�سينمائيني �أنف�سهم‪ ،‬بل خ�صو�ص ًا من جانب‬ ‫الدولة‪ ،‬التي ق ّدمت يف العام ‪� ،2008‬أكرث من ‪6‬‬ ‫ماليني دوالر لدعم الإنتاج ال�سينمائي‪ ،‬ا�ستفاد‬ ‫منها ‪ 11‬فيلم ًا من بني التي انتجت‪ .‬ولع ّل هنا‬ ‫يكمن ذلك الواقع اجلديد الذي جعل ال�سينما‬ ‫املغربية‪ ،‬ب�شكل �إجمايل‪ ،‬عرب عرو�ض الأفالم‬ ‫املنتجة حديث ًا‪ ،‬و�إعادة عر�ض الأفالم القدمية‪،‬‬ ‫حتت ّل وللمرة الأوىل يف تاريخها‪ ،‬املركز الثالث‬ ‫بني املناطق التي تعر�ض �أفالمها يف املغرب‬ ‫بن�سبة ‪ 15.57‬من ال�سوق املحلية‪ ،‬بعد ال�سينما‬ ‫الأمريكية (‪ )%38.06‬والهندية (‪ 26.8‬يف‬ ‫املئة) وقبل ال�سينما امل�رصية التي حازت هذا‬ ‫العام على �أقل من ‪ %15‬من ح�صته يف ال�سوق‬ ‫املغربية‪.‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 362‬للتنمية الثقافية‬

‫حقّق يف املغرب �إذاً‪ ،‬خالل عام ‪،2008‬‬ ‫نحو ‪� 14‬إىل ‪ 15‬فيلم ًا‪ ،‬يلفت فيها تن ّوع مده�ش‪،‬‬ ‫من ناحية‪ ،‬ومن ناحية ثانية �أن من بينها‬ ‫ما ال يقل عن �سبعة �أفالم هي �أوىل خمرجيها‬ ‫(«حجاب احلب» لعزيز ال�ساملي‪« ،‬فرن�سية»‬ ‫ل�سعاد البوحاطي‪« ،‬خربو�شة» حلميد الزوغي‪،‬‬ ‫«زمن الرفاق» ملحمد �رشيف الطريبق‪« ،‬منرب‬ ‫وان» ل�سعاد الطاهري‪« ،‬بحريتان من الدموع»‬ ‫ملحمد حا�سيني)‪ ،‬كما يلفت النظر �أن من بينها‬ ‫�أفالم ًا ملخرجني مغاربة يعي�شون يف اخلارج‬ ‫(«نور الدين اخلماري �صاحب «كازانيغرا»‬ ‫� ٍآت من الرنوج‪ ،‬و�سعاد البوحاطي من فرن�سا‪،‬‬ ‫وجريوم �أوليغار �صاحب «قندي�شة» من �أمريكا‪،‬‬ ‫وحممد زين الدين �صاحب «عقلتي على عادل»‬ ‫من �إيطاليا‪.)...‬‬ ‫�إن ما يالحظ‪ ،‬من ا�ستعرا�ض �أ�سماء‬ ‫�أ�صحاب هذه الأفالم‪ ،‬غياب املخ�رضمني عن‬ ‫قدمت الدولة يف املغرب يف عام حتقيق �أفالم يف مو�سم ‪ ،2008‬لكن املط ْمئن هو‬ ‫ّ‬ ‫‪� 2008‬أكرث من ‪ 6‬ماليني دوالر لدعم �أن م�ؤمن �سميحي وجاليل فرحاتي وعبدالقادر‬ ‫الأقطع و�أحمد املعنوين وفريدة بليزيد‪...‬‬ ‫الإنتاج ال�سينمائي‪.‬‬ ‫وغريهم من جيل امل� ّؤ�س�سني‪ ،‬لي�سوا عاطلني‬ ‫عن العمل‪ ،‬بل �أن لدى ك ّل منهم م�رشوعه‪ ،‬الذي‬ ‫قد يرى النور خالل املو�سم التايل‪� .‬أما ن�صف‬ ‫املخ�رضم نبيل عيو�ش‪ ،‬ف�إنه �شارك يف ر�صيد‬ ‫عام ‪ 2008‬بواحد من �أجنح الأفالم‪ ،‬جتاري ًا‬ ‫(وهو «كل ما تريده لوال» الذي �شاهده �أكرث من‬ ‫مئة �ألف مغربي‪� ،‬أي ‪ %25‬من اجلمهور الذي‬ ‫�شاهد ك ّل الأفالم املغربية)‪ ،‬حتى و�إن كان‬ ‫الفيلم قد �سوجل كثرياً واعرت�ض نقا ٌد كرث على‬ ‫مو�ضوعه‪.‬‬

‫حظوظ اجلدد وح�ضور املخ�رضمني‬

‫انطالق ًا من «كل ما تريده لوال»‬ ‫وال�سجاالت التي دارت من حوله‪ ،‬ميكن القول‬ ‫�إن �أبرز ما ا ّت�سمت به ال�سينما املغربية خالل‬ ‫‪ ،2008‬كان اجلر�أة‪ :‬ك ّل �أنواع اجلر�أة‪ ،‬وال �سيما‬ ‫حركت‬ ‫اجلر�أة االجتماعية وال�سيا�سية التي ّ‬ ‫الأقالم والأفواه‪ .‬فهل كان ميكن �أال يفعل هذا‬ ‫فيل ًما ممي ًزا و�صاخ ًبا هو «وداع ًا �أمهات»‪ ،‬كان‬

‫من �إنتاج العام ‪ ،2007‬لكنه عر�ض يف مو�سم‬ ‫مير مرور الكرام فيلم‬ ‫‪2008‬؟ هل كان ميكن �أن ّ‬ ‫يتحدث مبو�ضوعية – ولغة �سينمائية تكاد‬ ‫تكون كال�سيكية – عن هجرة يهود املغرب‬ ‫�إىل �إ�رسائيل (وغريها) �أوائل �ستين ّيات القرن‬ ‫الع�رشين؟ مهما يكن‪ ،‬ف�إن هذا املو�ضوع مل‬ ‫تعر�ضت له ال�سينما‬ ‫يكن املحظور الوحيد الذي ّ‬ ‫املغربية يف الأونة الأخرية‪� ،‬إذ ها هي �سنوات‬ ‫القمع ال�سيا�سي املرعب (�أوائل ال�سبعين ّيات)‬ ‫تط ّل فيلم ًا بعد فيلم‪ ،‬من منظور يدين القمع‬ ‫باحث ًا عن �آفاق م�صاحلة جديدة يف املغرب ال‬ ‫تعر�ضوا �إىل ذلك القمع‪.‬‬ ‫تكون على ح�ساب الذين ّ‬ ‫ولقد كان �أحدث الأعمال يف هذا ال�سياق فيلم‬ ‫«�أماكننا املمنوعة» لليلى كيالين‪� .‬أما بالن�سبة‬ ‫حمظوري اجلن�س والعنف فلقد تولّت‬ ‫�إىل‬ ‫ّ‬ ‫�أمورهما �أفالم مثل «كازانيغرا» لنور الدين‬ ‫اخلماري و «حجاب احلب» لعزيز �ساملي‪ ..‬ما‬ ‫يقول لنا �إن ال�سينما املغربية وب�شكل �إجمايل‪،‬‬ ‫�سياق مع ما يقوله نور الدين �صايل من‬ ‫ويف ٍ‬ ‫�أن املغرب ي�أخذ ال�سينما م�أخذ اجلدية‪ ،‬ت�أخذ‬ ‫هي بدورها‪ ،‬موا�ضيعها م�أخذ اجلدية‪ .‬وهذا‬ ‫�إىل درجة �أنه �إذا كانت ثمة �شكوى عامة من‬ ‫قلة عدد ال�صاالت يف املغرب (‪� 77‬صالة‪ ،‬بعد‬ ‫�أن �أغلقت �أربع �أبوابها خالل هذا العام) ف�إن‬ ‫تقديرات املركز الوطني لل�سينما ت�ؤكّد �أن‬ ‫املغرب �سوف ي�شهد حتى العام ‪� ،2011‬إن�شاء‬ ‫ما ال يق ّل عن ‪� 300‬صالة جديدة‪.‬‬

‫�أموال الأفالم الأجنبية‬

‫واحلقيقة �أن هذا لن يبدو ا�ستثنائي ًا يف بلد‬ ‫يحب �شعبه ال�سينما‪ ،‬من � ّأي مكان �أتت‪ ،‬وتتابع‬ ‫ّ‬ ‫نخبته ب�شغف ما ال يق ّل عن ثالثني مهرجان ًا‬ ‫�سينمائي ًا يف العام‪� ،‬أ�شهرها و�أهمها طبع ًا‬ ‫مهرجان «مراك�ش ال�سينمائي الدويل»‪ ،‬الذي‬ ‫�صار ُيح�سب له ح�ساب‪ ،‬يف جمال املهرجانات‬ ‫العربية‪ ،‬كما يف جمال املهرجانات الأوروبية‪.‬‬ ‫و�أخرياً‪ ،‬لتغليف هذا كلّه ال ب ّد �أن نذكر خا�صية‬ ‫�أخرى من خ�صائ�ص احلياة ال�سينمائية‬ ‫املغربية‪ :‬كون املغرب منطقة خمتارة لت�صوير‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الإبداع ال�سينمائي والدارمي ‪363‬‬

‫الأفالم الأوروبية والأمريكية‪ .‬ففي مدينة‬ ‫ورزازات اجلنوبية‪ ،‬ويف غريها‪ ،‬ت�ص ّور �رشكات‬ ‫عاملية بع�ض ًا من �أ�ضخم �أفالمها‪ ،‬وهو تقليد‬ ‫بد�أ منذ �سنوات عديدة‪ ،‬لكنه ي ّتخذ طابع ًا �أكرث‬ ‫�أهمية وفائدة للمغرب منذ �سنوات‪ ،‬علم ًا ب�أن‬ ‫ت�سهيالت الت�صوير واليد العاملة والطبيعة‬ ‫وحرية التحرك الن�سبية اجتذبت للت�صوير يف‬ ‫املغرب عام ‪ ،2008‬نحو ‪ 28‬فيلم ًا بلغ جمموع‬ ‫ما ا�ستثمر يف املغرب من ميزانياتها ما يزيد‬ ‫عن ‪ 90‬مليون يورو‪� ،‬أي نحو �ضعفي ما ا�ستثمر‬ ‫يف العام الذي �سبقه‪.‬‬

‫ال�سينما الفل�سطينية‪ :‬يقظة طائر‬ ‫الفينيق‬

‫الإبداع‬

‫�إىل �سنوات قليلة كان ثمة ح�ضور لل�سينما‬ ‫الفل�سطينية‪ ،‬يتمثّل �إما يف تاريخ طويل يرتبط‬ ‫ب�أفالم حول الق�ضية‪ ،‬طويلة �أو ق�صرية‪ ،‬حققت‪،‬‬ ‫عربي ًا �أو عاملي ًا‪� ،‬أو حتى �ضمن �إطار البنى‬ ‫الفل�سطينية‪ ،‬لتظهر التعاطف مع الق�ضية‪،‬‬ ‫وبالتايل ت�ضمن مكانة ما وجوائز معينة يف‬ ‫املهرجانات املح�سوبة �سلف ًا لأ�سباب غالب ًا‬ ‫ما تكون �سيا�سية‪� ،‬أو ب�أفالم قليلة العدد راح‬ ‫يحققها فل�سطينيون حاملني ب�أنف�سهم هذه‬ ‫املرة �أعباء �سينما �شعبهم وبالدهم‪ .‬وبالتدريج‬ ‫ّ‬ ‫راح هذا ال ّنوع الأخري يح ّل حمل النوع الأول‪.‬‬ ‫كما بالتدريج راحت نظرات الإعجاب حت ّل‬ ‫حمل نظرات التعاطف‪� ...‬إىل درجة �أن «امل�س�ألة‬ ‫ال�سينمائية الفل�سطينية» راحت ت� َؤخذ م�أخذ‬ ‫اجلدية يف كل مكان‪ ،‬حتى و�إن كانت �أفالمها‬ ‫قد ظهرت �أو ًال قليلة العدد‪� ،‬أي ما معدله فيلم‬ ‫واحد يف ال�سنة‪ .‬وعلى الأقل منذ ظهر «عر�س‬ ‫اجلليل» ملي�شال خليفي �أوا�سط ثمانينيات‬ ‫القرن الع�رشين‪ .‬واحلال �أن ثمة هنا‪ ،‬يف هذا‬ ‫الواقع الف ّني – التاريخي‪ ،‬ما يدفعنا �إىل‬ ‫اعتبار «عر�س اجلليل» فيلم ًا افتتح التاريخ‬ ‫الراهن واحلديث لل�سينما الفل�سطينية‪ .‬ومن‬ ‫بعده حقق خليفي نحو ن�صف دزينة من �أفالم‬ ‫حقق معظمها جناحات �أ�سا�سية‪ ..‬ثم تلته �أ�سماء‬ ‫�أخرى‪ ،‬من ر�شيد م�شهراوي �إىل هاين �أبو �أ�سعد‪،‬‬

‫ومن �إيليا �سليمان �إىل �آن ماري جا�رس وجنوى‬ ‫جنار‪ ..‬ما خلق تياراً �سينمائي ًا مميزاً �أ�سهم يف‬ ‫�إعطاء الق�ضية الفل�سطينية يف العامل �سمعة‬ ‫فنية مده�شة‪.‬‬ ‫�إن املالحظة الأوىل التي ميكن ايرادها‬ ‫هنا تكمن يف �أن العدد الأكرب من ف ّناين ال�سينما‬ ‫الفل�سطينية ه�ؤالء‪� ،‬أتوا من الداخل الفل�سطيني‬ ‫املحتلّ‪� ،‬أي من �أو�ساط ما ي�س ّمى عادة «بعرب‬ ‫�إ�رسائيل»‪� ،‬أو «فل�سطين ّيي ‪ ،»48‬مبعنى �أن‬ ‫معظمهم در�س يف املدار�س «الإ�رسائيلية»‬ ‫ويحمل اجلن�سية الإ�رسائيلية‪ .‬غري �أن معظمهم‬ ‫يف الوقت نف�سه بات‪ ،‬ومنذ بداية اهتمامه‬ ‫بالفن ال�سينمائي‪ ،‬يعي�ش خارج ال�رشق الأو�سط‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يف بلجيكا �أو هولندا‪ ،‬يف فرن�سا �أو �أمريكا‪� ،‬أي‬ ‫نوع جديد من املنايف‪ .‬وهذا النفي‪� ،‬أو النفي‬ ‫يف ٍ‬ ‫– الطوعي يف �أغلب الأحيان‪ ،‬مل يقطع عالقة‬ ‫ه�ؤالء املبدعني‪ ،‬ال بالق�ضية الفل�سطينية‪ ،‬طبع ًا‪،‬‬ ‫وال بالوطن و�أهله كذلك‪ .‬بل �س ّهل عليهم �إنتاج‬ ‫�أفالمهم ون�رشها‪� .‬أما الفوز الكبري الذي حقّقه‬ ‫واحد منهم وهو �إيليا �سليمان‪ ،‬يف دورة عام‬ ‫‪ 2002‬من مهرجان «كان» ال�سينمائي الدويل‪،‬‬ ‫حني فاز فيلمه بثاين �أكرب جوائز املهرجان‬ ‫«جائزة جلنة التحكيم الكربى» ف�إنه – هذا‬ ‫الفوز – �أعطى ال�سينما الفل�سطينية زخم ًا كبرياً‪،‬‬ ‫مكر�س ًا مكانتها يف حا�رض ال�سينما العاملية‬ ‫باملعنى الف ّني للكلمة‪ .‬كان فيلم �إيليا �سليمان‬ ‫الذي نتكلم عنه «يد �آلهيه»‪ ،‬الذي عومل على‬ ‫الفور مثلما يعامل �أي عمل فني كبري وم�ستقل‪.‬‬ ‫و�إذا كان يف �إمكاننا �أن نفرت�ض هنا �أن ما كان‬ ‫من ردود فعل عاملية على هذا الفيلم وجناحه‪،‬‬ ‫�شجع �سينمائيني �إ�رسائيليني �شبان ًا وم�ستقلني‬ ‫ّ‬ ‫على حتقيق �أفالم �أقل ما ميكن �أن نقول عنها‬ ‫�إنها �أتت معادية لبع�ض ال�سمات الأيديولوجية‬ ‫والقمعية لإ�رسائيل‪ ،‬ف�إن علينا �أن نقول �أي�ض ًا‬ ‫حرك ال�سينما الفل�سطينية‬ ‫�إن فيلم «يد �إلهية» قد ّ‬ ‫�أكرث و�أكرث‪ ،‬لي�شكل ثاين نقطة انعطاف كبرية‬ ‫فيها‪ ،‬بعد تلك الت�أ�سي�سية التي كانها «عر�س‬ ‫اجلليل»‪.‬‬ ‫ً‬ ‫من هنا مل يعد غريبا‪� ،‬أن ت�صبح ال�سينما‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 364‬للتنمية الثقافية‬

‫مل يعد غريباً‪� ،‬أن ت�صبح ال�سينما‬ ‫الفل�سطينية اجلديدة‪ ،‬حا�رضة يف‬ ‫مهرجانات عاملية كثرية‪� .‬إن دورة‬ ‫عام ‪ 2009‬وحدها من مهرجان‬ ‫«كان» �سوف ت�شهد ما ال يق ّل عن‬ ‫ثمانية �أفالم تدور من حول فل�سطني‬ ‫وق�ضيتها من دون �أن يبارح معظمها‬ ‫لغة ال�سينما اجليدة بل املميزة‪.‬‬

‫�شهد العام ‪ 2008‬ثالثة �أفالم‬ ‫روائ ّية فل�سطينية طويلة هي جممل‬ ‫الإنتاج الفل�سطيني لهذا العام‪.‬‬

‫الفل�سطينية اجلديدة‪ ،‬حا�رضة يف مهرجانات‬ ‫عاملية كثرية‪ ..‬وي�صبح الرهان على هذه‬ ‫ال�سينما رهان ًا ناجح ًا‪ .‬ونرجو �أ ّال نكون هنا‬ ‫م�ستبقني للأمور �إن ذكرنا �أن دورة عام ‪2009‬‬ ‫وحدها من مهرجان «كان» �سوف ت�شهد ما ال‬ ‫يق ّل عن ثمانية �أفالم تدور من حول فل�سطني‬ ‫وق�ضيتها من دون �أن يبارح معظمها لغة‬ ‫ال�سينما اجليدة بل املميزة‪ .‬لكن احلديث عن هذا‬ ‫يجب �أن ُيرتك حتى العام املقبل‪� .‬أما بالن�سبة‬ ‫�إىل مو�سم ‪ ،2008‬ف�إن ما ميكن قوله �إنه فيما‬ ‫كان �إيليا �سليمان ينجز فيلمه اجلديد «الزمن‬ ‫الباقي» الذي عر�ض يف دورة ‪ 2009‬لـ «كان»‪،‬‬ ‫وفيما كانت �شريين دعيب�س‪ ،‬القادمة حديث ًا‬ ‫�إىل ال�سينما الروائية الفل�سطينية الطويلة عرب‬ ‫حتفة ا�سمها «�أمريكا»‪ُ ،‬عر�ض �أوائل عام ‪،2009‬‬ ‫يف مهرجان «�صاندان�س» الأمريكي لل�سينما‬ ‫امل�ستقلة ثم يف مهرجان «كان»‪ ،‬كان ثالثة‬ ‫�سينمائيني فل�سطينيني يعر�ضون �أفالم ًا روائية‬ ‫فل�سطينية طويلة هي جممل الإنتاج الفل�سطيني‬ ‫يف هذا املجال للعام ‪ .2008‬ولع ّل يف �إمكاننا‪،‬‬ ‫قبل �أن نوا�صل احلديث عن هذه الأفالم �أن ن�شري‬ ‫�إىل �أنها نتيجة ط ّيبة‪ ،‬بالن�سبة �إىل وطن يعي�ش‬ ‫�أبنا�ؤه‪ ،‬وال �سيما املبدعون منهم‪ ،‬يف املنايف‬ ‫ويحققون �أفالم ًا ال ي�ضمنون �سلف ًا �إمكانية‬ ‫عر�ضها‪� ،‬أ�ص ًال‪� ،‬أمام اجلمهور املعني بها‪� ،‬أي‬ ‫اجلمهور الفل�سطيني‪ .‬من ناحية لعدم �أو �ض�آلة‬ ‫وجود �صاالت داخل املدن الفل�سطينية‪ ،‬ومن‬ ‫ناحية ثانية لأن ثمة‪ ،‬بعد‪ ،‬بلدان ًا عربية يعي�ش‬ ‫فيها الفل�سطينيون يف جت ّمعات كربى‪ ،‬متنع‬ ‫عر�ض هذه الأفالم وحتى ا�ستقبال �أ�صحابها‪،‬‬ ‫لأنهم يحملون اجلن�سية الإ�رسائيلية!!‬ ‫الأفالم الثالثة التي �شكّلت املنت الإنتاجي‬ ‫لل�سينما الفل�سطينية – �إىل جانب �أعداد ال‬ ‫ميكن ح�رصها من ال�رشائط الق�صرية – كان‬ ‫منها عمالن �أوالن ل�سينمائيتني فل�سطينيتني‬ ‫للمرة الأوىل بعد‬ ‫تخو�ضان الروائي الطويل ّ‬ ‫جتارب ق�صرية‪� :‬آن – ماري جا�رس‪ ،‬يف «ملح‬ ‫«املر والرمان»‪.‬‬ ‫هذا البحر» وجنوى جنار يف ّ‬ ‫ويف املقابل عر�ض ر�شيد م�شهراوي‪ ،‬فيلماً‬

‫جديداً له هو «عيد ميالد ليلى» الذي راح منذ‬ ‫خريف العام ‪ 2008‬يطوف بني املهرجانات‬ ‫ويحقق ح�ضوراً‪ ،‬وجناح ًا �أي�ض ًا متثّل يف جوائز‬ ‫عديدة‪.‬‬ ‫�صحيح �أن اي ًا من هذه الأفالم الثالثة ال‬ ‫ميكن اعتباره حتفة ا�ستثنائية‪ ،‬قيا�س ًا �إىل ما‬ ‫بات ينبغي �أن تكون عليه الأفالم الفل�سطينية‬ ‫اليوم‪ ،‬بعد �أن باتت �سينما فل�سطني جزءاً من‬ ‫ال�سينما الطليعية الكربى يف العامل على �أيدي‬ ‫م�ؤ�س�سيها اجلدد‪ .‬لكنها‪ ،‬بكل ت�أكيد �سينما تزداد‬ ‫متيزاً وابتكاراً يف موا�ضيعها (لدى م�شهراوي)‬ ‫ويف لغتها ال�سينمائية (لدى �آن ماري جا�رس)‪..‬‬ ‫حتى و�إن كانت جرعة اجلر�أة الزائدة يف تناول‬ ‫املوا�ضيع (املتن ّوعة على �أية حال) ال تزال‬ ‫حم�صورة يف التلميح �إىل امل�ساوئ الداخلية‬ ‫(داخل البيت الفل�سطيني �أو العربي عموم ًا)‪،‬‬ ‫ويف الت�رصيح حول ال�رشور اخلارجية (�إ�رسائيل‬ ‫وعن�رصيتها وابتالعها فل�سطني ب�شكل عام)‪.‬‬ ‫لكن ما يجمع بني هذه الأفالم هو رغبة عارمة‬ ‫يف تطوير الأداء ال�سينمائي الفل�سطيني ب�شكل‬ ‫عام‪ ،‬و�إلقاء نظرة تزداد مرارة على الواقع‬ ‫وما يحدث فيه‪ .‬ونكاد هنا ن�شري �إىل �أن بع�ض‬ ‫الأفالم الإ�رسائيلية التي يحققها‪ ،‬منذ �سنوات‬ ‫قليلة‪ ،‬جيل من�شق – ب�شكل �أو ب�آخر – موا ٍز‬ ‫للجيل الفل�سطيني الراهن‪ ،‬تبدو �أكرث جذرية‬ ‫(لنتذكر هنا «زيارة الفرقة» و»فال�س مع‬ ‫ب�شري» ولكن بخا�صة‪ ،‬يف عام ‪« ،2008‬ب�ستان‬ ‫الليمون» و «بوفور» و «‪� 7‬أيام» وغريها‪.)...‬‬ ‫غري �أن املهم يف هذا كله هو �أن ال�سينما‬ ‫الفل�سطينية‪ ،‬وعلى الرغم من كل العقبات‬ ‫املو�ضوعة يف وجهها‪ ،‬موجودة وت�سري �سرياً‬ ‫حثيث ًا �إىل �أمام‪ .‬وهو ما �سيت�أكد – نوعي ًا على‬ ‫الأقل – يف العام التايل‪ ...‬ورمبا خالل العام‬ ‫الذي �سيليه‪� ،‬إذ نعرف منذ الآن �أن ثمة م�شاريع‬ ‫عديدة هي قيد التح�ضري‪ ...‬وثمة �أ�سماء جديدة‬ ‫�ستن�ضاف �إىل ذلك العدد املميز من �صانعي‬ ‫ال�سينما الفل�سطينية اجلديدة بكل ما يف هذه‬ ‫الكلمة من معنى‪ ..‬ومنها مث ًال مي م�رصي»‬ ‫املقيمة يف لبنان والتي �إذ عر�ضت خالل عام‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الإبداع ال�سينمائي والدارمي ‪365‬‬

‫‪ ،2008‬فيلمها الوثائقي عن �أحداث لبنان‬ ‫بعنوان «‪ 33‬يوم ًا» ت�ستع ّد الآن يف �شكل جدي‬ ‫لتحقيق روائ ّيها الطويل الأول عن مو�ضوع‬ ‫فل�سطيني خال�ص‪ .‬وكذلك حال اثنتني من خرية‬ ‫املمثالت الفل�سطينيات‪ :‬هيام عبا�س وعرين‬ ‫العمري‪ ،‬اللتني ت�ستع ّد ك ّل منهما خلو�ض‬ ‫الإخراج للمرة الأوىل‪...‬‬

‫ال�سينما اللبنانية‪ :‬هدوء ما بعد‬ ‫العا�صفة‬

‫يف مو�سم ‪ ،2007‬كانت ال�سينما اللبنانية‬

‫املفرو�ض �أن يت ّم مع املخرج �أ�سد فوالدكار‬ ‫– �صاحب «ملا حكيت مرمي»‪� ،‬أحد جناحات‬ ‫الأعوام ال�سابقة ‪� -‬سيت ّم الحق ًا‪ ،‬يف مو�سم‬ ‫‪ ،2008‬مع �سمري حب�شي‪ ،‬عرب فيلم «دخان بال‬ ‫تبخر‪ ،‬حتى‬ ‫نار»)‪ .‬غري �أن هذا كلّه �رسعان ما ّ‬ ‫من دون �أن يكون زخم جناح «�سكر بنات»‬ ‫قد انطوى‪ ..‬خ�صو�ص ًا �أن النجاح العاملي‬ ‫لهذا الفيلم واكبه جناح عربي – على االقل‬ ‫يف مهرجانات �سينمائية عربية مثل القاهرة‬ ‫ودم�شق‪...‬‬

‫قد و�صلت‪� ،‬إنتاج ًا – ولكن �أكرث من هذا‪� :‬أهمية �سينما‪ /‬تلفزيون‬

‫يف العام ‪ 2007‬بلغ عدد الأفالم‬ ‫الطويلة املنتجة يف لبنان واملوقعة‬ ‫من �سينمائيني لبنانيني ‪ 12‬فيلماً‪،‬‬ ‫بينما �شهد العام ‪� 2008‬إنتاج ن�صف‬ ‫هذا العدد من الأفالم‪.‬‬

‫الإبداع‬

‫– �إىل درجة خ ّيل معها لكرث من ال�سينمائيني‬ ‫اللبنانيني واملهتمني بال�سينما اللبنانية‬ ‫عموم ًا‪� ،‬أن اخلط االنحنائي حلركة الإنتاج يف‬ ‫لبنان �سيميل �أكرث و�أكرث يف اجتاه الت�صاعد‪.‬‬ ‫ففي ذلك العام بلغ عدد الأفالم الطويلة‪ ،‬من‬ ‫�أنواع خمتلفة‪ ،‬املنتجة يف لبنان واملوقّعة‬ ‫من �سينمائيني لبنانيني‪ 12 ،‬فيلم ًا‪ .‬وهو‬ ‫رقم بدا كبرياً مقارن ًة بحركية الإنتاج منذ‬ ‫انتهاء احلرب اللبنانية �أول �سنوات الت�سعني‪.‬‬ ‫غري �أن الأهم من هذا‪ ،‬كان �أن بع�ض نتاجات‬ ‫ذلك العام‪ ،‬حقّق جناحات نقدية �أو جتارية‪،‬‬ ‫�أواالثنني مع ًا‪ ،‬داخل لبنان وخارجه‪ ،‬بحيث‬ ‫بات متوقع ًا �أن الإنتاج اللبناين لن يكون‬ ‫مذاك و�صاعداً عبئ ًا على امل�ساعدات �أو على‬ ‫�أموال م�ستثمرين مغامرين‪ .‬ولع ّل النماذج‬ ‫التي غذّت هذه القناعة تتمثّل يف النجاح‬ ‫املهرجاين والتجاري والنقدي الذي حققه‬ ‫فيلم «�سكر بنات» لنادين لبكي‪ ..‬والنقدي‬ ‫الذي حققته �أفالم مثل «فالفل» ملي�شال‬ ‫كمون و«الرجل التائه» لدانيال عربيد‪،‬‬ ‫ناهيك بانفتاح منتجني حمرتفني من خارج‬ ‫لبنان على اال�ستثمار لدى ال�سينمائيني‬ ‫اللبنانيني (م�شاريع بني «م�رص لل�سينما»‬ ‫– غابي وماريان خوري – وبني �سينمائيني‬ ‫لبنانيني‪ ،‬و�صل زخمها �إىل ح ّد افتتاح �رشكة‬ ‫يو�سف �شاهني هذه‪ ،‬فرع ًا لها يف لبنان‪،‬‬ ‫حتى وان كان امل�رشوع الأول الذي كان من‬

‫وهنا لع ّل يف �إمكاننا �أن نقول �إن الأو�ضاع‬ ‫ال�سيا�سية اللبنانية التي ا�ست�رشت وا�صل ًة �إىل‬ ‫ح ّد �ش ّل احلركة االقت�صادية واالجتماعية يف‬ ‫هذا البلد‪� ،‬أ�سهمت ب�شكل �أ�سا�سي يف تراجع‬ ‫م�شاريع عديدة كانت ولدت يف �سياق جناح‬ ‫«�سكر بنات»‪ .‬ومبا �أن تلك الأو�ضاع توا�صلت‬ ‫طوال العام ‪ 2007‬وحتى منت�صف العام ‪2008‬‬ ‫على الأقل‪ ،‬كان من املنطقي �أن تكون تلك‬ ‫الفرتة‪ ،‬فرتة الرتاجع الأ�سا�سية وائد ًة الكثري‬ ‫من الآمال يف ازدهار �سينما‪ ،‬عرفت طوال‬ ‫عقود وعقود كيف تولد من رمادها‪ ،‬يف ك ّل‬ ‫مرة‪ ،‬وعلى �إيقاع التط ّورات املت�سارعة يف‬ ‫ال�سيا�سة واملجتمع اللبنانيني‪ .‬ومن هنا‪� ،‬إذا‬ ‫كانت ال�ساحة ال�سينمائية اللبنانية قد �شهدت‬ ‫�إنتاج �ستة �أفالم روائية طويلة (�أي بنق�صان‬ ‫‪ 50‬يف املئة عن املو�سم ال�سابق)‪ ،‬طوال‬ ‫العام ‪ ،2008‬ف�إن هذا الرقم يجب �أال يخدع‬ ‫�أحداً‪ ،‬لأن الأفالم «ال�سينمائية» احلقيقية‬ ‫بني هذه الأعمال التي �أُنتجت‪ ،‬ال يتجاوز‬ ‫عددها الفيلم الواحد‪ ..‬وهو «بدي �شوف»‬ ‫للزوجني خليل جريج وجوانا حاجي توما‪..‬‬ ‫مما ح�شد له‬ ‫بل �إن هذا الفيلم‪ ،‬وعلى الرغم ّ‬ ‫من دعاية وميزانية‪ ،‬وعلى الرغم من وجود‬ ‫فاتنة ال�سينما الفرن�سية كاترين دونوف يف‬ ‫«بطولته»‪ ،‬مل يب ُد مقنع ًا لكرث من النقاد – وال‬ ‫للجمهور العري�ض بالتايل – وال �سيما منهم‬ ‫النقاد الذين كانوا يتعاطفون دائم ًا مع �أفالم‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 366‬للتنمية الثقافية‬

‫الزوجني جريج – حاجي توما‪ .‬ولكن من دون‬ ‫�أن نن�سى هنا ان الفيلم لقي قبو ًال لدى النقد‬ ‫الأجنبي‪ ،‬يكاد مياثل القبول الذي لقيه قبله‬ ‫بعام فيلم لبناين �آخر �شبيه به‪ ،‬هو «حتت‬ ‫الق�صف» لفيليب عرقتنجي‪ ،‬وللأ�سباب نف�سها‬ ‫رمبا‪� :‬أ�سباب يغلب عليها الطابع ال�سيا�سي‬ ‫طاملا �أن الفيلمني تنطّ حا للحديث عن حرب‬ ‫متوز (يوليو) ‪ ،2006‬التي هاجمت خاللها‬ ‫�إ�رسائيل لبنان بذريعة �أن حزب اهلل ا�ستف ّزها‬ ‫بن�صب كمني جلنودها قرب احلدود اللبنانية‪.‬‬ ‫يف الفيلمني حتلّق‪ ،‬من حول هذا املو�ضوع‪،‬‬ ‫عماده امر�أة (يف «حتت الق�صف» لبنانية‬ ‫جنوبية تبحث عن ابن لها و�سط دمار اجلنوب‬ ‫واحلرب عليه‪ ،‬ويف «بدي �شوف» جنمة فرن�سية‬ ‫ت�سعى �إىل ر�صد ما يحدث يف هذا اجلزء من‬ ‫العامل) و�سيارة (�سيارة �أجرة مع �سائق يف‬ ‫الفيلم الأول‪ ،‬و�سيارة ممثل لبناين �شاب يف‬ ‫الفيلم الثاين) ورحلة يف جنوب لبنان يف‬ ‫الفيلمني تت�ضافر مع ثرثرة ال تنتهي‪ ،‬تريد يف‬ ‫احلالني �أن تربهن‪ ،‬رمبا على ما يعرفه النا�س‬ ‫جميع ًا م�سبق ًا‪.‬‬

‫جادون وخم�رضمون‬

‫مهما يكن‪ ،‬كان «بدي �شوف» العمل‬ ‫ال�سينمائي «اجل ّدي» الوحيد الذي حقّق وعر�ض‬ ‫لبناني ًا‪ ،‬يف مو�سم ‪ ،2008‬حتى و�إن كان يف‬ ‫و�سعنا �أن ن�ضيف �إىل ذخرية هذا املو�سم فيلم ًا‬ ‫�سوف جندنا م�ضطرين �إىل العودة للحديث عنه‬ ‫يف املو�سم املقبل‪ ،‬وهو «دخان بال نار» ل�سمري‬ ‫حب�شي‪ ،‬وهو من �إنتاج م�رصي‪ ،‬يدور مو�ضوعه‬ ‫حول خمرج م�رصي �شاب (خالد النبوي) �أتى‬ ‫�إىل لبنان ليحقق فيلم ًا حول التعذيب والقمع‬ ‫يف املنطقة العربية‪ ،‬فيجابه بحكايات لبنانية‬ ‫تبدو يف ت�ضافر �أحداثها كاملتاهة‪ ،‬مقدمة‬ ‫– على الرغم من هذا – �صورة �سينمائية جيدة‬ ‫عن الأو�ضاع اللبنانية‪ .‬واحلقيقة �أن �سمري‬ ‫حب�شي‪ ،‬معروف منذ بدايات �سنوات الت�سعني‬ ‫ب�سينمائيته اجليدة‪ ،‬وال �سيما بف�ضل فيلمه‬ ‫الروائي الطويل الأول «الإع�صار» الذي حقّق‬

‫من النجاح يف ذلك احلني ما �س ّهل �ضم هذا‬ ‫املخرج ال�شاب الدار�س ال�سينما يف مو�سكو‪،‬‬ ‫�إىل اجليل التايل كجيل الراحل مارون بغدادي‪،‬‬ ‫جرب حظه‬ ‫واملخ�رضم برهان علوية (الذي كان ّ‬ ‫بالعودة �إىل ال�ساحة ال�سينمائية‪ ،‬عام ‪،2007‬‬ ‫لكنه مل يلق النجاح املتوقع بفيلمه «خل�ص»)‪،‬‬ ‫ورندة ال�شهال‪ ،‬املخرجة التي كان رحيلها‬ ‫عن خم�سني عام ًا‪ ،‬يف عام ‪ ،2008‬واحدة من‬ ‫ال�صدمات الكربى يف ال�ساحة ال�سينمائية‬ ‫اللبنانية‪ ،‬هي التي كانت طوال �سنوات من‬ ‫�أن�شط �أبناء جيلها‪.‬‬

‫غزوة تلفزيونية‬

‫يف مقابل «بدي �شوف»‪ ...‬وقبل �أن يربز‬ ‫«دخان بال نار» على ح�صان بني مو�سمني‪ ،‬كانت‬ ‫هناك‪ ،‬خم�سة «�أفالم» لبنانية �أخرى عر�ضت‬ ‫خالل مو�سم ‪ ،2008‬من �أبرزها – و�أكرثها‬ ‫جناح ًا على �أية حال – «بحر النجوم» الذي �أتى‬ ‫فيلم ًا غنائي ًا �ض ّم يف «بطولته» عدداً كبرياً من‬ ‫جنوم الغناء العربي‪ .‬غري �أن م�شكلة هذا الفيلم‬ ‫تكمن يف �أنه لي�س �أ�ص ًال فيلم ًا �سينمائي ًا‪ ،‬بل‬ ‫هو عمل تلفزيوين خال�ص‪� ،‬أتاحت له التقنيات‬ ‫احلديثة �أن يعر�ض يف �صاالت ال�سينما‪ ،‬ولي�س‬ ‫يف لبنان فقط‪ .‬وهو �أ�ص ًال‪ ،‬من �إنتاج �شبكة‬ ‫تلفزيونية‪ ،‬مثله يف هذا مثل «الأفالم» الأخرى‪،‬‬ ‫الباقية‪�« :‬أبو ريا�ض مني قدو» و «خليك معي»‬ ‫و «ليلة عيد» و�أخرياً «ميلودراما حبيبي» لهاين‬ ‫طمبا والذي يبقى من �أف�ضل هذه الأفالم ويكاد‬ ‫يكون‪ ،‬يف نهاية الأمر‪� ،‬سينمائي ًا علم ًا ب�أن‬ ‫خمرجه �سبق له �أن خا�ض التجربة ال�سينمائية‬ ‫الق�صرية بنجاح‪ ،‬ما يجعل من «ميلودراما‬ ‫حبيبي» فيلم ًا ي�ستكمل ذلك النجاح‪ ،‬م�شك ًال‪،‬‬ ‫على عك�س الأفالم «التلفزيونية» الباقية ج�رس‬ ‫عبور منطقي بني ال�شا�شتني‪.‬‬ ‫بهذه الأفالم‪� ،‬إذاً‪� ،‬أط ّل لبنان على املو�سم‬ ‫ال�سينمائي الذي نحن يف �صدد احلديث عنه‬ ‫هنا‪ ،‬لكنه مل يخ ُل‪ ،‬يف الوقت نف�سه من �أفالم‬ ‫ق�صرية عديدة‪ ،‬من الوا�ضح �أن معظمها مي ّهد‬ ‫لوالدة �سينمائيني حقيقيني‪ ،‬بحيث نعرف منذ‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الإبداع ال�سينمائي والدارمي ‪367‬‬

‫�سنوات �أن ال�سينما الروائية اللبنانية الطويلة‬ ‫تولد دائم ًا من رحم ال�سينما الق�صرية‪ .‬ويف‬ ‫الوقت نف�سه نعرف �أن كرثاً من ال�سينمائيني‬ ‫اللبنانيني‪ ،‬مل ي�ستكينوا طوال ‪� 2008‬إىل‬ ‫الك�سل‪ ،‬ومل يردعهم ابتعاد اال�ستثمار املايل‬ ‫يف ال�سينما‪ ،‬بل راحوا يح�ضرّ ون م�شاريعهم‬ ‫التي ي�سعون دائم ًا للح�صول على �إنتاج لها‪،‬‬ ‫وال �سيما يف �أوروبا‪ .‬ونعرف �أن بع�ض هذه‬ ‫امل�شاريع بد�أ يتج�سد‪ ،‬من دون �أن يكون ثمة ما‬ ‫ي�ؤكد �إجنازها خالل العام ‪ .2009‬ومع هذا ف�إن‬ ‫نجز‬ ‫يف الوقت‪ ،‬حتى نهاية ‪ ، 2009‬مت�سع ًا‪ .‬وقد ُت َ‬ ‫�أفال ٌم عديدة من الآن وحتى نهاية العام‪ .‬وعلى‬ ‫الأقل من �أجل اال�ستفادة من زخم جناحات‬ ‫العام ال�سابق‪ ،‬وكذلك من �أجل حتقيق ح�ضور‬ ‫ما‪ ،‬لي�س يف املهرجانات اللبنانية (العديدة‪،‬‬ ‫والتي على عك�س ما يحدث للإنتاج‪ ،‬تلقى‪ ،‬هي‬ ‫رواج ًا على تن ّوعها اجلغرايف واملو�ضوعي)‬ ‫فقط‪ ،‬بل يف املهرجانات العربية والعاملية‪.‬‬ ‫ويف انتظار ذلك تكفكف احلياة ال�سينمائية‬ ‫اللبنانية دموع ًا ذرفتها على رندة ال�شهال‪،‬‬ ‫كما على يو�سف �شاهني‪ ،‬وت�شجع برهان علوية‬ ‫على املحاولة من جديد‪ ،‬وتنتظر ما قد يحققه‬ ‫مي�شال كمون ونادين لبكي و�سمري حب�شي‬ ‫وبهيج حجيج وجو�سلني �صعب وغريهم‪.‬‬

‫قبل �سنوات‪ ،‬حني ت�سلم الناقد املعروف‬ ‫حممد الأحمد‪ ،‬مقادير م� ّؤ�س�سة ال�سينما ال�سورية‪،‬‬ ‫التي تعترب ب�شكل �أو ب�آخر �آخر ح�صون القطاع‬ ‫ال�سينمائي العام‪ ،‬يف امل�رشق العربي‪ ،‬تل ّم�س‬ ‫ال�سينمائيون ال�سوريون �آفاق تغيريات جذرية‬ ‫ر�أوا �أنها �ستطاول احلركة ال�سينمائية يف‬ ‫بلدهم‪ .‬وقبل �أي �شيء �آخر على �صعيد ت�رسيع‬ ‫وتكثيف عملية الإنتاج ال�سينمائي‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫جتديدات �أخرى كان قد بدا �أنها باتت ال غنى‬ ‫عنها‪� :‬إ�صدار ت�رشيعات �سينمائية قانونية‬ ‫وحترره‪ ،‬حت�سني‬ ‫جديدة تط ّور القطاع الإنتاجي ّ‬ ‫و�ضعية ال�صاالت‪� ،‬إيجاد �سبل جديدة ال�سترياد‬

‫الإبداع‬

‫ال�سينما ال�سورية‪� :‬آفاق على الرغم من‬ ‫كل �شيء‬

‫الأفالم لإبقاء املتفرج ال�سوري على متا�س مع‬ ‫ما يحدث يف العامل حق ًا؛ �إعادة هيكلة مهرجان‬ ‫دم�شق الدويل‪ ...‬و�إيجاد حوافز للقطاع اخلا�ص‬ ‫كي ي�ستثمر يف ال�سينما ال�سورية بعد غياب‬ ‫طويل عنها‪ ،‬وبالتايل اجتذاب انتاجات‬ ‫م�شرتكة‪� ...‬إن املح�صلة اليوم تبدو مت�أرجحة‪،‬‬ ‫على الرغم من كل النوايا الطيبة واجلهود‬ ‫التي بذلها ويبذلها حممد الأحمد‪ ...‬علم ًا ب�أن‬ ‫حركته تبدو حمدودة بني ثالثة �ضوابط كان‬ ‫من ال�صعب توقعها �أول ا�ستالمه للم� ّؤ�س�سة‪:‬‬ ‫ا�ستمرار الأبعاد البريوقراطية – والأيديولوجية‬ ‫االقت�صادية – التي ال تزال حت ّد من حركة‬ ‫�إ�صدار ت�رشيعات جديدة �أكرث ليربالية من ذي‬ ‫قبل‪ ،‬تفاقم الأو�ضاع االقت�صادية الذي يحول‬ ‫دون تخ�صي�ص مزيد من امليزانيات لل�ش�ؤون‬ ‫ال�سينمائية يف خمتلف تفرعاتها‪ ،‬و�أخرياً‪،‬‬ ‫ال�رصاعات واملعارك التي وجدت امل� ّؤ�س�سة‬ ‫نف�سها تخو�ضها‪ ،‬يف مواجهة حياة �سينمائية‬ ‫كثرية التطلب‪� ،‬شديدة التعقيد‪ ،‬ورمبا غري قادرة‬ ‫على فهم الظروف املركّبة و�سلم الأولويات‪.‬‬ ‫ومع هذا كله‪ ،‬متكّنت امل� ّؤ�س�سة‪ ،‬ويف وقت‬ ‫بد�أ فيه القطاع اخلا�ص يعود بالتدريج (مث ًال‪،‬‬ ‫�رشكة املنتج املخ�رضم نادر الأتا�سي الذي‬ ‫يتحرك على م�ستويني على‬ ‫�رشع يف عام ‪ّ ،2008‬‬ ‫الأقل‪ :‬العودة �إىل �إنتاج الأفالم ال�سينمائية من‬ ‫خالل «�سيلينا» عن م�رسحية «هالة وامللك»‬ ‫لالخوين رحباين‪ ،‬ب�إخراج من حامت علي‪ ،‬يف‬ ‫فيلم �سيعر�ض املو�سم التايل‪ ،‬والبدء يف م�رشوع‬ ‫طموح يهدف �إىل جتديد �صاالت �سينمائية بدءاً‬ ‫ب�صالة «دم�شق العريقة»)‪ ،‬متكّنت‪ ،‬امل� ّؤ�س�سة‪،‬‬ ‫من جتاوز ك ّل العقبات املقامة يف طريقها‬ ‫وعلى �صعد عديدة‪� ،‬إن مل يكن على �صعيد‬ ‫الإنتاج وحده‪ ،‬والذي كان م�أمو ًال من حركيته‬ ‫�أن تكون �أف�ضل‪ :‬فمن ناحية‪ ،‬متكّنت امل� ّؤ�س�سة‬ ‫تكر�س مهرجان دم�شق ال�سينمائي‬ ‫من �أن ّ‬ ‫الدويل‪ ،‬مهرجان ًا �سنوي ًا بعدما كان يقام مرة‬ ‫كل �سنتني‪ .‬واحلقيقة �أن من ال يعرف �أهمية هذا‬ ‫الأمر‪ ،‬من الداخل‪ ،‬لن يدرك هذه الأهمية �أبداً‬ ‫(وهو �أمر نتحدث عنه يف مكان �آخر من هذا‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 368‬للتنمية الثقافية‬

‫متكنت م�ؤ�س�سة ال�سينما ال�سورية‬ ‫يف جمال التثقيف ال�سينمائي‬ ‫من �إ�صدار ما ال يقل عن ‪ 25‬كتاب ًا‬ ‫�سينمائي ًا خالل العام ‪.2008‬‬

‫على الرغم من كل الزخم الذي‬ ‫وفّرته منا�سبة «احتفالية دم�شق‬ ‫عا�صمة الثقافة العربية» مل ينتج يف‬ ‫�سوريا �سوى �أفالم قليلة العدد خالل‬ ‫‪.2008‬‬

‫التقرير)‪ ،‬ومن ناحية ثانية‪ ،‬متكّنت امل� ّؤ�س�سة‪،‬‬ ‫ويف جمال التثقيف ال�سينمائي‪ ،‬من �إ�صدار‬ ‫ما ال يق ّل عن ‪ 25‬كتاب ًا �سينمائي ًا خالل عام‬ ‫‪ ،2008‬وهو �أمر نادر احلدوث حتى يف �أكرث‬ ‫البلدان عراقة يف ن�رش الثقافة ال�سينمائية‪،‬‬ ‫ومن ناحية ثالثة‪ ،‬متكّنت «امل� ّؤ�س�سة» ب�شكل‬ ‫�أو ب�آخر‪ ،‬من �أن جتعل من نف�سها‪ ،‬حق ًا‪ ،‬مركزاً‬ ‫�أ�سا�سي ًا للن�شاط اال�سا�سي يف �سورية‪ ،‬بل حتى‬ ‫يف امل�رشق العربي‪ ،‬بانفتاحها على املناطق‬ ‫العربية الأخرى‪.‬‬ ‫رتجم‬ ‫غري �أن هذا كلّه يظل قا�رصاً عن �أن ُي َ‬ ‫�إىل ما هو �أ�سا�سي‪� :‬إنتاج �سينمائي حقيقي‬ ‫يجعل من �سورية‪ ،‬حق ًا‪ ،‬بلداً منتج ًا للأفالم‪� .‬إذ‬ ‫خالل عام ‪ ،2008‬وعلى الرغم من كل الزخم‬ ‫الذي وفّرته منا�سبة «احتفالية دم�شق عا�صمة‬ ‫الثقافة العربية» – وهي املنا�سبة التي �شغلت‬ ‫احلياة الثقافية ال�سورية عام ًا كام ًال ور�صدت‬ ‫لها ميزانيات �ضخمة ‪ ،-‬مل ينتج يف �سوريا‬ ‫�سوى �أفالم قليلة العدد (من ال�صعب حتديد‬ ‫عددها هذا‪ ،‬طاملا �أن بع�ض هذه الأفالم‪،‬‬ ‫حتى و�إن كانت عر�ضت‪ ،‬يف ال�صاالت‪ ،‬ويف‬ ‫املهرجانات خالل ‪ُ ،2008‬يح�سب على العام‬ ‫الذي �سبقه‪ ،‬وقد ُيح�سب �أي�ض ًا على العام الذي‬ ‫يليه)‪ .‬ومن هنا‪ ،‬نذكر عناوين هذه الأفالم هنا‪،‬‬ ‫مرفقة بكل هذا التحفظ‪« :‬بوابة اجلنة»‪�« ،‬أيام‬ ‫الفجر»‪« ،‬ح�سيبة»‪�« ،‬سبع دقائق �إىل منت�صف‬ ‫الليل» و «دم�شق يا ب�سمة احلزن»‪ ،‬وامل� ّؤ�س�سة‬ ‫هي التي �أنتجت هذه الأفالم كلها‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫�إنتاجها ما ال يق ّل عن ثمانية �أفالم ق�صرية‪.‬‬

‫لفتت �أنظار كرث‪� .‬أما الفيلم الثاين فهو «ح�سيبة»‬ ‫لرميون بطر�س عن رواية معروفة للكاتب خريي‬ ‫الذهبي‪ ،‬تعالج‪ ،‬ب�شكل �أو ب�آخر‪ ،‬و�ضعية املر�أة‬ ‫ال�سورية الدم�شقية وتبدالت هذه الو�ضعية على‬ ‫�ضوء التبدالت االجتماعية وال�سيا�سية التي‬ ‫عرفها التاريخ ال�سوري احلديث‪.‬‬ ‫لقد متكّن «�أيام ال�ضجر» و «ح�سيبة» من �أن‬ ‫ي�ؤكّدا ح�ضوراً ما لل�سينما ال�سورية طوال عام ال‬ ‫ب�أ�س من القول �إنه كان بدوره عام ًا انتقالي ًا‪...‬‬ ‫غري �أن هذين الفيلمني �أتيا يف الوقت نف�سه‬ ‫ليطرحا �أ�سئلة هامة حول الزمن الذي يتمكّن‬ ‫فيه ال�سينمائي ال�سوري‪� ،‬أخرياً‪ ،‬من اخلروج‬ ‫من �أ�رس التاريخ له‪ ..‬علم ًا ب�أن «ح�سيبة»‬ ‫فتح الأبواب وا�سعة �أمام العودة ال�سينمائية‬ ‫ال�ستلهام الأدب الروائي والق�ص�صي ال�سوري‪.‬‬ ‫يف مقابل هذا‪� ،‬أتى فيلم هالة العبداهلل‪،‬‬ ‫املحقق انطالق ًا من خارج �سورية بعنوان «هيه!‬ ‫ما تن�سى الكمون» ليطرح من جديد م�س�ألة‬ ‫التجديد الذي بات حتمي ًا يف لغة ال�سينمائي‬ ‫ال�سوري‪ ،‬بحيث يحاول هذا الفيلم التجريبي‬ ‫الذي نال �إعجاب ًا عام ًا‪� ،‬أن يقول �أموراً جديدة‬ ‫بلغة جديدة‪ ،‬فيت�صادم بهذا‪ ،‬ت�صادم ًا �إيجابي ًا‪،‬‬ ‫مع الكال�سيكية التي ما فتئت تطبع �سينما‪،‬‬ ‫ال يخلو واقعها من جتديد و�رصاعات و�أحالم‬ ‫وخيبات‪ ،‬لكنها تراهن‪ ،‬كما �ش�أنها دائم ًا‪ ،‬على‬ ‫امل�ستقبل‪ ،‬وعلى ر�صد دقيق ملا يحدث يف‬ ‫عامل ال�صاالت وا�سترياد الأفالم‪ ،‬بو�صفه جزءاً‬ ‫ا�سا�سي ًا من بناء هذا امل�ستقبل‪.‬‬

‫ال�سينما اجلزائرية‪ :‬العودة املن�شودة �إىل‬ ‫ومهما يكن من �أمر‪ ،‬ف�إن الأفالم التي املا�ضي ال�سعيد‬

‫ميكن التوقّف عندها يف هذا ال�سياق‪ ،‬من بني‬ ‫هذه الأفالم‪ ،‬اثنان‪ ،‬جتوال يف املهرجانات‬ ‫العربية وغري العربية وارتبطا بالعام ‪،2008‬‬ ‫ب�شكل وثيق‪� ،‬أولهما فيلم عبداللطيف عبداحلميد‬ ‫اجلديد «�أيام ال�ضجر» الذي اعتربه كرث واحداً من‬ ‫�أف�ضل الأفالم التي حقّقها يف الأونة الأخرية‪.‬‬ ‫وهو فيلم عاد فيه هذا املخرج الن�شيط �إىل‬ ‫اجلوالن زمن طفولة جيل ليق ّدم حكاية �شفافة‬

‫من «زد» كو�ستا غافرا�س �إىل «ع�صفور»‬ ‫يو�سف �شاهني‪ ،‬ومن «عودة االبن ال�ضال» لهذا‬ ‫الف ّنان امل�رصي املبدع �إىل «غريب» لوكينو‬ ‫في�سكونتي و»اغتيال» �إيف بوا�سيه‪ ،‬وع�رشات‬ ‫غريها من �أفالم عربية و�أفريقية و�أوروبية‪،‬‬ ‫عرفت اجلزائر التي كانت حازت لتوها يف‬ ‫ذلك احلني على اال�ستقالل‪ ،‬كيف ت�صنع لنف�سها‬ ‫جمداً �سينمائي ًا كبرياً‪ ،‬عرب الإ�سهام يف متويل‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الإبداع ال�سينمائي والدارمي ‪369‬‬

‫لل�سنوات املقبلة‬

‫ولكن خالل العامني الأخريين‪ ،‬وكما‬ ‫واع‪،‬‬ ‫يحدث دائم ًا حني يالحق م�س�ؤول ما‪ٍ ،‬‬ ‫م�رشوع ًا معين ًا‪ ،‬وملنا�سبة اختيار اجلزائر‬ ‫أح�س‬ ‫«عا�صمة للثقافة العربية للعام ‪ّ � ،»2007‬‬ ‫املعنيون بالأمر‪ ،‬ويف مقدمهم وزيرة الثقافة‬ ‫خالدة تومي‪� ،‬أن ال ب ّد من التحرك‪ ..‬والتحرك‬ ‫هنا مايل يف املقام الأول‪ ،‬لأن يف اجلزائر‬ ‫ثمة وجود لكل العنا�رص التي ميكن �أن ت�صنع‬ ‫�سينما مميزة‪ ..‬يف ا�ستثناء املال‪ .‬وهكذا طلبت‬ ‫تومي ‪ 230‬مليون يورو من احلكومة‪ ،‬للإنفاق‬ ‫على م�شاريع ثقافية نه�ضوية على مدى ‪5‬‬ ‫خالل العام ‪ 2008‬متكّنت اجلزائر من‬ ‫نه�ضة‬ ‫�سنوات (‪ )2113-2009‬مبا فيها م�شاريع‬ ‫�إنتاج ‪ 60‬عم ًال بني �أفالم روائ ّية طويلة‬ ‫�سينمائية حقيقية‪� .‬صحيح �أن احلكومة مل ت�ؤمن و�رشائط ق�صرية و�أفالم تلفزيونية‪.‬‬ ‫هذا املال كله‪ ،‬لكن �أجزا ًء منه توافرت خالل‬ ‫العامني الفائتني‪ ،‬ما مكّن من �إقامة تظاهرات‬ ‫ثقافية‪ ،‬ومن الإنفاق على مهرجان �سينمائي‬ ‫يف وهران �أُريد له �أن يكون �ضخم ًا وعربي ًا‬ ‫�شام ًال‪ ،‬ثم على �إنتاجات �سينمائية حتديداً‪،‬‬ ‫كما على �إعادة ترميم العديد من ال�صاالت‬ ‫ال�سينمائية‪ ،‬مع حماولة ا�ستعادة مزدوجة‪:‬‬ ‫من ناحية ا�ستعادة مبدعي ال�سينما اجلزائرية‬ ‫الذين كانوا غادروا الوطن‪ ،‬لأ�سباب معي�شية‬ ‫�أو �سيا�سية �أو خلوفهم من ا�ست�رشاء الإرهاب‬ ‫خالل ربع القرن املن�رصم؛ ومن ناحية ثانية‬ ‫ا�ستعادة اجلمهور ال�سينمائي‪.‬‬ ‫طبع ًا ال يزال الوقت �أبكر من �أن ي�سمح لنا‬ ‫مبعرفة ما �إذا كانت هذه ال�سيا�سة قد جنحت‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬خالل العام ‪ ،2008‬على الأقل كان ثمة‬ ‫الكثري من العالمات امل�شجعة‪ ،‬حتى خارج �إطار‬ ‫«جناح» مهرجان وهران الذي ميكن املجادلة‬ ‫يف �ش�أنه‪ .‬ولع ّل يف مقدمة هذه العالمات‪� ،‬أن‬ ‫اجلزائر متكّنت من �إنتاج ما يقدر بـ‪ 60‬عم ًال‪،‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإبداع‬

‫�أفالم وم�شاريع مميزة �آتية من اخلارج‪ ،‬بل‬ ‫تنتمي حتى �إىل بلدان �ضخمة الإنتاج (م�رص‪،‬‬ ‫فرن�سا‪� ،‬إيطاليا‪ ،)...‬ولكن – �أكرث من هذا – عرب‬ ‫خلق �صناعة جزائرية �أ�صبحت ب�رسعة ذات‬ ‫�ش�أن وراحت تنتج ع�رشات الأفالم �سنوي ًا‪..‬‬ ‫�أفالم تفر�ض ح�ضورها يف العامل اخلارجي‪.‬‬ ‫ولكن اي�ض ًا يف الداخل‪ .‬خالل عقد ون�صف العقد‬ ‫�صار هناك ما ي�س ّمى �سينما جزائرية‪ ،‬و�صارت‬ ‫تواقيع املخرجني اجلزائريني �أمراً يح�سب له‬ ‫ح�ساب‪ .‬من هنا مل تكن املفاج�أة كبرية حني‬ ‫ح�صد حممد الأخ�رض حامينا‪� ،‬سعفة «كان»‬ ‫الذهبية عام ‪ ،1975‬بفيلمه «وقائع �سنوات‬ ‫اجلمر»‪ ،‬هو الذي كان قبل ذلك ح�صد جناحات‬ ‫مع «رياح الأورا�س»‪ .‬ومل يكن مده�ش ًا �أن ت�صبح‬ ‫ثمة تيارات داخل ال�سينما اجلزائرية‪ ،‬وال �سيما‬ ‫منها تلك التي راحت تعيد النظر يف التاريخ‪..‬‬ ‫و�صو ًال �إىل ر�ؤية جذرية يف هذا املجال كان‬ ‫من عالماتها «الفحام» ملحمد بوعماري‬ ‫و«نوه» لعبد العزيز طلبي ثم «نوبة ن�ساء جبل‬ ‫�شنوة» لآ�سيا جبار‪ ،‬عن دور الن�ساء يف الثورة‬ ‫وتهمي�شهن بعدها‪ .‬ولقد و�صل هذا كله �إىل‬ ‫ّ‬ ‫ذروته حني حقّق مرزاق علوا�ش فيلم «عمر‬ ‫قتلته الرجولة» الذي طرح �س�ؤا ًال كان نادراً‬ ‫ما يجر�ؤ فنان على طرحه‪ :‬ما الذي فعلناه‬ ‫بالثورة؟ ما الذي فعلناه باال�ستقالل؟‬ ‫و�إذا كان «عمر قتلته الرجولة» قد اعترب‬ ‫فاحتة لنه�ضة �سينمائية – راديكالية جديدة‪،‬‬ ‫ف�إن الأحداث ال�سيا�سية التالية‪ ،‬يف اجلزائر‪،‬‬ ‫�أتت لتن�سف ذلك التوقع‪� ..‬إذ طوال عقود بعد‬ ‫ذلك راح الألق ال�سينمائي اجلزائري يختفي‬ ‫تدريجي ًا‪ ،‬حتى و�إن ظلّت هناك �أفالم تطلع‬ ‫ودمرت‬ ‫بني احلني والآخر‪ .‬وهاجر املبدعون ّ‬ ‫ال�صاالت بالتدريج‪ .‬غري �أن الرغبة يف انبعاثة‬ ‫جديدة لل�سينما اجلزائرية مل تخب‪ ،‬ال عند‬ ‫نخبها القدمية وال عند �أهلها اجلدد‪� ...‬صحيح‬ ‫�أن كل املحاوالت راحت تتهاوى على �صخور‬ ‫ولكن كان ثمة‬ ‫الواقع ال�سيا�سي واالقت�صادي‪ْ ،‬‬ ‫�شعور ب�أن زمن ًا �سي�أتي تفيق فيها ال�سينما‬ ‫اجلزائرية من رقادها‪ ...‬ولكن عام ًا بعد عام‪،‬‬

‫راح يبدو م�ؤكداً‪� ،‬أن ذلك الزمن يبتعد‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫�أن ال�سينما اجلزائرية‪ ،‬بعدما كانت تدعم‬ ‫�سينمائيني �آتني من �شتى �أنحاء العامل‪� ،‬صارت‬ ‫يف حاجة �إىل دعم خارجي (فرن�سي غالب ًا) كي‬ ‫تقوم‪.‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 370‬للتنمية الثقافية‬

‫مل ي�شهد العام ‪ 2008‬يف تون�س‬ ‫�سوى �إنتاج �أربعة �أفالم فقط‪ ،‬بينما‬ ‫كانت ال�سينما التون�سية هي الوحيدة‬ ‫�إىل جانب اجلزائرية التي ناف�ست‬ ‫�إنتاج ال�سينما امل�رصية كم ًا ونوع ًا‬ ‫بني ال�سبعينيات والثمانينيات‪.‬‬

‫بني فيلم روائي طويل‪ ،‬و�رشائط ق�صرية و�أفالم‬ ‫تلفزيونية‪ .‬والالفت �أن معظم هذه الأعمال‬ ‫قد عر�ض عرو�ض ًا �أوىل و�سط اهتمام ر�سمي‬ ‫�إعالمي كبري‪ ،‬وال �سيما يف �صالة جممع‬ ‫ريا�ض الفتح‪ ،‬الذي �صار بعد جتديده‪ُ ،‬يعترب‬ ‫املمر الأ�سا�س لك ّل جتديد ف ّني يف اجلزائر‪.‬‬ ‫ح�صة‬ ‫حتى الآن ال ميكن القول‪ ،‬طبع ًا �إن ّ‬ ‫الأفالم الطويلة – من روائية وغري روائية‬ ‫– امل�صنوعة للتلفزيون‪ ،‬كانت كبرية‪ :‬بالكاد‬ ‫ميكن �إح�صاء �ستة �أفالم طويلة‪ ،‬هي الأفالم‬ ‫الروائية «�إذان» و «حبيبي» و «ق�ضية دجال»‬ ‫و»م�سخرة» و «م�صطفى بولعيد»‪ ،‬والفيلم‬ ‫الوثائقي «ال�صني ال تزال بعيدة»‪ .‬غري �أن‬ ‫الأهم من هذا‪ ،‬هو �أن هذه الأفالم ت�ضافرت‬ ‫مع بع�ض �أعمال حققت مع اخلارج («اينالند»‬ ‫لطارق تيغيا) لتعطي اجلزائر زخم ًا �سينمائي ًا‬ ‫جديداً‪ ،‬من الناحية النوعية �إن مل يكن من‬ ‫الناحية الكمية‪ .‬ولع ّل العالمة الأ�سا�س يف هذا‪،‬‬ ‫كان فيلم «م�سخرة» للمخرج اجلزائري ال�شاب‬ ‫�إليا�س �سامل‪ ،‬يف �أول جتربة روائية طويلة له‪.‬‬ ‫لقد �أتى هذا الفيلم حدث ًا �سينمائي ًا ا�ستثنائي ًا‪.‬‬ ‫وحقق حتى الآن جناحات كبرية‪� ،‬سواء حني‬ ‫عر�ض يف عرو�ض جتارية �أم يف مهرجانات‬ ‫عربية �أو عاملية‪ .‬لقد �أتى «م�سخرة» من طينة‬ ‫تلك الأفالم التي تتطلّع �إىل ما ي�س ّمى ب�إعادة‬ ‫الت�أ�سي�س‪ ،‬و�شبهه كرث‪ ،‬بالن�سبة �إىل الت�أثري‬ ‫الذي �سيكون له يف ال�سينما اجلزائرية‪ ،‬مبا كان‬ ‫عليه «رياح الأورا�س» يف ال�ستين ّيات‪ ،‬و»عمره‬ ‫قتلته الرجولة» يف ال�سبعين ّيات‪ .‬حيث �إنه‬ ‫بدوره يتناول واقع املجتمع اجلزائري‪ ،‬بق�سوة‬ ‫و�إمنا مبرح وحنان‪.‬‬

‫نحو عودة ما‬

‫�أما بالن�سبة �إىل «م�صطفى بني بولعيد»‬ ‫ف�إنه �شهد عودة املخ�رضم �أحمد را�شدي �إىل‬ ‫الإخراج ال�سينمائي بعد غياب طويل‪ ،‬هو الذي‬ ‫كان واحداً من امل�ؤ�س�سني من خالل «الأفيون‬ ‫والع�صا»‪« .‬م�صطفى بن بولعيد» الذي ح�رض‬ ‫رئي�س اجلمهورية عبدالعزيز بوتفليقة حفل‬

‫عر�ضه الأول يف جممع ريا�ض الفتح‪ ،‬هو‬ ‫�أ�ضخم فيلم �أنتج يف اجلزائر حتى اليوم‪ .‬وهو‬ ‫يق ّدم‪ ،‬على غرار الأفالم الثورية الت�أ�سي�سية‬ ‫الأوىل‪� ،‬سرية م�ؤفلمة لواحد من �أبطال الثورة‬ ‫اجلزائرية و�شهدائها‪ ،‬هو �أمر جعل الكالم‬ ‫ي�سود‪ ،‬ب�أنه يف مقابل الت�سا�ؤالت حول الراهن‬ ‫اجلزائري («م�سخرة») ها هو احلر�س القدمي ير ّد‬ ‫مذكراً ببطوالت الزمن الثوري ال�سعيد‪.‬‬ ‫واحلال �أنه مهما يكن املوقف من هذا كله‪،‬‬ ‫ف�إن ما ميكن ر�صده من خالله‪ ،‬هو �أن العودة �إىل‬ ‫ال�سجاالت القدمية‪ ،‬من طريق ال�سينما‪� ،‬سيكون‬ ‫الفن ال�سابع‪ ،‬م�ستعيداً‬ ‫�أمراً حيوي ًا بالن�سبة �إىل ّ‬ ‫له مكانة كانت كبرية يف جزائر ال�سبعين ّيات‪.‬‬ ‫ولقد حان الوقت لهذا البلد كي يتجاوز جراحه‬ ‫وينطلق م�ستعيداً �أبنا َءه ال�سينمائ ّيني الذين‬ ‫يعملون يف �أنحاء عديدة من �أوروبا حمققني‬ ‫بالأموال الأوروبية �أفالم ًا تقول بدورها الواقع‬ ‫اجلزائري‪� ...‬إمنا من دون �أن ت�سهم يف خلق ذلك‬ ‫الرتاكم ال�سينمائي ال�رضوري كي تعود اجلزائر‬ ‫بلداً �سينمائي ًا على م�ستوى العامل‪.‬‬

‫ال�سينما التون�سية‪� :‬أ�سئلة الزمن ال�صعب‬

‫ذات حقبة من الزمن‪ ،‬ما بني �سبعين ّيات‬ ‫القرن الع�رشين وثمانين ّياته وبعد ذلك قلي ًال‬ ‫�أي�ض ًا‪ ،‬بدت ال�سينما التون�سية وك�أنها‪� ،‬إىل‬ ‫جانب اجلزائرية‪ ،‬الوحيدة القادرة على �أن‬ ‫تنتج من الأفالم‪ ،‬كمي ًا‪ ،‬ما يداين �إنتاج ال�سينما‬ ‫امل�رصية‪ ،‬ونوعي ًا ما يتف ّوق كثرياً على معظم‬ ‫�إنتاج هذه ال�سينما‪ .‬وكان لدى تون�س‪ ،‬يف ذلك‬ ‫احلني‪ ،‬من العنا�رص‪ ،‬ثم من الإنتاج الفعلي‪ ،‬ما‬ ‫ي�ؤهلها حق ًا لتطوير تلك االندفاعة كلّها‪ .‬ولكن‬ ‫ينكب �أهل ال�سينما يف‬ ‫بالتدريج ولأ�سباب‬ ‫ّ‬ ‫تون�س‪ ،‬على درا�ستها يف العمق وعلى حماولة‬ ‫ا�ستخال�ص الدرو�س منها‪ ،‬هبط ذلك الإنتاج‬ ‫وتبخرت الآمال‪ .‬ومع هذا‪ ،‬ظ ّل حب ال�سينما‬ ‫ّ‬ ‫على حاله والأجيال ال�سينمائية التي �أنتجتها‬ ‫واحدة من �أكرب حركات نوادي ال�سينما يف‬ ‫العامل العربي ال تزال حا�رضة‪ ..‬والقوى الب�رشية‬ ‫التقنية نا�شطة‪ ،‬ومهرجان قرطاج – مهد‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الإبداع ال�سينمائي والدارمي ‪371‬‬

‫املهرجانات ال�سينمائية العربية الكربى – ال‬ ‫مرة كل �سنتني‪� .‬أما الأجهزة التقنية‬ ‫يزال يقام ّ‬ ‫فمزدهرة كحالها دائم ًا‪ ..‬ف�إذا �أ�ضفنا �إىل هذا‬ ‫�أن يف تون�س‪ ،‬عدا عن معظم البلدان املغربية‬ ‫الأخرى‪ ،‬بنى �إنتاجية و�رشكات توزيع‪ ،‬يحقّ‬ ‫لنا �أن نت�ساءل ملاذا مل تنتج تون�س خالل‬ ‫العامني الفائتني �أكرث من ثمانية �أفالم‪ ،‬مبعدل‬ ‫�أربعة �أفالم لكل عام؟‬ ‫هذا ال�س�ؤال مطروح اليوم ومطروح بقوة‪..‬‬ ‫وهو بعدما كان مطروح ًا يف �أو�ساط �أهل‬ ‫ال�سينما �أنف�سهم (والذين ثمة يف تون�س منهم‬ ‫عدد ي�ضاهي نوعي ًا‪ ،‬بع�ض �أف�ضل ال�سينمائ ّيني‬ ‫العرب‪ ،‬وحتى الأوروبيني �أحيان ًا‪ :‬ر�ضا الباهي‪،‬‬ ‫حممود بن حممود‪ ،‬فريد بو غدير‪ ،‬نوري بوزيد‪،‬‬ ‫مفيدة تالتلي‪ ...‬نا�رص خمري وغريهم)‪ ،‬وبعدما‬ ‫كان مدار ت�سا�ؤالت وا�ستنكار النقاد (الذين‬ ‫لدى تون�س �أي�ض ًا منهم بع�ض �أف�ضل ما يف‬ ‫العامل العربي)‪ ،‬ها هو منذ فرتة ي�شكّل ال�شغل‬ ‫ال�شاغل لأو�ساط حكومية‪ ،‬وخرج ال�سجال حوله‬ ‫هناك �إىل ال�ساحة العامة‪ ،‬م�صحوب ًا ب�أ�سئل ٍة‬ ‫تثري احلرية مثل‪ :‬ملاذا تتقدم ال�سينما املغربية‬ ‫وتت�أخر التون�سية؟ وملاذا لل�سينما الإيرانية ك ّل‬ ‫هذه املكانة يف العامل على الرغم من ال�ضغوط‬ ‫الرقابية املت�ش ّددة يف طهران؟‬

‫�أ�سئلة �شائكة‬

‫ح�رضت �إذن ال�سينما الروائية التون�سية‬ ‫الطويلة خالل مو�سم ‪ ،2008‬ب�أربعة �أفالم‪ ،‬ال‬ ‫ب ّد �أن نالحظ يف الوقت نف�سه‪� ،‬أنها من �إنتاج‬ ‫�أجنبي‪ ..‬بل علينا �أن نالحظ �أي�ض ًا �أن واحداً‬ ‫منها («خم�سة») هو من �إخراج التون�سي الأ�صل‬ ‫املقيم يف فرن�سا‪ ،‬كرمي الدريدي‪ ،‬الذي �سبق �أن‬ ‫عرف ب�أفالم عديدة‪ ،‬قد تكون عربية املو�ضوع‬ ‫(لأن جلّها يرتكّز من حول مهاجرين عرب يف‬ ‫فرن�سا) لكن �أحداثها يدور معظمها يف فرن�سا‪..‬‬ ‫وهذا ما ميكن �أن يقال �أي�ض ًا عن «خم�سة» الذي‬ ‫تدور �أحداثه كذلك يف خارج تون�س �أو يف عامل‬ ‫الطفولة امل� ّرشدة للأقليات العرقية التي تعي�ش‬ ‫على الهام�ش يف �أوروبا‪ .‬واحلقيقة �أن ق�ضية‬ ‫فيلم «خم�سة» تذكر مبا ذكر يف العام الفائت‬ ‫من �ض ّم فيلمني على الأقل لعبد اللطيف ق�شي�ش‬ ‫(وهما فيلمان فرن�سيان‪ ...‬مئة باملئة) �إىل‬ ‫الفيلموغرافيا التون�سية ملجرد �أن ق�شي�ش من‬ ‫�أ�صل تون�سي‪.‬‬ ‫�إذاً‪ ،‬مرة �أخرى ال ب ّد من الت�سا�ؤل هذا العام‬ ‫�أين عبداللطيف بن عمار؟ �أين ر�ضا الباهي‬ ‫وبو زيد؟ �أين نا�رص قطاري ونا�رص خمري‪...‬‬ ‫و�أين ك ّل الآخرين؟ وهل �سي�ؤدي ذلك ال�سجال‬ ‫احلار‪ ،‬والذي ت�شارك فيه �أو�ساط حكومية‬

‫الإبداع‬

‫�أربعة �أفالم فقط‬

‫واحلقيقة �أن دورة عام ‪ 2008‬من مهرجان‬ ‫قرطاج ال�سينمائي الدويل يف تون�س‪� ،‬شكّلت‬ ‫لتفجر كل هذه الأ�سئلة و�رضوب‬ ‫منا�سبة‬ ‫ّ‬ ‫احلرية‪� .‬صحيح �أن تون�س �شاركت يف تلك‬ ‫الدورة مبا ال يق ّل عن ثالثة �أفالم روائية‬ ‫طويلة‪ ،‬فيما كان فيلم رابع حديث النا�س طوال‬ ‫الدورة‪ ،‬وهو ما يعترب �أمراً جيداً ب�شكل عام‪.‬‬ ‫لكن امل�شكلة كمنت يف �أن �أهل مهرجان قرطاج‬ ‫مل يعانوا كثرياً دون اختيار االفالم املمثلة‬ ‫لتون�س‪ .‬ذلك �أنها كانت ك ّل ما �أنتج وعر�ض‬ ‫خالل العام‪ .‬من ناحية النوعية لي�س ثمة ما‬ ‫يقال �سلب ًا‪ .‬فالأفالم الثالثة (وهي «خم�سة»‬ ‫لكرمي الدريدي‪ ،‬و»اجلانب الآخر من ال�سماء»‬

‫لكلثوم بورناز‪ ،‬و»رحلة جميلة» خلالد غربال)‬ ‫تنتمي مع ًا �إىل ال�سينما اجليدة‪ ،‬وحتاول �أن‬ ‫توا�صل تلك امل�سرية ال�سينمائية التون�سية التي‬ ‫كانت مم ّيزة طوال عقود‪ .‬و�إذا �أ�ضفنا �إىل هذا‬ ‫فيلم «ثالثون» لفا�ضل اجلعايبي‪ ،‬الذي عر�ض‬ ‫يف قرطاج �إمنا خارج التظاهرات الر�سمية‪،‬‬ ‫ليعود ويفتتح دورة عام ‪ 2009‬من مهرجان‬ ‫روتردام للفيلم العربي يف هولندا‪ ،‬ي�صبح لدينا‬ ‫منت �سينمائي جيد‪ ،‬يزيده �ألق ًا عدد من ال�رشائط‬ ‫الق�صرية التون�سية الناجحة‪.‬‬ ‫غري �أن مثل هذا املنت ال ميكنه‪ ،‬بالطبع‪،‬‬ ‫�أن ي�شكل ما ميكن ت�سميته‪� :‬صناعة �سينمائية‬ ‫تون�سية‪ ،‬الأمر الذي يعيد اللعبة ال�سينمائية يف‬ ‫تون�س �إىل ما قبل زمن الوفرة‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 372‬للتنمية الثقافية‬

‫ب�شكل ر�سمي‪� ،‬إىل انبعاث ال�سينما التون�سية من‬ ‫�سباتها‪� ..‬أو �أن امل�س�ألة يف حاجة �إىل انبثاق‬ ‫جهد فردي مثل ذاك الذي بذله املنتج الراحل‬ ‫�أحمد بهاء الدين عطية طوال �سنوات كي يح ّول‬ ‫ال�سينما التون�سية من حالة ثقافية �إىل حالة‬ ‫�صناعية‪ /‬ثقافية؟‬ ‫يف انتظار الإجابة على هذه الأ�سئلة‪،‬‬ ‫ي�شاهد حم ّبو ال�سينما التون�سية ب�شغف �أفالم‬ ‫بورناز والدريدي واجلعايبي وغربال‪...‬‬ ‫ويتمنون لو تتوا�صل هذه ال�سينما التي متكّنت‬ ‫ذات يوم من �أن ت�ؤثّر ب�شكل �إيجابي‪ ،‬حتى يف‬ ‫�سينمات عربية مناف�سة معطية �إياها درو�س ًا‬ ‫يف لغة ال�سينما وعالقتها باملوروث (خمري‪)...‬‬ ‫ويف خرق املحظور (بوزيد) ويف ت�صوير‬ ‫الطفولة (بوغدير) والن�ساء (تالتلي) �إىل �أعمال‬ ‫�سينمائية حية‪.‬‬ ‫�شهد العام‬

‫‪2008‬‬

‫يف العراق ما‬

‫ال�سينما العراقية‪� :‬سقوط الأيديولوجيات‬

‫مثل لعبة كلمات متقاطعة غريبة التفا�صيل‪،‬‬ ‫ال يقل عن ثالثة �أفالم حملت عبء‬ ‫فر�ض ح�ضور ال�سينما العراقية‪ ،‬يلتئم �شمل ال�سينما العراقية منذ �سنوات‪ ..‬ولكن‬ ‫يف مقدمتها فيلم املخرج املغرتب من دون احللم ب�أن ي�صبح ثمة يف العراق‪� ،‬أو‬ ‫فا�ضل عبا�س «فجر العامل»‪.‬‬ ‫بغداد‪ ،‬ما �أطلق عليه �صحافيون – قب�ضوا‬ ‫ثمن ذلك نقداً ذات يوم – ا�سم «هوليوود على‬ ‫�ضفاف دجلة»‪ .‬ذاك كان حلم ًا �سينمائي ًا حجمه‬ ‫�أكرب من �أي واقع ومل ينتج �سوى �رشائط قليلة‬ ‫كلّفت ما تكلّفه ع�رشات الأفالم ومل ي�شاهدها‬ ‫�أحد‪ ،‬يومها‪ ،‬لأنها بد ًال من ال�سينما‪ ،‬غا�صت يف‬ ‫الأيديولوجيا («القاد�سية» من �إخراج الراحل‬ ‫�صالح �أبو �سيف) وبد ًال من احلديث عن حياة‬ ‫ال�شعب غا�صت يف احلديث عن احلياة املتخيلة‬ ‫البطولية ملن عينّ نف�سه قائداً لل�شعب («الأيام‬ ‫الطويلة» للم�رصي الكبري الآخر توفيق �صالح)‪.‬‬ ‫كل هذا كان قد �صار جزءاً من املا�ضي‪ ،‬حني‬ ‫ح ّل االحتالل على �أر�ض العراق‪ .‬واحلقيقة �أن‬ ‫هذا االحتالل �إذا كان قد �أوقف عجلة �أمور‬ ‫كثرية يف العراق‪ ،‬ف�إنه مل يوقف عجلة ال�سينما‬ ‫لأن ال�سينما كانت انتهت منذ زمن‪ ،‬و�صار �أهلها‬ ‫يف املنايف �أو ال�سجون �أو يف القبور‪ ،‬مع �أقلية‬ ‫ظلّت ت�ش ّغل كامرياتها لر�صد حياة وحتركات‬

‫«القائد»‪ .‬ولكن‪ ،‬كما �أن لكل �شيء نهاية يف‬ ‫هذا الكون‪ ..‬انتهى‪ ،‬ذات يوم‪� ،‬صمت ال�سينما‬ ‫العراقية‪� ..‬أي�ض ًا‪ .‬ولكن بكثري من البطء وكثري‬ ‫من اخلجل‪� .‬صحيح �أن عام ‪� ،2008‬شهد نوع ًا‬ ‫من الرتاجع‪ ،‬الكمي على الأقل‪ ،‬ع ّما كان حتقق‬ ‫من �سينما يف العراق‪ ،‬خالل ال�سنوات ال�سابقة‬ ‫عليه‪ ،‬لكنه – كما يبدو – كان تراجع ًا تكتيكي ًا‪،‬‬ ‫�أ�سبابه عديدة‪ ،‬منها ما هو مايل‪ ،‬ولكن �أي�ض ًا‬ ‫منها ما يتعلق ب�أن فورة القبول اخلارجي‬ ‫– بل حتى الداخلي �أي�ض ًا ‪ ،-‬بالأفالم التي‬ ‫حققت‪ ،‬لغرابة الأمر وانطالق ًا من ف�ضول ما �أو‬ ‫تعاطف ما‪ ،‬انتهت وبات مطلوب ًا من بلد يع ّد‬ ‫مبدعوه‪ ،‬يف املجاالت كافة‪ ،‬بالألوف ويعترب‬ ‫جراء �سنوات ال�سجن واملنايف التي‬ ‫تط ّورهم من ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عا�شوها‪ ،‬تط ّورا مثاليا‪ ،‬بات مطلوبا منهم �أن‬ ‫يحققوا �أف�ضل و�أكرث‪.‬‬ ‫يف جمال ال�رشائط الق�صرية‪ ،‬حقّق عراقيون‬ ‫كرث �أعما ًال‪ ،‬يظل من حقنا �أن ن�س�أل‪ :‬من يراها؟‬ ‫هل يكفي ح�ضور بع�ضها يف املهرجانات‪،‬‬ ‫الثانوية ليكون لها ح�ضور؟ �أو �أن عر�ضها‬ ‫على �شا�شات التلفزة ُيبقي لها م�رشوعيتها‬ ‫ال�سينمائية؟ مهما يكن‪ ،‬يبقى �أن مو�سم ‪،2008‬‬ ‫حمدود من الأفالم الروائية‬ ‫عدد‬ ‫ٍ‬ ‫�شهد �إنتاج ٍ‬ ‫الطويلة‪� ،‬أو الت�سجيلية التي يرقى بع�ض خطابها‬ ‫�إىل م�ستوى ال�سينما الطويلة والروائية‪ .‬وثمة ما‬ ‫ال يق ّل عن ثالثة �أفالم حملت خالل ذلك املو�سم‬ ‫عبء فر�ض ح�ضور ال�سينما العراقية‪ ،‬علم ًا ب�أن‬ ‫مفاعيلها ظلت متوا�صلة خالل العام التايل‪،‬‬ ‫وعلى الأقل يف انتظار ظهور �إنتاجات جديدة‪،‬‬ ‫حتمل الراية‪ .‬ولع ّل يف مقدمة هذه الإنتاجات‪،‬‬ ‫الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرج العراقي‬ ‫املقيم يف فرن�سا‪ ،‬فا�ضل عبا�س‪ ،‬والذي �سبق‬ ‫له �أن حقّق بع�ض الأفالم الوثائقية‪ .‬يف فيلمه‬ ‫اجلديد «فجر العامل»‪ ،‬والذي عر�ض يف العديد‬ ‫من العوا�صم الأوروبية وتفاوتت ردود الفعل‬ ‫النقدية عليه‪ ،‬حت ّدث فا�ضل عن العراق الراهن‬ ‫من خالل حكاية حب تدور يف منطقة الأهوار‪..‬‬ ‫لك ّنها حكاية حب «م�ستحيلة» كما يحاول‬ ‫احلب‬ ‫الفيلم ان يقول لنا‪ ،‬وك�أنه يريد و�ضع ّ‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الإبداع ال�سينمائي والدارمي ‪373‬‬

‫ال�سينما الأردنية‪� :‬آمال كبرية وتقنيات‬ ‫جيدة‬

‫خالل تاريخها ال�سينمائي الذي بات‬ ‫طوي ًال من الناحية الزمنية‪ ،‬و�شديد التن ّوع‪،‬‬ ‫تفخر احلياة الثقافية الأردنية ب�أن الأردن‬ ‫يعترب‪ ،‬ومنذ بداية �سنوات ال�ستني من القرن‬ ‫الع�رشين‪ ،‬على الأقل‪ ،‬بلداً خمتاراً بنجاح لت�ص ّور‬ ‫فيه �أفالم �أجنبية غالب ًا ما تكون �أفالم ًا �ضخمة‬ ‫(«لوران�س العرب» على �سبيل املثال)‪ .‬واحلال‬ ‫�أن هذا احل�ضور امليداين للعمل ال�سينمائي‬ ‫الأجنبي يف الأردن‪ ،‬خلق‪ ،‬كما تقول الناقدة‬ ‫فيكي حبيب‪�« ،‬أجيا ًال متتالية من الكادرات‬ ‫التقنية‪ ،‬لكنه خلق دائم ًا رغبات حارة يف‬ ‫الو�صول �إىل يوم ي�صبح فيه الأردن بلداً منتج ًا‬ ‫ل�سينما �أردنية يحققها مبدعون �أردنيون‪ ،‬عن‬ ‫موا�ضيع �أردنية»‪ .‬ومن الوا�ضح �أن ثمة عنا�رص‬ ‫عديدة تقول �إن الأردن ب�أجوائه وطاقاته‬ ‫الب�رشية ومبدعيه‪ ،‬خمرجني وكتاب ًا وممثلني‪،‬‬ ‫جاهز لهذا‪ .‬ومع ذلك مل يحقق يف الأردن من‬ ‫�أفالم �أردنية‪ ،‬كلي ًا �أو جزئي ًا‪� ،‬سوى �ستة �أفالم‪،‬‬ ‫من بينها فيلم «عا�صفة على البرتاء» من �إخراج‬ ‫امل�رصي فاروق عجرمة‪ .‬واحلقيقة �أن هذا‬ ‫الفيلم كان ميكن اعتباره عم ًال اجنبي ًا �آخر لوال‬

‫نعرف �أن ثمة دائم ًا عراقي ًا ما‪،‬‬ ‫ي�صور فيلماً‪ ،‬طوي ًال �أو‬ ‫يف بلد ما‪ّ ،‬‬ ‫ق�صرياً‪� ،‬إمنا من دون �أن يدري �أو‬ ‫ندري ما الذي �سوف يكون عليه‬ ‫م�صري هذا الفيلم‪ .‬فالعراق وفنونه‪،‬‬ ‫تظ ّل حتت الأ�سئلة‪.‬‬

‫الإبداع‬

‫جانب ًا بعدما جعله �أو ًال نقطة جذب يف الفيلم‪.‬‬ ‫احلب �إمنا يقوم بني زهرة‪ ،‬الأرملة‬ ‫وذلك لأن هذا ّ‬ ‫العراقية ال�شابة و�صديق لزوجها الراحل‪ .‬لقد‬ ‫حقّق هذا الفيلم جوائز ال ب�أ�س بها‪ ،‬لكن �أهميته‬ ‫احلب‪ ،‬التي قدمت فيه‬ ‫مل تقف عند ا�ستحالة ّ‬ ‫عر�ض ًا‪ ،‬بل عند املناخ‪ ،‬الذي ربط بني احلرب‬ ‫وم�أ�ساة الإن�سان خالل احلرب‪ ،‬وبني منطقة‬ ‫هي �أ�ص ًال فتانة من حيث �صورتها‪ .‬واحلقيقة‬ ‫�أن �أق ّل ما ميكن قوله حول هذا الفيلم هو �أنه‬ ‫يفتح �آفاق ًا جديدة ل�سينما عراقية روائية ال‬ ‫تزال تبحث عن نف�سها‪ ،‬را�سم ًا خط طريق يو�صل‬ ‫�إىل تعاون عربي م�أمول‪ .‬بحيث �أدار فا�ضل يف‬ ‫هذا الفيلم عدداً من املواهب التمثيلية العربية‪،‬‬ ‫غري العراقية‪ ،‬ب�شكل �أعطى الفيلم قوة ما‪ :‬هيام‬ ‫عبا�س‪ ،‬الفل�سطينية املعروفة واملقيمة يف‬ ‫فرن�سا‪ ،‬وحف�صية حرزي‪ ،‬اجلزائرية الأ�صل‪،‬‬ ‫الفرن�سية الإقامة والتي كانت برزت يف فيلم‬ ‫«�أ�رسار الك�سك�س» لعبداللطيف ق�شي�ش‪.‬‬ ‫يف مقابل هذا الفيلم‪ ،‬عرف الإنتاج‬ ‫العراقي ما ال يق ّل عن �إنتاج فيلمني وثائقيني‬ ‫طويلني لفتا الأنظار حق ًا‪ ،‬وق ّدما يف عرو�ض‬ ‫مما قدما يف عرو�ض تلفزيونية‬ ‫�سينمائية �أكرث ّ‬ ‫(هي عادة م�صري هذا النمط من الأفالم)‪� ،‬أولهما‬ ‫«حياة ما بعد ال�سقوط» لقا�سم عبد‪ ،‬الذي اتبع‬ ‫م�سار �أول ثالثة �أيام بغدادية تلت �سقوط بغداد‪،‬‬ ‫وثانيهما – وهو الأهم على �أي حال‪ -‬هو‬ ‫«عد�سات مفتوحة على العراق»‪ ،‬الذي �ص ّورت‬ ‫فيه مي�سون الباجه جي‪ ،‬م�صائر وحيوات‬ ‫عدد من ال�سيدات العراقيات اللواتي يع�شن يف‬ ‫املنايف‪ ،‬التي مل يلغها «حترير» العراق بعد‪،‬‬ ‫وال �سيما يف �سورية‪ .‬قوة هذا الفيلم تكمن يف‬ ‫�أنه �ص ّور مو�ضوعه من خالل فن يتت ّبع م�سار‬ ‫فن �آخر‪ :‬ال�سينما تتابع تفا�صيل ور�شة ت�صوير‬ ‫فوتوغرايف لن�ساء يع�شن ويت�صورن ويروين‬ ‫عي�شهن هذا‪.‬‬ ‫تفا�صيل اليومي يف‬ ‫ّ‬ ‫طبع ًا ال ميكن القول �إن هذا كل �شيء‪،‬‬ ‫�إذ نعرف �أن ثمة دائم ًا عراقي ًا ما‪ ،‬يف بلد ما‪،‬‬ ‫ي�ص ّور فيلم ًا‪ ،‬طوي ًال �أو ق�صرياً‪� ،‬إمنا من دون �أن‬ ‫يدري �أو ندري ما الذي �سوف يكون عليه م�صري‬

‫هذا الفيلم‪ .‬فالعراق وفنونه‪ ،‬تظ ّل حتت الأ�سئلة‪،‬‬ ‫حتى و�إن كان ثمة من يرى �أن زمن «الأجوبة»‬ ‫ا�ستكمال لعراق‬ ‫قد حلّ‪ ،‬و�أن عراق اليوم‪ ،‬يف‬ ‫ٍ‬ ‫الأم�س وما قبله‪ ،‬يظ ّل حاف ًال باملوا�ضيع‪ ،‬ولكن‬ ‫�أي�ض ًا بالطاقات الب�رشية‪ .‬وهذه الطاقات يف‬ ‫حلظات توقعها الدائمة‪ ،‬تراهن بعد كل �شيء‬ ‫على امل�ستقبل‪ .‬امل�ستقبل الذي مل يعد مرتبط ًا‬ ‫ب�أي �شيء �سوى با�ستتباب الأمن‪ ،‬بحيث ي�سجل‬ ‫بقوة �سقوط ال�ضغوط الأيديولوجية‪ ،‬على‬ ‫الإبداع العراقي منذ �سنوات‪ ،‬الأمر الذي يفتح‬ ‫الآفاق وا�سع ًا‪� ،‬إن مل يكن على انبثاق م�ستحيل‬ ‫لـ «هوليوود على �ضفاف دجلة»‪ ،‬فعلى الأقل‬ ‫على وجود �صناعة �سينمائية ت�ستفيد من‬ ‫الطاقات الب�رشية‪ ،‬وكذلك من الإبداع العراقي‬ ‫يف املجاالت كافة‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 374‬للتنمية الثقافية‬

‫«الهيئة امللكية الأردنية للأفالم»‬ ‫هي هيئة �شبه ر�سمية �أخذت على‬ ‫عاتقها دعم احلركة ال�سينمائية‬ ‫الأردنية وت�شجيعها‪� ،‬آمل ًة �أن‬ ‫حترك‬ ‫تتمكّن من خالل ن�شاطها �أن ّ‬ ‫ال�سينمائيني �إما للعمل يف �أفالم‬ ‫للتحرك‬ ‫�أجنبية ت�ص َّور يف الأردن‪� ،‬أو‬ ‫ّ‬ ‫مبا�رشة لتحقيق �أفالم‪.‬‬

‫«كابنت �أبو رائد» ي�شكل م�صدر‬ ‫يهمه �أمر ال�سينما‬ ‫فخر الآن لك ّل من ّ‬ ‫الأردنية‪ .‬ويف املح�صلة ميكن القول‬ ‫�إن ال�صخب الدائر من حول هذا‬ ‫الفيلم‪ ،‬ال ب ّد �أن ينتهي به �إىل �إعادة‬ ‫�إحياء �سينما ما يف الأردن‪.‬‬

‫�أن منتجه املم ّول كان املو ّزع الأردين ليو�سف‬ ‫الطاهر‪ ،‬الأمر الذي فتح الباب يومها (‪)1969‬‬ ‫تتكرر‪ ،‬فظ ّل تاريخ‬ ‫تتكرر التجربة‪ .‬لكنها مل ّ‬ ‫كي ّ‬ ‫«ال�سينما الأردنية» تاريخ حنني يز ّينه ا�سمان‬ ‫�أو ثالثة‪ ...‬وظلّت احلال هكذا‪ ،‬حتى حقّق الفيلم‬ ‫الأردين‪ ،‬اخلام�س‪« ،‬حكاية �رشقية» لنجدت‬ ‫�أنزور‪ ،‬الذي على الرغم من جناحه نقدي ًا‪،‬‬ ‫�رسعان ما «نفى» نف�سه �إىل التلفزيون وحقّق‬ ‫معظم �أعماله التلفزيونية الكربى �ضمن �إطار‬ ‫ت�أ�سي�سه لنوع معينّ من امل�سل�سالت ال�سورية‬ ‫التاريخية‪ ،‬قبل �أن يعومل �إنتاجه‪ ،‬يف وقت ظ ّل‬ ‫يحلم فيه ب�أن يعود «لي� ّؤ�س�س» ال�سينما الأردنية‬ ‫من جديد‪.‬‬ ‫لكنه مل يكن احلامل الوحيد يف هذا املجال‪.‬‬ ‫ذلك �أن حلم �إعادة الت�أ�سي�س هذا ال ينفك يداعب‬ ‫خياالت �أجيال متعاقبة من املبدعني‪ ،‬وال �سيما‬ ‫منهم �أولئك الذين ين�ش�أون على حب ال�سينما‬ ‫من خالل م�ؤ�س�سات �أ�شبه بنوادي ال�سينما‬ ‫(مثل م� ّؤ�س�سة �شومان‪ ،‬التي تقدم عرو�ض ًا حتت‬ ‫ا�رشاف نقّاد متحم�سني �أمام جمهور ال يق ّل‬ ‫عنهم حما�س ًا)‪ .‬ونعرف �أن هذه امل� ّؤ�س�سات‬ ‫قد �أُ�ضيفت �إليها منذ �سنوات قليلة م� ّؤ�س�سة‬ ‫جديدة هي «الهيئة امللكية الأردنية للأفالم»‪،‬‬ ‫وهي هيئة �شبه ر�سمية �أخذت على عاتقها‬ ‫دعم احلركة ال�سينمائية الأردنية وت�شجيعها‪،‬‬ ‫حترك‬ ‫�آمل ًة �أن تتمكّن من خالل ن�شاطها �أن ّ‬ ‫ال�سينمائيني �إما للعمل يف �أفالم �أجنبية ت�ص َّور‬ ‫للتحرك مبا�رشة لتحقيق �أفالم‪.‬‬ ‫يف الأردن‪� ،‬أو‬ ‫ّ‬ ‫بالن�سبة �إىل املجال الأول‪ ،‬تبدو الهيئة‬ ‫ناجحة حتى اليوم‪ ،‬وهي ت�شارك منذ فرتة‬ ‫يف بع�ض املهرجانات العاملية (يف «كان»‬ ‫أفالم ت�ص َّور‬ ‫مث ًال) �أم ًال يف اجتذاب مزي ٍد من � ٍ‬ ‫يف الأردن‪� ..‬أما بالن�سبة �إىل املجال الثاين‪،‬‬ ‫ف�إن الأمنيات ال تزال �أكرب من الواقع بكثري‪.‬‬ ‫و�إذا كان م�س�ؤولو الهيئة ي�ؤكّدون م�ضاعفة‬ ‫خطواتهم يف هذا املجال طوال العام ‪،2008‬‬ ‫ومع �إطاللة العام التايل له‪ ،‬ف�إنه كان عليهم‬ ‫طوال مو�سم ‪� ،2008‬أن يكتفوا بدعم الفيلم‬ ‫ال�ساد�س الذي �أُنتج يف الأردن‪ ،‬وهو «كابنت‬

‫�أبو رائد» لأمني مطالقة‪� .‬صحيح �أن هذا الفيلم‬ ‫حقّق يف العام ال�سابق‪ ،‬لكن مفاعيل جناحه‪،‬‬ ‫عاملي ًا‪ ،‬ظلّت متوا�صلة طوال املو�سم الذي‬ ‫نتحدث عنه هنا‪ ،‬حيث يتجول ليعر�ض يف‬ ‫البلدات واملدن ال�صغرية يف الأردن‪ ،‬يف الوقت‬ ‫الذي توا�صل فيه عرو�ضه جناحاتها يف العديد‬ ‫من املهرجانات العاملية‪.‬‬ ‫واحلقيقة �أن «كابنت �أبو رائد» ي�شكل‬ ‫م�صدر فخر الآن‪ ،‬لك ّل من يه ّمه �أمر ال�سينما‬ ‫الأردنية التي تبقى دائم ًا على و�شك الوالدة‬ ‫من جديد‪ .‬ويف املح�صلة العامة ميكن القول‬ ‫�إن ال�صخب الدائر من حول هذا الفيلم والذي‬ ‫توا�صل طوال مو�سم ‪ ،2008‬ال ب ّد �أن ينتهي‬ ‫به �إىل �إعادة احياء �سينما ما يف الأردن‪ ،‬يف‬ ‫وقت يزداد فيه ن�شاط ت�صوير امل�سل�سالت‬ ‫التلفزيونية‪ ،‬من ناحية‪ ،‬وح�ضور طواقم‬ ‫ومبدعي الأفالم الأجنبية م�ستفيد ًة من مهارة‬ ‫يد عاملة رخي�صة‪ ،‬وطبيعة خالبة من ناحية‬ ‫أحالم ال تنتهي ب�أن ي�ضاعف‬ ‫ثانية‪ .‬ناهيك ب� ٍ‬ ‫الأردن خالل عامني تاليني عدد الأفالم التي‬ ‫ت�شكّل منت �إنتاجه‪ ،‬تاريخي ًا‪.‬‬

‫ال�سينما ال�سعودية‪� :‬أفالم ومبدعون‬ ‫و�سجاالت‬

‫منذ زمن‪ ..‬بل منذ زمن بعيد‪ ،‬هناك ما‬ ‫ميكننا �أن ن�س ّميه �سينما �سعودية‪ ،‬بل هناك‬ ‫ما هو �أكرث و�أهم من هذا‪ ..‬هناك �سينمائيون‬ ‫�سعوديون‪� .‬صحيح �أنهم كانوا قلّة يف �أول‬ ‫الأمر‪ ،‬لكن دائم ًا �إىل تكاثر‪ ،‬بحيث �إن هناك‬ ‫اليوم عدداً ال ي�ستهان به من �صانعي الأفالم‪..‬‬ ‫كما �أن هناك �أفالم ًا عديدة �سعودية تعر�ض‬ ‫يف املهرجانات املحلية (لأن هناك منها‬ ‫يف ال�سعودية‪ ،‬مهرجانات �سينمائية حملية‪،‬‬ ‫كما هناك مهرجانات م�رسحية‪ .‬على عك�س‬ ‫ال�صورة ال�شائعة)‪ ،‬كما يف املهرجانات العربية‬ ‫والدولية‪ .‬وهناك من ينال منها اجلوائز‪ .‬ولئن‬ ‫كان الأمر مقت�رصاً حتى �سنوات قليلة على ا�سم‬ ‫واحد معروف خارج اململكة هو ا�سم عبداهلل‬ ‫املحي�سن‪ ،‬ف�إن هناك اليوم �أ�سما ًء عديدة‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الإبداع ال�سينمائي والدارمي ‪375‬‬

‫بدايات راهنة‬

‫طبع ًا ال ميلك �أحد اليوم �إح�صاءات تتعلّق‬ ‫مب�ستوى هذه الأفالم ونوعيتها‪ ،‬ولكن يف‬ ‫�إمكاننا �أن نخ ّمن‪ ،‬على � ّأي حال‪� ،‬أنها من‬ ‫الأفالم الأوروبية والأمريكية الرائجة ومن‬ ‫الأفالم امل�رصية والهندية وما �شاكل ذلك‪ .‬ويف‬ ‫هذا ال�سياق قد يكون �صعب ًا علينا �أن نتخ ّيل‬ ‫وجود ن�سخ م�شابهة من الأفالم ال�سعودية يف‬ ‫مثل هذه املكتبات‪ .‬ومن هنا تواجهنا امل�سرية‬ ‫نف�سها التي �سبق �أن واجهت جمتمعات عربية‬ ‫من قبل‪ :‬حيث تكون ال�سينما املحلية غالب ًا من‬ ‫دون جمهور حملي‪ .‬ولكن يف املقابل نعرف‬ ‫�أن يف جمتمعات عربية مثل لبنان واملغرب‬ ‫وتون�س واجلزائر وحتى �سورية (وال نذكر‬ ‫هنا م�رص لأن م�رص حالة خمتلفة متام ًا)‪،‬‬ ‫كانت ال�سينما املحلية من دون جمهور حملي‬ ‫– وغالب ًا وقف ًا على املهرجانات واملنا�سبات‬ ‫اخلا�صة ‪ ،-‬لكنها عرفت بالتدريج كيف ت�شقّ‬ ‫طريقها �إىل هذا اجلمهور بحيث �أن ثمة �أفالم ًا‬ ‫باتت تر ّد كلفتها من عرو�ضها املحلية‪ ،‬ومن‬ ‫بيع الإ�سطوانات للجمهور املحلي‪.‬‬ ‫ح�س املغامرة الذي‬ ‫ومن هنا نفهم �أن ّ‬ ‫يطبع اليوم بدايات حركة الإنتاج ال�سينمائي‬ ‫ال�سعودي‪ ،‬اخلجولة بعد كل �شيء‪ ،‬لي�س حالة‬ ‫يائ�سة‪ ،‬بل هو �إرها�ص مبا �سوف ي�أتي‬ ‫بالت�أكيد‪ .‬ولع ّل يف �إمكاننا �أن نقول هنا‬ ‫�إن ما �سوف ي�أتي‪ ،‬وخالل زمن قريب‪ ،‬على‬ ‫الأرجح‪� ،‬إمنا �سيكون �أ�شبه بالتتويج مل�سرية‬ ‫رائد �أ�سا�سي من ر ّواد �صنع ال�سينما ال�سعودية‬

‫خجول – وجود �صاالت للأطفال‬ ‫و�أخرى للعائالت‪ .‬هي على � ّأي حال‬ ‫خطوة‪ ،‬ميكن �أن تبد�أ بها رحلة الألف‬ ‫ميل‪ .‬وميكن �أن تكون عار�ضة‪،‬‬ ‫ح�سبما �ست�ؤدي �إليه ال�سجاالت بني‬ ‫معرت�ض على وجود ال�صاالت وم�ؤيد‬ ‫لوجودها‪.‬‬

‫يف ك ّل بيت �سعودي اليوم‪،‬‬ ‫مكتبة �سينمائية كاملة ومتكاملة‪.‬‬ ‫ويحدث كثرياً �أن تعر�ض الأفالم يف‬ ‫البيوت الأ�رسية‪ ،‬يف ح�ضور الأهل‬ ‫والأقارب‪ ،‬مبا ُيف�صح عن اجتماعية‬ ‫نوع جديد و «مبتكر» للعر�ض‬ ‫من ٍ‬ ‫ال�سينمائي‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإبداع‬

‫معروفة‪ ،‬لع ّل �أبرزها – والذي ي�شكّل منذ �سنوات‬ ‫مفاج�أة لكرث – هو ا�سم ال�سينمائية ال�شابة‬ ‫هيفاء املن�صور‪ .‬ولأن هذه الظاهرة – ظاهرة‬ ‫وجود �سينما و�سينمائيني �سعوديني – انك�شفت‬ ‫ب�شكل مباغت منذ �سنوات قليلة‪� ،‬ساد �أول الأمر‬ ‫نوع من التعاطف الإيجابي معها‪ .‬تعاطف‬ ‫كان ي�ؤجل النقد والتحليل ل�صالح نظرة تقول‪:‬‬ ‫فلرنحب الآن ولنتع ّمق الحق ًا!‬ ‫ّ‬ ‫ومع هذا كله ثمة الآن‪ ،‬ومنذ فرتة‬ ‫لي�ست بالق�صرية‪� ،‬سجال حول وجود ال�سينما‬ ‫ال�سعودية �أو عدم وجودها‪.‬‬ ‫واحلقيقة �أن هذا ال�سجال حمقّ ‪ ..‬ولكن �إذا‬ ‫نظرنا �إىل ح�ضور ال�سينما يف جمتمع ما‪ ،‬على‬ ‫�أنه هو هو ح�ضور �صاالت ال�سينما‪ ،‬وطقو�س‬ ‫فن من‬ ‫امل�شاهدة اجلماعية واالجتماعية على ّ‬ ‫الف ّنون‪� ،‬إذا نظرنا بهذه الطريقة ميكن �أن نقول‪:‬‬ ‫�أجل‪ ،‬لي�س ثمة «�سينما» يف ال�سعودية‪� ،‬أو هي‬ ‫مل تبد�أ ح�ضورها الراهن‪ ،‬على �شكل �صاالت‬ ‫عر�ض �إال يف العام ‪ ،2008‬حني بد أ� – ويف‬ ‫�شكل خجول – وجود �صاالت للأطفال و�أخرى‬ ‫للعائالت‪ .‬هي على � ّأي حال خطوة‪ ،‬ميكن �أن تبد�أ‬ ‫بها رحلة الألف ميل‪ .‬وميكن �أن تكون عار�ضة‪،‬‬ ‫ح�سبما �ست�ؤدي �إليه ال�سجاالت بني معرت�ض‬ ‫على وجود ال�صاالت وم�ؤيد لوجودها‪.‬‬ ‫ويف انتظار ما �سوف تف�ضي �إليه هذه‬ ‫ال�سجاالت التي حتت ّد حين ًا وتهد�أ يف حني‬ ‫طرف من الأطراف التي‬ ‫�آخر‪ ،‬ويبدو �أن لك ّل ٍ‬ ‫تخو�ضها حججه‪ ..‬ميكننا �أن نلتفت �إىل ناحية‬ ‫�أخرى من املو�ضوع لنذكّر �أن غياب ال�صاالت‪،‬‬ ‫العامة والتجارية‪ ،‬مل مينع ال�شعب ال�سعودي‪،‬‬ ‫م�ستهلك‬ ‫ومنذ زمن طويل‪ ،‬من �أن يكون �أكرب‬ ‫ٍ‬ ‫للعرو�ض ال�سينمائية يف بلدان ال�رشق الأو�سط‪...‬‬ ‫وهو ترتيب ما كان له �أن يتوافر لوال التقنيات‬ ‫احلديثة ولوال انت�شار الف�ضائيات والقنوات‬ ‫التلفزيونية ال�سينمائية امللتقطة بخا�صة عرب‬ ‫الكابالت والتي تفيدنا دائم ًا �أن ال�سعوديني‬ ‫هم يف مقدمة م�شاهديها‪ .‬فالأ�رسة ال�سعودية‪،‬‬ ‫ومن دون �أن تخ�ضع لهيمنة الفكرة القائلة �إن‬ ‫ال�سينما ت�ساوي وجود �صاالت ال�سينما‪ ،‬ا�ستغلّت‬

‫انت�شار امل�شاهدة عرب �رشائط الفيديو �أو ًال‪ ،‬ثم‬ ‫عرب الإ�سطوانات املدجمة‪ ،‬كي تعي�ش «حالة‬ ‫�سينمائية» نادرة الوجود يف هذه املنطقة من‬ ‫العامل‪ ،‬حيث نعرف �أن يف ك ّل بيت �سعودي‬ ‫اليوم‪ ،‬مكتبة �سينمائية كاملة ومتكاملة‪ .‬و�أنه‬ ‫يحدث كثرياً �أن تعر�ض الأفالم يف البيوت‬ ‫لي�س ثمة «�سينما» يف ال�سعودية‪،‬‬ ‫الأ�رسية‪ ،‬يف ح�ضور الأهل والأقارب‪ ،‬مبا �أو هي مل تبد�أ ح�ضورها الراهن‬ ‫نوع جديد و «مبتكر» على �شكل �صاالت عر�ض �إال يف‬ ‫ُيف�صح عن اجتماعية من ٍ‬ ‫العام ‪ ،2008‬حني بد�أ – ويف �شكل‬ ‫للعر�ض ال�سينمائي‪.‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 376‬للتنمية الثقافية‬

‫هو عبداهلل املحي�سن‪ ،‬الذي بعدما حقّق �أفالم ًا‬ ‫ت�سجيلية �سينمائية الفتة خالل �أكرث من ربع‬ ‫قرن (ومنها خ�صو�ص ًا «اغتيال مدينة»‪ ،‬عني‬ ‫احلرب اللبنانية‪ ،‬و»ال�صدمة» عن غزو الكويت‬ ‫من قبل قوات �صدام ح�سني) �أقدم قبل عامني‬ ‫من الآن على حتقيق �أول فيلم روائي طويل له‬ ‫وهو «ظالل ال�صمت»‪ ،‬الذي عر�ض يف مهرجان‬ ‫«كان» ويف ع ّدة مهرجانات عربية وعاملية‬ ‫�أخرى‪ ،‬ولفت الأنظار ب�شكل �إيجابي‪� .‬صحيح �أن‬ ‫�أحداث الفيلم ال تدور يف ال�سعودية‪ .‬لكنها تدور‬ ‫يف مكان غري م�سمى‪� ،‬أي يف الالمكان‪ ..‬ومعنى‬ ‫ذلك �أنها تدور يف ك ّل مكان‪.‬‬ ‫«ظالل ال�صمت» هو‪ ،‬بالت�أكيد‪ ،‬وعلى الرغم‬ ‫من عمومية جغرافيته‪ ،‬الفيلم ال�سعودي الروائي‬ ‫الطويل الأول‪ ،‬حتى و�إن كانت هناك �أفالم‪،‬‬ ‫حققها فنانون من جن�سيات �أخرى‪ ،‬حاولت‬ ‫مناف�سته على ذلك اللقب‪ ،‬ومنها «كيف حالك»‬ ‫«ظالل ال�صمت» لي�س الفيلم الروائي و»مناحي» وهما من �إنتاج «روتانا» و�ص ّورا‬ ‫الطويل الأول من ال�سعودية حتى الآن‪ ،‬يف دبي ليوحيا �أنهما �سعود ّيا املو�ضوع!‬

‫بل هو الوحيد‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬هناك‬ ‫ع�رشات ال�رشائط الروائية والتحريكية �سجاالت ون�ساء‬ ‫ال�سعودية الق�صرية واملتو�سطة‪ ،‬وهذا‬ ‫�إذا‪ ،‬انطالق ًا من هنا ميكننا �أن نقول �إن‬ ‫ما يفيد ب�أن ثمة طابوراً كام ًال من‬ ‫املبدعني ال�سعوديني هم الآن جاهزون‪« ،‬ظالل ال�صمت» لي�س الفيلم الروائي الطويل‬ ‫الأول من ال�سعودية حتى الآن‪ ،‬بل هو الوحيد‪.‬‬ ‫فني ًا وفكرياً‪ ،‬لتطوير التجربة‪.‬‬

‫ويف املقابل‪ ،‬هناك ع�رشات ال�رشائط الروائية‬ ‫والتحريكية ال�سعودية الق�صرية واملتو�سطة‪،‬‬ ‫والتي �أقل ما ميكن �أن يقال فيها ب�أن ك ًال‬ ‫منها يكاد يكون مقدمة مل�رشوع طويل‪ ،‬وب�أن‬ ‫فيها من التن ّوع يف اللغات ال�سينمائية ويف‬ ‫املوا�ضيع‪ ،‬ما يفيد ب�أن ثمة طابوراً كام ًال‬ ‫من املبدعني ال�سعوديني هم الآن جاهزون‪،‬‬ ‫فني ًا وفكري ًا‪ ،‬لتطوير التجربة ما �إن تتوفّر‬ ‫الر�ساميل التي‪� ،‬إذ جتد نف�سها غارقة يف اللعبة‬ ‫ال�سينمائية‪ ،‬تو ّد فقط �أن تت�أكّد من �أن مغامرتها‬ ‫�سوف لن تكون من دون جدوى‪.‬‬ ‫لقد ذكرنا �أعاله‪ ،‬جتربة هيفاء املن�صور‪،‬‬ ‫التي باتت ذات �سمعة ف ّنية عاملية خالل‬ ‫ال�سنوات الأخرية‪ ،‬وي�شي ما ي�شبه ال�صمت الذي‬ ‫ان�رصفت �إليه يف العامني ال�سابقني‪� ،‬إىل �أنها‬

‫حت�ضرّ مل�رشوع روائي طويل‪ ،‬رمبا �سيكون‬ ‫مفاج�أة كربى لو حتقق‪ .‬نعرف �أن كل فيلم‬ ‫حققته هيفاء حتى الآن كان حدث ًا يف ح ّد ذاته‬ ‫ومثاراً لل�سجال‪ ،‬من «ن�ساء بال ظل» (الذي كان‬ ‫�أول فيلم ت�سجيلي عن املر�أة ال�سعودية حتقّقه‬ ‫مبدعة �سعودية) �إىل «�أنا والآخر» و «من»‬ ‫«والرحيل املر»‪ .‬ولع ّل من الأمور ذات الداللة‬ ‫�أن تقول هيفاء املن�صور مرة‪ ،‬جواب ًا على �س�ؤال‬ ‫�صحفي‪�« :‬أنا‪ ،‬يف عملي‪ ،‬مل تواجهني م�شكالت‬ ‫�أو عوائق باعتباري �أنثى‪ ،‬بل يف مهمتي‬ ‫ك�سينمائية‪ ،‬لأنني مل �أ�ستطع �أن اجد فنيني‬ ‫�سينمائ ّيني متخ�ص�صني‪ ،‬من �أجل العودة �إليهم‪،‬‬ ‫�أول بداياتي مل�ساعدتي كمبتدئة حتاول تل ّم�س‬ ‫طريقها»‪...‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هذا الكالم �سيبدو اليوم بعيدا‪ ..‬جزءا من‬ ‫التاريخ‪� ،‬إذ بني عام ‪ ،2004‬الذي قالته فيه‬ ‫ان‬ ‫هيفاء املن�صور‪ ،‬واليوم‪ ،2008 ،‬حقّق �ش ّب ٌ‬ ‫�سعوديون‪ ،‬هواة دائم ًا لكن بع�ضهم حت ّول‬ ‫بالتدريج �إىل االحرتاف‪ ،‬ع�رشات الأفالم‪.‬‬ ‫وح�سبنا �أن نذكر �أن العام ‪ 2008‬وحده‪� ،‬شهد‬ ‫«زحام ًا» �سينمائي ًا �سعودي ًا‪ ،‬لع ّل املثل الأف�صح‬ ‫عنه‪ ،‬م�شاركة ما ال يق ّل عن �ستة �أفالم متفاوتة‬ ‫الطول يف الدورة الأخرية ملهرجان ابو ظبي‬ ‫ال�سينمائي (�آخر العام ‪ .)2008‬وهذه الأفالم‬ ‫لي�ست متفاوتة الطول فقط‪ ،‬بل �أي�ض ًا متفاوتة‬ ‫املوا�ضيع واحل�سا�سيات ال�سينمائية‪� ،‬إذ ترتاوح‬ ‫بني عمل �إجتماعي م�أخوذ عن حادثة حقيقية‪:‬‬ ‫«مهمة طفل» ملمدوح �سامل‪ ،‬الذي يعترب من‬ ‫�أبرز العاملني من خالل عمله اخلا�ص �أو �رشكة‬ ‫التوزيع والإنتاج التعاونية التي �أ�س�سها («رواد‬ ‫ميديا»)‪� ،‬أو من خالل مهرجان ج ّدة الذي �أ�س�سه‬ ‫كذلك وي�رشف عليه – على نه�ضة ال�سينما‬ ‫ال�سعودية‪ .‬لقد �أتى هذا الفيلم تراجيدي ًا مكثّف‬ ‫الر�ؤيا‪ ،‬يك�شف عن �أن خطوة ممدوح �سامل املقبلة‪،‬‬ ‫ورمبا يف حتقيق �أول روائي طويل له‪ ،‬لن تكون‬ ‫قفزة يف املجهول‪ .‬ترتاوح هذه ال�سينما �إذن بني‬ ‫تراجيدية «مهمة طفل» و�سخرية من�صور بدران‬ ‫الكوميدية يف «عنغليزي» الفيلم الذي ا�ستطاع‬ ‫يف ‪ 7‬دقائق �ساخرة �أن يقول الكثري عن املواقف‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الإبداع ال�سينمائي والدارمي ‪377‬‬

‫التي يواجهها املواطن ال�سعودي الذي بات يجد‬ ‫نف�سه حما�رصاً بالإجنليزية يف ك ّل مكان‪.‬‬

‫حلم‬

‫‪ ...‬و�سينمات البلدان الأغنى والأفقر‬

‫هناك فئتان من البلدان العربية كان‬ ‫ميكن �أن يقال ل�سنوات قليلة خلت �إن �أي ًا‬

‫العام ‪ 2008‬وحده‪� ،‬شهد «زحاماً»‬ ‫�سينمائي ًا �سعودياً‪ ،‬لع ّل املثل الأف�صح‬ ‫عنه‪ ،‬م�شاركة ما ال يق ّل عن �ستة �أفالم‬ ‫متفاوتة الطول يف الدورة الأخرية‬ ‫ملهرجان ابو ظبي ال�سينمائي (�آخر‬ ‫العام ‪.)2008‬‬

‫الإبداع‬

‫ومن تراجيدية ممدوح �سامل‪� ،‬إىل �سخرية‬ ‫من�صور البدران‪ ،‬ننتقل �إىل حركية حممد هالل‪،‬‬ ‫يف فيلم وطني هو «مهمة و�سط البلد» وهو فيلم‬ ‫متو�سط ك�شف عن لغة مم ّيزة وناب�ضة باحلركة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫احلركة �أي�ض ًا‪� ،‬إمنا يف �رشائط م�صورة (حتريك)‬ ‫كان من �أبرزها فيلمان جلا�سم عقيلي‪ ،‬الذي‬ ‫اختار هذه الدرب ويبدو ناجح ًا فيها حتى الآن‪:‬‬ ‫«ما بعد الرماد» و «حلم حياة»‪ .‬وعلى اخلطوات‬ ‫نف�سها‪� ،‬إمنا يف عمل ب�سيط موجه لل�صغار‪ ،‬ي�سري‬ ‫حممد مهدي �آل عبيد يف «مغامرات نحول»‪.‬‬ ‫ونحن �إذا ك ّنا ذكرنا هذه الأ�سماء هنا‪ ،‬ف�إن‬ ‫نو�سع الدائرة ونذكر جمموعة‬ ‫يف و�سعنا �أن ّ‬ ‫«املليونري» و�سينماها التجريبية وفي�صل‬ ‫العتيبي و�أ�سماء عديدة �أخرى‪ .‬بل ونذكر �أي�ض ًا‬ ‫�أن مهرجان اخلليج ال�سينمائي وحده‪� ،‬شهد يف‬ ‫دورته الثانية قبل �شهور قليلة عر�ض ‪ 27‬فيلم ًا‬ ‫�سعودي ًا‪� ،‬أي نحو ن�صف العدد الإجمايل للأفالم‬ ‫اخلليجية التي عر�ضت يف املهرجان‪ .‬فما الذي‬ ‫قد يقوله لنا هذا كله؟‬ ‫يقول لنا ما ميكننا نقله عن �أحد‬ ‫ال�سينمائيني ال�سعوديني ال�شبان‪ ،‬فايز املالكي‪،‬‬ ‫من «�أننا يجب �أن نفر�ض وجودنا ك�سينمائيني‪،‬‬ ‫ف�أر�ض اململكة حافلة باملوهوبني يف هذا‬ ‫املجال‪.»...‬‬ ‫فهل يعني هذا �شيئ ًا �آخر �سوى �أن حلم‬ ‫عبداهلل املحي�سن يتحقّق ولو ب�شكل جزئي‪...‬‬ ‫وعلى الأقل يف انتظار �أن يتحقّق ما حلم به‬ ‫�سعوديون كرث قبل ع�رشات ال�سنني‪ ،‬حني نُقل‬ ‫عن املغفور له م� ّؤ�س�س اململكة عبدالعزيز ابن‬ ‫�سعود‪� ،‬أثر زيارته البحرين‪� ،‬إعجابه بوجود‬ ‫�صاالت �سينمائية فيها؟‬

‫منهما مل يعرف �إنتاج ًا �سينمائي ًا حقيقي ًا‪.‬‬ ‫الفئة الأوىل هي فئة البلدان الأكرث فقراً‪ ،‬من‬ ‫موريتانيا �إىل اليمن وال�سودان‪ .‬والفئة الثانية‬ ‫هي فئة البلدان الأكرث ثراء‪ ،‬ونعني بها حتديداً‪،‬‬ ‫بلدان اخلليج العربي من الكويت �إىل عمان‪،‬‬ ‫ومن البحرين �إىل قطر �إىل الإمارات‪ ،‬ولندع‬ ‫ال�سعودية جانب ًا لأن حكايتها مع ال�سينما‬ ‫حكاية خمتلفة‪ ،‬تناولناها – على � ّأي حال‬ ‫– يف فقرات �سابقة‪ .‬ومع هذا ال �شكّ يف �أن‬ ‫كل بلد من بلدان هاتني الفئتني كانت له‬ ‫«حلظة جمد» �سينمائية ما‪ ،‬حتى و�إن كان‬ ‫من البينّ �أن تلك اللحظات مل تتطابق زمني ًا‪.‬‬ ‫فموريتانيا‪ ،‬على �سبيل املثال‪ ،‬عرفت �أفالم ًا‬ ‫ع ّدة ملخرجني متن ّوعني منذ �سنوات ال�سبعني‬ ‫من القرن الع�رشين‪ ،‬من دون �أن تعرف ما‬ ‫ميكن �أن يعترب �صناعة �سينمائية‪ ...‬وحتى‬ ‫اليوم‪ ،‬مع هذا كلّه‪ ،‬ال يتجاوز عدد الأفالم‬ ‫التي حققها خمرجون موريتانيون الفتون‬ ‫(وعلى الأخ�ص حممد عبيد هندو‪ ،‬وعبدالرحمن‬ ‫�سي�ساكو) دزينة من الأفالم‪ ،‬معظم ما ُحقق‬ ‫منها خالل العامني الأخريين حقق للتلفزة يف‬ ‫�شكل ي�ص ّعب اعتبارها توا�ص ًال مل�سار �سينمائي‬ ‫ما‪� .‬أما ال�سودان‪ ،‬ف�إنه يف احلقيقة مل يعرف‬ ‫من الإنتاج ال�سينمائي يف تاريخه املن�رصم‪،‬‬ ‫باملعنى احلريف للكلمة‪� ،‬سوى فيلم واحد‪،‬‬ ‫روائي طويل‪ ،‬اقتب�س عن واحدة من �أجمل‬ ‫روايات الراحل الطيب �صالح‪« ،‬عر�س الزين»‪.‬‬ ‫غري �أن هذا الفيلم‪� ،‬إذا كان «ال�سوداين» الوحيد‪،‬‬ ‫ف�إنه يف الوقت نف�سه فيلم ينتمي‪� ،‬أكرث‪� ،‬إىل‬ ‫ال�سينما الكويتية‪ ،‬ذلك �أنه كان ثاين فيلم روائي‬ ‫طويل‪ ،‬حقّقه الكويتي خالد ال�صديق يف عام‬ ‫‪ ،1977‬بعد رائعته الأوىل «ب�س يا بحر»‪ ،‬الفيلم‬ ‫الذي جتاوز‪ ،‬حني حقق عام ‪ ،1970‬حمليته‬ ‫الكويتية لي�صبح‪ ،‬يف عرف النقاد والدار�سني‪،‬‬ ‫واحداً من الأفالم امل� ّؤ�س�سة لل�سينما العربية‬ ‫اجلديدة و�أحد الأفالم الأ�سا�سية يف عامل منط‬ ‫جديد من �سينما �أنرثوبولوجية بد�أت بالظهور‬ ‫منذ ذلك احلني‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 378‬للتنمية الثقافية‬

‫ال�سينما الكويتية‬

‫مل يعرف ال�سودان من الإنتاج‬ ‫ال�سينمائي يف تاريخه املن�رصم‪،‬‬ ‫باملعنى احلريف للكلمة‪� ،‬سوى فيلم‬ ‫واحد‪ ،‬روائي طويل‪ ،‬اقتب�س عن‬ ‫واحدة من �أجمل روايات الراحل‬ ‫الطيب �صالح‪« ،‬عر�س الزين»‪.‬‬

‫عقود طويلة ا�ستغرقها �صمت‬ ‫ال�سينما الكويتية‪ .‬ولكن فقط يف عام‬ ‫‪ ،2008‬ظهرت �رشائط كويتية ع ّدة‪ ،‬ومن‬ ‫بينها فيلمان روائيان طويالن‪ ،‬يف‬ ‫مناخ ت�ستعيد فيه احلالة ال�سينمائية‬ ‫ألق يدين بوجوده‬ ‫يف الكويت بع�ض � ٍ‬ ‫�إىل وجود نادي ال�سينما‪.‬‬

‫من ناحية مبدئية‪ ،‬كان من املنطقي‪ ،‬يف‬ ‫بلد فائق الرثاء مثل الكويت‪� ،‬أن يك�شف وجود‬ ‫م�شجعة‬ ‫خالد ال�صديق فيه‪� ،‬إىل جانب بدايات ّ‬ ‫لوجود تلفزيوين حاذق قاده حممد ال�سنعو�سي‪،‬‬ ‫�إمكانية �أن تنطلق ال�صناعة ال�سينمائية يف‬ ‫�شكل جيد وجدي‪ ،‬وتكون م�س�ؤولة عن �إنتاج‬ ‫�أعمال مم ّيزة تنهل من انطالقة الأدب الروائي‬ ‫والق�ص�صي الكويتي (على �أيدي مبدعني‬ ‫يرتاوحون بني ليلى العثمان و�إ�سماعيل فهد‬ ‫�إ�سماعيل و�صو ًال �إىل طالب الرفاعي وغريهم)‪.‬‬ ‫لكن هذا مل يح�صل‪ .‬بل �إن «ب�س يا بحر»‪ ،‬نف�سه‬ ‫�رسعان ما حت ّول �إىل فيلم‪� /‬شبح وفيلم متحفي‬ ‫واختفى خالد ال�صديق يف عامل ال�رشائط‬ ‫الإعالنية‪ ،‬كما �سيحدث �إن مل حت�صل «معجزة‬ ‫�سعودية ما» لعبداهلل املحي�سن‪ ،‬الذي كان‬ ‫الحق ًا وباملعنى نف�سه رائد ال�سينما الروائية‬ ‫ال�سعودية بفيلمه «ظالل ال�صمت»‪.‬‬ ‫عقود طويلة �إذا‪ ،‬ا�ستغرقها �صمت‬ ‫ال�سينما الكويتية‪ .‬ولكن فقط يف عام ‪،2008‬‬ ‫ولأ�سباب وخلفيات قد تظ ّل غام�ضة‪ ،‬ظهرت‬ ‫�رشائط كويتية ع ّدة‪ ،‬ومن بينها فيلمان‬ ‫روائيان طويالن‪ .‬طبع ًا من ال�صعب القول‬ ‫�إن �أي ًا من هذين الفيلمني ميكن اعتباره‬ ‫ا�ستكما ًال مل�سرية «ب�س يا بحر»‪ ،‬لكن الرتحيب‬ ‫بهما منطقي‪ ،‬يف مناخ ت�ستعيد فيه احلالة‬ ‫ألق يدين‬ ‫ال�سينمائية يف الكويت‪ ،‬بع�ض � ٍ‬ ‫بوجوده �إىل وجود نادي ال�سينما‪ ،‬من ناحية‪،‬‬ ‫و�إىل ان�سياق الكويت من ناحية ثانية‪ ،‬متا�شي ًا‬ ‫مع تاريخها ال�سينمائي املجيد‪ ،‬ولو بفيلم‬ ‫واحد‪� ،‬إىل امل�شاركة يف تلك الرئة التي باتت‪،‬‬ ‫منذ عام ‪ ،2008‬تتنف�س ال�سينما اخلليجية يف‬ ‫�شكل عام‪ ،‬من خاللها‪� ،‬أي مهرجان اخلليج‬ ‫ال�سينمائي الذي �أقام دورته الأوىل عام‬ ‫‪ ،2008‬فك�شف عن وجود رغبات �سينمائية‬ ‫كويتية و�سعودية و�إماراتية وبحرينية وغري‬ ‫ذلك‪ .‬هذا املهرجان ال ي�صبح الآن‪ ،‬فقط‪ ،‬رئة‬ ‫ل�سينما الأثرياء الفقرية‪ ،‬بل وعداً بامل�ستقبل‪.‬‬ ‫�أما بالن�سبة �إىل الكويت‪ ،‬ف�إن الفيلمني‬

‫الروائيني والـ‪ 14‬فيلم ًا ق�صرياً التي عر�ضت‬ ‫يف تلك الدورة الأوىل‪ ،‬كانت خال�صة اجلهود‬ ‫ال�سينمائية التي بذلها �ش ّبان كويتيون مبدعون‪.‬‬ ‫�أما �أبرز النتاج الكويتي فكان يف الأونة الأخرية‬ ‫– وهي ت�شمل اختالط ًا يف ال�سنوات بني �إنتاج‬ ‫وعر�ض وم�شاركة يف املهرجان اخلليجي‬ ‫وغريه ‪« -‬الدجنوانة» لفي�صل �شم�س‪ ،‬و «فر�صة‬ ‫�أخرى» حل�سن عبدال‪ ،‬و «كيوت» حل�سن �إبراهيم‪،‬‬ ‫ومن كتابة و�إنتاج �أحمد بدر‪ ،‬الذي كان خا�ض‬ ‫من قبل جتربة �أوىل يف «�شباب كول» الذي حقّق‬ ‫جناح ًا الفت ًا‪� ،‬إ�ضافة �إىل «�سنوات ال�ضياع»‬ ‫وجمموعة من �أعمال �أخرى‪ ،‬من بينها الفيلم‬ ‫الوطني «عندما تكلّم ال�شعب» لعامر زهري‪.‬‬ ‫�إن ذلك كلّه‪ ،‬و�إن كان ميثّل قفزة كمية‪ ،‬ف�إنه‬ ‫ال يزال يف حاجة �إىل اال�ستمرارية والنوعية كي‬ ‫ي�ؤمن �إرث ًا حقيقي ًا لل�سينما الكويتية التي كانت‬ ‫واعدة ذات يوم‪.‬‬

‫ال�سينما البحرينية‬

‫ما يقال يف هذا ال�سياق �سينما الكويت‬ ‫و�إرثها‪ ،‬ميكن �أن يقال يف البحرين‪ ...‬و�إن‬ ‫كانت التجربة البحرينية قد ت�أخرت ع�رشين‬ ‫عام ًا عن الكويتية‪ ،‬وال �سيما يف �إنتاج ب�سام‬ ‫الذوادي‪ ،‬الذي � ّأمن وحده‪ ،‬وطوال عقد ون�صف‬ ‫عقد من ال�سنني‪ ،‬وجوداً م�رشف ًا لل�سينما ن�سبي ًا‬ ‫يف هذا البلد ال�صغري‪ ،‬الذي �سيظ ّل يده�شنا‬ ‫منه �أن نه�ضته الأدبية العريقة والتي �أنتجت‬ ‫�شعراً و�أدب ًا وفكراً تعترب من �أ�سا�سيات احلياة‬ ‫الثقافية يف اخلليج وامل�رشق العربي منذ ن�صف‬ ‫قرن‪ ،‬عجز‪ ،‬حتى جميء الذوادي‪ ،‬عن رفد هذه‬ ‫النه�ضة الأدبية بنه�ضة �سينمائية‪ ،‬على الرغم‬ ‫من وجود نقّاد وهواة وم�ؤلفني لكتب �سينمائية‬ ‫رائدة (�أعمال �أمني �صالح على �سبيل املثال)‪.‬‬ ‫املهم �أن الذوادي حقق عدداً من الأفالم‪،‬‬ ‫طوال �سنوات‪ ،‬حتى �أ�سلم العلم يف عام ‪،2008‬‬ ‫�إىل ثالثة خمرجني �ش ّبان حقّق �أولهم‪ ،‬ح�سن‬ ‫عبا�س‪ ،‬فيلم ًا روائي ًا طوي ًال الفت ًا هو «�أربع‬ ‫بنات»‪ ،‬فيما حقق االثنان الآخران‪ ،‬ح�سني‬ ‫الرفاعي وحممود را�شد بوعلي‪ ،‬فيلم ًا ق�صرياً‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الإبداع ال�سينمائي والدارمي ‪379‬‬

‫لك ّل واحد منهما‪« :‬ع�شاء» للأول و «غياب»‬ ‫للثاين‪ .‬وبالن�سبة �إىل ه�ؤالء �أي�ض ًا‪ ،‬ال ب ّد من‬ ‫القول �إن مهرجان اخلليج‪ ،‬يف دورته الأوىل‬ ‫على الأقل‪ ،‬كان رئة تنف�س حقيقية‪ ،‬و�سط غياب‬ ‫فر�ص حقيقية للعرو�ض اجلماهريية التجارية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وال مباالة عامة لدى التلفزات العربية بعر�ض‬ ‫هذا النوع من الأفالم‪.‬‬

‫�سينما الإمارات وقطر وعمان‬

‫البحرين هذا البلد ال�صغري‪ ،‬الذي‬ ‫�ستظ ّل تده�شنا نه�ضته الأدبية‬ ‫العريقة‪ ،‬والتي �أنتجت �شعراً و�أدب ًا‬ ‫وفكراً تعترب من �أ�سا�سيات احلياة‬ ‫الثقافية يف اخلليج وامل�رشق العربي‬ ‫منذ ن�صف قرن‪ ،‬عجز‪ ،‬حتى جميء‬ ‫الذوادي‪ ،‬عن رفد هذه النه�ضة‬ ‫الأدبية بنه�ضة �سينمائية‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :2008 :‬عام من حياة الدراما‬ ‫التلفزيونية‬

‫يقول املثل الفرن�سي «ال يغيرّ املرء فريق ًا‬ ‫يربح»‪ .‬واملعنى وا�ضح‪ ،‬بحيث من ال�صعب‬ ‫حدوث � ّأي عملية تغيري حني يكون النجاح‬ ‫حم�صلة اجلهد‪ .‬و�إذا كان من غري املنطقي البحث‬ ‫عن � ّأي تغريات حقيقية يف امل�سار الدرامي على‬ ‫�شا�شات التلفزة العربية‪ ،‬جتعل عام ‪،2008‬‬ ‫متميزاً عن العام الذي �سبقه‪� ،‬أو مغايراً له‪ ،‬ف�إن‬ ‫ما ميكن قوله للوهلة الأوىل هو �أن ال�سبب يعود‬ ‫�إىل «عدم �رضورة» �أحداث � ّأي تغيري يقلّ�ص من‬ ‫فر�ص النجاحات الدرامية التلفزيونية العربية‪،‬‬ ‫ب�شكل عام‪ ،‬التي حتققت يف املو�سم ال�سابق‪.‬‬ ‫ولكن يبقى هنا �س�ؤال �أ�سا�س‪ :‬ما هو مقيا�س‬ ‫النجاح؟ كيف نقول �إن هذا الربنامج ناجح‬ ‫وذاك فا�شل‪ ،‬كثرياً �أو قلي ًال؟ بل كيف ميكننا �أن‬ ‫نحكم على حمطّ ة ب�أ�رسها ما �إذا كانت ناجحة‬ ‫�أو خا�رسة؟ �س�ؤاالن منطقيان‪ ،‬لكنهما يف‬ ‫الف�ضاء العربي ال يرتبطان ب�أي منطق‪ .‬ولع ّل‬ ‫املحنة االقت�صادية الكربى التي �أتت �أوا�سط‬ ‫عام ‪ 2008‬لت�رضب العامل كله – تقريب ًا –‬ ‫كانت خري جتربة يف هذا املجال‪ .‬فمن ناحية‬ ‫منطقية‪ ،‬ومبا �أنه من املعروف �أن املحطّ ات‬ ‫العربية الأكرث جناح ًا‪ ،‬هي تلك التي تقوم‬ ‫على �أ�س�س جتارية وترتبط بال�سوق الإعالنية‬ ‫املرتبطة بدورها بالإقبال اجلماهريي على‬

‫ميكن لإمارتني من الإمارات‬ ‫العربية امل ّتحدة‪ ،‬وهما �أبو ظبي‬ ‫ودبي‪� ،‬أن تفخرا خالل ال�سنوات‬ ‫الأخرية ب�أن لدى ك ّل منهما واحداً‬ ‫من �أغنى و�أ�صخب املهرجانات‬ ‫ال�سينمائية يف العامل‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإبداع‬

‫طبع ًا ميكن لإمارتني من الإمارات العربية‬ ‫امل ّتحدة‪ ،‬وهما �أبو ظبي ودبي‪� ،‬أن تفخرا خالل‬ ‫ال�سنوات الأخرية ب�أن لدى ك ّل منهما واحداً من‬ ‫�أغنى و�أ�صخب املهرجانات ال�سينمائية يف‬ ‫العامل‪ ،‬من دون �أن يفوتنا هنا حجم التناف�س‬ ‫بني املهرجانني اللذين ينفق على كل واحد‬ ‫منهما‪ ،‬ما يوازي موازنة ع�رشات الأفالم‬ ‫اجليدة‪ ،‬ملبدعني نا�شئني‪.‬‬ ‫غري �أن الالفت هو ا�ستمرار هذه الإمارات‬ ‫يف حال الفقر الكبري يف �إنتاج الأفالم‪ ،‬بحيث مل‬ ‫�سجل طوال عام ‪ 2008‬كله �سوى �إنتاج �رشائط‬ ‫ُي ّ‬ ‫ق�صرية قليلة العدد‪ ،‬و�إن كان بع�ضها ُيع ّد‬ ‫جيداً‪� .‬أما العمالن الأكرث ظهوراً‪ ،‬فكانا فيلم ًا‬ ‫متو�سط ًا لنا�رص اليعقوبي هو «�شيخ اجلبل»‪،‬‬ ‫وفيلم ًا روائي ًا طوي ًال هو «رمال عربية» ملاجد‬ ‫عبدالرزاق‪.‬‬ ‫يف املقابل مل نعرف من قطر �سوى فيلم‬ ‫واحد طوال العام هو «كارناكاغو»‪ ،‬فيما ال‬ ‫تزال ُعمان تعي�ش على «�أجماد» الروائي الطويل‬ ‫الوحيد الذي حقّق قبل ثالث �سنوات «اليوم»‬ ‫خلالد الزرجايل‪ ،‬وترت ّدد من دون خو�ض مزي ٍد‬ ‫من التجارب‪.‬‬ ‫وك ّل هذا‪ ،‬على الرغم من �أن يف و�سعنا �أن‬ ‫نقول �إن �أر�ض هذه البلدان وتاريخها‪ ،‬وال �سيما‬ ‫تاريخ �إن�سانها‪ ،‬ناهيك مب�سار فنونها و�آدابها‬ ‫الأخرى‪ ،‬تبدو حافلة مبا ي�ؤمن موا�ضيع‬ ‫أفالم من الوا�ضح �أن ثمة‬ ‫و�أ�ساليب لتحقيق � ٍ‬ ‫ع�رشات ال�ش ّبان من حم ّبي ال�سينما جاهزون‬ ‫خلو�ض مغامراتها‪.‬‬

‫ف�إىل متى تبقى الوعود وعوداً؟‬ ‫هذا هو ال�س�ؤال الكبري الذي‪� ،‬إذ يطرح على‬ ‫ال�سينما اخلليجية ينبغي �أي�ض ًا �أن يطرح على‬ ‫اليمن‪ ،‬بلد الألف تاريخ وتاريخ‪ ،‬والذي ال يزال‬ ‫يعي�ش على ذكريات جناح «يوم جديد يف‬ ‫�صنعاء القدمية» لبدر بن احلر�سي �أو �رشائط‬ ‫خديجة ال�سالمي ذات البعد االجتماعي‪� .‬أو‬ ‫حتى على ال�سودان الذي على الرغم من فقره‬ ‫وم�شاكله ا�ستطاع �أن يحقق عام ‪ 2008‬فيلم ًا‬ ‫روائي ًا طوي ًال مل�صطفى �إبراهيم حممد‪ ،‬عنوانه‬ ‫«تراب الغرباء» كمنت م�شكلته يف �أنه مل ي�شاهد‬ ‫تقريب ًا من �أحد!‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 380‬للتنمية الثقافية‬

‫املحطة‪ ،‬وبا�ستهالكية هذه اجلماهري التي ت ّربر‬ ‫تدفّق الإعالنات‪ ،‬وبالتايل الأموال‪ ،‬لتمويلها‬ ‫ب�شكل عادي‪ ،‬كان من املتوقّع‪ ،‬على �ضوء‬ ‫احلدث املايل – االقت�صادي الكبري يف عام‬ ‫‪� ،2008‬أن تقفل حمطات كثرية �أبوابها‪ ،‬و�أن‬ ‫تقلّ�ص �أخرى نفقاتها‪ ،‬مبا يف ذلك نفقات �رشاء‬ ‫�أو �إنتاج برامج درامية‪ ،‬كل الذي حدث كان‬ ‫عك�س هذا متام ًا‪� .‬إذ من بني نحو ‪ 500‬حمطّ ة‬ ‫تبث براجمها يف اجتاه امل�شاهدين‬ ‫متن ّوعة ّ‬ ‫العرب‪ ،‬حتى و�إن مل تكن تنتج من �أ�صلهم معظم‬ ‫براجمها‪ ،‬مل يغلق �أبوابه �سوى ما ن�سبته �أقل من‬ ‫واحد من املئة‪� .‬أما الإقبال على �رشاء و�إنتاج‬ ‫الربامج الدرامية فلم يتقلّ�ص‪ .‬و�إذا قال قائل‬ ‫هنا �إن عام ‪ 2008‬نف�سه ما كان ميكنه �أن يكون‬ ‫عالمة وا�ضحة‪ ،‬لأن عقود �أعماله كانت توقع‬ ‫يف العام الذي �سبقه‪� ،‬أو خالل الن�صف الأول‬ ‫من العام‪ ،‬ف�إن اجلواب �سي�أتي على �ضوء عدم‬ ‫لي�س عر�ض امل�سـل�سالت الأجنبية ت�ضا�ؤل عقود وم�شاريع املو�سم التايل ‪.2009‬‬ ‫املدبجـلة �أمـراً جـديـداً بالن�سـبـة �إلـى واحلقيقة �أننا �إذا بحثنا جيداً‪� ،‬سنجد �أنف�سنا يف‬ ‫املتفرجني العرب‪ ،‬لكن العن�رص الرتكي و�ضعية معاك�سة متام ًا لكل منطق‪ .‬فهل يعود‬ ‫هو اجلديد هنا‪.‬‬ ‫هذا �إىل واقع �أن املنطق التجاري‪ /‬الإعالين‪/‬‬ ‫اال�ستهالكي لي�س هو املتحكّم الرئي�س يف‬ ‫حرك ّية الإنتاج وال�رشاء والعر�ض‪ ،‬بل عوامل‬ ‫�أخرى قد تكون �أيديولوجية �أو �شخ�صية �أو �أي‬ ‫�شيء �آخر؟‬ ‫جواب هذا ال�س�ؤال لي�س هنا‪ ،‬بل هو يف‬ ‫الق�سم املتعلّق بحركية الإعالم العربي يف هذه‬ ‫التقارير ال�شاملة‪� .‬أما هنا ف�إن الهم يجب �أن‬ ‫يرتكّز فقط‪ ،‬على حركية الدراما التلفزيونية‪،‬‬ ‫�إنتاج ًا وعر�ض ًا وم�شاهدة وت�أثرياً‪ .‬ويف هذا‬ ‫الإطار ميكن �أن نقول منذ الآن �إن اجلديد لي�س‬ ‫كثرياً وطاغي ًا‪ ،‬من دون �أن يعني هذا �أنه غري‬ ‫موجود‪ .‬بل هو موجود ويف �أ�شكال عديدة‪ ،‬لع ّل‬ ‫�أولها‪ ،‬انبثاق الدراما الرتكية امل�سل�سلة‪ ،‬كواحدة‬ ‫من الظواهر الأكرث ح�ضوراً‪ ..‬وكظاهرة «عربية»‬ ‫عامة ال تخت�رص ببلد عربي دون غريه‪ ،‬وال‬ ‫يخت�رص متابعتها‪ ،‬جلمهور عربي دون غريه‪.‬‬ ‫يف احلقيقة لي�س عر�ض امل�سل�سالت‬ ‫الأجنبية املدبجلة �أمراً جديداً بالن�سبة �إىل‬

‫املتفرجني العرب‪ ،‬لكن العن�رص الرتكي هو‬ ‫اجلديد هنا‪ .‬ولقد كانت �شبكة �أم‪ .‬بي‪� .‬سي‬ ‫ال�س ّباقة يف هذا املجال‪� .‬إذ عر�ضت تباع ًا‬ ‫م�سل�سلني �رسعان ما �صارا ظاهرة عربية‬ ‫عامة‪ ،‬لي�س يف مو�ضوعيهما فقط‪ ،‬ولي�س يف‬ ‫�شكلهما الف ّني – واملو�ضوع وال�شكل ميكن �أن‬ ‫نقول عنهما �إنهما �أتيا بائ�سني مقارن ًة باملعدل‬ ‫لفن الدراما ال�سورية وامل�رصية ‪ .-‬بل‬ ‫الو�سط ّ‬ ‫كذلك يف ت�أثريهما ثم يف‪ ...‬احلمالت التي �شُ ّنت‬ ‫عليهما‪ .‬ونتح ّدث هنا طبع ًا عن م�سل�سلي «نور»‬ ‫و»�سنوات ال�ضياع»‪ ،‬اللذين تراوح ر ّد الفعل‬ ‫�إزاءهما بني �شجب وتنديد – �سيا�س ّيني ا ّتخذا‬ ‫قناع ًا �أخالقي ًا وديني ًا ‪ ،-‬من ناحية‪ ،‬و�إعجاب‬ ‫�شديد و�صل �إىل ح ّد ال�رشوخ الأ�رسية وما �شابه‪.‬‬ ‫ولع ّل يف �إمكاننا‪ ،‬هنا‪� ،‬أن نعزو ك ّل هذا �إىل ع ّدة‬ ‫عنا�رص جمتمعة‪ ،‬يف مقدمتها �أن الإقبال على‬ ‫امل�سل�سلني ارتبط بال�رصاع اجليوا�سرتاتيجي‬ ‫بني من يتطلّعون ناحية �إيران (امل ّمانعة‪،‬‬ ‫على ح ّد قولها) و�أولئك الذين يتطلّعون ناحية‬ ‫تركيا (التي متيل فنونها و�أخالقياتها ناحية‬ ‫الغرب الأوروبي)‪ ،‬وهناك �أي�ض ًا‪ ،‬يف ال�سياق‬ ‫نف�سه عنا�رص فنية (منها مت ّيز لعبة الدوبالج)‬ ‫واجتماعية (ي�صور امل�سل�سالن جمتمع ًا‬ ‫�إ�سالمي ًا منفتح ًا على العامل‪� .‬أي جمتمع ًا‬ ‫تتوقف الطبقات الو�سطى العربية ب�شكل عام‬ ‫�إىل التماهي معه) و�أ�سلوبية (لغة فنية ب�سيطة‪،‬‬ ‫موا�ضيع ميلودرامية‪ ،‬وجوه ك�أنها طالعة‬ ‫من ال�رشق العربي‪ ...‬وحبكات تذكر بالع�رص‬ ‫الذهبي للميلودراما ال�سينمائية امل�رصية)‪.‬‬ ‫واحلال �أن هذا كله جعل امل�سل�سالت الرتكية‪،‬‬ ‫الظاهرة الأ�سا�س يف العام التلفزيوين الدرامي‬ ‫العربي‪ .‬كذلك قد يكون علينا هنا �أن ن�ضيف‬ ‫�إىل هذا كلّه واقع ًا مل يج ِر احلديث عنه مبا‬ ‫ي�ستحق‪ :‬وهو �أن معظم امل�سل�سالت الرتكية التي‬ ‫عر�ضت من على ال�شا�شات ال�صغرية العربية‪ ،‬مت‬ ‫عر�ضها خارج �إطار �شهر رم�ضان‪ ،‬الذي ميتلئ‬ ‫عاد ًة بامل�سل�سالت العربية‪ ،‬غري تارك من �إنتاج‬ ‫العام‪ ،‬لل�شهور الأخرى من ال�سنة �سوى الفتات‬ ‫الي�سري‪ ..‬وهذا ما � ّأمن للم�سل�سالت الرتكية �إقبا ًال‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الإبداع ال�سينمائي والدارمي ‪381‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإبداع‬

‫ما‪ ..‬خارج الإطار الرم�ضاين‪.‬‬ ‫ويقودنا هذا الواقع‪ ،‬طبع ًا‪� ،‬إىل امل�س�ألة‬ ‫الأ�سا�س التي تثري القدر الأكرب من النقا�ش يف‬ ‫عامل الدراما التلفزيونية العربية‪ ،‬وهي م�س�ألة‬ ‫انح�صار عرو�ضها يف �شهر رم�ضان‪ .‬ونعرف‬ ‫�أن حرباً كثرياً ي�سيل منذ �سنوات عديدة حول‬ ‫هذا املو�ضوع‪� ،‬إذ بات معروف ًا منذ �سنوات‪� ،‬أن‬ ‫معظم ما ي�ص ّور من دراما تلفزيونية عربية‪،‬‬ ‫�إمنا ي�ص ّور ليعر�ض يف رم�ضان‪ ،‬وهو من �أجل‬ ‫ذلك يراعي املعايري الرم�ضانية‪ ،‬التي باتت‪،‬‬ ‫تلفزيوني ًا‪ ،‬ثابتة �إىل ح ّد مده�ش‪ ،‬ويقا�س‬ ‫بامل�سطرة‪ :‬عدد حمدد من الربامج الدينية‪،‬‬ ‫عدد �آخر من الربامج االجتماعية‪ ،‬م�سل�سالت‬ ‫يبث بعد الفطور‬ ‫تاريخية و�أخرى كوميدية‪ .‬هذا ّ‬ ‫مبا�رشة‪ ،‬وهذا عند منت�صف الليل وذاك قبل‬ ‫ال�سحور‪ .‬ومن البديهي �أن هذا كلّه ال يرتك � ّأي‬ ‫جمال ملفاج�أة‪ ،‬مبا يجعل اللعبة الفنية تتبع‬ ‫متام ًا هذه املعايري االجتماعية – الدينية‪.‬‬ ‫ولع ّل من �ش�أن هذا �أن يقودنا مبا�رش ًة �إىل لعبة‬ ‫الإح�صاءات التي باتت ت�شكّل �شغ ًال �شاغ ًال‬ ‫لل�صحافة املخت�صة‪ ،‬وت�سلي عن قرائها‪ ،‬من‬ ‫دون �أن يكون يف �إمكان �أحد �أن ي�ؤكّد �صحة‬ ‫الإح�صاءات‪ ،‬بحيث نعرف �أن املعايري والأقي�سة‬ ‫ال�صحيحة غري موجودة‪ ،‬فيما يظ ّل ك ّل �إح�صاء‪،‬‬ ‫�أمراً ع�شوائي ًا‪ .‬ومع هذا نغامر هنا‪ ،‬ملنا�سبة هذا‬ ‫احلديث عن امل�سل�سالت الرم�ضانية‪ ،‬با�ستعارة‬ ‫بع�ض الإح�صائيات الرم�ضانية التي تناولها‬ ‫بع�ض ال�صحافة‪ ،‬ومن �أبرز هذه الإح�صائيات‬ ‫ذاك الذي ر�صد (جملة «غودنيوز» امل�رصية)‬ ‫حال الدراما العربية كما عر�ضت خالل �شهر‬ ‫رم�ضان ‪ ،2008‬نذكر �أن جمموع الأعمال التي‬ ‫عر�ضت طوال ال�شهر الف�ضيل على القنوات‬ ‫بث يف �ش ّتى املناطق‬ ‫الرئي�سية (�أي التي ُت ّ‬ ‫العربية و�إىل املتفرجني العرب يف اخلارج) بلغ‬ ‫‪ 104‬م�سل�سالت‪ ،‬منها ما هو م�رصي و�سوري‬ ‫وخليجي ولبناين وبدوي (من دون حتديد)‪.‬‬ ‫ومن املعروف �أن جمموعة ما ُيعر�ض من‬ ‫م�سل�سالت يف رم�ضان‪ ،‬يق ّل طبع ًا عن جمموع‬ ‫ما ُينتج‪� .‬أما الباقي الذي ال يدخل هنا يف هذه‬

‫الإح�صائية‪ ،‬ف�إنه يغيب عن رم�ضان‪ ،‬فقط‪ ،‬لأنه‬ ‫مل يكن من حظّ ه �أن يعر�ض يف �شهر ال�صيام‪.‬‬ ‫مهما يكن ف�إن الإح�صائية نف�سها �أفادت‬ ‫�أن ‪ %42‬من جممل ما عر�ض هو م�سل�سالت‬ ‫م�رصية‪ ،‬وهذا ما جعل م�رص تتفوق هذا العام‪،‬‬ ‫ومن بعيد‪ ،‬على �أخواتها العربيات‪.‬‬ ‫�أما يف املركز الثاين فحلّت الدراما‬ ‫اخلليجية (بن�سبة ‪ )%28‬تليها ال�سورية (بن�سبة‬ ‫‪ )%22‬ثم البدوية (بن�سبة ‪ )%8‬و�أخرياً اللبنانية‬ ‫(بن�سبة ال تزيد عن ‪ .)%2‬ومن الوا�ضح �أن هذا‬ ‫الإح�صاء ال يتناول درامات �أنتجت يف بلدان‬ ‫املغرب العربي لأنها ظلّت حملية مل تعرف‬ ‫طريقها �إىل العر�ض العربي ال�شامل) وال تلك‬ ‫التي �أنتجت يف فل�سطني �أو العراق �أو الأردن‪...‬‬ ‫وهي جميع ًا بقيت حملية على �أي حال‪ ،‬ومل‬ ‫تكن كبرية العدد‪.‬‬ ‫غري �أن الواقع يقول لنا‪ ،‬يف املقابل‪� ،‬إن‬ ‫هذا التوزيع الن�سبي‪ ،‬ال يك�شف ك ّل الأمور التي‬ ‫خالل �شهر رم�ضان يف العام‬ ‫ميكن التوقف عندها‪ ،‬ومنها مث ًال �أن الدرامات‬ ‫‪ 2008‬بلغ جمموع الأعمال الدرام ّية‬ ‫التلفزيونية امل�رصية‪ ،‬على الرغم من تق ّدم التي عر�ضت على القنوات الرئي�سية‬ ‫�إنتاجها العددي ورواجها يف مناطق كثرية من ‪ 104‬م�سل�سالت ‪ %42‬منها م�رصي‪،‬‬ ‫�أما الدراما اخلليجية فن�سبتها ‪%28‬‬ ‫العامل العربي‪ ،‬مل تعد ذات حظوة كلية يف بلدان‬ ‫اخلليج‪ ،‬حني تفيد الإح�صاءات �أن القنوات تليها ال�سورية ‪ %22‬واللبنانية ‪.%2‬‬ ‫اخلليجية مل تعر�ض خالل رم�ضان املن�رصم‪،‬‬ ‫ومن �أ�صل ع�رشات امل�سل�سالت التي �أنتجت يف‬ ‫م�رص �سوى �ستة �أو �سبعة م�سل�سالت م�رصية‪،‬‬ ‫فيما اكتفت قناة �أبو ظبي‪ ،‬مث ًال‪ ،‬بعر�ض‪� ،‬أربعة‬ ‫م�سل�سالت م�رصية‪� ،‬ضاربة «الرقم القيا�سي»‬ ‫مقارن ًة مع قناة «الر�أي» الكويتية التي عر�ضت‬ ‫م�سل�سلني‪ ،‬فيما مل تعر�ض ك ّل من ‪ MBC‬ودبي‬ ‫وقطر وروتانا اخلليجية‪� ،‬سوى م�سل�سل م�رصي‬ ‫واحد لك ّل منها‪ .‬واحلق �أننا مهما كان موقفنا‬ ‫من هذا الأمر‪ ،‬ال ب ّد �أن نقول �إنه يف التحليل‬ ‫الأخري‪� ،‬أمر عادل‪� ،‬إذ يف املقابل مل تعر�ض‬ ‫م�رص �أي م�سل�سل خليجي �أو عربي �آخر طوال‬ ‫املو�سم الرم�ضاين‪ .‬وهو �أمر طرح جمدداً م�س�ألة‬ ‫الندية» يف العالقات التلفزيونية‪ ،‬وهي امل�س�ألة‬ ‫املطروحة نف�سها على ال�صعيد ال�سينمائي‪.‬‬ ‫لك ّنها مل تكن الق�ضية اجلدية الوحيدة املطروحة‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 382‬للتنمية الثقافية‬

‫تفيد الإح�صاءات �أن القنوات‬ ‫اخلليجية مل تعر�ض خالل رم�ضان‬ ‫املنـ�صـرم‪ ،‬ومـن �أ�صـل عـ�شـرات‬ ‫امل�سل�سالت التي �أنتجت يف م�رص �سوى‬ ‫�ستة �أو �سبعة م�سل�سالت م�رصية‪ ،‬وهو‬ ‫�أمر عادل‪� ،‬إذ يف املقابل مل تعر�ض‬ ‫م�رص �أي م�سل�سل خليجي �أو عربي �آخر‬ ‫طوال املو�سم الرم�ضاين‪.‬‬

‫تر�سخت �أكرث و�أكرث‬ ‫الظاهرة التي ّ‬ ‫هذا العام‪ ،‬كانت ظاهرة م�شاركة‬ ‫فنانني عرب من بلد ما‪ ،‬يف �أعمال‬ ‫منتجة يف بلد �آخر‪ .‬واحلقيقة �أن م�رص‪،‬‬ ‫التي تو�سم عادة ب�أنها «�شوفينية» يف‬ ‫هذا املجال‪ ،‬احتلّت الرقم واحد‪ ،‬كد�أبها‬ ‫دائماً‪ ،‬يف �سلم البلدان العربية التي‬ ‫ت�ستقبل برتحاب مبدعني من بلدان‬ ‫عربية �أخرى‪.‬‬

‫وللمرة‬ ‫يف هذا الإطار‪� ،‬إذ برزت هذا العام‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الأوىل على مثل هذه اجلدية واخلطورة‪ ،‬م�س�ألة‬ ‫حتكّم املجتمع يف ما يعر�ض وما ال يعر�ض‪،‬‬ ‫وذلك من خالل عدد ال ب�أ�س به من الأحداث‪،‬‬ ‫كان �أبرزها ال�سجال احلاد الذي دار من حول‬ ‫امل�سل�سالت الرتكية‪ ،‬ف�إن �أخطرها م�س�ألة املنع‬ ‫الذي طاول عر�ض م�سل�سلني بدويني هما‬ ‫«�سعدون العواجي» و «فنجان الدم» (الذي قيل‬ ‫�إن عر�ضه ت� ّأجل ومل مينع قطع ًا)‪ ..‬ذلك �أن اخلطر‬ ‫يف الأمر هو �أن املنع مل ي�أت لأ�سباب �سيا�سية‬ ‫�أو دينية‪ ،‬بل حتت �ضغط قبلي واجتماعي‪،‬‬ ‫ما يه ّدد ب�أن يحيي «تقاليد» منع قدمية كان‬ ‫�أبطالها �أهل املهن‪� ،‬أو العائالت �أو �أ�رس مبدعني‬ ‫�أو �سيا�سيني �شاءت التلفزة �أن تق ّدم �سريهم (من‬ ‫احتجوا يف املا�ضي على فيلم‬ ‫املحامني الذين ّ‬ ‫«الأفوكاتو» لر�أفت امليهي‪� ،‬إىل �أهل �أ�سمهان‬ ‫احتجوا على م�سل�سل يحمل ا�سمها‪...‬‬ ‫الذين‬ ‫ّ‬ ‫�إلخ)‪.‬‬ ‫ولع ّل يف �إمكاننا‪ ،‬هنا‪� ،‬أن نختم هذا‬ ‫الكالم العربي العام حول الدراما التلفزيونية‪،‬‬ ‫تر�سخت‬ ‫بالإ�شارة‪� ،‬إىل �أن الظاهرة التي ّ‬ ‫�أكرث و�أكرث هذا العام‪ ،‬كانت ظاهرة م�شاركة‬ ‫فنانني عرب من بلد ما‪ ،‬يف �أعمال منتجة يف‬ ‫بلد �آخر‪ .‬واحلقيقة �أن م�رص‪ ،‬التي تو�سم عادة‬ ‫ب�أنها «�شوفينية» يف هذا املجال‪ ،‬احتلّت الرقم‬ ‫واحد‪ ،‬كد�أبها دائم ًا‪ ،‬يف �سلم البلدان العربية‬ ‫التي ت�ستقبل برتحاب مبدعني من بلدان‬ ‫عربية �أخرى‪ :‬وال �سيما من �سورية (مبن فيهم‬ ‫خمرجون وجنوم كبار) ومن لبنان (خ�صو�ص ًا‬ ‫على �صعيد اال�ستعانة بعنا�رص متثيل ن�سائية)‪.‬‬ ‫�صحيح �أن هذه الظاهرة مل تكن جديدة يف‬ ‫تر�سخها جعل م�رص عالمة‬ ‫مو�سم ‪ ،2008‬لكن ّ‬ ‫فارقة يف هذا الإطار‪.‬‬

‫الإنتاج الدرامي يف م�رص‬

‫من بني نحو ‪ 150‬م�سل�س ًال �أنتجت يف العامل‬ ‫العربي ب�شكل �إجمايل‪ ،‬خالل عام ‪ ،2008‬كانت‬ ‫ح�صة م�رص ‪ 49‬م�سل�س ًال‪ ،‬ي�صعب اعتبارها‬ ‫جميع ًا م�سل�سالت «م�رصية» خال�صة‪� ،‬سواء‬

‫�أكان ذلك من ناحية التمويل (الذي �شاركت فيه‬ ‫�أطراف عربية عديدة منها �رشكات خليجية)‬ ‫�أو اللعبة الفنية (حيث كرث امل�شاركون العرب‬ ‫كمنتجني وخمرجني وممثلني)‪ ..‬وحتى من‬ ‫حيث املوا�ضيع ودالالتها‪ .‬غري �أن هذا «الدم‬ ‫اجلديد» الذي جرى – �أو املفرو�ض �أن يكون قد‬ ‫جرى – يف �رشايني الدراما امل�رصية‪ ،‬مل يتمكّن‬ ‫من �إخفاء الدروب امل�سدودة التي باتت تعيق‬ ‫�أي تق ّدم للدراما امل�رصية ب�شكل عام‪� .‬إذ ينبغي‬ ‫�أو ًال التن ّبه �إىل �أن اجلديد مل يكن جديداً حق ًا‬ ‫بحيث حت�رس النا�س كثرياً على �أيام «ليايل‬‫أعمال كان ي�ؤمل منها �أن‬ ‫احللمية» وغريها من � ٍ‬ ‫تق ّدم جديداً ‪ ،-‬ومل يفد ال�شا�شة ال�صغرية كثرياً‪،‬‬ ‫�إذ حتى �أن الفنانني �أنف�سهم وجدوا �أنف�سهم يف‬ ‫يكرروا‪ ،‬يف‬ ‫ّ‬ ‫فخ �صارم‪� :‬أن املطلوب منهم هو �أن ّ‬ ‫موا�ضيع م�شابهة‪ ،‬نف�س ما كان و�سم عملهم يف‬ ‫موا�سم �سابقة‪ ،‬ما يعيدنا �إىل العبارة التي بها‬ ‫افتتحنا هذا الكالم‪« :‬ال يغيرّ �أحد فريق ًا يربح»‪.‬‬ ‫ولكن �إىل متى �سيظ ّل هذا «الفريق» يربح‪،‬‬ ‫م�ستعين ًا مبا �سبق �أن �أك�سبه يف موا�سم �سابقة؟‬ ‫ف�س�ؤال جوابه عند اجلمهور نف�سه‪ ،‬الذي يبدو‬ ‫�أنه ا�ست�ساغ اللعبة‪ ،‬وعدم املغامرة بالبحث‬ ‫�ضخ الدم‬ ‫عن جديد‪ .‬ولع ّل الالفت هنا هو �أن ّ‬ ‫اجلديد‪ ،‬مل ي�شمل بعد ح ّيز «الأدوار» يف الدراما‬ ‫امل�رصية‪ ،‬حيث كثرياً ما نالحظ وجود املمثلني‬ ‫�أنف�سهم يف م�سل�سالت عديدة يف مو�سم واحد‪.‬‬ ‫ويف هذا ال�صدد يلفت الإح�صاء الذي يفيد �أن‬ ‫املمثلني الأكرث انت�شاراً يف الدراما امل�رصية‬ ‫لعام ‪ ،2008‬كانوا خريية �أحمد ويو�سف فوزي‬ ‫و�أحمد راتب‪ ،‬الذين �شارك ك ّل واحد منهم يف ‪6‬‬ ‫م�سل�سالت! وتالهم �أحمد خليل وحممود اجلندي‬ ‫ورجاء اجلداوي الذين ح�رض ك ّل واحد منهم يف‬ ‫‪ 5‬م�سل�سالت ثم �صالح عبداهلل وعزت �أبو عوف‪،‬‬ ‫يف ‪ 4‬م�سل�سالت لك ّل واحد‪� .‬أما �إذا كان النجوم‬ ‫الكبار‪ ،‬من �أمثال ي�رسا ويحيى الفخراين و�سمرية‬ ‫�أحمد‪ ،‬قد اكتفى ك ّل منهم مب�سل�سل واحد‪ ،‬ف�إن‬ ‫النجمة مريفت �أمني �شذّت عن القاعدة لتظهر‬ ‫يف م�سل�سلني يف مو�سم واحد‪ .‬ومع هذا كله‬ ‫ف�إن النجمة الأبرز يف امل�سل�سالت امل�رصية‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الإبداع ال�سينمائي والدارمي ‪383‬‬

‫�سورية‪ :‬تراجع الكم‪ ..‬م�ؤقت ًا‬

‫منذ �سنوات عديدة حتت ّل �سورية‪ ،‬من‬ ‫ناحية الإنتاج الدرامي التلفزيوين‪ ،‬املرتبة‬ ‫الثانية بعد الإنتاج امل�رصي‪ .‬وللإن�صاف يتذكّر‬ ‫املرء �سنوات وموا�سم‪ ،‬كان ق�صب ال�سباق فيها‬ ‫للإبداع التلفزيوين ال�سوري‪ ،‬يف تف ّوقه على‬ ‫زميله امل�رصي‪ ،‬بحيث قيل حينها �إن ال�سوريني‬ ‫قد �أيقظوا زمالءهم امل�رصيني من �سبات‬ ‫تلفزيوين عميق‪ .‬واحلقيقة �أننا �إذا �أخذنا يف عني‬ ‫ي�ضخه‬ ‫االعتبار اليوم ذلك الدم اجلديد الذي‬ ‫ّ‬ ‫الفنانون ال�سوريون يف �رشايني الفن امل�رصي‬ ‫(من دون م ّنة طبع ًا‪ ،‬طاملا �أن ال�ساحة امل�رصية‬ ‫تعطي املبدعني ال�سوريني – وبع�ض اللبنانيني‬ ‫�أي�ض ًا – ف�سحة �إبداع وحرية متكّنهم من �إبراز‬ ‫ما عندهم)‪ ،‬ميكننا �أن ن�ؤكّد �أن معني الإبداع‬ ‫الفني ال�سوري التلفزيوين مل ين�ضب‪ ،‬بل ها هو‬ ‫يجد لنف�سه �أقنية جديدة‪ ،‬لي�ست القناة امل�رصية‬ ‫�أقلها �أهمية بالطبع‪ .‬غري �أن هذا مل مينع �سوريا‬ ‫من �إنتاج بع�ض �أجمل الأعمال العربية لهذا‬ ‫العام ‪ ،2008‬على الرغم من غياب جندت �أنزور‬ ‫وبا�سل اخلطيب وتراجع هيثم حقي‪ ،‬وغريهم‪.‬‬ ‫ومهما يكن من �أمر‪ ،‬ال ميكن الإقالل من �ش�أن‬ ‫حجم الإنتاج ال�سوري لهذا العام‪ ،‬والذي �أنتجت‬ ‫فيه �سوريا ‪ 22‬م�سل�س ًال ُعر�ض كثري منها على‬ ‫قنوات عربية ف�ضائية ولكن لي�س على القنوات‬ ‫امل�رصية! وهنا‪ ،‬من �أجل مزيد من االن�صاف‪،‬‬ ‫قد يكون مفيداً �أن ننقل عن ا�ستبيان ‪ -‬ي ّت�سم‬ ‫بقدر كبري من العلمية كما يخيل �إلينا – �أجرته‬ ‫�صحيفة «الثورة» ال�سورية (‪� )2008/11/12‬أن‬ ‫نحو ‪ 71‬يف املئة من الذين �س�ألتهم ال�صحيفة‬ ‫ع ّما �إذا كانوا قد �شاهدوا م�سل�سالت غري �سورية‪،‬‬ ‫خالل رم�ضان ‪ ،2008‬قالوا �إنهم مل ي�شاهدوا‬ ‫�سوى امل�سل�سالت ال�سورية‪ .‬كما �أن �أكرث من ربع‬ ‫الذين ُ�سئلوا �أ�شاروا �إىل �أنهم �شاهدوا امل�سل�سالت‬ ‫الرم�ضانية على الف�ضائية ال�سورية فقط‪.‬‬ ‫ويف هذا اال�ستبيان نف�سه‪� ،‬أجاب ه�ؤالء عن �أ�سئلة‬ ‫عديدة تتعلق بر�أيهم يف �أف�ضل ما �شاهدوا‪ ،‬على‬ ‫ال�شكل التايل‪ :‬من بني الـ‪ 22‬م�سل�س ًال �سوري ًا‬

‫«�أ�سمهان» كان العمل التلفزيوين‬ ‫العربي الأبرز خالل عام ‪ .2008‬فقد‬ ‫لفت الأنظار فنياً‪ ،‬وبدا وك�أنه يفتح‬ ‫الأبواب وا�سع ًة �أمام منط جديد من‬ ‫الكتـابـة والإخـراج التـلفزيـونيـّيـن‪،‬‬ ‫علم ًا ب�أنه ق ّدم �أي�ض ًا منوذج ًا يحتذى‬ ‫يف التعاون الدرامي العربي‪.‬‬

‫الإبداع‬

‫ملو�سم ‪ ،2008‬مل تكن �أي ًا من ه�ؤالء‪ ،‬بل كانت‬ ‫الف ّنانة ال�سورية �سالف فواخرجي‪ ،‬التي قامت‬ ‫بطولة م�سل�سل «�أ�سمهان» من �إخراج التون�سي‬ ‫�شوقي املاجري‪ ،‬وكفاية املخرج ال�سينمائي‬ ‫ال�سوري املعروف نبيل املالح‪� .‬صحيح �أن‬ ‫«�أ�سمهان» ال ميكن احت�سابه كلي ًا يف خانة‬ ‫الدراما امل�رصية‪ ،‬لكنه ينتمي جزئي ًا �إليها‪.‬‬ ‫اي حال‪ ،‬كان العمل التلفزيوين‬ ‫وهو على ّ‬ ‫العربي الأبرز خالل عام ‪ .2008‬ولع ّل – يف‬ ‫جميع احل�سابات – امل�سل�سل العربي الوحيد‪،‬‬ ‫الذي لفت الأنظار فني ًا‪ ،‬وبدا وك�أنه يفتح‬ ‫الأبواب وا�سع ًة �أمام منط جديد من الكتابة‬ ‫والإخراج التلفزيون ّيني‪ ،‬بل حتى التمثيل‬ ‫�أي�ض ًا‪ ،‬علم ًا ب�أنه ق ّدم �أي�ض ًا منوذج ًا يحتذى يف‬ ‫التعاون الدرامي العربي‪� ،‬إذ �شارك يف �صبغه‬ ‫ف ّنانون وف ّنيون ومنتجون من ثالثة �أو �أربعة‬ ‫بلدان عربية‪ .‬وطبع ًا لي�س من ال�سهل هنا و�ضع‬ ‫الئحة كاملة بامل�سل�سالت امل�رصية‪ ،‬ولكن‬ ‫ميكن الإ�شارة مع هذا‪� ،‬إىل �أبرز الأعمال التي‬ ‫حظيت بالعر�ض والنجاح‪ ،‬ومنها «الدايل» يف‬ ‫جزئه اجلديد من بطولة نور ال�رشيف كالعادة‪،‬‬ ‫و»�رشف فتح الباب» و»ن�سيم الروح» و»ظ ّل‬ ‫املحارب» و»علي مبارك» و»راجل و�ست‬ ‫�ستات»‪ ...‬ونعرف �أن بع�ض هذه الأعمال �إمنا‬ ‫هو ا�ستكمال لأعمال كانت �أجزاء �أخرى منها‬ ‫ق ّدمت يف املوا�سم الفائتة‪� .‬أما يف جمال العمل‬ ‫ال�سيا�سي‪ ،‬فلقد مت ّيز م�سل�سل «نا�رص» الذي‬ ‫�أخرجه ال�سوري‪ /‬الفل�سطيني با�سل اخلطيب‪،‬‬ ‫حتى و�إن مل يكن قد ا�ستقبل عربي ًا كما كان‬ ‫يليق به‪ .‬واحلال �أن �شكوى «نا�رص» هذه‬ ‫تتماثل مع �شكوى «�أ�سمهان» امل�سل�سل املميز‪،‬‬ ‫الذي ا�شتغل �ض ّده � ّرس غام�ض‪ ،‬جعله يعر�ض‬ ‫– خالل رم�ضان – يف بع�ض املحطات‬ ‫الثانوية العربية‪ ،‬مع �أنه لو عر�ض يف حمطات‬ ‫رئي�سية لكان من �ش�أنه �أن يفعل فعل م�سل�سل‬ ‫«�أم كلثوم» الذي قبل �سنوات‪� ،‬أحدث قلبة �أكيدة‬ ‫يف العمل الدرامي العربي‪ .‬ترى هل كان م�صري‬ ‫«�أ�سمهان» و»نا�رص» على هذا النحو‪ ،‬لأنهما‬ ‫خرجا عن امل�ألوف بعربية اجتاههما و�أفقدهما‬

‫حملية داعمة ما؟ ل�سنا ندري‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 384‬للتنمية الثقافية‬

‫عن ا�ستبيان �أجرته �صحيفة‬ ‫«الثورة» ال�سورية �أن نحو ‪ 71‬يف املئة‬ ‫من الذين �س�ألتهم ال�صحيفة ع ّما �إذا‬ ‫كانوا قد �شاهدوا م�سل�سالت غري‬ ‫�سورية خالل رم�ضان ‪ ،2008‬قالوا‬ ‫�إنهم مل ي�شاهدوا �سوى امل�سل�سالت‬ ‫ال�سورية‪.‬‬

‫التي عر�ضت‪ ،‬ح ّل جزء هذا العام من «باب‬ ‫احلارة» يف املرتبة الأوىل يليه ك ّل من «اخلط‬ ‫الأحمر» و «�أهل الراية»‪� .‬أما �أف�ضل ممثّل فكان‬ ‫�سامر امل�رصي (يف «باب احلارة»)‪ ،‬بينما حلّت‬ ‫الفنانة كاري�س ب�شار يف املرتبة الأوىل بني‬ ‫الن�ساء‪ .‬وهنا قد يكون من املفيد �أن نذكّر �أن‬ ‫ا�ستبيان ًا �آخر �أجرته «�سرييا نيوز» يف الوقت‬ ‫نف�سه �أعطى الأولوية لأهل الراية كم�سل�سل‪،‬‬ ‫ولك ّل من وائل �رشف و�صباح اجلزائري‬ ‫كممثلني‪ ،‬وب�سام املال كمخرج يليه عالء الدين‬ ‫كوك�ش عن «�أهل الراية»‪ّ � .‬أما الالفت ب�شكل �أكرث‬ ‫ج ّدية يف ا�ستبيان الآراء يف �صحيفة «الثورة»‬ ‫تكرر �أكرث من غريه قائ ًال‬ ‫فكان الر�أي الذي ّ‬ ‫�إن «امل�سل�سالت جاءت مملّة مت�شابهة كثيفة‬ ‫ال ميكن متابعة �إال القليل منها‪ ،‬و�إنها كانت‪،‬‬ ‫ب�شكل عام للت�سلية ومت�ضية الوقت‪ .‬وكان من‬ ‫ال�صعب �إيجاد م�سل�سل يحمل م�ضمون ًا هام ًا‬ ‫�أو ر�سالة �سامية»‪ .‬ويف املقابل �أجمع الذين‬ ‫�س�ألتهم ال�صحيفة على �أن «�أعمالنا �أف�ضل من‬ ‫امل�سل�سالت الرتكية املدبلجة لأنها تدور حول‬ ‫ق�ص�ص ذات مغزى و�أقرب �إىل الواقع»‪.‬‬

‫عودة لبنانية و‪ ...‬لكن‬ ‫مع بداية الفورة الف�ضائية‬ ‫العـربية‪ ،‬وفـي وقــت راحـت فـيـه‬ ‫امل�سل�سالت االجتماعية العربية ت�أخذ‬ ‫مكان ال�سينما يف حياة الطبقات‬ ‫الو�سطى واجلماهري العربية ب�شكل‬ ‫عام‪ ،‬خبا نور امل�سل�سالت اللبنانية‪،‬‬ ‫و�صار ما ُيحقق‪ ،‬على قلته‪ ،‬يف‬ ‫لبنان غري قادر على الو�صول �إىل‬ ‫املتفرجني العرب‪.‬‬

‫قبل فورة امل�سل�سالت ال�سورية واخلليجية‬ ‫بزمن طويل‪� ،‬أي ح ّتى يف الزمن ال�سابق لظهور‬ ‫الف�ضائيات كان لبنان ُيعترب‪ ،‬بعد م�رص‪،‬‬ ‫املنتج الرئي�س للم�سل�سالت التلفزيونية التي‬ ‫ُتعر�ض على ال�شا�شات ال�صغرية اللبنانية‬ ‫والعربية الأخرى‪ .‬والالفت �أن هذا الإنتاج‬ ‫الكبري واملتن ّوع (والذي كان يخلط ما هو‬ ‫بلهجة لبنانية مبا هو ف�صيح �أو بدوي حتى)‪،‬‬ ‫كان ي�ص ّور من لبنان‪ ،‬ولكن اي�ض ًا خارج لبنان‬ ‫بطاقات فنية لبنانية و�إن مل يكن دائم ًا ب�إنتاج‬ ‫لبناين‪ .‬وحتى يف ع ّز احتدام احلرب الأهلية‬ ‫اللبنانية ظ ّل الإنتاج قائم ًا وراحت امل�سل�سالت‬ ‫«اللبنانية» ت�ص ّور يف اليونان �أو الأردن‪� ،‬أو‬ ‫حتى يف دبي وغريها‪ .‬لكن املده�ش هو �أنه مع‬ ‫بداية الفورة الف�ضائية العربية‪ ،‬ويف وقت راحت‬ ‫فيه امل�سل�سالت االجتماعية العربية ت�أخذ مكان‬

‫ال�سينما يف حياة الطبقات الو�سطى واجلماهري‬ ‫العربية ب�شكل عام‪ ،‬خبا نور امل�سل�سالت‬ ‫اللبنانية‪ ،‬و�صار ما يحقق‪ ،‬على قلته‪ ،‬يف لبنان‬ ‫غري قادر على الو�صول �إىل املتفرجني العرب‪.‬‬ ‫ولرمبا يكون يف و�سعنا �أن نربط امل�س�ألة بع�ض‬ ‫ال�شيء‪ ،‬من ناحية ببدايات ظهور امل�سل�سالت‬ ‫ال�سورية‪ ،‬ومن ناحية �أخرى با�ستعادة م�رص‬ ‫مركز القيادة يف احلركة الثقافية والف ّنية‬ ‫العربية‪ .‬فهل ن�ضيف �إىل هذا �أنه‪ ،‬حتى و�إن‬ ‫كانت عجلة الإنتاج املحلي يف لبنان ظلّت‬ ‫تدور وال تتوقف‪ ،‬ف�إن ما �صار ينتج‪ ،‬بات‬ ‫املتفرج اللبناين‬ ‫عاجزاً حتى عن الو�صول �إىل‬ ‫ّ‬ ‫الذي راحت حمطاته تتكاثر ولكن‪ ،‬يف الوقت‬ ‫نف�سه‪ ،‬يزداد اعتمادها على امل�سل�سالت العربية‬ ‫غري اللبنانية‪ .‬ترى هل يف الإمكان ر�سم �صورة‬ ‫دقيقة لل�سبب يف هذا كله؟‬ ‫رمبا‪ ..‬ولكن امله ّم يف الأمر‪ ،‬هو �أن لبنان‬ ‫�صار‪ ،‬وب�شكل �شبه كلي غائب ًا عن �ساحة‬ ‫املناف�سة التي راحت حتتدم بني امل�سل�سالت‬ ‫ال�سورية وامل�رصية‪ ،‬لين�ضاف �إليها الإنتاج‬ ‫اخلليجي الحق ًا‪� .‬أما يف الداخل اللّبناين‪ ،‬وكما‬ ‫قلنا‪ ،‬ف�إن انتاج ًا معين ًا‪ ،‬ظل موجوداً‪ ،‬وظلت له‪،‬‬ ‫من الناحية ال�شكل ّية على الأقل‪� ،‬سمات الإنتاج‬ ‫املنوع‪ ،‬فهناك الكوميديات والدراما ورمبا‬ ‫التاريخي �أي�ض ًا‪ ،‬غري �أن م�شاكل عديدة ظلّت‬ ‫تعرت�ض �سبيل خروج هذه الأعمال �إىل رحاب‬ ‫الأ�سواق العربية‪ ،‬لع ّل �أولها امل�ستوى الفكري‬ ‫وتالقي الأعمال مع دينامية املجتمعات التي‬ ‫�أرادت �أن تعرب عنها‪ .‬فاحلال �أنه ح�سب املراقب‬ ‫�أن ير�صد احلياة اللبنانية من ك ّل نواحيها‬ ‫ويف ت�شعباتها كافة‪ ،‬ويقارنها بامل�سل�سالت‬ ‫املنتجة‪ ،‬ليجد �أن ال عالقة بني االثنتني‪،‬‬ ‫وهو �أمر مل يعد م�ست�ساغ ًا متام ًا من قبل‬ ‫متفرجني عرب �صارت مرجعيتهم التلفزيونية‬ ‫مليئة ب�أعمال م�رصية �أو �سورية‪ ،‬تبدو �أكرث‬ ‫موهبة بكثري و�أكرث تعبرياً عن جمتمعاتها‬ ‫(مثل «ليايل احللمية» �أو «�أم كلثوم»‪« ،‬خان‬ ‫احلرير» �أو حتى م�سل�سالت جندت �أنزور وبا�سل‬ ‫اخلطيب التاريخية ذات القدرة على الإ�سقاط‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الإبداع ال�سينمائي والدارمي ‪385‬‬

‫من ال�سعودية �إىل االزدهار اخلليجي‬

‫ل�سنوات قليلة خلت كانت هذه اخلارطة‬ ‫الدرامية التلفزيونية العربية ال تعرف �شيئ ًا‬ ‫ا�سمه �إنتاج خليجي‪ .‬فامل�رسح اخلليجي الذي‬ ‫كان على ازدهار منذ عقود‪ ،‬مل يكن قد عرف‬ ‫نتاج‬ ‫بعد كيف يتح ّول ب�إبداعه ومبدعيه �إىل ٍ‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإبداع‬

‫املعا�رص‪.)..‬‬ ‫من هنا‪� ،‬إذا كان مو�سم ‪ 2008‬قد �شهد‬ ‫يف لبنان‪ ،‬بح�سب الإح�صاءات الأكرث �صدقية‪،‬‬ ‫�إنتاج ما ال يق ّل عن ‪ 22‬م�سل�س ًال‪ ،‬ف�إن ما جنح‬ ‫ي�صح‬ ‫من هذه الأعمال �ضئيل العدد وقد ال‬ ‫ّ‬ ‫�أحيان ًا ح�سبانه بني امل�سل�سالت اللبنانية‬ ‫(كحال م�سل�سل «جربان» الذي هو‪� ،‬أو ًال و�أخرياً‪،‬‬ ‫�إنتاج �سوري‪ ،‬بتمثيل لبناين‪ ،‬جزئي ًا)‪ ..‬طبع ًا لن‬ ‫يفيد يف �شيء و�ضع الئحة ب�أ�سماء امل�سل�سالت‬ ‫املنتجة يف لبنان‪� ،‬إذا ما ا�ستثنينا بع�ض‬ ‫«فلتان ال�شوط» مثل «ع�رص احلرمي» (وهو‬ ‫�سل�سلة)‪ ،‬و «بني بريوت ودبي» و «مالح يا‬ ‫بحر»‪ ،‬ومع هذا ف�إن اجلودة‪ ،‬التقنية على الأقل‪،‬‬ ‫لبع�ض هذه الأعمال يف ن�رشها عربي ًا‪ ،‬ما‬ ‫يدفع �إىل الت�سا�ؤل‪ :‬كيف العمل لإعادة الإنتاج‬ ‫الدرامي اللبناين �إىل ال�ساحة العربية؟ وتبدو‬ ‫�أهمية هذا الت�سا�ؤل مزدوجة �إذ نحن تذكّرنا‬ ‫�أن ثمة طاقات لبنانية متع ّددة ومتن ّوعة‬ ‫تفر�ض ح�ضورها يف ال�ساحة الدرامية ولكن‬ ‫دائم ًا من خالل نتاجات م�رصية‪� ،‬أو �سورية‪.‬‬ ‫ومن امل�ؤكد �أن الإجابة على هذا ال�س�ؤال باتت‬ ‫ملحة‪ ،‬يف وقت ي�ستعيد فيه لبنان بع�ض �أدواره‬ ‫ّ‬ ‫وتتح�سن‬ ‫العربية‪ ،‬ويف وقت يزداد فيه عدد –‬ ‫ّ‬ ‫نوعية – املبدعني الذين يبحثون عن فر�ص‪.‬‬ ‫فهل يكون االزدهار الكمي (‪ 22‬م�سل�س ًال يف عام‬ ‫واحد‪ ،‬ما ي�ساوي رقمي ًا الإنتاج ال�سوري يف‬ ‫يحرك �أموا ًال وم�ستثمرين‪،‬‬ ‫العام نف�سه) حافزاً ّ‬ ‫ويحرك �أي�ض ًا مبدعني‪ ،‬وال �سيما كتاب ًا يعرفون‬ ‫ّ‬ ‫حق ًا ما الذي يجب �أن ُيكتب حتى يحوز على‬ ‫�رشعية عربية عامة‪ ،‬فت�صبح املنتوجات‬ ‫الدرامية التلفزيونية اللّبنانية جزءاً من‬ ‫اخلارطة العربية؟‬

‫تلفزيوين‪ .‬وح ّتى �إذا كانت املحطّ ات والقنوات‬ ‫اخلليجية كثرية ومزدهرة‪ ،‬وغن ّية �أي�ض ًا‪ ،‬ف�إن‬ ‫من املنطقي القول �إنها كانت تكتفي دائم ًا‬ ‫ب�رشاء وعر�ض ما ينتج‪ ،‬يف لبنان �أو ًال‪ ،‬ثم يف‬ ‫م�رص و�سورية بعد ذلك‪ .‬غري �أنه كان ال ب ّد يف‬ ‫النهاية من �أن يحدث ما كان يجب �أن يحدث‪:‬‬ ‫فج�أة وب�شكل غري متوقّع‪ ،‬حتولّت بع�ض بلدان‬ ‫اخلليج لت�صبح منتجة للم�سل�سالت‪،‬لكن من‬ ‫دون ان تكون هذه الأخرية مع ّدة لال�ستهالك‬ ‫يف البلدان اخلليجية نف�سها ووحدها‪ ،‬بل �صار‬ ‫ح�ضور هذه البلدان وامتداداتها قائ ًما يف �أ�سواق‬ ‫�أخرى‪� .‬صحيح �أن الإنتاج اخلليجي‪ ،‬ال ميكنه �أن‬ ‫يكون – حتى الآن على الأقل – مناف�س ًا جدي ًا‬ ‫للم�سل�سالت امل�رصية �أو ال�سورية‪ ،‬لكن ح�ضوره‬ ‫�إىل جانب هذه وتلك �صار ملحوظ ًا‪ .‬ولع ّل عام‬ ‫‪ 2008‬ميثّل عام ذروة يف هذا املجال‪ ،‬بحيث‬ ‫ن�ستعيد هنا‪ ،‬ذلك الإح�صاء الذي ذكرناه �أول‬ ‫هذا التقرير‪ ،‬عن كون امل�سل�سالت اخلليجية‪،‬‬ ‫ثمة طاقات لبنانية متع ّددة‬ ‫وب�شكل عام‪ ،‬حلّت يف املرتبة الثانية عام‬ ‫ومتنوعة تفر�ض ح�ضورها يف‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،2008‬من ناحية عدد ما عر�ض منها‪ ،‬بعد ال�ساحة الدرامية ولكن دائم ًا من‬ ‫امل�سل�سالت امل�رصية‪ ،‬ولكن قبل ال�سورية‪ ،‬على خالل نتاجات م�رصية �أو �سورية‪.‬‬ ‫م�ستوى ال�شا�شات العربية ككلّ‪ .‬واحلقيقة �أنه �إذا‬ ‫قال قائل هنا �إن العدد الأكرب من �إنتاج الدول‬ ‫اخلليجية مبا فيها ال�سعودية‪� ،‬إمنا عر�ض على‬ ‫الف�ضائيات اخلليجية‪ ،‬مثل �أم‪ .‬بي‪� .‬سي‪ .‬وروتانا‬ ‫و�إي‪� .‬آر‪ .‬تي‪ .‬ودبي‪� ...‬إلخ‪ ،‬ف�إن اجلواب هو �أن‬ ‫هذه املحطات ال ت ّت�سم فقط بطابع خليجي‪ ،‬بل‬ ‫هي حمطات عربية عامة �أي�ض ًا‪ .‬ولع ّل يف ذكر‬ ‫عدد امل�سل�سالت اخلليجية املنتجة يف مو�سم‬ ‫‪ ،2008‬ما ي�ضفي ف�صاحة وا�ضحة على هذا‬ ‫كله‪ ،‬ذلك �أن هذا الإنتاج بح�سب بع�ض امل�صادر‬ ‫جتاوز الـ‪ 46‬م�سل�س ًال‪ .‬و�إذا كان للكويت العدد‬ ‫الأكرب منها‪ ،‬ف�إن لل�سعودية �إ�سهامات فيها‬ ‫جميع ًا‪ ...‬ومن هنا كان على حق ذلك التقرير‬ ‫ال�صحفي الذي ن�رشته جريدة «احلياة»‬ ‫(‪ )2008-12-31‬من ج ّدة وجاء فيه‪ :‬ي�ستذكر‬ ‫العاملون يف الدراما ال�سعودية عام ‪2008‬‬ ‫باخلري‪ ،‬فهو عام الإجنازات واال�ستحقاقات‬ ‫الأول‪� ،‬سواء لناحية الأعمال املنتجة �أم لن�سب‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 386‬للتنمية الثقافية‬

‫لع ّل عام ‪ 2008‬ميثّل عام ذروة‬ ‫كون امل�سل�سالت اخلليجية‪ ،‬وب�شكل‬ ‫عام‪ ،‬حلّت يف املرتبة الثانية عام‬ ‫‪ ،2008‬من ناحية عدد ما عر�ض منها‪،‬‬ ‫بعد امل�سل�سالت امل�رصية‪ ،‬ولكن قبل‬ ‫ال�سورية‪ ،‬على م�ستوى ال�شا�شات‬ ‫العربية ككلّ‪.‬‬

‫�إن ما «ال جتر�ؤ» على فعله �أقالم‬ ‫وم�سل�سالت و�أنواع �أخرى من الفنون‬ ‫العربية‪ ،‬وهو بالتحديد الإ�شارة �إىل‬ ‫تناق�ضات تنتج غالب ًا عن دخول‬ ‫احلداثة اال�ستهالكية املعوملة من‬ ‫دون متهيد لذلك‪� ،‬إن هذا الذي ال‬ ‫جتر�ؤ �أعما ٌل فنية – وغري فنية – غري‬ ‫خليجية على الدنو منه كثرياً‪ ،‬وجد‬ ‫ي�صوره‬ ‫يف الأعمال اخلليجية من‬ ‫ّ‬ ‫بلغة انتقادية حادة‪.‬‬

‫امل�شاهدة املرتفعة التي �ستفتح الباب وا�سع ًا‬ ‫�أمام تط ّور الإنتاج الدرامي يف امل�ستقبل»‪.‬‬ ‫والطريف �أن هذا التقرير‪� ،‬إذ يتح ّدث عن «احلدث‬ ‫الفتي الأبرز يف ال�سعودية للعام ‪ »2008‬يذكر‬ ‫م�سل�سل «طا�ش ما طا�ش» انطالق ًا من غيابه‬ ‫يف هذا املو�سم‪ ،‬ولي�س انطالق ًا من ح�ضور‬ ‫له‪ ،‬ويقول يف هذا ال�صدد‪ :‬لع ّل غياب م�سل�سل‬ ‫«طا�ش ما طا�ش» عن �شا�شة هذا العام بعد‬ ‫ح�ضور دام ‪� 16‬سنة ي�شكّل احلدث الف ّني الأبرز‬ ‫يف ال�سعودية بعد �أن اختار بطال امل�سل�سل‬ ‫نا�رص الق�صيبي وعبداهلل ال�سدحان �أن ي�سرتيحا‬ ‫من «طا�ش» ويق ّدما م�سل�سل «كلنا عيال‬ ‫قرية» الذي مل ي�ستطع‪ ،‬يف ر�أي كاتب التقرير‪،‬‬ ‫�أن ي�صمد يف وجه م�سل�سل «بيني وبينك»‬ ‫للثالثي ال�شهري را�شد ال�شعراين وفايز املالكي‬ ‫وح�سني الع�سريي الذين ب ّدلوا دفة امل�شاهدة‬ ‫مل�صلحتهم بعد احتكار دام عقداً ون�صف العقد‬ ‫مل�صلحة الق�صيبي وال�سدحان»‪ .‬وكاتب هذا‬ ‫�سجل‬ ‫التقرير نف�سه يذكر هنا �أنه «طوال العام ّ‬ ‫املمثلون املنتجون ال�سعوديون ح�ضوراً الفت ًا‬ ‫على ال�شا�شات العربية‪ ،‬من خالل �أكرث من ‪45‬‬ ‫م�سل�س ًال كان للكوميديا منها الن�صيب الأوفر‪،‬‬ ‫حمققني �إيرادات كبرية»‪ .‬وما يلفت النظر –‬ ‫دائم ًا بح�سب هذا التقرير‪ ،‬هو ح�ضور ممثالت‬ ‫وم�شاركتهن بقوة يف �أعمال درامية‬ ‫�سعوديات‬ ‫ّ‬ ‫وكوميدية‪ ،‬بعدما كان احل ّل يف ال�سابق اللجوء‬ ‫�إىل ممثالت من دول خليجية �أخرى‪...‬‬ ‫ولع ّل يف �إمكاننا �أن ن�شري هنا �إىل �أن‬ ‫الـ‪ 45‬م�سل�س ًال املذكورة يف التقرير‪ ،‬لي�ست‬ ‫جممل الإنتاج ال�سعودي للمو�سم الذي نتحدث‬ ‫عنه‪ ،‬هي بالأحرى جممل الإنتاج اخلليجي‬ ‫ملو�سم ‪ 2008‬كما �سرنى‪� .‬أما بالن�سبة �إىل‬ ‫ال�سعودية‪ ،‬ف�إن من ال�صعب جداً‪ ،‬خارج �إطار‬ ‫ثالثة �أو �أربعة �أعمال‪ ،‬حتديد ما �إذا كان العمل‬ ‫�سعودي ًا خال�ص ًا‪� ،‬أو خليجي ًا م�شرتك ًا‪ ،‬علم ًا ب�أن‬ ‫الإعالم اعتاد �أن يتحدث عن ك ّل هذه الأعمال‬ ‫حتت م�سمى «دراما خليجية»‪ .‬لكن هذا ال مينع‬ ‫�سجل جناحات �إ�ضافية‬ ‫القول �إن عام ‪ 2008‬قد ّ‬ ‫للفنانني اخلليجيني‪ ،‬بحيث ح�صل املمثل‬

‫عبدالعزيز احلماد على جائزة الإبداع الذهبية‬ ‫يف مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون‬ ‫عن م�سل�سل �إذاعي‪ ،‬وحاز م�سل�سل «�صباحة»‬ ‫للمخرج عامر احلمود على جائزة �أف�ضل خمرج‬ ‫و�أف�ضل م�سل�سل‪ ،‬فيما فازت الكاتبة ال�سعودية‬ ‫ليلى الهاليل بجائزة �أف�ضل كتابة تلفزيونية‬ ‫وكرم ملتقى املنتجني العرب املمثلني عبداهلل‬ ‫ّ‬ ‫ال�سدحان ونا�رص الق�صيبي‪ .‬فيما ت ّوج املمثل‬ ‫فايز املالكي جنم العام يف ال�سعودية بف�ضل‬ ‫�شخ�صيته يف م�سل�سل – ثم فيلم – «مناحي»‪.‬‬ ‫�أما كيفية تو ّزع الإنتاج اخلليجي‪ ،‬مبا فيه‬ ‫ال�سعودي للعام ‪ 2008‬فكانت كما يلي‪:‬‬ ‫جممل الإنتاج (‪ 45‬م�سل�س ً‬ ‫ال) منها بني ‪6‬‬ ‫و‪� 8‬سعودية‪ ،‬و‪ 3‬م�سل�سالت بحرينية («بيت‬ ‫العنكبوت» و «لعنة امر�أة» و «مالع ب�رش»)‬ ‫وم�سل�سالن قطريان («جدار ال�صمت» و «ظ ّل‬ ‫�إليا�س مني») و‪ 6‬م�سل�سالت من الإمارات‬ ‫(«�أبله نوره»‪« ،‬احلوت»‪« ،‬بينا وبينكم» و «حظ‬ ‫يان�صيب»‪ ،‬و»�رصاع على الرمال» و «غ�شم�شم‬ ‫‪� .)»3‬أما من الكويت فت�ض ّم الالئحة الإح�صائية‬ ‫‪ 31‬م�سل�س ًال‪ ،‬من الوا�ضح �أن عدداً كبرياً منها‬ ‫يت�ض ّمن‪ ،‬كما بقية الأعمال اخلليجية‪ ،‬جهوداً‬ ‫كويتية وخليجية غري كويتية‪ .‬واحلقيقة �أن‬ ‫هذا كلّه‪ ،‬حتى و�إن كان ي�صعب ح�سبانه كله‬ ‫يف خانة الأعمال الكبرية‪ ،‬من الوا�ضح �أنه‬ ‫يف طريقه للتحول �ضمن نظرية �شهرية عن‬ ‫حت ّول الك ّم �إىل نوعية‪ .‬ذلك �أن ر�صداً دقيق ًا خلط‬ ‫املنحنى النوعي – والكمي باملقابل – الذي‬ ‫ي�سم الأعمال املنتجة يف معظم بلدان اخلليج‬ ‫خالل ال�سنوات الع�رش الأخرية‪ ،‬يقول لنا �إن‬ ‫ثمة تطوراً و�إىل الأمام بالت�أكيد‪ ،‬على الرغم‬ ‫من املعوقات الرقابية‪ ،‬واملناف�سة ال�سورية‪/‬‬ ‫امل�رصية ال�شديدة‪.‬‬ ‫واحلقيقة �أن ما ميكن هنا التوقّف عنده‪،‬‬ ‫يف جمرى احلديث عن الإنتاج الدرامي اخلليجي‬ ‫ب�شكل عام‪ ،‬ال ميكن له �أن ينح�رص �ضمن حدود‬ ‫احلديث الكمي‪ ،‬بل ال ب ّد من لفت الأنظار �إىل‬ ‫�أن كثافة هذا الإنتاج‪ ،‬تعترب ت�أكيداً لر�سوخ‬ ‫ح�ضوره‪ ،‬لي�س فقط يف احلياة الف ّنية اخلليجية‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الإبداع ال�سينمائي والدارمي ‪387‬‬

‫م�سل�سالت البالد الفقرية‬

‫ل�سنا ندري ما �إذا كانت هناك �إح�صاءات‬ ‫اجتماعية عربية تتحدث عن التفاوت يف عدد‬ ‫جمهور امل�سل�سالت والدراما التلفزيونية العربية‬

‫الإبداع‬

‫– وهذا يف ح ّد ذاته �أمر ال ميكن اال�ستهانة به‪-‬‬ ‫بل كذلك يف احلياة االجتماعية اخلليجية‪ ،‬التي‬ ‫على تفاوت درجات تطورها‪ ،‬تبقى مت�شابهة‬ ‫�إىل ح ّد ما‪ ،‬يف �أمناط العي�ش وال�سلوك‪ .‬وهذا ما‬ ‫ي�ضفي �صفة التعميم‪ ،‬على ذلك النقد االجتماعي‬ ‫– الذي يبدو لطيف ًا عتابي ًا �أحيان ًا‪ ،‬لكنه يبدو‬ ‫يف �أحيان �أخرى �شديد الق�سوة – الذي يطاول‬ ‫ذلك ال�سلوك‪ .‬ذلك �أن ما «ال جتر�ؤ» على فعله‬ ‫�أقالم وم�سل�سالت و�أنواع �أخرى من الفنون‬ ‫العربية‪ ،‬وهو بالتحديد الإ�شارة �إىل تناق�ضات‬ ‫�شديدة القوة يف احلياة و�رضوب ال�سلوك‬ ‫االجتماعي يف تلك البلدان اخلليجية والتي‬ ‫تنتج غالب ًا عن دخول احلداثة اال�ستهالكية‬ ‫املعوملة �إىل جمتمعاتها من دون متهيد لذلك‪،‬‬ ‫ناقلة �إياها من امل�ستوى القبلي الع�شائري‪،‬‬ ‫الذي و�سم حياتها منذ ع�صور �ساحقة وحتى‬ ‫الربع الأخري من القرن الع�رشين‪� ،‬إىل م�ستوى‬ ‫ممار�سات احلياة‬ ‫اال�ستخدام املفرط لتقنيات و ّ‬ ‫احلديثة‪� ،‬إن هذا الذي ال جتر�ؤ �أعما ٌل فنية‬ ‫– وغري فنية – غري خليجية على الدنو منه‬ ‫كثرياً‪ ،‬وجد يف الأعمال اخلليجية من ي�ص ّوره‬ ‫بلغة انتقادية حادة‪ .‬ويف هذا االطار لن يكون‬ ‫ينكب باحثون اجتماعيون خليجيون‬ ‫غريب ًا �أن ّ‬ ‫على درا�سة الت�أثري الذي ميكن �أن متار�سه‬ ‫الأعمال ال�ساخرة اخلليجية على جممتعات‬ ‫ممار�ساتهم احلياتية‪ .‬ويف يقيننا‬ ‫�أ�صحابها و ّ‬ ‫�أن هذا البعد �سيكون �أمامه جماالت كبرية‬ ‫للظهور والرت�سخ و�إن ب�شكل تدريجي‪ ،‬علم ًا ب�أن‬ ‫ما هو جدير باملالحظة يف هذا املجال‪ ،‬هو �أن‬ ‫الأعمال الدرامية التلفزيونية اخلليجية الأكرث‬ ‫جناح ًا هي تلك التي ت ّت�سم بطابع كوميدي ناقد‬ ‫للمجتمعات املعنية‪ ،‬ما يعني �أن ثمة جتاوب ًا‬ ‫�أكيداً معها‪ ،‬من املنطقي له �أن ينقلب مع الوقت‬ ‫�إىل جتاوب عملي وتغيريي بالتايل‪.‬‬

‫بني جمتمع عربي و�آخر‪� ،‬أو بني خمتلف الفئات‬ ‫العمرية‪� ،‬أو بني �أهل املدن و�أهل الأرياف‪،‬‬ ‫وذلك مقابل ما هو متوافر عادة من �إح�صاءات‬ ‫تفيد بالفارق يف كمية اال�ستقبال املخ�ص�ص‬ ‫مل�سل�سالت هذا البلد �أو ذاك ونوعيته‪ ،‬يف‬ ‫�شتى �أنحاء العامل العربي‪ ..‬وهي – طبع ًا –‬ ‫الإح�صاءات التي تو ّزع املتفرجني والنجاحات‬ ‫بني الدراما امل�رصية وال�سورية واخلليجية‪.‬‬ ‫ويف هذه االح�صاءات يالحظ دائم ًا �أن املناف�سة‬ ‫هي بني هذه احل ّيزات اجلغرافية الثالثة‪ .‬ويف‬ ‫املقابل هناك جمتمعات ت�شاهد �إىل جانب ما‬ ‫ي�أتيها من م�صادر الإنتاج العربي الرئي�سة‪،‬‬ ‫متر من‬ ‫�أعما ًال تنتج حملي ًا من امل�ؤ�سف �أنها ّ‬ ‫دون �أن ت�شارك �شعوب جمتمعات �أخرى يف‬ ‫م�شاهدتها‪ .‬ولع ّل املثالني الأو�ضح هما جمتمع‬ ‫لبنان وجمتمع املغرب‪ .‬ولكن يف مقابل‬ ‫هذا وذاك هناك جمتمعات ال تزال ال�صناعة‬ ‫الدرامية التلفزيونية فيها م�ؤجلة‪� ،‬أو هي يف‬ ‫بع�ض الأحيان تنمو عام ًا لتخبو يف العام‬ ‫الذي يليه‪ ،‬وبالتايل فهي جمتمعات م�ستهلكة‬ ‫لفنون «الآخرين» يف �أغلب الأحيان‪ ،‬حتى و�إن‬ ‫�أنتجت حملي ًا م�سل�س ًال �أو م�سل�سلني يف العام‪.‬‬ ‫وت�أتي يف مقدمة هذه البلدان فل�سطني والأردن‬ ‫والعراق واليمن وال�سودان‪ ...‬وهي بلدان يقول‬ ‫الواقع امل�ؤ�سف �إنها تعي�ش – تلفزيوني ًا – على‬ ‫�إيقاع ما ينتجه الآخرون‪ ،‬وال �سيما امل�رصيون‬ ‫وال�سوريون‪ ،‬مع �أن الواقع الغريب يقول لنا‬ ‫�أي�ض ًا �إن لدى ك ّل منها من الطاقات واملواهب‬ ‫واملوا�ضيع والأعمال الأدبية والتاريخ املركب‬ ‫ما كان من �ش�أنه ان يجعلها يف مقدمة البلدان‬ ‫املنتجة‪ ..‬بل حتى املنتجة ملا قد يكون جديداً‬ ‫متام ًا‪ .‬بل �إن حال الأردن تبدو حمرية هنا‪،‬‬ ‫�إذ نعرف �أن الفنانني – واملنتجني �أحيان ًا‬ ‫– الأردنيني لهم باع طويل يف هذا احلقل‪..‬‬ ‫والأردن كان يف �سنوات ذهبت‪ ،‬واحداً من كبار‬ ‫املنتجني الواعدين للدراما التلفزيونية يف‬ ‫العامل العربي‪ .‬ومن هنا �سيبدو غريب ًا ومفارق ًا‬ ‫هنا �أال ينتج الأردن خالل مو�سم ‪� ،2008‬سوى‬ ‫ثالثة م�سل�سالت هي «�أبو جعفر املن�صور»‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 388‬للتنمية الثقافية‬

‫هناك جمتمعات ال تزال ال�صناعة‬ ‫الدرامية التلفزيونية فيها م�ؤجلة‪،‬‬ ‫وبالتايل فهي جمتمعات م�ستهلكة‬ ‫لفنون «الآخرين» يف �أغلب الأحيان‪،‬‬ ‫حتى و�إن �أنتجت حملي ًا م�سل�س ًال �أو‬ ‫م�سل�سلني يف العام‪ .‬وت�أتي يف مقدمة‬ ‫هذه البلدان فل�سطني والأردن والعراق‬ ‫واليمن وال�سودان مع �أن لدى ك ّل منها‬ ‫من الطاقات واملواهب واملوا�ضيع‬ ‫والأعمال الأدبية والتاريخ املركب‬ ‫ما كان من �ش�أنه �أن يجعلها يف‬ ‫مقدمة البلدان املنتجة‪..‬‬

‫و«الرحيل» و«عيون عليا»‪� .‬إن البداهة عينها‬ ‫تكاد تقول لنا �إن ثمة يف الأمر خط�أ ما‪ ..‬ف�أين‬ ‫يكمن هذا اخلط�أ‪ ،‬وملاذا يفوت الأردن قطار‬ ‫إنتاج كان ميكنه �أن يعود �إليه بكثري من الفوائد‬ ‫� ٍ‬ ‫وم�صادر الدخل حتى؟ هل اخلط�أ يف االفتقار‬ ‫�إىل الر�ساميل؟ يف ندرة املوا�ضيع؟ يف غياب‬ ‫احلما�س؟ ل�سنا ندري‪ ،‬لكن ما نعلمه علم اليقني‬ ‫هو �أن الأردن كان من �ش�أنه �أن يكون بلداً عربي ًا‬ ‫�أ�سا�سي ًا يف الإنتاج الدرامي‪.‬‬ ‫وما يقال عن االردن هنا ميكن �أن يقال‬ ‫عن فل�سطني‪ ،‬تو�أم الأردن‪ ،‬فهذا البلد الذي ميلك‬ ‫موا�ضيع ال تنتهي و�أدب ًا كبرياً‪ ،‬وما ال يقل عن‬ ‫ع�رشة خمرجني �سينمائيني كبا ٍر عرفوا كيف‬ ‫مما‬ ‫ي�صنعون ال�سينما الفل�سطينية‪ ،‬طالعني بها ّ‬ ‫ي�شبه العدم‪ ،‬على خارطة ال�سينما الطليعية يف‬ ‫العامل‪ ،‬مل ينتج عام ‪� 2008‬أي م�سل�سل‪ ،‬على‬ ‫الأقل ح�سب الإح�صاءات واملعلومات املتوفرة‬ ‫لدينا‪ .‬فماذا ينتظر؟ بل حتى – و�إن كان هذا‬ ‫ال�س�ؤال �سيبدو هرطوقي ًا هنا – ماذا ينتظر‬ ‫مبدعوه ال�سينمائيون قبل �أن يخو�ضوا جتارب‬ ‫تلفزيونية لو حتققت‪ ،‬لن يندموا عليها �أبداً؟‬ ‫والعراق‪ ،‬الذي يعترب البلد العربي الأكرث‬ ‫امتال ًء باملبدعني ويف املجاالت كافة‪ .‬البلد‬ ‫الذي ترتاكم يف خلفية �صورته الفنية مئات‬ ‫اخلربات يف جماالت الإبداع الب�رصي والأدبي‪.‬‬ ‫والذي امتلك يف �أواخر �سنوات اخلم�سني �أول‬ ‫حمطّ ات التلفزة العربية‪ ،‬كيف– وهو الذي‬ ‫حتبل �أر�ضه وذاكرة �أبنائه مبوا�ضيع متتد‬ ‫�ألوف ال�سنني – مل يتمكن من �إنتاج �أكرث‬ ‫من م�سل�سل واحد طوال عام ‪ 2008‬هو «�آالم‬ ‫و�آمال»؟ وملاذا ي� ّرص مبدعوه من �أهل ال�صورة‬ ‫املتحركة فيه على خو�ض جتارب �سينمائية‬ ‫معظمها يبدو غري جم ٍد‪ ،‬يف وقتنا احلا�رض‪،‬‬ ‫ل�ضخ ع�رشات‬ ‫مف ّوتني فر�ص ذهبية‪ ،‬على الأقل ّ‬ ‫تبث من العراق‪،‬‬ ‫القنوات التلفزيونية التي ّ‬ ‫ب�ساعات درامية تفتح �آفاق ًا وا�سعة �أمام �أجيال‬ ‫جديدة من املبدعني؟‬ ‫ترى �أال تنطبق هذه الت�سا�ؤالت �أي�ض ًا‪،‬‬ ‫وب�إحلاح‪ ،‬على بلدان عربية �أخرى يغيب ا�سمها‬

‫عن خرائط الإنتاج الدرامي العربي امل�صنوع‬ ‫للتلفزيون‪ ،‬ولغري التلفزيون‪ ،‬خالل مو�سم ‪2008‬‬ ‫مثل اليمن وال�سودان‪ ...‬وغريهما؟ ف�إىل كم من‬ ‫الوقت �أي�ض ًا �سوف تبقى هذه البلدان مكتفية‬ ‫بلعب دور امل�ستهلك؟ و�إىل كم من الوقت �سوف‬ ‫يظ ّل املتفرجون العرب يف �شتى �أنحاء العامل‬ ‫العربي‪ ،‬يف جهل تام لآداب وفنون وجمتمعات‬ ‫هذه البلدان‪ ،‬وهي كلها �أمور نعرف �أن و�صولها‬ ‫يف طريق امل�سل�سالت والدراما التلفزيونية كان‬ ‫من �ش�أنه �أن يكون الطريق الأق�رص والأف�ضل‬ ‫خللق تعارف عربي �شامل؟‬

‫انتفا�ضة من املغرب الأق�صى‬

‫يف الإح�صاءات املتداولة يف امل�رشق‬ ‫العربي‪ ،‬عن الإنتاج الدرامي املغربي للعام‬ ‫‪� ،2008‬أتى �أن ما �أنتج «هناك» خالل هذا املو�سم‬ ‫هو م�سل�سل واحد عنوانه «تريكة البطا�ش»‪ .‬لكن‬ ‫هذا لي�س �صحيح ًا على الإطالق‪� .‬إذ رمبا يكون‬ ‫هذا امل�سل�سل هو الذي عرف �أكرث من غريه يف‬ ‫«اخلارج» لكن الواقع يقول لنا‪� ،‬إنه كان جمرد‬ ‫واح ٍد من �أعمال تلفزيونية درامية عديدة �أُنتجت‬ ‫يف هذا البلد الذي يعرف انتفا�ضة مده�شة‬ ‫على �صعيد الإنتاج ال�سمعي – الب�رصي‪ ،‬منذ‬ ‫�سنوات عديدة‪ .‬ولع ّل يف �إمكاننا هنا �أن نورد‬ ‫بع�ض املعلومات من امل�صادر املغربية نف�سها‪،‬‬ ‫للتدليل على �أن املغرب بات‪ ،‬عن حق وحقيق‪،‬‬ ‫بلداً منتج ًا للم�سل�سالت الدرامية التلفزيونية‬ ‫ويف �شتى الأنواع‪ ،‬حتى و�إن كان الوجه الآخر‬ ‫للميدالية يقول لنا – بكل �أ�سف – �إن ك ّل هذا‬ ‫الإنتاج يبقى �إنتاج ًا حملي ًا‪ ،‬بالكاد ي�شاهد‬ ‫حتى يف اجلزائر وتون�س وموريتانيا التي‬ ‫تتقا�سم مع املغرب القدرة على فهم اللهجات‬ ‫املحلية‪ ،‬مع �إ�شارة �أ�سا�سية هنا �إىل �أن الق�سم‬ ‫الأعظم من امل�سل�سالت املغربية‪ ،‬كما حال‬ ‫اجلزائرية والتون�سية �إن وجدت‪ ،‬ي�شاهد وباطّ راد‬ ‫من قبل ماليني املغاربة الذين يعي�شون يف‬ ‫�أوروبا‪ ...‬وهم ي�شكلون جمهوراً كثيف ًا ووفي ًا‬ ‫بالت�أكيد‪ .‬فاملعلومات املغربية‪ ،‬التي ت�ؤكد كما‬ ‫احلال يف بقية البلدان العربية على �أن عرو�ض‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الإبداع ال�سينمائي والدارمي ‪389‬‬

‫بات املغرب عن حق وحقيق‪،‬‬ ‫بلداً منتج ًا للم�سل�سالت الدرامية‬ ‫التلفزيونية ويف �شتى الأنواع‪ ،‬حتى‬ ‫و�إن كان الوجه الآخر يقول لنا �إن‬ ‫ك ّل هذا الإنتاج يبقى �إنتاج ًا حملياً‪،‬‬ ‫بالكاد ُي�شاهد حتى يف اجلزائر‬ ‫وتون�س وموريتانيا‪.‬‬

‫الإبداع‬

‫�شهر رم�ضان املبارك هي املقيا�س احلقيقي‬ ‫الزدهار �أو عدم �إزدهار الإنتاج الدرامي‪،‬‬ ‫تفيدنا حتت عنوان عام هو «�صنع يف املغرب»‬ ‫�أنه يف رم�ضان ‪ ،2008‬جاءت امل�سل�سالت‬ ‫املغربية متقدمة بالن�سبة �إىل العرو�ض املحلية‬ ‫على الأعمال امل�رصية وال�سورية «وهو �أمر مل‬ ‫يعتد عليه املغاربة»‪ .‬وبالتايل كان مده�ش ًا‬ ‫ذلك ال�سباق الذي كان وا�ضح ًا بني القناتني‬ ‫املغربيتني الأوىل والثانية على عر�ض الأعمال‬ ‫التي و�صفها املواطنون ب�أنها «�صناعة وطنية»‬ ‫وتن ّوعت بني الربامج الفكاهية وم�سل�سالت‬ ‫«ال�سيت كوم» ب�شكل عام مطلّة على معاجلة‬ ‫الواقع املغربي‪� ،‬أو بالأحرى وح�سب الأقالم‬ ‫املغربية «الواقع املغربي»‪ ،‬وال �سيما يف بعده‬ ‫االجتماعي �سواء تعلّق الأمر ب�أحوال البادية‬ ‫املغربية وما تعي�شه من �رصاعات كما احلال‬ ‫بالن�سبة �إىل م�سل�سل «تركة البطا�ش»‪� ،‬أم ب�أمور‬ ‫مدينية كما يف �سل�سلة «�سريحتى جتي» من‬ ‫ت�أليف امل�رسحي املعروف حممد اجلم‪ ،‬وهي‬ ‫�سل�سلة عاجلت البريوقراطية احلكومية وما‬ ‫يعرتيها من ف�ساد‪� .‬أما م�سل�سل «الأبرياء» والذي‬ ‫«ا�ستقى مو�ضوعه من �أحداث واقعية ف�إنه دنا‬ ‫من تناق�ضات حياة رجل ال�رشطة ال�ضائع بني‬ ‫التزامات املهنية وحياته ال�شخ�صية»‪ .‬ويبقى‬ ‫بعد هذا‪ ،‬يف هذا املجال‪ ،‬ال�س�ؤال الأ�سا�س‪ ،‬لي�س‬ ‫من حول ما �إذا كانت امل�سل�سالت املغربية‬ ‫قادرة على الو�ضول �إىل متفرجني عرب خارج‬ ‫املغرب‪ ،‬بل حتى على �إقناع املتفرج املغربي‪.‬‬ ‫وهنا تختلف الآراء‪ ،‬تبع ًا ملا ميكن ر�صده يف‬ ‫ال�صحافة املغربية نف�سها‪ ،‬حيث يقول البع�ض‬ ‫الفن لي�س م�س�ألة ت�شجيع‪� ،‬آخذاً‬ ‫�إن الإقبال على ّ‬ ‫على امل�سل�سالت املغربية انح�صار موا�ضيعها‪،‬‬ ‫ما يه ّدد بالعودة قريب ًا �إىل امل�سل�سالت ال�سورية‬ ‫وامل�رصية‪ ،‬التي مل تغب �أ�ص ًال ال عن ذاكرة‬ ‫املتفرج املغربي وال عن حياته اليومية‪.‬‬ ‫تتو�ضح ال�صورة متام ًا‪ ،‬خالل‬ ‫ويف انتظار �أن‬ ‫ّ‬ ‫املوا�سم املقبلة يبقى �أن املغرب يعي�ش‬ ‫انتفا�ضة فنية حقيقية‪ ،‬قد ال يكون جانبها‬ ‫التلفزيوين الدرامي‪ ،‬على امل�ستوى امللحوظ‬

‫يف ال�سينما املغربية‪ ،‬ال من ناحية الكم وال من‬ ‫ناحية الكيف‪ ،‬لكنها يف نهاية الأمر انتفا�ضة‬ ‫ميكن ت�شبيهها دائم ًا باخلطوات الأوىل التي‬ ‫بها تبد�أ رحلة الألف ميل‪.‬‬ ‫غري �أن امل�س�ألة التلفزيونية املغربية‪،‬‬ ‫�سوف تبدو يف �أح�سن �أحوالها �إن نحن قارناها‬ ‫مث ًال مبا يحدث – على مثل هذا ال�صعيد – يف‬ ‫اجلزائر‪ .‬فهذا البلد الذي و�صل الإنتاج الإبداعي‬ ‫يوم �إىل درجة ه ّددت معها ال�سينما‬ ‫فيه ذات ٍ‬ ‫اجلزائرية مثيلتها امل�رصية‪ ،‬بل حتى �أنتجت‬ ‫ملبدعني م�رصيني كبار‪� ،‬رسعان ما تدهورت‬ ‫�أو�ضاعه الفنية‪ ،‬على الرغم من الإعالنات‬ ‫والت�رصيحات الكثرية حول نه�ضة فنية‬ ‫مدعومة من الدولة‪ ،‬ومن متكّن وزيرة الثقافة‬ ‫من احل�صول على ماليني الدوالرات لدعم‬ ‫ال�سينما والتلفزة يف اجلزائر‪ ،‬ولو فقط ملنا�سبة‬ ‫�إعالن اجلزائر عا�صمة ثقافية‪ .‬من الناحية‬ ‫ال�سينمائية ميكن القول �إن اجلهود �أثمرت ولو‬ ‫ب�شكل حمدود‪� ،‬أما من الناحية التلفزيونية‬ ‫فعلى الأرجح �أن االنتظار �سيطول بع�ض الوقت‪،‬‬ ‫و�ستظ ّل احلركة الفنية اجلزائرية حمرومة حتى‬ ‫زمن مقبل من �أية �إبداعات يف هذا املجال‪� ،‬أو‬ ‫على الأقل من ك ّم من الإبداعات يتما�شى �أهمي ًة‬ ‫مع املا�ضي القريب للإنتاج الفني يف اجلزائر‪،‬‬ ‫بحيث مل ي�شهد العام الفائت �إنتاج �أكرث من‬ ‫�ستة م�سل�سالت و�أفالم تلفزيونية هي «�أ�شواك‬ ‫املدينة» و «قلوب يف �رصاع» و «البذرة ‪»2‬‬ ‫و «عمارة احلاج خ�رض» و «عائلة جمعي» و‬ ‫«حال و�أحوال»‪ ،‬ناهيك مب�سل�سل «موعد مع‬ ‫القدر» الذي حتى و�إن كان �أنتج قبل ذاك‪ ،‬ف�إنه‬ ‫فاز هذا العام بجائزة يف املهرجان العربي‬ ‫للإذاعة والتلفزيون يف تون�س‪.‬‬ ‫يف ذلك املهرجان نف�سه فاز باجلائزة‬ ‫الأوىل امل�سل�سل التون�سي «�صيد الرمي» الذي‬ ‫اعترب من �أ�شهر – و�أف�ضل رمبا – ما انتج يف‬ ‫تون�س خالل العامني الفائتني‪ ،‬وامل�سل�سل من‬ ‫ت�أليف رفيقة لوجدي ويتعر�ض �إىل مو�ضوع‬ ‫التحر�ش اجلن�سي باملر�أة العاملة طارح ًا يف‬ ‫طريقه م�شاكل الفتيات العامالت يف م�صانع‬

‫اجلزائر البلد الذي و�صل الإنتاج‬ ‫الإبداعي فيه ذات يوم �إىل درجة‬ ‫ه ّددت معها ال�سينما اجلزائرية‬ ‫مثيلتها امل�رصية‪ ،‬بل حتى �أنتجت‬ ‫ملبدعني م�رصيني كبار‪� ،‬رسعان ما‬ ‫تدهورت �أو�ضاعه الفنية‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 390‬للتنمية الثقافية‬

‫فاز هذا العام بجائزة املهرجان‬ ‫العربي للإذاعة والتلفزيون يف تون�س‬ ‫امل�سل�سل التون�سي «�صيد الرمي» الذي‬ ‫اعترب من �أ�شهر –و�أف�ضل رمبا– ما‬ ‫�أُنتج يف تون�س خالل العامني‬ ‫الفائتني‪.‬‬

‫اخلياطة التون�سية‪ ،‬حيث يغو�ص «بجر�أة غري‬ ‫«معاناتهن النف�سية‬ ‫معهودة» بح�سب النقاد‪ ،‬يف‬ ‫ّ‬ ‫وظروفهن االجتماعية التي ظلّت �إىل زمن‬ ‫ّ‬ ‫طويل من املوا�ضيع امل�سكوت عنها»‪ .‬وهنا ال‬ ‫ب�أ�س من �أن نذكر يف هذا املجال �أي�ض ًا ال�سهرة‬ ‫التلفزيونية التون�سية «�شوفلي حل يف ر�أ�س‬ ‫العام»‪ ،‬الذي كان من �أف�ضل الأفالم التلفزيونية‬ ‫التي �أتت من بلدان املغرب العربي‪..‬‬ ‫طبع ًا مل يخ ُل الأمر يف تون�س كما يف‬ ‫تبث يف هذا ال�شهر �أو ذاك‪،‬‬ ‫اجلزائر من �إنتاجات ُ‬ ‫ولكن �إذا كانت ال�صحافة يف البلدين �أعلنت‪ ،‬وال‬ ‫تنفك تعلن �أن اجلمهور املحلي نف�سه بالكاد‬ ‫ي�شاهد هذه الأعمال‪ ،‬ما الذي يبقى منها يف‬ ‫نهاية الأمر؟ و�إذا كان املمثل امل�رسحي اكرام‬ ‫بث‬ ‫عزوز وهو �أحد ابطال م�سل�سل �شبابي ّ‬ ‫يف عنوان «�أوالد اليوم» قد قال �إن امل�ستوى‬ ‫التون�سي يرتاجع‪ ،‬هل يحقّ لنا �أن نت�ساءل‬ ‫ع ّما مينع عر�ض امل�سل�سالت التون�سية خارج‬ ‫تون�س؟‬

‫اخلال�صــة‬

‫�إذا كانت ال�سيا�سة واالقت�صاد‬ ‫ورمبا اجلغرافيا �أي�ضاً‪ ،‬قد عجزت‬ ‫عن حتقيق احللم العربي املن�شود‬ ‫بالوحدة العربية‪ ،‬ف�إن الفنون –‬ ‫والآداب والأفكار يف ركابها – هي‬ ‫املجال الوحيد الذي ال يزال‪ ،‬بعد‪،‬‬ ‫قادراً على حتقيق مثل هذه الوحدة‪.‬‬ ‫ومن هنا املطلوب التكاف�ؤ يف الفر�ص‬ ‫الإنتاجية‪ ،‬واملزيد من اال�ستثمار‬ ‫املايل العربي اجلماعي‪.‬‬

‫يف احلقيقة يبدو هذا ال�س�ؤال خارج ال�سياق‪،‬‬ ‫لي�س فقط بالن�سبة �إىل الإنتاج التون�سي‪ ،‬بل‬ ‫�أكرث من هذا‪ :‬بالن�سبة �إىل معظم ما ينتج يف‬ ‫العدد الأكرب من البلدان العربية‪ .‬ذلك �أن الواقع‬ ‫املر‪� ..‬إذا �شئتم – يقول لنا ويف كل ب�ساطة‪،‬‬ ‫– ّ‬ ‫�إن معركة الإنتاج الدرامي التلفزيوين‪ ،‬لي�ست‬ ‫معركة متع ّددة الأطراف‪ ،‬على عك�س‪،‬مث ًال‪،‬‬ ‫معركة ال�سينما العربية اجلديدة‪ .‬ففي املعركة‬ ‫التلفزيونية ثمة طرفان �أو ثالثة فقط‪ :‬ال�سوري‬ ‫وامل�رصي‪ ...‬ورمبا اخلليجي و�أحيان ًا نادرة‬ ‫اللبناين‪ .‬ويقين ًا �أن لهذا بع�ض احل�سنات‪،‬‬ ‫و�أهمها �أنه واقع قد يدفع الآخرين �إىل التحرك؛‬ ‫متام ًا كما حدث حني تراجعت امل�سل�سالت‬ ‫امل�رصية ذات حقبة مبا �أتاح املجال لظهور‬ ‫امل�سل�سالت ال�سورية‪ ،‬وهو الأمر الذي عاد‬ ‫وانعك�س �إيجاب ًا على امل�رصية التي ا�ستفاقت‬

‫من نومها لت�ست�أنف �إبداعها وت�صبح قادرة‬ ‫على املناف�سة‪ ،‬ثم بعد ذلك على التف ّوق‪ .‬لكن‬ ‫ال�سيئات كثرية و�سبق يف ثنايا هذا التقرير �أن‬ ‫�أ�رشنا �إىل بع�ضها‪� .‬أما امل�شكلة الأهم فتبقى يف‬ ‫�أن هذا النوع من الإبداع الفني يتوجب عليه‬ ‫مبدئي ًا �أن يحقق من ال�شعبية ما يجر يف ركابه‬ ‫�شعبية لفنانني �آتني من �شتى البلدان العربية‪،‬‬ ‫وك�شفا للعربي عن �أ�ساليب عي�ش وتفكري العربي‬ ‫الآخر‪ ،‬وج�رس تفاهم بني �شتى املناطق العربية‪،‬‬ ‫بل يف حدود ق�صوى‪� ،‬إعادة االعتبار �إىل �أعمال‬ ‫�أدبية وتاريخية �آتية من كل البلدان العربية‪..‬‬ ‫وهو �أمر من الوا�ضح مدى فائدته ل�شتى‬ ‫�أنواع الفنون ومدى قدرته على التفاعل مع‬ ‫ع�رشات ماليني املتفرجني‪.‬وما هذا‪ ،‬يف نهاية‬ ‫الأمر‪� ،‬إال لأنه �إذا كانت ال�سيا�سة واالقت�صاد‬ ‫ورمبا اجلغرافيا �أي�ض ًا‪ ،‬قد عجزت عن حتقيق‬ ‫احللم العربي املن�شود بالوحدة العربية‪ ،‬ف�إن‬ ‫الفنون – والآداب والأفكار يف ركابها – هي‬ ‫املجال الوحيد الذي ال يزال‪ ،‬بعد‪ ،‬قادراً على‬ ‫حتقيق مثل هذه الوحدة التي عمادها التقريب‬ ‫بني ال�شعوب‪ .‬ويف يقيننا �أن هذا الدور ميكن‬ ‫للتلفزيون �أن يقوم به‪ .‬هو قد يتمكّن من هذا‬ ‫عرب معظم براجمه‪ ،‬مبا يف ذلك برامج الألعاب‬ ‫والتحقيقات وبرامج احلكي وما �شابه‪ ،‬لكنه‬ ‫الفن‪..‬‬ ‫�سيكون �أقدر كثرياً على ذلك من خالل ّ‬ ‫الإبداع الفني‪ ،‬هذا الإبداع الذي ال �شكّ ميكنه‬ ‫�أن يتجلّى �أكرث ما يتجلّى يف امل�سل�سالت‬ ‫التلفزيونية‪ .‬ومن هنا املطلوب التكاف�ؤ يف‬ ‫الفر�ص الإنتاجية‪ ،‬واملزيد من اال�ستثمار‬ ‫املايل العربي اجلماعي‪ ،‬لي�س فقط يف �إنتاج‬ ‫م�سل�سالت �آتية من بلدان متنوعة ويحققها‬ ‫فنانون معروفون‪ ،‬بل �أف�ضل من هذا‪ :‬من‬ ‫مناطق وفنون ال تزال يف حاجة �إىل اكت�شاف‪.‬‬ ‫فمن الذي ميكنه �أن يحقق هذا كله‪� ،‬أف�ضل من‬ ‫�أعمال فنية تعتمد الروايات واحلكايات وفنون‬ ‫التمثيل والت�صوير‪ ،‬من دون �أن تكون يف حاجة‬ ‫حقيقية �إىل جنوم �أو ميزانيات ا�ستثنائية؟‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الإبداع ال�سينمائي والدارمي ‪391‬‬

‫�شكل رقم (‪ )1‬مقارنة بني �إنتاج العامني ‪ 2007‬و‪ 2008‬يف البلدان الرئي�سة املنتجة للأفالم الروائية الطويلة‬ ‫مالحظة‪ :‬الأرقام هنا هي �أرقام تقنية على عك�س الأرقام الواردة يف �سياق الن�ص وهي �أرقام حتمل قيمة ما‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫‪48‬‬

‫‪50‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪20‬‬

‫‪15‬‬

‫‪14‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪10‬‬

‫‪8‬‬

‫‪6‬‬

‫‪6‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪15‬‬ ‫‪15‬‬

‫‪4‬‬

‫‪3‬‬

‫‪5‬‬

‫‪1‬‬

‫تون�س‬

‫�سوريا‬

‫فل�سطني‬

‫اجلزائر‬

‫املغرب‬

‫لبنان‬

‫م�رص‬

‫‪0‬‬

‫�شكل رقم (‪ )2‬توزيع الأنواع ال�سينمائية يف الإنتاج العربي للأفالم الطويلة ‪ 2008‬مقارنة مع �سابقه‬ ‫‪20‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪18‬‬

‫‪14‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪9‬‬

‫‪8‬‬

‫‪7‬‬

‫‪6‬‬

‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪4‬‬

‫‪4‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬

‫هزلية اجتماعية‬

‫هزلية خال�صة‬

‫حركة "�أك�شن"‬

‫درامية‬

‫اجتماعية‬

‫ت�شويق بولي�سي‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫‪0‬‬

‫الإبداع‬

‫‪16‬‬ ‫‪16‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 392‬للتنمية الثقافية‬

‫�شكل رقم (‪� )3‬أنواع امل�سل�سالت العربية التي عر�ضت عام ‪2008‬‬ ‫ً‬ ‫املجموع العام يزيد عن العدد الإجمايل للم�سل�سالت لأن هناك �أعماال عديدة تنتمي �إىل �أكرث من نوع واحد (جمموع الإنتاج‬ ‫‪ 143‬م�سل�س ًال منه ‪ 104‬عر�ضت يف رم�ضان)‬ ‫‪40‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪4‬‬

‫كوميدي‬

‫دراما‬

‫بوليسي‬

‫فانتازيا‬

‫تاريخي‬

‫كوميديا سوداء‬

‫ميلو دراما‬

‫سيت كوم‬

‫‪0‬‬


‫الف�صل الثاين‬ ‫الإبداع ال�سينمائي والدارمي ‪393‬‬

‫‪٪ 15.57‬‬ ‫‪٪ 26.8‬‬ ‫‪٪ 15‬‬ ‫‪٪4‬‬ ‫‪٪ 38.06‬‬

‫السينما األميركية‬

‫السينما املغربية‬ ‫سينمات أخرى آوروبية خاصة أقل من ‪ 5‬باملئة‬

‫السينما املصرية‬ ‫سينمات متنوعة‬

‫�شكل رقم (‪ )4‬توزيع ح�ص�ص امل�شاهدة على املتفرجني املغاربة‬

‫‪٪ 28‬‬

‫الإبداع‬

‫‪٪ 22‬‬

‫‪٪2‬‬ ‫‪٪ ٪6 4‬‬ ‫‪٪ 42‬‬

‫خليجية‬

‫سورية‬

‫مصرية‬

‫أخرى‬

‫لبنانية‬

‫�شكل رقم (‪ )5‬ح�ص�ص املناطق العربية من العرو�ض الرم�ضانية للم�سل�سالت (املجموع ‪ 104‬م�سل�سالت مت عر�ضها)‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 394‬للتنمية الثقافية‬

‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�رسح العربي‬

‫�أبعاد الأزمة و�أ�شكال التطور‬

‫ال ميكننا �أن ننكر اليوم �أن امل�رسح العربي‬ ‫مير مبرحلة تطورات حا�سمة على �صعيد‬ ‫ّ‬ ‫م�ستقبله‪� ،‬ش�أنه �ش�أن املجتمعات العربية‪،‬‬ ‫هذا الذي كان يف البداية جزءاً من م�رشوعها‬ ‫النه�ضوي واحلداثي‪ ،‬ومن ثم جزءاً من امل�رشوع‬ ‫القومي الوطني يف خمتلف الأقطار العربية‪.‬‬ ‫عرفت الدول العربية امل�رسح يف فرتة‬ ‫االحتكاك مع الثقافة الغربية‪ ،‬فدخل تباع ًا‬ ‫م�رص وبالد ال�شام ثم بقية الدول العربية‪،‬‬ ‫و�رسعان ما انغم�س يف �صميم حركية الأفكار‬ ‫حركت‬ ‫والأيديولوجيات والنظريات التي ّ‬ ‫ال�ساحة العربية منذ النه�ضة وحتى احلداثة‪،‬‬ ‫فحمل هذا الفن على عاتقه‪ ،‬يف مرحلة البدايات‬ ‫هاج�س ًا �إ�صالحي ًا فكري ًا‪ ،‬من خالل مثقفني‬ ‫�إ�صالحيني متطلّعني �إىل ن�رش العلم والتق ّدم‬ ‫والرقي‪� .‬إن امل�رسح العربي هو ابن املدينة‬ ‫ّ‬ ‫العربية احلديثة يف م�رشوع نه�ضتها‪ ،‬مبدار�سها‬ ‫ونواديها و�صحافتها وجامعاتها وم�ؤ�س�ساتها‪،‬‬ ‫فاملدينة احلديثة يف حماولتها لدخول احلداثة‪،‬‬ ‫جتاوزت حدود املدينة القدمية بكل ما حتمله‬ ‫من تقاليد وقيم‪ .‬وامل�رسح �أي�ض ًا هو ابن الفئات‬ ‫االجتماعية اجلديدة التي تب ّنت هذه النه�ضة‬ ‫وثقافتها‪� ،‬إال �أن التفاوت بني املجتمعات‬ ‫العربية انعك�س تفاوت ًا يف وجود امل�رسح بني‬ ‫�أقطار الوطن العربي‪ ،‬من دون �أن مينعه ذلك‬ ‫من �أن يحقّق لنف�سه تواجداً ملمو�س ًا على الأر�ض‬ ‫خالل القرن املا�ضي‪ ،‬ف�شهد مرحلته الذهبية يف‬ ‫فرتة ال�ستينيات وال�سبعينيات‪ .‬ونتيجة للظروف‬ ‫املو�ضوعية التي منا فيها‪ ،‬كانت الهوية منذ‬ ‫البداية هاج�س هذا امل�رسح‪ ،‬خ�صو�ص ًا �أن‬

‫الأمر برمته يتعلق باملتفرج العربي‪ ،‬فظهرت‬ ‫�إ�شكاليات مثل (الأ�صالة والت�أ�صيل‪ ،‬الرتاث‬ ‫واحلداثة‪ ،‬اال�ستقالل والعالقة مع الغرب‪،‬‬ ‫التثاقف والتبعية) وجميعها على رغم من‬ ‫تن ّوعها و�أهميتها كانت تكراراً ل�س�ؤال �أ�سا�سي‬ ‫يرتكز حول �رشعية هذا امل�رسح وخ�صو�صيته‪،‬‬ ‫ومدى تغلغله يف الن�سيج االجتماعي العربي‪،‬‬ ‫وطبيعة العالقة التي يفرت�ض �أن يتبناها مع‬ ‫ثقافته اخلا�صة وتراثه ومع مناذج عاملية من‬ ‫الثقافات الأخرى‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من نُبل امل�رشوع‪ ،‬ف�إن‬ ‫م�شاكل امل�رسح العربي ظهرت مبكرة وتفاقمت‬ ‫مع الزمن‪ .‬بعد مرحلة الر ّواد الأوائل التي كان‬ ‫فيها امل�رسح هاوي ًا �رسعان ما عرف امل�رسح‬ ‫العديد من الإ�شكاالت البنيوية كنتيجة مبا�رشة‬ ‫مل�شكلة غياب الدعم له‪ .‬وب�شكل موا ٍز متام ًا عرف‬ ‫امل�رسح نوع ًا �آخر من الإ�شكاالت التي تتعلق‬ ‫بو�ضعه يف املجتمع‪ :‬امل�رسح وهو نتاج جهود‬ ‫�أفراد ينتمون يف احلقيقة �إىل فئات اجتماعية‬ ‫وثقافية متم ّيزة‪ ،‬حاولت ربط هذا اجلديد مبا‬ ‫يتنا�سب مع الذائقة العامة‪ ،‬والدفع بهذا النتاج‬ ‫مما �أدى �إىل نوع‬ ‫نحو ح ّيز مقبول اجتماعي ًا‪ّ ،‬‬ ‫من الفرز على الأر�ض بني م�رسح ثقايف‬ ‫نخبوي عماده الن�ص الأدبي‪ ،‬وم�رسح ترفيهي‬ ‫عماده الغناء والرق�ص والفقرات املنوعة‪ .‬وقد‬ ‫حت ّول هذا الفرز بعد حني �إىل �إ�شكالية نظرية‬ ‫مت ّيز بني امل�رسح كعر�ض وفرجة‪ ،‬وهو موقف‬ ‫الفرق امل�رسحية التي كانت حتت ّل ال�ساحة‬ ‫على الأر�ض‪ ،‬وبني امل�رسح كن�ص وك�أدب‪،‬‬ ‫وهو موقف النخبة املثقفة من امل�رسح ل�سنني‬ ‫طويلة دامت حتى تاريخ عودة خمرجني‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪395‬‬

‫و�إذا كانت العالقة مع الغرب‬ ‫خالية من التوتر يف البداية‪ ،‬فذلك‬ ‫لأن النه�ضويني مل يروا يف الغرب‬ ‫قوة ا�ستعمارية‪ ،‬و�إمنا ر�أوا يف فكره‬ ‫و�إجنازاته ُبعداً كونياً‪ .‬فبد�أ املثقف‬ ‫وامل�رسحي يعي�ش ازدواجية عميقة‬ ‫بيـن اقـتـبا�س الأفـكار والـنمـاذج‬ ‫الثقافية وبني مقاومتها يف �آن واحد‪.‬‬

‫الإبداع‬

‫در�سوا امل�رسح يف �أوروبا يف اخلم�سينيات‬ ‫وال�ستينيات‪ .‬كان هاج�س الكثريين من الأوائل‪،‬‬ ‫ممن ترجموا للم�رسح و�أع ّدوا الن�صو�ص مثل‬ ‫ّ‬ ‫ممن كتبوا بعد ذلك مثل توفيق‬ ‫و‬ ‫أبي�ض‪،‬‬ ‫�‬ ‫جورج‬ ‫ّ‬ ‫احلكيم‪ ،‬الت�أكيد على �أدبية الن�ص امل�رسحي‪،‬‬ ‫وعلى قدرة العرب على جماراة الغرب يف كتابة‬ ‫ن�صو�ص حتمل �سمات الدراما املكتوبة ب�شكل‬ ‫جيد‪ ،‬بناء على القواعد التي كانت حتكم الن�ص‬ ‫امل�رسحي الغربي‪.‬‬ ‫و�إذا كانت العالقة مع الغرب خالية من‬ ‫التوتر يف البداية‪ ،‬فذلك لأن النه�ضويني مل يروا‬ ‫يف الغرب قوة ا�ستعمارية‪ ،‬و�إمنا ر�أوا يف فكره‬ ‫و�إجنازاته ُبعداً كوني ًا‪ ،‬تعاملوا معه بب�ساطة‬ ‫على الرغم من ح�ضور م�س�ألة الهوية على �شكل‬ ‫�إقرار الذات و�إمكاناتها‪ .‬بعد ذلك بد�أت هذه‬ ‫العالقة بالتوتر ب�شكل �صارخ‪ ،‬منذ �أن بد�أت‬ ‫الدول الغربية يف تق�سيم املنطقة وا�ستعمارها‪،‬‬ ‫فبد�أ املثقف وامل�رسحي بطبيعة احلال‪ ،‬يعي�ش‬ ‫ازدواجية عميقة بني اقتبا�س الأفكار والنماذج‬ ‫الثقافية وبني مقاومتها يف �آن واحد‪.‬‬ ‫هذه الإ�شكالية �ستطبع �أكرث ف�أكرث‬ ‫امل�رسح يف مرحلة ال�ستينيات وهي مرحلة‬ ‫هامة‪ .‬يف تلك املرحلة‪ ،‬ومع‬ ‫جديدة وحمطة ّ‬ ‫فورة احلداثة وامل ّد القومي يف العامل العربي‪،‬‬ ‫والتغريات ال�سيا�سية واالجتماعية الكبرية‬ ‫التي عرفتها املنطقة منذ ثورة يوليو ‪1952‬‬ ‫يف م�رص وثورة العراق ‪ 1958‬وثورة �آذار ‪1963‬‬ ‫يف �سوريا‪ ،‬ثم ا�ستقالل دول املغرب العربي‬ ‫وظهور النفط يف دول اخلليج‪ ،‬دخل امل�رسح‬ ‫العربي مرحلة جديدة �أه ّم مظاهرها‪� ،‬إعادة‬ ‫النظر يف تعريف امل�رسح ذاته و�صياغة مواقف‬ ‫(بع�ضها جاء على �شكل بيانات)‪ ،‬للت�أكيد على‬ ‫الهوية اخلا�صة والبحث يف وظيفة امل�رسح‬ ‫يف املجتمع‪ .‬وقد ظهرت �شعارات جديدة‬ ‫مثل ا�ستلهام الرتاث و�إحيائه‪ ،‬وكانت الغاية‬ ‫ت�أ�صيل امل�رسح يف املجتمع‪ .‬وبالفعل فقد‬ ‫كان املوقف من الرتاث يف هذه املرحلة �أكرث‬ ‫عمق ًا من املرحلة الأوىل التي اكتفت با�ستلهام‬ ‫املوا�ضيع منه‪.‬‬

‫يف هذه املرحلة بد�أت احلركة امل�رسحية‬ ‫العربية باالزدهار‪ ،‬ومن �أه ّم مظاهر هذا‬ ‫االزدهار ظهور امل� ّؤ�س�سات امل�رسحية ومعاهد‬ ‫تعليم امل�رسح وتنظيم املهرجانات والندوات‬ ‫التي كانت ُتقام على هام�ش العرو�ض‪ ،‬والتي‬ ‫بدت منا�سبة لطرح فكرة م�رسح عربي والبحث‬ ‫يف خ�صو�صيته و�أهدافه‪ .‬كما برزت تيارات‬ ‫واجتاهات جديدة متام ًا بالن�سبة للما�ضي‪،‬‬ ‫تب ّنت التجديد على امل�ستوى اللغوي وعلى‬ ‫م�ستوى الكتابة و�أ�سلوب التعامل مع الفرق‬ ‫امل�رسحية ومع املمثل (املحرتفات والعمل‬ ‫اجلماعي)‪ ،‬والبحث عن �أ�شكال م�رسحية جديدة‪،‬‬ ‫تعتمد �أ�سا�س ًا لها الطقو�س و�أ�شكال الفرجة‬ ‫ال�شعبية‪ .‬ومع �أن امل�رسحيني املج ّددين العرب‬ ‫يف فورة التجديد والن�شاط هذه ت�أثّروا بالتجديد‬ ‫امل�رسحي يف الغرب‪� ،‬إال �أنهم حاولوا �أن ي�ضعوا‬ ‫هذا التجديد يف �إطار همومهم اخلا�صة‪ ،‬ويف‬ ‫هذه املرحلة �أي�ض ًا تراجع م�رسح املن ّوعات‬ ‫ب�شكل وا�ضح‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من الأهمية ال�شديدة لهذه‬ ‫املرحلة‪ ،‬ف�إنها كانت حتمل يف طياتها بذور‬ ‫الأزمة احلالية‪ ،‬فامل�رسح العربي الذي تب ّنته‬ ‫الدول و�أ�صبح جزءاً من امل�ؤ�س�سة الر�سمية‪ ،‬مل‬ ‫يبتكر لنف�سه �آليات تطّ ور ت�سمح له بالتعامل‬ ‫مع امل�ستجدات ال�سيا�سية واالجتماعية‪ ،‬فالبنى‬ ‫امل�رسحية التي كانت ف ّعالة يف البداية‪ُ ،‬ج ّمدت‬ ‫يف �أطر ل�سنني طويلة‪ ،‬ومل حتمل �إمكانية التطور‬ ‫بل حت ّولت �إىل م�ؤ�س�سات �أكرث من كونها مراكز‬ ‫�إبداع‪ .‬هذا من ناحية‪� ،‬أما من حيث امل�ضمون‪،‬‬ ‫فقد طغى املو�ضوع ال�سيا�سي والرتاثي على ما‬ ‫هو م�رسحي ب�شكل كبري‪ ،‬لدرجة �أن امل�رسحيني‬ ‫العرب ح ّولوا «خ�شبات» م�سارحهم �إىل حلبات‬ ‫معارك �سيا�سية واجتماعية‪ .‬هذا ما جنده‬ ‫اليوم عندما ندر�س و�ضع �أغلب امل�سارح يف‬ ‫الدول العربية‪� ،‬إذ ما تزال الأطر التي كانت‬ ‫موجودة يف تلك املرحلة هي ال�سائدة وما‬ ‫من فكرة لتطويرها‪ ،‬ال بل �إن العامل تغيرّ‬ ‫وامل�ؤ�س�سات امل�رسحية العربية مل تتطور‪� .‬إن‬ ‫التح ّوالت ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية‬

‫امل�رسح العربي الذي تب ّنته الدول‬ ‫و�أ�صبح جزءاً من امل�ؤ�س�سة الر�سمية‪،‬‬ ‫مل يبتكر لنف�سه �آليات تطّ ور ت�سمح له‬ ‫بالتعامل مع امل�ستجدات ال�سيا�سية‬ ‫واالجتماعية‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 396‬للتنمية الثقافية‬

‫هناك �أعمال ت�ستند �إىل تقنيات‬ ‫عالية وتطرح نف�سها �أ�سا�س ًا كم�رسح‬ ‫نخبوي يطمح �إىل مناف�سة �أو جماراة‬ ‫التجارب العاملية (بع�ض التجارب‬ ‫الرواد �أو بع�ض‬ ‫التون�سية جليل ّ‬ ‫املخرجني املهاجرين �أو املقيمني‬ ‫يف اخلارج‪.‬‬

‫والتكنولوجية (و�أهمها ثورة االت�صاالت) التي‬ ‫طر�أت على جمتمعات العامل يف الن�صف الثاين‬ ‫من القرن الع�رشين‪ ،‬غيرّ ت من طبيعة احلياة‬ ‫فيها‪ ،‬ف�سيطر النموذج الأحادي وحت ّول امل�رسح‬ ‫مثل جميع الأن�شطة الإن�سانية �إىل �سلعة تخ�ضع‬ ‫ل�سوق العر�ض والطلب والربح كقيمة‪ ،‬بينما‬ ‫قام العديد من الدول يف العامل بالبحث عن‬ ‫حلول جمدية للدفاع عن امل�رسح‪� .‬أمام هذا‬ ‫اخلطر امل�ؤكّد‪ ،‬مل يج ِر مثل هذا البحث يف العامل‬ ‫العربي �إال نادراً‪� ،‬أ�ضف �إىل ذلك انعدام اال�ستقرار‬ ‫ال�سيا�سي والأمني الذي عرفته يف ال�سنوات‬ ‫املا�ضية بع�ض البلدان العربية‪ ،‬ذلك اال�ستقرار‬ ‫الذي ي�شكّل �أ�سا�س ًا للتطور‪( .‬عند درا�سة حالة‬ ‫العراق مث ًال �أو اجلزائر �أو حتى لبنان �أو حالة‬ ‫ال�سودان �أو حالة امل�رسح الفل�سطيني‪ ،‬نرى‬ ‫كيف �أن الأزمات ال�سيا�سية والأمنية �أثّرت على‬ ‫منو امل�رسح يف هذه الدول)‪.‬‬ ‫اليوم تنعك�س هذه الأزمات يف امل�رسح‬ ‫العربي على م�ستوى عالقته باملجتمع والواقع‪،‬‬ ‫ومن �أه ّم �سماتها عجز امل�رسح عن �إمكانية‬ ‫التعبري عن الواقع «الذي تغيرّ »‪ ،‬وتنعك�س‬ ‫�أي�ض ّا على م�ستوى هجرة امل�رسحيني‪ ،‬بحيث‬ ‫�سن�ضطر عند الكالم على امل�رسح اجلزائري‬ ‫مث ًال �أو العراقي �أو حتى الّلبناين‪ ،‬الأخذ يف‬ ‫االعتبار ت�ش ّتت الفنانني وتفاوت امل�ستوى‬ ‫بني الداخل واخلارج‪ .‬كما يبدو الأمر وا�ضح ًا‬ ‫يف تدهور حال امل�رسح الكويتي بعد احتالل‬ ‫العراق للكويت‪ ،‬وكيف اتجّ هت �أغلب العرو�ض‬ ‫�إىل التهريج‪.‬‬ ‫احلقيقة �أن ثورة املعلومات وو�سائل‬ ‫االت�صال �أ ّدت �إىل بروز �سوق ثقافية مفتوحة‬ ‫متع ّددة اجلن�سيات تقوم على التجاور‬ ‫واملناف�سة‪ ،‬مبا ي�شكّل حت ّدي ًا للثقافة القومية‪،‬‬ ‫و�أ ّدت �أي�ض ًا �إىل تراجع دور امل� ّؤ�س�سات العامة‪،‬‬ ‫وو�ضعت على عاتق الأفراد م�س�ؤولية االنتقاء‬ ‫والتقومي النقدي‪ ،‬كما �أفرزت �أ�شكا ًال جديدة‬ ‫من الفرجة اجلماعية والفردية تختلف جذري ًا‬ ‫عن امل�رسح (املباريات الريا�ضية املنقولة‬ ‫مبا�رشة على التلفزيون وغريها)‪ .‬كذلك �أ ّدت‬

‫�إىل تهمي�ش الثقافة ب�شكل عام وتعميم �شكل‬ ‫ثقافة ا�ستهالكية بديلة بعيدة عن غنى امل�رسح‬ ‫و�شموليته‪ ،‬وهذا حت ّد ها ّم للم�رسح‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫�أن بع�ض هذه الأ�شكال من الفرجة‪ ،‬مل تنبع من‬ ‫حاجات اجلماعة و�إمنا فُر�ضت عليها كبديل‬ ‫لكل �أ�شكال االحتفال والفرجة القدميني‪ .‬وقد‬ ‫تو�صلت هذه التظاهرات «الفنية» لأن تفر�ض‬ ‫ّ‬ ‫نف�سها على املجتمع كنموذج عام‪ُ ،‬يدخل‬ ‫الأفراد واملجموعة يف دوامة اال�ستهالك‬ ‫والإنتاج‪ ،‬وكل هذا ي�شكّل حتدي ًا �أمام امل�رسح‬ ‫العربي‪.‬‬

‫�أو ًال ‪ -‬مالمح عامة حلركة امل�رسح‬ ‫العربي اليوم‬

‫ال يخلو امل�رسح العربي اليوم من وجود‬ ‫هامة ومتنوعة يف العديد من الأقطار‬ ‫جتارب ّ‬ ‫العربية‪ ،‬لكن هذه التجارب قليلة من حيث‬ ‫الك ّم وتبقى على هام�ش احلياة العامة‪ ،‬وهي‬ ‫�أي�ض ًا م�ش ّتتة التوجهات ب�شكل كبري‪ .‬وقد يكون‬ ‫ال�سمة العامة التي تر�سم هذه‬ ‫هذا الت�ش ّتت هو ّ‬ ‫املرحلة‪ .‬هناك �أعمال ت�ستند �إىل تقنيات عالية‬ ‫وتطرح نف�سها �أ�سا�س ًا كم�رسح نخبوي يطمح‬ ‫�إىل مناف�سة �أو جماراة التجارب العاملية مثل‬ ‫بع�ض التجارب التون�سية جليل الر ّواد (فا�ضل‬ ‫اجلعايبي‪ ،‬وتوفيق اجلبايل‪ ،‬وحممد �إدري�س)‬ ‫�أو بع�ض املخرجني املهاجرين �أو املقيمني‬ ‫يف اخلارج (الكويتي ب�سام ال�سليمان‪� ،‬أو‬ ‫العراقي جواد الأ�سدي �أواللبناين الكندي وجدي‬ ‫مع ّو�ض)‪.‬‬ ‫هناك �أي�ض ًا امل�رسح الذي ال يزال ي�ستند �إىل‬ ‫الرتاث وفكرة الفرجة واالحتفالية‪ ،‬من دون �أن‬ ‫يجد الرابط اجلذري بني هذه االحتفالية والواقع‬ ‫احلايل (�أغلب دول اخلليج العربي واليمن‬ ‫واملغرب)‪ .‬وهناك �أي�ض ًا �إ�شكالية تتعلّق ب�إنتاج‬ ‫اجليل اجلديد الذي ُيفرت�ض �أن ينه�ض باحلركة‬ ‫امل�رسحية كك ّل (التجارب ال�شابة التي �سنتكلم‬ ‫عليها الحق ًا) والتي ُت�ص ّنف �أحيان ًا حتت ا�سم‬ ‫التجريب وهي كثرية‪ ،‬وتبدو يف �أغلب الأحيان‬ ‫متعثرّ ة يف �إيجاد عالقة وا�ضحة بالواقع‪ .‬عند‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪397‬‬

‫الكتابة امل�رسحية‬

‫�إن التغيريات التي ع�صفت بالثقافة ب�شكل‬ ‫عام‪� ،‬أثّرت على امل�رسح يف العقود الأخرية‪،‬‬ ‫فت�ضاءلت الكتابة للم�رسح ب�شكل م�ستقل عن‬ ‫العر�ض وهذا اجتاه عاملي‪ ،‬لكن الن�ص عاد‬ ‫وظهر يف امل�رسح العاملي‪ ،‬وهناك ما ميكن‬ ‫�أن ن�سميه الن�ص اجلديد‪� .‬أما بالن�سبة للم�رسح‬ ‫العربي‪ ،‬فقليلة هي الن�صو�ص وهي غري جم ّددة‪،‬‬ ‫هناك م�شاريع تن�شط من خالل م� ّؤ�س�سات خا�صة‬ ‫ور�سمية �أحيان ًا‪� ،‬أو مراكز ثقافية �أجنبية ت�سعى‬ ‫لتن�شيط الكتابة امل�رسحية وت�شجيعها (م�رشوع‬ ‫�إقليمي قادته م� ّؤ�س�سات مثل املورد الثقايف‬ ‫واملجل�س الثقايف الربيطاين واملركز الثقايف‬ ‫الفرن�سي يف دم�شق وم�رشوع دار عدوان يف‬ ‫دم�شق ووزارة الثقافة يف اليمن)‪� .‬إن قراءة‬ ‫مت�أ ّنية لبع�ض هذه الن�صو�ص ُتظهر تغيريات‬ ‫ملمو�سة يف الق�ضايا املطروحة‪ ،‬وهذا ما ي�شي‬ ‫بتح ّول جذري يف طبيعة االهتمامات‪ ،‬وقد‬ ‫يف�سرّ عدم جلوء املخرجني ال�شباب �إىل ا�ستخدام‬ ‫ن�صو�ص الآباء يف عرو�ضهم‪ ،‬بل التوجه �إىل‬ ‫كتابة ن�صو�صهم اخلا�صة‪.‬‬ ‫وامللمح الرئي�سي لعام ‪ 2008‬كان عودة‬ ‫الكتابة من خالل م�شاريع حاولت �إخراج‬ ‫هذا اجلديد �إىل العلن‪ ،‬فت ّمت طباعة ن�صو�ص‬ ‫ال�شباب كتتويج حلركة دعم الكتابة التي ولدت‬ ‫منذ �سنوات قليلة‪ ،‬دار عدوان يف دم�شق طبعت‬ ‫خا�صني بن�صو�ص ال�شباب احتويا ع�رشة‬ ‫جز�أين ّ‬ ‫مت اختيارهم من‬ ‫ن�صو�ص من جممل مائة ن�ص ّ‬ ‫خمت�صة (اجلزءان املتعلقان مب�رسح‬ ‫قبل جلنة‬ ‫ّ‬ ‫ال�شباب عن دار ممدوح عدوان يف دم�شق ‪2008‬‬ ‫ي�ض ّمان ع�رشة ن�صو�ص)‪ .‬كذلك قامت اليمن يف‬ ‫العام ‪ 2008‬ب�إجراء م�سابقة لت�شجيع الت�أليف‬ ‫امل�رسحي‪ .‬ويف هذا العام �أي�ض ًا اختار بنك‬ ‫ومقره ال�شارقة‪،‬‬ ‫الن�صو�ص امل�رسحية العربي‬ ‫ّ‬

‫هنـاك اتـجـاهـات فـي الـم�سـرح‬ ‫العربي تعبرّ عن نو�ستاليجا عالية‬ ‫مثل امل�رسح الرومان�سي الذي عاد‬ ‫ليظهر‪ .‬وهناك �أي�ض ًا االجتاه التجاري‬ ‫الذي يتغلغل �أكرث ف�أكرث يف م�رسحنا‬ ‫العربي‪ ،‬وهناك عودة اىل امل�رسح‬ ‫الديني‬

‫الإبداع‬

‫ر�صد حركة امل�رسح يف الأعوام الأخرية‪ ،‬نلحظ‬ ‫كرثة اللجوء �إىل نوع املونودراما وم�رسح‬ ‫ال�صوت الواحد‪ ،‬ونلحظ اجلديد على م�ستوى‬ ‫لغة التعبري‪ ،‬من ج�سد وحركة‪ ،‬واللجوء �إىل‬ ‫�أ�شكال تعبري جديدة ما بعد حداثية‪ ،‬وهذا ما‬ ‫جنده يف لبنان ما بعد احلرب الأهلية ب�شكل‬ ‫ملمو�س‪ ،‬ويف بع�ض الدول العربية الأخرى‬ ‫مثل تون�س وم�رص واملغرب و�سوريا‪ .‬وبالتايل‬ ‫ال يجب املزج بني هذا التوجه والتوجه الآخر‬ ‫الذي �سبقه ورمبا م ّهد له‪ ،‬وهو «التجريب» الذي‬ ‫مهرجان يف م�رص هو مهرجان‬ ‫خ�ص�ص له‬ ‫ٌ‬ ‫ُي ّ‬ ‫امل�رسح التجريبي! لكن ال�س�ؤال هو هل حقّقنا‬ ‫احلداثة لننتقل �إىل مرحلة ما بعد احلداثة؟‬ ‫مقابل عرو�ض الربفورمان�س وعرو�ض‬ ‫التجهيزات التي تبتعد عن مبد�أ احلكاية‬ ‫املبنية واملت�سل�سلة‪ ،‬وت�ستند �أ�ص ًال �إىل عالقة‬ ‫مغايرة وجديدة بالواقع (ب�رصف النظر‬ ‫عن مدى تنا�سبها مع هذا الواقع)‪ ،‬ومقابل‬ ‫انتفاء اخل�صو�ص ّية امل�رسحية على م�ستوى‬ ‫الن�ص والعر�ض يف �آن واحد‪ ،‬مقابل هذا‪،‬‬ ‫هناك اجتاهات يف امل�رسح العربي تعبرّ عن‬ ‫نو�ستاليجا عالية مثل امل�رسح الرومان�سي الذي‬ ‫عاد ليظهر‪ .‬وهناك �أي�ض ًا االجتاه التجاري الذي‬ ‫يتغلغل �أكرث ف�أكرث يف م�رسحنا العربي‪ ،‬وهناك‬ ‫عودة اىل امل�رسح الديني واجلديد منه هو‬ ‫امل�رسح الذي يعبرّ عن اجتاهات «�إ�سالموية»‬ ‫عربية ويتب ّناه بع�ض الأحزاب ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫يف جانب �آخر‪ ،‬تبدو الأزمة جل ّية من‬ ‫خالل ظاهرة تراجع الكتابة للم�رسح‪ ،‬فتح ّول‬ ‫�أغلب الك ّتاب ال�شباب منهم والكهول �إىل‬ ‫الكتابة للتلفزيون لأ�سباب مادية‪� ،‬أو �أنهم‬ ‫يكتبون للعر�ض فقط وبت� ّرسع‪ ،‬ن�ستنتج من‬ ‫كمية العرو�ض التي يكتبها خمرجوها‪� ،‬أن‬ ‫الن�ص العربي �أ�صبح قا�رصاً عن التعبري كما‬ ‫يريد �أن يقوله اجليل اجلديد‪ ،‬والن�ص امل�رسحي‬ ‫املطبوع ب�شكل م�ستقل عن العر�ض �أ�صبح‬ ‫نادراً �أي�ض ًا‪ .‬كما تنعك�س الأزمة على م�ستوى‬ ‫البنى امل�رسحية باملعنى الوا�سع للكلمة‪ ،‬وهي‬ ‫تظهر يف العالقة املـ�أزومة مع امل� ّؤ�س�سة (مهما‬

‫كان نوعها) والتي ُيفرت�ض بها �أن ترعى‬ ‫امل�رسح‪ ،‬وهي تظهر يف �ضعف البنى التحتية‬ ‫املخ�ص�صة للعرو�ض‬ ‫للم�رسح وقلّة الف�ضاءات‬ ‫ّ‬ ‫امل�رسحية‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 398‬للتنمية الثقافية‬

‫خم�سة �أعمال م�رسحية مين ّية لك ّتاب �شباب‪� ،‬أمناط �إنتاج‬

‫ثمة �إ�شكالية �أ�سا�سية وا�ضحة‬ ‫لدى امل�ؤ�س�سات امل�رسحية تتجلى‬ ‫يف اهرتاء البنى الثقافية التي ت� ّرشع‬ ‫لوجود امل�رسح يف املجتمع‪ ،‬فقد‬ ‫باتت املنظومات الإدارية (واملالية)‪،‬‬ ‫املوروثة من حقبة �سابقة‪ ،‬جامدة‪،‬‬ ‫كما �أن هناك حماولة م�ستمرة للرقابة‬ ‫على حرية التعبري‪� .‬إ�ضافة �إىل ذلك‪،‬‬ ‫ف�إن امل�رسح العربي اليوم يعاين من‬ ‫�أزمة حا ّدة تتعلق بالتمويل والرعاية‪،‬‬ ‫وبالعالقة بني الدولة وامل�رسح‪.‬‬

‫تتوىل دائرة الثقافة والإعالم يف حكومة‬ ‫ال�شارقة طباعتها ون�رشها يف جميع الأقطار‬ ‫العربية‪ .‬وامل�رسحيات هي‪ :‬الألفية الثالثة لعبلة‬ ‫عبد ربه الهيثمي‪ ،‬يوم املكال الدامي ملنري طالل‪،‬‬ ‫مرياث هادي لوجدي الأهدل‪ ،‬عودة �سيف بن‬ ‫ذي يزن لعبد العزيز عبا�س‪ ،‬عبد يغوث لإبراهيم‬ ‫ال�شا�ش‪ .‬وتربز يف هذه الن�صو�ص موا�ضيع‬ ‫جديدة مل يتطرق �إليها جيل الآباء نهائي ًا‪ ،‬ت�ضع‬ ‫«الأنا» اجلائعة امل�ضطربة ال�ضائعة (اجلن�س‪،‬‬ ‫اال�ستقرار‪ ،‬الزواج‪ ،‬العنف‪ ،‬الرف�ض‪ ،‬الهجرة‪،‬‬ ‫ال�سفر‪ ،‬الندم) يف قلب هذا العامل املعقّد (خالف ًا‬ ‫جليل الآباء الذي غ ّيب الأنا متام ًا وحاول طرح‬ ‫ق�ضايا عامة)‪� .‬إن امل�شاكل املطروحة يف �أغلب‬ ‫الن�صو�ص والعرو�ض اليوم هي م�شاكل يومية‬ ‫معي�شية وهي خا�صة �أكرث منها عامة‪ ،‬لكنها‬ ‫ت�صب يف م�شاكل املجتمع ككلّ‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫ّ‬ ‫�أن الق�ضايا املطروحة �أحيان ًا ُتعبرّ عن م�شاكل‬ ‫جيل ب�أكمله‪� ،‬إال �أن طرق طرحها ت�أتي يف �إطار‬ ‫�ض ّيق �إىل ح ّد كبري‪ .‬لكن تبقى امل�شكلة الأ�سا�سية‬ ‫التي تعاين منها �أغلب الن�صو�ص اليوم هي‬ ‫اعتمادها �أفكاراً جديدة‪ ،‬لكن �أغلبها ي�أتي يف‬ ‫قوالب قدمية فتفقد بذلك ر�سالتها وهويتها‪� .‬إن‬ ‫�أغلب هذه الن�صو�ص حتاول �أن تكون ثورة على‬ ‫القيم املوجودة‪� ،‬سواء يف اختيار املو�ضوع �أم‬ ‫يف �شكل التعبري عنه‪ ،‬بينما تغيب نهائي ًا حماولة‬ ‫تف�سري �أ�سباب هذا ال�ضياع �أو ربط م�شكلة الأنا‬ ‫والأنا والآخر مبا هو �أو�سع من هام�ش ت�صوير‬ ‫امل�شكلة‪ ،‬واخلروج �إىل ما يتجاوزها من �سياق‬ ‫اجتماعي �أو �سيا�سي �أو غريه‪ .‬فهل العامل الذي‬ ‫نعي�ش فيه اليوم متعذّر الفهم �إىل هذا احل ّد لكي‬ ‫نقف عند حد طرح الأ�شياء من دون حماولة‬ ‫فهمها �أو م�رسحتها؟ ما هو م ّربر املبا�رشة‬ ‫يتفجر؟ مباذا‬ ‫الفجة �إىل هذا احل ّد؟ �أهو غ�ضب ّ‬ ‫ّ‬ ‫يختلف �إن�سان اليوم عن �إن�سان البارحة؟ ثم‬ ‫مباذا نف�سرّ �أي�ض ًا ميل الأجيال ال�شا ّبة نحو‬ ‫ا�ستخدام اللغة املحكية يف امل�رسح ؟ �أهو قرار‬ ‫فني جمايل؟ �أو مزيد من الواقعية؟ �أو هو ت�أثري‬ ‫لغة التلفزيون؟ �أو االثنني مع ًا؟‬

‫ثمة �إ�شكالية �أ�سا�سية وا�ضحة لدى‬ ‫امل�ؤ�س�سات امل�رسحية يف بع�ض الدول العربية‪،‬‬ ‫ويبدو هذا الو�ضع متفاقم ًا يف الدول التي كان‬ ‫لها الأ�سبقية يف جمال امل�رسح‪ ،‬مقارنة بالدول‬ ‫التي عرفت امل�رسح و� ّرشعته يف مرحلة الحقة‪.‬‬ ‫وتتجلى تلك الإ�شكالية يف اهرتاء البنى الثقافية‬ ‫التي ت� ّرشع لوجود امل�رسح يف املجتمع‪ ،‬فقد‬ ‫باتت املنظومات الإدارية (واملالية)‪ ،‬املوروثة‬ ‫من حقبة �سابقة‪ ،‬جامدة‪ ،‬كما �أن هناك حماولة‬ ‫م�ستمرة للرقابة على حرية التعبري‪� .‬إ�ضافة �إىل‬ ‫ذلك‪ ،‬ف�إن امل�رسح العربي اليوم يعاين من �أزمة‬ ‫حا ّدة تتعلق بالتمويل والرعاية‪ ،‬وبالعالقة‬ ‫بني الدولة وامل�رسح‪.‬‬ ‫�إن �أغلب الدول العربية تب ّنت بعد اال�ستقالل‬ ‫نوع ًا من الهيكلية الثقافية‪ ،‬ونق�صد بذلك �شكل‬ ‫تنظيم العالقة بني الدولة وامل�ؤ�س�سة الثقافية‬ ‫والأفراد مبا يتنا�سب و�سيا�ستها العامة‪.‬‬ ‫مناذج �أو �أطراً موجودة‬ ‫وا�ستعارت بع�ض الدول‬ ‫َ‬ ‫يف العامل‪ ،‬وقامت الدول الأخرى بتطبيق ما‬ ‫مت �سابق ًا يف الدول التي كان لها دور الريادة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ومن هذه النماذج منوذجان ي�شكّالن ح ّدين‬ ‫مت تبنيهما يف ال�ستينيات من القرن‬ ‫�أق�صيني ّ‬ ‫املا�ضي‪ ،‬الأ ّول هو النموذج ال�رشقي ملنظومة‬ ‫دول االحتاد ال�سوفييتي �سابق ًا‪ ،‬حيث تكون‬ ‫امل� ّؤ�س�سة الثقافية تابعة كلي ًا للدولة التي‬ ‫تق ّدم الرعاية املادية‪ ،‬وت�رشف على ال�سيا�سة‬ ‫الثقافية من دون � ّأي هام�ش ا�ستقاليل للم� ّؤ�س�سة‬ ‫بح ّد ذاتها (�سوريا‪ ،‬العراق‪ ،‬م�رص‪ ،‬اجلزائر حتى‬ ‫الت�سعينيات من القرن املا�ضي)‪ ،‬وهو قانوني ًا‬ ‫ما زال �ساري املفعول حتى الآن‪ ،‬ف�أنتجت �أطراً‬ ‫لها ت�سميات تب ّنت العمليات الثقافية ب�أنواعها‬ ‫ومنها امل�رسح والفنون‪� .‬أما النموذج الثاين فهو‬ ‫النموذج الغربي‪ ،‬ال �سيما الفرن�سي‪ ،‬حيث توجد‬ ‫ع ّدة �أ�شكال من الرعاية‪ ،‬وهناك م� ّؤ�س�سات‬ ‫ثقافية تابعة ب�شكل كامل مل� ّؤ�س�سات الدولة‬ ‫كالوزارات �أو الهيئات العامة للثقافة‪ ،‬وهناك‬ ‫�أ�شكال رعاية �أخرى ت�أتي على �شكل منح من‬ ‫الدولة �أو من خارجها‪ ،‬تف�سح يف املجال ب�شكل‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪399‬‬

‫حلول وجتارب‬

‫• يف تون�س و�ضعت يف ثمانينيات‬ ‫القرن املا�ضي (�أعيد النظر بها بعد ذلك يف‬ ‫الت�سعينيات ثم يف ‪ 2003‬ويف ‪ )2008‬وثيقة‬ ‫تفكري حتت عنوان من �أجل م�رشوع ثقايف‬ ‫�أع ّدتها جمموعة من اخلرباء و�أر�سلت �إىل‬ ‫املجل�س الأعلى للثقافة‪ .‬وقد و�ضعت �آلية‬ ‫متويلية للثقافة ُ�س ّميت �صندوق العمل الثقايف‬

‫الإبداع‬

‫�أكرب حلرية الف�ضاء الثقايف على الرغم من‬ ‫وجود الدعم وا�ستقالليته‪ ،‬وهذا ما جنده يف بلد‬ ‫مثل تون�س‪ .‬وقد عادت هذه الدول وتب ّنت يف ما‬ ‫بعد �إ�صالحات على هذا النموذج كما يف الدول‬ ‫الأوروبية بعد الت�سعينيات من القرن املا�ضي‪.‬‬ ‫هناك حالة ثالثة خمتلفة برزت يف ما بعد‪،‬‬ ‫تق ّدم فيها الدولة الرعاية املادية لفنون من‬ ‫منطق خمتلف (دول جمل�س التعاون اخلليجي)‪،‬‬ ‫وهناك ا�ستثناء عن هذه القاعدة (حالة امل�رسح‬ ‫الّلبناين مث ًال وتبدو الرعاية يف ح ّدها الأدنى‬ ‫�أو معدومة)‪.‬‬ ‫بقيت هذه الأمناط من التنظيم والإنتاج‬ ‫�سائدة وف ّعالة حتى الثمانينيات من القرن‬ ‫املا�ضي‪ ،‬لكن بع�ض اخللل بد�أ بالظهور لديها‬ ‫نتيجة عجزها عن تطوير نف�سها‪ ،‬بحيث مل‬ ‫تتمكّن من جماراة التح ّوالت اجلوهرية التي‬ ‫ح�صلت على امل�ستوى العاملي كانفتاح‬ ‫�سوق الإنتاج الثقايف (ما هي ميزانية �إنتاج‬ ‫م�رسحية اليوم؟) وهناك مك ّونات غري حملية‬ ‫بد�أت بالت�أثري ب�شكل مبا�رش‪� .‬إن هذا العجز‬ ‫م�س الثقافة ب�شكل جوهري‪ ،‬وبد�أت النتائج‬ ‫ّ‬ ‫بالظهور على �شكل تخلّف من حيث القوانني‬ ‫(هل هناك فع ًال حقوق للم�ؤلف؟) ومع افرتا�ض‬ ‫النوايا احل�سنة على امل�ستوى الر�سمي‪� ،‬إال �أنه‬ ‫مت�س �شكل‬ ‫ال ب ّد من القيام بتغيريات جوهرية ّ‬ ‫تنظيم العالقة بني الثقافة وامل� ّؤ�س�سة والثقافة‬ ‫والأفراد‪ .‬لكن مع الأ�سف‪ ،‬يف �أغلب الأحيان مل‬ ‫تت ّم مثل هذه املراجعة ال�رضورية على امل�ستوى‬ ‫العملي واملحلي‪ ،‬لذلك فقدت الهيكليات والبنى‬ ‫املوجودة جزءاً من فعاليتها ‪.‬‬

‫يعطي منح ًا لدعم الإنتاج الثقايف وي�ساعد‬ ‫على ن�رش وتوزيع الأعمال الثقافية‪ .‬ويت�شكّل‬ ‫مورد هذا ال�صندوق من �رضائب على الأعمال‬ ‫والعقود‪ ،‬وقد كان له �أثر كبري يف ازدهار‬ ‫العمل الثقايف يف البالد‪ ،‬لكن هذا الدعم �أ�صبح‬ ‫حمدوداً منذ بداية الت�سعينيات بعد ظهور‬ ‫تعقيدات �إدارية متنوعة �أعاقت تطوره‪ .‬ويف‬ ‫الأعوام ‪ 1996-1992‬ثم ‪ 2001-1997‬فُتح‬ ‫املجال �أمام القطاع اخلا�ص لال�ستثمار يف‬ ‫كل قطاعات الثقافة‪ :‬مو�سيقى‪ ،‬فنون ت�شكيلية‪،‬‬ ‫م�رسح‪ ،‬تلفزيون‪� ،‬سينما‪ ...‬و�أُعفي هذا القطاع‬ ‫من ال�رضائب مع ا�ستمرار خ�ضوعه للرقابة‬ ‫الر�سمية‪ .‬وبذلك فتحت الدولة الباب �أمام‬ ‫ا�ستثمار القطاع اخلا�ص ليوظّ ف �أمواله على‬ ‫�شكل ا�ستثمار ت�سويقي‪.‬‬ ‫• يف الأردن يت ّم دعم بع�ض امل�ؤ�س�سات‬ ‫الفنية (الفرق والتجمعات) من خالل وزارة‬ ‫الثقافة‪� ،‬إ�ضافة �إىل بع�ض الدعم من البلديات‬ ‫(تعترب بلدية عمان ‪� -‬أمانة عمان‪ -‬من �أن�شط‬ ‫البلديات يف املنطقة على م�ستوى الدعم‬ ‫الثقايف)‪ ،‬لكن يف املح�صلة يبقى هذا الدعم‬ ‫حمدوداً للغاية وال يكفي لدعم �أي �أن�شطة لها‬ ‫طابع اال�ستمرارية ت�سمح ببناء هياكل ثقافية‬ ‫ثابتة‪ ،‬فهي تتعامل مع منا�سبات ولي�س مع‬ ‫�أطر ثابتة‪ ،‬وال ت�ستطيع � ّأي م� ّؤ�س�سة �أن تعتمد‬ ‫يف �أن�شطتها على هذا الدعم ب�شكل تلقائي‪.‬‬ ‫• يف لبنان تق ّدم وزارة الثقافة دعم ًا‬ ‫حمدوداً للغاية لبع�ض امل�رشوعات الثقافية‬ ‫وب�شكل غري دوري‪ ،‬ويف �أحيان نادرة دعمت‬ ‫يف ال�سنوات الأخرية �سفر بع�ض الفرق‬ ‫للم�شاركة يف مهرجانات �إقليمية يف حال‬ ‫�سمحت امليزانية بذلك‪ ،‬وتعتا�ش الثقافة على‬ ‫دعم جهات متع ّددة لكنها غري ثابتة ولي�س لها‬ ‫� ّأي هدف �أو عالقة بالثقافة‪.‬‬ ‫• يف م�رص وكذلك يف �سوريا وغريها‬ ‫من الدول العربية‪ ،‬تقوم وزارة الثقافة بدعم‬ ‫الأجهزة والهيئات التابعة لها فقط (مديرية‬ ‫امل�سارح واملو�سيقى‪ ،‬هيئة امل�رسح‪ ،‬قطاع‬ ‫الثقافة اجلماهريية‪ ،‬هيئة ق�صور الثقافة‪ ،‬دار‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 400‬للتنمية الثقافية‬

‫الأوبرا‪�..‬إلخ )‪ .‬ومع بداية الت�سعينيات بد�أت يف‬ ‫م�رص حماولة لإن�شاء �آليات بديلة مثل �صندوق‬ ‫التنمية الثقافية التابع للوزارة‪ ،‬الذي �أ�صبح‬ ‫ب�سبب امل�صاعب الإدارية يقوم تدريجي ًا بدعم‬ ‫�أن�شطة تابعة للدولة ب�شكل �أو ب�آخر‪.‬‬ ‫تو�ضح هذه الأمثلة �أن التح ّوالت مل ت�أت‬ ‫مت�ساو يف كل دول العامل العربي‪ ،‬و�أن‬ ‫ب�شكل‬ ‫ٍ‬ ‫التجديد نادر واخللل يظهر ب�شكل �أو�ضح عندما‬ ‫يتعلق الأمر بالأجيال اجلديدة ال�شا ّبة‪ ،‬وغالب ًا‬ ‫ال توجد برامج ت�سمح لهم بدخول ال�ساحة‬ ‫امل�رسحية‪� ،‬أو �أنها موجودة وتعاين من اخللل‬ ‫(م�رص)‪� ،‬أو يف جماالت فنية ثقافية جديدة مل‬ ‫تكن معروفة �سابق ًا‪ .‬وعلى الرغم من وجود‬ ‫حراك يف مناطق عديدة لتجاوز الأزمات‪� ،‬إال‬ ‫�أن هذا احلراك مل ي�ساعد بال�رضورة على جتاوز‬ ‫الأزمة كونها �أزمة بنيوية‪.‬‬

‫التمويل اخلارجي‬

‫�إىل جانب التمويل الرئي�سي وهو متويل‬ ‫الدولة‪ ،‬هناك ظاهرة التمويل عرب م� ّؤ�س�سات‬ ‫تناه�ض الهيمنة الثقافية وت�سليع الفنون وتوفّر‬ ‫اخلدمات للمبدعني‪ ،‬وهي م�ؤ�س�سات حملية‬ ‫دولية �أو �إقليمية‪ :‬خالل ال�سنوات اخلم�س ع�رشة‬ ‫الأخرية ولأ�سباب مو�ضوعية وحملية‪ ،‬من بينها‬ ‫التطور التكنولوجي وظهور الفن املفهومي‪،‬‬ ‫ولأ�سباب لها عالقة بالظروف ال�سيا�سية‬ ‫واحلروب يف املنطقة وما تالها من حركات‬ ‫هجرة �أ ّدت �إىل تزايد اهتمام الغرب بق�ضايا‬ ‫مثل الهجرة والإرهاب والتنمية وغريها‪ ،‬وفّرت‬ ‫البنى الأورومتو�سطية والأجنبية فر�ص ًا غري‬ ‫م�سبوقة للتمويل والتدريب والتجوال والإنتاج‬ ‫امل�شرتك وللقاء جمهور جديد‪ .‬وقد �أ ّدى ذلك‬ ‫قانوني ًا ومالي ًا �إىل خلق فر�ص جديدة للتنظيم‬ ‫والعمل خارج الأطر احلكومية يف املنطقة‬ ‫العربية (حالة امل�رسح الفل�سطيني واللبناين)‪.‬‬ ‫ويتكاثر عدد املنظمات واجلمعيات ال�شبابية‬ ‫امل�ستقلة‪ ،‬التي تتيح ف�ضاءات للقاء جمهور‬ ‫جديد وا�ست�ضافة تظاهرات وفعاليات متعلقة‬ ‫ببنى غري ر�سمية وغري جتارية‪ .‬وعلى امل�ستوى‬

‫الإقليمي يوجد �صندوق ال�شباب العربي‬ ‫وال�صندوق العربي للثقافة والفنون‪ ،‬وهذا‬ ‫الأخري له طابع عربي مركزه ع ّمان‪ .‬ويف م�رص‬ ‫مث ًال‪ ،‬يوجد �صندوق روبرت �شيميتو املخت�ص‬ ‫بتنقالت الأفراد �أو ا�ستوديو عماد الدين (ف�ضاء‬ ‫خا�ص) املخت�ص بت�أمني �أماكن تدريب ويقيم‬ ‫دورات تدريبية‪ ،‬و�أي�ض ًا م�ؤ�س�سة املورد الثقايف‬ ‫( م�ؤ�س�سة لها طابع �إقليمي لدعم ال�شباب) تعطي‬ ‫متوي ًال حمدوداً مل�شاريع و�أن�شطة ثقافية وتقيم‬ ‫م�شاريع تدريبية‪ ،‬وهي �أ�صدرت برناجم ًا العام‬ ‫املا�ضي حتت عنوان مواعيد يهت ّم بتمويل‬ ‫املخت�صة‬ ‫انتقال الفرق‪ ،‬وفرقة �ساقية ال�صاوي‬ ‫ّ‬ ‫ب�إتاحة ف�ضاءات العر�ض وغريها‪.‬‬

‫ثاني ًا ‪ -‬حركة امل�رسح يف الدول العربية‬ ‫امل�رسح امل�رصي‬

‫امل�رسح يف جهورية م�رص العربية من �أه ّم‬ ‫و�أقدم امل�سارح العربية و�أكرثها ح�ضوراً على‬ ‫م�ستوى املجتمع‪ ،‬وله و�ضع خا�ص و�أ�شكال‬ ‫متنوعة من امل�رسح التقليدي �إىل امل�رسح‬ ‫التجريبي �إىل �أ�شكال العر�ض الأخرى (رق�ص‬ ‫وم�رسح راق�ص �إىل �أ�شكال �أكرث حداثة �إىل‬ ‫م�سارح جتارية تعتمد وجود النجم)‪ .‬توجد‬ ‫�أي�ض ًا م�سارح عديدة يف العا�صمة واملدن‬ ‫تعر�ض‬ ‫الكربى مثل الإ�سكندرية‪ .‬عام ‪ّ 2008‬‬ ‫دمره‬ ‫امل�رسح القومي يف القاهرة حلريق هائل ّ‬ ‫فكانت خ�سارة كبرية‪ ،‬وبناء امل�رسح القومي له‬ ‫داللة �أكرب من كونه عمارة م�رسحية‪ ،‬لذا نرى‬ ‫مث ًال‪� ،‬أن ناقدة مثل الدكتورة نهاد �صليحة‬ ‫عندما تق ّيم و�ضع امل�رسح امل�رصي خالل‬ ‫العام املن�رصم‪ ،‬تبد�أ بذكر هذا احلريق لرمزيته‬ ‫ولت�صل �إىل الإ�شكاالت التي يعاين منها هذا‬ ‫امل�رسح (الأهرام الإنكليزية ‪.)Ahram Weekly‬‬

‫البدايات‬

‫بدايات امل�رسح يف م�رص كانت مت�أثّرة‬ ‫بامل�رسح الذي كان موجوداً بني اجلاليات‬ ‫الأجنبية‪ ،‬وبامل�سارح الأوروبية التي اطّ لع‬ ‫عليها بع�ض املثقفني يف فرن�سا بالتحديد‪ .‬لقد‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪401‬‬

‫الإبداع‬

‫دخل امل�رسح احلياة العامة كجزء من حركة‬ ‫مت افتتاح دار الأوبرا امل�رصية‬ ‫النه�ضة‪ ،‬و ّ‬ ‫عام ‪ 1869‬بالتزامن مع افتتاح قناة ال�سوي�س‬ ‫كظاهرة مدنية‪ .‬وظهر امل�رسح يف نهايات‬ ‫القرن التا�سع ع�رش على ي ّد يعقوب �ص ّنوع‪ ،‬الذي‬ ‫كان م�رسحه واقعي ًا هزلي ًا‪ ،‬على خالف ن�ش�أة‬ ‫امل�رسح يف بالد ال�شام‪ ،‬الذي اعتمد يف البداية‬ ‫على الرتاث ل�صياغة حكاياته (القباين ونقّا�ش)‪.‬‬ ‫بعد ذلك تط ّور امل�رسح يف م�رص ب�رسعة �شديدة‬ ‫وانغر�س يف املجتمع‪ ،‬ومل يعرف انقطاعات‬ ‫كغريه من امل�سارح‪ .‬ا�ستفاد امل�رسح يف م�رص‬ ‫من هجرة امل�رسحيني من �سوريا ولبنان‪ ،‬ويف‬ ‫مرحلة مبكرة ظهرت الفرق امل�رصية وكانت‬ ‫م�ستقلة وال تلقى دعم ًا من الدولة‪.‬‬ ‫مت ت�أ�سي�س �أول م� ّؤ�س�سة‬ ‫عام ‪ّ 1930‬‬ ‫تعليمية م�رسحية هي كون�رسفتوار الفن‬ ‫الدرامي يف القاهرة‪ .‬ويف الثالثينيات �أي�ض ًا‬ ‫الك�سار‬ ‫ظهرت الفرق الكوميدية مثل فرقة علي ّ‬ ‫وفرقة جنيب الريحاين‪ ،‬وكانت هذه الفرق تق ّدم‬ ‫عرو�ض ًا للرتفيه ب�شكل �أ�سا�سي‪ .‬باملقابل ظهر‬ ‫امل�رسح اجلا ّد الذي قام على اقتبا�س الن�صو�ص‬ ‫العاملية‪ .‬يف الأربعينيات‪ ،‬وحتديداً عام ‪،1944‬‬ ‫مت حتويل كون�رسفتوار الفن الدرامي �إىل املعهد‬ ‫ّ‬ ‫العايل لفن التمثيل‪ .‬مع نهاية الأربعينيات‬ ‫وبداية اخلم�سينيات ظهر عدد من الك ّتاب الذين‬ ‫بد�أوا بكتابة امل�رسح ال�سيا�سي (نعمان عا�شور‬ ‫وميخائيل رومان)‪ ،‬وتبلور هذا االجتاه ب�شكل‬ ‫خا�ص بعد ثورة يوليو ‪ .1952‬يف ال�ستينيات‬ ‫بد�أت دعوات ت�أ�صيل امل�رسح يف م�رص ويف‬ ‫عدة دول عربية �أخرى‪ ،‬وكان هناك بحث‬ ‫يف الرتاث (م�رسح ال�سامر مع يو�سف �إدري�س‬ ‫وحممود دياب)‪ ،‬ويف هذه املرحلة �أي�ض ًا عادت‬ ‫جمموعة من املخرجني ال�شباب الذين در�سوا‬ ‫امل�رسح يف �إيطاليا (كرم مطاوع و�سعد �أرد�ش‬ ‫وغريهما)‪ ،‬وكان لهم �أثر بالغ يف تطوير فن‬ ‫العر�ض امل�رسحي يف م�رص‪ ،‬وتنامى �أي�ض ًا‬ ‫امل�رسح ال�شعري الذي كان موجوداً بالأ�صل‬ ‫(�صالح عبد ال�صبور وعبد الرحمن ال�رشقاوي)‪.‬‬ ‫مت عام ‪ 1962‬ت�أ�سي�س �أكادميية الفنون‬ ‫كذلك ّ‬

‫كم� ّؤ�س�سة علمية �ض ّمت عدداً من املعاهد العليا‬ ‫املتخ�ص�صة يف الدرا�سات الفنية‪ ،‬ومن �ضمنها‬ ‫املعهد العايل للفنون امل�رسحية‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫من ذلك‪ ،‬بقي االجتاه الأن�شط والأكرث ح�ضوراً‬ ‫يف امل�رسح امل�رصي هو امل�رسح التجاري‬ ‫الكوميدي‪ ،‬وقد تنامى اعتماد هذا امل�رسح‬ ‫على وجود النجم‪ ،‬وكان الأبرز بني جنوم هذا‬ ‫امل�رسح عبد املنعم مدبويل وف�ؤاد املهند�س‬ ‫و�أبو بكر عزت وحممد عو�ض‪ ،‬وا�ستمر هذا‬ ‫االجتاه بعد ذلك مع عادل �إمام و�سعيد �صالح‬ ‫و�سمري غامن وغريهم‪.‬‬ ‫هناك ثالثة مراكز ثقل ت�رشف على امل�رسح‬ ‫و�إنتاجه يف م�رص هي‪ :‬امل� ّؤ�س�سات الر�سمية‬ ‫التابعة لوزارة الثقافة‪ ،‬الثقافة اجلماهريية‬ ‫املوجودة يف املحافظات‪ ،‬الفرق امل�ستقلة‪.‬‬ ‫ومن املفيد النظر �إىل �آلية عمل الفرق امل�ستقلة‬ ‫وطريقة دعمها واملنابر التي تتم ّتع بها لتقدمي‬ ‫عرو�ضها‪.‬‬ ‫�إن الهيئة امل�س�ؤولة عن امل�رسح يف‬ ‫م�رص هي وزارة الثقافة من خالل البيت‬ ‫الفني للم�رسح‪ ،‬وهو املديرية امل�س�ؤولة عن‬ ‫جميع الأن�شطة امل�رسحية يف م�رص‪ ،‬وهي‬ ‫�أي�ض ًا هيئة �إنتاجية لعرو�ض م�سارح الدولة‪،‬‬ ‫با�ستثناء هيئات تتمتع با�ستقاللية جزئية من‬ ‫�أهمها‪ :‬دار الأوبرا امل�رصية وم�رسح الهناجر‬ ‫ومركز الإبداع والهيئة العامة لق�صور الثقافة‬ ‫والثقافة اجلماهريية‪� .‬إن الهيئة العامة لق�صور‬ ‫الثقافة (هيئة حكومية م�س�ؤولة عن عدد من‬ ‫املراكز الثقافية املنت�رشة يف عدد كبري من‬ ‫املدن امل�رصية) هي هيئة تهتم ب�إنتاج عدد‬ ‫من الأن�شطة الثقافية كاحلفالت املو�سيقية‬ ‫والعرو�ض امل�رسحية‪� ،‬إىل جانب كونها تن�رش‬ ‫املطبوعات وعدداً من الدوريات‪ ،‬وال ميكن‬ ‫تقييم العرو�ض التي تنتجها‪ ،‬لكنها حا�رضة‬ ‫بكثافة يف احلياة الثقافية يف املحافظات‪.‬‬ ‫هناك �أي�ض ًا الهيئة العامة لدار الأوبرا‬ ‫امل�رصية‪ ،‬وهي جت ّمع لعدد من امل�سارح يف‬ ‫القاهرة والإ�سكندرية‪ ،‬تقوم ب�إنتاج احلفالت‬ ‫املو�سيقية والعرو�ض الأوبرالية‪� ،‬أما العرو�ض‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 402‬للتنمية الثقافية‬

‫غري الأوبرالية التي تقام على هذه امل�سارح‪،‬‬ ‫فهي تقام غالب ًا بالتعاون مع جهة �إنتاجية‬ ‫�أخرى وخ�صو�ص ًا البيت الفني للم�رسح‪.‬‬ ‫م�رسح الهناجر ومركز الإبداع يف القاهرة‪،‬‬ ‫مركزان بد�أ ن�شاطهما يف الت�سعينيات لدعم‬ ‫الأن�شطة امل�رسحية والثقافية للأجيال ال�شابة‪،‬‬ ‫و�إنتاج العرو�ض امل�ستقلة للفرق ال�صغرية‪.‬‬ ‫لكن م�رسح الهناجر �أ�صبح ميلك فرقة با�سمه‪،‬‬ ‫مت فر�ض �رشوط معينة على العرو�ض‬ ‫ويبدو �أنه ّ‬ ‫القابلة للإنتاج‪ ،‬الأمر الذي �أ ّدى �إىل حمدودية‬ ‫الإنتاج يف ال�سنوات الأخرية‪� ،‬إىل جانب �إغالق‬ ‫امل�رسح لفرتة طويلة ب�سبب الإ�صالحات‪.‬‬ ‫ويتم ّتع املركزان مبيزانية م�ستقلة وحمدودة‪،‬‬ ‫وعادة ما يقيمان العرو�ض بالتعاون يف ما‬ ‫بينهما �أو مع البيت الفني للم�رسح‪� .‬إىل جانب‬ ‫هذا يقيم مركز الإبداع دورات تدريبية معتمدة‬ ‫يف الإخراج والتمثيل والكتابة امل�رسحية‪،‬‬ ‫حيث �أُن�شئت داخل املركز مدر�سة م�رسحية منذ‬ ‫ثالث �سنوات من قبل خالد جالل وهو تابع‬ ‫لوزارة الثقافة مبا�رشة‪ .‬ق ّدم جالل يف العام‬ ‫تخرج يف‬ ‫‪ 2008‬م�رسحية قهوة �سادة كم�رشوع ّ‬ ‫املدر�سة داخل مركز الإبداع‪ ،‬وحت ّول �إىل ا�سم‬ ‫المع يف اخلريطة امل�رسحية امل�رصية‪ .‬بعد ذلك‬ ‫ُق ّدمت امل�رسحية با�سم فرقة �صندوق التنمية‬ ‫الثقافية يف مهرجان القاهرة التجريبي لعام‬ ‫‪ 2008‬وحازت على جائزة �أح�سن �إنتاج‪ .‬ولف�ضاء‬ ‫الهناجر يف القاهرة ف�ضل يف ا�ستمرارية حركة‬ ‫امل�رسح امل�ستقل وهو م�رسح ال�شباب‪ ،‬ويق ّدم‬ ‫دعم ًا مادي ًا ومعنوي ًا على �شكل منح ت�أ�سي�سية‪.‬‬ ‫البيت الفني للفنون ال�شعبية‪ ،‬هو هيئة‬ ‫تابعة لوزارة الثقافة ت�رشف على الفرق الرتاثية‬ ‫ومن بينها الفرق املو�سيقية والراق�صة‪� ،‬إىل‬ ‫جانب الفنون ال�شعبية الأخرى‪ ،‬وتنتج بع�ض‬ ‫العرو�ض امل�رسحية القائمة ب�شكل مبا�رش‬ ‫على الفنون الرتاثية‪ .‬ومن الهيئات احلكومية‬ ‫الأخرى التي تقوم ب�إنتاج العرو�ض امل�رسحية‬ ‫املعهد العايل للفنون امل�رسحية‪ ،‬وهو م�ؤ�س�سة‬ ‫خرج‬ ‫تعليمية م�رسحية �أ�سا�سية يف م�رص‪ُ ،‬ت ّ‬ ‫�سنوي ًا عدداً من الطلبة‪ ،‬واملعهد موجود يف‬

‫القاهرة و له فرع يف الإ�سكندرية‪ .‬ميلك بع�ض‬ ‫اجلامعات احلكومية برامج لدرا�سة امل�رسح‬ ‫تابعة لكليات الآداب مثل جامعات القاهرة‪،‬‬ ‫عني �شم�س‪ ،‬حلوان‪ ...‬ومنذ حو�إىل ع�رش �سنوات‬ ‫يقوم �أي�ض ًا �صندوق التنمية الثقافية وهو هيئة‬ ‫حكومية لتمويل الأن�شطة الثقافية بتمويل‬ ‫عرو�ض من �إنتاج م�سارح الدولة‪.‬‬ ‫تقوم بع�ض الهيئات احلكومية الأخرى‬ ‫نادراً برعاية �أو متويل عرو�ض و�أن�شطة م�رسحية‬ ‫ملوظفيها‪ ،‬ومن الهيئات التي تقوم بتمويل هذا‬ ‫النوع من الأن�شطة‪ ،‬وزارة النفط ووزارة ال�شباب‬ ‫التي مت ّول عرو�ض ًا و�أن�شطة م�رسحية �شبابية‪.‬‬ ‫كذلك تقوم بع�ض ال�رشكات اخلا�صة امل�س�ؤولة‬ ‫عن قطاعـات اقت�صاديـة وخـدمـاتية كربى‪،‬‬ ‫ب�إنتاج بع�ض العرو�ض امل�رسحية �أحيان ًا‪ ،‬مثل‬ ‫امل�رصية لالت�صاالت (�رشكة خا�صة ب�إ�رشاف‬ ‫وزارة االت�صاالت)‪.‬‬ ‫املتخ�ص�صة‬ ‫هناك بع�ض الهيئات اخلا�صة‬ ‫ّ‬ ‫ب�إنتاج الأن�شطة الثقافية ورعايتها من �أهمها‪،‬‬ ‫املورد الثقايف (الذي يق ّدم عرو�ضه يف م�رسح‬ ‫اجلنينة) و�ساقية عبد املنعم ال�صاوي وم�رسح‬ ‫روابط (حممد عبد الف ّتاح وفرقته‪ ،‬فرقة حالة)‬ ‫وا�ستوديو عماد الدين (�أحمد العطّ ار) وفرقة‬ ‫الور�شة (ح�سن اجلريتلي)‪ ،‬وكلها م� ّؤ�س�سات غري‬ ‫حكومية تعمل ب�شكل م�ستقل‪ ،‬وت�ستند مالي ًا‬ ‫�إىل دعم متن ّوع امل�صدر حملي �أو خارجي‪.‬‬ ‫ويتعاون بع�ض هذه الهيئات مع ًا‪ ،‬ويرعى‬ ‫بع�ضها مهرجانات �أو تظاهرات م�رسحية‪،‬‬ ‫رمبا �أن�شطها يف هذا املجال �ساقية عبد املنعم‬ ‫ال�صاوي واملورد الثقايف‪.‬‬ ‫الفرق امل�رسحية التابعة للدولة ت�ستق ّر يف‬ ‫�صاالت م�سارح م�سماة با�سمها‪ ،‬ونادراً ما تعترب‬ ‫هيئات م�رسحية م�ستقلة بح ّد ذاتها‪ ،‬وغالب ًا ما‬ ‫تكون عرو�ضها من �إنتاج البيت الفني للم�رسح‪،‬‬ ‫و�أه ّم هذه الفرق‪ :‬امل�رسح القومي‪ ،‬م�رسح الطليعة‪،‬‬ ‫م�رسح ال�سالم‪ ،‬م�رسح الغد‪ ،‬م�رسح ال�سامر‪،‬‬ ‫امل�رسح احلديث‪ ،‬م�رسح ال�شباب‪ ،‬م�رسح اجليب‪..‬‬ ‫توجد جمموعة من الفرق امل�رسحية‬ ‫اخلا�صة التي بد�أت ت�شكّل اجتاهها املتم ّيز‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪403‬‬

‫الدوريات امل�رسحية‬ ‫هي‪:‬‬

‫ت�صدر من م�رص ع ّدة دوريات م�رسحية‬

‫املهرجانات‬

‫يقام �سنوي ًا عدد كبري من املهرجانات‬ ‫�أه ّمها‪ :‬مهرجان القاهرة الدويل للم�رسح‬ ‫التجريبي الذي تقيمه وزارة الثقافة‪ ،‬بد�أ يف‬ ‫الت�سعينيات وله مدير ثابت �أو �شبه ثابت‪.‬‬ ‫ي�ستقبل هذا املهرجان عرو�ض ًا جتريبية م�رصية‬ ‫وعربية و�أجنبية وفيه م�سابقة وجوائز‪ ،‬وهو‬ ‫ينطلق يف بداية �شهر �أيلول �سبتمرب من كل عام‬ ‫وله �إ�صداراته امل�رسحية �سنوي ًا‪ ،‬وهي �إ�صدارات‬ ‫هامة تتمحور حول امل�رسح العاملي‪ .‬و�إذا نظرنا‬ ‫ّ‬ ‫�إىل قائمة امل�رسحيات امل�شاركة يف املهرجان‬ ‫لعام ‪ 2008‬جند �أن العرو�ض امل�رصية و�صلت‬ ‫�إىل خم�سة ع�رش عر�ض ًا م�رسحي ًا تقريب ًا وهي‬ ‫متفاوتة امل�ستوى‪� ،‬أما عدد العرو�ض العربية‬ ‫فقليل جداً ن�سب ًة للعرو�ض الأجنبية‪� .‬أما الندوة‬ ‫الفكرية لعام ‪ 2008‬فكانت حتت عنوان امل�رسح‬ ‫امل�ستقل‪ :‬جتلياته الفنية والفكرية ومع�ضالت‬ ‫ا�ستمراره‪ .‬وت�ض ّمنت الندوة ثالثة حماور هي‪:‬‬ ‫«من�ش�أ ومفهوم امل�رسح امل�ستقل يف العامل»‪،‬‬ ‫«امل�رسح امل�ستقل وجتلياته الفنية والفكرية»‪،‬‬ ‫«امل�رسح امل�ستقل ومع�ضالت وم�شكالت‬ ‫ا�ستمراره»‪.‬‬ ‫كما تنظّ م وزارة الثقافة املهرجان‬ ‫القومي للم�رسح‪ ،‬وهناك مهرجانان م�رسح ّيان‬ ‫خم�ص�صان‬ ‫للمعهد العايل للفنون امل�رسحية‬ ‫ّ‬ ‫لعرو�ض الطالب‪ ،‬الأول هو مهرجان امل�رسح‬ ‫العربي ويقام يف �شهر كانون الأول من كل‬ ‫عام‪ ،‬والثاين مهرجان امل�رسح العاملي ويقام‬ ‫يوم ‪� 27‬آذار �سنوي ًا‪ .‬م ّدة كل مهرجان �أ�سبوع‬ ‫�إ�ضافة �إىل تنظيم مهرجان م�رسح الطفل‪.‬‬ ‫الفرق امل�ستقلة لها �أي�ض ًا مهرجان �سنوي يف‬

‫الإبداع‬

‫يف امل�رسح امل�رصي‪ ،‬وهي تقوم ب�إنتاج‬ ‫عرو�ضها ب�شكل م�ستقل �أو برعاية من جهات‬ ‫�إنتاجية م�ستقلة‪ .‬من �أه ّم هذه الفرق الور�شة‬ ‫وجمموعة حالة مل�رسح ال�شارع‪ .‬لقد كان‬ ‫الف�ضل ملنحة البطراوي الناقدة ال�صحفية‬ ‫يف الأهرام يف �إ�شعال ال�رشارة الأوىل لفكرة‬ ‫�إقامة بديل ملهرجان امل�رسح التجريبي حني‬ ‫�ألغي عام ‪ 1990‬بعد غزو العراق للكويت‪� ،‬إذ‬ ‫نظمت اجتماع ًا يف نقابة املهن التمثيلية يف‬ ‫‪� 23‬أكتوبر ‪ 1990‬دعت �إليه �أن�صار الفكرة‪،‬‬ ‫احلرة يف م�رص‪ ،‬وكان الهدف من‬ ‫وولدت الفرق ّ‬ ‫وراء ذلك �إيجاد خيار ثالث غري م�رسح الدولة‬ ‫الر�سمي وامل�رسح اخلا�ص التجاري‪.‬‬ ‫يقوم بع�ض امل�ؤ�س�سات اجلامعية ب�أن�شطة‬ ‫م�رسحية‪ ،‬من �أهمها اجلامعة الأمريكية التي‬ ‫تقوم ب�إنتاج عرو�ض م�رسحية باللغتني‬ ‫العربية والإنكليزية‪� ،‬إىل جانب رعايتها‬ ‫لأن�شطة م�رسحية م�ستقلة من خالل تقدمي‬ ‫مكان العر�ض‪ ،‬حيث متلك اجلامعة �صالة‬ ‫ا�سمها (‪ )Howard Theate‬ت�ست�ضيف العرو�ض‬ ‫اخلا�صة عادة‪ .‬يف العام ‪ 2008‬ا�ست�ضافت هذه‬ ‫ال�صالة عدداً من العرو�ض‪ ،‬لكن بعد انتقال‬ ‫اجلامعة �إىل مبناها اجلديد �صيف عام ‪2008‬‬ ‫مل تتوفّر معلومات عن �أن�شطة م�رسحية من‬ ‫هذا النوع‪ .‬وهناك �أي�ض ًا يف املنيا ويف مدينة‬ ‫الإ�سكندرية مراكز للجزويت تدعم امل�رسح‬ ‫وت�ستقبل عرو�ض ًا وور�شات عمل ولديها ما‬ ‫ي�س ّمى ف�ضاء بديل‪ ،‬هو عبارة عن مر�آب ي�ستقبل‬ ‫العرو�ض امل�رسحية‪.‬‬ ‫هناك م�سابقات للت�أليف امل�رسحي و�أخرى‬ ‫�أدبية فيها جانب للت�أليف امل�رسحي‪� ،‬أه ّمها‬ ‫جائزة حممد تيمور للت�أليف امل�رسحي التي‬ ‫تق ّدمها الهيئة امل�رصية العامة للكتاب‪ ،‬وجائزة‬ ‫�إبداعات ال�شباب التي ت�شمل جائزة �أف�ضل كاتب‬ ‫م�رصي �شاب‪.‬‬

‫جملة امل�رسح‪ :‬ت�صدر عن الهيئة امل�رصية‬ ‫العامة للكتاب‪.‬‬ ‫جريدة م�رسحنا‪ :‬ت�صدر عن الهيئة العامة‬ ‫لق�صور الثقافة مب�رص‪.‬‬ ‫هناك �أي�ض ًا جملة م�رسحية غري منتظمة‬ ‫ال�صدور‪ ،‬ت�صدر عن املعهد العايل للفنون‬ ‫امل�رسحية خالل مهرجانات املعهد‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 404‬للتنمية الثقافية‬

‫القاهرة حتت عنوان حم ّدد‪ ،‬وقد ميتد ملدة‬ ‫طويلة (عام ‪ 2008‬ا�ستمر ل�شهرين) ويقام يف‬ ‫مركز الهناجر‪ ،‬ويالحظ �أن �أعمال هذه الفرق‬ ‫متفاوتة امل�ستوى‪.‬‬ ‫مهرجان الإ�سكندرية وهو م�ستقل تابع‬ ‫ملكتبة الإ�سكندرية‪ ،‬يقام يف �شهر �شباط من‬ ‫كل عام‪ ،‬وهو مهرجان للم�رسح امل�ستقل يق ّدم‬ ‫ندوات وور�ش عمل‪ ،‬حيث تعقد املكتبة �رشاكات‬ ‫مع جمعيات �أهلية لتمويل الن�شاطات التي‬ ‫تق ّدمها‪ ،‬ويكون املهرجان منا�سبة الجتماع‬ ‫الهيئات املم ّولة العربية وغري العربية‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من غنى كل هذه الأطر وتن ّوعها‬ ‫التي تدمج بني امل�سارح التابعة للقطاع العام‬ ‫وتلك الأخرى امل�ستقلة‪ ،‬وعلى الرغم من وجود‬ ‫�أ�شكال دعم مايل متن ّوع‪� ،‬إال �أن امل�رسح يف‬ ‫م�رص يعاين من �أزمات ع ّدة‪� ،‬أه ّمها تلك التي‬ ‫تتعلق مب�ستوى ما ينتج من عرو�ض وخ�صو�ص ًا‬ ‫يف القطاع العام‪ ،‬ومنها ما يتعلق ب�إمكانية‬ ‫اال�ستمرار للفرق ال�شابة التي ال تتمتع نهائي ًا‬ ‫بدعم حمدود ملدة ق�صرية‬ ‫بالدعم‪� ،‬أو تتمتع ٍ‬ ‫وب�إمكانيات هذه الفرق لتطوير نف�سها‪ .‬نذكر‬ ‫مث ًال من جممل عدد الفرق امل�ستقلة (‪ 20‬فرقة)‬ ‫يف البداية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل املخرجني اجلدد‪،‬‬ ‫يف حني توجد اليوم �أربع فرق فقط حظيت‬ ‫بامكانية الدميومة والبحث وهي‪( :‬عفت يحيى‪،‬‬ ‫نورا �أمني‪ ،‬هاين املتناوي‪ ،‬عزة احل�سيني)‪.‬‬ ‫لقد حاول ه�ؤالء يف ال�سنوات املا�ضية تطوير‬ ‫�أدواتهم عرب دمج امل�رسح بالفنون الأخرى من‬ ‫رق�ص ومولتي ميديا (م�رسحية ذاكرة املياه‬ ‫لعفّت يحيى ونورا �أمني‪ ،‬م�رسحية التطريز عن‬ ‫كتاب بر�سبولي�س للإيرانية مورجان �سرتابي‬ ‫من �إخراج عفّت يحيى‪ ،‬م�رسحية �أو�سكار‬ ‫وال�سيدة الوردية ت�أليف مانويل �شميت و�إخراج‬ ‫هاين املتناوي‪ ،‬م�رسحية يف ح ّد داي�س على‬ ‫قلبي ت�أليف جماعي و�إخراج عبري علي‪.‬‬

‫املو�سم امل�رسحي لعام‬ ‫‪60‬‬

‫‪2008‬‬

‫خالل العام ‪ 2008‬ت ّي�رس �إح�صاء �أكرث من‬ ‫عر�ض ًا م�رصي ًا‪ ،‬على الرغم من �أن العدد‬

‫احلقيقي يبدو �أكرب من ذلك‪ ،‬لكن عدم توفر‬ ‫االح�صائيات الر�سمية الدقيقة من قبل الدولة‬ ‫�أو امل� ّؤ�س�سات املعنية‪ ،‬يحول دون معرفة‬ ‫العدد احلقيقي للعرو�ض �سنوي ًا‪ ،‬وهذا الأمر‬ ‫ين�سحب على معظم الدول العربية‪ .‬لقد ا ّت�سم‬ ‫املو�سم امل�رسحي يف م�رص بالتن ّوع‪ ،‬فهناك‬ ‫الكوميديا ال�سيا�سية وامل�رسح االجتماعي‬ ‫وامل�رسح اال�ستعرا�ضي وامل�رسح التجاري‬ ‫والب�سيكودراما وامل�رسح الديني‪ ،‬ومن املالحظ‬ ‫غياب الكتابة امل�رسحية اجلديدة‪.‬‬ ‫من �أبرز امل�رسحيات التي �شهدها العام‬ ‫‪ 2008‬م�رسحية زكي يف الوزارة ت�أليف لينني‬ ‫الرملي و�إخراج ع�صام ال�س ّيد‪ ،‬وهي كوميديا‬ ‫�سيا�سية عر�ضت على امل�رسح القومي يف �شهر‬ ‫كانون الثاين‪ ،‬م�رسحية الب�ؤ�ساء لفيكتور هوغو‬ ‫من �إخراج ه�شام عطوة (امل�رسح القومي حيث‬ ‫مت �إعداد جديد للرواية)‪ ،‬م�رسحية قهوة �سادة‬ ‫ّ‬ ‫مت‬ ‫ت�أليف جماعي و�إخراج خالد جالل وقد ّ‬ ‫عر�ضها لوقت طويل يف مركز الإبداع‪ ،‬وتدور‬ ‫امل�رسحية حول فقدان ك ّل الأ�شياء اجلميلة‬ ‫الن�ص‬ ‫يف احلياة‪ ،‬م�رسحية منني �أجيب نا�س‪ّ ،‬‬ ‫لنجيب �رسور و�إخراج ح�سن �سعد وقد وحاول‬ ‫فيها املخرج تقدمي ا�ستعرا�ض غنائي مو�سيقي‪.‬‬ ‫�إىل جانب ذلك ا�ستمر م�رسح الدولة يف اجتاه‬ ‫كان قد بد�أه يف العام ال�سابق وهو �إنتاج‬ ‫عرو�ض كوميدية لنجوم امل�رسح التجاري‪ ،‬مثل‬ ‫عر�ض النمر ملحمد جنم وعر�ض روايح لفيفي‬ ‫عبده‪ ،‬اللذين بد�أ عر�ضهما عام ‪ 2007‬و ا�ستمر‬ ‫خالل العام ‪.2008‬‬ ‫ومن عرو�ض م�رسح ال�شباب عر�ض ما‬ ‫�أجملنا ت�أليف حمفوظ عبد الرحمن و�إخراج‬ ‫�أحمد رجب‪ ،‬وعر�ض موت فو�ضوي ن�ص‬ ‫داريوفو و�إخراج �أحمد ح�سان‪ ،‬و�سابع �أر�ض‬ ‫من ت�أليف �إبراهيم احل�سيني و�إخراج �سامح‬ ‫جماهد‪ .‬وق ّدم مركز الهناجر للفنون م�رسحية‬ ‫حتت التهديد من ت�أليف �أبو العال ال�سالموين‬ ‫و�إخراج حممد متويل‪ ،‬وهي تتناول م�أ�ساة‬ ‫فنان يف جمتمع ال يثق بالفنانني وعليه �أن‬ ‫يثبت براءته من جرمية مل يرتكبها‪ ،‬ولي�س لديه‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪405‬‬

‫دليل �سوى ا ّتهام الآخرين بق�صد �أو من دون‬ ‫ق�صد حتى و�إن كانوا �أقرب النا�س �إليه‪ .‬وتنتمي‬ ‫امل�رسحية �إىل ال�سيكودراما ( الدراما النف�سية)‪.‬‬ ‫ومن عرو�ض الفرق امل�ستقلّة الوافد من ت�أليف‬ ‫ميخائيل رومان و�إخراج �رشيف الد�سوقي‬ ‫و�إنتاج �إ�ستديو امل�رسح البديل الذي ي�رشف‬ ‫عليه حممود �أبو دومة‪.‬‬ ‫ويبدو �أن التيار الديني قد دخل �إىل حلبة‬ ‫الإنتاج امل�رسحي هذا العام ب�إنتاج م�رسحية‬ ‫ال�شفرة من ت�أليف �أحمد مر�سي و�إخراج كمال‬ ‫عطية‪ ،‬وتدور �أحداث امل�رسحية حول و�ضع‬ ‫�أحد بلدان العامل الثالث يف الزمن الآتي (عام‬ ‫‪ )2200‬حيث متوج الدولة باخلالفات ال�سيا�سية‬ ‫وم�شاكل الف�ساد و�رصاع مراكز القوى‪ ،‬وهو ما‬ ‫يتج�سد يف ال�رصاع املحتدم بني املعار�ضة‬ ‫ّ‬ ‫ورئي�س البالد‪ ،‬وبالطبع من دون م�شاركة‬ ‫العن�رص الن�سائي يف التمثيل‪ ،‬ومب�شاركة‬ ‫ممن اعتزلوا الفن‪.‬‬ ‫ممثلني رجال ّ‬ ‫وقد انتهى العام بعر�ض �سي علي من �إخراج‬ ‫مراد منري وهو الن�سخة املع ّدلة يف العام ‪1991‬‬ ‫التي كتبها �ألفريد فرج من م�رسحيته على جناح‬ ‫التربيزي‪ ،‬ونقلها �إىل العامية حتت عنوان �سي‬ ‫علي وجاءت �أ�ضعف بكثري من ال�صيغة الأوىل‪.‬‬

‫البدايات‬

‫يف بداية القرن الع�رشين كان يف اجلزائر‬ ‫العا�صمة معلم ثقايف بناه الفرن�سيون يتمثّل‬

‫الإبداع‬

‫امل�رسح اجلزائري‬

‫تبدو حالة امل�رسح اجلزائري مثا ًال لثالثة‬ ‫تخ�ص امل�رسح العربي ب�شكل‬ ‫�أنواع من الق�ضايا ّ‬ ‫عام‪ ،‬لكنها هنا جمتمعة؛ وهي تباع ًا ق�ضية‬ ‫املرجعية (الت�أثريات التي �أ ّدت �إىل ظهوره ثم‬ ‫�إىل تطور هذا امل�رسح) ق�ضية اللغة (وتتعلق‬ ‫مر بها البلد واجلمهور‬ ‫بالأوىل وبالظروف التي ّ‬ ‫الذي كان يف البداية بغالبيته � ّأمي ًا) وق�ضية‬ ‫اال�ستمرارية والعالقة بامل�ؤ�س�سة الراعية‬ ‫(الظروف ال�سيا�سية ثم العالقة بامل� ّؤ�س�سة‬ ‫الر�سمية بعد اال�ستقالل)‪.‬‬

‫يف دار الأوبرا‪ ،‬وكانت هناك فرق وعرو�ض‬ ‫م�رسحية ف�صلية ت�أتي من فرن�سا �أو من دول‬ ‫�أوروبية �أخرى وتق ّدم عرو�ضها‪ .‬كذلك الأمر‬ ‫بالن�سبة للمناطق الأخرى (اجلهوية) التي‬ ‫تفتح ف�ضاءاتها دوري ًا جلمهور مك ّون �أ�سا�س ًا‬ ‫من الأوروبيني‪ .‬كذلك بد�أت تظهر يف املرحلة‬ ‫ذاتها فرق �صغرية من اجلزائريني �أغلبها مك ّون‬ ‫من ممثلني هواة‪ ،‬تعر�ض �أعما ًال م�ستلهمة من‬ ‫الواقع املعا�ش املفعم بامل�شاكل كالبطالة‬ ‫والإدمان والزواج املختلط والتقليد الأعمى‬ ‫و�رصاع الأجيال‪ ،‬وذلك يف م�رسح اجتماعي‬ ‫هادف ي ّتخذ من الأ�سلوب الهزيل و�سيلة ملعاجلة‬ ‫تلك الق�ضايا ويعتمد االرجتال‪ .‬وكانت هذه‬ ‫العرو�ض عبارة عن جمموعة من «اال�سكت�شات»‬ ‫ت�ص ّور لوحات من حياة النا�س اليومية التي‬ ‫حت ّولت �إىل نوع من الكوميديا واالرجتال‪� .‬أما‬ ‫بالن�سبة للّغة امل�ستخدمة فاللهجات املحلية‬ ‫كانت امل�سيطرة‪ ،‬وقد ا�ستخدم امل�رسح اجلزائري‬ ‫منذ بداياته الرتاث بكثافة (�شخ�صية جحا مث ًال‬ ‫�أو �شخ�صيات �أكرث حملية) يف كل مراحله‪،‬‬ ‫البدايات وما تالها مثل �أعمال الثنائي عاللو‬ ‫و�ساليل ودحمون �سعداهلل‪ ،‬اللّذين ق ّدما طرائف‬ ‫حي باب الواد‬ ‫جحا يف م�رسح الكور�صال يف ّ‬ ‫يف العا�صمة‪.‬‬ ‫يف بداية القرن الع�رشين �أي�ض ًا‪ ،‬وبت�أثري‬ ‫عربي‪ ،‬ظهر م�رسح له طابع عربي‪� .‬أ ّول عمل‬ ‫هاو باللغة الف�صحى يعود �إىل العام‬ ‫م�رسحي ٍ‬ ‫‪ 1923‬حمل عنوان فتح الأندل�س‪ ،‬وهو مقتب�س‬ ‫عن رواية للكاتب جرجي زيدان‪ ،‬ق ّدمه طلبة‬ ‫جمعية العلماء امل�سلمني‪� .‬أن�ش�أ بعد ذلك عاللو‬ ‫(الذي يعترب �أبو امل�رسح اجلزائري) فرقته‬ ‫الزاهية وق ّدمت روايات مثل �أبو احل�سن اخلليفة‬ ‫ال�صياد‪ ،‬عا�شور النية‪ ،‬عنرت احل�شاي�شي‪� ،‬أبو‬ ‫عقلني‪ .‬ثم جاء ر�شيد ق�سنطيني (فكاهي‬ ‫وحمر�ض �سيا�سي �ألّف بعد ذلك العديد‬ ‫بارع‬ ‫ّ‬ ‫من امل�رسحيات) وحمي الدين با�ش طرزي‪،‬‬ ‫وذلك من �سنة ‪� 1934‬إىل ‪ 1938‬تاريخ توقيف‬ ‫اال�ستعمار للفرقة وت�شتيت �أع�ضائها‪.‬‬ ‫�أثناء احلرب العاملية الثانية‪ ،‬وجد‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 406‬للتنمية الثقافية‬

‫بعد فرتة ت�ألّق يف ال�سبعينيات‬ ‫والثمانينيات وجد امل�رسح اجلزائري‬ ‫نفـ�سه �ضـحيـة لـلأزمـة ال�سـيـا�سيـة‬ ‫والأمنية اخلانقة التي ع�صفت‬ ‫باجلزائر خالل الت�سعينيات‪ ،‬وهذا ما‬ ‫�أ ّدى �إىل هجرة العديد من امل�رسحيني‬ ‫وغياب (وفاة) �آخرين منهم‪ .‬ويبدو‬ ‫امل�شهد امل�رسحي اليوم يف هذا البلد‬ ‫ما�سة �إىل ا�سرتاتيجية‬ ‫منهك ًا وبحاجة ّ‬ ‫جديدة و�إىل رغبة �سيا�سية حقيقية‬ ‫لدفعه �إىل الأمام‪.‬‬

‫امل�رسح اجلزائري الفر�صة لال�ستمرار من خالل‬ ‫ت�شجيع ال�سلطات اال�ستعمارية‪ ،‬التي �سمحت‬ ‫املوجه‬ ‫للفرق بتنظيم جوالت يف �إطار امل�رسح ّ‬ ‫للمجندين كنوع من الدعاية حلكومة في�شي‪،‬‬ ‫و�أ�سندت املهمة ملحيي الدين با�ش طرزي‪ .‬وبقي‬ ‫امل�رسح الفرن�سي املرجع الأ�سا�سي بالن�سبة‬ ‫للم�رسح اجلزائري‪ ،‬لكن م�ضمون امل�رسحيات‬ ‫كان تراثي ًا وق ّدمت �أعمال مقتب�سة من الرتاث‬ ‫العربي واملحلي ومن الرتاث الثقايف الفرن�سي‪،‬‬ ‫لكن جمهور امل�رسح بقي من النخبة‪ .‬امل�رسح‬ ‫اجلزائري مل يرتكّز يف العا�صمة فقط‪ ،‬وقد‬ ‫مثّل الوجه الأ�سا�سي للم�رسح الثقايف ما قبل‬ ‫اال�ستقالل م�صطفى كاتب‪ ،‬الذي كان يف �أول‬ ‫فرقة �أن�شئت قبل اال�ستقالل وجمعت ممثلني‬ ‫جزائريني مثل حممد توري‪ ،‬حبيب ر�ضا‪،‬‬ ‫روي�شد‪ ،‬عبد احلليم راي�س‪ ،‬م�صطفى بديع‪ ،‬ح�سن‬ ‫احل�سني‪� ،‬أبو احل�سن‪ ،‬م�صطفى قزدريل‪ ،‬كلثوم‪،‬‬ ‫نورية‪ ..‬ومع بلوغ الثورة اجلزائرية ذروتها‪،‬‬ ‫غادر م�صطفى كاتب الأوبرا واجته �إىل اخلارج‬ ‫(تون�س) وقاد الفرقة امل�رسحية التابعة جلبهة‬ ‫التحرير الوطني يف املنفى من �سنة ‪ 1957‬حتى‬ ‫‪.1962‬‬ ‫�شهدت فرتة اخلم�سينيات بروز طالب‬ ‫�شاب من مدينة م�ستغامن‪ ،‬هو ولد عبد‬ ‫الرحمان كاكي الذي لعب دوراً مميزاً يف‬ ‫احلركة امل�رسحية اجلزائرية من خالل م�ؤلفاته‬ ‫التي ت�ستلهم الأ�ساطري ال�شعبية مثل الغربان‬ ‫ال�صاحلني‪� .‬أما كاتب يا�سني فكتب م�رسح ًا‬ ‫باللغة الفرن�سية بعد اندالع الثورة حتى ما‬ ‫بعد التحرير‪ ،‬ثم حت ّول �إىل اللغة املحكية وكان‬ ‫لكتابته ت�أثري كبري يف الغرب والوطن العربي‪،‬‬ ‫وق ّدمت �أعماله يف بلجيكا وفرن�سا وتون�س‬ ‫�أثناء الثورة اجلزائرية‪.‬‬ ‫بعد اال�ستقالل عمدت امل� ّؤ�س�سة �إىل توظيف‬ ‫كل من عمل يف امل�رسح‪ ،‬ونظّ مت امل� ّؤ�س�سات‬ ‫امل�رسحية بت�أثري النموذج ال�سوفييتي وت�شكّل‬ ‫امل�رسح الوطني اجلزائري‪ ،‬وفتحت مدر�سة‬ ‫الفنون الدرامية �أبوابها للطلبة الراغبني يف‬ ‫االلتحاق بفن التمثيل الذي �سيتح ّول يف ما‬

‫بعد �إىل معه ٍد عال‪ .‬يف هذا ال�سياق كتب كاكي‬ ‫م�رسحياته ذات ال�صبغة ال�سيا�سية‪� ،‬أما كاتب‬ ‫يا�سني فعاد �إىل اجلزائر بعد املنفى و�أ�صبح‬ ‫مدير م�رسح جهوي يف �سيدي بلعبا�س وعمل‬ ‫مع فرقة هاوية هي م�رسح البحر‪ ،‬وق ّدم �أعماله‬ ‫اجلزائرية باللهجات العامية مثل حممد خذ‬ ‫حقيبتك‪ ،‬وحرب �سنة ‪ ،2000‬و�صوت الن�ساء‪،‬‬ ‫وفل�سطني املغدورة‪� .‬أبرز من ميثّل هذه الفرتة‬ ‫من الأعالم هو عبد القادر علّولة الذي عمل‬ ‫كهاو يف البداية‪ ،‬يف م�رسح ال�شعب‪ ،‬وكتب‬ ‫ٍ‬ ‫جمموعة من الن�صو�ص امل�رسحية التي القت‬ ‫جناح ًا كبرياً يف الفرتة الواقعة بني ‪1969‬‬ ‫و‪ .1993‬لقد كان لتكوينه يف فرن�سا ومعرفته‬ ‫الوا�سعة بالثقافة ال�شعبية اجلزائرية �أث ٌر يف‬ ‫تطوير امل�رسح اجلزائري‪ ،‬لكنه اغتيل يف العام‬ ‫‪ 1994‬تارك ًا وراءه �إرث ًا م�رسحي ًا هام ًا‪ ،‬ومن‬ ‫تلك الأعمال اخلالدة الق ّوال والأجواد‪ .‬على غرار‬ ‫علولة �شقّ م�رسحيون �آخرون يحملون الهموم‬ ‫نف�سها طريقهم‪ ،‬نذكر منهم �سليمان بن عي�سى‬ ‫وحممد قطاف وزياين �رشيف عياد وعزالدين‬ ‫ممن �أ�سهموا يف بناء امل�رسح‬ ‫جموبي‪ ،‬وغريهم ّ‬ ‫اجلزائري‪.‬‬ ‫بعد فرتة ت�ألّق يف ال�سبعينيات‬ ‫والثمانينيات من خالل جتارب عبد القادر‬ ‫علّولة وكاكي و�سيدي �أحمد �أقومي (م�ستقر يف‬ ‫فرن�سا حالي ًا)‪ ،‬وجد امل�رسح اجلزائري نف�سه‬ ‫�ضحية للأزمة ال�سيا�سية والأمنية اخلانقة التي‬ ‫ع�صفت باجلزائر خالل الت�سعينيات‪ ،‬وهذا ما‬ ‫�أ ّدى �إىل هجرة العديد من امل�رسحيني وغياب‬ ‫(وفاة) �آخرين منهم‪ .‬ويبدو امل�شهد امل�رسحي‬ ‫ما�سة �إىل‬ ‫اليوم يف هذا البلد منهك ًا وبحاجة ّ‬ ‫ا�سرتاتيجية جديدة و�إىل رغبة �سيا�سية حقيقية‬ ‫لدفعه �إىل الأمام‪.‬‬ ‫هذا الو�ضع يبدو جلي ًا من خالل �ضعف‬ ‫الن�شاط امل�رسحي يف اجلزائر‪� ،‬سواء على‬ ‫م�ستوى الك ّم �أم الكيف يف الإنتاج والتوزيع‪،‬‬ ‫وذلك ب�سبب غياب الدعم احلكومي للبنى‬ ‫واملجموعات امل�ستقلّة على الرغم من قلّة‬ ‫عددها‪ ،‬واقت�صار هذا الدعم على امل�سارح‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪407‬‬

‫التابعة لوزارة الثقافة وهي‪:‬‬

‫امل�رسح الوطني اجلزائري‪ -‬اجلزائر‬ ‫العا�صمة‪ -‬وهو الف�ضاء امل�رسحي الوحيد‬ ‫النا�شط يف العا�صمة‪.‬‬ ‫امل�سارح اجلهوية (وهران‪ ،‬مع�سكر‪،‬‬ ‫م�ستغامن‪ ،‬بجاية‪ ،‬ع ّنابة‪ ،‬ق�سنطينة‪� ،‬سكيكدة‪،‬‬ ‫تزي �أوزو) مع العلم �أنه ال وجود لفرق تابعة‬ ‫لهذه امل�سارح‪.‬‬ ‫يف املقابل هناك ن�شاط مم ّيز لبع�ض‬ ‫املجموعات امل�ستقلّة التي تعتمد على منح‬ ‫م�ساعدة من جهات خا�صة �أو م� ّؤ�س�سات الدعم‬ ‫الدولية حتى تتمكن من موا�صلة العمل‪ .‬و�أه ّم‬ ‫هذه املجموعات م�رسح العف�سة يف تلم�سان‪،‬‬ ‫فرقة �إبداع اجلزائر يف وهران‪ ،‬م�رسح املوجة‬ ‫يف م�ستغامن‪ ،‬فرقة البللريي يف ق�سنطينة‪.‬‬ ‫عال للتكوين‬ ‫يوجد يف اجلزائر معهد ٍ‬ ‫امل�رسحي حتت �إ�رشاف وزارة الثقافة‪ ،‬كما‬ ‫يوجد مهرجان للم�رسح املحرتف ينظّ مه‬ ‫امل�رسح الوطني اجلزائري (‪ /2008‬الدورة‬ ‫الثالثة)‪ ،‬واملهرجان الدويل للم�رسح املحرتف‬ ‫الذي يزمع امل�رسح الوطني تنظيم دورته الأوىل‬ ‫خالل �شهر �أكتوبر من �سنة ‪.2009‬‬

‫املهرجانات والعرو�ض اجلزائرية لعام‬ ‫�شهدت ال�ساحة امل�رسحية اجلزائرية‬ ‫جمموعة متن ّوعة من العرو�ض هذا العام‪ ،‬كان‬ ‫�أبرزها ما ُعر�ض خالل املهرجان الوطني‬ ‫اجلزائري للم�رسح املحرتف لعام ‪ ،2008‬وهي‬ ‫من �إنتاج امل�رسح الوطني وامل�سارح اجلهو ّية‬ ‫واجلمعيات امل�رسحية‪ ،‬ومنها م�رسحية احلب‬ ‫املتفجر عن ن�ص للكاتب كاتاييف عمر‬ ‫فطمو�ش و�إخراج فوزية �آيت احلاج جمعية‬ ‫م�رسح الغد‪ُ .‬ق ّدم العر�ض على خ�شبة م�رسح دار‬ ‫ج�سدت امل�رسحية‬ ‫الثقافة يف �أم البواقي‪ ،‬وقد ّ‬ ‫وطرحت ب�شكل هزيل امل�شاكل االجتماعية‬ ‫التي يتخ ّبط بها املواطن اجلزائري كالزواج‬ ‫وال�سكن‪ ،‬وتروي امل�رسحية ق�صة �شابني‬ ‫تخرجا حديث ًا من اجلامعة يعمل ك ّل منهما‬

‫الإبداع‬

‫‪2008‬‬

‫يف اخت�صا�صه‪ ،‬وقد ا�ضطرا لتقا�سم قبو بناية‬ ‫عي�سى مهند�س دولة و�إبراهيم رجل قانون‪ ،‬ك ٌل‬ ‫منهما يجلب زوجته من دون معرفة الآخر‪� .‬إن‬ ‫اختالف منط التفكري و�أ�سلوب العي�ش يجعالن‬ ‫احلياة م�ستحيلة بني ه�ؤالء الأربعة‪ ،‬فهل يعقل‬ ‫ويفجروا القبو والبناء؟ �أو‬ ‫�أن يعلنوا احلرب‬ ‫ّ‬ ‫ير�ضخوا لواقع يقوم على النفاق والكذب؟‬ ‫وقد ا�ستقطب العر�ض جمهوراً وا�سع ًا‪ ،‬وكان‬ ‫الأداء وتقنية الكتابة الدرامية التي ميتاز بها‬ ‫عمر فطمو�ش وبناء الف�ضاء امل�رسحي عنا�رص‬ ‫ملفتة للنظر‪ .‬وهناك �أي�ض ًا م�رسحية احلوات‬ ‫والق�رص للم�رسح اجلهوي بق�سنطينة مازالت‬ ‫مت عر�ض‬ ‫تعر�ض منذ العام ‪ .2007‬و�أي�ض ًا ّ‬ ‫وعر�ض‬ ‫ببجاية ُ‬ ‫التقرير للم�رسح اجلهوي ّ‬ ‫القطار الأخري للم�رسح اجلهوي بوهران و�إن�سو‬ ‫هريو�سرتات للم�رسح الوطني اجلزائري‪،‬‬ ‫ودعاء احلمام للم�رسح اجلهوي يف تيزي �أوزو‬ ‫وم�رسحية �رصخة �أوفيليا عن هاملت بال‬ ‫هاملت للعراقي خزعل املاجدي و�إخراج كمال‬ ‫عطّ و�ش‪ ،‬وم�رسحية لغة الأمهات لألك�سي�س‬ ‫دارني�س اقتبا�س العراقي قا�سم حممد و�إخراج‬ ‫�صونيا‪ ،‬واحلكواتي الأخري للمغربي عبد‬ ‫الكرمي بر�شيد من �إخراج املنجي بن �إبراهيم‪،‬‬ ‫ومد ّونات املن�شود بني املوجود واملن�شود من‬ ‫ت�أليف قا�سم حممد‪.‬‬ ‫كل هذه العرو�ض ما عدا العر�ض الأول هي‬ ‫�أمثلة على نوعية الن�صو�ص التي يق ّدمها امل�رسح‬ ‫اجلزائري اليوم‪ ،‬وهي غالب ًا مقتب�سة عن امل�رسح‬ ‫العاملي �أو العربي لكنها ال توحي باجتاه حمدد‬ ‫�أو مبحاولة مواكبة الواقع اجلزائري‪ ،‬وتظهر‬ ‫غياب الكتابة امل�رسحية اجلديدة‪ .‬واملفارقة �أن‬ ‫الندوة الفكرية التي عقدت �ضمن امللتقى العلمي‬ ‫للمهرجان كانت حتت عنوان «امل�رسح واملحيط‬ ‫االجتماعي الت�أثري والت�أثر»‪ ،‬و�ض ّمت حماور‬ ‫ع ّدة منها‪« ،‬امل�رسح واملنظومة الرتبوية»‪،‬‬ ‫«امل�رسح واملدار�س» و «امل�رسح واجلامعة»‬ ‫وك�أنها ت�شي بالإ�شكال الرئي�سي الذي يعاين‬ ‫منه هذا امل�رسح‪.‬‬ ‫�أما املهرجان الوطني مل�رسح الهواة‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 408‬للتنمية الثقافية‬

‫يف م�ستغامن والذي بد�أ منذ ثالثني �سنة وال‬ ‫يزال ن�شيط ًا‪ ،‬فقد عقد هذه ال�سنة من ‪� 7/12‬إىل‬ ‫‪ ،2008/7/17‬وق ّدم م�رسح م�ستغامن م�رسحية‬ ‫دار ربي وهي �أقرب �إىل الواقع‪.‬‬ ‫وهناك مهرجانات �أخرى مثل املهرجان‬ ‫املحلي للم�رسح املحرتف يف �سيدي بلعبا�س‪،‬‬ ‫املهرجان املحلي للم�رسح املحرتف يف عنابة‬ ‫من ‪� 12‬إىل ‪ ،26/4/2008‬الأيام الوطنية الأوىل‬ ‫للم�رسح النخلة الذهبية يف والية �أدرار مببادرة‬ ‫اجلمعية الثقافية للفنون الدرامية‪ ،‬فر�سان‬ ‫الركح الذين ق ّدموا م�رسحية احلب املمنوع‬ ‫خالل الفرتة املمتدة من ‪� 18‬إىل ‪ 23‬كانون‬ ‫الأول دي�سمرب‪.‬‬ ‫مهرجان امل�رسح اجلامعي يف مدينة‬ ‫تلم�سان والأيام الق�سطنطينية مل�رسح الطفل‪،‬‬ ‫ق�سطنطينة‪ ،‬جمعية دعاء الغد‪ .‬جتدر الإ�شارة �إىل‬ ‫م�شاركة امل�رسح ال�صحراوي يف املهرجانات‬ ‫امل�رسحية اجلزائرية ب�شكل دائم‪ ،‬وهو م�رسح‬ ‫له خ�صو�صيته كونه يركّز على ق�ضية ال�صحراء‬ ‫املغربية‪.‬‬

‫�إ�صدارات م�رسحية‬

‫�صدرت يف اجلزائر يف العام‬ ‫خمتارات من امل�رسح اجلزائري‪ ،‬من�شورات‬ ‫املعهد العربي العايل للرتجمة‪ ،‬وي�ض ّم هذا‬ ‫الكتاب ع�رش م�رسحيات لع�رشة ك ّتاب جزائريني‬ ‫اختاروا ا�ستخدام اللغة الفرن�سية �أداة للتعبري‪.‬‬ ‫‪2008‬‬

‫امل�رسح التون�سي‬ ‫البدايات‬

‫يتم ّيز امل�شهد امل�رسحي يف تون�س بالتن ّوع‬ ‫الذي ميكن مالحظته على امل�ستوى العملي‬ ‫واجلمايل والفني‪ ،‬وهناك جتارب م�رسحية‬ ‫متفردة ومتم ّيزة لها طابع حداثي الفت‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫هامة وقد‬ ‫عرف امل�رسح التون�سي تطورات ّ‬ ‫يكون تاريخه منوذج ًا للعالقة بني امل� ّؤ�س�سة‬ ‫وامل�رسح امل�ستقل‪.‬‬ ‫عرفت تون�س امل�رسح مبكراً ف�إرها�صاته‬ ‫الأوىل تعود للعقد الأول من القرن الع�رشين‬

‫(‪ )1909‬من خالل جوالت الفرق الزائرة‬ ‫امل�رصية‪ .‬وت� ّأ�س�ست �أول جمعية للآداب‬ ‫عام ‪ ،1911‬ثم جمعية ال�شهامة العربية يف‬ ‫عام ‪ ،1912‬واتحّ دت اجلمعيتان حتت ا�سم‬ ‫التمثيل العربي عام ‪ .1922‬عام ‪ّ � 1951‬أ�س�س‬ ‫ح�سن الزمريل مدر�سة التمثيل العربي التي‬ ‫�أ�صبحت مركز الفن امل�رسحي‪ .‬بعد اال�ستقالل‬ ‫مت ت�أ�سي�س �أول مدر�سة للم�رسح يف تون�س‬ ‫ّ‬ ‫وجرى تطويرها �إىل معهد بعد ذلك‪ .‬ومع ح�سن‬ ‫ا�ستقر نوع من التنظيم الإداري على‬ ‫الزمريل‬ ‫ّ‬ ‫مرحلتني يف عامي ‪ 1961‬و‪ 1964‬ودام العمل‬ ‫بهذا التنظيم حتى الثمانينيات‪ ،‬وهو �شكّل‬ ‫تنظيم ًا �إداري ًا لآليات عمل الفرق وامل�سارح‬ ‫على النموذج الغربي والفرن�سي حتديداً‪ ،‬يعطي‬ ‫رعاي ًة للم�رسح من دون التدخل املبا�رش‪ .‬يف‬ ‫حينها بد�أ ت�شكّل «ال�رشكات» وهو �إطار لفرق‬ ‫وجتمعات م�رسحية‪� ،‬أولها كان امل�رسح اجلديد‬ ‫الذي �ض ّم العديد من الفنانني الكبار وممثلني‬ ‫وخمرجني �سي�شكّلون فرقهم وف�ضاءاتهم‬ ‫اخلا�صة بعد انحالل ال�رشكة‪ .‬يف الثمانينيات‬ ‫�أي�ض ًا �صدرت قرارات تنظّ م قطاع امل�رسح على‬ ‫امل�ستويني املهني والهيكلي‪ ،‬و�صدرت قرارات‬ ‫�سمحت بنوع من الالمركزية امل�رسحية‪ ،‬بحيث‬ ‫مت ت�شجيع امل�سارح يف املحافظات (اجلهوية)‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وفع ًال ت� ّأ�س�س مركز الفنون الدرامية بالكاف‬ ‫عام ‪ 1993‬ويف �أغلب املحافظات الأخرى‪.‬‬ ‫ت�رشف الوزارة على ن�شاط امل�رسح الوطني‬ ‫التون�سي ومراكز الفنون الدرامية بكل من‬ ‫الكاف‪ ،‬قف�صة‪� ،‬صفاق�س‪� ،‬إ�ضافة �إىل املركز‬ ‫الوطني لفن العرائ�س‪.‬‬ ‫عام ‪� 1999‬صدر قرار برفع ميزانية‬ ‫امل�رسح و�أدخلت بع�ض التعديالت البنيوية‬ ‫ت�شجع اال�ستثمارات الثقافية‪ ،‬وبالفعل‬ ‫التي ّ‬ ‫ارتفع عدد العرو�ض وعدد ال�صاالت والف�ضاءات‬ ‫امل�رسحية‪ ،‬و ُد ّعم امل�رسح املحرتف وم�رسح‬ ‫الهواة وكل تنويعات التظاهرات امل�رسحية مثل‬ ‫امل�رسح املدر�سي واجلامعي و�إىل ما هنالك‪.‬‬ ‫مت تعديل مناهج‬ ‫يف العامني ‪ّ 2008/2007‬‬ ‫املعهد امل�رسحي لي�شمل اخت�صا�صات عديدة‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪409‬‬

‫حركة امل�رسح التون�سي يف العام‬

‫‪2008‬‬

‫�شهد امل�رسح التون�سي م�رسحية خم�سون‬ ‫للفا�ضل اجلعايبية من �إنتاج فاميليا ‪2006‬‬ ‫وا�ستمرت جوالتها حتى العام ‪،2008‬‬ ‫وهي م�رسحية حتكي عن القمع ال�سيا�سي‬ ‫واملجتمعي خالل الأعوام اخلم�سني من تاريخ‬

‫الإبداع‬

‫ويواكب تطور الع�رص واحلاجات‪ .‬يوجد يف‬ ‫تون�س اليوم العديد من امل�ؤ�س�سات والهياكل‬ ‫امل�رسحية احلكومية وغري احلكومية‪ ،‬وهناك‬ ‫�إدارة للم�رسح حتت �إ�رشاف وزارة الثقافة‬ ‫واملحافظة على الرتاث‪ ،‬مهمتها �رشعنة (ما‬ ‫ي�سمى ببطاقة االحرتاف) الفرق و�أعمالها‪،‬‬ ‫وتقدمي الدعم للإنتاج وامل�ساعدة على التوزيع‪.‬‬ ‫ويف العا�صمة ف�ضاءات م�رسح حكومية‬ ‫�أه ّمها مدينة الثقافة التي ينتظر افتتاحها خالل‬ ‫العام ‪ 2009‬والتي حتت�ضن دار �أوبرا وم�رسح ًا‬ ‫جتريبي ًا وقاعة للعرو�ض املختلفة‪ ،‬امل�رسح‬ ‫البلدي بتون�س العا�صمة‪ ،‬قاعة الفن الرابع‪،‬‬ ‫قاعة ابن ر�شيق‪ ،‬قاعة ابن خلدون (م�رسح‬ ‫جيب)‪ ،‬ق�رص امل�رسح (احللفاوين وال�سريك‬ ‫الوطني التون�سي)‪ .‬كما توجد يف تون�س العديد‬ ‫املخت�صة يف امل�رسح ك�أيام‬ ‫من املهرجانات‬ ‫ّ‬ ‫قرطاج امل�رسحية الذي يقام كل عامني (وهو‬ ‫مهرجان عربي �إفريقي)‪ ،‬مهرجان م�رسح الهواة‬ ‫يف قربة‪ ،‬مهرجان نيابولي�س الدويل يف نابل‪،‬‬ ‫مهرجان املن�ستري الدويل للم�رسح اجلامعي‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل العديد من املهرجانات والتظاهرات‬ ‫اجلهوية‪ ،‬و�أه ّمها تظاهرة ‪� 24‬ساعة يف الكاف‬ ‫التي تقوم مبنا�سبة يوم امل�رسح العاملي يف ‪27‬‬ ‫�آذار من كل عام‪ ،‬وهي بد�أت عام ‪ 2001‬وكان‬ ‫مو�ضوع عام ‪ 2008‬امل�رسح يحتفل بال�سينما‪.‬‬ ‫و�إىل جانب القطاع احلكومي الذي تتم ّيز‬ ‫حركته بنوع من البطء‪ ،‬على عك�س القطاع‬ ‫اخلا�ص املحرتف والن�شط‪ ،‬يتك ّون هذا القطاع‬ ‫من حو�إىل ‪� 150‬رشكة �إنتاج تعمل يف احلقل‬ ‫امل�رسحي وتق ّدم �أعما ًال يف خمتلف الأ�صناف‬ ‫والأ�شكال امل�رسحية (م�رسح كهول‪ ،‬م�رسح‬ ‫�أطفال‪ ،‬م�رسح عرائ�س‪ ،‬م�رسح �إدماج)‪.‬‬

‫تون�س‪ ،‬وتطرح ق�صة فتاة ابنة �أبوين ي�ساريني‬ ‫تتح ّول �إىل احلجاب خالل �إقامتها يف فرن�سا‪.‬‬ ‫م�رسحية الزنو�س ‪� -‬شواطى احلكّة من �إخراج‬ ‫�صالح حمودة‪ ،‬م�رسحية املو�سو�س اقتبا�س عن‬ ‫مري�ض الوهم من �إخراج حممد دري�س و�إنتاج‬ ‫امل�رسح الوطني ‪ ،2008‬م�رسحية يا � ّأمة �ضحكة‬ ‫�إخراج نور الدين الورغي و�إنتاج م�رسح الأر�ض‬ ‫‪ ،2008‬م�رسحية حتت برج الدين�صور �إخراج‬ ‫عبد الوهاب اجلملي‪ ،‬م�رسحية وزن الري�شة‬ ‫�إخراج غازي الزغباين‪ ،‬م�رسحية عط�شان يا‬ ‫�صبايا �إخراج �صابر احلامي و�إنتاج مركز‬ ‫الفنون الدرامية والركحية ب�صفاق�س ل�سنة‬ ‫‪ ،2008‬م�رسحية احلياة حلم �إخراج ح�سن‬ ‫امل�ؤذّن و�إنتاج امل�رسح الوطني ل�سنة ‪،2008‬‬ ‫م�رسحية �إىل متى �إخراج �سن ّية زرق عيون‪،‬‬ ‫م�رسحية �سهرة �إخراج �شاديل العرفاوي و�إنتاج‬ ‫كتار�سي�س للإنتاج الفني ل�سنة ‪.2008‬‬ ‫كما �شارك العديد من الفنانني التون�سيني‬ ‫يف املهرجانات العربية‪ ،‬منهم زهرية بن ع ّمار‬ ‫يف مونودراما ال�سنديانة وهي من ت�أليف‬ ‫و�إخراج و�أداء زهرية بن ع ّمار‪ ،‬وم�رسحية امر�أة‬ ‫عن ن�ص لع ّز الدين املدين �إخراج و�أداء زهرية‬ ‫بن ع ّمار‪ .‬وحتكي م�رسحية �سنديانة عن معاناة‬ ‫املر�أة العربية يف حتقيق ذاتها كعن�رص ف ّعال‬ ‫يف املجتمع له حقوق وعليه واجبات‪ .‬وق ّدمت‬ ‫رجاء بن ع ّمار واملن�صف ال�صامي م�رسحية‬ ‫هوى وطني‪ ،‬كما عر�ض توفيق اجلبايل مذكرات‬ ‫دينا�صور‪ ،‬وق ّدم غازي الزعباين م�رسحية وزن‬ ‫الري�شة‪.‬‬ ‫�شهد امل�رسح التون�سي بع�ض الأعمال‬ ‫املخ�ص�صة للطفل ومنها م�رسحية كائنات‬ ‫ّ‬ ‫�ضوئية من �إخراج حامت دربال و�إنتاج املركز‬ ‫فن العرائ�س بتون�س ل�سنة‬ ‫الوطني مل�رسح ّ‬ ‫‪ .2008‬كما ُعر�ضت م�رسحية حمراء والذئب‬ ‫وم�رسحية الالعبان من �إخراج نزار ال�سعيدي‬ ‫ويو�سف مار�س‪ .‬جتدر الإ�شارة �إىل �أن امل�رسح‬ ‫التون�سي غالب ًا ما يكون تون�سي ًا قبل كل �شيء‪،‬‬ ‫فالن�صو�ص تكتب من قبل خمرجني �أو ك ّتاب‬ ‫تون�سيني‪ ،‬واملوا�ضيع املطروحة هي الأقرب‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 410‬للتنمية الثقافية‬

‫�إىل الواقع املعا�ش والق�ضايا ال�ساخنة كق�ضية‬ ‫احلجاب �أو املر�أة �أو العالقة بالوطن‪.‬‬

‫�أه ّم اال�صدارات امل�رسحية منذ العام‬ ‫‪2008‬‬

‫فتحي العكاري املم ّثل االنتحاري املعهد‬ ‫العايل للفن امل�رسحي‪ ،‬حممود املاجري م�رسح‬ ‫العرائ�س يف تون�س من �ألعاب كاراكوز �إىل‬ ‫العرو�ض احلديثة‪ ،‬دار �سحر املعهد العايل للفن‬ ‫امل�رسحي‪ ،‬حممد م�سعود �إدري�س يف تاريخ‬ ‫امل�رسح التون�سي ن�صو�ص ووثائق‪ ،‬دار �سحر‬ ‫املعهد العايل للفن امل�رسحي‪� ،‬سمري العيادي‬ ‫�أنطولوجيا امل�رسح التون�سي ن�رش اتحّ اد‬ ‫الكتّاب التون�سيني‪ ،‬قرن من امل�رسح التون�سي‬ ‫ت�أليف جماعي‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬حممد‬ ‫املديوين مغامرة الفعل امل�رسحي يف تون�س‪،‬‬ ‫�أحمد حاذق العرف امل�رسحي التون�سي وعوائق‬ ‫التجاوز‪ ،‬حافظ اجلديدي يف الفنون امل�شهدية‬ ‫العر�ض الن�ص والأداء‪.‬‬ ‫متت خالل‬ ‫لقد �أ�سهمت التعديالت التي ّ‬ ‫العقود الأخرية من قرارات وزارية وغريها‪،‬‬ ‫و�شملت رفع امليزانيات و�شكل انتظام العالقة‬ ‫بني امل� ّؤ�س�سات الراعية للم�رسح (حكومية‬ ‫�أو غري حكومية)‪ ،‬يف من ّو امل�رسح التون�سي‬ ‫با�ضطراد لريتفع عدد البنى امل�رسحية وعدد‬ ‫العرو�ض وعدد الف�ضاءات امل�رسحية‪ ،‬وكذلك‬ ‫�سمح هذا النوع من التنظيم للعالقة بني‬ ‫امل� ّؤ�س�سة وامل�رسح‪ ،‬باحل�صول على نوع من‬ ‫الرعاية غري املقرون بالرقابة املبا�رشة‪.‬‬

‫امل�رسح املغربي‬ ‫البدايات‬

‫ظهر امل�رسح يف املغرب العربي يف‬ ‫ع�رشينيات القرن الع�رشين بت�أثري من جوالت‬ ‫الفرق العربية (‪� ،)1923‬إىل جانب االحتكاك‬ ‫بامل�رسح الفرن�سي من قبل �أقل ّية متعلمة‪ .‬يف‬ ‫البداية تك ّون امل�رسح داخل الفرق اخلا�صة‬ ‫و�أه ّمها فرقة الهالل (‪ )1923‬يف طنجة وفرقة‬ ‫طلبة ثانوية املوىل �إدري�س يف فا�س (‪.)1924‬‬

‫يف العام ‪ّ � 1926‬أ�س�س م�صطفى اجل ّزار فرقة‬ ‫يف مراك�ش ثم يف املدن‪ .‬يف فرتة احلرب‬ ‫العاملية الثانية توقّف امل�رسح تقريب ًا‪ ،‬وبعد‬ ‫�أن انتهت احلرب عادت الفرق لتن�شط من جديد‬ ‫معلن ًة ميالد حقبة جديدة‪ ،‬فظهر بع�ض الفرق‬ ‫امل�رسحية اجلديدة ومنها الأحرار والنجم‬ ‫املغربي للتمثيل العربي وفرقة جمعية الطالب‬ ‫املغربي و�إخوان الفن‪ .‬يف تلك املرحلة ن�شطت‬ ‫حركة االقتبا�س عن الأعمال العاملية ومن‬ ‫الأدب العربي والرتاث املحلي وعانى امل�رسح‬ ‫من رقابة اال�ستعمار‪.‬‬ ‫بعد اال�ستقالل عام ‪ 1956‬قامت الدولة‬ ‫بتنظيم و�ضع امل�رسح‪ ،‬ف�أن�ش�أت مركز الفن‬ ‫امل�رسحي الوطني‪ ،‬كما �س َّنت جمموعة قوانني‬ ‫ت�ساعد على �إقامة مراكز تدريبية جهوية على‬ ‫م�ستوى املناطق‪ ،‬وا�ستقدمت مدربني عامليني‬ ‫ونظّ مت مهرجان ًا �سنوي ًا مل�رسح الهواة‪.‬‬ ‫واعتباراً من هذا التاريخ انتظم امل�رسح‬ ‫على ال�شكل التايل‪ :‬م�رسح الإذاعة والتلفزيون‪،‬‬ ‫وكان م�رسح الإذاعة قد تبلور اعتباراً من العام‬ ‫‪ ،1954‬وهو م�رسح �إذاعي م�سموع‪ ،‬م�رسح‬ ‫الهواة الذي كان مبثابة الّلبنة الأوىل التي‬ ‫�سبقت االحرتاف والتكوين الأكادميي‪ .‬ومن �أهم‬ ‫الأ�سماء يف هذا املجال الذّكي العلوي وم�رسح‬ ‫االحرتاف‪ ،‬حيث تك ّونت الفرقة امل�رسحية‬ ‫املغربية املحرتفة‪ ،‬وت� ّأ�س�س معهدان م�رسح ّيان‬ ‫يف كل من الرباط والدار البي�ضاء عام ‪ .1952‬ثم‬ ‫�أن�شئ معهد للفن امل�رسحي والتن�شيط الثقايف‬ ‫مت ت�أ�سي�سه يف مدينة‬ ‫ب�إ�رشاف وزارة الثقافة‪ّ ،‬‬ ‫الرباط عام ‪ .1985‬ويق ّدم هذا املعهد تكوين ًا‬ ‫فن التمثيل (م�رسح وتلفزيون و�سينما)‬ ‫يف ّ‬ ‫مت �إقفاله ملدة ثالث �سنوات‬ ‫وقد‬ ‫وال�سينوغرافيا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫خريجي املعهد‪ ،‬ثم‬ ‫بطالة‬ ‫عندما ظهرت �أزمة‬ ‫ّ‬ ‫�أعيد فتحه مع اخلطة الوزارية اجلديدة‪ .‬بعد ذلك‬ ‫ظهرت اجتاهات �أخرى يف امل�رسح املحرتف‬ ‫ارتبطت ب�أ�سماء م�رسحيني كان لهم الف�ضل‬ ‫يف من ّو امل�رسح املغربي االحرتايف‪ ،‬كما ظهر‬ ‫اجتاه امل�رسح االحتفايل يف ال�سبعينيات‪.‬‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪411‬‬

‫ومن الأ�سماء التي برزت يف تلك املرحلة امل�رسح املغربي عام‬

‫الط ّيب ال�صديقي و�أحمد الطيب العلج‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫عبد القادر البدوي‪ ،‬وكان له�ؤالء امل�رسحيني‬ ‫ملمو�س وكب ٌري يف �إمناء احلركة االحرتافية‬ ‫دو ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫يف امل�رسح املغربي‪ .‬وال ب ّد من الإ�شارة �إىل‬ ‫حركة التنظري امل�رسحي التي ن�شطت يف املغرب‬ ‫يف املرحلة نف�سها‪ ،‬ونذكر ب�شكل خا�ص جماعة‬ ‫االحتفاليني املغاربة‪.‬‬

‫البنية امل�رسحية يف املغرب‬

‫منذ ثالث �سنوات على الأقل يعي�ش‬ ‫امل�رسح املغربي دينامية جديدة بف�ضل �سيا�سة‬ ‫م�رسحية جديدة‪� ،‬سمحت للم�رسحيني اال�ستفادة‬ ‫من الدعم املادي للدولة من جهة‪ ،‬وت�أ�سي�س‬ ‫فرق حملية يف جهات املغرب من جهة �أخرى‪.‬‬ ‫�أ�ضف �إىل ذلك بروز فاعلني م�رسحيني جدد‪،‬‬ ‫مثل امل�رسح اجلامعي وخريجي املعهد العايل‬ ‫للفن امل�رسحي‪� ،‬إ�ضافة �إىل تراكم م�رسحي‬ ‫غني ومت�ألق متثّل يف م�رسح الهواة الذي ي�شكّل‬ ‫ذاكرة حقيقية للم�رسح املغربي‪ .‬هناك ن�ضج‬ ‫ملحوظ للنقد امل�رسحي باملغرب بعد ظهور‬ ‫تخرجت من اجلامعة‪،‬‬ ‫طاقات نقدية جديدة ّ‬ ‫وخربت �أدواتها النقدية يف م�رسح الهواة‬ ‫وامل�رسح اجلامعي‪ .‬ولع ّل ال�سمة الأهم على‬ ‫�صعيد �إنتاج العام ‪ 2008‬امل�رسحي هي غياب‬ ‫املركزية‪ ،‬فهناك عرو�ض ومهرجانات يف ك ّل‬ ‫املحافظات (الواليات) ولهذا يبدو من ال�صعب‬ ‫�إح�صاء ما ق ّدم فعلي ًا من عرو�ض م�رسحية‪،‬‬ ‫ثم هناك تن ّوع كبري وعدد هائل من الفرق‬ ‫واجلمعيات اخلا�صة و�شبه اخلا�صة‪ ،‬وعدد‬ ‫مماثل من املهرجانات‪ ،‬لكن امللمح العام‬ ‫ّ‬ ‫الذي يبدو هذه ال�سنة هو االبتعاد ن�سبي ًا عن‬ ‫امل�رسح الرتاثي واالقرتاب من الواقع مبوا�ضيع‬ ‫كالإرهاب واحلياة اليومية والقمع‪� ..‬إلخ‪.‬‬

‫الإبداع‬

‫�أبرز ما ميكن مالحظته بالن�سبة للم�شهد‬ ‫امل�رسحي يف املغرب هو �ضعف دعم الدولة‬ ‫لهذا القطاع وغياب املركزية‪� ،‬إذ لي�س هناك‬ ‫م� ّؤ�س�سة ت�سمى امل�رسح الوطني الذي ي�شكّل‬ ‫الواجهة الر�سمية للم�رسح املغربي‪ .‬يف املقابل‬ ‫يرتكّز الن�شاط امل�رسحي باملغرب يف �أغلب‬ ‫املدن واملناطق مثل الرباط‪ ،‬الدار البي�ضاء‪،‬‬ ‫�سال‪ ،‬مراك�ش‪� ،‬أغادير‪ ،‬فا�س‪ ،‬مكنا�س‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إىل امل�رسح الأمازيغي يف �أغادير‪( .‬ن�شاط هذه‬ ‫الفرقة يبدو جممداً منذ �سنة ‪ .)2007‬ويتجلّى‬ ‫الن�شاط امل�رسحي على �شكل �إن�شاء جتمعات‬ ‫فرق �أو م� ّؤ�س�سات‪� ،‬أغلبها ال تلقى دعم ًا يذكر �إمنا‬ ‫تن�شط هذه الفرق على م�ستوى املناطق وتتعامل‬ ‫مع املجال�س البلدية يف املدينة �أو اجلهة التي‬ ‫تنتمي �إليها‪� ،‬أو تطلب الدعم من جهات خارجية‪.‬‬ ‫يقيم امل�رسح املغربي‪ ،‬وبت�شجيع من الدولة‪،‬‬ ‫مهرجانات على امل�ستويات كافة لت�شجيع‬ ‫حركة ال�سياحة‪ ،‬ولهذا نالحظ وجود عالقات‬ ‫قوية بني الفعاليات امل�رسحية‪ ،‬من عرو�ض‬ ‫ومهرجانات وور�ش‪ ،‬وبني ممثلي املدينة‬ ‫(بلديات �أو م� ّؤ�س�سات �أو رجال �أعمال �أو دعم‬ ‫م�ؤ�س�سات دولية)‪� ،‬إ�ضافة �إىل الدور الذي يقوم‬ ‫به مندوب وزارة الثقافة يف اجلهة �أو املدينة‪،‬‬ ‫وهذا ما يف�سرّ الغزارة يف وجود املهرجانات‬ ‫يف جميع �أرجاء املغرب‪ .‬هذه الفرق‪ ،‬وعلى‬ ‫الرغم من املجهود الها ّم الذي تقوم به‪ ،‬ال‬ ‫تبدو بعد قادرة على ا�ستقطاب اجلمهور الوا�سع‬ ‫لتبقى �آمالها حكراً على جمهور �ضئيل من‬ ‫املثقفني ومن �أهل امل�رسح‪.‬‬

‫‪2008‬‬

‫�أهم ف�ضاءات العرو�ض امل�رسحية‬ ‫املحرتفة‬

‫وهي تقع حتت �إ�رشاف وزارة الثقافة يف‬ ‫الدار البي�ضاء‪ :‬م�رسح حممد اخلام�س وم�رسح‬ ‫�أنفا‪ .‬يف الرباط‪ :‬م�رسح حممد اخلام�س وف�ضاء‬ ‫مهدي بن بركة واملركز الثقايف �أكدال‪.‬‬ ‫ت�رشف وزارة الثقافة على تنظيم‬ ‫املهرجان الوطني للم�رسح املحرتف‪ ،‬الذي‬ ‫حتت�ضنه مدينة مكنا�س خالل �شهر متوز من ك ّل‬ ‫عام‪ .‬كما توجد مهرجانات للم�رسح اجلامعي‬ ‫(مراك�ش‪� ،‬أغادير‪ ،‬الدار البي�ضاء) ومهرجانات‬ ‫مل�رسح الهواة‪ .‬هناك عدد من املجموعات‬ ‫والفرق امل�ستقلة التي جتد الدعم من املراكز‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 412‬للتنمية الثقافية‬

‫الثقافية لعدد من البلدان الأوروبية مثل فرقة‬ ‫�آفروديت الرباط‪ ،‬عبد املجيد اله ّوا�س‪ .‬فرقة‬ ‫دابا تياتر فرن�سا‪ -‬املغرب‪ ،‬جواد ال�سنني‪ .‬فرقة‬ ‫الكعب العايل ‪� Takoon‬شوان‪� ،‬سامية �آقريو‪،‬‬ ‫فرقة تان�سيفت مراك�ش‪ ،‬ح�سن همو�ش‪ ،‬فرقة‬ ‫لواء الدار البي�ضاء‪ ،‬الزيتوين‪ .‬وهناك جمعيات‬ ‫عديدة كجمعية اجلدار الرابع للم�رسح والفنون‬ ‫اجلميلة ‪ ،1991‬جمعية ال�شعاع امل�رسحية‪،‬‬ ‫حركة الطفولة ال�شعبية‪ ،‬جمعية منتدى التوا�صل‬ ‫التابعة لنادي الإبداع الدرامي‪ ،‬جمعية � ّأجاج‬ ‫للإبداع امل�رسحي‪ ،‬الناظور‪.‬‬

‫املهرجانات امل�رسحية‬

‫املهرجان الوطني العا�رش للم�رسح وكان‬ ‫�سابق ًا مهرجان امل�رسح االحرتايف‪ ،‬لكن وب�سبب‬ ‫مت‬ ‫التفرغ للم�رسح (مادي ًا) ّ‬ ‫�صعوبة االحرتاف �أو ّ‬ ‫تغيري ا�سم املهرجان‪ .‬املهرجان الثقايف والفني‬ ‫اخلام�س‪ ،‬مهرجان البي�ضاء االحرتايف الثالث‬ ‫للم�رسح الأمازيغي‪ ،‬مهرجان �أكادير الدويل‬ ‫للم�رسح اجلامعي‪ ،‬املهرجان اخلام�س للم�رسح‬ ‫– طاطا – دورة دولية‪ ،‬مهرجان �أكادير الدويل‬ ‫مل�رسح التعبري اجل�سدي‪ ،‬املهرجان الوطني‬ ‫اخلام�س مل�رسح ال�شباب‪ ،‬مهرجان امل�رسح‬ ‫اجلامعي بفا�س – الدورة اخلام�سة تاريخ‬ ‫‪ ،8/5/2008‬مهرجان مراك�ش الدويل للم�رسح‪،‬‬ ‫مهرجان �أ�صيلة مل�رسح الطفل‪.‬‬ ‫يف �إطار افتتاح املو�سم امل�رسحي‬ ‫‪ ،2008/2007‬نظّ مت وزارة الثقافة �أيام ًا‬ ‫م�رسحية يف ك ّل من الرباط و�سال اجلديدة‪،‬‬ ‫وت�ض ّمنت هذه التظاهرة عرو�ض ًا م�رسحية‬ ‫للأطفال والكبار وح�صلت على دعم الوزارة‬ ‫(�إنتاج ًا �أو ترويج ًا) خالل املو�سم احلايل كما‬ ‫ح�صلت على �أه ّم جوائز املهرجان الوطني‬ ‫للم�رسح‪.‬‬

‫�أبرز العرو�ض امل�رسحية املغربية‬ ‫خالل مو�سم ‪2008‬‬

‫�ضمن املهرجان الثقايف والفني جلمعية‬ ‫الرتبية والتنمية بالناظور‪ُ ،‬عر�ضت م�رسحية‬

‫بريتانيكو�س للكاتب الفرن�سي را�سني‪ ،‬من �إعداد‬ ‫�أحمد ال�سبيع و�إخراج حممد بوغالد‪ ،‬ق ّدمت‬ ‫امل�رسحية جماعة م�رسح املدينة ال�صغرية‬ ‫ب�شف�شاون‪ ،‬وهي من �إنتاج ‪ 2007‬و�أعيد عر�ضها‬ ‫يف ‪ ،2008‬وعر�ضت �أي�ض ًا فرقة م�رسح متارة‬ ‫الر�صيف وهي اقتبا�س من جثّة على الر�صيف‬ ‫ل�سعد اهلل و ّنو�س ومن �إخراج ه�شام بومعروف‪.‬‬ ‫وعقدت يف املهرجان نف�سه ندوة حتت عنوان‬ ‫«تقنيات امل�رسح يف خدمة التنوع الثقايف»‪.‬‬ ‫ومن العرو�ض البارزة لعام ‪ 2008‬م�رسحية‬ ‫بالدي �إخراج �إدري�س الروخ و�إنتاج جمموعة‬ ‫�آدم للإنتاج الفني‪ ،‬م�رسحية الإمرباطور من‬ ‫�إنتاج وزارة الثقافة وبالتعاون مع مندوبية‬ ‫الناظور وت�أليف الكاتب الإ�سباين فرناندو‬ ‫�أرابال و�إخراج حفيظ مو�ساوي‪ .‬وقد �أع ّد و�أخرج‬ ‫يو�سف الريحاين عر�ضني عن ن�صو�ص لبيكيت‬ ‫بعنوان عدوى بيكيت‪ ،‬يطرح فيهما ق�ضية‬ ‫الإرهاب من خالل م�شاهدة حقيقية لعدد من‬ ‫�شباب بلدته يقومون بعمليات انتحارية‪ .‬كما‬ ‫ق ّدمت فرقة م�رسح �أبينوم ب�شف�شاون م�رسحية‬ ‫�سيدة املتو�سط من ت�أليف حممد زيطان و�إخراج‬ ‫يا�سني اجحان‪.‬‬ ‫وعر�ض م�رسح تان�سيفت يف مراك�ش‬ ‫م�رسحية كيف طوير طار اقتبا�س عبد اللطيف‬ ‫فردو�س و�إخراج ح�سن همو�ش‪� .‬شهد اجلمهور‬ ‫املغربي �أي�ض ًا هذا العام م�رسحية ن�شوة البوح‬ ‫من ت�أليف عبد احلقّ الزروايل و�إخراج عبد‬ ‫الكبري ال�شداتي‪ .‬كذلك م�رسحية اخلرافة اقتبا�س‬ ‫عبد احلق بلمجاهد و�إخراج عبد املوىل حمرتمي‬ ‫احلر يف الرباط‪ .‬وق ّدمت فرقة‬ ‫ملحرتف امل�رسح ّ‬ ‫م�رسح �أكادمييا م�رسحية �صياد النعام كما‬ ‫ق ّدمت فرقة م�رسح ال�شامات م�رسحية حياة‬ ‫وحلم و�شعب يف تيه دائم (عر�ضت �أي�ض ًا)‬ ‫يف مهرجان دم�شق الرابع ع�رش للم�رسح عام‬ ‫‪ .2008‬وق ّدمت فرقة م�رسح �أبنيوم من مدينة‬ ‫�شف�شاون م�رسحية �سيدة املتو�سط‪ ،‬وحتكي‬ ‫احلرة» بحكمتها‬ ‫الدور الذي لعبته «ال�سيدة ّ‬ ‫وغريتها و�إقدامها يف التخفيف من معاناة‬ ‫�أهايل الأندل�س بعد �سقوط املنطقة وت�سليم‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪413‬‬

‫امل�رسح املوريتاين‬ ‫البدايات‬

‫ظهر امل�رسح يف موريتانيا بت�أثري فرن�سي‬

‫الإبداع‬

‫مفاتيح غرناطة للإ�سبان‪ ،‬وكذلك يف ر ّد �أطماع‬ ‫الإيبرييني وتهافتهم على مرافئ املغرب‬ ‫الأق�صى‪ .‬كما ت�ستعر�ض امل�رسحية‪ ،‬وهي من‬ ‫ت�أليف حممد زيطان و�إخراج يا�سني �أحجام‪،‬‬ ‫حكاية «الفردو�س املفقود» واملحاوالت الرامية‬ ‫�إىل طم�س الهوية العربية والإ�سالمية و�أحداث‬ ‫تعر�ض لها امل�سلمون‪.‬‬ ‫التنكيل والقتل التي ّ‬ ‫ومـن عـرو�ض ‪� 2008‬أيـ�ضـ ًا‪ ،‬مـ�سـرحيـة‬ ‫فيولون �سني لفرقة م�رسح �أفروديت (حائزة‬ ‫على جائزة الإخراج للمهرجان الوطني التا�سع‬ ‫للم�رسح االحرتايف مبكنا�س)‪ ،‬وم�رسحية �أركاز‬ ‫�إزنزن تافوكت لفرقة م�رسح نون (وح�صلت‬ ‫على جائزة الأمل يف الت�شخي�ص للمهرجان‬ ‫الوطني التا�سع للم�رسح االحرتايف مبكنا�س)‪.‬‬ ‫كما ق ّدمت جمعية اجلدار الرابع للم�رسح‬ ‫والفنون اجلميلة باملركب الثقايف بالناظور‬ ‫و�ضمن املهرجان الثقايف والفني جلمعية‬ ‫الرتبية والتنمية‪ ،‬عر�ض ًا م�رسحي ًا اجتماعي ًا‬ ‫بعنوان �سلطانـــة من ت�أليف �سعد اهلل عبد‬ ‫املجيد و�إخراج حميد الر�ضواين‪ .‬وتعالج هذه‬ ‫امل�رسحية جمموعة من امل�شاكل التي يعرفها‬ ‫املغرب املعا�رص كالتفاوت الطبقي وال�رصاع‬ ‫االجتماعي وا�ستغالل الآخرين وانت�شار ظاهرة‬ ‫الفقر والبطالة‪ .‬ومن العرو�ض �أي�ضا م�رسحية‬ ‫جمرة لفرقة ف�ضاء اللواء لالبداع (ح�صلت‬ ‫على اجلائزة الكربى وجائزة الت�شخي�ص ذكور‬ ‫للمهرجان الوطني التا�سع للم�رسح االحرتايف‬ ‫مبكنا�س ) وم�رسحية زنقة �شك�سبري من �إخراج‬ ‫جياليل فرحاتي عن ن�ص للزبري بن بو�شتى‪،‬‬ ‫مثّلت املغرب يف مهرجان �أيام قرطاج‬ ‫وعر�ضت يف خمتلف املدن‬ ‫امل�رسحية ‪ُ ،2007‬‬ ‫و�سجلت زنقة �شك�سبري‬ ‫‪.‬‬ ‫‪2008‬‬ ‫املغربية العام‬ ‫ّ‬ ‫عودة املخرج جياليل فرحاتي �إىل خ�شبة‬ ‫امل�رسح بعد �أكرث من ع�رشين عام ًا من التفرغ‬ ‫الكلّي لل�سينما‪.‬‬

‫عام ‪ ،1958‬من خالل ما يعرف ب�سهرات‬ ‫الكيكوطية وهي �سهرات ت�سلية‪ ،‬وذلك بظهور‬ ‫همام فال وفرقة الكيكوطية‪ .‬ولت�أخر دخول‬ ‫امل�رسح �إىل موريتانيا �أ�سباب عديدة منها‪:‬‬ ‫طبيعة املجتمع الذي بقي ملدة طويلة جمتمع‬ ‫بداوة‪ ،‬كما �أن تعددية اللغات تعطي للم�رسح‬ ‫الناطق باللغة العربية حيزاً حمدوداً‪.‬‬ ‫يف بدايات امل�رسح املوريتاين ظهر جيل‬ ‫من الر ّواد �أبرزهم حممد ولد منني‪ ،‬حممد‬ ‫فال بن عبد الرحمن‪ ،‬حممد بن م�سعود‪ .‬ويف‬ ‫ثان رائده حممد الأمني‬ ‫الثمانينيات ظهر جيل ٍ‬ ‫ولد عداهي‪ ،‬تط ّور معه امل�رسح على م�ستوى �أداء‬ ‫املمثل والديكور والإ�ضاءة‪ .‬وظهرت اجلمعيات‬ ‫الثقافية وامل�رسحية و�شُ كّل ما ي�سمى باالحتاد‬ ‫الوطني مل�رسح الهواة‪ ،‬وبد�أ انفتاح امل�رسح‬ ‫املوريتاين على العامل من خالل هذا االحتاد‪،‬‬ ‫ف�شارك يف مهرجانات عربية وفرنكوفونية‪.‬‬ ‫يعي�ش جزء كبري من هذا امل�رسح يف �إطار‬ ‫امل�رسح واملهرجانات الفرنكوفونية‪ ،‬وبعد‬ ‫الثمانينيات بد�أت مرحلة جديدة من تاريخ هذا‬ ‫امل�رسح‪ .‬يف العام ‪ 1990‬ظهرت فرقة امل�رسح‬ ‫ال�شعبي وق ّدمت م�رسح ًا يعتمد اال�ضحاك‪ .‬بعد‬ ‫عام ‪� 1996‬سافر بع�ض ال�شباب لالخت�صا�ص‬ ‫يف املعهد امل�رسحي يف تون�س‪ ،‬كذلك دخلت‬ ‫بع�ض الوجوه ال�شابة اجلديدة هذا املجال‬ ‫(باب ولد ميني)‪ ،‬فرفدت امل�رسح بروح جديدة‬ ‫وحاولت �إدخال ما ي�سمى بامل�رسح اجلا ّد‬ ‫وتعويد اجلمهور عليه‪� .‬إىل جانب ذلك ظهرت‬ ‫فرق م�رسحية تق ّدم عرو�ضها بلغات غري اللغة‬ ‫العربية وهي فرق ن�شطة‪.‬‬

‫الواقع الراهن للم�رسح املوريتاين‬

‫يعاين امل�رسح املوريتاين العديد من‬ ‫امل�شاكل‪ ،‬من بينها غياب الأطر التنظيمية التي‬ ‫ت�رشف عليها الدولة‪ ،‬وغياب الدرا�سة امل�رسحية‬ ‫يف الداخل وعدم وجود بعثات لدرا�سة امل�رسح‬ ‫يف اخلارج وعدم وجود �أماكن عر�ض جم ّهزة‬ ‫(يوجد فقط دار ال�شباب القدمية ودار ال�شباب‬ ‫اجلديدة وهي قاعات �صغرية وغري جم ّهزة‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 414‬للتنمية الثقافية‬

‫كاف)‪ .‬وهذا يعني غياب البنية التحتية‬ ‫ب�شكل ٍ‬ ‫كلي ًا‪ .‬وعلى الرغم من وجود الفنان امل�رسحي‬ ‫الفل�سطيني خليل طاف�ش الذي ق ّدم درا�سات‬ ‫لتطوير هذا امل�رسح ووجود اجلمعيات امل�رسحية‬ ‫يف نواك�شوط‪ ،‬فقد بقي امل�رسح املوريتاين‬ ‫حتى الآن م�رسح هواة يفتقر للدعم والرعاية‬ ‫والتنظيم امل� ّؤ�س�ساتي‪ .‬وقد فاز الكاتب والناقد‬ ‫امل�رسحي املوريتاين ال�شاب عبد الرحمن �أحمد‬ ‫الغزايل هذا العام بع�ضوية جمعية امل�رسحيني‬ ‫ال�سعوديني تقديراً لدوره يف تطوير امل�رسح‬ ‫ال�سعودي‪ ،‬ومن م�ؤلفاته امل�رسحية ممنوع‬ ‫االقرتاب وهي م�رسحية تنتقد وتر ّد على الر�سوم‬ ‫امل�سيئة للر�سول �صلى اهلل عليه و�سلّم‪ ،‬م�رسحية‬ ‫جحيم ال�سعادة‪ ،‬م�رسحية �شنب �أكادميي وهي‬ ‫ملهاة كوميدية‪ ،‬م�رسحية انتحار الإن�سانية‬ ‫التي تعالج معاناة �أهل غزة‪ .‬كذلك �شهدت دار‬ ‫ال�شباب اجلديدة يف بداية العام ‪ 2009‬عر�ض ًا‬ ‫م�رسحي ًا بعنوان فدائيون ق ّدمته جمموعة من‬ ‫الفنانيني امل�رسحيني املوريتانيني من فرق‬ ‫خمتلفة ب�أ�سلوب امل�رسح التجريبي‪ ،‬و�شمل‬ ‫م�شاهد ح ّية ع ّما يح�صل يف فل�سطني يف ظل‬ ‫العدوان الإ�رسائيلي على قطاع غزة‪ .‬ودارت‬ ‫امل�رسحية التي يلعب فيها دور البطولة الفنان‬ ‫بون ولد �أميدة حول تعامل الأنظمة العربية مع‬ ‫الق�ضية الفل�سطينية وواقع ال�صمت العربي الذي‬ ‫يرافق العدوان الإ�رسائيلي‪ .‬واختتمت امل�رسحية‬ ‫مب�شهد يوحي برف�ض خيار التنديد وال�شجب يف‬ ‫التعاطي مع الق�ضية وتثمني خيار املقاومة‪،‬‬ ‫تدخل الفنان بابا مني يف امل�شهد قبل‬ ‫حيث ّ‬ ‫الأخري وهو يهتف مبقطع من ق�صيدة �أمل‬ ‫دنقل ال ت�صالح‪ .‬كذلك ُعر�ضت يف العام ‪2008‬‬ ‫م�رسحية حلمنا اجلميل للمخرج بابا مني وهي‬ ‫�شبه ملحمة غنائية تعبرّ عن ثراء الثقافة يف‬ ‫هذا البلد يف عمل معقّد جداً ي�ض ّم ما ال يقل عن‬ ‫�أربعني ممث ًال‪.‬‬ ‫وقد دعا امل�رسحي �أوغ�ست بوال‪ ،‬من‬ ‫خالل منرب مهرجان امل�رسح الفرنكوفوين‪� ،‬إىل‬ ‫تطوير تقنيات خا�صة مب�رسح امل�ضطهدين‬ ‫يف موريتانيا ( خالل لقاء معه يف �صحيفة‬

‫الأومانيتيه الفرن�سية يف �شهر �آب ‪،)2008‬‬ ‫ويبدو �أن امل�رسح التنموي يتطور يف موريتانيا‬ ‫ب�إ�سهام جهات داعمة �أجنبية‪ .‬كما وا�صلت‬ ‫موريتانيا تنظيمها لفعاليات م�رسحية حتت‬ ‫�شعار امل�رسح يف خدمة حمو الأم ّية يف م�رسح‬ ‫دار ال�شباب القدمي‪ ،‬وهذا نوع من امل�رسح‬ ‫التنموي الذي ينمو حالي ًا يف موريتانيا‪،‬‬ ‫وكانت بداية هذه الفعاليات قد انطلقت يف يوم‬ ‫امل�رسح العاملي عام ‪. 2004‬‬

‫امل�رسح الليبي‬ ‫البدايـات‬

‫يكمن تق�سيم م�سرية امل�رسح الليبي �إىل‬ ‫ثالث مراحل‪ :‬االحتالل الإيطايل‪ ،‬بداية ظهور‬ ‫الفرق الأهلية املرحلة التي �أعقبت ثورة الفاحت‬ ‫من �أيلول‪ ،‬وتاريخ �إن�شاء �أول نقابة للفنانني‪.‬‬ ‫كانت بدايات امل�رسح الليبي مبكرة يف‬ ‫فرتة االحتالل الإيطايل الذي كان عام ًال م�ؤثراً‬ ‫على ن�ش�أة امل�رسح الليبي‪ ،‬فكما جرى يف اجلزائر‬ ‫مع اال�ستعمار الفرن�سي الذي �أن�ش�أ داراً للأوبرا‬ ‫يف العا�صمة اجلزائر‪ ،‬اهت ّم الإيطاليون ب�إن�شاء‬ ‫وخ ّ�ص�صت بع�ض دور‬ ‫املالهي بالدرجة الأوىل‪ُ ،‬‬ ‫العر�ض للإيطاليني فقط‪ ،‬ومل يكن لليبيني احلق‬ ‫يف ارتياد هذه الدور‪ ،‬الأمر الذي دفع بع�ض‬ ‫الليب ّيني‪� ،‬أمثال م�صطفى الأمري و�إبراهيم عامر‪،‬‬ ‫لتكوين فرقة م�رسحية من بع�ض العنا�رص‬ ‫ال�شابة‪ ،‬وذلك بعد �أن �سمح لهم الإيطاليون‬ ‫بالعمل‪ .‬ومن امل�رسحيات التي جرى عر�ضها‬ ‫اللحظات الأخرية من حياة �سكّري من ت�أليف‬ ‫�إبراهيم عامر‪ ،‬وتهدف �إىل حماربة تعاطي‬ ‫اخلمور التي كان اال�ستعمار الإيطايل يعمد �إىل‬ ‫ن�رشها‪ ،‬وكذلك م�رسحية قاتل �أخيه التي دعت‬ ‫بث‬ ‫�إىل مناه�ضة �أفكار اال�ستعمار و�أهدافه يف ّ‬ ‫الفرقة بني �أبناء الوطن الواحد‪.‬‬ ‫ولع ّل بداية امل�رسح الليبي كانت مع حممد‬ ‫عبد الهادي الذي عاد من بريوت �سنة ‪1926‬‬ ‫لي� ّؤ�س�س الفرقة امل�رسحية الأوىل يف مدينة‬ ‫طربق حتت ا�سم فرقة هواة التمثيل‪ ،‬ثم انتقل‬ ‫امل�رسح �إىل املدن الأخرى كبنغازي وطرابل�س‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪415‬‬

‫مهرجانات م�رسحية‬

‫�أقيم املهرجان الوطني الأول للم�رسح‬ ‫�سنة ‪ 1971‬على �أن يقام كل �سنتني‪ ،‬وجرى‬ ‫تنظيم املهرجان الوطني الثاين للم�رسح �سنة‬ ‫‪ 1973‬ليختفي مدة ت�سع �سنوات حتى ‪1982‬‬ ‫املوعد غري الر�سمي للمهرجان الوطني الثالث‪.‬‬ ‫�أثناء هذا الغياب ظهر ما يعرف با�سم املوا�سم‬ ‫امل�رسحية لكل فرقة‪ ،‬وهي عبارة عن ريربتوار‬ ‫من الأعمال التي ق ّدمت يف ال�سابق مع �إ�ضافة‬ ‫عمل جديد‪ ،‬وبهذه الطريقة حت�صل الفرقة على‬ ‫مو�سم م�رسحي م ّدته �أ�سبوع‪.‬‬ ‫هناك عدة مهرجانات منها مهرجان‬ ‫امل�رسح اجلامعي و�أه ّمها املهرجان احلادي‬ ‫ع�رش للفنون امل�رسحية الذي �أقيم يف العام‬ ‫‪ 2008‬يف مدينتي البي�ضاء و�شحات الأثرية‬ ‫برعاية اللجنة ال�شعبية العامة للثقافة والإعالم‬ ‫حتت �شعار «ت�أكيد جماهريية امل�رسح»‪ .‬افتتح‬ ‫املهرجان ب�أوبريت حتيا دولة احلقراء من‬

‫الإبداع‬

‫وهو اليوم يف ك ّل املحافظات واملدن الليبية‪،‬‬ ‫لكنه كان يف البداية على م�ستوى الهواية‪ .‬ومن‬ ‫رموز امل�رسح الليبي �سليمان املنفي و�أنور عبد‬ ‫الوهاب الطرابل�سي الذي مت ّيز بدور رائد يف‬ ‫جتربته مع جيله من امل�رسحيني‪ .‬وقد كانت‬ ‫فرقة طالئع خريجي الفنون وال�صنائع ( من‬ ‫عام ‪� 1936‬إىل ‪ )1939‬هي النواة امل�رسحية‬ ‫الأوىل يف طرابل�س‪ ،‬وهي فرقة من الهواة‬ ‫املثقفني الذين مل ي�ستعملوا �أ�سماءهم احلقيقية‬ ‫وكان م�ستهجن ًا من الناحية االجتماعية �أن‬ ‫ي�شتهر �أحد بالتمثيل �أو الغناء يف ذلك الوقت‪.‬‬ ‫وقد ق ّدموا م�رسحيات وطنية مثل �صالح الدين‬ ‫الأيوبي ومعركة الريموك وا�سكت�شات فكاهية‪،‬‬ ‫وكذلك بالن�سبة للفرق الأخرى مثل فرقة نادي‬ ‫العمال وفرقة نادي ال�شباب وفرقة نادي‬ ‫النه�ضة‪.‬‬ ‫املرحلة الثانية بد�أت بظهور الفرق‬ ‫الأهلية‪ ،‬ولع ّل �أهمها الفرقة القومية التي‬ ‫ت� ّأ�س�ست عام ‪ ،1951‬ومن �أوىل الأعمال التي‬ ‫ق ّدمتها م�رسحيات الدنيا �ساعة ب�ساعة‪ ،‬نكران‬ ‫واعرتاف‪ ،‬الوارث‪ ،‬وكلّها من ت�أليف و�إخراج‬ ‫مقر الفرقة �آنذاك يف‬ ‫�سعيد ال�رساج‪ ،‬وقد كان ّ‬ ‫�سوق الرتك وكانت الفرقة ت�صنع املناظر من‬ ‫�أكيا�س الإ�سمنت‪.‬‬ ‫يف هذه الفرتة ظهرت فرق كثرية واختفت‬ ‫�أخرى �أي�ض ًا‪ ،‬ومن الفرق التي ظهرت اجليل‬ ‫ال�صاعد‪ ،‬الأمل‪ ،‬الفرقة الوطنية‪ ،‬فرقة النه�ضة‬ ‫امل�رسحية‪ ،‬الأنوار‪ ،‬فرقة امل�رسح الليبي‪� .‬أما‬ ‫اختفاء بع�ض الفرق �أو الكثري منها فريجع‬ ‫�إىل �ضعف الإمكانات املادية‪ ،‬و�إىل العرو�ض‬ ‫الهزيلة التي كان يق ّدمها بع�ض هذه الفرق‬ ‫على عك�س ما تع ّوده اجلمهور من فرقة نادي‬ ‫االحتاد‪.‬‬ ‫املرحلة الثالثة تبد�أ بقيام ثورة الفاحت‪.‬‬ ‫و�أه ّم ال�سمات املميزة لهذه الفرتة‪� ،‬إن�شاء نقابة‬ ‫الفنانني وتكوين الهيئة العامة للم�رسح‪ ،‬وقد‬ ‫�أعطى قرار ت�شكيلها احلق يف اال�ستيالء على‬ ‫مقرات الفرق و�أثاثاتها وتغيري �أ�سمائها‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬ ‫ونقل �أع�ضائها من دون �أن يكون وراء ذلك‬

‫خطة لتنظيم احلركة امل�رسحية �أو متابعتها‬ ‫واالهتمام بها‪ .‬وقد �أ ّدى ذلك �إىل ان�سحاب الكثري‬ ‫من القدرات الفنية‪ ،‬وقامت الهيئة بتجربة دمج‬ ‫الفرق‪� ،‬إال �أن هذه التجربة ف�شلت وتركّز ج ّل‬ ‫مت ح ّل‬ ‫اهتمامها على الفنون ال�شعبية �إىل �أن ّ‬ ‫الفرق املندجمة بعد �سنتني من التجربة‪.‬‬ ‫ومن الفرق التي ظهرت فرقة امل�رسح‬ ‫الوطني وهي فرقة متفرغة ُت�رصف لها مر ّتبات‬ ‫من الدولة لكن عملها يكاد يكون مو�سمي ًا يبد�أ‬ ‫يف اخلريف وينتهي مع بداية ال�صيف‪ ،‬فرقة‬ ‫نقابة املعلمني وهي من العالمات املميزة‬ ‫لفرتة الثورة وقد تك ّونت يف نهاية العام‬ ‫‪.1976‬‬ ‫�أما يف بنغازي فقد ظهرت �أول فرقة‬ ‫م�رسحية عام ‪ 1936‬وكان م� ّؤ�س�سها رجب‬ ‫البكو�ش‪ ،‬وكانت تق ّدم عرو�ضها على �شاطئ‬ ‫البحر لعدم وجود م�سارح يف املدينة‪ ،‬ولهذا‬ ‫اتخذت الفرقة ا�سم فرقة ال�شاطئ‪ .‬وقد عا�شت‬ ‫احلركة امل�رسحية يف املدينة حياة ن�شطة منذ‬ ‫عام ‪ 1939‬وحتى يومنا هذا‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 416‬للتنمية الثقافية‬

‫هناك ممثلون م�رسحيون يف‬ ‫البلدان العربية ويف �أرجاء العامل‬ ‫وعددهم كبري‪ ،‬منهم من ال يزال‬ ‫ميار�س العمل امل�رسحي ومنهم من‬ ‫انقطعت �أخباره‪ ،‬وكلهم يحاولون‬ ‫العمل يف جمال امل�رسح �أو الدراما‬ ‫يف حال متكّنوا من ذلك‪.‬‬

‫�إعداد امل�سكيني ال�صغري و�إخراج عز الدين‬ ‫املهدي‪ ،‬واختتم بعمل نزيف احلجر لفرقة �سبها‬ ‫للفنون امل�رسحية يف مدينة درنة‪ ،‬وهو مقتب�س‬ ‫عن رواية الكاتب العاملي �إبراهيم الكوين‪.‬‬ ‫يف ‪ 2008/10/9‬انطلق اليوم الوطني‬ ‫للم�رسح ملنا�سبة مرور مائة عام على ت�أ�سي�س‬ ‫امل�رسح الليبي احلديث‪ ،‬و�سيتكرر االحتفال‬ ‫�سنوي ًا يف التاريخ املذكور �إحياء لهذه الذكرى‪.‬‬ ‫وعقدت على هام�شه ندوة حتت عنوان‬ ‫«امل�رسح الليبي تاريخ و�آفاق» ُدعي �إليها‬ ‫خمت�صون‪ .‬كما ق ّدمت فرقة‬ ‫خرباء م�رسحيون‬ ‫ّ‬ ‫غفران للأعمال الفنية وامل�رسحية على م�رسح‬ ‫الك�شّ اف م�رسحية فتح مكة ت�أليف املفكر‬ ‫الإ�سالمي �أحمد القطعاين بالتعاون مع العديد‬ ‫من الفرق الفنية امل ّماثلة‪ ،‬كما ق ّدمت فرقة‬ ‫رابطة الفنانني يف طرابل�س م�رسحية من يقتل‬ ‫مني‪ .‬ومن العرو�ض امل�رسحية التي ق ّدمت عام‬ ‫‪ 2008‬م�رسحية الغول من �إخراج الدكتور ح�سن‬ ‫قرفال‪.‬‬ ‫ومن الفرق امل�رسحية يف ليبيا بيت �شحات‬ ‫الثقايف‪ ،‬فرقة ليبيا– �شحات‪ ،‬امل�رسح الأخ�رض‪،‬‬ ‫امل�رسح احلديث – البي�ضاء‪ ،‬اجليل ال�صاعد‬ ‫بغريان‪ ،‬امل�رسح الوطني ب�سبها‪� ،‬أ�صدقاء‬ ‫التمثيل– اجدابيا‪ ،‬هواة الفن بالبي�ضاء‪ ،‬غفران‬ ‫للأعمال الفنية وامل�رسحية‪.‬‬

‫امل�رسح العراقي‬ ‫�أزمة راهنة‬

‫تق�صي الن�شاط امل�رسحي‬ ‫من ال�صعب ّ‬ ‫العراقي اليوم ب�سبب ت�ش ّتته ونق�ص املعلومات‪،‬‬ ‫فال�سمة الرئي�سية لهذا امل�رسح العريق هي‬ ‫الت�شتت‪ .‬هناك ممثلون م�رسحيون يف البلدان‬ ‫العربية ويف �أرجاء العامل وعددهم كبري‪ ،‬منهم‬ ‫من ال يزال ميار�س العمل امل�رسحي ومنهم‬ ‫من انقطعت �أخباره‪ ،‬وكلهم يحاولون العمل‬ ‫يف جمال امل�رسح �أو الدراما يف حال متكّنوا‬ ‫من ذلك‪ .‬بالن�سبة لو�ضع امل�رسح يف الداخل‬ ‫العراقي هناك بع�ض الظروف التي ما زالت‬ ‫ت�ؤثّر يف وجود هذا امل�رسح و�أدائه‪� ،‬أه ّمها‬

‫و�ضع ال�صاالت امل�رسحية يف بغداد حيث توجد‬ ‫�صالة واحدة فقط �صاحلة لال�ستخدام‪ ،‬وكذلك‬ ‫احلالة الأمنية التي جتعل من العرو�ض‪ ،‬يف‬ ‫حال وجدت‪ ،‬عرو�ض ًا نهارية ولي�ست م�سائية‪،‬‬ ‫لكن هذا الو�ضع بد�أ يتغري م�ؤخراً‪� .‬إ�ضافة �إىل‬ ‫ذلك غياب القوانني التي تتعلق ب�ش�ؤون الثقافة‬ ‫وغياب الرعاية من الدولة واالنفتاح ب�شكل‬ ‫كبري على التمويل اخلارجي‪� ،‬إذ جند جمعيات‬ ‫تعنى بامل�رسح والفنون يف حالة بحث دائم‬ ‫عن التمويل‪ ،‬وهذا يتعلق خ�صو�ص ًا بجيل‬ ‫ال�شباب‪ ،‬ويالحظ عدم بروز �أ�سماء جديدة‬ ‫على ال�ساحة العراقية‪ .‬و�أحوال امل�رسحيني‬ ‫العراقيني يف ال�شتات لي�ست واحدة‪ ،‬فمنهم‬ ‫من �سمحت له الفر�صة بالعمل يف دول جمل�س‬ ‫التعاون اخلليجي ويف �سوريا ولبنان‪ ،‬مثل‬ ‫حممود �أبو العبا�س الذي عمل فرتة طويلة يف‬ ‫الإمارات (الفجرية)‪ ،‬قا�سم حممد الذي تويف يف‬ ‫عام ‪ ،2008‬جواد الأ�سدي الذي عمل يف امل�رسح‬ ‫الوطني الفل�سطيني ثم يف �سوريا ويف لبنان‬ ‫وافتتح يف بريوت ف�ضا ًء م�رسحي ًا حتت ا�سم‬ ‫بابل يف دار �سينما قدمية‪ .‬وهناك م�رسحيون‬ ‫يف املهجر‪ ،‬منهم قا�سم مطرود املوجود يف‬ ‫هولندا‪ ،‬روناك �شوقي يف �إجنلرتا‪ ،‬با�سم قهار‬ ‫بني �أ�سرتاليا و�سوريا‪ ،‬ر�سول ال�صغري يف‬ ‫هولندا‪ ،‬وقبله عوين كرومي الذي عا�ش يف‬ ‫�أملانيا وتويف فيها‪.‬‬ ‫ومن امل�رسحيني من بقي يف العراق وما‬ ‫زال يعمل يف جمال امل�رسح وعددهم كبري‪،‬‬ ‫مثل يو�سف العاين‪� ،‬سامي عبد احلميد‪� ،‬صالح‬ ‫ق�صاب‪ ،‬عزيز خيون‪ ،‬عواطف نعيم‪ ،‬هيثم عبد‬ ‫الرزاق وغريهم‪.‬‬

‫البدايـات‬

‫ن�ش�أ امل�رسح العراقي يف بدايات القرن‬ ‫املا�ضي وبد�أ يتبلور مع ظهور الفرق امل�رسحية‬ ‫يف اخلم�سينيات مع تبلور الفكر ال�سيا�سي‬ ‫واحلراك ال�سيا�سي يف تلك املرحلة‪ .‬وقد بد�أ‬ ‫تدري�س امل�رسح يف معهد الفنون اجلميلة‬ ‫يف وقت مبكر‪ .‬ففي العام ‪ 1940‬ت� ّأ�س�س ق�سم‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪417‬‬

‫امل�رسح العراقي‪ :‬بني احلروب واحل�صار‬ ‫واالحتالل‬

‫ب�سـبـب االحـتـالل الأمـريـكـي‬ ‫انهارت امل� ّؤ�س�سات امل�رسحية يف‬ ‫العراق‪ ،‬و�شكّلت هذه الظروف ال�رضبة‬ ‫القا�صمة للم�رسح العراقي‪ ،‬الذي ما‬ ‫زال منذ ذلك الوقت يحاول ا�ستعادة‬ ‫ذاته و�ألقه‪.‬‬

‫الإبداع‬

‫امل�رسح التابع ملعهد الفنون اجلميلة‪ ،‬وعام‬ ‫‪ 1968‬ت� ّأ�س�س ق�سم امل�رسح يف اجلامعة يف‬ ‫كلية الفنون اجلميلة يف بغداد ثم يف املو�صل‬ ‫والب�رصة‪ ،‬وقد وفّر هذا الق�سم جما ًال للدرا�سة‬ ‫وتخ�ص�صية يف‬ ‫امل�رسحية يف درا�سات عامة‬ ‫ّ‬ ‫ثالثة اخت�صا�صات هي‪ :‬التمثيل والإخراج‬ ‫والنقد‪ ،‬وكان ذلك يف بغداد ثم املو�صل وبعده‬ ‫الب�رصة‪ .‬يف ال�ستينيات كانت بد�أت الفرق‬ ‫الأهلية بالظهور وهي كغريها من الفرق يف‬ ‫الدول العربية مل تكن تطرح مو�ضوع التمويل‬ ‫كق�ضية‪� ،‬إذ كانت مت ّول نف�سها بنف�سها‪ ،‬ومعها‬ ‫بد�أت النه�ضة امل�رسحية احلقيقية لأنها‬ ‫ا�ستقطبت العديد من الأ�سماء التي �ست�شكّل‬ ‫�أعمدة بناء امل�رسح العراقي مثل �إبراهيم جالل‪،‬‬ ‫يو�سف العاين‪� ،‬سامي عبد احلميد‪ ،‬كاظم حيدر‪،‬‬ ‫ناظم الغزايل‪.‬‬ ‫يف عام ‪ 1968‬ت� ّأ�س�ست م�صلحة ال�سينما‬ ‫وامل�رسح وكان على ر�أ�سها يو�سف العاين‪،‬‬ ‫و� ّأ�س�ست فرقة الر�شيد وفرقة امل�رسح القومي‪،‬‬ ‫وو�ضعت هيكلية للم�صلحة وقوانني ت�سمح‬ ‫بتعيني الفنانني‪ ،‬حيث يكون الفنان حتت‬ ‫رعاية الدولة (على منط الدول اال�شرتاكية)‪.‬‬ ‫وت�شكّلت عدة فرق منها امل�رسح احلر وم�رسح‬ ‫‪ 14‬متوز وم�رسح الهواة وم�رسح الرافدين‪،‬‬ ‫وكانت هذه الفرق تعمل مع املراكز الثقافية‬ ‫(املركز الثقايف الرو�سي)‪.‬‬

‫العراقية الإيرانية‪ ،‬ت�شكّلت دائرة التوجيه‬ ‫املعنوي ثم �أ�صبحت دائرة التوجيه ال�سيا�سي‪،‬‬ ‫ووجهت امل�رسح ب�شكل م�ضطرد نحو امل�رسح‬ ‫ّ‬ ‫املوجه وامل�ؤدلج حتت م�سميات جديدة ترتبط‬ ‫ّ‬ ‫بحزب �سيا�سي‪ ،‬وكان الأهم هو �إن�شاء امل�رسح‬ ‫الع�سكري (ارتباط ًا باحلرب) والكثري من‬ ‫الفنانني ُع ّينوا يف امل�رسح الع�سكري يف بداية‬ ‫حياتهم املهنية ومنهم كاظم ال�ساهر وجواد‬ ‫ال�شكرجي‪ .‬يف مقابل هذا التوجه ظهر امل�رسح‬ ‫التجاري وتنامى ب�شكل م�ضطرد وهذه ظاهرة‬ ‫طبيعية‪� .‬أما يف الثمانينيات فقد بد�أت موجات‬ ‫هجرة املثقفني‪ ،‬ومن بينهم امل�رسحيون‪ ،‬تتزايد‬ ‫�أكرث ف�أكرث (�إ�ضافة للعوامل ال�سابقة دخل‬ ‫عامل �إ�ضايف وهو الت�ضييق ال�سيا�سي والأمني‬ ‫على الفنانني) لكن بقي امل�رسح العراقي يق ّدم‬ ‫�أعما ًال جيدة مع فنانني مثل فا�ضل خليل‬ ‫(عميد املعهد ملدة طويلة)‪ ،‬عزيز خ ّيون‪ ،‬هيثم‬ ‫عبد الرازق‪ ،‬عواطف نعيم وغريهم‪.‬‬ ‫ب�سبب االحتالل الأمريكي انهارت‬ ‫امل� ّؤ�س�سات امل�رسحية يف العراق‪ ،‬و�شكّلت هذه‬ ‫الظروف ال�رضبة القا�صمة للم�رسح العراقي‪،‬‬ ‫الذي ما زال منذ ذلك الوقت يحاول ا�ستعادة‬ ‫ذاته و�ألقه‪ ،‬وظهرت �إ�شكاليات خطرية �أه ّمها‬ ‫تق�سيم امل�رسح العراقي �إىل ق�سمني الداخل‬ ‫واخلارج‪ ،‬والغياب الكامل جلميع �أ�شكال‬ ‫الدعم احلكومي للم�رسح‪ ،‬و انعدام ال�سعي لدى‬ ‫احلكومات العراقية بعد االحتالل للتطوير‬ ‫الثقايف عموم ًا وامل�رسحي خ�صو�ص ًا‪.‬‬

‫يف ال�سبعينيات من القرن املا�ضي عرف ‪ 2008‬هل يحمل �إرها�صات اخلروج من‬ ‫امل�رسح العراقي نه�ضة جديدة‪ ،‬وكانت مرحلة الأزمة؟‬

‫ن�ضج للم�رسح وامل�رسحيني‪ ،‬فظهر العديد من‬ ‫الفرق والبنى امل�رسحية مثل امل�رسح املدر�سي‪،‬‬ ‫امل�رسح اجلامعي‪ ،‬امل�رسح الريفي‪ ،‬امل�رسح‬ ‫العمايل‪� ..‬إلخ‪ ،‬ومنذ تلك املرحلة بد�أ �أي�ض ًا‬ ‫تراجع امل�رسح لأ�سباب عديدة غري متالزمة‪،‬‬ ‫منها احلروب التي خا�ضها العراق وبعدها‬ ‫احل�صار‪ .‬لكن من الناحية ال�سيا�سية وهذا‬ ‫�سي�ؤثر على الناحية الفنية وخالل احلرب‬

‫مت ا�ستحداث مركز بغداد للثقافة والفنون‬ ‫ّ‬ ‫عام ‪ 2008‬بهدف دعم الثقافة والفنون يف‬ ‫عموم العراق حتت �إدارة املخرج �أحمد ح�سن‬ ‫مت تعيني مدير جديد لدائرة‬ ‫مو�سى‪ ،‬كما ّ‬ ‫ال�سينما وامل�رسح هو د‪� .‬شفيق مهدي‪ .‬و�أنتجت‬ ‫وزارة الثقافة يف العامني املا�ضيني عدة‬ ‫عرو�ض منها عر�ض املوت والعذراء �إعداد‬ ‫و�إخراج �إبراهيم حنون (‪ .)2008‬وت�صدر فرقة‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 418‬للتنمية الثقافية‬

‫بعد �سقوط نظام �ص ّدام ح�سني‬ ‫عام ‪ 2003‬وانهيار البنى التحتية‪،‬‬ ‫قامت فرقة من حتت الأنقا�ض �أطلقت‬ ‫على نف�سها ا�سم فرقة ناجني ببناء‬ ‫ن�صب لعائلة عراقية ناجية يف �ساحة‬ ‫الفردو�س‪ ،‬وجرى عر�ض م�رسحية‬ ‫ارجتالية على �أنقا�ض م�رسح الر�شيد‬ ‫لتكون هذه الفرقة �أول �شكل من‬ ‫�أ�شكال �إعادة احلياة للم�رسح‪.‬‬

‫باب امل�رسحية جملة م�رسحية �شهرية بعنوان‬ ‫اخل�شبة ير�أ�س حتريرها حامت عودة‪ .‬ويف العام‬ ‫‪ 2008‬ت� ّأ�س�س مهرجان الربيع للم�رسح يف‬ ‫بغداد‪ .‬كما ظهرت جمعيات وفرق ت� ّأ�س�ست بعد‬ ‫احلرب منها ور�شة الثقافة امل�رسحية التابعة‬ ‫جلمعية �آفاق لل�سالم والتنمية وم�ؤ�س�سة عيون‬ ‫للإعالم والثقافة والفنون‪ .‬ويحاول الفنان‬ ‫منا�ضل البياتي �إعادة �إحياء فرقة م�رسح الفن‬ ‫احلديث (التي ت� ّأ�س�ست يف املرة الأوىل عام‬ ‫‪ )1952‬حيث ق ّدم م�رسحية هاملت بال هاملت‪.‬‬ ‫وق ّدمت الفرقة القومية للتمثيل يف مهرجان‬ ‫القاهرة للم�رسح التجريبي ‪ 2008‬م�رسحية‬ ‫حتت ال�صفر‪ .‬يف �شهر �آب �أغ�سط�س ‪ 2008‬عقد‬ ‫املركز العراقي الكندي للثقافة والفنون امل�ؤمتر‬ ‫متت‬ ‫الت�أ�سي�سي يف مقاطعة (برت�ش كوملبيا)‪ ،‬و ّ‬ ‫املوافقة عليه فدرالي ًا من قبل احلكومة الكندية‬ ‫ب�شكل ر�سمي بتاريخ ‪. 2008/6/11‬‬ ‫وعلى الرغم من هذه الظروف �إال �أن‬ ‫الأعمال امل�رسحية املنتجة يف العراق لي�ست‬ ‫بالقليلة‪ ،‬ومنها م�رسحية الأ�شباح من �إخراج‬ ‫د‪.‬عادل كرمي و�إنتاج كلية الفنون اجلميلة‪.‬‬ ‫م�رسحية م�سافر زاده اخليال �إخراج عزيز‬ ‫خيون‪ ،‬م�رسحية �أعتذر �أ�ستاذي مع التحية من‬ ‫�إخراج هيثم عبد الرزاق‪ ،‬م�رسحية ن�ساء يف‬ ‫احلرب �إخراج جواد الأ�سدي الذي �أعاد اخراجها‬ ‫الن�صار‪� ،‬إىل جانب �إخراجه‬ ‫م�ؤخراً الفنان كاظم ّ‬ ‫م�رسحية كون�رشتو‪ .‬كما ُق ّدمت م�رسحية‬ ‫الأ�سفـار من �إخراج حازم كمال الدين‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إىل تقدميه م�رسحية �صحراء ال�شلب يف منتدى‬ ‫امل�رسح‪ ،‬م�رسحية بابل حبي الأزيل ل�سعدي‬ ‫يون�س‪ ،‬م�رسحية وداع ًا غودو من �إخراج حامت‬ ‫عودة‪ ،‬م�رسحية حريق البنف�سج �إخراج حيدر‬ ‫منعث‪ ،‬م�رسحية اللعبة الأخرية �إخراج جواد‬ ‫احل�سب‪ ،‬وهو نف�سه ق ّدم �أي�ض ًا احل�سني ثائراً يف‬ ‫الفرتة نف�سها‪ ،‬و�أحدب نيونوتردام �إخراج كرمي‬ ‫جثري‪.‬‬ ‫كما �شهدت م�سارح املحافظات العراقية‬ ‫يف ال�سنوات الثالث الأخرية تقدمي عرو�ض‬ ‫م�رسحية متع ّددة‪ ،‬و�أقامت مهرجانات‬

‫م�رسحية متوا�صلة يف بع�ض املحافظات مثل‬ ‫بابل والقاد�سية والب�رصة وذي قار ونينوى‬ ‫وال�سليمانية‪.‬‬ ‫وقد كان م�رسح املحافظات يف العراق‬ ‫متطوراً ويتمتع ب�سمعة فنية عالية‪ ،‬وغالب ًا ما‬ ‫كانت حمافظات غري بغداد هي التي حت�صد‬ ‫اجلوائز الرئي�سية يف املهرجانات امل�رسحية‬ ‫العراقية‪ ،‬ولكنها الآن تعاين من م�شكالت كثرية‬ ‫تزيد من �أزمة امل�رسح العراقي‪ ،‬ومن �أه ّم هذه‬ ‫الأزمات غياب اخلدمات الإنتاجية والتمويل‬ ‫مبان م�رسحية جم ّهزة‪.‬‬ ‫وعدم وجود ٍ‬ ‫بعد �سقوط نظام �ص ّدام ح�سني عام ‪2003‬‬ ‫وانهيار البنى التحتية‪ ،‬قامت فرقة من حتت‬ ‫الأنقا�ض �أطلقت على نف�سها ا�سم فرقة ناجني‬ ‫ببناء ن�صب لعائلة عراقية ناجية يف �ساحة‬ ‫الفردو�س‪ ،‬وجرى عر�ض م�رسحية ارجتالية‬ ‫على �أنقا�ض م�رسح الر�شيد لتكون هذه الفرقة‬ ‫�أول �شكل من �أ�شكال �إعادة احلياة للم�رسح‪.‬‬ ‫وبعد عودة احلياة �إىل م� ّؤ�س�سات الدولة‬ ‫الثقافية ُق ّدم خالل ال�سنوات اخلم�س املا�ضية‬ ‫ما يزيد على ال�سبعني عر�ض ًا م�رسحي ًا كان‬ ‫لدائرة ال�سينما وامل�رسح ح�صة الأ�سد يف‬ ‫�إنتاجها‪� ،‬إ�ضافة �إىل دار ثقافة الأطفال وكلية‬ ‫الفنون اجلميلة يف بغداد ومعهد الفنون‪ .‬و ُق ّدمت‬ ‫العرو�ض يف بداية الأمر من خالل مهرجانات‬ ‫تنظمها هذه امل� ّؤ�س�سات‪ ،‬واعتمدت هذه‬ ‫العرو�ض على �أطروحات فكرية جاهزة ودعوات‬ ‫مبا�رشة لنبذ العنف و�إ�شاعة ال�سالم والتعاون‬ ‫وتع�ضيد التغيري ال�سيا�سي الذي ح�صل‪ ،‬وكانت‬ ‫هذه العرو�ض تعمل فكري ًا على خطّ ني يف‬ ‫البداية‪ :‬الأول �إعادة بع�ض عرو�ض الربرتوار‬ ‫القدمي (ال�سبعني) فجاءت عرو�ض الب�ستوكه‬ ‫وجلجام�ش‪ ،‬واخلط الثاين كان يحاول �أن يبقى‬ ‫على الن�سق الذي اجرتحه منتدى امل�رسح يف‬ ‫منت�صف ثمانينيات القرن املن�رصم‪ ،‬ويقوده‬ ‫بع�ض املخرجني ال�شباب (حيدر منعرث‪ ،‬هيثم‬ ‫عبد الرزاق‪ ،‬كاظم الن�صار‪ ،‬عماد حممد ‪)..‬‬ ‫لتدعيم ال�شكل احلداثي يف امل�رسح‪ ،‬الذي �أُخذ‬ ‫عليه يف الزمن ال�سابق الغمو�ض والرمزية‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪419‬‬

‫ال�شديدة والت�شفري �إال فيما ندر من العرو�ض‬ ‫التي كان ُينظر �إليها ويت ّم تقييمها بحذر من‬ ‫قبل امل� ّؤ�س�سات الثقافية يف العهد ال�سابق‪ .‬ومن‬ ‫هذه امل�رسحيات حرية املدنية‪ ،‬اخلادمات‪،‬‬ ‫احلرمي‪� ،‬سور ال�صني‪� ،‬أولئك‪ ،‬هاملت بال هاملت‬ ‫‪ ..‬الخ‪ .‬وبعد �أن ك�رس (التابو) الذي م ّيز املرحلة‬ ‫املا�ضية ظهرت عرو�ض «تعوي�ضية» ب�سبب‬ ‫املنع ال�سابق لل�شعائر احل�سينية‪ ،‬فجاء بع�ضها‬ ‫ميت �إىل ال�شكل امل�رسحي‬ ‫طقو�سي ًا وتلقائي ًا ال ّ‬ ‫ب�صلة‪ ،‬با�ستثناء عر�ض م�رسحية احل�سني‬ ‫ثائراً و�شهيدا مل�ؤلفها عبدالرحمن ال�رشقاوي‬ ‫وخمرجها جواد احل�سب‪ ،‬وهي ق ّدمت �شك ًال‬ ‫م�رسحي ًا خال�ص ًا للملحمة‪.‬‬

‫بع�ض مالمح العرو�ض امل�رسحية يف‬ ‫‪2008‬‬

‫امل�رسح العراقي يف العامل‬

‫كان للم�رسح العراقي وجوده يف اخلارج‬ ‫وقد ُعر�ضت يف بريوت م�رسحية جواد الأ�سدي‬ ‫ن�ساء ال�سك�سوفون يف ف�ضاء بابل يف �شارع‬ ‫احلمرا‪ ،‬وهي عمل مقتب�س عن م�رسحية بيت‬ ‫برناردا �إلبا للإ�سباين غار�سيا لوركا‪ ،‬وتتمحور‬ ‫امل�رسحية حول قدرة احلوار على حماية البيت‬ ‫الداخلي وان�سجام من فيه‪ ،‬وقد‬ ‫وا�ستقراره‬ ‫ّ‬ ‫�أنتجت يف ‪ 2007‬و�شاركت يف مهرجان دم�شق‬ ‫يف ‪ 2008‬حتت عنوان �أرامل على الب�سكليت‪ .‬كما‬ ‫ق ّدم با�سم الق ّهار م�رسحية تياترو يف �سوريا‬ ‫وهي من �إنتاج �سوري‪ ،‬وق ُّدمت مونودراما من‬ ‫ت�سعة �أجزاء للرغبة للكاتبة واملمثلة العراقية‬ ‫الأمريكية هيرث رقّو و�إخراج جوانا �سيتل يف‬ ‫‪ ،2008‬وهي حتكي عن ن�ساء عراقيات يف‬ ‫املنفى وت�ستعر�ض حاالت عدة‪.‬‬

‫امل�رسح الأردين‬ ‫البدايـات‬

‫للم�رسح الأردين ظهوره الوا�ضح يف‬ ‫املهرجانات على الرغم من �أن تواجده على‬ ‫الأر�ض خالل العام ال يوحي بحركة م�رسحية‬ ‫نا�شطة‪ .‬يف املقابل يوجد يف الأردن م�رسح‬ ‫مدر�سي متط ّور ن�سبي ًا‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف املدار�س‬ ‫اخلا�صة‪ ،‬وهناك �أي�ض ًا م�رسح جتاري ن�شط‪.‬‬ ‫لقد ظهر امل�رسح يف الأردن يف مطلع القرن‬ ‫الع�رشين من خالل بع�ض امل�رسحيات التاريخية‬ ‫والدينية واالجتماعية وعدد من امل�رسحيات‬ ‫املرتجمة‪� ،‬إ�ضافة �إىل بع�ض املحاوالت يف‬ ‫الت�أليف املحلي التي قام بها بع�ض الهواة يف‬ ‫الأردن‪ ،‬وكانت هذه الأعمال امل�رسحية تق ّدم‬ ‫يف الأندية واملدار�س والكنائ�س واجلمعيات‬ ‫اخلريية وكذلك يف املدن و القرى وم�ضارب‬

‫الإبداع‬

‫لوحظ �أن معظم املخرجني اعتمدوا‬ ‫ن�صو�ص ًا مل�ؤلفني حمليني (فاروق حممد‪ ،‬عقيل‬ ‫مهدي‪ ،‬مثال غازي‪ ،‬يو�سف الكاتب‪ ،‬حازم‬ ‫كمال الدين‪ ،‬جواد احل�سب‪ ،‬جواد الأ�سدي‪ ،‬عزيز‬ ‫عبد ال�صاحب‪ ،‬مهند هادي‪ ،‬عواطف نعيم‪ ،‬فالح‬ ‫�شاكر‪ ،‬علي ح�سني)‪ .‬وتناولت العرو�ض الواقع‬ ‫االجتماعي من خالل انتقاد ظاهرة العنف‬ ‫والتطرف الديني واملذهبي والقبول بالآخر‬ ‫واملوقف الإجرائي من املذنب وهو ابن البلد‬ ‫وال�صديق �أو اجلار‪ ،‬ويظهر ذلك من خالل عرو�ض‬ ‫املوت والعذراء‪ ،‬ر�ؤيا �أخرية‪ ،‬ح�صان الدم‪ ،‬حظر‬ ‫جتوال‪ ،‬علي الوردي وغرميه‪ .‬وقد اتخذ بع�ض‬ ‫العرو�ض خطاباته الفكرية من م�شاكل اخلارج‬ ‫وهمومه‪ .‬وحتت عنوان الهجرة‪ ،‬ت�شكّل خطاب‬ ‫م�رسحية ن�ساء يف احلرب مل�ؤلفها وخمرجها‬ ‫جواد الأ�سدي مب�شاركة املخرج كاظم الن�صار‪،‬‬ ‫و�سرب �أغوار م�شاكل جديدة وقيم و�أفكار ترتبط‬ ‫ببيئات �أخرى ا�صطدم بها املهاجر العراقي من‬ ‫م�شاربهن الثقافية‬ ‫خالل ثالث ن�سوة اختلفت‬ ‫ّ‬ ‫تعاملهن‬ ‫واالجتماعية وتغريت �إثر ذلك طريقة‬ ‫ّ‬ ‫مع الواقع اجلديد‪.‬‬ ‫وقد اعتمدت العرو�ض على (�سنيوغرافيا)‬ ‫قليلة الكلفة �رسيعة النقل لأ�سباب �إنتاجية‬

‫و�رشوط العرو�ض يف اخلارج ‪ .‬كما لوحظ‬ ‫افتقار هذه العرو�ض امل�رسحية للعنا�رص‬ ‫القادرة فني ًا ومنها العن�رص الن�سائي‪ ،‬الذي‬ ‫ابتعد عن اال�شتغال يف العرو�ض امل�رسحية‬ ‫وف�ضل العمل يف الدراما التلفزيونية‪.‬‬ ‫ّ‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 420‬للتنمية الثقافية‬

‫البدو‪ .‬وظهرت بعد ذلك مرحلة امل�رسح‬ ‫املرتجم‪ ،‬وبرز خاللها يف ال�ساحة الفنية ا�سم‬ ‫تخرج من كودمان ثيرت يف‬ ‫هاين �صنوبر الذي ّ‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية �سنة ‪ .1957‬عمل‬ ‫�صنوبر لفرتة يف امل�رسح ال�سوري ثم قدِم �إىل‬ ‫ع ّمان و�أخذ يعمل على ا�ستقطاب هواة الفن‬ ‫امل�رسحي من الإذاعة الأردنية (ق�سم الدراما)‬ ‫واجلامعة الأردنية وبع�ض الهواة‪ ،‬و� ّأ�س�س من‬ ‫هذه الطاقات الواعدة �آنذاك �أ�رسة امل�رسح‬ ‫الأردين‪.‬‬ ‫�شهد عقد ال�سبعينيات‬ ‫تخرج �أعداد‬ ‫ّ‬ ‫من املخرجني الأكادمييني من اجلامعات‬ ‫واملعاهد والأكادمييات العربية والعاملية‪،‬‬ ‫اخلريجني من الأكادمييات‬ ‫ثم تزايد عدد‬ ‫ّ‬ ‫واجلامعات واملعاهد الفنية العربية والعاملية‬ ‫يف الثمانينيات‪� ،‬إ�ضافة �إىل �إن�شاء كلية الفنون‬ ‫يف جامعة الريموك ومركز التدريب امل�رسحي‬ ‫متردت التجارب‬ ‫التابع لوزارة الثقافة‪ ،‬وقد ّ‬ ‫امل�رسحية اجلديدة على الن�ص وال�شكل الفني‬ ‫التقليديني‪.‬‬

‫فرق ومهرجانات م�رسحية‬

‫يف الثمانينيات ظهرت عدة فرق م�رسحية‬ ‫�أ�ضيفت �إىل ما تقدمه وزارة الثقافة من‬ ‫عرو�ض م�رسحية‪� ،‬أه ّم هذه الفرق الفواني�س‪،‬‬ ‫م�رسح امل�رسح‪ ،‬خمترب الرحالة‪ ،‬م�رسح الـ “‪60‬‬ ‫كر�سي”‪ ،‬م�رسح الفن يف �إربد‪ ،‬خمترب م ّوال‬ ‫امل�رسحي‪ ،‬م�رسح اخليمة‪ ،‬امل�رسح ال�شعبي‪.‬‬ ‫وظهرت م�ؤ�س�سة نور احل�سني كرافد ها ّم يف‬ ‫الإنتاج الف ّني ب�شكل عام وامل�رسحي ب�شكل‬ ‫خا�ص‪ .‬و�شهدت الت�سعينيات ازدهاراً وانت�شاراً‬ ‫وا�سع ًا للم�رسح الأردين بعد حرب اخلليج نتيجة‬ ‫لقلة الطلب على الأعمال الأردنية التلفزيونية‬ ‫عربي ًا‪ ،‬الأمر الذي دفع الفنانني باجتاه امل�رسح‪،‬‬ ‫فانت�رشت الفرق امل�رسحية وق ّدمت الكثري من‬ ‫امل�رسحيات التي �ساعدت يف �إنتاجها وزارة‬ ‫الثقافة‪ .‬و ُنظّ مت املهرجانات الثقافية عامة‬ ‫وامل�رسحية خ�صو�ص ًا‪ ،‬و�أقيم مهرجان امل�رسح‬ ‫الأردين ومهرجان م�رسح ال�شباب بالتعاون‬

‫مع رابطة الفنانني ومهرجان م�رسح الأطفال‪،‬‬ ‫وقامت بالتعاون مع اجلامعات والكليات‬ ‫املتو�سطة بتنظيم مهرجان يحمل نف�س اال�سم‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إىل مهرجان جر�ش للثقافة والفنون‬ ‫الذي يقام �سنوي ًا منذ العام ‪ 1980‬وحتى‬ ‫اليوم‪.‬‬ ‫تتوفر يف الأردن بنى ثقافية تابعة لوزارة‬ ‫الثقافة وكذلك لأمانة مدينة ع ّمان‪ ،‬وهناك‬ ‫بنى م�ستقلة وهي فرق وف�ضاءات م�رسحية‬ ‫وغري م�رسحية مثل م�رسح البلد ومركز‬ ‫الفنون الأدائية ب�إدارة لينا التلّ‪ ،‬الذي ين�شط‬ ‫بتقدمي عرو�ض تفاعلية‪ .‬ونذكر هنا �أن ع ّمان‬ ‫ا�ست�ضافت ل�سنوات‪ ،‬وما زالت‪ ،‬ومن خالل �أيام‬ ‫ع ّمان امل�رسحية وفرقة فواني�س بالتعاون‬ ‫مع �أمانة عمان‪ ،‬مهرجان ًا ي�ستقطب الفرق‬ ‫امل�ستقلة ب�شكل خا�ص (هذا ال يعني غياب‬ ‫الفرق الأخرى)‪ ،‬لكن خ�صو�صية هذا املهرجان‬ ‫كانت تكمن يف �أنه منا�سبة للقاء بني �أجيال‬ ‫خمتلفة من امل�رسحيني (فيه العديد من ور�شات‬ ‫العمل) و ُتق ّدم فيه عرو�ض م�رسحية‪ ،‬وهو �أي�ض ًا‬ ‫(كما مهرجان الإ�سكندرية يف الوقت احلا�رض)‬ ‫يدعو م� ّؤ�س�سات داعمة للقاء امل�رسحيني وي�شكّل‬ ‫و�سيلة ات�صال يف ما بينها ويقام هذا املهرجان‬ ‫يف نهاية �شهر �آذار من كل عام‪.‬‬ ‫يف الأردن �أي�ض ًا‪ ،‬ثالثة مهرجانات‬ ‫�أ�سا�سية ت�ست�ضيف العديد من العرو�ض العربية‬ ‫والأجنبية هي مهرجان �أيام ع ّمان امل�رسحية‬ ‫وكانت دورته الرابعة ع�رشة هذا العام من ‪27‬‬ ‫�آذار مار�س ‪� 2008‬إىل ‪ 6‬ني�سان �أبريل ‪2008‬‬ ‫وقد �شاركت فيه فرق م�ستقلة من فل�سطني‬ ‫ولبنان و�سورية والعراق وقطر وتون�س وم�رص‬ ‫وفرن�سا و�سوي�رسا والنم�سا وهولندا �إ�ضافة �إىل‬ ‫الأردن‪ .‬وت�ض ّمنت فعاليات املهرجان عرو�ض‬ ‫�شوارع ت�شاركت فيها فرقتا التنورة امل�رصية‬ ‫الع�صي التون�سية‪ ،‬كما ُق ّدمت‬ ‫وامل�شي على‬ ‫ّ‬ ‫فعاليات موازية �سينمائية‪ ،‬و�أقام املخرج‬ ‫امل�رسحي العراقي جواد الأ�سدي ور�شة عمل‬ ‫الع�صي‬ ‫حول تقنيات املمثل‪ ،‬ونظّ مت فرقة‬ ‫ّ‬ ‫التون�سية ور�شة عمل تدريبية مل�ؤدين �أردنيني‪.‬‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪421‬‬

‫امل�رسح ال�سوري‬ ‫البدايـات ومراحل التط ّور‬

‫كان ن�شاط امل�رسح ال�سوري وافراً هذا‬ ‫العام‪ ،‬وذلك لتقاطع منا�سبتني‪ :‬الأوىل �إعالن‬ ‫دم�شق عا�صمة للثقافة العربية‪ ،‬ولهذه املنا�سبة‬ ‫مت �إنتاج وا�ستقدام عدد ال ب�أ�س به من العرو�ض‬ ‫ّ‬ ‫امل�رسحية‪ ،‬والثانية انعقاد الدورة الرابعة ع�رشة‬ ‫مت �إنتاج بع�ض‬ ‫ملهرجان دم�شق امل�رسحي‪� ،‬إذ ّ‬ ‫العرو�ض امل�رسحية‪ ،‬لكن ذلك مل يغيرّ كثرياً من‬ ‫و�ضع امل�رسح ال�سوري ب�شكل عام املعروف‬ ‫بتاريخه وطاقاته‪ ،‬لكنه يف ال�سنوات الأخرية‬ ‫عرف تراجع ًا ملمو�س ًا‪ ،‬خ�صو�ص ًا على م�ستوى‬ ‫مر امل�رسح ال�سوري مبراحل عديدة‬ ‫الإنتاج‪ .‬لقد ّ‬

‫الإبداع‬

‫و�إىل جانب مهرجان �أيام ع ّمان امل�رسحية‪،‬‬ ‫هناك مهرجان الأردن امل�رسحي الذي تنظّ مه‬ ‫احلر‬ ‫وزارة الثقافة‪ ،‬ومهرجان ليايل امل�رسح ّ‬ ‫احلر بالتعاون مع‬ ‫الذي تنظمه فرقة امل�رسح ّ‬ ‫وزارة الثقافة و�أمانة ع ّمان وا�ستمر العام‬ ‫املا�ضي ملدة خم�سة �أيام‪ ،‬وجاءت دورته‬ ‫الثالثة بني ‪ 10‬و‪� 15‬أيار مايو ‪ ،2008‬وقد‬ ‫�شاركت فيه �سبع دول‪ ،‬منها خم�س دول عربية‬ ‫ودولتان �أوروبيتان هما ال�سويد و�إ�سبانيا‪،‬‬ ‫ونُظم املهرجان بالتعاون بني فرقة امل�رسح‬ ‫ووزارة الثقافة و�أمانة ع ّمان الكربى‪.‬‬ ‫وعقدت الدورة العربية ال�سابعة ملهرجان‬ ‫امل�رسح الأردين بني ‪ 14‬و‪ 27‬ت�رشين الثاين‬ ‫نوفمرب‪ ،2008‬وهو مهرجان ثقايف فني عربي‬ ‫تقيمه وزارة الثقافة �سنوي ًا‪ ،‬يت ّم فيه تقدمي‬ ‫�أعمال م�رسحية حملية وعربية‪ ،‬وقد عقدت‬ ‫دورته الأوىل عام ‪ 1991‬و�أخذ �صبغته العربية‬ ‫منذ دورته التا�سعة عام ‪ 2001‬و�أ�صبحت‬ ‫العرو�ض العربية امل�شاركة تدخل �ضمن‬ ‫امل�سابقة الر�سمية على جوائز املهرجان‪ ،‬وتقام‬ ‫على هام�شه عرو�ض م�رسحية موازية وندوة‬ ‫فكرية رئي�سية وندوات نقدية لك ّل العرو�ض‬ ‫امل�رسحية امل�شاركة‪،‬وهو يهدف �إىل خلق‬ ‫حالة من التوا�صل بني امل�رسحيني الأردنيني‬ ‫و�أقرانهم العرب للنهو�ض باحلركة امل�رسحية ‪.‬‬

‫�أ ّولها مرحلة البدايات وهي طويلة‪ ،‬بد�أت مع‬ ‫جتربة �أبو خليل القباين يف الن�صف الثاين من‬ ‫القرن التا�سع ع�رش‪ ،‬وامتدت حتى بدايات ظهور‬ ‫امل�رسح مع جيل الر ّواد الذي �أعقب القباين يف‬ ‫بدايات القرن الع�رشين �إىل �أواخر اخلم�سينيات‬ ‫من القرن‪ ،‬تاريخ ت�أ�سي�س امل�سارح العامة‬ ‫التابعة للدولة وت�أ�سي�س امل�رسح القومي‬ ‫(‪ )1961‬وظهور �صيغ م�رسحية حتمل توجه ًا‬ ‫حم ّدداً مثل م�رسح العمال‪ ،‬امل�رسح اجلوال‪،‬‬ ‫م�رسح الأطفال‪ ،‬م�سارح املحافظات‪�...‬إلخ‪.‬‬ ‫وكانت ال�سمة العامة للمرحلة الأوىل هي‬ ‫غياب الرعاية الر�سمية للم�رسح‪ ،‬وقد كان‬ ‫وجود امل�رسح وهذا حال كل م�سارح بالد ال�شام‬ ‫وم�رص يف تلك املرحلة‪ ،‬ي�أتي �ضمن �صيغ‬ ‫�أغلبها على �شكل جتمعات خا�صة وجمعيات‬ ‫�أهلية وفرق غلب عليها الطابع العائلي‪� .‬أما‬ ‫امللمح الثاين فهو غياب امل�رسح االحرتايف‪.‬‬ ‫ف�أغلبية العاملني يف امل�رسح كانوا من الهواة‬ ‫املتطوعني‪ .‬وامللمح الثالث هو قلة عدد �أماكن‬ ‫واملخ�ص�صة للم�رسح‪ .‬وعلى‬ ‫العر�ض املبنية‬ ‫ّ‬ ‫الرغم من ذلك‪� ،‬أفرز امل�رسح ال�سوري �أ�سما ًء‬ ‫المعة‪ ،‬منها رفيق ال�صبان و�رشيف خزندار يف‬ ‫الإخراج‪ ،‬وعدداً كبرياً من املمثلني‪.‬‬ ‫يف املرحلة الثانية و�ضمن هيكيلية وزارة‬ ‫الثقافة ت� ّأ�س�ست مديرية امل�سارح بفروعها يف‬ ‫العا�صمة واملحافظات وهي امل�س�ؤولة حتى‬ ‫الآن عن امل�رسح‪ ،‬وعاد الكثري من املخرجني‬ ‫الدار�سني املحرتفني من الإيفاد‪ .‬ثم بعد ذلك‬ ‫ت� ّأ�س�س املعهد امل�رسحي الذي افتتح يف العام‬ ‫الدرا�سي ‪ 1977/1976‬ودار الأ�سد للثقافة‬ ‫والفنون يف عام ‪ 2004‬و�أ�صبح بالإمكان �إنتاج‬ ‫عرو�ض م�رسحية عرب هاتني امل� ّؤ�س�ستني‪.‬‬ ‫حقّق امل�رسح ال�سوري لنف�سه تواجداً‬ ‫هام ًا يف مرحلته الذهبية خالل ال�ستينيات‬ ‫وال�سبعينيات من القرن الع�رشين‪ ،‬يف تلك‬ ‫املرحلة ُكتبت الن�صو�ص امل�رسحية وعرف‬ ‫امل�رسح املكتوب ازدهاراً مع ك ّتاب وخمرجني‬ ‫وممثلني ا�شتهروا على م�ستوى العامل العربي‬ ‫وعلى امل�ستوى العاملي يف جمال الكتابة‪،‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 422‬للتنمية الثقافية‬

‫ومنهم �سعد اهلل ونو�س‪ ،‬ممدوح عدوان‪ ،‬فرحان‬ ‫بلبل‪ ،‬وليد �إخال�صي؛ ويف جمال الإخراج مثل‬ ‫�أ�سعد ف�ضة (خمرج وممثل)‪ ،‬فواز ال�ساجر‪ ،‬نائلة‬ ‫الأطر�ش‪ ،‬مانويل جيجي‪ ،‬ح�سن عويتي؛ ويف‬ ‫جمال التمثيل منى وا�صف‪� ،‬سناء وثراء دب�سي‪،‬‬ ‫مها ال�صالح وغريهم‪ .‬خالل تلك املرحلة‬ ‫مت ت�أ�سي�س امل�رسح‬ ‫ظهرت امل� ّؤ�س�سة امل�رسحية و ّ‬ ‫القومي‪ ،‬بعد افتتاح املعهد العايل للفنون‬ ‫امل�رسحية �أ�صبح تعليم امل�رسح متوفراً للجيل‬ ‫وج ّهزت �صاالت عر�ض هي بغالبيتها‬ ‫اجلديد‪ُ ،‬‬ ‫�صاالت �سينما ُح ّولت �إىل �صاالت م�رسح‪.‬‬ ‫وقد لعبت م�ؤ�س�سة امل�رسح اجلامعي دوراً‬ ‫هام ًا يف ال�سبعينيات‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف ت�شكيل‬ ‫كادر للم�رسح وتخريج عدد من املمثلني الذين‬ ‫�أ�صبحوا الحق ًا جنوم �سوريا ومنهم عبا�س‬ ‫النوري‪ ،‬ر�شيد ع�ساف‪� ،‬سلوم حداد‪ ،‬ب�سام كو�سا‬ ‫(�أهم خمرجي املرحلة ق ّدموا عرو�ض ًا يف هذا‬ ‫من �أهم مالمح �أزمة امل�رسح الإطار نائلة الأطر�ش ح�سن فواز ال�ساجر)‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ال�سوري هجرة �أهل امل�رسح ب�سبب‬ ‫�صعوبة الإنتاج من حيث التمويل‬ ‫والتعقيدات (الإدارية) واالنكفاء‬ ‫عن الكتابة للم�رسح‪ .‬وال ب ّد من ذكر‬ ‫غياب العديد من امل�رسحيني يف‬ ‫ال�سنوات الأخرية‪ .‬كذلك ال ب ّد من ذكر‬ ‫ظاهرة فورة الدراما التلفزيونية التي‬ ‫ا�ستقطبت �أغلب العاملني يف جمال‬ ‫امل�رسح‪.‬‬

‫مالمح �أزمة وحماوالت للخروج‬

‫كل امل�ؤ�رشات اليوم تدلّ على الأزمة التي‬ ‫يعي�شها امل�رسح ال�سوري‪ ،‬لكن هناك حماوالت‬ ‫جادة للخروج من هذه الأزمة يقودها‬ ‫م�رسحيون للخروج واالنفتاح على امل�رسح‬ ‫املعا�رص‪ ،‬تتجلى يف ت�شكيل فرق �شبابية‬ ‫وتن�شيط عرو�ض �شبابية والبحث عن �أمكنة‬ ‫بديلة وت�أ�سي�س معاهد خا�صة واالنفتاح على‬ ‫�أ�شكال عرو�ض جديدة‪ ،‬مثل م�رسح ال�شارع‬ ‫وم�رسح ال�صورة وغريها‪ ،‬وذلك عرب فرق باب‪،‬‬ ‫كون‪ ،‬لي�ش وغريها‪ .‬كما ظهر م�رسح تنموي‬ ‫يعمل يف املجتمع والأرياف (جمموعة امل�رسح‬ ‫التفاعلي حتت �إ�رشاف ماري �إليا�س وم�رسح‬ ‫الإ�ستديو)‪ .‬ولو حاولنا ر�صد �صورة امل�رسح‬ ‫ال�سوري اليوم وفهم �أ�سباب الأزمة جنده يعي�ش‬ ‫يف �أطر املا�ضي من حيث ف�ضاءاته امل�رسحية‬ ‫و�صيغه و�أ�شكال �إنتاجه (م�رسح عمال وم�رسح‬ ‫قومي ‪ )...‬تلك التي مار�س فيها جيل الآباء‬ ‫جتربتهم يف ظروف خمتلفة متام ًا عن اليوم‪.‬‬ ‫ومن �أه ّم مالمح �أزمة امل�رسح ال�سوري هجرة‬

‫�أهل امل�رسح ب�سبب �صعوبة الإنتاج من حيث‬ ‫التمويل والتعقيدات (الإدارية) واالنكفاء عن‬ ‫الكتابة للم�رسح (تعترب ن�صو�ص �سعد اهلل ونو�س‬ ‫ا�ستثناء يف تلك املرحلة)‪ .‬وال ب ّد من ذكر غياب‬ ‫العديد من امل�رسحيني يف ال�سنوات الأخرية مثل‬ ‫�سعد اهلل ونو�س وممدوح عدوان واملمثلة مها‬ ‫ال�صالح وقبلهم املخرج فواز ال�ساجر‪ ،‬كذلك ال‬ ‫ب ّد من ذكر ظاهرة فورة الدراما التلفزيونية‬ ‫التي ا�ستقطبت �أغلب العاملني يف جمال امل�رسح‬ ‫من خمرجني وممثلني‪ ،‬وبالتايل كانت النتيجة‬ ‫�إفقار امل�رسح‪.‬‬ ‫لع ّل مالمح جتربة م�رسح اجليل اجلديد‬ ‫تبينّ �أن امل�رسح يف �سوريا كما يف دول عديدة‬ ‫يف العامل العربي يعي�ش م�شاكل حقيقية‪،‬‬ ‫كفقدان املرجعية ووجود ه ّوة مو�ضوعية‬ ‫تف�صل بينه وبني اجليل ال�سابق‪� ،‬أي جيل‬ ‫ال�ستينيات وال�سبعينيات‪ .‬فاجليل اجلديد ال‬ ‫ي�شكّل ا�ستمرارية طبيعية ملا �سبقه‪ ،‬وما ُينتج‬ ‫�أو ُيكتب للم�رسح اليوم يدلّ على �أنه غري قادر‬ ‫على �أقل تقدير �أن يحيل �إىل احلا�رض املركب‬ ‫املعا�ش من عبثية احلياة واحلاح الق�ضايا‬ ‫الكبرية وامل�صريية‪ ،‬وقد ي�شكّل هذا الأمر �إحدى‬ ‫�أهم �صعوبات الكتابة للم�رسح اليوم‪ .‬ويالحظ‬ ‫يف املقابل �أن عرو�ض القطاع اخلا�ص نادرة‬ ‫والفرق اخلا�صة قليلة‪� ،‬أما الفرق ال�شبابية فهي‬ ‫تزداد من دون �آفاق وا�ضحة‪ .‬هناك يف العا�صمة‬ ‫على الأقل خم�س �أو �ست فرق منها فرقة كون‬ ‫وفرقة لي�ش وجت ّمع باب‪ ،‬وهي فرق م�ستقلة‬ ‫م�ستقرة يف �أع�ضائها وا�ستمراريتها‬ ‫لكنها غري‬ ‫ّ‬ ‫نظراً لغياب الدعم‪ ،‬وهذا ما يدفع م� ّؤ�س�سيها �إىل‬ ‫التوجه �إىل م�صادر متويل ب�شكل دائم من �أجل‬ ‫احل�صول على متويل للعمل الواحد‪ .‬وبعد فورة‬ ‫امل�رسح التجاري يف العقود املا�ضية تراجع‬ ‫هذا النوع من امل�رسح يف ال�سنوات الأخرية‪.‬‬

‫مهرجانات وعرو�ض م�رسحية يف العام‬ ‫‪2008‬‬

‫لكل حمافظة يف �سوريا مهرجان‪ ،‬هناك‬ ‫مهرجان دم�شق امل�رسحي الدورة الرابعة‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪423‬‬

‫الإبداع‬

‫ع�رشة‪ ،‬مهرجان املونودراما يف الالذقية‪،‬‬ ‫مهرجان حممد املاغوط الثاين يف ال�سلمية من‬ ‫‪� 19‬إىل ‪ 24‬متوز يوليو ‪ ،2008‬مهرجان يف دير‬ ‫الزور‪ ،‬مهرجان الرقة‪ ،‬مهرجان حماه‪.‬‬ ‫خالل هذا العام الثقايف الذي �شهد �إعالن‬ ‫مت �إنتاج عدد‬ ‫دم�شق عا�صمة للثقافة العربية‪ّ ،‬‬ ‫خ�ص�صت لها ميزانية �سخ ّية‬ ‫من امل�رسحيات ّ‬ ‫�أحيان ًا‪ ،‬فطالعتنا ظاهرة امل�رسحيات التي‬ ‫�أخرجها النجوم الثقافية وظاهرة م�رسح‬ ‫ال�شباب‪ ،‬هذه الظاهرة �أعادت بع�ض الأ�سماء‬ ‫الكبرية �إىل ال�ساحة امل�رسحية بعد قطيعة‬ ‫مت دعم املبدعني ال�شباب‬ ‫دامت ل�سنوات‪ .‬كما ّ‬ ‫عن طريق �إطالق منح �إنتاجية �أعلن التق ّدم‬ ‫�إليها على �شكل م�سابقة يف بداية عام الثقافة‪،‬‬ ‫و�أ�سفرت عن عدد من العرو�ض الأدائية التي‬ ‫متت �أي�ض ًا حماولة �إعادة‬ ‫قدمت تباع ًا‪ .‬وقد ّ‬ ‫االعتبار للن�ص امل�رسحي املكتوب‪ ،‬وجتلى ذلك‬ ‫يف �إ�صدار عدد من الن�صو�ص امل�رسحية للك ّتاب‬ ‫القراءات‬ ‫ال�شباب‪� ،‬إ�ضافة �إىل تقدمي عدد من ّ‬ ‫امل�رسحية وور�شات الكتابة للم�ؤلفني ال�شباب‪.‬‬ ‫وقد �شهدت فعاليات امل�رسح ال�سوري‬ ‫العديد من الأعمال مثل تراجيديا كارمن (�سوري‬ ‫– فرن�سي) يف دار الأوبرا للمخرج جهاد �سعد‪،‬‬ ‫وعر�ض حماولة طريان للمخرج وليد قوتلي‬ ‫ُق ّدمت يف دار الأوبرا‪ ،‬عر�ض �أحالم �شقية‬ ‫الن�ص ل�سعد اهلل ونو�س و�إخراج نائلة الأطر�ش‬ ‫ُق ّدم يف دار الأوبرا‪ ،‬م�رسحية تكتيك لعبد املنعم‬ ‫عمايري ُعر�ضت على م�رسح احلمراء‪ ،‬م�رسحية‬ ‫عربة ا�سمها الرغبة من �إعداد عن ن�ص تني�سي‬ ‫وليامز �إخراج غ�سان م�سعود ُعر�ضت يف دار‬ ‫الأوبرا‪ .‬كذلك عر�ض ب�سام كو�سا كذا انقالب‬ ‫عن ن�ص ق�صة ق�صرية للكاتب الرتكي عزيز‬ ‫ن�سني و�إخراج مانويل جيجي‪ ،‬مونودراما‬ ‫�صوت ماريا يف �صالة امل�رسح الدائري املعهد‬ ‫العايل للفنون امل�رسحية‪ ،‬ولوحظ �أن هذه‬ ‫املونودراما ُق ّدمت يف العام ‪ 2007‬يف قراءة‬ ‫�أخرى يف م�رص‪ .‬وق ّدم يا�رس عبد اللطيف‬ ‫خمرج �سوداين مقيم يف �سوريا م�رسحية عدو‬ ‫ال�شعب لي�س �إال يف دار الأ�سد للثقافة والفنون‪،‬‬

‫ن�صو�ص الغرفة رقم ‪( 7‬قراءات م�رسحية)‪،‬‬ ‫حب خوف‪ ،‬دم�شق و�أ�صدقاء �آخرون (قراءات‬ ‫م�رسحية)‪ ،‬ال�ساعة الأخرية من ما�ضي ال�سيدة‬ ‫حكمت‪ :‬املرج العراقي با�سم ق ّهار‪� ،‬إحياء ذكرى‬ ‫مت‬ ‫�سعد اهلل ونو�س يف قرية ح�صني البحر حيث ّ‬ ‫عر�ض م�رسحيتي العميان �إخراج �سامر عمران‬ ‫وجثة على الر�صيف لفرقة كون امل�رسحية من‬ ‫�إخراج �أ�سامة حالل‪.‬‬ ‫نورا مراد وفرقة لي�ش ق ّدمت خارج �سياق‬ ‫دم�شق عا�صمة للثقافة‪ ،‬عر�ض ًا حركي ًا بعنوان‬ ‫�إذا ماتوا انتبهوا يف قبو غالريي م�صطفى علي‬ ‫(بيت عربي قدمي جرى حتويله �إىل بيت للفن)‪.‬‬ ‫هذه التجربة هي ا�ستمرار ملحاوالت �سابقة يف‬ ‫امل�رسح ال�سوري للبحث عن �أماكن بديلة عرب‬ ‫ا�ستغالل البيوت الدم�شقية التقليدية وقلعة‬ ‫دم�شق‪.‬‬ ‫وتوجه لدعم اخلروج‬ ‫ويف فعل مت�صل‬ ‫ّ‬ ‫بامل�رسح �إىل الأماكن البديلة‪� ،‬أنتجت م� ّؤ�س�سة‬ ‫دم�شق عا�صمة الثقافة العربية عر�ض ًا م�رسحي ًا‬ ‫جرى تقدميه يف ملج�أ مهجور بعنوان‬ ‫املهاجران للكاتب البولوين �سوافومري مروجيك‬ ‫و�إخراج �سامر عمران‪ ،‬وجرى عر�ض �آخر يف‬ ‫خم�ص�ص للم�شاة ق ّدمه �أ�سامة حالل‪،‬‬ ‫�شارع‬ ‫ّ‬ ‫وق ّدمت التون�سية رجاء بن عمار عر�ض الزائر‬ ‫يف ور�شة ت�صليح القاطرات يف حمطة القدم‪.‬‬ ‫كما �أُنتجت كذلك م�رسحية من نوع م�رسح‬ ‫ال�شارع بتجهيزات �ضخمة �أطلق عليها ا�سم‬ ‫�صندوق الكار من ت�صميم وتنفيذ ال�سينوغراف‬ ‫بي�سان ال�رشيف‪ ،‬وهو عر�ض يحكي عن اندثار‬ ‫�صناعة احلرير يف مدينة دم�شق‪ .‬وق ّدمت‬ ‫احتفالية دم�شق منح ًا �إنتاجية لإطالق مواهب‬ ‫�شابة يف جماالت متع ّددة‪ ،‬منها امل�رسح‬ ‫والرق�ص‪ ،‬و�أنتجت يف هذا الإطار ع ّدة عرو�ض‬ ‫منها كونرتاكت الكوريوغراف ملي �سعيفان‪،‬‬ ‫ذكريات زرقاء �أخرجته ديانا القا�سم‪� ،‬أبواب‬ ‫خلفية لر ّواد الزاقوت وهو عر�ض راق�ص‪،‬‬ ‫البحث عن الوردة �أخرجه ح�سام حمود‪ .‬وق ّدم‬ ‫جمال �سلوم عر�ض ًا بعنوان امر�أة املا�ضي يف‬ ‫املعهد العايل للفنون امل�رسحية‪ ،‬كما ق ّدم‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 424‬للتنمية الثقافية‬

‫�أ�سامة حالل عر�ض دون كي�شوت با�سم فرقة‬ ‫كون يف املعهد العايل للفنون امل�رسحية‪،‬‬ ‫و�سامر �أبو ليلى ق ّدم م�رسحية البولي�س‪ .‬وقد‬ ‫حاولت االحتفالية يف جمال امل�رسح �أي�ض ًا‬ ‫�إعادة االعتبار للن�ص امل�رسحي املكتوب‪،‬‬ ‫مت متويل م�رشوع دارعدوان للكتابة ال�شابة‪.‬‬ ‫و ّ‬ ‫و�ضمن فعاليات امل�رسح ال�سوري �أنتج خالل‬ ‫عام ‪� 2008‬إ�ضافة ملا �سبق عدد من العرو�ض‬ ‫منها العر�ض الراق�ص ال�صقر عبد الرحمن‬ ‫�صح النوم لل�سيدة‬ ‫الداخل لفرقة �إنانا‪ ،‬م�رسحية ّ‬ ‫فريوز والرحابنة‪ ،‬رق�ص التحطيب لفرقة‬ ‫مركز مدحت فوزي لفنون الع�صا (م�رص)‪ .‬كما‬ ‫عرو�ض من الرق�ص الكال�سيكي �إىل‬ ‫ا�ستقدمت‬ ‫ٌ‬ ‫الرق�ص املعا�رص ومن امل�رسح التقليدي �إىل‬ ‫امل�رسح التجريبي‪.‬‬ ‫وقد كان عام الثقافة الفر�صة الأكرث‬ ‫مالئمة ملتابعة جتارب خمرجني كبار �أمثال‬ ‫بيرت بروك‪ ،‬جوزيف نادج‪ ،‬عر�ض حركي‪ ،‬ن�شيد‬ ‫ال�صباح ال�صغري لأكرم خان يف عر�ض رق�ص‬ ‫بريطاين‪� .‬آربارد �شلينغ هولندا النور�س‪ .‬فيليب‬ ‫جانتيي فرن�سا عر�ض نهاية الأر�ض وهو‬ ‫من نوع م�رسح ال�صورة‪ .‬ومن تون�س فا�ضل‬ ‫اجلعايبي عر�ض خم�سون‪ ،‬توفيق جبايل‬ ‫مذكرات دينا�صور‪ .‬ومن لبنان روجيه ع�ساف‬ ‫بوابة فاطمة‪ ،‬ومن الكويت �سليمان الب�سام‬ ‫عر�ض ريت�شارد الثالث‪ ،‬العراقي جواد الأ�سدي‬ ‫�أرامل عالب�سكليت‪ ،‬ومن الأردن اخلبز اليومي‬ ‫ل�سو�سن دروزة‪.‬‬ ‫وقد كان لور�شات العمل والدورات‬ ‫التدريبية التي �أقيمت على هام�ش هذه العرو�ض‬ ‫دورها يف ت�أهيل الكوادر ال�شابة العاملة يف‬ ‫خمتلف املجاالت امل�رسحية من طلبة املعهد‬ ‫العايل للفنون امل�رسحية‪ .‬و�أنتجت مديرية‬ ‫امل�سارح عدداً من العرو�ض بهذه املنا�سبة‪،‬‬ ‫ومنها عر�ض ال ميكن ت�سميته جتاري ًا باملعنى‬ ‫م�سل وجماهريي عن‬ ‫الدقيق للكلمة‪ ،‬لكنه عر�ض ٍ‬ ‫ن�ص داريو فو �سوبر ماركت �إخراج �أمين زيدان‬ ‫مع ممثلني كوميديني‪ ،‬وقد القى �إقبا ًال كبرياً‬ ‫وهو �إعادة �إخراج للن�ص الذي كان �أمين زيدان‬

‫ق ّدمه مع امل�رسح اجلوال (ي�شكّل هذا العر�ض‬ ‫منوذج ًا لر�ؤية �صاحبه حول عرو�ض ميكن �أن‬ ‫ت�ش ّد املتفرج)‪ .‬وقد �شهدت دم�شق على �صعيد‬ ‫�إ�صدارات الن�صو�ص امل�رسحية �إ�صداراً عن دار‬ ‫عدوان هو �سل�سلة من ع�رشة ن�صو�ص لك ّتاب‬ ‫امل�رسح على مدى تاريخ امل�رسح ال�سوري من‬ ‫القباين �إىل ونو�س وعدوان‪ ،‬ثم �شهدت جز�أين‬ ‫خا�صني بكتابة ال�شباب وهذه الن�صو�ص هي‬ ‫مناذج لكتابة ال�شباب‪.‬‬

‫امل�رسح اللبناين‬

‫البدايات وظهور امل�رسح اللبناين اجلديد‬ ‫�إن ر�سم تاريخ امل�رسح اللبناين وعالقته‬ ‫بال�سيا�سات الثقافية يف لبنان �أم ٌر معقّد‪،‬‬ ‫فهناك عوامل كثرية م�ؤثرة (البعد الطائفي‬ ‫مر بها‬ ‫والظروف الداخلية واخلارجية التي ّ‬ ‫لبنان من حرب �أهلية �إىل حروب �أخرى)‪.‬‬ ‫البع�ض يتحدث عن بدايات للم�رسح‬ ‫اللبناين ولي�س بداية واحدة‪ ،‬وهذه الت�سمية‬ ‫تلخ�ص �إ�شكالية هذا امل�رسح‪ .‬كانت البداية‬ ‫ّ‬ ‫الأوىل مع مارون النقا�ش �ضمن حركة نه�ضوية‬ ‫(‪ )1848‬تلتها حركة هجرة امل�رسحيني‬ ‫اللبنانيني وال�سوريني �إىل م�رص (�إذا كان �سليم‬ ‫النقا�ش �أول من �سافر بدعوة من اخلديوي‬ ‫لتقدمي مو�سم م�رسحي‪ ،‬ف�إن دافع غالبية‬ ‫من �سافروا بعده كان الهروب من الظروف‬ ‫القا�سية �أو بحث ًا عن �سبل العمل)‪ .‬كانت هذه‬ ‫بداية هجرة امل�رسحيني التي بلغت ذروتها‬ ‫مع جورج �أبي�ض ( ‪ .)1959-1880‬وجاءت‬ ‫الوالدة الثانية بعد اال�ستقالل مبدة وارتبطت‬ ‫بحركة احلداثة واملواقف منها وبالتحديد‬ ‫خالل عامي (‪ )1960-1958‬وبعد ت�أ�سي�س‬ ‫مهرجانات بعلبك الدولية عام ‪ .1956‬ما بني‬ ‫عامي (‪ )1958-1952‬وبهدف تفعيل قطاعي‬ ‫ال�سياحة واخلدمات‪ُ ،‬ع ّدل قانون املطبوعات‬ ‫وو�ضع قانون جديد للأحزاب واجلمعيات يف‬ ‫لبنان‪ .‬بعدها وخالل عهد الرئي�س ف�ؤاد �شهاب‬ ‫(بني العامني ‪ 1958‬و‪ )1960‬ظهر اجتاه يدعو‬ ‫�إىل االمناء االجتماعي والالمركزية‪ ،‬وقد‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪425‬‬

‫احلرب الأهلية‪ :‬تداعيات على امل�رسح‬

‫جاءت احلرب الأهلية (‪)1990 - 1975‬‬ ‫وق�سمت املدينة �إىل �شطرين لترتك تداعياتها‬ ‫ّ‬ ‫على حركة الإبداع امل�رسحي يف لبنان‪.‬‬ ‫حاول املثقفون يف البداية املحافظة على‬ ‫خط التوا�صل بني �شطري الوطن على الرغم‬ ‫من التزام بع�ضهم بخياراته ال�سيا�سية‪ .‬لكن‬ ‫مع الوقت اتخذ ه�ؤالء اجتاهات متباعدة بعد‬ ‫�أن احتدم اخلالف حول �أ�سباب اندالع احلرب‬ ‫الأهلية ودوافعها‪ ،‬وا�ستطاع عدد من املثقفني‬ ‫والفنانني خلق ح ّيز عملي لأفكارهم‪ ،‬فعملوا يف‬ ‫جتارب منوذجية مثل اللجان ال�شعبية لتوفري‬ ‫�صيغة تعاي�ش طائفي و�إنتاج‪ ،‬يف ظل غياب‬ ‫تام مل� ّؤ�س�سات الدولة‪ ،‬ثم تع ّممت هذه التجربة‬ ‫على مناطق خمتلفة‪.‬‬ ‫يف النهاية تط ّور امل�رسح باجتاهني‬ ‫متباينني‪ ،‬يف بريوت ال�رشقية حيث هيمنت‬ ‫ق ّوة �سيا�سية واحدة و�سادت �أيديولوجية‬ ‫متجان�سة‪ ،‬ازدهر امل�رسح التجاري املحافظ‬ ‫ذو الطابع االنتقادي ال�ساخر‪ّ � .‬أما يف بريوت‬ ‫الغربية فازدهرت حركة ف ّنية جم ّددة وثائرة‬ ‫يف ال�سينما واملو�سيقى والر�سم وامل�رسح‪،‬‬ ‫ع�ساف‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا م�رسح احلكواتي مع روجيه ّ‬ ‫وهي حركة مت ّيزت ب�صلتها الع�ضوية مع احلياة‬

‫الإبداع‬

‫�أُن�شئت جمال�س عديدة وعدد كبري من املدار�س‬ ‫يف القرى النائية والأرياف‪ ،‬الأمر الذي ف ّعل‬ ‫الأندية الثقافية وال�شبابية يف الأرياف التي‬ ‫�أنتجت يف ما بعد حركة ثقافية مثل امل�رسح‬ ‫ال�شعبي يف عكار‪ .‬كانت هذه من العوامل التي‬ ‫�أ ّدت �إىل والدة امل�رسح اللبنانـي اجلديد‪� ،‬إىل‬ ‫جانب العوامل الأ�سا�سية الأخرى التي متثّلت‬ ‫يف جلنة مهرجانات بعلبك الدولية واملركز‬ ‫الثقايف الفرن�سي الّلذين لعبا دوراً �أ�سا�سي ًا‬ ‫يف تعزيز احلركة الثقافية يف لبنان‪ ،‬وكذلك‬ ‫وزارة ال�ش�ؤون االجتماعية التي كانت تنظّ م‬ ‫جوالت مل�رسحيات بارزة يف القرى واملناطق‬ ‫اللبنانية‪ .‬يف العام ‪ 1958‬انطلق نادي الدراما‬ ‫يف اجلامعة الأمريكية يف بريوت‪ ،‬وت� ّأ�س�ست‬ ‫فرقة فاهرام بابازيان (امل�رسح الأرمني‬ ‫اللبناين)‪ .‬يف العام نف�سه بد�أ البث التلفزيوين‬ ‫اللبناين‪ ،‬التقى منري �أبو دب�س و�أنطوان ملتقى‬ ‫(�أ�ستاذ الفل�سفة) وقدما م�رسحية ماكبث‪ ،‬ويف‬ ‫مت االتفاق بني �أبو دب�س وجلنة‬ ‫العام نف�سه ّ‬ ‫مهرجانات بعلبك لت�أ�سي�س معهد التمثيل‬ ‫احلديث وفرقة امل�رسح احلديث‪ .‬ومع �أن امل�رسح‬ ‫مل ينقطع قبل ذلك �إال �أنه كان يف غالبه م�رسح‬ ‫هواة �أو م�رسح ًا مدر�سي ًا �أو جامعي ًا‪ ،‬كذلك مل‬ ‫تنقطع الكتابة امل�رسحية وحركة الرتجمة‬ ‫والإعداد‪ .‬واملالحظ �أنه منذ البداية كان الإنتاج‬ ‫الثقايف الإبداعي خارج �إطار الدوائر الر�سمية‬ ‫للدولة‪ ،‬و�إن كان هذا ال�رشط قد حرم الثقافة‬ ‫وامل�رسح من مقومات اال�ستمرار‪ ،‬لكنه �أعطاها‬ ‫هام�ش حرية وديناميكية بحث ًا عن م�صادر‬ ‫متويل منذ البدايات‪.‬‬ ‫�أفرزت تلك املرحلة الكثري من الأعمال‬ ‫امل�رسحية وامل�رسحيني الذين �سيكون لهم‬ ‫ت�أثري على امل�رسح اللبناين والعربي ب�شكل عام‪،‬‬ ‫وخاللها وبعدها عرف امل�رسح اللبناين خمتلف‬ ‫االجتاهات امل�رسحية من امل�رسح الرومان�سي‬ ‫ال�شعري (ن�صو�ص �سعيد عقل وغريه) وامل�رسح‬ ‫ال�سيا�سي (جالل خوري ورميون جبارة)‬ ‫وامل�رسح ال�شعبي مع �شو�شو‪ .‬ويف ال�ستينيات‬ ‫ظهر م�رسح ال�ساعة العا�رشة (انتقادي �ساخر مع‬

‫�إيفيت �رس�سق) وامل�رسح الغنائي مع الرحابنة‬ ‫وروميو حلود‪ .‬ومنذ ال�سبعينيات ظهرت جتربة‬ ‫زياد الرحباين يف امل�رسح ال�سيا�سي الغنائي‪،‬‬ ‫وجتارب امل�رسح الراق�ص وجتربة العمل‬ ‫اجلماعي بني ن�ضال الأ�شقر وروجيه ع�ساف‬ ‫وغريهما يف حمرتف بريوت‪ ،‬الذي ا�ستمر‬ ‫خم�س �سنوات من العام ‪� 1968‬إىل ‪،1972‬‬ ‫وج ّدد كثرياً يف �آليات العمل يف امل�رسح اللبناين‬ ‫جلهة الكتابة والإخراج اجلماعي واخلروج من‬ ‫ال�صالة املغلقة �إىل اجلمهور (�إىل القرى)‪ .‬كان‬ ‫يوجد يف بريوت عدد من ال�صاالت امل�رسحية‬ ‫قبل احلرب الأهلية التي غيرّ ت وجه املدينة‪،‬‬ ‫بدءاً مب�رسح الكري�ستا وم�رسح التياترو الكبري‬ ‫وم�رسح الفاروق‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 426‬للتنمية الثقافية‬

‫ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫يف املقابل بد�أت البنى الثقافية الر�سمية‬ ‫تتهاوى نتيجة الإهمال واحلرب‪ ،‬وبد�أت‬ ‫م�سارح بريوت �إغالق �أبوابها الواحد تلو الآخر‪،‬‬ ‫و�أغلقت م�سارح �شارع احلمرا التي بقيت �أبوابها‬ ‫مفتوحة حتى الثمانينيات فرتة االجتياح‬ ‫الإ�رسائيلي (‪ .)1982‬وقد عرفت املدينة هجرة‬ ‫الأ�شخا�ص وامل�سارح (هجرة م�سارح �أو انزياح‬ ‫نحو منطقة جونيه الآمنة‪ ،‬حيث ظهرت عدة‬ ‫م�سارح للأطفال ما زالت قائمة حتى الآن‪،‬‬ ‫ومنها م�رسح الأتينيه وم�سارح جتارية‬ ‫م�سل ّية)‪ .‬عرفت هذه احلقبة �أي�ض ًا موجات من‬ ‫الهجرة لأ�شخا�ص‪ ،‬من بينهم مثقفون وكوادر‬ ‫�شبابية واعدة‪ ،‬م ّدت املقيمني بالدعم املايل‬ ‫والثقايف وج ّددت �أفق عالقات جتارية وثقافية‬ ‫مع اخلارج‪.‬‬

‫بع�ض هذه اجلمعيات بف�ضاءات خا�صة‪ ،‬كما‬ ‫�أن نظام اجلمعيات الثقافية حت ّول م�ؤخراً �إىل‬ ‫نظام اجلمعيات غري الربحية مثل جمعية دي‬ ‫�سي‪ ،‬وهي جمعية �شبابية ُتعنى بفن الفيديو‬ ‫والب�رصيات‪ .‬ا�ستقرت هذه اجلمعيات يف‬ ‫�صاالت ال�سينما القدمية �أو �أمكنة بديلة رممّ ت‬ ‫ال�ستخدامات جديدة‪ ،‬مثل مركز �أمم للأبحاث‬ ‫الذي كان هنغاراً للتفاح جرى حتويله �إىل ف�ضاء‬ ‫عر�ض (ت�شكيالت)‪ ،‬كذلك غالريي �سمعان وهو‬ ‫مكان مهجور يف منطقة الكرنتينا �أ�صبح مركزاً‬ ‫للفنون املعا�رصة‪� ،‬إذ ق ّدم ربيع مر ّوة ولينا‬ ‫ال�صانع عر�ضهما الأخري فيه‪ .‬وهناك مظاهر‬ ‫فنية جديدة تتمثّل يف تظاهرات م�رسحية ما‬ ‫بعد حداثية‪ ،‬تدمج العديد من الفنون ال�سمعية‬ ‫الب�رصية وت�شكّل جتديداً �صارخ ًا على م�ستوى‬ ‫امل�ضمون‪.‬‬

‫امل�رسح وامل� ّؤ�س�سات التعليمية واملراكز‬ ‫بعد احلرب ومع بداية ال�سلم الأهلي‬ ‫ا�س ُتحدثت وزار ٌة للثقافة يف لبنان عام الثقافية‬

‫‪ 1993‬بهدف العناية ب�ش�ؤون الثقافة وبع�ض‬ ‫قطاعات التعليم‪ ،‬و�إذا كانت وزارة الثقافة يف‬ ‫البداية قد اهت ّمت بتمويل بع�ض القطاعات‬ ‫الثقافية‪� ،‬إال �أن دورها تراجع ب�سبب �ضعف‬ ‫امليزانية‪ ،‬الأمر الذي دفع اجلمعيات الأهلية‬ ‫وامل� ّؤ�س�سات املدنية �إىل جانب القطاع اخلا�ص‬ ‫واملثقفني والفنانني للتعوي�ض عن هذا النق�ص‪،‬‬ ‫فن�شّ طوا الثقافة مببادرات فردية مدعومة‬ ‫�أحيان ًا بتمويالت خا�صة �أو عربية �أو �أجنبية‪.‬‬

‫لعبت اجلامعات وامل� ّؤ�س�سات الثقافية‬ ‫والتعليمية دوراً مهم ًا منذ بداية امل�رسح‬ ‫اللبناين‪ ،‬فاجلامعة اللبنانية بفرعيها‪ ،‬وكذلك‬ ‫اجلامعات اخلا�صة‪ ،‬ت�ض ّم �أق�سام ًا لتدري�س‬ ‫امل�رسح �أو �أندية للم�رسح و�صاالت عر�ض‬ ‫على غرار م�رسح مونو يف اجلامعة الي�سوعية‬ ‫ونادي امل�رسح يف اجلامعة الأمريكية‪ .‬وتلعب‬ ‫املراكز الثقافية الأجنبية‪ ،‬كالفرن�سي والرو�سي‬ ‫والربيطاين‪ ،‬دوراً يف متويل امل�رسح وتن�شيطه‪.‬‬

‫امل�رسح اللبناين اجلديد‬

‫مهرجانات وعرو�ض م�رسحية‬

‫اعتباراً من نهاية احلرب الأهلية‪ ،‬بد�أت‬ ‫مالمح امل�رسح الّلبناين ترت�سم من جديد من‬ ‫خالل ف�ضاءات م�رسحية (م�رسح املدينة مع‬ ‫ن�ضال الأ�شقر هي الآن ب�صدد حتويله �إىل‬ ‫جمعية‪ ،‬هيئات م�رسح بريوت ثم م�رسح �شم�س)‬ ‫ومهرجانات (�أغلبها تنتظم على �شكل جمعيات‬ ‫تعاونية مثل �شم�س جمعية تعاونية تابعة‬ ‫لوزارة الزراعة‪� ،‬أي�ض ًا الفرقة اللبنانية للدمى‬ ‫وجمعية خيال مع كرمي دكروب)‪ .‬ويتم ّتع‬

‫ال يوجد مهرجان ر�سمي مركزي للم�رسح‬ ‫يف لبنان‪ ،‬بل توجد جمموعة من املهرجانات‬ ‫امل�ستقلة التي ت ّتخذ مو�ضوعات حم ّددة �أو‬ ‫اجتاهات م�رسحية حم ّددة‪ .‬من هذه املهرجانات‬ ‫مهرجان بريوت لعرو�ض ال�شارع الذي يقام بني‬ ‫�أيلول �سبتمرب وت�رشين الأول �أكتوبر ويجمع ع ّدة‬ ‫عرو�ض تفاعلية وبرفورمان�س‪ ،‬مهرجان الربيع‬ ‫الذي يقام يف م�رسح التورن�سول م�ستديرة‬ ‫الطيوين وهو مهرجان متن ّوع متع ّدد الفنون‪،‬‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪427‬‬

‫الإبداع‬

‫فيه رق�ص ومو�سيقى وعرو�ض وغريه‪ ،‬ويقام‬ ‫يف �شهر �أيار مايو يف بريوت والقاهرة‪ .‬وتقيم‬ ‫جمعية مقامات مهرجان ًا يف فرعها اجلديد‬ ‫م�ساحات وهي جمعية للم�رسح الراق�ص (عمر‬ ‫راجح) وكانت الدورة ال�سابقة يف العام ‪2008‬‬ ‫هي الدورة الثالثة‪ .‬كما ظهر يف الت�سعينيات‬ ‫مهرجان �أيلول مل�رسح البيئة لكنه توقف‪.‬‬ ‫ومن العرو�ض والتظاهرات امل�رسحية‬ ‫يف العام ‪ 2008‬علبة مو�سيقى ملايا زبيب‪،‬‬ ‫وهو عر�ض م�رسحي من نوع الربفورمان�س‬ ‫مبني على ق�ص�ص واقع ّية وخيالية‪ ،‬تروي‬ ‫ممار�سات وحقائق �أو حقائق‬ ‫�أحداث ًا وعادات و ّ‬ ‫يربطهن‬ ‫حمتملة ملجموعة من الن�ساء وما‬ ‫ّ‬ ‫ببيوتهن مبا متثّله هذه البيوت من تناق�ضات‬ ‫ّ‬ ‫وما تخفيه يف زواياها من �أوجاع و�أحالم‬ ‫مت تقدمي العر�ض يف �صالونات‬ ‫ورغبات‪ ،‬و ّ‬ ‫بيوت خمتلفة يف مناطق ع ّدة من بريوت‪،‬‬ ‫وهو ي�شبه نوعية عرو�ض مهرجان �أيلول‪.‬‬ ‫غري خم�ص�ص للجمهور العري�ض له�شام جابر‪،‬‬ ‫م�سل�سل م�رسحي على منط امل�سل�سل التلفزيوين‬ ‫من ثالث حلقات تتو ّزع على ثالث �أم�سيات‬ ‫متتالية يحاكي برامج تلفزيون الواقع ويطمح‬ ‫�إىل �إ�رشاك اجلمهور طارح ًا ق�ضايا االغت�صاب‬ ‫والإجها�ض واملوقف من �أمريكا‪ .‬عر�ض حلظة‬ ‫تال�شي لنان�سي نعو�س رق�ص معا�رص‪� ،‬شارون‬ ‫وحماتي كوميديا �سوداء عن احلياة حتت‬ ‫االحتالل عن كتاب الفل�سطينية �سعاد العامري‬ ‫الذي �صدرت ن�سخة �أ�صلية منه بالإنكليزية‬ ‫وترجم �إىل ‪ 17‬لغة‪� ،‬أع ّدته للم�رسح عفاف‬ ‫ال�ش ّوا بيبي‪ ،‬وهي تلعب �أي�ض ًا دور البطولة يف‬ ‫امل�رسحية من �إخراج ح�سن براي�سلر‪ ،‬تنذكر ما‬ ‫ن�ص للكاتبة‬ ‫تنعاد تقدمي جمموعة كهربا عن ّ‬ ‫بريين غريزالن ترجمة كرمي هارون و�إخراج‬ ‫�إيريك دينيو‪ ،‬عر�ض وافد مل�رسحي لبناين يف‬ ‫املهجر هو نبيل الأظن (وفرقته ال‪ -‬باكارا)‬ ‫ن�ص عن رواية عبلة فرهود جمنون عمر ُعر�ض‬ ‫يف نهاية عام ‪ 2008‬وا�ستمر لغاية ‪ 4‬كانون‬ ‫الثاين جانيوري ‪ 2009‬يف م�رسح رون بوان‬ ‫الطيوين‪ .‬م�رسح د ّوار ال�شم�س ا�ست�ضاف عر�ض‬

‫نان�سي نعو�س حلظة تال�شي خالل الفرتة‬ ‫الواقعة بني ‪ 21‬و‪ 23‬ت�رشين الثاين نوفمرب‪ ،‬كما‬ ‫ا�ست�ضاف امل�رسح نف�سه عر�ض قهوة بي�ضا ليلة‬ ‫بي�ضا يف ‪ 24‬ت�رشين الأول �أكتوبر وا�ست�ضاف‬ ‫�أي�ض ًا عر�ض ي�ضحك �أيه ب�س يف ال�شهر نف�سه‪.‬‬ ‫بريوت كل يوم �آخر �أو املدينة كما نح ّبها (�أن‬ ‫تكون) من تنظيم جمعية ‪� 98‬أ�سبوع جمعت بني‬ ‫والفن املعا�رص �ضمن تيمة التجريب‬ ‫الهند�سة‬ ‫ّ‬ ‫العامة‪ ،‬هكذا دعت اجلمعية‬ ‫على امل�ساحة‬ ‫ّ‬ ‫ف ّنانني من حول العامل �إىل بريوت ليق�ضوا‬ ‫ب�ضعة �أ ّيام ويجولوا على بع�ض الأماكن بحث ًا‬ ‫عن �أ�ساليب جديدة لفهم امل�ساحة املدين ّية‪ .‬هذه‬ ‫الأ�سئلة ح ّولها الف ّنانون يف العر�ض النهائي‬ ‫الفن من جتهيز وبرفورمان�س‬ ‫�إىل ك ّل �أنواع ّ‬ ‫�سجل �رشبل الهرب‬ ‫وت�صوير ور�سم وهند�سة‪ّ .‬‬ ‫�أ�صوات ًا من املدينة‪ ،‬ود ّون كري�ستوف قطريب‬ ‫مالحظاته على �شكل فيديو و�صور فوتوغرافية‬ ‫و�رشيط �صوتي بعد ق�ضائه ب�ضعة �أ ّيام يف‬ ‫منزل مهجور‪� .‬أما �إدواردو بالن�شا (�إ�سبانيا)‬ ‫ٍ‬ ‫ف�أح�رض �أ�سطوانات من �سوق الرو�شة اجلديد‬ ‫للفت االنتباه �إىل م�س�ألة االقت�صاد الهام�شي‬ ‫العامة‪ ،‬لكن بريوت‬ ‫الذي ين�ش�أ يف امل�ساحات ّ‬ ‫املنظّ‬ ‫مني للقول �إن‬ ‫ك ّل يوم �آخر كانت طريقة‬ ‫«الفن هو املنفذ الوحيد ح ّتى نتخ ّيل ونفكّر‬ ‫ّ‬ ‫ونتم ّنى مدينتنا كما نريدها �أن تكون»‪.‬‬ ‫ومن العرو�ض اجلامعية التي �شهدها‬ ‫العام ‪ 2008‬العميان ت�أليف موري�س مرتلينك‬ ‫و�إعداد لينا �أبي�ض ور�شيد ال�ضعيف و�إخراج لينا‬ ‫�أبي�ض‪ ،‬اجلامعة اللبنانية الأمريكية‪ ،‬وقد �شارك‬ ‫هذا العر�ض يف مهرجان القاهرة التجريبي‬ ‫ومن ثم يف دم�شق يف العام ‪� .2008‬أما م�رسح‬ ‫مونو وباال�شرتاك مع م�رسح التياترو التون�سي‬ ‫الذي يديره توفيق اجلبايل فق ّدم يف بداية �شهر‬ ‫كانون الأول من العام ‪ 2008‬عر�ض ًا بعنوان‬ ‫مذكرات دينا�صور لتوفيق اجلبايل‪ .‬ومن‬ ‫عرو�ض فناين جيل ما قبل احلرب الزير �سامل‬ ‫والدكتور فاو�ست ل�شكيب خوري‪ ،‬ق ّدام باب‬ ‫الن�ص لعي�سى خملوف‬ ‫ال�سفارة الليل كان طويل ّ‬ ‫ون�ضال الأ�شقر والإخراج لن�ضال الأ�شقر‪،‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 428‬للتنمية الثقافية‬

‫الدب لأنطون ت�شيخوف �إخراج منري‬ ‫م�رسح ّية ّ‬ ‫�أبو دب�س‪ ،‬مقام اجلدي ت�أليف و�إنتاج و�إخراج‬ ‫رئيف كرم على م�رسح مونو وهو عبارة عن‬ ‫توليف للغة امل�رسح التقليدي مع عنا�رص‬ ‫املالتي ميديا‪ .‬ومن �أه ّم الإ�صدارات امل�رسحية‬ ‫للعام ‪ 2008‬خالدة ال�سعيد اال�ستعارة الكربى‬ ‫يف �شعرية امل�رسح (ذاكرة تتح ّول �إىل تاريخ‬ ‫امل�رسح) �صادر عن دار الآداب يف بريوت‪،‬‬ ‫وروجيه ع�ساف �أعمال و�أعالم �سرية امل�رسح‬ ‫دار الآداب ‪. 2008‬‬

‫امل�رسح الفل�سطيني‬ ‫معاناة ووالدات متتالية‬

‫امل�رسح الفل�سطيني هو مثال �صارخ على‬ ‫عالقة امل�رشوع امل�رسحي مب�س�ألة الهوية‬ ‫والتاريخ واجلغرافيا ومثال على ق�ضية‬ ‫اخل�صو�صية‪ .‬عانى هذا امل�رسح ب�شكل دائم‬ ‫ومر‬ ‫من م�شاكل جعلت م�سريته �صعبة للغاية‪ّ ،‬‬ ‫مبراحل عديدة ك�أنها والدات متتالية‪ .‬الوالدة‬ ‫الأوىل كانت قبل ‪ 1948‬والوالدة الثانية بعد‬ ‫‪ ،1967‬خ�صو�ص ًا خالل االنتفا�ضة الأوىل يف‬ ‫‪ 1987‬والوالدة الثالثة بعد ‪.1993‬‬ ‫الوالدة الأوىل كانت مع بداية امل�رسح‬ ‫ون�ش�أته يف املدن الفل�سطينية يف �سياق ق�صة‬ ‫دخول امل�رسح ب�شكل عام �إىل بالد ال�شام يف‬ ‫منت�صف القرن التا�سع ع�رش وبداية القرن‬ ‫الع�رشين‪ .‬يقول كمال �أحمد غنيم يف كتابه‬ ‫عن امل�رسح الفل�سطيني‪�« ،‬إن الإ�شارات على‬ ‫وجود امل�رسح تعود لفرتة مبكرة ن�سبي ًا لكن‬ ‫لي�س هناك �أ�سماء ر ّواد مبكرين وال �إنتاج‬ ‫يت�سم ب�أغلبية فالحية‬ ‫م�رسحي يذكر»‪ .‬جمتمع ّ‬ ‫تعي�ش حتت االنتداب الربيطاين وامل�رسح هو‬ ‫ظاهرة مدينية بامتياز‪ ،‬يف الوقت نف�سه كان‬ ‫هناك نوع من النه�ضة احل�ضارية يف بع�ض‬ ‫املناطق واملدن‪ ،‬كان امل�رسح منذ البداية‬ ‫ن�ضالي َا (�ضد وعد بلفور) وتنويري ًا‪ .‬وقد ُوجد‬ ‫امل�رسح يف النوادي الثقافية (يف حيفا النادي‬ ‫الأورثوذوك�سي والنادي الكاثوليكي والنادي‬ ‫الإ�سالمي) ومن خالل املدار�س التب�شريية التي‬

‫انت�رشت يف العديد من املدن) يف املدن الكربى‬ ‫القد�س (�أن�شئت اجلمعيات فيها اعتباراً من‬ ‫العام ‪ .)1877‬ويف العام ‪ُ 1932‬عر�ضت يف دار‬ ‫املعلمني م�رسحية هاملت ل�شك�سبري‪.‬‬ ‫يقال �إن امل�رسح الفل�سطيني منا يف ح�ضن‬ ‫�أجواء من التنوير كت�أ�سي�س الإذاعة الفل�سطينية‬ ‫عام ‪ 1936‬ب�إدارة �إبراهيم طوقان (ون�شاط‬ ‫عائلة اجلوزي فني ًا)‪ .‬وكانت ال�صحف قد بد�أت‬ ‫تنت�رش اعتباراً من العام ‪ .1918‬لعب ك ّل هذا‬ ‫دوراً �إيجابي ًا يف التوجه نحو احلداثة التي كانت‬ ‫تنقل التمثيليات �إذاعي ًا‪ .‬واعتباراً من العام‬ ‫‪ 1919‬ظهرت �أ�سماء ك ّتاب م�رسح‪ ،‬مثل الأخوة‬ ‫�صليبا وجميل حبيب بحري وله ن�صو�ص‬ ‫طبعت يف القاهرة ومنها الوطن املحبوب عام‬ ‫‪ ،1923‬والأخوة ن�رصي وفريد وجميل اجلوزي‬ ‫وجوالت الفرق ال�شامية وامل�رصية (مذكرات‬ ‫العديد من الفنانني)‪ .‬وت�ؤكد املراجع ومذكرات‬ ‫الفنانني وجود (ف�ضاءات) �أو �صاالت على �شكل‬ ‫مقا ٍه كانت ت�ستقبل العرو�ض حتى املدر�سية‬ ‫منها‪ .‬هذه الوالدة الأوىل تعثرّ ت ب�سبب ظروف‬ ‫متع ّددة �أه ّمها حالة عدم اال�ستقرار ال�سيا�سي‬ ‫والأمني التي كانت ت�سود �أغلب املناطق‪.‬‬ ‫الوالدة الثانية جاءت يف ظ ّل هزمية‬ ‫عام ‪ 1967‬مع بداية ت�شكّل حركة التحرر‬ ‫الفل�سطينية ثم �أحداث �أيلول عام ‪ .1970‬لقد‬ ‫بدت والدة امل�رسح الفل�سطيني يف ال�شتات كما‬ ‫يف الأرا�ضي املحتلة �صعبة ومتعثرّ ة ب�شكل‬ ‫كبري من جديد‪ .‬وبغ�ض النظر عن النتائج على‬ ‫امل�ستوى الفني‪ ،‬كانت هناك اعتباراً من نهاية‬ ‫ال�ستينيات وبداية ال�سبعينيات رغبة وا�ضحة‬ ‫يف بلورة م�رسح يحمل الهوية الفل�سطينية يف‬ ‫اجتاهات متع ّددة وب�شكل متزامن لكن من دون‬ ‫�أي تن�سيق‪.‬‬

‫امل�رسح الوطني الفل�سطيني يف ال�شتات‬

‫�أول حماولة خللق م�رسح فل�سطيني‬ ‫جاءت من خالل فرقة فتح عام ‪ 1966‬وهي‬ ‫جتربة عا�شت �سنتني وق ّدمت م�رسحية �شعب‬ ‫ال ميوت من ت�أليف فتى الثورة و�إخراج �صربي‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪429‬‬

‫�سند�س‪ .‬و ُيعترب خليل طاف�ش م� ّؤ�س�س امل�رسح‬ ‫الوطني الفل�سطيني يف ال�شتات‪ ،‬وهو دعا �إىل‬ ‫�إن�شاء م�رسح وطني فل�سطيني بعد �أن توقف‬ ‫ن�شاط فرقة فتح يف �أعقاب �أحداث �أيلول يف‬ ‫الأردن‪ .‬وقد در�س طاف�ش امل�رسح يف القاهرة‬ ‫وتخرج من املعهد العايل للفنون امل�رسحية يف‬ ‫ّ‬ ‫القاهرة عام ‪ ،1969‬و�أكمل خالل هذه الفرتة‬ ‫تقدمي عمل م�رسحي لل�شاعر العربي ال�سوري‬ ‫ممدوح عدوان بعنوان حماكمة الرجل الذي مل‬ ‫يحارب من �إخراج ح�سن عويتي‪ .‬ومن الأ�سماء‬ ‫التي عملت يف امل�رسح الفل�سطيني يف ال�شتات‪،‬‬ ‫ح�سني الأ�سمر وح�سن العويتي الذي ق ّدم عر�ض ًا‬ ‫بعنوان الزيارة عن ن�ص ليو�سف القعيد‪ ،‬وقد‬ ‫مثّل فيه زيناتيي قد�سية وتدور �أحداثه حول‬ ‫زيارة نيك�سون مل�رص‪ .‬كما جرى عر�ض احللم‬ ‫الن�ص لر�شاد �أبو �شاور والإخراج‬ ‫الفل�سطيني ّ‬ ‫مت �أي�ض ًا عر�ض م�ؤ�س�سة‬ ‫حل�سني الأ�سمر‪ ،‬و ّ‬ ‫اجلنون من �إخراج فواز ال�ساجر عن ن�ص ل�سميح‬ ‫القا�سم‪ ،‬ويف مرحلة مت� ّأخرة املخرج العراقي‬ ‫جواد الأ�سدي‪ .‬وكانت �آخر م�رسحية �أنتجت‬ ‫�ضمن هذا الإطار يف دم�شق بداية الت�سعينيات‬ ‫م�رسحية االغت�صاب ل�سعد اهلل و ّنو�س من �إخراج‬ ‫جواد الأ�سدي‪.‬‬

‫بد�أ هذا امل�رسح يتبلور اعتباراً من‬ ‫ال�سبعينيات‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف مدن مثل رام اهلل‬ ‫والبرية والقد�س‪ ،‬على الرغم من املعوقات‬ ‫الإ�رسائيلية (رقابة ومنع وم�س�ألة الت�رصيحات‬ ‫والأذونات)‪ .‬ويعترب طارق م�صاورة �أول من‬ ‫�شكّل فرقة م�رسحية قبل العام ‪ 1970‬و�أع ّد‬ ‫م�رسحية �أليخاندرو كا�سونا مركب بال �صياد‪.‬‬ ‫و�إذا كان م�رسح ال�شتات حمدود الت�أثري لأنه‬ ‫م�رسح متثيل دبلوما�سي �أكرث منه م�رسح‬ ‫يوجه يوم ًا �إىل‬ ‫جمهور‪� ،‬إذ �إن هذا امل�رسح مل ّ‬ ‫املخيمات الفل�سطينية �أو �إىل � ّأي �شكل من‬ ‫�أ�شكال التجمعات الفل�سطينية‪ ،‬ف�إن امل�رسح يف‬ ‫ال�ضفة الغربية �شكّل حالة خمتلفة‪ ،‬فقد لعب‬

‫ت�شكيل الفرق امل�رسحية‬

‫كانت البداية مع فرقة عائلة امل�رسح التي‬ ‫حت ّولت �إىل فرقة باللني وقامت �سنة ‪ 1970‬يف‬ ‫رام اهلل‪ ،‬ث ّم ت�أ�س�ست فرقة دبابي�س �سنة ‪1972‬‬ ‫يف رام اهلل‪ ،‬ومنها انبثقت فرقة احلكواتي‬ ‫‪ 1983‬وال تزال موجودة �إىل اليوم حتت ا�سم‬ ‫امل�رسح الوطني الفل�سطيني وفرقة �صندوق‬ ‫العحب وفرقة م�رسح الق�صبة يف القد�س وفرق‬ ‫�أخرى‪� .‬إ�ضافة �إىل م�رسح ال�سنابل وعناد يف‬ ‫البرية وبع�ض الفرق التي �أُن�شئت يف املخيمات‬ ‫�سن�أتي على ذكر بع�ضها‪ .‬ومن م�ؤ�س�سي احلركة‬ ‫امل�رسحية يف تلك املرحلة فران�سوا �أبو �سامل‪،‬‬ ‫جاكي لوبيك‪ ،‬را�ضي �شحادة‪� ،‬إدوار املعلم‪ .‬و�أقيم‬ ‫�أول مهرجان للم�رسح والفولكلور الفل�سطيني‬ ‫يف رام اهلل عام ‪ 1973‬وا�ستمر املهرجان حتى‬ ‫العام ‪ 1975‬وكان هو الأ�سا�س يف ت�شكيل عدد‬ ‫من الفرق امل�رسحية التي توالدت من بع�ضها‬ ‫البع�ض‪ .‬وقد �أخذ هذا امل�رسح �شك ًال وتوجه ًا‬ ‫خمتلفني عن امل�رسح العربي وعانى من‬ ‫م�شاكل خا�صة به متام ًا‪ ،‬منها غياب الريربتوار‬ ‫وغياب املخت�صني وغياب املرجعية (حتى �أداء‬ ‫املمثل فيه ال ي�شبه �أداء املمثل العربي) وغياب‬ ‫الرعاية وم�شكلة الرقابة واملنع‪ ،‬لهذا ظهر �شكل‬ ‫العمل اجلماعي يف �إعداد الن�صو�ص �أو الكتابة‪.‬‬

‫الإبداع‬

‫امل�رسح يف ال�ضفة الغربية (حتى‬ ‫االنتفا�ضة الأوىل)‬

‫منذ البداية دوراً اجتماعي ًا هام ًا على الأر�ض‪،‬‬ ‫ال بل مت ّيز عن �أ�شكال التعبري الأدبية والفنية‬ ‫الأخرى‪.‬‬

‫امل�رسح بعد الت�سعينيات (بعد �أو�سلو‬ ‫واالنتفا�ضة الأوىل)‬

‫بعد اتفاقية �أو�سلو وعودة الفل�سطينيني‬ ‫من تون�س �إىل ال�ضفة الغربية وت�شكيل ال�سلطة‬ ‫الفل�سطينية‪ ،‬ح�صل حت ّول كبري يف �شكل‬ ‫امل� ّؤ�س�سة امل�رسحية‪ ،‬فال�سلطة خلقت بنى‪،‬‬ ‫املخ�ص�صة‬ ‫منها وزارة الثقافة‪ ،‬لكن امليزانية‬ ‫ّ‬ ‫لهذه الوزارة كانت �ضعيفة‪ .‬لقد �سمحت هذه‬ ‫البنى ب�إن�شاء م� ّؤ�س�سات تابعة للمجتمع املدين‬ ‫لكن مل تق ّدم لها امل�ساعدات الالزمة‪ ،‬فتح ّولت‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 430‬للتنمية الثقافية‬

‫هذه امل� ّؤ�س�سات �إىل التمويل الأجنبي لكي‬ ‫تنتج م�رسح ًا‪ ،‬وهذه ال�صيغة لي�ست حكراً على‬ ‫امل�رسح الفل�سطيني �إمنا هي موجودة يف ع ّدة‬ ‫دول عربية‪ .‬يف ظ ّل العوملة ومع توحيد �أ�شكال‬ ‫الثقافة منا امل�رسح الفل�سطيني (على م�ستوى‬ ‫الك ّم بخا�صة)‪ ،‬ويوجد اليوم عدد كبري من‬ ‫الفرق وامل� ّؤ�س�سات امل�رسحية يف خمتلف �أرجاء‬ ‫الأرا�ضي الفل�سطينية‪.‬‬ ‫م�رسح احلكواتي املنبثق عن فرقة باللني‬ ‫عام ‪ 1977‬مع فرن�سوا �أبو �سامل الذي ميكن‬ ‫�أن يطلق عليه م� ّؤ�س�س امل�رسح الفل�سطيني‪،‬‬ ‫وهو �أول من � ّأ�س�س فرقة يف القد�س ال�رشقية‬ ‫يف ال�سبعينيات من القرن املا�ضي يف بيته‪.‬‬ ‫ا�ستطاعت الفرقة �أن ت�ستمرمن دون انقطاعات‬ ‫( وهذا ا�ستثناء) واعتمدت مبد�أ العمل اجلماعي‬ ‫والتجوال بحث ًا عن جمهورها‪ ،‬جت ّولت يف‬ ‫فل�سطني ويف �أوروبا وق ّدمت عدداً كبرياً من‬ ‫العرو�ض م�رسحية حمجوب حمجوب‪ ،‬لكن عدم‬ ‫التفرغ وغياب الرعاية وامل�شاكل العديدة التي‬ ‫تعر�ضت لها الفرقة �أنهكتها‪ ،‬فحاولت البحث‬ ‫ّ‬ ‫عن موقع لها ووجدت �ضالتها يف �سينما‬ ‫حمروقة يف القد�س ومن خالل �إ�سهامات‬ ‫تطوعية كثرية‪ ،‬ح ّولت هذه ال�سينما �إىل مركز‬ ‫م�رسحي (�أول بيت م�رسح) يف عام ‪ .1984‬جتدر‬ ‫الإ�شارة �إىل �أن امل�ساهمات والتمويل الأجنبي‬ ‫للفرق الفل�سطينية قد توفر يف ما بعد عرب هذا‬ ‫امل�رسح‪ ،‬و�أ�صبح اليوم هذا الف�ضاء امل�رسحي‬ ‫ف�ضا ًء ثقافي ًا ي�ستقبل ن�شاطات عديدة متنوعة‬ ‫من مو�سيقى وعرو�ض وندوات‪ ،‬ويف ‪� 3‬آب‬ ‫�أغ�سط�س ‪� 2008‬أغلقت القوات الإ�رسائيلية هذا‬ ‫امل�رسح‪.‬‬

‫م�رسح الق�صبة ف�ضاء فرقة م�رسح‬ ‫الق�صبة‬

‫م�رسح و�سينماتك الق�صبة على اعتبار �أنه‬ ‫ال�رصح الثقايف الفل�سطيني املز ّود باملرافق‬ ‫املختلفة والتقنيات العالية يف مدينة رام اهلل‪،‬‬ ‫وهو جم ّهز لال�ستخدام يف املجاالت الفنية‬ ‫كافة‪ .‬وم�رسح و�سينماتك الق�صبة م� ّؤ�س�سة‬

‫متخ�ص�صة‬ ‫ثقافية فل�سطينية غري حكومية‬ ‫ّ‬ ‫ت� ّأ�س�ست يف العام ‪ 1970‬يف القد�س‪ ،‬ويف‬ ‫العام ‪ 2000‬افتتح امل�رسح يف مدينة رام اهلل‪.‬‬ ‫يعمل امل�رسح على تفعيل احلياة الثقافية‬ ‫يف فل�سطني من خالل �إنتاج �أعمال م�رسحية‬ ‫وا�ست�ضافة عرو�ض فنية يف جماالت امل�رسح‬ ‫واملو�سيقى والرق�ص‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل عر�ض‬ ‫الأفالم ال�سينمائية اليومية وتنظيم الأ�سابيع‬ ‫املتخ�ص�صة‪ .‬ويقوم‬ ‫واملهرجانات ال�سينمائية‬ ‫ّ‬ ‫امل�رسح بتنظيم برامج ون�شاطات ودورات‬ ‫وندوات ثقافية وفنية خمتلفة‪ ،‬وي�ستهدف يف‬ ‫عمله �رشائح املجتمع كافة‪.‬‬ ‫م�رسح ع�شتار‪ :‬فرقة ع�شتار لتعليم وتدريب‬ ‫امل�رسح يف رام اهلل‪ ،‬وهي م� ّؤ�س�سة غري حكومية‬ ‫ب�إ�رشاف �إدوار املعلم و�إميان عون‪ ،‬وهي يف‬ ‫الأ�صل فرقة طالبية يف البرية لها �أهداف‬ ‫تنموية وتربوية‪ .‬ت� ّأ�س�ست يف مدينة القد�س عام‬ ‫موجه لطلبة‬ ‫‪ 1991‬كربنامج تدريبي للم�رسح ّ‬ ‫املدار�س واجلامعات‪ ،‬ويف العام ‪ 1995‬افتتحت‬ ‫مقرها الثاين يف رام اهلل وعملت على ت�أهيله‬ ‫ّ‬ ‫كف�ضاء م�رسحي من خالل قاعتني‪ ،‬واحدة‬ ‫للتدريب و�أخرى للعر�ض (‪ 70‬متفرج ًا) وحت ّولت‬ ‫م�ؤ�س�سة ع�شتار �إىل خمترب م�رسحي اعتمد‬ ‫بالأ�سا�س على تقنية امل�رسح التفاعلي‪� .‬صدر‬ ‫عنها م�ؤخراً ع ّدة كتب حول امل�رسح التفاعلي‬ ‫(�أوغ�ستو بوال)‪.‬‬

‫امل�رسح يف غزة‬

‫يعترب و�ضع امل�رسح يف غزة �أكرث �صعوبة‬ ‫واحلركة امل�رسحية هناك ن�شطة ولها امتداد‬ ‫تاريخي طويل‪ .‬جمموعة كبرية من ال�شباب‬ ‫اجتمعت على �شكل فرق م�رسحية وق ّدمت‬ ‫خمتلف �ألوان الفن امل�رسحي وبجهود ذاتية‬ ‫على امل�ستويني املادي والفني خالل ال�سنوات‬ ‫املا�ضية‪ ،‬وتعترب مرحلة ما بعد ‪ 1993‬الفرتة‬ ‫الأه ّم بالن�سبة للم�رسح يف غزة ‪.‬‬ ‫ت� ّأ�س�ست يف قطاع غزة ع ّدة فرق م�رسحية‬ ‫منها ال�شموع امل�رسحية والأمل للفن وامل�رسح‬ ‫التي � ّأ�س�سها الفنانان �صائب ال�سقا ونبيل �ساق‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪431‬‬

‫اهلل‪ ،‬و�أي�ض ًا فرقة حنا�ضل التي ت� ّأ�س�ست عام‬ ‫‪ 1989‬وق ّدمت عدة م�رسحيات وفرقة وجم ّمع‬ ‫الكرامة التي ت� ّأ�س�ست عام ‪ 1992‬وم�ؤ�س�سة‬ ‫يوم امل�رسح وم�ؤ�س�سة اجلنوب وم�ؤ�س�سة ب�سمة‬ ‫وفرقة م�رسح للجميع وجمعية فكرة وغريها‬ ‫العديد من الفرق امل�رسحية‪ ،‬التي غاب بع�ضها‬ ‫ومازال بع�ضها الآخر يعمل حتى اليوم‪.‬‬ ‫مل ت�ستطع تلك التجارب من الناحية‬ ‫الفنية‪ ،‬على الرغم من كرثتها ومن املحاوالت‬ ‫اجلا ّدة يف حتقيقها‪� ،‬أن ت�شكّل حركة م�رسحية‬ ‫واعية ت�سري باجتاه الن�ضج الفني وبالتايل نحو‬ ‫التطور و�إمنا بقيت تدور يف فلك الهواية‪.‬‬

‫امل�رسح يف �أرا�ضي الـ‬

‫‪1948‬‬

‫عرو�ض م�رسحية عام‬

‫‪2008‬‬

‫ق ّدمت القد�س م�رسحيتني‪ :‬الأوىل هي‬ ‫ن�ص الكاتبة الكندية كارول‬ ‫عقد هيلني عن ّ‬ ‫فري�شيت و�إخراج الفرن�سي اللبناين الأ�صل‬ ‫نبيل الأظن مع ممثلني وتقنيني فل�سطينيني‪،‬‬ ‫مت االفتتاح يف �شهر �شباط فرباير‪.2008‬‬ ‫وقد ّ‬ ‫وكانت امل�رسحية قد ُعر�ضت قبل ذلك يف‬ ‫عدة عوا�صم عربية ويف فرن�سا مع فريق عمل‬ ‫عربي �آخر‪ ،‬وهي تتحدث عن رحلة امر�أة غربية‬ ‫تدعى هيلني يف �إحدى املدن العربية باحث ًة‬ ‫عن عقد ل�ؤل�ؤ �أبي�ض �أ�ضاعته‪ ،‬وي�صبح �سائق‬ ‫التاك�سي املدعو نبيل حار�سها وحاميها يف‬ ‫متاهات مدينة هي مكان البحث عن العقد‬ ‫ومدينة ت�سمح لها بالتعرف �إىل واقع ما‪� .‬أما‬ ‫امل�رسحية الثانية فهي �أبوك ياخلوف عن ن�ص‬ ‫الكاتب حممود �شقري �إخراج ح�سام �أبو عي�شة‪،‬‬ ‫ُعر�ضت يف مدينة القد�س يف نهاية �شهر ت�رشين‬ ‫الثاين نوفمرب ‏‪2008‬‏‪،‬‏‏ وتتناول تفكري الفتيان‬ ‫والفتيات يف الوطن حني يخطّ طون للم�ستقبل‬ ‫وهم قد عا�شوا ما�ضي ًا ميل�ؤه اخلوف وحا�رضاً‬ ‫�أ�سو�أ يخيفهم من امل�ستقبل‪ .‬وق ّدمت فرقة ع�شتار‬ ‫م�رسحية الع�شاء الأخري يف كانون الثاين يناير‬ ‫مع خمرج هولندي و�ستة ممثلني من الفرقة‪،‬‬ ‫وتطرح امل�رسحية ق�ضية احلدود وال�سفر وهي‬ ‫عبارة عن خليط من �أ�شكال تعبري متنوعة من‬ ‫كوميديا وتراجيديا ورق�ص تعبريي (ق ّدمته‬ ‫ر�شا جه�شان من النا�رصة)‪ .‬و ُق ّدم العر�ض يف‬ ‫رام اهلل ثم يف جولة على �أرا�ضي الـ ‪.1948‬‬ ‫وهناك �أي�ض ًا عر�ض يتناول واقع ال�سجناء‬ ‫الفل�سطينيني عنوانه الق�سم رقم ‪ 603‬الن�ص‬ ‫لعماد فراجي و�إنتاج م�رسح الق�صبة يف رام اهلل‪،‬‬ ‫وتتحدث امل�رسحية عن �أربعة معتقلني يف ال�سجن‬ ‫ثالثة منهم ينتظرون �إطالق �رساحهم يف عملية‬

‫و�إذا كان توفيق زياد قد كتب‬ ‫يوم ًا �أن الأقلية العربية يف �إ�رسائيل ال‬ ‫متتلك م�رسحاً‪ ،‬ف�إن الو�ضع اليوم قد‬ ‫تغيرّ ‪ ،‬خ�صو�ص ًا بعد تن�شيط امل�رسح‬ ‫يف ال�ضفة الغربية بعد الت�سعينيات‪.‬‬ ‫فقد حاول فنانون (در�سوا يف‬ ‫اجلامعات اليهودية ويعملون يف‬ ‫امل�رسح العربي) �إن�شاء م�رسح عربي‬ ‫يف �إ�رسائيل‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإبداع‬

‫توجد فرق م�رسحية عربية يف العديد‬ ‫من املدن الفل�سطينية يف النا�رصة وحيفا‬ ‫وعكا �أغلبها فرق م�ستقلة لكنها تابعة لوزارة‬ ‫املعارف الإ�رسائيلية‪ ،‬و�إذا كان توفيق زياد قد‬ ‫كتب يوم ًا «�أن الأقلية العربية يف �إ�رسائيل ال‬ ‫املرة‪ ...‬و�أن‬ ‫متتلك م�رسح ًا وهذه هي احلقيقة ّ‬ ‫و�ضع امل�رسح العربي م�ؤمل للغاية‪ ،‬فكل ما‬ ‫هنالك حماوالت م�شكورة ع�صامية لبناء هذا‬ ‫امل�رسح»‪� .‬إن الو�ضع اليوم قد تغيرّ ‪ ،‬خ�صو�ص ًا‬ ‫بعد تن�شيط امل�رسح يف ال�ضفة الغربية بعد‬ ‫الت�سعينيات‪ ،‬وقد حاول فنانون (در�سوا يف‬ ‫اجلامعات �إليه ودية يعملون يف امل�رسح‬ ‫العربي) �إن�شاء م�رسح عربي يف �إ�رسائيل‪ ،‬منهم‬ ‫املمثل حممد البكري‪ ،‬املمثلة حنان احللو‪،‬‬ ‫املمثلة �سلوى نقارة‪ ،‬را�ضي �شحادة الذي �أ�صدر‬ ‫كتاب ًا بالغ الأهمية حول «امل�رسح يف فل�سطني‬ ‫‪ 48‬بني �رصاع البقاء وانف�صام الهوية» وو�ضع‬ ‫يف مقدمته �إ�صبعه على امل�شاكل التي يعاين‬ ‫منها هذا امل�رسح بقوله «نحن بخالف كل‬ ‫امل�سارح يف العامل عربية كانت �أم �أجنبية‬ ‫لي�س لدينا املفهوم املعروف نف�سه حول معنى‬ ‫امل�رسح التجاري وامل�رسح اجلا ّد‪� ،‬أما م�شكلة‬ ‫امل�رسح الفل�سطيني يف �إ�رسائيل وال�شاذة عن‬ ‫باقي امل�سارح يف العامل‪ ،‬فتكمن يف عدم وجود‬ ‫م�رسح جتاري باملفهوم الذي �أو�ضحته �سابق ًا‪،‬‬

‫لأن م�رسحنا ال ي�ستطيع �أن يعتا�ش من دخل‬ ‫التذاكر وجمهورنا ال يتهافت على امل�سارح»‪� .‬إن‬ ‫هذا امل�رسح يعاين من م�شاكل الرعاية والهوية‬ ‫والتوا�صل ويغلب عليه الطابع ال�سيا�سي �أو‬ ‫ال�سيا�سي ال�ساخر‪.‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 432‬للتنمية الثقافية‬

‫تبادل للأ�رسى‪ .‬وعر�ض م�رسح الرواة املقد�سي‬ ‫ٍ‬ ‫مونودراما الأحداث الأليمة يف حياة �أبو حليمة‬ ‫عن ق�صة الأديب طه حممد و�إعداد امل�رسحي‬ ‫جنوان دروي�ش و�أداء �إ�سماعيل د ّباغ و�إخراج‬ ‫حتولت امل�رسحية �إىل‬ ‫الإ�سباين جاكوب �آمو‪ ،‬وقد ّ‬ ‫وعقدت حولها‬ ‫ظاهرة �شعبية ُق ّدمت يف القد�س ُ‬ ‫ندوات (جامعة القد�س) ثم ُعر�ضت يف الأرا�ضي‬ ‫الفل�سطينية‪ .‬وق ّدم م�رسح الق�صبة م�رسحية بيت‬ ‫الدمية لإب�سن من �إخراج جورج �إبراهيم‪ ،‬ويف‬ ‫مدينة حيفا ق ّدمت فرقة تفانني م�رسحية باب‬ ‫احلارة وهي م�رسحية حتاكي امل�سل�سل العربي‬ ‫(ال�سوري) باب احلارة الذي ا�ستحوذ على ن�سبة‬ ‫متابعة عالية يف �أرجاء الوطن العربي‪ .‬وق ّدم‬ ‫م�رسح امليدان يف حيفا يف �شهر ت�رشين الأول‬ ‫�أكتوبر‪ 2008‬م�رسحية ق�صة خريف للإيطايل‬ ‫�ألدو نيكوالي و�إخراج �أمري نزار الزعبي ومتثيل‬ ‫�سلوى نقارة (وهي تطرح ق�ضية ال�شيخوخة)‪.‬‬ ‫وقد ح ّل العر�ض �ضيف ًا على م�رسح الق�صبة يف‬ ‫رام اهلل‪ .‬وق ّدمت فرقة م�رسح توا�صل م�رسحية‬ ‫عن �إعالن اال�ستقالل الفل�سطيني وم�رسحية‬ ‫اجلدارية عن ن�ص ملحمود دروي�ش‪ ،‬وا�ستكملت‬ ‫جوالتها وق ّدمت عرو�ض ًا يف مناطق ع ّدة‪ ،‬من‬ ‫بينها مهرجانا دم�شق و�أدنربة يف ‪.2008‬‬ ‫و�ضمن فعاليات ق�سم امل�رسح يف مركز‬ ‫ثقافة الطفل الفل�سطيني التابع جلمعية الثقافة‬ ‫احلر والذي يوا�صل عمله مع ال�شباب‬ ‫والفكر ّ‬ ‫املبدعني واملوهوبني يف جمال امل�رسح‪ ،‬قام‬ ‫خم�سة ع�رش �شاب ًا ب�إنتاج ثالث م�رسحيات‬ ‫خالل عام ‪ 2008‬ومبعدل خم�سة عرو�ض لكل‬ ‫م�رسحية‪ ،‬تناولت وجهة نظر ال�شباب جتاه‬ ‫ق�ضايا املجتمع املختلفة‪ ،‬وامل�رسحيات هي‬ ‫حارة العميان و�شهيق وزفري وك�أنها غرفة‪.‬‬ ‫وقد �شهد العام ‪ 2008‬وفاة املخرج امل�رسحي‬ ‫الفل�سطيني يعقوب �إ�سماعيل رئي�س رابطة‬ ‫امل�رسحيني الفل�سطينيني‪.‬‬

‫امل�رسح يف دول جمل�س التعاون اخلليجي‬ ‫مالمح وخ�صو�صيات‬

‫تظهر درا�سة تاريخ امل�رسح اخلليجي ع ّدة‬

‫مالمح ت�ؤكد خ�صو�صية جتربته‪ ،‬فالواقع �أن‬ ‫جتربة هذا امل�رسح وطيدة ال�صلة بتاريخ ت�شكّل‬ ‫دول اخلليج العربي وحت ّوالتها التاريخية‬ ‫واالقت�صادية واالجتماعية‪� .‬إن ال�رشوط التي‬ ‫ت�ؤطّ ر هذا امل�رسح تتو ّزع بني املالمح العامة‬ ‫واخل�صو�صيات املحلية وبني هذه اخل�صو�صيات‬ ‫حني تتمرد على الذات وعلى ثوابتها‪ .‬وهكذا‬ ‫ف�إن امل�رسح يف دول جمل�س التعاون اخلليجي‬ ‫بكل مك ّوناته وجتاربه‪ ،‬يبقى موزع ًا بني �سلطة‬ ‫الرتاث وبني النزوع �إىل احلداثة مع ما فتحه‬ ‫ع�رص التقنيات من �أبواب للم�رسح‪ .‬وقد عك�س‬ ‫امل�رسح اخلليجي ب�شكل وا�ضح �شك ًال وم�ضمون ًا‪،‬‬ ‫تناق�ض الواقع بكل �أبعاده االقت�صادية‬ ‫واالجتماعية والثقافية‪� ،‬إنه تناق�ض الدخول‬ ‫يف زمن احلداثة يف جمتمع تتكاثر فيه الأ�سئلة‬ ‫وتكرب حول �أ�صالة هذا املجتمع �أمام هذه‬ ‫احلداثة‪ ،‬التي نقلت املجتمعات اخلليجية من‬ ‫زمن الغو�ص واالرتباط بالبحر كم�صدر للرزق‬ ‫والأ�رسار واحلكايات‪� ،‬إىل زمن النفط بكل ما‬ ‫حقّقه من منط جديد للعي�ش والرفاهية‪ .‬لقد دخل‬ ‫امل�رسح اخلليجي من قلب ذلك التناق�ض لريبط‬ ‫ممار�سته اليومية بالذاكرة ال�شعبية وبالواقع‬ ‫ّ‬ ‫لنقل اخللل ونقده والك�شف عن معاناة الإن�سان‬ ‫يف مرحلتني متناق�ضتني وخمتلفتني‪ ،‬هما ما‬ ‫قبل النفط وما بعده من دون �أن يخفي نزوعه‬ ‫نحو جعل امل�رسح يف دول جمل�س التعاون ذا‬ ‫هوية متما�سكة املقومات‪ ،‬مو�صولة �إىل تراثها‬ ‫املحلي بكل ثرائه وتاريخيته‪.‬‬ ‫وقد احتفت التجربة امل�رسحية اخلليجية‬ ‫– من دون امل�رسح العربي – كثرياً بالتغيري‬ ‫االجتماعي‪ ،‬لأن املجتمعات العربية الأخرى‬ ‫مل تواجه ظواهر االنق�سام والتوتر وال�رصاع‬ ‫والقلق وعدم التوازن التي خلّفها ظهور النفط‬ ‫وانقالب منط الإنتاج يف فرتة وجيزة من الزمن‬ ‫كما ح�صل يف دول جمل�س التعاون ‪.‬ويالحظ‬ ‫من التجربة امل�رسحية يف اخلليج انتقالها من‬ ‫�ساحات املدار�س والأندية �إىل املكان الطبيعي‬ ‫املخ�ص�ص لقيام العر�ض امل�رسحي‪ ،‬وهذا يعني‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫�أن امل�رسح مل يعد هام�شيا‪ ،‬وقد �أ�صبح تكوين‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪433‬‬

‫امل�رسح القطري‬ ‫البدايـات‬

‫ال تختلف التجربة القطرية عن مثيالتها‬ ‫يف دول اخلليج العربية وهي بد�أت باالرجتاالت‬ ‫الهزلية يف املجال�س اخلا�صة‪ ،‬و�صو ًال �إىل‬ ‫الأندية االجتماعية الثقافية التي ظهرت مع‬ ‫ع�رص النفط مثل نوادي الطليعة واجلزيرة‬ ‫نواد ق ّدمت العديد من‬ ‫وكبار املوظفني‪ ،‬وهي ٍ‬ ‫العرو�ض امل�رسحية اعتباراً من العام ‪.1959‬‬ ‫ومع �إن�شاء الأندية الريا�ضية واملراكز ال�شبابية‬ ‫يف بداية ال�ستينيات بد�أت الظاهرة امل�رسحية‬ ‫بالتبلور ب�شكل �أف�ضل‪ ،‬ويف الفرتة نف�سها بد�أ‬ ‫امل�رسح املدر�سي بالظهور‪ .‬وقد ظهرت �أول‬ ‫فرقة م�رسحية قطرية عام ‪ 1972‬واختارت‬ ‫امل�رسح القطري ا�سم ًا لها‪ ،‬بعدها ظهرت ثالث‬ ‫فرق �أخرى هي م�رسح ال�سد وم�رسح الأ�ضواء‬ ‫وامل�رسح ال�شعبي‪ ،‬ثم دجمت الفرق الأربع‬ ‫يف فرقتني هما‪ :‬فرقة قطر امل�رسحية وفرقة‬ ‫مت‬ ‫الدوحة امل�رسحية‪ ،‬وقبل �سنوات قليلة ّ‬ ‫ت�أ�سي�س فرقة م�رسح اخلليج ‪.‬‬ ‫مطلـع العـام ‪ 1986‬بـد�أت املـ� ّؤ�سـ�سـات‬ ‫الفنية اخلا�صة التي تعمل يف جمال الإنتاج‬ ‫امل�رسحي بالظهور‪ ،‬فقامت بتقدمي جمموعة‬ ‫�أعمال م�رسحية حظيت ب�إقبال كبري من‬

‫وعلى الرغم من �أن احلكومات‬ ‫اخلليجية م�س�ؤولة كلي ًا عن رعاية‬ ‫امل�رسح يف بالدها‪� ،‬إال �أن هناك‬ ‫م� ّؤ�س�سات خا�صة تقوم بتمويل‬ ‫عرو�ض م�رسحية �أو بت�شجيع امل�ؤلفني‬ ‫من خالل املنح واجلوائز العديدة‪.‬‬

‫الإبداع‬

‫الفرق امل�رسحية منذ �أواخر العقد اخلام�س من‬ ‫القرن الع�رشين ا�ستقطاب ًا الهتمام جوهري‬ ‫بامل�رسح ‪.‬‬ ‫ومنذ بداية العقد ال�ساد�س جند مولداً‬ ‫حقيقي ًا للجهد الكامن وراء تكامل العر�ض‬ ‫امل�رسحي‪ ،‬وقد تبلورت جماعية العر�ض‬ ‫املتخ�ص�صة‪ ،‬كما‬ ‫بظهور الفرق امل�رسحية‬ ‫ّ‬ ‫تبلورت حرارة التغريات بعمقها وت�سارعها‬ ‫عند ظهور املحلية التي ُتكتب باللهجة العامية‬ ‫من �أجل �أن ُتعر�ض ال �أن ُتقر�أ ‪ .‬لذلك مل ي�ستطع‬ ‫الن�ص امل�رسحي اخلليجي اال�ستقالل عن‬ ‫العر�ض امل�رسحي لأ�سباب عديدة �أه ّمها غياب‬ ‫اال�سرتاتيجية امل�رسحية لدى الفرق الأهلية‪،‬‬ ‫يظهر ذلك جلي ًا يف عدم ظهور �أ�سماء مهمة على‬ ‫�صعيد الكتابة امل�رسحية اخلليجية‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫دفع ببع�ض امل� ّؤ�س�سات الر�سمية �إىل تخ�صي�ص‬ ‫م�سابقات للت�أليف امل�رسحي‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف‬ ‫ال�شارقة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من �أن احلكومات اخلليجية‬ ‫م�س�ؤولة كلي ًا عن رعاية امل�رسح يف بالدها‪،‬‬ ‫�إال �أن هناك م� ّؤ�س�سات خا�صة تقوم بتمويل‬ ‫عرو�ض م�رسحية �أو ت�شجيع امل�ؤلفني من خالل‬ ‫املنح واجلوائز العديدة‪ ،‬نذكر منهم جائزة‬ ‫�سلطان العوي�س‪ .‬كما �أن دائرة الثقافة والإعالم‬ ‫بال�شارقة تقوم حثيثة بت�شجيع الت�أليف‬ ‫للم�رسح �سواء �أكانت ن�صو�ص ًا م�رسحية �أم‬ ‫�أبحاث ًا يف جمال امل�رسح‪ .‬كما الب ّد من الإ�شارة‬ ‫�إىل �إ�سهامات الكويت يف �إثراء الدرا�سات‬ ‫والرتجمة يف العامل العربي‪ ،‬من خالل �سل�سلة‬ ‫عامل املعرفة و�سل�سلة امل�رسح العاملي وهي‬ ‫ق ّدمت ما يزيد على ‪ 300‬ن�ص م�رسحي عاملي‬ ‫مرتجم‪.‬‬ ‫وبعد �أن ت�أثر امل�رسح اخلليجي يف العقود‬ ‫املا�ضية بالأطروحات القومية‪ ،‬كانت مرحلة‬ ‫ال�صوت العايل يف امل�رسح االحتجاجي‬ ‫وخ�صو�ص ًا ب�ش�أن ق�ضية فل�سطني‪ ،‬حيث كانت‬ ‫الن�صو�ص والعرو�ض مفتوحة على ال�شعارات‬ ‫القومية‪ ،‬يف الوقت الذي نرى فيه امل�رسح اليوم‬ ‫يعي�ش مرحلة انزياح نحو الق�ضايا ال�صغرية‬

‫والهموم الذاتية‪ ،‬ويتح ّول كلي ًا �إىل الفرد‬ ‫وعوامله اخلا�صة‪ .‬كما �أ�صبح االجتاه ال�سائد‬ ‫هو امليل نحو الن�صو�ص الق�صرية الب�رصية‬ ‫البعيدة عن ال�رصاعات امل�صريية‪ ،‬و�إىل التقليل‬ ‫من ال�شخ�صيات امل�رسحية واالكتفاء بحاالت‬ ‫�إن�سانية فردية‪ ،‬ورمبا لهذا ال�سبب كان طبيعي ًا‬ ‫�أن يتقلّ�ص امل�رسح ن�ص ًا و�شك ًال ليتح ّول نحو‬ ‫املونودراما‪.‬‬ ‫مما تق ّدم من مالمح م�شرتكة‬ ‫وعلى الرغم ّ‬ ‫يف م�رسح دول جمل�س التعاون‪� ،‬إال �أن ذلك ال‬ ‫ينفي تفاوت التجارب و�إن بن�سب �ضئيلة بني‬ ‫هذه الدول‪ ،‬خ�صو�ص ًا من حيث ح�ضور �أو غياب‬ ‫توجهات امل� ّؤ�س�سات الر�سمية‬ ‫املر�أة ومن حيث ّ‬ ‫يف دعم هذا امل�رسح‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 434‬للتنمية الثقافية‬

‫اجلمهور‪ .‬وت�ستعني هذه امل� ّؤ�س�سات مبمثلني‬ ‫من الفرق امل�رسحية الأهلية املحلية مط ّعمة‬ ‫بفنانني م�رسحيني من دول اخلليج وبع�ض‬ ‫الدول العربية‪.‬‬

‫امل� ّؤ�س�سة امل�رسحية‬

‫ت�رشف الدولة يف قطر على الفرق الأهلية‬ ‫ب�شكل كامل من خالل ق�سم امل�رسح يف �إدارة‬ ‫الثقافة والفنون بوزارة الثقافة والرتاث‪ ،‬وتق ّدم‬ ‫هذه الإدارة دعم ًا مادي ًا �سنوي ًا لهذه الفرق‪،‬‬ ‫مقابل تقدمي عر�ض واحد يف ال�سنة ومتثيل قطر‬ ‫يف املهرجانات املحلية والعربية‪ .‬كما ت�رشف‬ ‫الدولة على ‪ 13‬فرقة �شبابية موزعة على الأندية‬ ‫الريا�ضية واملراكز ال�شبابية عرب الهيئة العامة‬ ‫لل�شباب‪ .‬ويتم ّيز امل�رسح ال�شبابي بالن�شاط‬ ‫فينظّ م مهرجانني �سنويني يف الربيع وال�صيف‬ ‫�إ�ضافة �إىل العديد من الور�ش امل�رسحية‪ .‬يف‬ ‫مت ت�أ�سي�س املركز ال�شبابي للفنون‬ ‫العام ‪ّ 2005‬‬ ‫امل�رسحية (�أ�صبحت تابعيته هذا العام لوزارة‬ ‫الثقافة بد ًال من الهيئة العامة لل�شباب)‪.‬‬ ‫من جهة �أخرى ت�رشف وزارة الرتبية‬ ‫والتعليم على امل�رسح املدر�سي الذي ت� ّأ�س�س‬ ‫منذ العام ‪ 1974‬وبقي فاع ًال قي املدار�س‬ ‫حتى العام ‪ 2005‬تاريخ �صدور قرار جتميده‪.‬‬ ‫وكان توجيه الرتبية امل�رسحية ي�ض ّم �أكرث من‬ ‫‪ 50‬م�رشف ًا م�رسحي ًا موزعني على املدار�س‬ ‫غالبيتهم من اجلاليات العربية‪.‬‬ ‫�أما امل� ّؤ�س�سات الفنية اخلا�صة والتي‬ ‫ظهرت يف فرتات مت�أخرة‪ ،‬فهي غري فاعلة‬ ‫وتعتمد على �إنتاج م�رسحيات جتارية للأطفال‬ ‫يف الأعياد فقط‪� .‬أما م�رسح النجم الواحد‬ ‫فيعتمد على جهود الفنان غامن ال�سليطي‪ ،‬الذي‬ ‫يق ّدم كوميديا �سيا�سية مو�سمية ذات طابع‬ ‫جتاري‪ ،‬ومع ذلك ف�إن الدولة ت�سهم �أحيان ًا يف‬ ‫الدعم املادي لهذه امل� ّؤ�س�سات‪.‬‬ ‫خم�ص�صة‬ ‫توجد يف دولة قطر ثالثة م�سارح ّ‬ ‫للعرو�ض امل�رسحية جم ّهزة بتقنيات متق ّدمة‬ ‫هي‪ :‬م�رسح قطر الوطني الذي افتتح عام‪1986‬‬ ‫وم�رسح الرتبية وهو م�رسح خا�ص ب�إدارة‬

‫التوجيه امل�رسحي يف الوزارة وت�ستخدمه فرق‬ ‫�أخرى يف بع�ض الأحيان‪ ،‬وم�رسح الدوحة‬ ‫باليرز التابع للجالية الإجنليزية بالدوحة‬ ‫وت�ستعني به الفرق الأخرى‪ .‬وتقوم الدولة حالي ًا‬ ‫احلي الثقايف بالدوحة الذي �سي�ضم داراً‬ ‫ببناء ّ‬ ‫للأوبرا وعدداً ال ب�أ�س به من امل�سارح متع ّددة‬ ‫اال�ستخدامات‪ ،‬وذلك ا�ستعداداً للدوحة عا�صمة‬ ‫للثقافة العربية ‪.2010‬‬

‫�أبرز العرو�ض امل�رسحية لعام‬

‫‪2008‬‬

‫�شهد العام ‪ 2008‬عر�ض م�رسحية �أبو‬ ‫حيان التوحيدي من ت�أليف و�إخراج حمد‬ ‫الرميحي و�إنتاج �رشكة املوال للإنتاج الفني‪،‬‬ ‫وقد ُعر�ضت يف مهرجان دم�شق الرابع ع�رش‬ ‫للفنون امل�رسحية ‪ .2008‬وق ّدمت فرقة قطر‬ ‫م�رسحية ياغافل �إلك اهلل من ت�أليف خليفة‬ ‫ال�سيد و�إخراج نا�رص عبد الر�ضا‪ ،‬كما ُعر�ضت‬ ‫م�رسحية �شدو ال�ضعاين من ت�أليف و�إخراج‬ ‫عبد الرحمن املناعي (رائد امل�رسح القطري)‬ ‫فرقة الدوحة امل�رسحية‪ ،‬وم�رسحية الأطفال‬ ‫فلّه وعرو�س البحر من ت�أليف عبد الواحد‬ ‫حممد و�إخراج فالح فايز و�إنتاج وتقدمي‬ ‫ال�سعيد للإنتاج الفني‪ .‬و�شهد العام املا�ضي‬ ‫اجلرة من ت�أليف‬ ‫�أي�ض ًا عرو�ض ًا �أخرى هي ّ‬ ‫و�إخراج �سامل املن�صوري و�إنتاج وتقدمي‬ ‫املركز ال�شبابي للفنون امل�رسحية‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫�أوبريت ع�سل يا وطني من ت�أليف عبد الرحيم‬ ‫ال�صديقي وتي�سري عبد اهلل و�إخراج ح�سن‬ ‫�إبراهيم ونا�رص عبد الر�ضا‪ُ ،‬ق ّدمت على خ�شبة‬ ‫م�رسح قطر الوطني �ضمن املهرجان امل�رسحي‬ ‫الأول للأ�شخا�ص ذوي الإعاقة يف دول جمل�س‬ ‫التعاون اخلليجي‪.‬‬

‫امل�رسح الإماراتي‬ ‫بداية وحماولة‬

‫ال ميكن ف�صل امل�رسح يف الإمارات العربية‬ ‫املتحدة عن ت�أثريات امل�سارح اخلليجية‪،‬‬ ‫خ�صو�ص ًا البحرين والكويت‪� ،‬إذ �إن امل�رسح كما‬ ‫التعليم بد�أ فيهما مبكراً‪ .‬لقد كانت ال�شارقة ب�ؤرة‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪435‬‬

‫الأعمال امل�رسحية املعرو�ضة يف العام‬ ‫‪2008‬‬

‫كل هذه االعمال هي من �إنتاج قطاع‬ ‫احلكومة‪ .‬وقد �شهد العام املا�ضي العديد من‬ ‫العرو�ض امل�رسحية �أه ّمها العزبة من ت�أليف‬ ‫حميد فار�س حميد و�إخراج خالد علي ربيع‪،‬‬ ‫زمان اليوم من ت�أليف جا�سم اخلراز‪ ،‬عنمرب‬ ‫للمخرج مروان عبد اهلل �صالح وت�أليف طالل‬ ‫حممود‪ ،‬ال�ستارة من �إخراج حمد عبد الرزاق‪.‬‬ ‫كما ق ّدمت جمعية عجمان للفنون ال�شعبية‬ ‫وامل�رسحية الغاوي من ت�أليف حممد ح�سن‬ ‫�أحمد وحممد عبد اهلل احلمادي و�إخراج حممد‬ ‫عبد اهلل احلمادي‪.‬‬

‫الأعمال التي ق ّدمت يف مهرجان‬ ‫ال�شارقة امل�رسحي ‪ 2008‬الدورة‬

‫‪18‬‬

‫�شهد هذا املهرجان العديد من العرو�ض‬ ‫امل�رسحية‪ ،‬من بينها م�رسحية دهن العود‬ ‫ت�أليف �أحمد بورحيمة و�إخراج حممد العامري‪،‬‬ ‫هاوية ت�أليف و�إخراج علي جمال‪� ،‬رصخة من‬ ‫ت�أليف ا�سماعيل عبداهلل‪ ،‬ميادير من ت�أليف‬ ‫الكاتب �إ�سماعيل عبداهلل و�إخراج الفنان �أحمد‬ ‫الأن�صاري‪ ،‬ال حيلة ت�أليف الكاتب �سعيد ا�سماعيل‬ ‫و�إخراج الفنان بالل عبداهلل‪ ،‬حمطات من حياة‬ ‫�أبوي ت�أليف �سعيد ا�سماعيل و�إخراج الفنان‬ ‫بالل عبداهلل‪ ،‬م�رسحية فانو�س ت�أليف حممد‬ ‫�سعيد ال�ضنحاين و�إخراج عبداهلل را�شد‪ ،‬النمرود‬ ‫ت�أليف ال�شيخ د‪� .‬سلطان بن حممد القا�سمي‬ ‫و�إخراج املن�صف ال�سوي�سي وجرى عر�ضها‬ ‫يف عدة مهرجانات م�رسحية ودول عربية‪.‬‬

‫مت ت�أ�سي�س الهيئة العربية‬ ‫ّ‬ ‫للم�رسح مببادرة �إماراتية كان‬ ‫الهدف منها ت�شجيع امل�رسح العربي‬ ‫ككلّ‪ ،‬لذلك تقام م�سابقات �سنوية‬ ‫لت�شجيع الت�أليف امل�رسحي‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫�إىل مهرجان عربي �سنوي‪.‬‬

‫الإبداع‬

‫ظهور امل�رسح يف الإمارات‪ ،‬و ُيع َتقد حتى الآن‬ ‫�أن �أول م�رسحية جرى عر�ضها هي طول عمر‬ ‫وا�شبع طما�شة عام ‪ 1958‬يف النادي العماين‬ ‫بال�شارقة‪ ،‬ثم ُعر�ضت عام ‪ 1959‬م�رسحية‬ ‫وكالء �صهيون يف نادي ال�شعب يف ال�شارقة‬ ‫�أي�ض ًا‪.‬‬ ‫ا�شتهرت �أول فرقة م�رسحية م�ستقلة عام‬ ‫‪ 1972‬با�سم امل�رسح القومي لل�شباب يف دبي‪،‬‬ ‫ويف تلك الفرتة كانت وزارة الإعالم والثقافة‬ ‫تع ّد الع ّدة لتطوير ق�سم امل�رسح التابع للإدارة‬ ‫الثقافية لديها كجزء من اخت�صا�صات الوزارة‪.‬‬ ‫وا�ستعان ق�سم امل�رسح باخلربات العربية ابتدا ًء‬ ‫من زكي طليمات‪ ،‬الذي ق ّدم تقريره عن كيفية‬ ‫النهو�ض باحلركة امل�رسحية بعد جولة ملدة‬ ‫�شهرين يف الإمارات ال�سبع‪ .‬بعدها ا�ستقدمت‬ ‫الوزارة الفنان �صقر الر�شود الذي كان له‬ ‫الدور الكبري يف و�ضع خمطط علمي وتنفيذي‬ ‫للنهو�ض باحلركة امل�رسحية‪ ،‬كما ا�ستفادت‬ ‫الدولة من بع�ض اخلربات الأكادميية العربية‬ ‫ومن الر ّواد مثل الفنان �إبراهيم ال�صالل‪.‬‬ ‫يوجد على ال�ساحة امل�رسحية يف دولة‬ ‫الإمارات حالي ًا نحو ‪ 15‬فرقة م�رسحية ‪ 10‬منها‬ ‫م�ستقلة‪� ،‬أما الفرق الأخرى فهي مو ّزعة بني‬ ‫نواد �أو جمعيات فنون وتق ّدم م�رسحيات حملية‬ ‫ٍ‬ ‫وعربية وعاملية‪ .‬كما يوجد يف الإمارات �أكرث‬ ‫من اثنتي ع�رشة قاعة م�رسحية بع�ضها ُ�ص ّمم‬ ‫وج ّهز بتقنيات متطورة‪.‬‬ ‫على الطراز احلديث ُ‬ ‫�أما �أبرز الفرق امل�رسحية اليوم فهي امل�رسح‬ ‫القومي لل�شباب (دبي)‪ ،‬م�رسح الفجرية القومي‪،‬‬ ‫م�رسح الإمارات القومي (�أبو ظبي)‪ ،‬م�رسح دبي‬ ‫ال�شعبي‪.‬‬ ‫مت ت�أ�سي�س الهيئة العربية للم�رسح‬ ‫كما‬ ‫ّ‬ ‫مببادرة �إماراتية كان الهدف منها ت�شجيع‬ ‫امل�رسح العربي ككلّ‪ ،‬لذلك تقام م�سابقات‬ ‫�سنوية لت�شجيع الت�أليف امل�رسحي‪� ،‬إ�ضافة �إىل‬ ‫مهرجان عربي �سنوي‪ .‬ومن الأحداث امله ّمة‬ ‫يف عام ‪ 2008‬اختيار ال�شيخ �سلطان بن حممد‬ ‫القا�سمي حاكم �إمارة ال�شارقة من قبل املنظمة‬

‫الدولية للم�رسح التابعة لليون�سكو‪ ،‬لكتابة كلمة‬ ‫تكرم‬ ‫يوم امل�رسح العاملي ( تقليد �سنوي دويل ّ‬ ‫فيه كل �سنة �شخ�صية هامة من �شخ�صيات عامل‬ ‫امل�رسح)‪ .‬كذلك �أعيد يف العام ‪ 2008‬ن�رش عدد‬ ‫هائل من � ّأمهات الكتب امل�رسحية يف طبعة‬ ‫متي�رسة دعم ًا للثقافة امل�رسحية‪.‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 436‬للتنمية الثقافية‬

‫امل�رسح الكويتي‬ ‫ريادة يف منطقة اخلليج‬

‫تعترب فرتة الأربعينيات بداية احلركة‬ ‫امل�رسحية يف دولة الكويت‪ ،‬وهي بذلك �أقدم‬ ‫حركة م�رسحية يف اخلليج العربي‪ .‬لقد بد�أ‬ ‫امل�رسح مدر�سي ًا يف الكويت‪ ،‬وبح�سب املراجع‬ ‫التاريخية ف�إن �أول عر�ض م�رسحي ظهر يف‬ ‫دولة الكويت يعود �إىل عام ‪ 1922‬يف حفل‬ ‫اختتام العام الدرا�سي الأول ملدر�سة الأحمدية‪.‬‬ ‫�أما املرحلة الثانية فقد جاءت مع ت�أ�سي�س‬ ‫امل�رسح الوطني وجميء زكي طليمات الذي‬ ‫�أن�ش�أ فرقة م�رسحية و�شارك يف التمثيل و�أ�رشف‬ ‫على الإخراج وتر�أّ�س �أول معهد للدرا�سات‬ ‫امل�رسحية يف الكويت‪ .‬ومت ّيزت هذه املرحلة‬ ‫بتع ّدد الفرق وتن ّوعها‪ ،‬وقد لعبت وزارة ال�ش�ؤون‬ ‫االجتماعية دوراً هام ًا يف رعاية احلركة‬ ‫امل�رسحية ودعم امل�رسح اجلا ّد‪ ،‬بحيث قررت‬ ‫�إ�شهار �أربعة م�سارح �أهلية هي‪ :‬امل�رسح العربي‪،‬‬ ‫م�رسح اخلليج العربي‪ ،‬امل�رسح الكويتي‪ .‬وكان‬ ‫امل�رسح ال�شعبي (الأم) قد ا�شتهر يف عام ‪.1964‬‬ ‫يعترب امل�رسح يف الكويت الأول يف حميط‬ ‫منطقة اخلليج العربي وله الف�ضل والريادة على‬ ‫م�سارح اخلليج التي نهلت منه الكثري وت�أثّرت‬ ‫ب�أن�شطته‪ .‬وقد �أ�سهم امل�رسحيون الكويتيون يف‬ ‫ت�أ�سي�س وتطوير احلركة امل�رسحية يف ع ّدة دول‬ ‫خليجية منها م�رسح الإمارات مع �صقر الر�شود‬ ‫وف�ؤاد ال�شطي‪.‬‬ ‫وبرزت يف الثمانينيات من القرن املا�ضي‬ ‫ظاهرة امل�سارح اخلا�صة �أو ذات ال�صبغة‬ ‫التجارية‪ ،‬ومن �أ�شهر هذه امل�سارح‪ :‬م�رسح‬ ‫الفنون ومركز �سكوب �سنرت للإنتاج الفني‬ ‫ومركز الأبرق للإنتاج الفني وجمموعة طيف‬ ‫وم�رسح ال�سالم واجلزيرة والوطني‪ ،‬وهناك‬ ‫جهات �أهلية خريية تق ّدم �أعما ًال م�رسحية‪.‬‬ ‫�أواخر العام ‪ 1969‬افتتح يف الكويت‬ ‫معهد الدرا�سات امل�رسحية‪ ،‬وكانت الدرا�سة‬ ‫فيه م�سائية ويعطي الطالب يف ختام دوراته‬ ‫م�ؤه ًال متو�سط ًا‪ .‬كما �صدر مر�سوم �أمريي عام‬ ‫‪ 1973‬يق�ضي ب�إن�شاء املعهد العايل للفنون‬

‫امل�رسحية الذي اقت�رص القبول فيه على حملة‬ ‫�شهادات الثانوية العامة‪ ،‬وحت ّددت م ّدة الدرا�سة‬ ‫ب�أربع �سنوات يمُ نح الطالب بعدها درجة‬ ‫(بكالوريو�س)‪.‬‬

‫عرو�ض م�رسحية عام‬

‫‪2008‬‬

‫�شهد العام ‪ 2008‬العديد من العرو�ض‬ ‫امل�رسحية يف الكويت من بينها م�رسحية بو‬ ‫خريطة لفرقة اجليل الواعي من ت�أليف و�إخراج‬ ‫ح�سني م�سلم‪ ،‬العرثة لفرقة امل�رسح الكويتي‬ ‫ت�أليف حممد الفرج و�إخراج وليد �رساب‪،‬‬ ‫م�رسحية ليـر للم�ؤلف الإجنليزي وليم �شك�سبري‬ ‫ق ّدمتها فرقة املعهد العايل للفنون امل�رسحية‪،‬‬ ‫م�رسحية بال مالمح لفرقة م�رسح ال�شباب من‬ ‫ت�أليف عبد الأمري �شمخي و�إخراج عبد العزيز‬ ‫�صفرعلى خ�شبة م�رسح الد�سمة‪� ،‬إين �أرى ما‬ ‫تراه لفرقة امل�رسح ال�شعبي من ت�أليف �شاكر‬ ‫املعتوق و�إخراج �إبراهيم بوطيبان‪ ،‬امل�ست�أجر‬ ‫اجلديد لفرقة امل�رسح العربي من ت�أليف يوجني‬ ‫يون�سكو و�إخراج ع ّمار �سليمان‪.‬‬

‫العماين‬ ‫امل�رسح ُ‬ ‫بداية حديثة وتطلّعات لتطوير الدراما‬

‫تعود بدايات امل�رسح ال ُعماين �إىل ظهور‬ ‫التعليم النظامي وكذلك امل ّمار�سات امل�رسحية‬ ‫داخل الأندية الريا�ضية‪ ،‬التي �ض ّمت عنا�رص‬ ‫عاي�شت التجارب امل�رسحية يف بع�ض دول‬ ‫اخلليج العربي‪� ،‬إىل �أن جاء م�رسح ال�شباب‬ ‫عام ‪ 1980‬ليحت�ضن امل�رسح و�أعقبه ظهور‬ ‫فرق مل�سارح ال�شباب وامل�رسح اجلامعي‪ .‬وقد‬ ‫اف ُتتح ق�سم الفنون امل�رسحية بجامعة ال�سلطان‬ ‫قابو�س عام ‪ 1991‬الذي ي�ض ّم ثالث �شعب هي‬ ‫الإخراج والتمثيل والنقد والديكور‪� ،‬ساعد ك ّل‬ ‫ذلك على نهو�ض امل�رسح وتطويره‪.‬‬ ‫انتقل امل�رسح ال ُعماين نحو االحرتاف بعد‬ ‫�أن �أ�صدرت الدولة قراراً بت�أ�سي�س الفرق الأهلية‬ ‫للم�سارح التي يبلغ عددها حالي ًا قرابة ‪ 18‬فرقة‬ ‫تقوم الدولة بدعمها مادي ًا عن طريق وزارة‬ ‫الثقافة والرتاث‪ .‬و�أبرز الفرق املوجودة حالي ًا‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪437‬‬

‫ال�صحوة امل�رسحية( م�سقط)‪ ،‬الدن للثقافة‬ ‫والفن امل�رسحية (والية �سمائل)‪� ،‬صاللة للفنون‬ ‫امل�رسحية (حمافظة ظفار) وغريها‪.‬‬ ‫عام ‪� 2008‬صدر قرار �سامي من قبل‬ ‫ال�سلطان قابو�س بن �سعيد بت�شكيل جلنة عليا‬ ‫لر�سم ا�سرتاتيجية جديدة للدراما ال ُعمانية‪،‬‬ ‫�سواء �أكان ذلك امل�رسح �أم التليفزيون �أم الإذاعة‬ ‫�أم ال�سينما‪ .‬و�ستقوم هذه اللجنة بدرا�سة و�ضع‬ ‫امل�رسح وم�ستوى الدراما بال�سلطنة وتقييم‬ ‫امل�ستوى احلايل لها بهدف و�ضع خطة عري�ضة‬ ‫للنهو�ض بهذا القطاع ‪.‬‬

‫�أبرز العرو�ض امل�رسحية عام‬

‫‪2008‬‬

‫امل�رسح ال�سعودي‬ ‫البدايــات‬

‫ظهر �أول ن�ص م�رسحي �سعودي مكتوب‬

‫عرو�ض العام‬

‫الإبداع‬

‫�شهد العام املا�ضي بع�ض العرو�ض لفرقة‬ ‫الدن للثقافة والفن وموقعها والية �سمائل‪،‬‬ ‫وهي م�رسحية جنوم منتخبنا من ت�أليف �سمري‬ ‫العرميي و�إخراج جمموعة من �أع�ضاء الفرقة‪.‬‬ ‫و�أي�ض ًا م�رسحية �شخابيط للأطفال من �إنتاج‬ ‫الفرقة‪ ،‬م�رسحية جمرد عابر‪ ،‬م�رسحية �آخر‬ ‫الرجال املحرتمني‪ .‬كما قدمت فرقة مزون‬ ‫م�رسحية القرد �صديق للأطفال وم�رسحية‬ ‫الك�رشة‪� .‬أما فرقة ال�صحوة فنظّ مت مهرجان ًا‬ ‫م�رسحي ًا ملدة �أ�سبوع وق ّدمت عر�ض ًا بعنوان‬ ‫ف�ؤادي �أقتل املع ّد عن ن�ص توفيق احلكيم �أريد‬ ‫�أن �أقتل‪� ،‬إ�ضافة �إىل عر�ضني �آخرين بعنوان‬ ‫جونو – وطن و�أمل‪.‬‬ ‫وق ّدمت امل�سارح التابعة لوزارة الرتاث‬ ‫والثقافة بع�ض امل�رسحيات ومنها عري�س‬ ‫الغفلة لفرقة �صاللة للفنون من ت�أليف هالل‬ ‫العرميي‪ ،‬م�رسحية املزار ت�أليف ع ّمار بن‬ ‫حم�سن ال�شنفري و�إخراج �أحمد معروف اليافعي‪،‬‬ ‫م�رسحية بنت ال�شيخ من ت�أليف و�إخراج عماد‬ ‫ال�شنفري‪ ،‬ه�سترييا من ت�أليف �صالح املناعي‬ ‫و�إخراج �سعيد البو�سعيدي‪ ،‬كما ق ّدمت فرقة‬ ‫ظفّار م�رسحية �شجرة الهيل‪.‬‬

‫ع�شية والدة اململكة العربية ال�سعودية عام‬ ‫‪ ،1932‬وقد قام بت�أليفه ال�شاعر ح�سني عبد اهلل‬ ‫مت درا�سته يف اجلامعة الأمريكية‬ ‫�رساج الذي �أ ّ‬ ‫ببريوت‪ .‬يف العام ‪ 1960‬بد�أت �أوىل حماوالت‬ ‫امل�رسح يف ال�سعودية على ي ّد ال�شيخ �أحمد‬ ‫ال�سباعي‪ ،‬الذي � ّأ�س�س فرقة م�رسحية يف مكة‬ ‫و�أن�ش�أ �إىل جانبها مدر�سة للتمثيل �أطلق عليها‬ ‫ا�سم دار قري�ش للتمثيل الإ�سالم‪ ،‬وانطلقت‬ ‫اال�ستعدادات للقيام ب�أول عر�ض م�رسحي �إال �أن‬ ‫الظروف حالت دون ذلك و�أُغلقت دار العر�ض‪.‬‬ ‫بقي امل�رسح يف ال�سعودية ذا طابع مدر�سي‬ ‫قبل �أن تطر�أ تطورات هامة ت�سهم يف حتديثه‬ ‫ومنها‪ :‬ت�أ�سي�س جمعية الفنون ال�شعبية عام‬ ‫‪� ،1970‬إن�شاء ق�سم الفنون امل�رسحية بالرئا�سة‬ ‫العامة لرعاية ال�شباب عام ‪ ،1974‬قيام‬ ‫اجلمعية العربية ال�سعودية للثقافة والفنون‬ ‫بعناية الآداب والفنون من عام ‪� ،1973‬إن�شاء‬ ‫�شعبة للفنون امل�رسحية يف ق�سم الإعالم بكلية‬ ‫الآداب جامعة امللك �سعود ‪ .1991‬ت�رشف الدولة‬ ‫على امل�رسح ال�سعودي وتدعمه مالي ًا‪ ،‬ويتمثّل‬ ‫هذا اال�رشاف من قبل جهتني حكوميتني‬ ‫هما الرئا�سة العامة لرعاية ال�شباب ووزارة‬ ‫الثقافة والإعالم ممثّلة بجمعية الفنون‪ .‬ومن‬ ‫�أبرز الفرق امل�رسحية ال�سعودية فرقة مواهب‪،‬‬ ‫فرقة �أمواج‪ ،‬امل�رسح ال�رشقي‪ ،‬جمعية الثقافة‬ ‫والفنون – جدة وغريها‪.‬‬ ‫‪2008‬‬

‫ق ّدم م�رسح الطائف عدداً من العرو�ض عام‬ ‫‪ ،2008‬ومنها حالة قلق وعندما ي�أتي امل�ساء‬ ‫وعرو�ض �أخرى للأطفال‪ ،‬ومنها ب�ساط الريح‬ ‫والك�شّ اف امليمون‪ .‬كما �شهدت اململكة عرو�ض ًا‬ ‫�أخرى منها م�رسحية ابن زريق ليمتد ت�أليف‬ ‫را�شد ال�شمراين و�إخراج م�ساعد الزهراين‪ .‬ويف‬ ‫الظهران جرى عر�ض كا�ش ماكا�ش من �إخراج‬ ‫اجلراح وت�أليف ماجد العبيد‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫يو�سف ّ‬ ‫�إىل م�سابقة العرو�ض امل�رسحية الق�صرية يف‬ ‫الدمام‪ .‬ومن العرو�ض امل�شاركة اخلادم‪ ،‬بغ�ض‬ ‫ّ‬ ‫النظر‪ ،‬حلظة زيف‪ ،‬الفنار البعيد‪ .‬كما ق ّدمت‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 438‬للتنمية الثقافية‬

‫�أمانة الريا�ض م�رسحية �شباب التحلية فكرة‬ ‫في�صل العي�سى وت�أليف عبد العزيز الفريحي‬ ‫�إخراج في�صل اجلرب‪ .‬و�أقيم عام ‪ 2008‬مهرجان‬ ‫الريا�ض الأول للمونودراما ومهرجان امل�رسح‬ ‫ال�سعودي الرابع‪ .‬وت�شهد مدينة الريا�ض‬ ‫مهرجان امل�رسح ال�سعودي الذي توقّف ثماين‬ ‫�سنوات وعاد يف دورته الرابعة يف �شهر �آذار‬ ‫عام ‪ ،2008‬و�شارك يف املهرجان ع�رش فرق‬ ‫م�رسحية حملية من خمتلف املناطق ال�سعودية‬ ‫مت االعالن‬ ‫ق ّدمت ع�رش م�رسحيات خمتلفة‪ ،‬وقد ّ‬ ‫خالل االفتتاح عن ال�سماح للن�ساء باحل�ضور‪،‬‬ ‫لكن على الرغم من ذلك فقد كان احل�ضور‬ ‫الن�سائي �ضعيف ًا‪� .‬أما امل�رسحيات امل�شاركة‬ ‫فهي حالة قلق‪ ،‬املكعب الزجاجي‪ ،‬رمبا ي�أتي‬ ‫الربيع‪ ،‬اللعب على خيوط املوت‪ ،‬رحلة بحث‪،‬‬ ‫ال�صندوق الأ�سود‪ ،‬موت م�ؤلف‪ ،‬الرق�ص مع‬ ‫الطيور وعرو�ض �أخرى كلّها من �إنتاج اجلمعية‬ ‫العربية ال�سعودية للثقافة والفنون‪ .‬وي�ؤخذ على‬ ‫امل�رسحيات املعرو�ضة �إيغالها يف الرمزية‬ ‫وتوجهها للنخبة بح�سب التعليقات‪ .‬وقد ح�صلت‬ ‫�أربع م�رسحيات فقط من �أ�صل ع�رش على جممل‬ ‫اجلوائز‪ ،‬وكانت جمعية الثقافة والفنون‬ ‫فرع الإح�ساء الفائز الأكرب بخم�س جوائز عن‬ ‫م�رسحية موت امل�ؤلف ‪ ،‬تلتها جمعية الريا�ض‬ ‫ب�أربع جوائز عن م�رسحية الرق�ص مع الطيور‪،‬‬ ‫ثم كانت جائزتان لفرع جنران عن م�رسحية‬ ‫اللعب على خيوط املوت‪ ،‬وجائزة يتيمة لفرع‬ ‫ج ّدة عن م�رسحية رمبا ي�أتي الربيع‪ .‬ومن بني‬ ‫جميع الفائزين الرجال فازت امر�أة �سعودية‬ ‫واحدة فقط بجائزة �أف�ضل ديكور عن م�رسحية‬ ‫الرق�ص مع الطيور‪ .‬وقد ُخ ّ�ص�ص مهرجان‬ ‫وعر�ضت‬ ‫اجلنادرية عام ‪ 2008‬مل�رسح الأطفال ُ‬ ‫فيه ‪ 18‬م�رسحية ‪.‬‬

‫امل�رسح البحريني‬ ‫من املدر�سة �إىل الأندية �إىل الفرق‬ ‫امل�رسحية‬

‫ي ّتفق الباحثون امل�رسحيون يف مملكة‬ ‫البحرين �أن عام ‪� 1925‬شهد ظهور �أول عر�ض‬

‫م�رسحي يف البالد‪ ،‬وقد كان عر�ض ًا مدر�سي ًا‬ ‫ق ّدمه طالب مدر�سة الهداية اخلليفية باملحرق‪،‬‬ ‫وهي �أول مدر�سة نظامية ر�سمية افتتحت يف‬ ‫البالد عام ‪ .1919‬بد�أ امل�رسح يف البحرين‬ ‫كغريه من دول اخلليج مدر�سي ًا‪ ،‬بعدها انتقل‬ ‫�إىل الأندية ثم تط ّور نحو الفرق امل�رسحية‪،‬‬ ‫وكان �أولها الفرقة التمثيلية املتنقلة التي‬ ‫هدفت �إىل نقل الن�شاط امل�رسحي �إىل �أماكن‬ ‫خمتلفة من مدن وقرى البحرين‪ ،‬لكن هذه‬ ‫الفرقة توقّفت بعد �أن ق ّدمت ثالث م�رسحيات‬ ‫ق�صرية يف عر�ض واحد عام ‪ .1955‬ومن خالل‬ ‫بع�ض �أع�ضاء الفرقة التمثيلية املتنقلة‪ ،‬تك ّونت‬ ‫فرقة جديدة با�سم �أ�رسة هواة الفن ت� ّأ�س�ست عام‬ ‫‪ 1956‬وتغيرّ ا�سمها بعد ذلك �إىل �أ�رسة فناين‬ ‫البحرين‪ .‬عام ‪ 1970‬ت� ّأ�س�س م�رسح �أوال‪ ،‬ويف‬ ‫العام ‪ 1992‬ت� ّأ�س�ست فرقة م�رسحية جديدة‬ ‫با�سم م�رسح ال�صواري‪ .‬عام ‪ 1998‬انطلقت‬ ‫فرقة جديدة با�سم م�رسح جلجام�ش ُعنيت‬ ‫مت‬ ‫بامل�رسح اال�ستعرا�ضي‪ ،‬ويف العام ‪ّ 2005‬‬ ‫�إ�شهار فرقتني م�رسحيتني جديدتني هما م�رسح‬ ‫الريف وم�رسح البيادر‪ ،‬وبذلك و�صل عدد الفرق‬ ‫امل�رسحية يف البحرين �إىل �ست فرق‪.‬‬ ‫ت�رشف الدولة على امل�رسح وتدعمه مادياً‬ ‫من خالل قطاع الثقافة والرتاث الوطني يف‬ ‫وزارة الثقافة واالعالم‪ ،‬وتقوم الوزارة بت�شجيع‬ ‫الإبداع امل�رسحي عرب و�سائل ع ّدة منها �إقامة‬ ‫م�سابقة للت�أليف امل�رسحي و�أخرى للعمل‬ ‫امل�رسحي املتم ّيز‪ ،‬كما توفّر الدعم املادي‬ ‫وتوفراملقرات لهم‬ ‫واملعنوي للفرق الأهلية‬ ‫ّ‬ ‫�إ�ضافة �إىل الدعاية واالعالن‪ .‬و ُتعترب البحرين‬ ‫مقراً للّجنة الدائمة للفرق الأهلية يف دول‬ ‫جمل�س التعاون اخلليجي‪ ،‬وتن�شط يف البحرين‬ ‫الفرق امل�ستقلة املهمة كفرقة ال�صواري التي‬ ‫تعمل �ضمن �شبكة م�سارح عربية م�ستقلة‪.‬‬

‫عرو�ض و�أحداث م�رسحية عام‬

‫‪2008‬‬

‫�شهد العام املا�ضي �إ�شهار �أول احتاد‬ ‫للم�رسحيني يف البحرين‪ ،‬وي�ض ّم يف ع�ضويته‬ ‫اجلمعيات امل�رسحية الأهلية املرخ�صة من قبل‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪439‬‬

‫وزارة الإعالم وهي م�سارح �أوال‪ ،‬جلجام�ش‪،‬‬ ‫ال�صواري‪ ،‬اجلزيرة‪ ،‬البيادر‪ ،‬الريف‪ .‬كما �شهد‬ ‫�إطالق مهرجان م�رسحي �سنوي حتت عنوان‬ ‫�أيام البحرين امل�رسحية‪ ،‬و�أقيم مهرجان �أوال‬ ‫امل�رسحي الرابع مب�شاركة خم�سة عرو�ض‬ ‫م�رسحية هي‪� :‬إذا ما طاعك الزمان لل�شاعر‬ ‫�إبراهيم بوهندي من �إخراج عبداهلل �سويد‬ ‫وهلو�سة مل�ؤلفته زهرة ال�شويخ و�إخراج خليفة‬ ‫العريفي‪� .‬أما العرو�ض امل�شاركة من خارج‬ ‫�أوال فكانت لفرقة م�رسح الريف التي ق ّدمت‬ ‫عر�ض املبجل للمخرج حممد احلجريي‪ .‬كما‬ ‫�شهد العام ‪ 2008‬مهرجان ربيع الثقافة الدورة‬ ‫الثالثة الذي نظّ مه جمل�س التنمية االقت�صادية‬ ‫باال�شرتاك مع مركز ال�شيخ �إبراهيم بن حممد‬ ‫�آل خليفة للثقافة والبحوث‪� ،‬إ�ضافة �إىل مراكز‬ ‫الفنون و�صاالت عر�ض �أخرى من البحرين‪،‬‬ ‫ق ّدموا �أكرث من ‪ 30‬فعالية على مدى خم�سة‬ ‫�أ�سابيع‪ .‬ومن عرو�ض العام ‪ 2008‬م�رسحية‬ ‫درب امل�صل من ت�أليف فريد رم�ضان و�إخراج‬ ‫خالد الرويعي‪ ،‬وق ّدم م�رسح ال�صواري عر�ض ًا‬ ‫يف ال�صالة الثقافية‪� ،‬إ�ضافة �إىل م�رسحية‬ ‫الكر�سي عن ق�صة للكاتب البحريني حممد عبد‬ ‫امللك‪.‬‬

‫ت� ّأ�س�س امل�رسح يف اليمن مبكراً ن�سبة �إىل‬ ‫ومر مبراحل عديدة‪� ،‬إال �أنه‬ ‫باقي دول املنطقة ّ‬ ‫اليوم وب�شهادة كل من يكتب عنه ومن عاي�شه‬ ‫مير مبرحلة ركود‪ .‬يعاين امل�رسح اليمني من‬ ‫ّ‬ ‫غياب العنا�رص املتفرغة له منذ بداياته‪،‬‬ ‫لكن �إقبال اجلمهور على امل�رسح كان حافزاً‬ ‫ال�ستمراره‪ .‬ت�أثر امل�رسح اليمني يف كل مراحله‬ ‫بالظروف ال�سيا�سية ال�سائدة‪ .‬املرحلة الأوىل‬ ‫وتعود �إىل العقد الأول من القرن الع�رشين كانت‬ ‫مع امل�رسح امل�ستند �إىل الرتاث‪ ،‬واعتمد فيها‬ ‫امل�رسحيون على االقتبا�س والإعداد من الأدب‬ ‫العربي وبع�ض الأعمال العاملية حتت ت�أثري‬ ‫العرو�ض امل�رسحية للجالية الهندية التي كانت‬

‫الإبداع‬

‫امل�رسح اليمني‬ ‫بداية قدمية وفرتة ركود‬

‫موجودة يف اليمن‪� .‬أما يف املرحلة الثانية التي‬ ‫�شكّلت انطالقة ثانية للم�رسح يف اليمن‪ ،‬فقد‬ ‫اتجّ ه الك ّتاب امل�رسحيون �إىل الرتاجم العربية‬ ‫ووقائع التاريخ‪ .‬ويف املرحلة الثالثة بدءاً من‬ ‫مطلع الأربعينيات حتى منت�صف اخلم�سينيات‬ ‫من القرن الع�رشين‪ ،‬انتقل الن�ص امل�رسحي‬ ‫اليمني من املو�ضوعات العاطفية والتاريخية‬ ‫�إىل امل�رسحيات االجتماعية النقدية امل�ستوحاة‬ ‫من قلب احلياة العامة يف اليمن‪ ،‬خ�صو�ص ًا بعد‬ ‫�أن ظهر �إىل جانب الفرق امل�رسحية التي كانت‬ ‫قائمة العديد من الفرق امل�رسحية اجلديدة‪.‬‬ ‫ومن تلك امل�رسحيات ح�رضموت لعبداهلل حممد‬ ‫الهادي وحممد الرخم وم�رسحيات حممد عبد‬ ‫اهلل ال�صائغ‪ .‬كما ظهر يف هذه املرحلة العديد‬ ‫من الن�صو�ص امل�رسحية املطبوعة �شعراً ونرثاً‪،‬‬ ‫مثل ه ّمام يف بالد الأحقاف ال�شعرية للكاتب‬ ‫امل�رسحي علي �أحمد باكثري‪ ،‬وامل�رسحية‬ ‫النرثية ليلة العيد للكاتب حمزة علي لقمان‬ ‫وهو �أول ن�ص حواري مكتوب نرثاً للم�رسح يف‬ ‫العام ‪.1948‬‬ ‫املرحلة الرابعة من تاريخ امل�رسح اليمني‬ ‫بد�أت منت�صف اخلم�سينيات من القرن الع�رشين‬ ‫وحتى منت�صف ثمانينيات القرن املا�ضي‪،‬‬ ‫وقد ظهر العديد من العالمات اال�ستب�شارية‬ ‫التي تنبئ بوجود حركة م�رسحية متنامية‬ ‫يف اليمن‪ ،‬متثّلت بظهور الك ّتاب امل�رسحيني‬ ‫خ�صو�ص ًا بعد قيام الثورة اليمنية عام ‪1963‬‬ ‫الذي يعترب تاريخ ميالد امل�رسح اليمني على‬ ‫امل�ستوى املهني‪� ،‬إذ ت� ّأ�س�ست اجلمعيات والفرق‬ ‫املهنية وت� ّأ�س�ست بعدها جمعية الفنانني‬ ‫اليمنيني التي ير�أ�سها علي حرازي‪.‬‬ ‫يف العقدين الأخريين عا�ش امل�رسح‬ ‫اليمني فرتة ركود و�سيطر امل�رسح التجاري‬ ‫على ال�ساحة‪ ،‬وق ّدمت عام ‪ 2008‬فرقة خليج‬ ‫عدن �إحدى �أ�شهر الفرق م�رسحية مهند ونور‬ ‫من �إخراج مدير الفرقة عمرو جمال‪ ،‬وهو‬ ‫عر�ض نقدي للدراما التلفزيونية الرتكية يف‬ ‫قالب كوميدي القى رواج ًا هائ ًال‪ .‬كذلك جرى‬ ‫عر�ض م�رسحيات نقدية ذات طابع جتاري‪،‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 440‬للتنمية الثقافية‬

‫ويبدو �أن هذا النوع من العرو�ض هو الأكرث‬ ‫ن�سجل‬ ‫رواج ًا يف املنطقة‪ .‬وال ب ّد �أي�ض ًا من �أن ّ‬ ‫غياب م�رسح الطفل حالي ًا وندرة الكتابة يف‬ ‫هذا املجال �سابق ًا‪.‬‬ ‫ويرتكّز امل�رسح يف اليمن يف العا�صمة‬ ‫�صنعاء ويف مدينة عدن ويرتاجع وجوده‬ ‫يف الأطراف‪ ،‬ويتوفر عدد قليل من القاعات‬ ‫امل� ّؤهلة للعرو�ض امل�رسحية‪ .‬ففي �صنعاء‬ ‫توجد قاعة املركز الثقايف وقاعة الدرا�سات‬ ‫والبحوث‪ ،‬ويف حمافظة عدن توجد قاعتني‬ ‫م�ؤهلتني �أي�ض ًا وهما قاعة فل�سطني وقاعة‬ ‫املركز الثقايف‪.‬‬ ‫�أما بالن�سبة للتمويل فغالب ًا ما تتكفل‬ ‫وزارة الثقافة بهذا اجلانب‪ ،‬وقد افتقر هذا‬ ‫امل�رسح على الدوام للعنا�رص الن�سائية وجاءت‬ ‫وفاة ممثلته الأوىل الفنانة مديحة احليدري‬ ‫التي ت�سمى «ملكة امل�رسح اليمني» يف ‪23‬‬ ‫كانون الثاين عام ‪ 2008‬لتزيده فقراً‪ .‬وهناك‬ ‫فرق خا�صة وجمعيات تعتمد على متويل �أجنبي‬ ‫بد�أت بالظهور يف ال�سنوات الأخرية لكنها تهتم‬ ‫بالرتاث الثقايف �أكرث من امل�رسح‪.‬‬ ‫يوجد يف اليمن �أي�ض ًا املعهد العايل للفنون‬ ‫الدرامية الذي ق ّدم عام ‪ 2008‬عر�ض ممنوع‬ ‫اللعب من ت�أليف عبد العزيز عبا�س و�إخراج‬ ‫جميلة جميل وجميل حمفوظ‪ .‬ويت ّم تدري�س‬ ‫امل�رسح يف ع ّدة جامعات مينية �ضمن كليات‬ ‫الفنون‪.‬‬

‫عرو�ض م�رسحية وحماوالت تطوير‬

‫من العرو�ض املحلية التي ق ُّدمت منذ‬ ‫العام ‪ 2004‬وحتى ‪ 2009‬م�أ�ساة احلالج من‬ ‫�إخراج فريد الظاهري الذي تويف العام ‪،2005‬‬ ‫اجلاروف وهو من امل�رسح التجريبي من �إخراج‬ ‫جميل حمفوظ‪ ،‬عر�ض �أ�صل احلكاية �إخراج‬ ‫�أمني هزبر‪ ،‬ال�سبع خيارات �إخراج �إن�صاف‬ ‫العلوي ومنجوت النويرة‪ .‬وقد ا�ست�ضافت اليمن‬ ‫عرو�ض ًا زائرة خالل الأعوام املا�ضية‪ ،‬منها‬ ‫جلجام�ش وهو عر�ض �سوري �أُنتج بالتعاون‬ ‫مع املركز الثقايف الفرن�سي يف دم�شق‪،‬‬

‫وعر�ض م�رصي بعنوان لن ت�سقط القد�س من‬ ‫�إخراج ع�صام ال�شوبا�شي (بطولة نور ال�رشيف‬ ‫وعفاف را�ضي)‪ ،‬وعر�ض تون�سي بالعربي‬ ‫الف�صيح �إخراج �صالح ال�سيد‪ .‬ويبدو �أن �إقبال‬ ‫اجلمهور اليمني على العرو�ض الزائرة �أكرث‬ ‫بكثري من �إقباله على العرو�ض اليمنية‪ .‬وتق ّدم‬ ‫بع�ض اجلمعيات اخلريية كجمعية النه�ضة‬ ‫االجتماعية الثقافية يف حمافظة ح�رضموت‬ ‫�أن�شطة ثقافية لكنها تهت ّم بالرتاث ال�شعبي �أكرث‬ ‫من امل�رسح‪.‬‬ ‫وال تزال الفنون يف اليمن دون بقية‬ ‫الأن�شطة الثقافية م�ستوى‪ ،‬ومل ُتعر�ض خالل‬ ‫العام ‪� 2008‬أكرث من ع�رش م�رسحيات �أبرزها‬ ‫�أورك�سرتا تايتنك التي ُعر�ضت على خ�شبة‬ ‫املركز الثقايف ب�صنعاء (وهي م�رسحية قطرية‬ ‫تركية �أنتجت عام ‪ .)2007‬و�أقيم املهرجان‬ ‫امل�رسحي الأول الذي نظمته نقابة الفنانني‬ ‫اليمنيني للمهن التمثيلية بتعز يف ال�سابع‬ ‫من ني�سان �أبريل وا�ستمر �أ�سبوع ًا‪ ،‬مب�شاركة‬ ‫‪ 12‬مدر�سة من خمتلف مديريات املحافظة‪.‬‬ ‫كما �شهد �شهر �آذار مار�س من العام ‪2008‬‬ ‫�صدور القرار اجلمهوري الذي ق�ضى ب�إن�شاء‬ ‫امل�ؤ�س�سة العامة للم�رسح وال�سينما التي راهن‬ ‫اليمنيون عليها لتفعيل احلراك امل�رسحي يف‬ ‫البالد‪ .‬كما جرى تنظيم م�سابقة امل�رسح بقرار‬ ‫جمهوري لت�شجيع الكتابة‪ ،‬وقد �أنتجت ظاهرة‬ ‫الك ّتاب ال�شباب وفاز بع�ضهم بجائزة رئي�س‬ ‫اجلمهورية يف جمال الت�أليف امل�رسحي‪ ،‬وهي‬ ‫جائزة يفرت�ض �أن تقيمها �سنوي ًا وزارة ال�شباب‬ ‫والريا�ضة‪ .‬كما ُد�شّ ن يف العام ‪ 2008‬امل�رسح‬ ‫املفتوح يف مبنى احتاد نقابات العمال وهو‬ ‫من �أقدم امل�سارح يف اليمن‪.‬‬

‫بع�ض مالمح حركة امل�رسح العربي يف‬ ‫العام ‪2008‬‬

‫ ظهور اجتاهات جديدة يف عرو�ض ال�شباب‪،‬‬‫خ�صو�ص ًا جلهة الربفورمان�س وم�رسح‬ ‫ال�صورة وم�رسح اجل�سد (املغرب) وامل�رسح‬ ‫ما بعد احلداثي (�أعمال ربيع مروة ولينا‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪441‬‬

‫يالحظ ارتباط الإنتاج امل�رسحي‬ ‫بظاهرة املنا�سبة كاملهرجانات �أو‬ ‫�إعالن مدينة ما عا�صمة للثقافة‬ ‫كما جرى يف دم�شق‪.‬‬

‫الإبداع‬

‫ال�صانع يف لبنان) وامل�رسح الراق�ص‪ ،‬حيث‬ ‫تلعب الكوريغرافيا دوراً كبرياً (�شبكة قطرية‬ ‫للرق�ص جتمع بني �أربع دول عربية هي‪:‬‬ ‫لبنان مقامات‪ ،‬فل�سطني �رساية رام اهلل‪� ،‬سوريا‬ ‫تنوين للرق�ص‪ ،‬الأردن املركز الوطني للثقافة‬ ‫والفنون الأدائية)‪ .‬هذه العرو�ض اجلديدة مهما‬ ‫كانت طبيعتها ال تعتمد احلكاية التقليدية �أو‬ ‫تفجر مفهوم احلكاية‪ ،‬وهي تتمو�ضع يف‬ ‫�أنها ّ‬ ‫دول مثل لبنان‪� ،‬سوريا‪ ،‬اململكة املغربية‪،‬‬ ‫مملكة البحرين فرقة ال�صواري‪ ،‬قطر فرقة قطر‬ ‫امل�رسحية‪.‬‬ ‫ نتيجة لذلك ولأ�سباب �أخرى‪ ،‬خرج امل�رسح‬‫�إىل ف�ضاءات جديدة تنتمي �إىل احلياة اليومية‬ ‫كال�شارع والأقبية والأنفاق والبيوت‪ ..‬ا�إخ‪،‬‬ ‫ومنت هذه الظاهرة وتط ّورت عام ‪ 2008‬والأمثلة‬ ‫عديدة داخل الن�ص مع مالحظة �أن امل�رسح (� ّأي‬ ‫م�رسح العلبة الإيطالية التقليدي)‪ ،‬وعلى الرغم‬ ‫من �أزمة امل�سارح‪ ،‬ما زال طاغي ًا يف امل�رسح‬ ‫العربي (�أنظر ال�شكل رقم ‪ .)3‬ويالحظ �أنه خالل‬ ‫هذا العام بد�أت تظهر �أطروحات البحث عن‬ ‫«ف�ضاءات بديلة» ( ظهر ذلك وا�ضح ًا يف الكثري‬ ‫من عرو�ض مهرجان دم�شق عام ‪ 2008‬ويف‬ ‫بع�ض الندوات يف مهرجانات م�رسحية)‪.‬‬ ‫ تراجع امل�رسح ال�سيا�سي ال�رصيح واملبا�رش‬‫وبروز اجتاه امل�رسح الكوميدي االجتماعي‬ ‫وال�سيا�سي ال�ساخر‪ ،‬الذي و�صل بع�ضه �إىل ح ّد‬ ‫التهريج‪ .‬هذا االجتاه وا�ضح يف م�رسح دول‬ ‫جمل�س التعاون اخلليجي‪ ،‬خ�صو�ص ًا يف الكويت‬ ‫(طارق العلي و�إنت�صار ال�رشاح يف م�رسحية �أم‬ ‫علي) ويف قطر (غامن ال�سليطي م�رسحية عنرب‬ ‫و‪�11‬سبتمر وغريها) ويف �أغلب الدول العربية‪.‬‬ ‫وقد �شهد هذا العام �أي�ض ًا عودة �إىل امل�رسح‬ ‫الرتاثي بكل تن ّوعاته و�أهدافه (م�رسح جمل�س‬ ‫التعاون واململكة املغربية)‪ ،‬كذلك �شهد هذا‬ ‫العام ورمبا الأعوام املا�ضية عودة �إىل امل�رسح‬ ‫الديني الطقو�سي الذي كان يف املا�ضي حكراً‬ ‫على امل�رسح الكن�سي يف بع�ض الدول العربية‪.‬‬ ‫ بروز ظاهرة امل�ؤلف املخرج واملمثل يف‬‫العر�ض الواحد‪ ،‬خ�صو�ص ًا عند اجليل اجلديد‬

‫من امل�رسحيني‪ ،‬وذلك لأ�سباب متنوعة منها‬ ‫�إنتاجية تتعلق بق�ضايا التمويل ومنها ما هو‬ ‫�أعمق يتعلق باختيار املو�ضوع الذي يريد‬ ‫املخرج التعبري عنه‪ ،‬وهذا ي�شي بفهم �ض ّيق‬ ‫للم�رسح و�آلياته و�أحيان ًا برغبة يف ك�رس كل‬ ‫ما هو تقليدي (�سوريا‪ ،‬لبنان‪ ،‬املغرب‪ ،‬م�رص‪،‬‬ ‫قطر‪.)..‬‬ ‫ بروز م�رسح الأقل ّيات كامل�رسح الأمازيغي‬‫يف املغرب والكردي يف العراق وال�صحراوي‬ ‫يف اجلزائر‪.‬‬ ‫ ازدياد وا�ضح يف العرو�ض امل�رسحية من‬‫قبل جهات غري ر�سمية وغري حكومية يف �أغلب‬ ‫الدول العربية‪.‬‬ ‫ (ال�شكل رقم ‪ 2‬حيث ازدادت العرو�ض ال�سورية‬‫هذا العام ملنا�سبة دم�شق عا�صمة للثقافة‬ ‫العربية ‪.)2008‬‬ ‫ على الرغم من �أن امل�رسح الن�سوي وم�رسح‬‫املخرجة ن�شط خالل العام ‪� ،2007‬إال �أن العام‬ ‫‪ 2008‬مل ي�شهد تطوراً بهذا اخل�صو�ص (مو�ضوع‬ ‫املر�أة وامل�رسح ُطرح يف ندوة مهرجان‬ ‫الأردن امل�رسحي فقط)‪ ،‬بل �أن عدد املخرجات‬ ‫بع�ضهن‬ ‫ال�شابات يف م�رص تراجع نتيجة اجتاه‬ ‫ّ‬ ‫نحو التمثيل يف ال�سينما �أو التلفزيون لأ�سباب‬ ‫مادية‪ ،‬و�أي�ض ًا ل�صعوبة �إيجاد م�صادر متويل‬ ‫لهن اال�ستقرار الفني‪ .‬كما مل ن�شهد يف‬ ‫حتقّق ّ‬ ‫العام ‪ 2008‬بروز �أ�سماء ن�سائية جديدة‪ ،‬هناك‬ ‫ا�ستثناءات تتعلق ببوادر ظهور دور للمر�أة‬ ‫يف امل�رسح ال�سعودي‪ ،‬حيث برز ا�سم م�ص ّممة‬ ‫الديكور الدكتورة �سم ّية حممد يف مهرجان‬ ‫امل�رسح ال�سعودي الرابع يف ‪.2008‬‬ ‫ تط ّور نوع من امل�رسح التفاعلي (بداياته تعود‬‫لع�رشة �أعوام على الأقل)‪ ،‬وهو م�رسح ذو طابع‬ ‫تنموي �أو تربوي‪ ،‬موجود يف الأردن و�سوريا‬ ‫وفل�سطني وم�رص واملغرب وموريتانيا‪ ،‬هذا‬ ‫امل�رسح مي ّول غالب ًا من قبل م� ّؤ�س�سات دولية‬ ‫وهو مهم لكن وجوده ال ميكن �أن يكون على‬ ‫ح�ساب امل�رسح مبفهومه الثقايف الوا�سع‪.‬‬ ‫ لي�س هناك جداول �إح�صائية �شاملة‬‫للم�رسحيات و�أنواعها يف الدول العربية‪ ،‬ال‬

‫لأ�سباب عديدة خرج امل�رسح‬ ‫العربي �إىل ف�ضاءات جديدة تنتمي‬ ‫�إىل احلياة اليومية كال�شارع‬ ‫والأقبية والأنفاق والبيوت‪..‬ا�إخ‪،‬‬ ‫وتطورت عام‬ ‫ومنت هذه الظاهرة‬ ‫ّ‬ ‫‪. 2008‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 442‬للتنمية الثقافية‬

‫على م�ستوى الدولة الواحدة وال على م�ستوى‬ ‫الدول عموم ًا‪ ،‬وهذا جزء من نق�ص ي�شمل‬ ‫امل�رسح العربي ب�شكل عام‪ ،‬فالتوثيق للم�رسح‬ ‫العربي �ضعيف‪ ،‬الأمر الذي ي�ؤثّر على �ضياع‬ ‫ذاكرة هذا امل�رسح‪.‬‬ ‫ واجلداول التي �سرتد الحق ًا تعتمد على‬‫مت ر�صده �إعالمي ًا‪� ،‬أو من‬ ‫�إح�صاء �شخ�صي ملا ّ‬ ‫خالل امل�شاهدات امل�رسحية واملتابعة العامة‬ ‫لإ�شكاليات امل�رسح العربي‪:‬‬ ‫�شكل رقم (‪ )1‬يبينّ العرو�ض امل�رسحية‬ ‫العربية لعام ‪ 2008‬بح�سب م�ضامينها‪.‬‬ ‫هذا ال�شكل يزاوج بني �أنواع العرو�ض‬ ‫جدول رقم ‪1‬‬ ‫عمود‪1‬‬

‫م�رص‬ ‫�سورية‬ ‫لبنان‬ ‫الأردن‬ ‫العراق‬ ‫فل�سطني‬ ‫ال�سودان‬ ‫ليبيا‬ ‫تون�س‬ ‫اجلزائر‬ ‫املغرب‬ ‫موريتانيا‬ ‫ال�سعودية‬ ‫البحرين‬ ‫الكويت‬ ‫قطر‬ ‫عمان‬ ‫اليمن‬

‫والدول وهو يبينّ تن ّوع هذا امل�رسح‪ ،‬لكنه يبينّ‬ ‫�أي�ض ًا غياب �أو تراجع بع�ض املوا�ضيع التي‬ ‫كانت �سائدة �سابق ًا و�أهمها امل�رسح ال�سيا�سي‬ ‫ب�شكله املبا�رش حل�ساب املو�ضوع االجتماعي‬ ‫النف�سي الديني «الطقو�سي»‪ .‬واحلقيقة �أن‬ ‫املو�ضوع ال�سيا�سي مل يغب متام ًا لكنه ي�أتي يف‬ ‫قالب �شخ�صي �أو اجتماعي �أو حتى كوميدي‪.‬‬ ‫والالفت للنظر �أن التباينات بني امل�سارح‬ ‫العربية ال تكمن يف املوا�ضيع التي يتطرق‬ ‫�إليها العر�ض امل�رسحي و�إمنا يف البنى التي‬ ‫حتمل هذا امل�رسح‪.‬‬

‫جدول ب�أنواع العرو�ض كما بدت يف عام ‪.2008‬‬ ‫م�أ�ساوي‬

‫�ساخر‬

‫تراثي‬

‫اجتماعي‬

‫�سيا�سي‬ ‫مبا�رش‬

‫رومان�سي‬

‫تفاعلي‬

‫ن�سوي‬

‫ديني‬

‫املجموع‬

‫‪10‬‬

‫‪9‬‬

‫‪3‬‬

‫‪9‬‬

‫‪6‬‬

‫‪7‬‬

‫‪9‬‬

‫‪6‬‬

‫‪1‬‬

‫‪60‬‬

‫‪11‬‬

‫‪9‬‬

‫‪0‬‬

‫‪10‬‬

‫‪2‬‬

‫‪4‬‬

‫‪2‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪38‬‬

‫‪5‬‬

‫‪4‬‬

‫‪0‬‬

‫‪6‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪0‬‬

‫‪23‬‬

‫‪4‬‬

‫‪5‬‬

‫‪0‬‬

‫‪7‬‬

‫‪2‬‬

‫‪4‬‬

‫‪2‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪25‬‬

‫‪6‬‬

‫‪5‬‬

‫‪1‬‬

‫‪5‬‬

‫‪2‬‬

‫‪2‬‬

‫‪1‬‬

‫‪3‬‬

‫‪4‬‬

‫‪32‬‬

‫‪4‬‬

‫‪2‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪0‬‬

‫‪2‬‬

‫‪17‬‬

‫‪4‬‬

‫‪3‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪16‬‬

‫‪3‬‬

‫‪4‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪13‬‬

‫‪5‬‬

‫‪4‬‬

‫‪0‬‬

‫‪6‬‬

‫‪3‬‬

‫‪3‬‬

‫‪0‬‬

‫‪2‬‬

‫‪0‬‬

‫‪25‬‬

‫‪5‬‬

‫‪4‬‬

‫‪2‬‬

‫‪8‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫‪3‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪19‬‬

‫‪8‬‬

‫‪9‬‬

‫‪7‬‬

‫‪6‬‬

‫‪2‬‬

‫‪2‬‬

‫‪2‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪37‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪2‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫‪4‬‬

‫‪4‬‬

‫‪3‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪2‬‬

‫‪1‬‬

‫‪6‬‬

‫‪23‬‬

‫‪3‬‬

‫‪7‬‬

‫‪3‬‬

‫‪6‬‬

‫‪2‬‬

‫‪4‬‬

‫‪2‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪29‬‬

‫‪3‬‬

‫‪8‬‬

‫‪5‬‬

‫‪6‬‬

‫‪0‬‬

‫‪3‬‬

‫‪2‬‬

‫‪0‬‬

‫‪2‬‬

‫‪28‬‬

‫‪2‬‬

‫‪4‬‬

‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪2‬‬

‫‪0‬‬

‫‪4‬‬

‫‪17‬‬

‫‪5‬‬

‫‪6‬‬

‫‪6‬‬

‫‪7‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪4‬‬

‫‪29‬‬

‫‪3‬‬

‫‪4‬‬

‫‪3‬‬

‫‪6‬‬

‫‪0‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪3‬‬

‫‪20‬‬


‫الف�صل الثالث‬ ‫امل�سرح العربي ‪443‬‬

‫�شكل رقم ‪ - 1‬يبينّ العرو�ض امل�رسحية العربية لعام ‪ 2008‬بح�سب م�ضامينها‬ ‫‪70‬‬

‫ديني‬ ‫ن�سوي‬ ‫تفاعلي‬

‫‪60‬‬

‫رومان�سي‬ ‫مبا�رش‬ ‫اجتماعي‬

‫‪50‬‬

‫تراثي‬

‫‪40‬‬

‫�ساخر‬ ‫‪30‬‬

‫م�أ�ساوي‬

‫‪20‬‬

‫‪10‬‬

‫‪0‬‬

‫قطر‬ ‫مان‬ ‫ع‬ ‫من‬ ‫الي‬

‫ا‬ ‫راق‬ ‫لع‬ ‫ا طني‬ ‫فل�س‬ ‫دان‬ ‫�سو‬ ‫ال‬ ‫بيا‬ ‫لي‬ ‫ن�س‬ ‫تو‬ ‫ائر‬ ‫جلز‬ ‫ا‬ ‫رب‬ ‫ملغ‬ ‫ا نيا‬ ‫يتا‬ ‫ور‬ ‫م دية‬ ‫سعو‬ ‫ل�‬ ‫ا رين‬ ‫بح‬ ‫ال‬ ‫يت‬ ‫لكو‬ ‫ا‬

‫لأر‬

‫لب‬

‫دن‬

‫نان‬

‫�سو‬

‫م‬

‫ريا‬

‫�رص‬

‫�شكل رقم ‪ - 2‬يو�ضح العرو�ض امل�رسحية العربية بح�سب طبيعة العرو�ض لعام ‪2008‬‬

‫‪70‬‬

‫م�رسح �أطفال‬ ‫تقليدي‬

‫‪60‬‬

‫راق�ص‬

‫‪50‬‬

‫م�رسح �صورة‬ ‫مونو دراما‬

‫‪40‬‬

‫‪Performance‬‬ ‫‪30‬‬

‫‪20‬‬

‫‪10‬‬

‫‪0‬‬

‫دن‬ ‫لأر‬ ‫ا‬ ‫راق‬ ‫لع‬ ‫ا طني‬ ‫فل�س‬ ‫دان‬ ‫�سو‬ ‫ال‬ ‫بيا‬ ‫لي‬ ‫ن�س‬ ‫تو‬ ‫ائر‬ ‫جلز‬ ‫ا‬ ‫رب‬ ‫غ‬ ‫امل نيا‬ ‫يتا‬ ‫ور‬ ‫م دية‬ ‫س عو‬ ‫ل�‬ ‫ا رين‬ ‫بح‬ ‫ال‬ ‫يت‬ ‫لكو‬ ‫ا‬ ‫قطر‬ ‫مان‬ ‫ع‬ ‫من‬ ‫الي‬

‫لب‬

‫ريا‬

‫نان‬

‫�سو‬

‫م‬

‫�رص‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الإبداع‬

‫غنائي‬ ‫جتهيزات‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 444‬للتنمية الثقافية‬

‫�شكل رقم(‪ )2‬يو�ضح العرو�ض امل�رسحية‬ ‫العربية بح�سب طبيعة العرو�ض لعام ‪.2008‬‬ ‫هنا التفاوت كبري بني دولة عربية و�أخرى‪،‬‬ ‫فهناك بع�ض الدول (لبنان وتون�س و�سوريا‬ ‫واملغرب وفل�سطني) يبدو التنوع فيها �أكرب بكثري‬ ‫من دول �أخرى ما زالت تتعامل مع امل�رسح‬ ‫ب�شكله التقليدي (دول جمل�س التعاون اخلليجي‬ ‫ال�شكل ‪ - 3‬ر�سم تو�ضيحي يبني طبيعة الف�ضاءات امل�رسحية العربية لعام‬ ‫‪2008‬‬ ‫ف�ضاءات العرو�ض امل�رسحية العربية لعام ‪2008‬‬ ‫علبة �إيطالية‬

‫�أماكن �أخرى‬

‫‪٪6‬‬

‫م�رسح �شارع‬ ‫حديقة عامة‬ ‫�أنفاق ومالجئ‬ ‫�أماكن �أثرية‬ ‫�أماكن �أخرى‬

‫علبة �إيطالية‬

‫‪٪ 58‬‬

‫�أماكن �أثرية‬

‫‪٪ 12‬‬

‫�أنفاق ومالجئ ‪٪ 6‬‬ ‫حديقة عامة ‪٪ 8‬‬

‫م�رسح �شارع‬ ‫‪10٪‬‬

‫واليمن واجلزائر والأردن)‪ ،‬ومن الالفت �أي�ض ًا‬ ‫وجود وغياب م�رسح الطفل �أو �أنواع العرو�ض‬ ‫التي تدخل �ضمن ت�صنيف الفنون الأدائية وهي‬ ‫غري امل�رسح ب�شكله املعروف‪.‬‬ ‫ال�شكل (‪ )3‬ر�سم تو�ضيحي يبينّ طبيعة‬ ‫الف�ضاءات امل�رسحية العربية لعام ‪.2008‬‬ ‫يوجد فقر عام يف الأماكن امل�رسحية‪،‬‬ ‫لكن بع�ض التجارب والفرق بد�أت بتطبيق‬ ‫�أفكار طرحت منذ �أعوام‪ ،‬تتعلق مبكان العر�ض‬ ‫امل�رسحي وتدعو �إىل املكان التقليدي امل�سمى‬ ‫مت جتريب عرو�ض‬ ‫بالعلبة الإيطالية‪ .‬وبالفعل ّ‬ ‫يف �أماكن بديلة‪ ،‬ويف هذه احلالة يكون العر�ض‬ ‫يف مكان مثل حديقة عامة �أو ملج�أ �أو �شارع‬ ‫�أو ت�أهيل �أمكنة (مر�آب م�صنع ) لت�صبح قادرة‬ ‫على ا�ستقبال عرو�ض م�رسحية‪.‬‬ ‫�شكل رقم (‪ )4‬يو�ضح نوعية وعدد‬ ‫الإ�صدارات امل�رسحية العربية لعام ‪.2008‬‬ ‫• مالحظة ‪ :‬ا�ستثنينا من هذا الر�سم الن�صو�ص امل�رسحية التي‬ ‫كتبت خ�صي�ص ًا للعرو�ض ومل تن�رش يف كتب‪.‬‬

‫�شكل رقم ‪ - 4‬يو�ضح نوعية وعدد الإ�صدارات امل�رسحية العربية لعام ‪2008‬‬ ‫ويالحظ هنا الفقر يف كتابة الن�ص امل�رسحي على ح�ساب الن�ص النقدي واملرتجمات وهذه ظاهرة غري �صحية‪.‬‬ ‫م�رسحيات مرتجمة‬

‫‪80‬‬

‫مواقع م�رسحية‬

‫‪70‬‬ ‫‪60‬‬

‫مدونات‬

‫‪50‬‬

‫درا�سات مرتجمة‬

‫‪40‬‬

‫درا�سات عربية‬

‫‪30‬‬ ‫‪20‬‬

‫م�رسحيات عربية‬

‫‪10‬‬

‫م‬ ‫�سو‬ ‫نان‬ ‫لب‬ ‫دن‬ ‫لأر‬ ‫ا طني‬ ‫فل�س‬ ‫راق‬ ‫ع‬ ‫ال دان‬ ‫�سو‬ ‫ال‬ ‫بيا‬ ‫لي‬ ‫ن�س‬ ‫تو‬ ‫ائر‬ ‫جلز‬ ‫ا رب‬ ‫غ‬ ‫امل دية‬ ‫سعو‬ ‫�‬ ‫ال رين‬ ‫بح‬ ‫ال رات‬ ‫لإما‬ ‫ا‬ ‫قطر‬ ‫مان‬ ‫ع‬ ‫يت‬ ‫لكو‬ ‫ا‬ ‫من‬ ‫الي نيا‬ ‫يتا‬ ‫مور‬ ‫ريا‬

‫�رص‬

‫جمالت م�رسحية‬ ‫م�رسحيات‬

‫‪0‬‬




‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫‪447‬‬

‫امللف اخلام�س‬ ‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‬

‫الح�صاد‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬



‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫الح�صاد‬

‫�أو ًال‪ :‬يف الأ�سئلة امل�ألوفة‬ ‫ثاني ًا‪ :‬يف الأ�سئلة امل�س َتج ّدة‬ ‫ثالث ًا‪ :‬الرتجمة و�أ�سئل ُتها‬

‫‪449‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 450‬للتنمية الثقافية‬

‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫التفاعل‬ ‫ر�ص ِد عملية‬ ‫ُ‬ ‫ينطلق هذا امللف‪ ،‬من ْ‬ ‫والتدافع بني الأفكار والق�ضايا واخلطابات‬ ‫التي مت ّيز بها العام ‪� 2008‬ضمن الأطر التي‬ ‫تتيح مثل ذلك التفاعل ويجري يف ِح ْ�ض ِنها من‬ ‫ر�ص ٌد ال‬ ‫م�ؤمترات وندوات وحلقات نقا�ش‪ .‬وهو ْ‬ ‫ي�سمح لنا فح�سب مبعرفة �أمناط التبادل الثقايف‬ ‫للقيم الذي يقع بني النخب‪ ،‬وحتليل م�ضمونه‬ ‫وبيان اجتاهاته‪ ،‬و�إمنا هو ُي ْط ِل ُعنا – يف الوقت‬ ‫عي ِنه – على نوع الهواج�س وامل�شكالت التي‬ ‫اهتج�س بها الوعي العربي يف الفرتة الزمنية‬ ‫املر�صودة‪ :‬ما ج َّد منها وما تك َّرر االن�شغال به‬ ‫يف املا�ضي (القريب والبعيد)‪ ،‬ودالالت ذلك يف‬ ‫احلالينْ ‪ .‬ولي�س من �شك يف �أن هذا ال�رضب من‬ ‫الر�صد ذو فائدة ا�ستطالعية كبرية مزدوجة‪:‬‬ ‫بيان نوع الأفكار والر�ؤى واملقاربات والأ�سئلة‬ ‫والإ�شكاليات من وجه‪ ،‬وبيان حالة احلوار‬ ‫والتناظر يف احلقل الثقايف العربي‪.‬‬ ‫ويرتكز ر�صد �أهم مظاهر هذا احلراك‬ ‫الفكري على ثالث واجهات‪:‬‬ ‫• ال ّن ْدوات وامل�ؤمترات واحللقات النقا�شية‬ ‫واملحا�رضات التي َد َع ْت �إليها ونظّ م ْتها‬ ‫م�ؤ�س�سات �أكادميية �أو بحثية �أو ثقافية‬ ‫كاجلامعات ومراكز البحوث والدرا�سات‬ ‫واجلمعيات العلمية والثقافية املتخ�ص�صة‪.‬‬ ‫• امللفات الفكرية والفكرية – ال�سيا�سية‬ ‫(واال�سرتاتيجية واالقت�صادية واالجتماعية‪)...‬‬ ‫املن�شورة يف املجالت الفكرية والثقافة‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫لغات‬ ‫• املادة الفكرية املرتجمة‪ ،‬من‬ ‫ٍ‬ ‫عاملية‪� ،‬إىل الل�سان العربي يف نطاق الربامج‬ ‫وامل�شاريع العلمية الهادفة �إىل ترجمة الإنتاج‬ ‫الفكري الإن�ساين‪.‬‬ ‫والواقع �أن اختيار هذه الواجهات الثالث‬

‫التفاعل الثقايف الذي‬ ‫�شدي ُد االت�صال مبفهوم‬ ‫ُ‬ ‫يروم هذا التقري ُر ر�ص َده بح�سبانه واحداً من‬ ‫عالمات ا َ‬ ‫حل َراك الفكري‪ .‬ف�إ ْذ ت�شكّل امل�ؤمترات‬ ‫الرئي�س‬ ‫وحلقات النقا�ش املوج َه‬ ‫والنَّدوات‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫لذلك التفاعل بني املثقفني والباحثني العرب‪،‬‬ ‫و�إ ْذ متثل امللفات املن�شورة يف الدوريات‬ ‫(دون الأول �صخب ًا‬ ‫الفكرية وجه ًا ثاني ًا‬ ‫للتفاعل َ‬ ‫ُ‬ ‫وحرارة و�إن كان ال ينقُ�ص قيم ًة و�أهمية)‪ ،‬ف�إن‬ ‫املاد َة الثقافية املر�صودة يف الواجهة الثالثة‬ ‫(الرتجمة) َت ُد ُّلنا على وج ٍه �آخر من التفاعل يقع‬ ‫خارج نطاق عالقات احلقل الثقايف العربي‪،‬‬ ‫هو التفاعل بني الوعي العربي وفكر «الآخر»‪:‬‬ ‫الفكر الإن�ساين‪.‬‬

‫مدارات احل�صاد الفكري‬

‫هناك جملة من م�سائل الوعي العربي‬ ‫على نحو ما �أف�صحت عنها حركي ُته الإنتاجية‬ ‫والتداولية خالل العام ‪ 2008‬يف �ضوء ما �أمكن‬ ‫ر�صده‪..‬‬ ‫ولع َّل �أول ما ميكن مالحظته ب�ش�أن امل�سائل‬ ‫واملو�ضوعات التي �شغلت الوعي العربي يف‬ ‫هذا العام‪ ،‬فانعقدت لها النْدوات وامل�ؤمترات‬ ‫وملفات يف املجالّت‪،‬‬ ‫و�أُ ْف ِر َد ْت لها م�ساحات َ‬ ‫�أن بع� ًضا كثرياً منها – لع َّله الأكرث وال ْأظ َهر‬ ‫– ما كان جديداً على ذلك الوعي وان�شغاالته‪،‬‬ ‫مما يثري انتباه ًا‬ ‫وال كان ح�ضو ُره الكثيف ّ‬ ‫وت�سا�ؤ ًال؛ فلقد تك َّرر يف املا�ضي القريب �إىل ح ّد‬ ‫َب َدا فيها – �أحيان ًا – وك�أنه بات يف عداد ثوابت‬ ‫ذلك الوعي حتى ال نقول‪ :‬يف عداد «الفولكلور‬ ‫الفكري»‪ .‬ولي�س يف امل�س�ألة وج ُه غرابة‪ ،‬ذلك �أن‬ ‫َت َوا ُتر االن�شغال بق�ضايا من نوع الدميقراطية‬ ‫واحلريات والإعالم والأمن الإقليمي والتنمية‬ ‫وت�رشع ُن االهتجا�س‬ ‫نزول» ت ِّرب ُره‬ ‫ِ‬ ‫أ�سباب ٍ‬ ‫له «� ُ‬ ‫امل�ستم َّر به‪ .‬ف�إىل �أنها من � ّأمهات امل�سائل التي‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫املالية العاملية ودالالتها على �أكرث من �صعيد‬ ‫وت�أثرياتها املختلفة على حا�رض وم�ستقبل‬ ‫املجتمعات والدول واالقت�صادات يف الوطن‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫من الوا�ضح‪� ،‬إذاً‪ ،‬لمِ َ ن يلقي نظراً على‬ ‫عناوين امل�سائل التي �شغلت الوعي العربي يف‬ ‫هذا العام‪� ،‬أنها تو َّزعت بني عناوين تقليدية‬ ‫م�ألوفة‪ ،‬وثانية �أخذت باهتمام �أكرب‪ ،‬وثالثة‬ ‫فر�ضت نف�سها ب�سبب ج ّدتها وطارئيتها على‬ ‫م�شهد الوقائع والتطورات‪.‬‬

‫�أو ًال ‪ -‬يف الأ�سئلة امل�ألوفة‬

‫وهي يف جملتها م�سائل فكرية �رصف‪،‬‬ ‫و�أخرى فكرية – اجتماعية‪ ،‬وثالثة �سيا�سية �أو‬ ‫اقت�صادية ‪�..‬إلخ تداول ْتها النخب الثقافية طوي ًال‬ ‫و�أعي َد االهتمام بها يف عام التقرير‪ .‬على �أن‬ ‫َ‬ ‫القول فيها‬ ‫و�صفها بامل�ألوفة لي�س يعني �أن‬ ‫م�ألوف‪ ،‬مكرور‪ ،‬يعيد �إنتاج نف�سه على النحو‬ ‫املعهود؛ و�إمنا هي م�ألوفة ك�أ�سئلة فح�سب‪� .‬أما‬ ‫مقارب ُتها‪ ،‬ففيها الكثري مما ي�ضيف �إىل ما �سبق‪.‬‬ ‫بل �إن من �أ�سباب الإ�ضافات تلك ما يطر�أ على‬ ‫الأ�سئلة نف�سها من تعديل وتط ّور‪� .‬إذ املعلو ُم‪،‬‬ ‫من زاوية نظر �إب�ستمولوجية‪� ،‬أن طريقة مقاربة‬ ‫خيط �صل ٍة �إىل طريقة‬ ‫� ّأي �س�ؤال م�شدودة ب�ألف ِ‬ ‫�صوغ ال�س�ؤال‪ .‬وهكذا كلما تط َّورت طرائق بناء‬ ‫الأ�سئلة‪ ،‬تطورت – بال َّت ِب َع ِة – طرائق التفكري‬ ‫فيه‪ .‬وهذا – �أي� ًضا – ما نقف عليه من معاينة‬ ‫كيف تق َّد َم النظر يف بع�ض امل�ألوف من الأ�سئل ِة‬ ‫تراج َع يف بع�ضها الآخر‪.‬‬ ‫تلك‪ ،‬وكيف َ‬ ‫لنطالع – يف ما يلي – بع�ض تلك الأ�سئلة‬ ‫(امل�ألوفة) على نحو ما جرى التفكري فيها يف‬ ‫هذا العام (‪ )2008‬يف امل�ؤمترات والندوات‬ ‫وحلقات النقا�ش وعلى �صفحات املجالت‬ ‫املتخ�ص�صة‪.‬‬

‫الح�صاد‬

‫يفر�ضها الواقع العربي على الوعي‪� ،‬أو يطرحها‬ ‫على نح ٍو ال �سبيل �إىل �أن يتجاهل ذلك الوعي‬ ‫�أولويتها �أو �أهميتها‪ ،‬ف�إن عدم �إحراز جناح‬ ‫مادي وواقعي‬ ‫ُيذْك َر يف جمال تقدمي جواب‬ ‫ّ‬ ‫عن تلك املع�ضالت يفر�ض ا�ستمرار �إع�ضالها‬ ‫و�س�ؤالها يف الواقع والفكر على ال�سواء‪ .‬و�سيكون‬ ‫من باب التزيد القول �إنه علينا انتظار املزيد‬ ‫الفكري بكث ٍري من تلك امل�سائل‬ ‫من االهتجا�س‬ ‫ّ‬ ‫التي لي�س يبدو يف الأفق �أنها �ستجد ح ًّال‬ ‫ما ّدي ًا يرفعها من جدول �أعمال الوعي‪ ،‬ومنها‬ ‫م�سائل الدميقراطية والتنمية والأمن (الوطني‬ ‫والإقليمي والقومي)‪ .‬بل �إن املتابع للمو�ضوع‬ ‫ال يتز َّيد حني ُي ْبدي «اخل�شية» من �إمكان ارتفاع‬ ‫مع ّدل االهتمام بها يف امل�ستقبل القريب متى‬ ‫�أخذنا يف احل�سبان �أن الأو�ضاع الدميقراطية‬ ‫والتنموية والأمنية تزداد تدهوراً وي�ستفحل‬ ‫�سو�ؤها‪ ،‬و�أن �أو�ضاع ًا دولي ًة واقليمية طارئة‬ ‫ت�ساعد على ذينك التدهور واال�ستفحال‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يالحظه م�ستطلع تلك امل�سائل‬ ‫مما‬ ‫غري �أن ّ‬ ‫واملو�ضوعات (التي كانت مدار ان�شغاالت‬ ‫الوعي العربي يف العام ‪� )2008‬أن االهتمام‬ ‫مو�ضوعات‬ ‫ان�رصف – يف الوقتِ عي ِنه – �إىل‬ ‫ٍ‬ ‫ما كانت ت�أخذ ح ّيزاً يف التفكري والبحث‪� ،‬أو‬ ‫ما كان كث ٌري منها ي�أخذ احل ّيز الكايف يف هذا‬ ‫اهتمام‬ ‫امل�ضمار‪ ،‬ومن ذلك ما �شهدنا ُه من‬ ‫ٍ‬ ‫متزايد بالتحوالت اجلارية يف عالقات الرثوة‬ ‫والقوة والنفوذ على ال�صعيد العاملي من خالل‬ ‫االن�رصاف �إىل االنتباه الكبري لدور بع�ض‬ ‫مراكز القوة يف النظام الدويل مثل ال�صني‬ ‫ورو�سيا‪ .‬ومن ذلك‪� ،‬أي� ًضا‪ ،‬ما �شهدنا ُه من‬ ‫اهتمام �أكرب بعالقات البالد العربية بجوارها‬ ‫ٍ‬ ‫الإقليمي (الآ�سيوي والأفريقي والأوروبي)‪.‬‬ ‫ولقد ن�ش�أت �أو�ضاع جديدة فر�ضت هذا النوع‬ ‫من االنتباه العايل لهذه امل�سائل يف الوعي‬ ‫العربي �سري�صدها امللف‪ .‬و�إىل ذلك كلّه ن�ضيف‬ ‫�أن الفكر العربي – االقت�صادي وال�سيا�سي‬ ‫واال�سرتاتيجي – تفاعل مع متغريات جديدة‬ ‫فر�ضت عناوينها ومو�ضوعاتها عليه يف هذا‬ ‫العام‪ ،‬ومن ذلك – مث ًال – مو�ضوع الأزمة‬

‫‪451‬‬

‫يف امل�س�ألة الدميقراطية‬

‫وهي ت�شغل اليوم‪ ،‬بل منذ عقدين‪ ،‬ح ّيزاً‬ ‫وا�سع ًا من التفكري واالهتمام والكتابة وا َ‬ ‫حل َراك‬ ‫املدين‪ .‬تطالعك م�سائ ُلها يف الكتب والن ْدوات‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 452‬للتنمية الثقافية‬

‫وامل�ؤمترات‪ ،‬يف ال�صحافة وو�سائل الإعالم‪،‬‬ ‫يف املواقع الإلكرتونية‪ ،‬يف فعاليات املنظمات‬ ‫الأهلية امل ْعنية بق�ضايا احلريات العامة‬ ‫وحقوق الإن�سان‪ ،‬يف �أدبيات الأحزاب ال�سيا�سية‬ ‫والنقابات امل ْهنية‪ ،‬يف �أحاديث النا�س يف‬ ‫الأماكن العامة‪ .‬حتى �أن خطاب ال�سلطة‬ ‫الر�سمي �أدرك ما لها من موقعي ٍة وح�سا�سي ٍة يف‬ ‫عي للنخب والنا�س‪ ،‬ف َ​َط ِفق يتحدث‬ ‫الوجدان اجل ْم ّ‬ ‫إعالمي‬ ‫يف �أمرها حديث ًا َت َراوح بني اال�ستثمار ال‬ ‫ّ‬ ‫الذكي واال�ستثمار الإعالمي امل�ألوف على‬ ‫ّ‬ ‫نح ٍو �أعلى من ذي قبل �أن ال�سيا�سات الدولية‬ ‫ا�ستدخ َل ْت َها يف ن�سيج مفرداتها و�إمالءاتها وهي‬ ‫َ‬ ‫تقارب ق�ضايا «ال�رشق الأو�سط» بعد منعطف‬ ‫�أحداث ‪� 11‬أيلول‪� /‬سبتمرب ‪َ 2001‬ف ُو ِج َد هناك‬ ‫َمن َتلقَّف اال�سرتاتيجيا الأمريكية «اجلديدة»‬ ‫(يف عهد املحافظني ا ُ‬ ‫وخ َ‬ ‫ال �أن‬ ‫جلدد)‪َ ،‬‬ ‫الدميقراطية مو�ضوعة فع ًال على جدول �أعمال‬ ‫ال�سيا�سة الدولية‪ ،‬و�أن متغيرّ اً كون ّي ًا بهذا احلجم‬ ‫ال َّ‬ ‫فعلي‬ ‫�شك � ِآخ ٌذ‬ ‫َ‬ ‫مطلب الدميقراطية �إىل تحَ َ قُّق ٍ ّ‬ ‫مما َح َف َز بع� ًضا‬ ‫قادم بال ريب فيه‪ .‬ولع ّل ذلك َّ‬ ‫ٍ‬ ‫من القوى واجلماعات على تركيب َب َّطارية‬ ‫«ن�رش الدميقراطية» (= الأمريكية) على جهاز‬ ‫ا�شتغال‬ ‫ال�سيا�سي بحث ًا عن طاق ِة‬ ‫برناجمه‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫متج ّددة قبل نفاذ طاقة َّ‬ ‫البطارية و�أفول ع�رص‬ ‫املحافظني اجلدد‪.‬‬ ‫على �أن االن�شغال – الفكري وال�سيا�سي‬ ‫– بالدميقراطية ما انتك�س و�إن َت َلقَّى �رضب ًة من‬ ‫�رسيع من‬ ‫حني‬ ‫تو�س َل ْت بها يف ٍ‬ ‫�سيا�س ٍة دولية َّ‬ ‫ٍ‬ ‫الزمن على �سبيل االفتعال والزعم والتوظيف‬ ‫الكاذب‪ .‬ذلك �أنه كان يف جوف املجتمع‬ ‫العربي‪ ،‬كما يف جوف عالقات ال�سيا�سة‬ ‫وال�سلطة‪ ،‬ما ي� ِّؤ�س�س لذلك االن�شغال �رشعي َته‬ ‫إنتاجها‪ .‬و�إذا �أ�ضفنا �إىل هذا ك ِلّه �أن وعي ًا‬ ‫ويعيد � َ‬ ‫عرب ّي ًا دميقراط ّي ًا بد�أ يف الظهور خارج نطاق‬ ‫النخب‪� ،‬أو يف �أو�ساط اجلمهور االجتماعي‪ ،‬و�أن‬ ‫العمومي مع التحوالت الدميقراطية‬ ‫التفاعل‬ ‫ّ‬ ‫على ال�صعيد الكوين بد�أ يتعاظم بف�ضل ثورة‬ ‫الإعالم واملعلومات‪ ،‬و�أن حركة حقوق‬ ‫الإن�سان العربية تقطع �شوط االمتداد واالت�ساع‬

‫واالنت�شار يف بيئات اجتماعية كانت – �إىل‬ ‫عه ٍد قريب – مق َف َلة �أمام الفكرة الدميقراطية‬ ‫أ�سباب كافة لالعتقاد ب�أن لهذه‬ ‫‪ ...‬اجتمعتِ ال ُ‬ ‫امل�س�ألة ما ي ّرب ُر �ش َّدة االنتباه �إليها يف احلياة‬ ‫الفكرية (وال�سيا�سية) العربية مبعزل عن �أي‬ ‫خارجي �آخر‪ ،‬وب�أن ذلك االنتباه ال�شدي َد‬ ‫اعتبا ٍر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تفاعل‬ ‫�سالم ُ‬ ‫�إليها � ْإن هو �إال �أف�صح دليل على ِ‬ ‫العربي مع �إع�ضاالتِ واقعه االجتماعي‬ ‫الوعي‬ ‫ّ‬ ‫و�رشوطه التاريخية‪.‬‬ ‫ي�ستمر االن�شغال‬ ‫ما كان م�ستغْرب ًا‪� ،‬إذاً‪� ،‬أن‬ ‫ّ‬ ‫بال�ش�أن الدميقراطي – خالل العام ‪– 2008‬‬ ‫نف�سه الذي كان به َق ْب ًال‪ ،‬و�أن تتن َّوع‬ ‫بالإيقاع ِ‬ ‫ومو�ضوعات و�أ�سئل ُة ذلك االن�شغال‪.‬‬ ‫اجتاهات‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ف�إىل �أن �شيئ ًا مثرياً ما َح َ�صل بحيث يخفّف‬ ‫من ح َّدة ذلك االهتمام (من قبيل �إحراز تق ُّدم‬ ‫ما يف حتقيق التنمية الدميقراطية يف البالد‬ ‫حمدود منها)‪ ،‬ف�إن‬ ‫بع�ض ولو‬ ‫ٍ‬ ‫العربية �أو يف ٍ‬ ‫عادت‬ ‫تنوعت وما‬ ‫�أ�سئلة الدميقراطية ِ‬ ‫ْ‬ ‫نف�سها ْ‬ ‫َت ْق َبل النظ َر �إليها بلغة العموميات‪ .‬وهو �إذا‬ ‫مما َي ِ�س ُم التفكري يف م�س�ألتها يف الفكر‬ ‫كان َّ‬ ‫مما يبعث على االرتياح‬ ‫الإن�ساين احلديث‪ ،‬ف�إن َّ‬ ‫بات غ َري بعيد عن‬ ‫�أن الوعي‬ ‫العربي بها َ‬ ‫َّ‬ ‫التدقيق يف م�س�ألتها واالن�رصاف �إىل مقاربة‬ ‫«مهني»‪� ،‬أي‪:‬‬ ‫�أ�سئلتها التف�صيلية على نح ٍو‬ ‫ّ‬ ‫على نح ٍو متح ِّر ٍر‪ ،‬نوع ًا من التح ُّرر‪ ،‬من التعميم‬ ‫الأيديولوجي‪ .‬و َلع َّلنا َن ْل َحظ بع� ًضا من هذا‬ ‫التط ُّور يف �أ�سلوب – �أو يف طريقة – مقاربة‬ ‫ر�ص ُد ُه‬ ‫م�س�ألة الدميقراطية يف ما �أمكننا ْ‬ ‫من فعاليات الوعي العربي يف العام ‪2008‬‬ ‫املت�صلة باملو�ضوع‪ .‬ويف و�سعنا �أن نر�صد‬ ‫خم�سة مو�ضوعات يف امل�س�ألة الدميقراطية دار‬ ‫يف �ش�أنها حوا ٌر يف هذا العام‪ ،‬وهي‪ :‬املواطنة‪،‬‬ ‫احلريات‪ ،‬الدميقراطية والتنمية‪ ،‬االنتخابات‪،‬‬ ‫ثمر الالمركزية‪.‬‬ ‫من النافل القول �إن املواطنة‪ ،‬مبا هي‬ ‫عالقة �سيا�سية – قانونية واجتماعية‪ ،‬هي‬ ‫جوهر الدميقراطية‪ .‬ال تقوم دميقراطية �إال يف‬ ‫جمتمع مواطنني‪ ،‬وال ي ْبنيها �إ ّال املواطنون‪ ،‬كما‬ ‫عالقات املواطنة �إال يف بيئة �سيا�سية‬ ‫ال تن�ش�أ‬ ‫ُ‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫تبد�أ امل�شكلة بالذات من قيام‬ ‫ق�سم كب ٍري‬ ‫ال�سيا�سة والتمثيل –يف ٍ‬ ‫من املجتمعات العربية– على‬ ‫الـمقـتـ�ضى الـعـ�صـبـوي‪ :‬الـعـرقـي‬ ‫والطائفي واملذهبي والع�شائري‪،‬‬ ‫ومن التمكني لهذا التكوين من‬ ‫التعبري عن نف�سه‪ ،‬ك ًّال �أو بع�ضاً‪،‬‬ ‫يف عالقات ال�سيا�سة وال�سلطة‪.‬‬ ‫وعند هذه العتبة‪ ،‬تبدو املواطنة‬ ‫�أفق ًا م�ستحي ًال �أو ممتنع الكينونة‬ ‫والتحقُّق على �أقل تقدير‪.‬‬

‫الح�صاد‬

‫دميقراطية‪ .‬ثمة جدلية تكوينية ووظيفية بني‬ ‫املواطنة والدميقراطية يثري �أكرث من عالمة‬ ‫ا�ستفهام‪ .‬حني يقال �إن املواطنة ُت َراد ُِف التم ّتع‬ ‫الكامل باحلقوق املدنية وال�سيا�سية كافة‪،‬‬ ‫ويقت�ضي معناها ووجو ُدها امل�ساوا َة الكامل َة‬ ‫�أمام القانون مبعزل عن التمايز العرقي‬ ‫والع�صبوي‪ ،‬ف�إن امل�شكلة تبد�أ بالذات‬ ‫والديني‬ ‫ّ‬ ‫ق�سم كب ٍري من‬ ‫يف‬ ‫–‬ ‫والتمثيل‬ ‫ال�سيا�سة‬ ‫قيام‬ ‫من‬ ‫ٍ‬ ‫املجتمعات العربية – على املقت�ضى الع�صبوي‪:‬‬ ‫العرقي والطائفي واملذهبي والع�شائري‪ ،‬ومن‬ ‫التمكني لهذا التكوين من التعبري عن نف�سه‪،‬‬ ‫ك ًّال �أو بع� ًضا‪ ،‬يف عالقات ال�سيا�سة وال�سلطة‪.‬‬ ‫وعند هذه العتبة‪ ،‬تبدو املواطنة �أفق ًا م�ستحي ًال‬ ‫�أو ممتنع الكينونة والتحقُّق على �أقل تقدير‪.‬‬ ‫وبامتناعه يتعر�ض البناء الدميقراطي �إىل‬ ‫تقوي�ض �أه ّم �أ�سا�ساته ومداميكه‪ .‬و�إىل ذلك‬ ‫ي�ضاف – يف حالة املجتمعات العربية‬ ‫املتح ِّررة ن�سب ّي ًا من العالقات الع�صبوية – �أن‬ ‫التمتع بحقوق املواطنة لي�س كام ًال حتى ال‬ ‫منقو�ص وجزئي‪� .‬إذ امل�ساوا ُة بني‬ ‫نقول �إنه‬ ‫ٌ‬ ‫اجلن�سينْ لي�ست مكفولة‪ ،‬واحلق يف التعبري‬ ‫وامل�شاركة ال�سيا�سية والتداول على ال�سلطة‬ ‫متقرراً‪ ،‬وبالتايل ال �شيء يقيم دلي ًال على‬ ‫لي�س ّ‬ ‫�أن عالقات املواطنة حاكم ٌة للعقل ال�سيا�سي‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫هذه الأ�سئلة وغ ُريها كانت يف خلفية‬ ‫تنظيم الندوة الفكرية ال�سنوية لـِ منتدى الفكر‬ ‫العربي يف مو�ضوع املواطنة يف الوطن‬ ‫العربي والتي احت�ضنتها العا�صمة املغربية‬ ‫الرباط‪ ،‬برعاية من امللك حممد ال�ساد�س‪ .‬ولقد‬ ‫تناولت بحوثُها ومناق�شا ُتها على مدار يومني‬ ‫(‪ 21‬و‪ 22‬ني�سان‪� /‬أبريل ‪)2008‬بع� ًضا من �أه ّم‬ ‫الأ�سئلة التي تثريها «�أو�ضاع املواطنة» يف‬ ‫الوطن العربي‪ ،‬واحلاجة �إىل توفري �أ�سبابها‬ ‫ال�سيا�سية واالجتماعية واالقت�صادية والثقافية‬ ‫والقانونية‪.‬‬ ‫وما اكتفت الندوة ال�سنوية مبقاربة‬ ‫م�شكالت املواطنة يف احلياة العربية وت�شخي�ص‬ ‫عوائقها وا�ست�رشاف ممكناتها امل�ستقبلية‬

‫فح�سب‪ ،‬و�إمنا اختار منظومها‪ ،‬وامل�شاركون‬ ‫فيها‪� ،‬أن ي�ستغلوا منا�سب َة انعقادها لإ�صدار‬ ‫خا�ص حول امل�س�ألة َح َمل ا�سم‪�« :‬إعالن‬ ‫� ٍ‬ ‫إعالن ٍّ‬ ‫الرباط حول املواطنة يف الوطن العربي»‪ .‬وهو‬ ‫�إعالن �ش َّدد على جمموعة من املبادئ يف هذا‬ ‫املو�ضوع‪ ،‬و�أكّد على �أن «حقوق املواطنة ‪...‬‬ ‫حقوق طبيعية» على الدولة توفريها وكفالتها‪،‬‬ ‫و�أنها ذات �أبعاد متكاملة‪� :‬سيا�سية – مدنية‪،‬‬ ‫واقت�صادية – اجتماعية‪ ،‬وثقافية – ح�ضارية‪.‬‬ ‫مثلما �ش ّدد على وجوب �إطالق خطة لتفعيل‬ ‫املواطنة ت�أخذ يف احل�سبان ا�ستئهال كل‬ ‫�صور اال�ستبداد والف�ساد‪ ،‬ومكافحة كل �صور‬ ‫الفقر من طريق التوزيع العادل للرثوة‪ ،‬ثم‬ ‫«مقاومة االحتالل الأجنبي والتبعية» الت�صال‬ ‫ذلك ب�رشوط حتقيق املواطنة‪ ،‬حيث «لي�س‬ ‫بو�سع الأفراد �أو اجلماعات �أن يتمتعوا بحقوق‬ ‫املواطنة الفاعلة �إذا كان الوطن حمت ًال �أو تابع ًا‬ ‫�أو منقو�ص ال�سيادة» كما ورد يف الإعالن‪.‬‬ ‫يف مو�ضوع احلريات‪ ،‬ما َّ‬ ‫الوعي‬ ‫انفك‬ ‫ُ‬ ‫العربي ين�شغل بامل�س�ألة يف ال�سنوات الأخرية‪.‬‬ ‫ولع َّل املثقفني �أ�شبعوها بحث ًا ونظراً وحواراً مبا‬ ‫ال مزي َد عليه‪ .‬غري �أن َم ْي ًال حثيث ًا نحو التحديد‬ ‫تناول مو�ضوعة احلريات‬ ‫والتخ�صي�ص يف‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ن�ضج‬ ‫ل‬ ‫دلي‬ ‫وهو‬ ‫أخرية‪.‬‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫آونة‬ ‫بات ُي ْل َحظ يف ال‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وتراك ٍم يخ ُرج بالنظر يف امل�س�ألة من عموميات‬ ‫– رمبا كانت �رضوري ًة يف حلظة التد�شني‬ ‫تخ�ص�صية � ْأجز َ​َل عائداً من‬ ‫– نحو مقاربات ُّ‬ ‫مما‬ ‫وجهة نظر معرفية‪ .‬ومن ذلك ما الحظنا ُه َّ‬ ‫َو َق َع االهتما ُم به يف هذا العام (‪ )2008‬يف عمل‬ ‫املثقفني وامل�ؤ�س�سات الثقافية‪ ،‬ومنه م�س�ألة‬ ‫حرية تداول املعلومات‪ .‬فلقد يكون احلقّ‬ ‫ّ‬ ‫يف املعلومات‪ :‬حت�صي ًال �أو حياز ًة وتدا ُو ًال‪،‬‬ ‫من �أظهر حقوق الإن�سان يف ع�رصنا‪ ،‬ع�رص‬ ‫املعرفة واملعلومات‪ .‬وهو حقٌّ ال ُي ْكفَل من دون‬ ‫كفالة احلرية يف ممار�سته‪ .‬وامل�شكلة يف كيفية‬ ‫التوفيق بني تكري�س هذا احلق وممار�سته من‬ ‫ناحية وبني حماية الأمن الوطني واال�ستقرار‬ ‫االجتماعي من ناحية �أخرى! ويكفي دلي ًال‬ ‫على ذلك ما تعانيه حرية املواطنني يف‬

‫‪453‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 454‬للتنمية الثقافية‬

‫�شهد العام ‪ 2008‬جد ًال ملحوظ ًا‬ ‫يف �أو�ساط املثقّفني وامل�ؤ�س�سات‬ ‫الثقافية حول حرية تداول املعلومات‬ ‫بني �رضورات حقوق الإن�سان‬ ‫ومتطلبات الأمن الوطني واال�ستقرار‬ ‫االجتماعي‪.‬‬

‫االت�صال مب�صادر املعلومات من طريق ال�شبكة‬ ‫العنكبوتية من ت�ضييق يرتاوح بني التدخل‬ ‫(املو�ضعي) يف ح ّد ِه الأدنى وبني‬ ‫الرقابي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫احلظر الكامل للحق يف ا�ستعمال ال�شبكة الدولية‬ ‫للمعلومات ولأهمية املو�ضوع وحيويته يف‬ ‫جمال املعرفة وممار�سة احلقوق الدميقراطية‪،‬‬ ‫عقدت مكتبة الإ�سكندرية م�ؤمتراً حتت عنوان‪:‬‬ ‫حرية تداول املعلومات‪ :‬املعلومات حق لكل‬ ‫مواطن‪ ،‬وذلك بتاريخ ‪� 7‬شباط‪ /‬فرباير ‪2008‬‬ ‫يف مركز امل�ؤمترات‪ .‬وهو جزء من برنامج‬ ‫العلمي منذ �أطلقت م�ؤمترها حول‬ ‫عمل املكتبة‬ ‫ّ‬ ‫الإ�صالح قبل �سنوات ود َرجت على عقده �سنو ّي ًا‪،‬‬ ‫وات ذاتِ �صلة مبو�ضوعاته‪.‬‬ ‫�أو على عقد ن ْد ٍ‬ ‫ال�صلة الع�ضوية الطردية بني‬ ‫وحيث تت�أكد ِّ‬ ‫الدميقراطية والتنمية يف عاملنا املعا�رص ويف‬ ‫ببع�ض‬ ‫جتارب �شعوبه ودوله‪ ،‬حظيتِ امل�س�ألة‬ ‫ِ‬ ‫بات م�ألوف ًا �أن‬ ‫االنتباه يف الفكر العربي‪َ .‬‬ ‫يقال �إن ال�صلة بني احل َّد ْين تالزمية وجدلية‪.‬‬ ‫تكر�ستِ الدميقراطية يف جمتمع ودولة‪،‬‬ ‫كلما‬ ‫َ‬ ‫�أمكن للتنمية �أن ُت ْق ِلع وتنجح‪ .‬ذلك �أن هذه ال‬ ‫تكون ممكنة �إ ّال ب�رشوط ويف �سياق �رشوط‪:‬‬ ‫اال�ستقرار ال�سيا�سي والثقة (= ثقة ر�أ�س املال)‬ ‫يف الو�ضع ال�سيا�سي؛ ال�شفافية يف عالقات‬ ‫ال�سيا�سة باالقت�صاد؛ انعدام الف�ساد واالرت�شاء‬ ‫والزبائنية؛ الرقابة احلكومية والنيابية‬ ‫وال�شعبية على املال العام ووجوه ا�ستعماله‬ ‫و�رصفه؛ الق�ضاء امل�ستقل والنزيه؛ النظام‬ ‫القانوين الع�رصي املنظّ م لال�ستثمار؛ قوانني‬ ‫العمل التي حتمي حقوق القوى املنتجة وتوفّر‬ ‫التغطية االجتماعية؛ وهذه‪ ،‬غريها‪ ،‬ال تتحقق‬ ‫�إ ّال يف كنف احلياة الدميقراطية‪� .‬أما يف الوجه‬ ‫الثاين للعالقة‪ ،‬ف�إن املعادلة ت�ستقيم على‬ ‫تر�س َخت التنمية و�أثمرت‬ ‫النحو التايل‪ :‬كلما َّ‬ ‫نتائجها‪� ،‬أمكن للتطور الدميقراطي �أن ي�ستقيم‬ ‫م�ساراً و�أن يتخطى الكثري من عوائقه الكابحة‪.‬‬ ‫ذلك �أن التنمية لدميقراطية تعاين – يف العادة‬ ‫جمتمعات يتحكم الفق ُر و�سو ُء توزيع‬ ‫– يف‬ ‫ٍ‬ ‫الرثوة والأمية والتهمي�ش االجتماعي يف‬ ‫م�صائر �شعوبها‪ .‬حتى �أن ظواهر �شاذة يف‬

‫احلياة ال�سيا�سية مثل اال�ستعمال غري امل�رشوع‬ ‫للمال ال�سيا�سي يف املوا�سم االنتخابية ال تن�ش�أ‬ ‫وتت�سع وتنجح يف �إف�ساد التمثيل وامل�ؤ�س�سات‬ ‫�إ ّال يف املجتمعات اتي تعاين �شعو ُبها من �آفات‬ ‫الفقر والأمية مثل الأع ّم الأغلب من املجتمعات‬ ‫العربية‪ .‬ولقد كانت هذه العالقة حمور حلقة‬ ‫نقا�شية نظّ مها املعهد العربي للتخطيط يف ‪12‬‬ ‫�شباط‪ /‬فرباير ‪ 2008‬على نحو َف َت َح فيه نافذ ًة‬ ‫على عوامل غري اقت�صادية ذاتِ �صل ٍة مب�سائل‬ ‫االقت�صاد والتنمية التي متثل مركز اهتمام‬ ‫املعهد واخت�صا�صه الرئي�س‪.‬‬ ‫�أما مو�ضوعة االنتخابات يف احلياة‬ ‫ال�سيا�سية العربية‪ ،‬فما �أغناها عن بيان ما‬ ‫حتتله من مكانة حيوية يف الفكر والواقع على‬ ‫ال�سواء‪ .‬فهي �إذا كانت – يف تعريفها النظري‬ ‫املادي والو�سيلة الإجرائية‬ ‫ال�صحيح – ال�شكل‬ ‫ّ‬ ‫العامة‬ ‫التي من طريقها تعبرِّ ال َّأمة عن �إرادتها ّ‬ ‫(‪ La Volonté générale‬يف نظرية العقد‬ ‫االجتماعي عند جان جاك رو�سو التي ا�ستهلمتها‬ ‫الدميقراطيات احلديثة منذ الثورة الفرن�سية)‪،‬‬ ‫ف�إن على طريق ذلك «التعبري» تر�سانة هائلة‬ ‫من امل�شاكل ت�صيب معنى االقرتاع نف�سه يف‬ ‫مقتل وقد تز ّيفُه متام ًا و ُت ْف ِرغُ ه من � ّأي م�ضمون؛‬ ‫ٍ‬ ‫العربي وقوا ُه ون َُخبه‪،‬‬ ‫العام‬ ‫أي‬ ‫�‬ ‫الر‬ ‫أن‬ ‫�‬ ‫ذلك‬ ‫ومن‬ ‫ّ‬ ‫كما الر�أي العام الدويل وعوا�صمه وم�ؤ�س�ساته‪،‬‬ ‫ت�شكو من �أن جمرى االنتخابات يف البالد‬ ‫العربية ال ي�أخذ �إرادة ال�شعب �إىل َم َ�ص ّبها‬ ‫اجتاهات‬ ‫يح ُرف حركتها �إىل‬ ‫ٍ‬ ‫الطبيعي‪ ،‬و�إمنا ْ‬ ‫�أخرى جمافية لتلك الإرادة‪ .‬وهذا ما يطرح‬ ‫� َ‬ ‫ألف عالم ِة ا�ستفهام على �سالمة العمليات‬ ‫االنتخابية يف البالد العربية‪ :‬على نزاهتها‪،‬‬ ‫ودرجة ترجمتها لإرادة املواطنني‪ ،‬وم�ستوى‬ ‫�شفافيتها‪ ،‬ومدى حياد الإدارة يف جمراها‪،‬‬ ‫وما يف نتائجها من �ص ْدقية ‪� ...‬إلخ‪ .‬ولقد‬ ‫نف�سها على‬ ‫فر�ضت هذه الهواج�س والأ�سئلة َ‬ ‫بع�ض احلوار الفكري العربي يف العام ‪.2008‬‬ ‫وهكذا عقدت املنظمة العربية ملكافحة الف�ساد‬ ‫(مق ُّرها يف بريوت) ندو ًة فكرية بالتعاون مع‬ ‫مركز درا�سات الوحدة العربية يف مو�ضوع‪:‬‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫بلدان عربية تعاين‬ ‫دميقراطية‪ ،‬وخ�صو� ًصا يف ٍ‬ ‫من ُع�سرْ ٍ يف االندماج �إىل احل ّد الذي تتعاىل فيه‬ ‫حاالت مثل ال�صحراء‬ ‫دعوات انف�صالية كما يف‬ ‫ٍ‬ ‫املغربية و�إقليم دارفور ال�سوداين وجنوب‬ ‫اليمن وتيزي َو ّزو ومناطق ال ْق َبا ْيل اجلزائرية‬ ‫و�سواها‪.‬‬

‫يف التنمية‬

‫أعوام �سابقة‪� ،‬أتى العام ‪2008‬‬ ‫على مثال � ٍ‬

‫حاف ًال ب�ألوان خمتلفة منه االحتفال الفكري‬ ‫والأكادميي واخلربائي مب�سائل التنمية على‬ ‫ما ي�شهد بذلك �إيقاع امل�ؤمترات والندوات‬ ‫واحللقات النقا�شية املنعقدة يف مو�ضوع من‬ ‫مو�ضوعاتها خالل ذلك العام‪ .‬ولي�س من جمال‬ ‫لل�شك يف �أن كثافة االهتمام ب�إ�شكالية التنمية‬ ‫منذ عقدين‪ ،‬ال ُت ْط ِل ُعنا على املكانة احليوية‬ ‫واال�سرتاتيجية للتنمية يف احلياة الوطنية‬ ‫والقومية فح�سب‪ ،‬و�إمنا هي تلقي �ضوءاً بيان ّي ًا‬ ‫على �سالمة حال التفاعل لدى الوعي العربي‬ ‫مع �أ�سئلتها وحتدياتها‪ .‬ومن املنا�سب‪ ،‬هنا‪� ،‬أن‬ ‫يالحظ القارئ يف معطيات ذلك التفاعل‪ ،‬يف‬ ‫ال�سنوات الأخرية‪� ،‬أن �شك ًال من التقدم يف مقاربة‬ ‫مع�ضالتها َح َ�صل على نح ٍو خرج بالنظر �إليها‬ ‫من احلدود ال�ضيقة للمقاربة االقت�صادوية‬ ‫‪� Economiste‬إىل التفكري الأرحب يف وجوهها‬ ‫وم�ستوياتها كافة‪ :‬االقت�صادية واالجتماعية‬ ‫وال�سيا�سية والثقافية والقيمية ‪� ...‬إلخ‪� ،‬أي يف‬ ‫نطاق املنظور ال�شامل والرتكيبي الذي يفتحه‬ ‫�أمام التفكري مفهوم التنمية الإن�سانية‪ ،‬وهذا ما‬ ‫َ‬ ‫نالحظ ُه يف ب ِع�ض التناول للم�س�ألة‬ ‫َي َ�س ُعنَا �أن‬ ‫يف تفاعالت هذا العام الثقافية و� ْإن مل َي ُك ِن‬ ‫ال ْأظ َه َر فيها وال ْأطغَى‪.‬‬ ‫و�إذا كان لبع�ض امل�شكالت املزمنة‬ ‫يف احلياة العربية املعا�رصة‪ ،‬ويف الن�سيج‬ ‫االجتماعي – االقت�صادي بخا�صة‪ ،‬مثل‬ ‫تدنيّ ن�سبة من ّو االقت�صادات العربية‪ ،‬وهيمنة‬ ‫االقت�صاد ال َّر ّيعي غري الإنتاجي‪ ،‬وغلبة قطاع‬ ‫اخل ْدمات (�سياحة‪ ،‬جتارة ‪ )...‬على القطاع‬ ‫املنتج (�صناعة‪ ،‬زراعة)‪ ،‬وف�ساد القطاع العام‪،‬‬

‫الح�صاد‬

‫النزاهة يف االنتخابات الربملانية‪ :‬مق ّوماتها‬ ‫و�آليا ُتها يف الأقطار العربية يومي ‪13-12‬‬ ‫�آذار‪ /‬مار�س ‪ 2008‬يف فندق الربي�ستول يف‬ ‫بريوت‪ .‬وحظيت جتربة م�رص باهتمام خا�ص‬ ‫يف هذا الباب خالل العام‪ ،‬فعقد مركز الدرا�سات‬ ‫ال�سيا�سية واال�سرتاتيجية (= الأهرام) م�ؤمتراً‬ ‫حول‪ :‬النظام االنتخابي اجلديد يف م�رص يف‬ ‫مقره يوم ‪ 17‬كانون االول‪ /‬دي�سمرب ‪،2008‬‬ ‫ّ‬ ‫وقبل ذلك كان قد عقّد ور�شة عمل يف مو�ضوع‪:‬‬ ‫الطعون االنتخابية يف م�رص مع املقارنة بحالة‬ ‫�إندوني�سيا بتاريخ ‪ 9‬ني�سان‪� /‬أبريل ‪ .2008‬ويف‬ ‫نف�سه‪ ،‬ن�رشت املجلة العربية للعلوم‬ ‫االجتاه ِ‬ ‫خا�ص ًا يف مو�ضوع االنتخابات‬ ‫ال�سيا�سية ملف ًا ّ‬ ‫امل�رصية والرقابة الدولية ت�ض َّمنت ثالث‬ ‫درا�سات (العدد ‪ ،18‬ربيع ‪.)2008‬‬ ‫و�أخرياً‬ ‫حظي مو�ضوع الالمركزية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫بح�سبانه وجه ًا من وجوه �إعادة التنظيم‬ ‫ببع�ض من االهتمام‬ ‫العقالين للإرادة والتمثيل‪ٍ ،‬‬ ‫يف هذا العام‪ .‬وكان الفت ًا �أن مركز الدرا�سات‬ ‫ال�سيا�سية واال�سرتاتيجية (بالأهرام) هو َمن‬ ‫بادر �إىل ت�سليط ال�ضوء عليه‪ ،‬ف�أفرد للم�س�ألة‬ ‫ور�شتي عمل‪ :‬الأوىل حتت عنوان الالمركزية‬ ‫ْ‬ ‫وعقدت يف ‪� 11‬أيار‪/‬‬ ‫وانتخابات املحليات‪ُ ،‬‬ ‫مايو ‪ ،2008‬والثانية حتت عنوان التق�سيم‬ ‫الإداري اجلديد للوحدات املحلية وعالقته‬ ‫بالالمركزية يف م�رص‪ ،‬وعقدت يف ‪ 9‬متوز‪/‬‬ ‫يوليو ‪ .2008‬ومع �أن املو�ضوع يف الور�شتني‬ ‫�أتى م�رص ّي ًا لأ�سباب قد يكون منها انتماء‬ ‫املركز مل�رص‪� ،‬أو ثقل امل�س�ألة يف احلياة‬ ‫ال�سيا�سية امل�رصية‪� ،‬إ ّال �أنه َيظل هاج�س ًا عرب ّي ًا‬ ‫يف الأحوال كافة‪ .‬وال يحتاج املرء �إىل كب ِري‬ ‫�رشح لبيان �أهميته يف م�ضمار �إعادة التوزيع‬ ‫الإداري للمجال الرقابي على النحو الذي‬ ‫يخفّف من وط�أة التمركز الإداري ال�شديد‪� ،‬أو يف‬ ‫م�ضمار زخم التمثيل املحلّي وتعزيز وظائفه‬ ‫االجتماعية واالقت�صادية؛ كما �أنه يف غري‬ ‫حاجة �إىل بيان مقدار ما ينطوي عليه من قيمة‬ ‫ا�سرتاتيجية وحيوية يف باب حتقيق االندماج‬ ‫االجتماعي والوطني بني الأقاليم على �أ�س�س‬

‫‪455‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 456‬للتنمية الثقافية‬

‫وج�شع القطاع اخلا�ص‪ ،‬و َت َخ ُّلف املنظومات‬ ‫القانونية لال�ستثمار‪ ،‬ونزيف هجرة ر�ؤو�س‬ ‫الأموال العربية �إىل اخلارج‪ ،‬والتبعية‬ ‫ال�صارخة لالقت�صادات العربية للمرتوبول‬ ‫الأجنبي‪ ،‬و�ضعف الروابط والعالقات‬ ‫االقت�صادية ال َب ْينية العربية‪ ،‬وتخ ُّلف النظام‬ ‫املايل وامل�رصيف العربي‪ ،‬والفجوة الرهيبة‬ ‫و�ض ْعف القوى‬ ‫املتزايدة بني ال�سكان واملوارد‪َ ،‬‬ ‫املنتجة امل� َّؤهلة‪ ،‬وهيمنة العمالة االجنبية‬ ‫(=الآ�سيوية) املهاجرة على ح�ساب العمالة‬ ‫العربية‪ ،‬واملعدالت املخيفة للبطالة التي طالت‬ ‫خريجي اجلامعات واملعاهد العليا‪ ،‬والتوزيع‬ ‫غري العادل للرثوة‪ ،‬والتهمي�ش املتعاظم لفئات‬ ‫عري�ضة من املجتمع‪ ،‬وخراب الزراعة وزحف‬ ‫�سكان الأرياف �إىل املدن واال�ستقرار يف �أحزمة‬ ‫الب�ؤ�س املتنا�سلة من بع�ضها يف ال�ضواحي‪،‬‬ ‫وازدياد الفوارق الفاح�شة بني الطبقات نتيجة‬ ‫التطور غري املتوازن بني ال ِغنى الفاح�ش والفقر‬ ‫ا ُمل ْد ِقع ‪�..‬إلخ‪ .‬هي ما ي ّربر الكثافة التي يبدو‬ ‫بها اهتمام الوعي العربي مب�سائل التنمية‬ ‫و�أ�سئلتها االجتماعية‪ ،‬ف�إن من املتغريات‬ ‫املنهمرة يف العامل املعا�رص‪ ،‬ويف حقائق‬ ‫االقت�صاد والتنمية على ال�صعيد الكوين‪ ،‬ما‬ ‫ي ّربر ذلك �أي� ًضا‪ .‬وقد �شهد العام ‪� 2008‬أي� ًضا‬ ‫معطيات م�ستجدة على امل�شهد االقت�صادي‬ ‫العاملي ذات �أثر �سيىء على برامج التنمية يف‬ ‫الوطن العربي‪ .‬ولعل �أهم هذه الوقائع الأزمة‬ ‫املالية ال�شديدة التي �رضبت الواليات املتحدة‬ ‫ابتدا ًء وامتدت مفاعيلها �إىل معظم املراكز‬ ‫امليرتوبولية الر�أ�سمالية يف العامل‪ ،‬وانهارت‬ ‫و�رشكات وبنوك وحيا ُة‬ ‫�صناعات‬ ‫بنتيجتها‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ع�رشات املاليني من الأ�رس‪ .‬وكانت �إ�سقاطا ُتها‬ ‫�شديد َة الوط�أة على اقت�صاديات الدول العربية‬ ‫التي ع�صفت ب�أ�سواقها املالية‪ ،‬و�صناعاتها‪،‬‬ ‫وقطاع البناء والعقار فيها‪ ،‬وفر�ص العمل‬ ‫ملئات الآالف من �أيديها العاملة ‪� ...‬إلخ‪.‬‬ ‫كما �شهد العام ‪ 2008‬انهياراً مروع ًا‬ ‫يف �أ�سعار ال ِّنفْط والطاقة منذ �صيف العام‬ ‫تراجعي‬ ‫‪ ،2008‬والذي َح َ�صل فج�أ ًة وب�إيقاع‬ ‫ّ‬

‫دراماتيكي على نح ٍو � ْأح َدث �إرباك ًا كام ًال يف‬ ‫لعدد من البلدان‬ ‫�سيا�سات وبرامج التنمية ٍ‬ ‫العربية‪ ،‬وبخا�صة منها املعتمدة على ا�ستخراج‬ ‫الطاقة‪ ،‬و�أ َّث َر على قوة ودائعها املال ّية يف‬ ‫البنوك الأجنبية وعائدات تلك الودائع‪.‬‬ ‫وث ّمة م�سائل ان�رصف �إليها االهتمام يف‬ ‫ال�سعة‪،‬‬ ‫هذا العام و� ْ‬ ‫أخذت منه ح ّيزاً ملحوظ ّ‬ ‫و�أتت عناوينُها تت�أرجح بني الإ�شكالية الكربى‬ ‫وامل�شكلة القطاعية هي‪� :‬إ�شكاليات التنمية‪،‬‬ ‫الأمن الغذائي‪ ،‬مع�ضالت الفقر والبطالة‪،‬‬ ‫التنمية والبيئة‪ ،‬القطاع املايل‪ ،‬القطاع اخلا�ص‪،‬‬ ‫اال�ستثمار االجنبي‪ ،‬والبدائل التنموية‪.‬‬ ‫كان للم�ؤمتر ال�سنوي ال�سابع لـِ م� َّؤ�س�سة‬ ‫الفكر العربي‪ ،‬املنعقد يف القاهرة بتاريخ‬ ‫‪ 16 - 13‬ت�رشين الثاين ‪ /‬نوفمرب ‪،2008‬‬ ‫م�ستويات‬ ‫ف َْ�ض ُل العروج مب�س�ألة التنمية �إىل‬ ‫ٍ‬ ‫�إ�شكالية �أعلى من مع َّدل املقاربة امل�ألوف لهذا‬ ‫املو�ضوع‪� .‬إذ �أخذ امل�ؤمتر على عاتقه –وقد‬ ‫انعقد حتت عنوان‪ :‬ثقافة التنمية‪ :‬اال�ستدامة‬ ‫–املعرفة–البيئة–التكنولوجيا–ا لإ�صالح‬ ‫الثقايف– �أن َي ْ�ستَ�شْ كل م�س�ألة التنمية فيتناولها‪،‬‬ ‫بر�ؤي ٍة تركيبية‪ ،‬يف �أبعادها كافة على نح ٍو‬ ‫َي ْل َحظ تن ُّو َع وجو ِه وجودها‪ ،‬وتع ُّد َد دالالتها‪،‬‬ ‫و�شبكة العالقات القائمة فيها بني االقت�صادي‬ ‫واالجتماعي والطبيعي والتقني والثقايف وهو‬ ‫�رضوري لأن من النادر �أن نعرث على‬ ‫ا�ست�شكال‬ ‫ّ‬ ‫نظائره يف التفكري العربي امل�شتبك مع م�سائل‬ ‫التنمية‪ ،‬ولأنه يوفّر فر�صة ملقاربات نظرية‬ ‫قلما يحتفل بها من يبحثون يف املو�ضوع يف‬ ‫الأطر امل�ؤ�س�سية للحوار‪ ،‬بل زاد ماد َة امل�ؤمتر‬ ‫و�إ�شكالي َت ُه قيم ًة هو انتقالها باملو�ضوع من‬ ‫نطاق �س� ِؤال التنمية �إىل نطاق �س�ؤال «ثقافة‬ ‫التنمية» انتق ً‬ ‫اال َه َ‬ ‫دف �إىل الت�شديد على ما وراء‬ ‫حامل ثقايف‪ ،‬وعلى‬ ‫التنموي من‬ ‫امل�رشوع‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ات�صال عملية التنمية بر�ؤية ثقافية ت�أ�سي�سية‬ ‫ال تنمية ممكنة من دونها‪.‬‬ ‫و َّملا كان مو�ضوع الأمن الغذائي يف �أ�سا�س‬ ‫حتديات التنمية يف الوطن العربي‪ ،‬الأ�سا�س يف‬ ‫م�رشوع الأمن االقت�صادي بح�سبانه دافع ًة من‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫الح�صاد‬

‫روافع ا�سرتاتيجية االمن القومي؛ و ّملا كانت‬ ‫�أو�ضاع الغذاء على درج ٍة من التدهور والت�أ ُّزم‬ ‫ُت ْن ِذ ُر بال َد العرب ب�أوخم النتائج‪ ،‬و ُتنذِر – من‬ ‫ورائها – �أمنَها القومي مبزي ٍد من اال�ستباح ِة‬ ‫هذا العام – و�إن كانت هزيلة – فتناول ْتها‬ ‫ودرا�سات ع ّدة (من دون �أن تنعقد لها‬ ‫مقاالت‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫م�ؤمترات �أو ن ْدوات)‪ ،‬ومن ذلك امللف اخلا�ص‬ ‫الذي ك َّر َ�س ْته جملة �ش�ؤون خليجية للمو�ضوع‬ ‫حتت عنوان‪ :‬الأمن الغذائي يف العامل العربي‬ ‫درا�سات‬ ‫عت‬ ‫ُ‬ ‫(العدد ‪� ،54‬صيف ‪ .)2008‬ولقد تو َّز ْ‬ ‫امللف على مو�ضوعات خمتلفة ومرتابطة‪ ،‬من‬ ‫البحث يف الأو�ضاع الغذائية العامة يف الوطن‬ ‫العربي وما تعانيه من �أزمة‪� ،‬إىل البحث يف‬ ‫الفجوة العلمية الزراعية‪� ،‬إىل حتليل �أزمة الغذاء‬ ‫واملياه والطاقة‪� ،‬إىل البحث يف مناذج عينية‬ ‫من قبيل �أزمة الغذاء يف دول اخلليج العربي‪،‬‬ ‫وم�رشوع التنمية الزراعية يف ال�سودان‪�« :‬سلة‬ ‫الغذاء العربي»‪ ،‬و�سوى هذه من امل�سائل ذات‬ ‫العالقة‪.‬‬ ‫وتت�صل مب�شكلة الغذاء م�س�ألتا الفقر‬ ‫والبطالة‪ :‬مبا هما حالتان متثيليتان من‬ ‫حاالت التعبري عن فقدان القدرة على َج ْبه‬ ‫مع�ضلة الغذاء‪ .‬و�إذا كان الفقر يف �صور ٍة من‬ ‫ُ�ص َو ِره من نتائج �أو�ضاع اجتماعية �شديدة‬ ‫الق�سوة منها البطالة ال�ضاربة �أطنابها يف‬ ‫م�ست‬ ‫�أو�ساط القوى امل� َّؤهلة للعمل – وهي اليوم َّ‬ ‫وح َم َلة‬ ‫مئات الآالف من اخلريجني اجلامعيينّ َ‬ ‫ال�شهادات العليا يف البالد العربية – ف�إن‬ ‫ظاهرة الفقر طالت ب�ضغوطها ونتائجها حتى‬ ‫الفئات الدنيا واملتو�سطة من القوى العاملة يف‬ ‫و�ض ٌع‬ ‫قطاعات الإنتاج ويف �أجهزة الدولة‪ .‬وهو ْ‬ ‫من �ش�أنه �إعادة تعريف الفقر با�ستدخال ما طر�أ‬ ‫على و�ضعه (‪ )Statut‬من م�ؤ�رشات جديدة‪ ،‬ورفّع‬ ‫درجة االنتباه �إىل ما ُي ْن ِذ ُر به َتفَا ُق ُم ُه‪ ،‬والبطال ُة‬ ‫يف امتداده‪ ،‬من خماطر على �صعيد اال�ستقرار‬ ‫االجتماعي – االقت�صادي‪ .‬ولقد كانت هذه‬ ‫الهواج�س يف �أ�سا�س �إقدام مكتبة الإ�سكندرية‬ ‫على عقد ندو ٍة يف املو�ضوع حتت عنوان‪ :‬م�شكلة‬ ‫الفقر وطرق مواجهتها يف مركز امل�ؤمترات‬

‫بتاريخ ‪ 19‬ت�رشين الثاين‪ /‬نوفمرب ‪ .2008‬ومع‬ ‫�أن احلالة امل�رصية كانت تفر�ض �شبحها على‬ ‫الندوة‪� ،‬إ ّال �أنها لي�ست حالة ا�ستثنائية‪ ،‬بل تكاد‬ ‫تكون متثيلية للأع ّم الأغلب من البالد العربية‬ ‫نف�سها كان‬ ‫اليوم‪ .‬ولع ّل كثرياً من‬ ‫الهواج�س ِ‬ ‫ِ‬ ‫يف �أ�سا�س �إقدام املعهد العربي للتخطيط على‬ ‫عقد م�ؤمت ٍر دويل يف مو�ضوع �أزمة البطالة‬ ‫يف الدول العربية بتاريخ ‪� 18-17‬آذار‪ /‬مار�س‬ ‫‪ 2008‬يف القاهرة‪.‬‬ ‫ولأن التفكري يف �ش�ؤون التنمية ال ميلك‬ ‫يتجاهل ال�رشوط الطبيعية للتنمية‪� ،‬أو‬ ‫�أن‬ ‫َ‬ ‫�أن ينغم�س يف يقينيات �صناعوية وتقنوية‬ ‫ناظراً �إىل الطبيعة بو�صفها جم َّرد مو�ضوع‬ ‫أهداف‬ ‫لال�ستغالل ولف ّع ٍل‬ ‫ب�رشي م�شدود �إىل � ٍ‬ ‫ّ‬ ‫الوعي‬ ‫ربحية‪ ،‬ف�إن �أ�سئلة البيئة بد�أت تقتحم‬ ‫ّ‬ ‫العربي تدريج َّي ًا و َتفْر�ض على نظرته �إىل‬ ‫َّ‬ ‫تعديالت تقت�ضيها الفكرة البيئوية‬ ‫التنمية‬ ‫ٍ‬ ‫املت�صاحلة مع الطبيعة احلري�صة على تنمية‬ ‫«م َل َكاتها» ومواردها ال تبديدها‪ .‬ومع �أننا‬ ‫َ‬ ‫ال نعرث يف ح�صاد العام ‪ 2008‬على �شواه َد‬ ‫دالّة على مثل هذا الوعي امل�سكون بالنزعة‬ ‫ا ِمل ْ�ضياف َية (‪ Convivialité‬بعبارة �إيفان‬ ‫�إيليت�ش)‪� ،‬إ ّال �أن بع� ًضا قلي ًال من ا�ستدعاء �س�ؤال‬ ‫البيئة ح�صل حني التفكري يف بع�ض مع�ضالت‬ ‫وج ٍه‬ ‫تقتني �صرِ ْ ف لذلك‬ ‫التنمية ولو يف ْ‬ ‫ّ‬ ‫ال�س�ؤال‪ .‬وهذا – مث ًال – ما ينطبق على امل�ؤمتر‬ ‫الدويل التا�سع لتنمية الأرا�ضي اجلافة‪ :‬التنمية‬ ‫امل�ستدامة يف الأرا�ضي اجلافة – مواجهة‬ ‫حت ّدي التغيرُّ املناخي العاملي‪ ،‬الذي عقدته‬ ‫مقرها بتاريخ ‪ 7‬ت�رشين‬ ‫مكتبة الإ�سكندرية يف ّ‬ ‫آلت‬ ‫الثاين‪ /‬نوفمرب ‪ .2008‬غري �أن الناظ َر يف ما � ْ‬ ‫ناجم‬ ‫�إليه �أو�ضاع البيئة يف العامل من دما ٍر ٍ‬ ‫عن انفالت نزعة اال�ستغالل ال�صناعي الوح�شي‬ ‫قال (قانوين �أو اخالقي)‪ ،‬وما ج َّره ذلك‬ ‫من كل ِع ٍ‬ ‫عت‬ ‫اال�ستغالل من تغريات مناخية ُم ْرعبة ا�ست ْد ْ‬ ‫– يف نهاية القرن املا�ضي – قمة كونية‬ ‫خا�صة (= قمة الأر�ض)؛ والناظر يف �إع�ضاالت‬ ‫التنمية (الزراعية) يف املناطق اجلافة‪َ ،‬ي ْل َحظ‬ ‫– من دون �شك – �أهمية املقاربة العلمية لهذا‬

‫‪457‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 458‬للتنمية الثقافية‬

‫بد�أت �أ�سئلة البيئة تقتحم الوعي‬ ‫العربي وتفر�ض على نظرته �إىل‬ ‫التنمية تعديالت تقت�ضيها الفكرة‬ ‫البيئوية املت�صاحلة مع الطبيعة‪.‬‬

‫املو�ضوع يف �أفق توفري �أجوب ٍة ناجحة ع ّما‬ ‫يطرحه من م�شكالت‪.‬‬ ‫ولقد كان من �أه ّم ما َط َب َع االهتمام‬ ‫الفكري العربي ب�إ�شكاليات التنمية يف العام‬ ‫مت�س‬ ‫‪ 2008‬االن�رصاف �إىل البحث يف‬ ‫ٍ‬ ‫م�شكالت ّ‬ ‫قطاعات بعينها ذات حيوية‪ .‬ومن ذلك القطاع‬ ‫حظي بانتبا ٍه �أعلى يف هذا العام‪،‬‬ ‫املايل الذي َ‬ ‫ب�سبب موقعية املال يف االقت�صاد والإنتاج‬ ‫اوح االهتمام بهذا املو�ضوع‬ ‫والتنمية‪ .‬ولقد َت َر َ‬ ‫اهتمام �شمو ّ‬ ‫يل وعام يطال البالد العربية‬ ‫بني‬ ‫ٍ‬ ‫كافة – كما يف امل�ؤمتر الذي عقد ْته اجلمعية‬ ‫العربية للبحوث االقت�صادية يف القاهرة‬ ‫بتاريخ ‪ 2-1‬ت�رشين الثاين‪ /‬نوفمرب ‪ 2008‬حتت‬ ‫عنوان دور القطاع املايل يف التنمية العربية‪،‬‬ ‫ويف احللقة النقا�شية التي نظمتها املنظمة‬ ‫العربية ملكافحة الف�ساد يف مقر مركز درا�سات‬ ‫الوحدة العربية يف بريوت حتت عنوان حت�سني‬ ‫الرقابة املالية يف الأقطار العربية‪ ،‬بتاريخ‬ ‫‪� 24‬أيار‪ /‬مايو ‪ ،2008‬وبني اهتمام «قطري»‬ ‫يخ�ص بلدان ًا بعينها كما يف حالة احللقة‬ ‫ّ‬ ‫النقا�شية التي نظّ مها املعهد العربي للتخطيط‬ ‫يف مو�ضوع ا�ستهداف الت�ضخم النقدي‪ :‬ماذا‬ ‫يعني لدول جمل�س التعاون؟‪ ،‬بتاريخ ‪ 4‬ت�رشين‬ ‫الثاين‪ /‬نوفمرب ‪ ،2008‬وكما يف حالة احللقة‬ ‫النقا�شية التي نظم ْتها مكتبة الإ�سكندرية يف‬ ‫مو�ضوع ر�ؤية وحتليل ل�سوق املال امل�رصي‬ ‫بتاريخ ‪� 30‬آب‪� /‬أغ�سط�س ‪ 2008‬مبركز‬ ‫امل�ؤمترات‪.‬‬ ‫و َّملا كانتِ التنمي ُة هدف ًا يحتاج حتقي ُق ُه‬ ‫�إىل توظيف الأدوات واملوارد والإمكانيات‬ ‫كافة؛ وملا كانتِ الدول ُة وحدها ال متلك القدرة‬ ‫الكافية على النهو�ض بها‪ ،‬با ُملتاح لها من‬ ‫املوارد‪ ،‬وال متلك اال�ستغناء عن �رشكاء �آخرين‬ ‫يف هذا الباب وعلى �سبيل هذا الهدف‪ ،‬فقد كان‬ ‫مفهوم ًا �أن ين�رصف بع�ض االهتمام �إىل جمالينْ‬ ‫�شدي َد ْي الأهمية واالت�صال مبو�ضوع التنمية‬ ‫هما‪ :‬القطاع اخلا�ص واال�ستثمار الأجنبي وقد‬ ‫ر�صدنا يف ح�صاد هذا العام اثنتينْ – على‬ ‫الأقل – من عالمات ذلك االهتمام يف التفكري‬

‫العربي‪� .‬أوالهما احللقة النقا�شية التي نظمها‬ ‫املعهد العربي للتخطيط بتاريخ ‪ 29‬ني�سان‪/‬‬ ‫�أبريل ‪ 2008‬حتت عنوان بنية ممار�سة �أن�شطة‬ ‫الأعمال ودور القطاع اخلا�ص‪ ،‬وثانيهما احللقة‬ ‫نف�سه يف ‪� 13‬أيار‪/‬‬ ‫النقا�شية التي نظمها املعه ُد ُ‬ ‫مايو ‪ 2008‬يف مو�ضوع دور اال�ستثمار االجنبي‬ ‫املبا�رش يف التنمية العربية‪.‬‬ ‫و�أخرياً‪ ،‬كان لبع�ض التفكري امل�ستقبلي‬ ‫مكا ُن ُه يف اهتمامات الوعي العربي مب�س�ألة‬ ‫التنمية هذا العام (‪ .)2008‬ومن النافل القول‬ ‫أبواب‬ ‫�إن احلاجة �إليه ما�سة كلما انقفلت � ُ‬ ‫وم�شاه ُد (= �سيناريوهات) التنمية ا ُمل َط َّبقَة‬ ‫واحتيج �إىل جتريب �أخرى �أو التفكري فيها‪.‬‬ ‫ولي�س معنى ذلك �أن هذا ال�رضب من التفكري‬ ‫(امل�شدود �إىل فر�ضية «البدائل املمكنة») َي ْجنح‬ ‫نف�سها‬ ‫نحو افرتا�ضات نظرية جم َّردة ت�ضع ّ‬ ‫يف خمترب جتربة جديدة من جتارب التنمية‬ ‫لإثبات وجاهتها‪ ،‬بل �إن معظم التفكري يف‬ ‫�إع�ضاالت التنمية من زاوية نظر فر�ضية البديل‬ ‫أغلب منه‬ ‫املمكن �إمنا هو ي�ستند – يف الأع ِّم ال ِ‬ ‫– �إىل جتارب جمتمعات ودول �أخرى حماو ًال‬ ‫اال�ستفادة منها‪ .‬وهذا ما حاولت ندوة بدائل‬ ‫التنمية العربية التي عقد ْتها اجلمعية العربية‬ ‫للبحوث االقت�صادية يف القاهرة ‪14-13‬‬ ‫نيسان‪� /‬أبريل ‪ )2008‬بامل�شاركة مع مركز‬ ‫البحوث العربية والأفريقية �أن تق ّدم مث ً‬ ‫اال له‬ ‫يف بحوثها و�أ�سئلتها ومناق�شاتها‪.‬‬ ‫قد تكون احل�صة التي انتزعتها م�س�ألة‬ ‫التنمية من االهتمام الفكري العربي بحجم‬ ‫تلك التي كانت مل�س�ألة الدميقراطية �سع ًة‬ ‫ووفرة‪ .‬وهي‪ ،‬بذلك‪� ،‬إمنا تعك�س – �ش�أن الثانية‬ ‫– املكانة املركزية التي حتتلها يف رهان‬ ‫ح�صة الإعالم (يف ذلك‬ ‫امل�ستقبل‪ ،‬على �أن ّ‬ ‫االهتمام) ما كانت دون تينك احل�صتني �سعة‪.‬‬

‫يف الإعالم‬

‫مل يختلف العام ‪ 2008‬عن الأعوام ال�سابقة‬ ‫له يف �ش ّدة االهتمام الفكري العربي مب�س�ألة‬ ‫الإعالم ومركزية �أدواره يف احلياة االجتماعية‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫�أحدثت ثورة الإعالم يف العامل‬ ‫فعلها يف احلياة العربية �إن �سلب ًا من‬ ‫خالل الإمعان يف اخرتاق ن�سيجها‬ ‫االجـتـمـاعــــي–الـثـقـافـي– القيمي‬ ‫و�إن �إيجاب ًا من خالل التكيف مع‬ ‫حتدياتها‪.‬‬

‫الح�صاد‬

‫وال�سيا�سية والثقافية‪ .‬ويكاد هذا االهتمام‬ ‫ي�شكل‪ ،‬منذ مطالع عقد الت�سعين ّيات من القرن‬ ‫الع�رشين املا�ضي‪ ،‬واحداً من �أبرز ما ا�ستج َّد من‬ ‫معطيات ومتغريات على م�شهد احلياة الثقافية‬ ‫ٍ‬ ‫والفكرية يف الوطن العربي‪ .‬وهو �أم ٌر ي ّرب ُر ُه‬ ‫الأث ُر الكبري الذي كان لثورة الإعالم واالت�صال‬ ‫يف حياة الب�رشية املعا�رصة‪ ،‬وبخا�صة يف‬ ‫الع�رشين عام ًا الأخرية‪ ،‬وما جنم عنها من‬ ‫�إحداث ثورة �شاملة وعميقة يف مفاهيم املكان‬ ‫والزمان والتوا�صل ‪� ...‬إلخ‪ ،‬على نح ٍو تغيرَّ ت‬ ‫معه دالال ُتها التقليدية‪ .‬ولع َّل التح ُّول احلا�سم‬ ‫يف فاعلية الإعالم قد َح َ�صل يف امتداد حقائق‬ ‫ثالث (جديدة) متداخلة هي‪ :‬هيمنة املادة‬ ‫الإعالمية الب�رصية‪� ،‬أو هيمنة ال�صورة على‬ ‫املادة املكتوبة (�صحافة) وامل�سموعة (�إذاعة)؛‬ ‫ثم اال�ستثمار الناجح للثورة التكنولوجية‬ ‫اجلديدة من طريق �إطالق البث الإعالمي‬ ‫والتو�سع‬ ‫(التلفزيوين) عرب الف�ضاء اخلارجي‬ ‫ُّ‬ ‫فيه؛ و�أخرياً عوملة املعلومات (بعد عوملة‬ ‫ال�صورة) من طريق فتح احلدود �أمام تدفّق‬ ‫معلومات ال�شبكات الدولية لكل امل�ستهلكني‬ ‫يف العامل‪ .‬ومبقدار ما �س َم َحتِ احلقيقة الأوىل‬ ‫ب َك�سرْ حاجز اللغة بني املجتمعات وال�شعوب‬ ‫وتوحيد القدرة اال�ستقبالية للمعطى الإعالمي‬ ‫من طريق ال�صورة مبا هي لغة م�شرتكة عابرة‬ ‫�سمحت احلقيقتان‬ ‫حلدود اللغات املنطوقة‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫الثانية والثالثة بك�رس حاجز الرقابة على‬ ‫املادة الإعالمية (= الب�رصية) واملعلومات‬ ‫واالنتقال بهما �إىل حلظة االنت�شار اجلماهريي‬ ‫ين ال َع ِ�ص ّي على‬ ‫مدى يف املكان الكو ّ‬ ‫الأو�سع ً‬ ‫الرقابة وا َ‬ ‫َ‬ ‫جل ْم َركة الثقافية‪.‬‬ ‫و َّملا كانت �آثار ثور ُة الإعالم يف العامل قد‬ ‫َف َعلت ِف ْعلها يف احلياة العربية‪� ،‬سلب ًا‪ :‬من خالل‬ ‫الإمعان يف احرتاق ن�سيجه االجتماعي –‬ ‫القيمي‪ ،‬و�إيجاب ًا‪ :‬من خالل التك ُّيف‬ ‫الثقايف –‬ ‫ّ‬ ‫الإيجابي مع حتدياتها والدخول الف َّعال يف‬ ‫برنامج عملها بالإعالم الف�ضائي الذي �أُ ْح ِدث َْت‬ ‫م�ؤ�س�سا ُت ُه وبامل�شاركة املتعاظمة يف برامج‬ ‫الإنرتنت (�إنتاج ًا وا�ستهالك ًا)‪ ،...‬فقد �أتى ذلك‬

‫ك ُّله ي�شكّل حافزاً �إ�ضاف ّي ًا للمزيد من االهتمام‬ ‫الفكري العربي باملو�ضوع يف املنا�شط‬ ‫اجلماعية (امل�ؤمترات والن ْدوات واحللقات‬ ‫النقا�شية) كما يف جمال الكتابة والت�أليف‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من وفرة اللقاءات التي‬ ‫انعقدت لتناول هذا املو�ضوع‪ ،‬على مدار العام‬ ‫‪ ،2008‬فمن املهم التوقّف بالإ�شارة ال�رسيعة‬ ‫عنوان‬ ‫�أمام �أربعة منها تقع ماد ُتها حتت‬ ‫ٍ‬ ‫رئي�سي هو‪ :‬الإعالم والدميقراطية‬ ‫خ�ص�صت مكتبة‬ ‫َج ْري ًا على تقليد حمي ٍد‪َّ ،‬‬ ‫الإ�سكندرية م�ؤمترها اخلام�س للإ�صالح‬ ‫العربي ملو�ضوع الإعالم والدميقراطية‬ ‫وامل�س�ؤولية املجتمعية‪ ،‬الذي انعقد يف مركز‬ ‫امل�ؤمترات يوم ‪� 2‬آذار‪ /‬مار�س ‪ ،2008‬و�أري ّد‬ ‫به – بحوث ًا ومناق�شات – �أن يلقي �ضوءاً على‬ ‫الرهان الإعالمي يف عملية الإ�صالح والتنمية‬ ‫الدميقراطية‪ ،‬وعلى ات�صال جناح دوره التوعوي‬ ‫مبدى حيازة امل�رشوعية املعنوية القائمة‬ ‫على مبد�أ االلتزام االجتماعي واملهني‪ .‬ويف‬ ‫نطاق ذي �صلة‪ ،‬ولكن �أكرث تف�صي ًال‪ ،‬عقد مركز‬ ‫الدرا�سات ال�سيا�سية واال�سرتاتيجية (بالأهرام)‬ ‫ور�شة عمل حول دور الإعالم يف العملية‬ ‫االنتخابية بتاريخ ‪� 5‬آذار‪ /‬مار�س ‪ .2008‬ولأن‬ ‫ال�صحافة (املكتوبة) وا�سطة من و�سائط الإعالم‬ ‫ذات ت�أثري كبري‪ ،‬والتي مل َت ْ�سقُط مكان ُتها – و� ْإن‬ ‫مرئي كا�سح تخو�ض‬ ‫إعالم‬ ‫ْ‬ ‫تراجعت – �أمام � ٍ‬ ‫ّ‬ ‫معه مناف�سة �صعبة؛ ولأن املعار�ضة واح ٌد من‬ ‫�أه ّم مك ّونات امل�شهد الدميقراطي‪ ،‬بادرت مكتبة‬ ‫الإ�سكندرية �إىل تنظيم ندوة يف املو�ضوع حتت‬ ‫عنوان �إ�شكالية �صحافة املعار�ضة املعا�رصة‬ ‫يف ‪ 7‬حزيران‪ /‬يونيو ‪ 2008‬مبركز امل�ؤمترات‬ ‫يف املكتبة‪ .‬وكانت الندوة منا�سبة لت� ُّأمل‬ ‫مزدوج يف �أو�ضاع ال�صحافة (املكتوبة) من‬ ‫وجه‪ ،‬ويف �أو�ضاع خطاب املعار�ضة على نحو‬ ‫ما يق ّدم نف�سه �صحاف ّي ًا من وج ٍه ثان‪.‬‬ ‫و َّملا كان للدميقراطية ٌ‬ ‫حتتي عميق‬ ‫�رشط‬ ‫ٌّ‬ ‫هو ال�رشط الثقايف الذي من دونه ال ي�ستقيم‬ ‫لها �أمر‪� .‬أي ّملا كانت الدميقراطية‪ ،‬كعالقات‬ ‫�سيا�سية‪ ،‬تفرت�ض ثقاف ًة دميقراطية تكون لها‬

‫‪459‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 460‬للتنمية الثقافية‬

‫تنامت م�ساحة احلوار يف‬ ‫املجتمع العربي يف العام ‪,2008‬‬ ‫لكن ذلك مل يخل من ظواهر الت�شاجر‬ ‫والتجريح ال�شخ�صي‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫يطرح الت�سا�ؤل حول �إ�شكالية �آداب‬ ‫احلوار يف ثقافتنا املعا�رصة‪.‬‬

‫احلامل �أو الرافعة‪ ،‬وال�ضامن للر�سوخ‬ ‫يف مقام ِ‬ ‫واال�ستمرار‪ ،‬كان على التفكري يف �أو�ضاع‬ ‫الدميقراطية �أن يلحظ احلاجة �إىل التفكري يف‬ ‫ثقافتها‪ ،‬و َّملا كان جوهر الثقافة الدميقراطية‬ ‫(�أو ثقافة الدميقراطية) هو احلوار‪ :‬مبا هو تبا ُد ٌل‬ ‫ُ‬ ‫وتناظ ٌر و�إ�صغاء متبادل‪ ،‬فقد كان‬ ‫يف ُح ّر‪،‬‬ ‫معر ّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫من الطبيعي �أن ُتل َحظ �أهمية املو�ضوع و ُي ْف َرد‬ ‫له ح ِّي ٌز للتفكري اجلماعي‪ .‬على �أن الأه ّم يف‬ ‫املو�ضوع ذاك �أن ين�رصف التفكري �إىل �صلة‬ ‫الإعالم مب�س�ألة ثقافة احلوار‪� :‬إيجاب ًا و�سلب ًا‪.‬‬ ‫حام ٌل مم َّي ٌز‬ ‫ف�إذا كانتِ القاعد ُة �أن الإعالم ِ‬ ‫لهذه الثقافة وف�ضاء جماهري ّي ًا �أمث َل للتعبري‬ ‫عنها ون ْق ِلها �إىل �أو�سع قطاعات اجتماعية‪،‬‬ ‫ف�إن التجربة الإعالمية العربية املعا�رصة‬ ‫مل ُت ِق ْم دلي ًال كافي ًا على الوفاء بهذه القاعدة‪.‬‬ ‫ذلك �أن م�ساحات احلوار يف م�ؤ�س�ساتها ظلت‬ ‫�ضيقة وحمدودة‪ ،‬واملفتوح منها �أمامه لي�س‬ ‫حراً مبا يكفي‪ ،‬لكن املالحظ �أن بع�ض الربامج‬ ‫ّ‬ ‫التي �أتاحت م�ساحة كبرية من حرية الر�أي مل‬ ‫تخل على الرغم من ذلك من ظواهر الت�شاجر‬ ‫والتجريح ال�شخ�صي‪ ،‬الأمر الذي يطرح الت�سا�ؤل‬ ‫حول �إ�شكالية �آداب التحاور يف ثقافتنا‬ ‫املعا�رصة‪.‬‬ ‫يف ك ّل الأحوال‪ ،‬ومبعزل عن هذه‬ ‫التجاهل �أو‬ ‫االعتبارات (التي قد ال تقبل‬ ‫ُ‬ ‫الن�سيان)‪ ،‬كان التفكري يف ثقافة احلوار من‬ ‫مدخل الإعالم ودوره خياراً موفَّق ًا من مكتبة‬ ‫دعت �إليها َّ‬ ‫ونظمتها‬ ‫الإ�سكندرية يف الندوة التي ْ‬ ‫نف�سه الإعالم وثقافة احلوار‬ ‫حتت العنوان ِ‬ ‫بتاريخ ‪� 9‬شباط‪ /‬فرباير ‪ .2008‬وقد تكون‬ ‫ندوة فريدة يف بابها‪ ،‬ق َّل لها نظري على وفر ِة‬ ‫ما ُع ِقد من م�ؤمترات وندوات حول الإعالم يف‬ ‫هذا العام ويف الأعوام التي َ�س َب َق ْته‪ ،‬وعلى ِ�ش َّد ِة‬ ‫تخ�ص� ًصا وفائد ٍة و�أقل‬ ‫حاجتنا �إىل ن ْدوات �أكرث ُّ‬ ‫عمومية وا�ستهالكية يف جمال �أدوار الإعالم‬ ‫يف احلياة الدميقراطية‪.‬‬

‫يف النظام العربي‬

‫حال من املعاناة‬ ‫مل يكن النظام العربي يف ٍ‬ ‫ال�شديدة يف �أو�ضاعه الذاتية – يف كل تاريخه‬ ‫احلديث ومنذ قيام �أطره امل� َّؤ�س�سية يف منت�صف‬ ‫�أربعينيات القرن الع�رشين – كما هو عليه اليوم‬ ‫ُقدان للتما�سك �أمام ما ينهمر‬ ‫من َ�ض ْع ٍف وف ٍ‬ ‫حتديات من الداخل واخلارج‪ .‬ف�إىل‬ ‫عليه من‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫�أنه ما عاد ميلك ت�أثريا �سيا�س ّيا يف ما يجري‬ ‫من تطورات يف العامل ويف حميطه املبا�رش‬ ‫– على وفرة ما لديه من �أر�صدة قو ٍة مالية‬ ‫وطاقوية وب�رشية – ما عاد ميلك �أن يجرتح‬ ‫�سيا�س ًة دفاعية (باملعنى ال�شامل ال الع�سكري‬ ‫فح�سب) للح ّد من الآثار ال�سلبية الناجمة عن‬ ‫اندفاعة �سيا�سات خارجية �إىل قلبه وم�سا�سها‬ ‫ب�أمنه وم�صالح �شعوبه‪.‬‬ ‫ولع ّل احلالة ال�صحية الوحيدة للنظام‬ ‫العربي‪� ،‬أو التي َب َدا فيها هذا النظام‪ ،‬يف العام‬ ‫جناحه يف اال�ستيعاب الن�سبي لأزمة‬ ‫‪ ،2008‬هي ُ‬ ‫لبنان الداخلية امل�ستفحلة‪ ،‬ولكن بعد انفجارها‬ ‫اجلزئي يف ا�شتباكات ‪ 7‬و ‪� 8‬أيار‪ /‬مايو ‪2008‬‬ ‫يف بريوت واجلبل وال�شمال؛ وهو اال�ستيعاب‬ ‫الذي �أثمر «اتفاق الدوحة» الذي َر َع ْت ُه قطر على‬ ‫تفاه ِم �سعودي – �سوري على ت�سوية‬ ‫قاعد ِة ُ‬ ‫اخلالف اللبناين ب�صورة حتفظ التوازن ال�سيا�سي‬ ‫بني فريق ْيه (‪� 8‬آذار و ‪� 14‬آذار)‪ .‬ولقد كان ميكن‬ ‫�أن ُي ْبنَى على هذا النجاح لتوليد دينامية وفاق‬ ‫عربي ُينهي حالة اال�ستقطاب الداخلي‪ ،‬ويفتح‬ ‫َاهم‬ ‫�أفق ًا �أمام معاجلة عربية جماعية – ومتف َ‬ ‫عليها – للأزمة الداخلية الفل�سطينية‪ .‬لكن ذلك‬ ‫امتنع �أمره‪ ،‬بل زاد ال�شقاق ات�ساع ًا حني وجدتِ‬ ‫نف�سها يف غزة وحيد ًة – �إ ّال من‬ ‫املقاومة َ‬ ‫عربي قليل – يف مواجهة العدوان‬ ‫ِ‬ ‫بع�ض َ�س َن ٍد ٍّ‬ ‫الإ�رسائيلي‪.‬‬ ‫وال�ضعف‬ ‫من الطبيعي‪� ،‬أمام حال الت� ُآكل َّ‬ ‫يف النظام العربي‪� ،‬أن يظل الأخري مو�ضوع‬ ‫تفك ٍري وبحث من ِقبل النخب الثقافية‪ .‬وعلى‬ ‫ؤمترات‬ ‫الرغم من �أن العام ‪ 2008‬مل ي�شهد م� ٍ‬ ‫وات علمي ًة تعكف على مو�ضوع �أزمة‬ ‫�أو ن ْد ٍ‬ ‫النظام العربي �أو م�شكالته‪ ،‬مل َي ُف ْت ُه �أن يتابعه‬ ‫بالدرا�سة والبحث‪ .‬و�إذا ما تركنا جانب ًا ع�رشات‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫�شهد العام ‪ 2008‬بداية جدل‬ ‫حمتدم حول كيفية ممار�سة الدور‬ ‫الإقليمي العربي‪ ،‬وحول ما �إذا‬ ‫كانت الأدوار الإقليمية يف منطقتنا‬ ‫قد انتقلت من العرب �إىل قوى غري‬ ‫عربية‪.‬‬

‫الح�صاد‬

‫الدرا�سات واملقاالت التي ُن�شرِ َ ت – يف هذا‬ ‫الباب – يف جمالّت ر�صينة مثل امل�ستقبل‬ ‫العربي‪ ،‬وال�سيا�سة الدولية‪ ،‬و�ش�ؤون الأو�سط‪،‬‬ ‫و�ش�ؤون خليجية‪ ،‬واملجلة العربية للعلوم‬ ‫ال�سيا�سية و�سواها‪ ،‬و�رصفنا االهتمام �إىل‬ ‫امللفات اخلا�صة ‪� ،...‬سنجد �أن املجلة الأكرث‬ ‫ارتباط ًا بالنظام العربي وعناي ًة مب�سائله (لأنها‬ ‫واحدة من �أدواته الثقافية) – وهي جملة �ش�ؤون‬ ‫عربية – ك َّر َ�س ْت ملفَّني ملو�ضوع النظام العربي‬ ‫�ضمن �أعدادها ال�صادرة يف العام ‪ :2008‬العدد‬ ‫‪ 134‬ل�صيف العام ‪ ،2008‬والعدد ‪ 135‬خلريف‬ ‫العام نف�سه‪.‬‬ ‫يف العدد ‪َ ،135‬ح َمل امللف اخلا�ص‬ ‫عنوان ًا ا�ستفهام ّي ًا ذا داللة‪ :‬هل �سقطتِ االدوار‬ ‫الإقليمية من ح�سابات ال�سيا�سات العربية؟‪،‬‬ ‫وتناولت درا�سا ُته جمل ًة من امل�سائل املت�صلة‬ ‫ْ‬ ‫بال�س�ؤال الإ�شكايل الذي َت َع ْن َو َن به امللف‬ ‫كم�س�ألة ال�سيا�سات العربية جتاه بع�ض ق�ضايا‬ ‫املنطقة وما �إذا كانت متثل �أدواراً �أقليمية‬ ‫م�ؤثرة‪ ،‬وكيفية ممار�سة الدور الإقليمي العربي‬ ‫ا�ستقطاب داخلي بني «مت�ش ّددين»‬ ‫يف مناخ‬ ‫ٍ‬ ‫و «معتدلني»‪ ،‬وما �إذا كانت الأدوار الإقليمية‬ ‫يف منطقتنا قد انتقلت من العرب �إىل قوى غري‬ ‫عربية ‪� ...‬إلخ‪� .‬أما ملف العدد ‪ ،134‬فان�رصف‬ ‫�إىل البحث يف �إمكانية �إعادة بناء ر�ؤية عربية‬ ‫مما ع َّد ُه امللف‬ ‫جديدة من طريق تبديد جملة َّ‬ ‫مفاهيم ور�ؤى ملتب�سة‪ .‬وقد تناولت املواد‬ ‫املن�شورة حتت عنوان «الر�ؤى امللتب�سة» جملة‬ ‫من الق�ضايا من نوع العالقة بني العمل العربي‬ ‫امل�شرتك وم�ساحات ال�سيادة الوطنية املحفوظة‬ ‫فيه‪ ،‬وعالقة العرب باجلوار التاريخي الإيراين‬ ‫وباخلطر الإ�رسائيلي وما يكتنف هذه العالقة‬ ‫من التبا�سات يف بع�ض الوعي العربي‪،‬‬ ‫وم�ستقبل وجود النظام العربي يف �ضوء‬ ‫�أمناط حتالفاته اخلارجية القائمة‪� .‬أما املواد‬ ‫املن�شورة حتت عنوان املفاهيم الغام�ضة‪،‬‬ ‫فتناولت م�سائل خمتلفة مثل مفهوم الإرهاب‬ ‫ومفهومي التطرف‬ ‫وغمو�ض تعريفاته‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫�ضابط يف التداول‬ ‫واالعتدال ال�شائعينْ على غري‬ ‫ٍ‬

‫العربي‪ ،‬ومفهوم الأمن القومي ال�ضائع يف‬ ‫فو�ضى التحديات النظرية‪ ،‬واملقاومة و�سوى‬ ‫ذلك من امل�سائل‪ /‬املفاهيم‪.‬‬ ‫ومبقدار ما كان االهتمام بالنظام العربي‪،‬‬ ‫يف دائرته القومية الكلية‪ ،‬باهت ًا يف حراك‬ ‫العام ‪ 2008‬الثقايف ومل َي َت َع َّد نطاق ًا متوا�ضع ًا‬ ‫من التعبري عن نف�سه‪ ،‬مبقدار ما كان االهتمام‬ ‫باحل ّيزات الإقليمية من ذلك النظام �أ�ش َّد‬ ‫و� َ‬ ‫أكثف و�أ ْو َ�س َع م َدى‪ .‬ولع َّله من غري امل�ستغرب‬ ‫�أن ين�رصف االنتبا ُه �أكرث �إىل هذه احل ِّيزات‬ ‫الإقليمية لأنها � ْأظ َهر ح�ضوراً من النظام‬ ‫العربي العام‪ .‬على �أنه من ال َبينِّ �أن الإقليمي‬ ‫(الفرع َّي) يف النظام العربي �إمنا يكا ُد يعني‬ ‫ِ‬ ‫اليوم الإقليمي اخلليجي ح�رصاً َب ْع َد � ْأن َو َ�صل ْتَ‬ ‫جترب ُة «جمل�س التعاون العربي» �إىل نهايتها‬ ‫امل�أ�ساوية يف امتداد �أزمة اخلليج وحربه‬ ‫(خالل العامني ‪ 1990‬و ‪ ،)1991‬وبعد الف�شل‬ ‫الذريع الذي �أ�صاب الفكرة املغاربية ونظامها‬ ‫�سي («احتاد املغرب العربي»)‬ ‫الإقليمي امل� َّؤ�س ّ‬ ‫منذ العام ‪ :1993‬عقب «�أزمة لوكربي» وانفجار‬ ‫اخلالف املغربي – اجلزائري حول ق�ضية‬ ‫ال�صحراء‪.‬‬ ‫و�إذا كان �صمو ُد النظام اخلليجي –‬ ‫فرعي من النظام العربي – يف‬ ‫كنظام اقليمي‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫البقاء ح ّي ًا يف وجه عوا�صف دولية وعربية‬ ‫و�إقليمية عظمى (احلرب العراقية – الإيرانية‪،‬‬ ‫�أزمة اخلليج وحربه‪ ،‬غزو العراق‪ ،‬مت ُّدد النفوذ‬ ‫الإقليمي الإيراين‪ ،‬االنق�سام احلا ّد يف النظام‬ ‫العربي ‪ ،)..‬قد و َّف َر م ِّربراً ال�ستمرار االهتمام به‬ ‫وم�ستمر يف �أداء وظائفه الطبيعبة‪،‬‬ ‫حي‬ ‫ّ‬ ‫كنظام ّ‬ ‫ف�إن جناحاته املتعاقبة يف حتقيق االندماج‬ ‫الإقليمي‪ ،‬ومكانته يف االقت�صاد العاملي‬ ‫و�شبكة امل�صالح الدولية‪ ،‬كان لها – هي‬ ‫�أي� ًضا – دورها يف ت�شديد االهتمام به خليج ّي ًا‬ ‫وعرب ّي ًا (ودول ّي ًا) وخ�صو� ًصا يف �ضوء املكانة‬ ‫املتزايدة للطاقة يف االقت�صاد العاملي‪ .‬على‬ ‫م�شكالت داخلي ًة عديدة ُت�سهم بدورها يف‬ ‫�أن‬ ‫ٍ‬ ‫وح�صة‬ ‫ت�سليط ال�ضوء على اخلليج وم�ستقب ِله‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ح�صة‬ ‫اهتمام �أبناء املنطقة بها �أعلى من ّ‬ ‫ِ‬

‫‪461‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 462‬للتنمية الثقافية‬

‫التح ُّول االقت�صادي املت�سارع‬ ‫الذي حمل يف ركابه تغيرياً �شام ًال‬ ‫يف �أمناط احلياة واال�ستهالك‬ ‫والعالقة با ُمل ْن َت َجات املادية‬ ‫وال ِّتقَانية للثورة العلمية‪ ،‬مل يرا ِف ْق ُه‬ ‫حت ُّو ٌل يف منظومة القيم التي ظلت‬ ‫ُمنْ�ش َّد ًة �إىل املواريث االجتماعية‬ ‫والثقافية‪.‬‬

‫اهتمام غريهم يف هذا النطاق‪ .‬ولهذه الأ�سباب‬ ‫جميعها – ولغريها – كان يف حكم املفهوم‬ ‫�أن يحتل احل ّيز الإقليمي اخلليجي من النظام‬ ‫العربي م�ساح ًة كبرية من التفكري يف �أو�ضاع‬ ‫النظام العربي وم�ستقبله‪.‬‬ ‫وجدير بالر�صد‪ ،‬يف هذا الإطار‪ ،‬جملة من‬ ‫معطيات ا َ‬ ‫أو�ضاع‬ ‫حل َراك الفكري الذي كانت �‬ ‫ُ‬ ‫اخلليج مدا َر ُه – يف العام ‪ – 2008‬حتت عناوين‬ ‫ثالثة مرتابطة‪ :‬م�سائل داخلية يف النظام‬ ‫الإقليمي اخلليجي‪ ،‬و�أمن اخلليج العربي‪ ،‬ثم‬ ‫عالقات دول منظومة اخلليج العربي بالقوى‬ ‫اخلارجية ‪ -‬الدولية والإقليمية‪.‬‬ ‫حتت العنوان الأول‪ ،‬املتعلق مب�سائل‬ ‫ثالث من امل�سائل‬ ‫الداخل اخلليجي‪ُ ،‬ت َطال ُعنا ٌ‬ ‫ِ‬ ‫بع�ضها الثاين‬ ‫ال�شديدة الأهمية‪ ،‬يتعلق‬ ‫ُ‬ ‫مب�شكالت الرتكيبة والتوازن ال�سكان َّيينْ يف تلك‬ ‫البلدان‪ ،‬فيما يت�صل ثالثها بق�ضايا التخطيط‬ ‫والتنمية فيها‪:‬‬ ‫تغيريات عميق ًة يف‬ ‫�أحدثت الفورة النفطية‬ ‫ٍ‬ ‫احلياة االقت�صادية واالجتماعية ملجتمعات‬ ‫اخلليج انتقلت بها هذه الأخرية �إىل م�ستويات‬ ‫املادي عالية وقيا�سية يف �إيقاعها‬ ‫من التم ُّدن‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫الزمني مقارنة بغريها من البلدان العربية‬ ‫ومن بلدان العامل حديثة النم ّو‪ .‬لكن النتائج‬ ‫االقت�صادية واالجتماعية – اال�ستهالكية‬ ‫للطفرة النفطية مل تكن دائم ًا متنا�سبة مع‬ ‫النتائج التي ترتبت عنها (= الطفرة) على‬ ‫�صعيد منظومة القيم االجتماعية‪ .‬ذلك �أن‬ ‫التح ُّول االقت�صادي املت�سارع – وقد حمل‬ ‫يف ركابه تغيرياً �شام ًال يف �أمناط احلياة‬ ‫واال�ستهالك والعالقة با ُمل ْن َت َجات املادية‬ ‫وال ِّتقَانية للثورة العلمية – مل يرا ِف ْق ُه حت ُّو ٌل يف‬ ‫منظومة القيم التي ظلت ُمنْ�ش َّد ًة �إىل املواريث‬ ‫االجتماعية والثقافية‪ .‬وهكذا ظلت جمتمعات‬ ‫اخلليج ترزح حتت ثقل مفاعيل ازدواجي ٍة‬ ‫مندفع‬ ‫تقاطبي ٍة �صارخ ٍة‪ :‬بني َح َر ٍاك اقت�صادي‬ ‫ٍ‬ ‫نحو حدودة الق�صوى‪ ،‬وحمافظ ٍة اجتماعية‬ ‫– ثقافية – قيمية تعيد �إنتاج ا�ستمراريتها‬ ‫التاريخية‪ .‬هذه الظاهرة هي ما التقطها مركز‬

‫الإمارات للدرا�سات والبحوث اال�سرتاتيجية‬ ‫حني عقد م�ؤمتره ال�سنوي حتت عنوان اخلليج‬ ‫العربي بني املحافظة والتغيري (بتاريخ ‪31‬‬ ‫�آذار‪ /‬مار�س – ‪ 2‬ني�سان‪� /‬أبريل ‪ 2008‬يف مقر‬ ‫املركز) حماو ًال التفكري يف ظاهرة املراوحة‬ ‫هذه بني ديناميتينْ متعار�ضتني‪.‬‬ ‫ومثلما عانى اخلليج من �ضغط ظاهرة‬ ‫عدم التنا�سب �أو االختالل بني التغيري يف �أمناط‬ ‫احلياة واملحافظة يف منظومة العالقات‪ ،‬عانى‬ ‫– وال يزال – من �ضغط ظاهرة احتالل �سكاين‬ ‫لي�ست ح�سابية ( عددية)‪ ،‬و�إمنا هي اجتماعية‬ ‫وثقافية �أو ُق ْل تتولّد عنها نتائج وتبعات‬ ‫بات � ْأهل اخلليج ي�ست�شعرون‬ ‫من هذا النوع َ‬ ‫خطور َتها على هو ّية �أوطانهم‪ .‬ولقد كانت هذه‬ ‫امل�شكلة‪ ،‬وما تفر�ضه على الوعي اخلليجي من‬ ‫هواج�س‪ ،‬يف �أ�سا�س �إقدام مركز اخلليج للأبحاث‬ ‫على تنظيم حلقة نقا�شية يف املو�ضوع حتت‬ ‫عنوان الرتكيبة ال�سكانية يف دول جمل�س‬ ‫التعاون‪ :‬تنمية اقت�صادية �أم �أزمة اجتماعية؟‬ ‫(بتاريخ ‪� 14-13‬أيار‪ /‬مايو ‪ ،)2008‬وذلك ق�صد‬ ‫التفكري يف الكلفة االجتماعية الفادحة التي‬ ‫تدفعها دول اخلليج العربي لقاء حتقيق التنمية‬ ‫االقت�صادية!‬ ‫وجري ًا على تقلي ٍد َد َر َج عليه املعهد‬ ‫العربي للتخطيط يف متابعة �أو�ضاع وجتارب‬ ‫التخطيط التنموي يف البالد العربية‪ ،‬وانطالق ًا‬ ‫من مالحظة الرتاكم الناجح يف العالقات‬ ‫االقت�صادية الب ْينية يف منظومة دول اخلليج‬ ‫العربي‪ ،‬وبخا�صة يف م�سرية االندماج الإقليمي‬ ‫التدريجي وما يتطلبه مثل هذا االندماج من‬ ‫ا�سرتاتيجيات تنموية َّ‬ ‫خمططة (لقطاع الدولة‬ ‫وللقطاع اخلا�ص مع ًا)‪ ،‬نظّ م املعهد ور�شة عمل‬ ‫حتت عنوان واقع وم�ستقبل التخطيط بدول‬ ‫جمل�س التعاون اخلليجي �أيام ‪ 29-27‬حزيران‪/‬‬ ‫يونيو يف القاهرة‪ .‬وقد �سلطت الور�شة �ضوء‬ ‫اال�ستطالع والتحليل على �أو�ضاع �سيا�سات‬ ‫التخطيط يف اخلليج وعلى م�ستقبلها يف �ضوء‬ ‫الطموح الكبري لتحقيق االندماج االقت�صادي‬ ‫الإقليمي الكامل‪.‬‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫الح�صاد‬

‫و ُت َطا ِلعنا حتت العنوان الثاين‪ ،‬املتعلق‬ ‫ب�أمن اخلليج‪ ،‬م�س�أل َتان رئي�ستان هما وجهان‬ ‫من وجوه ق�ضية الأمن املتعددة العناوين‪،‬‬ ‫أوالهما يف نطاق الأمن اال�سرتاتيجي‬ ‫تندرج � ُ‬ ‫(يف �صورته الع�سكرية – الأمنية على نح ٍو‬ ‫خا�ص)‪ ،‬بينما تنتمي الثانية �إىل جمال الأمن‬ ‫االقت�صادي‪ .‬يف امل�س�ألة الأوىل ن�رشت املجلة‬ ‫العربية للعلوم ال�سيا�سية ملف ًا خا� ًصا حتت‬ ‫عنوان �أمن اخلليج (يف العدد ‪� 19‬صيف ‪)2008‬‬ ‫تناولت موا ُّده مفهوم الأمن من زاوية نظرية‬ ‫�ألقت �ضوءاً على معناه وم�ستوياته‪ ،‬واحلرب‬ ‫الأمريكية على العراق وما كان لها من تداعيات‬ ‫خطرية على �أمن منطقة اخلليج العربي حا�رضاً‬ ‫وم�ستقب ًال‪� .‬أما يف امل�س�ألة الثانية‪ ،‬فقد ن�رشت‬ ‫جملة التعاون يف عددها ال�ساد�س وال�ستني‬ ‫(كانون الأول‪ /‬دي�سمرب ‪� )2008‬أوراق عمل‬ ‫ندوة الأمن الغذائي يف دول جمل�س التعاول‬ ‫اخلليجي تناولت جملة من الأ�سئلة وامل�شكالت‬ ‫ذات ال�صلة مثل م�ستقبل الأمن الغذائي يف دول‬ ‫اخلليج العربي‪ ،‬و�سيا�سات مواجهة نق�ص الغذاء‬ ‫يف هذا الإقليم العربي‪ ،‬واال�ستثمار الزراعي‬ ‫امل�رصوف للجواب عن مع�ضلة الأمن الغذائي‬ ‫و�سواها من الق�ضايا‪.‬‬ ‫ولي�س من �شك يف �أن ارتفاع درجة االهتمام‬ ‫مب�س�ألة الأمن يف �إقليم اخلليج العربي‪ ،‬يف‬ ‫�أبعادها الع�سكرية – اال�سرتاتيجية والغذائية‪،‬‬ ‫له ما يبرّ ُره‪ .‬ف�إىل �أن منطقة اخلليج �شهدت‬ ‫– منذ قيام منظومة جمل�س التعاون – �سل�سلة‬ ‫من احلروب التي ه ّز ْت ا�ستقرارها وه َّددت‬ ‫�أمنها (و�آخرها حرب غزو العراق واحتالله)‪،‬‬ ‫نق�ص حا ّد يف الغذاء ب�سبب �ضعف‬ ‫تعاين من ٍ‬ ‫و�شح موارده الطبيعية‬ ‫فيها‬ ‫الزراعي‬ ‫القطاع‬ ‫ّ‬ ‫(البيئة والهيدروليكية) والكلفة الباهظة التي‬ ‫تدفعها اقت�صادات اخلليج لتخ�صيب الرتبة �أو‬ ‫للري الزراعي‪ .‬وكما‬ ‫ا�ستخراج املياه ال�صاحلة ّ‬ ‫�أن وعي �أبناء اخلليج ب�أن فكرة ا�سترياد الأمن‬ ‫(وقد ازدهرت بعد �أزمة الكويت يف العام ‪)1990‬‬ ‫أمن مبقدار ما تقود �إىل‬ ‫ال تقود �إىل ا�ستتباب � ٍ‬ ‫بات‬ ‫ا�ستباحته من القوى الأجنبية‪ ،‬كذلك وع ُيهم َ‬

‫حا ّداً ب� َّأن ِال�سترياد الغذاء وفقدان �أمنه تبعات‬ ‫على ا�ستقاللية القرار الوطني والإقليمي نف�سه‪.‬‬ ‫وهذا ما يف�سرّ تزا ُيد ن�سبة االهتمام باملو�ضوع‬ ‫لدى املثقفني و�صناع القرار وامل�ؤ�س�سات ذات‬ ‫العالقة يف اخلليج العربي‪.‬‬ ‫� ّأما حتت العنوان الثالث – امل َّت�صل‬ ‫بعالقات النظام الإقليمي اخلليجي بالعامل‬ ‫اخلارجي – ف ُت َطا ِل ُعنَا ثالث دوائر �إقليمية‬ ‫وعاملية وقَع االهتمام بها يف َح َراك العام‬ ‫‪ 2008‬الفكري هي‪ :‬الأمريكية والأوروبية‬ ‫والآ�سيوية مع ت�شدي ٍد على الأخرية ملحوظ‪.‬‬ ‫من حت�صيل احلا�صل القول �إن عالقات‬ ‫دول اخلليج العربي بالواليات املتحدة‬ ‫الأمريكية ذات �أبعاد ا�سرتاتيجية ب�سبب �أهمية‬ ‫هذه املنطقة بالن�سبة �إىل امل�صالح احليوية‬ ‫الأمريكية‪ ،‬وب�سبب ما باتت تنه�ض به دول‬ ‫هذا الإقليم العربي من �أدوار يف ال�سيا�سة‬ ‫الإقليمية منذ حرب �أكتوبر ‪ ،1973‬وبخا�صة‬ ‫منذ احلرب العراقية – الإيرانية يف �سنوات‬ ‫الثمانينيات‪ .‬ولأن هذه الأهمية ت�ضاعفت منذ‬ ‫احلروب الأمريكية يف املنطقة (على العراق‬ ‫خا�صة) عامي ‪ 1991‬و‪ 2003‬وما �أعقبها من‬ ‫احتالل و�إقامة ممتدة منذ �ست �سنوات ون�صف‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ومنذ ارتفاع �أ�سعار الطاقة وارتفاع الطلب‬ ‫العاملي عليها‪ ،‬ثم منذ اندالع الأزمة الأمريكية‬ ‫واخلليجية مع �إيران ب�سبب �سعيها حليازة قدر ٍة‬ ‫نووية‪ ،‬و�أخرياً منذ انطالق ال�ضغوط الأمريكية‬ ‫على دول اخلليج عقب �أحداث احلادي ع�رش من‬ ‫�أيلول‪� /‬سبتمرب ‪ ،... 2001‬كان من الطبيعي �أن‬ ‫يت�ضاعف االهتمام مب�ستقبل العالقات بني‬ ‫منظومة دول اخلليج والواليات املتحدة‪ .‬وهو‬ ‫ما تب َّينَت قرائنُه يف ال�سنوات ال�سبع املا�ضية‬ ‫من خالل �س ْيل امل�ؤمترات والندوات املنعقدة‬ ‫لهذا الغر�ض‪ .‬ويف االجتاه نف�سه َي�أتي م�ؤمتر‬ ‫العالقات الأمريكية – اخلليجية يف �ضوء‬ ‫مقاربة ا�سرتاتيجية جديدة الذي عقد ُه مركز‬ ‫اخلليج للأبحاث (يف ‪ 25-22‬ت�رشين الثاين‪/‬‬ ‫نوفمرب ‪ )2008‬ل ُيلقي �ضوءاً على �س�ؤال امل�ستقبل‬ ‫يف �ضوء م�شكالت العالقة اليوم‪ ،‬ول ُيحاول‬

‫‪463‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 464‬للتنمية الثقافية‬

‫عالقات دول اخلليج العربي‬ ‫مبنظومة االحتاد االوروبي ودوله‬ ‫ال َت ِق ّل متان ًة ور�سوخ ًا و�سعة عن‬ ‫عالقاتها بالواليات املتحدة‪� ،‬إ ّال‬ ‫�أنها دون الثانية �سيا�س ّياً‪ ،‬وهي‬ ‫اهتمام يف‬ ‫لذلك ال حتظى بكبري‬ ‫ٍ‬ ‫الن�شاطات الفكرية‪ ،‬التي تقوم بها‬ ‫امل�ؤ�س�سات البحثية املخت�صة‪,‬‬ ‫ومبا يوازي �أو يوازن االهتمام‬ ‫بالعالقات مع �أمريكا‪.‬‬

‫منط جديد من العالقة يرتجم ر�ؤية‬ ‫التفكري يف ٍ‬ ‫ا�سرتاتيجية قائمة على ال�رشاكة والتوزان‪.‬‬ ‫ومع �أن عالقات دول اخلليج العربي‬ ‫مبنظومة االحتاد الأوروبي ودوله ال َت ِق ّل‬ ‫متان ًة ور�سوخ ًا و�سعة عن عالقاتها بالواليات‬ ‫املتحدة – حتى ال نقول �إنها �أمنت و�أو�سع‬ ‫اقت�صاد ّي ًا وبرتول ّي ًا – �إ ّال �أنها دون الثانية‬ ‫اهتمام يف‬ ‫�سيا�س ّي ًا‪ ،‬وهي لذلك ال حتظى بكبري‬ ‫ٍ‬ ‫الن�شاطات الفكرية‪ ،‬التي تقوم بها امل�ؤ�س�سات‬ ‫البحثية املخت�صة‪ ,‬ومبا يوازي �أو يوازن‬ ‫االهتمام بالعالقات مع �أمريكا‪� ،‬أو – وهذا هو‬ ‫الأهم – مبا يوازي االهتمام الأوروبي باخلليج‬ ‫يف م�ؤ�س�سات الأبحاث والدرا�سات واملراكز‬ ‫العلمية اال�سرتاتيجية‪� ،‬أو يف ال�سيا�سات العليا‬ ‫لدول االحتاد الأوروبي‪ .‬على �أن العام ‪2008‬‬ ‫�شهد مبادرة فرن�سية – خليجية م�شرتكة‬ ‫هي عقد حلقة نقا�شية يف مو�ضوع «االحتاد‬ ‫الأوروبي ودول جمل�س التعاون اخلليجي‪:‬‬ ‫التحديات والآفاق يف ظل رئا�سة فرن�سا لالحتاد‬ ‫الأوروبي» دعا �إليها مركز اخلليج للأبحاث‪،‬‬ ‫بتاريخ ‪� 21‬أيار‪ /‬مايو ‪ ،2008‬بالتعاون مع‬ ‫معهد الدرا�سات ال�سيا�سة يف باري�س ورعاي ٍة‬ ‫من وزارة اخلارجية الفرن�سية‪.‬‬ ‫ويبقى االهتمام اخلليجي باملحيط‬ ‫الآ�سيوي كبرياً لع َّد ِة �أ�سباب منها ات�صاله‬ ‫املبا�رش به‪ :‬جغراف ّي ًا واقت�صاد ّي ًا وب�رش ّي ًا‪،‬‬ ‫ووجود كتلة ب�رشية هائلة من اليد العاملة‬ ‫الآ�سيوية يف بلدانه‪ ،‬وتنامي عالقاته التجارية‬ ‫بالدول الكربى فيه (اليابان‪ ،‬الهند‪ ،‬ال�صني‪،‬‬ ‫كوريا اجلنوبية ‪ ،)...‬ناهيك مبا يثري ُه االختالل‬ ‫ال�سكاين يف بلدان اخلليج ل�صالح العمالة‬ ‫الآ�سيوية الوافدة من م�شكالت ع ّدة على حا�رضه‬ ‫وم�ستقبله وهوية جمتمعاته‪ .‬جند متثي ًال لهذا‬ ‫االهتمام‪ ،‬يف نطاق معطيات ح�صاد العام‬ ‫‪ ،2008‬يف ثالث حلقات نقا�شية ع ِقدت لهذا‬ ‫الغر�ض من قبل مركز اخلليج للأبحاث‪� ،‬أولها‬ ‫مو�ضوع �أع ّم هو التحديات التي تواجه‬ ‫يف‬ ‫ٍ‬ ‫التو�سع االقت�صادي امل�ستدام يف دول جمل�س‬ ‫التعاون‪ :‬العالقات مع �آ�سيا وتبعاتها الإيجابية‬

‫املحتملة وقد عقدت بتاريخ ‪ 30‬كانون الثاين‪/‬‬ ‫يناير ‪ .2008‬وثانيها يف مو�ضوع �أقليمي فرعي‬ ‫من �آ�سيا يتناول العالقات بني منطقة اخلليج‬ ‫و�رشق �أ�سيا‪ ،‬وعقدت بتاريخ ‪ 23-22‬ت�رشين‬ ‫الأول‪� /‬أكتوبر ‪ّ � .2008‬أما ثالثها‪ ،‬ففي مو�ضوع‬ ‫�أكرث تخ�صي� ًصا يتعلق بـ العالقات اخلليجية‬ ‫– الهندية‪ ،‬وقد عقدت بتاريخ ‪ 13-12‬ت�رشين‬ ‫الثاين‪ /‬نوفمرب ‪.2008‬‬ ‫يت�صل مب�سائل النظام العربي‪ ،‬يف �صورته‬ ‫ال�شاملة ويف نطاقاته الإقليمية الفرعية‪ ،‬ما‬ ‫يح�صل من متغريات �أو ما يجري تنفيذه من‬ ‫�سيا�سات يف نطاق النظام الدويل‪ ،‬وبخا�صة‬ ‫ما له �صلة ما – مبا�رشة �أو غري مبا�رشة‬ ‫– بالأو�ضاع يف الوطن العربي‪ .‬وهو ما َو َق َع‬ ‫بع�ض االهتمام به‪ ،‬و�إن ب�شكل حمدود‪ ،‬خالل‬ ‫العام ‪.2008‬‬

‫النظام العاملي وت�أثريا ُت ُه عرب ّي ًا‬

‫منذ َد َخل النظام الدويل طور حت ّوالت‬ ‫عميق ٍة �أطلقت �سيول َة َح َر ٍاك فيه‪ ،‬وبخا�صة‬ ‫تلك التي كانت �آثا ُرها تلقي بنتائجها على‬ ‫الأو�ضاع العربية‪ .‬وما �ش َّد االهتمام باملو�ضوع‬ ‫عي ِن ِه يف العام ‪ 2008‬عن االهتمام به يف‬ ‫الأعوام ال�سابقة و� ْإن على نح ٍو �أق ّل يف الكثافة‪.‬‬ ‫مما تناول ْت ُه �أقالم ومناق�شات‬ ‫ويف جملة كث ٍري ّ‬ ‫النخبة العربية املهتمة بهذا ال�ش�أن من م�سائل‪،‬‬ ‫ميكن الوقوف عند �أربع منها ذات �أهمية‪ ،‬يت�صل‬ ‫بع�ضها بامل�ستج ّد واحلادث يف جمرى تطورات‬ ‫ُ‬ ‫النظام الدويل يف الفرتة الأخرية؛ ويتعلق‬ ‫إ�شكاليات جديدة بد�أت تفر�ض‬ ‫بع�ضها الثاين ب�‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫نف�سها على الناظر يف لوحة معطيات هذا‬ ‫النظام ومالحمه ودينامياته اجلديدة؛ ويتعلق‬ ‫بع�ضها الثالث بدور م�ؤ�س�سات النظام الدويل‬ ‫جتاه الأزمات وال�رصاعات الإقليمية املزمنة؛‬ ‫بع�ضها الرابع مبا حتتله مناطق‬ ‫ثم يتعلق ُ‬ ‫بعينها من العامل من مكانة يف اال�سرتاتيجيات‬ ‫الدولية‪.‬‬ ‫يف الطارئ وامل�س َتجد من الأو�ضاع يف‬ ‫النظام العاملي يف الن�صف الثاين من العام‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫من �أكرث ما م َّيز االهتمام‬ ‫الفكري العربي بالنظام الدويل هذا‬ ‫العام انتباهه �إىل مو�ضوع املجتمع‬ ‫املدين على ال�صعيد العاملي وموقع‬ ‫م�س�ألة التنمية يف ن�شاطات قوا ُه‬ ‫وم�ؤ�س�ساته‪ .‬وتنا ُو ِل جتارب جمتمع‬ ‫– مدنية يف �إدارة م�رشوعات‬ ‫تنموية يف العامل‪.‬‬

‫الح�صاد‬

‫‪ ،2008‬ن�رشت جملة �ش�ؤون عربية (يف عددها الـ‬ ‫‪ :135‬خريف ‪ )2008‬ملف ًا حتت عنوان تطورات‬ ‫دولية جديدة وتداعياتها على املنطقة ت�ض ّمن‬ ‫درا�سات ثالث ًا حول �أحداث القوقاز وت�أثرياتها‬ ‫اال�سرتاتيجية وما ع َن ْته من انتقال من حقبة‬ ‫الأيديولوجيا �إىل حقائق اجلغرافيا ال�سيا�سية؛‬ ‫وال�سيا�سة اخلارجية الأمريكية حلقبة ما بعد‬ ‫بو�ش واملحافظني اجلدد واحتماالتها يف‬ ‫املنطقة العربية؛ ثم ق�ضايا احلوار واجلوار‬ ‫بني �أوروبا والعرب يف �ضوء قيام االحتاد من‬ ‫�أجل املتو�سط‪ .‬ومع �أن هذه التطورات طارئة‬ ‫وم�ستج َّدة‪ ،‬فقد و�ضعناها �ضمن نطاق «الأ�سئلة‬ ‫َ‬ ‫امل�ألوفة»‪ .‬ذلك �أن الوعي العربي َد َر َج على‬ ‫متابعة مثل هذه املتغريات وتناولها بالر�صد‬ ‫والتحليل بح�سبانها عنا�رص جديدة �ضمن بنية‬ ‫النظام الدويل‪.‬‬ ‫وقد يكون من �أكرث ما م َّيز االهتمام الفكري‬ ‫العربي بالنظام الدويل هذا العام انتباهه �إىل‬ ‫مو�ضوع املجتمع املدين على ال�صعيد العاملي‬ ‫وموقع م�س�ألة التنمية يف ن�شاطات قوا ُه‬ ‫وم�ؤ�س�ساته‪ .‬ومل يكن جديداً مثل هذا االن�شغال‬ ‫منه بدور املجتمع املدين وتنامي ت�أثرياته‬ ‫على ال�صعيد الكوين‪ ،‬و�إمنا كان االن�رصاف �إىل‬ ‫م�س�ألة التنمية يف عمل ذلك املجتمع املدين هو‬ ‫الذي يدعو �إىل الت�سجيل واالعتبار‪ .‬ولقد كر�ست‬ ‫جملة ال�سيا�سة الدولية لهذا الغر�ض ملف ًا خا� ًصا‬ ‫حتت عنوان‪ :‬املجتمع املدين العاملي وق�ضية‬ ‫التنمية (العدد ‪ ،174‬ت�رشين الأول‪� /‬أكتوبر‬ ‫‪ )2008‬تناولت موا ُّد ُه جمل ًة من املو�ضوعات‬ ‫ترتاوح بني ال�س�ؤال الإ�شكايل مبفردات عامة‬ ‫عن م�س�ألة العالقة تلك (= بني املجتمع املدين‬ ‫العاملي والتنمية)‪ ،‬وعن �أثر املجتمع املدين‬ ‫يف �إعادة بناء العقد االجتماعي‪ ،‬وبني تنا ُو ِل‬ ‫جتارب جمتمع – مدنية يف �إدارة م�رشوعات‬ ‫تنموية يف العامل‪ :‬يف �أفريقيا و�أمريكا الالتينية‬ ‫والوطن العربي‪ ،‬مروراً مب�سائ َل ذات اعتبار يف‬ ‫هذا ال�ش�أن من قبيل �صلة نظام الوقف الإ�سالمي‬ ‫مب�ؤ�س�سات املجتمع املدين وعمله وما يعتور‬ ‫تلك ال�صلة من م�شكالت على مثال م�شكلة‬

‫التمويل‪ ،‬ومن قبيل امل�س�ؤولية االجتماعية‬ ‫لرجال الأعمال و�سوى تلك من امل�سائل‪.‬‬ ‫ولأهمية ق�ضايا ما ي�س َّمى بـ «ال�رشق‬ ‫الأو�سط» (= الوطن العربي وجواره الإقليمي‬ ‫الآ�سيوي) يف تقرير م�ستقبل الأمن واال�ستقرار‬ ‫يف املنطقة والعامل؛ وللدور املركزي الذي‬ ‫ت�ضطلع به الأمم املتحدة – �أو الذي ُي ْفترَ َ �ض �أن‬ ‫ت�ضطلع به – يف مقاربة �أ ْزمات هذه املنطقة‬ ‫على مقت�ضى املعاجلة وا َ‬ ‫حل ّل (وهو املتعذّر حتى‬ ‫الآن)‪� ،‬أو على مقت�ضى الإدارة‪� :‬إدارة الأ ْزمات‬ ‫(وهو املمكن واجلاري)‪ ،‬ن�رشت جملة �ش�ؤون‬ ‫الأو�سط يف عددها الـ ‪�( 129‬صيف ‪ )2008‬ملف ًا‬ ‫خا� ًصا باملو�ضوع حتت عنوان الأمم املتحدة‬ ‫وال�رشق الأو�سط‪ .‬وقد اهتمت موا ُّده مب�سائل‬ ‫حديث‬ ‫وبع�ضها‬ ‫بع�ضها ُمزم ٌن يف الت�أ ُّزم‬ ‫ُ‬ ‫�أربع ُ‬ ‫ُ‬ ‫عه ٍد بذلك هي‪� :‬أزمة لبنان يف �سياق القرارات‬ ‫الدولية اخلا�صة بها‪ ،‬و�أزمتا دارفور والعراق‬ ‫يف القانون الدويل‪ ،‬والدولة الفل�سطينية �أمام‬ ‫القانون الدويل‪ ،‬ثم الربنامج النووي الإيراين‬ ‫يف امتداد القرارات الدولية اخلا�صة به‪ .‬وعلى‬ ‫الزمني‪،‬‬ ‫أازمات يف االمتداد‬ ‫تفا ُوت بني هذه ال ْ‬ ‫ّ‬ ‫ف�إن ح َّد َتها وراهني َتها تكاد تكون واحدة يف‬ ‫الوزن والت�أثري‪.‬‬ ‫وعلى مثال احل ّيز الذي �شغلته منطقة‬ ‫اخلليج العربي وق�ضاياها يف االهتمام الفكري‬ ‫ب�ش�ؤون النظام العربي �شغلت املنطق ُة �إياها‬ ‫بع�ض االهتمام بالنظام الدويل وت�أثريات‬ ‫معطياته وتطويراته يف الوطن العربي‪ .‬فتحت‬ ‫عنوان اخلليج يف اال�سرتاتيجيات الدولية‪،‬‬ ‫ن�رشت جملة �ش�ؤون خليجية – يف عددها ‪:52‬‬ ‫خا�ص ًا تناولت فيه درا�سا ُته‬ ‫�شتاء ‪ – 2008‬مل َّف ًا ّ‬ ‫بالعر�ض والتحليل ثالث ًا من اال�سرتاتيجيات‬ ‫الدولية الكربى وما يحتله اخلليج �ضمنها‬ ‫من مكانة‪ .‬ويتعلق الأمر فيها باال�سرتاتيجية‬ ‫الأمريكية‪ ،‬وا�سرتاتيجية القوى الآ�سيوية‬ ‫– ورو�سيا يف جملتها ‪ ،-‬ثم اال�سرتاتيجية‬ ‫الأوروبية‪� .‬أي – بعبارة �أدق – يتعلق‬ ‫با�سرتاتيجيات �أه ّم القوى الدولية ذات الت�أثري‬ ‫والتي ي�شكل اخلليج‪ ،‬برثواته وموقعه اجليو‬

‫‪465‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 466‬للتنمية الثقافية‬

‫– �سيا�سي والأزمات املتالحقة التي �أملت به‬ ‫منذ مطلع الثمانينيات‪ ،‬هاج�س ًا من هواج�سها‬ ‫الأمنية واالقت�صادية الكبرية‪.‬‬

‫ق�ضية فل�سطني‬

‫نكبة ‪ 48‬ما تزال ت�ستوطن الذاكرة‬ ‫(الفل�سطينية والعربية)‪ ،‬واالعرتاف‬ ‫ال�سيا�سي (اال�ضطراري) مبا نجَ َ م عنها‬ ‫َّ‬ ‫نف�سي‬ ‫اعرتاف‬ ‫من وقائع مل ُي َوا ِز ِه‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫دليل‬ ‫ي�سِ لّم بالأمر الواقع‪ ،‬ويف ذلك ٍ‬ ‫على �صورةٍ ما من ُ�ص َو ِر مقاومة ذلك‬ ‫رمزي‪.‬‬ ‫الأمر الواقع ولو على نح ٍو‬ ‫ّ‬

‫ا�ستمرتِ الق�ضية هذه �أ َّم الق�ضايا يف‬ ‫الوعي ال�سيا�سي العربي منذ عقود‪ ،‬ومل يرتاجع‬ ‫االهتمام بها حتى حينما كانت تطفو على‬ ‫ال�سطح ق�ضايا متفجرة جديدة يف املنطقة‬ ‫مثل احلرب العراقية – الإيرانية وغزو العراق‬ ‫وغزو �أفغان�ستان وانفجار الأزمة اللبنانية ‪...‬‬ ‫�إلخ‪ .‬ومع �أن ن�سبة التفكري ال�سيا�سي يف �ش�أن‬ ‫ق�ضية فل�سطني هزيلة وال تكاد ُتذ َْكر �أمام ن�سبة‬ ‫املتابعة الإعالمية وال�صحفية لها (الأمر الذي‬ ‫يعني �أن امل�س�ألة انتقلت من �إطارها الإ�شكايل‬ ‫�إىل جم َّرد َخبرَ !)‪ ،‬ف�إن ن�سبة هذا الهزيل من‬ ‫االهتمام‪ ،‬يف الت�أليف وامل�ؤمترات والندوات‬ ‫واحللقات النقا�شية ومن�شورات مراكز الدرا�سات‪،‬‬ ‫�أعلى من غريها من ن�سب االهتمام الفكري‬ ‫بق�ضايا �سيا�سية �أخرى (ما َخ َال الدميقراطية)‪.‬‬ ‫وهو ما ُي ْط ِل ُعنا على حقيقة ما حتتله الق�ضية‬ ‫(�أو ما فتئت حتتله) يف تفكري النخب العربية‬ ‫ويف رهانات التغيري والتقدم لديها على الرغم‬ ‫تالحق الهزائم والنكبات و�إطباق الظالم‬ ‫من ُ‬ ‫الدام�س على اللحظة والأفق‪.‬‬ ‫مل يكن كثرياً ما تحَ ََّ�صل يف ح�صاد العام‬ ‫‪ 2008‬الثقايف من مقاربة هذا املو�ضوع‪ .‬غري‬ ‫حم�ض‬ ‫�أن املتوفّر منه – وهو يف ما �سيلي‬ ‫ُ‬ ‫ع ّينة متثيلية – يكفي ِل ُي ِبني �ش ّدة االن�شغال‬ ‫به يف �أو�ساط املثقفني والباحثني العرب‪ .‬و�إن‬ ‫نحن �ألقينا نظراً على عناوين امل�سائل التي‬ ‫َوقَع التفكري فيها واال�شتغال عليها‪� ،‬أ ْلفينا‬ ‫ثالث ًا منها الأظهر‪ :‬ذكرى النكبة (يف عامها‬ ‫ال�ستني)‪ ،‬والق�ضايا الأ�سا�س يف جدول �أعمال‬ ‫حق تقرير امل�صري الوطني‪ ،‬ثم الأفق املمكن �أو‬ ‫املمتنع للح ّل ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫ال�ستني عام ًا وحدها ما‬ ‫مل تكن «م�صادفة» ّ‬ ‫ب َّرر االلتفات �إىل مو�ضوع النكبة‪ ،‬بح�سبانها من‬ ‫مفردات ال�سيا�سة والفكر ال�سيا�سي‪ ،‬وهي مبد�أ‬

‫تف�سري كثري من �إع�ضاالت واقع العرب املعا�رص‬ ‫ناهيك مب�أ�ساة �أهل فل�سطني املمتدة يف الزمان‬ ‫من غري انقطاع‪ .‬غري �أن حلول ذكراها ين ّبه‬ ‫الوعي العربي �إىل �أن ا�ستمرار مفاعيلها يف‬ ‫جناح‬ ‫الزمن على مدى ِجيلينْ من دون �إحراز ٍ‬ ‫يف حت�صيل احل ّد الأدنى من احلقوق الوطنية‬ ‫لأولئك الذين وقعت عليهم‪ ،‬بل حتى من دون‬ ‫القدرة على حماية ما تبقى من تلك احلقوق‬ ‫من التبديد‪ ،‬وحماية �شعب فل�سطني من القمع‬ ‫والعدوان اليومي واغت�صاب الأر�ض والتهويد ‪...‬‬ ‫�إلخ‪� ،‬إمنا تدفع بالأو�ضاع يف املنطقة �إىل مزيد‬ ‫من ال�رصاعات والت�أزم (على نحو ما ح�صل يف‬ ‫نهاية العام ‪ 2008‬يف حرب غزة)‪ ،‬و�إىل مزي ٍد‬ ‫من االنق�سام العربي حيال املوقف اجلاري يف‬ ‫فل�سطني‪ .‬غري �أن �أكرث ما ميكن �أن يكون دا ًّال‬ ‫يف �ش�أن االهتمام بالنكبة وذكراها‪� .‬أن هذا‬ ‫االهتمام ي ُد ُّلنا – و� ْإن على نح ٍو غ ِري مبا�رش‬ ‫– على �أن نكبة ‪ 48‬ما تزال ت�ستوطن الذاكرة‬ ‫ال�سيا�سي‬ ‫(الفل�سطينية والعربية)‪ ،‬و�أن االعرتاف‬ ‫َّ‬ ‫(اال�ضطراري) مبا نجَ َ م عنها من وقائع (= قيام‬ ‫ي�سلّم‬ ‫اعرتاف‬ ‫الدولة العبرْ ية) مل ُي َوا ِز ِه‬ ‫ٌ‬ ‫نف�سي ِ‬ ‫ّ‬ ‫لدليل على �صور ٍة‬ ‫بالأمر الواقع‪ ،‬و�أن يف ذلك ٍ‬ ‫ما من ُ�ص َو ِر مقاومة ذلك الأمر الواقع ولو على‬ ‫رمزي‪.‬‬ ‫نح ٍو ّ‬ ‫وعلى وفر ِة ما ُك ِت َب وا ْن ُتد َِي حوله يف‬ ‫املنا�سبة‪ ،‬نقف بالإ�شارة ال�رسيعة على‬ ‫فاعليتينْ ثَقافيتينْ يف املو�ضوع‪� ،‬أوالهما‬ ‫ومتثلت يف ندو ٍة عقدها مركز الإمارات‬ ‫للدرا�سات والبحوث اال�سرتاتيجية حتت عنوان‬ ‫�ستون عام ًا على نكبة فل�سطني يف مبنى مركز‬ ‫الإمارات يف �أبو ظبي (بتاريخ ‪ 17‬حزيران‪/‬‬ ‫يونيو ‪ .)2008‬وثانيهما ومتثلت يف ن�رش ملف‬ ‫خا�ص عن النكبة يف جملة ال�سيا�سة الدولية‬ ‫حتت عنوان �ستة عقود على ن�ش�أة �إ�رسائيل ‪...‬‬ ‫مع�ضالت ال�سيا�سية والأمن والدميغرافيا‪ .‬وفيما‬ ‫�أطلّت وقائع ندوة مركز الإمارات على م�ساحة‬ ‫وا�سعة من امل�شكالت التي �أطلقتها نكبة العام‬ ‫‪ 1948‬وقيام دولة �إ�رسائيل يف نطاقات خمتلفة‬ ‫ومتعددة‪ ،‬ان�رصف ملف ال�سيا�سة الدولية �إىل‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫الأ�سا�س يف مداوالت هذا اليوم الدرا�سي‪ .‬وهو‬ ‫الأمر الذي ال حتتاج مركزي ُته �إىل تف�سري بالنظر‬ ‫�إىل قدمه (�أكرث من �ستني عام ًا) و�إىل �أعداد َمن‬ ‫�أ�صاب ْت ُهم نتائجه (�ستة ماليني من الب�رش هم‬ ‫ثلثا �شعب فل�سطني عدداً!)‪.‬‬ ‫وثانيها تكري�س جملة الدرا�سات‬ ‫الفل�سطينية‪ ،‬ال�صادرة عن م� ّؤ�س�سة الدرا�سات‬ ‫خا�ص ًا‬ ‫الفل�سطينية (مقرها يف بريوت) ملف ًا‬ ‫ّ‬ ‫بالقد�س حتت عنوان ملف القد�س (املجلد‬ ‫تكري�س‬ ‫‪ ،19‬العدد ‪� ،73‬شتاء ‪ .)2008‬وثالثها‬ ‫ُ‬ ‫خا�ص ًا باملو�ضوع عي ِنه‬ ‫املجلة نف�سها ملف ًا‬ ‫ّ‬ ‫يف عددها ال�ساد�س وال�سبعني (خريف ‪.)2008‬‬ ‫ويف امللفني مع ًا درا�سات حول ال�رصاع يف‬ ‫�ش�أن تاريخ القد�س‪ ،‬و�آثارها وما تتعر�ض له‬ ‫من نهب بجدار الف�صل والتنقيب غري امل�رشوع‬ ‫وجتارة الآثار و�سوى ذلك‪.‬‬ ‫�أما يف امل�س�ألة الثالثة وعليها‪ ،‬فقد عقد‬ ‫مركز درا�سات الوحدة العربية يف بريوت حلقة‬ ‫نقا�شية حتت عنوان هل من �أفق لفل�سطني؟‪،‬‬ ‫بتاريخ ‪ 9‬ت�رشين الثاين‪ /‬نوفمرب ‪ ،2008‬ناق�ش‬ ‫مو�سعة ق َّدمها د‪.‬‬ ‫امل�شاركون فيها ورقة عمل َّ‬ ‫عزمي ب�شارة يف املو�ضوع و�أثارت �أ�سئلة على‬ ‫درج ٍة كبرية من اال�ست�شكال الداعي �إىل الت� ّأمل‪.‬‬ ‫مما تو َّق َع ْته الورقة‬ ‫وكان املثري �أن الكثري ّ‬ ‫(املح َّر َرة يف ت�رشين الأول‪� /‬أكتوبر واملعرو�ضة‬ ‫على املناق�شة يف ت�رشين الثاين‪ /‬نوفمرب)‬ ‫َح َ�صل فع ًال بعد �شهر ون�صف‪ :‬يف نهاية العام‬ ‫‪ 2008‬مبنا�سبة احلرب الإ�رسائيلية على غزة‪،‬‬ ‫تفاعل‬ ‫الأمر الذي يقو ُم به دلي ٌل على ُح ْ�سن ُ‬ ‫الوعي العربي مع معطيات الو�ضع الفل�سطيني‬ ‫وال�رصاع العربي – الإ�رسائيلي‪.‬‬

‫الح�صاد‬

‫التفكري يف احل ِّيز الإ�رسائيلي ح�رصاً باحث ًا‬ ‫يف �أ�سئلة ومو�ضوعات من قبيل ما تبقّى من‬ ‫ال�صهيونية‪ ،‬وقوة �إ�رسائيل بني نظريات‬ ‫الأمن ونتائج احلروب‪ ،‬و�إ�شكالية اجلغرافيا‬ ‫والدميوغرافيا يف �إ�رسائيل‪ ،‬وتطور النظام‬ ‫ال�سيا�سي فيها‪ ،‬و�أو�ضاع العلم والتكنولوجيا‬ ‫فيها‪ ،‬ور�ؤاها لعملية الت�سوية ‪...‬‬ ‫وعلى مثال االن�شغال بالنكبة‪ ،‬كان‬ ‫االن�شغال بالق�ضايا الأ�سا�س يف م�س�ألة حق‬ ‫تقرير امل�صري الوطني‪ ،‬وبخا�صة منها ق�ضية‬ ‫القد�س وق�ضية الالجئني‪ .‬وكما �أنه ما كان‬ ‫ان�شغ ً‬ ‫ألوف ومعدو ٌد‬ ‫اال جديداً �أو م�ستج ّداً‪ ،‬بل م� ٌ‬ ‫يف املعتاد واجلاري‪ ،‬ف�إنه ما كان م�ستغرب ًا‬ ‫يف الوقتِ نف�س ِه � ْإن �أخذنا يف احل�سبان ظروف‬ ‫التعبري عنه‪ ،‬والتي يقع العام ‪� 2008‬ضمن‬ ‫�سياقاتها‪ .‬فلقد ت�ضاعفت درج ُة االهتجا�س‬ ‫(خ�صو�صا يف اجلوار‬ ‫الفل�سطيني والعربي‬ ‫ً‬ ‫العربي لفل�سطني ويف لبنان على نحو خا�ص)‬ ‫مب�ستقبل ق�ضية الالجئني يف امتداد الرف�ض‬ ‫الإ�رسائيلي القاطع لالعرتاف باحلق يف العودة‪.‬‬ ‫ت�ضاعف اخلوف على م�ستقبل عروبة‬ ‫مثلما‬ ‫َ‬ ‫القد�س نتيجة �سيا�سات التهويد وم�صادرة‬ ‫الأرا�ضي واال�ستيطان وعزلها الكامل عن‬ ‫امتدادها اجلغرايف وال�سكاين يف ال�ضفة الغربية‪.‬‬ ‫ون�شري – يف هذا املعر�ض – �إىل ثالث فعاليات‬ ‫ثقافية تناولت هذه امل�سائل يف العام ‪.2008‬‬ ‫يوم درا�سي يف مو�ضوع ق�ضية‬ ‫�أوالها عقد ٍ‬ ‫الالجئني من طرف جمعية الدرا�سات الدولية‬ ‫(ومقرها يف تون�س) بالتعاون مع «املفو�ضية‬ ‫ال�سامية ل�ش�ؤون الالجئني» بتاريخ ‪ 24‬ت�رشين‬ ‫الأول‪� /‬أكتوبر ‪ ،2008‬تناولت �أ�شغاله �أو�ضاع‬ ‫الالجئني يف �ضوء احلاجة �إىل معاجلتها وفق‬ ‫القانون الدويل والقرارات اخلا�صة‪ ،‬كما يف‬ ‫�ضوء احلاجة �إىل املعاجلة الفورية جلوانبها‬ ‫الإن�سانية املتفاقمة اليوم‪ .‬ومع �أن ق�ضية‬ ‫الالجئني اليوم مل تعد فل�سطينية فح�سب‪ ،‬بعد‬ ‫�أن تع ّددت عناوينها (البوروندية والرواندية‬ ‫وال�صومالية وال�سودانية والعراقية ‪� ،)...‬إال �أن‬ ‫اللجوء الفل�سطيني وم�شكالته املتعاظمة كان‬

‫‪467‬‬

‫العروبة والإ�سالم‬

‫ربمّا كان التفكري يف جدلية العالقة بني‬ ‫العروبة (القومية العربية ا�ستطراداً) والإ�سالم‬ ‫مما َخ َبا بريقُه يف ال�سنوات الأخرية قبل �أن‬ ‫َّ‬ ‫ينبعث جم َّدداً يف نهاية العام ‪( 2008‬ولذلك‬ ‫�أ�سبابه التي ال ي�سمح مقام تقري ٍر بالوقوف‬ ‫عليها تف�صي ًال وبيان ًا)‪ .‬غري �أن �س�ؤا ّ‬ ‫يل القومية‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 468‬للتنمية الثقافية‬

‫والإ�سالم منف�صالن‪� ،‬أو بالنظر �إىل ك ٍّل منهما‬ ‫ا�ستمر االن�شغال‬ ‫مما‬ ‫مبعزل عن عالقته بالآخر‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫به على نح ٍو مل ينقطع‪ ،‬ومع تع ُّدد الندوات التي‬ ‫عقدت يف املو�ضوع‪ ،‬وكان طاب ُعها �سيا�س ّي ًا يف‬ ‫الأع ّم الأغلب منها‪ ،‬ميكن ر�صد �أربع فعاليات‬ ‫يف امل�س�ألة نف�سها �أتت يف العام ‪ 2008‬على‬ ‫النحو التايل‪:‬‬

‫انبعثت جمدداً يف نهاية العام‬ ‫‪ 2008‬جدل ّية العالقة بني العروبة‬ ‫والإ�سالم وهي اجلدلية التي ت�شغل‬ ‫الذهن العربي منذ عقود‪.‬‬

‫�أوالها ندوة احلوار القومي – الإ�سالمي‬ ‫التي عقدها مركز درا�سات الوحدة العربية‬ ‫بالتعاون مع املعهد ال�سويدي يف الإ�سكندرية‬ ‫بتاريخ ‪ ،2008‬و�شارك فيها ح�شد من الباحثني‬ ‫من التيارين القومي والإ�سالمي يف الوطن‬ ‫العربي‪ .‬وقد تناولت بحوثها ومناق�شاتها جملة‬ ‫من امل�سائل الهامة املتعلقة بالدميقراطية‪،‬‬ ‫واملواطنة‪ ،‬والوحدة‪ ،‬والتنمية‪ ،‬وم�صادر‬ ‫ال�سلطة‪ ،‬واجلماعة الوطنية واجلماعات الفرعية‪،‬‬ ‫واملر�أة‪ ،‬والعدالة االجتماعية‪ ،‬واملقاومة‪،‬‬ ‫والأمن القومي‪ ،‬و�سواها من �أمهات امل�سائل‬ ‫التي ت�شغل التيارين الفكريني وال�سيا�س َّيينْ‬ ‫برمته‪ .‬وقد‬ ‫املتحاور ّين واملجتمع العربي ّ‬ ‫�أتت ندو ُة الإ�سكندرية هذه ت�ست�أنف �سابقتها‬ ‫التي عقدها املرك ُز عينُه يف القاهرة (يف‬ ‫�أيلول ‪� /‬سبتمرب من العام ‪ )1989‬حتت عنوان‬ ‫احلوار القومي – الديني و�شارك فيها باحثون‬ ‫و�سيا�سيون من التيار ْين‪ .‬وكما �أرادت ندو ُة‬ ‫القاهرة نف�سها – قبل ع�رشين عام ًا – تد�شين ًا‬ ‫حلوا ٍر بني تيا ْرين عا�شا قطيعة دراماتيكية منذ‬ ‫�أوا�سط اخلم�سينيات �إىل الثمانينيات من القرن‬ ‫أرادت ندوة الإ�سكندرية �أن تقي�س‬ ‫املا�ضي‪ْ � ،‬‬ ‫التفاهم‬ ‫الرتاجع يف ن�سبة‬ ‫درجة التقدم �أو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫والتوافق بني الفريقني يف ر�ؤية ق�ضايا امل�صري‬ ‫وامل�ستقبل بعد عقدين على حوا ٍر ت�أ�سي�سي‬ ‫ا�ستكمله‪ ،‬يف �سنوات الت�سيعنيات وما تالها‪،‬‬ ‫قيام امل�ؤمتر القومي – الإ�سالمي والتعاون‬ ‫احلثيث بني التيارين يف مواقف جامعة‬ ‫وم�شرتكة‪.‬‬ ‫وثانيها وتتمثل يف احللقة النقا�شية‬ ‫التي نظمها مركز درا�سات الوحدة العربية‬

‫مقره يف بريوت (بتاريخ ‪ 4‬ت�رشين الأول‪/‬‬ ‫يف ّ‬ ‫�أكتوبر ‪ )2008‬ملناق�شة م�رشوع يتعلق ب�إجناز‬ ‫مو�سوعة الأحزاب واحلركات والتنظيمات‬ ‫القومية يف الوطن العربي‪ .‬وهي مناق�شة‬ ‫�شارك فيها عدد من الباحثني املتخ�ص�صني‬ ‫يوم كامل‪ ،‬على درا�سة‬ ‫وانك َّب ْت‪ ،‬على مدار ٍ‬ ‫َ‬ ‫تاريخ‬ ‫م�س َّود ِة م�رشوع للمو�سوعة يروم كتابة‬ ‫ٍ‬ ‫للم� َّؤ�س�سات القومية العربية منذ نهايات القرن‬ ‫التا�سع ع�رش حتى اليوم‪ ،‬وتاريخ للأفكار‬ ‫واملفاهيم الرئي�سية يف اخلطاب القومي‪:‬‬ ‫الفكري وال�سيا�سي‪ .‬وهو امل�رشوع الذي �أ ُق َّر بعد‬ ‫ّ‬ ‫أدخلت على‬ ‫املناق�شات‪ ،‬وبعد التعديالت التي � ِ‬ ‫خمططه وهيكله‪ ،‬والذي �سي�شارك يف �إعداده‬ ‫عد ٌد كبري من الباحثني العرب و�سي�ستغرق‬ ‫العمل فيه قرابة عامينْ ‪.‬‬ ‫وثالثها وتتمثل يف حلقة نقا�شية‪� ،‬شبيهة‬ ‫يف الفكر ِة والتخطيط بال�سابقة‪ ،‬نظمها مركز‬ ‫درا�سات الوحدة العربية يف مقره يف بريوت‬ ‫(بتاريخ ‪ 9‬ت�رشين االول‪� /‬أكتوبر ‪)2008‬‬ ‫رديف يتعلق ب�إجناز‬ ‫ملناق�شة م�س َّود ِة‬ ‫م�رشوع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مو�سوعة االحزاب واحلركات والتنظيمات‬ ‫الإ�سالمية يف الوطن العربي تتناول تاريخ‬ ‫هذه احلركات منذ نهايات القرن الثامن ع�رش‬ ‫(منذ اللحظة الوهابية) حتى اليوم‪ ،‬مقرون ًا‬ ‫بتاريخ الأفكار واملفاهيم الكربى املفتاحية‬ ‫يف اخلطاب الإ�سالمي احلديث واملعا�رص‪ .‬وقد‬ ‫إ�شكاالت‬ ‫تناولت مناق�شات هذه احللقة جمل َة �‬ ‫ٍ‬ ‫تتعلق بتاريخ هذه احلركات وت�صنيف‬ ‫اجتاهاتها ومدار�سها الفكرية ال�سيا�سية‪ .‬و�أق َّر‪،‬‬ ‫يف �أعقابها‪ ،‬م�رشوع املو�سوعة الذي �سي�شارك‬ ‫يف �إعداده عد ٌد كبري من الباحثني وي�ستغرق‬ ‫�إجنا ُز ُه‪ ،‬مثل الأول‪ ،‬فرتة �سنتني‪.‬‬ ‫�أما رابعها‪ ،‬فيتعلق بور�شة عمل نظمها‬ ‫منتدى الفكر العربي يف ع ّمان حتت عنوان‬ ‫م�ستقبل العمل الوحدوي العربي‪ .‬وهي ور�شة‬ ‫حتتفل مبنا�سبة مرور ن�صف قرن على �أول‬ ‫عمل وحدوي عربي‪ ،‬بعد قيام «جامعة‬ ‫جتربة ٍ‬ ‫الدول العربية»‪ ،‬ونعني بها الوحدة امل�رصية‬ ‫– ال�سورية (�شباط‪ /‬فرباير ‪ ،)1958‬وتلتفت‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫�إىل م�س�ألة ما برحت تفر�ض نف�سها على الوعي‬ ‫والوجدان العرب َّيينْ حتى اليوم‪ ،‬وبخا�صة‬ ‫حينما َت ْد َل ِه ُّم الآفاق �أكرث و َي ْب ُلغ ال�شعو ُر بالعجز‬ ‫و�ضعف احليل ِة َم َدا ُه على نحو ما هو عليه الأمر‬ ‫منذ حقب ٍة من الزمن غ ِري ي�سري‪.‬‬

‫التعليـم‬

‫�أزمة التعليم التي تواجه الوطن‬ ‫العربي وته ّدد م�ستقبله العلمي‬ ‫والثقايف والتنموي بالتبديد‪،‬‬ ‫منا�سبة ملالحظ ِة ظاهرةٍ جديدة‬ ‫باالنتباه واالهتمام – يف احلياة‬ ‫الفكرية العربية يف ال�سنوات الأخرية‬ ‫– هي ارتفاع مع ّدل االن�شغال‬ ‫بق�ضايا التعليم يف الوطن العربي‬ ‫يف وجوهٍ خمتلفة منها‪ :‬ييداغوجية‬ ‫وعلمية واجتماعية‪ .‬وهي ظاهرة‬ ‫ُتطْ ِل ُعنَا على حجم القلق الذي ي�ستب ّد‬ ‫ببيئات وا�سعة من املجتمع العربي‬ ‫جراء ما بل َغ ْت ُه �أو�ضاع التعليم من‬ ‫ّ‬ ‫اهرتا ٍء وا�ستنقاع‪.‬‬

‫الح�صاد‬

‫من النافل القول �إن جملة هائلة من‬ ‫الأو�ضاع املزرية التي تعي�ش يف كنفها جتربة‬ ‫التنمية والبناء االجتماعي – االقت�صادي وبناء‬ ‫الدولة وامل�ؤ�س�سات يف البالد العربية املعا�رصة‬ ‫�إمنا تت�صل �شدي َد �صل ٍة ب�أو�ضاع التعليم الناحية‬ ‫وم ْرعب‪ .‬ف�إىل �أن التعليم‬ ‫منحى تدهور‬ ‫ٍ‬ ‫خميف ُ‬ ‫ُ‬ ‫ومدماكها الذي ال تقوم وت�ستقيم‬ ‫�أ�سا�س التنمية‬ ‫من دونه ومن دون ما يو ِّف ُر ُه لها من عائدات‬ ‫يف م�ضمار تكوين املوارد الب�رشية امل� َّؤه َلة‪،‬‬ ‫ف�إن غياب – بل انعدا ُم – ا�سرتاتيجيات خا�صة‬ ‫للنهو�ض ب�أو�ضاعه‪ :‬تخطيط ًا ومتوي ًال وتطويراً‬ ‫وتكييف ًا مع احلاجات واملتغريات‪ُ ،‬ي ْف ِقر دوره‬ ‫الريادي كقاطر ٍة للتنمية و ُي ْ�ض ِعف من قدرته‬ ‫بح�صة هائلة من الطاقة احلية‬ ‫على تزويدها َّ‬ ‫لال�شتغال‪ .‬وعلى الرغم من �أن الإنفاق احلكومي‬ ‫العربي على قطاع الرتبية والتعليم ي�ستهلك‬ ‫موارد مالية هائلة (ت�صل يف بع�ض البلدان‬ ‫العربية �إىل ثلث املوازنة العامة للدولة)‪� ،‬إال ان‬ ‫نتائج ذلك مازالت حتى اليوم هزيلة وغري ذات‬ ‫قيمة �أو �أهمية‪� .‬إذ ما برح قرابة ن�صف ال�سكان‬ ‫الإجمايل يف البالد العربية يف عداد اجلمهور‬ ‫ال ّأم ّي‪ ،‬ون�صف املتمدر�سني �أو يزيد ال يق�ضي‬ ‫من �سنوات الدرا�سة �إال مراحلها االبتدائية‬ ‫نق�ص‬ ‫والإعدادية‪ ،‬ناهيك مبا يعانيه التعليم من ٍ‬ ‫فادح يف الإمكانيات واملوارد الب�رشية الكف�ؤة‪،‬‬ ‫ومن تخلّف �صارخ يف الربامج الدرا�سة و�سوى‬ ‫ذلك من الأ�سباب التي تف�سرّ هزاله و�أزمته‪.‬‬ ‫حت�صل من ذلك �أن التنمية مل تنجح فقط‬ ‫ولقد َّ‬ ‫ب�سبب �أن التعليم يف غرب ٍة �شبه كلية عنها‪،‬‬ ‫وال يز ّود �آلتها بقطع الغيار التي حتتاج �إليها‬ ‫لال�شتغال‪ ،‬بل �إن التعليم مل ينجح لأن «برامج‬ ‫التنمية» مل َت ْل َح َظه بو�صفه رهان ًا حيو ّي ًا يف‬

‫«ا�سرتاتيجيتها»‪ .‬وهكذا َت َ�ضافرا مع ًا على نبذ‬ ‫بع�ضهما يف احلياة العربية املعا�رصة!‬ ‫لي�س املقام‪ ،‬يف هذا امللف‪ ،‬مقام حديث‬ ‫يف �أزمة التعليم – حتى ال نقول يف كارثة‬ ‫التعليم – التي تواجه الوطن العربي وته ّدد‬ ‫م�ستقبله العلمي والثقايف والتنموي بالتبديد‪،‬‬ ‫و�إمنا هو منا�سبة ملالحظ ِة ظاهر ٍة جديدة‬ ‫باالنتباه واالهتمام – يف احلياة الفكرية‬ ‫العربية يف ال�سنوات الأخرية – هي ارتفاع‬ ‫مع ّدل االن�شغال بق�ضايا التعليم يف الوطن‬ ‫العربي يف وجو ٍه خمتلفة منها‪ :‬ييداغوجية‬ ‫وعلمية واجتماعية‪ .‬وهي ظاهرة ُت ْط ِل ُعنَا على‬ ‫حجم القلق الذي ي�ستب ّد ببيئات وا�سعة من‬ ‫جراء ما بل َغ ْت ُه �أو�ضاع التعليم‬ ‫املجتمع العربي ّ‬ ‫من اهرتا ٍء وا�ستنقاع (يف�سرّ ه – من وج ٍه �آخر‬ ‫– �ش َّد ُة الإقبال لدى الأُ�سرَ املو�رسة على التعليم‬ ‫اخلا�ص والتعليم الأجنبي ‪)...‬؛ لكنها – وهذا هو‬ ‫الأه ّم يف ما يعنينا يف هذا امللف وهذا التقرير‬ ‫العربي اليوم‬ ‫تفاع ِل الوعي‬ ‫– ُت ْط ِل ُعنا على ُح ْ�سن ُ‬ ‫ّ‬ ‫مع واحد ٍة من �أظهر امل�شكالت تفاقُم ًا واحتداداً‬ ‫ر�ص ْدنَا ح ً‬ ‫اال من‬ ‫يف احلياة العربية اليوم‪ .‬ولقد َ‬ ‫التفاعل ذاك مع امل�س�ألة عينيها يف‬ ‫ا�ستمرار‬ ‫ِ‬ ‫حراك العام ‪ 2008‬الثقايف‪ ،‬ومنثّل له – يف ما‬ ‫�سيلي – بفاعليات فكرية ثالث‪:‬‬ ‫بور�شتي عمل نظمتهما‬ ‫تتعلق الأوىل منها‬ ‫ْ‬ ‫مقرها يف املو�ضوع‪.‬‬ ‫مكتبة الإ�سكندرية يف ّ‬ ‫الأوىل حتت عنوان ا�سرتاتيجية التعليم‪ ،‬وعقدت‬ ‫بتاريخ ‪� 22‬شباط‪ /‬فرباير ‪2008‬؛ والثانية حتت‬ ‫عنوان اجلامعات‪ :‬بناة احلداثة ومقدمو اخلدمة‬ ‫التعليمية‪ ،‬وعقدت يومي ‪ 14 – 13‬حزيران‪/‬‬ ‫يونيو ‪ .2008‬وقد تناولتا م�س�ألتني يف غاية‬ ‫الأهمية‪ :‬التخطيط اال�سرتاتيجي يف ميدان‬ ‫التعليم ودور اجلامعات‪ .‬ومع �أن الهاج�س‬ ‫نف�سه‪� ،‬إ ّال �أن‬ ‫امل�رصي يف الور�شتني فر�ض َ‬ ‫اال�ستنتاجات والأحكام النقدية قابلة للتعميم‬ ‫على معظم الو�ضع التعليمي يف البالد العربية‬ ‫ِل َت�شَ ا ُبه املعطيات‪ .‬وتتعلق الثانية مببادرة‬ ‫خا�ص‬ ‫جملة �ش�ؤون عربية �إىل �إ�صدار ملف‬ ‫ّ‬ ‫حول التعليم (العدد ‪� ،134‬صيف ‪ )2008‬اهتمت‬

‫‪469‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 470‬للتنمية الثقافية‬

‫الأع ّم الأغلب من الإنتاج‬ ‫الفكري الر�صني �إمنا هو �إنتاج‬ ‫تخرجوا من حقبة تعليمية‬ ‫من َّ‬ ‫ً‬ ‫وثقاف ّية �سابقة (تقع زمان ّيا بني‬ ‫الأربعينيات وبدايات ال�سبعينيات)‪،‬‬ ‫علم ًا ب�أن جمهوراً غري ي�س ٍري منهم‬ ‫جامعات‬ ‫تلقى تعليمه العايل يف‬ ‫ٍ‬ ‫غربية!‬

‫درا�سا ُته بالتفكري يف جمل ٍة من امل�سائل ذاتِ‬ ‫ال�صلة مثل �أو�ضاع البحث العلمي يف الوطن‬ ‫العربي (= وهي الأدنى و�ضع ًا والأكرث �سوءاً‬ ‫العامل كلِّه)‪ ،‬و�أو�ضاع التعليم العايل فيه‪،‬‬ ‫يف‬ ‫ِ‬ ‫والقيم الدميقراطية يف بيئة التعليم اجلامعي‬ ‫وغريها‪ّ � .‬أما الثالثة من تلك الفعاليات‪ ،‬فتتعلق‬ ‫مب�ؤمتر فكري عقد ُه مركز الإمارات للدرا�سات‬ ‫والبحوث اال�سرتاتيجية حتت عنوان اللغة‬ ‫العربية والتعليم‪ :‬ر�ؤية م�ستقبلية للتطوير يف‬ ‫مقر املركز (�أبو ظبي) بتاريخ ‪ 22-21‬كانون‬ ‫الثاين‪ /‬يناير ‪ .2008‬وعلى الرغم من �أن‬ ‫امل�ؤمتر متخ�ص�ص وحمدود املو�ضوع (=اللغة‬ ‫العربية)‪� ،‬إ ّال �أن مو�ضوعه يف غاية الأهمية‬ ‫بالن�سبة �إىل م�ستقبل التعليم والنظام االجتماعي‬ ‫– الثقايف‪ ،‬بالنظر �إىل ما تتعر�ض له اللغة‬ ‫العربية من حم ٍو �أو �إفقار �أو ُه َما مع ًا يف احلياة‬ ‫التعليمية العربية‪ .‬وقد ك�شفت �أوراق امل�ؤمتر‪،‬‬ ‫وامل�سائل التي تناولتها‪ ،‬عن قيمة املو�ضوعات‬ ‫التي ُعر�ضت على مناق�شات امل�ؤمتر مثل دور‬ ‫جمامع اللغة العربية يف تطوير اللغة‪ ،‬ونقد‬ ‫مناهج تدري�سها يف النظام التعليمي العربي‬ ‫من خالل درا�سة حاالت (الإمارات العربية‬ ‫املتحدة‪ ،‬اململكة العربية ال�سعودية)‪ ،‬وت�أهيل‬ ‫معلمي اللغة العربية‪ ،‬ودرا�سة جتارب التدري�س‬ ‫ّ‬ ‫باللغة العربية يف بع�ض البلدان العربية‬ ‫(�سورية‪ُ ،‬عمان‪ ،‬اليمن)‪ ،‬وواقع اللغة العربية يف‬ ‫ظل حتديات العوملة‪ ،‬والتعريب والرتجمة يف‬ ‫امتداد الثورة التقنية املعا�رصة‪ ،‬و�أدوار الأ�رسة‬ ‫والإعالم وامل�ؤ�س�سات االجتماعية يف تطوير‬ ‫اللغة وغري ذلك من امل�سائل التي و�ضعتِ اللغ َة‬ ‫القومي َة والتعليم مع ًا مو�ضع تفك ٍري وت�سا�ؤل‪.‬‬

‫�إ�شكاليات فكرية م�ألوفة‬

‫يف ط ّيب يف‬ ‫مل َي ْخ ُل عا ٌم من‬ ‫ح�صاد ثقا ّ‬ ‫ٍ‬ ‫جمال مقاربة ق�ضايا الفكر‪ .‬لكنه – قطع ًا –‬ ‫دون حجم ح�صاد الدرا�سات الإن�سانية املت�صلة‬ ‫بق�ضايا ال�سيا�سة واالجتماع واالقت�صاد‬ ‫واال�سرتاتيجيا والإعالم؛ وهو – من دون‬ ‫�شكّ – دون حجم احل�صاد يف ميادين الأدب‬

‫والفن والإبداع‪ .‬وما �أغنانا عن القول �إنه هزيل‬ ‫ّ‬ ‫ج ّداً مبعايري ما تنتجه ثقافات وجمتمعات‬ ‫هذا الع�رص! فعلى وفرة اجلامعات العربية‬ ‫(وباتت تحُ ّْ�سب باملئات يف ال�سنوات الع�رشين‬ ‫الأخرية)‪ ،‬ومراكز الدرا�سات والبحوث واملعاهد‬ ‫العليا للبحث‪ ،‬واملجالت واجلمعيات الفكرية‬ ‫الفكري يف الثقافة‬ ‫املتخ�ص�صة‪ ،‬ف�إن ال�ش�أن‬ ‫ّ‬ ‫العربية ما َب ِر َح يعاين – حتى اليوم – من‬ ‫و�ضمور �شديد ّين‪ .‬وال يتعلق الأمر فح�سب‬ ‫ُهز ٍَال ُ‬ ‫بالفعاليات اجلماعية من النوع الذي يتناوله‬ ‫يف هذا امللف (م�ؤمترات‪ ،‬ندوات‪ ،‬حلقات نقا�شية‬ ‫و ُو َر�ش عمل‪ ،‬ملفات فكرية متخ�ص�صة) و�إمنا‬ ‫الفكري (الفردي)‬ ‫هو يتعلق �أي� ًضا بالإنتاج‬ ‫ّ‬ ‫الذي يدخل يف باب الت�أليف‪ ،‬ذلك �أن هذا يعرف‬ ‫– بدوره – تعثرُّ اً ملحوظ ًا زادت ح َّدته على نح ٍو‬ ‫�أظهر يف ال�سنوات الع�رش الأخرية‪.‬‬ ‫ال ي�سمح املجال يف هذا امللف (=‬ ‫التقريري) بتحليل الأ�سباب والعوامل الدافعة‬ ‫نحو هذه احلال من الرتاجع امللحوظ يف‬ ‫وترية الإنتاج وا َ‬ ‫حل َراك على �صعيد ال�ش�أن‬ ‫منا�س َبة‬ ‫منا�س َب ٌة – ج ّد ِ‬ ‫الفكري واملعريف‪ .‬لكنها َ‬ ‫– للقول �إن هذه احلال تق ِّدم �شهادة نقدية‬ ‫�صارخة �ض ّد امل�ؤ�س�سات العلمية والأكادميية‬ ‫واجلامعية والبحثية التي ُي ْفترَ َ �ض �أنها تتع َّهد‬ ‫الفكري واملعر َّ‬ ‫يف بالت�أطري والرعاية‬ ‫ال�ش�أن‬ ‫َّ‬ ‫نف�سه – منا�سبة‬ ‫والربجمة‪ .‬لكنها‪ ،‬يف الوقتِ ِ‬ ‫مالئمة للوقوف على حجم اخلراب الثقايف‬ ‫والفكري الذي تع َّر�ضت له �أجيا ٌل من املتعلمني‬ ‫منذ �أربعة عقود ب�سبب نوع النظام التعليمي‬ ‫والثقايف ال�سائد‪ .‬وال �أدلّ على ذلك من �أن الأع ّم‬ ‫الأغلب من الإنتاج الفكري الر�صني �إمنا هو‬ ‫�إنتاج من تخ َّرجوا من حقبة تعليمية وثقاف ّية‬ ‫�سابقة (تقع زمان ّي ًا بني الأربعينيات وبدايات‬ ‫ال�سبعينيات)‪ :‬وجمهو ٌر غ ُري ي�س ٍري منهم تلقى‬ ‫جامعات غربية!‬ ‫تعليمه العايل يف‬ ‫ٍ‬ ‫العربي (= الأكادميي)‪،‬‬ ‫الوعي‬ ‫ا�ست�أنف‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ببع�ض امل�ألوف‬ ‫يف العام ‪ ،2008‬ان�شغاله‬ ‫ِ‬ ‫من ق�ضايا الفكر التي تناولها‪� ،‬أو اعتاد على‬ ‫تناولها‪ ،‬يف املا�ضي‪ .‬ومن ح�صاد هذا العام‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫الح�صاد‬

‫فكر ّي ًا‪ ،‬تتجلّى ثنائية الذات والآخر‪ .‬وهما‬ ‫من �أمهات الق�ضايا يف الوعي العربي من‬ ‫ثالثينيات القرن التا�سع ع�رش‪ُ :‬ت ِطالّن على‬ ‫ب�ص َو ٍر ومفردات خمتلفة‪.‬‬ ‫الر�أي العام ُ‬ ‫َي ْعر�ض �س�ؤال الذات نف�سه‪ ،‬يف ح�صاد هذا‬ ‫العام‪ ،‬من طريق جتديد االهتمام بالتاريخ‪:‬‬ ‫وم ْه َجع �أ�سئلة‬ ‫م�ستودع خربة الأمة يف الزمان َ‬ ‫اليوم ومرجعها عند �أغلب َمن ت�ش ُّد ُهم جترب ُتها‬ ‫التاريخية ومييلون �إىل االعتقاد ب�إمكان‬ ‫البناء عليها‪ .‬ويف باب التاريخ‪� ،‬شهد العام‬ ‫‪ 2008‬ثالث مبادرات فكرية‪� :‬أ ّولها متخ�ص�صة‬ ‫تتعلق بدور الوثيقة يف كتابة التاريخ‪ .‬وثانيها‬ ‫�أ�سطوغرافية ا�ستعرا�ضية حتاول �أن تطل على‬ ‫زمني �شامل‪ّ � .‬أما‬ ‫امتداد‬ ‫التاريخ العربي يف‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ثالثها‪ ،‬فمن طبيعة �أكادميية �رصف حتاول –‬ ‫عن طريق تفعيل مبد�أ التكرمي العلمي – �أن تقر�أ‬ ‫مبفردات حتليلية نقدية متن ًا فكري ًا تاريخ ّي ًا‬ ‫لواح ٍد من � ْأم َيز امل�ؤرخني العرب منذ �ستة عقود‬ ‫نباه ًة ودقة و�أغزرهم كتاب ًة وعطا ًء‪.‬‬ ‫انعقدت الندوة الأوىل يف �إطار الربنامج‬ ‫الثقايف ملكتبة الإ�سكندرية يف مركز امل�ؤمترات‬ ‫بتاريخ ‪� 24‬أيار‪ /‬مايو ‪ 2008‬حتت عنوان‬ ‫الوثائق م�صدراً للتاريخ وهي – كما ي ُدل‬ ‫عليها عنوانُها – ندو ٌة تغ َّيت �إلقاء �ضو ٍء جديد‬ ‫على �أهمية العناية بالوثائق بح�سبانها مادة‬ ‫حيوية �شاهدة على وقائع املا�ضي ومورداً‬ ‫رئي�س ًا لكتابة التاريخ و�إعادة كتابته‪ .‬ولع ّل‬ ‫مما ي�ضيف قيم ًة �إىل الندوة �أن الكثري من‬ ‫وثائق التاريخ لي�س حتت ت� ّرصف �أهله لأ�سباب‬ ‫بع�ضها �إىل احلقبة الكولونيالية‪،‬‬ ‫�شتى يعود ُ‬ ‫و�أن ما يف حوزتهم مل ُي ْدر�س درا�سة علمية‬ ‫مبا فيه الكفاية‪� ،‬إن بع�ضه مل ُيحقِّق حتقيق ًا‬ ‫علم ّي ًا‪ .‬وهذا �إمنا ينطبق‪ ،‬على الوجه الأو�ضح‪،‬‬ ‫على حال الوثائق العربية (الو�سيطة واحلديثة‬ ‫واملعا�رصة)‪ :‬ما يوجد منها خارج املكتبات‬ ‫العربية‪ ،‬وما َظ ِفر منها بالوجود يف هذه‬ ‫املكتبات من دون �أن ي�س َت ْ�ص ِح َب هذا الوجود‬ ‫عناي ٌة َتليق به‪ .‬واحلال �إن التاريخ لي�س �شيئ ًا‬ ‫�آخر غري تلك الوثائق‪ :‬ي�ستبني بها �أو ي�ستغلق‬

‫بغيابها �أو �سوء الت�رصف فيها‪.‬‬ ‫وانعقدت الندوة الثانية بدعوة من جهة‬ ‫خمت�صة‪ ،‬هي احتاد م�ؤرخي العرب‪،‬‬ ‫علمية‬ ‫َّ‬ ‫حتت عنوان تاريخ الوطن العربي عرب الع�صور‪:‬‬ ‫التاريخ الثقايف يومي ‪ 13-12‬ت�رشين الثاين‪/‬‬ ‫نوفمرب ‪ 2008‬يف القاهرة‪ ،‬وهي الندوة ال�سنوية‬ ‫لالحتاد‪ .‬ومع �أن احتاد م�ؤرخي العرب اعتاد‬ ‫االهتمام ب�أ�سئلة التاريخ العلمي يف ن�شاطاته‬ ‫العلمية‪� ،‬إ ّال �أن اختيا َر ُه مقاربة التاريخ‬ ‫الثقايف يف هذه الندوة‪ ،‬و َت ْو ِ�س َع َة نطاق زمن َّية‬ ‫مما‬ ‫هذا التاريخ بحيث ت�شمل حقبه كافة‪َّ ،‬‬ ‫ُي ْح َم ُد له تف ُّرده به واملبادرة �إليه‪ ،‬خ�صو� ًصا �أن‬ ‫خارج نطاق‬ ‫يف ناد ٌر‬ ‫االحتفال بالتاريخ الثقا ّ‬ ‫َ‬ ‫انعقدت‬ ‫الت�أليف الفردي (الأكادميي)‪� ،‬أو قلّما‬ ‫ْ‬ ‫له امل�ؤمترات والندوات يف البالد العربية على‬ ‫�أهميته يف �إ�ضاءة جوانب �أخرى من التاريخ‬ ‫َ‬ ‫ناهيك ب�أن الفكر العربي يعاين من‬ ‫ال�سيا�سي‪.‬‬ ‫نق�ص حا ّد يف ميدان التاريخ الثقايف بحيث‬ ‫ما نزال نعي�ش – حتى الآن – على العملينْ‬ ‫العلم َّيني الرائد ْين اللّذين تركهما ك ٌّل من جرجي‬ ‫زيدان (تاريخ التم ّدن الإ�سالمي) و�أحمد �أمني‬ ‫(ثالثية‪ :‬فجر الإ�سالم‪� ،‬ضحى الإ�سالم‪ ،‬ظهر‬ ‫الإ�سالم) على الرغم من مرور ما يقل قلي ًال عن‬ ‫قرن من �صدور العمل الأول‪ ،‬وما يقل قلي ًال عن‬ ‫ٍ‬ ‫�ستني عام ًا من �صدور الثاين ب�أجزائه كافة‪.‬‬ ‫ثم �إن اخت�صا�ص التاريخ الثقايف مازال ناد َر‬ ‫الوجود يف �أو�ساط امل�ؤرخني العرب‪ ،‬و�أغلب َمن‬ ‫ت�ص ّدى للمهمة كان من امل�شتغلني يف حقول‬ ‫الفل�سفة والأدب العربي والدرا�سات الإ�سالمية‪.‬‬ ‫�أما الندوة الثالثة‪ ،‬فعقدها مركز درا�سات‬ ‫الوحدة العربية ملناق�شة «�أعمال الدكتور‬ ‫عبدالعزيز الدوري» يف مبادرة منه لتكرمي‬ ‫الع َّالمة وامل�ؤرخ الكبري مبنا�سبة بلوغه‬ ‫عامه الت�سعني‪ .‬وقد ان�رصفت مناق�شاتها‬ ‫�إىل تناول عمله العلمي يف ميدان التاريخ‬ ‫متق�صية مو�ضوعاتها‬ ‫بالتحليل وال َّدر�س‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫واملنهج املتبع فيها يف درا�سة تاريخ ال�سرية‬ ‫وتاريخ الدولة والتاريخ االقت�صادي للعراق‬ ‫وظواهر كال�شعوبية‪ ،‬ف�ض ًال عن تاريخ النظم‬

‫‪471‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 472‬للتنمية الثقافية‬

‫وامل�ؤ�س�سات الإ�سالمية‪ ،‬وتاريخ التاريخ (علم‬ ‫التاريخ) عند العرب‪ ،‬والأثر الفكري الذي تركته‬ ‫�أعما ُله الكثرية يف �صفوف جيلني من امل�ؤرخني‬ ‫والباحثني العرب يف ميدان التاريخ‪ .‬وقد دارت‬ ‫تلك املناق�شات على مدار يوم ‪ 9‬ت�رشين الثاين‪/‬‬ ‫نوفمرب ‪ 2008‬يف مقر املركز ببريوت‪ ،‬وكان‬ ‫بع�ض من تالمذته من امل�ؤرخني – الذين‬ ‫ٌ‬ ‫تتلمذوا ل ُه يف �سنوات ال�ستينيات – يف جملة‬ ‫امل�شاركني يف الندوة‪ .‬وقد �أتى عقد الندوة يف‬ ‫�سياق �إقدام مركز درا�سات الوحدة العربية على‬ ‫�إعادة ن�رش الأعمال العلمية الكاملة للدكتور‬ ‫عبد العزيز الدوري (والتي �صدر منها حتى‬ ‫تاريخ عقد الندوة �ستة كتب)‪.‬‬ ‫اتخذ �س�ؤال الذات‪� ،‬إذاً‪� ،‬شكل م�سا َءل ٍة‬ ‫للتاريخ‪ :‬تاريخ الأمة‪ .‬ولي�س املقام – هنا‬ ‫ُوف على نوع تلك امل�سا َءلة ون�سبية‬ ‫– مقام وق ٍ‬ ‫أيديولوجي فيها‪ .‬غري �أن اختيارها‬ ‫العلمي وال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مما َي ْح ُ�سن بنا ح�سبا ُن ُه اختياراً‬ ‫ة‬ ‫نافذ‬ ‫التاريخ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫منا�سب ًا‪ ،‬لأنه ما من طريق ٍة �أف�ضل للتفكري يف‬ ‫الذات وم�ساءلتها من العودة �إىل التاريخ‪� :‬رشط‬ ‫�أن ال تكون عود ًة تبجيلية‪ّ � .‬أما �س�ؤال الآخر‪،‬‬ ‫اهتمام بوجهينْ من �إنتاج الثقافة‬ ‫ف�أخذ �شك َل‬ ‫ٍ‬ ‫الغربية‪ :‬اال�ست�رشاق من جهة‪ ،‬والإنتاج الثقايف‬ ‫الغربي املنقول �إىل العربية من طريق الرتجمة‬ ‫من جهة ثانية‪.‬‬ ‫�س ُن ْف ِرد للرتجمة فقر ًة خا�صة ن ُِط ُّل من‬ ‫خاللها على نوع الهواج�س الفكرية التي‬ ‫ت�شغل الوعي العربي يف الوقت الراهن‪ ،‬ويف‬ ‫عام التقرير (‪ )2008‬على نح ٍو خا�ص‪ .‬لكنه‬ ‫من املنا�سب التنبيه �إىل �أن الرتجمة‪ ،‬مبا هي‬ ‫العربي على ثقافات الآخر‬ ‫�أداة رئي�س لإِ ْط َال ِع‬ ‫ِّ‬ ‫(خ�صو� ًصا َمن ال يتقن لغ ًة �أو �أكرث من اللغات‬ ‫العاملية)‪ ،‬مل َت ُعد «هواية» معرفية لدى َمن‬ ‫ي�ست�شعرون احلاجة �إىل تزويد املعرفة العربية‬ ‫ببع�ض ن�صو�ص الفكر الغ ْربي (�أَو �سوا ُه من‬ ‫خارج دائرة الل�سان العربي)‪ ،‬و�إمنا � ْأ�ض َحت‬ ‫اخت�صا� ًصا علم ّي ًا ومهن ّي ًا له �أ�صو ُل ُه وقواع ُده‪.‬‬ ‫خمت�صة هي املركز الوطني‬ ‫هذا ما َح َدا بجهة‬ ‫ّ‬ ‫للرتجمة يف اجلزائر �إىل عقد ندوة يف املو�ضوع‪،‬‬

‫بتاريخ ‪ 29-28‬ت�رشين الثاين‪ /‬نوفمرب‬ ‫حتت عنوان الرتجمة من التكوين �إىل التمهني‪.‬‬ ‫وهي ندوة �أرادت �أن تقف على ال�سبل الأكفل‬ ‫�إىل تنظيم حقل الرتجمة يف ح ّيزين رئي�سينْ‬ ‫منه‪ :‬الأكادميي واالحرتايف‪ .‬وهو التنظيم‬ ‫الذي مازال – حتى اليوم – يعوز الرتجمة يف‬ ‫البالد العربية فيحملها على الرت ُّدد بني ح َّد ْين‬ ‫�سلبيينْ ‪ :‬االرجتال والفو�ضى من جهة وان�سداد‬ ‫�أفق االحرتاف الوظيفي من جهة �أخرى‪.‬‬ ‫�أما يف امل�س�ألة الثانية من م�سائل التفكري‬ ‫يف الآخر (= اال�ست�رشاق)‪ ،‬فقد بادر احتاد‬ ‫امل�ؤرخني العرب �إىل عقد ندوة يف املو�ضوع‪،‬‬ ‫بتاريخ ‪ 9‬حزيران ‪ /‬يونيو ‪ ،2008‬حتت عنوان‬ ‫اال�ست�رشاق بني االنحياز واملو�ضوعية‪ .‬وهو‬ ‫عنوان م�ألوف ج ّداً يف مقاربة املفكرين‬ ‫والباحثني العرب للم�س�ألة منذ عقود‪ .‬فلقد بدا‬ ‫اال�ست�رشاق للوعي العربي‪ ،‬منذ نهايات القرن‬ ‫التا�سع ع�رش‪ ،‬مزيج ًا من الأمر ّين‪ .‬فهو‪ ،‬من‬ ‫وج ٍه‪ْ � ،‬أ�سدى للثقافة العربية الإ�سالمية ِخ ْدمات‬ ‫ال تقبل النكران (حتقيق م�صادر الرتاث ون�رشها‬ ‫علمية‪ ،‬و�إِ ْعمال مناهج حديثة يف درا�سته ‪،)...‬‬ ‫بع�ض رموزه الكبار عن ق ْد ٍر من النزاهة‬ ‫ُ‬ ‫وعبرَّ‬ ‫ً‬ ‫يف قراءته‪ ،‬بل – و�أحيانا – عن َق ْد ٍر من‬ ‫الإعجاب بتاريخ الإ�سالم ومن التعاطف مع‬ ‫ثان‪� ،‬أ�سدى‬ ‫وج ٍه ٍ‬ ‫العرب وامل�سلمني‪ .‬وهو‪ ،‬من ْ‬ ‫خدمات كبرية لل�سيا�سات الكولونيالية يف‬ ‫العاملني العربي والإ�سالمي‪ ،‬بل ارتبط بها‬ ‫وا�ستمر‬ ‫ارتباط ًا وظيفي ًا يف �أحايني كثرية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يعبرّ عن خمزون ثقايف ونف�سي من الأحقاد‬ ‫وم�شاعر العداء للإ�سالم وامل�سلمني موروث عن‬ ‫حقبة الع�صور الو�سطى واجلداالت الالهوتية‬ ‫و�رصاعات الإ�سالم وامل�سيحية‪ .‬وعلى ذلك‪ ،‬ف�إن‬ ‫ال�صورة املزدوجة واملتناق�ضة عن اال�ست�رشاق‬ ‫يف الوعي العربي ما كانت متخ َّي َلة �أو مف َت َع َلة‪،‬‬ ‫مفارقات يف ذلك الوعي‪،‬‬ ‫وال هي تك�شف عن‬ ‫ٍ‬ ‫مبقدار ما كانت تعك�س يف مر�آتها �صور َة ذلك‬ ‫اال�ست�رشاق يف تن ّو ِع ِه وتناق�ضه‪ .‬وهذا �إمنا ي ّربر‬ ‫أرجح‬ ‫ملاذا كان ال�س�ؤال يف الوعي العربي عن ت� ُ‬ ‫املعرفة الغربية بال�رشق بني العداء واحلياد‬ ‫‪2008‬‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫طرحه اليوم‪ ،‬كما‬ ‫�س�ؤا ًال حا ّداً‪ ،‬وملاذا يتجدد ُ‬ ‫يف ندوة احتاد امل�ؤرخني العرب بالقاهرة‪،‬‬ ‫وبخا�صة بعد �أن انبعثت ظاهرة اخل َواف من‬ ‫الإ�سالم (الإ�سالموفوبيا) عقب انهيار «املع�سكر‬ ‫اال�شرتاكي» وانبعاث احلاجة الغربية �إىل عد ٍّو‬ ‫جديد (يع ّو�ض عن غياب العد ّو ال�شيوعي)‪ ،‬ثم‬ ‫عقب �أحداث ‪� 11‬أيلول‪� /‬سبتمرب ‪ 2001‬وا�ستثمار‬ ‫بع�ض الدوائر الغربية لها ق�صد �أخذ ذلك العد ّو‬ ‫اجلديد باجلرم امل�شهود‪ .‬ولقد كان على ندوة‬ ‫«اال�ست�رشاق بني االنحياز واملو�ضوعية» �أن‬ ‫َت ْل َحظ �أن ظرفية جتديد ال�س�ؤال م�رشوعة لأن‬ ‫بع� ًضا كثرياً من اخلطاب الغربي حول ال�رشق‬ ‫والإ�سالم والعرب َجنَح جنوح ًا فا�ضح ًا نحو‬ ‫التعبري عن م�شاعر عداء �رصيح �آخذاً امل�سلمني‬ ‫جميع ًا‪ ،‬ومعتقداتهم وثقافتهم وجمتمعاتهم‪،‬‬ ‫بجرير ِة زمرة �صغري ٍة منهم!‬

‫يف الأ�سئلة الأظهر‬

‫التعيني (= الأ�سئلة االظهر)‪ ،‬وجدنا ثالثة منها‬ ‫والر�صد‪،‬‬ ‫– على وفرتها – �أ ْد َعى �إىل االهتمام ّ‬ ‫وتتعلق بالنظام الدويل ومتغرياته‪ ،‬وبتطورات‬ ‫�أزمة الوحدة الوطنية يف قط ٍر من الأقطار‬ ‫العربية‪ ،‬وبامل�شكلة ال�سكانية – وم�شكلة‬ ‫خا�ص – يف البالد العربية‬ ‫الهجرة على نح ٍو‬ ‫ّ‬ ‫املعا�رصة؛ �أي �أنها تتعلق مب�سائل تنتمي �إىل‬ ‫ال�سيا�سة والعالقات الدولية وتوازنات القوى‬ ‫يف النظام العاملي (وعالقات العرب بالقوى‬ ‫اجلديدة ال�صاعدة يف هذا النظام)؛ و(تنتمي)‬ ‫العربي‬ ‫ال�سيا�سي‬ ‫�إىل مع�ضالت االجتماع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وما يعي�ش يف كنفه من جدلية حادة لفعل‬ ‫ديناميات التوحيد واالنق�سام فيه؛ و (تنتمي)‬ ‫�إىل االجتماع املدين وم�شكالت اال�ستقرار‬ ‫االجتماعي واملواطنة‪.‬‬

‫قوى دولية جديدة حتت ال�ضوء‬

‫العرب بالنظام الدويل منذ‬ ‫وعي‬ ‫َم َّر‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫القرن التا�سع ع�رش (قرن احلملة الكولونيالية)‬ ‫بلحظتني‪ :‬حلظة �إدراك الثنائية الربيطانية‬ ‫– الفرن�سية كثنائية حاكمة للنظام العاملي‬ ‫منذ مطالع القرن التا�سع ع�رش حتى اندالع‬ ‫احلرب العاملية الثانية؛ وحلظة �إدراك الثنائية‬ ‫الأمريكية – ال�سوفيتيية كثنائية حاكمة لذلك‬ ‫النظام يف حقبة ما �س ّم َي بـ «احلرب الباردة»‬ ‫الثمانينيات‬ ‫بني نهاية الأربعينيات ونهاية‬ ‫َ‬ ‫من القرن الع�رشين‪ .‬و�إذا كان �صعود الق ّوتني‬ ‫الأمريكية والرو�سية بعد احلرب الثانية قد‬ ‫خلّف االنطباع ب�أفول دور بريطانيا وفرن�سا يف‬ ‫ال�سيا�سة الدولية ونهاية �أملانيا واليابان‪ ،‬ف�إن‬ ‫انت�صار �أمريكا يف احلرب الباردة خلق االنطباع‬ ‫بنهاية رو�سيا وانت�صار الغرب وانت�صار‬ ‫�أمريكا داخل الغرب (على الغر َبينْ الأوروبي‬ ‫والياباين)‪ .‬ومثلما اكت�شف الوعي العربي‬ ‫– والعاملي – خط�أ اعتقاده بنهاية بريطانيا‬ ‫وفرن�سا و�أملانيا واليابان بعد احلرب الثانية‬ ‫قوى عظمى ولو‬ ‫(بعد �أن �أقامتِ الدليل على �أنها ً‬ ‫اقت�صاد ّي ًا)‪ ،‬فقد اكت�شف خط�أ اعتقاده بنهاية‬ ‫رو�سيا و�أوروبا و�آ�سيا الر�أ�سمالية بعد نهاية‬

‫الح�صاد‬

‫نق�صد بالأ�سئلة الأظهر الق�ضايا التي‬ ‫�أثارت انتباه النخب الثقافية يف العام ‪2008‬‬ ‫على نح ٍو �أ�ش ّد من ذي قبل‪ ،‬و ّب ّدا الرتكيز عليها‬ ‫م�ستوى يف الوعي ب�أهميتها �أعلى‪.‬‬ ‫دا ًّال على‬ ‫ً‬ ‫ويعني هذا التعريف للأ�سئلة الأظهر �أنها لي�ست‬ ‫جديدة متام ًا على الوعي العربي‪� ،‬ش�أن �سابقتها‬ ‫ا�ستج ّد ور َف َع‬ ‫(= الأ�سئلة امل�ألوفة)‪ ،‬لكن فيها ما َ‬ ‫من مع ّدل �أهميتها يف وعي تلك النخب‪ .‬على �أن‬ ‫واحتكارها‬ ‫ظهور هذه الق�ضايا على غريها‬ ‫َ‬ ‫احل ّي َز الأك َرب من االنتباه لي�س ُي ْعزَى �إىل طوارئ‬ ‫مو�ضوعية طر�أت ف�ألقت �ضوءاً كا�شف ًا عليها‪،‬‬ ‫ذاتي (= فكري) هو‬ ‫و�إمنا ُي ْعزَى �أي� ًضا �إىل �سبب ّ‬ ‫ن�ضج الإدراك والتقدير لقيمة تلك املو�ضوعات‬ ‫�أو – على الأقل – للحاجة �إىل تظهريها �أكرث‬ ‫بعد �أن �صرُ ِ ف االهتما ُم �إىل غريها طوي ًال‪� .‬إن‬ ‫�إخراجها من التهمي�ش والإهمال و َو ْ�ض َعها يف‬ ‫�صلب عملية التفكري هو عينُه الإظهار الذي‬ ‫رئي�سة �أو يف جملة الق�ضايا‬ ‫به باتت ق�ضايا َ‬ ‫الرئي�سة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫� ّإن �ألق ْينَا نظراً ا�ستعرا�ض ّي ًا على‬ ‫املو�ضوعات وامل�سائل التي تدخل يف جملة هذا‬

‫‪473‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 474‬للتنمية الثقافية‬

‫ُلوحِ ظَ – يف ال�سنني الأخرية‬ ‫أو�سع و�أكثف مع‬ ‫تفاع ٌل‬ ‫– ُ‬ ‫عربي � ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫حقيقة االنتها�ض الرو�سي من‬ ‫�صدمة االنهيار ال�سوفيتي ونتائجه‪،‬‬ ‫وتقدير خمتلف ملا بات يف و�سع‬ ‫ٌ‬ ‫مو�سكو �أن تقوم به موازن ًة للدور‬ ‫الأمريكي‪.‬‬

‫احلرب الباردة‪� .‬إذ ت�ضافر النجاح الأمريكي يف‬ ‫ح�سم احلرب الباردة �ضد االحتاد ال�سوفييتي من‬ ‫ْ‬ ‫دون قتال ب�صعود املارد الإقليمي الأوروبي‬ ‫يف �أعقاب وحدته االقت�صادية والنقدية واجليو‬ ‫– �سيا�سية‪ ،‬وبدخول اليابان طور مناف�سة‬ ‫اقت�صادية وعلمية وتكنولوجية �شديدة للواليات‬ ‫املتحدة (�رسعان ما دخلت كوريا اجلنوبية يف‬ ‫جملتها)‪ .‬لكن الأه ّم من ذلك عودة رو�سيا قوية‬ ‫�إىل ال�ساحة الدولية وال�صعود املفاجئ لل�صني‬ ‫كقوة عظمى يف املجاالت االقت�صادية واملالية‬ ‫وال ِّتقَا ِن َّية والع�سكرية‪.‬‬ ‫راجـع االهـتمـام الـعـربـي ‪ -‬والـدولـي‬ ‫َت َ‬ ‫ا�ستطراداً – برو�سيا طيلة عقد الت�سعينيات‬ ‫من القرن الع�رشين املا�ضي‪� ،‬أي يف �أعقاب‬ ‫وتف�سخ رو�سيا‬ ‫انهيار االحتاد ال�سوفييتي‬ ‫ُّ‬ ‫الفيدرالية يف عهد بوري�س يلت�سني وتنامي‬ ‫االعتقاد با�ستحالة عودتها �إىل النهو�ض ب�أي‬ ‫دور وازن يف ال�سيا�سة الدولية بالنظر �إىل‬ ‫أو�ضاعها االقت�صادية من انهيا ٍر‬ ‫ما بلغته �‬ ‫ُ‬ ‫و�إفال�س و�أو�ضاعها االجتماعية والقومية‬ ‫من تفاق ُِم حا ّد يف الأزمات وامل�شكالت‪ ،‬مع‬ ‫ما كان لذلك من نتائج ملحوظة وفورية من‬ ‫قبيل انكفائها ال�سيا�سي �إىل حدودها القومية‬ ‫(امله َّددة بالتو�سع الأطل�سي) و�إىل م�شكالتها‬ ‫الداخل ّية‪ .‬وقد كاد ي�ستقر يف الأذهان – لفرتة‬ ‫غري ق�صرية – �أن �أيلولة رو�سيا �إىل ما �صادق‬ ‫عليه تركيا بعد انهيار الإمرباطورية العثمانية‬ ‫اختالف يف التفا�صيل (احلجم الإقليمي‬ ‫مع‬ ‫ٍ‬ ‫والع�سكري وال�سكاين للحالتني)‪ .‬غري �أن هذا‬ ‫االعتقاد �رسعان ما بد�أ يتب َّدد بالتدريج منذ‬ ‫نهايات القرن املا�ضي‪ :‬منذ رحيل يلت�سني عن‬ ‫ال�سلطة و�صعود فالدميري وبداية بناء التما�سك‬ ‫يف �أو�ضاع رو�سيا‪ .‬وقد تع َّزز االعتقاد �أكرث يف‬ ‫نهاية الن�صف الأول من العقد الأول من هذا‬ ‫القرن‪ ،‬حني �أعاد بوتني لرو�سيا الكثري مما‬ ‫فقد ْته من هيبتها ودفَع الواليات املتحدة‬ ‫والغرب �إىل �إعادة احل�سابات من جديد و�أخذ‬ ‫م�صالح رو�سيا ودورها الدويل يف احل�سبان‪.‬‬ ‫تفاعلٌ‬ ‫ولقد ُل ِ‬ ‫وح َظ – يف ال�سنني الأخرية – ُ‬

‫عربي �أو�س ُع و�أكثف مع حقيقة االنتها�ض‬ ‫ٌّ‬ ‫الرو�سي من �صدمة االنهيار ال�سوفييتي‬ ‫ونتائجه‪ ،‬وتقدي ٌر خمتلف ملا بات يف و�سع‬ ‫مو�سكو �أن تقوم به موازن ًة للدور الأمريكي �أو‬ ‫تعدي ًال يف من ِزعه الإمرباطوري واالحتكاري‪،‬‬ ‫ف�شهدنا اجتاه ًا �رصيح ًا نحو ت�صحيح يقينيات‬ ‫�سابقة عن «نهاية رو�سيا» كقوة عظمى‬ ‫ون�سبي ًة يف �إطالق الأحكام �أعلى‪ .‬و�إ ْذ �أخذ‬ ‫االعرتا�ض الرو�سي على ال�سيا�سة الأمريكية‬ ‫ُ‬ ‫واقع‬ ‫مداه يف اجتياح جورجيا وفر�ض �أم ٍر ٍ‬ ‫تق�سيمي عليها‪ ،‬و َدفْع دول الغرب – و�أولها‬ ‫الواليات املتحدة – �إىل �إبداء العجز عن �إنقاذ‬ ‫�سكا�شفياي والت�سليم بنتائج ما فر�ضته رو�سيا‬ ‫يف حميطها الإقليمي املبا�رش‪� ،‬أخذ االهتمام‬ ‫الفكري وال�سيا�سي العربي بها مداه‪ :‬يف دوائر‬ ‫ال�سيا�سة والإعالم وال�صحافة ابتدا ًء‪ ،‬ويف‬ ‫مراكز الدرا�سات وامل�ؤمترات الفكرية والت�أليف‬ ‫الأكادميي تالي ًا‪ ،‬و�إن كان �أكرث ما ُك ِت َب – يف‬ ‫النطاق الفكري والتحليلي – عن رو�سيا ما‬ ‫بعد اجتياح جورجيا �إمنا كتب يف بداية العام‬ ‫‪ 2009‬ب�سبب حداثة حدث االجتياح (يف نهاية‬ ‫نر�ص َد – يف‬ ‫�صيف العام ‪ .)2008‬وميكننا �أن ُ‬ ‫ْ‬ ‫هذا املعر�ض وعلى نح ٍو �رسيع – �شَ كلني من‬ ‫ذلك االهتمام الفكري العربي املتج ّدد بالدور‬ ‫الرو�سي‪ :‬اهتمام بر�ؤية النخب الرو�سية لدور‬ ‫بالدها‪ ،‬واهتمام بر�ؤية النخب العربية �إىل ذلك‬ ‫الدور‪:‬‬ ‫كر�ست جملة �ش�ؤون الأو�سط ملف ًا خا� ًصا‬ ‫يف عددها ‪�( 128‬شتاء – ربيع ‪ )2008‬ملو�ضوع‬ ‫«رو�سيا وال�رشق الأو�سط» لعر�ض ر�ؤية النخب‬ ‫الفكرية الرو�سية للم�س�ألة من خالل درا�سات‬ ‫لبع�ض كبار ك ّتابها وباحثيها املخت�صني‬ ‫(بوبوف‪ ،‬باكالنوف‪ ،‬بيلنكايا‪ ،‬خرينكوف‪،‬‬ ‫�سلطانوف ‪ ،)..‬وتناولت مادة امللف جمل ًة من‬ ‫املو�ضوعات الهامة عن العالقات العربية‬ ‫– الرو�سية‪ ،‬ونظر رو�سيا �إىل العامل العربي‪،‬‬ ‫وموقفها من «عملية ال�سالم» يف ال�رشق الأو�سط‪،‬‬ ‫و�إيران يف ال�سيا�سة الرو�سية‪ ،‬وال�رشق الأو�سط‬ ‫بني ال�سيا�سة الرو�سية وال�سيا�سات الغربية‪،‬‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫الفكري نف�سه بال�صني‬ ‫االهتمام‬ ‫َّ‬ ‫ما زال يف بداياته‪ ،‬ويفتقر �إىل معرف ٍة‬ ‫كافية بهذا البلد وتاريخه و�أدواره‬ ‫املعا�رصة والقوى والديناميات‬ ‫منوه وتقدمه‪ .‬ذلك �أنه‬ ‫الفاعلة يف ّ‬ ‫ما انْ�رصمت حقب ُة َولَع بع�ض الي�سار‬ ‫العربي ب�صني ماو ت�سي تونغ‪ ،‬وتراثها‬ ‫الأيديولوجي ال�شيوعي املعا�رص‪،‬‬ ‫حتى �أعقبتها حقبة االنبهار باملعجزة‬ ‫ال�صينية من دون معرف ٍة ب�أ�سباب تلك‬ ‫املعجزة وعواملها‪ .‬ولع ّل ذلك ناج ٌم‬ ‫–يف املقام الأول– عن انعدام مراكز‬ ‫درا�سات خا�صة بال�صني واالفتقار‬ ‫�إىل �أطر وكفاءات ب�رشية علمية‬ ‫متخ�ص�صة‪.‬‬

‫الح�صاد‬

‫وامل�صالح الرو�سية يف البحر الأحمر‪ ،‬ثم رو�سيا‬ ‫والعامل الإ�سالمي‪ .‬وقد وفّرت مواد امللف‬ ‫فر�صة ملطالعة اجتاهات ال�سيا�سة الرو�سية‬ ‫جتاه «ال�رشق الأو�سط» والوطن العربي �ضمنه‬ ‫على نح ٍو خا�ص‪ ،‬و�أَ ْط َل َعنا ن� ُرشها يف جملة‬ ‫عربية على تنامي االهتمام مبعرفة ما تفكّر به‬ ‫رو�سيا جتاه منطقتنا‪� .‬أما املجلة العربية للعلوم‬ ‫ال�سيا�سية‪ ،‬فن�رشت يف عددها الع�رشين (خريف‬ ‫‪ )2008‬ملف ًا عنوانه رو�سيا والنظام الدويل‬ ‫ت�ض ّمن درا�ستني عن رو�سيا بو�صفها قوة كربى‬ ‫عاملية‪ ،‬وعن �سيا�ستها العربية واال�ستقرار يف‬ ‫النظام الدويل‪ .‬وقارئ امللف َي ْل َحظ َم ْي ًال نحو‬ ‫�إعادة ت�صحيح الر�ؤية العربية جتاه الأدوار‬ ‫الدولية الكربى التي باتت رو�سيا قادرة على‬ ‫النهو�ض بها والآثار الإيجابية – املح َت َم َلة لها‬ ‫– يف الو�ضع العربي‪.‬‬ ‫حني كان يرتاجع االهتمام العربي‬ ‫برو�سيا – بعد انهيار االحتاد ال�سوفييتي –‬ ‫كان يتنامى بال�صني يف امتداد تنامي قوتها‬ ‫االقت�صادية واملالية وال ِّتقانية على الرغم من‬ ‫اهتمام بال�صريورة قو ًة‬ ‫�أن ال�صني مل ُتب ِد كب َري‬ ‫ٍ‬ ‫وزن �سيا�سي يف ق�ضايا العا ْملني العربي‬ ‫ذات ٍ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫والإ�سالمي‪ ،‬واكتفت باالقت�صاد نطاقا وماد ًة‬ ‫للعالقة بدول هذين العاملينْ ‪ .‬على �أن اهتمام‬ ‫النخب الفكرية العربية بال�صني كقوة عظّ مى‬ ‫جديدة ال ُيترَ ْ ِجم �شيئ ًا �سيا�س ّي ًا ذا بال‪�ِ ،‬إ ْذ ظلتِ‬ ‫ال�سيا�سة الر�سمية العربية بعيدة عن �إدراك‬ ‫هذا املتغري اال�سرتاتيجي الكبري الذي ميثله‬ ‫ال�صعود امل ّدوي لل�صني يف الع�رشين عام ًا‬ ‫االخرية‪ ،‬وارت�ضت �أن ت�ستمر العالقة بها رتيبة‬ ‫يف املجال ال�سيا�سي والدفاعي ون�شطة – �إىل‬ ‫ح ٍّد – يف املجال االقت�صادي والتجاري‪ .‬غري‬ ‫نف�سه بال�صني ما زال‬ ‫�أن االهتمام‬ ‫َّ‬ ‫الفكري َ‬ ‫يف بداياته‪ ،‬ويفتقر �إىل معرف ٍة كافية بهذا‬ ‫البلد وتاريخه و�أدواره املعا�رصة والقوى‬ ‫والديناميات الفاعلة يف من ّوه وتقدمه‪ .‬ذلك �أنه‬ ‫ما انْ�رصمت حقب ُة َو َلع بع�ض الي�سار العربي‬ ‫ب�صني ماو ت�سي تونغ‪ ،‬وتراثها الأيديولوجي‬ ‫ال�شيوعي املعا�رص‪ ،‬حتى �أعقبتها حقبة االنبهار‬

‫باملعجزة ال�صينية من دون معرف ٍة ب�أ�سباب تلك‬ ‫املعجزة وعواملها ال َّل ُهم ما كان من عموميات‬ ‫ال َتقْبل الت�صنيف يف خانة املعرفة‪ .‬ولع ّل ذلك‬ ‫ناج ٌم – يف املقام الأول – عن انعدام مراكز‬ ‫درا�سات خا�صة بال�صني واالفتقار �إىل �أطر‬ ‫وكفاءات ب�رشية علمية متخ�ص�صة يف ال�صني‬ ‫بالعامل العربي و ُت َو ّ�سع من دائرة تعليم اللغة‬ ‫العربية لل�صينيني الراغبني فيها‪.‬‬ ‫لعل مركز الدرا�سات ال�سيا�سية‬ ‫واال�سرتاتيجية (الأهرام) من �أكرث مراكز‬ ‫الدرا�سات العربية متابع ًة لل�ش�أن ال�صيني‬ ‫وتفاع ًال معه‪ .‬ولقد ن�رشت جملته ال�سيا�سية‬ ‫الدولية يف عددها ‪( 173‬متوز‪ /‬يوليو ‪)2008‬‬ ‫ملف ًا خا� ًصا حتت عنوان ال�صني ‪� ...‬إ�شكالية‬ ‫التوازن يف مواجهة التناق�ضات ت�ض َّمن �أربع‬ ‫ع�رشة مادة (بني درا�س ٍة ومقالة) تناولت‬ ‫مو�ضوعات �شتى تراوحت بني قوة ال�صني‬ ‫االقت�صادية والع�سكرية من الداخل‪ ،‬ومكانتها‬ ‫ودورها يف العامل‪ ،‬مروراً بعالقاتها اخلارجية‪.‬‬ ‫وهكذا ان�رصفت درا�سات امللف �إىل التفكري يف‬ ‫�ش�ؤون �صينية داخلية من قبيل النتائج املرتتبة‬ ‫عن حت ُّول االقت�صاد ال�صيني عن الزراعة‪،‬‬ ‫والأبعاد االجتماعية لل�صعود ال�صيني‪ ،‬وخيار‬ ‫الطاقة البديلة فيها‪ ،‬و�صناعتها الع�سكرية‪،‬‬ ‫والتلوث وخماطر تدهور البيئة يف ال�صني‪،‬‬ ‫والف�ساد وخماطره على عملية التنمية‪ ،‬ثم‬ ‫احلركات االنف�صالية يف ال�صني؛ كما ان�رصفت‬ ‫�إىل مطالعة وجوه ال�صعود والعاملية يف‬ ‫النموذج ال�صيني والر�ؤى املختلفة �إىل دور‬ ‫ال�صني العاملي‪ ،‬وموقعها يف التجارة الدولية‬ ‫مبا يف ذلك ما طر�أ من تغيري يف خياراتها‬ ‫انتقل بها من التناف�س �إىل االعتماد املتبادل؛‬ ‫بع�ض‬ ‫و�أخرياً‪،‬‬ ‫ان�رصفت مواد امللف �إىل مطالعة ٍ‬ ‫ْ‬ ‫من وجوه عالقاتِ ال�صني الدولية من قبيل‬ ‫العالقات ال�صينية – الأمريكية وما يكتنفها‬ ‫من �رصاع وتعا ُون‪ ،‬وعالقات ال�صني بالدول‬ ‫النامية ومنطلقات تلك العالقة و�أبعادها‪ ،‬ثم‬ ‫ال�صني وال�رشق الأو�سط حيث املعادلة بني‬ ‫ال�سيا�سة واالقت�صاد فيها خمتلة ل�صالح الثاين‪.‬‬

‫‪475‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 476‬للتنمية الثقافية‬

‫مل تحَ ْ ظَ �أملانيا مبثل ما حظيت‬ ‫به رو�سيا وال�صني من اهتمام‬ ‫عربي على الرغم من مكانتها كقوة‬ ‫ّ‬ ‫اقت�صادية رابعة يف العامل وكدولة‬ ‫حمور ومرك ٍز يف االحتاد الأوروبي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫و ذلك على الرغم من �أن عالقة‬ ‫العامل العربي بها �أوثق اقت�صاد ّي ًا‬ ‫و�سيا�س ّي ًا – من الزاوية التاريخية‬ ‫املعا�رصة – من عالقته بالدولتني‬ ‫تينك‪.‬‬

‫لع ّل ما م َّيز االهتمام العربي‬ ‫بالقوى الدولية اجلديدة‪ ،‬يف حراك‬ ‫العام ‪ 2008‬الفكري‪ ،‬تن ُّوعه الن�سبي‬ ‫و�شموله َح ِّيزات �أقليمية َن َد َر �أن‬ ‫و َق َع االن�رصاف �إىل التفكري فيها‪،‬‬ ‫ومن ذلك مث ًال االهتمام ب�أ�سرتاليا‬ ‫وعالقاتها بالعامل العربي‪.‬‬

‫وهكذا �أطلت مواد امللف على ثالث زوايا رئي�س‪:‬‬ ‫ال�صني من الداخل‪ ،‬وال�صني يف �سيا�ستها‬ ‫الدولية والإقليمية‪ ،‬ثم مالمح النموذج ال�صيني‬ ‫ومكانته يف عالقات القوى على ال�صعيد‬ ‫بحثي م�رصي‪ ،‬فقد‬ ‫العاملي‪ .‬ولأن املرك َز مرك ٌز ّ‬ ‫ملف جملته يف هذا العدد �أن يثري ال�س�ؤال‬ ‫�آثر ُّ‬ ‫(ال�رضوري) عن «واقع وم�ستقبل الدرا�سات‬ ‫ال�صينية يف م�رص»‪ .‬و�أغنانا عن القول �إنه‬ ‫�س�ؤال قابل للتعريب �أو للتعميم عرب ّي ًا‪.‬‬ ‫مل تحَ َْظ �أملانيا مبثل ما حظيت به رو�سيا‬ ‫عربي على الرغم من‬ ‫وال�صني من اهتمام‬ ‫ّ‬ ‫مكانتها كقوة اقت�صادية رابعة يف العامل (بعد‬ ‫الواليات املتحدة واليابان وال�صني)‪ ،‬وكدولة‬ ‫حمو ٍر ومرك ٍز يف االحتاد الأوروبي‪ ،‬وعلى الرغم‬ ‫من �أن عالقة العامل العربي بها �أوثق اقت�صاد ّي ًا‬ ‫و�سيا�س ّي ًا – من الزاوية التاريخية املعا�رصة‬ ‫– من عالقته بالدولتني تينك‪ ،‬من دون �أن‬ ‫نتحدث عن دورها املحوري يف �ضبط �سلوك‬ ‫ال�سيا�سة الغربية نحو �إيران ولجَ ْ م اندفاعتها‬ ‫نحو خيا ٍر ع�سكري لن يدفع كلفته‪ ،‬يف ح�ساب‬ ‫حال‬ ‫النتائج‪� ،‬سوى اخلليج العربي ودوله يف ِ‬ ‫ف�ض نزاع الغرب مع �إيران‬ ‫الذهاب �إليه ِل ِّ‬ ‫النووي‪ .‬ومل نعرث يف احلراك‬ ‫حول برناجمها‬ ‫ّ‬ ‫الثقايف للعام ‪ 2008‬على �أية فعالية فكرية‬ ‫ج ّدية تتناول التجربة الأملانية مو�ضوع ًا �سوى‬ ‫ور�شة عمل عقدها مركز الإمارات للدرا�سات‬ ‫والبحوث اال�سرتاتيجية بتاريخ ‪ 14‬كانون‬ ‫مو�ضوعها بعيداً‬ ‫الثاين‪ /‬يناير ‪ ،2008‬وكان‬ ‫ُ‬ ‫عن االقت�صاد وال�سيا�سة العربية و«ال�رشق‬ ‫نف�سه‬ ‫�أو�سطية» الأملانية‪ ،‬ولكنه – يف الوقت ِ‬ ‫– يف غاية الأهمية‪ ،‬هو ال�سيا�سة اخلارجية‬ ‫الأملانية‪( ،‬عنوان الور�شة‪« :‬الديبلوما�سية‬ ‫يف عام ‪ – 2008‬اجلوانب العلمية لل�سيا�سة‬ ‫عامل معومل‪ :‬التجربة الأملانية)‪.‬‬ ‫اخلارجية يف ٍ‬ ‫على �أن العناية بهذا ال�ش�أن اجلزئي من �ش�ؤون‬ ‫ال�سيا�سة الأملانية لي�س بالأمر الي�سري لأنه ما‬ ‫كان م�ألوف ًا متام ًا �أن ي�شغل ال�ش�أن الأملاين‬ ‫ح ّيزاً يف التفكري العربي على نح ٍو ُي�شْ ِع ُرنا‬ ‫بوجود تق�ص ٍري يف ذلك االهتمام هذا العام‪.‬‬

‫ولع ّل ما م َّيز االهتمام العربي بالقوى‬ ‫الدولية اجلديدة‪ ،‬يف حراك العام ‪ 2008‬الفكري‪،‬‬ ‫تن ُّوعه الن�سبي و�شموله َح ِّيزات �أقليمية َن َد َر �أن‬ ‫و َق َع االن�رصاف �إىل التفكري فيها‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫مث ًال االهتمام ب�أ�سرتاليا وعالقاتها بالعامل‬ ‫العربي‪ ،‬بعد نطاقات �ضيقة ال يتعداها من نوع‬ ‫م�س�ألة الهجرة العربية �إىل �أ�سرتاليا و�أو�ضاع‬ ‫املهاجرين العرب فيها‪� ،‬أو مبنا�سبات عار�ضة‬ ‫مثل م�شاركة احلكومة الأ�سرتالية ورئي�سها‬ ‫هاورد يف حرب غزو العراق واحتالله يف العام‬ ‫‪ .2003‬ولقد ك�رس مركز الإمارات للدرا�سات‬ ‫والبحوث اال�سرتاتيجية القاعدة يف العام ‪2008‬‬ ‫حني عقد ندوة يف مو�ضوع �أ�سرتاليا والعامل‬ ‫العربي بتاريخ ‪ 18-17‬كانون االول ‪ /‬دي�سمرب‬ ‫‪ 2008‬يف مقر املركز ب�أبو ظبي‪ ،‬وكانت منا�سبة‬ ‫لإلقاء ال�ضوء على جمل ٍة من الق�ضايا كال�سيا�سة‬ ‫الأ�سرتالية جتاه العامل العربي وق�ضاياه‪،‬‬ ‫وامل�صالح اال�سرتاتيجية لأ�سرتاليا يف ال�رشق‬ ‫الأو�سط‪ ،‬والعالقات التجارية بني �أ�سرتاليا‬ ‫واخلليج العربي‪ ،‬والإ�سالم يف �أ�سرتاليا‪ ،‬وت�أثري‬ ‫اجلاليات العربية فيها ‪� ...‬إلخ‪ .‬وقد �شارك فيها‬ ‫باحثون وديبلوما�سيون عرب و�أ�سرتاليون‪.‬‬

‫الأزمة ال�سودانية‬

‫لي�ستِ الأزم ُة ال�سودانية يف عدا ِد الأ ْزمات‬ ‫اجلديدة التي تنزف بها �أو�ضاع الوطن العربي‬ ‫ال�سن‪ ،‬وتعود جذورها‬ ‫اليوم‪ ،‬فهي طاعن ٌة يف ّ‬ ‫االنفجارية �إىل ما قبل ربع قرن‪� :‬إىل اندالع‬ ‫املواجهة ‪ -‬يف العام ‪ – 1983‬بني‬ ‫جنوب‬ ‫ٍ‬ ‫و�شمال ير ُّد على االنف�صال‬ ‫يتطلع �إىل االنف�صال‬ ‫ٍ‬ ‫بعنف يغذّي طاق َته و ُي�شرّ ْ ِع ُن ق�ضي َته! لكن‬ ‫ٍ‬ ‫�أزمة ال�سودان اليوم ا�ستفحلت �أكرث من ذي‬ ‫قبل‪ ،‬وما عادت فح�سب مثلما كانت يف عهد‬ ‫جعفر منريي ويف عهد الثورة عليه وقيام‬ ‫نظام مرغني – املهدي �رصاع ًا بني ال�شمال‬ ‫واجلنوب‪ ،‬بني العرب والزجن‪ ،‬بني امل�سلمني‬ ‫وامل�سيحيني والوثنيني‪�ِ ،‬إ ِذ انتقلت �إىل ال�شمال‬ ‫لل�سودان‬ ‫نف�سه و�إىل الدائرة العربية والإ�سالمية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فبات لها‬ ‫ِ‬ ‫نف�سها‪ ،‬يف عهد حكومة «الإنقاذ»‪َ ،‬‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫الح�صاد‬

‫عنوانان‪ :‬االنف�صال يف اجلنوب و «التمرد»‬ ‫يف �إقليم دارفور‪ .‬و�إ ْذ تع َّممت املواجهات يف‬ ‫دارفور بني اجلنجويد والقوات احلكومية من‬ ‫جهة والف�صائل الدارفورية وال�سكان من جهة‬ ‫ثانية؛ و�إِ ِذ ا ُّتهمت احلكومة ال�سودانية من طرف‬ ‫املنظمات املدنية الدولية وحكومات الغرب‬ ‫و ِب ْعثَات الأمم املتحدة ومنظماتها الإن�سانية‬ ‫باقرتاف جرائم �ض ّد الإن�سانية وجرائم �إبادة‬ ‫جماعية؛ و�إذ ُتوبع م�س�ؤولوه يف الدولة بتهم‬ ‫امل�شاركة يف تلك الإبادة و�صدرت مذكرة‬ ‫ق�ضائية يف حق عمر ح�سن الب�شري؛ و�إ ْذ �سا َءتِ‬ ‫العالقة بني النظام الع�سكري واملعار�ضة‬ ‫الدميقراطية يف ال�شمال‪ ،...‬فقد جت َّمعت الأ�سباب‬ ‫كافة لكي جتعل من الأزمة ال�سودانية واحدة‬ ‫من �أكرث الأ ْزمات ا�شتع ً‬ ‫اال واحتدام ًا‪ ،‬ولكي‬ ‫ي�صبح االهتمام بها �أظهر من ذي قبل‪.‬‬ ‫ولي�س من �شك يف �أن ما يجري يف ال�سودان‬ ‫يثري خماوف العرب جميع ًا على م�صري وحدته‬ ‫الكيانية وا�ستقراره‪� ،‬إ ْذ هو جزء من منظومتهم‬ ‫القومية والإقليمية‪ ،‬وما ي�صيبه ي�صيب‬ ‫جمتمعاتهم ودولهم بال َّتبع ّية؛ ولي�س من �شك‬ ‫يف �أن ات�صال �أمن جمتمعات ودول بع�ضهم‬ ‫ب�أمن ال�سودان � ْأظ َهر من غريهم بقوة �أحكام‬ ‫اجلغرافيا واجلوار‪ ،‬وذلك ما ينطبق – بتفاوت‬ ‫– على حالة م�رص وليبيا وال�سعودية واليمن‪.‬‬ ‫غري �أن �أ�ش ّد ال�صالت قوة ومتان ًة وع�ضوي ًة‬ ‫بال�سودان هي �صل ُة م�رص به؛ �صلة �صنعتها‬ ‫الوحدة الكيانية التاريخية بني الإقليمني‪،‬‬ ‫واجلوار اجلغرافيا و�أحكام ال ّنيل‪ .‬فال عجب‪،‬‬ ‫�إذاً‪� ،‬إن كان ان�شغال م�رص – دول ًة ونخب ًا – مبا‬ ‫يجري يف ال�سودان على ذلك النحو من احل ّدة‬ ‫التي نلحظها كلما كان ال�سودان مو�ضوع تفك ٍري‬ ‫�أو حديث‪ .‬ولعل ذلك ما يف�سرِّ – �أي� ًضا – ملاذا‬ ‫كان مركز الدرا�سات ال�سيا�سية واال�سرتاتيجية‬ ‫(بالأهرام) �أكرث املراكز وامل�ؤ�س�سات البحثية‬ ‫العربية عناي ًة بالأزمة ال�سودانية‪ :‬متابع ًة‬ ‫ور�صداً وحتلي ًال‪ .‬ذلك �أنه �إذا كان من �أظهر‬ ‫وير�س ُم له جدول �أعماله‬ ‫ما َي�شْ غَل املركز‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ودرا�سات يف‬ ‫وات وور�ش عمل‬ ‫ٍ‬ ‫العلمي‪ :‬ن ْد ٍ‬

‫جملة «ال�سيا�سة الدولية»‪ ،‬هو «الأمن القومي‬ ‫تر�سخ يف عقيدة هذا املركز‬ ‫امل�رصي»‪ ،‬ف�إن ّ‬ ‫مما ّ‬ ‫– منذ ت�أ�سي�سه – �أن هذا الأمن �شدي ُد االت�صال‬ ‫بال�سودان وامل�رشق العربي ومبا يجري فيهما‪.‬‬ ‫وهذا �سبب كاف لتف�سري مركزية املو�ضوع‬ ‫ال�سوداين وق�ضية فل�سطني ال�رصاع العربي‬ ‫– ال�صهيوين يف برناجمه العلمي‪.‬‬ ‫لي�ستِ املنا�سب ُة منا�سب َة حديثٍ يف املركز‬ ‫ون�شاطه البحثي‪ ،‬لكن احلام َل على املالحظة‬ ‫�أن املركز ك َّر�س للمو�ضوع ال�سوداين جمل ًة من‬ ‫الفعاليات الفكرية خالل العام ‪ 2008‬نقف على‬ ‫أربع منها‪� :‬أولها – بح�سب الت�سل�سل الزمني‬ ‫� ٍ‬ ‫– ور�شة عمل بعنوان �أزمة دارفور ومعوقات‬ ‫الت�سوية ال�سيا�سية وانعقدت يف ‪� 5‬شباط‪/‬‬ ‫فرباير ‪ .2008‬وثانيها ندوة حتت عنوان‬ ‫ال�سودان‪� ...‬أي م�ستقبل؟‪ ،‬بتاريخ ‪� 21‬أيلول‪/‬‬ ‫�سبتمرب ‪ .2008‬وثالثها ندوة يف مو�ضوع‬ ‫ال�سودان بني التحديات الداخلية واال�ستهداف‬ ‫اخلارجي بتاريخ ‪ 1‬ت�رشين الثاين‪ /‬نوفمرب‬ ‫‪ .2008‬ثم رابعها ندوة حول �أبعاد املرحلة‬ ‫الراهنة يف الأزمة ال�سودانية بتاريخ ‪ 14‬كانون‬ ‫الأول‪ /‬دي�سمرب ‪ .2008‬يف هذه الفعاليات‬ ‫الأربع (من دون ذكر غريها ومنها ور�شة‬ ‫عمل خا�صة باتفاق �أبوجا لل�سالم والو�ضع‬ ‫يف ال�سودان)‪ .‬جولة حتليلية دقيقة يف �أو�ضاع‬ ‫الأزمة ال�سودانية عموم ًا ويف ال�شقّ املتعلق‬ ‫منها بدارفور على وج ٍه خا�ص‪ .‬وهي جولة‬ ‫ت�سمح ببع�ض االعتقاد �أن التفاعل الفكري‬ ‫العربي – ويف م�رص خا�صة – مع الأو�ضاع‬ ‫امل�ستفحلة يف ال�سودان كان َي ِقظ ًا �إىل ح ّد‬ ‫ومل َت ُف ْت ُه متابعة �أدق التطورات وامل�ستجدات‬ ‫الطارئة على م�شهد �أزم ٍة ُت ِخيف م�صائ ُرها‬ ‫ِم�صرْ َ والبالد العربية كافة‪.‬‬

‫‪477‬‬

‫الهجرة واحلركات االجتماعية‬

‫مازالتِ العلوم االجتماعية يف البالد‬ ‫نق�ص حا ّد يف املوارد العلمية‬ ‫العربية تعاين من ٍ‬ ‫واملنهجية وامل�ؤ�س�سية لأ�سباب عديدة لي�س‬ ‫هذا املقا ُم منا�سب ًا للحديث التف�صيلي فيها‪.‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 478‬للتنمية الثقافية‬

‫ي�صعب على القارئ يف ح�صاد‬ ‫الفردي‬ ‫الإنتاج الفكري العربي –‬ ‫ّ‬ ‫واجلماعي – �أن يعرث على مادةٍ‬ ‫ّ‬ ‫ذات بال يف جمال حتليل‬ ‫علمية ِ‬ ‫ظواهر االجتماع العربي �إ ّال ما كان‬ ‫منها مت�ص ًال بال�سيا�سية‪.‬‬

‫وينعك�س ذلك النق�ص عليها عجزاً يف الإنتاج‬ ‫فا�ض ًا يف الرتاكم‪ .‬وهي يف ح�ساب‬ ‫وانخ َ‬ ‫الفكري َ‬ ‫املقارنة بغريها من حقول املعرفة العربية‬ ‫الو�سع متييز‬ ‫الأخرى �أ�ضعف‪ .‬و�إذا كان يف ْ‬ ‫بع�ضها عن البع�ض من حيث درجة التفاعل‬ ‫مع مو�ضوعات املجتمع ون�سبة الرتاكم العلمي‬ ‫والقول – تبع ًا لذلك – �إن علم االجتماع منها‬ ‫(بفروعه كافة) �أ�ضعف من العلوم ال�سيا�سية‬ ‫والقانونية واالقت�صادية ‪� ...‬إلخ‪ ،‬ف�إن ذلك‬ ‫لي�س يعني �أن هذه �أف�ضل ح ً‬ ‫اال من الأول و�إن‬ ‫كان جمهور امل�شتغلني فيها من الباحثني‬ ‫�أو�سع و�أكرث عدداً‪ .‬ولقد ي�صعب على القارئ‬ ‫الفردي‬ ‫يف ح�صاد الإنتاج الفكري العربي –‬ ‫ّ‬ ‫واجلماعي – �أن يعرث على ماد ٍة علمية ذاتِ بال‬ ‫ّ‬ ‫يف جمال حتليل ظواهر االجتماع العربي �إ ّال ما‬ ‫ح�سب حينها‬ ‫كان منها مت�ص ًال بال�سيا�سية (ف ُي َ‬ ‫يف �إطار علم االجتماع ال�سيا�سي وعلم ال�سيا�سة‬ ‫نف�سه)‪� .‬أما غري هذه من امل�سائل‬ ‫يف الآن ِ‬ ‫والظواهر الأخرى التي يزخر بها االجتماع‬ ‫العربي (جدليات ال َّت َم ْد ُين الرت ُّيف‪ ،‬االجتماع‬ ‫الديني‪ ،‬حت ّوالت منظومات القيم‪ ،‬التق�سيم‬ ‫االجتماعي للعمل‪ ،‬ن ُ​ُظم الر�أ�سمال االجتماعي‬ ‫و�أ�شكال �إعادة �إنتاجه‪ ،‬الروابط والعالقات‬ ‫التقليدية و�إعادة �إنتاجها‪ ،‬حتليل احلركات‬ ‫االجتماعية وديناميات ا َ‬ ‫حل َراك فيها‪ ،‬الذكورة‬ ‫والأنوثة يف نظام العالقات االجتماعية ويف‬ ‫الإنتاج‪ ،‬العالقات ال َب ْط ِر َي ْركية‪ ،‬الطبقات‬ ‫االجتماعية والتم ّيز الطبقي‪ ،‬ظواهر التهمي�ش‬ ‫االجتماعي‪ ،)...‬فال تكاد حتظى بالكثري من‬ ‫االهتمام الفكري وبخا�صة يف نطاق العمل‬ ‫العلمي اجلماعي (فرق �أو جمموعات البحث‬ ‫العلمي‪ ،‬املو�سوعات‪ ،‬امل�ؤمترات والندوات‪.)..‬‬ ‫وقد يكون ح�صاد العام ‪ 2008‬الفكري‬ ‫من اال�شتغال على ظواهر االجتماع العربي‬ ‫قي�س مبثيله‬ ‫– بهذا املعنى – طيب ًا �إىل ح ّد‪� ،‬إن َ‬ ‫بع�ض ما يغطي‬ ‫أعوام �سابقة‪� .‬إ ْذ كان منه ُ‬ ‫يف � ٍ‬ ‫احلاجة �إىل املعرفة بظواه َر ذاتِ �ش�أن يف‬ ‫احلياة العربية اليوم ُي َف َّكر يف بع�ضها فرد ّي ًا‬ ‫و�أن ُي َتنَا َول من طريق الت�أليف‪ .‬ولقد ا�ستوقفتنا‬

‫م�سائل اجتماعية ثالث يف حراك هذا العام‬ ‫الثقايف‪ :‬الهجرة‪ ،‬العمل ال�شبابي‪ ،‬واحلركات‬ ‫االجتماعية‪.‬‬ ‫نف�سها‬ ‫بد�أت ظاهرة الهجرة تفر�ض َ‬ ‫يف احلياة العربية منذ عقود بعد �أن تزايدت‬ ‫وترياتها لأ�سباب �شتى‪ :‬معي�شية و�سيا�سية‬ ‫و�سوى ذلك‪ .‬و�إ ْذ حت َّول املهاجرون العرب‬ ‫�إىل اخلارج �أو يف داخل �أوطانهم �إىل ن�سبة‬ ‫�سكانية كبرية‪ ،‬فقد فر�ض ذلك ن�شوء �سيا�سات‬ ‫وم�ؤ�س�سات خا�صة‪ :‬حكومية و�أهلية تعتني‬ ‫ب�أمور املهاجرين‪ .‬ومل تكن �أ�سباب االهتمام‬ ‫راجعة فح�سب �إىل ما �أ�صبحت متثله الهجرة‬ ‫مورد مايل واقت�صادي‬ ‫واملهاجرون من‬ ‫ٍ‬ ‫بالن�سبة �إىل بع�ض البلدان العربية الفقرية‪،‬‬ ‫و�إمنا – �أي� ًضا – لأن الهجرة تطرح جمل ًة من‬ ‫امل�شكالت التي تبد�أ باخلوف من فقدان �صلة‬ ‫املغرتب بالوطن الأم (وخ�صو� ًصا مع اجليلني‬ ‫الثاين والثالث من املهاجرين) من دون �أن‬ ‫تنتهي مب�شاكل الالجئني‪ .‬ومع �أن املغرتبني‬ ‫(وه ْم ُي ْح َ�سبون باملاليني)‬ ‫العرب يف ا َمل َهاجر ُ‬ ‫�أفلحوا‪ ،‬يف العقود الأربعة الأخرية‪ ،‬يف ت�أ�سي�س‬ ‫�أطرهم الأهلية اخلا�صة – ويف الأع ّم الأغلب‬ ‫من الأحيان من دون م�ساعدة دولهم الأ�صل –‬ ‫من �أجل تنظيم وجودهم والدفاع عن حقوقهم‬ ‫ك�أقلية قومية �أو دينية يف َم َو ِاطن الهجرة‪� ،‬إ ّال‬ ‫�أن ال�صلة تكاد تكون رمزية – حتى ال نقول‬ ‫مفقودة – بني م�ؤ�س�ساتهم اخلا�صة وتلك التي‬ ‫�أقام ْتها دولهم لهم حتت عنوان حماية حقوق‬ ‫رعاياها املهاجرين �إىل اخلارج‪ .‬وقد تكون‬ ‫املهجرين داخل �أوطانهم العربية �أو‬ ‫م�شكالت‬ ‫َّ‬ ‫من بل ٍد عربي �إىل �آخر (كما يف حالة الالجئني‬ ‫الفل�سطينيني‪ ،‬وقد ان�ضاف �إليهم الالجئون‬ ‫العراقيون وال�سودانيون وال�صوماليون) �أ�ش َّد‬ ‫مرار ًة و�إيالم ًا وم�أ�ساوي ًة من املهاجرين �إىل‬ ‫اخلارج‪ ،‬مبن يف ذلك َمن �سلكوا دروب الهجرة‬ ‫بو�ضع و�إقام ٍة‬ ‫ممن ال يتمتعون‬ ‫ال�رسية‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫قانون َّيينْ ‪.‬‬ ‫بع�ض هذه امل�شكالت ندو ٌة عقد ْتها‬ ‫�أثارت َ‬ ‫مكتبة الإ�سكندرية حول الأبعاد اخلا�صة‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫و�إذا كانت الأحزاب واملنظمات‬ ‫ال�سيا�سية قد انتبهت مبكّراً �إىل‬ ‫الطاقة احليوية الكامنة يف ال�شباب‪،‬‬ ‫فاعتنت بهم ووفَّرت لفعالياتهم �أطراً‬ ‫تنظيمية منتمية �إىل البنية احلزبية‪،‬‬ ‫ف�إن احلركة ال�شبابية العربية‬ ‫�سني الثمانينيات من‬ ‫�ستعرف‪ ،‬منذ ّ‬ ‫القرن الع�رشين‪ْ ،‬مي ًال نحو االنتظام‬ ‫يف �أط ٍر م�ؤ�س�سية م�ستقلة – ن�سب ّي ًا‬ ‫– عن ال�سلطة والأحزاب ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫ين ومن�رصفة‪،‬‬ ‫�أي ذات طابع مد ّ‬ ‫ان�رصاف ًا كامالً‪ ،‬نحو االعتناء‬ ‫بق�ضايا ال�شباب االجتماعية ‪.‬‬

‫الح�صاد‬

‫بالهجرة �إىل اخلارج بتاريخ ‪ 5‬كانون الثاين‪/‬‬ ‫يناير ‪ 2008‬يف مركز امل�ؤمترات باملكتبة‪،‬‬ ‫وتناولت بالدرا�سة تلك الأبعاد يف حاالت‬ ‫الهجرة كافة‪� :‬سواء �إىل خارج الوطن العربي �أم‬ ‫�إىل بع�ض �أقطاره القادرة على ا�ستقبال الأيدي‬ ‫كر َ�س ْت ُه‬ ‫العاملة‪ .‬غري �أن امللف اخلا�ص الذي ّ‬ ‫جملة �إ�ضافات ال�صادرة عن اجلمعية العربية‬ ‫لعلم االجتماع ملو�ضوع الهجرة‪ ،‬حاول �أن‬ ‫ُي ِطل على امل�س�ألة‪ ،‬م�س�ألة الهجرة‪ ،‬يف وج ْهيها‬ ‫اخلارجي والداخلي‪ .‬وهكذا و�ضعتنا الندو ُة‬ ‫اختالف يف م�ساحة املو�ضوع‬ ‫وامللف – على‬ ‫ِ‬ ‫ا ُمل ْح َتفَى به – �أمام مادة �شاملة حول امل�س�ألة‪.‬‬ ‫�سن الثالثني قو ًة‬ ‫متثل فئة ال�شباب ما دون ّ‬ ‫�سكانية كبرية يف املجتمع العربي ذي البنية‬ ‫الدميقراطية املتجددة مبع ّدل من ٍّو وخ�صوبة هو‬ ‫يف عداد الأعلى من املعدالت يف العامل‪ .‬و�إذا‬ ‫�أ�ضيفت �إليها الفئات العمرية الدنيا (طفولة‪،‬‬ ‫�صبا‪ ،‬مراهقة)‪ ،‬ك ّنا �أمام قوة �سكانية ال تقل‬ ‫عن ال�ستني باملائة من الإجمايل الدميغرايف‬ ‫العام يف الوطن العربي‪ .‬غري �أن فر�ص هذه‬ ‫الفئة االجتماعية احليوية من اال�ستفادة‬ ‫من الإمكانيات واملوارد املتاحة‪ ،‬لإجابة‬ ‫حاجاتها وللم�ساهمة يف التنمية االجتماعية‪،‬‬ ‫تكاد تكون منعدمة يف معظم البلدان العربية‪،‬‬ ‫وبخا�صة ذات الكثافة ال�سكانية العالية مثل‬ ‫م�رص‪ ،‬واجلزائر‪ ،‬واملغرب‪ ،‬والعراق‪ ،‬وال�سودان‪،‬‬ ‫واليمن‪ ،‬و�سورية‪� ،‬أو التي تعاين من فقر‬ ‫حا ّد مثل موريتانيا وال�صومال والأرا�ضي‬ ‫الفل�سطينية املحتلة‪� .‬إ ْذ ال تتمتع بفر�ص التعليم‬ ‫والت�أهيل الكافية‪ ،‬وترتفع يف �أو�ساطها ن�سبة‬ ‫امله َّم�شني وا َملقْ�صيني من دائرة الإنتاج؛ كما‬ ‫واخلريجني ال يجدون ُبنَى‬ ‫�أن املتعلمني منها‬ ‫ّ‬ ‫ا�ستقبال ‪ Structures d’acceuil‬ت�ستوعب‬ ‫طاقاتهم وكفاءاتهم فتوظفها يف عملية‬ ‫التنمية االجتماعية‪ ،‬وتوفّر لهم – يف الوقتِ‬ ‫نف�سه – فر�ص احلياة الكرمية‪.‬‬ ‫و�إذا كانت الأحزاب واملنظمات ال�سيا�سية‬ ‫قد انتبهت مبكّراً �إىل الطاقة احليوية الكامنة‬ ‫يف ال�شباب‪ ،‬فاعتنت بهم ووفَّرت لفعالياتهم‬

‫�أطراً تنظيمية منتمية �إىل البنية احلزبية �أو‬ ‫ملحقة بها على نح ٍو ما من الأنحاء‪ ،‬ف�إن‬ ‫�سني‬ ‫احلركة ال�شبابية العربية �ستعرف‪ ،‬منذ ّ‬ ‫الثمانينيات من القرن الع�رشين‪ْ ،‬مي ًال نحو‬ ‫االنتظام يف �أط ٍر م�ؤ�س�سية م�ستقلة – ن�سب ّي ًا –‬ ‫عن ال�سلطة والأحزاب ال�سيا�سية‪� ،‬أي ذات طابع‬ ‫ين ومن�رصفة‪ ،‬ان�رصاف ًا كام ًال‪ ،‬نحو االعتناء‬ ‫مد ّ‬ ‫بق�ضايا ال�شباب االجتماعية التي غُ ِّي َب ْت‬ ‫– �أو ُه ِّم�شَ ْت – يف الأطر التنظيمية (ال�شبابية)‬ ‫ال�سابقة نتيجة ال َّت ْ�سيي�س ا ُ‬ ‫مل ْف ِرط ‪Surpolitisat‬‬ ‫‪ tion‬للعمل ال�شبابي‪.‬‬ ‫ولأن �أطر العمل ال�شبابي املدنية �أو الأهلية‬ ‫– �أي امل�ستقلة عن ال�سلطة والأحزاب واملنظمات‬ ‫ال�شبابية ال�شعبية – ما تزال يف طور التكوين‬ ‫والبناء‪ ،‬وتفتقر �إىل الإمكانيات املادية‪ ،‬وي ْغ ُلب‬ ‫واملحلي‪ ،‬وتعاين من‬ ‫املو�ضعي‬ ‫عليها الطابع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫غياب عالقات التن�سيق والرتابط بينها‪ ،‬ناهيك‬ ‫تع�سفي ملطالب‬ ‫مبا َي ِ�س ُم ع َم َلها من ف َْ�ص ٍل‬ ‫ّ‬ ‫ال�شباب عن مطالب جمموع فئات املجتمع‬ ‫الأخرى‪ ،‬ف�إنها – لتلك الأ�سباب كافة – ال متلك‬ ‫�أن ت ّدعي لنف�سها �شمولية التمثيل ال�شبابي �أو‬ ‫جتاو َز الأطر ال�شبابية‪ :‬الر�سمية واحلزبية‪،‬‬ ‫القائمة يف البالد العربية‪ .‬ولذلك‪ ،‬ال منا�ص‬ ‫من �إعادة ت�أهيل حقل العمل ال�شبابي بواجهاته‬ ‫كافة (الر�سمية‪ ،‬واحلزبية‪ ،‬واملدنية) لتمكني‬ ‫هذه الفئة االجتماعية احليوية من �أدوات‬ ‫تنظيمية فعالة للتمثيل والعمل‪ .‬وهو الهدف‬ ‫الذي َر َامه منتدى الفكر العربي (يف ع َّمان)‬ ‫يف عقده امل�ؤمتر ال�شبابي الثالث حتت عنوان‬ ‫نحو تطوير م�ؤ�س�سات العمل ال�شبابي العربي‬ ‫هدف‬ ‫بتاريخ ‪ 15-14‬متوز ‪ /‬يوليو ‪ .2008‬وهو ٌ‬ ‫ع�س ُري املنال �إن مل ت�سبقه وترافقه ر�ؤية �شاملة‬ ‫ملكانة هذه الفئة يف املجتمع ودورها احليوي‬ ‫واال�سرتاتيجي يف البناء االجتماعي كما‬ ‫الحظه امل�ؤمتر بحقّ ‪ .‬كما تويل م�ؤ�س�سة الفكر‬ ‫العربي بدورها اهتمام ًا بالغ ًا بال�شباب حيث‬ ‫يت�ض ّمن م�ؤمترها ال�سنوي العام حموراً حول‬ ‫ق�ضايا ال�شباب العربي‪.‬‬ ‫ت�شهد البالد العربية‪ ،‬يف ال�سنوات الع�رشين‬

‫‪479‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 480‬للتنمية الثقافية‬

‫الأخرية‪ ،‬ح ً‬ ‫اال من ا َ‬ ‫حل َراك االجتماعي ال �سابق‬ ‫لها يف االت�ساع والت�سارع‪ ،‬وعلى ن َْح ٍو ت�ضعنا‬ ‫ج�سم اجتماعي قابل لأن نطلق عليه‬ ‫فيه �أمام ٍ‬ ‫ا�سم احلركة (�أو احلركات) االجتماعية‪ .‬وعلى‬ ‫الرغم من �أن �ض ْيق الهوام�ش ال�سيا�سية املتاحة‬ ‫�أمام مثل هذه احلركات – يف الأع ّم الأغلب‬ ‫من البلدان العربية – ال ُيف ِْ�س ُح كبري جمال‬ ‫�أمام التعبري ا ُ‬ ‫حل ّر عن مطالبها وعن وجهة‬ ‫احتوائها �سيا�س ّي ًا‪ّ � ،‬إما ِمن قبل ال�سلطة �أو من‬ ‫قبل الأحزاب‪ ،‬ما انف َّكت جت ِّرب َّ‬ ‫حظها‪� ،‬إال �أن‬ ‫هذه احلركات – �أو ق�سم ًا كبرياً منها للدقة –‬ ‫جنح يف �أن يحفظ لنف�سه هام�ش املبادرة‪ ،‬على‬ ‫الرغم من املوانع‪ ،‬وهام�ش اال�ستقاللية‪ ،‬وعلى‬ ‫الرغم من حماوالت اال�ستيعاب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫من النافل القول �إن ق�سما كبريا من‬ ‫هذه احلركات لي�س جديداً متام ًا على امل�شهد‬ ‫عقود‬ ‫االجتماعي العربي‪ ،‬و�إمنا ُع ِرف منذ‬ ‫ٍ‬ ‫طويلة وبات م�ألوف ًا يف يوميات االجتماع‬ ‫العربي؛ وتلك – مث ًال – حال احلركات النقابية‪:‬‬ ‫الع َّمالية واملهنية والطالبية‪ ،‬واحلركات‬ ‫ال�شبابية‪ ،‬وقد كان لبع�ضها �ش�أن كبري يف‬ ‫عدد من البلدان العربية يف الن�صف الثاين‬ ‫من القرن الع�رشين (املغرب‪ ،‬تون�س‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫البحرين‪ ،‬م�رص ‪ .)...‬لكن �أكرث احلركات ِج َّدة‬ ‫على ذلك امل�شهد هي حركات حقوق الإن�سان‬ ‫واحلركات الن�سائية وحركات البيئة واحلركات‬ ‫املناه�ضة للف�ساد ولتزوير االنتخابات ‪� ...‬إلخ‪.‬‬ ‫وقيامها وات�ساع نطاق عملها‪ ،‬وتعاظم جمهور‬ ‫ُ‬ ‫النا�شطني فيها‪ ،‬وجر�أتها يف التعبري عن نف�سها‬ ‫ومواجهة �سيا�سات املنع‪ ،‬كلها تن ّم عن ن�ضج يف‬ ‫الن�سيج االجتماعي العربي ونقلة يف الفعاليات‬ ‫املطلبية‪ .‬على �أنه �إذا كان يف جوف املجتمع‬ ‫العربي اليوم من امل�شكالت ما ي ّربر قيام هذه‬ ‫احلركات االجتماعية و�إطالق مطالبها‪ ،‬ف�إن‬ ‫تراجع احلياة ال�سيا�سية واحلزبية يف الوطن‬ ‫العربي – منذ �سنوات الثمانينيات – يع ّزز‬ ‫من دور تلك احلركات ومن �رشعيتها من دون‬ ‫يعني ذلك – حكم ًا – �أنها باتت بدي ًال من‬ ‫�أن َ‬ ‫احلركات ال�سيا�سية على نحو ما يذهب �إىل‬

‫القول بذلك بع�ض ن�شطاء منظمات املجتمع‬ ‫املدين‪.‬‬ ‫الوعي‬ ‫مل ينتج‬ ‫العربي بعد ر�ؤي ًة فكرية‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫حول هذه احلركات االجتماعية وموقعيتها‬ ‫يف عملية التطور االجتماعي على نحو ما‬ ‫�أنتج ر�ؤي ًة عن الظاهرة احلزبية قبل عقود‬ ‫�أ ّي ًا يكن ر�أينا يف تلك الر�ؤية اليوم‪ ،‬لكنه بد�أ‬ ‫ينتبه �إليها �أكرث من ذي قبل حماو ًال مقاربة‬ ‫بع�ض م�سائلها و�أ�سئلتها‪ .‬و�إذا ما تركنا جانب ًا‬ ‫مما كتب عنها �أو نوق�ش من م�سائلها يف‬ ‫الكثري ّ‬ ‫العام في األسئلة المسَتج ّدة ‪ -‬لأنه ُك ِت َب ونو ِق َ�ش‬ ‫�سيا�س ّي ًا ولي�س مبفردات الفكر – �سنجد �أن‬ ‫واحداً من �أف�ضل مقارباتها الفكرية املن�شورة‬ ‫هو املجموع �ضمن ملف خا�ص �أ�صدر ْته‬ ‫جملة احلركات االجتماعية يف الوطن العربي‪،‬‬ ‫وقد تناولت مواده جمل ًة من املو�ضوعات‬ ‫كاحلركات االجتماعية يف تون�س‪ ،‬واحلركة‬ ‫النقابية يف اجلزائر‪ ،‬واحلركة الن�سائ ّية يف‬ ‫لبنان‪ ،‬واحلركات االجتماعية يف العراق وما‬ ‫يكتنفها من التبا�سات �إثنية ومذهبية‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬يف الأ�سئلة امل�س َتج ّدة‬

‫َي ْح ُدث يف كل فرتة زمنية �أن ت�ستج ّد‬ ‫ق�ضايا ومو�ضوعات يف ال�سيا�سة واالقت�صاد‬ ‫واالجتماع والثقافة تفر�ض نف�سها على الر�أي‬ ‫العام وعلى تفكري النخب فت�شغل ح ّيزاً كبرياً‬ ‫من االهتمام‪ .‬و ّملا كان العام هو الوحدة‬ ‫الزمنية التي تعتمدها التقارير الدرا�سية‪ ،‬يف‬ ‫العادة‪ ،‬ف�إن هذه الوحدة الزمنية ت�شكّل – على‬ ‫أحداث‬ ‫ِق�صرَ م ّدتها الزمنية – ف�ضا ًء تن�ش�أ فيه � ٌ‬ ‫كربى �رسعان ما تتح َّول �إىل ظواهر وق�ضايا‬ ‫�شاغلة للتفكري‪� ،‬أو َت ْكبرِ ُ فيه �أخرى‪ُ ،‬و ِل َد ْت قبل‬ ‫�أن َيه ّل هالل العام فين�ضج االهتما ُم بها �أكرث‪.‬‬ ‫و ّملا كان تقريرنا �سنو ّي ًا ويتناول – يف هذه‬ ‫الدورية منه – ق�ضايا العام ‪ ،2008‬ف�إن يف‬ ‫مما ا�ستج َّد نزو ُل ُه وتحَ َ ينَّ‬ ‫هذه الق�ضايا الكثري ّ‬ ‫عنوانُه ليفر�ض نف�سه على الر�صد والتحلل‪.‬‬ ‫على �أن معنى امل�س َت َجد ال ُي َرادِف دائم ًا‬ ‫واملفاجئ وغ ِري املتوقع‪،‬‬ ‫معنى الطارئ‬ ‫ِ‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫فقد ت ًكون معلوم ًة ِج َّد ُته للرا�صد �أو املحلّل‬ ‫(انتخابات الرئا�سة الأمريكية الأخرية مث ًال)‪.‬‬ ‫لكن وقوعه يف َب ْحر الفرتة الزمنية التي‬ ‫يتناولها التقرير يفر�ض النظر �إليه مبا هو‬ ‫مو�ضوع جديد‪.‬‬ ‫�شهد العام ‪ 2008‬هذه الأمناط الثالثة من‬ ‫وقوع ُه‪،‬‬ ‫الق�ضايا والأ�سئلة امل�ستج َّدة (املعلو ُم‬ ‫ُ‬ ‫املتوقَّع‪ ،‬املفاجئ)‪ ،‬و�سرن�ص ُدها من خالل‬ ‫ثالثة �أ�سئلة ان�رصف �إليها التفكري اجلماعي‬ ‫(النخبوي) يف الوطن العربي (هذا العام)‪:‬‬

‫امل�ستج ُّد املعلوم‬ ‫َ‬

‫الح�صاد‬

‫مع �أن انتخابات الرئا�سة الأمريكية‬ ‫يف خريف العام ‪ 2008‬يف عداد املواعيد‬ ‫ال�سيا�سية املعلومة لدى اجلميع‪� ،‬إ ّال �أن‬ ‫نتائجها ما كنت لتكون معلوم ًة لدى �أحد على‬ ‫الزخ اليومي لتوقّعات ا�ستطالعات‬ ‫الرغم من ّ‬ ‫الر�أي العديدة التي �أجر ْتها املعاهد واملراكز‬ ‫اخلا�صة با�ستمزاج اجتاهات الر�أي العام‬ ‫الأمريكي جتاه املتناف�سني‪ .‬ولذلك ال�سبب‪� ،‬إذا‬ ‫مل يكن يجوز �أن نح�سب موعداً معلوم ًا �سلف ًا‬ ‫نتائجه غري املعلومة‬ ‫م�ستج ّداً ‪ ،‬ف�إن‬ ‫حديث ًا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حدث م�س َتجد‪ .‬على �أن‬ ‫�سلف ًا حت ّو ُل ُه حكم ًا �إىل ٍ‬ ‫مكانة الواليات املتحدة الأمريكية يف العامل‬ ‫ويف النظام الدويل‪ ،‬والأثر البالغ الذي ُ‬ ‫يرتك ُه‬ ‫� ُّأي تغيري يف اجتاهات �سيا�ساتها (بتغيري‬ ‫طاقمها احلاكم)‪ ،‬يجعل من حدث االنتخابات‬ ‫الرئا�سية فيها احلدث الأهم اجلديد يف يوميات‬ ‫العامل كلِّه‪ ،‬فكيف �إذا كانت هذه االنتخابات‬ ‫على مثال تلك التي جرت يف ت�رشين الثاين‪/‬‬ ‫وتواج َه فيها حزبان ومر�شَّ حان‬ ‫نوفمرب ‪2008‬‬ ‫َ‬ ‫بدت جمي ُعها – يف حلظ ٍة‬ ‫و�سيا�ستان و�أُ ُفقَان ْ‬ ‫ال�سيا�سي الأمريكي والكوين – على‬ ‫من الزمن‬ ‫ّ‬ ‫طر ْ‬ ‫يف نقي�ض‪.‬‬ ‫مل تنعقد م�ؤمترات �أو ن ْدوات‪ ،‬وال ُن�شرِ َ ت‬ ‫ملفات يف املجالت الفكرية‪ ،‬ملناق�شة وحتليل‬ ‫نتائج االنتخابات الرئا�سية الأمريكية لأنها‬ ‫لكن‬ ‫جرت يف الهزيع الأخري من العام ‪ّ .2008‬‬ ‫اهتمام ًا بها كان �أو�سع منذ اقرتبت املناف�سة‪،‬‬

‫للمر�شحني داخل‬ ‫بل منذ االنتخابات التمهيدية‬ ‫ِ‬ ‫احلزبينْ اجلمهوري والدميقراطي‪ .‬وقد َب َدا هذا‬ ‫االهتمام بها لدى النخب العربية – احلاكمة‬ ‫واملعار�ضة و «املحايدة» – �أكرب �أحيان ًا من‬ ‫انتخابات الرئا�سات والربملانات يف البالد‬ ‫العربية‪ .‬وما �أغناها عن القول �إنه �أم ٌر مفهوم‬ ‫لأكرث من �سبب‪ ،‬منها �أنها انتخابات �أك ِرب دولة‬ ‫يف العامل لن يتقرر بها م�صري هذه الدولة‬ ‫ل�سنوات فح�سب بل م�صري العامل برمته معها؛‬ ‫ومنها االت�صال ال�شديد لل�سيا�سة الأمريكية‬ ‫مبنطقتنا الناجم عن وجود م�صالح حيوية‬ ‫لأمريكا يف هذه املنطقة لي�س �أقلها ال ِّنفْط؛‬ ‫ومنها عالقات �أمريكا اال�سرتاتيجية بالكيان‬ ‫ال�صهيوين وما تر ّتبه هذه العالقات على الوطن‬ ‫العربي وفل�سطني وحقوق �شعبها الوطنية من‬ ‫تبعات؛ ومنها ا�ستمرار االحتالل الأمريكي لبل ٍد‬ ‫رئي�س يف املنظومة العربي هو العراق وما‬ ‫ٍ‬ ‫ذيول على الأمن‬ ‫َي ُج ُّر ُه بقا ُء ذلك االحتالل من ٍ‬ ‫واال�ستقرار يف اجلوار العربي للعراق وعلى‬ ‫وحدة هذا البلد‪ :‬الكيانية والوطنية؛ ومنها‬ ‫التجاذب الأمريكي – الإيراين يف مو�ضوع‬ ‫برنامج طهران النووي واخل�شية من و�صوله‬ ‫�إىل حلظ ِة مواجه ٍة ع�سكرية �س َيدفع اخلليج‬ ‫العربي �أكالفها من �أمنه وا�ستقراره؛ ومنها‬ ‫�سيا�سات ا�ستعداء العرب وامل�سلمني حتت عنوان‬ ‫مواجهة الإرهاب وجتفيف ينابيعه (املالية‬ ‫والثقافية والدينية ‪ )...‬وما جت ُّر ُه من مزي ٍد من‬ ‫م�شاعر الكراهية ال�شعبية لأمريكا ومن مزي ٍد‬ ‫من التطرف يف الر ّد على �سيا�سات اال�ستفزاز؛‬ ‫ثم �إن منها �أن العرب – دو ًال و�شعوب ًا – ق�ضوا‬ ‫�سنوات من املعاناة والإرهاق ال�شديد ْين �أ�سو ًة‬ ‫ٍ‬ ‫بغريهما من دول و�شعوب العامل – مع الإدارة‬ ‫اجلمهورية املحافظة التي تركت ب�صم ّتها يف‬ ‫التاريخ الأمريكي والعاملي كواحدة من �أ�شد‬ ‫وتطرق ًا ‪...‬‬ ‫العهود ال�سيا�سية ق�سو ًة ّ‬ ‫لهذه الأ�سباب‪ ،‬ولغريها‪ ،‬كان االهتمام‬ ‫�شديداً بانتخابات الرئا�سة الأمريكية يف الوعي‬ ‫نتائجها من‬ ‫العربي‪ ،‬وكان ال�س�ؤال عما �ستحمله‬ ‫ُ‬ ‫تداعيات على �أو�ضاع الوطن العربي من �أظهر‬

‫‪481‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 482‬للتنمية الثقافية‬

‫الأ�سئلة اجلارية على الأل�سن ويف الن�صو�ص‬ ‫والنفو�س‪ .‬لقد كان هذا – مث ًال – هو ال�س�ؤال‬ ‫الذي دارت حوله مناق�شات احللقة النقا�شية‬ ‫التي عقدها مركز درا�سات الوحدة العربية‬ ‫يف بريوت حول مو�ضوع الت�أثريات املحتمة‬ ‫لنتائج االنتخابات الرئا�سية الأمريكية على‬ ‫الوطن العربي‪ ،‬وذلك يف ال�سابع والع�رشين‬ ‫من حزيران‪ /‬يونيو ‪ .2008‬وهو �س�ؤا ٌل مل يركن‬ ‫ال�ستطالعات الر�أي التي كانت – حينها –‬ ‫ترجح كفة الدميقراطيني (�سواء كان مر�شحهم‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫اجلواب‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫بل‬ ‫كلينتون)‪،‬‬ ‫هيالري‬ ‫أم‬ ‫�‬ ‫أوباما‬ ‫�‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫على االحتماالت كافة كي يقر�أ لوحة القادم يف‬ ‫ظل م�شه َد ْين �سيا�س َّيينْ متمايز ْين‪ .‬وقبل هذه‬ ‫نف�سه‪.‬كان‬ ‫احللقة النقا�شية ب�أ�شهر كان ال�س�ؤال ُ‬ ‫ال�س�ؤال عن �شخ�ص املر�شح باراك �أوباما‪ ،‬ي�شغل‬ ‫الر�أي العام على نحو ما حلظنا يف ملفّ ن�رشته‬ ‫جملة جامعة الدول العربية �ش�ؤون عربية يف‬ ‫مو�ضوع االنتخابات الأمريكية ‪ ...‬الدالالت‬ ‫والتداعيات‪ ،‬يف العدد ‪�( 136‬شتاء ‪،)2008‬‬ ‫وقد اهت ّم بالبحث يف االنتخابات الأمريكية‬ ‫وال�سيا�سية اخلارجية يف ال�رشق الأو�سط‪ ،‬ومبا‬ ‫تعنيه �شخ�صية �أوباما يف العاملني العربي‬ ‫والإ�سالمي‪.‬‬ ‫ولي�س من �شك يف �أن قيمة ما ُك ِتب ونوق�ش‬ ‫يف املو�ضوع يف نْدوات وم�ؤمترات وملفات بعد‬ ‫االنتخابات �أعلى مما ُكتب ونوق�ش قبلها‪ .‬لكنه‬ ‫َج َرى مثلما ُن�شرِ يف العام ‪ :2009‬وهو ما ال‬ ‫يدخل يف نطاق احل ّيز الزمني لهذا التقرير‪.‬‬

‫امل�س َت َج ُّد املتو َّقع‬

‫�شهد العام ‪ 2008‬مثاالت لهذه الق�ضايا‬ ‫امل�ستج ّدة املتو َّق َعة يف حراك العام ‪2008‬‬ ‫َ‬ ‫الفكري مثل املوقف ال�سيا�سي والقانوين‬ ‫والأخالقي من جرائم احلرب التي جرى‬ ‫تظهريها �أكرث يف العام ‪ 2008‬وكانت ذروتها‬ ‫اجلرائم الإ�رسائيلية يف غزة (التي ْاه ُت َّم بها‬ ‫بدءاً من مطالع العام ‪ ،)2009‬ومثل املوقف‬ ‫من الطاقة النووية واحلق يف حيازتها‬ ‫للأغرا�ض العلمية واملدنية وما يرتبط بذلك‬

‫من خماف ٍة من َح ْر ِف هذا احلقّ نحو توظيفها‬ ‫لأغرا�ض الت�سلح الع�سكري (وهو ما َر َف َع من‬ ‫مو�ضوع الربنامج النووي‬ ‫مع ّدل االن�شغال به‬ ‫ُ‬ ‫الإيراين)‪ ،...‬لكن �أكرث ما �شغل التفكري ق�ضية‬ ‫مثل ق�ضية املتو�سط مبنا�سبة رعاية فرن�سا –‬ ‫يف عهد الرئي�س �ساركوزي – م�رشوع «االحتاد‬ ‫من �أجل املتو�سط» ونقل امل�رشوع �إىل ح ّيز‬ ‫ؤ�س�سي يف متوز‪ /‬يوليو‬ ‫التنفيذ‬ ‫ال�سيا�سي وامل� ّ‬ ‫ّ‬ ‫من العام ‪.2008‬‬ ‫مل َت ُك ِن الفكرة املتو�سطية كفكرة اقليمية‬ ‫جديدة على فرن�سا وال جديدة كم�رشوع �سيا�سي‬ ‫بع�ض ما �أُنجْ ِ ز‪ .‬فلقد‬ ‫ُ�س ِع َي فيه و�أُنجْ ِ َز منه ُ‬ ‫دغدغت طموحات نابليون قبل ما يزيد على‬ ‫أ�سباب �أخرى حمل ْت ُه‬ ‫القرنني‪ ،‬وكانت يف جمل ِة � ٍ‬ ‫على غزو م�رص يف خواتيم القرن الثامن ع�رش‪،‬‬ ‫مثلما ف�سرَّ تِ التحالف الفرن�سي – الربيطاين‬ ‫َ‬ ‫وحتالف الدولتني مع ًا �إىل‬ ‫�ض ّد تركيا ابتدا ًء‬ ‫جانب تركيا لوقف نفوذ حممد علي و�إبراهيم‬ ‫با�شا؛ كما مل يكن احتالل اجلزائر وتون�س‬ ‫واملغرب (‪ )1912 – 1883 – 1830‬بعيداً‬ ‫عنها‪ .‬لكن هذه الفكرة املتو�سطية �ست�شهد‬ ‫اندفاع ًة �أقوى يف �سنوات اخلم�سينيات من‬ ‫القرن الع�رشين يف مواجهة َخ َط َر ْين متالزمينْ‬ ‫ومتعار�ضينْ ‪ :‬قيام فكرة وم�رشوع «ال�رشق‬ ‫عهدي ترومان‬ ‫الأو�سط» (= الأمريكيني) يف‬ ‫ْ‬ ‫و�أيزينهاور‪ ،‬وانطالق املقاومة امل�سلحة يف‬ ‫املغرب واجلزائر �ض ّد االحتالل الفرن�سي‪ .‬ولقد‬ ‫كان على اجلمهورية الرابعة (الفرن�سية) �أن‬ ‫جتيب على التحد ّيني مع ًا با�سم م�رشوع �إقليمي‬ ‫– جغرايف ُي َح ّيد الدور االمريكي املتنامي يف‬ ‫املنطقة ويوحي لبلدان املغرب العربي وم�رص‬ ‫وال�شام �أن فرن�سا تد�شّ ن عهداً تعاون ّي ًا جديداً‪.‬‬ ‫غري �أن م�رشوع �ساركوزي االحتاد من �أجل‬ ‫�سياق جدي ٍد خمت ِلف‪ ،‬و�إن مل‬ ‫املتو�سط تبلور يف ٍ‬ ‫َي�شُ َّذ عن تاريخ فكرته املتو�سطية امل ّت�صل‪ ،‬هو‬ ‫�سياق البحث لفرن�سا عن مدى للنفوذ الإقليمي‬ ‫يتعزز به مركزُها داخل االحتاد الأوروبي لـِ‬ ‫«موازنة» املركز الأملاين املتعاظم والقائد‬ ‫املتو�سع نفوذاً يف �رشق‬ ‫للقاطرة الأوروبية‪،‬‬ ‫ّ‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫مل تكن م�س�ألة «االحتاد من‬ ‫�أجل املتو�سط» كثيفة احل�ضور يف‬ ‫فعاليات العام ‪ 2008‬الفكرية لأن‬ ‫�إعالنه �أتى يف �صيف ذلك العام‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬ف�إن �س�ؤال املتو�سط‬ ‫نف�سه يف الوعي العربي‬ ‫َ‬ ‫فر�ض َ‬ ‫– هذا العام – على نح ٍو ال ل ْب َ�س فيه‬ ‫(ربمّا �أي� ًضا ب�سبب انكفاء م�رشوع‬ ‫«ال�رشق الأو�سط الكبري» بانكفاء‬ ‫قوة املحافظني اجلدد يف �أمريكا‬ ‫ومراوحة «النظام الإقليمي العربي»‬ ‫يف مكانه حما�رصاً بالأزمات‬ ‫الداخلية واخلارجية)‪.‬‬

‫الح�صاد‬

‫�أوروبا‪ ،‬و «موازنة» املركز الربيطاين املدعوم‬ ‫من الواليات املتحدة الأمريكية‪ .‬وهو م�رشوع‬ ‫حت َّرك با�سم �أوروبا جمتمع ًة‪ ،‬والبلدان املطلة‬ ‫خا�ص ومبا�رش‪،‬‬ ‫منها على املتو�سط على نح ٍو ّ‬ ‫ال�ستثمار خماوف �أوروبية متزايدة من �أن‬ ‫يكون «النظام ال�رشق �أو�سطي» (الأمريكي)‬ ‫�إطاراً لل�سيطرة الأمريكية الكاملة على منطقة‬ ‫«ال�رشق الأو�سط» ولإق�صاء دول «االحتاد‬ ‫االوروبي» – ذات امل�صالح الكبرية يف هذه‬ ‫املنطقة – عن �أداء � ّأي دو ٍر �سيا�سي فيها‪ .‬هكذا‬ ‫يطل امل�رشوع املتو�سطي القدمي‪ /‬اجلديد – بعد‬ ‫تعثرُّ �صيغته اجلديدة يف بر�شلونة – حتت‬ ‫عنوان االحتاد من �أجل املتو�سط كنظام �إقليمي‬ ‫يريد نف�سه نظرياً ون ّداً لنظام ال�رشق الأو�سط»‪.‬‬ ‫على �أن الفكرة املتو�سطية �شغلت عرب‬ ‫املتو�سط مثلما �شغلتِ الأوروبيني والفرن�سيني‬ ‫لأ�سباب �شتى لي�س هنا جمال بيانها والوقوف‬ ‫امر كثريين منهم �شعو ٌر‬ ‫عليها‪ .‬ولعله َخ َ‬ ‫ب�إمكاني ِة قيام �رشاكة حقيقية بني بلدان‬ ‫ّتي املتو�سط تعود ب�أجزل العوائد على‬ ‫�ضف ْ‬ ‫بلدان جنوب املتو�سط و�رشقه‪ ،‬وهو ما ف�سرَّ‬ ‫حما�سة البع�ض لبيان بر�شلونة ثم لـِ «االحتاد‬ ‫من �أجل املتو�سط» �إىل درجة «التغا�ضي» عن‬ ‫وجودها‬ ‫�أن �إ�رسائيل جز ٌء من امل�رشوعينْ ‪ ،‬و�أن‬ ‫َ‬ ‫ف�ضلوا النظام‬ ‫بع�ض َمن َّ‬ ‫حجة ِ‬ ‫فيهما مع ًا ُي ْ�س ِقط َّ‬ ‫املتو�سطي على النظام ال�رشق �أو�سطي بدعوى‬ ‫�أن الأول �أوروبي والثاين �أمريكي – �إ�رسائيلي‪.‬‬ ‫مل تكن م�س�ألة «االحتاد من �أجل املتو�سط»‬ ‫كثيفة احل�ضور يف فعاليات العام ‪ 2008‬الفكرية‬ ‫لأن �إعالنه �أتى يف �صيف ذلك العام‪ ،‬ومعظم ما‬ ‫انعقد حوله‪� ،‬أو ُكتب يف �إطار ملفاته‪� ،‬إمنا جرى‬ ‫يف العام ‪ .2009‬ومع ذلك‪ ،‬ف�إن �س�ؤال املتو�سط‬ ‫نف�سه يف الوعي العربي – هذا العام –‬ ‫َ‬ ‫فر�ض َ‬ ‫على نح ٍو ال ل ْب َ�س فيه (ربمّا �أي� ًضا ب�سبب انكفاء‬ ‫م�رشوع «ال�رشق الأو�سط الكبري» بانكفاء قوة‬ ‫املحافظني اجلدد يف �أمريكا ومراوحة «النظام‬ ‫الإقليمي العربي» يف مكانه حما�رصاً بالأزمات‬ ‫الداخلية واخلارجية)‪ .‬وميكننا يف هذا املعر�ض‬ ‫�أن‬ ‫�ست فعاليات فكرية – على الأقل –‬ ‫نح�صي ّ‬ ‫َ‬

‫كان املتو�سط مو�ضوعها يف هذا العام‪ ،‬وكان‬ ‫�أكرثها مببادر ٍة من جمعية الدرا�سات الدولية‬ ‫(تون�س)‪:‬‬ ‫تتعلق الأوىل من تلك الفعاليات ِبندوة‬ ‫عقد ْتها اجلمعية �إياها يف مو�ضوع التعاون‬ ‫متعدد االطراف والإمكانيات الالمتناهية‬ ‫بتعاون‬ ‫للتعاون يف منطقة املتو�سط‪ ،‬وذلك‬ ‫ٍ‬ ‫بني اجلمعية و�شبكة الأوروم�سكو‪ .‬وقد عقدت‬ ‫الندوة يف ‪ 7‬حزيران‪ /‬يونيو ‪ .2008‬وتتعلق‬ ‫نف�سها حتت عنوان دعم‬ ‫الثانية بندو ٍة للجمعي ِة ِ‬ ‫العالقات الأورومتو�سطية‪ :‬املبادرات وامل�سائل‬ ‫واالنعكا�سات املمكنة على منطقة املغرب‬ ‫العربي‪ ،‬بتاريخ ‪ 22-21‬ني�سان‪� /‬أبريل ‪.2008‬‬ ‫و�إذا كان هاج�س املغرب العربي حا�رضاً يف‬ ‫هذه الندوة الثانية‪ ،‬ف�إن هاج�س تون�س طغى‬ ‫يف الندوة الثالثة التي عقدتها اجلمعية عينُها‬ ‫بتاريخ ‪� 25‬شباط‪ /‬فرباير ‪ 2008‬حتت عنوان‬ ‫التحديات اجلديدة التي تواجه تون�س ومنطقة‬ ‫املتو�سط بعد ارتفاع �أ�سعار املحروقات‪.‬‬ ‫كما عقدتِ اجلمعي ُة ندو ًة رابع ًة يف مو�ضوع‬ ‫منطقة التبادل ا ُ‬ ‫حل ّر الأورومتو�سطية‪ :‬الإجناز‬ ‫والآفاق وحدود املمكن بتاريخ ‪� 31-30‬أيار‪/‬‬ ‫بتعاون مع م�ؤ�س�سة فريديرك �إبرت‬ ‫مايو ‪2008‬‬ ‫ٍ‬ ‫الأملانية‪� .‬أما الندوة اخلام�سة للجمعية‪ ،‬فكانت‬ ‫يف مو�ضوع االحتاد من �أجل املتو�سط‪ ،‬وعقدت‬ ‫بتاريخ ‪ 10‬ت�رشين الثاين‪ /‬نوفمرب ‪ .2008‬على‬ ‫�أن مكتبة الإ�سكندرية خرجت مبو�ضوع املتو�سط‬ ‫ومقارن يف الندوة التي‬ ‫نطاق ثقايف‬ ‫�إىل‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫عقدتها حتت عنوان حوار ال�شعوب والثقافات‬ ‫يف املنطقة الأورومتو�سطية واخلليج بتاريخ‬ ‫‪ 19‬كانون الثاين‪ /‬يناير ‪.2008‬‬ ‫كان من املتوقَّع‪� ،‬إذاً‪� ،‬أن ي�ستج ّد االهتمام‬ ‫مب�س�ألة املتو�سط‪ ،‬خ�صو� ًصا لدى امل�ؤ�س�سات‬ ‫الثقافية العاملة يف بيئات عربية متو�سطية‬ ‫مثل «جمعية الدرا�سات الدولية» (التون�سية)‬ ‫ومكتبة الإ�سكندرية (امل�رصية)‪ ،‬و�أن يزيد‬ ‫مع َّدل ذلك االهتمام �أكرث مبنا�سبة �إعالن ميالد‬ ‫االحتاد من �أجل املتو�سط وبداية ا�ستعادة‬ ‫�أوروبا بع�ض نفوذها يف املنطقة العربية‬

‫‪483‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 484‬للتنمية الثقافية‬

‫(جنوب املتو�سط و�رشقه) يف �أعقاب تراجع‬ ‫الفكرة ال�رشق �أو�سطية و�أفول حقبة املحافظني‬ ‫اجلدد يف �أمريكا‪.‬‬

‫املفاجئ‬ ‫ا ُمل�س َت َج ُّد‬ ‫ِ‬

‫�شهد العام ‪ 2008‬مث ً‬ ‫اال �صارخ ًا لهذا‬ ‫النمط من امل�سائل امل�س َت َج َّدة املفاجئة يف‬ ‫�صور ِة �أزم ٍة مالية هزَّتِ االقت�صاد ْين الأمريكي‬ ‫والعاملي و�أحدث َْت �أ�رضاراً هي الأفدح يف‬ ‫تاريخ االقت�صاد الر�أ�سمايل الكوين منذ �أزمة‬ ‫أيام معدودات من �صيف‬ ‫العام ‪ .1929‬ففي � ٍ‬ ‫العام ‪ ،2008‬ويف الهزيع الأخري من الوالية‬ ‫الثانية جلورج بو�ش واملحافظني اجلدد‪،‬‬ ‫انهارت �أ�سواق العقارات والبور�صات‪ ،‬وبد�أت‬ ‫عالئم الإفال�س تزحف على ال�رشكات العمالقة‬ ‫والبنوك الكربى وال�صناعات ال�ضخمة ك�صناعة‬ ‫ال�سيارات والبنوك الكربى وال�صناعات ال�ضخمة‬ ‫أ�صيب قطاع‬ ‫ك�صناعة ال�سيارات والطائرات‪ ،‬و� َ‬ ‫ال�سياحة وملحقا ُته (�رشكات املالحة اجلوية‬ ‫والبحرية‪ ،‬الن�شاط العقاري ‪ )...‬ب�أ�رضار فادحة‬ ‫بل غري م�سبوقة يف ِح َّد ِة وقائعها‪ .‬وكانت‬ ‫الآثا ُر والنتائج االجتماعية �أَ ْف َد َح و�آذَى‪ :‬ماليني‬ ‫العاملني يف هذه القطاعات (�أطراً وم�ستخ َدمني‬ ‫وعم ً‬ ‫اال) ُي ْقذ َُف بهم خارج دائرة الإنتاج والعلم‬ ‫ل ُي�ضافوا �إىل مئات املاليني من العاطلني عن‬ ‫العمل؛ وك�ساد وركود يف االقت�صاد والإنتاج‬ ‫ال َع ْهد للب�رشية به حتى �أثناء احلروب الكربى‬ ‫يف العامل؛ وموجة غالء فاح�ش �أَ َك َل الأخ�رض‬ ‫والياب�س و�أتى على الطبقة الو�سطى ب�إفقا ٍر‬ ‫�إ�ضايف نزل بها �إىل �أو�ضاع الكادحني‬ ‫املفقرين‪.‬‬ ‫� َّإن �أكرث َم ْن �أ�صاب ُه مكرو ٌه من هذه‬ ‫جمتمعات اجلنوب‬ ‫الأزمة املالية العاملية هي‬ ‫ُ‬ ‫واقت�صادا ُته ومنها املجتمعات واالقت�صادات‬ ‫العربية‪ :‬التابعة وال َه�شَّ ة‪ .‬لذلك ما كان م�س َت ْغ َرب ًا‬ ‫ين�صب االهتمام الكبري بهذه الأزمة يف‬ ‫�أن ّ‬ ‫الإعالم وال�صحافة وال�سيا�سات الر�سمية‬ ‫العربية‪ ،‬على الرغم من �أن ح�صولها يف نهايات‬ ‫�صيف العام ‪ – 2008‬وما �أَ ْح َد َث ُه ح�صو ُلها من‬

‫مفاج�أ ٍة و�صدم ٍة يف الوعي ‪ -‬مل َيترْ ُ َكا جم ً‬ ‫اال‬ ‫منا�سب ًا لقرا َء ٍة فكرية مت�أنية يف م�شهدها‬ ‫زمن ّي ًا ِ‬ ‫املتحرك‪ .‬لذلك �أتت مقارب ُتها الفكرية – �أي من‬ ‫ّ‬ ‫خارج نطاق املتاعة والتعليق ال�صحاف َّيينْ‬ ‫والإعالم َّيينْ – متوا�ضعة‪.‬‬ ‫الفكري املتوا�ضع‬ ‫من ح�صاد ذلك االهتمام‬ ‫ّ‬ ‫باملو�ضوع ميكننا �أن نر�صد – على ال�رسيع‬ ‫– فعاليتني فكريتينْ خا�صتينْ ‪� :‬أوالهما‬ ‫ذلك امللف اخلا�ص الذي ك َّر َ�س ْته جملة �ش�ؤون‬ ‫عربية حتت عنوان الأزمة املالية وت�أثرياتها‬ ‫ال�سيا�سية واالقت�صادية (العدد ‪)2008 ،136‬‬ ‫وتناولت مواده بع�ض املو�ضوعات ذات العالقة‬ ‫مثل النموذج الأمريكي بالن�سبة �إىل العرب‬ ‫ونقائ�ضه‪ ،‬ونهاية فكرة النموذج يف �سياق‬ ‫الأزمة االقت�صادية العاملية و�آثارها على العامل‬ ‫العربي‪ ،‬ونهاية الليربالية اجلديدة‪ .‬وثانيتهما‪،‬‬ ‫وكانت فعالية خا�صة‪� :‬أي تتناول حالة عربية‬ ‫واحدة (و�إن كانت قابلة لالنطباق على غريها‬ ‫من احلاالت العربية)‪ :‬هي حالة م�رص؛ ويتعلق‬ ‫الأمر يف هذه الفعالية بـم�ؤمت ٍر عقد ْته مكتبة‬ ‫الإ�سكندرية يف املو�ضوع حتت عنوان الأزمة‬ ‫املالية العاملية وتداعياتها على االقت�صاد‬ ‫امل�رصي‪ ،‬يف مركز امل�ؤمترات باملكتبة‪ ،‬يوم‬ ‫‪ 22‬ت�رشين الثاين‪ /‬نوفمرب ‪ .2008‬واملثاالن‬ ‫أو�سع باملو�ضوع يف ما‬ ‫هذان د�شَّ نَا اهتمام ًا � َ‬ ‫بعد‪ :‬منذ مطلع العام ‪.2009‬‬ ‫للح َراك الفكري‬ ‫تلك هي املدارات الثالثة َ‬ ‫على نحو ما تب َّدى يف العام ‪ .2008‬حاولنا‬ ‫ر�صدها حتت العناوين الثالثة التي و�ضعنا‬ ‫ْ‬ ‫(الأ�سئلة امل�ألوفة‪ ،‬الأ�سئلة الأظهر‪ ،‬الأ�سئلة‬ ‫امل�ستج َّدة)‪ ،‬متخذين من الأطر اجلماعية الفكرية‬ ‫(م�ؤمترات‪ ،‬ن ْدوات‪ ،‬ح ْلقات نقا�شية‪ُ ،‬ور�ش‬ ‫عمل‪ ،‬ملفات فكرية خا�صة ‪ )...‬مادة لر�صدها‪،‬‬ ‫م�ستبعدين عن ق�صد الفعاليات الفكرية الفردية‬ ‫(الت�أليف‪ ،‬املحا�رضات)‪ ،‬وخمرجني و�سائط‬ ‫الإعالم وال�صحافة من دائرة الر�صد يف هذا‬ ‫امللف‪ .‬ولقد ي�سعنا – يف معر�ض اال�ستنتاج‬ ‫– ت�سجيل جملة من املالحظات عن م�ستوى‬ ‫هذا ا َ‬ ‫حل َراك الثقايف والفكري‪.‬‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫مدارات ا َ‬ ‫حل َراك الثقايف‬

‫على وفرة امل�ؤمترات والن ْدوات‬ ‫واحللْقات النقا�شية التي ُعقِدت‬ ‫على مدار العام ‪ – 2008‬وكان‬ ‫أغلب منها حول م�سائ َل يف‬ ‫الأع ُّم ال ُ‬ ‫االقت�صاد وال�سيا�سة واالجتماع‬ ‫واال�سرتاتيجيا والعالقات الدولية‬ ‫ح�صة‬ ‫والإقليمية والأمن ‪ -‬تبدو َّ‬ ‫الفك ِر واملعرف ِة فيها هزيلة‪ .‬ذلك �أن‬ ‫قلي ًال ج ّداً من الفعاليات الثقافية‬ ‫مب�شكالت من‬ ‫اجلماعية ان�شغل‬ ‫ٍ‬ ‫طبيعة نظرية ومعرفية وثقافية‪.‬‬ ‫وهذه ظاهرة تدعو �إىل القلق‬ ‫ال�شديد‪.‬‬

‫ال�ضعف ال�شديد يف‬ ‫�إن هذا ّ‬ ‫الفعاليات الفكرية اجلماعية‬ ‫املن�رصفة �إىل الق�ضايا النظرية‬ ‫مما ميثل م�ؤ�رشاً‬ ‫واملعرفية هو ّ‬ ‫َ�س ّيئ ًا على تراجع الدور املعريف‬ ‫للجامعات العربية‪ ،‬بح�سبانها‬ ‫البيئة الأ�سا�س للبحث العلمي‪،‬‬ ‫وتراجع التقاليد الأكادميية العريقة‬ ‫فيها (امل�ؤمترات والن ْدوات الفكرية)‪،‬‬ ‫وبخا�صة �أق�سام الفل�سفة والعلوم‬ ‫الإن�سانية وعلوم اللغة‪.‬‬

‫ثمة �ضعف يف ن�سبة امللفات‬ ‫الفكرية �إىل جمموع ما ت�صدره‬ ‫الدوريات العربية املتخ�ص�صة‬ ‫من ملفات‪ :‬ومعظمها يتعلق‬ ‫بال�ش�ؤون ال�سيا�سية واالقت�صادية‬ ‫واال�سرتاتيجية‪.‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬

‫الح�صاد‬

‫• � ّإن ن�سبة كبرية من املو�ضوعات‬ ‫والأ�سئلة املطروقة يف الأطر اجلماعية للتفكري‬ ‫ذات‬ ‫– يف العام ‪ – 2008‬مل ت�شهد‬ ‫ٍ‬ ‫تعديالت َ‬ ‫�ش� ٍأن يف �صيغ طرحها وا�ست�شكالها على نح ٍو‬ ‫يج ِّد ُد التفك َري فيها ومقارب َتها من زوايا مل ُين َْظر‬ ‫�إليها منها قبل‪� ،‬أو – على الأقل – مل ُين َْظر �إليها‬ ‫منها بالق ْدر الكايف من العناية‪َ .‬ف َب َدا «جتدي ُد»‬ ‫تلك الأ�سئلة – لذلك ال�سبب – �شَ ْك ًال من �إعادة‬ ‫تدويرها يف احلقل الثقايف و� ْإن بعناوين �أخرى‬ ‫ال يغيرّ تعدي ُلها من �أن طريقة طرحها هي‬ ‫نف�سها مل تتغيرَّ ‪ .‬وامل�شكلة يف هذا النوع من‬ ‫الأ�سئلة املتكررة على املنوال الإ�شكا ِّ‬ ‫يل عي ِنه‬ ‫تدخل يف ن�سيج‬ ‫�أنها �إ ْذ ال ت�ضيف جديداً وال ُ‬ ‫نف�سها على � ِّأي تقري ٍر‬ ‫الرتاكم الثقايف‪ ،‬تفر�ض َ‬ ‫جتاهلها عند‬ ‫ثقايف من هذا النوع وال ميكن‬ ‫ُ‬ ‫ر�ص ِد � ِّأي ح�صاد‪ .‬ولذلك‪َ ،‬ح�ضرَ َ كث ٌري منها يف‬ ‫ْ‬ ‫ثنايا هذا امللف عن احل�صاد الفكري‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫• على وفرة امل�ؤمترات والن ْدوات واحللقات‬ ‫النقا�شية التي ُع ِقدت على مدار العام ‪2008‬‬ ‫أغلب منها حول م�سائ َل يف‬ ‫– وكان الأع ُّم ال ُ‬ ‫االقت�صاد وال�سيا�سة واالجتماع واال�سرتاتيجيا‬ ‫والعالقات الدولية والإقليمية والأمن ‪ – ...‬تبدو‬ ‫ح�صة الفك ِر واملعرف ِة فيها هزيلة‪ .‬ذلك �أن قلي ًال‬ ‫َّ‬ ‫ج ّداً من الفعاليات الثقافية اجلماعية – التي‬ ‫مب�شكالت من‬ ‫ا�ستعر�ضنا �أعاله – ان�شغل‬ ‫ٍ‬ ‫طبيعة نظرية ومعرفية وثقافية (فكرية‪ :‬غري‬ ‫�أدبية وغري فنية) من قبيل اللغة واال�ست�رشاق‬ ‫والتاريخ‪ .‬وهذه ظاهرة تدعو �إىل القلق ال�شديد‪.‬‬ ‫ذلك �أن نه�ض ًة اجتماعية و�سيا�سية متتنع عن‬ ‫الإمكان يف � ّأي جمتمع �إن مل تكن م�سنود ًة‬ ‫فكري ومعر ٍّ‬ ‫حقيقي؛ كما �أن �أي َة‬ ‫يف‬ ‫برتاكم‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ثقاف ٍة تفتقر �إىل ر�صي ٍد من املعارف النظرية‬ ‫تعجز عن �أن جتيب عن حاجات املجتمع‪:‬‬ ‫املعرفية واجلمالية‪ .‬بل �إن كل االن�شغال‬ ‫بق�ضايا ال�سيا�سة واالقت�صاد والأمن القومي‬ ‫– وهو من �صميم البحث والتفكري – لي�س‬ ‫ي�ساوي �شيئ ًا يف ح�ساب املنفعة العلمية �إن مل‬

‫يرتكز على ر�صي ٍد من الإنتاج الفكري والنظري‬ ‫و�إ ّال حت َّول الباحثون يف تلك املجالت �إىل جم َّرد‬ ‫«خرباء»! وهو – بكل �أ�سف – عينْ ُ ما ت� ُ‬ ‫ؤول �إليه‬ ‫�أو�ضاع البحث العلمي يف الوطن العربي‪ .‬وما‬ ‫ال�ضعف ال�شديد يف‬ ‫�أغنانا عن القول �إن هذا ّ‬ ‫الفعاليات الفكرية اجلماعية املن�رصفة �إىل‬ ‫مما ميثل م�ؤ�رشاً‬ ‫الق�ضايا النظرية واملعرفية هو ّ‬ ‫َ�س ّيئ ًا على تراجع الدور املعريف للجامعات‬ ‫العربية‪ ،‬بح�سبانها البيئة الأ�سا�س للبحث‬ ‫العلمي‪ ،‬وتراجع التقاليد الأكادميية العريقة‬ ‫فيها (امل�ؤمترات والن ْدوات الفكرية) وبخا�صة‬ ‫�أق�سام الفل�سفة والعلوم الإن�سانية وعلوم اللغة‪.‬‬ ‫لكن م�ؤ�شرِّ اً �آخر ال يقل عن الأول �سوءاً هو‬ ‫انعدام مراكز درا�سات خا�صة بق�ضايا الفكر‬ ‫(فل�سفة‪ ،‬علم اجتماع‪� ،‬أنرثوبولوجيا‪ ،‬ل�سانيات‪،‬‬ ‫�سيميائيات‪ ،‬علم نف�س‪ ،‬تاريخ‪ ،‬دميغرافيا ‪،)...‬‬ ‫الأمر الذي ينجم عنه نق�ص فادح يف الإنتاج‬ ‫العلمي – خ�صو� ًصا اجلماعي – يف هذه‬ ‫امليادين‪.‬‬ ‫• على مثال ال�ضعف احلا�صل يف ن�سبة‬ ‫امل�ؤمترات والن ْدوات الفكرية يف العام ‪2008‬‬ ‫– ويف �سوابقه من الأعوام – ثمة �ضعف رديف‬ ‫و�شبيه يف ن�سبة امللفات الفكرية �إىل جمموع‬ ‫ما ت�صدره الدوريات العربية املتخ�ص�صة من‬ ‫ملفات‪ :‬ومعظمها يتعلق بال�ش�ؤون ال�سيا�سية‬ ‫واالقت�صادية واال�سرتاتيجية‪ .‬بل �إن ح�صيلة‬ ‫هذا العام (‪ )2008‬من امللفات الفكرية تبدو‬ ‫�أهزل من �سابقاتها يف الأعوام املن�رصمة‬ ‫وعلى ن َْح ٍو يدعو �إىل املفاج�أة! ولي�س من �شَ ٍّك‬ ‫يف �أن واحد ًة من الأ�سباب التي تف�سرّ هذه‬ ‫احلال من ال ُهزال هي غياب جمالّت فكرية‬ ‫متخ�ص�صة �إ ّال يف ما َن َدر جم َّالت الفكر العربي‬ ‫ّ‬ ‫املعا�رص‪ ،‬الت�سامح‪ ،‬فكر ونقد‪ ،...‬وعلى نح ٍو ال‬ ‫ميكن �أن يقا�س بكمية ما هو موجو ٌد – على‬ ‫قلّته – من جمالت ثقافية تعنى بالأدب‬ ‫والفن والنقد االدبي‪ .‬ورمبا ُي َ�ضاف �إىل ذلك �أن‬ ‫ّ‬ ‫املجالت الفكرية العربية الر�صينة امل�ستقبل‬ ‫العربي‪� ،‬ش�ؤون عربية‪ ،‬ال�سيا�سة الدولية‪� ،‬ش�ؤون‬ ‫الأو�سط‪ ...‬م�ستغرقة يف ق�ضايا الفكر وال�سيا�سة‬

‫‪485‬‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 486‬للتنمية الثقافية‬

‫حني تزي ُد الفجو ُة العلمية‬ ‫واملعرفية بني الثقافات – مثلما‬ ‫هي عليها احلال اليوم بني الثقافة‬ ‫الغَربية والثقافة العربية – ف�إن‬ ‫االنفتاح ذاك‪ ،‬من طريق الرتجمة‪،‬‬ ‫يغدو يف مقام الفري�ضة العلمية‪.‬‬

‫املت�صلة باالقت�صاد وال�سيا�سة واال�سرتاتيجيا‬ ‫والعالقات الدولية والإقليمية‪ ،‬وال تكا ُد ُت ْف ِر ُد‬ ‫لق�ضايا النظرية واملعرفة والفكر �إ َّال ح ّيزاً �شب َه‬ ‫رمزي!‬ ‫• �إن �أكرث ما يالحظ ال�ش�أن يف ا َ‬ ‫حل َراك‬ ‫الثقايف للعام ‪ 2008‬هو غزارة الفعاليات‬ ‫الفكرية اجلماعية التي َّ‬ ‫نظ َمها بع�ض امل�ؤ�س�سات‬ ‫الثقافية العربية وبخا�صة يف م�رص‪ .‬ذلك �أن ما‬ ‫عقدته مكتبة الإ�سكندرية �أو مركز الدرا�سات‬ ‫ال�سيا�سة واال�سرتاتيجية (التابع للأهرام)‬ ‫من م�ؤمترات ون ْدوات و ُور�ش عمل وحلقات‬ ‫نقا�شية يكاد يعادل – َك َّم ًا – ُث ُل َث ما قامت به‬ ‫امل�ؤ�س�سات واملراكز الدرا�سية والبحثية العربية‬ ‫كافة (على الأقل يف ما توفَّر لدينا من ر�صي ٍد‬ ‫من املعلومات)‪ .‬وهذه ِن�سبة عالية وا�ستثنائية‪،‬‬ ‫�رصيح دالل ٍة – على ما باتت حتت ُّله‬ ‫وت ُدلُّ –‬ ‫َ‬ ‫املكتبة واملركز من مكانة يف امل�شهد الثقايف‬ ‫العربي اليوم‪.‬‬ ‫هذه جمل ٌة من �أه ّم ما بدا لنا مفيداً‬ ‫ا�ستنتاجه من مالحظات يف معر�ض ر�صدنا‬ ‫حراك العام ‪ 2008‬الفكري يف الوطن العربي‪.‬‬ ‫وهي – جم َّدداً – ا�ستنتاجات غرية ق َْطعية‬ ‫ونهائية لأنها حمكومة ِب َك ِّم املادة املتوفّرة‬ ‫الر�صد وامللف وما تقت�ضيه‬ ‫لدى حم ِّرر هذا ْ‬ ‫الع ِّينَة من حت ُّو ٍط من التعميم املطلق للأحكام‪.‬‬ ‫تتعلق الواجهة الثالثة‪ ،‬من واجهات‬ ‫احل�صاد الفكري العربي يف العام ‪،2008‬‬ ‫بالرتجمة‪ :‬ترجمة ن�صو�ص الفكر الإن�ساين من‬ ‫لغات �أجنبية �إىل اللغة العربية‪ .‬وهذه الواجهة‬ ‫�شديدة الأهمية يف م�ضمار بيان اجتاهات‬ ‫ذات‬ ‫الر�أي العام الفكر يف امل�سائل التي تبدو له َ‬ ‫�أهمي ٍة �أو �أولوية ويطفق باحث ًا عن �أجوب ٍة عنها‬ ‫من خارج دائرة الفكر العربي ويحاول االطالع‬ ‫عليها عن طريق الرتجمة‪ .‬و�إ ْذ تتزايد مكانة‬ ‫الرتجمة وا ُملترَ ْ َجمات يف املجال التداويل‬ ‫العربي املعا�رص‪ ،‬ي�صبح يف حكم ال�رضورة �أن‬ ‫عمل يروم ر�صد امل�شهد‬ ‫ُي ْع َتنَى ب�أمرهما يف �أي ٍ‬ ‫الثقايف العربي �أو حتليل معطياته‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬الرتجمة و�أ�سئل ُتها‬

‫رئي�س من وجوه البناء‬ ‫وج ٌه‬ ‫الرتجمة ْ‬ ‫ٌ‬ ‫الثقايف والفكري واالجتماعي واحل�ضاري‪،‬‬ ‫و�شكل من �أ�شكال التثاقف ‪� Acculturation‬أو‬ ‫التبادل الثقايف بني املجتمعات والثقافات‪.‬‬ ‫و�إذا كانتِ الثقافات الكربى ذات ال�سطوة‬ ‫والنفوذ ال تجَ ِ د يف نف�سها حرج ًا من االنفتاح‬ ‫على غريها من الثقافات الأ�صغر – �أو حتى‬ ‫الأقل �ش�أن ًا – من طريق ترجمة �آثارها يف‬ ‫الفكر والآداب والتاريخ والعلوم‪ ،‬فكيف‬ ‫بثقافات �ضعيف ِة احليلة يف املناف�سة والتوازن‬ ‫ٍ‬ ‫الثقاف َّيينْ على ال�صعيد الكوين‪ :‬على نحو ما‬ ‫با َت ْت عليه الثقافة العربية اليوم‪ّ � ،‬أما حني‬ ‫تزي ُد الفجو ُة العلمية واملعرفية بني الثقافات‬ ‫– مثلما هي عليها احلال اليوم بني الثقافة‬ ‫الغَربية والثقافة العربية – ف�إن االنفتاح ذاك‪،‬‬ ‫من طريق الرتجمة‪ ،‬يغدو يف مقام الفري�ضة‬ ‫العلمية التي ال �سبيل �إىل �إ�سقاط النهو�ض بها‪.‬‬ ‫وهي حقيقة التقطها املفكرون النه�ضويون‬ ‫العرب‪ ،‬منذ القرن التا�سع ع�رش‪ ،‬وكانت يف‬ ‫بع�ض‬ ‫�أ�سا�س �س ْعيهم يف الإقبال على ترجمة ٍ‬ ‫من الآثار الغربية (الأوروبية بخا�صة) على‬ ‫نح ٍو مل َي َك ْد ينقطع طيلة ذلك القرن والذي تاله‬ ‫منذ د�شَّ ن عملية الرتجمة عمي ُدها رفاعة رافع‬ ‫ومن بعده �أحمد فار�س ال�شدياق‪.‬‬ ‫الطهطاوي ِ‬ ‫واحل�ضاري‬ ‫يف‬ ‫ومازال تاريخنا الثقا ّ‬ ‫ّ‬ ‫(الو�سيط) �شاهداً على جتربة بيت احلكمة يف‬ ‫بغداد‪ ،‬وم�رشوع الرتجمة ال�ضخم والطموح الذي‬ ‫بخا�صة‪ ،‬والذي‬ ‫أمون‬ ‫َت َع َّهد ُه الر�شي ُد ابتدا ًء‪ ،‬وامل� ُ‬ ‫ّ‬ ‫العربي حتى‬ ‫را َم َن ْق َل «علو َم الأولني» �إىل الل�سان‬ ‫ّ‬ ‫ي�ضيف �إىل ثقافة العرب وامل�سلمني ِخبرْ ات‬ ‫غريهم املعرفية‪ .‬وهو م�رشوع ج َّن َد ْت له الدولة‬ ‫(العبا�سية) �إمكانياتها املادية‪ ،‬وا�ست ْق َد َم ْت له‬ ‫خري َة الرتاجمة من ك ّل ح ْد ٍب و�صوب‪ .‬ما كان‬ ‫له من �آثا ٍر بليغة يف نه�ضة الثقافة العربية‬ ‫– الإ�سالمية يف الفرتة الفا�صلة بني منت�صف‬ ‫القرن الهجري الثاين ونهاية القرن الهجري‬ ‫الرابع‪ :‬وهي الع�رص الذهبي للثقافة العربية‬ ‫– الإ�سالمية يف ميادين العلوم العقلية‬ ‫والتجريبية والفل�سفة واملنطق والكالم و�أ�صول‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫الفقه ‪� ...‬إلخ‪.‬‬ ‫ولقد تجَ َ َّدد الدلي ُل على ذلك يف احلقبة‬ ‫احلديثة واملعا�رصة‪ :‬يف القرنني التا�سع ع�رش‬ ‫ألف عام من جتربة «بيت‬ ‫والع�رشين‪ .‬بعد � ِ‬ ‫احلكمة» – �أو ما يقل عن ذلك بعقود قليلة‬ ‫– جت َّددت «مغامرةُ» الرتجمة يف حلظة ثقافية‬ ‫نه�ضوية عربية يف القرن التا�سع ع�رش ويف‬ ‫بع�ض فرتات الن�صف الأول من القرن الع�رشين‬ ‫مما �أ�س َه َم يف �صناعة تلك‬ ‫املتقطعة‪ ،‬ولع َّل َّ‬ ‫اللحظة ما ق َّد َم ْت ُه الرتجمة من ماد ٍة ثقافية‬ ‫وفكرية و�أدبية للوعي العربي من خالل ما كان‬ ‫ين�شرَ من ن�صو�صها يف كتب �أو جمالّت ذاتِ‬ ‫�صيت مثل «الهالل» و «املقتطف» و�سواهما‪،‬‬ ‫تفاع ٍل مع مادتها من ِق َبل‬ ‫وما كان يقع من ُ‬ ‫ق�سم كبري من النخبة املثقفة وجمهور املتعلمني‬ ‫والقراء‪ .‬ولقد ا�ستمرت جهود الرتجمة ن�شطة يف‬ ‫القرن املا�ضي فانتقلت �أحيان ًا من املبادرات‬ ‫الفردية �أو اجلماعية ال�صغرية (فرق عمل يف‬ ‫عمل م� َّؤ�س�سي ر�سمي �أو‬ ‫�إطار جمالت مث ًال) �إىل ٍ‬ ‫م�ستقل؛ ومن ذلك ما قامت به هيئة الت�أليف‬ ‫والرتجمة والن�رش يف القاهرة خالل �سنوات‬ ‫عمل علمي‬ ‫الثالثينيات والأربعينيات من ٍ‬ ‫كبري يف جمال الرتجمة‪ ،‬وما نه�ضت به الدولة‬ ‫امل�رصية – يف اخلم�سينيات وال�ستينيات – من‬ ‫م�رشوع طموح لرتجمة عيون الفكر الإن�ساين‬ ‫�إىل الل�سان العربي‪ .‬بل �إن �أفراداً من املثقفني‬ ‫العرب بذلوا من اجلهد يف هذا الباب مبقدار ما‬ ‫ت�ستطيعه م�ؤ�س�سات؛ وذلك – مث ًال – ما ينطبق‬ ‫على حاالت رجال مثل عبدالرحمن بدوي‪،‬‬ ‫وحممد عبدالهادي �أبو ريدة‪ ،‬وف�ؤاد زكريا‬ ‫‪�...‬إلخ‪.‬‬ ‫قد يقال �إن ِف ْع َل الرتجمة لي�س يف جملة‬ ‫م�ؤ�رشات التنمية الثقافية لأنه ال ينتمي �إىل‬ ‫املنتوج الثقايف الذاتي الذي ميكن قراء ُة‬ ‫�أبعاده الكمية والنوعية واحلكم عليه تبع ًا لذلك‪.‬‬ ‫فهو �أ�شبه ما يكون بال�سلعة امل�ستوردة التي ال‬ ‫املحلي‪ .‬لكن الواقع �أن‬ ‫تحُ َْ�سب يف عدا ِد الإنتاج‬ ‫ّ‬

‫هذه «ال�سلعة امل�ستور َدة» َت ُد ُّلنا – مثل �أية �سلعة‬ ‫م�ستوردة يف الغذاء واال�ستهالك احلياتي – على‬ ‫منط العي�ش ونوع التطلبات احلياتية للنا�س �أو‬ ‫املجتمع‪� .‬إذ الطلب على �سلع ٍة بعينها – غري‬ ‫حملية – ذو دالل ٍة بالغة على منط اال�ستهالك‪.‬‬ ‫ولي�س يختلف الأمر يف ميدان الفكر‪ .‬فال تخلو‬ ‫املرتج َمة – الفكرية �أو العلمية‬ ‫املادة الثقافية‬ ‫َ‬ ‫دليل‬ ‫من‬ ‫عليها‬ ‫الطلب‬ ‫وم�ستوى‬ ‫�أو الأدبية –‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫على نوع اال�ستهالك الثقايف لدى النخب وعموم‬ ‫القراء‪ .‬وكما ت�شكل الأوىل م�ؤ�رشاً اقت�صادي ًا‬ ‫– اجتماع ّي ًا ال ميكن جتاهله يف �سيا�سات‬ ‫التنمية وبراجمها‪ ،‬ت�شكل الثانية م�ؤ�رشاً فكر ّي ًا‬ ‫�أو ثقاف ّي ًا رديف ًا ال يقبل التجاهل يف عملية‬ ‫التنمية الثقافية‪ .‬بهذا املعنى ميكن للرتجمة‬ ‫�أن ُت ْط ِل َعنَا على جملة من احلقائق الثقافية ال‬ ‫تقل عن تلك التي ُي ْطلعنا عليها الإنتاج الثقايف‬ ‫نف�س ِه الذي تك�شف‬ ‫أ�صيل �أو الذاتي‪ ،‬يف الوقت ِ‬ ‫ال ِ‬ ‫فيه عن �أهميتها على �أكرث من �صعيد‪ .‬ثمة‬ ‫�أربع ُة من وجوه الأهمية والداللة التي تكت�سبها‬ ‫الرتجمة يف نطاق ثقافتنا العربية املعا�رصة‪:‬‬ ‫�أ ّو ُلها �أن الرتجمة من اللّغات الأجنبية‬ ‫للمادة الثقافية – الفكرية والإبداعية – �إىل‬ ‫اللغة العربية ُت ْط ِل ُعنَا على نوع الهموم والأ�سئلة‬ ‫والهواج�س لدى النخب الثقافية ولدى اجلمهور‬ ‫القارئ على ال�سواء‪ .‬فالذين يرتجمون – وهم‬ ‫جز ٌء من النخبة – ينقلون هواج�س تلك النخبة‬ ‫التي �إليها ينتمون لأنهم ال يرتجمون – يف‬ ‫العادة – �سوى ما يع ّدونَه يف جملة املادة‬ ‫الثقافية التي جتيب عن حاجات عقلية �أو‬ ‫جمالية �أو عن �أ�سئلة تدور يف حميط املجتمع‬ ‫املرتجمة �أو‬ ‫الثقايف‪ .‬والذين يتلقَّون املادة‬ ‫َ‬ ‫ُي ْق ِبلون عليها ا�ستهالك ًا وقراءةً‪� ،‬إمنا يك�شفون‬ ‫عن نوع الهواج�س التي ت�ستبد بهم‪ .‬ويف‬ ‫بالغ الأهمية يف‬ ‫احلالينْ ‪ ،‬نحن �أمام م�ؤ�شرِّ‬ ‫ِ‬ ‫املجال الثقايف ِل ِع َيا ِر درجة التفاعل مع م�سائل‬ ‫الفكر والثقافة والإبداع يف املجتمع‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وثانيها �أن الرتجمة تحُ ْ ِك ُم ر ْبط الوعي‬ ‫وعي النخب واجلمهور املتعلّم‬ ‫العربي –‬ ‫َ‬

‫الح�صاد‬

‫يف الأهمية والدالالت‬

‫‪487‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 488‬للتنمية الثقافية‬

‫دور يف بيان درجة‬ ‫للرتجمة ٍ‬ ‫التفاعل الثقايف بني «الأنا»‬ ‫بيان يف منتهى‬ ‫و«الآخر»؛ وهو‬ ‫ٌ‬ ‫احليوية لقيا�س درجة ال�صلة‬ ‫يف‬ ‫بني الفكر العربي وزمنه املعر ّ‬ ‫العاملي‪ ،‬وبخا�صة يف �ضوء‬ ‫ّ‬ ‫حقيقة االختالل الفادح يف توازن‬ ‫القوى الثقايف بني الثقافة العربية‬ ‫والثقافة الغربية‪.‬‬

‫املتلقي – بحركة الإنتاج الثقايف والفكري‬ ‫خارج الوطن العربي‪ ،‬وت�ضيف �إىل هذا الوعي‬ ‫مورداً حيو ّي ًا من املوارد املعرفية �إىل جانب‬ ‫املوارد الذاتية واملحلية التي يوفرها الإنتاج‬ ‫الثقايف العربي‪ .‬و َت ْع ُظم حقيق ُة هذه الأهمية‬ ‫متى �أخذنا يف احل�سبان �أن �إمكانيات الإطّ الع‬ ‫على هذه املوارد املعرفية الإن�سانية يف مظانها‬ ‫الأ�صل‪ ،‬وبلغاتها الأ�صلية (العاملية)‪ ،‬لي�ست‬ ‫متاحة للمثقفني العرب كافة ولعموم القراء‪،‬‬ ‫وبخا�صة يف �ضوء حقيقة تراجع م�ستوى‬ ‫املعرفة باللغات الأجنبية يف الوطن العربي‬ ‫يف الثالثني عام ًا الأخرية والرت ّدي املتزايد‬ ‫لربامج تعليم اللغات الأجنبية يف املقررات‬ ‫املدر�سية‪ .‬و�إذا ما �أ�ضفنا �إىل ذلك �أن معظم‬ ‫املثقفني واملتعلمني الذين يتقنون لغ ًة ثانية‬ ‫ممن ال يعرفون‬ ‫�أو ثالثة – غري العربية – ُه ْم ّ‬ ‫يف الأع ّم الأغلب �سوى الإجنليزية �أو الفرن�سية‬ ‫�أو ُه َما مع ًا‪ ،‬تب َّينَا �إىل � ّأي ح ٍّد تفر�ض الرتجم ُة‬ ‫�رضور َتها يف حياتنا الثقافية لت�أمني ما لي�س‬ ‫يف ال ُو ْ�سع ت�أمينُه من املعارف �إ ّال عن طريقها‬ ‫وبوا�سطتها‪.‬‬ ‫ال�صلة التي تقيمها‬ ‫وثالثها �أن هذه ِّ‬ ‫الرتجمة بني الوعي العربي وم�صادر الفكر‬ ‫الإن�ساين‪ ،‬التي لي�س متاح ًا االت�صال بها‬ ‫بوا�سطة اللغات الأجنبية (لدى ال�سواد الأعظم‬ ‫القراء العرب)‪ ،‬ت�ضع يف حوزة ذلك الوعي‬ ‫من ّ‬ ‫موار َد ومواد جديدة للإجابة عن كث ٍري من‬ ‫�أ�سئلة الواقع االجتماعي والثقايف ومع�ضالته‬ ‫مما ال تكفي املوار ُد الذاتية للإجابة عنه‪ .‬لي�ست‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ترجمة ما ي�س َّمى بالعلوم الدقيقة �إال واحداً‬ ‫من �أمثل ٍة ع ّدة لذلك‪ ،‬حيث لي�س لدينا – يف‬ ‫حقيقي يف هذا الباب‬ ‫إنتاج‬ ‫الوطن العربي – � ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫– بل يجوز تعميم امل�س�ألة واحلديث عن العلوم‬ ‫الإن�سانية واالجتماعية �أي� ًضا؛ فهذه‪ ،‬و�إن كان‬ ‫بع�ض من الإنتاج يف فروعها‪� ،‬إ ّال �أن الفارق‬ ‫لنا ٌ‬ ‫يف فيها بني الثقافة العربية‬ ‫يف الرتاكم املعر ّ‬ ‫والثقافة ال َغ ْربية – مث ًال – يفر�ض االنتهال‬ ‫مع�ضالت‬ ‫منها ومن خربتها الفكرية يف َج ْب ِه‬ ‫ٍ‬ ‫�شبيهة لال�ستفادة منها على مقت�ضى ال�رضورة‪،‬‬

‫ورمبا على مقت�ضى الواجب‪.‬‬ ‫�أما راب ُعها‪ ،‬في َّت ِ�ص ُل مبا للرتجمة من دو ٍر‬ ‫يف بيان درجة التفاعل الثقايف بني «الأنا» و‬ ‫بيان يف منتهى احليوية لقيا�س‬ ‫«الآخر»؛ وهو ٌ‬ ‫يف‬ ‫درجة ال�صلة بني الفكر العربي وزمنه املعر ّ‬ ‫العاملي‪ ،‬وبخا�صة يف �ضوء حقيقة االختالل‬ ‫ّ‬ ‫الفادح يف توازن القوى الثقايف بني الثقافة‬ ‫العربية والثقافة الغربية‪ ،‬وحاجة الثقافة‬ ‫ج�سد‬ ‫العربية �إىل ا�ستدراك هذا االختالل يف �أفق ّ‬ ‫بع�ض اخل ْر ِق‬ ‫فجوته‪� ،‬أو – على الأقل – َر ْت ِق ِ‬ ‫ْ‬ ‫فيه‪ ،‬كما يف �ضو ِء تزا ُي ِد ا َمل ْيل �إىل التعبري عن‬ ‫�أفكا ٍر انكفائية تدعو �إىل االن�سحاب من الع�رص‬ ‫حتت عنوان حفظ الهوية من التبديد واالقتالع‬ ‫وا َمل ْحو ‪� ...‬إلخ‪.‬‬ ‫بع�ض من �أَ ْم َي ِز الأ�سباب التي ت�صنع‬ ‫هذه ٌ‬ ‫للرتجمة �أهمي َتها ومكانتها يف احلياة الثقافية‬ ‫العربية اليوم‪ .‬ال َج َر َم‪� ،‬إذاً‪ْ � ،‬إن َت َع َ‬ ‫اظ َم االهتما ُم‬ ‫بها‪ ،‬والإقدا ُم والطلب عليها‪ ،‬وتزايدت �أعدا ُد‬ ‫املمار�سني لها وامل�ؤ�س�سات املتع َهدة لرباجمها‬ ‫يف ال�سنوات الأخرية‪.‬‬

‫طلب متزايد على الرتجمة وم�ؤ�س�ساتها‬

‫منذ العقد االخري من القرن الع�رشين‪،‬‬ ‫وبخا�صة منذ مطلع العقد الأول من القرن‬ ‫احلايل‪َ ،‬تزَا َيد عدد امل�ؤ�س�سات التي ُتعنى‬ ‫ق�سم كبري من البلدان العربية‪،‬‬ ‫بالرتجمة يف ٍ‬ ‫وتكاثرت املن�شورات‪ /‬ا ُملترَ ْ َج َمات ال�صادرة‬ ‫عنها �أو ال�صادرة بتمويل منها عن دور‬ ‫ن�رش �أخرى‪ .‬ويف حني كان معظم الن�صو�ص‬ ‫املرتجمة عن الفكر الإن�ساين والآداب العاملية‪،‬‬ ‫خالل الفرتة من ال�سبعينيات �إىل الت�سعينيات‬ ‫من القرن املا�ضي‪ ،‬ح�صيلة مبادرات فردية‬ ‫من املثقفني �أو املهتمني بالرتجمة يف الأع ّم‬ ‫الأغلب منها‪ ،‬وذلك ب�سبب غياب الأطر امل�ؤ�س�سية‬ ‫– الر�سمية واخلا�صة – التي ميكن �أن ترعى‬ ‫املادي‪،...‬‬ ‫عملية الرتجمة وتتعهدها بالإنفاق‬ ‫ّ‬ ‫فقد �أ�صبح معظم اجلهد املبذول يف الرتجمة‪،‬‬ ‫يف اخلم�سة ع�رش عام ًا الأخرية‪ ،‬يجري يف‬ ‫نطاق م� َّؤ�س�سي �أو – للدقة – يف نطاق برنامج‬ ‫ٍ‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫يف حني كان معظم الن�صو�ص‬ ‫املرتجمة خالل الفرتة من‬ ‫ال�سبعينيات �إىل الت�سعينيات من‬ ‫القرن املا�ضي‪ ،‬ح�صيلة مبادرات‬ ‫فردية‪� ،‬أ�صبح معظم اجلهد املبذول‬ ‫يف الرتجمة‪ ،‬يف اخلم�سة ع�رش عام ًا‬ ‫نطاق م� َّؤ�س�سي‪.‬‬ ‫الأخرية‪ ،‬يجري يف ٍ‬ ‫وهو تحَ ُّول �شديد القيمة يف امل�شهد‬ ‫الثقايف العربي اليوم‪.‬‬

‫الح�صاد‬

‫عمل تتع َّه ُد ُه �أو ترعاه جهات م ْعن َّية بالرتجمة‪.‬‬ ‫وهو تحَ ُّول �شديد القيمة يف امل�شهد الثقايف‬ ‫العربي اليوم‪.‬‬ ‫ �أك ُرث ما يلحظه املر ُء حني ُي ْل ِقي‬ ‫نظراً على خريطة امل�ؤ�س�سات العربية املعتنية‬ ‫بالرتجمة � ْأمرين اثنني‪� :‬أولهما �أن هذه‬ ‫عام ٍة وخا�صة‪ ،‬حكومية‬ ‫امل�ؤ�س�سات تتو ّز ُع بني ّ‬ ‫وم�ستقلة‪ :‬و�إن كانتِ الغلب ُة والرجحان للثانية‬ ‫على الأوىل يف الك ِّم والعدد دون املوارد‬ ‫بع�ض ا ُمل ْه َتم من‬ ‫والإمكانيات‪ .‬وثانيهما �أن َ‬ ‫امل�ؤ�س�سات الثقافية العربية ب� ْأم ِر الرتجمة‬ ‫مل ين�ش�أ يف الأ�صل لهذه الغر�ض‪ ،‬و�إمنا �أتى‬ ‫اهتمام ُه بالرتجمة الحق ًا بعد �أن تب َّينت له‬ ‫ُ‬ ‫�أهميتها احليوية يف التنمية الثقافية‪ .‬هكذا‬ ‫اختالف بني امل�ؤ�س�سات‬ ‫جند �أنف�سنا – على‬ ‫ٍ‬ ‫املعتنية بالرتجمة يف الهوية (حكومية‪،‬‬ ‫خا�صة) والوظيفة (الرتجمة ح�رصاً‪ ،‬الرتجمة‬ ‫والبحث‪� – )...‬أمام لوحة معطيات ثقافية‬ ‫ذات ح�سبان‬ ‫جديدة حتتل فيها الرتجمة مكانة َ‬ ‫يف رهانات التنمية املعرفية‪.‬‬ ‫ على تع ُّدد هذه امل�ؤ�س�سات‪ ،‬ميكن‬ ‫و�ض َع ْت لنف�سها برنامج‬ ‫التمييز بني التي َ‬ ‫علمي وخا�ضت فيه تنفيذاً و�إجنازا‪ً،‬‬ ‫ع َم ٍل‬ ‫ّ‬ ‫وبني التي ر�سمت لنف�سها خطط عمل مازالت‬ ‫يف طور الدرا�سة �أو خرج جز ٌء ي�س ٌري منها �إىل‬ ‫ح ّيز التحقيق‪ .‬و�إذا كان من ال�صعب �إح�صاء‬ ‫الفئة الثانية من امل�ؤ�س�سات لكرثتها من جهة‪،‬‬ ‫ولعدم جدوى االحتفال بها يف مرحلة ما‬ ‫قبل الإجناز من جهة �أخرى‪ ،‬ف�إن من الي�سري‬ ‫التنويه بتلك التي بد�أت يف �إجناز ما طرح ْت ُه‬ ‫على نف�سها من برامج عمل‪� :‬إ�رشاف ًا مبا�رشاً �أو‬ ‫رعاي ًة مادي ًة‪ .‬وميكن �أن ُي�شَ ار يف هذا الباب‬ ‫– وعلى �سبيل التمثيل – �إىل �أظهرها و�أه ّمها‬ ‫اليوم مثل‪ :‬املركز القومي للرتجمة (القاهرة‪،‬‬ ‫حكومي)‪ ،‬واملنظمة العربية للرتجمة (بريوت‪،‬‬ ‫م�ستقلة)‪ ،‬وم�ؤ�س�سة حممد بن را�شد �آل مكتوم‬ ‫(دبي‪ ،‬خا�صة)‪ ،‬وم�ؤ�س�سة الفكر العربي (بريوت‪،‬‬ ‫خا�صة)‪ ،‬واملعهد العايل العربي للرتجمة‬ ‫(اجلزائر‪ ،‬حكومي)‪� ،‬إىل جانب جمعيات �أهلية‬

‫عربية عدة مثل جمعية املرتجمني واللغويني‬ ‫امل�رصيني‪ ،‬واجلمعية امل�رصية لتعريب العلوم‪،‬‬ ‫ف�ض ًال عن مراكز ر�سمية مثل املركز العربي‬ ‫للرتجمة والتعريب والت�أليف والن�رش ‪...‬‬ ‫ هذا التزايد امل�ستمر لعدد امل�ؤ�س�سات‬ ‫اخلا�صة بالرتجمة يف الوطن العربي‪� ،‬أو‬ ‫للم�ؤ�س�سات الفكرية التي باتت تعتني بها‬ ‫وت�ستدجمها �ضمن براجمها العلمية‪ ،‬ف�ض ًال‬ ‫عن داللته على ن�ضج الوعي بالأهمية احليوية‬ ‫لقطاع الرتجمة يف م�رشوع التنمية الثقافية‬ ‫– قرين ٌة على وجو ِد َط َل ٍب اجتماعي وثقايف‬ ‫القراء‪ ،‬و�إ ّال ما‬ ‫الن�ص‬ ‫َ‬ ‫على ّ‬ ‫املرتجم يف جمتمع ّ‬ ‫برامج‬ ‫ؤ�س�سات بالإنفاق على‬ ‫كانت غامرت م�‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫للرتجمة غري قابلة لال�ستهالك‪ .‬و�إذا كان َي َ�س ُعنا‬ ‫�أن نفرت�ض �إمكانية حت ُّمل الدولة لل�صرَّ ف على‬ ‫«�صناعة ثقافية» غري ذات عائدات مادية‬ ‫(تغطي كلفة �إنتاجها على الأقل) بح�سبان‬ ‫عمل الدولة‪ ،‬يف هذه احلال‪ ،‬حمكوم ًا مبنطق‬ ‫امل�صلحة العامة ال باعتبارات الر ّبح‪ ،‬ف�إن‬ ‫امل�ؤ�س�سات اخلا�صة وامل�ستقلة (غري احلكومية‪،‬‬ ‫وغري املدعومة من احلكومات) ال َتقْوى على‬ ‫حت ُّمل مثل هذه اخل�سارة املادية‪ :‬لي�س لأن‬ ‫م�رشوع الرتجمة ال ي�ضمن لها ر ْبح َّية‪ ،‬ولكن‬ ‫لأنه قد يرهقها �إىل احل ّد الذي ال ت�ستطيع معه‬ ‫�أن تغطّ ي احل ّد الأدنى من «اخل�سارة املقبولة»‪.‬‬ ‫ولي�س من �شك يف �أن الكثري من امل�ؤ�س�سات‬ ‫الفكرية اخلا�صة وامل�ستقلة يف الوطن العربي‬ ‫الر ْبح‬ ‫ت�شتغل بوازع ثقايف‪ ،‬وبعيداً عن مبد�أ ّ‬ ‫نف�سه منذ‬ ‫املادي؛ و�أن بع�ضها تحَ َ َّمل – بل ه َّي�أ ّ‬ ‫البداية ليتح َّمل – قدراً من اخل�سارة املادية‪،‬‬ ‫�أي من الإنفاق غري املتوازن مع العائدات‪َ � ،‬أم ًال‬ ‫يف �أن يع ّو�ض عنها بر ْب ٍح معنوي‪ :‬ك�سب رهانة‬ ‫نف�سه‬ ‫الثقايف و�أداء الر�سالة العلمية التي ا ْن َت َد َب َ‬ ‫لأدائها‪ .‬غري �أن للخ�سارة حدوداً ال َت ْق َبل ال َّت َح ُّمل‬ ‫يكن اال�ستعداد‬ ‫�أ ّي ًا َت ُك ِن النوايا والرهانات‪ ،‬و�أ ّي ًا ِ‬ ‫الذاتي للتفاين يف َح ْمل الر�سالة الثقافية‪ .‬وهذه‬ ‫احلقيقة � ْأ�ص َدقُ ما تكون يف حالة امل� َّؤ�س�سات‬ ‫ذات املوارد املالية املحدودة‪ :‬وهي الأكرث‬ ‫عدداً يف جملة امل�ؤ�س�سات غري احلكومية‪.‬‬

‫‪489‬‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 490‬للتنمية الثقافية‬

‫ُتعَبرّ �ش َّد َة الإقدام على الرتجمة‬ ‫–يف وج ٍه من وجوهها‪ -‬عن‬ ‫�ش َّد ِة الطلب العام عليها‪ .‬وهذا‬ ‫لي�س ا�ستنتاج ًا نظر ّي ًا فح�سب‪،‬‬ ‫و�إمنا ت�ؤكده �أرقام املبيعات يف‬ ‫املعار�ض و�أ�سواق الكتب يف‬ ‫الظن �أن ذلك‬ ‫ال�سنوات الأخرية‪ .‬ويف ّ‬ ‫التعاظُ م املح�سو�س يف الطلب على‬ ‫الرتجمة ميثل عالم ًة �صح ّية يف‬ ‫و�سط اجلمهور القارئ‪.‬‬

‫تقود هذه املالحظة �إىل اال�ستنتاج ب�أن‬ ‫�ش َّد َة الإقدام على الرتجمة ُتعَبرّ – يف وج ٍه من‬ ‫وجوهها عن �ش َّد ِة الطلب العام عليها‪ .‬وهذا‬ ‫لي�س ا�ستنتاج ًا نظر ّي ًا �أو منطق ّي ًا فح�سب‪ ،‬و�إمنا‬ ‫ت�ؤكده �أرقام املبيعات يف املعار�ض و�أ�سواق‬ ‫الظن �أن ذلك‬ ‫الكتب يف ال�سنوات الأخرية‪ .‬ويف ّ‬ ‫ُ‬ ‫التعاظم املح�سو�س يف الطلب على الرتجمة‬ ‫ميثل عالم ًة �صح ّية يف و�سط اجلمهور القارئ‪.‬‬ ‫ف�إىل �أنه يبعث على ال�شعور بالتح ُّرر الن�سبي‬ ‫من املركزية الذاتية (العربية والإ�سالمية) لدى‬ ‫القارئ العربي وباال�ستعداد النف�سي للإ�صغاء‬ ‫والتفاعل معه‪ ،‬ي�ضع حتت‬ ‫�إىل خطاب الآخر‬ ‫ُ‬ ‫نتيج ًة وبال َّت ِب َع ِة‬ ‫ت� ُّرصف ذلك القارئ –‬ ‫َ‬ ‫منظومات من املعارف والقيم‬ ‫– معطيات‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫اجلمالية مل َيك ِن الكث ُري منها متاحا له قبل‬ ‫مما ال‬ ‫االطالع عليها من طريق الرتجمة‪ .‬وهذا َّ‬ ‫َّ‬ ‫الت يف الواقع الثقايف العربي‬ ‫�شك �س ُي ْحدِث حت ُّو ٍ‬ ‫يف املدى املتو�سط والبيعد‪.‬‬

‫ح�صا ُد الرتجم ِة الفكري‬

‫ؤ�س�سات عربية للرتجمة‬ ‫جنحت م�‬ ‫ٌ‬ ‫يف ك�سب رهان طموحها املعلّن يف‬ ‫أهداف حدد ْتها ال�شتغالها؛‬ ‫بلوغ � ٍ‬ ‫مثل املركز القومي للرتجمة يف‬ ‫م�رص الذي َب َل َغ‬ ‫هدف ترجم ِة‬ ‫َ‬ ‫الألف كتاب قبل ثالث �سنوات‪،‬‬ ‫وانتقل رقم �إجنازه يف الرتجمة‬ ‫�إىل املائة وخم�سة وخم�سني كتاب ًا‬ ‫يف العام ‪ ،2008‬وما قامت به‬ ‫م�ؤ�س�سة حممد بن را�شد من متويل‬ ‫ترجمة مئات الكتب يف العام ‪،2008‬‬ ‫وم�ؤ�س�سة الفكر العربي التي بد�أت‬ ‫م�رشوعها بالتعاون مع م�ؤ�س�سة‬ ‫‪ La Découverte‬الفرن�سية لرتجمة‬ ‫التقرير ال�سنوي «�أو�ضاع العامل»‬ ‫�ضمن �سل�سلة كتب مرتجمة �أطلقت‬ ‫عليها ا�سم «ح�ضارة واحدة»‪ ،‬وما‬ ‫فعل ْته مبادرة جائزة امللك عبداهلل‬ ‫العاملية للرتجمة التي �أطلقتها‬ ‫اململكة العربية ال�سعودية‪.‬‬

‫�أ�صبح حتت ت� ُّرصف جمتمع القراء‬ ‫– نتيجة هذا اجلهد الطيب املبذول يف ترجمة‬ ‫الآثار الأجنبية – مئات الكتب املرتجمة يف‬ ‫كل عام �إىل الل�سان العربي من خمتلف اللغات‬ ‫العاملية �أو – ُق ْل للدقة – من بع�ض �أكرثها‬ ‫تدا ُو ًال وانت�شاراً يف عامل اليوم‪ ،‬فيما مل يكن‬ ‫املرتجم �إىل اللغة العربية يتجاوز ب�ضع‬ ‫معظم‬ ‫َ‬ ‫ع�رشات من الكتب قبل ع�رشين عام ًا‪ .‬ولقد‬ ‫ؤ�س�سات عربية للرتجمة يف ك�سب‬ ‫جنحت م�‬ ‫ٌ‬ ‫أهداف ح َّدد ْتها‬ ‫رهان طموحها املعلّن يف بلوغ � ٍ‬ ‫ال�شتغالها‪ .‬وذلك ما ينطبق – مث ًال – على‬ ‫املركز القومي للرتجمة يف م�رص الذي َب َل َغ‬ ‫َ‬ ‫هدف ترجم ِة الألف كتاب قبل ثالث �سنوات‪،‬‬ ‫وانتقل رقم �إجنازه يف الرتجمة �إىل املائة‬ ‫وخم�سة وخم�سني كتاب ًا يف العام ‪( 2008‬مع‬ ‫طموح �إىل بلوغ الثالثمائة كتاب يف العام‬ ‫ٍ‬ ‫‪ 2009‬كما ي�أمل القائمون على �إدارة املركز)‪.‬‬ ‫كما �أن م�ؤ�س�سات ثقافية عربية �أخرى – غري‬ ‫خمت�صة بالرتجمة ح�رصاً – جنحت يف �إجناز‬

‫رعاي ٍة ناجحة لعملية الرتجمة‪ ،‬ومن ذلك ما‬ ‫قامت به م�ؤ�س�سة حممد بن را�شد من متويل‬ ‫ترجمة مئات الكتب يف العام ‪ .2008‬وبع�ضها‬ ‫الثاين جنح يف �إقرار برنامج طموح للرتجمة‬ ‫على مثال م�ؤ�س�سة الفكر العربي التي بد�أت‬ ‫م�رشوعها بالتعاون مع م�ؤ�س�سة ‪La Découv‬‬ ‫‪ verte‬الفرن�سية لرتجمة كتاب‪� :‬أو�ضاع العامل‬ ‫‪� 2008‬ضمن �سل�سلة كتب مرتجمة �أطلقت عليها‬ ‫ا�سم «ح�ضارة واحدة»‪� ،‬أما بع�ض ثالث من‬ ‫امل�ؤ�س�سات الثقافية‪ ،‬فارت�أى ت�شجيع م�رشوع‬ ‫الرتجمة من خالل تكري�س جوائز خا�صة‬ ‫بها على مثال ما فعل ْته مبادرة جائزة امللك‬ ‫عبداهلل العاملية للرتجمة التي �أطلقتها اململكة‬ ‫العربية ال�سعودية‪ .‬ولي�س من �شك يف �أن الرتاكم‬ ‫املتحقق اليوم يف ميدان الرتجمة َيدين لهذه‬ ‫اجلهود املت�ضافرة للم�ؤ�س�سات التي ذكرنا‬ ‫مما مل نذكره‪.‬‬ ‫ولغريها ّ‬

‫نظرة على احل�صاد الفكري من الرتجمة‬

‫يرتاوح عدد الكتب املرتجمة ال�صادرة‬ ‫عن املنظمة العربية للرتجمة بني الثالثني‬ ‫والأربعني كتاب ًا يف العام‪ ،‬مي ّيزها �أنها‬ ‫تنتمي �إىل حقل الفل�سفة والعلوم الإن�سانية‬ ‫واالجتماعية و�إب�ستيمولوجيا العلوم يف‬ ‫املعظم منها‪ .‬لكن من�شوراتها يف العام ‪2008‬‬ ‫مل تتجاوز – على غري العادة – �ستة وع�رشين‬ ‫كتاب ًا �أكرث مادتها يف حقول املعرفة امل�شار‬ ‫�إليها‪ .‬و�إذا ما ا�ستثنينا �سبعة عناوين منها يقع‬ ‫وع ْر ُ�ضه‪ .‬وميكننا‬ ‫ر�ص ُد ُه َ‬ ‫يف �صلب ما يعنينا ْ‬ ‫تق�سيم هذه املادة الفكرية املرتجمة واملن�شورة‬ ‫– يف العام ‪� – 2008‬إىل �أربعة حقول معرفية‬ ‫عامة‪ :‬الفل�سفة‪ ،‬علم االجتماع‪ ،‬علوم الل�سانيات‬ ‫وال�سيميائيات‪ ،‬ثم العلوم ال�سيا�سية‪ ،‬ن ْعر�ض‬ ‫وبيانات عنها يف ما يلي‪:‬‬ ‫معطياتها‬ ‫ٍ‬ ‫يف حقل الفل�سفة �صدرت ت�سعة كتب‬ ‫مو ّزعة على ميادين فل�سفية فرعية �أربعة على‬ ‫النحو التايل‪ :‬خم�سة منها يف نطاق الفل�سفة‬ ‫الن�ص الفل�سفي املح�ض (النظري‪،‬‬ ‫العامة �أو‬ ‫ّ‬ ‫ون�ص واح ٌد يف نطاق تاريخ الفل�سفة‪،‬‬ ‫املج َّرد)‪ٌّ ،‬‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫ن�صان‬ ‫ٌّ‬ ‫ون�ص واح ٌد يف نطاق فل�سفة العلوم‪ ،‬ثم ّ‬ ‫يف نطاق الفل�سفة ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫العامة‪� ،‬أعيد ن�رش ترجمة‬ ‫يف الفل�سفة‬ ‫َّ‬ ‫كتاب حديث الطريقة للفيل�سوف الفرن�سي‬ ‫املرتجم‬ ‫هرني ديكارت‪ .‬ومع �أن عنوان الكتاب‬ ‫َ‬ ‫قد يخلق بع�ض االلتبا�س واالعرتا�ض‪ ،‬حيث‬ ‫من امل�ألوف �أن ُيقْر�أ عنوان كتاب ديكارت‬ ‫خطاب يف‬ ‫(‪)Discours de la méthode‬‬ ‫ٌ‬ ‫املرتج َم عمر ال�شارين (�أ�ستاذ‬ ‫املنهج‪� ،‬إ ّال �أن‬ ‫ِ‬ ‫الفل�سفة يف تون�س ويف جامعة كالرمون‬ ‫للن�ص ودق ًة‬ ‫فا َّران بفرن�سا) �أ ْب َدى وفا ًء كبرياً ّ‬ ‫يف ترجمته و�إ�سهاب ًا ا�ستثنائي ًا يف �إ�ضاءة‬ ‫مفاهيمه يف الهوام�ش على نح ٍو َج َم َع فيه‬ ‫بني الرتجمة والتحقيق (ت�شكل الهوام�ش �أكرث‬ ‫من ثالثة �أرباع الكتاب)‪ ،‬ورمبا مبا قد ي�شفع‬ ‫الجتهاده يف اخلروج بالعنوان عن م�ألوفه‬ ‫يف ترجمات �سابقة‪ .‬ونُ�رشت ترجمة كتاب‪le :‬‬ ‫‪ visible et l’invisible‬للفيل�سوف الفرن�سي‬ ‫موري�س مريلو – بونتي حتت عنوان املرئي‬ ‫والالمرئي برتجمة عبد العزيز العيادي (�أ�ستاذ‬ ‫الفل�سفة يف اجلامعة التون�سية) مع مقدمة‬ ‫للمرتجم من ‪� 33‬صفحة‪ .‬ويتناول كتاب مريلو‬ ‫– بونتي‪ ،‬املت�أثر ب�أطروحات �إدموند هو�رسل‬ ‫يف الفينومينولوجيا‪ ،‬جملة من املفاهيم‬ ‫الفل�سفية الرائجة بالنقد و�إعادة النظر (الذات‪،‬‬ ‫املو�ضوع‪ ،‬اجلوهر‪ ،‬احلدث‪ ،‬الوجود‪ ،‬العدم‪،‬‬ ‫الوعي ‪ )...‬من �أجل جتديد الر�ؤية �إىل العامل‬ ‫مبفاهيم �أخرى منا�سبة‪ .‬ونُ�رشت ترجمة كتاب‬ ‫‪An Enquiry concerning Human un‬‬‫‪ derstanding‬للفيل�سوف الإ�سكتلندي داييفيد‬

‫ي�ست�أنف �سابقه نقد العقل اخلال�ص‪ :‬والذي‬ ‫�صدرت ترجمته العربية عن الأملانية قبل‬ ‫�سنتني �ضمن من�شورات املنظمة – بحث نقدي‬ ‫وبيان للقانون الذي ينظم الأخالق‪.‬‬ ‫يف العقل‬ ‫ٌ‬ ‫و�أخرياً ن�رشت الرتجمة العربية لكتاب ‪Die‬‬ ‫‪Krisis der europaischen wissenchaften‬‬ ‫‪und die transzendentale phanomenolo‬‬‫‪ gie‬للفيل�سوف الأملاين �إدموند هو�رسل من‬

‫�إجناز �إ�سماعيل امل�ص َّدق (�أ�ستاذ الفل�سفة يف‬ ‫جامعة ابن طفيل يف القنيطرة – املغرب) حتت‬ ‫عنوان �أزمة العلوم الأوروبية والفنومينولوجيا‬ ‫ن�ص نقدي لنزعة‬ ‫الرتان�سندنتالية والكتاب ٌّ‬ ‫«املو�ضوعية» احلاكمة للعلم واملعرفة ولتغييب‬ ‫�أ�سئلة املعنى والغاية‪.‬‬ ‫�أما يف نطاق تاريخ الفل�سفة‪ ،‬فقد نُ�رشت‬ ‫ترجمة كتاب ‪Fifty key Contemporary‬‬ ‫‪thinkers: from structuralism to post mo‬‬‫‪ dernity‬ليمون لي�شته – �أحد تالمذة جوليا‬

‫يدر�س يف جامعة ماكواري‬ ‫كري�ستيفا والذي ّ‬ ‫– حتت عنوان خم�سون مفكّراً �أ�سا�س ّي ًا معا�رصاً‪:‬‬ ‫من البنيوية �إىل ما بعد احلداثة‪ ،‬من �إجناز فاتن‬ ‫الب�ستاين (�أ�ستاذة املنطق يف جامعة جورج‬ ‫مي�سون)‪ .‬وللكتاب قيمة تعليمية فائقة لكو ِن ِه‬ ‫ُيط ِل ُع القارئ على َط ْي ٍف من الفل�سفات (البنيوية‪،‬‬ ‫احلوليات‪ ،‬ما بعد البنيوية‪ ،‬نظرية العالمات �أو‬ ‫ال�سيميوطيقا‪ ،‬ما بعد املارك�سية‪ ،‬احلداثة‪ ،‬ما‬ ‫بعد احلادثة)‪ ،‬ومن رموز الفكر الفل�سفي احلديث‬ ‫واملعا�رص مثل نيت�شه‪ ،‬وفرويد‪ ،‬وكلود ليفي‬ ‫�سرتاو�س‪ ،‬وبا�شالر‪ ،‬وجاكوب�سون‪ ،‬و�أدورنو‪،‬‬ ‫وجاك ال كان‪ ،‬و�ألتو�سري‪ ،‬وهابرما�س‪ ،‬وفوكو‪،‬‬ ‫وبورديو‪ ،‬و�أندت‪ ،‬ودولوز وغريهم‪.‬‬ ‫ونُ�رشت‪ ،‬يف نطاق فل�سفة العلوم‪ ،‬الرتجمة‬ ‫العربية لكتاب ‪Images of knowledge: An‬‬

‫الح�صاد‬

‫هيوم حتت عنوان حتقيق يف الذهن الب�رشي‬ ‫من �إجناز حممد حمجوب (�أ�ستاذ الفل�سفة يف‬ ‫جامعة تون�س)‪ .‬وهو كتاب يبحث يف كيفية‬ ‫�أن يكون العلم �إن�ساني ًا و�أن ال يفقد الفيل�سوف‬ ‫م�ضمونه الإن�ساين‪ .‬ثم ن�رشت ترجمة كتاب‬ ‫‪ Kritik der praktischen vernunft‬للفيل�سوف‬ ‫الأملاين �إميانويل َكنْت حتت عنوان نقد العقل‬ ‫العملي من �إجناز غامن هنا (�أ�ستاذ الفل�سفة يف‬ ‫جامعة برمين ب�أملانية)‪ .‬ويف الكتاب – الذي‬

‫‪491‬‬

‫‪Introduction to contemporary Philoso‬‬‫‪ phies of science‬حتت عنوان �صور املعرفة‪:‬‬

‫مقدمة لفل�سفة العلم املعا�رصة للفيل�سوف‬ ‫الأمريكي باتريك هيلي‪ .‬وترجمة الأ�ستاذ‬ ‫اجلامعي يف �سورية وفرن�سا نور الدين �شيخ‬ ‫عبيد‪ .‬ويتناول الكتاب نظرية العلوم و�صالتها‬

‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 492‬للتنمية الثقافية‬

‫بنظرية املعرفة كما �أد ْتها الديكارتية وكما‬ ‫تناولت مقدماتها فل�سفات حديثة ومعا�رصة‬ ‫َ(كنْت‪ ،‬هيغل‪ ،‬كارل بوبر‪ ،‬هيدغر‪ ،‬فوكو‪ ،‬دولوز)‬ ‫ومقاربات ذات طبيعة �إب�ستيمولوجية لعلماء‬ ‫مثل با�شالر وكانغيليم‪.‬‬ ‫�أما يف نطاق الفل�سفة ال�سيا�سية‪ ،‬ف ُن�شرِ َ‬ ‫ن�صان‪� :‬أولهما ترجمة عربية لكتاب ‪On Revo‬‬ ‫َّ‬ ‫‪ olution‬لعاملة االجتماع الأملانية �أ�صو ًال‪،‬‬ ‫الأمريكية جن�سي ًة‪ ،‬ح ّنة �أرندت حتت عنوان‬ ‫يف الثورة‪ .‬وهو كتاب تن�رصف فيه كاتب ُته‬ ‫�إىل حتليل ظاهرة الثورة يف التاريخ والوقوف‬ ‫على املبادئ احلاكمة لها حتلي ًال �أقرب �إىل‬ ‫الفل�سفة ال�سيا�سية منه �إىل علم االجتماع‬ ‫ال�سيا�سي‪ .‬وثانيهما ترجمة عربية لكتاب‬ ‫‪Discours de la Servitude Volontaire‬‬

‫للكاتب الفرن�سي �إيتيان دوال بوي�سي حتت‬ ‫عنوان مقالة العبودية الطوعية‪ .‬وهو ترجمة‬ ‫ع ّبود كا�سوحة‪ ،‬وتدور �أطروحته حول حقيقة‬ ‫�أن العبودية لي�ست نتيجة من نتائج �سيا�سة‬ ‫الطغاة فح�سب‪ ،‬بل قد يف�سرّ ها �أي� ًضا �أنها كثرياً‬ ‫ما تكون طوعية من قبل �أولئك الذين تقع‬ ‫عليهم‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫هذا يف ما َت َعلق باملن�شور يف حقل‬ ‫رتج َمات املنظمة‪� ،‬أما الن�صو�ص‬ ‫الفل�سفة من ُم َ‬ ‫– املرتجمة واملن�شورة – التي تنتمي �إىل حقل‬ ‫علم االجتماع ‪ ،‬فعددها �ستة ن�صو�ص تنتمي‬ ‫�إىل ثالثة جماالت فرعية‪ :‬علم االجتماع العام‪،‬‬ ‫والأنرثوبولوجيات ثم علم اجتماع املعرفة‪،‬‬ ‫وبياناتها على النحو التايل‪:‬‬ ‫ُن�شرِ ت يف نطاق علم االجتماع العام‬ ‫�شديدي الأهمية‪،‬‬ ‫لن�صني‬ ‫ْ‬ ‫ترجمتان عربيتان َّ‬ ‫�أولهما كتاب ‪ The Age of Capital‬للم�ؤرخ‬ ‫الكبري �إريك هوبزباوم حتت عنوان ع�رص‬ ‫ر�أ�س املال من �إجناز فايز ال�صياغ (الباحث‬ ‫ال�سو�سيولوجي الأردين)‪ .‬ومع ان امل�ؤلف م�ؤرخ‬ ‫يف املقام الأول‪� ،‬إ ّال �أن كتابة هذا ن َ​َحا فيه‬ ‫منحى الدار�س ال�سو�سيولوجي يف تت ُّبعه لتط ّور‬ ‫الر�أ�سمالية ونتائج ذلك التطور على املجتمعات‬ ‫يف �أوروبا والعامل‪ .‬وين�رصف الكتاب �إىل حتليل‬

‫�صعود النظام الر�أ�سمايل يف حقبته ال�صناعية‬ ‫وتر�سخ الثقافة الربجوازية والتغيريات الهائلة‬ ‫ُّ‬ ‫التي جنمت عن ذلك يف املجتمعات الأوروبية‪.‬‬ ‫وثانيهما كتاب‪Simulacres et Simulation‬‬ ‫للفيل�سوف وعامل االجتماع الفرن�سي جان‬ ‫بودريار حتت عنوان ا ُمل َ‬ ‫�صطنع واال�صطناع‬ ‫وترجمة جوزيف عبداهلل (الأ�ستاذ يف معهد‬ ‫العلوم االجتماعية بلبنان)‪ .‬والكتاب كناية عن‬ ‫بحث نقدي‪ ،‬من موقف فل�سفة ما بعد – احلداثة‪،‬‬ ‫يف عالقة املجتمع احلديث بالواقع ويف �أمناط‬ ‫اال�صطناع والتجريد اجلديدة التي متيز نظرته‬ ‫�إىل الأ�شياء‪.‬‬ ‫ونُـ�شــرت فــي نـطـاق الــدرا�ســات‬ ‫الأنرثوبولوجية ترجمتان عربيتان لكتابني‪،‬‬ ‫�أولهما ‪،L‘Invention de la mythologie‬‬ ‫ترجمة م�صباح ال�صمد (�أ�ستاذ الأدب الفرن�سي‬ ‫والنقد امليثولوجي يف اجلامعي اللبنانية)؛ وهو‬ ‫ن�ص ينتمي �إىل جمال التحليل الأنرثوبولوجي‬ ‫ّ‬ ‫للأ�سطورة‪ .‬وثانيهما كتاب ‪The East in the‬‬ ‫‪ West‬لأ�ستاذ الأنرثوبولوجيا االجتماعية يف‬ ‫جامعة كامربيدج جاك غودي حتت عنوان‬ ‫ال�رشق يف الغرب‪ ،‬ترجمة حممد اخلويل‪.‬‬ ‫ويتناول الكتاب الر�ؤى وال�صور النمطية التي‬ ‫ك َّونها الغرب عن ال�رشق لفرتات طويلة من‬ ‫التاريخ الأوروبي حماو ًال تبديدها وتنفيذ‬ ‫النظرة الغربية اال�ستعالئية جتاهه‪.‬‬ ‫�أما يف نطاق علم اجتماع املعرفة‪،‬‬ ‫ف ُن�شرِ ت ترجمتان عربيتان لكتابني‪� ،‬أولها‬ ‫‪The Impact of Science on Society‬‬

‫للفيل�سوف الربيطاين برتراند را�سل‪ ،‬وترجمة‬ ‫املهند�س �صباح �ص ّديق الدملوجي حتت‬ ‫عنوان �أثر العلم يف املجتمع‪ .‬ومع �أن را�سل‬ ‫فيل�سوف وعامل ريا�ضي‪� ،‬إ ّال �أنه ن َ​َحا يف هذا‬ ‫الكتاب منحى الباحث يف اجتماعيات املعرفة‬ ‫حني ذهب يبحث يف ت�أثري العلم يف النظام‬ ‫الأوليغار�شي وتزويد هذا النظام ببع�ض حاجته‬ ‫من �أ�سباب اال�ستبداد والتطرف ولو ب�شعارات‬ ‫تقدمية‪ .‬وثانيهما كتاب ‪Introduction à la‬‬ ‫‪sociologie des sciences et des connais-‬‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫عنوان الأ�صول االجتماعية للديكتاتورية‬ ‫والدميقراطية‪ .‬وعلى الرغم من �أن الكتاب يبدو‬ ‫تاريخ ًا يتعقب م�سارات التطور التي قطعتها‬ ‫جمتمعات عدة نحو الفا�شية والديكتاتورية‬ ‫�أو نحو الدميقراطية‪� ،‬إال �أن �أدوات التحليل‬ ‫املعتمدة م�ستقاة من جمال العلوم ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫وهكذا ين�رصف م�ؤلفه �إىل حماولة فهم‬ ‫العوامل الديناميات امل�شتغلة يف عمق البنية‬ ‫االجتماعية‪-‬ال�سيا�سية وامل�س�ؤولة عن تقرير‬ ‫وجهة ذلك التطور نحو هذين النظامني مبا‬ ‫فيها �أدوار طبقات اجتماعية مثل الفالحني‬ ‫وكبار املالّك الزراعيني‪ ،‬م�ش ِّدداً على مناذج من‬ ‫البلدان مثل فرن�سا و�أمريكا وال�صني واليابان‬ ‫والهند‪� .‬أما ثاين الكتابني املرتجمني فهو كتاب‬ ‫‪America Right or Wrong: An Anatomy‬‬ ‫‪ .of American Nationalism‬لـ �أناتول ليفن‬

‫(الباحث يف «امل�ؤ�س�سة الأمريكية اجلديدة‬ ‫بوا�شنطن»)‪ ،‬وترجمته نا�رصة ال�سعدون حتت‬ ‫عنوان �أمريكا بني احلق والباطل‪ :‬ت�رشيح‬ ‫القومية الأمريكية‪ .‬ويف الكتاب نقد حاد‬ ‫للأ�س�س التي تقوم عليها ال�سيا�سة الأمريكية‬ ‫جتاه الآخرين على نحو ما بدت عليه بعد‬ ‫�أحداث احلادي ع�رش من �أيلول‪� /‬سبتمرب‬ ‫‪ ،2001‬و�أهم تلك الأ�س�س‪ -‬يف نظره‪ -‬القومية‬ ‫ال�شوفينية‪ ،‬م�سلط ًا ال�ضوء على الأدوار التي‬ ‫تقوم بها «ال�صهيونية امل�سيحية» والتيارات‬ ‫الإجنيلية املتطرفة يف تغذية هذه ال�سيا�سة‬ ‫والنزعة العن�رصية فيها‪.‬‬

‫ما زالت عملية الرتجمة حتى‬ ‫اليوم‪ ،‬ويف الأع ّم الأغلب من‬ ‫مبادراتها‪ ،‬مقت�رصة على النقل من‬ ‫اللغات العاملية امل�ألوفة يف احلياة‬ ‫الثقافية العربية (اللغتان الإجنليزية‬ ‫والفرن�سية بخا�صة‪ ,‬والأملانية �إىل‬ ‫ح ٍّد ن�سبي ورمزي) �إىل اللغة العربية‪.‬‬ ‫مرتج َمة‬ ‫ونكاد ال نعرث على ن�صو�ص َ‬ ‫مبا�رشة من اللغات ال�صينية‬ ‫واليابانية والهندية والربتغالية‬ ‫والهولندية والأوردية واليونانية �إ ّال‬ ‫لغات �أخرى‪ -‬كالإجنليزية‬ ‫بتو�سط ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫والفرن�سية‪.‬‬

‫مالحظات‬

‫يقود هذا اجلرد اجلزئي حل�صيلة الرتجمة‬ ‫يف ميدان الفكر والعلوم الإن�سانية �إىل جملة‬ ‫مالحظات قابل ٍة للتعميم على جممل املرتجمني‬ ‫ٍ‬ ‫�إىل العربية من ن�صو�ص الرتاث الفكري العاملي‬ ‫ولي�ست مقت�رصة على الع ِّينة التي تناولها‬ ‫احل�صاد يف هذا امللف‪:‬‬

‫الح�صاد‬

‫‪ sance scientifiques‬لـ مي�شيل دوبوا (الباحث‬ ‫يف املركز القومي للبحوث العلمية و�أ�ستاذ يف‬ ‫جامعة باري�س العا�رشة)‪ ،‬ترجمة �سعود املوىل‬ ‫(�أ�ستاذ علم االجتماع ال�سيا�سي يف معهد العلوم‬ ‫االجتماعية بلبنان) حتت عنوان مدخل �إىل علم‬ ‫اجتماع العلوم‪ .‬وهو كتاب يبحث يف ال�رشوط‬ ‫اخلارجية واالجتماعية ال�شتغال التجربة‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫�أما احلقل املعريف الثالث الذي �صدرت‬ ‫فيه ترجمات عربـية عن املنـظمة‪ ،‬فهو‬ ‫حقل الل�سانيات وال�سيميائيات وما يرتبط‬ ‫بهما من مناهج يف التحليل مثل التحليل‬ ‫الهريمنوطيقي (= الت�أويلي احلديث كما عند‬ ‫غادامري وبول ريكور ‪ .)...‬و ُن�شرِ َ ت يف نطاق‬ ‫هذا احلقل ترجمتان عربيتان �أوالهما لكتاب‬ ‫‪ Semiatics: The basics‬لـ دانييل ت�شاندلر‬ ‫(املحا�رض يف جامعة �أبريي�ستويث) حتت‬ ‫عنوان �أ�س�س ال�سيميائية‪ ،‬وترجمها طالل وهبه‬ ‫(الأ�ستاذ يف جامعة الروح القد�س ويف جامعة‬ ‫ال َب َلمنْد بلبنان)‪ .‬وهو كتاب ذو قيمة تعليمية‬ ‫كبرية‪ ،‬حيث يعر�ض – بدقة وب�ساطة – �أ�س�س‬ ‫ال�سيمائية ومنظومة الإ�شارات التي حتتل فيها‬ ‫موقع املو�ضوع الرئي�س‪ ،‬واجتاهات ال�سيمياء‬ ‫ومدار�سها‪ ،‬وعالقة هذا احلقل املعريف‬ ‫بالل�سانيات‪ .‬وثانيهما كتاب ‪L‘Implicite‬‬ ‫لكاترين كريبرات – �أوريكيوين (الأ�ستاذة يف‬ ‫جامعة لوميري – ليون الثانية) حتت عنوان‬ ‫ا ُمل ْ�ض َمر‪ .‬والكتاب يبحث – بحث ًا ل�ساني ًا – يف‬ ‫الآليات التي ُي ْ�ضمر بها ُ‬ ‫القول م�ضمونَه ويلج�أ‬ ‫�إليها كت�ضمينات وتلميحات �أكان القول �أدب ّي ًا‬ ‫�أم �سيا�س ّي ًا �أم �إعالن ّي ًا‪.‬‬ ‫و�أخرياً‪ ،‬ف�إن احلقل املعريف الرابع الذي‬ ‫�صدرت فيه ترجمات عربية عن اجلهة نف�سها‬ ‫هو حقل العلوم ال�سيا�سية‪ ،‬ويف جملتها هذا‬ ‫العام (‪ )2008‬ترجمتان عربيتان لكتابني‪،‬‬ ‫�أولهما كتاب ‪Social Origins of Dictators‬‬ ‫‪ ship and Democracy‬لـ بارينجتون مور‬ ‫(الباحث يف مركز الأبحاث الرو�سية بجامعة‬ ‫هارفارد)‪ ،‬وترجمه �أحمد حممود حتت‬

‫‪493‬‬

‫�أ ّول هذه املالحظات �أن عملية الرتجمة‬ ‫ما زالت حتى اليوم‪ ،‬ويف الأع ّم الأغلب من‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 494‬للتنمية الثقافية‬

‫�ستظل الرتجمة يف بالدنا‬ ‫العربية باب ًا غري م� ّرشع على‬ ‫الثقافة الإن�سانية �إن ظلت تختزل‬ ‫الثقافة هذه �إىل ما هو من�شور‬ ‫باللغتني الإجنليزية والفرن�سية‪.‬‬ ‫وال ي�شفع للرتجمة يف هذه احلال‪،‬‬ ‫ورمزي‬ ‫بع�ض قلي ٌل –‬ ‫�أن ُيترَ ْ َج َم‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫لغات �أخرى‬ ‫– من الن�صو�ص من ٍ‬ ‫غري تينك اللغتني الطاغيتينّ ‪،‬‬ ‫ن�صو�ص هذه‬ ‫وال �أن تُترَ ْ َج َم‬ ‫ُ‬ ‫اللغات العاملية الكربى (ال�صينية‪،‬‬ ‫اليابانية‪ ،‬الأملانية‪ ،‬الإ�سبانية‪،‬‬ ‫بتو�سط‬ ‫الهندية‪ ،‬الربتغالية‪)...‬‬ ‫ُّ‬ ‫اللغتني الإجنليزية والفرن�سية‪.‬‬

‫مبادراتها‪ ،‬مقت�رصة على النقل من اللغات‬ ‫العاملية امل�ألوفة يف احلياة الثقافية العربية‬ ‫(اللغتان الإجنليزية والفرن�سية بخا�صة‬ ‫والأملانية �إىل ح ٍّد ن�سبي ورمزي) �إىل اللغة‬ ‫مرتج َمة‬ ‫العربية‪ .‬ونكاد ال نعرث على ن�صو�ص َ‬ ‫مبا�رشة من اللغات ال�صينية واليابانية‬ ‫والهندية والربتغالية والهولندية والأوردية‬ ‫لغات �أخرى‪-‬‬ ‫بتو�سط ٍ‬ ‫واليونانية (احلديثة) �إ ّال ُّ‬ ‫كالإجنليزية والفرن�سية‪ -‬وعن طريقها‪ .‬فيما‬ ‫لن�صو�ص فكرية‬ ‫جند نذراً ي�سرياً‪ ،‬و�شبه رمزي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مرتجمة عن الإ�سبانية والإيطالية والرو�سية‬ ‫و‪�-‬أقل منها‪ -‬عن الرتكية والفار�سية والعربية‬ ‫عطب كبري‬ ‫�إىل اللغة العربية مبا�رشةً‪ .‬وهذا‬ ‫ٌ‬ ‫يف �آلة ا�شتغال الثقافة‪ .‬ذلك �أن اال�ستغراق يف‬ ‫ثقافة ما من الثقافات الإن�سانية والإعرا�ض عن‬ ‫غريها (التي ال تقل عنها قيم ًة وانت�شاراً) لي�س‬ ‫من التفاعل الثقايف يف �شيء وال هو عالم ُة‬ ‫ه ّم ٍة يف الثقافة العربية‪ .‬ولي�س �صحيح ًا �أن‬ ‫يقال‪ -‬تف�سرياً لهذا ‪� -‬إن الإجنليزية والفرن�سية‬ ‫من �أكرث اللغات انت�شاراً وتداو ًال يف العامل‪ ،‬ومن‬ ‫�أكرث اللغات احت�ضان ًا للمعارف الكربى وتعبرياً‬ ‫عنها من خالل املكتوب‪.‬‬ ‫ذلك �أن الناطقني بالإ�سبانية وامل�ستعملني‬ ‫لها يف العامل هم �أكرث من خم�سة �أ�ضعاف‬ ‫الناطقني بالفرن�سية وامل�ستخدمني لها‪ ،‬كما‬ ‫�أن جغرافية اللغة ال�صينية ب�رش ّي ًا ال تقل عن‬ ‫جغرافية الإجنليزية‪� .‬أما املتحدثون بال�صينية‬ ‫واليابانية والهندية والإ�سبانية والربتغالية‪،‬‬ ‫فهم �أكرث بكثري من ن�صف �سكان الأر�ض‪ .‬و�إذا‬ ‫ما �أخذنا جمال الفكر فقط‪ ،‬ف�إن ما �أنتجه‬ ‫الفكر الأملاين َي ْعلو‪ ،‬من حيث املكانة والقيمة‪،‬‬ ‫فكري �آخر �صدر بالإجنليزية‬ ‫على �أي �إنتاج‬ ‫ّ‬ ‫والفرن�سية‪.‬‬ ‫من البينّ ‪� ،‬إذاً‪� ،‬أن ال�سبب يف هذا االن�رصاف‬ ‫�شبه الكلّي للرتجمة واملرتجمني العرب �إىل‬ ‫الآثار املن�شورة باللغتني الإجنليزية والفرن�سية‬ ‫لي�س م�أتا ُه �سعة انت�شار هذين الل�سانني (التي ال‬ ‫ت�ضاهي – كما �أملحنا – �سعة انت�شار غريهما‬ ‫من اللغات)‪ ،‬و�إمنا َ�سبب ُه التبعية الثقافية‬

‫واللغوية يف املقام الأول‪ .‬وهي لي�ست تبعية‬ ‫ناجمة عن ثقل املرياث اال�ستعماري الثقايف‬ ‫واللغوي – لأنه مرياث قابل للتخل�ص من �آثاره‬ ‫ال�سلبية على نحو ما جنحت يف ذلك جمتمعات‬ ‫وثقافات �أخرى ت�شبه حالتنا – و�إمنا هي‬ ‫ناجمة عن �سيا�سات تعليمية وثقافية تعيد‬ ‫�إنتاج تلك التبعية الثقافية واللغوية يف الوطن‬ ‫العربي؛ وما املكانة التي ت�شغلها ال�سيا�سات‬ ‫الفرنكوفونية يف بلدان املغرب العربي‪ ،‬مث ًال‪،‬‬ ‫�إ ّال من ال�شواهد على ذلك‪.‬‬ ‫على �أن عام ًال �آخر – لي�س بعيداً عن‬ ‫ال�سيا�سات التعليمية والثقافية ولو �أنه يبدو‬ ‫«تقن ّي ًا» – ي�سهم‪ ،‬من جهته‪ ،‬يف �إفقار عملية‬ ‫الرتجمة يف الوطن العربي‪ ،‬هو قلة املعرفة‬ ‫باللغات يف معظم –حتى ال نقول يف البلدان‬ ‫العربية كافة– �إما لعدم الإقبال على تعلّمها‬ ‫يف حال وجودها ب�سبب غياب احلوافز‬ ‫الرتبوية واملهنية للإقدام على تعلمها‪� ،‬أو‬ ‫ب�سبب حمدودية اخليارات اللغوية املتاحة يف‬ ‫معاهد الرتجمة‪ .‬وقد يحدث �أن توجد كفاءات‬ ‫لغوية عالية يف بع�ض اللغات العاملية‪،‬‬ ‫لكنها ال تخو�ض مغامرة الرتجمة � ّإما لعدم‬ ‫م�ضي َعة‬ ‫االقتناع بجدواها (والبع�ض يعتربها ْ‬ ‫للوقت!)‪� ،‬أو لأنها – بكل �أ�سف – ال تعرف‬ ‫اللغة العربية ولو �أنها تكونت يف مدار�س‬ ‫يف البالد العربي (غالب ًا ما تكون تابعة‬ ‫للبعثات الأجنبية) مثلما هي احلال – منذ‬ ‫عقود – يف املغرب العربي‪ ،‬ومثلما قد ت�صبح‬ ‫عليه احلال يف اخلليج العربي بعد انهمار‬ ‫�س ْيل املدار�س واجلامعات الأجنبية! و�أخرياً‪،‬‬ ‫قد يكون مل�ؤ�س�سات الرتجمة‪� ،‬أو للم�ؤ�س�سات‬ ‫ن�صيب‬ ‫الثقافية املع ّينة بالرتجمة جزئ ّي ًا‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫يف هذا الفقر الذي تعاين منه الرتجمة يف‬ ‫الوطن العربي نتيجة ان�رصافها �إىل لغات‬ ‫دون �أخرى؛ ذلك �أنها قد تكون م�س�ؤولة – من‬ ‫خالل التخطيط والربْمجَ َ ة مل�شاريع الرتجمة‬ ‫فيها – عن الرتكيز على دوائر ثقافية ولغوية‬ ‫بعينها دون �أخرى‪ ،‬الأمر الذي ينعك�س على‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫نوع الكفاءات اللغوية التي تطل ُبها �أو تتعاقد‬ ‫املرتجمة التي ت�ص ُدر‬ ‫معها ونوع الن�صو�ص‬ ‫َ‬ ‫عنها‪.‬‬ ‫وباجلملة‪� ،‬ستظل الرتجمة يف بالدنا‬ ‫العربية باب ًا غري م�رشع على الثقافة الإن�سانية‬ ‫�إن ظلت تختزل الثقافة هذه �إىل ما هو من�شور‬ ‫باللغتني الإجنليزية والفرن�سية‪ .‬وال ي�شفع‬ ‫بع�ض‬ ‫للرتجمة يف هذه احلال‪� ،‬أن ُيترَ ْ َج َم‬ ‫ٌ‬ ‫لغات‬ ‫قلي ٌل –‬ ‫ورمزي – من الن�صو�ص من ٍ‬ ‫ٌّ‬ ‫�أخرى غري تينك اللغتني الطاغيتينّ ‪ ،‬وال �أن‬ ‫ن�صو�ص هذه اللغات العاملية الكربى‬ ‫تُترَ ْ َج َم‬ ‫ُ‬ ‫(ال�صينية‪ ،‬اليابانية‪ ،‬الأملانية‪ ،‬الإ�سبانية‪،‬‬ ‫بتو�سط اللغتني‬ ‫الهندية‪ ،‬الربتغالية ‪)...‬‬ ‫ُّ‬ ‫الإجنليزية والفرن�سية‪.‬‬

‫مل يكن لتجربة «بيت احلكمة»‬ ‫ما كان لها من عظيم �أثر يف‬ ‫تخ�صيب الفكر العربي وفتحِ ِه على‬ ‫�آفاق الثقافة الإن�سانية‪ ،‬يف ذلك‬ ‫العهد‪� ،‬إال لأن الرتجمة ان�رصفت‬ ‫�إىل �أمهات ن�صو�ص الفكر الفل�سفي‬ ‫واملنطقي والعلمي يف الثقافة‬ ‫الإغريقية وغريها من الثقافات‬ ‫الكربى �آنئذ‪.‬‬

‫الح�صاد‬

‫وثانيها َ�ض ْعف ن�سبة ما هو‬ ‫مرتجم من‬ ‫َ‬ ‫�أ�صول الفكر احلديث يف ميادينه كافة (الفل�سفة‪،‬‬ ‫املنطق‪ ،‬التاريخ‪ ،‬علم االجتماع‪ ،‬العلوم ‪.)...‬‬ ‫ونعني بالأ�صول الن�صو�ص الت�أ�سي�سية للفكر‬ ‫احلديث واملعا�رص‪ ،‬التي على قواعدها النظرية‬ ‫واملفهومية قام هذا الفكر‪ .‬فعلى كرثة ما ُت ْرجم‬ ‫ن�صو�ص حديثة ومعا�رصة يف ال�سنوات‬ ‫من‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫والعقود املا�ضية‪ ،‬ال نكاد جند �إال القليل من‬ ‫تلك الن�صو�ص الت�أ�سي�سية‪ ،‬ن�صو�ص ديكارت‪،‬‬ ‫وبيكون‪ ،‬وهوبز‪ ،‬ولوك‪ ،‬وهيوم‪ ،‬و�سبينوزا‪،‬‬ ‫واليبنتز‪َ ،‬‬ ‫وكنْت‪ ،‬وفيورباخ‪ ،‬ومونت�سكيو‪،‬‬ ‫ورو�سو‪ ،‬و�شيلينغ‪ ،‬وهيغل‪ ،‬وتوكفيل‪ ،‬وجان‬ ‫�ستيوارت ميل‪ ،‬وليو�شرتاو�س‪ ،‬وغرام�شي‪ ،‬وكارل‬ ‫بوبر‪ ،‬وهيدجر‪ ،‬وهابرما�س‪ ...‬يف الفل�سفة‪،‬‬ ‫ون�صو�ص �أوغ�ست كونت‪ ،‬و�إميل دوركامي‪،‬‬ ‫وحنَّة �أ ِرندت‪ ،‬وبيري بورديو‪..‬‬ ‫وماك�س فيرب‪َ ،‬‬ ‫يف علم االجتماع‪ ،‬ولو �سيان فيفر وبروديل ‪...‬‬ ‫يف التاريخ‪ ،‬و�أين�شتاين‪ ،‬وبا�شالر‪ ،‬وكانغيليم‪...‬‬ ‫يف �إب�ستيمولوميا العلوم‪ ،‬وبياجي‪ ،‬وجاك‬ ‫الكان‪ ...‬يف �إي�ست�سمولوجيا العلوم الإن�سانية‪،‬‬ ‫ومالينوف�سكي‪ ،‬وكلود ليفي �سرتاو�س ‪ ...‬يف‬ ‫الأنرثوبولوجيا و�سوى هذه من الن�صو�ص‬ ‫التي كانت يف �أ�سا�س قيام الفكر احلديث‬ ‫واملعا�رص‪.‬‬

‫ي�شكل �ضعف هذه الن�سبة من ن�صو�ص‬ ‫الفكر احلديث الت�أ�سي�سية واملرجعية ثغرة‬ ‫كبرية يف عملية الرتجمة‪ ،‬بل هو يفق ُدها الدور‬ ‫املعريف املفرت�ض �أن تنه�ض به يف جمال‬ ‫تغذية الفكر العربي املعا�رص باملادة الفكرية‬ ‫التي يحتاج �إليها‪ .‬ذلك �أن � ّأي م�رشوع للرتجمة‬ ‫لن ي�ؤدي وظيفته العلمية املطلوبة �إال متى‬ ‫ان�رصف �إىل الأ�سا�سات‪� :‬إىل املتون الكربى‪،‬‬ ‫واعرت�ض عن احلوا�شي واملخت�رصات‪� .‬إذ مل‬ ‫يكن لتجربة «بيت احلكمة» مث ًال ما كان لها‬ ‫وفتح ِه‬ ‫من عظيم �أثر يف تخ�صيب الفكر العربي ِ‬ ‫على �آفاق الثقافة الإن�سانية‪ ،‬يف ذلك العهد‪،‬‬ ‫�إال لأن الرتجمة ان�رصفت �إىل �أمهات ن�صو�ص‬ ‫الفكر الفل�سفي واملنطقي والعلمي يف الثقافة‬ ‫الإغريقية وغريها من الثقافات الكربى �آنئذ‪.‬‬ ‫ولن يكون للرتجمة من معنى اليوم �إن مل ت�سلك‬ ‫ال�سبيل نف�سه‪ .‬ومع �أننا نعرتف ب�أن بع�ض‬ ‫اجلهد الطيب ُيبذل‪ -‬م�ؤخراً‪ -‬على هذا الطريق‪،‬‬ ‫على نحو ما نلحظ يف بع�ض مرتجمات املركز‬ ‫القومي للرتجمة ويف معظم مرتجمات املنظمة‬ ‫العربية للرتجمة و�سواها‪� ،‬إال �أن الكثري ما زال‬ ‫ينتظر جمهودات الرتجمة يف الوطن العربي‬ ‫حتى يتحقّق احلد الأدين من املادة الفكرية‬ ‫املرجعية املرتجمة �إىل الل�سان العربي‪.‬‬ ‫ولع َّل حتقيق مثل هذه البغية العلمية يتطلّب‬ ‫ت�ضافر عوامل ثالثة‪ :‬ر�ؤية برناجمية للأولويات‬ ‫علمي؛ ورعاية‬ ‫الفكرية والتخطيط لها على نح ٍو ّ‬ ‫م�ؤ�س�سية مل�رشوع من هذا النوع الكبري توفّر له‬ ‫التمويل الالزم واملتابعة الإجرائية يف التنفيذ؛‬ ‫علمي من املرتجمني املتمر�سني من‬ ‫ثم طاقم ّ‬ ‫املخت�صني يف ميادين الفكر النظري والعلوم‬ ‫الإن�سانية‪ ،‬وا ُملتقنني للغات متعددة‪.‬‬

‫‪495‬‬

‫وثالثها‪ ،‬ولها عالقة باملالحظة ال�سابقة‪،‬‬ ‫مرتجم �إىل اللغة العربية‬ ‫هو �ضعف ن�سبة ما هو َ‬ ‫من �أمهات كتب اال�ست�رشاق التي �صدرت منذ‬ ‫منت�صف القرن التا�سع ع�رش‪ ،‬وكان لها الأثر‬ ‫البالغ يف الإ�ضاءة العلمية للكثري من م�سائل‬ ‫التاريخ الثقايف والدين واحل�ضاري العربي‪-‬‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬


‫التقرير العربي الثاين‬ ‫‪ 496‬للتنمية الثقافية‬

‫حتتاج املكتبة العربية �إىل معاجم‬ ‫وقوامي�س متخ�ص�صة يف جمال‬ ‫الفكر والعلوم والعلوم الإن�سانية‬ ‫باللغة العربية‪ ،‬ب�سبب غياب تلك‬ ‫املعاجم والقوامي�س‪� ،‬أو عدم وحدة‬ ‫ا�صطالحات املتوفر مها (وهو نادر)‪،‬‬ ‫ي�ضطر املرتجمون �إىل االجتهاد‬ ‫واملبادرة ال�شخ�صية يف �إيجاد‬ ‫املقابالت املفهومية واال�صطالحية‪،‬‬ ‫الأمر الذي ُيدخل عملية الرتجمة يف‬ ‫فو�ضى لغوية ال ميكن ال�سيطرة عليها‬ ‫من دون حل الأ�سباب التي كانت يف‬ ‫�أ�سا�سها‪.‬‬

‫الإ�سالمي‪ ،‬ويف حفز الفكرالعربي املعا�رص‬ ‫على االعتناء ب�إ�شكاليات الرتاث و�إعادة قراءته‬ ‫ب�إعمال املناهج العلمية احلديثة‪ .‬ومع �أن‬ ‫ال�صورة النمطية ال�سائدة عن اال�ست�رشاق يف‬ ‫الوعي العربي �سلبية يف الغالب‪ ،‬وتقرن املعرفة‬ ‫الغربية بالإ�سالم والعرب با�سرتاتيجيات الدول‬ ‫اال�ستعمارية؛ ومع �أن كثرياً من امل�ست�رشقني‬ ‫ُ�س ِّخروا �سيا�سي ًا من قبل الإدارات الكولونيالية‬ ‫فكتبوا ما كتبوه خدم ًة ل�سيا�سات دولهم‪،‬‬ ‫وبع�ضهم �أعاد �إنتاج النظرة النمطية الغربية‪-‬‬ ‫الو�سطية والكال�سيكية‪ -‬عن الإ�سالم وامل�سلمني‬ ‫ور�سخ �أحكام ًا �سلبية وعدائية جتاههم‪،...‬‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حترى‬ ‫امل�ست�رشقني‬ ‫من‬ ‫ال‬ ‫هائ‬ ‫ا‬ ‫ق�سم‬ ‫أن‬ ‫�‬ ‫�إال‬ ‫ّ‬ ‫الدقة واملو�ضوعية يف ما كتب‪ ،‬وكان وازعه‬ ‫مو�سوعي املعرفة بتاريخ ال�رشق‬ ‫علمي ًا‪ ،‬وكان‬ ‫َّ‬ ‫وثقافاته ولغاته‪ ،‬بل �إن بع�ضهم ما كان يخفي‬ ‫التعاطف مع العرب وامل�سلمني وم�شاركتهم‬ ‫الإعجاب بثقافاتهم والدفاع عنها داخل الغرب‪،‬‬ ‫والرتويج لها يف جامعاته‪ .‬والأه ّم من ذلك كلّه‬ ‫�أن ه�ؤالء امل�ست�رشقني ق ّدموا م�ساهمات علمية‬ ‫خالّقة وت�أ�سي�سية يف درا�سة الإ�سالم‪ :‬عقيد ًة‬ ‫وح�ضار ًة وثقاف ًة وجمتمعات‪ ،‬ووفروا تراكم ًا‬ ‫غنى للوعي العربي والإ�سالمي عنه‪.‬‬ ‫معرفي ًا ال ً‬ ‫�إن جهداً علمي ًا ينتظر عملية الرتجمة‬ ‫والقائمني عليها لنقل �أمهات ن�صو�ص‬ ‫اال�ست�رشاق من لغاتها الأهل (الأملانية‪،‬‬ ‫الإجنليزية‪ ،‬الفرن�سية‪ ،‬الرو�سية‪ ،‬الإيطالية‪،‬‬ ‫الإ�سبانية‪ ،‬الهولندية‪ ،‬الربتغالية‪ ،‬اليابانية‪)...‬‬ ‫�إىل اللغة العربية‪ ،‬من قبيل �أعمال‪ :‬هورغرونيه‪،‬‬ ‫وبيكر‪ ،‬ونولدكه‪ ،‬وغولد ت�سيهر‪ ،‬ورينان‪،‬‬ ‫وفلهاوزن‪ ،‬وبروكلمان‪ ،‬وما�سينيوف‪ ،‬و�شاخت‪،‬‬ ‫وبال�شري‪ ،‬وهاملتون جب‪ ،‬ومونتغمري وات‪،‬‬ ‫وجال بريل‪ ،‬وهرني الوو�ست‪ ،‬وفان �إ�س‪،‬‬ ‫ومك�سيم رودن�سوف‪ ،‬وتور �أندريه وع�رشات‬ ‫�آخرين ممن �أثروا «املكتبة العربية» ب�أعمالهم‬ ‫العلمية‪ .‬و�إذا كان معلوم ًا �أن بع�ض تلك الأعمال‬ ‫ترجم �إىل العربية منذ عقود‪ ،‬ف�إن الأع ّم الأغلب‬ ‫رتجم بعد وما زال القارئ العربي‬ ‫منها مل ُي َ‬

‫يجهله على ما يحويه من قيمة علمية كبرية‪.‬‬ ‫ولع َّلنا نحتاج �إىل برنامج علمي يخطط لرتجمة‬ ‫هذه الآثار ويوفّر لها التمويل الالزم‪ ،‬وهو ما‬ ‫ي� َؤمل �أن تنتبه �إىل �أهميته م�ؤ�س�سات الرتجمة‬ ‫ال�سابق الإ�شارة �إليها‪.‬‬ ‫�أما رابعها‪ ،‬ف�شديد االت�صال مب�شكلة‬ ‫حاجة املكتبة العربية �إىل معاجم وقوامي�س‬ ‫متخ�ص�صة يف جمال الفكر والعلوم والعلوم‬ ‫الإن�سانية باللغة العربية‪ ،‬الأمر الذي ينجم‬ ‫وت�ضارب �أحيان ًا‪-‬‬ ‫تنازع وتباين‪-‬‬ ‫عنه‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫يف ا�ستعمال املقابالت العربية للمفاهيم‬ ‫امل�صطلحات املنقولة من اللغات العاملية من‬ ‫ِق َبل املرتجمني العرب‪� .‬إذ ب�سبب غياب تلك‬ ‫املعاجم والقوامي�س‪� ،‬أو عدم وحدة ا�صطالحات‬ ‫املتوفر مها (وهو نادر)‪ ،‬ي�ضطر املرتجمون‬ ‫�إىل االجتهاد واملبادرة ال�شخ�صية يف �إيجاد‬ ‫املقابالت املفهومية واال�صطالحية‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫ُيدخل عملية الرتجمة يف فو�ضى لغوية ال ميكن‬ ‫ال�سيطرة عليها من دون حل الأ�سباب التي كانت‬ ‫يف �أ�سا�سها‪ .‬و�إذا كان هذا الت�ضارب (الفو�ضى‬ ‫اال�صطالحية) يبدو للبع�ض م�س�ألة تقنية �ستجد‬ ‫لها ح ًال مع الزمن من طريق الرتاكم والتداول‬ ‫ور�سوخ اال�صطالح‪ ،‬ف�إن ترحيل عالجها �إىل‬ ‫الزمن القادم لي�س مقارب ًة �سليمة للمع�ضلة‬ ‫حتى ال نقول �أنه يخفي رغبة يف الهروب من‬ ‫معاجلة �أ�سبابها التحتية‪ ،‬ناهيك ب�أنه ترحيل‬ ‫�سيظل ا�سرتاتيجية «عمل» (�أو ك�سل) مفتوحة‬ ‫�إىل ما �شاء اهلل من الزمن بالنظر �إىل التدفق‬ ‫املذهل وامل�ستمر للمفاهيم التي تولّدها حركة‬ ‫الإنتاج الفكري يف اللغات العاملية الكربى‪،‬‬ ‫والتي ال تقبل املواكبة واال�ستيعاب مبثل هذه‬ ‫«اال�سرتاتيجيا»‪.‬‬ ‫ال منا�ص‪� ،‬إذن‪ ،‬من توفري البنى التحتية‬ ‫الو�سائلية للرتجمة من معاجم متخ�ص�صة‬ ‫يف ميادين الفكر والعلوم الإن�سانية باللغة‬ ‫العربية‪ ،‬تكون على م�ستوى من الدقة وال�صدقية‬


‫احل�صاد الفكري ال�سنوي‪ :‬مفهومه و�أطره‬

‫بحيث تتح�صل قبو ًال لدى العاملني يف حقل‬ ‫الرتجمة‪ ،‬و�أن ت�ستوعب املنظومات املفاهيمية‬ ‫واال�صطالحية يف اللغات العاملية الأغزر‬ ‫�إنتاج ًا للمفاهيم وا�شتقاق ًا لال�صطالحات‬ ‫وتداو ًال يف حقل البحث العلمي‪ .‬وما �أغنانا عن‬ ‫القول �إن جهداً �آخرباملوازاة ينبغي �أن ُيبذل‬

‫‪497‬‬

‫من �أجل اتفاق �أهل االخت�صا�ص على معايري‬ ‫وقواعد يف اال�شتقاق اال�صطالحي حتى ال يقع‬ ‫�شطط يف االجتهاد واملبادرات ا ُ‬ ‫حل ّرة‪ .‬وهذه‬ ‫جميعها مهام تفرت�ض رعاية م�ؤ�س�سية ومالية‬ ‫توفر لها املوارد املادية والب�رشية ال�رضورية‬ ‫واملنا�سبة للإجناز‪.‬‬

‫�إن جهداً �آخر باملوازاة ينبغي‬ ‫�أن ُيبذل من �أجل اتفاق �أهل‬ ‫االخت�صا�ص على معايري وقواعد‬ ‫يف اال�شتقاق اال�صطالحي حتى ال‬ ‫يقع �شطط يف االجتهاد واملبادرات‬ ‫ا ُ‬ ‫حل ّرة‪ .‬وهذه جميعها مهام تفرت�ض‬ ‫رعاية م�ؤ�س�سية ومالية توفر‬ ‫لها املوارد املادية والب�رشية‬ ‫ال�رضورية واملنا�سبة للإجناز‪.‬‬

‫الح�صاد‬ ‫مؤسسة الفكر العربي‬ ‫ّ‬



Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.